You are on page 1of 25

‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫ُتونس القرن السادس عشر‪:‬‬


‫من السلطنة الحفصية إلى عثمنة البالد‬

‫تقديم عام‬
‫أساسا في إطار القرن السادس عشر‪ ،‬أي الزمن الحديث ضمن التقسيم األوروبي للتاريخ‪ ،‬والذي‬
‫يتنزل درسنا ً‬
‫ُيحدد بنهاية "العصور الوسيطة" أو "عصور الظلمات"‪ ،‬التي تنتهي بسنة ‪ .1500‬يدور في فلك هذا التاريخ‬
‫وتلته‪ ،‬أي اكتشاف أو تطوير آلة الطباعة عن طريق يوهان غوتنبرغ‬
‫ُ‬ ‫سبقته‬
‫ُ‬ ‫مجموعة من األحداث الرئيسية التي‬
‫‪ Gutenberg‬سنة ‪ ،1450‬فسقوط القسطنطينية سنة ‪ ،1453‬ثم تتويج اإلسبان لما يعرف بـ‪" :‬حروب االسترداد"‬
‫بالسيطرة على مدينة غرناطة سنة ‪ ،1492‬وهي نفس السنة التي وصل فيها كريستوف كولمبس إلى ما أصبح‬
‫أخير نشر مارتن لوثر سنة ‪ 1517‬لما أصبح ُيعرف بـ‪" :‬األطروحات‬
‫ُيعرف بالقارة األمريكية (أو األمريكيتين)‪ ،‬و ًا‬
‫علنا ظهور المذهب البروتستانتي‪ .‬بمعنى‬
‫أو القضايا الخمس والتسعين" والتي عارض فيها الكنيسة الكاثوليكية ُم ً‬
‫فه العالم األوروبي من نهضة‬‫المستويات‪ ،‬أي أن ما عر ُ‬‫أن الزمن الحديث قد ارتبط بتحوالت عميقة في جميع ُ‬
‫"المبادرة التاريخية" بما‬
‫فكرية وعلمية وفنية وصناعية ُيمثل من هذا المنظور "استعادة" أوروبا المسيحية لزمام ُ‬
‫تعنيه من تفوق أو الوقوف بندية في مواجهة الحضارات الشرقية‪ ،‬أو بعبارة أخرى هو "استرداد" لعصور االزدهار‬
‫التي عرفتها المنطقة خالل الفترات القديمة‪ ،‬سواء من خالل الحضارتين الرومانية أو اإلغريقية‪.‬‬

‫إسقاطه على ُكل بقاع األرض‪،‬‬


‫ُ‬ ‫أساسا في القرن السادس عشر‪ ،‬والذي يتم‬
‫هذا "الزمن األوروبي" الذي يبدأ ً‬
‫وخصوصا على المناطق المجاورة للمجال األوروبي ال ينسحب بشكل جزئي أو كامل كما عرفناه على الضفة‬
‫ً‬
‫الجنوبية للمتوسط‪ ،‬وبالتحديد على المجال المعروف في نهاية العصور الوسيطة بإفريقية‪ ،‬تونس وبربريا‪ .‬في‬
‫حين كانت شبه الجزيرة اإليبيرية (إسبانيا‪ ،‬البرتغال) وعموما أوروبا الغربية (فرنسا‪ ،‬أنجلترا‪ ،‬هولندا‪ ،‬الدول‬
‫(أساسا‬
‫ً‬ ‫اإليطالية) تعيش بداية الرخاء االقتصادي الناتج عن ترسخ الوحدة السياسية بين الممالك اإلسبانية‬
‫الوحدة بين مملكتي قشتالة وأراغون) والموارد األولية القادمة من أمريكا‪ ،‬وفي حين كان اإلصالح الديني الذي‬
‫المتشدد ليس فقط‬
‫قوض أسس الفكر الديني الكاثوليكي ُ‬‫قادهُ مارتن لوثر (‪ )1546-1483‬زعيم البروتستانت ُي ُ‬
‫في ألمانيا وهولندا بل في كل أوروبا‪ ،‬وكانت فلورنسا تشهد نهضة فنية كبيرة بقيادة ليوناردو دافنشي (‪-1452‬‬
‫وتحديدا تونس‪ ،‬يعيش حالة من األزمة الغير ُمعبرة بالمرة عن معاني "الزمن‬
‫ً‬ ‫‪ ،)1519‬كان الجنوب المتوسطي‬
‫الحديث" بتعريفه األوروبي‪ ،‬بل هو أقرب لزمن نهاية العصور الوسيطة وبدرجة أقل بداية العصور الحديثة‪ ،‬أي‬
‫المعبر عن تهري األنظمة السياسية واالقتصادية القائمة‪ ،‬حيث لم تستطع دول جنوب المتوسط من ُمجاراة‬
‫الزمن ُ‬

‫‪1‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫التحوالت التي كان يعرفها العالم المتوسطي الشمالي‪ ،‬بجناحيه الغربي والشرقي‪ ،‬ففي األول ظهرت اإلمبراطورية‬
‫اإلسبانية كقوة توسعية (إمبريالية) ذات نفوذ كبير‪ ،‬طامحة لتوسيع وتأكيد وجودها على كل الجبهات وفي كل‬
‫المناطق‪ ،‬أي سواء في أوروبا أو المحيط األطلسي وشمال أفريقيا‪ .‬أما في الجناح الشرقي للمتوسط فقد أسس‬
‫العثمانيون إمبراطورية قوية نافست اإلسبان في شرق أوروبا وبالد المغرب والبرتغاليين في البحر األحمر‪.‬‬

‫إذن اإلشكالية األساسية التي يقوم عليها هذا الدرس هي ُمحاولة ُمساءلة نهاية العصور الوسيطة أو الزمن‬
‫المبكر في تونس‪ ،‬ال من وجهة النظر األوروبية التي ال تنطبق على اإلطار المكاني الذي ندرسه‪ ،‬بل‬‫الحديث ُ‬
‫من وجهة نظر التحوالت السياسية التي عرفتها البالد خالل هذا القرن والتي رسمت أو صبغت ارتداداتها الزمن‬
‫تسميته بـ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ندرسه في تاريخ تونس هو زمن ما ُيمكن‬
‫ُ‬ ‫الحديث والحداثة التونسية‪ ،‬أو بعبارة أخرى الزمن الذي‬
‫"زمن االنسالخ"‪ ،‬بمعنى تفكك النظام الوسيطي وبداية ترّكز النظام الحديث‪.‬‬

‫المهتمين بما وصفناهُ‬


‫نعتمد في هذا الدرس على مصادر ووثائق أرشيفية ومراجع ُمتنوعة‪ ،‬بتنوع الفاعلين و ُ‬
‫بزمن اإلنسالخ‪ .‬بداي ًة هناك ما نسميه بالمصادر المحلية وهي باألساس المصادر والوثائق الحفصية والعثمانية‪-‬‬
‫ابعا‪ :‬المصادر والوثائق األوروبية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المصادر والوثائق اإلسبانية‪ ،‬ثم ثالثًا‪ :‬الوثائق العثمانية‪ ،‬ر ً‬
‫التونسية‪ً ،‬‬
‫بالنسبة للمراجع فهي تتنوع بين كتابات تونسية‪ ،‬إسبانية‪ ،‬فرنسية وإنجليزية‪.‬‬

‫المتعلقة بالفترة الزمنية التي ندرسها‪ ،‬لننتقل بعد ذلك‬


‫في البداية سنقوم بق ارءة نقدية في المصادر والمراجع ُ‬
‫ضعف الدولة الحفصية في ُمستهل القرن السادس عشر‪ .‬ثالثًا‪ ،‬سنحاول فهم‬ ‫لتحليل الظروف التي أدت إلى ُ‬
‫ابعا‪،‬‬
‫حالة المواجهة بين العثمانيين واإلسبان في البالد وتأرجح تحالفات الحفصيين بين الفريقين المتنافسين‪ .‬ر ً‬
‫سندرس اإلستراتيجيات التي اتبعها العثمانيون بعد سنة ‪ 1574‬لتركيز حكمهم بتونس أو عثمنة البالد‪.‬‬

‫‪ .I‬قراءة في المصادر والمراجع‬


‫‪ .1‬مصادر الفترة الوسيطة المحلية (قبل القرن ‪)16‬‬
‫المرتبط بقلة المصادر والوثائق األرشيفية‪ ،‬أو‬
‫لئن تميزت بعض الفترات من تاريخ البالد التونسية بالضبابية ُ‬
‫صعوبة البحث والوصول إلى األرشيفات األجنبية‪ ،‬فإن نهاية العصور الوسيطة وبداية الفترة الحديثة‪ُ ،‬يعتبر من‬
‫تحديدا‪" :‬القرن الغامض"‪.‬‬
‫ً‬ ‫أشد تلك الفترات قلة معرفة‪ ،‬ما جعل الباحثين ُيطلقون على القرن السادس عشر‬
‫ترتبط هذه التسمية كما أشرنا بقلة أو غياب المصادر والوثائق المحلية‪ ،‬حيث ال نكاد نعثر بالنسبة للقرن‬
‫السادس عشر على أي مصدر إخباري "تونسي"‪ُ .‬يعتبر كتاب محمد بن إبراهيم اللؤلؤي الزركشي تاريخ الدولتين‬
‫الموحدية والحفصية الذي يعود إلى القرن الخامس عشر آخر مصدر ُمعاصر للحفصيين‪ ،‬أو لنقل آخر مصدر‬
‫محلي ال يدخل في خانة مصادر ما يمكن تسميته بـ‪" :‬البروبغندا العثمانية"‪ .‬يذهب غالبية الباحثين إلى أن‬
‫‪2‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫الزركشي قد انتهى من تأليف كتابه ما بين سنتي ‪ 1435‬و‪ ،1488‬أي بذكر أخبار دولة السلطان أبو عمرو‬
‫عثمان‪ ،‬يقول‪" :‬وتولى بعدهُ (محمد المنتصر) السلطان أبو عمرو عثمان‪...‬بويع بتونس يوم الجمعة ثاني‬
‫‪1‬‬
‫وعشرين صفر من عام تسعة وثالثين وثمانمائة وانصلحت به البالد والعباد‪ .‬انتهى والحمد هلل لرب العالمين‪".‬‬
‫في حين يذهب باحثون آخرون باإلعتماد على قطعة ُمضافة إلى أحد نسخ مخطوطات الكتاب إلى أن االنتهاء‬
‫من التأليف قد كان في سنة ‪.21525‬‬
‫وإن كان عنوان الكتاب يوحي باإلخبار عن الدولتين الموحدية والحفصية‪ ،‬فإن الجزء المخصص لألولى لم‬
‫يتجاوز الخمسين صفحة (صص‪ )50-5‬في حين امتد الحديث عن الثانية ما يجاوز المئتين وسبعين صفحة‬
‫(صص‪ .)332-56‬لم يختلف أسلوب الزركشي عن الكتابة اإلخبارية في عصره‪ ،‬أي ترتيب الكتاب حسب‬
‫توالي السالطين‪ ،‬مع التركيز على وصولهم لكرسي الحكم‪ ،‬مآثرهم والترجمة لعدد من رجال دولتهم‪ ،‬في أسلوب‬
‫ُيراوح بين التأريخ بمفهوم ذلك العصر والكتابة األدبية والشعرية‪ .‬لئن كان الزركشي كما ُيشير ُمحقق الكتاب‬
‫الحسن اليعقوبي قد كان بمثابة الشاهد عيان على فترة حكم أبي عمرو عثمان الحفصي (‪،)1488-1435‬‬
‫فإنه قد استقى أخبار الفترات السابقة من "جملة من‬
‫حيث اتسمت الكتابة حول هذه الفترة بما ُيشبه اليوميات‪ُ ،‬‬
‫المؤرخين المشارقة والمغاربة واألندلسيين"‪ ،‬على غرار ابن خلكان‪ ،‬ابن سعيد‪ ،‬ابن الخطيب‪ ،‬ابن خلدون وابن‬
‫القنفد وغيرهم‪.3‬‬
‫أنه ولد ما‬ ‫لمحمد بن إبراهيم اللؤلؤي الزركشي قليلة ً‬
‫جدا‪ ،‬حيث نعلم ُ‬ ‫المتوفرة حول السيرة الذاتية ُ‬
‫المعلومات ُ‬
‫بين نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر‪ ،‬وهي ال تسمح لنا بالجزم من ُ‬
‫أنه قد كان أحد رجال‬
‫أنه قد خدم كـ‪" :‬عدل إشهاد في ديوان الوثائق في البالط الحفصي"‪.‬‬
‫البالط الحفصي‪ ،‬مع أن البعض يذهب إلى ُ‬
‫المؤكد هنا ومن خالل ما جاء في كتاب تاريخ الدولتين أو من خالل شرحه لقصيدة "بلوغ األماني" المعروفة‬
‫أيضا بـ‪" :‬الدمامينية" والتي "نظمها بدر الدين محمد بن أبي بكر الدماميني اإلسكندراني في مدح أبي العباس‬
‫ً‬
‫مؤلفه يمكن أن ندرجه تحت خانة‬
‫ُ‬ ‫أحمد الحفصي (‪ ، ")1394-1370‬أن الزركشي قد كان حفصي الهوى وأن‬
‫‪4‬‬

‫التأريخ شبه الرسمي للدولة الحفصية‪.‬‬


‫وإن كانت المصادر المحلية التي أرخت للفترة الحفصية قبل القرنين الخامس العشر والسادس عشر‪ ،‬ال‬
‫أنه من الضروري العودة إليها لفهم أُسس أو طبيعة الدولة التي‬
‫تهمنا في هذا الدرس بصفة ُمباشرة‪ ،‬فقد بدا لنا ُ‬

‫‪ 1‬الزركشي (محمد بن إبراهيم اللؤلؤي)‪ ،‬تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية‪ ،‬تونس‪ ،‬المطبعة الرسمية‪ ،1877 ،‬ص‪155‬؛ تحقيق وتقديم محمد ماضور‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬المكتبة العتيقة‪ ،1998 ،‬ص‪168‬؛ تحقيق وتقديم الحسين اليعقوبي‪ ،‬تونس‪ ،‬المكتبة العتيقة‪ ،1998 ،‬ص‪.332‬‬
‫‪ 2‬الزركشي‪ ،‬تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬راجع هذه المسألة في دراسة المحقق‪ ،‬ص‪. XX‬‬
‫‪ 3‬الزركشي‪ ،‬تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬دراسة المحقق‪ ،‬ص‪.XIX‬‬
‫‪ 4‬الزركشي‪ ،‬تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬دراسة المحقق‪ ،‬ص‪.XV‬‬

