Professional Documents
Culture Documents
2
3
4
المطلب الثاني :مفهوم خبر الحاد وأقسامه
عند المتكلمين27.....................................
مفهوم الخبر27.................................................... :
مفهوم )الحاد(29..................................................:
مفهوم خبر الحاد34................................................
أقسام خبر الحاد عند المتكلمين36.............................
)( الماتريدية :أتبـــاع أبــي منصور محمـد بن
أحمد الماتريدي ) 333هــــ( من أئمة علماء
الكلم ،ينسب إلى )ماتريد( محلة بسمرقند
وآراء مدرسته تتفق مع الشعرية في أصل
العقيدة وتختلف معها في مسائل فرعية
جزئية معدودة ،وأكثر الماتريدية .يتعبدون في
الفقه على مذهب الحنيفة .انظر الروضة
البهية بين الشعرية والماتريدية ،الحسن بن
محمد )ابن عذبة( ص ،5طبعة دائرة المعارف
النظامية -الهند1322،هـ36....................... .
)( نهاية السول في شرح منهاج الصول ،عبد
الرحيم بن الحسن السنوي ) 772هـ( وهو
شرح للمنهاج لناصر الدين عبد الله بن عمر
البيضاوي ) 685هـ( ومعه حاشية الشيخ محمد
بخيت المطيعي 3/61طبعة عالم الكتب -
بيروت -لم يذكر سنة الطبع36.................. .
)( الصحيح :ما اتصل سنده بنقل العدل
الضابط عن مثله وسلم من شذوذ وعلة وانظر
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث،
محمد جمال الدين القاسمي ) 232هـ( 80
طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1979م41... ..
)( الحسن :ما رواه عدل خفيف الضابط متصل
السند غير معل ول شاذ وانظر حاشية لقط
الدرر على شرح متن نخبة الفكر49-48 ،
وأصول الحديث ،د-محمد عجاج الخطيب 332
طبعة دار الفكر -بيروت .1975 -وعلوم
5
الحديث ومصطلحه ،د-صبحي صالح 156 ،دار
العلم للمليين -بيروت 41................ .1981
)( الضعيف :ما لم يوجد فيه شروط الصحة ول
شروط الحسن.انظر المنهاج في شرح صحيح
ملم بن الحجاج ،أبو زكريا محي الدين يحيى بن
شرف النووي ) 1/22(676تحقيق عبد الله
أحمد أبو زينه ،طبعة دار الشعب القاهره -
1973م41.............................................
)( نخبة الفكر في مصطلح أهل الثر ص ،23
في حاشية شرحها لقط الدرر للشيخ عبد الله
بن حسين خاطر العدوي .مطبعة عبد الحميد
حنفي-مصر 1355هـ42.............................
)( انظر القاموس المحيط ،الفيروزآبادي
ث( .1/164ومختار الصحاح )حدث( 42 125 حدَ َ
) َ
)( كليات أبي البقاء ص ،152المطبعة
الميرية 1280هـ43..................................
)( علوم الحديث43.............................10 ،
)( انظر لقط الدرر ،عبد الله حسين خاطر
43.............................................23،104
)( ما نقل عن الصحابي من قوله أو فعله
يسمى الموقوف في اصطلح المحدثين .انظر
لقط الدرر 44...................................104
)( ما نقل عن التابعي من قوله أو فعله
يسمى المقطوع في اصطلح المحدثين .انظر
لقط الدرر 44...................................104
)( انظر المصدر نفسه .24وفتح الملهم . .1/2
44
)( لقط الدرر44................................32 ،
أقسام خبر الحاد عند المحدثين45..............................
الرد على شبه المخالفين67......................................
القسم الول :المصنفات التي اشتملت على أحاديث
العقائد وغيرها73...................................................:
موقف المام البخاري79........................................ :
موقف المام مسلم 84............................................
6
موقف الحافظ ابن حبان 90......................................
القسم الثاني :المصنفات التي خصصت لحاديث العقائد.. :
92
المطلب الول ما يفيده خبر الحاد97............
ل :ما يفيده الخبر بنفسه98.................................... أو ً
المسألة الولى :إذا أخبر أحد الصحابة الكرام بخبر بين يدي
خلق كثير منهم ولم يكذبوه ،وعُِلم أنه لو كان كذبا ً لعلموه،
ول حامل لهم على سكوتهم كالخوف والطمع ،يدل ذلك
على صدقه قطعًا129............................................ .
المسألة الثانية :ما يفيده الخبر المحفوف بالقرائن131... .
المسألة الثالثة :إفادة الخبر إذا وافق أصل ً في كتاب الله
عز وجل 133........................................................
المسألة الرابعة :إفادة الخبر المسلسل بالئمة139....... :
المسألة الخامسة :إفادة الخبر المخّرج في الصحيحين.... :
143
إفادة الخبر المشهور عند الحنفية148........................ :
الفرع الول :إثبات العقيدة بخبر الحاد154....................
الفرع الثاني :ما توجبه أخبار الحاد إذا لم تثبت بها العقيدة .
178
)( صحيح البخاري .(6978)6/2697وأخرجه
المام أحمد في المسند )(4087
1/429والترمذي ) 5/371 (3238وعبد الله
في السنة ) 1/264 (448وأخرجه برقم )
1/264 (489عن أبيه عن يحيى عن سفيان
عن العمش عن منصور به وجعله من قول
النبي فقال):عن عبد الله عن النبي صلى
الله عليه وسلم أن الله يمسك السموات
على إصبع قال أبي رحمه الله جعل يحيى
يشير بأصابعه وأراني أبي كيف جعل يشير
بأصابعه يضع إصبعا إصبعا حتى أتى على
آخرها( وهو مخالف لما رواه الثقات عن
يحيى ،واللوم فيه على عبد الله بن أحمد إن
صحت نسبة الكتاب إليه .وأخرجه البزار في
مسنده ) 5/182 (1779وقال):وهذا الحديث
رواه منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد
الله .وقال العمش عن إبراهيم عن علقمة
7
عن عبد الله .وأخطأ فيه عمرو بن طلحة
فرواه عن أسباط عن منصور عن خيثمة عن
علقمة عن عبد الله( والنسائي في السنن
الكبرى )6/446 (11451وقال):خالفه عيسى
بن يونس رواه عن العمش عن إبراهيم عن
علقمة عن عبد الله( ،والطبراني في
المعجم الكبير ). ..10/164 (10334) (10335
255
)( انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 392
وانظر نحوه في شروح كتاب التوحيد تحقيق
التجريد لحسن العواجي 2/565والدر النضيد
لسعيد الجندول 228والقول السديد لعبد
الرحمن بن ناصر السعدي .207وانظر أيضا ً
معارج القبول 258..........................2/783
)( نقض عثمان بن سعيد 433 ،412 ،1/399
وأخرجه عبد الله في السنة (586)1/301و
(1021) 2/454والهروي في الربعين في
دلئل التوحيد .56من طرق عن وكيع عن
سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكرسي
موضع القدمين والعرش ل يقدره إل الله عز
وجل .وخالف سلم بن جنادة الثقات من
أصحاب وكيع في لفظه فقال "الكرسي موضع
قدميه "أخرجه ابن خزيمة في التوحيد .108
وسلم بن جنادة هو أبو السائب الكوفي 254
هـ ثقة يخالف في حديثه وهذه من مخالفاته
انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 267. .4/129
)( انظر أصول السنة لبن أبي زمنين 104
والعلو للعلي الغفار 1/61واجتماع الجيوش
48وشرح العقيدة الطحاوية لبن أبي العز
1/248والتحفة المدنية في العقيدة السلفية
لحمد بن ناصر 41وقطف الثمر في بيان
عقيدة أهل الثر للقنوجي 289.........1/116
8
وانظر الحتجاج به في التنبيه والرد على أهل
الهواء والبدع للملطي 101و 112وكتب
ورسائل ابن تيمية في العقيدة 5/464والعلو
للعلي الغفار 1/128واجتماع الجيوش
161ومعارج القبول 292...................1/182
)( كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة .5/464
وانظر الدر المنثور للسيوطي 5/515وفي
بعض ماروي فيه ما يؤكد إسرائيلية أصله .منه
قولهم :أردفه جبريل حتى سمع صرير القلم
والتوراة تكتب له وقولهم :أدخل في السماء
فكلم 293.............................................
المطلب الثاني :في عصمة النبياء مما يخل
بالتبليغ322............................................
الفرع الول :في عصمة أقوالهم التبليغية323.................
الفرع الثاني :عصمة النبي في أفعاله التبليغية337..........
المطلب الثالث :في عصمة النبياء من الكذب
في ما وراء التبليغ344..............................
المطلب الرابع :ما جاء في تأثير السحر على
النبي صلى الله عليه وسلم352...................
المطلب الثاني :في أهوال القبر ونعيمه409...
المطلب الثالث :في المقام المحمود
وهوشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم القيامة 417.....................................
المطلب الرابع :في وضع الميزان يوم القيامة .
430
المطلب الخامس :في الصراط438...............
المطلب السادس :في رؤية الله عز وجل446. :
في رؤية الله عز وجل في الدار الخرة446..................
رؤية الله عز وجل في الدنيا459.................................
الخاتمة474............................................
9
المقدمة
الحمد لله الذي خلق السماوات والرض.وجعل انتفاء
الفساد عنهما دليل على وحدانيته.وأنطق هذا الكون
بآيات وجوده.والصلة والسلم على مبعوث رحمته
وجوده،وخاتم رسله وأوليائه ،سيدنا محمد صلى الله
عليه وعلى آله.
وبعد :فإن السلم عقيدة وشريعة .وأساس
السلم عقيدته التي تستوجب اللتزام بما جاء به من
عبادات وأخلق .ولما كانت العقيدة ركن الدين
وأساسه فقد تكفل القرآن الكريم ببيان أمهات
مسائل العتقاد .وجاء في السنة المطهرة الكثير من
الحاديث الواردة في مسائل العتقاد .ولو تتبعنا هذه
الحاديث لوجدناها ل تختلف عن بيان النبي صلى الله
عليه وسلم لكتاب ربه الكريم في انقسامها إلى أنواع
البيان المعروف .فبعض هذه الحاديث يشهد لما ثبت
في القرآن من غير زيادة ،وبعضها ينسجم مع ظواهر
القرآن الكريم فيدل على وجه من الوجوه التي
يحتملها لفظ الكتاب ،وبعضها يبين ويفصل ما ورد
أصله في الكتاب ،وبعضها يتحدث عن عقيدة سكت
عنها الكتاب الكريم.
وفي عصر الرسالة لم يكن ثمة تفريق من حيث
ثبوت الحجية بين ما جاء في القرآن الكريم وما أخبر
به الصادق المين محمد صلى الله عليه وسلم ،فلقد
آمن الصحابة رضوان الله عليهم بما أخبر به النبي
وبلغ .وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
ظهرانيهم يرجعون إليه في توضيح المشكل وبيان
المجمل فلم يظهر في هذا العصر نزاع في مسائل
العتقاد.
ولما التحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق
العلى كان الصحابة رضوان الله عليهم قد تلقوا
سنته المطهرة حفظا وتطبيقا ،ونقلوها إلى التابعين
10
لهم بإحسان .ولم تكن رواية أحاديث العقائد في
عصرهم مستقلة بمعزل عن باقي مواضيع الحديث
النبوي الشريف .ولما ظهرت الحاجة إلى التدوين
دونت السنة من غير عزل لما تعلق منها بالعقائد.
ولما ظهرت البدعة أفرد بعض أهل الحديث أحاديث
العقيدة بالجمع والتصنيف .وأخذت مسألة حجية
الخبار تطرح تحت الدرس بين ناف ومثبت .وكثر
الجدال في هذه المسألة وابتعد كثير من المتنازعين
فيها عن الموضوعية والعلم ،حتى وصل المر ببعض
المثبتين إلى الحتجاج ببعض الخبار المنكرة
المستشنعة الموسومة بهشاشة السند وسقامة
المتن ،يحتجون لذلك بأن حديث النبي صلى الله عليه
وسلم يجب أن يكون حجة في العقائد حتى لو كان
مرويا بتقل الحاد ،ووصل المر ببعض النافيين إلى
المشاغبة على إثبات بعض ما تناقلته المة من
مسائل العقيدة جيل عن جيل متذرعين بقولهم خبر
الحاد ل تثبت به العقيدة.
أهمية الموضوع:
مسألة الحتجاج بخر الحاد في مسائل العتقاد من
المسائل التي يتعين في عصرنا البحث فيها .فقد
سبق أنه قد انتشر في هذا العصر قولن متباينان في
هذه المسألة ،قول يجعل من آحادية الخبر ونزوله
عن رتبة التواتر بابا يتوصل به إلى النكار أو التكذيب
أو التشكيك .ويقابله قول ل يرضى بغير وجوب
العتقاد بما تضمنه خبر الحاد .ونشأ عن انتشار هذين
القولين في عصرنا غلط في فهم موقف أهل السنة
من هذه المسألة .ونبت من هذا الغلط اتهامات
وتشويه للمذهب الوسطي العلمي الذي ارتضاه أهل
السنة في التعامل مع خبر الحاد.
صحيح أن الوسطية موقع نسبي بين المغالين ،لكن
ادعاء الوسطية اليوم يسمع من كل فريق ،فمن
11
يصدق هذه الدعوى بما تتطلبه الوسطية من معانقة
الدليل والتجرد للحق والتنزه عن علئق النفس
وحظوظها ،هذه الوسطية التي تستغني بعرض
حججها العقلية والنقلية عن الخطابيات والعواطف.
هذه الوسطية التي تستغني في نقض شبه المخالفين
بالعقل والنقل عن معاول التكفير والتبديع والتضليل.
هذه هي الوسطية التي يمكن أن توحد الصف وتقطع
دابر التنازع والتناحر في هذه المسألة .وبين يدي كل
متعطش لمعرفة الحق وكل متجرد للنظر في الدلة
أقدم البحث في هذه المسألة تاركا ًَ له الحكم على
بصيرة والختيار بعد قناعة.
سبب اختيار الموضوع:
كنت أفكر في أول خطوة جادة أضع فيها أقدامي
على الطريق .أرصد من حولي تجارب إخوتي
وأقراني من طلب الدراسات العليا .جمهورهم ينصح
أن يكون عنوان البحث في تلك المرحلة حياديا تقليديا
ما أمكن ،بعيدا عن المزالق الفكرية ،ل يحتاج الباحث
فيه إلى اتخاذ رأي يكشف عن منجهه وانتمائه
الفكري حتى ل يلقي بنفسه من أول الطريق تحت
نبل المتخاصمين والمتنازعين .وطائفة من الباحثين
في هذا العصر تلتزم بمثل هذا النصح والتفضيل،
يغنيهم عن الحوض في هذه المسائل وفرة المواضيع
الفقهية النافعة التي يمكن أن تفوز بالرضا في جميع
المناهج .ويزيدهم رغبة في هذه المواضيع النافعة أن
قلب المؤمن يستنكف الخوض في مثار الفتن
والخلف.
وبعد العتراف الذاتي بسداد ذلك النصح أعرضت عن
الخذ به .لن الباحث المشفق ينظر إلى الثر الذي
أحدثه التنازع في هذه المسألة ،فيرى سيل ً من الكتب
تنطق في أول صفحاتها برمي المخالف بالتنكب عن
منهج السلف الصالح والستخفاف بالسنة المطهرة
12
والعدول عن الحتجاج بها إلى أدلة العقل .وترى هذا
السيل يتسارع منحدرا ً في اتهاماته ل يتهيب معاندة
أساطين العلم بحديث المصطفى صلى الله عليه
وسلم ممن أفنوا العمار في خدمة السنة المطهرة
وأتلفوا القدام باتباع سنن السلف الصالح رضوان
الله عليهم .هذا السيل من المؤلفات يرفع شعار
الحتجاج بحديث الحاد في العقائد ،ثم يتسارع
منحدرا ً حتى يسوق الغث والسمين من الخبار في
جملة أدلته .وتعجب وأنت ترى في هذه الدلة سقامة
متن وهشاشة سند ما كان يقبلها هذا الفريق في
ميدان الحتجاج للفضائل أوالعبادات! فما الذي
أغمض عين النقد؟ ومالذي أبدل التشدد والحتياط
الذي يليق بهذا الميدان بالتساهل الذي يليق بذلك
الميدان!
ويرجع الباحث المشفق بنظره إلى الجهة الخرى
فيرى عددا ً من المفكرين يعرض عن جملة من
أحاديث العقائد متذرعا ً بقوله :العقيدة ل تثبت بخبر
الحاد ،ل يبالي برمي مخالفه بالحرفية والحشوية.
وبعد تقليب النظر في هذين الرأيين ظهرت لي حاجة
المكتبة السلمية إلى بحث موضوعي أرخص فيه
نفسي وفكري لكشف عن المنهج الوسطي في هذه
المسألة .هذا المنهج الذي تعاقب على تشييده
أساطين العلم بالسنة والثر ،ثم أحكمه المتكلمون
الذين احترفوا التأصيل والتقعيد فصانوه عن التناقض
وحادوا به عن وجوه اعتراض المخالفين .فما أسمى
أن يغرس طالب العلم مرساة فكره عند ثوابت
الكتاب والسنة ،ثم يخوض بنفسه في مثل هذه
المزالق مدفوعا ً بالشفقة والرحمة والنصح لهذه المة
المباركة ليعود بمن زل ويرشد من ضل إلى المحجة
البيضاء .ما أنفع أن يكشف الباحث عن المنهج
الوسطي الذي يعترف بحجية السنة المطهرة ،ويبذل
13
كل جهد للنتفاع بكل ما يمكن النتفاع به من
أسانيدها .ما أنفع أن يكشف الباحث بالتطبيق العملي
عن مراتب الحتجاج بالخبار بحسب درجات ثبوتها،
ويثبت أن العدل في قبول الخبار يستلزم أن يتناسب
التشدد والحتياط مع ما يستلزمه قبول الخبر من
أحكام .ما أنفع أن يكشف الباحث عن استناد هذا
المنهج في الحتجاج ببعض الضعيف أحيانا ً وفي ترك
بعض الصحيح أحيانا ً إلى منهج علمي ثبت أصله في
منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم .وما أجوج
المة إلى بحث هذه المسألة بمنهج علمي موضوعي
يتنزه عن حظ النفس والهوى والتعصب ويتجرد
ناصحا لله ولرسوله ولهذه المة التي أضناها الشقاق
والمراء.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن ل يوفقني إل لما فيه
النصح لهذه المة وأن يلزمني فيه بما تستحقه أمة
السلم من التزام الدب وإظهار الشفقة والمحبة
حال النصح.
الجديد في هذا البحث:
ً
ل :في هذا البحث أقدم رأيا وسطيا موضوعيا أو ً
يحقق التوازن ويمل الفراغ بين المتنازعين في هذه
المسألة .هذا الفراغ الذي يعبر عنه سؤال صاحبني
من يوم اختيار الموضوع إلى يوم نشره ،وهو :هل
تختار الحتجاج بخبر الحاد أم تنكره؟ فمن أهم ما
قدمته في هذا البحث هو إظهار الغلط في هذا
السؤال .لن الجواب العلمي عن هذا السؤال ل
يمكن أن جوابا ً مختارا ً من أحد احتمالين .فالحتجاج
مراتب تبدأ بالستشهاد وتنتهي بالحكم على
المخالف بالكفر .وما ثبت بخبر الحاد على مراتب
تختلف بحسب تأييد القرآن وقوة الدللة وغيرها مما
تتفاوت فيه الحجية .وليس من الموضوعية أن
14
ُيضيق على الباحث وُيحصر في نتيجة البحث بين
خيارين ل ثالث لهما.
ثانيًا :في هذا البحث أقدم توضيحا عمليا تطبيقيا لهذا
ً ً
التفاوت في تعاملنا العلمي مع أخبار الحاد .وأوضح
بهذا التطبيق المنهج العلمي الذي يصان بهذا التوضيح
عن رميه بالتناقض مرة والستخفاف بالسنة مرة
أخرى.
منهج البحث:
استعرضت مسائل العتقاد وأدلتها في كثير من
المصنفات في العقائد على اختلف مناهجها
ومذاهبها .وحاولت في هذا الستعراض أن أحصر
مسائل العتقاد التي تستند إلى أخبار الحاد .فوقفت
على بعض المسائل التي لم يجر فيها كبير اختلف أو
نزاع ولم يترتب على النزاع فيها أمر خطير .فآثرت
تركيز البحث على المسائل التي يتضح بدراستها
اختلف المناهج العملية في المسألة ،كي ل يطول
البحث ويخرج عن أغراضه .فإذا اتضح بذلك المنهج
السليم صار يسيرا ً أن ينظر في ما تجنبته من مسائل
يمكن ردها إلى ما يتقرر بعد التأصيل والتقعيد.
خطة البحث:
قادني منهج البحث إلى التزام الخطة التية:
بدأت بعد المقدمة بفصل تمهيدي عقدت تحته مبحثا ً
في مفهوم الحتجاج في مسائل العتقاد ،ومبحثا ً
في التعريف بخبر الحاد وأقسامه عند العلماء.
وأتبعت هذا الفصل بفصل خصصته لدراسة
الحتجاج بخبر الحاد في الشريعة والعقيدة.
وعقدت تحته مبحثا ً في احتجاج الصوليين بخبر
الحاد في إثبات الحكام الشرعية ،ومبحثأ في
احتجاج المحدثين بما خرجوه من أخبار الحاد في
مسائل العتقاد ،ومبحثا ً في احتجاج المتكلمين بخبر
15
الحاد .ومبحثا ً في تخريج منهج أهل السة على
مواقف السلف الصالح
ثم ختمت الدراسة بفصل تطبيقي يبين المنهج
العلمي في الجتجاج بخير الحاد في مسائل
العتقاد.
جعلت المبحث الول من هذا الفصل مخصصا ً
للجتجاج به في اللهيات .والمبحث الثاني في
الحتجاج به في النبوات .والمبحث الثالث في
الغيبيات )السمعيات(.
ثم ذكرت في الخاتمة أهم النتائج.
16
الفصل التمهدي:
وفيه مبحثان
17
الفصل التمهدي:
المبحث الول :في مفهوم الحتجاج في
مسائل العتقاد
قبل أن نبدأ بخوض لجة هذا البحث يتعين تحديد
مفهوم الحتجاج ومفهوم العتقاد الذي جعلنا البحث
في الحتجاج بخبر الحاد مقيدا في مسائله .وسوف
نفرد بيان مفهوم )خبر الحاد( مع بيان أقسامه
مستقل لما يحتاج من تفصيل.
مفهوم الحتجاج:
َ َ
جُته أي غَلب ُْته )(1
ج ْ
ح َالحجة :هي الدليل والبرهان .و َ
َ
جِج التي أد ْل َي ْ ُ
ت بها.(2) . ح َ
بال ُ
والحتجاج :مصدر )احتج( على وزن )افتعل( وهو
يفيد معنى التخاذ .يقال :اشتويت اللحم :أي اتخذته
شواء .ويقال :امتطاه أي جعله مطية.(3).قال
جة().(4ح ّج بالشيِء اتخذه ُ حت َ ّ الزبيدي) :وا ْ
ونفهم من ظاهر اللغة أن الحتجاج عام في اتخاذ
أنواع الدلة التي تتفاوت درجاتها وتتنوع أغراضها
في سائر العلوم .فمنها ما يكون قطعيا ً في دللته
أو ثبوته ،ومنها ما يكون ظنيا ً في دللته أو ثبوته،
ومنها ما يكون مقبول ً منتجا ً في بابه مع قصوره عن
إفادة القطع في دللته أو ثبوته .ومنها ل يكون
مقبول ً بنفسه إذا استقل في إثبات المطلوب ،ولكن
يمكن النتفاع به ويصح أن يتخذ دليل ً تابعا ً لدليل
سبق العتماد عليه ،فيكون تأكيدا ً أو استشهادا ً أو
تقوية لما سبق من الدلة قبله .وكل هذا النتفاع
بهذه الدلة المتفاوتة يشمله لفظ )الحتجاج(.
()1الصحاح )1/115حجج(.
()2انظر لسان العرب ) 2/226حجج(.
()3انظر شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الستراباذي
.109 /1
()4تاج العروس )2/226حجج(.
18
وأمثلة هذا التنوع والتفاوت ل تخفى على ناظر في
جملة من العلوم.
وهذا الذي أفاده ظاهر اللغة في مفهوم الحتجاج
تقره علوم الدين أيضًا .ونضرب هنا مثال ً في علم
مصطلح الحديث .فل يخفى في هذا العلم تفاوت
مراتب الحتجاج بالخبر بحسب الباب وبحسب
موضع الخبر في الباب .فمن الخبار ما يجوز
الحتجاج به في أبواب التفسير والمغازي ول يجوز
الحتجاج به في أبواب الحلل والحرام .ومنه ما
يتخذه المصنف دليل ً في أصل الباب يستقل به في
إثبات المطلوب ،ومنه ما يتنزل به في رتبة
الحتجاج إلى رتبة إتخاذه شاهدا ً أو متابعا ً لتقوية
غيره ،ومنه ما ُيتخذه المصنف دليل ً يرفع به وهم
م الدراج عن متن. النقطاع عن سند أو يرفع به وه َ
وبالجملة فسائر درجات النتفاع بالخبار المتفاوتة
يصدق عليه عموم الحتجاج.
وفي علم العقيدة أيضا يمكن النتفاع بتفاوت
درجات ثبوت الدلة .وليس في العقل أو الشرع ما
يوقف المسلم أمام محكمة ُيتلى فيها الخبر على
مسامعه ثم ُيخير بين اتخاذه دليل ً يوجب العتقاد
بمضمونه وبين تكذيبه وإهماله .وليس من اللئق
بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن نسوي
في رتبة الحتجاج بين ما قطعنا بثبوته وما لم نقطع
بثبوته ،كما أنا بالتفاق فرقنا في رتب الحتجاج بين
ما نقله العدل الضابط وما نقله غيره من الضعفاء.
وما نبرر به انتفاعنا بنقل العدل الذي خف ضبطه
في بعض وجوه الحتجاج في علم المصطلح نبرر به
انتفاعنا في الخبر الذي لم نقطع بثبوته في علم
العقيدة .وهو الذي بررنا به من قبل انتفاعنا بنقل
بعض الضعفاء في التفسير والمغازى ونحوها.
19
وكل هذا النتفاع بهذا النقل المتفاوت مدفوع برغبة
العلماء الغيورين على الجهود التي بذلتها المة في
نقل سنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.
فاندفعوا برغبة صادقة وموضوعية راسخة يلتمسون
لكل خبر وجها ً من وجوه النتفاع به يتساوي مع
درجة ثبوته.
ونحن بالتفاق ل نسكت على من يبرر الحتجاج
بالمنكرات والواهيات باهتمامه بالسنة .ونحن
بالتفاق نجيبه بأن الغيرة على السنة توجب التفريق
بين نقل العدل ونقل غيره .وأن هذه الغيرة
المزعومة ستنقلب في مآلها وعاقبتها إلى رمي
صاحبها بما يرمي به مخالفه من الستخفاف بالسنة
المطهرة .حيث يخلط فيها ما صانه الحفاظ منها مع
ما خلطه الضعفاء فيها .وكذلك يجب علينا التفاق
على أن ننكر على من يسوي الظني بالقطعي أو
المتواتر بالحادي .ويجب علينا التفاق على النكار
على من جعل التسوية بين القطعي والظني معيارا ً
يقاس به الهتمام بالسنة .ويجب أن نوضح أن هذه
الغيرة ستنقلب في مآلها وعاقبتها إلى تفريق المة
في عقيدتها التي ينبغي أن تكون جامعة حيث يخلط
فيها ما يقطع بصحة ثبوته عن نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم مع ما ل سبيل إلى القطع بثبوته ورفع
احتمال الخطأ أو الوهم أو النسيان أو التصرف فيه
من رواته.
والعلماء المتقدمون الراسخون من القرون
المشهود لها بالخيرية وقفوا على تفاوت الخبار في
درجات ثبوتها ،وحرصوا على النتفاع بجهود المة
في نقل سنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم،
فتعاقبوا على إقامة منهج وترسيخه وصيانته
استطاعوا فيه أن ينتفعوا بالمتواتر وأن يقيموه في
موضعه الذي يتناسب مع رسوخه .ولم يتهاونوا مع
20
أو مستخف أو متهاون أو متشكك في العتقاد
بمضمونه .ثم أقاموا ما دونه من الخبار في أنسب
مقام ُتستخلص فيه غاية النتفاع به .فاستغاثوا
ببعض الخبار في رفع احتمال المجاز ،واستعانوا
ببعضها في تعيين المراد من اللفظ المشترك.
وجمعوا جملة من الخبار الظنية المختلفة
واستطاعوا أن ينتزعوا من مجموعها قدرا ً مشتركا ً
أثبتوا وجوب القطع به .وأثبتوا أن الخبار الظنية
في الغيبيات ل يجوز إهمالها وتكذيبها بل يجب أن
تقابل بدرجة من درجات التصديق تساوي درجة
ثبوتها .وفي صفات الله عز وجل نقلت أخبار
متشابهات في دللتها فلم يكذبوا الثقات من رواتها،
ولم يلقوها وراء ظهورهم ،بل سلكوا فيها ما سلكوه
في متشابه القرآن الكريم .ففوضوا العلم بالمراد
منها إلى الله عز وجل ،أو أجاوزا أن يكون المراد
منها ما تحتمله في أساليب العربية من قطع بذلك.
وكل هذا يندرج تحت ما يحتمله لفظ الحتجاج من
عموم .وسوف نسوق أمثلة لذلك كله في ثنايا
التطبيق العملي من هذا البحث.
مسائل العتقاد:
العتقاد هو رتبة من مراتب التصديق والدراك.
وأصله في اللغة من عقد الحبل ،ثم استعير في
عقد القلب على الشيء ليفيد إدراكه وحفظه في
خزانة القلب وشد القلب عليه ليصان فيه عن
()1
التفلت والتشكيك والتكذيب.
ويمكن في الصطلح تعريفه بأنه الدراك الجازم
الذي ل يقبل الشك والترديد والتكذيب.
والمتكلمون يستعملون لفظ العتقاد في الدراك
الذي يجزم صاحبه بمطابقته للواقع من غير أن
21
يقرن جزمه بدليل يثبت فيه مطابقة ما أدركه
للواقع .وربما يكون هذا العتقاد فاسدا ً إذا كان غير
مطابق للواقع مخالف للدلة القاطعة كاعتقادات
الملحدين والمشركين .ويخصون العتقاد الجازم
()1
المقترن بالدليل بلفظ العلم أو اليقين.
وعلى هذا فالمقصود بمسائل العتقاد تلك المسائل
التي أوجب فيها دين السلم أعلى درجات التصديق
الذي ل يقبل معها تكذيبا ً ول ترديدًا .وهي أركان
اليمان المذكورة في حديث جبريل عليه السلم.
أعني اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله وبالقدر
واليوم الخر.
ولما احتاج المتكلون إلى إبراز أدلة العقول في
الدفاع عن العقيدة السلمية ورد شبه الملحدين
والمشككين احتاجوا إلى توزيع هذه المسائل تحت
أبواب اللهيات والنبوات والغيبيات .وهي البواب
التي استقر اصطلحهم على جمع مسائل العتقاد
تحتها.
22
المبحث الثاني:
التعريف بخبر الحاد وأقسامه عند
العلماء.
المطلب الول:
مفهوم خبر الحاد في اللغة.
المطلب الثاني:
مفهوم خبر الحاد وأقسامه عند
المتكلمين
المطلب الثالث:
مفهوم خبر الحاد وأقسامه عند
المحدثين.
23
المبحث الثاني :التعريف بخبر الحاد
وأقسامه عند العلماء.
المطلب الول :مفهوم خبر الحاد في
اللغة.
فولفظ )خبر الحاد( يتركب من مفردتين ،مضا ٍ
ف إليه .وهو في تركيبه يدل على معنى مضا ٍ
مخصوص .وقبل التركيب تدل كل مفردة على جزء
من حقيقته .و لهذا كان ل بد في تعريفه من تعريف
كل مفردة منه على حدةٍ لنصل إلى المعنى الذي
تفيده المفردتان بعد التركيب.
خْبر بمعنى العلم
أما الخبر في اللغة فهو من ال ُ
()1
بالشيء.
)(2
وقال ابن منظور ) :الخبر ما أتاك من نبأ عمن
)(3
تستخبر عنه .و الجمع أخبار(
24
وقال الزبيدي )) :(1اعلم أن أعلم اللغة و الصطلح
)(2
قالوا:الخبر عرفا ًً ولغة :ما ينقل عن الغير(
وحاصل ما ذكره اللغويون في معاني الخبر يدور
حول المعنى الذي ذكره الزبيدي رحمه الله.
وأما الحاد في اللغة:
)(3
د( وهو أصل يدل على النفراد. ح َ
فهي من )وَ َ
وتحت هذا الصل معان :منها الحد :بمعنى الواحد،
وهو أول العدد ،ومنها الحد :فرد من المتعدد ،يقال:
جاء أحد الرجلين ،والحاد من العدد من واحد إلى
تسعة) .(4وهذا هو المراد من المعاني السابقة ،وهو
مبني على أن الحاد على وزن )أ َفَْعال( من أوزان
جمع القلة ،وإنما سمي جمع قلة لنه ل يذكر إل
)(5
حيث يراد به بيان القلة.
25
وقال ابن عقيل)) :(1وجمع القلة يدل حقيقة على
ثلثة فما فوقها إلى العشرة،وجمع الكثرة يدل على
)(2
ما فوق العشرة إلى غير نهاية(
وبهذا يتضح ما يعنيه )الخبر( وما يعنيه )الحاد(عند
اللغويين.
فالخبر ما ينقل عن الغير ،والحاد عدد دون العشرة
)(3
حقيقة ،ويستعمل مجازا فيما فوق ذلك.
وإذا أضيف الخبر إلى الحاد أريد به :ما ينقله العدد
اليسير عن الغير.
ً
أما )خبر الحاد( مركبا فهو اصطلح سيأتي شرحه
عند الكلم على مفهومه عند أهل الصطلح
المعنيين بهذا المر.
إل أنا قبل أن نغادر الكلم على هذا المفهوم اللغوي
ننبه إلى أن أهل الصطلح ل يلزمهم أن يتقيدوا
بالعدد الذي َيدل عليه صيغة جمع القلة لسببين:
الول :أنه يحق لهل الصطلح أن يتعارفوا على
تحديد عدد يزيد على العشرة .وليس في اللغة ما
يمنع ذلك.
الثاني :أن صيغة جمع القلة محصورة فيما دون
العشرة على الحقيقة ،وتستعمل مجازا ً فيما فوق
ذلك (4).فل يلزم من هذه الصيغة التقيد بعدد معين.
-والله أعلم
-
()1هو عبد الله بن عبد الرحمن )ابن عقيل( القرشي
الهاشمي ،قاضي القضاة ،نحوي الديار المصرية تفنن في
علوم القراءات والتفسير والعربية والعروض ،وكان إماما ً في
العربية والبيان ،وتكلم في الصول والفقه كلما ً حسنًا ،مات
بالقاهرة سنة ) 769هـ( ودفن بالقرب من المام الشافعي.
انظر ترجمته في بغية الوعاة ،السيوطي .48-2/47
()2المصدر نفسه .2/452
()3انظر شرح ابن عقيل .2/452
()4انظر شرح ابن عقيل .2/452
26
المطلب الثاني :مفهوم خبر الحاد
وأقسامه عند المتكلمين
جريًاعلى ما سبق في تعريف )خبر الحاد( بعد تعريف
جزء يه -الخبر والحاد -نعرض لتعريف الخبر عند
المتكلمين.
مفهوم الخبر:
استعمل المتكلمون لفظ الخبر في معنى خاص،
واختلفوا في ضبطه بعبارة تميزه عما عداه من
الكلم.
فقال جمهور المتقدمين من طوائف المتكلمين
()1
وفرقهم الخبر :كلم يحتمل الصدق والكذب.
27
واعترض عليه بخبر الله تعالى ،لنه كلم ل يحتمل
الكذب ،فل يدخل في التعريف المذكور .وعلى هذا
يكون التعريف غير جامع لفراده.
ولدفع هذا العتراض ُأدخل حرف العطف )أو( في
سر بأن المراد قبوُله لحدهما الحد بدل ً من الواو ،وفُ ّ
فأيهما وقع فهو الخبر ،ل أنه يقبل أحدهما على البهام
أو الترديد) (1المحظورين في التعاريف ،فالترديد
حاصل بين أقسام ِ المعّرف ،أي أن حرف العطف )أو(
هنا تقسيمي وليس تردديًا.
ودفع هذا العتراض أيضا ً بزيادة القيد )لذاته( فقالوا:
)(1
الخبر :كلم يحتمل الصدق والكذب لذاته
وفسر بأن المراد دخول الصدق والكذب فيه لحتماله
لهما من حيث أنه نسبة شيء إلى شيء ،مع قطع
النظر عن صدق قائله أو كذبه وإن كان مع النظر إلى
)(2
ذلك قد ل يحتمل كل ً منهما.
.1980وتيسير التحرير ،محمد أمير بادشاه الحسني الحنفي،
على كتاب )التحرير في أصول الفقه( للكمال محمد بن عبد
الواحد )ابن الهمام( السكندري الحنفي ) 861هـ( 3/340
طبعة ،البابي الحلبي ) 19332هـ( .وشرح أحمد بن قاسم
العبادي الشافعي ) 994هـ( على شرح جلل الدين محمد بن
أحمد المحلي الشافعي ) 864هـ( على الورقات في أصول
الفقه لمام الحرمين ،وهو في حاشية إرشاد الفحول إلى
تحقيق الحق من علم الصول،محمد بن علي الشوكاني)
1255هـ( - 167طبعة دار الفكر بيروت.
()1انظر المراجع السابقة والتمهيد في الرد على الملحدة
والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة ،أبو بكر محمد بن
الطيب بن الباقلني ) 403هـ(تحقيق رتشرد مكارثي
،379المطبعة الكاثوليكيةبيروت 1957م وإرشاد
الفحول،الشوكاني .43
()2انظر تيسير التحرير ،أمير بادشاه 35/24وفواتح
الرحموت ،عبد العلي محمد بن نظام الدين النصاري )1119
هـ( وهو شرح مسلم الثبوت في أصول الفقه لمحب الله ابن
عبد الشكور الحنفي .مع المستصفى الغزالي 2/102طبعة
28
ودفع هذا العتراض أيضا ً بالعدول عن )الصدق
والكذب( إلى التصديق والتكذيب فقالوا :الخبر كلم
دق المخبر وهويحتمل التصديق والتكذيب ،فقد يص ّ
)(1
كاذب ،وقد يك ّ
ذب وهو صادق.
مفهوم )الحاد(:
ويراد به عند المتكلمين :العدد من الرواة الذين ل
يوجب خبرهم العلم.
ويعنون بالعلم :اليقين العقلي الذي يوجب حصول
القطع بصدق مضمونه ،وإن تخلف عنه ذلك الحصول
بالفعل)،(2فوقع التكذيب مكابرة أو جحودا.
أو هو العدد من الرواة الذين ل يحصل بهم التواتر.
ويتبين مما سبق أن ضبط العدد المقصود يتوقف
على ضبط العدد الذي يحصل به التواتر .وهذا يحتم
علينا أن نبحث في عدد التواتر.
العدد الذي يحصل به التواتر:
اتفق المتكلمون على أن الخبر المتواتر يوجب العلم
بصدق مضمونه..
واختلفوا في العلم الحاصل بالتواتر هل هو ضروري
أو نظري ؟
فذهب الجمهور إلى أنه ضروري ،ل يفتقر إلى تركيب
الحجة.
وذهب أبو الحسين البصري من المعتزلة ،و الكلوذاني
من الحنابلة إلى أن العلم الحاصل من المتواتر نظري
29
يتوقف على مقدمات تحصل للسامع ،مثل كونه خبر
جمع ،و كونه بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب،
)(1
وكونه خبرا ً عن محسوس ،وغير ذلك
و ليس ذلك مما يحتاج إليه في أصول الفقه كما
يقول صاحب المعتمد) ،(2ولكن وجب الخوض فيه لن
القول بضرورية العلم الحاصل عن التواتر جعل من
العسير ضبط عدد معين يحصل عنده العلم ،وهذا
يفسر لنا القوال الغريبة التي ذكرها المتكلمون في
العدد الذي يحصل به التواتر حتى وصل عند بعضهم
إلى أربع عشرة مائة لنه عدد أهل بيعة الرضوان ،بل
)(3
اشترط جماعة أن ل يحويهم بلد ول يحصرهم عدد.
يقول الشوكاني ):و بالله أعجب من جري أقلم أهل
العلم بمثل هذه القوال التي ل ترجع إلى عقل ول
)(4
تقل ول يوجد بينها وبين محل النزاع جامع(......
ولما تعســر على المتكلمين ضبط عدد معين يحصل
عنده العلم قالوا :ليس للتواتر عدد محصور ول يختص
30
)(1
بعدد دون عدد
)(2
قال الغزالي في أقل عدد يحصل به العلم) :ليس
)(3
معلوما ً لنا ول سبيل لمعرفته(
وقال السرخسي)) :(4ليس لما ينعقد به التواتر معلوم
)(5
من حيث العدد(.
وقالوا :ضابط التواتر حصول العلم ،فمتى أفاد الخبر
بمجرده العلم حكم بتواتره .وإن لم يفد تعين عدم
)(6
تواتره.
()1انظر الفصول في الصول ،أحمد بن علي الرازي
الجصاص ) 370هـ( تحقيق دكتور عجيل جاسم ،3/53
الطبعة الولى ،.1985التمهيد ،الباقلني .385وإحكام
الفصول ،الباجي 245-243وشرح اللمع ،الشيرازي 2/574
الرشاد ،الجويني 415والوصول إلى الصول ،أحمد بن علي
)ابن برهان( البغدادي ) 518هـ( تحقيق عبد الحميد أبو زنيد
2/174مطبعة المعارف الرياض 1984م،والمحصول،
الرازي 381-1/2/380وإحكام المدي 2/269وكشف
السرار شرح المنار أبو البركات عبد الله بن أحمد أحمد
النسفي ) 710هـ( ،2/6طبعة دار الكتب العلمية -بيروت -
1986م.وكشف السرار ،البخاري 2/261المسودة في
أصول الفقه ،أحمد بن محمد بن أحمد الحراني
الدمشقي)ابن تيمية() 745هـ( تحقيق محمد محيي الدين
،235مطبعة المدني -القاهرة 1964 ،م.
()2هو حجة السلم محمد بن محمد أبو حامد الغزالي )
505هـ( أحد المة العلم في علم الكلم والفقه وأصوله
والتصوف وغيرها من العلوم ،وله في علم تصانيف ،انظر
العلم ،الزركلي )(7/247
()3المستصفى .1/75
()4هو القاضي أبو بكر محمد بن أحمد )شمس الئمة
السرخسي( )483هـ( من كبار الحنفية ،أشهر كتبه
)المبسوط( ،انظر ترجمته في العلم ،الزركلي ).(6/208
()5بلوغ السول في الصول ،أبو بكر محمد بن أحمد
السرخسي ) 483هـ( تحقيق أبو الوفا الفغاني ،1/294
طبعة بيروت .1973
()6انظر المراجع السابقة ،وإرشاد الفحول الشوكاني ،47
31
ويبدو لي -والله أعلم -أن في ضبط التواتر بحصول
العلم خفاًء كالخفاء في ضبط التواتر بالعدد لسببين
أولهما :أن العلم يحصل بالمتواتر وبغير المتواتر من
الخبار ،ويكون الفرق بينهما من جهة أن العلم يحصل
من المتواتر بمجرده ،وليس من الخبار ما يعلم
صدقه بمجرده إل المتواتر ،وما عداه فإنما يعلم
صدقه بدليل آخر يدل عليه سوى نفس الخبر.
فإذا حصل العلم مثل ً بخبر جمع احتف خبرهم
بالقرائن المؤيدة لثبوت الخبر تعسر التمييز هل حصل
العلم بالخبر وحده أم بالخبر والقرائن؟ لن القرائن
قد تفيد العلم بمجردها كالحمرة الطارئة على الوجه
فإنها تفيد العلم بالخجل .وإذا ثبت ذلك جاز دخول
خبر في التواتر مع أنه ليس منه.
والثاني :أن حصول العلم أمر وجداني يختلف باختلف
الحوال والوقائع ،وقد يحصل العلم لشخص دون
غيره من الشخاص ،فإذا حكمنا بتواتره بالنسبة إلى
من حصل له العلم به تعطل الستدلل بالتواترعلى
)(1
من لم يحصل له العلم به.
وإذا تعسر ضبط أقل عدد يحصل به التواتر فقد تعسر
أيضا ً ضبط عدد يكون غاية لما يعد آحادًا ،لن
المتكلمين جعلوا ما دون التواتر آحادًا ،ولم يضبطوا
التواتر بعدد معلوم ،بل جعلوا ضابطه حصول العلم
بصدق مضمونه.
إل أن من المقطوع به أن خبر الواحد والثنين
والثلثة والربعة من أخبار الحاد عند المتكلمين .يدل
على ذلك أنهم جعلوا من أقسام خبر الحاد المشهور،
وهو ما رواه ثلثة فأكثر مالم يبلغ درجة التواتر.
واستدل الباقلني) (2على أن خبر الربعة من أخبار
وحاشية العطار 2/148
()1انظر الحكام المدي 2/266
()2هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب )ابن الباقلني(
32
الحاد ل من المتواتر بأن العلم الحاصل من المتواتر
ضروري ل يحتاج إلى استدلل .وكل خبر يحتاج فيه
إلى الجتهاد في عدالة رواته وضبطهم ووثاقتهم
فليس متواترًا ،لن الضروري ل يحتاج معه إلى
استدلل .وقد دل الشرع على وجوب الجتهاد في
عدالة الشهود الربعة إذا شهدوا على أحد بالزنا) (1ولو
م أن الربعة إذا شهدوا بالزنا وقع العلم بخبرهم عُل ِ َ
-إذا كانوا صادقين -لما تعبدنا الله عز وجل بالجتهاد
في عدالتهم وبقبول شهادتهم إذا كانوا عندنا على
دها إذا كانوا فساقًا ،لننا إنما نستدل
هذه الصفة ور ّ
ونجتهد إذا لم نعلم صدق المخبر ،فأما إذا علم
صدقهم ضرورة فل معنى ول وجه للنظر والستدلل
)(2
على ما نحن إلى العلم بصحته مضطرون.
33
و بعد أن بينا مفهوم خبر الحاد بجزءيه عند
المتكلمين حان موعد بيان ما يفيده )خبر الحاد(
مركبا ً عندهم.
الفحول .47
()1الباجي :هو أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي
القرطبي الباجي المالكي ،برع في فنون الحديث والفقه
والصول والنظر ،وصنف في كل علم تصانيف كثيرة ،وولي
القضاء في أماكن عديدة ،توفي ) 474هـ( ،انظر ترجمته في
العبر ،الذهبي .2/332
()2إحكام الفصول )(235
34
كونه موافقا ً لما يعلم ضرورة ل من جهة كونه خبرا ً
فقط.
ويدخل هذا الخبر في تعريف خبر الحاد بل ريب ،لنه
ما أفاد العلم الضروري بمجرد الخبار به بل بدليل
آخر خارج عن ذلك.
التعريف الثاني:
ً
هو خبر ل يفيد بنفسه العلم سواء لم يفده أصل،أو
أفاده بالقرائن المنفصلة عنه.
)(1
اختار هذا التعريف صاحب تيسير التحرير و
الشوكاني) ،(2ونسبه إلى الجمهور .ويراد في هذا
التعريف حصر خبر الحاد في نوعين من الخبار:
النوع الول :الخبار التي ل يمكن القطع بصدق
مضمونها ،ل بنفسها ول بالدلة والقرائن المنفصلة.
و المراد بالقرائن المنفصلة صفات الخبر التي تزيد
على ما ينفك الخبر عنه عادة ،كأن يخبر الحاد بموت
إنسان ،فل يحصل العلم بمجرد إخبارهم ،لكن إذا
انضم إلى الخبر خروج ولد الميت من الدار حاسر
الرأس حافي الرجل ممزق الثياب مضطرب الحال
صفق وجهها وتضرب خديها وحولها نسوة ووالدته ت َ ْ
ً
يخففون عنها مصيبتها علم قطعا صدق ما أخبر به
)(3
الحاد مقترنا ً بهذه القرائن.
ومثل هذه الخبار التي يحصل العلم بها من الخبر
وقرائنه تدخل في التعريف السابق لنها أخبار ل تفيد
بنفسها العلم ،بل تفيده لقترانها بهذه القرائن.
النوع الثاني :الخبارالتي تفيد العلم بالقرائن
المنفصلة.
35
أقسام خبر الحاد عند المتكلمين
كثيرا ً ما يرد في أقسام خبر الحاد عند المتكلمين
ذكر "الخبر المشهور والخبر المستفيض".
وقبل الدخول في بيان مرادهم ل بد من الشارة إلى
وجود اصطلحين في تقسيم جملة الخبار
الصطلح الول :قسمة الخبار إلى متواتر ،وآحاد.
واختار هذه القسمة جمهور المتكلمين من المعتزلة
وأهل السنة من الشافعية و المالكية والحنابلة.
الصطلح الثاني :قسمة الخبار إلى متواتر ومشهور
وآحاد.
)(1
وعلى هذه القسمة اصطلح الماتريدية.
وفي تقسيم الخبار اتفق أصحاب الصطلحين في
تعريف المتواتر من الخبار.
قال السنوي من الفريق الول) :المتواتر خبر بلغت
رواته في الكثرة مبلغا ً أحالت العادة تواطؤهم على
)(2
الكذب(
1
)( الماتريدية :أتبـــاع أبــي منصور محمـد بن أحمد
الماتريدي ) 333هــــ( من أئمة علماء الكلم ،ينسب إلى
)ماتريد( محلة بسمرقند وآراء مدرسته تتفق مع الشعرية
في أصل العقيدة وتختلف معها في مسائل فرعية جزئية
معدودة ،وأكثر الماتريدية .يتعبدون في الفقه على مذهب
الحنيفة .انظر الروضة البهية بين الشعرية والماتريدية،
الحسن بن محمد )ابن عذبة( ص ،5طبعة دائرة المعارف
النظامية -الهند1322،هـ.
2
)( نهاية السول في شرح منهاج الصول ،عبد الرحيم بن
الحسن السنوي ) 772هـ( وهو شرح للمنهاج لناصر الدين
عبد الله بن عمر البيضاوي ) 685هـ( ومعه حاشية الشيخ
محمد بخيت المطيعي 3/61طبعة عالم الكتب -بيروت -
لم يذكر سنة الطبع.
36
وقال السرخسي من الماتريدية في حد التواتر) :أن
ينقله قوم ل يتوهم اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب
لكثرة عددهم وتباين أمكنتهم عن قوم مثلهم .وهكذا
إلى أن يتصل السند برسول الله صلى الله عليه
)(1
وسلم ،فيكون أوله كآخره ،وأوسطه كطرفيه(.
واختلفوا في الخبر المشهور ورتبته بين الخبار.
فجعله الجمهور قسما ً من الحاد .فالخبر عندهم
ينقسم إلى متواتر وآحاد ،والمشهور قسم من الحاد
جعله الماتريدية قسما ً بين المتواتر والحاد .ورتبوا
على ذلك أثرا وهو إفادة المشهور الطمأنينة وسكون
)(2
النفس إلى صحة صدوره عن قائله
وخالف الجصاص من الماتريدية في رتبة المشهور
ووافقهم في حده ،فجعل المشهور قسما من
المتواتر .ورتب على ذلك أثرا ً وهو دعوى إفادة
المتواتر العلم الضروري ،وإفادة المشهور العلم
(3).
النظري
والحاصل أن الخبر المشهور قسم من الحاد عند
الجمهور ،وهو رتبه بين المتواتر والحاد عند
الماتريدية ،وقسم من المتواتر عند الجصاص.
أما حد المشهور من الخبار عند الماتريدية فهو:
ما كان آحادا في الصل ثم تواتر في القرن الثاني
والثالث). (4وخلف الجصاص في إفادته ل في تعريفه.
37
واتفق جمهور المتكلمين على أن المشهور قسم
من الحاد ،واتفقوا على اعتبار عدد رواته في
تعريفه ثم واختلفوا في العدد.
فذهب جمهورهم إلى أن عدد المشهور ما زاد على
الثلثة في كل طبقاته.
قال المدي :وهو ما نقله جماعة تزيد على الثلثة
)(1
والربعة
واختار بعض المتكلمين في عدد المشهور أن يكون
)(3
ثلثة فأكثر .ومنهم النصاري ) (2والشوكاني.
وقال أبو إسحاق الشيرازي ) (4في عدد المشهور:
)أقله اثنان() (5ووافقه ابن السبكي ) (6والجلل
)(7
المحلي.
38
والمختار ما ذهب إليه الجمهور لنه اصطلح ل
مشاحة فيه فنختار اصطلح الجمهور تجنبا ً للضطراب
وتوحيدا ً للصطلح.
المستفيض:
يكثر عند جمهور المتكلمين إطلق المستفيض
والمشهور بمعنى واحد و يكثر التفريق بينهما عند
الماتريدية ويبدو لي -والله أعلم -أن من فرق بينهما
من غيرهم اعتبر فيه رأيهم .لنهم لما انفردوا في
صورة المشهور السابقة ،بعدت الشقة بين المشهور
في اصطلحهم وبين خبر الواحد .ولعلهم لحظوا أن
اصطلح الجمهور في عدد المشهور يقرب بينهما،
فاحتاجوا إلى اصطلح يميزه عن المشهور في
اصطلحهم .ومن هنا حصل الجمع والتفريق بينهما
عند المتكلمين .يدل على ذلك أنه يقع في اصطلح
الماتريدية أن المستفيض من خبر الحاد .والمعروف
في اصطلحهم أن المشهور قسم بين المتواتر
والحاد كما سبق.
قال في تيسير التحرير) :ومن خبر الحاد قسم
)(1
يسمى المستفيض :وهو ما رواه ثلثة فصاعدا.(...
ثم قال) :والمشهور ما كان آحادا ً في الصل متواترا ً
في القرن الثاني والثالث.
ه
فبين المشهور والمستفيض عموم مخصوص من وج ُ
لصدقهما على ما رواه الثلثة فصاعدا ً ما لم يتواتر
في القرن الول ،ثم تواتر في أحد القرنين
المذكورين ،وانفراد المستفيض إذا لم ينته في القرن
الثاني والثالث إلى حد التواتر .وانفراد المشهور فيما
رواه اثنان في القرن الول ثم تواتر في الثاني
.6/230
()1تيسير التحرير ،أمير بادشاه .37 /3
39
)(2
والثالث(.
40
المطلب الثالث :مفهوم خبر الحاد وأقسامه
عند المحدثين.
قسمة الخبر إلى متواتر ومشهور وآحاد قسمة عقلية
ذكرها المتكلمون أول ً ورتبوا آثارا ً على هذا التقسيم،
ثم طرحت هذه القسمة في ساحة علم الحديث فراح
المحدثون يحاولون إيجاد شواهد لها ويفندون الثار
التي رتبها المتكلمون على هذه القسمة ،وإنما يتحقق
)(1
غرض المحدثين بتقسيم الخبر إلى صحيح
وحسن) (2وضعيف (3).وهذا ظاهر في صنعة الرواية
الحديثية ونقدها .لكن بعض أهل الحديث ساير
المتكلمين في هذا التقسيم فأدخل في كتب مصطلح
الحديث ودرايته المشهور والعزيز والغريب ،وجعل
عدد الرواة هو المعتبر في هذا التقسيم .ولكن يبقى
هذا التقسيم دخيل ً على مصطلح الحديث .ويشهد
1
)( الصحيح :ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله
وسلم من شذوذ وعلة وانظر قواعد التحديث من فنون
مصطلح الحديث ،محمد جمال الدين القاسمي ) 232هـ(
80طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1979م.
2
)( الحسن :ما رواه عدل خفيف الضابط متصل السند غير
معل ول شاذ وانظر حاشية لقط الدرر على شرح متن نخبة
الفكر 49-48 ،وأصول الحديث ،د-محمد عجاج الخطيب
332طبعة دار الفكر -بيروت .1975 -وعلوم الحديث
ومصطلحه ،د-صبحي صالح 156 ،دار العلم للمليين -
بيروت .1981
3
)( الضعيف :ما لم يوجد فيه شروط الصحة ول شروط
الحسن.انظر المنهاج في شرح صحيح ملم بن الحجاج ،أبو
زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي )1/22(676
تحقيق عبد الله أحمد أبو زينه ،طبعة دار الشعب القاهره -
1973م.
41
لذلك حال كلمهم على هذا التقسيم وما وقعوا فيه
من الضطراب ومخالفة أهل الصطلح المعنيين بهذا
القسمة.
أما لفظ الخبر فقد استعمله المحدثون في اصطلح
خاص.
يقول الحافظ ابن حجر) :والخبر عند علماء هذا الفن
مرادف للحديث.
وقيل :الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه
)(1
وسلم والخبر ما جاء عن غيره(
وفي هذه العبارة الموجزة يشير الحافظ ابن حجر
إلى لفظين استعملهما المحدثون في اصطلح خاص-
أعني الخبر والحديث.-
ومن الملحظ اختلف عبارات المحدثين في العلقة
التي تربط بين هذين اللفظين ومعناهما الصطلحي.
وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في عبارته
السابقة.
وَرد ّ هذين اللفظين إلى المعنى اللغوي وتطور دللته
يسهل الوصول إلى معرفة العلقة التي تربط
الصطلحين.
أما الحديث في اللغة فمعناه الجديد ،ضد القديم،
)(2
ومعناه الخبر.
)(3
ويقول أبو البقاء ) :الحديث اسم من التحديث،
1
)( نخبة الفكر في مصطلح أهل الثر ص ،23في حاشية
شرحها لقط الدرر للشيخ عبد الله بن حسين خاطر العدوي.
مطبعة عبد الحميد حنفي-مصر 1355هـ.
2
ث( .1/164
حد َ َ
)( انظر القاموس المحيط ،الفيروزآبادي ) َ
ومختار الصحاح )حدث( 125
()3هو أيوب بن موسى الحسيني )1095هـ( كان من قضاة
42
ل أو فعل أو تقرير نسب مي به قو ٌ
س ّ
وهو الخبار .ثم ُ
)(1
إلى النبي عليه الصلة والسلم.
ويقول الدكتور صبحي الصالح) :ومعنى الخبار في
وصف الحديث كان معروفا ً للعرب في الجاهلية منذ
كانوا يطلقون على أيامهم المشهورة اسم الحاديث(.
)(2
2
)( علوم الحديث10 ،
3
)( انظر لقط الدرر ،عبد الله حسين خاطر 23،104
()4علوم الحديث ومصطلحه .10
43
كل خبر حديثًا .لن الخبر يصدق على كل ما جاء عن
)(2
النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ) (1وتابعيهم
ويختص الحديث بما جاء عن النبي صلى الله عليه
)(3
وسلم ،ويصدق عليه أنه خبر.
ولكن إذا أضيــف لفـــظ الخبر إلى الحــاد حصل
منهما اصطلح خاص ينصرف به الخــبر إلى ما أضيف
إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بنقل الحــاد،
ول يكاد يستعمل مطلقا َ في ما أضيف إلى صحابي أو
تابعي.
وقد تابع المحدثون أهل الصطلح في تعرف هذا
التركيب -أعني )خبر الحاد(-
يقول الحافظ ابن حجر :خبر الحاد ما لم يجمع
)(4
شروط التواتر
ويقول القاسمي) :أما خبر الواحد فهو ما لم يوجد
فيه شروط المتواتر ،سواء كان الراوي له واحدا ً أو
)(5
أكثر(
1
)( ما نقل عن الصحابي من قوله أو فعله يسمى
الموقوف في اصطلح المحدثين .انظر لقط الدرر .104
2
)( ما نقل عن التابعي من قوله أو فعله يسمى المقطوع
في اصطلح المحدثين .انظر لقط الدرر .104
3
)( انظر المصدر نفسه .24وفتح الملهم .1/2
4
)( لقط الدرر.32 ،
()5قواعد التحديث .147
44
أقسام خبر الحاد عند المحدثين
سبق أن المحدثين استطردوا لما بحثوا في قسمة
الخبر على متواتر وآحاد .وأنهم خالفوا أهل الصطلح
في بعض ما يتعلق بهذا التقسيم .ومن ذلك مخالفتهم
في تحديد كل قسم من أقسام خبر الحاد .ومع أن
المحدثين اعتبروا عدد النقلة في قسمة الخبار إلى
مشهور وعزيز وغريب ،إل أنهم لم يتفقوا مع
المتكلمين تماما ً في تحديد كل من هذه القسام وفي
ما يترتب على هذا التقسيم.
فوصف الخبر عند المحدثين بالشهرة أو العزة أو
الغرابة ل يعني صحة الخبر عندهم.
يقول الحافظ ابن حجر) :المشهور والعزيز والغريب
فيها المقبول وهو ما يوجب العمل وفيها المردود وهو
)(1
الذي ل يترجح صدق المخبر به(.
ويختلف هذا المر عند المتكلمين لن المشهور
عندهم أعلى رتبة من الصحيح الذي يرويه العدل
الضابط .ويفيد عند بعضهم طمأنينة النفس إلى صدق
مضمونه .أما الصحيح الذي يرويه العدل الضابط فل
يفيد هذه الفادة كما سيأتي بيانه.
ومهما يكن من أمر فإن المحدثين قسموا خبر الحاد
إلى مشهور وعزيز وغريب.
()1انظر شرح نخبة الفكر مع لقط الدرر .33 -32ونحوه
في فتح المغيث لشرح ألفية الحديث ،أبو عبد الله محمد بن
عبد الرحمن السخاوي ) 902هـ( ،تحقيق علي حسين علي
الطبري 1992وتدريب 4/9الطبعة الثانية ،دار المام
الراوي في شرح تقريب النوادي ،جلل الدين عبد الرحمن
بن أبي بكر السيوطي ) 911هـ( 2/273طبعة دار الكتب
العلمية -بيروت .1989 -وفتح الملهم ،شرح صحيح مسلم،
شبير أحمد الديوبندي العثماني 1/7مطبعة جيد بريس،
دهلي.
45
الخبر المشهور
أما المشهور لغة :اسم مفعول من )شهرت المر( إذا
أعلنته وأظهرته.
قال الجوهري :والشهرة وضوح المر .وسمي
(1 )
46
وقول الحافظ ابن كثير)) :(1قد يكون المشهور متواترا ً
)(2
أو مستفيضا(...
وحاصل المر :أن المشهور ينقسم إلى قسمين إذا
أردنا من الشهرة معناها اللغوي المشهور المتواتر -
وهو المتواتر عند المتكلمين -
والمشهورِ مطلقا :وهو أقوى من خبر الحاد ،ودون
المتواتر .وربما يقيد أحيانا ً بالستفاضة فيقال:
)المشهور المستفيض( ليتميز عن المشهور المتواتر،
ض
ف المستفي َ وقد يكتفي البعض بالتمييز وحده فيعّر َ
)(3
بما يّعرف به المشهور.
المر الثاني:
تقسيم الخبر المشهور إلى قسمين) :المشهور
الصطلحي ،والمراد به ما انتشر وشاع عند
)(4
المحدثين ،والمشهور عند غيرهم من العلماء(
ومثال المشهور عند المحدثين :ما أخرجه البخاري
بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم :قنت شهرا ً بعد الركوع
)(5
يدعو على رعل وذكوان(
47
ومثال المشهور عند الفقهاء حديث )ما أحل الله شيئا
)(1
أبغض إليه من الطلق(
ومثال المشهور بين العامة ما أخرجه مسلم من
حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا) :من دل على
)(2
خير فله مثل أجر صاحبه(.
وقد صنف المحدثون في جمع الحاديث المشهورة،
ويقع في كثير من مصفاتهم المشهور باعتبار معناه
اللغوي عند غير المحدثين ،أما الحاديث المشهورة
بالمعنى الصطلحي فلم أر من جمعها أو حاول
)(3
جمعها كما جمعت الحاديث المتواترة.
المر الثالث:
عدم اعتبار الصحة في المشهور إذا أردنا
الشهرة اللغوية فقد يشتهر الحديث وهو صحيح .وقد
يشتهر وهو موضوع ل أصل له.
ً )(4
ومثال الموضوع منه) :استاكوا عرضا(.
وقد يطلق بعض المحدثين الشهرة على الحديث
ويريدون بها الشهرة اللغوية الخاصة أعني انتشار
الحديث عن إمام من أئمة الحديث المشهورين نحو
قولهم" :حديث مشهور من حديث فلن" يريدون
بذلك شهرته عنه ،فينبغي التنبه إلى هذا كي ل يلتبس
4090-29/4088ومسلم في كتاب المساجد ومواضع
الصلة /54بعد ،677والنسائي في الكبرى ،كما في تحفة
الشراف ،1/425وانظر تخريجه موسعا في حديث الحاد،
مل خاطر 29-28
()1أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلق 16/2043ترقيم
محمد فؤاد عبد الباقي وانظر تخريجه موسعا ً في حديث
الحاد مل خاطر .31
()2في كتاب المارة ،1893 /38وأبو داود في الدب
124/5193والترمذي في كتاب العلم 14/2670وانظر
تخريجه موسعا ً في :حديث الحاد ،مل خاطر 32
()3انظر حديث الحاد ،مل خاطر .49-48
()4انظر المقاصد الحسنة 54-1/53
48
بالمشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وقد نقل
الحافظ ابن الصلح وغيره من المحدثين مثل هذا
)(2) (1
القول عن الحافظ أبي عبد الله بن مندة .
ّ
وقبل أن أنتقل إلى التعريف الثاني للمشهور أذكر بأن
المشهور بتعاريفه السابقة التي اعتبر فيها العلماء
الشهرة اللغوية ليس هو الخبر المشهور الذي ذكره
المتكلمون.
وما يقال في الحتجاج بالخبر المشهور وإفادته ليس
المراد به هذا ،لن الشهرة اللغوية ل تستلزم الصحة
كما سبق -فضل ً عن إفادة العلم النظري أو علم
الطمأنينة:
قَلة،
إذن فالشهرة المرادة هي الشهرة باعتبار عدد الن َ َ
فيتعين البحث في تحديد عددها.
التعريف بملحظة عدد النقلة:
اختلف المحدثون في تحديد عدد الشهرة على
قولين:
فاختار جمهور المحدثين في تحديدها بما زاد على
اثنين فأكثر ما لم يبلغ درجة التواتر.
49
وهو اختيار الحافظ العراقي ) (1في اللفية
)(5
والسخاوي) (2في شرحها) (3وابن حجر) (4في النخبة
)(8
والسيوطي ) (6في التدريب ) (7وغيرهم.
ووافق بعض المحدثين رأي جمهور المتكلمين في
تحديده ،فقالوا عدد الشهرة ما زاد على ثلثة فأكثر،
50
)(3
ومنهم الحافظ ابن كثير) (1والزرقاني) (2والبلقيني.
ويبدو لي أن المسألة اصطلحيه ل سبيل فيها إلى
النزاع والستدلل والترجيح.
ولهذا التوافق بين رأي بعض المحدثين و رأي جمهور
المتكلمين أختار تعيين ما زاد على الثلثة عددا
للشهرة ،لن المتكلمين هم الذين تكلموا على الحجية
والفادة من الخبار ،ولن قسمة الخبر إلى متواتر
ومشهور قسمة عقلية ،وقد نص غير واحد من
المحدثين على أن التواتر والشهرة ليسا من مباحث
)(4
علم السناد
والحاصل :أن المختار في تعريف المحدثين للخبر
المشهور أنه):ما زاد نقلته على ثلثة في جميع
طبقات السند ما لم يبلغ درجة التواتر(.
العزيز:
لشتقاق هذا الوصف من العزة مفهومان :القوة،
والقلة.
عّزة ،فهو عزيز ،أي قليل عّزا و ِ
تقول :عّز فلن عّزه ِ
ً
عّزا ،أي
عّزة و ِ
حتى ل يكاد يوجد ،وتقول :عّز فلن ِ
ً )(5
صار قويا
ً
ووصف الحديث بذلك يحتمل المعنيين معا ،فهو عزيز
بمعنى قوي ،لن متابعة راوٍ لخر تكسب خبره قوه،
)(6
وتزيل عنه الغرابة.
ووجود الحديث العزيز في كتب السنة قليل نادر،
()1اختصار علوم الحديث،مع شرح الشيخ أحمد شاكر .160
()2شرح الزرقاني على البيقونيه 41 ،40وانظر حديث
الحاد ،مل خاطر .14
()3محاسن الصطلح ،389وانظر حديث الحاد ،مل خاطر
.16
()4انظر شرح القاري على النخبة ،31وقواعد التحديث،
القاسمي .124
()5مقاييس اللغة ،ابن فارس )عزز( .4/38
()6انظر شرح القاري على النخبة .32
51
ولهذا لم أر من صنف فيه كتابا ً خاصا ً مثل الكتب
المصنفة في جمع الحاديث المتواترة والحاديث
المشتهرة على اللسنة.
وقلما يستعمل غير المحدثين هذا الوصف للحديث،
لنه ل يترتب عليه أثر عند العلماء عامة.
وربما احتاج المحدثون إلى رتبة بين المشهور
والغريب فكان وصف الحديث بالعزة من اصطلحهم
دون غيرهم ،أما المتكلمون فل واسطة عندهم بين
المشهور والغريب.
وتعريف العزيز :ما ل يرويه أقل من اثنين عن
أثنين في جميع طبقات السند ما لم يبلغ حد الشهرة.
)(1
52
فقال) :المشهور والعزيز والغريب آحاد ،ويقال لكل
منهما خبر واحد ،وخبر الواحد في اللغة ما يرويه
شخص واحد ،وفي الصطلح ما لم يجمع شروط
)(1
المتواتر(.
وممن نبه على ذلك من المتكلمين الباقلني فقال:
)فإن قال قائل :ما معنى وصفكم للخبر بأنه خبر
واحد؟ قيل له :أما حقيقة هذه الضافة في اللغة فأنه
خبر ،وأن الراوي له واحد فقط ،ل اثنان ول أكثر من
ذلك .غير أن الفقهاء و المتكلمين تواضعوا على
صر عن إيجاب العلم بأنه خبر واحد، تسمية كل خبر قَ ُ
وسواء عندهم أرواه الواحد أو الجماعة التي تزيد
)(2
على الواحد(.
53
الفصل الول :الحتجاج بخبر الحاد
في الشريعة والعقيدة
المبحث الرابع:
المبحث الرابع :تخريج منهج أهل
السنة على مواقف السلف
الصالح.
54
الفصل الول :الحتجاج بخبر الحاد في
الشريعة والعقيدة
المبحث الول :احتجاج الصوليين بخبر الحاد
في إثبات الحكام الشرعية.
إن اعتماد منهج المتكلمين في عرض أصول الفقه
أدخل العديد من المسائل الكلمية في ثنايا أصول
الفقه .يقول المام الشاطبي )):(1كل مسألة مرسومة
في أصول الفقه ،ل يبنى عليها فروع فقهيه أو آداب
شرعية أو ل تكون عوًنا في ذلك فوضعها في أصول
)(2
الفقه عارية(.
وموضوع خبر الحاد في كتب أصول الفقه يبرز لنا
مثال ً واضحا ً لما سبق ،فالكلم على القطع بصدق
مضمون خبر الحاد ببعض الشروط وفي بعض
الحوال ،وأثر ذلك على حجيته في مسائل العتقاد،
كل هذه المسائل أدخلها الصوليون في أصول الفقه
ل .وهي إلى أصول الدين أقرب استطرادا ً واسترسا ً
منها إلى أصول الفقه .لن الصوليين ُيعنون بالدليل
السمعي من حيث كيفية الستدلل به في إثبات
)(3
الحكام الشرعية المتعلقه بأفعال المكلفين
وليشترط في الدليل الشرعي القطع بثبوته -كما
سيأتي-
أما الدليل السمعي من حيث إفادته القطع بصدق
()1الشاطبي :هو إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي
الشهير بالشاطبي ) 790هـ( أصولي حافظ من أهل غرناطة،
كان من أئمة المالكية ،وله مصنفات كثيرة منها الموافقات
في أصول الفقه والعتصام ،وغيرها انظر ترجمته في
العلم ،الزركلي .1/71
()2العتصام ،آبو إسحاق الشاطبي ) 790هـ( تحقيق أحمد
عبد الشافي 43-1/42طبعة دار الكتب العلمية -بيروت-
1988م.
()3انظر أصول الفقه ،محمد أبو زهرة 8طبعة دار الفكر
العربي.
55
مضمونه ،وأثر ذلك على حجيته في العقائد فهو من
اختصاص علم أصول الدين ،لن حجيته في إثبات
الحكام الشرعية ثابتة من غير حاجة إلى قطع بصدق
مضمونه.
ويشير إلى ذلك الختصاص إمام الحرمين من
المتكلمين فيقول في" الرشاد إلى قواطع الدلة في
أصول العتقاد"):ينقسم الخبر انقساما ً هو غرضنا،
فمنه ما ل يترتب عليه العلم بالمخبر عنه ،ومنه ما
قب علما ً يترتب عليه العلم بالمخبر عنه .فأما ما ي ُعْ ِ
خبره فهو الخبر المتواتر ....وأما خبر الحاد فل يفيد بم َ
)(1
العلم بنفسه(
والحاصل أنه لبد من التعريف بمدى احتجاج
الصوليين بخبر الحاد في إطار اختصاصهم ل في
ساحة إطلقاتهم الواسعة .وإطار اختصاص الصوليين
في خبر الحاد هو الكلم على مدى حجيته في إثبات
الحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين .وهو
المراد من عبارة المتقدمين :وجوب التعبد بخبر
الحاد في الفروع .أو :وجوب العمل بمقتضى خبر
الحاد.
وقد اتفق جماهير المسلمين من الطوائف كلها على
أن خبر العدل الواحد حجة ظنية يجب العمل
بمقتضاه .واتفقوا على أن وجوب العمل به عرفناه
وز العمل به ،ل يوجبه ول بأدلة الشرع ،والعقل يج ّ
يحيله.
ووجه تجويز العقل :أن العمل به ليس مستحيل ً لذاته،
ول تتولد منه مفسدة ،ول يستقل العقل بإيجابه فلم
)(2
يبق إل الجواز.
114 ،412 ()1
()2انظر إحكام الفصول ،الباجي ،249شرح اللمع،
الشيرازي ،2/583المستصفى ،الغزالي ،155-1/146
الوصول إلى الصول ،ابن برهان ،2/156وميزان الصول،
56
قال المدي) :ودليل جوازه عقل ً أنا لو فرضنا ورود
الشرع بالتعبد بالعمل بخبر الواحد إذا غلب على
الظن صدقه لم يلزم عنه لذاته محال في العقل ،ول
معنى للجائز العقلي سوى ذلك وغاية ما يقدر في
اتباعه احتمال كونه كاذبا ً أو مخطئًا .وذلك ل يمنع من
التعبد به ،بدليل اتفاقنا على التعبد بقول المفتـي،
والعمل بقول الشاهد مع احتمال الكذب والخطـأ على
)(1
المفتي والشاهد(
وقد استدل بعض الصوليين بدليل العقل على وجوب
)(2
العمل به ومنهم أبو الحسين البصري.
وذكر أبو الخطاب) (3أن الستدلل به منقول في رواية
)(4
عن المام أحمد.
57
)(2
واستدل به الفخر الرازي) (1في المحصول.
)(6
والزركشي ) (3والبزدوي) (4في المسّلم ) (5وغيرهم.
ووجه استدللهم بالعقل على إيجاب العمل به أن خبر
العدل الواحد يقتضي دفع ضرر مظنون .والعمل بمثله
واجب بحكم العقل.
فإذا أخبر العدل عن مضرة في أكل شئ معين حكم
العقل بوجوب المتناع عنه.
وكذا إذا أقام تحت جدار أخبر عنه العدل أنه متصدع
58
)(1
يوشك أن ينقض ،فالعقل يأمره بالقيام.
ويبدو لي أن رأي الجمهور في حكم العقل على
المسألة أدق وأصوب ،لن غاية ما يدل عليه الدليل
السابق الندب والخذ بالحوط ،ول ينتهي إلى حد
)(2
الوجوب.
وسواء أدل العقل على وجوبه أم دل على جوازه فإن
المعتمد في إيجابه على دليل الشرع من الكتاب
والسنة والجماع ،كما سيأتي قريبا.
وقد نسب الصوليون المخالفة في وجوب العمل
بخبر الحاد إلى فريقين فريق يمنع العمل به بدليل
)(4
العقل .وهم الجبائي ) (3وابن علية.
)(5
وفريق يمنع العمل به بأدلة الشرع وهم القاشاني
59
)(2 )(1
وغيره والسيد المرتضى وابن داود من الظاهرية
)(3
من الشيعة.
وسأذكر من أدلة الجمهور ما تقوم به الحجة ليجاب
العمل بمقتضى خبر العدل الواحد ،ثم أذكر أقوى
شَبه كل من الفريقين المخالفين وما يكفي لبطالها. ُ
ما تقوم به الحجة ليجاب العمل بمقتضى خبر
الحاد ،من الكتاب والسنة والجماع:
ل :من أدلة الكتاب: أو ً
قوله تعالى) :فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم
)(4
لعلهم يحذرون(.
والطائفة من الفرقة عدد يسير ل يبلغ مبلغ التواتر،
وقد أوجب الله عز وجل النذار على هذا العدد
اليسير ،فلو لم يجب الخذ به لخل النذار عن الفائدة.
)(5
ومن السنة:
ما أخرجه الشافعي في الرسالة بسنده عن عبيد الله
60
بن أبي رافع عن أبيه قال :قال النبي صلى الله عليه
وسلم) :ل ألفين أحدكم متكئا ً على أريكته ،يأتيه المر
من أمري مما نهيت عنه أو أمرت به ،فيقول :ل
)(1
ندري ،ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه(
ثم قال المام الشافعي) :وفي هذا تثبيت الخبر عن
رسول الله ،وإعلمهم أنه لزم لهم ،وإن لم يجدوا له
)(2
نص حكم في كتاب الله(.
وأخرج بسنده عن عطاء بن يسار )أن رجل قبل
امرأته وهو صائم ،فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل
امرأته تسأل عن ذلك ،فدخلت على أم سلمة أم
المؤمنين فأخبرتها ،فقالت أم سلمة :إن رسول الله
يقبل وهو صائم ،فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرته،
فزاده ذلك شرا ،وقال :لسنا مثل رسول الله ،يحل
الله لرسوله ما شاء ،فرجعت المرأة إلى أم سلمة،
فوجدت رسول الله عندها ،فقال رسول الله :ما بال
هذه المرأة ؟ فأخبرته أم سلمة .فقال :أل أخبرتيها
أني أفعل ذلك ؟ فقالت أم سلمة :قد أخبرتها،
فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا ،فغضب
رسول الله ،ثم قال :والله إني لتقاكم لله ولعلمكم
)(3
بحدوده(.
قال الشافعي) :في ذكر قول النبي صلى الله عليه
وسلم )أل اخبر تيها أني أفعل ذلك( دللة على أن خبر
أم سلمة عنه مما يجوز قبوله ،لنه ل يأمرها بأن تخبر
،403-404 ()1والحديث أخرجه المام أبو داود في كتاب
السنة ،4605 ،6/4604ترقيم محمد محيي الدين عبد
الحميد .وانظر تخريجه موسعا في حاشية ص 90من
الرسالة ،المام الشافعي.
()2الرسالة .404
()3الرسالة،الشافعي ،405وانظر تعليق أحمد شاكر في
الحاشية لوصل الحديث.والحديث أخرجه المام مالك في
الموطأ،انظر تنوير الحوالك على موطأ مالك،جلل الدين عبد
الرحمن السيوطي)911هـ(1/274طبعة دار الندوة بيروت.
61
عن النبي إل وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته(
)(1
62
وقد أطال الصوليون في وجوه الستدلل بكل دليل
من الدلة السابقة ،وذكروا العتراضات التي أوردها
المخالفون على كل دليل وأجابوا عنها ،ول يتسع
المقام لعرض ذلك كله وتحريره ،لن الدلة في هذه
المسألة كثيرة ومتنوعة ،والستدلل بمجموع هذه
الدلة ل بدليل واحد منها.
الجماع:
أظهر ما يستدل به ليجاب العمل بخبر الواحد هو
إجماع الصحابة على إيجاب العمل به.
فقد نقل عنهم العمل بخبر العدل الواحد في وقائع ل
تنحصر ،وهذه الوقائع وإن كانت آحادا ً في أفرادها ل
تفيد القطع والجزم في المسألة ،إل أنها بمجموعها
تدل على قدر مشترك بينها وهو عمل الصحابة بخبر
الواحد ،فتدل بمجموعها على هذا القدر المشترك
على سبيل القطع والجزم في المسألة ،كما دلت
الوقائع المروية عن كرم حاتم على كرمه على سبيل
القطع والجزم ،وإن كانت كل واقعة عند انفرادها ل
)(1
تفيد إل الظن.
قال المدي :والقرب في هذه المسألة إنما هو
التمسك بإجماع الصحابة ،ويدل على ذلك ما نقل عن
الصحابة من الوقائع المختلفة الخارجة عن العد
والحصر المتفقة على العمل بخبر الواحد ،ووجوب
)(2
العمل به(.
وقد ذكر الشافعي عددا من هذه الوقائع منها:
ما أخرجه بسنده عن سعيد بن المسيب) :أن عمر بن
الخطاب كان يقول :الدية للعاقلة ،ول ترث المرأة
من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان
أن رسول الله كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبي
()1انظر شرح التلويح ،التفتازاني 2/4وانظر مراجع الفقرة
السابقة.
()2الحكام .2/297
63
)(1
من ديته ،فرجع إليه عمر(.
وأخرج بسنده عن محمد الباقر )أن عمر ذكر
المجوس ،فقال :ما أدري كيف أصنع في أمرهم ؟
فقال له عبد الرحمن بن عوف :أشهد لسمعت
)(2
سنوا بهم سنة أهل الكتاب.(. رسول الله يقولُ :
جالة أنه قال) :ولم يكن عمر أخذ الجزية، وأخرج عن ب َ َ
حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي أخذها
)(3
جر(.
من مجوس هَ َ
وبعد الشافعي حشر الصوليون طائفة من الخبار
)(4
عن الصحابة في إثبات العمل بخبر العدل الواحد
وجمع الدكتور محمد عبد الله عويضة طائفة منها في
)(5
بحث بعنوان احتجاج الصحابة بخبر الواحد
ومن الخبار التي ذكرها الشيرازي من الصوليين
عن ابن عمر أنه رجع إلى قول رافع بن خديج في
ترك المخابرة ،وقال :كنا نخابر أربعين سنة ول نرى
بذلك بأسا حتى أخبرنا بذلك رافع بن خديج أن النبي
64
)(1
فتركناه صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة
).(2
قال الرازي):العمل بخبر الواحد الذي ل يقطع بصحته
مجمع عليه بين الصحابة ،فيكون العمل به حقًا ،وإنما
قلنا :إنه مجمع عليه بين الصحابة لن بعض الصحابة
عمل بالخبر الذي ل يقطع بصحته ،ولم ينقل عن أحد
منهم إنكار على فاعله ،وذلك يقتضي حصول
)(3
الجماع(
ونقل الرازي شبهة أثارها بعض الروافض في دليل
الجماع ،إذ قالوا :من الصحابة من رد خبر الواحد.
فرد عمر خبر أبي موسى الشعري في الستئذان:
أخرج المام مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه أنه قال :وكنت جالسا ً بالمدينة في
مجلس النصار فأتانا أبو موسى فزعا ً أو مذعورًا ،قلنا
ما شأنك ؟ قال :إن عمر أرسل إلي أن آتيه .فأتيت
بابه ،فسلمت ثلثا ،فلم يرد علي ،فرجعت ،فقال :ما
منعك أن تأتينا؟ فقلت إني أتيتك فسلمت على بابك
ثلثا فلم ترد علي فرجعت ،وقد قال رسول الله :إذا
استأذن أحدكم ثلثا فلم يؤذن له فليرجع ،فقال عمر:
أقم عليه البينه ،وإل لوجعتك ،فقال أبي بن كعب :ل
يقوم معه إل أصغر القوم ،فقال أبو سعيد :قلت :أنا
)(4
أصغر القوم .قال :فاذهب به.
()1المخابرة :المزارعة على نصيب معين من المحصول
كالربع والثمن وغيرهما ،انظر النهاية في غريب الحديث ،أبو
السعادات المبارك بن محمد بن اليثر الجزري ) 606هـ(
تحقيق ظاهر أحمد الزاوي ومحمد الظباحي ،20/7طبعة دار
الكتب -بيروت 1965م
()2انظر شرح اللمع 2/593والحديث أخرجه المام مسلم
في كتاب البيوع 16/1536وانظر تخريجه موسعا ً في حاشية
المصدر السابق
()3المحصول .527 /2
()4المحصول 553 /1/2والحديث أخرجه البخاري في كتاب
65
وتوقف أبو بكر في حديث المغيرة بن شعبة في
ميراث الجدة ،حتى شهد له محمد بن سلمة فأخذ به.
أخرج المام مالك بسنده عن قبيصة بن ذؤيب أنه
قال):جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها .فقال
لها أبو بكر ما لك في كتاب الله شيء ،وما علمت لك
في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا
فارجعي حتى أسأل الناس ،فسأل الناس فقال
المغيرة بن شعية:حضرت الرسول صلى الله عليه
وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر:هل معك غيرك؟
فقام محمد بن سلمة النصاري فقال مثل ما قال
(1).
المغيرة .فأنفذه لها أبو بكر الصديق(
وصح أنهم توقفوا في عدد من الخبار غير هذه جمعها
الصوليون وأطالوا في الجواب عنها:
يقول الغزالي) :الذي رويناه قاطع في عملهم ،وما
ذكر من الخبار التي ردوها فلسباب عارضة تقتضي
الرد ،ول تدل على بطلن الصل ،كما أن ردهم
الستدلل ببعض نصوص القرآن ،وتركهم بعض أنواع
)(2
القياس ل يدل على بطلن الصل(
ومن تلك السباب المحتملة :الشك بتمام ضبط
الراوي ،أو العمل بخبر معارض أقوى منه ،أو الرغبة
)(3
في زيادة التثبت ،وغير ذلك من السباب المحتملة.
الستئذان ،13/6245ومسلم في كتاب الداب 7/2153
وأبو داود في كتاب الدب .5184-138/5180
()1الموطأ مع شرحه تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ،جلل
الدين عبد الرحمن بن أحمد السيوطي ) 911هـ( 2/54
طبعة دار إحياء الكتب العربية -مصر لم يذكر سنة الطبع.
()2المستصفى بتصرف يسير 1/153
()3انظر للستزاده في الخبار التي توقف الصحابة فيها
وفي أسباب توقفهم :شرح اللمع الشيرازي 599-2/596
الوصول ،ابن برهان 2/169المحصول ،الرازي -1/2/543
554-553 ،549الحكام ،المدي ،2/299كشف السرار،
البخاري 2/374نزهة الخاطر ،عبد القادر بن مصطفى بن
66
وهذه الخبار التي توقفوا في قبولها ل تدل على عدم
حجية خبرالحاد
قال النصاري):أل ترى أنهم عملوا بها بعد انضمام راوٍ
)(1
واحد ،وهو بعد النضمام من خبر الحاد(
وفي ختام أدلة المثبتين نذكر ما ختم به المام
الشافعي إذ قال:
)ولو جاز لحد من الناس أن يقول في علم الخاصة:
أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد
والنتهاء إليه ،بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد
إل وقد ثبته ،جاز في القول ولكن أقول :لم أحفظ
عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر
)(2
الواحد بما وضعت من أن ذلك موجود عند كلهم(.
