You are on page 1of 13

‫شهر رجب‪ :‬أسماؤه‪ ،‬فضله‪ ،‬أهميته‬

‫ألل ه س بحانه وتع الى فض ل بعض الش هور على بعض وفض ل بعض األم اكن على بعض‪،‬‬
‫ولكن ال يثبت فض ٌل لزمان وال لمكان إال بدليل قطعي وال بد من التثبت حتى ال ُيكذب‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وكثير من األحاديث جاءت في فضل رجب ما بين ضعيف وموضوع فال بد من التثبت في النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬

‫وشهر رجب شهر االنتصارات يذكرنا بمجد كان ألمتنا ففيه كانت غزوة تبوك‪ ،‬وفيه أيضا‬
‫كان تخليص المسجد األقصى من أيدي الصليبين على يد صالح الدين وفيه كان اإلس راء‬
‫والمعراج ‪،‬‬
‫فجدير بنا أن نتذكر هذه األحداث ونأخذ منها عبرة وذكرى (لمن كان له قلب أو ألقى‬
‫السمع وهو شهيد)‪ .‬يقول فضيلة الشيخ عطية صقر من كبار علماء األزهر ‪ :‬وضع الحافظ‬
‫أحم د بن علي بن محم د بن حج ر العس قالني رس الة بعن وان‪ :‬ت بِيين العجب بم ا ورد في‬
‫فضل رجب‪ ،‬جمع فيها جمه رة األحاديث ال واردة في فضائل شهر رجب وِص يامه والصالة‬
‫فيه ‪ ،‬وقَّسمها إلى ضعيفة وموضوعة‪.‬‬
‫اقرأ أيضا‪ :‬الصحيح في فضل شهر رجب‬
‫وذكر له ثماني َة َعَشَر اس ًما‪ ،‬من أشهرها ” األص ّم” لعدم َسماع َقعقع ِة السالح فيه؛ ألنه‬
‫من األشهر الحرم التي ُحِّرم فيها القتال‪ ،‬و “األص ّب” النصباب الّرحمة فيه‪ ،‬و “منصل‬
‫األِس ّنة” كما ذك ره البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال‪ :‬كنا نعُبد الحج َر‪ ،‬فإذا وجدنا‬
‫حج اًر هو خير منه ألقيناه وأخذنا اآلخر‪ ،‬فإذا لم نجد حج اًر جمعنا َحْثوًة من تراب ثم جئنا‬
‫الّشاَء ـ الِّشياه ـ فحلْبنا عليه ثم ُطفنا به‪ ،‬فإذا َدخل شهر رجب قلنا‪ :‬منصل األس ّنة‪ ،‬فلم َندع‬
‫ُرمًحا فيه َحديدة‪ ،‬وال سهًما فيه َحديدة إال نزعناه فألقيناه‪.‬‬
‫اقرأ أيضا‪ :‬ما هي خصائص شهر رجب ؟‬
‫وفضل رجب داخل في عموم فضل األشهر الُحُرم التي قال الله فيها‪( :‬إَّن ِع َّد َة الُّشهوِر ِع ْنَد‬
‫الِّدي‬ ‫َك‬ ‫َل الَّس واِت واألر ِم ا َأ ٌة م َذِل‬ ‫اللِه ا َنا َش َش ا ِف ي ِك تاِب الل ِه‬
‫ُن‬ ‫َض ْنَه ْرَبَع ُحُر‬ ‫َيْوَم َخ َق َم‬ ‫ْث َع َر ْهًر‬
‫الَقِّيُم‪َ ،‬فاَل َتْظِل م وا ِف يِه َّن َأْنُفَس ُكم) (س ورة التوب ة ‪ )36 :‬وعَّينه ا ح ديُث الّص حيَحْين في‬
‫ِح ّجة الوداع بأّنها ثالثة َسْرد (أي متتالية ) ذو القعدة وذو الحجة والمحّرم ‪،‬وواحد فرد ‪،‬وهو‬
‫رجب (ُمضر)الذي بين جمادى اآلخ رة وشعبان‪ ،‬وليس رجب (ربيع َة) وهو رمضان‪ .‬ومن‬
‫عدم الُّظلم فيه َعَدُم الِق تال‪ ،‬وذلك لتأمين الّطريق لزائري الَمسجد الح رام‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫بع د ه ذه اآلية (ف إذا اْنَس َلَخ اَألْش ُهُر الُح ُرم ف اْقُتُلوا الُمْش ِركيَن َحْيُث َوَج ْدُتموُهْم) (س ورة‬
‫التوبة ‪ )5 :‬ومن عدم الُّظلم أيًضا عدم َمعصية الله‪ ،‬واس َتنَبط بعض العلماء من ذلك ـ دون‬
‫دليل ُمباشر من الق رآن والُّسّنة نَّص عليه ـ ج واَز تغليظ الِّدية على الَقتل في األشهر الُحُرم‬
‫بزيادة الُّثُلث‪.‬‬
‫ومن مظاهِر تفضيل األشهر الحرم ـ بما فيها رجب ـ ُنِد ب الّصيام فيها‪ .‬كما جاء في‬
‫حديث رواه أبو داود من ُمجيبة الباهلّية عن أبيها أو عِّمها أن النبّي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫قال له ـ بعد كالم طويل ـ “ُصْم من الُحرم وات رْك ” ثالَث م ّرات‪ ،‬وأشار بأصابعه الثالثة‪،‬‬
‫حيث ض ّمها وأرس لها والّظ اهر أن اإلش ارة ك انت لع دد الم ّرات ال لع دِد األّيام‪ .‬فالعم ل‬
