Professional Documents
Culture Documents
إن المتتبع لمخرجات مركز البحوث والدراسات اليمنية -بجامعة عدن ،خاصة
المخرجات المرتبطة بتاريخ مدينة عدن القديم والوسيط والحديث ،والتي تجيء في شكل
ندوات منتظمة وترجمات دورية وفي دراسات فصلية في مجلة (اليمن) ،البد له أن يالحظ
تلك العملية المترابطة التي يقوم بها المركز في إبراز ما فُقد من حلقات في تاريخ المدينة
وإماطة اللثام عن كثير من الكتابات التي كانت –ومازالت -مجهولة ،والحاجة ماسة إلى أن
ترى النور.
لقد احتوتْ مذكرات الفونسو دالبوكيرك على ألف باء تحركاته ،وعلى مراسالته
مع ملك البرتغال ،ومع ملوك وأمراء البلدان التي احتلها أو تحالف معها ،وعلى وصفه
وتصوراته للمعارك المختلفة التي قادها أو أمر بها ،وعلى أوصافه للبلدان والجزر والبحار
المختلفة التي مر بها أو توقف عندها .فهذه المذكرات ،التي ترجمها من البرتغالية إلى
اإلنجليزية والتر ديجريه برش عام 1774م ،وترجمها من اإلنجليزية إلى العربية عبد
الرحمن عبد اهلل الشيخ عام 2000م ،ال تخلو من الفائدة في معلوماتها عن عدن وسكانها
وأحوالها ،بل عن المنطقة بأسرها .وهي بالفعل ،ورغم ما ورد فيها من مبالغات أو حذف
وإضافات ،تمثل قراءة مختلفة للتاريخ السياسي اليمني ،وبالتالي تشكل إضافة حقيقية للباحثين
في ذلك المجال.
وقبل تقديم قراءتي لتلك المذكرات ،ولكي أتوفر هنا على قراءة منطقية ،تناولت
بيئة الفونسو دالبوكيرك ،البرتغال ،وكيف أن هذه البيئة قد أثرت إلى حد بعيد في تشكيل
شخصية البوكيرك ،كقائد عسكري وإداري موظف؛ ومن ثم تحدثت عن عدن ،بغية
البوكيرك ،بصورة موجزة جدًا وكيف أن هذه البغية قد كان لها أثرها (من حيث االستراتيجية
والظروف الداخلية) في االحتواء واالحتالل أو محاولة ذلك من قبل البوكيرك .وبعد أن
فرغت من ذلك ،توقفت عند هذه المذكرات ألقرأها ،واقرأ على وجه الخصوص ما ورد فيها
عن محاولة البوكرك احتالل عدن عام 1513م .وفي األخير استعرضت موقفي من هذه
المذكرات ،بل –تحديدًا -من تلك المحاولة ،وأزعم أني لم أضف أي جديد إلى ما قيل
باستثناء ما كان يثير تساؤالتي وفضولي من منطلق قراءتي للمذكرات وموافقتها العقل
والمنطق؛ فخرجت ،أو وصلتُ إلى أنه على الرغم من اختالف مصادر قراءة محاولة
البوكرك احتالل عدن ،فإن عدن كانت بداية الباكس بورتوجاليكـا) Pax Portugalica( ،
الذي كان قد بدأ عمليًا تقريبًا في جوا ( )Goaالهندية ،وأنه على الرغم من أن كل السفن لن
تجد لها مكانًا آمنًا في البحر أكثر من ميناء عدن ،إال أنها قد ال تسلم في هذا الميناء مادام
البوكرك قُبالة عدن !!.
كان تاريخ البرتغال( )2حتى القرن الثاني عشر للميالد ،غامضًا وغير محدد
المالمح ،وكان من العسير فصله عن تاريخ شبه الجزيرة األيبيرية .ومع ذلك فقد كانتْ هناك
مراحل هامة مَرَّتْ بها (ومن خاللها تم اإلعداد لظهور) األمة البرتغالية ،وقد ميزتها في
الجزء الغربي من إيبيريا()3؛ إال أننا -ولغرض ورقتنا هذه -نكتفي بالتركيز على تلك
المراحل في الفترة من عام 1454م حتى عام 1517م ،وهي نفس الفترة التي تزامن فيها
ميالد وموت كل من الفونسو دالبوكيرك والدولة الطاهرية.
كان موقع البرتغال( )*()Portugalقد شجَّعها على أن تصبح قوة بحرية رغم عدد
سكانها الضئيل وشحة مواردها االقتصادية :فالبرتغال ال تملك ساحالً يطل على البحر
المتوسط ،ولذلك جاء زحفها بحريًا صوب المحيط األطلسي ،وقد ساعدها موقعها على
الهروب من مواجهة خطرين جسيمين تمثل في زحف الحركة اإلصالحية التنويرية
وتناحرها مع جارتها أسبانيا بعد أن استقلتْ ( .)4كذلك كان لموقع البرتغال أثر كبير في
استرداد أمرائها للكثير من المناطق التي كانت تحت حكم المسلمين العرب ( .)5وعلى الرغم
من أن بناء األمة ()**()Nation-buildingفي أوروبا قد تم من خالل فرض الضرائب
المباشرة وتسخيرها في إنشاء الجيوش النظامية إال أن موقع البرتغال المميز قد ساعد كثيرًا
في بناء األمة البرتغالية( .)6والى جانب الموقع ،فإن تحالف البرتغال مع انجلترا قد ساعد إلى
حد بعيد على تشكيل األمة البرتغالية عام 1385م ،وهو العام الذي تم فيه فعليًا رسم مستقبل
البالد على المستويين الداخلي والخارجي :في هذا العام تمكَّنَتْ مجموعة من التجار(*)من
(*) جاء اسم البرتغال من ( )Portus Caleوهو اسم يوناني روماني مركب ،يعني الميناء الجميل ،حول
أصل هذه التسمية وظروفها ،أنظر ،بوكسر ،ص ص 8 -7؛ و. ..www. Wikipedia.Com
(**) هناك فرق بيّن بين بناء األمة وبناء الدولة ( ،)State-buildingحول هذا التمييز ،أنظر ،كالس5يكية:
Gabricl Almond, Comparative Politics: A Developmental Approach, Little
Brown, Boston, 1964,pp,314-2
5هم فرسان الهيكل ( ،)Templarsوهم أنفسهم الذين ساعدوا (*) تشير بعض المصادر إلى أن هؤالء التجار
5التي كانت بأيدي المسلمين المغاربة،وهم أنفسهم الذين دعموا
الملك افونسو قبل جون على استرداد المناطق
الحركات االستكشافية أيام هنري المالح وبعده (انظر الويب )WWW.Wikipedia. com..إال انه جاء
119 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
إحداث تغيير في األسرة الحاكمة ،وجاءتْ بجون األول أو خوان األول (ويعُرف أيضًا John
)of Avisإلى سدة الحكم باعتباره حامي الحمى ونصَّبته ملكًا رغم معارضة
األرستقراطيين ورجال الدين .وبقدوم جون األول تم التحالف البرتغالي اإلنجليزي الذي دام
مئات السنين ،وظهرتْ القوة العسكرية البرتغالية -المدعومة من قبل إنجلترا(**)-والتي
تمكَّنتْ من تأجيل ،أو ربما منعتْ وقتذاك،التهديد األسباني طيلة القرنين الالحقين .وقد أنجب
جون األول خمسة أوالد من إحدى األميرات اإلنجليزيات ،كان من بين هؤالء األوالد ،ابنه
الثالث،الذي نعرفه بهنري المالح ،رغم أن البرتغالييـن لم يعرفوه بهذا االسم(.)7
إن وصف هذا المركز ال يساعدنا –فقط -على معرفة األهداف التي كان يحلم
األمير هنري بتحقيقها ،ولكن أيضًا تلك التي تبلورت فيما بعد وأصبحت جزءًا هاما يحرك
األسرة الحاكمة في لشبونة باتجاه المحيطين األطلسي والهندي .ويمكن وصف هذا المركز،
وفقًا للمراكز الحديثة ،بأنه عبارة عن مجمع ( )Complexيضم مركزًا للبحوث والتطوير (
)D&Rفيه المكاتب المتخصصة المختلفة ،والمرصد الفلكي ،وبناء السفن ،وكنيسة صغيرة،
وسكن للموظفين؛ وقد تم تصميم هذا المركز لتعليم البرتغاليين ،البحارة منهم على وجه
الخصوص ،التقنيات المالحية ،ولنشر المعارف الجغرافية عن العالم ،والختراع وتطوير
المعدات البحرية والمالحية ،ولرعاية الحمالت البحرية االستكشافية ،ولنشر المسيحية في
العالم ،وربما حتى إليجاد إمبراطورية بريسترجون(**) الذي كان من بين أهم أهداف األمير
هنري المالّح(.)11وقد عمل هنري على تجميع بعض الجغرافيين البارزين والخرائطيين
والفلكيين والرياضيين من كل أنحاء أوروبا كي يعملوا في هذا المركز( .)12ويشير بعض
المصادر إلى أنه من غير المستبعد أن يكون هذا المركز هو المحفز األول في أن تصبح
البرتغال وقتذاك قادرة على اكتشاف نصف بلدان العالم( )13تقريبًا .كما تشير مصادر أخر
إلى أن أهداف ذلك المركز ما هي إال عين أهداف األمير هنري وترجمة عملية لها(.)14
بوساطة هذا المركز ،وجرّاء موقع البرتغال الجغرافي ،ونتيجة األحداث المتأزمة
