Professional Documents
Culture Documents
قال تعالى (وال تكونوا كالذين جاءهم البينات) وق ال تع الى (وما ك ان ص التهم عند ال بيت)
وقال تعالى (قد كان لكن فيهم أسوة حسنة)
هناك خط بالغي في الق رآن الك ريم ح ول ه ذا الموض وع وقد ُأث ير في عديد من األس ئلة
خالل الحلقات ونذكر منها ما جاء في تذكير وتأنيث الفعل مع كلمة الضاللة والعاقبة وكذلك
مع كلمة المالئكة وكذلك مع كلمة البيّنات .وقلنا باختصار أنه:
ت ذكير الفاعل الم ؤنث له أك ثر من س بب وأك ثر من خط في الق رآن الك ريم .ف إذا
قصدنا باللفظ االمؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُع رف بالحمل على المع نى.
م الض اَل ل َ ُ
ة ِإنَّهُ ُ َّ ح قَّ ع َلَيْهِ ُ
م وقد ج اء في قوله تع الى عن الض اللة (فَرِيقًا هَ دَى وَفَرِيقًا َ
ن ( )30األع راف) وقوله خذ ُوا الشَّ ياطين َأولِياءَ من دون اللَّه ويحس بو َأ
مهْت َ دُو َ
م ُ ن نَّهُ ْ ِ ََ ْ َ ُ َ ِ ْ ُ ِ َ ِ َ ْ َ ات َّ َ
ن هَدَى م م هنم َ ف وت ُ غ اَّ الط وا ب نت ج ا و هَّ الل وا د ب ْ عُ ا ن َأ اًل و س ر ةم ُأ ِّ
ل ُ ك ي ف ا نْ ثع ب د ق
َ َ ل(و تعالى
ِ ُْ ْ َ ْ َ َ َ ْ َُِ ُ ُ ِ َّ ٍ َ ُ َ ْ ََ َ ِ
ض فَ انْظ ُ ُروا كَي ْ َ س يروا فِي اَأْل َ اَل َ
ة
ن ع َاقِب َ ُ ف كَ ا َ ْ ِ ر ُ ِ َ ف ة
ُ ل الض
َّ ِ ه ْ ي َل ع َّت
ْ حق
ن َ م ْ م َ منْهُ ْ
ه وَ ِ الل َّ ُ
ين ( )36النح ل) .ون رى أنه في كل م رة ي ذكر فيها الض اللة بالت ذكير تك ون مك َ ذِّب ِ َ ال ْ ُ
ن ( )29األع راف) ُ َأ َ
م تَعُودُو َ ما ب َ د َ ك ْ الض اللة بمع نى الع ذاب ألن الكالم في اآلخ رة (ك َ
وليس في اآلخ رة ض اللة بمعناها ألن األم ور كلها تنكشف في اآلخ رة .وعن دما تك ون
ما كانت الضاللة بمعناها هي يؤنّث الفعل. الضاللة بالتأنيث يكون الكالم في الدنيا فل ّ
وكذلك بالنسبة لكلمة العاقبة أيضا ً تأتي بالتذكير مرة وبالت أنيث م رة ،وعن دما ت أتي
بالتذكير تكون بمعنى العذاب وقد وردت في القرآن الكريم 12مرة بمعنى العذاب أي
يروا ْ فِي س ُ ل ِ بالتذكير واألمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة األنعام (قُ ْ
ين { )}11وسورة ي ونس (فَك َ ُ ُ َ َّ ْ َ ُ
ه ا ن يج نَ ف ه و َّب ذ مكَذ ِّب ِ َ ة ال ْ ُ ن ع َاقِب َ ُ ف كَا َ م انظ ُ ُروا ْ كَي ْ َ ض ث ُ َّ ِ اَأل ْر
ين ك َ ذ َّبُوا ْ بِآيَاتِنَا فَ انظ ُ ْر كَي ْ َ ومن مع ه في الْفُل ْ ك وجعلْن اهُم خَالَِئ َ َأ
ن ف كَ ا َ ف وَ غ ْ َرقْنَا الَّذ ِ َ ْ ِ َ َ َ َ َّ َ ُ ِ َ َ