‫الصالح في شهر رجب كاألشهر الُحرم له ثواُبه العظيم‪ ،‬ومنه الّصيام‪ ،‬يستوي في ذلك أّوُل‬
‫يوم مع آخره‪ ،‬وقد قال ابن حجر‪ :‬إن شهر َرجب لم يِرد حديث خاٌّص بفضل الِّصيام فيه‪،‬‬
‫ال صحيح وال حسن‪.‬‬
‫ومن أشهر األحاديث الضعيفة في صيامه‬
‫ومن أشهر األحاديث الضعيفة في صيامه “إن في الجنة نه اًر ُيقال له رجب‪ ،‬ماؤه أشُّد‬
‫بياًض ا من الَّلبن وأحَلى من العس ل‪َ ،‬من ص ام يوًم ا من رجب َس قاه الل ُه من ذل ك الّنه ر”‬
‫وحديث”َمن صام من رجب يوًما كان كصيام ش هٍر ‪ ،‬ومن صام منه سبعَة أّيام ُغِّلقت عنه‬
‫أبواب الَجحيم السبعُة ومن صام منه ثمانيَة أيام ِّتُفحْت أبواُب الجّنِة الثماني ُة‪ ،‬ومن صام منه‬
‫عشرة أيام ُبِّدلت سِّيئاته حسناٍت ” ومنها حديث طويل جاء في فضل صيام أيام منه‪ ،‬وفي‬
‫أثناء الحديث “رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أّمتي” وقيل إنه موضوع‪،‬‬
‫وج اء في الج امع الكب ير للس يوطي أّنه من رواية أبي الفتح بن أبي الف وارس في أمالي ه عن‬
‫الحسن ُمرس اًل ‪ .‬ومن األحاديث غيُر المقبولة في فضل صالة مخصوص ٍة فيه “َمن ص َّلي‬
‫المغ رَب في أّول ليل ة من رجب ثم ص ّلى بع دها عش رين ركع ة‪ ،‬يق رأ في ك ل ركع ة بفاتح ة‬
‫الكتاب‪ ،‬وقل هو الله أحد م ّرًة ويس ِّلم فيهن َعْش َر تسليماٍت حِف ظه الله في نفسه وأهله‬
‫وماله وولِد ه‪ ،‬وُأِج يَر من َعذاب الَقبر‪ ،‬وجاز على الِّصراط كالبرق بغير حساب وال َعذاب”‬
‫وهو حديث موضوع‪ ،‬ومثلها صالة الّرغائب‪.‬‬
‫وقد عقد ابن حجر في هذه الرسالة فصاًل ذكر فيه أحاديث تتض ّمن الَّنهَي عن صوم‬
‫رجب كِّله‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذا الّنهي ُمنصِرف إلى من يصوُمه ُمَعِّظًما ألمر الجاهلّية‪ ،‬أما إْن صامه‬
‫لقصد الصوم في الجملة من غير أن يجعله حْتًما أو يُخُّص منه أّياًما معّينة يواِظ ب على‬
‫ص وِم ها‪ ،‬أو لي الَي معَّين ًة يواِظ ب على قياِم ه ا‪ ،‬بحيث َيُظُّن أنه ا ُس َّنة‪ ،‬فه ذا من فعل ه م ع‬
‫الّسالمة مّما استثنى فال بأَس به‪ .‬فإن خّص ذلك أو جعله حتًما فهذا محظور‪ ،‬وهو في‬
‫المنع بمعنى قوِل ه ـ صلى الله عليه وسلم ـ “ال تخُّصوا يوَم الُجمعة بِص يام وال ليلَتها بِق يام”‬
‫رواه مسلم ‪ .‬وإن صاَمه معتِق ًدا أّن صيامه أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره ففي هذا‬
‫نظر‪ ،‬وم ال ابن حج ر إلى الَمن ع‪ ،‬ونق ل عن أبي بك ر الطرطوش ي في كت اب “الِب دع‬
‫والحوادث” أن صوم رجب ُيْك ره على ثالثة أوجه‪ :‬أحُدها‪ :‬أّنه إذا خّصه المسلمون بالّصوم‬
‫في كل عاٍم حسب العوام‪ ،‬إّما أنه َفْرض كشهر رمضان‪ ،‬وإما ُسّنة ثابتة كالسنن الثابتة‪ ،‬وإما‬
‫ألن الّصوم فيه مخصوص بفضل ث واب على صيام باقي الُّشهور‪ ،‬ولو كان من هذا شيء‬
‫لبَّينه النبُّي ـ ص َّلى الله عليه وسلم ـ قال ابن دحية‪ :‬الِّص يام َعَمُل ِب ٍّر‪ ،‬ال لفضل صوم شهر‬
‫رجب فقد كان عمُر ينَهى عنه‪ .‬انتهى ما ُنقل عن ابن حجر‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬وِح ْرص الناس ـ والِّنساء بوجه خاِّص ـ على زيارة القبور يف أول مجعة من شهر‬
‫رجب ليس له أصل من الدين‪ ،‬وال ثواَب هلا أكثر من ثواب الزيارة يف غري هذا اليوم‪.‬‬
‫واألوىل يف شهر رجب أن نتذّكر األحداث التارخيّية اليت وقعت فيه مثل غزوة‬
‫تبوك لنأخذ منها الِع ربة‪ ،‬ونتذكر ختليص صالح الدين األيويب للُقدس من أيدي‬
‫الصليبيني (يف رجب ‪583‬هـ ـ ‪1187‬م) ليتوَّحد العرُب واملسلمون لتطهري ا سِج د‬
