You are on page 1of 38

‫أثُر المام الكوثري في‬

‫نصرة وتأييد‬
‫سنّية‬
‫المذاهب الفقهية ال ّ‬
‫دم لمؤتمر‬ ‫مق ّ‬
‫محمد زاهد الكوثري الدولي‬
‫صورة علمية لعالم من علماء أواخر‬
‫الدولة العثمانية‬
‫للدكتور صلح محمد أبو الحاج‬
‫الستاذ المساعد في الفقه الحنفي‬
‫في كلية أصول الدين الجامعية‪/‬جامعة البلقاء التطبيقية‬

‫ق ‪55‬ص ب‪ (383) :‬الردن‪ ،‬عمان‪ ،‬صويلح‬


‫إيميل‪Salahhaj74@yahoo.com :‬‬
‫تلفون أرضي‪(0096265349425) :‬‬
‫تلفون خلوي‪(00962795001390) :‬‬
‫)‪(00962776725408‬‬
‫ملخص البحث‬
‫يعد ّ المام الكوثري أبرز الشخصيات العلمية التي ظهرت في‬
‫القرن العشرين‪ ،‬فهو بحقّ مجدد هذه الزمان بإظهاره الحقّ من‬
‫علوم أهل السنة ودفاعه عنها حتى كان له أعظم الثر في نصرة‬
‫وتأييد مذهب أهل السنة ل سيما المذاهب الفقهية منه‪ ،‬ويمكن‬
‫إيجاز ذلك بالنقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬إظهاره وإشهاره جمهرة من علماء أهل السنة‬
‫الفذاذ من خلل الكتابة المتقنة الرصينة في‬
‫تراجمهم وطبعها ونشرها‪.‬‬
‫‪ .2‬دفاعه عن أئمة المذاهب الفقهية عامة‪،‬‬
‫والمام أبي حنيفة خاصة‪.‬‬
‫‪ .3‬تحقيقه وتعريفه ونشره لكتب نوادر‬
‫المخطوطات القيمة في نصرة وتأييد أئمة أهل‬
‫السنة كأبي حنيفة‪ ،‬مع التعليق الجاد ّ النافع في دفع‬
‫الشبهات عنهم‪.‬‬
‫‪ .4‬تأييده ونصرته لمسائل أهل السنة الفقهية‬
‫بالدلة العقلية والنقلية بما يرفع ريب المرتابين‪.‬‬
‫‪ .5‬تحقيقه ونشره لكتب الئمة القيمة‪ ،‬مثل العالم‬
‫والمتعلم‪.‬‬
‫‪ .6‬دفعه المخططات الستعمارية في الدفاع عن‬
‫أبرز مسائل أهل السنة الفقهية التي حرفها‬
‫المحّرفون‪.‬‬
‫سك بالمذاهب‬ ‫‪ .7‬دعوته الشديدة إلى التم ّ‬
‫الفقهية‪ ،‬في وجه الجهلة والمفسدين‪.‬‬
‫ده على الصول الفاسدة التي ابتدعها‬ ‫‪ .8‬ر ّ‬
‫المعاصرون في إبطال الشريعة وأحكامها الغراء‬
‫كالمصلحة العقلية المجردة‪.‬‬
‫‪ .9‬كشفه لساليب المتلعبين بدين الله ‪،‬‬
‫جة تغير الزمان‬ ‫بتغييرهم وقلبهم لشرع الله بح ّ‬
‫وبناء الحكام على العرف‪.‬‬
‫‪ .10‬بيانه سبب التخبط الفكري لدى الطلبة‬
‫والمفتين في كلمهم وفتاويهم‪ ،‬وهو عدم التزام‬
‫منهج واضح بالدراسة‪.‬‬
‫‪ .11‬تنبيهه على فساد النظرية العصرية القائمة‬
‫على تقسيم مدارس الفقهاء إلى مدرستين‪:‬‬
‫مدرسة حديث‪ ،‬ومدرسة رأي‪.‬‬
‫من تكّلم عن التاريخ الفقهي‬ ‫‪ .12‬أنه أفضل َ‬
‫للمذاهب السنية‪ ،‬واتصالها في طريقها ومنهجها‬
‫بالهدي النبوي وسلف المة من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫ده لمسلك أهل الظاهر المخالف للئمة‬ ‫‪ .13‬ر ّ‬
‫الكبار في عدم الخذ بالقياس‪.‬‬
‫دثه عن الصول العامة التي اعتمد عليها‬ ‫‪ .14‬تح ّ‬
‫أئمة المذاهب في استنباط الحكام ودفاعه عنها‬
‫كعدم شذوذ الرواية عن الصول‪.‬‬
‫‪ .15‬إنصافه واعتداله في الثناء على علماء أهل‬
‫السنة ونقدهم‪ ،‬بتقديمه عصارة تجربته العلمية في‬
‫قراءة مصنفاتهم‪.‬‬
‫ده لما وقع في كتب الجرح والتعديل من‬ ‫‪ .16‬ر ّ‬
‫التهجم على إمام الفقهاء أبي حنيفة‪ ،‬بإقامة الحجج‬
‫والبراهين الدالة على بطلن ذلك‪.‬‬
‫‪ .17‬بيانه لمخالفات وشواذّ العلماء لما عليه أهل‬
‫السنة من الحقّ‪ ،‬حتى ل يغتّر به مغتٌر فيأخذ بها‪.‬‬
‫‪ .18‬إظهاره المذاهب الفقهية بصورة‬
‫المدارس العلمية المتآخية المترابطة ل‬
‫المتنافرة المتشاحنة‪.‬‬

‫أثر المام الكوثري في نصرة‬


‫وتأييد‬
‫المذاهب الفقهية السنية‬
‫الحمد لله الذي أحيا معالم الدين بجهود العلماء العاملين‪،‬‬
‫صهم بالذكر والثناء إلى يوم‬
‫وجعلهم ورثة النبياء المرسلين‪ ،‬وخ ّ‬
‫الدين‪ ،‬والصلة والسلم على رسوله المصطفى المين‪ ،‬مبلغ‬
‫الرسالة إلى الناس أجمعين‪ ،‬وعلى آله وصحابته ومن اهتدى‬
‫بهديهم إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫ل الشكر والكرام إلى القائمين على هذا المؤتمر‬ ‫فإن ك ّ‬
‫الكريم‪ ،‬والمساهمين في إنجاحه‪ ،‬والراعين له على عنايتهم‬
‫الفائقة وتقديرهم الرائق لهذا المام العظيم‪ ،‬في إنزاله منزلته‬
‫بين الخلق أجمعين‪ ،‬فهو المجاهد بماله ونفسه في الدفاع عن‬
‫الدين‪ ،‬والذود على حماه‪ ،‬في وجه أهل الضلل والفساد‬
‫والبطلن من أذيال الستعمار‪ ،‬والغزو الفكري للمشرق‬
‫السلمي‪.‬‬
‫من نلتقي بهم من علماء أهل السنة وفضلئهم في‬ ‫ل َ‬‫وك ّ‬
‫عالمنا العربي والسلمي نلمس منهم العظام الكبير للمام‬
‫الكوثري؛ لما بذل من جهد كبير في الحفاظ على العلوم السنية‬
‫وإظهارها‪ ،‬والرد ّ على خصومها؛ ولما تتمتع به تأليفاته وتعليقاته‬
‫ل على طول باع‬ ‫من التحقيقات البديعة‪ ،‬والفوائد الفريدة‪ ،‬مما يد ّ‬
‫صاحبها ورسوخه في العلوم العقلية والنقلية‪ ،‬وجرأته في التصدي‬
‫للباطل وأهله‪.‬‬
‫دد‬ ‫وهذا الحال الذي عليه إمامنا الجليل‪ ،‬جعله بحقّ هو المج ّ‬
‫الحقيقي لهذا الدين في هذا العصر‪ ،‬كما وصفه بذلك العلمة أبو‬
‫)‪(1‬‬
‫من أحّبه وسار على‬ ‫زهرة وغيره‪ ،‬بل ل مبالغة في وصفه أن َ‬
‫من أبغضه وعاداه فهو ممن تنكب‬ ‫دربه فهو من أهل السنة‪ ،‬و َ‬
‫ق‪ ،‬واتبع هواه‪ ،‬وهذا مشاهد معلوم‪.‬‬ ‫طريق أهل الح ّ‬
‫وفي هذا البحث المتواضع سأسلط الضوء على أهم جانب‬
‫ن أنه لم يحرك قلمه إل له‬ ‫عاش إمامنا من أجله‪ ،‬وهو فيما نظ ّ‬
‫كما هو ظاهر في جميع كتاباته‪ ،‬وهو نصرته وتأييده لهل السنة‪،‬‬
‫وهذا مصداق قول المام الكوثري)‪)) :(2‬والله يعلم مبلغ إجللي‬
‫للئمة المتبوعين‪ ...‬ولم أزل في جميع أدواري كفاحي أدعوى إلى‬
‫التمسك بشرع الله بالنضواء تحت رايات هؤلء الئمة رضوان‬
‫الله عليهم بدون التفات إلى من شذ ّ عن جماعتهم في الفرع‬
‫ص بالذكر هاهنا المذاهب الفقهية السنية‬ ‫والصل‪ ،((...‬وسنخ ّ‬
‫منها‪ ،‬وما كان له من أثر في الحفاظ عليها والدفاع عنها‪.‬‬
‫وهذا ما سنعرضه في نقاط موجزة مع التمثيل عليها‬
‫والتدليل عليها بذكر الوثائق العلمية من كتبه وكلمه‪ ،‬ولكن ل ب ُد ّ‬
‫من تمهيد موجز ببيان أهل السنة‪ ،‬ومذاهبهم الفقهية‪ ،‬وطريق‬
‫صله الئمة الكبار‪ ،‬حتى ندرك مدى‬ ‫الحقّ التي هم عليها كما ف ّ‬
‫التزام المام الكوثري بطريقهم ونهجهم‪ ،‬وتجديده لها‪ ،‬وأثره‬
‫البليغ في الدفاع عنها؛ لن ما يفعله كثيرون من التهجم على هذا‬
‫المام هو بسبب عدم إدراكهم لحقيقة المذاهب السنية‪ ،‬والطريق‬
‫المرضية لها‪.‬‬
‫سائلين المولى ‪ ‬أن يوّفقنا في ذلك‪ ،‬ويجعل هذا العمل‬
‫ل شيء قدير‪ ،‬وبالجابة جدير‪.‬‬ ‫خالصا ً لوجه الكريم‪ ،‬وهو على ك ّ‬

‫‪ ()1‬ينظر‪ :‬كلمة أبي زهرة المذكورة في مقدمة ))المقالت(()ص ‪.(15‬‬


‫‪ ()2‬في مقالة ))الصراع الخير بين السلم والوثنية(()ص ‪.(410‬‬
‫تمهيد في بيان أهل السنة ومذاهبهم الفقهية‪:‬‬
‫قبل الولوج في ثنايا هذا الموضوع الشّيق‪ ،‬ينبغي لنا الوقوف‬
‫على المراد من أهل السنة؛ لنتعرف على المذاهب الفقهية‬
‫ما ظهَر أناس‬‫السنية‪ ،‬وهذا وإن كان مسلما ً لدى الفضلء‪ ،‬إل أنه ل َ ّ‬
‫خلطوا الحابل بالنابل‪ ،‬وادعوا أنهم أهل السنة وما عداهم مبتدعة‬
‫وضلل‪ ،‬حتى لقا إمامنا الكوثري من طعنهم ورميهم ما سودوا به‬
‫اللف من الصفحات‪ ،‬كان حقا ً علينا لحقاق الحقّ في نصابه أن‬
‫نقف وقفة سريعة بتحديد أهل السنة عند السادة العلماء؛ لتكون‬
‫على بصيرة من حقيقة المر‪ ،‬وإسقاطا ً لزيف الزائفين في‬
‫تهجمهم على هذا المام العظيم‪.‬‬
‫صلت الكلم فيها في‬ ‫والتسمية بأهل السنة والجماعة قد ف ّ‬
‫))سبيل السنيين في النهوض بالمسلمين((‪ ،‬وخلصة ما ذكرت أنه‬
‫يستأنس لها بما روى ابن عمرو ‪ ،‬قال ‪)) :‬تفترق أمتي على‬
‫من هي‬ ‫ثلث وسبعين مّلة كّلهم في النار إل مّلة واحدة‪ ،‬فقالوا‪َ :‬‬
‫يا رسول الله؟ قال‪ :‬ما أنا عليه وأصحابي(()‪ ،(3‬وعن أنس ‪ ،‬قال‬
‫‪)) :‬إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة‪ ،‬وإن‬
‫متي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كّلها في النار إل واحدة‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫وهي الجماعة(( ‪.‬‬

‫)( في ))تخريج أحاديث الحياء(()‪ :(296 :7‬رواه الترمذي وحسنه‪ ،‬ولبي‬ ‫‪3‬‬

‫داود من حديث معاوية ‪ ،‬وابن ماجة من حديث أنس وعوف بن مالك‬


‫‪ ،‬وهي الجماعة‪ ،‬وأسانيدها جياد‪.‬‬
‫)( في ))سنن ابن ماجة(()‪ ،(1322 :2‬واللفظ له‪ ،‬و))سنن أبي داود(()‪:2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.(608‬‬
‫ومعنى ))أهل السنة والجماعة(( هم الذين طريقتهم طريقة‬
‫الرسول ‪ ‬وأصحابه ‪ ‬دون أهل البدع‪ .‬كذا قال صدر‬
‫الشريعة)‪.(5‬‬
‫ميداني)‪ ،(6‬فقال‪)) :‬أهل السنة‪ :‬السيرة‬ ‫ووضحه العلمة ال َ‬
‫من‬ ‫والطريقة المحمدية‪ .‬وأهل الجماعة‪ :‬من الصحابة والتابعين و َ‬
‫بعدهم‪ ،‬من المتبعين للنبي ‪ ،‬قال النجم الغزي‪ :‬والمراد‬
‫بطريقة أهل السنة والجماعة‪ :‬ما كان عليه النبي ‪ ‬وأصحابه‬
‫ل‬‫ل عليه السواد العظم من المسلمين في ك ّ‬ ‫الكرام‪ ،‬وهو ما د ّ‬
‫ق‪ ،‬والفرقة‬ ‫زمان‪ ،‬وهم الجماعة والطائفة الظاهرون على الح ّ‬
‫الناجية من ثلث وسبعين‪.((...‬‬
‫ل السنة والجماعة تطلق على السواد‬ ‫فحاصل ما سبق أن أه َ‬
‫العظم للمسلمين المتمسكين بهدي النبي ‪ ‬وأصحابه وأتباعهم‬
‫‪ ،‬وهذا هو معنى حديث‪)) :‬ما أنا عليه وأصحابي((‪.‬‬
‫ن له عقل وجوارح وقلب‪ ،‬فالعقل‬ ‫أن النسا َ‬ ‫ومن المعلوم ّ‬
‫يكون تفكيره صحيحا ً إن كان اعتقاده سليمًا‪ ،‬والجوارح تعمل‬
‫بصورة صحيحة إن عرفت الحكام الشرعية المتعّلقة بها‪ ،‬والقلب‬
‫يكون سويا ً إن تعرف على السلوك القويم ووجد التربية الخلقية‬
‫ل إنسان جاءت‬ ‫المناسبة‪ ،‬وهذه الحاجيات الثلث التي يحتاجها ك ّ‬
‫بها الشريعة السلمية‪ ،‬واشتملت عليها تعاليمها‪ :‬العقائد والعمال‬
‫من‬ ‫سنة رسول الله ‪ ‬وأصحابه و َ‬ ‫ل هذا ظاهر في ُ‬ ‫والسلوك‪ ،‬وك ّ‬
‫تبعهم ‪.‬‬
‫من كان‬ ‫وأحقّ المسلمين بحديث‪)) :‬ما أنا عليه وأصحابي((‪َ ،‬‬
‫سكه بجميع هدي النبي ‪ ‬في هذه الجوانب الثلثة‪ ،‬ل في‬ ‫تم ّ‬
‫جانب دون جانب‪ ،‬فبقدر ما يكون التزامه بالحكام الفقهية‪،‬‬
‫واعتقاده بالمسائل العقدية‪ ،‬وتخلقه بالسلوك المستقيم‪ ،‬فإنه‬
‫يكون على الخير النبوي؛ لن هذه المحاور الثلثة تمّثل السلم‪،‬‬
‫سك بمنهج أهل‬ ‫وانعكاسها على الفرد يعطي صورة المسلم المتم ّ‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬وهذا ما رأينا عليه كتابات المام الكوثري ‪،‬‬
‫فإنه لم يتحرك قلمه إل لنصرة مذاهب أهل السنة والجماعة‬
‫الفقهية والعقدية والسلوكية‪ ،‬والتي تتمّثل فيما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الجانب العقدي؛ إذ توّلى شرحه وتفصيله مذهب‬ ‫أو ً‬
‫الشاعرة ومذهب الماتريدية‪ ،‬وعبارات العلماء ل تعد ّ ول تحصى‬
‫في تأكيد هذه الحقيقة الساطعة عند أهل العلم‪ ،‬وهي من‬
‫المعلوم عندهم من الدين بالضرورة‪.‬‬

‫)( في ))التوضيح(()‪.(38 :3‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( في ))شرح العقيدة الطحاوية(()ص ‪.(44‬‬ ‫‪6‬‬


‫قال خاتمة المحققين ابن عابدين)‪)) :(7‬أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫وهم الشاعرة والماتريدية‪ ،‬وهم متوافقون إل في مسائل يسيرة‬
‫ضهم إلى الخلف اللفظي كما ب ُّين في محّله((‪ .‬وقال‬ ‫أرجعها بع ُ‬
‫المام الزبيدي ‪)) : ‬إذا أطلق السنة والجماعة‪ ،‬فالمراد بهم‬
‫)‪(8‬‬

