You are on page 1of 3

‫ورقة عمل‪ :‬عن التحديات التي تواجه مهنة الخدمة الجتماعية‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫تعتبر مهنة الخدمة الجتماعية من المهن الحديثة نسبيا في المملكة العربية السعودية‪ ،‬إل أنه يلحظ ذلك‬
‫الهتمام الكبير بهذه المهنة النسانية نظرا لحساس المجتمع بما تقدمه هذه المهنة من خدمات جليلة لشرائح‬
‫عريضة من أفراد المجتمع‪ ،‬فالخدمة الجتماعية تعمل في مجالت عديدة وتخدم المرضى والحداث والمعوقين‬
‫والمسنين والمدمنين والطفال والشباب وكبار السن وأسرهم وغيرهم من الفئات التي تواجه أوضاعا‬
‫اجتماعية تتطلب مساعدة متخصصة من جانب أناس مؤهلين قادرين على تقديم يد العون والمساعدة بشكل‬
‫علمي منظم‪.‬‬
‫ويظهر اهتمام المجتمع السعودي بمهنة الخدمة الجتماعية من خلل التوسع الواضح في تعليم هذه المهنة‬
‫(على مستوى شهادة البكالوريوس والشهادات العليا) وإنشاء العديد من القسام العلمية والكليات‬
‫المتخصصة‪ ،‬والزيادة المطردة في حاجة المؤسسات إلى خريجي الخدمة الجتماعية‪ ،‬والتجاه نحو إنشاء‬
‫الجمعيات المهنية التي تهتم بشؤون الممارسين وتوحيد جهودهم والرقي بها في سبيل النهوض بالمهنة‪ ،‬هذا‬
‫بالضافة إلى تنامي دور المؤسسات الجتماعية في خدمة المواطنين في مختلف مناطق المملكة‪ ،‬ودخول‬
‫القطاع الهلي والخاص بشكل ملحوظ في تقديم الخدمات الجتماعية للمحتاجين وذلك من خلل إنشاء العديد‬
‫من المؤسسات والمراكز الخيرية‪.‬‬
‫ولعل الهتمام بمهنة الخدمة الجتماعية هو أمر طبيعي في المجتمعات الحديثة نظرا لتنوع وتعقد المشكلت‬
‫التي تواجه النسان المعاصر‪ ،‬فالمشكلت النفسية والجتماعية التي تواجه النسان المعاصر هي قدره‬
‫المحتوم والثمن الذي يدفعه لقاء التقدم الحضاري والخذ بزمام التكنولوجيا الصناعية بل والجتماعية أيضا‪،‬‬
‫ونحن إذ نسلم بأن عجلة التاريخ ل يمكن أن تعود إلى الوراء حيث الرعاية الجتماعية التلقائية والدفء في‬
‫العلقات الجتماعية بقيمها الفطرية‪ ،‬فإن البديل المنطقي هو أن ينبثق عن المجتمع النساني مهنة مستحدثة‬
‫مؤهلة علميا ومهاريا لملء الفراغ الذي نجم عن انحسار دور السرة والثقافة والبناء الجتماعي المحلي في‬
‫تحقيق الكتفاء الذاتي لمواجهة مشكلت النسان الجتماعية (نيازي‪.)1422 ،‬‬
‫ومن هنا نشأت الخدمة الجتماعية كمهنة القرن العشرين التي حملت على عاتقها مسؤولية إنقاذ البناء‬
‫الجتماعي من التصدع في وقت تواجه فيه القيم النسانية تهديدا خطيرا‪ ،‬ومهنة تواجه تحديات العصر لتحقق‬
‫للنسان كرامته وذاتيته‪ ،‬ومهنة تمنح المؤسسات الجتماعية المصداقية والشرعية‪ ،‬ومن هنا تحاول الخدمة‬
‫الجتماعية البقاء على ما بقي من قيم إنسانية تحفظ للنسان كرامته وقيمته كأفضل مخلوقات ال وخليفته‬
‫على أرضه‪ ،‬في وقت عصفت به المادية والنانية وغلبت عليه المصالح الدنيوية‪.‬‬
‫ويحق للخدمة الجتماعية أن تفخر بما وصلت إليه اليوم من تقدم وتطور في مجالتها المختلفة‪ ،‬حيث يشار‬
‫إليها بأنها المهنة التي تخدم الوعي المجتمعي‪ ،‬كما استطاعت أن تثبت نفسها كمهنة أساسية وضرورية في‬
‫المجتمع المعاصر وذلك بسبب ما تقدمه من خدمات ومساعدات مختلفة ومتنوعة شملت فئات عريضة من‬
‫المجتمع (‪.)Hepworth & Larsen, 1990‬‬
‫وأخيرا فإن هذا الهتمام بمهنة الخدمة الجتماعية في المملكة العربية السعودية وتطورها ونموها وتحقيق‬
‫آمال وطموحات وتطلعات المنتسبين لهذه المهنة تواجه كثيرا من التحديات والصعوبات‪ ،‬تحديات مرتبطة‬
‫ببعض القضايا ذات التجاهات العالمية‪ ،‬وصعوبات مرتبطة بمشكلت المهنة نفسها والقائمين عليها‪ ،‬وسوف‬
‫أتطرق في ورقتي هذه إلى أهم التحديات ذات التجاهات العالمية والتي تؤثر على ممارسة الخدمة الجتماعية‬
‫والمرتبطة بالمشكلت المعاصرة من أهمها‪:‬‬
‫‪-1‬العولمة‪.‬‬
‫‪-2‬الخصخصة‪.‬‬
‫‪-3‬النترنت‪.‬‬