‫‪3‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫سندرس نهايتها‪ .‬من بين أولى هذه المصادر‪ ،‬هو كتاب العبر‪ ،‬وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم‬
‫تأليفه‬
‫ُ‬ ‫والبربر‪ ،‬ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر لعبد الرحمان بن خلدون (‪ )1406-1332‬الذي يرجع‬
‫نسخته األولى التي انتهى‬
‫ُ‬ ‫إلى أواخر القرن الرابع عشر‪ .‬في هذا الكتاب الذي ُيقال أن ابن خلدون قد أهدى‬
‫منها في قلعة بني سالمة بوهران سنة ‪ 1378‬إلى السلطان الحفصي المستنصر أبي العباس (‪،)1394-1371‬‬
‫يبدأ الحديث عن الحفصيين في الفصل الرابع من الكتاب الثالث المعنون بـ‪" :‬في أخبار البربر واألمة الثانية‬
‫من أهل المغرب وذكر أوليتهم وأجيالهم ودولتهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد ونقل الخالف الواقع بين الناس في‬
‫ؤكدا بعد إبراز أصولهم‬
‫أنسابهم"‪ ،‬وبالتحديد في إطار تناول الكاتب للدول التي تعاقبت على ُحكم بالد المغرب‪ُ ،‬م ً‬
‫(هنتاتة من قبائل المصامدة) على أحقية توليهم للحكم‪ ،‬كورثة شرعيين للموحدين‪ ،‬بالنظر إلى أسبقيتهم في‬
‫القيام "بدعوة المهدي والممهدون ألم ِره وأمر عبد المؤمن من بعده‪ .5"...‬عددا ابن خلدون على امتداد ما يقارب‬
‫المتكررة‬
‫خصوصا األزمات ُ‬
‫ً‬ ‫مئة صفحة السالطين الحفصيين واألحداث السياسية التي عرفتها فترات حكمهم‪ ،‬أي‬
‫لخالفة العرش‪ ،‬وما يرتبط بها من صراعات داخل العائلة الحفصية‪ ،‬أو ثورات مناطق تُخومية قريبة أو بعيدة‬
‫عن عاصمة الحكم كقفصة‪ ،‬الجريد‪ ،‬جربة وقابس‪ ...‬وعدد من الواليات كبجاية‪ ،‬قسنطينة وطرابلس‪ ،‬ما كان‬
‫يتطلب في كل مرة تسيير حمالت إلخضاعها أو "فتحها" كما يقول ابن خلدون‪ .‬هذا باإلضافة إلى الحمالت‬
‫التي كانت تُسير لصد الهجمات المسيحية على المناطق الساحلية‪ ،‬كمدينة المهدية سنة ‪ 1390‬التي كانت‬
‫عرضة لعدد من الهجمات‪ .‬باإلضافة إلى ُكل ذلك‪ ،‬أشار الكاتب للمنجزات المعمارية لعدد من السالطين كأبو‬
‫المستنصر‪ ،‬كما ترجم لعدد من رجال دولتهم كالشاعر البلنسي الشهير ابن اآلبار وابن عصفور‪.‬‬
‫زكريا يحيى و ُ‬
‫اخر األخبار التي دونها ابن خلدون عن حكم الحفصيين تعود إلى فترة تولي السلطان أبو فارس عزوز‬
‫أنه قد استقى أخبار هذه األحداث وهو ُمقيم بمصر‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫للحكم‪ ،‬وبالتحديد صيف سنة ‪ ،1394‬حيث يبدو ُ‬
‫"‪...‬واستبد بمشيخة قفصة وخشي أهل قفصة من غائلة السلطان وسوء مغبة العصيان فبعثوا إلى السلطان‬
‫لهم‪...‬أمر وهللا ُيصرف‬
‫ًا‬ ‫أنه عقد‬
‫بطاعتهم‪ ،‬وشرط عليهم نزول عامله عندهم‪ ،‬وهذا آخر ما بلغنا عنهم ولم يبلغنا ُ‬
‫‪6‬‬
‫األمور بحكمته‪".‬‬
‫نسبيا‪ ،‬من آخر خبر ذكرهُ ابن خلدون عن الحفصيين‪ ،‬وفي سنة ‪ 1402‬ألف ابن القنفد‬ ‫بعد ُمدة وجيزة ً‬
‫كتابه الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية‪ُ .7‬يؤرخ الكاتب للحفصيين منذ نشأة دولتهم حتى عصره‪،‬‬
‫ُ‬ ‫القسنطيني‬
‫حيث ُيالحظ التفصيل الذي تميز به‬
‫وصله من أخبار من الفاعلين وعلى الوثائق الرسمية‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫عتمدا على ما‬
‫ُم ً‬

‫‪ 5‬ابن خلدون (عبد الرحمان)‪ ،‬كتاب العبر‪ ،‬وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر‪ ،‬ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر‪ ،‬اعتنى به‬
‫أبوصهيب الكرمي‪ ،‬الرياض‪ ،‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.1696‬‬
‫‪ 6‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.1786‬‬
‫‪ 7‬ابن القنفد القسنطيني (أبو العباس أحمد)‪ ،‬الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية ‪ ،‬تقديم وتحقيق محمد الشاذلي النيفر وعبد المجيد التركي‪ ،‬تونس‪ ،‬الدار‬
‫التونسية للنشر‪.1968 ،‬‬

‫‪4‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫الكتاب‪ ،‬سواء في مستوى التاريخ السياسي العام وكذلك في مستوى مدينة قسنطينية‪ ،‬أي المدينة التي ينتسب‬
‫له الكتاب‪ .‬نشأ المؤلف‬
‫المهدى ُ‬
‫إليها المؤلف‪ ،‬مع التركيز على فترة حكم أبو فارس الحفصي (‪ُ )1434-1394‬‬
‫كثير بجده من جهة األم‪ ،‬والذي كان‬
‫في عائلة ثرية‪ ،‬وذات عراقة علمية سواء من جهة األب أو األم‪ ،‬فقد تأثر ًا‬
‫خطيبا لجامع قسنطينة ما يقارب خمسين سنة‪ ،‬في حين توفي والدهُ في أحد موجات وباء الطاعون من ُذ‬
‫ً‬ ‫إماما‬
‫ً‬
‫عائلته في تواصل مع الحكام الحفصيين الذين اتخذ فرعهم‬
‫ُ‬ ‫فترة طفولته‪ .‬درس على يد شيوخ عصره‪ ،‬وكانت‬
‫الغربي من قسنطينة عاصمة لهم ما بين سنتي ‪ 1318-1187‬وهو ما جعل ابن قنفد ُمقرًبا من هؤالء‪ .‬توفي‬
‫سنة ‪.1407‬‬
‫بعد صمت ما ُيجاوز النصف قرن وبالتحديد سنة ‪ 1457‬ألف قاضي األمحال أبو عبد هللا محمد بن الشماع‬
‫كتابه األدلة البينة النورانية في مفاخر الدولة الحفصية‪ .‬على عكس الوالد أبو العباس أحمد المعروف بالشماع‬
‫جعله ُمقرًبا للسالطين وذائع الصيت في أوساط العلماء‪ ،‬كما يشهد على‬
‫ُ‬ ‫مشهور بعلمه الواسع ما‬
‫ًا‬ ‫والذي كان‬
‫خبر‬
‫ذلك تكرار ذكره في كتب معاصريه‪ ،‬فإن االبن المعروف بابن الشماع ال نكاد كما يذكر المحقق نجد أي ًا‬
‫له بتدوين عمل إخباري متناسق‬
‫عنه‪ ،‬سوى وراثته لوظيفة قاضي األمحال‪ ،‬وتكوينه العلمي الجيد الذي سمح ُ‬
‫ُ‬
‫مع ُمستوى أعمال ذلك العصر ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫كما يذكر المحقق الطاهر المعموري اعتمد ابن الشماع باألساس على ما ذكره ابن خلدون في كتاب العبر‪،‬‬
‫جعله يختص ببعض المعلومات"‪ .9‬يسير ابن الشماع على منهج ابن‬ ‫ُ‬ ‫أنه اشتمل مصادر خاصة‪ ،‬مما‬ ‫"إال ُ‬
‫خلدون في استعراض حكام الدولة الحفصية وأهم األحداث السياسية التي عرفتها فترات ُحكمهم‪ ،‬حيث يتحدث‬
‫فه حكمه من أحداث‪ ،‬فتخصيص عنصر للحديث عن منجزاته‬ ‫بداي ًة عن كيفية تولي الحاكم للسلطة‪ ،‬ثم ما عر ُ‬
‫المتكرر لألشعار واالختصار الذي ميز معظم الفترات‪ ،‬باستثناء‬
‫وآثاره‪ .‬نالحظ في كتاب ابن الشماع االستعمال ُ‬
‫له الكتاب في سنة ‪ 1457‬والذي‬
‫التركيز على فترة حكم الخليفة أبي عمرو عثمان (‪ )1488-1435‬الذي ُكتب ُ‬
‫عنه من الصفحة ‪ 120‬إلى ‪.133‬‬
‫احتل الحديث ُ‬
‫المؤلف‪ ،‬جعل ابن‬
‫باإلضافة إلى متن النص الذي ُخصص للحديث عن حكام الدولة الحفصية إلى حياة ُ‬
‫الشماع لكتابه ُمقدمة وخاتمة‪ ،‬حيث تم تقسيم ال ُمقدمة إلى خمسة أبواب‪ ،‬جعلها الكاتب للحديث عن ُجغرافية‬
‫عرف بمدينة تونس وأحوازها‪ ،‬ليقوم بعد ذلك بتقديم لمحة عامة عن دخول‬‫بالد المغرب يما فيها إفريقية‪ ،‬ثم ّ‬
‫نسبيا بالتأكيد على "وجوب طاعة والة األمور"‪ .10‬فيما يتعلق‬
‫المقدمة المطولة ً‬
‫خاتما هذه ُ‬
‫المسلمين إلى البالد‪ً ،‬‬‫ُ‬

‫‪ 8‬ابن الشماع (محمد بن أحمد)‪ ،‬األدلة البيّنة النورانية في مفاخر الدولة الحفصية ‪ ،‬تحقيق وتقديم الطاهر بن محمد المعموري‪ ،‬تونس‪ ،‬الدار العربية‬
‫للكتاب‪ ،1984 ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ 9‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ 10‬نفس المصدر‪ ،‬صص‪.48-30‬‬

‫‪5‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫بالخاتمة فقد جاءت في فصلين األول ُمعنون بـ‪" :‬في الحرابة وذكر بعض أحكامها"‪ ،‬والثاني‪ " :‬في دخول العرب‬
‫إلى إفريقية وما السبب الذي دخلوا من أجله"‪.11‬‬
‫‪ .2‬مصادر العصور الحديثة المحلية (القرن ‪)19-16‬‬
‫المؤنس في أخبار إفريقية‬‫إذا كان الزركشي خاتمة المصادر اإلخبارية المحلية الوسيطة‪ ،‬فإن كتاب " ُ‬
‫المعروف بابن أبي دينار كان فاتحة المصادر المحلية‬
‫ُ‬ ‫وتونس" للشيخ القيرواني ُمحمد بن أبي القاسم الرعيني‬
‫للفترة الحديثة‪ .‬انتهى ابن أبي دينار من تحبير كتابه في حدود سنة ‪ ،1692‬أما بالنسبة للفترة موضوع درسنا‪،‬‬
‫أي ُمعظم فترات القرن السادس عشر فهو يذكر بأن مصادرهُ في تدوينها قد كان ما رشح في ذاكرة سكان مدينة‬
‫تلقيته من أهل الحاضرة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫"‪...‬وهنا انتهى النقل الذي قيدهُ الزركشي ولم أطلع على ما سواهُ إال ما‬
‫ُ‬ ‫تونس‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫له اهتمام بهذا‬
‫ولهذا نأتي به جمالً ال تفصيالً‪ ،‬ولم أُقيد نفسي لتاريخ الوقائع لقلة الضبط‪ ،‬ولم أجد من ُ‬
‫األمر‪.12"...‬‬
‫مما سبق يمكن أن نفهم أن العشرين صفحة تقر ًيبا التي خصصها ابن أبي دينار للحديث عن نهاية الدولة‬
‫سنحيل عليهم فيما يلي‪ ،‬ومن ورائهم عدد‬‫الحفصية‪ ،‬والتي كررها من بعده ُمعظم اإلخباريين المحليين الذين ُ‬
‫لسكان الحاضرة‪ ،‬ال على مصادر تعود‬
‫هام من أوائل الدارسين لتلك الفترة‪ ،‬هي مبنية على الذاكرة الجماعية ُ‬
‫إلى تلك الفترة كما هو الحال بالنسبة لفترات تأسيس الدولة الحفصية وإزدهارها‪ .‬وإن كان تصريح أو صراحة‬
‫جدا‪ ،‬من جهة أنها تُساعدنا في تحليل ُّ‬
‫تمثل سكان مدينة تونس وعموم المخيال الجمعي التونسي‬ ‫كاتبنا مهمة ً‬
‫في النصف الثاني من القرن السابع عشر لنهاية دولة بني حفص والصراع اإلسباني‪/‬العثماني على البالد‪ُ ،‬‬
‫فإنه‬
‫اصفا ما تتسم به في‬
‫علينا األخذ بحذر شديد األخبار التي يسوقها ابن أبي دينار‪ ،‬فكما يذهب بول ريكور و ً‬
‫الغالب السرديات الجماعية بـ‪" :‬الفائض من الذاكرة هنا‪ ،‬والفائض من النسيان هناك"‪ .‬أما لطفي عيسى فهو‬
‫وصفه بديناميكية الذاكرة الجماعية بالقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُيفسر ما يمكن‬
‫يندس ما ُوسم بالذاكرة الجماعية عميًقا في الحاضر‪ُ ،‬مشكالً قراءة وجدانية ال تفتقر إلى موضوعيتها‬
‫" ّ‬
‫عيدة ترتيب‬
‫وتلّفق وتُقصي ما تقوم بتناقله من أخبار حول ُمنجز األجيال التي سبقتها‪ُ ،‬م ً‬
‫الخاصة‪ .‬فهي تُعلي ُ‬
‫أحداث الماضي من جهة نظر حاجياتها الحاضرة‪ ،‬وهي حاجيات يختلط ضمنها الموضوعي بالذاتي والشخصي‬
‫بالعام"‪.13‬‬

‫إذن ما نجدهُ عند ابن أبي دينار فيما يتعلق بالقرن السادس عشر هي ليست أخبار ُمتناقلة‪ ،‬بقدر ماهي‬
‫"حاجيات حاضر" النصف الثاني من القرن السابع عشر لتفسير نهاية الخالفة الحفصية أو أفريقية ودخول‬

‫‪ 11‬نفس المصدر‪ ،‬صص‪.138-133‬‬


‫‪ 12‬ابن أبي دينار(أبو عبد هللا)‪ ،‬المؤنس في أخبار إفريقية وتونس‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار المسيرة‪ ،1993 ،‬ص‪.183‬‬
‫‪ 13‬عيسى (لُطفي)‪ ،‬بين الذاكرة والتاريخ ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،2015 ،‬ص‪.6‬‬

‫‪6‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫المستوى‪ ،‬يجب إضافة أن تدوين األخبار التي احتفظت بها "الذاكرة‬