‫الشاعرة والماتريدية((‪.‬‬
‫ومؤلفات المام الكوثري في نصرة عقيدة أهل السنة كثيرة‪،‬‬
‫ومنها‪)) :‬تبديد الظلم المخيم على نونية ابن القيم((‪ ،‬و))الستبصار‬
‫في التحدث عن الجبر والختيار((‪ ،‬و))نظرة عابرة في مزاعم من‬
‫ينكر نزول عيسى قبل الخرة((‪ ،‬وتحقيقه‪)) :‬دفع شبه التشبيه((‬
‫لبن الجوزي‪ ،‬و))السماء والصفات(( للبيهقي‪ ،‬و))التنبيه والرد((‬
‫للملطي‪ ،‬و))التبصير في الدين(( للسفراييني‪ ،‬و))النصاف((‬
‫للباقلني‪ ،‬و))الفرق بين الفرق(( للبغدادي‪ ،‬و))العقيدة‬
‫النظامية(( لمام الحرمين‪ ،‬و))إشارات المرام من عبارات‬
‫المام(( للبياضي‪ ،‬و))شرح المقدمات الخمس والعشرين في‬
‫إثبات وجود الله وتنزيهه((‪.‬‬
‫م بتزكية النفس وتهذيبها‬ ‫ثانيًا‪ :‬الجانب التربوي؛ ويهت ّ‬
‫وتحليتها بالخلق الفضيلة‪ ،‬وتنقيتها من الفعال الرذيلة‪ ،‬وتنمية‬
‫وف‪ ،‬وقد‬ ‫ص بها التص ّ‬‫مي العلم المخت ّ‬ ‫الخلص لله ‪ ‬فيها‪ ،‬و ُ‬
‫س ّ‬
‫ظهرت فيها طرق عديدة تستقى من مشكاة النبوة لتحقيق هذا‬
‫المقصد‪.‬‬
‫ف يمّثل الجانب‬ ‫ومن الدلئل الظاهرة على أن التصو َ‬
‫مة‬
‫السلوكي عند أهل السنة أنك تجد أن كبار الئمة وعلماء ال ّ‬
‫كانوا يأخذون به ويسيرون فيه كالنووي والسبكي والَغزالي‬
‫سيوطي وابن حجر العسقلني وابن حجر الهيتمي والقاري‬ ‫وال ّ‬
‫والزبيدي وابن عابدين واللكنوي وغيرهم‪.‬‬
‫والمام الكوثري ‪ ‬كان نقشبنديا ً في طريقه إلى الله ‪،‬‬
‫سل المريد((‪،‬‬ ‫وله مؤلفات في ذلك‪ ،‬منها‪)) :‬نظم العتيد في تو ّ‬
‫و))إرغام المريد في شرح النظم العتيد في توسل المريد((‪،‬‬
‫خْلوتية((‪.‬‬‫و))البحوث السنية في بعض رجال أسانيد الطريقة ال َ‬
‫م أعمال الجوارح من‬ ‫ثالثًا‪ :‬الجانب الفقهي؛ وُيبي ّ ُ‬
‫ن أحكا َ‬
‫يد ورجل ولسان وفرج وعين وغيرها‪ ،‬وقد أجمع أهل السنة على‬
‫اقتصار بيان أحكامها في المذاهب الربعة المشهورة‪ :‬الحنفي‬
‫والمالكي والشافعي والحنبلي؛ لما في فتح الباب على مصراعيه‬
‫م في البلد‪،‬‬ ‫من التلعب في الدين‪ ،‬وعموم الفوضى التي تع ّ‬
‫سسة للطلبة على أحد هذه‬ ‫وضياع المناهج القويمة المؤ ّ‬
‫)( في ))رد المحتار(()‪.(52 :1‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( في ))إتحاف السادة المتقين(()‪.(6 :2‬‬ ‫‪8‬‬


‫من أراد َ الظهور والبروز والتزّلف لغيره ادعى‬ ‫ل َ‬ ‫المذاهب‪ ،‬فك ّ‬
‫اجتهادا ً لم يسبق إليه‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫مة بعد الئمة الربعة في التزامهم مذاهبهم والسير‬ ‫وفعل ال ّ‬
‫حة‬‫على طريقهم في الفتوى والجتهاد من أقوى الحجج على ص ّ‬
‫هذا المر‪ ،‬ول تجد عالما ً إل أن تجده متبعا ً لحد هذه المذاهب؛ ل‬
‫مة ل تجتمع على ضللة كما هو مبّين في محّله‪ ،‬ومن‬ ‫سيما أن ال ّ‬
‫ّ‬
‫عباراتهم الدالة على هذا الجماع‪:‬‬
‫م ليس‬ ‫قال إمام الحرمين‪)) :‬أجمع المحققون على أن العوا ّ‬
‫لهم أن يتعّلقوا بمذاهب الصحابة ‪ ،‬بل عليهم أن يّتبعوا مذاهب‬
‫الئمة الذين سبروا ونظروا وبوبوا; لن الصحابة ‪ ‬لم يعتنوا‬
‫من‬ ‫بتهذيب المسائل والجتهاد وإيضاح طرق النظر بخلف َ‬
‫بعدهم(()‪.(9‬‬
‫وقال العلمة القرافي ‪)) :‬رأيت لبن الصلح ‪ ‬ما معناه‪:‬‬
‫أن التقليد يتعّين لهذه الئمة الربعة دون غيرهم; لن مذاهَبهم‬
‫انتشرت وانبسطت حتى ظهَر فيها تقييد مطلقها وتخصيص عامها‬
‫وشروط فروعها‪ ،‬فإذا أطلقوا حكما ً في موضع وجد مكمل ً في‬
‫موضع آخر‪ ،‬وأما غيرهم فتنقل عنه الفتاوى مجّردة‪ ،‬فلعل لها‬
‫صصًا‪ ،‬لو انضبط كلم قائله لظهر‪ ،‬فيصير‬ ‫مكمل ً أو مقّيدا ً أو مخ ّ‬
‫في تقليده على غير ثقة بخلف هؤلء الربعة(()‪.(10‬‬
‫وقال الحافظ ابن رجب ‪)) :(11)‬قد نّبهنا على عّلة المنع من‬
‫ذلك ـ أي من تقليد غير الئمة الربعة ـ وهو أن مذاهب غير هؤلء‬
‫لم تشتهر ولم تنضبط‪ ،‬فربما نسب إليهم ما لم يقولوه أو فهم‬
‫ب عنها وينّبه على ما‬ ‫من يذ ّ‬‫عنهم ما لم يريدوه‪ ،‬وليس لمذاهبهم َ‬
‫يقع من الخلل فيها بخلف هذه المذاهب المشهورة((‪.‬‬
‫جر وغيره‪)) :‬إنه يشترط في تقليد الغير أن‬ ‫ح َ‬‫وقال الفقيه ابن َ‬
‫شروط والمعتبرات؛ فقول المام‬ ‫يكون مذهبه مدّونا ً محفوظ ال ّ‬
‫ي ‪ :‬إن مخالف الربعة كمخالف الجماع محمول على ما‬ ‫سبك ّ‬‫ال ّ‬
‫لم يحفظ‪ ،‬ولم تعرف شروطه‪ ،‬وسائر معتبراته من المذاهب‬
‫ي‬‫التي انقطع حملتها‪ ،‬وفقدت كتبها‪ :‬كمذهب الثوريّ والوزاع ّ‬
‫وابن أبي ليلى‪ ،‬وغيرهم(()‪.(12‬‬
‫وقال العلمة عبد الغني النابلسي)‪)) :(13‬وأما تقليد مذهب من‬
‫مذاهبهم الن غير المذاهب الربعة فل يجوز؛ ل لنقصان في‬
‫ينظر‪)) :‬مواهب الجليل(()‪.(30 :1‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫ينظر‪)) :‬مواهب الجليل(()‪.(30 :1‬‬ ‫)(‬ ‫‪10‬‬

‫من اتبع غير المذاهب الربعة(()ص ‪.(34‬‬‫في ))الرد على َ‬ ‫)(‬ ‫‪11‬‬

‫ينظر‪)) :‬بلوغ السول(()ص ‪.(18‬‬ ‫)(‬ ‫‪12‬‬

‫في ))خلصة التحقيق(()ص ‪.(69-68‬‬ ‫)(‬ ‫‪13‬‬


‫مذاهبهم ورجحان المذاهب الربعة عليهم؛ لن فيهم الخلفاء‬
‫المفضلين على جميع المة‪ ،‬بل لعدم تدوين مذاهبهم‪ ،‬وعدم‬
‫معرفتنا الن بشروطها وقيودها‪ ،‬وعدم وصول ذلك إلينا بطريق‬
‫التواتر‪ ،‬حتى لو وصل إلينا شيء من ذلك كذلك جاز لنا تقليده‬
‫لكنه لم يصل((‪.‬‬
‫وما ذكرت من اتفاق أهل السنة على التزام هذه المذاهب‬
‫مة‪ ،‬لكن لما ظهر‬ ‫صة والعا ّ‬‫ف عند الخا ّ‬ ‫الربعة أمٌر مشهوٌر معرو ٌ‬
‫من يشكك الناس في المسّلمات احتاج المر إلى البيان‬ ‫َ‬
‫والتوضيح‪ ،‬فإذا تقرر لديك ما مّر علمت أن هذه المذاهب الربعة‬
‫ي فعليه‬ ‫سن ّ‬‫من يدعي أنه ُ‬ ‫تمّثل الجانب العملي عند أهل السنة‪ ،‬و َ‬
‫الخذ بواحد منها‪.‬‬
‫ما كانت هذه المذاهب الربعة ممثلة لهل السنة لم نحتج‬ ‫ول ّ‬
‫لنقل النصوص الدالة على ذلك؛ إذ عبارات كتب هذه المذاهب‬‫ّ‬
‫مشحونة بمئات الكلمات الدالة على انتسابهم لمذهب أهل السنة‬
‫ي)‪)) :(14‬مذهب الئمة الربعة‬ ‫والجماعة‪ ،‬قال بدُر الدين العَْين ّ‬
‫)‪(15‬‬
‫وغيرهم من أهل السنة والجماعة((‪ ،‬وقال المام القاري ‪:‬‬
‫))ومذهب الحنفية من جملة أهل السنة والجماعة((‪.‬‬
‫إذا استبانت لك هذه الحقيقة الساطعة التي يغفل عنها‬
‫كثيرون بسبب الهجمة الشرسة على العالم السلمي في تحريف‬
‫السلم من المستعمرين ل سيما في الدول العربية منه‪ ،‬وهذا‬
‫كن‬‫ما فعل في الزهر عندما بدلت مناهجه وحّرفت حتى يتم ّ‬
‫المستعمرون من تحقيق أهدافهم ونشر فسادهم وتنفيذ‬
‫ططاتهم‪.‬‬ ‫مخ ّ‬
‫ح به اللورد كرومر في ))مذكراته(( وجاء سيل‬ ‫وهذا ما صّر َ‬
‫النجليز ومبشروهم يدخلون بأفكارهم وآرائهم المخربة‬
‫المستوردة في المجتمع المصري بعد أن أجازوها على الزهر‬
‫وعلمائه باسم الجتهاد وتحت امتيازاته‪...‬‬
‫وبهذا أدخل قاسم أمين أفكاره عن المرأة والحجاب‪ ،‬وبهذا‬
‫تسّلل النجليز نفسه إلى الزهر في أشخاص كثيرين من ممثليه‬
‫وأتباعه وبطانته‪ ،‬وبهذا نسخت أحكام ومناهج إسلمية عظيمة‬
‫بأحكام ومناهج أوروبية سخيفة)‪.(16‬‬
‫م‬‫وهذا الفساد للمناهج السنية في الزهر قد تنّبه له الما ُ‬
‫حذ َّر منه أشد ّ تحذير لما فيه من ضياٍع للدين‪ ،‬وتي ٍ‬
‫ه‬ ‫ي‪ ،‬و َ‬
‫الكوثر ّ‬
‫للمسلمين‪ ،‬كما هو حاصل لكثير من الناس في هذا الزمان‪.‬‬
‫‪ () 14‬في ))عمدة القاري(()‪.(237 :2‬‬
‫‪ () 15‬في ))مرقاة المفاتيح(()‪.(321 :15‬‬
‫‪ ()16‬ينظر‪)) :‬محاضرات في الفقه المقارن(( للدكتور البوطي)ص ‪.(8-7‬‬
‫ويمكن إيجاز أثر المام الكوثري وجهوده ودفاعه‬
‫عن مذاهب أهل السنة الفقهية في النقاط التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬إظهاره وإشهاره جمهرة من علماء أهل‬
‫السنة الفذاذ من خلل الكتابة المتقنة الرصينة في‬
‫تراجمهم وطبعها ونشرها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬بلوغ الماني في سيرة المام محمد بن الحسن الشيباني‪.‬‬
‫‪ .2‬حسن التقاضي في سيرة المام أبي يوسف القاضي‪.‬‬
‫‪ .3‬الحاوي في سيرة المام أبي جعفر الطحاوي‪.‬‬
‫‪ .4‬لمحات النظر في سيرة المام زفر‪.‬‬
‫‪ .5‬المتاع بسيرة المامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن‬
‫شجاع‪.‬‬
‫‪ .6‬تذهيب التاج اللجيني في ترجمة البدر العيني‪) .‬لم يطبع‪،‬‬
‫وإنما طبع مختصره أول عمدة القاري(‪.‬‬
‫‪ .7‬الهتمام بترجمة ابن الهمام‪) .‬لم يطبع(‪.‬‬
‫‪ .8‬قطرات الغيث من حياة الليث‪) .‬لم يطبع(‪.‬‬
‫سرهندي‪.‬‬ ‫‪ .9‬الروض الناضر الوردي في ترجمة المام الرباني ال ّ‬
‫)لم يطبع‪ ،‬وهو الكتاب الوحيد الذي ألفه باللغة التركية(‪.‬‬
‫‪ .10‬نبراس المهتدي في اجتلء أنباء العارف دمرادش المحمدي‪.‬‬
‫‪ .11‬ترجمة العلمة محمد منيب الِعنتابي‪) .‬لم يطبع(‬
‫الثاني‪ :‬دفاعه عن أئمة المذاهب الفقهية عامة‪،‬‬
‫والمام أبي حنيفة خاصة‪ ،‬فهو إمام مذهبه الفقهي‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫تعليقه على ))النتقاء في فضائل الئمة الثلثة الفقهاء((‬ ‫‪.1‬‬
‫بالفوائد والفرائد اللطيفة في بيان منزلتهم العالية الرفيعة‪،‬‬
‫ده للشبهات الباطلة عنهم‪.‬‬‫ور ّ‬
‫تأليفه لكتاب ))أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن‬ ‫‪.2‬‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬وأخذ أبي حنيفة عن مالك((‪.‬‬
‫ق في اّتباِع‬‫ث الخل ِ‬‫ده على الجويني ـ صاحب ))مغي ِ‬ ‫ر ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫الحق(( التي نال فيها من المام أبي حنيفة ـ في كتابه ))إحقاق‬
‫الحق بابطال الباطل في مغيث الخلق(()‪ ،(17‬وذلك بسبب سعي‬
‫بعضهم في نشر ))مغيث الخلق(( للطعن في المام أبي حنيفة‪،‬‬
‫د‪ ،‬وبّين فساد ما في‬ ‫فشمر إمامنا الكوثري عن ساعد الج ّ‬
‫الكتاب من الشبهات‪ ،‬ورد ّ كيد أصحاب هذه الفتنة إلى‬
‫نحورهم‪ ،‬وحفظ لهل السنة حرمة إمامهم‪.‬‬

‫‪ ()17‬وقد سبق المام الكوثري في الرد ّ على ))مغيث الخلق(( جمع من‬
‫العلماء‪ ،‬ومنهم‪ :‬محمد عبد الستار الكردري‪ ،‬ومل علي القاري‪.‬‬
‫ده في ))تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي‬ ‫ر ّ‬ ‫‪.4‬‬
‫حنيفة من الكاذيب(( على ما ورد في ترجمة أبي حنيفة من‬
‫))تاريخ بغداد(()‪ ،(18‬من الروايات الضعيفة‪ ،‬والسانيد الموضوعة‬
‫في ثلب المام أبي حنيفة‪ ،‬حين سعى أهل الفتنة والفساد‬
‫لنشره بين العباد؛ لضاعة دينهم بالطعن في إمامهم ل سيما‬
‫في البلد الهندية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تحقيقه وتعريفه ونشره لنوادر‬
‫المخطوطات القيمة في نصرة وتأييد أئمة أهل السنة‬
‫كأبي حنيفة‪ ،‬مع التعليق الجاد ّ النافع في دفع الشبهات‬
‫والشكوك عنهم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫قق ونشر كتاب ))مناقب أبي حنيفة وصاحبيه((‬ ‫‪ .1‬أنه ح ّ‬
‫)‪(19‬‬
‫للذهبي‪ ،‬ومن تعليقاته عليه في دفعة شبهة الرقّ في‬
‫أصل أبي حنيفة‪)) :‬كان ولء أبي حنيفة لبني تيم الله ولء‬
‫المولة‪ ،‬قال الطحاوي في ))مشكل الثار(()‪ :(20‬سمعت بكار‬
‫بن قتيبة يقول‪ :‬قال ابن عبد الرحمن المقرئ‪ :‬أتيت أبا حنيفة‬
‫ن الله عليه بالسلم‪،‬‬ ‫فقال لي‪ :‬من الرجل؟ فقلت‪ :‬رجل م ّ‬
‫م أنتم‬ ‫فقال لي‪ :‬ل تقل هكذا‪ ،‬ولكن وال بعض هذه الحياء‪ ،‬ث ّ‬
‫إليهم فإّني كنت كذلك‪ .‬ومثله ما رواه ابن أعين عن أحمد بن‬
‫منصور الرمادي عن المقرئ‪ ،‬وزاد يعقوب بن شيبة عند ابن‬
‫ي صدق‪.‬‬ ‫أبي العوام‪ :‬فوجدتهم ح ّ‬
‫فعلم من ذلك أن ولء أبي حنيفة لتيم الله بن ثعلبة لم يكن‬
‫بإسلم أحد أجداده على يد أحد من بني تيم الله‪ ،‬ل بإعتاق‬
‫أحدهم لحد أجداد أبي حنيفة فيكون ولؤه ولء مولة ل ولء‬
‫إسلم‪ ،‬ول ولء إعتاق‪ ،‬فتذهب الروايات المختلفة في انتقاصه‬
‫ن العبرة بالتقى والعلم((‪.‬‬
‫بنسبه أدراج الرياح هكذا‪ ،‬على أ ّ‬
‫أنه حقق ونشر ))النتصار والترجيح للمذهب الصحيح((‬ ‫‪.2‬‬
‫)‪(21‬‬
‫لسبط ابن الجوزي )ت‪654‬هـ(‪ ،‬وقال في ))مقدمته(( ‪:‬‬
‫))وسبط ابن الجوزي سلك في ))انتصاره(( هذا طريقا ً علميا ً‬
‫بحتا ً غير مثير‪ ،‬ففي كتابه هذا بعد انتشار كثير من مثله في‬
‫باقي المذاهب‪ ،‬ملء فراغ بالنظر إلى المذهب الحنفي مع ما‬

