You are on page 1of 290

‫تصدير النحاس إلى بالد الرافدين ووادي األندوس (‪ ٣٠٠٠‬سنة قبل امليالد)‬

‫مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬


‫سلطنة ُعمان (‪)2020‬‬
‫"لقــد أســهمت ُعمــان علــى امتــداد تاريخهــا الطويــل‬
‫يف صنــع احلضــارة اإلنســانية‪ ،‬وكان ألبناءهــا جهــد‬
‫غيــر منكــور يف خدمــة هــذه احلضــارة‪ ،‬فاملوقــع املتميــز‬
‫لهــذا البلــد الطيــب والــروح النضاليــة التــي حملــت‬
‫العمانيــن إلــى أقاصــي األرض يجوبــون البحــار‬ ‫ُ‬
‫وميتطــون األخطــار‪ ،‬فيلمســون بأيديهــم ويشــاهدون‬
‫بأعينهــم ويخالطــون بقلوبهــم وعقولهــم صنوف ـ ًا مــن‬
‫احلضــارات وضروب ـ ًا مــن الثقافــات وأشــكا ًال متباينــة‬
‫مــن التقاليــد والعــادات‪ ...‬كل ذلــك كان لــه وال شــك أثــر ًا‬
‫بــارز ًا يف البنــاء احلضــاري الــذي شــاده األبــاء واألجــداد‬
‫وصاغتــه األجيــال املتعاقبــة تراث ـ ًا حي ـ ًا خالــد ًا يجســد‬
‫مالمــح التاريــخ ومالحمــه‪ ،‬ويع ّبــر بصــدق عــن التــراث‬
‫العمانيــة الضاربــة يف أعمــاق الزمــن"‪.‬‬ ‫البــاذخ للتجربــة ُ‬

‫من خطاب جاللة السلطان قابوس بن سعيد‬


‫يف ‪ 18‬نوفمبر ‪1994‬م‬
‫املعظم حفظه اهلل ورعاه‬
‫حضرة صاحب اجلاللة السلطان قابوس بن سعيد ّ‬
‫اجلزء الثاني‬

‫ُعمان خالل الفترة‬


‫(‪ 1300 - 3000‬سنة قبل امليالد)‬
‫الناشر‬
‫مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬
‫سلطنة ُعمان ‪٢٠20( -‬م)‬

‫صندوق البريد‪ ،129 :‬ميناء الفحل‪ ،‬الرمز البريدي‪116 :‬‬


‫هاتف‪ )+968( 24955500 :‬فاكس‪)+968( 2495٥588 :‬‬
‫البريد اإللكتروني‪culture@omantel.net.om :‬‬
‫املوقع اإللكتروني‪www.omanwhs.gov.om :‬‬
‫رقم اإليداع الدولي‪978-99969-3-121-5 :‬‬

‫جميع احلقوق محفوظة للناشر وال يجوز طبع هذا الكتاب أو أي جزء منه أو تصويره‬
‫أو نسخه بأي وسيلة كانت دون احلصول على إذن خطي مسبق‬

‫الطباعة‪ :‬مزون للطباعة والنشر واإلعالن (ش‪.‬م‪.‬م)‪ ،‬سلطنة ُعمان‬


‫اإلشراف العام‬
‫الرواس‬
‫عبدالعزيز بن محمد ّ‬
‫مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬
‫البحث العلمي‬
‫الدكتور ‪ /‬سعيد بن ناصر بن علي الساملي‬
‫مدير عام مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬
‫حسن بن عبداهلل بن جابر اجلابري‬
‫مدير إدارة املواقع األثرية مبكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬
‫معطي بن سالم بن سعيد املعطي‬
‫تخصصي بحوث ودراسات مبكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬
‫إبتسام بنت سلطان بن راشد الزيدية‬
‫أمينة مكتبة مبكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬
‫الدكتورة ‪ /‬أسمهان سعيد اجلرو‬
‫دراسة النقوش والكتابات القدمية‬
‫املراجعة‬
‫خليفة بن منصور الشامسي ‪ -‬أحمد بن حسني الفارسي ‪ -‬أسماء بنت باقر املوسوية‬
‫مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‬
‫املراجعة النهائية‬
‫الشيخ ‪ /‬محمود بن زاهر بن غصن الهنائي‬
‫مستشار وزير التراث والثقافة للشؤون الفنية‬
‫تصميم وإخراج‬
‫ربيع أندراوس‬
‫الفهرس‬

‫املقدمــة ‪١٣ .................................................................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ُ :‬عمان ونظامها السياسي خالل فترة العصر البرونزي ‪١٩ .................‬‬

‫أو ً‬
‫ال ‪ :‬إسم مجان ‪٢٢ ................................................................................................‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬مالمح النظام السياسي يف مجان ‪٢٥ ...........................................................‬‬

‫ثالثـاً‪ :‬مملكــة مجــان وعالقاتهــا مــع حضــارات العالــم القــدمي ‪٢٦ .....................‬‬

‫رابعـاً‪ :‬النظــام السياســي التحالفــي والتجانــس احلضــاري ‪٥٤ ..........................‬‬

‫خامساً‪ :‬التحول اجلديد ‪ُ -‬عمان يف فترة األلف الثاني قبل امليالد ‪٥٨ ...................‬‬
‫(‪ 1300- 2000‬سنة قبل امليالد)‬

‫الفصــل الثانــي ‪ :‬مســتوطنات العصــر البرونــزي ‪61 ................................................‬‬


‫(‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬ ‫ ‬

‫أوالً‪ :‬العوامــل اجلغرافيــة والبشــرية وأثرهــا علــى التمركــز الســكاني ‪63 ...........‬‬

‫ثانياً‪ :‬التمركز الســكاني يف شــمال ُعمان ‪65 ......................................................‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مناذج من املواقع األثرية يف ُعمان التاريخية ‪١٠٢ ..................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬احلياة اإلجتماعية ‪١٠٥ ................................................................‬‬


‫أوالً‪ :‬فئات املجتمع ‪١٠٧ ......................................................................................‬‬

‫ثانيـاً‪ :‬العمــارة ‪١١٦ ...............................................................................................‬‬

‫العمانــي خــال العصــر البرونزي ‪١٣٠ ...........‬‬


‫ثالثـاً‪ :‬الســمة العامــة للمجتمــع ُ‬

‫الفصــل الرابــع‪ :‬احليــاة اإلقتصاديــة ‪١٣٥ .................................................................‬‬

‫أوالً‪ :‬الزراعة ومنشآت الري ‪١٣٦ .........................................................................‬‬

‫ثانيـاً‪ :‬التجــارة واملالحــة يف العصــر البرونــزي ‪١٥٨ .............................................‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الصناعة واحلرف املنزلية ‪١٩٦ ................................................................‬‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬احلياة الفكرية ‪٢٤٥ ...................................................................‬‬

‫أوالً‪ :‬املعتقدات الدينية ‪٢٤٦ ................................................................................‬‬

‫ثانياً‪ :‬اإلميان باحلياة الثانية ‪٢٥٠ ....................................................................‬‬

‫ثالثاً‪ :‬فن النحت على الصخر ‪٢٦٠ ...................................................................‬‬

‫اخلامتة ‪٢٦٧ ..............................................................................................................‬‬

‫املراجع ‪٢٦٩ ................................................................................................................‬‬


‫املقدمة‬
‫تشير الدالئل األثرية إلى أن إكتشاف وأستخدام خام النحاس بدأ منذ العصر‬
‫العمانيني قد‬
‫احلجري احلديث يف األلف السابع والسادس قبل امليالد‪ ،‬وأن ُ‬
‫عرفوا هذا املعدن واستخدموه منذ تلك الفترة مع مثيالتها من البالد األخرى‬
‫كمصر وبالد الرافدين ووادي األندوس وأرض البلقان والشرق األدنى‪ ،‬فالعصر‬
‫املعدني هو فترة من فترات تطور احلضارات البشرية التي بدأ معها إكتشاف‬
‫وإستخدام األدوات املعدنية إلى جانب األدوات احلجرية‪ ،‬وهي فترة إنتقالية تقع‬
‫بني العصر احلجري احلديث والعصر البرونزي‪ ،‬ويبدو أن محاوالت صناعة‬
‫سبائك من النحاس والقصدير مع بداية األلف الثالث قبل امليالد بدأت بسرعة‬
‫فغلبت عليه تسمية العصر البرونزي‪.‬‬

‫تفسر لنا طبوغرافية سلسلة جبال ُعمان على إمتداد جبال احلجر من شرقها‬
‫العماني يف فترة مبكرة من‬‫إلى غربها ومكوناتها اجليولوجية كيف أن اإلنسان ُ‬
‫العصر احلجري احلديث قد قام بإستغالل املوارد املائية املتوفرة‪ ،‬واعتمد عليها‬
‫إلقامة املستوطنات البشرية‪ ،‬ومن ثم منّا مهاراته املعرفية يف تطويرها‪ ،‬وباشر‬
‫تعرف على تقنيات صهره‪ ،‬ومبرور الزمن‬ ‫إستخراج النحاس وإنتاجه بعد أن ّ‬
‫أصبح اإلنتاج يزيد عن اإلحتياجات احمللية‪ ،‬وقد أدى إنتاج النحاس بكميات‬
‫وفيرة للتفكير يف استخدامه إقتصادياً من قبيل صناعة سفن مالحية تستطيع‬
‫أن تبحر إلى مسافات طويلة لتصدير النحاس وأحجار اجلابرو والديورايت إلى‬
‫احلضارات الناشئة يف العالم القدمي كبالد الرافدين ووادي األندوس‪ ،‬وقد أدى‬
‫ذلك إلى ازدهار هذه املستوطنات البشرية ومنو ثرواتها وقيام كيان إداري‪ ،‬بلغت‬
‫ذروتها يف إنتاج واستخراج النحاس بشكل جتاري يف فترة العصر البرونزي‬
‫(األلف الثالث قبل امليالد)‪.‬‬

‫يسر بسمد الشأن‬ ‫ُعثر على أربعة أزاميل نحاسية مدببة‪ ،‬يف مستوطنة امل ُ ّ‬
‫يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬حيث مت تعدين خام النحاس بتفتيته‬

‫‪13‬‬
‫بعد إستخراجه من املناجم‪ ،‬وذلك بإستخدام احلجارة البازلتية‪ ،‬ثم تخلط مع‬
‫الفحم النباتي لتعظيم درجة احلرارة‪ ،‬وتصهر يف أفران طينية‪ ،‬حيث يُحمى‬
‫عليها مبنفاخ ضخم‪ ،‬فينصهر اخلام حتت درجة حرارة عالية تبلغ ‪ 1150‬درجة‬
‫مئوية‪ ،‬ويعمل الفحم النباتي يف هذه املرحلة على حتويل اخلام إلى نحاس‪،‬‬
‫ويصب النحاس املصهور يف حفر مسطحة بالرمل لتبريده‪ ،‬حيث تتكون السبائك‬
‫النحاسية على شكل أقراص دائرية‪.‬‬

‫أرشــدت نفايات النحاس «اخلبث» يف ُعمان إلى الكشف عن ‪ 150‬موقعاً‬


‫ُيسر ووادي اجلزي واخلشبة من أغنى مواقع التعدين‬ ‫لصهر النحاس‪ ،‬وتعد امل ّ‬
‫وأهــم مراكز إنتاج النحاس يف ُعمان خالل فترة األلــف الثالث قبل امليالد‪،‬‬
‫الحتوائها على مناجم كثيرة‪ ،‬ويوجد نوعان من أشكال أفران صهر النحاس‪،‬‬
‫ُيسر‪ ،‬وأخرى دائرية الشكل كما يف وادي اجلزي‪،‬‬ ‫منها كمثرية الشكل كما يف امل ّ‬
‫وقد كشفت الدراسات األثرية على املعادن وسبائك النحاس عن تقنيات صهر‬
‫متطورة قادرة على إنتاج سبائك نحاس تبلغ نقاوتها ‪.٪99‬‬

‫تؤكد النصوص املسمارية أن ُعمان (مجان) هي مصدر إنتاج النحاس‪ ،‬وأن‬


‫ملوك أور السومريون يف بالد الرافدين كانوا التجار الرئيسيني املستوردين‬
‫للنحاس من ُعمان‪ ،‬ورد ذلك يف أقدم األلواح السومرية املكتوبة منذ (‪٢400‬‬
‫سنة قبل امليالد)‪ ،‬وقد اعتمد إقتصاد بالد الرافدين خالل فترة األلف الثالث‬
‫قبل امليالد بصفة خاصة على النحاس املستورد من ُعمان (مجان)‪ ،‬إذ تشير‬
‫تلك النصوص إلى أن سفن مجان كانت ترسو يف مدينة «أور» يف بالد الرافدين‬
‫وهي محملة باملنتجات الرئيسية من ُعمان (مجان)‪ ،‬كالنحاس وأحجار اجلابرو‬
‫والــدويــرايــت‪ ،‬فتتم مقايضتها بالفضة‪ ،‬والــزيــوت‪ ،‬واحلــبــوب‪ ،‬واملنسوجات‪،‬‬
‫واملصنوعات اجللدية‪ ،‬ونظراً إلزدهــار جتــارة النحاس يف ُعمان خالل فترة‬
‫العصر البرونزي فقد توسعت صالتها التجارية مع حضارات العالم القدمي‪،‬‬
‫وانعكس ذلك على تطور بنية املجتمع يف ُعمان‪ ،‬وبــرزت الصناعات اليدوية‬
‫وتطورت نُظم الري‪ ،‬وانتشرت الواحات واملستوطنات البشرية وبرزت العمارة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫املقدمة‬

‫ونظراً ألهمية ُعمان (مجان) يف التجارة واملالحة البحرية يف ذلك العصر‬


‫إرتبطت مجان بعالقات جتارية وفقاً ملا ورد يف وثائق ملوك بالد الرافدين‪،‬‬
‫منذ وقت مبكر من العصر األكادي‪ ،‬ويف األلفية الثالثة قبل امليالد وقّعت امللكة‬
‫شمسه ملكة ُعمان إتفاقية مع امللك سرجون األكادي سنة ‪ 2334‬قبل امليالد‪،‬‬
‫وقد تفاخر امللك سرجون األكادي يف إحدى نصوصه الشهيرة بالسفن القادمة‬
‫من ُعمان (مجان) وبسلعها التي ُتلَب إلى بالد الرافدين‪ ،‬وذكر امللك شوسني‬
‫عام (‪ 2037‬قبل امليالد) أحد ملوك ساللة أور أن مجان مع مقاطعاتها تقع على‬
‫اجلانب اآلخر من البحر أي اخلليج‪ ،‬ويف األدب السومري يف ملحمة جلجامش‬
‫وأرض األحياء‪ ،‬حتدث عن طبيعة أرض مجان بأنها أرض بحرية عرفتها بالد‬
‫الرافدين من سفنها الضخمة التي جتوب املوانئ السومرية املختلفة‪ ،‬وأطلق امللك‬
‫السومري أبي سني عام (‪ 2027‬قبل امليالد) بحر مجان على اخلليج كله‪ ،‬كما‬
‫سموها أرض اجلبال‪.‬‬

‫ظهرت أطماع عديدة من ملوك بــاد الرافدين نحو مجان منهم امللك‬
‫مانشتوسو عام (‪ 2306‬قبل امليالد)‪ ،‬حينما أقدم على إرسال حملة عسكرية‬
‫إلى مجان وجلب األحجار السوداء منها وصنع منها أربعة متاثيل له ومسلته‬
‫الشهيرة‪ ،‬كما قام امللك األكــادي نارام سني (‪ 2219-2273‬سنة قبل امليالد)‬
‫بحملة عسكرية على مجان وجلب األحجار السوداء الديورايت منها وصنع‬
‫متثاالً له‪ ،‬وتُوثق لوحة فخارية أول معركة حربية بحرية شارك فيها نارام سني‬
‫عام (‪ 2200‬قبل امليالد) ووقعت يف بحر مجان أي اخلليج‪ ،‬يف وقت عانت‬
‫مملكته من بعض املشاكل يف مقايضة بضائعهم مع النحاس وصخور اجلابرو‬
‫من مجان‪ ،‬لذا قرر أن يحكم قبضته على هذه املوارد اإلستراتيجية‪ ،‬كما ذكر‬
‫أنه قبض على مانو دانو أو ماري‪-‬دان ملك مجان‪ ،‬كما تظهر نقوش امللك جوديا‬
‫ملك جلش عام (‪ 2144‬قبل امليالد) أنه جلب من مجان سلعاً كثيرة منها أحجار‬
‫الديورايت وصنع منها متاثيل له‪ ،‬وتذكر نقوش امللك أور ‪ -‬منو عام (‪ 2112‬قبل‬
‫امليالد) مؤسس ساللة أور الثالثة أنه أعاد جتارة مجان وسفن مجان إلى مدينة‬
‫أور إلى أيدي اإلله ننا‪ ،‬وذكر إبنه امللك شولكي عام (‪ 2094‬قبل امليالد) أنه كان‬

‫‪15‬‬
‫على صلة مبلك مجان وأنه تلقى ذهباً من (لوجال مجان) أي ملك مجان‪ ،‬كما‬
‫توجد الكثير من النصوص تتحدث عن امللوك والتجارة والسلع من مجان‪ ،‬ومن‬
‫خالل هذه الوثائق والنصوص تتضح العالقة بني ملوك بالد الرافدين و ُعمان‬
‫(مجان) والتي اتسمت بطابع جتاري وإقتصادي تارة وبطابع تنافسي عسكري‬
‫تارة أخــرى‪ ،‬كما تظهر األلقاب امللكية حلكام مجان مثل (لوجال) أي ملك‪،‬‬
‫و(إين) أي سيد و(إنسي) أي احلاكم‪.‬‬

‫خــال فترة العصر الــبــرونــزي سجلت املــصــادر التاريخية طلباً مــن بالد‬
‫احلضارات القدمية يف مصر الفرعونية وبالد الرافدين ووادي األندوس (وادي‬
‫السند) عن رغبتهم يف احلصول على اللبان ملا له من أهمية لدى تلك احلضارات‬
‫سير الفراعنة العديد‬
‫يف اإلستخدامات الطقوسية والعالجية والتحنيط‪ ،‬لذلك ّ‬
‫من الرحالت إلى أرض اللبان للحصول على اللبان املق ّدس‪ ،‬ويف العصر البرونزي‬
‫املبكر أشارت كتابات ملوك بالد الرافدين التي تعود إلى مطلع األلف الثالث‬
‫قبل امليالد (‪ 2600-2900‬سنة قبل امليالد) إلى سلعة البخور واللبان التي أطلق‬
‫عليها السومريون إسم (شيم جيج)‪ ،1‬وتشير إلى إرتباط إستخدام اللبان والبخور‬
‫بالكهنة وامللوك يف حضارة بالد الرافدين‪ ،‬كما تذكر العديد من النصوص األكادية‬
‫العقود التجارية يف العصر البرونزي التي تتضمن البخور واللبان ضمن بضائعها‪.‬‬

‫تعتبر الرحالت الفرعونية إلى أرض اللبان‪ ،‬أو (أرض اآللهة) كما أطلق عليها‬
‫الفراعنة املصريون‪ ،‬مبثابة جزء من الطقوس الفرعونية الثابتة‪ ،‬ولكونها رحالت‬
‫سير أحد أبناء الفرعون خوفو يف عهد األسرة الفرعونية‬ ‫مقدسة لديهم فقد ّ‬
‫الرابعة (‪ 2750-2900‬سنة قبل امليالد) رحل ًة إلى أرض اللبان جللب اللبان‬
‫املقدس‪ ،‬تلتها رحلة املستشار الفرعوني بي بي نخت (‪ 2475-2625‬سنة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬وقام كبير الوزراء الفرعوني حنو يف عهد األسرة الفرعونية احلادية‬
‫عشر (‪ 1787-2160‬سنة قبل امليالد) برحلة أخرى إلى أرض اللبان‪ ،‬كما تشير‬
‫النقوش واجلداريات املصورة املوجودة يف معبد الدير البحري يف مصر القدمية‬

‫‪ - 1‬زارنس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬ص‪.٦٩ .‬‬

‫‪16‬‬
‫املقدمة‬

‫سيرت‬
‫إلى حملة امللكة الفرعونية حتشبسوت (‪ 1500‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬فقد ّ‬
‫حملة مكونة من خمس سفن إلى أرض اللبان‪ ،‬وقامت بحمل عدد من أشجار‬
‫اللبان وكميات كبيرة من اللبان إلى مصر‪ ،‬وقد وثّقت النصوص الفرعونية ما‬
‫قامت به امللكة حتشبسوت بعد حصولها على اللبان املقدس‪ ،‬وإكتسابها الصفة‬
‫الرسمية كملكة فرعونية إعتلت عرش مصر بعد إستخدامها للّبان املقدس من‬
‫أرض اآللهة وفق اإلعتقادات الفرعونية‪.‬‬

‫دلّلت اإلكتشافات األثرية يف منطقة سمهرم التي لعبت دوراً هاماً يف جتارة‬
‫اللبان منذ فترة العصر البرونزي‪ ،‬ويف مواقع أخرى من ظفار (أرض اللبان)‬
‫أن املستوطنات قد باشرت جتارة اللبان كثروة طبيعية أساسية موجودة لديهم‪،‬‬
‫وكان البحر هو وسيلتهم الوحيدة إلزدهار هذه التجارة عبر طريق بحري نشط‬
‫للبخور واللبان من أرض اللبان يف جنوب ُعمان إلى شمالها‪ ،‬حيث ُعثر على‬
‫موقد للبخور يف املجمع الشمالي مبوقع رأس اجلنز ومبخرة تعود إلى فترة‬
‫العصر البرونزي (‪ 2200‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬ومن هناك تصل هذه التجارة‬
‫إلى بالد الرافدين ووادي السند مع النحاس وسلع ُعمانية أخرى عبر خطوط‬
‫العمانية املعروفة يف العالم القدمي‪.‬‬
‫املالحة البحرية ُ‬
‫متيزت فترة العصر البرونزي بنشاط ُعمان التجاري واحلضاري من خالل‬
‫املقايضة التجارية التي أدت إلى منو إقتصادي وإجتماعي وسياسي منذ نهاية‬
‫األلفية الرابعة قبل امليالد‪ ،‬وكان إلستخراج النحاس صهراً وتصديراً دور كبير‬
‫تطور نظام الري وحفر األفالج‪،‬‬‫ّ‬ ‫يف حتقيقها‪ ،‬باإلضافة إلى جتارة اللبان‪ ،‬كما‬
‫وتطورت السمات احلضارية‬ ‫ّ‬ ‫ونتج عنه حتسني املنتج الزراعي ك ّماً ونوعاً‪،‬‬
‫واملعرفية مع الرخاء اإلقتصادي كالهندسة املعمارية وإنتاج الفخار ذي اجلودة‬
‫العالية على نطاق واسع‪ ،‬وبروز الصناعات احلرفية من احلجارة والنحاس‬
‫والبرونز‪ ،‬واملهارة يف صناعة السفن واملالحة البحرية‪ ،‬فأصبحت صالت ُعمان‬
‫التجارية يف ذلك العصر مزدهرة مع أهم حضارات العالم القدمي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي‬

‫خالل فترة العصر البرونزي‬


‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫أو ًال‪:‬‬
‫إسم مجان‬

‫ثانياً‪:‬‬
‫مالمح النظام السياسي يف مجان‬

‫ثالثاً‪:‬‬
‫مملكة مجان وعالقاتها مع حضارات العالم القدمي‬

‫رابعاً‪:‬‬
‫النظام السياسي التحالفي والتجانس احلضاري‬

‫خامساً‪:‬‬
‫التحول اجلديد ‪ُ -‬عمان يف فترة األلف الثاني قبل امليالد‬
‫(‪ 1300 - 2000‬سنة قبل امليالد)‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬إسم مجان‬

‫مجان‪ ،‬أقدم إسم عرفت به ُعمان التاريخية منذ خمسة آالف سنة‪ ،‬تردد‬
‫ذكره يف الكتابات املسمارية كثيراً منذ األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬إسم مجان‬
‫مركب من كلمتني‪( :‬ما) وتعني سفينة‪ ،‬و(جان) ويعني هيكل‪ ،‬أي هيكل السفينة‪،‬‬
‫فاإلسم له عالقة بالسفن‪ ،‬فقد عرفت مجان بصناعتها للسفن منذ العصر‬
‫تورد‬
‫البرونزي املبكر ‪ .‬منذ ذلك احلني إرتبط إقليم مجان بسلع خاصة كانت ّ‬
‫‪2‬‬

‫لبالد الرافدين أشهرها‪ :‬النحاس وحجر الديوريت (احلجر الصابوني) والكحل‬


‫وسلع أخــرى‪ ،‬أما املوقع اجلغرايف ملجان بأقاليمها املختلفة فقد ذكره امللك‬
‫(شوسني) (‪ 2029-2037‬سنة قبل امليالد) أحد ملوك ساللة أور الثالثة يف‬
‫أحد نصوصه عندما قال‪« :‬بالد سوبور على شواطئ البحر األعلى (البحر‬
‫املتوسط)‪ ،‬ومجان مع كل مقاطعاتها على اجلانب اآلخر من البحر (يقصد البحر‬
‫األسفل أي اخلليج العربي حالياً)‪ ،»3‬أما عن طبيعة أرض مجان فقد وصفها‬
‫األديب السومري يف ملحمته «جلجامش وأرض األحياء»‪ ،4‬بأنها أرض بحرية‬
‫عرفتها بالد الرافدين من قواربها الضخمة التي كانت جتوب املوانئ السومرية‬
‫املختلفة‪ ،5‬ولألهمية التي كانت حتظى بها مجان أطلق امللك السومري (أبي‬
‫سني) (‪ 2027‬سنة قبل امليالد) على اخلليج إسم (بحر مجان)‪.6‬‬

‫هكذا ُحظيت ُعمان مبكانة كبيرة بني حضارات العالم القدمي‪ ،‬ليس لكونها‬
‫مصدر الكثير من السلع واملنتجات الهامة‪ ،‬التي راحت سفنها جتوب بها عباب‬

‫‪2 - Vosmer, T., Model of a third millennium B.C reed boat based on evidence frome Ra’s al-Jinz, JOS,‬‬
‫‪11, 2000, p. 149-152.‬‬
‫‪ - 3‬بوتــس‪ ،‬دانيــال‪ ،‬اخلليــج العربــي يف العصــور القدميــة‪ ،‬اجلــزء األول مــن عصــور مــا قبــل التاريــخ إلــى ســقوط اإلمبراطوريــة‬
‫األخمينيــة‪ ،‬ترجمــة‪ ،‬إبراهيــم خــوري‪ ،‬تقــدمي ومراجعــة‪ ،‬أحمــد التدمــري و أحمــد الســقاف‪ ،‬املجمــع الثقــايف‪ ،‬أبوظبــي‪،٢٠٠٣ ،‬‬
‫ص‪.٢٥٣-٢٥٢ .‬‬
‫‪4 - Kramer, S. N. Gilgamish and the Land of the Living, JCS, 1, 1947, p. 3-46.‬‬
‫‪ - 5‬البــدر‪ ،‬ســليمان ســعدون‪« ،‬منطقــة اخلليــج العربــي (خــال األلفــن الثانــي واألول قبــل امليــاد) دراســات يف تاريــخ الشــرق‬
‫األدنــى القــدمي» ‪ ،‬مطبعــة حكومــة الكويــت‪ ،١٩٧٦ ،‬ص‪. ٨ .‬‬
‫‪ - 6‬بوتس‪ ،‬دانيال‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫البحار واحمليطات فقط‪ ،‬وإمنا ملا اكتسبته من خبرة حضارية كبيرة‪ ،‬حينما‬
‫صاحبت عمليات التجارة الكثير من اخلبرات واملهارات الفنية‪ ،‬يف شتى صنوف‬
‫احلياة املختلفة‪ ،‬وهو ما يبدو واضحاً من خالل القراءة األثرية التي سجلت بكل‬
‫دقة حياة الناس وتقاليد حياتهم وفنونهم األخرى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫خريطة توضح حضارات العالم القدمي يف منطقة الشرق األدنى‬

‫‪7 - Museum of Fine Art, Boston. United States.‬‬

‫‪23‬‬
‫أجمع العلماء على أن مجان التي جاء ذكرها يف الكتابات املسمارية هي‬
‫ُعمان التاريخية‪ .‬جاء ذلك اإلجماع بعد أن توافرت جملة من احلقائق نذكر‬
‫منها‪:8‬‬
‫‪َ -‬و َر َد إسم مجان يف النصوص السومرية مع دملون وملوخا‪ ،‬وجميع تلك‬
‫احلضارات القدمية قامت يف منطقة (البحر األسفل أي اخلليج) من مملكة‬
‫أشور متييزاً لها عن منطقة (البحر األعلى) الذي يقصدون به البحر املتوسط‪.‬‬
‫‪ -‬تكرر ذكر نحاس (مجان) يف النصوص املسمارية‪ ،‬حيث كان لنحاس‬
‫مجان دوراً كبيراً يف حضارات العالم القدمي‪ ،‬يُعد النحاس وما يزال حتى وقتنا‬
‫املقومات اإلقتصادية يف ُعمان‪،‬‬
‫ّ‬ ‫احلاضر سلع ًة إستراتيجي ًة شكّلت أحد أهم‬
‫وهو ما أكدت عليه أعمال املسح األثري يف العديد من املواقع األثرية‪ ،‬حيث‬
‫مت الكشف عن عدد كبير من املواقع األثرية التي استُخدمت كمناجم لصهر‬
‫النحاس‪ ،‬والتي يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬ومن أهم تلك املواقع‬
‫ُيسر واخلشبة ووادي اجلزي وعرجا والبيضاء واألصيل والسياب وطوي عبيلة‬ ‫امل ّ‬
‫والواسط‪ ،‬كما مت خالل هذه الفترة إستخدام القصدير والرصاص‪.9‬‬
‫‪ -‬وصفت املصادر السومرية (مجان) بـ (أرض اجلبال)‪ ،‬فهي تبدأ من سلسلة‬
‫جبال مسندم شمالي ُعمان وتنتهي بسلسلة جبال احلجر الشرقي‪ ،‬وعبر املياه‬
‫املجاورة لرأس مسندم حيث يأتي طريق السفن اخلارجة من اخلليج والقادمة‬
‫إليه‪ ،‬وال توجد جنوبي هذا اخلليج جبال شامخة أخرى‪ ،‬فهي إذن املقصودة‪،‬‬
‫ومنها كانت ُتلب صخور الديورايت إلى بالد الرافدين يف العصور القدمية‪،‬‬
‫وتؤكد هذه املعطيات األثرية والتي يتزامن تاريخها مع تاريخ نشؤ حضارة بالد‬
‫الرافدين أن ُعمان هي املصدر الطبيعي للمعادن والسلع املستوردة من ِقبل‬
‫حضارات العالم القدمي‪.‬‬

‫‪ - 8‬اجلــرو‪ ،‬أســمهان ســعيد‪ ،‬ســعيد بــن محمــد الهاشــمي‪ ،‬يوســف عبــد اهلل الغيالنــي‪ ،‬فــاروق عمــر فــوزي‪ ،‬بــدر بــن هــال العلوي‪،‬‬
‫تاريخ ُعمان ودراســات يف احلضارة اإلســامية‪ ،‬منشــورات جامعة الســلطان قابوس‪ ،‬ســلطنة ُعمان‪.١٦ - ١٥ ، ٢٠٠٩ ،‬‬
‫‪9- Weisgerber, G, Evidance of Ancient Mining sites in Oman: a Preliminary Report, JOS, 4, 1978, p.‬‬
‫‪15-28.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫ثانياً‪ :‬مالمح النظام السياسي يف مجان‬


‫متيز‬
‫لعمان التاريخية أثــر كبير وف ّعال يف ّ‬
‫لقد كــان للطبيعة اجلغرافية ُ‬
‫حضارتها بطابع خاص‪ ،‬بل أنه ليصعب معرفة تنظيماتها اإلجتماعية وتكويناتها‬
‫السياسية‪ ،‬أ ّدى املوقع اجلغرايف املتميز والبيئات الطبيعية التي ميكن تصنيفها‬
‫إلى بيئات جبلية وبحرية وصحراوية واألقسام املتنوعة وظيفتها الطبيعية على‬
‫أكمل وجه يف خلق الصورة النهائية للمناخ والنبات‪ ،‬وتوزيع السكان وأمناط‬
‫معيشتهم وأنشطتهم اإلقتصادية‪ ،‬فقيام املستوطنات على ساحل البحر منذ‬
‫عصور ما قبل التاريخ ساعد يف رسم اإلطار احلضاري لسكان املنطقة‪ ،‬كما‬
‫ق ّدم لنا صورة جلية تعكس درجة تكيف هذه اجلماعات مع الطبيعة من خالل‬
‫املعثورات وإرتباطها باإلقتصاد املعيشي والتبادل التجاري مع الشعوب األخرى‪،10‬‬
‫أما املستوطنات الزراعية يف الداخل فقد توزعت إلى وحدات شبه مستقلة‬
‫ال يف منطقة سفوح اجلبال كلها من‬ ‫وفق مجرى املاء‪ ،‬وكان اإلستيطان متواص ً‬
‫البرميي شماالً إلى إبرا جنوباً‪ ،‬أي على طول مسافة تقدر بـ (‪ 350‬كم) تقريبا ‪.‬‬
‫ً‪11‬‬

‫يف ضــوء املعطيات األثــريــة والنقشية التي تعود إلــى هــذا العصر‪ ،‬يبدو‬
‫جلياً أن مصادر احلياة يف مجان قد تنوعت بني الثروات البحرية يف املناطق‬
‫الساحلية والثروات الزراعية يف الواحات والرعوية يف الصحراء والصخرية‬
‫واملعدنية يف اجلبال‪ ،‬فقد كان سكان مجان يف عصورهم القدمية شعباً مالحياً‬
‫وزراعياً ورعوياً يف آن واحد‪ ،‬ذلك التنوع كان له إنعكاسات مباشرة على احلياة‬
‫ّ‬
‫اإلجتماعية والسياسية‪ ،‬فظهرت عدة مستوطنات عبارة عن جتمعات سكانية‬
‫متجانسة‪ ،‬من بينها تبرز مدن متكاملة بأسوارها‪ ،‬وقالعها‪ ،‬ومصادر مياهها‪،‬‬
‫ومدافنها ومبانيها الدينية‪.12‬‬

‫‪10 - Cleuziou, S. & M. Tosi, Ra’s al-Jinz and the Prehistoric Costal Culture of the Ja’alan, JOS, Vol. 11,‬‬
‫‪2000, p. 23.‬‬
‫‪11 - Schreiber, Transformations prozesse in Oasensiedlungen Omans, p. 29.‬‬
‫‪12 - Cleuziou &Vogt, 1983.‬‬

‫‪25‬‬
‫إن نظام املستوطنات أو املدن يعد من أقدم وأبكر أشكال اإلستيطان يف‬
‫حضارات الشرق األدنى القدمي‪ ،‬فاملستوطنة أو املدينة تشغل وضعاً متقدماً‬
‫كمركز للحياة الدينية واإلقتصادية واإلجتماعية والسياسية (‪.)1963,Woolley‬‬
‫صاح َب وجود مستوطنات مجان خالل فترة األلف الثالث قبل امليالد ظهور‬ ‫َ‬
‫إستخدام واسع لألختام‪ ،‬األمر الذي يدل على وجود تنظيم إداري لها‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مملكة مجان وعالقاتها مع حضارات العالم القدمي‬


‫إرتبطت ُعمان خــال العصر البرونزي مع احلــضــارات املعاصرة (بالد‬
‫الرافدين‪ ،‬وادي األندوس‪ ،‬دملون‪ ،‬مصر‪ ،‬الهضبة اإليرانية) بعالقات إقتصادية‬
‫ودبلوماسية رافقتها تأثيرات ثقافية متبادلة‪ ،‬وأثبتت املكتشفات األثرية يف ُعمان‬
‫ويف تلك احلضارات دليل مادي على تلك الصالت املتجذرة يف عمق التاريخ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫مملكة مجان وحضارات بالد الرافدين يف العصر البرونزي‬

‫مجان والساللة األكادية‬


‫يف وقــت مبكر من العصر األكــادي يف بــاد الرافدين‪ ،‬كانت ملوك بالد‬
‫الرافدين تتفاخر بعالقاتها التجارية مع مجان ووصول سفن مجان إلى موانئها‪،‬‬
‫فمنذ وقت مبكر من العصر األكادي خالل فترة العصر البرونزي وقّعت امللكة‬
‫شمسه (ملكة ُعمان) إتفاقية جتارية مع امللك سرجون األكادي (‪2334‬سنة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬بعد أن أرسلت له برغبتها يف التعاون وتفضيل بالد الرافدين لتجارة‬
‫تصدير النحاس من ُعمان‪ ،‬حتى تسد ذريعة قوى أخرى كانت تتهيأ للتدخل‬

‫لوحة إفتراضية للملكة شمسه ملكة مجان‬


‫‪27‬‬
‫يف بالدها والسيطرة على جتارة النحاس‪ ،‬مما دعى امللك سرجون للتفاخر يف‬
‫إحدى نصوصه الشهيرة بالسفن القادمة من مجان ( ُعمان) وبسلعها التي ُتَلب‬
‫إلى بالد الرافدين كالنحاس وحجر اجلابرو والديورايت وسلع أخرى عديدة‪،‬‬
‫وقد ذكرت (مجان) ُعمان يف الفترات الالحقة يف وثائق ملوك بالد الرافدين‬
‫توجت ملكة مجان امللكة شمسه بلقب الفارس العظيم‪ ،‬وصورت‬ ‫ألهميتها ‪ ،‬كما ّ‬
‫‪13‬‬

‫النقوش األكادية الرحالت التجارية التي انطلقت من مجان إلى بالد الرافدين‬
‫بقيادة امللكة شمسه ‪.14‬‬
‫‪ - 13‬الطائــي ‪ ،‬عبــداهلل محمــد‪2016( .‬م) دراســات عــن اخلليــج العربــي (‪1972-1960‬م) الطبعــة األولــى‪ .‬دار فضــاءات‬
‫للنشــر والتوزيــع‪ ،‬ص‪.44 .‬‬
‫‪14 - Wilkinson, Charles K. 1949. «The Art of the Ancient Near East.» The Metropolitan Museum of‬‬
‫‪Art Bulletin 7, p. 195.‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫سعى سرجون األكادي وخلفاؤه فيما بعد حملاولة السيطرة على احلركة املالحية‬
‫التي تقودها مجان كونها تعد قوة بحرية إقتصادية مهمة بني حضارات العالم‬
‫القدمي‪ ،‬وتؤكد النقوش حجم الرحالت التجارية البحرية التي كانت بني مجان‬
‫وبالد الرافدين والتي بلغت ‪ 34‬رحلة مبشاركة ‪ 5400‬فرداً‪ ،‬مما يدل على أهمية‬
‫الكيان السياسي والتجاري يف مجان وحركة املالحة البحرية خالل تلك الفترة‪.15‬‬

‫‪15 - S. N. Kramer. (1995). SUMERIAN MYTHS AND EPIC TALES . 3 7. Enki and Ninhursag: a‬‬
‫‪Paradise Myth. In Anceint Near Eastren Texts Relating to the Old Testament. second edition. p. 268.‬‬

‫لوحة إفتراضية تص ّور وصول امللكة شمسه إلى بالد الرافدين ولقائها بامللك سرجون األكادي‬
‫حاول خلفاء امللك سرجون بسط نفوذهم على خطوط التجارة واملالحة‬
‫البحرية‪ ،‬ومن بينهم امللك األكادي مانشتوسو (‪2292-2306( )Manishtusu‬‬
‫نصه عن احلملة العسكرية التي قام بها يف‬‫سنة قبل امليالد) الذي حتدث يف ّ‬
‫‪16‬‬
‫البحر األسفل حني قال‪« :‬مانشتوسو ملك كيش حني أخضع أنشان وشيركيوم‬
‫عبر البحر السفلي يف قــوارب‪ ،‬ويف الضفة األخــرى من البحر جت ّمع ملوك‬
‫املدن إثنان وثالثون ملكاً من أجل املعركة‪ ،‬مانشتوسو هزمهم وأخضع مدنهم‪،‬‬
‫وعزل أسيادهم وقبض على كل البالد‪ ،‬إضافة إلى ذلك إقتلع حجارة سوداء‬
‫سفن رست يف ميناء أكاد‪ ،‬وصنع من هذا احلجر متاثيل‬‫من اجلبال وحملها يف ٍ‬
‫لنفسه ولإلله إنليل‪ ،»17‬فاإلشارة إلى مناجم املعدن لها مغزى عظيم يف ضوء‬
‫مصادر النحاس املستورد من مجان‪ ،‬أما احلجر األسود الذي اقتلعه مانشتوسو‬
‫وصنع منه أربعة من متاثيله ومسلته الشهيرة‪ ،‬فقد أثبتت التحاليل احلديثة أن‬
‫إثنني من متاثيل مانشتوسو احملفوظة يف متحف اللوفر مصنوعة من حجارة‬
‫(‪ )Olivine‬املعروفة يف ُعمان‪ .18‬هذا النوع من احلجارة تنتج عن سقوط النيازك‬
‫التي اشتهرت بها ُعمان‪.19‬‬

‫شكّلت هذه احلروب توتراً يف العالقات بني مجان وأكــاد‪ ،‬وتذكر املصادر‬
‫التاريخية العديد من الثورات الواسعة التي دعت امللك نارام سني (‪Naram‬‬
‫‪ )Sin‬يف بداية حكمه إلى محاولة ضبطها‪ ،‬وجاء يف نقش لنارام سني كتب عليه‬
‫سيد مجان»‪ ،‬ويف لوحة‬ ‫ّ‬
‫‪20‬‬
‫«سار ضد بلد مجان وألقى القبض على مانو دانو‬
‫نقشت عليها كتابات لنفس امللك كتب عليها «نارام سني القوي‪ ،‬ملك اجلهات‬
‫األربع‪ ،‬املنتصر يف تسع حروب يف غضون سنة واحدة»‪ ،‬وعقب إنتصاره يف هذه‬
‫املعارك‪ ،‬جلب ملوكها الثالثة أمام اإلله إنليل‪ ،‬وأخضع مجان وأسر (ماري‪-‬‬

‫‪ - 16‬أنشان (‪ )Anshan‬وشيريكوم (‪ : )Shirikum‬مدن تقع يف جنوب غرب إيران‪ ،‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.60 .‬‬
‫‪ - 17‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.60 .‬‬
‫‪ - 18‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪. 243-240 .‬‬
‫‪19 - Droste, Elise. What Are Possible Ecological and Biogeochemical Impacts of Olivine Carbonation‬‬
‫‪Enhancement in Oman? Thesis, University College Maastricht in 2015.‬‬
‫‪ - 20‬يــورد اإلســم يف الكتابــات املســمارية بأكثــر مــن شــكل‪ :‬منــو‪ ،‬منــو دنــو‪ ،‬مــاري دان‪ ،‬مــاري أوم‪ ،‬مانــوي‪ ،‬ومنــو دنــو‪ ،‬واإلســم‬
‫(منــو) يعنــي بالبابليــة القــوي (بوتــس ‪.)244 ،2003‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫ال من الديورايت من جبالهم ونقلها إلى مدينة أكاد‪،‬‬ ‫سيد مجان‪ ،‬واقتلع كت ً‬
‫دان) ّ‬
‫وصنع منها متثاالً لنفسه»‪ ،‬وهناك تقرير بابلي قدمي يتحدث عن ثورة عارمة‬
‫سيد مجان‪،‬‬ ‫قامت ضد (نرام سني) تتضمن أسماء زعماء ومنهم إسم «منو» ّ‬
‫وقد عثر على آنية من املرمر كتب عليها‪« :‬نارام سني‪ ،‬ملك اجلهات األربع‪ ،‬آنية‬
‫من غنائم مجان»‪ .21‬ومن املالحظ أن (نارام سني) كان يلقب خصمه يف مجان‬
‫باللقب السومري «إين ‪ »En‬الذي يعني السيد‪ 22‬ويعد هذا اللقب من أقدم‬
‫األلقاب امللكية املعروفة يف سومر‪ ،‬فهو مشتق من اإلسم املركب لإلله السومري‬
‫(إنليل) الذي يعني (إين) سيد (ليل) الهواء‪ ،‬أي سيد الهواء‪.23‬‬

‫لوحة فخارية تُعد أول سجل يو ّثق أول معركة بحرية عام ‪ 2200‬سنة قبل امليالد‬

‫‪ - 21‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.245-244 .‬‬


‫‪ - 22‬ظــل حــكام ُعمــان يلقبــون بالســيد حتــى القــرن اخلامــس امليــادي حيــث جنــد أحــد النقــوش احلميريــة (‪)CIH 597‬‬
‫يشــير إلــى حــكام ُعمــان بإســم (أســياد ُعمــان)‪ ،‬اجلــرو‪.96-93 ،2006 ،‬‬
‫‪ - 23‬عامــر ســليمان‪ ،‬اللغــة األكديــة «اآلشــورية والبابليــة» تاريخهــا وتدوينهــا وقواعدهــا‪ ،‬املوصــل‪ ،‬وزارة التعليــم العالــي والبحــث‬
‫العلمــي‪ ،‬جامعــة املوصــل‪ ،‬دار الكتــب‪ ،1991 ،‬ص‪.27 .‬‬

‫‪31‬‬
‫نقش يصور الرحلة البحرية للملكة شمسه‬
‫من مجان إلى بالد الرافدين (متحف املتروبولينت للفنون)‬

‫‪32‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫نقش تتويج امللوك يف بالد الرافدين وتتويج امللكة شمسه‬


‫بلقب الفارس العظيم (املتحف البريطاني)‬

‫‪33‬‬
‫رسم إفتراضي للمعركة البحرية بني نارام سني حاكم أكاد ومانو دانو حاكم مجان‬

‫‪34‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫‪24‬‬
‫إناء من حجر املرمر من مجان عثر عليه يف مدينة أور‬

‫‪ - 24‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،2007 .‬متحف أرض اللبان (القاعة البحرية)‪ ،‬ص‪.121 .‬‬

‫‪35‬‬
‫حضارة مجان وساللة جلش الثانية‬

‫تُظهر نقوش امللك جوديا (‪ 2124-2144‬سنة قبل‬


‫امليالد) ملك جلش أدلة ساطعة على إزدهار عهده‬
‫بعد إنهيار اإلمبراطورية األكادية‪ ،‬وقد حتدث جوديا‬
‫عن مجان كإحدى الدول التي تعامل معها‪ ،‬فعندما‬
‫أنهى بناء معبد اإلله نينجرسو قال‪« :‬نينجرسو‬
‫فتح الطريق من البحر األعلى إلى البحر األسفل‬
‫(يقصد بــه‪ ،‬اخلليج وبــحــر ُعــمــان واحمليط‬
‫الهندي)‪ ،‬مما مكّن جوديا من جلب جميع‬
‫أنواع اخلشب النفيس‪ ،‬واحلجارة‪ ،‬واملعادن‪،‬‬
‫إلــى جلش لتجميل منشآته‪ ،25‬وذكر‬
‫إسم مجان كبلد جتلب منه اخلشب‬
‫بسفنها وحجارة (إيزي) يقصد بها‬
‫حجر الديورايت من جبالها‪ ،‬ويف‬
‫نقش يعود إلى السنة الرابعة‬
‫عشر من حكمه‪ ،‬حتــدث عن‬
‫ثمن ‪ 341‬كساء (ثــوب) مت دفعه‬
‫للتاجر لوجال ‪ -‬إينمدو‪ ،‬مرسلة‬
‫إلى مجان‪ ،26‬إال أن جلش لم‬
‫تستطع اإلحتفاظ بتفوقها يف‬
‫التجارة البحرية يف (البحر‬
‫األســفــل)‪ ،‬بعد صــعــود جنــم ساللة‬
‫نسخة طبق األصل من متثال‬ ‫أور الثالثة‪ ،‬تعبيراً عن قوة العالقات‬
‫للملك جوديا‪ ،‬متحف اللوفر‪ ،‬باريس‬ ‫اإلقتصادية بني مجان وأور‪.‬‬
‫‪25 - Lee, w. F, ans, Foreign Trade in the old Babylonian Period. Leyden. 1960, p. 11-12.‬‬
‫‪ - 26‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.249 .‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫مجان وساللة أور الثالثة‬

‫ال آخر‪،‬‬‫أخــذت العالقات بني مجان وأور يف عهد ساللة أور الثالثة شك ً‬
‫وتتضح أهمية العالقات الوثيقة مع مجان سياسياً وإقتصادياً يف نقوش أور‪-‬‬
‫منو مؤسس ساللة أور الثالثة (‪ 2095 - 2112‬سنة قبل امليالد) عندما ذكر أنه‬
‫إهتم بالبناء والعمران وأعاد العالقات التجارية مع مجان إلى سابق عهدها‪،‬‬
‫كما يعد أور ‪ -‬منو أول من وضع القوانني يف مسلته والتي ذكر فيها‪« :‬بقوة نانا‬
‫سيد مدينة أور‪ ،‬أعاد أور نامو سفينة مجان اخلاصة بنانا إلى قناة احلدود‬
‫وجعلها شهيرة يف أور»‪ ،27‬وقد وردت هذه اإلشــارات يف نصوص لو ‪ -‬أنليل‬
‫التاجر الشهير إلى أن إتصال مجان ببالد الرافدين كان يتم عبر دملون‪ ،‬حيث‬
‫كانت دملون حلقة وصل بني مجان وبالد الرافدين يف نقل النحاس وغيرها من‬
‫البضائع‪ ،‬وما مييز مجان يف هذه احلقبة تلك الكثافة السكانية الالفتة من‬
‫خالل املدافن املكتشفة عن هذه احلقبة ‪.28‬‬
‫أكمل امللك شولكي (‪ 2047 - 2094‬سنة قبل امليالد) نهج والده أور ‪ -‬منو‬
‫يف إقامة مشاريع بنائية وعمرانية‪ ،29‬كما إهتم بالتجارة‪ ،‬وكان شولكي على صلة‬
‫مبلك مجان الذي لم يذكر إسمه واكتفى باحلديث عن وصول ذهب من لوجال‬
‫مجان‪ ،30‬أي من ملك مجان‪ ،‬وتعد العالقات بني أور ومجان خالل هذه الفترة‬
‫بداية العالقات الدبلوماسية بني ملوك حضارات العالم القدمي‪.31‬‬
‫جاء من بعد شولكي إبنه أمار ‪ -‬سني (‪ 2038 - 2046‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫الذي ترك عدداً من النصوص التي توثق عالقاته مع مملكة مجان‪ ،‬ويرجع أول‬
‫نص منها إلى السنة األولى من حكمه حينما حتدث عن وصول شعير د ّون عليه‬
‫إسم (لو ‪ -‬د مجان كي ‪ ،)lu – d ma-gan ki‬كما عثر على نقش يعود تاريخه‬
‫‪27 - Finkelstein, J.J. (The Laws of Ur- Nammu). In ANET, p.523. Bottero, J. (and others), p.136.‬‬
‫‪ - 28‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.403-402 .‬‬
‫‪ - 29‬باقر‪ ،‬طه‪ ،‬مقدمة يف تاريخ احلضارات القدمية‪ ،‬ج‪ ،1‬بغداد‪ ،1973 ،‬ص‪.385 .‬‬
‫‪ - 30‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.251 .‬‬
‫‪31 - Amanda H. Podany. (2010) Brotherhood of Kings: How International Relations Shaped the An-‬‬
‫‪cient Near East. Oxford University Press. p. 98.‬‬

‫‪37‬‬
‫إلى السنة الرابعة من حكم أمار ‪ -‬سني (‪ 2042‬سنة قبل امليالد‪ )32‬يتحدث‬
‫عن حاكم من مجان (إنسي مجان ‪ )Ensi‬يدعى (نادوب ‪ -‬بيلي ‪)Nadu-beli‬‬
‫أرسل مبعوثا دبلوماسياً له يدعى ويدوم إلى مدينة أور للمشاركة يف مهرجان‬
‫بذر البذور (أكيتو)‪ 33‬خالل شهر البذار‪ ،34‬إال أن املصادر تذكر ملك ًة حكمت‬
‫مجان أسمها نيندوال (‪ )Nindulla‬يف نفس الفترة من األلف الثالث قبل امليالد‬
‫وكانت تُدعى مبلكة القطعان‪ ،‬وتؤكد الرسومات والنقوش الصخرية يف العديد‬
‫من مناطق مجان والتي غالباً ما تصور أنواعاً متعددة من احليوانات وطقوس‬
‫الصيد كثرة األنعام التي إشتهرت بها مجان‪.35‬‬
‫ترك امللك شوسني (‪ 2029-2037‬سنة قبل امليالد) بعضاً من النقوش التي‬
‫تشير إلى إستمرار عالقته مبجان ومبلوكها‪ ،‬وأحد هذه النقوش مؤرخ بالسنة‬
‫الثامنة من حكمه يتحدث فيه عن إستالمه ‪ 600‬غوراً ‪ 36‬من الشعير تسلمها من‬
‫(إنسي) مدينة جرسو ليرسلها إلى مجان‪ ،‬هذه املعلومة توضح إشتراك حاكم‬
‫املدينة شخصياً يف الصفقات التجارية مع مملكة مجان‪ ،‬ويف نقش آخر للملك‬
‫نفسه يعدد املناطق احمليطة بإمبراطوريته «أور الثالثة» ويذكر مجان خارج هذه‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬وينتهي بالقول‪« :‬بالد سوبور على شواطئ البحر األعلى‪ ،‬ومجان‬
‫مع كل مقاطعاتها ‪ ...‬على اجلانب اآلخر من البحر»‪.37‬‬

‫خالل فترة امللك أبي ‪ -‬سني عثر على نقشني يعود تاريخهما إلى السنة‬
‫الثانية من حكمه عام (‪ 2027‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬تتعلق بأنشطة أحد التجار‬

‫‪32 - Amanda H. Podany. (2010) Brotherhood of Kings: How International Relations Shaped the An-‬‬
‫‪cient Near East. Oxford University Press. p. 98.‬‬
‫‪ - 33‬يحتفــل الشــعب اآلشــوري يف (األول مــن إبريــل) مــن كل عــام بعيــد بــذر البــذور (األكيتــو)‪ ،‬وهــو اليــوم األول مــن بدايــة‬
‫الســنة اآلشــورية‪ .‬ســليمان يوســف يوســف‪ ،‬أشــوريو ســوريا وهواجــس اخلــوف يف عيــد األكيتــو‪ ،‬احلــوار املتمدن‪-‬العــدد‪1151 :‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp/aid = 3442-29 /3/2005 -‬‬
‫‪ - 34‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.253-251 .‬‬
‫‪35 - Lt.-Col Sir Arnold T. Wilson K.C.I.E., C.S.I.M, D.S.O. (1928). The Persian Gulf. An Historical‬‬
‫‪Sketch from the Earliest Times to the Beginning of the Twentieth Century. Clarendon Press, Oxford,‬‬
‫‪England. p. 27.‬‬
‫‪ - 36‬الغور الواحد قرابة (‪ 300‬لتر)‪.‬‬
‫‪ - 37‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.252 .‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫املسمى (لو أنليال) امللقب يف ختمه بـ (تاجر بحر ‪ ،)ga-es-a-ba-a‬كان هذا‬


‫التاجر ينقل املالبس والصوف والنسيج من معبد (نانا)‪ 38‬لغرض املتاجرة مع‬
‫مجان مقابل النحاس‪ ،‬ويبدو أن معبد (نانا) يف مدينة أور الذي ميثله التاجر (لو‬
‫أنليال) هو املؤسسة الرئيسة يف املدينة التي تتبادل التجارة مع مملكة مجان‪،39‬‬
‫كما عثر على قطعة فخارية نُقش عليها شكوى أحد التجار السومرين من أن‬
‫قوالب النحاس قد نقلت إلى املكان اخلطأ‪ ،‬وأن جودة النحاس الذي مت شحنه‬
‫ليست باجلودة املتفق عليها‪.40‬‬

‫نقش يو ّثق إسم حاكم مجان (نادوب بيلي) ومبعوثه الدبلوماسي (ويدوم)‬
‫حلضور مهرجان بذر البذور (أكيتو)‬

‫‪ - 38‬اإلله ننا‪ :‬إله القمر‪ ،‬هو إبن اإلله أنليل سيد الريح‪ ،‬وتعتبر مدينة أور مركز عبادة اإلله ننا‪.‬‬
‫‪ - 39‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪255-252 .‬‬
‫‪ - 40‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،2007 .‬متحف أرض اللبان (القاعة البحرية)‪ ،‬ص‪.120 .‬‬

‫‪39‬‬
‫تتضح العالقة بني ملوك مجان وملوك بالد الرافدين يف وثائق ملوك بالد‬
‫الرافدين‪ ،‬والتي اتسمت بطابع عسكري تار ًة وبطابع إقتصادي دبلوماسي تار ًة‬
‫أخرى‪ ،‬بيد أن األلقاب امللكية التي أضفاها ملوك بالد الرافدين على حكام‬
‫مجان قد تفاوتت بني لقب (لوجال ‪ )Lugal‬ملك و(إيــن ‪ )En‬سيد أو أمير‬
‫و(إنسي ‪ )Ensi‬أي احلاكم الرسمي للمدينة واألراضي التابعة لها‪ ،‬وهذا التفاوت‬
‫ال ميكن معرفة مدلوالته بصورة دقيقة ما لم ندرس تلك األلقاب ومدلوالتها‬
‫بالنسبة لبالد الرافدين مع األخذ بعني اإلعتبار الفترة الزمنية التي استخدمت‬
‫فيها تلك األلقاب‪.41‬‬
‫أظهرت الصالت التجارية واحلضارية بني ُعمان وبالد الرافدين تواص ً‬
‫ال‬
‫جسدتها املصادر املختلفة‪ ،‬ففي ملحمة (جلجامش وأرض‬ ‫فكرياً أدبياً ودينياً ّ‬
‫األحياء)‪ ،‬جاء ذكر لسفن مجان‪ ،‬وب ّينت امللحمة طبيعة أرض مجان املعروفة لدى‬
‫األدب السومري‪ ،‬بأنها أرض بحرية عرفتها بالد الرافدين من قواربها الضخمة‬
‫التي كانت جتوب املوانئ السومرية املختلفة‪.42‬‬
‫أما أسطورة (أنكي‪ ،‬ونظام الكون) فتذكر أن مجان أرسلت سفنها محمل ًة‬
‫بالهدايا الثمينة إلى مدينة نفر مركز اإلله أنليل‪ ،‬كالذهب والفضة والنحاس‬
‫والقصدير‪ ،‬والبرونز‪ ،‬يف هذه األسطورة أيضا يعلن اإلله أنكي أنه‪« :‬حمل قارب‬
‫(مجان) إلى السماء»‪ ،‬ويف هذا القول إشارة إلى الرخاء الكبير الذي جلبه اإلله‬
‫(أنكي) للبلدين‪ ،‬كما تشير األسطورة إلى طبيعة العالقة التي حتكمها املصالح‬
‫اإلقتصادية املشتركة بني هذه احلضارات ‪ ،43‬ورغم أن هذا القول يعد أسطورة إال‬
‫أنه ال يخلو من اإلشارة إلى أهمية ما جاء يف حركة التجارة بني حضارات العالم‬
‫القدمي‪ ،‬بل كانت رمزاً للرخاء واإلزدهار‪ ،‬كما تعد قصيدة رثاء سومر وأور‪ 44‬من‬
‫‪ - 41‬اجلــرو‪ ،‬أســمهان ســعيد‪ ،‬مالمــح مــن النظــام السياســي يف حضــارة مجــان (شــبه جزيــرة ُعمــان) خــال العصــر البرونــزي‬
‫املبكــر (‪ 2000-2500‬قبــل امليــاد)‪ ،‬مجلــة اآلداب‪ ،‬جامعــة امللــك ســعود‪ .‬املجلــد ‪ ،27‬العــدد ‪ ،1‬اململكــة العربيــة الســعودية‪،‬‬
‫‪ ،2015‬ص‪.316 -303 .‬‬
‫‪ - 42‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.80 .‬‬
‫‪ - 43‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.197 .‬‬
‫‪ - 44‬أور‪ :‬تســمى اآلن (مغيــر)‪ ،‬تقــع علــى الضفــة الغربيــة للفــرات‪ ،‬يف العصــور القدميــة كانــت أور مدينــة كبيــرة‪ ،‬ومركــزاً‬
‫لتجميــع البضائــع‪ ،‬والســلع األجنبيــة يف أســواقها‪ ،‬وكانــت تربطهــا عالقــة جتاريــة واســعة مبجــان‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫أبرز النصوص األدبية السومرية‪ ،45‬التي تشير إلى التدمير واخلراب الذي حل‬
‫بسومر والذي شمل أيضاً قصب مجان‪ ،‬ويقصد به مادة البوص أو اخليزران وهو‬
‫من منتجات مجان املعروفة التي كانت جتلب بكثرة إلى بالد الرافدين لغرض‬
‫تشييد املعابد‪.46‬‬
‫مما سبق يبدو أن سلع مجان قد لعبت دوراً كبيراً يف التجارة بني ُعمان وبالد‬
‫الرافدين خالل فترة العصر البرونزي‪ ،‬وقد أكدت التنقيبات األثرية تلك احلقيقة‪،‬‬
‫بل استمرت احلركة التجارية بني الطرفني حتى أواخر األلف الثاني قبل امليالد‪،‬‬
‫خالل حقبة التواصل تظهر مجان كحليف جتاري قوي لبالد الرافدين بإستثناء‬
‫فترات احلمالت العسكرية يف العصر األكادي التي لم ينجم عنها أي إحتالل‪.47‬‬