‫البالد تحت مظلة العثمانيين‪ .‬في هذا ُ‬
‫الجماعية التونسية" للنصف الثاني من القرن السابع عشر أو بصفة أدق ثلثه األخير‪ ،‬قد خضع بالضرورة إلى‬
‫دون هو ابن أبي دينار الذي ما كان‬ ‫الم ّدون بالزيادة والنقصان‪ ،‬ترتيب األحداث وكيفية صياغتها‪ .‬هذا ُ‬
‫الم ّ‬ ‫تدخل ُ‬
‫أخبار تعكس أو تخدم وجهة نظر أعداء الدولة التي يخدمها وحتى يؤمن بها‪ ،‬أي المراديين الذين‬
‫ًا‬ ‫صور أو‬
‫ًا‬ ‫ُليقدم‬
‫يحكمون باسم وتحت مظلة العثمانيين‪ .‬التاريخ المحلي الذي ُدّون حول الفترة الحديثة والذي وضع الكثير من‬
‫المؤنس هو تاريخ رسمي أو شبه رسمي‪ُ ،‬مكرس لخدمة وجهة نظر السلطة‬ ‫أسسه إبن أبي دينار في كتابه ُ‬
‫ُ‬
‫المركزية كما يشرح عبد الحميد هنية‪:‬‬
‫سخر طاقاته ُكلها لخدمتها‪ .‬فهو بذلك ُيقدم الدعم‬ ‫كان المؤرخ يقوم بدوره مثل عالم مو ٍ‬
‫ال للسلطة المركزية‪ُ ،‬م ًا‬ ‫ُ‬
‫آنذاك‪...‬فيبين ابن أبي دينار أن الوريث الشرعي للدولة‬
‫ُ‬ ‫األيديولوجي الذي تحتاج إليه الفئة الحاكمة‬
‫أسلوبه الخاص للدفاع عن المشروع السياسي الرامي إلى تدعيم مركزة‬
‫ُ‬ ‫الحفصية‪...‬هو الحكم المرادي‪ ،‬وهو‬
‫جديدا في صياغة معرفة تاريخية تخدم‬
‫النفوذ وتحييز مجال الدولة وسيادتها‪ .‬بذلك يبتدع ابن أبي دينار شكالً ً‬
‫‪14‬‬
‫المشروع السياسي للمجتمع المديني‪ ،‬أي بناء الدولة ذات مركزة سياسية تُحيز في الوقت ذاته التراب والعباد‪".‬‬

‫كتابه "الحلل السندسية‬


‫ُ‬ ‫دون محمد بن محمد األندلسي المعروف بالوزير السراج‬
‫بعد ما ُيجاوز ثالثين سنة ّ‬
‫المتكون من ثالثة أجزاء (االنتهاء من الجزء الثالث كان في حدود سنة ‪ .)1732‬يمكن‬
‫في األخبار التونسية" ُ‬
‫رسميا‪ُ ،‬كتب بطلب أو تزكية من ُمؤسس الساللة الحسينية في تونس حسين بن علي‬ ‫ً‬ ‫يخا‬
‫اعتبار هذا الكتاب تار ً‬
‫(‪ ،)1735-1705‬الذي بارك كما يذكر المؤلف محتوى الكتاب وأشاد به عندما قرأهُ السراج عليه‪ .‬إذن يبدو‬
‫أن السلطة العثمانية القائمة في تونس بداية القرن الثامن عشر‪ ،‬كانت تعي ً‬
‫جيدا أهمية استعمال التاريخ كوسيلة‬
‫عثمانيا منذ أكثر من قرن‪ ،‬بمعنى أن‬
‫ً‬ ‫المتجذرة في البالد‬
‫سالليا‪ ،‬ولكن ُ‬
‫ً‬ ‫دعائية داعمة ألسس دولتها الناشئة‬
‫السلطة وحاشيتها أو رجالها قد تفطنت إلى أهمية تدوين التاريخ العثماني في البالد التونسية‪ .‬هل كان للمبادرة‬
‫التي قام بها ابن أبي دينار في نهاية القرن السابع عشر دور في نشر ما يمكن تسميته "الوعي التاريخي" في‬
‫فته البالد في‬
‫أوساط رجال السلطة؟ أم أن حالة االستقرار النسبي الطويل (من ‪ 1705‬إلى ‪ )1729‬الذي عر ُ‬
‫عهد حسين بن علي هي التي قادت إلى انتشار هذا الوعي؟‬
‫بالعودة للحديث عن حضور نهاية الدولة الحفصية وعموم القرن السادس عشر في كتاب "الحلل السندسية"‬
‫يمكن أن ُنالحظ االختصار الذي تميزت به الكتابة حول هذه الفترة عند الوزير السراج‪ ،‬الذي اعتمد باألساس‬
‫المؤرخون التونسيون"‪ -‬على كتاب "المؤنس في أخبار أفريقية‬ ‫‪ -‬وكما ُيشير أحمد بن عبد السالم في كتابه " ُ‬

‫‪ 14‬هنية (عبد الحميد)‪" ،‬التجديد في مجال علم التاريخ في البالد التونسية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر ميالديًا"‪ ،‬مجلة أسطور‪ ،‬عدد ‪،)2018( 7‬‬
‫ص‪.53‬‬

‫‪7‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫‪16‬‬
‫وتونس" و"األعالم بأعالم بيت هللا الحرام"‪ 15‬لقطب الدين النهروالي (توفي ‪ )1583‬مع ترجيح ابن عبد السالم‬
‫أنه لم يطلع على الكتاب األخير بصفة ُمباشرة بل نقل ما أقتُبس بواسطة حسين خوجة في كتابه "بشائر‬
‫إلى ُ‬
‫أهل اإليمان‪."17‬‬
‫كثير ما تتكرر في كتابات ذلك العصر‪ ،‬التي تأثرت‬
‫حول أسباب انهيار الدولة الحفصية‪ُ ،‬يقدم السراج ُمقاربة ًا‬
‫ومجمل في ُمقدمة القسم األول من الجزء الثاني‬
‫بالمقاربة الخلدونية للدولة‪ ،‬حيث يستحضر بإختصار شديد ُ‬
‫ربما ُ‬
‫رجعا مرحلة الصعود واالزدهار إلى حسن الخصال الدينية والسياسية ألمراء‬ ‫صعود وازدهار ونهاية الحفصيين‪ُ ،‬م ً‬
‫اف َمَقام َرّبِ ِه َوَن َهى َّ‬
‫النْف َس َع ِن اْل َه َو ٰى} (سورة النازعات‪ ،‬اآلية‬ ‫{م ْن َخ َ‬
‫تلك الفترة حيث يقول عنهم "فكان أُمرائهم َ‬
‫َ‬
‫أمنوا من خوف ولم يمزجوا ناهض عزماتهم بموبقات‪.18"...‬‬ ‫‪ .)40‬فأطعموا من جوع و ُ‬
‫المقابل‪ ،‬فإن تدهور أوضاع الدولة الحفصية وزوالها ُيفسر حسب السراج بسوء سيرة أمراء الحقبة األخيرة‪،‬‬
‫في ُ‬
‫خيروا الحياة الدنيا على اآلخرة وغرقوا في الملذات‪ُ ،‬مهملين شؤون الدولة‪ ،‬ما أدى إلى تواتر الفتن‬
‫الذين ّ‬
‫والتمردات يقول‪:‬‬
‫"ولكن خلف بعدهم خلف طغى وآثر الحياة الدنيا‪ ،‬وامتطى جادة ُدنيا‪ ،‬وعدم اإلسعاف‪ ،‬على جادة اإلنصاف‪،‬‬
‫المفضي إلى التالف‪ .‬ولم تزل منهم األعراض تتمزق باألغراض‪ ،‬إلى أن تسلل حكم‬ ‫(ما) أوجب االختالف‪ُ ،‬‬
‫البالد منهم إلى تصرف أعدائهم‪ ،‬وتسلسلت رقاب خير أمة في ربق أعاديهم‪ ،‬بما اكتسبت أيديهم‪ ،‬وتسلمت‬
‫أيدي اللئام‪ ،‬أعزة اإلسالم‪ ،‬ودخل ُك ُل معترف تحت ظل التفويض واالستالم‪ ،‬ودار على ُدور األعيان من‬
‫الحضرة أحبولة اإلحاطة وااللتئام‪ .‬وصار لحكم االفرنجي على المؤمنين صولة ولطول تصرفه في القاصرات‬
‫‪19‬‬
‫طولة‪ ،‬وبارت على ذوي الهمم الحيلة‪ .‬ودقائق الذل على أعزة النفوس دهور طويلة‪".‬‬

‫حيث ومن‬
‫بته الدينية أو األخالقية لمسألة نهاية الحفصيين وانتصاب العثمانيين بالبالد‪ُ ،‬‬
‫يواصل السراج ُمقار ُ‬
‫وخصوصا الوقوع تحت حكم‬
‫ً‬ ‫منظور اإلخباري الرسمي ُيصور تدخل األتراك على ُ‬
‫أنه إنقاذ لتونس من الفوضى‬
‫يوما ببال‪،"...‬‬
‫أنجم لطائف لم تجر ً‬
‫وحوله ُ‬
‫ُ‬ ‫اإلسبان المسيحيين‪ ،‬فهو يصف هذا التدخل بـ‪" :‬الفرج ساطع إقبال‬
‫فتحا أماط عن صبيح وجه الدهر الخمار‪ ،‬وبدل فيه العسر باليسر‪ ،‬وظهر به نشر راية‬
‫كما يقول‪" :‬وكان ً‬
‫اإلسالم بعد الطي واإلضمار‪.20 "...‬‬

‫‪ 15‬النهروالي (قطب الدين)‪ ،‬كتاب االعالم باعالم بيت هللا الحرام‪ ،‬تحقيق وتقديم هشام عبد العزيز عطا‪ ،‬مكة‪ ،‬المكتبة التجارية‪ ،1996 ،‬صص‪.378-365‬‬
‫‪ 16‬عبد السالم (أحمد)‪ ،‬ال ُمؤرخون التونسيون في القرن ‪ 17‬و‪ 18‬و‪ ،19‬قرطاج‪ ،‬بيت الحكمة‪ ،1993 ،‬صص‪.249-248‬‬
‫‪ 17‬خوجة (حسين)‪ ،‬بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان ‪ ،‬تحقيق محمد أسامة زيد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار ابن رجب ودار الفوائد‪.2014 ،‬‬
‫‪ 18‬السراج (أبو عبد هللا محمد)‪ ،‬الحلل السندسية في األخبار التونسية‪ ،‬لبنان‪ ،‬تحقيق وتقديم الحبيب الهيلة‪ ،‬دار الكتب الشرقية‪ ،1973 ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.9‬‬
‫‪ 19 19‬السراج (أبو عبد هللا محمد)‪ ،‬الحلل السندسية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ 20 20‬السراج (أبو عبد هللا محمد)‪ ،‬الحلل السندسية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪8‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫فيما يتعلق بالمعطيات التي ُيقدمها السراج حول الفترة المدروسة‪ ،‬فهي كما أشرنا سابًقا نسخ شبه حرفي لما‬
‫خصوصا في كتاب األعالم‪ ،‬مع غياب تقر ًيبا أي إضافات أو تعاليق‪ ،‬وتركيز كلي على حملة سنان باشا‬‫ً‬ ‫ورد‬
‫على تونس سنة ‪ 1574‬والتي خصص لها ست عشر صفحة‪ُ ،‬مقابل تغييب الفترات السابقة‪ ،‬وتخصيص ست‬
‫صفحات فقط لبداية تركيز الحكم التركي بالبالد في الثلث األخير من القرن السادس عشر‪.‬‬
‫مما سبق‪ُ ،‬يمكننا أن ُنالحظ من جهة أن االختصار والنسخ الذي اتصفت به كتابة السراج حول القرن‬
‫له سابًقا من قلة أو غياب الوثائق األرشيفية المحلية التي كان يمكن أن‬
‫السادس عشر هو نتيجة لما أشرنا ُ‬
‫يعتمد عليها اإلخباري‪ .‬من جهة أخرى توظيف الوزير السراج لقلمه في خدمة البروبغندا العثمانية في تونس ال‬
‫يبدو ُمستغرًبا وهو ذو األصل الموريسكي‪ ،‬أي المجموعة التي كانت في معظم فترات العصر الحديث في‬
‫تحالف وتعاون مع الطبقة التركية الحاكمة‪.‬‬
‫إذا كانت عالقة السراج مع الطبقة الحاكمة تقوم على التحالف‪ ،‬فإن عالقة حسين خوجة بن علي بن سليمان‬
‫الحنفي هي عالقة انتماء وخدمة‪ ،‬فكاتبنا الذي عاش في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن الثامن عشر‬
‫المراديين ثم كان كاتب ُمراسالت الباي حسين بن علي باللغة‬
‫أصله كما ُيفهم من اسمه تركي‪ ،‬خدم البايات ُ‬ ‫ُ‬
‫التركية‪ .‬المعرفة باللغة التركية‪ ،‬والرحلتين التي قام بهما إلى مصر وبالد الشام والحجاز بنية الحج‪ ،‬هي التي‬
‫سمحت لحسين خوجة بتأليف كتاب "بشائر أهل اإليمان بفتوحات آل عثمان")‪ ، (1723‬حيث اعتمد في تأليفه‬
‫أو باألحرى جمع مواده من ُكتب تركية وفارسية وعربية يبدو ُ‬
‫أنه قد اطلع عليها بصفة ُمباشرة أو غير ُمباشرة‬
‫خالل رحالته‪.‬‬
‫وخصوصا "الفتوحات"‬
‫ً‬ ‫ال يخلو من اإلخالل في ذكر تاريخ الدولة العثمانية‬ ‫كرونولوجيا‬
‫ً‬ ‫مسار‬
‫ًا‬ ‫اتّبع الكاتب‬
‫خصصه لفترة حكم الباي حسين بن علي وقسم تراجم ُمخصص‬‫ُ‬ ‫ذلك بذيل‬ ‫أو الحروب التي خاضتها‪ُ ،‬ملحًقا‬
‫لرجال وشيوخ دولته‪ .‬يتطرق الكاتب للتدخل العثماني بالبالد التونسية في المجلد الثاني من الكتاب وبالتحديد‬
‫في البابين العاشر والمعنون بـ‪" :‬في ذكر جلوس السلطان سليمان (القانوني)"‪ 21‬والحادي عشر‪" :‬في ذكر جلوس‬
‫‪22‬‬
‫المتراوحة ما بين سنتي‬
‫السلطان سليم الثاني" ‪ُ .‬يخبرنا خوجة بداي ًة وبصفة ُمجملة (سبع صفحات) عن الفترة ُ‬
‫‪ 1534‬و‪ ،1573‬حيث يبدأ بالحديث عن سيطرة خير الدين بربروصا على البالد بتوجيه من الوزير األعظم‬
‫موجها نقدهُ الالذع لخير الدين بربروصا الذي لم‬
‫ً‬ ‫إبراهيم باشا وبدون علم أو إذن السلطان سليمان القانوني‪،‬‬
‫أنه قد‪..." :‬اشتغل باألكل والشرب‬
‫ؤكدا ُ‬
‫مستشاريه حول االستعداد لهجوم مسيحي أي عناية‪ُ ،‬م ً‬ ‫يولي نصائح ُ‬
‫والنزهة والطرب ولم يكترث بالعدو الغادر"‪ .23‬ثم يخبرنا عن استنجاد موالي الحسن بكارلوس الخامس ونجاح‬

‫‪ 21‬خوجة (حسين)‪ ،‬بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬صص‪.189-183‬‬
‫‪ 22‬خوجة (حسين)‪ ،‬بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬صص‪.299-277‬‬
‫‪ 23‬خوجة (حسين)‪ ،‬بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.183‬‬