بدران ،وهو شرح كتاب روضة الناظر نخبة المناظر ،عبد الله
بن أحمد بن قدامة المقدسي ) 620هـ( 1/267طبعة دار
الكتب العلمية -بيروت -لم يذكر سنة الطبع .فواتح
الرحموت ،النصاري 2/133إرشاد الفحول ،الشوكاني ،49
بحث احتجاج الصحابة بخبر الواحد ،عويضة .87-78
()1فواتح الرحموت .2/131
()2الرسالة 458
67
)(1
وهذا المر خلف وضع الشرائع.
ويقال في الجواب:
هذه الشبهة مبنية على قاعدة التحسين والتقبيح
العقليين ،ومقتضاها أن العقل يستقل بإدراك حسن
الشياء وقبحها ،والشرع ل يرد بما يستقبحه العقل.
واستقبحوا أن يحيل الشارع المكلفين على ما يجوز
كذبه.
حسن ول وهذه القاعدة فيها نظر ،لن الفعال ل ت َ ْ
قبح إل بأمر الشارع ،ونهيه ،وليس لها في ذاتها ول تَ ْ
لمر خارج عنها صفة تكتسب بها الحسن أو القبح،
فإذا أمر الشارع بأمر حكم العقل بحسنه وإذا نهى
)(2
عن فعل حكم بقبحه.
وفي مسألتنا دل دليل الشرع على وجوب العمل
بخبر العدل الواحد إذا كان صدقه مغلبا غير مقطوع
به ،فدل إيجاب الشرع على حسنه ،وعلى أن
المصلحة في المتثال لمر الشرع.
ق أن الشارع قد يعّلق الحكم الشرعي وقد ثبت باتفا ٍ
كلف ،كالمتحري للقبلة يجب عليه أن على ظن الم ّ
يتوجه إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها جهة
القبلة ،سواء أأصاب القبلة أم أخطأها ،حتى أن المام
الشافعي قال في أربعة اجتهدوا في طلب القبلة
واختلفوا في اجتهادهم) :لم يسع واحدا منهم أن يتبع
اجتهاد صاحبه ،وإن رآه ألم بالجتهاد منه ...ويصلي
68
)(1
كل واحد منهم على جهته التي رأى القبلة فيها(.
وكذا القاضي عليه الحكم بما يوافق الشهادة إذا غلب
على ظنه صدق الشهود ول يشترط عليه القطع
)(2
بصدق الشهود.
فل يستبعد العقل أن يجعل الشارع ظننا الغالب
بصدق المخبر علمة على وجوب العمل بمقتضى
خبره
أما المانعون بدليل الشرع:
فقد استدلوا بأدلة أقواها .أن الله عز وجل ذم إتباع
الظن في القرآن الكريم.
)(3
قال تعالى )إن يتبعون إل الظن وما تهوى النفس(
وقال تعالى )وما يتبع أكثرهم إل ظنا ً إن الظن ل يغني
من الحق شيئًا() (4وقال تعالى )يا أيها الذين آمنوا
اجتنبوا كثيرا ً من الظن إن بعض الظن إثم() .(5وقال
)(6
تعالى) :ول تقف ما ليس لك به علم(
قالوا:إن إيجاب العمل بخبر العدل الواحد مع كونه
)(7
محتمل ً الكذب إتباعٌ للظن وقفوٌ لما ليس لنا به علم
ويكفي في الجواب أن نحرر معنى الظن في اليات
الكريمات.
أما الظن في اللغة :فهو التردد الراجح بين طرفي
()1الم 1/81وانظر المسألة في بداية المجتهد ونهاية
المقتصد :محمد بن أحمد بن محمد )ابن رشد(القرطبي )
595هـ( 1/112الطبعة الرابعة دار المعرفة بيروت 1979
م.
()2انظر هذه المسألة في حلية العلماء في معرفة مذاهب
الفقهاء ،الشاشي القفال ) 507هـ( .144-8/143
()3الية ) (23من سورة النجم.
()4الية ) (36من سورة يونس.
()5سورة الحجرات الية .12
()6سورة السراء الية .36
()7انظر الحكام ،المدي 285 /والمستصفى ،الغزالي
.1/147
69
العتقاد ،ترددا ً غير جازم.
)(1
70
خبر الواحد ،وذلك أن الحكم بقبول خبر الواحد عندنا
حكم بعلم ...لن الدلئل الموجبة للحكم به قد أوقعت
لنا العلم بلزوم قبوله ،فهو حكم بعلم ،كما نقول في
الحكم بشهادة الشهود إنه حكم بعلم ...وإن كنا ل
نعلم صدق الشهود من كذبهم ...كذلك قبول خبر
)(1
الواحد(.
وقال إمام الحرمين) :والعمل بخبر الواحد مستند إلى
ما يثبت بالتواتر من أن الرسول عليه الصلة والسلم
كان يرسل الرسل آحادا ،وبإجماع الصحابة على
ً )(2
العمل بخبر الواحد ،وهو إجماع منقول تواترا(.
وقال الشوكاني في ختام المسألة):وعلى الجملة فلم
يأت من خالف في العمل بخبر الواحد بشيء يصلح
للتمسك به ،ومن تتبع عمل الصحابة والخلفاء وغيرهم
وعمل التابعين فتابعيهم بأخبار الحاد وجد ذلك في
غاية الكثرة ،بحيث ل يتسع له إل مصنف بسيط وإذا
وقع من بعضهم التردد في العمل به في بعض
الحوال فذلك لسباب خارجة عن كونه خبر واحد،
من ريبة في الصحة أو تهمة للراوي أو وجود معارض
)(3
راجح ،أو نحو ذلك(
وبهذا الختام يختم هذا المبحث.
()1الفصول .90-3/89
()2البرهان 602-1/599وانظر الرد على المستدل باليات
في الفصول ،الجصاص ،91-98/وشرح اللمع ،الشيرازي
،2/600والمستصفى 1/154والحكام ،المدي -2/286
،300والعتصام ،الشاطبي 173-1/171وفواتح الرحموت،
النصاري 2/136وإرشاد الفحول ،الشوكاني .49
()3إرشاد الفحول ،الشوكاني .49
71
المبحث الثاني :مدى احتجاج المحدثين بما
خرجوه من أخبار الحاد في مسائل العتقاد.
من الشائع بين المصنفين في العقائد قديما ً وحديثا ً
إطلق لفظ " أهل الحديث "و" المحدثين "ويريدون
به من له اشتغال بعلم رواية الحديث ودرايته.
ويدخل في دراية الحديث المباحث والمسائل التي
ُيعرف بها حال الراوي وحال المروي من حيث القبول
والرد ،وما يتعلق بذلك من علوم ،كعلم الجرح
والتعديل) (1وعلم علل الحديث) (2وغريبه) (3وغير ذلك
)(4
من العلوم التي لها صلة وثيقة بالحديث الشريف
ويدخل في علم رواية الحديث النقل المحرر بالسانيد
)(5
لكل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ويهمنـــا فــي هـــذا الموضـــوع أن نتـــبين أول ً موقـــف
المشــتغلين بعلــم روايــة الحــديث الــذين خرجــوا فــي
مصنفاتهم شيئا ً من أخبار الحاد الــواردة فــي مســائل
العتقــاد ،ومــدى احتجــاجهم بمــا خّرجــوه مــن هــذه
الخبار .ثم نعرض موقــف بــاقي المحــدثين مــع جملــة
مواقف العلماء من أخبار الحاد الــواردة فــي مســائل
72
العتقاد.
وإذا رجعنا إلى المصنفات في رواية الحديث لحظنا
تنوع مناهج المصنفين في تخريج الحاديث حسب
أغراض المصنف :ويمكن تقسيم المصنفات الحديثية
باعتبار ورود أخبار الحاد فيها إلى قسمين:
73
وتبعه بعد ذلك عدد من الحفاظ منهم إسحاق بن
راهويه) (1وعثمان بن أبي شيبة) (2والمام أحمد بن
حنبل رحمهم الله جميعًا .ويعتبر مسند المام أحمد
)(3
أوفى هذه المسانيد وأوسعها
وبعد تمام هذه المرحلة من الجمع والتدوين ظهرت
الحاجة إلى إفراد الصحيح وتمييزه عن غيره ،وكان
أول من قام بذلك المام محمد بن إسماعيل
)(4
البخاري.
يقول الحافظ ابن حجر ...) :ولما رأى البخاري هذه
التصانيف وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل
تحت التصحيح والتحسين ،والكثير منها يشمله
.3/187
()1إسحاق بن راهويه :هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد )
238هـ( عالم خرا سان في عصره وهو أحد كبار الحفاظ،
طاف البلد لجمع الحديث ،وأخذ عنه المام أحمد بن حنبل
والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم ،وقيل في سبب تلقيبه
)ابن راهويه( أن أباه ولد في طريق مكة ،فقال أهل مرو:
)راهويه( أي ولد في الطريق ،انظر ترجمته في العبر،
الذهبي ،1/334والعلم ،الزركلي .1/284
()2عثمان بن أبي شيبة :عثمان بن محمد بن أبي شيبة )
239هـ( من حفاظ الحديث .رحل من موطنه الكوفة إلى
مكة والري وبغداد ،كان يحضر مجلسه ثلثون ألفًا ،صنف في
التفسير وجمع مسنده المعروف ،انظر ترجمته في العبر
،1/338والعلم ،الزركلي .4/376
()3انظر قواعد التحديث ،القاسمي ،71وأصول الحديث،
الخطيب .184
()4البخاري :هو المام محمد بن إسماعيل البخاري )256
هـ( صاحب التصانيف ،وصاحب الجامع الصحيح المعروف
بصحيح البخاري ،كان من أوعية العلم يتوقد ذكاء ،سمع من
خلئق عدتهم ألف شيخ ورحل إلى خراسان و العراق ومصر
والشام ،انظر ترجمته في العبر ،الذهبي ،1/368والعلم،
الزركلي ،6/258وانظر:ما أفرده العلماء في ترجمته في
تاريخ التراث ،فؤاد سزكين .225-1/223
74
التضعيف ...فحول همته لجمع الحديث الصحيح الذي
)(1
ل يرتاب فيه أمين(.
وصنف كتابه)الجامع الصحيح المسند من حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه(
واشتمل على أبواب الحكام والزهد والفتن واليمان
والتفسير والفضائل والدب والطب وغير ذلك من
البواب.
)(2
ثم صنف تلميذه المام مسلم كتابه الصحيح،وأخرج
فيه أبوابا ً في أحاديث اليمان وأبوابا ً في أحاديث
الفتن وأشراط الساعة وغير ذلك من البواب التي
اشتملت على أحاديث العقائد وصار صنيع المامين
البخاري ومسلم في تخريج الحاديث على هذه
البواب يعرف بالجامع.
والجوامع :هي كتب الحديث المشتملة على جميع
أبواب الحديث،ويمكن إرجاع جملة أبواب الحديث إلى
ثمانية أبواب العقائد،
والحكام،والداب،والتفسير،والمناقب ،والزهد،
)(3
والفتن ،والشمائل.
)(4
ثم صنف المام أبو داود كتابه السنن ورتب أحاديثه
75
على البواب الفقهية .فيقول الكوثري رحمه الله ):(1
)وهمة أبي داود جمع الحاديث التي استدل بها فقهاء
المصار وبنوا عليها الحكام ،فصنف سننه وجمع فيها
)(2
الصحيح والحسن واللين(...
وقد أفصح المام أبو داود عن عدم اشتراطه الصحة
في أحاديث كتابه ،فقال) :كتبت عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث ،وانتخبت منها
ما ضمنت هذا الكتاب جمعت فيه أربعة آلف حديث،
وثمانمائة حديث ،ذكرت الصحيح وما يشبهه وما
)(3
يقاربه(
ومن المعلوم أن الصل في كتب السنن القتصار
على أحاديث الحكام ،وقد جعلها المام أبو داود غالب
أحاديث كتابه ،وعقد في آخر كتابه أبوابا ً لها صلة
بمسائل العتقاد كالفتن والملحم والسنة.
بعد هاتين الطريقتين في التصنيف -طريقة الشيخين
وطريقة أبي داود -صنف الترمذي) (4كتابه المعروف
بسنن الترمذي.
يقول الكوثري رحمه الله) :وملمح الترمذي الجمع
بين الطريقتين ،فكأنه استحسن طريقة الشيخين
حيث بينا رأيهما ،وطريقة أبي داود حيث جمع كل ما
()1هو محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري )1371هـ(
فقيه حنفي شركسي الصل .وله الكثير من التآليف
والتعاليق .وله مقالت متفرقة جمعها أحمد المصري .انظر
ترجمته في مقالت الكوثري ،أحمد خيري 77-5مطبعة
النوار بالقاهرة ،والعلم ،الزركلي .6/363
()2انظر تعليقه على شروط الئمة الخمسة ،الحازمي 68
()3المصدر السابق ،67وشروط الئمة الستة ،المقدسي
12
ورة
س ْ
()4الترمذي :هو المام أبو عيسى محمد بن عيسى بن َ
الترمذي ) 279هـ( من أئمة علماء الحديث ،تتلمذ للبخاري
وشاركه في بعض شيوخه ،وعمي في آخر عمره ،انظر
ترجمته في العبر ،الذهبي 1/402والعلم .7/213
76
ذهب إليه ذاهب ،فجمع كلتا الطريقتين() (1ويظهر
مراد الترمذي في ترتيب أبواب كتابه ،إذ تشغل أبواب
الحكام معظم كتابه ،وتتقدم على البواب الخرى
في الترتيب ،ومن هذه البواب ما له صلة بمسائل
العتقاد كأبواب الفتن وصفة القيامة ،واليمان
وغيرها.
ً
وهذا هو الملحظ أيضا على كتب السنن الخرى،
فالنسائي) (2عقد في آخر مصنفه "السنن الصغرى"
كتاب اليمان وشرائعه ،وعقد تحت كتاب الجنائز بابا ً
في مسألة القبر،وبابا ً في ضمة القبر وضغطته.
والحافظ ابن ماجة) (3صنف كتابه السنن ،وعقد فيه
كتابا ً للفتن .وعقد تحت كتاب الزهد أبوابا ً في ذكر
القبر وذكر الشفاعة وذكر البعث.
ولم يشترط أحد من هؤلء المصنفين على البواب
الفقهية الصحة لحاديثهم ،فخّرجوا ما هو صحيح
عندهم وما هو دونه ،على اختلف بين العلماء في
تقديم أحد السنن على الخرى وفي درجة ما خّرجه
)(4
أحدهم وسكت عن تصحيحه أو تضعيفه.
وعاد بعد ذلك إلى بعض المحدثين الرغبة في إفراد
77
الصحيح بالتصنيف.
فصنف الحافظ ابن خزيمة كتابا ً في الصحيح ،لم
)(1
78
من أخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد وهل
يعني إخراجهم لحاديث العقائد في الصحيح أنهم
يثبتون العقيدة بها ؟
لن هذا هو القدر الذي يصح أن يستكشف منه
موقف المحدثين في المسألة.
أما الحديث الذي يرد في مسند أو كتاب من السنن
مخّرجه العتقاد بمضمونه أو مسكوتا ً عليه :فل يلزم ُ
إنكاره ،لنه ربما خّرجه لحتجاج قوم به ،أو للشارة
إلى علة فيه بما يفهمه أهل المعرفة ،أو لرفع الغرابة
عن متنه أو لغير ذلك من الغراض التي يعتمدها
)(1
المصنفون.
تبين بما سبق أنه قد وصلنا من أخبار الحاد الواردة
في العتقاديات مما أخرجه الئمة:البخاري ومسلم
وابن حبان وقد حكم الئمة لها بالصحة .وفيما يأتي
استبيان لموقف كل واحد منهم على حدة:
79
)الفرائض والحكام( في عنوان الباب ...) :ليعلم إنما
)(1
هو في العمليات ل في العتقاديات(.
وفي المقابل فهم المين الحاج محمد -من
المعاصرين -أن البخاري ساق هذه الخبار تحت هذه
الترجمة ليدل على حجية خبر الحاد في مسائل
العتقاد ،فقال):إذا صح الخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فهو حجة بنفسه في الحكام
)(2
والعقائد ...وإليك الدلة في الكتاب والسنة( .ثم
نقل عن البخاري أنه عقد ترجمة في باب إجازة خبر
الواحد ،وساق ما أورده البخاري من أحاديث تحت
هذه الترجمة.
والحق أن هذه الحاديث وهي خمسة عشر حديثًا ،ل
تدل إل على ما استدل به البخاري وذكره في عنوان
الباب ،وهو إجازة خبر الواحد فيما يأتي" :الذان" :أي
إذا أذن وكان مؤتمنا ً اعتبر أذانه علمة على دخول
الوقت ،وجازت صلة ذلك الوقت) (3و " الصلة " :أي
العلم بجهة القبلة ".وفي الصوم " :أي العلم
)(4
بطلوع الفجر أو غروب الشمس.
ثم أجمل البخاري بعد التفصيل فقال " :والفرائض
)(5
والحكام "
وأذكر منها حديثين لتبيين حكمة البخاري رحمه الله
في حصر دللة الحاديث على ما ذكر.
ل :أخرج -رحمه الله -بسنده عن عبد الله بن عمر أو ً
-رضي الله عنهما -عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال) :إن بلل ً ينادي بليل ،فكلوا واشربوا حتى
80
)(1
ينادي ابن أم مكتوم(
ثانيًا :أخرج بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنه قال):ب َْينا الناس بقباء في صلة الصبح إذ جاءهم
آت فقال :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
مر أن يستقبل الكعبة أنزل عليه قرآن ،وقد أ ِ
فاستقبلوها ،وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا
)(2
إلى الكعبة(
ول نطيل بذكر باقي الحاديث لن مراد البخاري
قه البخاري رحمه الله دللت الحاديث واضح ،وقد فَ ِ
فحصرها في عنوان الباب.ويقول الحافظ ابن حجر:
صد الترجمة الرد به على من يقول :إن الخبر ل ) ...قَ ْ
يحتج به إل إذا رواه أكثر من شخص واحد ،حتى يصير
كالشهادة ...وهو منقول عن بعض المعتزلة ،ونقله
(3).
الماَزري وغيره عن أبي علي الجبائي(
وهذا هو الذي يحتمل احتمال ً راجحا ً أن يكون مراد
)(4
البخاري لن المام البخاري كان معاصرا ً للجبائي
ومعلوم أن بوادر إنكار ثبوت بعض الخبار ظهر في
)(5
دوائر الفكر المعتزلي قبله على يد عمرو بن عبيد
81
ونقل الخطيب البغدادي) (1عددا ً من الخبار التي ردها
عمرو وأنكر على رواتها .(2).وبعد هذه الفترة بقليل
ينقل الشافعي مناظرة له مع أشخاص من البصرة
أنكروا حجية الخبار) .(3ولكن ل يبدو حتى هذه الحقبة
من الزمن استقرار الراء المختلفة في حجية أخبار
الحاد في جملة ما يحتج به من الحكام الفقهية
وغيرها .غاية المر أنه قد فشا وانتشر إنكار ثبوت
بعض الخبار لغرابة في متونها أو ظهور مناقضة فيها
لما ثبت لدى المنكر .ويدل على ذلك أنه ل يظهر في
)(6) (5
الردود التي أجيب بها على النظام) (4وأبي هذيل
التزامهم بمنهج متكامل واحد في رد شيء من الخبار
التي ردوها أو رموها بالتناقض.
ولهذا الضطراب وعدم اتضاح معالم المناهج
المختلفة من حجية أخبار الحاد أرى أن من العسير
إلزام من تكلم في مطلق حجية خبر الحاد في هذه
الحقبة بأنه أراد حجيته في مسائل العتقاد أيضًا.
ولهذا أيضا ً ل يصح حمل مراد البخاري -رحمه الله -
82
في إثبات حجية أخبار الحاد على حجيتها في العقائد،
ص على الموضع الذي تدل خاصة وأن المام قد ن ّ
الدلة على حجيتها فيه ،وهي الحكام الشرعية كما
سبق.
وقد فهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله -من صنيع
المام البخاري في صحيحه أنه يحتج بأخبار الحاد
التي خّرجها .فيقول):الذي يظهر من تصرف البخاري
في كتاب التوحيد أنه يسوق الحاديث التي وردت في
الصفات المقدسة ،فيدخل كل حديث منها في باب،
ويؤيده بآية من القرآن للشارة إلى خروجها عن
أخبار الحاد على طريق التنزل في ترك الحتجاج بها
في العتقاديات((1).والذي يبدو لي -والله أعلم -أن
البخاري لم يلتفت إلى هذا ،بل أراد أن يظهر عمليا ً
أن السنة الشريفة هي المصدر الثاني من مصادر
التشريع وهي بيان القرآن وتفسيره.
ويدل على هذا أن تصرفه هذا شامل لجميع صحيحه،
ففي أي باب وجد فيه آية من كتاب الله تشير إلى
أحاديث الباب جعلها عنوانا ً للباب ،فمثل ً عقد البخاري
ب :كيف كان بدء أول أبواب صحيحه تحت عنوان )با ٌ
الوحي إلى رسول الله( صلى الله عليه وسلم وقول
الله جل ذكره " :إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح
)(2
والنبيين من بعده"(.
وفي كتاب العلم عقد أول أبوابه تحت عنوان) :فضل
العلم وقول الله تعالى " :يرفع الله الذين آمنوا منكم
)(3
والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير"(
ب زدني علما ً "( (4).وفي كتابوقوله عز وجل" :ر ِ
البيوع عقد بابا ً تحت عنوان) :الكيل على البائع
فتح الباري 13/445 ()1
انظر المصدر السابق 1/9والية 163من سورة النساء. ()2
سورة )المجادلة( الية )(11 () 3
سورة )طه( الية )(114 ()4
83
والمعطي ،وقول الله عز وجل " :وإذا كالوهم أو
)(1
وزنوهم يخسرون"(.
ً ً
والذي يزيد هذا المر تأكيدا أنه عقد أبوابا في كتاب
التوحيد غير مؤيدة بآية من القرآن في صدر الباب،
منها )باب :أن لله مائة اسم إل واحدًا() (2ومنها:باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم):ل شخص أغير من
)(3
الله(
والحاصل أن المام البخاري لم ينص في صحيحه
على شيء من حجية خبر الحاد الوارد في مسائل
العتقاد .والمارات التي فُِهم منها أنه أراد إثبات
حجيته فيها ل تشير إلى ذلك.
84
)(1
صُعب على المشتهرة في طبعات الصحيح ولهذا َ
الباحثين نسبة شيء إلى المام مسلم في المسألة.
ولم يبق أمارة أو قرينة تدل على رأيه غير تخريجه
لحاديث العقائد ،مع التزامه الصحة فيما خرجه في
كتابه .وهاهنا أسئلة تتضح المسألة بالجواب عنهما
السؤال الول :هل يدل تخريج المام مسلم
وغيره من الئمة الذين التزموا الصحة على
اعتقادهم بمضمونه؟
مع غياب التصريح والنص من أصحاب الصحاح في
الجابة على السؤال الول ُتركت الجابة لرأي
الباحثين .فيقول الدكتور الشقر):ومن نظر في كتب
المحدثين العلم علم يقينا ً أن مذهبهم الحتجاج
بأحاديث الحاد ،فالبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وغيرهم يوردون
أحاديث الحاد في كتبهم محتجين بها ،فابن خزيمة
تت وعشرا ٍ مثل ً ألف كتاب التوحيد واحتج فيه بعشرا ٍ
)(2
من أحاديث الحاد في باب العقائد(.
وهذا الحكم على صنيع هؤلء المصنفين فيه نظر لنه
مبني على أنه ل واسطة بين رد الخبر وإثبات العقيدة
به وتكفير مخالفه .وجمهور العلماء على إثبات
واسطة بينهما ،فإذا صح إسناد الحديث ولم يعاِرض ما
هو أقوى منه فل موجب ول وجه لنكاره ،ويجب
تصديقه دون القطع والجزم بموجبه .وهو على هذه
انظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى ،تقي الدين
السبكي 168-5/166مطبعة دار المعرفة بيروت ،الطبعة
الثانية ،وانظر العبر الذهبي ،33/334وطبقات الشافعية
السنوي ،2/266والعلم الزركلي .9/184
()1انظر شرح صحيح مسلم بن الحجاج ،النووي ) 676هـ(
،1/16وطرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم د -عبد المهدي بن عبد القادر267 ،
()2أصل العتقاد ،الشقر ،وانظر نحوه في حجية أحاديث
الحاد ،المين الحاج .61
85
الحال حجة ظنية ،فيصح ويحتمل أن يخّرج المصنف
مثل هذا الحديث للحتجاج به على هذا الوجه .وإذا
كان هذا الوجه جائزا ً ومحتمل ً فمن أين يحصل اليقين
الذي ذكر الشقر في إلزام المصنفين بالعتقاد َ بما
خرجوه من الحاديث تصحيحا ً لها ؟
والسؤال الثاني :هل أراد المام مسلم
وغيره من أصحاب الصحاح إلزام المسلمين
بالعتقاد بما خرجوه من أحاديث العقائد؟
لو فرضنا أن أحدا ً من الئمة صرح بوجوب العتقاد
بما خرجه في صحيحه فهل يسلم له بذلك؟ لن نجيب
على هذا السؤال في هذا الموضع لنه أحدا ً من المة
لم يعمل بجميع ما في الصحاح من أبواب الفقه مع
أنه يكتفى فيه بالظن فضل ً عن العمل بكل ما فيها
في أبواب العقائد .وهذا ظاهر وله وجه معروف في
الفقه وأصوله .فكيف تسلم المة لصاحب الصحيح
بوجوب القطع بكل ما صححه في أبواب العتقاد.
السؤال الثالث :هل يعني حكم أحد الئمة
بالصحة على حديث ما أنه ثابت عنده من
قول النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل
القطع واليقين ؟
صنيع الشيخين يجيب بعدم قطعهما بصدور ما أخرجاه
عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجه ل يحتمل
أدنى درجات الشك .لنا نرى في ما خرجه صاحب
الصحيح جملة من الحاديث التي اختلف في روايتها
اختلفا ً يمنع القطع برواية منها .وقد تتبع النقاد
مخالفة الراوي لغيره في كتب الصحاح غير منكرين
لوقوعه .بل سلموا بوقوع مثل هذه المخالفة قال
الحافظ السيوطي...) :فمجرد مخالفة أحد رواته لمن
هو أوثق منه أو أكثر عددا ً ل يستلزم الضعف ،بل
يكون من باب صحيح وأصح...وأمثلة ذلك في
الصحيحين وغيرهما .فمن ذلك أنهما أخرجا قصة
86
جمل جابر من طرق .وفيها اختلف كثير في مقدار
الّثمن ،وفي اشتراط ركوبه ،وقد رحج البخاري
الطرق التي فيها الشتراط على غيرها مع تخريج
المرين ورجح أيضا كون الثمن أوقية مع تخريجه ما
)(1
يخالف ذلك(
قال المام البخاري رحمه الله):حدثنا أبو نعيم حدثنا
زكرياء قال سمعت عامرا ً يقول حدثني جابر رضي
الله عنه :أنه كان يسير على جمل له قد أعيا .فمر
النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فدعا له فسار
بسير ليس يسير مثله .ثم قال "بعينه بوقية" .قلت
ل .ثم قال "بعينه بوقية" فبعته ،فاستثنيت حملنه إلى
أهلي .فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه .ثم
انصرفت فأرسل على إثري .قال":ما كانت لخذ
جملك فخذ جملك فهو مالك"
قال شعبة عن مغيرة عن عامر عن جابر" :أفقرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إلى
المدينة"
وقال إسحاق عن جرير عن مغيرة" :فبعته على أن
لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة" .وقال عطاء
وغيره " :لك ظهره إلى المدينة "
وقال محمد بن المنكدر عن جابر" :شرط ظهره
إلى المدينة"
وقال زيد بن أسلم عن جابر " :ولك ظهره حتى
ترجع"
وقال أبو الزبير عن جابر" :أفقرناك ظهره إلى
المدينة"
وقال العمش عن سالم عن جابر" :تبلغ عليه إلى
أهلك "
87
وقال عبيد الله ابن إسحاق عن وهب عن جابر:
"اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بوقية" .وتابعه
زيد بن أسلم عن جابر .وقال ابن جريج عن عطاء
وغيره عن جابر" :أخذته بأربعة دنانير" .وهذا يكون
وقية على حساب الدنانير بعشرة دراهم .
...وقال العمش عن سالم عن جابر" :وقية ذهب".
وقال أبو إسحاق عن سالم عن جابر "بمائتي
درهم".
وقال داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن
جابر" :اشتراه بطريق تبوك أحسبه قال بأربع
أواق".
وقال أبو نضرة عن جابر" :اشتراه بعشرين دينارا ً "
وقول الشعبي "بوقية " أكثر الشتراط أكثر وأصح
)(1
عندي قاله أبو عبد الله(
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله) :قال القرطبي:
اختلفوا في ثمن الجمل اختلفا ً ل يقبل التلفيق
وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق وهو مبني على أمر
)(2
لم يصح نقله ول استقام ضبطه(...
مثال آخر :حديث ذي اليدين أخرجه المام
البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه في
حديث طويل ،أنه قال صلى بنا النبي صلى الله عليه
وسلم الظهر أو العصر ،فسلم ،فقال له ذو اليدين:
ت ؟ ،فقال النبي صلى قص ْ الصلة يا رسول الله ،أن َ َ
الله عليه وسلم لصحابه :أحق ما يقول؟ قالوا:
88
)(1
نعم،فصلى ركعتين أخريين،ثم سجد سجدتين(
ت ؟ فقال :لم َ
صر ْ
ت أم ق ِ وفي رواية ...) :فقال :أَنسي َ
)(2
أنس ولم تقصر(.
وفي رواية ...):فقال له ذو اليدين :أقصرت الصلة أم
نسيت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله
)(3
عليه وسلم أصدق ذو اليدين(.
وأخرجه المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي
الله عنه ،أنه قال) :فقام ذو اليدين فقال :يا رسول
الله :أقصرت الصلة أم نسيت ؟ فنظر النبي صلى
ل ،فقال :ما يقول ذو الله عليه وسلم يمينا ً وشما ً
)(4
اليدين ؟.(...
وفي رواية ...) :فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ...:كل ذلك لم يكن ،فقال :قد كان بعض ذلك
يا رسول الله ،فأقبل رسول الله صلى الله عليه
)(5
وسلم على الناس ،فقال :أصدق ذو اليدين.(...
ول شك أن هذه الروايات في حادثة واحدة ،وهي
ثابتة بالسانيد الصحيحة عن صحابي واحد.
وفي إخراج الشيخين لهذه الروايات المتعددة إشارة
إلى عدم قطعهما بما صح عندهما .لن القطع إذ
احصل بثبوت إحدى الروايات دل على خلفه في
باقي في الروايات.
خّرج الشيخان هذه الروايات لنها صحيحة وإنما َ
السناد بنقل الثقة عن الثقة .وزيادة الثقة مقبولة عند
جماهير العلماء من الفقهاء والمحدثين ) (6ويعلل
89
الحافظ العلئي ) (1ذلك فيقول) :لن مدار قبول خبر
الواحد على أنه يغلب على الظن صدق الراوي ،وما
ً )(2
كان كذلك كان العمل به واجبا(.
وصنيع الشيخين في إخراج مثل هذه الروايات يدل
على أن القطع بثبوت الرواية عن النبي صلى الله
عليه وسلم ليس من شرطهما.
ومن المستبعد مع هذا الصنيع أن نجعل تخريج
الصحيح عندهما في العقائد يدل على حكمهما
بوجوب العتقاد بمضمونه وتكفير مخالفه .لن القطع
في ثبوته غير حاصل عندهما فضل ً عن عن القطع
بثبوتهما عند غيرهما.
90
من الخبار التي تنحط عن هذه الرتبة فيترجم للول
بنحو قوله) :ذكر إيجاب الشفاعة لمن مات من أمة
المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ل يشرك بالله
)(1
شيئًا(.
ومن ذلك) :ذكر إثبات الشفاعة لمن يكثر الكبائر في
)(2
الدنيا(.
ً
ومن ذلك أيضا) :إيجاب الجنة لمن شهد لله جل وعل
بالوحدانية مع تحريم النار عليه(
حض قول من أنكر عذاب ومنه أيضًا) :ذكر الخبر المد ِ
(3) .
القبر(
ً
ومنه أيضا) :إيجاب النار لمتعمد الكذب على رسول
)(4
الله صلى الله عليه وسلم(.
ويترجم للثاني بنحو قوله) :ذكر الخبار عن رؤية
)(5
المصطفى صلى الله عليه وسلم ربه جل وعل(.
ومنه أيضًا) :ذكر الخبار عن وصف بعض العذاب الذي
)(6
يعذب به الكافر في قبره(.
ومنه أيضًا):ذكر الخبار عن وصف المقام المحمود
الذي وعد الله جل وعل صفيه صلى الله عليه وسلم(
)(7ومنه أيضًا) :ذكر الخبار عن وصف التنين الذي
)(8
يسلط على الكافر في قبره(.
وفي ما سبق إشارة لتفريق الحافظ بين ما هو
ثابت على سبيل القطع وبين ما سواه.
91
القسم الثاني :المصنفات التي خصصت لحاديث العقائد:
مع بداية القرن الثاني للهجرة بدأت ظاهرة الطعن
بثبوت بعض الخبار والقدح في رواتها ،وسبقت
الشارة إلى صنيع عمرو بن عبيد وأبي الهذيل العلف
والنظام من المعتزلة.
واشتد وقع هذه الظاهرة على المحدثين ،خاصة بعد
ما صنف بشر بن غياث المريسي) (1كتايا ً رد فيه كثيرا ً
من الخبار الواردة في اللهيات .فبدأ بعض المحدثين
بالتصنيف المستقل لحاديث العقائد ردا ً على
الخصوم ،وكثيرا ً ما سميت هذه المصنفات بالسنة،
ة للبدعة.مقَابل ً
فصنف المام أبو داود كتابا ً في السنة ثم ألحق
معظم أحاديثه في باب السنة من كتاب السنن.
وصنف عثمان بن سعيد الدارمي) (2كتابين )رد المام
عثمان بن سعيد على المريسي العنيد( )والرد على
الجهمية( .وصنف عبد الله بن أحمد بن حنبل ) (3كتابا ً
سماه )السنة(.
وصنف الحافظ ابن خزيمة كتاب التوحيد وإثبات
صفات الرب.
وصنف الحافظ ابن مندة كتابه اليمان.
وصنف الحافظ الللكائي) (4كتابه )شرح أصول اعتقاد
()1هو بشر بن غياث المريسي ) 218هـ( فقيه معتزلي،
وكان داعية إلى القول بخلق القرآن ،ورمي بالزندقة
والبدعة ،انظر ترجمته في العبر ،الذهبي ،1/294والعلم
.2/28
()2هو عثمان بن سعيد الدرامي ) 280هـ( أحد الحفاظ
المشتغلين بعلم الحديث ،انظر ترجمته في العبر ،1/403
وطبقات الشافعية ،السنوي .1/294
()3هو عبد الله بن أحمد بن حنبل ) 290هـ( كان من
الحفاظ للحديث ،وهو الذي رتب مسند والده ،انظر ترجمته
في العبر ،الذهبي ،1/418والعلم .4/189
()4هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن المنصور
92
أهل السنة والجماعة(.
)(1
وصنف ابن أبي عاصم كتابه )السنة(.
صنف في العقائد مصنفات كثيرة لم يصلنا شيء و ُ
)(2
منها. ....
وهؤلء المصنفون -رحمهم الله -هم الذين
احتجوا بأخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد.
خّرجت على ويظهر بين ثنايا هذه المؤلفات أحاديث ُ
عجل وانفعال وغيرة شديدة على كل ما أضيف إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ولو بسند ل يخلو من
رجال تكلم فيهم ،أو متن ل يخلو من غرابة أو نكارة.
وأسوق للتمثيل مثال ً واحدا ً من كل كتاب ،على أن
يأتي التفصيل في الباب الثاني إن شاء الله تعالى.
ل :كتاب السنة لبي داود:أو ً
أخرج المام أبو داود رحمه الله من طرق عن جبير
بن مطعم رضي الله عنه قال:
ل الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: أتى رسو َ
يا رسول الله جهدت النفس وضاعت العيال ونهكت
الموال ،وهلكت النعام ،فاستسق الله لنا ،فإنا
نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك ،قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم) :ويحك ،أتدري ما
تقول ؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما
زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ،ثم
الللكائي ) 418هـ( ففيه شافعي حافظ للحديث ،الللكائي:
نسبة إلى بيع "اللوالك " التي تلبس في الرجل ،انظر
ترجمت في العبر ،الذهبي ،2/236وطبقات الشافعي،
السنوي ،2/191والعلم ،الزركلي .9/57
()1هو أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني )287
هـ( قاضي أصبهان ،محدث وفقيه ظاهري وعرف بالصلح
والورع ،انظر ترجمته في العبر ،الذهبي ،1/413والعلم،
الزركلي .1/182
()2انظر تعداد هذه المصنفات في مقدمة عقائد السلف.
النشار
93
قال :ويحك إنه ل يستشفع بالله على أحد من خلقه،
شأن الله أعظم من ذلك ،ويحك أتدري ما الله ،إن
عرشه على سماواته -وقال بأصابعه مثل القبة عليه
(1).
-وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب(
وصححه المام أبو داود من طريق أحمد بن سعيد
الرباطي.
)(2
قال الذهبي) :لفظ الطيط لم يأت في نص ثابت(
ثانيًا :الرد على الجهمية:
أخرج الدارمي رحمه الله بسنده عن أنس بن مالك
ل :وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ً طوي ً
قال ...) :فإذا كان يوم الجمعة هبط الرب تبارك
وتعالى من عرشه إلى كرسيه وحف الكرسي بمنابر
من نور ،فيجلس عليها النبيون - .إلى أن قال ثم
)(3
يرتفع الرب عن كرسيه إلى عرشه(.
ثالثا ً كتاب الرد على المريسي:
أخرج الدارمي بسنده عن عبد الله بن خليفة قال:
أتت مرآة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
ظم الرب ،فقال :إن أدع الله أن يدخلني الجنة ،فع ّ
كرسيه وسع السماوات والرض ،وإنه ليقعد عليه فما
يفضل منه شيء إل قدر أربع أصابع -ومد أصابعه
حل الجديد إذا ركبه الربع -وإن له أطيطا ً كأطيط الَر ْ
)(4
من ثقله(
()1في كتاب السنة .18/4726وسيأتي تخريجه موسعا ً
وتفصيل آراء العلماء في حجيته في الباب الثاني
()2مختصر العلو للعلي الغفار ،محمد ناصر اللباني ،124
طبعة المكتب السلمي -بيروت 1981هـ.
()3انظر الرد على الجهمية 302ضمن مجموعة عقائد
السلف ،علي سامي النشار ،طبع شركة السكندرية -مصر
1971م .وسيأتي تخريجه موسعا ً والكلم عليه في الباب
الثاني.
()4الرد على المريسي 432ضمن مجموعة عقائد السلف،
وسيأتي تفصيل المسألة في الباب الثاني.
94
رابعًا :السنة :لعبد الله بن أحمد
وأخرج بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما :قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )ل تقبحوا
)(1
الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن(.
أخرج بسنده عن عبد الله بن أبي سلمة أن عبد الله
بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعث إلى عبد
الله بن العباس رضي الله عنهما يسأله :هل رأى
محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟
ن نعم ،فرد عليه َ
فأرسل إليه عبد الله بن العباس أ ْ
ن كيف رآه ؟ قال :فأرسل أنه رآه َ
عبد الله بن عمر أ ْ
في روضة خضراء ،دونه فراش من ذهب على كرسي
من ذهب يحمله أربعة من الملئكة ملك في صورة
رجل ،وملك في صورة ثور ،وملك في صورة نسر،
)(2
وملك في صورة أسد(
وسيأتي مزيد بيان لبعض الخبار التي أخرجها
ً
المصنفون في كتب السنة والعقائد .ول تصح سندا ول
متنًا .ول يكاد يظهر وجه لحتجاجهم بها وتشنيعهم
على من أنكرها ونسبته إلى البدعة أو الجهمية.
95
المبحث الثالث :احتجاج المتكلمين
بخبر الحاد.
وفيه مطلبان
96
المبحث الثالث :احتجاج المتكلمين بخبر
الحاد.
97
خبرهم ل بد أن يكونوا عدول ً ضابطين ،لن الغرض
من دراسة إفادة أخبارهم هو الوصول إلى رأي معين
في مدى الحتجاج بأخبارهم في مسائل العتقاد.
وقد فرق المتكلمون في إفادة الخبر بين
حالتين:
الولى :ما يفيده الخبر بنفسه من غير اعتبار المور
الخارجة عن معنى الخبار فيه ،نحو اعتبار مضمونه،
أو اعتبار الظرف الذي حصل فيه الخبار ،أو اعتبار
حال المخَبرين ،وغير ذلك من المور التي يمكن
اعتبارها في إفادة الخبر بذاته.
الثانية :ما يفيده الخبر باعتبار المور الزائدة
الخارجية.
ول بد من تفصيل البحث في إفادة خبر الحاد في كلتا
الحالتين ،لن الخلف في حجية أخبار الحاد الواردة
في العقائد هو ثمرة الخلف في هذه المسألة:
98
على أكثر من معنى.
قال الفيروزآبادي) :الظن هو التردد الراجح بين
طرفي العتقاد غير الجازم...وقد يوضع موضع العلم(
)(1
99
)(3
ومنهم ابن فورك ) (1والبغدادي ) (2والجويني
والغزالي ) (4والرازي ) (5والمدي) (6ولم أعثر على
خلف في ذلك بينهم.
ّ
ومن الماتريدية القائلين بذلك :البزدوي صاحب مسلم
الثبوت وشارحه النصاري) (7والسرخسي) (8والعلء
البخاري) (9والكمال ابن الهمام ) (10ولم أعثر على
خلف في ذلك بينهم.
)(11
ومن المعتزلة القائلين بذلك أبو الحسين البصري
والقاضي عبد الجبار ) (12ولم أعثر فيه على خلف
()1انظر مشكل الحديث وبيانه ،269طبعة دار الكتب
العلمية -بيروت 1980 -م.
وابن فورك :هو محمد بن الحسن ،إمام ل يجارى في الفقه
والصول والكلم والوعظ والنحو والزهد ،انظر :طبقات
السبكي .3/52
()2انظر أصول الدين ،12طبعة دار الكتب العلمية-بيروت-
.1980والبغدادي :هو الستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر
) 429هـ( إمام ل يساجل في الصول وعلم الكلم ،انظر
ترجمته في طبقات السبكي ،3/328والعلم ،الزركلي
.4/173
()3انظر الرشاد .416
()4انظر المستصفى .1/145
()5انظر الساس في التقديس .168طبعة البابي الحلبي -
مصر 1935م.
()6انظر :الحكام .2/280
()7انظر فواتح الرحموت .2/121
()8انظر أصول السرخسي .2/121
()9انظر كشف السرار .1/329والعلء البخاري هو :عبد
الرحمن بن أحمد ) 730هـ( فقيه حنفي أصولي ،انظر العلم
.4/137
()10انظر المسامرة للكمال بن أبي شريف بشرح المسايرة
للكمال ابن الهمام ،11-10المطبعة الميرية-بولق1983 -
م.
()11انظر المعتمد .2/566
()12انظر شرح الصول الخمسة ،769تحقيق عبد الكريم
100
بينهم .ومن الخوارج الباضية القائلين بذلك :عبد الله
)(2
السالمي ) (1ول أعلم فيه خلفا ً بينهم.
ومن الزيدية القائلين بذلك ابن الوزير) (3والقاسم بن
)(5
محمد العلوي) (4والشوكاني
)(6
ومن المحدثين القائلين بذلك :الخطابي والبيهقي
101
)(3
والنووي. )(2
والحازمي )(1
والخطيب البغدادي
)(4
والسيوطي
أدلة من حكم بإفادته الظن:
استدل الجمهور على ذلك بأدلة منها:
ل :إن حصول العلم به أمر وجداني ،وتأثيرات أو ً
الدلة في النفوس بحسب المؤثر ،ول نجد في أنفسنا
ن بلغ الغاية في العدالة سوى من خبر الواحد وإ ْ
)(5
ترجيح صدقه على كذبه ،من غير قطع.
ثانيًا :لو كان خبر الواحد الثقة مفيدا ً للعلم بمجرده
وأخبر ثقة آخر بضد خبره:
فإما أن يقال :كل خبر منهما يفيد العلم ،وهو محال
لنه يستلزم متناقضين.
102
وإما أن نقول خبر أحدهما يفيد العلم دون الخر،وهذا
)(1
مناقض لصل الدعوى بأن خبر الواحد يفيد العلم.
والواقع يشهد أن العدل قد يخالف غيره بل الواقع
يشهد أنه ل يكاد ينجو منه أحد من الرواة.
ثالثًا :إن كل عاقل يجد من نفسه إذا ما سمع خبرا ً
من واحد ثم سمعه من غيره ازدياد َ اعتقاده ،ولو كان
خبر الول مفيدا ً للعلم لما شعرنا بازدياد الثقة بالخبر
ما سمعناه من الثاني ،والعلم غير قابل في نفسه لَ ّ
للزيادة والنقصان.
وقد يحصل التفاوت بين العلوم من جهة أخرى ل ترد
على ما ذكرنا ،كالتفاوت بين العلم الذي يحصل
بالضرورة من غير اكتساب والعلم الذي يحصل
بالكتساب ،وهذا التفاوت ليس في نفس العلم
بالمعلوم ،بل من جهة افتقار أحدهما إلى النظر دون
الخر وأن أحدهما أسرع حصول ً من الخر أما العلوم
)(2
من حيث هي علوم فل يتصور فيها زيادة ول نقصان
رابعًا :يلزم من القول بإفادة خبر الحاد العلم
مجموعة لوازم فاسدة تدل على فساده أيضًا .منها
أنه لو كان يفيد بمجرده العلم لكان العلم حاصل ً بنبوة
من أخبر بكونه نبيا ً من غير حاجة إلى معجزة تدل
م بشهادة على صدقه ،ولوجب أن يحصل للحاكم العل ُ
الشاهد الواحد ،وأنه ل يفتقر معه إلى شاهدٍ آخر لما
)(3
فيه من طلب تحصيل الحاصل.
خامسًا :لو حصل العلم بخبر الحاد بمجرده لما جاز
لمسلم أن يعدل عن ما أسنده العدل إلى النبي صلى
الله عليه وسلم بوجه من الوجوه ،وواقع الفقهاء ل
ت معارضته ح ْ يدل على ذلك ،ولو أفاد بمجرده ل َ َ
ص َ
103
)(1
لخبر التواتر وكل ذلك خلف الجماع.
سادسًا :يمكن أن أضيف إلى الدلة السابقة دليل
يستلزم بالضرورة العتراف بإفادته الظن الراجح.
وخلصته أن الشروط المعتبرة في تصحيح الحديث
وتضيعفه شروط أغلبية ظنية ُيكتفى في تحصيلها
بالظن الراجح .وهذا الظن ل يمكن أن ينتج علما ً
وقطعا ً بثبوت الخبر .فالحكم بالعدالة والضبط
والتحقق من اتصال السند والسلمة من الشذوذ
والعلة كل ذلك يكتفى فيه بالظن الراجح.
وبيانه من وجوه
الوجه الول :الحكم بالعدالة حكم ظني .فمن
المعروف أن تعديل الراوي حكم على ما يظهر من
حاله كتزكية الشاهد وهي حكم ظني .ولو كان قطعيا ً
لما حصل هذا الخلف المعروف في توثيق جملة من
الرواة .بل نص الذهبي على ما يفيد أن حكم المجرح
الواحد اجتهادي ظني ،وربما يختلف حكمه في راو
واحد .فقد ذكر يحيى بن معين وكلمه في نقد بعض
الئمة ثم قال...) :وكلمه كثير إلى الغاية في الرجال
وغالبه صواب وجيد ،وقد ينفرد بالكلم في الرجل بعد
الرجل فيلوح خطأه في اجتهاده بما قلناه ،فإنه بشر
من البشر وليس بمعصوم ،بل هو في نفسه يوثق
الشيخ تارة ويختلف اجتهاده في الرجل الرواة فيجيب
السائل بحسب ما اجتهد من القول في ذلك الوقت(
)(2
104
على سبر جملة من مرويات الراوي ومقارنتها مع
رواية الحفاظ ،فإن غلبت موافقته على مخالفته حكم
بضبطه ،مع العتراف بتجويز الخطأ ولو في أعلى
درجات التوثيق .قال الحافظ الذهبي...) :فأما
الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي وإن جرى
ما جرى وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات فما
يكاد يسلم أحد من الغلط ،لكنه غلط نادر ل يضر أبدا،
إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل ،وبه ندين الله
تعالى .وأما التابعون فيكاد ُيعدم فيهم من يكذب
عمدًا .ولكن لهم غلط وأوهام ،فمن ندر غلطه في
جنب ما قد حصل احتمل ،ومن تعدد غلطه وكان من
عمل به على أوعية العلم اغتفر له أيضا ً وُنقل حديثه و ُ
)(1
تردد بين الئمة الثبات في الحتجاج بمن هذا نعته(
ولو سلمنا أن العارف الناقد يجد من نفسه قطعا ً
باستيفاء شرائط الصحة فل يلزم من ذلك أن يتعدى
قطعه إلى القطع بثبوت الخبر .فل شك في أن
تحصيل هذه الشرائط الظنية ل يفيد العلم بثبوت
الخبر .لننا نفرق بين الظن الذي يلحق إدراك
الباحث عن استيفاء هذه الشرائط في أحد الخبار،
وبين الظن الذي يلحق الخبر في ثبوته ولو بعد
القطع باستيفاء شروطه .لن تحقق هذه الشرائط
ل يزيد على قول الناقد صادقًا :أنا أقطع بتحقق
شرائط الصحة الظنية في هذا الخبر.
وقد أدى الخلط بين الموضعين إلى اختلط مفهوم
الصحة اللغوي بالمفهوم الصطلحي في عبارات
بعض المحدثين .فالحافظ السيوطي رحمه الله
ينص على التفريق بين المفهومين فيقول) :وإذا
قيل :هذا حديث صحيح فهذا معناه ما اتصل سنده
مع الوصاف المذكورة فقبلناه عمل ً بظاهر السناد،
()1الرواة الثقات المتكلم فيهم بما ل يوجب رد حديثهم -24
.26
105
ل أنه مقطوع به في نفس المر لجواز الخطأ
والنسيان على الثقة خلفا ً لمن قال إن خبر الواحد
)(1
يوجب القطع(
ثم تننبه السيوطي رحمه الله إلى ما وقع به بعض
المحدثين من اضطراب عند ادعاء تطابق الصحة
الصطلحية مع القطع واليقين .فقال) :قال – ابن
الصلح : -وهذه النواع التي ذكرناها ل يحصل العلم
فيها إل للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال
الرواة والعلل .وكون غيره ل يحصل له العلم
لقصوره عن الوصاف المذكورة ل ينفي حصول
العلم للمتبحر المذكور.
وقال ابن كثير :وأنا مع ابن الصلح فيما عول عليه
وأرشد إليه.
قلت :وهو الذي أختاره ول أعتقد سواه.
نعم يبقى الكلم في التوفيق بينه وبين ما ذكره أول ً
من المراد بقولهم:هذا حديث صحيح أنه وجدت فيه
شروط الصحة ،ل أنه مقطوع به في نفس المر،
فإنه مخالف لما هنا فلينظر في الجمع بينهما فإنه
)(2
عسر ولم أر من بينه(
والذي يبدو لي في بيانه أنه ل منازعة في أن العالم
العارف ربما يحصل له العلم باستيفاء الشروط
المعتبرة في الحكم بالصحة .ول منازعة في تسمية
الخبر الذي يستوفي هذه الشرائط خبرا ً صحيحا ً في
الصطلح .ولكنا نفرق بين القطع بتحصيل هذه
الشرائط في خبر من الخبار وبين القطع بثبوت هذا
الخبر .وموضع النزاع يتحدد في أن هذه الشرائط
هل يفيد العلم باستيفائها العلم بثبوت الخبر على
سبيل القطع واليقين؟ فل نسلم أن القطع باستيفاء
هذه الشرائط يوجب القطع بثبوت الخبر ويرفع
()1تدريب الراوي 1/75
()2تدريب الراوي 1/134
106
احتمالت الوهم أو النسيان ونحوها مما ُيلحق الظن
بإفاد الخبر .فالقطع مثل ً باستيفاء الراوي لشرط
الضبط في جملة أخباره ل يلزم منه القطع بصدقه
في كل خبر من أخباره .كما نص عليه المحدثون.
الوجه الثالث :اشتراط السلمة من الشذوذ دليل
على تجويز الخطأ والوهم في رواية الثقة .فمن
المعروف أن تصحيح الرواية ل ُيكتفى فيه بعدالة
الراوي وضبطه ،بل ل بد فيه من اشتراط سلمته من
الشذوذ والعلة .فكيف ُيتصور تحصيل العلم برواية
العدل الضابط مع العتراف بإمكان مخالفته لمن هو
أولى منه؟
وقد نص السيوطي على وقوع الختلف في روايات
الثقات ،ونص على أن المتقدمين من المحدثين
يصححون بعض ما اختلف فيه الثقات فقال رحمه
الله ):قال شيخ السلم :السناد إذا كان متصل
ورواته كلهم عدول ً ضابطين فقد انتفت عنه العلل
الظاهرة .ثم إذا انتفى كونه معلول ً فما المانع من
الحكم بصحته؟ فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو
أوثق منه أو أكثر عددا ً ل يستلزم الضعف بل يكون
من باب صحيح وأصح.
قال :ولم ُيرو مع ذلك عن أحد من أئمة الحديث
اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة وإنما
الموجود من تصرفاتهم تقديم بعض ذلك على بعض
في الصحة.
وأمثلة ذلك في الصحيحين وغيرهما .فمن ذلك أنهما
أخرجا قصة جمل جابر من طرق ،وفيها اختلف كثير
في مقدار الثمن ،وفي اشتراط ركوبه .وقد رحج
البخاري الطرق التي فيها الشتراط على غيرها مع
تخريج المرين .ورجح أيضا ً كون الثمن أوقية مع
107
)(1
تخريجه ما يخالف ذلك(...
فإن قيل :إن خبر الثقة يفيد العلم والقطع بعد الحكم
بسلمته من الشذوذ والمخالفة؟
فالجواب :أن الكلم في تجويز الوهم وإمكان وقوعه
في رواية الثقة .وهذا التجويز هو الذي أوجب على
النقاد تنقيب روايات الثقات واشتراط السلمة من
المخالفة في اعتبار الصحة .وإذا حكم الناقد بنفي
وجدان المخالفة فل يدل نفي وجدانها على نفي
إمكانها ونفي إحتمال وقوعها .فيقتصر أثر حكم النقاد
بعدم الوجدان على استيفاء شرائط الصحة
الصطلحية ،ويبقى حصول الوهم على إمكانه
وتجويزه .وهو الذي يمنع من ادعاء تحصيل القطع
بخبر الثقة.
الوجه الرابع :اشتراط السلمة من العلة القادحة
يدل على أن خبر الثقة ل يفيد العلم.
فكيف ُيتصور أن يفيد خبر الثقة العلم مع اشتراط
سلمته من العلل مع ما هو معلوم في مبحث العلل
من خفاءها واختلف المصنفين والنقاد في تصحيح
بعض الخبار وتعليلها .ومع ما هو معلوم من اختلف
الناس في قبول حكم المصحح أو المعلل.
محك ٌوأوضح من ذلك أن حكم الناقد بتعليل الخبر ُ
م ظني .ولو كان خبر نص المحدثون على أنه حك ٌ
الثقة يفيد العلم لما جاز تعليله بالظن قال السيوطي:
)والعلة عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر
السلمة منه ،ويتطرق إلى السناد الجامع شروط
الصحة ظاهرًا ،وتدرك بتفرد الراوي وبمخالفة غيره
ف
ل أو وق ٍ له مع قرائن تنبه العارف على وهم ٍ بإرسا ٍ
ث في حديث .ذلك بحيث يغلب على أو دخول حدي ٍ
108
)(1
ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف(
سابعًا :تقسيم الحديث الصحيح إلى مراتب
تتفاضل في درجات الثبوت يدل على إفادته الظن.
قال ابن الصلح ) :ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في
القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة
التي تنبني الصحة عليها ،وتنقسم باعتبار ذلك إلى
أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر ،ولهذا
نرى المساك عن الحكم لسناد أو حديث بأنه الصح
على الطلق().(2
وهذا العتراف بتفاوت الخبار الصحيحة في درجات
ثبوتها وانقسامها إلى الصحيح والصح ل ُيتصور إذا
كان الصحيح يفيد القطع بثبوته .فل يتصور في خبر
ل ،لن القطع متواتر أن يكون أصح من خبر متواتر مث ً
يعني نفي أدنى درجات الشك والوهم .ومع اشتراك
الخبرين في تحصيل هذه الرتبة ل يبقى إمكان لتصور
التفاضل في درجات الثبوت .أما الخبار الظنية فهي
التي تكون محل ً لتفاوت درجات الظن تفاوتا ً يؤذن
بالتفاضل في درجات الثبوت بعد الشتراك في أصل
الوصف بالصحة.
ثامنًا :قبول الرواية بالمعنى واتفاق جمهور المحدثين
على جواز الرواية بالمعني وعدم اعتبار أداء اللفظ
في شرائط الصحة يمنع من تحصيل القطع .فالرواية
بالمعنى تحيل القطع بصدور اللفظ عن النبي صلى
الله عليه وسلم .ومعلوم أن تصرف بعض الرواة
ببعض اللفاظ التي حسبوها توافق المعنى المراد
كان من أهم أسباب الخلف الذي حصل في مسائل
العتقاد .ول شك أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم
هو اللفظ المعصوم دون اللفظ الذي يعده الرواي
مؤديا ً لمراد المعصوم .والتسامح مع الرواية بالمعنى
()1تدريب الراوي .252/ 1
()2مقدمة ابن الصلح ص .18
109
في أبواب الحلل والحرام له ما يبرره لن الظن
الراجح حجة في هذه البواب دون العقائد.
وبهذا يثبت أن رأي جمهور المة في إفادة خبر
الحاد الظن الراجح رأي سديد يشهد له الواقع
والعيان ويثبت بالدلة المذكورة.
الرأي الثاني :إفادته العلم.
صرح بإفادة خبر الحاد العلم بعض المحدثين ،وبعض
الحنابلة ،وأهل الظاهر ،وتابعهم على ذلك عدد من
المعاصرين.
ومن هؤلء المحدثين الذين صرحوا بإفادته العلم
ابن قتيبة ) -(1رحمه الله -فقد ساق اضطراب القوال
في تحديد عدد التواتر الذي تثبت به الخبار ثم قال:
)وهذه الختيارات إنما اختلفت لختلف عقول الناس
وكل يختار على قدر عقله،ولو رجعوا إلى أن الله
تعالى إنما أرسل إلى الخلق كافة رسول ً واحدًا...
ودلهم ذلك على أن الصادق العدل صادق الخبر ،كما
أن الرسول الواحد المبلغ عن الله تعالى صادق
الخبر()(2وسيأتي بيان ما في هذا الستدلل من نظر.
ومنهم أيضًا :الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي،
فقد ذكر كتاب السنن للترمذي وقسمه إلى أربعة
أقسام وذكر أعلها فقال):قسم صحيح مقطوع به
ً )(3
وهو ما وافق فيه البخاري ومسلما(
ومن الحنابلة الذين صرحوا بذلك القاضي أبو يعلي
)(5
الفراء) ،(4وابن تيميه
قال القاضي) :خبر الحاد يوجب العلم من طريق
110
)(1
الستدلل ،ل من جهة الضرورة(.
وقال ابن تيميه) :الخبر الذي يجب قبوله شرعا ً ل
يكون باطل ً في نفس المر ،ومما يحقق أن خبر
م الحجة القوية الواحد الواجب قبوله يوجب العلم قيا ُ
على جواز نسخ المقطوع به كما في رجوع أهل قباء
عن القبلة التي كانوا يعلمونها ضرورة من دين
)(2
الرسول بخبر الواحد(
ومن أهل الظاهر الذين صرحوا بذلك :ابن حزم إذ
يقول) :إذا جاء خبر الراوي الثقة عن مثله مسندا ً إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مقطوع به على
)(3
أنه حق من عند الله عز وجل(
ويقول) :ما نقله الواحد عن الواحد واتصل برواية
العدول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب
ً )(4
العمل به ووجب العلم بصحته أيضا(
ومن المعاصرين الذين صرحوا بإفادة خبر الحاد
111
العلم الدكتور صبحي الصالح )(1والدكتور محمد عجاج
الخطيب) (2والدكتور عمر الشقر) (3وناصر الدين
اللباني) (4وغيرهم.
112
ن أمكن فيهم تقضي بشهادة الشهود العدول ،وإ ْ
الغلط ،ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم،
)(1
والله ولي ما غاب عنك منهم(.
)(2
وممن تابع ابن القيم على هذا القول ،اللباني
والشقر) (3والمين الحاج محمد (4).وزعم اللباني أن
ص على ذلك فقال) :وقد نص على المام الشافعي ن ّ
أن خبر الواحد يفيد العلم المام مالك والشافعي.(....
)(5
113
العمل على ظاهر صدقهم ،والله ولي ما غاب عنا
منهم.
وفي كلم الشافعي إشارات أخرى إلى عدم إفادة
العلم خبر الحاد عنده .ومن ذلك قول الشافعي
ت:يلزمك أن تثبت ت :نعم ،قل ُ لمناظره ....) :فإن قل َ
)(1
خبر الواحد على ما يمكن فيه من الغلط(.
بل عموم مناظرة المام الشافعي للزام مناظره
بإثبات حجية خبر الحاد في إثبات الحكام الشرعية
على ما يمكن فيه من الخطأ والسهو.
ولهذا ل تصح نسبة القول بإفادة العلم من أخبار
الحاد إلى المام الشافعي ،وعبارة الشافعي التي
فهم منها ابن القيم ومتابعوه أن الشافعي يقول
بإفادة خبر الحاد العلم ل تدل على ذلك أبدا ً بل يفهم
منها خلف ذلك بل تكلف ول تأويل .أما أن الشافعي
نص على ذلك -كما قال الشيخ اللباني ،فهو وهم
ظاهر.
ونسب ابن حزم هذا الرأي إلى الحارث المحاسبي
وأبي سليمان الخطابي وقال) :ذكره ابن خويز منذاد
عن مالك بن أنس( (2).وهو واهم في هذه النسبة.
أما الحارث المحاسبي فقد وقف الزركشي على كلم
له مخالف لما نسبه إليه .يقول الزركشي تعليقا ً على
كلم ابن حزم):وفيما حكاه عن الحارث نظر ،فإني
رأيت كلمه في كتاب)فهم السنن( نقل عن أكثر أهل
الحديث وأهل الرأي والفقه أنه ل يفيد العلم ،ثم
قال":وقال أقلهم يفيد العلم" ،ولم يخبر شيئًا ،واحتج
بإمكان السهو والغلط من ناقله كالشاهدين ،يجب
)(3
العمل بقولهما ل العلم(.
وأما المام الخطابي فقد نقل عنه تلميذه الحافظ
()1نفس المرجع السابق.
()2الحكام.1/106،
()3انظر البحر المحيط .263-4/262
114
البيهقي في عدة مواطن من كتابه السماء والصفات
أن خبر الحاد ل يفيد العلم .ومن ذلك أن الخطابي
قال تعليقا ً على حديث أخرجه الشيخان في حمل
السماوات على إصبع والرضين على إصبع(1) ..قال:
)الصل في إثبات الصفات أنه ل يجوز إل أن يكون
بكتاب ناطق أو خبر مقطوع بصحته .....وذكر الصابع
لم يوجد في شيء من الكتاب ول من السنة التي
)(2
شرطها في الثبوت ما وصفناه(.
ً
وأما نقل ابن خويز عن مالك فل يصح سندا ،لن ابن
خويز معروف بنقل القوال الشاذة عن مالك وذكر
الحافظ ابن حجر أمثلة لما شذ به عن مالك وقال:
)عنده شواذ عن مالك ،واختيارات وتأويلت لم يعرج
عليها حذاق المذهب ....وقد تكلم فيه أبو الوليد
الباجي ولم يكن بالجيد النظر ول بالقوي في الفقه،
ً )(3
وطعن ابن عبد البر فيه أيضا(.
وقال الزركشي تعليقا ً على ما نسبه ابن خويز إلى
مالك...) :ونازعه الماَزري ،وقال :لم يعثر لمالك على
نص فيه :ولعله رأى مقالة تشير إليه ،ولكنها متأولة(
)(4
115
فمثل ً جاء في رسالة بعثها المام أحمد إلى مسدد بن
)(2
مسرهد)...):(1ونشهد للعشرة أنهم في الجنة.(...
فيقول ابن تيميه رحمه الله) :يشهد المام أحمد
للعشرة بالجنة والخبر فيه) (3خبر واحد ..وهو يقتضي
)(5
أنه يفيد العلم() (4وتابعه على ذلك تلميذه ابن القيم.
ويقول القاضي أبو يعلي) :جاء في رواية حنبل بن
إسحاق أن المام أحمد قال في أحاديث الرؤية نؤمن
بها ونعلم أنها حق( ويقول القاضي تعليقًا) :فقطع
على العلم بها ،وذهب إلى ظاهر هذا الكلم جماعة
من أصحابنا ،وقالوا :خبر الواحد إن كان شرعيا ً أوجب
العلم ،وهذا عندي محمول على وجه صحيح من كلم
)(6
أحمد رحمه الله(.
هذه بعض النصوص التي ألزم بها القاضي أبو يعلى
وابن تيميه وتلميذه ابن القيم المام أحمد بالقول
()1هو أبو الحسن البصري ،مسدد بن مسرهد ) 228هـ(
كان حافظا ً حجة من الئمة المصنفين في الحديث ،انظر:
ترجمته في العبر الذهبي ،1/316والعلم ،الزركلي .8/108
()2انظر مناقب المام أحمد ،ابن الجوزي .169
()3جاء في تبشير العشرة بالجنة أكثر من حديث ،جمع ابن
سعد عددا ً منها ،انظر :القباس النيرة في فضائل العشرة
المبشرة كما في طبقات ابن سعد .جميل إبراهيم -282
،284طبعة دار المكتبة العالمية -بغداد 1989م.ومن هذه
الحاديث ما أخرجه الترمذي بسنده عن عبد الرحمن بن
عوف قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :أبو بكر
في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة
وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف
في الجنة وسعد في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو
عبيدة في الجنة( كتاب المناقب ،26/3747وانظر تحفة
الشراف .7/208 ،4/4
()4انظر المسودة .242
()5مختصر الصواعق .2/474
()6العدة في أصول الفقه )مخطوط( نقل ً عن أصول مذهب
أحمد -التركي .251
116
بإفادة خبر الحاد العلم.
مع أن القاضي أبا يعلى قد نقل تصريحا ً للمام أحمد
يخالف ذلك ،فيقول القاضي) :رأيت في كتاب معاني
ث جمع أبي بكر الثر عن المام أحمد أنه الحدي َ
قال ...:إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم
ت الله تعالى به ،ول أشهد أن النبي والفرض ،وِدن ُ
)(1
صلى الله عليه وسلم قال ذلك.(...
ففي هذا الكتاب الذي اطلع عليه القاضي ينسب
الثرم ) (2تلميذ المام أحمد إلى أستاذه قول ً صريحا ً
في عدم إفادته العلم من خبر الحاد الموجب للعمل،
فل يظهر داع بعد ذلك إلى الجتهاد في تخريج أقواله
الخرى لتدل على ما يخالف صريح قوله.
وابن القيم رحمه الله يطعن في ما نسبه أبو بكر
الثرم إلى إمامه أحمد بن حنبل رحمه الله فيقول:
)وأما رواية الثرم عن المام ...فهذه رواية انفرد بها
الثرم ،وليست في مسائله ...وإنما حكى القاضي أنه
وجدها في كتاب معاني الحديث ،والثرم لم يذكر أنه
سمع ذلك منه ،بل لعله بلغه عنه من واهم وهم عليه
)(3
في لفظه.(...
والحق أن هذه الحتمالت التي ذكرها ابن القيم ل
تضعف رواية الثرم ،وهو أعرف بما ينقله عن شيخه
()1نفسه.
الثرم هو :أبو بكر الثرم أحمد بن محمد الطائي ) 261هـ(
أحد الئمة العلم ،حافظ من حفاظ الحديث وكان من أذكياء
المة ،أخذ العلم عن المام أحمد وغيره ،انظر العبر ،الذهبي
،1/374والعلم ،الزركلي .1/194
()2الثرم هو :أبو بكر الثرم أحمد بن محمد الطائي )261
هـ( أحد الئمة العلم ،حافظ من حفاظ الحديث وكان من
أذكياء المة ،أخذ العلم عن المام أحمد وغيره ،انظر العبر،
الذهبي ،1/374والعلم ،الزركلي .1/194
()3مختصر الصواعق .2/474
117
المام أحمد ،ول يضيره أن يتفرد بهذه الرواية عن
إمامه لنه ثقة حافظ.
وقد اعتمد هذه الرواية كبار الصوليين من الحنابلة،
وصرحوا بأن خبر الحاد ل يفيد بنفسه العلم ،ومنهم
)(3
أبو الخطاب ) (1وابن برهان ) (2وابن قدامة.
وقد استبعد غير واحد من العلماء نسبة هذا القول
إلى المام أحمد .فيقول شارح المسّلم بعد ذكر
النسبة إليه ...) :وهذا بعيد عن مثله فإنه مكابرة
)(4
ظاهرة(.
ويقول ابن بدران من الصوليين الحنابلة ...) :وكيف
يليق بمثل إمام السنة أن يدعي هذه الدعوى ؟ وفي
)(5
ة صحيحة ؟(أي كتاب رويت عنه رواي ً
وينفي ابن بدران صحة نسبة القول بإفادة خبر الحاد
بنفسه العلم إلى المام أحمد ،ويذكر أنها مخّرجة
)(6
على كلمه وليست من صريح كلمه.
خّرجوغاية ما تدل عليه عبارات المام أحمد التي ُ
عليها هذا القول أن المام جزم بمضمون الخبار
الواردة في رؤية المؤمنين لربهم عز وجل وبمضمون
الخبر الوارد في تبشير العشرة بالجنة .ول يلزم من
ذلك أنه يجزم بمضمون كل خبر آحادي.
ول نسلم أن إثبات رؤية الله عز وجل تستلزم القول
بإفادة خبر الحاد بنفسه العلم ،لن الرؤية ثابتة في
أخبار كثيرة وهي زيادة على ذلك موافقة لصل في
كتاب الله عز وجل -كما سيأتي بيانه-ول نسلم أن
الشهادة للعشرة المبشرة بالجنة مستفادة من خبر
()1التمهيد .3/58
()2الوصول .2/172
()3نزهة الخاطر .1/261
()4فواتح الرحموت .2/121
()5نزهة الخاطر .1/261
()6نفسه .1/260
118
المخبر فقط ،بل يدل عليه أيضا ً انتشار القول به
وإمساك الصحابة الكرام عن تكذيبه ،فيحمل سكوُتهم
على القرار والشهادة به -كما سيأتي بيانه-
ويمكن أن يقال بعد هذا ،إن نسبة القول بإفادة خبر
الحاد بنفسه العلم ل تصح إلى أحد من الئمة مالك
والشافعي وأحمد ،وقد حاول ابن حزم وموافقوه أن
يدعموا مذهبهم بموافقة الئمة معتمدين على روايات
ضعيفة وعبارات غير صريحة .فالولى أن يكتفى بذكر
الدلة التي اعتمدوا عليها في إثبات رأيهم في
المسألة .ويمكن إجمال أدلتهم في أربعة أدلة.
الدلة التي احتج أصحاب هذا الرأي والنظر
فيها:
الدليل الول :استدل به ابن حزم وتابعه عليه ابن
)(3
القيم ) (1واللباني ) (2والمين الحاج
وحاصله أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ الذكر
فقال عز وجل) :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
ً
لحافظون( (4).والذكر يشمل القرآن والسنة معا ،لن
كليهما وحي من عند الله عز وجل ،قال تعالى) :وما
ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى() (5ثم يقول
ابن حزم) :فأخبر تعالى -كما قدمنا -أن كلم نبيه
صلى الله عليه وسلم كله وحي ،والوحي -بل خوف -
ذكر ،والذكر محفوظ بنص القرآن ،فصح بذلك أن
كلمه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله
عز وجل ،مضمون لنا أنه ل يضيع منه شيء ،فهو
ً )(6
منقول إلينا كله ،فلله الحجة علينا أبدا(.
119
قال ...) :ول سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل
موضوع اختلطا ً ل يتميز عن أحد من الناس بيقين ،إذ
)(1
لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ(.
وقال) :فإن قالوا :فإنه يلزمكم أن تقولوا إن نقلة
الخبار الشرعية معصومون في نقلها ،وإن كل واحد
منهم معصوم في نقله من تعمد الكذب ووقوع الوهم
ت... منه ،قلنا لهم :نعم :هكذا نقول وبهذا نقطع ون َب ُ ْ
وقد علمنا ضرورة أن كل من صدق في خبر ما فإنه
معصوم في ذلك الخبر من الكذب والوهم بل شك،
)(2
فأي نكرة في هذا ؟(.
والجواب :أن الحفظ ثابت للجملة ل للحاد ،يقول
الشاطبي )الحفظ المضمون في قوله تعالى " :إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون") (3المراد به حفظ
أصول الدين الكلية ...ل أن المراد المسائل الجزئية،
إذ لو كان كذلك لم يتخلف عن الحفظ جزئي من
جزيئات الشريعة ،وليس كذلك،لنا نقطع بالجواز،
ويؤيده الوقوع ،لتفاوت الظنون وتطرق الحتمالت
في النصوص الجزئية ووقوع الخطأ فيها قطعًا .وقد
وجد الخطأ في أخبار الحاد ،فدل على أن المراد
ً )(4
بالذكر المحفوظ ما كان منه كليا(
ويقال أيضًا :ليس النزاع في حفظ كلمه صلى
الله عليه وسلم من الضياع أو الختلط بالموضوع،
وإنما النزاع في القطع بصحة كل ما أسنده العدول
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،وأنه هل يجوز عليهم
السهو والخطأ في شيء مما أسندوه ؟ أم يقطع
()1نفسه .1/117
.1/117-118 ()2
()3الية ) (9من سورة الحجر.
()4الموافقات في أصول الشريعة ،33-1/32تحقيق عبد
الله دراز وابنه محمد دراز ،مطبعة الرحمانية -مصر ،لم
يذكر سنة الطبع.
120
بانتفائه ؟
ول يتم القطع بذلك إل بادعاء عصمتهم ،وقد ادعاه
ابن حزم ،ثم خلط بين الدليل والمدلول .فاستدل أول ً
على صدق المخبر بلزوم القول بعصمته ،ثم استدل
على عصمته بصدقه.
أما ادعاء العصمة فهو باطل بل شبهة ،ويرده العيان،
لن المحدثين قد نصوا على جواز الوهم في رواية
العدول الضابطين التي يقع فيها أحدهم على سبيل
القلة والندور ،وذكروا أمثلة لوقوع ذلك منها قول ابن
عبد البر) :ل أعلم أحدا ً من أهل العلم بالحديث
المصنفين فيه عول على حديث ابن شهاب -يعي
محمد بن شهاب الزهري -في قصة ذي اليدين...
والغلط ل يسلم منه أحد ،والكمال ليس لمخلوق،
وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إل قول النبي صلى
)(1
الله عليه وسلم(
وروى الشافعي حديث الجارية من طريق المام مالك
()1وغلط الزهري في قصة ذي اليدين أنه ذكر فيها ذا
الشمالين ،وأن القصة وقعت قبل غزوة بدر وجزم الشافعي
في اختلف الحديث 7/280بأنهما شخصان وقال العلئي:
)قال أبو بكر الثرم سمعت مسدد بن مسرهد يقول :الذي
قتل ببدر هو ذو الشمالين بن عبد عمرو ،حليف لبني
زهرة.وذو اليدين رجل من العرب ،كان في البادية ،فيجيء
فيصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم.وقال أبو عمرو بن
عبد البر قول مسدد هذا هو قول أئمة أهل الحديث والسير(
انظر نظم الفرائد 233-206وساق الحافظ العلئي كثيرا ً
من الروايات في قصة ذي اليدين ثم قال) :فهذه طرق
صحيحة ثابتة يفيد مجموعها العلم النظري أن أبا هريرة
رضي الله عنه كان حاضرا ً القصة يومئذ.ول خلف أن أبا
هريرة كان إسلمه سنة سبع ،عام خيبر ،ثم ل خلف بين أهل
السير أن ذا الشمالين استشهد يوم بدر( انظر نظم الفرائد
.205والجمع بين الروايتين غير ممكن كما في نظم الفرائد،
العلئي .216وقد أطال الحافظ العلئي في ذكر الروايات
وتخريجها والكلم عليها ،انظر نظم الفرائد 218-202
121
عن هلل بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن
الحكم قال :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
)(1
بجارية(...
ثم قال الشافعي) :وهو معاوية بن الحكم...وأظن
مالكا ً لم يحفظ اسمه() (2وقال السيوطي) :قال ابن
عبد البر :هكذا قال مالك :عمر بن الحكم وهو وهم
(3).
عند جميع أهل العلم(
وصنيع المحدثين يدل على نفيهم العصمة عن العدول
الثقات ،ويظهر ذلك في حكمهم على الحديث
بالشذوذ.
قال الحافظ ابن حجر) :الشاذ :ما رواه المقبول
مخالفا ً لمن هو أولى منه() (4وقال) :الشاذ راويه ثق ٌ
ة
(5).
أو صدوق(
ً
وعلى هذا لو كان الثقة معصوما ما تصورنا منه
مخالفة من هو أولى منه ،وهذا يكفي في إبطال
)(6
الدليل الول الذي استدل به ابن حزم.
الدليل الثاني :أن العمل بخبر الواحد واجب
اتفاقًا ،ول عمل إل عن علم ،لن الله عز وجل قال
)ول تقف ما ليس لك به علم() (7وقال) :قل إنما
حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم
122
والبغي بغير الحق ،وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به
)(1
سلطانا ً وأن تقولوا على الله ما ل تعلمون(
يقول ابن حزم) :وقد صح أن الله تعالى افترض علينا
العمل بخبر الواحد الثقة ...وحّرم القول في دينه
بالظن ،وحّرم علينا أن نقول عليه إل بعلم ،فلو كان
الخبر المذكور يجوز فيه الكذب أو الوهم لكنا قد
)(2
أمرنا الله تعالى بأن نقول عليه ما لم نعلم(
)(4
وتابعه على هذا الستدلل ابن القيم ) (3والشوكاني
)(7
واللباني ) (5والشقر) (6والمين الحاج محمد.
وطعن الجمهور في هذا الستدلل.
يقول المدي ...) :وجوب العمل بخبر الواحد واتباعه
في الشرعيات إنما كان بناء على انعقاد الجماع على
ذلك ،والجماع قاطع ) (8فاتباعه ل يكون اتباعا ً لما
)(9
ليس بعلم ول اتباعا ً للظن(.
فل يلزم من وجوب العمل به إفادته العلم ،لنا لو
سلمنا أنه ل عمل إل بعد علم فالعمل بمضمون خبر
الحاد مع القول بظنيته عمل بعد علم ،والعلم
مستفاد من الدلة القاطعة بوجوب العمل بخبر
الحاد.
وما يجري من عبارات الصوليين نحو قولهم ":وجوب
العمل بخبر الحاد" ففيه تساهل ،لن نفس الخبر لو
()1الية ) (33من سورة العراف.
()2الحكام .2/121
()3الصواعق المرسلة .2/396
()4انظر :إرشاد الفحول .49
()5الحديث حجة بنفسه .50
()6أصل العتقاد .49
()7حجية خبر الحاد .59
()8انظر قطيعة الجماع ،الم الشافعي .7/255
()9الحكام 2/277وانظر نحوه في شرح اللمع،الشيرازي
،2/581الوصول ابن برهان .171-2/170وفواتح الرحموت،
النصاري .2/122
123
أوجب العمل لعلم ذلك منه ،وهو ل يثمر علمًا ،وإنما
وجب العمل به بدليل آخر ،فالتحقيق أنه يجب العمل
)(1
عنده ل به.
الدليل الثالث:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رسله إلى
الحياء والقبائل ولو لم تقم بهم الحجة على
المبعوثين لنتفت الحكمة من بعثهم.
يقول ابن حزم) :من المحال الباطل الممتنع أن يبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم من ل تقوم عليهم
الحجة بتبليغه ،ومن ل يلزمهم قبول ما علموهم من
القرآن وأحكام الدين وما أفتوهم به من الشريعة،
ومن ل يجب عليهم النقياد لما أخبروهم به من كل
)(2
ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(
ول يظهر وجه للستدلل بذلك على إفادة العلم من
جملة أخبار الحاد.
وغاية ما يدل عليه قيام الحجة على أهل الحياء
والقبائل بكل ما يبلغهم به من بعثهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
وليس بين أيدينا ما يدل على تبليغهم شيئا ً من
أحاديث العقائد ،وأصل الدعوة التي كانت تصل إلى
البلدان والنواحي هي القضايا الصلية كوجود الله عز
وجل ووحدانيته وإثبات المعاد والجنة والنار ،وهذا
القدر ثابت في القرآن الكريم ،وليس محتاجا ً إلى
أخبار الحاد.
ولو فرضنا أن مبعوث رسول الله صلى الله عليه
وسلم حدثهم بشيء من أخبار العقائد ،فتقوم الحجة
به عليهم ،ويجب عليهم تصديقه ،لكن ل يدل ذلك
على وجوب إفادة جملة أخبار الحاد العلم ،وبيانه من
124
وجوه:
الول:
أن الفارق بين جيل الصحابة ومن بعدهم كبير فإذا
قامت الدلئل في بعض الوقائع على إفادة خبر
الصحابي العلم فل يدل ذلك على إفادة مثله بخبر
تابعي أو تابع تابعي ،لن طبقة الصحابة اختصت
ببعض الحكام الحديثية دون غيرها من الطبقات.
فمن ذلك القطع بعدالتهم ) (1وقالوا :ل يضر إبهام
الصحابي ،فإذا قال الثقة من التابعين :عن رجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطعن
)(2
ذلك في صحة الخبر.
وإذا سمع الصحابي حديثا ً من صحابي آخر فل يضره
أن يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
)(3
بإرسال الصحابي الذي سمعه منه.
فإذا قام دليل على إفادة خبر الصحابي العلم فل يلزم
منه إفادة خبر غيرهم ،لن شرف الصحبة خصهم
بأحكام ليست لغيرهم.
الوجه الثاني:
إذا قام الدليل على استفادة أهل القبائل العلم
من أخبار المبعوثين إليهم ،فل يدل ذلك على إفادة
خبر غيرهم.
ث غير الراوي والمخِبر ،فكأن سل أو المبعو َ لن المر َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن عدالة وضبط
من أرسله ،وتكفل للمبعوثين بذلك ،ول يخطر ببال
متشكك أن يتوقف في خبره برهة ليعتبر عدالته
وضبطه ،أما الراوي فل بد من اعتبار عدالته وضبطه،
سل ورواية الراوي. فدل على الفارق بين نقل المر َ
الدليل الرابع :حادثة قباء
()1انظر :قواعد التحديث ،القاسمي .200
()2انظر قواعد الحديث ،القاسمي .200
()3انظر لقط الدرر ،عبد الله حسين خاطر 88
125
أخرج المام البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله
عنهما أنه قال) :بينما الناس في صلة الصبح بقباء إذ
ت فقال :إن رسول الله صلى الله عليه جاءهم آ ٍ
مر أن يستقبل ُ
وسلم قد أنزل عليه الليلة ،وقد أ ِ
الكعبة فاستقِبلوها ،وكانت وجوههم إلى الشام
)(1
فاستداروا إلى القبلة(
يقول ابن القيم) :فلول حصول العلم لهم بخبر الواحد
لم يتركوا المقطوع به لخبر ل يفيد العلم ،وغاية ما
)(2
يقال فيه أنه خبر اقترنته قرينة(.
وليس فيه دليل على حجية خبر الحاد بنفسه ،لنه
خبر اقترنت به قرينة ،فالنبي صلى الله عليه وسلم
كان يقلب وجهه في السماء يترقب نزول قرآن يأمره
بالتوجه نحو الكعبة الشريفة.
أخرج البخاري بسنده عن البراء بن عازب رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى
بيت المقدس ستة عشر شهرا ً أو سبعة عشر شهراً،
)(3
وكان يعجبه أن تكون قبلته ،قَِبل البيت.(...
ويثبت بهذا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على
126
علم برغبة النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاءهم
المخبر بما كانوا يترقبون تركوا جميعا ً ما كانوا عليه
واستداروا نحو البيت الحرام.
ويمكن أن يقال :ل يلزم من إفادة العلم بهذا الخبر
إفادة مثله بغيره من أخبار الحاد ،لن ظروفا ً كثيرة
أحاطت به ل يمكن أن تحيط بغيره من الخبار
منها :علو السناد فليس بين السامعين وبين النبي
صلى الله عليه وسلم إل صحابي واحد.
ومنها :أنه ل يتصور إقدام أحد على الكذب في دين
الله عز وجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
في زمن الوحي لن آيات القرآن الكريم تتابع في
فضح المنافقين وتكذيبهم.
وقد استدل ابن القيم رحمه الله بآيات من
القرآن الكريم ،وتابعه على ذلك اللباني والمين
الحاج محمد .منها قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا
)(1
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم(
وقوله تعالى) :فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب عظيم((2).وقوله تعالى:
)يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول(.
)(3ونحو ذلك من اليات التي توجب اتباع النبي صلى
الله عليه وسلم والتزام أمره ونهيه.
ول أرى فائدة من ذكرها جميعها ووجه الستدلل بها،
لن النزاع في ثبوت ما أسنده الرواة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم من قوله وأمره ونهيه ،ل في وجوب
امتثال المر والنهي بعد ثبوته.
واستدل أيضا ً بوجوه أخرى ضعيفة جداً.
منها قوله) :إن الرسل صلوات الله عليهم كانوا
يقبلون خبر الواحد ويقطعون بمضمونه ،فقبله موسى
()1الية ) (24من سورة النفال.
()2الية ) (63من سورة النور.
()3الية ) (33من سورة محمد.
127
من الذي جاء من أقصى المدينة قائل ً له " :إن المل
يأتمرون بك ليقتلوك ") (1فجزم بخبره وخرج هاربا ً من
المدينة ،وقبل خبر بنت صاحب مدين لما قالت " :إن
أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " ) (2وقبل خبر
أبيها في قوله :هذه ابنتي ،وتزوجها بخبره .وقبل
يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند
)(3
الملك.(...
وزاد على ذلك المين الحاج محمد فقال) :وقد قبل
سليمان عليه السلم وبلقيس خبر الواحد وعمل به،
وتيقنا به حتى من طير واحد ،وهو الهدهد ،ولم يزد
سليمان عليه السلم إل أن استوثق منه ،وطلب منه
أن يأتيه بدليل ،ولم يقل له :ائتني بمخبر آخر معك(...