‫دة من العلماء برد ّ ما في ))تاريخ بغداد(( من ثلب أبي حنيفة‬


‫‪ ()18‬وقام ع ّ‬
‫منهم‪ :‬الملك المعظم في كتابه ))السهم المصيب في كبد الخطيب((‪ ،‬وأبو‬
‫المؤيد الخوارزمي في مقدمة ))جامع مسانيد أبي حنيفة((‪.‬‬
‫‪)) ()19‬مناقب أبي حنيفة(()ص ‪.(8‬‬
‫‪)) ()20‬مشكل الثار(()‪.(54 :4‬‬
‫‪) ()21‬ص ‪.(3‬‬
‫في ذلك من استنهاض للهمم في ترديد مزايا الئمة على‬
‫الوجه المرضي((‪.‬‬
‫أنه حقق ونشر)) منية اللمعي فيما فات الزيلعي((‬ ‫‪.3‬‬
‫للعلمة قاسم بن قطلوبغا‪.‬‬
‫دم لكتاب ))نصب الراية في تخريج أحاديث‬ ‫‪ .4‬أنه ق ّ‬
‫الهداية((‪ ،‬وفصل فيها بذكر مدرسة الحنفية‪ ،‬وأشهر المحدثين‬
‫المنتسبين إليها‪ ،‬وكثرة كتب أدلة الحكام الفقهية فيه‪ ،‬وذلك‬
‫لدفع فرية قلة المحدثين والدلة لهذا المذهب العظيم‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تأييده ونصرته لمسائل أهل السنة الفقهية‬
‫بالدلة العقلية والنقلية بما يرفع ريب المرتابين‪ ،‬وش ّ‬
‫ك‬
‫الشاكين في رسوخ هذه المذاهب‪ ،‬وعظم شأن أصحابها‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫شْيبة في الحاديث التي‬‫)‪(22‬‬ ‫ً‬
‫أنه ألف رد ّا على ابن أبي َ‬ ‫‪.1‬‬
‫ساقها في ))كتاب الرد على أبي حنيفة(( من ))مصنفه((‬
‫مدعيا ً أن أبا حنيفة ‪ ‬خالفها‪ ،‬يعد ّ من أشمل الردود‬
‫ماه ))النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن‬ ‫وأفضلها‪ ،‬وس ّ‬
‫أبي شيبة على أبي حنيفة(( بلغ قرابة )‪ (300‬صفحة‪ ،‬بّين فيه‬
‫من وافق أبا حنيفة عليها في هذه المسائل من الئمة‪،‬‬ ‫َ‬
‫واستوفى الكلم على كل مسألة منها‪ ،‬وبلغت المسائل )‬
‫‪ (125‬مسألة اجتهادية من أمهات المسائل‪.‬‬
‫)‪(23‬‬
‫أنه طبع هذا‬ ‫وكان سبب تأليفه كما قال في ))مقدمته((‬

‫الباب من ))المصنف(( بمفرده ككتاب مستقل في دهلي بالهند‬


‫ن في ذلك نكاية في أبي حنيفة وأصحابه‬ ‫من قبل بعض من ظ ّ‬
‫لحاجة في النفس‪.‬‬
‫ألف كتاب ))رفع الشتباه عن مسألتي كشف الرؤوس‬ ‫‪.2‬‬
‫ولبس النعال في الصلة((‪ ،‬ونصر فيه ما ذهب إليه الحنفية‬
‫في وجه بعض المعاصرين‪.‬‬
‫قق ونشر ))الغرة المنيفة في تحقيق بعض‬ ‫أنه ح ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫مسائل المام أبي حنيفة(( لعمر الغزنوي )ت ‪773‬هـ(‪ ،‬وهو‬
‫من كتب أدلة الحكام للمذهب الحنفي‪.‬‬
‫قق ونشر ))كشف الستر في فرضية الوتر(( لعبد‬ ‫أنه ح ّ‬ ‫‪.4‬‬
‫الغني النابلسي)ت‪1143‬هـ(‪ ،‬وفيه أدلة ساطعة‪ ،‬وبراهين‬
‫لمعة على قوة رأي المام أبي حنيفة في فرضية صلة‬
‫الوتر‪.‬‬
‫‪ ()22‬وقد سبقه في الرد على ابن أبي شيبة عدد من العلماء منهم‪ :‬محيي‬
‫الدين القرشي‪ ،‬وقاسم بن قطلوبغا‪ ،‬والصالحي‪.‬‬
‫‪) ()23‬ص ‪.(6‬‬
‫أنه أّلف ))محقّ التقول في مسألة التوسل((‪ ،‬وأقام فيه‬ ‫‪.5‬‬
‫ق‪ ،‬ودفع أوهام المعاندين‬‫الدلة الجلية على نصوع الح ّ‬
‫والمتنكبين لطريقة أهل السنة‪.‬‬
‫أنه أّلف ))الفصاح عن حكم الكراه في الطلق‬ ‫‪.6‬‬
‫والنكاح((‪.‬‬
‫دة ))مقالت(( في نصرة وتأييد المذاهب‬ ‫أنه كتب ع ّ‬ ‫‪.7‬‬
‫السنية‪ ،‬ودحض شبهة المبطلين‪ ،‬وكيد الكائدين‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬تحقيقه ونشره لكتب الئمة القيمة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫))العالم والمتعلم((‪ ،‬و))الفقه البسط((‪ ،‬و))الفقه الكبر((‪،‬‬
‫و))الوصية(( لبي حنيفة‪ ،‬و))رسالة أبي حنيفة للبتي((‪ ،‬وتقديمه‬
‫لكتاب ))مسند المام الشافعي بترتيب السندي((‪ ،‬و))أحكام‬
‫القرآن(( للشافعي‪ ،‬جمع الحافظ البيهقي‬
‫السادس‪ :‬تعريفه وإبرازه بالمشايخ العظام من‬
‫معاصريه وشيوخه من أهل السنة‪ ،‬وإذاعة صيتهم‬
‫وذكرهم في مؤلفاته وتحقيقاته‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫قال المام الكوثري)‪ :(24‬عن الشيخ المطيعي )ت ‪1254‬هـ(‪:‬‬
‫والله يعلم ماذا فقدت مصر من سمعتها العلمية في الخارج منذ‬
‫مات شيخ فقهاء عصره الشيخ محمد بخيت رحمه الله‪ ،‬وكان‬
‫مرجع القضاة والعلماء في أقطار الرض في حل مشكلتهم‪ ،‬فأي‬
‫قاض أو فقيه إذا راجعه في مشكلة كان يجد الجواب بما يحل‬
‫مشكلته على مذهبه حاضرا ً وأصل ً إليه فيمضي القاضي القضاء‬
‫ويعمل المستفتي بالفتيا؛ لنه كان إذا نقض أوجع‪ ،‬وإذا أبرم أقنع؛‬
‫لسعة دائرة بحثه في فقه المذاهب وطول ممارسته للمدارسة‬
‫والقضاء والفتاء‪ ،‬ومقدار ذلك العالم العالمي كان عندهم عظيمًا‪.‬‬
‫وإني أعرف من أفاضل القضاة من كان يراجعه فيما‬
‫يستشكله من المسائل مع كونه ممن له غوص في الفقه ليتأكد‬
‫مما فهمه من كتب الفقه‪ ،‬فيجد الجواب عن مسألته‪ ،‬ويصل إليه‬
‫دة يسيرة‪ ،‬وبعد وفاته رحمه الله راجع ذلك القاضي مصر‬ ‫في م ّ‬
‫ود في عهد الشيخ بخيت رحمه الله‪ ،‬فانتظر شهرا ً‬ ‫على ما تع ّ‬
‫وشهرين وثلثة أشهر إلى ستة أشهر بدون أن يصل إليه جواب‬
‫عن مسألته‪ ،‬وكان يرجئ القضية إلى ورود الجواب في قطر‬
‫سوى قطر مصر)‪.(25‬‬
‫دث العصر محمد أنور شاه‬ ‫وكذلك أكثر من النقل عن مح ّ‬
‫الكشميري كما في ))النكت الطريفة(( مع الشادة به وبجهوده‬

‫‪ ()24‬في ))الشفاق في أحكام الطلق(()ص ‪.(88-87‬‬


‫‪ ()25‬ينظر‪)) :‬العلم(()‪ ،(247 :6‬و))معجم المؤلفين(()‪.(159 :3‬‬
‫الكبيرة في خدمة مدرسة الحديث التي ظهرت في القارة‬
‫الهندية لتأييد مذهب السادة الحنفية الفقهي‪.‬‬
‫وكذلك بالغ في الثناء والطراء على المحدث الكبير شبير‬
‫ص كتابه ))فتح الملهم شرح صحيح مسلم(( بمقالة‬ ‫العثماني‪ ،‬وخ ّ‬
‫خاصة‪.‬‬
‫واهتم في بيان الجهد العظيم الكبير الذي بذله العلمة‬
‫المحقق ظفر أحمد التهانوي في كتابه ))إعلء السنن(( في جمع‬
‫واستقصاء أدلة المذهب الحنفي‪.‬‬
‫السابع‪ :‬دفعه المخططات الستعمارية في الدفاع‬
‫عن أبرز مسائل أهل السنة الفقهية التي حرفها‬
‫المحّرفون إما جهل ً أو طلبا ً لمصلحة دنيوية‪ ،‬وإفراد بعضها في‬
‫تأليفات خاصة‪ ،‬ومقالته المطبوعة المشهورة خير شاهد على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ويكفينا هنا أن نمثل بمسألة الطلق الثلث التي أقّرت‬
‫المحاكم إيقاعها واحدة‪ ،‬واحتج بعضهم بأنه قول ابن تيمية‪ ،‬فأفرد‬
‫ماه ))الشفاق في أحكام الطلق((‪،‬‬ ‫المام الكوثري تأليفا ً به س ّ‬
‫أجاب فيه أحسن جواب بما يرجع الحقّ إلى النصاب‪ ،‬وإنني كنت‬
‫جمعت فيه تأليفا ً مستقل ً سميته ))مئة دليل ودليل على وقوع‬
‫الطلق الثلث بالدليل(‪ ،‬فرأيت أفضل من جمع وحقق في هذا‬
‫الباب هو المام الكوثري‪.‬‬
‫ج بأن هذا الخلف‬ ‫فكثير ممن قال بهذا القول الباطل احت ّ‬
‫من بعدهم‪ ،‬لكنه ل يثبت هذا‬ ‫وقع في عصر الصحابة والتابعين و َ‬
‫القول عن أحد يعتد به من الفقهاء عند من يمحص ويدقق‪ ،‬وقد‬
‫حقق المام الكوثري ذلك)‪ ،(26‬ونقل عن الحافظ ابن رجب‬
‫الحنبلي في ))بيان مشكل الحاديث الواردة في أن الطلق الثلث‬
‫واحدة((‪ :‬اعلم أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة ول من التابعين‬
‫ول من أئمة السلف المعتد بقولهم في الفتاوى في الحلل‬
‫والحرام شيء صريح في أن الطلق الثلث بعد الدخول يحسب‬
‫واحدة إذا سبق بلفظ واحد‪.‬‬
‫سك بالمذاهب‬ ‫الثامن‪ :‬دعوته الشديدة إلى التم ّ‬
‫الفقهية‪ ،‬في وجه الجهلة والمفسدين الذي يريدون أن يعبثوا‬
‫في دين الله ‪ ،‬وهذه من أسوأ الدعوات التي ظهرت لهدم‬
‫عرى هذا الدين‪.‬‬
‫ومن أجمل العبارات التي قيلت في التصدي لها‪ ،‬وبيان‬
‫فسادها‪ ،‬هي‪)) :‬اللمذهبية هي قنطرة اللدينية((‪ ،‬وقد قالها المام‬
‫‪ ()26‬في ))الشفاق في أحكام الطلق(()ص ‪ ،(63-62‬ومثله حقق شيخنا‬
‫العلمة هاشم جميل في ))فقه سعيد بن المسيب(()‪.(319 :3‬‬
‫الكوثري‪ ،‬وجعلها عنوانا ً لحد مقالته‪ ،‬ومما قال فيها ‪)) :‬ف َ‬
‫)‪(27‬‬
‫من‬
‫يدعو الجمهور إلى نبذ التمذهب بمذاهب الئمة المتبوعين الذين‬
‫أشرنا فيما سبق إلى بعض سيرهم‪ ،‬ل يخلو من أن يكون من‬
‫الذين يرون تصويب المجتهدين في استنباطاتهم كلها بحيث يباح‬
‫لكل شخص غير مجتهد أن يأخذ بأي رأي من آراء أي مجتهد من‬
‫المجتهدين بدون حاجة إلى القتصار على آراء مجتهد واحد‬
‫يتخيره في التباع‪ ،‬وهذا ينسب إلى المعتزلة‪ ،‬وأما الصوفية فإنهم‬
‫يصوبون المجتهدين بمعنى الخذ بالعزائم خاصة من بين أقوالهم‬
‫من غير اقتصار على مجتهد واحد‪.‬‬
‫وإليه يشير أبو العلء صاعد بن أحمد بن أبي بكر الرازي ـ‬
‫من رجال نور الدين الشهيد ـ في كتابه ))الجمع بين التقوى‬
‫والفتوى من مهمات الدين والدنيا(( حيث ذكر في أبواب الفقه‬
‫منه ما هو مقتضى الفتوى‪ ،‬وما هو موجب التقوى من بين أقوال‬
‫ل‪ ،‬بل هو‬ ‫الئمة الربعة خاصة‪ ،‬وليس في هذا معنى التشهي أص ً‬
‫محض التقوى والورع‪.‬‬
‫والرأي الذي ينسب إلى المعتزلة يبيح لغير المجتهد الخذ بما‬
‫ل ما يجب على غير المجتهد‬ ‫يروقه من الراء للمجتهدين‪ ،‬لكن أق ّ‬
‫في باب الجتهاد أن يتخيَر لدينه مجتهدا ً يراه العلم والورع‪،‬‬
‫فينصاع لفتياه في كل صغير وكبير بدون تتبع الرخص ـ في‬
‫التحقيق ـ‪.‬‬
‫وأما تتبعه الرخص من أقوال كل إمام‪ ،‬والخذ بما يوافق‬
‫الهوى من آراء الئمة‪ ،‬فليسا إل تشهيا ً محضًا‪ ،‬وليس عليها مسحة‬
‫ل‪ ،‬كائنا ً من كان مبيح ذلك؛ ولذلك يقول الستاذ أبو‬ ‫من الدين أص ً‬
‫إسحاق السفرايني المام‪ ،‬عن تصويب المجتهدين مطلقًا‪)) :‬أوله‬
‫سفسطة وآخر زندقة((؛ لن أقوالهم تدور بين النفي والثبات‪،‬‬
‫فأنى يكون الصواب في النفي والثبات معا ً‪...‬؟‬
‫ج من‬ ‫من تابعَ هذا المجتهد في جميع آرائه فقد خر َ‬ ‫نعم إن َ‬
‫العهدة أصاب المجتهد أم أخطأ‪ ،‬وكذا المجتهدون الخرون؛ لن‬
‫الحاكم إذا اجتهد وأصاب فله أجران‪ ،‬وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر‬
‫واحد‪ ،‬والحاديث في هذا الباب في غاية من الكثرة‪ ،‬وعلى اعتبار‬
‫من قَل ّد َ المجتهد خارجا ً عن العهدة وإن أخطأ المجتهد جرت المة‬ ‫َ‬
‫منذ بزغت شمس السلم‪ ،‬ول تزال بازغة إلى قيام الساعة ـ‬
‫بخلف شمس السماء فإن لها فجرا ً وضحى وغروبا ً ـ‪.‬‬
‫ولول أن المجتهد يخرج من العهدة على تقدير خطئه لما كان‬
‫له أجر‪ ،‬وليس كلمنا فيه‪ ،‬وكلم الستاذ السفرايني عن المصوبة‬