‫حضارة مجان وحضارة وادي األندوس‬

‫إرتبطت ُعمان (مجان) مع حضارة وادي األندوس‪ 1900-2600( 48‬سنة قبل‬


‫امليالد)‪ ،‬وهي حالياً باكستان وشمال غرب الهند‪ ،‬بعالقات جتارية وثيقة منذ‬
‫العصر احلجري احلديث‪ ،‬ويف فترة العصر البرونزي تعززت تلك الصالت‪،‬‬
‫العمانية آنذاك يف الوساطة البحرية التجارية بني مراسي‬ ‫فساهمت السفن ُ‬
‫اخلليج ومراسي (السند)‪ ،‬ومع مرور الزمن إزدهــرت تلك الصالت البحرية‬
‫بسبب القرب اجلغرايف بني املركزين احلضاريني‪ ،‬وسهولة اإلنتقال البحري‬
‫بينهما‪ ،‬ومساعدة هبوب الرياح املوسمية يف تسيير الرحالت التجارية املنتظمة‪،‬‬
‫وحاجة كل من البلدين لسلع بعضهما البعض‪ ،‬تلك الصالت أدت إلى وجود‬
‫تأثيرات ثقافية متبادلة‪ .‬متثلت شواهد اإلتصال بني مجان وحضارة وادي‬
‫األندوس يف العديد من املعثورات األثرية‪.‬‬
‫‪ - 45‬حتمل هذه القصيدة عنوان‪“Lamentation Over the Destruction of Sumer and Urr” :‬‬
‫‪ - 46‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪.84 ،‬‬
‫‪ - 47‬اجلرو‪ ،‬مالمح من احلياة السياسية يف مجان‪ ،‬ص‪.306 .‬‬
‫‪ - 48‬ظهــرت حضــارة األنــدوس تزامنـاً مــع منــذ العصــر احلجــري احلديــث والعصــر النحاســي‪ ،‬اســتقرت مجتمعــات الصيــد الزراعيــة‬
‫والرعويــة والســاحلية يف جميــع بلوشســتان والســند وأوديــة غندهار‪-‬هاكــرا‪ ،‬وســاهمت شــبكات التجــارة النهريــة والبريــة يف تواصــل‬
‫املســتوطنات الداخليــة باملناطــق الســاحلية واملناطــق البعيــدة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫كبير من الفخار املستورد من وادي األندوس‬ ‫عثرت البعثات األثرية على ك ٍّم ٍ‬
‫يف عدد من املواقع األثرية يف ُعمان‪ ،‬وقد تراوحت هذه التأثيرات بني األلوان‬
‫واألشكال واألحجام‪ ،‬والزخرفة‪ ،‬وتقنية الصناعة وغيرها‪ .49‬ويُعد موقع البديه‪2‬‬
‫من املواقع التي إزدهــرت فيها تلك املؤثرات خالل فترة النصف الثاني من‬
‫العمانية الساحلية التي‬ ‫األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬وهي كغيرها من املواقع ُ‬
‫إستقبلت بعض املؤثرات الهندية‪ ،‬فقد مت العثور على كسر من الفخار يحمل‬
‫نفس خصائص فخار وادي األندوس‪ ،‬وكسرة أخرى حتمل رأس أفعى منقط‬
‫وهذا الرسم معروف يف املواقع الهندية ‪ .50‬كما أن التأثير وصل إلى أسلوب‬
‫صناعة الفخار ففي رأس اجلنز إستخدمت طريقة قص القاعدة باخليط يف‬
‫تزيني اآلنية‪ ،‬مؤرخاً بأواخر األلف الثالث قبل امليالد‪ .51‬كما عثـر يف موقع‬
‫رأس اجلنز وحصن سلّوت أيضاً على قطعة فخارية من‬
‫وادي األندوس حتمل نقوشاً وزخارف تعود‬
‫إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‪،‬‬
‫مع مــواد أخــرى تعود إلــى نفس‬
‫الفترة ممــا يــؤ ّكــد العالقة بني‬
‫مجان ووادي األندوس منذ تلك‬
‫احلقبة التاريخية‪.52‬‬

‫جرة من وادي األندوس‪،‬‬


‫رأس اجلنز األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪ - 49‬الهزانــي‪ ،‬بدريــة‪ ،‬اقتصــاد منطقــة شــرق اجلزيــرة العربيــة واخلليــج العربــي‪ ،‬خــال األلــف الثالثــة قبــل امليــاد‪ ،‬املقومــات‬
‫واملؤثــرات‪ ،‬دراســات يف تاريــخ اجلزيــرة العربيــة وحضاراتهــا‪ ،٢٠٠٧ ،‬ص‪.٦٤ .‬‬
‫‪ - 50‬املديلــوي ‪ ،‬علــي بــن راشــد‪ ،‬ثقافــة جمــدة نصــر يف إقليــم ُعمــان (‪ ٢٧٠٠-٣٢٠٠‬قبــل امليــاد)‪ ،‬وزارة التــراث والثقافــة‪،‬‬
‫ســلطنة ُعمــان‪ ،٢٠٠٧ ،‬ص‪.٢٩١ .‬‬
‫‪ - 51‬فوكــت‪ ،‬يــوركارت‪ ،‬كــوكل‪ ،‬هوفبــار‪ ،‬احلــاج‪ ،‬املســح األثــري يف املنطقــة الغربيــة مــن إمــارة أبوظبــي‪ ،‬ترجمــة‪ ،‬وليــد ياســن‬
‫التكريتــي‪ ،‬اآلثــار يف د ولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬إدارة اآلثــار والســياحة‪ ،‬العــن‪ ،‬العــدد ‪ ،١٩٨٩ ،٥‬ص‪.٣٤ .‬‬
‫‪ - 52‬كلوزيو & توزي ‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٩٧ .‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫كسر من فخار وادي األندوس تعود إلى األلف الثالث‬


‫قبل امليالد عثر عليها يف موقع رأس اجلنز‬

‫جرة عليها زخرفة نخيل وطواويس‪،‬‬


‫‪53‬‬
‫رأس اجلنز األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪ - 53‬كلوزيو & توزي ‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٩٦ .‬‬

‫‪43‬‬
‫ُعثر يف البرج الدائري يف موقع حصن سلّوت األثــري‪ ،‬الذي يعود تاريخه‬
‫إلى العصر البرونزي (منتصف األلف الثالث قبل امليالد) على قطع كثيرة‬
‫من فخار حضارة وادي األنــدوس‪ ،‬من بينها جرار بأحجام كبيرة وجدت بها‬
‫خطوط منحنية مميزة‪ ،‬وطبقات سميكة منحنية داكنة وبنية مطلية يف األسطح‬
‫الداخلية واخلارجية‪ ،‬مما يدل على أنها كانت تستخدم لتخزين املواد الغذائية‬
‫والسوائل‪ .54‬شكل آخر من فخار وادي األنــدوس النموذجي املتعلق بإعداد‬
‫الطعام‪ ،‬مت العثور عليه يف برج العصر البرونزي‪ ،‬عبارة عن جرة أسطوانية وبها‬
‫ثقوب‪ ،‬وهذا النوع من اجلرار عثر عليه يف معظم مواقع وادي األندوس‪ ،‬ويعتقد‬
‫أنه إستخدم كمصفاه إلعداد أنواع من املشروبات‪ ،‬كما مت العثور على كسر‬
‫فخارية جلرار كروية كبيرة وصغيرة بزخارف باللون األسود يف حافتها زخارف‬
‫دائرية مع وجود رسومات لطاؤوس وأوراق التني الهندي‪ ،55‬كما عثر يف باالكوت‬
‫على ساحل مكران‪ ،‬على إناء فخاري ذي وسط منتفخ مز ّين برسوم الطيور‪،‬‬
‫والزخارف الهندسية مشابه لفخاريات مجان‪.‬‬

‫تُ َعد األختام املكتشفة يف ُعمان‪ ،‬خير دليل للتواصل احلضاري ووجود نظام‬
‫إداري للحكم والتنظيم‪ ،‬فقد كشفت احلفريات األثرية يف حصن سلّوت األثري‬
‫عن عدد من األختام التي تعود إلى فترة العصر البرونزي والتي تؤكد العالقات‬
‫التجارية بني مجان وحضارة وادي األندوس‪ ،‬فقد عثر على أنواع من األختام‬
‫حتمل تأثير حضارة وادي األندوس‪ ،‬وأهمها ختم يعود إلى نهاية األلف الرابع‬
‫وبداية األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬يظهر عليه صورة ثور‪ ،‬يشيح بوجهه إلى اليمني‬
‫ويقف أمام معلم مستطيل الشكل‪ ،‬رمبا مذبح أو حوض صغير‪ ،‬وأعاله توجد‬
‫كتابات وعالمات أبجدية حلضارة وادي األنــدوس تتشابه مع أختام ونقوش‬
‫وجدت يف مواقع بوادي األندوس ويعتقد أن اخلتم مت إستيراده إلى سلّوت‪،‬‬
‫تُعد هذه األختام املربعة شاهداً على التواصل احلضاري بني مجان ووادي‬
‫‪54 - Dennys Frenez; Michele Degli Esposito; Sophie Mery; Jonathan Mark Kenoyer, Bronze Age Salūt‬‬
‫‪(ST1) and the Indus Civilization: recent discoveries and new insights on regional interaction, Proceed-‬‬
‫‪ings of the Seminar for Arabian Studies, Volume 46, 2016, Papers from the forty-seventh meeting of the‬‬
‫‪Seminar for Arabian Studies held at the British Museum, London, 24 to 26 July 2015, p. 110.‬‬
‫‪55 - Ibid, p. 112 - 113.‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫يسر ُعثر على ختم من ثالثة أوجه‪ ،‬نحت عليه‬ ‫األنــدوس‪ ،56‬ويف مستوطنة امل ُ ّ‬
‫رسومات حليوانات مختلفة‪ ،‬مثل الثور ذي القرنني‪ ،‬والعقارب‪ ،‬وغزالن‪ ،‬وماعز‬
‫بري‪ ،‬وهو صناعة محلية مقلّدة من صناعة وادي األنــدوس املعروفة‪ ،‬ويدل‬
‫على ذلك الثور خافض الرأس‪ ،‬وهو غير معروف يف حيوانات مجان‪ ،‬فاخلتم‬
‫‪58‬‬
‫يظهر تأثيراً واضحاً ألشكال حضارة وادي األندوس‪ ،57‬كما وجد يف لوثال‬
‫على ساحل مكران ختم مصنوع من احلجر الصابوني الرمادي اللون مزخرف‬
‫برسومات املاعز‪.59‬‬

‫ختم يعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬موقع حصن سلّوت األثري‬

‫‪ - 56‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪ ،‬سلطنة ُعمان‪ ،٢٠١٠ ،‬ص‪.١٢-١٠ .‬‬
‫‪57 - During Casper, F. C. L., Triangular Stamp Seal From the Arabian Gulf and Their Indus Valley‬‬
‫‪connection, AION, No. 43/4, 1983, p. 161-162.‬‬
‫‪ - 58‬ميناء لوثال يقع على الساحل الغربي لشبه اجلزيرة الهندية‪.‬‬
‫‪59 - Dani, A. H., Bahrain and Indus Civilisation, BATA, 2010, edited by: Haya Ali Khalifa, Michael‬‬
‫‪Rice, p. 384.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪DA 4000‬‬

‫‪DA 4000‬‬

‫‪A‬‬

‫‪B‬‬

‫‪A‬‬

‫‪B‬‬ ‫‪C‬‬

‫‪C‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪20 mm‬‬


‫‪Photo & drawing : Hélène DAVID-CUNY - 2013‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪20 mm‬‬


‫‪Photo & drawing : Hélène DAVID-CUNY - 2013‬‬

‫‪60‬‬
‫ختم عثر عليه يف مستوطنة امل ُ ّ‬
‫يسر بوالية املضيبي يحمل تأثيرات وادي األندوس‬

‫ُعثر يف مستوطنة رأس اجلنز ‪ 2 -‬على ختم مربع الشكل مصنوع من النحاس‪،‬‬
‫ص ّنفت على أنها‬
‫نقش عليه صورة ملاعز بري‪ ،‬ويحتوي اخلتم على نقش ألحرف ُ‬
‫العمانية القدمية ضمن اإلستخدامات الرسمية‬
‫احملاوالت األولى إلدخال اللغة ُ‬
‫بعد أن كانت تُستخدم يف الكتابات الصخرية خالل فترة العصور احلجرية‪.‬‬
‫عثرت البعثات األثرية على مئات من اخلرز يف مدافن رأس اجلنز ورأس‬
‫احلــد والسويح وغيرها من املــواقــع‪ ،‬وهــي دالئــل تكمل اإلطــار العام لشبكة‬
‫اإلتصاالت احلضارية التي ربطت ُعمان بحضارة وادي األندوس منذ عصور‬
‫ما قبل التاريخ واستمرت خالل فترة األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬حيث مصادر‬
‫خامات العقيق والالزورد واألحجار الكرمية املختلفة‪ ، 61‬ويبدو أن خرز العقيق‬
‫القادم من وادي األندوس واملكتشف يف مدافن األلف الرابع والثالث قبل امليالد‬
‫‪ - 60‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬
‫‪ - 61‬فــرزات ‪ ،‬محمــد حــرب «العالقــات احلضاريــة بــن بــاد اخلليــج العربــي وشــبه القــارة الهنديــة حتــى األلــف االول قبــل‬
‫امليــاد» دراســات تاريخيــة ‪ ،‬العــددان ‪ ،١٩٩٠ ،٣٨ ،٣٧‬ص‪.٧٣ .‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫يف ُعمان‪ ،‬يعد من أقدم السلع املتداولة‪ ،‬كما عثر يف أحد املواقع التي تنتمى‬
‫إلى فترة العصر البرونزي يف أحد أبراج حصن سلّوت على شظايا كبيرة لثالث‬
‫خرزات متطابقة وثنائية مخروطية مصنوعة من العقيق األحمر والبرتقالي‪،‬‬
‫وهذا النوع من اخلرز كان شائعاً يف وادي األندوس‪ ،‬وتشير دراسة اخلرز‪ ،‬بأنه‬
‫مت حفره بطريقة األسلوب األسطواني للحفر الذي مت إختراعه من قبل صانعي‬
‫اخلرز يف وادي األندوس خالل الفترة ما بني (‪ 2500-2600‬سنة قبل امليالد)‪.62‬‬
‫ُعثر يف مستوطنة رأس اجلنز‪ 2‬على مشط عاجي‪ ،‬ويبدو أنه كان من السلع‬
‫املتبادلة‪ ،‬مما يشير إلى مظاهر من الترف والرفاهية التي كان يعيشها سكان‬
‫مستوطنة رأس اجلنز‪ 2‬خالل فترة العصر البرونزي‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مشط من العاج مستورد من وادي األندوس عثر عليه يف موقع رأس اجلنز‬

‫كما ُوجدت يف مواقع حضارة وادي األندوس مجموعة من اآلثار التي تؤكد‬
‫العالقات مع مجان خالل هذه الفترة وحتمل صفات ومالمح الصنع احمللية‬
‫منها أواني من احلجر الصابوني وأصداف بحرية‪.64‬‬
‫‪62 - Dennys Frenez et al, Bronze Age Salūt, p. 114.‬‬
‫‪ - 63‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬
‫‪ - 64‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.٢٠١ .‬‬

‫‪47‬‬
‫حضارة مجان واحلضارة الفرعونية‬
‫َوثّقت النصوص والكتابات القدمية يف مصر الفرعونية العالقات احلضارية‬
‫والتجارية بني مجان ( ُعمان) ومصر القدمية‪ ،‬وحتدثت عن جتارة اللبان والبخور‬
‫من خالل الرحالت البحرية التي كانت جتوب البحر األحمر‪ ،‬قاصد ًة أرض‬
‫اللبان‪ 65‬التي تعرف لديهم بـ (أرض اإلله)‪ 66‬أو بالد بونت (‪ ،)Punt‬وتُعتبر هذه‬
‫الرحالت جزء من الطقوس الفرعونية كونها رحالت مقدسة لديهم‪ ،‬وتشير‬
‫املصادر التي تعود إلى فترة العصر البرونزي إلى أن أحد أبناء الفرعون (خوفو)‬
‫يف عهد األسرة الفرعونية الرابعة (‪ 2750-2900‬سنة قبل امليالد) قام برحلة‬
‫إلى أرض اإلله (أرض اللبان)‪ ،‬تلت هذه الرحلة رحلة املستشار الفرعوني (بي بي‬
‫‪ - 65‬بونــت ‪ : Punt‬اختلــف الباحثــون يف حتديــد املوقــع اجلغــرايف لهــا‪ ،‬فمنهــم مــن يجعلهــا تتضمــن املنطقــة التــي تشــمل القــرن‬
‫اإلفريقــي وجنــوب اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬وفريــق آخــر يجعلهــا يف بــاد الصومــال‪ ،‬ومــن يرجــح أنهــا (ظفــار) ال ُعمانيــة‪.‬‬
‫‪ - 66‬كلوزيــو ســيرج و موريســيو تــوزي‪ ،‬يف ظــال األســاف‪ ،‬مرتكــزات احلضــارة العربيــة القدميــة يف ُعمــان‪ ،‬ترجمــة عبــاس‬
‫ســيد أحمــد‪ ،‬وزارة التــراث والثقافــة‪ ،‬ســلطنة ُعمــان‪ ،٢٠٠٧ ،‬ص‪.٢٥٤ .‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫نخت) خالل الفترة ما بني (‪ 2475-2625‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬كما قام كبير وزراء‬
‫الفراعنة (حنو) يف عهد األسرة الفرعونية احلادية عشر (‪ 1787-2160‬سنة‬
‫برحلة أخرى إلى أرض اللبان‪ ،‬وتشير النقوش واجلداريات املصورة‬‫ٍ‬ ‫قبل امليالد)‬
‫املوجودة يف معبد الدير البحري يف مصر القدمية إلى حملة امللكة الفرعونية‬
‫ضمت إرسال خمس‬ ‫حتشبسوت خالل الفترة (‪ 1500‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬التي ّ‬
‫سفن إلى (أرض اللبان)‪ ،‬جللب عدد من أشجار اللبان وسبائك الذهب والكحل‬
‫األسود وقطع من خشب األبنوس وكميات من اللبان‪ ،‬وقامت امللكة حتشبسوت‬
‫يف قاعة األعياد وأمام الرعية مبسح جسمها مباء اللبان لكي تختلط رائحتها‬
‫برائحة أرض اإلله (أرض اللبان)‪ ،‬وأصبح لون بشرتها ذهبياً‪ ،‬وأدت الرعية‬
‫مراسم الطقوس امللكية باإلنحناء للملكة‪ ،‬وأثنوا على سيد اإلله وهم ميجدون‬
‫ويعظمون ملك مصر (ما عت كارع)‪ ،‬فأخذت الصفة الرسمية كملكة فرعونية‬
‫إعتلت عرش مصر بعد إغتسالها مباء اللبان وفق املعتقدات الفرعونية‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ُسجلت ذكرى أحداث هذه الرحلة على جدران املعبد املصري الكبير بـ (الدير‬
‫البحري) بالقرب من (طيبة)‪ ،‬وهي عبارة عن مجموعة من الرسومات اجلصية‬
‫اجلدراية امللونة‪ ،‬والبارزة وقد عاد األسطول املصري‪ ،‬واملكون من خمس سفن‬
‫من تلك البالد محم ً‬
‫ال باللبان واملر‪ ،‬وأنواع من شجر الطيب والعاج‪ ،67‬يف تلك‬
‫الفترة كانت السفن املصرية تبدأ رحلتها من رأس خليج السويس‪ ،‬حيث تقطع‬
‫البحر األحمر كله إلى اجلنوب‪ ،‬وتعود سالك ًة الطريق نفسه يف وجه الريح‬
‫وتسمي النصوص املصرية هذه السفن أحياناً بـ (سفن اجلبال)‪ ،‬عقب ذلك‬
‫بثالثة قرون‪ ،‬أرسل الفرعون رمسيس الثالث (‪1167-1198‬سنة قبل امليالد)‬
‫أسطوالً من سفن كبيرة أبحرت من ميناء يواجه (قفط) إلى (أرض اللبان)‪.68‬‬

‫صورة لنقش الدير البحري والذي يوثق رحلة السفن الفرعونية إلى بالد بونت‬
‫‪67 - Groom, N., Frankincense and Myrrh , A Study of the Arabian Incense Trade (Arab Background‬‬
‫‪Series), London and new York, 1981, p. 22-29.‬‬
‫‪ - 68‬حوراني‪ ،‬العرب واملالحة‪ ،‬ص‪.٣٢-٣٠ .‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫حضارة مجان ودملون‬

‫إرتبط إسم مجان بدملون منذ أقدم إشارة له يف وثيقة امللك األكادي سرجون‬
‫يف نهاية األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬حينما توفرت للكيانني جملة من العوامل‬
‫ساهمت بفعالية يف تعزير تلك العالقة وتطويرها‪ ،‬ولعبا دوراً محورياً يف التجارة‬
‫العاملية خالل فترة العصر البرونزي‪ ،‬وأقدم إشارة للتواصل بني دملون ومجان‬
‫وردت يف نصوص مدينة الوركاء عند احلديث عن النحاس الذي كانت تستورده‬
‫بالد الرافدين‪ ،‬عن طريق موانئ دملون والذي كان يأتي من مجان‪.69‬‬

‫‪69 - Cleuziou, S. & Mery, S. In between the great powers: Bronze age Oman peninsula, In Cleuziou,‬‬
‫‪S., Tosi, M, and Zarins, J. Eds. Essay on the Late Prehistory of the Arabian Peninsula.Rome: IsIAO,‬‬
‫‪(2002), p. 275‬‬

‫‪51‬‬
‫ونظراً لرواج جتارة النحاس فمن البديهي أن تصاحبها سلع أخرى كانت‬
‫رائج ًة يف ُعمان‪ ،‬فالطقوس اجلنائزية اخلاصة مبجتمع مجان‪ ،‬ش ّكلت عنصراً‬
‫هاماً يف شبكة التبادل التجاري احمللي والعاملي‪ ،‬وقد وصلت أنواع من اجلرار‬
‫الفخارية املطلية باللون األحمر واألسود إلى دملون‪ .‬مت العثور يف مدافن منطقة‬
‫الرفاع ويف جزيرة البحرين على عدد من تلك اجلرار‪ ،‬وبالتحليل الكيميائي ثبت‬
‫أنها جاءت من ُعمان ويرجع تاريخها إلى ‪ 2400‬سنة قبل امليالد‪ ،70‬كما عثر على‬
‫مشغوالت نحاسية وأساور ورؤوس سهام ذات طابع ُعماني‪ ،‬فنتائج التنقيبات‬
‫األثرية يف كل من ُعمان والبحرين أكدت على الدور الهام الذي قامتا به يف ربط‬
‫خطوط التجارة العاملية‪.71‬‬

‫جرار فخارية عثر‬


‫عليها يف البحرين جلبت من مجان‬
‫يف األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪ - 70‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٤٣ .‬‬


‫‪ - 71‬املديلوي‪ ،‬ثقافة جمدة نصر‪ ،‬ص‪.٢٧٥ .‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫حضارة مجان والهضبة اإليرانية‬


‫منذ عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬والعالقات بني ُعمان والهضبة اإليرانية قد تشكلت‬
‫وفقاً للجوار اجلغرايف‪ ،‬والطبيعة التضاريسية‪ ،‬التي هيأت الفرص املناسبة‬
‫لإلتصال التلقائي بني اإلقليمني‪ ،‬عكستها املصالح اإلقتصادية املشتركة‪ ،‬ويف‬
‫فترة العصر البرونزي تعززت تلك الصالت على املستويني اإلقتصادي والثقايف‪،‬‬
‫وهو ما أكدته املكتشفات األثرية‪.‬‬

‫لقد وصل فخار مجان إلى عدد من مواقع الهضبة اإليرانية املجاورة مثل‬
‫تبة يحي‪ ،‬وشهري سوختا‪ ،‬وبامبور‪ ،‬وتعتبر املواد الفخارية واحلجرية املتبادلة‬
‫هي أكثر املواد شيوعاً خالل هذه احلقبة التاريخية‪ .‬وقد عثر يف مستوطنات‬
‫الهضبة اإليرانية على فخار مزخرف بطريقة اآلالليك (‪ ،)Eleleiak‬وهذا النوع‬
‫ال عن‬‫من الزخارف عرف يف مستوطنات مجان يف العصر البرونزي‪ ،72‬فض ً‬
‫وجود مناذح فخارية قريبة الشبه بأواني شهري سوختا عثر عليها يف وادي‬
‫عندام‪ ،‬وهي عبارة عن قطع فخارية (جرار) صغيرة مزينة بخطوط متوازنة‬
‫على شكل ورق النبات‪.73‬‬

‫ظهرت بعض مالمح التأثيرات اإليرانية على مناذج من القطع األثرية التي‬
‫ُعثر عليها يف عدد من مستوطنات مجان متباينة الشكل والزخرفة وتقنية‬
‫اإلنتاج وتنحدر من صناعة تعدين النحاس جنوب شرق إيران‪ ،74‬كما مت إكتشاف‬
‫أواني حجرية مصنوعة من حجر الكلوريت الرمادي‪ ،‬املائل للزرقة‪ ،‬ذو قاعدة‬
‫مربعة‪ ،‬زينت جوانبها األربعة بدوائر محززة وعميقة صنعت بواسطة املثقب‪،‬‬
‫وهو أسلوب غير مألوف يف زخارف مجان يف العصر البرونزي املبكر‪ ،‬إضاف ًة‬
‫إلى أواني الطهي احملروقة األسفل‪ ،‬وهي تشبه مثيالتها يف (شهري سوختا)‪.75‬‬
‫‪ - 72‬فوكــت‪ ،‬يــوركارت ‪ ،‬تقريــر أولــي عــن التنقيبــات األثريــة يف املدفــن ‪ A‬مــن عصــر أم النــار‪ ،‬منطقــة هيلــي (‪،)١٩٨٤-١٩٨٢‬‬
‫اآلثــار يف دولــة اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬العــدد ‪ ،٤‬ص‪.٣٣-٣٠ .‬‬
‫‪73 - Tosi, M. The Dating of Umm an Nar Culture and a Proposed Sequence for Oman in the third Mil-‬‬
‫‪lennium B.C, B C. JOS, Vol. 2, 1976, p. 90.‬‬
‫‪ - 74‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.٢٤٢ .‬‬
‫‪75 - Tosi, The Dating of Umm an Nar Culture, p. 89.‬‬

‫‪53‬‬
‫رابعاً‪ :‬النظام السياسي التحالفي والتجانس احلضاري‬
‫‪76‬‬
‫كشفت البعثات األثرية عن مجموعة كبيرة من املستوطنات املتجانسة‬
‫عبار ًة عن جتمع سكاني كبير‪ ،‬وقد توزعت وفقاً ملصادر املياه خالل هذه الفترة‪،‬‬
‫كما جتمعت يف بعض الواحات التي توجد بها ينابيع املياه كواحة البرميي‬
‫والعني وسلّوت‪ ،‬وحتتوي هذه املستوطنات على مدافن تعود إلى بداية العصر‬
‫البرونزي مثل مدافن البرميي ومستوطنة (هيلي‪ ،77)8‬وهي منطقة ذات أهمية‬
‫كبيرة‪ ،‬وكانت مبثابة نقطة عبور مهمة للقوافل التجارية القادمة من الداخل‬
‫عبر جبال احلجر إلى الساحل‪ ،‬وقد ُعثر يف سلطنة ُعمان على آثار هذه الفترة‬
‫تركزت يف عدد من األوديــة‪ ،‬من قبيل‪ :‬وادي بهالء‪ ،‬وادي فار‪ ،‬وادي حلفني‪،‬‬
‫وادي عندام‪ ،‬وادي سمد‪ ،‬وادي أثلي‪ ،‬وادي إبراء ووادي بثة‪( ،‬جميع األودية‬
‫ُيسر وسلّوت‬
‫الرئيسة يف محافظات الشرقية)‪ ،‬ومن أبرز املستوطنات بات وامل ّ‬
‫‪78‬‬

‫وهيلي‪ ،79 ٨‬أما املستوطنات الساحلية فأكثرها شهرةً‪( :‬رأس اجلنز) (رأس‬
‫احلد) (السويح)‪( ،80‬أنقيطات)‪.81‬‬

‫يبدو أن تلك املستوطنات قد عرفت بتنظيمها اإلجتماعي واإلقتصادي‬


‫اخلــاص‪ ،‬وتؤكد النقوش املسمارية لدى بالد الرافدين وجود ملوك وأسياد‬
‫وح ّكام يف مجان يف فترات مختلفة خالل فترة األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬وميكننا‬
‫‪76 - Häser, J. Formation and Transformation Processes of Oasis Settlements in the Sultanate of Oman:‬‬
‫‪Preliminary Report on a New Field Project. Proceedings of the Seminar for Arabian Studies 30, 2000,‬‬
‫‪pp. 115-118 ; Ibrahim, M. & Gaube, H. 2000. Oasis Settlement in Oman, Pilot Study 1999-2000. Un-‬‬
‫‪publizierter Report.‬‬
‫‪77 - Charpentier, V. 1994. A Specialized Production at Regional Scale in Bronze Age Arabia: Shell‬‬
‫‪Rings from Ra’s al-Junayz Area (Sultanate of Oman). South Asian Archaeology, 1: 157-170.‬‬
‫‪78 - Frifelt, K. Further Evidence of the Third Millennium B.C. Town at B-at in Oman. Journal of Oman‬‬
‫‪Studies 7: 1985, p. 89-104.‬‬
‫‪79 - Cleuziou, S. Excavations at Hili 8: A Preliminary Report on the 4th to 7th Campaigns. Archaeology‬‬
‫‪of the United Arab Emirates 5: 1989, p. 61-87.‬‬
‫‪80 - Brunswig, Jr, R.H. Cultural History, Environment and Economy as seen from an Umm an-Nar‬‬
‫‪Settlement: Evidence from Test Excavations at Bāt, Oman, 1977 ⁄ 78. Journal of Oman Studies 10:‬‬
‫‪1989, p. 9-50.‬‬
‫‪81 - Blau, S. Attempting to Identify Activities in the Past: Preliminary Investigations of the Third Mil-‬‬
‫‪lennium BC Population at Tell Abraq. Arabian Archaeology and Epigraphy 7: 1996, p. 143-176.‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫أن نفهم من خالل بعض القطع األثرية طبيعة ذلك التحالف الذي كان سائداً‬
‫يف حضارة مجان‪ ،‬حيث عكست بعض الرسومات وجود مثل هذا التحالف‪،‬‬
‫مؤرخ حوالي (‪2200-2300‬‬ ‫ففي ختم مستطيل ُعثر عليه يف موقع رأس اجلنز‪ّ 2‬‬
‫سنة قبل امليالد)‪ ،‬نقش عليه صورة لشخصني متشابكي األيدي يقفان بجوار‬
‫صورة نبات من احملتمل أنه سعف نخيل‪ ،82‬ورسم بارز آخر منحوت على الباب‬
‫اجلنوبي من املدفن رقم (‪ )1051‬يف (هيلي‪ )8‬يعود تاريخه إلى (‪ 2300‬سنة قبل‬
‫امليالد) وميثّل الرسم شخصني يف وضع قريب الشبه بوضع الشخصني يف ختم‬
‫(رأس اجلنز ‪ ،)2‬حيث ميسك كل منهما بيد اآلخر ويقفان بني إثنني من املها‪.83‬‬

‫رسم خلتم حجري عثر عليه يف موقع رأس اجلنز‪2‬‬

‫‪82 - Cleuziou, S. Early Bronze Age Trade in the Gulf and the Arabian Sea: The Society behind the‬‬
‫‪boats, in D.T. Potts and H.A. Naboodah (eds), Archeology of the United Arab Emirates. London: Tri-‬‬
‫‪dent Press Ltd. 2003, p. 145.‬‬
‫‪83 - Ibid.‬‬

‫‪55‬‬
‫إن هذا الشكل من التنظيم السياسي كان شائعاً يف املراكز واملراسيم املهمة‬
‫حينما كان يتم بشكل دوري إعادة التحالفات وجتديدها‪ ،‬وباإلنتقال إلى حتليل‬
‫أن أبناء مجان‬
‫املعطيات التي جاءت يف كتابات ملوك بالد الرافدين‪ ،‬يتضح لنا ّ‬
‫خالل فترة األلف الثالث قبل امليالد إحتدوا بقيادة امللك مانو‪-‬دانو ملك مجان‬
‫للتصدي لهجوم األكاديني بقيادة امللك مانشتوسو‪.‬‬
‫عكست اآلثار املكتشفة عن حجم التشابه الكبير يف ممارسة الطقوس املختلفة‬
‫وتطورها مع مرور الزمن‪ ،‬سواء يف األراضي الساحلية أو سفوح اجلبال أو على‬‫ّ‬
‫الوديان اجلبلية‪ ،‬ويعد ذلك من أهم الدالالت اإلجتماعية‪ ،‬فكل املدافن أحادية‬
‫الغرف‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص‪ ،‬الُ علّمة بأكوام األحجار التي ظهرت يف نهاية‬
‫األلفية الرابعة قبل امليالد‪ ،‬حيث تتشابه أينما وجدت‪ ،‬وإذا نظرنا إلى املدافن‬
‫اجلماعية جندها هي األخرى متشابهة‪ ،‬فقد أكدت آثار مدافن رأس احلد ورأس‬
‫اجلنز على وجود دفن جماعي يضم العشرات من األفراد يف املدفن الواحد‪،‬‬
‫كما أن الهندسة املعمارية للمدافن واحــدة‪ .84‬فقد تعددت وتشابهت األبراج‬
‫املستديرة يف املستوطنات الكبيرة مثل مستوطنة بات وهيلي وسلّوت‪ ،85‬ويف تلك‬
‫املستوطنات إنتشرت زراعة الشعير والقمح واحلبوب ومحاصيل أخرى‪ ،86‬ولعل‬
‫هذا التجانس احلضاري على املستوىين الثقايف واإلجتماعي قد أتى نتيجة‬
‫وحدة األرض واإلنسان‪ ،‬ووحدة الثقافة املادية مع وجود التنوع واخلصوصية‬
‫العماني القدمي‪.‬‬
‫التي ساعدت على صياغة الهوية السياسية للمجتمع ُ‬
‫شهدت مجان حتوالت إجتماعية وإقتصادية وسياسية ملحوظة مع مطلع‬
‫األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬فلم تعد مجان تذكر بصورة مباشرة يف كتابات ملوك‬
‫بالد الرافدين بعد فترة ساللة أور الثالثة‪ ،‬نتيجة التدهور الذي أصاب احلركة‬
‫التجارية والصراعات اإلقليمية التي شهدتها املنطقة‪ ،‬وخصوصاً يف كل من‬
‫‪84 - Cleuziou, Early Bronze Age, p. 142-143.‬‬
‫& ‪85 - Frifelt, K. Bat, a Centre in Third Millennium Oman. Pages 101–110 in Cleuziou, S., Tosi, M.‬‬
‫‪Zarins, J. (eds), Essays on the Late Prehistory of the Arabian Peninsula, (Rome, Serie Orientale Roma‬‬
‫‪93, Istituto italiano per l’Africa e l’Oriente). 2002.‬‬
‫‪86 - al-Jahwari, N. The agricultural basis of Umm an-Nar society in the northern Oman peninsula‬‬
‫‪(2500-2000 B.C.) in: Arabian archeology and epigraphy 20, 2009, p. 122-133.‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫وادي األندوس (حضارة الهاربان)‪ 87‬وبالد الرافدين‪ ،‬كل ذلك كانت له تداعيات‬
‫مباشرة على حضارة مجان‪ ،‬فمنطقة جنوب وشرق بالد الرافدين قد حتولت إلى‬
‫دويالت صغيرة متحاربة فيما بينها مبا يف ذلك مدينة (أور) امليناء الرئيس الذي‬
‫يستقبل نحاس مجان‪ ،‬وسقوط دولة (أور) بيد حمورابي ملك بابل عام (‪1759‬‬
‫قبل امليالد) قد أحدث ضربة إقتصادية حقيقية ملجان‪ ،‬بينما كانت حضارة الـ‬
‫(هاربان) الناضجة يف وادي األندوس قد وصلت إلى نهايتها يف وقت مبكر من‬
‫عام (‪ 1900‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وهكذا أصبحت التجارة التي تربط كل حضارات‬
‫العالم القدمي قد تراجعت وانحسر الطلب على النحاس‪ ،‬وبالتالي ضعفت شبكة‬
‫اخلطوط املالحية‪ ،‬فاملواد اخلام مثل‪ :‬الالزورد والقصدير التي ش ّكلت عنصراً‬
‫هاماً يف التجارة مع الشرق األدنى القدمي لم تعد متاح ًة للتصدير‪ ،88‬رغم أن‬
‫صناعة وتعدين النحاس خالل هذه الفترة (‪ 1300- 2000‬سنة قبل امليالد) لم‬
‫تتوقف‪ ،‬وظهرت شواهد لعمليات التعدين يف العديد من املواقع يف ُعمان‪ ،‬وقد‬
‫ظهرت خالل تلك الفترة يف منطقة وادي سوق شمال صحار‪ ،‬ووادي سنيسل‬
‫قرب عبري أدلة على إستخدام الفخار املطلي والتعدين وأواني احلجر اللني‪.89‬‬
‫مع إنهيار احلضارات العاملية تراجعت مجان كغيرها من حضارات العالم‬
‫القدمي‪ ،‬وتشير الدراسات األثرية عن تراجع الصناعات احمللية املربحة‪ ،‬وغدت‬
‫معظم املواقع مهجورة واختفى بناء القالع‪ ،‬كما مت التخلي عن القالع القدمية‪،‬‬
‫وظهرت أنواع جديدة من املدافن أقل تطوراً من السابق‪ ،90‬إال أن أعمال املسح‬
‫األثــري قد رصدت عودة ُعمان إلى دورهــا احلضاري والتاريخي مع نهايات‬
‫العصر البرونزي‪.‬‬

‫‪ - 87‬هاربــان‪ Harappan :‬حضــارة قامــت يف وادي الســند يف الفتــرة املمتــدة مــن (‪ ١٩٠٠-٢٧٠٠‬قبــل امليــاد)‪ ،‬وقــد أســفرت‬
‫التنقيبــات األثريــة فيهــا عــن وجــود آثــار لتبــادل جتــاري بينهــا وبــن منطقــة اخلليــج العربــي ‪.‬‬
‫‪88 - Botan, S., Tower-Fortresses of Ancient Magan: A study of the tower-fortresses of the third millen-‬‬
‫‪nium on the Oman Peninsula, thesis, Archaeology of the Near East University of Leiden, Faculty of‬‬
‫‪Archaeology, Leiden, 2012.‬‬
‫‪ - 89‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،١‬ص‪.٣٦٧ .‬‬
‫‪90 - Cleuziou, S. Extracting wealth from a land of starvation by creating social complexity: A dialogue‬‬
‫‪between archeology and climate? Geoscience 341, 2009, p. 732.‬‬

‫‪57‬‬
‫خامساً‪ :‬التحول اجلديد ‪ُ -‬عمان يف فترة األلف الثاني قبل امليالد‬
‫(‪ 1300- 2000‬سنة قبل امليالد)‬
‫منذ مطلع األلف الثاني قبل امليالد شهدت مجان حتو ًال الفتاً على جميع‬
‫املستويات السياسية واإلجتماعية واإلقتصادية والفكرية‪ ،‬وكشفت أعمال املسح‬
‫األثري يف وادي سوق ووادي سنيسل عن فخاريات مطلية حتوي منوذجاً عثر‬
‫على شبيه له يف البحرين مت حتديد تاريخه باأللف الثاني قبل امليالد‪ ،91‬وهي‬
‫ذات الفترة التاريخية التي شهدت تراجعاً حضارياً واضحاً بعد أن انهارت‬
‫شبكة التجارة الدولية‪ ،‬واختفى بناء العمارة الدفاعي (القالع)‪ ،‬ويبدو أن بعض‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫الواحات واملستوطنات قد ُهجرت‪ ،‬وعاد املجتمع ملمارسة احلياة البدوية‬
‫أكبر‪.92‬‬

‫إن مالمح احلياة خالل العصر البرونزي املتأخر (‪ ١٣٠٠ - ٢٠٠٠‬سنة قبل‬
‫امليالد) قد سجلتها إكتشافات أثرية يف مناطق كثيرة من ُعمان‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪91 - Frifelt K. On Prehistoric Settlement and Chronology of the Oman Peninsula - in East and West vol.‬‬
‫‪25, 3-4, Ismeo, Rome, 1975, p. 371.‬‬
‫‪92 - Carter, R.A. Defining the Late Bronze Age in Southeast Arabia: ceramic evolution and settlement‬‬
‫‪during the second millennium BC (unpublished PhD Dissertation). Institute of Archaeology: University‬‬
‫‪College London, 1997.‬‬
‫الفصل األول‬
‫ُعمان ونظامها السياسي يف العصر البرونزي‬

‫بناء على كربون ‪ 14‬إلى منتصف األلف‬ ‫موقع بات بوالية عبري يعود تاريخه ً‬
‫الثالث قبل امليالد‪ ،‬وقد أعيد إستيطانه يف األلف الثاني قبل امليالد‪ .93‬ويف‬
‫مواقع أخرى إحتوت على أمناط متعددة للحياة خالل األلف الثاني قبل امليالد‪،‬‬
‫من قبيل موقع رأس اجلنز‪ ،‬حيث عثر على بقايا هذه الفترة مستقر ًة بالقرب من‬
‫بقايا يرجع تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد‪ .‬وتشير الدراسات يف موقع‬
‫(رأس اجلنز‪ )1‬على بقايا مباني تعود إلى النصف األول من األلف الثاني قبل‬
‫بناء على الفخار وتأريخ كربون ‪ 14‬املشع‪ .94‬كما ُعثر يف‬
‫امليالد مت حتديدها ً‬
‫موقع (قميراء ‪ )1‬بوالية ضنك على مدفن جماعي من أربع غرف يعود إلى فترة‬
‫األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬وقد مت العثور على معثورات طقوسية بداخل املدافن‬
‫عبارة عن أواني فخارية وحجرية ومجموعة من اخلرز والسهام‪.95‬‬

‫لقد مت العثور على مستوطنة سكنية ذات طبيعة مميزة على الضفة الشمالية‬
‫من وادي باثا شمال الكامل والوايف حتتوي على جدار من طوب اللنب‪.96‬‬
‫‪93 - Brunswig, Culture, History Environment, p. 17.‬‬
‫‪94 - Cleuziou & Tosi, Ra’s al-Jinz and the Prehistoric Coastal Cultures of the Ja‘alān, p. 40.‬‬
‫‪95 - Białowarczuk, M, 2017, “Preliminary report on Qumayrah–Ayn 2, a new prehistoric site in north-‬‬
‫‪ern Oman”, Polish Archaeology in the Mediterranean 26/1, Polish Centre of Mediterranean Archaeol-‬‬
‫‪ogy, University of Warsaw, p. 543 - 555.‬‬
‫‪ - 96‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،١‬ص‪.٣٧٤-٣٦٨ .‬‬
‫مت ّيزت فترة العصر البرونزي املتأخر (األلف الثاني قبل امليالد) بعدة مميزات‪:97‬‬

‫‪ -1‬إستبدال أمنــاط الفخار القدمي واألدوات النحاسية واحلجرية بأخرى‬


‫جديدة ذات مواصفات جمالية وفنية مختلفة‪.‬‬

‫‪ -2‬إستخدام أنواع جديدة من املدافن املفردة وجدت بجانب مدافن جماعية‬


‫ألول مرة‪.‬‬

‫‪ -3‬تراجع يف اإلستيطان‪ ،‬يف املناطق الشرقية من مجان‪ ،‬وقد مت إكتشاف موقعني‬


‫صغيرين يف رأس اجلنز‪ ،‬وموقع آخر قرب موقع الدفة‪ ،‬يف تناقض واضح مع‬
‫العدد الكبير للمواقع واملدافن التي تعود إلى األلف الثالث قبل امليالد‪.‬‬

‫‪ -4‬الفخار أصبح أخشن وغير مز ّين وقاصر على األشكال األساسية لإلستخدام‬
‫اليومي‪.‬‬

‫والصوان واحملار واخلرز على أهميته يف معظم‬


‫ّ‬ ‫‪ -5‬حافظ حجر الكلورايت‬
‫النشاطات املنزلية‪.‬‬

‫‪ -6‬إمتازت هذه احلقبة بإنتشار األدوات النحاسية واألسلحة‪.‬‬

‫‪ -7‬املنازل شبيهة باملستوطنات التقليدية املخصصة للصيادين على طول‬


‫الساحل من رأس اجلنز حتى ظفار‪.‬‬

‫‪ - 97‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪.٢٨٣-٢٨١ ،‬‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي‬
‫(‪ 1300 - 3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫أو ًال‪:‬‬
‫العوامل اجلغرافية والبشرية وأثرها على التمركز السكاني‬

‫ثانياً‪:‬‬
‫التمركز السكاني يف شمال ُعمان‬

‫ثالثاً‪:‬‬
‫مناذج من املواقع األثرية يف ُعمان التاريخية‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫أو ًال‪ :‬العوامل اجلغرافية والبشرية وأثرها على التمركز السكاني‬


‫تنقسم العوامل املؤثرة يف التمركز السكاني إلى نوعني‪ :‬عوامل طبيعية‬
‫وعوامل بشرية‪ ،‬ويعتبر املاء أهم عامل طبيعي للجذب السكاني‪ ،‬فهو العنصر‬
‫الرئيسي إلستمرار حياة الكائنات احلية بعد الهواء‪ ،‬وهو األساس يف إستقطاب‬
‫األفراد واجلماعات التي م ّهدت إلقامة التجمعات السكانية احلضارية‪ ،‬فبالقرب‬
‫من املوارد املائية الطبيعية نشأت املستوطنات وتعددت أنشطتها لتشمل كل‬
‫مجاالت احلياة‪ ،‬أما العوامل البشرية فتأتي يف مقدمتها النشاطات اإلقتصادية‬
‫بناء على‬
‫املعتمدة على الثروات الطبيعية والطرق التجارية البرية والبحرية ‪ً ،‬‬
‫‪98‬‬

‫ذلك ق ُِّسمت مناطق اإلستيطان إلى سبع مناطق إعتماداً على توزيع املوارد‬
‫الطبيعية وإستثمارها‪:99‬‬

‫الشريط الساحلي‪ :‬يتكون من شواطئ وخلجان وشعب مرجانية وجزر ساحلية‬


‫مصبات األودية مما جعل إقتصادها يعتمد‬
‫ّ‬ ‫صغيرة‪ ،‬حيث تتوفر يف هذه املناطق‬
‫على البحر والزراعة‪.‬‬

‫شريط السفوح الساحلية‪ :‬تعد هذه املنطقة أقل املناطق إستيطاناً‪ ،‬حيث‬
‫يتركز اإلستيطان يف الوديان اجلنوبية والبطاح القدمية‪.‬‬

‫السلسلة اجلبلية‪ :‬تتوفر بها صخور حتتوي على معدن النحاس‪ ،‬كما يوجد‬
‫يف هذه املنطقة العديد من احليوانات البيئية اجلبلية‪.‬‬

‫سفوح اجلبال الداخلية‪ :‬تتميز هذه املنطقة بأعلى معدل لهطول األمطار‪،‬‬
‫وتتوفر بها املياه اجلوفية‪ ،‬التي تتجمع يف أحواض الوديان التي تتوزع عليها‬
‫جميع احلياة النباتية‪ ،‬يأتي يف مقدمتها‪ :‬وادي حلفني وعندام وسمد وإبراء‬
‫وقنت‪ ،‬وعبري والبطحاء وقميراء وبني ساعدة‪ ،‬حيث توفر للمستوطنة األرض‬
‫‪98 - Tosi, M., Notes on the Distribution and Exploitation of Natural Resources in Ancient Oman”,‬‬
‫‪Journal of Oman Studies 1, 1975, p. 202.‬‬
‫‪99 - Ibid, p. 190.‬‬

‫‪63‬‬
‫املستوية الصاحلة للزراعة بالري أو بالسيول‪ ،100‬وقد لوحظ أن اإلستيطان يف‬
‫تلك املنطقة يتبع نسقاً طولياً يساير مجاري األوديــة‪ ،101‬إضاف ًة إلى ّ‬
‫أن املياه‬
‫املستمدة من األوديــة جندها تنتفع من القنوات األرضية التي تغذيها املياه‬
‫اجلوفية عند أسفل تلك املرتفعات‪.102‬‬

‫السهول الشرقية‪ :‬تعد هذه املنطقة أكثر إنفتاحاً على احمليط الهندي‪ ،‬وأقل‬
‫وتتميز بوفرة املياه طيلة العام‪ ،‬لذا فهي غنية بالزراعة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تأثراً برمال الصحراء‪،‬‬
‫وتعد من أكثر املناطق إستيطاناً كونها ترتبط بأحواض مياه األودية ُ‬
‫العمانية‬
‫الشهيرة‪.‬‬

‫هضاب ظفار‪ :‬ترتفع فوق الساحل بشكل مفاجئ حوالي ‪400-300‬م‪ ،‬وتصل‬
‫قمتها إلى ‪ 800‬م‪ ،‬وهي عبارة عن مزيج من السالسل املختلفة التي تبدأ من‬
‫شرق حاسك (جبل سمحان) وحتى نهاية سلسلة جبال ظفار وتنتهي غرب‬
‫رأس فرتك‪ ،‬هذه الهضاب يتخللها العديد من األودية التي ش ّكلت عامل جذب‬
‫لإلستيطان البشري‪ ،‬ففي البيئة الساحلية‪ ،‬حيث سهل صاللة واجلبال الغربية‬
‫املتصلة به‪ ،‬وقد انتشرت شجرة اللبان منذ عصور ماقبل التاريخ‪.103‬‬

‫جنــد‪ :‬تتكون هذه املنطقة من تالل منخفضة مكونة هضبة‪ ،‬ويف الشمال‬
‫تؤدي إلى سهل متموج‪ ،‬لهذه السلسلة أهمية كبيرة بسبب سقوط األمطار عليها‬
‫وتُع ّد مصدراً هاماً للمياه التي تصب يف أودية ظفار‪.104‬‬

‫‪100 - Hastings, A., Humphries, J. And Meado, R. H., Oman in the third millennium B.C., JOS,‬‬
‫‪vol.1.1975. p. 9-55.‬‬
‫‪101 - Schreiber, J. Transformations prozesse in Oasensiedlungen Omans.Die vorislamische zeit Am‬‬
‫‪Beispiel von Izki, Nizwa und dem Jebel Akhdar. Band I: Text, Inaugural-Dissertatio zur Erlangung‬‬
‫‪des Doktorgrades der Philosophie an der Ludwig-Maximilians-Universität München.Woolley, L. 1963.‬‬
‫‪History Unearthed. London, 2007. p. 11.‬‬
‫‪ - 102‬كلوزيو‪ ،‬سيرج‪ ،‬موريسيو توزي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.١٦٠ .‬‬
‫‪ - 103‬زارنس‪ ،‬يورس‪ .‬أرض اللبان‪ .‬ص‪.٢١ .‬‬
‫‪ - 104‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٦٣-٦٢ ،٢٣ .‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫ثانياً‪ :‬التمركز السكاني يف شمال ُعمان‬

‫مستوطنات الواحات وسفوح اجلبال‬

‫شهدت املناطق الساحلية الشرقية يف ُعمان مع نهاية العصر احلجري‬


‫احلديث (‪ 3000 - 10,000‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬إستيطاناً واسعاً أكدته املواقع‬
‫واملعثورات األثرية التي مت الكشف عنها بالقرب من جتمعات مياه األخوار‬
‫واملستنقعات املائية القدمية‪ ،‬ومع البدايات املبكرة للعصر البرونزي (‪- 3000‬‬
‫‪ 1300‬سنة قبل امليالد) وجفاف العديد من تلك البحيرات بدأ اإلنسان بالبحث‬
‫عن مصادر الغذاء يف املناطق الداخلية من ُعمان‪ ،‬وظهرت العديد من املواقع‬
‫التي حوت معالم حضارية متقدمة يف تلك الفترة‪ ،‬كما شهدت مواقع العصر‬
‫البرونزي يف ُعمان على قدرة اإلنسان على التكيف مع البيئة وفق ما يتاح له من‬
‫مصادر املياه والغذاء‪ ،‬وتغير فكر اإلنسان خالل هذه الفترة فقد أصبح يتجه‬
‫نحو إنتاج ما يحتاج إليه وتخزينه‪.‬‬

‫يشير عدد املدافن التي مت العثور عليها شرق جعالن عن بداية التوجه نحو‬
‫املناطق الداخلية من ُعمان خالل نهاية العصر احلجري احلديث وبداية العصر‬
‫البرونزي‪ .‬حيث عثر على (‪ )5012‬مدفن على قمة اجلبل يف مساحة حوالي‬
‫‪ 159.326‬كم‪.105 2‬‬

‫تُعد مدافن سيح السعد املوقع األبرز يف املنطقة حيث مت العثور ‪ ٪30‬من‬
‫املدافن (‪ 1600‬مدفن) يف قمة اجلبل تعود إلى الفترة األخيرة من العصر‬
‫احلجري احلديث وبداية العصر البرونزي‪.106‬‬

‫‪105 - Aljahwari. N.S, (2013). The Early Bronze Age funerary archaeological landscape of western‬‬
‫‪Ja’alan: results of three seasons of investigation. Arabian archaeology and epigraphy 151-173. p. 156.‬‬
‫‪ - 106‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪65‬‬
Dhf-5
Dhf-12 B
Dhf-6
Dhf-11

Khb-18 Khb-1
Khb-2

Rwy-12
W.Massawa Rwy-3
Rwy-7
Rwy-4
Rwy-1

Bid-1
W.Sal Swy-4 1
Swy-11
Swy-52 Swy-2
3 Swy-15 Swy-1
Swy-10
Oman
Swy-1 Sea
Swy-14 Swy-13
Swy-3
4 Swy-20
Slb-2
Khor Bani Bouali
Slb-1
W.al Batha Slb-3/4

5
Southern Ja’alan coast
around 4800 cal.BC after
simulation at 9m by GIS

‫ جنوب جعالن خالل فترة األلف اخلامس قبل امليالد‬،‫مستوطنات الشريط الساحلي‬
‫خالل فترة العصر احلجري احلديث على الساحل الشرقي من ُعمان‬

66
‫الفصل الثاني‬
)‫ سنة قبل امليالد‬1300-3000( ‫مستوطنات العصر البرونزي‬

107
‫مدافن نهاية العصر احلجري احلديث وبداية العصر البرونزي شرق ُعمان‬
107 - Aljahwari. N.S, (2013). The Early Bronze Age funerary archaeological landscape of western
Ja’alan: results of three seasons of investigation. Arabian archaeology and epigraphy 151-173. p. 162.

67
‫صور ملدافن بات بوالية عبري‪ ،‬األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪68‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫مستوطنات بات واخلطم ووادي العني‬

‫تشير املواقع األثرية يف كل من بات واخلطم ووادي العني بوالية عبري على‬
‫العماني خالل فترة العصر البرونزي يف املعرفة الهندسية للبناء‬
‫مهارة اإلنسان ُ‬
‫والتشييد‪ ،‬من خالل ما يعرف باملدافن الركامية أو مدافن خاليا النحل واألبراج‬
‫الضخمة التي متيزت بها هذه املواقع وتشابهت مع مواقع أخرى يف ُعمان‪،108‬‬
‫حيث كان يتم دفن املوتى مع مرفقات جنائزية كاخلناجر النحاسية والقالئد‬
‫املصنوعة من اخلرز وأدوات حجرية وأواني فخارية‪.‬‬

‫ويصل عدد املدافن التي مت العثور عليها إلى ما يقارب ألف مدفن تنتشر‬
‫على السفوح اجلبلية‪ ،‬ونحو ‪ ١٣٠‬مدفناً على السهول املنبسطة‪ ،‬وجميعها تعود‬
‫إلى فترة العصر البرونزي‪ ،‬كما مت إكتشاف أبراج مستديرة الشكل يحيط بكل‬
‫منها جدران حتيط ببئر للماء يعتقد أنها أبراج للمراقبة أو احلراسة كبرج‬
‫الرجوم وبرج اخلفاجي وبرج املطيرية وبرج السلمي وبرج اخلطم‪.‬‬
‫‪ - 108‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٦٦ .‬‬

‫صورة لسلسة مدافن وادي العني بوالية عبري‪ ،‬األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪69‬‬
‫مت العثور بالقرب من برج اخلطم على مدافن تعود بعضها إلى الفترة (‪-3000‬‬
‫‪ 2600‬سنة قبل امليالد) وبعضها إلى الفترة (‪ 2000-2600‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫ومائة مدفن بنيت باحلجارة الصلبة باإلضافة إلى مدافن أخرى تقع يف اجلزء‬
‫اجلنوبي من موقع بات‪ .‬وتتشكل مدافن بات من مبنى دائــري من احلجارة‬
‫الصلبة ومن جدارين خارجيني وآخر داخلي‪ ،‬وعثر على قطع من الفخار األحمر‬
‫يعود إلى فترة العصر البرونزي ويشبه الفخار املوجود يف حضارة جمدة نصر‬
‫يف بالد الرافدين‪ ،‬وفخار أحمر آخر أكثر تطوراً ومزخرفاً بخطوط سوداء‬
‫خفيفة‪ ،‬وأخرى حتتوي على مقابض تعود إلى نفس الفترة من العصر البرونزي‪،‬‬
‫ومت الكشف يف بات على ثالثة أصناف من الشعير ونوعني من حبوب القمح‬
‫والبقوليات كالبازالء‪ ،‬ومدبسة (مستودع لتخزين التمور وإستخراج عسل التمر)‬
‫تعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد (‪ 2700‬سنة قبل امليالد)‪.109‬‬
‫‪ - 109‬كلوزيو‪ & ،‬توزي‪ .‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٣٢ ،١٧١-١٦٨ .‬‬

‫‪70‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫موقع حصن س ّلوت‬

‫كشفت احلفريات األثرية ملوقع حصن سلّوت األثري يف بهالء إلى أن فترة‬
‫إستيطان املوقع تعود إلى العصر البرونزي املبكر (بداية األلفية الثالثة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬حيث مت الكشف يف املوقع عن عدد من األبــراج واملدافن وأدوات‬
‫متنوعة‪.110‬‬
‫‪ - 110‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪ ،‬سلطنة ُعمان‪ ،٢٠١٠ ،‬ص‪.١٢-١٠ .‬‬

‫صورة جوية ملوقع حصن سلّوت األثري‬

‫‪71‬‬
‫بقايا هيكل عظمي يعود إلى فترة العصر البرونزي املبكر‬
‫عثر عليه يف موقع حصن سلّوت األثري‬

‫ُعثر يف أعلى حصن سلّوت على برج دائري إستخدم كمدفن وجدت فيه‬
‫بقايا عظمية لشخصني‪ ،‬كما وجد بداخله خرز ودبوس برونزي ورأس صوجلان‬
‫مصنوع من احلجر األبيض‪ ،111‬ويف السهل احمليط بحصن سلّوت توجد أبراج‬
‫ضخمة تعود إلى بداية األلفية الثالثة قبل امليالد يف منتصف كل منها بئر‬
‫وبداخلها مواد أثرية متعددة كالفخار واجلرار‪ ،‬ويف البرج القريب من احلصن‬
‫عثر على جرة فخارية كبيرة من نوع جرار التخزين‪ ،‬وتعد املعثورات الفخارية‬
‫التي عثر عليها مبثابة مناذج ألشكال ونقوش محلية الصنع تعود إلى هذه الفترة‬
‫املبكرة من هذا العصر‪ ،‬كما ُعثر على أنواع من األختام وأهمها ختم يعود إلى‬
‫نهاية األلف الرابع وبداية الثالث قبل امليالد‪ ،‬إضاف ًة إلى الكثير من األدوات‬
‫واألواني البازلتية واملصنوعة من احلجر األملس أو الصابوني‪.‬‬

‫‪ - 111‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪٢٠١٠( ،‬م)‪ ،‬سلّوت‪.)١٢-١٠( ،‬‬

‫‪72‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫صورة ملجموعة من اخلرز ورأس صوجلان من احلجارة البيضاء ودبوس برونزي‬


‫عثر عليها يف موقع حصن سلّوت األثري وتعود إلى فترة العصر البرونزي املبكر‬

‫كما أن أبراج املدافن الركامية املنتشرة على قمم اجلبل املقابل حلصن سلّوت‬
‫والتي تعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد هي من نفس نوع األبراج الركامية‬
‫واملعروفة بخاليا النحل املوجودة يف موقع بات األثري والتي مت إستخدامها يف‬
‫عصور الحقة للعصر البرونزي‪ ،‬ووجدت بها كثير من املقتنيات األثرية األخرى‬
‫مثل األدوات املصنوعة من احلجر الصابوني أو البازلت والفخاريات وبعض‬

‫‪73‬‬
‫األدوات البرونزية‪ ،‬وشهد النصف الثاني من العصر البرونزي املبكر (‪2500‬‬
‫سنة قبل امليالد) وجود نوع جديد من املدافن يختلف من حيث املوقع‪ ،‬مت بناؤه‬
‫على أرض منخفضة بالقرب من أبراج املستوطنة‪ ،‬وعثر على مدفن أرضي على‬
‫سفح مرتفع يف حصن سلّوت توجد به مجموعة من الهياكل العظمية‪ ،‬ومعثورات‬
‫من أواني احلجر الصابوني األملس‪ ،‬ووجدت مجموعة من األواني الصابونية‬
‫واحلجرية تشير إلى أن املوقع إستوطن يف فترات العصر البرونزي املتوسط‬
‫من (‪ 1600-2000‬سنة قبل امليالد) والعصر البرونزي املتأخر (‪1300-1600‬‬
‫سنة قبل امليالد)‪.112‬‬

‫صور ملدافن عثر عليها يف السفح املقابل حلصن سلّوت األثري‪ ،‬تعود إلى فترة العصر البرونزي‬

‫‪ - 112‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪٢٠١٠ ،‬م‪ .‬سلّوت‪ ،‬ص‪.١٢-١٠ .‬‬

‫‪74‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫‪75‬‬
‫صورة جوية تظهر املدافن وحصن سلّوت األثري‬

‫‪76‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫‪77‬‬
‫وادي عندام‬

‫كشفت أعمال املسوحات األثرية عن عدد من املواقع األثرية التي تقع يف‬
‫وادي عندام والتي تعود إلى فترة العصر البرونزي‪ ،‬ويعد موقع اخلشبة بوالية‬
‫املضيبي من أقدم مواقع تعدين النحاس التي تعود إلى نهاية العصر احلجري‬
‫احلديث (‪ 3200‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬كما عثر على مجموعة من األبراج التي تعود‬
‫إلى ذات الفترة‪ ،‬ومبنى حجري مستطيل الشكل وقناة مائية مفتوحة على شكل‬
‫منحدر متدرج‪ .113‬و ُعثر يف املوقع على مستوطنة يعود تاريخها إلى فترة األلف‬
‫الثالث قبل امليالد ومدافن ذات الركامات احلجرية (مدافن خاليا النحل)‪،‬‬
‫والعديد من املدافن التي تعود إلى نفس الفترة وأعيد إستخدامها يف فترات‬
‫الحقة ‪ .114‬كما مت العثور على خرزة واحدة من احلجارة املثقوبة باإلضافة إلى‬
‫ال عن مرود من النحاس وأربع خرزات من حجارة‬ ‫رأس سهم من النحاس فض ً‬
‫العقيق والكلورايت وأدوات حجرية مختلفة متعددة‪.‬‬

‫جزء من البرج الدائري يف موقع الغريني األثري بوادي عندام‬


‫‪ - 113‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٧١ .‬‬
‫‪114 - Al-Jahwari, N. S. & Kennet, D. (2010). «Umm an- Nar settlement in the Wadi Andam area (Sul-‬‬
‫‪tanate of Oman)». Proceedings of the Seminar for Arabian Studies, 40: p. 161-172.‬‬

‫‪78‬‬
‫الفصل الثاني‬
)‫ سنة قبل امليالد‬1300-3000( ‫مستوطنات العصر البرونزي‬

115
‫رسم توضيحي ملوقع ومستوطنة الغريني بوداي عندام‬

115 - Al-Jahwari, N. S. & Kennet, D. (2010). «Umm an- Nar settlement in the Wadi Andam area (Sul-
tanate of Oman)». Proceedings of the Seminar for Arabian Studies, 40: 161-172. p. 168.

