You are on page 1of 4

‫الصراع على مرجعية القيم في العالم املعاصر‬

‫د‪ .‬فتحي حسن ملكاوي‬


‫‪11/07/2020‬‬
‫ًا‬
‫واحد من موضوعات الحرب الفكرية التي ترافق أشكال الحرب األخرى‪ ،‬بهدف كسب العقول والقلوب‪ ،‬وتدور‬
‫رحاها في مي ادين التعليم واإلعالم واملؤتمرات اإلقليمية والدولية‪ ،‬وتحاول فيها القوى الكبرى في العالم أن تنشر‬
‫مبادئها وقيَم ها‪ ،‬وتفرَض ها على الكيانات الضعيفة‪.‬‬
‫ًا‬
‫ومن املشكالت الكبرى التي تعاني منها املجتمعات اإلسالمية أن هذه املجتمعات لم تتمثل عملي املرجعية اإلسالمية‬
‫للقيم‪ ،‬ففقدت بذلك "قوة القيمة" واستسلمت في كثير من األحيان للسلطة القهرية التي تمثلها "قيمة القوة"‪.‬‬
‫وتح اول ه ذه املداخل ة أن تلقي بعض الض وء على املرجعي ات ال تي تستند إليه ا أط راف الص راع في ه ذه الح رب‬
‫بصورها السياسية واالقتصادية والفكرية‪ ،‬والتذكير باملرجعية اإلسالمية للقيم في مجتمعاتنا‪ ،‬ليس ألَّن ها تتفوق في‬
‫مشروعيتها الدينية عند املسلمين وحسب‪ ،‬وإَّن ما ألَّن القيم التي تأتي بها هذه املرجعية هي القيم التي تحقق لإلنسان‬
‫كل ما يصبو إليه من هدى وخير‪ ،‬وتبتعد به عن املتاهات التي تقوده إلى الهالك والدمار‪.‬‬
‫محضة‪" ،‬ألن اإليمان باهلل والخوف منه هو الذي يؤدي إلى اإليمان بالدين واليوم اآلخر والفضيلة‪ ،‬وبدون هذا اإليمان‬
‫ستكون قيم ة الرذيل ة أعلى من قيم ة الفض يلة"[‪ .]9‬لكن عقالني ة ديكارت ه ذه ارتبطت ب املنهج ال ذي ح َّد ده في كتاب ه‬
‫ًا‬ ‫ُك‬
‫"مق اٌل في املنهج" ال ذي ي رى أَّن املنهج مجموعة من القواع د العقلي ة ال تي يكون س لو ها دون خط أ كافي للوصول إلى‬
‫اليقين‪ .‬واملنهُج عن د ديكارت يتكون من أربع ة مب ادئ أهمه ا املب دأ األول ال ذي أعطى للفلس فة الديكارتي ة ص فَت ها‬
‫ًا‬ ‫ًا‬
‫األساسية‪ :‬العقالنية‪ ،‬ونص هذا املبدأ هو‪" :‬أال أقبل شيئ ما على أنه حق‪ ،‬ما لم أعرف يقين أَّن ه كذلك‪ ،‬بمعنى أن‬
‫َك‬ ‫ُأ‬
‫أتجنب بعناي ة الته ُّو ر‪ ،‬والس بق إلى الحكم قب ل النظ ر‪ ،‬وأال دِخ ل في أْح امي إال م ا يتمث ل أم ام عقلي في جالء وتـمّي ز‪،‬‬
‫بحيث ال يكون ل دَّي أُّي مج ال لوضعه موضع ش ّك "[‪ .]10‬وهو به ذا يق ِّر ر أَّن العق ل ه و الن ور الط بيعي ال ذي يمِّك ن‬
‫اإلنسان ليس من حِّل مسائل العلم فحسب وإنما حّل مسائل الحياة العملية كذلك‪.‬‬

‫في الح رمين‪ ،‬والرسالة هي أبي ات من الش عر ت بين اختي ار ابن املب ارك لقيم ة الجه اد في املي دان‪ ،‬على قيم ة العب ادة في‬
‫الحرمين التي اختارها ابن عياض‪.‬‬