‫‪)) ()27‬مقالة اللمذهبية قنطرة اللدينية(()ص‪.(225-223‬‬


‫ل عليه ألف دليل ودليل‪ ،‬ولكن ليس هذا بموضع توسع في‬ ‫حقّ يد ّ‬
‫بيان ذلك((‪.‬‬
‫من يتذبذب بين المذاهب‪ ،‬منتهجا ً اللمذهبية في‬ ‫(‬‫‪28‬‬‫)‬
‫وقال ‪)) :‬و َ‬
‫دين السلمي‪ ،‬فهو أسوأ وأردأ من الجميع‪ ،‬وللعلوم طوائف‬ ‫ال ّ‬
‫خاصة‪ ،‬تختلف مناهجهم‪ ،‬حتى في العلم الواحد عن اقتناع خاص‪،‬‬
‫دعى الفلسفة من غير انتماء إلى أحد مسالكها المعروفة‪،‬‬ ‫من ا ّ‬‫ف َ‬
‫سفه ل إلى الفلسفة‪ ،‬والقائمون‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فإنه ُيعد ّ سفيها منتسبا إلى ال ّ‬
‫بتدوين العلوم لهم مبادئ خاصة ومذاهب معينة‪ ،‬حتى في العلوم‬
‫العربية‪ ،‬ل يمكن إغفالها ول تسفيه أحلم المستمسكين بأهدابها‪،‬‬
‫صافية‪ .‬وليس ثمة علم من‬ ‫لمن يريد أن يكرع من ينابيعها ال ّ‬
‫العلوم عني به العلماء عناية تامة على توالي السلم‪ ،‬مثل الفقه‬
‫السلمي((‪.‬‬
‫ً)‪(29‬‬
‫وقال أيضا ‪)) :‬مذاهب تكون ّبهذا التأسيس‪ ،‬وهذا التدعيم‬
‫شرع‪ ،‬يدعو إلى نبذ‬ ‫إذا لقيت في آخر الزمن‪ ،‬متزعما ً في ال ّ‬
‫الّتمذهب بها باجتهاد جديد يقيمه مقامها‪ ،‬محاول ً تدعيم إمامته‬
‫باللمذهبية بدون أصل يبني عليه غير شهوة الظهور‪ ،‬فتبقى‬
‫من عنده مثل‬ ‫ب َ‬
‫ق َ‬‫ل أن يل ّ‬‫المذاهب وتابعوها في حيرة‪ ،‬بماذا يح ّ‬
‫هذه الهواجس والوساوس أهو مجنون مكشوف المر‪ ،‬غلط من‬
‫مذبذب بين الفريقين‬ ‫لم يقده إلى مستشفى المجاذيب‪ ،‬أم ُ‬
‫ده من عقلء المجانين‪ ،‬أو مجانين‬ ‫يختلف أهل العقول في ع ّ‬
‫العقلء((‪.‬‬
‫ده على الصول الفاسدة التي ابتدعها‬ ‫التاسع‪ :‬ر ّ‬
‫المعاصرون في إبطال الشريعة وأحكامها الغراء‪ ،‬ومن‬
‫أبرزها المصلحة العقلية المجردة التي أنزلت العقل البشري‪،‬‬
‫مقام دين الله ‪ ‬في التحليل والتحريم على حسب ما يراه‬
‫ويهواه‪ ،‬باسم المصلحة‪ ،‬وما زلنا إلى يومنا هذا نكتوي بنار هؤلء‬
‫المتلعبين يحّرمون ويحّللون على ما يراه مزاجهم‪.‬‬
‫وقد جّلى لنا حالهم وفضح لنا مقالهم وبّين فساد مسلكهم‬
‫)‪(30‬‬
‫ة‬‫ن المصلح َ‬ ‫من الذي ينطق لسانه بأ ّ‬ ‫المام الكوثري فقال ‪)) :‬و َ‬
‫قد تعارض حجج الله ‪ ‬من الكتاب والسنة والجماع؟ والقول‬
‫بذلك قول بأن الله ‪ ‬ل يعلم مصالح عباده‪ ،‬فكأن هذه القائل‬
‫يرى أنه أدرى بمصالح العباد من الحكيم الخبير ‪ ‬حتى يتصور‬
‫معارضة مصالحهم للحكام التي دلت عليها أوامر الله ‪ ‬المبلغة‬
‫على لسان رسوله ـ سبحانك هذا إلحاد أقرع ـ‪.‬‬
‫‪ ()28‬في ))مقالة اللمذهبية قنطرة اللدينية من مقالته(()ص ‪.(219‬‬
‫‪ ()29‬في ))مقالة اللمذهبية قنطرة اللدينية من مقالته(()ص ‪.(222‬‬
‫‪ ()30‬في ))مقالة رأي النجم الطوفي في المصلحة(()ص‪.(345‬‬
‫من أعار سمعا ً لمثل هذا التقول ل يكون له نصيب من‬ ‫و َ‬
‫العلم‪ ،‬ول من العّزة القومية‪ ،‬وفي الذي يميلون إلى مثل ذلك‬
‫الرأي اللحادي يجدر أن ينشد قول القائل‪:‬‬
‫فائدة لنهم كفروا بالله‬ ‫عمى القلوب عموا عن كل‬
‫تقليدا ً‬
‫وليست تلك الكلمة غلطة من عالم حسن النية تحتمل‬
‫التأويل‪ ،‬بل فتنة فتح بابها قاصد شر‪ ،‬ومثير فتن((‪.‬‬
‫وقال أيضا ً)‪)) :(31‬وأحكام الشرع ل تنتهي عجائب أسرارها في‬
‫الصلح‪ ،‬وليست هي كأحكام العقول الخاطئة‪ ،‬وهاهي الدولة‬
‫السلمية لم تسعد دولة منها إل بمقدار تمسكها بأهداب الشرع‪،‬‬
‫ول شقيت إل بنسبة ابتعادها عن أحكام الشرع‪ ،‬ولنا ألف دليل‬
‫ودليل على ذلك في التاريخ السلمي‪ ،‬وقد نطق علي بن أبي‬
‫طالب كرم الله وجه بكلمة حكيمة جدا ً حيث قال‪)) :‬ما ترك الناس‬
‫شيئا ً من أمر دينهم لستصلح دنياهم إل فتح الله عليهم ما هو‬
‫أضر منه(()‪ ،(32‬وهي حقيقة ملموسة في جميع أدوار التاريخ‪ ،‬وقد‬
‫صدق الشاعر الذي قال لعبد الملك بن مروان‪:‬‬
‫فل ديننا يبقى ول ما نرقع‬ ‫نرقع دنيانا بتمزيق ديننا‬
‫ومثل هذا الممزق الموقع مثل من يمزق سراويله الساترة‬
‫لسوءته؛ لترقيع موضع من جبته((‪.‬‬
‫س القول بالمصلحة والمقصد من ورائها‬ ‫ن منبعَ وأسا َ‬‫وب َي ّ َ‬
‫فقال)‪)) :(33‬ومن جملة أساليبهم الزائفة في محاولة تغيير الشرع‬
‫بمقتضى أهوائهم قول بعضهم‪ :‬إن مبنى التشريع في المعاملت‬
‫ونحوها المصلحة فإذا خالف النص المصلحة يترك النص ويؤخذ‬
‫بالمصلحة!‬
‫فيا للخيبة ممن ينطق لسانه بمثل هذه الكلمة ويجعلها أصل ً‬
‫يبني عليه شرعه الجديد!‬
‫وما هذا إل محاولة نقض الشرع اللهي بتحليل ما حرمه‬
‫الشرع باسم المصلحة‪ ،‬فسل هذا الفاجر ما هي المصلحة التي‬
‫تريد بناء شرعك عليها؟‬
‫إن كانت المصلحة الشرعية فليس لمعرفتها طريق غير‬
‫الوحي حتى عند المعتزلة الذين يقال عنهم‪ :‬إنهم يحكمون العقل‬
‫كما تجد ذلك مفصل ً في ))المعتمد(( شرح العمد لبي الحسين‬
‫صه طول راجع ))الشامل(( للتقاني‪.‬‬ ‫البصري المعتزلي‪ ،‬وفي نقل ن ّ‬
‫‪ ()31‬في ))مقالة شرع الله(()ص‪.(184-183‬‬
‫‪ ()32‬ينظر‪)) :‬الكشكول للعاملي(()ص ‪ ،(2448‬و))التذكرة الحمدونية(()ص‬
‫‪ ،(6567‬ولكنهم جعلوها حديثا ً مرفوعًا‪.‬‬
‫‪ ()33‬في ))مقالة أثر العرف والمصلحة في الحكام(()ص ‪.(343-342‬‬
‫وإن كنت تريد المصلحة الدنيوية على اختلف تقدير‬
‫المقدرين فل اعتبار لها في نظر المسلم عند مخالفتها للنص‬
‫الشرعي؛ إذ العقل كثيرا ً ما يظن المفسدة مصلحة بخلف‬
‫الشرع‪.‬‬
‫وأما المصلحة المرسلة وسائر المصالح المذكورة في كتب‬
‫الصول وكتب القواعد ففيما ل نص فيه باتفاق علماء المسلمين‪،‬‬
‫فل يتصور الخذ بها عند مخالفتها لحجج الشرع‪.‬‬
‫من فتح باب هذا الشّر شّر إلغاء النعي باعتباره مخالفا ً‬ ‫وأول َ‬
‫للمصلحة هو النجم الطوفي الحنبلي فإنه قال في شرح حديث‪:‬‬
‫ص والجماع‬ ‫ل ضرر ول ضرار؛ إن رعاية المصلحة مقدمة على الن ّ‬
‫عند التعارض‪.‬‬
‫وهذه كلمة لم ينطق بها أحد من المسلمين قبَله ولم يتابعه‬
‫من هو أسقط منه والقول بأن إجراء ذلك في المعاملت‬ ‫بعده إل َ‬
‫دون العبادات باعتبار أن العبادات حقّ للشارع والمعاملت إنما‬
‫وضعت أحكامها لمصالح العباد‪ ،‬وكانت هي المعتبرة فرق بدون‬
‫فارق؛ لن الله يأمر بما يشار فيما شاء من غير فارق بين أن‬
‫يكون أمره في العبادات أو المعاملت وهو الذي أباح أنواعا ً من‬
‫البيوع وحرم أنواعا ً منها‪ ،‬وكذا السلم والصرف والجارة وغيرها‬
‫من أبواب الفقه‪ ،‬فإذا راج هذا المكر من هذا المضل ترى خديعته‬
‫في البواب كلها ويكون شرع الله أثرا ً بعد عين ولكن أبى الله إل‬
‫أن يتم نوره‪.‬‬
‫من الذي ينطق لسانه بأن المصلحة قد تعارض حجج الله‬ ‫و َ‬
‫من الكتاب والسنة والجماع‪ ،‬والقول بذلك قول بأن الله ل يعلم‬
‫ور أن تعارض مصالحهم‬ ‫مصالح عباده‪ ،‬فكأنهم أدرى بها حتى يتص ّ‬
‫للحكام التي دلت عليها أوامر الله المبلغة على لسان رسوله‪،‬‬
‫من أعار سمعا ً لمثل هذا التقويل‬ ‫سبحانك هذا إلحاد مكشوف‪ ،‬و َ‬
‫فل يكون له نصيب من العلم‪ ،‬ول من الدين‪ ،‬وليست تلك الكلمة‬
‫غلطة فقط من عالم حسن النية تحتمل التأويل بل فتنة فتح بابها‬
‫قاصد شّر ومثير فتن‪.‬‬
‫وعن هذا الطوفي الحنبلي يقول ابن رجب ‪ ‬في ))طبقات‬
‫الحنابلة(( لم يكن له يد في الحديث‪ ،‬وفي كلمه تخبيط كثير‪،‬‬
‫وكان شيعيا ً منحرفا ً عن السنة‪ ،‬ولقد كذب هذا الرجل وفجر فيما‬
‫من حدثه أنه كان يظهر‬ ‫رمى به عمر ‪ .‬وذكر بعض شيوخنا ع ّ‬
‫التوبة ويتبرأ من الرفض‪ ،‬وهو محبوس‪ ،‬وهذا نفاقه‪ ،‬فإّنه لما‬
‫جاور في آخر عمره بالمدينة صحب السكاكيني شيخ الرافضة‪،‬‬
‫ب لبي بكر ‪ ،‬ذكر ذلك عنه المطري‬ ‫من الس ّ‬‫ونظم ما يتض ّ‬
‫حافظ المدينة ومؤرخها اهـ‪.‬‬
‫وقال ابن مكتوم‪ :‬اشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر‬
‫‪ ‬وابنته عائشة رضي الله عنها‪ ،‬ومن شعره‪:‬‬
‫كم بين من شك في خلفته وبين من قيل إنه الله‬
‫من في قلبه إيمان‪،‬‬ ‫يعني أبا بكر وعليا ً ‪ ،‬فهل هذا يصدر م ّ‬
‫وكان يقول عن نفسه‪:‬‬
‫أشعري إنها إحدى الكبر‬ ‫حنبلي رافضي ظاهري‬
‫راجع ترجمته من ))طبقات ابن رجب(( و))الدرر الكامنة((‬

‫و))شذرات الذهب((‪ ،‬أفمثل هذا الزائغ يتخذ قدوة في مثل هذا‬


‫التأصيل الذي يرمى إلى استئصال الشرع‪ ،‬ول يغترن القارئ‬
‫الكريم بتلقيب بعض المهملين إّياه بالمام النجم الطوفي‪ ،‬فإّننا‬
‫من ل يصلح أن يكون إماما ً في مسجد حارته يلقب‬ ‫في زمن نرى َ‬
‫جة‪ ،‬وإلى الله عاقبة المر كله((‪.‬‬ ‫بالمام الح ّ‬
‫العاشر‪ :‬بيان وظيفة الفقهاء عند أهل السنة بأنهم مبينين‬
‫لمراد الله‪ ،‬وغير مشرعين‪ ،‬وإنما حقّ التشريع لله ‪ ‬فحسب‪،‬‬
‫قق هذا الكلم المام الكوثري في وجه المتلعبين‬ ‫وإنما أكد وح ّ‬
‫الذين يقولون إن الفقه غير الدين‪ ،‬وإن الفقه آراء رجال‪ ،‬ول ضير‬
‫في مخالفته ونبذه‪ ،‬وهذه الخديعة منهم تنطوي على نبذ الدين؛‬
‫لن الفقه هو الجانب التطبيقي العلمي للدين‪ ،‬فتركه ترك‬
‫لتطبيق السلم‪.‬‬
‫)‪(34‬‬
‫ون َّبه على ذلك المام الكوثري‪ ،‬فقال ‪)) :‬وعمل الفقهاء إنما‬
‫هو الفهم من الكتاب والسنة‪ ،‬وليس لحد سوى صاحب الشرع‬
‫دخل في التشريع‪...‬وأما المتأخرون من الفقهاء فليس لهم إل أن‬
‫يتكلموا في نوازل جديدة ل أن يبدو آراء في الشرع على خلف‬
‫ما فهمه من النصوص رجال الصدر الول الذين هم أهل اللسان‪،‬‬
‫المطلعون على لغة التخاطب بين الصحابة ‪ ‬قبل أن يعتريها‬
‫تغيير وتحوير‪ ،‬والمتلقون للعلم عن الذين شهدوا الوحي‪ ،‬فما‬
‫فهموه الشرع فهو المفهوم‪ ،‬وما أبعدوه عن أن يكون دليل ً‬
‫سك به((‪.‬‬‫شرعيا ً بعيد عن أن يتم ّ‬
‫وقال أيضا ً)‪)) :(35‬أم أي صاح يستسيغ أن يفوه بأن الفقه غير‬
‫الدين في كتاب الله‪ ،‬يغايره ويباينه مطلقا ً مفهوما ً وصدقا ً‬
‫وتحققًا؛ ليستبيح بذلك انتهاك حرمة الفقه في الدين مع أن الفقه‬
‫ور مغايرة علم الدين للدين ول‬ ‫ما هو إل معرفة الدين فل تتص ّ‬
‫من ل يمّيز بين الشخاص فضل ً‬ ‫مخالفة العلم لمعلومه إل عند َ‬
‫عن المعاني بغفوته‪ ،‬ول بين المقدم والمؤخر ببالغ غفلته…أم‬
‫يمكن أن يرى عاقل تنافي الشيء والعلم به ليمكنه إنكار فقه‬
‫‪ ()34‬في ))مقالة شرع الله(()ص ‪.(184‬‬
‫‪ ()35‬في ))مقالته الدين والفقه من مقالته(())ص ‪.(179-178‬‬
‫الدين مطلقا ً بدون إنكار الدين‪ ،‬وهذا مبدأ إليه المنتهى في‬
‫السخف((‬