في شرق البحر المتوسط(*) ،وتفاديًا للمواجهة مع الجارة ،اسبانيا ،بدأتْ ترتسم خطوط أولية
لمشروع برتغالي توسعي ولكن باتجاه المحيط األطلسي ومن ثم غرب أفريقيا .وكانت بداية
اإلنجاز الفعلي والمميز لهذا المشروع البرتغالي الذي تمثل في مجموعة متكاملة من
(**) ( )Prester Johnحاكم اسطوري مسيحي في الشرق ،اشتهر في التقاليد القروسطية كحليف مأمول
5عن مملكته، فيه ضد المسلمين ،وبعد منتصف القرن الخامس عشر للميالد أصبحت الحبشة مركزًا للبحث
5يُقال أن ملكه قد انتقل من آسيا
5بالبحث عنه بعد أن سمعوا عن قصة أمير مسيحي في افريقيا 5البرتغاليون
فقام
5هذه األسطورة انظر :الموسوعة البريطانية ،المجلد ،18ص ص 460 -458؛ إلى الحبشة .حول تفاصيل
وكذا .…www. Paul Halsall. Silk؛ وعن رأينا فيها أنظر ورقتنا (ماركو بولو وعدن ايام الرسوليين)
والتي قُدِّمتْ إلى ندوة "عدن في ظل حكم الزريعيين و األيوبيين والرسوليين" نظمها مركز البحوث والدراسات
اليمنية ،جامعة عدن ،ديسمبر 2004م ،ص ص .16-15
(*) كانت البندقية ،إلى جانب اسبانيا ،في صراع مع البرتغاليين؛ وكان األتراك ،بعد أن احتلوا القسطنطنية عام
5القرصنة في هذا البحر .ومع خطورة سقوط 1453م ،يزحفون غربًا .هذا باإلضافة إلى استفحال
5لكن ظهور األتراك كقوة القسطنطنية إال أنه لم يكن بحد ذاته العامل المقلق والمدمر بالنسبة للبرتغاليين،
5تم االتجاه صوب المحيط االطلسي. بحرية في المنطقة كان معناه ضياع السيطرة على شرق المتوسط ،ولذلك
5العربية ،مركز دراسات حول هذا الموضوع انظر :خلدون النقيب ،المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة
5العرب الحديث ،جامعة الوحدة العربية ،بيروت1989،م ،ص 62؛ كذلك أنظر نجاح محمد ،تاريخ شبه جزيرة
دمشق ،دمشق 1996 ،م ،ص .27
121 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
التحركات البرية والبحرية ،فردية وجماعية ،بدأتْ بتلك التقارير التي كتبها بيدرو
داكوفيلهام(**) عن المدن التي زارها (خاصة الهند وعدن والحبشة) ،وبذلك االلتفاف والتوقف
اللذين قام بهما بارثليميو دياز ( )***()Diasعند رأس الرجاء الصالح عام 1487م حينما بات
البهار الهندي على مقربة من البرتغاليين ،وبوصول فاسكو دي جاما ( )De Gamaإلى
الهند ومن ثم عودته(.)15
(**) ( ) Pedro da Covilhamدبلوماسي ومستكشف برتغالي ،ولد عام 1487م (وهو تاريخ مشكوك
فيه ) ،ومات عام 1525م في الحبشة .رحل في بداية حياته الى قشتالة ودخل في خدمة الفونسو ،وفيما
بعد عاد إلى البرتغال مرافقًا للملك الفونسو وخليفته جون الثاني .كان كوفيلهام يجيد عدة لغات من بينها
العبرية والعربية ،تمكن من السفر برًا إلى الهند وكتب تقريرًا مفصالً عن الطرق التجارية في المحيط الهندي
وأرسله عبر أحد اليهود إلى الملك جون الثاني ،زار مدنًا كثيرة من بينها عدن ،ويُعد أول أوربي زارها .ويُعد
5المشار إليه بمثابة المحفز للتحركات البرتغالية الالحقة في المنطقة .مات في الحبشة بعد أن رفضتْ تقريره
السلطات هناك مغادرته ،فأرسل أحد أبنائه (من أم حبشية ) إلى البرتغال برفقة الفارز ( )Alvarisليتعلـم
5وحياته انظـر :الموسوعة األمريكيـة؛ وكذاR.L. Playfair,AHistory of، هنـاك .حـول كوفيلهـام
.Arabia Felix or Yemen, P.96؛ وكذا الموسوعة الكاثوليكية ،وموسوعة الويكي الحرة..
. www.Wikipedoa free
(***) بارثلوميو دياز ،مالح برتغالي ولد عام 1450م (وهو تاريخ مشكوك فيه) ومات عام 1500م في
5األفريقية فاكتشف عام 1487م رأس العواصف الذي عُرف فيما بعد لشبونة ،وصل إلى اقصى جنوب القارة
برأس الرجاء الصالح ،وكان دياز على عالقة وثيقة بالملك البرتغالي خوان الثاني،وكان يجمع بينهما
الحماس وحب المغامرة والروح االستعمارية .تحرك دياز بأوامر من جون في رحلة هدفتْ إلى اكتشاف
5إال أنه تجاوز حتى وصل إلى جنوب افريقيا دون أن يعلم أنه قد تخطى الغرب الساحل الغربي من افريقيا،
األفريقي؛ ومن ثم عاد إلى البرتغال بعد أن مهد الطريق لمَنْ جاء بعده (جورج كيرك ،موجز تاريخ الشرق
1957 5م ،ص ص )98-97؛ كذلك (ويليز ،ص األوسط ،ترجمة عمر االسكندراني ،األلف كتاب ،القاهرة،
.)555
122 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
أدت دورًا حـاسمًا فـي تشـكـيل مجـرى األحـداث فـي المـياه الـهندية (*)؛ ومن
بين تلك القيادات برز البوكرك(.)17
الفونسو دالبوكيرك:
إذا كان بيدرو داكوفيلهام أوَّل برتغالي يُستفاد من تقاريره عن أحوال بعض المدن
المطلة على المحيط الهندي والبحر األحمر( ،)18وإذا كان فاسكو دي جاما أول برتغالي يعبر
الرجاء الصالح ويبدأ بتكوين عالقات مع بعض تلك المدن( ،)19فإن الفونسو دالبوكيرك هو
المؤسس الفعلي لإلمبراطورية البرتغالية في الشرق(.)20
لقد اختلفت الروايات في وصف ،وبالتالي تقييم ،البوكرك فهناك روايات تصفه
بالسفاح وتلعنه أغلظ اللعان وتُقيِّمه على أنه مستعمر جاء لينال من المسلمين واإلسالم،
وهناك روايات تصفه بالقائد العظيم وتقيِّمه على أنه إداري عادل ونزيه خدم بالده على أكمل
وجه)( .)21وما بين ذاك القدح وهذا المدح تأرجحتْ شخصية البوكيرك ،بل يكاد يكون قد
ضاع الكثير من مالمحها .ومع ذلك ،فإن فهم هذه الشخصية فهمًا يخلو من أي " شطط "
يساعدنا كثيرًا على إدراك حقيقة نشاط البوكيرك ودوافعه ،خاصة ذلك المرتبط بمحاولة
احتالل مدينة عدن في يوم الجمعة الحزينة(*).
تربى البوكرك وتلقى تعليمه في قصر الملك أفونسو الخامس ،و تشرب بمختلف
األفكار السائدة وقتذاك ،خاصة تلك المرتبطة بالشرق ،وثرواته؛ وتعلم البوكرك مختلف فنون
القتال وكان يعشق البحر كثيرًا ،إذ كان يرتاد الموانئ ويحب ركوب السفن ،فقد أخذ عن
أخواله عشقه للبحر والسفن ( .)25ويقال أن البوكرك قد أخذ عن ملوك البرتغال ،وخاصة
الملك خوان الثاني ،وساداتها ،الروح الصليبية التي كانت أساسًا لخططه الالحقة في المحيط
الهندي والبحر األحمر(. )26
عمل البوكرك لمدة عشر سنوات في شمال أفريقيا حيث اكتسب خبرة عسكرية
مبكرة جدًا خاصة فيما يتعلق بمطاردة المسلمين واإلغارة عليهم (. )27واشترك في الحملة
التي قادها الملك البرتغالي نفسه على أصيلة وطنجة شمال المغرب عام 1471م؛ وفي سنة
1481م تقريبًا ،شارك البوكرك في حـملة برتغالية ضـد األتراك عـند اوترانتو(***) في
البحر المتوسط ( . )28وفي عهد الملك خوان الثاني ،كان البوكرك مسؤوالً عن اإلسطبل
الخاص بجياد الملك إلى أن تم إرساله للمرة الثانية في عام 1489م إلى شمال أفريقيا للدفاع
عن إحدى القواعد البرتغالية هناك (. )29
إن الكالم الغريب والعجيب الذي ألقاه فاسكو دي جاما في نوادي البرتغال عـن
تلك المغامرات التي قام بها في المدن المطلة على المحيط الهندي والثروات التي جناهـا
منها قد أجج مشاعر البوكرك وحرك فيه حبه للشهرة والثروة(*) ،ولذلك سعى البوكـرك إلى
5من قبل االتراك العثمانيين ،ويُصادف ايضًا بداية انهيار (**) يصُادف هذا العام سقوط القسطنطنية واحتاللها
دولة بني رسول وصعود الطاهريين الذين لجأوا إلى عدن (أو أنهم كانوا والة عليها) ،كما يصادف نفس العام
طباعة الكتاب المقدس ( ،)Bibleويُصادف هذا العام ،تقريبًا ،حدثًا يفوق في نظرنا كل تلك األحداث ،مولد
الرسام النحات ،الحكيم ،ليوناردو دافنشي (فلنالحظ ما حوى ذلك العام من كوارث ومناسبات عظيمة!!)