79
‫موقع واحة العني‬
‫تقع واحة العني جنوب موقع رأس اجلنز‪ ،‬ويحتوي املوقع على بقايا ‪ 60‬منزالً‬
‫على ضفاف الوادي حتيط به واح ٌة من األشجار‪ ،‬وأكثر من ‪ 100‬مدفن على‬
‫قمم اجلبال احمليطة وعلى املصاطب املرتفعة‪ ،‬وموقد للنار وأدوات من احلجر‬
‫الصديف وأجزاء من الفخار املصقول يعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‪.116‬‬

‫موقع حلقة‬

‫يقع املوقع على جبل حلقة يف البرميي ويعود تاريخه إلى الفترة ما بني‬
‫(‪ 2500 - 3100‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وهو عبارة عن عدد من املدافن من نوع‬
‫املدافن الركامية املعروفة مبدافن خاليا النحل‪.‬‬

‫موقع جبل بني جابر‬

‫يقع املوقع األثري يف جبال احلجر الشرقي بوالية صور‪ ،‬ويعود تاريخه إلى‬
‫بدايات العصر البرونزي‪ ،‬ويضم عدداً من املدافن الركامية‪.117‬‬

‫موقع قميراء‬

‫عثر يف موقع قميراء بوالية ضنك على مستوطنة تعود إلى فترة العصر‬
‫البرونزي وتضم العديد من املباني السكنية مت بناؤها على أساسات حجرية‬
‫وبرجاً دائرياً وعددا من الكسر الفخارية احمللية واملستوردة ‪ ،‬واستمر االستيطان‬
‫يف املستوطنة إلى فترة العصر احلديدي والعصور الوسطى‪ ،‬وحتتوي على مباني‬
‫‪ - 116‬أولفييــر بلــن‪ ،‬العــن مســتوطنة صغيــرة ومزرعــة نخيــل يف شــرقي ُعمــان‪ ،‬يف‪ :‬كلوزيــو & تــوزي‪ ،‬يف ظــال األســاف‪،‬‬
‫ص‪.٢٧٠-٢٦٨ .‬‬
‫‪ - 117‬البكري‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.١٣٥ .‬‬

‫‪80‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫مقسمة وفريدة الشكل و‪ 3‬أبراج حجرية دائرية ذات جدران متعرجة تتشابه‬
‫مع برج الرجوم مبوقع بات األثري‪ ،‬ويف موقع بني ساعدة جنوب الوادي وقرية‬
‫القميراء بحوالي ‪ 6‬كيلومتر‪ ،‬عثر على مستوطنة حتتوي مباني حجرية وغرف‬
‫وأبراج تعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬كما عثر على عدد من األواني‬
‫الفخارية واحلجرية واملباخر الفخارية‪.118‬‬

‫موقع زكيت‬

‫ُعثر يف موقع زكيت بوالية إزكي على ‪ 398‬مدفناً يعود تاريخها إلى العصر‬
‫البرونزي املبكر‪ ،‬وجرة فخارية صغيرة مخروطية الشكل ذات عنق أسطواني‪.‬‬

‫صورة ملدافن العصر البرونزي يف زكيت‬


‫‪118 - Białowarczuk, M, 2017, “Preliminary report on Qumayrah–Ayn 2, a new prehistoric site in north-‬‬
‫‪ern Oman”, Polish Archaeology in the Mediterranean 26/1, Polish Centre of Mediterranean Archaeol-‬‬
‫‪ogy, University of Warsaw, p. 543 - 555.‬‬

‫‪81‬‬
‫موقع العيون‬

‫تقع قرية العيون يف اجلهة اجلنوبية من نيابة سناو‪ ،‬وعثر على عدد من‬
‫املدافن يعود تاريخها إلى فترة العصر البرونزي (األلفية الثالثة قبل امليالد)‬
‫وإلــى فترة العصر احلديدي (‪ 1300‬سنة قبل امليالد ‪ 300 -‬م)‪ ،119‬تتجاوز‬
‫املساحة التي متتد فيها املدافن ‪ 100‬كم‪ ،2‬ويبدو أنها تنتمي إلحدى املستوطنات‬
‫الزراعية التي قامت خالل فترة العصر البرونزي‪ ،‬وذلك بحكم موقعها على‬
‫مجرى األوديــة القادمة من جبال احلجر‪ ،‬وتشير الــدراســات أن بعض هذه‬
‫املدافن قد أعيد إستخدامها يف فترات الحقة‪.‬‬

‫موقع أدم‬

‫كشفت احلفريات يف والية أدم عن مجموعة من املدافن التي يعود تاريخها‬


‫إلى نهاية العصر البرونزي ما بني الفترة (‪ 1300 - 2000‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫واحتوت هذه املدافن على مجموعة كبيرة من اجلرار املغطاه ومجموعة من‬
‫األواني احلجرية‪.‬‬

‫موقع الواسط‬

‫مت العثور يف منطقة الواسط على مدفن جماعي يحتوي على هياكل بشرية‬
‫لعشرين شخصاً‪ ،‬وأكثر من أربعني رأس رمح مجوف‪ ،‬وستة عشر خنجراً‬
‫وسيفا‪ ً،‬وقطع من أواني برونزية‪ ،‬ورؤوس سهام وشفرات أمواس‪ ،‬و‪ 44‬آنية من‬
‫الكلورايت‪ ،‬وأقراط صدفية‪ ،‬وخرز وفخار‪ ،‬وعقد من العقيق األحمر تعود إلى‬
‫الفترة ما بني (‪ 1300 - 2000‬سنة قبل امليالد)‪.120‬‬
‫‪119 - Loreto, R . E.Menghi, T. Saccone, F. Candilio, V. Sparacello. sinaw mahout duqm road construc-‬‬
‫‪tion project - excavation 2014. In Windows on Our Past. Aracheaological Research for Infrastractorual‬‬
‫‪development. V. 6 . Al-Wafi Inspection. Ministry of Heritage and Culture, Sultanate of Oman. p. 15.‬‬
‫‪ - 120‬كل وزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.٢٩٧-٢٨٦ .‬‬

‫‪82‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫أواني من احلجر الصابوني عثر عليها يف موقع الواسط‬


‫‪121‬‬
‫يعود للفترة (‪ 1300 - 1900‬سنة قبل امليالد)‬
‫‪ - 121‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫عقد من العقيق األحمر‬
‫‪122‬‬
‫عثر عليه يف موقع الواسط‬

‫وادي سوق‬

‫تشير املعثورات الفخارية يف موقع وادي سوق األثري شمال غرب صحار‬
‫الــذي يعود إلى الفترة ما بني (‪ 1300 - 2000‬سنة قبل امليالد) إلى تطور‬
‫الصناعات الفخارية‪ ،‬باإلضافة إلى وجود أسلحة وعقود تعود لنفس الفترة‬
‫بداخل املدافن‪.123‬‬

‫موقع أس َود‬

‫عثر يف موقع أسود بوالية شناص على مدافن تعود إلى فترة العصر البرونزي‪،‬‬
‫أحدها على شكل حدوة فرس‪ ،‬ومجموعة من اخلرز ورؤوس سهام من البرونز‪،‬‬
‫وأقــراط من الذهب والبرونز‪ ،‬وخنجر من البرونز‪ ،‬وبعض األدوات التي كانت‬
‫تستخدم يف احلياة اليومية‪.‬‬
‫‪ - 122‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬
‫‪123 - Al-Jahwari, Nasser. Settelmrnt Patterns, Development and Cutural Change in the Northern Oman Pen-‬‬
‫‪insula – A multi-tiered approach to the analysis of long-rerm settlement trends. British Foundation for the‬‬
‫‪Study of Arabia Monographs. No. 13. 2013, p. 76.‬‬

‫‪84‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫موقع أس َود بوالية شناص‪ ،‬األلف الثاني قبل امليالد‬

‫املستوطنات واملوانئ الساحلية‬

‫لعمان التاريخية‪ ،‬حيث وفرت‬ ‫إمتد اإلستيطان على طول الشريط الساحلي ُ‬
‫األخوار والبحيرات املنتشرة على طول الساحل ما يحتاجه اإلنسان من مواد‬
‫غذائية كالرخويات واألسماك والسالحف‪ ،‬وكان ألشجار القرم (املنجروف)‬
‫أهمية خاصة خالل هذه الفترة‪ ،‬فكانت مصدراً لألخشاب التي احتاجها‬
‫اإلنسان لبناء املنازل‪ ،‬ورمبا إستخدم هذا النوع من اخلشب لصناعة القوارب‪.‬‬
‫إن قيام هذه املستوطنات على ساحل البحر منذ عصور ما قبل التاريخ ساعد‬
‫دون شك يف رسم اإلطــار احلضاري لشعوب املنطقة‪ ،‬كما أنه قدم الصورة‬
‫الطبيعية ودرجــة التكيف لهذه الشعوب من خالل املعثورات التي مت العثور‬
‫عليها وإرتباطها باإلقتصاد املعيشي والتبادل التجاري مع الشعوب األخرى‪،‬‬
‫وقد استخدم سكان هذه املستوطنات أدوات متطورة إلستغالل املوارد احمللية‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫رأس احلد‬

‫تقع مستوطنة رأس احلد بوالية صور‪ ،‬وحتتوي املستوطنة على بركة جافة‬
‫محاطة من الغرب بصخرة ترتفع نحو ‪ 20‬متراً‪ ،‬ومن اجلنوب تل رملي يفصل‬
‫املوقع عن البحر‪ ،‬وعثر يف املستوطنة على حائط من الطني اللنب واحلجارة‪ ،‬كما‬
‫يحتوي على مواقد النار وكسر فخارية ضمن كوخ مستدير يرجح أنه يعود إلى‬
‫نهاية األلف الرابع قبل امليالد‪ ،‬ويحيط به جدار دائري شيد من الطوب اللنب‬
‫بسمك متر وبإرتفاع متر‪ ،‬ويوجد خارج اجلدار وداخله عدد من األكواخ‪ ،‬وتتكون‬
‫منازل رأس احلد من ثالث إلى ست غرف صغيرة‪ ،‬ومجمعات سكنية ما بني (‪8‬‬
‫إلى ‪ )10‬تعود جميعها إلى فترة العصر البرونزي املبكر‪ ،‬كما توجد مجموعة من‬
‫خطافات الصيد النحاسية وغطاسات الشباك مع عظام األسماك‪ ،‬وطبعات‬
‫حلبال وشباك وسالل‪.‬‬
‫بدأ اإلنسان إستخدام النحاس بصورة أوســع خالل هذه الفترة املبكرة‪،‬‬
‫فإستخدمه يف صناعة خطافات الصيد واألوتاد والسكاكني واألزاميل‪ ،‬وانتشرت‬
‫مجموعات من اخلرز احلجر الصابوني ذات صناعات محلية ‪ ،124‬و ُعثر على‬
‫عقد من خرز احلجر الصابوني يتكون من ‪ 6‬صفوف ومجموعة أخرى من‬
‫اخلرز بأشكال وأنواع متعددة ‪.125‬‬
‫ميناء رئيساً خالل النصف الثاني من األلف الثالث قبل‬ ‫ً‬ ‫شكّل رأس احلد‬
‫امليالد‪ ،‬تربطه صالت جتارية خارجية‪ ،‬حيث توافرت لهذا امليناء جملة من‬
‫املقومات الطبيعية منها وقوعه حول بحيرة خور احلجر‪ ،‬ومتتعه بحماية جيدة‪،‬‬
‫مما يسمح للمراكب بالرسو بسالم بإنتظار التيارات الغربية والرياح املوسمية يف‬
‫شهر إبريل‪ ،‬حيث تبحر فيه السفن وتعود يف شهر أكتوبر‪ ،‬ويعد هذا الوقت مناسباً‬
‫لإلبحار جنوباً إلى ظفار وجنوب اجلزيرة العربية‪ ،126‬ويبدو أن هذا امليناء قد‬
‫ازدهر بفضل شبكة املالحة البحرية‪ ،‬فإنتشرت السفن التي اشتغلت بنقل الناس‬
‫‪ - 124‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١١٤ .‬‬
‫‪ - 125‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.١١٥-١٠٩ .‬‬
‫‪ - 126‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي املبكر‪ ،‬ص‪.138 .‬‬

‫‪86‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫والتجارة‪ ،‬ومن خالل البحوث األثرية املكتشفة يف مستوطنة رأس احلد فقد مت‬
‫العثور على معلومات قيمة عن اإلستيطان املبكر‪ ،‬فاملوقع كان مستغ ً‬
‫ال بالكامل‬
‫من قبل سكان العصر البرونزي املبكر (‪ 3000‬سنة قبل امليالد)‪ .‬كما كشفت‬
‫التنقيبات عن آثار ملستوطنة تشغل مساحة واسعة‪ ،‬لها إرتباط مباشر بنشاطات‬
‫امليناء‪ ،‬وقد ُعثر يف املوقع عينه على جملة من املعثورات األثرية منها احمللي‬
‫ومنها املستورد‪ ،‬ومن جملة تلك اآلثار كمية كبيرة من قطع الفخار ومقتنيات أثرية‬
‫معدنية متنوعة عكست طبيعة احلياة اإلجتماعية واألنشطة اإلقتصادية التي كان‬
‫ميارسها سكان رأس احلد‪ ،‬من بني تلك األنشطة ما هو مرتبط بالبحر كالتجارة‬
‫واملالحة البحرية وصيد األسماك‪ ،‬واألعمال احلرفية والزراعية البسيطة التي‬
‫مارسها السكان يف الواحات الكبيرة القريبة الواقعة بوادي البطحاء على بعد‬
‫‪ 80-60‬كم إلى اجلنوب من املستوطنة‪ ،‬إلى جانب ممارستهم العديد من األنشطة‬
‫التجارية واحلرفية التي تتعلق يف مجملها بعمليات جتارية كانت صورة للحياة‬
‫اإلجتماعية تعبيراً عما وصل إليه امليناء من رخاء كبير‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن ربط امليناء‬
‫العمانيون منذ فجر التاريخ‪.‬‬
‫بالظهير الصحراوي من خالل طرق برية سلكها ُ‬

‫صورة للمباني واجلدران مبستوطنة رأس احلد‬

‫‪87‬‬
‫رأس اجلنز‬

‫سجل موقع رأس اجلنز بوالية صور الذي يقع على بعد ‪ 10‬كم جنوب رأس‬
‫احلد‪ ،‬ما يزيد عن ‪ 200‬مدفن من ركامات حجرية يف دائرة محيطها ‪ 2‬كم حول‬
‫مستوطنة يعود تاريخها إلى بداية األلف الثالث قبل امليالد ضمن مجموعات‬
‫تضم الواحد منها ما بني (‪ )30-10‬مدفناً توجد على سفح التل يف حافة‬
‫صغيرة وجدت بها بيوت حجرية‬‫ٍ‬ ‫صخرية‪ .‬إحتوى أحد هذه املواقع على ٍ‬
‫قرية‬
‫حيث عثر فيها على أدوات نحاسية منها خطافات للصيد وفخاريات وخرز‬
‫من الصدف واحلجر الصابوني‪ ،‬كما وجد يف أحد املدافن اجلماعية ما يزيد‬
‫على ‪ 12,500‬خرزة تشمل القاشاني وخرز بأشكال أسطوانية وقرصية واحلجر‬
‫الصابوني احملروق وفقار السمك والعقيق األحمر واحلجر األملس واألصداف‬
‫وخرز ذهبية‪ ،‬ومجموعة من األختام تعود إلى األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬وورشة‬
‫تعدين بأسلوب (الطرق البارد) تعود إلى الفترة (‪ 2200 - 2300‬سنة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬وورشة لصناعة خوامت من احملار تعود إلى الفترة (‪ 2200‬سنة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬وخوامت من احملار احللزوني تعود إلى الفترة (‪ 2350‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫و ُعثر على قطع فخارية عليها كتابات زخرفية تعود إلى الفترة (‪2400 - 2500‬‬
‫سنة قبل امليالد)‪ ،127‬كما وجدت طبعات من أحزمة القصب وقطع القار التي‬
‫ال على صناعة القوارب)‪ ،‬ووجد مشط من العاج‬ ‫تغطي بطن القارب (تعتبر دلي ً‬
‫من وادي األنــدوس يعود إلى فترة (‪ 2400‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وأثقال حجرية‬
‫إستخدمت يف شباك الصيد تعود إلى األلف الرابع قبل امليالد‪ ،‬وفأس وخامتان‬
‫نحاسيان يعودان إلى (‪ 2200‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬ومبخرة حجرية تعود إلى (‪2200‬‬
‫ال عن مجموعة من املدافن تطل على الساحل الرملي‬ ‫سنة قبل امليالد)‪ ،128‬فض ً‬
‫جنوب رأس اجلنز تعود إلى الفترة من (‪ 2500 - 3100‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وقد‬
‫حوى أحد املدافن على هيكل عظمي بشري ومئات من قطع اخلرز‪ ،‬كما مت العثور‬
‫على بقايا أثرية لقرية سكانية تعود لفترات الحقة من العصر البرونزي (‪-2000‬‬
‫‪ 1700‬قبل امليالد)‪ ،‬وهي يف مجملها تدل على أن اإلنسان يف تلك الفتـرة أقام‬
‫‪ - 127‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٩٥-١٩٠ ،١٤٤ ،‬‬
‫‪ - 128‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.١٩٩ ،٢٥٥ ،٢١٤ ،‬‬

‫‪88‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫عالقات متبادلة من خالل اإلتصال مع شعوب الشواطئ القريبة والبعيدة‪ ،‬مبا‬


‫يؤكد طبيعة العالقات التجارية مع احلضارات املجاورة وفق القراءة العلمية لهذه‬
‫املعثورات التي تؤكد حجم املنتجات الصناعية‪ ،‬وقيام صالت جتارية مع العالم‬
‫اخلارجي‪ ،‬وإستخدام القوارب للوصول إلى شواطئ حضارة وادي األندوس‪،‬‬
‫العمانية بإستخدام ألواح‬‫السفن ُ‬‫وعثر يف املوقع على الشواهد األقدم لبناء ُ‬
‫العمانيون جللفطة السفن الكبيرة ‪ ،129‬وتبرز أهمية املوقع يف‬
‫القار التي عرفها ُ‬
‫ميناء قدمياً للتجارة البحرية رست فيه القوارب التقليدية خالل العصر‬‫ً‬ ‫كونه‬
‫البرونزي‪ ،‬وتبني هذه املعثورات األثرية حياة نشطة ومستقرة‪.‬‬

‫صنع محلياً عثر عليه يف موقع رأس اجلنز (‪،)2‬‬ ‫ختم من النحاس ُ‬
‫‪130‬‬
‫يعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‬

‫تلك املعطيات تؤكد أن سكان رأس اجلنز قد ساهموا مساهم ًة فعال ًة يف‬
‫مبان كبيرة‬ ‫ٍ‬
‫بثراء كبير‪ ،‬فالعثور على ٍ‬ ‫شبكة التبادل التجاري الدولي‪ ،‬ونعموا‬
‫وآثار ورشة بناء وصيانة مراكب مجان وعدد من األختام‪ ،‬إلى جانب كم كبير‬
‫من اآلثار املستوردة‪ ،‬فإذا أخذنا الرأي القائل بأن رأس اجلنز لم يكن سوى‬
‫مستوطنة للصيادين‪ ،‬فكيف نبرر الثراء الذي نعمت به املستوطنة؟ فإذا لم يتم‬
‫اإلتصال الدولي عبر املوقع ذاته‪ ،‬فقد كان يتم قطعاً عبر ميناء رأس احلد‪.‬‬
‫‪ - 129‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٢١١-٢٠٤ .‬‬
‫‪ - 130‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫صورة لبعض بقايا اجلدران مبستوطنة رأس اجلنز‬


‫صحار‬

‫حتتل مدينة صحار مبينائها التاريخي موقعاً إستراتيجاً فريداً على بحر ُعمان‪،‬‬
‫وتشير الدراسات إلى العديد من املعالم التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة‬
‫بداية من العصر البرونزي‪ ،‬وقد كشفت أعمال املسح األثري يف صحار عن مدفنني‬
‫ومعثورات طقوسية من بينها سيوف برونزية طويلة ورفيعة وحادة ورؤوس حراب‬
‫برونزية تعود إلى فترة العصر البرونزي املتأخر‪.131‬‬

‫سيوف برونزية طويلة ورفيعة وحادة ورؤوس حراب برونزية‬


‫عثر عليها يف صحار تعود إلى فترة العصر البرونزي املتأخر‬
‫‪ - 131‬البكــري‪ ،‬ســلطان بــن ســيف‪ .‬مواقــع العصــر احلديــدي يف ســلطنة ُعمــان ‪ -‬عــرض ألهــم املســوحات والتنقيبــات األثريــة‬
‫احلديثــة‪ ،‬حصــاد نــدوة آثــار شــبه اجلزيــرة العربيــة عبــر العصــور‪ ٩-٧ .‬مايــو ‪ ٢٠٠٦‬م‪ ،‬وزارة التــراث والثقافــة‪ ،‬ســلطنة ُعمــان‪،‬‬
‫‪٢٠٧‬م‪ ،‬ص‪.٢١٦-٢١٣ .‬‬

‫‪92‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫موقع بوشر‬

‫هيأت الظروف الطبيعية بيئة مؤاتية لإلستقرار البشري يف موقع بوشر‪،‬‬


‫فوفرة املاء العذب والتربة اخلصبة وطبيعة املوقع التي جتمع بني البيئة اجلبلية‬
‫والبيئة البحرية شكلت دافعاً قوياً لإلستقرار فيه منذ العصر البرونزي‪ ،‬واستمر‬
‫ذلك اإلستيطان حتى العصور الالحقة‪ ،‬فقد كشفت العمليات البحثية عن‬
‫مدافن منفردة وبأحجام مختلفة‪ ،‬وكميات من القطع األثرية كاجلرار واألدوات‬
‫البرونزية واألختام تعود للفترة (‪ 1300 - 2000‬سنة قبل امليالد)‪ ،132‬كما عثر‬
‫على قرط من الذهب يعود إلى العصر البرونزي املبكر‪.‬‬

‫صورة لبعض املعثورات األثرية التي مت العثور عليها يف موقع بوشر‬


‫‪ - 132‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٢١٧ .‬‬

‫‪93‬‬
‫موقع طاقة‬

‫مت إكتشاف هضبة مرتفعة حتمل مالمح واضحة للعصر البرونزي بالقرب‬
‫من مدينة طاقة يف ظفار‪ ،‬متثلت هذه املالمح يف األساسات احلجرية الدائرية‬
‫للمباني وعدد من املدافن‪ ،‬ويبدو أن تلك الهضبة التي شيد عليها املوقع جعل‬
‫من السهل على السكان حفظ املياه اجلارية وإستغاللها زراعياً‪ ،‬حيث عثر‬
‫على سدود مائية عرضية بنيت لتحويل مجرى املياه ذات جدران مزدوجة من‬
‫احلجارة الكبيرة‪ ،‬كما كشفت أعمال احلفريات باملوقع عن أدوات حجرية من‬
‫النوع السائد يف العصر البرونزي‪ ،‬باإلضافة إلى عدد من خطافات الصيد‬
‫املصنوعة من النحاس وأدوات صوانية‪ ،‬ويرجح أن يكون تاريخ هذه املستوطنة‬
‫(‪ 2000‬سنة قبل امليالد)‪.133‬‬

‫وادي خرشيت‬

‫وجدت يف وادي خرشيت بظفار بقايا أثرية ترجع إلى العصر البرونزي‪ ،‬كما‬
‫عثر بإجتاه اجلنوب الشرقي للموقع على أكثر من خمسة معالم من احلجارة‬
‫الكبيرة ذات الشكل املستطيل‪ ،‬ومجموعة من األحجار الصوانية‪ ،‬وحجر منفرد‬
‫أمام إحدى املباني الطقوسية عليه عالمات حفر بطول ‪ 4‬أمتار وعرض ‪75‬‬
‫سم وسمك ‪ 25‬سم ويزن أكثر من ثالثة أطنان يعتقد أنه كان قائماً كبوابة أمام‬
‫املبنى الطقوسي‪.134‬‬

‫مواقع حجيف وأسطاح‬

‫يقع موقع حجيف على ضفاف وادي حجيف يف ظفار وعلى مقربة من‬
‫إحدى الينابيع اجلافة‪ ،‬مت الكشف عن ثالثة ينابيع ومنازل من العصر البرونزي‬
‫‪ - 133‬زارنس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬ص‪.٩٥-٩٣ .‬‬
‫‪ - 134‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٩٣-٨٦ .‬‬

‫‪94‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫مبنية بالقرب من مجاري القنوات املائية‪ ،‬وشيدت املباني من احلجارة التي مت‬
‫إستخراجها من احملاجر الصخرية القريبة‪ ،‬ويف منطقة زيك (اسطاح) يف جبال‬
‫ظفار‪ ،‬عثر على مدفن بداخله مواد أثرية تتكون من خرز حجرية طويلة ورأس‬
‫رمح وجزء من فأس مسطح وخنجر من البرونز أو النحاس‪ ،‬وتؤرخ هذه املواد‬
‫إلى منتصف األلف الثالث قبل امليالد‪.135‬‬

‫موقع حظور‬

‫ُعثر مبوقع حظور يف ظفار على مجمع مدافن يعود تاريخها إلى فترة العصر‬
‫البرونزي‪ ،‬فقد مت الكشف عن جدران املدفن املبني من احلجارة الضخمة‪،‬‬
‫وبعضها من حجارة الكلس املسطحة وحجارة الكوارتز املغطاة بلون صدأ‬
‫احلديد‪ ،‬وبالقرب من هذه املدافن عثر على مدفن آخر أصغر حجماً يف اجلهة‬
‫العثور على خمسة عشر موقداً دائرياً‬
‫الشمالية الشرقية ملوقع حظور‪ ،‬كما مت ُ‬
‫صنع من احلجارة والتي يرجح أنها تعود لنفس الفترة الزمنية للموقع‪ .‬ويحيط‬
‫باملوقع أنقاض حجرية تتكون من مكاشط حجرية مصقولة بعناية من جهة‬
‫واحدة مما يشير إلى أنها تعود إلى فترة نهاية العصر احلجري احلديث وبداية‬
‫العصر البرونزي يف الفترة ما بني (‪ 3000-3500‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬كما مت‬
‫العثور على أربع حفر يعتقد بأنها كانت تستخدم كمواقد للنار‪ ،‬ومسلة شبه‬
‫مقوسة متصلة ببقايا مبنى مت العثور عليها غرب املدفن‪.‬‬

‫تدل املمرات املرصوفة باحلجارة السوداء باملوقع وإستخدام هذا النوع من‬
‫احلجارة أيضاً يف املدافن أعلى التالل أن موقع حظور كان على األرجح مركزاً‬
‫طقوسياً للسكان الذين استوطنوه خالل فترة العصر احلجري احلديث والعصر‬
‫البرونزي‪ ،‬حيث يتميز املرتفع الذي يقع به حظور بوجود سلسلة من املدافن‬
‫على قمته‪.136‬‬
‫‪ - 135‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٩٧-٨٥ .‬‬
‫‪ - 136‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬أطلس املسح األثري‪ ،‬ص‪.١٥ .‬‬

‫‪95‬‬
‫مدفن من العصر البرونزي شيد من احلجارة الضخمة‬
‫على قمة مدرجات نهر قدمي موقع حظور بظفار‬

‫‪96‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫موقع أدجيان‬

‫تشير احلفريات املكتشفة يف موقع منطقة أدجيان يف ظفار عن وجود‬


‫مستوطنة حتتوي على بقايا أثرية معمارية وفق النمط الذي كان سائداً يف‬
‫العصر البرونزي‪ ،‬كما تشير إلى بقايا حظائر حيوانية ومصدات تغيير مجرى‬
‫املياه وســدود صغيرة‪ ،‬وهو ما يؤكد مزاولة الزراعة منذ األلف الثالث قبل‬
‫امليالد‪ ،‬كما مت العثور أيضاً على عدد من املواد احلجرية كاألنصال املصنوعة‬
‫من حجر الصوان وقطع حجرية رقيقة ومكاشط من العصر البرونزي‪ ،‬وعدد‬
‫من املدافن على شكل قــارب مقلوب ترجع إلــى فترة العصر البرونزي‪.137‬‬
‫من املالحظ أن هذه املستوطنات عاد ًة ما تكون قريبة من مصادر املياه‪ ،‬ومن‬
‫اجلبال لتستمد حاجتها من املواد اخلام كالصوان واحلجر الكلسي والنحاس‪.‬‬

‫بقايا مبنى من العصر البرونزي يف منطقة أدجيان بجبال ظفار‬


‫‪ - 137‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٣٣ .‬‬

‫‪97‬‬
‫سمهرم‬

‫تعتبر منطقة سمهرم من املناطق املهمة لإلستيطان البشري يف فترة ما‬


‫قبل امليالد يف ظفار‪ ،‬حيث لعبت دوراً هاماً بارزاً يف جتارة اللبان منذ العصر‬
‫البرونزي (األلف الثالث قبل امليالد) يف فتراته املختلفة‪ ،138‬وتبرز مواقع العصر‬
‫البرونزي واضح ًة يف سمهرم‪ُ ،‬مشير ًة على وجود مستوطنة تعود إلى هذه الفترة‬
‫الزمنية‪ ،‬تشير إليها األبنية احلجرية الدائرية ذات األحجار الضخمة غير‬
‫املنحوتة‪ ،‬والتي عثر عليها يف أنقيطات‪ ،‬وخطّ افة برونزية لصيد السمك شبه‬
‫كاملة تعود إلى األلف الثالث قبل امليالد‪ .‬كما أشار املسح األثري يف سمهرم‬
‫إلى وجود خمسة مواقع أثرية يف السفح املقابل ملوقع أنقيطات تعود إلى فترة‬
‫العصر البرونزي‪ ،139‬ويف اجلهة الشرقية من موقع أنقيطات عثر على ملجأ‬
‫صخري تشير الدراسات إلى إستخدامه خالل هذه الفترة‪ ،‬مما يدل على‬
‫واسع يف‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إمتداد‬ ‫أن مستوطنة العصر البرونزي يف منطقة سمهرم كانت على‬
‫املنطقة املمتدة من سفح اجلبل يف وادي دربات وصوالً إلى البحر عند مصب‬
‫خور روري وإلتقاء اخلور مع البحر يف اجلنوب‪.‬‬
‫‪ - 138‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬أطلس املسح األثري‪ ،‬ص‪.٣١ .‬‬
‫‪ - 139‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬خور روري (سمهرم)‪ ،٢٠٠٨ ،‬ص‪.٥٩-٥٧ .‬‬

‫‪98‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫أكدت اإلكتشافات األثرية لهذه املستوطنات والتي اتفقت مع ما جاء يف‬


‫املصادر املكتوبة مللوك بالد الرافدين‪ ،‬فقد أشارت العديد من احلفريات إلى‬
‫زيادة إستخدام املواد التي يتم حرقها من أجل رائحتها العطرية أثناء الطقوس‬
‫الدينية وهي نفس الفترة الزمنية التي عرف فيها إستخدام اللبان‪ ،‬ويرجح أن‬
‫سكان هذه املستوطنات كانوا قد باشروا جتارة اللبان كثروة طبيعية أساسية‬
‫موجودة لديهم‪ ،‬وكان البحر هو وسيلتهم الوحيدة إلزدهار هذه التجارة وربطها‬
‫بالسلع األخرى يف ُعمان عبر املالحة البحرية التي مكّنتهم من الوصول إلى‬
‫بالد الرافدين ووادي األندوس‪.140‬‬

‫توجد العديد من األدلة املادية التي تؤكد إستخدام اللبان يف شمال ُعمان‪،‬‬
‫حيث عثر على موقد للبخور يف املجمع الشمالي ملنازل رأس اجلنز‪ ،‬ومبخرة‬
‫تعود إلى فترة العصر البرونزي يف رأس اجلنز‪ ،‬وهو ما يؤكد وجود طريق‬
‫بحري نشط للبخور واللبان على طول الساحل اجلنوبي الشرقي لشبه اجلزيرة‬
‫العربية يصل منها إلى بالد الرافدين ووادي األندوس مع النحاس وسلع ُعمانية‬
‫أخرى‪.141‬‬
‫‪ - 140‬زارنس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬ص‪.68 .‬‬
‫‪ - 141‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.254 .‬‬

‫‪99‬‬
‫البليد‬

‫كشفت أعمال التنقيب يف مدينة البليد عن وجــود مستوطنات تعود إلى‬


‫عصور تاريخية مختلفة‪ ،‬حيث عثر على مستوطنة من العصر البرونزي على‬
‫طول ضفاف خور البليد يعود تاريخها إلى (‪ 2500‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وتظهر آثار‬
‫العصر البرونزي يف مدينة البليد األثرية يف إطار مستوطنات أخرى يف فترات‬
‫تاريخية مختلفة متتالية لهذا العصر‪ ،‬وجميعها تتميز بوجود أدوات من حجر‬
‫الصوان مثل املكاشط املصنوعة من احلجارة املسطحة واملتدرجة واألنصال‬
‫املدببة والقطع املثلمة والتي مت إكتشافها عبر حقب تاريخية مختلفة‪ ،‬عاش‬
‫سكان العصر البرونزي بالقرب من أشجار املنجروف على ضفاف خور البليد‪،‬‬
‫وانتشرت على إمتداد خور البليد مستوطنات قدمية ترجع إلى العصر البرونزي‬
‫‪142‬‬
‫يف فتراته املختلفة‪.‬‬

‫أداة حجرية من العصر البرونزي عثر عليها يف موقع البليد األثري‬


‫‪ - 142‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬منتزه البليد األثري‪ ،2015 ،‬ص‪.18 .‬‬

‫‪100‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫خور جنوف‬

‫عثر يف موقع خور جنوف يف سهل صاللة على بقايا قدمية لصناعة البخور‬
‫تعود إلى الفترة ما بني (‪ 2500 - 5000‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وبعض مواقد النار‬
‫واألحجار الص ّوانية كالسكاكني والشظايا واملكاشط واألدوات املسننة‪ ،‬وكسر من‬
‫الدبابيس النحاسية والبرونزية‪ ،‬وبقايا طعام مثل األصداف البحرية واألبقار‬
‫والفقاريات والسالحف واألسماك‪ ،‬وتشير نتائج حتليل عينات أخذت من موقد‬
‫النار إلى أنها تعود إلى الفترة (‪ 1750 - 1850‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬ويف غرب‬
‫اخلور عثر يف أحدى حفر التنقيبات على طبقات عديدة ومتراكمة من كسر‬
‫الفحم وبعض األدوات الصوانية ومجموعة من عظام الثديات ومدقات حجرية‬
‫وبقايا أسماك صدفية تعود إلى فترة العصر البرونزي‪.143‬‬

‫مواقع خور القرم وخور املغسيل وريسوت وعني رزات‬

‫كشفت عمليات املسح األثرية بالقرب من خور القرم يف صاللة عن مجموعة‬


‫من األدوات الص ّوانية والتي تعود إلى فترة العصر البرونزي‪ ،‬كما ُعثر غرب‬
‫خور املغسيل يف ظفار على أدوات صوانية كالسكاكني وشظايا تعود إلى ذات‬
‫العصر‪ ،‬ويف ريسوت وجدت منشآت وبيوت دائرية تنتمي جميعها إلى العصر‬
‫البرونزي‪ ،‬كما عثر يف املصطبة الغربية بعني رزات يف ظفار على مبنى دائري‬
‫كبير يعود إلى العصر نفسه‪.144‬‬

‫كما كشفت املسوحات األثرية عن مواقع أخرى يف ظفار ُعثر فيها على أكثر‬
‫من ‪ 90‬موقعاً يعود إلى فترة العصر البرونزي عبار ًة عن مدافن وحظائر إليواء‬
‫احليوانات وبقايا ٍ‬
‫مبان أثرية‪.145‬‬
‫‪ - 143‬زارنس‪ ،‬يورس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬ص‪86-85 .‬‬
‫‪ - 144‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪93-86 .‬‬
‫‪ - 145‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬أطلس املسح األثري يف محافظة ظفار‪ ،‬سلطنة ُعمان‪ ،‬مسقط‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪.57-56 .‬‬

‫‪101‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مناذج من املواقع األثرية يف ُعمان التاريخية‬
‫ُعثر يف شمال ُعمان التاريخية على عدد من املستوطنات واملدافن يعود‬
‫تاريخها إلى العصر البرونزي مثل‪ :‬أم النار‪ ،‬وغناضة‪ ،‬وتل أبرق‪ ،‬وحفيت وهيلي‬
‫وجرن بنت سعود وجبل إميلح وشمل والدور ووادي العني‪.‬‬

‫موقع حفيت‪:‬‬

‫يقع موقع حفيت يف واحة البرميي على طريق القوافل التجارية الذي يربط‬
‫ساحل شمال ُعمان مبناطق الداخل الغنية بالنحاس‪ ،‬ووجد به عدد كبير من‬
‫املدافن الشبيهه بخاليا النحل إلى جانب جرار فخارية متنوعة يف أشكالها‬
‫وزخرفتها‪.146‬‬

‫مستوطنة هيلي ‪:8‬‬

‫كشفت التنقيبات األثرية يف مستوطنة هيلي ‪ 8‬بشمال ُعمان عن مستوطنة‬


‫مكونة من عدة مباني متعاقبة تعود إلى العصر البرونزي‪ ،‬إلى جانب العديد من‬
‫املعثورات األثرية‪ ،‬وجميعها مؤشرات تكشف عن وجود حياة كاملة مبجتمع كان‬
‫مستقراً ميارس حياته اإلجتماعية واإلقتصادية بطريقة منظمة ومتكاملة‪.147‬‬

‫أم النار‪:‬‬

‫ُعثر يف جزيرة أم النار الواقعة يف اخلليج شمال ُعمان التاريخية‪ ،‬على‬


‫مستوطنة متكاملة مبساكنها ومستودعاتها ومدافنها الغنية باملعثورات الطقوسية‪،‬‬
‫وتضم هذه املستوطنة العديد من اآلثار املتنوعة منها احمللية ومنها املستوردة‪،‬‬
‫‪146 - Frifelt, K., Evidence of a third millennium town in Oman. Journal of Oriental Studies 2, 1976,‬‬
‫‪p. 57-74.‬‬
‫‪ - 147‬كلوزيو‪ ،‬التنقيب يف موقع هيلي ‪ ،8‬ص‪.22 .‬‬

‫‪102‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مستوطنات العصر البرونزي (‪ 1300-3000‬سنة قبل امليالد)‬

‫منها الفخارية واحلجرية والبرونزية‪ ،‬وقد وجد ختم أسطواني بداخل جرة‪،‬‬
‫وأوزان حجرية رمبا كانت مرتبطة مبعايير حضارة (إبال) يف بالد الشام‪ ،148‬لعل‬
‫العمانية إمتدت إلى أنحاء متعددة من حضارات العالم‬ ‫هذا يؤكد أن العالقات ُ‬
‫القدمي‪.‬‬

‫تل أبرق‬

‫يقع املوقع األثري تل أبرق على بعد ‪ 80‬كم من املنطقة الداخلية يف شمال‬
‫ُعمان التاريخية‪ ،‬ومن أشهر اآلثــار املكتشفة يف تل أبرق مستوطنة ومدافن‬
‫تعود إلى األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬ومن خالل العمليات البحثية واإلستكشافية‬
‫يتبني أن موقع تل أبرق قد إستوطن يف حوالي (‪ 2300‬سنة قبل امليالد) أو‬
‫عقب ذلك بقليل‪ ،‬أي قبل إنهيار ميناء أم النار بفترة وجيزة‪ ،‬ويبدو أن موقع (أم‬
‫النار) و (تل أبرق) إرتبطا بالداخل بنفس منط احلياة اإلجتماعية واإلقتصادية‬
‫التي ربطت بني (رأس احلد) و (رأس اجلنز)‪ ،149‬وهي مؤشرات علمية تؤكد‬
‫ترابط العالقات بني املستوطنات وأن الكثير من املعثورات األثرية حتمل مالمح‬
‫إجتماعية وثقافية وإقتصادية مشتركة‪.‬‬

‫‪ - 148‬كلوزيــو‪ ،‬ســيرج‪ « ،‬جتــارة العصــر البرونــزي املبكــر يف اخلليــج وبحــر العــرب‪ :‬املجتمــع وراء املراكــب‪ ،‬آثــار اإلمــارات‬
‫العربيــة املتحــدة‪ ،‬بحــوث املؤمتــر الدولــي األول آلثــار اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬حتريــر‪ :‬دانيــال بوتــس‪ ،‬وحســن النابــودة‪ ،‬وبيتــر‬
‫هيليــر‪ ،‬نــادي تــراث اإلمــارات‪ ،‬اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،200 ،‬ص‪.136 .‬‬
‫‪ - 149‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.137 .‬‬

‫‪103‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫أو ًال‪:‬‬
‫فئات املجتمع‬

‫ثانياً‪:‬‬
‫العمارة‬

‫ثالثاً‪:‬‬
‫السمة العامة للمجتمع‬
‫ِّ‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫احلياة اإلجتماعية‬

‫أو ًال‪ :‬فئات املجتمع‬


‫يف ضوء املكتشفات األثرية نستطيع رصد صورة تقريبية للمجتمع‬
‫من خالل ِ‬
‫احل َرف التي مارسوها‪ ،‬فإلى جانب امللوك واحلكّام واألسياد‪،‬‬
‫جند التجار واملزارعني‪ ،‬والصيادين والرعاة وعمال املعادن‪ ،‬وعمال‬
‫املدافن‪ ،‬واحلرفيون أصحاب الورش اخلاصة بتصنيع الفخار واحللي‬
‫ال عن رجال الدين‪ ،‬ومن السكان‬ ‫واألدوات احلياتية والطقوسية فض ً‬
‫من ارتبط بالبحر كقباطنة املراكب‪ ،‬ونواخذة املالحة التقليدية‪،‬‬
‫وصانعو املراكب يف مجان الذين حتدثت عنهم الكتابات املسمارية‪،‬‬
‫فبناة مجمعات املباني البارعني كانوا حرفيني كاملي التخصص‪.‬‬

‫التجار‬

‫خالل فترة العصر البرونزي إزدهرت التجارة يف ُعمان بصورة‬


‫غير مسبوقة فبرزت فئة التجار املتمرسني يف املالحة والتجارة‬
‫البحرية بشكل خــاص‪ ،‬وقــد أثبتت املعطيات األثرية أن مراكب‬
‫القصب قد استخدمت يف التجارة منذ مطلع األلــف الرابع قبل‬
‫امليالد‪ .‬بفضل تلك املراكب إندمجت ُعمان مع احلضارات املجاورة‬
‫كبالد الرافدين ووادي األنــدوس‪ ،‬حينها كان جتار ُعمان يبحرون‬
‫إلى تلك البقاع حاملني معهم سلعهم املختلفة‪ ،‬ويعودون بعدها وهم‬
‫العمانيون‬
‫مح ّملون بسلع تلك البلدان ‪ ،‬ومع التجارة املتبادلة تبادل ُ‬
‫‪150‬‬

‫مع غيرهم من الشعوب العديد من املالمح احلضارية املختلفة‪.‬‬


‫‪ - 150‬كلوزيــو‪ ،‬ســيرج‪ ،‬جتــارة العصــر البرونــزي املبكــر يف اخلليــج وبحــر العــرب‪ ،‬املجتمــع وراء املراكــب‪،‬‬
‫آثــار املتحــدة‪ ،‬بحــوث املؤمتــر الدولــي األول آلثــار اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬حتريــر دانيــال بوتــس وحســن‬
‫النابــوذة وبيتــر هيليــر‪ ،‬مركــز زايــد للتــراث والتاريــخ‪ ،2003 ،‬ص‪.134 .‬‬

‫‪107‬‬
‫الصيادون‬

‫العمانية بكثرة ثروتها السمكية‬ ‫تتميز البحار ُ‬


‫منذ أقــدم العصور‪ ،‬ويــبــدو أن صيد األسماك‬
‫والرخويات كان منتشراً على نطاق واسع ليهيئ‬
‫الطعام ملن يعيشون على السواحل‪ ،‬وقد اكتسب‬
‫العمانية خبر ًة ومهار ًة يف صيد‬ ‫سكان السواحل ُ‬
‫األسماك من املياه العميقة منذ األلف اخلامس‬
‫قبل املــيــاد‪ ،‬وكــانــوا يشكلون قطاعاً كبيراً من‬
‫الــســكــان‪ ،‬ويف العصر الــبــرونــزي تــطــورت تلك‬
‫املهارات مع تطور وسائل الصيد والــقــوارب‪،151‬‬
‫واكــتــســب الــصــيــادون مــهــار ًة عــالــيـ ًة يف اإلبــحــار‬
‫ملسافات قريبة وبعيدة وكشفت أعمال البحث‬
‫األثــري العديد من أدوات الصيد املختلفة التي‬
‫استخدمت خالل فترة العصر البرونزي‪.‬‬

‫‪151 - Cartwrigt, C &Glover, E, Ra’s al – Hadd: Reconstructing‬‬


‫‪the costal Environment in the 3rd Millennium BC and later. JOS,‬‬
‫‪12: 2002, p. 44.‬‬

‫‪108‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫‪109‬‬
‫املزارعون‬
‫يُعتبر العصر البرونزي عصر الواحات الزراعية‪ ،‬حيث متيزت الواحات‬
‫الداخلية بإقتصاد مختلف عن الساحل‪ ،‬فقد كان إستقرار املستوطنات مبثابة‬
‫دليل واضح على إستقرار احلياة‪ ،‬وكشفت التنقيبات األثرية عن العديد من‬
‫مظاهر اإلستيطان البشري يف مناطق الواحات وسفوح اجلبال‪ ،‬وكانت واحة‬
‫سلّوت والبرميي وإبراء وبهالء ونزوى وعبري ووادي عندام وغيرها من أهم‬
‫الواحات التي شيدها اإلنسان‪ ،‬بفضل توفر املوارد املائية‪ 152‬والتربة الناعمة‬
‫‪152 - Weisgerber, Evidence of Ancient mining sites in Oman, p. 18-19.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫اخلصبة الصاحلة للزراعة‪ ،‬مبحاذاة مجاري األودية على إمتداد املجاري املائية‬
‫قامت تلك املستوطنات‪ ،‬ويعد تأمني املوارد الطبيعية لصناعة األدوات احلجرية‬
‫ال مهماً يف إختيار مواقع املستوطنات الداخلية‬
‫من الصوان‪ ،‬ومعدن النحاس‪ ،‬عام ً‬
‫خالل هذه الفترة‪ .‬هذه الظروف أوجدت فئة من املزارعني النشطاء‪ ،‬إضاف ًة‬
‫إلى ظهور جتمعات سكنية إرتبطت مبصادر املياه وأضاف إليها اإلنسان مهارات‬
‫مختلفة يف عمليات الزراعة واحلصاد من خالل تطوير األدوات املستخدمة بها‬
‫أو أدوات احلياة املختلفة‪.‬‬
‫الرعاة‬

‫العماني عبر الزمان‪،‬‬


‫يُعتبر الرعي أحد املق ّومات املهمة للنشاط اإلقتصادي ُ‬
‫ففي العصر البرونزي إنقسم املجتمع الرعوي إلى مجموعتني‪ :‬الرعي الدائم‪،‬‬
‫الر ّحل‪ ،‬الذين يشتغلون على تربية اإلبل‪ ،‬فأسلوب حياتهم يرتبط‬
‫يقوم به البدو ُ‬
‫إرتباطاً وثيقاً بوجود املاء والكأل لهم وحليواناتهم‪ ،‬بل أن حياتهم وممتلكاتهم‬
‫مكيفة على اإلنتقال حيث يقوم اجلمل بــدور جوهري كمطية لهم وحام ً‬
‫ال‬
‫ألمتعتهم‪ ،‬ويعيش البدوي على األلبان ومستخرجاتها‪ ،‬ونادراً على حلوم اإلبل‪،‬‬
‫أما أوانيهم وأوعيتهم الضرورية حلمل املاء فهي من النوع اخلفيف الوزن السهل‬
‫احلمل‪ .‬ويتفق أسلوب حياتهم مع ملبسهم أيضاً‪.153‬‬
‫‪ - 153‬بيغوليفســكيا‪ ،‬نينــا فكتورفنــا‪ « ،‬العــرب علــى حــدود بيزنطــة وإيــران مــن القــرن الرابــع إلــى القــرن الســادس امليــادي»‪،‬‬
‫نقلــه عــن الروســية‪ ،‬صــاح الديــن عثمــان هاشــم‪ ،‬املجلــس الوطنــي للثقافــة والفنــون واآلداب‪ ،‬الكويــت‪.277 ،1985 ،‬‬

‫‪114‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫هناك نوع آخر من الرعي وهو الرعي املوسمي يقوم به الذين ال يعملون بهذه‬
‫احلرفة إال يف فصل معني من السنة‪ ،‬بينما ميضون بقية العام مستقرين يف‬
‫مواضع محددة‪ ،‬وهم أصحاب املاشية الذين يرعون األغنام واخلراف واجلمال‬
‫يف األودية املمتدة من خطوط املياه املتجهة نحو الصحراء حتى حدود ديارهم‬
‫التي يكثر بها العشب‪ ،‬كما يعتمدون على اآلبار املوسمية يف فترة الشتاء‪ ،‬أما‬
‫يف الصيف فيعتمدون على آبارهم الدائمة (الع ّد)‪ ،154‬ومتثل املراعي جزءاً هاماً‬
‫من الغطاء املتوفر يف الوديان‪ ،‬ومجاري املياه‪ ،‬ويف اجلبال واملرتفعات الرطبة‪.‬‬
‫وغالباً ما ترتبط حياة هؤالء باملجتمعات السكانية األخرى من املزارعني والتجار‬
‫وأرباب احلرف املختلفة‪.‬‬

‫‪ - 154‬ولكنســون‪ ،‬جــون‪ ،‬اإلمامــة يف ُعمــان‪ ،‬ترجمــة‪ ،‬الفــاحت حــاج التــوم‪ ،‬وطــه أحمــد طــه‪ ،‬مركــز الوثائــق والبحــوث‪ ،‬أبوظبــي‪،‬‬
‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،2006 ،‬ص‪.38 .‬‬

‫‪115‬‬
‫ثانياً‪ :‬العمارة‬
‫تقاس مكانة األمم مبقدار إسهامها يف التقدم واإلبــداع احلضاري‪ ،‬وقد‬
‫العمانيون يف‬
‫كشفت التنقيبات األثرية حتى اآلن عن املستوى الذي وصل إليه ُ‬
‫مجال العمارة خالل فترة العصر البرونزي‪ ،‬فقد امتاز ف ّنهم املعماري بطابع‬
‫خاص سواء من حيث التخطيط الهندسي للمدن ومنشآتها‪ ،‬أو من حيث أسلوب‬
‫أن مادة البناء التي كانت متوفرة لديهم قد‬
‫بناء القالع واحلصون واملدافن‪ ،‬كما ّ‬
‫أثّرت بشكل كبير يف أسلوب الهندسة املعمارية‪ ،‬فقد و ّفرت لهم الطبيعة األحجار‬
‫كمادة أساسية‪ ،‬باإلضافة إلى مادة (الطني اللنب) التي ال ميكن اإلستغناء عنها‬
‫العمانية سمة خاصة تفردوا‬ ‫يف عملية البناء‪ ،‬منذ تلك احلقبة غدت للمنشآت ُ‬
‫بها يف الفن الهندسي وتوارثتها األجيال جيل بعد جيل‪ ،‬وال زال هذا املوروث‬
‫قائماً مع تطور حركة العمران‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫عمارة املستوطنات املدنية‬

‫العمارة يف مستوطنات الساحل‬

‫كان املاء هو الركيزة الدائمة يف بناء املستوطنات وحتديد أمناطها‪ ،‬ففي‬


‫الداخل كان التمركز حول مجاري املياه وعلى ضفاف األوديــة‪ ،‬لذا ظهرت‬
‫الزراعة‪ ،‬أما مستوطنات الساحل فقد اعتمدت على البحر وموارده الطبيعية‪،‬‬
‫وعلى املياه العذبة القادمة من مصبات األودية املنحدرة بإجتاه الساحل‪ ،‬كما‬
‫وفرت األخوار والبحيرات املنتشرة على طول الساحل ما يحتاجه اإلنسان من‬
‫أسماك ورخويات‪ ،‬وال شك أن إكتشاف عدد من املستوطنات الساحلية املبكرة‬
‫على إمتداد سواحل ُعمان يجعل الدارس يتساءل حول التنظيم الذي كانت تقوم‬
‫عليه هذه املجتمعات احمللية‪ ،‬وهل جنحت بالفعل يف إيجاد الروابط اإلجتماعية‬
‫واإلقتصادية التي أسهمت بدورها يف تفعيل مكانة هذه املجتمعات خالل حقبة‬
‫ما قبل التاريخ يف املنطقة؟‬
‫رأس اجلنز‬

‫تقع مستوطنة رأس اجلنز األثرية على بعد ‪ 10‬كم جنوب رأس‬
‫احلد‪ ،‬وقد حظيت مستوطنة رأس اجلنز مبوقع متميز فهي تطل‬
‫من اجلانب الشرقي على بحر العرب يف املنطقة الفاصلة بينه وبني‬
‫بحر ُعمان‪ ،155‬وتتكون املستوطنة من وحدات سكنية ومدافن ذات‬
‫منط هندسي فريد‪ ،‬يعكس ذلك البناء صورة للمجتمع يف رأس‬
‫اجلنز‪ ،‬فقد احتوت املنازل يف املوقع على معثورات أثرية متنوعة‪،‬‬
‫كما عثر على آثار مستوطنة أخرى ممتدة على ساحل خليج ضحل‬
‫يقع إلى اجلنوب مباشر ًة من قرية رأس اجلنز‪ ،‬وقد شهد هذا‬
‫املوقع نشوء املستوطنات منذ عصور ما قبل التاريخ‪.156‬‬

‫ال صغيراً بإرتفاع متر واحد عرف بإسم (رأس‬ ‫وقد اتضح أن ت ً‬
‫اجلنز ‪ )2‬يقع على قمة تل منخفض من الصخور‪ ،‬كان يف واقع‬
‫األمر جزءاً من مستوطنة أكبر تتراوح مساحتها ما بني خمسة إلى‬
‫ال‪ ،‬وقد شهد هذا التل‬ ‫سبعة هكتارات وتتضمن موقعاً أكبراً مماث ً‬
‫مراحل عدة من اإلستيطان بدأت من النصف الثاني من األلفية‬
‫الرابعة قبل امليالد‪ ،‬والنصف الثاني من األلفية الثالثة قبل امليالد‪،‬‬
‫ومت ّيزت الفترات الثالث األخيرة بإنشاءات من الطوب اللنب‪،‬‬
‫ميكن تأريخها بشكل عام كما يلي‪ :‬ما بني (‪ 2300-2500‬سنة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬والفترة الثانية ما بني (‪ 2100-2300‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫والفترة الثالثة مابني (‪ 2000-2100‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬والفترة‬
‫الرابعة (‪ 1300-2000‬سنة قبل امليالد) فترة العصر البرونزي‬
‫املتأخر‪.‬‬

‫‪ - 155‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي املبكر‪ ،‬ص‪.138 .‬‬


‫‪156 - Usai, Donatella, New Prehistoric sites along the Omani coast from Ra’s al-Hadd‬‬
‫‪to Ra’s al-Jins, Arabian archaeology and epigraphy, Volume 11, Number 1, May 2000,‬‬
‫‪p. 1-8 (8).‬‬

‫‪118‬‬
119
‫شُ يد مجمع املباني اجلنوبي للبنايات (‪ )2 ،1‬يف بداية الفترة الثانية‪ ،‬وظلّت‬
‫مجمع املباني الشمالي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قيد اإلستعمال لبعض الوقت خالل الفترة الثالثة‪ ،‬أما‬
‫البنايات من (‪ )11-6‬فقد بُني يف بداية الفترة الثالثة ودام حوالي قرنني من‬
‫الزمان‪ ،‬مع إجراء العديد من التغيرات والتجديدات التي طرأت عليه يف فترات‬
‫زمنية مختلفة‪.‬‬

‫ضم املجمعان الشمالي واجلنوبي عدة وحدات أساسية‪ ،‬أفضل مثال لها يف‬ ‫َ‬
‫البناية رقم ‪ ،2‬حيث احتوت غرفة رئيسة الغرفة (‪ ،)16‬وشملت الغرفة الرئيسة‬
‫مدخلني مرتفعني آخرين يفضيان إلى الغرفتني (‪ ،)14 ،17‬حيث يفضي باب‬
‫آخر من الغرفة (‪ ،)14‬إلى الغرفة (‪ ،)3‬وقد بلغ إجمالي مساحة سطح الوحدة‬
‫السكنية حوالي ‪ 55‬متراً مربعاً‪ .‬وميكن التعرف على الوحدات األساسية األخرى‬
‫يف املجمع اجلنوبي من البناية رقم (‪ )1‬التي ميكن أن تقسم إلى عدة وحدات‬
‫ٍ‬
‫غرفة واحدة يتم‬ ‫من هذا النوع‪ ،‬حيث تتألف أبعد هذه الوحدات جنوباً من‬
‫عتبة باب مرتفعة تقع يف اجلدار اجلنوبي الشرقي‪ ،‬وتفضي‬ ‫الدخول إليها من ٍ‬
‫إلى غرفتني مماثلتني متعامدتني‪ ،‬الغرفتان (‪ )5،4‬ومن الغرفة رقم (‪ )4‬ميكن‬
‫الدخول إلى غرفتني أصغر (‪ ،)2،1‬أما إجمالي املساحة فتبلغ حوالي ‪ 60‬مترا‬
‫مربعاً‪ .‬وإلى الشمال‪ ،‬تتألف البناية (‪ )2،1‬من غرفتني متوازيتني (‪ )7،6‬تنفتحان‬
‫على غرفة أخرى‪ ،‬ويحتمل أن مساحتها اإلجمالية لم تكن تقل عن ‪ 50‬متراً‬
‫مربعاً‪ .‬وميكن إفتراض وجود بنايات مماثلة بإجتاه الشمال‪ ،‬بينما إلى اجلنوب‬
‫كانت البناية (‪ )3‬املنعزلة عن غيرها تتكون يف األصل من غرفة كبيرة وغرفتني‬
‫أصغر‪ ،‬قسمت إحداهما الحقاً‪ .‬وقد بلغ إجمالي مساحة البناية (‪ )3‬حوالي ‪53‬‬
‫متراً مربعاً‪.‬‬

‫ص ّممت لإلسكان العائلي‪ ،‬لكنها لم تكن بأي حال‬


‫يرجح أن هذه الوحدات ُ‬
‫من األحوال وحدات منفصلة‪ ،‬فتشييد املباني (‪ )2 ،1‬يشير إلى أن الوحدات‬
‫مرحلة الحقة تشييد غرفة صغيرة‬‫ٍ‬ ‫املتعددة بُنيت يف صفوف‪ ،‬بينما مت يف‬
‫الغرفة (‪ )18‬تصل بني املبنى (‪ )2‬والوحدة اجلنوبية باملبنى (‪ ،)1‬حيث كانت‬

‫‪120‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫الغرفة اجلديدة منفتحة على املباني معاً‪ ،‬بينما ُسد املدخل القدمي للمبنى (‪)1‬‬
‫بغرفة جديدة الغرفة (‪ ،)15‬تضم ّنت فرناً كبيراً رمبا إستخدم بشكل جماعي‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحدة ذات ثمان‬ ‫أما املجمع الشمالي فكان تصميمه مختلفاً‪ ،‬حيث تركز حول‬
‫غرف‪ ،‬وهو املبنى رقم (‪ ،)7‬والذي كان أكبر مباني املوقع مبساحة حوالي ‪100‬‬
‫متر مربع‪ ،‬وفناء إستعمل ألغراض منزلية‪ ،‬وقد أحيط بالفناء ٍ‬
‫مبان ملحقة‬
‫متنوعة يبدو أنها كانت جميعاً وحدات فردية مستقلة ذاتياً‪ ،‬وكان من السمات‬
‫جتمعات من غرفتني صغيرتني إستخدمتا كمخازن‪،‬‬ ‫املميزة بشكل خاص وجود ّ‬
‫وذلك يف املباني (‪ ،)9 ،7 ،6‬ورمبا املبنى (‪ )8‬كذلك‪ ،‬وهي سمة رأيناها سابقاً‬
‫يف الوحدة اجلنوبية للمبنى (‪ .)1‬ويشير هذا النسق إلى إحتمال أن وحدات‬
‫األسر األساسية جتمعت يف مجمعات أكبر‪ ،‬ومن املرجح أن كل مجمع سكني‬
‫كان ينتمي إلى عائلة كبيرة‪ ،‬وذلك يف ضوء األهمية التي م ّيزت صالت النسب‬
‫والقرابة يف مجتمع العصر البرونزي يف ُعمان‪.157‬‬

