You are on page 1of 485

1

2
3
4
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم خبر الحاد وأقسامه‬
‫عند المتكلمين‪27.....................................‬‬
‫مفهوم الخبر‪27.................................................... :‬‬
‫مفهوم )الحاد(‪29..................................................:‬‬
‫مفهوم خبر الحاد‪34................................................‬‬
‫أقسام خبر الحاد عند المتكلمين‪36.............................‬‬
‫)( الماتريدية‪ :‬أتبـــاع أبــي منصور محمـد بن‬
‫أحمد الماتريدي )‪ 333‬هــــ( من أئمة علماء‬
‫الكلم‪ ،‬ينسب إلى )ماتريد( محلة بسمرقند‬
‫وآراء مدرسته تتفق مع الشعرية في أصل‬
‫العقيدة وتختلف معها في مسائل فرعية‬
‫جزئية معدودة‪ ،‬وأكثر الماتريدية‪ .‬يتعبدون في‬
‫الفقه على مذهب الحنيفة‪ .‬انظر الروضة‬
‫البهية بين الشعرية والماتريدية‪ ،‬الحسن بن‬
‫محمد )ابن عذبة( ص ‪،5‬طبعة دائرة المعارف‬
‫النظامية ‪-‬الهند‪1322،‬هـ‪36....................... .‬‬
‫)( نهاية السول في شرح منهاج الصول‪ ،‬عبد‬
‫الرحيم بن الحسن السنوي )‪ 772‬هـ( وهو‬
‫شرح للمنهاج لناصر الدين عبد الله بن عمر‬
‫البيضاوي )‪ 685‬هـ( ومعه حاشية الشيخ محمد‬
‫بخيت المطيعي ‪ 3/61‬طبعة عالم الكتب ‪-‬‬
‫بيروت ‪ -‬لم يذكر سنة الطبع‪36.................. .‬‬
‫)( الصحيح‪ :‬ما اتصل سنده بنقل العدل‬
‫الضابط عن مثله وسلم من شذوذ وعلة وانظر‬
‫قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث‪،‬‬
‫محمد جمال الدين القاسمي )‪ 232‬هـ( ‪80‬‬
‫طبعة دار الكتب العلمية ‪-‬بيروت ‪1979‬م‪41... ..‬‬
‫)( الحسن‪ :‬ما رواه عدل خفيف الضابط متصل‬
‫السند غير معل ول شاذ وانظر حاشية لقط‬
‫الدرر على شرح متن نخبة الفكر‪49-48 ،‬‬
‫وأصول الحديث‪ ،‬د‪-‬محمد عجاج الخطيب ‪332‬‬
‫طبعة دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪ .1975 -‬وعلوم‬

‫‪5‬‬
‫الحديث ومصطلحه‪ ،‬د‪-‬صبحي صالح‪ 156 ،‬دار‬
‫العلم للمليين ‪ -‬بيروت ‪41................ .1981‬‬
‫)( الضعيف‪ :‬ما لم يوجد فيه شروط الصحة ول‬
‫شروط الحسن‪.‬انظر المنهاج في شرح صحيح‬
‫ملم بن الحجاج‪ ،‬أبو زكريا محي الدين يحيى بن‬
‫شرف النووي )‪ 1/22(676‬تحقيق عبد الله‬
‫أحمد أبو زينه‪ ،‬طبعة دار الشعب القاهره ‪-‬‬
‫‪ 1973‬م‪41.............................................‬‬
‫)( نخبة الفكر في مصطلح أهل الثر ص ‪،23‬‬
‫في حاشية شرحها لقط الدرر للشيخ عبد الله‬
‫بن حسين خاطر العدوي‪ .‬مطبعة عبد الحميد‬
‫حنفي‪-‬مصر ‪1355‬هـ‪42.............................‬‬
‫)( انظر القاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي‬
‫ث( ‪ .1/164‬ومختار الصحاح )حدث( ‪42 125‬‬ ‫حدَ َ‬
‫) َ‬
‫)( كليات أبي البقاء ص ‪ ،152‬المطبعة‬
‫الميرية ‪1280‬هـ‪43..................................‬‬
‫)( علوم الحديث‪43.............................10 ،‬‬
‫)( انظر لقط الدرر‪ ،‬عبد الله حسين خاطر‬
‫‪43.............................................23،104‬‬
‫)( ما نقل عن الصحابي من قوله أو فعله‬
‫يسمى الموقوف في اصطلح المحدثين‪ .‬انظر‬
‫لقط الدرر ‪44...................................104‬‬
‫)( ما نقل عن التابعي من قوله أو فعله‬
‫يسمى المقطوع في اصطلح المحدثين‪ .‬انظر‬
‫لقط الدرر ‪44...................................104‬‬
‫)( انظر المصدر نفسه ‪ .24‬وفتح الملهم ‪. .1/2‬‬
‫‪44‬‬
‫)( لقط الدرر‪44................................32 ،‬‬
‫أقسام خبر الحاد عند المحدثين‪45..............................‬‬
‫الرد على شبه المخالفين‪67......................................‬‬
‫القسم الول‪ :‬المصنفات التي اشتملت على أحاديث‬
‫العقائد وغيرها‪73...................................................:‬‬
‫موقف المام البخاري‪79........................................ :‬‬
‫موقف المام مسلم ‪84............................................‬‬

‫‪6‬‬
‫موقف الحافظ ابن حبان ‪90......................................‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المصنفات التي خصصت لحاديث العقائد‪.. :‬‬
‫‪92‬‬
‫المطلب الول ما يفيده خبر الحاد‪97............‬‬
‫ل‪ :‬ما يفيده الخبر بنفسه‪98....................................‬‬ ‫أو ً‬
‫المسألة الولى‪ :‬إذا أخبر أحد الصحابة الكرام بخبر بين يدي‬
‫خلق كثير منهم ولم يكذبوه‪ ،‬وعُِلم أنه لو كان كذبا ً لعلموه‪،‬‬
‫ول حامل لهم على سكوتهم كالخوف والطمع‪ ،‬يدل ذلك‬
‫على صدقه قطعًا‪129............................................ .‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬ما يفيده الخبر المحفوف بالقرائن‪131... .‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬إفادة الخبر إذا وافق أصل ً في كتاب الله‬
‫عز وجل ‪133........................................................‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬إفادة الخبر المسلسل بالئمة‪139....... :‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬إفادة الخبر المخّرج في الصحيحين‪.... :‬‬
‫‪143‬‬
‫إفادة الخبر المشهور عند الحنفية‪148........................ :‬‬
‫الفرع الول‪ :‬إثبات العقيدة بخبر الحاد‪154....................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ما توجبه أخبار الحاد إذا لم تثبت بها العقيدة ‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫)( صحيح البخاري ‪ .(6978)6/2697‬وأخرجه‬
‫المام أحمد في المسند )‪(4087‬‬
‫‪1/429‬والترمذي )‪ 5/371 (3238‬وعبد الله‬
‫في السنة )‪ 1/264 (448‬وأخرجه برقم )‬
‫‪ 1/264 (489‬عن أبيه عن يحيى عن سفيان‬
‫عن العمش عن منصور به وجعله من قول‬
‫النبي فقال‪):‬عن عبد الله عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أن الله يمسك السموات‬
‫على إصبع قال أبي رحمه الله جعل يحيى‬
‫يشير بأصابعه وأراني أبي كيف جعل يشير‬
‫بأصابعه يضع إصبعا إصبعا حتى أتى على‬
‫آخرها( وهو مخالف لما رواه الثقات عن‬
‫يحيى‪ ،‬واللوم فيه على عبد الله بن أحمد إن‬
‫صحت نسبة الكتاب إليه‪ .‬وأخرجه البزار في‬
‫مسنده )‪ 5/182 (1779‬وقال‪):‬وهذا الحديث‬
‫رواه منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد‬
‫الله‪ .‬وقال العمش عن إبراهيم عن علقمة‬

‫‪7‬‬
‫عن عبد الله‪ .‬وأخطأ فيه عمرو بن طلحة‬
‫فرواه عن أسباط عن منصور عن خيثمة عن‬
‫علقمة عن عبد الله( والنسائي في السنن‬
‫الكبرى )‪6/446 (11451‬وقال‪):‬خالفه عيسى‬
‫بن يونس رواه عن العمش عن إبراهيم عن‬
‫علقمة عن عبد الله( ‪ ،‬والطبراني في‬
‫المعجم الكبير )‪. ..10/164 (10334) (10335‬‬
‫‪255‬‬
‫)( انظر القول المفيد على كتاب التوحيد ‪392‬‬
‫وانظر نحوه في شروح كتاب التوحيد تحقيق‬
‫التجريد لحسن العواجي ‪ 2/565‬والدر النضيد‬
‫لسعيد الجندول ‪ 228‬والقول السديد لعبد‬
‫الرحمن بن ناصر السعدي ‪ .207‬وانظر أيضا ً‬
‫معارج القبول ‪258..........................2/783‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪433 ،412 ،1/399‬‬
‫وأخرجه عبد الله في السنة ‪ (586)1/301‬و‬
‫‪ (1021) 2/454‬والهروي في الربعين في‬
‫دلئل التوحيد ‪ .56‬من طرق عن وكيع عن‬
‫سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين‬
‫عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكرسي‬
‫موضع القدمين والعرش ل يقدره إل الله عز‬
‫وجل‪ .‬وخالف سلم بن جنادة الثقات من‬
‫أصحاب وكيع في لفظه فقال "الكرسي موضع‬
‫قدميه "أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ‪.108‬‬
‫وسلم بن جنادة هو أبو السائب الكوفي ‪254‬‬
‫هـ ثقة يخالف في حديثه وهذه من مخالفاته‬
‫انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ‪267. .4/129‬‬
‫)( انظر أصول السنة لبن أبي زمنين ‪104‬‬
‫والعلو للعلي الغفار ‪ 1/61‬واجتماع الجيوش‬
‫‪ 48‬وشرح العقيدة الطحاوية لبن أبي العز‬
‫‪ 1/248‬والتحفة المدنية في العقيدة السلفية‬
‫لحمد بن ناصر ‪ 41‬وقطف الثمر في بيان‬
‫عقيدة أهل الثر للقنوجي ‪289.........1/116‬‬

‫‪8‬‬
‫وانظر الحتجاج به في التنبيه والرد على أهل‬
‫الهواء والبدع للملطي ‪101‬و ‪ 112‬وكتب‬
‫ورسائل ابن تيمية في العقيدة ‪ 5/464‬والعلو‬
‫للعلي الغفار ‪1/128‬واجتماع الجيوش‬
‫‪161‬ومعارج القبول ‪292...................1/182‬‬
‫)( كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة ‪.5/464‬‬
‫وانظر الدر المنثور للسيوطي ‪ 5/515‬وفي‬
‫بعض ماروي فيه ما يؤكد إسرائيلية أصله‪ .‬منه‬
‫قولهم‪ :‬أردفه جبريل حتى سمع صرير القلم‬
‫والتوراة تكتب له وقولهم‪ :‬أدخل في السماء‬
‫فكلم ‪293.............................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬في عصمة النبياء مما يخل‬
‫بالتبليغ‪322............................................‬‬
‫الفرع الول‪ :‬في عصمة أقوالهم التبليغية‪323.................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عصمة النبي في أفعاله التبليغية‪337..........‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬في عصمة النبياء من الكذب‬
‫في ما وراء التبليغ‪344..............................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬ما جاء في تأثير السحر على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪352...................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬في أهوال القبر ونعيمه‪409...‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬في المقام المحمود‬
‫وهوشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم القيامة ‪417.....................................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬في وضع الميزان يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪430‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬في الصراط‪438...............‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬في رؤية الله عز وجل‪446. :‬‬
‫في رؤية الله عز وجل في الدار الخرة‪446..................‬‬
‫رؤية الله عز وجل في الدنيا‪459.................................‬‬
‫الخاتمة‪474............................................‬‬

‫‪9‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله الذي خلق السماوات والرض‪.‬وجعل انتفاء‬
‫الفساد عنهما دليل على وحدانيته‪.‬وأنطق هذا الكون‬
‫بآيات وجوده‪.‬والصلة والسلم على مبعوث رحمته‬
‫وجوده‪،‬وخاتم رسله وأوليائه‪ ،‬سيدنا محمد صلى الله‬
‫عليه وعلى آله‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فإن السلم عقيدة وشريعة‪ .‬وأساس‬
‫السلم عقيدته التي تستوجب اللتزام بما جاء به من‬
‫عبادات وأخلق‪ .‬ولما كانت العقيدة ركن الدين‬
‫وأساسه فقد تكفل القرآن الكريم ببيان أمهات‬
‫مسائل العتقاد‪ .‬وجاء في السنة المطهرة الكثير من‬
‫الحاديث الواردة في مسائل العتقاد‪ .‬ولو تتبعنا هذه‬
‫الحاديث لوجدناها ل تختلف عن بيان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لكتاب ربه الكريم في انقسامها إلى أنواع‬
‫البيان المعروف‪ .‬فبعض هذه الحاديث يشهد لما ثبت‬
‫في القرآن من غير زيادة‪ ،‬وبعضها ينسجم مع ظواهر‬
‫القرآن الكريم فيدل على وجه من الوجوه التي‬
‫يحتملها لفظ الكتاب‪ ،‬وبعضها يبين ويفصل ما ورد‬
‫أصله في الكتاب‪ ،‬وبعضها يتحدث عن عقيدة سكت‬
‫عنها الكتاب الكريم‪.‬‬
‫وفي عصر الرسالة لم يكن ثمة تفريق من حيث‬
‫ثبوت الحجية بين ما جاء في القرآن الكريم وما أخبر‬
‫به الصادق المين محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلقد‬
‫آمن الصحابة رضوان الله عليهم بما أخبر به النبي‬
‫وبلغ‪ .‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين‬
‫ظهرانيهم يرجعون إليه في توضيح المشكل وبيان‬
‫المجمل فلم يظهر في هذا العصر نزاع في مسائل‬
‫العتقاد‪.‬‬
‫ولما التحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق‬
‫العلى كان الصحابة رضوان الله عليهم قد تلقوا‬
‫سنته المطهرة حفظا وتطبيقا‪ ،‬ونقلوها إلى التابعين‬

‫‪10‬‬
‫لهم بإحسان‪ .‬ولم تكن رواية أحاديث العقائد في‬
‫عصرهم مستقلة بمعزل عن باقي مواضيع الحديث‬
‫النبوي الشريف‪ .‬ولما ظهرت الحاجة إلى التدوين‬
‫دونت السنة من غير عزل لما تعلق منها بالعقائد‪.‬‬
‫ولما ظهرت البدعة أفرد بعض أهل الحديث أحاديث‬
‫العقيدة بالجمع والتصنيف‪ .‬وأخذت مسألة حجية‬
‫الخبار تطرح تحت الدرس بين ناف ومثبت‪ .‬وكثر‬
‫الجدال في هذه المسألة وابتعد كثير من المتنازعين‬
‫فيها عن الموضوعية والعلم‪ ،‬حتى وصل المر ببعض‬
‫المثبتين إلى الحتجاج ببعض الخبار المنكرة‬
‫المستشنعة الموسومة بهشاشة السند وسقامة‬
‫المتن‪ ،‬يحتجون لذلك بأن حديث النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يجب أن يكون حجة في العقائد حتى لو كان‬
‫مرويا بتقل الحاد‪ ،‬ووصل المر ببعض النافيين إلى‬
‫المشاغبة على إثبات بعض ما تناقلته المة من‬
‫مسائل العقيدة جيل عن جيل متذرعين بقولهم خبر‬
‫الحاد ل تثبت به العقيدة‪.‬‬
‫أهمية الموضوع‪:‬‬
‫مسألة الحتجاج بخر الحاد في مسائل العتقاد من‬
‫المسائل التي يتعين في عصرنا البحث فيها‪ .‬فقد‬
‫سبق أنه قد انتشر في هذا العصر قولن متباينان في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬قول يجعل من آحادية الخبر ونزوله‬
‫عن رتبة التواتر بابا يتوصل به إلى النكار أو التكذيب‬
‫أو التشكيك‪ .‬ويقابله قول ل يرضى بغير وجوب‬
‫العتقاد بما تضمنه خبر الحاد‪ .‬ونشأ عن انتشار هذين‬
‫القولين في عصرنا غلط في فهم موقف أهل السنة‬
‫من هذه المسألة‪ .‬ونبت من هذا الغلط اتهامات‬
‫وتشويه للمذهب الوسطي العلمي الذي ارتضاه أهل‬
‫السنة في التعامل مع خبر الحاد‪.‬‬
‫صحيح أن الوسطية موقع نسبي بين المغالين‪ ،‬لكن‬
‫ادعاء الوسطية اليوم يسمع من كل فريق‪ ،‬فمن‬

‫‪11‬‬
‫يصدق هذه الدعوى بما تتطلبه الوسطية من معانقة‬
‫الدليل والتجرد للحق والتنزه عن علئق النفس‬
‫وحظوظها‪ ،‬هذه الوسطية التي تستغني بعرض‬
‫حججها العقلية والنقلية عن الخطابيات والعواطف‪.‬‬
‫هذه الوسطية التي تستغني في نقض شبه المخالفين‬
‫بالعقل والنقل عن معاول التكفير والتبديع والتضليل‪.‬‬
‫هذه هي الوسطية التي يمكن أن توحد الصف وتقطع‬
‫دابر التنازع والتناحر في هذه المسألة‪ .‬وبين يدي كل‬
‫متعطش لمعرفة الحق وكل متجرد للنظر في الدلة‬
‫أقدم البحث في هذه المسألة تاركا ًَ له الحكم على‬
‫بصيرة والختيار بعد قناعة‪.‬‬
‫سبب اختيار الموضوع‪:‬‬
‫كنت أفكر في أول خطوة جادة أضع فيها أقدامي‬
‫على الطريق‪ .‬أرصد من حولي تجارب إخوتي‬
‫وأقراني من طلب الدراسات العليا‪ .‬جمهورهم ينصح‬
‫أن يكون عنوان البحث في تلك المرحلة حياديا تقليديا‬
‫ما أمكن‪ ،‬بعيدا عن المزالق الفكرية‪ ،‬ل يحتاج الباحث‬
‫فيه إلى اتخاذ رأي يكشف عن منجهه وانتمائه‬
‫الفكري حتى ل يلقي بنفسه من أول الطريق تحت‬
‫نبل المتخاصمين والمتنازعين‪ .‬وطائفة من الباحثين‬
‫في هذا العصر تلتزم بمثل هذا النصح والتفضيل‪،‬‬
‫يغنيهم عن الحوض في هذه المسائل وفرة المواضيع‬
‫الفقهية النافعة التي يمكن أن تفوز بالرضا في جميع‬
‫المناهج‪ .‬ويزيدهم رغبة في هذه المواضيع النافعة أن‬
‫قلب المؤمن يستنكف الخوض في مثار الفتن‬
‫والخلف‪.‬‬
‫وبعد العتراف الذاتي بسداد ذلك النصح أعرضت عن‬
‫الخذ به‪ .‬لن الباحث المشفق ينظر إلى الثر الذي‬
‫أحدثه التنازع في هذه المسألة‪ ،‬فيرى سيل ً من الكتب‬
‫تنطق في أول صفحاتها برمي المخالف بالتنكب عن‬
‫منهج السلف الصالح والستخفاف بالسنة المطهرة‬

‫‪12‬‬
‫والعدول عن الحتجاج بها إلى أدلة العقل‪ .‬وترى هذا‬
‫السيل يتسارع منحدرا ً في اتهاماته ل يتهيب معاندة‬
‫أساطين العلم بحديث المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم ممن أفنوا العمار في خدمة السنة المطهرة‬
‫وأتلفوا القدام باتباع سنن السلف الصالح رضوان‬
‫الله عليهم‪ .‬هذا السيل من المؤلفات يرفع شعار‬
‫الحتجاج بحديث الحاد في العقائد‪ ،‬ثم يتسارع‬
‫منحدرا ً حتى يسوق الغث والسمين من الخبار في‬
‫جملة أدلته‪ .‬وتعجب وأنت ترى في هذه الدلة سقامة‬
‫متن وهشاشة سند ما كان يقبلها هذا الفريق في‬
‫ميدان الحتجاج للفضائل أوالعبادات! فما الذي‬
‫أغمض عين النقد؟ ومالذي أبدل التشدد والحتياط‬
‫الذي يليق بهذا الميدان بالتساهل الذي يليق بذلك‬
‫الميدان!‬
‫ويرجع الباحث المشفق بنظره إلى الجهة الخرى‬
‫فيرى عددا ً من المفكرين يعرض عن جملة من‬
‫أحاديث العقائد متذرعا ً بقوله‪ :‬العقيدة ل تثبت بخبر‬
‫الحاد‪ ،‬ل يبالي برمي مخالفه بالحرفية والحشوية‪.‬‬
‫وبعد تقليب النظر في هذين الرأيين ظهرت لي حاجة‬
‫المكتبة السلمية إلى بحث موضوعي أرخص فيه‬
‫نفسي وفكري لكشف عن المنهج الوسطي في هذه‬
‫المسألة‪ .‬هذا المنهج الذي تعاقب على تشييده‬
‫أساطين العلم بالسنة والثر‪ ،‬ثم أحكمه المتكلمون‬
‫الذين احترفوا التأصيل والتقعيد فصانوه عن التناقض‬
‫وحادوا به عن وجوه اعتراض المخالفين‪ .‬فما أسمى‬
‫أن يغرس طالب العلم مرساة فكره عند ثوابت‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ثم يخوض بنفسه في مثل هذه‬
‫المزالق مدفوعا ً بالشفقة والرحمة والنصح لهذه المة‬
‫المباركة ليعود بمن زل ويرشد من ضل إلى المحجة‬
‫البيضاء‪ .‬ما أنفع أن يكشف الباحث عن المنهج‬
‫الوسطي الذي يعترف بحجية السنة المطهرة‪ ،‬ويبذل‬

‫‪13‬‬
‫كل جهد للنتفاع بكل ما يمكن النتفاع به من‬
‫أسانيدها‪ .‬ما أنفع أن يكشف الباحث بالتطبيق العملي‬
‫عن مراتب الحتجاج بالخبار بحسب درجات ثبوتها‪،‬‬
‫ويثبت أن العدل في قبول الخبار يستلزم أن يتناسب‬
‫التشدد والحتياط مع ما يستلزمه قبول الخبر من‬
‫أحكام‪ .‬ما أنفع أن يكشف الباحث عن استناد هذا‬
‫المنهج في الحتجاج ببعض الضعيف أحيانا ً وفي ترك‬
‫بعض الصحيح أحيانا ً إلى منهج علمي ثبت أصله في‬
‫منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم‪ .‬وما أجوج‬
‫المة إلى بحث هذه المسألة بمنهج علمي موضوعي‬
‫يتنزه عن حظ النفس والهوى والتعصب ويتجرد‬
‫ناصحا لله ولرسوله ولهذه المة التي أضناها الشقاق‬
‫والمراء‪.‬‬
‫وأسأل الله تبارك وتعالى أن ل يوفقني إل لما فيه‬
‫النصح لهذه المة وأن يلزمني فيه بما تستحقه أمة‬
‫السلم من التزام الدب وإظهار الشفقة والمحبة‬
‫حال النصح‪.‬‬
‫الجديد في هذا البحث‪:‬‬
‫ً‬
‫ل‪ :‬في هذا البحث أقدم رأيا وسطيا موضوعيا‬ ‫أو ً‬
‫يحقق التوازن ويمل الفراغ بين المتنازعين في هذه‬
‫المسألة‪ .‬هذا الفراغ الذي يعبر عنه سؤال صاحبني‬
‫من يوم اختيار الموضوع إلى يوم نشره‪ ،‬وهو‪ :‬هل‬
‫تختار الحتجاج بخبر الحاد أم تنكره؟ فمن أهم ما‬
‫قدمته في هذا البحث هو إظهار الغلط في هذا‬
‫السؤال‪ .‬لن الجواب العلمي عن هذا السؤال ل‬
‫يمكن أن جوابا ً مختارا ً من أحد احتمالين‪ .‬فالحتجاج‬
‫مراتب تبدأ بالستشهاد وتنتهي بالحكم على‬
‫المخالف بالكفر‪ .‬وما ثبت بخبر الحاد على مراتب‬
‫تختلف بحسب تأييد القرآن وقوة الدللة وغيرها مما‬
‫تتفاوت فيه الحجية‪ .‬وليس من الموضوعية أن‬

