Professional Documents
Culture Documents
تقديم عام
أساسا في إطار القرن السادس عشر ،أي الزمن الحديث ضمن التقسيم األوروبي للتاريخ ،والذي
يتنزل درسنا ً
ُيحدد بنهاية "العصور الوسيطة" أو "عصور الظلمات" ،التي تنتهي بسنة .1500يدور في فلك هذا التاريخ
وتلته ،أي اكتشاف أو تطوير آلة الطباعة عن طريق يوهان غوتنبرغ
ُ سبقته
ُ مجموعة من األحداث الرئيسية التي
Gutenbergسنة ،1450فسقوط القسطنطينية سنة ،1453ثم تتويج اإلسبان لما يعرف بـ" :حروب االسترداد"
بالسيطرة على مدينة غرناطة سنة ،1492وهي نفس السنة التي وصل فيها كريستوف كولمبس إلى ما أصبح
أخير نشر مارتن لوثر سنة 1517لما أصبح ُيعرف بـ" :األطروحات
ُيعرف بالقارة األمريكية (أو األمريكيتين) ،و ًا
علنا ظهور المذهب البروتستانتي .بمعنى
أو القضايا الخمس والتسعين" والتي عارض فيها الكنيسة الكاثوليكية ُم ً
فه العالم األوروبي من نهضةالمستويات ،أي أن ما عر ُأن الزمن الحديث قد ارتبط بتحوالت عميقة في جميع ُ
"المبادرة التاريخية" بما
فكرية وعلمية وفنية وصناعية ُيمثل من هذا المنظور "استعادة" أوروبا المسيحية لزمام ُ
تعنيه من تفوق أو الوقوف بندية في مواجهة الحضارات الشرقية ،أو بعبارة أخرى هو "استرداد" لعصور االزدهار
التي عرفتها المنطقة خالل الفترات القديمة ،سواء من خالل الحضارتين الرومانية أو اإلغريقية.
1
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
التحوالت التي كان يعرفها العالم المتوسطي الشمالي ،بجناحيه الغربي والشرقي ،ففي األول ظهرت اإلمبراطورية
اإلسبانية كقوة توسعية (إمبريالية) ذات نفوذ كبير ،طامحة لتوسيع وتأكيد وجودها على كل الجبهات وفي كل
المناطق ،أي سواء في أوروبا أو المحيط األطلسي وشمال أفريقيا .أما في الجناح الشرقي للمتوسط فقد أسس
العثمانيون إمبراطورية قوية نافست اإلسبان في شرق أوروبا وبالد المغرب والبرتغاليين في البحر األحمر.
إذن اإلشكالية األساسية التي يقوم عليها هذا الدرس هي ُمحاولة ُمساءلة نهاية العصور الوسيطة أو الزمن
المبكر في تونس ،ال من وجهة النظر األوروبية التي ال تنطبق على اإلطار المكاني الذي ندرسه ،بلالحديث ُ
من وجهة نظر التحوالت السياسية التي عرفتها البالد خالل هذا القرن والتي رسمت أو صبغت ارتداداتها الزمن
تسميته بـ:
ُ ندرسه في تاريخ تونس هو زمن ما ُيمكن
ُ الحديث والحداثة التونسية ،أو بعبارة أخرى الزمن الذي
"زمن االنسالخ" ،بمعنى تفكك النظام الوسيطي وبداية ترّكز النظام الحديث.
الزركشي قد انتهى من تأليف كتابه ما بين سنتي 1435و ،1488أي بذكر أخبار دولة السلطان أبو عمرو
عثمان ،يقول" :وتولى بعدهُ (محمد المنتصر) السلطان أبو عمرو عثمان...بويع بتونس يوم الجمعة ثاني
1
وعشرين صفر من عام تسعة وثالثين وثمانمائة وانصلحت به البالد والعباد .انتهى والحمد هلل لرب العالمين".
في حين يذهب باحثون آخرون باإلعتماد على قطعة ُمضافة إلى أحد نسخ مخطوطات الكتاب إلى أن االنتهاء
من التأليف قد كان في سنة .21525
وإن كان عنوان الكتاب يوحي باإلخبار عن الدولتين الموحدية والحفصية ،فإن الجزء المخصص لألولى لم
يتجاوز الخمسين صفحة (صص )50-5في حين امتد الحديث عن الثانية ما يجاوز المئتين وسبعين صفحة
(صص .)332-56لم يختلف أسلوب الزركشي عن الكتابة اإلخبارية في عصره ،أي ترتيب الكتاب حسب
توالي السالطين ،مع التركيز على وصولهم لكرسي الحكم ،مآثرهم والترجمة لعدد من رجال دولتهم ،في أسلوب
ُيراوح بين التأريخ بمفهوم ذلك العصر والكتابة األدبية والشعرية .لئن كان الزركشي كما ُيشير ُمحقق الكتاب
الحسن اليعقوبي قد كان بمثابة الشاهد عيان على فترة حكم أبي عمرو عثمان الحفصي (،)1488-1435
فإنه قد استقى أخبار الفترات السابقة من "جملة من
حيث اتسمت الكتابة حول هذه الفترة بما ُيشبه اليومياتُ ،
المؤرخين المشارقة والمغاربة واألندلسيين" ،على غرار ابن خلكان ،ابن سعيد ،ابن الخطيب ،ابن خلدون وابن
القنفد وغيرهم.3
أنه ولد ما لمحمد بن إبراهيم اللؤلؤي الزركشي قليلة ً
جدا ،حيث نعلم ُ المتوفرة حول السيرة الذاتية ُ
المعلومات ُ
بين نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر ،وهي ال تسمح لنا بالجزم من ُ
أنه قد كان أحد رجال
أنه قد خدم كـ" :عدل إشهاد في ديوان الوثائق في البالط الحفصي".
البالط الحفصي ،مع أن البعض يذهب إلى ُ
المؤكد هنا ومن خالل ما جاء في كتاب تاريخ الدولتين أو من خالل شرحه لقصيدة "بلوغ األماني" المعروفة
أيضا بـ" :الدمامينية" والتي "نظمها بدر الدين محمد بن أبي بكر الدماميني اإلسكندراني في مدح أبي العباس
ً
مؤلفه يمكن أن ندرجه تحت خانة
ُ أحمد الحفصي ( ، ")1394-1370أن الزركشي قد كان حفصي الهوى وأن
4
1الزركشي (محمد بن إبراهيم اللؤلؤي) ،تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ،تونس ،المطبعة الرسمية ،1877 ،ص155؛ تحقيق وتقديم محمد ماضور،
تونس ،المكتبة العتيقة ،1998 ،ص168؛ تحقيق وتقديم الحسين اليعقوبي ،تونس ،المكتبة العتيقة ،1998 ،ص.332
2الزركشي ،تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ،مصدر سابق ،راجع هذه المسألة في دراسة المحقق ،ص. XX
3الزركشي ،تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ،مصدر سابق ،دراسة المحقق ،ص.XIX
4الزركشي ،تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ،مصدر سابق ،دراسة المحقق ،ص.XV
3
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
سندرس نهايتها .من بين أولى هذه المصادر ،هو كتاب العبر ،وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم
تأليفه
ُ والبربر ،ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر لعبد الرحمان بن خلدون ( )1406-1332الذي يرجع
نسخته األولى التي انتهى
ُ إلى أواخر القرن الرابع عشر .في هذا الكتاب الذي ُيقال أن ابن خلدون قد أهدى
منها في قلعة بني سالمة بوهران سنة 1378إلى السلطان الحفصي المستنصر أبي العباس (،)1394-1371
يبدأ الحديث عن الحفصيين في الفصل الرابع من الكتاب الثالث المعنون بـ" :في أخبار البربر واألمة الثانية
من أهل المغرب وذكر أوليتهم وأجيالهم ودولتهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد ونقل الخالف الواقع بين الناس في
ؤكدا بعد إبراز أصولهم
أنسابهم" ،وبالتحديد في إطار تناول الكاتب للدول التي تعاقبت على ُحكم بالد المغربُ ،م ً
(هنتاتة من قبائل المصامدة) على أحقية توليهم للحكم ،كورثة شرعيين للموحدين ،بالنظر إلى أسبقيتهم في
القيام "بدعوة المهدي والممهدون ألم ِره وأمر عبد المؤمن من بعده .5"...عددا ابن خلدون على امتداد ما يقارب
المتكررة
خصوصا األزمات ُ
ً مئة صفحة السالطين الحفصيين واألحداث السياسية التي عرفتها فترات حكمهم ،أي
لخالفة العرش ،وما يرتبط بها من صراعات داخل العائلة الحفصية ،أو ثورات مناطق تُخومية قريبة أو بعيدة
عن عاصمة الحكم كقفصة ،الجريد ،جربة وقابس ...وعدد من الواليات كبجاية ،قسنطينة وطرابلس ،ما كان
يتطلب في كل مرة تسيير حمالت إلخضاعها أو "فتحها" كما يقول ابن خلدون .هذا باإلضافة إلى الحمالت
التي كانت تُسير لصد الهجمات المسيحية على المناطق الساحلية ،كمدينة المهدية سنة 1390التي كانت
عرضة لعدد من الهجمات .باإلضافة إلى ُكل ذلك ،أشار الكاتب للمنجزات المعمارية لعدد من السالطين كأبو
المستنصر ،كما ترجم لعدد من رجال دولتهم كالشاعر البلنسي الشهير ابن اآلبار وابن عصفور.
زكريا يحيى و ُ
اخر األخبار التي دونها ابن خلدون عن حكم الحفصيين تعود إلى فترة تولي السلطان أبو فارس عزوز
أنه قد استقى أخبار هذه األحداث وهو ُمقيم بمصر ،يقول:
للحكم ،وبالتحديد صيف سنة ،1394حيث يبدو ُ
"...واستبد بمشيخة قفصة وخشي أهل قفصة من غائلة السلطان وسوء مغبة العصيان فبعثوا إلى السلطان
لهم...أمر وهللا ُيصرف
ًا أنه عقد
بطاعتهم ،وشرط عليهم نزول عامله عندهم ،وهذا آخر ما بلغنا عنهم ولم يبلغنا ُ
6
األمور بحكمته".