‫‪9‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫حملة اإلسبان على البالد بسبب قلة استعدادات خير الدين بربروصا‪ .‬بعد ذلك يحدثنا ناقال عن ابن أبي دينار‬
‫محاوالت الحفصيين إلعادة السيطرة على البالد والحضور اإلسباني في حلق الوادي‪ ،‬فحملة قلج علي حاكم‬
‫نتهيا في هذا الجزء بخبر "استعادة" خوان دي أوستريا للبالد سنة ‪ .1573‬في الباب‬
‫الجزائر على تونس‪ُ ،‬م ً‬
‫حرفيا ما جاء في كتاب األعالم بأعالم بيت هللا الحرام حول حملة سنان باشا على‬
‫الحادي عشر‪ ،‬نقل خوجة ً‬
‫تونس سنة ‪ ،1574‬منذ خروجها من إسطمبول إلى تفاصيل المعارك التي وقعت بحلق الوادي ومدينة تونس‬
‫إلى عودة سنان باشا بعد النصر إلى الباب العالي واالستقبال الشعبي والرسمي الكبير الذي قوبل به‪.‬‬
‫المعطيات‬
‫فيما يتعلق بالذيل‪ ،‬أي الجزء الثالث في طبعة سنة ‪ ،2014‬فإن حسين خوجة ُيقدم لنا بعض ُ‬
‫المهمة التي لم يذكرها ابن أبي دينار حول تنظيم السلطة العثمانية بإيالة تونس في بداية حضورها بالبالد‪ ،‬بيد‬
‫ُ‬
‫أن ما قدمه يطغى عليه االختصار الشديد‪ ،‬الذي يمكن أن ُيقدم بعض اإلضاءات عن تلك الفترة‪ ،‬دون أن‬
‫يكشف عن الكثير من جوانبها‪.24‬‬
‫المالحظة‪ ،‬يمكن أن نسحبها على بقية الكتابات اإلخبارية المحلية في النصف الثاني من‬
‫تقر ًيبا نفس هذه ُ‬
‫القرن الثامن عشر والقرن السابع عشر فيما يتعلق بعموم الفترة التي ندرسها‪ ،‬أي القرن السادس عشر‪ ،‬فمثالً‬
‫حمودة بن عبد العزيز (توفي ‪ )1787‬الذي كان رئيس ديوان اإلنشاء في عهد الباي علي وابنه حمودة‪ُ ،‬مؤلف‬
‫"الكتاب الباشي" الذي ُكتب لعلي باشا بن حسين باي سنة ‪ 1759‬لم ُيضف أي جديد سوى ُ‬
‫أنه قد عالج بصفة‬
‫واضحة سقوط الدولة الحفصية من وجهة النظر الخلدونية‪ ،‬بمعنى التأسيس الذي يتلوه االزدهار والرخاء والذي‬
‫يؤدي بدو ِره إلى الفساد المؤذن بالخراب واالندثار‪.25‬‬
‫أما محمد الباجي المسعودي (توفي ‪ ،)1880‬صاحب كتاب الخالصة النقية في أمراء أفريقية‪ ،‬فقد أتصف‬
‫سبقه بالنقل مع التلخيص الشديد‪ ،26‬وتواصل تقديم التدخل العثماني بتونس في القرن السادس عشر‬
‫عمله كمن ُ‬
‫ُ‬
‫كإنقاذ للبالد و"قطع لدابر الكافرين"‪ .27‬يسير أحمد ابن أبي ضياف (توفي ‪ )1874‬بإعتباره وهو كذلك من‬
‫‪28‬‬
‫(‪)1872‬‬ ‫رجال دولة البايات وأحد وزرائها في كتابه إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‬
‫سبقه من اإلخباريين في خدمة الدعاية العثمانية‪ ،‬والقائمة على أساس أن‬
‫ُ‬ ‫سلكه ُكل من‬
‫ُ‬ ‫على نفس النهج الذي‬
‫شرعية حكام الدولة هي شرعية جهادية‪ ،‬بمعنى أن األحقية بكرسي الحكم ال تكمن في نسبهم الشريف كحال‬

‫‪ 24‬خوجة (حسين)‪ ،‬بشائر أهل األيمان بفتوحات آل عُثمان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،3‬صص‪.6-5‬‬
‫‪25‬‬

‫‪ 26‬الباجي المسعودي (أبو عبد هللا محمد)‪ ،‬ال ُخالصة النقية في أُمراء أفريقية‪ ،‬تحقيق محمد زينهم محمد عزب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪،2013 ،‬‬
‫صص‪.209-202‬‬
‫‪ 27‬الباجي المسعودي (أبو عبد هللا محمد)‪ ،‬ال ُخالصة النقية في أُمراء أفريقية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.209‬‬
‫‪ 28‬ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان ‪ ،‬تحقيق محمد شمام‪ ،‬تونس‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،1990 ،‬م‪ ،1‬ج‪،1‬‬
‫صص‪ 192-190‬وم‪ ،1‬ج‪ ،2‬صص‪.27-9‬‬

‫‪10‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫العلويين ومن قبلهم السعديين في المغرب‪ ،‬بل في سيوفهم ورماحهم التي حمت البالد من الخطر المسيحي‪ ،‬بل‬
‫نوعا من "الفتح اإلسالمي" الجديد‪.‬‬
‫شكل تدخلهم سنة ‪ً 1574‬‬
‫سبقه من ُكتاب‪ ،‬وبالنظر إلى تمرسه بالشأن العام والدولة‪ ،‬لم ُيقارب ابن أبي الضياف نهاية‬
‫ُ‬ ‫عكس من‬
‫المقاربة الخلدونية في زوال الدول‪،‬‬
‫أيضا ُ‬
‫الحكم الحفصي بالبالد من وجهة نظر أخالقية أو دينية‪ ،‬بل استعمل ً‬
‫حمل موالي الحسن المسؤولية‪ ،‬وجعل نهاية الدولة تدخل في حلقة القوة والضعف التي ال تنتهي‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫فلم ُي ّ‬
‫له األمر حاول تالفي الخرق‪ ،‬فأبطل المكوس كلها‪ ،‬وأجرى الناس على‬
‫"بويع يوم وفاة أبيه (موالي الحسن)‪ .‬ولما تم ُ‬
‫ومخالسة أمل شارد‪ .‬واثنان أعيت الحيلة فيهما‪ :‬إقبال‬‫ضرب في حديد بارد‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫أنه‬
‫عادة جده ُعثمان وأجمل السيرة‪ ،‬إال ُ‬
‫العطب في الحيلة"‪.29‬‬
‫ُ‬ ‫األمر إذا أدبر‪ ،‬وإدبارهُ إذا أقبل‪ ،‬وإذا أدبر األمر كان‬

‫إذن مما سبق‪ ،‬يمكن القول أن ابن أبي الضياف وإن اشترك مع ُمعظم الكتاب في النقل عن من سبقوهُ‪ ،‬فقد‬
‫اتصفت األوراق التي خصصها لنهاية الحفصيين وعموم القرن السادس عشر ببعض اإلضافات والتعاليق‬
‫المتسمة بنوع من الحس النقدي أو الواقعي‪ ،‬الذي يعكس خلفيته الوظيفية ومسار حياته وقيامه بعدد من الرحالت‬
‫ُ‬
‫وتحديدا القسطنطينية سنوات ‪ 1831‬و‪ 1842‬وأوروبا‪ ،‬بمعنى زيارته إلى فرنسا رفقة الباي أحمد‬
‫ً‬ ‫إلى الشرق‬
‫باشا سنة ‪ ،1846‬كما يعكس وضعية السلطة الي كان يخدمها‪ ،‬بمعنى دولة كانت تُكافح للبقاء في ظل نهاية‬
‫نظام عالمي قديم وتشكل نظام جديد‪.‬‬

‫المعاصرة‬
‫‪ .3‬الدراسات ُ‬
‫حترما‬
‫عددا ُم ً‬
‫المعاصرة مع وتيرة المصادر المحلية‪ ،‬حيث نجد ً‬
‫تماهت إلى حد كبير اإلسطوغرافيا التاريخية ُ‬
‫من الدراسات حول الدولة الحفصية قبل القرن السادس عشر‪ ،‬والتي يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال‬
‫العمل المرجعي لروبار برنشفيك تاريخ إفريقية في العهد الحفصي‪ ،30‬وكتاب محمد العروسي المطوي السلطنة‬
‫الحفصية‪ :‬تاريخها السياسي ودورها في المغرب اإلسالمي‪ ،31‬فعمل محمد حسن المدينة والبادية بإفريقية‬
‫‪33‬‬
‫في العهد الحفصي‪ ،32‬وكتاب الحملة الصليبية على تونس سنة ‪ :1270‬تاريخ متوسطي لميشال الور‬
‫إلخ‪ .‬في المقابل فإن الدراسات حول تونس القرن السادس عشر‪ ،‬أي ما أسميه فترة "احتضار الدولة الحفصية"‬
‫جدا بالمقارنة مع الفترات السابقة والالحقة في تاريخ تونس‪.‬‬
‫محدودة ً‬

‫‪ 29‬ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬م‪ 1.‬وم‪ ،2.‬ص‪.191‬‬
‫‪ 30‬برنشفيك (روبار)‪ ،‬تاريخ إفريقية في العهد الحفصي ‪ ،‬تعريب حمادي الساحلي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.1988 ،‬‬
‫‪ 31‬محمد العروسي المطوى‪ ،‬السلطنة الحفصية تاريخها السياسي ودورها في المغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.1986 ،‬‬
‫‪ 32‬حسن (محمد)‪ ،‬المدينة والبادية بإفريقية في العهد الحفصي ‪ ،‬تونس‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪.1999 ،‬‬
‫‪33‬‬
‫‪Lower (Michael), The Tunis Crusade of 1270: A Mediterranean History, Oxford, Oxford University Press, 2018.‬‬

‫‪11‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫المعاصرة‪ ،‬قد‬ ‫ن‬


‫الحظه بداي ًة أن االهتمام بتاريخ تونس القر السادس عشر في الدراسات ُ‬
‫ُ‬ ‫ما يمكن أن ُن‬
‫كان في البداية وربما حتى اليوم في الغالب من قبل باحثين غربيين‪ ،‬تركزت أبحاثهم باألساس على دراسة‬
‫الوثائق اإلسبانية‪ ،‬فمنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشر آلي دي ال بروميداي ‪Elie de La‬‬
‫ددا من تلك الوثائق بصفة ُمختصرة ُمترجم ًة إلى الفرنسية في المجلة اإلفريقية‪ ،‬في إطار‬
‫‪ Primaudaie‬ع ً‬
‫‪34‬‬
‫يعود أول‬
‫دراسته لعموم الوثائق اإلسبانية حول شمال إفريقيا‪ ،‬من سنة ‪ 1505‬إلى سنة ‪ ، 1575‬في حين ُ‬
‫مقال وقفنا عليه ُمخصص للحضور اإلسباني في تونس القرن السادس عشر إلى سنة ‪ُ ،1912‬نشر بالمجلة‬
‫التونسية ويحمل عنوان "االستعمار اإلسباني لحلق الوادي وتونس ما بين ‪ 1535‬و‪ .35"1574‬في ثالثينات‬
‫القرن العشرين نشر و ترجم لويس بوانسو ‪ Louis Poinssot‬والنتيار رايموند ‪ً Lantier Raymond‬‬
‫عددا‬
‫خصوصا بحكام حلق الوادي ما بين سنتي ‪ 1535‬و ‪ .361574‬كذلك قامت كاترين‬
‫ً‬ ‫من هذه الوثائق المتعلقة‬
‫غاينارد ‪ Gaignard Catherine‬بدراسة ُمعاهدة ‪ 6‬أوت ‪ 1535‬بين الحسن الحفصي و شارل الخامس‪.37‬‬
‫كما درس فرنسوا أنوالت ‪ François Arnoulet‬آخر مسارات السالطين الحفصيين ما بين سنتي ‪1526‬‬
‫و‪ 1574‬من خالل الوثائق اإلسبانية واإليطالية‪ .38‬نفس المقاربة‪ ،‬أي التعويل على الوثائق اإلسبانية واإليطالية‬
‫هي التي اعتمدها كذلك الباحث اإليطالي سالفادور بونو ‪ Salvadore Bono‬في أبحاثه التي خصصها لدراسة‬
‫الحضور اإلسباني في تونس القرن السادس عشر‪.39‬‬
‫نسبيا ويعود إلى العشرية‬
‫أما االهتمام التونسي بهذه الوثائق واالعتماد عليها في األبحاث فهو حديث ً‬
‫الثانية من القرن العشرين‪ ،‬حيث قام األستاذ الصادق بوبكر سنة ‪ 2011‬في إطار دراسته الهامة المعنونة‬
‫"باإلمبراطور شارل الخامس والسلطان الحفصي موالي الحسن (‪ ،40")1535-1525‬بنشر النسخة العربية من‬

‫‪34‬‬
‫‪Elie de La Primaudaie(F.), «Documents inédits sur l'histoire de l'occupation espagnole en Afrique (1506-1574(»,‬‬
‫‪Revue Africaine, XIX, 1875, pp.62-77, 148-157, 161-193, 265-288, 337-360, 483-496; XX, 1876, pp.128-144, 232-‬‬
‫‪244, 320-335, 387-416.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪Gustave Hannezo, «Occupation espagnole de la Goulette et de Tunis de 1535 à 1574», Revue Tunisienne, N.19‬‬
‫‪(1912), p. 3-20, 177-191, 248-262.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪Poinssot (Louis) et Raymond (Lantier), Les gouverneurs de La Goulette durant l'occupation espagnole : 1535-‬‬
‫‪1574, Tunis, Soc. Anonyme de l'Imprimerie Rapide, 1930.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪Gaignard (Catherine), «Un bel exemple d'entente hispano-tunisienne, le traité du 6 août 1535 entre Charles quint et‬‬
‫‪Moulay Hasan», Mélanges Louis Cardaillac / études réunis et préfacées par Abdeljelil Temimi. - 1e éd. - Zaghouan :‬‬
‫‪Fondation Temimi pour la recherche scientifique et l'information, 1995, Vol.I, pp.319-328.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪Arnoulet (François), « les derniers princes hafcides a Tunis 1526-1574) à partir de documents espagnols et italiens‬‬
‫‪du XVe et XIIe siècle », en AHROS N.15-16 (1997), pp.41-51.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪Bono (Salvadore), « Documenti inedeti e rari sulta storia della Tunisia negli anni 1573-1574», Studi Maghrebini 1,‬‬
‫‪pp.91-101; « Tunisi e la Goletta negli anni 1573-1574 », Africa, Anno 31, No. 1 (1976), pp. 1-39; « L'occupazione‬‬
‫‪spagnuola e la riconquista musulmana di Tunisi (1573-. 1574) », Africa, Anno 33, No. 3 (1978), pp. 351-381.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪Boubaker (Sadok), «L'empereur Charles Quint et le sultan hafside Mawlay al-Hasan ( 1525- 1550», In Empreintes‬‬
‫‪espagnoles dans l’histoire tunisienne, études réunies par Sadok Boubaker et Clara Ilham Álvarez Dopico, Gijón,‬‬
‫‪Ediciones Trea, S. L., 2011. pp.13-82.‬‬