‫َمل‬
‫األقصى من رأس الغاصبني‪ .‬كما نتذّكر حاِد َث اإلسراء واِملعراج ونستفيَد منه‪ ،‬على ما‬
‫ارتضاه املسلمون يف كوِن ه حدث يف شهر رجب‪.‬‬
‫الصحيح في فضل شهر رجب‬
‫وردت كث ير من األحاديث التي ت بين أن فضل ش هر رجب فضال كب ي را ‪ ،‬ولم‬
‫يصح من هذه األحاديث إ ّال القليل ‪ ،‬ويجب التحري حول األحاديث حتى‬
‫ال ننس ب ش يئا ك ذبا على الرس ول – ص لى الل ه علي ه وس لم ‪ .‬لم يص ح في‬
‫شهر رجب شيء‪ ،‬إال أنه من األشهر الحرم‪ ،‬التي ذكرها الله في كتابه (منها‬
‫أربعة ح رم ) (التوبة‪ )36 :‬وهي ‪ :‬رجب وذو القع دة وذو الحج ة والمح رم‪..‬‬
‫وهي أشهر مفضلة‪.‬‬
‫ولم يرد حديث صحيح يخص رجب بالفضل‪ ،‬إال حديث حسن‪ :‬أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر ما يصوم في شعبان‪ ،‬فلما سئل‬
‫عن ذل ك ق ال‪ :‬إن ه ش هر يغف ل الن اس عن ه بين رجب ورمض ان ‪ .‬فه ذا‬
‫الح ديث يفهم من ه أن رجب ل ه فض ل‪ .‬أم ا ح ديث ” رجب ش هر الل ه‪،‬‬
‫وش عبان ش هري ورمض ان ش هر أم تي ” فه و ح ديث منك ر وض عيف ج ًد ا ب ل‬
‫قال كثير من العلماء إنه موضوع … يع ني أنه مك ذوب‪ ،‬فليس له قيمة من‬
‫الناحية العلمية وال من الناحية الدينية‪.‬‬
‫وك ذلك األح اديث األخ رى ال تي رويت في فض يلة ش هر رجب ب أن من‬
‫ص لى ك ذا فل ه ك ذا ومن اس تغفر م رة فل ه من األج ر ك ذا ‪ ..‬ه ذه كله ا‬
‫مبالغ ات‪ ،‬وكله ا مكذوب ة‪ .‬ومن عالم ات ك ذب ه ذه األح اديث م ا تش تمل‬
‫علي ه من المبالغ ات والته ويالت ‪ ..‬وق د ق ال العلم اء‪ :‬إن الوع د ب الث واب‬
‫العظيم على أم ر تاف ه‪ ،‬أو الوعي د بالع ذاب الش ديد على ذنب ص غير‪ ،‬يدل‬
‫على أن الح ديث مك ذوب‪ .‬كم ا يقول ون مثال على لس ان الن بي ص لى الل ه‬
‫عليه وس لم ” لقم ة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع ” هذا حديث‬
‫يحم ل كذب ه في نفس ه ‪ ..‬ألن ه من غ ير المعق ول أن اللقم ة في بطن الج ائع‬
‫ث وابه ا أعظم من الث واب الم ترتب على بن اء أل ف ج امع‪ .‬واألح اديث ال تي‬
‫وردت في فض ل رجب من ه ذا الن وع ‪ ..‬وعلى العلم اء أن ينبه وا على مث ل‬
‫ه ذه األحاديث الموض وعة والمكذوبة ويحذروا الن اس منه ا ‪ ..‬فقد جاء انه‬
‫” من ح دث بح ديث يرى أن ه ك ذب فه و أح د الك اذبين ‪( ” ..‬رواه مس لم‬
‫في مقدم ة الص حيح) ولكن ق د ال يعلم أن م ا يرويه من األح اديث‬
‫الموض وعة‪ ،‬فه ذا يجب أن يعلم‪ ،‬ويع رف األح اديث من مص ادرها ‪ ..‬فهن اك‬
‫كتب الح ديث المعتم دة‪ ،‬وهن اك كتب خاص ة في اإلعالم باألح اديث‬
‫الضعيفة والموضوعة مثل ” المقاصد الحسنة ” للسخاوي‪ ” ،‬تمييز الطيب‬
‫من الخ بيث لم ا يدور على ألس نة الن اس من الح ديث ” البن ال ديبع ”‬
‫كش ف الخف ا واإللب اس فيم ا اش تهر من األح اديث على ألس نة الن اس ”‬
‫للعجل وني ‪ ..‬وهن اك كتب كث يرة وينبغي أن يعرفه ا الخطب اء ويكون وا على‬
‫إلمام بها‪ ،‬حتى ال يرووا حدي ًثا إال إذا كان موث وًق ا به‪ ،‬فإنه من اآلفات التي‬
‫دخلت ثقافتنا اإلسالمية هذه األحاديث الموض وعة والمدسوسة التي روجت‬
‫في الخطب وفي الكتب وعلى ألس نة الن اس‪ ،‬وهي في الحقيق ة مكذوب ة‬
‫ودخيل ة في ال دين‪ .‬ول ذا ينبغي أن ننقي ونص في ثقافتن ا اإلس المية من ه ذا‬
‫الن وع من األح اديث‪.‬وق د وف ق الل ه من العلم اء من ع رف الن اس األص يل من‬
‫ال دخيل والم ردود من المقب ول وعلين ا أن نس تفيد من ذل ك ونتبعهم فيم ا‬
‫يبينون لنا من علم ‪..‬‬

‫ما هي خصائص شهر رجب ؟‬


‫ش هر رجب من األش هر احلرم‪ ،‬و كلم ة رجب ج اءت من الرج وب مبع ىن‬