‫الحادي عشر‪ :‬كشفه لساليب المتلعبين بدين الله‬


‫جة تغير الزمان‬ ‫‪ ،‬بتغييرهم وقلبهم لشرع الله بح ّ‬
‫وبناء الحكام على العرف‪ ،‬وهذا مما نلمسه في هذه اليام‬
‫بسبب هذه الدعوات الهدامة للدين‪ ،‬فما أن تخبر أحدا ً بحكم‬
‫شرعي‪ ،‬حتى يقول لك‪ :‬تغير الزمان‪ ،‬وقد نقحت الكلم على هذا‬
‫في ))المدخل إلى دراسة الفقه السلمي(( و))سبيل الوصول إلى‬
‫علم الصول((‪ ،‬ونكتفي ها هنا بإيراد كلم المام الكوثري الذي هو‬
‫محل كلمنا في التنبيه على هذه الدعوة الفاسدة‪.‬‬
‫قال المام الكوثري)‪)) :(36‬ويأسف المسلم كل السف من‬
‫وجود أناس في أزياء العلماء تحملهم شهوة الظهور على التظاهر‬
‫بمظهر الستدراك على فقهاء الصدر الول‪ ،‬وعلى محاولة ابتداع‬
‫أساليب بها يحرفون الكلم عن مواضعه ويجعلون الشرع الواضح‬
‫المنهاج الصريح الحكام يتقلب مع الزمن‪ ،‬وذلك لجل التقّرب‬
‫إلى الدين ل يضمرون للسلم خيرًا‪ ،‬تراهم يقولون‪ :‬عندنا‬
‫العرف‪ ،‬وعندنا المصلحة بهما كم تتغير الحكام‪ ،‬وكم لنا من هذا‬
‫القبيل‪ ،‬يريدون بذلك أن يجعلوا شرع الله متقلبا ً مع الزمن ومع‬
‫الظروف كأدمغتهم المتميعة القابلة لكل شكل مع كل ظرف‪.‬‬
‫نعم يوجد في فلسفة الغربيين اللدينيين من يبغي دينا ً تقلب‬
‫مع الزمان‪ ،‬ولكن بغية هذه ليست إل شبكة يريد أن يوقع فيها‬
‫مقلدتهم من أبناء الشرق العزاء المتفلسفين؛ ليقضي على‬
‫السلم بأيدي أبنائه‪ ،‬لكن ل يحيق المكر السيء إل بأهله((‪.‬‬
‫وقال)‪)) :(37‬وأما تخيل تغير الحكام باختلف الزمن مطلقا ً‬
‫بدون نظر إلى ما قّرره الفقهاء فتنزيل لشرع الله منزلة الحكام‬
‫ما يأباه أهل الدين‪.((...‬‬
‫الوضعية‪ ،‬وذلك م ّ‬
‫وقال أيضا ً)‪)) :(38‬نظر المسلم إلى الشرع السلمي هو أنه‬
‫قانون إلهي مقدس منزل لسعاد من تمسك به‪ ،‬ل يعتريه التحوير‬
‫والتغيير بعد انقطاع زمن الوحي‪ ،‬وأنه الدين الكامل الكافل‬
‫لمصالح البشر في جميع الزمنة والمكنة‪ ،‬وإن ما ينطق بالعرف‬
‫والمصلحة من أحكامه إنما يختلف عند تغير العرف والمصلحة‬
‫لكن هذا ليس من التغيير والتبديل في شيء‪ ،‬وإنما هو تفصيل‬

‫‪ ()36‬في ))مقالة شرع الله في نظر المسلمين(()ص‪ ،(185‬و))أثر العرف‬


‫والمصلحة في الحكام(()ص‪.(341-340‬‬
‫‪ ()37‬في ))مقالة الدين والفقه(()ص‪.(180‬‬
‫‪ ()38‬في مقالة‪)) :‬نظر المرء إلى شرع الله معيار دينه(()ص ‪.(333‬‬
‫من الشارع الحكيم للحكم بالنظر إلى حال وحال‪ ،‬فل دخل لهواء‬
‫الرجال في ذلك أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وأما من كان نظره إلى الشرع اللهي كنظره إلى القوانين‬
‫الوضعية في التغيير والتبديل‪ ،‬فل يتهيب المساس به‪ ،‬ول يخشى‬
‫َ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ب ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫ن ي َك ْت ُُبو َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬‫أن يدخل تحت قوله ‪} :‬فَوَي ْ ٌ‬
‫ما‬‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫منا ً قَِليل ً فَوَي ْ ٌ‬ ‫شت َُروا ب ِهِ ث َ َ‬ ‫عن ْد ِ اللهِ ل ِي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ‪ ،‬ول يأبى مثله أن يجاهر‬ ‫)‪(39‬‬
‫سُبو َ‬ ‫ما ي َك ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ل له ُ ْ‬ ‫م وَوَي ْ ٌ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫ك َت َب َ ْ‬
‫أن قوانين القرون الوسطى ل تصلح للقرن الحاضر‪ ،‬يريد أن‬
‫الحكام الشرعية لم تبق صالحة؛ لتيسير شؤون المة في القرن‬
‫حّتى‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤ ْ ِ‬ ‫العشرين متناسيا ً أن الله ‪ ‬يقول‪َ} :‬فل وََرب ّ َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ً )‪(40‬‬
‫سِليما{ ((‪.‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬‫قَ َ‬
‫وأوضح أنه ل دخل للعرف في تغّير الحكام إل فيما ذكره‬
‫الفقهاء فقال)‪)) :(41‬وليس للعرف في الشرع إل ما بّينه علماء‬
‫المذاهب في كتب القواعد وكتب الصول والفروع من مثل حمل‬
‫الدرهم في العقود على الدرهم المتعارف في موضع العقد‪ ،‬وكذا‬
‫الرطل‪ …،‬وكون المشروط عرفا ً كالمشروط لفظًا‪ ،‬وزوال خيار‬
‫الرؤية برؤية إحدى غرف الدار عندما كان العرف جاريا ً بين‬
‫الناس ببناء دورهم متساوية الغرف‪ ،‬وعدم زوال الخيار المذكور‬
‫عند تغير العرف المذكور‪.‬‬
‫والكتفاء بظاهر السلم في العدالة في زمن يكون الغالب‬
‫فيه موافقة المظهر للمخبر‪ ،‬بخلف ما إذا تغير هذا فل يكتفى في‬
‫العدالة بظاهر السلم‪ ،‬واعتبار اللفظ صريحا ً في معنى تعورف‬
‫فيه بخلف ما إذا نقل إلى معنى آخر وتنوسي المعنى الول‪… ،‬‬
‫وحمل الطعام واللحم على البر ولحم الضأن في بلد تعورف فيه‬
‫تخصيصها بهما إلى غير ذلك((‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬بيانه سبب التخبط الفكري لدى‬
‫الطلبة والمفتين في كلمهم وفتاويهم هو عدم التزام‬
‫منهج واضح بالدراسة‪ ،‬يوصل الطالب إلى مدارج‬
‫الكمال‪ ،‬وهذه من أشد المشكلت التي تواجهنا في الحفاظ‬
‫على منهج أهل السنة في تخريج العلماء القادرين على تحمل‬
‫المانة الدينية العظيمة‪ ،‬فمناهج جامعتنا ومدارسنا مضطربة‬
‫ومتناقضة وناقصة ل يمكنها الرتقاء بمستوى الطالب العلمي‪،‬‬
‫وتنجيته من النحراف الفكري والسلوكي‪ ،‬ول مخرج من هذه‬
‫‪ ()39‬البقرة‪.79:‬‬
‫‪ ()40‬النساء‪.65:‬‬
‫‪ ()41‬في ))المقالت(()ص‪.(342-341‬‬
‫الورطة الظلماء إل بالتزام المنهج السني في التعليم على ما نص‬
‫عليه علماؤنا السابقون‪.‬‬
‫)‪(42‬‬
‫وفي هذا يقول إمامنا الكوثري ‪)) :‬طال تفكيري في هذا‬
‫التجرؤ على مخالفة الجماعة مع تخبط ملموس في المسائل‬
‫ممن يدعون النتماء إلى الفقه‪ ،‬فعلمت أن عّلة العلل‪ ،‬أن أمثال‬
‫هؤلء المتفقهين كانوا يحاولون تكوين أنفسهم بأنفسهم‪،‬‬
‫يحضرون في أي درس شاءوا ويهجرون أي كتاب أرادوا ـ قبل‬
‫النظام في الزهر ـ وأنهم ينخرم عليهم المقرر في العلوم ـ بعد‬
‫النظام ـ فيحصل بقدر هذا وذاك خرم في تفكيرهم وتعقلهم‪.‬‬
‫فل عجب إذا حدثت في تفكير هؤلء فوضى واضطراب‬
‫واختلل عند أول صدمة تصدمهم من مطالعة كتب يصدرها‬
‫الناشرون لدعاية خاصة غير مكشوفة بادئ بدئ‪ ،‬فيكون هؤلء‬
‫أول ضحية لتلك الدعايات الصادرة لتفريق كلمة المسلمين باسم‬
‫العلم‪ ،‬حيث ل يوجد عندهم وازع يمنعم من التورط فيما ليس‬
‫لهم به علم‪ ،‬ول عدة تحميهم من مسايرة الجهل‪.‬‬
‫بل يعدون أنفسهم علماء بمجرد أن حذقوا لغة أمهاتهم بدون‬
‫أن يتم تكوينهم العلمي تحت حراسة نظام دقيق في التفقيه‪ ،‬مع‬
‫من يعد نفسه من صنف العلماء أن يربا بنفسه‬ ‫أن الواجب على َ‬
‫أن يظهر بمظهر الهمج الرعاع أتباع كل ناعق‪ ،‬كما يقول علي‬
‫من يدعي العلم أن يكون بهذه الحالة المنكرة((‪.‬‬ ‫‪ ،‬فعار على َ‬
‫الثالث عشر‪ :‬تنبيهه لفساد النظرية العصرية‬
‫القائمة على تقسيم مدارس الفقهاء إلى مدرستين‪:‬‬
‫مدرسة حديث‪ ،‬ومدرسة رأي‪ ،‬ومن ذلك ما قال سيد‬
‫)‪(43‬‬
‫من قبلهم‪،‬‬ ‫ما جاء أئمة المذاهب الربعة تبعوا سنن َ‬ ‫سابق ‪)) :‬فل ّ‬
‫إل أن بعضهم كان أقرب إلى السنة كالحجازيين الذين كثر فيهم‬
‫حملة السنة ورواة الثار‪ ،‬والبعض الخر كان أقرب إلى الرأي‬
‫كالعراقيين الذين قل فيهم حفظة الحديث؛ لتنائي ديارهم عن‬
‫منزل الوحي((‪.‬‬
‫طن في أئمة المذاهب الربعة وفقههم هو عين‬ ‫فهذا طعن مب ّ‬
‫ما ذكره محمد رشيد رضا تلميذ محمد عبده في كتابه ))يسر‬
‫السلم وأصول التشريع((‪ ،‬وفعلهم هذا ليبيحوا لنفسهم التملص‬
‫من أحكام الشريعة التي بّينها أئمة المذاهب؛ لن بعضهم لم يكن‬
‫لديه حديث؛ ليكون فقه صحيحا ً متينًا‪ ،‬والخر لم يكن لديه رأي‬
‫دقيق؛ لعتماده في فقهه على الحديث فحسب‪ ،‬بخلف هذه‬

‫‪ ()42‬في ))الشفاق في أحكام الطلق(()ص ‪.(76-75‬‬


‫‪ ()43‬في ))فقه السنة(()‪.(13 :1‬‬
‫المدرسة العصرية المفتعلة فإنها ستقوم بما لم يقم به هؤلء‬
‫الئمة من الجمع بين الرأي والحديث‪.‬‬
‫وبين المام الكوثري هذه النظرية فقال عن محمد رشيد‬
‫ور فريقين من الفقهاء‪ ،‬أهل رأي‪،‬‬ ‫رضا في كتابه السابق‪)) :‬ويتص ّ‬
‫وأهل حديث‪ ،‬وليس لهذا أصل بالمّرة‪ ،‬وإنما هذا خيال بعض‬
‫قلة‪ ،‬بعد محنة‬ ‫ذاذ‪ ،‬أخذا ً من كلمات بعض جهلة الن َ‬ ‫متأخري الش ّ‬
‫أحمد‪ .((...‬ثم أفاض في نقض هذه النظرية بإيراد النصوص‬
‫التاريخية التي تثبت أن الكوفة التي يدعى أنها مدرسة رأي فإنها‬
‫غنية بالثار والحاديث‪ ،‬ومنها تخرج كبار حفاظ المة‪ ،‬ومما يدل‬
‫على ذلك‪:‬‬
‫قال المام الرامهرمزي )ت‪360‬هـ(‪ :‬عن ابن سيرين ‪،‬‬
‫)‪(44‬‬

‫قال‪)) :‬أتيت الكوفة فرأيت فيها أربعة آلف يطلبون الحديث‪،‬‬


‫وأربعمئة قد فقهوا((‪.‬‬
‫وفي أي مصر من أمصار المسلمين‪ ،‬غير الكوفة‪ ،‬تجد مثل‬
‫ل على أن‬ ‫هذا العدد العظيم للمحدثين والفقهاء‪ ،‬وفي هذا ما يد ّ‬
‫مته شاّقة جدًا‪ ،‬فل يكثر عدده كثرة عدد النقلة‪.‬‬ ‫ه مه ّ‬
‫الفقي َ‬
‫)‪(46‬‬ ‫)‪(45‬‬
‫)ت‪56‬‬ ‫والمام السمعاني‬ ‫وقال المام الرامهرمزي‬
‫فان يقول ـ وسمع قوما ً يقولون‪ :‬نسخنا كتب فلن‪،‬‬ ‫‪2‬هـ(‪)) :‬عن ع ّ‬
‫ونسخنا كتب فلن ـ‪ ،‬فسمعته يقول‪ :‬نرى هذا الضرب من الناس‬
‫ل يفلحون‪ ،‬كّنا نأتي هذا فنسمع منه ما ليس عند هذا‪ ،‬ونسمع من‬
‫هذا ما ليس عند هذا‪ ،‬فقدمنا الكوفة فأقمنا أربعة أشهر ولو أردنا‬
‫أن نكتب مئة ألف حديث لكتبناها‪ ،‬فما كتبنا إل قدر خمسين ألف‬
‫حديث‪ ،‬وما رضينا من أحد إل بالملء‪ ،‬إل شريكًا‪ ،‬فإنه أبى علينا‪،‬‬
‫وما رأينا بالكوفة لحانا ً مجوزا ً((‪.‬‬
‫فان ـ‬ ‫قال المام الكوثري)‪)) :(47‬أنظر‪ ،‬مصرا ً يكتب بها ـ مثل ع ّ‬
‫في أربعة أشهر خمسين ألف حديث! مع هذا التروي‪ ،‬ومسند‬
‫أحمد أقل من ذلك بكثير‪ ،‬أيعد مثل هذا البلد قليل الحديث؟!‬
‫على أن أحاديث الحرمين مشتركة بين علماء المصار في‬
‫تلك الطبقات‪ ،‬لكثرة حجهم‪ ،‬وكم بينهم من حج أربعين حجة‬
‫وعمرة‪ ،‬وأكثر‪ ،‬وأبو حنيفة ‪ ‬وحده‪ ،‬حج خمسا ً وخمسين حجة‪،‬‬
‫وأنت ترى البخاري ‪ ‬يقول‪ :‬ول أحصي ما دخلت الكوفة في‬
‫طلب الحديث‪ ،‬حينما يذكر عدد ما دخل باقي المصار‪ ،‬ولهذا أيضا ً‬
‫دللته في هذا الصدد((‪.‬‬
‫‪ ()44‬في ))المحدث الفاصل(()‪.(408 ،560 :1‬‬
‫‪ ()45‬في ))المحدث الفاصل(()‪.(602 ،559 :1‬‬
‫‪ ()46‬في ))أدب الملء والستملء(()ص‪.(16‬‬
‫‪ ()47‬في ))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(311‬‬
‫وأيضًا‪ ،‬فإن التابعين من محدثي الكوفة وفقهائها لم يكونوا‬
‫يتلقون الحديث عن الصحابة ‪ ‬الموجودين في الكوفة فحسب‪،‬‬
‫بل تلقوا الحديث من الصحابة ‪ ‬في الحجاز‪ ،‬ورحلوا طلبا ً لذلك‪،‬‬
‫فقد روى ابن سعد في ))طبقاته(( أسماء مئتين واثنين من التابعين‬
‫كة والمدينة((‪.‬‬‫الكوفيين‪ ،‬الذي رووا عن كبار الصحابة ‪ ‬في م ّ‬
‫وفي فساد نظرية بأن مدرسة المدينة مدرسة حديث‪ ،‬ول‬
‫تعتني بالرأي ذكر عددا ً من النصوص القديمة التي تثبت أنها‬
‫مشاركة لمدرسة الكوفة في الرأي‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ذكر ابن قتيبة في كتاب ))المعارف(( الفقهاء بعنوان أصحاب‬
‫الرأي‪ ،‬وَيعد ّ فيهم الوزاعي‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬ومالك بن أنس ‪.‬‬
‫وذكر الحافظ محمد بن الحارث الخشني‪ ،‬أصحاب مالك ‪‬‬
‫في ))قضاة قرطبة(( باسم أصحاب الرأي‪.‬‬
‫وهكذا فعل أيضا ً الحافظ أبو الوليد بن الفرضي في ))تاريخ‬
‫علماء الندلس((‪.‬‬
‫وكذلك الحافظ أبو الوليد الباجي‪ ،‬يقول في شرح حديث‬
‫الداء العضال من ))الموطأ(( في صدد الرد ّ على ما يرويه النقلة‬
‫عن مالك ‪ ،‬في تفسير الداء العضال)‪)) :(48‬ولم يرو مثل ذلك‬
‫عن مالك أحد من أهل الرأي من أصحابه((‪ ،‬يعني من أهل الفقه‪،‬‬
‫من أصحاب مالك ‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬مما ل حاجة إلى استقصائه‬
‫هنا)‪.(49‬‬
‫من تكّلم عن التاريخ‬ ‫الرابع عشر‪ :‬أنه أفضل َ‬
‫الفقهي للمذاهب السنية‪ ،‬واتصالها في طريقها‬
‫ومنهجها بالهدي النبوي وسلف المة من الصحابة‬
‫والتابعين ‪ ،‬وقد سبقه بالكلم عن هذا التاريخ العلمة ول ّ‬
‫ي‬
‫دهلوي كما في ))عقد الجيد((‪ ،‬و))النصاف((‪ ،‬و))حجة الله‬‫الله ال ّ‬
‫البالغة((‪ ،‬وأتى بكلم لطيف إل أنه لم يدّقق النظر‪ ،‬ويحسن‬
‫ل بيان ذلك‪،‬‬‫السبر‪ ،‬كما فعل إمامنا الكوثري‪ ،‬وليس هاهنا مح ّ‬
‫وإنما مقصدنا التنبيه على آثار المام الكوثري وجهوده‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه بّين أن مستند َ الئمة العلم في القول بالرأي‬
‫والجتهاد راجع إلى منهج الصحابة ‪ ‬في استخراج الحكام‬
‫كما تعلموا من رسول الله ‪ ،‬قال المام الكوثري ‪:(50)‬‬