5والبانيا بين األيوني واالدرياتيكي .وقعت عندها (***) ( ، )Otrantoمدينة ايطالية ومضيق يقع بين ايطاليا
5التركي على هذه المنطقة .وقد انتصر فيها 5لمواجهة الحصار معركة اشتركت فيها البرتغال مع ايطاليا
المسيحيون (مذكرات الفونسو دالبوكرك ،ص.)56
(*) على الرغم من وصف البوكرك بالطمع وحبه للمجد والثروة ،إال أنه جاء في مذكراته على لسان بيرش أن
البوكرك لم يكن يحب الثروة قدر حُبه للعظمة ،وإظهار البطوالت ،حيث لم يستبق لنفسه شيئًاً من الثروات
التي تحصل عليها ووزعها على القادة والقباطنة في معاركه المختلفة (ص.)60
124 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
الحصـول على موافقـة الملك ليرعـى له حملة إلى الهند ،وهـذا ما حصل عـام
1503م(**) حينما أمر الملك بإرساله في حملة إلى هناك يتم فيها تعزيز الوجود البرتغالـي
الذي بـدأ به فاسكو دي جاما .وقد نجح البوكيرك في هذه الحملة التي تعتبـر األولــى له
في الشرق ،وتمكن من إعادة توطيد حكم ملك كوشين مقابل بناء حصن برتغالي ،و بذلك
أصبح البوكيرك أول مَنْ وضع أساس اإلمبراطورية البرتغالية في الشرق (. )30
وفي يوليو عـام 1504م عـاد البوكيرك إلى البـالد حيث تم استقبالـه استقبال
األبطـال من قبل الملك مانويـل األول الذي عهد إليه عام 1506م قيـادة عمـارة من
خمسـة مراكـب ضمـن األسطـول المكـون من ستـة عشـر مركبـًا تحـت إمـرة
تريستاو داكونيـا ،وقـام البوكيـرك وداكونيا بإخضـاع بعـض المـدن المطلـة على
الساحل الشرقي ألفريقيا .وفي عام 1507م ،اتجها إلى جزيرة سقطرة فاحتالها (.)31
وقد كانت خطة البوكيرك وقتذاك في احتالل سقطرة أن يتخذها قاعـدة بحريـة
تنطلق منها السفن البرتغالية لقطع الطريق أمام السفن التجارية العربية القادمة إلى خليـج
عدن ،وبالتالي إحكام السيطرة على البحر األحمر( .)32إال أن البرتغاليين تركوا سقطرة عـام
(*)
1511م بسبب ظروفها المعيشية الصعبة إلى جانب ذلك التغيير الذي طرأ في خطتهم
لمحاصرة مدخل البحر األحمر ( .)33وفي 25/9/1507م وصل البوكيرك إلى هرمز
5العرب،ونزل عدن (**) وهو نفس العام الذي كان فيه فارثيما (أو بارثيما أو فيرتومانوس) قد سافر إلى جزيرة
5يكتب التقارير عن المنطقة .وقبل مغادرة البوكرك )Playfair,p.97( 5؛ وكان فارثيما بعد أن قدم من الحجاز
5عن اليمن وعدن ،فرد عليه البوكرك بأنه درسها سأله الملك ايمانويل األول ما إذا كان قد قرأ تقارير فارتيما
دراسة وافية (لقمان ،معارك حاسمة ،ص .)109إن تزامن مثل هذه الحمالت /الرحالت في تلك الفترة من
الممكن أن يوضح أن التحركات البرتغالية صوب المدن المطلة على المحيط الهندي كانت تسير وفق ما يشبه
المخطط المتكامل والذي تكامل تمامًا واتضح أكثر بعد معركة ديو عام 1509وبعد أن أصبح البوكرك نائبًا
للملك في الهند (خلدون النقيب ،ص .)57إال أن هذا المخطط على ما أراه ،ال يهدف إال إلى إنشاء الحصون
العسكرية التي تشرف على المراكز التجارية في المدن الساحلية المطلة على المحيط الهندي وبحر العرب
والبحر األحمر !!.
5البحر األحمر وفقًا لتعليمات ملكية ،إال في(*) ليس من الواضح ما إذا كان تغيير خطة البرتغاليين لمحاصرة
5عن 5قد خططوا لمحاصرة مدخل البحر األحمر فيتخلون عام 1513م .وليس من المقنع أن يكون البرتغاليون
5نظرية .عسكريًا هذا المنطق غير موقع كسبوه مقابل موقع ال يدرون عنه وظروفه إال من خالل تقارير
5تلك األيام .إن مغادرة البرتغاليين سقطرة عام 1511م ،و تحت أي مبرر ،ينم عن مقبول ،وإن كان بمقاييس
أنهم لم يخططوا فعليًا الحتالل باب المندب ،أو أنهم يحملون أجندة معينة يأتي البحر األحمر ،وباب المندب
5وربما أنهم كانوا يجهلون فنون الحروب البحرية (وهذا محال تحديدًا ،في أدناها ،أو انهم كانوا يتخبطون،
5تركوا الجزيرة بفعل مقاومة المهرةالذين طردهم البرتغاليون بالطبع)ويبقى أنه في الغالب جدًا أن البرتغاليين
من الجزيرة عام 1507م ،وعادوا وقاتلوهم وأخرجوهم منها ،وهدموا مراكزهم البحرية وكنائسهم التي
5جزيرة سقطرة بحجة تغيير أنشؤوها في قرية السوق ،وكان ذلك عام 1511م وهو عام مغادرة البرتغاليين
5بامطرف ،الشهداء السبعة ،ط ،2دار الهمداني للطباعة والنشر ،عدن، الخطة و ...الخ (محمد عبد القادر
،1983ص .)59
125 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
وسرعان ما استولى عليها رغم انه لم يتمكن من االحتفاظ بها طويالً ،وبعد أن تم تعزيزه
بسفن ثالث استطاع أن يصل إلى ساحل ماالبار عند نهاية عام 1508م ( . )34وبعد أن تم
تعيين البوكيرك نائبًا لملك البرتغال في الهند عام 1509م ،زاد نشاطه لتحقيق أهدافه فاحتل
مدينة جوا عام 1510م وجعلها مركزًا للحكومة البرتغالية هناك ،ثم استولى على ملقا عام
ت
1511م ،وفي عام1512م أبحر البوكيرك باتجاه ساحل ماال بار،وأثناء هذه الرحلة ،هَبَّ ْ
عاصفة شديدة حطمتْ سفينته ،وبالكاد استطاع أن ينجو بنفسه من هذه العاصفة .وفي عام
1513م تلقى البوكيرك التعليمات بالتوجه إلى البحر األحمر بغية التحكم بذلك الخط
(3
المالحي ،بعد أن أدرك البرتغاليون بعد سنوات أن عدن (**) هي مفتاح تحقيق أهدافهم تلك
. )5
وعلى الرغم مما حققه البوكرك من إنجازات وبطوالت ،وفقًا لما جاء في مذكراته،
إال أن حياته العملية قد انتهتْ نهاية مؤلمة بسبب التآمر عليه ،وتسُّرع الملك في اتخاذ قرار
إعفاء البوكرك من مهامه .وكان للبوكيرك أعداء كثر في البالط الملكي البرتغالي ،ال يألون
(***)
جهدًا في تحريض الملك مانويل األول ضد الفونسو دالبوكيرك ،الذي كانت تصرفاته
في بعض األحيان قد ساعدت أعداءه في تحقيق هدفهم بصورة نهائية وربمـا أسرع مما
توقعوا ( . )36فعند عودته من هرمز ،وقُبالة ميناء جُوَّا التقى البوكيرك بإحدى السفن القادمة
من أوروبا كانت تحمل رسالة مستعجلة ومفاجئة بتنحية البوكيرك من منصبه و تعيين لوبو
سواريز دي البير جاريا بدالً منه .كانت تلك األخبار قد صدمته بعنف وأضعفتْ معنوياته؛
وبينما كان على ظهر سفينته قُبالة ساحل جوا ،الذي طالما كان يأنس بالجلوس عنده ،وافته
المنية(*) في السادس عشر من شهر ديسمبر عام 1515م (.)37
كان البوكيرك رجالً ذا قوام عادي ،ووجه طويل ،حاضر اللون ،معقوف األنف،
وكانت هيئته العامة مقبولة رغم لحيته البيضاء الطويلة التي تصل إلى ما دون خاصرته
والتي أضافتْ له وقارًا .وكان عاقالً كتومًا إن تحدث أو كتب ،ومحبوبًا مُهابا دون أن تدفعه
5أهدافهم ،كالم ال يصدر عن وجود مخطط من البداية، (**) أن يدرك البرتغاليون أن عدن هي المفتاح لتحقيق
5ظروف اللحظة، أو أن يكون هناك مخطط إال أنه ضعيف ،ربما كان هناك ما يشبه التكتيكات التي تمليها
5البحرية تختلف تمامًا عن المعارك البرية ووجود مخطط شامل في معارك بحرية وقتذاك أمر يثير فالمعارك
التساؤل.
5يقصدها المؤلف ،رغم ورود العديد من الخصال الحسنة (رصين ،وحكيم ، (***) ال ندري أي تصرفات
عاقل...الخ) في مذكراته (ص ص )60-59إال إذا كان البوكرك فعالً له تصرفات لم يذكرها في مذكراته أو
أن أبنه قد شطبها من المذكرات!!
(*) يفيد صاحب النور السافر أن عين البقر (أي البوكيرك) قد قُتل على يد مرجان الظافري؛ ذلك نقالً عن:
R.B.Serjeant, The Portuguese Off The South Arabian Coast, Oxford at The
Clasendem Press, 1963,P.48وكذا ،محمد عبد العال أحمد ،البحر األحمر والمحاوالت البرتغالية
األولى للسيطرة عليه ،سبق ذكره ،ص .120
126 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
(**)
نزعته للخير إلى المحاباة ودون أن تدفعه استقامته إلى الغلظة ،وكان متدينًا يمقتُ الكذب
ويراعي العدالة(***) بشدة .وكان كريمًا جدًا ،وفيًّا غاية الوفاء ألعدائه من البرتغاليين ،ولم
يمارس حصافته السياسية إال ضـد الغرباء (غير البرتغاليين)(. )38
وعن خططه ،أشارتْ مذكراته ( )39إلى أنه كان يحمل مشروعين صمم على
إنجازهما :تمثْل األول في تحويل مجرى نهر النيل إلى البحر األحمر لمنع وصول المياه إلى
مصر ليجعلها خرابًا وبورا؛ واآلخر تمثل في نقل رفاة النبي محمد من مكة المكرمة ليقايضه
بكنيسة القيامة في القدس(*) .ولتحقيق ذلك كانت السيطرة على البحر األحمر هدفًا
استراتيجيًا هامًا للبرتغاليين ولضمان النجاح العسكري في السيطرة على البحر األحمر كان
البد للبرتغاليين من احتالل مضيق باب المندب أو حصار هذا الباب كهدف عسكري
استراتيجي متقدم ،كما أنه لغرض السيطرة على باب المندب كان البد من السيطرة على
(**) على الرغم من أن البوكرك كان متدينًا يكره الكذب ،إال أنه ورد في المقدمة العربية لمذكراته أنه لم يكن
5أغراضه يكتب لملكه تقارير صادقة عن سير األحداث في المحيط الهندي ،وكان أيضًا يُسخر الخرافات لتحقيق
السياسية ...فعند توقفه أمام عدن ،توجه البرتغاليون إلى بوابة بعينها لمهاجمتها ألنه كانت هناك بشارة من
الروح القدس بأن فتح عدن سيكون من خالل تلك البوابة ،ثم أتضح بعد ذلك أنها بوابة مضللة وهمية ،إذ كان
5
ورأها جدار ،وقيل أن الفونسو البوكيرك عزا حمرة البحر األحمر إلى أن دماء كثيرة سُفحت فيه ولذلك
اصطبغ باللون األحمر؛ وقيل ان شعاعًا من نور ظهر والسماء صافية وأن هذا الشعاع كان يشير إلى مكة
المكرمة (وفي الواقع أن ذلك الشعاع هو نيزك ،أو صاعقة)؛ وقيل أنه رأى صليبًا فوق أرض الحبشة محلقًا
في السماء ،فزعم أن هذه إشارة للتوجه إلى الحبشة والتراجع عن قصده باالتجاه إلى جدة ،بيد أنه لم يتجه
إلى الحبشة .والمالحظ أن البوكيرك كان يطلق مثل تلك اإلشاعات وهو في أسوأ أحواله ،وفي ظل أزمات،
ربما تنفسًا لهزيمته وتفريجًا ( السجل الكامل ،مرجع سبق ذكره ،ص .414وأظن أن هذه ليست بسجية
متدين يمقتُ الكذب!!