‫التعظيم‪ ،‬وحدثت فيه معجزة اإلسراء واملعراج ‪ .‬يقول الدكتور أمحد الشرباصي األستاذ‬
‫جبامع ة األزه ر رمحه اهلل ‪ :‬ش هر رجب ه و أح د الش هور العربي ة اإلس المية اهلجرية‬
‫القمرية‪ ،‬وكلم ة “رجب” من م ادة ال رتجيب مبع ىن التعظيم‪ ،‬ولع ل الِّس ر يف ه ذه‬
‫التسمية هو ما كانوا خَي صون به هذا الشهر من تعظيم وتوقري‪.‬‬
‫وُيَسَّمى رجب رجب احلرام ؛ وذلك ألنه أحد الشهور األربعة احلرام‪ ،‬أي اليت‬
‫َحُيَّرُم فيها القتال‪ ،‬وذلك أمر كان ُمتعارًفا ومشهو اًر منذ عهد بعيد‪ ،‬وقد ذكر القرآن‬
‫الكرمي األشهر احلرم يف قوله تبارك وتعاىل يف سورة التوبة‪ِ( :‬إ َّن ِع َّد َة الُّش وِر ِع ْنَد اِهلل‬
‫ُه‬
‫َل الَّس اِت اَأْل ِم ا َأ ٌة َذِل‬ ‫ِك ِهلل‬
‫ُن‬ ‫الِّدي‬ ‫َك‬ ‫اْثَنا َعَشَر َشْه اًر يِف َتاِب ا َيْوَم َخ َق َمَو َو ْرَض ْنَه ْرَبَع ُحُرٌم‬
‫اْلَقِّيُم َفاَل َتْظِل ُموا ِف يِه َّن َأْنُفَسُكْم) (اآلية‪.)36:‬‬
‫وه ذه األش هر اُحلُرم هي ذو الِق ْع دة وذو اِحل َّج ة وا َح َّرم ورجب‪ ،‬ول ذلك يق ول‬
‫ُمل‬
‫الرس ول ـ ص لى اهلل علي ه وس لم ـ‪“ :‬أال ِإَّن الزَم ان ق د اس تدار كهيئت ه يوم خل ق اهلل‬
‫السموات واألرض‪ ،‬الس نة اثن ا عشر شهًرا‪ ،‬منه ا أربعة ُح ُرم‪ ،‬ثالثة متواليات” “ذو‬
‫القع دة وذو احلج ة واحملرم‪ ،‬ورجب مض ر ال ذي بني َمُجَاَدى وش عبان”‪ .‬وُيَسَّمى ش هر‬
‫رجب “رجب الفرد”؛ وذلك ألنه ُمنفرد عن الشهور الثالثة الباقية من األشهر اُحلُرم‬
‫األربعة؛ ألن ذو القعدة وذو احلجة وا َحَّرم تأيت ِت باًعا ومتر ُمتوالية بعضها وراء بعض‪،‬‬
‫ُمل‬
‫ولكن رجب يأيت بع د ذل ك خبمس ة ش هور‪ ،‬هي ص فر وربي ع األول وربي ع اآلخ ر‬
‫ومُج ادى األوىل ومجادى اآلخ رة‪ .‬وُيَسَّمى ش هر رجب “رجب مض ر” ‪ ،‬وق د ج اء يف‬
‫بعض األحاديث‪“ :‬رجب ُمضر الذي بني مُج ادى وشعبان” وإمنا أضيف الشهر إىل‬
‫مضر؛ ألن قبيلة مضر كانت ُتعِّظم هذا الشهر وتصون ُحرمته‪ ،‬فكأهنا اخُتصت هبذا‬
‫الشهر‪.‬‬
‫ويف ش هر رجب ك انت معج زة اإلس راء واملع راج‪ ،‬وهي املعج زة الك ربى ال يت‬
‫اختص اهلل هبا نبيه حممًدا عليه ـ الصالة والسالم ـ وقد أشار القرآن إىل اإلسراء يف قوله‬
‫ـ تعاىل ـ‪ُ( :‬سْبَحاَن اَّل ذي َأْس َرى ِبَعْبِد ِه َلْيًال ِم َن اْلَمْسِج ِد اَحْل اَرِم ِإ ىَل اْلَمْسِج ِد اَأْلْقَصى‬
‫اَّلِذ ي َباَرْك َنا َحْوَلُه ِل ُنِرَيُه ِم ْن َآَياِت َنا ِإ َّنُه ُهَو الَّس ِم يُع اْلَبِص ُري) (اإلس راء‪ )1:‬كما أشار إىل‬
‫املع راج يف قوله ـ تعاىل ـ سورة النجم (اآليات‪ 7:‬ـ ‪َ( .)18‬وُهَو ِب اُأْلُفِِق اَأْلْعَلى‪َّ .‬مُث َدَنا‬
‫َفَتَدىَّل َفَك اَن َقاَب َقْوَسِنْي َأْو َأْدىَن ‪َ .‬فَأْوَحى ِإىَل َعْبِد ِه َما َأْوَحىَما َكَذ َب اْلُف َؤاُد َما َرَأى ‪.‬‬
‫َأَفُتَماُروَن ُه َعَلى َم ا َيَرى‪َ .‬وَلَق ْد َرَءاُه َنْزَل ًة ُأْخ َرى‪ِ .‬ع ْنَد ِس ْدَرِة اْلُمْنَتَهى ‪ِ .‬ع ْنَدَها َجَّن ُة‬
‫ا َطَغى‪َ .‬لَقْد َأى ِم آ اِت ِّبِه‬
‫َر ْن َي َر‬ ‫اْلَمْأَوى‪ِ .‬إ ْذ َيْغَشى الِّسْدَرَة َما َيْغَشى‪َ .‬ما َزاَغ اْلَبَصُر َوَم‬
‫اْلُكْبَرى)‬
‫ومعجزة اإلسراء فيها تكرمي للرسول ـ صلوات اهلل وسالمه عليه ـ وتثبيت لقلبه‪،‬‬
‫وفيها إطالع له على ملكوت السموات واألرض‪ ،‬وفيها تسلية عظيمة للرسول‪ ،‬بعد‬
‫وف اة عم ه أيب طالب وزوجت ه خدجية يف “ع ام احلزن”‪ ،‬وبع د ذهاب ه إىل الط ائف‪،‬‬
‫واعتداء أهلها عليه‪.‬‬
‫سبب تسمية شهر رجب باألصــم‬
‫شهر رجب هو من األشهر احلرم فكان إذا جاء شهر رجب ُنِزعت األسنة من الرماح‬