‫وثمة حاالت كثيرة يظهر فيها التزاحم في قيمتين كالهما خير‪ ،‬ويلزم تقديم أحدهما‪ ،‬أو في قيمتين كالهما شر‪ ،‬ويلزم‬
‫دف ع أح دهما‪ ،‬فال ب د من مرجعي ة لالختي ار‪ ،‬وفي ه ذا يق ول ابن تيمي ة‪" :‬ف إَّن الش ريعة مبناه ا على تحص يل املص الح‬
‫وتكميلها‪ ،‬وتعطيل املفاسد وتقليلها بحسب اإلمكان‪ ،‬ومعرفة خير الخيرين وشر الشرين حتى ُي قدَم عند التزاحم خيَر‬
‫الخيرين وُي دفَع شَّر الشَّر ْي ن"[‪.]26‬‬

‫كم ا تظه ر الحاج ة إلى مرجعي ة القيم في أداء س ائر تكاليف الش ريعة‪ ،‬املبني ة على تحقي ق املقاص د‪ ،‬وفق الت درج في‬
‫ْل‬
‫أولوية هذه املقاصد‪ .‬وفي هذا يقول الشاطبي‪" :‬تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخ ق‪ ،‬وهذه املقاصد ال‬
‫تع دو ثالث ة أقس ام‪ :‬أح دها أن تكون ض رورية‪ ،‬والث اني أن تكون حاِج َّي ة‪ ،‬والث الث أن تكون تحسينية"[‪ .]27‬والتن وع في‬
‫املقاص د عن د الش اطبي ه و تعب ير عن التن وع والتع دد القيمي؛ حيث يؤكد أَّن "املقاص د الش رعية ض ربان‪ :‬مقاص د‬
‫أص لية‪ ...‬تق وم بمص الح عام ة مطلق ة‪ ،‬ال تختص بح ال دون ح ال‪ ،‬وال بص ورة دون ص ورة‪ ،‬وال ب وقت دون وقت‪،‬‬
‫َّل‬
‫وتنقسم إلى ضرورية عينية‪ ،‬وإلى ضرورة كفائية‪ ...‬ومقاصد تابعة‪ ،‬تختص بَح ِّظ املك ف‪ ،‬لتحصيل له ما ُج ِب ل عليه‬
‫َن‬
‫من ْي ل الشهوات واالستمتاع باملباحات"[‪.]28‬‬

‫قيم ة للقيم ة وال حاج ة له ا‪ .‬ومن هن ا ت أتي ص فة النسبية امللتص قة بالقيم ة عن دما ننظ ر إليه ا متحقق ة في الواق ع‬
‫ًا‬
‫املحس وس‪ .‬وعن دما يق رر هللا س بحانه أَّن أْم ر م ا "خ يٌر " من أْم ٍر آخ ر‪ ،‬ف إن حقيق ة القيم ة إنم ا يكون في وزنه ا عن د‬
‫التط بيق‪ ،‬وعن دما يق َّد ُر وزُن ه ا في ض وء تع دد املس تويات ال تي تتحق ق فيه ا‪ ،‬فثم ة مس توى "خ ير" من مس توى آخ ر‪.‬‬
‫ًا‬
‫فالصدقة خير ال شك فيه‪ ،‬لكن الصدقة التي يتبعها نوع من األذى ليست خير ‪ ،‬بل كلمة املعروف والدعاء خير من‬
‫تلك الصدقة‪.‬‬

