You are on page 1of 86

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة أبوبكر بلقايد – تلمسان –‬


‫كلية اآلداب واللغات‬

‫قسم الفنون‬

‫عـنـوان الـمـذكــرة‬

‫الــصناعة الـجلدية في الجزائر‬


‫أنموذجا –‬
‫ً‬ ‫– صناعة الجلود بتلمسان‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر في الفنون‬


‫تخصص‪ :‬دراسات في الفنون التشكيلية‬

‫إشراف األستاذ الدكتور‬ ‫إ إعداد الطالب‬


‫– بلبشير عبد القادر‬ ‫‪ -‬قريشي حسين‪.‬‬

‫السنة الجامعية‪1028/1027 :‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫ِمۡسِب ٱّلله ٱلرِنَٰمۡح‬
‫حي هم‬ ‫َ‬
‫ٱلر ه‬
‫ش ــكر وعرفـان‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيد المرسلين وبعد‪:‬‬
‫الحمد هلل الذي امدني بقوته إلنجاز هذا العمل‪.‬‬
‫اتقدم بخالص الشكر وبالغ التقدير لالستاذ الدك تور بلبشير عبد القادر‬
‫الذي اشرف على هذا البحث في جميع مراحله ولم يبخل علينا بجهد او‬
‫بعلم‪،‬‬

‫كما اتوجه بالشكر والعرفان للسادة الفاضل اعضاء لجنة المناقشة‬


‫لقبولهم مناقشة هذا البحث‪.‬‬

‫واخيرا ل يسعني ّإل ان اقدم ّكل الشكر والمتنان ّ‬


‫لكل من مد يد العون‬
‫والمساعدة والتوجيه المخلص والراي السديد حتى اك تمل هذا العمل‪.‬‬
‫اإلهـ ـ ـ ــداء‬
‫إلى الرحمة المهداة النبي محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اسأل هللا العظيم ان‬
‫يسقيني من حوضه‪.‬‬
‫إلى سبب وجودي واستمراري في الحيأة ‪ ...‬إلى من استمد منه القوة كلمأ‬
‫ضعفت واللين ّكلمأ قست إلى دنيتي‪ .‬إلى روح ابي الطأهرة حشرني ّ‬
‫وإيأه يوم‬
‫القيأمة‪ :‬والدي الكريم‬
‫إلى نبض قلبي‪ ،‬إلى من هي في الحيأة حيأة ‪ ....‬إلى من تحت قدميهأ الجنأن‪،‬‬
‫إلى من علمتني دومأ ان اجتهد ان انجح‪ ،‬حبيبتي‪ :‬والدتي الفاضلة‪.‬‬
‫إلى قرة عيني‪ ،‬مسكن روحي وملجأهأ إخوتي‪ :‬زهية‪ ،‬بوفاتح‪ ،‬الصالح‪ ،‬حمزة‪،‬‬
‫مصطفى‪ ،‬جالل‪ ،‬نور الهدى‪ ،‬والك تكوته الصغيرة‪ :‬فاطمة‬

‫إلى من كأنت لي ً‬
‫سندا طيلة مشواري الجأمعي‪ :‬عاشور نعيمة‪.‬‬
‫إلى رفقأء دربي‪ :‬بوزيد‪ ،‬شعيب‪ ،‬مصطفى‪ ،‬رمضان‪ ،‬صابر‪ ،‬مختار‪ ،‬محمد‪،‬‬
‫صالح‪.‬‬

‫إلى زم الء ال دراسة‬


‫اه دي ث مرة ج هدي‬
‫الم ـ ـ ـ ـ ــقدمة‬
‫مـــــقدمــــــــــة‬

‫هاما من الثقافة المادية في تراثنا الشعبيـ ولعّلها اكتسبت هذه‬


‫تعد الصناعات التقليدية جزًءا ً‬
‫ّ‬
‫مر العصور‪.‬‬
‫بكل ما له عالقة بأوجه حياتنا المتنوعة والمتعددة على ّ‬ ‫األهمية من كونها لصيقة ّ‬
‫وانطالقا من هذه الفكرة‪ ،‬فهي ترتبط بالضرورة ارتبا ًكا وثيقاً بتاريخ اإلنسانية‪.‬‬

‫أن اإلنسان األول استطاع منذ ظهوره على وجه المعمورة أن يصنع لنفسه‬
‫ومما الشك فيه ّ‬
‫بحق بساطة معيشته‪ ،‬فقد كان يعتمد‬
‫ومعدات بسيطة – ش ّكلها من مواد مختلفة – تعكس ّ‬
‫ّ‬ ‫أدوات‬
‫كل ما يحبط به في بيئته الطبيعية كالحجر والطين والعظام والجلد وغيرها‪،‬‬
‫بالدرجة األولى على ّ‬
‫مستندا في ذلك على قواه العضلية ومهاراته الفنية‪ ،‬حيث تم ّكن مع تعاقب األزمنة من إشباع‬
‫يقوم حياته ويؤمن مسيرته‬
‫ثم استطاع أن ِّ‬
‫رغباته وميوالته المختلفة وارضاء متطلباته المادية‪ ،‬ومن ّ‬
‫التاريخية‪ ،‬وهو ما يجعلنا نسّلم بحتمية اإلنسان كمبدع حرفي‪.‬‬

‫بأن الصناعات التقليدية على عكس الكثير من المهن األخرى‬


‫تقدم‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫وتبعا لما ّ‬
‫كل الحضارات التي‬
‫تعد أعرق وأقدم الصناعات تاريخيا‪ ،‬فقد أثرت ببصماتها الواضحة على ّ‬
‫ّ‬
‫عرفها اإلنسان عبر العصور المختلفة وعبر األوطان واألماكن‪ .‬فالشعوب القديمة والحديثة قد‬
‫وتميزها‪ ،‬فمنهم من اشتهر بالنسيج أو الفخار ومنهم من‬
‫عدة امثلة من منتجاتها تنفرد بها ّ‬
‫تركت ّ‬
‫انفرد بالنقش على الخشب أو النحاس‪ ،‬ومنهم من اشتهر بصناعة الجلود وما يرتبط بها وهكذا‪.‬‬

‫وعلى الرغم مما لهذه الحرف والصناعات من أهمية تاريخية وفنية واجتماعية واقتصادية‬
‫فإنها لم تلق القدر الكافي من العناية ولم‬
‫باعتبارها تعكس البعد الحضاري لكثير من الشعوب‪ّ ،‬‬
‫الدارسين – وخاصة الجزائريين – من‬ ‫ظها من البحث والدراسة والتحليل‪ ،‬وقّلما وجدنا من ّ‬
‫تنل ح ّ‬
‫اهتم بها‪.‬‬

‫فلما أتيحت لي فرصة البحث‪ ،‬كان من الطبيعي أن اختار موضوعا خصبا ال تزال مجاالت‬
‫ا لبحث فيه واسعة‪ ،‬وما كان حلمي يتحقق لوال إقبالي على دراسة إحدى فروع الفنون التشكيلية‬
‫وهي دراسات فنون شعبية‪ ،‬فوجدت فيه ما يلبي رغبتي على األقل في الكشف عن جانب منه؛‬
‫فاستقر اختياري‪ ،‬بعد تفكير طويل وامعان نظر‪ ،‬على دراسة في الصناعة الجلدية‪ ،‬فوسمت بحثي‬
‫بعنوان‪:‬‬

‫'' فنون الصناعات التقليدية في الجزائر – صناعة الجلود بتلمسان أنموذجاً –''‬

‫أ‬
‫مـــــقدمــــــــــة‬

‫إن تلمسان إحدى المدن الجزائرية المعروفة بفنها وتاريخها‪ ،‬وقد استطاعت بفضلهما أن تتبوأ‬
‫ّ‬
‫– قديما – مكانة مرموقة بين مدن العالم‪ .‬قال بياس (‪'' :)Piesse‬لقد كانت تلمسان في وقت من‬
‫تمدنا‬
‫األوقات – حيث كانت عبقرية الدول األوروبية في سبات عميق – إحدى المدن األكثر ّ‬
‫واألكثر تحض ًار في العالم''(‪.)1‬‬

‫كبير من األنشطة خاصة تلك المرتبطة بالحرف‬


‫واستطاعت فوق هذا أن تستقطب عددا ًا‬
‫مركز تجاريا‬
‫ًا‬ ‫بعيدا – ألن تكون‬
‫أهلها – في زمن ليس ً‬‫والصناعات التقليدية‪ ،‬الشيء الذي ّ‬
‫كل الجهات‪ .‬فمن أهم ما عرفت به هذه المدينة‪ :‬صناعة النسيج‬ ‫الناس من ّ‬‫واقتصاديا يقصده ّ‬
‫وصناعة الزرابي وصناعة النحاس والفخار‪ ،‬وصناعة الجلود والدباغة والصباغة وغيرها‪ ،‬فكانت‬
‫بكل ما تصنعه‬
‫مصدر لتجهيز بيوت هؤالء الحرفيين واألهالي ّ‬
‫ًا‬ ‫ثم‬
‫موردا أساسًا للرزق‪ّ ،‬‬
‫هذه الحرف ً‬
‫أياديهم‪.‬‬

‫وفي األخير نتوصل إلى طرح التساؤل الرئيسي التالي‪:‬‬

‫ما مدى أهمية الصناعات التقليدية وخاصة صناعة الجلود في وقتنا الحاضر؟‬

‫ولإلجابة على هذا التساؤل تندرج مجموعة التساؤالت الفرعية تمثلت في‪:‬‬

‫‪ -1‬ما مفهوم الصناعة الجلدية؟ وما هي أهم المنتوجات الجلدية القديمة؟‬


‫‪ -2‬ماهي الحلول والسبل الكفيلة للنهوض بالصناعة التقليدية وخاصة الجلود؟‬
‫‪ -3‬ما هي اهم الطرق السترجاع الصناعة الجلدية مركزها االجتماعي وقيمتها االقتصادية‬
‫في المجتمع؟‬

‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬


‫‪ ‬األسباب الموضوعية‪:‬‬
‫‪ -‬الموضوع من ضمن موضوعات الثقافة الشعبية الهامة‪.‬‬
‫‪ -‬محاولة اإللمام ببعض جوانب فنون الصناعة التقليدية إلثراء المكتبة من جهة وتنمية‬
‫قدراتنا المعرفية من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬قلة الدراسات المتعلقة بفنون الصناعات التقليدية عموما وصناعة الجلود خصوصا‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪Louis PISESSE , Itinéraire de l’Algérie, paris, Librairie HACHETTE, 1862, P238 – 239.‬‬

‫ب‬
‫مـــــقدمــــــــــة‬

‫‪ ‬األسباب الذاتية‪:‬‬
‫‪ -‬كون الموضوع في التخصص ''فنون تشكيلية''‪ ،‬فيكون مجال الدراسة في الفنون التشكيلية‬
‫ومن بينها الصناعات التقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬توسيع معارفي الشخصية في مواضيع الفنون التشكيلية‪.‬‬
‫‪ -‬محاولة دراسة هذا الموضوع بقالب جديد‪.‬‬
‫‪ -‬الرغبة في االطالع على الموضوع‪.‬‬
‫‪ -‬الميل لدراسة المواضيع التي لها عالقة بمجال الصناعات التقليدية‪.‬‬

‫أهـــــمية الـــــبحث‪:‬‬
‫‪ -‬الكشف عن ماهية فنون الصناعات التقليدية بصفة عامة وصناعة الجلود بصفة خاصة‪.‬‬
‫‪ -‬إبراز وتحديد موقف المجتمع الجزائري من الصناعات التقليدية اليوم‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة األسس والمقومات التي تقوم عليها الصناعات التقليدية وخاصة الجلود‪.‬‬
‫‪ -‬تشجيع النهوض بقطاع الصناعات التقليدية وكيفية استغالله في الوقت الحاضر وفي‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫‪ -‬دور الصناعات الجلدية في دفع عجلة التنمية‪.‬‬

‫أهداف الـــدراسة‪:‬‬
‫‪ -‬يهدف هذا البحث إلى إيجاد الحلول والسبل الكفيلة للنهوض بالصناعة التقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬كما يهدف إلى استرجاع هذه الصناعة مركزها االجتماعي وقيمتها االقتصادية في‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫الـــمنهج الــــمتبع‪:‬‬

‫إن المنهج الذي وجدته صائبا لمعالجة هذا الموضوع قام على الوصف والتحليل والتنقيب‬
‫ّ‬
‫لكل ما له عالقة بموضوعي‪ ،‬فتمكنت من رصد عدد كبير من الوثائق والصور‪ ،‬إضافة‬
‫الميداني ّ‬
‫إلى اتصالي المستمر بمن بقي متمسكا بهذه المهنة‪ .‬وقد ساعدتني هذه الرؤية على اكتشاف‬
‫سندا لي في إنجاز هذا البحث‪ ،‬فتوصلت من خالل ذلك إلى معلومات‬
‫بعض الحقائق وجدتها ً‬
‫دقيقة واستبصارات جديدة أدت بي إلى استخالص بعض التعميمات حول هذه الصناعة مع بيان‬

‫ج‬
‫مـــــقدمــــــــــة‬

‫أسباب تدهور هذه الصناعة وتقديم الحلول المواتية والضرورية لتفعيل نشاطها ودفع حركيتها‪ .‬كما‬
‫ّأنني وجدت نقسي مجب ار إلى الرجوع إلى التاريخ الثقافي واالنثروبولوجي لمدينة تلمسان ألعرف‬
‫وتطورها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منه ما أمكن من معلومات حتى أتمكن من الوقوف على حالة الصناعة الجلدية ونموها‬

‫شرح تفصيلي لخطة البحث‪:‬‬


‫مقدمة وفصلين وخاتمة‪.‬‬
‫علي المنهج المعتمد اإلتيان بخطة للبحث تمثلت في ّ‬
‫لقد فرض ّ‬
‫ففي الفصل األول‪ ،‬فقد تناولت فيه موضوع الصناعة الجلدية وأحصيت فيه أهم النشاطات‬
‫الحرفية التي كانت وراء ازدهار المدينة في وقت من األوقات‪.‬‬

‫والفصل الثاني‪ :‬خصصته لدراسة الصناعات التقليدية بين التسويق الصناعي والسياحي‪،‬‬
‫فركزت فيه على المنتوجات الجلدية الصناعية‪ ،‬والنهوض بالصناعات الجلدية‪.‬‬
‫ّ‬
‫أهم االقتراحات‬
‫وأنهيت هذا البحث بخاتمة أودعت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها‪ ،‬وكذا ّ‬
‫التي من شأنها تحرك الصناعات الجلدية‪.‬‬

‫وبناء على هذا‪ ،‬ارتسمت خطّة هذه المذكرة كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬مقدمة‪.‬‬
‫‪ -‬الـــفصل األول‪ :‬موضوع الصناعة الجلدية‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬صناعة الجلود في تلمسان بين الصناعات األخرى‬
‫مدخل‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬النهوض بقطاع الصناعات التقليدية‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬أهم الصناعات التقليدية بتلمسان‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الصناعات الجلدية (منطقة تلمسان نموذجا)‬


‫مدخل‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬مادة الجلد‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬دباغة الجلد‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬صباغة الجلد‪.‬‬

‫د‬
‫مـــــقدمــــــــــة‬

‫‪ -‬الـــــفصل الثاني‪ :‬الصناعات التقليدية‬


‫المبحث األول‪ :‬المنتوجات الجلدية القديمة‬
‫مدخل‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬أهم المنتوجات الجلدية القديمة‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬عوامل ازدهار الصناعات الجلدية‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬آفاق الصناعات الجلدية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النهوض بالصناعات الجلدية‬
‫مدخل‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬عصرنة المنتوج الجلدي‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬استغالل قطاع الصناعات الجلدية‪.‬‬
‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬دور الصناعات الجلدية في دفع عجلة التنمية‪.‬‬
‫‪ -‬خــــاتمة‪.‬‬
‫‪ -‬قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬
‫‪ -‬ملحق الصور‪.‬‬
‫‪ -‬الفهرس‪.‬‬

‫ه‬
‫أ‬
‫الفصل الول‬
‫موضوع الصناعة الجلدية‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الـــمبحث األول‪ :‬صناعة الجلود في تلمسان بين الصناعات األخرى‬


‫مــــــــــدخل‪:‬‬

‫أن الكثير من الصناعات التقليدية في مدينة تلمسان – وان لم‬


‫تجدر اإلشارة هنا إلى ّ‬
‫حكر على فئة محددة ومحدودة من المجتمع‪ ،‬وهي متمثلة في‬
‫نقل كّلها – بقيت لعهد طويل ًا‬
‫ونساء‪ ،‬كما ّأنها انحصرت في الطبقة التي تفتقر إلى اإلمكانيات المادية‪،‬‬
‫ً‬ ‫فئة الشيوخ رجاال‬
‫يجرنا إلى التساؤل حول ديمومة هذه الصناعات وبقائها إذا ما رحل عنها أصحابها‪.‬‬
‫األمر الذي ّ‬

‫فإن تلمسان قد ُع ِرَف ْ‬


‫ت منذ العهود األولى بتنوع كبير في الصناعات‬ ‫وعلى أية حال‪ّ ،‬‬
‫كل حدب‪ ،‬فاكتسبت‬
‫مركز تجارًيا واقتصاديا يأتيه التجار من ّ‬
‫التقليدية؛ األمر الذي جعل منها ًا‬
‫أدى ذلك إلى إيجاد عدد كبير من الحرفيين‬
‫بذلك أهمية بالغة في القارة االفريقية وخارجها‪ ،‬وقد ّ‬
‫منتشرين داخل المدينة‪ ،‬حيث ال تزال إلى ّأيامنا ''كثير من األمكنة من أحياء وحارات وأسواق‬
‫وأبواب وطرق وجوامع بـ تلمسان تحمل اسم الحرفة أو الصناعة التي كانت قائمة بها في العهد‬
‫يدل على اتساع رقعة الحرف وزيادة عددها‪.‬‬
‫القديم'' ‪ ،‬السيء الذي ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الــمطلب األول‪ :‬النهوض بقطاع الصناعات التقليدية‬

‫أن الصناعة التقليدية في الكثير من المدن الجزائرية وتلمسان على‬


‫ال يخفى على أحد ّ‬
‫ألن الجهات الرسمية تناست‬
‫وجه الخصوص عانت لسنين طويلة من قلة االهتمام والعناية‪ّ ،‬‬
‫الدور الذي قد تلعبه هذه الصناعات في تنمية اقتصاد البالد‪.‬‬

‫ولحسن الحظ‪ ،‬كانت هناك بعض الرؤوس المفكرة من قيادات البالد التي أدركت الخطر‬
‫الذي يحوم بقطاع الصناعات التقليدية والتي قد يهددها بالزوال واالنقراض‪ .‬وعلى هذا األساس‬
‫أهمها إصدار النصوص التشريعية التي من‬
‫قامت الدولة بجملة من اإلجراءات التنظيمية من ّ‬
‫شأنها هيكلة هذا القطاع وضبطه‪.‬‬

‫ومن هذه النصوص القانون ‪ 69/11‬الذي سمح بتأسيس عشرين (‪ )01‬غرفة للصناعات‬
‫التقليدية والخرف عبر المناطق الجغرافية الجزائرية التي تسيطر فيها الصناعات التقليدية‪ ،‬إذا‬

‫(‪ )1‬الحاج محمد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان عاصمة دولة بني زيان‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.303‬‬

‫‪7‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫أن هذا‬
‫أصبحت هذه الغرف تتمتع بصالحيات اعتماد ومراقبة النشاطات التقليدية‪ ،‬مع العلم ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الدور كان في السابق من اختصاص المجلس الشعبي البلدي‪.‬‬

‫كما سمح المرسوم ‪ 60/10‬قبل ذلك بإنشاء‪ ،‬وتحت وصاية الو ازرة المكلفة بالصناعة‬
‫التقليدية‪ ،‬الغرفة الوطنية للصناعات التقليدية للتنسيق بين كافة الغرف الجهوية‪ .‬ومن المهام‬
‫كل ممارسة للصناعة التقليدية وتطويرها وترقيتها‪ ،‬كما‬
‫األساسية لهذه الوكالة الوطنية حماية ّ‬
‫ّأنها تمتلك امتيازات أخرى تكمن في ترويج وتسويق المنتوجات التقليدية في األسواق المحلية‬
‫والدولية‪.‬‬

‫وسمح هذا الجهاز التنظيمي والتشريعي بـ ــ‪:‬‬

‫‪ -‬توضيح وتحديد وكذا الكيفيات التطبيقية والقانونية لممارسة أي صناعة تقليدية‪.‬‬


‫‪ -‬تحديد أنماط التنظيم القانوني واالقتصادي للصناعات التقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬خلق أجهزة تسيير ومراقبة قطاع الصناعات التقليدية (غرفة الصناعات التقليدية‬
‫والحرف)‪.‬‬
‫‪ -‬وضع سياسات تحفيزية للصناعات التقليدية من الناحية االقتصادية (جباية)‪ ،‬ومن‬
‫الناحية النوعية (ضبط األسعار‪ ،‬والعالمة التجارية)‪.‬‬

‫كل هذه النقاط في َم ْج َمع للنصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم قطاع‬
‫وقد ُجمعت ّ‬
‫(‪)0‬‬
‫ون ِش َر في شهر فيفري ‪.1666‬‬
‫الصناعة التقليدية ُ‬
‫والى جانب هذه اإلجراءات التشريعية‪ ،‬قامت الهيئات المشرفة على هذا القطاع بإدراج‬
‫بعض الصناعات التقليدية ضمن برامج مراكز ومعاهد التكوين المهني‪ ،‬وكل أمل في أن يكون‬
‫حافز على انتعاشه من جهة‪ ،‬والحد من مشكل ديمومة ممارسة الصناعات التقليدية‬
‫هذه اإلجراء ًا‬
‫وبقائها من جهة أخرى‪.‬‬

‫الحاج محمد بن رمضان شاوش ‪ ،‬باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان عاصمة دولة بني زيان‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ص‪.303‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.303‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪8‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫كما يتواجد بتلمسان الغرفة الجهوية للصناعات التقليدية والحرف التي تقوم هي أيضا‬
‫بتأطير ومراقبة قطاع النشاط التقليدي من خالل تسجيل الحرفيين ومتابعتهم‪ .‬وقد وضع مسؤولو‬
‫تصرف هؤالء الحرفيين قاعة كبيرة تسمح لهم بعرض منتوجاتهم على أن‬
‫ّ‬ ‫هذه الغرفة تحت‬
‫تتكفل ببيع هذه المنتوجات بأثمان من تحديدها‪ ،‬الشيء الذي يجلب لها بعضا من المداخيل؛‬
‫ألن هذه الغرف تتمتع باالستقاللية المالية والمعنوية‪.‬‬
‫ّ‬
‫غيرت الدولة من رؤيتها اتجاه قطاع الصناعات التقليدية؛ حيث أولته‬
‫وعلى هذا األساس‪ّ ،‬‬
‫عناية واهتمام ليس فقط بسبب ما يوفره ألصحابه من ارتباط تاريخي وثقافي بماضيهم‪ ،‬ولكن‬
‫عبر عن هذه الفكرة الوزير المكلف‬
‫لدوره االقتصادي والتنموي وخلق الفرص الوظيفية‪ ،‬وقد ّ‬
‫بهذا القطاع سنة ‪ 1663‬بقوله ''وهكذا قد ثبتت مكانة الصناعة التقليدية كقطاع بإمكانه‬
‫المساهمة فعليا في خلق الثروات وامتصاص البطالة ورفع إيرادات الصادرات خارج‬
‫المحروقات(‪.)1‬‬