ين ( م ر ج م ْ ال ة بق َا ع ن ا َ ك ف يَ ك ر ُ ظ ن ا َ ف ار َ ط م م ه يَ َل ع ا ن ر َ ط م َأ و(و }) 73 { ين ْ
َِ ُ ُ ْ ِ ِ َ َ ْ ْ ْ َ ِْ ْ َ ً َ ْ ْ َ ع َا ِ َ ُ ُ ِ َ
َر ذ ن م ال ة ب ق
ين ( )73الص افّات) المقص ود بالعاقبة من ْ ذ َرِ َ ْ
ة ال ُ ن ع َاقِب َ ُ ف كا َ َ َ ُ
)84األعراف) و(فَانْظ ْر كي ْ َ
هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً .وعندما تأتي بالتأنيث ال تكون إال بمعنى الجنّة كما
َأ
ن لَ ُ
ه ن تَك ُو ُ م ْ عن ْ دِهِ وَ َ
ن ِ م ْ ج اءَ بِالْهُدَى ِ ن َ م ْ م بِ َ وس ى َربِّي ع ْل َ ُ م َ ل ُ في قوله تعالى (وَقَ ا َ
ل ن ( )37القصص) وقوله تعالى في سورة األنعام (قُ ْ ِ ُ َ و م ل ا َّ الظ ه اَل يُفْل ِ ُ
ح ة الدَّارِ ِإن َّ ُ ع َاقِب َ ُ
هة ال دِّارِ ِإن َّ ُ ه ع َاقِب َ ُ نل َُ ُ
من تَكو ُ ن َ مو َ َ
ف تَعْل ُ سو ْ َ ل فَ َ م ٌ م ِإنِّي ع َا ِ ُ
مكانَتِك ْ َ َ
ملوا عَلى َ ْ ُ يَا قَوْم ِ اع ْ َ
ن {.)}135 و
ِ ُ َم ل ا َّ الظ ال َ يُفْل ِ ُ
ح
تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة :قال تع الى في س ورة
خ ذُ ة وَال َ يُْؤ َ ش فَاع َ ٌ منْهَا َ ل ِ ش يْئا ً وَال َ يُقْب َ ُ ْس َس عَن نَّف ٍ ج زِي نَفْ ٌ البقرة (وَاتَّقُوا ْ يَوْما ً ال َّ ت َ ْ
ج زِي ن { )}48وق ال في نفس الس ورة (وَاتَّقُوا ْ يَوْم ا ً ال َّ ت َ ْ نص ُرو َ م يُ َ ل وَال َ هُ ْ منْهَا عَ د ْ ٌ ِ
ن{ نص ُرو َ م يُ َ َ
ة وَال هُ ْ ش فَاع َ ٌ َ
ل وَال تَنفَعُهَا َ منْهَا عَ د ْ ٌ ل ِ َ ً
ش يْئا وَال يُقْب َ ُ ْس َ ف َّ ن َن ع سٌ ف
ْ نَ
ٍ
.)}123جاءت اآلية األولى بتذكير فعل (يقبل) مع الش فاعة بينما ج اء الفعل (تنفعه ا)
مؤنثا ً مع كلمة الشفاعة نفسها .الحقيقة أن الفعل (يقبل) لم يُذكّر مع الشفاعة إال في
اآلية 123من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع بمعنى أنه لن يُقبل
ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة .أما في اآلية الثانية فالمقصود الش فاعة نفس ها لن
تنفع وليس الكالم عن الش فيع .وقد وردت كلمة الش فاعة مع الفعل الم ؤنث في
نة ِإن ي ُرِد ْ ِ من دُون ِ هِ آلِهَ ً خ ذُ ِ القرآن الكريم في آي ات أخ رى منها في س ورة يس (َأَأت َّ ِ
من }) وس ورة النجم (وَكَم ِّ ُون {23 قذ ِ م شَ يْئا ً وَال َ يُن ِ ْن عَنِّي شَ فَاعَتُهُ ْ ض ٍّر ال َّ تُغ ِ
من ب ِ ُ ح َ الر ْ
َّ
َّ ْأ َأ اَّل ً اَل
ضى من يَشَ اءُ وَي َ ْر َ ه لِ َ