‫‪12‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫معاهدة ‪ 6‬أوت ‪ ،1535‬والتي حددت طبيعة العالقة بين السالطين الحفصيين و "الحماة" اإلسبان‪ ،‬كما أعاد‬
‫نشر خمس رسائل أخرى‪ُ ،‬مترجمة إلى الفرنسية من موالي الحسن إلى شارل الخامس‪ ،‬وفرنثيسكو دي لوس‬
‫غوبوس و فرننادو غونثاغا‪ .41‬كذلك قمنا نحن بعد سنتين (‪ )2013‬بنشر دراسة في المجلة التاريخية المغاربية‬
‫معنونة بـ‪" :‬وثيقتان غير منشورتان بين موالي الحسن الحفصي والملك اإلسباني شارل الخامس"‪ ،42‬تلتها في‬
‫سنة ‪ 2015‬دراسة أخرى باالشتراك مع األستاذ عبد الجليل التميمي تحمل عنوان‪" :‬رسائل حفصية جديدة‬
‫بأرشيف سيمانكس العام‪ ،43)1536-1535( :‬فدراسة ثالثة في سنة ‪ 2021‬باإلشتراك مع كريستال باسكنس‪،‬‬
‫قمنا فيها بإعادة تحقيق مجموعة الرسائل الحفصية وترجمتها للغة االنجليزية‪.44‬‬
‫من جهة أخرى وفيما يتعلق بدراسة تونس القرن السادس عشر باالعتماد على الوثائق العثمانية‪،‬‬
‫ومستهل‬ ‫ن‬
‫فالمالحظة األولية هي أن التعويل على هذه الوثائق لم يعرف تطور نسبي إال في نهاية القر العشرين ُ‬
‫القرن الواحد والعشرين‪ ،‬أي بفضل أعمال عدد من الباحثين األتراك كخليل الساحلي أوغلو الذي نشر منذ‬
‫سبعينات القرن العشرين ً‬
‫عددا من الوثائق العثمانية عن عموم الحضور التركي ببالد المغرب‪ ،45‬تالها في‬
‫التسعينات مقال آخر هام لنفس الكاتب حول البعثة التي أرسلها السلطان الحفصي موالي الحسن للقسطنطينية‬
‫‪46‬‬
‫أيضا‪ ،‬يمكن‬
‫سنة ‪ 1531‬لمقابلة السلطان سليمان القانوني وبحث إمكانية إيجاد تحالف حفصي‪ /‬عثمانية ‪ً .‬‬
‫اإلحالة على كتاب التركي عزيز سامح إلتر األتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية الذي وإن ركز على‬
‫فإنه تطرق لبعض جوانب هذا الحضور ببقية المناطق المغاربية ومنها تونس‪.47‬‬ ‫الحضور العثماني بالجزائر ُ‬
‫باإلضافة إلى الباحثين األتراك‪ ،‬لعب األستاذ عبد الجليل التميمي منذ الثلث األخير من القرن العشرين‬
‫المعتمدة على الوثائق العثمانية‪ ،‬حيث درس ونشر العديد‬
‫أساسيا في تطوير الدراسات التاريخية التونسية ُ‬
‫ً‬ ‫دور‬
‫ًا‬
‫المهتمة باإلياالت المغاربية‪ ،‬والتي جمعها في كتاب هام ُنشر سنة ‪ 2009‬تحت عنوان دراسات في‬
‫من الوثائق ُ‬

‫‪41‬‬
‫باإلضافة إلى هذه الدراسات التي قامت بنشر بعض الوثائق الحفصية اإلسبانية‪ ،‬فإنهُ يمكننا أن نحيل كذلك إلى دراسة سيلفي دسوارت ‪Ibid., pp.72-82‬‬
‫روزا‪:‬‬
‫‪Deswarte-Rosa (Sylvie), L'Expédition de Tunis (1535): images, interprétations, répercussions culturelles, Paris,‬‬
‫‪Honoré Champion, 1998.‬‬
‫‪ 42‬شاشية‪ ،‬حسام الدين‪" ،‬وثيقتان جديدتان بين موالي الحسن الحفصي والملك شارل الخامس"‪ ،‬المجلة التاريخية المغاربية‪ ،‬عدد ‪،)2013( 152‬‬
‫صص‪425-411‬‬
‫‪ 43‬شاشية (حسام الدين) والتميمي (عبد الجليل)‪" ،‬رسائل حفصية جديدة بأرشيف سيمانكس العام‪ ،"1536-1535:‬المجلة التاريخية المغاربية‪ ،‬عدد ‪157‬‬
‫(‪ ،)2015‬صص‪.455-423‬‬
‫‪44‬‬
‫‪Chachia (Houssem Eddine) and Baskins (Cristelle), «Ten Hafsid Letters (1535-1536) from the General Archive of‬‬
‫‪Simancas (Spain) respecting the politic situation in Tunisia after the 1535 defeat of the Ottoman and the restoration‬‬
‫‪of Hafsid rule», Hespéris-Tamuda, Nº.56 (2021), 1, pp.427-438.‬‬
‫‪ 45‬خليل الساحلي (أوغلو)‪" ،‬وثائق عن المغرب العثماني أثناء حرب مالطة سنة ‪ ،"1565‬المجلة التاريخية المغاربية (‪ ،)1977‬عدد ‪ ،08-07‬صص ‪-40‬‬
‫‪.60‬‬
‫‪ 46‬خليل الساحلي (أوغلو)‪" ،‬سفارت السلطان الحسن الحفصي إلى السلطان العثماني سليمان القانوني سنة ‪ ،"1535‬المجلة التاريخية المغاربية‪ ،‬عدد ‪-87‬‬
‫‪ ،)1997( ،88‬صص‪.560-537‬‬
‫‪ 47‬إلتر (عزيز سامح)‪ ،‬األتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية ‪ ،‬ترجمة عبد السالم أدغم‪ ،‬طرابلس‪ ،‬منشورات دار الفرجاني‪.1991 ،‬‬

‫‪13‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫العثماني المغاربي خالل القرن السادس عشر‪ ،48‬ويقوم هذا العمل على ست دراسات‪ ،‬حاولت باالعتماد‬
‫التاريخ ُ‬
‫أساسا على الفرمانات والمراسالت العثمانية دراسة الجوانب المتعلقة بالمسائل اإلدارية والتنظيمية لبداية الحضور‬
‫ً‬
‫التركي في إياالت طرابلس الغرب‪ ،‬تونس والجزائر‪ ،‬والوسائل التي استعملها العثمانيون للسيطرة على المجال‪،‬‬
‫هذا باإلضافة إلى تخصيص دراسة للرسومات التركية التي أرخت لحملة سنان باشا على البالد سنة ‪.1574‬‬
‫تخص اإلياالت المغاربية‬
‫تلى هذه الدراسات قسم مالحق على غاية كبيرة من األهمية ضم ‪ 291‬وثيقة عثمانية ُ‬
‫رسما التي وردت في ُملحق الدراسة الرابعة‪.50‬‬ ‫‪49‬‬
‫الثالث ‪ ،‬باإلضافة إلى الست عشر ً‬
‫كذلك ساهم ُمؤيد المناري في تمكين الباحثين من الوصول واالطالع على ُمحتوى الوثائق العثمانية‪،‬‬
‫التي كانت المادة األساسية في ُمختلف األبحاث التي أصدرها عن تونس القرن السادس عشر‪ 51‬أو في أطروحته‬
‫الهامة التي ناقشها في جامعة إسطمبول وصدرت في سنة ‪ُ 2023‬مترجمة للغة العربية تحت عنوان عثمنة‬
‫مدينة القيروان وأثرها في معالم القرنين السابع عشر والثامن عشر (‪ ،52)1782-1557‬حيث وإن كان‬
‫الجانب األكبر من هذه األطروحة يتعلق بالجوانب المعمارية‪ ،‬وتم التركيز على الحضور التركي بمدينة القيروان‪،‬‬
‫المتعلقة بعموم الحضور العثماني في‬
‫فإنه يمكننا من خالل الفصل األول الوقوف على العديد من المسائل ُ‬
‫ُ‬
‫تونس القرن السادس عشر ‪.‬‬
‫‪53‬‬

‫في نفس اإلطار‪ ،‬أي نشر الوثائق العثمانية حول تونس‪ ،‬يمكن أن ُنحيل على مشروع "البالد العربية‬
‫في الوثائق العثمانية"‪ ،‬التابع لـ "مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية"‪ ،‬والذي يتم من خالله تحقيق‬
‫وترجمة عدد من الوثائق العثمانية للغة العربية‪ ،‬حيث تم تخصيص المجلد العاشر لـ‪" :‬والية تونس في القرن‬
‫ُ‬
‫العشر الهجري‪/‬السادس عشر الميالدي"‪ .54‬اتبع ُمؤلف الكتاب فاضل بيات منهجية تقوم على التقديم للوثائق‬
‫ثم إيراد النص األصلي العثماني ُيقابله الترجمة العربية‪ ،‬مع إيراد صور عالية الدقة للوثائق المنشورة‪ .‬قام الكاتب‬
‫بتقسيم الوثائق حسب موضوعاتها أي وثائق تتعلق بـ‪" :‬تحرير تونس وحمايتها واستتباب األمن بها"‪ ،‬ثم مجموعة‬
‫ثانية حول "الشؤون اإلدارية"‪ ،‬فمجموعة ثالثة حول "الشؤون القضائية"‪ ،‬فرابعة حول "األوقاف والشؤون الدينية"‪،‬‬

‫‪ 48‬التميمي (عبد الجليل)‪ ،‬دراسات في التاريخ العثماني المغاربي خالل القرن السادس عشر‪ ،‬تونس‪ ،‬مؤسسة التميمي‪.2009 ،‬‬
‫‪ 49‬نفس المرجع‪ ،‬صص‪.312-173‬‬
‫‪ 50‬نفس المرجع‪ ،‬صص‪.140-125‬‬
‫‪ 51‬المناري (مؤيد)‪" ،‬أبو الطيب الخضار الرياحي وعالقته باألتراك"‪ ،‬المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية‪ ،‬عدد ‪ ،)2017( 56-55‬صص‪-6‬‬
‫‪7‬؛ "الحملة العثمانية على تونس سنة ‪ 1574‬م من خالل مصادر التاريخ التركي في العصر الحديث"‪ ،‬المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،)2021( 63‬صص‪ 270-241‬؛ مؤيد المناري‪" ،‬ديوان جند اإلنكشارية ومقام الحاجي بكتاش ولي بإيالة تونس‪ :‬الوالء ورمزية االنتماء العثماني"‪ ،‬السبيل‪:‬‬
‫مجلة التّاريخ واآلثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]‪ ،‬عدد‪ ، 14‬سنة ‪2022.‬الرابط ‪ http://www.al-sabil.tn/?p=9415 :‬بتاريخ ‪11/23‬‬
‫‪.2023/‬‬
‫‪ 52‬المناري ( ُمؤيد)‪ ،‬عثمنة مدينة القيروان وأثرها في معالم القرنين السابع عشر والثامن عشر (‪ ،)1782-1557‬تونس‪ ،‬دار المسيرة‪.2023 ،‬‬
‫‪ 53‬نفس المرجع‪ ،‬صص‪.71-25‬‬
‫‪ 54‬بيات (فاضل)‪ ،‬البالد العربية في الوثائق العثمانية‪ :‬والية تونس خالل القرن العاشر الهجري‪ /‬السادس عشر ميالدي‪ ،‬إسطمبول‪ ،‬مركز األبحاث‬
‫للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية‪.2022 ،‬‬

‫‪14‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫"حكام تونس من الحفصيين‬ ‫فخامسة حول "الشؤون االقتصادية"‪ ،‬ثم "شؤون العسكر واألسرى"‪ ،‬و ًا‬
‫أخير حول ُ‬
‫والزعامات المحلية والعشائر واألعيان"‪.‬‬
‫باإلضافة إلى الوثائق اإلسبانية والعثمانية‪ ،‬نالحظ أن الباحثين في تاريخ تونس القرن السادس عشر‬
‫المهمة في تلك الفترة قد إعتمدوا ما يمكن‬
‫وتحديدا في دراسة تاريخ الحركة الشابية التي لعبت العديد من األدوار ُ‬
‫ً‬
‫تسميته بالوثائق والمصادر الشابية‪ ،‬فمن بين أوائل الباحثين في هذا الشأن يمكن أن نذكر الفرنسي شارل‬
‫ُ‬
‫له سنة ‪ 1939‬بعد وفاته مجموع الدراسات التي نشرها في "المجلة التونسية"‪ ،‬تحت عنوان‬
‫مونشيكور الذي ُنشر ُ‬
‫"دراسات قيروانية‪ :‬القيروان والشابية (‪ 55")1592-1450‬والذي تُرجم إلى عربية عن طريق محمد العربي‬
‫السنوسي‪ .56‬ثم كتاب "تاريخ الشابية خالل العهدين الحفصي والعثماني لعلي الشابي"‪ ،57‬هذا باإلضافة إلى‬
‫ؤخر ككتاب "مجموع الفضائل في سر منافع الرسائل في بداية‬
‫مجموعة المصادر الشابية التي صدرت ُم ًا‬
‫الطريق ألهل التحقيق"‪ 58‬ألحمد بن مخلوف الشابي (ت‪ )1492‬وكتاب "الفتح المنير في التعريف بطريقة‬
‫‪59‬‬
‫الش ّابي (ت‪ )1618‬وكتاب "مناقب الشيخ محمد المسعود‬
‫ربوا به الفقير" لمحمد المسعود ّ‬
‫الش ّابّية وما َّ‬
‫ّ‬
‫الشابي"‪ ،60‬لعلي بن مسعود الشابي (ت‪)1663‬‬
‫فنالحظ في السنوات‬
‫باإلضافة إلى االعتماد على الوثائق والمصادر اإلسبانية‪ ،‬العثمانية والمحلية‪ُ ،‬‬
‫أساسا الحضور اإلسباني في تونس من وجهة نظر تاريخ الفن‪ ،‬حيث حظيت‬ ‫األخيرة تزايد األعمال التي عالجت ً‬
‫وخصوصا ما ُيعرف بـ‪" :‬زرابي حملة تونس" بإهتمام‬
‫ً‬ ‫األعمال الفنية التي "خلدت" الحملة اإلسبانية على تونس‬
‫كبير ودراسة معمقة من الباحثين األوروبيين‪ .61‬كذلك صدر في سنة ‪ 2022‬كتاب "الحفصيين والهابسبورغ‬
‫‪62‬‬
‫لكريستال باسكنس‪ .‬تجدر اإلشارة إلى أن هذا الكتاب‬ ‫في متوسط العصر الحديث المبكر‪ :‬مواجهة تونس"‬

‫‪55‬‬
‫‪Monchicourt (Charles), Kairouan et les Chabbïa : 1450-1592, Tunis, impr. j. aloccio, 1939.‬‬
‫‪ 56‬مونشيكور (شارل)‪ ،‬القيروان والشابية ‪ ،1592-1450‬تونس‪ ،‬نقائش عربية‪.2015 ،‬‬
‫‪ 57‬الشابي (علي)‪ ،‬تاريخ الشابية خالل العهدين الحفصي والعُثماني‪ ،‬تونس‪ ،‬جمعية الشابي للتنمية ونقوش عربية‪.2015 ،‬‬
‫‪ 58‬الشابي (أحمد بن مخلوف)‪ ،‬مجموع الفضائل في سر منافع الرسائل في بداية الطريق ألهل التحقيق‪ ،‬تقديم وتحقيق مبروك السوسي‪ ،‬تونس‪ ،‬جمعية‬
‫الشابي للتنمية‪.2018 ،‬‬
‫‪ 59‬ال ّ‬
‫شابّي (محمد المسعود)‪ ،‬الفتح المنير في التعريف بطريقة الشّابّيّة وما ربَّوا به الفقير‪ ،‬تحقيق عثمان البرهومي‪ ،‬تونس‪ ،‬جمعية الشابي للتنمية‪.2021 ،‬‬
‫‪ 60‬الشابي (علي بن محمد المسعود)‪ ،‬مناقب الشيخ محمد المسعود الشابي‪ ،‬تحقيق عبد هللا الشابي ‪ ،‬مراجعة وتقديم علي الشابي‪ ،‬تونس‪ ،‬جمعية الشابي‬
‫للتنمية ودار صامد‪.2022 ،‬‬
‫‪61‬‬
‫‪Miguel Ángel de (Bunes Ibarra), «Vermeyen y los tapices de la ‘Conquista de Túnez’» in Historia y representación‬‬
‫‪La imagen de la guerra en el arte de los antiguos Países Bajos,ed. Bernardo José García García (Madrid: Complutense‬‬
‫”‪University, 2006),pp. 95–134; Kunzle, David; “Vermeyen’s Tapestry Series on the Conquest of Tunis by CharlesV,‬‬
‫; ‪in From Criminal to Courtier: The Soldier in Netherlandish art 1550–1672(London/Boston: Brill, 2002), pp. 63–80‬‬
‫‪SCHMITZ-VON LEDEBUR Katja, « Emperor Charles V Captures Tunis: a Unique Set of Tapestry Cartoons», Studia‬‬
‫‪Bruxellae, 2019/1 (N° 11), p. 387-404. DOI : 10.3917/stud.011.0387. URL : https://www.cairn.info/revue-studia-‬‬
‫‪bruxellae-2019-1-page-387.htm ; Horn, Hendrik J. “‘The Sack of Tunis’ by Jan Cornelisz Vermeyen: A Section of a‬‬
‫–‪Preliminary Drawing for His ‘Conquest of Tunis Series.’” Bulletin van Het Rijksmuseum, vol. 32, no. 1, 1984, pp. 17‬‬
‫‪24. JSTOR, http://www.jstor.org/stable/40382148. Accessed 23 Nov. 2023.‬‬
‫‪62‬‬
‫‪Baskins (Cristelle), Hafsids and Habsburgs in the Early Modern Mediterranean Facing Tunis, Cham: Springer‬‬
‫‪International Publishing Palgrave Macmillan, 2022.‬‬