(***) ربما أن هذه الصفة يؤكدها الواقع ،إذ بكاه أهل جوا حينما مات وخرجوا عن بكرة ابيهم لتشييع جثمانه،
وكذا دفنه في كنيسة (السيدة) ربما يكون اإلثبات األكبر إقناعًا الحتمال عدالة حكم البوكرك وإدارته لجوا ،ذلك
5عليه والتبرك به 5ضريحه للترحم ألنه بعد سنوات من وفاته اعتاد كل من المسلمين والهندوس على زيارة
5نقالً عن :واالستغاثة من جور الحكام الذين خلفوه.
,W.W.Hunter,A Brief History of the Indian People, Oxford, 1907,p . 165
كذلك alexyz,alfonso de albuqureque sails to conquer, goan ow,oct.2002,in
.www.goanet .com/history/albuqreque…htm
(*) ليس من المستبعد أن يكون هناك دافع ديني قوي وراء مخطط أو مشروع الفونسو دالبوكيرك ،بيد أنه من
5البرتغالي ما دام ان
5الثروات وتعزيز االقتصاد
المرجح جدًا ايضًا ،أن الدافع الديني قد يتراجع مقابل تحقيق
البوكيرك حريص على رضا ملكه .فالمشروعان أعاله يميالن جدًا إلى كونهما اقرب إلى الخيال من الحقيقة،
بل انهما غامضان حتى بالنسبة له ،وفق ما توضحه خطته في تنفيذهما ،انظر:
R.H. Kiernan: The Unveiling of Arabia, George G. Harrap $
.Co.,London,1937,P.71
127 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
()40
ولذلك جاءت محاولة البوكرك احتالل /مهاجمة عدن في إحدى الجُمَع عدن"...
الحزينة(**).
إن تلك القراءة السريعة والمركَّزة لحياة الفونسو البوكيرك تمد لنا بال شك يد العون
في فهم األسباب وراء محاولته احتالل عدن ،رغم استعراض بعضها .بيد انه لن يتم لنا
تكوين ذلك بصورة منطقية ما لم نقف برهة عند عدن لمعرفة أحوالها العامة والخاصة في
ظل الدولة الطاهرية ،وتحديدًا في عهد عامر بن عبد الوهاب ،الذي تمت فيه محاولة الفونسو
دالبوكرك احتالل مدينة عدن.
عُرفَتْ عدن لموقعها الطبيعي بأهميتها التجارية والعسكرية وحتى الحضارية ،إذ
كانت من أعظم الموانئ البحرية المعروفة في العالم القديم والوسيط والحديث؛ وبسبب
أهميتها التجارية ،وربما نتيجة لها ،حظيتْ هذه المدينة بأهمية عسكرية جعلتها مطمعًا لكثير
من المستخربين والمستعمرين عبر عصورها المختلفة .ولما كانت طبيعيًا تتمتع بموقع
استراتيجي -تجاري ،التقت عندها حضارات مختلفة واحتضنت مختلف الجنسيات
واألعراف والديانات والثقافات التي ذابت في المكان وعبر الزمان لتشكل تلك الخصوصية
التي انفردت بها .وألهميتها تلك ،كتب عنها القديسون والرحالة والمغامرون والجغرافيون
والمؤرخون والشعراء ()41؛ ووصفها البوكيرك في مذكراته(*).
ولما كان تاريخ عدن وجغرافيتها ،وبكل أبعادها المتنوعة ،قد ارتبطا ارتباطا وثيقًا
بتاريخ وجغرافية المدن /الموانئ من حولها ،فإن عدن المدينة و الميناء قد شهدتْ فترات من
الركود واالزدهار بالتناسُب طرديًا أو عكسيًا مع المدن /الموانئ العالمية المعروفة ( .)42إن
هذا االرتباط إلى جانب عوامل أخر ،قد أنتج ثنائيتين انفردتْ بهما عدن على وجه الخصوص
واليمن عمومًا :ثنائية التبعية واالستقالل ،وثنائية الحكم أوالسلطة.
(**) ليس من الواضح حقيقة األسباب وراء اختيار البوكيرك لهذا اليوم لمهاجمة عدن .أهو ألسباب دينية؟ أم
5عسكرية؟إال أنه من المؤكد ان يوم الجمعة كان يومًا حزينًا على البوكيرك ومَنْلظروف مناخية ؟ أم لتكتيكات
معه وعلى عدن وأهلها ،بل والدولة الطاهرية ،وعلى المنطقة بأسرها.
(*) يذهب محرر مجلة (اليمن) إلى أن وصف البوكيرك لعدن هو أول وصف طويل متحدر في أالدب األوربي
وأن البوكيرك قد خط هذا الوصف بعيد محاولته احتالل عدن عام 1513م (مجلة اليمن ع 16نوفمبر
2002م ص ص )97-96بينما ورد هذا الوصف في مذكرات البوكيرك ضمن الفصل الذي يسبق فصل شرح
تلك المحاولة .وإذا سلمنا بأن البوكيرك قد وصف عدن قبل ان يهجم عليها ،فلماذا اذا هاجمها من مواضع
5جدًا أن يكون البوكيرك قد وصف عدن بعد عودته إلى الهند أي بعد تبين أنه ال يعرف عدن؟ لذلك من الجائز
5من ذلك الوصف. أغسطس عام ،1513وليس من المستبعد ان يكون منْ جاء بعد البوكرك استفاد
128 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
فعدن " عين الداخل" هي جزء ال يتجزأ من اليمن (**) ،واليمن بدوره هو ذلك
الجزء الجغرافي الذي يحتل الجنوب الغربي من شبه جزيرة العرب ،يتم النظر إليه بوصفه
وحدة واحدة رغم اختالف المواقف عبر الزمان .ومن هنا ،ليس من المستبعد أن ثنائية (تبعية
عدن واستقاللها) كانت قد عكستْ إلى حد بعيد مقدار ما تعرضت له اليمن عمومًا ،وعدن
خاصة ،من تغييرات ديموغرافية واجتماعية عبر التاريخ طرأت نتيجة لحاالت الحرب
والسلم الداخلية والخارجية .وال أدل على تلك الثنائية ( أي التبعية واالستقالل) من أنه جاءتْ
بعض األوقات وربما معظمها أصبحت فيها عدن بابًا للسيطرة ليس فقط على الداخل ،بل
على المنطقة برمتها .وباإلضافة إلى ذلك وربما عكسه ،كانتْ عدن بمثابة ملجأ أخير
يحرص المغلوب على التمُّسك بها والدفاع عنها والتحصُّن فيها ،ثم يُسلمها بعد ذلك إذا
اضطر؛ وفي نفس الوقت ،أيضا ،كانت عدن هي فاتحة لمعظم ،إن لم يكن كل ،محاوالت
التوغل األجنبي (الفاشلة والناجحة معًا) إلى اليمن الداخل (. )43
وتمثلت الثنائية األخرى في الحكم أو السلطة حيث تزامن في اليمن ،وتداخل أيضًا،
نظام الملك السُني مع اإلمامة الزيدية(*) ،وكان السلطان السني يحكم في مساحة جغرافية
معينة متناثرة أو متصلة ،وكان له جنوده وأتباعه وحتى أعدائه في تلك المساحة؛ وكان هناك
اإلمام أو (األئمة) يسيطرون على مساحة جغرافية أخرى تتصل أو تتقاطع مع مناطق نفوذ
السلطان وظل عنصرا هذه الثنائية (أي السلطان واإلمام) يتعاركان ويتقاتالن باستمرار إلى
درجة أن يستعين أحدهما بالقوى الخارجية لينتصر بها على الطرف اآلخر(**) ولذلك بقى
(**) عندما دخل مصطلح (اليمن) في االستخدام العام فإنه قد دلّ على حيز جغرافي وليس على كيان سياسي..