ن الل ُ من بَعْد ِ ن ي َ ذ َ َ م شَ يْئا ِإ ِ ات تُغْنِي شَ فَاعَتُهُ ْ ماوَ ِ س َ
ك فِي ال َّ مل َ ٍ َّ
{.)}26
وكذلك كلمة البيّنات ف إذا ك انت بمع نى العالم ات الدالة على المعج زات أنّث الفعل
وإذا كانت بمعنى األمر والنهي وحد ّ الله والدين ذكّر الفعل هناك حكم نحوي مفاده أنه
يجوز أن يأتي الفعل م ذكرا ً والفاعل مؤنث اً .وكلمة البيّن ات ليست م ؤنث حقيقي ل ذا
يجوز تذكيرها وتأنيثها .والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات ألن هذا ج ائز كما
قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا جاء باالستعمال فعل المذكر (جاءهم البيّن ات) مع العلم
أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث (جاءتهم البيّنات)؟
ل على النب وءات فأينما جاءتهم البيّنات بالتأنيث :يؤنّث الفعل مع البيّنات إذا كانت اآليات تد ّ
من م ِّ وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثا ً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (فَِإن َزلَلْت ُ ْ
ُأ َأ
حدَة ً ة وَا ِ م ً س َّ ن النَّا ُ م { )}209واآلية (كَا َ حكِي ٌ ه ع َزِي ٌز َ ن الل ّ َ موا ْ َّ ات فَاع ْل َ ُ م الْبَيِّن َ ُ جاءتْك ُ ُ ما َ بَعْد ِ َ
ما ُ ْ ْ ين وَ ن َز َ َأ مب َ ِّ ّ فَبَعَ َ
اس فِي َ ن الن َّ ِ م بَي ْ َ حك َ حقِّ لِي َ ْ اب ب ِ ال َ م الكِت َ َ معَهُ ُ ل َ من ذِرِ َ ين وَ ُ ش رِ َ ين ُ ه النَّبِي ِّ َ ث الل ُ
م فَهَ دَى ه ني ب ً ا ْي غ ب ات ني بْ ال م ه ت اء ج ا م د ع ب ن م ه و ت و ين ُأ ذ َّ ال َّ ال ه ي ف ف َ َ ل ت خْ ا ا م و ه ي ف ْ ُوا ختَلَف ا ْ
ََُْ ْ ْ ُ ُ َ ِّ َ ُ َ ُ ُ ِ َْ ِ َ َ ِ َ ِ ِ ِإ َ ِ ِ َ َ
من يَشَ اءُ ِإلى ِ َ ّ
حقِّ بِِإذْنِهِ وَالل ُ ْ ْ َ ْ َّ ّ
س تَقِيم ٍ م ْ ط ُّ ص َرا ٍ ه يَهْدِي َ ن ال َ م َ ختَلفُوا فِيهِ ِ ما ا ْ منُوا ل ِ َ ين آ َ ه الذ ِ َ الل ُ
ات ج ر د
ُ ََ َ َْ َ ُ ْ ََ َ ٍ م ه ض ع ب ع َ ف ر و ه ّ الل مَ َّ لَ ك ن م
َّ م ه ن م
َ ْ ٍ ِّ ْ ُ ض ع ب ى َ َل ع م ه ض
َّ َ َ ْ َ ُ ْ ع ب ا ن ْ ل ض َ ف لُ سُّ ُ الر كَ ْ لِ ت( و }) 213 {
من َّ ما اقْتَت َ َ ّ س وَل وْ ََ ْ َأ ْ
ين ِ ل الذ ِ َ ه َ ش اء الل ُ وح القُد ُ ِ ات وَ يَّدْنَاه ُ ب ِ ُر ِ م البَيِّن َ ِ م ْري َ َ ن َ سى اب ْ َ عي َ وَآتَيْنَا ِ
ش اء من كَف ََر وَل َ وْ َ م ه
َّ ْ َ َ َ ِ ْ ُ َّنم و ن م آ ن م م ه ن
ِ ُْ م َ ف ْ ُوا ف َ لَ ت خ
ْ ا ن َ
بَعْدِهِم ِّ َ ْ ِ َ َ ْ ُ ُ َ ِّ َ ُ َ ِ ِ