) (4وظهور ضعفها يغني عن التطويل في جوابها.
ومن أضعف الدلة ما استدل به ابن قتيبة رحمه الله
أن الله أرسل رسول ً واحدا ً إلى الخلق كافة فدل
على أن الصادق العدل صادق الخبر ،كما أن الرسول
الواحد صادق الخبر ،وقد سبق نقل كلمه بحروفه.
ول يخفى ضعف هذا الدليل لن خبر النبي مؤيد
بالمعجزة التي تنوب مناب قول الله عز وجل "صدق
عبدي في كل ما يبلغ عني " وسيأتي بيانه عند الكلم
على المعجزات.
والحاصل أن أدلة القائلين بإفادة خبر الحاد العلم ل
تنهض لثبات ذلك .بينما ل يحتاج القائلون بإفادة
الظن إلى اجتهاد في طلب ما يدل على ذلك لن
إفادة العلم أمر يجده المرء في نفسه .وغاية ما يجده
المرء في نفسه تجاه أخبار الحاد الثقة وحسن الظن
بالراوي وترجيح صدقه على كذبه رجحانا ً مقاربا ً
128
لليقين.
أما القطع بذلك فيحتاج إلى دليل ،قد ل ُيسَعف به من
ادعاه.
المسألة الولى :إذا أخبر أحد الصحابة الكرام بخبر بين يدي خلق
عِلم أنه لو كان كذبًا لعلموه ،ول حامل
كثير منهم ولم يكذبوه ،و ُ
لهم على سكوتهم كالخوف والطمع ،يدل ذلك على صدقه قطعًا.
)(4
قاله الجصاص ) (1والباقلني) (2والباجي ) (3والغزالي
وابن تيمية) (5والزركشي ) (6ونسبه إلى أبي اسحق
السفرائيني ) ،(7والستاذ أبي منصور البغدادي ،وإمام
129
)(1
الحرمين ،وابن الحاجب.
واختاره أيضا ً ابن السبكي والجلل المحلي وعبد
)(2
130
المسألة الثانية :ما يفيده الخبر المحفوف بالقرائن.
شَرط أبو يقول أبو الحسين البصري المعتزليَ ) :
إسحاق النظام في اقتضاء خبر الحاد العلم اقتران
قرائن به ...ومثل ذلك أن ُنخَبر بموت زيد ونسمع في
داره الواعية ونرى الجنازة على بابه مع علمنا بأنه
)(1
ليس في داره مريض سواه(
وتابعه على أن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتف
بالقرائن عدد من المتكلمين والصوليين
منهم :أبو الحسين البصري ) (2والغزالي وابن
)(3
)(7
برهان) (4والرازي) (5وابن قدامة) (6والمدي
)(9
والبيضاوي ،والسنوي) (8والتفتازاني
ونازع في ذلك عدد من المتكلمين والصوليين منهم
)(10
الجصاص
واحتج المنكرون بأدلة أقواها:
أن الخبر مع القرائن التي يذكرها النظام قد ينكشف
عن الباطل ،ويتصور ذلك في المثال الذي ذكره
النظام فيمكن أن يكون أغمي عليه أو لحقته سكتة
فظنوا موته ،أو أنه أظهر ذلك ليعتقد السلطان موته
)(11
فل يقتله لجرم كان قد ارتكبه.
وأجاب المثبتون عنه فقالوا :هذا ل يدل إل على أن
()1المعتمد .2/566
()2انظر المصدر السابق.
()3انظر المستصفى .1/137
()4انظر الوصول .2/150
()5انظر المحصول )ق .403-2/400 (1
()6انظر نزهة الخاطر 1/244
()7انظر الحكام .2/280
()8انظر شرح البدخشي .299-2/298
()9انظر شرح النسفية .20
()10انظر الفصول .3/55
()11انظر :الفصول ،الجصاص ،3/55وشرح اللمع،
الشيرازي .2/79
131
هذا القدر من القرائن ل يفيد العلم ،ول يلزم منه أن
ليحصل العلم بشيء من القرائن ،لن القدح في
)(1
مثال ل يقتضي القدح في أصل الدعوى.
واحتج المنكرون أيضا ً فقالوا:
لو وجب العلم عند خبر واحد لوجب ذلك عند خبر كل
ما أفاد العلم في موضع واحد ،كما أن الخبر المتواتر ل َ ّ
)(2
أفاده في كل موضع.
وأجاب المثبتون عنه فقالوا :ل نسلم بإيجاب ذلك
لن حصول العلم بالمتواتر ضروري ،وحصوله بخبر
الحاد بما انضم إليه من القرائن ،فمتى انضمت
)(3
قرائن إلى الخبر أفاد العلم.
واحتجوا لنكاره أيضا ً فقالوا:
إن دلت القرينة وحدها على تحقق مضمون الخبر
جل خ ِ
جل ال َ قطعا ً -كما تدل حمرة الوجه على َ
خ َ
وخوف الخائف -فالعلم بالقرينة ،ويلغو الخبر.
وإن دلت القرينة عليه ظنًا ،واجتمع معه الظن
بتحقيق مضمون الخبر نفسه فل يحصل العلم من
)(4
اجتماع ظنين.
وأجاب المثبتون فقالوا:
ً
ل يبعد أن تتوالى القرائن حتى تبلغ مبلغا ل يبقى بينها
وبين إثارة العلم إل قرينة واحدة ،ويقوم إخبار الواحد
)(5
مقام تلك القرينة فهذا مما ل يعرف استحالته.
وبهذا يثبت أن خبر الحاد قد يفيد العلم إذا احتف
()1انظر :حاشية العطار .2/157
()2انظر :الفصول ،الجصاص .3/56وشرح اللمع ،الشيرازي
،2/79والمحصول ،الرازي .1/2/401
()3انظر :المحصول ،الرازي ،1/2/402والوصول ،ابن
برهان .2/152
()4انظر :فواتح الرحموت .2/121
()5انظر :المستصفى ،الغزالي ،1/137والمحصول،
الرازي .1/2/400والبحر المحيط ،الزركشي ،4/247وفتح
الملهم ،شبير أحمد .1/5
132
بالقرائن .لكن الكلم في تحقق هذه القرائن وتعذر
ضبطها
يقول الرازي ...) :إل أن القرائن ل تفي العبارات
بوصفها ،فقد تحصل أمور ُيعلم بالضرورة عند العلم
ج ً
ل ،مع أنا لو حاولنا جل ً أو وَ ِ
خ ِ
بها كون الشخص َ
)(1
التعبير عنها لعجزنا عنه(
ويقول الزركشي):لم يتعرضوا لضابط القرائن،وقال
)(2
المازري :ل يمكن أن يشار إليها بعبارة تضبطها(.
ويقول ابن السبكي) :لو رام ْامرؤ ضبط هذه القرائن
ل ،وكأنها بما يميزها عن غيرها لم يجد إلى ذلك سبي ً
تدق عن العبارات ،وتأبى عن من يحاول ضبطها....
وبهذا يتمهد ما قلناه من أن حصول العلم بصدق
)(3
المخبر لن يتوقف على حد محدود ول عد معدود(.
ولهذا تعسر الستدلل بهذه المسألة في أخبار الحاد
الواردة في الشرعيات حتى قال البزدوي .....) :ولم
)(4
يقع الخبر المحفوف في الشرعيات(
وقال عبد العلي النصاري ...) :الكلم في تحقق هذه
القرائن في خبر غير المعصوم من النبي وأهل
الجماع ،فإنه لم يدل دليل على تحققها في مادة من
المواد فل بد من إثبات تحققها ،ودونه خرط القتاد(.
)(5
ل في كتاب ال عز وجل
المسألة الثالثة :إفادة الخبر إذا وافق أص ً
القرآن الكريم هو المصدر الول لكل ما جاء به
السلم من أحكام عقدية وشرعية وأخلقية قال
133
تعالى) :ما فرطنا في الكتاب من شيء() (1وقال
)(2
تعالى) :ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شيء(.
والسنة النبوية هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم
لنها بيان الكتاب .قال تعالى) :وأنزلنا إليك الذكر
)(3
لتبين للناس ما نزل إليهم(.
واستقراء الحكام التي جاء بها السلم عامة،
والعقدية منها على وجه الخصوص يشير إلى هذا
الترتيب بين المصدرين.
أما منزلة السنة من ناحية ما جاء فيها من عقائد،
فعلى ثلثة منازل:
ل :أن تكون السنة مقررة ومؤكدة لعقيدة ثابتة في أو ً
القرآن الكريم.
ومثال ذلك :ما جاء في السنة المطهرة في صفة
الحياة من صفات الله عز وجل:
أخرج المام مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يقول):اللهم لك أسلمت ،وبك آمنت ،وعليك توكلت،
وإليك أنبت ،وبك خاصمت ،اللهم إني أعوذ بعزتك ل
إله إل أنت أن تضلني ،أنت الحي الذي ل يموت،
)(4
والجن والنس يموتون(.
وورود صفة الحياة في هذا الحديث مقرر ومؤكد لما
جاء في القرآن الكريم من إثبات صفة الحياة لله عز
وجل قال تعالى) :هو الحي ل إله إل هو() (5وقال
)(6
تعالى):وتوكل على الحي الذي ل يموت(
134
وفي هذا القسم تدل السنة على ما دل عليه الكتاب،
ولو فرضنا عدم ورود السنة فيه فدللة الكتاب وحدها
تكفي لثبات هذه الصفة ،وإنما جاءت السنة شاهدة
ومؤكدة.
ثانيًا :أن تكون السنة واردة في عقيدة سكت عنها
القرآن.
ومثال ذلك الحاديث الواردة في خروج الدجال الكبر
قبيل قيام الساعة-.وسيأتي ذكرها-
ثالثًا :أن تكون السنة مبينة لية فيها إجمال لمر
عقائدي -وهذا مرادنا في هذا الموطن -والمـراد
بالجمال هنا:خفاء دللة اللفظ على المعنـى المراد
)(1
خفاًء ل ُيرفع إل بيبان من المبّين.
ويمكن تقسيم بيان السنة المطهرة إلى ثلثة أقسام:
ل :رفع احتمال المجاز:أو ً
ومثاله قوله عز وجل) :ونضع الموازين القسط
ً )(2
ليوم القيامة فل تظلم نفس شيئا(.
وذكر الموازين في هذه الية يحتمل أن يكون المراد
منه حقيقة الموازين ،ويحتمل أن يكون مجازا ً عن
العدل ،ولذلك حصل الختلف في تفسير الية على
قولين حكاهما الرازي فقال:
)في وضع الموازين قولن :أحدهما قول مجاهد :هذا
مَثل ،والمراد بالموازين العدل...َ
الثاني :وهو قول أئمة السلف أنه سبحانه يضع
الموازين الحقيقية ،فتوزن بها العمال.(3)(...
وإذا أراد أئمة السلف الستدلل بهذه الية الكريمة
لثبات ما قالوه احتاجوا إلى بيان من المبّين يرفع
خفاء دللة لفظ الموازين واحتماَله للمجاز.
وقد ورد في السنة أحاديث عديدة ترفع احتمال
()1انظر أصول السرخسي ،1/168كشف السرار .1/54
()2الية ) (47من سورة النبياء.
()3تفسير الرازي .22/176
135
المجاز في الية الكريمة منها:
ما أخرجه المام الترمذي بسنده عن عبد الله بن
عمرو بن العاص أنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم) :إن الله سيخلص رجل ً من أمتي على
رؤوس الخلئق يوم القيامة ،فينشر عليه تسعة
ل ،كل سجل مثل مد البصر -إلى أن وتسعين سج ً
قال -فتخرج شهادة فيها أشهد أن ل إله إل الله،
وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله .فيقول :أحضر
وزنك .فيقول :يا رب :ما هذه البطاقة مع هذه
السجلت فقال :إنك ل تظلم ،قال :فتوضع السجلت
في كفة والبطاقة في كفة ،فطاشت السجلت
)(1
وثقلت البطاقة ،فل يثقل مع اسم الله شيء(.
وفي هذا المثال يتبين لنا أن الدليل في إثبات حقيقة
الموازين دليلن ،كل دليل منهما يلحقه الظن بمفرده.
فالية الكريمة ظنية الدللة على حقيقة الموازين
لحتمال المجاز ،والحديث الشريف قطعي الدللة
على حقيقة الموازين ،ولكن يلحقه الظن في ثبوته،
ويحصل باجتماع الدليلين وبموافقة الحديث لصل في
كتاب الله عز وجل القطعُ بإثبات حقيقة الموازين
وارتفاع احتمال المجاز في الية الكريمة.
ثانيًا :رفع البهام:
قد يرد في الكتاب لفظ مبهم ،ويأتي التعيين والبيان
في السنة المطهرة.
ومثال ذلك من مسائل العتقاد قوله تعالى) :يوم
يأتي بعض آيات ربك ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن
)(2
آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا(.
كر الية المرتقبة في قول الله عز وجل مبهم ل وذِ ْ
يعرف المراد منه إل ببيان المبين .وقد ورد في السنة
المطهرة تعيين الية المبهمة في قوله عز وجل
()1سيأتي تخريجه موسعا ً في الباب الثاني.
()2الية ) (158من سورة النعام.
136
)بعض آيات ربك( في ما أخرجه البخاري بسنده عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم) :ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس
من مغربها ،فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون،
)(1
وذلك حين ل ينفع نفسا ً إيمانها ،ثم قرأ الية(.
وفي هذين الدليلين من الكتاب والسنة يحصل القطع
بإثبات طلوع الشمس من مغربها علمة من علمات
الساعة ،مع أن كل ً منهما ظني بمفرده ،فالية
الكريمة ظنية الدللة لعدم تعيين المراد .والحديث
فيه تعيين المراد ،ولكن يلحقه الظن في ثبوته،
وباجتماعهما يحصل القطع في إثبات المراد- .والله
أعلم -
ثالثًا :تعيين المعنى المراد من اللفظ المشترك.
والمشترك في الصطلح :هو اللفظ الموضوع للدللة
)(2
على معنيين فأكثر.
ومثاله في مسائل العتقاد:
ورود:وهو مشترك بين دخول الشيء لفظ ال ُ
)(3
والشراف عليه أو القرب منه .وجاء في كتاب الله
عز وجل مستعمل ً في المعنيين:
الول:نحو قوله تعالى):إنكم وما تعبدون من دون الله
حصب جهنم أنتم لها واردون() (4وقوله تعالى) :يقدم
قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد
المورود( (5).الثاني:نحو قوله تعالى)فأرسلوا واردهم
137
)(1
فأدلى دلوه(
قال الرازي):وقد يراد به القرب ،نحو قول الله
تعالى) :فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه( ومعلوم أن
الوارد ما دخل الماء ،وقال تعالى):ولما ورد ماء مدين
وجد عليه أمة من الناس يسقون() (2وأراد به القرب،
)(3
ويقال ،وردت القافلة البلدة ،وإن لم تدخلها(.
ويظهر أثر هذا الشتراك في مسألة من مسائل
العتقاد وهي المرور على الصراط :فقد ورد في
كتاب الله عز وجل الورود على جهنم ،قال تعالى:
ً )(4
)وإن منكم إل واردها كان على ربك حتما ً مقضيا(
فهل المراد من المرور الشراف أم الدخول ؟
ودللة الية الكريمة تحتمل المعنيين ،ويأتي خبر
الحاد ليدل على تعيين المراد من أحد المعنيين.
وقد جاء في السنة الشريفة أكثر من حديث يدل على
تعيين المراد من الورود بالشراف على جهنم
والمرور
عليها ،منها ما أخرجه المام البخاري في حديث
طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه ،وفيه قال....) :
ويضرب جسر جهنم -قال صلى الله عليه وسلم:
ذ :اللهم فأكون أول من يجير ،ودعاء الرسل يومئ ٍ
)(5
سلم ،سلم.(...
وباجتماع الية مع الخبر يحصل القطع بإثبات المرور
على الصراط ،مع أن كل ً من الدليلين ظني بمفرده،
أما الية الكريمة فدللتها ظنية لحتمال أن يكون
المراد من الورود الدخول ،وأما الخبر فهو وإن كان
قطعي الدللة في المرور والجواز ،إل أن الظن يلحقه
138
في ثبوته ،وباجتماع الدليلين ينتفي احتمال أن يكون
الدخول مرادًا ،ويحصل القطع واليقين :بحمل الورود
على معناه الخر وهو الشراف والمرور.
وقد نبه المام الخطابي وتلميذه البيهقي إلى تحصيل
القطع واليقين بموافقة الحديث لصل في كتاب الله
عز وجل
يقول المام الخطابي) :الصل في إثبات الصفات أنه
ل يجوز ذلك إل أن يكون بكتاب ناطق أو خبر مقطوع
بصحته أو رويت من طريق الحاد وكان لها أصل في
)(1
الكتاب أو خّرجت على بعض معانيه(.
ويقول) :الصل أن كل صفة جاء بها الكتاب أو صحت
بأخبار التواتر أو رويت من طريق الحاد وكان لها
أصل ثابت في الكتاب أو خــــرجت على بعض معانيه
فإنا نقول بها ونجريها على ظاهـــرها من غير
)(2
تكييف(.
ويقول البيهقي) :ترك أهل النظر من أصحابنا
الحتجاج بأخبار الحاد في صفات الله تعالى إذا لم
)(3
يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب(.
139
)(1
ونقله الشيرازي عن طائفة من أهل الحديث.
واختاره الحافظ ابن حجر ،وزاد على ذلك شرطا ً وهو
أن يشاركه فيه غيره ،فقال):ومنها -الخبار التي تفيد
العلم -المسلسل بالئمة الحفاظ المتقنين ،حيث ل
يكون غريبا ً كالحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل مثل ً
ويشاركه فيه غيره ،عن الشافعي ويشاركه فيه غيره
عن مالك بن أنس فإنه يفيد العلم عند سماعه
)(2
بالستدلل من جهة جللة رواته.(...
)(3
ونقل القاسمي كلم الحافظ ابن حجر واختاره
)(4
واختاره العطار في حاشيته على جمع الجوامع.
وعند الجمهور المتكلمين والصوليين تختلف وجهة
النظر في الخبر المسلسل بالئمة .فالمام الجويني
يرى أن الخبر إذا لم يكن فيه للعقل أو الشرع سبيل
لتحصيل العلم به فالمعتبر في تحصيله هو استمرار
العادات،ويختلف باختلف أحوال المخبرين واختلف
)(5
الوقائع ومضمون الخبار.
ويقول) :ول نرى وجها ً في النظر يؤدي إلى القطع
بالصدق ،نعم .ما ذكره يغلب على الظن صدقه فيه،
فأما أن يفضي إلى العلم به فل(.
ويقول) :تقول لهؤلء :أتجوزون أن يزل العدل
ويخطئ ؟
)(6 ً ً
فإن قالوا :ل ،كان ذلك بهتا وهتكا(...
ويقول):ول يبعد أن يحصل الصدق بإخبار واحد....وإذا
ذكرت إمكان حصول العلم بصدق مخبر واحد فإني
أفرض تخلف العلم بالصدق عن إخبار عدد كثير وجم
140
)(1
غفير إذا جمعتهم سياسة حاملة على الكذب.(..
ويريد بذلك إمام الحرمين أن العادة هي المحكمة في
تحصيل العلم بصدق المخبر إذا لم يدل العقل أو
الشرع على صدقه ،فقد يحصل العلم بصدق مخبر
في أحد أخباره ول يستلزم ذلك أن يحصل العلم
بجميع أخباره.
ويقول السرخسي) :إن بقاء احتمال الكذب في خبر
غير المعصوم معاين ل يمكن إنكاره ،ومع الشبهة
والحتمال ل يثبت اليقين ،وإنما يثبت سكون النفس
وطمأنينة القلب بترجيح جانب الصدق لبعض
)(2
السباب(.
وليس المراد بالكذب هنا الخبار عن أمر غير مطابق
للواقع وِلما في اعتقاد المخبر .وإنما المراد به الخبار
عن الشيء بخلف ما هو به سهوًا ،(3).قال ابن قاسم
العبادي) :إن أراد أنه لم يتعمد الكذب فليس محل
النزاع ،وإن أراد أنه ل يـجوز عليـه السهو والغـلط
ففيه الكلم() (4ومحل النزاع في المسألة أن إتقان
الراوي وإمامته هل توجب انتفاء احتمال السهو أو
الوهم في جميع أخباره ؟
العقل يحكم بالجواز ،وليس هناك دليل على انتفائه،
أما الوقوع فقد يحصل على سبيل القلة والندرة،
وسبق أن ذكرنا إشارة المام الشافعي إلى وهم
المام مالك ،وإشارة ابن عبد البر إلى اتفاق
المصنفين على وهم المام الزهري في حديث ذي
اليدين ،وقوله):والغلط ل يسلم منه أحد ،والكمال
()1البرهان .1/580
()2أصول السرخسي .1/329
()3انظر :البحر المحيط ،الزركشي .4/218
()4انظر :لقط الدرر ،36ونحوه في شرح نخبة الفكر،
القاري .46
141
)(1
ليس لمخلوق(.
وسبق أن نقلنا قول المدي) :لو كان خبر العدل يفيد
بمجرده العلم لكان العلم حاصل ً بنبوة من ُأخب َِر بكونه
)(2
نبيا ً من غير حاجة إلى معجزة تدل على صدقه(.
وجواز الوهم في خبر المام والحكم بوقوعه على
سبيل الندرة ل يحط من قدره ول يقدح في إمامته
وضبطه ،كما أن بعض السهو جائز على النبي ول
)(3
يقدح في نبوته.
وهذا التجويز ل يستلزم مساواة خبر المام بخبر آحاد
العدول من الرواة من جميع الوجوه ،بل يبقى فارق
كبير حكم به أهل الصنعة الحديثية،وهو الحكم
بالشذوذ أو النكارة على خبر خالف فيه راويه الئمة
الحفاظ (4).إل أنا في هذا الموطن نريد نفي احتمال
السهو والغلط وتحصيل القطع واليقين ،ويعوزنا
الدليل لتحصيل القطع واليقين في نفي ذلك عن
الخبر الذي تسلسل بالئمة.
ومما يهون من هيبة الخلف في هذه المسألة أن
شارح صحيح مسلم شبير العثماني قال) :أجل
السانيد :أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن
)(5
ابن عمر ،وتسمى هذه الترجمة سلسلة الذهب
وليس في مسند أحمد على كبره بهذه الترجمة سوى
حديث واحد() ،(6وهو في البيوع ل في مسألة من
مسائل العتقاد .وقال السيوطي ...):بل ولم يقع لنا
)(7
على هذه الشريطة غيرها ،ول خارج المسند(.
142
المسألة الخامسة :إفادة الخبر المخّرج في الصحيحين:
ل يخفى على أحد من أهل القبلة ما للشيخين
وصحيحيهما من منزلة ومكانة في نفوس أهل السنة
والجماعة -عالمهم وجاهلهم ،المجتهد منهم والمقلد،
والمتقدم منهم والمتأخر ،اتفقوا جميعا ً -إل من رمي
ببدعة أو هوى -على الشهادة للشيخين بتبحرهما في
علوم الحديث ودقتهما في صنعته ،وعلى تلقي
أحاديث الصحيحين بالقبول ،والقرار لها بالصحة.
واختلفوا في مفهوم الصحة المتعلقة بأحاديث
الشيخين.
)(1
فذهب جماعة من المحدثين كالشيخ ابن الصلح
وابن كثير ) (2وابن حجر ) (3والسخاوي) (4والسيوطي
) (5وجماعة من الصوليين منهم الباجي
)(9
)(6والشيرازي) (7والزركشي) (8وعبدالعلي النصاري
والشوكاني ) (10إلى القطع بصحة نسبتها إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن الصلح) :وما روياه أو أحدهما فهو
مقطوع بصحته ...خلفا ً لمن نفى ذلك محتجا ً بأنه ل
يفيد إل الظن ...لن ظن من هو معصوم من الخطأ ل
يخطئ ،والمة في إجماعها معصومة من الخطأ،
()1انظر :التقيد واليضاح .29-28
()2انظر :الباعث الحثيث .34
()3انظر :لقط الدرر ،35والنكت الظراف على ابن الصلح
.176-1/172
()4انظر :فتح المغيث .1/52
()5انظر :تدريب الراوي .134-1/131
()6انظر :إحكام الفصول .247
()7انظر :شرح اللمع .2/578
()8انظر :البحر المحيط .4/465
()9انظر :فواتح الرحموت .2/112
()10انظر :إرشاد الفحول ،50وانظر :رد شبهات اللحاد عن
أحاديث الحاد ،الراشد .60
143
ولهذا كان الجماع المبني على الجتهاد حجة مقطوعا ً
بها.
وقد قال إمام الحرمين :لو حلف إنسان بطلق امرأته
أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي
صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلق ،لجماع
المسلمين على صحته(1) .(...وذهب جماعة من
)(3
المحدثين منهم النووي ) (2والزين العراقي
والكتاني) (4وشبير العثماني (5).وجماعة من الصوليين
منهم ابن برهان) (6والبيضاوي) (7وابن السبكي والجلل
المحلي) (8وأمير بادشاه ) (9وابن الوزير ) (10والصنعاني
) (11وهما من الزيدية -ذهبوا -إلى أن تلقي المة
لحاديث الصحيحين بالقبول ل يدل على القطع بصحة
ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال النووي بعد نقل كلم ابن الصلح) :وهذا الذي
ذكره الشيخ في هذه المواضع خلف ما قاله
المحققون والكثر ون ،فإنهم قالوا :أحاديث
الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن ،فإنها
آحاد والحاد إنما تفيد الظن -على ما تقرر -ول فرق
بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك.
144
وتلقي المة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما
فيهما ،وهذا متفق عليه فإن أخبار الحاد التي في
غيرهما من الكتب يجب العمل بها إذا صحت
أسانيدها ،ول تفيد إل الظن ،وكذا الصحيحان.
وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون
ما فيهما صحيحا ً ل يحتاج إلى النظر فيه ،بل يجب
العمل به مطلقًا ،وما كان في غيرهما ل يعمل به
حتى ُينظر وتوجد فيه شروط الصحيح.
ول يلزم من إجماع المة على ما فيهما إجماعهم على
)(1
أنه مقطوع بأنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم(.
وقال ابن برهان) :ول عمدة للخصم إل أن المة
أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول واتفقوا
على العمل بهما ،وهذا ل يدل على أنهما مقطوع
بصحتهما ،فإن المة إنما عملت بهما لعتقادها المانة
والثقة في الرواية وليس كل ما يجب العمل به
)(2
مقطوعا ً بصحته(
وقال شبير أحمد) :إن إجماع المة أو تلقي المة
بالقبول إنما يفيد علم اليقين أو علم طمأنينة بالمر
الذي وقع الجماع عليه أو التلقي بقبوله ،فالجماع
ل مطلق لخبر الواحد المستجمع لشروط على قبو ٍ
الصحة ،وإفادتهِ الظن الموجب للعمل إنما يفيد
حصول العلم القطعي بأن خبر الواحد مفيد للظن،
ومقبول في العمليات ،وأنه يحتمل السهو والغلط
احتمال ً مرجوحا ً ضعيفًا.
وظاهر أن هذا العلم القطعي المستفاد من الجماع ل
يحول خبر الواحد من إفادته الظن إلى إفادته العلم
واليقين ،بل يؤكد كونه ظنيا ً محتمل ً للخطأ لحصول
)(3
التفاق عليه(....
()1شرح مسلم .1/15
()2الوصول .2/74
()3فتح الملهم ،1/107وانظر :نحوه في شرح القاري على
145
ويبدو لي أن أدلة النووي وموافقيه ل تبقي مستمسكا ً
في استدلل القائلين بإفادة أحاديث الصحيحين القطع
واليقين.
ولدى القائلين بإفادة أحاديث الصحيحين العلم ما
يتناقض مع حكمهم بذلك ،لنهم قسموا الصحة إلى
مراتب .يقول الحافظ ابن حجر بعد ذكر التفاضل في
أصح السانيد) :ويلتحق بهذا التفاضل ما اتفق
الشيخان على تخريجه بالنسبة إلى ما انفرد به
أحدهما ،وما انفرد به البخاري بالنسبة إلى ما انفرد
به مسلم ،لتفاق العلماء على تلقي كتابيهما بالقبول
واختلف بعضهم في أيهما أرجح ،فما اتفقا عليه أرجح
من هذه الحيثية مما لم يتفقا عليه .وقد صرح
)(1
الجمهور بتقديم صحيح البخاري في الصحة(.
ويقول بعد ترجيح شرط البخاري على شرط مسلم:
ح البخاري على غيره من الكتب )ومن ثم قُ ّ
دم صحي ُ
المصنفة ،ثم صحيح مسلم لمشاركته للبخاري في
دم
ق ّ
اتفاق العلماء على تلقي كتابه بالقبول ....ثم ي ُ َ
في الرجحية من حيث الصحية ما وافق شرطهما....
فإن كان الخبر على شرطهما معا ً كان دون ما أخرجه
مسلم أو مثله ،وإن كان على شرط أحدهما فيقدم
شرط البخاري وحده على شرط مسلم
وحده....فخرج لنا من هذا ستة أقسام تتفـاوت
)(2
درجاتها مـن حيث الصحـة(.
ً
ثم يزيد الحافظ ابن حجر توضيحا في الشارة إلى
عدم إفادة بعض أحاديث الصحيحين العلم فيقول) :لو
كان الحديث عند مسلم مثل ً وهو مشهور قاصر عن
درجة التواتر لكن حفته قرينة صار بها يفيد العلم فإنه
يقدم على الحديث الذي يخرجه البخاري إذا كان
النخبة .43-38
()1انظر :لقط الدرر .43
()2نفسه .47-46
146
)(1
فردًا(
ويقول) :لو كان الحديث الذي لم يخرجاه من ترجمة
وصفت بكونها أصح السانيد ،كمالك عن نافع عن ابن
ل ،ل سيماعمر فإنه يقدم على ما انفرد به أحدهما مث ً
)(2
من فيه مقال(.
إذا كان في إسناده َ
وفي كلمه معان ينبغي الوقوف عليها:
الول :إثبات التفاوت في الصحة بين ما اتفقا عليه
وما انفرد به أحدهما.
الثاني :تقديم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به
مسلم.
الثالث :تقديم ما أفاد العلم من أحاديث مسلم على
ما انفرد به البخاري.
الرابع :تقديم ما أخرجه غيرهما من طريق مالك عن
نافع عن ابن عمر على ما انفرد به أحدهما.
وكل هذا ل معنى له إذا كان تلقي المة لحاديث
الصحيحين بالقبول يفيد العلم واليقين بأنها من قول
الرسول صلى الله عليه وسلم .فبأي اعتبار يقدم
حديث قطع بأنه من قول الرسول صلى الله عليه
وسلم على حديث آخر مقطوع به أيضًا؟
وكيف يحصل التفاوت بينهما بعد تحصيل العلم ؟
وتقديم ما أفاد العلم من أحاديث مسلم لتواتره أو
احتفافه بالقرينة على ما انفرد به البخاري ل معنى له
أيضا ً إذا كان تلقي المة بالقبول لحاديث المام
البخاري يفيد العلم ،لن المقدم والمقدم عليه مفيد
للعلم عند من قال بأن تلقي المة بالقبول يفيد العلم.
وأما تقديم ما أخرجه غيرهما من بعض الطرق على
ما انفرد به أحدهما فل يظهر له وجه أيضا ً إذا كان ما
دم على ق ّانفرد به أحدهما مقطوعا ً به ،فكيف ي ُ َ
المقطوع به حديث اختلفوا في إفادته العلم أو
()1نفسه .48
()2نفسه .49
147
سّلم بإفادة المق ّ
دم العلم فبأي اعتبار الظن ؟ ولو ُ
يقدم على ما أفاد العلم بتلقي المة له بالقبول ؟
ن حجر وحده ،بل يلزم غيره ول ي َّلزم هذا الحاف َ
ظ اب َ
ممن ذكروا تفاوت مراتب الصحة على ست مراتب
)(2
كالسخاوي ) (1والسيوطي.
وأختم هذه المسألة كما ختمها به شبير أحمد فقال:
)وليس غرضنا مما كتبنا في هذا المبحث تهوين أمر
الصحيحين أو غيرهما من كتب الحديث -معاذ الله -
بل المقصود هو نفي التعمق ووضع كل شيء في
موضعه وتنويه شأنه بما يستحقه ،ونحن بحمد الله
نعتقد في هذين الكتابين الجليلين بما اعتقد به شيخ
شيوخنا ولي الله الدهولي ونقول بما قال ،وهذا
لفظه :أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن
جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع -
أي بالتفصيل الذي ذكرنا -وأنهما متواتران إلى
مصنفيهما ،وأن كل من يهون أمرهما فهو متبدع ضال
)(3
متبع غير سبيل المؤمنين(.
148
من بعدهم في القرن الثاني والثالث ومن تواتر ِ
)(1
بعدهم
واختلفوا في إفادته على قولين.
فذهب عيسى بن أبان والجصاص إلى إفادته العلم
بطريق الكتساب ،وجعله قسما ً من المتواتر.
يقول الجصاص ...) :قصد عيسى بن أبان إلى ذكر
تقسيم الخبار وما تقتضيه من الحكم بمخَبرها...
-ثم قال -والمتواتر على ضربين ،ضرب يعلم بخبره
باضطرار ،من غير نظر ول استدلل ،وضرب يعلم
)(2
بخبره بالنظر والستدلل(.
وذهب جمهور الماتريدية إلى إفادته الطمأنينة ،وأنه
قسم بين الحاد والمتواتر.
قال صدر الشريعة )) :(3الخبر المشهور يوجب علم
طمأنينة القلب ،لنه وإن كان في الصل خبر واحد
لكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزهوا
عن وصمة الكذب ،ثم بعد ذلك دخل في حد التواتر
)(4
فأوجب ما ذكرنا(.
قال الشارح) :والطمأنينة :زيادة توطين وتسكين
يحصل للنفس على ما أدركته .....وحاصله سكون
النفس عن الضطراب بشبهة ،إل عند ملحظة كونه
آحاد الصل ،فالمتواتر ل شبهة في اتصاله صورة ول
ة صورةَ -وهو معنى ،وخبر الواحد في اتصاله شبه ٌ
ى حيث لم تتلقه المة بالقبول ،فأفاد ظاهر -ومعن ً
()1انظر :فواتح الرحموت ،2/111وما سبق في مفهوم خبر
الحاد عند المتكلمين.
()2انظر :الفصول .3/37
()3هو عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي )
747هـ( ،المشهور بصدر الشريعة الصغر ،ووالده صدر
الشريعة الكبر،وهو من علماء الحكمة والطبيعيات وأصول
الفقه ،وأصول الدين ،انظر ترجمته في العلم ،الزركلي
.4/354
()4انظر :التلويح ،التفتازاني .3/246
149
حكما ً دون اليقين ،وفوق أصل الظن.
فإن قيل :هو في الصل خبر واحد ولم ينضم إليه في
التصال بالنبي صلى الله عليه وسلم ما يزيد على
الظن فيجب أن يكون بمنزلة خبر الواحد ،قلنا:
أصحاب النبي عليه الصلة والسلم تنزهوا عن وصمة
الكذب ...فيحصل الظن بمجرد أصل النقل عن النبي
صلى الله عليه وسلم ،ثم يحصل زيادة رجحان
)(1
بدخوله في حد التواتر فيوجب علم طمأنينة(.
والملحظ في هذا التقسيم وإفادته ،أنه ل يكاد يظهر
له أثر عملي تطبيقي في مسائل العتقاد لن إيجاد
أمثلة لخبر كان آحادا ً في عصر النبي صلى الله عليه
وسلم ثم تواتر بعد ذلك عسير جدا ،والمصنفات التي
جمع فيها الخبار المتواترة لم تلتفت إلى هذا الخبر
الذي سماه الماتريدية مشهورًا،وكذا الماتريدية لم أر
لهم تصنيفا ً فيه.
وسبب تقسيمهم للخبار على هذا النحو سبب فقهي
ل علقة له بالعقائد لن الماتريدية التزموا في
المسائل الفقهية فقه أبي حنيفة النعمان رضي الله
عنه.
ومنهج الحنفية في تأليف أصول الفقه هو استنباطه
من الفروع الفقهية ،فكأنهم أرادوا استنباط الصول
التي اعتمدها أئمة المذهب في تفريع المسائل
)(2
الفقهية وبيان أحكامها.
واعتماد هذا المنهج دعا إلى هذا التقسيم ،ويشير إلى
150
ذلك قول الجصاص) :القسم الثاني من قسمي
التواتر :وهو ما يعلم صحته بالستدلل ،فإن أبا
الحسن رحمه الله كان يحكي عن أبي يوسف أن
نسخ القرآن بالسنة إنما يجوز بالخبر المتواتر الذي
يوجب العلم كخبر المسح على الخفين) (1فهذا الذي
ذكره من قوله يدل على أنه كان يرى أن من الخبار
المتواترة ما يعلم صحتها بالستدلل لن هذه صفة
المسح على الخفين ،إذ ل يمكن لحد أن يدعي في
)(2
ثبوته وصحته علم اضطرار(.
ثم يذكر الجصاص أمثلة أخرى لهذا النوع من الخبار
كلها أخبار واردة في فروع فقهية ).(3وإيجاد أخبار في
العقائد بهذه الصفة أمر فيه مشقة وعسر ،لنا نحتاج
في ذكر المثال أن نثبت آحاديته في طبقة الصحابة
وتواتره في الطبقات التالية.
فل نطيل في أمر ل يترتب عليه أثر في الحتجاج
بخبر الحاد في مسائل العتقاد.
والحاصل في الكلم على إفادة خبر الحاد في هذا
المبحث ،أنه بنفسه ل يفيد إل الظن الراجح خلفا ً
لمن ادعى إفادته العلم ،وقد ينضم إليه ما يقويه
فيفيد العلم بأن يحتف بالقرائن ،أو يوافق أصل ً في
كتاب الله عز وجل ،أو يكون الخبر بين يدي جماعة
يدل سكوتهم على تصديقه.
وذهب البعض إلى أن تلقي المة له بالقبول يدل على
151
إفادة العلم ،وكذا الخبر المسلسل بالئمة يفيد العلم.
وفيه نظر كما سبق.
وبعد الفراغ من الكلم على إفادة خبر الحاد ننتقل
إلى ثمرة الخلف في إفادته وهو إثبات العقيدة بخبر
الحاد.
152
المطلب الثاني :مدى الحتجاج بأخبار الحاد
الواردة في مسائل العتقاد
أخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد تنقسم
باعتبار إفادتها إلى ثلثة أقسام:
القسم الول :الخبار التي تفيد العلم بعد النظر
والكتساب بطريق من الطرق التي سبق الشارة
إليها.
القسم الثاني :الخبار التي تفيد الظن الراجح بصحة
صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي
الحاديث الصحيحة التي وصلت إلينا بنقل العدل عن
العدل.
القسم الثالث :وهي الخبار التي لم تصل إلى درجة
الصحة المعتبرة عند المحدثين ،سواء أكانت في رتبة
الحسن أو الضعيف أو الموضوع.
أما القسم الول فل خلف في حجيته وإثبات العقيدة
به ،وقد يقع الخلف فيه من جهة دعوى اكتساب
العلم بثبوت الخبار من الطرق المختلف في تقويتها
لخبار الحاد نحو تلقي المة لها بالقبول ،أو احتفافها
بالقرائن ،وقد سبقت الشارة إلى الخلف في هذه
المسألة .وإلى صعوبة إثبات قرائن تحف بالخبار
الشرعية ويتقوى بها الخبر حتى يفيد العلم.
وأما القسم الثاني :فهو محل النزاع والخلف -كما
سيأتي بيان ذلك.
ً
وأما القسم الثالث :فلأعلم خلفا في عدم حجيته في
مسائل العتقاد ،لن الجميع متفقون على اشتراط
أعلى درجات الثبوت في إثبات العقائد .وما يقع به
البعض من الحتجاج بأخبار من هذا القسم فليس
سببه ادعاء حجية هذا القسم ،بل سببه ادعاء صحته،
أو الجهل بدرجة ثبوته ،أو الستجابة للهوى ولردود
الفعال التي تثور في زحمة الصراع الفكري.
ولهذا يتعين حصر الكلم على مدى الحتجاج بالقسم
153
الثاني من أخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد،
أما ما احتج به البعض من أخبار القسم الثالث
فسيأتي التنبيه عليه في الفصل الثاني إن شاء الله.
وإذا انحصر النزاع في حجية الخبار التي وصلت إلى
درجة الصحة المعتبرة عند المحدثين تمهد بعد ذلك
الكلم على المراد بمدى هذه الحجّية:
هل تقصر الحجّية على إثبات العقائد بها ؟ أم يمكن
إثبات حجية فيها دون تلك ؟ وهل هناك رتبة بين
إثبات العقيدة وتكذيب الخبر أو إهماله ؟
ويمكن الجابة على هذه السئلة في فرعين:
154
)(1
للعذر ،فل حاجة بنا إلى خبر الواحد.(...
ويقول إمام الحرمين ردا ً على الحشوية ...) :وأما
الحاديث التي يتمسكون بها فآحاد ول تفضي إلى
)(2
العلم ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغًا(.
ويقول الرازي):أخبار الحاد مظنونة فل يجوز التمسك
)(3
بها في معرفة الله تعالى وصفاته(
ويقول أيض ًًا) :خبر الواحد مظنون :فل يجوز التمسك
)(4
به في المسائل اليقينية(
ويقول المدي جوابا ً على من منع العمل بخبر الحاد
مستدل ً بقـولـــه تعالى " :ول تقف ما ليس لك به
علم "):(5
)يحتمل أن يكون المراد من اتباع غير العلم فيما
المطلوب منه العلم ،كالعتقادات في أصول الدين(.
)(6
155
الحكام )(55-2/50
وليس في هذه الصفحات ما يشير إلى ذلك ول إلى
قريب منه ،وقد سبق نقل نص المدي فثبت بذلك
)(1
وهم الدكتور الشقر.
ومن الماتريدية الذين صرحوا بذلك-:
السرخسي إذ يقول) :ول خلف أن أصل الدين
كالتوحيد وصفات الله وإثبات النبوة ل يكون إل
بطريق يوجب العلم قطعًا ،ول يكون فيه شك ول
)(2
شبهة(.
وبهذا النص يثبت أن الدكتور الشقر وهم في ذكر
السرخسي في جملة الذين يثبتون العقائد بالخبار
)(3
الظنية.
ويقول عبد العزيز البخاري):خبر الواحد ل يعمل به
)(4
في أصول الدين ،لن المطلوب فيه علم اليقين(.
ويقول مل علي القاري) :ل يخفى أن المعتبر في
العقائد هو الدلة اليقينية ،وأحاديث الحاد لو ثبتت إنما
)(5
تكون ظنية(.
ويقول مل خسرو) :العتقاديات ل تثبت بأخبار الحاد
)(6
لبتنائها على اليقين(.
ويقول القاضي عبد الجبار من المعتزلة):وأما ما ل
ذبا ً كأخبار الحاد ،وما هذه
صدقا ً ول ك ِ يعلم كونه ِ
سبيله يجوز العمل به ،فأما قبوله فيما طريقه
156
)(1
العتقادات فل(.
ويقول عبد الله بن حميد السالمي من الباضية):خبر
)(2
الحاد مظنون الصدق،والعقائد ل تبنى على ظن(
ويقول أحمد بن يحيى المرتضى من الزيدية) :ول
يقبل الحاد في أصول الدين ...وإنما يؤخذ منها
)(3
باليقين ،وهو ل يثمره(.
ويقول محمد بن المرتضى المشهور بابن الوزير) :من
الزيادة في الدين أن يرفع المظنون في العقليات أو
الشرعيات إلى مرتبة المعلوم ،وهذا حرام بالجماع...
لنه ل حاجة ول ضرورة إلى البدعة في العتقاد ،وأما
الفروع العملية ،فلمـا وقـعـت الضـرورة إلى الخوض
)(4
فيها بالـظـنون لم يكن فيها حرج بالنص والجماع(.
ويقول الطوسي ) (5من الشيعة المامية):أما أخبار
)(6
الحاد والقياس فـل يجـوز أن يعول عليها عندنا(.
ويقول أبو القاسم الخوئي) :أما الظن المتعلق
بالصول العتقادية فل ينبغي الشك في عدم جواز
الكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقل ً كمعرفة الباري
157
)(1
جل شأنه -أو شرعًا ،كمعرفة المعاد الجسماني(.
ويقول الحافظ الخطابي من المحدثين) :الصل في
إثبات الصفات أنه ل يجوز ذلك إل أن يكون بكتاب
)(2
ناطق أو خبر مقطوع بصحته.(....
ويقول الحافظ البيهقي) :ترك أهل النظر من أصحابنا
)(3
الحتجاج بخبر الحاد في صفات الله تعالى.(...
ويقول الخطيب البغدادي) :خبر الواحد ل يقبل في
شيء من أمور الدين المأخوذ على المكلفين العلم
)(4
بها والقطع عليها(.
ويقول أبو الخطاب من الحنابلة) :أصول الدين كلفنا
فيها العلم واليقين ،والعلم واليقين ل يستمران بغبلة
)(5
الظن(.
ووقع الوهم في نسبة القول بإثبات العقائد بخبر
الحاد إلى المام الشافعي وابن عبد البر:
أما الشافعي فقد وهم اللباني ) (6والشقر والمين
)(7
158
والخضر بشيء يدل على أن موسى صاحب الخضر(
) (1فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن
كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
يكذب به امرأ ً من المسلمين ،إذ حدثه أبي بن كعب
عن رسول الله بما فيه دللة على أن موسى بني
)(2
اسرائيل صاحب الخضر(.
يقول اللباني) :وهذا القول من الشافعي -رحمه الله
-دليل على أنه ل يرى التفريق بين العقيدة والعمل
في الحتجاج بخبر الحاد ؛ لن كون موسى عليه
السلم هو صاحب الخضر عليه السلم هي مسألة
)(3
علمية ،وليست حكما ً عمليًا ،كما هو بّين(.
ول ُيسّلم أن كل مسألة ليس تحتها عمل يكون
المطلوب فيها العتقاد الجازم ،بل يكفي أصل
التصديق وترك التكذيب حتى يقوم دليل على طلب
العتقاد واليمان ،ومسألتنا هذه من قصص النبياء
والتفسير ل من العقائد ،وأيضًا :ل يستقل خبر الحاد
بالدللة على إثبات أن موسى عليه السلم هو صاحب
الخضر.
قال الرازي) :احتج القفال على صحة قولنا :إن
موسى هذا هو صاحب التوراة ،فقال :إن الله تعالى
ما ذكر موسى في كتابه إل وأراد به صاحب التوراة،
فإطلق هذا السم يوجب النصراف إليه ،ولو كان
ى بموسى غيَره ،لوجب ً
المراد به شخصا آخر مسم ً
تعريفه بصفة توجب المتياز وإزالة الشبهة ،كما أنه
لما كان المشهور في العرف من أبي حنيفة رحمه
الله هو الرجل المعني ،فـلو ذكـرنـا هذا السـم
159
وأردنـا به رجل ً سواه لقيدنـا ،مثـل أن نقول :قـال أبو
)(2) (1
حنيفـة الدينوري (
وفي خبر ابن عباس -رضي الله عنهما -دليل على
أنه يقطع بأن موسى عليه السلم هو صاحب الخضر،
ول يحتمل أن ابن عباس ترجمان القرآن -غاب عن
ذهنه دللة القرآن على أن موسى عليه السلم هو
صاحب الخضر ،وإنما استدل بالخبر وحده لنه أخصر
في الحجة.
أما الحافظ ابن عبد البر فقد نقل عنه الشيخ ابن
تيمية حكاية الجماع على إثبات العقائد بخبر الحاد،
)(4
وتابعه على ذلك السفاريني ) (3والدكتور الشقر.
يقول الحافظ ابن عبد البر):اختلف أصحابنا -يعني
المالكية -وغيرهم في خبر الواحد العدل؟ هل يوجب
العلم والعمل جميعا ً ؟ أو يوجب العمل دون العلم ؟
قال :والذي عليه أكثر أهل الحذق منهم أن يوجب
العمل دون العلم ،وهو قول الشافعي وجمهور أهل
الفقه والنظر ،ول يوجب العلم عندهم إل بما شهد به
الله ،وُقطع به العذر لمجيئهِ مجيئا ً ل اختلف فيه.
قال :والذي نقول به إنه يوجب العمل دون العلم.
قال :وكلهم يروي خبر الواحد العدل في العتقاديات،
ويعادي عليها ،ويوالي عليها ،ويجعلها شرعا ً وحكما ً
160
ودينا ً في معتقده(.
)(1
161
فيه الوهم والخطأ على المخبر به ول ُيقطع بصدقه
فيما أخبر به.
ً ً
وبيان ذلك أنا نجد في أنفسنا تفاوتا ضروريا في قبول
الخبار ،فالوجدان الصحيح يحكم بالفرق بين مدارج
الخبر والتفاوت بين مراتب ما يثبت به.
قال شبير أحمد) :أل ترى أنك إذا أخبرك أحد من
الناس أن زيدا ً يدعوك فل يعتريك في قبول هذا الخبر
تردد وتخالج ،وإذا أخبرك ذلك المخبر بعينه أن
السلطان يدعوك إلى حفلته اعتراك شيء من
الختلج والنقباض ،ول ينشرح صدرك لقبوله حتى
تلتمس القرائن والشواهد ،وهذا مراد من قال :إن
الشهادة ينبغي أن تكون على قدر الدعوى ،والدلي َ
ل
)(1
على وزان المدلول(.
وفي الحكام الشرعية ما يدل على هذا التفاوت،
ففي إعلم الناس بدخول وقت الصلة يكفي إخبار
مؤِذن واحد-كما سبق ذكره-وفي إثبات الحقوق
المادية بين الناس لبد من شهادة اثنين ،قال تعالى:
)واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا
)(2
رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء(.
وفي إثبات الزنا لبد من أربعة شهود ،قال
)(3
تعالى) :لول جاءوا عليه بأربعة شهداء(.
وفي ادعاء النبوة يطالب المدعي بالمعجزة ،لنه
يدعي خرق العادة بتلقي وحي الله عز وجل فيطالب
بدليل من جنس دعواه ،وهو خرق العادة.
وفي الخبار الشرعية نجد اعتبار هذا التفاوت واضحا ً
جليا ً عند العلماء كافة.
يقول الحافظ البيهقي :الخبار على ثلثة أنواع:
نوع اتفق أهل العلم بالحديث على صحته ،وهذا على
()1فتح الملهم .1/8
()2الية ) (282من سورة البقرة.
()3الية ) (13من سورة النور.
162
ضربين:
أحدهما :أن يكون من أوجه كثيرة وطرق شتى حتى
دخل في حد الشتهار ،وب َعُد َ عن توهم الخطأ فيه،
فهذا الضرب من الحديث يحصل به العلم
المكتسب ...وذلك مثل الخبار التي رويت في الرؤية
والحوض وعذاب القبر وبعض ما روي في
المعجزات.....
ً
والضرب الثاني :أن يكون مرويا من جهة الحاد،
ويكون مستعمل ً في الدعوات والترغيب والترهيب
وفي الحكام ،كما يكون شهادة الشاهدين مستعملة
ن كان يجوز عليها وعلى في الحكام عند الحكام،وإ ْ
المخبرالخطأ والنسيان ،لورود نص الكتاب بقبول
هدين إذا كانا عدلين ،وورود السنة بقبول شهادة الشا َ
خبر الواحد إذا كان عدل ً مستجمعا ً لشرائط القبول
فيما يوجب العمل.
وأما النوع الثاني من الخبار :فهي أحاديث اتفق أهل
العلم بالحديث على ضعف مخرجها
وهذا النوع على ضربين:
ً
ضرب رواه من كان معروفا بوضع الحديث والكذب
فيه ،فهذا الضرب ل يكون مستعمل ً في شيء من
أمور الدين إل على وجه التليين.
رف وضرب ل يكون راويه متهما ً بالوضع ،غير أنه عُ ِ
بسوء الحفظ وكثرة الغلط في رواياته ...فهذا
الضرب ل يكون مستعمل ً في الحكام ،كما ل تكون
شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكام ،وقد
يستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب والتفسير
والمغازي فيما ل يتعلق به الحكم.
-ثم ساق بسنده -عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال:
)إذا روينا في الثواب والعقاب وفي فضائل العمال
تساهلنا في السانيد ،وتسامحنا في الرجال ،وإذا
روينا في الحلل والحرام والحكام تشددنا في
163
السانيد وانتقدنا الرجال.
-ثم ساق بسنده -عن يحيى بن سعيد القطان أنه
قال :تساهلوا في التفسير عن قوم ل يوثقونهم في
الحديث.
أما النوع الثالث من الحاديث :فهو حديث قد
اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته ...فهذا الذي
)(1
يجب على أهل العلم بالحديث أن ينظروا فيه(.
دل لكل نوع وبهذا يتبين جليا ً واضحا ً أنه يجب أن ي ُ ْ
ست َ َ
من أنواع الدعاوى بدليل يناسبها ويوازنها.
فإذا كان المحدثون يتساهلون في المناقب،
ويستشهدون في الحلل والحرام -مع أنه يكفي فيها
الظن الراجح -فالولى والقرب إلى البداهة اشتراط
أعلى درجات التشدد والثبوت في مسائل العتقاد،
لن المطلوب فيها العتقاد الجازم ،ول ُيقبل فيه تردد
أو تشكيك ،وما هذا شأنه يجب أن يكون ثبوته بدليل
ل يدخله الشك ول يلحقه سوء ظن بحفظ راويه
وضبطه وعدالته ،فمن تساهل في ذلك فقد هان عليه
اعتقاده ،وعجز عن الرد على تشكيك المشككين
وطعن الملحدين.
القول الثاني :إثبات العقيدة بخبر الحاد:
إن المصرحين بإثبات العقائد بخبر الحاد هم بعض
المحدثين كعثمان بن سعيد الدرامي وعبد الله بن
أحمد وابن خزيمة والللكائي وابن أبي عاصم -وقد
سبق بسط ذلك عند الكلم على احتجاج المحدثين
بخبر الحاد ،وينضم إليهم من المحدثين ابن قتيبة
والحافظ الذهبي.
ومن الحنابلة القاضي أبو يعلى الفراء وابن تيمية
وتلميذه ابن القيم ،وابن حزم من الظاهرية.
()1دلئل النبوة باختصار ،38-1/32وانظر:نحوه في الكفاية،
الخطيب 606-605ونحوه أيضا ً في ميزان العتدال ،1/427
.3/420 ،2/325
164
أما ابن قتيبة فقد صنف كتابا ً في مختلف الحديث
أثبت فيه صفات لله عز وجل والدليل فيها آحادي،
كالصورة والصابع -وسيأتي بيانه في الباب الثاني إن
شاء الله -
ً
وأما الحافظ الذهبي فقد صنف كتابا لثبات علو الله
عز وجل في الصفات ،واستدل لذلك بكثير من
الخبار والثار ،سيأتي الكلم عليها إن شاء الله.
وأما القاضي أبو يعلى فقد صنف كتابا ً في إبطال
التأويلت التي ذكرها ابن فورك في كتابه "مشكل
الحديث" وأثبت فيه صفات كثيرة لله عز وجل منها
الصورة والصابع والساق والقدم والرجل والجلوس
على العرش -بل والفراش -وغير ذلك.
وأما الشيخ ابن تيميه وتلميذه ابن القيم فقد سبقت
نصوص من كتبهم تصرح بذلك.
وأما ابن حزم الظاهري فهو بحق حامل لواء إثبات
إفادة خبر الحاد العلم ،ويعتمد موافقوه عليه كثيرا ً
في سياقة الدلة على ذلك ،وقد صرح في كتابه
الحكام بتكفير من أنكر خبرا ً صحيحا ً روي من طريق
)(1
الحاد.
وينضم إليهم عدد من المعاصرين الذين كتبوا في
إثبات حجية أخبار الحاد في العقائد ،كاللباني
والدكتور الشقر والمين الحاج محمد وحمدي
السلفي وعبد العزيز بن راشد ،وعمدة هؤلء جميعا ً
على كتابي اللباني ،الذي اعتمد على كتاب ابن القيم
" الصواعق المرسلة".
والعجيب أن كتاب الشيخ حمدي السلفي يقع في
ستين صفحة ،بدأ بنقل كلم اللباني في الصفحة
العاشرة ،وانتهى كتابه بقوله) :انتهى ما قاله شيخنا
في رسالته القيمة وجوب الخذ بحديث الحاد في
165
)(1
العقيدة والرد على شبه المخالفين(.
ة لما كتب في إثبات حجية ويمثل كتاب اللباني خلص ً
خبر الحاد في العقائد قديما ً وأصل ً لما كتب حديثا ً
وقد ذكر فيه وجوها ً كثيرة لثبات دعواه والرد على
مخالفيه ،وليس في ردوده على ما يرد على دليل
الجمهور في عدم صلحية خبر الحاد لثبات العقيدة
به ،بل جميعها خطابي إنشائي ،كما سنرى
الرد على شبه المخالفين:
قال) :الوجه الول :أنه قول مبتدع محدث ل أصل
له ...ولم يعرفه السلف ولم ينقل عن أحد منهم بل
)(2
ول خطر لهم على بال(.
والجواب :أن جميع العلوم الشرعية وما يتصل بها من
علوم لم يكن لها وجود في عصر السلف لن الحاجة
لم تظهر إلى تقعيد القواعد وتخريج الفروع
والشتغال بذلك .ولهذا ل يعرف عن أحد من السلف
أنه اشتغل باسم )إن( وخبر )كان( أو اشتغل بأقسام
الخبار وإفادتها ،أو تبويب الفقه وتأصيل أصوله ،ول
يدل عدم اشتغالهم بذلك على أن الشتغال بها بدعة
وخروج عن طريق السلف ،لن الحاجة هي التي
دعت إلى ذلك.
فالسلف لم يحتاجوا إلى علم النحو والصرف لنهم
أهل الفصاحة ،ولما اتسعت الفتوحات واختلط العرب
بالعجم ،وفشا اللحن ظهرت الحاجة إلى تقعيد قواعد
النحو والصرف.
ولم يحتاجوا كذلك إلى علم الكلم لشدة إيمانهم
وقلة البدعة في زمانهم ،فلما ظهرت البدع كان لزاما ً
أن يقوم المسلمون بمواجهتها وردها.
وهذا شأن مسألتنا من بين مسائل العلوم المختلفة
()1النجم الثاقب للفجر الكاذب 58مطبوعات المانة العامة
للثقافة كردستان.
()2وجوب الخذ بحديث الحاد .5
166
لم يشتغلوا بها ولم تخطر لهم على بال-كما قال
اللباني.-
ً
ومع هذا يجد الخلف لهم سلفا في رد بعض الخبار
الحادية إذا كان معارضا ً لدليل عقلي أو نقلي أقوى
منه .كما سبق بيانه.
الوجه الثاني) :أن هذا القول يتضمن عقيدة
تستلزم رد مئات الحاديث الصحيحة لمجرد كونها في
العقيدة ،وهذه العقيدة هي أن أحاديث الحاد ل تثبت
بها عقيدة.
وإذا كان المر كذلك عند هؤلء المتكلمين فنحن
نخاطبهم فنقول :أين الدليل القاطع على صحة هذه
)(1
العقيدة من آية أو حديث متواتر؟(.
ل :ل يستلزم رأيُ الجمهور رد َ حديث والجواب :أو ً
واحد لمجرد كونه في العقيدة ،بل يجب قبوله على
قدر درجة ثبوته ،فإن كان قطعيا ً وجب العتقاد به،
وإن كان ظنيا ً وجب ترجيح صدقه على كذبه ،وعقد
القلب على ذلك.
ثانيًا :ل تنحصر الدلة القاطعة باليات الكريمات
والحاديث الشريفة ،وقد سبق دليل الجمهور على
عدم صلحية خبر الحاد لبناء العقيدة عليه ،فالولى
توجيه العتراض على هذا الدليل.
الوجه الثالث) :هذا القول مخالف لدلة حجية خبر
الحاد في الحكام الشرعية لعمومها وشمولها لما
جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه
سواء كان عقيدة أو حكمًا ،فتخصيص هذه الدلة
)(2
بالحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص(
والجواب :أن أدلة حجية خبر الحاد في الحكام
الشرعية ل تدل على حجيته في العقائد ،لن الحكام
كتفى فيها بالظن الراجح ،ول يثبت بنيان الشرعية ي ُ ْ
()1وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة .6
()2وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة .8
167
العقيدة فوق أساس ظني.
الوجه الرابع :أن القول المذكور مخالف لما كان عليه
الصحابة رضي الله عنهم فإننا على يقين أنهم كانوا
دث به أحدهم عن رسول الله يجزمون بكل ما يح ّ
دثه:
صلى الله عليه وسلم ،ولم يقل أحد منهم لمن ح ّ
)(1
خبرك خبر واحد ل يفيد العلم(.
والجواب :نسلم أنهم كانوا يجزمون ببعض الخبار،
وحصل منهم عدم الجزم ببعض الخبار.
أخرج المام مسلم بسنده عن أبي بردة عن أبي
موسى الشعري قال :جاء أبو موسى إلى عمر بن
الخطاب ،فقال :السلم عليكم ،هذا الشعري ،ثم
ي ،فجاء ،فقال: دوا عل ّ ي ،ر ّ دوا عل ّانصرف ،فقال ر ّ
دك ؟ كنا في شغل ،قال:سمعت يا أبا موسى ،ما ر ّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) :الستئذان
ن لك ،وإل فارجع ،قال :لتأتيني على ذلك ثلث فإن أذِ َ
)(2
ببينة ،وإل فعلت وفعلت.(...
قال الحافظ الذهبي تعليقا ً على هذه القصة) :وعمر
هو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل ،وربما كان
)(3
يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب(.
وفي هذا الخبر مثال لما نفى اللباني وقوعه بين
الصحابة رضوان الله عليهم،وهناك أمثلة أخرى
معروفة مطولة في كتب أصول الفقه لمجال ول
)(4
داعي لذكرها.
ً
الوجه الخامسُ) :يعلم يقينيا أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يبعث أفرادا ً من الصحابة إلى مختلف
()1نفسه .8
()2في كتاب الداب ،7/2154وأبو داود في كتاب الدب
.5184-138/5180
()3تذكرة الحفاظ .1/6
()4انظر :احتجاج الصحابة بخبر الحاد -محمد عويضة -67
.87
168
البلد ليعلموا الناس دينهم ...ونعلم يقينا ً أن أهم شيء
في الدين إنما هو العقيدة ،فهو أول شيء كان أولئك
)(1
الرسل يدعون الناس إليه.(...
والجواب من وجهين:
سل من لدن رسول ل :ل يقاس الراوي على المر َ أو ً
الله صلى الله عليه وسلم ،لوجود فارق يمنع القياس
سل ل يجوز التوقف في خبره والنظر وهو أن المر َ
سل أن يختار لداء في عدالته وضبطه لن شأن المر ِ
سل يضمن رسالته من يثق بعدالته وضبطه ،فالمر ِ
ويتكفل بعدالة وضبط من أرسله ،ول يوجد هذا
المعنى في الراوي.
ثانيًا :أصل الدعوة التي كان يبعث بها النبي صلى الله
عليه وسلم أمرائه هو الشهادتان ،وكان إعلن
الشهادتين ،يعني الدخول في دين السلم :فإذا أعلن
دفع إلى الصحابة الرجل من أهل القبائل إسلمه ُ
رضوان الله عليهم ليتعلم الفرائض ثم ينصرف داعيا ً
قومه إلى مثل ذلك.
وفي قصة معاذ بن جبل وبعِثه إلى أهل اليمن يوضح
النبي صلى الله عليه وسلم ما ُبعثه به.
أخرج المام مسلم بسنده عن معاذ بن جبل رضي
الله عنه قال) :بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،قال :إنك تأتي قوما ً من أهل الكتاب ،فادعهم
إلى شهادة أن ل إله إل الله ،فإن هم أطاعوك لذلك
فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في
كل يوم وليلة ،فإن هم أطاعوك لذلك ،فأعلمهم أن
الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في
فقرائهم ،فإن هم أطاعوك لذلك ،فإياك وكرائم
أموالهم ،واتق دعوة المظلوم ،فإنه ليس بينها وبين
)(2
الله حجاب(.
()1وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة .11
()2في كتاب اليمان ،6/91والبخاري في كتاب الزكاة
169
وفي هذا الحديث يتبين أن الدعوة التي حرص النبي
صلى الله عليه وسلم على تبليغها هي الكليات
والركان المذكورة ،ومثل هذا حديث النبي صلى الله
عليه وسلم إلى وفد عبد القيس.
أخرج المام مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال):إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال :من الوفد ؟ أو من القوم ؟
قالوا :ربيعة ،قال :مرحبا ً بالقوم أو بالوفد -غير خزايا
ول ندامى ،قال :فقالوا :يا رسول الله ،إنا نأتيك من
شقة بعيدة) (1وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار
مضر ،وإنا ل نستطيع أن نأتيك إل في الشهر الحرام،
صل نخبر به من وراءنا ،ندخل به الجنة، فمرنا بأمر فَ ْ
قال :فأمرهم بأربع ،ونهاهم عن أربع .قال :أمرهم
باليمان بالله وحده .وقل :هل تدرون ما اليمان
بالله ؟ قالوا :الله ورسوله أعلم .قال شهادة أن ل إله
إل الله وأن محمدا ً رسول الله ،وإقام الصلة وإيتاء
الزكاة وصوم رمضان ،وأن تؤدوا خمسا ً من
)(2
المغنم.(...
وفي هذا الحديث والذي قبله دليل على أن الدعوة
التي كان يحملها المبلغون والمبعوثون ليس فيها
فروع فقهية أو تفريعات اعتقاديه .وهذا المعنى
مشترك في الخبار التي ذكر فيها بعوث النبي صلى
الله عليه وسلم ووفود القبائل إليه.
فل يتم الستدلل السابق إل بذكر مسألة اعتقاديه
بلغها مبعوث أو وافد .ودونه خرط القتاد.
-والله أعلم -
الوجه السادس:
1/1395وانظر :تحفة الشراف .5/256
()1الشقة:المسافة .انظر النهاية،ابن الثير 2/492
()2في كتاب اليمان ،6/17وأخرجه البخاري في كتاب
الزكاة 1/1398وانظر :تحفة الشراف .5/260
170
)قال تعالى ":يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته") ....(1ومعلوم
أن البلغ هو الذي تقوم الحجة به على المبّلغ ويحصل
به العلم ،فلو كان خبر الواحد ل يحصل به العلم لم
يقع به التبليغ،فإنما تقوم الحجة بما يحصل به العلم(.
)(2
171
المفيد للعلم ،وقد سبق أن خبر الحاد قد يحصل به
العلم بطريقة من الطرق ،فحيث يحصل العلم يجب
مصر.العتقاد ،في أي عصر ،وفي أي ِ
ثانيًا :ل نسلم أن جماهير المسلمين لم يصل إليهم
من الخبار المتواترة شيء قبل جمع الحديث وتدوينه،
لن شرط المتواتر أن يحصل تواتره في جميع طبقاته
فما حكم بتواتره في زماننا أو في زمن التدوين ل
يكون متواترا ً إذا لم يتواتر في جميع طبقاته من أوله
إلى منتهاه.
الوجه الثامن) :تكليف النسان بوجوب تصديق
الراوي الذي يثق به في الحكام دون العقيدة تكليف
)(1
بما ل يطاق(
والجواب :أنا نجد بالبداهة في أنفسنا تفاوتا ً في قبول
أخبار مخِبر واحد ،فإذا أخبرنا شخص بأن زيدا ً يدعونا
لحفل زفافه قبلنا خبره بل تردد ،وإذا أخبرنا نفس
ذلك المخبر بأن السلطان يدعونا إلى حفل زفافه
تريثنا في قبول خبره حتى نتبين القرائن والشواهد
التي تدفع الريبة والشك.
ت في قبول خبر المخبر في ما ومثل هذا التفاو ُ
يوجب العمل وما يوجب العتقاد الجازم ،فإذا أخبر
العدل بما يوجب العمل ،عملنا بخبره ،وإذا أخبر بما
يوجب العتقاد توقفنا في العتقاد به حتى يحصل
العلم ،وليس في ذلك مشقة أو تكليف بما ل يطاق.
الوجه التاسع) :التفريق في إيجاب الخذ بحديث
الحاد في الحكام العملية دون العقيدة ،إنما ُبني
على أساس أن العقيدة ل يقترن معها عمل والحكام
العملية ل يقترن معها عقيدة ،وكل المرين باطل،
وقال بعض المحدثين :المطلوب في المسائل العملية
أمران ،العلم والعمل،والمطلوب في العمليات العلم
()1نفسه .18_17
172
والعمل.
ومما يوضح لك أنه ل بد من اقتران العقيدة في
العمليات أيضا ً أو الحكام ،أنه لو افترض أن رجل ً
يغتسل أو يتوضأ للنظافة ،أو يصلي تريضًا ،أو يحج
سياحة ،ل يفعل ذلك معتقدا ً أن الله تبارك وتعالى
أوجبه عليه وتعّبده به لما أفاده ذلك شيئًا ،كمال يفيده
معرفة القلب إذا لم تقترن بعمل القلب الذي هو
)(1
التصديق.(.
والجواب من وجهين:
ل :ل نسلم أن التفريق في إيجاب العمل بخبر أو ً
الحاد دون العتقاد به مبني على ما ذكر ،بل هو مبني
على أن التكليف بالعتقاد ل يثبت إل بخبر علمي ،أما
التكليف بالعمل فيكفي في إثباته الظن الراجح.
ثانيًا :تتفاوت أعمال القلب بين النية التي تسبق
العمل ،ومجرد التصديق ،والعتقاد الجازم ،وتسمية
هذه العمال الثلثة " اعتقادا ً " فيه تجوز.
فقول اللباني " :ل بد من اقتران العقيدة في
العمليات "ومثاُله الذي ذكر يدلن على اشتراط النية
لستحقاق الثواب على التيان بالمطلوب شرعا ً أو
المتناع عن الممنوع شرعًا ،ول وجه للستدلل به
على إثبات العقيدة بخبر الحاد أو النكار على خلفه.
الوجه العاشر) :لو قال قائل إن الحرام والحلل
ل يثبتان بخبر الحاد ،بل لبد فيهما من آية قطعية
الدللة ،أو حديث متواتر قطعي الدللة أيضا ً لم يجد
ً )(2
المتكلمون وأتباعهم عن ذلك جوابا(.
والجواب :بل وجدوا إجابات كثيرة سبق ذكرها في
إثبات حجية خبر الحاد في الحكام الشرعية من غير
الحاجة إلى القطع.
الوجه الحادي عشر):أن طرد قولهم بذلك يستلزم
()1وجوب الخذ بحديث الحاد.20-19 ،
()2نفسه .21
173
تعطيل العمل بحديث الحاد في الحكام العملية أيضًا،
وهذا باطل ،ل يقولون هم به أيضًا ،وما لزم منه باطل
فهو باطل.
وبيانه:أن كثيرا ً من الحاديث العملية تتضمن أمورا ً
اعتقادية ،فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لنا":إذا جلس أحدكم في التشهد الخير
فليستعذ بالله من أربع ،يقول:اللهم إني أعوذ بـك من
عذاب القبـر ومن عذاب جهنم ومن فتنـة المحيـا
والممـات ،ومن فتنة المسيح الدجال" (1).فالقائلون
ن تركوا العمل به نقضوا أصل ً من
بهذا القول إ ْ
أصولهم ،وهو وجوب العمل بحديث الحاد في
الحكام ،وإن عملوا به فقد نقضوا القول بعدم وجوب
العتقاد بخبر الحاد ،فإن قالوا :نعمل بهذا الحديث
ولكننا ل نعتقد ما فيه من إثبات عذاب القبر والمسيح
)(2
الدجال ،قلنا ،إن العمل به يستلزم العتقاد به(
الجواب من وجهين:
ل :ل نسلم أن القول بعدم وجوب العتقاد بالخبر أو ً
الظني يستلزم تعطيل العمل به ،وقد سبق جوابه
مرارا ً واللباني ذكر في كلمه أن أحدا ً ل يقول بما
ألزم به المخالف فقال) :ول يقولون به هم أيضًا(،
من الذين لم يوجبوا من ِ
فما وجه اللزوم المذكور؟ و َ
ً
العتقاد بالخبر عطل العمل به أيضا ؟
ثانيًا :الحديث المذكور ُيعمل به،و ل يستلزم ذلك
إثبات العقيدة به لن عذاب القبر ثابت بالمتواتر
المعنوي -كما سيأتي .-
الوجه الثاني عشر):الذين نقلوا الذان والوضوء
والغسل هم الذين نقلوا أحاديث الصفات ،فإن جاز
عليهم الخطأ والكذب في نقلها جاز عليهم ذلك في
()1أخرجه البخاري في كتاب الجنائز 87/1377ومسلم في
كتاب المساجد 2/588وانظر :تحفة الشراف .80 ،11/73
()2وجوب الخذ بحديث الحاد .23
174
نقل غيرها مما ذكرناه ،وحينئذ ل وثوق لنا بشيء نقل
لنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم البتة ،وهذا انسلخ
)(1
من الدين والعلم والعقل(.
والجواب :أن نقل العدل إذا لم يحصل به العلم وجب
ن جاز عليه الوهم والغلط ،وإذا نقل شيئا ً العمل به وإ ْ
من الخبار في الصفات فل يجب العتقاد به حتى
يحصل به العلم ،ول يعني ذلك تكذيبه أو رد خبره ،بل
يثبت به أصل التصديق وعقد القلب -كما سبق -فإن
حصل العلم بها فل خلف في وجوب العمل بها أو
العتقاد ،وبهذا نبرأ من النسلخ عن الخبار المروية
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكون قد
عملنا بكل خبر حسب درجة ثبوته.
الوجه الثالث عشر) :هب أن أحاديث الحاد
ل تفيد العلم واليقين ،فهي تفيد الظن الغالب قطعا ً
باتفاقهم ،ول يمتنع من إثبات السماء والصفات بها،
كما ل يمتنع من إثبات الحكام الطلبيـة بهـا ،فما
الفرق بين باب الطلب وباب الخبر ،بحيث يحتج بها
)(2
في أحدهما دون الخر ؟(.
والجواب :الفرق هو أن مسائل العتقاد ل يصح أن
تبنى على الظن ،لن العتقاد إذا بني على الظن لم
يصمد أمام زوابع التشكيك والطعن ،أما الحكام
العملية فيجوز أن تبنى على الظن الراجح ويجري
فيها الخلف ،ويؤجر فيها المجتهد إن أخطأ أو أصاب.
الوجه الرابع عشر) :إن من لوازم هذا القول الباطل
القتصار في العقيدة على ما جاء في القرآن وحده
وفصل الحديث عنه ،وعدم العتداد بما فيه من
العقائد والمور الغيبية ،وفقا ً لطائفة من الناس
يعرفون بالقرآنيين ،لنهم ل يدينون بالحديث إطلقًا...
وهذا وإن كان يبدو -لول وهلة -أنه يخالف قولهم
()1نفسه .26
()2نفسه .27
175
المشار إليه لنهم يثبتون العقيدة بالحديث المتواتر،
فإنه في الحقيقة ل يخالف إل في اللفظ ،والتحقيق
أن ذلك نظري إليهم غير عملي ،وإل فليدلنا هؤلء
على عقيدة واحدة يعتقدونها بناء على حديث متواتر،
فإني شخصيا ً ل أظن أن أحدا ً من علماء الكلم يثبت
)(1
عقيدة بحديث متواتر(.
والجواب :أدرك اللباني بعد سطور من صدر كلمه
أنه ل يلزم من ذلك القتصار في العقيدة على ما جاء
فيه القرآن ،بل يعتمد فيه على الحاديث المتواترة
ن اللباني أنوعلى ما أفاد العلم من أخبار الحاد .وظ َ ّ
أحدا ً من علماء الكلم ل يثبت عقيدة بحديث متواتر
من المتكلمين ل يثبت من ِهو من الظن الوهمي ،ف َ
عذاب القبر ،والشفاعة لهل الكبائر من أمة محمد
صلى الله عليه وسلم وسؤال الملكين ،وغير ذلك
من العقائد التي أثبتها المتكلمون وبذلوا الوسع في
تقريرها وتقريبها للذهان وذب طعون المبتدعة عنها،
ومصفاتهم ناطقة بذلك ؟
الوجه الخامس عشر) :هناك حكمة تروى عن
عيسى عليه السلم تقول في المتنبئين الدجالين
الكذبة " :من ثمارهم تعرفونهم " فمن شاء من
المسلمين أن يعرف ثمرة ذلك القول الباطل،
فليتأمل فيما سنسوقه من العقائد السلمية التي
تلقاها الخلف عن السلف ،وجاءت الحاديث متضافرة
متوافرة شاهدة عليها ،وحينئذٍ يتبين خطورة ذلك
القول الذي يتبناه المخالفون دون أن يشعروا بما
)(2
يؤدي إليه من الضلل البعيد.(.
ثم عد ّ اللباني عددا ً منها شفاعته صلى الله عليه
()1وجوب الخذ بحديث الحاد .33وانظر نحوه في مختصر
العقيدة السلمية ،طارق السويدان 16 ،طبعة الكويت
1978م.
()2نفسه .36
176
وسلم العظمى في المحشر ،وشفاعته لهل الكبائر،
ومعجزاته كلها ما عدا القرآن ،وسؤال منكر ونكير،
وعذاب القبر والميزان والصراط والشفاعة لهل
الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأشراط
الساعة الكبرى ثم قال):هذه بعض العقائد السلمية
الصحيحة التي وردت في الحاديث الثابتة المتواترة
أو المستفيضة وتلقتها المة بالقبول ،وما أظن أن
أحدا ً من المسلمين يجرؤ على إنكارها أو التشكيك
فيها ،وإن كان ذلك يلزم الذين ل يثبتون العقيدة
)(1
بحديث الحاد ،هدانا الله وإياهم إلى سواء السبيل(.
والجواب من وجوه:
ل :العقائد التي ذكرها اللباني معظمها ثابت بالتواتر أو ً
أو بخبر آحادي حصل العلم به كما سيأتي بيانه في
الباب الثاني ،والعجيب أن اللباني في عبارة واحدة
صرح بتواترها ثم زعم أن إنكارها يلزم الذين ل يثبتون
العقيدة بخبر الحاد ،فكيف يلزمهم إنكار المتواتر إذا
لم يثبتوا الحادي؟
ثانيًا :من ثمار التعنت في إثبات العقيدة بخبر الحاد
الحتجاج بجملة من الخبار المنكرة.
منها :إثبات القعود على العرش وحصول الطيط من
الثقل .ومنها :إثبات شغل العرش إل قدر أربع أصابع.
ومنها :إثبات أن صورة آدم على صورة الرحمن.
ومنها :إثبات إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم مع
الله عز وجل على العرش .ومنها :إثبات الهبوط
والرتفاع والتردد بين العرش والكرسي .ومنها :إثبات
وضع الرجلين على الكرسي وقد عاد الكرسي كالنعل
في قدميه .ومنها :إثبات الحمل على أكتاف الملئكة.
ومنها :إثبات الستلقاء ووضع إحدى رجليه على
الخرى.
()1نفسه .38-37
177
ومن ثمار هذا التعنت ما أدى إليه هذا الثبات من
تمزيق وفتن وهوان وتشبيه وتجسيم أصاب من أثبت
هذه المنكرات في عقيدته بربه تبارك وتعالى .وما
أظن أن أحدا ً من المسلمين يرغب في استمرار
التنكب عن الدلة وإعمال التمزيق في صفوف المة
وإشغالها باجترار عقيم لمثل هذه المسائل.
هدانا الله تعالى وإياهم إلى سواء السبيل.
الفرع الثاني :ما توجبه أخبار الحاد إذا لم تثبت بها العقيدة
إذا صح الخبر الوارد في مسائل العتقاد ولم يحصل
القطع به ،فهذا ل يعني تكذيبه أو إهماله ،بل يجب فيه
ما يتناسب مع درجة ثبوته.
واستقراء العقائد السلمية يثبت أن أصول العقائد
وكبرى مسائلها قد تكفل القرآن الكريم ببيانها ،وفيما
يتعلق بالله عز وجل وصفاته نجد أدلتها في القرآن
الكريم موفورة متظاهرة ،وكذا المتكلمون أطالوا في
ذكر وجوه إثبات هذه الصفات بدليل العقل،
فاستفادت هذه الصول القطع بالنقل والعقل ،فإذا
جاء خبر الحاد في شيء من هذا الباب يكون شاهدا ً
ومؤكدًا.
ولهذا ل يشتد النزاع في هذه الساحة من ساحات
العقائد حول حجية خبر الحاد.
ويعبر عن ذلك قول الشيرازي) :في مسائل الصول -
مثل التوحيد وإثبات الصفات -أدلة عقلية موجبة
)(1
للعلم قاطعة للعذر ،فل حاجة بنا إلى خبر الواحد(.
وفي الغيبيات ل مجال لثباتها بأدلة العقل فل بد فيها
من النقل ،ونجد في نصوص القرآن الكريم والسنة
المتواترة شيئا ً كثيرا ً فيما يتعلق باليوم الخر والبعث
178
والنشور والجنة والنار.
ومنها أيضا ً كثير من أخبار الحاد التي تعذر تحصيل
القطع بمضمونها .فهل يعني ذلك إهمالها أو تكذيبها ؟
إن الشاعرة والماتريدية وهم جمهور أهل السنة ل
يهملون ول يكذبون ما هذه حاله من الخبار ،بل
يوجبون فيها أصل التصديق ،وإن لم يحصل القطع،
ويشترطون لذلك شرطين :أن يصح السند ،وأن
يكون مضمونها غير معارض لما هو أقوى منها.
يقول إمام الحرمين) :يتعين على كل معتن بالدين
واثق بعقله أن ينظر فيما تعلقت به الدلة
السمعية.فإن صادفه غير مستحيل في العقل ،وكانت
الدلة السمعية قاطعة في طرقها ،ل مجال للحتمال
في ثبوت أصولها ول في تأويلها :فما هذا سبيله ،فل
وجه له إل القطع به.وإن لم تثبت الدلة السمعية
بطرق قاطعة ،ولم يكن مضمونها مستحيل ً في
العقل ...فل سبيل إلى القطع ،لكن المتدين يغلب
على ظنه ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته،
وإن لم يكن قاطعًا.وإن كان مضمون الشرع المتصل
بنا مخالفا ً لقضية العقل فهو مردود قطعا ً بأن الشرع
ل يخالف العقل ،ول يتصور في هذا القسم ثبوت
سمع قاطع به،ول خفاء به.فهذه مقدمة السمعيات
)(1
لبد من الحاطة بها.(...
ويقول ابن فورك) :فإن قيل :فإذا لم يكن خبر الواحد
موجبا ً للعتقاد والقطع ...فعلى ماذا تحملونه ؟ ،قيل:
179
وزة
إنها وإن لم تكن موجبة للقطع بها فإنها مج ّ
مغلبة ...فيكون الحكم بها على الظاهر واجبا ً من
طريق التجويز ورفع الحالة ،وإن لم يكن فيها القطع
)(1
والعتقاد(.
ظر:
ويقول الغزالي) :كلما ورد به السمع ُين ِ
فإن كان العقل مجوزا ً له وجب التصديق به قطعا إن
ً
كانت الدلة السمعية قاطعة في متنها ومستندها،
ووجب التصديق بها ظنا ً إن كانت ظنية ،فإن وجوب
التصديق عمل يبنى على الدلة الظنية كسائر
)(2
العمال.(...
ويقول عبد العزيز البخاري) :أما الخبار في أحكام
الخرة :فمن ذلك ما هو مشهور ،ومن ذلك ما هو
دونه لكنه يوجب ضربا ً من العلم وفيه ضرب من
العمل أيضا ً وهو عقد القلب عليه إذ العقد فضل على
العلم ،لن العلم قد يكون بدون عقد القلب كعلم أهل
الكتاب بحقيقة النبي عليه الصلة والسلم مع عدم
اعتقادهم حقيقته ،وكعلمنا بدلئل الخصوم من غير أن
نعتقدها.
وعلى العكس فالعقد قد يكون بدون العلم أيضا ً
كاعتقاد المقلد.
ً
وإن كان كذلك جاز أن يكون خبر الواحد موجبا للعقد
الذي هو عمل القلب ،وإن لم يكن موجبا ً للعلم ،قال
أبو اليسر :الخبار الواردة في أحكـام الخرة من باب
)(3
العمل ،فإن العمل بالقلب اعتقاد(.
ويمكن أن يورد على كلم البخاري أن عقد القلب إنما
180
يحصل بعد العلم والقطع .قال الفنري) :عقد القلب
)(1
بالحكم هو الذي يعقب العلم.(...
والجواب:أن المراد بعقد القلب هو التصديق غير
الجازم وترك النكار والتكذيب ول يشترط فيه العلم
والقطع
وبهذا يتبين أن منهج الشاعرة والماتريدية إثبات
العقائد بخبر الحاد إذا حصل فيها القطع واليقين
وانتفى احتمال السهو والكذب عن مخبريها.
فإذا تعذر القطع وحصل الظن الراجح وجب الحتجاج
به في منزلة تتناسب مع درجة ثبوته فيجب فبه أصل
التصديق من غير جزم به ويجب عقد القلب عليه،
وبذلك يكون التيان بما كلفنا به في كل خبر على قدر
درجة ثبوته.
ويثبت بهذا أن الشاعرة والماتريدية لم يهملوا أخبار
الحاد ولم يكذبوا رواتها ،بل عملوا بها ما أمكن ذلك -
والله أعلم -
181
المبحث الرابع :تخريج منهج أهل السنة
على مواقف السلف الصالح.
ة من مصطلحات نقل الخبار لم تكن ح أن جمل ًصحي ٌ
مستعملة في عصر الصحابة الكرام ،لكن الرجوع
إلى بعض المرويات يكشف لنا عن أربعة نقاط
هامة في استبيان رأي السلف الصالح وتخريج
أقوال العلماء عليها.
النقطة الولى:
أن بعض الصحابة لم يكن يعد مجرد نقل الصحابي
مفيدا ً للعلم بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا جاز لصحابي أن ل يعد مجرد نقل الصحابي
مفيدا ً للعلم فمن أين يمتنع على غيرهم عد نقل
الثقة قاصرا ً عن إفادة العلم بنفسه .مع أنه قد
اجتمع للصحابي في الخبر الذي يبلغه عن الصحابي
ما ل يجتمع لنا في الخبار التي تبلغنا عن نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم .فالسند فيه يتصل بالنبي
صلى الله عليه وسلم بحلقة واحدة ،واجتمع في
راويه من العدالة وشرف الصحبة ومبلغ العناية بنقل
السنة ما ل يجتمع في رواية سائر الطبقات .فأي
ظن يرد على ثبوت مثل هذا الخبر عند الصحابي ول
يرد ظن مثله أو أعظم منه على ثبوت غيره من
الخبار عند العلماء والمصنفين؟
النقطة الثانية:
أن صنيع السلف في قبول الخبار وروايتها يخالف
ما جنح إليه بعض المحدثين الذين جعلوا مجرد نقل
الخبر في العقيدة موجبا ً من فور بلوغه لعقد القلب
وقطع دابر النظر .فإذا احتج أحدهم بخبر في
العقيدة عد فتح أبواب الفهم ومقارنته بغيره من
أدلة السمع بابا ً من أبواب التجهم والعتزال
والتنكب عن منهج السلف الصالح.