‫صورة لبقايا املباني يف مستوطنة رأس اجلنز‬


‫‪ - 157‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي‪ ،‬ص‪143-142 .‬‬

‫‪121‬‬
‫ُعثر يف قرية رأس اجلنز ‪ 1‬على منازل يعود تاريخها إلــى فترة العصر‬
‫البرونزي املتأخر‪ ،‬مبنية من احلجر وحتوي واحدة أو إثنتني من الغرف املستطيلة‪،‬‬
‫مساحتها مترين أو ثالثة مع باب يف واحد من اجلانبني الذين كانا مفتوحني‬
‫ظاهرياً‪ ،‬وآخر يحتوي على غرفتني مستطيلتني متوازيتني‪ ،‬وثالث يحوي غرفتني‬
‫متعامدتني‪ ،‬تنفتحان على فناء صغير يحيط به جدار شبه دائري‪.158‬‬
‫تلك املعطيات األثرية تق ّدم لنا صور ًة جلي ًة ملجتمع قام على أسس القرابة‬
‫والنسب‪ ،‬فهناك وحدات أسرية أساسية‪ ،‬وأخرى وحدات عائلية موسعة‪ ،‬ومن‬
‫املرجح أن كل مجمع سكني ينتمي إلى عائلة كبيرة‪.‬‬

‫إن تطور املجتمعات البشرية قد إرتبط دون شك بعدد من املتغيرات‪ ،‬تأتي‬


‫يف مقدمتها أدوات اإلنتاج‪ ،‬فأي تطور لها ميكن أن نلمسه من ِ‬
‫احل َرف السائدة‪،‬‬
‫فقد ُعثر يف مستوطنة رأس اجلنز على معدات صيد األسماك يف كل بيت‪،‬‬
‫وبقايا أثرية يف كل وحدة سكنية تدل على صناعة اخلوامت من األصداف فقد‬
‫عمل اجلميع يف هذه الصناعة ويف احلــرف املنزلية‪ ،‬كما أنتجوا يف أوقات‬
‫الفراغ سلعاً ميكن أن تُص ّدر إلى دوائر التجارة الداخلية مع منتجات األسماك‬
‫صدر إلى دوائر التجارة اخلارجية‪ ،‬األمر املؤكد أنه كان بوسع‬
‫الرئيسة‪ ،‬بل وقد تُ َّ‬
‫اجلميع املشاركة فيها‪ ،‬ومن خالل املعثورات األثرية‪ ،‬نستطيع معرفة مستوى‬
‫معيشة األفراد ووضعهم اإلجتماعي‪.‬‬

‫رأس احلد‬

‫كشفت التنقيبات األثرية عن مستوطنة رأس احلد ‪ ،6‬التي يعود تاريخها إلى‬
‫نهاية األلف الرابع وبداية األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬حيث تشغل مساح ًة واسعةً‪،‬‬
‫لها إرتباط مباشر بنشاطات امليناء‪.‬‬

‫‪ - 158‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.283-282 .‬‬

‫‪122‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫شُ يدت املستوطنة على طبقة بلغ إرتفاعها متراً ونصف املتر‪ ،‬وقد تضمنت‬
‫هذه الطبقة بيوتاً دائرية وبيضاوية الشكل تبعتها مجموعة من املنازل املبنية من‬
‫الطوب ويحيط بها سور من احلجر بيضاوي الشكل قطره حوالي ‪50‬م‪.‬‬

‫ال َظ َهر يف املنازل الصغيرة املتالصقة املبنية من الطوب‬


‫يبدو أن نسقاً مماث ً‬
‫اللنب إلى املساحات املطوقة باألسوار فمساحة املنازل ال تتجاوز ‪ 30‬متراً مربعاً‪،‬‬
‫إال أنها تبدو متجمعة حول فناءات صغيرة كان من أكثرها وضوحاً فناءان‬
‫ُز ّود كل منهما بفرن كبير‪ ،‬وتضم املستوطنة عدداً من املدافن الركامية توحي‬
‫جميعها بكثافة سكانية ملحوظة‪.159‬‬

‫رسم ثالثي األبعاد إلعادة بناء البيوت اجلنوبية يف مستوطنة رأس احلد ‪6‬‬
‫‪160‬‬
‫(مشروع رأس احلد املشترك‪ ،‬موريسيو كاتاني)‬
‫‪ - 159‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪.110-109 ،‬‬
‫‪ - 160‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.109 .‬‬

‫‪123‬‬
‫العمارة يف مستوطنات الداخل‬

‫قامت مستوطنات الواحات يف العصر البرونزي على طول السفوح الداخلية‬


‫العمانية‪ ،‬وجميعها تقع داخل واحات زراعية مأهولة بالسكان‬
‫لسلسلة اجلبال ُ‬
‫منذ األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬تلك املستوطنات عبار ًة عن قطعة أرض مسورة‬
‫تدور حولها جميع أشكال احلياة السياسية واإلجتماعية ‪.161‬‬

‫يسر من أهم املستوطنات املعروفة بإنتاج النحاس يف‬ ‫تُعد مستوطنة امل ُ ّ‬
‫العصر البرونزي‪ ،‬شهدت جميعها منط بنائي غاية يف البساطة (غرفة واحدة)‪،‬‬
‫كون بناؤه من‬‫وأساسات هذه املنازل قليلة العمق بإستثناء منزل واحد‪ ،‬فقد تَ ّ‬
‫أربع غرف بنفس احلجم‪ ،‬مع إستبعاد ملحقاته األخرى‪ ،‬وبداخل إحدى الغرف‬
‫ميسر‪ ،1‬بلغت‬
‫ُعثر على حجر سندان كبير حتيط به مواقد عديدة ‪ ،‬يف موقع ّ‬
‫‪162‬‬

‫أبعاد وحدات منزل رقم (‪11( ،)4‬م ‪17 -‬م)‪ ،‬و (‪5 - 7.30‬م)‪ ،‬هذا املنزل كان‬
‫قد جهز بصهريج رمبا جلمع املاء‪ ،‬كما احتوى على ٍ‬
‫عدد من املواقد واألفران‪،163‬‬
‫أما الدفاعات اخلاصة مبستوطنات الواحات بشكل عام‪ ،‬فهي عبارة عن أسوار‬
‫حجارة ضخمة‪ ،‬وأبنية دائرية كبيرة مرتفعة حتمي‬‫ٍ‬ ‫دائرية مشيدة‪ ،‬من كتل‬
‫مجاري املياه‪.‬‬

‫العمارة الدفاعية‬

‫إن سمات التطور التنظيمي يف مجتمع ُعمان بدأت أكثر وضوحاً منذ األلف‬
‫الثالث قبل امليالد‪ ،‬حينما انتشر بناء املنشآت الدفاعية‪ ،‬فقد احتلت القالع‬
‫واألبراج واحلصون مكاناً بارزاً يف مخططات املدن‪ ،‬إدراكا بقيمة الدور الهام‬
‫الذي تقوم به‪.‬‬
‫‪ - 161‬كلوزيــو‪ ،‬اســتصالح وحمايــة األراضــي‪ ،‬الواحــات ال ُعمانيــة يف العصــر البرونــزي‪ ،‬حوليــات مينيــة‪ ،‬املعهــد الفرنســي لآلثــار‬
‫والعلــوم اإلجتماعيــة‪ ،‬صنعــاء‪ ،2006 ،‬ص‪.29 .‬‬
‫‪162 - Weigerber, Gerd, Slag heap searcMagan, PDO News, No 2/1992, Muscat, Oman, p. 6-23.‬‬
‫‪ - 163‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.193-192 .‬‬

‫‪124‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫العمانية‬
‫تُعتبر األب ــراج سمة أساسية من سمات العمارة يف الــواحــات ُ‬
‫القائمة على سفوح جبال احلجر خالل فترة العصر البرونزي‪ ،‬تلك الواحات‬
‫التي خلقتها الطبيعة‪ ،‬فقد حتكّمت اخلصائص املناخية بتوزيع السكان وفق‬
‫إحتياجاتهم الطبيعية وخصوصاً مناطق الواحات املعتمدة يف مياهها على‬
‫القنوات التي استمدت مياهها من قنوات أرضية تغذيها املياه اجلوفية من‬
‫أسفل هذه املرتفعات‪ ،‬وقد تعددت املستوطنات وتنوعت املنشآت العمرانية يف‬
‫تلك املناطق‪ ،‬حيث شُ ّيدت األبراج واحلصون أو القالع‪ ،‬وقد كشفت التنقيبات‬
‫ُيسر‬
‫األثرية عن عدد من املنشآت الدفاعية يف كل من بات بوالية عبري‪ ،‬وامل ّ‬
‫بوالية املضيبي‪ ،‬كما ُعثر على العديد من تلك األبراج يف كل من وادي بهالء‪،‬‬
‫ونزوى‪ ،‬وابراء‪ ،‬ووادي عندام‪ ،‬وعمال‪ ،‬وسلّوت‪ ،‬وفرق‪ ،‬وروضة‪ ،164‬أما يف املناطق‬
‫الساحلية فقد تأسست الواحات عند مصبات األودية الكبيرة حيث حظيت‬
‫باملوارد البرية والبحرية‪ ،‬مثل الفليج يف صور ووادي مجالص يف قريات‪.‬‬

‫لقد تعددت النظريات حول وظيفة تلك املنشآت‪ ،165‬فأقدم نظرية تشير إلى‬
‫أن احلصون والقالع قد أقيمت ألسباب دفاعية‪ ،166‬وقد اعتمدت هذه النظرية‬
‫على أن معظم احلصون ُوجدت بها أبراج ذات مالمح معمارية متشابهة بجدران‬
‫قوية‪ ،‬كما ُوجد بها خنادق‪ ،‬وإمدادات مياه صاحلة للشرب‪ ،‬ويف عدد من احلاالت‬
‫كماشة تربط‬‫كانت هندسة بناء األبراج تتم بطريقة تقترب من بعضها على شكل ّ‬
‫بني البرجني‪ ،167‬نظرية أخرى تشير إلى أن األبراج واملساكن قد بُنيت للنخبة‬
‫احمللية من الزعماء وقد إستُخدمت كمراكز للسلطة واحلكم‪ ،168‬وبصرف النظر‬
‫عما قيل بشأن هذه النظريات لكن من املؤكد أن القالع واحلصون هي أقرب‬
‫ال عن كونها خطوطاً دفاعية‬‫إلى أن تكون مبثابة مساكن للوجهاء والقادة فض ً‬
‫حلماية املستوطنة‪.‬‬
‫‪164 - Botan, 2012; Cleuziou &Tosi, 2007: 141-146.‬‬
‫‪165 - Ibid.‬‬
‫‪166 - Crawford, H.. Dilmun and its Gulf neighbours, Cambridge: Cambrige University press, 1998.‬‬
‫‪Weisgerber, G. ….und Kuper in Oman, Der Anscnitt 32: 1980, p. 62- 110.‬‬
‫‪167 - Crawford, Dilmun and its Gulf neighbours, p. 112.‬‬
‫‪168 - Cleuziou, Early Bronze Age, p. 144.‬‬

‫‪125‬‬
‫أبراج س ّلوت‬

‫خالل أعمال التنقيب األثــري يف موقع حصن سلّوت األثــري بوالية‬


‫بهالء عام ‪2007‬م‪ ،‬مت العثور يف السهل احمليط بسلّوت على بقايا ثالثة‬
‫مباني دائرية يعود تاريخها إلى العصر البرونزي (‪ 2000-3000‬سنة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬وقد اتضح أنها أجزاء من أبراج ضخمة يبلغ قطرها ‪ 20‬متراً‬
‫مبنية من احلجارة الكبيرة ‪.169‬‬

‫مت الكشف يف أعلى حصن سلّوت عن برج دائــري إستخدم كمدفن‬


‫ُوجدت فيه بقايا هياكل عظمية لشخصني‪ ،170‬كما ُعثر يف السهل احمليط‬
‫بحصن سلّوت على أبراج ضخمة تعود إلى بداية األلفية الثالثة قبل امليالد‬
‫ويف منتصف كل منها بئر وخندق كبير حول البرج‪ ،‬هاتان السمتان جندهما‬
‫متكررتان يف جميع أبراج العصر البرونزي (األلفية الثالثة قبل امليالد)‪،‬‬
‫كما ُوجدت بداخلها مواد أثرية متعددة كالفخار واجلــرار‪ ،‬وقد امتازت‬
‫أبراج سلّوت بنظام فريد لتخزين املياه يتمثّل يف وجود خ ّزانات ضخمة‬
‫وأبنية ذات حجارة كبيرة تتوزع على الدائرة الكبيرة لألبراج التي يصل‬
‫قطرها إلى أكثر من ‪ 20‬متراً‪.171‬‬

‫كشفت أعمال احلفريات يف موقع حصن سلّوت األثــري وعلى بعد‬


‫‪ 300‬متر شمال شرق احلصن عن برج دائري على السطح يعود تاريخه‬
‫إلى العصر البرونزي املبكر‪ ،‬يف نوفمبر ‪2010‬م‪ ،‬كشفت احلفريات عن‬
‫الطبقات األساسية جلدار البرج الدائري وصوالً إلى أساس البرج‪ ،‬وعثر‬
‫على بئر يف وسط البرج‪.172‬‬

‫‪ - 169‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.11 .‬‬
‫‪ - 170‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12-10 .‬‬
‫‪ - 171‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪172 - Esposti, Michele Degli & Carl Phillips., Iron Age impact on a Bronze Age archaeological‬‬
‫‪landscape: results from the Italian Mission to Oman excavations at Salūt,Sultanate of Oman,‬‬
‫‪Proceedings of the Seminar for Arabian Studies 42, 2012: 91-92.‬‬

‫‪126‬‬
‫صورة جوية لبرج األلف الثالث بالقرب من حصن سلّوت األثري‬
‫بات‬
‫تقع مستوطنة بات على طريق التجارة املؤدية إلى موانئ مجان الشمالية‬
‫املطلة على اخلليج‪ ،‬كما ُعرفت بخصوبة تربتها وازدهار زراعتها‪ ،‬بدأ احلفر‬
‫األثري يف مستوطنة بات عام ‪1972‬م التي تبلغ مساحتها ما بني ‪ 50-40‬هكتاراً‪،‬‬
‫جبانة حتتوي على مئات املدافن الركامية‪ ،‬كما مت إكتشاف‬ ‫يف شمالها توجد ّ‬
‫بقايا ‪ 5‬أبراج دائرية بُنيت من احلجارة الضخمة‪ ،‬تتراوح أقطارها ما بني ‪30-20‬‬
‫متراً‪ ،‬تبعد عن بعضها مبسافة تتراوح بني مائة إلى بضع مئات من األمتار‪ ،‬أحد‬
‫هذه األبراج يعود إلى الفترة ما بني (‪ 2465-2595‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وقد بُني‬
‫على منصة تتألف من ص ّفني من الغرف موازية على اجلانبني‪ ،‬ووجود بئر يف‬
‫املركز‪ .‬جدار البرج يتكون من كتل حجرية عالية ما بني ‪7‬م إلى حوالي ‪20‬م‪ ،‬على‬
‫اجلانب الشمالي الشرقي من البرج توجد عدد من الغرف متاخمة للبرج‪.173‬‬

‫إمتازت أبراج بات بتصميمها الهندسي الفريد‪ ،‬ويُعتبر البرج (‪ )1145‬أفضل‬


‫منوذج ألبراج بات‪ ،‬وتُوضح بقايا آثاره املكتشفة أنه مربع الشكل بُني باآلجر‬
‫الطيني‪ ،‬كما تُشير بقايا أساسات تلك األبراج بأنها مكونة من مجموعة جدران‬
‫متصلبة تشكل حجرات صغيرة‪ُ ،‬ملئت كل منها باحلصى والرمل وقد استخدم‬
‫اآلجر يف بناء قاعدة البرج بشكل كبير‪.174‬‬

‫أبراج بسياء‬
‫تعد مستوطنة بسياء بوالية بهالء ذات طبيعة تشبه كثيراً مستوطنة بات من‬
‫حيث عدد األبراج‪ ،‬فقد ُعثر فيها على ستة أبراج موزعة على مساحة واسعة‬
‫جبانة كبيرة للمدافن‬
‫من الضفة اليمنى لوادي بهالء‪ ،‬وتشرف املستوطنة على ّ‬
‫الركامية على اجلانب اآلخر من الوادي‪.175‬‬
‫‪173 - Frifelt, Evidance of a Third Millennium B.C, p. 57-73.‬‬
‫‪174 - Cleuziou, S.» The emergence of oases and towns in eastern and southern Arabia’», in Afanas’ev,‬‬
‫‪G.E., Cleuziou, S., Lukacs, J.R. and Tosi, M. (eds), The prehistory of Asia and Oceania, Forli, ABA‬‬
‫‪Edizioni, 1996, p. 159–165.‬‬

‫‪ - 175‬تقرير وزارة التراث والثقافة‪ ،‬لم ينشر‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫أبراج ا ُمل ّ‬
‫يسر‬

‫عدد من األبــراج مبنية من‬‫يسر بوالية املضيبي على ٍ‬‫ُعثر يف مستوطنة امل ُ ّ‬
‫ويكن‬
‫ُ‬
‫‪176‬‬
‫األحجار كبيرة احلجم يعود تاريخها إلى (‪ 2300‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫رؤية التقسيمات الداخلية ألحد هذه األبراج يف وسط املبنى‪.‬‬

‫مادة وأسلوب البناء‬

‫بُنيت األبراج خالل فترة العصر البرونزي يف ُعمان من احلجارة غير املنحوتة‬
‫واملتوفرة محلياً‪ ،‬وبعضها من الطوب (اللنب) أو من املادتني معاً‪ ،‬أما احلجارة‬
‫املستخدمة يف البناء فهي عبارة عن كتل حجرية ضخمة يبلغ طول الواحد‬
‫منها أحياناً أكثر من متر‪ ،‬وقد شُ كلت بواسطة تقنية احلجارة اجلافة‪ ،‬وبدون‬
‫إستخدام املالط‪.‬‬

‫املالحظ يف األبــراج أن البناء ملحق مبخطط متقن به غرف بدون أبواب‬


‫مملوءة بحجارة صغيرة من أجل احلصول على أسطوانة مصمتة عند القاعدة‬
‫وهي التي مت ّيز كل أبنية األبراج التي مت التنقيب فيها حتى اآلن‪ ،‬أما اجلدران‬
‫فقد كانت تُبنى عــاد ًة على شكل صفني متوازيني من احلجارة تشمالن وجه‬
‫اجلدار الداخلي واخلارجي‪ ،‬مع حشوة من كسر احلجارة الصغيرة بينهما‪ ،‬آجر‬
‫الطني كان يعلو األساسات احلجرية‪ .177‬وقد شُ يدت تلك األبراج على خنادق‬
‫كما هو يف أبراج بات‪ ،‬ويبلغ عرض هذه اخلنادق خمسة أمتار وعمقها ثالثة‬
‫أمتار‪ ،‬وال يوجد لها مدخل‪ ،‬ميكن اإلفترض بأن الوصول إليها كان يتم عبر درج‬
‫أو ممر‪ ،‬كما تشترك جميعها بوجود بئر يف منتصف املبنى‪ ،‬تفتح مباشرة على‬
‫الساحة الوسطى لألحياء السكنية لتمد السكان مبا يحتاجون إليه من مياه‪.178‬‬

‫‪176 - Cleuziou, S. & Toi, M. In the Shadow of the Ancestors: the Prehistoric Foundations of the Early‬‬
‫‪Arabian Civilization in Oman (Muscat, the Ministry of Heritage and Culture), 2007, p. 141-146.‬‬
‫‪ - 177‬كلوزيو‪ ،‬العصر البرونزي‪ ،‬ص‪.144 .‬‬
‫‪ - 178‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪167 ،163 .‬‬

‫‪129‬‬
‫العماني خالل العصر البرونزي‬
‫ثالثاً‪ :‬السمة العامة للمجتمع ُ‬
‫طابع تفاعل اإلنسان مع الطبيعة زاد كثيراً من إمكانية تكيفه مع البيئة‬
‫احمليطة به‪ ،‬فعوضاً عن جمع احلبوب والثمار البرية‪ ،‬أصبحت الزراعة وسيلة‬
‫اإلنسان للحياة‪ ،‬وبدالً من صيد احليوانات البرية إجته نحو تدجينها‪ ،‬ونشأت‬
‫بذلك أمناط إقتصادية وثقافية جديدة‪ ،‬ومت ّكن اإلنسان ألول مرة من السيطرة‬
‫على مصادره الغذائية‪ .‬وزاد عدد السكان اإلجمالي يف املناطق التي ُحظيت‬
‫بنشاط إقتصادي ملحوظ‪ ،‬وأصبح اإلنسان حريصاً على إقامة املستوطنات‬
‫الدائمة التي لم تكن قائم ًة يف السابق إال على سبيل اإلستثناء‪ ،‬أصبحت قانوناً‬
‫لكل املناطق الزراعية‪ .‬ورافق ذلك تزايد ألصناف األدوات الناجمة عن أشكال‬
‫اإلقتصاد اجلديد‪ ،‬وهذا بدوره لم يؤد إلى تطور داخل اجلماعات فحسب‪ ،‬بل‬
‫وإلى تنشيط ملحوظ للصالت فيما بني املستوطنات وبعضها‪ ،‬وإلى منو التبادل‬
‫وإمكانيات اإلنتشار السريع للمنجزات اإلقتصادية والثقافية‪.‬‬
‫العماني خالل فترة‬
‫وعلى ضوء كل ما سبق ميكن التعرف على مالمح املجتمع ُ‬
‫العصر البرونزي‪ ،‬الذي كان يقوم على القرابة وصلة الرحم‪ ،‬أي أن الوحدات‬

‫‪130‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫األسرية األساسية والوحدات العائلية الواسعة كانت تعيش يف منازل متالصقة‬


‫مبنية من الطوب محاطة بأسوار حجرية‪ ،‬فمساحة املنازل ال تتجاوز ‪ 30‬متراً‬
‫مربعاً‪ ،‬لكنها تبدو متجمعة حول فناءات صغيرة مزودة بفرن كبير‪ ،‬مما يشير إلى‬
‫حجم التعاون بني هذه العائالت داخل هذه املجتمعات على املستويني اإلجتماعي‬
‫واإلقتصادي‪ ،‬وميكننا أن نرى دالئل التعاون املنزلي متمث ً‬
‫ال يف السلسلة الطويلة‬
‫من األفران املنزلية يف فناء املجمع الشمالي ملوقع رأس اجلنز‪ ،2‬ويف الفرن‬
‫الكبير بالغرفة (‪ )15‬املنفتحة على املبنيني (‪ )1،2‬من املجمع اجلنوبي‪.179‬‬

‫العمانية القدمية كانت على‬


‫أما على املستوى اإلقتصادي‪ ،‬فإن املجتمعات ُ‬
‫درجة عالية من التنظيم وبخاصة يف مجال العالقات اإلقتصادية التي كانت‬
‫تقوم عليها حرفة الصيد البحري‪ ،‬وقد كانت ذات كفاءة عالية مكّنتها من‬
‫إيجاد تنظيم إقتصادي قوامه التبادل مع املجتمعات األخرى إعتماداً على حرفة‬
‫الصيد‪.180‬‬

‫‪ - 179‬كلوزيو‪ ،‬العصر البرونزي‪ ،‬ص‪.144-143 .‬‬


‫‪180 - Cleuziou, & Tosi. Ra’s al-Jinz and the Prehistoric Coastal Cultures of the Ja‘alān, p. 25‬‬

‫‪131‬‬
‫نلمس جتانساً فكرياً واضحاً يف التراث الفكري واملادي على كل أرض ُعمان‬
‫التاريخية خالل األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬هذا التجانس جاء كنتاج للتكامل‬
‫والتبادل الثقايف ‪ -‬اإلجتماعي بني جميع املستوطنات‪ ،‬فهناك تشابه كبير يف‬
‫إستخدام نوع الفخار‪ ،‬سواء كان مستورداً أو محلياً‪ ،‬واآلنيات احلجرية احمللية‬
‫الصنع بزخرفتها اجلميلة‪ ،‬ويف ممارسة الطقوس وتطورها مع مرور الزمن‪،‬‬
‫سواء يف األراضي الساحلية‪ ،‬أو يف سفوح اجلبال‪ ،‬أو يف أعالى الوديان اجلبلية‪،‬‬
‫ويعد ذلك من أهم الدالالت اإلجتماعية‪ ،‬فقد كانت كل املدافن التي ظهرت يف‬
‫نهاية األلفية الرابعة قبل امليالد مدافن جماعية أحادية الغرف‪ ،‬ومعلّمة بأكوام‬
‫من األحجار‪ ،‬ورمبا تواصل إستعمالها لبضعة قرون بعد ذلك‪ ،‬وإذا تركنا عالم‬
‫املوتى ومدافنهم وقصدنا املستوطنات نستطيع رسم صورة مبدئية املالمح ملدى‬
‫صلة القرابة والنسب التي ربطت تلك التجمعات السكانية الواحدة‪.181‬‬

‫إن تطور املجتمعات البشرية وتقدمها يرتبط باملتغيرات التي حتدث من‬
‫حيث تطور أدوات اإلنتاج وتنوع احلرف وطبيعة الطقوس امل ُصاحبة‪ ،‬وتُشير‬
‫العديد من الدراسات البحثية عن قيام سكان املستوطنات السكنية مبمارسة‬
‫أنشطة متعددة لدرجة أنه ال يخلو بيت من معدات صيد األسماك‪ ،‬ووجود بقايا‬
‫يف كل وحدة سكنية تدل على صناعة اخلوامت من األصداف‪ ،‬فقد عمل اجلميع‬
‫يف الصناعات احلرفية املنزلية‪ ،‬فأنتجوا يف أوقات الفراغ سلعاً ميكن أن تص ّدر‬
‫إلى دوائر التجارة الداخلية مع منتجات األسماك الرئيسة‪ ،‬بل وقد تص ّدر إلى‬
‫دوائر التجارة اخلارجية‪ ،‬األمر املؤكد أنه كان بوسع اجلميع املشاركة يف كل‬
‫العمانيون من‬
‫صنوف األنشطة من خالل املعثورات الطقوسية‪ ،‬ولعل ما خلّفه ُ‬
‫يعبر عن مستوى معيشة األفراد ووضعهم اإلجتماعي‪.182‬‬ ‫ٍ‬
‫ممارسات طقوسية ّ‬
‫العماني‬
‫نكون صورة عن املجتمع ُ‬ ‫يف ضوء هذه املعطيات األثرية ميكن لنا أن ّ‬
‫خالل فترة العصر البرونزي‪ ،‬وهو مجتمع إتسمت عالقاته بالتعاون واملشاركة‬

‫‪ - 181‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي‪ ،‬ص‪.141 .‬‬


‫‪ - 182‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫احلياة اإلجتماعية‬

‫العملية يف التغلب على طبيعة احلياة وقسوتها أحياناً‪ ،‬وعلينا أن نتخيل القوة‬
‫البشرية املتناغمة التي قامت ببناء األفالج واألبراج والسفن وممارسة العمليات‬
‫التجارية فيما وراء البحار‪ ،‬كل ذلك يؤكد وجود منط إداري قادر على ضبط‬
‫احلياة والتغلب على املشكالت التي ميكن أن تواجه السكان وهم ميارسون‬
‫عملهم على األرض بالزراعة واإلعمار أو عبر البحار واحمليطات وهم يجوبونها‬
‫حاملني منتجاتهم إلى كثير من دول العالم القدمي‪.‬‬

‫العماني يف العصر البرونزي تتمثل يف‪ :‬التكافل اإلجتماعي‬


‫إن سمات املجتمع ُ‬
‫من خالل التعاون الذي عكسته اآلثار املكتشفة‪ .‬حيث تتحالف جميع األسر‬
‫التي جتمعهم مصالح مشتركة‪ ،‬فالعمل اجلماعي هو السمة البارزة‪ ،‬واملنشآت‬
‫العامة تفرض تعاوناً بني اجلميع‪ ،‬كما أن العمل يف بناء السفن والتجارة يصب‬
‫العماني القدمي‬
‫يف خدمة كافة أفراد املجتمع‪ ،‬هذه الصورة الفريدة للمجتمع ُ‬
‫يقف وراءهــا‪ ،‬دون شك‪ ،‬سلطة زعامات روحية وأخالقية يلجأون إليها حلل‬
‫اخلالفات فيما بينهم‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫أو ًال‪:‬‬
‫الزراعة ومنشآت الري‬

‫ثانياً‪:‬‬
‫التجارة واملالحة يف العصر البرونزي‬

‫ثالثاً‪:‬‬
‫الصناعة واحلرف املنزلية‬
‫أو ًال‪ :‬الزراعة ومنشآت الري‬

‫عرفت جتمعات الصيد واإللتقاط يف ُعمان خالل فترة األلف الرابع قبل‬
‫امليالد نقالت إقتصادية وإجتماعية كبيرة أ ّدت إلى تطور يف العمليات الزراعية‬
‫وممارسة الرعي‪ ،‬وقد شكلت املياه أساس اجلذب السكاني‪ ،‬فتعدد مصادر املياه‬
‫يف ُعمان وتنوع املناخ وصالحية التربة يعد من العوامل اجلوهرية التي ساعدت‬
‫على إزدهار النشاط الزراعي‪ ،‬كما أن اتساع الرقعة اجلغرافية للبالد وتباين‬
‫تضاريسها ساهم يف تنوع املناخ بني مختلف األقاليم على مدار فصول السنة‪،‬‬
‫وبالتالي تنوع احملاصيل والغالت الزراعية‪ ،‬مما أحدث تنوعاً وشكّل عام ً‬
‫ال‬
‫رئيساً من عوامل اإلكتفاء الذاتي‪.‬‬

‫العماني فقد مكّنته من بناء منشآت ري فريدة ومبدعة‬ ‫أما مهارة الفالح ُ‬
‫لتوفير املياه‪ ،‬واستغالل املساحات الصغيرة من األراضي على إمتداد ضفاف‬
‫األوديــة‪ ،‬وإستصالح األراضــي يف القطاعات العليا من األوديــة قرب الينابيع‬
‫والبرك حيث مخزون املياه الطبيعي‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫املوارد املائية‬

‫تقع ُعمان ضمن املنطقة املدارية ذات املناخ اجلاف‪ ،‬ومعدالت سقوط األمطار‬
‫منخفضة ومتباينة خالل العام‪ ،‬نسبة كبيرة من األمطار تتساقط على املرتفعات‬
‫لعمان‪ ،183‬وقد شكلت هذه املياه عصب احلياة‪ ،‬إال أن هذه‬‫الشمالية واجلنوبية ُ‬
‫األمطار القصيرة األمد تكفي ألن تكون مداداً لنظام واسع اإلمتداد من طبقات‬
‫حاملة للماء يف منطقة تقع أسفل اجلبال‪.184‬‬

‫لقد تعددت مصادر املياه ما بني مياه األمطار واملياه اجلوفية‪ .‬فاألمطار‬
‫تسقط على اجلبل األخضر معظم شهور العام‪ ،‬وبخاصة يف فصل الصيف‪،‬‬
‫حيث تستقبل سفوح اجلبال متوسط ‪ 80‬ملم من املياه‪ ،‬فيما تستقبل سفوح‬
‫اجلبال التي متتد بني (‪ )3000- 2000‬متر أكثر من ‪ 200‬ملم من هذه املياه التي‬
‫جتري يف العديد من األودية‪ ،‬محدثة شروخاً وتصدعات عميقة تغذي الشعاب‬
‫واألودية ومن ثم تتوزع يف دلتا واسعة ومتراكبة بني الصحراء واجلبال لتشكل‬
‫مساحات واسعة مكسوة بالطمي الزراعي‪ ،185‬يضاف إلى ذلك املياه اجلوفية‬
‫الباطنية التي يتم احلصول عليها بحفر اآلبار‪ .‬وتعد الينابيع الطبيعية مصدراً‬
‫رئيساً للماء وخاصة تلك التي تقع ما بني طبقات احلجر اجليري أو الصخور‬
‫التي قد حتتوي على مواد منبعثة حارة‪ ،‬ويف املناطق العليا بالوديان جند بعض‬
‫مجاري املاء الفرعية التي يأتيها املاء عن طريق التقطير يف مناطق التماس بني‬
‫التكوينات الصخرية املختلفة ‪.186‬‬

‫‪183 -Tosi, M., Notes on the Distribution and Exploitation of natural Resources in ancient Oman, NOS,‬‬
‫‪Vol. 1, 1975, p. 187.‬‬
‫‪ - 184‬تــوزي‪ ،‬موديتسســتو‪« ،‬مالحظــات حــول توزيــع املــوارد الطبيعيــة واســتثمارها يف ُعمــان القدميــة»‪ ،‬مجلــة الدراســات‬
‫ال ُعمانيــة‪ ،‬مجموعــة مختــارة مــن اجلزءيــن األول والثانــي الصادريــن يف عــام ‪ 1975‬وعــام ‪ ،1976‬وزارة األعــام والثقافــة‪،‬‬
‫‪ ،1978‬ص‪.91 .‬‬
‫‪ - 185‬كلوزيو‪ ،‬استصالح وحماية األراضي‪ ،‬ص‪13 .‬؛ كلوزيو و توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.26 .‬‬
‫‪ - 186‬ولكينســون‪ ،‬جــون‪ ،‬األفــاج ووســائل الــري يف ُعمــان‪ ،‬ط‪ / 2‬وزارة التــراث القومــي والثقافــة‪ ،‬ســلطنة ُعمــان‪1407 ،‬هـــ ‪/‬‬
‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.39 .‬‬

‫‪137‬‬
‫لقد اشتهرت ُعمان بوفرة العيون الطبيعية التي تفيض منها املياه على مدار‬
‫العام‪ ،‬بعض هذه العيون إشتهرت مبياهها املعدنية ذات القيمة الصحية الفائقة‪،‬‬
‫إن وفرة املياه تعد سمة من‬ ‫يف حني إشتهر البعض اآلخر مبياهه الساخنة‪ّ .‬‬
‫السمات اجلغرافية التي تتصف بها األطراف الساحلية‪ ،‬ومنحدرات اجلبال على‬
‫أطراف الصحراء‪ ،‬إن هذه املناطق رغم جفاف مناخها كانت صاحلة للعيش على‬
‫أراضيها‪ ،‬لذا قام فيها إستيطان إنساني منذ عصور ما قبل التاريخ‪ .‬يضاف إلى‬
‫تلك الثروة املائية مصدر آخر للماء هو الندى الذي يحمل املاليني من قطرات‬
‫املــاء الصغيرة التي تنتشر على مساحات واسعة بعيداً عن مجاري األوديــة‪،‬‬
‫فالعديد من احليوانات والنباتات تك ّيفت على املياه التي حتصل عليها مباشرة‬
‫إرتكاز من‬
‫ٍ‬ ‫من الهواء املشبع بالرطوبة‪ ،187‬فاملياه يف العصور القدمية كانت نقطة‬
‫خاللها يتم حتديد نوع اإلستيطان‪ ،‬ومقدار التجمع السكاني‪.188‬‬
‫‪ - 187‬كلوزيو و توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.28 .‬‬
‫‪ - 188‬توزي‪ ،‬مالحظات حول توزيع املوارد الطبيعية واستثمارها يف ُعمان القدمية‪ ،‬ص‪.91 .‬‬

‫‪138‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫العمانيون الزراعة منذ فجر التاريخ وقد تع ّرفوا على طرق فنية‬ ‫مارس ُ‬
‫مختلفة لتنمية مجتمعاتهم‪ ،‬وقد ُوجدت اآلبار املستخدمة يف عمليات الزراعة‬
‫يف جميع قالع األلف الثالث قبل امليالد يف ُعمان‪ ،‬ويرجح أن الري املتبع يف بات‬
‫يف هذه الفترة كان يعتمد على اخلزّانات املنخفضة أو السدود‪.189‬‬
‫ظهر نظام إستغالل األراضــي الزراعية الذي ُس ّمي بالواحات يف نهايات‬
‫األلف الرابع قبل امليالد التي شكّلت السمة املميزة للزراعة‪ ،‬كانت هذه الواحات‬
‫موزعة إلى وحــدات شبه مستقلة تستقبل مــوارد الوديان وفق محور مجرى‬
‫املاء الذي تعتمد عليه يف الدرجة األولى‪ ،190‬فقد أنشئت على مخارج األودية‬
‫املنحدرة من اجلبال‪ ،‬فتنوعت احملاصيل الزراعية ذات القيمة الغذائية العالية‬
‫مثل التمور والغالل التي ميكن تخزينها واإلجتار بها‪ ،‬التي لم تصبح مصدراً‬
‫للغذاء فحسب‪ ،‬بل للثروة أيضاً‪ ،‬كما زادت تربية احليوانات لتلبي الطلب عليها‪،‬‬
‫وهكذا كانت الواحات إبتكاراً حقيقياً‪ ،‬بل ميكن أن توصف بثورة إقتصادية‬
‫وحضارية شهدتها ُعمان أحدثت نقل ًة يف املجال اإلقتصادي‪.191‬‬
‫‪189 - al-Jahwari, The agricultural basis of Umm an-Nar society, p. 124.‬‬
‫‪ - 190‬توزي‪ ،‬مالحظات على توزيع املوارد الطبيعية وإستثمارها يف ُعمان القدمية‪ ،‬ص‪.110 .‬‬
‫‪ - 191‬اكلوزيو‪ ،‬سيرج ستصالح وحماية الواحات ال ُعمانية يف العصر البرونزي‪ ،‬ص‪.11 .‬‬

‫‪139‬‬
‫شكّلت الزراعة يف ُعمان خالل فترة العصر البرونزي قاعدة هامة يف البناء‬
‫اإلقتصادي منذ املراحل املبكرة من التاريخ احلضاري‪ ،‬وال غرابة يف ذلك‪،‬‬
‫إذ أسهمت املقومات الطبيعية‪ ،‬كالسطح وخصوبة التربة ووفرة املياه املتعددة‬
‫املصادر واملناخ املالئم يف ذلك اإلزدهار‪ ،‬كما كان للمقومات البشرية هي األخرى‬
‫الدور اإليجابي والهام يف تلك النهضة‪ ،‬كوفرة األيادي العاملة التي كانت تقوم‬
‫باملهام الزراعية‪ ،‬وتطور منشآت الري املتنوعة واملتطورة (األفالج)‪ ،‬ويف املناطق‬
‫العمانيون اآلبار‪ ،‬وعلى املرتفعات بنوا املدرجات الزراعية‬
‫الداخلية اجلافة حفر ُ‬
‫واستغلوا املياه الغيلية (وهي املياه السطحية اجلارية يف األودية)‪ ،‬كل ذلك كان‬
‫الري وسن القوانني اخلاصة‬ ‫مدعوماً بوجود سلطة قوية حافظت على أنظمة َ‬
‫ٍ‬
‫رائجة لتسويق املنتجات‬ ‫بتوزيع األراضي الزراعية واملياه‪ ،‬إضاف ًة إلى وجود ٍ‬
‫سوق‬
‫الزراعية املتنوعة يف األسواق احمللية واخلارجية‪.‬‬

‫أبرز الواحات الزراعية‪ :‬بات يف والية عبري‪ ،‬وسلّوت يف والية بهالء‪ ،‬وامل ُ ّ‬
‫يسر‬
‫يف والية املضيبي‪ ،‬هذه الواحات كانت مأهولة بالسكان منذ بداية األلف الثالث‬
‫قبل امليالد‪ ،‬ويف هذه الواحات ظهر اإلقتصاد الزراعي اجلديد بصورته املتكاملة‬
‫منذ (‪ 2700-3000‬سنة قبل امليالد)‪.192‬‬

‫‪ - 192‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13 .‬‬

‫‪140‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫نظام األفالج‬
‫العمانيون منذ‬
‫األفــاج إصطالح شامل ألحد أنظمة الري التي ابتكرها ُ‬
‫العصر احلجري املعدني‪ ،‬وكلمة فلج مشتقة من جذور عربية قدمية‪ ،‬تعني‬
‫«قناة»‪ ،‬و «مفلج» تعني مخرج املاء‪ ،193‬أي‪ ،‬املاء اجلاري عبر قناة مشقوقة ‪.194‬‬

‫ﻓﻠﺞ ﻏﻴﻠﻲ‬
‫ﺣﺎﺋﻂ ﲢﻮﻳﻞ أو ﺳﺪ‬
‫ﺟﺰء ﻣﻔﺘﻮح ﻣﻦ ﺳﺎﻗﻴﺔ اﻟﻔﻠﺞ‬ ‫اﻟﺰراﻋﺔ ﰲ اﻟﻘﺮﻳﺔ‬

‫)أم اﻟﻔﻠﺞ أو اﳌﺼﺪر(‬

‫ﻣﺠﺮى وادي‬

‫العمانية‬
‫رسم توضيحي لفلج غيلي الذي يُعد أقدم األفالج ُ‬
‫‪ - 193‬بيســتون‪ ،‬أ‪ .‬ف‪ .‬ل‪ .‬؛ جــاك ريكمنــز‪ ،‬محمــود الغــول‪ ،‬ووالتــر مولــر‪ ،‬املعجــم الســبئني باإلجنليزيــة والفرنســية والعربيــة‪،‬‬
‫دار نشــريات بيتــرز لوفــان اجلديــدة‪ ،‬مكتبــة لبنــان‪ ،‬بيــروت‪ ،1982 ،‬مــادة «فلــج» و «مفلــج» ص‪ .44 .‬أنظــر النقــزش الســبئية‪:‬‬
‫كوربــوس ‪.CIH/11/2/540/19-١٨‬‬
‫‪194 - Wilkinson, J. C., “A Sketch of the History Geography of the Trucial Oman down to the Beginning‬‬
‫‪of the 16th Century “, GJ, cxxx (1964), pp. 337-344. Wilkinson, J. C., “ Water and Tribal Settlement in‬‬
‫‪South-East Arabi”, Oxford, 1966.‬‬

‫‪141‬‬
142
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫تروي األسطورة أن نبي اهلل سليمان بن داوود دخل ُعمان وأهلها بالبادية‪،‬‬
‫فأقام فيها عشرة أيام وأمر اجلن بحفر األفالج يف ُعمان‪ ،‬فاألساطير مبثابة‬
‫سحيقة من التاريخ يف الوقت نفسه متي ُل خللق شخصيات‬ ‫ٍ‬ ‫قب‬ ‫مكب ٍر ِ‬
‫حل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منظار ِّ‬
‫أُسطورية وأخــرى تاريخية‪ ،‬يف الوقت نفسه حتتفظ بعناصر تسمح للمؤرخ‬
‫ٍ‬
‫وبخاصة عندما ميكن قراءتها إستناداً لتقاليد‬ ‫ٍ‬
‫خيوط لوقائع ممكنة‪،‬‬ ‫بتمييز‬
‫محلية‪ ،‬لكن الذي يبقى أنه متكّن من حتديد موقع املدينة‪ ،‬ففتح بذلك الطريق‬
‫لعلم اآلثار الذي تعاطى مع التعقيدات احلقيقية للمكان وللتاريخ‪ .‬وما على‬
‫الباحث إال أن يتفحص ما ورد من تعريف ملصطلح «األسطورة»‪ ،‬والعبارة التي‬
‫ٍ‬
‫أسطورة‬ ‫أمر بسيطٌ آخر‪ ،‬فلكل‬
‫تقول‪« :‬األسطورة‪ ،‬التي ينبغي أن تُقرأ»‪ ،‬وهناك ٌ‬
‫هدف وغاية‪ ،‬لقد ظهرت بإعتبارها رواي ًة مركّب ًة للتاريخ‪ ،‬وهذه بدورها ينبغي‬ ‫ٌ‬
‫أخذها باإلعتبار عندما نحاول إستخالص احلقائق من النسيج األسطوري‬
‫حول أصول األفالج يف ُعمان‪.195‬‬

‫‪195 - Wilkinson,, A Sketch of the History Geography, p. 337-344.‬‬

‫‪143‬‬
‫لقد أسفرت نتائج التنقيبات األثرية إلى تالقي البحث األثري مع األسطورة‬
‫عندما مت العثور على أحد أقدم اآلثار للقنوات املائية يف موقع غبرة بهالء‪.‬‬
‫العمانيني السابقة يف تعدين النحاس منذ العصر احلجري‬ ‫ساهمت خبرة ُ‬
‫املعدني يف بناء األفالج املعروفة بنمطها احلالي وحفر اآلبار العميقة‪ ،‬التي‬
‫كنظام‬
‫ٍ‬ ‫شهدت تطوراً ملحوظاً يف منتصف األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬حينما ظهر‬
‫ُيسر وفلج الراكي‬
‫العمانيني‪ ،‬وتعود فترة إنشاء فلج امل ّ‬
‫للري متعارف عليه لدى ُ‬
‫إلى نهاية العصر البرونزي (‪ 1500‬سنة قبل امليالد)‪ .196‬ولعل نظام األفالج قد‬
‫انتقل بعد ذلك بفترة زمنية كبيرة إلى إيران‪.197‬‬

‫يُعد نظام األفالج يف ُعمان أحد أبرز أنظمة الري التاريخية يف العالم‪ ،‬وقد‬
‫ال مهماً يف احلفاظ على الزراعة واإلستقرار البشري‪ ،‬حيث أتقن‬ ‫شكّل عام ً‬
‫العمانيون هندسة بنائها‪ ،‬يعتبر الفلج قناة مائية محفورة يف باطن األرض أو‬ ‫ُ‬
‫على السطح لنقل املياه بشكل مغطى أو مكشوف عبر قنوات مائية إلى مناطق‬
‫الواحات واملستوطنات‪ ،198‬ويتكون نظام األفــاج من فلج واحد أو عدة أفالج‬
‫وفروع تصب يف نفس القناة لتغذية الفلج الرئيسي تسمى بالسواعد‪ ،199‬وقد‬
‫يصل طول الساعد الواحد (‪ 14,5‬كيلومتراً)‪ ،‬وقد يصل عدد السواعد التي تصب‬
‫يف الفلج الواحد ‪ 17‬ساعداً‪ ،‬ويتطلب بناء وحفر األفالج خبرة ومعرفة علمية‪،‬‬
‫بداي ًة من مسح األرض إلختيار املكان املناسب حلفر الفلج ً‬
‫بناء على عدة عوامل‬
‫جغرافية‪ ،‬كوجود مرتفعات جبلية واسعة تتخللها تضاريس أودية تستقطب مياه‬
‫ٍ‬
‫بإنسياب نحو املنخفضات والسهول الترابية الصاحلة للزراعة‪ ،‬وعمل‬ ‫األمطار‬
‫املسوحات إلختيار مكان يضمن تو ّفر مخزون ٍ‬
‫كاف من املياه التي تخلّفها األمطار‬
‫سواء املوسمية أو غير منتظمة الهطول تفادياً حلفر البئر يف منطقة صخرية ال‬
‫ً‬

‫‪ - 196‬وزارة البلديات اإلقليمية وموارد املياه‪ ،‬موارد املياه يف سلطنة ُعمان‪ .2012 ،‬ص‪.20 .‬‬
‫‪197 - Orchard, J. C. & Orchard, J. J. The Third Millennium BC Oasis Settlements of Oman and the‬‬
‫‪First Evidence of their Irrigation by Aflaj from Bahla. Proceedings of the International Symposium:‬‬
‫‪Archaeology of the Arabian Peninsula Through the Ages. 7th-9th May 2006 (Ministry of Heritage and‬‬
‫‪Culture, Sultanate of Oman), Muscat, 2007, p. 143-173.‬‬
‫‪ - 198‬كلوزيو & توزي يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪177-195 .‬‬
‫‪ - 199‬وزارة البلديات اإلقليمية وموارد املياه ‪ -‬سلطنة ُعمان‪2006 .‬م‪ .‬مشروع حصر األفالج ال ُعمانية‪ ،‬ص‪.1 .‬‬

‫‪144‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫تسمح للمياه الوصول إلى باطن األرض‪ ،‬وللمناطق الترابية أو التكونات الرسوبية‬
‫قدرة على إمتصاص املياه وتخزينها بسهولة مما يجعلها صاحلة لشق األفالج‪ ،‬مع‬
‫األخذ بعني اإلعتبار قربها من املناطق الصاحلة لإلستصالح الزراعي‪.200‬‬

‫بناء على‬
‫يتم حتديد املصدر الرئيسي الذي يؤخذ املاء منه بإسم (أم الفلج) ً‬
‫معطيات حسابية يتم إعدادها من قبل أحد املختصني يف املنطقة قدمياً‪ ،‬ويتم‬
‫حفر عدة آبار جتريبية متقاربة قد تصل إلى خمسة آبار حتسب فيها املسافة‬
‫وتق ّدر كمية املياه اجلارية بني كل بئر‪ ،‬وعند التأكد من وجود كميات كافية‬
‫من املياه يقوم املهندسون القدامى بتوصيل هذه اآلبار عن طريق نفق أرضي‬
‫يربطها‪ ،‬ثم حتفر آبار أقل عمقاً من األولى وعلى خط مستقيم ويف اجتاهني‬
‫إلى أن يصل املاء إلى مستوى سطح األرض (الشريعة)‪ ،‬لتبدأ عملية إنشاء‬
‫القنوات املائية السطحية حيث يتم توزيع املياه‪.‬‬

‫‪ - 200‬وزارة البلديات اإلقليمية وموارد املياه ‪ -‬سلطنة ُعمان‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13 .‬‬

‫‪145‬‬
‫العمانيني ال تقف عند تشييدها فقط‪،‬‬ ‫عملية اإلبداع يف بناء األفالج لدى ُ‬
‫فنظام وطرق توزيع مياه الفلج تعتمد على الظروف اإلجتماعية واإلقتصادية‬
‫احمليطة بإنشاء الفلج‪ ،‬وهي تستند إلى حسابات رياضية دقيقة تدخل فيها‬
‫مسارات النجوم وأوقات شروق وغروب الشمس‪ ،‬وتوزع مياه الفلج غالباً على‬
‫األشخاص املشاركني يف عملية إنشائه‪ ،‬وفق عددهم يق ّدر نصيب كل شخص‬
‫منهم وفق املساحات الزراعية ونوعية التربة يف املنطقة‪ ،‬ويقوم املساهمون يف‬
‫إنشاء الفلج بتعيني شخص ذو علم بحسابات النجوم واملسافات الزمنية بينها‬
‫وإختالف موضعها يف الفصول السنوية املختلفة‪ ،‬وذو خبرة يف قياس الظل نهاراً‬
‫وبناء على هذه العلوم يقوم بتقسيم مياه الفلج معتمداً على‬‫ً‬ ‫ويسمى بوكيل الفلج‪،‬‬
‫ال وقياس الظل نهاراً‪ ،‬ويف حالة تخييم‬ ‫حسابات النجوم واملسافات التي بينها لي ً‬
‫الغيوم على السماء يقوم الوكيل أو العريف بتوزيع املياه معتمداً على تدفق املياه‬
‫وكمية املزروعات واإلستهالك‪ ،‬كما يقوم الوكيل بحل اخلالفات حول توزيع املياه‬

‫‪146‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫على أن يتقاضى نصيباً محدداً من ماء الفلج نظير خدماته‪ ،‬ويقوم مبساعدته‬
‫شخص يسمى عريف الفلج‪.‬‬

‫توزع مياه األفالج مبقياس يسمى (البادة) التي تنقسم إلى ‪ 24‬قسماً يسمى‬
‫كل قسم منها (أثر)‪ ،‬ويقدر األثر الواحد بنصف ساعة‪ ،‬وهذا يعني أن البادة‬
‫وبناء على احلسابات التي يقوم بها الوكيل أو‬‫ً‬ ‫الواحدة تقدر بـ ‪ 12‬ساعة‪،‬‬
‫العريف تُقسم البادة بني املستفيدين‪ ،‬ويحق لكل شخص بيع أو إيجار نصيبه من‬
‫ماء الفلج‪ ،‬غالباً ما يقوم املزارعون بطرح نصيبهم الزائد عن حاجتهم لإليجار‬
‫أو البيع لألشخاص الذين ال ميلكون نصيباً من ماء الفلج أو األشخاص الذين‬
‫ال يكفيهم نصيبهم املق ّدر من املاء لري مزارعهم‪ ،‬وتُستخدم هذه العوائد لصيانة‬
‫الفلج وتغطية مستلزماته‪ ،‬ويختلف نظام توزيع ماء الفلج وإدارته إعتماداً على‬
‫حجم الفلج واملنطقة املستفيدة منه‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫إن هذه القنوات سواء املقامة حتت سطح األرض أو فوقه تُعد مناذج ممتازة‬
‫العمانية الرائدة‪ ،‬ويف طوي وعرجاء مت إكتشاف‬ ‫تدل على املهارات الهندسية ُ‬
‫نظام فلج غاية يف اإلتقان واإلحكام‪ ،‬لقد ساعد هذا النظام على زراعة األراضي‬
‫الصحراوية‪ ،‬ومن الواضح أن شق هذه القنوات (األفالج) يتطلب مهارة هندسية‬
‫دقيقة تقوم على عدد من األسس العلمية منها‪:‬‬
‫‪ -‬معرفة منسوب املــاء يف اخلــزان املائي اجلــويف‪ ،‬ووفــقـاً لهذا املنسوب‬
‫يخططون األخدود الذي يشقونه بني املرتفعات‪.‬‬
‫‪ -‬كيفية شق األخدود بحيث يكون إنحداره تدريجياً نحو السهل املستفيد‬
‫من هذا املاء‪ ،‬وقد تتفرع من هذه األفالج الرئيسة أفالج أخرى فرعية أصغر‬
‫الغرض منها ري املزارع الصغيرة املتناثرة على جوانب األودية الكبرى‪.‬‬
‫‪ -‬وضع قواعد محددة وأحكام ثابتة لتوزيع املاء توزيعاً عاد ًال بني املستفيدين‬
‫منه‪ ،‬واإلعتماد يف ذلك على ضوابط دقيقة‪ ،‬نهارية وليلية‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫ساعدت وفرة مياه األفالج واحلرص على اإلستفادة منها يف الزراعة على‬
‫قيام مجتمعات زراعية مستقرة‪ ،‬األمر الذي ش ّكل دعام ًة أساسي ًة من دعائم‬
‫العمانية وارتقائها‪.‬‬
‫نشأة احلضارة ُ‬

‫األثر اإلجتماعي لنظام الري باألفالج‬

‫لعب نظام األفالج يف ُعمان دوراً ال يستهان به يف احلياة اإلجتماعية بإعتباره‬


‫نظاماً يبعث على التماسك والتعاون الذي يخدم الصالح العام‪ ،‬ولذلك حرص‬
‫العمانيون على وضع األسس الكفيلة باحلفاظ على هذا النظام ليس بإعتباره‬ ‫ُ‬
‫قانوناً وإمنا بإعتباره ُعرفاً متوارثاً عبر األجيال قد ارتضاه الناس جميعاً‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫لذا حقق ومازال يحقق نتائج طيبة يف تنظيم العالقات اإلجتماعية والتنمية‬
‫احمللية من خالل عدة أمور‪:‬‬
‫‪ -‬احملافظة على روح التعاون والتماسك بني األعضاء املنتفعني من مياه األفالج‪.‬‬
‫‪ -‬مساهمة الفلج يف دعم العائد املادي لألسرة من خالل بيع حصص من مياه‬
‫األفالج بطريقة املزايدة (املناداة)‪.‬‬
‫‪ -‬دعم دخل األسرة من خالل تأجير مياه األفالج يف قطعة من األرض لفترة‬
‫معي يتم اإلتفاق عليه بني الطرفني‪.‬‬
‫محدودة مقابل مبلغ ّ‬
‫‪ -‬املساهمة يف إنتاج احملاصيل الزراعية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسهام املباشر يف دعم الصناعات التقليدية املختلفة (املنجور)‪.‬‬
‫‪ -‬دعم الروابط اإلجتماعية بني املستفيدين من مياه الفلج سواء أكانوا مالكاً‬
‫أم مزارعني أم عماالً‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫‪ -‬إرساء قواعد أساسية للفصل يف أي نزاعات ميكن أن تنشأ بسبب إقتسام‬


‫مياه األفالج أو صيانتها‪.‬‬
‫‪ -‬أوجدت تنمية األفالج عالقات فريدة يف األمناط اإلجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫فالفلج يشكل نواة اإلستقرار املجتمعي‪.201‬‬

‫جند أن لألفالج دوراً كبيراً يف إرساء التماسك بني أفراد املجتمع ُ‬


‫العماني‪،‬‬
‫مما أدى إلى خلق روح التعاون والتفاهم يف املجتمع والذي إنعكس على الشخصية‬
‫العمانية الفريدة‪ .‬تقع مواقع اإلستيطان الكبرى يف اجلزء األوسط من ُعمان‬ ‫ُ‬
‫على ارتفاع ‪ 550-450‬متر فوق سطح البحر‪ ،‬هو أكثر أجزاء ُعمان إكتظاظاً‬
‫بالسكان‪ ،‬حيث األفالج واألرض الصاحلة للزراعة تبلغ ‪ ٪2‬من مجموع املساحة‪.‬‬

‫‪ - 201‬ولكنسون‪ ،‬اإلمامة يف ُعمان‪ ،‬ص‪.42 .‬‬


‫احملاصيل الزراعية‬

‫لقد كانت املستوطنات الزراعية موزعة وفق جغرافية املنطقة لذا أثّر هذا‬
‫التنوع اجلغرايف على التنوع النباتي‪ ،‬ففي سفوح اجلبال تنمو أشجار السمر‪،‬‬
‫والسدر‪ ،‬يضاف إليها األثل يف عدد من مناطق الشرقية‪ ،202‬ويف الواحات مت‬
‫زراعة الكثير من احملاصيل الزراعية كالذرة‪ ،‬والشعير‪ ،‬والقمح‪ ،‬وقد اختلف‬
‫الباحثون حول أصول هذه النباتات هل هي محلية أم مستوردة‪ ،‬فرضيتان تشير‬
‫إلى عدم إنتمائها إلى ُعمان بحكم الطبيعة املناخية وأنها نباتات مستوردة إما‬
‫من بالد الرافدين أو من شرق فارس‪ ،‬أو من شرق إفريقيا‪ ،203‬فرضية أخرى‬
‫ترى أن هذه النباتات كانت موجودة منذ زمن بعيد يف ُعمان‪ ،204‬ونحن نقول‬
‫بوجهة النظر األخيرة فآثار الذرة موجودة وقد عثر عليها يف رأس احلمراء منذ‬
‫األلف الرابع قبل امليالد‪ .‬ففي هيلي وبات عثر على آثار زراعة النخيل واحلبوب‬
‫(القمح والشعير) مت زراعتها منذ مطلع األلف الثالث قبل امليالد‪.‬‬
‫‪ - 202‬توزي‪ ،‬مالحظات على توزيع املوارد الطبيعية وإستثمارها يف ُعمان القدمية‪ ،‬ص‪.110 .‬‬
‫‪203 - Potts, D.T, Contributions to the agrarian history of Eastern Arabia I. Implements and cultivation‬‬
‫‪techniques, Arabian Archaeology and Epigraphy, 5/3, 1994, p. 145-168.‬‬
‫‪ - 204‬كلوزيو‪ ،‬إستصالح وحماية األراضي‪ ،‬ص‪.22 .‬‬

‫‪152‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫العمانية‪ ،‬وقد كانت وال زالت‬ ‫أما شجرة النخيل (التمور) فهي نتاج البيئة ُ‬
‫للعمانيني‪ ،‬وتتالءم التمور جيداً مع التقنيات املتنوعة‬
‫مصدراً رئيساً للغذاء بالنسبة ُ‬
‫للحفظ التي تسمح باإلنتقال واحلركة وكذلك التخزين‪ ،‬وقد كشفت التنقيبات‬
‫ُيسر‪ ،1‬وهي‬‫األثرية عن بقايا التمور‪ :‬أشجار النخيل‪ ،‬ونوى التمور من موقع امل ّ‬
‫من البقايا النباتية الوحيدة التي عثر عليها يف أماكن متعددة يف كل أنحاء ُعمان‪.‬‬

‫يسر‪ ،205)1‬باإلضافة إلى وجود بعض األدلة‬


‫مت الكشف نوى متر من موقع ( ُم ّ‬
‫على زراعات أخرى يف موقع (بات)‪ ،‬حيث أظهرت بعض الطبعات التي اكتشفت‬
‫على الطوب اللنب عن آثار القشر والقش املفروم من القمح‪ ،‬وبعض القشر من‬
‫الشعير واحلبوب‪ ،‬باإلضافة إلى الع ّناب ونوى التمر‪.206‬‬

‫‪205 - Weisgerber G.. Mehr als Kupfer in Oman: Ergebnisse der Expedition 1981. Der Anchnitt: 5–6 ⁄‬‬
‫‪33: 1981, p. 191–197.‬‬
‫‪206 - Frifelt Frifelt, K. 2002. Bat, a Centre in Third Millennium Oman. Pages 101–110 in Cleuziou,‬‬
‫‪S., Tosi, M. & Zarins, J. (eds), Essays on the Late Prehistory of the Arabian Peninsula. (Rome, Serie‬‬
‫‪Orientale Roma 93, Istituto italiano perl’Africa e l’Oriente).p. 101–103, 108.‬‬