‫‪14‬‬
‫ُيضيق على الباحث وُيحصر في نتيجة البحث بين‬
‫خيارين ل ثالث لهما‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬في هذا البحث أقدم توضيحا عمليا تطبيقيا لهذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التفاوت في تعاملنا العلمي مع أخبار الحاد‪ .‬وأوضح‬
‫بهذا التطبيق المنهج العلمي الذي يصان بهذا التوضيح‬
‫عن رميه بالتناقض مرة والستخفاف بالسنة مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫استعرضت مسائل العتقاد وأدلتها في كثير من‬
‫المصنفات في العقائد على اختلف مناهجها‬
‫ومذاهبها‪ .‬وحاولت في هذا الستعراض أن أحصر‬
‫مسائل العتقاد التي تستند إلى أخبار الحاد‪ .‬فوقفت‬
‫على بعض المسائل التي لم يجر فيها كبير اختلف أو‬
‫نزاع ولم يترتب على النزاع فيها أمر خطير‪ .‬فآثرت‬
‫تركيز البحث على المسائل التي يتضح بدراستها‬
‫اختلف المناهج العملية في المسألة‪ ،‬كي ل يطول‬
‫البحث ويخرج عن أغراضه‪ .‬فإذا اتضح بذلك المنهج‬
‫السليم صار يسيرا ً أن ينظر في ما تجنبته من مسائل‬
‫يمكن ردها إلى ما يتقرر بعد التأصيل والتقعيد‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫قادني منهج البحث إلى التزام الخطة التية‪:‬‬
‫بدأت بعد المقدمة بفصل تمهيدي عقدت تحته مبحثا ً‬
‫في مفهوم الحتجاج في مسائل العتقاد‪ ،‬ومبحثا ً‬
‫في التعريف بخبر الحاد وأقسامه عند العلماء‪.‬‬
‫وأتبعت هذا الفصل بفصل خصصته لدراسة‬
‫الحتجاج بخبر الحاد في الشريعة والعقيدة‪.‬‬
‫وعقدت تحته مبحثا ً في احتجاج الصوليين بخبر‬
‫الحاد في إثبات الحكام الشرعية‪ ،‬ومبحثأ في‬
‫احتجاج المحدثين بما خرجوه من أخبار الحاد في‬
‫مسائل العتقاد‪ ،‬ومبحثا ً في احتجاج المتكلمين بخبر‬

‫‪15‬‬
‫الحاد‪ .‬ومبحثا ً في تخريج منهج أهل السة على‬
‫مواقف السلف الصالح‬
‫ثم ختمت الدراسة بفصل تطبيقي يبين المنهج‬
‫العلمي في الجتجاج بخير الحاد في مسائل‬
‫العتقاد‪.‬‬
‫جعلت المبحث الول من هذا الفصل مخصصا ً‬
‫للجتجاج به في اللهيات‪ .‬والمبحث الثاني في‬
‫الحتجاج به في النبوات‪ .‬والمبحث الثالث في‬
‫الغيبيات )السمعيات(‪.‬‬
‫ثم ذكرت في الخاتمة أهم النتائج‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل التمهدي‪:‬‬
‫وفيه مبحثان‬

‫المبحث الول‪ :‬في مفهوم‬


‫الحتجاج في مسائل العتقاد‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التعريف بخبر‬


‫الحاد وأقسامه عند العلماء‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل التمهدي‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬في مفهوم الحتجاج في‬
‫مسائل العتقاد‬
‫قبل أن نبدأ بخوض لجة هذا البحث يتعين تحديد‬
‫مفهوم الحتجاج ومفهوم العتقاد الذي جعلنا البحث‬
‫في الحتجاج بخبر الحاد مقيدا في مسائله‪ .‬وسوف‬
‫نفرد بيان مفهوم )خبر الحاد( مع بيان أقسامه‬
‫مستقل لما يحتاج من تفصيل‪.‬‬
‫مفهوم الحتجاج‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جُته أي غَلب ُْته‬ ‫)‪(1‬‬
‫ج ْ‬
‫ح َ‬‫الحجة‪ :‬هي الدليل والبرهان‪ .‬و َ‬
‫َ‬
‫جِج التي أد ْل َي ْ ُ‬
‫ت بها‪.(2) .‬‬ ‫ح َ‬
‫بال ُ‬
‫والحتجاج‪ :‬مصدر )احتج( على وزن )افتعل( وهو‬
‫يفيد معنى التخاذ‪ .‬يقال‪ :‬اشتويت اللحم‪ :‬أي اتخذته‬
‫شواء‪ .‬ويقال‪ :‬امتطاه أي جعله مطية‪.(3).‬قال‬
‫جة()‪.(4‬‬‫ح ّ‬‫ج بالشيِء اتخذه ُ‬ ‫حت َ ّ‬ ‫الزبيدي‪) :‬وا ْ‬
‫ونفهم من ظاهر اللغة أن الحتجاج عام في اتخاذ‬
‫أنواع الدلة التي تتفاوت درجاتها وتتنوع أغراضها‬
‫في سائر العلوم‪ .‬فمنها ما يكون قطعيا ً في دللته‬
‫أو ثبوته‪ ،‬ومنها ما يكون ظنيا ً في دللته أو ثبوته‪،‬‬
‫ومنها ما يكون مقبول ً منتجا ً في بابه مع قصوره عن‬
‫إفادة القطع في دللته أو ثبوته‪ .‬ومنها ل يكون‬
‫مقبول ً بنفسه إذا استقل في إثبات المطلوب‪ ،‬ولكن‬
‫يمكن النتفاع به ويصح أن يتخذ دليل ً تابعا ً لدليل‬
‫سبق العتماد عليه‪ ،‬فيكون تأكيدا ً أو استشهادا ً أو‬
‫تقوية لما سبق من الدلة قبله‪ .‬وكل هذا النتفاع‬
‫بهذه الدلة المتفاوتة يشمله لفظ )الحتجاج(‪.‬‬

‫‪ ()1‬الصحاح ‪)1/115‬حجج(‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر لسان العرب ‪) 2/226‬حجج(‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الستراباذي‬
‫‪.109 /1‬‬
‫‪ ()4‬تاج العروس ‪)2/226‬حجج(‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وأمثلة هذا التنوع والتفاوت ل تخفى على ناظر في‬
‫جملة من العلوم‪.‬‬
‫وهذا الذي أفاده ظاهر اللغة في مفهوم الحتجاج‬
‫تقره علوم الدين أيضًا‪ .‬ونضرب هنا مثال ً في علم‬
‫مصطلح الحديث‪ .‬فل يخفى في هذا العلم تفاوت‬
‫مراتب الحتجاج بالخبر بحسب الباب وبحسب‬
‫موضع الخبر في الباب‪ .‬فمن الخبار ما يجوز‬
‫الحتجاج به في أبواب التفسير والمغازي ول يجوز‬
‫الحتجاج به في أبواب الحلل والحرام‪ .‬ومنه ما‬
‫يتخذه المصنف دليل ً في أصل الباب يستقل به في‬
‫إثبات المطلوب‪ ،‬ومنه ما يتنزل به في رتبة‬
‫الحتجاج إلى رتبة إتخاذه شاهدا ً أو متابعا ً لتقوية‬
‫غيره‪ ،‬ومنه ما ُيتخذه المصنف دليل ً يرفع به وهم‬
‫م الدراج عن متن‪.‬‬ ‫النقطاع عن سند أو يرفع به وه َ‬
‫وبالجملة فسائر درجات النتفاع بالخبار المتفاوتة‬
‫يصدق عليه عموم الحتجاج‪.‬‬
‫وفي علم العقيدة أيضا يمكن النتفاع بتفاوت‬
‫درجات ثبوت الدلة‪ .‬وليس في العقل أو الشرع ما‬
‫يوقف المسلم أمام محكمة ُيتلى فيها الخبر على‬
‫مسامعه ثم ُيخير بين اتخاذه دليل ً يوجب العتقاد‬
‫بمضمونه وبين تكذيبه وإهماله‪ .‬وليس من اللئق‬
‫بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن نسوي‬
‫في رتبة الحتجاج بين ما قطعنا بثبوته وما لم نقطع‬
‫بثبوته‪ ،‬كما أنا بالتفاق فرقنا في رتب الحتجاج بين‬
‫ما نقله العدل الضابط وما نقله غيره من الضعفاء‪.‬‬
‫وما نبرر به انتفاعنا بنقل العدل الذي خف ضبطه‬
‫في بعض وجوه الحتجاج في علم المصطلح نبرر به‬
‫انتفاعنا في الخبر الذي لم نقطع بثبوته في علم‬
‫العقيدة‪ .‬وهو الذي بررنا به من قبل انتفاعنا بنقل‬
‫بعض الضعفاء في التفسير والمغازى ونحوها‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وكل هذا النتفاع بهذا النقل المتفاوت مدفوع برغبة‬
‫العلماء الغيورين على الجهود التي بذلتها المة في‬
‫نقل سنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فاندفعوا برغبة صادقة وموضوعية راسخة يلتمسون‬
‫لكل خبر وجها ً من وجوه النتفاع به يتساوي مع‬
‫درجة ثبوته‪.‬‬
‫ونحن بالتفاق ل نسكت على من يبرر الحتجاج‬
‫بالمنكرات والواهيات باهتمامه بالسنة‪ .‬ونحن‬
‫بالتفاق نجيبه بأن الغيرة على السنة توجب التفريق‬
‫بين نقل العدل ونقل غيره‪ .‬وأن هذه الغيرة‬
‫المزعومة ستنقلب في مآلها وعاقبتها إلى رمي‬
‫صاحبها بما يرمي به مخالفه من الستخفاف بالسنة‬
‫المطهرة‪ .‬حيث يخلط فيها ما صانه الحفاظ منها مع‬
‫ما خلطه الضعفاء فيها‪ .‬وكذلك يجب علينا التفاق‬
‫على أن ننكر على من يسوي الظني بالقطعي أو‬
‫المتواتر بالحادي‪ .‬ويجب علينا التفاق على النكار‬
‫على من جعل التسوية بين القطعي والظني معيارا ً‬
‫يقاس به الهتمام بالسنة‪ .‬ويجب أن نوضح أن هذه‬
‫الغيرة ستنقلب في مآلها وعاقبتها إلى تفريق المة‬
‫في عقيدتها التي ينبغي أن تكون جامعة حيث يخلط‬
‫فيها ما يقطع بصحة ثبوته عن نبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم مع ما ل سبيل إلى القطع بثبوته ورفع‬
‫احتمال الخطأ أو الوهم أو النسيان أو التصرف فيه‬
‫من رواته‪.‬‬
‫والعلماء المتقدمون الراسخون من القرون‬
‫المشهود لها بالخيرية وقفوا على تفاوت الخبار في‬
‫درجات ثبوتها‪ ،‬وحرصوا على النتفاع بجهود المة‬
‫في نقل سنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فتعاقبوا على إقامة منهج وترسيخه وصيانته‬
‫استطاعوا فيه أن ينتفعوا بالمتواتر وأن يقيموه في‬
‫موضعه الذي يتناسب مع رسوخه‪ .‬ولم يتهاونوا مع‬

‫‪20‬‬
‫أو مستخف أو متهاون أو متشكك في العتقاد‬
‫بمضمونه‪ .‬ثم أقاموا ما دونه من الخبار في أنسب‬
‫مقام ُتستخلص فيه غاية النتفاع به‪ .‬فاستغاثوا‬
‫ببعض الخبار في رفع احتمال المجاز‪ ،‬واستعانوا‬
‫ببعضها في تعيين المراد من اللفظ المشترك‪.‬‬
‫وجمعوا جملة من الخبار الظنية المختلفة‬
‫واستطاعوا أن ينتزعوا من مجموعها قدرا ً مشتركا ً‬
‫أثبتوا وجوب القطع به‪ .‬وأثبتوا أن الخبار الظنية‬
‫في الغيبيات ل يجوز إهمالها وتكذيبها بل يجب أن‬
‫تقابل بدرجة من درجات التصديق تساوي درجة‬
‫ثبوتها‪ .‬وفي صفات الله عز وجل نقلت أخبار‬
‫متشابهات في دللتها فلم يكذبوا الثقات من رواتها‪،‬‬
‫ولم يلقوها وراء ظهورهم‪ ،‬بل سلكوا فيها ما سلكوه‬
‫في متشابه القرآن الكريم‪ .‬ففوضوا العلم بالمراد‬
‫منها إلى الله عز وجل‪ ،‬أو أجاوزا أن يكون المراد‬
‫منها ما تحتمله في أساليب العربية من قطع بذلك‪.‬‬
‫وكل هذا يندرج تحت ما يحتمله لفظ الحتجاج من‬
‫عموم‪ .‬وسوف نسوق أمثلة لذلك كله في ثنايا‬
‫التطبيق العملي من هذا البحث‪.‬‬
‫مسائل العتقاد‪:‬‬
‫العتقاد هو رتبة من مراتب التصديق والدراك‪.‬‬
‫وأصله في اللغة من عقد الحبل‪ ،‬ثم استعير في‬
‫عقد القلب على الشيء ليفيد إدراكه وحفظه في‬
‫خزانة القلب وشد القلب عليه ليصان فيه عن‬
‫(‪)1‬‬
‫التفلت والتشكيك والتكذيب‪.‬‬
‫ويمكن في الصطلح تعريفه بأنه الدراك الجازم‬
‫الذي ل يقبل الشك والترديد والتكذيب‪.‬‬
‫والمتكلمون يستعملون لفظ العتقاد في الدراك‬
‫الذي يجزم صاحبه بمطابقته للواقع من غير أن‬

‫‪ ()1‬انظر لسان العرب ‪) 296 /3‬عقد(‬

‫‪21‬‬
‫يقرن جزمه بدليل يثبت فيه مطابقة ما أدركه‬
‫للواقع‪ .‬وربما يكون هذا العتقاد فاسدا ً إذا كان غير‬
‫مطابق للواقع مخالف للدلة القاطعة كاعتقادات‬
‫الملحدين والمشركين‪ .‬ويخصون العتقاد الجازم‬
‫(‪)1‬‬
‫المقترن بالدليل بلفظ العلم أو اليقين‪.‬‬
‫وعلى هذا فالمقصود بمسائل العتقاد تلك المسائل‬
‫التي أوجب فيها دين السلم أعلى درجات التصديق‬
‫الذي ل يقبل معها تكذيبا ً ول ترديدًا‪ .‬وهي أركان‬
‫اليمان المذكورة في حديث جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫أعني اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله وبالقدر‬
‫واليوم الخر‪.‬‬
‫ولما احتاج المتكلون إلى إبراز أدلة العقول في‬
‫الدفاع عن العقيدة السلمية ورد شبه الملحدين‬
‫والمشككين احتاجوا إلى توزيع هذه المسائل تحت‬
‫أبواب اللهيات والنبوات والغيبيات‪ .‬وهي البواب‬
‫التي استقر اصطلحهم على جمع مسائل العتقاد‬
‫تحتها‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر التعريفات‪ 199 ،‬وضوابط المعرفة لعبد الرحمن‬


‫حسن حبنكة ‪.124‬‬

‫‪22‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫التعريف بخبر الحاد وأقسامه عند‬
‫العلماء‪.‬‬

‫وفيه ثلثة مطالب‬

‫المطلب الول‪:‬‬
‫مفهوم خبر الحاد في اللغة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫مفهوم خبر الحاد وأقسامه عند‬
‫المتكلمين‬

‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫مفهوم خبر الحاد وأقسامه عند‬
‫المحدثين‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التعريف بخبر الحاد‬
‫وأقسامه عند العلماء‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬مفهوم خبر الحاد في‬
‫اللغة‪.‬‬
‫فو‬‫لفظ )خبر الحاد( يتركب من مفردتين‪ ،‬مضا ٍ‬
‫ف إليه‪ .‬وهو في تركيبه يدل على معنى‬ ‫مضا ٍ‬
‫مخصوص‪ .‬وقبل التركيب تدل كل مفردة على جزء‬
‫من حقيقته‪ .‬و لهذا كان ل بد في تعريفه من تعريف‬
‫كل مفردة منه على حدةٍ لنصل إلى المعنى الذي‬
‫تفيده المفردتان بعد التركيب‪.‬‬
‫خْبر بمعنى العلم‬
‫أما الخبر في اللغة فهو من ال ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫بالشيء‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وقال ابن منظور ‪) :‬الخبر ما أتاك من نبأ عمن‬
‫)‪(3‬‬
‫تستخبر عنه‪ .‬و الجمع أخبار(‬

‫‪ ()1‬مقاييس اللغة‪ ،‬أبو الحسن أحمد بن فارس)ت ‪395‬‬


‫هـ(تحقيق عبد السلم هارون طبعة دار الفكر ‪) 1979‬خبر(‬
‫‪.2/239‬‬
‫‪ ()2‬هو محمد بن مكرم )ابن منظور( النصاري )‪ 711‬هـ(‬
‫كان فاضل ً في الدب‪ ،‬مليح النشاء‪ ،‬وكان عارفا ً بالنحو‬
‫واللغة والتاريخ والكتابة‪ ،‬انظر ترجمته في بغية الوعاة‪،‬‬
‫السيوطي ‪.1/248‬‬
‫‪()3‬لسان العرب‪ .‬جمال الدين محمد بن مكرم )ابن منظور(‬
‫)ت ‪ 630‬هـ( مصورة عن طبعة بولق )خبر( ‪ .5/308‬وانظر‬
‫تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬إسماعيل بن حماد الجوهري‪.‬‬
‫تحقيق أحمد عبد الغفور عطار طبعة دار العلم ‪ -‬لبنان‬
‫‪ /1987‬م )خبر( ‪ .2/641‬والمفردات في غريب القرآن‪ .‬أبو‬
‫القاسم الحسين بن محمد )الراغب الصبهاني( )ت ‪ 502‬هـ(‬
‫تحقيق محمد سيد كيلني )‪ (141‬طبعة دار المعرفة ‪-‬‬
‫بيروت‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫وقال الزبيدي )‪) :(1‬اعلم أن أعلم اللغة و الصطلح‬
‫)‪(2‬‬
‫قالوا‪:‬الخبر عرفا ًً ولغة‪ :‬ما ينقل عن الغير(‬
‫وحاصل ما ذكره اللغويون في معاني الخبر يدور‬
‫حول المعنى الذي ذكره الزبيدي رحمه الله‪.‬‬
‫وأما الحاد في اللغة‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫د( وهو أصل يدل على النفراد‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫فهي من )وَ َ‬
‫وتحت هذا الصل معان‪ :‬منها الحد‪ :‬بمعنى الواحد‪،‬‬
‫وهو أول العدد‪ ،‬ومنها الحد‪ :‬فرد من المتعدد‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫جاء أحد الرجلين‪ ،‬والحاد من العدد من واحد إلى‬
‫تسعة)‪ .(4‬وهذا هو المراد من المعاني السابقة‪ ،‬وهو‬
‫مبني على أن الحاد على وزن )أ َفَْعال( من أوزان‬
‫جمع القلة‪ ،‬وإنما سمي جمع قلة لنه ل يذكر إل‬
‫)‪(5‬‬
‫حيث يراد به بيان القلة‪.‬‬

‫‪ ()1‬هو محمد بن محمد أبو الفيض مرتضى الزبيدي)‬


‫‪1205‬هـ( علمة باللغة والحديث والرجال والنساب‪ ،‬وله في‬
‫كل علم تصانيف‪ .‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.7/297‬‬
‫‪ ()2‬تاج العروس )خبر( ‪.3/167‬‬
‫‪ ()3‬انظر مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس )وحد( ‪6/91‬‬
‫حد( ‪،4/460‬‬‫‪ ()4‬انظر لسان العرب‪ ،‬ابن منظور )وَ َ‬
‫د( ‪ 1/273‬والصحاح‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫والقاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي )وَ َ‬
‫الجوهري ‪ 2/548‬وتاج العروس‪ ،‬الزبيدي ‪2/287‬‬
‫‪ ()5‬جمع التكسير‪ :‬ما دل على أكثر من اثنين بتغيير ظاهر‬
‫فْلك ‪ -‬للمفرد والجمع فالضمة‬ ‫‪-‬كرجل ورجال ‪ ،-‬أو مقدر ‪ -‬ك َ ُ‬
‫ُ‬
‫فل( والضمة في جمعه كضمة )أسد(‪.‬‬ ‫في مفرده كضمة )قُ ْ‬
‫وجمع التكسير على قسمين‪ :‬جمع قلة‪ ،‬وجمع كثرة‪ ،‬انظر‬
‫شرح ابن عقيل ‪.2/452‬‬

‫‪25‬‬
‫وقال ابن عقيل)‪) :(1‬وجمع القلة يدل حقيقة على‬
‫ثلثة فما فوقها إلى العشرة‪،‬وجمع الكثرة يدل على‬
‫)‪(2‬‬
‫ما فوق العشرة إلى غير نهاية(‬
‫وبهذا يتضح ما يعنيه )الخبر( وما يعنيه )الحاد(عند‬
‫اللغويين‪.‬‬
‫فالخبر ما ينقل عن الغير‪ ،‬والحاد عدد دون العشرة‬
‫)‪(3‬‬
‫حقيقة‪ ،‬ويستعمل مجازا فيما فوق ذلك‪.‬‬
‫وإذا أضيف الخبر إلى الحاد أريد به‪ :‬ما ينقله العدد‬
‫اليسير عن الغير‪.‬‬
‫ً‬
‫أما )خبر الحاد( مركبا فهو اصطلح سيأتي شرحه‬
‫عند الكلم على مفهومه عند أهل الصطلح‬
‫المعنيين بهذا المر‪.‬‬
‫إل أنا قبل أن نغادر الكلم على هذا المفهوم اللغوي‬
‫ننبه إلى أن أهل الصطلح ل يلزمهم أن يتقيدوا‬
‫بالعدد الذي َيدل عليه صيغة جمع القلة لسببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه يحق لهل الصطلح أن يتعارفوا على‬
‫تحديد عدد يزيد على العشرة‪ .‬وليس في اللغة ما‬
‫يمنع ذلك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن صيغة جمع القلة محصورة فيما دون‬
‫العشرة على الحقيقة‪ ،‬وتستعمل مجازا ً فيما فوق‬
‫ذلك‪ (4).‬فل يلزم من هذه الصيغة التقيد بعدد معين‪.‬‬
‫‪ -‬والله أعلم‬
‫‪-‬‬
‫‪ ()1‬هو عبد الله بن عبد الرحمن )ابن عقيل( القرشي‬
‫الهاشمي‪ ،‬قاضي القضاة‪ ،‬نحوي الديار المصرية تفنن في‬
‫علوم القراءات والتفسير والعربية والعروض‪ ،‬وكان إماما ً في‬
‫العربية والبيان‪ ،‬وتكلم في الصول والفقه كلما ً حسنًا‪ ،‬مات‬
‫بالقاهرة سنة )‪ 769‬هـ( ودفن بالقرب من المام الشافعي‪.‬‬
‫انظر ترجمته في بغية الوعاة‪ ،‬السيوطي ‪.48-2/47‬‬
‫‪ ()2‬المصدر نفسه ‪.2/452‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح ابن عقيل ‪.2/452‬‬
‫‪ ()4‬انظر شرح ابن عقيل ‪.2/452‬‬