‫لذلك ليس غريبا أن تُفرد المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم دراسة لهذا النوع من‬
‫الصناعات أصدرتها سنة ‪ 1661‬بعنوان '' الخطة القومية للنهوض بالصناعات التقليدية في‬
‫أكدت فيها على أهمية الصناعات التقليدية وضرورة العناية بها‪ ،‬وتوصلّت فيها‬
‫الوطن العربي'' ّ‬
‫أن هذه الصناعات رغم أهميتها مازالت تحتل موقعا ثانويا في الكثير من البلدان العربية‬ ‫إلى ّ‬
‫(‪)0‬‬
‫أن طاقات العاملين وامكانياتهم في هذا المجال لم تستغل االستغالل األمثل‪.‬‬
‫وّ‬
‫كل الجهود التي تبذلها الجهات الرسمية من أجل النهوض بالصناعة‬ ‫وعلى الرغم من ّ‬
‫مس الكثير من األنشطة‪،‬‬‫ال ّأنها تشهد في السنوات األخيرة نوعا من الركود الذي ّ‬‫التقليدية‪ ،‬إ ّ‬
‫ولعل ذلك يرجع إلى قلّة اإلقبال على شراء منتوجاتها لعدم الحاجة إلى مثل هذه األشياء التي‬
‫ّ‬
‫تغيرت مع الزمن‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪Journée d’étude sur l’artisanat traditionnel : communication de monsieur le ministre du‬‬
‫‪tourisme et de l’artisanat, sidi – Fredj, 15/11/1994.‬‬
‫(‪ )0‬ينظر‪ :‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬الخطة القومية للنهوض بالصناعات التقليدية في الوطن العربي‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫ص‪.10‬‬

‫‪9‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫وال غرابة في وجود بعض من الحرفيين الذين ال يزالون متمسكين بحرفهم على الرغم من‬
‫ّأنها تعد ذات مردود مادي‪ ،‬فهم يعانون من مشاكل عديدة أكثرها مادية‪ ،‬وقد يرجع سبب بقائهم‬
‫في ممارسة إحدى هذه الصناعات إلى سببين اثنين‪:‬‬

‫أن الكثير من الحرفيين قد ورثوا صنعتهم من‬


‫‪ -1‬طغيان الطابع الروحي العاطفي؛ إذ ّ‬
‫آبائهم‪ ،‬ومن غير المعقول أن يتخلى االبن عن اإلرث الذي تركه أبوه‪ ،‬حتى أن بعض‬
‫العائالت التلمسانية ذات األصل األندلسي ''تعرف بنسبتها إلى حرفة من الحرف التي‬
‫ونجار إلى‬
‫وهدام ون ّقاش ّ‬
‫وبناي ّ‬
‫وحصار وس ّقال ّ‬
‫ّ‬ ‫كفخار‬
‫كانت تزاولها في ذلك العهد ّ‬
‫آخره''(‪.)1‬‬
‫بتخصصات أو‬
‫ّ‬ ‫أن معظم الحرفيين ليست لهم دراية‬‫‪ -0‬طغيان الطابع المعرفي‪ ،‬حيث ّ‬
‫صعبا إن لم يكن‬
‫ً‬ ‫أمر‬
‫مهن أخرى غير الحرفة التي يمتهنونها‪ ،‬ولهذا يكون التخلي عنها ًا‬
‫مستحيال‪.‬‬

‫الحاج محمد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.311‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪01‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الــــمطلب الــــثاني‪ :‬أهم الصناعات التقليدية في تلمسان‬

‫حظيت تلمسان بسمعة كبيرة وشهرة عالمية لسنوات عديدة لما كانت تتمتع به من صناعات‬
‫تقليدية على اختالف أنواعها‪ ،‬هذه األخيرة كانت وراء ازدهار وانتعاش المدينة لحقب طويلة‪،‬‬
‫األمر الذي جعل الحرفي يحتل مكانة محترمة في المجتمع التلمساني‪ .‬ومن أهم هذه‬
‫الصناعات‪:‬‬

‫‪ -1‬الــــــصناعة الـــــنحاسية‪:‬‬

‫تعد هذه الصناعة من إحدى الحرف العريقة التي عرفتها الجزائر منذ القدم‪ ،‬فهي ذات‬
‫أن وجود الحرفيين النحاسيين في الجزائر يعود إلى العصور‬
‫جذور بعيدة في تاريخ البالد‪ ،‬حيث ّ‬
‫الوسطى(‪ .)1‬وأهم المدن التي اشتهرت بهذه الصناعة قسنطينة وتلمسان‪.‬‬

‫يعود تاريخ وجود هذه الصناعة في مدينة تلمسان إلى عهد الموحدين‪ ،‬حيث كان لحكامهم‬
‫عناية كبيرة بمختلف الصناعات‪ .‬وقد نلمس ذلك من خالل األواني واألدوات النحاسية التي‬
‫كانت تصنع بالمدينة والتي ما زال يحافظ عليها بعض التجار بمحالتهم والعائالت بمنازلهم‪.‬‬
‫وكانت هذه الصناعة راسخة في بعض األسر التلمسانية تتناقلها من جيل آلخر محافظة بذلك‬
‫محمد بن قلفاط البنه‬ ‫النحاس المشهور بالمشور‬
‫(‪)0‬‬
‫على تقنيات الصنع القديمة‪ ،‬فقد ''ترك ّ‬
‫عثمان إرثا فنيا إلى غاية من الدقة''(‪ ،)3‬ولكن هذه الحرفة قد اندثرت بذهاب أصحابها‪.‬‬

‫(‪ )1‬الصناعات التقليدية الجزائرية‪ ،‬وزارة السياحة والصناعات التقليدية‪ ،‬مديرية الصناعات التقليدية‪ ،‬المؤسسة الوطنية لالتصال‬
‫والنشر واإلشهار‪ ،‬الجزائر‪ ،‬أفريل ‪ ،1661‬ص‪.01‬‬
‫المشور‪ :‬المدينة التي ابتناها الزيانيون يوم كانت تدعى تلمسان بـ ـ (تاجرارت)‪.‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫(‪)3‬‬
‫‪TELEMCEN : au passé rapproché 1937 – 1962 ; Edition Gandini ; Avril 1997 ; p71.‬‬

‫‪00‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫ولعل السبب‬
‫وقد شهدت هذه الصناعة التقليدية بالمدينة تطو ار كبي ًار عبر مرور األزمنة‪ّ ،‬‬
‫كل المصنوعات النحاسية‪ ،‬حتى تلك التي كانت تستعمل في األغراض‬ ‫أن ّ‬
‫في ذلك يرجع إلى ّ‬
‫المنزلية اليومية‪ ،‬قد ُعنيت باهتمام أهالي المنطقة لما تتميز به من إتقان وجودة وخاصة‬
‫الزخارف التي زادتها جماال‪ ،‬فالتلمسانيون مازالوا يستعملون – إلى أيامنا – هذه األواني في‬
‫التجميل الداخلي لمنازلهم‪.‬‬

‫‪ -2‬الـــــــلباس الــــــتقليدي‪:‬‬

‫مر العصور هي انعكاس لمدى التطور الذي لحقته‬ ‫ِّ‬


‫أن طريقة اللبس على ّ‬
‫مما الشك فيه ّ‬
‫الحضارات والشعوب‪ ،‬فالزخارف التي تنسج على اللباس مثال قد تعطينا فكرة واضحة عن‬
‫عادات وتقاليد بعض المجتمعات‪.‬‬

‫وقد نالت تلمسان حظّها من هذا التطور‪ ،‬فاللباس التقليدي التلمساني ذو شهرة كبيرة في‬
‫ثم بالتنوع في استعمال الزخارف النباتية التي يدخل في‬
‫ألنه يمتاز باالتقان والجودة ّ‬
‫الجزائر؛ ّ‬
‫تشكيلها الخيط الذهبي والفضي‪ .‬ففي القرن السادس عشر مثال ''كان المسلمون واليهود‪ ،‬على‬
‫لرماني‬
‫اختالف تقاليدهم كانوا يلبسون هذه الملبوسات في أيام األفراح‪ :‬الصدريات ذات اللون ا ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫والمطروزة بالخيط الذهبي والقفطان والشواشي المخروطية‪''.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪TELEMCEN : au passé rapproché 1937 – 1962 ; p72.‬‬

‫‪01‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الــلباس التقليدي التلمساني‬

‫واأللبسة التقليدية التي تشتهر بها مدينة تلمسان هي في حقيقة األمر من اختصاص‬
‫النساء‪ ،‬فهي على أنواع وأشكال عديدة‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬الــــقفطان(‪ :)1‬وتنفرد به المدينة دون غيرها من المدن الجزائرية‪ُ .‬يخاط هذا اللباس من‬
‫القطيفة(‪ )0‬وهو قماش مخملي‪ ،‬بحيث يطرز بالخيط الذهبي الذي تشكله أيادي النساء‬
‫الماهرات في زخارف في غاية من الد ّقة والجمال‪ .‬وهذا الّلباس خاص بالعروس ترتديه‬
‫يوم زفافها‪.‬‬

‫يقال القفطان أو القرفطان وهي كلمة تركية‪.‬‬ ‫( ‪)0‬‬

‫من األقمشة المخملية الغالية الثمن‪.‬‬ ‫( ‪)1‬‬

‫‪01‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ ‬القسنطينية‪ :‬وهو لباس فاخر‪ ،‬أصله من مدينة قسنطينة‪ ،‬يصنع من القطيفة ويطرز‬
‫أيضا بالخيط الذهبي‪ .‬وهو عبارة عن لباس طويل يصل إلى أسفل األرجل على العكس‬
‫من القفطان‪.‬‬

‫جدا‪ ،‬ويشبه‬
‫الرداء‪ :‬وهو من خصوصيات المدينة‪ ،‬ينسج من قماش شفاف وخفيف ّ‬ ‫‪ِّ ‬‬
‫كثير ''الشاوية''(‪ ،)1‬كما ّأنه من المالبس الخاصة باألفراح والمناسبات‪.‬‬
‫ًا‬
‫‪ ‬الكراكو‪ :‬وهو في األصل من الجزائر العاصمة‪ ،‬وألناقته وجماله استعملته النساء‬
‫التلمسانيات‪ ،‬وأصبح من األلبسة الشائعة في المدينة منذ زمن بعيد‪ .‬يتكون من جزء‬
‫علوي (المعطف) يصنع في الغالب من القطيفة ويطرز بالخيط الذهبي‪ ،‬وجزء سفلي‬
‫(السروال) يصنع من قماش حريري يدعى (المنسوج) نسبة لآللة التي تختص بصنعه‬
‫وهي (المنسج)‪.‬‬

‫لكنها أصبحت منذ زمن بعيد‬ ‫وتستعمل التلمسانيات ألبسة أخرى ذات األصل المغربي‪ّ ،‬‬
‫''الب ْد ِعَّية'' و''الفُوقية'' و''التَ ْحتية''‪،‬‬
‫فهن يرتدينها في األفراح والوالئم‪ .‬ومن بينها َ‬
‫من تقاليد المدينة‪ّ ،‬‬

‫لباس تشتهر به منطقة األوراس‪.‬‬ ‫( ‪)0‬‬

‫‪01‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫أن مدينة َو ْج َدة‬


‫وقد يرجع السبب في ذلك إلى خفتها أو تأث ًار بتقاليد النساء المغربية باعتبار ّ‬
‫المغربية تبعد عن تلمسان بأقل من مائة كيلومتر‪.‬‬

‫‪ -3‬الــــصناعة الــــنسيجية‪:‬‬

‫تعد حياكة النسيج واحدة من اهم الصناعات التقليدية التي عرفها اإلنسان منذ عهود بعيدة‪،‬‬
‫فجذورها تضرب بعيدا في أعماق التاريخ‪ .‬وقد احتلت بفعل أصالتها واهميتها مكانة مرموقة‬
‫كل المجتمعات‪.‬‬
‫في ّ‬
‫بكل ما تحمله من خبايا وأسرار‪ ،‬فقد عرفوا‬
‫وقد كانت لعرب الجاهلية دراية بصناعة النسيج ّ‬
‫كيف يتحكمون فيها‪ ،‬الشيء الذي جعلهم ''يصنعون من األصواف واألوبار واألشعار أثاثا من‬
‫مالبس ُوبسط وسجاجيد وغيره''(‪ )1‬لقوله تعالي‪(( :‬ومن أصوافها وأوابرها وأشعارها أاث ًاث ومتاعًا اىل‬
‫حني))(‪ ،)0‬وخاصة الخيام ألنهم كانوا في الغالب من البدو الرحل‪.‬‬

‫بأن هذه الصناعة قديمة في الخليقة‪،‬‬‫يقرر ّ‬ ‫ويذهب ابن خلدون إلى أبعد من ذلك‪ ،‬فهو ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ولقدمها تنسبه العامة إلى إدريس عليه السالم‪ ،‬وهو أقدم األنبياء‪.‬‬

‫وتلمسان إحدى المدن الجزائرية التي عرفت هذه الصناعة منذ القدم على اختالف‬
‫منتوجاتها‪ .‬فباإلضافة لكونها ''مرك از تجاريا‪ ،‬كانت معروفة كمركز انتاجي‪ .‬وقد كان للصناعة‬
‫النسيجية دور كبير في اكتسابها تلك السمعة الكبيرة‪ ،‬حيث كانت تنتج أقمشة صوفية األكثر‬
‫خفة واألكثر متانة''(‪.)3‬‬

‫واضح الصمد‪ ،‬الصناعات والحرف عند العرب في العصر الجاهلي‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ط‪1310 ،1‬هـ ‪1616 -‬م‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.11 :‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬الجزء ‪ ،0‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل محمد درويش‪ ،‬ط‪1301 ،1‬ه‪0113 /‬م‪ ،‬ص‪.369‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪TELEMCEN : Georges Marçais ; Librairaie Re mouard ; H.Laureus ; Editeur ; 1950 ; p93.‬‬

‫‪01‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫بأن حايك(‪ )1‬وبرنوس تلمسان كانا مطلوبين في‬


‫وفي القرن الرابع عشر ''يخبرنا ابن خلدون ّ‬
‫األسواق الغربية والمشرقية''(‪ .)0‬وقد وجد الفرنسيون عند دخولهم إلى تلمسان اكثر من خمسمائة‬
‫بأن‬
‫أقر كل من ألفرد بال ‪ A.BEL‬و ‪ّ P.Ricard‬‬ ‫معمل نسيج ‪ .‬ولكن في سنة ‪ّ 1613‬‬
‫(‪)3‬‬

‫المناول(‪ )3‬األفقية المنتجة لألغطية واأللبسة ذات النعومة الشديدة لم يكن عددها يفوق المائة‬
‫إالّ بقليل‪.‬‬

‫كبير على‬
‫وفي السنوات األولى من استقالل الجزائر‪ ،‬شهدت هذه الصناعة انتعاشا ًا‬
‫المستوى الوطني وبتلمسان على وجه الخصوص؛ فالمناول ''قد ارتفع عددها من اثنين وثالثين‬
‫كل المنتوجات‬
‫في عام ‪ 1691‬إلى أزيد من ثماني مائة في عام ‪ ''1611‬مختصة في صنع ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫النسيجية‪.‬‬

‫النساجون التلمسانيون الذين مازالوا يمتهنون هذه‬


‫ومن أهم المنتوجات التي يصنعها ّ‬
‫أن المدينة تنفرد بصنع نوعين‬
‫البور َابح؛ إذ ّ‬
‫الحرفة‪ :‬األغطية الصوفية مثل الحنابل والقطنية و ُ‬
‫ألنه لم يعد من‬
‫قل كثيرا‪ّ ،‬‬
‫أن الطلب على ''البورابح'' ّ‬
‫ال ّ‬
‫الحشايشي''‪ .‬إ ّ‬
‫البطانية'' و'' َ‬
‫ّ‬ ‫منه وهما ''‬
‫المفروشات الضرورية لجهاز العروس‪.‬‬

‫لحاف أبيض يستر كامل جسد المرأة‪ ،‬وتلبسه التلمسانيات عن خروجها من البيت‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.369‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫مبارك بن محمد الهياللي الميلي‪ ،‬تاريخ الجزائر في القديم والحديث‪ ،‬مكتبة النهضة الجزائرية‪ ،‬الجزء ‪ ،3‬ص‪.319‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫المنوال هو آلة حياكة النسيج‪ ،‬وهو عبارة عن آلة يدوية معقدة التركيب يدخل في تركيبها األلواح الخشبية وبعض الخيوط‬ ‫(‪)3‬‬

‫الدقيقة والحبال‪ .‬وهو نوعان‪ :‬أقي وعمودي‪ .‬األول خاص بالرجال والثاني خاص البنساء‪.‬‬
‫محمد تروزين‪ ،‬صناعة المضفرات والمنتوجات الحلفاوية بالمنطقة السهبية من دائرة سبدو بوالية تلمسان‪ ،‬المعهد‬ ‫(‪)1‬‬

‫الوطني العالي للثقافة الشعبية‪ ،‬تلمسان‪ ،1663 ،‬ص‪.6‬‬

‫‪01‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫وهناك الجالبيب والبرانس والمنشفات‪ ،‬وممسحات األرض‪ ،‬والفوطات إلى غير ذلك‪ .‬واألهم‬
‫من ذلك الحايك التلمساني الذي نال شهرة كبيرة في الجزائر كلها‪ ،‬فهو على نوعين‪ :‬حايك‬
‫الم َر ْام وهو مصنوع من حرير دودة القز‪ ،‬والنوع الثاني مصنوع من الخيوط االصطناعية وهو‬
‫ْ‬
‫أقل جودة وثمنا‪.‬‬

‫‪ -4‬صــــناعة الزرابي‪:‬‬

‫من بين الصناعات التقلي دية العديدة التي تدخل ضمن المنسوجات صناعة الزرابي‪ .‬فقد‬
‫كل المجتمعات بسبب طول مدة إنجازه من جهة‪ ،‬والى غالئه‬
‫احتل هذا المنتوج مكانة هامة في ّ‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬

‫والجزائر قطر من هذه األقطار التي عرفت كيف تحافظ على هذه الصناعة‪ ،‬حيث ّأنها‬
‫منتشرة في العديد من المدن وتنسب إليها‪ ،‬ونذكر منها‪ :‬زربي غرداية وبني يزقن‪ ،‬وزربية‬
‫النمامشة (تبسة وخنشلة)‪ ،‬وزربية معديد (مسيلة وبرج بوعريريج)‪ ،‬وزربية قرقور (سطيف)‪.‬‬

‫‪07‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫أما عن تلمسان‪ ،‬فقد عرفت هي األخرى هذا النوع من الصناعة من عهود قديمة‪ ،‬فـ ـ ''يحي‬
‫ّ‬
‫بأنه في القرنين الرابع عشر والسادس عشر كانت صناعة‬
‫ابن خلدون وليون اإلفريقي'' يخبرننا ّ‬
‫الزرابي نشاطا ذو أهمية بالغة لدى سكان المدينة''(‪.)1‬‬

‫تطور‬
‫ولكن بمجيء الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ،‬حدث ّ‬
‫تكنولوجي كبير في وسائل اإلنتاج‪ ،‬فظهرت اآلالت الميكانيكية السريعة التي طغت على‬
‫الصناعة النسيجية والزرابي على وجه الخصوص‪.‬‬

‫أن سرعة‬
‫وهكذا كان لظهور المعامل الممكننة في تلمسان أثر سلبي على هذه الصناعة؛ حيث ّ‬
‫أدى إلى ضعف السوق التلمسانية من‬
‫اإلنتاج أثرت على نوعية وجودة الزربية‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫جهة‪ ،‬وغلى غلق عدد كبير من الورشات‪ ،‬فكان لهذا الوضع انعكاس سلبي على الحياة‬
‫االجتماعية للمدينة‪.‬‬
‫(‪)0‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪TELEMCEN : au passé rapproché 1937 – 1962 ; p69.‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.01‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪08‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الـــــمبحث الثاني‪ :‬الــــصناعات الـــجلدية (منطقة تلمسان أنموذجا)‬


‫مدخل‪:‬‬

‫طا‬
‫مما ال شك فيه أن تاريخ استعمال الجلود يعود إلى عهود قديمة‪ ،‬بل ّإنه يرتبط ارتبا ً‬
‫ولعل الظروف الطبيعية القاسية التي كان يعاني منها اإلنسان البدائي‬
‫وثيقا ببداية اإلنسانية‪ّ ،‬‬
‫حر وبرد وما شابه ذلك‪ ،‬قد حركت ذكاءه وأيقظت مهاراته الفكرية‪ ،‬حيث وجد لنفسه سبيال‬
‫من ّ‬
‫بأن اتخذ جلد الحيوان الذي يصطاده لباسا له ليقي به جسمه‪.‬‬

‫فالصيد إذن‪ ،‬كان أولى العمليات التي قام بها اإلنسان لكي يحافظ على أمنه وعلى سالمة‬
‫عائلته من الحيوانات والوحوش‪ ،‬وقد استعمل لحومها وأصوافها وجلودها على وجه الخصوص‬
‫في حياته اليومية ألغراض نفعية‪.‬‬

‫تعد الصناعة الجلدية فرع من فروع الدراسات األثرية‪ ،‬إذ أنها مرآة‬
‫وعلى هذا األساس‪ّ ،‬‬
‫صادقة تعكس حضارة أي شعب من الشعوب وتبرز ذوق العصر‪ ،‬كما تبين أهم طبقات‬
‫المجتمع التي وجدت آنذاك مع أهم العادات والتقاليد التي توارثها األبناء عن آبائهم وأجدادهم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وبمرور األزمنة‪ ،‬تطور اإلنسان وتحضر فاهتدى إلى تربية المواشي حتى يوفر لنفسه‬
‫كميات أكبر من الجلود‪ ،‬وقد تأ ّكدت أهمية استعمال هذه المادة في المجتمعات كّلها وبصورة‬
‫المعدات التي تسمح بتحويلها وتصنيعها‪ .‬وهكذا‬
‫غير مباشرة من خالل اكتشاف األدوات و ّ‬
‫أصبحت الجلود على اخت الف أنواعها ذات أهمية بالغة ومكانة مميزة في اقتصاد العديد من‬
‫أدى على ظهور مجاالت أخرى من اإلنتاج كصناعة المالبس واألحذية‬ ‫الدول‪ ،‬المر الذي ّ‬
‫(الجاكيت والسراويل والقفازات والقبعات) وكذلك األحذية والحقائب والمحافظ‪ .‬وقد استخدمت‬
‫الجلود أيضا في إنتاج أصناف عديدة من األثاث المنزلي‪ ،‬كالمقاعد واألرائك والمفروشات‬
‫كالوسائد وغيرها‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬بو سليم صالح‪ ،‬الصناعة التقليدية بمنطقة تيديكلت – صناعة الفخار والجلود نموذجا –‪ ،‬دراسة ميدانية فنية‬ ‫(‪)1‬‬

‫إثنوغرافية‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪09‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الــــــمطلب األول‪ :‬مـــــــادة الــــــجلد‬

‫إن الجلد هو بشرة الحيوانات أو أدمتها أو فروها سواء كانت الثدية أو الزواحف أو الطيور‬
‫ّ‬
‫أو األسماك‪ ،‬والتي عولجت بطريقة محكمة تجعله صالحا لالستعمال‪ ،‬وتدعى هذه العملية‬
‫''بالدباغة''‪.‬‬
‫ّ‬
‫وللجلد وجهان يختلفان في السمك؛ وجه علوي يمثل نسبة قليلة من سمك الجلد ويغطيه‬
‫لكل صنف‬‫أن وضعية الصوف على الوجه ونوعية البشرة يعطيان ّ‬ ‫الصوف او الوبر؛ حيث ّ‬
‫من الجلود طابعه المميز‪ ،‬والوجه السفلي لحمي وأكثر نعومة‪ ،‬وهو الجزء األهم في الجلد‪،‬‬
‫حيث يصل سمكه إلى أربعة اخماس من السمك اإلجمالي‪.‬‬

‫''أن‬
‫ويذهب البعض إلى القول بأن الجلد موهوب بالحياة‪ ،‬شأنه في ذلك شأن اإلنسان؛ إذ ّ‬
‫الدباغون‪ :‬الجلد يأكل‪ ،‬ويشرب‪،‬‬
‫الصناع يؤكدون ذلك‪ ،‬فمن المصطلحات التقنية التي يستعملها ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وينام‪ ،‬وينشأ من الماء‪ ،‬ويزخرف بعد نشأته''‪.‬‬