‫‪15‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫ال يتناول بنفس الدرجة ُمجمل تاريخ العالقة بين الحفصيين والهابسبورغ على امتداد القرن السادس‪ ،‬أي فترة‬
‫التواصل بين الساللتين الحاكمتين في تونس وإسبانيا‪ ،‬بل هو ُيركز على موالي الحسن الحفصي "البطل الرئيسي"‬
‫في الكتاب ‪-‬إن صح التعبير‪ ،-‬بمعنى الفترة المتراوحة بين سنتي ‪ 1534‬و‪ ،1549‬والتي تُمثل ما يمكن أن‬
‫نطلق عليه "الحقبة الهابسبورغية" في حياة "أمير المؤمنين" وسلطان تونس موالي الحسن‪.63‬‬
‫خصوصا في إسبانيا على امتداد الفترة الحديثة عدد من األعمال‬
‫ً‬ ‫باإلضافة إلى األعمال الفنية صدرت‬
‫أساسا لحملة سنة ‪ 1535‬كمسرحية "كارلوس الخامس‬
‫األدبية من أناشيد وأشعار وروايات ومسرحيات أرخت ً‬
‫‪64‬‬
‫المقابل فإن االهتمام في تونس‬
‫على تونس" لخوسيه دي كانيثارس ‪( José de Cañizares‬ت‪ .)1770‬في ُ‬
‫‪65‬‬
‫بتقديم تمثل أدبي ألحداث القرن السادس عشر وإذا ما أستثنينا مسرحية موالي السلطان الحسن الحفصي‬
‫محدودا وحديثًا‪ ،‬حيث ال يمكن أن نذكر إال رواية "برق الليل"‪ 66‬للبشير خريف‬
‫ً‬ ‫(‪ )1977‬لعز الدين المدني يبدو‬
‫‪67‬‬
‫لحسنين بن عمو‪ ،‬ورواية ُقبة آخر الزمان‬ ‫التي صدرت أول مرة سنة ‪ 1961‬ورواية رحمانة (‪)2001‬‬
‫(‪ 68)2006‬لعبد الواحد براهم‪ ، ،‬ثم رواية علياء مبروك الملك الغامض (‪.69 )2007‬‬
‫المعاصرة لتاريخ تونس في القرن السادس عشر‪ ،‬فإننا‬ ‫لمختلف أوجه تناول الدراسات ُ‬ ‫بعد هذا العرض ُ‬
‫خصوصا على‬
‫ً‬ ‫سنحاول فيما يلي الوقوف على عموم نظرة الدراسات التاريخية التونسية لتلك الفترة‪ ،‬مع التركيز‬
‫المجملة للتاريخ التونسي‪ .‬أولى هذه األعمال يمكن القول أنها كانت كتاب محمد البشير صفر مفتاح‬
‫الكتابات ُ‬
‫التاريخ ُمفكرات ومقاالت تاريخية‪ 70‬والذي هو في األصل دروس ُقدمت في الخلدونية ما بين سنتي ‪1897‬‬
‫و‪ .1908‬لم ُيخصص الكاتب إال بضع أسطر للحديث عن نهاية الدولة الحفصية وانتصاب العثمانيين بالبالد‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫تماما سنة ‪940‬هـ (‪ )1534‬فتغلب عليها خير الدين التركي‬
‫فشيئا إلى أن ضعف أمرها ً‬ ‫شيئا ً‬‫" ‪...‬ثم تداعت ً‬
‫ونشأ عن ذلك التجاؤها إلى حماية اإلسبانيول‪ ،‬فلبثت تحت حماية ملوك إسبانيا وهي على أسوء حال إلى أن‬
‫كان الفتح العثماني سنة ‪ 981‬هـ (‪.71")1574‬‬

‫‪ 63‬أنظر ُمراجعتنا لهذا الكتاب في ‪Hespéris-TamudaLVIII (2) (2023): 435-439‬‬


‫‪ https://www.hesperis-tamuda.com/Downloads/2020-2029/2023/Fascicule-2/19.pdf‬بتاريخ ‪ 10‬جانفي ‪.2024‬‬
‫‪64‬‬
‫‪Cañizares (José de), Carlos Quinto sobre Tunez : comedia famosa, Valencia, Imprenta de la Viuda de Joseph de‬‬
‫‪Orga, 1770.‬‬
‫‪ 65‬المدني (عز الدين)‪ ،‬موالي السلطان الحسن الحفصي ‪ :‬ألوان تاريخية في مسرحية الشعب‪ ،‬الدار العربية‪ ،‬تونس‪.1977 ،‬‬
‫‪ 66‬خريف (البشير)‪ ،‬برق الليل‪ ،‬تونس‪ ،‬دار الجنوب‪.2015 ،‬‬
‫‪ 67‬بن عمو (حسنين)‪ ،‬رحمانة‪ ،‬تونس‪ ،‬سراس للنشر‪.2001 ،‬‬
‫‪ 68‬براهم (عبد الواحد)‪ ،‬قُبة آخر الزمان‪ ،‬صفاقس‪ ،‬المدينة للنشر‪.2005 ،‬‬
‫‪69‬‬
‫‪Mabrouk (Alia), Le Roi Ambigu, Tunis, Déméter, 2007.‬‬
‫صفر (محمد البشير)‪ ،‬مفتاح التاريخ ُمفكرات ومقاالت تاريخية‪ ،‬تونس‪ ،‬مطبعة النهضة‪.1927 ،‬‬ ‫‪70‬‬

‫‪ 71‬نفس المرجع‪ ،‬صص‪.259-249‬‬

‫‪16‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫مما سبق‪ُ ،‬يمكن أن ُنالحظ أن البشير صفر ُيقدم سيطرة العثمانيين على البالد كـ "فتح" وإنقاذ لها من‬
‫وميله الواضح‬
‫ُ‬ ‫فته في أواخر الدولة الحفصية وفي ظل "الحماية اإلسبانية"‪ .‬رؤية الكاتب‬
‫االنحطاط الذي عر ُ‬
‫لجانب األتراك‪ ،‬يتأكد في التمهيد الذي خصصه في كتابه لتاريخ اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬فهو يقول‪:‬‬

‫"لهذه الدولة مكانة كبرى في قلوب ُ‬


‫المسلمين شرًقا وغرًبا‪ ،‬أوالً ألنها دولة الخالفة اإلسالمية وبيدها مقاليد‬
‫ثانيا‪ ،‬ألنها الدولة الوحيدة التي تُمثل السلطة اإلسالمية لهذا العهد‪ .‬ثالثًا‪ :‬ألنها ظهرت في‬
‫الحرمين الشريفين‪ً .‬‬
‫عصر أُصيب فيه المسلمون شرًقا وغرًبا برزايا كادت أن تقضي على اإلسالم ً‬
‫دينا وسياسة"‪.72‬‬
‫ِ‬
‫كتابه الشهير خالصة تاريخ تونس الذي صدرت‬ ‫على نفس هذا النهج يسير حسن حسني عبد الوهاب في‬
‫‪74‬‬ ‫‪73‬‬
‫عيا ُيشير إلى طبيعته التعليمية‪،‬‬
‫طبعته األولى سنة ‪ ، 1917‬والذي حمل في طبعاته الثالث األولى عنو ًانا فر ً‬
‫ُ‬
‫حيث نجد‪ُ " :‬مختصر مدرسي يشمل ذكر حوادث القطر التونسي من أقدم العصور إلى الزمان الحاضر مع‬
‫المخصصة للدولة الحفصية ُيعبر الكاتب عن موقف سلبي و"شبه‬
‫تراجم النابغين من رجاله"‪ .‬منذ األوراق األولى ُ‬
‫ال ُعنصري" من هذه الدولة‪ ،‬حيث يذهب إلى أن الغالب عليها هو "سوء اإلدارة" و"الجمود"‪ ،‬كنتيجة ألصولها‬
‫البربرية‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫"وقد حظيت الدولة الحفصية مدة استقاللها بعز وسلطان واتساع ملك ونفوذ لم يتسن لكثير من الدول‪ ،‬إال أن‬
‫الغالب عليها سوء اإلدارة لتغلب الفكر البربري على رجالها ُّ‬
‫وتمدنها‪ ،‬ولذا كان دورها ُيمثل هيئة خالدة إلى‬
‫التقليد بعيدة عن االختراع‪ُ ،‬لبعد عهدها عن الصبغة العربية والحضارة الشرقية بخالف ما حصل في عصر‬
‫األغالبة وصنهاجة‪.75"...‬‬

‫المقاربة لعموم التاريخ الحفصي‪ ،‬فيمكن القول أن حسن حسني عبد الوهاب هو أول‬
‫على الرغم من هذه ُ‬
‫ومكثفة للمسار التاريخي لتونس القرن السادس عشر‪،76‬‬ ‫ن‬
‫مؤرخ تونسي ُيقدم في القر العشرين سردية جامعة ُ‬
‫المؤنس‬‫حيث يظهر بوضوح اعتماده وتبنيه لمقوالت المصادر التونسية المحلية‪ ،‬وباألساس ما ورد في كتاب ُ‬
‫ُ‬
‫في أخبار إفريقية وتونس‪ ،‬هذا مع عدم استبعاد اطالعه على عدد من الكتابات الفرنسية التي تعود لنهاية‬
‫القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ .‬هنا تجدر اإلشارة إلى أن الكاتب قد توسع في الفترة ما قبل سنة‬
‫‪ُ 1574‬مقابل اختصاره الشديد (ورقة ونصف) فيما يتعلق ببداية الحضور التركي‪ ،‬حيث كاد يستنسخ ما ورد‬
‫في كتاب "ذيل بشائر أهل اإليمان"‪.‬‬

‫‪ 72‬نفس المرجع‪.135 ،‬‬


‫ُ‬
‫‪ 73‬عبد الوهاب (حسن حسني)‪ ،‬خالصة تاريخ تونس‪ ،‬تونس‪ ،‬المطبعة التونسية‪.1917 ،‬‬
‫‪ 74‬عبد الوهاب (حسن حسني)‪ُ ،‬خالصة تاريخ تونس‪ ،‬تونس‪ ،‬المطبعة التونسية‪1925 ،‬؛ ُخالصة تاريخ تونس‪ ،‬تونس‪ ،‬دار الكتب العربية الشرقية‪،‬‬
‫‪ .1953‬سنعتمد في اإلحاالت طبعة سنة ‪.1925‬‬
‫‪ 75‬عبد الوهاب (حسن حسني)‪ُ ،‬خالصة تاريخ تونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪ 76‬عبد الوهاب (حسن حسني)‪ُ ،‬خالصة تاريخ تونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪.110-109‬‬

‫‪17‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫الكتاب التاريخي الجامع الثالث الذي ندرسه في هذا العنصر هو كتاب األستاذ محمد الهادي الشريف تاريخ‬
‫‪77‬‬
‫(تقريب الطبعة األولى كانت في سنة ‪ .)1980‬تناول‬ ‫تونس‪ :‬من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل‬
‫الكاتب فترة أفول الدولة الحفصية وتركز الحكم العثماني بالبالد في المحور المعنون بـ‪" :‬العهد العربي" و ً‬
‫تحديدا‬
‫في فصله األخير "إفريقية من الزحف الهاللي حتى انحالل الدولة الحفصية"‪ ،‬ثم في بداية المحور الذي يليه‬
‫والمعنون بـ‪" :‬العصور الحديثة‪."1815-1574 :‬‬
‫ُيقارب األستاذ الشريف الفترة المتراوحة ما بين القرنين الحادي عشر والسادس عشر على أنها فترة تقهقر‬
‫ُمتواصل في تاريخ أفريقية‪ُ ،‬محاوالً تنسيب مقولة أن السبب الرئيسي لهذا التراجع هو وفود القبائل الهاللية‬
‫الغازية‪ ،‬حيث وإن ُيقر بأن هذا "الغزو" قد أدى إلى انتشار البداوة وتأصيلها أو دعمها وازدياد الفوارق بين‬
‫فإنه يعود للتأكيد بأن هذا الحدث وعلى أهميته ال ُيفسر‬‫المناطق الداخلية والمناطق الحضرية أو الساحلية‪ُ ،‬‬
‫وحدهُ طريق االنحدار الذي عرفته البالد والمنطقة ككل‪ ،‬بل ُيفسرهُ كذلك "االنقسام السياسي الذي وقع بإفريقية‬
‫واستسالمها وعدم مقاومتها لمن قصدها من غزاة‪.78"...‬‬
‫أنه محاولة للبحث في الجذور البعيدة ألزمة تونس الشديدة في القرن السادس‬
‫يقدمه الكاتب هنا‪ ،‬يبدو و ُ‬
‫ُ‬ ‫ما‬
‫عشر‪ ،‬على الرغم لما بين هذه األزمة والقرن الحادي عشر من فترات إش ارق وازدهار ‪-‬ال ينكرها المؤلف‪ -‬بيد‬
‫المقاربة القائمة على الزمن الطويل وعلى الرغم‬ ‫أنه ُيقاربها من وجهة نظر أنها أقواس أو ازدهار ظرفي‪ .‬هذه ُ‬ ‫ُ‬
‫من تماسكها‪ ،‬فإنها في حاجة حسب رأينا لمزيد االختبار القائم على الدراسة والمقارنة الفعلية للبنى االجتماعية‪،‬‬
‫االقتصادية والسياسية إلفريقية ما قبل وما بعد القرن الحادي عشر‪.‬‬
‫من جهة أخرى وفي محاولة الشريف لتفسير أسباب قوة أو امتداد حياة السلطنة الحفصية طويالً‪ُ ،‬يقدم لنا‬
‫جملة من األسباب‪ ،‬التي لعل أهمها هو ما اتسم به النظام الحفصي من تزهد وبساطة في المستويين السياسي‬
‫واإلداري‪ ،‬واالعتماد في المستوى االقتصادي على موارد مالية ال ترتكز فقط وباألساس على النظام الضريبي‬
‫المتأتي من الرعية‪ ،‬بل على عائدات التجارة الخارجية والقرصنة‪ .‬أما بالنسبة لقوة الدولة الردعية‪ ،‬بمعنى الجيش‪،‬‬
‫ُ‬
‫فباإلضافة إلى القوات المحلية‪ ،‬فقد اعتمد الحفصيون على نخبة عسكرية منفصلة عن ُ‬
‫المجتمع المحلي‪ ،‬أي‬
‫"المرتزقة من األجانب من األندلسيين والمشارقة والزنوج وفي نهاية األمر المسيحيين"‪.79‬‬
‫أما بالنسبة ألسباب تراجع الدولة‪ ،‬فيرى الشريف أن سببها الرئيسي هو عدم قدرة أو رغبة الحفصيين في‬
‫السيطرة على المناطق الداخلية للبالد‪ ،‬التي كانت تحت نفوذ قبائل الرحل وشبه الرحل‪ ،‬ما أدى إلى "تفتت‬
‫وخطر‬
‫ًا‬ ‫مصدر إلضعاف الدولة المركزية‪،‬‬
‫ًا‬ ‫دائما‬
‫خصوصا مثلت ً‬
‫ً‬ ‫المجتمع داخل البالد"‪ .‬هذه القبائل المحاربة‬