‫ووِض عت األس لحة وُحقنت ال دماء‪ ،‬فك انت ل ه حرم ة ال جيوز أن تنته ك‪ ،‬وتس مية‬
‫رجب باألص م هلذا الس بب فك ان ال ُيس مع في ه قعقع ة الس الح وال ص وت النف ري‬
‫للقت ال‪ .‬والع رب يف زم اهنم الق دمي ك انوا يس ُّمون أيام األس بوع وش هور الَّس نة بأمساء‬
‫ختتلف عن املعهود لنا عند جميء اإلسالم‪ ،‬وكان للجو الطبيعي والّنظام القبلي دخل‬
‫يف تعيني هذه األمساء‪،‬‬
‫وش هر رجب ك ان يس مى ق دًميا “أحل ك” كم ا يق ول املس عودي يف كتاب ه “م روج‬
‫الذهب” ويقول البريوين‪ :‬إّن رجب كان يس ّمى باألص ِّم‪ ،‬وهو أحد األشهر األربعة‬
‫ِهلل‬ ‫ِك‬ ‫ِع ِهلل‬ ‫ِع‬
‫اليت قال اهلل فيها‪( :‬إَّن َّد َة الُّش هوِر ْنَد ا اْثَنا َعَش َر َش َه اًر يِف تاِب ا َيْوَم َخَلَق‬
‫الَّسَمواِت واألرَض ِم ْنها أْربَعٌة ُحُرٌم) (سورة التوبة ‪ )16 :‬وهذه األشهر اُحلُرم قد عّينها‬
‫النيب ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ بأمسائها يف ُخطبته يف حّجة الوداع‪ ،‬وقال عنها ‪ :‬ثالثة‬
‫َسرد وواحد فرد‪ :‬والثالثة الّسرد هي ذو القعدة وذو احلّجة واحملّرم‪ ،‬والفرد هو رجب‪.‬‬
‫ولفظ رجب فيه معىن التعظيم‪ ،‬حيث كان العرب يف اجلاهلّية يعّظمونه وال يستحّلون‬
‫فيه القتال‪ ،‬كما ال يستحُّلونه يف األشهر األخرى‪ ،‬غري أنه ملا كان وحده بعي ًدا عن‬
‫أشهر احلج أعَطوه اًمسا فيه معىن التعظيم حىت يتذّكره الناُس وال ينَسوه‪ ،‬وكان الكثريون‬
‫يعتم رون في ه قب ل دخ ول موس م احلّج‪ .‬ولع ّل وص ف رجب باألص م م أخوذ من‬
‫الُّس كوت حيث ال ُتسمع فيه َقعقعة السالح بالقتال‪ ،‬وال الّصيحة باالستنفار إليه‪،‬‬
‫يق ول القرطيب يف تفس ريه‪ :‬ك انت الع رب ـ ُتس ّميه ـ أي رجب ـ منِص َل األس نة‪ ،‬أي‬
‫خُم رجها من أماكنها‪ ،‬كانوا إذا دخل رجب نزع وا أس ّنة الّرماح وِن صال الِّس هام إبطاًال‬
‫للقت ال في ه‪ ،‬وقطًع ا ألس باب الفنت ُحلرمت ه‪ ،‬وق د ورد ِذْك ر ذل ك يف البخ اري عن أيب‬
‫رجاء العطاردي‪ ،‬وامسه عم ران بن ملحان‪ ،‬قال‪ :‬كنا نعُبد احلَجر‪ ،‬فإذا وجدنا حَج اًر‬
‫هو خري منه ألقيَناه وأخذنا اآلَخ ر‪ ،‬فإذا مل جند َحَج اًر مجعنا حث وًة من ُتراب مث ِج ئنا‬
‫بالّش اء فحلْبنا عليه مث ُطفنا به‪ ،‬فإذا دخل شهر رجب قلنا‪ :‬منصل األس ّنة فلم ندع‬
‫رًحما في ه َحديدة‪ ،‬وال س هًما في ه َحديدة إال نزعن اه فألقين اه‪ .‬وك ان من ع ادة الع رب‬
‫الّنس يء‪ ،‬وه و ت أخري بعض األش هر احلرم إىل غ ري موع دها اس تعجاًال للقت ال‪ ،‬وك ان‬
‫للقلمس وأوالده َزعام ة الّنس يء‪ ،‬ال يرُّد كالمهم‪ ،‬وك انت ربيع ة بن ن زار ت ؤّخر رجًبا‪،‬‬
‫وجتع ل بدل ه رمض ان‪ ،‬وك ان من الع رب من حُي ُّل ون رجًب ا‪ ،‬وحيِّرم ون ش عبان‪ ،‬لكن‬
‫“مضر” كانت حتاِف ظ على ُحْرمة شهر رجب ال تستحُّله أب ًدا‪ ،‬وجاء ذلك يف قول‬
‫النيب ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ يف حّجة الوداع كما رواه الشيخان‪ ،‬وهو خيرِب أن الزمان‬
‫قد استدار كهيئته يوم خلق اهلل الّسمواِت واألرض‪ ،‬وعنَّي األشهر اُحلرم‪ ،‬وعند ذكر‬
‫رجب قال “ورجب ُمضر الذي بني مجادى وشعبان” فأضاَفه إىل مضر؛ ألهّن ا كانت‬
‫حتافظ على حترميه أشّد من حمافظة سائر العرب‪ .‬قال ابن حجر يف فتح الباري‪ :‬أضافه‬
‫إليهم ألهنم كانوا يتمّسكون بتعظيمه خبالف غريهم‪ ،‬وقد بنَّي الرسول ـ صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ـ موضع رجب بأنه هو ما بني مجادى وشعبان‪ ،‬وليس هو ما كان يف َنسيِئ هم‬