‫أما القيمة املطلقة الالمتناهية بدون حدود‪ ،‬فهي ليس لعالم البشر في الدنيا‪ ،‬وإنما هي هلل سبحانه‪ :‬فهو الذي جعلها‬
‫قيمة‪ ،‬وبأس مائه وصفاته سبحانه‪ ،‬نس تطيع أن نحكم لها باإلطالق غير املحدود؛ فالكمال ل ه وحده‪ .‬وسعُي اإلنسان‬
‫للتحُّق ق به ا ق در اس تطاعته‪ ،‬إنم ا ه و س لوك الس الكين إلي ه واملسترشدين بهدايت ه‪ .‬فإقام ة الع دل املطل ق ال تكون في‬
‫الدنيا بل تكون في اآلخرة‪ ،‬حيث يقول هللا تعالى‪َ﴿ :‬و َن َض ُع اَمْلَو ا يَن اْل ْس َط َي ْو اْل َي اَم َف ال ُت ْظَل ُم َنْف ٌس َش ْي ئًا َو ْن َك اَن‬
‫ِإ‬ ‫ِل ِم ِق ِة‬ ‫ِز ِق‬
‫َك‬ ‫َأ َت‬ ‫َخ‬ ‫ْثَق‬
‫ِم اَل َح َّب ٍة ِم ْن ْر َد ٍل ْي َن ا ِب َه ا َو َف ى ِب َن ا َح اِس ِب يَن ﴾ [األنبياء‪.]47:‬‬

‫فه ذا الجم ع التكاملي بين املطل ق والنس بي في وصف القيم في اإلس الم ه و تعب ير عن ص فة اإلس الم نفس ه‪ ،‬فه و ليس‬
‫معتقدات نظرية مطلقة وحسب‪ ،‬وإنما هو "نظام اعتقاد‪ ،‬ونظام معرفة‪ ،‬ونظام قيم"‪ ،‬تتحقق في الواقع االجتماعي‬
‫لإلنس ان‪ ،‬وإذا قلن ا إَّن اإلس الم عقي دة وشريعة كم ا يق ول الش يخ محم ود ش لتوت[ ‪ ]35‬ف إَّن العقي دة هي املب ادئ‬
‫التص ورية لإليم ان‪ ،‬والش ريعة هي األحكام والنظم ال تي ش رعها هللا لض بط س لوك املؤمن‪ ،‬وعالقت ه بربه‪ ،‬وبأخي ه‬
‫اإلنسان‪ ،‬وبالكون والحياة‪ .‬ومن هنا يأتي التكامل كذلك بين البحث النظري املعرفي من جهة‪ ،‬وما يرتبط به من قواعد‬
‫السلوك العملي‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬وهو تكامل بين اإليمان والعمل‪ ،‬وتكامل بين الفكر والتطبيق‪.‬‬

‫السياسية في مسألة القيم‪ ،‬أخذ ينقل بؤرة االهتمام من التربية على القيم وترسيخها في سلوك األف راد واملجتمعات‬
‫إلى ميدان الدفاع عما تبقى من مظاهر حضور القيم ومقاومة الغزو املسلح بأدوات الضغط السياسي واالقتصادي‬
‫واالجتماعي‪.‬‬
‫لقد رأينا أن التوحيد والتزكية والعم ران هي منظومة من ثالث قيم عليا تتكامل فيما بينها‪ ،‬دون ت زاحم أو تدافع‪ ،‬ال في‬
‫ًا‬
‫فهمنا ملوقع كل منها في حال اجتماعها‪ ،‬وال في النظر إليها منفردة‪ ،‬وذلك نظر ملا هو قائم فيها وفيما بينها من توازن‬
‫وتكامل‪ .‬ومع ذلك فإن فكرة املطلق والنسبي في هذه القيم إنما يعتمد على الطريقة التي يختارها الفرد عند التطبيق‬
‫ًا‬ ‫ًا‬
‫واملمارسة‪ .‬ف الغنى والتجارة الرابح ة في أش ياء ال دنيا والحركة واالنتق ال واالختالط بالناس َس َف ر وبْي ع وشراًء ‪ ،‬يرتبط‬
‫بإسهام الفرد في إغناء قيمة العمران وتكريسها‪.‬‬
‫ًا‬ ‫ًا‬ ‫ًا‬
‫لكن شخص م ا يمكن أن يخت ار نوع من التزكي ة على ن وع من العم ران‪ ،‬اختي ار تفض يليا‪ ،‬مثلم ا حص ل م ع ش قيق‬
‫البلخي وإبراهيم بن أدهم في القصة الذائعة الصيت‪ ،‬التي نختم بها هذه املداخلة‪ .‬والقصة يرويها الدينوري في "كتاب‬
‫املجالسة وجواهر العلم"‪ ،‬وفيها‪:‬‬