‫‪153‬‬
‫كما أسفرت التنقيبات يف (رأس اجلنز ‪ )2‬عن إكتشاف نوى متور متفحمة‬
‫باإلضافة إلى ثمرة الع ّناب‪ ،‬ولعبت احلبوب دوراً أساسياً يف غذاء سكان ُعمان‬
‫خالل العصر البرونزي‪ ،‬فقد عثر على آثار للحبوب التي تعد من أكثر احملاصيل‬
‫الزراعية التي قاموا بزراعتها‪ ،‬كونها أقل إستهالكاً للماء وأكثر قــدر ًة على‬
‫التكيف مع تقلبات املناخ‪ ،207‬من هذه احلبوب‪ ،‬الذرة البيضاء‪ ،‬الشعير البري‪،‬‬
‫القمح البري‪ ،‬الع ّناب البري‪ ،‬الشوفان البري واحلنطة ‪.208‬‬

‫الثروة احليوانية‬

‫ال ميكن لنا دراسة النشاط الزراعي يف ُعمان خالل العصر البرونزي‪ ،‬دون‬
‫التطرق إلى الثروة احليوانية‪ ،‬إلعتبارها ذات أهمية بالغة من حيث التكامل‬
‫‪207 - Tosi, Note on the distribution and exploitionof natural resource, op. Cit, p. 204.‬‬
‫‪ - 208‬كلوزيو‪ ،‬سيرج‪ ،‬التنقيب يف موقع هيلي ‪ ،8‬ترجمة‪ ،‬وليد ياسني التكريتي ومحمود حسن شحادة‪ ،‬اآلثار يف دولة‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬إدارة اآلثار والسياحة‪ ،‬العني‪ ،‬العدد ‪ ،1989 ،5‬ص‪.37 .‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫اإلقتصادي الذي كان قائماً بني الثروة احليوانية واحلياة الزراعية‪ .‬لذا وجدت‬
‫قدمياً أنواع مختلفة من احليوانات ميكن تقسيمها إلى‪:‬‬

‫‪ -١‬احليوانات املستأنسة‬

‫إستنادا على املعطيات األثرية املكتشفة يف األلف الثالث قبل امليالد فقد‬
‫العمانيون تلك األنــواع من احليوانات كملكية خاصة‪ ،‬تأتي يف مقدمة‬ ‫اقتنى ُ‬
‫هذا النوع من احليوانات املواشي‪ :‬األبقار‪ ،‬واملاعز‪ ،‬واألغنام‪ ،‬واإلبل‪ ،‬والبغال‪،‬‬
‫العمانيون يف ممارسة‬‫مستفيدين من حلومها وألبانها يف غذائهم واعتمد عليها ُ‬
‫ٍ‬
‫كوسيلة‬ ‫الطقوس الدينية وفق الكشوفات األثرية‪ ،‬كما اعتمد عليها الناس‬
‫العمانيون العديد‬
‫للتنقل وفالحة األرض‪ ،‬ومن جلودها وألبانها وشعرها صنع ُ‬
‫من إحتياجاتهم اليومية‪ .‬كما اعتمدوا عليها يف أنشطتهم اإلقتصادية‪ ،‬حيث‬
‫كشفت التنقيبات األثرية يف عدد من مستوطنات العصر البرونزي عن بقايا‬
‫حيوانية‪ .209‬لم يقتصر إستخدام احليوانات على أكل حلومها إمنا متّت تربيتها‬
‫لإلستفادة منها يف إنتاج الطعام مثل األلبان ومنتوجات أخرى مثل الصوف‬
‫واجللود والروث ‪ ...‬إلخ‪ ،‬وميكن إستعمالها يف العمل احلقلي أو النقل والتنقل أو‬
‫احلراسة أو الصيد‪ ،‬فوجود كميات كبيرة من عظام احليوانات الذكور الصغيرة‬
‫العمر مقارنة بنظيراتها من اإلناث يشير إلى أن األخيرة كان يحتفظ بها إلنتاج‬
‫األلبان والتكاثر‪ ،‬أما الكالب فقد استخدمت للحراسة وقد كانت لها أهمية‬
‫لدرجة أن وجدت بقاياها مدفونة مع أصحابها‪.210‬‬

‫كانت املراعي الطبيعية خالل األلف الثالث قبل امليالد تنتشر على مساحات‬
‫شاسعة‪ ،‬فقد وجدت املخلفات الزراعية بوفرة‪ ،‬كل ذلك كان مبثابة املصدر‬
‫الرئيس لغذاء احليوانات‪ ،‬ووفــرة ذلك املصدر تعني أن له شأنا عظيماً يف‬
‫العماني قدمياً بعض‬‫معدل إنتاجية الوحدات احليوانية‪ .‬كما استخدم اإلنسان ُ‬
‫أنواع تلك احليوانات كدواب للتنقل والنقل وبخاصة‪ :‬احلمير واجلمال والبغال‬
‫واخليول‪ ،‬ومن املعروف أن آثار اجلمل يف ُعمان يعود تاريخها إلى األلف الرابع‬
‫‪ - 209‬كلوزيو‪ ،‬استصالح وحماية األراضي‪ ،‬ص‪.21-20 .‬‬
‫‪ - 210‬كلوزيو وتوزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.176-175 .‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫قبل املــيــاد‪ ،211‬لم يأت األلــف الثالث قبل امليالد إال وأصبح اجلمل وسيل ًة‬
‫أساسي ًة لنقل البضائع عبر الصحراء إلى شمال وشمال شرق شبه اجلزيرة‬
‫العربية‪ ،‬وتزايد إستخدامه داخل املنطقة بقدر إزدياد الصالت مع سكان وسط‬
‫وشمال شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬

‫‪ -٢‬احليوانات البرية‬

‫العمانية كانت‬
‫أن احلياة احليوانية البرية يف البيئة ُ‬
‫تشير الدالئل األثرية إلى ّ‬
‫وأجناس وفصائل من جميع أنواع احليوانات‪ ،‬كاألوعال‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصنوف‬ ‫كثير ًة‪ ،‬حافل ًة‬
‫والضبأ‪ ،‬والبقر الوحشي وغيرها‪ ،‬ومنها ما لم يعد لها وجود اليوم كاألسود‪ ،‬وقد‬
‫عكست الرسومات الصخرية املكتشفة يف ُعمان تلك الثروة‪ ،‬تق ّدم الرسومات‬
‫ال على وجود هذه احليوانات خالل حقب تاريخية‬ ‫وبقايا مخلفات حيوانية دلي ً‬
‫متعددة‪.‬‬

‫‪ - 211‬راجع اجلزء األول من الكتاب‪.‬‬


‫ثانياً‪ :‬التجارة واملالحة يف العصر البرونزي‬

‫املالحة البحرية‬

‫منذ األلفية اخلامسة والرابعة قبل امليالد برزت محاوالت لإلستفادة من قوة‬
‫العمانيون مبنأى عن ذلك‬‫الرياح لدفع املراكب يف مياه األنهار والبحار‪ ،‬لم يكن ُ‬
‫التفاعل‪ ،‬بل كانوا من الرواد األوائل يف ركوب األمواج واإلبحار إلكتشاف العالم‬
‫العماني والبحر والتي الزالت تروى‪،‬‬
‫من حولهم‪ .‬حيث بدأت العالقة بني اإلنسان ُ‬
‫العماني مبحاوالته األولى لركوب البحر بإستخدام الصاري‬ ‫حينما قام اإلنسان ُ‬
‫شاسعة عبر مناطق تعتبر يف ذلك الوقت مجهولة‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مسافات‬ ‫ّ‬
‫وتوغل إلى‬ ‫والشراع‪،‬‬
‫ومحفوفة باملخاطر‪ ،‬وأدرك املخاطر واملكاسب من جراء تسخير البحر لطاعته‪،‬‬
‫العمانيني الذين وطدوا‬
‫لذا شهدت ُعمان مهد املالحة البحرية بفضل الرواد ُ‬
‫الصالت التجارية القدمية واملنتظمة بني عدد من احلضارات املتباعدة فغدت‬
‫مسالك البحر مبثابة شريان لنشر التواصل احلضاري بني األمم‪ ،‬ومنذ ذلك‬
‫الزمن كان للبحر والتجارة دور حيوي يف رخاء ُعمان‪.212‬‬
‫‪ - 212‬اجلــرو‪ ،‬أســمهان‪ ،‬موانــئ مجــان واملالحــة يف اخلليــج العربــي خــال النصــف الثانــي مــن األلــف الثالــث قبــل امليــاد‪.‬‬
‫(‪ 2000-2300‬قبــل امليــاد)‪ ،‬ليــوا‪ ،‬مجلــة علميــة محكمــة يصدرهــا املركــز الوطنــي للوثائــق والبحــوث‪ ،‬الســنة الثالثــة‪ ،‬العــدد‬
‫الســادس‪ ،‬ديســمبر ‪ ،2011،‬ص‪.20-3 .‬‬

‫‪158‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫لم ِ‬
‫يأت األلف الثالث قبل امليالد إال وغدت ُعمان من أهم املراكز التجارية‬
‫يف العالم القدمي‪ ،‬فكانت موانئها مبثابة مراكز جتارية تعج باحلركة واحليوية‪،‬‬
‫لعمان يف العصور‬ ‫وتوثق العديد من املصادر القدمية هذا النشاط التجاري ُ‬
‫القدمية وخصوصاً ما سجلته الوثائق املسمارية عن عالقات ُعمان التجارية مع‬
‫بالد الرافدين‪ ،‬وقد دعمت اآلثار املكتشفة يف أنحاء واسعة من ُعمان املعلومات‬
‫التي حفظتها الكتابات املسمارية‪ .‬إنتعشت التجارة املالحية يف موانئ ُعمان‬
‫آنــذاك بشكل كبير خالل هذه احلقبة لعدد من األسباب منها‪ :‬إنتفاع أهل‬
‫ُعمان مبزايا موقعهم اجلغرايف واملسطحات املائية‪ ،‬ومن اجلزر املنتشرة على‬
‫العمانية الشمالية واجلنوبية‪ ،‬وإستغاللهم ملا تزخر بها أرضهم‬
‫طول السواحل ُ‬
‫من ثروات طبيعية‪ ،‬كالنحاس واحلجارة‪ ،‬كما كان لصعوبة التنقل البري دافع‬
‫للتوجه إلى البحر‪ ،‬ووجود مرافئ طبيعية و ّفرت امللجأ اآلمن للسفن من أخطار‬
‫العمانية بفضل‬‫العواصف‪ ،‬إلى جانب تلك اإلمتيازات الطبيعية‪ ،‬تعززت املالحة ُ‬
‫العمانيون يف صناعة السفن وتطويرها‪ ،‬وحسن اختيار‬ ‫التقدم الذي أحرزه ُ‬
‫مواقع املرافئ‪ ،‬وتسخير معارفهم اجلغرافية والفلكية‪ ،‬ومعرفتهم بأسرار الرياح‬
‫املوسمية‪ ،‬اجلنوبية والشمالية‪ ،‬تزامن ذلك مع وجود فئة من املالحني‪ ،‬والربابنة‬
‫املتميزين الذين صقلت الرحالت التجارية مواهبهم‪ ،‬وخلقت منهم مالحني‬
‫مهرة بفضل مراقبتهم للكواكب والنجوم‪ ،‬والطيور وتتبعهم ملسارها‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫بفضل تلك املقومات الطبيعية والبشرية تألق أهل مجان يف مجال املالحة‬
‫البحرية‪ ،‬فإكتسبوا مهارات حققت لهم السيادة يف ميداني املالحة والتجارة‬
‫البحرية‪ ،‬فبعد وصولهم إلى سواحل الهند أصبحوا سادة التجارة الشرقية على‬
‫اإلطالق‪ ،‬فمالحي ُعمان هم البحارة األوائل يف العالم‪ ،‬وكانت الوثبة األولى إلى‬
‫مياه البحار العميقة من نصيبهم‪ ،‬بسبب إمتالكهم خبرة املالحة يف احمليط الهندي‬
‫واخلليج‪ ،‬يف حني أن مالحي بالد الرافدين قد اقتصرت خبرتهم املالحية على‬
‫نهري دجلة والفرات واخلليج‪ ،‬ومبا أن حضارة وادي األندوس بشكل عام تضم‬
‫أجزاء بحرية صغيرة لم متتلك طيلة تاريخها سوى فرص نادرة لتطوير القدرة‬ ‫ً‬
‫على مواجهة مياه احمليط الهندي وما به من أمواج عاتية ورياح وتيارات ‪ ،‬لذا‬
‫‪213‬‬

‫كانت خبراتهم محدودة بحكم الظروف الطبيعية واجلغرافية‪.‬‬

‫العمانيون يف إكتشاف الطريق البحري القدمي‪ ،‬وأبقوه مفتوحاً‬‫ساهم البحارة ُ‬


‫للمالحة منذ عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬تذكر النقوش املسمارية القدمية أن بُناة‬
‫سفن مجان والتجارة مع ملك مجان قد ورد يف نقوش للملك (أمار سني)‪،214‬‬

‫‪ - 213‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي املبكر يف اخلليج وبحر العرب‪ ،‬ص‪.134 .‬‬
‫‪ - 214‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.252 .‬‬

‫‪160‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫وس ّميت سفنهم سفن مجان‪ ،‬وأهم املوارد التي كانت مطلوبة يف ذلك العصر هي‬ ‫ُ‬
‫النحاس وأحجار اجلابرو والعقيق واألخشاب والتوابل واملواد الزراعية املختلفة‬
‫العمانيون يتاجرون بها‪ ،‬وكانت مجان متثل حضارة صناعية وفنية‬ ‫التي كان ُ‬
‫عاملية مبقاييس ذلك الزمن‪ ،‬ومتثل األدلة املباشرة التي مت العثور عليها يف رأس‬
‫ال عملياً على اجلوانب الفنية لصناعة السفن وخصوصاً عبقرية‬ ‫اجلنز دلي ً‬
‫إستخدام حزم من مادة القصب املربوطة معاً بحبال مرنة وغير سميكة يف‬
‫صناعة قارب مجان مع وجود احلصر املصنوعة من السعف واأللياف لتغطية‬
‫الهيكل املصنوع من القصب واجللود‪ ،‬كما عثر على األخشاب التي كانت تدخل يف‬
‫بناء السفينة كاألعمدة ودعامات نظام التوجيه والدفة املوجودة باجلزء القريب‬
‫من نهاية السفينة والصاري ذو القائمتني وتغطية جسم السفينة مبادة القار‬
‫العمانيني‬
‫حتى ال تتسرب املياه إليها‪ ،‬وترجع تقاليد مهارات وبناء السفن لدى ُ‬
‫إلى آالف السنني‪ ،‬وقد ُط ّورت حسب حاجتهم للتواصل احلضاري مع حضارات‬
‫العمانية من‬
‫األمم القريبة والبعيدة‪ ،‬وذلك بفضل املواءمة بني ما وفرته البيئة ُ‬
‫اإلمكانيات وما أمكن احلصول عليه من اخلارج مثل املواد املستوردة من وادي‬
‫األندوس وبالد الرافدين‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫منوذج لسفينة مجان ‪ ،‬متحف أرض اللبان ‪ -‬القاعة البحرية‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫املوانـئ‬

‫أكدت الشواهد األثرية املكتشفة يف ُعمان‪ ،‬والتي تعود إلى األلف الثالث قبل‬
‫العمانية مع نظم التبادل التجاري‬
‫امليالد عن الكيفية التي اندمجت فيها املوانئ ُ‬
‫الدولي‪ ،‬فلم تكن تلك املوانئ ممراً جتارياً‪ ،‬أو معبراً مالحياً فحسب‪ ،‬بل كانت‬
‫مركزاً من أهم مراكز التجارة يف العالم القدمي‪ ،‬أو ما يعرف حالياً بتجارة‬
‫(الترانزيت) البحري‪.‬‬

‫بقدر ما كانت املقومات الطبيعية يف اخلليج وبحر ُعمان وبحر العرب عام ً‬
‫ال‬
‫رئيساً لتكيف الناس وقدرتهم على التعامل مع البحر بقدر ما كان ذلك كله سبباً‬
‫مباشراً لقيام احلضارات الكبرى وخصوصاً احلضارة ُ‬
‫العمانية التي تواصلت‬
‫مع حضارات بالد الرافدين واحلضارات األخرى الواقعة على ضفتي اخلليج‬
‫ومنها دملون التي كانت تضم جزر البحرين وفيلكة وتاروت‪ ،‬إضافة إلى حضارة‬
‫وادي األندوس‪.215‬‬
‫‪ - 215‬بــن صــراي‪ ،‬حمــد بــن محمــد‪ ،‬منطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬مــن القــرن الثالــث قبــل امليــاد إلــى القــرن الثالــث امليــادي‪،‬‬
‫املجمــع الثقــايف‪ ،‬أبوظبــي‪ ،2000 ،‬ص‪.27-26 .‬‬
‫منذ فجر التاريخ أطلق ملوك بالد الرافدين على اخلليج وبحر ُعمان عدداً‬
‫من األسماء منها‪ :‬بحر الشمس املشرقة‪ ،‬ومكان العبور‪ ،‬وبحر مجان‪ ،216‬أما‬
‫اإلسم الشائع منذ األلف الثالث قبل امليالد فقد كان (البحر األدنى) للتمييز‬
‫بينه وبني البحر األعلى (البحر املتوسط)‪.‬‬

‫توافرت ملوانئ مجان التي تقع على اخلليج وبحر ُعمان وبحر العرب جمل ًة‬
‫من العوامل احليوية ساعدت على نشاطها املالحي منها‪ :‬موقعها اإلستراتيجي‬
‫املتميز‪ ،‬ووفرة منتجاتها البحرية من آللئ وأسماك وأصداف‪ ،‬ففي الوقت الذي‬
‫كانت تقوم فيه بتصدير السلع احمللية‪ ،‬كانت مبثابة مراكز جتارية لتجميع السلع‬
‫من دول احمليط الهندي وإعادة توزيعها وتسويقها يف األسواق اإلقليمية‪ ،‬أو‬
‫األسواق البعيدة التي تضيق‪ ،‬أو تتسع وفقاً جلهود البحارة‪.217‬‬

‫موانئ بحر ُعمان‬


‫جند املوانئ الواقعة على بحر العرب تعيش إزدهاراً جتارياً كبيراً ومتواص ً‬
‫ال‪،‬‬
‫يف الوقت الذي كانت تنتعش وتخبو موانئ مجان الشمالية‪ ،‬فقد ظلت تلك‬
‫املوانئ على عالقة وثيقة مع حضارة وادي األنــدوس الذي كان ميثل إقليماً‬
‫زراعياً يف شبه القارة الهندية‪ ،‬باإلضافة إلى غرب إيــران وبلوخستان‪ ،‬كما‬
‫تطورت الزراعة يف اجلنوب يف إقليم (دكا ‪ ،)Dhaka‬وإقليم املنطقة الوسطى‬
‫شمال (دكا)‪ ،‬وإقليم الكنج‪ ،218‬وهناك دالئل أثرية عثر عليها يف مدافن شبه‬
‫اجلزيرة الهندية يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد تؤكد على أن سكان‬
‫مجان ظلوا ولعهود طويلة على صالت ال تنقطع مع جتارة ذلك اإلقليم‪.219‬‬

‫‪ - 216‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.253 .‬‬


‫‪ - 217‬أبــو العــا‪ ،‬محمــود‪ ،‬جغرافيــة إقليــم ُعمــان‪ ،‬ســلطنة ُعمــان ودولــة اإلمــارات العربيــة املتخــدة‪ ،‬مكتبــة الفــاح‪ ،‬الكويــت‪،‬‬
‫‪.10 ،1988‬‬
‫‪218 - Allchin, B & Allchin, R., The birth of India Civilisation: India and Pakistan before 500 B. C.‬‬
‫‪Harmandsworth: Penguin Books, 1968, p. 266.‬‬
‫‪219 -Tosi, M., A possible Harappan seaport in eastern Arabia Ras Al-Junayz in the sultanate of Oman”,‬‬
‫‪paper delivered at the first International Conference on Pakistan Archaeology, Peshawar, March 1- 4, 1982.‬‬

‫‪164‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫إزدهــرت تلك الصالت البحرية بسبب القرب اجلغرايف بني تلك املراكز‬
‫احلضارية‪ ،‬وسهولة اإلنتقال البحري بينها‪ ،‬ومساعدة هبوب الرياح املوسمية‬
‫يف تسيير الرحالت التجارية املنتظمة بني حضارات العالم القدمي يف بالد‬
‫الرافدين ووادي األندوس و ُعمان لسلع بعضهم البعض‪.220‬‬
‫بإكتشاف مستوطنة رأس اجلنز وموقع رأس احلد والسويح‪ ،‬توافرت األدلة‬
‫التي جتسد الصالت التجارية املباشرة بني سكان مجان وحضارات العالم‬
‫القدمي‪ ،‬تلك احلقائق املادية تتفق مع ما جاء يف النصوص األكادية وما خلّفته‬
‫أسرة أور الثالثة من بالد ما بني النهرين التي تذكر كثيراً عن السفن ُ‬
‫العمانية‬
‫وأسفارها كيف ربطت سفن حضارة مجان بني مجان وشبه اجلزيرة الهندية‪.‬‬

‫ربطت القوارب البحرية ُعمان بشبه اجلزيرة الهندية وشرق اجلزيرة العربية‬
‫تبي‬
‫وبالد سومر خالل مراحل فجر األسرات (‪2500‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وقد ّ‬
‫من خالل كل هذه املعثورات األثرية‪ 221‬أن جتار مجان إرتادوا البحار ومخروا‬
‫عباب احمليطات يف تنقلهم بني مراكز احلضارة العاملية خالل فترة األلف الثالث‬
‫قبل امليالد‪ ،‬وتوفرت خالل هذه املرحلة ملوانئ مجان عوامل حيوية ساعدت‬
‫على نشاطها من بينها وفرة املياه التي جتري يف األودية‪ ،‬والتي تغذيها األمطار‬
‫التي تسقط على مرتفعات جبال ُعمان‪ ،‬والتي تصب مياهها يف بحر ُعمان‪ ،‬ثم‬
‫هيأ قيام نشاط زراعي وفّر اإلستقرار للمجموعات‬ ‫إمتداد سهل الباطنة‪ ،‬مما ّ‬
‫البشرية القاطنة يف تلك املناطق الساحلية‪ ،‬يف الوقت الذي كانت تقوم فيه‬
‫املوانئ الشرقية بتصدير السلع احمللية التي كانت مبثابة مراكز جتارية لتجميع‬
‫السلع من دول احمليط الهندي إلعادة توزيعها وتسويقها يف األسواق اإلقليمية‪،‬‬
‫أو األسواق البعيدة وذلك منذ األلفية الثالثة قبل امليالد‪ ،222‬ومن أسباب انتعاش‬
‫املوانئ إنتعاش الظهير الصحراوي بإنتاجه لسلعاً كانت مرغوبة يف العالم‬
‫‪220 - During Caspres, Harappan Trade in the Arabian Gulf in the Third Millennium B.C . Mesopotamia‬‬
‫‪7, 1972, p. 167-191.‬‬
‫‪ - 221‬زارنس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ - 222‬أبــو العــا‪ ،‬محمــود‪ ،‬موانــئ ســلطنة ُعمــان والتنميــة قدميـاً وحديثـاً‪ ،‬النــدوة العلميــة للموانــئ والتنميــة يف دول اخلليــج‬
‫العربيــة‪ ،‬املنعقــدة يف الفتــرة مــن ‪ 16-13‬إبريــل ‪ ،1985‬دراســات اجلزيــرة واخلليــج‪ ،‬الكويــت‪ ،1985 ،‬ص‪.10 .‬‬

‫‪165‬‬
‫القدمي‪ ،‬ووجود صناعة بناء السفن حيث كانت منوذجاً متميزاً‪ ،‬ووجود فئة من‬
‫املالحني املوهوبني يف مجال األرصاد إكتسبوا خبر ًة كبير ًة بسبب التجارة يف‬
‫البحارة لديهم من املال ما جعلهم ميتلكون‬
‫البحار الواسعة‪ ،‬ووجود طبقة من ّ‬
‫ويسيرونها إلى املراكز احلضارية املجاورة‪ ،‬وترافق النمو اإلقتصادي‬
‫ّ‬ ‫السفن‬
‫للميناء مع النمو السكاني‪ ،‬مما عكس إنتعاشاً إقتصادياً كان سبباً رئيساً يف‬
‫ازدهار احلياة مبختلف مجاالتها‪.‬‬

‫موانئ اخلليج‬

‫لقد كانت جتارة النحاس القادم من املرتفعات يف هذه املرحلة املبكرة من‬
‫العمانية نظراً للطلب املتزايد‬
‫التاريخ أحد العوامل الكبيرة يف تطور املالحة ُ‬
‫عليها من العوالم املجاورة والبعيدة‪ ،‬وقد كشفت التنقيبات األثرية يف العديد‬
‫من املوانئ عن آثار ملجتمعات حضارية فريدة ومتقدمة يف مجال الفن والعمارة‬
‫واملعتقدات الدينية‪.‬‬

‫تعد جزيرة أم النار التي تقع شمال ُعمان التاريخية‪ ،‬من أحد جزر مجان‬
‫خالل فترة األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬حيث كانت تتمتع مبوقع فريد يشكل‬
‫النهاية البحرية للطرق الداخلية التي جتمع بني الواحات الهامة يف كل من‬
‫البرميي وهيلي وعبري وعمال وبهالء وسمد‪ ،‬ومناجم املعادن حينما كان يتم نقل‬
‫معدن النحاس على ظهر اجلمال واحلمير عبر اجلبال والصحراء إلى شواطئ‬
‫اخلليج حيث تو ّفر جزيرة أم النار موقعاً مناسباً لرسو القوارب وحتميلها التي‬
‫تنقل إليها أنواعاً عديد ًة من األحجار الهامة كالديورايت‪ ،‬والصوان وغيرها من‬
‫املنتجات التي كان يتم التبادل التجاري بها‪.223‬‬

‫يجمع علماء اآلثار الذين قاموا بالبحث والدراسة على أن ميناء أم النار قد‬
‫استوطنها أناس يف الفترة املمتدة من (‪ 2250-2750‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وتبلغ‬
‫‪223 - Frifelt, On Prehistoric Settlement, p. 57.‬‬

‫‪166‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫مساحتها حوالي ‪ 4.5‬كم‪ ،2‬وتشير النماذج التحليلية العامة إلى أن منسوب‬


‫البحر يف تلك الفترة كان أعلى قلي ً‬
‫ال مما هو عليه يف الوقت احلاضر‪ ،‬مما يعني‬
‫أن هذه املستوطنة كانت فوق جزيرة يف منتصف بحر ضحل مفتوح‪ ،‬لذا كان‬
‫العمانيون أن ينتقلوا عبر البحر‪ ،‬واملسطحات الطينية‪ ،‬وأن يعبروا حوالي‬ ‫على ُ‬
‫‪ 130‬كيلومتراً يف الصحراء القاحلة التي تتخللها بعض الكثبان الرملية‪ ،‬قبل‬
‫أن يصلوا إلى واحة (هيلي) التي كانت ترتبط بها بشكل وثيق‪ 224‬وهي النقطة‬
‫التي توجد بها مناجم النحاس يف وادي اجلزي وسفوح جبال ُعمان‪ ،‬وقد واصل‬
‫السكان قطع هذه الرحلة على ظهور اجلمال‪ ،‬واجلياد‪ ،‬واحلمير‪ ،‬وقد أطلق‬
‫على (أم النار) إسم امليناء التجاري‪.‬‬

‫عثر فيه على مستوطنة متكاملة مبساكنها ومستودعاتها ومدافنها الغنية‬


‫باملقتنيات الطقوسية‪ ،‬كما عثر يف املستوطنة على العديد من اآلثار املتنوعة‬
‫احمللية والوافدة‪ ،‬فخارية وحجرية وبرونزية‪ ،‬وختم أسطواني‪ ،‬وأوزان حجرية‬
‫رمبا كانت مرتبطة مبعايير حضارة (إبال) يف بالد الشام‪ ،225‬وقد رجح البعض‬
‫أنها كانت محطة لنقل البضائع‪ .‬تلك املعطيات جعلت بعض العلماء يرون يف‬
‫ميناء جتارياً ضمن «النظام العاملي لوادي الرافدين» واستغل كمحطة‬
‫ً‬ ‫أم النار‬
‫وسيطة تُنقل بعدها البضائع القادمة من أنحاء عديدة من العالم إلى داخل‬
‫ُعمان‪ ،‬حيث يتم توزيعها على املستوطنات السكنية‪.226‬‬

‫لقد بسطت إحدى املستوطنات الرئيسة يف بات هيمنتها على إحدى الطرق‬
‫البرية الرئيسة لتصدير النحاس‪ 227‬بفضل موقعها القريب من املرتفعات الغنية‬
‫بالنحاس‪ ،‬حيث كان يتم نقل معظم هذا املعدن الثمني على ظهر اجلمال واحلمير‬
‫عبر اجلبال والصحراء إلى شواطئ مجان الشمالية حيث تقع جزيرة أم النار‬
‫ميناء مناسباً لرسو القوارب وحتميلها‪ .‬كما ق ّدمت لنا املعثورات‬
‫ً‬ ‫بإعتبارها‬
‫‪ - 224‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي املبكر ‪ ،‬ص‪.137-136 .‬‬
‫‪ - 225‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي‪ ،‬ص‪.136 .‬‬
‫‪226 - Edens, C., Dynamics of trade in the ancient Mesopotamian World System, American Anthropol-‬‬
‫‪ogist 94, 1992, p.168.‬‬
‫‪227 - Frifelt , Frifelt, K., “Archaeological Investigations in the Oman Peninsula”, Kuml, 1968, p. 170 - 175.‬‬

‫‪167‬‬
‫األثرية يف ميناء أم النار صور ًة حي ًة للحياة اإلجتماعية املعاشة‪ ،‬وملستوى الثراء‬
‫الذي نعم به مجتمع أم النار بإعتباره منوذجاً للمجتمع املتطور يف حضارة‬
‫مجان‪.‬‬

‫يعتقد بعض الباحثني أن إزدهــار (دملــون) جاء على حساب موانئ مجان‬
‫حيث قلّت إمكانية حت ّكم جتار مجان فيما يجنوه من املنافع واملكاسب‪ ،‬وبذلك‬
‫أصبحت دملون أهم الشركاء التجاريني ملجان‪ ،‬وتركزت التبادالت التجارية بني‬
‫هذين البلدين بدرجة أكبر مما كانت عليه بني مجان وسومر يف السابق‪ .‬ويبدو‬
‫أن املميزات اجلغرافية لدملون سواء من ناحية املوقع القريب من بالد الرافدين‪،‬‬
‫أو مدى مالءمة موانئها للسفن التي تبحر جنوباً وشماالً كان سبباً طبيعياً لهذا‬
‫التحول‪ ،‬أما األسباب السياسية فتكمن يف اإلضطرابات التي شهدتها مدينة‬ ‫ّ‬
‫(أور) الرامية إلى عزل امللك (أبي سني)‪.‬‬

‫يبدو أن تلك األحداث السياسية قد تركت فراغاً إدارياً مؤقتاً أثّر يف السيطرة‬
‫على املالحة يف اخلليج‪ ،‬سرعان ما مألته دملون‪ ،‬ووجد جتار النحاس يف (أور)‬
‫خالل السنوات األخيرة أنه من األفضل لهم إقامة محطة جتارية هناك‪ ،‬وحانت‬
‫فرصتهم للتعاون مع أهل دملون من أجل السيطرة على التجارة‪.‬‬

‫على الرغم من تلك املستجدات فقد استمر إستخراج النحاس يف مجان‬


‫وتصديره إلى بالد الرافدين عبر دملون‪ .228‬لقد مت تسجيل أحداث هذه الفترة‬
‫على لوحات مت إكتشافها يف بالد الرافدين‪ ،‬تؤكد على نقل السلع املنتجة من‬
‫مجان عبر دملون إلى (أور) يف الفترة من (‪ 1866-1932‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬أي‬
‫خالل عصر ملوك دولة (الرسا)‪ ،‬ولم يعد جتار (مجان) يقطعون كل الطريق إلى‬
‫موانئ مدن جنوب بالد الرافدين لعقد الصفقات‪ ،‬بل أصبحوا يكتفون بالقيام‬
‫بزيارات متكررة إلى موانئ السفن يف دملون‪ .229‬تأكيداً على تلك املعطيات النقشية‬
‫فقد مت العثور على آثار محطات جتارة دملون مع مجان‪ ،‬وهذه احملطات أكدت‬
‫‪ - 228‬فاين‪ ،‬بيتر‪ ،‬تراث ُعمان‪ ،‬دار امييل للنشر‪ ،‬لندن‪ ،1990 ،‬ص‪.28 .‬‬
‫‪ - 229‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.37 .‬‬

‫‪168‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫باألعمال البحثية والدالئل املادية عن وجود طريق مالحي مباشر سلكته السفن‬
‫يف أواخر األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬وأشارت املسوحات األثرية للساحل الشمالي‬
‫لعمان التاريخية توزيعاً منتظماً على إمتداد اجلزر األقرب إلى الشاطئ‪ ،‬إحتوت‬
‫ُ‬
‫تلك املواقع على عدد من املواقد التي رمبا استخدمها املالحون للطهي‪ ،‬كما‬
‫متتاز تلك اجلزر بأنها كانت محمية وآمنة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن توفر املاء واألخشاب‬
‫فيها‪.230‬‬

‫إن اختيار مواقع هذه احملطات لم يتم جزافاً‪ ،‬فهناك تفسيرات ترجح بأن‬
‫تلك املواقع لم تكن إال محطات للنقل البحري يف العصر البرونزي‪ ،‬ورمبا كان‬
‫املالحون يتوقفون وهم يف طريقهم إلى شبه القارة الهندية من أجل التزود باملاء‬
‫واملؤن‪ ،‬أو حينما تكون األحوال اجلوية سيئة‪ ،‬أو الرياح غير مناسبة لإلبحار‪. 231‬‬

‫يُعد ظهور هذه املواقع متزامناً مع بزوغ دملون كقوة مالحية جتارية ُعظمى‬
‫يف نهاية األلفية الثالثة قبل امليالد‪ ،‬كما أشارت النصوص املكتوبة التي تعود‬
‫إلى فترة حكم امللك (رمي سني ‪ 1763-1822‬قبل امليالد) إلى كميات النحاس‬
‫الضخمة التي كان يتم إستيراد معظمها عن طريق أحد كبار التجار واملالحني يف‬
‫مدينة (أور) وإسمه (أياناصر)‪ ،‬وكان يعمل كوكيل للسلطات احمللية واملستثمرين‬
‫األهليني الستيراد النحاس وجلبه إلى املدن السومرية على سفن من دملون‬
‫ومجان‪ ،232‬وقد حتدثت تلك املصادر عن كميات كبيرة من صادرات النحاس‬
‫يصل مقدارها ‪ 1300‬ميناً من النحاس على شكل سبائك‪.‬‬

‫‪ - 230‬كارتــر‪ ،‬روبــرت‪ ،‬تتبــع جتــارة العصــر البرونــزي يف اخلليــج العربــي ‪ :‬دالئــل علــى محطــات جتــارة دملــون بــن البحريــن‬
‫واإلمــارات الشــمالية»‪ ،‬بحــوث املؤمتــر الدولــي األول آلثاراإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬نــادي تــراث اإلمــارات‪ ،‬اإلمــارات العربيــة‬
‫املتحــدة‪ ،‬و(‪ ،2003 )Trident Press Ltd‬ص‪.131 -123 .‬‬
‫‪ - 231‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ - 232‬كارتر‪ ،‬تتبع جتارة العصر البرونزي يف اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.131 -123 .‬‬

‫‪169‬‬
‫الطرق البحرية والبرية‬
‫الطرق البحرية‬
‫كانت عمليات التبادل التجاري البحري بني املراكز احلضارية القدمية تتطلب‬
‫خبر ًة مالحيةً‪ ،‬ومعرف ًة دقيق ًة مبوسم هبوب الرياح املوسمية الشمالية الشرقية‬
‫واجلنوبية الغربية‪ ،‬كما يتطلب وجود أسواق ومحطات جتارية‪ ،‬وموانئ جيدة إلمداد‬
‫السفن التجارية باملؤن يف رحالتها بني الشمال واجلنوب‪ .‬وقد تأكد اليوم وبعد مضي‬
‫أكثر من نصف قرن على أعمال التنقيب واإلستكشاف‪ ،‬أن الرحالت البحرية قدمياً‬
‫كانت تتخذ من املراكز التجارية البحرية يف الساحل الشمالي ملجان موانئ وأسواق‬
‫جتارية‪ ،‬وكان املالحون يبحرون مبحاذاة الساحل مستعينني بهبوب الرياح‪ ،‬فالرياح‬
‫يف بحر ُعمان غالباً ما تكون شمالية‪ ،‬والتيارات البحرية متغيرة‪ ،‬أما التيارات‬
‫البحرية من مسقط إلى رأس احلد فتتحرك بإجتاه احمليط الهندي‪ ،‬ويف اجلانب‬
‫اآلخر من اخلليج على إمتداد ساحل مكران‪ ،‬تتحرك التيارات عاد ًة بإجتاه الغرب‬
‫خاصة بالقرب من نهاية فترة الرياح املوسمية الشمالية ‪ -‬الشرقية‪ ،‬ولو كانت هذه‬

‫‪170‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫الرياح عاصف ًة‪ ،‬فإن التيارات تكون مناسب ًة للسير من ساحل مكران إلى ساحل‬
‫حاسك‪ ،‬وبإمكان القارب التجاري العودة شمال غرب إلى مسندم وما وراءها‪.233‬‬
‫كانت الرحلة القادمة من بالد الرافدين متر أوالً على جزيرة (فيلكا) ثم جزيرة‬
‫(تاروت)‪ ،‬ثم جزيرة (دملون)‪ ،‬وقبل خروجها من مياه اخلليج تتوقف عند جزيرة (أم‬
‫النار)‪ ،‬لتفرغ بعضاً من شحناتها لتنقل براً إلى املستوطنات يف املناطق الداخلية من‬
‫مجان‪ ،‬ثم تستمر السفن يف إبحارها بعد خروجها من مياه اخلليج مبحاذاة خط‬
‫الساحل الشمالي ملجان‪ ،‬فتتوقف عند ميناء (البدية) يف شمال ُعمان‪ ،‬ثم ميناء‬
‫(رأس احلد) يف وسط ُعمان‪ ،‬ثم موانئ ُعمان اجلنوبية يف (ظفار)‪ ،‬وهي بذلك‬
‫تسلك مسلكاً رأسياً من الشمال إلى اجلنوب مروراً بسواحل جنوب اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫وتعود من نفس الطريق‪ ،‬فاإلفتقار إلى معلومات دقيقة عن اإلرصاد اجلوية يف‬
‫العصر البرونزي يعني أن الطرق الفعالة للمالحة قد اعتمدت على مهارة املالحني‬
‫العُمانيني املكتسبة من قوة املالحظة واملعرفة الدقيقة بنظم الرياح‪.234‬‬
‫‪ - 233‬فوســمر‪ ،‬تــوم‪ ،‬املالحــة والطــرق التجاريــة يف العصــر البرونــزي املبكــر‪ ،‬نافــذة ‪ ،5-7‬يف‪ :‬كلوزيــو & تــوزي‪ ،‬يف ظــال‬
‫األســاف‪ ،‬ص‪.230-229 .‬‬
‫‪ - 234‬فوسمر‪ ،‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.٢٣٠ .‬‬

‫‪171‬‬
‫خريطة طرق التجارة البحرية بني مجان وحضارات العالم القدمي يف األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪172‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫العمانية إلى وادي األندوس‬‫قد تتجه السفن من املوانئ ُ‬


‫مباشر ًة بعد أن تستبدل شحناتها من السلع وتتزود باملياه‬
‫والراحة‪ .‬وقد توافرت لنا جملة من الشواهد األثرية‬
‫املكتشفة يف ُعمان تبني لنا الكيفية التي اندمجت بها‬
‫موانئ مجان يف نظم التبادل التجاري الدولي‪.‬‬

‫تعاظم إنتعاش املالحة يف موانئ مجان بشكل كبير‬


‫خــال النصف الثاني مــن األلــف الثالث قبل امليالد‬
‫لعدة أسباب منها‪ :‬إنتفاع أهل مجان من مزايا موقعهم‬
‫اجلغرايف واملسطحات املائية ومن اجلزر املنتشرة على‬
‫طول السواحل الشمالية واجلنوبية ملجان‪ ،‬وإستغاللهم‬
‫ملا تزخر به أرض ُعمان من ثروات طبيعية‪ ،‬كالنحاس‬
‫واحلجارة‪ ،‬كما كان لصعوبة التنقل البري دافع للتوجه‬
‫إلى البحر‪ ،‬ووجود مرافئ طبيعية وفّرت امللجأ اآلمن‬
‫للسفن من أخطار العواصف‪ ،‬إلى جانب تلك اإلمتيازات‬
‫الطبيعية‪ ،‬عـ ـ ّزز ســكــان مــجــان مالحتهم بنشاطات‬
‫فريدة‪ ،‬منها صناعة السفن وتطويرها‪ ،‬وحسن اختيار‬
‫مواقع املرافئ‪ ،‬وتسخير معارفهم اجلغرافية والفلكية‪،‬‬
‫ومعرفتهم بأسرار الرياح املوسمية اجلنوبية والشمالية‪،‬‬
‫تزامن ذلك مع وجود فئة من املالحني والربابنة املتميزين‬
‫الذين صقلت الرحالت التجارية مواهبهم‪ ،‬وخلقت منهم‬
‫مالحني مهرة بفضل مراقبتهم للكواكب والنجوم والطيور‬
‫وتتبعهم ملــســارهــا‪ ،‬وبفضل تلك املــقــومــات الطبيعية‬
‫والبشرية‪ ،‬تألّق أهل مجان يف مجال املالحة البحرية‪،‬‬
‫فإكتسبوا مهارات حققت لهم السيادة يف ميداني املالحة‬
‫والتجارة البحرية‪ ،‬فبعد وصولهم إلى سواحل الهند‬
‫أصبحوا سادة التجارة الشرقية على اإلطالق‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫لقد كانت مراكب مجان مصنوعة من القصب (البوص)‪ ،‬فعند املالحة بها‬
‫يف اخلليج‪ ،‬يفضل البحارة البقاء بالقرب من الساحل والتنقل من جزيرة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬بيد أن مساراتها تبتعد بها عن رؤية البر أحياناً بسبب العواصف والرياح‬
‫السائدة والتيارات‪ ،‬مما يجعل املعرفة بأصول وقواعد اإلبحار أمراً الزماً‪ .‬أما‬
‫الرحلة من موانئ مجان الواقعة على البحر العربي إلى شبه جزيرة الهند فمن‬
‫اليسير قطعها عبر طريق مالحي يعبر احمليط مبساعدة الرياح املوسمية‪،235‬‬
‫لذا ميكننا أن نص ّنف املسالك البحرية إلى‪ :‬مسالك بحرية قصيرة تربط موانئ‬
‫اخلليج بعضها ببعض‪ ،‬ومسالك بحرية طويلة كانت تربط بني موانئ مجان‬
‫وموانئ اخلليج وبالد الرافدين من جانب‪ ،‬وموانئ وادي األندوس من جانب‬
‫آخر‪.236‬‬

‫الطرق البرية‬

‫إكتسبت الطرق التجارية البرية التي ربطت ُعمان قدمياً بحضارات العالم‬
‫القدمي أهمي ًة جتاري ًة خاص ًة‪ ،‬تلك األهمية التي لم تقتصر على حجم البضائع‬
‫يتمخض عن ذلك اإلتصال من تبادل حضاري‬ ‫ّ‬ ‫وقيمتها اإلقتصادية‪ ،‬بل مبا‬
‫وثقايف هام‪ .‬ت َعد طبوغرافية املنطقة ومناهل املياه وتوفير احلماية من الشروط‬
‫األساسية التي حتدد إجتاه الطريق الذي تسلكه القوافل البرية‪ ،‬مع األخذ بعني‬
‫اإلعتبار أن الطريق البري قد يتحول أحياناً تبعاً لعوامل سياسية أو إقتصادية‬
‫أو عسكرية أو إجتماعية‪ ،‬بينما أن طرقاً بري ًة عديد ًة قد فقدت معاملها عبر‬
‫األزمنة التاريخية‪ ،‬لذا فهي بحاجة إلى بحث ودراسة علمية تسهم يف إحياء‬
‫احلضارة اإلنسانية يف ُعمان عبر مراحل تاريخية سحيقة‪.‬‬
‫‪ - 235‬فوســمر‪ ،‬تــوم & فرميانتــل‪ ،‬بيــرث‪ ،‬بنــاء مراكــب القصــب يف العصــر البرونــزي املبكــر يف بحــر العــرب‪ ،‬آثــار اإلمــارات‬
‫العربيــة املتحــدة‪ ،‬بحــوث املؤمتــر الدولــي األول آلثــار اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬حتريــر‪ :‬دانيــال بوتــس‪ ،‬وحســن النابــودة‪ ،‬وبيتــر‬
‫هيليــر‪ ،‬نــادي تــراث اإلمــارات‪ ،‬اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،٢٠٠٣ ،‬ص‪.١٥٣ .‬‬
‫‪236 - Speece, M. The Role of Eastern Arabia in the Gulf trade of the third and second millennia. In‬‬
‫‪Studies in the History of Arabia: Proceedings of the First International Symposium on Studies in the‬‬
‫‪History of Arabia, 23–28 April 1977, edited by A. al-Ansary, vol. 2, Pre-Islamic Arabia, 167–176. Ri-‬‬
‫‪yadh, 1984, p. 167-168‬‬

‫‪174‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫إذا ألقينا نظر ًة على خريطة تضاريس ُعمان‪ ،‬جند أن تضاريسها تتخذ شكل‬
‫قوس من اجلبال والهضاب املرتفعة التي متتد محاذية للبحر حيث تنكسر‬ ‫ٍ‬
‫حدتها عند السهول الساحلية شرقاً‪ ،‬فاإلتصال ميكن أن يتم بسهولة بني‬
‫تتبعنا طريق األودية التي تنبع من املرتفعات وتنتهي يف‬
‫الساحل والداخل‪ ،‬وإذا ّ‬
‫البحر‪ ،‬أو تلك التي تتجه غرباً لتصب يف الصحراء‪ ،‬تلك الطبيعة وفّرت شبكة‬
‫إتصال داخلية على درجة كبيرة من األهمية كانت وسيلة عملية للتبادل التجاري‬
‫بني مستوطنات الداخل ومستوطنات الساحل‪ ،‬وشبكة إتصاالت خارجية مع‬
‫مراكز احلضارة القدمية‪ ،‬ضمن نظام التجارة الطويلة املدى خالل فترة األلف‬
‫الثالث قبل امليالد‪ .‬كانت متر تلك الشبكة من الطرق عبر املستوطنات واملراكز‬
‫الواقعة على الطريق التجاري‪.‬‬

‫أبرز الطرق البرية طريق يبدأ من وادي اجلزي وهو أهم الطرق التجارية‬
‫املارة عبر جبال احلجر الغربي الشمالية متجهاً غرباً عبر واحة البرميي‪ ،‬وهو‬
‫الطريق الذي لعب دوراً أساسياً يف التجارة‪ ،‬فقد ربط بني الساحل ومناطق‬
‫تعدين النحاس‪ ،‬وكان مبثابة حلقة وصل إستراتيجية تلتقي عندها طرق عديدة‬
‫تخدم شرقي شبه اجلزيرة‪ ،‬وتعد محوراً بني صحاري اجلنوب الكبيرة وساحل‬
‫الباطنة ومناطق احلجر الداخلية والظاهرة وأجزاء أخرى من ُعمان‪ ،237‬وال‬
‫بري آخر ال يقل‬‫زال هذا الطريق يحتفظ بأهميته على مدى التاريخ‪ .‬طريق ّ‬
‫أهمية‪ ،‬يبدأ من شمال مجان مخترقاً واحة البرميي ليصل إلى صحار على‬
‫بحر ُعمان‪ ،238‬وطريق بري طويل يربط بني املناطق الشمالية واجلنوبية قادم‬
‫من األودية الشمالية بإجتاه اجلنوب حتى ظفار‪ ،‬أما وسيلة النقل البرية فقد‬
‫كانت اجلمال واحلمير‪.239‬‬

‫‪237 - Frefilt, K. Possible link between Jamdat Naser and the Umman-Nar Graves of Oman, JOS, vol.‬‬
‫‪1, 1975, p. 57.‬‬
‫‪238 - During, Caspers. E.C.L. (1971), “New archaeological Evidence for Maritime trade in the Persian‬‬
‫‪Gulf during the late Protoliterate Period. E.W 21: p. 21-55.‬‬
‫‪239 - Zarins, J. Equids associated with human burials in third millennium BC Mesopotamia: Two com-‬‬
‫‪plementary facets. In: Meadow RH, Uerpmann H-P, editors, Equids in the ancient world. Weisbaden:‬‬
‫‪Ludwig Reichert Verlag, 1986, 164–193.‬‬

‫‪175‬‬
‫الصادرات والواردات‬

‫تُوثّق النصوص املسمارية مكانة مجان كحليف جتاري قوي لبالد الرافدين‪،‬‬
‫فاإلتصاالت التجارية بينهما كانت منتظمة ومزدهرة يف العصر البرونزي‪ ،‬فقد‬
‫أرسى التجار القادمون من مجان مراكبهم يف موانئ سومر وأكاد‪ ،‬واستمرت‬
‫احلركة التجارية بني الطرفني متألقة طيلة ذلك العصر‪ ،‬كما حتدثت تلك‬
‫الوثائق عن طبيعة صادراتها ووارداتها من مجان يف مقدمتها‪:‬‬

‫النحاس‬

‫تزخر مجان بأنواع مختلفة من املعادن كانت مبثابة املادة الرئيسة املطلوبة‬
‫لدى ملوك بالد الرافدين‪ ،‬ويبدو من خالل املناجم املكتشفة أن عملية إستغالل‬
‫وجتارة املعادن النفيسة‪ ،‬كانت تقضي بوجود قوة مركزية قادرة على ضبط‬
‫منظومة العمل يف هذا املوقع اإلستراتيجي الهام‪.240‬‬
‫أكدت نتائج التنقيبات األثرية تلك احلقيقة عندما مت العثور على أكثر من ‪44‬‬
‫موقعاً إلنتاج النحاس‪ ،‬وتعد (امل ّ‬
‫ُيسر) يف والية املضيبي من أشهر مواقع اإلنتاج‬
‫يف ُعمان يف العصر البرونزي‪ ،‬إذ عثر على ‪ 4000‬طن من خبث النحاس‪،241‬‬
‫وكشفت التنقيبات األثرية عن آثار خلبث النحاس يف موقع األصيل وعرجاء‬
‫بوادي اجلزي ووادي عندام وجزيرة مصيرة عن وجود كميات كبيرة من خبث‬
‫النحاس الذي كان ينتج عن عملية صناعة النحاس‪ .‬كان النحاس يُستخدم يف‬
‫صناعة األدوات الزراعية واألسلحة والكثير من األدوات األخرى‪ ،‬وكان يشحن‬
‫على شكل سبائك إلى بالد الرافدين‪ ،‬وتشير النصوص املسمارية إلى أن سفن‬
‫مجان كانت ترسو يف مدينة أور وهي محملة باملنتجات الرئيسية من مجان‬
‫كالنحاس واألحجار الكرمية وصخور اجلابرو‪ ،‬ويتم مقايضتها يف أور بالفضة‬
‫والزيوت واحلبوب واملنسوجات‪ ،‬واملصنوعات اجللدية‪.‬‬
‫‪240 - Costa, P., The copper mining set lement of Arja: A Prelminary survey, JOS, vol. 4, 1978, p. 9-14.‬‬
‫‪241 - 268- Weisgerber, G., Copper production during the third millennium BC in Oman and the ques-‬‬
‫‪tion of Makan” Journal of Oman Studies, Vol. 6. Part 2, 1983, p. 270.‬‬

‫‪176‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫سبائك نحاسية جاهزة للتصدير‬


‫من موقع العقر بوالية بهالء األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪177‬‬
‫أشارت نصوص أخرى إلى طبيعة الصادرات والواردات‪ ،‬وأقدم شهادة عن‬
‫تلك الصالت جاءت على لسان ملوك بالد الرافدين أنفسهم‪ ،‬فقد عكست‬
‫كتاباتهم املسمارية تلك احلقيقة من خالل حديثهم املتكرر عن سفن مجان التي‬
‫محملة بكميات كبيرة من البضائع‬
‫ّ‬ ‫كانت تصل من مجان إلى مدن سومر وأكاد‪،‬‬
‫املختلفة القادمة من وادي األندوس مبا يف ذلك الذهب والفضة والعاج‪ ،‬إضاف ًة‬
‫على سلع مجان‪.‬‬

‫نقش آخر يعود للسنة الرابعة من حكم (أمارسني) (‪ 2038-2046‬سنة قبل‬


‫امليالد)‪ ،‬يتعلق مببعوث حاكم مجان يدعى (ويدوم) الذي قدم إلى بالط ملك‬
‫أور يحمل بضائع مبناسبة مهرجان أكيتو خالل شهر البذار‪ ،242‬هذه الوثيقة‬
‫تسمح لنا باإلستنتاج أن حاكم مجان كان له من السلطة السياسية املستقلة ما‬
‫يكفي للسماح مببعوثه باملشاركة يف الطقوس الدينية ملدينة أور يف األلف الثالث‬
‫قبل امليالد‪ .‬وإلى جانب النحاس ذكرت النصوص املسمارية سلعة الذهب كنوع‬
‫من الواردات القادمة من مجان‪.243‬‬

‫الصخور‬
‫لقد احتوت مرتفعات ُعمان على ثروة من أعظم ثرواتها الطبيعية‪ ،‬عندما‬
‫كانت األحجار والصخور مادة لها رواج كبير عند ملوك بالد الرافدين لذا سعوا‬
‫للحصول عليها‪ ،‬وذلك لتأمني مستلزمات بناء أساسات املعابد والقصور‪ ،‬وصنع‬
‫التماثيل لآللهة وللملوك‪ ،‬وبناء النصب التذكارية‪ ،‬خاصة وأن بالدهم تفتقر‬
‫لهذا النوع من األحجار‪.‬‬

‫من أبــرز أنــواع تلك احلجارة (حجر الــصــوان)‪ ،‬و (اليشب ‪ )Jasper‬الذي‬
‫يتوافر يف وادي اجلزي‪ ،‬وحجر (الكلورايت ‪ )Chlorite‬ويوجد يف جبال احلجر‪،‬‬
‫ُيسر)‪ ،‬ويعتقد علماء اآلثار أن مجان كانت من أهم املراكز الرئيسة‬
‫ومستوطنة (امل ّ‬
‫‪ - 242‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،١‬ص‪.٢٥٢ ،٢٥٦ .‬‬
‫‪243 - Oppenheim, L., Seafaring Merchant of Ur, JOAS, 74, 1954, p. 13.‬‬

‫‪178‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫املنتجة لهذا النوع من الصخور يف املنطقة‪ ،‬كما أنها كانت تص ّدر حجر (الديوريت‬
‫‪ )Diorite‬وهو من الصخور النارية املنتشرة يف أنحاء مختلفة من جبال ُعمان‪.244‬‬

‫ُعثر يف مدينة أور يف جنوب العراق على أواني‬


‫حجرية كتب عليها إسم امللك نرام سني‪ ،‬وهي‬
‫غنيمة حصل عليها من مجان‪ ،245‬ونقش آخر‬
‫على اليمني من الوعاء يحمل إهداء إلله القمر‬
‫يف مدينة أور‪ ،‬كما جند إسم إبنه (شولكي)‬
‫مد ّون أيضا على الوعاء‪.246‬‬

‫تشير أحدى األساطير السومرية إلى حتالف‬


‫بني إله بالد الرافدين (نان جرسو) وصخور جبال‬
‫ُعمان ضد عد ّوه الطائر اخلرايف (أميديجت)‪،‬‬
‫وقد مت تكرمي هذه الصخور بأن صنع منها متثاالً‬
‫للملك جوديا ملك جلش (‪ 2124 -2144‬قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬ويشير النقش املنحوت على التمثال‬
‫ذاته إلى أن امللك جوديا طلب هذه احلجارة من‬
‫بالد مجان لينحت منها متثاالً لنفسه‪.247‬‬

‫متثال للملك السومري جوديا (‪ 2200‬قبل امليالد)‬


‫‪248‬‬
‫يشير إلى أن احلجر الذي بني به التمثال جلب من مجان‬
‫‪244 - Weisgerber, G, Makan and Meluhha - Third Millennium BC Copper Production in: Oman and the‬‬
‫‪Evidence of Contact with the Indus Valley, in: Proc. of the 6th International Conference of the Asso-‬‬
‫‪ciation of South Asian Archaeologists in Western Europe, South Asian Archaeology 1981, p. 198-199.‬‬
‫‪245 - Barton, G. A., The Royal Inscription of sumer and Akkad, New Haven, 1929, p. 138.‬‬
‫‪ - 246‬متحف أرض اللبان‪ ،‬الوعاء األصلي موجود حالياً يف املتحف البريطاني بلندن‪.‬‬
‫‪ - 247‬رايــس مايــكل‪ ،‬اآلثــار يف اخلليــج العربــي‪ ٣٢٣ - ٥٠٠٠( ،‬قبــل امليــاد)‪ ،‬ترجمــة‪ ،‬صالــح محمــد علــي‪ ،‬وســامي الشــاهد‪،‬‬
‫مراجعــة‪ ،‬أحمــد الســقاف‪ ،‬وناصــر العبــودي‪ ،‬املجمــع الثقــايف‪ ،‬أبوظبــي‪ ،٢٠٠٢ ،‬ص‪١٧٥ .‬؛ مكتــب مستشــار جاللــة الســلطان‬
‫للشــؤون الثقافيــة‪ ،‬متحــف أرض اللبــان ‪ -‬القاعــة البحريــة‪ .٢٠٠٧ .‬ص‪.١٢٣-١٢٢ .‬‬
‫‪ - 248‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٩٧ .‬‬

‫‪179‬‬
‫كشفت الدراسات بأن أواني الكلورايت تعد من املنتجات النموذجية يف ُعمان‬
‫خالل نهاية األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬حيث استخدمت كمواد جنائزية وقد عثر‬
‫عليها يف املدافن‪ ،‬ويرجح أنها أودعت مع بعض احملتويات األخرى مثل الغذاء‬
‫أو مستحضرات التجميل‪ ،‬كما مت العثور عليها يف مناطق مختلفة يف منطقة‬
‫اخلليج وصوالً إلى بالد الرافدين‪ ،249‬كما يُعد الشيست من األحجار املهمة‬
‫أيضاً‪ ،‬الذي بنيت منه املدافن يف بات وغيرها‪ ،‬أما احلجر الصابوني فهو هبة‬
‫ربانية أخرى وجدت مقالع منه يف جبال ُعمان‪ ،‬وغدا هذا احلجر يف العصر‬
‫البرونزي والعصور الالحقة مادة مفضلة لصناعة األواني املزخرفة‪.250‬‬

‫الكحل‬

‫يصنع الكحل من رواسب املنغنيز وهو من بني املواد التي كانت ت َُص َّدر من‬
‫مستوطنة رأس اجلنز على بحر العرب إلى وادي األندوس وبالد الرافدين‪،‬‬
‫وقد استغل سكان رأس اجلنز رواسب املنغنيز التي تعتبر مصدراً للبيرولوسيت‬
‫املتوفرة يف اجلبال لديهم‪ ،‬وهي املادة‬
‫اخلـ ــام الــتــي يــص ـ ّنــع مــنــهــا الكحل‬
‫وأصباغ العيون املعاصرة‪ ،251‬وتُعد‬
‫سلعة حجر الكحل من السلع التي‬
‫كانت تص ّدر إلى بالد الرافدين‬
‫كما جاء يف وثائق أرشيف معبد‬
‫اآللهه ننجال‪ ،‬الستخدامه كمادة‬
‫جتميل للعينني‪.252‬‬

‫صدفة عثر عليها يف موقع حصن سلّوت األثري حتتوي على بقايا مادة الكحل‬
‫‪ - 249‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٢٤٤ .‬‬
‫‪250 - Weisgerber, G. slag heap Search for Magan, op. cit, p. 22.‬‬
‫‪251 - Cleuziou, & Tosi, Ra’s al-Jinz, op. Cit, p. 23.‬‬
‫‪ - 252‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.٦٨ .‬‬

‫‪180‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫اللؤلؤ‬

‫العمانية مبالءمتها للحياة البحرية وذلــك لعدة عوامل‬


‫متيزت السواحل ُ‬
‫منها‪ :‬درجة حــرارة املياه‪ ،‬امللوحة املتوسطة‪ ،‬التيارات الساحلية القوية‪ ،‬كل‬
‫تلك العوامل ساهمت مساهمة كبيرة يف تكاثر وتنوع األحياء البحرية‪ ،‬ومنها‬
‫الرخويات الالفقاريات‪ ،‬واألسماك والسالحف املتنوعة واحملار‪ .‬من خالل هذه‬
‫العمانيون خالل فترة العصر البرونزي من تصدير‬‫الثروة البحرية املتنوعة متكن ُ‬
‫الفائض منها للبالد املجاورة‪ .‬منذ عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬واللؤلؤ يعد من أهم‬
‫الثروات البحرية وأكثرها قيمة بالنسبة إلقتصاد ُعمان ومنطقة اخلليج بشكل‬
‫عام‪ ،‬فقد عثر يف مستوطنة رأس اجلنز ورأس احلمراء‪ 253‬والسويح على عدد‬
‫من حبات اللؤلؤ املثقوب الذي يعود إلى فترة العصر البرونزي‪ ،‬ويأتي متزامناً‬
‫مع الوقت ذاته الذي أشارت إليه الكتابات املسمارية عن حاجة بالد الرافدين‬
‫إلى هذه السلعة القادمة من اخلليج بواسطة سفن مجان والتي أطلقوا عليها‬
‫إسم (ي ج ى ‪ -‬ك و) أي (عيون السمك)‪.254‬‬

‫األصداف‬

‫تُعد األصداف من السلع البحرية املرغوبة لدى سكان بالد الرافدين‪ ،‬وتُعد‬
‫أصداف السالحف سلعة لها رواج يف العالم القدمي وإحدى صادرات مجان‬
‫إلى بالد الرافدين‪ ،255‬كما تُعد األصباغ املستخرجة من الرخويات من بني املواد‬
‫املرغوبة أيضاً لديهم‪.256‬‬