ـك ل و ات ن ي ب ْ ال م ه ت اء ج ا م د ع ب ن م
َأ ُ َأ
ل س لك هْ ُ َ ما يُرِيد ُ { ،)}253وقوله في سورة النس اء (ي َ ْ ل َ ه يَفْعَ ُ ن الل ّ َ ما اقْتَتَلُوا ْ وَلَـك ِ َّ ه َ الل ّ ُ
َأ َأ َأ َأ
ك فَقَ الُوا ْ رِنَا الل ّ هِ من ذَل ِ َ سى كْب َ َر ِ مو َ س لُوا ْ ُ ماءِ فَقَد ْ َ س َن ال َّ م َ م كِتَابا ً ِّ ل ع َلَيْهِ ْ اب ن تُن َ ِّز َ الْكِت َ ِ
ات فَعَفَوْنَا عَن ْ ْ ْ ْ ُ َأ
م البَيِّن َ ُ ج اءتْهُ ُ ما َ من بَعْد ِ َ ل ِ ج َ خذ ُوا العِ ْ م ات َّ َ م ث ُ َّ مهِ ْ ة بِظل ِ عقَ ُ صا ِ م ال َّ خذَتْهُ ُ جهْ َرة ً فَ َ َ
مبِينا ً {.)}153 ُّ ً انا َ ط ْ ل سُ ى س و
َ ََْ ُ َ م ا ن ي ت آ و كَ ِ ل ذَ
أما جاءهم البيّنات بالتذكير :فالبيّنات هنا تأتي بمعنى األمر والنهي وحيثما وردت كلمة
البيّنات بهذا المع نى من األمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تع الى في س ورة آل
َأ
م ج اءهُ ُح قٌّ وَ َ
ل َ سو َ الر ُ
ن َّ ش هِدُوا ْ َّم وَ َ م انِهِ ْ ه قَوْما ً كَف َُروا ْ بَعْد َ ِإي َ ف يَهْدِي الل ّ ُ عمران (كَي ْ َ
ين تَف ََّرقُوا ْ وَاخْتَلَفُوا ْ َّ َ ْ ُ َ
ين { )}86و (وَال تَكونُوا كالذ ِ َ م َ َّ
م الظال ِ ِ ْ
ه ال يَهْدِي القَوْ َ َ ات وَالل ّ ُ الْبَيِّن َ ُ
ُأ
لم { )}105وفي س ورة غ افر (قُ ْ َاب عَظِي ٌ م عَذ ٌ ك لَهُ ْ ات وَ وْلَـِئ َ م الْبَيِّن َ ُ جاءهُ ُ ما َ من بَعْد ِ َ ِ
ن َأ ُأ ْ َ َّ َّ َأ َأ
ت ْ م ْر ُ من َّربِّي وَ ِ ات ِ ي البَيِّن َ ُ
ج اءن ِ َ ما َ ون اللهِ ل َّ من د ُ ِ ن ِ ين تَدْع ُو َن عْبُد َ الذ ِ َ يت ْ ِإنِّي نُهِ ُ
ُأ
ين {.)}66 م َب الْعَال َ ِ م ل ِ َر ِّسل ِ َْ
.وقد يكون التأنيث للكثرة والتذكير للقلة كما في قوله تعالى (ق الت األع راب آمن ا)
وقوله تعالى (وقال نس وة في المدين ة) .ونق ول أن ه ذا األمر ج ائز من حيث الج واز
اللغوي وليس في هذا شيء لكن السؤال يبقى لماذا اخت ار تع الى الت ذكير في موضع
والت أنيث في موضع آخ ر؟ ونأخذ قوله تع الى (ج اءكم رس ول) بت ذكير فعل ج اءكم،
وقوله تعالى (جاءت رسل ربن ا) بت أنيث فعل ج اءت .ونالحظ أنه في اآلية األولى ك ان
الكالم عن جميع الرسل في جميع األمم من آدم إلى أن تقوم الساعة وه ذا ي دل على
الك ثرة فج اء بالفعل مؤنّث ا ً للداللة على الك ثرة .أما في اآلية الثانية فالخط اب لب ني
إسرائيل ولزمرة منهم وفي حالة معينة أيضا ً وهذا يدل على القلة فجاء بالفعل مذكّراً.