‫َق َل ْل َتَق ْب َر ُم ْب ُن َأ ْد َه َم َو َش ٌق َم َّك َة‬ ‫َح َّد َث َن َأ ْح َم ُد ْب ُن ُم َح َّم ْل َو ُّي ّد ْب ُن ُخ َبْي َع ْن َخ َل ْب َت‬
‫‪،‬‬ ‫ِب‬ ‫ي‬ ‫ِق‬ ‫ي‬ ‫ِه‬ ‫ا‬ ‫ِإ‬ ‫ى‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫؛‬ ‫ي‬
‫ِف ِن ٍم‬
‫ِم‬ ‫ٍق ‪،‬‬ ‫ٍد ا اِس ِط ‪ ،‬ح ثنا ا‬ ‫ا‬
‫ْل‬ ‫ْك‬ ‫َط‬ ‫َأ‬ ‫َف‬ ‫َل‬ ‫ْل‬ ‫َق‬ ‫َف‬ ‫َذ‬ ‫َّلَغ‬ ‫َّل‬ ‫َأ‬ ‫َش‬ ‫َف َق‬
‫اَل ِإ ْب َر اِه يُم ِل ِق يٍق ‪َ :‬م ا َب ْد ُو ْم ِرَك ا ِذ ي َب َك َه ا؟ اَل ‪ِ :‬س ْر ُت ِف ي َب ْع ِض ا َف َو اِت ‪َ ،‬ر ْي ُت ْي ًر ا َم ُس وَر ا َج َن اَح ْي ِن ِف ي‬
‫ٌة َف‬ ‫ْنَق‬ ‫َف َذ َأ َن َط َق َأ ْق‬ ‫َذ‬ ‫َأ ْز َذ َف َق‬ ‫َف ْل ْن ُظ‬ ‫َأل‬ ‫َف‬
‫الٍة ِم َن ا ْر ِض ‪ُ ،‬ق ُت ‪ :‬أ ر ِم ْن ْي َن ِر ُق َه ا‪َ .‬ع ْد ُت ِب ِح اِئ ِه ؛ ِإ ا ا ِب ْي ٍر ْد َب َل ِف ي ِم اِرِه َج َر اَد ‪َ ،‬و َض َع َه ا ِف ي‬
‫ْنَق ا الَّط ْي اَمْلْك ُس و اْل َج َن اَح ْي ‪َ ،‬ف ُق ْل ُت َنْف ي‪َ :‬ي ا َنْف ُس ! اَّل ي َق َّيَض َه َذ َّط ْي َر َّص َح َه َذ َّط ْي َمْلْك ُس ْل َج َن َح ْي‬
‫ا ال ال ِح ي ِل ا ال ِر ا وِر ا ا ِن‬ ‫ِذ‬ ‫ِل ِس‬ ‫ِن‬ ‫ِر‬ ‫ِم ِر ِر‬
‫َش‬ ‫َل‬ ‫َق‬ ‫َف‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬ ‫َتَغ‬ ‫ْش‬ ‫َك‬ ‫ْك‬ ‫َت‬ ‫َف‬ ‫ُك‬ ‫ُث‬ ‫َق‬ ‫َأ‬ ‫َق‬ ‫َأل‬ ‫َف‬
‫ِف ي الٍة ِم َن ا ْر ِض ُه َو اِد ٌر ْن َي ْر ُز ِن ي َح ْي َم ا ْنُت ‪َ ،‬ر ُت الَّت ُّس َب َو ا ُت ِب ا ِع َب اَد ِة ‪ ،‬اَل ُه ِإ ْب َر اِه يُم ‪َ :‬ي ا ِق يُق !‬
‫َو َم ال َت ُك وُن َأ ْنَت الَّط ْي َر الَّص يَح اَّل ِذ ي َأ ْط َعَم اْل َع ي َل َح َّت ى َت ُك وَن َأ ْف َض َل ْن ُه ؟ َأ َم ا َس ْع َت َع الَّن َص َّل ى الَّل ُه َع َل ْي‬
‫ِه‬ ‫ِن ِب ِّي‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِح‬ ‫ِل‬
‫ُل‬ ‫ُأ‬ ‫َل‬ ‫َأ‬ ‫ْطُل‬ ‫َأ‬
‫َو َس َّل َم ‪« :‬ا َي ُد ا ُع َي ا َخ ْي ٌر َن ا َي الُّس ْف ى؟!» َو ْن َع الَم اُمْلْؤ ْن َي َب ْع ى ال َّد َر َج َت ْي ي ُم و ُك َه ا َح َّت ى َيْب َغ َم َن ا َل‬ ‫َل‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬ ‫ْل‬
‫ِز‬ ‫ِر ِه ِّل‬ ‫ِن ِف‬ ‫ِة ِم ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬
‫َق‬ ‫َأ‬ ‫َن‬ ‫ُذ‬ ‫َت‬ ‫ُأ‬ ‫ْنَت‬ ‫َأ‬ ‫َل‬ ‫َق‬ ‫َل‬ ‫َق‬ ‫َف‬ ‫َألْب َر َق َل َف َأ َخ َذ‬
‫ْس ا ا َي ا َب ا ِإ ْس َح ا "[‪.]48‬‬ ‫َي َد ِإ ْب َر اِه يَم ‪َّ ،‬ب َه ا َو اَل ‪:‬‬
‫ُه‬ ‫ا اِر ‪ .‬ا ‪:‬‬