‫‪26‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم خبر الحاد‬
‫وأقسامه عند المتكلمين‬
‫جريًاعلى ما سبق في تعريف )خبر الحاد( بعد تعريف‬
‫جزء يه‪ -‬الخبر والحاد ‪ -‬نعرض لتعريف الخبر عند‬
‫المتكلمين‪.‬‬

‫مفهوم الخبر‪:‬‬
‫استعمل المتكلمون لفظ الخبر في معنى خاص‪،‬‬
‫واختلفوا في ضبطه بعبارة تميزه عما عداه من‬
‫الكلم‪.‬‬
‫فقال جمهور المتقدمين من طوائف المتكلمين‬
‫(‪)1‬‬
‫وفرقهم الخبر‪ :‬كلم يحتمل الصدق والكذب‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر مقالت السلميين واختلف المصلين‪،‬المام أبو‬


‫الحسن علي بن إسماعيل الشعري)‪ 330‬هـ(‪2/152‬تحقيق‬
‫محيي الدين عبد الحميد‪،‬مطبعة النهضة مصر‬
‫‪1950‬م‪،‬والمعتمد في أصول الفقه‪،‬أبو الحسين محمد بن‬
‫علي البصري المعتزلي‪ ،‬تحقيق محمد حميد عبد الله‬
‫‪ 544-2/542‬المطبعة الكاثوليكية بيروت ‪1965‬م وإحكام‬
‫الفصول في أحكام الصول‪،‬أبو الوليد سليمان بن خلف‬
‫الباجي)‪274‬هـ(‪ 34‬تحقيق عبد الله محمد الجبوري مؤسسة‬
‫الرسالة الطبعة الولى ‪ 1409‬هـ‪ .‬وشرح اللمع في أصول‬
‫الفقه‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي )‪ 476‬هـ(‬
‫‪،2/567‬تحقيق عبد المجيد تركي‪ ،‬طبعة دار الغرب السلمي‬
‫بيروت ‪ 1988 -‬م‪ .‬والرشاد إلى قواطع الدلة في أصول‬
‫العتقاد‪ ،‬إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني )‬
‫‪ 478‬هـ( ‪ ،2/567‬تحقيق محمد يوسف موسى )‬
‫‪(411‬مطبعة دار السعادة ‪ -‬مصر ‪.1950-‬والتمهيد في أصول‬
‫الفقه‪ ،‬أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي)‬
‫‪ 510‬هـ(‪10-3/9‬تحقيق محمد بن علي بن إبراهيم مطبعة‬
‫دار المدني جدة ‪1985‬م والمحصول في علم أصول الفقه‪،‬‬
‫فخر الدين محمد بن عمر الرازي)‪ 606‬هـ( تحقيق طه جابر‬
‫العلواني ‪ ،1/2/307‬مطابع جامعة محمد بن سعود الرياض‬

‫‪27‬‬
‫واعترض عليه بخبر الله تعالى‪ ،‬لنه كلم ل يحتمل‬
‫الكذب‪ ،‬فل يدخل في التعريف المذكور‪ .‬وعلى هذا‬
‫يكون التعريف غير جامع لفراده‪.‬‬
‫ولدفع هذا العتراض ُأدخل حرف العطف )أو( في‬
‫سر بأن المراد قبوُله لحدهما‬ ‫الحد بدل ً من الواو‪ ،‬وفُ ّ‬
‫فأيهما وقع فهو الخبر‪ ،‬ل أنه يقبل أحدهما على البهام‬
‫أو الترديد)‪ (1‬المحظورين في التعاريف‪ ،‬فالترديد‬
‫حاصل بين أقسام ِ المعّرف‪ ،‬أي أن حرف العطف )أو(‬
‫هنا تقسيمي وليس تردديًا‪.‬‬
‫ودفع هذا العتراض أيضا ً بزيادة القيد )لذاته( فقالوا‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الخبر‪ :‬كلم يحتمل الصدق والكذب لذاته‬
‫وفسر بأن المراد دخول الصدق والكذب فيه لحتماله‬
‫لهما من حيث أنه نسبة شيء إلى شيء‪ ،‬مع قطع‬
‫النظر عن صدق قائله أو كذبه وإن كان مع النظر إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫ذلك قد ل يحتمل كل ً منهما‪.‬‬
‫‪ .1980‬وتيسير التحرير‪ ،‬محمد أمير بادشاه الحسني الحنفي‪،‬‬
‫على كتاب )التحرير في أصول الفقه( للكمال محمد بن عبد‬
‫الواحد )ابن الهمام( السكندري الحنفي )‪ 861‬هـ( ‪3/340‬‬
‫طبعة‪ ،‬البابي الحلبي )‪ 19332‬هـ(‪ .‬وشرح أحمد بن قاسم‬
‫العبادي الشافعي )‪ 994‬هـ( على شرح جلل الدين محمد بن‬
‫أحمد المحلي الشافعي )‪ 864‬هـ( على الورقات في أصول‬
‫الفقه لمام الحرمين‪ ،‬وهو في حاشية إرشاد الفحول إلى‬
‫تحقيق الحق من علم الصول‪،‬محمد بن علي الشوكاني)‬
‫‪ 1255‬هـ(‪ - 167‬طبعة دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر المراجع السابقة والتمهيد في الرد على الملحدة‬
‫والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة‪ ،‬أبو بكر محمد بن‬
‫الطيب بن الباقلني )‪ 403‬هـ(تحقيق رتشرد مكارثي‬
‫‪،379‬المطبعة الكاثوليكيةبيروت ‪1957‬م وإرشاد‬
‫الفحول‪،‬الشوكاني ‪.43‬‬
‫‪ ()2‬انظر تيسير التحرير‪ ،‬أمير بادشاه ‪ 35/24‬وفواتح‬
‫الرحموت‪ ،‬عبد العلي محمد بن نظام الدين النصاري )‪1119‬‬
‫هـ( وهو شرح مسلم الثبوت في أصول الفقه لمحب الله ابن‬
‫عبد الشكور الحنفي‪ .‬مع المستصفى الغزالي ‪ 2/102‬طبعة‬

‫‪28‬‬
‫ودفع هذا العتراض أيضا ً بالعدول عن )الصدق‬
‫والكذب( إلى التصديق والتكذيب فقالوا‪ :‬الخبر كلم‬
‫دق المخبر وهو‬‫يحتمل التصديق والتكذيب‪ ،‬فقد يص ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫كاذب‪ ،‬وقد يك ّ‬
‫ذب وهو صادق‪.‬‬

‫مفهوم )الحاد(‪:‬‬
‫ويراد به عند المتكلمين‪ :‬العدد من الرواة الذين ل‬
‫يوجب خبرهم العلم‪.‬‬
‫ويعنون بالعلم‪ :‬اليقين العقلي الذي يوجب حصول‬
‫القطع بصدق مضمونه‪ ،‬وإن تخلف عنه ذلك الحصول‬
‫بالفعل)‪،(2‬فوقع التكذيب مكابرة أو جحودا‪.‬‬
‫أو هو العدد من الرواة الذين ل يحصل بهم التواتر‪.‬‬
‫ويتبين مما سبق أن ضبط العدد المقصود يتوقف‬
‫على ضبط العدد الذي يحصل به التواتر‪ .‬وهذا يحتم‬
‫علينا أن نبحث في عدد التواتر‪.‬‬
‫العدد الذي يحصل به التواتر‪:‬‬
‫اتفق المتكلمون على أن الخبر المتواتر يوجب العلم‬
‫بصدق مضمونه‪..‬‬
‫واختلفوا في العلم الحاصل بالتواتر هل هو ضروري‬
‫أو نظري ؟‬
‫فذهب الجمهور إلى أنه ضروري‪ ،‬ل يفتقر إلى تركيب‬
‫الحجة‪.‬‬
‫وذهب أبو الحسين البصري من المعتزلة‪ ،‬و الكلوذاني‬
‫من الحنابلة إلى أن العلم الحاصل من المتواتر نظري‬

‫دار العلوم ‪-‬بيروت‪.‬‬


‫‪ ()1‬انظر التمهيد في تخريج الفروع على الصـول‪ ،‬جمال‬
‫الدين عبد الرحيم بـن الحسـن السنوي الشافعـي )‪ 772‬هـ(‬
‫تحقيق محمد حسن هيتو‪ 443 ،‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‬
‫‪ 1987‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬شرح العبادي ‪ ،179‬وانظر تعريف العلم في ستصفى‬
‫الغزالي ‪ 27 - 1/24‬وإحكام المدي ‪1/12‬‬

‫‪29‬‬
‫يتوقف على مقدمات تحصل للسامع‪ ،‬مثل كونه خبر‬
‫جمع‪ ،‬و كونه بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وكونه خبرا ً عن محسوس‪ ،‬وغير ذلك‬
‫و ليس ذلك مما يحتاج إليه في أصول الفقه كما‬
‫يقول صاحب المعتمد)‪ ،(2‬ولكن وجب الخوض فيه لن‬
‫القول بضرورية العلم الحاصل عن التواتر جعل من‬
‫العسير ضبط عدد معين يحصل عنده العلم‪ ،‬وهذا‬
‫يفسر لنا القوال الغريبة التي ذكرها المتكلمون في‬
‫العدد الذي يحصل به التواتر حتى وصل عند بعضهم‬
‫إلى أربع عشرة مائة لنه عدد أهل بيعة الرضوان‪ ،‬بل‬
‫)‪(3‬‬
‫اشترط جماعة أن ل يحويهم بلد ول يحصرهم عدد‪.‬‬
‫يقول الشوكاني‪ ):‬و بالله أعجب من جري أقلم أهل‬
‫العلم بمثل هذه القوال التي ل ترجع إلى عقل ول‬
‫)‪(4‬‬
‫تقل ول يوجد بينها وبين محل النزاع جامع‪(......‬‬
‫ولما تعســر على المتكلمين ضبط عدد معين يحصل‬
‫عنده العلم قالوا‪ :‬ليس للتواتر عدد محصور ول يختص‬

‫‪ ()1‬انظر التمهيد‪ ،‬الكلوذاني ‪ 28-3/22‬و البحر المحيط‬


‫في أصول الفقه‪ ،‬بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي )‬
‫‪794‬هـ( تحقيق د‪ .‬عبد القادر العاني‪ -‬وعمر سليمان الشقر‬
‫‪ 241 /4‬طبعة الكويت ‪1409‬هـ‪ .‬وحاشية العطار‪ ،‬حسن بن‬
‫محمد )‪1250‬هـ( على جمع الجوامع للتاج عبد الوهاب بن‬
‫السبكي )‪771‬هـ( وبها مشه تقرير لعبد الرحمن الشربيني‪،‬‬
‫وتقريرات لمحمد بن علي المالكي‪ 151-2/150 .‬مطبعة‬
‫البابي‪-‬مصر ‪1385‬هـ‪.‬‬
‫‪ ()2‬المعتمد‪ ،‬البصري ‪2/252‬‬
‫‪ ()3‬انظر في سرد القوال ونقاشها‪ :‬إحكام الفصول‪ ،‬الباجي‬
‫‪ 245-243‬وشرح اللمع الشيرازي ‪ ،2/574‬ومحصول الرازي‬
‫‪ 387-380 / 1/2‬وإحكام المدي ‪ ،269/‬وكشف البخاري‬
‫‪.2/361‬‬
‫‪ ()4‬إرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاني ‪47-46‬‬

‫‪30‬‬
‫)‪(1‬‬
‫بعدد دون عدد‬
‫)‪(2‬‬
‫قال الغزالي في أقل عدد يحصل به العلم‪) :‬ليس‬
‫)‪(3‬‬
‫معلوما ً لنا ول سبيل لمعرفته(‬
‫وقال السرخسي)‪) :(4‬ليس لما ينعقد به التواتر معلوم‬
‫)‪(5‬‬
‫من حيث العدد(‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ضابط التواتر حصول العلم‪ ،‬فمتى أفاد الخبر‬
‫بمجرده العلم حكم بتواتره‪ .‬وإن لم يفد تعين عدم‬
‫)‪(6‬‬
‫تواتره‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر الفصول في الصول‪ ،‬أحمد بن علي الرازي‬
‫الجصاص )‪ 370‬هـ( تحقيق دكتور عجيل جاسم ‪،3/53‬‬
‫الطبعة الولى ‪ ،.1985‬التمهيد‪ ،‬الباقلني ‪ .385‬وإحكام‬
‫الفصول‪ ،‬الباجي ‪ 245-243‬وشرح اللمع‪ ،‬الشيرازي ‪2/574‬‬
‫الرشاد‪ ،‬الجويني ‪415‬والوصول إلى الصول‪ ،‬أحمد بن علي‬
‫)ابن برهان( البغدادي )‪ 518‬هـ( تحقيق عبد الحميد أبو زنيد‬
‫‪ 2/174‬مطبعة المعارف الرياض ‪ 1984‬م‪،‬والمحصول‪،‬‬
‫الرازي ‪ 381-1/2/380‬وإحكام المدي ‪2/269‬وكشف‬
‫السرار شرح المنار أبو البركات عبد الله بن أحمد أحمد‬
‫النسفي )‪ 710‬هـ( ‪ ،2/6‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫‪ 1986‬م‪.‬وكشف السرار‪ ،‬البخاري ‪ 2/261‬المسودة في‬
‫أصول الفقه‪ ،‬أحمد بن محمد بن أحمد الحراني‬
‫الدمشقي)ابن تيمية()‪ 745‬هـ( تحقيق محمد محيي الدين‬
‫‪ ،235‬مطبعة المدني ‪ -‬القاهرة‪ 1964 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬هو حجة السلم محمد بن محمد أبو حامد الغزالي )‬
‫‪505‬هـ( أحد المة العلم في علم الكلم والفقه وأصوله‬
‫والتصوف وغيرها من العلوم‪ ،‬وله في علم تصانيف‪ ،‬انظر‬
‫العلم‪ ،‬الزركلي )‪(7/247‬‬
‫‪ ()3‬المستصفى ‪.1/75‬‬
‫‪ ()4‬هو القاضي أبو بكر محمد بن أحمد )شمس الئمة‬
‫السرخسي( )‪483‬هـ( من كبار الحنفية‪ ،‬أشهر كتبه‬
‫)المبسوط(‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي )‪.(6/208‬‬
‫‪ ()5‬بلوغ السول في الصول‪ ،‬أبو بكر محمد بن أحمد‬
‫السرخسي )‪ 483‬هـ( تحقيق أبو الوفا الفغاني ‪،1/294‬‬
‫طبعة بيروت ‪.1973‬‬
‫‪ ()6‬انظر المراجع السابقة‪ ،‬وإرشاد الفحول الشوكاني ‪،47‬‬

‫‪31‬‬
‫ويبدو لي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن في ضبط التواتر بحصول‬
‫العلم خفاًء كالخفاء في ضبط التواتر بالعدد لسببين‬
‫أولهما‪ :‬أن العلم يحصل بالمتواتر وبغير المتواتر من‬
‫الخبار‪ ،‬ويكون الفرق بينهما من جهة أن العلم يحصل‬
‫من المتواتر بمجرده‪ ،‬وليس من الخبار ما يعلم‬
‫صدقه بمجرده إل المتواتر‪ ،‬وما عداه فإنما يعلم‬
‫صدقه بدليل آخر يدل عليه سوى نفس الخبر‪.‬‬
‫فإذا حصل العلم مثل ً بخبر جمع احتف خبرهم‬
‫بالقرائن المؤيدة لثبوت الخبر تعسر التمييز هل حصل‬
‫العلم بالخبر وحده أم بالخبر والقرائن؟ لن القرائن‬
‫قد تفيد العلم بمجردها كالحمرة الطارئة على الوجه‬
‫فإنها تفيد العلم بالخجل‪ .‬وإذا ثبت ذلك جاز دخول‬
‫خبر في التواتر مع أنه ليس منه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن حصول العلم أمر وجداني يختلف باختلف‬
‫الحوال والوقائع‪ ،‬وقد يحصل العلم لشخص دون‬
‫غيره من الشخاص‪ ،‬فإذا حكمنا بتواتره بالنسبة إلى‬
‫من حصل له العلم به تعطل الستدلل بالتواترعلى‬
‫)‪(1‬‬
‫من لم يحصل له العلم به‪.‬‬
‫وإذا تعسر ضبط أقل عدد يحصل به التواتر فقد تعسر‬
‫أيضا ً ضبط عدد يكون غاية لما يعد آحادًا‪ ،‬لن‬
‫المتكلمين جعلوا ما دون التواتر آحادًا‪ ،‬ولم يضبطوا‬
‫التواتر بعدد معلوم‪ ،‬بل جعلوا ضابطه حصول العلم‬
‫بصدق مضمونه‪.‬‬
‫إل أن من المقطوع به أن خبر الواحد والثنين‬
‫والثلثة والربعة من أخبار الحاد عند المتكلمين‪ .‬يدل‬
‫على ذلك أنهم جعلوا من أقسام خبر الحاد المشهور‪،‬‬
‫وهو ما رواه ثلثة فأكثر مالم يبلغ درجة التواتر‪.‬‬
‫واستدل الباقلني)‪ (2‬على أن خبر الربعة من أخبار‬
‫وحاشية العطار ‪2/148‬‬
‫‪ ()1‬انظر الحكام المدي ‪2/266‬‬
‫‪ ()2‬هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب )ابن الباقلني(‬

‫‪32‬‬
‫الحاد ل من المتواتر بأن العلم الحاصل من المتواتر‬
‫ضروري ل يحتاج إلى استدلل‪ .‬وكل خبر يحتاج فيه‬
‫إلى الجتهاد في عدالة رواته وضبطهم ووثاقتهم‬
‫فليس متواترًا‪ ،‬لن الضروري ل يحتاج معه إلى‬
‫استدلل‪ .‬وقد دل الشرع على وجوب الجتهاد في‬
‫عدالة الشهود الربعة إذا شهدوا على أحد بالزنا)‪ (1‬ولو‬
‫م أن الربعة إذا شهدوا بالزنا وقع العلم بخبرهم‬ ‫عُل ِ َ‬
‫‪-‬إذا كانوا صادقين ‪ -‬لما تعبدنا الله عز وجل بالجتهاد‬
‫في عدالتهم وبقبول شهادتهم إذا كانوا عندنا على‬
‫دها إذا كانوا فساقًا‪ ،‬لننا إنما نستدل‬
‫هذه الصفة ور ّ‬
‫ونجتهد إذا لم نعلم صدق المخبر‪ ،‬فأما إذا علم‬
‫صدقهم ضرورة فل معنى ول وجه للنظر والستدلل‬
‫)‪(2‬‬
‫على ما نحن إلى العلم بصحته مضطرون‪.‬‬

‫المالكي الصولي المتكلم‪ ،‬صاحب المصنفات‪ ،‬وأوحد وقته‬


‫في فنه أخذ علم النظر عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي‪،‬‬
‫صاحب المام الشعري‪ ،‬وكانت له بجامع المنصور في بغداد‬
‫حلقة عظيمة‪ ،‬كان ورده في الليل عشرين ترويحة‪ ،‬في‬
‫الحضر والسفر‪ ،‬فإذا فرغ منها كتب خمسا ً وثلثين ورقة من‬
‫تصنيفه‪ ،‬توفي ببغداد )‪ 403‬هـ(‪ ،‬انظر ترجمته في العبر في‬
‫خبر من غبر‪ ،‬محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي )‪ 748‬هـ(‬
‫تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول ‪ ،2/207‬طبعة دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬لم يذكر سنة الطبع‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر المسألة في حلية العلماء في معرفة مذهب‬
‫العلماء‪ ،‬أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال تحقيق‬
‫ياسين دراكه ‪ 130-8/128‬الطبعة الولى‪ ،‬لمكتبة الرسالة‬
‫‪1988‬‬
‫‪ ()2‬التمهيد ‪ .384،385‬وانظر نحوه في المعتمد‪ ،‬البصري‬
‫‪ 562-2/561‬وإحكام الفصول‪ ،‬الباجي ‪243-241‬والرشاد‪،‬‬
‫الجويني ‪ 415-414‬والتمهيد من الكلوذاني ‪ 30-3/28‬و شرح‬
‫البدخشي ‪ 2/310‬المسمى )مناهج العقول( محمد بن‬
‫الحسن البدخشي‪،‬وهو شرح لمنهاج الصول في علم الصول‬
‫للقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله البيضاوي )‪ 685‬هـ(‬
‫‪ 2/310‬طبعة دار الكتب العلمية بيروت ‪ 1984‬م‪.‬وإرشاد‬

‫‪33‬‬
‫و بعد أن بينا مفهوم خبر الحاد بجزءيه عند‬
‫المتكلمين حان موعد بيان ما يفيده )خبر الحاد(‬
‫مركبا ً عندهم‪.‬‬

‫مفهوم خبر الحاد‬


‫اختلفت عبارات المتكلمين في تعريف خبر الحاد‪،‬‬
‫وإن كان الحاصل منها واحدًا‪ ،‬ويمكن إرجاع ما قالوه‬
‫في تعريفه إلى تعريفين اثنين‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الول تعريف الباجي‪.‬‬
‫)خبر الحاد‪ :‬ما لم يقع العلم بمخَبره ضرورة من جهة‬
‫‪(2).‬‬
‫الخبار به‪ ،‬إن كان الناقـلون لـه جمـاعة(‬
‫ومراد الباجي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في هذا التعريف حصر‬
‫خبر الحاد في الخبرالذي يرويه الواحد أو الجماعة ول‬
‫يحصل لنا بمجرد كونه خبرا ً علم ضروري بصدق‬
‫مضمونه‪.‬‬
‫ويريد الباجي أن يخرج الخبر المتواتر لن العلم‬
‫الضروري بصدق مضمونه يحصل بمجرد كونه خبرا‪ً.‬‬
‫ويريد بقوله )من جهة الخبار به( الشارة إلى أن من‬
‫أخبار الحاد ما يوقع العلم الضروري بصدق مضمونه‬
‫ل من جهة كونه خبرًا‪ ،‬بل من طرق خارجية أخرى‬
‫تدل على صدقه ضرورة مثل موافقته لما ثبت عق ً‬
‫ل‪.‬‬
‫كأن ينقل أحدهم عن عالم أنه قال )الواحد نصف‬
‫الثنين( فنجد من أنفسنا العلم بصدق مخبره ضرورة‪،‬‬
‫ولكن هذا العلم الضروري يحصل بالخبر من جهة‬

‫الفحول ‪.47‬‬
‫‪ ()1‬الباجي‪ :‬هو أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي‬
‫القرطبي الباجي المالكي‪ ،‬برع في فنون الحديث والفقه‬
‫والصول والنظر‪ ،‬وصنف في كل علم تصانيف كثيرة‪ ،‬وولي‬
‫القضاء في أماكن عديدة‪ ،‬توفي )‪ 474‬هـ(‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العبر‪ ،‬الذهبي ‪.2/332‬‬
‫‪ ()2‬إحكام الفصول )‪(235‬‬