نسبيا ،من آخر خبر ذكرهُ ابن خلدون عن الحفصيين ،وفي سنة 1402ألف ابن القنفد بعد ُمدة وجيزة ً
كتابه الفارسية في مبادئ الدولة الحفصيةُ .7يؤرخ الكاتب للحفصيين منذ نشأة دولتهم حتى عصره،
ُ القسنطيني
حيث ُيالحظ التفصيل الذي تميز به
وصله من أخبار من الفاعلين وعلى الوثائق الرسميةُ ،
ُ عتمدا على ما
ُم ً
5ابن خلدون (عبد الرحمان) ،كتاب العبر ،وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ،ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر ،اعتنى به
أبوصهيب الكرمي ،الرياض ،بيت األفكار الدولية ،د.ت ،ص.1696
6نفس المصدر ،ص.1786
7ابن القنفد القسنطيني (أبو العباس أحمد) ،الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية ،تقديم وتحقيق محمد الشاذلي النيفر وعبد المجيد التركي ،تونس ،الدار
التونسية للنشر.1968 ،
4
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
الكتاب ،سواء في مستوى التاريخ السياسي العام وكذلك في مستوى مدينة قسنطينية ،أي المدينة التي ينتسب
له الكتاب .نشأ المؤلف
المهدى ُ
إليها المؤلف ،مع التركيز على فترة حكم أبو فارس الحفصي (ُ )1434-1394
كثير بجده من جهة األم ،والذي كان
في عائلة ثرية ،وذات عراقة علمية سواء من جهة األب أو األم ،فقد تأثر ًا
خطيبا لجامع قسنطينة ما يقارب خمسين سنة ،في حين توفي والدهُ في أحد موجات وباء الطاعون من ُذ
ً إماما
ً
عائلته في تواصل مع الحكام الحفصيين الذين اتخذ فرعهم
ُ فترة طفولته .درس على يد شيوخ عصره ،وكانت
الغربي من قسنطينة عاصمة لهم ما بين سنتي 1318-1187وهو ما جعل ابن قنفد ُمقرًبا من هؤالء .توفي
سنة .1407
بعد صمت ما ُيجاوز النصف قرن وبالتحديد سنة 1457ألف قاضي األمحال أبو عبد هللا محمد بن الشماع
كتابه األدلة البينة النورانية في مفاخر الدولة الحفصية .على عكس الوالد أبو العباس أحمد المعروف بالشماع
جعله ُمقرًبا للسالطين وذائع الصيت في أوساط العلماء ،كما يشهد على
ُ مشهور بعلمه الواسع ما
ًا والذي كان
خبر
ذلك تكرار ذكره في كتب معاصريه ،فإن االبن المعروف بابن الشماع ال نكاد كما يذكر المحقق نجد أي ًا
له بتدوين عمل إخباري متناسق
عنه ،سوى وراثته لوظيفة قاضي األمحال ،وتكوينه العلمي الجيد الذي سمح ُ
ُ
مع ُمستوى أعمال ذلك العصر .
8
كما يذكر المحقق الطاهر المعموري اعتمد ابن الشماع باألساس على ما ذكره ابن خلدون في كتاب العبر،
جعله يختص ببعض المعلومات" .9يسير ابن الشماع على منهج ابن ُ أنه اشتمل مصادر خاصة ،مما "إال ُ
خلدون في استعراض حكام الدولة الحفصية وأهم األحداث السياسية التي عرفتها فترات ُحكمهم ،حيث يتحدث
فه حكمه من أحداث ،فتخصيص عنصر للحديث عن منجزاته بداي ًة عن كيفية تولي الحاكم للسلطة ،ثم ما عر ُ
المتكرر لألشعار واالختصار الذي ميز معظم الفترات ،باستثناء
وآثاره .نالحظ في كتاب ابن الشماع االستعمال ُ
له الكتاب في سنة 1457والذي
التركيز على فترة حكم الخليفة أبي عمرو عثمان ( )1488-1435الذي ُكتب ُ
عنه من الصفحة 120إلى .133
احتل الحديث ُ
المؤلف ،جعل ابن
باإلضافة إلى متن النص الذي ُخصص للحديث عن حكام الدولة الحفصية إلى حياة ُ
الشماع لكتابه ُمقدمة وخاتمة ،حيث تم تقسيم ال ُمقدمة إلى خمسة أبواب ،جعلها الكاتب للحديث عن ُجغرافية
عرف بمدينة تونس وأحوازها ،ليقوم بعد ذلك بتقديم لمحة عامة عن دخولبالد المغرب يما فيها إفريقية ،ثم ّ
نسبيا بالتأكيد على "وجوب طاعة والة األمور" .10فيما يتعلق
المقدمة المطولة ً
خاتما هذه ُ
المسلمين إلى البالدً ،ُ
8ابن الشماع (محمد بن أحمد) ،األدلة البيّنة النورانية في مفاخر الدولة الحفصية ،تحقيق وتقديم الطاهر بن محمد المعموري ،تونس ،الدار العربية
للكتاب ،1984 ،ص.19
9نفس المصدر ،ص.20
10نفس المصدر ،صص.48-30
5
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
بالخاتمة فقد جاءت في فصلين األول ُمعنون بـ" :في الحرابة وذكر بعض أحكامها" ،والثاني " :في دخول العرب
إلى إفريقية وما السبب الذي دخلوا من أجله".11
.2مصادر العصور الحديثة المحلية (القرن )19-16
المؤنس في أخبار إفريقيةإذا كان الزركشي خاتمة المصادر اإلخبارية المحلية الوسيطة ،فإن كتاب " ُ
المعروف بابن أبي دينار كان فاتحة المصادر المحلية
ُ وتونس" للشيخ القيرواني ُمحمد بن أبي القاسم الرعيني
للفترة الحديثة .انتهى ابن أبي دينار من تحبير كتابه في حدود سنة ،1692أما بالنسبة للفترة موضوع درسنا،
أي ُمعظم فترات القرن السادس عشر فهو يذكر بأن مصادرهُ في تدوينها قد كان ما رشح في ذاكرة سكان مدينة
تلقيته من أهل الحاضرة،
ُ "...وهنا انتهى النقل الذي قيدهُ الزركشي ولم أطلع على ما سواهُ إال ما
ُ تونس ،يقول:
له اهتمام بهذا
ولهذا نأتي به جمالً ال تفصيالً ،ولم أُقيد نفسي لتاريخ الوقائع لقلة الضبط ،ولم أجد من ُ
األمر.12"...
مما سبق يمكن أن نفهم أن العشرين صفحة تقر ًيبا التي خصصها ابن أبي دينار للحديث عن نهاية الدولة
سنحيل عليهم فيما يلي ،ومن ورائهم عددالحفصية ،والتي كررها من بعده ُمعظم اإلخباريين المحليين الذين ُ
لسكان الحاضرة ،ال على مصادر تعود
هام من أوائل الدارسين لتلك الفترة ،هي مبنية على الذاكرة الجماعية ُ
إلى تلك الفترة كما هو الحال بالنسبة لفترات تأسيس الدولة الحفصية وإزدهارها .وإن كان تصريح أو صراحة
جدا ،من جهة أنها تُساعدنا في تحليل ُّ
تمثل سكان مدينة تونس وعموم المخيال الجمعي التونسي كاتبنا مهمة ً
في النصف الثاني من القرن السابع عشر لنهاية دولة بني حفص والصراع اإلسباني/العثماني على البالدُ ،
فإنه
اصفا ما تتسم به في
علينا األخذ بحذر شديد األخبار التي يسوقها ابن أبي دينار ،فكما يذهب بول ريكور و ً
الغالب السرديات الجماعية بـ" :الفائض من الذاكرة هنا ،والفائض من النسيان هناك" .أما لطفي عيسى فهو
وصفه بديناميكية الذاكرة الجماعية بالقول:
ُ ُيفسر ما يمكن
يندس ما ُوسم بالذاكرة الجماعية عميًقا في الحاضرُ ،مشكالً قراءة وجدانية ال تفتقر إلى موضوعيتها
" ّ
عيدة ترتيب
وتلّفق وتُقصي ما تقوم بتناقله من أخبار حول ُمنجز األجيال التي سبقتهاُ ،م ً
الخاصة .فهي تُعلي ُ
أحداث الماضي من جهة نظر حاجياتها الحاضرة ،وهي حاجيات يختلط ضمنها الموضوعي بالذاتي والشخصي
بالعام".13
إذن ما نجدهُ عند ابن أبي دينار فيما يتعلق بالقرن السادس عشر هي ليست أخبار ُمتناقلة ،بقدر ماهي
"حاجيات حاضر" النصف الثاني من القرن السابع عشر لتفسير نهاية الخالفة الحفصية أو أفريقية ودخول
6
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
14هنية (عبد الحميد)" ،التجديد في مجال علم التاريخ في البالد التونسية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر ميالديًا" ،مجلة أسطور ،عدد ،)2018( 7
ص.53
7
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
16
وتونس" و"األعالم بأعالم بيت هللا الحرام" 15لقطب الدين النهروالي (توفي )1583مع ترجيح ابن عبد السالم
أنه لم يطلع على الكتاب األخير بصفة ُمباشرة بل نقل ما أقتُبس بواسطة حسين خوجة في كتابه "بشائر
إلى ُ
أهل اإليمان."17
كثير ما تتكرر في كتابات ذلك العصر ،التي تأثرت
حول أسباب انهيار الدولة الحفصيةُ ،يقدم السراج ُمقاربة ًا
ومجمل في ُمقدمة القسم األول من الجزء الثاني
بالمقاربة الخلدونية للدولة ،حيث يستحضر بإختصار شديد ُ
ربما ُ
رجعا مرحلة الصعود واالزدهار إلى حسن الخصال الدينية والسياسية ألمراء صعود وازدهار ونهاية الحفصيينُ ،م ً
اف َمَقام َرّبِ ِه َوَن َهى َّ
النْف َس َع ِن اْل َه َو ٰى} (سورة النازعات ،اآلية {م ْن َخ َ
تلك الفترة حيث يقول عنهم "فكان أُمرائهم َ
َ
أمنوا من خوف ولم يمزجوا ناهض عزماتهم بموبقات.18"... .)40فأطعموا من جوع و ُ
المقابل ،فإن تدهور أوضاع الدولة الحفصية وزوالها ُيفسر حسب السراج بسوء سيرة أمراء الحقبة األخيرة،
في ُ
خيروا الحياة الدنيا على اآلخرة وغرقوا في الملذاتُ ،مهملين شؤون الدولة ،ما أدى إلى تواتر الفتن
الذين ّ
والتمردات يقول:
"ولكن خلف بعدهم خلف طغى وآثر الحياة الدنيا ،وامتطى جادة ُدنيا ،وعدم اإلسعاف ،على جادة اإلنصاف،
المفضي إلى التالف .ولم تزل منهم األعراض تتمزق باألغراض ،إلى أن تسلل حكم (ما) أوجب االختالفُ ،
البالد منهم إلى تصرف أعدائهم ،وتسلسلت رقاب خير أمة في ربق أعاديهم ،بما اكتسبت أيديهم ،وتسلمت
أيدي اللئام ،أعزة اإلسالم ،ودخل ُك ُل معترف تحت ظل التفويض واالستالم ،ودار على ُدور األعيان من
الحضرة أحبولة اإلحاطة وااللتئام .وصار لحكم االفرنجي على المؤمنين صولة ولطول تصرفه في القاصرات
19
طولة ،وبارت على ذوي الهمم الحيلة .ودقائق الذل على أعزة النفوس دهور طويلة".