‫ويجرنا الكالم إلى الحديث عن مدينة تلمسان‪ ،‬فقد عرفت هذه المدينة صناعة الجلود منذ‬
‫القدم‪ ،‬ففي القرون الوسطى وخاصة في الفترة التي حكم فيها الزيانيون كان ''من جملة الصادرات‬
‫أن مدابغ تلمسان كان‬
‫إلى الخارج الحبوب والزيوت والجلود والصوف'' ‪ ،‬وهذا دليل على ّ‬
‫(‪)0‬‬

‫يخرج منها كميات كبيرة من الجلود تفوق احتياجاتها المحلية‪.‬‬

‫ولعل هذا ما أدى إلى تحفيز الحرفيين الذين هم على عالقة مباشرة بالجلود كالبلغاجيين‬ ‫ّ‬
‫مثال على االستقرار بالمدينة‪ .‬وألهمية هذه المادة وكثرة المهتمين بالصناعة الجلدية والمشتغلين‬
‫كل هذا الجمع من الحرفيين قد ساعد على‬
‫بالدباغة وخاصة تلك الصلة الوثيقة التي تربط بين ّ‬
‫لكل من له‬
‫التقائهم في مكان واحد تسهل من خالله العالقات التجارية‪ ،‬حيث كان مقصدا ّ‬
‫اهتمام بمادة الجلد والمصنوعات الجلدية‪.‬‬

‫ولإلشارة فقط‪ ،‬فقديما كانت هذه القوافل التجارية اآلتية من البالد البعيدة تحطّ بهذا المكان‬
‫لشراء ما تحتاجه من بضائع وتبيع ما أتت به من سلع وكان يدعى بسوق منشر الجلد‪'' ،‬وكان‬

‫(‪)1‬‬
‫‪D. JEMMA, Les Tanncurs de MARRAKECH, Mémoires du C.R.A.P.E xix ; imp,‬‬
‫‪ZABAN, Alger ; p55.‬‬
‫(‪ )0‬الحاج محمد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.331‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الدباغون‬
‫هذا السوق قرب جامع ابن البناء ‪ ،‬وهي تتبئنا عن وجود ثالثة طوائف من الصناع‪ّ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫السراجون''(‪ )0‬الذين كانوا ينتجون مصنوعات في غاية من الجودة واإلتقان‪.‬‬


‫الخرازون ‪ ...‬و ّ‬
‫‪ ...‬و ّ‬
‫ولقد أحدث التطور التكنولوجي الذي صاحب الثورة الصناعية انقالبا كبي ار في كثير من‬
‫مجاالت الحياة وخاصة الصناعات التحويلية‪ .‬فابتداء من سنة ‪ 1611‬أخذت البلدان المتقدمة‬
‫ألن المنتوجات المصنوعة‬ ‫في تصنيع مواد بالستيكية تشبه الجلد في كثير من خصائصه‪ ،‬و ّ‬
‫من الجلد الطبيعي أضحت غالية الثمن فقد أصبح استعمال هذا البديل ام ار حتميا‪ ،‬وهكذا لم‬
‫تعد الجلود الطبيعية مهمة كما كانت عليه‪.‬‬

‫أما تلمسان‪ ،‬فقد عرفت استيراد الجلد االصطناعي في فترة مبكرة من طرف بعض الحرفيين‬
‫ّ‬
‫اإلسكافيين الذين استغلوا هذه الفرصة‪ ،‬فانصرفوا عن حرفتهم وتوجهوا نحو المتاجرة بالجلود‬
‫أن هذه النوعية من الجلود ستلقى رواجا كبي ار في األسواق المحلية والوطنية‪.‬‬‫لتيقنهم من ّ‬
‫أن معظم المنتوجات الجلدية التي تباع في محالت‬ ‫وبالفعل‪ ،‬لقد كانوا صائبين في تنبئهم‪ ،‬إذ ّ‬
‫المدينة – أي تلمسان – من احذية وحقائب نسائية هي مصنوعة من هذا البديل الصناعي(‪،)3‬‬
‫أن هذه الجلود متينة وقوية‪ ،‬وتكاد أفضل من بعض الجلود الطبيعية التي لم‬
‫والمثير للدهشة ّ‬
‫الدباغة‪.‬‬
‫تأخذ حقّها من ّ‬
‫ان انتشار الجلد الصناعي أدى بدون شك إلى انتشار المصانع الصغيرة الخاصة‪،‬‬
‫كما ّ‬
‫فتطور اإلنتاج وكثرت الورش وانخفضت األسعار‪.‬‬

‫ان سعر الجلود يرتكز على عدة عوامل‪ ،‬من أهمها نوعية‬ ‫والبد من اإلشارة أيضا إلى ّ‬
‫أما جلود األبقار فإنها تبنى‬
‫الجلد ومصدره‪ ،‬وتبنى أسعار جلود الضأن والماعز على القطعة‪ّ ،‬‬
‫على المساحة‪.‬‬

‫ال يزال هذا المسجد قائما إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫الحاج محمد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.301‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫زيارة قمت بها إلى محالت بيع األحذية (شارع ابن خلدون)‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪10‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الـــــــمطلب الثاني‪ :‬دبـــــاغة الــــجلود‬

‫ان اإلنسان قد استعمل منذ القدم الجلود المدبوغة لثيابه واحذيته وكوخه الذي‬
‫من المعلوم ّ‬
‫يأوي إليه مستخدما في ذلك أنواعا مختلفة من المواد‪.‬‬

‫والـــــدباغة ''هي دبغ اإلهاب بما يدبغ به‪ ،‬واإلهاب هو الجلد من البقر والغنم والوحش ما‬
‫لم يدبغ''(‪ ،)1‬حيث يكتسب الجلد بعد دبغه ''زيادة في المقاومة وعدم التقلص في الماء الحار‬
‫ألن الجلود‪ :‬تتألف‬
‫الممددة بالماء وال يفسد ويتعفن في األحوال الرطبة أو الحارة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫او األحماض‬
‫غالبا من مادة غروية تتأثر بكثير من المواد كالخمائر والبكتريا والمالح واألحماض والقلويات‬
‫والزيوت والدهون والخالصات الدباغية'(‪.)0‬‬

‫تصدره‬
‫وقد وجدت حرفة الدباغة بتلمسان منذ عهود بعيدة‪ ،‬ويبرز ذلك من خالل ما كانت ّ‬
‫أن انتاجها من هذه المادة كان يفوق‬
‫من كميات وأنواع مختلفة من الجلود ‪ ،‬وهذا دليل على ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫الدباغين‬
‫فإنه البد من تواجد ّ‬
‫الكم من الجلود ينتج بالمدينة‪ّ ،‬‬
‫احتياجاتها المحلية‪ .‬واذا كان هذا ّ‬
‫ودور الدباغة‪.‬‬

‫وبالفعل كان بتلمسان – في أوائل االحتالل الفرنسي – أربعة دور للدباغة ''واحدة بحي‬
‫الحمار(‪ ،)1‬وثالثة بالقلعة(‪،)9‬‬
‫القصارين بأقادير ‪ ،‬وثانية على ضفة واد مشتكانة قرب الرّياض ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ّ‬
‫قرب مقبرة اليهود''(‪.)1‬‬ ‫(‪)0‬‬
‫ورابعة بحي قباصة‬

‫واضح الصمد‪ ،‬الصناعات والحرف عن العرب في العصر الجاهلي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.031‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫دباغة الجلود وصناعة المواد المتعلقة بها‪ ،‬ترجمة واعداد جعفر طه الهاشمي‪ ،‬دار الصفدي‪ ،‬دمشق‪ 1311 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪1661‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.6‬‬


‫ينظر‪ :‬الحاج محمد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.331‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫أقادير‪ :‬وهي تلمسان قديما‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫يوجد هذا الحي خارج باب الجياد‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫كانت متواجدة على أرض قراجة وراء المسجد‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫يوجد هذا الحي شمال باب القرمدين‪.‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫ينظر‪ :‬الحاج محمد بن رمضان شاوش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.331‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫وقد توقفت مدبغة أقادير عن النشاط الفعلي للدباغة منذ بداية التسعينات على إثر تدهور‬
‫الحالة الصحية لمالكها ''السيد بن براهيم قويدر''‪ ،‬وليس نتيجة تغيير مجرى العين التي كانت‬
‫فالمياه ال زالت تنساب من هذه العين على يومنا هذا‪.‬‬
‫(‪)0‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫توفر الماء كما يزعم البعض‪.‬‬

‫يمر بجانبها‬
‫ال القليل‪ ،‬فالزائر قد ّ‬
‫وتجدر اإلشارة على ّأنه لم يبق من مرافق هذه المدبغة إ ّ‬
‫أي أثر هي‬‫فالحفر التي كانت تغسل وتدبغ فيها الجلود لم يعد لها ّ‬
‫من دون أن يلحظ وجودها‪ُ ،‬‬
‫مجرد بيوت قديمة منها ما هو مستعمل لتخزين الجلود‬
‫أما ما تبقى منها‪ ،‬فهي ّ‬ ‫األخرى‪ّ .‬‬
‫ولكنهم‬
‫إن عدد العاملين بها اليوم ال يتعدى خمسة‪ّ ،‬‬
‫الخضراء وأخرى لممارسة العمل اليومي‪ّ .‬‬
‫الدباغة‪.‬‬
‫ال يمتهنون نشاط ّ‬
‫ان هذه الدور األربعة كانت متواجدة خارج المدينة‪ ،‬والسبب في ذلك يرجع‬
‫والملفت لالنتباه ّ‬
‫أساسا إلى وقاية السكان من التلوث والرائحة الكريهة التي تنبعث منها نتيجة استعمال مواد‬
‫الدباغة والصباغة (النباتية أو الكيمائية)‪ ،‬كما ّأنها تمركزت بالجهة الشرقية من المدينة‬
‫أهمها الرياح الغربية التي تساعد على تجفيف الجلود‪ ،‬وابعاد تلك‬
‫العتبارات مناخية‪ ،‬من ّ‬
‫الروائح عن المدينة‪.‬‬

‫مميزة؛ إذ ّأنها كانت ِّ‬


‫تشغل عددا‬ ‫ور الدباغة في تلمسان أهمية كبيرة ومكانة ّ‬ ‫لد ِ‬
‫وقد كان ُ‬
‫هائال من أبناء المدينة‪ ،‬حيث ّأنه إلى ''نهاية الثالثينيات من هذا القرن – أي القرن العشرين–‬
‫لم تكن توجد تقريبا عائلة بتلمسان ال يعمل أحد أفرادها في الدباغة''(‪ .)3‬والى جانب ذلك‪ ،‬كانت‬
‫الدراز(‪ )3‬باألصواف‪ ،‬ولهذا ُعرفت الدباغة على ّأنها ''أم الصنائع''‬
‫الخراز بالجلود و ّ‬
‫السراج و ّ‬
‫تمد ّ‬
‫ّ‬
‫ثم لألهمية العددية لليد العاملة التي‬
‫ألهمية منتوجها من حيث استعماالته العديدة والمتنوعة‪ّ ،‬‬
‫كانت تشغلها هذه الحرفة‪.‬‬

‫نقادي سيدي محمد‪ ،‬التصميم العمراني لمدينة تلمسان وداللته االجتماعية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬معهد الثقافة الشعبية‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫تلمسان‪ ،1661 ،‬ص‪.199‬‬


‫زيارة ميدانية قمت بها إلى عين المكان بتاريخ ‪.0110/11/11‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫نقادي سيدي محمد‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.199‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫الطراز'' عن طريق اإلدغام‪.‬‬


‫الدراز تحريف لعبارة ''دار ّ‬
‫أن ّ‬‫الحرفي الذي يمتهن حرفة النسيج‪ ،‬واألصل ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫كونوا ألنفسهم مجلسا‬


‫وتجدر اإلشارة إلى المعّلمين من الدباغين وغيرهم من الحرفيين ّ‬
‫داخل المدينة يهتم بشؤونهم ويتخذ جميع الق اررات الهامة التي تخص حرفة الدباغة‪ ،‬وكان يرأسه‬
‫الدباغين بتلمسان وذلك في‬
‫عضو من أعضائها يدعى ((أمين الطائفة))‪ ،‬وقد كان آخر امين ّ‬
‫السيد بريسكي المدعو ب ـ‬
‫ّ‬ ‫أواخر الثالثينيات من هذا القرن – أي القرن العشرين ‪-‬‬
‫الصناع من دباغين‬
‫''النصيص'' ‪ّ ،‬إنه كان على دراية كاملة بأخالق ومهارات المعلّمين و ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫يسجل عليها مالحظاته‬‫وخرزين‪ ،‬وكان يحتفظ بقائمة أسماء الحرفيين الذين يتعامل معهم‪ّ ،‬‬
‫ّا‬
‫الرمانة''(‪ )0‬مق ار له؛ حيث‬
‫الدباغين ''فندق ّ‬
‫حول سلوكهم المهني واألخالقي‪ ،‬وقد اتّخذ أمين ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫كل الحرفيين المستعملين للجلود‪.‬‬
‫يلتقي بداخله ّ‬
‫هو الضابط لها في السوق‪ ،‬فعلى‬ ‫الدالل‬
‫أما عن أسعار هذه المادة – الجلود ‪ ،-‬فكان ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ّ‬
‫إثر اتصاله بهؤالء الحرفيين تتكون لديه نظرة حول سعر الجلود‪ ،‬فيبّلغ أمين الطائفة‪ ،‬وهذا‬
‫األخير يحدد السعر اليومي بعد استشارة المنتجين‪ ،‬وقد كانت هذه الطريقة مطبقة على صناعات‬
‫السيد ''محمد بن قلفاط'' وكان ُيلقب بـ ـ ''أمين‬
‫أخرى‪ ،‬كصناعة المصوغ التي كان آخر أمين لها ّ‬
‫أن تلمسان اشتهرت أيضا بصناعة المعادن وخاصة‬‫الفضة''‪ ،‬وهذا يدل – أيضا – على ّ‬
‫فكل ما هو معروض‬
‫ولكن لألسف الشديد لم يبق أي أثر لهذا النشاط بالمدينة ّ‬
‫ّ‬ ‫النحاس‪،‬‬
‫بالمحالّت ّإنما يجلبه أصحابه من مدن بعيدة كالجزائر وقسنطينة اللتان مازالت تحفظ بحرفيين‬
‫(‪)1‬‬
‫يعرفون أسرار هذه الصناعة‪.‬‬

‫للدباغة وخاصة في البلدان التي أدركت قيمة‬


‫تطو ار كبي ار وسريعا ّ‬
‫وقد شهد القرن العشرين ّ‬
‫كل االهتمام والعناية واكتسبت بذلك سمعة عالمية‪ .‬وهكذا أصبحت الدباغة‬
‫هذا النشاط فأولته ّ‬
‫صناعة بمعنى الكلمة شأنها في ذلك شأن الصناعات األخرى التي يعتمد عليها في نمو هذه‬
‫البلدان اقتصاديا‪.‬‬

‫نسبة لقصر قامته‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫توجد بهذا الفندق مصطبة‪ ،‬كانت مخصصة لعرض الجلود‪ ،‬وقد حول الفندق إلى مقهى‪.‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫نقادي سيدي محمد‪ ،‬التصميم العمراني لمدينة تلمسان ودالالته االجتماعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.011‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫الل الجلد ويطوف به في السوق‪ ،‬وعن طريق المزايدة يحدد السعر اليومي‬
‫الدال ل‪ :‬شخص يعينه األمين‪ ،‬يحمل هذا الد ّ‬
‫ّ‬ ‫(‪)3‬‬

‫للجلد‪.‬‬
‫نقادي سيدي محمد‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.161‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫وقد َّ‬
‫أمد التطور التكنولوجي الذي أحرزته هذه الدول دفعة كبيرة لهذه الصناعة؛ حيث‬
‫مصنعة أو بإنتاج جلود مدبوغة‪ .‬وال تزال الدباغة إلى‬
‫ّ‬ ‫أصبحت مربحة سواء بإنتاج مواد نصف‬
‫وتقدما بسبب اإلقبال الدائم على شراء المنتوجات الجلدية على اختالف‬
‫تسجل تطو ار ّ‬‫ّأيامنا ّ‬
‫أنواعها كاألحذية والحقائب والمحافظ واألحزمة وغير ذلك‪.‬‬

‫وقد رافق هذا التطور نمو في الصناعات الكيميائية المتعلقة بالدباغة من خالل انتاجها‬
‫تقدم طرق الدباغة وتحسين‬‫الدبغ والصباغة والصقل والتلميع‪ ،‬وكذلك مساهمتها في ّ‬‫لمواد ّ‬
‫ثم تلبية مطالب الدباغين والعاملين في صناعة الجلود‪ .‬وترجع كّلها إلى ثالث‬
‫اإلنتاج‪ ،‬ومن ّ‬
‫مجموعات هي‪:‬‬

‫‪ -1‬خالصة النباتات الدباغية‪ :‬استعملت الخالصات النباتية في الدباغة منذ عهود بعيدة‪،‬‬
‫فهي أقدم طريقة عرفتها اإلنسانية‪ ،‬وال زال الكثير من الحرفيين – في المغرب األقصى‬
‫مثال – يستعمل الطريق نفسها‪.‬‬

‫مدة طويلة من الزمن تتراوح بين ‪ 3‬إلى ‪ 1‬أشهر وفي‬ ‫والدباغة بهذه المواد تستغرق ّ‬
‫بعض األحيان إلى أكثر من ذلك(‪ ،)1‬ولم تعد هذه الطريقة تطاق في يومنا هذا‪ ،‬على الرغم من‬
‫ّأنها تجعل الجلود أكثر قوة وكثافة وثباتا – أي ال تقبل التمدد –‪ .‬ولهذا فقد استخدمت لدباغة‬
‫النعل وتبطين األحذية والتنجيد وصنع المحافظ واألحزمة وغير ذلك من المنتوجات‪ .‬ويمكن‬
‫أيضا تزيين وزخرفة هذه الجلود‪ ،‬فيستعملها لتجليد الكتب مثال‪.‬‬

‫ومن المواد النباتية المستعملة عادة في الدباغة هي خالصات نبات السنط (أي الميموزا)‬
‫الرمان وتَكاَ ُوت‬
‫(‪)3‬‬
‫ّ‬ ‫حاء‬‫ِ‬
‫ل‬‫و‬ ‫‪،‬‬‫(‪)0‬‬
‫وشجر البلوط الفليني (‪ ،)Chêne liege‬والكبرش (‪)quebracho‬‬
‫الذي شاع استعماله في الدباغة التقليدية بتلمسان‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫دباغة الجلود وصناعة المواد المتعلقة بها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫الكبرش أو الكبراشو‪ :‬وهو التين الهندي‪.‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫تكاوت نبات يستعمل في الدباغة‪ ،‬اسمه العلمي ‪.Tamarix articulata‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫والدباغة بهذه المواد‪ ،‬تستلزم اتباع الطريقة التالية‪:‬‬

‫طــــــــــــريقة الـــــــــــدباغة بالــــمواد الــــــــــنباتية‬


‫الـــــــمواد‬ ‫الــــــعملية‬
‫جير‪ ،‬رماد‬ ‫بشر الجلد‬
‫جير‬ ‫‪Pelannage‬‬
‫نزع الجير‬ ‫‪Déchaulage‬‬
‫الحفظ‬ ‫‪Conlitage‬‬
‫أحماض‪ :‬مثل ملح الطعام‪.‬‬ ‫‪Pickalge‬‬
‫الرمان‬
‫لحاء السنط‪ ،‬لحاء البلوك الفليني‪ ،‬لحاء ّ‬ ‫الدبغ‬
‫ّ‬
‫زيوت‪ :‬مثل زيت الزيتون‪.‬‬ ‫الصباغة‬
‫الرمان مثال‬
‫لحاء ّ‬ ‫التطعيم‬

‫‪ -2‬الـــــدبغ بالكروم(‪ :)Chrome( )2‬لقد ُع ِرفت الدباغة بالكروم منذ عهد مب ّكر في القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬فعوضت هذه الطريقة عملية الدبغ بالمواد النباتية وأصبحت في ّأيامنا‬
‫ألنها تقلص من الزمن الذي تتطلبه عملية الدباغة‪ .‬فإذا كانت الدباغة‬
‫األكثر استعماال‪ّ ،‬‬
‫فإن الدباغة بالكروم‬
‫بالمواد النباتية تتطلب شهورا‪ ،‬وفي بعض األحيان سنة إلى سنتين‪ّ ،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫تتطلّب يوما أو يومين‪.‬‬

‫إن الجلود المدبوغة بالكروم هي بالمقابلة مع الجلود المدبوغة بالنباتات رخوة وناعمة‬
‫ّ‬
‫مما يجعلها مقاومة لالهتراء باالحتكاك‬
‫وقابلة للتمدد‪ ،‬وهي تميل أيضا لتصبح أكثر طراوة وليونة ّ‬
‫والثني‪ ،‬ولهذا تستعمل هذه األنواع من الجلود في وجوه األحذية والقفازات والمالبس‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪Revne : Terre et Vie, N° 42 ; Mars 2000. Sevteur de la Tannerie au Maroc par Mohammed‬‬
‫‪Marzak.‬‬
‫(‪ )0‬الكروم مادة كيميائية‪ ،‬ورمزه ‪.Cr‬‬
‫ينظر‪ :‬دباغة الجلود وصناعة المواد المتعلقة بها‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫الدباغة بهذه المواد تستلزم اتباع الطريقة التالية‪:‬‬
‫و ّ‬
‫طــــــــــــريقة الـــــــــــدباغة بالــــكروم والمواد الكيميائية‬
‫الـــــــمواد‬ ‫الــــــعملية‬
‫الجير ‪ +‬سلفات الصوديوم‬ ‫بشر الجلد‬
‫الجير‬ ‫‪Pelannage‬‬
‫كبريتات األمونياك‬ ‫‪Déchaulage‬‬
‫‪Confil : Enzymatique‬‬ ‫‪Conlitage‬‬
‫حمض الكبريتيك‬ ‫‪Pickalge‬‬
‫الكروم‬ ‫الدبغ‬
‫ّ‬
‫بيكاربونات‬ ‫‪Basification‬‬
‫صباغ كيميائي ‪ +‬زيوت كيميائية‬ ‫صباغة ‪ +‬تطعيم‬

‫الدباغ االصطناعي خليط معقد جدا‪ ،‬تعتمد خصائصه على‬ ‫الــدبغ الــمصنعة‪ّ :‬‬
‫‪ -3‬مــــواد ّ‬
‫التوازن الكيميائي مع خواص المواد الغروية التي تحتويها الجلود‪ .‬وهي تستعمل مع‬
‫أن لها استخدامات عديدة مساعدة لتقوية الجلود‪،‬‬
‫مواد دباغية أخرى لتعديل فعلها‪ ،‬كما ّ‬
‫جيدة‪ ،‬وكذلك إنتاج أنواع خاصة من الجلود تسمح‬
‫مما يجعلها ضرورية لصنع منتوجات ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)0‬‬
‫بزخرفتها‪.‬‬

‫المصنعة حسب تركيبها الكيميائي واستعماالتها الرئيسية‬


‫ّ‬ ‫ويمكن تصنيف المواد الدباغية‬
‫(‪)3‬‬
‫إلى ثالث مجموعات‪:‬‬

‫‪ -‬المواد الدباغية الصناعية المساعدة‪.‬‬


‫‪ -‬المواد الدباغية الصناعية المركبة‪.‬‬
‫‪ -‬المواد الدباغية الصناعية البديلة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪Revne : Terre et Vie, N° 42 ; Mars 2000. Sevteur de la Tannerie au Maroc par Mohammed‬‬
‫‪Marzak.‬‬
‫(‪ )0‬ينظر‪ :‬دباغة الجلود وصناعة المواد المتعلقة بها‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.33 – 30‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪17‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫لكل مادة من هذه‬


‫فإن ّ‬
‫وبغض النظر عن الخصائص الكيمائية لهذه األصناف الثالث‪ّ ،‬‬
‫المواد خصائص دباغية تعمل على تحسين صفات الجلد وضبط نظام الدباغة‪ ،‬ولهذا‬
‫كل أصناف الجلود‪.‬‬
‫فهي تستعمل مع ّ‬
‫ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو‪ :‬كيف تتم عملية الدباغة؟‬