‫‪ ()48‬في ))الموطأ(()‪ :(975 :2‬حدثني مالك‪ :‬أنه بلغه أن عمر بن الخطاب‬


‫‪ ‬أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الحبار‪ :‬ل تخرج إليها يا أمير‬
‫ن وبها الداء‬‫ن بها تسعة أعشار السحر‪ ،‬وبها فسقة الج ّ‬
‫المؤمنين‪ ،‬فإ ّ‬
‫العضال‪.‬‬
‫‪ ()49‬ينظر‪ :‬هذه النقولت في ))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(287-286‬‬
‫‪ ()50‬في ))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(285‬‬
‫))وقد دّرب رسول الله ‪ ‬الصحابة ‪ ‬على الرأي والستنباط‬
‫في أحكام النوازل غير المنصوص عليها من المنصوص‪،‬‬
‫بإرجاع النظير إلى النظير‪ ،‬وكان المجتهدون من أصحاب‬
‫النبي ‪ ‬يقولون بالرأي وكذلك الفقهاء من التابعين((‪.‬‬
‫وقال)‪)) :(51‬والقول المحتم أن فقهاء الصحابة ‪ ‬والتابعين‬
‫وتابعيهم جروا على القول بالرأي بمعنى‪ :‬استنباط حكم النازلة‬
‫ص‪ ،‬وهذا من الجماعات التي ل سبيل إلى إنكارها((‪.‬‬ ‫من الن ّ‬
‫ضح أن فقه المذهب الحنفي‪ ،‬فقه مدرسي ورثوه‬ ‫‪ .2‬أنه و ّ‬
‫عن صحابة رسول الله ‪ ‬وتابعيهم ممن حّلوا في الكوفة؛ إذ‬
‫قال)‪)) :(52‬بينما ترى محمد بن الربيع الجيزي والسيوطي ل‬
‫يستطيعان أن يذكرا من الصحابة ‪ ‬الذين نزلوا مصر إل‬
‫طن الكوفة‬ ‫نحو ثلثمئة صحابي‪ ،‬تجد العجلي يذكر أنه تو ّ‬
‫وحدها من الصحابة ‪ ،‬نحو ألف وخمسمئة صحابي‪ ،‬بينهم‬
‫من أقام بها‪ ،‬ونشر العلم بين‬ ‫نحو سبعين بدريًا‪ ،‬سوى َ‬
‫ربوعها‪ ،‬ثم انتقل إلى بلد آخر‪ ،‬فضل ً عن باقي بلد العراق((‪.‬‬
‫وقد استرسل في بيان مستند مدرسة الكوفة إلى ابن‬
‫مسعود وعلي ‪ ‬وغيرهما من كبار الصحابة ‪ ،‬كما حققت ذلك‬
‫في ))إمام الئمة الفقهاء((‪ ،‬حتى ذكر أن الكوفة استفادت من‬
‫فقه عمر ‪ ‬لخذ ابن مسعود ‪ ‬بفتاواه‪ ،‬فقال)‪)) :(53‬وبهذا يكون‬
‫حتى علم عمر ‪ ‬قد غذيت به الكوفة‪ ،‬وكان مستندا ً لهم في‬
‫فقههم‪ ،‬فإن كان ذلك يكون قد اجتمع لهم علم أصحاب الرسول‬
‫من خلفهم هذا البنيان الفقهي الشامخ‬ ‫‪ ،‬فحقّ لهم أن يبنوا ل َ‬
‫الذي بهروا به البصار((‪.‬‬
‫‪ .3‬أنه بّين أن أساس كتب الفقه هي كتب محمد بن‬
‫الحسن ‪ ،‬فقال)‪)) :(54‬إن تاريخ الفقه يشهد بأن الكت َ‬
‫ب‬
‫لفة في مذاهب الئمة المتبوعين من ))المدونة((‬ ‫المؤ ّ‬
‫ف على ضوء كتب ذلك‬ ‫جة((‪ ،‬و))الم((‪ ،‬وما بعدها إنما أ ُل ّ َ‬
‫و))الح ّ‬
‫المام العظيم أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني ‪،‬‬
‫ولم تزل كتبه بأيدي الفقهاء من كل مذهب قبل حلول قرون‬
‫التقليد البحت يتداولونها ويستفيدون منها تقديرا ً منهم لما‬
‫امتازت به‪ ،‬على من سبقها من رصانة في التعبير‪ ،‬ووضوح‬
‫في البيان‪ ،‬وإحكام في التأصيل‪ ،‬ودقة في التفريع مع التدليل‬
‫على مسائل ربما تعزب أدلتها عن علم كثير من الفقهاء من‬

‫))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(285‬‬ ‫في‬ ‫‪()51‬‬


‫))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(304‬‬ ‫في‬ ‫‪()52‬‬
‫))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(305‬‬ ‫في‬ ‫‪()53‬‬
‫))بلوغ الماني(()ص ‪.(4-3‬‬ ‫في‬ ‫‪()54‬‬
‫أهل طبقته فضل ً عمن بعدهم‪ ،‬على توسعها في توليد‬
‫المسائل في البواب بحيث ينبئ عن تغلغل مؤلفها في‬
‫أسرار العربية ويده البيضاء في اكتشاف أسرار التشريع‪.‬‬
‫من غير أن تظهر على كلمه شهوة النفراد والشذوذ عن‬
‫الفقهاء عندما يناقشهم في آرائهم‪ ،‬ول التحيل والتشغيب في‬
‫سبيل الدعوة إلى آراء استبانت له بخلف ما ابتلي به كثير ممن‬
‫ينتمي إلى الفقه‪ ،‬بل ينوه بفضل شيوخه عليه ويسجل أقوالهم‬
‫في مؤلفاته عرفانا ً منه لجميلهم ولم يغره اتساع علمه بل زاده‬
‫إخلصا ً إلى إخلص فكافأه الله سبحانه على ذلك بأن بارك في‬
‫علمه حتى أصبحت كتبه لحمة الكتب المدونة في جميع المذاهب‬
‫بدون مغالة‪ ،‬وأدام النتفاع بكتبه مدى القرون‪.‬‬
‫وأنت ترى أنه لم يصل إلينا من أي فقيه في طبقته أو في‬
‫طبقة تقارب طبقته‪ ،‬كتب في الفقه قدر ما وصل إلينا من‬
‫مؤلفاته‪ ،‬وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء((‪.‬‬
‫ده لمسلك أهل الظاهر المخالف‬ ‫الخامس عشر‪ :‬ر ّ‬
‫للئمة الكبار في عدم الخذ بالقياس‪ ،‬ونقض كلمهم‬
‫في مواضع عديدة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬تأييده لبن الُهمام في أن عدد الصحابة ‪ ‬المجتهدين‬
‫ده لكلم ابن حزم في ذلك؛ إذ‬ ‫ل يتجاوز العشرين‪ ،‬ور ّ‬
‫من أحاط خبرا ً بأدلة الجمهور من الكتاب والسنة‬ ‫)‪(55‬‬
‫قال ‪)) :‬و َ‬
‫وة كلم‬‫وأقوال السلف وبأحوال الصحابة ‪ ،‬يدرك مبلغ ق ّ‬
‫دة المجتهدين من الصحابة ‪ ،‬وإن سعى‬ ‫ابن الُهمام في ع ّ‬
‫ابن حزم ‪ ‬في تكثير عددهم جدا ً في ))أحكامه(( بأن حشر‬
‫من روي عنه مسألة أو مسألتين في الفقه‬ ‫في عدادهم ك ّ‬
‫ل َ‬
‫كن من‬ ‫ل إجلل ً لمنزلة الصحابة في العلم)‪ ،(56‬بل ليتم ّ‬
‫معاكسة الجمهور في مسائل الجماع باشتراط النقل عن‬
‫ل منهم‪ ،‬وأنى لمن لم يرو عنه إل مسألة أو مسألتان في‬ ‫ك ّ‬
‫الفقه‪ ،‬أو حديث أو حديثان في السنة أن يعد ّ في المجتهدين‬

‫‪ ()55‬في ))الشفاق(()ص ‪.(33‬‬


‫‪ ()56‬هذه المبالغة من ابن حزم في تضخيم عدد المجتهدين من الصحابة ‪‬‬
‫ل انتقاد من العلماء‪ ،‬قال العلمة ابن القيم‪)) :‬وما أدري بأي طريق‬ ‫كان مح ّ‬
‫عد ّ ابن حزم معهم الغامدية وماعزا ً(( أي من المجتهدين‪ ،‬وقال العلمة‬
‫من تروى عنهم إل‬‫الحجوي في ))الفكر السامي(()‪)) :(341 :1‬وفي ذكر َ‬
‫المسألة والمسألتان نظر((‪ .‬وهذا موافق لما نقل عن مسروق ‪ ‬قال‪:‬‬
‫))شافهت أصحاب رسول الله‪ ‬فوجدت علمهم انتهى إلى هؤلء الستة‪:‬‬
‫ي وأبي الدرداء وزيد بن ثابت ‪ ((‬في ))طبقات‬ ‫عمر وعلي وعبد الله وأب ّ‬
‫الفقهاء(( للشيرازي )ص ‪.(26‬‬
‫كائنا ً من كان‪ ،‬وإن كانت منزلة الصحابة ‪ ‬في الصحبة‬
‫عظيمة القدر جدا ً((‪.‬‬
‫‪ .2‬بّين حال داود إمام مذهب الظاهر فقال)‪)) :(57‬انتحل‬
‫القول بالظاهر‪ ،‬ونفى القياس في الحكام قول ً واضطر إليه‬
‫ل‪ ...‬وقد جرأ داود العامة على ما ل قبل لهم‬ ‫فعل ً فسماه دلي ً‬
‫به من أخذ الحكام مباشرة من الكتاب والسنة حيث حرم‬
‫التقليد‪.((...‬‬
‫‪ .3‬تعرية حال ))المحّلى(( إذ قال ‪)) :‬وإن ))المحّلى(( لبن‬
‫(‬ ‫‪58‬‬‫)‬

‫حزم الظاهري يعرض فيه رأيه ويذكر آراء الخرين لدفعها؛ إذ‬
‫أنه يستند إلى أصول لنفسه في استنباط الحكام‪ ،‬وإن كان‬
‫فيها ما فيها عند أهل النظر‪ ،‬مع العلم أن لهل العلم صولت‬
‫وجولت في دحض كلمه وبيان حاله‪.‬‬
‫وقد أطال النفس في الرد عليه أبو بكر بن العربي في‬
‫))القواصم والعواصم((‪ ،‬والحافظ اللبلي الندلسي في ))فهرسته((‪،‬‬
‫وأبو الوليد الباجي كما هو مشهور‪ ،‬ومن الكتب المؤلفة في الرد‬
‫عليه ))النواهي عن الدواهي(( لبي بكر بن العربي‪ ،‬و))الغرة في‬
‫الرد على الدرة(( له‪ ،‬و))المعلى في الرد على المحلى(( لبي‬
‫الحسين محمد زرقون الشبيلي‪ ،‬و))القدح المعلى في الكلم على‬
‫بعض أحاديث المحلى(( للحافظ قطب الدين الحلبي‪...‬‬
‫ومما يؤسف له جد السف أن تطبع كتب مثل ابن حزم من‬
‫غير أن يهتم بطبع الكتب المؤلفة لنقد أباطيله‪ ،‬وهذا ل يستساغ‬
‫في بلد لم يحرم الشراف العلمي على شؤون العلم ولم يفقد‬
‫حراسة الشرع من أن يعبث به الجهلة الغمار‪ ،‬فهل تفريق كلمة‬
‫المسلمين وتشتيت اتجاههم في مصلحة أحد سوى أعدائهم؟‬
‫من ل يهول ول يغالط بملء شدقيه‬ ‫وليس بين المبتدعة والشذاذ َ‬
‫ق‬
‫في مزاعمه‪ ،‬فأنى للعامة بل لكثير من الخاصة أن يميزوا الح ّ‬
‫من الباطل من بين أقواله((‪.‬‬
‫‪ .4‬تحقيقه لكتاب ))النبذ في أصول الفقه الظاهري(( لبن‬
‫حزم‪ ،‬والتعليق عليه بما يظهر حقيقة الصول التي يعتمد‬
‫عليها الظاهر‪ ،‬ويبّين عوارها‪.‬‬
‫دثه عن الصول العامة التي‬ ‫السادس عشر‪ :‬تح ّ‬
‫اعتمد عليها أئمة المذاهب في استنباط الحكام ل‬
‫ده لكلم‬ ‫سيما علماء المذهب الحنفي‪ ،‬ودفاعه عنها‪ ،‬ور ّ‬
‫المخالفين لها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ ()57‬في ))مقدمة النبذ في أصول الفقه الظاهري(()ص ‪.(3‬‬


‫‪ ()58‬في ))الشفاق(()ص ‪.(57-55‬‬
‫‪ .1‬عدم شذوذ الرواية عن الصول‪ ،‬قال المام‬
‫الكوثري)‪)) :(59‬ومن شروط قبول الخبار عند الحنفية مسندة‬
‫كانت أو مرسلة‪ :‬أن ل تشذ ّ عن الصول المجتمعة عندهم‪،‬‬
‫وذلك أن هؤلء الفقهاء بالغوا في استقصاء موارد النصوص‬
‫من الكتاب والسنة‪ ،‬وأقضية الصحابة ‪ ‬إلى أن أرجعوا‬
‫النظائر المنصوص عليها‪ ،‬والمتلقاة بالقبول إلى أصل تتفرع‬
‫هي منه‪ ،‬وقاعدة تندرج تلك النظائر تحتها‪ ،‬وهكذا فعلوا في‬
‫موا الفحص والستقراء‪ ،‬فاجتمعت‬ ‫النظائر الخرى‪ ،‬إلى أن أت ّ‬
‫عندهم أصول ـ موضع بيانها كتب القواعد والفروق ـ‬
‫دت الخبار عن تلك‬ ‫يعرضون عليها أخبار الحاد‪ ،‬فإذا ن ّ‬
‫ذت‪ ،‬يعدونها مناهضة لما هو أقوى ثبوتا ً منها‪،‬‬ ‫الصول وش ّ‬
‫وهو الصل المؤصل من تتبع موارد الشرع الجاري مجرى‬
‫خبر الكافة((‪.‬‬
‫)‪(60‬‬
‫‪ .2‬الخذ بالستحسان عند الحنفية؛ إذ قال ‪)) :‬ظن‬
‫أناس ممن لم يمارس العلم‪ ،‬ولم يؤت الفهم‪ ،‬أن‬
‫الستحسان عند الحنفية هو الحكم بما يشتهيه النسان‪،‬‬
‫ن حزم في أحكامه بأنه ما‬ ‫سره اب ً ُ‬‫ويهواه ويلذه‪ ،‬حتى ف ّ‬
‫اشتهته النفس ووافقها‪ ،‬خطأ أو صوابًا!!‬
‫لكن ل يقول بمثل هذا الستحسان فقيه من الفقهاء‪ ،‬فلو‬
‫كان هذا مراد الحنفية بالستحسان‪ ،‬لكان للمخالفين ملء الحق‬
‫في تقريعهم والرد ّ عليهم‪ ،‬إل أن المخالفين ساءت ظنونهم‪،‬‬
‫جهوا سهاما ً إليهم‪ ،‬ترتد إلى أنفسهم‪ ،‬وذلك‬ ‫وطاشت أحلمهم‪ ،‬فو ّ‬
‫لتقاصر أفهامهم عن إدراك مرامهم‪ ،‬ودقة مدرك هذا البحث في‬
‫حد ذاته‪.‬‬
‫وليس بين القائلين بالقياس من ل يستحسن بالمعنى الذي‬
‫يريده الحنفية‪ ،‬وهذا الموضع ل يتسع لذكر نماذج من مذاهب‬
‫الفقهاء‪ ،‬في الخذ بالستحسان‪ ،‬وإبطال الستحسان ما هو إل‬
‫سبق قلم من المام الشافعي‪ ،‬فلو صحت حججه في إبطال‬
‫الستحسان‪ ،‬لقضت على القياس الذي هو مذهبه‪ ،‬قبل أن يقضي‬
‫على الستحسان‪.‬‬
‫ومن الحكايات الطريفة في هذا الباب‪ ،‬ما يروى عن إبراهيم‬
‫بن جابر‪ ،‬أنه لما سأله أحد كبار القضاة في عهد المتقي لله‬
‫العباسي‪ ،‬عن سبب انتقاله من مذهب الشافعي إلى مذهب أهل‬
‫ل‪ :‬إني قرأت إبطال الستحسان للشافعي‪،‬‬ ‫الظاهر‪ ،‬جاوبه قائ ً‬
‫فرأيته صحيحا ً في معناه‪ ،‬إل أن جميع ما احتج به في إبطال‬
‫‪ ()59‬في ))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(298‬‬
‫‪ ()60‬في ))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(292-291‬‬
‫الستحسان هو بعينه يبطل القياس‪ ،‬فصح به عندي بطلنه‪ ،‬كأنه‬
‫لم يرد أن يبقى في مذهب يهد ّ بعضه بعضًا‪ ،‬فانتقل إلى مذهب‬
‫يبطلهما معًا!!‬
‫لكن القياس والستحسان كلهما بخير‪ ،‬لم يبطل واحد منهما‬
‫بالمعنى الذي يريده القائلون بهما‪ ،‬بل الخلف بين أهل القياس‬
‫في الستحسان‪ ،‬لفظي بحت((‪ ،‬وتمام المقصود من الستحسان‬
‫فصلته في ))المدخل((‪ ،‬و))سبيل الوصل((‪.‬‬
‫‪ .3‬نقض دعوى بعضهم أن الحنفية يردون خبر‬
‫الحاد إذا عارض القياس؛ إذ قال)‪)) :(61‬وأما رد خبر الحاد‬
‫الصحيح إذا خالف القياس فافتراء على أبي حنيفة ‪ ‬أن‬
‫يكون هذا من أصلوه‪ ،‬بل ل يأخذ بالقياس أص ً‬
‫ل‪ ،‬إل إذا لم‬
‫يجد الحكم في كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين‪.‬‬
‫نعم إن أبا حنيفة ‪ ‬درس موارد الشرع حتى اجتمع عنده‬
‫ده‬‫أصول‪ ،‬فيعرض خبر الحاد على تلك الصول‪ ،‬فإذا خالفها يع ّ‬
‫شاذا ً خارجا ً على نظائره في الشرع فيضاعف النظر ليحكم‬
‫حكمه في الخبر((‪.‬‬
‫ل الخذ‬ ‫ك أن إغفا َ‬ ‫ش ّ‬ ‫‪ .4‬قبول المرسل؛ إذ قال ‪)) :‬ول َ‬
‫(‬ ‫‪62‬‬‫)‬