حيث ومن
بته الدينية أو األخالقية لمسألة نهاية الحفصيين وانتصاب العثمانيين بالبالدُ ،
يواصل السراج ُمقار ُ
وخصوصا الوقوع تحت حكم
ً منظور اإلخباري الرسمي ُيصور تدخل األتراك على ُ
أنه إنقاذ لتونس من الفوضى
يوما ببال،"...
أنجم لطائف لم تجر ً
وحوله ُ
ُ اإلسبان المسيحيين ،فهو يصف هذا التدخل بـ" :الفرج ساطع إقبال
فتحا أماط عن صبيح وجه الدهر الخمار ،وبدل فيه العسر باليسر ،وظهر به نشر راية
كما يقول" :وكان ً
اإلسالم بعد الطي واإلضمار.20 "...
15النهروالي (قطب الدين) ،كتاب االعالم باعالم بيت هللا الحرام ،تحقيق وتقديم هشام عبد العزيز عطا ،مكة ،المكتبة التجارية ،1996 ،صص.378-365
16عبد السالم (أحمد) ،ال ُمؤرخون التونسيون في القرن 17و 18و ،19قرطاج ،بيت الحكمة ،1993 ،صص.249-248
17خوجة (حسين) ،بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان ،تحقيق محمد أسامة زيد ،القاهرة ،دار ابن رجب ودار الفوائد.2014 ،
18السراج (أبو عبد هللا محمد) ،الحلل السندسية في األخبار التونسية ،لبنان ،تحقيق وتقديم الحبيب الهيلة ،دار الكتب الشرقية ،1973 ،ج ،2.ص.9
19 19السراج (أبو عبد هللا محمد) ،الحلل السندسية ،مصدر سابق ،ص.9
20 20السراج (أبو عبد هللا محمد) ،الحلل السندسية ،مصدر سابق ،ص.10
8
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
فيما يتعلق بالمعطيات التي ُيقدمها السراج حول الفترة المدروسة ،فهي كما أشرنا سابًقا نسخ شبه حرفي لما
خصوصا في كتاب األعالم ،مع غياب تقر ًيبا أي إضافات أو تعاليق ،وتركيز كلي على حملة سنان باشاً ورد
على تونس سنة 1574والتي خصص لها ست عشر صفحةُ ،مقابل تغييب الفترات السابقة ،وتخصيص ست
صفحات فقط لبداية تركيز الحكم التركي بالبالد في الثلث األخير من القرن السادس عشر.
مما سبقُ ،يمكننا أن ُنالحظ من جهة أن االختصار والنسخ الذي اتصفت به كتابة السراج حول القرن
له سابًقا من قلة أو غياب الوثائق األرشيفية المحلية التي كان يمكن أن
السادس عشر هو نتيجة لما أشرنا ُ
يعتمد عليها اإلخباري .من جهة أخرى توظيف الوزير السراج لقلمه في خدمة البروبغندا العثمانية في تونس ال
يبدو ُمستغرًبا وهو ذو األصل الموريسكي ،أي المجموعة التي كانت في معظم فترات العصر الحديث في
تحالف وتعاون مع الطبقة التركية الحاكمة.
إذا كانت عالقة السراج مع الطبقة الحاكمة تقوم على التحالف ،فإن عالقة حسين خوجة بن علي بن سليمان
الحنفي هي عالقة انتماء وخدمة ،فكاتبنا الذي عاش في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن الثامن عشر
المراديين ثم كان كاتب ُمراسالت الباي حسين بن علي باللغة
أصله كما ُيفهم من اسمه تركي ،خدم البايات ُ ُ
التركية .المعرفة باللغة التركية ،والرحلتين التي قام بهما إلى مصر وبالد الشام والحجاز بنية الحج ،هي التي
سمحت لحسين خوجة بتأليف كتاب "بشائر أهل اإليمان بفتوحات آل عثمان") ، (1723حيث اعتمد في تأليفه
أو باألحرى جمع مواده من ُكتب تركية وفارسية وعربية يبدو ُ
أنه قد اطلع عليها بصفة ُمباشرة أو غير ُمباشرة
خالل رحالته.
وخصوصا "الفتوحات"
ً ال يخلو من اإلخالل في ذكر تاريخ الدولة العثمانية كرونولوجيا
ً مسار
ًا اتّبع الكاتب
خصصه لفترة حكم الباي حسين بن علي وقسم تراجم ُمخصصُ ذلك بذيل أو الحروب التي خاضتهاُ ،ملحًقا
لرجال وشيوخ دولته .يتطرق الكاتب للتدخل العثماني بالبالد التونسية في المجلد الثاني من الكتاب وبالتحديد
في البابين العاشر والمعنون بـ" :في ذكر جلوس السلطان سليمان (القانوني)" 21والحادي عشر" :في ذكر جلوس
22
المتراوحة ما بين سنتي
السلطان سليم الثاني" ُ .يخبرنا خوجة بداي ًة وبصفة ُمجملة (سبع صفحات) عن الفترة ُ
1534و ،1573حيث يبدأ بالحديث عن سيطرة خير الدين بربروصا على البالد بتوجيه من الوزير األعظم
موجها نقدهُ الالذع لخير الدين بربروصا الذي لم
ً إبراهيم باشا وبدون علم أو إذن السلطان سليمان القانوني،
أنه قد..." :اشتغل باألكل والشرب
ؤكدا ُ
مستشاريه حول االستعداد لهجوم مسيحي أي عنايةُ ،م ً يولي نصائح ُ
والنزهة والطرب ولم يكترث بالعدو الغادر" .23ثم يخبرنا عن استنجاد موالي الحسن بكارلوس الخامس ونجاح
21خوجة (حسين) ،بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان ،مصدر سابق ،ج ،2صص.189-183
22خوجة (حسين) ،بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان ،مصدر سابق ،ج ،2صص.299-277
23خوجة (حسين) ،بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان ،مصدر سابق ،ج ،2ص.183
9
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
حملة اإلسبان على البالد بسبب قلة استعدادات خير الدين بربروصا .بعد ذلك يحدثنا ناقال عن ابن أبي دينار
محاوالت الحفصيين إلعادة السيطرة على البالد والحضور اإلسباني في حلق الوادي ،فحملة قلج علي حاكم
نتهيا في هذا الجزء بخبر "استعادة" خوان دي أوستريا للبالد سنة .1573في الباب
الجزائر على تونسُ ،م ً
حرفيا ما جاء في كتاب األعالم بأعالم بيت هللا الحرام حول حملة سنان باشا على
الحادي عشر ،نقل خوجة ً
تونس سنة ،1574منذ خروجها من إسطمبول إلى تفاصيل المعارك التي وقعت بحلق الوادي ومدينة تونس
إلى عودة سنان باشا بعد النصر إلى الباب العالي واالستقبال الشعبي والرسمي الكبير الذي قوبل به.