‫أن المراجع التي تناولت طريقة دباغة‬


‫قبل اإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬البد من اإلشارة إلى ّ‬
‫بأن الطريقة‬
‫الجلود في الجزائر قليلة جدا – إن لم نقل ّأنها منعدمة ‪ ،-‬لكن سبق وان ذكرنا ّ‬
‫فإننا سوف نتتبع أهم مراحلها‬
‫المستعملة في المدابغ الجزائرية هي الدباغة بالكروم‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫إلى أن يصبح الجلد صالحا للصناعة‪.‬‬

‫ولكنها بتأثير الرطوبة التي تتراكم في‬


‫إن الجلود تصل عادة للمدبغة وهي معالجة بالملح ّ‬
‫ّ‬
‫لنمو البكتيريا والعفونة‪ ،‬ولذلك يجب التعجيل بمعالجتها‬
‫أليافها (مكونات الجلد) تكون معرضة ّ‬
‫باتباع العمليات التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬عــــــمليات ما قـــــبل الـــدباغة (تهيئة مادة الجلد)‪:‬‬

‫ألن هذه المادة تحافظ‬


‫كل الجلود التي تصل المدبغة تكون مطلية بالملح؛ ّ‬‫‪ -1‬التمليح‪ّ :‬‬
‫على الجلد وتمنعه من الفساد وبالتالي تنجح عملية دباغته‪.‬‬

‫تستعمل طريقة الدبغ بالكروم في مدابغ جيجل والعامرية بوالية وهران‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪18‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -2‬تشذيب الجلد‪ :‬و ّأول خطوة بعد هذه العملية هي نفض الجلد بقوة إلزالة الماء والملح‬
‫العالق به‪ ،‬ثم ُيفرد بحيث تكون ناحية الشعر لألسفل‪ ،‬وعندئذ تُقص الزوائد مثل الذنب‬
‫ثم ُيقلب الجلد بحيث يكون الجانب الذي به شعر‬ ‫والرأس واألرجل والنواحي البارزة‪ّ .‬‬
‫لألعلى ويوضع بشكل طولي فوق لوح أو جذع خشبي ناعم‪ .‬وعند ذلك يشق الجلد‬
‫بواسطة سكين حادة من الرقبة حتى الذنب بشكل مستقيم وسط العمود الفقري إلى‬
‫نصفين‪ ،‬والغرض من هذا الشق تسهيل عملية معالجة الجلد فيما بعد‪.‬‬

‫دوارة باستخدام بعض‬‫‪ -3‬الشطف والنقع‪ :‬يجب أن تنقع الجلود أو تغسل في أسطوانات ّ‬
‫المواد‪ ،‬وذلك إلزالة األوساخ والملح الزائد وإلعادة الجلد إلى طبيعته التي كان عليها بعد‬
‫عملية السلخ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫البة تحتوي على مادة الجير التي تسرع من إزالة‬


‫دنان ق ّ‬
‫‪ -4‬الحشو‪ :‬تتم عملية الحشو في ّ‬
‫الشعر‪ ،‬والغرض من هذه العملية تطرية نسيج البشرة الدسم قبل عملية الدباغة‪.‬‬
‫ثم يتم عصره‬
‫‪ -5‬إزالة الشعر وتنظيفه قبل الدباغة‪ :‬يزال الشعر المتبقي بكشطه ميكانيكيا‪ّ ،‬‬
‫بآالت ظاغطة تزيل جذور الشعر الدهنية وغير ذلك‪.‬‬
‫كل‬
‫‪ -6‬إزالة آثار الجير‪ :‬تغسل الجلود بالماء وبعض األحماض الخفيفة‪ ،‬حتى تختفي ّ‬
‫آثار الجير‪.‬‬

‫‪ -7‬عملية التطرية‪ :‬وهي جعل ألياف الجلد مرنة لتقبل مواد الدباغة واعطائه الخصائص‬
‫المطلوبة عند عملية التشطيب واإلتمام‪ .‬والضبط الدقيق لهذه الوظائف يعطي الجلد‬
‫جذابا وملمسا مرغوبا وقوة ومرونة‪.‬‬
‫مظهر ً‬
‫ًا‬
‫‪ -8‬التحميض‪ :‬وهذه آخر عملية تتم قبل المباشرة بالدباغة بالكروم‪ ،‬وتتم أوال لمنع الطبقة‬
‫الدبغ بسرعة كبيرة‪.‬‬
‫السطحية للجلد من ّ‬
‫ثـــــانيا‪ :‬عــــملية الـــدبغ وما يليها‬

‫الدبغ‪ :‬وهنا يتحول اإلهاب إلى جلد مدبوغ‪ ،‬بحيث يكون رطبا وأكثر قساوة‪.‬‬
‫‪ -1‬عملية ّ‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫متممة حتّى يصبح‬


‫‪ -2‬التشطيب واإلتمام‪ :‬بعد دباغة الجلد يجب أن يمر بعمليات أخرى ّ‬
‫جاه از لالستعمال والبيع والتصدير‪ .‬وتختلف طبيعة هذه المراحل حسب نوع الجلد‬
‫المطلوب وهذه المراحل هي‪:‬‬
‫تمرر‬
‫السائل من الجلود وجعلها ممطوطة ومشدودة‪ ،‬حيث ّ‬
‫‪ ‬العصر‪ :‬والقصد منه إزالة ّ‬
‫فوقها مصقلة من الوجهين‪.‬‬

‫تشق الجلود السميكة إلى شرائح حسب السمك المطلوب بآالت‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬الشق والتشريح‪:‬‬
‫فإنها تكون رديئة بسبب احتوائها‬
‫أما الطبقة التي تحتوي على جرابات الشعر‪ّ ،‬‬
‫خاصة‪ّ .‬‬
‫على آثارها لسعات الحشرات وندبات الخدوش‪.‬‬
‫‪ ‬إعادة الدبغ‪ :‬تتطلب بعض أنواع الجلود إعادة دبغها‪ ،‬فيكون ذلك باستعمال مواد الدبغ‬
‫المصنعة التي تجعل الجلد صالحا لالستعمال والتشكيل والصنع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النباتية أو‬
‫مصنعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن يعطى للجلد لون باستعمال أصباغ نباتية أو‬
‫‪ ‬الصباغ‪ :‬وهو ّ‬

‫تجدد‬
‫‪ ‬السوائل الدهنية‪ :‬يفرغ سائل الصباغ ويضاف إليه السائل الدهني‪ .‬فهذه المعالجة ّ‬
‫وتعيد الزيوت الدهنية الموجودة طبيعيا في الجلد والتي أزيلت خالل المراحل السابقة‬
‫للدباغة‪ .‬ويتألف السائل الدهني من زيوت مستعملة تعيد للجلد نعومته وطراوته ومرونته‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫ويفضل أن يتم التجفيف‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬النشر والتجفيف‪ :‬تعلّق الجلود على حوامل في غرفة دافئة‬
‫بواسطة مراوح كهربائية مولدة للهواء الساخن حتى تطرد جميع الرطوبة من الجلود‪.‬‬

‫‪ ‬التنعيم‪ :‬من المحتمل أن توجد بعض األماكن تظهر جوانبها متكتلة أو تكون سماكتها‬
‫غير متناسبة مع بقية السطح‪ ،‬ويمك إزالة هذه الكتل بواسطة آلة تدعى دوالب الصنفرة‪.‬‬

‫‪ ‬التشطيب النهائي‪ :‬وهي آخر عملية يخضع لها الجلد‪ ،‬حيث يستعمل في هذه المرحلة‬
‫الطالء لتخضيبه وصبغه وصقله وتلميعه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫تمر بمراحل عديدة لدباغتها‪ ،‬ويمكن تحديدها في ثالث‬


‫أن الجلود ّ‬
‫مما سبق ّ‬
‫نالحظ ّ‬
‫مراحل كبرى‪:‬‬

‫الب ْش ُر والشطف والنقع‬


‫‪ -‬مرحلة يكون فيها الجلد على اتصال دائم بالماء؛ حيث يتّم فيها َ‬
‫والغسل‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة تطرية الجلد ودبغه‪ :‬ويتم فيها العصر والتجفيف وتطرية الجلد‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة التشطيب‪ :‬وهنا يعطي للجلد طابعه التجاري من خالل صباغته وتلميعه‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬تبقى الجلود غالية الثمن باعتبارها تتطلب وقتا ومجهودًا كبيرين‬
‫يفسر غالء المنتوجات الجلدية المصنوعة من الجلد الطبيعي‪.‬‬
‫تصنيعها‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الدباغة – بقدر ما لها من ميزات‬
‫أن هذه الصناعة – ّ‬‫وفي األخير‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫تلوث المجاري‬
‫إنتاجية واقتصادية‪ ،‬بقدر ما لها من آثار سلبية على المحيط والبيئة‪ ،‬فهي ّ‬
‫المائية إذا ما لقيت نفاياتها بدون آية معالجة مسبقة؛ إذ ّأنها ترمي كميات كبيرة من المواد‪،‬‬
‫منها ما ينحل بسرعة مثل الدهنيات (الشحم) ومنا ما يطول انحالله مثل الشعر ومواد سّامة‬
‫أخطرها ''الكروم'' المستعمل بكثرة في دباغة الجلود‪ .‬ولهذا تقوم بعض البلدان المتقدمة بتصدير‬
‫األهم‬
‫النمو لدبغه بأقل تكلفة ممكنة‪ ،‬و ّ‬
‫منتوجها نصف المصنع إلى بلدان فقيرة أو سائرة في ّ‬
‫من ذلك هو إبعاد خطر التلوث البيئي‪.‬‬

‫ال لهذا المشكل‪ ،‬إذا أن البعض منها يقوم – كإجراء‬


‫وقد وجدت الكثير من الدول ح ّ‬
‫أولي– بمعالجة المياه التي تطرحها المدابغ في مصانع أنشأت خصيصا لذلك على الرغم من‬
‫ارتفاع تكاليف بنائها وتجهيزها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫الــمطلب الــثالث‪ :‬صـــــباغة الـــــجلود‪:‬‬

‫لقد عني الصينيون والهنود والفرس بصناعة األصباغ لما لها من أهمية في كثير من‬
‫المجاالت الحياتية‪ ،‬والمسلمون كذلك استخدموا األصبغة في تلوين منسوجاتهم وزرابيهم‬
‫باإلضافة إلى األواني الخزفية والزجاجية والقاشاني والفسيفساء والزخارف الجصية والكتابية‬
‫(‪)1‬‬
‫والمصنوعات الجلدية على وجه الخصوص‪.‬‬

‫وقد كان للتقدم العلمي الذي توصل إليه المسلمون وخاصة في العلوم الكيميائية أثر كبير‬
‫في تطور صناعة األصباغ‪ .‬فاألصباغ على أنواع كثيرة منها المائية والفلزية والمستخرجة من‬
‫مصادر طبيعية وأغلب هذه الصبغات مركبات فلزية‪ ،‬وبعض هذه الصبغات توجد في التربة‬
‫والصخور وهناك صبغات مأخوذة من مواد نباتية مثل الذيلة التي يستخرج منها اللون األزرق‬
‫الحناء التي يستخرج منها اللون األصفر األشقر‪ .‬أو مواد حيوانية كالقرمز‬
‫وقشور الرمان ونبتة ّ‬
‫أما‬
‫الذي يعطي اللون القرمزي‪ ،‬وهنا صبغات تؤخذ من قطران الفحم وهي ذات اللون األسود‪ّ .‬‬
‫عدة مواد‪.‬‬
‫فيحضر من ّ‬
‫ّ‬ ‫صباغ اللك‬

‫وعلى تعرف الصبغة على ّأنها ''عبارة عن مادة ملونة تستخدم ُمذابة لتلوين األجسام‬
‫الملون الذي يضاف إلى الوسيط أو المادة الرابطة ويكون‬
‫المختلفة‪ ،‬وهي تختلف عن المسحوق ّ‬
‫فإنه ينبغي استعمال الصبغة‬
‫ملونا يغطي سطح الجسم'' ‪ .‬وحتّى تكون عملية الصباغة ناجحة ّ‬
‫(‪)0‬‬
‫ّ‬
‫ومحددة بدقة‪ ،‬وبعد هذه العملية تبدأ عملية تليين الجلد وترطيبه وتمليسه‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫بكمية مقدرة‬
‫استعمل الحرفيون في ذلك الزيوت كزيت الزيتون‪.‬‬

‫ولألصبغة دو ار ذو أهمية كبيرة في مجال تسويق المنتوج الجلدي؛ إذ ّأنها تجعله اكثر‬
‫جماال وزينة‪ ،‬كما ّأنها تعمل على حفظ طبقة الجلد السطحية من مؤثرات الرطوبة والح اررة من‬
‫خالل غلق المسامات الموجودة في الجزئيات الجلدية وبذلك يحفظ الجلد من المؤثرات الطبيعية‪.‬‬

‫البد أن ننوه بالدور الذي يلعبه اللون في تسويق جميع المنتوجات‬


‫تقدم‪ّ ،‬‬
‫وعلى ضوء ما ّ‬
‫فإن‬
‫وعلى وجه الخصوص المشغوالت الجلدية‪ ،‬فإلى جانب التنوع الذي ط أر على هذا المنتوج‪ّ ،‬‬

‫(‪ )1‬فوزي سالم عفيفي‪ ،‬نشأة الزخرفة وقيمتها ومجاالتها‪ ،‬مراجعة الدكتور مصطفى عبد الرحيم‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪1311 ،1‬هـ ‪ ،1660 /‬ص‪.136‬‬
‫عنايات مهدي‪ ،‬فن الزخرفة على الجلد‪ ،‬مكتبة ابن سينا‪ ،‬القاهرة‪ ،1661 ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫‪11‬‬
‫موضوع الصناعات الجلدية‬ ‫الفصل األول‬

‫تعددت أصنافها بحيث أصبح المستهلك في حيرة من امره الختيار ما يناسبه‬


‫األلوان كذلك قد ّ‬
‫تعدد األلوان جعل المنتوج الجلدي العصري –‬
‫فإن ّ‬
‫من بضاعة ولون‪ .‬ولكن بالرغم من ذلك‪ّ ،‬‬
‫وخاصة في البلدان األجنبية – سريع التسويق والتصدير‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الصناعات التقليدية‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول‪ :‬المنتوجات الجلدية القديمة‬


‫مدخل‪:‬‬

‫تعد الصناعة الجلدية إحدى الصناعات التي وسعها الفضاء الحرفي التلمساني‪ .‬فبعد دباغة‬
‫ّ‬
‫ومتنوعة ُيستفاد منها بالدرجة األولى‬
‫الجلود وجعلها صالحة لالستعمال تُصنع منها أشياء عديدة ّ‬
‫ألغراض نفعية كاألحذية مثال‪ ،‬وأخرى للزينة والزخرفة كالمفروشات والوسائد الجلدية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى صناعة سروج الخيل وركائبها وتجليد الكتب‪.‬‬

‫يدل على انتشار المنتوجات الجلدية في السنوات الماضية – في تلمسان – وجود عدد‬
‫وما ّ‬
‫كبير من التجار الذين كانت لهم شهرة كبيرة في مختلف أنواع المصنوعات‪ ،‬وخاصة الجلدية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أهم المنتوجات الجلدية القديمة‬

‫أهم المصنوعات الجلدية التي اهتم الحرفيون في تلمسان بصناعتها منذ زمن بعيد‪،‬‬
‫من ّ‬
‫وكانت سببا في شهرة المدينة في وقت من األوقات‪:‬‬

‫أوال‪ :‬البّلغة (‪:)Babouche‬‬

‫من بين المصنوعات الجلدية التي اشتهرت بها مدينة تلمسان والتي تكاد اليوم تندثر بحكم‬
‫اإلهمال وعدم االهتمام بها صناعة البالغي‪ .‬ولقد عرفت هذه الصناعة في التسعينيات ازدها ار‬
‫تتميز به من جودة ودقة من حيث تصميمها وطرزها‪ .‬ففي‬
‫تعدت حدود البالد لما ّ‬
‫كبي ار وشهرة ّ‬
‫وشبان وأطفال يرتدون في المناسبات واألعراس‬
‫ماض ليس بالبعيد كان أهل تلمسان من شيوخ ّ‬
‫ال ورونقا‪.‬‬
‫األلبسة التقليدية التي تزّينها البلغة فتزيدها جما ً‬

‫تميز اللباس التقليدي التلمساني‪َ ،‬ف َش ْكلها الكالسيكي لم‬


‫تعد ''البلغة'' من العناصر التي ّ‬
‫وهكذا ّ‬
‫وكل‬
‫الرمان أو بيضاء ‪ّ .‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يتغير منذ زمن بعيد‪ .‬فالبلغة الرجالية تكون عادة صفراء لدباغتها بلحاء ّ‬
‫ّ‬
‫ألنها ذات‬
‫أن البلغة التلمسانية تختلف عن البلغة المغربية (الفاسية) ّ‬
‫رفيي المدينة متفقين على ّ‬
‫ح ّ‬
‫مدببة (‪ ،)Pointue‬ولكن تأثرهم واحتكاكهم‬
‫مقدمتها ّ‬
‫مقدمة (‪ )Pointe‬دائرية بخالف الفاسية التي ّ‬ ‫ّ‬
‫أدى بهم إلى صناعة هذا النوع من البالغي وشاع استعمالها بالمدينة‪.‬‬
‫بالحرفيين المغاربة ّ‬

‫وقد تكون بألوان أخرى‪ .‬لكن البلغة الصفراء والبيضاء هي األكثر استعماال‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪73‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن يطلق على بلغة تلمسان ''البورية'' نسبة إلى عائلة ''البوري'' المعروفة‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫بصنع البالغي‪ ،‬فهي قد توارثت هذه الحرفة جيال بعد جيل‪.‬‬

‫ألن إنجازها يتطّلب الدقة‬


‫وترتكز تقنية صناعة ''البلغة'' على مهارة الحرفي بالدرجة األولى‪ّ ،‬‬
‫أن صعوبة استعمال الجلد األصفر(‪ )1‬القابل لالتّساخ تحتّم على الحرفي أن يأخذ‬ ‫واإلتقان‪ .‬كما ّ‬
‫البد‬
‫ألنه يصعب إزالة األوساخ من هذا النوع من الجلود‪ .‬ولهذا ّ‬
‫الوقت الكافي لصنع البلغة؛ ّ‬
‫الصنع‪.‬‬
‫مدة ّ‬
‫للحرفي في أن يحرس على بقاء يديه نظيفتين طوال ّ‬
‫أما الجزء السفلي‬
‫الرمان‪ّ ،‬‬
‫يصنع الجزء العلوي من البلغة من جلد الماعز المدبوغ بلحاء ّ‬
‫المالمس مباشرة لألرض فهو مصنوع من جلد األبقار‪.‬‬

‫يقوم الحرفي بتفصيل قطعتان مثلثتان من الجلد‪ ،‬سواء باستعمال مقياس يكون عادة من الورق‬
‫المقوى‪ ،‬تُخاط هاتين القطعتين بثالثة خيوط مختلفة‪ :‬خيط من النيلون ممزوج بخيط من الحرير‬
‫ّ‬
‫أخير‬
‫ظاهر في النهاية‪ .‬و ً ا‬
‫ًا‬ ‫ثم خيط آخر من الحرير وهو الوحيد الذي يبقى‬
‫لضمان الخياطة المتينة‪ّ ،‬‬
‫تُلصق هاتان القطعتين مع الجزء السفلي بواسطة قطعة من الجلد وبطريقة يتقنها ِ‬
‫الحرفي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫عدة عناصر‪ ،‬فالقطع العليا منه (الورق وجلد‬‫أما الجزء السفلي من البلغة فهو مكون من ّ‬ ‫ّ‬
‫أما آثار الخياطة التي‬
‫ثم تُلصق بالقطعة السفلى التي هي من جلد األبقار‪ّ .‬‬
‫الماعز) تُخاط لوحدها ّ‬
‫الصنع نتيجة إلصاق القطع مع بعضها فيتم إخفاؤها بصقلها بمادة‬
‫تظهر عند االنتهاء من ّ‬
‫الصابون‪.‬‬

‫وتستعمل اليوم الجلود االصطناعية في صنع البلغة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪73‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أخير يقوم الحرفي بتشكيل منتوجه باستعمال القالب الذي يدخله في البلغة‪ ،‬بحيث يبقيها‬
‫و ًا‬
‫أما األدوات المستعملة في صنعها‪ ،‬فهي‬
‫لمدة من الزمن إلى أن تأخذ شكلها النهائي الكالسيكي‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫أدوات بسيطة تحتاج فقط لليد الماهرة التي تُحسن استخدامها‪.‬‬

‫أن طغيان الجلد االصطناعي على الصناعة الجلدية قد أصاب حتّى البلغة‪،‬‬
‫والملفت لالنتباه ّ‬
‫تفنن‬
‫المتجول في محالّت بيع األحذية بوسط المدينة َيْلحظ أنواعا عديدة من البالغي فقد ّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫إذ ّ‬
‫ألن أسعارها منخفضة مقارنة بتلك المصنوعة‬
‫جدا ّ‬‫الحرفيون في صنعها؛ حيث الطلب عليها مرتفع ّ‬
‫أن صناعة البلغة التقليدية فقد توقفت‪ ،‬فال يزال يسهر بعض‬
‫لكن هذا ال يعني ّ‬
‫من الجلد الطبيعي‪ّ .‬‬
‫الحرفيين على انتاجها رغم نقص الطلب عليها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الــــوسائد الجلدية (‪:)Poufs‬‬

‫تعد الوسائد الجلدية من المنتوجات التي اشتهرت بها بالد المغرب(‪ ،)1‬فهي من العناصر‬ ‫ّ‬
‫ألنها ذات ألوان زاهية وجذابة‪ ،‬فقد‬
‫تميز الصالونات التقليدية للمنازل التلمسانية‪ّ ،‬‬
‫األساسية التي ّ‬
‫تكون مصنوعة من لون واحد أو مزيج متناسق من األلوان‪ .‬كما ّأنها على أشكال مختلفة‪ ،‬فمنها‬
‫المرّبعة والمستطيلة واألسطوانية‪.‬‬

‫ومن خصوصيات هذه الوسائد ّأنها كانت تخاط‪ ،‬من بداية الصنع إلى اكتمال المنتوج‬
‫كل األجزاء بآلة الخياطة من‬
‫أن الحرفيين أصبحوا – في اآلونة األخيرة – يخيطون ّ‬
‫باليدين‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أجل ربح الوقت وانتاج كميات أكبر‪ ،‬ما عدا الوجه العلوي الذي يدخل في صناعته أجزاء كثيرة‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬فوزي سالم عفيفي‪ ،‬نشأة الزخرفة وقيمتها ومجاالتها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.151‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪73‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ولهذا فمعظم الحرفيين يستعينون بالنساء في تحضير هذا الجزء المهم من الوسائد‪ .‬كما ّأنها تُطرز‬
‫الملون‪.‬‬
‫بخيوط من الحرير أو قطع من الجلد ّ‬
‫يعبر عن إبداعاته ومهاراته الفنية من خالل التنويع في زخرفة وتزيين هذه‬ ‫فالحرفي ّ‬
‫المصنوعات الجلدية؛ فاألشكال الزخرفية التي نجدها في الجزء العلوي(‪ )1‬تكون عادة مطروزة‪،‬‬
‫وتلك الموجودة في األجزاء الجانبية تُزخرف باستعمال جلود ذات ألوان مختلفة‪.‬‬