182
ونجد في مرويات السلف الصالح أن مجرد الرواية
لم يكن موجبا ً لصرف دواعي الفهم والعرض على
القرآن ومرويات السنة المطهرة.
النقطة الثالثة:
أن مجرد الحتجاج بالنقل الصحيح لم ُينّزل عند
الصحابة في تلك المنزلة التي تدعو إلى الحكم على
المخالف بالبدعة أو الستخفاف بالسنة.
ونوضح هذه النقاط بمثال أخرجه المام البخاري
بسنده عن ابن أبي مليكة أنه قال :توفيت ابنة
لعثمان رضي الله عنه بمكة ،وجئنا لنشهدها.
وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم،
وإني لجالس بينهما -أو قال جلست إلى أحدهما ثم
جاء الخر فجلس إلى جنبي -فقال عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان :أل تنهى عن
البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
)إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) .فقال ابن
عباس رضي الله عنهما :قد كان عمر رضي الله
عنه يقول بعض ذلك .ثم حدث قال :صدرت مع
عمر رضي الله عنه من مكة ،حتى إذا كنا بالبيداء
مرة ،فقال :اذهب فانظر إذا هو بركبٍ تحت ظل س ُ
من هؤلء الركب؟ قال :فنظرت فإذا صهيب.
فأخبرته فقال :ادعه لي ،فرجعت إلى صهيب
فقلت :ارتحل فالحق أمير المؤمنين .فلما أصيب
عمر دخل صهيب يبكي يقول :واأخاه واصاحباه.
فقال عمر رضي الله عنه :يا صهيب أتبكي علي
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إن
الميت ليعذب ببكاء أهله عليه(
قال ابن عباس رضي الله عنهما :فلما مات عمر
رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها،
فقالت :رحم الله عمر ،والله ما حدث رسول الله
صلى الله عليه وسلم) :إن الله ليعذب المؤمن
183
ببكاء أهله عليه( ،ولكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال) :إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله
عليه( .وقالت حسبكم القرآن} :ول تزر وازرة وزر
أخرى{.
...قال ابن أبي ملكية والله ما قال ابن عمر رضي
)(1
الله عنهما شيئا(
وفي صحيح مسلم أن ابن أبي مليكة قال :حدثني
القاسم بن محمد قال :لما بلغ عائشة قول عمر
وابن عمر قالت :إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ول
)(2
مكذبين ولكن السمع يخطئ(
وفيه أيضا أنها قالت ) :يغفر الله لبي عبد الرحمن
أما إنه لم يكذب ،ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى
عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في
)(3
قبرها(.
فقد دار هذا الخبر بين كبار الصحابة فاحتج به عمر
وابن عمر رضي الله عنهما .ولم يكن هذا النقل
الصحيح مانعا ً لعائشة رضي الله عنها من ترك
العتقاد بمضمونه لما ذكرته من حجة القرآن مع
تجويز الخطأ في الرواية .ولما بلغ عبد الله ابن عمر
رضي الله عنهما ما اعترضت به عائشة رضي الله
عنها ما قال شيئا ً كما ذكر ابن أبي مليكة.
ثم انتقل الكلم في هذه المسألة إلى العلماء فلم
يقصروا في تفنيد الدلة ونقدها وتوجيهها من غير أن
ً )(4
نسمع لغوا ً أو تأثيما.
(1226)1/432 ()1
()2صحيح مسلم (929) 2/638
()3صحيح مسلم ( 932 )2/638
()4انظر ذلك في فتح الباري لبن حجر .156-3/153
وسوف يأتي مثل هذا الختلف في رؤية النبي صلى الله
عليه وسلم لربه عز وجل .وقد سبق نقل بعض الخبار التي
184
النقطة الرابعة:
تبين مما سبق أن من منهج أهل السنة النتفاع
بأخبار الحاد الظنية في إيجاب أصل التصديق وعقد
القلب عليها والتسليم من غير إنكار ول تكذيب.
والحجة في هذا الوجه من النتفاع هو تعليق
العتقاد بها على تفويض ثبوتها عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
وهذا الوجه من النتفاع بالخبر الظني ليس مبتدعا ً
وله عن السلف الصالح توجيه وتخريج .فقد أخرج
الحاكم بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت
) :لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى
المسجد القصى أصبح يتحدث الناس بذلك ،فارتد
ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه ،وسعوا بذلك إلى
أبي بكر رضي الله عنه ،فقالوا :هل لك إلى
صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت
المقدس ،قال :أو قال ذلك؟ قالوا :نعم ،قال :لئن
كان قال ذلك لقد صدق ،قالوا :أو تصدقه أنه ذهب
الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال:
نعم ،إني لصدقه فيما هو أبعد من ذلك ،أصدقه
185
بخبر السماء في غدوة أو روحة ،فلذلك سمي أبو
)(1
بكر الصديق(
وفي هذا الخبر أن أبا بكر رضي الله عنه علق
ق كونه من قول النبي التصديق بما ُنقل على تحق ِ
صلى الله عليه وسلم .فقال) :لئن كان قال ذلك
لقد صدق( .ولم يمنع هذا التعليق من مدحه
بالصديقية رضي الله عنه .وهو بذلك يصلح سلفا ً
لكل من أبدى الذعان والتسليم والرغبة في إظهار
التصديق إذا تحقق صدور الخبر عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
186
الفصل الثاني:
تطبيق المنهج العلمي في
الحتجاج بخير الحاد في أبواب
العقيدة
187
المبحث الول :الحتجاج بخبر الحاد في
أسماء الله تعالى وصفاته.
وفيه مطلبان
188
الفصل الثاني :تطبيق المنهج العلمي في الحتجاج
بخير الحاد في أبواب العقيدة
المبحث الول :الحتجاج بخبر الحاد في
أسماء الله تعالى وصفاته.
المطلب الول في السماء الحسنى
السم لغة مشتق من السمو .قال ابن فارس:
)السين والميم والواو أصل يدل على العلو ،ويقال:
سموت ،إذا علوت.
واشتق منه السم لنه تنويه ورفعه ودللة على
المعنى ).(1
وقال الراغب):السم ما يعرف به ذات الشيء().(2
والسم عند المتكلمين :هو اللفظة الدالة على الذات
).(3
وعند قول القائل )زيد( نعقل ثلثة أمور ذات الشيء،
وهذه اللفاظ المخصوصة ،وجعل هذه اللفاظ
المخصوصة معرفة لهذه الذات ،أما اللفظ
المخصوص فهو السم وأما الذات المخصوصة فهي
المسمى ،والتسمية جعل ذلك اللفظ دال ً على الذات.
)(4
)(5
وقال التفتازاني):ول خفاء في تغاير المور الثلثة(
و يحسن في هذا المقام التنبيه إلى الفرق بين السم
والصفة وقد عرفنا المراد من )السم(
أما الصفة لغة فتطلق ويراد بها المارة اللزمة
)(6
للشيء
والصفة عند المتكلمين :ما دل على معنى زائد عن
()1مقاييس اللغة )سمو( 3/98
()2المفردات في ترتيب القرآن ) 244سما(
()3انظر لوامع البينات ،الرازي ،18وشرح المقاصد،
التفتازاني 4/344
()4انظر لوامع البينات ،الرازي 20-19
()5شرح المقاصد 2/338
189
)(1
الذات
فالفرق بينهما في زيادة دللة الصفة على دللة
السم ،إذ أن الصفة تدل على الذات وزيادة وصفية
ولفظ الجللة )الله( ل يدل إل على الذات المقدسة
نفسها دون زيادة معنى آخر .واسم )الرحمن( مثل
)(2
يدل على ذات الله عز وجل المتصفة بالرحمة
وقد اتفق العلماء على جواز إطلق السماء والصفات
على الباري تعالى إذا ورد إذن الشرع واتفقوا على
عدم جوازه إذا ورد منعه
واختلفوا فيما لم يرد به إذن ول منع وكان الباري
موصوفا ً بمعناه ،ولم يكن إطلقه عليه مما يستحيل
في حقه فقال جمهور الشاعرة وابن حزم وغيرهم
ل يجوز إطلق مثل ذلك على الباري عز وجل على
سبيل التسمية أو الوصف ،فل يشتق له عز وجل أسم
ول صفه من قوله تعالى) :الله يستهزئ بهم()(3ول من
)(4
قوله )ومكروا ومكر الله(
وقال المعتزلة والكرامية يجوز مثل ذلك على سبيل
التسمية والوصف ) (5وإليه مال القاضي أبو بكر
190
)(1
الباقلني من الشاعرة
وتوقف إمام الحرمين الجويني وقال):ما لم يرد فيه
إذن ول منع لم نقض فيه بتحليل ول تحريم فإن
الحكام الشرعية تتلقى من موارد السمع ،ولو قضينا
بتحليل أو تحريم من غير إذن لكنا مثبتين حكما دون
)(2
السمع(
وفصل المام الغزالي رحمه الله فقال بجواز الطلق
على سبيل الوصف دون التسمية ووجه الفصل بينهما
أن إجراء الصفات إخبار بثبوت مدلولها ،فيجوز عند
ثبوت المدلول ،إل لمانع ووجوبه بالدلئل على إباحة
الخبار بالصدق ،بخلف التسمية فان فيها نوع تصرف
في المسمى ل تجوز إل لمن له ولية على المسمى
كالب والمالك ومن يجري مجرى ذلك )(3ووافقه
الرازي واختار رأيه وقال) :الدليل على أنه ل يجوز
وضع السم لله تعالى أنا أجمعنا على أنه ل يجوز لنا
والصفات ،ابن تيمية ،61-1/60طبعة دار الكتب العلمية -
بيروت ،لم يذكر سنة الطبع.والمواقف في علم الكلم ،عضد
الدين عبد الرحمن اليجي ) 756هـ( 333طبعة دار الكتب
العلمية -بيروت ،لم يذكر سنة الطبع .وشرح المقاصد،
التفتازاني 4/343وشرح جوهرة التوحيد ،الباجوري
146وإتحاف المريد بجوهرة التوحيد ،عبد السلم اللقاني )
1041هـ( ،126مطبعة السعادة -مصر 1955م.والبيهقي
وموقفه من اللهيات ،أحمد بن عطية الغامدي 124 ،رسالة
دكتوراه في العقيدة ،الجامعة السلمية -المدينة المنورة.
والعقيدة السلمية وأسسها ،عبد الرحمن حسن الميداني
،251طبعة دمشق 1966 -م.وعقيدة المؤمن ،أبو بكر
الجزائري 78دار الكتب السلفية -القاهرة -لم يذكر سنة
الطبع.
()1انظر الباقلني وآراؤه الكلمية -د -محمد رمضان -
مطبعة المة -بغداد 1986 -م.
()2الرشاد إلى قواطع الدلة .243
()3المقصد السنى شرح أسماء الله الحسنى ،الغزالي -164
،165طبعة شركة الطباعة الفنية -مصر.
191
أن نسمي الرسول باسم ٍ ما سماه الله به ،ول باسم ٍ
ما سمى نفسه به ،فإذا لم يجز ذلك في حق
الرسول ،بل في حق أحد من آحاد الناس ،فهو في
حق الله تعالى أولى()(1وهذا هو الذي أراه راجحا لن
أسماء الله عز وجل قديمة بمعنى أن الله عز وجل
سمى نفسه بها في الزل فل يجوز لغيره تعالى أن
يطلق عليه سبحانه اسما ً من تلقاء نفسه
وأما إطلق اللفظ على سبيل الوصف فل مانع من
إطلقه إذا لم يمنع منه الشرع أو العقل
وبعد التسليم بأن إطلق السماء على الله عز وجل
يتوقف على إذن الشارع
هل يشترط وروده بخبر متواتر ؟ أو يكتفى فيه بخبر
العدل الواحد؟
وقد أشار الزركشي إلى حصول الخلف في المسألة
على قولين .فقال :والصحيح الثبوت كما في سائر
الحكام الشرعية .وقيل ل يثبت ،بل لبد فيه من
)(2
القطع(
وبعد البحث لم أستطع الوقوف على تعيين من
اشترط الدليل القاطع لثبات أسماء الله عز وجل
وقد وجدت العلماء كافة تساهلوا في قوة الدليل
الذي تثبت به السماء فالشاعرة جعلوا المسألة من
المسائل العملية ل العتقادية ،لن تحليل إطلق
السماء وتحريمه حكمان شرعيان فيثبت بما تثبت به
الحكام الشرعية.
قال إمام الحرمين الجويني) :ثم ل تشترط في جواز
الطلق ورود ما يقطع به الشرع ولكن ما يقتضي
)(3
العمل ،وإن لم يوجب العلم(
وقال البغدادي) :وكل ما نطق به القرآن من أسماء
()1لوامع البينات ،39
()2البحر المحيط .4/261
()3الرشاد إلي قواطع الدلة 143
192
الله تعالى ،أو وردت به السنة الصحيحة أو أجمعت
عليه المة من أسمائه فجائز إطلقه().(1
وصنف الغزالي كتابا ً في السماء الحسنى وذكر فيه
عددا ً من السماء الحسنى لم تثبت بخبر متواتر
وكذلك فعل الفخر الرازي.
ورجح السعد التفتازاني أن المسألة من العمليات ل
من العتقاديات وقال) :التسمية من العمليات وأقوال
اللسان().(2
أما أهل الحديث فقد أثبتوا كثيرا ً من أسماء الله عز
وجل بأخبار ل يصل أحدها إلى درجة الصحة وهذا
التساهل من الفريقين الشاعرة والمحدثين في قوة
الدليل الذي تثبت به السماء الحسنى دليل على أن
المسألة ليست اعتقادية ،لن الخلف في درجة الخبر
الذي تثبت به العقيدة منحصر في الصحيح ،وليس في
ما جاء من الحاديث الواردة في ذكر السماء
الحسنى حديث يبلغ رتبة الصحيح -كما سيأتي -
وقد صرح المام الجويني بإلحاق هذه المسألة
بالعمليات فقال) :ما ورد الشرع بإطلقه من أسمائه
تعالى وصفاته أطلقناه ،وما منع الشرع من إطلقه
ض فيهن ول منعٌ لم نق ِ
منعناه ،وما لم يرد فيه إذ ٌ
ل أو تحريم من غير شرع. بتحلي ٍ
ثم ل نشترط في جواز الطلق ورود ما نقطع به في
الشرع ،ولكن ما يقتضي العمل وان لم يوجب العلم
)(3
فهو كاف(
فالمام الجويني يرى أن مسألة السماء الحسنى
ظ دال على ترجع إلى معنى التسمية وهو إطلقُ لف ٍ
الذات عمل من أعمال اللسان ،ل يشترط لجوازه
خبر قطعي ،بل يكتفى فيه بما يوجب العمل.
() 1أصول الدين 119
()2شرح المقاصد 4/434
()3الرشاد 143
193
-الخبار الواردة في المسألة
قال الله عز وجل) :ولله السماء الحسنى فادعوه بها
)(1
وذروا الذي يلحدون في أسمائه(
وقد ذكر في القرآن الكريم عدد من أسماء الله
الحسنى ل يجهلها جاهل ول ينكرها منكر.
وأخرج البخاري ومسلم من رواية العرج عن أبي
هريرة -رضي الله عنه -عن النبي صلى الله عليه
وسلم) :إن الله تسعة وتسعين اسما ً من أحصاها
)(2
دخل الجنة(
وعند مسلم :زاد همام عن أبي هريرة عن النبي صلى
)(3
الله عليه وسلم )إنه وتر يحب الوتر(
وأخرجه الترمذي من رواية العرج عن أبي هريرة -
رضي الله عنه -قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
)إن لله تسعة وتسعين اسما ً من أحصاها دخل الجنة،
هو الله الذي ل إله إل هو الرحمن الرحيم الملك
القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار
المتكبر الخالق الباري المصور الغفار القهار الوهاب
الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض العز
المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير
الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ
المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب
الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق
الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبديء
المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد
الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الول
الخر الظاهر الباطن الوالي لمتعالي البر التواب
()1الية )180من سورة العراف
()2أخرجه البخاري في كتاب التوحيد 12/7392ومسلم في
كتاب الذكر والدعاء 2/26772
()3كتاب الدعوات 83/3507
194
المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلل
والكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار
النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد
الصبور(.
وقال الترمذي ":هذا حديث غريب ،حدثنا به غير واحد
عن صفوان بن صالح ،ول نعرفه إل من حديث
صفوان بن صالح ،وهو ثقة عند أهل الحديث ،وقد
روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم ،ول نعلم في كثير شيء
من الروايات له إسناد صحيح ذكر فيه السماء إل في
هذا الحديث.
)(1
وقد روي آدم بن إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر
)(2
فيه السماء ،وليس له إسناد صحيح".
ووقع ذكر السماء عند ابن ماجة من رواية العرج
عن أبي هريرة ) (3أن رسول الله صلى لله عليه
وسلم قال) :إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إل
واحدا ،إنه وتر يحب الوتر ،من حفظها دخل الجنة،
وهو الله الواحد الصمد الول الخر الظاهر الباطن
الخالق البارئ المصور الملك الحق السلم المؤمن
المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم
اللطيف الخبير السميع البصير العليم العظيم البار
المتعال الجليل الجميل الحي القيوم القادر القاهر
العلي الحكيم القريب المجيب الغني الوهاب الودود
الشكور الماجد الواجد الولي الشهيد المبين البرهان
الرؤوف الرحيم المبدئ المعيد الباعث الوارث القوي
الشديد الضار النافع الباقي الواقي الخافض الرافع
القابض الباسط المعز المذل المقسط الرازق ذو
()1وهو ضعيف،انظر ميزان العتدال 2/336
()2سنن الترمذي 5/497
()3انظر سنن ابن ماجة 2/1270
195
القوة المتين القائم الدائم الحافظ الوكيل الفاطر
السامع المعطي المحيي المميت المانع الجامع
الهادي الكافي البد العالم الصادق النور المنير التام
القديم الوتر الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم
يكن له كفوا ً أحد() (1وفي سنده عبد الملك بن محمد
الصنعاني).(2
وأخرج البيهقي في السماء والصفات من حديث
العرج عن أبي هريرة:
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :إن لله
تسعة وتسعين اسما مائة إل واحدا من أحصاها دخل
الجنة ،وهو وتر يحب الوتر.
هو الله الذي ل إله إل هو الرحمن الرحيم الملك
القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار
المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب
الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع
المعز المذل السميع البصير العدل اللطيف الخبير
الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ
المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب
الواسع الحكم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق
الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ
المعيد المحيي المميت الحي الواحد الماجد الواجد
الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الول الخر
الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم
العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلل والكرام
المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع
النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور
)(3
الكافي(
()1كتاب الدعاء 10/3861
()2ا،انظر الميزان 2/336
()3السماء والصفات،احمد بن الحسين البيهقي)
458هـ(تحقيق محمد زاهد الكوثري 13طبعة دار الكتب
196
ووقع عنده ذكر السماء في رواية وفيها تقديم وتأخير
وإبدال.
وقال عنها :تفرد بهذه الرواية عبد العزيز بن الحصيني
بن الترجمان ،وهو ضعيف الحديث عند أهل النقل...
ومحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة.
وقال :ولهذا الحتمال ترك البخاري ومسلم إخراج
)(1
الحديث(
وقال الحافظ ابن كثير):والذي عول عليه جماعة من
الحفاظ أن سرد السماء في هذا الحديث مدرج فيه(
)(2
العلمية-بيروت.-
()1نفسه ،19وانظر نحوه في إيثار الحق ،ابن الوزير
.158
()2تفسير القرآن العظيم ،آبو الفداء إسماعيل ابن كثير
القرشي الدمشقي ) 774هـ( 2/270الطبعة الولى ،دار
الفكر -بيروت 1980وانظر كلم الحافظ على إدراج
السماء في الحديث في فتح الباري ،ابن حجر .11/256
197
مدى احتجاج العلماء بهذه الخبار:
اتفق جمهور العلمـاء على أن هذه الحاديـث ل
)(1
تقتضي حصر أسماء الباري عز وجل في هذا العدد
وخالف ابن حزم الظاهري فقال) :ل يحل أن يسمى
الله عز وجل بالقديم ول الحنان ول الفرد ول الدايم
ول الباقي ول العالم ...ول السامع ول الضار ول النافع
ول المبدئ ول المعيد ول القادر ول الوارث ول الباعث
ول القاهر ول الجليل ول المعطي ول المنعم ول
المحسن ول الحكم ول الحاكم ول الواهب ول الغفار
ول الهادي ول العدل ول الصادق ول الحافظ ول البديع
ول المحيي ول المميت ،ول بشيء لم يسم به نفسه
ل ،وإن كان في غاية المدح عندنا ،أو كان متصرفا أص ً
من أفعاله تعالى إل أن نخبر عنه ...ومن البرهان على
هذا أن الله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من
أحصاها دخل الجنة ،فلو كانت هذه السماء التي منعنا
منه أن تطلق جائزا ً لكانت أسماء الله تعالى أكثر من
مائه ونيف وهذا باطل لن قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم " مائة غير واحد " مانع من أن يكون له
أكثر من ذلك ،ولو جاز ذلك لكان قوله عليه السلم
)(2
كذبا ً وهذا كفر ممن أجازه(
وقال الجمهور ليس في الحديث الذي استدل به ابن
حزم دليل على حصر السماء في هذا العدد.
قال الفخر الرازي :تخصيص العدد بالذكر ليس فيه
نفي الزائد عليه.
198
ويحتمل أن يكون سبب التخصيص أمرين
أحدهما :لعل هذه السماء أعظم وأجل من غيرها.
والثاني :أن ل يكون قوله) :إن لله تسعة وتسعين
اسما كلما ً تامًا ،بل يكون مجموع قوله )إن لله تسعة
وتسعين اسما ً من أحصاها دخل الجنة ،كلما ً واحدا،
وذلك بمنزلة قولك إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة
وهذا ل يدل على أنه ليس له من الدراهم أكثر من
اللف ويدل على صحة هذا التأويل حديث عبد الله بن
مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو
ويقول:
)اللهم إني عبدك وابن عبدك ،وابن أمتك ناصيتي
ي حكمك ،عدل في قضاؤك ،أسألك ضف ّبيدك ،ما ٍ
بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك
أو علمته أحدا ً من خلقك أو استأثرت به في علم
)(1
الغيب عندك(...
وبهذا الحديث استدل الجمهور على أن أسماء الله
عز وجل ليست منحصرة في تسعة وتسعين اسما،
واستدل ابن حزم الظاهري بحديث أبي هريرة رضي
الله عنه على انحصارها ،وليس فيه دليل على ذلك
كما سبق.
وتناقض ابن حزم حيث ذكر اسم )العالم( في جملة
السماء التي ل يصح تسمية الباري بها ،وكان قد أثبته
قبل صفحات من ذلك الموضع فقال:
)لما جاء النص بأنه يسمى الحي العالم القدير سميناه
بذلك ،ولول النص ما جاز لحد أن يسمى الله تعالى
)(2
بشيء من ذلك(.
وأما جمهور العلماء فقد أطلقوا عددا من السماء
على الباري عز وجل نذكر منها ما ثبت بالحاديث
()1لوامع البينات.74 ،والحديث أخرجه البيهقي في السماء
والصفات .18
()2الفصل .2/164
199
السابقة فمما أثبته الدرامي) :الخافض الرافع الماجد
)(1
الواجد المنتقم المانع الضار النافع الصبور(
ومما أثبته الفخر الرازي )الجواد والجليل والمانع
والصبور والصادق والخافض والرافع والضار والنافع
والمقدم والمؤخر والمنتقم والوهاب والوارث
)(2
والجميل(
ومما أثبته البيهقي) :الوتر والجليل والواجد والماجد
والمقدم والمؤخر والوالي والمغني والنافع والضار
والحنان والدائم والجميل والصادق والبرهان والشديد
والسامع والمنير والخافض والرافع والصبور
)(3
والمنتقم(.
ومن السماء التي أثبتها اليجي :العدل والواحد
)(4
والماجد والمغني والضار والنافع
وعلى العموم فقد أجاز جمهور المتكلمين إطلق
اللفاظ التي وردت في الخبار السابقة على الله عز
وجل على سبيل التسمية.
وزاد المتكلمون على ذلك فألحقوا هذه السماء
بالصفات إلى أقسام باعتبارات مختلفة.
ل :تقسيم الصفات باعتبار ملزمة الصفة للذات أو ً
وانفكاكها عنها.
وتنقسم الصفات بهذا العتبار إلى قسمين :صفات
ذات ،وصفات فعل.
وقد اختلف المتكلمون في الفرق بينها:
فعند المعتزلة :ما جرى فيه النفي والثبات فهو من
صفات الفعل ،كما يقال ،خلق الله لفلن ولدًا ،ولم
يخلق لفلن ،وأراد بنا اليسر ،ولم يرد بنا العسر وكلم
الله موسى ،ول يكلم الله الكافرين يوم القيامة.
الرد على بشر المريسي ،عثمان الدارمي .370 ( )1
لوامع البينات .127-121 ،116 ()2
السماء والصفات 19-15وانظر العتقاد .19-18 () 3
المواقف .336-335 ()4
200
وما لم يجر فيه النفي فهو من صفات الذات،كالعلم
والقدرة ،فل يقال :لم يعلم كذا ،ولم يقدر على كذا.
201
أما عند الشاعرة :فالفرق بينهما أن ما يلزم من نفيه
نقيضه فهو من صفات الذات ،كالحياة يلزم من نفيها
الموت ،والعلم يلزم من نفيه الجهل.
وما ل يلزم من نفيه نقيضه فهو من صفات الفعل،
فلو نفيت الحياء أو الماتة أو الخلق أو الرزق ،لم
يلزم منه نقيضه.
ويظهر أثر الختلف في الفارق بينهما عند الشاعرة
والمعتزلة في صفتي الدارة والكلم ،فهما من صفات
الفعال عند المعتزلة لجريان النفي والثبات فيهما،
ومن صفات الذات عند الشاعرة ،إذ يلزم من نفيهما
نقضيهما وهو الجبر والخرس.
وعند الماتريدية :كل ما ُوصف الله عز وجل به ول
يجوز أن يوصف بضده فهو من صفات الذات كالقدرة
والعلم والدارة.
وكل ما يجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات
الفعل كالحياء والماتة والقبض والبسط والرفع
والخفض وغيره.
وذهب الماتريدية إلى إرجاع صفات الفعل إلى صفة
)(1
واحدة هي صفة التكوين.
يقول ملعلي القاري رحمه الله ...) :ومرجع الكل
إلى التكوين ،فإنه إن تعلق بالحياة سمي إحياء،
وبالموت إماتة ،وبالصورة تصويرا ً إلى غير ذلك،
فالكل تكوين ،وإنما الخصوص بخصوص المتعلقات(.
)(2
202
لن مدلولها هو نفي أمر عن الله عز وجل ل يليق
)(1
به.
وهي خمس صفات :الوحدانية والقدم والبقاء
والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس.
أما الوحدانية فمدلولها نفي التعدد في ذاته وفي
صفاته وفي أفعاله.
ووحدة الذات معناها :أنه سبحانه ليس جسما ً مركباً،
يقبل النقسام ،وأنه ليس هناك إله آخر غيره ،ووحدة
الصفات معناها :أنه ليس له صفتان من جنس واحد،
وليس لغيره صفة تشبه صفته.
)(2
ووحدة الفعال معناها :أنه ليس لحد فعل كفعله.
وأما القدم فعناه أنه ل أول لوجوده ،أو ل افتتاح
)(3
لوجوده.
وأما البقاء فمعناه عدم الخرية للوجود ،أو عدم
)(4
اختتام الوجود.
وأما المخالفة للحوادث فمعناه أنه ل يماثله شيء
)(5
منها في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله.
وأما القيام بالنفس فمعناه أنه ل يفتقر لذات يقوم
)(6
بها ،ول يفتقر في وجوده إلى موجد.
ويقابل الصفات السلبية الصفات الثبوتية.
()1وإتحاف المريد ،اللقاني ،74وشرح الجوهرة ،الباجوري
.85
()2انظر :حاشية الدسوقي ،89وشرح الفقه الكبر ،القاري
،12و إتحاف المريد ،اللقاني 82وشرح الجوهرة ،الباجوري
.97
()3انظر حاشية الدسوقي ،76وشرح الباجوري ،88
وإتحاف المريد ،اللقاني .74
()4انظر حاشية الدسوقي ،79وشرح الباجوري ،89
وإتحاف المريد ،اللقاني .77
()5انظر حاشية الدسوقي ،83وإتحاف المريد ،اللقاني .79
()6انظر حاشية الدسوقي ،85وشرح الباجوري ،96
وإتحاف المريد ،اللقاني .80
203
وتقسم حسب تفاوت دللتها مع دللة الذات إلى
قسمين:
نفسية وزائدة.
والصفة النفسية:
هي التي تدل على نفس الذات دون معنى زائد عليها،
وهي
)(1
صفة الوجود وما سواها من الصفات الثبوتية التي
تدل على الذات وزيادة.
وهي قسمان :صفات المعاني ،والصفات المعنوية.
دث أو المصدر أما المعاني فجمع معنى :وهو الح َ
)(2
در وأراد. كالقدرة والدارة ،مصدران من ق ِ
وفي اصطلح المتكلمين كل صفة قائمة بموصوف
توجب له حكما ً فهي صفة معنى كالقدرة والعلم
والرادة وغيرها ،توجب لمن قامت به أن يكون قادرا ً
عالما ً مريدًا ،وقد أقام المتكلمون الدلة على اتصاف
الله عز وجل بسبع صفات ،سموها صفات المعاني
وهي القدرة والرادة والكلم والسمع والبصر والعلم
)(3
والحياة.
)(4
وزاد الماتريدية بها صفة التكوين.
وأما المعنوية :فهي نسبة إلى المعاني ،والصفات
المعنوية نسبة إلى صفات المعاني ،لن التصاف
بالمعنوية فرع التصاف بالمعنى ،وهذه الفرعية
باعتبار التعقل ل باعتبار التأخر بالزمان ،فحيث وجبت
له سبحانه صفات
204
الحياة والرادة والسمع والبصر وغيرها فهو حي مريد
)(1
سميع بصير....
وتحصل من مجموع هذه الصفات عشرون صفة ذاتية
صفة نفسية وهي الوجود ،وخمس صفات سلبية وهي
القدم والبقاء والمخالفة للحوادث ،والقيام بالنفس
والوحدانية.
وسبع صفات معان ،وهي السمع والبصر والرادة
والقدرة والكلم والحياة والعلم.
وسبع صفات معنوية :وهي السميع والبصير والمريد
والقادر والمتكلم والحي والعالم.
يضاف إليها صفات الفعال ،كالخلق والترزيق
والتصوير وغيرها.
ثالثًا :تقسيم الصفات باعتبار دليلها.
وتنقسم بهذا العتبار إلى قسمين :صفات عقلية
وصفات خبرية.
أما الصفات العقلية :فهي التي يمكن أن يدل العقل
على ثبوتها ،ول يدل هذا على عدم ورود الخبر
القطعي فيها ،وإنما سميت بذلك مقابلة للصفات
الخبرية ،كما سيأتي.
ً
والصفات العقلية :هي الصفات المذكورة سابقا من
صفات الذات والفعال بأقسامها ،وقد ذكر المتكلمون
)(2
لها أدلة عقلية ،مع ثبوتها بالخبار القطعية.
والصفات الخبرية نسبة إلى الخبر ،لن الخبر هو
الطريق الوحيد لثباتها ،أما العقل ،فلو استقل بتعقلها
لحال اتصاف الله عز وجل بها.
205
ويمكن تقسيم الصفات الخبرية بحسب الخبر الوارد
فيها إلى قسمين:
الصفات الثابتة بخبر متواتر ،كالوجه واليدين والعين
واليمين وغيرها.
)(1
قال تعالى) :يريدون وجهه( ،وقال) :بل يداه
مبسوطتان() ،(2وقال):ولتصنع على عيني() (3وقال:
)(4
)والسماوات مطويات بيمينه(.
والصفات الثابتة بخبر آحادي كالساق والقدم والصورة
وغيرها -مما سيأتي بيانه .-
وبعد ذكر أقسام الصفات نشير إلى إلحاق السماء
الحسنى بالصفات.
فمن السماء الحسنى التي تعود إلى صفة الوجود:
)الحق ،النور ،الظاهر ،الباطن(.
فالحق معناه :ما يلزم إثباته والعتراف به ،ول يسع
)(5
إنكاره ،ووجود الباري أولى ما يوصف بذلك.
والنور معناه :أنه عز وجل ظاهر الوجود بما نصب من
الدلئل على وجوده ،كما أن النور ظاهر بدليل
)(6
الحس.
والظاهر :هو الظاهر بحججه الباهرة ،فل يمكن معها
)(7
أن يجحد وجوده وينكر ثبوته.
والباطن :أي بحقيقة ذاته ،إذ تعجز العقول والحواس
)(8
عن إدراك حقيقته جل وعل.
()1الية ) (28من سورة الكهف.
()2الية ) (64من سورة المائدة.
()3الية ) (39من سورة طه.
()4الية ) (67من سورة الزمر.
()5انظر السماء والصفات ،البيهقي ،27-26والمطالب
العالية ،الرازي .3/240
()6انظر العقيدة السلمية ،حبنكة .1/158
()7انظر السماء والصفات ،البيهقي ،27والمطالب العالية
.3/249
()8انظر المقصد السنى ،الغزالي ،129والعقيدة
206
ومن السماء الحسنى التي تعود إلى صفة القدرة:
القوي والمتين والقادر والمقتدر والمهيمن والعزيز
والملك والغالب والقهار والجبار ).(1
ومن السماء التي تعود إلى صفة العلم :العليم
والعلم والعالم والخبير والشهيد والرقيب والمحصي
بمعنى المحيط بكل موجود جملة وتفصي ً
ل ،والواجد،
)(2
إذا جعل من الوجدان بمعنى العلم.
ومن السماء التي تعود إلى صفة الوحدانية :الواحد
)(3
والحد والوتر.
ومن السماء التي تعود إلى صفة المخالفة للحوادث:
السبوح والعظيم والكبير والجليل والمجيد والمتكبر
والعلي والماجد والسلم بمعنى :السالم من كل نقص
)(4
في ذاته وصفاته وأفعاله.
والقدوس بمعنى المنزه عن كل وصف يدركه الحس
)(5
أو يتصوره الخيال.
ومن السماء التي تعود إلى صفة القيام بالنفس:
)(6
الغني ،والصمد والقيوم.
ومن السماء التي تعود إلى صفة البقاء ،الباقي
207
)(1
والخر والوارث.
ومن السماء التي تعود إلى صفة القدم ،الول
)(2
والقديم والمتقدم.
وأما السماء الحسنى التي تعود إلى صفات الفعال
فمرجعها إلى أقسام.
القسم الول :السماء التي تعود إلى صفات أفعال
الخالق والتكوين العام وهي :الخالق والخلق والباري
والبديع والمصور والحكيم والرشيد.
القسم الثاني :ما يدخل في باب الترزيق ،وهي
الرازق والرزاق والمقيت والمغني والقابض والباسط،
والوهاب والبّر والكريم والواسع ،والفتاح.
القسم الثالث :ما يدخل منها في المغفرة والرحمة:
وهي ،الغفور والغفار والغافر والرحيم والرحمن
والودود واللطيف والتواب والحليم والرؤوف
والشكور والعفو والصبور.
القسم الرابع :ما يدخل منها في باب تصريف شؤون
الخلق في حياتهم ،وهي :الخافض والرافع والمعز
والمذل والمقدم والمؤخر والمانع والضار والنافع
والوالي والوكيل والولي.
القسم الخامس :ما يدخل منها في باب المحاسبة
والعقاب ،وهي المنتقم والعدل والحكم والمقسط.
القسم السادس :ما يدخل منها في باب تصريف أمور
القيامة ،وهي :المحيي والمميت والباعث والجامع
والمبدئ والمعيد ).(3
وبهذا يتبين أن المتكلمين لم يعطلوا شيئا ً من أسماء
الله عز وجل ولم يهملوه ،بل ردوا جميع ما جاءت به
الخبار إلى صفات ذكروها وأطالوا في إثباتها بالدلة
208
القاطعة من العقل والنقل ) ،(4ولحظوا أن الحاديث
الواردة فيها ل تصل في ثبوتها إلى درجة توجب العلم
واليقين وإنما توجب العمل ،فاستدلوا بها على جواز
إطلق اللسان بتسمية الله عز وجل بما وردت به
هذه الخبار ،وبذلك يكون المتكلمون قد عملوا بكل
دليل بحسب ما توجبه درجة ثبوته -والله أعلم -
209
المطلب الثاني :الحتجاج بأخبار الحاد في
الصفات الخبرية
سبق أن أشرنا إلى انقسام الصفات إلى عقلية
وخبرية ،وأن الصفات الخبرية منها ماورد بخبر قطعي
الثبوت كالستواء والوجه واليدين واليمين .ومنها ما
ثبت بخبر آحادي.
وبهذا يتبين أن ورود أخبار الحاد بشيء من الصفات
يعتبر شاهدا ً لما دلت عليه الدلة القاطعة من العقل
أو النقل ،ول يستقل خبر الحاد في شيء من
الصفات غير الصفات الخبرية.
ولهذا لن أطيل في ما جاءت به أخبار الحاد شاهدة
ومؤكدة .لركز البحث فيما استقلت به أخبار الحاد
من الصفات الخبرية كالقدمين والصورة والقدم
والرجل والساق والصابع والستلقاء والنزول وغيرها.
والحتجاج بالخبار الواردة فيها يتفاوت بين التفويض
والتأويل وإثباتها صفات لله تبارك وتعالى.
وقبل أن نشرع في تفصيل هذه الخبار وتفاوت
الجتجاج بها يحسن أن نمهد لذلك بمواقف أهل
السنة والجماعة من متشابه القرآن والسنة.
مواقف أهل السنة والجماعة من متشابه
الكتاب والسنة
إن المتتبع لما أثر عن الصحابة رضوان الله عليهم في
مسائل الصفات ل يستطيع أن يقف على ّاثار يثبت
بها منهجا ً متكامل ً يدعي فيه أنه منهج الصحابة -
رضوان الله عليهم -التزموا به ولم يخالفوه .فلقد
ّامن الصحابة رضوان الله عليهم إيمانا كامل ً ليداخله
شك ،وليفارقه التنزيه المطلق لله عز وجل.ولم يرد
قط من طريق صحيح عن أحدهم أنه سأل النبي
صلى الله عليه وسلم عن شيء من الصفات وغيرها
من الصول العتقادية فاستغنوا بصدق إيمانهم
وكماله عن الخوض فيما يدعوهم إلى الختلف
210
ويشغلهم عن نشر دين السلم وتثبيت قواعده في
أرجاء المعمورة (1).واهتدوا بهدي النبي صلى الله
عليه وسلم إذ نهاهم عن كثرة السؤال وتكلف
ماليعنيهم.
ولما انتشرت الفتوحات دخل الناس في دين الله
أفواجا ً أفواجًا .وفي هذه الفواج أفراد من أمم
أجنبية لم يتفهموا روح السلم ،وفي نفوسهم بقايا
من ثقافاتهم الوثنية أو النصرانية وغيرها ،ولم يتذوق
هؤلء بيان اللغة العربية ،ففهموا من الخبار ما يقضي
إلى التجسيم والتشبيه .ويتحدث القاضي عياض) (2عن
موقف السلف من هذه الحاديث وأثر العجمة في
صرفها عن المراد بها فيقول) :رحم الله المام مالكًا،
فلقد كره التحدث بمثل هذه الحاديث الموهمة
للتشبيه ،والمشكلة المعنى ...والنبي صلى الله عليه
وسلم أوردها على قوم عرب يفهمون كلم العرب
على وجهه وتصرفاتهم في حقيقته ومجازه واستعارته
وبليغه وإيجازه ،فلم تكن في حقهم مشكلة ،ثم جاء
من غلبت عليه العجمة وداخلته المية ،فل يكاد يفهم
من مقاصد العرب إل نصها وصريحها ...فتفرقوا في
تأويلها أو حملها على ظاهرها شذر مذر فمنهم من
)(3
أمن به ومنهم من كفر(..
ومما يؤكد ما ذهب إليه القاضي عياض أن أول ظهور
للشبهة والبدعة كان بعيدا ً عن مركز الثقافة والفكر
السلمي .في بلخ من بلد خراسان ،حيث أظهر
211
مقاتل بن سليمان) (1مقالته .فقال :إن لله جسمًا،وله
جوارح وأعضاء من يد ورجل وعينين (2).وهناك أيضا
ظهرت مقالة هشام بن الحكم ) (3فقال :إن لله
جسما ً يقوم ويتحرك ،غير أنه على العرش مماس له
دون سواه ) .(4وفي بلخ أيضا ً ظهرت مقالة الجهم بن
صفوان ) (5الذي تصدى لراء مقاتل وهشام بن
ن أنها
الحكم .غير أنه بالغ في نفي الصفات ،لنه ظ ّ
تستلزم التشبيه) (6وجرت بينه وبين مقاتل مناظرات
ومناقشات انتقل صداها وأثرها إلى علماء المة من
السلف الصالح لما سارع العامة إليهم يسألون عن
الحق فيما أثاره هذا الجدال .فكان الموقف الولي
212
لعلماء المة ورجالها يرتكز على النهي عن الخوض
فيما ل عمل تحته وتبديع السائل.
ومن ذلك ما رواه المام البيهقي بسنده عن المام
مالك أن سائل سأله عن الستواء فقال)الستواء غير
مجهول ،والكيـف غير معقول ،واليمـان به واجـب،
والسـؤال عنه بدعة ،وما أراك إل مبتدعًا ،فأمــر به
)(1
خَرج(.
أن ي ُ
وانضم إلى النهي عن السؤال تنفير الناس عن
المبتدعة والجلوس إليه .روى عبدالله بن أحمد بن
حنبل بسنده عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم
القاضي أنه قال " :بخراسان صنفان ما على الرض
)(2
شر منهما الجهمية والمقاتلية ".
ولكن مع كثرة التشكيك وإثارة الشبه لم تكن هذه
الطريقة كافية في إقناع العوام من المسلمين
فانبرى المعتزلة للدفاع عن العقيدة ،وسارعوا إلى
إعمال دليل العقل ،وكان التأويل عمدتهم في التوفيق
عند تعارض ظاهر النقل مع العقل ،فوجد الناس في
شبه المخالفين ،ولكن لما بالغ بعض ذلك مايدحض ُ
المعتمدين على منهج التأويل اضطر أهل الحديث إلى
الخوض في ما كرهوا الخوض فيه.
ويصف الدارمي من المحدثين هذه الضرورة التي
ألجأت أهل الحديث لذلك فيقول):ولول ما بدأكم به
هذا المعارض بإذاعة ضللت المريسي وبثها فيكم ما
اشتغلنا بذكر كلمه مخافة أن يعلق بعض كلمه
بقلوب الجهال ..ولذلك قال عبد الله بن المبارك" :
لن احكي كلم اليهود والنصارى أحب إلي من لن
أحكي كلم الجهمية فمن أجل ذلك كرهنا الخوض
فيه ..حتى أذاع المعارض نقائصه فيكم فخشينا أن ل
يسعنا النكار على من بثها منافحة عن الله ،وتثُبتـا ً
()1السماء والصفات ).(516
()2السنة ،عبدالله بن احمد بن حنبل.1/108 ،
213
لصفاته العليا ،ومحاماة عن ضعفاء الناس وأهل
الغفلة من النساء والصبيان أن ُيضلوا بها إذ بثها رجل
كان يشار إليه بشيء من فقه وبصر " (1).وبعد هذه
الضرورة ظهرت مصنفات لعدد من المحدثين في
الرد على المخالفين.
ومن هذه المؤلفات:
الرد على الجهمية ورد الدارمي عثمان بن سعيد على
المريسي العنيد .والسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل
)90هـ( .والتوحيد وإثبات صفات الرب لبن خزيمة.
وقد ظهر في بعض هذه المصنفات أحيانا ً ّاثار سلبية
لهذا الدخول الضطراري إلى ساحة الصراع الفكري،
فغّلب بعضهم ظاهر النقل ،وأثبت أصول ً اعتقادية
ببعض الخبار المنكرة ،ووقع بعضهم في إثبات ما هو
قريب جدا ً من التشبيه حتى نعتهم الخصوم
)(2
بالحشوية.
واشتد الصراع الفكري حتى نهايات القرن الثالث بين
بعض أهل الحديث والمعتزلة ،وبين المعتزلة
والمشبهة وب َُعدت الشقة بين الفرق ،ونفر الناس من
إفراط هؤلء وتفريط أولئك ،حتى أقبل القرن الرابع
الهجري وظهرت فيه التيارات الوسطية المعتدلة ،في
مصر ممثلة بالطحاوية نسبة إلى أبي جعفر
الطحاوي) (3والماتريدية في سمرقند والشعرية في
بغداد.
واستطاع المذهب الشعري أن يسود وينتشر أكثر
214
من انتشار التيارات الوسطية الخرى ،لنه نشأ في
در له من مركز الصراع الفكري ببغداد ّانذاك ،ولنه قُ ّ
)(1
در لي مذهب آخر. العلماء الفذاذ العلم مالم ٌيق ّ
ومن هؤلء العلماء :أبو بكر الباقلني ،وعبد القادر
البغدادي ،وأبو المعالي الجويني ،وأبو حامد الغزالي،
وأبو الفتح محمد الشهرستاني ،وغيرهم من العلم.
وبظهور المذهب الشعري انحصر الخلف بين أهل
السنة والجماعة في مسألة الصفات الخبرية في
موقفين :التفويض والتأويل.
التفويض
وض( قال أما التفويض في اللغة فهو مأخوذ من )فــ ّ
ابن فارس الفاء والواو والضاد أصل يدل على اتكال
)(2
في المر على ّاخر ،ورده عليه
وأما التفويض في اصطلح المتكلمين فهو :اليمان
بما وََرد ،مع صرف اللفظ عن ظاهره الموهم ورد ّ
)(3
ل.العلم بالمراد إلى الله عّز وج ّ
والمراد بالظاهر في هذا التعريف :المعنى الذي
يفهمه السامع من غير تأمل أو توقف على قرينة
خارجية.
وبالمثال يتضح المقال.
قال تعالى):وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم
ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف
)(4
يشاء(.
في هذه الية الكريمة أضيفت اليدان إلى الله عّز
215
ل والسامع لول وهلة يتبادر إلى مخيلته من لفظ وج ّ
اليد معنى هو الظاهر ،وعند التوقف على القرائن
الخارجية ،مثل نفي المشابهـة بين الخالق والمخلوق،
ونفي التركيب والتجسيم يحكم السامع باستحالة هذا
كل المراد إلى الله عّز وج ّ
ل. المعنى الظاهر ،ثم ي َ ِ
وهذا هو التفويض.
ول بد في التفويض من أمور ستة ،ذكرها الغزالي في
إلجام العوام وهي:
أول ً :التقديس :وهو تنزيه الرب تعالى عن الجسمية
وتوابعها.
ثانيا ً :التصديق :وهو اليمان بما جاء في النص وأنه
حق على الوجه الذي أراده.
ثالثا ً :العتراف بالعجز ،وهو أن يقرر بأن معرفة
المراد ليس على قدر طاقتنا ،وأن ذلك ليس من
شأننا.
رابعًا :السكوت ،وهو أن ل نسأل عن معناه ول
نخوض فيه.
خامسًا :المساك وهو أن ل يتصرف في تلك اللفاظ
بالتصريف والتبديل بلغة أخرى ،أو الزيادة فيه،
والنقصان منه ،أو الجمع والتفريق ،بل ل ينطق إل
بذلك اللفظ ،وعلى ذلك الوجه من اليراد والعراب
والتصريف والصيغة.
سادسًا :الكف ،وهو أن يكف الباطن عن التصرف
)(1
فيه.
وتجد هذه المور الستة متفقا ً عليها بين العلماء ،وهي
ضـحها غير منثورة في كتبهم ولم أر من جمعها وو ّ
)(2
الغزالي
()1إلجام العوام 4ــ 5المطبعة الميمنية ،مصر 1309 ،هـ.
()2انظر الختلف في اللفظ ،ابن قتيبة .28وأصول الدين،
البغدادي .113والسماء والصفات ،البيهقي .517-515
والملل والنحل ،الشهرستاني 1/137ــ .139ولوامع
216
سب جمهور العلماء هذا المذهب إلى السلف وقد ن ّ
)(1
الصالح.
ول يوجد في عبارات السلف ذكر التفويض صريحاً،
لن )التفويض( بهذا المعنى اصطلح من المتأخرين
أطلقوه بعد انتشار الكلم في أحاديث الصفات.
وعمدة العلماء في نسبتهم مذهب التفويض إلى
السلف ما نقلوه عنهم من العبارات والمارات التي
تدل على ذلك ،ومن هذه المارات :النهي عن
السؤال عنها.
فهذا المام مالك يقول لسائل سأله عن الستواء:
)الستواء غير مجهول ،والكيف غير معقول ،واليمان
به واجب ،والسؤال عنه بدعة ،وما أراك إل مبتدعـًا(.
) (2وهو مروي عن غيره من السلف رضي الله
)(3
عنهم
ومنها الكف عن تفسيرها والنهي عنه.
ما نقل الذهبي عن الوليد بن مسلم أنه قال " :سألت
الوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن
سعد عن الحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا
)(4
مّروها كما جاءت بل تفسير(. َ
لي :أ ِ
وقال البيهقي بعد ذكر شيء من أحاديث الصفات
البنيات ،الرازي ،38والمواقف ،اليجي .وعقيدة السلف
وأصحاب الحديث ،أبو عثمان إسماعيل الصابوني ) 449هـ(،
ومعه رسالتان للقرطبي والصنعاني .62 ،مطبعة السرمد -
بغداد1990 -م .والصفات الخبرية ،محمد عياش ،71 ،47
.79
()1انظر المراجع السابقة ورسالة التنزيه ،عبد الله بن أحمد
بن قدامة ،180مطبعة الجاحظ -بغداد 1989 -م .ومختصر
العلو ،اللباني ،195 ،139،150ورسالة التوحيد ـ محمد
عبده ،11طبعة مصر 1969م.
()2السماء والصفات ،البيهقي .515
()3نفسه .517-515
()4انظر مختصر العلو ،اللباني .159 ،142 ،139
217
الخبرية:
)أما المتقدمون من هذه المة فإنهم لم يفسروا ما
كتبنا ..مع اعتقادهم بأجمعهم أن الله تبارك وتعالى
واحد ليجوز عليه التبعيض.
ثم نقل بسنده عن سفيان بن عيينة أنه قال :كل ما
وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلوته
)(1
والسكوت عليه(.
والحاصل أن جمهور العلماء نسبوا التفويض إلى
السلف .وهذا التفويض في المتشابه رتبة من رتب
الحتجاج اختاره الراغبون في السلمة .فلم يؤخذ
عليهم تكذيب الرواية ول تحريفها ووسعهم فيها ما
وسع السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ولكن ابن تيمية رحمه الله لم يرض بذلك ،وأنكر على
من ينسب التفويض إلى السلف ،لنه يستلزم جهلهم
وعدم قدرتهم على فهم النص ،ولذلك سمى من
ينسب التفويض إليهم بأهل التجهيل ،فيقول):وأهل
التجهيل يقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يعرف معاني ما أنزل من ّايات الصفات ول
)(2
السابقون الولون عرفوا ذلك(
والذي فهمه ابن تيمية رحمه الله من موقف السلف
أنهم فهموا من النصوص إثبات الصفات ،ثم فوضوا
العلم بكيفية الصفات فيقول) :ومذهب السلف أنهم
يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به
رسوله ،من غير تحريف ولتعطيل ولتكييف ولتمثيل.
م أن ما ُوصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه فَعُل ِ َ
لغز ول أحاجي ،بل معناه يعرف من حيث يعرف
(3).
مقصود المتكلم بكلمه(
السماء والصفات 2/62وانظر نحوه منقول ً عن جماعة () 1
السلف في شرح أصول السنة الللكائي .453 ،2/433 من
السماء والصفات .282 ،2/27 () 2
نفسه .2/20 ()3
218
ويرد على كلم ابن تيمية أمران:
الول أنا ل نسلم بأن هذه اللفاظ من الصفات لن
هذه النصوص لم ُتسق أصالة لوصف الله عز وجل
ومن أثبت مثل هذه اللفاظ صفات لله عز وجل جّرد
اللفظة عما قبلها وما بعدها ،ونظر إلى اللفظة مفردة
فاعتبرها من صفات الله عز وجل.
ودللة هذه النصوص على الوصف دللة ظنية ،ولذلك
وقع الختلف في عدها من آيات الصفات
فهذا المام الجويني يذكر الخلف عن الشاعرة في
عد هذه النصوص من الصفات فيقول) :ذهب بعض
أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة
للرب تعالى ،...والذي يصح عندنا حمل اليدين على
القدرة ،وحمل العينين على البصر ،وحمل الوجه على
)(1
الوجود(.
ويعد السعد التفتازاني الصفات المختلف فيها فيقول:
)ومنها ما ورد كالستواء واليد والوجه والعين ونحو
)(2
ذلك والحق أنها مجازات وتمثيلت(.
ول ينحصر الخلف في عد هذه النصوص من الصفات
بين الشاعرة .بل نقل ابن تيمية رحمه الله الخلف
بين السلف حول النصوص الواردة في الساق فقال:
)روي عن ابن عباس وطائفة أن المراد في قوله
تعالى " :يوم يكشف عن ساق ") (3الشدة ) .(4قال:
إن الله يكشف الشدة في الخرة ،وعن أبي سعيد
وطائفة أنهم عدوها في الصفات للحديث الذي رواه
أبو سعيد في الصحيحين (5)،ول ريب أن ظاهر القرآن
()1الرشاد .156-155
()2شرح المقاصد .4/174وانظر أصول الدين .110
()3الية ) (42من سورة القلم.
()4انظر تفسير الطبري.29/35 ،
()5السماء والصفات 1/254وانظر أمثلة أخرى في
الصفات الخبرية ،محمد عياش .212
219
ل يدل على أن هذه من الصفات ،فإنه قال)يوم
يكشف عن ساق( ولم يقل :عن ساقه ،فمع عدم
التعريف بالضافة ل يظهر أنه من الصفات إل بدليل
)(1
آخر(.
فههنا يوافق ابن تيمية رحمه الله ما روي عن ابن
عباس في عدم اعتبار الساق من الصفات .وإذا كان
النص القرآني لم يقل )عن ساقه( فقد روي في
حديث أبي سعيد الخدري عند الشيخين أنه قال":
فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن"..
فإذا ثبت اختلف الخلف والسلف في اعتبار بعض
هذه النصوص من صفات الله عز وجل صح أن يقال:
ليس كل مضاف إلى الله عز وجل ،صفة له وقد
)(2
صرح بذلك جمهور الشاعرة.
وصح قول الجويني):الضافة تنقسم إلى إضافة صفة
وإضافة ملك وإضافة تشريف .قال :ونظائر ذلك في
)(3
كتاب الله كثيرة(.
ومنها قوله تعالى في قصة مريم)فأرسلنا إليها روحنا(
) (4وقال عز وجل):ناقة الله وسقياها() (5وقال عز
وجل) :وعباد الرحمن الذين يمشون على الرض
ً )(6
هونا(.
ولم يقل أحد من السلف أو الخلف في هذه
الضافات إنها صفات لله عز وجل (7).وهذا يسوغ
()1السماء والصفات 1/254وانظر أمثلة أخرى في
الصفات الخبرية ،محمد عياش .212
()2انظر مشكل الحديث ،ابن فورك 12-11والفصل ،ابن
حزم .2/168
()3الرشاد .151
()4الية ) (17من سورة مريم.
()5الية ) (13من سورة الشمس.
()6الية ) (63من سورة الفرقان.
()7انظر دفع شبة التشبيه بأكف التنزيه ،أبو الفرج عبد
الرحمن الجوزي ) 597هـ( تحقيق محمد زاهد الكوثري -43
220
الخلف في عدم اعتبار كثير من هذه الحاديث من
أحاديث صفات الله عز وجل.
المر الثاني :هل فهم السلف من الخبار التي ذكر
فيها مثل الساق والرجل والضحك أنها صفات لله عز
وجل ؟.
يصعب إقامة دليل على أنهم فِهموا ذلك من هذه
النصوص ،لنه لم ينقل عن السلف الخوض في هذه
النصوص ،ونقل عنهم تفسير الساق بالشدة كما
سبق.
ونقل عن متأخري السلف ما يحتمل اعتبار هذه
النصوص من الصفات وما يحتمل غيره .وذلك مثل
قولهم :الستواء معلوم ،والكيف مجهول.
ولهذا نرى ابن تيمية يستدل بقولهم هذا على أن
السلف أثبتوا الصفات فيقول) :قول ربيعة ومالك
الستواء غير مجهول ،والكيف غير معقول ،واليمان
به واجب ،موافق لقول الباقين :أمروها كما جاءت بل
كيف ،فإنما نفوا علم الكيفية ،ولم ينفوا حقيقة
الصفة.
وأيضا ً فإنه ل يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم
عن اللفظ معنى ،وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية
)(1
إذا ثبتت الصفات(.
وقد تابع ابن تيمية على ذلك من المعاصرين الشيخ
)(2
عبد العزيز بن باز والدكتور صالح الفوزان وغيرهما
221
ويبدو لي -والله أعلم -أن النهي عن تفسيرها ونفي
العلم بالكيفية ل يدل على إثباتها صفات لله عز وجل،
لن هذه النصوص لو بقيت على ظاهرها دون تفسير
ما تنبه السامع على وجه دللتها على وصف الله
تبارك وتعالى بما جاء فيها من هذه اللفاظ.
فإذا سمع السامع مثل ً قول الله عز وجل):ول تجعل
يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد
ملوما ً محسورًا( (1).لم يلتفت ذهنه إلى ظاهر اليد
وغّلها إلى العنق وبسطها ،وإنما يفهم من له أقل خط
من النظر أن في الية تعبيرا ً مجازيا ً بليغا ً في ذم
خّلي السامع بينه وبين التقتير والسراف .وكذلك لو ُ
قول الله عز وجل) :وقالت اليهود يد الله مغلولة
غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق
كيف يشاء( (2).لم يتبادر إلى ذهنه أن اليهود وصفوا
الله تبارك وتعالى بظاهر اليد التي وصفوها بالغل بل
السياق يدل على أن اليهود وصفوا الله عز وجل
بالبخل -لعنوا بما قالوا -بل الله عز وجل كريم جواد
ينفق كيف يشاء ول ُيحتاج في هذا الفهم إلى تفسير
ول تأويل ول شرح غريب.
فإذا أبينا إل أن نثبت بهذه الية أن لله تبارك وتعالى
يدين تليقان بجلله تحركت القوة الذهنية ورجعت إلى
النص كرة ثانية ،وقد تدرك إثبات اليدين ،وقد ل تدرك
ذلك.
ً
ويبدو واضحا أن إثبات الصفة بهذا النص يحتاج إلى
دليل خارج عن دللة النص ومفهومه ول يستقيم ذلك
إل بإعمال الفكر فيه ،وتحميل ألفاظه فوق طاقتها،
وتجريدها عن سباقها وسياقها ،وحملها على وجه ل
ي ُْعرف له نظير في لغة العرب ،لن اليد والساق
ونحوها من هذه اللفاظ أسماء أبعاض وأجزاء في
()1الية ) (29من سورة السراء.
()2الية ) (64من سورة المائدة.
222
لغة العرب فإذا حملناها على الصفات فقد تصرفنا
في النص .ومثل هذا التصرف في النصوص يدخل من
باب الولى في نهي السلف عن تفسيرها ،ل سيما
وأنه يحتاج بعد إثباتها على ظاهرها إلى نفي الجارحة
)(1
والبعضية.
ثم إن ابن تيمية -رجمه الله تعالى يؤكد أن نصوص
الصفات ليست مجهولة بمنزلة حروف المعجم وليس
فيها لغز ول أحاجي.
ول يخفى أنا إذا أثبتنا الساق مثل ً ل على وجه الجارحة
ول البعضية ،بل على وجه الوصفية فقد أحلنا على ما
هو كاللغر وحروف المعجم في الخفاء ،ويزداد
الغموض والخفاء والشكال إذا جمعنا هذه النصوص
الواردة في النزول والضحك والرجل والقدم والصابع
وأثبتناها صفات لله عز وجل على الوجه اللئق به،
فإن من العسير أن يكف القلب عن مفارقة التنزيه،
)(2
حتى لو كف اللسان عن ذلك.
وفي ما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله نظر من وجه
آخر ،لنه جعل تفسير هذه النصوص من العلم الذي
يعلمه الله عز وجل والراسخون في العلم قال:
)الستواء معلومُ ،يعلم معناه وُيفسر وُيترجم بلغة
أخرى ،وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في
العلم ،وأما كيفية ذلك الستواء فهو التأويل الذي ل
يعلمه إل الله تعالى( (3).فما هو التفسير الذي يعلمه
الراسخون في العلم ،دون غيرهم ؟ ومعلوم أنه لم
يرد عن السلف ول عن ابن تيمية رحمه الله تعالى
شيء من هذا التفسير إل القول بأنها صفات لله عز
223
وجل على الوجه اللئق به .وليس للراسخين مزية
في ذلك على غيرهم ،وإذا كان هذا العلم ل يعلمه إل
لله عز وجل والراسخون في العلم فما وجه إلزام
غيرهم به وهو فوق طاقتهم وقدراتهم ؟
والحاصل أن تفويض العلم بمراد الله من هذه
من عدها في الصفات وتفويض العلم ه ِج ُ
اللفاظ أو َ
بالكيفية إلى الله عز وجل.
ول وجه للنكار على من رأى أن التفويض في هذه
اليات أسلم ،ول وجه للنكار على من نسبه إلى
السلف لن الغالب على السلف السكوت .والتفويض
بعد ذلك مسلك ينجينا ويغنينا عن التكذيب و التحريف
وتكلف الخوض في ما حذر الله تبارك وتعالى من
الخوض فيه.
ولننتقل إلى الموقف الثاني وهو التأويل.
مذهب التأويل
ل )أّول يؤّول( وأصلهالتأويل في اللغة مصدُر الفع ِ
)(1
)آل( أي رجع.
والتأويل في اصطلح المتكلمين هو حمل اللفظ على
خلف ظاهره على سبيل القطع مع بيان المعنى الذي
)(2
يغلب على ظن المؤول أنه المراد.
ولتوضيح هذا التعريف لبد أول ً من بيان المراد
بالظاهر هنا وهو :المعنى الذي يفهمه السامع من غير
تأمل أو توقف على قرينة خارجية.
ولبد من التنبيه إلى أن حمل اللفظ على ما يشير
إليه ظاهره مما يفيد التشبيه أو التبعيض أو التجسيم
224
باطل قطعًا ،لن أدلة العقل والنقل تدل على
)(1
استحالة ذلك كله على الباري عز وجل.
وصرف اللفظ عن ظاهره مع التوقف عن بيان المراد
يعد تأويل ً إجماليًا.
وهذا التأويل الجمالي هو مذهب السلف الذي نسبه
إليهم جمهور العلماء) (2والتأويل التفصيلي :هو صرف
اللفظ عن ظاهره الذي دلت الدلة القاطعة على نفيه
مع حمل اللفظ على معنى يسوغ في اللغة ويليق
)(3
بالله عز وجل.
والتأويل في هذا المعنى ل يمنع منه شرع ول عقل.
ومع ذلك اشتد إنكار البعض على التأويل بزعمهم أن
فيه تعطيل ً لصفات أثبتها الشرع في نصوصه
الصحيحة ،يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى) :وأصل
هذه المقالة -مقالة التعطيل في الصفات -إنما هو
مأخوذ عن تلمذة اليهود ...فإن أول من حفظ عنه أنه
قال :ليس الله على العرش حقيقة ،وأن )استوى(
)(4
بمعنى استولى -ونحو ذلك -هو الجعد بن درهم
وأخذها عنه الجهم وأظهرها فُنسبت مقالة الجهمية
)(5
إليه(.
ويبدو أن -والله أعلم -أن هذا النكار الشديد على
التأويل غير متجه إلى موضع النزاع .لن التأويل يكون
تعطيل ً للصفات إذا ثبت بشكل قاطع أن الية أو
الحديث فيهما وصف لله عز ،وجل والنصوص
()1انظر المصدر السابق .153
()2انظر شرح الجوهرة ،الباجوري .153
()3انظر شرح الجوهرة ،الباجوري .154
()4هو الجعد بن درهم ) 118هـ( من موالي بني الحكم .كان
يقول بخلق القرآن ،وهو أول من تكلم بذلك في دمشق.
وكان يقول بنفي الصفات.لنه ظن أن الشتراك في لفظ
الصفات بين الخالق والمخلوق يستلزم التشبيه .انظر ميزان
العتدال .1/399وتاريخ الفرق السلمية ،الغرابي .28
()5السماء والصفات .2/17
225
الشرعية التي تعّرض العلماء لتأويلها ليست قطعية
في دللتها على الوصف ،وهي تحتمل الوصف
وتحتمل غيره ،وحمل النص على بعض احتمالته
المقبولة شرعا ً وفق أصول اللغة العربية التي أنزل
(1).
بها القرآن مسلك ل تعطيل فيه
ويضاف إلى ذلك أن عد مثل هذه اللفاظ في
الصفات هو نوع تأويل وتعطيل ،لن ظاهر اليد والقدم
والساق والوجه أنها أبعاض وأعضاء ،وإلحاقها
بالصفات مع نفي البعضية والتركيب صرف لهذه
اللفاظ عن ظاهرها ،واستدلل بما وراء ظاهر النص،
وهذا نوع تأويل.
وإذا ألحقت هذه النصوص بالصفات تعطل النتقاع بما
سيقت له هذه اليات ،لنها مسوقة لمعان ل علقة
لها بالصفات.
فمثل ً قول الله عز وجل) :واصبر لحكم ربك فإنك
بأعيننا() (2ليس مسوقا ً لثبات صفة العين بل السياق
في مواساة النبي صلى الله عليه وسلم ،وفيها يأمر
الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على
أذى المشركين ،ويبشره الله عز وجل بأنه في حفظه
)(3
ورعايته وحمايته.
فإذا أردنا حمل النص على الوصفية أشكل علينا فهم
المراد ،ول ينجينا قولنا :هي صفة تليق بجلله من
التكلف والوقوع في غموض ،والحالة على المجهول،
ويزداد الشكال عند ملحظة اليات الخرى التي ذكر
فيها لفظ )العين( مضافا ً إلى الله عز وجل بالفراد
226
)(1
في قوله تعالى ولتصنع على عيني(.
والحاصل أن دللة اليات والحاديث على الصفات في
هذا الباب دللة ظنية ،ول يستقيم عدها في الصفات
إل بتأويل ،فلماذا يجوز تأويل النص وحمله على خلف
أساليب العرب لنثبت به الصفة ول يجوز فهم النص
وتأويله على ما يوافق أساليب اللغة العربية ول
يعارض شرعًاولعق ً
ل؟!
ثم إن التأويل التفصيلي ضرورة لبد منها ،ولم يستغن
السلف عن التأويل ،وكذا المنكرون على التأويل ل
مفر لهم من التأويل في بعض النصوص الواردة في
الصفات .وسأذكر أمثلة لذلك:
-1من تأويل السلف ما نقله البخاري في )خلق أفعال
العباد( عن سفيان الثوري أنه قال في قوله عز وجل:
)(3
"هو معكم أينما كنتم ") (2قال :علمه.
-2واختار البخاري في صحيحة تأويل الوجه بالملك
فـي قولـه تعـالــى):كل شيء هالك إل وجهه()) :(4إل
)(5
ملكـه ،ويقـال :إل ما أريد به وجه اللـه(.
وابن تيمية رحمه الله مع إنكاره الشديد على التأويل
يؤول أحيانا ً دون أن يسلم بأن تصرفه في النص
تأويل .وسأذكر أمثلة لتأويله وتأويل المنكرين على
أهل التأويل:
-1يقول رحمه الله):إن الله معنا حقيقة ،وهو فوق
العرش حقيقة ...ثم هذه المعية تختلف أحكامها
بحسب الموارد فلما قال):يعلم ما يلج في الرض وما
227
يخرج منها(-إلى قوله)-وهو معكم أينما كنتم( (1).دل
ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها
أنه مطلع عليكم ،شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم،
وهذا معنى قول السلف :إنه معهم بعلمه ،وهذا ظاهر
)(2
الخطاب وحقيقته.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في
الغار) :ل تحزن إن الله معنا() (3كان هذا أيضا ً حقا ً
على ظاهره .ودلت الحال على أن حكم هذه المعية
)(4
الطلع والنصر والتأييد(.
وفي هذا النص السابق يصل ابن تيمية رحمه الله إلى
النتيجة التي يصل إليها المؤول ،ولكن ل يسلم رحمه
الله أن الوصول إلى هذه النتيجة يحصل بصرف
اللفظ عن ظاهره إلى معنى يحتمله ،بل النص دال
بحقيقته وظاهره على المراد.
والذي يبدو لي -والله أعلم -أن ظاهر المعية
وحقيقتها ل يحتملن بمجرده معية الطلع أو النصرة
والتأييد وإنما يفهم هذا من سياق اليتين السابقتين.
وقد صرح ابن تيمية بأن الطلع والعلم والنصرة هي
حكم المعية ومقتضاها ،وهذا هو ما يسميه المؤولة
تأويل المعية.
ولو عوملت جميع هذه النصوص الواردة في الباب
بمثل ما عوملت به آيات المعية لكان النزاع بين ابن
تيمية والمؤولين نزاعا ً لفظيا ً فقط.
-2ومن المثلـة علـى تأويل ابن تيميه قولــه في
)(5
اليـة الـكريمـة):ونحن أقرب إليه من حبل الوريد(
228
)(1
)هو قرب ذوات الملئكة وقرب علم الله(.
وقال) :وأما من ظن أن المراد بذلك قرب ذات الرب
من حبل الوريد،إذ أن ذاته أقرب فهذا في غاية
)(2
الضعف(.
ً
وهذا تأويل أيضا لن ظاهر اللفظ يدل على إسناد
القرب إلى الله عز وجل ،وتفسيره بقرب الملئكة
صرف للفظ عن ظاهره.
فلم ل يقال في هذا الصرف أنه تعطيل لما وصف
الله تعالى به نفسه؟
ولم ل يقال :التقرب معلوم والكيف مجهول واليمان
به واجب ؟
والجواب :أن دللة مثل هذه اللفاظ على الوصف أو
غير الوصف تتفاوت وضوحا ً وخفاًء ،ولهذا كثر الخلف
فيها قديما ً وحديثًا.
ومن تأويل المنكرين للتـأويل ،قول شارح الطحاوية
ابن أبي العز الحنفي رحمه الله) :قال الله عز وجل:
)وكان الله بكل شيء محيطًا( (3) ،وليس المراد من
إحاطته بخلقه أنه كالفلك ....وإنما المراد إحاطة
)(4
عظمته وسعة علمه وقدرته.
سن الشيخ اللباني في تعليقه هذه العبارة ثم وُيح ّ
يقول) :وهو من التأويل الذي ينقمه الشارح مع أنه
ً )(5
لبد منه أحيانا(.
والحاصل أنه حتى المنكرين على التأويل لم يجدوا
مفرا ً من التأويل في بعض المواطن ،ولهذا قال إمام
229
الحرمين الجويني) :ومما يجب العتناء به معارضة
الحشوية بآيات يوافقون على تأويلها حتى إذا سلكوا
مسلك التأويل عورضوا بذلك السبيل فيما فيه
التنازع.
فمما يعاَرضون به قوله تعالى " :وهو معكم أينما
كنتم ") (1فإن راموا إجراء ذلك على الظاهر حلوا
عقدة إصرارهم في حمل الستواء على العرش على
الكون عليه ،والتزموا فضائح ل يبوء بها عاقل ،وإن
حملوا قوله):وهو معكم أينما كنتم( على الحاطة
بالخفيات فقد تسوغوا التأويل( (2).فثبت أن التأويل ل
بد منه للسلف والخلف وللمتأخرين الذين أنكروه
وعدوه تعطيل ً وتحريفًا ،وإنما ُنسب التأويل إلى
المعتزلة والشاعرة والماتريدية ومن وافقهم لنهم
توسعوا فيه ،ووضعوا له منهجا ً متكامل ً يقوم على
أسس واضحة ،وعرضوا كثيرا ً من الخبار التي يجري
فيها التأويل على هذا الساس والمنهج.
وباستقراء مواضيع تأويلتهم يتضح لنا المنهج الراسخ
الذي سلكه الشاعرة في التأويل ويقوم هذا المنهج
على عدة أسس.
ل :ل يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إل عند أو ً
)(3
قيام الدليل القاطع على أن ظاهره محال ممتنع
مثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم) :قلب
)(4
المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن(.
قال الغزالي":حمله على الظاهر غير ممكن...إذ لو
230
فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيها أصابع فَعُل ِ َ
م
أنها كناية عن القدرة التي هي سر الصابع ،وكّني
بالصابع عن القدرة لن ذلك أعظم وقعا ً في تفهم
)(1
تمام القتدار".
أما إذا كان إجراؤه على الظاهر غير محال فل يجوز
تأويله ،ولذلك أنكر الغزالي على المعتزلة أهم أولوا
ما ورد من الخبار في أحوال الخرة كالميزان
والصراط وغيرهما وقال " :هو بدعة ،إذ لم ينقل ذلك
بطريق الرواية ،وإجراؤه على الظاهر غير محال
)(2
فيجب إجراؤه على الظاهر "
ووجه جواز التأويل في النصوص التي يعارض ظاهرها
الدليل القاطع أن دللة النص ظنية،تحتمل وجهين أو
اكثر ،فيجب القطع بصرف اللفظ عن الحتمال
ن الوجه الذي يصح المعارض للدليل القاطع ،ثم ي ُب َي ّ ْ
حمل اللفظ عليه ،لنه يحتمله ولمانع من حمله عليه
)(3
231
)(1
المراد.
ثالثًا :يشترط لصحة التأويل أن يكون موافقا ً لوضع
اللغة وعرف الستعمال جاريا ً على ما يقتضيه لسان
)(2
العرب وتفهمه في خطاباتها.
رابعًا :التأويل :بيان المعنى الذي يظن المؤول أنه
المراد ،لن اللفظ قد يحتمل أكثر من معنى يصح
صرفه إليه )(3مثال ذلك تأويل إمام الحرمين قوله عّز
ل) :الرحمن على العرش استوى() (4قال) :ل يمتنع وج ّ
منا حمل الستواء على القهر والغلبة ،وذلك شائع في
اللغة ...ول يبعد حمل الستواء على قصد الله إلى
أمر في العرش ،وهذا تأويل سفيان الثوري رحمه الله
فاستشهد بقوله تعالى) :ثم استوى إلى السماء وهي
دخان() (5معناه قصد إليها() (6وهذا معنى قولهم" :
التأويل ظني " ويترتب على هذا أن إبطال وجه من
وجوه تأويل اللفظ ل يدل على إبطال التأويل بالكلية،
)(7
لنه قد يصح تأويله على وجه آخر.
خامسًا :يشترط لصحة التأويل أن ل يخالف أصل ً ثابتاً.
)(8
232
ومن هذا التأويل المخالف ،تأويل ابن قتيبة رحمه الله
الستواء بالستقرار ،قال):وقالوا في قوله) :الرحمن
على العرش استوى( أنه استولى ،وليس يعرف في
اللغة استويت على الدار ،أي استوليت عليها ،وانما
)(1
استوى في هذا المكان :استقر(.
ً
ول يخفى أن في الستقرار تشبيها بالمخلوق،
ل ومثل هذا التأويل غير ومفارقة لتنزيه الباري عّز وج ّ
ً )(2
مقبول لنه يخالف أصل ً ثابتا.
وبعد ذكر هذه السس التي يقوم عليها التأويل عند
الشاعرة لبد من التنبيه إلى أمور خمسة:
الول :أن كل المذهبين -التفويض والتأويل -يقودان
لل إلى غاية واحدة ،لن الثمرة فيهما أن الله عّز وج ّ
يشبهه شيء من مخلوقاته ،وانه منزه عن جميع
النقائض ،متصف بصفات الكمال.
والذي يبدو -والله اعلم -أن المسلك الذي ارتضاه
ابن تيمية رحمه الله أقل حكمة وسلمة من مسلكي
للالتأويل والتفويض ،لن إثبات صفة لله عّز وج ّ
يجوز أن يكون بدليل ظني يحتمل الوصفية كما
يحتمل غيرها.
الثاني :التفويض هو اعتقاد السلف والخلف ،والتأويل
الوارد عن الخلف ضرورة فكرية اضطروا إليها لرفع
الوسوسة والشكوك عن العوام ،والتصدي لرد
مذاهب المبتدعة ،وتوضيح العقائد السلمية.
ومما يساعد على تصوير ذلك أن المام الخطابي
رحمه الله ذكر الحاديث التي ذكر فيها القدم والرجل
وغيرها ،وذكر أن مذهب السلف فيها التفويض ثم
قال":ونحن أحرى بأن ل نتقدم فيما تأخر عنه من هو
.191-198والتأويل اللغوي في القرآن الكريم،حسين الصالح
.63
()1الختلف في اللفظ .337
()2انظر تعليق الكوثري عليه .37
233
أكثر علما وأقدم زمانا ً وسنًا ،ولكن الزمان الذي نحن
فيه قد صار أهله حزبين :منكر لما ُيروى من نوع هذه
ل ،ومسّلم للرواية فيها ذاهب الحاديث ومكذب به أص ً
في تحقيق الظاهر مذهبا ً يكاد يفضي إلى القول
بالتشبيه ،ونحن نرغب عن المرين معًا ،ونطلب لما
يرد من هذه الحاديث إذا صحت من طريق النقل
والسند تأويل ً ُيخّرج على معاني أصول الدين ومذاهب
)(1
العلماء.(...
وفي هذا دليل على أن التأويل في حقهم ضرورة
قدِرها ،والتفويض مسلكهم اضطروا إليها وقَ ّ
دروها ب َ
واختيارهم فإذا احتاجوا لرد مذهب المبتدع أو تثبيت
خّرجوا لهذه النصوص تأويلت موافقة عقيدة الضعفاء َ
للدلة العقلية وقواعد اللغة العربية.
الثالث :تفويض العلم بالخبر وتأويله وجه من وجوه
الحتجاج به ،ونجد في عبارات العلماء التصريح بأن
التفويض أو التأويل رتبة بين تكذيب الخبر ،وإثبات
الصفات به.
ً ً
فالمام الخطابي يجعل الـتأويل موقفا وسطا بين
)(2
إنكار صحة الرواية والتسليم بظاهرها
ويقول إمام الحرمين " :وأما الحاديث التي يتمسكون
بها فآحاد ل تفضي إلى العلم ،ولو اضربنا عن جميعها
لكان سائغًا ،ولكنا نومئ إلى تأويل ما دون منها في
)(3
الصحاح(
التفريق في هذه المسألة بين المتواتر والحادي
تبين مما سبق أن المتشابه يلحقه الظن والخفاء في
دللته فإذا لحقه الظن في نقله بنقل الحاد دون
التواتر فقد توارد عليه ظنان يوجب التفريق بينه وبينه
المتواتر مما تشابه من نصوص الكتاب والسنة .وقد
()1انظر السماء والصفات ،البيهقي .444-443
()2انظر السماء والصفات ،البيهقي .443
()3الرشاد 161وانظر نحوه المواقف .272
234
جعل بعض الشاعرة ذلك موجبا للتفريق بين
الموضعين.
فالمام الباقلني لم يثبت من الصفات الخبرية إل ما
ورد في الخبر المتواتر ،كالوجه واليدين بقوله تعالى:
)ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام( ) (1وقوله):ما
)(2
منعك أن تسجد لما خلقت بيدي(
أما الخطابي -رحمه الله -فقد فّرق بين الصفات
الخبرية الثابتة بالمتواتر والثابتة بالحاد فسلك في
الولى مسلك التفويض ،وفي الثانية مسلك التأويل،
فيقول " :والصل أن كل صفة جاء بها الكتاب أو
صحت بأخبار التواتر ...فإنا نقول بها ونجريها على
ظاهرها من غير تكييف ...وماكان مجيئه من طريق
الحاد وأفضى بنا القول إذا أجريناه على ظاهره إلى
التشبيه فنتأوله على معنى يحتمله ويزول منه معنى
التشبيه( ) (3وتبعه المام البيهقي ،ويظهر ذلك واضحا ً
من عناوينه في السماء والصفات.
فيقول :باب ما جاء في إثبات العين وفي إثبات
اليدين ،ويقول في ما كان ثبوته بخبر الحاد :باب ما
ذكر في الصابع ،باب ما جاء في الضحك...
ويسير البيهقي على خطى المام الخطابي في تأويل
ما ورد بالحادي وتفويض ما ثبت بالمتواتر من
)(4
الصفات الخبرية.
ً
وهذا المنهج هو الذي أراه مناسبا -والله أعلم -لن
إثبات الصفات ل ينبغي أن يكون بخبر لحقه الظن في
ثبوته ودللته ،وخاصة إذا كان ظاهره مما يوهم
235
التشبيه والتجسيم فل حرج في تأويله بل الحرج في
إثبات صفة لله عز وجل زائدة على الذات ،فما يؤمننا
أن يكون المراد من الخبر ما يذكره أهل التأويل دون
الوصفية ،إذ الخبر يحتمل الوصف ويحتمل غيره ،ومع
هذا الحتمال يجوز أن يقع وصفنا لله عز وجل بصفة
لم يصف بها نفسه ،ول وصفه بها رسوله صلى الله
عليه وسلم.
أما التفويض فيما ثبت بخبر متواتر فهو السلم،وهو
ما يعتقده الشاعرة كما سبق ول يكون التأويل إل
لضرورة.
236
المسألة الولى:ما جاء في تفسير الستواء
بالجلوس
أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن خارجة بن
مصعب أنه قال):الجهمية كفار بلغوا نساءهم أنهن
طوالق وأنهن ل يحللن لزواجهن لتعودوا مرضاهم
ول تشهدوا جنائزهم ،ثم تل "طه* ما أنزلنا عليك
القرآن لتشقى* إل تذكرة لمن يخشى* تنزيل ً ممن
خلق الرض والسموات العلى* الرحمن على
العرش استوى") (1وهل يكون الستواء إل
)(2
بجلوس(
وقد ذكر المحقق ما ل يوافق عليه فقال) :أما
القول بأن الستواء ل يكون إل بجلوس فليس هذا
من مذهب السلف بل مذهب السلف بخلفه ..ومن
هنا نقول إن هذه العبارة أقرب إلى التجسيم
وتشبيه الخالق بالمخلوق() (3فيلحظ تردده إذ حكم
بأنه أقرب إلى التجسيم وسوف نرى تناقض
المحقق في موضع آخر من نفس الكتاب.
و أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عبدالله بن
خليفة عن عمر رضي الله عنه قال) :إذا جلس
تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط
)(4
كأطيط الرحل الجديد(
1
)( الية ) (5-1من سورة طه.
2
)( السنة .(10)1/106وانظر الحتجاج بهذا القول في الصواعق المرسلة
237
وقال):حدثني أبي أنبأنا وكيع بحديث إسرائيل عن
أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي
الله عنه قال إذا جلس الرب عز وجل على
الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع
فغضب وكيع وقال أدركنا العمش وسفيان
)(1
يحدثون بهذه الحاديث ل ينكرونها(
وقال المحقق تعليقا ً على هذا الخير) :نعم
السلف ل ينكرون ذلك لن الله "ليس كمثله
شيء وهو السميع البصير" أما المبتدعة وأصحاب
الكلم الذين ل يتخيلون في صفات الله إل ما يليق
بالبشر ثم يهربون إلى التأويل لهذا الخاطر(
وهذا تهافت وتناقض فلم يصح عن واحد من السلف
تأويل الستواء بالجلوس ،وليس الجلوس من
وقال ابن كثير في تفسيره )1/311وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا زهير حدثنا
ابن أبي بكير حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد ال بن خليفة عن عمر رضي ال عنه قال
أتت امرأة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت ادع ال أن يدخلني الجنة قال فعظم الرب
تبارك وتعالى وقال إن كرسيه وسع السموات والرض وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد من
ثقله وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور =
=وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما والطبراني وابن أبي عاصم-
- (574)1/252في كتابي السنة لهما والحافظ الضياء في كتابه الحاديث
وليس بذاك المشهور وفي سماعه من عمر نظر ثم منهم من يرويه عنه
موقوفا ومنهم من يرويه عنه مرسل ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة
238
صفات الله ول مما يليق به .وما أقرب إنكار
المحقق لتفسير الستواء بالجلوس في صدر هذا
الكتاب .وإذا كان هذا الكتاب مصدرا ً من مصادر
ح النسبة إلى عبد الله بن أحمد عقيدة السلف صحي َ
وكان مؤلفه موثقا ً في نقله مشهودا له بصحة
ً
العتقاد والعدالة الحديثية فكيف استجازوا مع ذلك
إنكار ما خرجه تحت عنوان )سئل عما روي في
الكرسي وجلوس الرب عزوجل عليه ورأيت
أبي رحمه الله يصحح هذه الحاديث أحاديث
الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا
بها() .(1فهذا نص في إثبات الجلوس على العرش
عن المام أحمد .ول شك بموافقة ابنه له على
مقتضى هذه الرواية فكيف يعقل أن يحكم المحقق
على إثبات الجلوس بأنه أقرب إلى التجسيم ثم
يسكت على إثباته عن إمامه وعن المؤلف الذي
شهد له بالسلفية والعدالة في كتابه الذي أوجب أن
يكون في الصدارة من مؤلفات المسلمين؟! ج ّ
ل
مقدار المام أحمد عن النطق بما لم يخف حتى
على هذا المحقق أنه أقرب إلى التجسيم.
وأثبت الدارمي الجلوس فقال):الحي القيوم
يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط
ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم
)(2
ويجلس إذا شاء(
ونجد ابن عثيمين رحمه الله مترددا ً في الجلوس
فيقول) :أما تفسير استواء الله تعالى على
العرش باستقراره عليه فهو مشهور عن
السلف ..وأما الجلوس والقعود فقد ذكره
1
)( السنة 1/300
2
)( نقض عثمان بن سعيد 1/215
239
بعضهم ولكن في نفسي منه شيء() .(1وهذا
تردد عجيب فمن جزم بالستقرار مالذي يمنعه من
القول بالجلوس؟ أما ما ذكره من الورود عن
السلف فل ينفع أيضا ً لن حال أسانيده ليس أحسن
من حال ما جاء في الجلوس.