ة فَ ذ ُوقُوا الْعَ ذ َ
َاب ص دِي َ ً ت ِإاَّل ُ
مك َ اءً وَت َ ْ عنْد َ الْبَي ْ ِ
م ِصاَل تُهُ ْ ما كَا َ
ن َ مثال آخر قوله تعالى (وَ َ
ن ( )35األنف ال) والمك اء والتص دية هما التص فيق والص فير وكالهما م تَك ْ ُ
فُرو َ ما كُنْت ُ ْ
بِ َ
ً
مذكر وجاء الفعل مع كلمة الصالة م ذكرا ألن الم راد بالص الة هنا التص فيق والص فير ّ
وكالهما مذكر .والصالة عندهم كانت تفيد الطواف والطواف مذكّر أيضا ً (صالتهم كانوا
يطوفون وحول الكعبة ويصفقون ويص فرون) .إذن الط واف والتص فيق والص فير كلّها
مذكّر فجاء الفعل مع كلمة الصالة المقصود بمعناها المذكر جاء مذكراً.
قال تعالى (يا نساءَ النبي م ْأ
ن
ض عْفَي ْ َِاب ِ ف لَهَا الْعَ ذ ُض اع َ ْ حشَ ةٍ ُ
مبَيِّنَةٍ ي ُ َ ن بِفَا ِمنْك ُ َّت ِن يَ ِ
َّ ِ ِّ َ ْ َ ِ َ
حا نُْؤتِهَاص ال ِ ً م ْ
ل َ س ولِهِ وَتَعْ َ َّ
ن لِلهِ وَ َر ُ ُ
منْك َّ
ت ِ ن يَقْن ُ ْ م ْيرا ( )30وَ َس ً ك ع َلَى اللهِ ي َ ِ
َّ وَك َ ا َ
ن ذَل ِ َ
َأ َأ
ما ( )31األحزاب) هذه اآلية ليست من ب اب الت ذكير ن وَ عْتَدْنَا لَهَا رِ ْزقًا كَرِي ً
م َّرتَي ْ ِ
ج َرهَا َ
ْ
والتأنيث أصال ً وتذكير الفعل والفاعل وإنما هي من باب استعمال (من) .والس ؤال هو
لماذا استعمل (من) في اآلية؟ من أصال ً في اللغة تستعمل للمذكر والم ؤنث والمف رد
والمثنى والجمع وطبيعة األك ثر في كالم الع رب والق رآن أنه ح تى لو ك ان الخط اب
لإلن اث أو الجمع ي أتي أول م رة بـ (من) بص يغة المف رد الم ذكر ثم يعقبه ما يوضح
المعنى .ومهما كانت حالة من سواء أكانت إسما ً موصوال ً أو نكرة تامة بمعنى ش خص
أو ذات أو كانت اسم شرط ،يؤتى بها بصيغة المف رد الم ذكر أول م رة ثم يُع اد عليها
بمعناها في المرة الثانية كقوله تع الى (ومن الن اس من يق ول آمنا بالله والي وم اآلخر
وما هم بؤم نين) وه ذا هو خط الق رآن وهو األك ثر في كالم الع رب وه ذا هو األص ل.