الخ (المزيد من االطالع انظر R.W. Stookey, Yemen: The Politics, Wetview Press,
Boulder,1978,p2
وكان يتم النظر إلى اليمن وعدن كوحدة واحدة تارة ،وكوحدات متفرقة تارة أخرى ،وفي أحايين أخر كان
اليمن يشمل عدن وحضرموت وما بينهما أو أنه ينحصر في مساحات جغرافية معينة ،أو انه يتسع حتى يصل
إلى عمان في الجنوب الشرقي ومكة في الشمال الغربي منه ،وذلك بحسب النظر إليه وفقًا للظروف (محمد
،1979 5ص .)29 عبد اللطيف الحراوي ،فتح العثمانيين عدن ،مكتبة دار التراث القاهرة،
(*) مع أن اليمن حُكمتْ من قبل أسر تدين بالمذهبين الزيدي والسُني إال أنه لم يتم فرض أي من المذهبين على
5وصحاف المن والسلوى، عموم اليمن (عبد اهلل بن علي الوزير ،تاريخ اليمن المسمى تاريخ طبق الحلوى
5محمد عبد الرحيم جازم،ط مركز الدراسات والبحوث اليمني ،صنعاء 1985م ،ص )9؛ قطب الدين تحقيق
محمد أحمد النهروالي ،البرق اليماني في الفتح العثماني ،الرياض ،منشورات دار اليمامة 1967 ،م؛
. Stookey,P.29
(**) استعان اإلمام المتوكل شرف الدين بالمماليك كي يضرب السلطان عامر ،على سبيل المثال(،النهروالي،
ص ،4حمزة علي لقمان معارك حاسمة من تاريخ اليمن،ط ،1مركز الدراسات اليمنية ،صنعاء1978،م ،ص
.)117وقد أرسل هذا اإلمام كتابًا حمله صالح سراج الدين إلى األمير حسين الكردي مستنجدًا به وكاسبًا
وده لعله يستطيع الحصول على معاونته ضد السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري( ،محمد إسماعيل
الكبسي الصنعاني ،اللطائف السنية في أخبار الممالك اليمنية،مطبعة السعادة ،د.ت ،ص 233؛ يحيى بن
5سعيد عاشور ،القاهرة،الحسين بن القاسم ،غاية األماني في أخبار القطر اليمانـي2( ،ج) ،تحقيق
،1968ص642؛ كذلكStookey,p.29 ،
129 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
أمر الحكم (أو مسألة السلطة) غير محسوم ،مما حدا بأحد الباحثين إلى أن يُشبه الحالة اليمنية
في ظل هذه الثنائية بتلك التي عاشتها أوربا في العصور الوسطى حينما كان الصراع يدور
بين اإلمبراطورية والبابا (. )44
وعلى الرغم من تلك الثنائيات ،والتناقضات عمومًا ،وبفعل تضافر عوامل التاريخ
والجغرافيا ،كانت عدن في قمة ازدهارها االقتصادي ،وكانت تحتل مكانه عالية في حركة
التجارة العالمية في أواخر القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر الميالديين.
وكان ألهميتها التجارية أن أصبحت هذه المدينة من المدن الغنية وغناها هو أكثر ما لفت
أنظار الرحالة والمستكشفين والوفود من األوروبيين(***) .وفي تلك الفترة ،وفي ظل مختلف
األوضاع كانت عدن تحت حكم الطاهريين(*) ،وتحديدًا في عهد عامر بن عبد الوهاب.
حينمــا تسلّم عامـر بن عـبد الوهاب الـحكم عام 1489م ،كان كل اليمـن
تقريبًا تحـت سيـطرة الطـاهريين باستثناء بعـض المناطـق الشمـاليـة التي كانت
موزعة بين عدد من األئمة الزيدية ( .)45وبدتْ البالد وكأنها منقسمة أو مُتَقَاسَمَة جـغرافيًا
بين الطـاهريين واألئمـة الزيود ،وقـد غـذّا ذلــك االنقسـام أو التقاسم اختـالف
المذهبين ،األمر الذي بدتْ فيه التركيبة السياسية لليمن عند مطلع العصور الحديثة(**) ،وربما
5وتومي بيرس ،وفارتيما باإلضافة إلى الفونسو البوكيرك،حيث قال باربوسا (***) ومن هؤالء دوارتي باربوسا
5تقوم على السلع األكثر 5أخرى في العالم وان تجارتها 5أعظم وأكثر ثراء من أي تجارة عن عدن أن تجارتها
5ملتقى
قيمة؛ ووصفها بيرس بأنها واحدة من أعظم أربعة مراكز تجارية في العالم ،وقال فارتيما بأنها
5حول المراكب القادمة من الهند واثيوبيا وبالد فارس وجميع السفن المتجهة إلى مكة تحط في مينائها.
5وتومي بيرس ،و فارتيما ورحالتهم إلى عدن ووصفها ووصف مينائها هؤالء ،وخاصة دوارتي باربوسا
5التي وردت في ندوة كتابات الرحالة والمبعوثين عن منطقة الخليج العربي وتجارتها بالتفصيل أنظر مؤلفاتهم
عبر العصور 1996 /4 /10-8م ،إعداد وتقديم د .عبيد علي بن بطي ،مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث
بالتعاون مع جامعة اإلمارات بالعين والمجمع الثقافي بابوظبي ،ص ص .115-113 ،109 ،108وحول
وصف البوكيرك لعدن ،أنظر السجل الكامل ألعمال البوكيرك.
(*) يفيد بعض المصادر أن بني طاهر من اصول يمنية حميرية سكنت جبن برداع ،مع أن مؤرخ دولتهم
ومعاصرها (ابن الديبع) يرفع نسبهم إلى بني أمية ورغم زواج الملك الظاهر الرسولي بابنة الشيخ طاهر بن
معوضة (راس آل طاهر) إال أن عامر األول وأخه علي واللذين كانا واليين على عدن أواخر عهد الدولة
الرسولية خرجا على الرسوليين واسسا دولة بني طاهرالتي تقاسما حكمها .حول الطاهريين ودولتهم انظر
عبد الرحمن ابن الديبع :قرة العيون في اخبار اليمن الميمون؛ بغية المستفيد في اخبار مدينة زبيد؛ الفضل
المزيد على بغية المستفيد؛ يحيى بن الحسين :غاية األماني في اخبار القطر اليماني؛ عبد اهلل الجرافي:
المقتطف من تاريخ اليمن؛ محمد النهروالي ،البرق اليماني في الفتح العثماني؛ مقدمة جب ( )Gibbلكتاب
الخزرجي العقود اللؤلؤية؛ محمد عبد العال أحمد ،بنو رسول وبنو طاهر وعالقات اليمن الخارجية في
عهدهما؛ أحمد حسين شرف الدين ،اليمن عبر التاريخ؛ السيد مصطفى سالم ،الفتح العثماني األول لليمن ؛
والموسوعة اإلسالمية.Encyclopedia of Islam.
(**) يقول محمد يحيى الحداد :يبدأ التاريخ الحديث في عرف المؤرخين مع بداية القرن السادس عشر للميالد،
العاشر للهجرة .وبناء على ذلك ،فإن تاريخ اليمن الحديث يبدأ (تجاوزا) عند بداية نفوذ المماليك في اليمن...
130 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
مـن قـبل ذلك ،قائمـة علـى تلك الثنائية التـي اشـرنا إلــيها آنفـًا والـتي أنهكت
اليـمن وكلفـته غاليًا ولـوال أن عـدن وخـراجها قـد أطــاال عـمر دولـة بنـي
طاهر ،ولــو لحين ،لكانت هـذه الدولـة قد انتهت تمامًا بنهاية سلطانها عامر بن عبد
الوهاب(***).
وعلى الرغم من تلك االنتصارات التي حققها عامر بن عبد الوهاب على المستوى
الداخلي إال أنه واجه خطرًا خارجيًا هدد أمن الدولة الطاهرية واقتصادها ،بل ووجودها(*)،
ذلك الخطر الذي تمثل في الوجود البرتغالي في المياه اإلقليمية لليمن ،وخاصة محاولتهم
احتالل عدن ،ونقصد تلك المحاولة التي قام بها البهرام البرتغالي الفونسو دالبوكيرك عام
1513م.
البوكيرك وعدن:
إن مذكرات البوكيرك هي المصدر الرئيس لقراءتنا محاولته احتالل عدن ،على
الرغم مما بها من المبالغات في إظهار أفضال أبطالها ( ،)46ومن ان البوكيرك قد كان "مجافيًا
للصواب أحيانًا في بعض من تفصيالت المعركة التي دارت في حقات وصيرة والمرسابة،
وعلى مقربة من مسجد أبان" ( .)47بيد أن هذا ال يعني إهمال بقية المصادر اليمنية (الفضل
المزيد ،قرة العيون ،قالدة النحر ،تاريخ الشحري،تاريخ شنبل النور السافر ،طبق الحلوى،
...الخ) إذا ما دعت الضرورة إلى المقارنة .إننا نحاول قراءة (محاولة البوكرك احتالل
عدن) من خالل ما كتبه البوكرك نفسه ،ال من خالل ما كتبه اليمانيون أو العرب أو
المسلمون.
الخ (التاريخ العام لليمن ،اليمن الحديث ج،4ط1986 1م ،ص)5؛ وتشير بعض المصادر الغربية إلى أن عام
1452م هو آخر العصور الوسطى ومستهل العصر الحديث(Brett,6Willis,p3؛ ويشير المنجد إلى أن
عام 1517م هو بداية العصر الحديث (ص )783ترى هل تحقيب التاريخ عند الغرب ينطبق على تاريخنا ؟
وما هي المعايير؟؟ وهل القرن العاشر للهجرة البداية الحديثة لتاريخ اليمن؟.
(***) لقد تضررت الدولة الطاهرية واليمن عمومًا جراء المواجهة الحربية بينها وبين األئمة الزيود وكان
عامر يستلم أربع خزائن كل عام ،إال أنه اضطر فيما بعد ألن يستولى على متحصالت األوقاف ليستعين بها
في مواجهة نقص ايراداته في حربه ضد األئمة (محمد عبد العال ،ص ص )281-280 ،278-275السيد
مصطفى ص ص .)59-43،58-38وبعد أن قتل السلطان عامر عام 1517ودخول المماليك ومن بعدهم
5من اللجوء اليهااألتراك كانت الدولة الطاهرية ال تزال تحتضر في عدن حيث تمكن آخر سالطين الطاهريين
واالحتماء بها حتى عام 1538م حينما قتله الخادم غيلة ،وكان عام( )1517عامًا مؤذنًا لنهاية الدولة
الطاهرية (نجاح محمد ،ص( ،)89معارك حاسمة .)124 ،
(*) كان التهديد الحقيقي لوجود الدولة الطاهرية يكمن في االعتداءات المملوكية والعثمانية والبرتغالية على
وجه الخصوص ،وهو ما جعل عامر يرسل جنوده لمساعدة عدن (حمزة لقمان تاريخ عدن ،دار مصر
للطباعة ،ص ص1960 111-116م).