ورد ّ سليمان بن سحمان رحمه الله على من
نسب إثبات الجلوس إلى محمد بن عبد الوهاب
فيقول) :قد جاء الخبر بذلك عن أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب الذي ضرب الله
الحق على لسانه كما رواه المام عبد الله بن
المام أحمد في كتابه السنة له ..وهذا الحديث
)(2
صححه جماعة من المحدثين(
وأخرجه عبد الله تحت نفس العنوان
السابق بلفظ آخرعن عبد الله بن خليفة قال جاءت
إمرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ادع
ظم الرب عزوجل الله أن يدخلني الجنة قال فع ّ
وقال وسع كرسيه السموات والرض إنه ليقعد
عليه جل وعز فما يفضل منه إل قيد أربعة
)(3
أصابع وإن له أطيطا ً كأطيط الرحل إذا ركب(
وأخرجه الدارمي عنه بلفظ فيه زيادة قال في
آخره) :وإن له أطيطا ً كأطيط الرحل الجديد إذا
ركبه من يثقله() (4وقال) :فهاك أيها المريسي
1
)( مجموع فتاويه ورسائله 1/196
2
)( الضياء الشارق في رد شبهات المازق المارق 79
3
)( السنة (593)1/305
4
)( نقض عثمان بن سعيد .428-1/425وأخرجه الطبري في تفسيره 11-3/9وابن خزيمة في
التوحيد 106وتبرأ من الحتجاج به لنقطاعه .وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (193)2/548
(260)2/650والدارقطني في لصفات .(5)1/29
240
خذها مشهورة مأثورة فصرها وضعها بجنب تأويلك
)(1
الذي خالفت فيه أمة محمد(
وفي كتاب السنة للخلل أن تلك الفضلة هي
مجلس النبي صلى الله عليه وسلم الذي ُيجلسه
)(2
الله فيه معه يوم القيامة
وجنح مرعي بن يوسف الحنبلي بعيدا عن
الصواب والحق بقوله...) :فقال الحنابلة أما هذا
الحديث فنحن لم نقله من عند أنفسنا فقد رواه
عامة أئمة الحديث في كتبهم التي قصدوا فيها نقل
الخبار الصحيحة وتكلموا على توثقة رجاله وتصحيح
طرقه ورواه من الئمة جماعة أحدهم إمامنا أحمد
وأبو بكر الخلل صاحبه وابن بطة والدارقطني في
كتاب الصفات الذي جمعه وضبط طرقه وحفظ
عدالة رواته وهو حديث ثابت ل سبيل إلى
دفعه ورده إل بطريق العناد والمكابرة،
والتأويل يمكن فإنه قد يطلق الفضل والمراد به
الخروج عن حد الوصف والختصاص ..فيقال فما
خرج عن الختصاص بوصف الستواء إل هذا
المقدار وله تعالى أن يخص ما يشاء منه بوصف
)(3
الختصاص دون ما شاء والله أعلم(
ومما استدلوا به أيضًا:
1
)( نقض عثمان بن سعيد .1/428
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية )1/20هذا حديث ل يصح عن رسول ال صلى ال عليه
وسلم واسناده مضطرب جدا وعبدال بن خليفه ليس من الصحابة فيكون الحديث الول مرسل
وابن الحكم وعثمان ل يعرفان وتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول ال صلى ال عليه
وسلم وتارة يقفه على عمر وتارة يوقف على بن خليفة وتارة يأتي فما يفضل منه إل قدر اربعه
اصابع وتارة يأتي فما يفضل منه مقدار اربعة اصابع وكل هذا تخليط من الرواة فل يعول عليه(
2
)( كتاب السنة للخلل .1/220
3
)( أقاويل الثقات 119
241
ما أخرجه عثمان بن سعيد بسنده عن محمد بن
إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد
بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم):إن الله فوق
عرشه فوق سمواته فوق أرضه مثل القبة
وأشار النبي مثل القبة وإنه ليئط به أطيط
)(1
الرحل بالراكب(
وقال) :وهذا أيها المعارض ناقض لتأويلك أن
العرش إنما هو أعلى الخلق -يعني السموات فما
دونها من السقوف والعرش وأعالي الخلئق -
)(2
ورسول الله يقول إنه فوق السموات العلى(
وهذا حديث مضطرب السناد منكر المتن فل يضاف
إلى النبي صلى الله عليه وسلم .وهذا الذي ذكره
الدارمي نص في العلو الحسي أثبته بهذا الخبر
الواهي ،وكذلك خرجه من خرجه في السنة .وجعله
ابن خزيمة مفسرا ً وشاهدا ً في تفسير قول الله
تعالى "الرحمن على العرش استوى") (3وأنكر ابن
تيمية على من رده واستشهد له بشواهد من جنسه
1
)( نقض عثمان بن سعيد 468و .518وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة .(575)1/252
وقال اللباني):إسناده ضعيف ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس ومثله ل يحتج به إل إذا صرح
بالتحديث وهذا ما لم يفعله في ما وقفت عليه من الطرق إليه (.والحق أنه ل يحتج به في هذا
المطلب حتى لو صرح بالتحديث.وابن اسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازى.
وأخرجه أبو داود في السنن (4726)4/232وابن خزيمة في كتاب التوحيد ،101والطبراني في
المعجم الكبير (1547)2/128والجري في الشريعة 3/1091وأبو الشيخ في العظمة )2/556
(198والدارقطني في الصفات (38) 1/31وابن مندة في الرد على الجهمية (71)1/49وفي
التوحيد ،3/188وابن أبي شيبة في كتاب العرش 57والبيهقي في السماء والصفات وضعفه
.528
2
)( نقض عثمان بن سعيد 468
242
سندا ً ومتنا ً فقال...):وهذا الحديث قد يطعن
فيه بعض المشتغلين بالحديث انتصارا ً
للجهمية وإن كان ل يفقه حقيقة قولهم
وما فيه من التعطيل أو استبشاعا ً لما فيه من
)(1
ذكر الطيط(...
أما ابن القيم فقد نظمه في نونيته فقال:
)الله فوق العرش فوق سمائه*****سبحان ذي
الملكوت والسلطان
ولعرشه منه أطيط مثل ما*****قد أط رحل
)(2
الراكب العجلن(
3
)( لنه أخرجه في كتابه التوحيد 101تحت باب "ذكر استواء خالقنا
العلي العلى".
1
)( بيان تلبيس الجهمية 1/570وانظر نحوه في مجموع الفتاوى 16/435
2
)( شرح قصيدة ابن القيم 1/522وانظر اجتماع الجيوش 50وشرح العقيدة الطحاوية لبن أبي
العز ،316
3
)( الرد على الجهمية (88) 1/59وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (234)2/611
243
واضطرب المثبتون في هذا الخبر أيضا ً فبعد أن
أخرجه الدارمي في السنة احتج به ابن القيم).(1
واستنكر الذهبي لفظة من ألفاظه فذكر الخبر من
أوله إلى أن قال..) :كأطيط الرحل أول ما يرتحل
)(2
وذكر كلمة منكرة ل تسوغ لنا والسناد نظيف(..
أما ابن تيمية رحمه الله فلم يستنكر هذه اللفظة
بل زعم أن هذا الجزء من الخبر لو كان منكرا ً في
دث به الئمة على هذا دين السلم عندهم لم يح ّ
الوجه .وزعم أن الخبر يحتمل أن يكون مما تلقاه
كعب عن الصحابة .وأن هذه الرواية من روايات
أهل الكتاب التي ليس عندنا ما يكذبها .واستشهد له
بتوالف وظلمات بعضها فوق بعض فقال رحمه الله:
)وهذا الثر وإن كان هو رواية كعب فيحتمل أن
يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون
مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي
ليس عندنا شاهد هو ل يدافعها ول يصدقها ول
يكذبها .فهؤلء الئمة المذكورون في إسناده هم من
أجل الئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما
فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا
القول منكرا ً في دين السلم عندهم لم
يحدثوا به على هذا الوجه .وقد ذكر ذلك
القاضي أبو يعلى فيما خرجه من أحاديث الصفات(
ثم استشهد له بخبر خالد بن معدان وعبد الله بن
مسعود في الثقل على العرش.وما جاء في تفسير
)(3
تفطر السموات
1
)( اجتماع الجيوش السلمية 68و 163وانظر معارج القبول للحكمي
.1/180
2
)( العلو للعلي الغفار 1/121
3
)( بيان تلبيس الجهمية 573- 1/570
244
ومما استدلوا به أيضًا:
ماأخرجه ابن أبي شيبة بسنده عن خصيف عن
عكرمة عن ابن عباس في قوله "تكاد السموات
يتفطرن من فوقهن ") (1قال):ممن فوقهن من
)(2
الثقل(
وأخرجه من طريق آخر عن خصيف بلفظ )"
)(3
السماء منفطر به" قال بالله عز وجل(
وأخرجه الطبري بسنده عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال):يعني من ثقل الرحمن وعظمته
)(4
تبارك وتعالى(
1
)( الية ) (5من سورة الشورى.
2
)( كتاب العرش 58وخصيف بن عبد الرحمن الجزرى 137هـ قال الحافظ فى تهذيب التهذيب
) :3/144قال ابن المدينى :كان يحيى بن سعيد يضعفه .وقال ابن حبان :تركه جماعة من أئمتنا،
واحتج به آخرون(.
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (236)2/614والحاكم في المستدرك .(3653)2/480
3
)( كتاب العرش 59من طريق يحيى بن يمان عن شريك عن خصيف.
ويحيى بن يمان هو أبو زكريا الكوفى 189هـ قال المزي في تهذيب الكمال )32/57قال حنبل بن
إسحاق عن أحمد بن حنبل ليس بحجة( أما شريك فهو شريك بن عبد ال النخعى 177هـ وهو
صدوق يخطىء كثيرا انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .4/336
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (235)2/613بلفظ )ممن فوقهن يعني الرب تبارك وتعالى( في
سنده إلى خصيف أبو أسامة يرويه عن شريك وأبو أسامة هو حماد بن أسامة الكوفى 201هـ
ثقة ثبت ربما دلس ،وكان بأخرة يحدث من كتب غيره انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .3/3
وأخرجه بسند فيه جابر الجعفى عن عكرمة عن ابن عباس قال) :ممتلئة به( كتاب العرش .60
وجابر بن يزيد الجعفى 127هـ ضعيف انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .2/48
4
)( تفسير الطبري 25/7قال) :حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن
أبيه عن ابن عباس(.
245
وهذه أسانيد ضعيفة .والذي ذهب إليه جمهور
المفسرين أن الضمير في الية الكريمة يعود على
)(1
يوم القيامة.
ومع ذلك احتج بها ابن القيم وغيره ،ونظمها ابن
القيم في قصيدته النونية فقال:
)وبسورة الشورى وفي مزمل****سر
عظيم شأنه ذو شان
في ذكر تفطير السماء فمن يرد****علما ً
به فهو القريب الداني
لم يسمح المتأخرون بنقله****جنبا ً وضعفا ً
عنه في اليمان
بل قاله المتقدمون فوارس****السلم هم
أمراء هذا الشان
ومحمد بن سعد هو بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي ..قال الخطيب كان لينًا في الحديث(
انظر ترجمته في ميزان العتدال ،6/162يرويه عن أبيه عن عمه وهو الحسين بن الحسن
العوفي قال الذهبي في ميزان العتدال ) 2/286ضعفه يحيى بن معين وغيره ..روى عنه ابنه
الحسن وابن أخيه سعد بن محمد(
يرويه عن الحسن بن عطية )والد الحسين ومحمد( 181هـ وهو ضعيف انظر ترجمته فى
تهذيب التهذيب .2/294ويرويه الحسن عن أبيه عطية بن سعد أبوالحسن العوفى 111هـ وهو
ضعيف انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .7/225وانظر احتجاج ابن القيم به في اجتماع
الجيوش .158
1
)( قال ابن كثير في التفسير )4/439قوله تعالى "السماء منفطر به" قال
246
ومحمد بن جرير الطبري في**** تفسيره حكى به
)(2
القولن(
ومما استدلوا به أيضًا:
ما أخرجه عثمان بن سعيد بسنده عن ابن مسعود
رضي الله عنه أنه قال):إن ربكم ليس عنده ليل ول
نهار ،نور السموات من نور وجهه ،وإن مقدار كل
يوم من أيامكم عنده ثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه
أعمالكم بالمس أول النهار فينظر فيها ثلث
ساعات فيطلع فيها على ما يكره فيغيظه ذلك
فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون
العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين
يحملون العرش وسرادقات العرش والملئكة
)(2
المقربون…(
2
)( انظر شرح قصيدة ابن القيم .1/513واجتماع الجيوش 121ومعارج القبول 2/790
2
)( نقض المام عثمان بن سعيد 476-1/475وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير )9/179
(8886وهو عندهما من طريقين عن حماد ابن سلمة عن الزبير أبي عبد السلم عن أيوب بن
عبد ال الفهري عن ابن مسعود.
أما حماد بن سلمة فالكلم في أحادبثه في العقائد معروف تكرر .وأبو عبد السلم ذكره المام
مسلم في الكنى 1/656فقال):أبوعبد السلم الزبير بن جواتشير عن أيوب بن عبد ال بن مكرز
روى عنه حماد بن سلمة( وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة )1/135جواتشير اسم فارسي أوله
جيم مضمومة وبعد اللف مثناة فوقانية مفتوحة ومعجمة مكسورة(.
أما أيوب بن عبد الله بن مكرز فقد قال الذهبي في ميزان العتدال
247
ومع هشاشة هذا السند فقد تابع ابن تيمية وابن
ن سعيد على الحتجاج نب َ
القيم رحمهما الله عثما َ
)(3
به
ونقل ابن القيم تفسير الستواء بالجلوس عن
ابن عباس
فقال):وفي تفسير السدي عن أبي مالك وأبي
صالح عن ابن عباس "الرحمن على العرش
)(5
استوى" قال قعد() (4وهذا ل يصح عنه
فمات أحدهما ،السدى والكلبى .كذا قال ،و ليث أشد ضعفا ً من السدى.
248
واحتج ابن القيم في تفسير الستواء بامتلء
العرش وأطيطه فقال) :قال حماد بن سلمة عن
عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال
إن الله مل العرش حتى أن للعرش أطيطا ً
)(1
كأطيط الرحل(
ومما استدلوا به حكابة تفسير الستواء
بالستقرار عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال ابن القيم) :قول إمامهم )المفسرين( ترجمان
القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
ذكر البيهقي عنه في قوله تعالى الرحمن
)(2
على العرش استوى قال استقر(
وقد رجعت إلى مكان هذه الرواية عند البيهقي
الذي اعتمد عليه ابن القيم فيهذه الحكاية فوجدت
فيها تكذيب هذه الرواية عن ابن عباس ومع ذلك لم
ينبه ابن القيم على ذلك .قال البيهقي في سند هذه
الرواية في نفس الصفحة التي نقل فيها هذا القول
عن ابن عباس) :وأبو صالح)(3هذا والكلبي) (4ومحمد
1
)( اجتماع الجيوش ،160وأخرجه أبو الشيخ في العظمة .2/593
ول يصح لنه من رواية حماد بن سلمة عن وعطاء بن السائب .وقد سبق
عن الثورى :قال الكلبى :قال لى أبو صالح :كل ما حدثتك كذب...وقال
ابن حبان :يحدث عن ابن عباس ،ولم يسمع منه(.
4
)( هو محمد بن السائب 146هـ متهم بالكذب ،ورمي بالرفض قال
الحافظ فى تهذيب التهذيب ):9/180وقال ابن حبان :وضوح الكذب فيه
249
ك عند أهل الحديث ل بن مروان) (1كلهم مترو ٌ
يحتجون ،بشيء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها
وظهور الكذب منهم في رواياتهم() (2ثم أطال في
ترجمتهم واعتراف بعضهم بالكذب وشهادة علماء
الجرح عليهم بمثله
وفي موضع آخر يحكي ابن القيم هذا القول عن
البغوي فيقول):قول المام محي السنة الحسين بن
مسعود البغوي قدس الله روحه :قال في تفسيره
الذي هو شجى في حلوق الجهمية والمعطلة في
سورة العراف في قوله تعالى":ثم استوى على
)(3
العرش" قال الكلبي ومقاتل استقر(
وقد رجعت إلى تفسير البغوي فوجدته ما يثبت
وهمه في الحكاية عنه إذ قال رحمه الله) :ثم
استوى على العرش قال الكلبي ومقاتل :استقر.
وقال أبو عبيدة صعد .وأولت المعتزلة الستواء
بالستيلء.
فأما أهل السنة فيقولون الستواء على العرش
صفة لله تعالى بل كيف ،يجب على الرجل اليمان
به ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل (4)(..فأين هذا
من ذاك ؟
250
ويقول ابن القيم) :والستواء في اللغة معلوم
مفهوم وهو العلو والرتفاع على الشيء
)(5
والستقرار والتمكن فيه(
وقال:
ً
)وانظر إلى الكلبي أيضا والذي****قد قاله من غير
)(2
ما نكران(
وزعم ابن عثيمين رحمه الله أنه مشهور عن
السلف فقال) :أما تفسير استواء الله تعالى على
عرشه باستقراره عليه فهو مشهور عن السلف
)(3
نقله ابن القيم في النونية وغيره(
5
)( حاشية ابن القيم 13/20
2
)( انظر شرح قصيدة ابن القيم .1/440
3
)( مجموع رسائله وفتاويه 1/196
251
ماجاء في الستلقاء
قال أبو بكر بن أبي عاصم في كتابه السنة:
)قال أبو إسحاق إبراهيم الحزامي وقرأت من كتابه
ثم مزقه وقال لي واعتذر إلي :حلفت أن ل أراه إل
مزقته فانقطع من طرف الكتاب عن محمد بن
فليح عن سعيد بن الحارث عن عبدالله بن منين
قال بينا أنا جالس في المسجد إذ جاء قتادة بن
النعمان فجلس فتحدث ثم ثاب إليه ناس فقال
انطلق بنا يا ابن منين إلى أبي سعيد الخدري فإني
قد ُأخبرت أنه قد اشتكى قال فإنطلقنا حتى دخلنا
على أبي سعيد فوجدناه مستلقيا ً رافعا ً إحدى رجليه
على الخرى فسلمنا وقعدنا فرفع قتادة يده فقرصه
قرصة شديدة قال أبو سعيد :أوجعتني .قال ذلك
أردت ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لما قضى الله خلقه استلقى ثم وضع
إحدى رجليه على الخرى ثم قال ل ينبغي
)(1
أن ُيفعل مثل هذا ،قال أبو سعيد نعم(
1
)( .(568)1/248وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/13والبيهقي في السماء والصفات
.448وعزاه اللباني في تخريج السنة لبن أبي عاصم إلى ابن منده في المعرفة) (21321من
طريق المؤلف.
وعزاه ابن القيم في اجتماع الجيوش 1/54إلى الخلل في كتاب السنة
وقال الذهبي في العلو 1/63رواته ثقات رواه أبو بكر الخلل في كتاب
252
واضطرب المثبتون في هذا الخبر فبعد أن خرجه
من خرجه في كتب السنة اشتد إنكار بعضهم على
من تأوله أو أنكره .فحكى الدارمي وجها ً في تأويله
ثم قال منكرا ً على من تأوله..) :ثم فسره المعارض
ده من الحق وهو مقر أن النبي بأسمج التفسير وأبع ِ
قد قاله ...فيقال لهذا المعارض من يتوجه لنقيضة
هذا الكلم من شدة استحالته وخروجه عن جميع
المعقول عند العرب والعجم حتى كأنه ليس من
)(1
كلم النس(...
)(2
واشتد ابن القيم على من أنكر هذا الخبر
وهو لئق باعتقاد اليهود .ومما يشير إلى مصدره ما
أخرجه الطبري في تفسيره عن محمد بن قيس
قال جاء رجل إلى كعب فقال يا كعب أين ربنا…
فقال له الناس لتسكت عن هذا ،فقال كعب دعوه
ت أين فإن يك عالما ً ازداد وإن يك جاهل ً تعّلم ،سأل َ
ربنا ،وهو على العرش العظيم متكىء واضع
إحدى رجليه على الخرى…والله على
العرش متكىء ثم تفطر السموات ثم قال
كعب اقرأوا إن شئتم" :تكاد السموات يتفطرن من
)(4) (3
فوقهن" (
وقال الشهرستاني) :وقد اجتمعت اليهود عن
آخرهم على أن الله تعالى لما فرغ من خلق
253
السموات والرض استوى على عرشه مستلقيا ً
)(1
على قفاه واضعا ً احدى رجليه على الخرى(
وقد أسرف أبو يعلي في هذا الخبر فقال) :اعلم أن
هذا الخبر يفيد أشياء منها جواز الستلقاء عليه
ل على وجه الستراحة بل على صفة ل نعقل
معناها ،وأن له رجلين يضع إحداهما على
الخرى على صفة ل نعقل معناها إذ ليس في
حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لنا ل نصف ذلك
بصفات المخلوقين بل نطلق ذلك كما أطلقنا الوجه
واليدين وخلق آدم بهما والستواء على العرش- ..
قال -وخبر كعب تضمن شيئين أحدهما إثبات
الرجلين صفة والثاني منع هذه الجلسة وكراهتها.
وقام الدليل على جواز هذه الجلسة..وبقي إثبات
الرجلين على ظاهره لنه لم ينقل عنهم خلفه
)(2
ول رده فوجب الرجوع إليه(
المسألة الثانية في الصابع
قال المام البخاري في الصحيح) :حدثنا مسدد أنه
سمع يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني منصور
وسليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله أن
يهوديا ً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا
محمد إن الله يمسك السموات على إصبع
والرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر
على إصبع والخلئق على إصبع ثم يقول أنا الملك
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
)(3
بدت نواجذه ثم قرأ "وما قدروا الله حق قدره" (
)(4
1
)( الملل والنحل 219
2
)( إبطال التأويلت 189-1/188
3
)( الية ) (67من سورة الزمر.
254
قال يحيى بن سعيد وزاد فيه فضيل بن عياض عن
منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله فضحك
رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا ً وتصديقا ً
)(1
له(
وأخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عطاء عن أبي
الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر
يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
جالس قال كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله
4
)( يييي ييييييي .(6978 )6/2697يييييي يييييي يييي
يي ييي ييييي يييي):يي ييي يييي يي ييييي ييي يييي يييي
يييي يي يييي يييي ييييييي ييي يييي ييي ييي يييي يييي
ييييييي ييي ييييي ييييي ييي ييي ييي ييييي( ييي ييييي
ييي يييي يييييي يي ييييي يييييي ييي ييي ييي يييي يي
يي ييييي يي ييي يييي .ييييي ييي يييي يي يييي ييييي يي
255
السماء على ذه وأشار بالسبابة ،والرضين على ذه،
والماء على ذه ،والجبال على ذه ،وسائر الخلق
على ذه وجعل يشير بأصبابعه فأنزل الله عز وجل
)(1
وما قدروا الله حق قدره (..الية
وهذا الحديث يرويه إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن عبد ال بن مسعود .واختلف عنه في
إسناده ،كما اختلف أيضًا في إضافة بعض الرواة لقوله "فضحك تصديقا للحبر"فأخرجه بهذه
الضافة البخاري في الصحيح (7075)6/2729ومسلم في الصحيح )4/2147 (2786والنسائي
في السنن الكبرى ) 4/413 (7736و) 6/446 (11450والبزار في مسنده )5/181 (1779
وأبو يعلى في مسنده (5387)9/265وابن حبان في صحيحه ).319 :/1 (7326
من طرق عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر به.
وأخرجه المام أحمد في المسند) 1/457 (4368والبخاري في صحيحه )4/1812 (4533من
طرق عن شيبان عن منصور به .وأخرجه المام أحمد في المسند عن إسرائيل عن منصور)
=.1/457 (4369
=وأخرجه النسائي في السنن الكبرى )4/400 (7687عن ابن عيينة وفضيل عن منصور وهو
في مسند البزار )5/181 (1778عن سفيان عن منصور به
وأخرجه بدون هذه الضافة المام أحمد في المسند ) 1/378 (3590والبخاري في الصحيح )
6/2697 (6979و) .6/2712 (7013ومسلم في الصحيح )4/2148 (2786و)(2786
.4/2148والبزار في المسند )4/314 (1497) (1496و)5/183 (1780والنسائي في السنن
الكبرى (11452) 6/447وأبو يعلى في مسنده)9/93 (5160وابن حبان في صحيحه )(7325
.1/318وهو عند جميعهم من طرق عن العمش عن إبراهيم النخعي عن عبيدة عن عبد ال بن
مسعود .وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير )164 :/1 (10336من طريق أبي هاشم الرماني
عن إبراهيم به .وانظر علل الدارقطني 5/177
1
)( وصله الترمذي ) 5/371 (3239من رواية محمد بن بشار عن يحيى عن فضيل به.وقال:
هذا حديث حسن صحيح .وأخرجه مسلم ) ،4/2147 (2786وعثمان الدارمي في الرد على
256
وقد أغرب بعض الرواة فجعله من قول النبي
صلى الله عليه وسلم) .(1وجعله آخُر من قول الحبر
بعد ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر
شيئا ً من عظمة الرب.
أخرج ابن مندة في الرد على الجهمية بسنده عن
مسروق أنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليهودي ُاذكر من عظمة الرب
عز وجل فقال :السموات على هذه يعني الخنصر
والرض على هذه يعني البنصر والجبال على هذه
يعني الوسطى والماء على هذه يعني السبابة
وسائر الخلق على هذه يعني البهام فأنزل الله
)(2
"وما قدروا الله حق قدره"(
وهذا الحديث ظاهره إثبات الجوارح والعضاء وقد
اشتغل بصرفه عن ظاهره بعض أهل السنة طلبا ً
لوجه يصح حمله عليه) (3ولكن تحمس آخرون في
إبطال هذا التأويل حتى بالغ ابن عثيمين في النكار
وعن أبي الضحى )وهو مسلم بن صبيح( عن مسروق التابعي .وفي إسناده أيضا ً حماد بن سلمة
وقد كثر الكلم في أحايثة في العقائد.
257
على من أّول الخبر فقال تعليقا ً على قول محمد بن
عبد الوهاب "):هذا الحديث فيه مسائل منها أن هذه
العلوم وأمثاُلها باقية عند اليهود لم يتأولوها" :كأنه
يقول إن اليهود خير من أولئك المحرفين
لها لنهم لم يكذبوها ولم يتأولوها وجاء
قوم من هذه المة فقالوا ليس لله أصابع
وأن المراد بها القدرة فكأنه يقول اليهود خير منهم
ف بالله منهم(). (1
في هذا وأعر ُ
فإن قيل :قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم
وضحك تعجبا ً وقرأ الية تصديقا ً ِلما ذكره .كما قال
ابن خزيمة رحمه الله) :وقد أجل الله قدر نبيه صلى
الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق الباري
العظيم بحضرته بما ليس من صفاته فيسمعه
ل بدل وجوب التكبير والغضب فيضحك عنده ويجع َ
ضحكا ً تبدو منه نواجذه( .
)(2
3
)( انظر مشكل الحديث لبن فورك .79والبيهقي في السماء والصفات
1
)( انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 392وانظر نحوه
2/783
2
)( التوحيد 76
258
أن يهوديا ً قال للنبي إن الله يوم القيامة يمسك
)(1
السموات على إصبع(..
فالجواب عن الول :نعم قد أجل الله قدَر نبيه صلى
الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق بحضرته بما
ليس من صفاته فيسمعه ول ينكر وقد فعل فعلين
كل واحد مهما يدل على إنكاره عند العقلء .الول
هو الضحك استخفافا ً من هذا القول الذي تمجه
السماع ول تخفى ركاكته وتهافته على منزه فإذا
كانت الرضون على إصبع فكيف تكون الجبال على
إصبع غيره ثم يكون الشجر على إصبع آخر والماء
على إصبع وكل ذلك من الرض؟ هل هذا إل من
شر البلية! .والثاني هو قراءة الية الكريمة وتدل
على النكار من وجهين.
الول :التصريح بأنهم لم يقدروا الله حق قدره بعد
هذا الوصف وأنه تعالى عن ما يشركون .ويشهد له
ما أخرجه الطبري بسنده عن سعيد بن جبير قال
تكلمت اليهود في صفة الرب فقال ما لم يعلموا
ولم يروا فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
"وما قدروا الله حق قدره" ثم بين للناس عظمته
فقال) :والرض جميعا قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما
يشركون() (2فجعل صفتهم التي وصفوا الله بها
ً)(3
شركا
والوجه الخر أن ظاهر الية يخالف ظاهر خبر
اليهودي فأين طوي السموات بيمينه من جعلها على
1
)( درء التعارض 7/96
2
)( الية ) (67من سورة الزمر.
3
)( تفسير الطبري 24/28وأخرجه أبو الشيخ في العظمة 1/361والبيهقي في السماء
والصفات .426وعزاه ابن تيمية إلى ابن أبي حاتم في تفسيره انظرمجموع الفتاوى .13/163
259
أحد الصابع ؟ وكذلك الرض جميعها بما فيها من
جبال وشجر وماء أين جعُلها على أصابع من قوله
تعالى "والرض جميعا قبضته يوم القيامة" ؟
فل نسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر
ل من قال من الرواة إنه ضحك على اليهودي ،وقو ُ
تصديقا ً فهو ظن منه وحسبان قال الخطابي رحمه
الله) :واليهود مشبهة وفي ما يدعونه منزل ً من
ظ تدخل في باب التشبيه وليس القول التوراة ألفا ٌ
بها من مذهب المسلمين … وقول من قال من
الرواة "تصديقا ً لقول الحبر" ظن وحسبان والمر
فيه ضعيف( (1).وقد تكلف أحد الدارسين في الرد
على الخطابي رحمه الله فقال) :إل أن هذا ل يمنع
من قبول ما وافقوا فيه الحق والصواب وكان مما
شهد به التنزيل أو أقرته السنة ..وليس كل ما في
التوراة باطل بل فيها الحق والصدق فيكون إذن هذا
)(2
من ضمن ذلك الحق والصدق(
ولعل الذي جرأه على هذا الكلم قول ابن تيمية
رحمه الله..) :وأما ما في التوراة من إثبات
الصفات فلم ينكر النبي شيئا من ذلك بل
كان علماء اليهود إذا ذكروا شيئا ً من ذلك
يقرهم عليه ويصدقهم عليه كما في الصحيحين
عن عبد الله بن مسعود ..وفي التوراة إن الله كتب
)(3
التوراة بإصبعه(..
1
)( انظر السماء والصفات للبيهقي .425-424وانظر هامش) (2ص )
.(355
2
)( انظر المام الخطابي ومنهجه في العقيدة ،أبوعبد الرحمن الحسن بن
عبد الرحمن العلوي .165وهي رسالته التي نال بها الماجستير من جامعة
أم القرى بمكة المكرمة.
260
والجواب أنا ل نسلم أن هذا الخبر مما شهد به
التنزيل أو أقرته السنة لن كلم الحبر ل يحتمل إل
الجارحة والعضو فإن كان قوله حقا ً فأثِبتوا الجارحة
والعضو؟ فإن رضي القوم بذلك تركوا ما تستروا به
وتترسوا من تفسير ذلك بالصفات ،وإن لم يرضوا
بذلك فقد صرفوا كلم الحبر عن ظاهره و عاملوه
ة أعلى النصوص بلغة وفصاحة وعصمة معامل َ
ليثبتوا به صفة لله عز وجل يضع عليها السموات
ة يضع عليها الرضين وصفة يضع عليها وصف ً
الجبال ..وليت شعري إذا كان ظاهر الخبر وهو
الجارحة منفيا ً عند الفريقين ومصروفا ً عنه إلى
معنى آخر فأي المعنيين أقرب إلى اللغة والعقل
والشرع هذا الذي ذكروه أم نحو قول الخطابي) :لو
صح الخبر من طريق الرواية كان ظاهر اللفظ منه
متأول ً على نوع من المجاز أو ضرب من التمثيل
فقد جرت به عادة الكلم بين الناس في عرف
تخاطبهم ،فيكون المعنى في ذلك إظهار قدرته
وسهولة المر في جمع السموات وقلة اعتياصها
عليه بمنزلة من جمع شيئا ً في كفه فاستخف حمله
فلم يشتمل بجميع كفه عليه لكنه يقّله بأصابعه فقد
يقول النسان في المر الشاق إذا أضيف إلى
الرجل القوي إنه ليأتي عليه بإصبع واحدة..يراد به
)(1
الستظهار في القدرة عليه والستهانة به(
3
)( الجواب الصحيح .4/419وانظر نحوه في درء التعارض 7/96وقد بذل هناك ابن تيمية
رحمه ال وسعه في الدفاع عن التوراة وما فيها من الخبار التي يسميها بأخبار الصفات .وانظر
ص ) (524من هذا الكتاب.
1
)( انظر السماء والصفات للبيهقي 426-425و تعليق الكوثري على
الختلف في اللفظ 39
261
ثم العجب ممن ل يرضى بحمل المتشابه على
محكم التنزيه كيف يحمله على نحو ما في التوراة
من القول بأن الله كتب التوراة بإصبعه مما هو
محكم في العضاء والجوارح؟
والعجب من شارح كتاب التوحيد لمحمد بن عبد
ق
الوهاب الذي عد ّ من فوائد هذا الحديث) :اتفا َ
اليهودية والسلم في إثبات الصابع لله
على وجه يليق بجلله() (1وأعجب منه قول شارح
آخر) :سبب الضحك هو سروره حيث جاء في
القرآن ما يصدق ما وجد هذا الحبر في
كتابه لنه ل شك أنه إذا جاء ما يصدق القرآن فإن
الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يسر به وإن
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين
أن القرآن من عند الله لكن تضافر البينات مما
يقوي الشيء( ) (2فل يخفى أن القرآن أغنى ما
يكون عن الحاجة إلى تصديق حبر .وأن تضافر
البينات تقوي ما لم يصل إلى علم اليقين ،بل إيمان
آحاد الناس بالقرآن ليزداد بهذه الرواية التي ذكرها
الحبر.
1
)( الجديد في شرح التوحيد لمحمد بن عبد العزيز القرعاوي .34
2
)( القول المفيد على كتاب التوحيد لبن عثيمين .363
262
المسألة الثالثة :في الساق
أخرج عبد الله بن مندة بسنده عن أبي سعيد
الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
طويل أنه قال) :ويكشف عن ساقيه جل
)(1
وعز(.
ق منوقال ابن مندة) :هذا حديث ثابت باتفا ٍ
البخاري ومسلم بن الحجاج .وقد رواه آدم بن أبي
إياس عن الليث بن سعد عن خالد عن سعيد بن
أبي هلل عن زيد بن أسلم مثله وقال يكشف عن
)(2
ساقه جل وعز(
1
)( أخرجه في الرد على الجهمية 16-15من طريق عن يحيى بن أيوب المصري ثنا يحيى بن
بكير ثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن هلل عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار
عن أبي سعيد .وقد خالف
يحيى بن أيوب المحفوظ عن ابن بكير ،أخرجه من طريق يحيى بن بكير به المام البخاري في
الصحيح (7001)6/2706و (4635)4/1871بلفظ " فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن"
وهذا اللفظ أيضًا خالف فيه سعيد بن هلل المحفوظ عن زيد بن أسلم .فأخرجه المام مسلم في
الصحيح (183) 1/167من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ولفظه " فيكشف عن ساق "
وابن أبي عاصم في السنة (635)1/285وابن مندة في الرد على الجهمية .16-15
وأخرجه المام مسلم في الصحيح (183)1/167من طريق حفص بن ميسرة عن زيد .وابن
مندة في الرد على الجهمية .16وأخرجه بهذا اللفظ أيضًا ابن أبي عاصم في السنة (634)1/283
من طريق عبد الرحمن بن اسحاق عن زيد بن أسلم.
بل أخرجه المام مسلم من طريق سعيد بن أبي هلل في الصحيح 1/170وقال وهو نحو حديث
حفص بن ميسرة .وأخرجه كذلك ابن حبان في الصحيح (7377) 16/377
وأخرج المام مسلم لهذا اللفظ شاهدًا من حديث عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما في الصحيح
.(2940) 4/2258
2
)( الردعلى الجهمية 16– 15وأخرجه من هذا الطريق المام البخاري في الصحيح )4/1871
(4635
263
والحق أنه منكر باللفظ الول ليس موجودا ً في
البخاري ول في مسلم .وأنه مخالف للمشهور
باللفظ الثاني.
وأخرجه أبو يعلى الفراء بسنده عن مقاتل بن
سليمان أنه قال) :قال عبد الله بن مسعود في قول
الله عز وجل" :يوم يكشف عن ساق ") (1يعني عن
ساقه اليمين فيضيء من نور ساقه الرض فذلك
قوله" :وأشرقت الرض بنور ربها ") (2ثم قال أبو
يعلى) :فهذا قول ابن مسعود وناهيك بعبد الله أول
)(3
المقدمين من الصحابة بعد العشرة(..
وحال مقاتل بن سليمان مما ل يخفى على أحد فل
تثبت الرواية عن ابن مسعود رضي الله فل ننخدع
بترويج أبي يعلى لهذا الخبر بما هو صادق فيه من
فضل ابن مسعود رضي الله عنه.
وقد تناقض المثبتون في إضافة الساق إلى الله
عز وجل فبعد أن خرجه من خّرجه في كتب السنة
قال ابن القيم مخاطبا ً المخالف الذي أراد أن يلزمه
إذا أثبت الظواهر أن يثبت يدا ً واحدة وساقا ً واحدة
ونحو ذلك مما هو مستبشع) :من أين في ظاهر
القرآن أن لله ساقا ً وليس معك إل قوله تعالى "يوم
يكشف عن ساق" والصحابة متنازعون في تفسير
الية هل المراد الكشف عن الشدة ؟ أو المراد بها
أن الرب تعالى يكشف عن ساقه؟
ول يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه
من الصفات أم ل في غير هذا الموضع .وليس في
ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله لنه
سبحانه لم يضف الساق إليه وإنما ذكره مجردا ً عن
1
)( الية ) (42من سورة القلم.
2
)( الية ) (69من سورة الزمر.
3
)( إبطال التأويلت 1/161
264
كرا ً والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين
الضافة من ّ
والصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن وإنما
أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته
وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه )فيكشف الرب
عن ساقه فيخرون له سجدا( ومن حمل الية على
ذلك قال قوله تعالى "يوم يكشف عن ساق
ويدعون إلى السجود" مطابق لقوله" فيكشف عن
ساقه فيخرون له سجدا" وتنكيره للتعظيم والتفخيم
كأنه قال يكشف عن ساق عظيمة جلت عظمتها
)(1
وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه(
ويجب التنبيه على ما في هذا الكلم في نقاط
الولى :أنه سلم باختلف الصحابة الكرام في ما ُيعد
من الصفات فيقال إذن :وهذا دليل على أن
المسألة ظنية وأن إنكار فريق لما يعده الخر من
الصفات ليس بدعة ول مخالفة لمنهج السلف.وأنه
ل هذا الخلف من غير تبديع ول ة مث ُ
إذا وسع الصحاب َ
تفسيق فلم أنكرتم على من لم يترجح عنده حمل
مثل هذا الخبر على أنه من أخبار الصفات؟
الثانية :أنه سمى هذا التنازع تنازعا ً في تفسير الية.
وما ذكره من التفسير بالكشف عن الشدة هو
التأويل اصطلحا ً وهذا اعتراف بثبوت التأويل عن
الصحابة وإن سماه بغير اسمه المصطلح عليه.
فيتعين عليه أن يجيب عن كل ما ذكر من الوجوه
التي أريد بها إبطال التأويل وعده تعطيل ً وتجهما ً
وبدعة وتحربفًا.
الثالثة :أنا نسلم بما حكاه عن السلف من تفسير
دها من نصوص الصفات ،وهذا اتفاق الية وعدم ع ّ
من الفريقين على هذا القدر ولكن أين النقل عن
صحابي واحد أنه عد نصا ً من نصوص الكتاب أو
1
)( الصواعق المرسلة 253-1/252وانظر نحوه في دقائق التفسير لبن تيمية 2/482
265
السنة من أخبار الصفات ،أو قال أثبت لله يدا ً تليق
بجلله أو قال اليد من صفات الله عز وجل فمثل
هذا الذي ذكر أنه لم يحصل فيه نزاع إل في هذا
رد من طريق صحيح ول سقيم. الموضع الواحد لم ي َ ِ
وكيف فهم أن الصحابة تنازعوا في هذا الموضع فلم
َيذكر إل قول ً عن بعضهم بما سماه تفسيرا ً للنص
وعدم عده من الصفات ،فأين النقل المقابل عن
الفريق الخر الذي يثبت به النزاع ؟ ولم يذكر إل
ة من روى الساق مضافا ً إلى الله عز وجل رواي َ
ً
وليس هذا نزاعا ،فما الذي يمنع إذا كان قوله
"يكشف عن ساق " يفسر بكشفه عن شدة أن
يكون قوله" عن ساقه" يفسر بكشفه عن شدته؟
الرابعة :أن نسأل عن الفرق بين هذا الخبر وبين
كل الخبار التي ُتعد من أخبار الصفات فلم احتمل
الخلف هنا ولم يحتمله هناك؟
الخامسة :أن نشير إلى أن التأويل هنا ثابت عن ابن
سنهما الحافظ ابن حجر وصححه عباس بسندين ح ّ
بسند فقال) :وأما الساق فجاء عن ابن عباس في
قوله تعالى "يوم يكشف عن ساق" قال عن شدة
من المر والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا
اشتدت..
وقال الخطابي تهيب كثير من الشيوخ الخوض في
معنى الساق ومعنى قول ابن عباس أن الله يكشف
عن قدرته التي تظهر بها الشدة وأسند البيهقي
الثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما
حسن ،وزاد إذا خفي عليكم شيء من القرآن
فاتبعوه من الشعر..وأسند البيهقي من وجه آخر
)(1
صحيح عن ابن عباس قال يريد يوم القيامة(
1
)( فتح الباري 13/428وانظر السماء والصفات للبيهقي 436وإيضاح الدليل ل بن جماعة
135
266
المسألة الرابعة :ماجاء في القدمين
أخرج عثمان الدارمي بسنده عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال) :الكرسي موضع
)(1
القدمين والعرش ل يقدره إل الله عز وجل(.
وقد خرجه بعض المحدثين في كتب السنة ،وخّرجه
الهروي تحت عنوان " باب وضع الله عز وجل
قدمه على الكرسي " ) (2وأخرجه ابن مندة
تحت عنوان " خبر آخر يدل على ما تقدم من ذكر
)(3
القدمين "
1
)( نقض عثمان بن سعيد 433 ،412 ،1/399وأخرجه عبد الله
وتابع عبد الرحمن بن مهدي وكيع بن الجراح على روايته عن سفيان عند عبد ال بن أحمد في
السنة (1020)2/454وأخرجه أبو الشيخ في العظمة .(218)2/584وتابعه أيضًا عبد الرزاق
الصنعاني في تفسيره .3/251
وهذا إسناد حسن لن فيه عمار بن معاوية الدهنى 133هـ وهو صدوق انظر ترجمته في تقريب
التهذيب .408
2
)( الربعين في دلئل التوحيد 56
3
)( الرد على الجهمية 1/21
267
وتصرف الرواة في ألفاظه فأخرجه عبد الله
في السنة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه
قال):إن الكرسي الذي وسع السموات والرض
در قد َْر العرش إل الذي لموضع قدميه وما يق ّ
خلقه ،وإن السموات في خلق الرحمن جل وعز
مثل قبة في صحراء( ) (1وهو مخالف للمحفوظ عن
ابن عباس رضي الله عنهما .بل رفعه بعضهم إلى
)(2
النبي صلى الله عليه وسلم
1
)( (1091)2/477 (590) 1/302قال اللباني في مختصر العلو) (102إسناد صحيح رجاله
كلهم ثقات.وليس كما قال لن في سنده إسحاق بن منصور السلولى 204هـ وهو صدوق تكلم فيه
للتشيع ،انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .1/251يرويه عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق
السبيعى عن أبيه عن عمار الدهني 198هـ وهو صدوق يهم ،انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب
.1/183وقد خالف المحفوظ من الرواية عن عمار الدهني=.
=وأخرجه بنحو هذا اللفظ الحاكم في المستدرك .2/310وقال هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه .وليس كما قال لن فيه محمد بن معاذ يرويه عن أبي عاصم مخالفًا
للمحفوظ عن أبي عاصم .وهو مجهول روىعن أبي النعمان محمد بن الفضل وعمر بن الحسن
الراسبي .ويروي عنه شيخ الحاكم أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي.
و أخرجه بنحو هذا اللفظ الطبري في تفسيره 3/9عن السدي بسند فيه أسباط بن نصر وهو
صدوق كثير الخطأ انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .1/212
2
)( وهو شجاع بن مخلد في روايته عن أبي عاصم الضحاك بن مزاحم عن سفيان
الثوري.أخرجه ابن مندة في الرد على الجهمية .1/21قال شجاع في حديثه أنه سأل النبي صلى
ال عليه وسلم عن قول ال جل وعز وسع كرسيه السموات والرض قال كرسيه موضع قدمه
والعرش ل يقدر قدره.
وأعله الحافظ ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/22فقال) :هذا الحديث وهم شجاع بن مخلد في
رفعه فقد رواه أبو مسلم الكجي واحمد بن منصور الرمادي كلهما عن أبي عاصم فلم يرفعاه
ورواه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع كلهما عن سفيان فلم يرفعاه بل وقفاه على ابن عباس وهو
268
وزاد بعضهم بوصف الكرسي في ما أخرجه عبد
الله بسنده عن أبي موسى الشعري رضي الله
عنه أنه قال) :الكرسي موضع القدمين وله
)(1
أطيط كأطيط الرحل(
استدللهم بـ )وهو واضع رجليه تبارك وتعالى
على الكرسي(:
وأخرجه عبد الله بسنده عن أبي مالك قال )إن
الصخرة التي تحت الرض السابعة ومنتهى الخلق
على أرجائها أربعة من الملئكة ،لكل ملك منهم
أربعة وجوه وجه إنسان ووجه أسد ووجه نسر ووجه
ثور فهم قيام عليها قد أحاطوا بالرض والسموات
ورؤوسهم تحت الكرسي ،والكرسي تحت العرش.
قال :وهو واضع رجليه تبارك وتعالى على
)(2
الكرسي(
269
ومن أعجب ما رأيت في شرحه قول أحدهم) :يبين
ابن عباس رضي الله عنه بأن هذا الكرسي الذي
وسع السموات والرض هو موضع القدمين أي أن
الله يضع قدميه عليه ويستوي على عرشه
فإن السلف يقولون عن هذا الكرسي بأنه بين يدي
العرش كالمرقاة إليه() (1فهل يقال بعد هذا إن
القدمين صفة من صفاته ل على سبيل الجارحة
قبل مثل هذا الكلم ترقيعا ً
والعضو؟ وهل ي َ ْ
بالبلكفة ؟
أما أهل السنة فقد فهموا من خبر ابن عباس
بروايته الولى أنه تفسير لغوي للفظ الكرسي ل
علقة له بأخبار الصفات البتة ولم يخلطوا فيه ما
خلطه الرواة في ألفاظه .قال ابن عطية) :يريد هو
من عرش الرحمن كموضع القدمين من أسرة
الملوك فهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته
)(2
إليه كنسبة الكرسي إلى سرير الملك(
2
)( السنة (1023) 2/455 (589)1/302قال :حدثني أبي نا رجل ثنا إسرائيل عن السدي عن
أبي مالك ففي إسناده مجهول ،وفيه السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة 127هـ
وهو صدوق يهم انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .1/314
وأبو مالك هو غزوان الغفارى مشهور بكنيته وهو ثقة من التابعين .انظر ترجمته فى تهذيب
التهذيب .23/246
1
)( إثبات علو الله لسامة القصاص 2/304
2
)( انظر تفسير القرطبي .3/278وانظر السماء والصفات للبيهقي 447وتعليق الكوثري على
الختلف في اللفظ لبن قتيبة .35وقارن ذلك بموقف حسن السقاف العنيف إذ كتب بخط
عريض في هامش العلو للذهبي ) :261كفر إسرائيلي وهو صحيح السناد عن ابن عباس موقوفًا
وهو مما نقله عن السرائيليات وخالفه في رواية أخرى صحيحة السناد(
270
وقال السيوطي) :ويوضحه ما أخرجه ابن جرير عن
الضحاك في الية قال كرسيه الذي يوضع تحت
)(1
العرش الذي تجعل الملوك عليه أقدامهم(
وهذا هو الذي يتعين المصير إليه لن إضافة
القدمين في الخبر تقتضي التجسيم ،ولن ينجي من
ذلك عد ّ القدمين من الصفات ،لن الصفات ل يكون
لها موضع توضع فيه.
ً
ومما استدلوا به أيضا خبر عن وهب بن منبه:
أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن وهب بن منبه
)أنه ذكر من عظمة الله عز وجل فقال إن
السموات السبع لفي الهيكل) (2وإن الهيكل لفي
الكرسي ،وإن قدميه لعلى الكرسي ،وهو
يحمل الكرسي ،وقد عاد الكرسي كالنعل
)(3
في قدميه(
1
)( الدر المنثور .2/17وانظر تفسير الطبري 3/10
2
)( أخرج عبد الله بن أحمد في السنة 2/478عن وهب أنه سئل ما
في بيان تلبيس الجهمية 2/213إلى الخلل في كتابه السنة .وهو عند
271
أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عبد الله بن
عمرو رضي الله عنهما أنه قال):خلقت الملئكة
)(1
من نور الذراعين والصدر(
وأخرجه بلفظ آخر عنه أنه قال):ليس شيء أكثر
من الملئكة ،إن الله عز وجل خلق الملئكة من نور
فذكره .وأشار سريج بن يونس بيده إلى
صدره قال وأشار أبو خالد إلى صدره فيقول
)(2
كن ألف ألف ألفين فيكونون(
وهذا خبر ضيعف السند منكر المتن لنه يخالف ما
أخرجه المام مسلم في الصحيح بسنده عن عائشة
رضي الله عنها أنها قالت :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم):خلقت الملئكة من نور وخلق
الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم(
)(3
1
)( السنة (1195)2/510و .(1084)2/475وأخرجه بنحو هذا اللفظ أبو الشيخ في العظمة
.(315)2/733والبيهقي في السماء والصفات .433
2
)( السنة .(1194) 2/510وأخرجه بنحو هذا اللفظ أبو الشيخ في العظمة ،(316) 2/734وابن
مندة في الرد على الجهمية .(34) (33)1/49وأخرجه البزار في مسنده (2475)6/440وأبو
الشيخ في العظمة 2/727من طريقين عن هشام به بلفظ غير منكر "خلق ال عز وجل الملئكة
من نور" .وهو عند جميهم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد ال بن عمرو .وهشام
بن عروة من المدلسين وقد عنعنه انظر ترجمته فى طبقات المدلسين لبن حجر 26وتهذيب
التهذيب .11/51
3
)( صحيح مسلم .(2996)4/2294
272
يؤخذ إل توقيفا ً لنه ل مجال للعقل والقياس فيه
علم أنهمفإذا روي فيه عن بعض الصحابة فيه قول ُ
قالوه توقيفًا…الثاني :أن شرعنا وشْرعَ غيرنا سواء
في الصفات لن صفاته ل تختلف باختلف الشرائع(
)(1
273
هذه المنكرات ولكن ُيعتذر لهل التأويل أنهم قصدوا
بذلك ِذكر وجهٍ يصح حمل الخبر عليه تجنبا ً لطرحه
بالكلية .ومع ذلك فالولى ترك الشتغال بذلك كي ل
ُيتخذ مثل هذا التكلف في التأويل حجة للمنازع الذي
يحاول أن يجعل من مثل هذا التأويل شاهدا ً على
)(1
ضعف مذهب التأويل بالجملة.
1
)( انظر تأويل هذا الخبر في مشكل الحديث لبن فورك 42والسماء
والصفات للبيهقي .433وأقاويل الثقات للمقدسي .163
274
المسألة السادسة :كونه تعالى في الرض
أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن لقيط بن
عامر حديثا ً طويل ً في البعث والموقف ،وفيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس
مر إلهك ماخطيبا ً فقال…) :ثم تبعث الصيحة فل َعَ ْ
تدعُ على ظهرها من شيء إل مات والملئكة الذين
مع ربك عز وجل فأصبح ربك يطوف في
الرض وخلت عليه البلد فأرسل ربك عز وجل
السماء ..قلت يا رسول الله فما يعمل بنا ربنا جل
وعز إذا لقيناه ؟ قال تعرضون عليه بادية له
صفحاتكم ل تخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك
عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح قَِبلكم بها
فلعمر إلهك ما يخطىء وجه أحدكم منها قطرة(..
)(1
1
)( السنة (11120)2/485وهو في مسند أحمد 4/13من زيادات عبد ال بن أحمد وأخرجه أبو
داود مختصرا فى آخر باب لغو اليمين من سننه (3266)3/226مقتصرا فيه على موضع
الشاهد وهو قوله" :لعمر إلهك".وأخرجه مطول ابن أبي عاصم في السنة .(636)1/286وابن
خزيمة في التوحيد 190-186مع مغايرة في بعض اللفاظ .والطبراني في المعجم الكبير
(477)19/211والدارقطني في الكتاب المنسوب إليه "رؤية ال" 1/153مقتصراً فيه على
موضع الشاهد في الرؤية.والحاكم في المستدرك .4/605
وسنده ضعيف جدًا ،يرويه إبراهيم بن حمزة الزبيري ،وهو صدوق ،انظر ترجمته فى تهذيب
التهذيب 1/117عن
عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي ،وهو صدوق أيضًا انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .6/276
يرويه عن عبد الرحمن بن عياش النصارى :ول يعرف إل بهذا الحديث ،انظر ترجمته في
التاريخ الكبير للبخاري .5/335وتقريب التهذيب .348يرويه عن دلهم بن السود قال الذهبي
في ميزان العتدال ) :3/45عداده في التابعين ل ُيعرف ،سمع أباه( يرويه عن أبيه السود بن
عبد ال بن حاجب وهو مثله ل يعرف إل بهذا الحديث .قال الحافظ فى تهذيب التهذيب :1/341
275
وقال ابن القيم رحمه الله):هذا حديث كبير
جليل تنادي جللته وفخامته وعظمته على
أنه قد خرج من مشكاة النبوة ل يعرف إل من
حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن
المدني رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري وهما
من كبار علماء المدينة ثقتان محتج بهما في
الصحيح احتج بهما إمام أهل الحديث محمد بن
إسماعيل البخاري .ورواه أئمة أهل السنة في
كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم
والنقياد ولم يطعن أحد منهم فيه ول في أحد من
رواته .فممن رواه المام ابن المام أبو عبد الرحمن
عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي
كتاب السنة ...ومنهم الحافظ الجليل أبو بكر أحمد
بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في كتاب السنة
له...وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم.
وقال ابن مندة روى هذا الحديث محمد بن إسحاق
الصنعاني وعبدالله بن أحمد بن حنبل وغيرهما وقد
ة من
رواه بالعراق مجمِع العلماء وأهل الدين جماع ٌ
الئمة منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم وأبو عبد
الله محمد بن إسماعيل ولم ينكره أحد ولم يتكلم
في إسناده بل رووه على سبيل القبول والتسليم
ول ينكر هذا الحديث إل جاحد أو جاهل أو
مخالف للكتاب والسنة هذا كلم أبي عبد الله
بن مندة.
..وقوله فيظل يضحك هو من صفات أفعاله
سبحانه وتعالى التي ل يشبهه فيها شيء من
مخلوقاته كصفات ذاته ،وقد وردت هذه الصفة في
)روى له أبو داود حديثًا واحدًا وهو حديث أبى رزين العقيلى الذي يقول فيه " :لعمر إلهك "(
يرويه عن عاصم بن لقيط بن عامر وهو ل يعرف أيضًا ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب 5/50
ل وهو حديث غريب جدًا(.
بحديثه وقال) :ورواه أبو القاسم الطبراني مطو ً
276
أحاديث كثيرة ل سبيل إلى ردها كما ل سبيل إلى
تشبيهها وتحريفها .وكذلك " فأصبح ربك يطوف
في الرض " هو من صفات فعله ...وقوله "
فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم"
فيه إثبات صفة اليد له سبحانه بقوله
)(1
وإثبات الفعل الذي هو النضح(
1
)( زاد المعاد 682-3/677وانظر شرح قصيدة ابن القيم لحمد بن إبراهيم 2/471ومعارج
القبول للحكمي 2/766
277
ما جاء في النزول كل ليلة
وردت أحاديث كثيرة في إضافة النزول إلى
الله عز وجل وتفاوتت هذه الحاديث في أسانيدها
ة .لكن بعض ومتونها صحة وضعفا ً وقبول ً ونكار ً
المثبتين اجتهدوا في جمع هذه الحاديث كما يجمع
حاطب ليل يستكثرون بذلك من الروايات والسانيد
ليثبتوا تواتَر هذه الحاديث تواترا ً معنويا ً فيقطعوا
الطريق على من رد ّ هذه الحاديث بحجة أنها
ث آحادٍ ل يحصل القطع بها .من ذلك قول ابن أحادي ُ
خزيمة) :باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام
رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله
عليه وسلم في نزول الرب جل وعل إلى سماء
الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق
بقلبه مستيقن بما في هذه الخبار من ذكر نزول
)(1
الرب(
ومن ذلك قول ابن مندة في صدر سياقة أحاديث
النزول) :ذكر الي المتلوة والسنة المأثورة بالسند
)(2
الصحيحة في النزول(
ً
لكن هذا الجمع أضر كثيرا بدللة الحاديث
الصحيحة وفتح أبواب الخوض في صفات الله عز
وجل ،فنذكر بعض ما صح من الحاديث في النزول
ونبين وجه تفسيره ،ثم نعرض لبعض الواهيات
المنكرات من الخبار التي ل تكاد تحتمل إل
التشبيه.
أخرج المام البخاري رحمه الله بسنده عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال) :يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة
1
)( التوحيد 125
2
)( التوحيد 3/282وانظر نحوه في العلو للعلي الغفار للذهبي 1/91
278
إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخر يقول
من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من
)(1
يستغفرني فأغفر له(
وأخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )ينزل الله
إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل
الول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي
يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه
من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فل يزال كذلك
)(2
حتى يضيء الفجر(
وأخرج النسائي بسنده عن أبي هريرة وأبي
سعيد رضي الله عنهما أنهما قال) :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :إن الله عز وجل يمهل حتى
يمضي شطر الليل الول ثم يأمر مناديا ينادي
يقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر
)(3
يغفر له هل من سائل يعطى(
وأخرج المام أحمد بسنده )عن عثمان بن أبي
العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ينادي كل ليلة ساعة فيها مناد هل من داع
فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من
)(4
مستغفر فأغفر له(
1
)( صحيح البخاري (5962)5/2330و (7056)6/2723
2
)( صحيح مسلم (758)1/521
3
)( السنن الكبرى .(10316)6/124وقد نبه حسن السقاف إلى رفع
الخلف في تصحيحه فقد اتفق على صحة سنده غير أن حفص بن غياث
تغير حفظه قليل ً بأخرة فنبه السقاف إلى أن رواية حفص بن غياث في
هذا الحديث عن العمش ،وكانت روايته عنه من كتاب عنده فل يتأثر بتغير
حفظه انظر دفع شبه التشبيه لبن الجوزي 193بتحقيق حسن السقاف.
279
ونحن إذا تأملنا هذه الحاديث الصحيحة التي تتحدث
عن موضوع واحد لم نجد ما يدفع هذا الفهم السليم
لهذه الحاديث ،فمن التعبير عن هذا الفهم ما ذكره
حكي عن ابن حجر فقال) :وقال ابن العربي ُ
المبتدعة رد ّ هذه الحاديث ،وعن السلف امراُرها
وعن قوم تأويُلها وبه أقول ..فأما قوله )ينزل( فهو
راجع إلى أفعاله ل إلى ذاته ،بل ذلك عباره عن
مَلكه الذي ينزل بأمره ونهيه والنزول كما يكون في َ
الجسام يكون في المعاني ،فإن حملته في الحديث
على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك ،وإن
حملته على المعنوى بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل
فيسمى ذلك نزول ً عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية
صحيحة انتهى .والحاصل أنه تأوله بوجهين إما بأن
المعنى ينزل أمره ،أو المَلك بأمره ،وإما بأنه
استعاره بمعني التلطف بالداعين والجابة لهم
ونحوه وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض
المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي
زل ملكًا ،ويقويه ما رواه النسائي من طريق الغر ُين ِ
4
)( مسند أحمد .218-4/217من طرق عن حماد بن سلمة قال حدثنا علي بن زيد عن الحسن
عن عثمان بن أبي العاص .وأخرجه البزار في مسنده .(2320)6/308
وأخرج الطبراني له شاهدا من حديث عبد الرحمن بن سلم الجمحي.وهو
صدوق انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .6/193يرويه عن داود بن عبد
الرحمن العطار 174هـ وهو ثقة روى له الجماعة انظر ترجمته فى
280
عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ " إن الله يمهل
حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل
من داع فيستجاب له الحديث"
وفي حديث عثمان بن أبي العاص ينادي مناد هل
من داع يستجاب له الحديث ،قال القرطبي وبهذا
يرتفع الشكال() (1لكن لما أحضرت مع هذه
الحاديث متون منكرة أبعدت هذا الفهم الصحيح ِبما
فيها من تقوية الظاهر وتأكيد المعنى الموهم ،حتى
تكلموا في نزوله بذاته على سبيل النتقال والحركة
جه في النزول بين السموات وخلو العرش منه وتدر ِ
وهبوطه وصعوده وارتفاعه بعد النزول وغير ذلك.
فأعدل الطرق في ذلك أن نميز الصحيح
ونطلب له وجها من وجوه الحتجاج التي تتناسب
ح الواهيمع دللته وثبوته تفويضا ً أو تاويل ً ثم نطر َ
والمنكر حتى ل ُيشاغب به على دللة الصحيح.
ومن هذه المتون المنكرة ما أخرجه عبد الله بسنده
)عن ثوير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم يقال له أبو الخطاب أنه سأل النبي
صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟ فقال أحب أن
أوتر نصف الليل إن الله عز وجل يهبط من
السماء العليا إلى السماء الدنيا فيقول هل
من مذنب هل من مستغفر هل من داع حتى إذا
)(2
طلع الفجر ارتفع(
1
)( فتح الباري 3/30
2
)( .(1089)2/476ثوير بن أبى فاختة أبو الجهم الكوفى ،ضعيف رمى
بالرفض انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .2/36وأبو الخطاب ل يوقف
على اسمه ذكره ابن حجر في الصابة 7/108وذكر هذا الحديث في
ترجمته.
281
وهذا إسناده ضعيف وذكر الهبوط والرتفاع في متنه
منكر .ول يخفى بعد ما بين لفظ الهبوط ولفظ
التنزل في هذا السياق ،فلفظ الهبوط شديد
النحراف إلى الظاهر الحسي بخلف لفظ التنزل
الذي ل يكاد يخفى وجه استعماله العربي في هذا
السياق.
ومنها خبر عن عبيد بن عمير
قال ابن القيم) :ذكر عبد الله بن أحمد في كتاب
السنة من رواية حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن
عبيد بن عمير قال ينزل الرب عز وجل شطر الليل
إلى السماء فيقول من يسألني فأعطيه من
يستغفرني فأغفر له حتى إذا كان الفجر صعد
الرب عز وجل() (1وليس في كتاب السنة هذه
)(2
الزيادة المنكرة في آخره
ومما استدل به ابن القيم وغيره حديث عبادة بن
الصامت
أخرجه الطبراني بسنده )عن عبادة بن الصامت
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل
ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث
الليل فيقول أل عبد ٌ من عبادي يدعوني فأستجيب
م لنفسه يدعوني فأغفر له أل مقتٌر له .أل ظال ٌ
ن فأفك عنه، رزَقه أل مظلوم يدعوني فأنصره أل عا ٍ
1
)( اجتماع الجيوش 163و .170وانظر الحتجاج به في معارج القبول 1/180والتحفة
المدنية في العقيدة السلفية 75والفواكه العذاب 114
2
)( السنة (507)1/272قال عبد ال بن أحمد) :أخبرت عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال
قلت لعطاء فذكر حديثا وأما سبحان الملك القدوس فبلغني حسبت أنه يخبر ذلك عن عبيد بن عمير
قال ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني
فأغفر له( فهذا سند فيه مجهول وهو شيخ المصنف.
282
فيكون كذلك حتى يصبح الصبح ثم يعلو جل وعز
)(1
على كرسيه(
الستدلل بـ) :فإذا نزل جلس على كرسيه ثم
مد ساعديه فإذا كان الصبح ارتفع(
و أخرج عثمان الدارمي بسنده عن أبي الدرداء
رضى الله عنه عن رسول الله أنه قال) :إن الله
تبارك وتعالى ينزل في ثلث ساعات من الليل يفتح
الذكر فينظر الله في الساعة الولى منهن في
الكتاب الذي لم يره غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما
يشاء ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة
عدن وهي داره التي لم ترها عين ولم تخطر
على قلب بشر وهي مسكنه ول يسكنها معه
من بني آدم غير ثلثة النبيين والصديقين
والشهداء ،ثم يقول طوبى لمن دخلك ،ثم ينزل
في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه
وملئكته فتنتفض فيقول قومي بعزتي ،ثم يطلع إلى
عباده فيقول هل من مستغفر أغفر له وهل من داع
أجيب حتى تكون صلة الفجر ولذلك يقول" :وقرآن
الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ً ") (2يشهده الله
)(3
وملئكة الليل والنهار(
1
)( المعجم الوسط .(6079)6/159وانظر العرش للذهبي ،2/81وقال
محققه) :الحجة فيه قوله ويعلو على كرسيه( وانظر اجتماع الجيوش 54
يرويه عن عبادة ولم يسمع منه ولم يرو عنه إل مو سى بن عقبة .انظر
ترجمته فى تهذيب التهذيب .1/256وانظر مجمع الزوائد للهيثمي
283
وهو في كتب التوحيد والسنة بألفاظ بعضها أنكر
من بعض .فرواه ابن خزيمة وليس فيه ذكر الدار
والمسكن وفيه )..فينتفض () (1مضافا ً إلى الغائب
فل نأمن إذا نبهنا إلى احتمال التصحيف أن يعد هذا
تعطيل ً أيضًا!
ورواه ابن مندة في التوحيد ولفظه..) :وهي مسكنه
الذي يسكن ول يكون معه فيها إل النبياء
والشهداء ..ثم يهبط.(..وقال) :هذا إسناد حسن
)(2
مصري(
وهذا السناد الذي حسنه واحتج به من احتج به في
كتب التوحيد والعقيدة ) (3فيه من هو منكر الحديث
)(4
عند علماء هذا الفن
ول يخفى وجه نكارته في إثبات هذا النزول الذي ل
يكاد يحتمل تأويل ً يصرفه عن النزول الحسي مع ما
فيه من إثبات مسكن له يكون معه فيه النبياء
والشهداء.
المسألة السابعة :وصفه تعالى بالمسافة
3
)( الرد على الجهمية (128)1/76
1
)( في كتاب التوحيد 135
2
)( /3/308وهو بنحوه في المعجم الوسط (8635)8/279واعتقاد أهل
السنة (756)3/442وكتاب العرش لبن أبي شيبة .(86)93
3
)( انظر الحتجاج به أيضًا في شرح قصيدة ابن القيم 2/502ومعارج القبول 1/197و 1/299
وعزاه إلى كتاب السنة للخلل
4
)( وهو عند جميعهم من رواية زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد
عنه
قال البخاري في التاريخ الكبير )3/446زيادة بن محمد ..منكر الحديث( .وترجمه العقيلي في
الضعفاء 2/93وساق هذا الحديث في ترجمته .وكذلك فعل الذهبي في ميزان العتدال 3/145
284
احتجوا بما جاء في حديث السراء من رواية
شريك عن أنس رضي الله عنه
أخرجه المام البخاري بسنده عن شريك بن عبد
الله أنه قال سمعت أنس بن مالك ،وفيه أنه قال:
) ..ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل
ذلك كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم
إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في
الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة
وموسى في السابعة بتفضيل كلم الله ،فقال
موسى :رب لم أظن أن ترفع علي أحدًا .ثم عل به
فوق ذلك بما ل يعلمه إل الله حتى جاء سدرة
المنتهى ،ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى
كان منه قاب قوسين أو أدنى ،فأوحى الله
فيما أوحى إليه خمسين صلة على أمتك كل يوم
وليلة ،ثم هبط حتى بلغ موسى ،فاحتبسه موسى
فقال :يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال عهد إلي
خمسين صلة كل يوم وليلة .قال إن أمتك ل
تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم.
فالتفت النبي إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك
فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت فعل به إلى
الجبار فقال وهو مكانه يا رب خفف عنا فإن
)(1
أمتي ل تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات…(
وقد تكلم الحفاظ في هذه الرواية كثيرًا ،وقد ذكر
شريك فيها ما ُيثِبت نسيانه في ما ذكره من عدم
ضبطه لمن في السموات .ومن أجمع ما قيل فيها
ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح حيث نقل عن
الخطابي أن قوله ودنا الجبار رب العزة فتدلى
يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين
الخر وتمييز مكان كل واحد منهما قال) :هذا على
1
)( صحيح البخاري (7079) 6/370
285
ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي
تعلق من فوق إلى أسفل .قال فمن لم يبلغه من
هذا الحديث إل هذا القدر مقطوعا ً عن غيره ولم
يعتبره بأول القصة وآخرها اشتبه عليه وجهه ومعناه
وكان قصاراه إما رد الحديث من أصله وإما الوقوع
في التشبيه ،وهما خطتان مرغوب عنهما ،وأما من
اعتبر أول الحديث بآخره فإنه يزول عنه الشكال
فإنه مصرح فيهما بأنه كان رؤيا لقوله في أوله
"وهو نائم" وفي آخره" :استيقظ " وبعض الرؤيا
ل يضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن مث ٌ
يصرف إليه في مثله ،وبعض الرؤيا ل يحتاج إلى
ذلك بل يأتي كالمشاهدة.
قلت -الحافظ ابن حجر -وهو كما قال …ثم قال
الخطابي إن الذي وقع في هذه الرواية من نسبة
التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف
والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر
قال والذي قيل فيه ثلثة أقوال أحدها أنه دنا جبريل
من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى أي تقرب
منه
الثاني :تدلى له جبريل بعد النتصاب والرتفاع حتى
رآه متدليا ً كما رآه مرتفعا ً وذلك من آيات الله حيث
أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد
على شيء ول تمسك بشيء
الثالث :دنا جبريل فتدلى محمد صلى الله عليه
وسلم ساجدا ً لربه تعالى شكرا ً على ما أعطاه
قال وقد روى هذا الحديث عن أنس من غير طريق
شريك فلم يذكر فيه هذه اللفاظ الشنيعة وذلك
مما يقوي الظن أنها صادرة من جهة شريك انتهى
…ثم قال الخطابي وفي هذا الحديث لفظة أخرى
تفرد بها شريك أيضا ً لم يذكرها غيره وهي قوله"
فعل به يعني جبريل إلى الجبار تعالى فقال وهو
286
مكانه يا رب ") (1قال والمكان ل يضاف إلى الله
تعالى إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم في
مقامه الول الذي قام فيه قبل هبوطه انتهى-كلم
الخطابي … -وقد أزال العلماء إشكاله فقال
القاضي عياض في الشفا :إضافة الدنو والقرب إلى
الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ول قرب
زمان وإنما هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه
وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته وبالنسبة
إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه وإكرام له .ويتأول
فيه ما قالوه في حديث ينزل ربنا إلى السماء وكذا
في حديث من تقرب مني شبرا ً تقربت منه ذراعا ً
وقال غيره الدنو مجاز معنوي لظهار عظيم منزلته
عند ربه تعالى .والتدلي طلب ،وقاب قوسين
بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن
لطف المحل وإيضًاح المعرفة وبالنسبة إلى الله
إجابة سؤاله ورفع درجته..
وقد سبق إلى التنبيه على ما في رواية شريك من
م في صحيحه فإنه قال بعد أن ساق المخالفة مسل ٌ
)(2
سنده وبعض المتن :قال فقدم وأخر وزاد ونقص
و-شريك -قال فيه النسائي وأبو محمد بن الجارود
ليس بالقوي وكان يحيى بن سعيد القطان ل يحدث
عنه نعم قال محمد بن سعد وأبو داود ثقة (3) .فهو
1
)( إذا علمنا أن هذه اللفظة مما تفرد به شريك فقد علمنا أن الحافظ
287
مختلف فيه فإذا تفرد عُد ّ ما ينفرد به شاذًا…
ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من
المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك..منها
نسبة الدنو والتدلي إلى الله عز وجل والمشهور
في الحديث أنه جبريل)…(1ومنها قوله "فعل به
الجبار فقال وهو مكانه" وقد تقدم ما فيه .فهذه
أكثر من عشرة مواضع في هذا الحديث لم أرها
)(2
مجموعة في كلم أحد ممن تقدم (
ونسبة التدلي إلى جبريل عليه السلم ثابتة في
الصحيحين أو أحدهما من حديث أم المؤمنين
)(5
عائشة ) (3وعبد الله بن مسعود) (4وأبي هريرة
رضي الله عنهم.
ولم يلتفت القوم إلى هذا النقد الحديثي فاحتجوا
بخبر شريك ) (6بل إن ابن القيم لما تحدث عن
رواية شريك في كتاب موضوعه السيرة النبوية نبه
على مخالفة شريك ،ولما وصل إلى العقيدة غض
ال صلى ال عليه وسلم وذكر الحديث إلى أن قال ثم عل به فوق ذلك بما ل يعلمه إل ال حتى
جاء سدرة المنتهى ودنا من الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى .وهذ من
غرائب الصحيح( .وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب ) :266صدوق يخطىء(
1
)( قال البيهقي في السماء والصفات ..) :555وقد خالفه فيما تفرد به
من الرواية عبد الله بن مسعود وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم وهم
أحفظ وأكبر وأكثر(
2
)( فتح الباري .485-13/483وانظر نحوه في السماء والصفات للبيهقي .555وانظر كلم
ابن كثير في تفسيره 3/4 .ودفع شبه من شبه وتمرد للتقي الحصني 10
3
)( انظر صحيح البخاري (3062)3/1181و) (3063وصحيح مسلم (177)1/160
4
)( انظرصحيح البخاري (3061) 3/1181و (4575) (4574)4/1840وصحيح مسلم
(174)1/158
5
)( انظر صحيح مسلم (175)1/158
288
الطرف عنه .قال في زاد المعاد ..) :وأما ما وقع
في حديث شريك أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه
فهذا مما عد من أغلط شريك الثمانية وسوء
)(1
حفظه لحديث السراء(
ولكنه قال في قصيدته النونية التي نظمها في
العقيدة ):فقدرت من قربه من ربه قوسان(
)(2
6
)( يييي يييي ييييي يييي ييي ييييي 104يييييي ييييي
يييييي 1/61ييييييي يييييي 48يييي ييييييي
289
هؤلء ورأسه تحت العرش ورجله في تخوم
)(1
السابعة(
ويقول أحدهم مصرحا بما فهمه من هذا الخبر:
)مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع
غيره من المخلوقات :فهو أقربها إليه
سبحانه ،وذلك لن الله سبحانه قد أخبر أنه
مستو على عرشه في أكثر من موضع ففي
)(2
إثبات الستواء على العرش دليل على قربه إليه(
ثم يقول عن قرب حملة العرش) :فكونهم أقرب
الخلق إلى الله دليل على أن العرش أقرب
)(3
منهم إليه سبحانه لنهم إنما يحملونه(
ة بينه ة بينه وبين العرش ونسب ً
وبهذا جعلوا لله نسب ً
وبين حملة العرش هي كالنسبة التي تثبت بين
العرش وحملة العرش.
1
)( اجتماع جيوشه 69و .163وانظر الحتجاج به في التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع
للملطي 101و 112
والتحفة المدنية لحمد بن ناصر .75
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة .(278) 2/687وأبو بكر الهذلى البصرى ،قيل اسمه سلمى بن
عبد ال بن سلمى ،وقيل روح 167هـ وهو أخبارى متروك الحديث.انظر ترجمته فى تهذيب
التهذيب .12/46
2
)( هو د -محمد بن خليفة التميمي في رسالته التي نال فيها الماجستير
من الجامعة السلمية بالمدينة "محمد بن عثمان بن أبي شيبة وكتابه
290
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله إن
أقرب الخلق إلى الله تعالى جبرائيل
وإسرافيل وميكائيل وإنهم من الله تعالى
بمسيرة خمسين ألف سنة .رواه ابن منده في
الصفات وشيخ السلم في الفاروق.وإسناده لين
)(1
لن الحوص ليس بمعتمد(
وهذه الخبار مصدرها السرائيليات التي كان يحدث
)(2
بها وهب بن منبه وعبد الله بن سلم وكعب الحبار
ومما احتجوا به أيضا ً ما أخرجه أبو الشيخ
الصفهاني بسنده )عن مجاهد في قوله عز وجل:
"وقربناه نجيا ً ") (3قال بين السماء السابعة وبين
العرش سبعون ألف حجاب فما زال يقرب
موسى حتى صار بينه وبينه حجاب فلما
رأى مكانه وسمع صريف القلم قال رب أرني
)(4
أنظر إليك(
ومجاهد بن جبر يروي أهل الكتاب وهذا المروي
منكر لما فيه من إثبات المكان ولما فيه من مخالفة
ظاهر القرآن لن موسى طلب الرؤية في الواد
1
)( العلو للعلي الغفار . 1/90
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (276) 2/684وهو في الللىء المصنوعة للسيوطي 1/71
والحوص بن حكيم ضعيف وقال الحافظ فى تهذيب التهذيب ..) :1/192وحكى عن أبى بكر
ابن عباس قيل للحوص :ما هذه الحاديث التى تحدث بها عن النبى صلى ال عليه وآله وسلم ؟
قال :أوليس الحديث كله عن النبى صلى ال عليه وآله وسلم(
2
)( انظر هذه الخبار في العظمة (287)2/696و (300)2/705و (299)2/713والمعجم
الوسط للطبراني (8942) 8/382
3
)( الية ) (25من سورة مريم.
4
)( العظمة (301)2/714وأخرجه الطبري في تفسيره 16/95والبيهقي في السماء والصفات
508
291
المقدس وهذا الخبر ينص على طلبه بعد تجاوز
حجب السماء قال تعالى):وناديناه من جانب الطور
ً )(1
اليمن وقربناه نجيا(
وقال تعالى) :ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه
)(2
قال رب أرني أنظر إليك(
واحتج به ابن تيمية واستشهد له بخبر إسرائيلي
أنكر منه .فقال رجمه الله ..) :وقد ناداه من موضع
معين وقربه إليه دل ذلك على ما قاله السلف
من قربه ودنوه من موسى عليه السلم مع
أن هذا قرب مما دون السماء .وقد جاء أيضا ً من
حديث وهب بن منبه وغيره من السرائيليات قربه
من أيوب عليه السلم وغيره من النبياء عليهم
السلم .ولفظه الذي ساقه البغوى أنه أظله غمام
ثم نودى يا أيوب أنا الله ،يقول أنا قد دنوت منك
أنزل منك قريبا ،لكن السرائيليات إنما تذكر
على وجه المتابعة ل على وجه العتماد عليها
)(3
وحدها(
ً ً
وهذا الذي عده ابن تيمية استشهادا ل اعتمادا هو ما
أشرنا إليه من تقوية الظاهرالموهم وتحكيمه بلفظ
الكتاب فأين قوله تعالى) :وناديناه من جانب الطور
اليمن وقربناه نجيًا( من هذا التقريب الذي ُأدني
فيه حتى جاوز حجب السماء وسمع صريف القلم
292
والتقريب الذي فيه الدنو والنزول قريبا ً منه ؟ فل
يتم هذا الستشهاد إل إذا جعلنا الدللة واحدة في
النصين ،وهذا هو الرجوع بالمتشابه إلى المنكرات
والسرائيليات.
فهذا حال ما احتجوا به لثبات بعد المسافة بين
الله وخلقه .ومن أصرح ما في إثباته قول الدارمي:
)..فيقال لهذا المعارض المدعي ما ل علم له من
أنبأك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله تعالى
من أسفله؟ لنه من آمن بأن الله فوق عرشه
فوق سمواته علم يقينا ً أن رأس الجبل
أقرب إلى الله من أسفله ،وأن السماء
السابعة أقرب إلى عرش الله تعالى من السادسة
والسادسة أقرب إليه من الخامسة ثم كذلك إلى
)(1
الرض(
3
)( كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة .5/464وانظر الدر
293
المسألة الثامنة :وصفه تعالى بالمماسة
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن حكيم بن جابر
قال) :إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده غير
ثلثة أشياء خلق الجنة بيده ،ثم جعل ترابها
الوْرس) (1والزعفران وجبالها المسك وخلق آدم
)(2
بيده وكتب التوراة لموسى(
وأخرج عبد الله بسنده عن عكرمة أنه قال )إن الله
عز وجل لم يمس بيده إل آدم صلوات الله
عليه خلقه بيده والجنة والتوارة كتبها بيده قال
1
)( نبات أصفر يصبغ به .انظر النهاية في غريب الحديث لبن الثير
.5/172
2
)( المصنف (573)7/28قال):حدثنا عبد ال بن نمير قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد(.وعبد
ال هو أبو هشام الكوفى 199هـ ثقة صاحب حديث من أهل السنة انظر ترجمته في تهذيب
التهذيب .6/58يرويه عن إسماعيل بن أبى خالد أبو عبد ال الكوفي 146هـ وهو ثقة ثبت قال
الحافظ فى تهذيب التهذيب .1/292ويرويه إسماعيل عن حكيم بن جابر بن طارق بن عوف
الحمسى الكوفى وهو ثقة وترجمته في تهذيب التهذيب .2/445وذكره الذهبي في العلو 1/125
عن يعلى بن عبيد يرويه عن إسماعيل عن حكيم ويعلى وهو أبو يوسف الطنافسى الكوفى 209
هـ قال الحافظ فى تهذيب التهذيب ):11/403وقال الدارقطنى :بنو عبيد كلهم ثقات .وقال ابن
عمار الموصلى :أولد عبيد كلهم ثبت ،وأحفظهم يعلى(
وأخرجه عثمان بن سعيد في النقض على المريسي 266-1/263بسند فيه عطاء بن السائب
136هـ وهو صدوق اختلط انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .7/206يرويه عطاء عن ميسرة
بن يعقوب أبو جميلة الطهوى الكوفي وهو مقبول انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب
.1/345وأخرجه عبد ال بن أحمد في السنة (573) 1/296و (1206)2/525بسند فيه إبراهيم
بن الحكم بن أبان ،أبو إسحاق العدنى وهو ضعيف وصل مراسيل انظر ترجمته فى تهذيب
التهذيب .1/116وأخرجه من طريق عبد ال بن أحمد أبو بكر النجاد في الرد على من يقول
القرآن مخلوق (98) 1/67
294
ودملج)(1الله عز وجل لؤلؤة بيده فغرس فيها
قضيبا ً فقال امتدي حتى أرضي وأخرجي ما فيك
)(2
بإذني فأخرجت النهار والثمار(
وقد تناقض المثبتون في إثبات ما يقتضيه هذا الخبر
فقد أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة وتحمس
في إثباته عثمان بن سعيد ) (3واشتد على من تأوَله
فقال) :فيقال لهذا المريسي الجاهل بالله وبآياته
ي خل ْقَ ذلك غيُره فهل علمت شيئا مما خلق الله ول ِ َ
قه من غير ي خل َ حتى خص آدم من بينهم أنه ول َ
ل
مه .وإل فمن ادعى أن الله لم ي ِ مسيس بيده فس ّ
ي خل ْ َ
ق خل ْقَ شيء صغيرأو كبير فقد كفر ،غيرأنه ول ِ َ
ق آدم بيده ي خل ْ َ الشياء بأمره وقوله وإرادته وول َ
مسيسا ً لم يخلق ذا روح بيديه غيره ،فلذلك
خصه وفضله وشرف بذلك ذكره لول ذلك ما كانت
له فضيلة من ذلك على شيء من خلقه إذ خلقهم
بغير مسيس في دعواك.
وأما قولك تأكيد للخلق فلعمري إنه لتأكيد جهلت
معناه فقلبته إنما هو تأكيد اليدين وتحقيقهما
د
وتفسيرهما حتى يعلم العباد أنها تأكي ُ
1
)( قال ابن منظور في لسان العرب )دملج( ) 2/276الدملجة :تسوية الشيء كما يدملج السوار
وفي حديث خالد بن معدان دملج ال لؤلؤة ودملج الشيء إذا سواه وأحسن صنعته(.
2
)( السنة (574)1/297بسند فيه عبدة بنت خالد بن معدان ول يعرف لها ترجمة .وأخرجه من
طريق عبد ال بن أحمد أبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق .(99) 1/67
وأخرجه الطبري في تفسيره عن بعض أهل= الشام = -ولعله كعب)13/147 -قال إن ربك أخذ
لؤلؤة فوضعها على راحتيه ثم دملجها بين كفيه ثم غرسها وسط أهل الجنة ثم قال لها وكفيت حتى
تبلغي مرضاتي ففعلت فلما استوت تفجرت من أصولها أنهار الجنة وهي طوبى(
3
)( انظر موافقة محقق "إبطال التأويلت" على ما ذكره عثمان بن سعيد في حاشية .1/207
وانظر أيضًا شرح قصيدة ابن القيم لحمد بن إبراهيم بن عيسى 2/501
295
س بيد ،لما أن الله قد خلق خلقا ً كثيرا ً في مسي ٍ
السموات والرض أكبَر من آدم وأصغر وخلق
النبياء والرسل وكيف لم يؤكد في خلق شيء منها
ما أكد في آدم ،إذ كان أمر المخلوقين في معنى
يدي الله كمعنى آدم عند المريسي فإن يك صادقا ً
م شيئا ً نعرفه وإل فإنه الجاحد في دعواه فليس ّ
)(1
بآيات الله المعطل ليدي الله(
والذي يبدو لي والله أعلم أن هذا الخبر من
السرائيليات فقد أخرج عثمان بن سعيد بسند
صحيح عن كعب الحبار أنه قال) :لم يخلق الله غير
ثلث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة
عدن بيده ثم قال لها تكلمي قالت قد أفلح
)(2
المؤمنون(
فإن قيل هذا الخبر موافق لقول الله تعالى) :ما
منعك أن تسجد لما خلقت بيدي() (3ويمتنع التأويل
لنه لو كانت اليد هي القدرة لدى إلى إثبات قدرتين
لن اللفظ جاء على صيغة المثنى .وتأويله بالقدرة
1
)( نقض المام عثمان بن سعيد 1/230
2
)( نقض عثمان بن سعيد .1/265عن محمد بن المنهال قال:ثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب .ومحمد بن المنهال أبو جعفرالضرير 231هـ ثقة
حافظ انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .9/476يرويه عن يزيد بن زريع العيشى 182هـ وهو
ثقة ثبت انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .11/327ويرويه يزيد عن سعيد بن أبى عروبة 156
هـ وهو ثقة حافظ و كان من أثبت الناس فى قتادة.انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب .4/64وقال
ابن حبان فى الثقات ) :6/360وكان قد اختلط سنة خمس وأربعين ومائة وبقى خمس سنين في
اختلطه وأحب إلي أن ل يحتج به إل بما روى عنه القدماء قبل اختلطه مثل بن المبارك ويزيد
بن زريع وذويهما( .ويرويه سعيد عن قتادة بن دعامة السدوسى وهو ثقة ثبت انظر ترجمته فى
تهذيب التهذيب .8/35
3
)( الية ) (75من سورة ص.