‫كبيرا‪ ،‬فقد اتخذ الحرفيون أسلوبا آخر في التنميق‬


‫ألن طريقة الزخرفة هذه تتطلب وقتا ً‬‫و ّ‬
‫ثم الخاتم أو الطابع‬
‫والتزويق‪ ،‬فاستعملوا أوال الضغط بالتسخين (‪ّ )Fer compression au petit‬‬
‫(‪ )Poinçon‬سواء المحفورة بنقوش غاترة (‪ )en creux poinçon gravé‬أو بارزة (‪،)en relief‬‬
‫ألنها تسمح‬
‫ثم استخدمت الصفائح المنقوشة على شاكلة قوالب (‪ّ )Estampage au balancier‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم تنقص تكلفة المنتوج الجلدي‪.‬‬
‫بطبع أشكال وزخارف كبيرة‪ ،‬وبسرعة فائقة‪ ،‬ومن ّ‬
‫وهنالك طريقة أخرى أصبحت كثيرة االستعمال في تلمسان من طرف الخرفيين القالئل الذين‬
‫تعدهم المدينة‪ ،‬فهم ُيزخرفون منتوجاتهم عن طريق الطباعة بالطالء (‪ )Sérigraphie‬مستعملين‬
‫ّ‬
‫في ذلك نماذج جاهزة (‪ .)cliché‬وهي طريقة سهلة وسريعة تسمح بالتنويع في الزخرفة وربح‬
‫أن من عيوبها ّأنها تستعمل فوق الجلد االصطناعي فقط‪ ،‬و ّأنها تنمحي‬
‫ال ّ‬
‫الوقت بالدرجة األولى‪ ،‬إ ّ‬
‫المتكرر أو المؤثرات الطبيعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بسرعة عن طريق اللمس‬

‫تُصنع الوسائد الصغيرة الحجم من جلد الماعز‪ ،‬ولكن في حالة عدم توفره يعمد الحرفي إلى‬
‫أما األدوات التي تستعمل في هذا النشاط(‪ )3‬تبقى في غاية‬
‫إنجازها من جلود األبقار والغنم‪ّ ،‬‬
‫البساطة‪ ،‬فمهارات الحرفي في استخدامها هي أساس هذه الصناعة‪.‬‬

‫وتقنية صنع هذه الوسائد تتم ّأوال برسم أشكال مختلفة على الجلد باستعمال أداة تسمى البيكار‬
‫قص هذه األشكال بطريقة محكمة ُيراعي فيها الحرفي االستغالل األمثل لمادة‬ ‫ثم تُ ّ‬
‫(‪ّ ،)compas‬‬
‫كل قطعة – الجزء العلوي دائري أو مرّبع‪،‬‬‫وتحضر ّ‬
‫ّ‬ ‫ثم تُهيأ‬
‫الجلد حتّى ال ُيضيع منها الكثير‪ّ .‬‬
‫ثم تُخاط هذه القطع الجلدية مع بعضها‪ ،‬حيث ُيترك في‬
‫الجزء السفلي‪ ،‬الجوانب – على حدة‪ّ ،‬‬

‫يسمى عند عامة الحرفيين ب ـ ''الصارمة''‪.‬‬


‫الجزء (الوجه) العلوي‪ّ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫‪Henri MAYEUX ; La Composition décorative, A. quantin Editeur, 1884, p273 – 274.‬‬
‫أختام وقوالب وابرة كبيرة وسكاكين خاصة وأحجار للصقل وفرشاة تكون عادة من شعر الماعز‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪04‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أما ما يتبقى من الجلد‬


‫الجزء السفلي تجويف يسمح بحشو الوسادة (بالصوف مثال) وتُغلق برباط‪ّ .‬‬
‫(الجلد الضائع) يستخدمها الحرفي في صنع منتوجات صغيرة الحجم تصلح للتزيين أو اإلهداء‬
‫أكثر من صالحيتها لالستعمال‪.‬‬

‫بــــــــعض األدوات المستعملة في الصناعة الجلدية‬

‫ثالثا‪ :‬مــــنتوجات جلدية أخرى‬

‫تضم الصناعة الجلدية عدة نشاطات مهنية تختص بإنتاج أنواع مختلفة ومتنوعة من البضائع‬
‫ّ‬
‫أهمها‬
‫تصورات ذكية وخيال رفيع وتقليد مبدع‪ ،‬من ّ‬
‫تستمد وجودها من أيادي بارعة بال حدود ومن ّ‬
‫األحذية والحقائب والمحافظ واألحزمة وسروج الخيل‪ ،‬باإلضافة إلى صناعة تجليد الكتب وغير‬
‫ذلك من المنتوجات‪.‬‬

‫‪ -1‬تــــــــجليد الــــكتب‬
‫فهي حرفة ضاربة في عمق التاريخ؛ حيث كانت لها خصائصها وطابعها التقليدي الذي‬
‫كان يتواءم مع إمكانيات تلك المرحلة‪ ،‬فقد كانت تستخدم الجلود لتجليد الكتب والمؤلفات‬
‫طعة أو مهترئة‪ ،‬ليقوم الحرفي الماهر بترميمها واعادتها كالجديدة‪.‬‬
‫التي كانت مق ّ‬
‫ولقد عرف العرب هذه الصناعة منذ زمن بعيد‪ ،‬فقد أولى المسلمون عناية واهتماما كبيرين‬
‫التفنن في زخرفته لما لهذا‬
‫الفن‪ ،‬حيث َع َمدوا أوال إلى تجليد المصحف الشريف و ّ‬
‫لهذا ّ‬
‫ثم تليها أصناف أخرى في شتى‬‫الكتاب من أهمية روحية وعقائدية‪ ،‬وثانيا ُكتب الفقه ّ‬

‫‪04‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تطورت صناعة التجليد عند المسلمين بحيث‬‫ميادين العلم‪'' .‬ونتيجة لنهضة فن الكتاب ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫مميز منذ القرن السابع هجري''‪.‬‬
‫أصبح لها شكل ّ‬
‫متمما لعمل الخطاط‪ ،‬إذ وقعت عليه مسؤولية حفظ أوراق الكتاب‬
‫وقد اعتبر ''عمل المجلّد ّ‬
‫من التلف والعناية بمظهره الخارجي بحيث يتالءم مع قيمة الكتاب ومحتوياته‪ .‬كما وقعت‬
‫وقسما من أوراقه''(‪ .)3‬وقد‬
‫ً‬ ‫تعدتها إلى باطن الغالف‬
‫عليه زخرفة جلد الكتاب ولسانه بل ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫كانت ''طريقة اللسان في التجليد العربي الذي غايته حماية األطراف األمامية للكتاب‬
‫معروفة قبل اإلسالم وبدايته''(‪.)4‬‬

‫ثم إلى إسبانيا والى إيطاليا عن طريق‬


‫ولقد انتقل أسلوب تجليد الكتب العربي إلى المغرب‪ّ ،‬‬
‫كثير من‬
‫التجارة المغربية عبر صقلية؛ حيث ''نجد في صناعة التجليد األوروبية المختلفة ًا‬
‫لمسات الصناعة العربية وزخارفها''‪ ،‬و ''يعترف جملة من المستشرقين بالتحسينات الفنية‬
‫في صناعة التجليد األوروبية التي تعلّموها عن العرب‪ ،‬واشتملت هذه التحسينات على‬
‫المذهبة على الجلد‬
‫ّ‬ ‫محل الخشب كمادة داخلية لجلد الكتب والكتابة‬
‫المقوى ّ‬ ‫إحالل الورق ّ‬
‫بواسطة أداة محماة''(‪.)5‬‬
‫و ّأول تجليد استعمل فيه التذهيب في الغرب يرجع تاريخه إلى عام ‪1251‬م(‪ ،)1‬وهذا ما‬
‫السباقين في هذه الصناعة‪.‬‬
‫بأن العرب كانوا ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫فوزي سالم عفيفي‪ ،‬نشأة الزخرفة وقيمتها ومجاالتها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.151‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ال يزال األوروبيون يستعملون هذه الطريقة في تجليد مؤلفاتهم‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫فوزي سالم عفيفي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.151‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫محمد حسين جودي‪ ،‬ابتكارات العرب في الفنون وأثرها في الفن األوروبي في القرون الوسطى‪ ،‬دار المسيرة‪،2112 ،‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫ص‪.32‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪04‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فتجليد الكتب إذن‪ ،‬هو ''عملية فنية تقنية تجري بهدف تماسك الصفحات مع بعضها‬
‫ثم حمايتها وحفظها لكي تبقى على شكلها األصلي''(‪ )1‬بواسطة غطاء من‬
‫البعض‪ ،‬ومن ّ‬
‫يفسر بقاء المخطوطات العديدة التي ُيحتفظ بها في المكتبات العامة‪ ،‬وقد‬
‫الجلد‪ .‬وهذا ما ّ‬
‫نعثر عليها في مكتبات خاصة عند بعض العائالت التلمسانية التي توارثتها جيال بعد‬
‫جيل‪.‬‬

‫أن الشيء المالحظ هو‬


‫والملفت لالنتباه ّأنه على الرغم من تواجد هذه المخطوطات إالّ ّ‬
‫لكنني‬
‫ّأنني لم أعثر في مدينة تلمسان على حرفيين يمارسون مهنة تجليد الكتب بالطريقة التقليدية‪ّ ،‬‬
‫أسميهم حرفيين – أكثرهم يشتغل بالمكتبات والمطبعات يقومون‬
‫وجدت بعض األشخاص – وال ّ‬
‫لفن التجليد‬ ‫ولكنها – في رأيي – ّإنها غير ناجحة وال ُّ‬
‫تمت بأية صلة ّ‬ ‫ببعض المحاوالت للتجليد ّ‬
‫ألن التقنية المستعملة يغلب عليها الطابع التجاري على حساب الطابع الفني‪ ،‬هذا إذا‬
‫األصيل؛ ّ‬
‫أن الحرفي – قديما – كان يستغرق في بعض األصناف من الكتب ّأياما عديدة لتجليد‬ ‫علمنا ّ‬
‫كتاب واحد فقط حرصا منه على اإلتقان واإلبداع‪.‬‬

‫ألنه رخيص‬
‫المصنع ّ‬
‫ّ‬ ‫أما عن نوعية الجلد الذي يستخدمه هؤالء األشخاص‪ ،‬فهو من النوع‬
‫ّ‬
‫الثمن‪ ،‬الشيء الذي يسمح لهم بالحصول على أرباح كبيرة‪ ،‬وقد يعمدون إلى زخرفة هذه الكتب‬
‫فيستعملون أيضا طريقة سهلة وغير مكلفة – سبقت اإلشارة إليها – وهي طريقة الطبع بالطالء‪،‬‬
‫ولكن هنا من يستخدم طريقة الزخرفة بالتذهيب مستعمال في ذلك األوراق الذهبية‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫محماة‪.‬‬
‫بضغطها أو باستخدام أداة ّ‬

‫بو سليم صالح‪ ،‬الصناعة التقليدية بمنطقة تيديكلت – صناعة الفخار والجلود نموذجا –‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.72‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪07‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن هذه الصناعة هي في طريق االندثار بالمدينة‪ ،‬وأنصح‬‫وفي األخير‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫فإنها لن تصل لألجيال القادمة‪.‬‬
‫ألنه بدون أن تنقل ّ‬
‫الشباب بتعلم هذه الحرفة للمحافظ عليها؛ ّ‬
‫‪ -2‬صــــناعة ســـــروج الــخيل‪:‬‬
‫كانت األحصنة العربية في الماضي تُجهز بأفضل األدوات وأجمل المعدات في المناسبات‬
‫الرسمية وغير الرسمية واألعياد الوطنية وحفالت الزواج‪ ،‬حيث تظهر الخيل في أبهى حلّة‬
‫وهي تؤدي العروض الجميلة‪ ،‬ويمتطي الرجال ظهورها‪ ،‬وهم يرتدون مالبس الفروسية‪.‬‬
‫المعدات األساسية التي تُجهّز بها األحصنة السروج‪ ،‬فهي صناعة اشتهرت بها‬ ‫ّ‬ ‫ومن‬
‫الناس يأتون من المدن المجاورة او البعيدة القتنائها‪.‬‬
‫مدينة تلمسان منذ زمن بعيد‪ ،‬فكان ّ‬
‫ثم تُطرز بالخيوط الذهبية والفضية‬
‫مهرة؛ ّ‬
‫وتُصنع هذه السروج يدويا من قبل حرفيين ّ‬
‫التي تزيدها جماال ورونقا فتكون موضعا للتباهي عند الفرسان وحتّى عند الفرسان وحتّى‬
‫السراجين أنفسهم‪.‬‬
‫عند الحرفيين ّ‬
‫السروج ثالثة أنواع‪ :‬السرج الكبير والسرج المتوسط والسرج‬
‫ان ّ‬‫وتجدر اإلشارة على ّ‬
‫أن‬
‫السرج المستعمل في تلمسان هو من النوع المتوسط‪ .‬و ّ‬
‫أن ّ‬‫الصغير‪ ،‬مع اإلشارة إلى ّ‬
‫السراجون‬
‫ويسميها ّ‬
‫ّ‬ ‫ألنه يتكون من هيكل خشبي (القربوس)‬
‫تركيب سرج الفرس معقّد ّ‬
‫ثم‬
‫ثم يغطّيه غطاء جلدي تليه زربية جلدية أو قماشية ّ‬
‫(العظمة) مغطّى بجلد مج ّفف ّ‬
‫غطاء ثالث‪ ،‬إلى جانب اللجام واللّبان والوضين المنسوج من الصوف والمكسو بجلد‬
‫(‪)1‬‬
‫الظان‪ ،‬فضال عن لوازم الفارس من جزمة ونطاف ومظل وجراب وجعبة‪... ،‬الخ‪.‬‬

‫محمد تروزين‪ ،‬صناعة المضفرات والمنسوجات الحلفاوية بالمنطقة السهبية من دائرة سيدو بوالية تلمسان‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ص‪.14‬‬

‫‪00‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ولكن بمرور الزمن تناقص استعمال األحصنة ولم تعد لها نفس األهمية التي كانت تحظى بها‬
‫أن المدينة‬
‫السروج‪ ،‬إذ ّ‬
‫قديما‪ ،‬ولهذا السبب تناقص عدد الحرفيين التقليديين القائمين على صناعة ّ‬
‫احدا ورث الحرفة عن أبيه وهو صاري فتحي‪.‬‬ ‫عد سراجا و ً‬ ‫تُ ُّ‬

‫الـــــمطلب الـــــثاني‪ :‬عوامل ازدهار الصناعة الجلدية‬

‫عدة عوامل‬
‫الرقي واالزدهار لتضافر ّ‬
‫ّ‬ ‫عرفت الصناعة الجلدية في تلمسان فترة طويلة من‬
‫كانت سببا في انتشار منتوجاتها على اختالف أنواعها‪ .‬وقد سبق أن ّبينت ذلك من خالل المراحل‬
‫مرت بها الصناعات التقليدية في هذه المدينة‪.‬‬
‫التاريخية التي ّ‬
‫كمادة ّاولية أو منتوج نهائي‪ ،‬فجلودها على اختالف‬
‫ّ‬ ‫اشتهرت تلمسان بالصناعة الجلدية‬
‫أنواعها كانت معروفة في إفريقيا وفي بلدان أخرى بسبب القوافل التي كانت تأتي إلى المدينة‬
‫محملة بالبضائع فيبيع أصحابها بضاعتهم في أسواق المدينة ويشترون سلع أخرى – من بينها‬ ‫ّ‬
‫أن تلمسان كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في‬
‫الجلود – لتسويقها في مدن وبلدان أخرى‪ ،‬وهذا ما ُيبرز ّ‬
‫كثير من المنتوجات‪.‬‬

‫أدت إلى ازدهار الصناعة التقليدية بتلمسان وخاصة‬


‫ومن العوامل ذات األهمية الكبيرة التي ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الصناعة الجلدية‪:‬‬

‫‪ -1‬موقعها الجغرافي المتميز‪ :‬الذي بين الشرق والغرب من جهة وبين الشمال والجنوب من‬
‫هاما في إفريقيا‪ ،‬األمر الذي‬
‫مركز تجارًيا ً‬
‫ًا‬ ‫جهة أخرى جعل منها – في عهود سابقة –‬
‫ثم ازدهرت الصناعات التقليدية‪ .‬وقد بقيت على‬
‫تطور المبادالت التجارية‪ ،‬ومن ّ‬
‫أدى إلى ّ‬
‫ّ‬
‫تلك الحال لحقب طويلة إلى فترة االستعمار األجنبي في كامل البلدان اإلفريقية والذي كان‬

‫أوراغي أحمد‪ ،‬االستهالك الثقافي في مدينة تلمسان‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬قسم الثقافة الشعبية‪ ،2111 ،‬ص ‪.141 – 141‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪04‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الدعائم الرئيسية‬
‫بأنها إحدى ّ‬
‫ألنه كان يؤمن ّ‬
‫يحاول طمس المعالم الحرفية األصيلة؛ ّ‬
‫الستمرار الثقافة والحفاظ عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬نمط المعيشة‪ :‬كان المجتمع التلمساني كباقي المجتمعات األخرى في إفريقيا يعيش حياة‬
‫بسيطة كانت تستدعي استعمال أدوات ولوازم تقليدية‪ ،‬وتُلزم الفرد في بعض األحيان على‬
‫كل ما يحتاجه من مواد لتلبية رغباته‪.‬‬
‫صنع ما يحتاجه بنفسه‪ ،‬فالطبيعة كانت توفّر له ّ‬
‫أسميه بالجانب الروحي‪ ،‬فالحرفي األصيل كان دائما متعلقا‬
‫‪ -3‬الحفاظ على التراث‪ :‬وهو ما ّ‬
‫بحرفته وبعمله؛ فهو يؤمن بالرسالة ''التي يجب عليه تبليغها لألجيال وتأدية دوره في‬
‫المجتمع وصياغة مستقبل يرتبط بالماضي ويحكم العقل لضمان رهانات المستقبل التي ال‬
‫يعد اإلنتاج الحرفي‬
‫تنسلخ عن جذور الثقافة ورواسب الحضارات المندثرة''‪ ،‬وعلى ذلك ّ‬
‫مرور بالحاضر في بناء القيم والمعايير‬
‫ًا‬ ‫حلقة أساسية في ربط الماضي بالمستقبل‬
‫الحضارية‪.‬‬
‫فإن ازدهار الصناعات التقليدية والجلدية على الخصوص ّإنما يرجع أساسا‬
‫وعلى هذا‪ّ ،‬‬
‫كل ما عاناه من مشاكل وعقبات‪،‬‬
‫تمسك الحرفي بحرفته لحقب طويلة على الرغم من ّ‬
‫إلى ّ‬
‫بالصلة الروحية التي تربطه مع الثقافة‪ ،‬تلك الصلة البعيدة عن المصالح المادية‬
‫ثم إليمانه ّ‬
‫ّ‬
‫المتمثّلة في تحقيق الربح والثراء‪.‬‬
‫الدبــــاغة‪ :‬يرجع ازدهار الصناعة الجلدية في تلمسان أيضا إلى انتشار دور الدباغة‬
‫ور ّ‬‫‪ُ -4‬د ُ‬
‫التقليدية بالمدينة‪ ،‬إذ ّأنه كان يتواجد بالمدينة أربعة مدابغ حيث كانت تنتج كميات كبيرة‬
‫وسراجين‪ ،‬فتوفر مادة الجلد بكثرة من‬
‫كل الحرفيين من بلغاجيين ّ‬‫وتمون بها ّ‬ ‫من الجلود ّ‬
‫شأنه تشجيع الصناعة نفسها‪.‬‬
‫‪ -5‬الــــسياحة‪ :‬ومن العوامل األخرى التي كانت طرفا في ازدهار الصناعة الجلدية – في‬
‫ولعل ما تزخر به تلمسان من آثار وأماكن‬ ‫ّ‬ ‫السنوات الماضية – هو انتعاش السياحة‪.‬‬
‫السياح على المدينة بأعداد كبيرة ومن مختلف البلدان‬
‫تاريخية وسياحية كان سببا في توافد ّ‬
‫ثم شهدت الصناعات التقليدية والجلدية على وجه‬
‫كفرنسا وألمانيا وايطاليا وغيرها‪ ،‬ومن ّ‬
‫تطو اًر ملحوظا بشهادة أصحابها‪.‬‬
‫الخصوص ّ‬

‫‪04‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الـــــمطلب الــــثالث‪ :‬آفاق الـــــصناعات الجلدية‬

‫فالبد أن‬
‫ّ‬ ‫أدت بالصناعة الجلدية في تلمسان إلى الركود‪،‬‬
‫إذا أردنا أن نحصر األسباب التي ّ‬
‫عدة عوامل لسنين‬
‫حادة نتيجة تراكم ّ‬
‫تمر في ّأيامنا بأزمة ّ‬
‫ألنه ّ‬
‫نقرنها بمجموع الصناعات التقليدية ّ‬
‫طويلة‪ ،‬وقد أجبرت هذه األزمة العديد من الحرفيين على غلق محالتهم بسبب قّلة الطلب وعدم‬
‫المتمرسين منهم –‬
‫ّ‬ ‫تسببت في هجرة بعض الحرفيين – وخاصة‬ ‫رواج منتوجاتهم في السوق‪ ،‬كما ّ‬
‫إلى ممارسة أعمال أخرى تضمن لهم االستقرار وخاصة دخال دائما ومستمرا‪.‬‬

‫والجدول الموالي يبين ذلك من خالل عملية تشطيب الحرفيين من مركز السجل التجاري من‬
‫(‪)1‬‬
‫سنة ‪ 1992‬إلى ‪:2111‬‬

‫الــــسنة‬
‫المجموع‬ ‫‪2111 1999 1997 1992‬‬
‫الــنشاط‬
‫‪817‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪332‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪125‬‬ ‫الصناعات التقليدية‬
‫جدا وهذا ما يدعو إلى‬
‫بأن الرقم اإلجمالي للتشطيبات مرتفع ّ‬
‫ومن خالل هذا الجدول‪ ،‬نالحظ ّ‬
‫الحيرة والقلق والى التساؤل عن مستقبل الصناعة التقليدية بتلمسان‪.‬‬

‫اما ركود الصناعة الجلدية على وجه الخصوص‪ ،‬فهو راجع أساسا إلى جملة من األسباب‬
‫ّ‬
‫أهمها‪:‬‬
‫من ّ‬
‫تغيير‬
‫ًا‬ ‫التقدم التكنولوجي الذي حملته الثورة الصناعية‬
‫‪ -1‬الجانب التكنولوجي‪ :‬لقد أحدث ّ‬
‫المصنعة‬
‫ّ‬ ‫إن ظهور المواد‬‫كبير في جميع مجاالت الحياة‪ ،‬وخاصة الجانب الصناعي‪ّ .‬‬
‫ًا‬
‫كاأللمنيوم والبالستيك وغيرها من المواد التعويضية (‪ )Substituts‬ووسائل اإلنتاج‬
‫المتطورة من آالت وأدوات ميكانيكية وطرق علمية حديثة في تسويق المنتوج وشهرته‪،‬‬
‫عدة نشاطات من الصناعة التقليدية التي أصبحت تصطدم بواقع‬ ‫أثرت بالضرورة على ّ‬
‫الصناعات الحديثة التي يغلب عليها لون المعاصرة وتأثير الغزو الثقافي ومالمح التقليد‬
‫لمجتمعات وثقافات غربية دخيلة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪Monographie de la Wilaya TLEMCEN : wilaya de Tlemcen ; Direction de la Planification‬‬
‫‪et de l’Aménaement du Territoire ; juin 2001, P59.‬‬

‫‪03‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لمدة طويلة شأنها في ذلك شأن باقي الحرف‬