‫‪34‬‬
‫كونه موافقا ً لما يعلم ضرورة ل من جهة كونه خبرا ً‬
‫فقط‪.‬‬
‫ويدخل هذا الخبر في تعريف خبر الحاد بل ريب‪ ،‬لنه‬
‫ما أفاد العلم الضروري بمجرد الخبار به بل بدليل‬
‫آخر خارج عن ذلك‪.‬‬
‫التعريف الثاني‪:‬‬
‫ً‬
‫هو خبر ل يفيد بنفسه العلم سواء لم يفده أصل‪،‬أو‬
‫أفاده بالقرائن المنفصلة عنه‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫اختار هذا التعريف صاحب تيسير التحرير و‬
‫الشوكاني)‪ ،(2‬ونسبه إلى الجمهور‪ .‬ويراد في هذا‬
‫التعريف حصر خبر الحاد في نوعين من الخبار‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬الخبار التي ل يمكن القطع بصدق‬
‫مضمونها‪ ،‬ل بنفسها ول بالدلة والقرائن المنفصلة‪.‬‬
‫و المراد بالقرائن المنفصلة صفات الخبر التي تزيد‬
‫على ما ينفك الخبر عنه عادة‪ ،‬كأن يخبر الحاد بموت‬
‫إنسان‪ ،‬فل يحصل العلم بمجرد إخبارهم‪ ،‬لكن إذا‬
‫انضم إلى الخبر خروج ولد الميت من الدار حاسر‬
‫الرأس حافي الرجل ممزق الثياب مضطرب الحال‬
‫صفق وجهها وتضرب خديها وحولها نسوة‬ ‫ووالدته ت َ ْ‬
‫ً‬
‫يخففون عنها مصيبتها علم قطعا صدق ما أخبر به‬
‫)‪(3‬‬
‫الحاد مقترنا ً بهذه القرائن‪.‬‬
‫ومثل هذه الخبار التي يحصل العلم بها من الخبر‬
‫وقرائنه تدخل في التعريف السابق لنها أخبار ل تفيد‬
‫بنفسها العلم‪ ،‬بل تفيده لقترانها بهذه القرائن‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الخبارالتي تفيد العلم بالقرائن‬
‫المنفصلة‪.‬‬

‫‪ ()1‬أمير بادشاه ‪3/37‬‬


‫‪ ()2‬إرشاد الفحول ‪47‬‬
‫‪ ()3‬انظر المستصفى ‪1/136‬‬

‫‪35‬‬
‫أقسام خبر الحاد عند المتكلمين‬
‫كثيرا ً ما يرد في أقسام خبر الحاد عند المتكلمين‬
‫ذكر "الخبر المشهور والخبر المستفيض"‪.‬‬
‫وقبل الدخول في بيان مرادهم ل بد من الشارة إلى‬
‫وجود اصطلحين في تقسيم جملة الخبار‬
‫الصطلح الول‪ :‬قسمة الخبار إلى متواتر‪ ،‬وآحاد‪.‬‬
‫واختار هذه القسمة جمهور المتكلمين من المعتزلة‬
‫وأهل السنة من الشافعية و المالكية والحنابلة‪.‬‬
‫الصطلح الثاني‪ :‬قسمة الخبار إلى متواتر ومشهور‬
‫وآحاد‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وعلى هذه القسمة اصطلح الماتريدية‪.‬‬
‫وفي تقسيم الخبار اتفق أصحاب الصطلحين في‬
‫تعريف المتواتر من الخبار‪.‬‬
‫قال السنوي من الفريق الول‪) :‬المتواتر خبر بلغت‬
‫رواته في الكثرة مبلغا ً أحالت العادة تواطؤهم على‬
‫)‪(2‬‬
‫الكذب(‬

‫‪1‬‬
‫)( الماتريدية‪ :‬أتبـــاع أبــي منصور محمـد بن أحمد‬
‫الماتريدي )‪ 333‬هــــ( من أئمة علماء الكلم‪ ،‬ينسب إلى‬
‫)ماتريد( محلة بسمرقند وآراء مدرسته تتفق مع الشعرية‬
‫في أصل العقيدة وتختلف معها في مسائل فرعية جزئية‬
‫معدودة‪ ،‬وأكثر الماتريدية‪ .‬يتعبدون في الفقه على مذهب‬
‫الحنيفة‪ .‬انظر الروضة البهية بين الشعرية والماتريدية‪،‬‬
‫الحسن بن محمد )ابن عذبة( ص ‪،5‬طبعة دائرة المعارف‬
‫النظامية ‪-‬الهند‪1322،‬هـ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫)( نهاية السول في شرح منهاج الصول‪ ،‬عبد الرحيم بن‬
‫الحسن السنوي )‪ 772‬هـ( وهو شرح للمنهاج لناصر الدين‬
‫عبد الله بن عمر البيضاوي )‪ 685‬هـ( ومعه حاشية الشيخ‬
‫محمد بخيت المطيعي ‪ 3/61‬طبعة عالم الكتب ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫لم يذكر سنة الطبع‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وقال السرخسي من الماتريدية في حد التواتر‪) :‬أن‬
‫ينقله قوم ل يتوهم اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب‬
‫لكثرة عددهم وتباين أمكنتهم عن قوم مثلهم‪ .‬وهكذا‬
‫إلى أن يتصل السند برسول الله صلى الله عليه‬
‫)‪(1‬‬
‫وسلم‪ ،‬فيكون أوله كآخره‪ ،‬وأوسطه كطرفيه(‪.‬‬
‫واختلفوا في الخبر المشهور ورتبته بين الخبار‪.‬‬
‫فجعله الجمهور قسما ً من الحاد‪ .‬فالخبر عندهم‬
‫ينقسم إلى متواتر وآحاد‪ ،‬والمشهور قسم من الحاد‬
‫جعله الماتريدية قسما ً بين المتواتر والحاد‪ .‬ورتبوا‬
‫على ذلك أثرا وهو إفادة المشهور الطمأنينة وسكون‬
‫)‪(2‬‬
‫النفس إلى صحة صدوره عن قائله‬
‫وخالف الجصاص من الماتريدية في رتبة المشهور‬
‫ووافقهم في حده‪ ،‬فجعل المشهور قسما من‬
‫المتواتر‪ .‬ورتب على ذلك أثرا ً وهو دعوى إفادة‬
‫المتواتر العلم الضروري‪ ،‬وإفادة المشهور العلم‬
‫‪(3).‬‬
‫النظري‬
‫والحاصل أن الخبر المشهور قسم من الحاد عند‬
‫الجمهور‪ ،‬وهو رتبه بين المتواتر والحاد عند‬
‫الماتريدية‪ ،‬وقسم من المتواتر عند الجصاص‪.‬‬
‫أما حد المشهور من الخبار عند الماتريدية فهو‪:‬‬
‫ما كان آحادا في الصل ثم تواتر في القرن الثاني‬
‫والثالث)‪. (4‬وخلف الجصاص في إفادته ل في تعريفه‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر أصول السرخسي ‪1/282‬‬


‫‪ ()2‬نظر المرجع السابق ‪،1/291‬وكشف السرار‪ ،‬النسفي‬
‫‪2/11‬وتيسير التحرير أمير بادشاه ‪،38-3/37‬وإرشاد الفحول‬
‫الشوكاني ‪49‬‬
‫‪ ()3‬انظر الفصول في الصول‪ ،‬الجصاص ‪.3/37‬‬
‫‪ ()4‬انظر أصول السرخسي ‪ ،1/231،293‬وكشف السرار‪،‬‬
‫النسفي ‪ ،13-2/11‬وكشف السرار البخاري ‪،370-2/369‬‬
‫وتيسير التحرير‪ ،‬أمير بادشاه ‪ ،38-3/37‬وفواتح الرحموت‬
‫‪.2/112‬‬

‫‪37‬‬
‫واتفق جمهور المتكلمين على أن المشهور قسم‬
‫من الحاد‪ ،‬واتفقوا على اعتبار عدد رواته في‬
‫تعريفه ثم واختلفوا في العدد‪.‬‬
‫فذهب جمهورهم إلى أن عدد المشهور ما زاد على‬
‫الثلثة في كل طبقاته‪.‬‬
‫قال المدي‪ :‬وهو ما نقله جماعة تزيد على الثلثة‬
‫)‪(1‬‬
‫والربعة‬
‫واختار بعض المتكلمين في عدد المشهور أن يكون‬
‫)‪(3‬‬
‫ثلثة فأكثر‪ .‬ومنهم النصاري )‪ (2‬والشوكاني‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق الشيرازي )‪ (4‬في عدد المشهور‪:‬‬
‫)أقله اثنان()‪ (5‬ووافقه ابن السبكي )‪ (6‬والجلل‬
‫)‪(7‬‬
‫المحلي‪.‬‬

‫‪ ()1‬الحكام ‪ ،2/274‬وانظر نحوه في جمع الجوامع مع‬


‫حاشية العطار ‪ 2/156‬ونهاية السول‪ ،‬السنوي ‪318-2/317‬‬
‫والبحر المحيط‪ ،‬الزركشي ‪250-4/249‬‬
‫‪ ()2‬انظر فواتح الرحموت ‪.2/111‬‬
‫‪ ()3‬انظر إرشاد الفحول ‪50-49‬‬
‫‪ ()4‬هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي‬
‫الشافعي‪ ،‬انتهت إليه رياسة المذهب الشافعي في عصره لم‬
‫يحج ولم يذهب إلى الحج لنه كان فقيرا ً متعففا ً قانعا ً باليسير‬
‫توفي)‪ 476‬هـ(وانظر ترجمته في العبر الذهبي‬
‫‪2/334‬وطبقات الشافعية السنوي ‪2/8‬‬
‫‪ ()5‬انظر حاشية العطار ‪.2/156‬‬
‫‪ ()6‬انظر حاشية العطار ‪ ،2/156‬وابن السبكي هو تقي‬
‫الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف )‪ 771‬هـ( الفقيه‬
‫المحدث الديب القارئ تفقه على والده الشيخ المام تقي‬
‫الدين السبكي‪،‬انظر ترجمتها في طبقات الشافعية‪،‬أسنوي‬
‫‪350-1/349‬‬
‫‪ ()7‬انظر حاشية العطار ‪ 2/156‬والجلل المحلي هو محمد‬
‫بن أحمد بن محمد المحلي الشافعي )‪ 864‬هـ( أصولي‬
‫مفسر كان شديد الذكاء مهيبا ً صداعا ً بالحق يواجه بذلك‬
‫الظلمة والحكام‪ ،‬ويأتون إليه فل يأذن لهم‪ ،‬عرض عليه‬
‫القضاء الكبر فامتنع‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي‬

‫‪38‬‬
‫والمختار ما ذهب إليه الجمهور لنه اصطلح ل‬
‫مشاحة فيه فنختار اصطلح الجمهور تجنبا ً للضطراب‬
‫وتوحيدا ً للصطلح‪.‬‬

‫المستفيض‪:‬‬
‫يكثر عند جمهور المتكلمين إطلق المستفيض‬
‫والمشهور بمعنى واحد و يكثر التفريق بينهما عند‬
‫الماتريدية ويبدو لي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن من فرق بينهما‬
‫من غيرهم اعتبر فيه رأيهم‪ .‬لنهم لما انفردوا في‬
‫صورة المشهور السابقة‪ ،‬بعدت الشقة بين المشهور‬
‫في اصطلحهم وبين خبر الواحد‪ .‬ولعلهم لحظوا أن‬
‫اصطلح الجمهور في عدد المشهور يقرب بينهما‪،‬‬
‫فاحتاجوا إلى اصطلح يميزه عن المشهور في‬
‫اصطلحهم‪ .‬ومن هنا حصل الجمع والتفريق بينهما‬
‫عند المتكلمين‪ .‬يدل على ذلك أنه يقع في اصطلح‬
‫الماتريدية أن المستفيض من خبر الحاد‪ .‬والمعروف‬
‫في اصطلحهم أن المشهور قسم بين المتواتر‬
‫والحاد كما سبق‪.‬‬
‫قال في تيسير التحرير‪) :‬ومن خبر الحاد قسم‬
‫)‪(1‬‬
‫يسمى المستفيض‪ :‬وهو ما رواه ثلثة فصاعدا‪.(...‬‬
‫ثم قال‪) :‬والمشهور ما كان آحادا ً في الصل متواترا ً‬
‫في القرن الثاني والثالث‪.‬‬
‫ه‬
‫فبين المشهور والمستفيض عموم مخصوص من وج ُ‬
‫لصدقهما على ما رواه الثلثة فصاعدا ً ما لم يتواتر‬
‫في القرن الول‪ ،‬ثم تواتر في أحد القرنين‬
‫المذكورين‪ ،‬وانفراد المستفيض إذا لم ينته في القرن‬
‫الثاني والثالث إلى حد التواتر‪ .‬وانفراد المشهور فيما‬
‫رواه اثنان في القرن الول ثم تواتر في الثاني‬

‫‪.6/230‬‬
‫‪ ()1‬تيسير التحرير‪ ،‬أمير بادشاه ‪.37 /3‬‬

‫‪39‬‬
‫)‪(2‬‬
‫والثالث(‪.‬‬

‫‪() 2‬نفسه ‪ 3/38‬وانظر نحوه في إرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاني‬


‫‪.49‬‬

‫‪40‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مفهوم خبر الحاد وأقسامه‬
‫عند المحدثين‪.‬‬
‫قسمة الخبر إلى متواتر ومشهور وآحاد قسمة عقلية‬
‫ذكرها المتكلمون أول ً ورتبوا آثارا ً على هذا التقسيم‪،‬‬
‫ثم طرحت هذه القسمة في ساحة علم الحديث فراح‬
‫المحدثون يحاولون إيجاد شواهد لها ويفندون الثار‬
‫التي رتبها المتكلمون على هذه القسمة‪ ،‬وإنما يتحقق‬
‫)‪(1‬‬
‫غرض المحدثين بتقسيم الخبر إلى صحيح‬
‫وحسن)‪ (2‬وضعيف‪ (3).‬وهذا ظاهر في صنعة الرواية‬
‫الحديثية ونقدها‪ .‬لكن بعض أهل الحديث ساير‬
‫المتكلمين في هذا التقسيم فأدخل في كتب مصطلح‬
‫الحديث ودرايته المشهور والعزيز والغريب‪ ،‬وجعل‬
‫عدد الرواة هو المعتبر في هذا التقسيم‪ .‬ولكن يبقى‬
‫هذا التقسيم دخيل ً على مصطلح الحديث‪ .‬ويشهد‬

‫‪1‬‬
‫)( الصحيح‪ :‬ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله‬
‫وسلم من شذوذ وعلة وانظر قواعد التحديث من فنون‬
‫مصطلح الحديث‪ ،‬محمد جمال الدين القاسمي )‪ 232‬هـ(‬
‫‪ 80‬طبعة دار الكتب العلمية ‪-‬بيروت ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الحسن‪ :‬ما رواه عدل خفيف الضابط متصل السند غير‬
‫معل ول شاذ وانظر حاشية لقط الدرر على شرح متن نخبة‬
‫الفكر‪ 49-48 ،‬وأصول الحديث‪ ،‬د‪-‬محمد عجاج الخطيب‬
‫‪ 332‬طبعة دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪ .1975 -‬وعلوم الحديث‬
‫ومصطلحه‪ ،‬د‪-‬صبحي صالح‪ 156 ،‬دار العلم للمليين ‪-‬‬
‫بيروت ‪.1981‬‬

‫‪3‬‬
‫)( الضعيف‪ :‬ما لم يوجد فيه شروط الصحة ول شروط‬
‫الحسن‪.‬انظر المنهاج في شرح صحيح ملم بن الحجاج‪ ،‬أبو‬
‫زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي )‪1/22(676‬‬
‫تحقيق عبد الله أحمد أبو زينه‪ ،‬طبعة دار الشعب القاهره ‪-‬‬
‫‪ 1973‬م‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫لذلك حال كلمهم على هذا التقسيم وما وقعوا فيه‬
‫من الضطراب ومخالفة أهل الصطلح المعنيين بهذا‬
‫القسمة‪.‬‬
‫أما لفظ الخبر فقد استعمله المحدثون في اصطلح‬
‫خاص‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪) :‬والخبر عند علماء هذا الفن‬
‫مرادف للحديث‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه‬
‫)‪(1‬‬
‫وسلم والخبر ما جاء عن غيره(‬
‫وفي هذه العبارة الموجزة يشير الحافظ ابن حجر‬
‫إلى لفظين استعملهما المحدثون في اصطلح خاص‪-‬‬
‫أعني الخبر والحديث‪.-‬‬
‫ومن الملحظ اختلف عبارات المحدثين في العلقة‬
‫التي تربط بين هذين اللفظين ومعناهما الصطلحي‪.‬‬
‫وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في عبارته‬
‫السابقة‪.‬‬
‫وَرد ّ هذين اللفظين إلى المعنى اللغوي وتطور دللته‬
‫يسهل الوصول إلى معرفة العلقة التي تربط‬
‫الصطلحين‪.‬‬
‫أما الحديث في اللغة فمعناه الجديد‪ ،‬ضد القديم‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ومعناه الخبر‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ويقول أبو البقاء ‪) :‬الحديث اسم من التحديث‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)( نخبة الفكر في مصطلح أهل الثر ص ‪ ،23‬في حاشية‬
‫شرحها لقط الدرر للشيخ عبد الله بن حسين خاطر العدوي‪.‬‬
‫مطبعة عبد الحميد حنفي‪-‬مصر ‪1355‬هـ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ث( ‪.1/164‬‬
‫حد َ َ‬
‫)( انظر القاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي ) َ‬
‫ومختار الصحاح )حدث( ‪125‬‬
‫‪ ()3‬هو أيوب بن موسى الحسيني )‪1095‬هـ( كان من قضاة‬

‫‪42‬‬
‫ل أو فعل أو تقرير نسب‬ ‫مي به قو ٌ‬
‫س ّ‬
‫وهو الخبار‪ .‬ثم ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫إلى النبي عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫ويقول الدكتور صبحي الصالح‪) :‬ومعنى الخبار في‬
‫وصف الحديث كان معروفا ً للعرب في الجاهلية منذ‬
‫كانوا يطلقون على أيامهم المشهورة اسم الحاديث(‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وأما الخبر فقد تقدم أنه النقل عن الغير‪.‬‬


‫وقد لحظ جمهور المحدثين هذا الترادف اللغوي في‬
‫الصطلح أيضًا‪ .‬فجعلوا الخبر والحديث مترادفين‬
‫على معنى اصطلحي واحد وهو‪ :‬ما أضيف إلى النبي‬
‫)‪(3‬‬
‫صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو صفة(‪.‬‬
‫ثم لحظ المحدثون إلى جانب هذا الترادف اللغوي أن‬
‫الرواة لم يكتفوا بنقل ما أضيف إلى النبي صلى الله‬
‫عنوا معه بنقل ورواية أقوال الصحابة‬ ‫عليه وسلم بل ُ‬
‫)‪(4‬‬
‫وكبار التابعين‪ ،‬والرواية إخبار هنا وهناك‬
‫فظهر إطلق الخبر في بعض الحيان على ما نقل عن‬
‫الصحابة أو التابعين‪ ،‬ملحظين بذلك مدلول الخبر في‬
‫اللغة‪ ،‬أما "الحديث" عند الطلق فل يراد به ما‬
‫أضيف إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم إل بقرينة‪.‬‬
‫وبهذه الميزة التي اختص بها لفظ )الحديث( شاع‬
‫معناه الصطلحي وغلب على مفهومه اللغوي عند‬
‫أهل الحديث‪ ،‬وظهر القول بأن كل حديث خبر وليس‬
‫المذهب الحنفي‪ ،‬وتوفي وهو قاض بالقدس‪ .‬انظر ترجمته‬
‫في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.1/382‬‬
‫‪1‬‬
‫)( كليات أبي البقاء ص ‪ ،152‬المطبعة الميرية ‪1280‬هـ‬

‫‪2‬‬
‫)( علوم الحديث‪10 ،‬‬

‫‪3‬‬
‫)( انظر لقط الدرر‪ ،‬عبد الله حسين خاطر ‪23،104‬‬
‫‪ ()4‬علوم الحديث ومصطلحه ‪.10‬‬

‫‪43‬‬
‫كل خبر حديثًا‪ .‬لن الخبر يصدق على كل ما جاء عن‬
‫)‪(2‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته )‪ (1‬وتابعيهم‬
‫ويختص الحديث بما جاء عن النبي صلى الله عليه‬
‫)‪(3‬‬
‫وسلم‪ ،‬ويصدق عليه أنه خبر‪.‬‬
‫ولكن إذا أضيــف لفـــظ الخبر إلى الحــاد حصل‬
‫منهما اصطلح خاص ينصرف به الخــبر إلى ما أضيف‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بنقل الحــاد‪،‬‬
‫ول يكاد يستعمل مطلقا َ في ما أضيف إلى صحابي أو‬
‫تابعي‪.‬‬
‫وقد تابع المحدثون أهل الصطلح في تعرف هذا‬
‫التركيب ‪-‬أعني )خبر الحاد(‪-‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪ :‬خبر الحاد ما لم يجمع‬
‫)‪(4‬‬
‫شروط التواتر‬
‫ويقول القاسمي‪) :‬أما خبر الواحد فهو ما لم يوجد‬
‫فيه شروط المتواتر‪ ،‬سواء كان الراوي له واحدا ً أو‬
‫)‪(5‬‬
‫أكثر(‬

‫‪1‬‬
‫)( ما نقل عن الصحابي من قوله أو فعله يسمى‬
‫الموقوف في اصطلح المحدثين‪ .‬انظر لقط الدرر ‪.104‬‬

‫‪2‬‬
‫)( ما نقل عن التابعي من قوله أو فعله يسمى المقطوع‬
‫في اصطلح المحدثين‪ .‬انظر لقط الدرر ‪.104‬‬

‫‪3‬‬
‫)( انظر المصدر نفسه ‪ .24‬وفتح الملهم ‪.1/2‬‬

‫‪4‬‬
‫)( لقط الدرر‪.32 ،‬‬
‫‪ ()5‬قواعد التحديث ‪.147‬‬

‫‪44‬‬
‫أقسام خبر الحاد عند المحدثين‬
‫سبق أن المحدثين استطردوا لما بحثوا في قسمة‬
‫الخبر على متواتر وآحاد‪ .‬وأنهم خالفوا أهل الصطلح‬
‫في بعض ما يتعلق بهذا التقسيم‪ .‬ومن ذلك مخالفتهم‬
‫في تحديد كل قسم من أقسام خبر الحاد‪ .‬ومع أن‬
‫المحدثين اعتبروا عدد النقلة في قسمة الخبار إلى‬
‫مشهور وعزيز وغريب‪ ،‬إل أنهم لم يتفقوا مع‬
‫المتكلمين تماما ً في تحديد كل من هذه القسام وفي‬
‫ما يترتب على هذا التقسيم‪.‬‬
‫فوصف الخبر عند المحدثين بالشهرة أو العزة أو‬
‫الغرابة ل يعني صحة الخبر عندهم‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪) :‬المشهور والعزيز والغريب‬
‫فيها المقبول وهو ما يوجب العمل وفيها المردود وهو‬
‫)‪(1‬‬
‫الذي ل يترجح صدق المخبر به(‪.‬‬
‫ويختلف هذا المر عند المتكلمين لن المشهور‬
‫عندهم أعلى رتبة من الصحيح الذي يرويه العدل‬
‫الضابط‪ .‬ويفيد عند بعضهم طمأنينة النفس إلى صدق‬
‫مضمونه‪ .‬أما الصحيح الذي يرويه العدل الضابط فل‬
‫يفيد هذه الفادة كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن المحدثين قسموا خبر الحاد‬
‫إلى مشهور وعزيز وغريب‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر شرح نخبة الفكر مع لقط الدرر ‪ .33 -32‬ونحوه‬
‫في فتح المغيث لشرح ألفية الحديث‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن‬
‫عبد الرحمن السخاوي )‪ 902‬هـ(‪ ،‬تحقيق علي حسين علي‬
‫الطبري ‪ 1992‬وتدريب‬ ‫‪ 4/9‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار المام‬
‫الراوي في شرح تقريب النوادي‪ ،‬جلل الدين عبد الرحمن‬
‫بن أبي بكر السيوطي )‪ 911‬هـ( ‪ 2/273‬طبعة دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت ‪ .1989 -‬وفتح الملهم‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪،‬‬
‫شبير أحمد الديوبندي العثماني ‪ 1/7‬مطبعة جيد بريس‪،‬‬
‫دهلي‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الخبر المشهور‬
‫أما المشهور لغة‪ :‬اسم مفعول من )شهرت المر( إذا‬
‫أعلنته وأظهرته‪.‬‬
‫قال الجوهري‪ :‬والشهرة وضوح المر ‪ .‬وسمي‬
‫(‬‫‪1‬‬ ‫)‬