131 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
جـاء فـي مـذكرات البوكرك (، )48وبعد تجــهيز األســطول واإلبحــار
مـن جـــوا ،وقبـيل الهجـوم على عـدن ،دارتْ مناقشـات بـين البوكيرك وربابنة
سـفنه والقـادة وذوي الرتب العـالية واأللقـاب السـامـية حـول كيفــية مهاجـمة
عـدن؛ وقبل أن يـستقروا على رأي واحـد حول تـلك الكـيفيـة ،بــرز فريقان
متعارضان :ذهب األول ،وهو األكثـرية ،إلـى تأييد فـكـرة إجراء محادثات سلميـة
مـع مسلـمي عـدن قـبل مهاجمـة الـمدينة ،وذلك لمعرفـة ما إذا كـان أهلهـا
راغبـين فـي طــاعة ملك البرتغـــال واالمتثــال لخـدمــته ،و تمسَّــك
الفـريق اآلخــر بفــكرة ضرورة اإلغارة على عدن مــباغتة ،دون إجــراء أي
اتصـــال .وكـان البوكيـــرك مـع الفـريـق األخـــير(**) .إال انـه
لـــرداءة الطـقس ولسوء أحــوال البــحر ،تأجـل الهـجوم .وحـــدث بعد أن
تحــسنت األحوال الجــوية ،وهدأ البـحر ،أن بعــث األمــير مــرجــان
الظــافري(*) رسـوالً إلى البوكيرك يسأله عن أسباب وجود األسطول البرتغالي عند
سواحل عدن ،ومن ثم بدأ بين مرجان والبوكرك ما يشبه المفاوضات (المكوكية) التي أفضتْ
في األخير إلى رفض األخير لتلك المفاوضات (**) ،فانقطعتْ االتصاالت بين الطرفين (. )49
وألن البرتغاليين ساعتها لم يكونوا مهيأين بوسائل إنزال رجالهم للساحل(***) تأجل الهجوم
5هذه المناقشات بين البوكرك وأصحابه ،في الوقت الذي نعلم (**) ال ندري األسباب وراء اإلشارة إلى تفاصيل
فيه ،من خالل هذه المذكرات (ص )444أن االستيالء على عدن كان بمقتضى مرسوم ملكي ،وأن البوكيرك،
5الميداني ،ونائب الملك ،كان مع االحتالل المباغت لعدن ،حتى ال تتاح فرصة تحصين المدينة أو وصول القائد
العون لها من الداخل (ص ص.)447-446
5من أصول حبشية اسلمت في اليمن (،)Schuman,p.63 (*) هو مرجان بن عبد اهلل الحبشي (الظافري)،
انخرط في خدمة الدولة الطاهرية ،عينه عامر بن عبد الوهاب عام 1489م واليًا على عدن ،وظل كذلك إلى
أن مات فيها عام 1521م .كان متمسكًا بواليته على عدن ،وكان كثيرًا ما يلهي آل طاهر عن التفرغ لها
(محمد عبد العال ،بنو رسول ...ص .)284أدار الحوار مع البوكيرك ببراعة ودهاء ،ومن ثم أدار معركة
مقاومة البوكيرك بنجاح (سيرجنت ص ،50 ،48السيد سالم ،ص )71وقد أشار سيرجنت (ص )50إلى
أن مرجان كان على عالقة ودية مع الفرنجة والالفت للنظر ،بل والجدير بالدراسة ،أن السلطان عامر قد عين
مرجان واليًا على عدن عام 1489م في الوقت الذي كان فيه محمد بن عبد الملك بن داوود (ابن أخيه) واليًا
عليها .والسؤال :ما هي ضرورات ذلك التعيين؟ هل كانت ألسباب ترتبط بمسألة توطيد حكم عامر بشكل عام
؟ أم ألسباب تتعلق بخصوصية مدينة عدن نفسها ؟ وفي كل األحوال ،تظل شخصية مرجان الظافري مثيرة
5والحيرة معًا ،ولذلك فهي بحاجة إلى إماطة اللثام عنها .وقد أشار محرر مجلة (اليمن) إلى مآثر هذه
للجدل
الشخصية ومواقفها ،وإن كان ذلك بصورة مقتضبة جدًا ،وأطلق دعوة لتكريمه (العدد ( )16نوفمبر
2002م ،ص ص .)97-96
5قد التقفها وبدأ بها مرجان الظافري بعد أن هدأت الرياح وتحسن (**) كانت عملية تبادل الرسل بين الطرفين
المناخ ،ولعله فعل ذلك ليمنع (أوعلى األقل يؤجل) هجوم البوكيرك على عدن؛ وكانت هذه مناورة ذكية منه
لكسب الوقت ،فيحصن المدينة ويجهز العدد والعدة ،وهذا ما حصل فعالً.
(***) ليس مفهومًا القول أن البوكيرك قد عزم (وفقًا لتعليمات الملك) على مهاجمة عدن ،وعندما أشرف على
مينائها لم يكن لديه وسائل إنزال وغيرها (يُقال أنها فُقدت قبل الوصول ،ص ،)453وأيًا كان المبرر ،فإنه
ليس من المستبعد أن يكون هدف البوكرك ،على األقل في البداية ،ليس احتالل عدن وإنما بناء حصن ومركز
5مثلما فعل في جوا وغيرها ،لكي يتمكن من اإلشراف أو السيطرة على حركة مرور السفن المتجهة تجاري
132 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
إلى صباح اليوم التالي الذي كان يصادف اليوم السابق لعيد الفصح ()****()Easter؛ وأنقضي
يوم الجمعة وانشغل رجال األسطول طوال السبت في تثبيت السفن معًا بالحبال ،واستدعى
البوكرك كل القباطنة والقادة ليخبرهم بأن امتداد سور مدينة عدن على شكله ذلك قد ال يمكنهم
من السيطرة عليه ،إذ لم يكن معهم إلنجاز ذلك العدد الكافي من الرجال والساللم ،ولذلك
قرروا التخطيط لمسألة اختراق السور من موضع معين (. )50
ولذلك ،شكل البوكيرك صفين من العساكر ،يهدف األول إلى إحداث فتحة في
السور بالقوة والدخول إلى المدينة ،وبعد أن يتم ذلك ،تتم السيطرة على بوابة السلسلة الجبلية
المفضية إلى المناطق الداخلية ليتم عزل المدينـة عن أي إمدادات قد تأتيها من هناك؛ ويقوم
(
اآلخر بدعم وإمداد وحماية الصف األول من العساكر ،وكان البوكيرك ضمن الصف اآلخر
.)51
إلى البحر األحمر بيد أنه من المؤكد أن األسطول البرتغالي قد فقد وسائل اإلنزال وغيرها ألنه قد ضل طريقه
إلى عدن نظرًا لعدم وجود خريطة عن المنطقة،وابحر في اتجاهات غير صالحة لإلبحار ،أو تعرض ألحوال
جوية رديئة ...الخ.
( 5تعريب فِسْح) (المنجد ،ص (****) هو في األساس عيد يهودي ،وفصح في العبرية تعني اجتياز وعبور ونجاة
)585؛ وهو عيد الفطر الذي يُراعى فيه عدم وجود خمر في أي طعام (المذكرات ،ص )453بينما يشير
قاموس ( ) Websterllإلى أن كلمة ( )Easterلها جذورها الوثنية..الخ (ص .)415
(*)يبدو أن هذه هي المرة األولى ،وربما األخيرة ،التي المس فيها البوكيرك أحد اسوار عدن ،ولم نجد فيما
تيسر لنا من المراجع أن البوكيرك وطأ بقدميه بر عدن .ويبقى السؤال :مادام أن البوكرك لم يزر عدن مثلما
5داكوادرا الذي وردت قصته في المذكرات (ص ص)501-497 5أو حتى جريجوريوفعل فارثيما أو كوفيلهام
وترجم لنا عنه من كتاب كيرنان ( إماطة اللثام ) ،كيف تسنى له وصف عدن (المذكرات ،ص ص-453
)457؟ باإلضافة إلى انه ليس هناك ما يدل ولو بالتلميح على أن البوكيرك قد زار عدن فعالً رغم أنه كان
يردد باستمرار أنه قد شاهدها (ربما عن بعد)،ولو كان البوكرك فعالً يعرف عدن لما هاجمها من ذلك المكان
الذي هاجمها فيه (نقالً عن D.&L. lngram, Records of Yemen (1798-1960), Archive
.).Editions, London, 1993, vol. 1,p.13
133 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
اإلصالح باإلسراع لمحاولة إصالح السلم ودعمه ،و منعه من أن يُكسر ،ورغم جهودهم فقد
كسر هذا السلم أيضا بسبب ثقل العدد ،و تكسَّرتْ الرماح والسنادات قطعًا ومات عدد من
هؤالء الجنود المسعفين ،وجُرح منهم عدد آخر (**) ،ولم يصل إلى أعلى السور إال القليل
منهم ،وتمكنوا من تنصيب علمهم فوقه ( . )52على أنهم لم يتمكنوا من القيام بأي عمل يُذكر
ألنهم كانوا مسلحين فقط بسيوف قصيرة ،إال أنهم أحدثوا فتحة في السور واحتلوها إلى أن تم
دحرهم من قبل المدافعين عن المدينة ،و من ثم مُلئتْ تلك الفتحة بالتراب والحجارة والتبن
الحارق (. )53
وأثناء ذلك ،رأى البوكيرك أن الهجوم قد باء بالفشل ،فسعى جاهدًا إلى إنقاذ ما
يمكن إنقاذه ،فأمر باالنسحاب ،إال أن بعض قادته لم يمتثلوا لألمر ،وكان جارسيا دي سوزا
واحدًا منهم .ومع ان بعض الجنود قد تمكنوا من النزول من السور سالمين بواسطة ما تبقى
من الحبال ،إال أن جارسيا استمر مـع خادمه المولد يقاتالن إلى أن خر ميتًا جـراء
اختـراق أحد السهام رأسه (. )54
وواجه البوكرك مشكلة أخرى عندما حشد قواته استعدادًا لركوب السفن ،حيث أمر
مرجان الظافري بإطالق نيران تلك المدافع التي وضعها في صيرة(*) مما أدى إلى مقتل
بعض البرتغاليين وجرح كثيرين منهم ،ولم يكن البوكرك حينها يستطيع مقاومة تلك المدافع
ولم يكن لديهم ساللم الرتقاء األسوار ثانية ،وال وسيلة تمكنهم من مبادلتها الضرب؛ هذا
باإلضافة إلى ارتفاع درجة حرارة الجو ،وإرهاق الجنود .لكل تلك األسباب أمر البوكرك
رجاله بالتوجه إلى السفن (. )55
(**) يشير مترجم السجل الكامل ألعمال البوكيرك أن هناك حفرًا خشبيًا مبكرًا لعملية تسلق سور عدن ورد
( 5السجل ،ص .)461 في خريطة المتحف البريطاني
( 5دانفرز
5ما ورد في مذكرات البوكيرك (ص )467ومـا ورد في كتـاب فردريك تشارلز (*) باستثناء
)Danversالبرتغاليون في الهند ،لندن1966 ،م ،ج،1ص ،268والذي أشار إلى أن اليمنيين كان لديهم
5فإن اليمن ،كما نعرف لم تكن تعرف ذلك السالح ،وعرفته (خاصة البندقية) أول مرة عند مدافع كالبرتغاليين،
دخول المماليك (حسين العمري ،تاريخ اليمن الحديث والمعاصر ،دار الفكر المعاصر ،دمشق1997 ،م ص
)11وقد أشار صاحب القالدة إلى المنجنيقات فقط .والسؤال ،إذا صحت رواية المدافع (ص )468أو أنها
منجنيقات ،لماذا لم يتم استخدامها استخدامًا أمثل؟ ومتى نصبها مرجان في صيرة؟ بل ومن أين تحصل
عليها في الوقت الذي نعلم فيه أن البندقية هي من أهم أسباب سقوط الدولة الطاهرية؟ وهل كان السلطان
5بها بعد أن حقق أهالي عدن في البداية نصرًا على البرتغاليين؟ إن عامر يعلم بهذه المدافع؟ ولماذا تم التفريط
5بصورة عامة ،قد ارتبطت ،على ما يبدو لنا ارتباطًا شخصيًا قضية المدافع ،بل وقضية مواجهة البرتغاليين
5عدن ؟ أم 5هل كان الهجوم ضعيفًاَ ؟ أم المقاومة أقوى ؟ هل أنقذ مرجان الظافري 5الظافري:ووثيقًا بمرجان
تراه قد أغرق دولة بني طاهر؟ كل تلك األسئلة بحاجة إلى إجابة واإلجابة هذه تمكن من معرفة –ودراسة-
5
شخصية مرجان الظافري!!.