المعطيات
فيما يتعلق بالذيل ،أي الجزء الثالث في طبعة سنة ،2014فإن حسين خوجة ُيقدم لنا بعض ُ
المهمة التي لم يذكرها ابن أبي دينار حول تنظيم السلطة العثمانية بإيالة تونس في بداية حضورها بالبالد ،بيد
ُ
أن ما قدمه يطغى عليه االختصار الشديد ،الذي يمكن أن ُيقدم بعض اإلضاءات عن تلك الفترة ،دون أن
يكشف عن الكثير من جوانبها.24
المالحظة ،يمكن أن نسحبها على بقية الكتابات اإلخبارية المحلية في النصف الثاني من
تقر ًيبا نفس هذه ُ
القرن الثامن عشر والقرن السابع عشر فيما يتعلق بعموم الفترة التي ندرسها ،أي القرن السادس عشر ،فمثالً
حمودة بن عبد العزيز (توفي )1787الذي كان رئيس ديوان اإلنشاء في عهد الباي علي وابنه حمودةُ ،مؤلف
"الكتاب الباشي" الذي ُكتب لعلي باشا بن حسين باي سنة 1759لم ُيضف أي جديد سوى ُ
أنه قد عالج بصفة
واضحة سقوط الدولة الحفصية من وجهة النظر الخلدونية ،بمعنى التأسيس الذي يتلوه االزدهار والرخاء والذي
يؤدي بدو ِره إلى الفساد المؤذن بالخراب واالندثار.25
أما محمد الباجي المسعودي (توفي ،)1880صاحب كتاب الخالصة النقية في أمراء أفريقية ،فقد أتصف
سبقه بالنقل مع التلخيص الشديد ،26وتواصل تقديم التدخل العثماني بتونس في القرن السادس عشر
عمله كمن ُ
ُ
كإنقاذ للبالد و"قطع لدابر الكافرين" .27يسير أحمد ابن أبي ضياف (توفي )1874بإعتباره وهو كذلك من
28
()1872 رجال دولة البايات وأحد وزرائها في كتابه إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان
سبقه من اإلخباريين في خدمة الدعاية العثمانية ،والقائمة على أساس أن
ُ سلكه ُكل من
ُ على نفس النهج الذي
شرعية حكام الدولة هي شرعية جهادية ،بمعنى أن األحقية بكرسي الحكم ال تكمن في نسبهم الشريف كحال
24خوجة (حسين) ،بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان ،مصدر سابق ،ج ،3صص.6-5
25
26الباجي المسعودي (أبو عبد هللا محمد) ،ال ُخالصة النقية في أُمراء أفريقية ،تحقيق محمد زينهم محمد عزب ،القاهرة ،دار اآلفاق العربية،2013 ،
صص.209-202
27الباجي المسعودي (أبو عبد هللا محمد) ،ال ُخالصة النقية في أُمراء أفريقية ،مصدر سابق ،ص.209
28ابن أبي الضياف (أحمد) ،إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان ،تحقيق محمد شمام ،تونس ،الدار التونسية للنشر ،1990 ،م ،1ج،1
صص 192-190وم ،1ج ،2صص.27-9
10
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
العلويين ومن قبلهم السعديين في المغرب ،بل في سيوفهم ورماحهم التي حمت البالد من الخطر المسيحي ،بل
نوعا من "الفتح اإلسالمي" الجديد.
شكل تدخلهم سنة ً 1574
سبقه من ُكتاب ،وبالنظر إلى تمرسه بالشأن العام والدولة ،لم ُيقارب ابن أبي الضياف نهاية
ُ عكس من
المقاربة الخلدونية في زوال الدول،
أيضا ُ
الحكم الحفصي بالبالد من وجهة نظر أخالقية أو دينية ،بل استعمل ً
حمل موالي الحسن المسؤولية ،وجعل نهاية الدولة تدخل في حلقة القوة والضعف التي ال تنتهي ،يقول:
فلم ُي ّ
له األمر حاول تالفي الخرق ،فأبطل المكوس كلها ،وأجرى الناس على
"بويع يوم وفاة أبيه (موالي الحسن) .ولما تم ُ
ومخالسة أمل شارد .واثنان أعيت الحيلة فيهما :إقبالضرب في حديد باردُ ،
ٌ أنه
عادة جده ُعثمان وأجمل السيرة ،إال ُ
العطب في الحيلة".29
ُ األمر إذا أدبر ،وإدبارهُ إذا أقبل ،وإذا أدبر األمر كان
إذن مما سبق ،يمكن القول أن ابن أبي الضياف وإن اشترك مع ُمعظم الكتاب في النقل عن من سبقوهُ ،فقد
اتصفت األوراق التي خصصها لنهاية الحفصيين وعموم القرن السادس عشر ببعض اإلضافات والتعاليق
المتسمة بنوع من الحس النقدي أو الواقعي ،الذي يعكس خلفيته الوظيفية ومسار حياته وقيامه بعدد من الرحالت
ُ
وتحديدا القسطنطينية سنوات 1831و 1842وأوروبا ،بمعنى زيارته إلى فرنسا رفقة الباي أحمد
ً إلى الشرق
باشا سنة ،1846كما يعكس وضعية السلطة الي كان يخدمها ،بمعنى دولة كانت تُكافح للبقاء في ظل نهاية
نظام عالمي قديم وتشكل نظام جديد.
المعاصرة
.3الدراسات ُ
حترما
عددا ُم ً
المعاصرة مع وتيرة المصادر المحلية ،حيث نجد ً
تماهت إلى حد كبير اإلسطوغرافيا التاريخية ُ
من الدراسات حول الدولة الحفصية قبل القرن السادس عشر ،والتي يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال
العمل المرجعي لروبار برنشفيك تاريخ إفريقية في العهد الحفصي ،30وكتاب محمد العروسي المطوي السلطنة
الحفصية :تاريخها السياسي ودورها في المغرب اإلسالمي ،31فعمل محمد حسن المدينة والبادية بإفريقية
33
في العهد الحفصي ،32وكتاب الحملة الصليبية على تونس سنة :1270تاريخ متوسطي لميشال الور
إلخ .في المقابل فإن الدراسات حول تونس القرن السادس عشر ،أي ما أسميه فترة "احتضار الدولة الحفصية"
جدا بالمقارنة مع الفترات السابقة والالحقة في تاريخ تونس.
محدودة ً
29ابن أبي الضياف (أحمد) ،إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان ،م 1.وم ،2.ص.191
30برنشفيك (روبار) ،تاريخ إفريقية في العهد الحفصي ،تعريب حمادي الساحلي ،بيروت ،دار الغرب اإلسالمي.1988 ،
31محمد العروسي المطوى ،السلطنة الحفصية تاريخها السياسي ودورها في المغرب اإلسالمي ،بيروت ،دار الغرب اإلسالمي.1986 ،
32حسن (محمد) ،المدينة والبادية بإفريقية في العهد الحفصي ،تونس ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية.1999 ،
33
Lower (Michael), The Tunis Crusade of 1270: A Mediterranean History, Oxford, Oxford University Press, 2018.
11
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
34
Elie de La Primaudaie(F.), «Documents inédits sur l'histoire de l'occupation espagnole en Afrique (1506-1574(»,
Revue Africaine, XIX, 1875, pp.62-77, 148-157, 161-193, 265-288, 337-360, 483-496; XX, 1876, pp.128-144, 232-
244, 320-335, 387-416.
35
Gustave Hannezo, «Occupation espagnole de la Goulette et de Tunis de 1535 à 1574», Revue Tunisienne, N.19
(1912), p. 3-20, 177-191, 248-262.
36
Poinssot (Louis) et Raymond (Lantier), Les gouverneurs de La Goulette durant l'occupation espagnole : 1535-
1574, Tunis, Soc. Anonyme de l'Imprimerie Rapide, 1930.
37
Gaignard (Catherine), «Un bel exemple d'entente hispano-tunisienne, le traité du 6 août 1535 entre Charles quint et
Moulay Hasan», Mélanges Louis Cardaillac / études réunis et préfacées par Abdeljelil Temimi. - 1e éd. - Zaghouan :
Fondation Temimi pour la recherche scientifique et l'information, 1995, Vol.I, pp.319-328.
38
Arnoulet (François), « les derniers princes hafcides a Tunis 1526-1574) à partir de documents espagnols et italiens
du XVe et XIIe siècle », en AHROS N.15-16 (1997), pp.41-51.
39
Bono (Salvadore), « Documenti inedeti e rari sulta storia della Tunisia negli anni 1573-1574», Studi Maghrebini 1,
pp.91-101; « Tunisi e la Goletta negli anni 1573-1574 », Africa, Anno 31, No. 1 (1976), pp. 1-39; « L'occupazione
spagnuola e la riconquista musulmana di Tunisi (1573-. 1574) », Africa, Anno 33, No. 3 (1978), pp. 351-381.
40
Boubaker (Sadok), «L'empereur Charles Quint et le sultan hafside Mawlay al-Hasan ( 1525- 1550», In Empreintes
espagnoles dans l’histoire tunisienne, études réunies par Sadok Boubaker et Clara Ilham Álvarez Dopico, Gijón,
Ediciones Trea, S. L., 2011. pp.13-82.
12
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
معاهدة 6أوت ،1535والتي حددت طبيعة العالقة بين السالطين الحفصيين و "الحماة" اإلسبان ،كما أعاد
نشر خمس رسائل أخرىُ ،مترجمة إلى الفرنسية من موالي الحسن إلى شارل الخامس ،وفرنثيسكو دي لوس
غوبوس و فرننادو غونثاغا .41كذلك قمنا نحن بعد سنتين ( )2013بنشر دراسة في المجلة التاريخية المغاربية
معنونة بـ" :وثيقتان غير منشورتان بين موالي الحسن الحفصي والملك اإلسباني شارل الخامس" ،42تلتها في
سنة 2015دراسة أخرى باالشتراك مع األستاذ عبد الجليل التميمي تحمل عنوان" :رسائل حفصية جديدة
بأرشيف سيمانكس العام ،43)1536-1535( :فدراسة ثالثة في سنة 2021باإلشتراك مع كريستال باسكنس،
قمنا فيها بإعادة تحقيق مجموعة الرسائل الحفصية وترجمتها للغة االنجليزية.44
من جهة أخرى وفيما يتعلق بدراسة تونس القرن السادس عشر باالعتماد على الوثائق العثمانية،
ومستهل ن
فالمالحظة األولية هي أن التعويل على هذه الوثائق لم يعرف تطور نسبي إال في نهاية القر العشرين ُ
القرن الواحد والعشرين ،أي بفضل أعمال عدد من الباحثين األتراك كخليل الساحلي أوغلو الذي نشر منذ
سبعينات القرن العشرين ً
عددا من الوثائق العثمانية عن عموم الحضور التركي ببالد المغرب ،45تالها في
التسعينات مقال آخر هام لنفس الكاتب حول البعثة التي أرسلها السلطان الحفصي موالي الحسن للقسطنطينية
46
أيضا ،يمكن
سنة 1531لمقابلة السلطان سليمان القانوني وبحث إمكانية إيجاد تحالف حفصي /عثمانية ً .