‫‪ -2‬الجانب االقتصادي‪ :‬ظّلت الصناعة الجلدية ّ‬
‫أدى إلى إغفال‬
‫األخرى نشاطا تقليديا يطغى عليه الطابع الفني الثقافي‪ ،‬الشيء الذي ّ‬
‫دورها في المجال االقتصادي‪ ،‬فلو أعطيت لها العناية الكافية لكانت إحدى الصناعات‬
‫التي ُيعتمد عليها لجلب األموال والعمالت‪.‬‬
‫ولعل هذا من األخطاء التي وقع فيها المسؤولون والساهرون عليها لفترة طويلة من الزمن‬
‫ّ‬
‫تطوًار كبي ار في‬
‫فإن هذه الصناعة تشهد ّ‬
‫أفقدها مركزيتها وأهميتها االقتصادية‪ .‬وبالمقابل‪ّ ،‬‬
‫وعمان والبحرين وغيرها‪.‬‬
‫عدد من البلدان العربية كالمغرب وتونس ّ‬
‫أدى حتما إلى‬
‫إن قلة االهتمام والعناية بهذه الصناعة لسنين طويلة ّ‬
‫‪ -3‬الـــجانب الوظيفي‪ّ :‬‬
‫المحلية؛ حيث‬
‫ّ‬ ‫ثم إلى تناقص عددهم في السوق‬ ‫تخّلي الحرفيين عن ممارستها‪ ،‬ومن ّ‬
‫أصبحت ديمومة ممارسة إحدى الصناعات التقليدية والصناعة الجلدية على وجه‬
‫الخصوص من األمور الصعبة تحقيقها‪ .‬ولم ُيالحظ هذا النقص إالّ في السنوات األخيرة‪،‬‬
‫بكل ما لديها من إمكانيات‬
‫فالجهات الوصية قد فطنت لذلك وهي تحاول تدارك هذا العجز ّ‬
‫ووسائل‪.‬‬
‫والملفت لالنتباه ان هذا القطاع ُي ُّ‬
‫عد عددا قليال من المناصب الدائمة مقارنة بميادين‬
‫أن الكثير من الحرفيين مرغمون على مزاولة اعمال أخرى ال عالقة لها بعالم‬ ‫أخرى‪ ،‬إذ ّ‬
‫المتوسط لهؤالء‬
‫ّ‬ ‫أن الدخل‬
‫يتمكنوا من تلبية حاجاتهم العائلية اليومية‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬ ‫الحرف‪ ،‬حتّى‬
‫الحرفيين يتموقع في أسفل سلّم المداخيل‪ ،‬وقد تأكدت من ذلك من خالل الزيارات الميدانية‬
‫التي قمت بها لبعض الحرفيين‪.‬‬
‫أن عزوف الشباب عن ممارسة إحدى الصناعات التقليدية ومن جملتها الصناعة‬
‫كما ّ‬
‫الجلدية ُي ُّ‬
‫عد من األسباب التي كانت من وراء ركود وتقهقر هذه األخيرة؛ فشباب اليوم ُيدرك‬
‫أن فرصة الحصول على منصب عمل دائم في هذا المجال‬ ‫بأن تعلّمها يتطلّب وقتا طويال و ّ‬
‫ّ‬
‫إذن َيعمدون إلى ممارسة نشاطات حرة (كبيع السجائر في‬ ‫من األمور المستحيلة‪ ،‬فهُم‬
‫صلة للموروث الثقافي والحضاري والتاريخي لمدينة تلمسان‪،‬‬
‫بأية‬
‫تمت ّ‬
‫الطرقات مثال) ال ُ‬
‫ولكنها تبقى – في رأيي –‬
‫ّإنها أعمال تضمن لهم في كثير من األحيان أرباحاً سريعة‪ّ ،‬‬
‫تجارة مؤقتة‪.‬‬

‫‪03‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫معينة من‬
‫حكر لسنوات عديدة على فئة ّ‬
‫‪ -4‬الــــجانب المعرفي‪ :‬لقد بقيت هذه الصناعة ًا‬
‫كبير في الوسط الحرفي؛‬
‫نساء أو رجاال‪ ،‬فذهابهم أحدث اختالال ًا‬
‫المجتمع وهي فئة الشيوخ ً‬
‫بأن اختفاؤهم كان سببا في ضياع نسبة عالية من تقنيات الصنع‬
‫يقر معظم الحرفيون ّ‬
‫حيث ُّ‬
‫تدني نوعية المنتوج من حيث جودته‬
‫أدى – بمرور الوقت – إلى ّ‬
‫القديمة‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫ثم قلّة الطلب عليه‪.‬‬
‫ومن ّ‬
‫بأن استم اررية النزعة المحافظة على أسرار تقنيات الصنع في‬
‫وفي مقابل ذلك‪ ،‬نجد ّ‬
‫أي شك إحدى العوامل التي عملت على ركود‬ ‫أوساط بعض الحرفيين هي من دون ّ‬
‫أن القليل منهم من يريد نقل هذه التقنيات إلى غيره‬
‫الصناعة الجلدية في تلمسان‪ ،‬إذ ّ‬
‫وكأنهم يريدون ذلك ضمان بقائهم في السوق من جهة وحتّى ال ينافسهم أحد في الصنعة‬
‫ّ‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -5‬الــــمنافسة الحــــادة‪ :‬أصبح لهذه الظاهرة في الوقت الراهن وزن كبير في عالم المبادالت‬
‫بكل ما‬
‫التجارية‪ ،‬وقد عانت الصناعة الجلدية منها بسبب اختراق المنتوجات الجنبية – ّ‬
‫تحمله من صفات العصرنة – األسواق المحلّية وحتّى الوطنية بكميات كبيرة وأثمان رخيصة‬
‫الناس‪.‬‬
‫كل ّ‬‫يتقبلها ّ‬
‫وهكذا أصبح المنتوج المحّلي في موقع ضعف‪ ،‬لعدم وجود دراسات ميدانية تبحث في‬
‫مختلف التغيرات التي طرأت على المجتمع التلمساني وخاصة في المجال الثقافي‪ ،‬فال‬
‫يخفى على أحد َّ‬
‫أن ''رواج صناعة دون أخرى يعود أساسا إلى التكوين الثقافي للمجتمع‬
‫ودور المعايير الثقافية ف ي تركيزه وتدعيمه من خالل اقتنائه وترويجه أو استهالكه أو‬
‫تعبير عن عدم مسايرته للمعايير السارية''(‪ .)1‬فالضعف هو ال‬‫ًا‬ ‫مقاطعته والنفور منه‬
‫تقل من تكلفة السلع وأسعارها‪،‬‬
‫مصنعة ّ‬
‫ّ‬ ‫يمكنه منافسة هذه المنتوجات المصنوعة من مواد‬
‫وهذا سبب آخر لتدهور الصناعة الجلدية بمدينة تلمسان‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلعالم واإلشهار‪ :‬انعدام قنوات اإلعالم واإلشهار المحلية المكتوبة والسمعية والمرئية‬
‫ألن هذه الوسائل – كما هو معلوم – لها دور‬ ‫التي تروج لمختلف المنتوجات الجلدية‪ّ ،‬‬
‫كبير في تغيير انطباعات وميوالت المستهلك؛ إذ ّأنها تؤثر بمرور الوقت على سلوكياته‬
‫الناس على الشراء‪.‬‬
‫وتشجع المبيعات وتُحفّز ّ‬
‫ّ‬ ‫الشرائية وتعمل على توسيع السوق‬

‫أوراغي أحمد‪ ،‬االستهالك الثقافي في مدينة تلمسان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.142‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪03‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وقد تأثرت الصناعة الجلدية من هذا النقص الواضح في الوسائل اإلعالمية واإلشهارية‬
‫أدى إلى تراجعها يوما بعد يوم‬
‫مما ّ‬
‫المتخصصة‪ ،‬فغيابها أثّر سلباً على رواج منتوجاتها‪ّ ،‬‬
‫إلى أن وصلت إلى ما هي عليه من خمول وركود‪.‬‬
‫إن أغلبية الشباب – وان لم نقل كّلهم – الذي سبق له‬
‫‪ -8‬مشاكل ما بعد التكوين المهني‪ّ :‬‬
‫وأن تابع تكوينا مهنيا في الصناعة الجلدية على مستوى مراكز التكوين المهني‪ ،‬قد واجهته‬
‫بالدرجة األولى في فتح‬‫مشاكل وصعوبات عديدة حالت بينهم وبين تحقيق هدفهم المتمثل ّ‬
‫أمس الحاجة إلى العناية والمتابعة الميدانية والمراقبة المستمرة‬
‫ورشة لحسابهم‪ .‬ولهذا فهم في َ‬
‫بعيدا عن تلك النظرة الراسخة في‬
‫ينجر عنها من رعاية وتنشيط وتشجيع وتوجيه‪ً ،‬‬
‫وما ّ‬
‫أذهان بعض األشخاص الذين يرون هذه الفئة من الحرفيين الجدد على ّأنها فئة ثانوية‬
‫في المجتمع بسبب فشلها في حياتها الدراسية‪.‬‬
‫‪ -7‬إنشاء التعاونيات الحرفية‪ :‬يعترف العديد من الحرفيون المتخرجون من مراكز التكوين‬
‫ألن معظمهم – وان لم‬
‫من نقص إمكانياتهم المالية التي تسمح لهم بإنشاء مشروع حرفي؛ ّ‬
‫نقل كلّهم – من الطبقة الفقيرة‪ .‬ولهذا‪ ،‬فالكثير منهم ف ّكر في إنشاء تعاونية حرفية في إطار‬
‫برنامج تشغيل الشباب الذي يسمح بتقديم قروض (القرض المصغر مثال) ألصحاب‬
‫أن‬
‫المشاريع‪ ،‬ولكن األمر لم يتم بالسهولة التي يرغبون فيها‪ ،‬فالمشكل الذي واجههم هم ّ‬
‫يمول المادة األولية (الجلود) وال تدخل ضمن مستلزمات المشروع‪ .‬ولع ّل‬
‫هذا الجهاز ال ّ‬
‫أدت به إلى النفور من االستثمار في مجال الصناعة‬
‫هذا من األسباب التي أعجزت شبابنا و ّ‬
‫الجلدية أو غيرها من الصناعات التقليدية‪.‬‬
‫‪ -9‬عدم التفكير في إحداق معامل و ورشات على مستوى أكبر‪ :‬إلى جانب تحديث وعصرنة‬
‫المنتوج الجلدي المحّلي حتّى ُينافس السلع األجنبية التي غزت أسواقنا‪ ،‬ولما ال وضع‬
‫عالمة تجارية جزائرية مثل ما هو معمول به في كثير من البلدان األجنبية مثل هارمس‬
‫‪ Herms‬وبيار كار دين ‪ Pierre Cardin‬وحتّى في بلدان عربية‪.‬‬

‫كل هذه األسباب مجتمعة تعاني منها الصناعات التقليدية والصناعة الجلدية على وجه‬
‫ّ‬
‫حد كبير السير الحسن لهذا القطاع‪ ،‬وان لم تجد الحلول السريعة‬
‫الخصوص؛ فهي تعرقل إلى ّ‬
‫ثم االندثار‪.‬‬
‫فإن الكثير منها سوف يصبه الشلل ومن ّ‬
‫والتدابير الضرورية‪ّ ،‬‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النهوض بالصناعات الجلدية‬


‫مدخل‪:‬‬

‫معتبر من الحضارة اإلنسانية منذ ميالدها في العصور‬ ‫ًا‬ ‫شطر‬


‫ًا‬ ‫لقد احتضنت مدينة تلمسان‬
‫القديمة‪ ،‬ومن كثرة ما تعاقبت المراحل الحضارية المختلفة على إقليم الوالية‪ ،‬باإلضافة إلى اآلثار‬
‫فإن المجتمع التلمساني الحالي رغم خضوعه لسنة‬ ‫والمعالم العديدة الباقية هنا وهناك في ربوعها‪ّ ،‬‬
‫ومعايشته للواقع بواقعيته‪ ،‬أكسبته بالوراثة عن الماضي‬
‫ومجاراته لمتطلبات العصر الحاضر ُ‬ ‫التغير ُ‬
‫ّ‬
‫مهارات وخبرات وحرفا بالغة األهمية (من الناحية التراثية خصوصا) في شتّى المجاالت‪.‬‬

‫موجودا ومحفوظا بتلقائية في نطاق الحياة االجتماعية واالقتصادية القائمة‪،‬‬


‫ً‬ ‫وال يزال بعضها‬
‫فيما آل البعض اآلخر إلى االضمحالل والزوال بفعل عوامل عديدة ذكرنا منها المبحث السابق‪.‬‬

‫الحي من هذه الحرف‪ ،‬أو باألحرى النهوض بها وترقيتها‪ ،‬وهذا ما‬
‫ّ‬ ‫وبهدف المحافظة على‬
‫أتوخاهن ومحاولة بعث وتحريك ما تالشى منها إذا أمكن ذلك سأورد الحقا بعض االقتراحات‬
‫ّ‬
‫التي أراها ضرورية إلخراج الصناعات التقليدية من دوامة الفراغ الذي تعيشه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬عصرنة المنتوج الجلدي‬

‫أن التطور العلمي والتكنولوجي أحدثا تغيي ار في مختلف ميادين اإلنتاج‪،‬‬


‫الشك فيه ّ‬
‫ّ‬ ‫مما‬
‫ّ‬
‫فالتقدم الذي عرفته الصناعات الكيميائية منذ ظهور بذور الثورة الصناعية في النصف الثاني من‬
‫أدى إلى إنتاج‬
‫القرن الثامن عشر كان له أثره اإليجابي على الصناعات التحويلية‪ ،‬الشيء الذي ّ‬
‫عدد هائل من المنتوجات االصطناعية والتركيبية كاأللمنيوم والبالستيك وأنواع الورق والجلود‬
‫المصنعة التي تشبه في كثير من األحيان الجلود الطبيعية‪ .‬وبمرور السنوات غزت هذه السلع‬
‫ّ‬
‫حل المنتوج‬
‫كل كبيرة وصغيرة يحتاجها أفراد المجتمع‪ ،‬فحلّت م ّ‬
‫األسواق وأصبحت تستعمل إلنتاج ّ‬
‫الصنع‪ ،‬وان لم نالحظ ذلك الفارق في بعض األحيان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجيد‬
‫الطبيعي ّ‬
‫استغل غيرنا هذه المنتوجات االصطناعية على نطاق واسع وفي ميادين شتّى‪ ،‬من بينها‬
‫ّ‬ ‫وقد‬
‫تمكنوا من تطويع هذه المادة فخلقوا منها فروعا إنتاجية قائمة‬
‫الدباغة وصناعة الجلود‪ .‬ولقد ّ‬
‫لت إلى‬
‫توص ُ‬
‫ّ‬ ‫وكل فرع منها مستقل عن اآلخر بحيث يختص بإنتاج سلعة معينة‪ .‬وقد‬‫بذاتها‪ّ ،‬‬
‫حصر هذه الفروع في خمسة عشر فرعا‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪Chaussures‬‬ ‫األحذية النسائية والرجالية‬


‫‪Vêtements en cuir‬‬ ‫األلبسة الجلدية‬
‫‪Le sac pour dames‬‬ ‫حقائب النساء‬
‫‪Articles de poche, le portefeuille‬‬ ‫منتوجات للجيب (محافظ)‬
‫‪Articles de voyage‬‬ ‫منتوجات خاصة بالسفر‬
‫‪L’attaché case, la serviette‬‬ ‫المحافظ‬
‫‪Les articles scolaires‬‬ ‫اللوازم المدرسية‬
‫)‪Articles de bureau (sous – main‬‬ ‫لوازم مكتبية‬
‫‪Sellerie, harnachement‬‬ ‫السروج وركائبها‬
‫‪Sacs de sport‬‬ ‫اللوازم الرياضية‬
‫‪Articles pour chiens et chats‬‬ ‫لوازم الحيوانات (كالب وقطط)‬
‫‪Articles de pêche et chasse‬‬ ‫لوازم الصيد‬
‫‪Articles de gainerie‬‬ ‫التنجيد‬
‫‪Etuis et couvertures‬‬ ‫أغمدة وغالفات‬
‫‪Ceintures‬‬ ‫أحزمة‬

‫أن بعض الحرفيين في تلمسان استهواهم االقتباس والمحاكاة والتقليد لبعض‬


‫والملفت لالنتباه ّ‬
‫يتعدى أصابع اليد‪ .‬فهم يعملون في منازلهم أو في ورشات‬ ‫ال ّأنه عددهم ال ّ‬
‫من هذه الفروع‪ ،‬إ ّ‬
‫خاصة يصعب على من ال يعرف المدينة إيجادها‪ .‬وهنا معمل واحد بالمدينة متواجد بالمنطقة‬
‫تحول مؤخ ار إلى إنتاج بعض المصنوعات الجلدية وخاصة‬‫الصناعية (‪ E.D.L.E.D‬سابقا) ّ‬
‫أن هذا المنتوج كثير االستعمال من طرف هذه الشريحة‪.‬‬
‫ألنه من المعلوم ّ‬
‫المحافظ النسائية‪ّ ،‬‬
‫وتغير النمط المعيشي الذي شهده أفراده‬
‫إن ارتفاع المستوى الحياتي ّ‬ ‫‪ -1‬صــــناعة األحذية‪ّ :‬‬
‫المجتمع التلمساني نتيجة تأثرهم بالثقافة الغربية كان له أثره البارز على عاداتهم الشرائية‬
‫وسلوكهم في اقتناء حاجياتهم اليومية من مالبس وأحذية وغير ذلك‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لقد اكتسبت األحذية في ّأيامنا سلعا أهمية كبيرة لم تكن تحظى بها في القديم‪ ،‬حيث‬
‫أمر حتميا؛ ما دام المستهلك في بحث دائم عن الجديد‪ .‬وهكذا‬
‫التفنن في صناعتها ًا‬
‫أصبح ّ‬
‫تعددت األنواع واألصناف‬
‫أصبحت األحذية منتوجا يغلب عليه طابع ''الموضة'' حيث ّ‬
‫محدد‪.‬‬
‫لكل صنف استعمال ّ‬ ‫وأصبح ّ‬
‫كبير في الذوق يفصل بين المستهلك والمنتج‪ ،‬هذا األخير‬
‫ومن هنا نالحظ فارقا ًا‬
‫المتنوعة ِعوض أن‬
‫فضل تخطي الطلب بإنتاج الكميات الكبيرة واألصناف ّ‬ ‫الذي أصبح ُي ّ‬
‫فإننا نعثر على أنواع مختلفة من‬
‫تجولنا في أسواق المدينة‪ّ ،‬‬
‫ُينتج حسب الطلبيات‪ ،‬واذا ما ّ‬
‫وتغير دائمين تبعا لألذواق وتماشيا مع‬
‫تجدد ّ‬
‫األحذية سواء الرجالية أم النسائية وهي في ّ‬
‫الفصول األربعة‪.‬‬
‫هاما في‬
‫دور ً‬
‫ال تنحصر األمور في عملية اإلنتاج فقط‪ ،‬فالتسويق يلعب ًا‬
‫ولكن يجب أ ّ‬
‫بحث دائم عن قنوات‬
‫أي صناعة من الصناعات‪ ،‬فمن األجدر أن يواكب هذه العملية ٌ‬ ‫ّ‬
‫البيع وتسويق المنتوج والتي بدونها ال يمكن االستمرار في اإلنتاج(‪ ،)1‬فعلى سبيل المثال‬
‫يعرف تسويق الحذاء الرجالي في تلمسان في السنوات األخيرة نوعا من الركود مقارنة‬
‫بالحذاء النسائي‪ ،‬وهذا ما يلزمهم على بيعا في مدن بعيدة‪.‬‬
‫عدة أنواع‪ ،‬فمنها المحافظ الخاصة بالجيب التي تدخل ضمن‬
‫‪ -2‬الــــمحافظ‪ :‬تنقسم إلى ّ‬
‫الصناعة الجلدية الصغيرة (‪ )Petite maroquinerie‬والمحافظ النسائية ومحافظ السفر‪،‬‬
‫متعددة كالمحافظ اإلدارية والمدرسية‬
‫ّ‬ ‫باإلضافة إلى أصناف أخرى لها استعماالت‬
‫والرياضية وغيرها‪.‬‬

‫وهذا رأي ك ّل الحرفيين الذي التقيت بهم على اختالف اختصاصاتهم‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪47‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫البد من إعطائه األهمية التي‬


‫والى جانب هذه األنواع من المحافظ‪ ،‬هناك نوع آخر ّ‬
‫أساسا بصناعة محافظ السفر‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتصل‬
‫يستحقها في السوق‪ ،‬فهو ّ‬

‫عدة بلدان‬
‫كبير في السنوات األخيرة في ّ‬
‫تطو ار ًا‬
‫‪ -3‬الـــمالبس الجلدية‪ :‬شهدت هذه الصناعة ّ‬
‫ومكنها من إنتاج من البلدان إحدى األسس‬
‫التقدم التكنولوجي الذي أحرزته ّ‬
‫أجنبية بسبب ّ‬
‫التقدم المعيشي للمجتمع‪.‬‬
‫تطور دائم حيث تتماشى و ّ‬
‫التي يرتكز عليها اقتصادها‪ ،‬فهي في ّ‬

‫‪40‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن هذه الصناعة لم ُيعطى لها ح ّقها في الجزائر وتلمسان خاصة‪ ،‬إذ ّأنني‬
‫والملفت لالنتباه ّ‬
‫لم أعثر على معمل واحد بالمدينة يختص بصناعة المالبس الجلدية‪ ،‬وهذا أمر مؤسف للغاية‪.‬‬
‫احدا إلنتاج بعض أصناف المالبس‬
‫الوصية الرسمية بإنشاء ولو معمال و ً‬
‫ّ‬ ‫فلماذا ال تف ّكر الجهات‬
‫ثم تكون تساهم‬
‫فتدعم بذلك االقتصاد المحلي ولما االقتصاد الوطني‪ ،‬ومن ّ‬
‫– وال أقول كّلها – ّ‬
‫في خلق مناصب شغل دائمة وتؤدي بالضرورة إلى امتصاص ولو نسبة قليلة من الشباب البطّال‪.‬‬

‫ومن بين المنتوجات األخرى التي تدخل ضمن الصناعات الجلدية والتي ال تقل أهمية‬
‫عن سابقاتها‪ :‬القفازات‪ ،‬فهي لوحدها بإمكانها أن تش ّكل فرعا من فروع الصناعة الجلدية‪.‬‬
‫وكأنها‬
‫فإن أسواقنا ّإنما تكثر بها السلع الجلدية المستوردة بكميات كبيرة ّ‬
‫ولألسف الشديد‪ّ ،‬‬
‫تُنتج ببالدنا‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى هذه المصنوعات هناك األحزمة الجلدية التي أصبح لها بظهور عصر‬
‫الموضة مكانة كبيرة ضمن مجموع الملبوسات‪ ،‬فهي تُهيكل اللباس على جسم حامله‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أي حرفي ُمختص في صناعة األحزمة‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى ّأنني لم أعثر بالمدينة على ّ‬
‫الناس دون ّأية وثيقة إدارية ترخص له‬ ‫الجلدية‪ ،‬وان ُو ِج َد فهو يعمل ً‬
‫بعيدا عن أعين ّ‬
‫بمحل متواجد في أزقة يصعب العثور‬
‫ّ‬ ‫إما في منزله أو‬
‫ممارسة هذه الحرفة‪ ،‬فيكون ذلك ّ‬
‫عليه فيها‪.‬‬

‫ألن اإلنسان القديم‬


‫هذه بعض المصنوعات الجلدية الحديثة وان كانت في األصل قديمة؛ ّ‬
‫تحكمه في تقنيات الصنع وفي نقص األدوات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ولكنها كانت بسيطة لعدم‬
‫شك قد استعملها ّ‬
‫بدون ّ‬
‫التحضر والموضة‪ ،‬ففي‬
‫ّ‬ ‫تغيرت بفعل‬
‫فإن شكلها وحجمها وألوانها قد ّ‬
‫يتغير‪ّ ،‬‬
‫واذا استعمالها لم ّ‬
‫وتعددا واسعا في وسائل اإلنتاج‪ ،‬الشيء الذي ساعد‬
‫كبير في المواد ّ‬
‫تقدما ًا‬
‫الوقت الحاضر نشاهد ّ‬
‫على تطوير اإلنتاج وتحسين المنتوج‪.‬‬

‫ظفتها‬
‫ولألسف الشديد‪ ،‬عرفت كثير من البلدان كيف تستغل هذه المواد والوسائل بحيث و ّ‬
‫أن تصنع أشياء قديمة بتقنيات حديثة‬
‫كل الصناعات ومن بينها الصناعة الجلدية‪ ،‬فاستطاعت ّ‬
‫في ّ‬
‫لها مكانة مرموقة في العالم كلّه‪ ،‬وأقصد بذلك تلك المنتوجات الجلدية التي تُباع بأثمان باهضة‬
‫تحت أسماء عالمية مشهورة يعرفها العامة والخاصة مثل‪:‬‬
‫‪Babybofte, Kickers Labelle, Adidas, SAC, Ted Lapidus, Rieeker, Geg-‬‬
‫‪France, Sylvain-Lefèvre, été ….‬‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الــــمطلب الثاني‪ :‬استغالل قطاع الصناعات الجلدية‬