‫ًا‬ ‫ًا‬
‫إن مفه وم الت دافع القيمي ربم ا يكون مفهوم مناس ب للح ديث عن االس تيراد والتص دير‪ ،‬واألخ ذ والعط اء‪ ،‬واإلق راض‬
‫واالقتراض‪ ،‬أو ما شئت من عبارات تدل على فرص التكافؤ في األخذ والعطاء‪ ،‬وهو أمر احتاجت إليه البشرية في كل‬
‫ًا ًا‬
‫تاريخها وال تزال‪ ،‬وتحَّد ث عنه فالسفة االجتماع‪ .‬لكنه في الفعل السياسي ربما يكون أمر غائب في بعض األحيان‪ ،‬فمن‬
‫ًا‬
‫يملكون القوة السياسية والعسكرية يضعون أنفسهم دوم في موضع املتعالي في ِق َي ِم ِه ‪ ،‬ويفترضون أن حركة القيم تتم‬
‫على طريقة األواني املستطرقة‪ ،‬فاألعلى يعطي األدنى‪ .‬ومن يعترفون بعجزهم وضعفهم في القوة السياسية والعسكرية‬
‫ًال‬ ‫ًا‬
‫ال يجدون ملج أو مغارات أو م ّد خ ‪ ،‬غيَر طلب الحماي ة من األقوياء‪ ،‬والخضوع للضغوط واإلمالءات حتى في ميدان‬
‫القيم‪ ،‬وهذا نوع من االستالب الذي يكرس شعور القوي باالستعالء‪ ،‬وشعور الضعيف باإلذالل!‬

‫صحيح أن ه ذه الظ اهرة معروف ة ومألوفة‪ ،‬وقد ع بر عنه ا ابن خل دون بعبارته املش هورة‪" :‬إن املغل وب مولع بتقلي د‬
‫ًا‬
‫الغ الب‪ ".‬لكن أي ة أم ة ل و وقفت موقف الكرام ة اآلدمي ة لجعلت عملي ة الت دافع أخ ذ وعط اًء ليس في مي دان الق وة‬
‫ًال‬
‫املادية وحسب‪ ،‬وإنما حتى في العناصر املكونة ملنظومتها القيمية‪ .‬فقضية الحرية السياسية مث تتضمن آليات وأدوات‬
‫عملي ة لتحقيقه ا‪ ،‬تعم ل على من ع وقوع الفس اد واالستبداد السياسي‪ ،‬وهذه األدوات هي خ برة عملي ة في التنظيم‬
‫واإلدارة‪ ،‬ويمكن النظ ر إليه ا بوصفها خ برة بش رية يس تطيع أي مجتم ع أن ي دخلها في أدوات ه التنظيمي ة م ع االحتف اظ‬
‫بتميزه القيمي‪.‬‬

You might also like