اإلحالة على كتاب التركي عزيز سامح إلتر األتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية الذي وإن ركز على
فإنه تطرق لبعض جوانب هذا الحضور ببقية المناطق المغاربية ومنها تونس.47 الحضور العثماني بالجزائر ُ
باإلضافة إلى الباحثين األتراك ،لعب األستاذ عبد الجليل التميمي منذ الثلث األخير من القرن العشرين
المعتمدة على الوثائق العثمانية ،حيث درس ونشر العديد
أساسيا في تطوير الدراسات التاريخية التونسية ُ
ً دور
ًا
المهتمة باإلياالت المغاربية ،والتي جمعها في كتاب هام ُنشر سنة 2009تحت عنوان دراسات في
من الوثائق ُ
41
باإلضافة إلى هذه الدراسات التي قامت بنشر بعض الوثائق الحفصية اإلسبانية ،فإنهُ يمكننا أن نحيل كذلك إلى دراسة سيلفي دسوارت Ibid., pp.72-82
روزا:
Deswarte-Rosa (Sylvie), L'Expédition de Tunis (1535): images, interprétations, répercussions culturelles, Paris,
Honoré Champion, 1998.
42شاشية ،حسام الدين" ،وثيقتان جديدتان بين موالي الحسن الحفصي والملك شارل الخامس" ،المجلة التاريخية المغاربية ،عدد ،)2013( 152
صص425-411
43شاشية (حسام الدين) والتميمي (عبد الجليل)" ،رسائل حفصية جديدة بأرشيف سيمانكس العام ،"1536-1535:المجلة التاريخية المغاربية ،عدد 157
( ،)2015صص.455-423
44
Chachia (Houssem Eddine) and Baskins (Cristelle), «Ten Hafsid Letters (1535-1536) from the General Archive of
Simancas (Spain) respecting the politic situation in Tunisia after the 1535 defeat of the Ottoman and the restoration
of Hafsid rule», Hespéris-Tamuda, Nº.56 (2021), 1, pp.427-438.
45خليل الساحلي (أوغلو)" ،وثائق عن المغرب العثماني أثناء حرب مالطة سنة ،"1565المجلة التاريخية المغاربية ( ،)1977عدد ،08-07صص -40
.60
46خليل الساحلي (أوغلو)" ،سفارت السلطان الحسن الحفصي إلى السلطان العثماني سليمان القانوني سنة ،"1535المجلة التاريخية المغاربية ،عدد -87
،)1997( ،88صص.560-537
47إلتر (عزيز سامح) ،األتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية ،ترجمة عبد السالم أدغم ،طرابلس ،منشورات دار الفرجاني.1991 ،
13
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
العثماني المغاربي خالل القرن السادس عشر ،48ويقوم هذا العمل على ست دراسات ،حاولت باالعتماد
التاريخ ُ
أساسا على الفرمانات والمراسالت العثمانية دراسة الجوانب المتعلقة بالمسائل اإلدارية والتنظيمية لبداية الحضور
ً
التركي في إياالت طرابلس الغرب ،تونس والجزائر ،والوسائل التي استعملها العثمانيون للسيطرة على المجال،
هذا باإلضافة إلى تخصيص دراسة للرسومات التركية التي أرخت لحملة سنان باشا على البالد سنة .1574
تخص اإلياالت المغاربية
تلى هذه الدراسات قسم مالحق على غاية كبيرة من األهمية ضم 291وثيقة عثمانية ُ
رسما التي وردت في ُملحق الدراسة الرابعة.50 49
الثالث ،باإلضافة إلى الست عشر ً
كذلك ساهم ُمؤيد المناري في تمكين الباحثين من الوصول واالطالع على ُمحتوى الوثائق العثمانية،
التي كانت المادة األساسية في ُمختلف األبحاث التي أصدرها عن تونس القرن السادس عشر 51أو في أطروحته
الهامة التي ناقشها في جامعة إسطمبول وصدرت في سنة ُ 2023مترجمة للغة العربية تحت عنوان عثمنة
مدينة القيروان وأثرها في معالم القرنين السابع عشر والثامن عشر ( ،52)1782-1557حيث وإن كان
الجانب األكبر من هذه األطروحة يتعلق بالجوانب المعمارية ،وتم التركيز على الحضور التركي بمدينة القيروان،
المتعلقة بعموم الحضور العثماني في
فإنه يمكننا من خالل الفصل األول الوقوف على العديد من المسائل ُ
ُ
تونس القرن السادس عشر .
53
في نفس اإلطار ،أي نشر الوثائق العثمانية حول تونس ،يمكن أن ُنحيل على مشروع "البالد العربية
في الوثائق العثمانية" ،التابع لـ "مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية" ،والذي يتم من خالله تحقيق
وترجمة عدد من الوثائق العثمانية للغة العربية ،حيث تم تخصيص المجلد العاشر لـ" :والية تونس في القرن
ُ
العشر الهجري/السادس عشر الميالدي" .54اتبع ُمؤلف الكتاب فاضل بيات منهجية تقوم على التقديم للوثائق
ثم إيراد النص األصلي العثماني ُيقابله الترجمة العربية ،مع إيراد صور عالية الدقة للوثائق المنشورة .قام الكاتب
بتقسيم الوثائق حسب موضوعاتها أي وثائق تتعلق بـ" :تحرير تونس وحمايتها واستتباب األمن بها" ،ثم مجموعة
ثانية حول "الشؤون اإلدارية" ،فمجموعة ثالثة حول "الشؤون القضائية" ،فرابعة حول "األوقاف والشؤون الدينية"،
48التميمي (عبد الجليل) ،دراسات في التاريخ العثماني المغاربي خالل القرن السادس عشر ،تونس ،مؤسسة التميمي.2009 ،
49نفس المرجع ،صص.312-173
50نفس المرجع ،صص.140-125
51المناري (مؤيد)" ،أبو الطيب الخضار الرياحي وعالقته باألتراك" ،المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية ،عدد ،)2017( 56-55صص-6
7؛ "الحملة العثمانية على تونس سنة 1574م من خالل مصادر التاريخ التركي في العصر الحديث" ،المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية ،عدد
،)2021( 63صص 270-241؛ مؤيد المناري" ،ديوان جند اإلنكشارية ومقام الحاجي بكتاش ولي بإيالة تونس :الوالء ورمزية االنتماء العثماني" ،السبيل:
مجلة التّاريخ واآلثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية] ،عدد ، 14سنة 2022.الرابط http://www.al-sabil.tn/?p=9415 :بتاريخ 11/23
.2023/
52المناري ( ُمؤيد) ،عثمنة مدينة القيروان وأثرها في معالم القرنين السابع عشر والثامن عشر ( ،)1782-1557تونس ،دار المسيرة.2023 ،
53نفس المرجع ،صص.71-25
54بيات (فاضل) ،البالد العربية في الوثائق العثمانية :والية تونس خالل القرن العاشر الهجري /السادس عشر ميالدي ،إسطمبول ،مركز األبحاث
للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية.2022 ،
14
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
"حكام تونس من الحفصيين فخامسة حول "الشؤون االقتصادية" ،ثم "شؤون العسكر واألسرى" ،و ًا
أخير حول ُ
والزعامات المحلية والعشائر واألعيان".
باإلضافة إلى الوثائق اإلسبانية والعثمانية ،نالحظ أن الباحثين في تاريخ تونس القرن السادس عشر
المهمة في تلك الفترة قد إعتمدوا ما يمكن
وتحديدا في دراسة تاريخ الحركة الشابية التي لعبت العديد من األدوار ُ
ً
تسميته بالوثائق والمصادر الشابية ،فمن بين أوائل الباحثين في هذا الشأن يمكن أن نذكر الفرنسي شارل
ُ
له سنة 1939بعد وفاته مجموع الدراسات التي نشرها في "المجلة التونسية" ،تحت عنوان
مونشيكور الذي ُنشر ُ
"دراسات قيروانية :القيروان والشابية ( 55")1592-1450والذي تُرجم إلى عربية عن طريق محمد العربي
السنوسي .56ثم كتاب "تاريخ الشابية خالل العهدين الحفصي والعثماني لعلي الشابي" ،57هذا باإلضافة إلى
ؤخر ككتاب "مجموع الفضائل في سر منافع الرسائل في بداية
مجموعة المصادر الشابية التي صدرت ُم ًا
الطريق ألهل التحقيق" 58ألحمد بن مخلوف الشابي (ت )1492وكتاب "الفتح المنير في التعريف بطريقة
59
الش ّابي (ت )1618وكتاب "مناقب الشيخ محمد المسعود
ربوا به الفقير" لمحمد المسعود ّ
الش ّابّية وما َّ
ّ
الشابي" ،60لعلي بن مسعود الشابي (ت)1663
فنالحظ في السنوات
باإلضافة إلى االعتماد على الوثائق والمصادر اإلسبانية ،العثمانية والمحليةُ ،
أساسا الحضور اإلسباني في تونس من وجهة نظر تاريخ الفن ،حيث حظيت األخيرة تزايد األعمال التي عالجت ً
وخصوصا ما ُيعرف بـ" :زرابي حملة تونس" بإهتمام
ً األعمال الفنية التي "خلدت" الحملة اإلسبانية على تونس
كبير ودراسة معمقة من الباحثين األوروبيين .61كذلك صدر في سنة 2022كتاب "الحفصيين والهابسبورغ
62
لكريستال باسكنس .تجدر اإلشارة إلى أن هذا الكتاب في متوسط العصر الحديث المبكر :مواجهة تونس"
55
Monchicourt (Charles), Kairouan et les Chabbïa : 1450-1592, Tunis, impr. j. aloccio, 1939.