‫الخدمة الجتماعية والعولمة‬

‫تظهر العولمة كمفهوم في أدبيات العلوم الجتماعية كأداة تحليلية لوصف عمليات التغيير في مجالت مختلفة‬
‫لكن العولمة ليست محض مفهوم مجرد‪ ،‬فهي عملية مستمرة يمكن ملحظتها باستخدام مؤشرات كمية وكيفية‬
‫في مجالت السياسة والجتماع والقتصاد والثقافة والتصال‪ ،‬وهناك إجماع بين المراقبين للحياة الدولية على‬
‫أن العمليات السياسية والحداث والنشطة في عالم اليوم لها بعد كوني متزايد‪ ،‬ويمكن القول أن صياغة‬
‫تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شائكة نظرا لتعدد التعاريف التي تتأثر أساسا بتوجهات الباحثين‬
‫اليديولوجية ونظرتهم إلى العولمة رفضا أو قبول (يس‪ -1999 ،‬الجوهري‪.)2000 ،‬‬
‫ويكشف (رجب‪ )2000 ،‬عن مجموعة من المكونات الهامة لمفهوم العولمة أهمها‪:‬‬
‫‪-1‬إن القوة الدافعة للعولمة هي التطورات العلمية والتكنولوجية المذهلة في مجال التصالت‪ ،‬والمواصلت‪،‬‬
‫والمعلومات التي شهدها العالم في العقود الثلث الماضية‪.‬‬
‫‪-2‬إن من أهم النتائج الواضحة لتلك التطورات إلغاء المسافات الطبيعية في النتقال‪ ،‬وفي التواصل بين البشر‪.‬‬
‫‪-3‬إن سكان المعمورة قد بدؤوا يدركون ويعون مغزى هذا التقارب المدهش الذي يوشك أن يوحي بأنهم‬
‫يعيشون بالفعل في وحدة كونية واحدة‪.‬‬
‫‪-4‬لكن تلك العملية "الطبيعية" التلقائية المحايدة في جوهرها تستخدم اليوم كعملية مقصودة نشطة من جانب‬
‫بعض الدول والمنظمات لتحقيق مآربها التي تلقى شيئا من القبول العام أو المقاومة الشديدة‪.‬‬
‫ويؤكد الباحث على أن هذه السمة الخيرة تحديدا قد تكون المصدر المباشر في إثارة الكثير من المخاوف‪،‬‬
‫فالقضية الحقيقية ليست في نقل التكنولوجيا واستقبالها‪ ،‬إنما في اختلف قوة وقدرة الناس والتجمعات والدول‬
‫في التأثير على مسار نقل وتقبل كل ما هو تكنولوجي وتوجيهه إلى خير النسانية كما هو مأمول‪ ،‬ولقد بادرت‬
‫الدول الصناعية الكبرى والشركات متعددة المنافع أو العابرة للقارات إلى استغلل تلك العملية التاريخية‬
‫المحايدة في جوهرها لتتخذ منها أداة للهيمنة القتصادية والثقافية والسياسية‪.‬‬
‫ويلحظ أن أبرز سيئات العولمة تكمن أساسا في المجال الجتماعي حيث يرى كثير من المعنيين بقضايا‬
‫التنمية الجتماعية أن القرن الحادي والعشرين هو "قرن العولمة" وأن من المتوقع أن تواجه نظم الرعاية‬
‫الجتماعية في هذا القرن سلسلة من التحديات التي ل وجه للشبه بينها وبين ما واجهته في الماضي‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإن المشتغلين بالرعاية الجتماعية سيكون عليهم أن يتولوا قيادة الجهود الهادفة ليجاد أساليب جديدة لخلق‬
‫نظم للمشاركة في تحمل تبعات تقديم الخدمات الجتماعية للمواطنين‪ ،‬ل تضم فقط المشاركين التقليديين في‬
‫تقديم تلك الخدمات وإنما تضم أيضا شركاء جدد حيث سيتم التوسع في إشراك المنظمات غير الحكومية‪،‬‬
‫ورجال العمال‪ ،‬وشركات القطاع الخاص التجاري والمنظمات التجارية وغيرها (يونس‪ -2000 ،‬أبو الخير‪،‬‬
‫‪.)2000‬‬
‫وهذا المر قد يلقي الكثير من العبء على مهنة الخدمة الجتماعية المؤهلة بحكم تاريخها الطويل وبحكم‬
‫قاعدتها المعرفية والقيمية والمهارية لتحمل مسؤولية قيادة الجهود المبذولة لمواجهة هذه القضايا الدولية‪.‬‬
‫ويؤكد (رجب‪ )2000 ،‬على أنه لم يعد من المقبول في عصر العالم الواحد أن يظل تعليم الخدمة الجتماعية‬
‫في أي دولة محليا متقوقعا على ذاته‪ ،‬فالقائمون على تعليم الخدمة الجتماعية يجدون أنفسهم اليوم في جو‬
‫عاصف يموج بالتغيرات‪ ،‬وفي إطار تفاعل إجباري مع أبعاد وقوى مراكزها تقع خارج النسق المحلي‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن القول أن التعامل مع المشكلت (النفسية والجتماعية) المترتبة على العولمة تتطلب من‬
‫المشتغلين بمهنة الخدمة الجتماعية النفتاح على الثقافات المختلفة والستفادة من تجاربها وخبراتها في‬
‫مواجهة هذه المشكلت‪ ،‬كما ل ننسى دورنا في التأثير على هذه الثقافات بتجاربنا وخبراتنا الخاصة‪.‬‬