‫‪ 77‬الشريف (محمد الهادي)‪ ،‬تاريخ تونس‪ :‬من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل‪ ،‬تونس‪ ،‬سراس‪.1993 ،‬‬
‫‪ 78‬الشريف (محمد الهادي)‪ ،‬تاريخ تونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪.51-49‬‬
‫‪ 79‬الشريف (محمد الهادي)‪ ،‬تاريخ تونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪.56-55‬‬

‫‪18‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫على المجتمع المديني‪ ،‬سيما في أوقات األزمات وتراجع الموارد‪ .‬هذه البنية االجتماعية لتونس الحفصية‪،‬‬
‫وانتشار التصوف في معظم بالد المغرب‪ ،‬وما وقع على المستوى العالمي من "اكتشافات كبرى" هي التي أدت‬
‫حسب ما نفهم من التحليل الذكي للكاتب في نهاية القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر‪ ،‬إلى دخول الدولة‬
‫الحفصية في أزمة شديدة‪ ،‬أدت إلى زوالها‪.80‬‬
‫لمجمل أحداث القرن السادس عشر حتى سنة ‪،1574‬‬ ‫ُيخصص األستاذ الشريف فقط ورقة ونصف للفترة ُ‬
‫حيث ُيركز على أن الصراع اإلسباني العثماني لم يكن على البالد التونسية في حد ذاتها‪ ،‬بل على موقعها‬
‫اإلستراتيجي‪ ،‬أي إشرافها على مضيق صقلية الرابط بين الحوضين الشرقي والغربي للمتوسط‪ .81‬نفس هذا‬
‫االختزال سنجدهُ فيما يتعلق ببداية الحكم التركي بالبالد نهاية القرن السادس عشر‪ ،‬حيث وقع تخصيص ثالثة‬
‫أوراق تقر ًيبا لشرح تركيبة وخصوصيات هذا النظام الجديد‪ ،‬الذي اعتمد في بدايته على العناصر التركية الوافدة‪،‬‬
‫التي وجهت موارد الدولة األساسية لدفع رواتبها وامتيازاتها والحاجيات المتعلقة بالمسائل العسكرية واإلدارية‪ ،‬في‬
‫حين تُركت المجتمعات المحلية في حالتها المألوفة ما دامت تُلبي الحاجيات المالية للحكام الجدد وال تعلن الثورة‬
‫عليهم‪.82‬‬
‫بعد عدة سنوات من كتاب الشرفي‪ ،‬صدر في سنة ‪ 2007‬كتاب آخر جامع لتاريخ تونس‪ ،‬هو كتاب تونس‬
‫عبر التاريخ وهو كتاب جماعي تحت إشراف األستاذ خليفة شاطر في أجزائه الثالث األولى‪ ،‬وزهير المظفر‬
‫جعله‬
‫ُ‬ ‫في جزأه الرابع‪ ،‬وصادر عن مؤسسة رسمية هي "مركز الدراسات والبحوث االقتصادية واالجتماعية"‪ ،‬ما‬
‫خطه رئيس البالد حينها زين العابدين بن علي‪" :‬عمل‬
‫ُ‬ ‫نوعا من التاريخ الرسمي‪ ،‬وهو كما ورد في التقديم الذي‬
‫ً‬
‫شامل واألول من نوعه في تونس الحديثة‪...‬هو في حد ذاته ُنقلة جوهرية تُكرس تطور المدارس الفكرية التونسية‬
‫في ُمختلف المجاالت"‪.83‬‬
‫ُيمكننا أن نقف من خالل هذا الكتاب على ُمقاربة تاريخية للقرن السادس عشر في تونس‪ ،‬هي ُجزء من‬
‫نسيج السردية التاريخية حول بناء الدولة في تونس منذ العصور القديمة حتى "تونس التحول"‪ .‬اإلشارة السابقة‬
‫خصوصا في أجزائه الثالثة‬
‫ً‬ ‫ونعت هذا العمل بالتاريخ الرسمي أو شبه الرسمي ال يعني أن مؤلفيه قد سقطوا‬
‫األولى في نوع من التمجيد والبروبغندا الرخيصة للدولة‪ ،‬بل هو تأكيد على الطابع المؤسساتي لهذا العمل‪،‬‬
‫ورغبة جهاز الدولة في إيجاد تاريخ جامع تحت رعايتها‪ُ ،‬يقدم بطريقة أو أخرى رؤيتها للتطور التاريخي للبالد‪،‬‬
‫على أساس كما ُذكر في التقديم أن التاريخ هو "مبنى الهوية والعمود الفقري للشخصية الوطنية"‪.84‬‬

‫‪ 80‬الشريف (محمد الهادي)‪ ،‬تاريخ تونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪.64-57‬‬


‫‪ 81‬الشريف (محمد الهادي)‪ ،‬تاريخ تونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪.66-64‬‬
‫‪ 82‬الشريف (محمد الهادي)‪ ،‬تاريخ تونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪.68-70‬‬
‫‪ 83‬جماعي‪ ،‬تونس عبر التاريخ‪ ،‬تونس‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث االقتصادية واالجتماعية‪ ،2007 ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ 84‬جماعي‪ ،‬تونس عبر التاريخ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪19‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫نجد الحديث عن القرن السادس في هذا العمل في الجزء الثاني‪ ،‬في المحور المعنون بـ‪" :‬تونس من والية‬
‫تدوينه‬
‫ُ‬ ‫وتحديدا في الفصل األول المعنون بـ‪" :‬تونس إيالة عثمانية"‪ 85‬والذي تولى‬
‫ً‬ ‫عثمانية إلى دولة حسينية"‪،‬‬
‫مبدئيا‪ ،‬من خالل العنوان‪ ،‬يمكن أن ُنالحظ إصباغ ُكل هذا القرن بالصبغة العثمانية‪،‬‬
‫ً‬ ‫األستاذ لطفي عيسى‪.‬‬
‫أنه وكما سنرى فيما يلي من بقية محاور هذا الدرس أن العثمنة والعثمانيين لم يكونوا لوحدهم الفاعلين في‬
‫مع ُ‬
‫تاريخ البالد خالل هذا القرن‪ ،‬بل شاركهم ونافسهم في صناعة ذلك التاريخ‪ ،‬الحفصيون‪ ،‬اإلسبان والشابيون‪.‬‬
‫هنا‪ ،‬يبدو أن المؤلف قد قارب أحداث هذا القرن من زاوية أنها أسباب ونتائج لدخول البالد تحت مظلة‬
‫العثمانيين‪.‬‬
‫المؤلف هذا الفصل بالتأكيد على صعوبة البحث في تاريخ القرن السادس عشر التونسي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫يبدأ ُ‬
‫يعسر الربط بين ُمختلف مكوناتها‪."86‬‬
‫"فنحن إزاء مفصلة زمنية أو حلقة تاريخية شكلت على الدوام بقعة ظل ُ‬
‫ؤكدا أن بقعتي الضوء الوحيدتين مصدرًيا حول هذه الفترة هي دخول اإلسبان إلى تونس سنة ‪ ،1535‬ثم‬
‫ُم ً‬
‫الحملة العثمانية على البالد سنة ‪ ،1574‬في حين أن ما بينهما هو بحر من الضباب ‪-‬على حد عبارة جون‬
‫كثير شد الرحال فيه‪.‬‬
‫يصعب ًا‬
‫ُ‬ ‫لويس غاديس‪-‬‬
‫أساسا على ُكتب الرحالة‪ ،‬غير‬
‫على الرغم من هذا "االعتراف" فإن الباحث ُيقدم محاولة طريفة باالعتماد ً‬
‫تحليله للوقائع بالحديث عن الحضور اإلسباني‬
‫ُ‬ ‫أنه لم يلتزم في هذه المحاولة بالمسار الكرونولوجي‪ ،‬فهو يبدأ‬
‫ُ‬
‫في البالد‪ ،‬وبالتحديد حملة كارلوس الخامس وما تالها من تشييد وتوسعة لحصون عسكرية في كل من بنزرت‬
‫ؤكدا على أهمية هذه التحصينات في حفظ المصالح اإلسبانية في الحوض الغربي للمتوسط‪،‬‬ ‫وحلق الوادي‪ُ ،‬م ً‬
‫وخصوصا فيما يتعلق بتأمين التجارة البحرية بين شمال وجنوب المتوسط الغربي‪ ،‬بمعنى أن الحضور في تونس‬
‫ً‬
‫يدخل ضمن المشروع اإلسباني للتواجد الفاعل في السواحل المغاربية‪.87‬‬
‫وشح المصادر التي هي‬ ‫المقتضب للحقبة اإلسبانية‪ ،‬الذي اقتضته طبيعة الكتاب الجامع ُ‬ ‫بعد هذا العرض ُ‬
‫كما يقول عيسى "ُقطب الرحى بالنسبة للبحث التاريخي ًأيا كان مدارهُ الزمني"‪ ،88‬يعود الكاتب لنهاية القرن‬
‫أساسا أعراض هذا‬
‫ً‬ ‫الخامس عشر في محاولة للوقوف على أسباب انهيار الدولة الحفصية‪ ،‬حيث ُيقدم لنا‬
‫المدن ينحسر‬
‫االنهيار باالعتماد على شهادات الرحالة‪ ،‬والتي من بينها انتشار البداوة‪ ،‬والحرابة‪ ،‬ما جعل مجال ُ‬
‫أمام تهديدات القبائل وحصار النازحين ألسوارها‪ ،‬ما أدى إلى تراجع األنشطة التجارية والفالحية وغيرها من‬
‫األنشطة االقتصادية‪ ،‬في ُمقابل تصاعد الضغوطات الجبائية على السكان‪ ،‬الذين لم يجدوا حسب ما ينقل‬

‫‪ 85‬عيسى (لُطفي)‪" ،‬تونس إيالة عثمانية"‪ ،‬في تونس عبر التاريخ‪ ،‬تحت إشراف خليفة شاطر‪ ،‬تونس‪ ،‬تونس‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،2007 ،‬ج‪ ،2.‬صص‪.203-185‬‬
‫‪ 86‬عيسى (لُطفي)‪" ،‬تونس إيالة عثمانية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.185‬‬
‫‪ 87‬عيسى (لُطفي)‪" ،‬تونس إيالة عثمانية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬صص‪.190-185‬‬
‫‪ 88‬عيسى (لُطفي)‪" ،‬تونس إيالة عثمانية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬صص‪.186‬‬

‫‪20‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫عيسى عن الرحالة سوى الشعوذة والتنبؤ وادعاء الشرف واالحتساب و ُ‬


‫المكيفات أو المخدرات والرذيلة كوسائل‬
‫المتأزم‪ .‬هذه الحالة من تفكك الدولة هو الذي‬
‫لتجاوز حالة الضيق والقيام بنوع من التصعيد أمام ذلك الواقع ُ‬
‫خصوصا الطريقة الشابية‪.‬‬
‫ً‬ ‫أدى حسب الكاتب لصعود نجم عدد من القبائل والطرق‪ ،‬أي‬
‫المؤلف بنوع من التفصيل عن حملة سنان باشا على تونس سنة‬
‫في العنصر الثالث من العرض ُيحدثنا ُ‬
‫تماهيا بذلك مع بقاع الضوء التي رسمتها المصادر المحلية لهذا القرن الفقير مصدرًيا والثري في‬
‫‪ُ ،1574‬م ً‬
‫مستوى األحدث‪ .‬يتبع العرض في البداية المسار الكرونولوجي لألحداث‪ ،‬باالعتماد على أحد التقارير التي‬
‫نشرها بول سيباغ ‪ Paul Sebag‬سنة ‪ ،891961‬حيث يحدثنا عن وصول األسطول العثماني لسواحل تونس‬
‫في ‪ 12‬جويلية‪ ،‬ثم بعد ذلك يبدأ وصف المعارك حتى تمكن العثمانيين من السيطرة على حلق الوادي‪ ،‬ثم يعود‬
‫بعد ذلك للحديث عن حملة خوان دي أوستريا (النمساوي) على تونس في صيف سنة ‪ 1573‬وتفاصيل الحصن‬
‫أو الباستيون الذي أمر بتشييده ُمقابل المدينة‪ ،‬حيث ُيخبرنا ‪-‬باالعتماد على ما أوردهُ ابن أبي دينار‪ -‬عن حالة‬
‫لمحا إلى أن التضييق‬ ‫الضيق التي كان عليها السكان المحليين خالل الفترة المتراوحة بين ‪ 1573‬و‪ُ ،1574‬م ً‬
‫اإلسباني هو الذي أدى إلى أن يكون هناك شبه إجماع من السكان حول الترحيب بالعثمانيين الذين استُقِبُلوا‬
‫في هذه المرة كمنقذين‪- 90‬ال كغزة كما آرهم عدد من سكان تونس سنة ‪.-1534‬‬
‫من جديد‪ ،‬يتجاوز المؤلف التنظيم الكرونولوجي لألحداث ويعود بنا للحديث عن جذور الحضور التركي في‬
‫لعبه رياس البحر في إيجاد موطئ قدم للعثمانيين ببالد المغرب‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬حيث يؤكد على أهمية الدور الذي ُ‬
‫خير قلج علي‪ .‬بيد أن هذا الطرح‪،‬‬
‫مرجعا ُكل الفضل لعروج ومن بعده أخوه خير الدين ومن ثم درغوث رايس وأ ًا‬
‫ً‬
‫ال يعني ثانوية منطقة بالد المغرب عند اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬بل هو ُيعبر عن سياسة ذكية ومرنة‪ ،‬تقوم‬
‫حسب الكاتب على "استغالل جميع الفرص المتاحة بغرض استكمال سيطرتهم على ما تبقى من مغارب العالم‬
‫اإلسالمي"‪.91‬‬
‫خصص عيسى العنصر األخير من هذا العرض للحديث عن بداية الحضور العثماني في البالد‪ ،‬حيث‬
‫شير باالعتماد‬
‫له المصادر المحلية التي درسناها سابًقا‪ُ ،‬م ًا‬ ‫تطرق للتنظيم العسكري واإلداري الذي ًا‬
‫كثير ما أشارت ُ‬
‫على نفس تلك المصادر وكتب النوازل‪ ،‬كالكتاب المعروف بنوازل عظوم إلى كثرة التجاوزات التي مارسها‬
‫وخصوصا كبارهم في حق األهالي‪ ،‬ما جعل نهاية القرن السادس عشر ال تكون أقل‬
‫ً‬ ‫عموم الجنود العثمانيين‬
‫وطأة على السكان من الفترات السابقة‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪Sebag (Paul), « Une ville européenne à Tunis au XVIe siècle », Le Cahiers de Tunisie, 1961, pp. 97-109.‬‬
‫‪ 90‬عيسى (لُطفي)‪" ،‬تونس إيالة عثمانية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬صص‪.195-193‬‬
‫‪ 91‬عيسى (لُطفي)‪" ،‬تونس إيالة عثمانية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.198‬‬