296
يمنع الخصوصية التي توجبها الية لدم كما أشار
إلى ذلك الدارمي فله ثلثة أجوبة ذكرها القاضي
ابن جماعة فقال) :أحدها أن المراد مزيد العناية
بإنعامه عليه في خلقه وإيجاده وتكريمه كما يقال
ت وصيتك بكلتا يدي، خذ هذا المر بكلتا يديك ،وأخذ ُ
ول شك أن العتناء بخلق آدم حاصل بإيجاده وجعله
خليفة في الرض وتعليمه السماء وإسكانه الجنة
وسجود الملئكة له فلذلك خصه بما يدل لغة على
مزيد العتناء
الجواب الثاني أن المراد بيدي القدرة لن غالب
قدرة النسان في تصرفاته بيده وُثنيت اليد مبالغ ً
ة
في عظم القدرة فإنها باليدين أكثر منها بالواحدة.
الثالث أن يكون ذكر اليدين صلة لقصد التخصيص
به تعالى ومعناه ِلما خلقت أنا دون غيري ومنه قوله
تعالى" :ذلك بما قدمت يداك") (1أي بما قدمت
أنت..
فإن قيل إن كان المراد بخلقت بيدي القدرة لم
يكن لدم مزية لن الخلق كلهم بقدرته؟
قلنا المراد مزيته بالخلق في الكرام بالنواع التي
ذكرناها .وكذلك قوله تعالى" :مما عملت
أيدينا")(2فليس لها مزية على غيرها باعتبار الخلق
وحده بل بإعتبار ما جعل في خلقها من المنافع
المعدومة في غيرها.
فإن قيل فالقدرة شيء واحد ل يثنى ول يجمع وقد
ثنيت وجمعت ؟
قلنا هذا غير ممنوع فقد نطقت العرب بذلك
بقولهم :مالك بذلك يدان .وفي الحديث عن يأجوج
1
)( الية ) (10من سورة الحج.
2
)( الية ) (71من سورة يس.
297
ومأجوج )ما لحد يدان بقتالهم() (3فثنوا عند قصد
المبالغة ومنه )بين يدي نجواكم صدقة() (4وأيضا ً فقد
جاء )يد الله() (5وجاء):بل يداه مبسوطتان() (6وجاء:
مل على )بأيدينا() (7فلو لم يحمل على القدرة وح ِ
)(8
الظاهر لزم من تصوير ذلك ما يتعالى الله عنه(
3
)( أخرجه المام مسلم في صحيحه (2937) 4/2250
4
)( الية ) (13من سورة المجادلة.
5
)( الية ) (10من سورة الفتح.
6
)( الية ) (64من سورة المائدة.
7
)( الية ) (52من سورة التوبة) .ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله
بعذاب من عنده أو بأيدينا( ول يخفى أن الستشهاد بقوله تعالى في الية
) (71من سورة يس) :أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا(
أصح.
8
)( إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل 127-125
298
المسألة التاسعة :وصفه بالصورة
جاء في بعض الحاديث الصحيحة إضافة
هم عودَته على الله عز "الصورة" إلى ضمير يو ِ
وجل مع ما فيها من ظهور الشارة إلى عودته على
ة بالمعنى فعلت بدللة الحاديث ابن آدم .لكن الرواي َ
الصحيحة ما فعلته .ولبيان ذلك يتعين الوقوف على
بعض هذه الروايات الصحيحة والكلم على
تفسيرها ،ثم نسوق الروايات الخرى التي حكموها
في دللة الحاديث الصحيحة.
أخرج المام مسلم بسنده )عن أبي هريرة رضي
الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن
)(1
الله خلق آدم على صورته(
وأخرج المام البخاري في الدب المفرد بسنده
)عن أبى هريرة قال :ل تقولن قبح الله وجهك ووجه
من أشبه وجهك فإن الله عز وجل خلق آدم صلى
)(2
الله عليه وسلم على صورته(
1
)( صحيح مسلم (2612)4/2017وهو في مسند الحميدي (1121)2/476ومسند أحمد
(7319)2/244و (10743)2/519والسنة لعبدال بن أحمد (496)1/267واعتقاد أهل السنة
(714)3/423وغيرها من طرق عن أبي هريرة رضي ال عنه.
2
)( الدب المفرد .(173)1/71وهو في مصنف عبد الرزاق 9/445و مسند الحميدي )2/476
(1120ومسند أحمد (7414)2/251و (9602)2/434والسنة لبن أبي عاصم (519)1/229
) (520والسنة لعبدال بن أحمد (1071) (1068)2/470والتوحيد لبن خزيمة 36وصحيح ابن
حبان (5710)13/18والصفات للدارقطني (44)35و) (46واعتقاد أهل السنة للللكائي
(715)3/423والسماء والصفات للبيهقي 371
وهو عند جميهم بإسناده حسن صحيح .ورجاله ثقات على كلم يسير في ابن عجلن وهو محمد
بن عجلن القرشى ،أبو عبد ال المدنى 148هـ .وثقه أحمد وابن معين وقال الحافظ فى تهذيب
التهذيب ) :9/342وقال يحيى القطان ،عن ابن عجلن :كان سعيد المقبرى يحدث عن أبى
299
ول يكاد يخفي في هذه الحاديث عود الضميرعلى
المضروب .وقد نص على ذلك بعض المحدثين
المبرئين من تهمة التجهم ،من ذلك قول ابن خزيمة
رحمه الله) :باب ذكر أخبار صورته عن النبي صلى
الله عليه وسلم تأولها بعض من لم يتحر العلم على
غير تأويلها ففتن عالما ً من أهل الجهل والغباوة
حملهم الجهل بمعنى الخبر على القول بالتشبيه جل
وعل أن يكون وجه خَلق من خلقه مثل وجهه..توهم
بعض من لم يتحر العلم أن قوله "على صورته "
يريد صورة الرحمن ،عز ربنا وجل أن يكون هذا
معنى الخبر بل معنى قوله "خلق آدم على صورته"
الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب
الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب والذي
قبح وجههه فزجره النبي صلى الله عليه وسلم أن
ه
ه وج ِيقول ووجه من أشبه وجهك لن وجه آدم شبي ُ
بنيه فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم قبح الله وجهك
ه آدم صلوات ووجه من أشبه وجهك كان مقبحا ً وج َ
ة بوجه
مه عليه الذي وجوه بنيهِ شبيه ٌ
الله وسل ُ
أبيهم ،فتفهموا رحمكم الله معنى الخبر ول تغلطوا
ول تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل وتحملوا
)(1
القول على التشبيه الذي هو ضلل(
هريرة ،وعن أبيه عن أبى هريرة ،وعن رجل عن أبى هريرة ،فاختلطت عليه فجعلها كلها عن
أبى هريرة.ولما ذكر ابن حبان فى كتاب " الثقات " هذه القصة قال :ليس هذا بوهنٍ يوهن
النسان به ،لن الصحيفة كلها فى نفسها صحيحة ،وربما قال ابن عجلن :عن سعيد عن أبيه
عن أبى هريرة ،فهذا مما حمل عنه قديما قبل اختلط صحيفته فل يجب الحتجاج إل بما يروى
عنه الثقات(.
وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري عبد بن حميد في مسنده .(900)1/283وعبد الرزاق في
المصنف 9/444
1
)( التوحيد .38-37وانظر نحوه في صحيح ابن حبان 13/18والسماء والصفات للبيهقي 373
300
فنبه ابن خزيمة على معناه وعد ّ عود َ الضمير على
غير المضروب تأويل ً وضلل ً وتشبيهًا .وحذر من
الغلط فيه والمغالطة وسوف نرى هل استجاب له
ل السلف ممن لم يرضوا من يعده إمام الئمة ورج َ
هذا المسلك فتصرفوا في الرواية كما شهد عليهم
بذلك المبرأ من التجهم ابن قتيبة فقال..):ولما
وقعت هذه التأويلت المستكرهة وكثر التنازع فيها
ج على أن زادوا في الحديث فقالوا حمل قوما ً اللجا ُ
روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا إن الله عز وجل خلق آدم على صورة
الرحمن ،يريدون أن تكون الهاء في )صورته( لله
ن
ن مكا َجل وعز وأن ذلك يتبين بأن يجعلوا الرحم َ
الهاء كما تقول إن الرحمن خلق آدم على صورته
)(1
فركبوا قبيحا ً من الخطأ(..
وهذا اللفظ أخرجه ابن أبي عاصم بسنده )عن
العمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن
عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ل
خلق على صورة تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم ُ
)(2
الرحمن(
وقد أعله ابن خزيمة المبرأ من التجهم بثلث علل.
)(3
1
)( تأويل مختلف الحديث 219
2
)( السنة (517)1/227والحديث أخرجه ابن أحمد في السنة (498)1/268و (1076)2/472
وابن خزيمة في التوحيد .38والطبراني في المعجم الكبير (13580)12/430والجري في
الشريعة 3/1147والدارقطني في الصفات (48) 36
3
)( عنعنة حبيب بن أبي ثابت فإنه كان يدلس .وكذلك العمش وقد خولف
في إسناده من قبل سفيان الثوري فقال عن حبيب بن أبي ثابت عن
عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسله ،أخرجه ابن
خزيمة في التوحيد ص 27بسند صحيح فهذا المرسل أصح من الموصول.
301
وفيه اضطراب أيضا ً فقد أخرجه ابن أبي عاصم
وغيره من طريق العمش بلفظ )ل تقبحوا الوجه
)(1
فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته(
ل لو قدر أنوهذه الرواية تكالبت عليها أربعُ عل ٍ
تقوم لها قائمة مع هذه العلل فل تقوى على مقاومة
قواطع التنزيه التي تمنع من إثبات الصورة على
الطلق فكيف إذا كانت هذه الصورة على صورة
آدم! فمن المعروف أن الصورة في لغة العرب يراد
بها الهيأة ) (2وقال الراغب) :الصورة هيأة منفردة
يتميز بها الموجود () (3والصورة تقتضي التركيب وقد
نبه عليه استعمال القرآن في قوله تعالى "في أي
صورة ما شاء ركبك") .(4والتركيب من لوازم الجسم
التي قطع العقل والنقل بنفيها.
وقد بالغ بعض المثبتين في الهتمام والحتجاج
بإثبات الصورة حتى أفردها بالتأليف حمود التويجري
في كتاب سماه )عقيدة أهل اليمان في خلق
آدم على صورة الرحمن( وقدم له عبد العزيز
بن باز .وكتب أستاذ الدراسات العليا بالجامعة
السلمية حماد النصاري مقال ً بعنوان )تعريف
)(5
أهل اليمان بصحة حديث صورة الرحمن(
وتابعه على ذلك عدو الجهمية اللباني في تحقيقه كتاب السنة .1/277
1
)( السنة (518)1/227وأخرجه الدارقطني في الصفات (45)35والللكائي في اعتقاد أهل
السنة (716)3/423
وقال اللباني محقق السنة) :حديث صحيح وإسناده ضعيف وهو مكرر الذي قبله لكنه بلفظ على
صورته وهو اللفظ المحفوظ في الحديث من طرق عن أبي هريرة رضي ال عنه كما تقدم بيانه(.
2
)( انظر مقاييس اللغة لبن فارس )صور( 3/320
3
)( مفردات القرآن 290
4
)( الية ) (8من سورة النفطار.
302
وكتب سليمان علوان )القول المبين في إثبات
الصورة لرب العالمين(.
وحاصل ما ذكروه في الدفاع عن هذا الحديث أنهم
ذكروا له شاهدين من مرويات المحدثين وشاهدا ً
من التوراة
أما الشاهد الول فهو ما أخرجه عبد الله بن أحمد
بسنده )عن ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال إذا قاتل أحدكم فليجنب الوجه
فإنما صورة النسان على وجه الرحمن
)(1
تبارك وتعالى(
وهذا ل يصلح شاهدا ً لنه ضعيف السناد منكر
)(2
)(3
المتن
وأما الشاهد الثاني فهو ما أخرجه ابن أبي عاصم
)عن محمد بن ثعلبة بن سواء حدثني عمي محمد
بن سواء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه
5
)( نشره في مجلة الجامعة السلمية في الهند مجلد /8العدد الرابع.
303
فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه(
)(1
1
)( السنة 1/227
2
)( لن محمد بن ثعلبة صدوق كما في تقريب التهذيب 471
3
)( قال اللباني في هامش السنة ) :1/227المحفوظ في الطرق الصحيحة على صورته ..ثم إن
سعيد بن أبي عروبة قد خولف في إسناده أيضًا عن قتادة فقال المثنى بن سعيد عن قتادة عن أبي
أيوب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ على صورته .أخرجه مسلم 732وأحمد 2519وابن خزيمة
ص 27والبيهقي في السماء والصفات ص .290وتابعه)المثنى( همام حدثنا قتادة به سندا
ولفظا ،أخرجه مسلم وأحمد .463 2/فهذا هو المحفوظ عن قتادة إسنادا ومتنا .وتابعه سفيان عن
أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة به ،وهذا صحيح على شرط الشيخين(..
()4الشاذ عند المحدثين من أقسام الضعيف وهو ما رواه المقبول مخالفا ً
كما ذكره الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر مع حاشيته لقط الدرر
لعبد الله خاطر 54
5
)( انظر عقيدة أهل اليمان .31وهذا النص في العهد القديم سفر
التكوين ص .2
304
حديثي ابن عمر وأبي هريرة رضي الله
)(1
عنهما(
ويقول محمد حمزة بعد ذكر هذا النص):فإن ذلك
)(2
مما يقوي الحديث ويصححه(
وزاد التويجري توثيقا ً مذكرا ً بقول الله عز وجل) :إنا
)(3
أنزلنا التوراة فيها هدى ونور(
ويقول التويجري) :وهذا نص صريح في أن الله
خلق النسان على صورة وجهه الذي هو صفة
من صفات ذاته وهذا النص ل يحتمل التأويل(
) (4ول يخفى أن تسمية الوجه صفة وإن أراد
التويجري التترس به لكنه يكشف عن مراوغتهم
فأي معنى لعد الوجه صفة وهو يعد الخبر نصا ً
صريحا ً في أن الله خلق على صورة الوجه جارحة
ووجها ً من المخلوق ذا صورة .بل أي معنى في عده
وجه الله صفة مع أنه وجه له صورة صور عليها
آدم!
بل إن التويجري ينقل هذا الستشهاد عن ابن تيمية
فيقول) :وأيضا ً فهذا المعنى عند أهل الكتاب
من الكتب المأثورة عن النبياء كالتوراة
فإن في السفر الول منها" :سنخلق بشرا
)(5
على صورتنا يشبهها"(
ً
وعزاه إلى جزء ما زال مخطوطا من كتابه تلبيس
الجهمية زعم أنه موجود في جامعة محمد بن سعود
1
)( عقيدة أهل اليمان 31
2
)( ظلمات أبي رية .147وانظر نحوه في النوار الكاشفة للمعلمي .186
3
)( الية ) (44من سورة المائدة .وانظر عقيدة أهل اليمان 31
4
)(المصدر السابق 40
5
)(المصدر السابق 76
305
بالرياض ) (1وقد ندب طلب العلم على تحقيقه.
ونقل منه أيضا ً قول ابن تيمية بعد ذكر النهي عن
ضرب الوجه في الحديث ..) :يدل على أن
)(2
المانع هو مشابهة وجهه لصورة الله(
وقوله) :ويقتضي أن شبه الوجه بالصورة هو
المانع من تقبيح الوجه() (3وقوله) :جعل مجرد
)(4
المشابهة لوجه الله مانعًا(..
1
)( المصدر السابق 114
2
)( المصدر السابق 21
3
)( المصدر السابق 114
4
)( المصدر السابق 126
306
نخلق بشرا ً بصورتنا فخلق آدم من أدمة الرض
ونفخ في وجهه نسمة الحياة .وهذا ل يصلح له ذلك
التأويل .وكذلك حديث ابن عباس أن موسى صلى
الله تعالى عليه وسلم ضرب الحجر لبني إسرائيل
فتفجر وقال اشربوا يا حمير فأوحى الله تبارك
وتعالى إليه عمدت إلى خلق من خلقي خلقتهم
على صورتي فشبهتهم بالحمير فما برح حتى
)(1
عوقب ،هذا معنى الحديث(
ومن عجيب ما ذهبوا إليه أن أحدهم بعد أن
استشهد له بنص التوراة السابق قال) :إذا كان
حديث الصورة مما يغيظه فليغتظ بما في معناه
كقوله تعالى " :ويبقى وجه ربك ذو الجلل
والكرام") (2وقوله" :ولتصنع على عيني" ( فأي
)(4) (3
307
المسألة العاشرة :ما جاء في نسبة البعاض
إلى الباري سبحانه وتعالى.
أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عكرمة قال:
)إن الله عز وجل إذا أراد أن يخوف عباده أبدى
عن بعضه إلى الرض فعند ذلك تزلزل ،وإذا أراد
أن تدمدم على قوم تجلى لها()(1
وممن صرح بإثبات هذا الخبر ابن القيم الذي أنشده
فقال:
وزعمت أن الله أبدى بعضه****** للطور
حتى عاد كالكثبان
لما تجلى يوم تكليم الرضى****** موسى الكليم
)(2
مكّلم الرحمن
ومما استدلوا به على إثبات البعاض خبر في
تفسير قوله تعالى) :وإن له عندنا لزلفى() (3أخرج
عبد الله بن أحمد في قول الله تعالى في حق داود
عليه السلم "وإن له عندنا لزلفى " بسنده
عن)مجاهد عن عبيد بن عمير قال حتى يضع
)(4
بعضه عليه(
1
)( السنة (1069)2/470ول يصح إلى عكرمة لن في سنده يحيى يرويه معنعنًا عن عكرمة
ويحيى بن أبى كثير الطائى 132هـ ثقة ثبت لكنه يدلس و يرسل ،انظر ترجمته فى تهذيب
التهذيب .11/269والخبر في الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي (961)1/248ولفظه) :إذا أراد
ال تعالى أن يخوف خلقه أظهر للرض منه شيئَا فارتعدت وإذا أرد أن يهلك خلقه تبدي لها(.
وعزاه ابن تيمية في الفتاوى الكبرى 5/87إلى الطبراني في كتاب السنة.
2
)( انظر شرح قصيدة ابن القيم لحمد بن إبراهيم 1/230
3
)( الية ) (40من سورة ص.
4
)( السنة (1086)2/475و (1180) 2/507من طريق وكيع عن سفيان عن منصور به.
وأخرجه من طريقه الخلل في السنة .(320)1/262وأخرجه الخلل في السنة (319)1/262
عن سعيد بن جبير بسند فيه محمد بن بشر بن شريك النخعي يرويه عن عبد الرحمن بن شريك
308
وأخرجه بلفظ آخر بسنده عن مجاهد عن عبيد بن
عمير" وإن له عندنا لزلفى" قال) :ذكر الدنو منه
)(1
حتى ذكر أنه يمس بعضه(
وأخرجه أيضا ً بلفظ آخر عن مجاهد عن عبيد بن
عمير قال):ما يأمن داود عليه السلم يوم القيامة
حتى يقال له ُادنه فيقول ذنبي ذنبي حتى بلغ فيقال
ُادنه فيقول ذنبي ذنبي فيقال له ُادنه فيقول ذنبي
ذنبي حتى بلغ مكانا ً الله أعلم به قال سفيان كأنه
)(2
يمسك شيئا(
وهذه أخبار موقوفات ومنكرات وإسرائيليات تخالف
الجماع على تنزيه الباري سبحانه عن البعاض
والجزاء .ومثل هذه السانيد ل تنهض في إثبات
الحلل والحرام فضل عن العقائد .فل أرى وجها ً
للحتجاج بها وتخريجها في كتب العقائد.
عن أبيه .وقال المحقق) :إسناده ضعيف لن فيه محمد بن بشر( وهو محمد بن بشر بن شريك
النخعي الكوفي قال الذهبي في ميزان العتدال ) 6/80شيخ لبن عقدة ما هو بعمدة( ويرويه
محمد بن بشر عن عبد الرحمن بن شريك بن عبد ال النخعى ،الكوفى 227هـ وهو صدوق
يخطىء انظر ترجمته في التاريخ الكبير 5/296وميزان العتدال .4/289
وأخرجه بهذا السند أيضًا عن مجاهد يرويه عبيد بن عمير السنة .(321)1/262
1
)( السنة (1165)2/503يرويه عن عبد ال بن عمر أبو عبد الرحمن وهو )مشكدانة( 239هـ
وهو صدوق انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 5/333
2
)( السنة (1161) 2/502بسند فيه حميد العرج وهو حميد بن عطاء ،و
يقال :ابن على ،وهو ضعيف انظر ترجمته تهذيب التهذيب .3/53
309
المبحث الثاني :الحتجاج بخبر الحاد في
مسائل النبوات
وفيه خمسة مطالب
المطلب الول :في عصمتهم من الكفر
بالله والجهل بصفاته:
المطلب الثاني :في عصمة النبياء مما
يخل بالتبليغ
المطلب الثالث :في عصمة النبياء من
الكذب في ما وراء التبليغ
المطلب الرابع :ما جاء في تأثير السحر
على النبي صلى الله عليه وسلم
المطلب الخامس:ما ثبت من المعجزات
المروية من طريق الحاد
310
311
المبحث الثاني :الحتجاج بخبر الحاد في مسائل
النبوات
المطلب الول :في عصمتهم من الكفر بالله والجهل
بصفاته:
من مباحث مسائل العتقاد ما يجب للرسل ،وما
يستحيل في حقهم ،وما يجوز عليهم.
ق،ويذكر المتكلمون فيما يجب على النبياء :الصد َ
والمانة ،والتبليغ ،والفطانة.
ويذكرون أضداد هذه الصفات فيما يستحيل عليهم،
وهي :الكذب ،والمعصية ،والكتمان ،والغفلة ،والبلدة.
ويذكرون من الجائزات في حقهم العراض البشرية
التي ل تؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية مما
ليخالف شرفا ً ول مروءة معتبرة في الشرع،
ول تتناقض مع مقامهم ،فيجوز في حقهم الكل
والشرب وإتيان النساء الحلل وغيره (1) .واختلفوا في
تأثير السحر عليهم ،في تفصيل سيأتي بيانه.
ومن أهم هذه المسائل :ما يستحيل في حق النبياء
ن الله م ّ عليهم الصلة والسلم بمقتضى العصمة التي َ
بها عليهم فوصلوا إلى غاية الكمال النساني والسمو
الروحي ،وتحلوا بالخلق العظيمة التي جعلتهم قدوة
حسنة ،ومثل أعلى ،حتى دعا الله عز وجل إلى
القتداء بهم.
)(2
قال تعالى) :أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده(
وقال تعالى) :وجعلناهم أئمه يهدون بأمرنا وأوحينا
إليهم فعل الخيرات وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وكانوا
)(3
لنا عابدين(.
ولولم يكونوا كذلك لسقطت هيبتهم في القلوب،
()1انظر :إتحاف المريد ،اللقاني 181-179وشرح جوهرة
التوحيد ،الباجوري .278-274
()2سورة النعام .90
()3سورة النبياء .72
312
ولصغر شأنهم في عيون الناس فتضيع الثقه فيهم،
ول ينقاد لهم احد.
ّ
ولكن الله عز وجل اصطفاهم واجتباهم وعلمهم،
ودعا إلى القتداء بهم وحفظهم من كل ما يتنافى مع
)(1
مقام النبوة
313
وقبل تفصيل المور التي عصمهم الله عز وجل من
الوقوع بها ل بد من الوقوف على حقيقة العصمة.
تأتي العصمة في اللغة ويراد بها الحفظ والمنع
)(1
والوقاية
ومن أوضح القوال في حقيقة العصمة وأبعدها عن
الشكال والعتراض ما ذكره القاري -رحمه الله -
فقال) :العصمة فضل من الله تعالى يحمله على فعل
الخير ،ويزجره عن الشر ،مع بقاء الختيار تحقيقا ً
للبتلء والختبار-(2).قال :-وإليه مال الشيخ أبو منصور
الماتريدي حيث قال :العصمة ل تزيل المحنة ول
)(3
تدفعها(
وقد ذكر الرازي في كيفية حصول العصمة أن النفس
إذا حصل فيها ملكة العفة ،ثم انضاف إلى ذلك العلم
التام بما في الطاعة من السعادة وفي المعصية من
الشقاوة صار ذلك العلم معينا ً له على مقتضى الملكة
النفسانية ،ثم يصير الوحي متما لذلك ،ثم خوف
المؤاخذة على القدر القليل يكون توكيدا ً لذلك
الحتراز ،فيحصل من اجتماع هذه المور حقيقة
)(4
العصمة
وأجمع المسلمون على أن النبياء صلوات الله عليهم
على غاية المعرفة ووضوح العلم واليقين ،فيما يتعلق
بالتوحيد والعلم بالله وصفاته واليمان بما أوحي
إليهم ،ول يجوز عليهم الجهل بشيء من ذلك أو
الشك فيه .ولم ينقل أحد من أهل الخبار أن الله عز
314
رف بكفر أو إشراك أو وجل اصطفى للنبوة من عُ ِ
)(1
جهل بالله قبل ذلك.
قال القاضي عياض) :وقد استدل القاضي القشيري
) (2على تنزيههم عن هذا بقوله تعالى) :وإذ أخذنا من
النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى
)(3
وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا(
وبقوله تعالى) :وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم
)(4
من كتاب وحكمة(
...قال :وبعيد أن يأخذ منه الميثاق ...ويجوز عليه
)(5
الشرك(
ولدينا من أخبار الحاد ما قد يوهم خلف ما سبق
تقريره في حق آدم وإبراهيم عليهما السلم
أما ما نسب إلى أبينا آدم -عليه السلم -فقد أخرجه
الترمذي بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله
تعالى) :هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها
زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حمل خفيفا
315
عوا الله ربها لئن آتيتنا صالحا ً فمرت به فلما أثقلت د َ َ
لنكونن من الشاكرين ،فلما آتاهما صالحا ً جعل له
)(1
شركاء فيما آتاهما(.
أنه قال) :لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان ل
مته عبد ميه عبد الحارث ،فس ّ يعيش لها ولد ،فقال :س ّ
الحارث ،فعاش ذلك وكان ذلك من وحي الشيطان
)(2
وأمره(
وقال الترمذي :هذا حديث حسن غريب ل نعرفه
مرفوعا ً إل من حديث عمر بن إبراهيم بن قتادة،
ورواه بعضهم عن عبد الصمد ،ولم يرفعه ،وعمر بن
)(3
إبراهيم شيخ بصري.
وقد أعل الحافظ ابن كثير هذا الحديث بعلل ثلث
الولى :أن عمر بن إبراهيم متكلم فيه ،قال الذهبي:
)قال أبو حاتم ل يحتج به ،وقال ابن عدي :يروي عن
قتادة ما لم يوافق عليه( ثم ساق حديثه السابق
)(4
وقال) :وهو حديث منكر كما ترى(
الثانية :أن الطبري أخرج هذا الحديث من قول
ً )(5
سمرة ،وليس مرفوعا.
الثالثة :أن عمر بن إبراهيم يرويه عن قتادة عن
الحسن البصري ،وقد أخرج الطبري من طرق
صحيحة عن الحسن نفسه أنه فسر الية بغير هذا،
فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا ً لما عدل عنه
إلى قوله )كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن
بآدم ،وقال" :جعل له شركاء فيما آتاهما " ) (6عنى بها
316
)(1
ذرية آدم ومن اشرك منهم بعده(
قال ابن كثير) :ولو كان هذا الحديث محفوظا ً عنده
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه
هو ول غيره ،ول سيما مع تقواه لله وورعه ،فهذا
يدلل على أنه موقوف على الصحابي ،ويحتمل أنه
تلقاه من بعض أهل الكتاب ممن آمن منهم مثل،
)(2
كعب ،أو وهب بن منبه وغيرهما(
ثم ذكر الحافظ ابن كثير كلما ً نفيسا ،في أخبار أهل
ً
الكتاب ،وقسمها إلى ثلثة أقسام:
الول منها :ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من
الكتاب أو السنة.
ومنها :ما علمنا كذبه بما دل على خلف الكتاب
والسنة.
ومنها ما هو مسكوت عنه وهو المأذون بروايته بقوله
)(3
عليه السلم ) ...وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج(
317
ذب لقوله) :إذا حدثكم أهل دق ول يك ّوهو الذي ل يص ّ
)(1
الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم(
ثم قال الحافظ ابن كثير) :وهذا الثر من القسم
الثاني أو الثالث ،فيه نظر ،فأما من حدث به من
صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسم الثالث ،وأما
نحن فعلى مذهب الحسن البصري -رحمه الله -في
هذا ،وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء،
وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ...فذكر
آدم وحواء كالتوطئه لما بعدهما من الوالدين ،وهو
كالستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس ،كقوله
)لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما ً
)(2
للشياطين(
ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها
السماء ليست هي التي ُيرمى بها ،وإنما هذا استطراد
)(3
من شخص المصابيح إلى جنسها(
والحاصل :أن الشرك في الية الكريمة منسوب إلى
بعض ذرية آدم وحواء.
سنه الترمذي، والحديث الوارد في تفسير الية ،ح ّ
وأعله ابن كثير بعلل قادحة ،فل ينسب الشرك إلى
أبينا آدم عليه السلم بهذا الخبر الواهي ،حتى وإن
سلمنا ببقاء الحديث في درجة الحسن ،لن الخلف
في إثبات العقائد منحصر بما هو في رتبة الصحيح ،ل
في رتبة الحسن.
318
إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ،قال أولم تؤمن
)(1
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي(..
ذكر الطبري -رحمه الله -عن عطاء بن أبي رباح أنه
قال) :دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس،
فقال) :رب أرني كيف تحيي الموتى( ،ورضي المام
الطبري هذا الرأي واستدل له بقول النبي صلى الله
عليه وسلم) :نحن أحق بالشك من إبراهيم ،إذ قال:
"رب أرني كيف تحيي الموتى قال :أولم تؤمن قال
)(2
بلى ولكن ليطمئن قلبي("...
واستدل الطبري أيضًا ،بما أخرجه عن ابن عباس من
طرق قال فيها الحافظ ابن حجر) :يشد بعضها بعضًا(
أنه قال) :أرجى آية في القرآن " :وإذ قال إبراهيم
رب ارني كيف تحيي الموتى" ...
قال الطبري) :هذا لما يعرض في الصدور ويوسوس
به الشيطان ،فرضي الله من إبراهيم عليه السلم
)(3
بأن قال" :بلى"(
والذي أراه -والله أعلم -أن هذه الدلة ل تنهض
لثبات دخول أقل الشك على إيمان إبراهيم عليه
السلم بقدرة الله عز وجل على إحياء الموتى:
لسباب ثلثة:
الول :أن سؤاله عليه السلم لم يكن لغرض
()1سورة البقره .260
()2تفسير الطبري 50-3/49
والحديث أخرجه البخاري في كتاب أحاديث النبياء
11/3372وأطرافه بالرقام التالية
) (6992 ،4694 ،4537 ،3375 ،3372وأخرجه مسلم
في كتاب الفضائل 2371-41/2369وابن ماجة في كتاب
الفتن 23/4026
وابن مندة في اليمان 2/488من طرق عن يونس بن
يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف به.
()3تفسيره .3/50
319
الستثبات والتأكد من قدرة الله عز وجل على
الحياء ،بل لعله أراد أن يدلي بخلته إلى الله عز وجل
فيختص عن غيره من بني آدم بإحياء الموتى أمام
ناظريه .فإن قيل :أولم يؤمن ؟ ...قلنا :بلى ،ولكن
استشرفت نفسه إلى رؤية كيفية الحياء وهيئته،
ليزداد يقينا وطمأنينة ،وإن لم يكن في إيمانه الول
)(1
شك.
الثاني :أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
)نحن أحق بالشك من إبراهيم( دليل على نفي الشك
عن إبراهيم عليه السلم ،كما نبه إليه النووي رحمه
الله فقال) :خرج مخرج العادة في الخطاب ،فإن من
تأراد المدافعة عن إنسان ،قال للمتكلم فيه :ما كن َ
قائل ً لفلن أو فاعل معه من مكروه فقله لي وافعله
)(2
معي ،ومقصوده من ذلك :ل تقل ذلك فيه(.
ويمكن أن يقال أيضًا :معناه أن الشك مستحيل في
حق إبراهيم عليه السلم ،فإن الشك في قدرة الله
على إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى إبراهيم لكان
المقصودون بقول النبي صلى الله عليه وسلم )نحن(
حقّ بالشك منه ،فاستحالة شكهم تدل من باب َ
أ َ
الولى على استحالة الشك على إبراهيم الخليل عليه
)(3
السلم
الثالث :قول ابن عباس رضي الله عنهما في الية
()1انظر تأويلت أهل السنة ، 1/609وشرح السنة،
البغوي 117-1/115والجامع لحكام القرآن ،القرطبي
.3/193-195
()2شرح صحيح مسلم 1/365
()3نظر تأويل مختلف الحديث ،ابن قتيبه ،66وشرح
السنة ،البغوي -117-115والفصل ابن حزم 4/8
والشفاء ،عياض 2/230وعصمة النبياء ،الرازي 48-44
وشرح صحيح مسلم ،النووي ،1/364
وفتح الباري ،ابن حجر 8/466 8/254 ،6/507
وشرح مقدمة القيرواني ،المين الحاج محمد 240
320
الكريمة )هي أرجى آية في القرآن( ل لعفو الله عز
وجل عن الشك في قدرته على إحياء الموتى ،بل لن
إبراهيم عليه السلم رجا من الله عز وجل أمرا ً هو
الغاية في الرجاء ،لنه سأل الحياء في الدنيا وليست
الدنيا مظنة ذلك ،ويجوز أن يقال :هي أرجى آية
لقوله تعالى) :أولم تؤمن( أي أن اليمان كاف ل
يحتاج معه إلى تفسير وبحث عن كيفية الحياء وهيئته
)(1
321
المطلب الثاني :في عصمة النبياء مما يخل بالتبليغ
انعقد إجماع أهل الشرائع على وجوب عصمة النبياء
من أي شيء يخل بالتبليغ ككتمان الرسالة والكذب
في دعواها والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر
بالدعوة إليه ،والتقصير والكذب والخطأ في بيان
الحكام الشرعية سواء أكان ذلك البيان بالقول أم
)(1
بالفعل
وكل ذلك محال عليهم بدليل العقل أيضًا ،لنه يناقض
مدلول المعجزة
وقد وضح الشهرستاني وجه دللة المعجزة على ذلك
فقال) :اقتران المعجزة بدعوة النبي نازل منزلة
التصديق بالقول ،وذلك أنه عرف من سنة الله تعالى
دي من يدعي الرسالة أنه ل يظهر أمرا ً خارقا على ي َ
عند وقت التحدي والستدعاء إل لتصديقه...
ونحن نعلم قطعا ً في صورة من يدعي الرسالة من
دي جماعة حضور ،ثم ملك حاضر محتجب بستر بين ي َ
إن رجل قام وقال :إني رسول هذا الملك إليكم ،وآية
رك هذا الستر إذا استدعيت صدقي في دعواي أن يح ِ
منه ،ثم قال :أيها الملك :إن كنت صادقا في دعواي
حّرك في الحال عُِلم قطعا ً ويقينا ً فحرك هذا الستر ،فَ َ
أنه أراد بذلك الفعل تصديق المدعي ،ونزل التحريك
()1انظر المعتمد في أصول الفقه ،البصري المعتزلي
،1/371والمستصفى ،الغزالي 2/213والوصول إلى
الصول ،ابن برهان ،1/358والشفا ،عياض 2/258وعصمة
النبياء ،الرازي ،8والمواقف اليجي ،358وانظر نظم
الفرائد ،العلئي ،332وشرح النسفيه ،التفتازاني 155
وشرح المقاصد ،التفتازاني 5/50والبحر المحيط ،الزركشي
،174-173 /4وشرح الدواني على العقائد العضديه ،2/279
وشرح الفقه الكبر ،علي القاري 52وفواتح الرحموت،
النصاري ،2/275وإرشاد الفحول ،الشوكاني ،356وشرح
جوهرة التوحيد ،الباجوري .283-280
322
منه على خلف العادة منزلة التصديق بالقول ،فكذلك
)(1
في صورة مسألتنا هذه(
وقد شهد الله عز وجل لنبيه بأداء المانه فقال تعالى:
)اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
)(2
ورضيت لكم السلم دينا(
ومن أخبار الحاد التي تشهد لذلك ،ما رواه الشافعي
بسنده عن المطلب بن حنطب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :ما تركت
شيئا مما أمركم الله به إل وقد امرتكم به ،ول تركت
)(3
شيئا مما نهاكم الله عنه إل وقد نهيتكم عنه(
ووجه الحتجاج بهذا الخبر الحادي موافقته للدلة
القاطعة من العقل والجماع والقرآن.
ولما كان بيان النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغه
بالقول تارة وبالفعل تارة أخرى ،فلنفصل القول في
عصمته في فرعين:
323
)(1
عمدا ول سهوا ول غلطا.
ونقل اليجي والعلئي وغيرهما عن الباقلني أنه جوز
صدوره منه على سبيل السهو والنسيان
يقول اليجي) :في جواز صدور الكذب عنهم على
سبيل السهو والنسيان خلف ،فمنعه كثير من الئمة
وجوزه القاضي مصيرا ً منه إلى عدم دخوله في
)(2
التصديق المقصود بالمعجزة(
ويقول العلئي) :وقد قال القاضي أبو بكر الباقلني
في كتابه النتصار :المعجزة تدل على صدق النبي في
ما هو متفكر فيه وعامد له ،وذهول النفس وطريان
النسيان ل يدخل تحت الصدق الذي هو مدلول
)(3
المعجزة(.
وقد رجعت إلى النتصار فوجدت كلم القاضي ل يدل
على جواز السهو أو الغلط في أقوال النبي التبليغية.
داه وب َّلغه دون
وإنما جوز القاضي السهو عليه فيما أ ّ
ده فقال) :إن قال قائل :هل يجوز أن ينسى ما لم يؤ ّ
النبي صلى الله عليه وسلم بعض القرآن بعد أدائه
وبلغه .....؟
ً
قيل :إن أردت بالنسيان نسيانا يدوم صاحبه عليه،
وينسب إلى البلدة ،فمعاذ الله أن يجوز ذلك عليه.
وإن أردت أن ينسى ذلك القدر الذي ينساه العالم
الحافظ بالقرآن الذي ل ي َْنسب صاحبه إلى بلدة فإن
ذلك جائز عليه بعد أدائه وبلغه ،والذي يدل على
324
جوازه أنه غير مفسد له ول قادح في آياته ول مفسد
لكمال صفاته ...وإذا كان ذلك كذلك جاز مثل هذا
السهو عليه في ما أداه وبلغه دون ما لم يؤده،
)(1
لجماع المسلمين على منع ذلك(...
وليس في هذه العبارة ما يدل على جواز وقوع
الخلف في أقواله التبليغيه سهوا ً -والله أعلم -
وقد استدل السفرائيني) (2على عصمتهم من ذلك
بدليل العقل لدخوله تحت دللة المعجزة ،لن
المعجزة بمنزلة قوله تعالى) :صدق عبدي في كل ما
يبلغ عني( وتشمل جميع أقواله جملة واحدة من غير
)(3
خصوص
وقال شارح المسلم) :قيل لبطال هذا الرأي -يعني
جواز الكذب عليه سهوًا :-يلزم عدم الوثوق في
التبليغ ،فإنه يجوز حينئذ أن يكون كذبا ً جاريا ً على
)(4
لسانه الشريف غلطا(...
وأجيب )من قبل القاضي( بأنه إذا جرى على لسانه
الشريف الكذب غلطا فل بد من التنبيه على أنه
)(5
خلف الواقع فلم ينعدم الوثوق.
وقد دفع الشيخ عبد الغني عبد الخالق هذا الجواب
بقوله) :هذا التنبيه إنما يكون بخبر آخر ،وما جاز على
ن يكون قد أحد المثلين جاز على الخر ،فهو محتمل ل َ ْ
صدر أيضا ً على سبيل الكذب سهوا فل زال الوثوق
منعدما ...اللهم إل أن يقال بعصمته من الكذب سهوا ً
في التنبيه لئل يؤدي إلى ما ذكره،وهو بعيد ،لنا نقول
325
لهِ :لم َلم تختصر الطريق فتمنع الكذب سهوا من
)(1
أول المر ،لئل يؤدي إلى ما ذكر ؟(.
وبهذا تثبت عصمة النبي من الكذب في التبليغ عمدا ً
وسهوا ً وغلطًا.
وبين أيدينا من أخبار الحاد ما يشهد لذلك ويؤكده،
وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال) :قلت
ل ما أسمع منك ؟ قال :نعم، يا رسول الله أأكتب ك َ
قلت :في الرضا والغضب ؟ قال :نعم فإني ل أقول
)(2
في ذلك كله إل حقا(
وفي أخبار الحاد ما يشكل ظاهره على ما قرر في
عصمة النبي وهي خبران:
)(3
الخبر الول في قصة الغرانيق
وأخرجها المام الطبري من طرق عديدة
فمن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي
ومحمد بن قيس قال) :جلس رسول الله صلى الله
عليه وسلم في ناد من أندية قريش ،فتمنى يومئذ أن
ل يأتيه من الله شيء فينفروا عنه ،فأنزل الله عليه:
)(4
)والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى(
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ
)أفرأيتم اللت والعزى * ومناه الثالثة الخرى()،(5
ألقى عليه الشيطان كلمتين) :تلك الغرانيق العلى،
وإن شفاعتهن لترجى( فتكلم بها ،ثم مضى فقرأ
السورة ،فسجد في آخر السورة ،وسجد القوم جميعا
326
)(1
معه(...
وفي هذا الخبر علل شتى ،منها :انقطاع السند ،إذ
يرويه محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وهما
)(2
في طبقة التابعين
ومنها أن أبا معشر وهو لجيح السندي -تفرد به
عنهما..
وقد ضعفه النسائي ،والدارقطني .وقال ابن معين:
)(3
ليس بقوي ،وقال البخاري :منكر الحديث.
ومن طريق يزيد بن زياد المدني عن محمد بن كعب
القرظي قال) :لما رأى رسول الله صلى عليه وسلم
تولى قومه عنه ،وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما
جاءهم به من عند الله تمنى في نفسه أن يأتيه من
الله ما يقارب بينه وبين قومه ،وكان يسره مع حبه
وحرصهم عليه أن يلين له بعض ما غلظ عليه من
أمرهم ...فأنزل الله) :النجم إذا هوى( حتى انتهى إلى
قول الله عز وجل )ومناة الثالثة الخرى( ألقى
الشيطان على لسانه :تلك الغرانيق العلى ،وإن
شفاعتهن ترتضى ...وأتى جبرائيل النبي صلى الله
عليه وسلم ،فقال:
ت على الناس ما لم يا محمد ،ماذا صنعت ؟ لقد تلو َ
)(4
ت ما لم ُيقل لك به(آتك به عن الله ،وقل َ
وفي إسناد هذا الخبر انقطاع كالخبر السابق ،وراويه
عن محمد بن كعب هو يزيد بن زياد المدني قال فيه
)(5
البخاري :ل يتابع على حديثه.
ق َأبَهم المام الطبري فيه من حدثه به ،عن ومن طري ٍ
الضحاك أن الشيطان ألقى في تلوة النبي صلى الله
327
عليه وسلم )تلك الغرانيق العلى (..فقرأها النبي
)(1
صلى الله عليه وسلم كذلك(...
وهذا السناد معل لوجود مبهم فيه ،وهو شيخ
الطبري ،ولن الضحاك رواه مرسل وقد ضعفه يحيى
)(2
بن سعيد القطان وغيره
وأخرج الطبري بسند صححه الحافظ ابن حجر )عن
سعيد بن جير قال لما نزلت هذه الية قرأها رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال) :تلك الغرانيق
)(3
العلى(...
ً
وأخرج الطبري نحوه بسند صححه الحافظ أيضا عن
وه
أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ،ونح َ
)(4
من طريقين عن أبي العالية الرياحي
وقد عاب العلماء على من أولع بقصة الغرانيق من
المفسرين.
قال القاضي عياض) :يكفيك أن هذا حديث لم يخرجه
أحد من أهل الصحة ،ول رواه فقيه بسند سليم
متصل ،وانما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون
ت هذه الحكاية عنه كيـ ْ
ح ِالمولعون بكل غريب ...ومن ُ
من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ،ول
رفعها إلى صاحب ،وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة
واهية.
والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال أبو بكر البزار :هذا ل نعلمه يروى عن النبي صلى
الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره إل هذا...
ولم يسنده عن شعبة إل أميه بن خالد ،وغيره يرسله
328
)(1
عن سعيد بن جبير(...
)(2
وأمية بن خالد سئل عنه المام أحمد فلم يحمده.
وقال فيه الحافظ ابن حجر :صدوق (3).وقد خالف
أمية الثقات في وصله ،إذ رواه الطبري عن سعيد بن
جبير مرسل ً من طريقين صححهما الحافظ ابن حجر
-كما سبق -
وعلى هذا يحكم على المرفوع بالشذوذ.
وأخرجه الطبري مرفوعا ً عن ابن عباس رضي الله
عنهما بسند ضعيف من طريق محمد بن سعد بن
)(5
محمد بن الحسن العوفي (4).وهو ضعيف.
والحاصل أن قصة الغرانيق لم يروها فقيه بسند
سليم متصل ،ومن حكيت عنه هذه الحكاية من
التابعين لم يسندها أحد منهم ،وأكثر الطرق عنهم
فيها ضعيفة واهية كما سبق من قول القاضي عياض
رحمه الله.
وقد جمع الحافظ ابن كثير طرق هذه القصة وقال
فيها) :لم أرها مسندة من وجه صحيح ...وأكثرها
)(6
مرسلت ومنقطعات(
والذي يظهر من صنيع صاحبي الصحيح تضعيف قصة
الغرانيق ،إذ أخرجا ما صح من القصة عندهما.
فأخرج المام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال) :سجد النبي صلى الله عليه وسلم
بالنجم ،وسجد معه المسلمون والمشركون والجن
329
)(1
والنس(
وأخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
)أول سورة أنزلت فيها سجدة )والنجم( قال :فسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وسجد من خلفه،
إل رجل ً رأيته أخذ كفا ً من تراب فسجد عليه ،فرأيته
)(2
بعد ذلك قتل كافرا ً -وهو أمية بن خلف(
وقد ألف الشيخ اللباني كتابا ً في تضعيف هذه القصة
)(3
سماه )نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق(
وبعد عرض ما يوهن هذه القصة من طريق السناد
يحسن بيان ما في متنه من معارضة لما ثبت
بالبراهين والجماع على عصمة النبي صلى الله عليه
وسلم.
وهذا البيان من وجوه:
الول :أنه ل يليق بالنبي أن يتمنى مسايرة الكفار
ومصانعتهم بالباطل والتلفظ بالشرك ،ول أن يحدث
نفسه بذلك وُيسّر به ،بل آحاد الدعاة إلى الله عز
وجل يتنزهون عن مثل هذه المسايرة والمجاملة
بالباطل ،ول يجوز أن ينسب مثل ذلك إلى النبياء
بخبر فيه شبهة في اتصال سنده وصدق قائله.
الثاني :أن قول القائل) :تلك الغرانيق العلى وإن
شفاعتهن (....فيه مدح للهة ُتعبد من دون الله ،وهو
كفر قام الجماع على عصمة النبي من جريانه على
)(4
قلبه أو لسانه
ً
وقصة الغرانيق فيها معارضة لما ثبت قطعا أنه صلى
الله عليه وسلم بلغ المانة ،ولم يتقول على الله عز
330
وجل ،ولم يبدل شيئا من تلقاء نفسه ،يقول الله عز
وجل) :ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه
باليمين ثم لقطعنا منه الوتين() (1وقال تعالى) :قل ما
يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إل ما
)(2
يوحى إلي(
وقال) :وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك
لتفتري علينا غيره وإذا ً لتخذوك خليل ً ولول أن ثبتناك
لقد كدت تركن إليهم شيئا ً قليل(
ً )(3
331
)(1
شعر في وزنها ومعناها وطريقتها(
وقد ذكر الباقلني والقاضي عياض والرازي وجوها ً
)(2
332
ليس لك عليهم سلطان() (1وقال) :وما كان لي عليكم
)(2
من سلطان إل أن دعوتكم فأستجبتم لي(
وبهذا يثبت أنه ل يصح أن تكون العبارة من قول النبي
صلى الله عليه وسلم ،ول يتضح وجه لما ارتضاه
المام الطبري ،والله أعلم.
ً
وأما الحافظ ابن حجر فقد ذكر وجوها واستحسن
منها ما قيل) :أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتةٍ من
السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا ً نغمته ،بحيث
)(3
سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها(
وقد جوز الرازي هذا الوجه ) (4والقاضي عياض ،
)(5
333
الخبر الثاني الذي يشكل ظاهره على ما قرر في
عصمة النبي من الخطأ أو السهو في التبليغ
وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم) :لم أنس ولم
تقصر( في حديث ذي اليدين.
أخرج المام البخاري بسنده عن محمد بن سيرين عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال :صلى النبي صلى الله
عليه وسلم إحدى صلتي العشي -قال محمد :وأكثر
ظني أنها العصر -ركعتين ،ثم سلم ،ثم قام إلى
خشبة في مقدم المسجد ،فوضع يده عليها ،وفيهم
أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فهابا أن يكلماه وخرج
ن الناس ،فقالوا :أقصرت الصلة ؟ ورجل سَرعا ُ
َ
يدعوه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين
ت ؟ فقال :لم أنس ،ولم ت أم قُ ِ
صر ْ فقال :أنسي َ
تقصر ،قال :بلى ،قد نسيت ،فصلى ركعتين ثم سلم،
ثم كبر فسجد مثل سجوده وأطول ،ثم رفع رأسه
فكبر ثم وضع رأسه فكبر ،فسجد مثل سجوده أو
)(1
أطول ،ثم رفع رأسه وكبر(
وهذا الحديث من أخبار الحاد التي كثرت طرقها
فدخلت في حد الستفاضة والشهرة ،نص على ذلك
الحافظ العلئي رحمه الله قال) :هذا الحديث بتعدد
طرقه وصحتها داخل في قسم المستفيض ،وهو
)(2
الذي يسميه أهل الحديث بالمشهور(
()1في كتاب السهو باب من يكبر في سجدتي السهو ح)
(1229وأخرجه المام مسلم في كتاب الصلة ،باب السهو
في الصلة والسجود له 19/99وأبو داود في كتاب الصلة
باب السهو في السجدتين )ح (1008والترمذي في أبواب
الصلة ،باب ما جاء في الرجل ليسلم في الركعتين في
الظهر والعصر 175/399وابن ماجة في كتاب إقامة
الصلة ،باب فيمن سلم من اثنتين أو ثلث ساهيا ً /134
1213والنسائي ،انظر سنن النسائي مع شرح السيوطي
.24-2/23
()2نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد،
334
وقال الشافعي) :حديث ذي اليدين ثابت عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،لم يرد عن رسول الله
)(1
شيء قط أشهر منه(
)(2
وعمران بن وممن رواه من الصحابة أبو هريرة
الحصين ) (3وعبد الله بن عمر) (4رضي الله عنهم.
إل أن قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه )لم أنس
ولم ُتقصر( واقع في بعض الروايات ،وليس في
)(6
جميعها ،وهي مخرجة عند المام مالك ) (5والبخاري
)(8
وابن ماجة ) (7والنسائي.
ووقع في رواية المام مالك أن النبي صلى الله عليه
وسلم لما سأله ذو اليدين )أقصرت الصلة أم نسيت(
)(9
قال) :كل ذلك لم يكن(.
ووقع في طرق أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم
قالَ) :أصدق ذو اليدين ؟( ولم يجب عن سؤاله بنفي
المرين أو أحدهما.
ويفهم من هذا أن القول بشهرة حديث ذي اليدين ل
يعني أن قول النبي صلى الله عليه وسلم )لم أنس
الحافظ خليل بن العلئي ) 763هـ( .241وقد جمع العلئي
في كتابه هذا طرق الحديث وألفاظه ،وتكلم عن الفوائد
الفقهيه والحديثية المستخرجة من الحديث بما ل مطمح في
أجود منه وأقوى.
()1اختلف الحديث في حاشية الم ،7/278مطبعة دار
الشعب -القاهرة
()2سبق تخريجه
()3أخرجه مسلم في كتاب أتصله 19/101،102وابن
ماجة في كتاب إقامة الصلة 134/1215والنسائي 2/36
()4أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلة 134/1213
()5انظر تنوير الحوالك 1/116
()6برقم )(1229
()7برقم )(1214
()8انظر شرح سنن النسائي ،السيوطي 24-2/23
()9انظر تنوير الحوالك 1/115وأخرجها المام مسلم
2/22 19/99والنسائي انظر شرح السيوطي
335
ولم تقصر( قد وصل إلى حد الشهرة التي يحصل بها
سكون النفس وطمأنينة القلب إلى صدورها عن
النبي صلى لله عليه وسلم ،لن حد الشهرة لصل
الحديث ،ل للفاظه التي اختلف فيها الحفاظ -والله
أعلم -
فهل يثبت بهذه الرواية وقوع الخلف في أقوال النبي
صلى الله عليه وسلم على سبيل السهو ؟
لم أر أحدا ً من العلماء منع إثباته بهذه الرواية طعنا ً
في ثبوتها ،بل انشغل العلماء في تخريجها على الوجه
الذي ينسجم مع ما قرر في عصمة أقوال النبي صلى
الله عليه وسلم.
واختلفوا في تخريجها على وجوه:
أجودها :أن نفيه صلى الله عليه وسلم إنما كان بناء
على ما في ظنه واعتقاده ،وهو أنه لم يفعل شيئا ً من
ذلك ،فأخبر بحق ،لنه موافق لما في نفسه صلى الله
عليه وسلم ،وكأن النطق مقدر بذلك -وإن كان
محذوفا ً -لنه لو صرح به وقال :لم تقصر الصلة
وليس في ظني أني نسيت ،ثم تبين أنه كان خلفه
في نفس المر كان إخباره صدقًا ،ولم يقتض ذلك أن
يكون خلفه في ظنه ،فكذلك إذا كان مقدرا ً مرادا ً
ليس فيه خلف ول كذب.
)(1
واختار هذا الوجه الحافظ العلئي وعبد العلي
)(3
سّلم ) (2وغيرهما
م َ
النصاري شارح ال ُ
والوجه الثاني :أن قول النبي صلى الله عليه وسلم
متضمن لخبرين ،الول) :لم أنس( والثاني )لم تقصر(
والخبر الول ليس بلغيا ً ول بيانا ً لحكم شرعي ،بل هو
إخبار عن حالة نفسه ،فهو وإن بدا غير مطابق للواقع
إل أنه ليس من الخبار البلغية.
()1نظم الفرائد .348
()2فواتح الرحموت .2/98
()3انظر :شرح النووي على مسلم .3/11
336
وأما الخبر الثاني :فهو وإن كان بلغيا ً إل أنه مطابق
للواقع فل اعتراض
)(1
واختار هذا الوجه الشيخ عبد الغني عبد الخالق
ونبه إليه القاضي عياض فذكره تحت عنوان )حالته
)(2
صلى الله عليه وسلم في أخبار الدنيا(.
و الحاصل أنه قد ثبت بالدليل القاطع عصمة النبي
صلى الله عليه وسلم من الكذب في التبليغ ،وأنه ل
ف في القول في تبليغ الشريعة ل على خل ْ ٌ
يجوز عليه ُ
سبيل العمد ول على غيره.
وبين أيدينا أخبار آحاد بعضها يشهد لذلك ويؤكده،
وبعضها قد يعارضه لول وهلة كما سبق بيانه -والله
أعلم _
337
)(1
عليه السهو فيه .وليس هذا القسم مما نحن فيه.
الثاني :أفعاله البلغية التي قصد بها تعليم المة :بأن
يكون ذلك أول أداء منه لها وأول بيان لحكمها ،ولم
يسبق له أن فعلها للتبليغ والتعليم.
الثالث :أفعاله الشرعية التي لم يقصد بها التعليم:
بأن يكون قد فعلها من قبل مرارا ً حتى استقرت
ورسخت في نفوس المة ،ولم يقصد بفعلها حينئذٍ إل
محض العبادة كسائر الناس.
وقد تسمى هذه الفعال أفعال ً بلغية ،لنها على مثال
الفعل الذي سبق له فعله قاصدا ً منه البلغ والتعليم
).(2
فإذا حصل التمييز بين القسم الثاني والثالث أمكن
الجمع بين أقوال العلماء في المسألة وتحررت
مواضع النزاع.
فالقاضي عياض رحمه الله حكى الخلف فقال) :قال
جماعة من العلماء :الفعال في هذا الباب ل يجوز
طروّ المخالفة فيه عمدا ً ول سهوًا .وطرو هذه
العوارض عليها يوجب التشكيك ويسبب المطاعن،
()1حكى القاضي عياض اتفاق الكثر من طبقا ت علماء هذه
المة على جواز السهو والغلط عليه في هذا القسم ولكن
على سبيل الندور ل التكرر و التصال انظر الشفا 2/342و
النتصار ،الباقلني 214 - 212ونظم الفرائد ،العلئي .338
وحجية السنة ،عبد الغني .106
()2انظر :المسامرة ،الكمال ابن الهمام ،203وحجية
السنة ،عبد الغني عبد الخالق107 - 106 .
338
وإلى هذا مال الستاذ أبو إسحاق _ يعني السفرائيني
_
339
وذهب الكثر من الفقهاء والمتكلمين إلى أن المخالفة
في الفعال البلغية والحكام الشرعية سهوا ً من غير
قصد منه جائز عليه كما تقرر في أحاديث السهو في
الصلة ،وفرقوا بين ذلك وبين القوال البلغية لقيام
المعجزة على الصدق في القول ،ومخالفة ذلك
تناقضها ،فأما السهو في الفعال فغير مناقض لها ول
)(1
قادح في النبوة(...
والحق أن هذا القول الذي اختاره القاضي عياض
وحكاه عن الكثرين محمول على القسم الثالث من
أقسام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ،وهو ما
يفعله النبي صلى الله عليه وسلم تعبدا ً محضا ً كسائر
البشر ،ولم يقصد بها التعليم والتبليغ.
وأما ما قصد به التعليم والتبليغ من أفعاله صلى الله
عليه وسلم فالمعجزة تدل على صدقه فيها أيضًا،
لنها بمنزلة قوله تعالى ":صدق عبدي في كل ما يبلغ
عني " ،فيشمل القول والفعل .ولن صدور السهو
فيما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا ً به
التعليم والتبليغ يوجب التشكيك ويسبب الطعن في
القول أيضًا.
قال الدكتور عبد الغني عبد الخالق) :وهذه المسألة -
يعني العصمة في الفعال -يجب أن تكون قطعية ل
ظنية ودللة المعجزة قطعية ،وأما أحاديث السهو
)(2
فدللتها ظنية ...فوجب العتماد على المعجزة(
ووجه ظنية دللتها أن أفعاله التي حصل فيها السهو
ليست بلغية حقيقة ،وإنما سميت بلغية لنها على
مثال الفعل الذي سبق للنبي صلى الله عليه وسلم
فعله على سبيل التعليم والتبليغ.
قال الدكتور عبد الغني عبد الخالق) :ولكن المر
اختلط على المتنازعين من العلماء في هذه المسألة
()1الشفا .2/341
()2حجية السنة .105
340
فظنوا القسم الثاني والثالث نوعا ً واحدًا ،حكمه واحد،
فمنهم من منع حصول السهو وأول الحاديث بتأويلت
ركيكة ...ومنهم من تمسك بالحاديث ،وأهمل دللة
المعجزة القطعية ،والقسم الثالث في الحقيقة
)(1
ملتحق بالقسم الول(
()1نفسه .107
341
وقد نبه الغزالي إلى مذهبه في المسألة بعبارة ل
يدخلها اللبس والخلط بين القسمين من أفعال النبي
صلى الله عليه وسلم فقال) :كل ما يناقض مدلول
المعجزة فهو محال عليهم بدليل العقل ،ويناقض
مدلول المعجزة جواز الكفر ...والكذب والخطأ فيما
يبلغ والتقصير في التبليغ...أما النسيان والسهو فل
خلف في جوازه عليهم فيما يخصهم من العبادات،
ول خلف في عصمتهم بما يتعلق بتبليغ الشرع
والرسالة ،فإنهم كلفوا تصديقه جزمًا ،ول يمكن
)(1
التصديق مع تجويز الغلط(
قال الدكتور عبد الغني) :ول شك أن قوله )ما يتعلق
بتبليغ الشرع( شامل للقول والفعل ،وكأنه قد جعل
القسم الول والثالث في كلمنا قسما ً واحدًا ،وهو
الول في كلمه ،ومعنى قوله )ما يخصهم من
العبادات( :ما لم يقصدوا به التبليغ وإن شاركهم
غيرهم فيه ،بدليل المقابلة بما بعده() - (2والله أعلم -
)(3
وإلى هذا المذهب أيضا ً مال الباقلني في النتصار
والباجوري في شرح الجوهرة ) (4والشيخ حسين
)(5
الجسر في الحصون الحميدية
وأما أحاديث السهو في هذه المسألة فمجموعها يدل
على جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم قطعا ً
في أفعاله التي يقوم بها لمحض العبادة كسائر الناس
ل لقصد التعليم والتبليغ فلنعرض ما جاء في هذه
المسألة من الخبار:
ل :حديث ذي اليدين الذي تقدم ،وفيه أنه صلى أو ً
الرباعية ركعتين.
342
وقد سبق أن هذا الخبر من أخبار الحاد التي كثرت
طرقها فدخلت في حد الستفاضة والشهرة.
ثانيًا :حديث عبد الله بن مالك بن بجينه رضي الله
عنه.
أخرج المام البخاري بسنده عن عبد الله بن بجينه
رضي الله عنه أنه قال) :صلى لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات ،ثم قام
فلم يجلس ،فقام الناس معه فلما قضى صلته
ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو
)(1
جالس ثم سلم(
ثالثًا :حديث عبد الله بن مسعود
أخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
الظهر خمسًا ،فقيل له :أزيد في الصلة ؟ فقال :وما
ذاك ؟ قال :صليت خمسا ً فسجد
)(2
سجدتين بعدما سلم(
رابعًا :حديث معاوية بن حديج رضي الله عنه.
أخرج المام أبو داود بسنده عن معاوية بن حديج
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى يومًا ،فسلم وقد بقيت من الصلة ركعة ،فأدركه
رجل فقال :نسيت من الصلة ركعة فرجع ،فدخل
()1أخرجه البخاري في كتاب الذان 230-146/829وفي
كتاب السهو 5/1230 ،1225 ،1/1224وفي كتاب اليمان
15/6670ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة
19/570وأبو داود في كتاب الصلة ح ) (1034والترمذي
في أبواب الصلة 288/391والنسائي 2/19وابن ماجة في
كتاب إقامة الصلة .1207 ،131/1206
()2أخرجه البخاري في كتاب السهو 2/1226ومسلم في
كتاب المساجد ومواضع الصلة 19/572وأبو داود في كتاب
الصلة ،باب إذا صلى خمسا ً 1022-1019والترمذي في
أبواب الصلة 393-289/392والنسائي 31-2/28وابن
ماجة في كتاب إقامة الصلة .130/1205
343
ل ،فأقام الصلة ،فصلى للناس المسجد ،وأمر بل ً
ركعة ،فأخبرت بذلك الناس ،فقالوا لي :أتعرف
الرجل ؟ قلت :ل ،إل أن أراه ،فمّر بي ،فقلت :هذا
)(1
هو ،فقالوا :هذا طلحة بن عبيد الله(
ومجموع هذه الحاديث بمجموع طرقها يثبت وقوع
السهو من النبي صلى الله عليه وسلم في ما يخصه
من أداء العبادات التي سبق له تبليغها وتعليمها لمته،
وهذا الوجه من السهو غير مضاد للمعجزة ول قادح
في التبليغ ،وغير موجب للتشكيك والطعن ،لن
غلطات الفعل وغفلت القلب من سمات البشر ،كما
في حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
والنسيان على هذا الوجه من تمام الحكمة اللهية لما
يترتب عليه من بيان الحكم الشرعي بالفعل الجلي،
ويشترط التنبيه على هذا السهو ول يقر عليه لتحصل
به الفائدة.
وهذا الوجه من النسيان رحماني لن الشيطان ل
سبيل له على عباد الله المخلصين ) - (2والله أعلم -
المطلب الثالث :في عصمة النبياء من الكذب في ما وراء التبليغ
سبق أن بينا عصمة النبي من الكذب في التبليغ،
فُيحتاج إلى البحث في عصمة النبي من الكذب فيما
وراء التبليغ .كالخبار عن المور الدنيوية التي ل
تضاف إلى الوحي.
والحق في هذه المسألة أن نفرق بين حالتين.
الولى :الخبار عن أمر من المور الدنيوية على
خلف ما هو به سهوًا.
344
الثانية :تعمد الخبار عن أمر من المور على خلف ما
هو به.
وفي الولى :يحكم العقل بالجواز لن ذهول النفس
وطريان النسيان ل يدخل تحت الصدق الذي هو
مدلول المعجزة (1).ولنه ل يفدح في النبوة ة ل يزرى
بالنبي.
أما الوقوع :فلم ينقل إلينا خبر في إخبار النبي عن
أمر غير مطابق الواقع غير حديث ذي اليدين .وقول
النبي صلى الله عليه وسلم فيه )لم أنس ولم تقصر(.
وقد سبق ذكر وجوه يخرج عليها هذا القول حتى ل
يدخل في وقوع الخلف في أقوال النبي.
وفي الثانية :نجد في بعض الخبار نسبة الكذب إلى
إبراهيم عليه السلم.
أخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :لم
يكذب إبراهيم النبي عليه السلم قط إل ثلث كذبات،
ثنتين في ذات الله ،قوله):إني سقيم() (2وقوله) :بل
فعله كبيرهم هذا( وواحدة في شأن سارة .فإنه قَدِ َ
)(3
م
أرض جبار ومعه سارة -وكانت أحسن الناس ،-فقال
ن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، لها :إن هذا الجبار إ ِ ْ
فإن سألك فأخبريه أنك أختي ،فإنك أختي في
السلم ،فإني ل أعلم في الرض مسلما ً غيري
وغيرك ،فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار أتاه
فقال له :لقد قدم أرضك امرأة ل ينبغي لها أن تكون
إل لك ،فأرسل إليها فُأتي بها ،فقام إبراهيم عليه
السلم إلى الصلة ،فلما دخلت عليه لم يتمالك أن
ضت يده قبضة شديدة ،فقال لها: قب ِ ِبسط يده إليها ،فَ ُ
ادعي الله أن يطلق يدي ،ول أضرك .ففعلت ،فعاد،
()1انظر المواقف،اليجي 358
()2سورة الصافات )(89
()3سورة النبياء )(63
345
ت أشد من القبضة الولى .فقال لها مثل ذلك، فقبض ْ
ففعلت ،فعاد فقبضت أشد من القبضتين الولين،
ه أن ل فقال :ادعي الله أن يطلق يدي ،فَل َ ِ
ك الل َ
طلقت يده ،ودعا الذي جاء بها، أضرك ،ففعلت ،وأ ُ ْ
فقال له :إنك إنما أتيتني بشيطان ،ولم تأتني بإنسان
)(1
طها هاجر(... َ
جها من أرضي ،وأع ِ فأخرِ ْ
وللعلماء فيه مذاهب:
ل :إثبات الحديث على ظاهره. أو ً
)(2
نقل النووي رحمه الله عن المازري قوله) :أما ما
ل يتعلق بالبلغ -يعني من الكذب -ففي إمكان
وقوعه من النبياء وعصمتهم منه القولن المشهوران
للسلف والخلف ...وقد تأول بعضهم هذه الكلمات
وأخرجها عن كونها كذبًا ...ول معنى للمتناع من
إطلق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم(
)(3
346
أما المر الول فلم أعثر على من ينسب إليه هذا
جوَّزالرأي ،غير اثنين ،أولهما المام الطبري ،حيث َ
صدور الكذب عن النبياء ،ثم قال) :وغير مستحيل أن
يكون الله تعالى أذن لخليله في ذلك ،ليقّرع قومه به،
ويقبح به عليهم (1)(...وثانيهما ابن الثير الجزري في
)(2
النهاية
وجمهور العلماء على خلف ما ذهب إليه الطبري
وابن الثير في هذه المسألة ،وقد سلكوا في هذا
الحديث مسلك التأويل لستحالة حمله على ظاهره -
كما سيأتي -
ثانيًا :نفي الكذب ،عن إبراهيم عليه السلم وتأويل
الخبر دون الطعن في ثبوته:
اختار جمهور العلماء العدول عن حمل الكذب على
ظاهره في هذا الحديث ،لنه يستحيل من وجوه.
-1أن قليل الكذب من صغائر الخسة التي تزري
بفاعلها وتخل بمروءته ،والجماع منعقد على عصمة
)(3
النبياء من الوقوع في صغائر الخسة.
الواقع.
قال القاضي عياض) :ما ورد من أخبار النبياء عليهم السلم
في الحاديث مما في ظاهره إشكال يقتضي أمورا ً ل تليق
بهم بحال ،وتحتاج إلى تأويل ،وتردد احتمال فل يجب أن
يتحدث منها إل بالصحيح ،ول يرد منها إل المعلوم الثابت.
ول يجوز إطلقه بقصد الزراء أو الهزل أو الستخفاف ،وإنما
يجوز ذلك عل سبيل المذاكرة والتعليم فقط ،وكمال الدب
في حق النبياء أن يهجر من العبارة ما يقبح وأن يتحرى
ل :هل يجوز على النبي الخلف أحسن اللفظ كأن يقول مث ً
في أقواله ،والخبار بخلف ما وقع سهوا ً أو غلطًا( وقد بسط
القول في ما يجوز النطق به في حق النبياء ما ل يجوز في
الشفا ،241-2/232والسيوطي في الحاوي .241-1/232
()1تفسير الطبري 10/240
()2النهاية في غريب الحديث 2/380
()3انظر الشفا ،عياض ،2/314والذكار ،النووي ،167
وشرح الفقه الكبر ،القاري 52
347
-2أن تجويز شيء من الكذب قد يحدث الريبة في
أخبار النبي وأقواله ،وقد ورد عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال) :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك،
)(1
فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة(
ومثل هذه الريبة ل تليق بالنبوة.
-3أن الله عز وجل وصف إبراهيم -عليه السلم -
قيه ،قال تعالى) :واذكر في الكتاب إبراهيم إنه دي ّ
ص ّ
بال ِ
ً )(2 ً
كان صديقا نبيا(
ديق :من كثر منه الصدق ،وقيل: قال الراغب) :الص ّ
)(3
بل يقال لمن ل يكذب قط(
ؤذن بإيراد فضيلة من فضائل -4إن سياق الحديث ي ْ
إبراهيم -عليه السلم -ولو كان الكذب في الحديث
على ظاهره لشكل علينا سبب ورود الحديث ،ل
سيما وأن الكذب غير لئق بآحاد المؤمنين ،وجاء في
حديث صفوان بن سليم أنه قال :قيل لرسول الله
صلى الله عليه وسلم :أيكون المؤمن جبانا ً ؟ فقال:
نعم ،فقيل له :أيكون المؤمن بخيل ً ؟ فقال :نعم،
)(4
فقيل له :أيكون المؤمن كذابا ً ؟ فقال :ل(
وبما سبق تعين تأويل الكذبات الواردة في الحديث،
قال القاضي عياض بعد ذكر قوله صلى الله عليه
وسلم) :لم يكذب إبراهيم إل ثلث كذبات() :معناه أنه
لم يتكلم بكلم صورته صورة الكذب -وإن كان حقا ً
)(5
في الباطن -إل هذه الكلمات(..
()1أخرجه الترمذي في كتاب الزهد والرقائق والورع
125/2518وقال :حسن صحيح.
()2سورة مريم 41
()3المفردات في غريب القرآن 277
()4أخرجه المام مالك مرسل ً من حديث صفوان ،انظر
تنوير الحوالك 3/153وقال ابن عبد البر :ل أحفظه
مسندا ً من وجه ثابت ،وهو حديث حسن مرسل ،انظر
المصدر نفسه
()5انظر ،الشفا ،عياض 2/323
348
وقال الحافظ ابن حجر) :وأما إطلقه الكذب على
المور الثلثة فلكونه قال قول ً يعتقده السامع كذبا ً
حققّ لم يكن كذبًا ،لنه من باب المعاريض لكنه إذا ُ
)(1
المحتملة للمرين ،فليس بكذب محض(
أما قوله )إني سقيم( فأراد به العتراض عن الخروج
مع قومه إلى عيدهم وشهود باطلهم وكفرهم وهو
صدق إذ يحتمل أن يكون أراد بقوله)إني سقيم( أي:
سأسقم ،واسم الفاعل يستعمل بمعنى المستقبل،
ومنه قوله تعالى) :ولما جاءت رسلنا إبراهيم
بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها
)(2
كانوا ظالمين(
ومنه قوله تعالى) :إنا منجوك وأهلك إل امرأتك كانت
من الغابرين * إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا ً
)(3
من السماء بما كانوا يفسقون(
فهذا القول من إبراهيم عليه السلم من التورية،
حتمل أكثر من معنى ،أحدهما وهي أن ي ُط ِْلق لفظا ً ي َ ْ
)(4
قريب ،والخر بعيد ،ويريد به البعيد فأراد إبراهيم
باسم الفاعل ما يحتمله من الستقبال موهما ً قومه
أنه أراد السقم في الحال.
ً
وعلى هذا الوجه الذي يجوز أن يكون مرادا تخرج
)(5
الكلمات عن الكذب حقيقة ،وتدخل في المعاريض.
سِئل عن كسر الصنام )بل فعله وأما قوله لما ُ
)(6
كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون(
فهو من التقريع والتوبيخ ،ويحتمل أنه ذكره إلزاما ً
349
مه
سر خد ِ لهم ،لنه لما كان هو الله الكبر ،فَك َ ْ
المقربين ل يصدر إل عنه ،ومثله ل يعد كذبًا ،كقوله
ذب في النار )ذق إنك أنت العزيز تعالى في حق المع ّ
الكريم() (1وهو في الحقيقة مهان ذليل.
ولم يقل إبراهيم عليه السلم هذا القول قاصدا ً إلى
تحقيق هذا القول ،بل أراد التقريع والتنبيه.
وقد حصل له ما أراد )فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا
)(2
إنكم أنتم الظالمون(
وأما قوله في حق سارة )إنها أختي( فهو صدق كما
قال ،وفي الحديث )فإنك أختي في السلم( وهو
)(3
صريح بأن التورية مراده.
وقد صح نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من
حديث عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم
خطب عائشة إلى أبي بكر ،فقال له أبو بكر :إنما أنا
أخوك ،فقال له :أنت أخي في دين الله وكتابه ،وهي
لي حلل() (4وكل القولين صدق.
ثالثًا :تأويل الحديث على فرض ثبوته
قال الرازي) :وهذا من أخبار الحاد فل يعارض الدليل
القطعي ...ثم إن صح حمل على ما يكون ظاهره
)(5
الكذب.(...
ويقول) :حضرت في بعض المجالس ،فتمسك بعض
الحشوية بما يروون :أنه عليه السلم ،قال) :إن
إبراهيم كذب ثلث كذبات( فقلت :إنه ل يجوز إسناد
الكذب إلى خليل الله بمثل هذا الخبر الذي ليفيد إل
الظن الضعيف.
ي -كيف يجوز تكذيب فقال الحشوي -كالغضبان عل ّ
الية ) (49من سورة الدخان. () 1
الية ) (64من سورة النبياء. () 2
انظر :عصمة النبياء ،الرازي .41 () 3
أخرجه البخاري في كتاب النكاح .11/5081 ()4
عصمة النبياء .42 () 5
350
الراوي ؟ فقلت له :العجب منك ومن دينك ،حيث
تستبعد تكذيب الراوي ،ول تستبعد براءة خليل الله
ت القضية لكان أنفعَ لك في عن الكذب ! ولو قلب َ
)(1
دينك ودنياك(.
والحاصل أن الكذب فيما ل يتعلق بالتبليغ قبيحة من
قبائح الذنوب التي تنزه عنها مقام النبوة ،وقد دلت
الدلة على عصمتهم منها ،ويكفي في نفي الكذب
عن إبراهيم عليه السلم ظنية دللة الخبر دون
الطالة في درجة ثبوته.
351
المطلب الرابع :ما جاء في تأثير السحر على النبي صلى ال عليه
وسلم
)(1
طف مأخذه ودق السحر في اللغة :كل ما ل َ ُ
سحر يقال على معان: وقال الراغب :وال ّ
الول :الخداع ،وتخييلت ل حقيقة لها ،نحو ما يفعله
المشعبذ بصرف البصار عما يفعله لخفة يد ...وعلى
ذلك قوله تعالى) :وسحروا أعين الناس واسترهبوهم(
)(3
)(2وقال):يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى(
الثاني :استجلب معاونة الشيطان بضرب من التقرب
إليه ،كقوله تعالى " :ولكن الشياطين كفروا يعلمون
)(5) (4
الناس السحر " (.
وقال ابن حزم :ومن السحر الطلمسات وهي أعمال
ة لقوى تعتمد على قوى ركبها الله عز وجل مداِفع ً
ُأخرى ،كدفع الحر للبرد ودفع البرد للحر ،وآثارها
ظاهر ل ينكرها إل معاند.
ونوع أخرى من السحر يكون بالّرقى :وهو كلم
مجموع من حروف مقطعة في طوالع معروفة أيضا ً
يحدث لذلك التركيب قوة تستثار بها الطبائع وتدافع
قوى أخرى ،فتعالج بها الورام والسقام ويبرأ بها
)(6
البرء التام
والنوع الخير هو الذي يطلق عليه الطب أيضاً،
)(7
والمطبوب هو المسحور
وقال ابن الثير :وكنوا بالطب عن السحر تفاؤل ً
()1انظر القاموس المحيط )سحر( 2/45
()2الية ) (116من سورة العراف.
()3الية ) (66من سورة طه.
()4الية ) (102من سورة البقرة.
()5المفردات 226
()6الفصل - 5-4 /5بتصرف يسير -
()7انظر مقاييس اللغة ،ابن فارس )طبب( ،3/408
والقاموس المحيط ،الفيروزآبادي )طبب( 1/96
352
)(1
بالبرء ،كما كنوا بالسليم عن اللديغ
وهذا النوع الخير من السحر فقط هو الذي يجوز أن
يقع النبي تحت تأثيره.
وقد جاء في الخبار الصحيحة مما أخرجه الشيخان
وغيرهما من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن
ل الله صلى حَر رسو َ س َ
عائشة رضي الله عنها قالتَ :
ل من بني زريق ،يقال له :لبيد بن الله عليه وسلم رج ٌ
العصم ،حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ،حتى إذا
كان ذات يوم -أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،ثم دعا ،ثم دعا ،ثم قال :يا عائشة!
أشعرت أن الله أفتاني فيما أفتيته فيه؟ جاءني رجلن
فقعد أهدهما عند رأسي والخر عند رجلي :فقال
الذي عند رأسي للذي عند رجلي -أو الذي عند
رأسي للذي عند رجلي -ما وجع الرجل ؟ قال:
مطبوب ،قال :من طبه ؟ قال :لبيد بن العصم ،قال:
مشاطة )(2قال: شط و ُ م ْ
في أي شيء ؟ قال :في ُ
)(3
ر ،قال :فأين هو؟ قال :في بئر ذي ب طلعة ذك ٍ ج ّ
وَ ُ
)(4
أروان قالت :فأتاها رسول الله صلى الله عليه
وسلم في أناس من أصحابه ،ثم قال :يا عائشة ،والله
لكأن ماءها ُنقاعة الحناء ،ولكأن نخلها رؤوس
الشياطين ،قالت :فقلت :يا رسول الله :أفل
أحرقته ؟ قال :ل أما أنا فقد عافاني الله ،وكرهت أن
()1النهاية 3/110
()2المشط :اللة المعروفة التي يسرح بها الشعر،
والمشاطة :ما يخرج من لشعر إذا مشط ،انظر فتح الباري
10/281،284
جف( وهما بمعنى واحد، ُ )و الروايات: أكثر وفي ب:
ج ّ
()3و ُ
وهو الغشاء الذي يكون على الطلع ،انظر فتح الباري
10/281
()4ذي أروان :بئر في بني زريق في المدينة ،انظر فتح
الباري .10/282
353
أثير على الناس شرًا ،فأمرت بها فدفنت(
)(1
354
وقد أنكر هذا الحديث -قديما ً وحديثا ً -بعض أهل
العلم.
ً
فالمعتزلة قديما بنوا إنكارهم هذا الحديث على
قولهم :بنفي حقيقة السحر ،وأنه مجرد تمويه واحتيال
وتخييل ) .(1وقال الحافظ ابن حجر) :وهذا اختيار أبي
جعفر الستراباذي من الشافعية) ،(2وأبي بكر الرازي
)(3
من الحنفية(
وممن أنكره حديثاً:
)(5
الشيخ محمد عبده ،وأبو رية) (4وحسن السقاف
ومجموع ما ساقوه من مسوغات إنكار هذا الحديث
ينحصر في النقاط التية:
-1أن تجويز تأثير السحر عليه حتى يتخيل أنه فعل
الشيء ولم يفعله قادح ومشكك في التبليغ ،إذ يجوز
)(6
أن يتخيل أنه ب َل ّغَ شيئا ً ولم يبلغه.
-2أن السحر نوع من سبل الشيطان على أبن آدم،
وقد دل القرآن الكريم على حفظه صلى الله عليه
وسلم منه ،قال تعالى) :إن عبادي ليس لك عليهم
)(7
سلطان * إل من اتبعك من الغاوين(.
355
-3أن حديث الباب من أخبار الحاد ،ول تثبت العقيدة
)(1
بخبر الحاد.
ً ً
وذهب جمهور العلماء قديما وحديثا إلى توجيه
الحديث على وجه يصح حمله عليه.
قال القاضي عياض رحمه الله) :السحر مرض من
ل يجوز عليه كأنواع المراض ،وعارض من العل ّ
)(2
قدح في نبوته( المراض مما ل ي ُْنكر ،ول ي َ ْ
والذي يدل على أن الذي أصابه صلى الله عليه وسلم
كان من جنس المرض ،قول الملكين) :ما وجع
الرجل؟ قال :مطبوب ،وقوله صلى الله عليه وسلم:
)(3
)أما أنا فقد عافاني الله(
وقد مر معنا أن من أنواع السحر ما يتعلق بالسقام
والورام وعلجها ،وهو ما يسمى من السحر بالطب،
ويكون تسلطه على الجوارح والعضاء ل على القلوب
والرواح.
ومثل هذا التأثير ل دليل على امتناعه على النبي -
والله أعلم -
وأجاب الجمهور عن الشبه التي أوردها المنكرون بما
يلي:
ل :إن إنكار المعتزلة حقيقة السحر مكابرة ،فقد أو ً
ذكره الله تعالى في كتابه ،وذكر أنه مما ي ُت ََعلم ،وذكر
فّرقُ به بين المرء وزوجه ،وهذا كله ل أن فيه ما ي ُ َ
)(4
يمكن فيما ل حقيقة له
قال تعالى) :واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك
سليمان ،وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا
356
يعلمون الناس السحر( إلى قوله )فيتعلمون منها
)(1
يفرقون به المرء وزوجه(
ثانيًا :أن تجويز تأثير السحر على الوجه الذي ذكرناه
غير قادح في النبوة ول مشكك في التبليغ .لن تأثير
طه على جوارحه وظاهره )ل على عقله سل ّ َ
السحر وت َ َ
وقلبه( وأشد ما يكون تأثيره عليه صلى الله عليه
وسلم أنه يتخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله ،لكنه
تخييل ل يعتقد صحته ،وإنما يكون من جنس الخواطر
)(2
التي تلوح ول تثبت
357
وبهذا ل يكون تجويز تأثير السحر عليه قادحا ً في
اعتقاداته ومعارفه الثابتة فضل ً عما قامت الدلة
القطعية على صدقه وصحته وعصمته فيه مما يتعلق
بالتبليغ ،والمعجزة شاهدة بذلك.
وتجويز ما قام الدليل بخلفه باطل ،فأما ما يتعلق
ببعض أمور الدنيا فغير بعيد ،ول ممتنع أن يخيل إليه
من أمور الدنيا ما ل حقيقة له ،على أن التخيل واقع
على بصره غير متطرق إلى العقل ،وليس في ذلك
)(1
ما يدخل لبسا ً على الرسالة.
وقال القاضي عياض) :ولم ينقل عنه في مده سحره
)(3
) (2قول كان بخلف ما أخبر به(
ثالثًا :أنا نسلم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من
الشيطان بقوله تعالى) :إن عبادي ليس عليهم
سلطان() (4إل أن من أنواع السحر ما يقوم به
الساحر بغير معونة الشيطان ،كما سبق ذكره ،قال
النووي:
)ول يستنكر في العقل أن الله سبحانه يخرق العادة
عند النطق بكلم ملفق ،أوتركيب _أجسام أو مزج
358
بين قوى ،على ترتيب ل يعرفه إل الساحر ،فيكون
قمة ،كالدوية س ِ
م ْ
منها أجسام قاتلة كالسموم ،ومنها ُ
)(1
الحادة ،ومنها مبرئه كالدوية المضادة للمرض(
رابعًا :وأما العتماد على القول بظنية ثبوت خبر
الحاد فل يمنع من قبول الخبر ،وتوجيهه على الوجه
الذي ذكره الجمهور ،فليس في هذا الوجه ما يمنع
منه العقل أو الشرع ،وإذا ارتفع المنع من العقل
والشرع لم يبق إل الجواز في هذه المسألة ،ويكون
الحديث -وإن كان ظنيا ً في ثبوته -شاهدا ً ومؤكدا ً
للجواز العقلي -والله أعلم .-
والحاصل ،أن منكري هذا الحديث لم يفرقوا بين
ظم عليهم أن يثبتوا ما يلزم منه أنواع السحر ،فَعَ ُ
ط الشيطان على أحوال النبي صلى الله عليه سل ّ ُ
تَ َ
جوُّز عليه التخييل في البلغ. وسلم ،أو ما ي ُ َ
وأما الجمهور فقد جوزوا تأثير السحر عليه صلى الله
عليه وسلم على الوجه الذي ل يقدح بنبوته ول ينقص
قدره ،ول يلزم منه التشكيك في التبليغ.
وهو الذي أراه جائزا ً -والله أعلم -لن الخبر الوارد
يؤكد جوازه العقلي ،ولن القرآن الكريم قد دل على
جواز هذا الجنس من تأثير السحر على النبياء وذلك
حَرة فرعون لما سحروا أعين الناس س َ
في قصة َ
واسترهبوهم وخيلوا إليهم أن الحبل أو العصا انقلبت
حية تسعى ،وفي حق موسى عليه السلم قال تعالى:
)قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من
ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه
من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة
موسى() (2وفي الية نص على تخيله ما لم يكن .ولم
يكن غاية تأثير السحر على نبينا محمد صلى الله عليه
()1شرح النووي على مسلم 5/35بتصرف يسير ،وقد سبق
نحوه عن ابن حزم في بداية المسألة.
()2الية ) (67-65من سورة طه.
359
وسلم أكثر من التخييل كما في الحديث .وقد دل
القرآن الكريم على جواز مثله على النبياء ،فل معنى
لنكار المنكرين -والله أعلم -
360
نننننن نننننن:نن ننن نن
نننننننن ننننننن نن نننن
نننننن
المعجزة :أمر خارق للعادة يظهر على يدي
مدعـي النبوة أو الرسالـة على وجه يبّين صدق
)(1
دعواه.