‫ك لشطر‬ ‫بالمرسل ـ ول سيما مرسل كبار التابعين ـ ت َْر ٌ‬


‫سّنة‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫كة المتداولة بين‬ ‫قال المام أبو داود في رسالته إلى أهل م ّ‬
‫أهل العلم بالحديث‪ :‬وأما المراسيل‪ ،‬فقد كان يحتج بها العلماء‪،‬‬
‫فيما مضى‪ ،‬مثل سفيان الثوري‪ ،‬ومالك بن أنس‪ ،‬والوزاعي حتى‬
‫جاء الشافعي‪ ،‬فتكّلم فيه‪.‬‬
‫وقال المام الطبري‪ :‬لم يزل الناس على العمل بالمرسل‪،‬‬
‫وقبوله‪ ،‬حتى حدث بعد المئتين القول برده‪.‬‬
‫وفي كلم ابن عبد البر ما يقتضي أن ذلك إجماع‪.‬‬
‫من يحاسب‬ ‫ومناقشة من ناقشهم بأنه يوجد بين السلف َ‬
‫بعض من أرسل محاسبة غير عسيرة‪ ،‬مناقشة في غير محلها؛‬
‫لن تلك المحاسبة إنما هي من عدم الثقة بالراوي المرسل‪ ،‬كما‬
‫ترى مثل هذه المحاسبة في حق بعض المسندين‪ ،‬فإذن ليست‬
‫المسألة مسألة إسناد وإرسال‪ ،‬بل هي مسألة الثقة بالراوي‪.‬‬
‫والمام الشافعي‪ ،‬لما رد ّ المرسل‪ ،‬وخالف من تقدمه‬
‫جة مطلقًا‪ ،‬إل مراسيل‬ ‫اضطربت أقواله‪ ،‬فمرة قال‪ :‬إنه ليس بح ّ‬
‫طر إلى رد ّ مراسيل ابن المسّيب نفسه في‬ ‫ابن المسّيب‪ ،‬ثم اض ّ‬
‫مسائل‪ ،‬ثم إلى الخذ بمراسيل الخرين‪ ،‬ثم قال‪ :‬بحجية المرسل‬
‫‪ ()61‬في ))إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق(()ص ‪.(41‬‬
‫‪ ()62‬في ))مقدمة نصب الراية(()ص ‪.(298-297‬‬
‫عند العتضاد؛ ولذلك تعب أمثال البيهقي في التخلص من هذا‬
‫الضطراب‪ ،‬وركبوا الصعب‪ ،‬وفي مسند الشافعي نفسه مراسيل‬
‫كثيرة‪ ،‬بالمعنى العم الذي هو المعروف بين السلف‪ ،‬وفي موطأ‬
‫مالك نحو ثلثمائة حديث مرسل‪ ،‬وهذا القدر أكثر من نصف‬
‫ل في كتبه‬ ‫مسانيد الموطأ‪ .‬والبخاري نفسه تراه يستد ّ‬
‫بالمراسيل‪ ،‬وكذا مسلم في المقدمة‪ ،‬وجزء الدباغ((‪.‬‬
‫وقال)‪)) :(63‬وقد احتج بالمرسل أبو حنيفة وأصحابه ومالك‬
‫وأصحابه‪ ،‬وكذا الشافعي وأحمد وأصحابهما إذا اعتضد بمسند آخر‬
‫ل على تعدد المخرج أو‬ ‫أو مرسل آخر بمعناه عن راوٍ آخر فيد ّ‬
‫وافقه قول بعض الصحابة ‪ ‬أو إذا قال به أكثر أهل العلم‪ ،‬فإذا‬
‫ل على صحة المرسل((‪.‬‬ ‫وجد أحد هذه الربعة د ّ‬
‫‪ .5‬الخذ بالجماع الذي يقول به الفقهاء؛ إذ له‬
‫كلم طويل في تأييد حجيته ورد ّ دعوى تركه وعدم الخذ به‪،‬‬
‫ومن ذلك قوله)‪)) :(64‬ألم يعلم هذا المتقول أن حجية الجماع‬
‫دوه ثالث الدلة‪ ،‬حتى‬ ‫مما اتفق عليه فقهاء المة جميعا ً وع ّ‬
‫إن الظاهرية على بعدهم من الفقه يعترفون بحجية إجماع‬
‫الصحابة‪.((...‬‬
‫السابع عشر‪ :‬إرشاده إلى أن الخذَ بالفقه‬
‫السلمي بحّلته النضرة التي هو عليها الساس في‬
‫نهوض المة إلى مصاف المم المتقدمة‪ ،‬إذ قال)‪)) :(65‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ة‬
‫ث فاخٌر لهذه المة‪ ،‬تستعلي به عن الحكام ِ الوضعي ِ‬ ‫ه ُترا ٌ‬
‫الفق َ‬
‫ض عنه ومال إلى أوضاع‬ ‫َ‬
‫من أعر َ‬ ‫ح شؤوِنهم الدينيةِ و َ‬ ‫في إصل ِ‬
‫الّناس في تقويم ِ الود وانتظر منها المدد‪ ،‬فهو في سبيل القضاء‬
‫شرعّية‬ ‫على الغرة السلمية بسعيه في البتعاد عن الحكام ال ّ‬
‫ب‬‫سّنة‪ ،‬فتكون عاقبة أمره وضعَ رقا ِ‬ ‫المستنبطة من الكتاب وال ّ‬
‫مةٍ ل ترعى‬ ‫المسلمين تحت نير المستعمرين‪ ،‬واندماجهم في أ ّ‬
‫لهذه المة إل ً ول ذمة((‪.‬‬
‫الثامن عشر‪ :‬إنصافه واعتداله في الثناء على‬
‫علماء أهل السنة ونقدهم‪ ،‬وذلك من خلل تقديمه‬
‫عصارة تجربته العلمية الفريدة في قراءة مصنفاتهم‬
‫وفهم عباراتهم وبيان حال مؤلفاتهم وكلماتهم؛ ليكون‬
‫القارئ على بصيرة بها‪.‬‬
‫ن أنه‬‫وبعض الناس ل يعجبه نقد الكوثري للعلماء‪ ،‬ويظ ّ‬
‫من لم يدقق النظر‪ ،‬فإنه‬ ‫متحامل عليهم‪ ،‬وهذا في ظني كلم َ‬

‫‪ ()63‬في ))هامش شروط الئمة الخمسة(()ص ‪.(65‬‬


‫‪ ()64‬في ))الشفاق(()ص ‪.(73‬‬
‫‪ ()65‬في ))مقدماته‪ :‬مقدمة الغرة المنيفة(()ص ‪.(449‬‬
‫يثني على العالم فيما يستحقّ الثناء‪ ،‬وينتقده فيما يستحق النقد‪،‬‬
‫وهذا من تمام أمانته ودّقته وعلمّيته العالية‪ ،‬وأمثاله في ذلك قّلة‪.‬‬
‫ومن هاهنا يفهم كلمه مع ابن تيمية وابن القيم والشوكاني‬
‫وابن حزم واللكنوي والدهلوي والمرجاني‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬قوله)‪ (66‬عن اللكنوي‪)) :‬اللكنوي أعلم أهل عصره‬
‫بأحاديث الحكام…إل أن له بعض آراء شاذة‪ ،‬ل تقبل في‬
‫هب‪ ،‬واستسلمه لكتب التجريح من غير أن يتعّرف‬ ‫مذ َ‬‫ال َ‬
‫دخائلها‪ ،‬ل يكون مرضيا ً عند من يعرف ما هنالك((‪ .‬وإنني‬
‫صصت في الماجستير في اللكنوي ودرست كتبه‪ ،‬فوجدت‬ ‫تخ ّ‬
‫هذا القول من المام الكوثري‪ ،‬عين الحقّ في وصف علم‬
‫اللكنوي‪ ،‬فلله دره من إمام‪.‬‬
‫‪ .2‬قوله)‪ (67‬عن الدهلوي‪)) :‬الحبر الهمام الشيخ أحمد بن‬
‫عبد الرحيم الدهلوي‪ ،‬كثر تعرضه لمباحث الجتهاد وتاريخ‬
‫الفقه في كتبه باندفاع وجرأة‪ ،‬على كدورة في تفكيره‪،‬‬
‫كم في تصويره مع ضيق دائرة اطلعه على كتب‬ ‫وتح ّ‬
‫المتقدمين وقّلة دراسته لحوال الرجال وتاريخ العلوم‬
‫والمذاهب مسترسل ً في خيال أدى به إلى الشطط في كثير‬
‫من بحوثه وتقريراته‪.‬‬
‫وكتبه لها روعة وفيها فوائد بيد أن له فيها انفرادات ل تصح‬
‫متابعته فيها لما عنده من اضطراب فكري ينأى به عن الصابة‬
‫في تحقيق الموضوع‪ ،‬ويشطح به التابع من المتبوع‪ ،‬وفي كثير‬
‫صل لها عند أهل‬ ‫من الحوال تجد عنده عبارات مرصوصة ل مح ّ‬
‫التحصيل‪ ،‬فأشير هنا إلى منشأ هذا الضطراب الفكري عنده‬
‫من لم يدرس حياته على بّينة من أمره‪ ،‬وأما التوسع في‬ ‫ليكون َ‬
‫بيان ما في انفراداته من الشطط فيحتاج إلى تفرغ خاص‪.‬‬
‫وله رحمه الله خدمة مشكورة في إنهاض علم الحديث في‬
‫الهند‪ ،‬لكن هذا ل يبيح لنا السكون عما ينطوي عليه من أعمال‬
‫تجافي الصواب((‪.‬‬
‫وفي هذه العبارة بيان منه للسبب الداعي له للثناء والنتقاد‬
‫للعلماء‪ ،‬وإنزالهم منزلتهم العلمية التي يستحقونها‪.‬‬

‫‪ ()66‬في ))المقدمات(()ص ‪ .(333‬وللكوثري نقد اللكنوي في‬


‫))النكت الطريفة(( في مواضع‪ ،‬انظر مسألة النتفاع‬
‫بالمرهون رقم ‪ ،34‬ومسألة الوتر على الرحالة رقم ‪ ،88‬في‬
‫حين أنه أحال القارئ عليه في بعض المسائل وأشاد به‪،‬‬
‫انظر مسألة اغتيال ناكح المحارم رقم ‪.31‬‬
‫‪ ()67‬في ))حسن التقاضي(()ص ‪.(96-95‬‬
‫والة في‬ ‫‪ .3‬قوله)‪ (68‬في المرجاني‪)) :‬العلمة الن ّ‬
‫ظار‪ ،‬الج ّ‬
‫حاثة المغوار‪ ،‬الفقيه‬‫فيافي البحوث والنظار‪ ،‬العالم الب ّ‬
‫الصولي المتكلم المؤرخ الشيخ شهاب الدين بن بهاء الدين‬
‫المرجاني‪ ...‬كان له صولت وجولت في العلم‪ ،‬وبعض شذوذ‬
‫في الفهم‪ ،‬مغمور في بحر إجادته لكثير من البحوث المهمة‪،‬‬
‫مما يهم علماء هذه المة‪ ،‬وكان ل يتقيد في اللغة‬
‫بالمسموع‪ ،‬بل كان يطلق عنان قلمه كما يشاء في كل‬
‫موضوع‪.((...‬‬
‫وفيما ذكر كفاية فيما قلته في حقه من العتدال والنصاف‪،‬‬
‫وخصصت التمثيل بعلماء من الحنفية ليكون القارئ على بصيرة‬
‫في أن نقد الكوثري لم يكن مقتصرا ً على علماء المذاهب‬
‫من‬ ‫ل َ‬‫الخرى‪ ،‬وإنما شمل علماء مذهبه‪ ،‬وهذا هو ديدنه في ك ّ‬
‫يذكره‪ ،‬وبذلك تسقط الدعاوى العريضة عليه في تعصبه على‬
‫علماء غير مذهبه‪.‬‬
‫ده لما وقع في كتب الجرح‬ ‫التاسع عشر‪ :‬ر ّ‬
‫والتعديل من التهجم على إمام الفقهاء أبي حنيفة‪،‬‬
‫بإقامة الحجج والبراهين الدالة على بطلن ذلك‪ ،‬حتى ل يتمسك‬
‫بها أهل الهواء في نقض فقه هذا المذهب العظيم‪ ،‬اغترارا ً‬
‫بظاهر العبارات في هذه الكتب من بعضهم لوجود التعصب‬
‫المذهبي‪ ،‬وقد استوفيت الكلم في تحرير ذلك في ))إمام الئمة‬
‫الفقهاء((‪.‬‬
‫وقد أفرد المام الكوثري تصانيف مستقلة في بيان ذلك‪،‬‬
‫دي في كامل ابن عدي((‪ ،‬و))نقد كتاب‬ ‫منها‪)) :‬إبداء وجوه التع ّ‬
‫الضعفاء للعقيلي((‪ ،‬ونقتصر هاهنا بالتمثيل على رد ّ المام الكوثري‬
‫بعبارات يسيرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫عدي في طعنه في المام أبي حنيفة‪:‬‬ ‫‪ .1‬قال)‪ (69‬عن ابن َ‬
‫عدي على بعده عن الفقه والنظر والعلوم‪ ،‬طويل‬ ‫))وكان ابن َ‬
‫اللسان في أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬وثم لما اتصل بأبي جعفر‬
‫الطحاوي وأخذ عنه تحسنت حاله يسيرًا‪ ،‬حتى ألف مسندا ً‬
‫في أحاديث أبي حنيفة((‪.‬‬
‫ده على العقيلي في تضعيفه للمام أبي حنيفة فقال‪:‬‬ ‫‪ .2‬ر ّ‬
‫))إن ابن الدخيل المصري )ت‪388‬هـ( صاحب العقيلي وراويته‬
‫ألف كتابا ً في مناقب أبي حنيفة ردا ً على العقيلي في تهجمه‬
‫على أبي حنيفة‪ .‬فسمعه حكم بن المنذر من ابن الدخيل‬

‫‪ ()68‬في ))حسن التقاضي(()ص ‪.(95‬‬


‫‪ ()69‬في ))التأنيب(()ص‪ (169‬عن ))أبي حنيفة النعمان(()ص‪.(241‬‬
‫بمكة‪ ،‬وسمعه منه ابن عبد البر‪ ،‬فساق غالب ما فيه في‬
‫المناقب في ترجمة أبي حنيفة من ))النتقاء((‪.‬‬
‫وإنما حمل ابن الدخيل على تأليف ذلك الكتاب تورعه عن‬
‫حمل تبعة ما كتبه العقيلي في ترجمة أبي حنيفة في كتاب‬
‫الضعفاء له‪ ،‬الذي كان ابن الدخيل انفرد بروايته عن العقيلي‪.‬‬
‫وابن الدخيل ليس من أهل مذهبه حتى يظن به أنه تحّيز له‪،‬‬
‫وقد ذكر فيه جملة ممن أثنى على أبي حنيفة‪ ،‬وليس ابن عبد‬
‫البر ول الحكم بن المنذر‪ ،‬ول ابن الدخيل ممن يرمون برواية غير‬
‫المحفوظ في مناقب أبي حنيفة بوسيلة من الوسائل‪ ،‬وأحوالهم‬
‫في المانة والحفظ معروفة‪ ،‬وليسوا من أهل مذهبه حتى يتوهم‬
‫فيهم النحياز له(()‪.(70‬‬
‫ده على ابن حبان في تضعيفه للمام أبي حنيفة لفرط‬ ‫‪ .3‬ر ّ‬
‫)‪(72‬‬
‫جر ‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫وابن َ‬ ‫)‪(71‬‬
‫ي‬
‫هب ّ‬‫تعصبه‪ ،‬الذي قال فيه الحافظان الذ ّ َ‬
‫حّبان ربما جرح الثقة حتى كأنه ل يدري ما يخرج من‬ ‫))ابن ِ‬
‫ل ما‬ ‫رأسه((‪ ،‬فقال‪)) :‬والكلم في ابن حبان طويل الذيل‪ ،‬وأق ّ‬
‫قيل فيه‪ :‬قول ابن الصلح‪ :‬غلط الغلط الفاحش في تصّرفه‪،‬‬
‫ووصفه الذهبي بالتشغيب والتشنيع‪ ،‬ومما يؤخذ أنه قد ذكر‬
‫في كتاب ))الثقات(( خلقا ً كثيرًا‪ ،‬ثم أعاد ذكرهم في‬
‫))المجروحين((‪ ،‬وادعى ضعفهم‪ ،‬وذلك من تناقضه وغفلته‪،‬‬
‫وكثيرا ً ما تراه يذكر الرجل الواحد في طبقتين متوهما ً كونه‬
‫رجلين‪.‬‬
‫وطريقته في التوثيق من أوهن الطرق‪ ،‬وإن سبقه في ذلك‬
‫شيخه ابن خزيمة‪ ،‬وهو جد عريق في التعصب‪ ،‬جامع بين التعنت‬
‫البالغ والتساهل المرذول في موضع وموضع‪.(73)((...‬‬
‫ده على الُبخاري في كلمه مع أبي حنيفة‪ ،‬فقال)‪:(74‬‬ ‫‪ .4‬ر ّ‬
‫قه على فقهاء بخارى من‬ ‫))كان البخاري نظر في الرأي وتف ّ‬
‫أهل الرأي‪ ،‬ومن أوائل شيوخه‪ :‬أبو حفص الكبير ‪ ،‬ولما‬
‫رحل البخاري وعاد إلى بخارى‪ ،‬حسده علماء بلده ‪ ،‬شأن كل‬
‫م منه‪ ،‬حتى أمسكوا له‬ ‫من يرتحل للعلم ويعود إلى أهله بالج ّ‬
‫فتوى كان أخطأ فيها‪ ،‬فأخرجوه من بخارى بسببها‪ ،‬وأبو‬