‫‪253 - Durante, S. & Tosi. M. The Aceramic Shell Middens of Ra’s Al-Ḥamra: A Preliminary Note, JOS.‬‬
‫‪Vol. 3, Part 2, 1977, p. 141.‬‬
‫‪ - 254‬البــدر‪ ،‬منطقــة اخلليــج‪ ،‬ص‪ ٧١ .‬؛ شــعت‪ ،‬شــوقي‪ ،‬التنقيبــات األثريــة يف اخلليــج العربــي وأهميتهــا التاريخيــة‪ ،‬دراســات‬
‫تاريخيــة وجغرافيــة منــذ أقــدم العصــور حتــى الوقــت الراهــن‪ ،‬دمشــق‪ ،١٩٩٣ ،‬ص‪.٤٦ .‬‬
‫‪ - 255‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.٦٨ .‬‬
‫‪256 - Hansman, J., A “Periplus” of Magan and Meluḫḫa, Bulletin of the School of Oriental and African‬‬
‫‪Studies, University of London,Vol. 36, No. 3, 1973, p.556.‬‬

‫‪181‬‬
‫السلع النباتية والزراعية‬
‫ٍ‬
‫مساحة‬ ‫إمتد اإلستيطان البشري يف ُعمان خالل العصر البرونزي على‬
‫ٍ‬
‫واسعة شملت السهول واجلبال والواحات واألوديــة التي توفرت فيها املياه‪،‬‬
‫وقد ش ّكل سهل الباطنة جــزءاً رئيساً من املجتمع الزراعي وبخاصة زراعة‬
‫النخيل‪ ،257‬أما جبال ظفار فقد اشتهرت بنباتاتها املتنوعة ويأتي اللبان الذي‬
‫عرفت البشرية أهميته‪ ،‬منذ فجر التاريخ كأهم السلع التي إعتمدت عليها‬
‫العمانية‪.‬‬
‫احلضارة ُ‬
‫اللبان‬

‫خالل فترة العصر البرونزي سجلت املصادر التاريخية الطلب املتزايد من‬
‫أصحاب احلضارات القدمية على مادة اللبان‪ ،‬الذي استخدم على نطاق واسع‬
‫يف كل الطقوس الدينية‪ ،‬وقد توصل إليه الفراعنة من خالل رحالتهم إلى بالد‬
‫‪257 - Costa, P. M. The Copper Mining Settlement of ‘Arja: A Preliminary Survey, JOS, vol. 4, 1978, p. 11.‬‬

‫‪182‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫بونت التي تقع على السواحل اجلنوبية الشرقية للجزيرة العربية والتي كانت‬
‫تُسمى (أرض اللبان) للحصول على هذه السلعة املقدسة‪.‬‬

‫لم يتوقف طلب اللبان خالل فترة العصر البرونزي على احلضارة الفرعونية‬
‫فقط‪ ،‬فقد مت العثور على عدد من النقوش املسمارية السومرية يف بالد الرافدين‬
‫التي تشير إلى البخور واللبان مبصطلح (شيم)‪ ،‬وقد ظهر هذا املصطلح يف‬
‫النصوص السومرية خــال الفترة ما بني (‪ 2600-2900‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫وتشير النصوص إلى ارتباط إستخدام اللبان والبخور باحلكام والكهنة يف‬
‫ذلك الوقت‪ ،258‬وتكرر ظهور مفردة (شيم) يف فترة جمدة نصر ويف النصوص‬
‫التي مت العثور عليها يف أور‪ ،‬ويف موقع الفارة (‪ 2500‬سنة قبل امليالد)‪ .‬أما‬
‫يف النصوص املسمارية األكادية فقد وردت كلمة (شيم جيج) كناي ًة عن اللبان‬
‫والبخور‪ ،‬وقد وردت هذه الكلمة يف النصوص التي مت العثور عليها يف مدينة‬
‫جلش السومرية يف الفترة (‪ 2350‬سنة قبل امليالد)‪ ،259‬كما ترد يف العديد من‬
‫‪ - 258‬زارنس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬ص‪.٦٨ .‬‬
‫‪ - 259‬املرجع نفسه‪.٦٩ .‬‬

‫‪183‬‬
‫النصوص األكادية مناذج من العقود التجارية خالل فترة العصر البرونزي وقد‬
‫شملت البخور واللبان ضمن بضائعها‪ .‬كما أن املبخرة التي مت العثور عليها يف‬
‫رأس اجلنز تدل على أن جتارة اللبان كانت رائجة بني وادي األندوس و ُعمان‪،260‬‬
‫فكان اللبان خالل فترة العصر البرونزي يسلك طريقاً برياً وطريقاً ساحلياً‬
‫بإجتاه حضارات بالد وادي األنــدوس وبالد الرافدين‪ ،‬وآخر بإجتاه احلضارة‬
‫الفرعونية‪ ،‬وطريقاً برياً من مناطق إنتاج وتخزين اللبان إلى منطقة النجد‪ ،‬ثم‬
‫‪ - 260‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬املقتنيات األثرية‪ ،‬ص‪.٢٩ .‬‬

‫‪184‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫يُنقل ضمن قوافل التجارة املتجهة إلى شمال ُعمان أو صحراء الربع اخلالي إلى‬
‫بالد الرافدين وبالد الشام‪ ،‬أ ّما اللبان املتجه إلى احلضارة الفرعونية فغالباً ما كان‬
‫يسلك طريقاً جتارياً بحرياً من املوانئ التجارية يف جنوب ُعمان إلى البحر األحمر‬
‫ثم إلى مصر القدمية‪ ،‬إال أن هناك طريقاً برياً آخر ميتد من ُعمان إلى منطقة‬
‫الشمال اإلفريقي عبر اجلزيرة العربية إلى صحراء سيناء‪ ،‬ويعد هذا الطريق أول‬
‫شبكة للتجارة البرية من جنوب ُعمان يف ظفار عرفها العالم القدمي‪.261‬‬
‫‪ - 261‬زارنس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬ص‪.٧٤ - ٦٢ .‬‬

‫‪185‬‬
‫التمور‬

‫تُ َعد شجرة النخيل من أهم منتجات الواحات الزراعية يف فصل الصيف‬
‫وقد وجدت منه أصنافاً متنوعة متميزة‪ ،‬فأشجار النخيل كانت تنمو بشكل‬
‫العمانيون عمليات تلقيح كاملة اخلصوبة حتى‬ ‫طبيعي وتلقائي‪ ،‬وقد اكتشف ُ‬
‫تعطي النخلة أفضل ثمارها‪ ،‬على أن تكون مبقادير محددة وهذا يلزم املعرفة‬
‫التامة بعادات النخلة وطبيعتها لتحديد املقادير واألوقــات املناسبة للتلقيح‪،‬‬
‫ودرجة حرارة اجلو وغيرها‪ ،‬وهذه اخلبرة توافرت لدى سكان ُعمان منذ نهاية‬
‫األلف الرابع وبداية األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬وقد تكاثرت أشجار النخيل حيث‬

‫‪186‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫ال عن كونها سلع ًة‬ ‫العمانيون كأحد أهم املصادر الغذائية فض ً‬


‫اعتمد عليها ُ‬
‫جتاري ًة تص ّدر للعوالم املجاورة‪ ،‬خصوصاً وأن البيئة الطبيعية قد ساعدت على‬
‫تكاثرها‪ ،262‬وقد شكلت التمور مصدراً غذائياً هاماً الحتوائه على مواد سكرية‬
‫وبروتينية إلى جانب قابلية حفظه ملدة طويلة‪ ،263‬وقد أشارت الكتابات املسمارية‬
‫إلى التمور بإسم (زو ‪ -‬ل و م) كمادة تستورد من مجان لصالح معبد اإلله‪.264‬‬
‫‪262 - Schoff, The Periplus of the Erythraean Sea ‘’ by an unknown author, With some Extracts from Ag-‬‬
‫‪atharkhides ‘ On the Erythaean Sea” Translated and edited by Huntingford, G.W. B, London, 1980, p158.‬‬
‫‪263 - Tosi, M. Notes on the Distribution and Exploitation of Natural Resources in Ancient Oman”,‬‬
‫‪Journal of Oman Studies 1, 1975, p. 204.‬‬
‫‪ - 264‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.٦٧ ،٨٤ .‬‬

‫‪187‬‬
‫األخشاب‬

‫العمانيون أهمية األخــشــاب وتصنيعها‬‫خــال العصر الــبــرونــزي عــرف ُ‬


‫العماني‪ ،‬وقد اعتقد بعض‬‫وتصديرها بإعتبارها رافداً من روافد اإلقتصاد ُ‬
‫الباحثني أن مجان كانت تستورد األخشاب من بالد الهند وتعيد تصديرها‬
‫العمانية‬
‫من جديد ‪ ،‬إال أن املعطيات النقشية واألثرية تشير إلى أن األرض ُ‬
‫‪265‬‬

‫العمانيون‬
‫كانت هي األخرى إحدى املصادر الهامة لألخشاب التي إعتمد عليها ُ‬
‫يف العديد من إحتياجاتهم املنزلية واملعيشية‪ .‬يُ َعد القصب أو البوص واحداً‬
‫من أبرز املواد اخلام التي ص ّدرها املجانيون لبالد الرافدين‪ ،‬واستخدموها يف‬
‫عملية البناء ملرونتها‪ ،‬وخصوصاً يف صناعة األثاث والصناديق واحلراب‪ ،‬وقد‬
‫أشارت قصيدة رثاء مدينة أور إلى قصب مجان‪ ،‬حيث حت ّدث األديب السومري‬
‫بحسرة شديدة عن الدمار واخلراب الذي حل بسومر بسبب غزو العيالميني‬
‫لها ذلك الدمار الذي نال قصب (مجان)‪ ،266‬ومن األخشاب التي كانت تص ّدرها‬
‫مجان خشب السيسو كما جاء يف وثيقة بابلية عبار ًة عن عقد زواج‪ ،‬يشير إلى‬
‫الهدايا التي يجب أن تق ّدم خالل الــزواج من بينها‪( :‬مسند رأسي واحد من‬
‫‪ - 265‬حورانــي‪ ،‬جــورج فاضلــو‪ ،‬العــرب واملالحــة يف احمليــط الهنــدي‪ ،‬ترجمــة ‪ :‬يعقــوب بكــر‪ ،‬تصديــر‪ :‬يحــي اخلشــاب‪،١٩٥٨ ،‬‬
‫أنظــر هامــش‪ ،‬ص‪.٢٩ .‬‬
‫‪ - 266‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.٨٤ .‬‬

‫‪188‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫خشب السيسو من مجان) وخشب الصفصاف‪ ،‬كما جاء يف وثيقة امللك جوديا‬
‫التي د ّونها على أسطوانة مبناسبة بناء معبد اإلله ننجرسو يقول‪ ... :‬من مجان‬
‫وملوخا جمعنا خشباً من جبالها‪ ،‬من أجل بناء معبد ننجرسو ‪ ...‬أضروا كت ً‬
‫ال من‬
‫ال من (خشب) األبنوس وكت ً‬
‫ال من خشب (اآلب با)‪( ،‬يعتقد أنه‬ ‫(الصفصاف)‪ ،‬وكت ً‬
‫خشب نبات املانغروف) إلى (احلاكم) باني املعبد‪ ،267‬كما كانت مجان تص ّدر‬
‫عدداً من السلع األخرى مثل‪ :‬اخلرز املصنوع من األحجار الثمينة واألخشاب‬
‫واملاعز والبصل والروائح العطرية‪ .268‬وعلى الرغم من وجود سمات حضارية‬
‫محلية سادت ُعمان القدمية‪ ،‬إال أنها تأثرت دون شك بحضارات أخرى مجاورة‪،‬‬
‫فقد لعبت العالقات التجارية دوراً حيوياً يف إنتشار ثقافة حضارة بالد الرافدين‬
‫يف ُعمان وعبر منطقة شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬نلمس ذلك التأثير يف منط املدافن‬
‫وبعض أنواع الفخار واألختام املكتشفة يف ُعمان‪ ،‬وقد استوردت ُعمان بعض‬
‫إحتياجاتها من بالد الرافدين كالفخار واألثــواب والصوف واألوزان واألختام‬
‫العمانيون األحجار الكرمية مثل العقيق‬
‫واحلبوب‪ ،‬ومن وادي األندوس إستورد ُ‬
‫والذهب والفضة واملرجان الالزورد واألقمشة واألواني العاجية ومختلف أنواع‬
‫الطيور كالطاووس وغيرها واألجبان والزبدة وزيت السمسم‪.269‬‬
‫‪ - 267‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.٦٧ .٥٢ .‬‬
‫‪268 - Hansman, A Periplus of Magan and Meluhha , p. 556.‬‬
‫‪269 - Hansman, A “Periplus” of Magan and Meluḫḫa, p. 581-582.‬‬

‫‪189‬‬
‫املعامالت التجارية‬

‫إن تطور التجارة يف أي مجتمع كان يرافقه دون شك‪ ،‬احلاجة إلى نظم‬
‫جتارية حتدد قوائم األسعار والضرائب على الصادرات والواردات‪ ،‬والبد وأن‬
‫سكان ُعمان قدمياً قد ّ‬
‫شرعوا قوانني داخلية ودولية تنظم احلياة التجارية‪ ،‬ففي‬
‫حقبة العصر البرونزي مت العثور على ٍ‬
‫عدد من األختام واألوزان املصنوعة من‬
‫الرصاص واحلجارة‪ ،270‬يتم من خاللها تنظيم التجارة وعملية البيع والشراء‪.‬‬

‫أسلوب البيع والشراء‬

‫لقد كانت جتارة مجان تتم مع موانئ بالد الرافدين يف هذه احلقبة بشكل‬
‫مباشر‪ ،‬ورمبا كان بعض التجار ينتقلون إلى مدن العراق القدمي لعقد الصفقات‬
‫التجارية‪ ،‬وكان «لو ‪ -‬إنليال» وكيل معبد (نانا) يف أثناء حكم امللك «أبي ‪ -‬سني»‬
‫آخر ملوك أســرة أور الثالثة (‪ 2006-2026‬سنة قبل امليالد) من بني أبرز‬
‫‪270 - Poots, The Arabian Gulf, p. 288-291.‬‬

‫‪190‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫جتار البحر املغامرين‪ ،‬فقد نقل سلعاً جتارية تعادل ‪ 1,7‬طناً من الصوف‬
‫و‪ 300‬كيلوجرام من النباتات الصاحلة لألكل أو منتجاتها‪ ،‬و‪ 600‬كيلوجرام من‬
‫األسماك الصغيرة و‪ 70‬ثوباً‪ ،‬و‪ 1515‬لتراً من زيت السمسم املمتاز‪ ،‬و‪ 180‬جلد‬
‫حيوان من «أور ‪ -‬سلبا» من معبد نانا ومن رجال األعمال احملليني ليشتري بها‬
‫النحاس من موانئ مجان‪.271‬‬

‫لعل كل العمليات التجارية كانت تتم بنظام املقايضة بإعتبارها الوسيلة األهم‬
‫يف التعامل التجاري بني األفراد واملجتمعات‪ ،‬وقد عرفته البشرية منذ بداية‬
‫شعورها باحلاجة إلى اآلخر‪ ،‬يف هذه احلقبة تعزز نظام املقايضة الذي ربط‬
‫العماني كالنحاس‬‫إقتصاد الساحل بالداخل‪ ،‬فقد كان يتم تبادل سلع الداخل ُ‬
‫واحلجارة بسلع الساحل كاحملار والكحل وأصباغ الزينة واألصداف وغيرها‪،‬‬
‫تلك املواد كان لها نصيب وافر من جتارة العالم اخلارجي‪ ،‬حيث كانت تستبدل‬
‫غالباً باملواد الغذائية التي يحتاجها سكان املستوطنة‪.‬‬
‫‪ - 271‬فاين‪ ،‬تراث ُعمان‪ ،‬ص‪.٢٧ .‬‬

‫‪191‬‬
‫الضرائب‬

‫كشفت وثائق ملوك بالد الرافدين عن وجــود نظم وقوانيني كانت حتكم‬
‫العالقات التجارية وتنظمها‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالقروض وتنظيمات التجارة‬
‫والعقود‪ ،‬وتشير وثائق أرشيف معبد اآللهه ننجال‪ ،‬إلى العشر الذي كان يقدمه‬
‫التجار إلى معبد اإللــه ننجال كجزء من أرباحهم‪ ،‬مبا يف ذلك جتار مجان‬
‫الذين كانوا يقدمون عشر دخلهم‪ ،‬يف سبيل إظهار شكرهم وإمتنانهم لإلله على‬
‫عودتهم ساملني‪ ،‬من هذه املواد‪:272‬‬

‫أ ‪ -‬ثالث خرزات من العقيق األحمر‬

‫ب ‪ -‬ثالث حبات من عيون السمك (اللؤلؤ)‬

‫ت ‪ ٥ ١/٢ -‬منا من صدف السلحفاء‬

‫ث ‪ -‬قضيب واحد من اخلشب (املعشق) بالنحاس‬

‫ج ‪ -‬مشط واحد من العاج‬

‫ح ‪َ « -‬من» من حجر اليجو (‪)elligue‬‬

‫خ ‪ -‬معياران من حجر الكحل (من أجل طالء العني)‬

‫د ‪ -‬لوحة حسابات من قصب (بوص) مجان من رحلة إلى دملون‪ ،‬العشر (من‬
‫أجل) ننجال من أفراد مستثمرين‪.‬‬

‫املالحظ أن أغلب السلع هي قادمة من مجان قدمها جتار مجان ملعبد اإلله ننجال‪.273‬‬

‫‪ - 272‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.٧٥ .٧٤ .‬‬


‫‪ - 273‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٦٨ .‬‬

‫‪192‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫األختام‬

‫فرضت التجارة يف مجان احلاجة لوجود األختام واألوزان العقود املوثقة‪،‬‬


‫وكثيراً ما تعد األختام من العالمات املميزة للنظم التجارية‪ ،‬فإستخدام األختام‬
‫كان شائعاً يف حضارات الشرق القدمي إلبــرام املعاهدات‪ ،‬كافة املعامالت‬
‫الرسمية اخلاصة بالعمليات التجارية‪ ،‬فهي مبثابة أصل العالمة التجارية‪ ،‬وقد‬
‫ُعثر على عدد من األختام حتمل عالمات خلتمها على السلع‪ ،‬كما عثر على‬
‫ُيسر) بوادي‬
‫ثالثة أختام يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد يف موقع (امل ّ‬
‫سمد‪.274‬‬

‫صورة ألحد األختام التي مت العثور عليها يف موقع امل ُ ّ‬


‫يسر‪ ،‬األلف الثالث قبل امليالد‬
‫‪274 - Weisgerber, Copper production during the third millennium BC in Oman, op. Cit.‬‬

‫‪193‬‬
‫من هذه األختام ختم مثلث الشكل ذو ثالثة أوجــه‪ ،‬مصنوع من احلجارة‬
‫الرمادية اللون ويحمل بعض النقوش‪ .‬الوجه األول يحمل رسماً يعوزه اإلتقان لـ‬
‫‪275‬‬
‫(كلب)‪ ،‬وحليوان أشبه بخروف‪ ،‬بينما يحمل الوجه الثاني رسماً لبقرة درباني‬
‫وعقرب‪ ،‬يف حني يحمل الوجه الثالث رسماً لوعل اجلبل‪ ،‬وحلمل بري آخر‪.‬‬
‫وكانت هذه األختام شائعة يف بعض أجزاء الشرق القدمي‪ .‬أما اخلتم اآلخر فهو‬
‫على هيئة كمثرى‪ ،‬كما يحمل رمزاً ألحد احلروف‪ ،‬ولم يُعرف بعد إذا كان لتلك‬
‫األختام دالالت جتارية أم ال‪.‬‬

‫نـوع من األختـام مسطح الشـكل‪ ،‬عثر عليه يف مسـتوطنة رأس اجلنز ‪ ،2‬كما‬
‫عثر على ختم مربع الشكل مصنوع من النحاس نقش عليه صورة ملاعز بري‪،‬‬
‫العمانية ذات التأثير‬
‫ورسم إلشـارات من أحـرف للغـة ‪ ،‬باإلضافـة إلى األختام ُ‬
‫‪276‬‬

‫‪277‬‬
‫الهندي الواضح‪ ،‬فقد عثر على مجموعة من األوزان ووحدات القياس الهندية‬
‫ال إضافياً على متانة العالقات التجارية بني املركزين احلضاريني‪،‬‬ ‫التي تعد دلي ً‬
‫وعلى تشابك املصالح التي من أجلها فضلت مجان إستخدام وحدات القياس‬
‫رأس اجلنز‪،2‬‬ ‫الهندية دون غيرها‪ .‬ويبدو واضحاً تأثير وادي األندوس يف موقع‬
‫‪DA 12408‬‬

‫‪0‬‬ ‫من واقع التشابه بني املعثورات املكتشفة يف كال املوقعني‪.‬‬


‫‪20 mm‬‬
‫‪Photo & drawing : Hélène DAVID-CUNY - 2013‬‬

‫‪278‬‬
‫ختم من موقع رأس اجلنز‪ ،‬األلف الثالث قبل امليالد‬
‫‪ - 275‬درباني‪ :‬بقرة على غاربها سنام‪.‬‬
‫‪276 - Cleuziou, & Tosi, Ra’s al-Jinz. p. 59-61.‬‬
‫‪277 - Ibid. p. 53.‬‬
‫‪ - 278‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫ومن بني األختام التي عثر عليها يف مستوطنة رأس اجلنز على ساحل بحر‬
‫العرب ختمني صغيرين صنعا من حجر الكلورايت أحدهما بيضاوي واآلخر‬
‫مربع‪ ،‬وكل منهما يحمل يف جانب واحد ثالث عالمات منحوتة‪ ،‬إثنتان منها‬
‫تظهران على اخلتمني‪ ،‬إحداهما نقش بضربتني متوازيتني‪ ،‬تظهر بكل وضوح‬
‫أنها كتابة حلــروف عربية قدمية‪ ،‬كما نقشت تلك احلــروف بسالسة تامة‬
‫وبجودة عالية‪ ،‬حتى يف هذه القرية املوسمية للصيادين‪ ،‬جاءت هذه الكتابة‬
‫مبثابة دليل على وجود كتابة ُعمانية عمرها أكثر من أربعة آالف سنة‪ ،‬كما تعد‬
‫األولى من نوعها يف شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬وتشير أيضا إلى وجود شكل إداري‬
‫لعمان يف تلك احلقبة‪ ،‬وقد‬ ‫منظم يتناسب مع النمو اإلقتصادي والسياسي ُ‬
‫حدد علماء اآلثار تاريخ اخلتمني بــ (‪ 2200‬سنة قبل امليالد) أي أواخر األلف‬
‫الثالث قبل امليالد‪ .279‬مما يشير إلى وجود وثائق مكتوبة منذ تلك احلقبة‪،‬‬
‫وميكننا اإلفتراض بأن تطور نظام الكتابة جاء كضرورة ملحة للتوثيق التجاري‬
‫‪DA 12409‬‬ ‫لضرورات إجتماعية وإقتصادية‪.‬‬

‫‪DA 12410‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪20 mm‬‬


‫‪Photo & drawing : Hélène DAVID-CUNY - 2013‬‬

‫‪280‬‬
‫أقدم‪ 20‬حروف عربية ‪0‬يف شبه اجلزيرة العربية‬
‫‪mm‬‬
‫ختمان حجريان عثر عليهما يف رأس اجلنز يحمالن‬
‫‪Photo & drawing : Hélène DAVID-CUNY - 2013‬‬

‫‪ - 279‬كلوزيــو ســيرج و موريســيو تــوزي‪ ،‬يف ظــال األســاف‪ ،‬مرتكــزات احلضــارة العربيــة القدميــة يف ُعمــان‪ ،‬ترجمــة عبــاس‬
‫ســيد أحمــد‪ ،‬وزارة التــراث والثقافــة ‪ ،‬ســلطنة ُعمــان‪ ،٢٠٠٧ ،‬ص‪.٢٦٥ .‬‬
‫‪ - 280‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الصناعة واحلرف املنزلية‬

‫ش ّكلت الصناعات التحويلية ركناً أساسياً من أركان اإلقتصاد ُ‬


‫العماني يف فترة‬
‫العصر البرونزي‪ ،‬وقد تفاوتت يف نوعها وحجمها‪ ،‬إعتماداً على حاجة املجتمع‬
‫احمللي والدولي لها‪ ،‬وتأتي يف مقدمتها تعدين النحاس وصهره والصناعات‬
‫الناجتة عنه‪ ،‬وصناعة السفن‪ ،‬وصناعة األواني الفخارية واحلجرية معتمدين‬
‫العمانية‪ ،‬إلى جانب‬
‫على املواد األولية املتوفرة بالقرب من الواحات يف اجلبال ُ‬
‫العمانيون يف هذه احلقبة مستوى ٍ‬
‫عال يف املهارات احلرفية املنزلية‬ ‫ذلك بلغ ُ‬
‫املتنوعة التي كانت تتم غالباً يف املنازل لسد حاجة املجتمع احمللي واخلارجي‪.‬‬

‫يف مناطق الواحات اخلصبة قام السكان بتربية املاشية التي كانت متدهم‬
‫باأللبان ومنتجاتها‪ ،‬كما كانت مصدراً هاماً لسلع أخرى كاجللود‪ ،‬وكانت كل‬
‫أسرة تشارك يف املراحل املتنوعة واملختلفة للدورة الصناعية محولة بذلك‬
‫الواحات إلى مراكز حرفية ذات حيوية كبيرة‪ ،‬فالنشاطات الصناعية التي كانت‬
‫تشمل صهر املواد اخلام قد انتشرت يف مواقع كثيرة وكانت تقام حول ٍ‬
‫ورش‬
‫ٍ‬
‫صغيرة وأحياناً يف فناءات أو مناطق مفتوحة داخل املستوطنات‪.281‬‬

‫أما يف املستوطنات الساحلية فكانت منازل الطوب املكتشفة يف رأس اجلنز‬


‫دليل على شكل احلياة وما خلّفوه من تراثهم املعماري خالل فترة العصر‬
‫مبثابة ٍ‬
‫البرونزي‪ ،‬فبعض غرف املنازل قد خصصت إما للتخزين أو لصناعة احلاجيات‬
‫احلرفية املتعلقة بإقتصاد العائلة‪ ،‬ويبدو أن األشخاص الذين كانوا يقضون‬
‫الشتاء على الساحل قد إستخدموا جزءاً من وقتهم الفائض عندما ال يصطادون‬
‫أو يجهزون السمك يف اإلشتغال باملصنوعات احلرفية التي ميكن أن تدر عليهم‬
‫مدخوالً بسبب حاجة السوق احمللي أو تصدير هذه الصناعات إلى اخلارج‪.282‬‬

‫‪ - 281‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.١٨٩ .‬‬


‫‪ - 282‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٢٥٥-٢٥٤ .‬‬

‫‪196‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫‪197‬‬
198
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫تعدين النحاس وصهره‬

‫حتتوي جبال ُعمان على مظاهر جيولوجية فريدة‪ ،‬فهي غنية بصخور‬
‫األفيوليت التي تعد مصدراً للعديد من املعادن‪ ،‬كما تنتشر بها احملاجر واملناجم‬
‫السطحية‪ ،‬حيث يتم حتجير صخور اجلابرو واحلجر اجليري باإلضافة إلى‬
‫تنجيم النحاس والكروم والذهب‪ .‬منذ العصر احلجري املعدني إكتشف اإلنسان‬
‫العماني ما يف باطن أرضه من تلك الثروات املعدنية‪ ،‬وبخاصة معدن النحاس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فعكف على إستغالله واإلفادة منه‪ ،‬وقد ُعثر على أقدم األدوات النحاسية يف‬
‫رأس احلمراء التي يعود تاريخها إلى األلف الرابع قبل امليالد‪ ،‬كما عثر على‬
‫مقتنيات أخرى يف رأس احلد‪ ،‬تعود لنفس الفترة‪ .283‬مت ّيز العصر البرونزي‬
‫باكتشاف معدن النحاس يف شبه اجلزيرة العربية وباألخص يف شبه اجلزيرة‬
‫العمانية ضمن فترات عرفت بالعصر النحاسي‪ ،‬و ُعرف أحيانا بالعصر البرونزي‬ ‫ُ‬
‫الذي يعود إلى فترة تَلَت العصر النحاسي وميزتها بظهور معدن البرونز وهو‬
‫خليط من النحاس والقصدير‪.‬‬
‫العماني حياته حول األنهار والبحيرات القدمية وعلى‬ ‫بعد أن بدأ اإلنسان ُ‬
‫ضفاف األخوار والسواحل واستغل مواردها الطبيعية يف عصور سبقت العصر‬
‫البرونزي‪ ،‬إكتشف مورداً حضارياً جديداً‪ ،‬أال وهو النحاس‪ ،‬وظهرت مناجم‬
‫النحاس يف مواقع عديدة من ُعمان وكان لهذا اإلكتشاف تأثير مهم يف احلضارة‬
‫صدى‬
‫ً‬ ‫العمانية التي سميت بحضارة أرض النحاس (أرض مجان)‪ ،‬وكان لها‬ ‫ُ‬
‫بالغاً يف احلضارات القدمية الناشئة كبالد الرافدين ووادي األندوس‪ ،‬فسعت‬
‫إلى احلصول على هذه الثروة اجلديدة من أرض مجان ( ُعمان)‪ ،‬كما وجدت‬
‫يف ُعمان مناطق صناعية إرتبطت بعملية صهر وتعدين النحاس منذ األلف‬
‫الثالث قبل امليالد‪ ،‬وكانت هذه املستوطنات الصناعية تقع على مصاب األودية‬
‫ويف اجلبال‪ ،‬وغالباً ما ترتبط باملوارد املائية والزراعية التي كانت رافداً لتلبية‬
‫متطلبات احلياة السكّانية‪.284‬‬
‫‪ - 283‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.١٣١ .‬‬
‫‪284 - costa, The copper Mining Settlement of Arja, p. 9-14.‬‬

‫‪199‬‬
‫العمانية على وجود خام النحاس‪،‬‬
‫تدل العروق اخلضراء الصغيرة يف اجلبال ُ‬
‫الذي مت إستغالله واستخراجه وإنتاجه بكميات جتارية خالل فترة األلف الثالث‬
‫قبل امليالد‪ ،‬حيث استخدمت املطارق احلجرية واألزاميل يف استخراج اخلامات‬
‫احملتوية على النحاس‪.285‬‬
‫يُعد موقع امليُ ّسر‪ 1‬يف وادي سمد القريبة من مستوطنات سمد الشأن من‬
‫أهم تلك املواقع‪ ،‬وهي كومة من نفايات النحاس يف املستوطنة يعود تاريخها‬
‫ال مادياً على حركة‬ ‫إلى العصر البرونزي‪ ،‬هذه الكمية من السبائك تعطي دلي ً‬
‫جتارة النحاس بني مجان وبالد الرافدين يف األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬كما عثر‬
‫ُيسر احلالية‪،‬‬
‫على قرية الصهر التي تقع على بعد كيلومتر واحد جنوب قرية امل ّ‬
‫ومت العثور على مخزون من قوالب سبائك النحاس‪ ،‬وختم يف املنزل (‪ ،)4‬وكان‬
‫آخرها الكشف عن منطقة حرفية يف اجلزء الشمالي من املستوطنة عبار ًة عن‬
‫ورش عمل للنحاس‪.286‬‬
‫مت ّيز إنتاج النحاس يف ُعمان بجودته ونقائه لذا أصبح هذا املنتج محط‬
‫أنظار حضارات العالم القدمي التي كانت تطلب حموالت النحاس يف شحنات‬
‫من عدة أطنان عبر شبكة للتبادل التجاري حتملها سفن ُعمانية تبحر من موانئ‬
‫ومواقع اإلنتاج عبر بحر ُعمان واحمليط الهندي واخلليج‪.‬‬

‫يعتقد الباحثون يف الدراسات األثرية أنه ال توجد أدلة على وجود ما يشير‬
‫إلى أن العصر البرونزي قد بدأ قبل (‪ 3400‬قبل امليالد) إال أنه قد ظهرت بعض‬
‫العمانية‪ ،‬حينما‬
‫الصياد القدمي على السواحل ُ‬
‫ّ‬ ‫املواد الفردية يف مواقع تعود لفترة‬
‫عثر على سكني نحاسي صغير يف الطبقات العليا يف موقع برأس احلمراء ‪،‬‬
‫‪287‬‬

‫ويف موقع السويح ‪ 2‬يف جعالن بني بوعلي عثر على شظايا نحاسية‪ ،288‬وكذلك‬

‫‪ - 285‬جيــرد فاســيجربر‪ ،‬مــن األخضــر إلــى األحمــر (صهــر النحــاس مــن اخلــام األخضــر)‪ ،‬مجموعــة مختــارة مــن الدراســات‬
‫التاريخيــة مــن اجلزئــن األول والثانــي الصادريــن ‪١٩٧٦ - ١٩٧٥‬م‪ ،‬إصــدارات وزارة الثقافــة واإلعــام‪١٩٧٨ ،‬م‪ ،‬ص‪.٢١٧ .‬‬
‫‪286 - Weigerber, Op. Cit, p. 6-23.‬‬
‫‪ - 287‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.١٣١ .‬‬
‫‪ - 288‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٢٤٧ .‬‬

‫‪200‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫يف موقع رأس اجلنز‪ ،‬أما يف موقع وادي شاب يف طيوي فقد عثر على قطع‬
‫من النحاس وبقايا دبابيس وأزاميل يف الطبقات العليا لبعض اخلنادق‪ ،‬وخالل‬
‫أجيال من هذه الفترة حتولت خطافات الصيد التي كانت تُصنع من األصداف‬
‫البحرية إلى النحاس‪ ،‬وهذه املعثورات ال تعطي مؤشراً وافياً لتوافر هذا املعدن‬
‫اجلديد بكميات كبيرة لكنها تشير إلى وجود معرفة ولو محدودة ترتبط بهذا‬
‫املعدن‪ ،‬وهو ما أدى إلى مزيد من البحث للحصول عليه بكميات كبيرة‪ ،‬وبذلك‬
‫ظهر ما يسمى بالعصر البرونزي منذ بداية األلف الثالث قبل امليالد‪.‬‬
‫تعتبر املنشآت احلضارية التي يطلق عليها املدافن الركامية مبثابة معالم‬
‫معروفة تكاد أن تكون موجودة على مساحات كبيرة من أرض ُعمان يف مجموعات‬
‫أو مبعثرة على احلافات الصخرية التي تطل على الواحات واألوديــة وعلى‬
‫الروابي املنعزلة ومنحدرات التالل وحواف اجلروف الصخرية‪ ،‬ويتراوح عددها‬
‫يف املنطقة الواحدة ما بني العشرات واملئات‪ ،‬بعضها يف حالة جيدة كما يف أبراج‬
‫موقع اجليلة التي ترتفع إلى (‪ )8‬أمتار أعلى اجلبال نحو ‪ 1800‬متر فوق سطح‬
‫البحر يف قلب جبال احلجر الشرقي وتعود إلى (‪ 2800‬سنة قبل امليالد)‪،289‬‬
‫كما أن بعض هذه املدافن حتتوي على مداخل معظمها دائرية الشكل‪ ،‬إن تاريخ‬
‫هذه املنشآت يغطي فترة زمنية تبدأ من (‪ 3300‬سنة قبل امليالد) ومتتد إلى‬
‫فترة الحقة من العصر البرونزي والعصور التي تلتها‪ .290‬ويف موقع رأس اجلنز‬
‫بوالية صور عثر على ورشة لتعدين النحاس يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل‬
‫امليالد (‪ 2300‬سنة قبل امليالد)‪.‬‬

‫إستمر انتاج النحاس يف ُعمان خالل مطلع األلف الثاني قبل امليالد (‪-2000‬‬
‫‪ 1900‬سنة قبل امليالد) ولكن مبستوى أقل‪ ،‬تدل عليه آثار الصهر والتعدين يف‬
‫األلف الثاني قبل امليالد وبقايا األفران والتجهيزات األخرى التي استخدمت‬
‫من قبل‪ ،‬ولم حتدث تغييرات يف تقنية الصهر‪ ،‬كما أنه لم تعد هنالك أية مدافن‬
‫يف األبراج على اجلبال أو اجلروف الصخرية وأصبح املوتى يدفنون يف أضرحة‬
‫‪ - 289‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.١٢٦ .‬‬
‫‪ - 290‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.١٣٠-١٢٥ .‬‬

‫‪201‬‬
‫حجرية حتت األرض‪ .‬من قبيل ما ُعثر عليه يف مدفن حصن سلّوت األثري وبه‬
‫أكثر من هيكل عظمي بشري مع أدوات من احلجر الصابوني األملس عليه‬
‫نقوش تعود إلى فترة العصر البرونزي‪ ،291‬ومن النادر إكتشاف املستوطنات التي‬
‫تعود إلى هذه الفترة‪ ،‬ولكن وجدت مدافن تعود إلى ما بني (‪ 1500-2400‬سنة‬
‫قبل امليالد)‪ ،‬كما عثر على مدافن وجدت يف مناطق ترسب خام وخبث النحاس‬
‫يف وادي صالح قرب سمد وهي أفضل دليل على إستمرار إنتاج النحاس يف‬
‫ال عظمياً وأدوات‬
‫تلك الفترة‪ ،‬ووجد بوادي اجلزي مدفن جماعي يضم ‪ 18‬هيك ً‬
‫معدنية مع ‪ 50‬آنية من احلجر األملس و ‪ 16‬سيفاً وخنجراً و ‪ 42‬رأس رمح‬
‫صنع محلّي‪ ،‬كما عثر بداخل مدفن حملارب يعود‬ ‫ٍ‬ ‫يُرجح أن تكون كلها ذات‬
‫إلى نهاية العصر البرونزي (‪ 1300‬سنة قبل امليالد) يف نزوى به أنــواع من‬
‫األسلحة تتطابق مع تلك التي وجدت لذات الفترة من العصر البرونزي‪،292‬‬
‫وتوضح األساور البرونزية من العراقي وسلمي يف عبري منوذجاً لهذه احلقبة‬
‫وإستمراريتها يف فترات الحقة‪.‬‬

‫طريقة التعدين‬

‫كان عمال املناجم يف ُعمان يقومون مبتابعة عروق خام النحاس األخضر حتى‬
‫أعماق بعيدة والعديد من هذه املناجم كانت تقف عند مستوى املياه اجلوفية‪.293‬‬
‫ولفصل املعدن النقي من اخلامات العالقة به يتم حرق اخلام بواسطة الفحم‬
‫احلجري إلى درجة حــرارة تبلغ ‪ ١١٠٠‬درجة مئوية داخل فرن طيني صغير‬
‫يحتوي على ثقوب للتهوية ويعتقد أنه كانت تستخدم منافخ الكير املصنوعة من‬
‫جلد املاعزيف عملية رفع درجة احلرارة إلى احلد املطلوب‪.294‬‬

‫‪ - 291‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪.١٢-١٠ ،‬‬


‫‪ - 292‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.٣٠٣ .‬‬
‫‪ - 293‬جيــرد فاســيجربر‪ ،‬مــن األخضــر إلــى األحمــر (صهــر النحــاس مــن اخلــام األخضــر)‪ ،‬مجموعــة مختــارة مــن الدراســات‬
‫التاريخيــة مــن اجلزئــن األول والثانــي الصادريــن ‪١٩٧٦-١٩٧٥‬م‪ ،‬إصــدارات وزارة الثقافــة واإلعــام‪١٩٧٨ ،‬م‪ ،‬ص‪.٢١٨ .‬‬
‫‪ - 294‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٢١٧ .‬‬

‫‪202‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫‪203‬‬
‫كانت تتم عملية تعدين وصهر النحاس قدمياً عن طريق ما يسمى التطفيح‬
‫أو الطفو‪ ،‬وهو أسلوب يعتمد على غلي النحاس يف بوتقة لكي ينصهر ويطفو‬
‫النحاس إلى األعلى وتترسب الرواسب املعدنية األخرى يف أسفل البوتقة‪ .‬كان‬
‫العمال يستخدمون أزاميل حجرية لتكسير الصخور للوصول إلى النحاس‪ ،‬وقد‬
‫ُكشف عن أربعة أزاميل مدببة مصنوعة من النحاس يف مستوطنة امل ّ‬
‫ُيسر بوادي‬
‫سمد الشأن تعود إلى األلف الثالث قبل امليالد كانت تستخدم يف عملية البحث‬
‫وإستخراج النحاس‪ .295‬تن ّوعت عمليات التنقيب والبحث عن النحاس قدمياً‪،‬‬
‫إما عن طريق عمل حفر صغيرة أو خنادق‪ ،‬أو قصبات أو حفر أسطوانية‬
‫ُيسر وعرجاء كان التعدين يجري فيها‬
‫عميقة أو أنفاق‪ ،‬ففي مواقع كاألسيل وامل ّ‬
‫بإستخدام احلفر املفتوحة‪.‬‬

‫كان التعدين يف معظم األحوال يتم بواسطة حفر صغيرة وخنادق وقصبات‪،‬‬
‫أو حفر أسطوانية عميقة وأنفاق حتفر كل منها عند شواهد معدنية سطحية‪.‬‬
‫ويف مناجم األسيل وسمد وعرجاء ومناجم أخرى مثل كالب وطوي ركاح‪ ،‬فقد‬
‫مت الكشف عن طرق تعدين مغايرة كانت تتم من خالل حفر مفتوحة مستديرة‬
‫يتراوح قطرها من ‪ ٢٠‬إلى ‪ ١٠٠‬متر وينخفض سطحها احلالي ما يقارب املتر‪.296‬‬

‫أشارت أعمال املسح التعديني عن وجود نفايات معادن ناجتة عن عمليات‬


‫الصهر القدمية يف أماكن التعدين‪ ،‬مما يدل على أن الوقود املستخدم يف عملية‬
‫الصهر (اخلشب) كان ينقل إلى مواقع وجود املعدن وليس العكس‪ ،‬أما يف صحار‬
‫ولقرب مواقع وجود املعادن فقد مت العثور على موقع يف أعلى تل يدل على أن‬
‫عملية صهر املعدن اخلام كانت تتم يف صحار‪ ،‬وأن بعض املعادن كانت ُتلب من‬
‫املناجم يف وادي اجلزي إلى صحار لتعدينها‪ .‬كما عثر على أكوام من مخلفات‬
‫املعدن يف مواقع عديدة على إمتداد تشكيالت جيولوجية متنوعة ومنتشرة يف‬
‫جبال احلجر شمال ُعمان‪ ،‬وقدرت مخلفات املعدن الناجت عن عملية الصهر‬
‫‪ - 295‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.٢١٥ .‬‬
‫‪ - 296‬جــي‪ .‬و‪ .‬جوتيلــد و ت‪ .‬فيــرث و ســي‪ .‬ســي‪ .‬هيوســن‪ .‬بحــث مبدئــي يف التعديــن القــدمي يف ســلطنة ُعمــان‪ .‬مجموعــة‬
‫مختــارة مــن الدراســات التاريخيــة مــن اجلزئــن األول والثانــي الصادريــن ‪١٩٧٦-١٩٧٥‬م‪ .‬إصــدارات وزارة الثقافــة واإلعــام‪.‬‬
‫‪١٩٧٨‬م‪ .‬ص‪.١٢٧ .‬‬

‫‪204‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫يف ‪ ١٩‬موقع من هذه املناجم مبا ال يقل عن ألف طن‪ .‬يف حني ُق ّدرت كميات‬
‫مخلفات املعدن مبوقع الصهر يف موقع األسيل بحوالي ‪ ١٠٠‬ألف طن‪ ،‬مما يدل‬
‫العمانية‪ .‬ودلت كميات‬
‫على حجم اإلنتاج يف هذا املوقع مقارنة بغيره من املناجم ُ‬
‫املعادن التي وجدت يف العديد من مواقع صهر النحاس يف ُعمان إلى الكمية‬
‫الضخمة التي كانت تستخرج من هذه املناجم‪ ،‬حيث تراوحت كميات نفايات‬
‫املعادن املكدسة بالقرب من معامل الصهر ما بني ‪ 100‬طن ‪ 100 -‬ألف طن‪،‬‬
‫وتشير عمليات التنقيب يف موقع عرجاء إلى أن عملية التعدين إستدعت يف‬
‫مراحل معينة إستخراج خام النحاس من الصخور الصلبة مما يشير إلى حجم‬
‫اجلهد الذي كانت تتطلبه عملية التعدين‪ .297‬ووجد خبث املعادن يف العديد من‬
‫مناجم التعدين يف ُعمان‪ ،‬على مقربة من مناجم التنقيب إال أنه يف بعض املناجم‬
‫كان خبث املعادن يتم العثور عليه عن طريق أقرب وادي حيث تتوفر كميات من‬
‫األخشاب التي تستخدم كوقود يف عملية إنتاج وصهر النحاس‪.298‬‬
‫أظهرت أعمال املسح عن املعادن يف ُعمان أن مناجم التعدين القدمية كان‬
‫يصل عمق بعضها ألكثر من ‪ ٣٤‬متراً يف باطن األرض‪ ،‬وعند دراســة عمق‬
‫أعمال التعدين القدمية وتقدير مكامن خامات املعادن يف باطن األرض كشفت‬
‫الدراسات يف موقع لسيل أن أعمال التنقيب قدمياً كانت تصل أحياناً ملا يقارب‬
‫‪ ٤٠‬متراً من سطح األرض‪ ،‬وكان عمال املناجم يف ُعمان يقومون مبتابعة عروق‬
‫خام النحاس األخضر حتى أعماق بعيدة‪ ،‬والعديد من هذه املناجم كانت تقف‬
‫عند بلوغها مستوى املياه اجلوفية‪ ،‬ومبقارنة هذه النتائج مع كميات نفايات‬
‫املعدن الناجتة عن عملية الصهر يف نفس املوقع مع إستخدام األودات البسيطة‬
‫يف عملية التنقيب عن املعادن يتبني جلياً أن موقع األسيل كان أحد املناجم‬
‫الرئيسية ملجان خالل فترة األف الثالث قبل امليالد‪.299‬‬

‫‪ - 297‬جــي‪ .‬و‪ .‬جوتيلــد و ت‪ .‬فيــرث و ســي‪ .‬ســي‪ .‬هيوســن‪ .‬بحــث مبدئــي يف التعديــن القــدمي يف ســلطنة ُعمــان‪ .‬مجموعــة‬
‫مختــارة مــن الدراســات التاريخيــة مــن اجلزئــن األول والثانــي الصادريــن ‪١٩٧٦-١٩٧٥‬م‪ .‬إصــدارات وزارة الثقافــة واإلعــام‪.‬‬
‫‪١٩٧٨‬م‪ .‬ص‪.١٢٦ .‬‬
‫‪ - 298‬جيــرد فاســيجربر‪ .‬مــن األخضــر إلــى األحمــر (صهــر النحــاس مــن اخلــام األخضــر)‪ .‬مجموعــة مختــارة مــن الدراســات‬
‫التاريخيــة مــن اجلزئــن األول والثانــي الصادريــن ‪١٩٧٦-١٩٧٥‬م‪ .‬إصــدارات وزارة الثقافــة واإلعــام‪١٩٧٨ .‬م‪ .‬ص ‪.٢١٨‬‬
‫‪ - 299‬جي‪ .‬و‪ .‬جوتيلد و ت‪ .‬فيرث و سي‪ .‬سي‪ .‬هيوسنت‪ ،‬ص‪.١٢٨ .‬‬

‫‪205‬‬
206
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫‪207‬‬
‫مواقع التعدين وصهر النحاس يف العصر البرونزي‬

‫أشارت الدراسات واألبحاث األثرية إلى أن مناطق متركز النحاس الطبيعي‬


‫واملواد املعدنية ذات احملتوى النحاسي العالي كانت أكثر وفرة يف املاضي مما‬
‫قد نتصوره اليوم‪ .300‬وكشفت املسوحات األثرية عن وجود ‪ 150‬موقعاً لصهر‬
‫ُيسر والعراقي والواسط واألسيل‬ ‫النحاس يف ُعمان‪ ،‬من أهمها‪ :‬قرية اخلشبة وامل ّ‬
‫وعرجاء والبيضاء وطوي عبيله والسياب وصحار‪ ،‬وتشير البقايا األثرية يف مواقع‬
‫ُيسر والباطن والعرجا إلى حجم التجمعات السكانية التي قامت عليها عملية‬ ‫كامل ّ‬
‫تعدين وصهر النحاس‪ .‬فقد كان يتم إنتاج النحاس خالل فترة األلف الثالث قبل‬
‫امليالد عبر ثالث مراحل أساسية وهي عملية إستخراجه ودقه وصهره‪ ،‬وكل‬
‫هذه العمليات كان يتم تنفيذها غالباً يف مكان واحد ويف دورة متصلة‪ ،‬ولم يشكل‬
‫عامل ندرة املياه عقب ًة كبيرة حينها نظراً لعدم احلاجة لكميات كبيرة من املياه‬
‫يف عملية اإلنتاج‪ .301‬وتعد منطقة وادي اجلزي ووادي سمائل والشرقية من أكبر‬
‫مناطق إنتاج وتعدين النحاس خالل فترة األلف الثالث قبل امليالد‪ .‬حيث شكل‬
‫وادي اجلزي شرياناً حقيقياً للتكامل اإلقتصادي ملجان خالل فترة األلف الثالث‬
‫قبل امليالد‪ ،‬فقد كانت القرى املرتبطة بعملية التعدين قريب ًة من بعضها‪.302‬‬

‫كانت أخشاب شجر السنط خالل هذه الفترة تُستخدم كوقود لصهر النحاس‪،‬‬
‫نظراً ملا يتميز به هذا اخلشب لكونه بطيئ اإلحتراق مما جعله وقوداً مثالياً‬
‫لعملية الصهر بالتطفيح التي كانت تتطلب صهر النحاس يف حفر من الفحم‬
‫اخلشبي‪ ،‬ويف بعض املواقع مثل وادي لزق وموقع آخر غربي نزوى كان املعدن‬
‫يُجلب من منطقة اجلبل على شكل كتل أو قوالب من املعدن اخلام‪ ،‬أو يف حالة‬
‫بسيطة من التصنيع‪.303‬‬

‫‪ - 300‬مــود تســتوتوزي‪ .‬مالحظــات توزيــع املــوارد الطبيعيــة وإســتثمارها يف ُعمــان القدميــة‪ .‬مجموعــة مختــارة مــن الدراســات‬
‫التاريخيــة مــن اجلزئــن األول والثانــي الصادريــن ‪١٩٧٦-١٩٧٥‬م‪ .‬إصــدارات وزارة الثقافــة واإلعــام‪١٩٧٨ .‬م‪ .‬ص‪.١٠٢ .‬‬
‫‪ - 301‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.١٠٨ .‬‬
‫‪ - 302‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ - 303‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫كشفت أعمال احلفريات يف قرية اخلشبة باملضيبي عن أحد أقدم معامل‬


‫صهر النحاس الذي يعود إلى (‪ 3200‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬وقد عثر باملوقع على‬
‫مجموعة أبراج تعود إلى نفس الفترة‪ ،‬ومبنى حجري ضخم مستطيل الشكل‪.‬‬
‫عثر يف وادي طوي عبيلة وهو موقع لسيل أحد الوديان املتفرعة من وادي‬
‫اجلزي بالقرب من صخور جوفية من اجلابرو وهو صخر جويف قاعدي‪ ،‬وتغطي‬
‫منطقة الصهر مساحة مئات الكيلومترات املربعة‪ ،‬كما عثر يف املوقع على بقايا‬
‫بوتقات مخروطية الشكل لها قاعدة مرتفعة ومسطح قطرها عند حافتها العليا‬
‫حوالي ‪ ٣٠‬سم‪ ،‬وقدرت كميات نفايات املعادن الناجتة عن عملية التعدين يف‬
‫موقع األسيل بحوالي ‪ ٢٥،٠٠٠‬متر مكعب‪.‬‬

‫يف موقع عرجاء على بعد كيلومترات قليلة من موقع األسيل يف منطقة وادي‬
‫اجلزي‪ ،‬تتشابه مواقع الصهر التي عثر عليها يف موقع عرجاء مع تلك املكتشفة‬
‫يف موقع األسيل‪ ،‬وتبدو مناطق تصنيع النحاس يف عرجاء واضح ًة كما وجدت‬
‫ثالثة أكوام كبيرة من نفايات املعدن داخل خندق عميق‪ ،‬وال تزال آثار مباني‬
‫قدمية ذات أساسات من الصخور الكبيرة قائمة شمال املوقع على إمتداد‬
‫الوادي‪ ،‬كما عثر يف موقع عرجاء على القصدير والنحاس‪.304‬‬

‫يسر عن وجود مجمع لصهر النحاس يحتوي‬ ‫كشفت أعمال احلفريات يف امل ُ ّ‬
‫على مواضع محددة لنفايات املعادن الناجتة عن عملية التصنيع‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫وجود سد مائي بالقرب من املوقع بالوادي والذي يعتقد أنه أنشئ لتلبية حاجة‬
‫هذه التجمعات السكانية من املياه‪ ،305‬أما يف األسيل بالقرب من وادي اجلزي‬
‫فقد عثر على منطقة صهر النحاس على عدة مئات مربعة وتوجد حفر قطرها‬
‫متر واحد كانت تستخدم يف أعمال احلفر للبحث عن النحاس‪ ،‬كما مت إكتشاف‬
‫بقايا بوتقات مصنوعة من صلصال ذو مكونات معدنية عالية تتحمل حرارة‬
‫صهر النحاس وذوبانه أثناء عملية التصنيع‪ ،‬كما عثر على أكوام من نفايات‬
‫‪ - 304‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.١٠٤ .‬‬
‫‪ - 305‬كلوزيو & توزي‪ .،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.٢٧٤-٢٧١ .‬‬

‫‪209‬‬
‫املعادن التي كانت تستخرج أثناء عملية الصهر والتصنيع‪ ،‬وتشير املعثورات‬
‫األثرية إلى أن عملية التصنيع التي كانت متبعة يف املوقع كانت تتم بواسطة‬
‫التطفيح أو الطفو‪ ،‬وأشارت التحاليل التي أجريت لبقايا النفايات املعدنية إلى‬
‫وجود نسب مختلفة ملعادن أخرى كاحلديد وغيرها‪.‬‬

‫يف مناطق صهر النحاس مبوقع عرجاء يف وادي اجلزي كشفت البعثات‬
‫األثرية عن التشابه الواضح بينها وبني مناطق الصهر يف األسيل‪ ،‬وتتضح يف‬
‫املوقع أماكن عروق النحاس املكشوفة التي كان يستخرج منها النحاس قدمياً‪،‬‬
‫باإلضافة إلى وجــود ثالثة أكــوام من نفايات املعادن املستخرجة من عملية‬
‫التصنيع وجدت بداخل أحد خنادق التنقيب النحاسية‪ ،‬كما عثر على آثار‬
‫مساكن هذه التجمعات السكانية التي بُنيت من جالميد صخرية كبيرة خارج‬
‫مناطق التصنيع إلى الشمال‪ ،‬وعثر يف موقع البيضاء على الصخور اللوزية التي‬
‫حتتوي على معدن النحاس‪.‬‬

‫عثر يف موقع مسجد على بعد حوالي ‪ ١٠‬كيلومتر شرق وادي سمائل على‬
‫بقايا النحاس ضمن عروق أرضية متتد إلى باطن األرض‪ .‬كشفت أعمال املسح‬
‫التعديني عن وجود نوعني من املناجم يف ذات املوقع وهي مناجم احلفرة ومناجم‬
‫النفق‪ ،‬وهي عبارة عن حفر قليلة العمق مصطفة على إمتداد العروق النحاسية‪.‬‬

‫يعد هذا النمط أحد األساليب املألوفة يف املناجم البدائية إلستخراج النحاس‬
‫ومشتقاته‪ ،‬إعتمد هذا النوع من املناجم يف عمله على ُحفر قليلة العمق تصل‬
‫إلى متر واحد وتكون مصطفة على إمتداد عرق املعدن اخلام‪ ،‬أما مناجم النفق‬
‫فهي عبارة عن نفق عمودي على خط قصبات احلفر طوله ‪ ٣٧،٥‬متراً ويحتوي‬
‫على ‪ ٣‬قصبات للتهوئة‪ ،‬وتبعد كل واحدة عن األخرى مابني ‪ ١٠-٩‬أمتار‪.‬‬
‫عند اجلانب الغربي من القصبات واجلانب اجلنوبي من النفق عثر على‬
‫مجموعتني من كسر املعدن اخلام الذي كان يستخرج من هذه املناجم بإستخدام‬
‫املطارق‪ ،‬وكانت عملية الصهر يف املوقع تتم على بعد بضعة أمتار من مواقع‬

‫‪210‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫اإلستخراج حيث مت العثور على ما يقارب ‪ 15‬ألف طن عبار ًة عن أكوام لنفايات‬


‫التعدين وصهر النحاس‪.306‬‬
‫كما ُعثر يف وادي إبراء على بوتقات قدحية مخروطية لصهر النحاس طولها‬
‫‪ 15-12‬سم وسعتها ‪ 500‬سم‪ 3‬صنعت من صلصال حديدي مخلوط باحلصى‪،‬‬
‫وعثر على عدد من نفايات املعادن يف وادي عدي حتتوي على كميات متباينة‬
‫من النحاس إضاف ًة إلى احلديد‪ .‬كما وجدت بقايا أفران للصهر يف موقع طوي‬
‫عبيلة تعود إلى فترة (‪ 2500‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬ويف وادي جنوم يف بدبد عثر‬
‫على العديد من مطارق التعدين املنتشرة يف املوقع‪.‬‬

‫أدوات تعدين عثر عليها يف منجم وادي النجوم بوالية بدبد‬


‫‪ - 306‬مــود تســتوتوزي‪ .‬مالحظــات توزيــع املــوارد الطبيعيــة وإســتثمارها يف ُعمــان القدميــة ‪ .‬مجموعــة مختــارة مــن الدراســات‬
‫التاريخيــة مــن اجلزئــن األول والثانــي الصادريــن ‪١٩٧٦-١٩٧٥‬م‪ .‬إصــدارات وزارة الثقافــة واإلعــام‪١٩٧٨ .‬م‪ .‬ص‪.١٠٨-١٠٦ .‬‬

‫‪211‬‬
‫الصناعات املعدنية‬

‫منذ األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬إزدهرت يف ُعمان الصناعات‬


‫املعدنية‪ ،‬النحاسية‪ ،‬والبرونزية‪ ،‬وأصبحت األدوات املعدنية‬
‫أكــثــر شــيــوعـاً‪ ،‬يف رأس اجلــنــز ‪ 2‬حينما إكتشفت ورشــة‬
‫تعدين تصنع املعدن بأسلوب الطرق البارد إلنتاج األدوات‬
‫النحاسية‪ ،‬حيث يتم تــوزيــع النحاس اخلــام على القرى‬
‫واملخيمات بكميات قليلة غير أنها منتظمة يتم تقطيعه من‬
‫السبائك على شكل قضبان وكتل كبيرة وصغيرة‪ ،‬فالذخيرة‬
‫ُيسر عند‬‫التي متثل هذا النوع من الشحنات وجدت يف امل ّ‬
‫العمانيون خالل هذه احلقبة خطاطيف‬ ‫وادي سمد ‪ .‬صنع ُ‬
‫‪307‬‬

‫الصيد النحاسية والدبابيس التي عثر على بعضها يف رأس‬


‫احلــد‪ 308‬ورأس اجلنز‪ ،‬كما صنعت األدوات الزراعية التي‬
‫يحتاج إليها اإلنسان‪ ،‬ومن الواضح أنها جاءت بديل ًة عن‬
‫اخلطاطيف الصدفية واملسامير العظمية التي كانت شائع ًة‬
‫خالل األلف الرابع قبل امليالد‪ 309‬وأتيح للمشتغلني باملعادن‬
‫صناعة مصنوعات متنوعة‪ ،‬وال غرابة يف ذلك فوفرة النحاس‬
‫العماني منذ تلك احلقبة الزمنية‬‫والقصدير دفعت اإلنسان ُ‬
‫إلــى أن يطوعها ويستخدمها يف صناعة عــدد من أدواتــه‬
‫ال عن صناعة العديد من األسلحة البدائية‬ ‫احلياتية‪ ،‬فض ً‬
‫التي كانت وسيلة الناس حلماية ممتلكاتهم وأرواحهم‪.‬‬

‫رؤوس سهام من النحاس عثر عليها يف موقع بات األثري‬


‫‪310‬‬
‫تعود إلى األلفية الثالثة قبل امليالد‬

‫‪ - 307‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٢٧٤-٢٧١ ،١٩١-١٩٠ .‬‬


‫‪ - 308‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬املقتنيات األثرية‪ ،‬سلطنة ُعمان‪ ،٢٠٠٩ .‬ص‪.٤٠ .‬‬
‫‪ - 309‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.٢٥٤ .‬‬
‫‪ - 310‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫صنارة صيد‪ ،‬رأس احلد‪ 3000 ،‬سنة قبل امليالد‬

‫‪311‬‬
‫فأس نحاسي (رأس اجلنز) يعود تاريخها إلى نهاية األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪ - 311‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫ ‬

‫‪312‬‬
‫أدوات نحاسية عثر عليها يف موقع العقر بهالء ‪ 3000‬سنة قبل امليالد‬
‫‪ - 312‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫‪313‬‬
‫معوالن من البرونز عثر عليهما يف والية عبري‪ ،‬األلف الثاني قبل امليالد‬
‫‪ - 313‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫األسلحة‬

‫منذ مطلع األلف الثالث قبل امليالد ظهرت اخلناجر النحاسية والسيوف‪،‬‬
‫وقد عثر يف أحد مدافن رأس احلد على خنجر صغير طول نصله ‪ 12‬سم‬
‫تقريباً‪ ،‬وهو من النوع الذي يث ّبت يف مقبضه مبسمارين‪ ،‬كما مت إكتشاف خنجر‬
‫وسيف نحاسي يف أحد مدافن بات بوالية عبري يبلغ طوله ‪ 42‬سم‪ ،‬مث ّبت‬
‫مبسامير يف غمد‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫أسلحة عثر عليها يف موقع بات بوالية عبري تعود إلى فترة العصر البرونزي‬
‫‪ - 314‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫نشطت صناعة التعدين يف األلف الثاني‬