وكقوله تع الى (ومنهم من يق ول ائ ذن لي ).واآلية موضع الس ؤال (من ي أت منكن)
تدخل في هذه القاعدة جاء بـ (من) بما يدل على اإلفراد والتذكير ثم جاء فيما بعد بما
يدل على المعنى .وإذا خرج عن هذا األمر كما في قوله تع الى (ومنهم من ينظر إليك
ومنهم من يستمعون إلي ك) ج اء في األولى ب اإلفراد والثانية جمع لم اذا؟ نس أل أيهما
أكثر الذين ينظرون إلى الشخص أم الذين يستمعون إلي ه؟ الج واب ال ذين يس تمعون
وله ذا عبّر عنهم ب الجمع ألنهم أك ثر .وله ذا عن دما يخ الف القاع دة فإنه يخ الف بما
يقتضيه السياق والمعنى.
يل اللَّهِ س بِ ِ ل فِي َ ة تُقَات ِ ُ ن الْتَقَتَا فَِئ ٌ ة فِي فَِئتَي ْ ِ م َآي َ ٌن لَك ُ ْ مث ال آخر قوله تع الى (قَ د ْ ك َ ا َ
ك لَعِب ْ َرة ً وُأخْرى كَافرة ٌ يرونهم مثْلَيه ْأ
ن فِي ذَل ِ َ ن يَشَ اءُ ِإ َّ م ْ صْأرِهِ َ ن وَالل َّ ُ
ه يَُؤيِّد ُ بِن َ ْ ْ
م َر يَ العَي ْ ِ ِ َ ََ َُْ ْ ِ ِْ ْ َ َ
م ِإاَّل ن َآي َ ِ ن َآي َ ةٍ ِ َأْل ُأِل
ات َربِّهِ ْ م ْ م ْ م ِ ما ت َ تِيهِ ْ صارِ ( )13آل عمران) وفي آية أخرى (وَ َ ولِي ا ب ْ َ
َآ
حتَّى ن َ م َ ة قَ الُوا ل َ ْ
ن ن ُْؤ ِ م يَ ٌ ج اءَتْهُ ْ ين ( )4األنعام) وقوله تع الى (وَِإذ َا َ ض َ معْرِ ِ كَانُوا عَنْهَا ُ
َأ َّ َ جع َ ُ َ َأ َّ َّ س ُ ُأ مث ْ َ
ج َرمُوا ين ْ يب الذ ِ َ ص ُ سي ُ ِه َ س الت َ ُ ل رِ َ ث يَ ْ حي ْ ُ م َ ه ع ْل ُ ل اللهِ الل ُ ي ُر ُما وت ِ َ ل َ نُْؤتَى ِ
ن ( )124األنع ام) نق ول أنه من حيث و ُر
ُ َ ْ ُ َ ك م ي وا نا َ ك ا م ب د
ِ ٌ ِ َ يد شَ َاب
ٌ ذ َ ع و
ِ َ هَّ الل َار ْ َ
د ن ع
ِ صغ ٌ
َ
الحكم النحوي يجوز تذكير وتأنيث الفعل لكن يبقى السر البياني لهذا التذكير والتأنيث.
ونقول أنه عندما تكون كلمة آية بمع نى ال دليل والبره ان تك ون بمع نى م ذكّر في أتي
الفعل بالتذكير وإذا كانت كلمة اآلية بمعنى اآلية القرآنية أنّث الفعل (وإذا جاءتهم آية).