134 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
وفي صباح اليوم التالي أمر البوكرك ابن أخته جارسيا دي نورينها باالستيالء على
قلعة صيرة ليتم تغطية خروجهم من الميناء .ووصل نورينها إلى قاعدة القلعة مع كل القوات
المصاحبة له ،وشن هجومًا أدّى إلى االستيالء على صيرة وما بها من المدافع الكبيرة
والصغيرة والتي بلغ عددها ستة وثالثين ،وتمركز هذا القائد في صيرة ،وتم تغطية عملية
الصعود إلى السفن وذلك من خالل قصفه للمدينة التي دُمر كثير من منازلها ،وتم بعد ذلك
تجهيز السفن البرتغالية بحبال الصواري وكل ما يلزمها وذلك من سفن المسلمين الموجودة
في الميناء ،وذلك بحسب تعليمات البوكرك نفسه ،وباإلضافة إلى ذلك ،فقد أمر البوكرك
بسلب كل البضائع والمؤن الموجودة في السفن الراسية في ميناء عدن ،وبعد ذلك أمر بإشعال
النيران فيها ،وتمكنت السفن البرتغالية ،بعد أن عاد مَنْ عاد ،من مغادرة ميناء عدن متجهة
صوب البحر األحمر(. )56
وبعد عودته من البحر األحمر عرج البوكرك ثانية على عـدن ،وألقـى مراسيـه
أمام المدينة التي كان في مينائها عدد كبير من السفن الضخمـة ،ووجـد قلعـة صيرة قد
حُصنت بسور وبمزيد من األبراج لم تكن موجودة من قبـل ،فأرسـل ابن أخته ،نورينها ،
على رأس مجموعة لمهاجمة جزيـرة صيرة ،فتمكنـوا من االستيالء عليها ،ومنها أطلقوا
نيران المدافع على مدينة عـدن فأسقطـوا عددًا كبيـرًا من المنازل ،وعندما أدرك التجار
الغرباء ممن لهم سفن في المينـاء ما حـاق بمنازل عدن من دمار ،خشوا أن يصدر
البوكيرك األوامر بإحـراق سفنهـم أيضاَ ،فأرسلـوا إليه يقولون أنهم يودون افتداء سفنهم
بأي مبلـغ يريـده ،فكانت إجابته أنـه لن يأخـذ أي مبالـغ ولن يقبل بغيـر إطالق سراح
المسيحييـن عند والـي عدن ،فإن لم يفعـل فلن يترك سفينة إال أحرقهـا؛ ولم يعد
التجـار بأي عرض آخـر ،فصمم البوكيـرك على تنفيـذ وعيده ،ثم عرض هـذا األمـر
على القباطنـة والقـادة ،لكنهم لم يوافقوه لعـدم المجازفـة بأرواح البرتغاليين خاصة وأن
لدى المسلمين مدافع كثيرة يمكنهم إطالقها لحماية سفنهم؛ بيد أن البوكيرك قرر تنفيذ خطته
مستعينًا بمجموعة من البحارة الفرسان ،وانطلقوا في منتصف ليلة الجمعة ،ولم يكن
المسلمون قد أقاموا نوبة حراسة ،فأشعلوا النار في السفن التي لم يحترق منها اإل ثالث،
وقتلوا ثالثين مسلمًا ،وعادت المجموعة للقوارب ومن ثم للسفن،دون أن يلحق أحدًا منهم
ضرر( .)57وفي صباح يوم (4/8/1514م) ،وبعد أن وصلت األمور إلى غاياتها(*)أمر
البوكرك القباطنة والقادة بمغادرة عدن (. )58
(*) لم تشر المذكرات إلى ماهية هذه األمور التي وصلت إلى غاياتها .على الرغم من أنها أشارت في (ص
5وأخبره بأنه قد تعرف على مدخل )506إلى أن أحد مبعوثي البوكرك وصل قُبالة عدن والتقى بالبوكرك
ميناء زيلع وببقية األمور .هذا ما حدث .ومن ثم اشارت المذكرات (ص )509إلى أن البوكيرك اتجه بعد
5ومن هناك غير اتجاهه إلى ديو حيث استقبله ملك عزيز... ( 5بالصومال)مغادرته عدن إلى رأس جوردفوي
الخ .حقيقة ال ندري ما الذي جعل البوكيرك يغادر عدن هذه المرة .هل الشتداد المقاومة؟ هل ألسباب أقوى
من البقاء قبالة عدن ؟ أم أن هناك أمورًا ال يرغب البوكرك في اإلفصاح عنها حتى لملكه؟
135 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
كانت تلك قراءتنا لمحاولة البوكرك احتالل عدن منذ أن وصلها في 25/3/1513م
وغادرها أواخر مايو من نفس العام ومن ثم عودته إليها في النصف الثاني من يوليو 1514
ومغادرته إياها في ،4/8/1514وذلك وفقًا لما جاء في مذكراته.
وأول ما يستوقفني عند هذه المذكرات أمر يكاد يجمع عليه الكل ،حتى الخصوم،
وهو أن البوكرك كان شغوفًا بالكتابة وبتدوين المالحظات السريعة خاصة العسكرية منها؛
وهذا الشغف قد دفع بأحد الباحثين إلى أن يشبه البوكرك بأيان فليمنج(*) .والبوكرك قد قام
بتدوين كل ما كان يحدث له بدءًا بمغادرته لشبونة ومرورًا بالسواحل الشرقية إلفريقيا ومن
ثم في السواحل الغربية للهند وحتى عدن والبحر األحمر وغيرها من المناطق إال أننا لسنا
متأكدين مما إذا كان البوكرك قد دوّن كل صغيرة وكبيرة انطالقًا من ذلك الشغف ،بمعنى هل
كانت هوايته هي الدافع ؟؟ أم أنه كان تكليفًا رسميًا من الملك ؟ بمعنى هل كانت مذكراته
تقريرًا لزم عليه استيفاؤه ؟؟.
فإذا سلّمنا بأن هذه المذكرات قد كتبها البوكيرك ليحتفظ بها لنفسه ،ومن ثم كان
سينشرها حين يريد ،فإنه في هذه الحالة ال بد وأن يتفرغ إلعادة تصويبها وتنقيحها ليحذف ما
يريد ويضيف ما يريد وبأسلوب يجعله راضيًا عنها .بيد أن الموت حال دون ذلك على ما
يبدو ،فقام بالمهمة ابنه براس ( )BRAZالذي عُرف فيما بعد بنفس اسم أبيه؛ حيث قام
بالتعديل واإلضافة لكي يهديها للملك سبستيانو حفيد ما نويل ،على الرغم من أن مانويل
نفسه أمر بطباعتها ونشرها .أما إذا افترضنا بأن تلك المذكرات كانت بتكليف من الملك ،فإن
مسألة التغيير والتعديل واإلضافة واردة جدًا أيضًا ،وخصوصًا إذا علمنا ،من نفس
المذكرات ،أن البوكرك لم يكن صادقًا في نقل األخبار لملكه ،خاصة األخبار غير السارة.