‫قبل امليالد وعلى وجه اخلصوص األسلحة‪،‬‬
‫حيث مت العثور على أسلحة نحاسية يف بعض‬
‫املدافن من بينها رؤوس السهام النحاسية‪ ،‬أما‬
‫األسلحة التي شاع إستخدامها يف تلك احلقبة‬
‫منها اخلناجر التي حتوي شفرات طويلة مث ّبتة‬
‫مبقبض من مــادة عضوية متصلة مبشبك‪،‬‬
‫وقد عثر على بعضها يف موقع واسط بوالية‬
‫البرميي‪ 315‬ويف موقع بسياء بوالية بهالء‪ ،‬كما‬
‫شاع تصنيع السيوف يف هذه احلقبة بطول‬
‫‪60-30‬سم وكان الشكل املثلثي الطويل بعدة‬
‫ثقوب للمسامير يف النهاية لتركيب املقبض‬
‫نوعاً شائعاً‪ ،‬ومن ضمن األسلحة تبرز رؤوس‬
‫السهام‪ 316‬والفؤوس النحاسية‪ .317‬مما يشير‬
‫إلى حدوث تغير يف تقنية صناعة األسلحة‪.318‬‬

‫خناجر نحاسية من موقع الواسط‬


‫‪319‬‬
‫بوالية البرميي ‪ 1200-2000‬سنة قبل امليالد‬

‫‪315 - al-Shanfari. A. B, and Weigerber, G., A late Bronze age warrior burial from Nazwa , Oman. In:‬‬
‫‪costa P. Tosi M., eds. Oman Studies: papers on the archaeology and history of Oman. Rome: Serie‬‬
‫‪Orientale Roma, 1989. p. 17-30.‬‬
‫‪ - 316‬فيلــدي‪ ،‬س ي‪« ،‬وادي ســوق والعصــر البرونــزي املتأخــر يف شــبه جزيــرة ُعمــان‪ ،‬آثــار اإلمــارات العربيــة املتحــدة»‪ ،‬بحــوث‬
‫املؤمتــر الدولــي األول آلثــار اإلمــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬حتريــر دانيــال بوتــس‪ ،‬وحســن النابــودة‪ ،‬وبيتــر هيليــر‪ ،‬مركــز زايــد‬
‫للتــراث والتوزيــع‪ ،‬أبوظبــي‪ ،٢٠٠٣ ،‬ص‪.١١٠ .‬‬
‫‪ - 317‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.٧٧ .‬‬
‫‪ - 318‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج‪.٣٩٤-٣٩٢ ،١‬‬
‫‪ - 319‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫أسلحة من البرونز تعود إلى األلفية الثانية قبل امليالد‬
‫عثر عليها يف موقع بسياء بوالية بهالء‬

‫‪218‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫مواد خام النحاس‪ ،‬عثر عليها يف موقع رأس احلد (‪)6‬‬


‫‪320‬‬
‫تعود إلى فترة االلف الثالث قبل امليالد‬

‫خطافة صيد من النحاس عثر عليها يف موقع رأس احلد (‪)6‬‬


‫‪321‬‬
‫تعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‬
‫‪ - 320‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬
‫‪ - 321‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫صناعة السفن‬

‫العمانية خبر ًة يف صيد األسماك من املياه العميقة‬


‫إكتسب سكان السواحل ُ‬
‫منذ األلف الرابع قبل امليالد‪ ،‬وقد استخدموا وسائل بدائية يف صيدهم‪ ،‬وهي‬
‫ذات الوسائل التي كانت مستخدمة للنقل البحري يف بحر العرب‪ ،‬أشهرها‬
‫ما يطلق عليه (القربة)‪ ،‬وهي جلود منفوخة بالهواء‪ ،‬غالباً ما تصنع من جلود‬
‫املاعز‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن األطواف اخلشبية املدعومة بالقرب‪.322‬‬

‫العمانية‬
‫تُعد صناعة السفن من أعقد البنى الهندسية التي أنتجتها العقلية ُ‬
‫منذ األلف الرابع قبل امليالد‪ ،‬فالسؤال الذي يبرز هو‪ :‬ما هي أنواع مراكب‬
‫القصب القدمية التي كانت تشق عباب البحر بعيداً عن السواحل؟‬

‫كانت قوارب القصب املطلية بالقار معروف ًة لدى سكان سواحل ُعمان منذ‬
‫األلف الرابع قبل امليالد (‪ 3400‬قبل امليالد) مما يوحي بأن هذه التقنية كانت‬
‫متاحة ملجتمعات صيد األسماك‪ ،323‬مع الوقت تطورت تلك القوارب وأصبحت‬
‫الوسيلة املتاحة للتواصل مع الشعوب املجاورة‪ ،‬ويف األلف الثالث قبل امليالد‪،‬‬
‫بلغت هذه السفن مستوى متقدماً من الشهرة يف عالم الشرق األدنى القدمي‪،‬‬
‫أطلقت عليها املصادر املسمارية إســم (سفينة مجان)‪ ،‬وحتدثت الكتابات‬
‫‪ - 322‬اجلرو‪ ،‬أسمهان‪ ،‬املوانئ ال ُعمانية القدمية يف ضوء املصادر الكالسيكية اليونانية والرومانية‪،‬‬
‫النادي الثقايف‪ ،‬سلطنة ُعمان‪ ،٢٠١١ ،‬ص‪.١٩٧ .‬‬
‫‪ - 323‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.٧٦ .‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫املسمارية عن هذا النوع من املراكب بإعجاب شديد‪ ،‬فقد كانت تربط ما بني‬
‫(مجان) وشبه اجلزيرة الهندية شرقاً‪ ،‬ودملون‪ ،‬وبالد سومر وأكاد شماالً‪،324‬‬
‫واملثير أن تلك النصوص تض ّمنت إشار ًة واضح ًة جديرة بالتأمل والدراسة عن‬
‫بنائي سفن مجان‪.‬‬

‫قامت البعثات األثرية يف (رأس اجلنز) بالكشف عن معثورات مادية يعود‬


‫تاريخها إلى منتصف األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬تؤكد حقيقة قيام سكان مجان‬
‫بصناعة قوارب البوص‪ ،‬فقد احتوت املستوطنات السكنية على عدد من البيوت‬
‫الطينية وعلى ما يقارب ‪ 295‬لوحاً مطلياً بالقار‪ ،‬وقد امتازت هذه األلواح‬
‫بطولها‪ ،‬وقد استخدمت يف سد حزوز السفن‪ ،‬كما عثر على كتل من القار كانت‬
‫تستخدم لطالء وسد الفراغات يف القوارب التي كانت تصنع من حزم القصب‪،‬‬
‫وظهرت على بعض قطع القار آثار طبعات حزم القصب‪ ،‬وحصائر من نسيج‬
‫قطني مضلع متني‪ ،‬وحبال وعوالق بحرية‪ .325‬من خالل تلك املعطيات األثرية‬
‫العمانيني قدمياً قد أقاموا يف موقع رأس اجلنز ورشة لصناعة سفن‬
‫يبدو أن ُ‬
‫مجان‪ ،‬ويف أم النار عثر على قطع من احلصير املغطى بالقار بعضها يحمل‬
‫طبعات خشب عثر عليها يف مخزن للبضاعة‪.326‬‬

‫‪324 - Cleuziou, & Tosi, Ra’s al-Jinz, p. 19 – 73.‬‬


‫‪325 - Cleuziou, S. and Tosi, Black Boats of Magan, p. 741.‬‬
‫‪326 - Frifelt, K, “The Island of Umm A-Nar”, the Third Millennium Settlement. Arhus: Jysk Arkaeol-‬‬
‫‪ogisk Selskab, (1995), p. 230-266.‬‬
‫طبعات من القار املستخدم يف عملية صناعة القوارب‪،‬‬
‫‪327‬‬
‫عثر عليها يف موقع رأس اجلنز (‪ ،)2‬تعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‬
‫‪ - 327‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫أن صنّاع املراكب القدماء يف مجان كانوا أبرع‬


‫كما تشير تلك اإلكتشافات إلى ّ‬
‫مما نعتقد‪ ،‬فتصميم وبناء املركب املصنوع من القصب يدل على دراية واسعة‬
‫ودقيقة بالهندسة‪ ،‬فاملواد األساسية لصناعة السفن كانت تتألف من املوارد‬
‫الطبيعية لإلقليم واقتصادياته‪ :‬كالقصب‪ ،‬وجلود احليوانات‪ ،‬واخلشب‪ ،‬ومادة‬
‫القار‪ ،‬وزيوت األسماك‪ ،‬أوالثدييات البحرية‪ ،‬والصوف‪ ،‬والشعر املستخرج من‬
‫املاعز والغنم‪ ،‬وقواقع البحر والشعاب املرجانية‪ .‬فعند حتزمي القصب ميكن‬
‫إستخدامه على شكل «ألواح» أو «أطر» جلسم املركب‪ ،‬كما ميكن حتويله إلى‬
‫ألياف تستخدم كحبال‪ ،‬وبتقطيعه إلى شرائط‪ ،‬ميكن نسجه على شكل حصائر‬
‫تستخدم يف إكساء جسم املركب‪ ،‬ويف حماية البحارة والبضائع‪ ،‬وأيضاً يف صنع‬
‫األشرعة‪ ،‬وقد تكون احلقائب املصنوعة من القصب املنسوج قد استخدمت‬
‫كأوعية لنقل البضائع‪.328‬‬

‫والشك يف أن مثل هذه املــواد البسيطة نسبياً كانت تتطلب فهماً واسعاً‬
‫وبراع ًة كبير ًة يف اإلستخدام‪ ،‬فإستعمال احلصيرة املنسوجة واملربوطة بهيكل‬
‫املركب مع تغطيتها بالقار كانت فكر ًة ملهم ًة‪ ،‬فالقار ليس مادة عازلة للماء فقط‪،‬‬
‫ولكنه أيضاً يق ّوي نسيج احلصيرة‪ ،‬وإعتباره ماد ًة بالستيكية ّ‬
‫مقواة باأللياف‪،‬‬
‫كان إضافة احلصير إلى السطح اخلارجي جلسم املركب سبباً يف تقليل مرونة‬
‫هذا اجلسم‪ ،‬مما يساعد على تقوية احلصيرة بإضافة القار إلى تثبيت الهيكل‬
‫وتقليل اإللتواء واإلنثناء به‪.‬‬

‫ق ّدمت األختام الدملونية منوذجاً ملركب البوص الذي يبدو هيكله مقوساً‪،‬‬
‫حاداً يف املقدمة واملؤخرة‪ ،‬ودقله طويل‪ ،‬وعلى رأس املؤخرة يوجد متثال على‬
‫شكل طائر‪ ،‬وعلى رأس املقدمة متثال آخر يشبه احليوان‪ ،‬يحتمل أن يكونا‬
‫شعارين أو عالمتني‪ ،‬يعرف بهما املركب‪ ،‬ومالكه‪ ،‬أو طرازه‪.329‬‬

‫‪ - 328‬فوسمر‪ ،‬توم‪ ،‬وبيتر فرميانتل‪ ،‬بناء مراكب القصب يف العصر البرونزي املبكر‪ ،‬ص‪.١٥٤ .‬‬
‫‪ - 329‬شــهاب‪ ،‬حســن صالــح‪« ،‬مــن تاريــخ بحريــة ُعمــان التقليديــة»‪ ،‬ط ‪ ،2‬وزارة التــراث القومــي والثقافــة‪ ،‬ســلطنة ُعمــان‪،‬‬
‫‪ ،٢٠٠١‬ص‪.٧٤ .‬‬

‫‪223‬‬
‫كــانــت ســفــن مــجــان جتـــوب الــبــحــار‬
‫بــســلــعــهــا ومــاحــيــهــا إلـ ــى احل ــض ــارات‬
‫املجاورة‪ ،‬فحضارة بالد الرافدين حضارة‬
‫نهرية ذات موانئ قصيرة‪ ،‬والفرص قليلة‬
‫لتطوير املهارات البحرية والتقنية بالنسبة‬
‫للرحالت ذات املسافات البعيدة‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫‪225‬‬
‫الصناعات احلجرية‬

‫حتتوي جبال ُعمان على أحجارا لينة يطلق عليها‪ :‬األستياتيت أو الكلوريت‪،‬‬
‫هذا النوع من احلجارة سهل التشكيل والنحت‪ ،‬بحلول ‪ 2400‬قبل امليالد‪،‬‬
‫بدأ اإلنتاج احمللي املعتبر عندما صنعوا من تلك األحجار اللينة أواني غنية‬
‫باألشكال الطبيعية واألشكال واملخططات الهندسية املتعددة التي استخدمت‬
‫ألغراض كثيرة‪.‬‬

‫األواني‬

‫بدأ اإلنتاج احمللي من األواني احلجرية بحلول عام (‪ 2400‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬
‫ألغراض منزلية غنية باألشكال الطبيعية واألشكال واملخططات الهندسية‪،‬‬
‫حيث عثر على املئات منها‪ ،‬من بينها الطاسات شبه الدائرية‪ ،‬واألكــواب‬
‫األسطوانية والصناديق املستطيلة املقسمة إلى جزئني‪ ،‬املغطاة بغطاء دائري‬
‫أو مستطيل‪ ،‬وحتوي زخرفتها دائرتني مع نقطة يف املنتصف‪ ،‬بها ثالث مثاقب‬
‫مدببة تدور حول إحدى النقاط اخلارجية بطريقة مستقيمة متساوية‪ ،‬أما عن‬
‫األوعية نصف الكروية فتضم صفاً واحــداً من الدوائر أسفل احلافة‪ ،‬بينما‬
‫جسم الكوب أو الصندوق مغطى متاماً‪ ،‬وهناك نوع آخر من األكواب على شكل‬
‫خلية نحل مزخرفة بأخاديد متوازية تغطي كل اجلسم وقد عثر على مناذج‬
‫منها يف أنحاء متفرقة يف مناطق واسعة من ُعمان كـ (سلّوت‪ ،‬هيلي‪ ،‬األبرق‪،‬‬
‫ُيسر ورأس اجلنز)‪ .330‬كما لعب حجر الصوان دوراً كبيرا يف الصناعة فقد‬ ‫وامل ّ‬
‫مت إكتشاف نشاطات حرفية صنعت بإستخدام حجر الصوان لتقشير األسماك‬
‫كما إستخدم أيضا للمشغوالت الصدفية كما هو احلال يف موقع رأس اجلنز‬
‫الذي يعود تاريخه إلى األلف الثالث قبل امليالد‪.331‬‬

‫‪ - 330‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.246-244 .‬‬


‫‪ - 331‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪ ،205-200 .‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.254 ،245-244 .‬‬

‫‪226‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫عثر يف موقع حصن سلّوت األثري على الكثير من األدوات واألواني البازلتية‬
‫املصنوعة من احلجر األملس أو الصابوني التي يعود تاريخها إلى األلف الثالث‬
‫قبل امليالد‪.332‬‬

‫أواني من احلجر الصابوني عثر عليها يف موقع حصن سلّوت األثري‬


‫تعود إلى فترة العصر البرونزي‬

‫‪ - 332‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪ ،‬سلطنة ُعمان‪ ،2010 ،‬ص‪.12-10 .‬‬

‫‪227‬‬
‫تغيرت تقنية الصناعة احلجرية تغيراً واضحاً يف األلف الثاني قبل امليالد‪،‬‬
‫فكانت األواني احلجرية الناعمة (اإلستياتيت) تصنع من احلجارة اخلشنة‪،‬‬
‫مما أثر بشكل مباشر على الزخرفة التي غدت أقل دقة‪ ،‬ومن حجر الكلورايت‬
‫العمانيون جراراً يف غاية اجلمال‪ ،‬بينما اختفت الكؤوس األسطوانية وحل‬‫صنع ُ‬
‫محلها نوع جديد من اجلرار الصغيرة بأربعة مقابض وأحياناً تثقب للتعليق‪ ،‬من‬
‫حيث الشكل أصبحت اجلرار مخروطية مغطاة بغطاء دائري‪ ،‬وبعض األوعية‬
‫لها ميزاب صغير أنبوبي مفتوح‪ ،‬وتغيرت الزخرفة أيضاً فقد حلت الدوائر‬
‫املنقوطة الصغيرة محل الدوائر مزدوجة التنقيط‪ ،‬بإستثناء اجلرار الدائرية‪،‬‬
‫هذه الدوائر كانت مرتبطة مع أنواع مختلفة من املجموعات احملززة بخطوط‬
‫أفقية أو ملتوية والتي تغطي كل اإلناء‪ ،‬مثل هذه األواني عثر عليها يف أغلب‬
‫املدافن جيدة احلفظ‪ ،‬إال أنها نادرة الوجود يف املستوطنات مما يعني أنها يف‬
‫الغالب قد صنعت من أجل طقوس الدفن‪.333‬‬

‫إناءان متالصقان من احلجر الصابوني بهما صفان من اخلطوط‬


‫‪334‬‬
‫وبوسطهما شريط من الدوائر عثر عليهما يف موقع واسط (األلف الثاني قبل امليالد)‬
‫‪ - 333‬كلوزيو& توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،287 ،‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪.391-388 ،‬‬
‫‪ - 334‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.116 .‬‬

‫‪228‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫املباخر‬

‫تُعد املباخر من األدوات املرتبطة بالطقوس أو املناسبات اإلجتماعية‪ ،‬حيث‬


‫تستخدم يف حرق البخور‪ ،‬تقرباً لآللهة وللتطهير والتطييب‪ ،‬ويف مستوطنة رأس‬
‫اجلنز عثر على مبخرة حجرية تعد من أقدم املباخر احلجرية وهي من أكثر‬
‫األدوات جاذبية‪ ،‬لها أربعة أرجل على شكل مستطيل منحوتة من قطعة واحدة‬
‫من احلجر الرملي ومصممة وفق نسب دقيقة ‪ 16‬سم طوالً‪ 12 ،‬سم عرضاً‪،‬‬
‫و‪ 9‬سم إرتفاعاً‪ ،‬وقد نحت جتويف ضحل غائر يف جزئها العلوي بعمق ‪2,4‬سم‪،‬‬
‫مخلفاً إطــاراً مستوياً بنهايات دائرية‪ ،‬وال تزال املبخرة حتمل آثار اخللطة‬
‫األخيرة التي مت حرقها فيها وهي عبارة عن مــادة ســوداء يحتمل أن تكون‬
‫اللبان (بخور محروق) بداخلها وحدد‬
‫تاريخ املبخرة من (‪2100-2200‬‬
‫ســنــة قــبــل امل ــي ــاد)‪ ،‬أي‬
‫النصف الثاني من‬
‫األلف الثالث قبل‬
‫املـ ــيـ ــاد‪ ،‬بــذلــك‬
‫تعد أقدم مبخرة‬
‫يف العالم‪.335‬‬

‫مبخرة عثر عليها يف موقع‬


‫رأس اجلنز‪ ،‬تعود للفترة‬
‫‪336‬‬
‫(‪ 2200‬سنة قبل امليالد)‬

‫‪ - 335‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.255 .‬‬


‫‪ - 336‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫صناعة األصداف‬
‫العماني يف تصنيعه للمحار واحلجارة‪ ،‬وقد كشفت البعثات‬ ‫إستمر الصياد ُ‬
‫األثرية عن العديد من احللي يف كل املباني يف رأس اجلنز ويف جنوب املنطقة‬
‫الشرقية وهي آثار تشير إلى مخلفات تصنيع األصداف‪ ،‬وهناك نوعان رئيسيان‬
‫من احملار هما‪ ،‬محار اللؤلؤ وهو مصدر اللؤلؤ‪ ،‬ومحار احللزون عثر عليها‬
‫يف رأس احلد تظهر مراحل مختلفة من التصنيع فالسطح اخلارجي واجلزء‬
‫الشبه عمودي مت قطعه مع ترك اجلزء األعلى من احملارة على هيئة قرص‪،‬‬
‫وتشكيله ليصبح خامتاً‪ ،‬كل هذه املعثورات وجدت يف املبنى (‪ )1‬الغرفة (‪ )4‬يف‬
‫موقع رأس اجلنز يعود تاريخها إلى (‪ 2350‬قبل امليالد)‪ ،‬أما مراحل صناعة‬
‫اخلوامت جندها يف املعثورات التي وجدت يف كل غرفة وفناء من هذه األبنية‪.‬‬
‫يف الوقت نفسه إستخدم محار احللزون الكونوس (‪ )conus‬ومحار والبينكتادا‬
‫(‪( )Pincatada‬محار اللؤلؤ) لصنع اخلوامت بتقنية صناعية مختلفة لغرض‬
‫الزينة وفق ما مت إكتشافه يف موقع رأس اجلنز ‪.337 2‬‬

‫صورة توضح املراحل املختلفة يف عملية صناعة احللي من األصداف البحرية‬


‫‪338‬‬
‫يف موقع رأس احلد (‪ )6‬تعود إلى بداية األلفية الثالثة قبل امليالد‬

‫‪ - 337‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.253 ،194 .‬‬


‫‪ - 338‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫أصداف تستخدم يف صناعة احللي عثر عليها يف موقع رأس احلد‬


‫‪339‬‬
‫وتعود إلى بداية األلفية الثالثة قبل امليالد‬

‫‪ - 339‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫كما وجدت هذه املصنوعات أيضاً‪ ،‬يف العديد من مدافن املنطقة الداخلية‬
‫التي يعود تاريخها إلى األلــف الثالث قبل امليالد‪ .‬كل هذه املصنوعات قد‬
‫ُيسر بوالية املضيبي عثر على عدد من اخلرز‬‫استخدمت للزينة‪ ،‬ففي موقع امل ّ‬
‫واخلــوامت‪ ،340‬كما كشفت التنقيبات يف موقع (رأس اجلنز) عن مجموعة من‬
‫احللي املصنوعة من األحجار واألصداف البحرية واملعادن يحمل بعضها التأثير‬
‫الهندي‪.341‬‬

‫سادت احللي املعدنية يف ُعمان التاريخية يف األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬فقد‬
‫عثر يف مدافن شمل يف شمال ُعمان التاريخية على خوامت مصنوعة من معدن‬
‫الكروم والفضة والنحاس والبرونز‪.342‬‬

‫الصناعات الفخارية‬

‫تط ّورت صناعة الفخار وإستخداماته على نطاق واسع مع تطور احلاجة إليه‬
‫لإلستخدام اليومي وللطقوس اجلنائزية مع بداية األلف الثالث قبل امليالد‪،‬‬
‫حيث دلّت الشواهد األثرية على ما يؤيد وجود العجلة الفخارية لصناعة الفخار‬
‫العماني‪.‬‬
‫ُ‬
‫إستخدمت هذه التقنية إلنتاج األواني الصغيرة واملتوسطة احلجم ومعظمها‬
‫مصنوع بطريقة اللفائف احلبلية ويتم تشطيبها بالعجلة‪ ،‬أو لفائف حبلية تشكل‬
‫مباشرة بالعجلة أو بواسطة لفائف يتم جتهيزها بواسطة العجلة‪ ،‬تلك التقنية‬
‫ساهمت يف وجود حرفيني وورش متخصصة ذات تقنية توارثتها العائالت‪،‬‬
‫وعند حتليل عجينة هذا النوع من الفخار يظهر جتانسها بشكل كبير مما يؤكد‬
‫أن مصادر وأساليب جتهيزها واحد‪.343‬‬
‫‪ - 340‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.221 .‬‬
‫‪ - 341‬كلوزيو و توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.144 .‬‬
‫‪ - 342‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.394 .‬‬
‫‪ - 343‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.181-180 .‬‬

‫‪232‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫أصبح فخار مجان منذ منتصف األلف الثالث‬


‫ال من حيث‬ ‫قبل امليالد يأخذ إجتاها مستق ً‬
‫التطور‪ ،‬فظهرت تقنيات مبقاييس عالية‬
‫من حيث الشكل والزخارف‪ ،‬على وجه‬
‫اخلصوص تلك اجلــرار احلمراء‬
‫التي حتمل رسومات باللون‬
‫األســود‪ ،‬املنتشرة يف‬
‫العمانية‪.‬‬
‫الواحات ُ‬

‫أكواب فخارية عثر عليها يف موقع حصن‬


‫سلّوت األثري تعود إلى فترة العصر‬
‫البرونزي (األلفية الثالثة قبل امليالد)‬

‫‪233‬‬
‫مت الكشف يف موقع حصن سلّوت األثري بوالية بهالء عن عدد من أواني‬
‫الفخار واجلــرار‪ ،‬حيث ُعثر يف البرج القريب من احلصن على جرة فخارية‬
‫كبيرة ترجع إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد من نوع جرار التخزين‪ ،‬وتعد‬
‫املقتنيات الفخارية يف املوقع منوذجاً ألشكال ونقوش محلية تعود إلى ذات‬
‫الفترة املبكرة من هذا العصر‪ ،‬ويرجح أن تكون هذه اجلرة محلية الصنع‪.344‬‬

‫مع تزايد الطلب على األوانــي الفخارية التي استعملت كقرابني بصورة‬
‫ملحوظة‪ ،‬إنتشرت الفخاريات الناعمة محلية الصنع‪ ،‬وبعض الفخار املستورد‬
‫الذي صنع خصيصاً ألغراض الطقوس اجلنائزية رمبا دفنت وهي مملؤة ببعض‬
‫املواد الغذائية أو املستحضرات‪ ،345‬ومن املالحظ أن كمية الفخار املستورد يف‬
‫هذه الفترة أصبحت أقل مما كانت عليه يف السابق‪ ،‬أما الفخار املستخدم يف‬
‫احلياة اليومية فهو الفخار املمزوج بحبيبات الرمل اخلشن ذات األلوان األحمر‬
‫أو األصفر أو البرتقالي‪ ،‬أو ذو النسيج الرمادي املغطى بطبقة حمراء رقيقة‬
‫من الطني األحمر التي توضع قبل حرق الفخار وتزين بأشكال هندسية وبطالء‬
‫أسود‪ ،‬وتشمل يف الغالب جرار مثقوبة صغيرة أو متوسطة احلجم ذات ميزاب‬
‫قصير جداً وجرار طبخ ضحلة‪ ،‬وطاسات حتتوي على زخرفات رسمت بخطوط‬
‫أفقية متعرجة بني خطوط أفقية يف اجلزء العلوي من األواني‪ ،‬وبدرجة أقل‬
‫توجد أشكال لولبية وشرائط شبكية أو مظللة‪ ،‬يف هذه احلقبة أصبح الفخار‬
‫العماني سلعة تص ّدر إلى احلضارات املجاورة‪.346‬‬
‫ُ‬
‫تغيرت التقنيات الصناعية للفخار تغيراً جذرياً خالل األلف الثاني قبل‬
‫امليالد‪ ،‬حيث شهدت هذه املرحلة إنتشاراً واسعاً يف اإلنتاج‪ ،‬وظهرت أشكال‬
‫وأمناط زخرفية جديدة‪ .‬من أهم األواني الفخارية تلك املتمثلة يف جرار التخزين‬
‫الكبيرة‪ ،‬والكؤوس وقدور الطهي وقناني وجرار كروية مبيزاب‪ ،‬هذا التباين يف‬
‫التصنيع يتواكب مع تباين وظيفتها املنزلية‪.‬‬
‫‪ - 344‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.12-10 .‬‬
‫‪ - 345‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.151 .‬‬
‫‪ - 346‬بوتس ‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 195 .‬؛ كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.242 .‬‬

‫‪234‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫مجموعة من اجلرار الفخارية عثر عليها يف املدفن رقم (‪ )١٥٤‬يف موقع بات األثري‬
‫‪347‬‬
‫تعود لأللف الثالث قبل امليالد‬

‫كما شهدت هذه احلقبة تغيرات هامة يف املادة اخلام املستخدمة رمبا تكون‬
‫مرتبطة بالتغير يف مكان الورش‪ ،‬بعض األواني الدقيقة‪ ،‬كالطاسات والكؤوس‬
‫واجلــرار ذات امليزاب ال تزال تزخرف بأشكال هندسية وبطالء أسود على‬
‫شريط أحمر‪ ،‬وتبرز بعض األواني بأساليب زخرفية حتوي حيوانات كاملاعز‪،‬‬
‫والطيور‪ ،‬الشيء الالفت أن زخرفة الفخار يف هذه املرحلة متشابهه يف سائر‬
‫ُعمان‪ ،‬ومن السهل التمييز بني الفخاريات املستعملة يف املدافن وتلك املوجودة‬
‫يف املستوطنات‪.348‬‬
‫‪ - 347‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬
‫‪ - 348‬فيلــدي‪ ،‬وادي ســوق والعصــر البرونــزي املتأخــر يف شــبه جزيــرة ُعمــان‪ ،‬ص‪ ،105-104 .‬كلوزيــو & تــوزي‪ ،‬يف ظــال‬
‫األســاف‪ ،‬ص‪ ،286 .‬بوتــس‪ ،‬اخلليــج العربــي‪.386-382 ،‬‬

‫‪235‬‬
‫احللي وأدوات الزينة‬
‫أكدت لنا اإلكتشافات األثرية على أن ُعمان من الدول السباقة يف اإلهتمام‬
‫بالصناعات احلرفية‪ ،‬فأقدم املكتشفات األثرية للحرف احمللية عثر عليها يف‬
‫موقع (رأس احلمراء ‪ )5‬يعود تاريخها إلى األلف اخلامس قبل امليالد‪ ،‬أي منذ‬
‫سبعة أالف سنة‪ ،‬وهذه املعثورات تثير الدهشة من دقتها الفنية التي ساهمت‬
‫مساهم ًة بارز ًة يف تطوير املراكز اإلستيطانية‪.‬‬

‫العماني القدمي مخلّفاً‬


‫تطورت خبرات اإلنسان ُ‬‫يف األلف الثالث قبل امليالد ّ‬
‫لنا مناذج رائعة من تلك الصناعات احلرفية التي صاغتها أنامله مبهارة رائعة‪،‬‬
‫من بني تلك احلرف الصناعية التي تهمنا هي احللي اخلاصة باملرأة (أدوات‬
‫الزينة)‪ ،‬كالعقود واألقراط واألساور واخلوامت التي وصلت إلى مستوى ٍ‬
‫عال من‬
‫اإلبداع مت صناعتها يف ظروف صعبة وحتديات ج ّمة‪ .349‬تلك املكتشفات مت‬
‫العثور عليها يف املدافن ويف البيوت مع مواد طقوسية أخرى وجدت يف أماكن‬
‫من قبيل رأس احلد ورأس اجلنز‪ .‬مثل هذه املصنوعات وجدت أيضاً يف العديد‬
‫من املدافن يف املناطق الداخلية من ُعمان التي يعود تاريخها إلى األلف الثالث‬
‫ُيسر عثر على ٍ‬
‫عدد من اخلرز واخلوامت‪.350‬‬ ‫قبل امليالد‪ ،‬ففي امل ّ‬
‫كشفت التنقيبات عن مجموعة من احللي املصنوعة من األحجار واألصداف‬
‫العماني القدمي‬
‫حولها اإلنسان ُ‬
‫البحرية واملعادن عثر عليها يف موقع رأس اجلنز ّ‬
‫إلى أســاور وخــوامت‪ ،‬ومن السلع الترفيهية األخــرى التي عثر عليها يف نفس‬
‫املوقع جند اخلرز واألحجار الكرمية وشبه الكرمية والعاج والتحف واملزهريات‬
‫املصنعة من املرمر واألقمشة والكحل واملواد الغذائية‪.351‬‬

‫‪ - 349‬إرجع للجزء األول من هذا الكتاب‪.‬‬


‫‪ - 350‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.221 .‬‬
‫‪ - 351‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.144 .‬‬

‫‪236‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫كانت احللي املعدنية سائدة يف األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬فقد عثر يف عدد من‬
‫املواقع يف ُعمان على خوامت مصنوعة من معدن الكروم والفضة أو البرونز‪،352‬‬
‫ويف موقع أسود بوالية شناص عثر على قرط من الذهب وقرطان من البرونز‪.‬‬

‫أصداف تستخدم يف صناعة احللي عثر عليها يف موقع رأس احلد‬


‫‪353‬‬
‫وتعود إلى بداية األلفية الثالثة قبل امليالد‬

‫‪ - 352‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.394 .‬‬


‫‪ - 353‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫اللؤلؤ وتقنية ثقبه‬

‫سبق وأن تعرفنا يف اجلــزء األول من هذا الكتاب على البدايات األولى‬
‫إلستخراج وثقب اللؤلؤ وكيف كان سكان رأس احلمراء منذ األلف الرابع قبل‬
‫امليالد يعتبرونه من املواد الطقوسية التي تدفن مع املتويف كنوع من الطقوس‬
‫الدينية‪ ،‬لم يأت األلف الثالث قبل امليالد إال وغدت الآللي من أهم صادرات‬
‫مجان إلى بالد الرافدين فقد سجلت الوثائق األكادية واألشورية وصول كمية‬
‫من (عيون السمك) قادمة من مجان‪.354‬‬

‫العماني منذ العصر احلجري‬ ‫تعد تقنية الثقب من احلرف املبدعة لإلنسان ُ‬
‫احلديث األلف (‪ 4 - 5‬قبل امليالد)‪ ،‬عندما قام بثقب األحجار واألصداف والعظام‬
‫مبهارة فائقة‪ ،‬كما قام بثقب حبات اللؤلؤ التي شكلت حتدياً كبيراً له خاصة وإن‬
‫عدم الدقة يف ثقبها قد يؤدي إلى تلفها نظرا لرقتها‪.‬‬

‫العمانيون قدميا‪،‬‬
‫هناك أكثر من فرضية حول أسلوب الثقب الذي انتهجه ُ‬
‫يقول (دو بوكلير)‪« :‬إن ثقب اللؤلؤ كان يتم بواسطة أداة خشبية صلبة‪ ،‬أما‬
‫ثقب احملار فكان يتم بواسطة احملار نفسه»‪ .355‬يف موقع رأس اجلنز عثر على‬
‫خرزتني من اللؤلؤ وثالث خرزات من الذهب يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل‬
‫امليالد‪.356‬‬

‫أما يف موقع رأس احلد فقد مت العثور على عقود للزينة أحدهما مصنوع‬
‫من احلجر األسود والبني والثاني من اخلرز األبيض‪ ،‬يعود تاريخهما إلى األلف‬
‫الثالث قبل امليالد‪.357‬‬

‫‪ - 354‬البدر‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.71 .‬‬


‫‪355 - Beauclair, R. de. La parure funéraire de la nécropole néolithique d’al-Buhais 18 (Émirats Arabes‬‬
‫‪Unis), 2008, p. 39-52. in Bailly, M. & Plisson, H. (eds.), La valeur fonctionnelle des objets sépulcraux‬‬
‫‪(Aixen- Provence, Préhistoire Anthropologie méditerranéennes 14).‬‬
‫‪ - 356‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬املقتنيات األثرية‪.21 ،‬‬
‫‪ - 357‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.39-38 .‬‬

‫‪238‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫عقدان من احلجر الصابوني عثر عليهما يف موقع رأس احلد (‪)6‬‬


‫‪358‬‬
‫يعودان إلى فترة االلف الثالث قبل امليالد‬
‫‪ - 358‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫حياكة املنسوجات‬

‫منذ العصر البرونزي شهدت صناعة املنسوجات تطوراً واضحاً يف ُعمان‬


‫كما هو احلــال يف بقية مناطق الشرق األدنــى القدمي‪ ،‬غير أن إنتاجها كان‬
‫لإلستهالك احمللي على املستوى العائلي‪ ،‬أما األقمشة الفاخرة واجلميلة فكانت‬
‫تستورد من وادي األندوس ومن بالد الرافدين‪ .359‬أقدم صورة للمالبس يف ُعمان‬
‫جسدتها لوحة صخرية من حجر الكلس نحتت على واجهة مدفن عثر عليه‬ ‫ّ‬
‫يف وادي العميري بوالية أدم‪ ،‬يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬املرأة‬
‫ال بينما الرجل يبدو عارياً (أو يرتدي لباساً بسيطاً)‪ .‬أظهرت‬ ‫تلبس ثوبا طوي ً‬
‫العمانية‪ .360‬لوحة أخرى من بني‬ ‫رسم لزوجني يف اآلثــار ُ‬‫هذه احلالة تكرار ٍ‬
‫العمانية تعود لنفس احلقبة‪ ،‬رسمت على صخرة كبيرة تقع عند سفح‬ ‫اللوحات ُ‬
‫قرن كدم‪ ،‬بوالية احلمراء يف املنطقة الداخلية من ُعمان يطلق عليها حصاة بن‬
‫صلت منحوت على إثنني من جوانبها أشكال آدمية‪ ،‬حتكي اللوحة جانباً هاماً‬
‫العماني وما كان يرتديه األشخاص آنذاك‪ ،‬يف أحد الوجوه‬ ‫من تاريخ املجتمع ُ‬
‫صورة لرجلني وإمرأة وطفل‪ ،‬يلبس الرجالن مئزرين ربطا بحزام وترتدي املرأة‬
‫ال‪ ،‬نحتت الصخرة بإستخدام تقنية تستهلك كثيراً من‬ ‫على ما يبدو ثوباً طوي ً‬
‫الوقت‪ ،‬تنتج يف النهاية نحتاً ضئيل البروز ‪.‬‬
‫‪361‬‬

‫صناعة مواد التجميل‬

‫العماني منذ األلف اخلامس ‪ -‬السادس قبل امليالد‬


‫قام سكان الساحل ُ‬
‫بجمع معدن املنجنيز من األخوار التي تقع على بعد ‪ 10-2‬كم نحو الداخل‪،‬‬
‫ليقوموا بسحقه مع مادة اجلبس للحصول على مسحوق بني اللون يستخدم‬
‫للتجميل‪ ،‬ثم يقومون بضغطه داخل أصداف ليصبح جاهزاً لإلستعمال‪ ،‬يف‬

‫‪ - 359‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.191 .‬‬


‫‪ - 360‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.263 .‬‬
‫‪ - 361‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.261 ،260 .‬‬

‫‪240‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫موقع السويح ‪ 1‬والسويح ‪ 2‬بوالية جعالن بني بوعلي عثر على آثار تلك املادة‪.‬‬
‫ويف مستوطنة رأس اجلنز التي يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بخلطة متفاوتة‪ ،‬وقد مت حتليلها واتضح أنها مادة‬ ‫عثر على مصاريع محار معبأ‬
‫(ثاني أكسيد املنجنيز) وهو نتاج أكسدة ملعدن املنجنيز املتحلل مخلوطاً باجلير‪،‬‬
‫وتوجد مناجم خام املنجنيز على بعد ‪ 5‬كم من املوقع‪ ،‬وللمعدن وجه صلب‬
‫رنان‪ ،‬أسود أو أسود مائل للزرقة مما يجعله ماد ًة منوذجي ًة إلستعمالها كمادة‬
‫ملونة يف مستحضرات التجميل‪ ،‬لذا كان مرغوباً يف جميع املناطق املتحضرة‬
‫على إمتداد الشرق األدنــى القدمي‪ ،362‬خلطة مادة للتجميل تلك عثر عليها‬
‫أيضا يف إناء من الكلوريت يف حفرة جنائزية‪ ،‬يعود تاريخها إلى نفس الفترة‪،‬‬
‫ومن صدف محارة األذن الضخم بعد سحقه يستخرج مادة الكحل الذي يعبأ‬
‫يف صمامات مصنوعة من صدف الكوكل‪ ،‬هذه املواد التجميلية كانت مرغوب ًة‬
‫لدى شعوب املناطق احلضرية على إمتداد الشرق األدنى القدمي خالل األلف‬
‫الثالث قبل امليالد‪.363‬‬

‫املشغوالت السعفية‬

‫تعتمد احلــرف السعفية على النخيل‪ ،‬فهناك اخلــوص (السعف) والــزور‬


‫(اجلريد) باإلضافة إلى جذع النخلة وهناك أيضاً الليف‪ ،‬وعلى سبيل املثال‬
‫فالبسط (احلصر) تصنع من نباتي الغضف والرسل وهما نباتان ينموان على‬
‫العمانيون هذه الصناعة‬
‫ضفاف األوديــة التي تتوفر فيها املياه‪ ،‬وقد عرف ُ‬
‫العمانية على زراعة أشجار النخيل التي استفاد احلريف‬ ‫نتيج ًة إلعتماد البيئة ُ‬
‫العماني من خاماتها الطبيعية يف إبــداع الكثير من الصناعات احمللية التي‬ ‫ُ‬
‫اعتمد عليها قدمياً كالبساط «السمة» والسلة «الزبيل» واحلبال وغيرها من‬
‫أدوات اإلستخدام اليومي‪ .‬ففي موقع رأس احلد عثر على بقايا سلة حلت فيها‬
‫كربونات الصوديوم محل املواد النباتية وبقايا حبل تغطيه كربونات الكالسيوم‪.‬‬
‫‪ - 362‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.195 .‬‬
‫‪ - 363‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.196 -195 .‬‬

‫‪241‬‬
‫ويف موقع رأس اجلنز عثر على منتجات السالل التي كانت تستخدم للتخزين‬
‫والنقل‪ .‬يف املوقع نفسه عثر على طبعة حلصيرة يف بقايا مادة القار نسجت‬
‫بشكل سداسي لتغطي الهيكل اخلارجي للقارب قبل طالئه مبادة القار‪.364‬‬

‫جتفيف األسماك‬

‫ٍ‬
‫وسالل معروفاً يف ُعمان منذ‬ ‫ٍ‬
‫فخارية‬ ‫يعد السمك املجفف واملعبأ يف أواني‬
‫عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬وتشير اإلكتشافات يف جنوب املنطقة الشرقية إلى أحد‬
‫مراكز ُعمان الرئيسة للصيد‪ ،‬وثمة دالئل تقول أن اصطياد األسماك وجتهيزها‬
‫للتصدير قد بدأ منذ تلك الفترة ‪.365‬‬

‫كشفت حفريات منازل اللنب يف موقع رأس اجلنز ‪ 2‬املؤرخة إلى ‪ 2500‬قبل‬
‫امليالد أن صيد األسماك كان النشاط الرئيس ولعل ذلك كان سبباً يف ظهور‬
‫املستوطنات منذ هذه احلقبة املبكرة‪ ،‬وتشير تلك املعطيات إلى أن السمك‬
‫كان يجفف ويدخن‪ ،‬واملنطقة التي تقع مباشرة شمال احلائط الشمالي للمبنى‬
‫(‪ )2‬تكشف عن ترسبات موسمية لعظام األسماك قبل جتفيفها ومتليحها‪،‬‬
‫ويف الفضاء اخلارجي بني شمالي وجنوبي املباني قد ملئ بكميات كبيرة من‬
‫جتهيزات تستخدم لتدخني األسماك صنعت بواسطة منصات من حجارة غير‬
‫ثابتة وضعت يف حفر ضحلة‪ .‬وجند بقايا عظام األسماك الصغيرة والكبيرة‬
‫مبعثرة يف كل مكان على إمتداد طبقات رمادية من الرمال احملروقة واحلجارة‬
‫املخلوطة بالفحم‪ ،‬ويبدو أن األسماك كانت تعبأ يف سالل من النوع الذي عثر‬
‫عليه يف موقع رأس اجلنز ‪ ،2‬ورأس احلد ‪ ،6‬كما أن الصيادين كانوا يستخدمون‬
‫أيضاً اآلنية الفخارية‪ ،‬ونالحظ أن كميات كبيرة من هذه األواني قد تشققت‪.366‬‬

‫‪ - 364‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.254 ،111 .‬‬


‫‪ - 365‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪192 .‬‬
‫‪ - 366‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.193-192 .‬‬

‫‪242‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫احلياة اإلقتصادية‬

‫يبدو ممــا سبق بــأن الصناعات احلرفية يف ُعــمــان خــال فترة العصر‬
‫البرونزي إمتازت بتنوعها وحيويتها ودقتها‪ ،‬فاملواد املكتشفة املصنوعة من‬
‫األصداف واحلجارة وسعف النخيل واخلزف واملعادن‪ ،‬تؤكد على وجود ورش‬
‫لتلك الصناعات احلرفية وفئة من احلرفيني املتخصصني يف فنونهم املتوارثة‬
‫بعد أن تركوا بصماتهم اجلمالية واضحة على تلك املعثورات‪ ،‬كما أن بعض تلك‬
‫املواد لم تصنع لإلستخدام احمللي فحسب‪ ،‬بل كانت تشكل جزءاً من صادرات‬
‫ُعمان الكبرى إلى احلضارات املجاورة طيلة العصور التاريخية القدمية‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫أو ًال‪:‬‬
‫املعتقدات الدينية‬

‫ثانياً‪:‬‬
‫اإلميان باحلياة الثانية‬

‫ثالثاً‪:‬‬
‫النحت يف الصخر‬
‫أو ًال‪ :‬املعتقدات الدينية‬
‫عرف الدين بأنه موقف اإلنسان من الطبيعة‪،‬‬‫هناك من علماء األديان‪ ،‬من ّ‬
‫تلك الطبيعة التي جهد اإلنسان منذ أن ُوجــد عليها للتقرب إليها وتفهم‬
‫ٍ‬
‫رهبة‬ ‫مقاصدها واكتساب رضاها‪ ،‬فهي تثير يف نفسه أحاسيس مختلفة‪ ،‬من‬
‫وعرفه آخرون بأنه إميان بكائنات روحية تكون فوق‬
‫وقلق وإطمئنان وخضوع ‪ّ ،‬‬
‫‪367‬‬ ‫ٍ‬
‫الطبيعة والبشر‪ ،‬لها تأثير قوي على حياة هذا الكون ‪.‬‬
‫‪368‬‬

‫مهما اختلفت التعريفات حلقيقة الدين هنا وهناك‪ ،‬فإن العقيدة الدينية‬
‫وال ريب قد كانت منذ نشوء احلضارات اإلنسانية هي الدافع املعنوي لإلنسان‬
‫يف احلياة‪ ،‬والقوة احليوية التي تصبغ كل مظاهر الثقافة واملدنية بصبغتها‬
‫الروحية‪ ،‬وتطبعهما بطابعها اإلمياني العام‪ ،‬لذلك فقد كانت وما زالت مصدر‬
‫القواعد والسلوك يف حياة اإلنسان‪ ،‬فرداً ومجتمعاً‪ ،‬دائماً ما تترجم على شكل‬
‫طقوس وشرائع‪ ،‬تهدف يف كل األحــوال إلى توازن املجتمع وإستقرار بنيانه‪،‬‬
‫بل هي أساس التنظيم ومصدر احلكم واإلدارة‪ .‬من هذا املنطلق ال ميكن أن‬
‫نفهم أية حضارة ما لم نسبر غور تاريخها الديني‪ ،‬وندرك عقائدها ونظمها‬
‫فمعرفتنا بديانة قوم من األقــوام تساعدنا إلى حد كبير يف معرفة سلوكهم‬
‫وآرائهم وفلسفتهم الروحية‪.‬‬
‫لم توفر املعطيات األثرية املكتشفة يف ُعمان حتى اآلن مادة كافية لنستنتج‬
‫من خاللها طبيعة ديانتهم القدمية‪ ،‬بإستثناء بعض اآلثار واألدبيات املسمارية‬
‫وطقوس الدفن‪ ،‬من هذه اإلشارات ميكننا أن نرسم صور ًة تقريبي ًة للديانة يف‬
‫العمانيني‪ ،‬قدسوا‬ ‫ُعمان خالل العصر البرونزي‪ ،‬تلك املعطيات تشير إلى أن ُ‬
‫كغيرهم من الشعوب العربية األجرام السماوية‪ ،‬كما آمنوا باحلياة الثانية‪ ،‬ذلك‬
‫اإلعتقاد ميكن أن نلمسه من خالل املدافن وطقوس الدفن‪ ،‬فاملدافن الهائلة‬
‫وطرق الدفن املتنوعة تؤكد تلك احلقيقة‪.‬‬

‫‪ - 367‬زريق‪ ،‬قسطنطني ‪ :‬يف معركة احلضارة‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار العلم للماليني‪ ،‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص‪.94 .‬‬
‫‪ - 368‬جواد علي‪ :‬املفصل يف تاريخ العرب‪ ،‬ج ‪ ،‬بغداد‪ ،‬ج ‪ ،1978 ،6‬ص‪.5 .‬‬

‫‪246‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫ديانة مجان حسب األساطير السومرية‬

‫ورد يف أسطورة إنكي وننخرساج‪ 369‬السومرية التي يعود تاريخها إلى منتصف‬
‫األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬معلومات عن حاكم إلهي يحكم مجان يدعى (ننتوال)‪،370‬‬
‫أما املعطيات األثرية املكتشفة فقد ساعدتنا يف معرفة طبيعة الديانة يف ُعمان‬
‫القدمية كغيرها من الديانات التي انتشرت يف شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬فالشعوب‬
‫جتسدت يف الشمس والقمر والزهرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العربية عبدت قدمياً آله ًة فلكي ًة‬

‫اآللهه ورموزها‬

‫إله الشمس‬

‫تشير املدافن التي تعود إلى األلف الرابع قبل امليالد وما بعد ذلك‪ ،‬إلى أن‬
‫وضع جثة امليت بإجتاه الشرق لم يتم جزافاً‪ ،‬بل كان يتم وفق طقوس معينة‪،‬‬
‫وقد أشار القرآن الكرمي إلى عبادة الشمس لدى العرب عموماً يف جزيرتهم‪،‬‬
‫س‬ ‫ار َوالشَّ ْم ُ‬ ‫جنوبها وشمالها‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪َ « :‬و ِمـ ْن آيَا ِت ِه اللَّيْ ُل َوال َّن َه ُ‬
‫ل ال َِّذي خَ ل َ َق ُه َّن ِإن كُنتُ ْم ِإ َّياهُ‬ ‫اس ُج ُدوا ِ َّ ِ‬
‫َوالْ َق َم ُر َل تَ ْس ُج ُدوا ِللشَّ ْم ِس َو َل ِلل ْ َق َم ِر َو ْ‬
‫تَ ْعبُ ُدو َن (‪ ،»371)37‬وقوله تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السالم حينما‬
‫راح يعرض بأبيه (أزار) وقومه‪ ،‬وهم من الشعوب السامية الشمالية لعبادتهم‬
‫الشمس والكواكب األخرى‪ ،‬وذلك يف موضع اإلستدالل على وحدانية اهلل جل‬
‫س بَ ِازغَ ًة قَا َل َهذَا َر ِّبي َهذَا أَك َْب ُر َفل َ َّما أَ َفل َ ْت قَا َل يَا ق َْو ِم‬ ‫شأنه ‪َ « :‬فل َ َّما َرأَى الشَّ ْم َ‬
‫ما تُشْ ِركُو َن (‪.»372)78‬‬ ‫ِإنِّي بَ ِريءٌ ِّ َّ‬

‫‪ - 369‬عثــر علــى نــص أســطورة (إنكــي وننخرســاج) مســج ً‬


‫ال علــى لوحــة طينيــة تضــم ســتة أعمــدة يف حالــة جيــدة يف مدينــة‬
‫(نفــر) أي (نيبــور) الســومرية‪ ،‬وهــو اآلن يف متحــف جامعــة بنســلفانيا يف فيالدلفيــا‪( ،‬البــدر‪ ،‬منطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬ص‪.)78 .‬‬
‫‪ - 370‬البدر‪ ،‬سليمان سعدون‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.79-78 .‬‬
‫‪( - 371‬سورة فصلت ‪ / 41‬اآلية ‪.)37 :‬‬
‫‪( - 372‬سورة األنعام ‪ / 6‬اآلية ‪.)78 :‬‬

‫‪247‬‬
‫احليوانات رموز إلهية‬

‫النسر‬

‫أشار القرآن الكرمي إلى اإلله (نسر) ذاكراً إياه مع أربعة معبودات أخرى‪،‬‬
‫مما كان يعبدها العرب قدمياً يف اجلاهلية هي‪( :‬ود‪ ،‬وسواع‪ ،‬ويغوث‪ ،‬ويعوق‪،‬‬
‫ونسر)‪ ،‬وذلك يف قوله تعالى من سورة (نوح)‪َ « :‬وقَالُوا َل تَذ َُر َّن آ ِل َهتَك ُْم َو َل تَذ َُر َّن‬
‫أن هذه األسماء بعينها‬ ‫اعا َو َل يَ ُغ َ‬
‫وث َويَ ُعو َق َون َْس ًرا (‪ ،»373)23‬وواضح ّ‬ ‫َو ًّدا َو َل ُس َو ً‬
‫الواردة يف اآلية إمنا تطابق متاماً‬
‫آلهة كانت تعبد لدى عرب‬
‫جــنــوب اجلـــزيـــرة‪ .‬ويف‬
‫قرية البويردة بوالية‬
‫ينقل عثر على متثال‬
‫نحاسي لنسر يقف‬
‫على رجــلــن سمي‬
‫(الرجل املج ّنح)‪،374‬‬
‫وم ــن املــعــروف أن‬
‫الــنــســر رم ــز إلهي‬
‫عند شعوب الشرق‬
‫األدنى القدمي‪.‬‬

‫متثال لنسر يقف على قدميه‬


‫‪375‬‬
‫موقع البويردة والية ينقل‬

‫‪( - 373‬نوح ‪ / 29‬اآلية ‪)32‬‬


‫‪ - 374‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬املقتنيات األثرية‪ ،‬ص‪.74 .‬‬
‫‪ - 375‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫األفاعي‬

‫لعبت األفعى دورا رئيساً يف معتقدات شعوب العالم القدمي‪ ،‬فهي متثل نوعاً‬
‫من اآللهة األم يف حضارات الشرق األدنى القدمي‪ ،‬ففي أسطورة جلجامش‬
‫السومرية والبحث عن اخللود تتجسد أهمية األفعى‪ ،‬ففي جسدها وس ّمها‬
‫يكمن الشفاء‪ ،‬كما تشكل رمزاً لبعض املفاهيم املرتبطة باحلياة والطب حتى‬
‫يومنا هذا‪.‬‬

‫عثر يف عدد من املواقع األثرية على عدد من األفاعي املنقوشة على الفخار أو‬
‫املصنوعة من البرونز‪ ،‬ومن املعلوم هناك نوع من الطقوس الدينية واإلجتماعية‬
‫كان ميارسها سكان مجان لألفاعي التي كانت تشكل رمزاً لآللهه يف العصرين‬
‫البرونزي واحلديدي‪ ،‬ويف موقع حصن سلّوت األثري بوالية بهالء عثر على‬
‫العديد من األفاعي املصنوعة من البرونز املصبوب ويف بعض األحيان يتم‬
‫تزيينها بقطع كروية من البرونز‪ ،‬ليضفي لها مظهراً جذاباً‪ ،‬كما عثر على أواني‬
‫فخارية مزينة بأشكال األفاعي نحتت عن طريق النحت البارز على الفخار‬
‫وإما مصنوعة من البرونز‪ ،‬كما عثر على مقابض طويلة ألواني فخارية مزينة‬
‫بنقوش األفاعي محززة أو بارزة ‪.376‬‬

‫وجد يف والية احلمراء عدد من األفاعي املنقوشة على الفخار واملصنوعة‬


‫ال من أشكال اآللهة األم التي‬‫من البرونز‪ ،‬ومن املعلوم أن األفعى متثل شك ً‬
‫يكمن يف جسدها وس ّمها الشفاء‪ ،‬كما ترمز إلله القمر‪ ،‬تلك اآلثار وهي تشكل‬
‫منوذجاً متميزاً للتراث الفني والعقائدي لسكان املنطقة منذ فجر التاريخ‪ ،‬هذه‬
‫العمانيني كغيرهم من شعوب الشرق األدنى القدمي قد‬ ‫املعطيات تشير إلى أن ُ‬
‫قدسوا األفعى التي يف األساس متثل رمزاً من رموز اآللهة‪.‬‬

‫‪ - 376‬اجلهوري‪ ،‬ناصر‪ ،‬رمزية الثعبان يف عصور ما قبل التاريخ وفترات ما قبيل اإلسالم يف شبه اجلزيرة ال ُعمانية‪ ،‬واقع‬
‫الدليل األثري‪ ،‬املجلة العربية للعلوم اإلنسانية‪ ،‬مجلس النشر العلمي جامعة الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،126‬السنة ‪ ،32‬ربيع ‪،2014‬‬
‫ص‪.193-145 .‬‬

‫‪249‬‬
‫قطعة من الفخار حتمل نحتاً بارزاً ألفاعي من موقع حصن سلّوت األثري بوالية بهالء‬

‫ثانياً‪ :‬اإلميان باحلياة الثانية‬


‫العمانيني كغيرهم من الشعوب احلضارية األخرى إهتماماً فائقاً‬‫أعطى قدماء ُ‬
‫باملدافن وطقوس املوتى‪ ،‬فأحيطت جثث املوتى بإهتمام بالغ حيث بنيت املدافن‬
‫كبيرة وتنوعت أشكالها‪ ،‬كما وضعت على مقربة من امليت أدوات منزلية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعناية‬
‫وأدوات زينة‪ ،‬وأسلحة‪ ،‬ومواد جنائزية‪ ،‬كل ذلك كان يشير إلى إعتقادهم بالبعث‬
‫واخللود بعد املمات‪ ،‬وأن امليت يف إعتقادهم سيحتاج يوماً ما إلى أدواته وأسلحته‬

‫‪250‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫التي كان يستخدمها يف حياته‪ ،‬إنطالقًا من إعتقادهم بالبعث واخللود الذي‬


‫يفرض عليهم القيام بطقوس تؤمن الشروط املادية الضرورية للحياة الثانية‪.‬‬
‫قيمة سيمكننا من‬ ‫إن أهمية دراسة املدافن وما حتتويه من معثورات أثرية ّ‬
‫معرفة جوانب من احلياة اإلجتماعية كمعرفة التركيبة السكانية‪ ،‬والصحة‬
‫للعمانيني قدمياً‪،‬‬
‫والنظام الغذائي‪ ،‬وستسلط لنا الضوء على احلياة الثقافية ُ‬
‫فتفحص‬‫ّ‬ ‫ولتصوراتهم الدينية ولتقاليدهم اخلاصة بالدفن (الطقوس اجلنائزية)‪،‬‬
‫مواد تلك املدافن سيساعدنا على معرفة الفنون وتطورها‪ ،‬وعلى معرفة العالقات‬
‫اإلقتصادية السائدة آنذاك‪ ،‬لهذا وجدنا ضرورة دراسة املدافن‪ ،‬فدراسة الفنون‬
‫العمانيني‪،‬‬
‫املعمارية وحدها لن يحقق طموحنا يف معرفة املزيد عن حياة قدماء ُ‬
‫كما أن دراسة أمناط املدافن من حيث تخطيطها الهندسي‪ ،‬سيمكّننا دون شك‬
‫من معرفة ِق َدم تلك املدافن أو حداثتها‪ ،‬ويتجلى ذلك من خالل دراسة أرضية‬
‫املدفن وشكله‪ ،‬واملواد التي بنيت منه إضافة لذلك‪ ،‬فإن وضع اجلثة يف املدفن‬
‫أيضا تفسيرات مهمة مرتبطة بالطقوس واملعتقدات الدينية‪.‬‬‫له ً‬

‫عمارة املدافن وأنواعها‬

‫أسفرت نتائج التنقيبات األثرية يف ُعمان‪ ،‬عن اكتشاف أمناط مختلفة من‬
‫املدافن تتفاوت حسب فترة بنائها‪ ،‬وطبوغرافية املنطقة‪ ،‬وقد بنيت تلك املدافن‬
‫مبهارة فائقة‪ ،‬ومبواد حجرية صمدت آثارها أمام حتديات الطبيعة على الرغم‬
‫من تعرضها للسلب والنهب منذ القدم‪.‬‬

‫املدافن البرجية (خاليا النحل)‬

‫هي عبارة عن مدافن ركامية أو برجية كما يسميها البعض‪ ،‬وهي أكوام حجرية‬
‫دائرية الشكل رتبت على شكل صفوف حول فراغ دائري أو بيضاوي مبثابة غرفة‬
‫للدفن‪ ،‬ويتم الدخول إليها من خالل فتحة على اجلانب اجلنوبي الشرقي أو‬

‫‪251‬‬
‫الغربي ولها حوائط مح ّدبة مبنية من حجارة مستوية‪ ،‬يبلغ سمك كل حائط‬
‫نصف املتر‪ ،‬وقد بني احلائط اخلارجي مالصقاً للسطح اخلارجي للحائط‬
‫الداخلي‪ ،‬بنيت هذه احلوائط فوق مساحة مرصوفة مستديرة وفوق أساس من‬
‫احلجارة املنحوتة ذات حواف بارزة‪.‬‬

‫فتكون قبة فوق غرفة الدفن‪ ،‬وتتكون من حجارة كبيرة‬


‫ّ‬ ‫أما احلوائط الداخلية‬
‫احلجم‪ ،‬أما السقف فيتكون من حجارة مسطحة تتراكم فوق بعضها البعض‬
‫ويتخللها احلصى مللئ الفراغات ثم تك ّوم فوقها حجارة أكبر حجماً‪ ،‬فيصبح‬
‫السقف مح ّدباً‪ ،377‬وتضم جدارين حاجزة بينها أحجار يف حجم اليد مبنية من‬
‫احلجر اجليري البني مع بالطة منخفضة يبلغ عرضها نصف متر تقريباً مقامة‬
‫حول القاعدة‪.‬‬

‫بالرغم من أن اإلرتفاع الكلي للمدافن املقامة يف هيئة خاليا النحل قد‬


‫يبلغ ‪ 8‬أو ‪ 9‬أمتار‪ ،‬فإن الغرف الداخلية صغيرة نسبياً وقطرها يتراوح بني متر‬
‫ومترين ونصف‪ ،‬وقد إستخدم يف هذا النوع من املدافن بالطات مصنوعة من‬
‫احلجر اجليري البني املشكّل محلياً‪ ،‬ويف البداية كان يتم إقامة مدافن مجهزة‬
‫بجدران سميكة‪ ،‬ومزودة بغرفة بيضاوية صغيرة غير متناسقة‪ ،‬أما املمر الذي‬
‫ممر ضي ٌق رصف بحجارة مستوية يتصل‬ ‫يفضي إلى غرفة الدفن فهو يف العادة ٌ‬
‫بأرضية الغرفة التي رصفت بقطع حجرية مستوية ‪.‬‬
‫‪378‬‬