‫ال ذي يؤِّخرون ه ب ه عن موض عه احلقيقي‪ .‬ه ذا ه و ش هر رجب األص ّم ال ذي َن دب‬
‫الرسول ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ صيام ما يستطاع منه ومن غريه ومن األشهر احلرم‪ ،‬ومل‬
‫َيِرد فيه ُخبصوصه حديث باستحباب الصيام َيرتقي إىل درجة الِّصّحة‪.‬‬
‫=‪-=-‬‬
‫حديث األشهر الثالثة‪:‬‬
‫رجب وشعبان ورمضان ألف ابن حجر العسقالين رسالة بعن وان ” ت بِي ني الَعجِب مبا‬
‫ورَد يف فضل رجب ” أورد فيها أحاديث ما بني َضعيف وموضوع‪ ،‬وذكر أنه ال يوجد‬
‫ح ديث ص حيح خ اٌّص بفض ل الص يام أو الص الة يف ش هر رجب بال ذات‪ ،‬ونص‬
‫عبارته‪ :‬مل يرد يف فضل رجب وال يف صيامه وال يف صيام شيء منه معنّي ‪ ،‬وال يف قيام‬
‫ليلة خمصوصة فيه … حديث صحيح يصلح للحّجة‪،‬‬
‫وقد سبقين إىل اجلزم بذلك اإلمام أبو إمساعيل اهلروي احلافظ‪ .‬وذكر حديث”‬
‫‪ ‬رجب شهر اهلل وشعبان شهري‪ ،‬ورمضان شهر ُأّميت‬
‫“كما ذكر حديث”‬
‫خرية اهلل من الشهور شهر رجب وهو شهر اهلل من عَّظم شهر رجب فقد عَّظم أمر‬
‫اهلل‪ ،‬ومن عَّظم أمر اهلل أدخله اهلل جنات الّنعيم‪ ،‬وأوجب له رض وانه األكرب ‪ ،‬وَش عبان‬
‫ش هري‪ ،‬فمن عّظم ش هر ش عبان فق د عظم أم ري‪ ،‬ومن عّظم أم ري كنُت ل ه فرًط ا‬
‫وذخ اًر يوم القيامة‪ ،‬وشهر رمضان شهر أّميت ‪ ،‬فَمن عَّظم شهر رمضان وعَّظم ُحرمَته‬
‫ومل ينتِه ْك ه وصام هَن اره وقام ليَل ه وحِف ظ جواِرَح ه ـ خ َرج من رمضان وليس عليه َدين‬
‫يطلبه اهلل تعاىل به “‪ .‬قال البيهقي ‪ :‬هذا حديث منكر‪.‬‬
‫” قلت ” أي قال ابن حجر ‪ :‬بل هو موضوع ظاهر الوضع‪ ،‬بل هو من وضع ”‬
‫نوح اجلامع ” وهو أبو عصمة الذي قال عنه ابن املبارك ملا ذكره لَوكيع ‪ :‬عندنا شيخ‬
‫يقال له أبو عصمة كان َيضع احلديث‪ ،‬وهو الذي كانوا يقولون فيه‪(:‬نوح اجلامع)‬
‫مَج ع كل شيء إال الِّصدق‪ .‬وقال احلنبلي ‪ :‬أَمجعوا على ضعفه ” اإلسالم ـ العدد ‪30‬‬
‫‪ 31 ،‬من السنة الثالثة ‪.‬‬
‫التتابع يف صيام رجب وشعبان ورمضان‬
‫ك ان من س نة الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم أن يص وم من ك ل ش هر ع ريب االث نني‬
‫واخلميس والثالث عشر والرابع عشر واخلامس عشر‪ ،‬وكان يكثر من الصيام يف شعبان‬
‫دون أن يكون صيام الشهر كله‪ ،‬وما صام شه اًر كامًال إال رمضان‪ ،‬وقد كان من حال‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يصوم حىت يقال‪:‬إنه ال يفطر‪ ،‬ويفطر حىت يقال‪ :‬إنه ال‬
‫يصوم‪،‬‬
‫وأم ا التت ابع يف ص يام رجب وش عبان ورمض ان فليس من الس نة ‪ ،‬وه و خالف‬
‫األوىل ‪،‬ولكنه ليس حبرام ‪،‬لعدم ورود دليل على التحرمي‪ .‬الصيام عبادة فيها نبل ومسو‬
‫إنس اين وتش به ب املأل األعلى‪ ،‬وش أن املس لم أن جيع ل من أيام ده ره أوقاًتا للص يام ‪،‬‬
‫اقتداء برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والظاهرة العامة لصيام الرسول الكرمي أنه مل‬
‫يصم شه اًر كامًال إال رمضان‪ ،‬ومل يكن خيلي شه اًر من صيام‪،‬‬
‫وقد سئلت السيدة عائشة رضي اهلل عنها ـ كما يف صحيح مسلم ـ أكان رسول‬
‫اهلل ص لي اهلل علي ه وس لم يص وم ش ه اًر كل ه؟ ق الت‪ :‬م ا علمت ه ص ام ش ه اًر كل ه إال‬
‫رمضان‪ ،‬وال أفطره كله حىت يصوم منه‪ ،‬حىت مضى لسبيله صلي اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد ورد أن الرسول صلي اهلل عليه وسلم كان خيص شهر شعبان مبزيد الصيام‬
‫عن ب اقي الش هور‪ ،‬وتق ول الس يدة عائش ة‪ :‬وم ا رأيت ه يف ش هر أك ثر من ه ص ياًما يف‬
‫شعبان‪ .‬أما ما ورد من قوهلا كان يصوم شعبان كله‪ ،‬فمفسر برواية أخرى تقول‪ :‬كان‬