وإنما قلنا " :أمر "ليتناول الفعل كانفجار الماء من
م الفعل ،كعدم الحراق بالنار. بين الصابع ،وعد َ
والخارق للعادة :أمر ممكن في نفسه يحصل على
خلف ما ألف الناس ودرجوا عليه ) (2فانقلب العصا
حية مثل ً أمر ممكن ل يحيل العقل وقوعه بقدرة الله
عز وجل ،إل أن الذي ألفناه واعتدنا عليه أن خروج
الحية ل يكون إل من بيضة تخرج من جوف النثى
بوسائط شتى وبعد مرور زمن مخصوص في بيئة
مخصوصة ،فإذا أمر الله عز وجل خرجت الحية من
العصا على خلف ما عودنا عليه الله عز وجل في
عالم السباب.
وبقولنا " :على يدي المدعي " تخرج الخوارق الخرى
)(5
كالكرامة) (3والستدراج ) (4والرهاص.
361
وبقولنا " :على وجه يبين صدق دعواه " تخرج الهانة.
)(1
362
أني قد جئتكم بآية من ربكم أني ُأخلق لكم من
الطين كهيأة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ً بإذن الله
)(1
وأبرء الكمه والبرص وأحي الموتى بإذن الله(.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر النبياء
معجزة ،حتى أن معجزاته صلى الله عليه وسلم
أفردت بالجمع والتصنيف ،وجمع العلماء فيها أسفارا ً
ل ،زادت فيها على ألف ومائتي معجزة (2).ومن طوا ً
هذه المعجزات ما أمكن تحصيل العلم بها رغم
ورودها من طريق الحاد.
وسبق أن بينا أنه قد ينضم إلى خبر الحاد ما يمكن
التوصل به إلى العلم بثبوته من طرق خارجية .كأن
يروي الواحد حادثه بين يدي جمع غفير حضروا هذه
الحادثة فيمتنعوا عن تكذيبه مع ماهم عليه من
النزاهة والعدالة والحرص على تكذيبه لو كان كاذبا ً
وفيما يأتي بيان عدد من المعجزات التي تثبت بهذه
الطريق.
)(3
ل :نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أو ً
تكررت هذه المعجزة مرات عديدة ،جاء في كل
واحدة منها عدد من الخبار عن الصحابة الكرام
رضوان الله عليهم.
الولى :أثناء الرجوع من الحديبية.
أخرج البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله عنهما
قال) :عطش الناس يوم الحديبية ،والنبي صلى الله
عليه وسلم بين يديه ركوة) (4فتوضأ ،فجهش الناس
1
363
حوه ،فقال :ما لكم ؟ قالوا :ليس عندنا ماء نتوضأ ول
نشرب إل ما بين يديك ،فوضع يده في الركوة ،فجعل
الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون ،فشربنا
)(1
وتوضأنا(
)(2
وفي هذه القصة أحاديث عن أنس بن مالك
وسلمة بن الكوع ) (3والبراء بن عازب) (4وعبد الله بن
عباس) (5رضي الله عنهم أجمعين.
الثانية :نبع الماء من بين أصابعه بالزوراء
أخرج البخاري بسنده عن قتادة عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه كانوا بالزوراء -والزوراء بالمدينة عند
السوق والمسجد -فدعا بقدح فيه ماء ،فوضع كفه
فيه ،فجعل ينبع الماء من بين أصابعه فتوضأ أصحابه
364
جميعًا ،فقلت لنس ) :(1يا أبا حمزة ،كم كانوا ؟ فقال:
)(2
زهاء ثلثمائة(.
هذه المعجزة التي حصلت في الزوراء بالمدينه
شهدها جماعة من الصحابة ،إل أنها لم ترو إل عن
أنس رضي الله عنه ،وقال ابن بطال) :وذلك لطول
)(3
عمره وتطلب الناس العلو في السند(
الثالثة :في خروجه إلى قباء
أخرج الحافظ البيهقي بسنده عن أنس رضي الله
عنه قال :خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء،
فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير ،قال :فأدخل النبي
صلى الله عليه وسلم يده ،فلم يسعه القدح ،فأدخل
أصابعه الربع ولم يستطع أن يدخل إبهامه ،ثم قال
ي نبع
صر عين ّللقوم :هلموا إلى الشرب ،قال أنس :ب َ ُ
الماء من بين أصابعه ،فلم يزل القوم يردون القدح
ً )(4
حتى رووا منه جميعا(
وفي الباب أيضا ً أحاديث أخرى عن عمران ابن
365
الحصين) (1وعبد الله بن مسعود ) (2وزياد بن الحارث
)(5
الصدائي ) (3ومعاذ بن جبل ) (4وأبي قتادة النصاري
رضي الله عنهم أجمعين.
والواقع الذي تشير إلى هذه الحاديث أن قضية نبع
الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت
منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ،رواها بعض
من شهدها من الصحابة رضوان الله عليهم ،وهذه
الحاديث وإن كانت في أفرادها ظنية لورودها مورد
الحاد ،إل أن القطع يحصل من وجهين
الول :أن هذه الحاديث دلت بمجموعها على نبع
الماء من بين أصابعه على سبيل القطع ،فإن كل خبر
منها يدل على نبع الماء من بين أصابعه الشريفة
صلى الله عليه وسلم ويستحيل فيما جرت به العادة
أن ينقل الرواة أخبارا ً كثيرة تشترك في قدر
معين،ويكون هذا القدر مظنونًا،كما أنا نعلم قطعا ً
بكرم حاتم وشجاعة عنترة ،لن الخباريين نقلوا
عنهما قصصا ً ووقائع شتى ،وهذه الوقائع وإن كانت
أفرادها ظنية إل أن القدر الذي اشتركت فيه هذه
366
الخبار ،وهو جود حاتم وشجاعة عنترة أمر قطعي ل
ينكره إل معاند مكابر ،ومعلوم أن الرواة الذين نقلوا
لنا وقائع نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه
وسلم قد بلغوا من العدالة والضبط حدا ً إذا تفرد
الواحد عن الواحد منهم بنقل خبر فإنه يفيد الظن
الراجح ،فإذا تضافروا على رواية قدر مشترك في
أخبارهم استحال قطعا ً أن يكون كذبا ً أو غلطا ً أو
مظنونًا.
الوجه الثاني:
أنه قد شهد هذه الوقائع جمع من الصحابة رضوان
الله عليهم ،ورواها عدد منهم فدل سكوتهم على
تصديق من رواها منهم -كما سيأتي.-
367
ثانيًا :تكثير الطعام ببركته صلى الله عليه وسلم
تكررت هذه المعجزة في وقائع
الولى :دعوة أبي طلحة النصاري:
أخرج المام البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال) :قال أبو طلحة ُ
لم سليم ) :(1لقد
سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ضعيفا ً أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء ؟
قالت :نعم ،فأخرجت أقراصا ً من شعير ،ثم أخرجت
سْته تحت يدي خمارا ً لها ،فل ّ
فت الخبز ببعضه ،ثم و ّ
ولثتني) (2ببعضه ،ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال :فذهبت به ،فوجدت رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد ،ومعه الناس،
فقمت عليهم ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :أرسلك أبو طلحة ؟ فقلت نعم ،قال :بطعام ؟
قلت :نعم ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لمن معه :قوموا ،فانطلق ،وانطلقت بين أيديهم حتى
جئت أبا طلحة فأخبرته ،فقال أبو طلحة :يا أم سليم
قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس
وليس عندنا ما نطعمهم .فقالت :الله ورسوله أعلم،
فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله
عليه وسلم،فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو طلحة معه ،فقال رسول الله صلى الله عليه
ت بذلك
وسلم :هلمي يا أم سليم ،ما عندك ؟ فأت ْ
الخبز ،فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
368
دمته ) ،(2ثم قال َ صرت أم سليم عُ ّ فَ ُ
كة ) (1فأ ْ ت ،وعَ َ
ف ّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن
يقول ،ثم قال :ائذن لعشرة ،فأذن لهم ،فأكلوا حتى
شبعوا ،ثم خرجوا ،ثم قال :ائذن لعشرة ،فأذن لهم،
فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا ،ثم قال :ائذن لعشرة،
فأذن لهم ،فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا ،ثم قال:
ائذن لعشرة ،فأكل القوم كلهم حتى شبعوا ،والقوم
ً )(3
سبعون أو ثمانون رجل(
الثانية :في غزوة الخندق:
أخرج المام البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله
رضي الله عنه قال) :لما حفر الخندق رأيت بالنبي
)(5
صلى الله عليه وسلم خمصا ً ) (4شديدًا ،فانكفيت
إلى امرأتي ،فقلت :هل عندك شيء ؟ فإني رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا ً شديدًا،
فأخرجت إلي جرابا ً فيه صاع من شعير ،ولنا بهيمة
داجن ،فذبحتها وطحنت الشعير ،ففرغت إلى فراغي،
وقطعتها في برمتها ) (6ثم وليت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،فقلت :ل تفضحيني برسول الله
صلى الله عليه وسلم وبمن معه ،فجئته فساررته،
369
فقلت:
يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا ،وطحنا صاعا ً من شعير
كان عندنا ،فتعال أنت ونفر معك ،فصاح النبي :يا أهل
الخندق ،إن جابرا ً قد صنع سورا ً ) (1فحي هل بكم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ل ت ُن ْزِل َ ّ
ن
ُبرمتكم ،ول تخب ُْزن عجينكم حتى أجيء ،فجئت وجاء
دم الناس ،حتى ق ُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ي َ ْ
ت الذي ت :قد فعل ُ ت امرأتي ،فقالت :بك وبك ،فقل ْ جئ ُ
مد َ
ت له عجينا فبصق فيه وبارك ،ثم عَ ِ ً ت ،فأخرج ْ قل ِ
إلى برمتنا فبصق وبارك ،ثم قال :ادفع خابزة فلتخبز
معي ،واقدحي من برمتكم ول تنزلوها -وهم ألف -
فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن
)(2
برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو(.
وقد بين الباقلني رحمه الله وجه إفادة العلم
والقطع من الخبار الواردة في أمهات المعجزات
الحسيه أحسن بيان فقال:
)وأما سبيل العلم بأعلمه عليه السلم فهو النظر
والستدلل ل الضطرار .والدليل على ذلك ،أنا نعلم
ضرورة :أن هذه العلم قد نقلت عن النبي صلى الله
عليه وسلم في جميع أعصار المسلمين ،وأن المة لم
تخل قط في زمن من الزمان من ناِقلة لهذه العلم،
وأنها قد أذيعت في الصدر الول ورويت من حيث
َيسمع روايتها مشاهدو النبي صلى الله عليه وسلم
()1السور :طعام يدعى إليه الناس ،انظر :النهاية ،ابن الثير
.2/420
()2أخرجه المام البخاري في كتاب المغازي 30/4102من
طريق حنطلة بن أبي سفيان عن سعيد بن ميناء عن جابر،
والمام مسلم في كتاب الشربة 20/141والبيهقي في
الدلئل 3/426وأخرجه البخاري في كتاب المغازي
30/4101من طريق عبد الواحد بن أيمن ،عن أبيه أيمن
الحبشي ،عن جابر والبيهقي في الدلئل ،3/425وأبو نعيم
.358
370
صر عددهم عن عدد ومعاصروه ،وأن الناقلة لها وإن قَ ُ
أهل التواتر -وكانوا آحادا ً -فإن كل ناقل منهم أضاف
ما نقله للنبي صلى الله عليه وسلم من هذه العلم
إلى مشهد مشهود وموقف معروف وغزاة قد حضر
أهلها السامعون لنقلهم فلم ينكروا عليهم ،ول ردوا
نقلهم ،ول ظهر منهم تهمة للنقلة ،ل عند سماع
خبرهم ول بعد ذلك.
وقد علم بمستقر العادة إمساك مثل ذلك العدد
الكثير عن إنكار كذب يدعى عليهم ويضاف إلى
سماعهم ومشاهدتهم ،مع ما هم عليه من نزاهة
ن بتحريم الكذب ،فلو النفس ،وكبر الهمم ،والتدي ِ
كانوا عالمين بكذب ما ادعاه النقلة عليهم لسارع
جميعهم أو الجمهور منهم إلى إنكاره وتبكيت قائله.
كما أنه لو ادعى مدع بحضرة أهل بغداد أو محلة من
محالها أنه رأى مالم يروه لم يلبثوا أن يردوا قوله
ويعلموا
371
الناس بطلن ما ادعاه عليهم.
هذا ثابت في مستقر العادة ،كما أنه يستحيل في
موضوع العادة على نقلة السير والخبار والوقائع
الكذب فيما نقلوه ،وإذا كان ذلك كذلك دل إمساك
الصحابة رضوان الله عليهم عن تكذيب ما نقله من
هذه العلم على صدق ما أضيف إليهم ،وقام
إمساكهم عن إنكار ذلك مقام نقلهم لمثل ما نقله
الحاد ،وقوِلـهم :قد صدقوا فيما نقلوه وقد شاهدنا
مثل الذي شاهدوه.
وهذه دللة ظاهرة ،وحجة قاهرة على صحة نقل هذه
العلم وصدق رواتها وإن قصروا عن حد أهل التواتر(
)(1
372
)(13
والتفتازاني) (11والجلل الدواني ) (12والباجوري
وهو الذي أراه ثابتا ً مقطوعا ً به فإنا نجد بالضرورة من
أنفسنا إثبات هذه المعجزات - .والله أعلم -
373
يييييي يييييي :يييييييي يييي
يييييي يي يييييييي
يييي ييي ييييي.
يييييي ييييي يي ييييي يييييي
يييييي
يييييي يييييي :يي ييييي
ييييي يييييي
يييييي يييييي :يي يييييي
ييييييي يييييييي يييي يييي
ييي يييي يييي يييي ييي
ييييييي
يييييي يييييي :يي ييي
ييييييي ييي ييييييي
يييييي يييييي :يي يييييي
يييييي يييييي :يي يييي يييي
يي ييي
374
المبحث الثالث :الحتجاج بخير الحاد في السمعيات
المطلب الول في أشراط الساعة الكبرى
تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يكون
بين يدي الساعة من أحداث كبرى وأحداث صغرى،
منها ما وقع ،ومنها ما لم يقع بعد.
ومن أهم هذه الحداث تلك التي تكون مقدمة
وإيذانا ً لتغيير النظام الكوني والسنن الكونية ،والتي
تعرف بأشراط الساعة الكبرى ،واقتصر المتكلمون
على ذكرها في العقائد لن من هذه الشراط ما
ثبت أصله بالخبار المتواترة ومنها ما ثبت أصله
بالحاد ووافق أصل ً في القرآن الكريم فاستفاد
القطع من هذه الموافقة.
وجاء في الخبار تحديد هذه الشراط الكبرى
بعشرة أشراط
ُ
أخرج المام مسلم بسنده عن حذيفة بن أسيد
الغفاري رضي الله عنه قال) :اطلع رسول الله
صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر ،فقال :ما
تذاكرون ؟ قلنا :نذكر الساعة ،قال) :إنها لن تقوم
حتى تروا قبلها عشر آيات ،فذكر الدخان ،والدجال،
والدابة ،وطلوع الشمس من مغربها ،ونزول عيسى
مريم ،ويأجوج ومأجوج ،وثلثة خسوف ،خسف
بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب،
)(1
وآخر ذلك نار تطرد الناس إلى المحشر(
375
ويحتاج إلى تفصيل في هذه الشراط ليتبين لنا ما
فيها من احتجاج بخبر الحاد.
الدخان
أصل الدخان الذي هو شرط من أشراط الساعة
دل عليه ظاهر قوله تعالى) :فارتقب يوم تأت.
السماء بدخان مبين ،يغشى الناس هذا عذاب أليم
* ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون( ) (1وشهدت
له بضعة أحاديث ،فحصل من مجموعها وموافقتها
للية الكريمة ارتفاع الظن في ثبوت الحاديث
الشريفة ،وارتفاع الظن عن دللة الية الكريمة
)(2
على الدخان الذي هو شرط من أشراط الساعة.
.7/186
()1سورة الدخان .12-10
()2دللة الية الكريمة على الدخان المرتقب في أشراط
الساعة دلله ظنية محتمله ،ولذلك اختلف السلف في
تفسيرها.فأخرج البخاري في كتاب تفسير سورة الدخان
4824-1/4820عن عبد الله بن مسعود أنه قال) :إنما كان
هذا لن قريشا ً لما استعصوا على النبي صلى الله عليه
وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ،فأصابهم قحط وجهد
حتى أكلوا العظام ،فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما
بينه وبينها كهيأة الدخان من الجهد ،فأنزل الله عز وجل
)فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا
عذاب أليم( قال :فأتي رسول الله ،فقيل له :يا رسول الله،
استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ،قال :لمضر ؟إنك
لجريء ،فاستسقى ،فسقوا ،فنزلت )إنكم عائدون( فلما
أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية،
فأنزل الله عز وجل) :يوم نبطش البطشة الكبرى إنا
منتقمون( قال :يعني يوم بدر( .وقال ابن كثير في تفسيره
) :4/139وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير
الية بهذا جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم
النخعي .....وقال آخرون لم يمض الدخان بعد ،بل هو من
أمارات الساعة ،كما تقدم من حديث أبي سريحة -حذيفة
بن ُأسيد الغفاري رضي الله عنه.(...
376
ومن الخبار التي ذكر فيها الدخان الحاديث التية:
الول :حديث حذيفة بن ُأسيد الغفاري رضي الله
عنه -وقد سبق -
الثاني :أخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال:
ً
)بادروا بالعمال ستا :الدجال ،والدخان ،ودابة
الرض ،وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة
)(2)((1
صة أحدكم خوَي ْ َ
و ُ
الثالث :أخرج المام الطبري في تفسيره بسند
صحيح ) (3عن عبد الله بن عباس أنه فسر الدخان
الوارد في الية الكريمة بالدخان المرتقب يوم
)(4
القيامة.
وأخرجه ابن أبي حاتم بسند قال فيه ابن كثير) :هذا
إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر
المة وترجمان القرآن ،وهكذا قول من وافقه من
الصحابة والتابعين رضي الله عنهم مع الحاديث
المرفوعة من الصحاح والحسان ،مما فيه مقنع
ودللة ظاهرة على أن الدخان من اليات المنتظرة،
)(5
مع أنه ظاهر القرآن(
()1أمر العامة :يراد به يوم القيامة .والخويصة :تصغير خاصة
ويراد بها الموت.نقله النووي في شرحه على مسلم 5/808
عن قتادة بن دعامة السدوسي.وانظر النهاية في غريب
الحديث ،ابن الثير.2/37 .
()2في كتاب الفتن وأشراط الساعة من طريقين عن قتادة
عن الحسن البصري عن زياد بن رياح عنه 25/129ومن
طريق العلء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي
هريرة 128 /25وأحمد في المسند 2/324وابن مندة في
اليمان .1011-1007
()3صححه ابن كثير في تفسيره .4/154
()4تفسير الطبري .25/113
(5) ()5انظر تفسير القرآن العظيم ،ابن كثير 145- 4/144
377
في الدجال الكبر
ورد في السنة الشريفة الشارة إلى خروج قريب
من ثلثين دجال ً ) (6آخرهم الدجال الكبر الذي يعتبر
ظهوره من علمات الساعة الكبرى.
وخروج هذا الدجال الكبر ثابت بالقدر المشترك
عظ َ َ
م ذكر فيها ِذكر فيها صفته ،وأخبارٍ ُ بين أخبارٍ ُ
ذكر فيها ما يجري على يديه من فتنته وأخبارٍ ُ
ذكر فيها قتله على يدي خوارق العادات ،وأخبارٍ ُ
المسيح الدجال .ويحصل من مجموع هذه الخبار
تواتر القدر المشترك بينها وهو أن خروج الدجال
)(7
الكبر علمة من علمات الساعة.
378
أما آحاد هذه الخبار وما جاء فيها من تفصيل سيرته
فتحتاج إلى تفصيل:
ل :ما جاء في صفاته الخلقية: أو ً
أخرج المام مسلم بسنده عن النواس بن بن
سمعان رضي الله عنه قال):ذكر رسول الله صلى
فض فيه الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخ ّ
ورّفع (1)،حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه
عرف ذلك فينا ،فقال):ما شأنكم؟ قلنا :يا رسول
الله ذكرت الدجال غداة ،فخفضت فيه ورفعت حتى
ظنناه في طائفة النخل .فقال :غيُر الدجال أخوفني
ن يخرج وأنا فيكم ،فأنا حجيجه دونكم ،وإن عليكم ،إ ْ
يخرج ولست فيكم ،فامرؤ حجيج نفسه ،والله
خليفتي على كل مسلم .إنه شاب قطط) (2عينه
طافئة ،كأني أشّبهه بعبد العزى بن قطن ،فمن
أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ،إنه
ة) (3بين الشام والعراق ،فعاث يمينًا ،وعاث خل ّ ً
خارج َ
ً)(4
شمال يا عباد الله فاثبتوا ،قلنا يا رسول الله :وما
لبثه في الرض؟ قال :أربعون يومًا ،يوم كسنة،
ويوم كشهر ،ويوم كجمعه ،وسائر أيامه كأيامكم،
قلنا يا رسول الله ،وما إسراعه في الرض؟
قال:كالغيث استدبرته الريح ،فيأتي على القوم
فيدعوهم ،فيؤمنون به ،ويستجيبون له ،فيـأمر
ض فتنبت ،فتروح عليهم السماء فتمطر ،والر َ
379
)(2 وأسبغه ضروعا ً )(1 ذرا ًسارحتهم أطول ما كانت ُ
)(3
وأمده خواصر.
م فيدعوهم ،فيردون عليه قوله ثم يأتي القو َ
حلين ليس بأيديهم م ِ
م ْ فينصرف عنهم ،فيصبحون ُ
خرَبة فيقول لها: شيء من أموالهم ،ويمر بال َ
)(4
أخرجي كنوزك ،فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل
ثم يدعو رجل ً ممتَلئا ً شبابا ً فيضربه بالسيف،
فيقطعه جزلتين رمية الغرض ) (5ثم يدعوه فيقبل
ويتهلل وجهه ،يضحك فبينما هو كذلك ،إذ بعث الله
المسيح ابن مريم ،فينزل عند المنارة البيضاء
مهُْرودتين ) (6واضعا ً كفيه على شرقي دمشق ،بين َ
طر ،وإذا رفعه تحدر أجنحة ملكين ،إذا طأطأ رأسه قَ َ
سه
ف ِ منه جمان كاللؤلؤ ) (7فل يحل لكافر يجدر ريح ن َ َ
فسه ينتهي حين ينتهي ط َْرفه ،فيطلبه إل مات ،ون َ َ
ُ )(8
نحتى يدركه بباب لد ّ فيقتله ،ثم يأتي عيسى اب ِ
()1المراد ترجع ماشيتهم آخر النهار مرتفعا ً أعلى سنامها،
انظر :النهاية ،ابن الثير .2/159
()2المراد :طول الضرع من كثرة اللبن فيه .انظر شرح
النووي .5/787
متلء الخاصرة من الشبع .انظر المرجع السابق ()3المراد :ا ْ
.5/787
()4اليعسوب :فحل النحل .انظر النهاية ،ابن الثير ،3/234
وشرح النووي .5/787
()5الجزلتين :القطعتين ،والغرض :الهدف .والمراد أنه
يضربه ضربتين فيقطعه قطعتين ويكون ب ُْعد ما بين القطعتين
بقدر رمية السهم إلى الهدف .نظر النهاية ،ابن الثير 3/360
وشرح النووي .5/788
()6بين مهرودتين :أي لبس ثوبين مصبوغين بزعفران .انظر
النهاية ،ابن الثير 5/258وشرح النووي .5/788
()7الجمان :حب يتخذ من الفضة على هيأة اللؤلؤ ،انظر
النهاية ابن الثير ،5/301وشرح النووي .5/788
د :قرية قريبة من بيت المقدس ،انظر النهاية ،ابن ()8باب ل ُ ّ
الثير 4/245وشرح النووي .5/789
380
م قد عصمهم الله منه ،فيمسح على مريم قو ٌ
وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ،فبينما هو
كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى :إني قد أخرجت
ن ) (1لحد بقتالهمَ ،فحّرز عبادي إلى عبادا ً لي ،ل يدا ِ
الطور (2)،ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل
حدب ينسلون (3)،فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية
فيشربون ما فيها ،ويمر آخرهم ،فيقولون :لقد كان
بهذه مرة ماء ،ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه
حتى يكون رأس الثور لحدهم خيرا ً من مائة دينار
)(4
لحدكم اليوم ،فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه،
فيرسل الله عليهم الن َّغف ).(5في رقابهم ،فيصبحون
س واحدة ،ثم يهبط نبي اللهت نف ٍ فرسى) (6كمو ِ
عيسى وأصحابه إلى الرض فل يجدون في الرض
مهم ) (7ونتنهم ،فيرغب نبي موضعَ شبر إل مله َزهَ ُ
الله عيسى وأصحابه إلى الله ،فيرسل الله طيرا ً
381
كأعناق البخت ) (1فتحملهم ،فتطرحهم حيث شاء
ن منه بيت مدرٍ ول الله ،ثم يرسل الله مطرا ً ل ي َك ُ ّ
ه ثم)(3
وبر (2)،فيغسل الرض حتى يتركها كالَزل َ َ
ف َ
يقال للرض :أنبتي ثمرتك ؛ردي بركتك ،فيومئذ
)(4
فهاح ِ
ق ْ تأكل العصابة من الرمانة ،ويستظلون ي َ
سل(5).حتى أن الّلقحة) (6من البل ويبارك في الّر ْ
لتكفي الفئام من الناس ،واللقحة من البقر لتكفي
القبيلة من الناس ،واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ
من الناس ،فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا ً طيبة،
فتأخذهم تحت آباطهم ،فتقبض روح كل مؤمن وكل
)(7
مسلم،ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها َتهاُرج
)(9
مر) (8فعليهم تقوم الساعة( ح ُ
ال ُ
وهو الطين الصلب ،ول بيت من وبر البل .انظر النهاية ،ابن
الثير .5/145وشرح النووي .5/790
فة :المرآة ،انظر :النهاية ،ابن الثير .2/3309 ()3الَزل َ َ
()4قال ابن الثير) :أراد قشرها ،تشبيها ً بقحف الرأس ،وهو
الذي فوق الدماغ( .انظر النهاية ،ابن الثير .4/17
سل :اللبن ،انظر النهاية .2/222 ()5الَر ْ
()6اللقحة :الناقه القريبة العهد بالنتاج .انظر النهاية ،ابن
الثير .4/262
()7أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس ،كما تفعل
البهائم .انظر النهاية ،ابن الثير 5/527وشرح النووي
.5/791
مر :جمع حمار .انظر النهاية ،ابن الثير .1/439 ح ُ ()8ال ُ
()9أخرجه المام مسلم في كتاب الفتن .20/2937وأبو
داود في كتاب الملحم 14/4321والترمذي في كتاب الفتن
59/2240وابن ماجة في كتاب الفتن 33/4075والبغوي
في شرح السنة في باب الدجال لعنه الله ).(4261
382
وفي هذا الحديث تفاصيل ينبغي الوقوف عليها،
لن بعض المعاصرين أنكروا جملة الخبار التي
تحدث عن الدجال بدعوى التعارض والضطراب.
ل :صفة الدجال الخلقية أو ً
جاء في الحديث وصف الدجال بأنه شاب شديد
جعودة الشعر عينه طافئة،وفي بعض النسخ)عينه
عنبة طافئة()(1والمراد تشبيه عينه بالحبة من العنب
التي خرجت عن حد نبتة أخواتها،فظهرت من بينها
)(2
وارتفعت
وفي حديث ابن عمر عند الشيخين أنه أعور العين
اليمنى .وفي حديث حذيفة بن اليمان عند مسلم أنه
)(3
أعور العين اليسرى.
وقد جعل الدكتور فتحي عيد يحيى وعز الدين
بليق تعارض ظاهر الروايتين ذريعة لرد جميع ما ورد
في أحاديث الدجال.
يقول الدكتور فتحي) :الحاديث على ظاهرها
مشتملة على بعض المتعارضات ،فبعضها يصف
الدجال أنه أعور العين اليمنى .وأخرى تصفه بأنه
أعور العين اليسرى...وذلك التعارض ل يقبل التأويل
)(4
أو التوفيق(
وقال) :والرأي عندي أن الحاديث لكونها من طريق
الحاد وصحيحة السناد ،فإنها ل تحمل حقيقة تواجد
الدجال بتلك الصورة التي وردت فيها ،لن ذلك من
)(5
المسائل الغيبية التي تمس العقيدة(
383
ويقول عز الدين بليق) :أحاديث المسيح الدجال
أحاديث كثيرة متناقضة() (1وذكر أمثلة على التناقض
منها قوله) :هل هو أعور العين اليسرى كما في
حديث حذيفة أم أنه أعور العين اليمنى -كما في
)(2
حديث ابن عمر ؟(
وهكذا يعتمد البعض في إنكار ما تناقله المسلمون
جيل ً عن جيل وتواترت به جملة الخبار على أمرين
الول :دعوى التعارض في الخبار.
الثاني :أن الخبار الحاديه ل تثبت بها المور الغيبية.
أما المر الول فل نسلم دعوى التعارض في صفة
عيني الدجال ول أنها لتقبل التأويل أو التوفيق ،بل
تقبله وتقبل الترجيح:
أما التوفيق :فالعور في اللغة العيب
وار ذهاب حس إحدى ور والعُ ّ
قال الفيروزآبادي) :العَ َ
وار كل ما أعل العين كالرمد العينين ،والعائر كالعُ ّ
)(3
والقذى(
قال النووي):وكل عيني الدجال معيبة عوراء،
)(4
إحداهما بذهابها ،والخرى بعيبها(
ويمكن الترجيح بدل ضرب الخبار بعضها ببعض،
وهو ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر فقال بترجيح ما
اتفق عليه الشيخان في حديث ابن عمرأن العور
384
في عينه اليمنى على رواية حذيفة رضي الله عنه
)(1
عند المام مسلم.
ثانيًا :مكان خروجه:
يقول الدكتور فتحي محمد يحيى):ومن التعارض
اختلف الزمان والمكان الذي يخرج منه .ففي بعض
الروايات أنه يخرج من قبل المشرق على البهام.
وفي حديث النواس عند مسلم أنه يخرج من خلة
بين الشام والعراق ...وروى أحمد والحاكم أنه
)(2
يخرج من خراسان(
أما خروج الدجال من أصبهان فهو عند المام أحمد
من حديث عائشة رضي الله عنها ) (3بسند قال فيه
الهيثمي):ورجاله رجال الصحيح غير الحضرمي بن
لحق .وهو ثقة( )(4وعند المام مسلم من حديث
أنس بن مالك .أنه يتبعه من يهود أصبهان سبعون
ألفا ً) (5ول يفيد خروجه منها ،والله أعلم.
أما خروجه من قبل المشرق ففي حديث أبي بكر
الصديق عند الترمذي ) (6وابن ماجة ) (7وفيه أنه
)(8
يخرج من أرض بالمشرق ،ويقال لها :خراسان.
ول تعارض بين الروايات جميعها لن أصبهان مدينة
في في أرض خراسان .وهي جزء من إيران ،وهي
في جهة المشرق بالنسبة لبلد الحجاز ،أما رواية
خروجه من خلة بين الشام والعراق ،فليس فيها
تحديد المراد بخروجه من طريق تصل بين الشام
()1انظر فتح الباري .13/121
()2أشراط الساعة .91
()3مسند أحمد .6/75
()4مجمع الزوائد .7/3338
()5في كتاب الفتن .25/2944
()6في كتاب الفتن .57/2237
()7في كتاب الفتن .32/4072
()8انظر معجم البلدان)،ياقوت الحموي()626هـ(1/206دار
صادر-بيروت1955.وانظر المصدر نفسه .2/350
385
والعراق ،فيحتمل أن يكون المراد خروجه من
طريق تمر بين الشام والعراق ،ول يبعد أن تكون
أصبهان مرحلة من مراحل هذه الطريق التي تمتد
حتى تمر بين الشام والعراق ،وبهذا يرتفع التعارض
الظاهري بين الخبار -والله أعلم .-
ثالثًا :مدة لبثه في الرض:
يقول عز الدين بليق :بالنسبة للبث الدجال في
الرض ،في حديث النواس بن سمعان يذكر أن
يلبث أربعين يومًا ،يوم كسنة ويوم كشهر ...وفي
حديث النعمان بن سالم )فيمكث أربعين -ل أدري،
ً )(1
يومًا ،أوأربعين شهرًا ،أو أربعين عاما(
)فإن كان مدة لبثه أربعين يوما ً فهل يمكن أن ينجح
في دخول كل البلد والمدن والقرى .وينجح في
)(2
سحب سبعين ألفا ً من يهود أصبهان وحدها(....
ويقول) :وفي الحديث الذي يقول فيه" يوم كسنة
ويوم كشهر " ...فهل سيقوم الله سبحانه وتعالى
بتغيير دوران الرض حول محورها ثلث مرات
)(3
لينسجم مع هذا الحديث ؟(
وعلى ما سبق من كلمه مؤاخذات عديدة.
الولى :أنه ل يظهر أن التعارض بين الرواية التي
ذكر فيها العدد على سبيل التشكيك وبين الرواية
التي جزم فيها بالعدد أربعين .لنه شك من الراوي،
ل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقع
التعارض.
الثانية :استبعاد انتشار الدجال في الرض في تلك
المدة ل يضعف الحديث غاية ما فيه أنه يستحيل
ة .والعقل ل يحيله ،والعوائد قابلة للتغيير ،فقد عاد ً
()1يريد حديث عبد الله بن مسعود من طريق النعمان بن
سالم ،وهو عند مسلم في كتاب الفتن .22/2940
()2أشراط الساعة .101
()3نفسه .99
386
كان في الماضي القريب يستحيل عادة أن ينتقل
الشخص من مكة إلى العراق مثل ً في يوم وليلة.
أما اليوم فيمكن التنقل بينهما في ساعات معدودة.
الثالثة :يجوز في ذكر اليام وأنواعها أن يكون مجازا ً
عن شعور الناس ببطء مرور الوقت من شدة ما
)(1
يرون من البلء
ً
على أنه ل يستحيل عقل أن يقوم الله عز وجل
بتغيير دوران الرض لينسجم مع حديث النبي صلى
الله عليه وسلم.ومما سبق يتبين لنا أن خروج
الدجال ثابت على سبيل القطع .وأما من أنكر
خروجه فإنما اعتمد على ضرب بعض الخبار بعضها
ببعض بأقل شبهة تدور في الخاطر .وعلى فرض
ورود بعض الخبار المتعارضة تعارضا ً ليمكن معه
جمع ول تأويل فإنما يتوقف في صحة المتعارضين.
ويبقى بعد ذلك في أخبار الدجال ما ل يحطها عن
مرتبة المتواتر المعنوي -والله أعلم.
مَثل المنكرين لخروج الدجال بدعوى التعارض في و َ
أخباره كمثل قوم جاءهم منذر بقدوم جيش جرار
يتقدمه تسعة فرسان مدججين بالسلح ،ثم أتاهم
منذر آخر بقدوم جيش يتقدمه سبعة فرسان
مدججين بالسلح ،فقام أحدهم يهون عليهم المر
ويقعدهم عن التجهيز للقاء الجيش بدعوى تناقض
الخبار واضطرابها - .والله أعلم.
387
وقد جمع الشيخ محمد أنور شاه الكشميري كثيرا ً
من هذه الخبار في كتابه التصريح بما تواتر في
نزول المسيح ) (1وقال الغماري في نزوله عليه
السلم):يرويه جمع من الصحابة يزيد عددهم على
)(2
العشرين(
وأحصى الكوثري في أحاديث نزوله عليه السلم
سبعين حديثًا ،وقال) :أربعون منها صحاح وحسان،
(3).
والباقي منجبر(
وتحت هذا الصل الثابت على سبيل التواتر
المعنوي أخبار آحاد فيها صفة نزوله عليه السلم،
ومكان نزوله ،وأعماله التي يقوم بها قبل نزوله.
أول ً _ سبق في حديث النواس بن سمعان أن
مْهرودتين،وقال
عيسى عليه السلم ينزل بين َ
لولى في تفسير هذه الجملة أن الشيخ عبد الفتاح :ا َ
ذلك إشارة إلى نزوله على الحال التي رفع عليها
إلى السماء( ) (4وسبق أنه ينزل معه ملكان.
وقد ورد في مسند أحمد وصف الملكين في حديث
سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيه):معه ملكان من الملئكة يشبهان نبيين من
النبياء ،ولو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء
388
آبائهما ،واحد منها عن يمينه والخر عن شماله(...
) .(1وقد نص الحافظ ابن كثير على نكارته فقال:
)تفرد به أحمد ،وإسناده ل بأس به ،ولكن في متنه
)(2
غرابة ونكارة(
ثانيًا :ما جاء في مكان نزوله عليه السلم :سبق
في حديث النواس بن سمعان أنه ينزل عند المنارة
البيضاء بدمشق.
ثالثًا :أعماله التي يقوم بها:
أخرج المام البخاري بسنده من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال) :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل
)(3
فيكم ابن مريم حكما ً مقسطًا ،فيكسر الصليب
)(4
ويقتل الخنزير
)(6 )(5
ويضع الجزية ويفيض المال حتى ل يقبله أحد(
ويقوم المسيح عليه السلم بقتل الدجال ،على ما
صحت به الخبار من حديث النواس بن سمعان وقد
سبق
5/221 ()1
()2النهاية في الفتن.1/139 ،
()3يحتمل أن يكون المراد كسر الصليب حقيقة،و يحتمل أن
يكون المراد إبطال دين النصرانية ،انظر :فتح الباري
،6/608والتصريح ،الكشميري ،92والساس في العقائد،
سعيد حوى .3/1094
()4المراد أنه يأمر بقتل الخنزير مبالغة في تحريم أكله،
انظر :فتح الباري 4/521والتصريح الكشميري .92
والساس في العقائد ،سعيد حوى .3/1094
()5المراد أنه ل يقبلها ،ول يقبل من الكفار إل السلم أو
القتل .انظر :شرح النووي على مسلم ،1/370وفتح الباري
.6/608والساس في العقائد سعيد حوى .3/1094
()6أخرجه البخاري في كتاب البيوع ،102/2222وفي كتاب
النبياء ،49/3448ومسلم في كتاب اليمان 71/155
والترمذي في كتاب الفتن .54/2233
389
وله شواهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
)(6
رضي الله عنهما عند مسلم ) (5والمام أحمد
)(7
ومجمع بن جارية النصاري عند الترمذي
وآحاد هذه الخبار وإن لم تصل إلى درجة التواتر،
فل وجه لنكارها لن فيها إخبارا ً عن أمر غيبي ل
يعارض عقل ً ول شرعًا ،فيجب فيها أصل التصديق،
ول يجب فيها العتقاد الجازم الذي يكفر منكره.
في خروج يأجوج ومأجوج
يأجوج ومأجوج) (8طائفتان من ذرية آدم عليه السلم
) (9وخروجهم قبل يوم القيامة ثابت على سبيل
القطع واليقين من وجهين:
الول :تواتر القدر المشترك بين أخبار كثيرة
متفرقة ،فيها أوصافهم ،وما يقومون به من إفساد
في الرض ،وما يسلطه الله عز وجل عليهم
لهلكهم ،وهذه الخبار وإن كانت ظنية في أفرادها،
إل أنها تدل على قدر مشترك بينها على سبيل
)(10
القطع
390
الثاني :موافقة هذه الخبار لصل في كتاب
الله عز وجل.
قال تعالى) :قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج
مفسدون في الرض فهل نجعل لك خرجا ً على أن
تجعل بيننا وبينهم سدًا( إلى قوله تعالى):فما
اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نفبا ً * قال
هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء
ً )(1
وكان وعد ربي حقا(
وقوله تعالى):حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم
)(2
من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق(...
ووجه تحصيل القطع بموافقة الخبار لهذه اليات
هو تعيين الوعد الوارد فيها بما دلت عليه الخبار من
خروجهم قبل قيام الساعة ليكون خروجهم علمة
من علمات الساعة.
وتحت هذا الصل الثابت أخبار فيها تفصيل بذكر
أوصافهم وأخبارهم:
فمن ذلك -1 :حديث النواس بن سمعان ،وقد
سبق.
-2أخرج المام البخاري بسنده عن زينب
بنت جحش رضي الله عنها :أن النبي صلى الله
عليه وسلم دخل عليها فزعا ً يقول :ل إله إل الله،
ويل للعرب من شر قد اقترب ،فُِتح اليوم من ردم
يأجوج ومأجوج مثل هذه -وحلق إصبعه ،البهام
والتي تليها -فقالت زينب بنت جحش :فقلت يا
رسول الله :أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال:نعم ،إذا
(3).
كثر الخبث(
()1سورة الكهف .98-94
()2سورة النبياء .97-96
()3في كتاب النبياء .3598 ،7/3346وفي كتاب المناقب
25/3598والفتن .4/7059،8/7135والخبث هو النجاسة،
والمراد إذا اكثر الفسق والفجور،انظر:النهاية،ابن الثير
391
ومن الملحظ أنه يشتهر على اللسنة ما ينقله
المفسرون من أوصاف مرعبة لخلقتهم ،فمن ذلك
ما أخرجه الطبري عن وهب بن منبه أنه قال في
حديث طويل في قصة ذي القرنين ....) :فوجدهم
على مقدارٍ واحد ،ذكرهم وأنثاهم ،مبلغ طول الواحد
منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ،لهم مخالب
في موضع الظفار من أيدينا ،وأضراس وأنياب
كأضراس السباع وأنيابها ،وأحناك كأحناك البل
قوة .....عليهم من الشعر في أجسادهم ما
يواريهم ...ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان،
)(1
إحداهما وبرة ظهرها وبطنها.والخرى زغبة
سعانه إذا لبسهما ،يلتحف أحدهما ظهرها وبطنها ،ت َ َ
)(2
ويفترش الخرى(....
ووهب بن منبه قال الذهبي في ترجمته) :من أحبار
التابعين ....وكان ثقة صادقًا ،كثير النقل من كتب
السرائيليات() (3وقد ضّعف الحافظ ابن كثير ما
نقله المام الطبري عن وهب .وهو الحق والله
)(4
أعلم.
392
وقد ذكر غير واحد من المفسرين ما سبق في
أوصافهم منهم الرازي ) (1والقرطبي ) (2وذكرها
السفاريني في شرح العقيدة المرضية) (3ول يظهر
لذلك وجه -والله أعلم .-
وإنما ثبت في أوصافهم عدة أحاديث منها:
ما أخرجه المام أحمد بسنده عن خالد بن عبد الله
بن حرملة عن خالته أنه قال) :خطب رسول الله
ب رأسه من لدغة صلى الله عليه وسلم وهو عاص ٌ
عقرب ،فقال :إنكم تقولون :ل عدو ،وإنكم لن
عراض تزالوا تقاتلون حتى يأتي يأجوج ومأجوجِ ،
شغاف) (4من كل صْهب ال ّ الوجوه ،صغار العيونُ ،
مط َْرقه (
)(6) (5
ن ال ُ
جا ّم َ
حدب ينسلون كأن وجوههم ال َ
وأخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم) :ل تقوم الساعة حتى تقاتلكم أمة ينتعلون
)(7
ن المطرقة( جا ّ
م َالشعر وجوههم مثل ال َ
()1انظر تفسير الرازي .171 /21
()2الجامع لحكام القرآن .11/9
()3لوامع النوار البهية .2/115
صهبة مختصة شغاف :قال ابن الثير ) ...ال ُ صْهب ال ُّ () 4
بالشعر ،،،وهي حمرة يعلوها سواد( انظر النهاية .3/62وقال
ب شعرصه ُب(َ :
كتا ْشَغاف كـ ) ِ
صهب ال ِ الفيروز آبادي) :ورجل َ
الرأس( انظر القاموس المحيط )شغف(.3/159.
ن وهو الترس .والمجان ج ّ م َ
دهِ :
ح ُ
ع،وا ِ
ن .جم ٌجا ّ
م َ ()5ال َ
المطرقة :الترس التي كسيت جلدًا ،والمراد تشبيه وجوههم
شرتها.انظر النهاية،ابن الثير بها لستدارتها وغلظ لحمها وب َ َ
3/122وشرح النووي 5/760وفتح الباري ،ابن حجر .6/130
()6انظر مسند أحمد .5/271ورجاله رجال الصحيح كما في
مجمع الزوائد ،الهيثمي .8/6
()7في كتاب الفتن .18/2912وأخرجه البخاري في كتاب
الجهاد 2929 ،95/2928وأبو داود في كتاب الملحم
.9/4303والترمذي في الفتن .40/2215وابن ماجة في
الفتن .36/4096
393
وفي رواية أخرى ....) :حتى تقاتلوا قوما ً صغار
)(2)((1
العين ذ ُْلف ال ُُنف
ن يجتهد في م ْ
من المعاصرين َ ومن الملحظ أن ِ
تطبيق هذا الوصف على قوم معينين .كالمغول أو
التتار أو الصينيين ،فمن ذلك قول الدكتور فتحي
تعليقا ً على حديث زينب رضي الله عنها -وقد سبق
:-
)نحن نرجح أن يكون هذا الحديث للتحذير من
خروج التتار على المة العربية ،وقد وقع حين كثير
)(3
فيهم الخبث(
وهذا قول مخالف لما دلت عليه الحاديث
الصحيحة من خروجهم بعد نزول عيسى عليه
السلم كما سبق في حديث النواس بن سمعان
وغيره.
_ويقول الشيخ البوطي في رد مثل هذه الجتهادات:
)وخير من الخوض في ذلك أن نقف عند حدود
الدللة القطعية التي تثبت بصريح القرآن وصحاح
الحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه
ع
وسلم ثم ننتظر في معرفة الكنه والتفاصيل الواق َ
سه .فهو الذي يتكفل وحده بشرح كل ي نف َ
الزمن َ
)(4
شيء عنهم(
-والله أعلم .-
في خروج الدابة
394
خروج الدابة قبل يوم القيامة ،وعدها من علمات
الساعة ثابت على سبيل القطع واليقين ويمكن
تحصيل القطع من وجهين:
الول :تواتر القدر المشترك بين أخبار متفرقة في
ذكر علمات الساعة ،ويقع فيها ذكر الدابة من بين
)(1
هذه العلمات.
الثاني :موافقة هذه الخبار لقوله عز وجل) :وإذا
وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض
)(2
تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ليوقنون(
وقد نقل الطبري عن ابن عمر ،وعبد الله بن
عمرو بن العاص -رضي الله عنهم -وقتادة ،أنهم
فسروا الية بخروج الدابة في آخر الزمان عند
فساد الناس وتركهم أوامر الله ،وتبديلهم الدين
)(3
الحق،
)(4
واختاره ابن كثير من المفسرين والسفاريني من
المتكلمين) (5وغيرهم.
وتحت هذا الصل أخبار آحاد ذكرها المفسرون
وبعض المتكلمين في صفات الدابة وخروجها
ويحتاج إلى بيان ما فيها.
ل :أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي أو ً
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
)تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان بن داود وعصا
موسى بن عمران فتجلو وجه المؤمن بالعصا،
395
)(1
خوان وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى أن أهل ال ِ
ليجتمعون ،فيقال :ها ،ها ،يا مؤمن ،ويقال :ها ،ها يا
)(2
كافر ،ويقول هذا :يا كافر ،وهذا :يا مؤمن(
وفي سنده علي بن زيد يرويه عن أوس بن خالد
عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أما علي بن يزيد بن جدعان فقد ترجمه الذهبي في
الميزان ،ونقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ،ويحيى
)(3
بن معين
وأما أوس بن خالد فقد ترجمه الذهبي في الميزان
)(4
وقال) :ل يعرف(
- ومثل هذا السناد ل تثبت به أوصاف الدابة
والله أعلم -
ثانيًا :أخرج ابن ماجة بسنده عن بريدة بن الحصيب
رضي الله عنه قال) :ذهب بي رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية -قريب من مكة
-فإذا أرض يابسة حولها رمل ،فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :تخرج الدابة من هذا
شبر ) .(5قال ابن بريدة: الموضع ،فإذا فِْتر في ِ
ً
فحججت بعد ذلك بسنين ،فأرانا عصا له فإذا هو
)(7) (6
بعصاي هذه هكذا وهكذا (
خوان :ما ()1عند الكل ،انظر النهاية ابن الثير 2/89ال ِ
يوضع عليه الطعام
()2في كتاب التفسير .28/3187وقال :وهذا حديث حسن
غريب ،وابن ماجة في الفتن .31/4066
3/127 ()3
1/278 ()4
فْتر :المسافة بين أعلى البهام وأعلى السبابة من ()5ال ِ
شْبر :ما بين أعلى البهام وأعلى الخنصر، أصابع اليد ،وال ِ
شَبر( 2/55انظر القاموس ،الفيروزآبادي )فََتر( 2/107و ) َ
()6المراد :الشارة بالعصا إلى اتساع الموضع المذكور.
()7في كتاب الفتن ،31/4067كما في تحفة الشراف
2/536
396
وفي سنده خالد بن عبيد ،يرويه عن عبد الله بن
بريدة عن أبيه.
وخالد بن عبيد ترجمه الذهبي في الميزان فقال:
دث )قال البخاري :في حديثه نظر،وقال الحاكم :ح ّ
)(1
عن أنس بموضوعات(
ومثل هذا السناد له حكم سابقه -والله أعلم -
ثالثًا :أخرج الطبري في تفسيره بسنده عن عطية
العوفي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
)تخرج الدابة من صدع من الصفا كجري الفرس
)(2
ثلثة أيام ل يخرج ثلثها(
وعطية بن سعد العوفي ترجمه الذهبي في
الميزان ،ونقل تضعيفه عن ابن معين ،وأحمد بن
)(3
ماعةٍ غيرهم. ج َحنبل والنسائي ،و َ
رابعًا :أخرج أبو يعلى في مسنده عن عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما أنه قال) :أل أريكم المكان
الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أن
دابة الرض تخرج منه فضرب بعصاه الشق الذي
في الصفا ،فقال) :إنها ذات ريش وزغب ،وإنه
صَر الفرس الجواد ثلثة أيام وثلث ليخرج ثُلثها ُ
ح ْ
ل ،وإنها لتمر عليهم ،وإنهم ليفرون منها إلى ليا ٍ
المساجد ،فنقول لهم :أترون المساجد تنجيكم
مني ؟ فتخطمهم) (4فيتنافرون في السواق ،وتقول:
)(5
يا كافر ،يا مؤمن(
2/634 ()1
()2تفسيره 20/14
3/80 ()3
مت البعير( إذا ك َ َ
ويُته خط َ َ
()4فتخطمهم :أي فتسمهم ،من ) َ
خطام، سمة ال ِ ه ،وتسمى تلك ال ِ دي ِ خطا ً من النف إلى أحد َ
خ ّ
انظر النهاية ،ابن الثير .2/50
()5أخرجه برقم ) .10/67 (57033من طريق ليث بن أبي
سليم عن سعيد بن عامر بن ابن عمر.
397
)(1
قال الهيثمي) :فيه ليث بن أبي وإسناده ضعيف
)(2
سليم وهو مدلس(
خامسًا :وأخرج المام الطبري بسنده عن حذيفة بن
اليمان أنه قال :ذكر رسول الله صلى الله عليه
وسلم الدابة فقال حذيفة :قلت :يا رسول الله ،من
أين تخرج ؟ قال :من أعظم المساجد حرمة على
الله ،بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ
تضطرب الرض تحتهم ،وُتحّرك القناديل ،وينشق
الصفا مما يلي المسعى ،وتخرج الدابة من الصفا،
معة ذات وََبر وريش،لم مل َ ّ
أول ما يبدو رأسهاُ ،
ن،
سم الناس مؤم ٌ يدركها طالب ،ولن يفوتها هارب ت َ ِ
وكافر -أما المؤمن فتترك وجهه وكأنه كوكب دري،
وتكتب بين عينيه -مؤمن -وأما الكافر فتكنت بين
)(3
ة سوداء -كافر (- عينيه نكت ً
وفي إسناده ضعف ،لنه من طريق عصام بن
رّواد بن الجراح عن أبيه ،عن سفيان الثوري وعصام
)(4
ترجمه الذهبي في الميزان وقال) :لّينه الحاكم(
وأبوه رّواد :ترجمه الذهبي في الميزان وقال) :قال
أحمد بن حنبل :ل بأس به صاحب سنة ،إل أنه حدث
عن سفيان بمناكير ...وقال البخاري :رّواد عن
)(5
سفيان كان قد اختلط ،ل يكاد يقوم(
398
وهذه الخبار على ضعف سندها أوردها بعض
المفسرين) (1وذكرها السفاريني في شرح العقيدة
)(2
المرضية دون نقد أو تعليق
والذي يبدو لي -والله أعلم -أن السلمة في
المور الغيبية تفويض ما خفي من تفاصيلها
ودقائقها .ول حاجة للستنتاج أو الجتهاد أو العتماد
على أخبار ضعيفة السناد ،لن وقوعها سيسفر
ويكشف ما هو في عداد الغيب اليوم.
الخسوف الثلثة
جاء في الخسوف الثلثة حديث حذيفة بن أسيد -
وقد سبق -وفيه تعيين الخسوف الثلثة علمة من
علمات الساعة الكبرى وهي خسف المشرق
وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب .وجاء في
الخسف أحاديث عدة منها:
ما أخرجه الترمذي بسنده عن عمران بن حصين
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال) :في هذه المة خسف ومسخ وقذف ،فقال
رجل من المسلمين :يا رسول الله ،ومتى ذاك ؟
ربتش ِقال إذا ظهرت القينات) (3والمعازف ) (4و ُ
)(5
الخمور(
وفي سنده عبد الله بن عبد القدوس ،وهو ضعيف
كما في الميزان).(6
399
وأخرج أيضا ً بسنده عن عائشة رضي الله عنها
قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
)يكون في آخر هذه المة خسف ومسخ وقذف،
قالت :قلت :قلت يا رسول الله أنهلك وفينا
)(1
الصالحون؟ قال :نعم إذا ظهر الخبث(
وقال الترمذي) :هذا حديث غريب من حديث عائشة
ل نعرفه إل من هذا الوجه وعبد الله بن عمر) (2ت َك َّلم
فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه(
وأخرج ابن ماجة بسنده عن سهل بن سعد رضي
الله عنه أنه سمع النبي :صلى الله عليه وسلم
يقول:
)(3
)يكون في آخر أمتي خسف ومسخ وقذف(
وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو
)(4
ضعيف ،كما في الميزان
وأخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله
ل ،وفيه أن رسول الله صلى الله عنه حديثا ً طوي ً
عليه وسلم قال) :فليرتقبوا عند ذلك ريحا ً حمراء،
ل
ت تتابع كنظام با ٍ وزلزلة وخسفا ً ومسخا ً وقذفا ً وآيا ٍ
)(5
طع سلكه فتتابع( قُ ِ
وقال الترمذي :حديث غريب ل نعرفه إل من هذا
الوجه.
جذامي ،ترجمه الذهبي في وفي سنده رميح ال ُ
)(6
الميزان وقال) :ل يكاد يعرف(
400
وأخرج ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم )يكون في أمتي خسف
)(1
ومسخ وقذف(
وفي سنده انقطاع بين عبد الله بن عمرو وراويه
)(2
عنه ،وهو محمد بن مسلم بن ت َد ُْرس )أبو الزبير(
والحاصل أنه ل يصح من الحاديث السابقة غير
حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه عند المام
مسلم فل يجب العتقاد بذلك ،ول يجوز أيضا ً
ل ،فيجب فيه أصل تكذيبه لنه ل يعارض نقل ً ول عق ً
التصديق من غير اعتقاد وجزم -والله أعلم -
طلوع الشمس من مغربها
طلوع الشمس من مغربها ثابت على سبيل القطع
من وجهين
الول :تواتر القدر المشترك بين أخبار كثيرة تدل
)(3
على ذلك
الثاني :موافقة هذه الخبار لقوله عز وجل) :هل
ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي ربك أو يأتي
بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ل ينفع
نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في
)(4
إيمانها خيرا ً قل انتظروا إنا مننتظرون(
401
ح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وقد ص ّ
فسر قوله تعالى) :بعض آيات ربك( بطلوع الشمس
من مغربها
فقد أخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة
رضي الله عنه أنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم )ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس
من مغربها،فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون،
)(1
فذلك حين ل ينفع نفسا ً إيمانها ،ثم قرأ الية(
وقد ساق الطبري نحو ه من طرق كثيرة عن تسعة
)(2
من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم
خروج النار من قعر عدن
سبق في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه ذكر
أشراط الساعة الكبرى،وفيه)آخرها نار تخرج من
)(3
قعر عدن تطرد الناس إلى محشرهم(
ولم أر من نص على تواتر هذه العلمة الكبرى أو
ذكر لها أصل ً موافقا ً في كتاب الله عز وجل.
وهي ثابتة في السنة الشريفة ،بالسانيد الصحيحة
عن خمسة من الصحابة أولها :حديث حذيفة
السابق.
ثانيًا :أخرج الترمذي بسنده عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :ستخرج نار من حضر موت ،أو من
نحو حضر موت قبل يوم القيامة تحشر الناس،
قالوا :يا رسول الله ،فما تأمرنا؟ قال :عليكم
بالشام"
402
وقال الترمذي حسن غريب صحيح من حديث ابن
)(1
عمر
ثالثًا :أخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قالُ):يحشر الناس على ثلث طرائق
راغبين وراهبين ،واثنان على بعير وثلثة على بعير
قيل معهم حشر بقيَتهم الناُر ،ت ُ ِ
وعشرة على بعير،وَي َ ْ
حيث قالوا) (2وتبيت معهم حيث باتوا ،وتصبح معهم
)(3
حيث أصبحوا ،وتمسي معهم حيث أمسوا(
رابعًا :أخرج المام البخاري بسنده حديثا ً طويل ً عن
أنس بن مالك رضي الله عنه ،وفيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ...):أما أول أشراط
الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى
)(4
المغرب(
خامسًا:أخرج المام أحمد بسنده عن رافع بن بشير
السلمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال )يوشك أن تخرج نار من حبس سيل
تسير بسيرِ بطيئةِ البل ،تسير النهار وتقيم
الليل،تغدو وتروح ويقال غدت النار أيها الناس
403
فاغدوا ،قالت ) (1النار أيها الناس! قيلوا .راحت
)(2
النار ،أيها الناس ،روحوا ،من أدركته أكلته(
سادسًا :أخرج المام أبو داود بسنده عن عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما :قال :سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول):ستكون هجرة بعد
هجرة ،فخيار أهل الرض ألزمهم مهاجر إبراهيم
)(3ويبقى في الرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم،
تقذرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة
)(4
والخنازير(
وإسناده حسن من جهة راويه عن عبد الله بن
)(5
عمرو وهو شهر بن حوشب.
والحاصل أن الحاديث في خروج النار وسوقها
الناس إلى أرض المحشر تصل إلى رتبة المشهور
من الخبار.
ومما يجب التنبيه إليه أن بعض المعارضين أشكل
عليهم حديث أبي هريرة في خروج نار من أرض
الحجاز .وظنوا أنه معارض للحاديث السابقة .وهذا
الحديث أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم):لتقوم الساعة حتى تخرج النار من أرض
)(6
الحجاز .تضيء أعناق البل ببصرى(
404
وممن أشكل عليه الجمع بين الحديثين حسن
)(1
السقاف
ووجه الشكال أنه قد ثبت خروج نار من بلد الحجاز
أضاءت لها أعناق البل ببصرى.
ً
قال القرطبي في التذكرة تعليقا على هذا الحديث:
)وقد خرجت نار عظيمة ،وكان بدؤها زلزلة عظيمة،
وذلك في ليلة الربعاء بعد العتمة الثالثة من جمادى
الخرة سنة الربعين وخمسين وستمائة ،إلى ضحى
النهار يوم الجمعة فسكنت ...وظهرت بطرف
الحرة ...وانتهت إلى قرب المدينة ،وكان يلي
المدينة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم نسيم
بارد ...وسمعت أنها ُرِئيت من مكة ومن جبال
)(2
بصرى(
وقال النووي):قد خرجت في زماننا ً نار في المدينة
سنة أربع وخمسين وستمائة وكانت نارا ً عظيمة جدا ً
من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة ،تواتر العلم
)(3
بها عند جميع أهل الشام وسائر البلدان الخرى( .
فإذا وقعت فكيف تكون آخر الشراط ولم يظهر
قبلها العلمات الخرى؟
يقول السقاف):وبين تلك السنين والن سنين
كثيرة،فهذه ليست من علماتها الكبرى التي هي
كالخزرات المتتاليات( وعد السقاف هذا من
الضطراب والتخالف ).(4
والصحيح أن خروج النار من الحجاز يعد من
علمات الساعة الصغرى ،وخروجها من عدن علمة
أخرى من علماتها الكبرى.
405
يقول النووي):وليس في الحديث أن نار الحجاز
متعلقة بالحشر بل هي آية من أشراط الساعة
)(1
مستقلة(
ول يضر في هذا أن يكون بيننا وبين النار التي
خرجت في الحجاز سنين كثيرة ،لنه ثبت فيما
أخرجه مسلم رحمه الله بسنده عن سهل بن سعد
رضي الله عنه أنه قال :سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يشير بإصبعه التي تلي البهام
والوسطى .وهو يقول):بعثت أنا الساعة كهاتين،
ويقرن بين إصبعيه() (2وقد نص الكتاني على تواتره
).(3وفي عصرنا الحاضر ،وفي ضوء المكتشفات
العلمية الحديثة يتقرب هذا المعنى إلى الذهان،
فقد جاء في موسوعة المعرفة أن العلماء يعتقدون
أن عمر الرض ابتدأ منذ نحو أربع آلف مليون سنة
مضت (4) ،وعمر النسان على هذه الرض يمتد إلى
نحو من مليون سنة مضت )،(5وهذه الرقام تقرب
إلى الذهان وجه عد بعثة النبي صلى الله عليه
وسلم علمة من علمات الساعة الصغرى .ومن
باب الولى أن تكون النار التي أخبر النبي صلى الله
علية وسلم بخروجها من الحجاز علمة صغرى من
علمات الساعة .وعلى هذا فل إشكال ول تعارض.
وذكر السقاف إشكال ً آخر وهو أنه قد ورد في
بعض الحاديث أن النار التي تخرج من قعر عدن
406
هي أول الشراط وفي أحاديث أخرى أنها آخر
)(1
الشراط.
وهذا أيضا تعارض ظاهري فقط سرعان ما يرتفع ً
بعد التوضيح.
يقول السفاريني رحمه الله ...) :جمع بعض العلماء
بينهما بأن آخرية خروج النار باعتبار ما ذكر معها من
اليات ،وأ َّوليتها لنها من أول اليات التي لشيء
ً )(2
بعدها من أمور الدنيا أصل(
ونحو هذا أن يقال :علمات الساعة قسمان علمات
لقربها وعلمات لوقوعها.وعلى هذا تكون نار عدن
ل علمة تدل على آخر علمات اقترابها ،وتكون أو َ
وقوعها .فل تعارض ول تناقض.
وآخر إشكال يمكن أن يثار في هذه الخبار هو
الشارة في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
إلى أن النار تحشر الناس من المشرق إلى
المغرب .فيشكل ذلك على خروجها من عدن.
قال الحافظ ابن حجر) :ظهر لي في وجه الجمع أن
كونها تخرج من قعر عدن ل ينافي حشرها الناس
من المشرق إلى المغرب .وذلك أن ابتداء خروجها
من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الرض كلها،
والمراد بقوله "تحشر الناس من المشرق إلى
المغرب" إرادة تعميم الحشر ل خصوص المشرق
والمغرب.أو أنها بعد النتشار أول ما تحشر أهل
المشرق ..وأما جعل الغاية إلى المغرب،فلن الشام
)(3
بالنسبة إلى المشرق مغرب(
وبهذا يرتفع الشكال كما ارتفع ما قبله .ويتبين أنه
ل مبرر في رد ما ثبت بالسانيد الصحيحة عن
407
خمسة من الصحابة الكرام بدعوى التعارض
والتناقض- .والله أعلم-
408
المطلب الثاني :في أهوال القبر ونعيمه
اليمان بعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين
واجب شرعا ً لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم
)(1
في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر المعنوي
ومع تواتر معناها توافق ما دلت عليه آيات القرآن
الكريم دللة ظنية ،فقوله تعالى في حق فرعون:
)النار يعرضون عليها غدوا ً وعشيًا ،ويوم تقوم الساعة
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب() (2يشير إلى عرضهم
على النار غدوا ً وعشيا ً قبل يوم القيامة ،وما ذاك إل
في البرزخ
قال الحافظ ابن كثير) :هذه الية أصل كبير في
)(3
استدلل أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور(
وُفسر قـوله تعـالى) :يثبت الله الذيـن آمنوا
وعـملوا الصـالـحات بالقول الثابت في الحياة الدنيا
)(5
وفي الخرة() (4بالتثبيت عند سؤال الملكين.
ويدل عليه ما أخرجه البخاري بسنده عن البراء بن
عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال):إذا أ ُقِْعد المؤمن في قبره ُأتي ،ثم شهد
أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله فذلك قوله:
)(6
"يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت "(
409
وتحت هذا الصل الثابت على سبيل القطع أخبار
ف في حجيتها ،فمن ذلك: آحاد مختل ٌ
ل :ما جاء في تصوير أهوال القبر ونعيمه: أو ً
أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه قال) :دخل رسول الله صلى الله عليه
له فرأى ُأناسا ً كأنهم يكتشرون ) (1قال :أما ص ّم َ
وسلم ُ
إنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى
فأكثروا من ذكر هادم اللذات -الموت -فإنه لم يأت
على القبر يوم إل تكلم فيه ،فيقول :أنا بيت الغربة،
وأنا بيت الوحدة ،وأنا بيت التراب ،وأنا بيت الدود،
فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر :مرحبا ً وأه ً
ل ،أما
ت لحب من عيشي على ظهري إلي ،فإذا ن كن َ إ ْ
ت إلي فسترى من صنيعي بك وُّليُتك اليوم ،وصرِ َ
قال :فيتسع له مد بصره ،ويفتح له باب إلى الجنة،
وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر :ل
ت لبغض من عيشي على ن كن َ ل ،أما إ ْمرحبا ً ول أه ً
ت إلي،فسترى صْر َك اليوم ،و ِ ظهري إلي ،فإذا وُّليت َ
صنيعي بك،قال :فليتئم عليه وتختلف أضلعه،قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه،
فأدخل بعضها في جوف بعض قال :ويقيض الله له
سبعين تنينًا ،لو أن واحدا ً منها نفخ في الرض ما أنبت
دشنه حتى يفضي به خ ِشيئا ً مابقيت الدنيا ،فين َْهشَنه وي َ ْ
الحساب ،قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :القبر روضة
)(2
من رياض الجنة أو حفره من حفر النار(
410
وهو خبر ضعيف السناد ).(1وفي متنه تفصيل
لهوال القبر ونعيمه التي ثبتت بالتواتر المعنوي
فيكون الخبر شارحا ً وشاهدا ً لما ثبت قطعًا ،ول يجب
اليمان بهذا الخبر على التفصيل الوارد فيه ،ول يكفر
منكره ،ول حرج أيضا ً في تصديقه ،إذ ل يخالف عقل ً
ول شرعًا.
ثانيًا :الخبار الواردة في ضغطة القبر
أخرج النسائي بسند رجاله ثقات عن ابن عمر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):هذا الذي
تحرك له العرش ،وفتحت له أبواب السماء ،وشهد له
سبعون ألفا ً من الملئكة ،لقد ضم ضمة ،ثم فّرج
)(2
عنه(
411
وأخرج الحافظ ابن حبان بسنده عن عائشة رضي
الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
)للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن
)(1
معاذ(
وأخرج المام أحمد بسنده عن حذيفة رضي الله
عنه قال :كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في جنازة ،فلما بلغ القبر قعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم على حافته ،أو على شفته -فجعل ينظر
فيه ،ثم قالُ) :يضغط المؤمن في هذا ضغطة تزول
ً )(3
منها حمائله ) (2وُيمل على الكافر نارا(
وقال الحافظ الهيثمي :فيه محمد بن جابر ،وهو
ضعيف).(4
412
وأخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
على صبي أو صبيه قال) :لو نجا أحد من ضمة القبر
)(1
لنجا هذا الصبي(
)(2
وفي إسناده ضعف.
وأخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن أبي المتوكل
الناجي أن سعد بن معاذ لما وضع في قبره تأوه النبي
صلى الله عليه وسلم ثلث مرات ،وقال " :أوه ،أوه،
أوه " ثم قال) :لو كان أحد ينفلت منها لنفلت منها
)(3
سعد بن معاذ(
والحاصل أنه يصح في أسانيد ضغطة القبر
إسنادان الول عن ابن عمر رضي الله عنها عند
النسائي ،والثاني عن عائشة رضي الله عنها عند ابن
حبان...
وباقي السانيد ضعيفة ولكن يشهد لها هذان
الحديثان.
وليمكن ادعاء تحصيل القطع بمجموع هذه
السانيد .فالخبر ظني الثبوت ولهذا ليجب العتقاد
الجازم بثبوته ويكفي فيه أصل التصديق.
ومما يجب الشارة إليه أن ظاهر أحاديث ضمة القبر
تعارض ظاهر أحاديث نعيم القبر التي ذكر فيها توسيع
قبر المؤمن.
ومنها ما أخرجه المام أحمد بسنده عن أبي سعيد
10/422
()1في كتاب السنة ،2/602 ،1435 ،1434من طريقين
عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس
بن مالك رضي الله عنه.
()2لضعف ثمامة بن عبد الله كما في ميزان العتدال،الذهبي
،1/372وقد ساق الذهبي هذا الحديث في ترجمته ونص
علىنكارته
()3كتاب السنة ) 2/617 (1467وهو موقوف على أبي
المتوكل علي بن داود الناجي.
413
الخدري رضي الله عنه قال :شهدت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم جنازة ،فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم) :يا أيها الناس ِإن هذه المة تبتلى
في قبورها فإذا النسان دفن فتفرق عنه أصحابه
جاءه ملك في يده مطراق ،فأقعده .قال :ما تقول
في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا ً قال :أشهد أن ل إله
إل الله ،وأن محمدا ً عبده ورسوله .فيقول له:
صدقت ،ثم يفتح له باب إلى النار ،فيقول :هذا منزلك
لو كفرت بربك ،فأما إذا آمنت بربك فهذا منزلك.
فيفتح له باب الجنة ،فيريد أن ينهض إليه .فيقول له:
)(1
اسكن ،ويفسح له في قبره(...
وأخرج الترمذي نحوه بألفاظ متقاربة من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه ،وفيه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال...) :فيقولن :ما كنت تقول في هذا
الرجل .فيقول ما كان يقول):هو عبد الله ورسوله.
أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله.
فيقولن :قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في
قبره سبعون ذراعا ً في سبعين .وإن كان منافقا ً قال:
سمعت الناس يقولون :فقلت مثله ،ل أدري.
فيقولن :قد كنا نعلم أنك تقول ذلك .فيقال للرض:
التئمي عليه ،فتلتئم عليه :فتختلف فيها أضلعه فل
)(2
يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك(
ول ُتحمل ألفاظ الحديث على ظاهرها .لن اختلف
414
الضلع ودخول بعضها في جوف بعض ليس المراد به
ظاهره ،بل المراد به ما يتناسب مع عالم البرزخ ،وما
يحكمه من قوانين تختص بكيفية تعلق الروح بالبدن.
يقول على القاري):اعلم أن الروح لها بالبدن خمسة
أنواع من التعلق متغايرة الحكام:
ً
الول :تعلقها به في بطن الم جنينا .والثاني :تعلقها
به بعد خروجه إلى وجه الرض.
والثالث :تعلقها به في حال النوم ،فلها به تعلق من
وجه ومفارقة من وجه .والرابع :تعلقها به في البرزخ،
فإنها وإن فارقته وتجردت عنه ،فإنها لم تفارقه فراقا ً
كليا ً بحيث ل يبقى لها إليه التفات البتة.
والخامس :تعلقها به يوم بعث الجساد .وهو أكمل
أنواع تعلقها به ،إذ ل يقبل البدن معه موتًا ،ول نوما
ً،ول شيئا ً من الفساد.
ح تبعن ،والروا ُوالحاصل أن أحكام الدنيا على البدا ِ
ن تبع لها.
لها .وأحكام البرزِخ على الرواِح ،والبدا ُ
ً
وأحكام الحشر والنشر على الرواح والجساد جميعا(.
)(1
415
)(1
إنكار ما لم يأنس به(...
وظاهره هذه الحاديث يشير إلى ما يلقاه الميت بعد
دفنه .فإن كان مؤمنا ً يفسح له في قبره ويفتح له
باب إلى الجنة .وليس فيها أنه يعاني شيئا ً من أهوال
القبر.
ً
وقد ذكر القاري وجها للجمع بين هذه الخبار .فقال:
)...ضغطته بالنسبة إلى المؤمن على هيأة معانقة
الم الشفيقة إذا قدم ولدها من السفر() (2وقال
الزبيدي...):أصل ضمة القبر أن الرض أمهم ،ومنها
دوا إليها
خلقوا .فغابوا عنها الغيبة الطويلة ،فلما ُر ّ
ضمتهم ضمة الوالدة التي غاب ولدها ،ثم قدم عليها
فمن كان لله مطيعا ً ضمته برأفة ورفق ،ومن كان
)(3
عاصيا ً ضمته بعنف لسخطها عليه(.
وضغطة القبر سواء كانت ضغطة حنان أو ضغطة
عذاب ليس المراد بها ظاهرها بل المراد ما يتناسب
مع عالم البرزخ وكيفية تعلق الروح بالبدن في عالم
البرزخ-.كما سبق بيانه -والله أعلم
()1الحياء 1/102
()2إتحاف المتقين 10/422بتصرف يسير ،و قد أفادني
أستاذي المشرف بنحو ما سبق ثم وجدته عند الزبيدي
والقاري.
()3شرح الفقه الكبر .83
شرح الفقه الكبر .83
416
المطلب الثالث :في المقام المحمود وهوشفاعة رسول ال صلى ال
عليه وسلم يوم القيامة
الشفاعة مظهر من مظاهر رحمة الله عز وجل
مقرون بتكريم الله رسوله صلى الله عليه وسلم
بالذن له بالشفاعة.
وأصل الشفاعة ثابت بالمنطوق والمفهوم من آيات
القرآن الكريم ،ومن تلك اليات قوله تعالى)ولسوف
يعطيك ربك فترضى() (1وقوله) :عسى أن يبعثك ربك
مقاما ً محمودًا( (2).وتفسير المقام المحمود ثابت
بالحاديث الصحيحة عن عدد من الصحابة ،ويستفاد
القطع في أصل الشفاعة من وجوه منها:
منها :أن أصل الشفاعة ثابت بالقدر المشترك بين
أخبار كثيرة تدل كلها على إثبات الشفاعة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فهي متواترة المعنى وإن
كان أفراد أدلتها آحادًا.
ومنها :أن من أنواع الشفاعة ما هو ثابت بالمتواتر
من الخبار ،وهي شفاعته لهل المحشر لراحتهم من
طول الموقف وأهواله) ،(3وهي كافيه لثبات أصل
الشفاعة.
وتحت هذا الصل الثابت على سبيل القطع أخبار
آحاد احتج بها فريق وأنكرها آخرون ،وتفصيل ذلك في
مسألتين:
المسألة الولى:في تفسير المقام المحمود بالقعاد
على العرش
417
قال الله عز وجل) :ومن الليل فتهجد به نافلة لك
ً )(1
عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودا(
وذكر المام الطبري في تفسير الية من طريق عباد
بن يعقوب السدي إلى مجاهد بن جبر ) (2أنه فسر
)(3
الية فقال) :يجلسه معه على عرشه(
وعباد ابن يعقوب ،ترجمه الذهبي في الميزان :وقال:
)كان داعية إلى الرفض ) (4ومع ذلك كان يروي
)(5
المناكير عن المشاهير(
ولم أر من نص على ضعف هذه الرواية عن مجاهد
رحمه الله،وهي ضعيفة لضعف راويها عباد،ولنه
خالف من هو أوثق منه فيما نقله عن مجاهد في
تفسير المقام المحمود فأخرج الطبري من طريقين
عن ابن نجيح) (6عن مجاهد أنه فسر قوله تعالى:
)عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودًا( فقال) :شفاعة
محمد يوم القيامة(.
)(8 )(7
ومن طريق ابن جريج عن مجاهد مثله وقد نص
الحافظ الذهبي على نكارة ما نسب إلى مجاهد
رحمه الله فقال) :ومن أنكر ما جاء عن مجاهد في
418
التفسير في قوله " :عسى أن يبعثك ربك مقاما ً
محمودا ً " قال:يجلسه معه على العرش( (1).ووجه
نكارته أن تفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت
بالسانيد الصحيحة عن العدد من الصحابة ،وسيأتي
ذكرها بعد قليل إن شاء الله.
وقال اللباني) :تفسير المقام المحمود بالقعاد على
العرش مخالف لما في الصحيحين وغيرهما أن
المقام المحمود هو الشفاعة العظمى ،وهو تفسير
مقطوع ،غير مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ولو صح ذلك مرسل ً لم يكن فيه حجة ،فكيف وهو
مقطوع موقوف على بعض التابعين ؟ وإن عجبي ل
يكاد ينتهي من تحمس بعض المحدثين السالفين لهذا
الحديث الواهي والثر المنكر ومبالغتهم في النكار
على من رده،وإساءتهم الظن بعقيدته ...وهب أن
الحديث في حكم الحديث المرسل ...فكيف تثبت به
فضيله ؟! بل كيف يبنى عليه عقيدة أن الله تعالى
)(2
يقعد نبيه صلى الله عليه وسلم معه على عرشه(
وقد أثبت تفسير المقام المحمود بالقعاد على
العرش بعض المحدثين ،على رأسهم المام ابن قيم
)(3
الجوزية -رحمه الله -في كتابه بدائع الفوائد
ونقله عن بعض المحدثين ،كما نقله عن الدار قطني
في أبيات ذكرها هناك.
قال السقاف)ول تصح نسبتها للدارقطني،لن في
419
)(3) (2
( سندها إليه كذابين.وهما ابن كادش) (1والعشاري
ونقله الحافظ الذهبي عن طائفة منهم أبو محمد
)(4
يحيى بن محمد بن صاعد
وممن رضيه من المفسرين القاضي أبو بكر بن
العربي ،إذ قال في تفسير قوله تعالى:
)وتخفي في نفسك ما الله مبديه( )) :(5فهذا محمد
صلى الله عليه وسلم ما عصى ربه ل حال الجاهليه
ة وتفضيل ً وجلل ً أحله به المحل ول بعدها .ت َ ْ
كرم ُ
)(6
الرفيع ليصلح أن يقعد معه على كرسيه(
)(7
واختاره القاضي أبو يعلى ،وذكر أن أحد المحدثين
قال) :إذا كان يوم القيامة جيء بينكم فأقعد بين يدي
الله عز وجل ،على كرسيه ،فقال الحاضرون :إذا كان
على الكرسي هو معه ؟ ،قال :نعم ،ويلكم هو معه،
هو معه ،وفي لفظ آخر قال :ويلكم هذا أقر حديث
420
)(1
في الدنيا لعينى(
)(2
وقد سجل ابن الثير في تاريخه دعوة البربهاري
إلى القول بالقعاد على العرش بحد السيف في
مساجد بغداد ،وقد تسبب ذلك في إثارة فتنة وشغب
)(3
كبيرين.
ومن العجيب أن يعتمد هؤلء العلم تفسير المقام
المحمود بالقعاد على العرش ،مع أن تفسير المقام
المحمود بالشفاعة ثابت بالخبار الصحيحة مما يدل
على نكارة ما روي عن مجاهد رحمه الله.
وقد جمع الحافظ ابن خزيمة عددا ً منها تحت عنوان:
ذكر البيان أن المقام الذي يشفع فيه النبي صلى الله
عليه وسلم لمته هو المقام المحمود الذي وعده الله
عز وجل في قوله " :عسى أن يبعثك ربك مقاما ً
)(4
محمودا ً "
)(5
وكذلك فعل القرطبي في التذكرة
ومنها :ما أخرجه البخاري بسنده عن جابر بن عبد
الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال):من قال حين يسمع النداء :اللهم رب
هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمدا ً
الوسيلة
ً ً
والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ،حلت له
()1انظر :إبطال التأويلت ،أبو يعلى )/11أ(.
()2هو الحسن بن علي أبو محمد البربهاري )329هـ( قال
الذهبي في ترجمته) :الفقيه القدوة ،شيخ الحنابلة بالعراق
ل ،كان له صيت عظيم وحرمة تامة( ،انظر :العبر، لحا ً
قا ً
الذهبي .2/33وانظر :العلم .2/217
()3الكامل في التاريخ ،أبو الحسن علي بن أبي الكرم)ابن
الثير الجزري()630هـ( .تحقيق عبد الوهاب النجار.6/206 ،
الطباعة المنيرية-مصر 1353هـ .وانظر تعليق الكوثري على
تبيين كذب المفتري .392
()4انظر التوحيد وإثبات صفات الرب .307-305
.297-299 ()5
421
)(1
شفاعتي يوم القيامة(
ومنها ما أخرجه البخاري بسنده عن ابن عمر رضي
ً )(2
جث ّا
الله عنهما قال):إن الناس يصيرون يوم القيامة ُ
كل أمة تتبع نبيها ،يقولون :يا فلن اشفع ،حتى تنتهي
الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم
)(3
يبعثه الله المقام المحمود(
ومنها ما أخرجه الحافظ ابن خريمة بسنده عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله " :عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودا ً "
)(4
قال :هو المقام الذي أشفع فيه لمتي(
والقول بالقعاد على العرش فاسد من جهة العقل
أيضًا.
يقول ابن حيان الندلسي ...):نص الكتاب ينادي
بفساده من وجوه:
الول :أن البعث ضد الجلس ،وبعث الله الميت:
أقامه من قبره .فتفسير البعث بالجلس من تفسير
الضد بالضد .الثاني :لو كان جالسا ً تعالى على
العرش لكان محدودا ً متناهيا ً محدثًا .الثالث :أنه قال:
)مقامًا( ولم يقل :مقعدا .والمقام موضع القيام ل
(5).
موضع القعود(
()1كتاب التفسير ،11/4719وأخرجه أبو داود في الصلة،
باب ما جاء في الدعاء عند الذان ) (529والترمذي في
أبواب الصلة ،157/211والنسائي في كتاب الذان ،انظر
شرح سنن النسائي ،السيوطي 2/27وابن ماجة في كتاب
الذان والسنة فيها 4/722وانظر تحفة الشراف .2/367
جث ًّا( جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه انظر
ُ ) () 2
النهاية ،ابن الثير 1/239وفتح الباري ،ابن حجر .8/510
()3في كتاب التفسير ،11/4718والنسائي في الكبرى كما
في تحفة الشراف .5/2190
()4التوحيد وإثبات صفات الرب .305
()5البحر المحيط 6/73بتصرف يسير .مطبعة السعادة،
مصر 1328هـ
422
وبهذا يثبت أنه ل وجه لتفسير المقام المحمود
بالشفاعة لهشاشة سنده وسقامة متنه- .والله أعلم-
المسألة الثانية :شفاعته صلى الله عليه وسلم لهل
الكبائر من أمته
مّر بنا أن أصل الشفاعة لنبينا محمد صلى اللهَ
عليه وسلم ثابت على سبيل القطع ،وأن تحت هذا
الصل أخبار آحاد اختلف المسلمون في الحتجاج بها
أو ردها.
ومن هذه الخبار الحادية ما ورد في تحضيض
الشفاعة لهل الكبائر من أمة سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم وهو :حديث )شفاعتي لهل الكبائر من
أمتي(
أخرج الترمذي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله
)(1
عليه وسلم قال):شفاعتي لهل الكبائرمن أمتي(
وله شواهد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله
423
)(3
وكعب بن عنهما ) (1وابن عمر ) (2وابن عباس
عجرة) (4رضي الله عنهم
واختلف المسلمون في إثبات شفاعة رسول الله
صلى الله عليه وسلم لهل الكبائر من أمته.
فنقل الباقلني إجماع أهل السنة على صحتها لهل
الكبائر ،فقال) :إعلم أن أهل السنة والجماعه أجمعوا
على صحة الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم لهل
الكبائر من هذه المه ) (5وقال العضد اليجي:
)وأجمعت المه على أصل الشفاعة ،وهي عندنا لهل
الكبائر من المه لقوله عليه السلم )شفاعتي لهل
424
)(1
الكبائر من أمتي(
وقال الجلل الدواني) :شفاعة رسول الله صلى الله
عليه وسلم لهل الكبائر من أمته لقوله عليه السلم:
)ادخرت شفاعتي لهل الكبائر من أمتي() (2وهو
حديث صحيح وبذلك يبطل مذهب المعتزلة في
)(3
إنكارهم الشفاعة لهل الكبائر(
)(4
وأنكر الشفاعة من الفرق السلمية المعتزلة
وفرق الخوارج ) (5إل النجدات ) (6وقال السالمي من
الخوارج الباضية) :أثبت الشاعرة الشفاعة لهل
الكبائر تعويل ً على حديث رووه " شفاعتي لهل
الكبائر من أمتي "
وُيجاب من وجوه:أحدهما :أنه خبر واحد يعارض
القطعي.ثانيهما :أنه لو لم يعارض قطعيا ً ما أوجب
العلم.
ثالثها :أنه عارضته رواية مثلها ،ونصها ":ل تنال
()1المواقف .380
()2سبق تخريجه.
()3شرح العقائد العضديه ،2/270وانظر :التبصير في
الدين ،أبو المظفر طاهر بن محمد السفرائيني ) 471هـ(
،174تحقيق كمال الحوت ،طبعة عالم الكتب -بيروت -
.19833وشرح المواقف ،الجرحاني .8/221
()4انظر شرح الصول الخمسة ،القاضي عبد الجبار 651
وانظر المقالت ،الشعري 2/148والنصاف ،الباقلني 169
وأصول الدين ،البغدادي ،244والفصل ،ابن حزم .4/63
()5انظر مقالت السلميين ،الشعري ،1/157والفصل،
ابن حزم .4/190
()6انظر المقالت ،الشعري .1/157والنجدات هم فرقه من
الخوارج نسبوا إلى نجدة بن عامر الحنفي ،وكان من
رؤسائهم انظر مقالت السلميين 1/163والفصل ،ابن حزم
.4/180
425
)(2
شفاعتي أهل الكبائر من أمتي") (1فهذه بتلك(.