‫يبنى هذا النوع من املدافن على سطح األرض‪ ،‬أحياناً فــرادى وغالباً يف‬
‫مجموعات‪ ،‬وقد عثر على هذا النوع بكثرة يف بات‪ ،‬وكل واحد من تلك املدافن‬
‫يعد مدفناً جماعياً لعشيرة أو ألسرة‪ ،‬وقد إستخدم لفترات طويلة ورمبا ميثل‬
‫دفناً لعدة أجيال‪.‬‬

‫‪377 -Doe, D., Gazetteer of Sites in Oman 1976, JOS, vol. 3. Part 1, 1977, p. 36-37.‬‬
‫‪378 -Ibid.‬‬

‫‪252‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫‪379‬‬
‫مجموعة من املدافن البرجية على تل مرتفع أمام جبل الكور بوادي العني‬

‫مدفن برجي زكيت بوالية إزكي‬

‫‪ - 379‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪. 126 .‬‬

‫‪253‬‬
‫عثر يف موقع حصن سلّوت األثري على أبراج املدافن الركامية املنتشرة على‬
‫قمم اجلبل املقابل للموقع والتي تعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬وهي‬
‫من نفس نوع األبراج الركامية واملعروفة بخاليا النحل املوجودة يف بات والتي‬
‫مت إستخدامها يف عصور الحقة للعصر البرونزي‪ ،‬ووجدت بها كثير من املواد‬
‫األثرية مثل األدوات املصنوعة من احلجر الصابوني أو البازلت والفخاريات‬
‫التي تعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد وبعض األدوات البرونزية‪ ،‬وشهد‬
‫النصف الثاني من العصر البرونزي املبكر (‪ 2500‬سنة قبل امليالد) وجود‬
‫نوع جديد من املدافن تختلف من حيث املوقع‪ ،‬حيث مت بناؤها على األرض‬
‫املنخفضة بالقرب من أبراج املستوطنات‪ ،‬وعثر على مدفن أرضي على سفح‬
‫مرتفع من حصن سلّوت توجد به مجموعة من الهياكل العظمية ومعثورات من‬
‫أواني احلجر الصابوني األملس‪ ،‬كما وجدت مجموعة من األواني الصابونية‬
‫واحلجرية تشير إلى أن املوقع قد استوطن يف فترات العصر البرونزي املتوسط‬
‫من (‪ 1600-2000‬سنة قبل امليالد) والعصر البرونزي املتأخر (‪1300-1600‬‬
‫سنة قبل امليالد)‪ ،380‬ويف طوي سليم بالقرب من القابل عثر على آالف املدافن‬
‫الشبيهة بتلك التي عثر عليها عند سفوح اجلبال بالقرب من واليتي الكامل‬
‫والــوايف وجعالن بني بو حسن تشير إلى أن وادي البطحاء كان يف األزمنة‬
‫القدمية منطقة زراعية هامة‪ ،‬يف حني أنها اليوم أرض جرداء خالية من السكان‪،‬‬
‫وينطبق هذا الوضع على وادي الفليج جنوب والية صور حيث تتناثر املدافن‬
‫الركامية املشرفة على بساتني صغيرة ‪.381‬‬

‫يف اجليلة بوالية صور عثر على مدافن برجية يبلغ إرتفاعها ‪ 8‬أمتار وعلى‬
‫علو ‪ 1800‬متر فوق مستوى سطح البحر‪ ،‬على هضبة نائية يف قلب جبال‬
‫احلجر الشرقي‪ ،‬وبني دوائر حجرية بسيطة‪ ،‬بعض هذه املدافن حتتوي على‬
‫مداخل والبعض بخالف ذلك‪ ،‬ومعظمها دائرية الشكل وأخــرى بيضاوية أو‬
‫مربعة أو مستطيلة‪ ،‬يعود تاريخها إلى األلف الثالث قبل امليالد‪.382‬‬
‫‪ - 380‬مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪ .‬ص‪.12-10 .‬‬
‫‪ - 381‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.161 .‬‬
‫‪ - 382‬املرجع نفسه‪.126-125 ،‬‬

‫‪254‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫مدفن برجي يف اجليلة بوالية صور‬


‫يعود تاريخه إلى األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪255‬‬
‫خالل منتصف األلف الثالث قبل امليالد شاع إستخدام املدافن اجلماعية‪،‬‬
‫والتي قد جتمع يف بعض احلاالت رفات ألكثر من ‪ 200‬شخص‪ ،‬ويبدو أن املدفن‬
‫الواحد قد استعمل لعدة سنني‪ .383‬تتألف املدافن غالباً من طابقني وينقسم فراغ‬
‫أرضها احلجرية الداخلي عملياً إلى طابق علوي وآخر سفلي‪ ،‬وتصل طبقات‬
‫ُيسر‪ 4‬إلى أربع طبقات دفن‬ ‫الدفن يف بعض املدافن مثل (املدفن رقم‪ )1‬مبوقع امل ّ‬
‫مفصولة بأرضية ترابية ‪ ،384‬أما منط بناء هذه املدافن فقد بُنيت من احلجارة‬
‫التي مت قطعها مبهارة وعناية فائقة‪ ،‬وعادة ما يكون إرتفاع بنيان املدفن أقل‬
‫بكثير من إرتفاع بنيان املدافن البرجية‪ ،‬فمساحة حجرة أو حجرات الدفن يف‬
‫النوع األول تصل لنصف مساحة مثيالتها الثانية‪ ،‬وعادة ما توجد أكثر من حجرة‬
‫للدفن‪ ،‬أما احلائط فقد بني على أساس من األرصفة واحلجارة املنبسطة تبلغ‬
‫سماكته عند القاعدة حوالي ‪ 80‬سم‪ ،‬وله واجهة من احلجارة املربعة ‪.385‬‬

‫منوذج من املدافن اجلماعية يف بات‬


‫‪ - 383‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ص‪.187 .‬‬
‫‪384 - Cleuziou, S. & Vogt, B.. «Umm an-Nar Burial Customs: New Evidence from Tomb A at Hili‬‬
‫‪North», Proceedings of the Seminar for Arabian Studies 13: 1983, p. 39.‬‬
‫‪385 - Méry S. Results, limits and potential: burial practices and early Bronze Age societies in the‬‬
‫‪Oman peninsula. In Weeks L.R. (Ed.) Death and burial in Arabia and beyond: multidisciplinary per-‬‬
‫‪spectives. Oxford, Archaeopress: 33, 2010, p. 37- 39.‬‬

‫‪256‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫ويف األلف الثاني قبل امليالد مت تعديل التصميمات لتتضمن مدافن كبيرة‬
‫ذات جدران سميكة مكسوة باحلجارة اجليرية البيضاء وتضم غرفاً ذات نظام‬
‫متطور‪ ،‬وقد عثر على ستة أمناط فريدة من املدافن املتميزة معمارياً والتي تعود‬
‫إلى هذه الفترة تتضمن مدافن جماعية وفردية معاً‪.‬‬

‫مدافن العصر البرونزي املتأخر (األلف الثاني قبل امليالد)‬

‫مدافن فردية‬

‫هذا النمط من املدافن عبارة عن مدافن حتت األرض مخصصة للدفن‬


‫ُيسر‪ ،‬ويف وادي‬
‫الفردي‪ ،‬عثر على مثل هذا النوع يف وادي سمد‪ ،‬يف موقع امل ّ‬
‫سوق‪ ،‬ووادي صلح‪ ،‬ويف خضراء‪ ،‬وتتمثل هندسة بناء هذا النوع من املدافن يف‬
‫أنها عبارة عن حجرة تتكون من صف حجارة محفورة بعمق متر حتت السطح‪،‬‬
‫ومبنية من ‪ 7-6‬مداميك من احلجارة احمللية يصل طولها إلى ‪ 50‬سم‪ ،‬وكانت‬
‫ترصف بشكل نصف قطري لكي تشكل أطرافها املستديرة اجلدار الداخلي‬
‫للغرفة‪ ،‬وكان املدماك األعلى يتألف من صفني من احلجارة‪ ،‬وقد بُنيت اجلدران‬
‫ال نحو األعلى من أجل تضييق الثغرة فوقها التي تسد بألواح من‬ ‫مائل ًة قلي ً‬
‫احلجارة‪ ،‬وعثر على بقايا كتل حجارة مستوية على أرض احلجرة‪ ،‬ويف حالة‬
‫واحدة عثر على بالطتني يف املكان كغطاء للمدفن‪.386‬‬

‫لوحظ وجود املدافن املستديرة يف عدد من املواقع األثرية‪ ،‬ففي غليلة عثر‬
‫على مدفن مستدير قطره الداخلي ‪18‬م‪ ،‬ويتألف حائطه من صفني متوازيني‬
‫من كتل احلجارة‪ ،‬كما عثر على مدفنني مستديرين يف مدافن سمد‪ ،‬إلحداهما‬
‫حائط سميك‪ ،‬عرضه متر أو أكثر‪ ،‬مبني من حجارة األثلب‪ ،‬ويف جزيرة مصيرة‬
‫عثر على عدد من هذه املدافن أيضاً‪.387‬‬

‫‪ - 386‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج‪.374-371 ،1‬‬


‫‪ - 387‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫مدافن جماعية‬

‫تشتمل هــذه املــدافــن على حفر طويلة حتت األرض وأخــرى طويلة فوق‬
‫األرض‪ ،‬تضم جثثاً جماعية يصل عددها مابني ‪ 28‬و‪ 40‬جثة‪ ،‬كما يف مدافن‬
‫شمل‪ ،‬حيث امتازت هذه املدافن بوجود مخطط وسقف متقن‪ ،‬بعضها ينفرد‬
‫بتقسيم داخلي‪ ،‬وقد تتألف من حجرة داخلية طويلة ضيقة محاطة بجدار‬
‫بيضاوي‪ .‬مت التنقيب يف ودفن واحد طوله ‪ 16‬متراً وعرضه ‪ 5,75‬متراً‪ ،‬وله‬
‫جدار خارجي يتألف من قشرتني من احلجر‪ ،‬وعرضه قرابة متر واحد‪ ،‬وطرفا‬
‫املدفن مستديران‪ ،‬ويف وسط الطرف الشمالي مدخل عرضه قرابة ‪ 1،30‬متر‬
‫يؤدي إلى شريط من فراغ ضيق عرضه ‪ 1،3‬متر‪ ،‬يدور حول اجلدار اخلارجي‪،‬‬
‫ويحاط مببنى مؤلف من حائط مزدوج طرفاه مستديران وداخله مفتوح‪ ،‬ويؤدي‬
‫املدخل إلى هذه احلجرة الداخلية مباشر ًة مقابل املدخل الرئيس املؤدي إلى‬
‫احلجرة اخلارجية‪ ،‬واحلجرتان الداخلية واخلارجية تستخدمان لدفن املوتى‪،‬‬
‫ولم يقتصر على اإلنسان فحسب‪ ،‬بل تعداه إلى احليوانات‪ ،‬فقد مت إكتشاف‬
‫عدد من مدافن للجمال يتزامن تاريخها مع املدافن األثرية‪ ،‬يف الوقت ذاته ظل‬
‫الناس يف بعض املناطق يستخدمون مدافن األلف الثالث قبل امليالد‪.‬‬

‫طقوس الدفن‬

‫تبني من خالل دراسة املدافن املكتشفة يف ُعمان أن هناك طقوس دينية‬


‫العماني القدمي‪ ،‬فاجلثة توضع بشكل ٍ‬
‫منثن مع توجيه وجه امليت‬ ‫إتبعها اإلنسان ُ‬
‫شرقاً‪ ،‬وهذه ظاهرة بارزة يف مدافن ُعمان يف العصور القدمية‪ ،‬ال يستبعد أن‬
‫العمانية عبر العصور أية‬
‫يكون لها صلة بعبادة الشمس‪ ،‬وال توجد يف املدافن ُ‬
‫إنتقائية وفقاً للجنس أو العمر‪ ،‬ومن احملتمل أن املوتى دفنوا طبقاً للروابط‬
‫العائلية‪ ،‬وهذه فرضية ميكن التأكد منها بتحليل احلمض النووي‪.388‬‬

‫‪388 - Doe, Gazetter of sites in Oman., p. 36-37.‬‬

‫‪258‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫مقتنيات املدافن‬

‫تتألف مقتنيات املدافن عادة من األكواب والكؤوس واألواني املمتلئة باملاء‬


‫والطعام داخل املدفن ليتغذى عليها املتوفى يف احلياة األخرى وفقاً إلعتقادهم‪،‬‬
‫وحتتوي أيضاً على حلي شخصية‪ ،‬عبارة عن قطع من الزينة املختلفة‪ ،‬مثل‬
‫القالئد‪ ،‬واألساور‪ ،‬واخلالخيل‪ ،‬وأربطة الرأس‪ ،‬واألحزمة واإلزارات‪ ،‬واخلرز‪،‬‬
‫والعقيق‪ ،‬وحجر الكلس‪ ،‬واألصداف واملرجان‪ ،‬والكهرمان األسود‪ ،‬وتشهد هذه‬
‫احللي على وجود تقليد متطور من املهارة احلرفية مبستوى تقني عالي‪ ،389‬كما‬
‫مت إستخراج بعض األواني الفخارية املميزة واملعروفة بإسم جمدة نصر من‬
‫العديد من املدافن كما هو يف (بات)‪.390‬‬

‫لقد متت دراسة البقايا البشرية من حيث إكتمال العظام وحالتها‪ ،‬وجنس‬
‫صاحبها وعمره‪ ،‬والتعديالت الباثولوجية‪ 391‬على أساس معايير جمع البيانات‬
‫من بقايا الهياكل العظمية البشرية‪ ،‬كما اعتمدت بعض الدراسات على علم‬
‫األمراض القدمية‪ ،‬ومن خالل تلك البقايا سلّطت الدراسات الضوء على النظام‬
‫الغذائي واحلالة الصحية العامة والظروف املعيشية للسكان‪.‬‬

‫ويف ضوء املعطيات املتوافرة حتى اآلن يبدو جلياً أن الثقافات املادية والطقوس‬
‫العمانية القدمية قد شهدت جتانساً كبيراً عبر أرجاء إقليم‬‫يف جميع املجتمعات ُ‬
‫ُعمان التاريخية منذ عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬واملرجح إن هذا التجانس كان‬
‫نتاج وحدة األرض واإلنسان‪ ،392‬األمر األكثر أهمية هو التشابه يف بناء املدافن‬
‫وممارسة الطقوس وتطورها عبر الزمن‪ ،‬سواء يف األراضي الساحلية أو سفوح‬
‫اجلبال‪ ،‬أو أعالي الوديان اجلبلية‪ ،‬ويعد ذلك من أهم الدالالت اإلجتماعية‪،‬‬
‫فكل املدافن أحادية الغرف‪ ،‬واملوضحة بأكوام األحجار‪ ،‬التي تنتمي للنوع التي‬

‫‪389 - Frifelt, K., Jamdat Nasr Graves in Oman, Kumel, 1971, p. 380.‬‬
‫‪ - 390‬املديلوي‪ ،‬ثقافة جمدة نصر يف إقليم ُعمان‪ ،‬ص‪.224 .‬‬
‫‪ - 391‬علم دراسة وتشخيص األمراض‪.‬‬
‫‪ - 392‬كلوزيو‪ ،‬جتارة العصر البرونزي‪ ،‬ص‪.141 .‬‬

‫‪259‬‬
‫ظهرت فيه نهاية األلفية الرابعة قبل امليالد‪ ،‬ورمبا ظل إستعمالها لبضعة قرون‪،‬‬
‫كانت مدافن جماعية‪ ،‬وإذا تركنا عالم املوتى ومدافنهم وقصدنا املستوطنات‬
‫نستطيع رسم صورة مبدئية املالمح ملدى صلة القرابة والنسب التي ربطت‬
‫تلك التجمعات السكانية الواحدة‪ ،393‬وهو مؤشر هام يؤكد طبيعة العالقات‬
‫اإلجتماعية والعائلية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬فن النحت على الصخر‬


‫عبر اإلنسان منذ عصور ما قبل الكتابة عن جوانب من حياته وحضارته‬ ‫ّ‬
‫سجل مظاهر حياته وأحوال بيئته وأفكاره‬‫بالرسم والنحت على الصخور حيث ّ‬
‫ومعتقداته ونشاطه اإلقتصادي وطقوسه الدينية واإلجتماعية‪ ،‬وحروبه ومعاركه‪،‬‬
‫وميكننا من خالل تلك الرسومات أن نكّون فكرة واضحة عن حياته اإلجتماعية‬
‫وطبيعة مالبسه وأسلحته‪ ،‬وقد انتشر هذا النوع من الفنون يف جميع حضارات‬
‫العالم‪.‬‬

‫يختلف فن النحت عن باقي الفنون فهو يتعامل مع أشكال مجسمة ذات‬


‫أبعاد ثالثة‪ ،‬فالنحات يشكل األعمال بيديه التي هي أقدر الوسائل لنقل احلس‬
‫الفني العالي باللمس‪ ،‬أما الغاية من هذه الفنون فتتمثل يف‪ :‬أهداف تخليدية‬
‫أو تذكارية‪ ،‬غرض تاريخي‪ ،‬أو غرض ديني‪ .‬وقد عثر يف ُعمان على عدد من‬
‫األعمال الفنية منحوتة على الصخر تنتمي للعصر البرونزي‪.‬‬

‫حصاة بن صلت‬

‫متثّل حصاة بن صلت يف والية احلمراء أحدى النقوش والرسومات التي خطها‬
‫اإلنسان القدمي‪ ،‬وتؤرخ بنهاية األلف الثالث وبداية األلف الثاني قبل امليالد‪،‬‬
‫وتظهر النقوش التي نُحتت على صخرة جيرية كبيرة أشكاالً بشرية ووجوه غير‬
‫‪ - 393‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.143-142 .‬‬

‫‪260‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫ملتحية وعريضة املنكبني‪ ،‬ويظهر يف النقش رجل يلبس مئزراً ُربط بحزام ويحمل‬
‫ال وتضم يديها‬‫بيده صوجلاناً‪ ،‬وإمرأة عليها شعر مستعار وترتدي معطفاً طوي ً‬
‫إلى جسدها‪ ،‬ويظهر يف النقش شخص صغير احلجم يف اليمني وآخر أكبر منه‬
‫يف الطرف األيسر يلبس مئزراً‪ ،‬كما توجد أشكال أخرى بذات النمط محفورة يف‬
‫اجلانب الغربي للصخرة أحدها لصورة طفل وآخر إلمرأة‪ ،‬ويعتقد أن هذا املوقع‬
‫قد لعب دورا شعائرياً هاما يف املنطقة خالل هذه الفترة ‪.394‬‬

‫صخرة أدم‬

‫مت إكتشاف صخرة حتوي نحتاً حجرياً يف أحد املدافن يف والية أدم يعود‬
‫تاريخه إلى نهاية األلف الثالث قبل امليالد‪ ،‬ويظهر يف النقش إمرأة ورجل وهما‬
‫يف وضع يتناسب وطبيعة هذه الفترة املبكرة من التاريخ إحدى الوضعيات التي‬
‫عرفت بها هذه الفترة الزمنية‪ .‬يظهر يف ميني الصورة املرأة وهي ترتدي ثوباً‪،‬‬
‫بينما يظهر الرجل يف اجلانب األيسر وهو يرتدي لباساً بسيطاً وال يزال تفسير‬
‫هذا النقش مبهماً‪ ،‬إال أن مالمح األشكال اآلدمية يف هذا النقش تظهر التشابه‬
‫الفني بينها وبني األختام املكتشفة يف رأس اجلنز والرسوم املنحوتة على حصاة‬
‫بن صلت‪.395‬‬

‫النحت على األختام‬

‫كانت ُعمان منذ األلف الثالث قبل امليالد من الناحية اإلقتصادية منطقة‬
‫حد بعيد‪ ،‬فاألسواق كانت موجودة وإدارة األسواق كانت سائدة‪،‬‬‫متكاملة إلى ٍ‬
‫فقد مت العثور على مجموعة من األختام من مختلف األشكال يف عدد من‬
‫املستوطنات‪ ،‬فجميع األختام صنعت من حجارة الكلورايت‪ ،‬احلجر الناعم الذي‬
‫‪394 -Yule, Paul, The Hasat Bani Salt in the al-Zahirah Province of the Sultanate of Oman. 2001. archiv.‬‬
‫‪ub.uni-heidelberg.de/propylaeumdok/132/.‬‬
‫‪ - 395‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.263 .‬‬

‫‪261‬‬
‫يسهل تشكيله ونحته بصورة جيدة‪ ،‬من أهمها أختام رأس اجلنز‪ ،‬حيث عثر على‬
‫ختم حجري مستطيل نحت بحرص شديد وبأسلوب الثقب ميثل شخصني يقفان‬
‫بجانب سعفة شجرة نخيل‪ ،‬مثل هذا النمط من الرسومات تكرر خالل هذه‬
‫احلقبة‪ ،‬وقد يكون تعبيراً جيداً ألهمية التحالفات بني الكيانات اإلجتماعية‪.‬‬

‫يف نفس املوقع مت إكتشاف ختمني صغيرين من احلجر الصابوني أحدهما‬


‫بيضاوي واآلخر مربع‪ ،‬يحمل كل منهما ثالثة حروف لكتابة نقشية‪ ،‬هذه األختام‬
‫ص ِنعا يف ُعمان‪ ،‬ويُعد‬
‫صنعت بإستخدم قطعتني من أواني احلجر الصابوني ُ‬
‫هذان اخلتمان أقدم دليل على وجود الكتابة يف ُعمان منذ األلف الثالث قبل‬
‫امليالد‪.396‬‬

‫ختم مصنوع من حجر الكلورايت عثر عليه يف موقع امل ُ ّ‬


‫يسر‬
‫‪397‬‬
‫يعود إلى بداية األلفية الثانية قبل امليالد‬

‫‪ - 396‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬ص‪.258 .‬‬


‫‪ - 397‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫يسر يف وادي سمد عثر على ختم بثالثة أوجه منحوت عليه‬ ‫يف موقع امل ُ ّ‬
‫حيوانات‪ ،‬وختم آخر مخروطي مصنوع من الرصاص مع رسومات بشرية‬
‫تخطيطية‪ ،‬وآخــر ذو مقطع شبه منحرف نقش على أطرافه الثالثة صور‬
‫حليوانات مختلفة‪ ،‬من قبيل الثور ذي السنام‪ ،‬وعقرب‪ ،‬ووعل بري‪ ،‬وخروف‪،‬‬
‫وكلب‪ ،‬وماعز بري‪ ،‬ويظهر يف هذا اخلتم نقش الثور ذو السنام‪ ،‬ويبدو اخلتم‬
‫العماني‬
‫وكأنه نسخة مقلدة ألختام شبيهه يف وادي األنــدوس قــام الفنان ُ‬
‫بتقليدها‪ 398‬ويف بات بوالية عبري عثر على مناذج متنوعة من األختام املنحوته‬
‫بإتقان منها ختم أسطواني يحاكي أختام بالد الرافدين‪ ،‬ويف بسياء عثر على‬
‫أختام أخرى بعضها يحمل رسومات حيوانية للوعول وبعضها منحوت نحتاً‬
‫غائراً ألشكال دائرية‪ ،‬يحمل شكل اخلنفساء وهي رمز إلهي فرعوني‪.‬‬

‫ختم من حجر الكلورايت صنع محلياً عثر عليه يف موقع بات‬


‫‪399‬‬
‫يعود ملنتصف األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪ - 398‬بوتس‪ ،‬اخلليج العربي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.206 .‬‬


‫‪ - 399‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫‪400‬‬
‫ختم حجري عليه رسومات للوعل (بسياء) يعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‬

‫ختم من حجر الكلورايت صنع محلياً‬


‫‪401‬‬
‫عثر عليه يف موقع سمد الشأن يعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪ - 400‬مقتنيات املتحف الوطني‪ ،‬سلطنة ُعمان‪.‬‬


‫‪ - 401‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫احلياة الفكرية‬

‫‪0‬‬ ‫‪20 mm‬‬


‫‪Photo & drawing : Hélène DAVID-CUNY - 2013‬‬

‫ختم أسطواني الشكل عثر عليه يف موقع رأس اجلنز األثري‬


‫‪402‬‬
‫يعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪DA 19106‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪20 mm‬‬


‫‪Photo & drawing : Hélène DAVID-CUNY - 2013‬‬

‫‪403‬‬
‫ختم حجري عثر عليه يف طيوي يعود إلى فترة األلف الثالث قبل امليالد‬

‫‪ - 402‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 403‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫اخلامتة‬
‫يبدو جلياً أن ُعمان مرت يف عصرها البرونزي مبرحلتني حضاريتني‪ :‬املرحلة‬
‫األولى تسمى مرحلة العصر البرونزي املبكر (‪ 2000-3000‬سنة قبل امليالد)‬
‫حيث وصلت حضارة ُعمان إلى عصرها الذهبي‪ ،‬من خالل إنشاء القالع‬
‫واحلصون الشامخة واملدافن الضخمة واألفالج املعقدة يف هندستها‪ ،‬ومارس‬
‫العمانيون التجارة بنظمها وقوانينها وأبدعوا يف الصناعات‪ :‬كصهر النحاس‬ ‫ُ‬
‫وتعدينه‪ ،‬كما أن األنشطة احلرفية التي أتقنوها أفــرزت فئة من احلرفيني‬
‫املهرة‪ ،‬ترافق ذلك مع معتقدات دينية وطقوس شعائرية‪ ،‬وقد أدت اجلغرافيا‬
‫العمانيون يف صناعة حضارة إقتصادية جتارية لكي تكون‬ ‫دورها حينما أبدع ُ‬
‫واحدة من بني احلضارات الكبرى يف العالم خالل هذا الزمن‪ ،‬وخصوصاً حينما‬
‫العمانية مع حضارات وادي األندوس وبالد الرافدين‪ ،‬يف‬ ‫تواصلت احلضارة ُ‬
‫الوقت ذاته‪ ،‬كانت مؤهلة أيضاً ألن تؤدي دورها احلضاري اخلاص بها يف إطار‬
‫تاريخ وحضارة الشرق األدنى القدمي‪.‬‬

‫لقد ق ّدمت لنا املصادر النقشية واألثرية جملة من البراهني املادية التي‬
‫عكست التحدي الكبير الــذي عاشته ُعمان يف الوقت الــذي استجاب فيه‬
‫العمانيون ملقتضيات جغرافية بالدهم‪ ،‬ففتحت اخلبرة العالية التي اكتسبوها‬ ‫ُ‬
‫بشؤون املالحة وبناء السفن باباً واسعاً أمامهم للسيادة على التجارة‪ ،‬والوصول‬
‫إلى مصادرها يف الشرق األقصى‪ ،‬وكانت هذه اخلبرة باملالحة بعلم البحار‬
‫واألن ــواء هي املفتاح الــذي هيأ لهم اإلنطالق الواسع يف كل أرجــاء احمليط‬
‫الهندي كشفاً عن املجهول‪ ،‬دون أن يشعروا بالرهبة أو الوجل‪ ،‬بعد أن تغلبوا‬
‫على املصاعب بجدارة واستحقاق‪ ،‬فسجلوا منذ األلف الثالث قبل امليالد أروع‬
‫صفحاتهم يف ميدان السيادة البحرية‪ ،‬واخلبرة العالية بشؤون البحار‪.‬‬

‫العمانية مع بداية األلــف الثاني وحتى نهايته (العصر‬ ‫شهدت احلضارة ُ‬


‫البرونزي املتأخر) تراجعاً ملحوظاً يف مجال العمارة الدفاعية والتبادل التجاري‬
‫بني احلضارات‪ ،‬تلك املتغيرات أفرزت ثقاف ًة جديد ًة أقل صخباً من سابقتها‪،‬‬
‫ذات سمة فريدة يف مجال صناعة الفخار واألواني احلجرية والتعدين واملدافن‬
‫الفردية وطقوس الدفن‪ ،‬مع ذلك التحول تغير أسلوب احلياة ومنط العيش‪،‬‬
‫ووسائل التكيف مع احلياة عبر وسائل متيزت بالواقعية من خالل أنشطة‬
‫صناعية وزراعية وعمرانية إختلفت يف أشكالها واستجابت ملطالب اإلنسان‬
‫العماني‪.‬‬
‫ُ‬
‫العماني‬
‫إن العنصر املشترك جلميع هذه اإلبداعات احلضارية لإلنسان ُ‬
‫يف فترة العصر البرونزي يتمثل يف اجلهد اجلماعي املبذول لصالح املجتمع‬
‫بأكمله‪ ،‬كما أن إستغالل األرض إستغالالً خالصاً للحصول على موارد القوت‬
‫كان يتطلب دون شك وجود كيان إداري متماسك العرى للدفاع عنها وحمايتها‪،‬‬
‫تلك األسس رسخت املبادئ األخالقية التي كفلت للفرد حتقيق جوهر إنسانيته‬
‫وصقلت آدميته وهذبت نفسيته وخلقه وضميره‪ ،‬فتفجرت طاقاته اإلنتاجية‬
‫وملكاته اإلبداعية‪.‬‬

‫بدأت يف نهاية األلف الثاني قبل امليالد‪ ،‬وبحلول عام ‪ 1300‬قبل امليالد‬
‫مرحل ًة تاريخي ًة جديد ًة تكللت بقيام حضارة واعدة متسقة يف كل أنحاء ُعمان‬
‫يف عصر أطلق عليه العصر احلديدي‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫املراجع‬

‫املراجع العربية‬
‫●أولفني بلني‪ ،‬العني مستوطنة صغيرة ومزرعة نخيل يف شرقي ُعمان‪ ،‬يف‪:‬‬
‫كلوزيو‪ ،‬سيبرج و موريسيو توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬مرتكزات احلضارة‬
‫العربية القدمية يف ُعمان‪ ،‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2007 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.270-268 .‬‬

‫●مطهر علي‪ ،‬نقوش مسندية وتعليقات‪ ،‬ط‪ ،2‬مركز الدراسات والبحوث‬


‫اليمني‪ ،‬صنعاء‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫●باقر‪ ،‬طه‪ ،‬مقدمة يف تاريخ احلضارات القدمية‪ ،‬ج ‪ ،1‬بغداد‪1973 ،‬م‪.‬‬

‫●البدر‪ ،‬سليمان سعدون‪ ،‬منطقة اخلليج العربي (خالل األلفني الثاني‬


‫واألول قبل امليالد) دراســات يف تاريخ الشرق األدنــى القدمي‪ ،‬مطبعة‬
‫حكومة الكويت‪1976 ،‬م‪.‬‬

‫●البكري‪ ،‬سلطان بن سيف‪ ،‬مواقع العصر احلديدي يف سلطنة ُعمان‪،‬‬


‫عرض ألهم املسوحات والتنقيبات األثرية احلديثة‪ ،‬حصاد ندوة آثار‬
‫شبه اجلزيرة العربية عبر العصور‪ 9 - 7 ،‬مايو ‪2006‬م‪ ،‬وزارة التراث‬
‫والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫●بوتس‪ ،‬دانيال‪ .‬اخلليج العربي يف العصور القدمية ‪ ،‬ج ‪ ،1‬من عصور ما‬
‫قبل التاريح إلى سقوط األمبراطورية األخمينية‪ ،‬ترجمة إبراهيم خوري‪،‬‬
‫مراجعة أحمد السقاف‪ ،‬املجمع الثقايف‪ ،‬أبوظبي‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫●بيستون‪ ،‬أ‪ .‬ف‪ .‬ل‪ ،‬جاك ريكمنز‪ ،‬محمود الغول‪ ،‬ووالتر مولر‪ ،‬املعجم‬
‫السبئني باإلجنليزية والفرنسية والعربية‪ ،‬دار نشريات بيترز لوفان‬
‫اجلديدة‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫●بيغوليفسكيا‪ ،‬نينا فكتورفنا‪ ،‬العرب على حدود بيزنطة وإيران من القرن‬
‫الرابع إلى القرن السادس امليالدي‪ ،‬نقله عن الروسية صالح الدين‬
‫عثمان هاشم‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫●توزي‪ ،‬موديتسستو‪« ،‬مالحظات حول توزيع املوارد الطبيعية وإستثمارها‬
‫العمانية‪ ،‬مجموعة مختارة من‬ ‫يف ُعمان القدمية»‪ ،‬مجلة الدراسات ُ‬
‫اجلزءين األول والثاني الصادرين يف عام ‪1975‬م وعام ‪1976‬م‪ ،‬وزارة‬
‫األعالم والثقافة‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫●اجلــرو‪ ،‬أسمهان سعيد‪ ،‬مصادر تاريخ ُعمان القدمي‪ ،‬دراســة حتليلية‪،‬‬
‫وزارة التراث والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪ ،‬مسقط‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫●اجلرو‪ ،‬أسمهان سعيد‪ ،‬موانئ مجان واملالحة يف اخلليج العربي خالل‬
‫النصف الثاني من األلف الثالث قبل امليالد (‪ 2000-2300‬سنة قبل‬
‫امليالد)‪ ،‬ليوا‪ ،‬مجلة علمية محكمة يصدرها املركز الوطني للوثائق‬
‫والبحوث‪ ،‬السنة الثالثة‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬ديسمبر ‪2011‬م‪.20 - 3 ،‬‬
‫العمانية القدمية يف ضــوء املصادر‬
‫●اجلــرو‪ ،‬أسمهان سعيد‪ ،‬املــوانــئ ُ‬
‫الكالسيكية اليونانية والرومانية‪ ،‬النادي الثقايف‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫●اجلرو‪ ،‬أسمهان سعيد‪ ،‬مالمح من النظام السياسي يف حضارة مجان‬
‫(شبه جزيرة ُعمان) خالل العصر البرونزي املبكر (‪ 2000-2500‬سنة‬
‫قبل امليالد)‪ ،‬مجلة اآلداب‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ .‬املجلد ‪ ،27‬العدد‪،1‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪.316 -303 .‬‬
‫●اجلــرو‪ ،‬أسمهان سعيد‪ ،‬مملكة ُعمان التااريخية‪ ،‬ورقة قدمت ملؤمتر‬
‫(‪ICOMOS ICAHM, International Committee on Archaeological‬‬
‫‪ ،)Heritage Management‬املنعقد يف الفترة من ‪ 5 - 2‬مايو ‪2016‬م‪،‬‬
‫برعاية مكتب جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫املراجع‬

‫●اجلرو‪ ،‬أسمهان‪ ،‬سعيد بن محمد الهاشمي‪ ،‬يوسف عبد اهلل الغيالني‪،‬‬


‫فاروق عمر فوزي‪ ،‬بدر بن هالل العلوي‪ .‬تاريخ ُعمان ودراسات يف احلضارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬منشورات جامعة السلطان قابوس‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2009 ،‬م‪.‬‬

‫العمانية يف‬
‫●اجلهوري‪ ،‬ناصر‪ ،‬العمارة غير اجلنائزية يف شبه اجلزيرة ُ‬
‫األلف الثاني قبل امليالد (‪ 1100-2000‬سنة قبل امليالد)‪ ،‬مجلة نزوى‪،‬‬
‫العدد ‪.www.nizwa.com 2009 /7/27 ،31‬‬

‫●رمزية الثعبان يف عصور ما قبل التاريخ وفترات ما قبيل اإلسالم يف شبه‬


‫العمانية‪ ،‬واقع الدليل األثري‪ ،‬املجلة العربية للعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫اجلزيرة ُ‬
‫مجلس النشر العلمي جامعة الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،126‬السنة ‪ ،32‬ربيع‬
‫‪2014‬م‪ ،‬ص‪.193-145 .‬‬

‫●حوراني‪ ،‬جــورج فاضلو‪ ،‬العرب واملالحة يف احمليط الهندي‪ ،‬ترجمة‬


‫يعقوب بكر‪ ،‬تصدير يحي اخلشاب‪1958 ،‬م‪.‬‬

‫●رايس مايكل‪ ،‬اآلثار يف اخلليج العربي (‪ 323 - 5000‬سنة قبل امليالد)‪،‬‬


‫ترجمة صالح محمد علي وسامي الشاهد‪ ،‬مراجعة أحمد السقاف‬
‫وناصر العبودي‪ ،‬املجمع الثقايف‪ ،‬أبوظبي‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫●زارنس‪ ،‬يورس‪ ،‬أرض اللبان‪ ،‬دراسة ميدانية أثرية يف محافظة ظفار‬


‫بسلطنة ُعمان (مشروع اللجنة الوطنية لإلشراف على مسح اآلثار يف‬
‫السلطنة‪ ،‬وزارة األعالم ‪1995-1990‬م‪ ،‬حترير وترجمة معاوية إبراهيم‬
‫وعلي التيجاني املاحي‪ ،‬منشورات جامعة السلطان قابوس‪ ،‬سلسلة علوم‬
‫اآلثار والتراث الثقايف‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫●زريق‪ ،‬قسطنطني‪ :‬يف معركة احلضارة‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار العلم للماليني‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1973‬م‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫●سليمان يوسف‪ ،‬أشوريو سوريا وهواجس اخلوف يف عيد األكيتو‪ ،‬احلوار‬
‫املتمدن العدد‪http://www.ahewar.org / 29,3442/3/2005-1151 :‬‬
‫‪.debat/show.art.asp?aid‬‬

‫●شعت‪ ،‬شوقي‪ ،‬التنقيبات األثرية يف اخلليج العربي وأهميتها التاريخية‪،‬‬


‫دراســات تاريخية وجغرافية منذ أقــدم العصور حتى الوقت الراهن‪،‬‬
‫دمشق‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫●شهاب‪ ،‬حسن صالح‪ ،‬من تاريخ بحرية ُعمان التقليدية‪ ،‬ط‪ ،1‬وزارة التراث‬
‫القومي والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫●بن صراي‪ ،‬حمد بن محمد‪ ،‬منطقة اخلليج العربي‪ ،‬من القرن الثالث‬
‫قبل امليالد إلى القرن الثالث امليالدي‪ ،‬املجمع الثقايف‪ ،‬أبوظبي‪2000 ،‬م‪.‬‬

‫●الصفدي‪ ،‬هــشــام‪ ،‬دراس ــة مقارنة ألخــتــام اخلليج العربي‪ :‬الصالت‬


‫احلضارية مع وادي السند وبــاد الرافدين‪ ،‬دراســات تاريخ اجلزيرة‬
‫العربية ‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬عبد الرحمن األنصاري وآخرون‪ ،‬جامعة امللك‬
‫سعود‪ ،‬الرياض‪1984 ،‬م‪ ،‬ص‪.3 - 295 .‬‬

‫●عامر سليمان‪ ،‬اللغة األكدية «اآلشورية والبابلية» تاريخها وتدوينها‬


‫وقواعدها‪ ،‬املوصل‪ ،‬وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‪ ،‬جامعة املوصل‪،‬‬
‫دار الكتب‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫●أبو العال‪ ،‬محمود‪ ،‬موانئ سلطنة ُعمان والتنمية قدمياً وحديثاً‪ ،‬الندوة‬
‫العلمية للموانئ والتنمية يف دول اخلليج العربية‪ ،‬املنعقدة يف الفترة من‬
‫‪ 16-13‬إبريل ‪1985‬م‪ ،‬دراسات اجلزيرة واخلليج‪ ،‬الكويت‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫●جغرافية إقليم ُعمان‪ ،‬سلطنة ُعمان ودولة اإلمــارات العربية املتحدة‪،‬‬


‫مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫املراجع‬

‫●فايسجربر‪ ،‬جيرد‪ ،‬من األخضر إلى األحمر‪ ،‬صهر النحاس من اخلام‬


‫األخــضــر‪ ،‬يف‪ ،‬كلوزيو‪ ،‬سيرج‪ ،‬وموريسو تــوزي‪ ،‬يف ظــال األســاف‪،‬‬
‫مرتكزات احلضارة العربية القدمية يف ُعمان‪ ،‬وزارة التراث والثقافة‪،‬‬
‫سلطنة ُعمان‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.218-217 .‬‬

‫●فاين‪ ،‬بيتر‪ ،‬تراث ُعمان‪ ،‬دار امييل للنشر‪ ،‬لندن‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫●فــرزات‪ ،‬محمد حرب‪« ،‬العالقات احلضارية بني بالد اخلليج العربي‬


‫وشبه القارة الهندية حتى األلف االول قبل امليالد» دراسات تاريخية‪،‬‬
‫العددان ‪1990 ،38 ،37‬م‪ ،‬ص‪.83-73 .‬‬

‫●فوزي رشيد‪ ،‬الشرائع العراقية‪ ،‬بغداد‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫●فوسمر‪ ،‬توم‪ ،‬املالحة والطرق التجارية يف العصر البرونزي املبكر‪ ،‬نافذة‬


‫‪ ،5-7‬يف‪ :‬كلوزيو & توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬مرتكزات الضارة العربية‬
‫القدمية يف ُعمان‪ ،‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.230-229‬‬

‫●فوسمر‪ ،‬توم & فرميانتل‪ ،‬بيرث‪ .‬بناء مراكب القصب يف العصر البرونزي‬
‫املبكر يف بحر العرب‪ ،‬آثــار اإلمــارات العربية املتحدة‪ ،‬بحوث املؤمتر‬
‫الدولي األول آلثار اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬حترير دانيال بوتس وحسن‬
‫النابودة وبيتر هيلير‪ ،‬نادي تراث اإلمارات‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬
‫‪2003‬م‪ ،‬ص‪.157-152 .‬‬

‫●فوكت‪ ،‬يوكارت‪ ،‬تقرير أولي عن التنقيبات األثرية يف املدفن ‪ A‬من عصر‬


‫أم النار‪ ،‬منطقة هيلي (‪1984-1982‬م)‪ ،‬اآلثار يف دولة اإلمارات العربية‬
‫املتحدة‪ ،‬العدد ‪ ،4‬ص‪.33-30 .‬‬

‫●فوكت‪ ،‬يوكارت‪ ،‬كوكل‪ ،‬هوفبار‪ ،‬احلاج‪ ،‬املسح األثري يف املنطقة الغربية من‬

‫‪273‬‬
‫أبوظبي‪ ،‬ترجمة‪ ،‬وليد ياسني التكريتي‪ ،‬اآلثار يف دولة اإلمارات العربية‬
‫املتحدة‪ ،‬إدارة اآلثار والسياحة‪ ،‬العني‪ ،‬العدد ‪1989 ،5‬م‪ .‬ص‪.20 - 9 .‬‬

‫●فيلدي‪ ،‬سي‪ ،‬وادي سوق والعصر البرونزي املتأخر يف شبه جزيرة ُعمان‪،‬‬
‫آثار اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬بحوث املؤمتر الدولي األول آلثار اإلمارات‬
‫العربية املتحدة‪ ،‬حترير دانيال بوتس وحسن النابودة وبيتر هيلير‪ ،‬مركز‬
‫زايد للتراث والتوزيع‪ ،‬أبوظبي‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.105-104 .‬‬

‫●كارتر‪ ،‬روبرت‪ ،‬تتبع جتارة العصر البرونزي يف اخلليج العربي‪ :‬دالئل على‬
‫محطات جتارة دملون بني البحرين واإلمارات الشمالية‪ ،‬بحوث املؤمتر‬
‫الدولي األول آلثــار اإلمــارات العربية املتحدة‪ ،‬نــادي تــراث اإلمــارات‪،‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة و (‪ ،)Trident Press Ltd‬ص‪.131 -123 ،‬‬

‫●كلوزيو‪ ،‬سيرج‪ ،‬جتارة العصر البرونزي املبكر يف اخلليج وبحر العرب‪:‬‬


‫املجتمع وراء املراكب‪ ،‬آثار املتحدة‪ ،‬بحوث املؤمتر الدولي األول آلثار‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬حترير دانيال بوتس وحسن النابوذ د‪ .‬وبيتر‬
‫هيلير‪ ،‬مركز زايد للتراث والتاريخ‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪2003 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.149 -134 .‬‬

‫العمانية يف العصر البرونزي‪،‬‬


‫●إستصالح وحماية األراض ــي‪ ،‬الــواحــات ُ‬
‫حوليات مينية‪ ،‬املعهد الفرنسي لآلثار والعلوم اإلجتماعية‪ ،‬صنعاء‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫●التنقيب يف موقع هيلي ‪ ،8‬ترجمة‪ ،‬وليد ياسني التكريتي ومحمود حسن‬


‫شحادة‪ ،‬اآلثار يف دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬إدارة اآلثار والسياحة‪،‬‬
‫العني‪ ،‬العدد ‪1989 ،5‬م‪ ،‬ص‪.40-21 .‬‬

‫●كلوزيو‪ ،‬سيرج‪ ،‬موريسيو توزي‪ ،‬يف ظالل األسالف‪ ،‬مرتكزات احلضارة‬


‫العربية القدمية يف ُعمان‪ ،‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫املراجع‬

‫●املديلوي‪ ،‬علي بن راشد‪ ،‬ثقافة جمدة نصر يف إقليم ُعمان (‪2700-3200‬‬


‫قبل امليالد)‪ ،‬وزارة التراث والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫●مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬متحف أرض اللبان ‪،‬‬
‫القاعة البحرية‪2007 .‬م‪.‬‬

‫●مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬خور روري (سمهرم)‪،‬‬


‫‪2008‬م‪.‬‬

‫●مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬سلّوت‪ ،‬سلطنة ُعمان‪،‬‬


‫‪2010‬م‪.‬‬

‫●مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬أطلس املسح األثري‬


‫يف محافظة ظفار‪ ،‬سلطنة عثمان‪ ،‬مسقط‪2013 ،‬م‪.‬‬

‫●مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية‪ ،‬منتزه البليد األثري‪،‬‬


‫‪2015‬م‪.‬‬

‫●وزارة البلديات اإلقليمية وموارد املياه‪ ،‬موارد املياه يف سلطنة ُعمان‪2012 ،‬م‪.‬‬

‫●ولكينسون‪ ،‬جون‪ ،‬األفالج ووسائل الري يف ُعمان‪ ،‬ط‪ / 2‬وزارة التراث‬


‫القومي والثقافة‪ ،‬سلطنة ُعمان‪1407 ،‬هـ‪1986/‬م‪.‬‬

‫●اإلمامة يف ُعمان‪ ،‬ترجمة الفاحت حاج التوم وطه أحمد طه‪ ،‬مركز الوثائق‬
‫والبحوث‪ ،‬أبوظبي‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫●الهزاني‪ ،‬بدرية‪ ،‬إقتصاد منطقة شرق اجلزيرة العربية واخلليج العربي‪،‬‬


‫خالل األلف الثالثة قبل امليالد‪ ،‬املقومات واملؤثرات‪ ،‬دراسات يف تاريخ‬
‫اجلزيرة العربية وحضاراتها‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.78-55 .‬‬

‫‪275‬‬
‫املراجع‬

‫املراجع غير العربية‬

●● Allchin, B & Allchin, R., The birth of India Civilisation: India


and Pakistan before 500 B. C. Harmandsworth: Penguin Books,
1968.

●● Barton, G. A., The Royal Inscription of Sumer and Akkad, New


Haven, 1929.

●● Beauclair, R. de. La parure funéraire de la nécropole néolithique


d’al-Buhais 18 (Émirats Arabes Unis), 2008, p. 39-52. In :
Bailly, M. & Plisson, H. (eds.), La valeur fonctionnelle des
objets sépulcraux (Aixen- Provence, Préhistoire Anthropologie
méditerranéennes 14).

●● Blau, S., Attempting to Identify Activities in the Past: Prelimi-


nary Investigations of the Third Millennium BC Population at
Tell Abraq. Arabian Archaeology and Epigraphy 7: 1996, p. 143-
176.

●● Boivin, N., Blench, R., & Fuller, D. Q, Archaeological, linguistic


and historical sources on ancient seafaring: A multidisciplinary
approach to the study of early maritime contact and exchange in
the Arabian Peninsula. In The evolution of human populations
in Arabia: paleoenvironments, prehistory and genetics, 2009. p.
251-278.

●● Botan, S., Tower-Fortresses of Ancient Magan: A study of the


tower-fortresses of the third millennium on the Oman Peninsula,

277
thesis, Archaeology of the Near East University of Leiden,
Faculty of Archaeology, Leiden, 2012.

●● Brunswig, Jr, R.H. Cultural History, Environment and Economy


as seen from an Umm an-Nar Settlement: Evidence from Test
Excavations at Bāt, Oman, 1977 ⁄ 78. Journal of Oman Studies
10: 1989, p. 9-50.

●● Carter, R.A. Defining the Late Bronze Age in Southeast Arabia:


ceramic evolution and settlement during the second millennium
BC (unpublished PhD Dissertation). Institute of Archaeology:
University College London, 1997.

●● Cartwrigt, C & Glover, E. Ra’s al-Hadd: Reconstructing the cos-


tal Environment in the 3rd Millennium BC and later. JOS, 12:
2002.

●● Crawford, H. Dilmun and its Gulf neighbours, Cambridge:


Cambrige University press, 1998.

●● Charpentier, V. A. Specialized Production at Regional Scale


in Bronze Age Arabia: Shell Rings from Ra’s al-Junayz Area
(Sultanate of Oman). South Asian Archaeology, 1: 1994, p. 157-
170.

●● Cleuziou, S. The emergence of oases and towns in eastern and


southern Arabia’», in Afanas’ev, G.E., Cleuziou, S., Lukacs, J.R.
and Tosi, M. (eds), The prehistory of Asia and Oceania, Forli,
ABA Edizioni, 1996, p. 159-165.

278
‫املراجع‬

●● Early Bronze Age Trade in the Gulf and the Arabian Sea: The
Society behind the boats, in D.T. Potts and H.A. Naboodah (eds),
Archeology of the United Arab Emirates. London: Trident Press
Ltd. 2003, p. 133-149.

●● Extracting wealth from a land of starvation by creating social


complexity: A dialogue between archeology and climate?
Geoscience 341, 2009, p. 726-738.

●● Cleuziou, S. & Mery, S. In between the great powers: Bronze age


Oman peninsula, In Cleuziou, S., Tosi, M, and Zarins, J. Eds. Essay
on the Late Prehistory of the Arabian Peninsula.Rome: IsIAO, 2002.

●● Cleuziou, S. and Tosi, Black Boats of Magan: Some Thoughts


on Bronze Age Water Transport in Oman and Beyond from the
Impressed Bitumen Slabs of Ra’s al-Junayz , in: A. Parpola and P.
Koskikallio eds. South Asian Archaeology 1993. Vol. II. Helsinki:
Suomalainen Tiedeakatemia, 1994, p. 745-761.

●● Cleuziou, S. & M. Tosi, Ra’s al-Jinz and the Prehistoric Costal


Culture of the Ja’alan, JOS, Vol. 11, 2000, p. 19-73.

●● Cleuziou, S. & Tosi, M. In the Shadow of the Ancestors: the


Prehistoric Foundations of the Early Arabian Civilization in
Oman (Muscat, the Ministry of Heritage and Culture), 2007.

●● Cleuziou, S. & Vogt, B. Umm an-Nar Burial Customs: New


Evidence from Tomb A at Hili North, Proceedings of the Seminar
for Arabian Studies 13: 1983, 37- 52.

279
●● Costa, P. M., The Copper Mining Settlement of ‘Arja: A
Preliminary Survey, JOS, Vol. 4, 1978, p. 9-14.

●● Dani, A. H., Bahrain and Indus Civilisation, BATA, 2010, edited


by: Haya Ali Khalifa, Michael Rice, p. 384- 388.

●● Dennys Frenez; Michele Degli Esposito; Sophie Mery; Jonathan


Mark Kenoyer, Bronze Age Salūt (ST1) and the Indus Civilization:
recent discoveries and new insights on regional interaction,
Proceedings of the Seminar for Arabian Studies, Volume 46,
2016, Papers from the forty - seventh meeting of the Seminar for
Arabian Studies held at the British Museum, London, 24 to 26
July 2015.

●● Doe, D., Gazetteer of Sites in Oman 1976, JOS, vol. 3. Part 1,


1977, p. 35-58.

●● Droste, Elise. What Are Possible Ecological and Biogeochemical


Impacts of Olivine Carbonation Enhancement in Oman? Thesis,
University College Maastricht in 2015.

●● Durante, S. & Tosi, M. The Aceramic Shell Middens of Ra’s Al -


Hamra: A Preliminary Note, JOS. Vol.3, Part 2, 1977, p.137-162.

●● During, Caspers. E.C.L. New archaeological Evidence for


Maritime trade in the Persian Gulf during the late Protoliterate
Period. E.W 21,1971: p. 21-55.

●● Harappan Trade in the Arabian Gulf in the Third Millennium


B.C, Mesopotamia 7, 1972, 167-191.

280
‫املراجع‬

●● Trangular Stamp Seal From the Arabian Gulf and Their Indus
Valley connection, Aion, No. 43/4, 1983, p. 661-670.

●● Edens, C., Dynamics of trade in the ancient Mesopotamian


‘World System , American Anthropologist 94, 1992, p. 93-118.

●● Esposti, Michele Degli & Carl Phillips., Iron Age impact on a


Bronze Age archaeological landscape: results from the Italian
Mission to Oman excavations at Salūt, Sultanate of Oman,
Proceedings of the Seminar for Arabian Studies 42, 2012.

●● Frifelt, K., Jamdat Nasr Graves in Oman, Kumel, 1971, p. 355-


383.

●● Archaeological Investigations in the Oman Peninsula, Kuml,


1968, p. 170-175.

●● Possible link between Jamdat Naser and the Umman-Nar Graves


of Oman, JOS, vol. 1, 1975, p. 57-80.

●● On Prehistoric Settlement and Chronology of the Oman


Peninsula. In: East and West vol. 25, 3-4, Ismeo, Rome, 1975,
p. 359- 424.

●● Evidence of a third millennium town in Oman. Journal of Oriental


Studies 2, 1976, p. 57-74.

●● Further Evidence of the Third Millennium B.C. Town at B - at in


Oman. Journal of Oman Studies 7: 1985, p. 89-104.

281
●● The Island of Umm A-Nar”, the Third Millennium Settlement.
Arhus: Jysk Arkaeologisk Selskab, 1995, p. 230-266.

●● Bat, a Centre in Third Millennium Oman. Pages 101-110


in Cleuziou, Tosi, M. & Zarins, J. (eds), Essays on the Late
Prehistory of the Arabian Peninsula, (Rome, Serie Orientale
Roma 93, Istituto italiano per l’Africa e l’Oriente). 2002.

●● Groom, Nigel. “Frankincense and Myrrh”, A Study of the Ara-


bian Incense Trade (Arab Background Series), London and New
York, 1981.

●● Eastern Arabia in Ptolemy’s map, in R. D. Serjeant and R. L.


Bidwill (eds) Arabian studies, Vol. 16, 1986, p. 65-75.

●● Oman and the Emirates in Ptolemy’s Map, Arabian Archaeology


and Epigraphy, Denmark, 1994: 5: 198-214.

●● Hansman, J., A., Periplus” of Magan and Meluḫḫa, Bulletin


of the School of Oriental and African Studies, University of
London,Vol. 36,No. 3, 1973, p. 554-587.

●● Hastings, A., Humphries, J. And Meado, R. H., Oman in the third


millennium B.C., JOS, vol.1.1975, p. 9-55.

●● Ibrahim, M. & Gaube, H. 2000. Oasis Settlement in Oman, Pilot


Study 1999-2000. Unpublizierter Report.

●● Al-Jahwari, Nasser. Settelmrnt Patterns, Development and


Cutural Change in the Northern Oman Peninsula - Amulti-tiered

282
‫املراجع‬

approach to the analysis of long - rerm settlement trends. British


Foundation for the Study of Arabia Monographs. No. 13. 2013.

●● The agricultural basis of Umm an-Nar society in the northern


Oman peninsula (2500-2000 B.C.) in: Arabian archeology and
epigraphy 20, 2009, p. 122-133.

●● Jartiz, K., Tilmun - Makan - Meluhha, JNES, 27, 1968, p. 209 -


213.

●● Kay, S., Emirates Archaeolaeological Heritage, Motivate Dubai,


1988.

●● Kramere, S. N., The Sumerians, Chicago, 1970.

●● Gilgamish and the Land of the Living, JCS, 1, 1947.

●● Lee, w. F, ans, Foreign Trade in the old Babylonian Period.


Leyden. 1960.

●● Méry S. Results, limits and potential: burial practices and early


Bronze Age societies in the Oman peninsula. In Weeks L.R.
(Ed.) Death and burial in Arabia and beyond: multidisciplinary
perspectives. Oxford, Archaeopress: 33, 2010, p. 33 - 43.

●● Méry S., Besenval R., Blackman M.J. & Didier A., The origin of
the 3rd millennium BC fine grey wares found in eastern Arabia:
new evidence from archaeometry. Proceedings of the Seminar
for Arabian Studies. 2012.

283
●● Oppenheim, L., Seafaring Merchant of Ur, JOAS, 74, 1954, p.
6 - 17.

●● Orchard, J. C. & Orchard, J. J., The Third Millennium BC Oasis


Settlements of Oman and the First Evidence of their Irrigation by
Aflaj from Bahla. Proceedings of the International Symposium:
Archaeology of the Arabian Peninsula through the Ages. 7th-9th
May 2006 (Ministry of Heritage and Culture, Sultanate of Oman),
Muscat, 2007, p. 143 - 173.

●● Peake, H., “The copper mountain of Magan, Antiquity”, vol. 2,


no. 8, 1928, p. 452-457.

●● Potts, D.T, Contributions to the agrarian history of Eastern Arabia


I. Implements and cultivation techniques, Arabian Archaeology
and Epigraphy, 5/3, 1994, p. 145 - 168.

●● Roland de Beauclair., La parure funéraire de la nécropole


néolithique d’al - Buhais 18 (Émirats Arabes Unis) Pagination de
l’édition papier, 2008, p. 39 - 52.

●● Schoff, The Periplus of the Erythraean Sea by an unknown author,


With some Extracts from Agatharkhides “On the Erythaean Sea”
Translated and edited by Huntingford, G.W. B, London, 1980.

●● Schreiber, J. Transformationsprozesse in Oasensiedlungen


Omans Die vorislamische zeit Am Beispiel von Izki , Nizwa
und dem Jebel Akhdar. Band I : Text, Inaugural - Dissertatio zur
Erlangung des Doktorgrades der Philosophie an der Ludwig -

284
‫املراجع‬

Maximilians - Universität München.Woolley, L. 1963. History


Unearthed. London, 2007.

●● al-Shanfari. A. B, and Weigerber, G., A late Bronze age warrior


burial from Nazwa, Oman. In: costa P. Tosi M., eds. Oman
Studies: papers on the archaeology and history of Oman. Rome:
Serie Orientale Roma, 1989. p. 17 - 30.

●● Speece, M. The Role of Eastern Arabia in the Gulf trade of the


third and second millennia. In Studies in the History of Arabia:
Proceedings of the First International Symposium on Studies in
the History of Arabia, 23-28 April 1977, edited by A. al-Ansary,
vol. 2, Pre-Islamic Arabia, 167 - 176, Riyadh. 1984.

●● Tosi, M., Notes on the Distribution and Exploitation of Natural


Resources in Ancient Oman”, Journal of Oman Studies 1, 1975,
p. 187 - 206.

●● The Dating of Umm an Nar Culture and a Proposed Sequence for


Oman in the third Millennium B.C, B C. JOS, Vol. 2, 1976.

●● “A possible Harappan seaport in eastern Arabia Ras Al-Junayz in


the sultanate of Oman”, paper delivered at the first International
Conference on Pakistan Archaeology, Peshawar, March 1 - 4,
1982.

●● Usai, Donatella, New Prehistoric sites along the Omani coast from
Ra’s al-Hadd to Ra’s al-Jins, Arabian archaeology and epigraphy,
Volume 11, Number 1, May 2000.

285
●● Vosmer, T., Model of a third millennium B.C reed boat based on
evidence frome Ra’s al-Jinz, JOS, 11, 2000, p. 149 - 152.

●● Weisgerber, G, Evidance of Ancient Mining sites in Oman: a


Preliminary Report, JOS, 4, 1978, p, 15 - 28.

●● und Kuper in Oman, Der Anscnitt 32: 1980, p. 62 - 110.

●● Makan and Meluhha - Third Millennium BC Copper Production


in: Oman and the Evidence of Contact with the Indus Valley,
in: Proc. of the 6th International Conference of the Association
of South Asian Archaeologists in Western Europe, South Asian
Archaeology 1981, p. 196 - 201.

●● Mehr als Kupfer in Oman: Ergebnisse der Expedition 1981. Der


Anchnitt: 5 - 6 ⁄ 33: 1981, p. 174 - 263.

●● Copper production during the third millennium BC in Oman and


the question of Makan” Journal of Oman Studies, Vol. 6. Part 2,
1983, pp. 269-276.

●● Slag heap search for Magan, PDO News, No 2/1992, Muscat,


Oman, 1992.

●● Wilkinson, J. C., “A Sketch of the History Geography of the


Trucial Oman down to the Beginning of the 16th Century” GJ,
cxxx (1964), p. 337-344.

●● “Water and Tribal Settlement in South-East Arabia,” Oxford, 1966.

286
‫املراجع‬

●● Yule, Paul, The Hasat Bani Salt in the al-Zahirah Province of


the Sultanate of Oman. 2001. archiv.ub.uni-heidelberg.de/
propylaeumdok / 132 /.

●● Yule, Paul. & Gerd Weisgerber, Prehistoric Tower Tombs at


Shir / Jayla, sultanat of Oman, In: Beiträge zur allgemeinen und
vergleichenden Archäologie, 18 (1998), p. 183-241.

●● Zarins, J. Equids associated with human burials in third millennium


BC Mesopotamia: Two complementary facets. In: Meadow RH,
Uerpmann H-P, editors. Equids in the ancient world, Weisbaden:
Ludwig Reichert Verlag, 1986, 164 - 193.

287

You might also like