‫كل المدن الجزائرية وفي تلمسان على وجه الخصوص‬‫لقد أحدثت الدولة فرصا كثيرة في ّ‬
‫بغرض النهوض بقطاع الحرف والصناعات التقليدية من خالل إصدارها للقوانين والنصوص‬
‫وتسيره وخاصة في الفترة الممتدة من ‪ 1992‬إلى ‪ ،1992‬ومن بين األمور‬
‫التشريعية التي تضبطه ّ‬
‫أقرتها هذه القوانين‪:‬‬
‫التي ّ‬
‫‪ -‬اإلعفاءات والتخفيضات الجبائية‪.‬‬
‫فنية‪.‬‬
‫يخص صناعة تقليدية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إمكانية الحصول على دعم مالي لشراء العتاد إذا كان النشاط‬
‫مصغرة أو‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬الدعم والمتابعة من طرف غرف الصناعة التقليدية والحرف عند إنشاء مؤسسة‬
‫تعاونية حرفية‪.‬‬
‫‪ -‬تسهيل اإلجراءات الجمركية وتخفيض الرسوم عند تصدير المنتوجات التقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬المشاركة في المعارض الوطنية والدولية لعرض وبيع المنتوج التقليدي‪.‬‬

‫وعلى الرغم من هذا كّله‪ ،‬تبقى – في رأيي – هذه اإلجراءات ِح ًا‬


‫بر على ورق وبدون ّأية فاعلية‬
‫مسير من طرف أشخاص ال عالقة لهم بالصناعة التقليدية‪ .‬والواقع يبرز‬
‫ما دام النشاط الحرفي ّ‬
‫أن الكثير من هذه الحرف ومن بينها الصناعة الجلدية هو في طريق االندثار أو قد‬
‫ذلك‪ ،‬إذ ّ‬
‫اندثر‪.‬‬

‫أن الخطاب الذي استقيته من الجهات الرسمية الساهرة على‬


‫وتجدر اإلشارة أيضا إلى ّ‬
‫ان القطاع بخير وال يعاني من ّأية مشاكل‪ ،‬ولكن في‬
‫يدل على ّ‬
‫الصناعة التقليدية في تلمسان ّ‬
‫المقابل هناك خطاب جمهور الحرفيين الذين يشتكون يوميا من قلّة االهتمام والعناية وخاصة من‬
‫عدم استقرارهم المهني‪ .‬فأين يكمن الخلل إذن؟‬

‫فإنني أقترح بعض التدابير التي أراها ضرورية للنهوض بقطاع الصناعة‬ ‫وعلى ّأية حال‪ّ ،‬‬
‫الجلدية في تلمس ان‪ ،‬ولما ال استرجاع مكانتها وقيمتها اإلنتاجية‪ ،‬ومن بين هذه اإلجراءات أورد‬
‫أهمها‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪43‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -1‬الـــــتكوين‪:‬‬
‫أن الصناعات التقليدية كانت في القديم تنتقل من شخص إلى شخص‬ ‫من المعلوم ّ‬
‫آخر عن طريق التلقين المباشر داخل الورش والدكاكين او بالممارسة تحت رعاية صاحب‬
‫كل االحترام‬
‫الناس ّ‬
‫ويكن له ّ‬
‫ّ‬ ‫''المعلم'' الذي كانت له مكانة معتبرة في المجتمع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الصنعة‬
‫والتقدير‪.‬‬
‫التغيرات االجتماعية واالقتصادية وخاصة‬
‫للتحوالت و ّ‬
‫ّ‬ ‫ولكن بمرور الوقت ونتيجة‬
‫الثقافية التي طرأت على المجتمع التلمساني بدأ عدد الحرفيين يتناقص‪ ،‬فمنهم من انتقل‬
‫أي عمل‪ ،‬ومنهم‬‫سن ال تسمح له بممارسة ّ‬‫إلى رحمة اهلل تعالى‪ ،‬ومنهم من أصبح في ّ‬
‫من تخّلى عن حرفته طواعية ألسباب عديدة ومتنوعة‪ .‬وهكذا أصبح العمل اليدوي والحرفي‬
‫أن أصبح محور حديث العامة والخاصة من حرفيين واداريين‬
‫فشيئا إلى ّ‬
‫شيئا ً‬
‫يفقد قيمته ً‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وفي محاولة للحفاظ على هذا اإلرث الحضاري الذي تركه لنا آباؤنا وأجدادنا‪ ،‬كان‬
‫بأن‬
‫أحست ّ‬‫أن ّ‬
‫لزاما على الجهات الوصية أن نجد حالّ للنهوض بالصناعة التقليدية بعد ّ‬
‫خطر االندثار والزوال يحوم بها‪ ،‬فقامت بإدراج العديد من النشاطات الحرفية ضمن برامج‬
‫مراكز ومعاهد التكوين المهني من خالل إعطاء دورات تكوينية تختلف مدتها من نشاط‬
‫يتخرج التلميذ بشهادة في آخر التكوين تسمح له بالولوج في الحياة‬
‫أن ّ‬‫إلى آخر على ّ‬
‫العلمية‪.‬‬
‫أن هذه المراكز تستقطب في جميع األحوال تالميذ‬ ‫ولكن ما أراه منافيا للمنطق هو ّ‬
‫ّ‬
‫فَ ِشلوا في مشوارهم الدراسي‪ ،‬حيث عند دخولهم إلى المركز ال يكون لهم استعدادات فنية‬
‫وال ميوالت اتجاه حرفة من الحرف‪ ،‬فعادة ما يكون االختيار عن طريف الصدفة ودون أي‬
‫اقتناع أو باإلكراه من طرف أوليائهم‪ .‬ولهذا نجد التلميذ يخوض في عالم ال يعرف عنه‬
‫نسبيا‪.‬‬
‫أي شيء‪ ،‬ويبقى نجاحه أم اًر ً‬ ‫ّ‬
‫متقدم من‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬يجب أن يكون االهتمام بالحرف التقليدية في طور ّ‬
‫ال‬
‫الحياة الدراسية للتلميذ‪ ،‬ويكون ذلك ممكنا إذا ما أحدث المعنيون باألمر في بالدنا تعدي ً‬
‫على المنظومة التربوية من خالل إدماج النشاطات الحرفية ضمن برامج التربية الفنية في‬
‫المدارس االبتدائية واإلكماليات والثانويات كما هو معمول به في كثير من البلدان‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫واعطائها األهمية نفسها التي تحظى بها المواد األخرى وحتّى ال تُهمش من طرف التالميذ‬
‫أن التربية الفنية ''تساعد على تنمية قدرات‬
‫ويظنونها مواد للترفيه والتسلية‪ .‬فمن المعلوم ّ‬
‫ّ‬
‫نموهم الفني ومهاراتهم اليدوية‬
‫الطلبة وقابليتهم الفنية وترقية مهاراتهم اليدوية‪ ،‬وتجعل ّ‬
‫نموا متوازًنا في جميع نواحي الفنون التشكيلية والتطبيقية''(‪.)1‬‬
‫تنمو ً‬
‫ففي حالة إخفاق التلميذ في حياته الدراسية يكون قد اكتسب خبرة في إحدى النشاطات‬
‫أي عناء‬
‫تمكنه من مواصلة مشواره التعليمي داخل مراكز التكوين المهني دون ّ‬ ‫الحرفية ّ‬
‫جديدا من الحرفيين‬
‫ً‬ ‫مهيأ لذلك؛ ومن هنا نخلق جيال‬
‫ألنه يكون ّ‬ ‫تخصصه ّ‬ ‫ّ‬ ‫في اختيار‬
‫يضمن للحرف التقليدية البقاء والدوام‪.‬‬
‫‪ -2‬الـــتسويق‪:‬‬
‫من األمور التي يعاني منها الحرفيون على اختالف صنائعهم مشكلة تسويق منتوجهم‬
‫المحلية‪ .‬وبالفعل‪ ،‬لقد‬
‫ّ‬ ‫التقليدي‪ ،‬الذي ال يتعدى تسويقه – وفي جميع األحوال – السوق‬
‫ظا‬
‫تقهقر ملحو ً‬
‫ًا‬ ‫أصبح الطلب على المصنوعات التقليدية – في السنوات األخيرة – يعرف‬
‫التغير ال ّذي ط أر‬
‫ولعل السبب في ذلك يرجع أساسا إلى ّ‬
‫حيث تناقص كلّية وبصورة كبيرة‪ّ ،‬‬
‫غير‬
‫على السلوكات االستهالكية ألفراد المجتمع والتي تعود – هي األخرى – على الت ّ‬
‫يتعدون تدريجيا‬‫الحاصل في نمط معيشتهم بفعل ''الغزو الثقافي‪ ،‬وذلك ما جعل ال ّناس ّ‬
‫على األصول الراسخة في الثقافة ويتنافسون على التقليد األعمى للثقافة الغربية''(‪.)2‬‬
‫حرفيو الصناعة الجلدية في تلمسان – في الوقت الحاضر – مشكل تسويق‬‫ويعرف ّ‬
‫انتشار في أوساط هذه الفئة من المجتمع‪ .‬فلقد‬
‫ًا‬ ‫منتوجهم التقليدي‪ ،‬وهو المشكل األكثر‬
‫حد تعبير أحدهم – منغرسا في حياتهم المهنية ويتعايشون معه‪،‬‬
‫أصبح هذا العائق – على ّ‬
‫ال االستمرار في عملهم ما دام ّأنهم لم يجدوا البديل‪.‬‬
‫إذ ال خيار لهم إ ّ‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬لقد أوجد الحرفيون حالّ مؤقتا لهذا المشكل‪ ،‬وذلك باتّباع طريقة‬
‫غنى عن إنتاج‬ ‫اإلنتاج حسب نظام الطلبيات (‪ ،)Commandes‬األمر الذي يجعلهم في ّ‬

‫عمان‪ ،‬ط‪ 1419 ،2‬هـ ‪1999 /‬م‪،‬‬


‫محمد حسين جودي‪ ،‬الرسم واألشغال اليدوية‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ص‪.115‬‬
‫أوراغي أحمد‪ ،‬االستهالك الثقافي في مدينة تلمسان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.155‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪43‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ألن ذلك يقتضي تخزينها وتكديسها وهذا ما ال يقدر عليه الحرفي‬


‫كميات كبيرة من السلع‪ّ ،‬‬
‫البسيط‪ ،‬باعتبار إمكانياته المادية ال تسمح بذلك‪.‬‬
‫أن الصعوبة التي وجدها الحرفيون في تسويق منتوجه قد أجبرت العديد منهم على‬
‫كما ّ‬
‫الت بوسط المدينة‪ ،‬يبيعون لهم منتوجاتهم بأثمان‬
‫التعامل مع وسطاء تجاريين يمتلكون مح ّ‬
‫ولكن الحرفي راض على هذا التعامل ما دام‬
‫رخيصة على الرغم من جودتها ودقّة إتقانها‪ّ ،‬‬
‫ّأنه وجد طريقة للتخلّص من إنتاجه‪.‬‬
‫عمد بعض الحرفيين إلى التعاقد مع مسؤولي غرفة الحرف والصناعات التقليدية‬
‫ولقد ّ‬
‫بأنها يمكن لها مساعدتهم في تسويق منتوجهم‪ ،‬حيث يسمح لهم بوضع سلعهم‬
‫اقتناعا منهم ّ‬
‫حدده مسؤولو‬
‫أن ثمنها ُي ّ‬
‫ال ّ‬
‫المقر من أجل بيعها؛ إ ّ‬
‫في قاعة العرض المتواجدة على مستوى ّ‬
‫ألن لها في ذلك قسط من األرباح يكون في بعض األحيان – حسب تصريح بعض‬
‫اإلدارة ّ‬
‫يحبذ هذه‬
‫أن البعض اآلخر ال ّ‬ ‫مما يربحه الحرفي نفسه‪ ،‬ولهذا نجد ّ‬‫الحرفيين – أكبر ّ‬
‫الطريقة‪ .‬ففي اعتقادي ّأنها ال تخدم مصلحة الحرفي وال مستقبل الحرف التقليدية بتلمسان‪.‬‬
‫ألي مجهودات أو أنشطة في المجال اإلنتاجي وخاصة‬‫تقدم ال يمكن ّ‬
‫وبناء على ما ّ‬
‫ال بوجود استراتيجيات مناسبة وعلى المستوى التسويقي‬
‫في الصناعة الجلدية أن تنجح إ ّ‬
‫أن التخطيط السليم للتسويق بعناصره المختلفة هو الضمانة األكيدة لدوام‬
‫خصوصا‪ ،‬ذلك ّ‬
‫فالبد من وجود مبادرات ومشاريع‬
‫هذه الصناعة من جهة وكرافد اقتصادي من جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫وخطط مدروسة لتطوير المصنوعات الجلدية وعصرنتها لتتماشى ومتطّلبات العصر‪،‬‬
‫وتسويقها وترويجها في األسواق المحلية والوطنية والعالمية‪.‬‬

‫لحل مشكل التسويق‪ ،‬والتي يمكن أن تقوم بها الجهات‬


‫ومن اإلجراءات التي أراها مناسبة ّ‬
‫عامة والصناعة الجلدية على وجه الخصوص‪:‬‬‫الوصية على قطاع الصناعة التقليدية ّ‬
‫ّ‬
‫‪ّ ‬أول إجراء يمكن أن يقوم به الساهرون على تسيير هذا القطاع تجميع الحرفيين في فضاء‬
‫إنتاجي واحد من خالل تخصيص ورشات صغيرة أو دكاكين تكون – من األفضل – وسط‬
‫المدينة أين يكثر الراجلون والزائرون‪ ،‬الشيء الذي يعيد لهم الثقة في النفس والرغبة في‬
‫االبتكار واإلبداع‪ ،‬فتنفتح أمامهم فرص تسويق منتوجهم التقليدي‪ ،‬وليس تهميشهم بوضعهم‬
‫كل الحركة‪.‬‬
‫في أماكن بعيدة عن ّ‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن االحتكاك المباشر للحرفي بأفراد المجتمع سيؤدي حتما إلى تغيير نظرتهم‬
‫وما من شك ّ‬
‫ثم تحسين وضعيته‬ ‫إليه‪ ،‬وذلك باسترداد قيمته ومكانته التي فقدهما من زمن بعيد‪ .‬ومن ّ‬
‫ركوضا في كثير من‬
‫ً‬ ‫تتحسن منذ أن عرفت الصناعات التقليدية‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية التي لم‬
‫المجاالت‪.‬‬
‫لحل مشكل التسويق‪ :‬التخصص‬ ‫ّ‬ ‫ولعل من أحسن اإلجراءات التي يمكن اتخاذها‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫يتخصص الحرفي في إنتاج سلعة واحدة أو مجموعة متقاربة من السلع‬
‫ّ‬ ‫واالحتراف‪ :‬وهو أن‬
‫ألن ذلك يسمح بانخفاض تكاليف اإلنتاج وارتفاع درجة‬
‫يجد نفسه فيها أكثر تحكما ود ّقة؛ ّ‬
‫جودته واتقانه‪ ،‬فيسهل على الحرفي تسويق منتوجه وحتّى إن كان بأثمان غالية‪.‬‬
‫كبير في كثير من البلدان المتقدمة‬
‫نجاحا ًا‬
‫ً‬ ‫‪ ‬وهناك طريقة أخرى أكثر عصرنة عرفت‬
‫كالواليات المتّحدة وكندا وحتّى في بلدان عربية كالمغرب األقصى وهي التسويق عن طريق‬
‫أن ذلك ال يتأتى إالّ بإنشاء مواقع (‪)Sites‬‬
‫التجارة االلكترونية (‪ ،)internet‬ومعلوم ّ‬
‫تصرف‬
‫شخصية أو جماعية للحرفيين يعرضون فيها مختلف منتوجاتهم‪ ،‬حيث تكون تحت ّ‬
‫عدد كبير من المهتمين بالصناعات التقليدية ومن المستهلكين على المستوى الوطني‬
‫خاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والعالمي‬
‫ماديا عند مشاركتهم في المهرجانات والمعارض الوطنية‬
‫‪ ‬ويجب أيضا مساعدة الحرفيين ّ‬
‫ألن الكثير منهم ليست له إمكانيات للتنقل أو إلنتاج كميات كبيرة من السلع‪،‬‬
‫والدولية ّ‬
‫ولهذا يجب أن تكون هذه المساعدات في وقت يسمح للحرفي أن يستعد لمثل هذه‬
‫التظاهرات الثقافية‪.‬‬
‫مهما في نجاح عملية التسويق وهو أن ُيَنظَّ َم الحرفيون أنفسهم في‬
‫أمر ً‬
‫أظنه ًا‬
‫‪ ‬وآخر إجراء ّ‬
‫ألن العديد منهم ينشط بمنازلهم‬ ‫بكل سهولة؛ ّ‬
‫إطار رسمي يسمح لهم بضبط مشاكلهم وحّلها ّ‬
‫أو في دروب وأزقة يصعب حتى على ابن المدينة العثور عليهم‪ .‬ويتأتى ذلك من خالل‬
‫إنشاء ''جمعية'' ذات أساس متين‪ ،‬حيث تكون مش ّكلة من حرفيين يحظون بسمعة معترف‬
‫بها وتقدير من طرف الهيئات اإلدارية‪ .‬وقد تساعد هذه الجمعية على وضع إحصائيات‬
‫عامة والصناعة الجلدية خاصة‬
‫دقيقة تم ّكن أصحابها من تقييم قطاع الصناعة التقليدية ّ‬
‫أي وقت من األوقات‪ ،‬وتم ّكن الحرفيين أنفسهم من جمع شتاتهم ولما ال حل جميع‬
‫في ّ‬
‫مشاكلهم وخاصة مشكل التسويق‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -3‬الـــــسياحــة‪:‬‬
‫كبير في دفع قطاع الصناعة التقليدية إلى األمام‪،‬‬
‫دور ًا‬
‫بأن للسياحة ًا‬
‫منا ّ‬
‫ال ينكر أحد ّ‬
‫البد من إيجاد حلول عاجلة للنهوض بالقطاع السياحي‬ ‫يعد تكملة لآلخر‪ .‬ولهذا ّ‬
‫فكالهما ّ‬
‫في بالدنا وتلمسان على وجه الخصوص‪ ،‬ويتأتى ذلك بتوفير اإلمكانيات المادية والبشرية‬
‫فكل هذه العوامل من شأنها أن تخلق المناخ المناسب لتوافد‬
‫وخاصة االستقرار األمني‪ّ .‬‬
‫ثم يساهمون بصورة غير مباشرة من خالل اقتنائهم لشتى‬‫السياح على زيارة المدينة‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬
‫أنواع المنتوجات التقليدية والحديثة في ديمومة الصناعة التقليدية وبقائها‪.‬‬
‫عبر الميثاق الوطني على هذه الفكرة حيث جاء في إحدى نصوصه‪:‬‬‫وقد ّ‬
‫ًا‬
‫تطوير‬ ‫''لقد أصبح من اآلن بل من الضروري إيجاد صيغ متميزة كفيلة بتطوير السياحة‬
‫المعبر عنها في هذا المجال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المتعددة والمختلفة‬
‫ّ‬ ‫يستجيب أحسن استجابة لالحتياجات‬
‫التصور يش ّكل نوعا من أنواع ترقية‬
‫ّ‬ ‫إن توسيع وظائف السياحة بفضل تنشيط سليم‬ ‫ّ‬
‫الثقافة والصناعة التقليدية المحلية‪ ،‬والتراث الوطني‪ ،‬بشكل عام ‪.)1(''...‬‬
‫المسيرة لهذا القطاع‪ ،‬فقد تداركت الدولة النقص الذي كانت‬
‫ّ‬ ‫أما فيما يخص التشريعات‬
‫ّ‬
‫تعاني منه الصناعة التقليدية‪ ،‬وذلك بإصدارها لجملة من المراسيم والقوانين من شأنها‬
‫هيكلة وضبط تسيير هذا القطاع‪.‬‬
‫‪ -4‬إنشاء الــــمدابغ‪:‬‬
‫أن ازدهار صناعة الجلود والصناعة الجلدية في وقت من األوقات‬
‫مما ال ريب فيه ّ‬ ‫ّ‬
‫الدباغة‪ .‬ولقد كان لهذه‬
‫بتلمسان ّإنما يعود بالدرجة األولى إلى وجود عدد كبير من دور ّ‬
‫المدابغ أهمية كبيرة من الناحية االجتماعية واالقتصادية للمدينة؛ فهي من جهة كانت‬
‫كبير من العمال مساعدة بذلك على امتصاص البطالة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬ ‫عددا ًا‬
‫تستقطب ً‬
‫يفسر العدد الهائل من البلغاجيين‬
‫ولعل هذا ما ّ‬
‫ّ‬ ‫تمون الحرفيين بالجلود الطبيعية‪،‬‬
‫كانت ّ‬
‫السراجين الذين كانوا ينشطون بتلمسان‪.‬‬
‫و ّ‬
‫ولكن اختفاء هذه المدابغ أحدث انقالبا على الصناعة الجلدية‪ ،‬حيث أصبحت تتراجع‬
‫بأن‬
‫يوما بعد يوم إلى ان وصلت إلى ما هي عليه اليوم من خمول وركود‪ .‬واذا افترضنا ّ‬
‫هذه المدابغ هي التي أعطت تلمسان شهرتها في مجال الصناعة الجلدية‪ ،‬فلماذا ال يف ّكر‬

‫الميثاق الوطني‪ 11 ،‬جانفي ‪ ،1971‬ص‪.175‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪44‬‬
‫الصناعات التقليدية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المعنيون باألمر في بناء ولو مدبغة واحدة حديثة عوض ان تبقى المدينة دائمة االرتباط‬
‫بمدينة وهران في مجال صناعة الجلود؟‬

‫الـــمطلب الـــثالث‪ :‬دور الصناعات الجلدية في دفع عجلة التنمية‬

‫أن الصناعة التقليدية والصناعة الجلدية على وجه الخصوص قد شكّلت –‬‫مما ال ّشك فيه ّ‬
‫ّ‬
‫الهامة في االقتصاد المحلّي لتلمسان‪ ،‬فقد احتلّت مكانة مرموقة‬
‫في الماضي – إحدى المصادر ّ‬
‫ولعل ما ُيبرز هذه األهمية هو انتشار‬
‫وأهمية بالغة في المبادالت التجارية ألفراد المجتمع كّله‪ّ .‬‬
‫أن النمط‬
‫كالسراجين والبلغاجيين؛ كما ّ‬
‫عدة أماكن من المدينة ّ‬ ‫الحرفيين المستعملين للجلود في ّ‬
‫المعيشي التقليدي الذي كان يطغى على المجتمع التلمساني ساعد على ازدهار هذه الصناعة‬
‫تعد أحد الموارد الذي يعتمد عليها الفرد في تلبية حاجياته اليومية‪.‬‬
‫بحيث كانت ّ‬
‫ومن هنا تظهر الوظيفة االجتماعية – االقتصادية التي يمكن أن تلعبها الصناعة الجلدية‬
‫وجهت الوجهة الصحيحة لكانت قادرة على خلق مناصب عمل‬
‫على مستوى هذين المستويين‪ ،‬فلو ّ‬
‫ثم امتصاص البطالة التي يعاني منها شباب المدينة‪ ،‬كما ّأنها قادرة على خلق‬ ‫دائمة‪ ،‬ومن ّ‬
‫الثروات وتوفير مداخيل بالعملة الصعبة ولما ال تكون البديل األمثل لقطاع المحروقات في الجزائر‬
‫ألنها قادرة – لو استغّلت االستغالل األمثل – على أن تساعد بشكل من األشكال في تقوية وتوجيه‬
‫ّ‬
‫االقتصاد المحّلي وتطويره‪.‬‬