‫‪21‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫المكثف والهام للقرن السادس عشر‪ ،‬يؤكد كما وقفنا من خالل كتاب األستاذ محمد الهادي‬ ‫هذا العرض ُ‬
‫اتخذته األبحاث التاريخية التونسية تجاه هذا "القرن العصيب"‪ ،‬غير‬
‫ُ‬ ‫الشريف تاريخ تونس المسار النقدي الذي‬
‫وخصوصا ما ورد في خاتمة العرض يجعلنا ُنالحظ أن هذه القراءة لم تتخلص بصفة كاملة‬
‫ً‬ ‫أن بعض اإلشارات‬
‫من تأثير البروبغندا العثمانية التي روجتها المصادر على امتداد ما يجاوز الثالث قرون‪ ،‬من أن التدخل التركي‬
‫هو إنقاذ للبالد‪ ،‬حيث يقول الكاتب في خاتمة عرضه‪" :‬وضعت الحملة التي قادها "سردار العسكر" والوزير‬
‫نهائيا لخطر التفسخ الديني والثقافي الذي كانت البالد على وشك‬
‫حدا ً‬ ‫العثماني سنان باشا على مدينة تونس ً‬
‫الوقوع فيه‪.92 "...‬‬
‫‪93‬‬
‫كتابه الهام تونس العثمانية‪ :‬بناء الدولة والمجال‬
‫ُ‬ ‫بعد خمس سنوات‪ ،‬أصدر األستاذ عبد الحميد هنية‬
‫والذي عالج في فصله الثالث وجزء من الرابع القرن السادس عشر‪ ،‬حيث حاول من ُذ البداية إبراز أن ُمقاربته‬
‫ومعظم الدراسات على التركيز على الصراع العثماني‪ /‬اإلسباني في‬ ‫ن‬
‫لهذا القر ال تقوم كما فعلت المصادر ُ‬
‫المحرك األساسي لألحداث‪ ،‬بل على محاولة القيام بتحليل ينطلق من األسفل أو التركيز على‬ ‫ِ‬
‫البالد وجعله ُ‬
‫الفاعلين المحليين‪.94‬‬
‫مكثفا حول األحداث التاريخية التي عرفتها تونس في القرن السادس‬
‫ً‬ ‫يخيا‬
‫عرضا تار ً‬
‫ُيقدم الكاتب في البداية ً‬
‫يجعل التحوالت الخارجية هي أساس التطورات التي عرفتها البالد‪،‬‬ ‫عشر‪ ،‬حيث وعلى عكس ما أشار سابًقا‬
‫المحيط األطلسي وتراجع دور الوساطة الذي كان‬ ‫بمعنى أوال تحول المسارات التجارية من قلب المتوسط إلى ُ‬
‫يلعبه الحفصيون وحلفائهم من القبائل المخزنية‪ً ،‬‬
‫وثانيا التحول الواقع في البنى االجتماعية والسياسية واالقتصادية‬ ‫ُ‬
‫األوروبية أو ما يعرف بالحداثة في كل المستويات‪ ،‬وثالثًا صعود العثمانيين كقوة عسكرية ُمزدهرة باالعتماد‬
‫على الغنائم‪ .‬كل هذه األسباب الخارجية باألساس هي التي أدت إلى ما سماه هنية بـ‪" :‬تقلب األوضاع في‬
‫الكيان الحفصي"‪ ،‬الذي أضحى رهين الصراع في المتوسط بين العثمانيين واإلسبان‪.‬‬
‫هذه األسباب الخارجية‪ ،‬هي التي أدت إلى إضعاف الكيان السياسي الحفصي أو على حد عبارة الكاتب‬

‫"تفككه" وفقدانه لمركزته للسلطة لصالح قوى محلية‪ ،‬قبلية كانت أو صوفية‪ ،‬فتراجع الموارد ُ‬
‫‪95‬‬
‫المتأتية من دور‬
‫الوساطة التجارية‪ ،‬أثر على قدرة الدولة والقبائل المخزنية على السيطرة على المجال‪ ،‬ما جعل الدولة تزيد في‬
‫الضرائب التي ضربت عجلة اإلنتاج وأخرجت العديد من الفاعلين من الحركة االقتصادية‪ ،‬ما أدى إلى صعود‬
‫الزعامات المحلية القبلية والصوفية‪.‬‬

‫‪ 92‬عيسى (لُطفي)‪" ،‬تونس إيالة عثمانية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.201‬‬


‫‪ 93‬هنية (عبد الحميد)‪ ،‬تونس العثمانية‪ ،‬تونس‪ ،‬تبر الزمان‪.2011 ،‬‬
‫‪ 94‬هنية (عبد الحميد)‪ ،‬تونس العثمانية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ 95‬هنية (عبد الحميد)‪ ،‬تونس العثمانية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.73‬‬

‫‪22‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫بعد تقديم هذه األسباب‪ ،‬يعود الكاتب لالعتناء بالجانب الذي وعد باالهتمام به في بداية عرضه‪ ،‬أي القوى‬
‫المجتمع‬
‫المحلية‪ ،‬التي حاول الوقوف على موقفها من دخول العثمانيين إلى البالد سنة ‪ ،1574‬حيث ّبين أن ُ‬
‫صوته اإلخباري ابن أبي دينار قد بارك هذا الدخول واعتبرهُ إنقا ًذا ً‬
‫وفتحا للبالد‪ُ ،‬مدلالً على‬ ‫ُ‬ ‫المديني الذي كان‬
‫له بإنقاذ مدينته‬
‫ذلك بالرواية الشائعة عن رؤية سليم الثاني لولي المدينة وحارسها سيدي محرز الذي أوحى ُ‬
‫المجتمع الريفي الذي واصل حتى القرن السابع عشر‬
‫وأهلها من الهالك والخروج من حاضرة اإلسالم‪ .‬أما ُ‬
‫"نضاله"‪ ،‬فقد رأى في العثمانيين أجانب وغزاة وجب مقاومتهم‪ُ .‬يفسر المؤلف بكثير من التفصيل والذكاء في‬
‫ُ‬
‫المتباينة‪ ،‬حيث يبين خلفياتها وكيفية تطورها على امتداد القرن السادس‬
‫األوراق التالية أسباب تلك المواقف ُ‬
‫عشر‪ ،‬لينتهي إلى استنتاج مفادهُ أن األرستقراطية الحضرية التجارية كانت تطمح إلى أن ُينهي التدخل التركي‬
‫المجتمع الريفي المتحالف مع بقايا‬ ‫ن‬
‫حالة الفوضى التي عرفتها البالد طيلة القر السادس عشر‪ ،‬في حين أن ُ‬
‫اغبا في التدخل العثماني‪ ،‬بالنظر إلى ارتباط مصالحه بالحفصيين وعلى‬
‫األرستقراطية الحفصية كان غير ر ً‬
‫تقدما على المجتمع المديني الذي‬
‫سيطر أو ُم ً‬
‫جعلته في عديد المستويات ُم ًا‬
‫ُ‬ ‫أساس أن حالة التراخي السياسي قد‬
‫المحاربة‪.‬‬
‫أضحى رهين ًة في يد القبائل ُ‬
‫لعبته القوى المحلية‪ ،‬وذلك من خالل تحليل‬
‫ُ‬ ‫في نهاية هذا الفصل‪ ،‬يعود هنية للتأكيد على األدوار التي‬
‫ُمساهمة الحركة الشابية في "صناعة" تاريخ تونس القرن السادس عشر‪ ،‬حيث يدرس أصول هذه الحركة التي‬
‫أسسها أحمد بن مخلوف الشابي (ت‪" )1482‬خالل النصف الثاني من القرن الخامس عشر"‪ً ،‬ا‬
‫مرور بإبنه محمد‬
‫الكبير (ت‪ ،)1485‬فسيدي عرفة الشابي (ت‪ )1542‬الذي عرفت الحركة في عهده أوج قوتها‪ .‬مرةً أخرى‬
‫نالحظ أن اإلحالة على الفاعلين الداخلين أي الشابيين‪ ،‬قد ارتبط بالتأكيد على دور التحوالت العالمية في صعود‬
‫هذه الحركة التي جاءت كرديف أو رد على انحسار أدوار الدولة على جميع األصعدة في المناطق الداخلية‪،‬‬
‫التي أضحت ُمهيئة لقبول الدعوة الشابية القائمة باألساس على الدعوة لمجاهدة "الكفار" وحياة التزهد "نبذ الترف‬
‫والبذخ والتخلي عن "وسخ دار الدنيا"‪ .96‬يربط الكاتب صعود الشابية كحركة صوفية بالتحالفات القبلية التي‬
‫خصوصا بالحنانشة ودريد وغيرها من القبائل التي حاولت أن تنصهر في مشروع سياسي موحد‪ ،‬يلغي‬ ‫ً‬ ‫ربطتها‬
‫العصبية القبلية‪ .‬هذا المشروع المحلي وعلى أهميته‪ ،‬فقد كان رهين تطور الفاعلين األجانب الذين لم يجدوا من‬
‫خالل األتراك صعوبة كبيرة في القضاء عليه سنة ‪.971557‬‬
‫بأنه سيقارب التطور التاريخي في تونس القرن السادس عشر من‬ ‫وإن وعد األستاذ هنية في بداية عرضه ُ‬
‫فإنه كان ينتهي ُكل مرة تقر ًيبا باإلشارة إلى أهمية الفاعلين األجانب‪ ،‬فتفكك الدولة‬
‫جهة نظر الفاعلين المحليين‪ُ ،‬‬

‫‪ 96‬هنية (عبد الحميد)‪ ،‬تونس العثمانية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫‪ 97‬هنية (عبد الحميد)‪ ،‬تونس العثمانية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪.91-90‬‬

‫‪23‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫الحفصية هو نتيجة عوامل خارجية‪ ،‬وتراجع السيطرة على الدواخل هو بدوره نتيجة تلك العوامل الخارجية‪ ،‬كما‬
‫أيضا بعوامل وفاعلين أجانب‪ .‬هل هذا يعني عدم أهمية الدواخل؟ بالطبع ال‪،‬‬‫أفوله ارتبط ً‬
‫صعود نجم الشابيين و ُ‬
‫بل هي محاولة لتنسيب أو مناقشة هذه المقاربة الطريفة‪.‬‬
‫وإن قامت محاولة األستاذ هنية في دراسة القرن السادس عشر على نظرية إعادة االعتبار للدواخل في‬
‫"صناعة تاريخ تونس القرن السادس عشر"‪ ،‬فإن األستاذة ليلى البليلي قد ركزت في كتابها الذي يعسر تعريب‬
‫عنونه‪ :‬تحت سقف اإلمبراطورية‪ :‬إيالة تونس ‪ ،981666-1535‬الصادر في جزءه األول سنة ‪ 2012‬على‬
‫الفاعلين الخارجيين‪ ،‬حيث تناولت بداية الحضور التركي في بالد المغرب من خالل األخوين عروج وخير الدين‬
‫بربروصا‪ ،‬وكيفية سيطرتهما على الجزائر ومن ثم حملة خير الدين على تونس‪ ،99‬لتنتقل بعد ذلك لتقديم حملة‬
‫كارلوس الخامس على تونس سنة ‪ 1535‬من دون الدخول ًا‬
‫كثير في تفاصيل هذه الحملة‪ ،‬بل ركزت في هذا‬
‫العنصر على محتوى إتفاقية سنة ‪.1001535‬‬
‫المتراوحة ما بين ‪ ،1557-1535‬محاول ًة إبراز األدوار والوقائع‬
‫في العنصر الموالي‪ ،‬درست الباحثة الفترة ُ‬
‫التي شاركت فيها مختلف القوى الموجودة على الساحة‪ ،‬أي الحفصيين‪ ،‬الشابيين‪ ،‬األتراك ‪ً -‬‬
‫أساسا خير الدين‬
‫بربروصا‪ -‬واإلسبان‪ .‬هنا بينت الباحثة أن التحالفات ليست ثابتة وناجزة‪ ،‬وليس المحدد فيها العامل الديني‬
‫أبنه حميدة فقد تحالف‬
‫باألساس‪ ،‬فموالي الحسن قد تحالف مع اإلسبان المسيحيين ضد األتراك العثمانيين‪ ،‬أما ُ‬
‫في فترات محددة مع العثمانيين ضد اإلسبان‪ ،‬وتحالف موالي الحسن مع الشابيين واإلسبان ضد العثمانيين‬
‫يسلمونه‬
‫ُ‬ ‫أيضا عن مفاوضات سرية للتحالف بين خير الدين بربروصا واإلسبان‪،‬‬ ‫وابنه حميدة‪ ،‬كما تحدثنا ً‬
‫بمقتضاها طرابلس‪ ،‬تونس‪ ،‬بجاية والجزائر مقابل أن يضع قواته في خدمتهم في حربهم ضد البنادقة‪.101‬‬
‫بعد هذا العرض‪ ،‬تعود الكاتبة في العنصر الموالي للحديث عن عموم الحضور التركي بالجزائر وطرابلس‬
‫الغرب بعد سنة ‪ .1557‬العودة للحديث عن تونس في العنصر الموالي‪ ،‬أي من خالل التطرق لحملة قلج علي‬
‫على البالد سنة ‪ ،1569‬ومن ثم التدخل اإلسباني سنة ‪ .1021573‬بقية صفحات الكتاب وقع تخصيصها بداية‬
‫المتعلقة بالحضور العثماني في تونس نهاية‬
‫لحملة سنان باشا على تونس‪ ،‬باإلضافة إلى العديد من الجوانب ُ‬
‫القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire: La Régence de Tunis 1535-1666, Tunis, Editions Script. Tunis -‬‬
‫‪2012.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, p.88.‬‬
‫‪100‬‬
‫‪Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, pp.89-94.‬‬
‫‪101‬‬
‫‪Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, pp.95-118.‬‬
‫‪102‬‬
‫‪Temime Blili (Leila), Sous le toit de l'Empire, op cit., T.1, p.119-172.‬‬

‫‪24‬‬
‫درس التاريخ الحديث (حسام الدين شاشية)‬ ‫التبريز في التاريخ‬

‫قوله هو أن ال ُمؤلفة قد استطاعت أن تُقدم في الفصول التي خصصتها لتونس القرن السادس عشر‬
‫ما يمكن ُ‬
‫صورة ُمبسطة عن هذا القرن‪ ،‬مع تركيزها ًا‬
‫كثير على األدوار التي لعبها األتراك العثمانيين‪ ،‬وهو ما يمكن تفسيره‬
‫بالمقاربة التي اعتمدتها في هذا الكتاب الباحث باألساس في بدايات دخول البالد التونسية تحت مظلة‬
‫اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬ما جعلها تعتمد في الغالب على ما أوردهُ ابن أبي دينار وما نشرهُ األستاذ عبد الجليل‬
‫أيضا طرحت الكاتبة في هذا العمل‬ ‫التميمي من دراسات ووثائق‪ُ ،‬مقابل قلة استعمالها للمصادر اإلسبانية‪ً .‬‬
‫جملة من القراءات الطريفة‪ ،‬لكن اإلشكالية التي يقع فيها الباحث األكاديمي هو ُندرة اإلحاالت أو فقدانها في‬
‫كثر األحيان‪.‬‬

‫‪25‬‬

You might also like