‫بذلك لظهوره ووضوحه وشيوعه‪.‬‬


‫وللخبر المشهور عند المحدثين عدة تعريفات يجب‬
‫دراستها لنبين منها ما يخص البحث‪.‬‬
‫التعريف بملحظة المعنى اللغوي للشهرة‪:‬‬
‫فالخبر المشهور‪:‬ما اشتهر عند العلماء واستفاض‬
‫بينهم بالنقل‪.‬‬
‫والمقصود بالشتهار في هذا التعريف الشتهار‬
‫)‪(2‬‬
‫اللغوي‪ ،‬دون النظر إلى عدد نقلته‪.‬‬
‫وتفرع عن ملحظة المعنى اللغوي لوصفه بالشهرة‬
‫ثلثة أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬إدخال المتواتر في أقسام الخبر المشهور‪ ،‬لن‬
‫الخبر المتواتر تصدق عليه الشهرة بالمعنى اللغوي‪.‬‬
‫ومثاله قول ابن الصلح)‪) :(3‬ومن المشهور‬
‫)‪(4‬‬
‫المتواتر‪(....‬‬

‫‪ ()1‬انظر الصحاح )شهر( )‪(507‬‬


‫‪ ()2‬انظر اختصار علوم الحديث مع شرحه الباعث الحتيث‪،‬‬
‫أحمد محمد شاكر)‪ (160‬وتدريب الراوي‪ ،‬السيوطي )‬
‫‪ (2/173‬شرح على القاري على نخبة الفكر في مصطلحات‬
‫أهل الثر للحافظ ابن حجر‪ 32 ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫بيروت ‪ 1978 -‬م‪ .‬وفتح الملهم‪ ،‬شبير أحمد )‪ (1/6‬وقواعد‬
‫التحديث‪ ،‬القاسمي )‪(124‬‬
‫‪ ()3‬هو الحافظ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن )ابن‬
‫الصلح( )‪643‬هـ( برع في الفقه وأصوله على مذهب‬
‫الشافية‪.‬كما برع في الحديث وعلومه‪ .‬وولي مشيخة دار‬
‫الحديث ثلث عشرة سنة‪ .‬انظر العبر‪ ،‬الذهبي )‪.(3/427‬‬
‫‪ ()4‬انظر التقيد واليضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن‬
‫الصلح‪ ،‬الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي )‪ 806‬هـ(‬
‫‪ ،225‬طبعة دار الحديث ‪ -‬مكة ‪ 1984 -‬م‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وقول الحافظ ابن كثير)‪) :(1‬قد يكون المشهور متواترا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫أو مستفيضا‪(...‬‬
‫وحاصل المر‪ :‬أن المشهور ينقسم إلى قسمين إذا‬
‫أردنا من الشهرة معناها اللغوي المشهور المتواتر ‪-‬‬
‫وهو المتواتر عند المتكلمين ‪-‬‬
‫والمشهورِ مطلقا‪ :‬وهو أقوى من خبر الحاد‪ ،‬ودون‬
‫المتواتر‪ .‬وربما يقيد أحيانا ً بالستفاضة فيقال‪:‬‬
‫)المشهور المستفيض( ليتميز عن المشهور المتواتر‪،‬‬
‫ض‬
‫ف المستفي َ‬ ‫وقد يكتفي البعض بالتمييز وحده فيعّر َ‬
‫)‪(3‬‬
‫بما يّعرف به المشهور‪.‬‬
‫المر الثاني‪:‬‬
‫تقسيم الخبر المشهور إلى قسمين‪) :‬المشهور‬
‫الصطلحي‪ ،‬والمراد به ما انتشر وشاع عند‬
‫)‪(4‬‬
‫المحدثين‪ ،‬والمشهور عند غيرهم من العلماء(‬
‫ومثال المشهور عند المحدثين‪ :‬ما أخرجه البخاري‬
‫بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬قنت شهرا ً بعد الركوع‬
‫)‪(5‬‬
‫يدعو على رعل وذكوان(‬

‫‪ ()1‬هو الحافظ إسماعيل بن عمرو )ابن كثير الدمشقي( )‬


‫‪774‬هـ( مؤرخ فقيه‪ .‬صاحب التفسير والبداية والنهاية‪.‬انظر‬
‫العلم‪ ،‬الزركلي )‪.(1/318‬‬

‫‪ ()2‬اختصار علوم الحديث مع )الباعث الحتيث( أحمد شاكر )‬


‫‪(160‬‬
‫‪ ()3‬انظر المراجع السابقة وفتح المغيث والسخاوي ‪،94‬‬
‫ومحاسن الصطلح البلقيني ص )‪ (16‬وقواعد التحديث‬
‫القاسمي )‪ (125‬و)حديث الحاد( مل خاطر ص )‪،16 ،7‬‬
‫‪(50 ،36 ،26‬‬
‫‪ ()4‬انظر الباعث الحثيث‪،‬أحمد شاكر ‪،160‬والتقيد واليضاح‬
‫للعراقي)‪(224‬تدريب الراوي‪،‬السيوطي ‪2/73‬وأصول‬
‫الحديث بالخطيب ‪365‬‬
‫‪ ()5‬في كتاب الوتر ‪ 7/1003‬وفي كتاب المغازي‬

‫‪47‬‬
‫ومثال المشهور عند الفقهاء حديث )ما أحل الله شيئا‬
‫)‪(1‬‬
‫أبغض إليه من الطلق(‬
‫ومثال المشهور بين العامة ما أخرجه مسلم من‬
‫حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا‪) :‬من دل على‬
‫)‪(2‬‬
‫خير فله مثل أجر صاحبه(‪.‬‬
‫وقد صنف المحدثون في جمع الحاديث المشهورة‪،‬‬
‫ويقع في كثير من مصفاتهم المشهور باعتبار معناه‬
‫اللغوي عند غير المحدثين‪ ،‬أما الحاديث المشهورة‬
‫بالمعنى الصطلحي فلم أر من جمعها أو حاول‬
‫)‪(3‬‬
‫جمعها كما جمعت الحاديث المتواترة‪.‬‬
‫المر الثالث‪:‬‬
‫عدم اعتبار الصحة في المشهور إذا أردنا‬
‫الشهرة اللغوية فقد يشتهر الحديث وهو صحيح‪ .‬وقد‬
‫يشتهر وهو موضوع ل أصل له‪.‬‬
‫ً )‪(4‬‬
‫ومثال الموضوع منه‪) :‬استاكوا عرضا(‪.‬‬
‫وقد يطلق بعض المحدثين الشهرة على الحديث‬
‫ويريدون بها الشهرة اللغوية الخاصة أعني انتشار‬
‫الحديث عن إمام من أئمة الحديث المشهورين نحو‬
‫قولهم‪" :‬حديث مشهور من حديث فلن" يريدون‬
‫بذلك شهرته عنه‪ ،‬فينبغي التنبه إلى هذا كي ل يلتبس‬
‫‪ 4090-29/4088‬ومسلم في كتاب المساجد ومواضع‬
‫الصلة ‪ /54‬بعد ‪ ،677‬والنسائي في الكبرى‪ ،‬كما في تحفة‬
‫الشراف ‪ ،1/425‬وانظر تخريجه موسعا في حديث الحاد‪،‬‬
‫مل خاطر ‪29-28‬‬
‫‪ ()1‬أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلق ‪16/2043‬ترقيم‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي وانظر تخريجه موسعا ً في حديث‬
‫الحاد مل خاطر ‪.31‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب المارة ‪ ،1893 /38‬وأبو داود في الدب‬
‫‪ 124/5193‬والترمذي في كتاب العلم ‪ 14/2670‬وانظر‬
‫تخريجه موسعا ً في‪ :‬حديث الحاد‪ ،‬مل خاطر ‪32‬‬
‫‪ ()3‬انظر حديث الحاد‪ ،‬مل خاطر ‪.49-48‬‬
‫‪ ()4‬انظر المقاصد الحسنة ‪54-1/53‬‬

‫‪48‬‬
‫بالمشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد نقل‬
‫الحافظ ابن الصلح وغيره من المحدثين مثل هذا‬
‫)‪(2) (1‬‬
‫القول عن الحافظ أبي عبد الله بن مندة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقبل أن أنتقل إلى التعريف الثاني للمشهور أذكر بأن‬
‫المشهور بتعاريفه السابقة التي اعتبر فيها العلماء‬
‫الشهرة اللغوية ليس هو الخبر المشهور الذي ذكره‬
‫المتكلمون‪.‬‬
‫وما يقال في الحتجاج بالخبر المشهور وإفادته ليس‬
‫المراد به هذا‪ ،‬لن الشهرة اللغوية ل تستلزم الصحة‬
‫كما سبق ‪ -‬فضل ً عن إفادة العلم النظري أو علم‬
‫الطمأنينة‪:‬‬
‫قَلة‪،‬‬
‫إذن فالشهرة المرادة هي الشهرة باعتبار عدد الن َ َ‬
‫فيتعين البحث في تحديد عددها‪.‬‬
‫التعريف بملحظة عدد النقلة‪:‬‬
‫اختلف المحدثون في تحديد عدد الشهرة على‬
‫قولين‪:‬‬
‫فاختار جمهور المحدثين في تحديدها بما زاد على‬
‫اثنين فأكثر ما لم يبلغ درجة التواتر‪.‬‬

‫‪ ()1‬ابن مندة‪ :‬هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد‬


‫العبدي الصبهاني )‪ 395‬هـ( صاحب التصانيف طوف الدنيا‪،‬‬
‫وجمع وكتب ما ل ينحصر‪ ،‬وسمع من ألف وسبعمائة شيخ‪،‬‬
‫وبقي في الرحلة وطلب العلم بضعا ً وثلثين سنة‪.‬انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/187‬والعلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.6/253‬‬
‫‪ ()2‬انظر التقييد واليضاح‪ ،‬العراقي ‪ ،229‬ومنهج النقد‪ ،‬نور‬
‫الدين عتر ‪.416‬‬

‫‪49‬‬
‫وهو اختيار الحافظ العراقي )‪ (1‬في اللفية‬
‫)‪(5‬‬
‫والسخاوي)‪ (2‬في شرحها)‪ (3‬وابن حجر)‪ (4‬في النخبة‬
‫)‪(8‬‬
‫والسيوطي )‪ (6‬في التدريب )‪ (7‬وغيرهم‪.‬‬
‫ووافق بعض المحدثين رأي جمهور المتكلمين في‬
‫تحديده‪ ،‬فقالوا عدد الشهرة ما زاد على ثلثة فأكثر‪،‬‬

‫‪ ()1‬هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن‪ ،‬أبو الفضل‬


‫المعروف بالحافظ العراقي )‪ 806‬هـ( بحاثة من كبار حفاظ‬
‫الحديث‪ ،‬أصله من الكرد‪ ،‬رحل في طلب العلم إلى الحجاز‬
‫والشام ومصر وله عدد من التصانيف في علم الحديث‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.4/119‬‬
‫‪ ()2‬هو محمد بن عبد الرحمن شمس الدين السخاوي‪،‬‬
‫مؤرخ حجة‪ ،‬وعالم بالحديث والتفسير والدب‪ ،‬أصله من‬
‫)سخا( وهي قرية بمصر‪ ،‬وصنف زهاء مئتي كتاب‪ ،‬توفي )‬
‫‪ 902‬هـ(‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.7/67‬‬
‫‪ ()3‬انظر فتح المغيث ‪.3/33‬‬
‫‪ ()4‬ابن حجر‪ :‬هو أحمد بن علي بن محمد العسقلني )‪852‬‬
‫هـ( حافظ السلم في عصره كثرت مصنفاته وانتشرت‬
‫وتهادتها الملوك والكابر‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪،‬‬
‫الزركلي ‪.1/173‬‬
‫‪ ()5‬انظر لقط الدرر)‪ (29‬وانظر شرح مل علي القاري على‬
‫النخبة ‪.30‬‬
‫‪ ()6‬هو عبد الرحمن بن أبي بكر جلل الدين السيوطي )‪911‬‬
‫هـ( إمام مؤرخ أديب له نحو ‪ 600‬مصنف‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العلم‪ ،‬الزركلي ‪.4/71‬‬
‫‪ ()7‬تدريب الراوي ‪ ،2/183‬وانظر فتح الملهم‪ ،‬شبير أحمد )‬
‫‪،(6‬وأصول الحديث‪،‬محمد عجاج )‪ (364‬وعلوم‬
‫الحديث‪،‬صبحي الصالح ‪ ،233‬وحديث الحاد‪ ،‬مل خاطر ‪16‬‬
‫ومنهج النقد‪ ،‬در نور الدين عتر ‪41-40‬‬
‫‪ ()8‬اختصار علوم الحديث مع شرحه الباعث‪ ،‬أحمد شاكر )‬
‫‪.(160‬‬

‫‪50‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ومنهم الحافظ ابن كثير)‪ (1‬والزرقاني)‪ (2‬والبلقيني‪.‬‬
‫ويبدو لي أن المسألة اصطلحيه ل سبيل فيها إلى‬
‫النزاع والستدلل والترجيح‪.‬‬
‫ولهذا التوافق بين رأي بعض المحدثين و رأي جمهور‬
‫المتكلمين أختار تعيين ما زاد على الثلثة عددا‬
‫للشهرة‪ ،‬لن المتكلمين هم الذين تكلموا على الحجية‬
‫والفادة من الخبار‪ ،‬ولن قسمة الخبر إلى متواتر‬
‫ومشهور قسمة عقلية‪ ،‬وقد نص غير واحد من‬
‫المحدثين على أن التواتر والشهرة ليسا من مباحث‬
‫)‪(4‬‬
‫علم السناد‬
‫والحاصل‪ :‬أن المختار في تعريف المحدثين للخبر‬
‫المشهور أنه‪):‬ما زاد نقلته على ثلثة في جميع‬
‫طبقات السند ما لم يبلغ درجة التواتر(‪.‬‬
‫العزيز‪:‬‬
‫لشتقاق هذا الوصف من العزة مفهومان‪ :‬القوة‪،‬‬
‫والقلة‪.‬‬
‫عّزة‪ ،‬فهو عزيز‪ ،‬أي قليل‬ ‫عّزا و ِ‬
‫تقول‪ :‬عّز فلن عّزه ِ‬
‫ً‬
‫عّزا‪ ،‬أي‬
‫عّزة و ِ‬
‫حتى ل يكاد يوجد‪ ،‬وتقول‪ :‬عّز فلن ِ‬
‫ً )‪(5‬‬
‫صار قويا‬
‫ً‬
‫ووصف الحديث بذلك يحتمل المعنيين معا‪ ،‬فهو عزيز‬
‫بمعنى قوي‪ ،‬لن متابعة راوٍ لخر تكسب خبره قوه‪،‬‬
‫)‪(6‬‬
‫وتزيل عنه الغرابة‪.‬‬
‫ووجود الحديث العزيز في كتب السنة قليل نادر‪،‬‬
‫‪ ()1‬اختصار علوم الحديث‪،‬مع شرح الشيخ أحمد شاكر ‪.160‬‬
‫‪ ()2‬شرح الزرقاني على البيقونيه ‪ 41 ،40‬وانظر حديث‬
‫الحاد‪ ،‬مل خاطر ‪.14‬‬
‫‪ ()3‬محاسن الصطلح ‪ ،389‬وانظر حديث الحاد‪ ،‬مل خاطر‬
‫‪.16‬‬
‫‪ ()4‬انظر شرح القاري على النخبة ‪ ،31‬وقواعد التحديث‪،‬‬
‫القاسمي ‪.124‬‬
‫‪ ()5‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس )عزز( ‪.4/38‬‬
‫‪ ()6‬انظر شرح القاري على النخبة ‪.32‬‬

‫‪51‬‬
‫ولهذا لم أر من صنف فيه كتابا ً خاصا ً مثل الكتب‬
‫المصنفة في جمع الحاديث المتواترة والحاديث‬
‫المشتهرة على اللسنة‪.‬‬
‫وقلما يستعمل غير المحدثين هذا الوصف للحديث‪،‬‬
‫لنه ل يترتب عليه أثر عند العلماء عامة‪.‬‬
‫وربما احتاج المحدثون إلى رتبة بين المشهور‬
‫والغريب فكان وصف الحديث بالعزة من اصطلحهم‬
‫دون غيرهم‪ ،‬أما المتكلمون فل واسطة عندهم بين‬
‫المشهور والغريب‪.‬‬
‫وتعريف العزيز‪ :‬ما ل يرويه أقل من اثنين عن‬
‫أثنين في جميع طبقات السند ما لم يبلغ حد الشهرة‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ويدخل في التعريف ما رواه الثلثة‪ ،‬لن حد الشهرة‬


‫ما زاد على الثلثة‪ ،‬والثلثة دون الحد‪.‬‬
‫ومن المحدثين من نص على الثلثة في وصف‬
‫الحديث بالعزة‪.‬قال ابن كثير)فإن اشترك اثنان أو‬
‫)‪(2‬‬
‫ثلثة في‪ :‬روايته عن الشيخ سمي عزيزا(‪.‬‬
‫الغريب‬
‫قال الحافظ ابن حجر في تعريفه‪ :‬هو ما ينفرد‬
‫بروايته شخص واحد في أي موضع وقع التفرد به من‬
‫)‪(3‬‬
‫السند‪.‬‬
‫وها هنا أمر ينبغي التنبيه إليه‪ .‬وهو أن المتكلمين‬
‫والمحدثين يذكرون في اصطلحهم )خبر الواحد( ل‬
‫يريدون به ما تفرد به شخص واحد‪ .‬بل هو اصطلح‬
‫في خبر الحاد‪ .‬وحيثما يطلقون )خبر الواحد( فل‬
‫يريدون به الغريب‪ .‬وإذا تعرضوا لما رواه شخص‬
‫واحد ذكروه باصطلح الغريب ل غير‪.‬‬
‫وممن نبه على ذلك من المحدثين الحافظ ابن حجر‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر لقط الدرر ‪.30‬‬
‫‪ ()2‬اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ‪160‬‬
‫‪ ()3‬انظر لقط الدرر ‪32‬‬

‫‪52‬‬
‫فقال‪) :‬المشهور والعزيز والغريب آحاد‪ ،‬ويقال لكل‬
‫منهما خبر واحد‪ ،‬وخبر الواحد في اللغة ما يرويه‬
‫شخص واحد‪ ،‬وفي الصطلح ما لم يجمع شروط‬
‫)‪(1‬‬
‫المتواتر(‪.‬‬
‫وممن نبه على ذلك من المتكلمين الباقلني فقال‪:‬‬
‫)فإن قال قائل‪ :‬ما معنى وصفكم للخبر بأنه خبر‬
‫واحد؟ قيل له‪ :‬أما حقيقة هذه الضافة في اللغة فأنه‬
‫خبر‪ ،‬وأن الراوي له واحد فقط‪ ،‬ل اثنان ول أكثر من‬
‫ذلك‪ .‬غير أن الفقهاء و المتكلمين تواضعوا على‬
‫صر عن إيجاب العلم بأنه خبر واحد‪،‬‬ ‫تسمية كل خبر قَ ُ‬
‫وسواء عندهم أرواه الواحد أو الجماعة التي تزيد‬
‫)‪(2‬‬
‫على الواحد(‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬لقط الدرر ‪.32‬‬


‫‪ ()2‬التمهيد ‪386‬‬

‫‪53‬‬
‫الفصل الول‪ :‬الحتجاج بخبر الحاد‬
‫في الشريعة والعقيدة‬

‫وفيه أربعة مباحث‬

‫المبحث الول‪ :‬احتجاج الصوليين‬


‫بخبر الحاد في إثبات الحكام‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مدى احتجاج‬


‫المحدثين بما خرجوه من أخبار‬
‫الحاد في مسائل العتقاد‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬احتجاج المتكلمين‬