م مثال آخر قوله تعالى في سورة الممتحنة (قَد ك َ انت لَك ُ ُأ
ة فِي ِإب ْ َراهِي َ س نَ ٌح َ س وَة ٌ َ م ْ ْ َ ْ ْ
م وَب َ دَا ون اللَّهِ كَف َْرنَا بِك ُْ ما َ ْ ُ َ ِ ْ ُ ِ
د ن م ن و د بُ ع ت م َّ م وَ ِ م ِإنَّا ب ُ َرَآءُ ِ
منْك ُ ْ مهِ ْ ه ِإذ ْ قَالُوا لِقَوْ ِ مع َ ُ ين َ وَالَّذ ِ َ
َأِل اَّل
ح دَه ُ ِإ قَ وْ َ َّ َأ ْ ْ ُ
م بِي هِ ل ِإب ْ َراهِي َ منُوا بِاللهِ وَ ْ حتَّى تُْؤ ِ ْض اءُ ب َ دًا َ م العَ دَاوَة ُ وَالبَغ َ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ُ
ك ك َأنَبْنَا وَِإلَي ْ َ ك تَوَكَّلْنَا وَِإلَي ْ َ يءٍ َربَّنَا ع َلَي ْ َ ْ شَ ن
ِ ِ ْ م ه َّ الل نِ َم ك َ َ ل كُ ِ ل م ك وما َأ
َ َ ْ َ َ ل نف َر َّ س تَغْ ِْ
َأَل
ُأ
جو الل َّ َ
ه ن ي َ ْر ُ ن كَ ا َ م ْ
ة لِ َ
سن َ ٌ ح َ سوَة ٌ َ م ْ م فِيهِ ْ ن لَك ُ ْ ير ( ))4وفي نفس السورة (لَقَد ْ كَا َ ص ُ م ِ ال ْ َ
ميد ُ ( ))6وفي سورة األحزاب (لَقَد ْ كَا َ ي ال ْ َ َآْل
ن ح ِ ه هُوَ الْغَن ِ ُّ ن الل َّ َ ل فَِإ َّ ن يَتَوَ َّ م ْ
خ َر وَ َ ما ِ وَالْيَوْ َ
َّ َآْل ْ َّ ُأ َّ
يرا ( ه كث ِ ًَ َ
خ َر وَذ َك َر الل َ ما ِ ه وَالي َ وْ َ جو الل َ ن ي َ ْر ُ ن كا َ َ م ْة لِ َ
سن َ ٌ ح َسوَة ٌ َ ول اللهِ ْ س ِ م فِي َر ُ لَك ُ ْ
))21ونق ول أنه من الناحية النحوية إذا ك ثرت الفواصل فالت ذكير أفضل .في اآلية
وة (لكم ) أما في اآلية الثانية فالفاصل (لكم األولى الفاصل بين الفعل وكلمة أس
فيهم) وفي الثالثة (لكم في رس ول الل ه) فعن دما تك ون الفاص لة أك ثر يقتضي
م من الت أنيث كما ج اء التذكير.وهناك أمر آخر وهو أن التذكير في العبادات أفضل وأه ّ
في م ريم (وك انت من الق انتين) ألن ال ذين كمل وا في الت ذكير أك ثر .وك ذلك عن دما
يتح دث عن عب ادة المالئكة ي ذكّر .أي العب ادات أك ثر في ه ذه اآلي ات؟ في األولى
األسوة كانت في القول في أمر واحد إال (إال قول ابراهيم) جادله قومه واإلس تثناء هو
قول ابراهيم ،أما في الثانية (فيكم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم اآلخر) هذه
م ولذلك أكّدها بالالم (لقد كان لكم) وجاء بأمرين بتذكير العبادة كما جاء عامة وهي أه ّ
بالالم في جواب القسم المقدّر وكذلك في آية سورة األحزاب اآلية عامة ولم يخصص
بشيء وله ذا ذكّر وخصص ب الالم الواقعة في ج واب القس م ،أما في األولى فج اء بـ
م وأوسع من األولى ذكّر وج اء(قد) وأنّث الفعل .فعندما اتس عت العب ادة وص ارت أع ّ
بالالم وهذا هو األمر البياني باإلضافة إلى األمر النحوي الذي تحدثنا عنه.