‫يصوم شعبان إال قليًال‪.‬‬
‫أما شهر رجب فقد قال اإلمام النووي‪ :‬مل يثبت يف صومه هني وال ندب لعينه‬
‫ولكن أص ل الص وم من دوب إلي ه‪ ،‬ويف س نن أيب داود أن رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم ندب إىل الصوم من األشهر احلرم‪ ،‬ورجب أحدمها‪.‬‬
‫وعلى ه ذا فتت ابع األش هر الثالث ة رجب وش عبان ورمض ان بالص يام ليس من‬
‫الس نة واالتب اع أوىل‪ ،‬فيمكن للمس لم أن يص وم من رجب م ا ش اء اهلل دون أن‬
‫يستكمله ويصوم من شعبان ما شاء اهلل دون أن يستكمله مث يتم صيام رمضان على‬
‫جهة الفريضة‪.‬‬
‫ويصف لنا ابن عباس صيام رسول اهلل يف النافلة فيقول‪ :‬كان رسول اهلل صلي‬
‫اهلل عليه وسلم يصوم حىت نقول ال يفطر‪ ،‬ويفطر حىت نقول ال يصوم‪.‬‬

‫صيام رجب سنة أم بدعة‬


‫مل يرد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه صام شه اًر كله‪ ،‬سوى رمضان‪ ،‬وكان أكثر‬
‫م ا يص وم يف ش هر ش عبان‪ ،‬ولكن مل يكن يص ومه كل ه‪ ،‬وه ذه هي الس نة النبوية يف‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه كان يصوم ويفطر يف سائر الشهور‪ ،‬وكما ورد ” كان يصوم حىت نقول ال‬
‫يفطر‪ ،‬ويفطر حىت نقول ال يصوم ” (رواه البخاري ومسلم وأبو داوود)‪ .‬أما ما يفعله‬
‫بعض الن اس من ص يام رجب كل ه ‪-‬كم ا كن ا ن رى ذل ك يف األرياف من قب ل‪ ،‬فق د‬
‫رأيت بعض الناس يصوم رجب وشعبان ورمضان واأليام الستة من ش وال‪ ،‬ويسموهنا‬
‫” األيام البيض ” وبعد ذلك يفطر‪ ،‬ويكون عيده يف اليوم الثامن من ش وال‪ ،‬وتكون‬
‫حص يلة ص يامه ه ذه الش هور الثالث ة واأليام الس تة متواص لة ال يفط ر إال يوم العي د‪-‬‬
‫فهذا مل يرد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم وال عن الصحابة وال عن السلف الصاحل ‪.‬‬
‫ف األوىل ص يام أيام وإفط ار أيام‪ ،‬ال التت ابع يف الص يام‪ .‬وكل خ ري يف اتب اع من س لف‬
‫وك ل ش ر يف ابت داع من خل ف‪ .‬فمن أراد االتب اع‪ ،‬وأراد الث واب الكام ل‪ ،‬فليتب ع الن يب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وال يصم رجب كله وال شعبان كله ‪ .‬فهذا هو األوىل ‪.‬‬
‫فضل الصوم يف رجب وشعبان‬
‫الصوُم عبادة ُروحية ترَقى باإلنساِن إىل مسَتوى املأل األعلى‪،‬‬
‫حيث مَي َتِن ع عن الطعام والشراب والشهوة منطلوع الفجر إىل غروب الشمس‪ .‬فالصيام‬
‫مطلوب على وجه العموم حبيث جيعل املسلم من أيام دهره أوقاًتا للصيام يتجرد فيها‬
‫من املادة‪ ،‬وُيَقِّوي عزميته‪ ،‬وتصفو نفسه وتتألق روحه‪.‬‬
‫أما الصيام يف شهر رجب بعينه فقد قال اإلمام النووي‪ :‬مل يثبت يف صومه هني وال‬
‫ندب لعينه‪ ،‬ولكن أصل الصوم مندوب إليه‪ ،‬ويف سنن أيب داود أن رسول اهلل ـ صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ـ ندب إىل الصوم من األشهر احلرم ورجب أحدها‪ .‬أما شهر شعبان‬
‫فقد صح يف صيامه أحاديث‪ ،‬منها ما جاء يف صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي اهلل‬
‫عنها ـ أهنا قالت‪ :‬كان رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ يصوم حىت نقول ال يفطر‪،‬‬
‫ويفط ر ح ىت نق ول ال يص وم‪ ،‬وم ارأيت رس ول اهلل ـ ص لى اهلل علي ه وس لم ـ اس تكمل‬
‫صيام شهر قط إال رمضان‪ ،‬وما رأيُته يف شهر أكثر منه صياًما يف شعبان”‪ .‬ومعىن‬
‫احلديث أن الرس ول الك رمي مل يص م ش ه اًر ك امًال إال رمض ان‪ ،‬وك ان يص وم يف ش عبان‬
‫كث اًري ح ىت ق الت عائش ة يف بعض الروايات‪“ :‬ك ان َيُص وم ش عباَن كل ه‪ ،‬ك ان َيُصوم‬