‫أي اهتمام بالموروث المادي الثقافي للمدينة‬


‫والحقيقة ّأنه إذا كان اغلب شبابنا اليوم ال يولي ّ‬
‫بالدرجة األولى إلى‬
‫فإن السبب يعود ّ‬ ‫وخاصة الصناعة التقليدية على اختالف اختصاصاتها‪ّ ،‬‬
‫فقدان مركزيتها وقيمتها االقتصادية وكذلك تهميشها نتيجة إعطاء األولوية للصناعات الحديثة‬
‫ألن المسؤولين لم يتخذوا اإلجراءات الالزمة‬
‫المتطورة‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫التي تعتمد على التكنولوجيا ووسائل اإلنتاج‬
‫أحسوا بخطر زوالها واندثارها‪.‬‬
‫ال في وقت متأخر بعدما ّ‬
‫إلنعاشها إ ّ‬

‫البد أن تتساءل الجهات الوصية على قطاع الصناعة التقليدية – وخاصة‬


‫ومن هذا المنطلق‪ّ ،‬‬
‫الصناعة الجلدية – عن موقعها في جدول المعامالت والمبادالت التجارية والوطنية والعالمية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫خـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـ ــمة‬
‫خــــــــــــاتمــــــــــة‬

‫خـــــــــــــاتمة‬
‫أن استعمال الجلود يعود إلى بداية تاريخ اإلنسانية‪ ،‬فقد عرف اإلنسان‬
‫الشك فيه ّ‬
‫ّ‬ ‫مما‬
‫ّ‬
‫كل المؤثرات‬
‫الملحة إلى حماية جسمه من ّ‬
‫ّ‬ ‫أحس بالحاجة‬
‫يستغل هذه المادة منذ أن ّ‬
‫ّ‬ ‫األول كيف‬
‫ّ‬
‫الحر‬
‫أي إنسان كالبرد و ّ‬
‫التي تحيط به‪ ،‬وخاصة الظروف الطبيعية القاسية التي عاشها ويعيشها ّ‬
‫وغيرهما‪.‬‬

‫الصيد لتلبية حاجاته اليومية منها‪ ،‬وذلك باستعمال‬


‫ّ‬ ‫إن اإلنسان بحكم بدائيته كان يمتهن‬
‫ّ‬
‫كماً ونوعا نتيجة‬
‫لتطور متطلّباته ّ‬
‫ونظر ّ‬
‫ًا‬ ‫لحومها في غذائه وجلودها وفروتها في حماية نفسه‪،‬‬
‫تحض اًر وهي تربية الحيوانات‪ ،‬هذه الطريقة‬
‫ّ‬ ‫زيادة عدد أفراد أسرته اهتدى إلى طريقة أسهل وأكثر‬
‫التي أجبرته على عدم االنتقال‪ ،‬بل االستقرار والتمركز‪ ،‬فم ّكنته من تقويم حياته المعيشية وتأمين‬
‫مسيرته التاريخية‪.‬‬

‫عدة‬
‫لقد استطاع هذا اإلنسان أن يصنع جلود هذه الحيوانات باستعمال وسائل إنتاج بسيطة ّ‬
‫ولعل هذا‬
‫أشياء استخدمها ألغراض متنوعة‪ ،‬وأكثرها نفعية كاألواني واألدوات المنزلية المختلفة‪ّ ،‬‬
‫حرفيا من أجل إشباع‬‫ً‬ ‫األول كان حرفيا‪ ،‬بل كان محتّم عليه بأن يكون‬ ‫بأن اإلنسان ّ‬
‫ما يبرز ّ‬
‫الحاجات الذاتية ألفراد أسرته‪ .‬وعلى هذا األساس دخلت الجلود في ع ِ‬
‫رف الصناعات التقليدية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بكل ما تنتجه من مصنوعات مكانة‬
‫تحتل الصناعة الجلدية ّ‬
‫ّ‬ ‫وبمرور العصور‪ ،‬أصبحت‬
‫تعد الجلود في العديد‬
‫عالية عند كثير من الشعوب واألمم خاصة من الناحية االقتصادية‪ ،‬حيث ّ‬
‫من البلدان – وفي الوقت الراهن – واحدة من السلع التي تعتمد عليها في صادراتها ومبادالتها‬
‫التجارية الخارجية‪.‬‬

‫ظها من هذه الصناعة‪ ،‬فقد عرفت المدينة استعمال‬


‫وتلمسان من هذه الشعوب التي نالت ح ّ‬
‫هذه المادة في صناعتها التقليدية منذ زمن بعيد‪ ،‬وقد بينت ذلك من خالل المراحل التاريخية التي‬
‫مر بها هذا النشاط ابتداء من القرون الوسطى إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫ّ‬
‫ورقيا‬
‫مر هذا النشاط كباقي الصناعات األخرى بفترة طويلة من الزمن عرف فيها ازدها ًار ُ‬
‫لقد ّ‬
‫كبيرين جعال من تلمسان ِقبلة للقوافل التجارية التي كانت تتوافد على أسواقها القتناء البضائع‬
‫ومن بينها الجلود التي كانت تنتجها دور الدباغة المنتشرة في حواف المدينة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫خــــــــــــاتمــــــــــة‬

‫عامة والصناعة الجلدية على وجه‬ ‫ولكن هذا االنتعاش الذي عرفته الصناعة التقليدية ّ‬
‫فشيئا‪ ،‬وخاصة منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ،‬هذه الفترة‬
‫شيئا ً‬
‫الخصوص بدا يتناقص ً‬
‫عدة تغييرات في‬
‫التي ظهرت فيها الثورة الصناعية التي حملها معه المستعمر والتي أحدثت ّ‬
‫تطور‬
‫المجال االجتماعي والسياسي والثقافي وخاصة االقتصادين دون أن ننسى ما حملته من ّ‬
‫تكنولوجي‪.‬‬

‫أن االستعمار منذ دخوله مدينة تلمسان عمد إلى إثبات وجوده من خالل‪:‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫‪ -‬تغيير التصميم العمراني للمدينة وذلك بتغيير أماكن بعض األسواق التقليدية وتعويضها‬
‫مقومات‬
‫بمقاهي وساحات ومتنزهات وغير ذلك؛ ولعلّه كان يهدف من وراء ذلك تحطيم ّ‬
‫الصناعات التقليدية‪.‬‬
‫كل ما‬
‫ثم تجريده من ّ‬
‫‪ -‬محاولة تشتيت المجتمع وتفكيك وحدته لطمس هويته وانتمائه‪ ،‬ومن ّ‬
‫له عالقة بتراثه الثقافي والحضاري والتاريخي‪.‬‬
‫‪ -‬تحديث وسائل اإلنتاج وخلق طرق وأساليب جديدة في التصنيع كاستعمال اآلالت‬
‫المصنعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الميكانيكية والمواد االصطناعية المختلفة كالبالستيك واأللومنيوم والجلود‬
‫أدى‬ ‫‪ -‬بناء المعامل والمصانع الحديثة التي كانت تُ ِّ‬
‫شغل الكثير من أبناء المدينة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫إلى إبعادهم عن ممارسة إحدى الصناعات التقليدية‪.‬‬

‫كل هذه العوامل كان لها أثرها البارز في تقهقر الصناعة التقليدية بالمدينة منذ دخول ظهور‬
‫ّ‬
‫بوادر الثورة الصناعية على جميع األصعدة‪.‬‬

‫تغير كبير على النمط المعيشي لعدد كبير من الحرفيين – ومن بينهم‬
‫وبمرور السنين‪ ،‬ط أر ّ‬
‫حرفيو الصناعة الجلدية – األمر الذي جعل الكثير منهم يهجرون صنائعهم إلى ميادين ومهن‬
‫ّ‬
‫أخرى ذات دخل سريع ومضمون‪.‬‬

‫تمر بها البالد؛ إذ لم‬


‫ولقد أصبحت هذه الصناعات في ّأيامنا ضحية للطفرة التنموية التي ّ‬
‫ال نتف هنا وهناك نتذكرها حينما تأتي مشاركة أصحابها في المهرجانات والمعارض‬ ‫يبق منها إ ّ‬
‫الوطنية أو العالمية أو غيرها‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫خــــــــــــاتمــــــــــة‬

‫أن أهداف البحث تكمن في إيجاد الحلول والسبل الكفيلة للنهوض بالصناعة التقليدية‬
‫وبما ّ‬
‫واسترجاع مركزها االجتماعي وقيمتها االقتصادية في المجتمع‪ ،‬فقد تمك ّنت من حصر بعض‬
‫أهمها‪:‬‬
‫اإلجراءات التي أراها مناسبة لدفع حركية هذا القطاع‪ ،‬ومن ّ‬
‫‪ -‬التكوين‪ :‬ويتأتى ذلك بإدراج الصناعة التقليدية ضمن برامج المدارس االبتدائية‬
‫والمتوسطات والثانويات واعطائها نفس األهمية التي تحظى بها المواد األخرى‪ ،‬إلى جانب‬
‫المتخصصين والبرامج التعليمية المدروسة والوسائل الالزمة وخاصة‬
‫ّ‬ ‫المكونين‬
‫ّ‬ ‫توفير‬
‫الكتب‪.‬‬
‫‪ -‬التسويق‪ :‬ويكون ذلك بإيجاد طرق حديثة في ترويج المنتوج التقليدي كاستعمال األنترنت‬
‫المتقدمة وحتى بلدان عربية كالمغرب‬
‫ّ‬ ‫مثال‪ ،‬فهي طريقة حديثة تستعملها الكثير من البلدان‬
‫موحد داخل‬
‫ّ‬ ‫أن تجميع الحرفيين في فضاء إنتاجي‬ ‫األقصى واألردن والسعودية‪ .‬كما ّ‬
‫تتحرك مبيعاتهم‪.‬‬
‫ثم ّ‬‫المدينة‪ ،‬فيكونون على اتّصال مباشر بالمستهلك ومن ّ‬
‫بأنه لو كانت السياحة بخير ببالدنا لما وصلت إليه الصناعة التقليدية إلى‬
‫أظن ّ‬
‫‪ -‬السياحة‪ّ :‬‬
‫بأن السياحة تكملة لقطاع الصناعة التقليدية واالّ كيف‬
‫ماهي عليه اليوم؛ فمن المعلوم ّ‬
‫أن السياحة في المغرب‬
‫منا ّ‬
‫نفسر ازدهارها في بلدان مجاورة للجزائر‪ .‬فال يخفى على أحد ّ‬
‫ّ‬
‫السياح وخاصة األجانب المولعون بالمصنوعات‬
‫وتونس مثال تجذب سنويا الماليين من ّ‬
‫التقليدية والتحف الفنية التي تنتجها أيادي الحرفيين‪ ،‬فهم يساهمون بشكل مباشر في تطوير‬
‫هذا القطاع‪.‬‬

‫واّنني أرى ّأنه إذا استطاعت الجهات الرسمية الساهرة على الصناعة التقليدية في بالدنا من‬
‫التح ّكم في هذه األمور الثالثة ومتابعتها لسنوات مستمرة لتم ّكنت من إعطاء دفعة جديدة لهذا‬
‫القطاع‪.‬‬

‫أن التمسك بالتراث – والصناعات التقليدية على وجه‬ ‫وفي األخير‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أمة في عصرنا‬‫كل ّ‬‫الهوية الحضارية والثقافية لدى ّ‬
‫ّ‬ ‫حد كبير مفهوم‬
‫يؤكد إلى ّ‬
‫الخصوص – ّ‬
‫الراهن‪ ،‬وهو بهذه الصفة يحمل شرعيته اإلنسانية والفكرية والحسية وآفاق اإلبداع الثقافي في‬
‫بكل جوانب حياتنا وذاكرتنا وروحنا‪.‬‬
‫ومعاشا يحيط ّ‬
‫المجتمع كونه إرثًا مرئياً ُ‬

‫‪56‬‬
‫خــــــــــــاتمــــــــــة‬

‫ولهذا‪ ،‬فمن الواجب علينا اآلن أن ننبأ األجيال الحاضرة والقادمة بمكانة التراث الحضاري‬
‫تطور شتّى مجاالت الحياة‬
‫لبالدنا وما خلفه لنا األجداد من تجارب فنية كان لها األثر الكبير في ّ‬
‫ومن بينها الصناعة التقليدية‪ ،‬والتي تم ّكن الجيل الجديد من خاللها أن يتنبأ بأهميتها في المستقبل‬
‫فيتشرب منها مختلف القيم الفنية‪ .‬ويمكن اعتبار دراستها بمثابة‬
‫ّ‬ ‫عن طريق دراستها والبحث فيها‪،‬‬
‫اكتساب خبرات جديدة لألجيال القادمة تُعينهم على ابتكار أساليب جديدة ومواصلة ما قام به‬
‫آباؤنا وأجدادنا من إبداعات وابتكارات‪.‬‬

‫كل‬
‫أن الحرفي والمجتمع تقوم بينهما صلة إيجابية حينما يكون ّ‬‫البد من التأكيد أيضا على ّ‬
‫و ّ‬
‫منهما على نفس الطريق‪ :‬المنتج والمتذوق (المستهلك)‪ .‬وعندما تنمو هذه العالقة وتسير طرديا‬
‫تساعد على إعطاء الصناعة التقليدية قوتها في االستمرار والتبلور والتأكيد‪ ،‬وهذه قضية تحتاج‬
‫التركيز على الحرفي‪ ،‬وعلى الوسائل التي يتكون بها مثلما تحتاج إلى التركيز على المجتمع ذاته‬
‫الذي هو المستهلك األول‪.‬‬

‫يستمد قوته من ثقافته وتاريخه‪،‬‬


‫ّ‬ ‫فإنه يبقى دوما‬
‫التطور‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ومهما بلغ اإلنسان من درجات‬
‫فيحاول الحفاظ عليه واالطالع على تفاصيله‪ ،‬ويحيي ثقافته ويعطيها األهمية الالزمة العتقاده‬
‫فيها وفي ضرورة وجودها‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫قــائمة المراجع‬
‫قائــــمة المراجع‬

‫قائمة المراجع‬

‫أوال‪ :‬المراجع بالعربية‬


‫‪1221 ،1‬ه‪/‬‬ ‫‪ -1‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬الجزء ‪ ،2‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل محمد ديوي ‪،‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬الحاج محمد بن يمضان شاو ‪ ،‬باقة السوسان في التعريف بحضارة تلمسان عاصمة‬
‫دولة بني زيان‪ ،‬ديوان الم بوعات الجامعية‪ ،‬الجزائي‪ ،‬الجزء األول‪.‬‬
‫‪ -3‬بو سليم صالح‪ ،‬الصناعة التقليدية بمنطقة تيديكلت – صناعة الفخار والجلود نموذجا‬
‫–‪ ،‬دياسة ميدانية فنية إثنوغيافية‪.‬‬
‫‪ -2‬عنايات مهدي‪ ،‬فن الزخرفة على الجلد‪ ،‬مكتبة ابن سينا‪ ،‬القاهية‪.1991 ،‬‬
‫‪ -1‬فوزي سالم عفيفي‪ ،‬نشأة الزخرفة وقيمتها ومجاالتها‪ ،‬مياجعة الدكتوي مص فى عبد‬
‫اليحيم‪ ،‬داي الكتاب العيبي‪ ،‬القاهية‪ ،‬مصي‪1211 ،1 ،‬هـ ‪.1991 /‬‬
‫‪ -6‬مبايك بن محمد الهياللي الميلي‪ ،‬تاريخ الجزائر في القديم والحديث‪ ،‬مكتبة النهضة‬
‫الجزائيية‪ ،‬الجزء ‪.3‬‬
‫‪ -1‬محمد تيوزين‪ ،‬صناعة المضفرات والمنتوجات الحلفاوية بالمنطقة السهبية من دائرة‬
‫سبدو بوالية تلمسان‪ ،‬المعهد الو ني العالي للثقافة الشعبية‪ ،‬تلمسان‪.1993 ،‬‬
‫‪ -1‬محمد حسين جودي‪ ،‬الرسم واألشغال اليدوية‪ ،‬داي المسيية للنشي والتوزيع وال باعة‪،‬‬
‫عمان‪ 1219 ،2 ،‬هـ ‪1999 /‬م‬ ‫ّ‬
‫‪ -9‬محمد حسين جودي‪ ،‬ابتكارات العرب في الفنون وأثرها في الفن األوروبي في القرون‬
‫الوسطى‪ ،‬داي المسيية‪.2001 ،‬‬
‫واضح الصمد‪ ،‬الصناعات والحرف عند العرب في العصر الجاهلي‪ ،‬المؤسسة‬ ‫‪-10‬‬
‫الجامعية للدياسات والنشي والتوزيع‪ ،‬لبنان‪1202 ،1 ،‬هـ ‪1919 -‬م‪.‬‬
‫دباغة الجلود وصناعة المواد المتعلقة بها‪ ،‬تيجمة واعداد جعفي ه الهاشمي‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫داي الصفدي‪ ،‬دمشق‪ 1211 ،‬هـ ‪1991-‬م‪.1 ،‬‬

‫‪07‬‬
‫قائــــمة المراجع‬

‫ثانيا‪ :‬مذكرات التخرج‪:‬‬


‫‪ -1‬أوياغي أحمد‪ ،‬االستهالك الثقافي في مدينة تلمسان‪ ،‬يسالة ماجستيي‪ ،‬قسم الثقافة‬
‫الشعبية‪.2000 ،‬‬
‫‪ -2‬نقادي سيدي محمد‪ ،‬التصميم العمراني لمدينة تلمسان وداللته االجتماعية‪ ،‬يسالة‬
‫ماجستيي‪ ،‬معهد الثقافة الشعبية‪ ،‬تلمسان‪.1991 ،‬‬

‫ثالثا‪ :‬المنشورات‬
‫‪ -1‬المنظمة العيبية للتيبية والثقافة والعلوم‪ ،‬الخطة القومية للنهوض بالصناعات التقليدية‬
‫في الوطن العربي‪ ،‬تونس‪.‬‬
‫‪ -2‬الصناعات التقليدية الجزائرية‪ ،‬وزاية السياحة والصناعات التقليدية‪ ،‬مدييية الصناعات‬
‫التقليدية‪ ،‬المؤسسة الو نية لالتصال والنشي واإلشهاي‪ ،‬الجزائي‪ ،‬أفييل ‪.1991‬‬
‫‪ -3‬الميثاق الو ني‪ 16 ،‬جانفي ‪.1916‬‬

‫رابعا‪ :‬المراجع باللغة األجنبية‬


‫‪01- Journée d’étude sur l’artisanat traditionnel : communication‬‬
‫‪de monsieur le ministre du tourisme et de l’artisanat, sidi‬‬
‫‪– Fredj, 15/11/1994.‬‬
‫‪02- TELEMCEN : au passé rapproché 1937 – 1962 ; Edition‬‬
‫‪Gandini ; Avril 1997 ; p71.‬‬
‫; ‪03- TELEMCEN : Georges Marçais ; Librairaie Re mouard‬‬
‫‪H.Laureus ; Editeur ; 1950‬‬
‫‪04- D. JEMMA, Les Tanncurs de MARRAKECH, Mémoires du‬‬
‫‪C.R.A.P.E xix ; imp, ZABAN, Alger .‬‬
‫‪05- Revne : Terre et Vie, N° 42 ; Mars 2000. Sevteur de la‬‬
‫‪Tannerie au Maroc par Mohammed Marzak.‬‬

‫‪07‬‬
‫قائــــمة المراجع‬

06- Henri MAYEUX ; La Composition décorative, A. quantin


Editeur, 1884.
07- Monographie de la Wilaya TLEMCEN : wilaya de Tlemcen ;
Direction de la Planification et de l’Aménaement du Territoire ;
juin 2001.

07
‫الـ ــمالحق‬
‫مــــــــــــــــالحق‬

‫بعض الصور الخاصة بالصناعات الجلدية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬البلغة‬

‫‪47‬‬
‫مــــــــــــــــالحق‬

‫ثانيا‪ :‬األحذية واألحزمة‬

‫‪47‬‬
‫مــــــــــــــــالحق‬

‫ثالثا‪ :‬الــــمالبس‬

‫رابعا‪ :‬السراويل والقفازات‬

‫‪47‬‬
‫مــــــــــــــــالحق‬

‫خامسا‪ :‬المحافظ وحقائب السفر‬

‫‪44‬‬
‫فـ ـ ـ ـهرس‬
‫المحتويات‬
‫فهرس المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫الــــــــــــــــــــــــــــــــعنوان‬
‫أ‪-‬ه‬ ‫مقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدمة‬
‫‪60‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬موضوع الصناعات الجلدية‬
‫‪60‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬صناعة الجلود في تلمسان بين الصناعات األخرى‬
‫‪60‬‬ ‫مدخل‬
‫‪70‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬النهوض بقطاع الصناعات التقليدية‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬أهم الصناعات التقليدية في تلمسان‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -1‬الصناعات النحاسية‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪ -2‬اللباس التقليدي‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -3‬الصناعات النسيجية‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪ -4‬صناعة الزرابي‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫أنموذجا)‬
‫ً‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الصناعات الجلدية (منطقة تلمسان‬
‫‪91‬‬ ‫مدخل‬
‫‪27‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مادة الجلد‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬دباغة الجلود‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪ ‬أوال‪ :‬عمليات ما قبل الدباغة (تهيئة مادة الجلد)‬
‫‪37‬‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬عملية الدبغ وما يليها‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬صباغة الجلود‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الصناعات التقليدية‬
‫‪30‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬المنتوجات الجلدية القديمة‬
‫‪30‬‬ ‫مدخل‬
‫‪30‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬أهم المنتوجات الجلدية القديمة‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪ ‬أوال‪ :‬البلغة‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬الوسائد الجلدية‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ ‬ثالثا‪ :‬منتوجات جلدية أخرى‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -1‬تجليد الكتب‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪ -2‬صناعة سروج الخيل‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬عوامل ازدهار الصناعات الجلدية‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬آفاق الصناعات الجلدية‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬النهوض بالصناعات الجلدية‬
‫‪19‬‬ ‫مدخل‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬عصرنة المنتوج الجلدي‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪ -1‬صناعة األحذية‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -2‬المحافظ‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫‪ -3‬المالبس الجلدية‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬استغالل قطاع الصناعات الجلدية‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪ -1‬التكوين‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -2‬التسويق‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪ -3‬السياحة‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪ -4‬إنشاء المدابغ‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬دور الصناعات الجلدية في دفع عجلة التنمية‪.‬‬
‫‪06 – 01‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪07 – 06‬‬ ‫قائمة المراجع‪.‬‬
‫‪00 - 07‬‬ ‫مالحق الصور‪.‬‬
‫فهرس المحتويات‪.‬‬
:‫ملخص‬

‫أن التمسك بالتراث – والصناعات التقليدية على وجه‬


ّ ‫ تجدر اإلشارة إلى‬،‫وفي األخير‬
‫أمة في عصرنا‬
ّ ‫كل‬ّ ‫الهوية الحضارية والثقافية لدى‬
ّ ‫حد كبير مفهوم‬
ّ ‫يؤكد إلى‬
ّ – ‫الخصوص‬
‫ وهو بهذه الصفة يحمل شرعيته اإلنسانية والفكرية والحسية وآفاق اإلبداع الثقافي‬،‫الراهن‬
.‫بكل جوانب حياتنا وذاكرتنا وروحنا‬
ّ ‫ومعاشا يحيط‬
ُ ً‫في المجتمع كونه إرثًا مرئيا‬

Résumé :
Enfin, il convient de noter que l'adhésion au patrimoine - et aux
industries traditionnelles en particulier - confirme largement le
concept d'identité culturelle et culturelle de chaque nation de notre
époque actuelle, En tant que tel, il porte la légitimité humaine,
intellectuelle et sensorielle et les horizons de la créativité culturelle
dans la société comme un patrimoine visuel et un environnement
vivant qui entoure tous les aspects de nos vies, de nos souvenirs et de
notre esprit.
Abstract :
Finally, it should be noted that adherence to heritage - and traditional
industries in particular - largely confirms the concept of cultural and
cultural identity of every nation in our present age, As such, it carries
the human, intellectual and sensory legitimacy and horizons of
cultural creativity in society as a visual heritage and a living
environment that surrounds all aspects of our lives, memories and
spirit.

You might also like