التذكير مرة والتأنيث مرة مع المالئكة في القرآن الكريم :قال تعالى في سورة ص
ة كُلُّه َأ ماَل ِئك َ ُ
ن { )}73وج اءت المالئكة هنا بالت ذكير ،وفي س ورة آل معُو َج َ
م ْ ُ ْ جد َ ال ْ َس َ(فَ َ
ص دِّقا ً َ ّ َأ ْ ِّ َ ْ
م َ
حيَـى ُه يُبَشِّ ُرك بِي َ ْ ن الل َ
اب َّ ح َر ِم ْ صلي فِي ال ِ م يُ َ ة وَهُوَ قَاِئ ٌ مآلِئك ُ عمران (فَنَادَتْهُ ال َ
ين { )}39جاءت المالئكة بالتأنيث. َ ح
ِ ِ لا ص
َّ ال ن م ً ا
َ َ ِ ّ ِّ َيبن و ً ورا ص ح
َ َ ُ و ً دا ن اللّهِ وَ َ ِّ
يس م َ بِكَل ِ َ
مةٍ ِّ
ّ
الحكم النح وي :يمكن أن ي ؤنّث الفعل أو يُذكر إذا ك ان الجمع جمع تكس ير كما في قوله
تعالى (قالت األعراب آمنا) و(قالت نسوة في المدين ة) فيج وز الت ذكير والت أنيث من حيث
الحكم النحوي.
اللمسة البيانية :أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو
ألن في اآلي ات خط وط تعبيرية هي ال تي تح دد ت أنيث وت ذكير الفعل مع المالئك ة .وه ذه
الخطوط هي:
في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى المالئكة يكون بالتذكير (اس جدوا،
أنبئوني ،فقعوا له ساجدين)
ً
كل فعل يقع بعد ذكر المالئكة يأتي بالتذكير أيضا كما في قوله تع الى (والمالئكة
يدخلون عليهم من كل باب) و(المالئكة يشهدون) (المالئكة يسبحون بحمد ربهم)
المقرب ون) (المالئكة باس طوا ّ كل وصف إسمي للمالئكة يأتي بالت ذكير (المالئكة
أيديهم) (مسوّمين ،مردفين ،منزلين)
كل فعل عبادة يأتي بالت ذكير (فس جد المالئكة كلهم أجمعين) (ال يعص ون الله ما
أمرهم) ألن المذكر في العب ادة أكمل من عب ادة األن ثى ول ذلك ج اء الرسل كلهم
رجاالً.
شدّة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشد ّ من اآلخر فاألش د ّ ي أتي كل أمر فيه ِ
بالتذكير (ولو ت رى إذا يت وفى ال ذين كف روا المالئكة يض ربون وج وههم وأدب ارهم
وذوقوا عذاب الحريق) (يتوفى) ج اءت بالت ذكير ألن الع ذاب أشد (وذوق وا ع ذاب
الحري ق) أما في قوله تع الى (فكيف إذا ت وفتهم المالئكة يض ربون وج وههم
ف من اآلية الس ابقة .وك ذلك وأدبارهم) (تتوفاهم) جاءت بالتأنيث ألن الع ذاب أخ ّ
في قوله تع الى (ون ّزل المالئكة ت نزيال) بالت ذكير وقوله تع الى (تت ن ّزل عليهم
المالئكة) بالتأنيث وقوله (تنزل المالئكة والروح فيها من كل أمر) بالتأنيث.
لم تأت بشرى بصيغة الت ذكير أب دا ً في الق رآن الك ريم فكل بش ارة في الق رآن
الكريم تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى (فنادته المالئكة) و(قالت المالئكة)
قال تع الى (إذا ج اءكم المؤمن ات) ه ذه تن درج أيض ا ً في س ياق الك ثرة والقلة وفي
سياق زيادة الفواصل أيضاً.
بُثّت الحلقة بتاريخ /17/5/2004وأضفت إليها ما جاء في الحلقات السابقة من أمثلة حول
الموضوع نفسه.