‫بخبر الحاد‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪:‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تخريج منهج أهل‬
‫السنة على مواقف السلف‬
‫الصالح‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الول‪ :‬الحتجاج بخبر الحاد في‬
‫الشريعة والعقيدة‬
‫المبحث الول‪ :‬احتجاج الصوليين بخبر الحاد‬
‫في إثبات الحكام الشرعية‪.‬‬
‫إن اعتماد منهج المتكلمين في عرض أصول الفقه‬
‫أدخل العديد من المسائل الكلمية في ثنايا أصول‬
‫الفقه‪ .‬يقول المام الشاطبي )‪):(1‬كل مسألة مرسومة‬
‫في أصول الفقه‪ ،‬ل يبنى عليها فروع فقهيه أو آداب‬
‫شرعية أو ل تكون عوًنا في ذلك فوضعها في أصول‬
‫)‪(2‬‬
‫الفقه عارية(‪.‬‬
‫وموضوع خبر الحاد في كتب أصول الفقه يبرز لنا‬
‫مثال ً واضحا ً لما سبق‪ ،‬فالكلم على القطع بصدق‬
‫مضمون خبر الحاد ببعض الشروط وفي بعض‬
‫الحوال‪ ،‬وأثر ذلك على حجيته في مسائل العتقاد‪،‬‬
‫كل هذه المسائل أدخلها الصوليون في أصول الفقه‬
‫ل‪ .‬وهي إلى أصول الدين أقرب‬ ‫استطرادا ً واسترسا ً‬
‫منها إلى أصول الفقه‪ .‬لن الصوليين ُيعنون بالدليل‬
‫السمعي من حيث كيفية الستدلل به في إثبات‬
‫)‪(3‬‬
‫الحكام الشرعية المتعلقه بأفعال المكلفين‬
‫وليشترط في الدليل الشرعي القطع بثبوته ‪-‬كما‬
‫سيأتي‪-‬‬
‫أما الدليل السمعي من حيث إفادته القطع بصدق‬
‫‪ ()1‬الشاطبي‪ :‬هو إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي‬
‫الشهير بالشاطبي )‪ 790‬هـ( أصولي حافظ من أهل غرناطة‪،‬‬
‫كان من أئمة المالكية‪ ،‬وله مصنفات كثيرة منها الموافقات‬
‫في أصول الفقه والعتصام‪ ،‬وغيرها انظر ترجمته في‬
‫العلم‪ ،‬الزركلي ‪.1/71‬‬
‫‪ ()2‬العتصام‪ ،‬آبو إسحاق الشاطبي )‪ 790‬هـ( تحقيق أحمد‬
‫عبد الشافي ‪ 43-1/42‬طبعة دار الكتب العلمية ‪-‬بيروت‪-‬‬
‫‪ 1988‬م‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر أصول الفقه‪ ،‬محمد أبو زهرة ‪ 8‬طبعة دار الفكر‬
‫العربي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مضمونه‪ ،‬وأثر ذلك على حجيته في العقائد فهو من‬
‫اختصاص علم أصول الدين‪ ،‬لن حجيته في إثبات‬
‫الحكام الشرعية ثابتة من غير حاجة إلى قطع بصدق‬
‫مضمونه‪.‬‬
‫ويشير إلى ذلك الختصاص إمام الحرمين من‬
‫المتكلمين فيقول في" الرشاد إلى قواطع الدلة في‬
‫أصول العتقاد"‪):‬ينقسم الخبر انقساما ً هو غرضنا‪،‬‬
‫فمنه ما ل يترتب عليه العلم بالمخبر عنه‪ ،‬ومنه ما‬
‫قب علما ً‬ ‫يترتب عليه العلم بالمخبر عنه‪ .‬فأما ما ي ُعْ ِ‬
‫خبره فهو الخبر المتواتر‪ ....‬وأما خبر الحاد فل يفيد‬ ‫بم َ‬
‫)‪(1‬‬
‫العلم بنفسه(‬
‫والحاصل أنه لبد من التعريف بمدى احتجاج‬
‫الصوليين بخبر الحاد في إطار اختصاصهم ل في‬
‫ساحة إطلقاتهم الواسعة‪ .‬وإطار اختصاص الصوليين‬
‫في خبر الحاد هو الكلم على مدى حجيته في إثبات‬
‫الحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين‪ .‬وهو‬
‫المراد من عبارة المتقدمين‪ :‬وجوب التعبد بخبر‬
‫الحاد في الفروع‪ .‬أو‪ :‬وجوب العمل بمقتضى خبر‬
‫الحاد‪.‬‬
‫وقد اتفق جماهير المسلمين من الطوائف كلها على‬
‫أن خبر العدل الواحد حجة ظنية يجب العمل‬
‫بمقتضاه‪ .‬واتفقوا على أن وجوب العمل به عرفناه‬
‫وز العمل به‪ ،‬ل يوجبه ول‬ ‫بأدلة الشرع‪ ،‬والعقل يج ّ‬
‫يحيله‪.‬‬
‫ووجه تجويز العقل‪ :‬أن العمل به ليس مستحيل ً لذاته‪،‬‬
‫ول تتولد منه مفسدة‪ ،‬ول يستقل العقل بإيجابه فلم‬
‫)‪(2‬‬
‫يبق إل الجواز‪.‬‬
‫‪114 ،412 ()1‬‬
‫‪ ()2‬انظر إحكام الفصول‪ ،‬الباجي ‪ ،249‬شرح اللمع‪،‬‬
‫الشيرازي ‪ ،2/583‬المستصفى‪ ،‬الغزالي ‪،155-1/146‬‬
‫الوصول إلى الصول‪ ،‬ابن برهان ‪ ،2/156‬وميزان الصول‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫قال المدي‪) :‬ودليل جوازه عقل ً أنا لو فرضنا ورود‬
‫الشرع بالتعبد بالعمل بخبر الواحد إذا غلب على‬
‫الظن صدقه لم يلزم عنه لذاته محال في العقل‪ ،‬ول‬
‫معنى للجائز العقلي سوى ذلك وغاية ما يقدر في‬
‫اتباعه احتمال كونه كاذبا ً أو مخطئًا‪ .‬وذلك ل يمنع من‬
‫التعبد به‪ ،‬بدليل اتفاقنا على التعبد بقول المفتـي‪،‬‬
‫والعمل بقول الشاهد مع احتمال الكذب والخطـأ على‬
‫)‪(1‬‬
‫المفتي والشاهد(‬
‫وقد استدل بعض الصوليين بدليل العقل على وجوب‬
‫)‪(2‬‬
‫العمل به ومنهم أبو الحسين البصري‪.‬‬
‫وذكر أبو الخطاب)‪ (3‬أن الستدلل به منقول في رواية‬
‫)‪(4‬‬
‫عن المام أحمد‪.‬‬

‫السمرقندي ‪،633 /2‬وروضة الناظر‪ ،‬ابن قدامه بشرحها‬


‫نزهة الخاطر‪ ،‬ابن بدران ‪ 278-268 /1‬والحكام‪ ،‬المدي ‪/‬‬
‫‪ ،285‬وكشف السرار‪ ،‬البخاري ‪ 371-2/370‬والمسودة‪ ،‬آل‬
‫تيميه ‪ 237‬وجمع الجوامع‪ ،‬ابن السبكي مع حاشية العطار‬
‫‪ 159-2/158‬وشرح البدخشي ‪ 2/97‬وفواتح الرحموت‪،‬‬
‫النصاري ‪.2/131‬‬
‫‪ ()1‬الحكام ‪.285/‬‬
‫‪ ()2‬المعتمد ‪.2/570‬‬
‫‪ ()3‬أبو الخطاب محمد بن أحمد الكلوذاني )‪ 510‬هـ( شيخ‬
‫الحنابلة في عصره‪ ،‬صاحب التصانيف‪ ،‬كان إماما ً علمة ورعا ً‬
‫صالحا ً وافر العقل غزير العلم‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪،‬‬
‫الذهبي ‪.2/396‬‬
‫‪ ()4‬انظر التمهيد ‪ .3/44‬والمام أحمد‪ :‬هوأبوعبد الله أحمد‬
‫ً‬
‫بن حنبل )‪ 241‬هـ( أحد الئمة الربعة وكان إماما ُ في الحديث‬
‫وإماما ً في الفقه وإماما ً في السنة وإماما ً في الورع والزهد‪،‬‬
‫سافر في طلب العلم أسفارا ً كثيرة إلى الكوفة والبصرة‬
‫ومكة والمدينة واليمن والشام والمغرب وخراسان وغيرها‪،‬‬
‫انظر ترجمته في العبر ‪ ،1/347‬والعلم الزركلي ‪.1/192‬‬

‫‪57‬‬
‫)‪(2‬‬
‫واستدل به الفخر الرازي)‪ (1‬في المحصول‪.‬‬
‫)‪(6‬‬
‫والزركشي )‪ (3‬والبزدوي)‪ (4‬في المسّلم )‪ (5‬وغيرهم‪.‬‬
‫ووجه استدللهم بالعقل على إيجاب العمل به أن خبر‬
‫العدل الواحد يقتضي دفع ضرر مظنون‪ .‬والعمل بمثله‬
‫واجب بحكم العقل‪.‬‬
‫فإذا أخبر العدل عن مضرة في أكل شئ معين حكم‬
‫العقل بوجوب المتناع عنه‪.‬‬
‫وكذا إذا أقام تحت جدار أخبر عنه العدل أنه متصدع‬

‫‪ ()1‬هو محمد بن عمر بن الحسين القرشي الرازي مولدًا‪،‬‬


‫إمام عصره في العلوم العقلية‪ ،‬وأحد الئمة في العلوم‬
‫الشرعية‪ ،‬وصنف في كل علم تصانيف مشهورة‪ ،‬وله مكانة‬
‫في المذهب الشعري‪ ،‬وكان يمشي في خدمته نحو ثلثمائة‬
‫تلميذ‪ ،‬وكان صاحب ثروة ونعمة ومماليك‪ ،‬ومع ذلك كان ذا‬
‫باع طويل في الوعظ وصاحب حال ووجد‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،3/142‬وطبقات الشافعية السنوي ‪،2/123‬‬
‫والعلم الزركلي ‪.7/203‬‬
‫‪ ()2‬المحصول ‪.2/570‬‬
‫‪ ()3‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،4/260 ،‬تحقيق عبد‬
‫القادر العاني وعمر سليمان الشقر ومراجعة عبد الستار أبو‬
‫غدة‪ ،‬طبعة وزارة الوقاف ‪ -‬الكويت ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫والزركشي هو‪ :‬محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي )‬
‫‪ (794‬تركي الصل‪ ،‬مصري المولد والوفاة‪ ،‬عالم بفقه‬
‫الشافعية والصول‪ ،‬له تصانيف كثيرة منها البحر المحيط في‬
‫أصول الفقه و )الجابة ليراد ما استدركه عائشة رضي الله‬
‫عنها عن الصحابة(‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.6/286‬‬
‫‪ ()4‬هو محب الله بن عبد الشكور والبزدوي الهندي الحنفي‪،‬‬
‫ولي القضاء في )لكهنو‪ ،‬وجيدرآباد( في بلد الهند ـ ثم ولي‬
‫صدارة ممالك الهند‪ ،‬ولم يلبث أن توفي )‪ 482‬هـ( انظر‬
‫ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.6،169‬‬
‫‪ ()5‬انظر مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت ‪.2/132‬‬
‫‪ ()6‬انظر المراجع السابقة وإرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاني ‪49‬‬
‫وأصول احمد‪ ،‬د‪ -‬عبد الله تركي ‪263-260‬‬

‫‪58‬‬
‫)‪(1‬‬
‫يوشك أن ينقض‪ ،‬فالعقل يأمره بالقيام‪.‬‬
‫ويبدو لي أن رأي الجمهور في حكم العقل على‬
‫المسألة أدق وأصوب‪ ،‬لن غاية ما يدل عليه الدليل‬
‫السابق الندب والخذ بالحوط‪ ،‬ول ينتهي إلى حد‬
‫)‪(2‬‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫وسواء أدل العقل على وجوبه أم دل على جوازه فإن‬
‫المعتمد في إيجابه على دليل الشرع من الكتاب‬
‫والسنة والجماع‪ ،‬كما سيأتي قريبا‪.‬‬
‫وقد نسب الصوليون المخالفة في وجوب العمل‬
‫بخبر الحاد إلى فريقين فريق يمنع العمل به بدليل‬
‫)‪(4‬‬
‫العقل‪ .‬وهم الجبائي )‪ (3‬وابن علية‪.‬‬
‫)‪(5‬‬
‫وفريق يمنع العمل به بأدلة الشرع وهم القاشاني‬

‫‪ ()1‬انظر المستصفى‪ ،‬الغزالي ‪ 1/147‬والوصول ابن برهان‬


‫‪ 2/164‬والمحصول ‪558-557 /2‬‬
‫‪ ()2‬انظر حاشية العطار ‪ .2/157‬الحكام‪ ،‬المدي ‪285/‬‬
‫والوصول‪ ،‬ابن برهان ‪2/157‬‬
‫‪ ()3‬هو محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬أبو علي الجبائي البصري )‬
‫‪ 303‬هـ( شيخ المعتزلة في عصره‪ ،‬وكان المام الشعري‬
‫أحد تلمذته قبل أن يخالفه ويهجر مذهب المعتزلة‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/445‬والعلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.7/136‬‬
‫‪ ()4‬هو إسماعيل ابن إبراهيم بن مقسم )‪ 193‬هـ( و )علية(‬
‫اسم والدته‪ ،‬وهو إمام ع ََلم في رواية الحديث‪ ،‬وينسب إليه‬
‫بعض آراء المعتزلة‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪،1/241‬‬
‫وميزان العتدال ‪.219-1/218‬‬
‫‪ ()5‬القاشاني‪ :‬هو محمد بن إسحاق كان على مذهب داود‬
‫الظاهري‪ ،‬إل أنه خالفه في مسائل كثيرة ثم انتقل إلى‬
‫مذهب الشافعي‪ ،‬انظر طبقات الشافعية‪ ،‬الشيرازي‪ ،‬نقل ً‬
‫عن شرح اللمع الشيرازي ‪.2/170‬‬

‫‪59‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫وغيره‬ ‫والسيد المرتضى‬ ‫وابن داود من الظاهرية‬
‫)‪(3‬‬
‫من الشيعة‪.‬‬
‫وسأذكر من أدلة الجمهور ما تقوم به الحجة ليجاب‬
‫العمل بمقتضى خبر العدل الواحد‪ ،‬ثم أذكر أقوى‬
‫شَبه كل من الفريقين المخالفين وما يكفي لبطالها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ما تقوم به الحجة ليجاب العمل بمقتضى خبر‬
‫الحاد‪ ،‬من الكتاب والسنة والجماع‪:‬‬
‫ل‪ :‬من أدلة الكتاب‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫قوله تعالى‪) :‬فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة‬
‫ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم‬
‫)‪(4‬‬
‫لعلهم يحذرون(‪.‬‬
‫والطائفة من الفرقة عدد يسير ل يبلغ مبلغ التواتر‪،‬‬
‫وقد أوجب الله عز وجل النذار على هذا العدد‬
‫اليسير‪ ،‬فلو لم يجب الخذ به لخل النذار عن الفائدة‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫ومن السنة‪:‬‬
‫ما أخرجه الشافعي في الرسالة بسنده عن عبيد الله‬

‫‪ ()1‬هو محمد بن داود علي بن خلف )‪ 297‬هـ( والده داود‬


‫المام الذي ينسب إليه المذهب الظاهري‪،‬انظر ترجمته في‬
‫العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/433‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/355‬‬
‫‪ ()2‬هو علي بن الحسين أبو القاسم المرتضى )‪ 436‬هـ(‬
‫شيخ الشيعة في عصره بالعراق‪ ،‬كان إماما ً بالتشيع والكلم‬
‫والشعر‪ ،‬أخذ عن الشيخ المفيد‪ ،‬انظر العبر‪ ،‬الذهبي ‪،2/273‬‬
‫والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.5/89‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ ،‬المحصول‪ ،‬الرازي ‪ 561-2/558‬وفواتح‬
‫الرحموت‪ ،‬النصاري ‪ 2/131‬وإرشاد الفحول الشوكاني ‪.49‬‬
‫‪ ()4‬سورة التوبة ‪122‬‬
‫‪ ()5‬انظر شرح اللمع‪ ،‬الشيرازي ‪ 2/588‬والفصول‪،‬الجصاص‬
‫‪81-3/75‬والمستصفى ‪ 1/152‬والتمهيد‪،‬أبو الخطاب ‪46/‬‬
‫والوصول‪ ،‬ابن برهان ‪.2/165‬والمحصول الرازي ‪-508‬‬
‫‪،552‬وفواتح الرحموت‪ ،‬النصاري ‪.2/134‬وإرشاد الفحول‬
‫الشوكاني ‪ 49‬وأصول الفقه‪ ،‬الزحيلي ‪.1/468‬‬

‫‪60‬‬
‫بن أبي رافع عن أبيه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬ل ألفين أحدكم متكئا ً على أريكته‪ ،‬يأتيه المر‬
‫من أمري مما نهيت عنه أو أمرت به‪ ،‬فيقول‪ :‬ل‬
‫)‪(1‬‬
‫ندري‪ ،‬ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه(‬
‫ثم قال المام الشافعي‪) :‬وفي هذا تثبيت الخبر عن‬
‫رسول الله‪ ،‬وإعلمهم أنه لزم لهم‪ ،‬وإن لم يجدوا له‬
‫)‪(2‬‬
‫نص حكم في كتاب الله(‪.‬‬
‫وأخرج بسنده عن عطاء بن يسار )أن رجل قبل‬
‫امرأته وهو صائم‪ ،‬فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل‬
‫امرأته تسأل عن ذلك‪ ،‬فدخلت على أم سلمة أم‬
‫المؤمنين فأخبرتها‪ ،‬فقالت أم سلمة‪ :‬إن رسول الله‬
‫يقبل وهو صائم‪ ،‬فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرته‪،‬‬
‫فزاده ذلك شرا‪ ،‬وقال‪ :‬لسنا مثل رسول الله‪ ،‬يحل‬
‫الله لرسوله ما شاء‪ ،‬فرجعت المرأة إلى أم سلمة‪،‬‬
‫فوجدت رسول الله عندها‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬ما بال‬
‫هذه المرأة ؟ فأخبرته أم سلمة‪ .‬فقال‪ :‬أل أخبرتيها‬
‫أني أفعل ذلك ؟ فقالت أم سلمة‪ :‬قد أخبرتها‪،‬‬
‫فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا‪ ،‬فغضب‬
‫رسول الله‪ ،‬ثم قال‪ :‬والله إني لتقاكم لله ولعلمكم‬
‫)‪(3‬‬
‫بحدوده(‪.‬‬
‫قال الشافعي‪) :‬في ذكر قول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم )أل اخبر تيها أني أفعل ذلك( دللة على أن خبر‬
‫أم سلمة عنه مما يجوز قبوله‪ ،‬لنه ل يأمرها بأن تخبر‬
‫‪ ،403-404 ()1‬والحديث أخرجه المام أبو داود في كتاب‬
‫السنة ‪ ،4605 ،6/4604‬ترقيم محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪ .‬وانظر تخريجه موسعا في حاشية ص ‪ 90‬من‬
‫الرسالة‪ ،‬المام الشافعي‪.‬‬
‫‪ ()2‬الرسالة ‪.404‬‬
‫‪ ()3‬الرسالة‪،‬الشافعي ‪،405‬وانظر تعليق أحمد شاكر في‬
‫الحاشية لوصل الحديث‪.‬والحديث أخرجه المام مالك في‬
‫الموطأ‪،‬انظر تنوير الحوالك على موطأ مالك‪،‬جلل الدين عبد‬
‫الرحمن السيوطي)‪911‬هـ(‪1/274‬طبعة دار الندوة بيروت‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫عن النبي إل وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته(‬
‫)‪(1‬‬

‫وأخرج بسنده عن ابن عمر قال‪) :‬بينما الناس بقباء‬


‫في صلة الصبح‪ ،‬إذ أتاهم آت فقال‪ :‬إن رسول الله‬
‫قد أنزل عليه قرآن‪ ،‬وقد أمر أن يستقبل القبلة‪،‬‬
‫فاستقبلوها‪ ،‬وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا‬
‫‪(2) .‬‬
‫إلى الكعبة(‬
‫قال الشافعي‪) :‬وأهل قباء أهل سابقة من النصار‬
‫وفقه‪ ،‬وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم‬
‫استقبالها‪ ،‬ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في‬
‫)‪(3‬‬
‫القبلة إل بما تقوم عليهم الحجة(‪.‬‬
‫ويستدل في المسألة أيضا ً بما تواتر من إنفاذ رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قضاته ورسله وسعاته إلى‬
‫الطراف وهم آحاد ل يرسلهم إل لقبض الصدقات‬
‫وتبليغ أحكام الشرع‪.‬‬
‫قال الشافعي‪) :‬وبعث في دهر واحد اثني عشر‬
‫رسول إلى اثني عشر ملكا يدعوهم إلى السلم ولم‬
‫يبعثهم إل إلى من قد بلغته الدعوة‪ ،‬وقامت عليه‬
‫)‪(4‬‬
‫الحجة فيها‪(...‬‬
‫‪ ()1‬الرسالة ‪.406‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪ 406‬والحديث أخرجه البخاري في كتاب الصلة‬
‫‪ 32/403‬ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر الرسالة ‪408-406‬‬
‫‪ ()4‬الرسالة‪ ،‬الشافعي ‪ ،418‬وانظر بعض من استدل به من‬
‫الصوليين في الفصول‪ ،‬الجصاص ‪ 3/82‬شرح اللمع‪،‬‬
‫الشيرازي ‪ ،589-2/588‬مسلم الثبوت‪ ،‬ابن عبد الشكور‬
‫بشرح النصاري ‪ 2/134‬المستصفى الغزالي ‪.1/151‬‬
‫المحصول‪ ،‬الرازي ‪ ،526-2/525‬حاشية العطار على شرح‬
‫جمع الجوامع ‪ .2/158‬شرح اليجي على مختصر المنتهى‬
‫لبن الحاجب‪ ،‬القاضي عبد الرحمن بن أحد اليجي )‪ 756‬هـ(‬
‫‪ 148-147‬طبعة الستانه ‪ 1307‬هـ‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬الزحيلي‬
‫‪.1/468‬‬

‫‪62‬‬
‫وقد أطال الصوليون في وجوه الستدلل بكل دليل‬
‫من الدلة السابقة‪ ،‬وذكروا العتراضات التي أوردها‬
‫المخالفون على كل دليل وأجابوا عنها‪ ،‬ول يتسع‬
‫المقام لعرض ذلك كله وتحريره‪ ،‬لن الدلة في هذه‬
‫المسألة كثيرة ومتنوعة‪ ،‬والستدلل بمجموع هذه‬
‫الدلة ل بدليل واحد منها‪.‬‬
‫الجماع‪:‬‬
‫أظهر ما يستدل به ليجاب العمل بخبر الواحد هو‬
‫إجماع الصحابة على إيجاب العمل به‪.‬‬
‫فقد نقل عنهم العمل بخبر العدل الواحد في وقائع ل‬
‫تنحصر‪ ،‬وهذه الوقائع وإن كانت آحادا ً في أفرادها ل‬
‫تفيد القطع والجزم في المسألة‪ ،‬إل أنها بمجموعها‬
‫تدل على قدر مشترك بينها وهو عمل الصحابة بخبر‬
‫الواحد‪ ،‬فتدل بمجموعها على هذا القدر المشترك‬
‫على سبيل القطع والجزم في المسألة‪ ،‬كما دلت‬
‫الوقائع المروية عن كرم حاتم على كرمه على سبيل‬
‫القطع والجزم‪ ،‬وإن كانت كل واقعة عند انفرادها ل‬
‫)‪(1‬‬
‫تفيد إل الظن‪.‬‬
‫قال المدي‪ :‬والقرب في هذه المسألة إنما هو‬
‫التمسك بإجماع الصحابة‪ ،‬ويدل على ذلك ما نقل عن‬
‫الصحابة من الوقائع المختلفة الخارجة عن العد‬
‫والحصر المتفقة على العمل بخبر الواحد‪ ،‬ووجوب‬
‫)‪(2‬‬
‫العمل به(‪.‬‬
‫وقد ذكر الشافعي عددا من هذه الوقائع منها‪:‬‬
‫ما أخرجه بسنده عن سعيد بن المسيب‪) :‬أن عمر بن‬
‫الخطاب كان يقول‪ :‬الدية للعاقلة‪ ،‬ول ترث المرأة‬
‫من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان‬
‫أن رسول الله كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبي‬
‫‪ ()1‬انظر شرح التلويح‪ ،‬التفتازاني ‪ 2/4‬وانظر مراجع الفقرة‬
‫السابقة‪.‬‬
‫‪ ()2‬الحكام ‪.2/297‬‬

‫‪63‬‬
‫)‪(1‬‬
‫من ديته‪ ،‬فرجع إليه عمر(‪.‬‬
‫وأخرج بسنده عن محمد الباقر )أن عمر ذكر‬
‫المجوس‪ ،‬فقال‪ :‬ما أدري كيف أصنع في أمرهم ؟‬
‫فقال له عبد الرحمن بن عوف‪ :‬أشهد لسمعت‬
‫)‪(2‬‬
‫سنوا بهم سنة أهل الكتاب‪.(.‬‬ ‫رسول الله يقول‪ُ :‬‬
‫جالة أنه قال‪) :‬ولم يكن عمر أخذ الجزية‪،‬‬ ‫وأخرج عن ب َ َ‬
‫حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي أخذها‬
‫)‪(3‬‬
‫جر(‪.‬‬
‫من مجوس هَ َ‬
‫وبعد الشافعي حشر الصوليون طائفة من الخبار‬
‫)‪(4‬‬
‫عن الصحابة في إثبات العمل بخبر العدل الواحد‬
‫وجمع الدكتور محمد عبد الله عويضة طائفة منها في‬
‫)‪(5‬‬
‫بحث بعنوان احتجاج الصحابة بخبر الواحد‬
‫ومن الخبار التي ذكرها الشيرازي من الصوليين‬
‫عن ابن عمر أنه رجع إلى قول رافع بن خديج في‬
‫ترك المخابرة‪ ،‬وقال‪ :‬كنا نخابر أربعين سنة ول نرى‬
‫بذلك بأسا حتى أخبرنا بذلك رافع بن خديج أن النبي‬