‫‪ ()70‬ينظر‪)) :‬هامش النتقاء(()ص ‪ ،(188-187‬و))التأنيب(()ص ‪ ،(33‬و))فقه‬


‫أهل العراق(()ص ‪ 53‬و ‪ ،(83‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ ()71‬في ))الميزان(()‪.((274 :1‬‬
‫‪ ()72‬في ))القول المسدد(()ص ‪.(33‬‬
‫‪ ()73‬ينظر‪)) :‬تأنيب الخطيب(()ص‪.(146‬‬
‫‪ ()74‬في ))حسن التقاضي(()ص‪.(89-86‬‬
‫صة في‬ ‫حفص الصغير ـ ولد أبي حفص الكبير ـ هو صاحب الق ّ‬
‫إخراج البخاري من بخارى‪.‬‬
‫فلما أخرجوه من بخارى بسبب تلك الفتوى انقلب عليهم‪،‬‬
‫وجرى بينه وبينهم ما جرى كما سبق للبخاري مثيله مع المحدثين‬
‫دد نحوهم في كتبه‪ ،‬مما هو من‬ ‫في نيسابور‪ ،‬فأخذ يبدي بعض تش ّ‬
‫قبيل نفثة مصدور‪ ،‬ل تقوم بها الحجة‪ ،‬ويرجى عفوها له ولهم‪،‬‬
‫سامحهم الله تعالى((‪.‬‬
‫العشرون‪ :‬بيانه لمخالفات وشواذّ العلماء‬
‫المخالفين لما عليه أهل السنة من الحقّ‪ ،‬حتى ل يغتّر بها‬
‫ص‬‫مغتٌر فيأخذ بها‪ ،‬وهذا ما تطفح به مؤّلفاته وتحقيقاته‪ ،‬حتى خ ّ‬
‫مؤلفاته بالتنبيه على ذلك‪ ،‬منها‪)) :‬البحوث الوفّية في مفردات ابن‬
‫قب الحثيث لما ينفيه ابن تيمية من الحديث((‪ ،‬و))رفع‬‫تيمية((‪ ،‬و))التع ّ‬
‫الريبة عن تخّبطات ابن قتيبة((‪ ،‬و))صفعات البرهان على صفحات‬
‫العدوان(( في الرد على محب الدين الخطيب‪ ،‬وله كلم طويل في‬
‫نقد الشوكاني والصنعاني وصديق حسن خان في شواذهم)‪.(75‬‬
‫الحادي والعشرون‪ :‬إظهاره المذاهب الفقهية‬
‫بصورة المدارس العلمية المتآخية المترابطة ل‬
‫المتنافرة المتشاحنة؛ بخلف ما يفعله كثير من‬
‫المعاصرون في تصوير المذاهب الفقهية بصورة بشعة من‬
‫التناحر والتشاجر فيما بينها من مسائل وفروع‪.‬‬
‫قال الكوثري)‪)) :(76‬فهؤلء المة كانوا كأسرة واحدة في‬
‫خدمة شرع الله ‪ ... ‬يأخذ هذا من ذاك وذاك من هذا‪... ،‬‬
‫فالئمة وكبار أصحابهم براء من مثل تلك الكاذيب‪ ،‬بل هم على‬
‫إخاء كامل‪ ،‬والتوصل بينهم أمر حاصل؛ لن ثلثي المسائل‬
‫الفقهية مسائل وفاق بينهم‪.((...‬‬
‫وأنبه القارئ الكريم أن ما ذكر في هذه العجالة ليس‬
‫استقصاء لثر المام الكوثري وتأييده للمذاهب الفقهية السنية؛‬
‫ما كان‬‫ل كتاب وكلمة كتبها تنطق بهذه الحقيقة الساطعة م ّ‬‫لن ك ّ‬
‫لها أشد ّ الثر على قراء كتبه‪ ،‬ولكن هذه إشارة إلى التنبيه على‬
‫هذا المقصد‪ ،‬ونسأل الله ‪ ‬أن نكون مما وّفق فيها‪ ،‬وصلى الله‬
‫على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين‪.‬‬

‫التوصيات‬
‫ص على‬
‫نهيب باللجنة القائمة على المؤتمر بإنشاء موقع خا ّ‬
‫النترنت للمام الكوثري يشتمل على كتبه وتراثه العظيم‬
‫‪ ()75‬ينظر‪)) :‬الشفاق(()ص ‪.(71-70‬‬
‫‪ ()76‬في مقالة ))حول فكرة التقريب بين المذاهب(()ص ‪.(211‬‬
‫دمت في هذا‬ ‫والدراسات العلمية التي كتب فيه والبحاث التي ق ّ‬
‫م نفعها إلى جميع المسلمين وطلبة العلم‬‫المؤتمر عنه؛ ليع ّ‬
‫الراغبين والباحثين الجادين‪.‬‬

‫مراجع البحث‬
‫‪)) .1‬اتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين(( للمام الزبيدي‪،‬‬
‫الطبعة المصرية‪.‬‬
‫‪)) .2‬إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق(( للكوثري‪ ،‬المكتبة‬
‫الزهرية‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪)) .3‬أدب الملء والستملء(( لعبد الكريم بن محمد السمعاني )ت‬
‫‪562‬هـ(‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت‪ .‬ط‪1401 .1‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .4‬إرغام المريد في شرح النظم العتيد لتوسل المريد(( للكوثري‪ ،‬طبع‬
‫في الستانة سنة )‪1328‬هـ(‪.‬‬
‫‪)) .5‬أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن أبي حنيفة ورواية أبي‬
‫حنيفة عن مالك(( للكوثري‪ ،‬المكتبة الزهرية‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪)) .6‬الشفاق في أحكام الطلق(( للكوثري )ت ‪1371‬هـ(‪ .‬المكتبة‬
‫الزهرية للتراث‪ .‬القاهرة‪1415 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ .7‬العلم لخير الدين الّزركلي‪ .‬بدون دار طبع‪ .‬وتاريخ طبع‪.‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫‪)) .8‬المتاع بسيرة المامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع((‬

‫للكوثري مطبعة النوار‪ ،‬سنة ‪1368‬هـ‪.‬‬


‫‪)) .9‬النتصار والترجيح للمذهب الصحيح(( ليوسف بن قزأغل‪ ،‬سبط بن‬
‫الجوزي‪) ،‬ت‪654‬هـ(‪ .‬ت‪ :‬الكوثري‪ .‬المكتبة الزهرية‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .10‬النتقاء في فضائل الئمة الثلثة الفقهاء(( لبن عبد البر‪ ،‬ت‪ :‬عبد‬
‫الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب المطبوعات السلمية بحلب‪ ،‬ط ‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫‪)) .11‬التذكرة الحمدونية(( إصدار الموسوعة الشعرية‪.‬‬
‫‪ .12‬التوضيح شرح التنقيح لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوب ّ‬
‫ي‬ ‫((‬ ‫))‬

‫)ت‪747‬هـ(‪ .‬دار الكتب العربية الكبرى‪1327 .‬هـ‪.‬‬


‫‪)) .13‬الحاوي في سيرة المام أبي جعفر الطحاوي(( للكوثري‪ ،‬المكتبة‬
‫الزهرية‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬الرد على من اتبع غير المذاهب الربعة لعبد الرحمن بن رجب‬
‫((‬ ‫))‬

‫الحنبلي )‪795-736‬هـ(‪ .‬ت‪ :‬د‪ .‬وليد بن عبد الرحمن‪ .‬دار عالم‬


‫الفوائد‪ .‬مكة المكرمة‪ .‬ط‪1418 .1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .15‬السهم المصيب في كبد الخطيب للملك المعظم أبي المظفر‬
‫((‬ ‫))‬

‫عيسى بن أبي بكر )ت‪624‬هـ(‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت‪.‬‬


‫‪)) .16‬العالم والمتعلم(( للنعمان بن ثابت‪ ،‬أبي حنيفة )ت ‪150‬هـ(‪ .‬ت‪:‬‬
‫الكوثري‪ .‬مطبعة النوار‪1368 .‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .17‬الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل المام أبي حنيفة(( لعمر‬
‫الغزنوي )ت ‪773‬هـ(‪ .‬ت‪ :‬الكوثري‪ .‬المكتبة الزهرية للتراث‪ .‬مصر‪.‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .18‬الفقه البسط(( للنعمان بن ثابت‪ ،‬أبي حنيفة )ت ‪150‬هـ(‪ .‬ت‪:‬‬
‫الكوثري‪ .‬مطبعة النوار‪1368 .‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .19‬الفكر السامي في تاريخ الفقه السلمي(( لمحمد الحسن الحجوي‬
‫الفاسي )ت‪1376‬هـ(‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1416 .1‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .20‬القول المسدد في الذب عن مسند المام أحمد(( لبن حجر‬
‫العسقلني )ت ‪852‬هـ(‪ .‬مكتبة ابن تيمية‪ .‬ط ‪1401 .1‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .21‬الكشكول(( للبهاء العاملي‪ ،‬إصدار الموسوعة الشعرية‪.‬‬
‫‪)) .22‬المحدث الفاصل بين الراوي والواعي(( لحسن بن عبد الرحمن‬
‫الرامهرمزي )ت‪360‬هـ(‪ .‬ت‪ :‬د‪ .‬محمد عجاج‪ .‬دار الفكر‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫بيروت‪1404 .‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .23‬المدخل إلى دراسة الفقه السلمي(( للدكتور صلح أبو الحاج‪ ،‬دار‬
‫الجنان‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2005 ،1‬م‪.‬‬
‫‪)) .24‬النبذ في أصول الفقه الظاهري(( لبن حزم‪ ،‬ت‪ :‬الكوثري‪ ،‬طبعة‬
‫عزت العطار‪.‬‬
‫‪)) .25‬النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي‬
‫حنيفة(( للكوثري‪ ،‬المكتبة الزهرية‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪)) .26‬إمام الئمة الفقهاء أبو حنيفة النعمان(( للدكتور صلح أبو الحاج‪ ،‬دار‬
‫الوراق‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬
‫‪)) .27‬بلوغ الماني في سيرة المام محمد بن الحسن الشيباني(( للكوثري‬
‫)‪1371-1296‬هـ( ‪ .‬المكتبة الزهرية للتراث‪1998 .‬مـ‪.‬‬
‫‪)) .28‬بلوغ السول في مدخل علم الصول(( لمحمد حسنين مخلوف‬
‫المالكي‪ .‬ت‪ :‬حسنين مخلوف‪ .‬مصطفى البابي‪ .‬ط‪1386 .2‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .29‬تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمةأبي حنيفة من الكاذيب((‬

‫للكوثري )‪1371-1296‬هـ(‪ .‬المكتبة الزهرية للتراث‪ .‬القاهرة‪ .‬ط‪.1.‬‬


‫‪1419‬هـ‬
‫‪)) .30‬تخريج أحاديث الحياء للعراقي وابن السبكي والزبيدي(( جمع محمود‬
‫الحداد‪ .‬دار العاصمة للنشر بالرياض‪ .‬ط‪1408 .1‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .31‬حسن التقاضي في سيرة المام أبي يوسف القاضي(( للكوثري‪،‬‬
‫مطبعة دار النوار‪ ،‬مصر‪1948 ،‬م‪.‬‬
‫‪)) .32‬خلصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق(( لعبد الغني النابلسي‬
‫)ت‪1143‬هـ(‪ .‬ت‪ :‬محمد نبهان الهيتي‪ .‬رسالة ماجستير في كلية‬
‫العلوم السلمية‪ .‬جامعة بغداد‪1420 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ .33‬رد ّ المحتار على الدر المختار لمحمد أمين بن عمر ابن عابدين )ت‬
‫((‬ ‫))‬

‫‪1252‬هـ(‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬بيروت‪.‬‬


‫‪)) .34‬رسالة أبي حنيفة للبتي(( للنعمان بن ثابت‪ ،‬أبي حنيفة )ت ‪150‬هـ(‪.‬‬
‫ت‪ :‬الكوثري‪ .‬مطبعة النوار‪1368 .‬هـ‪.‬‬
‫((‬‫‪)) .35‬رفع الشتباه عن مسألتي كشف الرؤوس ولبس النعال في الصلة‬
‫للكوثري )‪1371‬هـ(‪ .‬المكتبة الزهرية للتراث‪ .‬مصر‪1415 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ .36‬سبيل السنيين بالنهوض بالمسلمين للدكتور صلح أبو الحاج‪،‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫مخطوط‪.‬‬
‫‪ .37‬سنن ابن ماجه لمحمد بن يزيد بن ماجه القزويني )ت‪273‬هـ(‪ .‬ت‪:‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫محمد فؤاد عبد الباقي‪ .‬دار الفكر‪ .‬بيروت‪.‬‬


‫‪ .38‬سنن أبي داود لسليمان بن أشعث السجستاني )ت‪275‬هـ( ‪.‬ت‪:‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫محمد محيي الدين عبد الحميد‪ .‬دار الفكر‪ .‬بيروت‪.‬‬


‫‪)) .39‬شرح العقيدة الطحاوية(( لعبد الغني الميداني )ت‪1298‬هـ(‪ .‬ت‪:‬‬
‫محمد مطيع الحافظ ومحمد رياض المالح‪ .‬دار الفكر‪ .‬دمشق‪ .‬ط‪.2‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .40‬شروط الئمة الخمسة(( للحافظ الحازمي‪ ،‬ت‪ :‬الكوثري‪ ،‬مكتب‬
‫الشرف الجديدة‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪)) .41‬صفعات البرهان على صفحات العدوان(( للكوثري‪ ،‬طبع بدمشق سنة‬
‫)‪.(1348‬‬
‫‪ .42‬طبقات الفقهاء لبي إسحاق الشيرازي )ت‪476‬هـ(‪ .‬ت‪ :‬خليل‬
‫((‬ ‫))‬

‫الميس‪ .‬دار القلم‪ .‬بيروت‪ .‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬


‫‪)) .43‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري(( لبدر الدين محمدو بن أحمد‬
‫العيني )ت‪855‬هـ(‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪)) .44‬فقه السنة(( لسيد سابق‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪1409 ،8‬هـ‪.‬‬
‫‪ .45‬فقه سعيد بن المسيب للدكتور هاشم جميل‪ .‬وزارة الوقاف‬
‫((‬ ‫))‬

‫العراقية‪1974 .‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .46‬كشف الستر في فرضية الوتر(( لعبد الغني النابلسي)ت ‪1143‬هـ(‪.‬‬
‫ت‪ :‬الكوثري‪ .‬المكتبة الزهرية للتراث‪ .‬مصر‪1416 .‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .47‬لمحات النظر في سيرة المام زفر(( للكوثري )ت‪1371‬هـ(‪ .‬المكتبة‬
‫الزهرية للتراث‪ .‬مصر‪.‬‬
‫‪)) .48‬محاضرات في الفقه المقارن(( للدكتور محمد سعيد رمضان‬
‫البوطي‪ .‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬بيروت‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ .‬ط‪.2‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .49‬محقّ التقول في مسألة التوسل(( للكوثري‪ ،‬ت‪ :‬وهبي سليمان‬
‫غاوجي‪ ،‬ط ‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫‪)) .50‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(( لمل علي القاري‪ ،‬إصدار‬
‫الموسوعة الشاملة‪.‬‬
‫‪)) .51‬مشكل الثار(( لحمد بن محمد بن سلمة الطحاوي )ت‪321‬هـ(‪.‬‬
‫مجلس دائرة النظامية‪ .‬الهند‪ .‬حيدر آباد‪ .‬ط‪1333 .1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .52‬معجم المؤلفين لعمر كحالة‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ .‬بيروت‪.‬ط‪.1‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪)) .53‬مقالت الكوثري(( المكتبة الزهرية للتراث‪ .‬مصر‪1414 .‬هـ‪.‬‬
‫مام الكوثري(( )‪1371-1296‬هـ( دار الثريا‪ .‬دمشق‪ .‬ط‬ ‫‪)) .54‬مقدمات ال ِ َ‬
‫‪1997 .1‬م‪.‬‬
‫‪)) .55‬مناقب أبي حنيفة(( لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي )ت ‪748‬هـ(‪.‬‬
‫ت‪ :‬الكوثري‪ .‬المكتبة الزهرية للتراث‪1416 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ .56‬مواهب الجليل شرح مختصر خليل لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن‬
‫((‬ ‫))‬

‫المعروف بالحطاب )ت‪954‬هـ(‪ .‬دار الفكر‪ .‬بيروت‪ .‬ط‪1398 .2‬هـ‪.‬‬


‫‪ .57‬موطأ مالك لمالك بن أنس الصبحي )‪179-93‬هـ(‪ .‬ت‪ :‬محمد فؤاد‬
‫((‬ ‫))‬

‫عبد الباقي‪ .‬دار إحياء التراث العربي ‪ .‬مصر‪.‬‬


‫‪ .58‬ميزان العتدال في نقد الرجال لمحمد بن أحمد الذهبي)ت ‪748‬هـ(‪.‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫ت‪ :‬د‪ .‬عبد الفتاح أبو سنة‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت‪ .‬ط‪.1.‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬

You might also like