‫الخدمة الجتماعية والخصخصة‬

‫لقد أصبح الحديث عن الخصخصة مثار اهتمام دوائر المال والقتصاد والسياسة والقانون والدارة والجتماع‬
‫إلى الحد الذي أصبحت هذه الكلمة اليوم هي كلمة السر لتحقيق النجاح والعلج سواء في المجال القتصادي‬
‫أو في محيط الخدمات الجتماعية (راجح‪.)1997 ،‬‬
‫ويستخدم مصطلح الخصخصة للدللة على نقل الملكية العامة إلى ملكية خاصة أي لفراد أو مجموعات أو‬
‫منظمات غير حكومية‪ .‬ويرى (رضا‪ )1999 ،‬أنه لبد من استخدام هذا المصطلح في حالة وجود ملكية‬
‫حكومية تتحول بأسلوب أو بآخر إلى ملكية غير حكومية‪ ،‬كما يؤكد على أن مفهوم الخصخصة الجتماعية‬
‫يعني تحويل ملكية مشروعات اجتماعية حكومية إلى القطاع الخاص‪ ،‬وبأنها تحويل خدمة حكومية إلى إدارة‬
‫غير حكومية‪ ،‬وغير حكومية هنا ل يعني بالضرورة منظمات اجتماعية ل تسعى للربح‪ ،‬بل يمكن تحويل‬
‫الخدمة الجتماعية إلى منظمة ربحية‪.‬‬
‫ويذكر (رجب‪ )2000 ،‬أمثلة كثيرة للخصخصة الجتماعية منها‪ :‬خصخصة خدمات رعاية الطفولة (دور‬
‫الرعاية النهارية ورياض الطفال) وخدمات رعاية المسنين التي تحول معظمها في الوليات المتحدة‬
‫المريكية إلى القطاع الخاص‪ ،‬وكذلك في مجال رعاية الحداث المنحرفين والمساجين حيث قامت بعض‬
‫الوليات في إطار سياسة الخصخصة بالتعاقد مع شركات خاصة لبناء وإدارة السجون‪.‬‬
‫وتشير كثير من الدراسات المتخصصة إلى أن سياسة الخصخصة تؤدي إلى خفض النفقات وزيادة الكفاءة‬
‫وتحسين الخدمات‪ ،‬إل أن المسألة تتخذ أبعادا أخرى تستحق الوقوف عندها طويل‪ ،‬فعندما يطلب من الجهزة‬
‫غير الحكومية القيام بوظائف حيوية وثيقة الصلة بحياة الناس‪ ،‬وتقدير حجم ونوع الخدمات التي يستحقها‬
‫العملء تصبح المسألة مثار شكوك كثيرة‪ ،‬وهذا يثير أيضا قضايا هامة حول نوعية الخدمات التي يمكن أن‬