56مونشيكور (شارل) ،القيروان والشابية ،1592-1450تونس ،نقائش عربية.2015 ،
57الشابي (علي) ،تاريخ الشابية خالل العهدين الحفصي والعُثماني ،تونس ،جمعية الشابي للتنمية ونقوش عربية.2015 ،
58الشابي (أحمد بن مخلوف) ،مجموع الفضائل في سر منافع الرسائل في بداية الطريق ألهل التحقيق ،تقديم وتحقيق مبروك السوسي ،تونس ،جمعية
الشابي للتنمية.2018 ،
59ال ّ
شابّي (محمد المسعود) ،الفتح المنير في التعريف بطريقة الشّابّيّة وما ربَّوا به الفقير ،تحقيق عثمان البرهومي ،تونس ،جمعية الشابي للتنمية.2021 ،
60الشابي (علي بن محمد المسعود) ،مناقب الشيخ محمد المسعود الشابي ،تحقيق عبد هللا الشابي ،مراجعة وتقديم علي الشابي ،تونس ،جمعية الشابي
للتنمية ودار صامد.2022 ،
61
Miguel Ángel de (Bunes Ibarra), «Vermeyen y los tapices de la ‘Conquista de Túnez’» in Historia y representación
La imagen de la guerra en el arte de los antiguos Países Bajos,ed. Bernardo José García García (Madrid: Complutense
”University, 2006),pp. 95–134; Kunzle, David; “Vermeyen’s Tapestry Series on the Conquest of Tunis by CharlesV,
; in From Criminal to Courtier: The Soldier in Netherlandish art 1550–1672(London/Boston: Brill, 2002), pp. 63–80
SCHMITZ-VON LEDEBUR Katja, « Emperor Charles V Captures Tunis: a Unique Set of Tapestry Cartoons», Studia
Bruxellae, 2019/1 (N° 11), p. 387-404. DOI : 10.3917/stud.011.0387. URL : https://www.cairn.info/revue-studia-
bruxellae-2019-1-page-387.htm ; Horn, Hendrik J. “‘The Sack of Tunis’ by Jan Cornelisz Vermeyen: A Section of a
–Preliminary Drawing for His ‘Conquest of Tunis Series.’” Bulletin van Het Rijksmuseum, vol. 32, no. 1, 1984, pp. 17
24. JSTOR, http://www.jstor.org/stable/40382148. Accessed 23 Nov. 2023.
62
Baskins (Cristelle), Hafsids and Habsburgs in the Early Modern Mediterranean Facing Tunis, Cham: Springer
International Publishing Palgrave Macmillan, 2022.
15
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
ال يتناول بنفس الدرجة ُمجمل تاريخ العالقة بين الحفصيين والهابسبورغ على امتداد القرن السادس ،أي فترة
التواصل بين الساللتين الحاكمتين في تونس وإسبانيا ،بل هو ُيركز على موالي الحسن الحفصي "البطل الرئيسي"
في الكتاب -إن صح التعبير ،-بمعنى الفترة المتراوحة بين سنتي 1534و ،1549والتي تُمثل ما يمكن أن
نطلق عليه "الحقبة الهابسبورغية" في حياة "أمير المؤمنين" وسلطان تونس موالي الحسن.63
خصوصا في إسبانيا على امتداد الفترة الحديثة عدد من األعمال
ً باإلضافة إلى األعمال الفنية صدرت
أساسا لحملة سنة 1535كمسرحية "كارلوس الخامس
األدبية من أناشيد وأشعار وروايات ومسرحيات أرخت ً
64
المقابل فإن االهتمام في تونس
على تونس" لخوسيه دي كانيثارس ( José de Cañizaresت .)1770في ُ
65
بتقديم تمثل أدبي ألحداث القرن السادس عشر وإذا ما أستثنينا مسرحية موالي السلطان الحسن الحفصي
محدودا وحديثًا ،حيث ال يمكن أن نذكر إال رواية "برق الليل" 66للبشير خريف
ً ( )1977لعز الدين المدني يبدو
67
لحسنين بن عمو ،ورواية ُقبة آخر الزمان التي صدرت أول مرة سنة 1961ورواية رحمانة ()2001
( 68)2006لعبد الواحد براهم ، ،ثم رواية علياء مبروك الملك الغامض (.69 )2007
المعاصرة لتاريخ تونس في القرن السادس عشر ،فإننا لمختلف أوجه تناول الدراسات ُ بعد هذا العرض ُ
خصوصا على
ً سنحاول فيما يلي الوقوف على عموم نظرة الدراسات التاريخية التونسية لتلك الفترة ،مع التركيز
المجملة للتاريخ التونسي .أولى هذه األعمال يمكن القول أنها كانت كتاب محمد البشير صفر مفتاح
الكتابات ُ
التاريخ ُمفكرات ومقاالت تاريخية 70والذي هو في األصل دروس ُقدمت في الخلدونية ما بين سنتي 1897
و .1908لم ُيخصص الكاتب إال بضع أسطر للحديث عن نهاية الدولة الحفصية وانتصاب العثمانيين بالبالد،
حيث يقول:
تماما سنة 940هـ ( )1534فتغلب عليها خير الدين التركي
فشيئا إلى أن ضعف أمرها ً شيئا ً" ...ثم تداعت ً
ونشأ عن ذلك التجاؤها إلى حماية اإلسبانيول ،فلبثت تحت حماية ملوك إسبانيا وهي على أسوء حال إلى أن
كان الفتح العثماني سنة 981هـ (.71")1574
16
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
مما سبقُ ،يمكن أن ُنالحظ أن البشير صفر ُيقدم سيطرة العثمانيين على البالد كـ "فتح" وإنقاذ لها من
وميله الواضح
ُ فته في أواخر الدولة الحفصية وفي ظل "الحماية اإلسبانية" .رؤية الكاتب
االنحطاط الذي عر ُ
لجانب األتراك ،يتأكد في التمهيد الذي خصصه في كتابه لتاريخ اإلمبراطورية العثمانية ،فهو يقول:
المقاربة لعموم التاريخ الحفصي ،فيمكن القول أن حسن حسني عبد الوهاب هو أول
على الرغم من هذه ُ
ومكثفة للمسار التاريخي لتونس القرن السادس عشر،76 ن
مؤرخ تونسي ُيقدم في القر العشرين سردية جامعة ُ
المؤنسحيث يظهر بوضوح اعتماده وتبنيه لمقوالت المصادر التونسية المحلية ،وباألساس ما ورد في كتاب ُ
ُ
في أخبار إفريقية وتونس ،هذا مع عدم استبعاد اطالعه على عدد من الكتابات الفرنسية التي تعود لنهاية
القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .هنا تجدر اإلشارة إلى أن الكاتب قد توسع في الفترة ما قبل سنة
ُ 1574مقابل اختصاره الشديد (ورقة ونصف) فيما يتعلق ببداية الحضور التركي ،حيث كاد يستنسخ ما ورد
في كتاب "ذيل بشائر أهل اإليمان".
17
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
الكتاب التاريخي الجامع الثالث الذي ندرسه في هذا العنصر هو كتاب األستاذ محمد الهادي الشريف تاريخ
77
(تقريب الطبعة األولى كانت في سنة .)1980تناول تونس :من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل
الكاتب فترة أفول الدولة الحفصية وتركز الحكم العثماني بالبالد في المحور المعنون بـ" :العهد العربي" و ً
تحديدا
في فصله األخير "إفريقية من الزحف الهاللي حتى انحالل الدولة الحفصية" ،ثم في بداية المحور الذي يليه
والمعنون بـ" :العصور الحديثة."1815-1574 :
ُيقارب األستاذ الشريف الفترة المتراوحة ما بين القرنين الحادي عشر والسادس عشر على أنها فترة تقهقر
ُمتواصل في تاريخ أفريقيةُ ،محاوالً تنسيب مقولة أن السبب الرئيسي لهذا التراجع هو وفود القبائل الهاللية
الغازية ،حيث وإن ُيقر بأن هذا "الغزو" قد أدى إلى انتشار البداوة وتأصيلها أو دعمها وازدياد الفوارق بين
فإنه يعود للتأكيد بأن هذا الحدث وعلى أهميته ال ُيفسرالمناطق الداخلية والمناطق الحضرية أو الساحليةُ ،
وحدهُ طريق االنحدار الذي عرفته البالد والمنطقة ككل ،بل ُيفسرهُ كذلك "االنقسام السياسي الذي وقع بإفريقية
واستسالمها وعدم مقاومتها لمن قصدها من غزاة.78"...
أنه محاولة للبحث في الجذور البعيدة ألزمة تونس الشديدة في القرن السادس
يقدمه الكاتب هنا ،يبدو و ُ
ُ ما
عشر ،على الرغم لما بين هذه األزمة والقرن الحادي عشر من فترات إش ارق وازدهار -ال ينكرها المؤلف -بيد
المقاربة القائمة على الزمن الطويل وعلى الرغم أنه ُيقاربها من وجهة نظر أنها أقواس أو ازدهار ظرفي .هذه ُ ُ
من تماسكها ،فإنها في حاجة حسب رأينا لمزيد االختبار القائم على الدراسة والمقارنة الفعلية للبنى االجتماعية،
االقتصادية والسياسية إلفريقية ما قبل وما بعد القرن الحادي عشر.