‫‪ ()1‬الرسالة‪ ،‬الشافعي ‪ ،426‬وانظر الم‪ ،‬له ‪ 6/77‬طبعة دار‬


‫الشعب ‪ -‬القاهره‪ 1968 .‬م‪ ،‬والحديث أخرجه المام أبو داود‬
‫في كتاب الفرائض ‪،17/2927‬وانظر تخريجه موسعا في‬
‫حاشية ‪ 426‬من الرسالة‪.‬‬
‫‪ ()2‬الرسالة‪ 430 ،‬وانظر تعليق أحمد شاكر على ما يظهر‬
‫من انقطاع الحديث‪.‬‬
‫‪ ()3‬الرسالة ‪ 431-430‬الفصول‪ ،‬وانظر نحوه في الجصاص‬
‫‪86-3/85‬‬
‫‪ ()4‬انظر شرح اللمع‪ ،‬الشيرازي ‪ ،594-2/590‬المستصفى‪،‬‬
‫الغزالي ‪ ،1/184‬الوصول‪ ،‬ابن برهان ‪ 169-2/168‬الحكام‪،‬‬
‫المدي ‪،299-297 /1‬البحر المحيط‪ ،‬الزركشي ‪،4/259‬‬
‫فواتح الرحموت‪ ،‬النصاري ‪2/132‬وأصول الفقه الزحيلي‬
‫‪.1/464‬‬
‫‪ ()5‬ضمن مجلة الجامعة الردنية المجلد ‪ 13‬العدد الول ‪-67‬‬
‫‪.87‬‬

‫‪64‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فتركناه‬ ‫صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة‬
‫)‪.(2‬‬
‫قال الرازي‪):‬العمل بخبر الواحد الذي ل يقطع بصحته‬
‫مجمع عليه بين الصحابة‪ ،‬فيكون العمل به حقًا‪ ،‬وإنما‬
‫قلنا‪ :‬إنه مجمع عليه بين الصحابة لن بعض الصحابة‬
‫عمل بالخبر الذي ل يقطع بصحته‪ ،‬ولم ينقل عن أحد‬
‫منهم إنكار على فاعله‪ ،‬وذلك يقتضي حصول‬
‫)‪(3‬‬
‫الجماع(‬
‫ونقل الرازي شبهة أثارها بعض الروافض في دليل‬
‫الجماع‪ ،‬إذ قالوا‪ :‬من الصحابة من رد خبر الواحد‪.‬‬
‫فرد عمر خبر أبي موسى الشعري في الستئذان‪:‬‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪ :‬وكنت جالسا ً بالمدينة في‬
‫مجلس النصار فأتانا أبو موسى فزعا ً أو مذعورًا‪ ،‬قلنا‬
‫ما شأنك ؟ قال‪ :‬إن عمر أرسل إلي أن آتيه‪ .‬فأتيت‬
‫بابه‪ ،‬فسلمت ثلثا‪ ،‬فلم يرد علي‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫منعك أن تأتينا؟ فقلت إني أتيتك فسلمت على بابك‬
‫ثلثا فلم ترد علي فرجعت‪ ،‬وقد قال رسول الله‪ :‬إذا‬
‫استأذن أحدكم ثلثا فلم يؤذن له فليرجع‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬
‫أقم عليه البينه‪ ،‬وإل لوجعتك‪ ،‬فقال أبي بن كعب‪ :‬ل‬
‫يقوم معه إل أصغر القوم‪ ،‬فقال أبو سعيد‪ :‬قلت‪ :‬أنا‬
‫)‪(4‬‬
‫أصغر القوم‪ .‬قال‪ :‬فاذهب به‪.‬‬
‫‪ ()1‬المخابرة‪ :‬المزارعة على نصيب معين من المحصول‬
‫كالربع والثمن وغيرهما‪ ،‬انظر النهاية في غريب الحديث‪ ،‬أبو‬
‫السعادات المبارك بن محمد بن اليثر الجزري )‪ 606‬هـ(‬
‫تحقيق ظاهر أحمد الزاوي ومحمد الظباحي ‪ ،20/7‬طبعة دار‬
‫الكتب ‪ -‬بيروت ‪ 1965‬م‬
‫‪ ()2‬انظر شرح اللمع ‪ 2/593‬والحديث أخرجه المام مسلم‬
‫في كتاب البيوع ‪16/1536‬وانظر تخريجه موسعا ً في حاشية‬
‫المصدر السابق‬
‫‪ ()3‬المحصول ‪.527 /2‬‬
‫‪ ()4‬المحصول ‪ 553 /1/2‬والحديث أخرجه البخاري في كتاب‬

‫‪65‬‬
‫وتوقف أبو بكر في حديث المغيرة بن شعبة في‬
‫ميراث الجدة‪ ،‬حتى شهد له محمد بن سلمة فأخذ به‪.‬‬
‫أخرج المام مالك بسنده عن قبيصة بن ذؤيب أنه‬
‫قال‪):‬جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها‪ .‬فقال‬
‫لها أبو بكر ما لك في كتاب الله شيء‪ ،‬وما علمت لك‬
‫في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا‬
‫فارجعي حتى أسأل الناس‪ ،‬فسأل الناس فقال‬
‫المغيرة بن شعية‪:‬حضرت الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر‪:‬هل معك غيرك؟‬
‫فقام محمد بن سلمة النصاري فقال مثل ما قال‬
‫‪(1).‬‬
‫المغيرة‪ .‬فأنفذه لها أبو بكر الصديق(‬
‫وصح أنهم توقفوا في عدد من الخبار غير هذه جمعها‬
‫الصوليون وأطالوا في الجواب عنها‪:‬‬
‫يقول الغزالي‪) :‬الذي رويناه قاطع في عملهم‪ ،‬وما‬
‫ذكر من الخبار التي ردوها فلسباب عارضة تقتضي‬
‫الرد‪ ،‬ول تدل على بطلن الصل‪ ،‬كما أن ردهم‬
‫الستدلل ببعض نصوص القرآن‪ ،‬وتركهم بعض أنواع‬
‫)‪(2‬‬
‫القياس ل يدل على بطلن الصل(‬
‫ومن تلك السباب المحتملة‪ :‬الشك بتمام ضبط‬
‫الراوي‪ ،‬أو العمل بخبر معارض أقوى منه‪ ،‬أو الرغبة‬
‫)‪(3‬‬
‫في زيادة التثبت‪ ،‬وغير ذلك من السباب المحتملة‪.‬‬
‫الستئذان ‪ ،13/6245‬ومسلم في كتاب الداب ‪7/2153‬‬
‫وأبو داود في كتاب الدب ‪.5184-138/5180‬‬
‫‪ ()1‬الموطأ مع شرحه تنوير الحوالك شرح موطأ مالك‪ ،‬جلل‬
‫الدين عبد الرحمن بن أحمد السيوطي )‪ 911‬هـ( ‪2/54‬‬
‫طبعة دار إحياء الكتب العربية ‪ -‬مصر لم يذكر سنة الطبع‪.‬‬
‫‪ ()2‬المستصفى بتصرف يسير ‪1/153‬‬
‫‪ ()3‬انظر للستزاده في الخبار التي توقف الصحابة فيها‬
‫وفي أسباب توقفهم‪ :‬شرح اللمع الشيرازي ‪599-2/596‬‬
‫الوصول‪ ،‬ابن برهان ‪ 2/169‬المحصول‪ ،‬الرازي ‪-1/2/543‬‬
‫‪554-553 ،549‬الحكام‪ ،‬المدي ‪ ،2/299‬كشف السرار‪،‬‬
‫البخاري ‪2/374‬نزهة الخاطر‪ ،‬عبد القادر بن مصطفى بن‬

‫‪66‬‬
‫وهذه الخبار التي توقفوا في قبولها ل تدل على عدم‬
‫حجية خبرالحاد‬
‫قال النصاري‪):‬أل ترى أنهم عملوا بها بعد انضمام راوٍ‬
‫)‪(1‬‬
‫واحد‪ ،‬وهو بعد النضمام من خبر الحاد(‬
‫وفي ختام أدلة المثبتين نذكر ما ختم به المام‬
‫الشافعي إذ قال‪:‬‬
‫)ولو جاز لحد من الناس أن يقول في علم الخاصة‪:‬‬
‫أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد‬
‫والنتهاء إليه‪ ،‬بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد‬
‫إل وقد ثبته‪ ،‬جاز في القول ولكن أقول‪ :‬لم أحفظ‬
‫عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر‬
‫)‪(2‬‬
‫الواحد بما وضعت من أن ذلك موجود عند كلهم(‪.‬‬

‫الرد على شبه المخالفين‬


‫بعد الوصول إلى إثبات حجية خبر العدل الواحد‬
‫في إثبات الحكام الشرعية آن الوان لذكر أقوى شبه‬
‫المخالفين من الفريقين وما يكفي في الجواب عنها‪.‬‬
‫استدل الفريق الول بدليل العقل على منع‬
‫حجيته بأدلة أقواها‪.‬‬
‫أن التكاليف مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد‪،‬‬
‫فلو وجب علينا العمل بخبر يحتمل الصدق والكذب‬
‫ربما وقعنا في مفسدة محضة عند كذب المخبر‪،‬‬
‫سَتحل به بضع محرم‪.‬‬‫فك به دم بغير حق أو ي ُ ْ‬ ‫َفُيس َ‬

‫بدران‪ ،‬وهو شرح كتاب روضة الناظر نخبة المناظر‪ ،‬عبد الله‬
‫بن أحمد بن قدامة المقدسي )‪ 620‬هـ( ‪ 1/267‬طبعة دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬لم يذكر سنة الطبع‪ .‬فواتح‬
‫الرحموت‪ ،‬النصاري ‪ 2/133‬إرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاني ‪،49‬‬
‫بحث احتجاج الصحابة بخبر الواحد‪ ،‬عويضة ‪.87-78‬‬
‫‪ ()1‬فواتح الرحموت ‪.2/131‬‬
‫‪ ()2‬الرسالة ‪458‬‬

‫‪67‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وهذا المر خلف وضع الشرائع‪.‬‬
‫ويقال في الجواب‪:‬‬
‫هذه الشبهة مبنية على قاعدة التحسين والتقبيح‬
‫العقليين‪ ،‬ومقتضاها أن العقل يستقل بإدراك حسن‬
‫الشياء وقبحها‪ ،‬والشرع ل يرد بما يستقبحه العقل‪.‬‬
‫واستقبحوا أن يحيل الشارع المكلفين على ما يجوز‬
‫كذبه‪.‬‬
‫حسن ول‬ ‫وهذه القاعدة فيها نظر‪ ،‬لن الفعال ل ت َ ْ‬
‫قبح إل بأمر الشارع‪ ،‬ونهيه‪ ،‬وليس لها في ذاتها ول‬ ‫تَ ْ‬
‫لمر خارج عنها صفة تكتسب بها الحسن أو القبح‪،‬‬
‫فإذا أمر الشارع بأمر حكم العقل بحسنه وإذا نهى‬
‫)‪(2‬‬
‫عن فعل حكم بقبحه‪.‬‬
‫وفي مسألتنا دل دليل الشرع على وجوب العمل‬
‫بخبر العدل الواحد إذا كان صدقه مغلبا غير مقطوع‬
‫به‪ ،‬فدل إيجاب الشرع على حسنه‪ ،‬وعلى أن‬
‫المصلحة في المتثال لمر الشرع‪.‬‬
‫ق أن الشارع قد يعّلق الحكم الشرعي‬ ‫وقد ثبت باتفا ٍ‬
‫كلف‪ ،‬كالمتحري للقبلة يجب عليه أن‬ ‫على ظن الم ّ‬
‫يتوجه إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها جهة‬
‫القبلة‪ ،‬سواء أأصاب القبلة أم أخطأها‪ ،‬حتى أن المام‬
‫الشافعي قال في أربعة اجتهدوا في طلب القبلة‬
‫واختلفوا في اجتهادهم‪) :‬لم يسع واحدا منهم أن يتبع‬
‫اجتهاد صاحبه‪ ،‬وإن رآه ألم بالجتهاد منه‪ ...‬ويصلي‬

‫‪ ()1‬الحكام‪ ،‬المدي ‪ ،285 /‬وانظر شرح اللمع‪،‬الشيرازي‬


‫‪601-2/600‬المستصفى‪ ،‬الغزالي ‪ ،1/164‬التمهيد‪ ،‬أبو‬
‫الخطاب ‪ 44-3/38‬الوصول‪ ،‬ابن برهان ‪،2/162‬‬
‫المحصول‪ ،‬الرازي ‪ 558/‬فواتح الرحموت‪ ،‬النصاري‬
‫‪.2/131‬‬
‫‪ ()2‬انظر المستصفى‪ ،‬الغزالي ‪ .61-1/56‬وأصول الفقه‪،‬‬
‫الخضري بك ‪.23‬‬

‫‪68‬‬
‫)‪(1‬‬
‫كل واحد منهم على جهته التي رأى القبلة فيها(‪.‬‬
‫وكذا القاضي عليه الحكم بما يوافق الشهادة إذا غلب‬
‫على ظنه صدق الشهود ول يشترط عليه القطع‬
‫)‪(2‬‬
‫بصدق الشهود‪.‬‬
‫فل يستبعد العقل أن يجعل الشارع ظننا الغالب‬
‫بصدق المخبر علمة على وجوب العمل بمقتضى‬
‫خبره‬
‫أما المانعون بدليل الشرع‪:‬‬
‫فقد استدلوا بأدلة أقواها‪ .‬أن الله عز وجل ذم إتباع‬
‫الظن في القرآن الكريم‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫قال تعالى )إن يتبعون إل الظن وما تهوى النفس(‬
‫وقال تعالى )وما يتبع أكثرهم إل ظنا ً إن الظن ل يغني‬
‫من الحق شيئًا()‪ (4‬وقال تعالى )يا أيها الذين آمنوا‬
‫اجتنبوا كثيرا ً من الظن إن بعض الظن إثم()‪ .(5‬وقال‬
‫)‪(6‬‬
‫تعالى‪) :‬ول تقف ما ليس لك به علم(‬
‫قالوا‪:‬إن إيجاب العمل بخبر العدل الواحد مع كونه‬
‫)‪(7‬‬
‫محتمل ً الكذب إتباعٌ للظن وقفوٌ لما ليس لنا به علم‬
‫ويكفي في الجواب أن نحرر معنى الظن في اليات‬
‫الكريمات‪.‬‬
‫أما الظن في اللغة‪ :‬فهو التردد الراجح بين طرفي‬
‫‪ ()1‬الم ‪ 1/81‬وانظر المسألة في بداية المجتهد ونهاية‬
‫المقتصد‪ :‬محمد بن أحمد بن محمد )ابن رشد(القرطبي )‬
‫‪ 595‬هـ( ‪ 1/112‬الطبعة الرابعة دار المعرفة بيروت ‪1979‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر هذه المسألة في حلية العلماء في معرفة مذاهب‬
‫الفقهاء‪ ،‬الشاشي القفال )‪ 507‬هـ( ‪.144-8/143‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (23‬من سورة النجم‪.‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (36‬من سورة يونس‪.‬‬
‫‪ ()5‬سورة الحجرات الية ‪.12‬‬
‫‪ ()6‬سورة السراء الية ‪.36‬‬
‫‪ ()7‬انظر الحكام‪ ،‬المدي ‪ 285 /‬والمستصفى‪ ،‬الغزالي‬
‫‪.1/147‬‬

‫‪69‬‬
‫العتقاد‪ ،‬ترددا ً غير جازم‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫قال الراغب‪):‬الظن اسم لما يحصل عن أمارة‪ ،‬ومتى‬


‫قويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت جدا لم يتجاوز حد‬
‫الوهم‪ ،‬فقوله تعالى‪" :‬الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم‬
‫وأنهم إليه راجعون ")‪ (2‬من العلم اليقين‪ .‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شك منه‬
‫ما لهم به من علم إل اتباع الظن"‪ (3).‬حيث أثبت فيه‬
‫الظن مع إثبات الشك ونفي العلم‪ ...‬وقوله تعالى‪":‬‬
‫إن الظن ل يغني من الحق شيئا " )‪ (4‬المراد به‬
‫)‪(5‬‬
‫الوهام الناشئه من غير دليل صحيح(‪.‬‬
‫قال شبير أحمد‪) :‬والظن الذي تفيده أخبار الحاد إنما‬
‫هو القوي الراجح المقارب لليقين‪ ،‬ل الضعيف‬
‫المرجوح الذي ل يتجاوز حد التوهم‪ ،‬وهو نوع من‬
‫العلم يدور عليه كثير من الحكام الدينية والمعاملت‬
‫الدنيوية‪...‬وحينئذ فالمتعبد بأخبار الحاد إنما يقفو ما‬
‫له به علم‪ ،‬وليس هذا من إتباع الظن المذموم في‬
‫)‪(6‬‬
‫شئ‪(.‬‬
‫وحتى لو سلمنا بأن المراد من الظن في اليات‬
‫الكريمات يشمل الظن الحاصل بأخبار الحاد‪ ،‬فإنه ل‬
‫يصح الحتجاج بمفاهيم اليات على العاملين بخبر‬
‫الحاد‪ ،‬لن وجوب العمل بها ثابت بدليل قاطع فل‬
‫جهالة فيه ول ظن‪.‬‬
‫قال الجصاص‪):‬ليس في هذه اليات ما ينفي قبول‬

‫‪ ()1‬انظر القاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي )ظن( ‪.245 /4‬‬


‫‪ ()2‬الية )‪ (46‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (157‬من سورة النساء‪.‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (36‬من سورة يونس‪.‬‬
‫‪ ()5‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن‬
‫محمد )الراغب( )ظن( ‪.317‬‬
‫‪ ()6‬فتح الملهم‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬التهانوي العثماني‬
‫‪ ،1/8‬وانظر نحوه في العتصام‪ ،‬الشاطبي ‪171-1/170‬‬

‫‪70‬‬
‫خبر الواحد‪ ،‬وذلك أن الحكم بقبول خبر الواحد عندنا‬
‫حكم بعلم‪ ...‬لن الدلئل الموجبة للحكم به قد أوقعت‬
‫لنا العلم بلزوم قبوله‪ ،‬فهو حكم بعلم‪ ،‬كما نقول في‬
‫الحكم بشهادة الشهود إنه حكم بعلم‪ ...‬وإن كنا ل‬
‫نعلم صدق الشهود من كذبهم‪ ...‬كذلك قبول خبر‬
‫)‪(1‬‬
‫الواحد(‪.‬‬
‫وقال إمام الحرمين‪) :‬والعمل بخبر الواحد مستند إلى‬
‫ما يثبت بالتواتر من أن الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫كان يرسل الرسل آحادا‪ ،‬وبإجماع الصحابة على‬
‫ً )‪(2‬‬
‫العمل بخبر الواحد‪ ،‬وهو إجماع منقول تواترا(‪.‬‬
‫وقال الشوكاني في ختام المسألة‪):‬وعلى الجملة فلم‬
‫يأت من خالف في العمل بخبر الواحد بشيء يصلح‬
‫للتمسك به‪ ،‬ومن تتبع عمل الصحابة والخلفاء وغيرهم‬
‫وعمل التابعين فتابعيهم بأخبار الحاد وجد ذلك في‬
‫غاية الكثرة‪ ،‬بحيث ل يتسع له إل مصنف بسيط وإذا‬
‫وقع من بعضهم التردد في العمل به في بعض‬
‫الحوال فذلك لسباب خارجة عن كونه خبر واحد‪،‬‬
‫من ريبة في الصحة أو تهمة للراوي أو وجود معارض‬
‫)‪(3‬‬
‫راجح‪ ،‬أو نحو ذلك(‬
‫وبهذا الختام يختم هذا المبحث‪.‬‬

‫‪ ()1‬الفصول ‪.90-3/89‬‬
‫‪ ()2‬البرهان ‪ 602-1/599‬وانظر الرد على المستدل باليات‬
‫في الفصول‪ ،‬الجصاص ‪ ،91-98/‬وشرح اللمع‪ ،‬الشيرازي‬
‫‪ ،2/600‬والمستصفى ‪ 1/154‬والحكام‪ ،‬المدي ‪-2/286‬‬
‫‪ ،300‬والعتصام‪ ،‬الشاطبي ‪ 173-1/171‬وفواتح الرحموت‪،‬‬
‫النصاري ‪ 2/136‬وإرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاني ‪.49‬‬
‫‪ ()3‬إرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاني ‪.49‬‬

‫‪71‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مدى احتجاج المحدثين بما‬
‫خرجوه من أخبار الحاد في مسائل العتقاد‪.‬‬
‫من الشائع بين المصنفين في العقائد قديما ً وحديثا ً‬
‫إطلق لفظ " أهل الحديث "و" المحدثين "ويريدون‬
‫به من له اشتغال بعلم رواية الحديث ودرايته‪.‬‬
‫ويدخل في دراية الحديث المباحث والمسائل التي‬
‫ُيعرف بها حال الراوي وحال المروي من حيث القبول‬
‫والرد‪ ،‬وما يتعلق بذلك من علوم‪ ،‬كعلم الجرح‬
‫والتعديل)‪ (1‬وعلم علل الحديث)‪ (2‬وغريبه)‪ (3‬وغير ذلك‬
‫)‪(4‬‬
‫من العلوم التي لها صلة وثيقة بالحديث الشريف‬
‫ويدخل في علم رواية الحديث النقل المحرر بالسانيد‬
‫)‪(5‬‬
‫لكل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ويهمنـــا فــي هـــذا الموضـــوع أن نتـــبين أول ً موقـــف‬
‫المشــتغلين بعلــم روايــة الحــديث الــذين خرجــوا فــي‬
‫مصنفاتهم شيئا ً من أخبار الحاد الــواردة فــي مســائل‬
‫العتقــاد‪ ،‬ومــدى احتجــاجهم بمــا خّرجــوه مــن هــذه‬
‫الخبار‪ .‬ثم نعرض موقــف بــاقي المحــدثين مــع جملــة‬
‫مواقف العلماء من أخبار الحاد الــواردة فــي مســائل‬

‫‪ ()1‬علم الجرح والتعديل‪ :‬علم يبحث في أحوال الرواة من‬


‫حيث ما ورد في شأنهم من ألفاظ مخصوصة تدل على مدى‬
‫حجية أخبارهم‪ .‬انظر أصول الحديث د‪ .‬محمد عجاج‪،260 ،‬‬
‫وعلوم الحديث ومصطلحه د‪ -‬صبحي الصالح ‪.1290‬‬
‫‪ ()2‬هو علم يبحث السباب الخفية الغامضة التي تقدح في‬
‫صحة الحديث‪ ،‬كوصل منقطع ورفع موقوف وإدخال حديث‬
‫في حديث وغير ذلك‪ .‬انظر أصول الحديث‪ ،‬د‪ .‬محمد عجاج‬
‫‪ .291‬وعلوم الحديث‪ ،‬د‪ .‬صبحي الصالح ‪120‬‬
‫‪ ()3‬علم غريب الحديث‪ :‬علم يبحث في بيان ما خفي معناه‬
‫د‪ .‬محمد‬ ‫من ألفاظ الحديث النبوي‪ ،‬انظر أصول الحديث‬
‫عجاج ‪280‬‬
‫‪ ()4‬انظر أصول الحديث د‪ .‬صبحي الصالح ‪113-107‬‬
‫‪ ()5‬انظر أصول الحديث د‪ -‬محمد عجاج ‪ ،7‬وأصول الحديث‬
‫د‪ -‬صبحي الصالح ‪107‬‬

‫‪72‬‬
‫العتقاد‪.‬‬
‫وإذا رجعنا إلى المصنفات في رواية الحديث لحظنا‬
‫تنوع مناهج المصنفين في تخريج الحاديث حسب‬
‫أغراض المصنف‪ :‬ويمكن تقسيم المصنفات الحديثية‬
‫باعتبار ورود أخبار الحاد فيها إلى قسمين‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬المصنفات التي اشتملت على أحاديث العقائد‬