‫توكل للقطاع الخاص‪ ،‬وكذلك حول محاسبة المؤسسات الخاصة‪ ،‬ومتابعة مستوى الخدمات وحدود وآثار‬
‫المنافسة التي ينظر إليها على أنها السر الكبر لنجاح القطاع الخاص‪.‬‬

‫الخدمة الجتماعية والنترنت‬

‫يعتبر النترنت من أحدث منجزات الثورة التكنولوجية والتصالية في العالم اليوم‪ ،‬وقد استطاعت باعتبارها‬
‫شبكة عالمية أن تربط بين شبكات الكمبيوتر‪ ،‬وأن تضم في رحابها الناس الذين يستخدمونها‪ ،‬وهؤلء الذين‬
‫‪(.‬يستخدمون هذه الشبكة يشكلون في الواقع مجتمعا كونيا يقوم على أساس التصال (يس‪1999 ،‬‬
‫ويمكن القول أن النترنت قد أحدث ثورة في مجال التصالت النسانية‪ ،‬فلول مرة يمكن لي إنسان في أي‬
‫بلد في العالم أن يتصل بأشخاص ينتمون إلى ثقافات متعددة‪ ،‬ول تقف أمامه عقبة الحدود الجغرافية‪ ،‬أو‬
‫اختلف الزمن‪ ،‬أو اختلف الثقافة واللغة‪ ،‬وهذا من شأنه أن يلقي بظلله على جميع قطاعات المجتمع‪،‬‬
‫فالنتقال المعلوماتي قد يكون سلحا ذو حدين في كثير من الوقات‪ ،‬وهذا ما يفرض ضرورة إيجاد رقابة على‬
‫المعلومات من ناحية‪ ،‬وضرورة الستعداد لكل المستجدات من المعلومات المسموح بها من ناحية أخرى‪ ،‬هذه‬
‫المعلومات التي ستتدفق بسرعة عبر هذه الشبكة ناقلة إلينا الكثير من الظواهر والثقافات التي تحتاج إلى‬
‫‪.‬سرعة التعامل معها‬
‫كما يلقي هذا الوضع الجديد أعباء جديدة على مهنة الخدمة الجتماعية باعتبارها من المهن المتداخلة مع‬
‫معظم قطاعات الرعاية الجتماعية في مجتمعاتنا المعاصرة‪ ،‬فلشبكة النترنت تأثيرها ليس فقط على نقل صور‬
‫الخدمات المختلفة‪ ،‬وإنما على نقل المشكلت وأساليب التعامل معها أيضا‪ ،‬والتطورات المرتبطة بتحديث‬
‫المهنة وغير ذلك‪ ،‬وهذا كله يحتاج إلى اهتمام من جانب القائمين على هذه المهنة لمواجهة مثل هذه‬
‫‪.‬المستجدات التي قد يصعب عليهم في كثير من الحيان التحكم في وصولها إلى مجتمعاتنا‬

You might also like