والقطعي الذي يعارض الحديث عند السالمي وغيره
من المنكرين ،هو قوله تعالى) :ول يشفعون إل لمن
)(3
ارتضى(
قالوا :فيه قصر الشفاعة على المرضي من الناس،
وهو التقي الذي يجانب المحرمات ويؤدي الواجبات
)(4
426
ذلك -أو بعضهم -لظهر ذلك وانتشر ولتوفرت
الدواعي على إذاعته وإبدائه ،حتى ينقل ...،لن هذه
العادة ثابتة في الخبار ،وفي العلم بفساد ذلك دليل
)(1
على ثبوت خبر الشفاعة(
ً
الثاني :أنه خبر تشهد له أخبار كثيرة جدا تدل
بعممومها على ثبوت الشفاعة لمن مات على
التوحيد ،وعلى خروج الموحدين من النار ،ووجوب
الجنة لمن شهد أن ل إله إل الله ،ويدخل في ذلك كله
أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وسرد هذه الخبار ل يتسع له المقام ،ولذلك نكتفي
)(2
بالمثال
أخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) :لكل
نبي دعوة مستجابة ،فتعجل كل نبي دعوته ،وإني
اختبأت دعوتي شفاعة لمتي يوم القيامة فهي نائلة -
إن شاء الله -من مات من أمتي ل يشرك بالله شيئًا(
)(3
()1التمهيد .368-367
()2انظر للستزادة من هذه الخبار ما جمعه ابن كثير في
النهاية في الفتن والملحم 241-2/202
()3أخرجه في كتاب اليمان .68/338
()4أخرجه في كتاب اليمان .84/317
()5أخرجه في كتاب اليمان 40/153وذكره الزبيدي في
427
ثانيًا :ل نسلم بأن الشفاعة لهل الكبائر تعارض
قطعيًا.
أما قوله تعالى) :ول يشفعون إل لمن ارتضى( فمعناه
-كما ذكر الباقلني) :ول يشفعون إل لمن رضي الله
سبحانه أن يشفعوا له ،وأ َِذن فيه ،ولم يرد بذلك أنهم
ل يشفعون إل لمن رضي عمله ،لن من رضي الله
)(1
سائر عمله ل يحتاج إلى الشفاعة(
وقال التفتازاني) :ل نسلم أن "من ارتضى " ل يتناول
الفاسق ،فإنه مرضي من جهة اليمان والعمل
)(2
الصالح ،وإن كان مبغوضا ً من جهة المعصية(
وأما قوله تعالى) :ما للظالمين من حميم ول شفيع
)(3
يطاع(
فمعناه :ل شفاعة للظالمين بالكفر والشرك قال
)(4
تعالى) :إن الشرك لظلم عظيم(
وأما قوله تعالى) :ول يقبل منها شفاعة( فيجب
تخصيصه بالكفار ،جمعا ً بين الدلة إذ ل يجوز إسقاط
بعض الدلة المتعارضة مهما أمكن الجمع بينها ،وههنا
يمكن الجمع بأن تخصص الدلة الدالة على نفي
)(5
الشفاعة بالكفار ،فل تعارض حينئذ.
ثالثًا :حديث )ل تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي(
الحاديث المتواترة عن أربعه وثلثين صحابيا ً انظر لقط
اللئ235-234.ونظم المتناثر ،الكتاني .125 ،49
()1التمهيد ،371وانظر النصاف ،الباقلني .174-173
()2شرح المقاصد .5/160
()3سورة غافر .18
()4سورة لقمان .13
()5انظر حاشية الخلخالي على شرح الدواني على العقائد
العضديه .271-2/270وانظر للستزادة في رد شبه
المخالفين :التمهيد 372-368والنصاف.174-173 ،
والتمهيد ،النسفي .99-90وشرح العقائد العضديه ،الجلل،
الدواني 271-2/269ولوامع النوار ،السفاريني -2/217
.218
428
)(1
حديث ل أصل له
429
المطلب الرابع :في وضع الميزان يوم القيامة
أخرج المام الترمذي بسنده عن عبد الله بن
عمرو بن العاص أنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم )إن الله سيخلص رجل ً من أمتي على
ة
شر عليه تسع ًرؤوس الخلئق يوم القيامةَ ،فين ْ ُ
ل ،كل سجل مثل مد البصر ،ثم يقول: وتسعين سج ً
َ
ك كتبتي الحافظون ؟ م َ أتنكر من هذا شيئا ً ؟ أظ َل َ َ
ك عذر ؟ فيقول :ل يا َ
فيقول :ل يا رب ،فيقول :أفَل َ َ
رب ،فيقول :بلى إن لك عندنا حسنة ،فإنه ل ظ ُْلم
عليك اليوم ،فتخرج بطاقه فيها :أشهد أن لإله إل
الله ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ،فيقول :أحضر
وزنك ،فيقول :يارب ما هذه البطاقة مع هذه
السجلت ؟ فقال :إنك ل تظلم ،قال :فتوضع
السجلت في كفة والبطاقة في كفة ،فطاشت
السجلت وثقلت البطاقة ،فل يثقل مع اسم الله
)(1
شيء(
وأخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم) :كلمتان حبيبتان
إلى الرحمن خفيفتان إلى اللسان ثقيلتان في
430
)(1
الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم(.
وأخرج الترمذي بسنده عن أبي الدرداء عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال) :ما من شيء أثقل في
ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ،وإن الله
يبغض الفاحش البذيء(
)(2
وقال :وهذا حديث حسن صحيح
وأخرج المام مسلم رحمه الله بسنده عن أبي
مالك الشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :الطهور
)(3
شطر اليمان والحمد لله تمل الميزان(...
وأخرج الحاكم بسنده عن سلمان الفارسي رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال):يوضع
431
الميزان يوم القيامة ،فلو وزن فيه السماوات والرض
لوسعت ،فتقول الملئكة :يارب لمن يزن هذا ؟
فيقول الله تعالى :لمن شئتم من خلقي ،فتقول
)(1
الملئكة :سبحانك ما عبدناك حق عبادتك(
وأخرج الترمذي بسنده عن أنس بن مالك رضي
الله عنه أنه قال ،سألت النبي صلى الله عليه وسلم
أن يشفع لي يوم القيامة ،فقال :أنا فاعل ،قال :قلت
يارسول الله فأين أطلبك ؟ قال :اطلبني أول ما
تطلبني على الصراط ،قال :قلت :فإن لم ألقك على
الصراط ؟ قال :فاطلبني عند الميزان ،قلت :فإن لم
ألقك عند الميزان؟ قال :فاطلبني عند الحوض ،فإني
ل أخطأ هذه الثلث المواطن(
قال :هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من هذا
)(2
الوجه
هيأة الميزان:
في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الوزن
يوم القيامة:
قال تعالى) :ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فل
س شيئا ً وإن كان مثقال حبةٍ من خردل أتينا تظلم نف ٌ
)(3
بها وكفى بنا حاسبين( .وقال تعالى) :فمن ثقلت
موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه
فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون(
).(4وقال تعالى) :والوزن يومئذٍ الحق فمن ثقلت
موازينه فأولئك هم المفلحون*ومن خفت موازينه
فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا آياتنا
)(5
يظلمون(
432
ويجوز أن يكون المراد من الميزان والموازين في
ن الحسي،ويجوز أن يكون مجازا ً هذه اليات الميزا َ
لن القرآن الكريم جرى فيه التجويز بالميزان عن
العدل ،لكونه آلة للنصاف ،قال العز ابن عبد السلم:
)الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان() (1وهذا من
)(2
مجاز تشبيه المعاني بالجرام(
ولنه يجوز أن يكون المراد هذا وذاك اختلف
المسلمون في إثبات الميزان.
وقد حكى المام الشعري رحمه الله اختلف
المسلمين في الميزان فقال:
)اختلفوا في الميزان :فقال أهل الحق :له لسان
وكفتان ُتوزن في إحدى كفتيه الحسنات وفي الخرى
السيئات فمن رجحت حسناته دخل الجنة ومن
رجحت سيئاته دخل النار ....وقال أهل البدع بإبطال
حقيقة الميزان ،وقالوا :موازين ،وليس بمعنى كفات
مجازاة يجازيهم الله بأعمالهم وزنا ً وألسن ،ولكنها ال ُ
)(3
بوزن ،وأنكروا الميزان (...فأنكر الميزان الحسي
)(7
المعتزلة ) (4والشيعة ) (5والزيدية) (6والباضية
وتأولوا اليات الكريمة بالعدل .وذكروا وجهين لوجوب
التأويل:
الول :أن وزن العمال مستحيل ،إذ هي أعراض،
433
والعراض ل توزن (1).وقال السالمي):وذهب آخرون
إلى أن الموزون أجسام حسنة وقبيحة ،وذلك أن
العمال الحسنة تنقلب أجساما ً حسنة ،والعمال
القبيحة تنقلب أجساما ً قبيحة قـال :وُرد ّ بأن هذا من
ل ،فمـن المحـال باب قلب الحقائق ،وهو ممتنع عق ً
ً )(2
قلب العراض أجساما(
الثاني :أن قدر هذه العمال معلوم عند الله عز وجل،
)(3
ثفالوزن ل طائل تحته ول فائدة فيوجب العَب َ َ
)(4
وذهب جمهور أهل السنة إلى إثبات الميزان
وقال الشعري ) (5والباقلني ) (6والقرطبي ) (7وابن
)(9
أبي العز الحتفي ) (8وغيرهم
الميزان له لسان وكفتان ،توزن في إحدى كفتيه
الحسنات وفي الخرى السيئات .وقالوا الموزون هو
الصحف التي فيها العمال ،فل يمتنع أن تدون
الحسنات،وكل حسنة تشغل صحيفة أو جزءا ً من
صحيفة وكذلك السيئات .فيحصل الترجيح بكثرة
434
)(1
أحدهما
ويدل على هذا حديث البطاقة والسجلت ،الذي
سبق .وفيه) :فتوضع السجلت في كفة والبطاقة في
)(2
كفة ،فطاشت السجلت وثقلت البطاقة(
ووجه إثبات صفة الميزان وروده بهذا الخبر وجوازه
العقلي
وقد وردت النصوص القرآنية بذكر الميزان
والوزن.وهي تحتمل الحقيقة وتحتمل المجاز ،فيعمل
بالحقيقة لمكانها ،ويكون الخبر الوارد في البطاقة
)(3
والسجلت مؤكدا ً وشاهدا ً لحملها على الحقيقة.
وفيما سبق جواب على الوجه الول الذي أوجب به
المعتزلة ومن وافقهم حمل النصوص الواردة على
المجاز
والجواب عن الوجه الثاني:أنا ل نسلم كون أفعال
الله معللة بالغراض ) (4ول نسلم عدم الفائدة في
الوزن
فمن فوائده وحكمه أن يشاهد العبد مقدار أعماله
ويعلم أنه مجزي عنها بالعدل .أو متجاَوز عنه باللطف.
قال الغزالي) :من يعزم على معاقبة وكيله بجنايته
من أين ي َب ْعُد ُ أنفي أمواله ،أو يعزم على البراء ،فَ ِ
ي ُعَّرفه مقدار جنايته بأوضح الطرق ليعلم أنه في
()1انظر المراجع السابقة والمنهاج في شعب اليمان ،أبو
عبد الله الحسين الحليمي )403هـ( تحقيق حلمي فودة
1/393طبعة دار الفكر 1979-وشرح المواقف ،الجرجاني
.8/221
()2سبق تخريجه
()3انظر النصاف ،الباقلني ،تفسير الرازي .22/177وغاية
المرام ،المدي 305والمواقف ،اليجي ،383وشرح
المقاصد ،التفتازاني .5/120
435
)(1
عقوبته عادل ،وفي التجاوز عنه متفضل(
وإذا بطلت الستحالة رجع المر إلى جوازحمل
النصوص الواردة على الحقيقة والمجاز ويكون
الترجيح بإبقاء الخبر الوارد في البطاقة والسجلت
على حقيقته
)(2
وذهب فريق من العلماء منهم ابن حزم الظاهري
والشاطبي) (3والدواني) (4والباجوري) (5إلى اليمان
بالميزان وتفويض كيفيته إلى الله عز وجل يقول
الدواني) :الميزان حق ،وهو عبارة عما يعرف به
مقادير العمال ،وليس علينا البحث عن كيفيته .بل
)(6
نؤمن به ونفوض كيفيته إلى الله تعالى(
والذي يبدو لي -والله أعلم -أن مذهب الجمهور
والمذهب الخير سليم ل يتوجه إليهما اعتراض.
أما مذهب الجمهور فقد استدلوا بخبر البطاقة
والخبار الخرى لثبات هيأة الميزان.
وأما من قال بتفويض كيفية الوزن وصفة الميزان
فلم يتوصل إلى القطع في المسألة بوجه من الوجوه
فتوقف وفوض من غير إنكار ول تكذيب.
وأما المعتزلة ومن وافقهم فقد أعملوا التأويل في
اليات والخبار وصرفوا اللفاظ عن ظاهرها ،وتكلفوا
في ادعاء ضرورة التأويل لستحالة وزن العراض،
وعدم الفائدة من الوزن عندهم.
ما لم يحصل القطع بإثبات هيـأة الـميزان -في ول ّ
()1القتصاد .137وانظر غاية المرام ،المدي
305والمواقف ،اليجي .384وشرح النفسية ،التفتازاني
111وشرح الدواني على العقائد العضدية .2/265
()2الفصل .4/65
()3العتصام .493
()4انظر شرح العقائد العضدية .26 - 2/264
()5شرح جوهرة التوحيد .401وانظر كبرى اليقينيات
الكونية ،البوطي .286
()6شرح العقائد العضدية .2/264
436
النصوص القرآنية من جهة الدللة وفي الخبار من
فر الشعري من أنكر هيأة جهة الثبوت ،-لم ي ُك َ ّ
الميزان ،وإنما نسبه إلى البدعة كما سبق .وهو الحق
-والله أعلم -لنه ل حاجة إلى التأويل .ولن أفراد
ن قبل التأويل فل تقبله الجملة
هذه اليات والخبار إ ِ ْ
والمجموع ولنه قد ثبت في عصرنا الحديث أنه
يمكن قياس العراض كالحرارة والضغط والسرعة،
مما يقرب ويسهل تصور وزن العمال في الخرة .مع
أن شأن المسلم الذعان والتسليم والتصديق دون
الحاجة إلى تصور المسألة وكيفية حصولها .ويكفيه
في ذلك حكم العقل بالجواز مع ورود الخبر بالوقوع
-والله أعلم -
437
المطلب الخامس :في الصراط
أخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي
الله عنه في حديث الرؤية الطويل أنه قال...):
ويضرب جسر جهنم .قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :فأكون أول من يجيز ،ودعاء الرسل يومئذ:
اللهم سلم ،سلم ،وبه كلليب ،مثل شوك السعدان.
) ،(1أما رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا :بلى ،يا رسول
الله ،قال :فإنها مثل شوك السعدان ،غير أنها ل يعلم
قدر عظمها إل الله ،فتخطف الناس بأعمالهم منهم
الموَبق بعمله ،ومنهم المخردل ) ،(3)(.....(2ونحوه من
)(4
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
438
وأخرج المام مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في حديث دخول الحنة بغير حساب ...) :وعلى
)(1
جسر جهنم كلليب وحسك(
وأخرج بسنده عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله
عنهما أنهما قال في حديث الشفاعة الطويل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) :وترسل
المانه والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا ً وشما ً
ل،
فيمر أولكم كالبرق ،قال :قلت :بأبي أنت وأمي ،أي
شيء يمر كمر البرق ؟ قال :ألم تروا إلى البرق كيف
يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح ،ثم كمر
شد ّ الرجال تجري بهم أعمالهم ،ونبيكم قائم الطير و َ
ب سّلم سّلم ،حتى تعجز على الصراط يقول :ر ّ
أعمال العباد ،حتى يجيء الرجل فل يستطيع السير إل
زحفًا ،قال :وفي حافتي الصراط كلليب معلقة
مأمورة بأخذ من أمرت به فمخذوش ناج ومكدوس
)(3
)(2في النار(
وأخرج الترمذي بسنده عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال :سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن
يشفع لي يوم القيامة ،فقال :أنا فاعل ،قال :قلت يا
رسول الله فأين أطلبك ؟ قال :اطلبني أول ما
المظالم ،1/2440وابن مندة في اليمان .3/793
()1في كتاب اليمان 84/316من طريقين عن روح بن
عبادة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر .وابن مندة في
اليمان ) 804-3/802 (851) (850وأخرجه مسلم أيضا ً في
كتاب اليمان ،84/320من طريق حجاج بن الشاعر عن
الفضل بن دكين عن محمد بن أيوب عن يزيد بن صهيب
الفقير عنه ،وابن مندة في اليمان ).(3/807 ،858
()2مكدوس :مدفوع ،وتكدس النسان إذا دِفع من ورائه
فسقط ،انظر النهايةلبن الثير .4/155
()3في كتاب اليمان ،84/329وأبو يعلى في مسنده )
11/79 (6216وابن مندة في اليمان .3/832 ،883
439
تطلبني على الصراط قال :قلت :فإن لم ألقك على
الصراط ؟ قال :فاطلبني عند الميزان ،قلت :فإن لم
ألقك عند الميزان؟ قال :فاطلبني عند الحوض،
)(1
فإني ل أخطئ هذه الثلث المواطن(
وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لنعرفه إل من
)(2
هذا الوجه
وأخرج الترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها
قالت):يارسول الله " والرض جميعا ً قبضته يوم
القيامة والسماوات مطويات بيمينه ") (3فأين
)(4
المؤمنون يومئذ ٍ ؟ قال :على الصراط ياعائشة(
440
)(1
وقال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح.
وأخرج المام مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال):آخر من يدخل الحنة رجل ،فهو يمشي مرة
ويكبو مرة ،وتسفعه النار مرة ،فإذا ما جاوزها التفت
)(2
جاني منك(...إليها ،فقال :تبارك الذي ن ّ
وبعد :فهذه أحاديث عن سبعة من الصحابة
رضوان الله عليهم تتوارد جميعها على إثبات الصراط،
وأنه جسر ُيضرب فوق جهنم ،له جنبتان وكلليب،
يتفاوت الناس في سرعة عبورهم حسب أعمالهم
وقد أثبت أهل السنة والجماعة ما تواردت عليه هذه
)(3
الخبار في شأن الصراط.
ووجه إثباته هو استفاضة الخبار الواردة فيه،
وموافقتها لصل في كتاب الله عز وجل ،وفي قوله
تعالى) :وإن منكـم إلواردها كـان علـى ربك حتما ً
مقضـيـا ً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها
ً )(4
جثيا(
ونقل المام الطبري تفسير الورود بالمرور على
الصراط عن قتادة ،وابن عباس رضي الله عنهما
).(5واختاره القرطبي ) (6وابن كثير وغيرهما من
)(7
المفسرين
()1السنن .5/347
()2في كتاب اليمان .83/310وابن مندة في اليمان )ح
.3/795 (841
()3انظر مقالت السلميين ،الشعري 2/146والنصاف
الباقلني ،52والفرق بين الفرق ،البغدادي 348والفصل،
ابن حزم ،4/66ولمع الدلة ،الجويني .113
()4سورة مريم .71-70
()5انظر تفسير الطبري .111-16/110
()6انظر الجامع لحكام القرآن .92-11/91
()7انظر تفسير ابن كثير .134-3/133
441
)(3
ونسب اليجي ) (1والتفتازاني ) (2والدواني
والسفاريني ) (4إنكار المرور على الصراط إلى جمهور
)(5
المعتزلة .وهو قول من سار على أصولهم كالزيدية
)(6
والشيعة.
)(7
وحكاه السالمي من الباضية عن جمهورهم
قال القاسم الزيدي) :قد روي عنه صلى الله عليه
وسلم أنه قال " :يمد الصراط ،فيكون أول من يمر
)(8
به أنا وأمتي " ...قلنا :ل ثقة براويه(
ول وجه لنكار الخبر لنه مروي عن سبعة من
الصحابة.
ويستند المنكرون إلى شبه في إنكار هذه
الحاديث.
أقواها :أن الخرة دار جزاء ل تكليف فيها ،والعبور
)(9
على الصراط فيه تكليف ومشقة.
ول يجوز ترك هذه الخبار وإنكارها بمثل هذه الشبهة،
لن التكليف المنفي هو الذي يبقى معه الختيار،
وليس التكليف بجواز الصراط منه.
وقد ثبت في القرآن الكريم ما هو من جنس التكليف
بعبور الصراط ،فقال تعالى) :ادخلوا الجنة أنتم
وأزواجكم تحبرون() (10وقال تعالى) :فادخلوا أبواب
()1انظر المواقف .384
()2انظر شرح المقاصد .5/120
()3انظر شرح العقائد العضدية .2/264
()4انظر لوامع النوار .2/192
()5انظر الساس لعقائد الكياس ،القاسم بن محمد الزيدي
.205
()6انظر القتصاد ،الطوسي .222
()7انظر مشارق أنوار العقول .2/129
()8الساس .207-206
()9انظر شرح الصول الخمسة ،عبد الجبار .737
والقتصاد ،الطوسي .222والساس ،القاسم الزيدي .206
()10سورة الزخرف الية .70
442
)(1
جهنم خالدين فيها(
ور ُيكّلف بنفخ الروح فيما
وثبت في السنة أن المص ّ
)(2
صوره ،وليس بنافخ
أما دعوى المشقة في العبور :فقد دلت الخبار
على أن الناس فيه متفاوتون ،فمنهم من يعبر كالبرق
ومنهم من يعبر مثل طرف العين ،وهذا توفيق من
الله وإعانة ،فل مشقة فيه على غير أهل المشقة.
)(3
والله أعلم
وقد اسـتظهر القاضـي عبد الجبار من المعتزلة
والسالمي من الباضية ضعف دوافع المنكرين إلى
تأويل الخبار.
ي عن كثير من مشايخنا أن حك ِ َفقال القاضيُ ...) :
الصراط إنما هو الدلة الدالة على الطاعات التي من
مسك بها نجا ...والدلة الدالة على النار التي من تَ َ
ركبها هلك.
ً
وذلك مما ل وجه له ،لن فيه حمل لكلم الله تعالى
على ما ليس يقتضيه ظاهره ،وقد ذكرنا القول في
أن كلم الله تعالى مهما أمكن حمله على حقيقته
فذلك هو الواجب ،دون أن يصرف عنه إلى المجازي(
)(4
443
دقها من غير قطع بكفر من أمره إلى الله ،فمن ص ّ
خالفه فيها فقد أحسن الظن بالراوي ،ول بأس عليه
)(1
إن شاء الله(
وبعد أن فرغنا من إثبات الصراط وعبور الخلق عليه
يحسن التنبيه إلى ما دخل في وصف الصراط من
الخبار الواهية.
يكثر في كتب العقائد وصف الصراط بأنه أحد من
السيف وأدق من الشعرة .قال التفتازاني) :الصراط
ده الولون والخرون، جسر ممدود على متن جهنمَ ،ير ُ
)(2
أدق من الشعرة وأحد من السيف(
ووصف الصراط بهذا الوصف أخرجه البهيقي من
طريق أبي خالد الدالني عن عبدالله بن مسعود
)(3
رضي الله عنه
وأبو خالد هو يزيد بن عبد الرحمن .ترجمه الذهبي
في الميزان فقال ..) :قال ابن حبان فاحش الوهم ،ل
)(4
يجوز الحتجاج به(
وأخرج البيهقي من طريق زياد النمري عن أنس بن
مالك قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول) :الصراط كحد الشعرة وكحد السيف(...
)(5وزياد هو ابن عبدالله النمري.ترجمه الذهبي في
الميزان فقال):ضّعفه ابن معين" وقال أبو حاتم :ل
)(6
يحتج به(
()1مشارق أنوار العقول .2/130
()2شرح المقاصد 5/120وانظر نحوه في الرشاد،الجويني
379وقواعد العقائد،الغزالي مع الحياء 1/115وشرح جوهرة
التوحيد ،اللقاني .235
()3شعب اليمان 5/123
.4/432 ()4
()5شعب اليمان 5/124
2/91 ()6وانظر ما جاء في وصف الصراط بنحوه من الثار
وتضعيفها في النهاية ،ابن كثير 108 - 106 /2وفتح الباري
554 /11والتذكرة ،القرطبي ،400وشرح جوهرة التوحيد،
444
وهذا الوصف على ضعف إسناده معارض لما ثبت
بالسانيد الصحيحة أن الجسر له جنبتان وعليه كلليب
-كما سبق ذكره -
ً
وذكر الباجوري وجها للجمع بين هذا وذاك فقال:
) ....على فرض صحة ذلك ،فهو محمول على غير
ظاهره ،بأن يؤول بأنه كناية عن شدة المشقة.
وحينئذ فل ينافي ما ورد في الحاديث الدالة على
كون الكلليب فيه ...وقيل إنه يضيق ويتسع بحسب
)(1
عمل ابن آدم(
رجخ ِ ً ً
وهذا الوجه وإن كان جائزا وجامعا فغايته أن ي ُ ْ
ف الصراط بالدقة والحدة عن معارضة الحاديث وص َ
الثابتة بوصفه بالعرض وغيره ،ولكن يبقى الكلم على
ثبوت هذا الوصف بنفسه بهذا السناد .والله أعلم
445
المطلب السادس :في رؤية الله عز وجل:
446
تضاُرون في القمر ليلة البدر؟ قالوا :ل يا رسول الله،
قال :فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟
)(1
قالوا :ل يا رسول الله ،قال :فإنكم ترونه كذلك.(...
)(2
وأخرج نحوه من حديث أبى سعيد الخدري.
وأخرج المام مسلم بسنده عن صهيب بن سنان
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال):إذا دخل أهل الجنة الجنة ،قال :يقول الله تبارك
وتعالى :تريدون شيئا ً أزيدكم؟ فيقولون :ألم تبيض
وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة ،وتنجينا من النار؟ قال:
فيكشف الحجاب :فما ُأعطوا شيئا أحب
)(3
إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل(.
وأخرج البخاري بسنده عن أبى موسى الشعري
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال) :جنتان من فضة-آنيتهما وما فيهما-وجنتان من
ذهب-آنيتهما وما فيهما-وما بين القوم وبين أن ينظروا
إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن(.
)(4
447
وقد أخرج الللكائي أحاديث الرؤية عن واحد
ً )(1
وعشرين صحابيا.
وقال الحافظ ابن حجر) :جمع الدار قطني طرق
الحاديث الواردة في رؤية الله عز وجل في الخرة،
فزادت على العشرين ،وتتبعها ابن القيم في حادي
الرواح فبلغت الثلثين أكثرها جياد .وأسند الدارقطني
عن يحيى بن معين قال :عندي سبعة عشر حديثا ً في
ً )(2
الرؤية صحاحا(.
)(3
وصرح المل علي القاري والكلنبوي بوصول أحاديث
)(4
الرؤية إلى رتبة المشهور.
ونقل الباقلني والغزالي والتفتازاني وغيرهم من
المتكلمين إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على
إثبات رؤية الله عز وجل استنادا ً لهذه الحاديث
)(5
ولظاهر قوله تعالى )إلى ربها ناظرة(.
ول يخفى بعد هذا وجه اتفاق أهل السنة والجماعة
على إثبات رؤية الله عز وجل لن تكاتف الدلة
وتعاضدها يدفع عن مجموعها كل ريبة وشبهة .ول
يخفى ما لخبر الحاد من دور في إثبات رؤية الله عز
وجل .لن قول الله عز وجل )وجوه يومئذ ناضرة إلى
448
ربها ناظرة() (1يقبل التأويل وصرف المراد بالنظر إلى
معنى آخر غير الرؤية .ولتوضيح هذا لبد من ذكر وجه
دللة الية الكريمة على إثبات الرؤية وشبه
المخالفين.
وجه الستدلل بالية-:
يقول التفتازاني) :النظر الموصول بإلى ،إما بمعنى
الرؤية أو ملزوم لها بشهادة النقل عن أئمة اللغة
والتتبع لموارد استعماله (2).وإما مجاز عنها لكونه
عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي طلبا ً لرؤيته.
وقد تغدر ههنا الحقيقة لمتناع المقابلة والجهة .فتعين
)(3
الرؤية لكونها أقرب المجازات(.
ويقول الرازي في تفسير الية :سلمنا أن النظر
عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا ً لرؤيته.
ولكننا نقول لما تعذر حمله على حقيقته وجب حمله
على مسببه وهو الرؤية ،إطلقا ً لسم السبب على
)(4
المسبب ...لن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية(.
والذي يبدو لي -والله أعلم -أن الية الكريمة ليست
قطعية الدللة في إثبات الرؤية.
وقد أشار إلى ذلك اليجي فقال بعد ذكر وجه
الستدلل بالية) :وأنت ل يخفى عليك أن أمثال هذه
449
ة ل تصلح للتعويل الظواهر ل تفيد إل ظنونا ً ضعيف ً
)(1
عليها في المسائل العلمية(.
ً
وإليه أشار الحلل الدواني أيضا فقال بعد إجمال
الدلة في الرؤية من الكتاب والسنة والجماع:
)والمعتمد فيه إجماع المة قبل حدوث المبتدعين
)(2
على وقوع الرؤية(.
ً
ويقول الكلنبوي تعليقا على قول الدواني) :يشير إلى
ما ذكره المصنف -يعني العضد اليجي -في المواقف
من أن دللة الكتاب والسنة على هذا المطلب ل تثمر
علما ً قطعيا ً بل ظنيًا ،فل اعتماد لدللتهما عليه لن
)(3
المطلب يقيني .والمعتمد هنا إجماع المة(.
ووجه الظنية في دللة الية أن حقيقة النظر في اللغة
هي تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا ً لرؤيته
ويستعمل في الرؤية مجازا ً كما يستعمل في وجوه
أخرى مجازًا.
يقول ابن فارس) :النظر تأمل الشيء :ثم يستعار
ويتسع فيه ،فيقال نظرت إلى الشيء إذا عاينته ،ومن
باب المجاز قولهم :نظر الدهر إلى بني فلن
فأهلكهم()(4
ويقول ابن منظور) :النظر حس العين...وتقول:
نظرت إلى كذا وكذا ،من نظر العين ونظر القلب.
يقول القائل :إنما ننظر إلى الله ثم إليك ،أي إنما
)(5
أتوقع فضل الله ثم فضلك(.
ولما كانت دللة الية غير قطعية في إثبات الرؤية
فقد تسوغ الخلف فيها .ونقل الطبري من طرق عن
()1المواقف .307
()2شرح العضدية مع حاشية الكلنبوي .2/177
() 3المصدر السابق نفس الصفحة ،وانظر نحوه في شرح
المقاصد ،التفتازاني .4/195
()4مقاييس اللغة )نظر( 5/444
()5لسان العرب )نظر( 7/73
450
مجاهد بن جبر أنه لم يرض تفسير النظر الوارد في
الية بالرؤية .((1
ولما كانت دللتها غير قطعية أيضا ً لم يكفر أهل
السنة مخالفيهم في إثبات الرؤية .مع أنهم بينوا
ضعف وجوه تأويل الية التي ذكرها المعتزلة
وموافقوهم.
ومنها قول القاضي عبد الجبار )فإلى في الية واحد
اللء ،فكأنه تعالى قال :وجوه يومئذ ناضرة ،إلى ربها
منتظرة ونعمه مرتقبة(((2
ول يخفى ما في هذا التأويل من تكلف ظاهر .وهو
مخالف للغة أيضًا ،قال في اللسان):من قال :إن
معنى قوله تعالى)إلى ربها ناظرة(يعني منتظرة فقد
أخطأ،لن العرب ل تقول نظرت إلى الشيء ،بمعنى
انتظرته ،إنما تقول :نظرت فلنًا :أي انتظرته(((3
ويقول التفتازاني مستبعدا ً تأويل المعتزلة من جهة
العقل):سوق الية لبشارة المؤمنين ...والخبار
بانتظارهم النعمة والثواب ل يلئم ذلك ،بل ربما ينافيه
لن النتظار أجدر بالغم والحزن والقلق وضيق
الصدر(((4
ويمكن أيضا ً الستدلل بالحاديث على صرف النظر
إلى الرؤية .فإذا كانت الية الكريمة تقبل التأويل،
ويحتمل أن يراد بها وجها ً آخر غير الرؤية ،فإن
مجموع الحاديث ل يقبل التأويل الذي يصرفها عن
الوجه الذي أثبته أهل السنة والجماعة .وبهذا يظهر
أثر أخبار الحاد في إثبات رؤية الله عز وجل.
451
أما المعتزلة وموافقوهم فقد طعنوا في ثبوت أخبار
الحاد كما طعنوا في الستدلل بالية.
يقول القاضي عبد الجبار):هذا الخبر يتضمن التشبيه،
لنا ل نرى القمر إل مدورا ً عاليا ً منورًا .ومعلوم أنه
ليجوز أن يرى القدير تعالى على هذا الحد .فيجب أن
نقطع على أنه كذب على النبي صلى الله عليه
وسلم .وهذا الخبر يروى عن قيس بن أبي حازم عن
جرير بن عبد الله البجلي...وقيس هذا مطعون
سِلم فأكبر ما فيه أن يكون فيه...وإن صح هذا الخبر و َ
خبرا ً من أخبار الحاد .وخبر الواحد مما ليقتضي
العلم،ومسألتنا هذه طريقها القطع والثبات(((5
والجواب على قوله من وجوه:
ل :ل نسلم أن الحديث يتضمن التشبيه ،لن تشبيه أو ً
الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة ل
في كيفية الرؤية ) .(6لن رؤية الله عزوجل بل كيف.
كما سيأتي....
452
الكتاب والجماع والسنة حتى يحصل العلم واليقين
في مسألتنا هذه.
فظاهر قوله تعالى) :إلى ربها ناظرة( يحتمل وجوها ً
من المجاز منها الرؤية .ويكفي أن تساق الحاديث
الشريفة لتعيين الرؤية من وجوه المجاز التي يتحملها
النظر .فإذا استند إجماع المة قبل ظهور المخالف
على هذا الوجه من الستدلل حصل اليقين في
مسألتنا هذه .فإذا استقام الستدلل لهل السنة في
إثبات الرؤية فلبد من بيان الرؤية على الوجه الذي
أثبته أهل السنة.
يقول الغزالي) :إنما أنكر الخصم الرؤية لنه لم يفهم
صل معناها على التحقيق، ما نريده بالرؤية ،ولم يح ّ
وظن أننا نريد بها حالة تساوي الحالة التي يدركها
الرائي عند النظر إلى الجسام واللوان ،وهيهات
فنحن نعترف باستحالة ذلك في حق الله سبحانه
ولكن ينبغي أن نحصل معنى هذا اللفظ في الموضع
المتفق ونسبكه ثم نحذف منه ما يستحيل في حق
الله سبحانه وتعالى ،فإن بقى من معانيه معنى لم
يستحل في حق الله سبحانه وتعالى وأمكن أن
يسمى ذلك المعنى رؤية حقيقية أثبتناها في حق الله
ة .وإن لم يكن سبحانه ،وقضينا بأنه مرئي حقيق ً
إطلق اسم الرؤية عليه إل بالمجاز أطلقنا اللفظ
عليه بإذن الشرع ،واعتقدنا المعنى كما دل عليه
العقل ...وتحصيله :أن الرؤية ل حقيقية لها إل أنها
نوع إدراك ،هو كمال ومزيد كشف بالضافة -أي
بالنسبة -إلى التخيل .فإنا نرى الصديق مث ً
ل :ثم
نغمض العين فتكون صورة الصديق حاضرة في
دماغنا على سبيل التخيل والتصور ،ولكنا لو فتحنا
البصر أدركنا تفرقته ...إل أن هذه الحالة الثانية
كالستكمال لحالة التخيل ...،فنسمي هذا الستكمال
بالضافة إلى الخيال رؤية وإبصارًا.
453
وكذا من الشياء ما نعلمه ولنتخيله .وهو ذات الله
عزوجل وصفاته وكل ما لصورة له...فإنه ليحيل
العقل أن يكون لهذا العلم مزيد استكمال ،نسبته إليه
ة البصار إلى التخيل.
نسب َ
ً
وإن كان ذلك ممكنا بأن خلقت هذه الحالة في العين
كان اسم الرؤية بحكم وضع اللغة عليه أصدق،
وخلقها في العين غير مستحيل ،كما أن خلقها في
القلب غير مستحيل.
فإذا فهم المراد بما أطلقه أهل الحق من الرؤية علم
أن العقل ليحيله .وأن الشرع قد شهد له فل يبقى
للمنازعة وجه إل على سبيل العناد أو المشاحنة في
إطلق عبارة الرؤية ،أو القصور عن درك هذه
المعاني الدقيقة التي ذكرناها(((2
وبعد هذه العبارات النفيسة يمكن تلخيص مراد
أهل السنة من رؤية الله عزوجل ،بأنها انكشاف
بالبصر يزيد على صفة العلم به سبحانه ويحصل
بالبصر على وجه خارق للعادة فيخلو من الشرائط
والكيفيات المعتبرة في رؤية الجسام والعراض
كاشتراط الجهة وثبوت المسافة المناسبة بين الرائي
والمرئي.((1
وبعد ذكر رأي أهل السنة في إثبات رؤية الله عزوجل
لم يبق إل أن نشير باختصار إلى أشهر شبه
المخالفين وما يكفي لدفعها.
وهذه الشبه نوعان :نوع يرجع إلى أدلة سمعية ونوع
آخر يرجع إلى أدلة عقلية.
ل :الشبه السمعية:أو ً
454
تمسك المعتزلة وموافقوهم في قولهم بنفي الرؤية
بآيات من القرآن الكريم زعموا أنها تؤيد مذهبهم
نذكر منها ما يلي:
- 1قال الله تعالى )لتدركه البصار وهو يدرك
البصار وهو اللطيف الخبير(((2
يقول القاضي عبد الجبار):وجه الدللة في الية هو ما
قد ثبت من أن الدراك إذا قرن بالبصر ليحتمل إل
(
الرؤية .وثبت أنه تعالى نفى عن نفسه إدراك البصر(
.(3
وقد أجاب الباقلني فقال ...) :الية ل حجة فيها لنه
قال ":لتدركه البصار " ولم يقل لتراه البصار،
والدراك بمعنى يزيد على الرؤية ،لن الدراك:
الحاطة بالشيء من جميع الجهات ،والله تعالى
ليوصف بالجهات ،ول أنه في جهة ،فجاز أن يرى وإن
لم يدرك .وهذا كما قال تعالى في قصة اللعين
فرعون"حتى إذا أدركه الغرق" ((4يعني أحاط به من
جميع جوانبه ،والغرق ليوصف بأنه يرى ،وإنما يوصف
بأنه أحاط بالشيء .كذلك المؤمن يوصف بأنه يرى
ربه ول يدركه بالحاطة .وهذا كما نقول إنا نعلم ربنا،
ولنقول إنا نحيط به .فكما كانت الحاطة معنى يزيد
على العلم كذلك الدراك معنى يزيد على الرؤية.
وهذا صحيح لنا نجمع بين قوله تعالى ":فاعلم أنه
) (2سورة النعام .103
) (3شرح الصول الخمسة .233وانظر القتصاد ،الطوسي
75و الساس ،القاسم الزيدي .79
) (4سورة يونس .90
) (5سورة محمد .19
) (6سورة طه .110
) (7سورة القيامة .23
) (8النصاف .184وانظر نحوه في البانة ،الشعري
.16،19والرشاد ،الجويني والقتصاد ،الغزالي 48
والمواقف ،اليجي.308 ،
455
لإله إل الله" ((5وبين قوله تعالى ":وليحيطون به
(
علمًا" .((6ونجمع بين قوله تعالى "إلى ربها ناظرة"
(7وبين قوله تعالى:
"لتدركه البصار " فتقول :معلوم وليحاط به ،ومرئي
ل يدرك .فصح ما قلناه وبطل قول الغير(.((8
- 2قال تعالى):ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه
قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني.((1(..
يقول القاضي عبد الجبار في وجه استدللهم بالية:
)وهذه الية حجة لنا ...لنه تعالى قال "لن تراني "
ولن موضوعة للتأييد .فقد نفى أن يكون مرئيا ً البتة...
وهذا يدل على استحالة الرؤية(((2
وأجاب الباقلني فقال):إن هذا ل يمنع من جواز
الرؤية .لن قوله "لن تراني " إنما تضمن عدم وجود
الرؤية عند السؤال ل استحالة الرؤية ...ولو أراد
استحالة الرؤية لقال:لن يجوز أن تراني .وقد ليوجد
الشيء وليدل على استحالته .أل ترى أن أحدا ً لو
سأل نبي زمانه أن يسأل ربه أن يرزقه ولدًا .فسأل
نبي ذلك الزمان ،فأوحى الله تعالى :لن ي ُْرَزق هذا
ل ولدًا .فل يدل ذلك على أنه ليجوز وجود الولد السائ ُ
ن
في حق هذا السائل ،وليستحيل ،بل هو جائز وإ ْ
مِنع من وجوده عقب السؤال. ُ
على أن حرف "لن " ليقتضي عدم جواز الرؤية في
الدنيا والخرة ولو قرن بـ )أبد( أل ترى أنه تعالى قال
)
)
)
)
456
(
في حق اليهود ":ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم "
(3
فلم يدل ذلك على أنهم لن يتمنوه في الدنيا والخرة،
لنه أخبر تعالى أنهم يتمنون الموت في النار بقوله "
ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك" ((4يعنون الموت.
فإذا كان حرف لن مع اقتران )أبد( به ليقتضي نفي
ذلك في الدنيا والخرة .فكيف به إذا لم يقرن
به)أبد( ؟(((5
ثانيًا :الشبه العقلية:
قالوا :لو جاز عليه سبحانه الرؤية بالبصار لوجب أن
يكون .محدودا ً وحال ً في مكان أو يكون من جنس
المرئيات ،لننا لم نعقل مرئيا ً بالبصر إل كذلك .فلما
ً(
استحال عليه جميع هذه الوجوه بطل أن يكون مرئيا
.(6
والجواب :أن اشتراط هذه المور لحصول الرؤية في
الدنيا لينفي تحقق الرؤية في الخرة بدون هذه
الشرائط .واعتماد المعتزلة في هذا الستدلل على
قياس الغائب على الشاهد .ويلزمهم على هذا
القياس وصف الله عزوجل بالجسمية .لن القائل
ً
يقول :لو كان للكون خالق لوجب أن يكون جسما وذا
علة وطبع وآلة وغير ذلك ،لنا لن نعقل صانعا ً إل على
هذه الوصاف.
فإما أن يتمسك المعتزلة بهذا الدليل فيلزمهم القول
بمحالت كثيرة على الله عزوجل كالجسمية
457
واستخدام اللة وغيرها ،وإما أن يرفضوا هذه
اللزامات محافظة على التنزيه فتسقط شبهتهم في
الرؤية أيضا ً وتنفي هذه اللوازم التي ذكروها .((1
والحاصل أن المعتزلة لم يذكروا وجها ً تثبت به
استحالة الرؤية .وقد أطال أهل السنة في دفعها ولم
يكتفوا بذلك بل استدلوا بالعقل أيضا ً على جوازها.
فمن ذلك أن المام الباقلني استنبط من قوله تعالى
)قال رب أرني أنظر إليك( دليل ً عقليا ً يثبت الجواز
فقال) :الدليل على جوازها من حيث العقل سؤال
موسى عليه السلم حيث قال "رب أرني أنظر إليك
"فموسى عليه السلم طلب الرؤية ويستحيل أن
يسأل نبي من النبياء مع جللة قدره وعلو مكانته ما
يجوز عليه و ما ليجوز عليه سبحانه .ولو أنه اعتقد
عدم جوازها لما سألها(((2
والحاصل :أن رؤية الله جائزة في العقل وقد دل
ظاهر الكتاب على وقوعها ونصت الحاديث الشريفة
على ذلك وأجمع أهل السنة على إثبات الرؤية قبل
حدوث المخالف .ثم خالف المعتزلة فأولوا الية على
ت الرؤية ،وطعنوا في صحة الخبار وجه ليتم به إثبا ُ
وعدالة رواتها ،واستدلوا بشبه سمعية وعقلية لنفي
الرؤية .وقد أجاب عنها أهل السنة والجماعة والله
أعلم.
458
رؤية ال عز وجل في الدنيا
سبق أن رؤية الله عز وجل جائزة من جهة العقل.
أنها ثابتة حاصلة للمؤمنين في الخرة بدليل السمع.
أما رؤيته في الدنيا فقد اتفق أهل السنة والجماعة
على أن الله عزوجل ليراه أحد من المؤمنين في
الدنيا .وحكى القاضي عياض عن المام مالك وغيره
من السلف والخلف أنه يستدل لمنع ذلك بدليل
العقل .قال القاضي):وقد رأيت لبعض السلف
والمتأخرين ما معناه :إن رؤيته تعالى في الدنيا
ممتنعة لضعف تركيب أهل الدنيا وقواهم ...فإذا كان
في الخرة ركبوا تركيبا ً آخر ،ورزقوا قوى ثابتة باقية
قووا بها على الرؤية وقد رأيت نحو هذا لمالك بن
أنس رحمه الله وقال :لم ير في الدنيا لنه باق ،ول
ُيرى الباقي بالفاني(((1
ثم أشار القاضي إلى عدم تمام الستدلل بما سبق
فقال):وهذا كلم حسن مليح .وليس فيه دليل على
الستحالة إل من حيث ضعف القدرة فإذا قوى الله
تعالى من شاء من عباده وأقدره على حمل أعباء
الرؤية لم تمتنع في حقه(((2.
ويستدل لثبات الجواز العقلي بأن موسى عليه
السلم طلب الرؤية في الدنيا .وليجوز على النبي أن
يجهل ما يستحيل في حق الله عز وجل .وقد سبق
بيانه.(13
459
وفي أخبار الحاد ما يدل على امتناعها في الدنيا
على المؤمنين من أمة محمد )صلى الله عليه
وسلم(.
يقول الحافظ ابن حجر):ووقع في صحيح مسلم ما
يؤيد هذه التفرقة -يعني بين الرؤية في الدنيا
والخرة -حديث مرفوع( .((4يريد بذلك ما أخرجه
المام مسلم بسنده عن عمرو بن ثابت النصاري أنه
أخبره بعض أصحاب رسول الله )صلى الله عليه
وسلم(أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم( قال
يوم حذر الناس الدجال )إنه مكتوب بين عينيه كافر.
يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن(
َ ( َ
حد ٌ منكم ربه عز وجل ه لن ي ََرى أ َ
موا ( 5أن ّ ُوقال )ت َعَل ّ ُ
حتى يموت(( 6
(
)
460
الوقوع .(13واختلفت الرواية عن أبي ذر رضي الله
عنه.
أما عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقد أخرج
المام مسلم بسنده عن أبي العالية عن ابن عباس
قال )ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى( ( 4
2
)
461
رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ،قال :وكنت
متكئا فجلست فقلت ياأم
أنظريني ولتعجلي ،ألم يقل الله عز وجل)ولقد رآه
بالفق المبين() ((9ولقد رآه نزلة أخرى( ((10فقالت:
أنا أول هذه المة سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فقال :إنما هو جبريل ،لم أره على صورته
التي خلق عليها ،غير هاتين المرتين .رأيته منهبطا من
قهِ ما بين السماء إلى الرض. خل ِ عظ َ ُ
م َ ساد ّا ً ِ
السماءَ ،
فقالت :أولم تسمع أن الله يقول " :لتدركه البصار
وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير "؟((1
أو لم تسمع أن الله عز وجل يقول " :وما كان لبشر
أن يكلمه الله إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل
رسول ً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم "((2
قالت :ومن زعم أن رسول الله )صلى الله عليه
وسلم( كتم شيئا ً من كتاب الله فقد أعظم على الله
الفرية.
والله يقول ":ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ربك
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "((3
قالت ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم
على الله الفرية .والله يقول ":قل ليعلم من في
السموات والرض الغيب إل الله " (15(((4
)
)
462
وأخرج المام مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه قال )"ما كذب الفؤاد ما رأى " (16
قال :رأى جبريل له ستمائة جناح(((7
وأخرج أيضا ً بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه "
ولقد رآه نزلة أخرى " ((8قال )رأى جبريل(((9
وأما أبو ذر الغفاري رضي الله عنه فقد اختلفت
الرواية عنه .فروي عنه ما يقتضي نفي الوقوع وروي
عنه ما يفيد الوقوع.
فأخرج المام مسلم بسنده عن عبد الله بن شقيق
قال :قلت لبي ذر :لو رأيت رسول الله )صلى الله
عليه وسلم( لسألته .فقال :عن أي شئ كنت
تسأله ؟ قال :كنت أسأله :هل رأيت ربك ؟ قال أبو
ذر :قد سألته فقال :رأيت نورًا((10.
وفي رواية عن مسلم أيضا ً قال:سألت رسول
الله)صلى الله عليه وسلم(هل رأيت ربك؟ قال :نور
أنى أراه؟((1
وهاتان الروايتان تقتضيان نفي الوقوع.
)
463
قال النووي )أما قوله صلى الله عليه وسلم ":نور
أنى أراه " فهو بتنوين "نور " وبفتح الهمزة في " أنى
" وتشديد النون وفتحها ،و"أراه " بفتح الهمزة .هكذا
رواه جميع الرواة في جميع الروايات والصول.
ومعناه :حجابه نور ،فكيف أراه ؟ قال المام أبو عبد
الله المارزي رحمه الله .الضمير في أراه عائد على
الله عز وجل.
ومعناه :أن النور منعني من الرؤية .كما جرت العادة
بإغشاء النوار والبصار ومنِعها من إدراك ما حالت
بين الرائي وبينه.وقول صلى الله عليه وسلم " رأيت
نورا ً " معناه :رأيت النور فحسب ولم أر غيره(((2
وفي حديث أبي موسى الشعري ...عند المام مسلم
ما يدل على أن النور هو الحجاب .وفيه )حجابه
النور ,ولو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى
إليه بصره من خلقه(((3
وأما ما روي عن أبي ذر رضي الله عنه مما يقتضي
إثبات الرؤية فقد وقع في بعض روايات الخبر السابق
وخبر آخر غيره.
464
أول ً -وقع في بعض روايات الخبر السابق أنه قال":
نوُُر إني أراه " أخرجه ابن خزيمة من طريق أبي
موسى محمد بن المثنى.((4
وعند ابن خزيمة أيضا ً أن محمدا ً بن بشار )بندار( ((5
نبه إلى مخالفة أبي موسى في هذه الرواية فحدث
بهذا الحديث فقال ...":نور أنى أراه ؟ " ثم قال:
)لكما قال أبو موسى _ قال _ :إني أراه( ((6ومما
يؤكد وهم محمد بن المثنى في هذه الرواية أنه كان
ليحدث إلمن كتابه ((7وصورة كتابة الروايتين
متقاربة مما يقوي احتمال حصول تصحيف في الخط
أو وهم عند القراءة .والله أعلم.
على أن هذه الرواية مخالفة لما في صحيح مسلم ـ
كما سبق ـ وقد استنكرها القاضي عياض من وجه
آخر فقال):هذه الرواية لم تقع إلينا ولرأيتها في
شيء من الصول .ومن المستحيل أن تكون ذات الله
نورًا :إذ النور من جملة الجسام .والله سبحانه يجل
عن ذلك .هذا على مذهب جميع أئمة المسلمين( .((1
وعلى هذا فليصح نسبة القول بإثبات الرؤية إلى أبي
ذر رضي الله عنه إستنادا ً لهذه الرواية.
ولكن جاء في خبر آخر أنه أثبت الرؤية.
فقد أخرج ابن خزيمة بسنده عنه رضي الله عنه في
قوله تعالى):ولقد رآه نزلة أخرى( )رآه بقلبه .ولم
يره بعينيه(.((2
465
فانضاف بهذا الخبر قول أبي ذر في تفسير الية إلى
قول ابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم
أجمعين.
وتضافرت الرواية عنهم بإثبات وقوع الرؤية بالفؤاد
دون البصر.
ومعناه أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده ،أو خلق
لفؤاده بصرا ً حتى رأى ربه رؤية صحيحة .والرؤية
ليشترط لها محل مخصوص عقل ً ولو جرت العادة
بخلقها في العين .فقد يخلق الله انكشافا ً يزيد على
العلم ،ويجعل محل هذا النكشاف في القلب((3.
وبعد اختلف السلف من الصحابة الكرام في إثبات
وقوع الرؤية اختلف الخلف من أهل السنة والجماعة
في هذه المسألة على ثلثة أقوال.
فريق يرجح ماذهب إليه ابن عباس وفريق يسوق
العتراضات على استدلل الفريق الول ثم يختار
الوقف في هذه المسألة .وفريق يصرح بنفي وقوع
الرؤية.
وفيما يلي تفصيل اختلفهم ووجه مااختاره كل فريق.
اختار فريق من أهل السنة والجماعة إثبات الرؤية.
ومنهم المام الباقلني (14وابن خزيمة ) (2والمام
النووي ) (3وغيرهم) (4ووجه هذا الختيار ترجيح الخبر
الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما من وجوه.
466
ل :إن الخبر عن ابن عباس له حكم المرفوع إلى أو ً
النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن خزيمة )ثبت عن ابن عباس إثباته أن النبي
صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه .وبيقين يعلم كل
عالم أن هذا من الجنس الذي ليدرك بالقول والراء
والظنون ،وليدرك مثل هذا العلم إل من طريق
ب أو بقول نبي مصطفى ولأظن أحدا ً النبوة ،إما بكتا ٍ
من أهل العلم يتوهم أن ابن عباس قال ":رأى النبي
صلى الله عليه وسلم ربه " برأى وظن .(((1
ثانيًا :الترجيح بتفاوت العلم.
يقول ابن خزيمة )وتقول كما قال معمر بن راشد لما
ذكر اختلف عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي
الله عنهما في هذه المسألة :ما عائشة عندنا أعلم
من ابن عباس.
نقول :عائشة الصديقة بنت الصديق ،حبيبة حبيب
الله ،عالمة فقيهة ،كذلك ابن عباس ابن عم النبي
)صلى الله عليه وسلم( .دعا النبي )صلى الله عليه
وسلم( له أن يرزقه الحكمة والعلم...وهو المسمى
ترجمان القرآن.((2(...
ويقول النووي) :ثم إن عائشة رضي الله عنها لم تنف
الرؤية بحديث عن الرسول )صلى الله عليه وسلم(
ولو كان معها فيه حديث لذكرته .وإنما اعتمدت
الستنباط من اليات.((3(...
ثالثًا :العتراض على استدلل عائشة رضي الله عنها
باليات الكريمات.
467
يقول النووي):فأما احتجاج عائشة بقول الله تعالى":
لتدركه البصار " فجوابه ظاهر .فإن الدراك هو
الحاطة .والله تعالى ليحاط به ،وإذا ورد النص بنفي
الحاطة ليلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة ...وأما
احتجاجها رضي الله عنها بقول الله تعالى ":وما كان
ببشر أن يكلمه الله إل وحيا ً " ((4فالجواب عنه من
أوجه.
أحدها :أنه ليلزم من الرؤية وجود الكلم حال الرؤية
فيجوز وجود الرؤية من غير كلم.
الثاني :أنه عام مخصوص بما تقدم من الدلة( 5(.
(
468
- 1يقول القاضي عياض):والحق الذي لامتراء فيه
ل ....وليس في أن رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عق ً
الشرع دليل قاطع على استحالتها ولامتناعها ...وأما
وجوبه لنبينا صلى الله عليه وسلم ،والقول بأنه رآه
بعينه فليس فيه قاطع أيضا ً ولنص.
إذ المعول فيه على آيتي النجم .والتنازع فيهما مأثور،
والحتمال لهما ممكن ،ولأثر قاطع متواتر عن النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك.
وحديث ابن عباس خبر عن اعتقاده لم يسنده الى
ب العمل باعتقاده النبي )صلى الله عليه وسلم( فيج َ
مضمنه ،ومثله حديث أبي ذر في تفسير الية ...فإن
ورد حديث نص بين في الباب اعتقد ووجب المصير
إليه ،إذ لاستحالة فيه ولمانع قطعيا ً يرده والله
الموفق للصواب(.((1
وقد فصل الحافظ ابن حجر في الجابة على من
قال :خبر ابن عباس له حكم المرفوع.
فقال بعد نقل كلم المام النووي ...):وجزمه بأن
ف الرؤية بحديث مرفوع تبع فيه ابن عائشة لم تن ِ
خزيمة ...((2وهو عجيب ،فقد ثبت ذلك عنها في
مسلم((4.(((3
ويقول البيهقي):اتفقت رواية عبدالله مسعود وعائشة
بنت الصديق وأبي هريرة رضي الله عنهم على أن
هذه اليات أنزلت في رؤية النبي )صلى الله عليه
وسلم( جبريل عليه السلم ،وفي بعضها أسند الخبر
إلى النبي )صلى الله عليه وسلم( ،وهو أعلم بمعنى
ما أنزل إليه(.((5
الشفا .1/388 )(1
انظر رأي ابن خزيمة في التوحيد .228 )(2
سبق تخريجه. )(3
فتح الباري .382 - 8/381 )(4
السماء والصفات .550 )(5
469
وبهذا يتضح أنه لمعول في إثبات الرؤية على آيتي
سورة النجم ،لنه قد ثبت في حديث عائشة المرفوع
أن المرئي هو جبريل عليه السلم .وتفسير ابن
عباس لليتين إجتهاد منه .وقد وقع مخالفا لما صح
عن رسول الله )صلى الله عليه وسلم( في تفسير
اليتين.
وقول القائل):ماعائشة أعلم عندنا من ابن عباس(
مبني على أن ماذهبت إليه عائشة رضي الله عنها
في تفسير الية استنباط منها واجتهاد .فيقال :نعم،
استدللها باليتين من سورة النعام والشورى
استنباط واجتهاد .ويتجه العتراض على الستدلل
بهما كما سبق ،ولكن تفسيرها لليات من سورة
النجم مرفوع إلى النبي )صلى الله عليه وسلم(
فيجب المصير إليه ،وهو قادح في إثبات الرؤية
استنادا ً لليات من سورة النجم لن المرئي فيها هو
جبريل عليه السلم.
القول الثالث :نفي وقوع الرؤية.
ولم أر من صرح باختياره غير عثمان الدارمي فإنه
قال مخاطبا ً من أنكر وقوع الرؤية في الخرة):وأنتم
تقولون وجميع المة تقول به أنه لم يَر ،وليرى في
الدنيا .فأما في الخرة فما أكبر نعيم أهل الجنة إل
النظر إلى وجهه(((1
وفي حكايته هذا الموقف عن جميع المة نظر ظاهر
فقد صح خلفه عن طائفة من الصحابة كما سبق
وصح عن بعض كبار التابعين كالحسن البصري
وعكرمة((2.
والحاصل أن الخلف في هذه المسألة ليدعو إلى
شقاق أو نزاع ،ولكل خلف سلف في هذه المسألة.
) (1الرد على الجهمية 306
) (2انظر التوحيد ،ابن خزيمة .4/251وتفسير ابن كثير
4/251
470
والذي أميل إليه هو ماذهب إليه القاضي عياض رحمه
الله ،فالعقل والشرع ليمنعان أن يرى النبي )صلى
الله عليه وسلم( ربه عز وجل في الدنيا .أما الوقوع
فيحتاج إلى دليل ،وليس يصح التمسك باليات
الكريمة لثباته لنه قد صح عن النبي )صلى الله عليه
وسلم( تفسيرها بخلفه .فل بأس في الوقف حتى
يتبين الدليل.
والله أعلم.
ويحسن قبل ختام هذا المطلب التنبيه إلى بعض
الخبار التي لحقها الضعف في سندها والنكارة في
متنها في موضوع الرؤية.
- 1أخرج عبدالله بن أحمد بسنده عن عبدالله بن
أبي سلمة قال :بعث عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن
عباس رضي الله عنهما يسأله):هل رأى محمد )صلى
ن نعم قد رآه فرد الله عليه وسلم( ربه ؟ فبعث إليه أ ْ
رسوله إليه ،وقال كيف رآه فقال :رآه على كرسي
من ذهب يحمله أربعة من الملئكة ملك في صورة
رجل وملك في صورة أسد ،وملك في صورة ثور،
وملك في صورة نسر ،في روضة خضراء ،دونه
فراش من ذهب(.((3
وإسناده ضعيف لنه من طريق محمد بن إسحاق عن
عبدالرحمن بن الحارث بن عبدالله عن ابن أبي
سلمة .ومحمد بن إسحاق بن يسار المطلبي صدوق
يدلس ((4وقد ساق الحافظ الذهبي هذا الحديث في
ترجمته مشيرا ً إلى نكارته((5.
471
وعبدالرحمن بن الحارث المخزومي قال فيه المام
أحمد :متروك الحديث ((6وقال البيهقي):في هذه
الرواية انقطاع بين ابن عباس رضي الله عنهما وبين
الراوي عنه :وليس شيء من هذه اللفاظ في
(
الروايات الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما(
.(7
وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس رضي
الله عنهما أنه سِئل):هل رأى محمد ربه ؟ فقال :نعم.
رآه
كأن قدميه على خضرة ،دونه ستر من لؤلؤ.( 8 (.
(
472
شنعت .الثاني :ليس في إثبات الفراش والقدم
والخضرة أكثر من تقريب المحدث من القديم ( 3ثم
(
473
الخاتمة
في ختام هذا البحث يمكن تلخيص أهم نتائجه في
نقاط:
ل :إن أول موضع من مواضع النزاع في حجية خبر أو ً
الحاد هو الخلف في إفادته .فهل يحصل اليقين
بصدق كل خبر يرويه الحاد؟ أم يجوز أن يحصل
ببعض أخبار الحاد دون بعض آخر؟
ويمكن إجمال الجابة على هذين السؤالين بأن
حصول العلم واليقين بصدق المخبر أمر وجداني
يحصل في وجداننا ويختلف حصوله باختلف الوقائع
والشخاص والهيئات والحوال المصاحبة للخبر ،ويجد
المرء في نفسه تفاوتا ً في القطع بصدق أخبار مخبر
واحد فيقطع بصدقه في خبر دون خبر آخر مع أن
المخبر فيهما واحد.
وبسبب هذا التفاوت صح أن يقال :إن الحكم على
إفادة خبر الحاد مبني على الحكم بإفادة الغالب
والكثر .وباستقراء أخبار الحاد وإفادتها نتوصل إلى
الحكم بأن الصل في خبر الحاد أنه يفيد الظن
الراجح بصدق مضمونه ،وقد يصاحب بعض الخبار
هيئات وأحوال تصل بإفادتها إلى درجة اليقين والقطع
بصدقها .ومن هذه الهيئات والحوال:
- 1أن يخبر شخص بوقوع حادثة بين يدي جماعة
وخلق كثير شهدوا وقوع الحادثة وأمسكوا عن تكذيبه
مع انتفاء الموانع عن المساك عن تكذيبه لوكان
كاذبًا ،فيقام سكوتهم مقام الشهادة له بالصدق،
فيحصل القطع بصدقه.
- 2أن يوافق الخبر أصل ً في كتاب الله عز وجل
ويكون الصل في الكتاب ظني الدللة على أمر دل
عليه الخبر قطعًا .وقد يحصل في هذه الموافقة
474
ارتفاع ظنية الكتاب فيكون لخبر الحاد دور في
تحصيل القطع واليقين في ما سيق للدللة عليه.
- 3أن يرد الخبر محتفا ً بقرائن تدل على صدقه كأن
يخبر زيد عن موت عمر ،ونسمعَ في داره البكاء
والعويل .ويصاحب ذلك خروج الكفن من داره مع
علمنا بأنه ليس في داره مريض سواه فيحصل اليقين
بموته .وحصول اليقين في مثل هذا الخبر يكثر
حصوله في الخبار العادية ،أما الخبار الشرعية
فيتعذر إثبات قرائن تحف بها فتصل بها إلى درجة
القطع واليقين وعلى مدعي ذلك إثباته ،ودونه خرط
القتاد.
ثانيًا :القول بظنية خبر الحاد ليقدح في حجيته في
إثبات الحكام الشرعية والمسائل الفقهية ،لنها مبنية
ل اليقين في أفرادهاعلى الظن الراجح ،وحصو ُ
متعذر.فيكتفى فيها بالظن الراجح.
ثالثًا :مايجب العتقاد به لبد في دليله من تحصيل
القطع واليقين لن العقيدة قطعية يقينية ،والظني
ينوء بحمل القطعي .أما إذا حصل العلم بمضمون
خبر الحاد فلخلف في إثبات العقيدة به ولكن ليكفر
منكره لن حصول العلم به متوقف على النظر
والستدلل .وقد يعجز البعض عن تحصيل العلم
واكتسابه وقد ل ينجو من إيراد الشبه والعتراضات
عليه .فيعذر لذلك وليقدح في إيمانه.
رابعًا :إذا تعذر حصول العلم واليقين بصدق مضمون
خبر آحادي ورد في مسائل العتقاد فل يصلح لثبات
العقيدة به .وُينظر في مضمونه فإن كان منسجما ً مع
الدلة القاطعة من العقل والنقل وجب تصديقه
تصديقا ً غير جازم ولموجب للعتقاد بمضمونه .وإن
كان مخالفا ً وجب تأويله وصرفه إلى معنى يصح حمله
عليه.
475
خامسًا :هذا المنهج العلمي في التعامل مع أخبار
الحاد يجد له في هدي الصحابة الكرام ما يثبت
أصالته وسلمته من التنكب عن هدي القرون
المشهود لها بالخيرية.
سادسًا :في تطبيق هذا المنهج العملي نجد مسائل
العتقاد في كتب العقائد موزعة على ثلثة أبواب
اللهيات والنبوات والسمعيات .وفي باب اللهيات
وردت أخبار في السماء الحسنى ،ومن هذه السماء
ماورد في القرآن الكريم ومنها مااستقل به خبر
آحادي .ولما تعذر حصول العلم بثبوت هذه الخبار
ولم ترتفع عن درجة الظنية وجب فيها مايوجبه الظن
وهو العمل دون العتقاد .واعتبرت هذه الخبار إذنا ً
شرعيا ً يجيز تسمية الله عز وجل بما تضمنته هذه
الخبار من السماء الحسنى وهذه التسمية من باب
عمل اللسان فل يشترط فيه القطع.
وفي صفات الله عز وجل ينحصر الخلف في حجية
خبر الحاد في الصفات الخبرية التي استقل بورودها
خبر الحاد ومن هذه الصفات ماورد بأخبار صحيحة،
ولكنها لم ترتفع عن رتبة ظنية الثبوت وفي دللتها
على الصفات ظن أيضا ً فيكون تأويلها أحكم وتفويض
العلم بها أسلم ،ومن هذه الصفات ماورد في
أخبارلتفيد الظن الراجح ومع ذلك أثبت بها البعض
صفات لله عز وجل .والغرب من ذلك أن بعض هذه
الخبار منكرة المتون لنها تخالف الدلة القاطعة من
العقل والنقل ،ومع ذلك فقد تكلف البعض وتحمل
قدرا ً فوق طاقته لتخريج هذه الخبار على وجه يثبت
به إلحاق هذه الخبار في الصفات.
لخبار الحاد تعلقا في بعض وفي مسائل النبوات نجد َ
مسائل العصمة وبعض المعجزات .أما في باب
العصمة فنجد أدلة قاطعة من العقل توجب عصمة
النبياء وفي بعض أخبار الحاد مايشكل ظاهره
476
ويعارض هذه الدلة القاطعة فوجب المصيرإلى
تأويله وتنبيه من أثبته على ظاهره ،وأما في باب
المعجزات فقد أمكن تحصيل العلم بثبوت بعض
المعجزات مثل إسماع تسبيح الحصى وتكثير الطعام
ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه
وسلم .ووجه تحصيل العلم بها أن المخبرين بها وإن
كانوا آحادا ً لكنهم أخبروا بين يدي جماعة حضروها
وشهدوها .ثم سكتوا عن تكذيبهم ولو كان كاذبا ً
لسارعوا إلى تكذيبهم .فيقام سكوتهم مقام الشهادة
لهم بالصدق.
وفي السمعيات تتفرع المسائل :ففي أشراط
الساعة الكبرى أخبار آحاد يمكن تحصيل العلم بها إما
لتواترها تواترا ً معنويا كخروج الدجال ونزول عيسى
عليه السلم ،وإما لموافقتها لصل في كتاب الله عز
وجل كطلوع الشمس من مغربها وخروج دابة الرض.
وثبوت بعض هذه الشراط على سبيل القطع ليعني
وجود العتقاد بكل ماورد فيها من أخبار لن فيها
مالم يصح من جهة السند ومالم يصح من جهة المتن
لمخالفته الدلة القاطعة ،فليجب العتقاد بتفاصيل
الشراط ودقائقها ،وفي بعض هذه التفاصيل أخبار
آحاد صحت من جهة السند ولم تخالف قطعيا ولم
تصل إلى رتبة القطعي فيجب فيها أصل التصديق
دون العتقاد الجازم .وفي المقام المحمود نجد خبرا ً
منكرا ً عن المام مجاهد في تفسيره بالقعاد على
العرش تمسك به بعض المحدثين فوجب التنبيه إلى
ضعف سنده وسقامة متنه.
وفي رؤية الله عز وجل تتابعت أخبار الحاد على
تبشير المؤمنين برؤيتهم لله عز وجل في الخرة.
ووافقت هذه الخبار أصل ً في كتاب الله عز وجل،
وحصل إجماع السلف على إثبات الرؤية مستندين
في هذا الجماع إلى دليل الكتاب والسنة.
477
وفي رؤية الله عز وجل في الدنيا :اختلف الصحابة
رضوان الله عليهم فصح إنكاره عن عائشة رضي الله
عنها وصح إثباتها عن عبد الله بن عباس وغيره من
الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وهذا ماسوغ
ي اختلف الخلف في هذه المسألة أيضًا ،ولك ٍ
ل رأ ٌ
ووجه ودليل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلة
والسلم على أشرف المرسلين.
478
ثبت المصادر والمراجع
479
)الباضية بين الفرق السلمية ،علي بن يحيى ،مطابع سجل العرب -عمان .1986
إتحاف المريد بجوهرة التوحيد ،عبد السلم اللقاني ) 1041هـ( ،مطبعة السعادة -مصر 1955م .2
إحكام الفصول في أحكام الصول،أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي) 274هـ( تحقيق عبد الله محمد الجبوري مؤسسة الرسالة .3
الطبعة الولى 1409هـ .
الرشاد إلى قواطع الدلة في أصول العتقاد ،إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني ) 478هـ( ،تحقيق محمد يوسف موسى .4
مطبعة دار السعادة -مصر .1950 -
إرشاد النام في عقائد السلم ،محمود صالح البغدادي -طبعة دار البراء 1985 -م. .5
الساس في السنة ) قسم العقائد ( ،سعيد حوى -طبعة دار السلم عمان 1992 -م . .6
الساس في عقائد الكياس ،تحقيق د -ألبير نصري ،طبعة دار الطليعة -بيروت . 1980 - .7
السماء والصفات ،ابن تيمية ،طبعة دار الكتب العلمية -بيروت ،لم يذكر سنة الطبع . .8
السماء والصفات ،البيهقي ،تحقيق الكوثري ،طبعة دار الكتب العلمية -بيروت . .9
.10السماء والصفات،احمد بن الحسين البيهقي) 458هـ(تحقيق محمد زاهد الكوثري طبعة دار الكتب العلمية-بيروت.-
.11الشارة إلى اليجاز ببعض أنواع المجاز ،أبو محمد عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلم الشافعي) 660هـ( طبعة دار المعرفة -بيروت
1313 -هـ
.12أشراط الساعة ونظرية آخر الزمان رؤية جديده في ضوء الكتاب والسنة فتحي عيد يحيى لم يذكر مكان الطبع ولسنته
.14أصول الحديث ،د-محمد عجاج الخطيب طبعة دار الفكر -بيروت . 1975 -
.15أصول الدين ،طبعة دار الكتب العلمية-بيروت.1980 -
.16أصول الفقه ،محمد أبو زهرة طبعة دار الفكر العربي -لم يذكر سنة الطبع . -
.17القباس النيرة في فضائل العشرة المبشرة كما في طبقات ابن سعد .جميل إبراهيم ،طبعة دار المكتبة العالمية -بغداد 1989م
.20إيثار الحق على الخلق ،طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1987 -م
.21ابن تيمية ،محمد أبو زهرة ،مطبعة دار الفكر العربي -مصر
.22الختلف في اللفظ،والرد على الجهمية والمشبهة.تحقيق محمد أحمد الكوثري ،مطبعة منير-بغداد1989 -م.
.23العتصام ،آبو إسحاق الشاطبي ) 790هـ( تحقيق أحمد عبد الشافي طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1988 -م.
.24الباقلني وآراؤه الكلمية -د -محمد رمضان -مطبعة المة -بغداد 1986 -م .
.25البحر الزخار والجامع لمذاهب علماء المصار ،أحمد بن يحيى المرتضى ) 840هـ( مؤسسة الرسالة -بيروت 1975
.26البحر المحيط في أصول الفقه ،بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي )794هـ( تحقيق د .عبد القادر العاني -وعمر سليمان الشقر
طبعة الكويت 1409هـ.
.27بداية المجتهد ونهاية المقتصد :محمد بن أحمد بن محمد ) ابن رشد (القرطبي ) 595هـ( الطبعة الرابعة دار المعرفة بيروت 1979
م.
.28بلوغ السول في الصول ،أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي ) 483هـ( تحقيق أبو الوفا الفغاني ،طبعة بيروت 1973
.29البيهقي وموقفه من اللهيات ،أحمد بن عطية الغامدي رسالة دكتوراه في العقيدة ،الجامعة السلمية -المدينة المنورة .
.30التأويل اللغوي في القرآن الكريم ،حسين حامد الصالح رسالة دكتوراه -جامعة بغداد . 1995
.31تأويلت أهل السنة ،أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي ) 333هـ( تحـقيق د .محمد مستفيض الرحمن .مطبعة الرشاد-بغداد،
.1983
.32تاج اللغة وصحاح العربية ،إسماعيل بن حماد الجوهري .تحقيق أحمد عبد الغفور عطار طبعة دار العلم -لبنان /1987م
.33تاريخ الفرق السلمية ،علي الغرابي ،مطبعة محمد صبيح ،مصر 1985م.
.34التبصير في الدين ،أبو المظفر طاهر بن محمد السفرائيني ) 471هـ( ،تحقيق كمال الحوت ،طبعة عالم الكتب -بيروت 1983 -
.35تخريج أحاديث شرح العقائد النسفية ،جلل الدين عبد الرحمن السيوطي )ت 911هـ ( تحقيق وتعليق صبحي السامرائي ،نشر دار
الرشد الرياض.
.36تدريب الراوي في شرح تقريب النوادي ،جلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ) 911هـ( طبعة دار الكتب العلمية -بيروت -
. 1989
.37التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة ،شمس الدين محمد بن أحمد القرطبي) 761هـ(تحقيق الدكتور أحمد حجازي طبعة دار
.38التصريح بما تواتر في نزول المسيح ،محمد أنور شاه الكشميري .تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ،طبعة القاهرة 1982م.
.39تفسير القرآن العظيم ،آبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي ) 774هـ( الطبعة الولى ،دار الفكر -بيروت 1980
.40التقيد واليضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلح ،الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي ) 806هـ( ،طبعة دار الحديث -مكة -
1984م .
.41التمهيد بما في الموطأ من المعاني والسانيد ،أبو عمر يوسف بن عبدالله )ابن عبد البر( النمري الندلسي) 463هـ( تحقيق مصطفى
العلوي مطبعة فضالة-المغرب 1982 -م.
.42التمهيد في أصول الدين ،أبو المعين النسفي ) 508هـ( ،تحقيق الدكتور عبد الحي قابيل ،المطبعة الفنية -مصر 1987 -م .
.43التمهيد في أصول الفقه ،أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي) 510هـ(تحقيق محمد بن علي بن إبراهيم مطبعة دار
.45التمهيد في تخريج الفروع على الصـول ،جمال الدين عبد الرحيم بـن الحسـن السنوي الشافعـي ) 772هـ( تحقيق محمد حسن هيتو
.47تنوير الذهان من تفسير روح البيان ،إسماعيل حقي البر وسوي اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني طبعة دار القلم بيروت
1989م .
.48تنوير الحوالك على موطأ مالك،جلل الدين عبد الرحمن السيوطي)911هـ( طبعة دار الندوة بيروت .
.49تيسير التحرير ،محمد أمير بادشاه الحسني الحنفي ،على كتاب ) التحرير في أصول الفقه ( للكمال محمد بن عبد الواحد ) ابن
.50حاشية العطار ،حسن بن محمد ) 1250هـ( على جمع الجوامع للتاج عبد الوهاب بن السبكي ) 771هـ( وبها مشه تقرير لعبد الرحمن
1988
.52دراسات حول السنة ،د -محمد إبراهيم الجيوشي طبعة دار الهدي -مصر1987 -
.56الرد على الجهمية ضمن مجموعة عقائد السلف ،علي سامي النشار ،طبع شركة السكندرية -مصر 1971م.
.57رسالة التنزيه ،عبد الله بن أحمد بن قدامة ،مطبعة الجاحظ -بغداد 1989 -م .
.58رسالة التوحيد ـ محمد عبده ،طبعة مصر 1969م .
.59الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ،طبعة دار المعرفة -بيروت 1979م .
.60الروضة البهية بين الشعرية والماتريدية ،الحسن بن محمد ) ابن عذبة ( طبعة دائرة المعارف النظامية -الهند1322 ،هـ.
.61الزينة في الكلمات السلمية العربية ،أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي ،تحقيق د.عبدالله سلوم السامرائي ،دار واسط للطباعة،
بغداد1988 ،م.
.62السنة ،عبد الرحمن أحمد بن حنبل ) 290هـ( تحقيق محمد بن سعيد القحطاني طبعة دار ابن القيم -الدمام . 1986
.63شرح أحمد بن قاسم العبادي الشافعي ) 994هـ( على شرح جلل الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي ) 864هـ( على الورقات
في أصول الفقه لمام الحرمين ،وهو في حاشية إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الصول،محمد بن علي الشوكاني) 1255هـ( -
.65شرح اليجي على مختصر المنتهى لبن الحاجب ،القاضي عبد الرحمن بن أحد اليجي ) 756هـ( طبعة الستانه 1307هـ
.66شرح البدخشي 2/310المسمى )مناهج العقول( محمد بن الحسن البدخشي،وهو شرح لمنهاج الصول في علم الصول للقاضي أبي
عبد الله محمد بن عبد الله البيضاوي ) 685هـ( طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1984م .
.67شرح العقيدة الطحاوية .تحقيق ناصر الدين اللباني طبعة المكتب السلمي-بيروت 1399)-هـ( .
.68شرح الفقه الكبر ،علي القاري طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1979 .م .
.69شرح اللمع في أصول الفقه ،أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ) 476هـ( ،تحقيق عبد المجيد تركي ،طبعة دار الغرب السلمي
شرح المقاصد مسعود بن عمر سعد الدين التفتازاني )793هـ( تحقيق عبد الرحمن عميرة ،طبعة عالم الكتب -بيروت 1989م.
.71شرح جوهر التوحيد ،الباجوري 149والنظام الفريد مع إتحاف المريد ،محمد محيي الدين عبد الحميد
.72شرح حديث النزول طبعة المكتب السلمي -بيروت 1969 -م .
.73شرح رمضان أفندي على شرح العقائد النسفية طبعة تركيا .1289
.74شرح على القاري على نخبة الفكر في مصطلحات أهل الثر للحافظ ابن حجر ،طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1978 -م
.75الشفا بتعريف حقوق المصطفى .تحقيق محمد أمين قره علي ،ومساعديه .طبعة دار الفيحاء-عمان.1986 -
.76صحيح شرح العقيدة الطحاوية ،حسن بن علي السقاف،طبعة دار المام النووي-عمان.1995 -
.77طبقات الشافعية الكبرى ،تقي الدين السبكي مطبعة دار المعرفة بيروت ،الطبعة الثانية
.78العبر في خبر من غبر ،محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ) 748هـ( تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول ،طبعة دار الكتب
بيروت 1986
.81العقيدة السلمية وأسسها ،عبد الرحمن حسن الميداني ،طبعة دمشق 1966 -م .
.82عقيدة السلف وأصحاب الحديث ،أبو عثمان إسماعيل الصابوني ) 449هـ( ،ومعه رسالتان للقرطبي والصنعاني .،مطبعة السرمد -
بغداد1990 -م .
.83عقيدة المؤمن ،أبو بكر الجزائري دار الكتب السلفية -القاهرة -لم يذكر سنة الطبع .
.84علوم الحديث ومصطلحه ،د-صبحي صالح ،دار العلم للمليين -بيروت . 1981
.85فتح المغيث لشرح ألفية الحديث ،أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي ) 902هـ ( ،تحقيق علي حسين علي الطبعة
.88الفصول في الصول ،أحمد بن علي الرازي الجصاص ) 370هـ ( تحقيق دكتور عجيل جاسم ،الطبعة الولى 1985
.89فواتح الرحموت ،عبد العلي محمد بن نظام الدين النصاري ) 1119هـ( وهو شرح مسلم الثبوت في أصول الفقه لمحب الله ابن عبد
الشكور الحنفي .مع المستصفى الغزالي طبعة دار العلوم -بيروت .
.90في علم الكلم دراسة فلسفية ،د.أحمد محمود صبحي طبعة مؤسسة الثقافة الجتماعية ،مصر1982 ،م .
.91فيصل التفرقة بين السلم والزندقة،ضمن مجموعة الجواهر الغوالي من رسائل الغزالي طبعة منير-بغداد .1990
.92قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ،محمد جمال الدين القاسمي ) 232هـ ( طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1979م.
.93قواعد العقائد ،مع إحياء علوم الدين طبعة دار المعرفة -بيروت .
.94الكامل في التاريخ ،أبو الحسن علي بن أبي الكرم)ابن الثير الجزري() 630هـ( .تحقيق عبد الوهاب النجار .الطباعة المنيرية-مصر
1353هـ.
.95كشف السرار شرح المنار أبو البركات عبد الله بن أحمد أحمد النسفي ) 710هـ( ،طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1986 -م
.96الكفاية في علم الرواية ،تحقيق عبد العليم محمد بن عبد الحليم ،مطبعة السعادة -مصر 1973م .
كليات أبي .97
البقاء ،المطبعة الميرية 1280هـ
.98التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل ،محمد بن إسحاق بن خزيمة ،تعليق محمد خليل هراس -طبعة دار الشرق للطباعة 1388 -
هـ
.99لسان العرب .جمال الدين محمد بن مكرم ) ابن منظور ( ) ت 630هـ ( مصورة عن طبعة بولق
.100لملمع الدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة ،تحقيق د -فوقية حسين ،طبعة المؤسسة المصرية ) 1965م(
.101للوامع النوار البهية شرح الدرة المضّية في عقيدة الفرقة المرضية ،طبعة المكتب السلمي -عمان . 1991
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ،طبعة رئاسة إدارات البحوث والفتاء -الرياض . .105
مختصر العلو للعلي الغفار ،محمد ناصر اللباني ،طبعة المكتب السلمي -بيروت 1981هـ . .107
المسامرة للكمال بن أبي شريف بشرح المسايرة للكمال ابن الهمام ،المطبعة الميرية-بولق 1983 -م . .108
المسودة في أصول الفقه ،أحمد بن محمد الحراني الدمشقي) ابن تيمية() 745هـ( تحقيق محمد محيي الدين مطبعة .109
المدني -القاهرة 1964 ،م.
مشارق أنوار العقول ،تحقيق عبد الرحمن عميرة ،طبعة دار الجيل -بيروت 1989 -م . .110
مشكل الحديث وبيانه ،طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1980 -م . .111
.112المطالب العالية من العلم اللهي ،تحقيق أحمد حجازي السقا ،دار الكتاب العربي -بيروت . 1987 -
معاني القرآن ،أبو الحسن سعيد بن مسعدة ) الخفش الوسط( ) 215هـ ( تحقيق د -فائز فارس طبعة الكويت – 1979 .113
المعتمد في أصول الفقه،أبو الحسين محمد بن علي البصري المعتزلي ،تحقيق محمد حميد عبد الله المطبعة الكاثوليكية .114
بيروت 1965م
المفردات في غريب القرآن .أبو القاسم الحسين بن محمد ) الراغب الصبهاني ( ) ت 502هـ ( تحقيق محمد سيد كيلني .116
طبعة دار المعرفة -بيروت.
مقالت السلميين واختلف المصلين،المام أبو الحسن علي بن إسماعيل الشعري) 330هـ( تحقيق محيي الدين عبد .117
.119المقصد السنى شرح أسماء الله الحسنى ،الغزالي طبعة شركة الطباعة الفنية -مصر .
.120المنهاج في شرح صحيح ملم بن الحجاج ،أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي تحقيق عبد الله أحمد أبو زينه ،طبعة دار
المنهاج في شعب اليمان ،أبو عبد الله الحسين الحليمي )403هـ( تحقيق حلمي فودة طبعة دار الفكر1979 - .121
.122المنهاج في شعب اليمان ،أبو عبد الله الحسين الحليمي )403هـ( تحقيق حلمي فودة طبعة دار الفكر1979 -
موازين القرآن والسنة للحاديث الصحيحة والضعيفة والمرفوعة-عز الدين بليق -طبعة دار الفتح بيروت .1983 .123
الموافقات في أصول الشريعة ،تحقيق عبد الله دراز وابنه محمد دراز ،مطبعة الرحمانية -مصر ،لم يذكر سنة الطبع . .124
المواقف في علم الكلم ،عضد الدين عبد الرحمن اليجي ) 756هـ( طبعة دار الكتب العلمية -بيروت ،لم يذكر سنة .125
الطبع.
الموطأ مع شرحه تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ،جلل الدين عبد الرحمن بن أحمد السيوطي ) 911هـ( طبعة دار إحياء .126
النبذ الكافية في أحكام أصول الدين ،تحقيق محمد أحمد عب العزيز ،طبعة دار الكتب العلمية -بيروت 1985م . .127
.128
النجم الثاقب للفجر الكاذب مطبوعات المانة العامة للثقافة كرستان .
.129
نخبة الفكر في مصطلح أهل الثر ،في حاشية شرحها لقط الدرر للشيخ عبد الله بن حسين خاطر العدوي .مطبعة عبد الحميد حنفي-مصر
1355هـ .
نزهة الخاطر ،عبد القادر بن مصطفى بن بدران ،وهو شرح كتاب روضة الناظر نخبة المناظر ،عبد الله بن أحمد بن قدامة .130
المقدسي ) 620هـ( طبعة دار الكتب العلمية -بيروت -لم يذكر سنة الطبع .
.131نظره عابرة في مزاعم من ينكر نزول عيسى عليه السلم قبل الخرة ،محمد زاهد الكوثري ) 1371هـ ( طبعة دار الجيل ،القاهره
. 1987
نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد للحافظ خليل بن كيكلدي العلئي الشافعي )763هـ( ،تحقيق كامل .132
نهاية القدام في علم الكلم ،أبو الفتح الشهرستاني ) 548هـ( تحقيق إلفرد جيوم ،طبعة مكتبة المثنى -بغداد ،لم يذكر .133
البيضاوي ) 685هـ( ومعه حاشية الشيخ محمد بخيت المطيعي طبعة عالم الكتب -بيروت -لم يذكر سنة الطبع .
النهاية في الفتن والملحم ،تحقيق محمد أحمد عبد العزيز ،طبعة دار الجيل-بيروت .135
.136النهاية في غريب الحديث ،أبو السعادات المبارك بن محمد بن اليثر الجزري ) 606هـ ( تحقيق ظاهر أحمد الزاوي ومحمد
الظباحي ،طبعة دار الكتب -بيروت 1965م
هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري ،أحمد بن علي بن حجر ) 852هـ( تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .137
طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1989م.
وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة 9طبعة دار السلفية -الكويت -و ) الحديث حجة بنفسه ففي الحكام والعقائد ، .138