من جهة أخرى وفي محاولة الشريف لتفسير أسباب قوة أو امتداد حياة السلطنة الحفصية طويالًُ ،يقدم لنا
جملة من األسباب ،التي لعل أهمها هو ما اتسم به النظام الحفصي من تزهد وبساطة في المستويين السياسي
واإلداري ،واالعتماد في المستوى االقتصادي على موارد مالية ال ترتكز فقط وباألساس على النظام الضريبي
المتأتي من الرعية ،بل على عائدات التجارة الخارجية والقرصنة .أما بالنسبة لقوة الدولة الردعية ،بمعنى الجيش،
ُ
فباإلضافة إلى القوات المحلية ،فقد اعتمد الحفصيون على نخبة عسكرية منفصلة عن ُ
المجتمع المحلي ،أي
"المرتزقة من األجانب من األندلسيين والمشارقة والزنوج وفي نهاية األمر المسيحيين".79
أما بالنسبة ألسباب تراجع الدولة ،فيرى الشريف أن سببها الرئيسي هو عدم قدرة أو رغبة الحفصيين في
السيطرة على المناطق الداخلية للبالد ،التي كانت تحت نفوذ قبائل الرحل وشبه الرحل ،ما أدى إلى "تفتت
وخطر
ًا مصدر إلضعاف الدولة المركزية،
ًا دائما
خصوصا مثلت ً
ً المجتمع داخل البالد" .هذه القبائل المحاربة
77الشريف (محمد الهادي) ،تاريخ تونس :من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل ،تونس ،سراس.1993 ،
78الشريف (محمد الهادي) ،تاريخ تونس ،مرجع سابق ،صص.51-49
79الشريف (محمد الهادي) ،تاريخ تونس ،مرجع سابق ،صص.56-55
18
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
على المجتمع المديني ،سيما في أوقات األزمات وتراجع الموارد .هذه البنية االجتماعية لتونس الحفصية،
وانتشار التصوف في معظم بالد المغرب ،وما وقع على المستوى العالمي من "اكتشافات كبرى" هي التي أدت
حسب ما نفهم من التحليل الذكي للكاتب في نهاية القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر ،إلى دخول الدولة
الحفصية في أزمة شديدة ،أدت إلى زوالها.80
لمجمل أحداث القرن السادس عشر حتى سنة ،1574 ُيخصص األستاذ الشريف فقط ورقة ونصف للفترة ُ
حيث ُيركز على أن الصراع اإلسباني العثماني لم يكن على البالد التونسية في حد ذاتها ،بل على موقعها
اإلستراتيجي ،أي إشرافها على مضيق صقلية الرابط بين الحوضين الشرقي والغربي للمتوسط .81نفس هذا
االختزال سنجدهُ فيما يتعلق ببداية الحكم التركي بالبالد نهاية القرن السادس عشر ،حيث وقع تخصيص ثالثة
أوراق تقر ًيبا لشرح تركيبة وخصوصيات هذا النظام الجديد ،الذي اعتمد في بدايته على العناصر التركية الوافدة،
التي وجهت موارد الدولة األساسية لدفع رواتبها وامتيازاتها والحاجيات المتعلقة بالمسائل العسكرية واإلدارية ،في
حين تُركت المجتمعات المحلية في حالتها المألوفة ما دامت تُلبي الحاجيات المالية للحكام الجدد وال تعلن الثورة
عليهم.82
بعد عدة سنوات من كتاب الشرفي ،صدر في سنة 2007كتاب آخر جامع لتاريخ تونس ،هو كتاب تونس
عبر التاريخ وهو كتاب جماعي تحت إشراف األستاذ خليفة شاطر في أجزائه الثالث األولى ،وزهير المظفر
جعله
ُ في جزأه الرابع ،وصادر عن مؤسسة رسمية هي "مركز الدراسات والبحوث االقتصادية واالجتماعية" ،ما
خطه رئيس البالد حينها زين العابدين بن علي" :عمل
ُ نوعا من التاريخ الرسمي ،وهو كما ورد في التقديم الذي
ً
شامل واألول من نوعه في تونس الحديثة...هو في حد ذاته ُنقلة جوهرية تُكرس تطور المدارس الفكرية التونسية
في ُمختلف المجاالت".83
ُيمكننا أن نقف من خالل هذا الكتاب على ُمقاربة تاريخية للقرن السادس عشر في تونس ،هي ُجزء من
نسيج السردية التاريخية حول بناء الدولة في تونس منذ العصور القديمة حتى "تونس التحول" .اإلشارة السابقة
خصوصا في أجزائه الثالثة
ً ونعت هذا العمل بالتاريخ الرسمي أو شبه الرسمي ال يعني أن مؤلفيه قد سقطوا
األولى في نوع من التمجيد والبروبغندا الرخيصة للدولة ،بل هو تأكيد على الطابع المؤسساتي لهذا العمل،
ورغبة جهاز الدولة في إيجاد تاريخ جامع تحت رعايتهاُ ،يقدم بطريقة أو أخرى رؤيتها للتطور التاريخي للبالد،
على أساس كما ُذكر في التقديم أن التاريخ هو "مبنى الهوية والعمود الفقري للشخصية الوطنية".84
19
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
نجد الحديث عن القرن السادس في هذا العمل في الجزء الثاني ،في المحور المعنون بـ" :تونس من والية
تدوينه
ُ وتحديدا في الفصل األول المعنون بـ" :تونس إيالة عثمانية" 85والذي تولى
ً عثمانية إلى دولة حسينية"،
مبدئيا ،من خالل العنوان ،يمكن أن ُنالحظ إصباغ ُكل هذا القرن بالصبغة العثمانية،
ً األستاذ لطفي عيسى.
أنه وكما سنرى فيما يلي من بقية محاور هذا الدرس أن العثمنة والعثمانيين لم يكونوا لوحدهم الفاعلين في
مع ُ
تاريخ البالد خالل هذا القرن ،بل شاركهم ونافسهم في صناعة ذلك التاريخ ،الحفصيون ،اإلسبان والشابيون.
هنا ،يبدو أن المؤلف قد قارب أحداث هذا القرن من زاوية أنها أسباب ونتائج لدخول البالد تحت مظلة
العثمانيين.
المؤلف هذا الفصل بالتأكيد على صعوبة البحث في تاريخ القرن السادس عشر التونسي ،حيث يقول:
يبدأ ُ
يعسر الربط بين ُمختلف مكوناتها."86
"فنحن إزاء مفصلة زمنية أو حلقة تاريخية شكلت على الدوام بقعة ظل ُ
ؤكدا أن بقعتي الضوء الوحيدتين مصدرًيا حول هذه الفترة هي دخول اإلسبان إلى تونس سنة ،1535ثم
ُم ً
الحملة العثمانية على البالد سنة ،1574في حين أن ما بينهما هو بحر من الضباب -على حد عبارة جون
كثير شد الرحال فيه.
يصعب ًا
ُ لويس غاديس-
أساسا على ُكتب الرحالة ،غير
على الرغم من هذا "االعتراف" فإن الباحث ُيقدم محاولة طريفة باالعتماد ً
تحليله للوقائع بالحديث عن الحضور اإلسباني
ُ أنه لم يلتزم في هذه المحاولة بالمسار الكرونولوجي ،فهو يبدأ
ُ
في البالد ،وبالتحديد حملة كارلوس الخامس وما تالها من تشييد وتوسعة لحصون عسكرية في كل من بنزرت
ؤكدا على أهمية هذه التحصينات في حفظ المصالح اإلسبانية في الحوض الغربي للمتوسط، وحلق الواديُ ،م ً
وخصوصا فيما يتعلق بتأمين التجارة البحرية بين شمال وجنوب المتوسط الغربي ،بمعنى أن الحضور في تونس
ً
يدخل ضمن المشروع اإلسباني للتواجد الفاعل في السواحل المغاربية.87
وشح المصادر التي هي المقتضب للحقبة اإلسبانية ،الذي اقتضته طبيعة الكتاب الجامع ُ بعد هذا العرض ُ
كما يقول عيسى "ُقطب الرحى بالنسبة للبحث التاريخي ًأيا كان مدارهُ الزمني" ،88يعود الكاتب لنهاية القرن
أساسا أعراض هذا
ً الخامس عشر في محاولة للوقوف على أسباب انهيار الدولة الحفصية ،حيث ُيقدم لنا
المدن ينحسر
االنهيار باالعتماد على شهادات الرحالة ،والتي من بينها انتشار البداوة ،والحرابة ،ما جعل مجال ُ
أمام تهديدات القبائل وحصار النازحين ألسوارها ،ما أدى إلى تراجع األنشطة التجارية والفالحية وغيرها من
األنشطة االقتصادية ،في ُمقابل تصاعد الضغوطات الجبائية على السكان ،الذين لم يجدوا حسب ما ينقل
85عيسى (لُطفي)" ،تونس إيالة عثمانية" ،في تونس عبر التاريخ ،تحت إشراف خليفة شاطر ،تونس ،تونس ،مركز الدراسات والبحوث االقتصادية
واالجتماعية ،2007 ،ج ،2.صص.203-185
86عيسى (لُطفي)" ،تونس إيالة عثمانية" ،مرجع سابق ،ج ،2ص.185
87عيسى (لُطفي)" ،تونس إيالة عثمانية" ،مرجع سابق ،ج ،2صص.190-185
88عيسى (لُطفي)" ،تونس إيالة عثمانية" ،مرجع سابق ،ج ،2صص.186
20
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
89
Sebag (Paul), « Une ville européenne à Tunis au XVIe siècle », Le Cahiers de Tunisie, 1961, pp. 97-109.
90عيسى (لُطفي)" ،تونس إيالة عثمانية" ،مرجع سابق ،ج ،2صص.195-193
91عيسى (لُطفي)" ،تونس إيالة عثمانية" ،مرجع سابق ،ج ،2ص.198
21
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
المكثف والهام للقرن السادس عشر ،يؤكد كما وقفنا من خالل كتاب األستاذ محمد الهادي هذا العرض ُ
اتخذته األبحاث التاريخية التونسية تجاه هذا "القرن العصيب" ،غير
ُ الشريف تاريخ تونس المسار النقدي الذي
وخصوصا ما ورد في خاتمة العرض يجعلنا ُنالحظ أن هذه القراءة لم تتخلص بصفة كاملة
ً أن بعض اإلشارات
من تأثير البروبغندا العثمانية التي روجتها المصادر على امتداد ما يجاوز الثالث قرون ،من أن التدخل التركي
هو إنقاذ للبالد ،حيث يقول الكاتب في خاتمة عرضه" :وضعت الحملة التي قادها "سردار العسكر" والوزير
نهائيا لخطر التفسخ الديني والثقافي الذي كانت البالد على وشك
حدا ً العثماني سنان باشا على مدينة تونس ً
الوقوع فيه.92 "...