‫ش عباَن إال قلياًل ‪ .‬وم ا ع دا ه ذين الش هرين ك ان رس ول اهلل ـ ص لى اهلل علي ه وس لم ـ‬
‫أحياًنا يصوم حىت يظن الناس أنه ال يفطر‪ ،‬وأحيانا يفطر أياما متوالية حىت يظن الناس‬
‫أن ه ال يص وم‪ .‬وهلذا ق ال ـ علي ه الص الة والس الم ـ يف ص حيح احلديث‪“ :‬خ ذوا من‬
‫األعمال ما ُتِط يقون؛ فإن اهلل لن َمَيَّل حىت َمَتل وا‪ ،‬وكان يقول‪َ :‬أَحُّب العم ِل إىل اهلل ما‬
‫دام عليه صاحُبه وإن قَّل”‪.‬‬
‫استيعاب رجب وشعبان ورمضان بالصيام‬
‫صوم الفريضة هو صوم رمضان‪ ،‬أما صوم رجب وشعبان ووصلهما برمضان فقد كره‬
‫ذلك بعض العلماء‪ ،‬ولكن الصيام فيهما واإلكثار منه مستحب‪ ،‬وفيه فضل كبري ‪.‬‬
‫إن الصيام املفروَض هو صيام شهر رمضان‪ ،‬وصيام الَّنذر والكفارات‪ ،‬وما عدا ذلك‬
‫فُمستحب‪ ،‬والرسول صلى اهلل عليه وسلم ـ رَّغب يف صيام التطوع مبثل ما جاء يف‬
‫صحيَحِي البخاري ومسلم‪“ :‬ما من عبد يصوم يوًما يف سبيل اهلل تعاىل إال باعد اهلل‬
‫بذلك اليوم وجهه عن النار سبعني خريًفا”‪ ،‬ومن الصيام ا ستحب الصيام يف األشهر‬
‫ُمل‬
‫اُحلرم اليت منها شهر رجب‪ ،‬وكذلك الصيام يف شهر شعبان ‪.‬‬
‫وقد نق ل ابن حجر كراه ة احلرص على ص يام رجب تشبيًها برمض ان‪ ،‬أو ألنه‬
‫ثابت ُمؤَّك د‪ ،‬أو لفضل خاص يزيد على صيام باقي الشهور‪.‬‬
‫والصيام يف شهر شعبان َورَدت أحاديث صحيحة‪ ،‬منها ما رواه البخاري عن‬
‫عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ‪ :‬كان رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ يصوم أكثر شهر‬
‫ش عبان‪ ،‬ب ل ك ان يص ومه كَّل ه أحياًنا وج اء يف رواية تق ول يف س بب ذل ك‪ :‬تعظيًم ا‬
‫لرمض ان‪ ،‬كم ا روى النس ائي أن أس امة بن زيد س أله ـ ص لى اهلل علي ه وس لم ـ ْمل َأَرَك‬
‫تص وم يف ش هر ما تص وم يف ش هر ش عبان‪ ،‬فق ال‪“ :‬ذاك ش هر َيْغُف ُل الناس عنه بني‬
‫رجب ورمضان‪ ،‬وهو شهٌر ُتْرَفع فيه األعمال إىل رب العاملني‪ ،‬وُأِح ب أن ُيرفع عملي‬
‫وأنا صائم “‪.‬‬
‫وصيامه كله أو أكثر ملن وصل النصف الثاين بالنصف األول ‪ ،‬أما الذي مل‬
‫َيص له فُيك ره أو حيرم أن ينش ىء ص ياًما يف النص ف الث اين حلديث رواه أب و داود‪ ،‬وب ه‬
‫أخ ذ الش افعي‪ ،‬كم ا ج اء النهي عن ص وم يوم أو يومني قب ل رمض ان حلديث رواه‬
‫اجلماع ة‪“ :‬ال َتَق َّدموا ـ تتق دموا ـ ص وم رمض ان بي وم وال يومني‪ ،‬إال أن يك ون ص وًما‬
‫يصومه رجل فْليصم ذلك اليوم “‪ .‬هذا ومل َيرد حديث مقبول يقول‪ :‬إن صيام رجب‬
‫كله وشعبان كله ووصلهما برمضان بدعة مذمومة‪،‬‬
‫فالص وم يف رجب وش عبان مش روع كم ا ق َّدمنا‪ ،‬األول‪ :‬ألن ه من األش هر احلرم‪،‬‬
‫والث اين‪ :‬لفع ل الن يب ـ ص لى اهلل علي ه وس لم ـ‪ ،‬غ ري أن هن اك توص يًة بع دم اإلره اق‬
‫وتكل ف اإلنس ان م ا ال ُيطي ق‪ ،‬ففي البخ اري ومس لم عن عائش ة ـ رض ي اهلل عنه ا ـ‬
‫قالت‪ :‬مل يكن النيب صلى اهلل عليه وسلم ـ يصوم شه اًر أكثر من شعبان فإنه كان‬
‫يص وم ش عبان كله‪ ،‬وكان يق ول‪ُ“ :‬خ ُذوا من العمل ما ُتطيقوَن فإَّن اهلل ال مَيُّل حىت‬
‫َمَتُّلوا”‪.‬‬
‫فإذا كان يف صيام الشهرين إرهاق يؤِّثر على صيام رمضان كان التتابع خُم الًف ا‬
‫للحديث‪ ،‬وُيكره أن يكون ذلك عن طريق النذر فقد حيصل العجز ويكون احملظور‪،‬‬
‫ومن استطاع بغري إرهاق فال مانع‪ ،‬مع مراعاة إذن الزوج إذا أرادت الزوجة أن تصوم‬
‫ه ذا التط وع‪ ،‬ففي احلديث ال ذي رواه البخ اري ومس لم‪“ :‬ال حيُّل الم رأة أن تص وم‬
‫وزوجها شاهد إال بإذنه‪ ،‬وال َتْأَذُن يف بيته إال ِبِإ ْذِنِه ”‪.‬‬

You might also like