وفي كلتا الحالتين ،هواية وتكليف ،وعلى اختالف المواضيع ،فإن مذكرات الفونسو
البد وأن تظهر بصورة يرضى بها البوكرك أو يرضى بها وعنها الملك .ولذلك فانها قد
تعرضت لحذف أو تغيير أو إضافة أو تعديل ....الخ .فعلى سبيل المثال ،هناك حادثة وقعت
للبوكيرك عند شاطئ ميرامار بجوا في أوائل شهر يونيو من عام 1510م ،وهي أنه كان "
عريانًا " في ذلك المكان ،وعندما فوجئ بالرعد والبرق في السماء ،ذعر ،وكاد يغمى عليه،
ومن شدة هذه المفاجأة جرى وهو عريان ( . )60فإذا صَحتَ هذه الرواية ،ترى هل كان قد
كتبها؟ وإذا كان قد كتبها ،أكان يبقيها ابنه حتى تنشر؟ وعن حقيقة ما حدث ،مثالً ،عند عدن،
ترى هل نقله البوكرك بحذافيره ؟.
(*) هو ، Ian Lancaster Flemingمؤلف انجليزي (1908م1964 -م) اشتهر بتأليف شخصية ،
ومغامرات ،جيمس بوند أو العميل ( ) 007التي صارت أفالما ينتصر في نهايتها هذا العميل الذي كان يحتاط
5المخابرات
لكل صغيرة وكبيرة في أدائه لمهامه ،ومن المعروف بأنه (أي العميل )007كان يعمل لصالح
البريطانية وأعوانها.
136 مجلة (اليمن) ،العدد الثالث والعشرون ...مايو 2006م ....
وعلى الرغم من ذلك ،هناك احتمال كبير في أن يكون ما دونه البوكيرك قد ضاع
الكثير منه ،أي تلك المراسالت التي كان يبعثها إلى لشبونة ،خصوصًا وأن "السجالت الكاملة
لالستكشافات البرتغالية ورحالتها البحرية غير معروفة ،إذ بقى الكثير منها طي الكتمان
جراء المنافسة مع الجارة اسبانيا ،وإتالف محفوظات تلك الفترة جراء التهام النار لها إثر ذلك
الزلزال الذي ضرب لشبونة عام 1755م" (. )61
أما اذا سلمنا بأن مذكرات البوكيرك التي نقرؤها اليوم هي نفسها التي كتبها
وقتذاك ،وبأن المعلومات الواردة فيها ،وخاصة المرتبطة بمحاولة احتالل عدن ،لم تتعرض
للحذف أو اإلضافة ،فإن لنا وقفة أخرى معها ،نوجزها في التالي:
أوالً :قد يكون من المؤكد أن الفونسو دالبوكرك كان مهتمًا بخدمة ملكه وبالده،
ومخلصًا لهما ،وكان مهتمًا بجمع الثروات وبتعصبه لدينه ،أو بتدينه ،وبنشر ديانته ،إال أن
األكيد أيضًا هو أنه ليس بالضرورة أن يكون كل البحارة والقباطنة و القادة مثله يهتمون
بنفس اهتماماته ،بل أن هؤالء الذين كانوا معه في حله وترحاله ،كانوا مهتمين كثيرًا بالتجارة
وجني األموال أو المرابحة .وهذه المذكرات لم تشر إلى اهتمام هؤالء إال بالقدر الذي كان
يخدم بطلها.
ثانيًا :لسنا متأكدين من المعطيات الجغرافية التي وردت في هذه المذكرات خاصة
تلك المعطيات المتعلقة بالجزر المنتشرة عند بداية مضيق باب المندب حتى كمران ،على
الرغم من أن بعض المعلومات الجغرافية التي نعرفها اليوم عن الهند وملقا وجنوب فيتنام
واندونيسيا وحتى جنوب الصين هي مسميات برتغالية من ذاك الزمان.
ثالثًا :ان المذكرات مليئة بالتناقضات خاصة تلك المرتبطة بشخصية بطلها
وأعماله .فعلى سبيل المثال جاء في صفحة ( )446أن البوكرك كان مع الرأي بمهاجمة
عدن دون إجراء تفاوض مع أهلها ،ومع ذلك نجد في صفحة ( )453أن البوكيرك قبل
التفاوض مع مبعوثي األمير مرجان ،بل تفاوض أيضا مع التجار أصحاب السفن التي كانت
راسية عند ميناء عدن بعد عودته من البحر األحمر (ص .)505كذلك أشارت المذكرات
إلى أن البوكيرك رأى بأن حملته (األولى) قد باءت بالفشل (ص ،)465ومع ذلك ،نرى هذه
المذكرات تبرر ذلك الفشل بسوء الطوالع (ص ،)468بل ذهبت إلى تمجيد استبسال
البرتغاليين وأظهرتْ بطوالتهم التي ال نعلم بها عند عدن،وأسهبت في ذكر فرحتهم ألنهم أول
من دخل البحر األحمر منذ أن اكتشفوا الهند(ص .)472
أخيرًا :لم تشر المذكرات إلى الحالة االجتماعية اللبوكرك ،رغم أنها أفادت بأن (
)BRAZهو ابن البطل هذا،ولكنه غير الشرعي (ص .)67ترى هل كان من الصعب على
البوكرك اإلشارة إلى انه غير متزوج أو لم يتزوج… الخ ؟ ؟ وعليه لسنا واثقين في تصنيف
هذه المذكرات :أ هي سيرة ذاتية ،ترجمة،أعمال كاملة ،مجموعة أعمال… الخ ؟ ؟ ؟ ولذلك
،ليس من المستبعد أن تكون تلك المذكرات عبارة عن تقارير عسكرية عن المنطقة عمومًا
وعدن على وجه الخصوص ،خاصة إذا ما عرفنا أن بريطانيا استفادت كثيرًا من تلك
المذكرات /التقارير التي استخدمتها الحتالل الهند أوالً ،ثم الهجوم على عدن واحتاللها ،ذلك
ألن ظهور بريطانيا في المحيط الهندي ،على ما يبدو ،كان مُعَدًّا له من قبل البرتغاليين
واإلنجليز وفقًا التفاق عام 1373م المشار إليه آنفًا في هذه الورقة.
لذلك ،ومن واقع تلك المذكرات ،ال نستبعد أن تكون شخصية البوكيرك قد أدت
دورًا رئيسًا في تشكيل األحداث في المنطقة وعلى الورق (أي كتابة المذكرات نفسها) .فإن
كان البوكيرك ،على سبيل المثال ،قد حمل مشروعًا حقيقيًا أراد إنجازه ،فأن سير األحداث
كان كثيرًا ما يخرج عن ذلك المشروع ،وألن الخطط في المعارك البحرية تختلف كثيرًا عن
الخطط في المعارك البرية ،كان على البوكيرك أن يتدخل باستمرار لتعديل أو تأجيل تنفيذ
ذلك المشروع .وبالتالي كانت هناك البطوالت وكانت هناك اإلخفاقات الذريعة .فعلى سبيل
المثال كان الصراع بين البرتغال والمسلمين ،في بداية األمر ،يدور في بلدان كثيرة في
المحيطين األطلسي والهندي،إال ان البوكرك تمكن من حصر ذلك الصراع فأصبح صراعًا
برتغاليًا/مسلمًا ساحته فقط البحر األحمر .ومن هنا نجد شخصية البوكرك ،على ما بها ،قد
اضطلعت بأداء دور خطير في تغيير مجرى األحداث وتشكيلها؛ أما بالنسبة لعقليته ،فربما
كانت بعيدة المدى ،إذ إن ذلك الصراع لم يكن مع حفنة من الراجات ( )RAJASأو
()62
السالطين أو األمراء عند الموانئ ،بل كان مع قوى مجتمعة من العالم اإلسالمي .لقد كان
البوكيرك يدرك بأن المصالح االقتصادية تسبق المطامع السياسية ،وأن األهمية اإلستراتيجية
(
جع االحتواء والتدخل واالحتالل ال بد أن تخلق االهتمام ،وأن الضعف الداخلي ال بد أن يُش ِّ
. )63فربما ظن األمر كذلك بالنسبة لعدن استنادًا إلى التقارير التي قرأها عنها أو غير ذلك.
إال أنه ،وبدون أدنى شك ،كانت محاولته احتالل عدن والسيطرة على مداخل البحر
األحمر قد باءت بالفشل وبكل المقاييس،فلم يتمكن من تحقيق هدف من أهدافه في تلك
إن ما كان يحدث من محاولة احتالل عدن إنما مرده غياب دولة مركزية (وإن
كانت خراجية ) قوية في الساحل ،رغم أن هذا الغياب كان واحدًا من أسباب االزدهار
التجاري الذي شهدته المدينة ،بل والمنطقة عمومًا ( . )65وفشل حملة البوكرك على عدن إنما
مرده ليس ضعف الهجوم أو قوة المقاومة ،أوالدعاء على الفرنجة ،ولكن النشقاقات
المهاجمين ،ولمواقف الحكام المحليين ،خاصة مرجان ،وتنافس القوى اإلقليمية األخرى،
واألهم من ذلك كله ،لتحصينات عدن الطبيعية مع عدم دراية البوكيرك بمواضع اختراقها.
إن شخصية البوكيرك كان لها األثر الكبير في فشل محاولته احتالل عدن المنيعة طبيعيًا
واصطناعيًا .وقد أثبت ذلك الفشل أن السفن ،كل السفن ،لم تجد لها مكانًا آمنًا في البحر أكثر
من ميناء عدن ،ولكنها لم تسلم والبوكرك قُبالة عدن!!.
الهوامش:
( )1د .جعفر الظفاري ،الحركات الشعبيـة في التاريخ اليمني ،ج ،1الثقافـة الجديدة ،ع(
،)10السنة الثالثة ،أكتوبر 1974م ،ص.16
( )2حول تاريخ البرتغال ،يمكن الرجوع -على سبيل المثال -إلى المؤلفات اآلتية:
Edgar Prestage, The Portuguese Pioneers, A & C. Black, London,
1933.
C. Boxer, The Portuguese Seaborne Empire (1415-1825),
Penguin Books, Harmonds,1973.
S.G. Payne, A History of Spain and Portugal, Univ. of Wisc.
Press, Madison, 1976.
H.V. Livermore, A New History of Portugal, Cambridg Univ.
Press, Mass., 1976.
& F. Roy Willis, Western Civilization, 3rd ed., D.C. Heath
Company, Mass., 1981.
J.H. Bentley and H.E- Zieglar, Traditions and Encounters,
McGraw-Hill, Hawaii, 2003.