93
كتابه الهام تونس العثمانية :بناء الدولة والمجال
ُ بعد خمس سنوات ،أصدر األستاذ عبد الحميد هنية
والذي عالج في فصله الثالث وجزء من الرابع القرن السادس عشر ،حيث حاول من ُذ البداية إبراز أن ُمقاربته
ومعظم الدراسات على التركيز على الصراع العثماني /اإلسباني في ن
لهذا القر ال تقوم كما فعلت المصادر ُ
المحرك األساسي لألحداث ،بل على محاولة القيام بتحليل ينطلق من األسفل أو التركيز على ِ
البالد وجعله ُ
الفاعلين المحليين.94
مكثفا حول األحداث التاريخية التي عرفتها تونس في القرن السادس
ً يخيا
عرضا تار ً
ُيقدم الكاتب في البداية ً
يجعل التحوالت الخارجية هي أساس التطورات التي عرفتها البالد، عشر ،حيث وعلى عكس ما أشار سابًقا
المحيط األطلسي وتراجع دور الوساطة الذي كان بمعنى أوال تحول المسارات التجارية من قلب المتوسط إلى ُ
يلعبه الحفصيون وحلفائهم من القبائل المخزنيةً ،
وثانيا التحول الواقع في البنى االجتماعية والسياسية واالقتصادية ُ
األوروبية أو ما يعرف بالحداثة في كل المستويات ،وثالثًا صعود العثمانيين كقوة عسكرية ُمزدهرة باالعتماد
على الغنائم .كل هذه األسباب الخارجية باألساس هي التي أدت إلى ما سماه هنية بـ" :تقلب األوضاع في
الكيان الحفصي" ،الذي أضحى رهين الصراع في المتوسط بين العثمانيين واإلسبان.
هذه األسباب الخارجية ،هي التي أدت إلى إضعاف الكيان السياسي الحفصي أو على حد عبارة الكاتب
"تفككه" وفقدانه لمركزته للسلطة لصالح قوى محلية ،قبلية كانت أو صوفية ،فتراجع الموارد ُ
95
المتأتية من دور
الوساطة التجارية ،أثر على قدرة الدولة والقبائل المخزنية على السيطرة على المجال ،ما جعل الدولة تزيد في
الضرائب التي ضربت عجلة اإلنتاج وأخرجت العديد من الفاعلين من الحركة االقتصادية ،ما أدى إلى صعود
الزعامات المحلية القبلية والصوفية.
22
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
بعد تقديم هذه األسباب ،يعود الكاتب لالعتناء بالجانب الذي وعد باالهتمام به في بداية عرضه ،أي القوى
المجتمع
المحلية ،التي حاول الوقوف على موقفها من دخول العثمانيين إلى البالد سنة ،1574حيث ّبين أن ُ
صوته اإلخباري ابن أبي دينار قد بارك هذا الدخول واعتبرهُ إنقا ًذا ً
وفتحا للبالدُ ،مدلالً على ُ المديني الذي كان
له بإنقاذ مدينته
ذلك بالرواية الشائعة عن رؤية سليم الثاني لولي المدينة وحارسها سيدي محرز الذي أوحى ُ
المجتمع الريفي الذي واصل حتى القرن السابع عشر
وأهلها من الهالك والخروج من حاضرة اإلسالم .أما ُ
"نضاله" ،فقد رأى في العثمانيين أجانب وغزاة وجب مقاومتهمُ .يفسر المؤلف بكثير من التفصيل والذكاء في
ُ
المتباينة ،حيث يبين خلفياتها وكيفية تطورها على امتداد القرن السادس
األوراق التالية أسباب تلك المواقف ُ
عشر ،لينتهي إلى استنتاج مفادهُ أن األرستقراطية الحضرية التجارية كانت تطمح إلى أن ُينهي التدخل التركي
المجتمع الريفي المتحالف مع بقايا ن
حالة الفوضى التي عرفتها البالد طيلة القر السادس عشر ،في حين أن ُ
اغبا في التدخل العثماني ،بالنظر إلى ارتباط مصالحه بالحفصيين وعلى
األرستقراطية الحفصية كان غير ر ً
تقدما على المجتمع المديني الذي
سيطر أو ُم ً
جعلته في عديد المستويات ُم ًا
ُ أساس أن حالة التراخي السياسي قد
المحاربة.
أضحى رهين ًة في يد القبائل ُ
لعبته القوى المحلية ،وذلك من خالل تحليل
ُ في نهاية هذا الفصل ،يعود هنية للتأكيد على األدوار التي
ُمساهمة الحركة الشابية في "صناعة" تاريخ تونس القرن السادس عشر ،حيث يدرس أصول هذه الحركة التي
أسسها أحمد بن مخلوف الشابي (ت" )1482خالل النصف الثاني من القرن الخامس عشر"ً ،ا
مرور بإبنه محمد
الكبير (ت ،)1485فسيدي عرفة الشابي (ت )1542الذي عرفت الحركة في عهده أوج قوتها .مرةً أخرى
نالحظ أن اإلحالة على الفاعلين الداخلين أي الشابيين ،قد ارتبط بالتأكيد على دور التحوالت العالمية في صعود
هذه الحركة التي جاءت كرديف أو رد على انحسار أدوار الدولة على جميع األصعدة في المناطق الداخلية،
التي أضحت ُمهيئة لقبول الدعوة الشابية القائمة باألساس على الدعوة لمجاهدة "الكفار" وحياة التزهد "نبذ الترف
والبذخ والتخلي عن "وسخ دار الدنيا" .96يربط الكاتب صعود الشابية كحركة صوفية بالتحالفات القبلية التي
خصوصا بالحنانشة ودريد وغيرها من القبائل التي حاولت أن تنصهر في مشروع سياسي موحد ،يلغي ً ربطتها
العصبية القبلية .هذا المشروع المحلي وعلى أهميته ،فقد كان رهين تطور الفاعلين األجانب الذين لم يجدوا من
خالل األتراك صعوبة كبيرة في القضاء عليه سنة .971557
بأنه سيقارب التطور التاريخي في تونس القرن السادس عشر من وإن وعد األستاذ هنية في بداية عرضه ُ
فإنه كان ينتهي ُكل مرة تقر ًيبا باإلشارة إلى أهمية الفاعلين األجانب ،فتفكك الدولة
جهة نظر الفاعلين المحليينُ ،
23
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
الحفصية هو نتيجة عوامل خارجية ،وتراجع السيطرة على الدواخل هو بدوره نتيجة تلك العوامل الخارجية ،كما
أيضا بعوامل وفاعلين أجانب .هل هذا يعني عدم أهمية الدواخل؟ بالطبع ال،أفوله ارتبط ً
صعود نجم الشابيين و ُ
بل هي محاولة لتنسيب أو مناقشة هذه المقاربة الطريفة.
وإن قامت محاولة األستاذ هنية في دراسة القرن السادس عشر على نظرية إعادة االعتبار للدواخل في
"صناعة تاريخ تونس القرن السادس عشر" ،فإن األستاذة ليلى البليلي قد ركزت في كتابها الذي يعسر تعريب
عنونه :تحت سقف اإلمبراطورية :إيالة تونس ،981666-1535الصادر في جزءه األول سنة 2012على
الفاعلين الخارجيين ،حيث تناولت بداية الحضور التركي في بالد المغرب من خالل األخوين عروج وخير الدين
بربروصا ،وكيفية سيطرتهما على الجزائر ومن ثم حملة خير الدين على تونس ،99لتنتقل بعد ذلك لتقديم حملة
كارلوس الخامس على تونس سنة 1535من دون الدخول ًا
كثير في تفاصيل هذه الحملة ،بل ركزت في هذا
العنصر على محتوى إتفاقية سنة .1001535
المتراوحة ما بين ،1557-1535محاول ًة إبراز األدوار والوقائع
في العنصر الموالي ،درست الباحثة الفترة ُ
التي شاركت فيها مختلف القوى الموجودة على الساحة ،أي الحفصيين ،الشابيين ،األتراك ً -
أساسا خير الدين
بربروصا -واإلسبان .هنا بينت الباحثة أن التحالفات ليست ثابتة وناجزة ،وليس المحدد فيها العامل الديني
أبنه حميدة فقد تحالف
باألساس ،فموالي الحسن قد تحالف مع اإلسبان المسيحيين ضد األتراك العثمانيين ،أما ُ
في فترات محددة مع العثمانيين ضد اإلسبان ،وتحالف موالي الحسن مع الشابيين واإلسبان ضد العثمانيين
يسلمونه
ُ أيضا عن مفاوضات سرية للتحالف بين خير الدين بربروصا واإلسبان، وابنه حميدة ،كما تحدثنا ً
بمقتضاها طرابلس ،تونس ،بجاية والجزائر مقابل أن يضع قواته في خدمتهم في حربهم ضد البنادقة.101
بعد هذا العرض ،تعود الكاتبة في العنصر الموالي للحديث عن عموم الحضور التركي بالجزائر وطرابلس
الغرب بعد سنة .1557العودة للحديث عن تونس في العنصر الموالي ،أي من خالل التطرق لحملة قلج علي
على البالد سنة ،1569ومن ثم التدخل اإلسباني سنة .1021573بقية صفحات الكتاب وقع تخصيصها بداية
المتعلقة بالحضور العثماني في تونس نهاية
لحملة سنان باشا على تونس ،باإلضافة إلى العديد من الجوانب ُ
القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر.
98
Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire: La Régence de Tunis 1535-1666, Tunis, Editions Script. Tunis -
2012.
99
Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, p.88.
100
Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, pp.89-94.
101
Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, pp.95-118.
102
Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, p.119-172.
24
درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية) التبريز في التاريخ
قوله هو أن ال ُمؤلفة قد استطاعت أن تُقدم في الفصول التي خصصتها لتونس القرن السادس عشر
ما يمكن ُ
صورة ُمبسطة عن هذا القرن ،مع تركيزها ًا
كثير على األدوار التي لعبها األتراك العثمانيين ،وهو ما يمكن تفسيره
بالمقاربة التي اعتمدتها في هذا الكتاب الباحث باألساس في بدايات دخول البالد التونسية تحت مظلة
اإلمبراطورية العثمانية ،ما جعلها تعتمد في الغالب على ما أوردهُ ابن أبي دينار وما نشرهُ األستاذ عبد الجليل
أيضا طرحت الكاتبة في هذا العمل التميمي من دراسات ووثائقُ ،مقابل قلة استعمالها للمصادر اإلسبانيةً .
جملة من القراءات الطريفة ،لكن اإلشكالية التي يقع فيها الباحث األكاديمي هو ُندرة اإلحاالت أو فقدانها في
كثر األحيان.
25