‫وغيرها‪:‬‬
‫مع بداية حركة التدوين كانت همة الحفاظ منصرفة‬
‫إلى تدوين السنة المحفوظة في صدور الرواة وأّثر‬
‫هذا الهدف على منهجهم في الجمع والترتيب‪ ،‬فلم‬
‫يلتزموا الصحة فيما جمعوه‪ ،‬ولم يهتموا كثيرا ً‬
‫بالترتيب‪ ،‬فكان من المناسب أن يصنفوا على طريقة‬
‫المسانيد‪ ،‬وهي كتب يجمع فيها كل ما أسنده‬
‫الصحابي الواحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫تحت باب خاص يسمى بمسند ذلك الصحابي)‪ (1‬ويقع‬
‫فيه حديثا ً في الفضائل بعد حديث في الصلة أو‬
‫الزكاة‪ ،‬ويقع فيه الصحيح بعد الحسن‪،‬من غير ترتيب‬
‫ول تفريق‪.‬‬
‫وأول من ألف على المسانيد أبو داود سليمان بن‬
‫)‪(2‬‬
‫الجارود الطيالسي‬
‫‪ ()1‬انظر هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر )‪ 852‬هـ( تحقيق محمد‬
‫فؤاد عبد الباقي ‪ 6‬طبعة دار الكتب العلمية بيروت‬
‫‪1989‬م‪.‬وقواعد التحديث‪،‬القاسمي ‪71‬وأصول الحديث‪ ،‬د‪-‬‬
‫محمد عجاج ‪ 184- 183‬وعلوم الحديث‪ ،‬د‪ -‬صبحي الصالح‬
‫‪123‬‬
‫‪ ()2‬انظر المراجع السابقة ودراسات حول السنة‪ ،‬د‪ -‬محمد‬
‫إبراهيم الجيوشي ‪ 48‬طبعة دار الهدي ‪ -‬مصر‪ ،1987 -‬وأبو‬
‫سليمان بن الجارود‪ :‬هو داود سليمان بن داود الطيالسي )‬
‫‪ 204‬هـ( كان حافظا ً يسرد من حفظه ثلثين ألف حديث‪،‬‬
‫انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/270‬والعلم‪ ،‬الزركلي‬

‫‪73‬‬
‫وتبعه بعد ذلك عدد من الحفاظ منهم إسحاق بن‬
‫راهويه)‪ (1‬وعثمان بن أبي شيبة)‪ (2‬والمام أحمد بن‬
‫حنبل رحمهم الله جميعًا‪ .‬ويعتبر مسند المام أحمد‬
‫)‪(3‬‬
‫أوفى هذه المسانيد وأوسعها‬
‫وبعد تمام هذه المرحلة من الجمع والتدوين ظهرت‬
‫الحاجة إلى إفراد الصحيح وتمييزه عن غيره‪ ،‬وكان‬
‫أول من قام بذلك المام محمد بن إسماعيل‬
‫)‪(4‬‬
‫البخاري‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪ ...) :‬ولما رأى البخاري هذه‬
‫التصانيف وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل‬
‫تحت التصحيح والتحسين‪ ،‬والكثير منها يشمله‬

‫‪.3/187‬‬
‫‪ ()1‬إسحاق بن راهويه‪ :‬هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد )‬
‫‪ 238‬هـ( عالم خرا سان في عصره وهو أحد كبار الحفاظ‪،‬‬
‫طاف البلد لجمع الحديث‪ ،‬وأخذ عنه المام أحمد بن حنبل‬
‫والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم‪ ،‬وقيل في سبب تلقيبه‬
‫)ابن راهويه( أن أباه ولد في طريق مكة‪ ،‬فقال أهل مرو‪:‬‬
‫)راهويه( أي ولد في الطريق‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪،‬‬
‫الذهبي ‪ ،1/334‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.1/284‬‬
‫‪ ()2‬عثمان بن أبي شيبة‪ :‬عثمان بن محمد بن أبي شيبة )‬
‫‪ 239‬هـ( من حفاظ الحديث‪ .‬رحل من موطنه الكوفة إلى‬
‫مكة والري وبغداد‪ ،‬كان يحضر مجلسه ثلثون ألفًا‪ ،‬صنف في‬
‫التفسير وجمع مسنده المعروف‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‬
‫‪ ،1/338‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.4/376‬‬
‫‪ ()3‬انظر قواعد التحديث‪ ،‬القاسمي ‪ ،71‬وأصول الحديث‪،‬‬
‫الخطيب ‪.184‬‬
‫‪ ()4‬البخاري‪ :‬هو المام محمد بن إسماعيل البخاري )‪256‬‬
‫هـ( صاحب التصانيف‪ ،‬وصاحب الجامع الصحيح المعروف‬
‫بصحيح البخاري‪ ،‬كان من أوعية العلم يتوقد ذكاء‪ ،‬سمع من‬
‫خلئق عدتهم ألف شيخ ورحل إلى خراسان و العراق ومصر‬
‫والشام‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/368‬والعلم‪،‬‬
‫الزركلي ‪ ،6/258‬وانظر‪:‬ما أفرده العلماء في ترجمته في‬
‫تاريخ التراث‪ ،‬فؤاد سزكين ‪.225-1/223‬‬

‫‪74‬‬
‫التضعيف‪ ...‬فحول همته لجمع الحديث الصحيح الذي‬
‫)‪(1‬‬
‫ل يرتاب فيه أمين(‪.‬‬
‫وصنف كتابه)الجامع الصحيح المسند من حديث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه(‬
‫واشتمل على أبواب الحكام والزهد والفتن واليمان‬
‫والتفسير والفضائل والدب والطب وغير ذلك من‬
‫البواب‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ثم صنف تلميذه المام مسلم كتابه الصحيح‪،‬وأخرج‬
‫فيه أبوابا ً في أحاديث اليمان وأبوابا ً في أحاديث‬
‫الفتن وأشراط الساعة وغير ذلك من البواب التي‬
‫اشتملت على أحاديث العقائد وصار صنيع المامين‬
‫البخاري ومسلم في تخريج الحاديث على هذه‬
‫البواب يعرف بالجامع‪.‬‬
‫والجوامع‪ :‬هي كتب الحديث المشتملة على جميع‬
‫أبواب الحديث‪،‬ويمكن إرجاع جملة أبواب الحديث إلى‬
‫ثمانية أبواب العقائد‪،‬‬
‫والحكام‪،‬والداب‪،‬والتفسير‪،‬والمناقب‪ ،‬والزهد‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫والفتن‪ ،‬والشمائل‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫ثم صنف المام أبو داود كتابه السنن ورتب أحاديثه‬

‫‪ ()1‬هدي الساري ‪7‬‬


‫‪ ()2‬هو المام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم‬
‫القشيري النيسابوري ‪ 261) /‬هـ( أحد أركان الحديث‬
‫وصاحب الصحيح‪ ،‬وغيره من التصانيف‪ ،‬ولد نيسابور‪ ،‬ورحل‬
‫إلى الحجاز ومصر والشام والعراق وكان صاحب تجارة‬
‫وأملك وثروة‪ ،‬وكان محسن نيسابور‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/375‬والعلم الزركلي ‪.8/117‬‬
‫‪ ()3‬انظر علوم الحديث‪ ،‬د‪ -‬صبحي الصالح ‪122‬‬
‫‪ ()4‬هو المام سليمان بن الشعث الزدي السجستاني )‪275‬‬
‫هـ( إمام أهل الحديث في زمانه‪ ،‬صاحب السنن‪ ،‬كان رأسا ً‬
‫في الحديث والفقه حتى شبه بشيخه المام أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/396‬والعلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.3/182‬‬

‫‪75‬‬
‫على البواب الفقهية‪ .‬فيقول الكوثري رحمه الله )‪:(1‬‬
‫)وهمة أبي داود جمع الحاديث التي استدل بها فقهاء‬
‫المصار وبنوا عليها الحكام‪ ،‬فصنف سننه وجمع فيها‬
‫)‪(2‬‬
‫الصحيح والحسن واللين‪(...‬‬
‫وقد أفصح المام أبو داود عن عدم اشتراطه الصحة‬
‫في أحاديث كتابه‪ ،‬فقال‪) :‬كتبت عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث‪ ،‬وانتخبت منها‬
‫ما ضمنت هذا الكتاب جمعت فيه أربعة آلف حديث‪،‬‬
‫وثمانمائة حديث‪ ،‬ذكرت الصحيح وما يشبهه وما‬
‫)‪(3‬‬
‫يقاربه(‬
‫ومن المعلوم أن الصل في كتب السنن القتصار‬
‫على أحاديث الحكام‪ ،‬وقد جعلها المام أبو داود غالب‬
‫أحاديث كتابه‪ ،‬وعقد في آخر كتابه أبوابا ً لها صلة‬
‫بمسائل العتقاد كالفتن والملحم والسنة‪.‬‬
‫بعد هاتين الطريقتين في التصنيف ‪ -‬طريقة الشيخين‬
‫وطريقة أبي داود ‪ -‬صنف الترمذي)‪ (4‬كتابه المعروف‬
‫بسنن الترمذي‪.‬‬
‫يقول الكوثري رحمه الله‪) :‬وملمح الترمذي الجمع‬
‫بين الطريقتين‪ ،‬فكأنه استحسن طريقة الشيخين‬
‫حيث بينا رأيهما‪ ،‬وطريقة أبي داود حيث جمع كل ما‬
‫‪ ()1‬هو محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري )‪1371‬هـ(‬
‫فقيه حنفي شركسي الصل‪ .‬وله الكثير من التآليف‬
‫والتعاليق‪ .‬وله مقالت متفرقة جمعها أحمد المصري‪ .‬انظر‬
‫ترجمته في مقالت الكوثري‪ ،‬أحمد خيري ‪ 77-5‬مطبعة‬
‫النوار بالقاهرة‪ ،‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/363‬‬
‫‪ ()2‬انظر تعليقه على شروط الئمة الخمسة‪ ،‬الحازمي ‪68‬‬
‫‪ ()3‬المصدر السابق ‪ ،67‬وشروط الئمة الستة‪ ،‬المقدسي‬
‫‪12‬‬
‫ورة‬
‫س ْ‬
‫‪ ()4‬الترمذي‪ :‬هو المام أبو عيسى محمد بن عيسى بن َ‬
‫الترمذي )‪ 279‬هـ( من أئمة علماء الحديث‪ ،‬تتلمذ للبخاري‬
‫وشاركه في بعض شيوخه‪ ،‬وعمي في آخر عمره‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ 1/402‬والعلم ‪.7/213‬‬

‫‪76‬‬
‫ذهب إليه ذاهب‪ ،‬فجمع كلتا الطريقتين()‪ (1‬ويظهر‬
‫مراد الترمذي في ترتيب أبواب كتابه‪ ،‬إذ تشغل أبواب‬
‫الحكام معظم كتابه‪ ،‬وتتقدم على البواب الخرى‬
‫في الترتيب‪ ،‬ومن هذه البواب ما له صلة بمسائل‬
‫العتقاد كأبواب الفتن وصفة القيامة‪ ،‬واليمان‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا هو الملحظ أيضا على كتب السنن الخرى‪،‬‬
‫فالنسائي)‪ (2‬عقد في آخر مصنفه "السنن الصغرى"‬
‫كتاب اليمان وشرائعه‪ ،‬وعقد تحت كتاب الجنائز بابا ً‬
‫في مسألة القبر‪،‬وبابا ً في ضمة القبر وضغطته‪.‬‬
‫والحافظ ابن ماجة)‪ (3‬صنف كتابه السنن‪ ،‬وعقد فيه‬
‫كتابا ً للفتن‪ .‬وعقد تحت كتاب الزهد أبوابا ً في ذكر‬
‫القبر وذكر الشفاعة وذكر البعث‪.‬‬
‫ولم يشترط أحد من هؤلء المصنفين على البواب‬
‫الفقهية الصحة لحاديثهم‪ ،‬فخّرجوا ما هو صحيح‬
‫عندهم وما هو دونه‪ ،‬على اختلف بين العلماء في‬
‫تقديم أحد السنن على الخرى وفي درجة ما خّرجه‬
‫)‪(4‬‬
‫أحدهم وسكت عن تصحيحه أو تضعيفه‪.‬‬
‫وعاد بعد ذلك إلى بعض المحدثين الرغبة في إفراد‬

‫‪ ()1‬انظر تعليقه على شروط الئمة الخمسة ‪69‬‬


‫‪ ()2‬النسائي‪ :‬هو أحمد بن شعيب بن علي النسائي )‪3033‬‬
‫هـ( أحد الئمة العلم في علم الحديث‪ ،‬رحل إلى خرا سان‬
‫والحجاز والعراق ومصر والشام‪ ،‬وكان حسن الهيأة كبير‬
‫القدر‪ ،‬وكان أفقه مشايخ مصر وأعلمهم بالحديث في عصره‪،‬‬
‫وكان يصوم صوم داود ويتهجد في الليل‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العبر‪ ،‬الذهبي ‪.445-1/444‬‬
‫‪ ()3‬ابن ماجة‪:‬هو محمد بن يزيد القزويني أبو عبد الله ابن‬
‫ماجة)‪ 273‬هـ( أحد العلم في علم الحديث‪ ،‬رحل إلى‬
‫البصرة وبغداد والشام والحجاز والري في طلب‬
‫الحديث‪،‬انظر ترجمته في العبر‪،‬الذهبي ‪/1‬‬
‫‪،394‬والعلم‪،‬الزركلي ‪.1/15‬‬
‫‪ ()4‬انظر شروط الئمة الستة‪ ،‬المقدسي ‪20‬‬

‫‪77‬‬
‫الصحيح بالتصنيف‪.‬‬
‫فصنف الحافظ ابن خزيمة كتابا ً في الصحيح‪ ،‬لم‬
‫)‪(1‬‬

‫يصل إلينا منه إل قسم العبادات)‪ .(2‬ثم صنف تلميذه‬


‫الحافظ ابن حبان)‪ " (3‬المسند الصحيح على التقاسيم‬
‫والنواع من غير وجود قطع في سندها ول ثبوت جرح‬
‫في ناقليها "‬
‫واشتمل صحيحه على عدد من البواب التي خّرج‬
‫تحتها أحاديث في مسائل العتقاد منها‪:‬‬
‫ل من أنكر عذاب القبر‪.‬‬ ‫حض قو َ‬‫مد ْ ِ‬‫باب ذكر الخبر ال ُ‬
‫وباب ذكر الخبار عن وصف بعض العذاب الذي يعذب‬
‫به الكافر في قبره‪ ،‬وباب إخباره ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬عما يكون في أمته من الفتن والحوادث‪.‬‬
‫وت بين دفتيها‬‫ح َ‬‫والحاصل أن المصنفات السابقة قد َ‬
‫شيئا ً من أخبار الحاد فيتعين علينا أن نبحث في‬
‫موقف المصنفين الذين التزموا الصحة فيما خرجوه‬
‫‪ ()1‬ابن خزيمة‪ :‬هو محمد بن إسحاق بن خزيمة‪ ،‬أبو بكر‬
‫السلمي )‪ 311‬هـ( إمام نيسابور في عصره كان فقيها ً‬
‫مجتهدا ً عالما ً بالحديث‪ ،‬قال تلميذه ابن حبان‪ :‬لم ير مثل ابن‬
‫خزيمة في حفظ السناد والمتن‪.‬وقال الدار قطني‪ :‬كان‬
‫إماما ً معدوم النظير‪ ،‬ويروى أنه كان يختم القرآن في كل‬
‫يوم‪ .‬انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/462‬وطبقات‬
‫الشافعية‪ ،‬السنوي ‪ ،1/221‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/253‬‬
‫‪ ()2‬انظر مقدمة الحسان‪ ،‬الفارسي ‪1/42‬‬
‫‪ ()3‬ابن حبان‪ :‬هو أبو حاتم محمد بن حبان البستي الحافظ‪،‬‬
‫كان من أوعية العلم في الحديث والفقه واللغة والوعظ وغير‬
‫ذلك‪ ،‬حتى الطب والفلك‪ ،‬ولي القضاء في سمرقند ثم )نسا(‬
‫رحل إلى خراسان ومصر والشام والعراق وهو أحد المكثرين‬
‫في التصنيف‪ ،‬أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره منها‬
‫)التقاسيم والنواع( المعروف )بصحيح ابن حبان( و " معرفة‬
‫الثقات " و " معرفة المجروحين "‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وكان قد جمع‬
‫مؤلفاته في دار في بلدته‪ ،‬ووقفها ليطالعها الناس‪.‬انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/94‬وطبقات الشافعية ‪،1/201‬‬
‫والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/306‬‬

‫‪78‬‬
‫من أخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد وهل‬
‫يعني إخراجهم لحاديث العقائد في الصحيح أنهم‬
‫يثبتون العقيدة بها ؟‬
‫لن هذا هو القدر الذي يصح أن يستكشف منه‬
‫موقف المحدثين في المسألة‪.‬‬
‫أما الحديث الذي يرد في مسند أو كتاب من السنن‬
‫مخّرجه العتقاد بمضمونه أو‬ ‫مسكوتا ً عليه‪ :‬فل يلزم ُ‬
‫إنكاره‪ ،‬لنه ربما خّرجه لحتجاج قوم به‪ ،‬أو للشارة‬
‫إلى علة فيه بما يفهمه أهل المعرفة‪ ،‬أو لرفع الغرابة‬
‫عن متنه أو لغير ذلك من الغراض التي يعتمدها‬
‫)‪(1‬‬
‫المصنفون‪.‬‬
‫تبين بما سبق أنه قد وصلنا من أخبار الحاد الواردة‬
‫في العتقاديات مما أخرجه الئمة‪:‬البخاري ومسلم‬
‫وابن حبان وقد حكم الئمة لها بالصحة‪ .‬وفيما يأتي‬
‫استبيان لموقف كل واحد منهم على حدة‪:‬‬

‫موقف المام البخاري‪:‬‬


‫عقد المام البخاري في صحيحه كتابا ً بعنوان كتاب‬
‫أخبار الحاد‪ .‬وأول أبوابه بعنوان )ما جاء في إجازة‬
‫خبر الواحد الصدوق في الذان والصلة والصوم‬
‫)‪(2‬‬
‫والفرائض والحكام(‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد اختلف الباحثون قديما وحديثا حول مراد البخاري‬
‫من هذه الترجمة‬
‫ً‬ ‫)‪(3‬‬
‫فنقل ابن حجر عن الكرماني أنه قال تفسيرا لذكر‬

‫‪ ()1‬انظر بعض أغراضهم في شروط الئمة الستة‪،‬‬


‫المقدسي ‪20‬‬
‫‪ ()2‬انظر فتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪13/287‬‬
‫‪ ()3‬هو محمد بن يوسف شمس الدين الكرماني )‪ 786‬هـ(‬
‫أصله من كرمان‪ ،‬واشتهر في بغداد بعلم الحديث وتصدى‬
‫فيها لنشره ثلثين سنة‪ ،‬وأقام مدة بمكة‪ ،‬وفيها فرغ من‬
‫تأليف كتابه )الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري(‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫)الفرائض والحكام( في عنوان الباب‪ ...) :‬ليعلم إنما‬
‫)‪(1‬‬
‫هو في العمليات ل في العتقاديات(‪.‬‬
‫وفي المقابل فهم المين الحاج محمد ‪ -‬من‬
‫المعاصرين ‪ -‬أن البخاري ساق هذه الخبار تحت هذه‬
‫الترجمة ليدل على حجية خبر الحاد في مسائل‬
‫العتقاد‪ ،‬فقال‪):‬إذا صح الخبر عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فهو حجة بنفسه في الحكام‬
‫)‪(2‬‬
‫والعقائد‪ ...‬وإليك الدلة في الكتاب والسنة(‪ .‬ثم‬
‫نقل عن البخاري أنه عقد ترجمة في باب إجازة خبر‬
‫الواحد‪ ،‬وساق ما أورده البخاري من أحاديث تحت‬
‫هذه الترجمة‪.‬‬
‫والحق أن هذه الحاديث وهي خمسة عشر حديثًا‪ ،‬ل‬
‫تدل إل على ما استدل به البخاري وذكره في عنوان‬
‫الباب‪ ،‬وهو إجازة خبر الواحد فيما يأتي‪" :‬الذان"‪ :‬أي‬
‫إذا أذن وكان مؤتمنا ً اعتبر أذانه علمة على دخول‬
‫الوقت‪ ،‬وجازت صلة ذلك الوقت)‪ (3‬و " الصلة "‪ :‬أي‬
‫العلم بجهة القبلة‪ ".‬وفي الصوم "‪ :‬أي العلم‬
‫)‪(4‬‬
‫بطلوع الفجر أو غروب الشمس‪.‬‬
‫ثم أجمل البخاري بعد التفصيل فقال‪ " :‬والفرائض‬
‫)‪(5‬‬
‫والحكام "‬
‫وأذكر منها حديثين لتبيين حكمة البخاري رحمه الله‬
‫في حصر دللة الحاديث على ما ذكر‪.‬‬
‫ل‪ :‬أخرج ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬بسنده عن عبد الله بن عمر‬ ‫أو ً‬
‫‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪) :‬إن بلل ً ينادي بليل‪ ،‬فكلوا واشربوا حتى‬

‫انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.8/28‬‬


‫‪ ()1‬انظر المصدر السابق ‪13/290‬‬
‫‪.49‬‬ ‫‪ ()2‬حجية أحاديث الحاد‬
‫‪ ()3‬انظر فتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪.13/290‬‬
‫‪ ()4‬المصدر السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ ()5‬المصدر السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ينادي ابن أم مكتوم(‬
‫ثانيًا‪ :‬أخرج بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله‬
‫عنه قال‪):‬ب َْينا الناس بقباء في صلة الصبح إذ جاءهم‬
‫آت فقال‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد‬
‫مر أن يستقبل الكعبة‬ ‫أنزل عليه قرآن‪ ،‬وقد أ ِ‬
‫فاستقبلوها‪ ،‬وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا‬
‫)‪(2‬‬
‫إلى الكعبة(‬
‫ول نطيل بذكر باقي الحاديث لن مراد البخاري‬
‫قه البخاري رحمه الله دللت الحاديث‬ ‫واضح‪ ،‬وقد فَ ِ‬
‫فحصرها في عنوان الباب‪.‬ويقول الحافظ ابن حجر‪:‬‬
‫صد الترجمة الرد به على من يقول‪ :‬إن الخبر ل‬ ‫)‪ ...‬قَ ْ‬
‫يحتج به إل إذا رواه أكثر من شخص واحد‪ ،‬حتى يصير‬
‫كالشهادة‪ ...‬وهو منقول عن بعض المعتزلة‪ ،‬ونقله‬
‫‪(3).‬‬
‫الماَزري وغيره عن أبي علي الجبائي(‬
‫وهذا هو الذي يحتمل احتمال ً راجحا ً أن يكون مراد‬
‫)‪(4‬‬
‫البخاري لن المام البخاري كان معاصرا ً للجبائي‬
‫ومعلوم أن بوادر إنكار ثبوت بعض الخبار ظهر في‬
‫)‪(5‬‬
‫دوائر الفكر المعتزلي قبله على يد عمرو بن عبيد‬

‫‪ ()1‬في كتاب أخبار الحاد ‪ ،1/7248‬وأخرجه النسائي في‬


‫كتاب الصلة ‪.2/10‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب أخبار الحاد ‪ 1/7251‬وكتاب الصلة ‪32/403‬‬
‫وكتاب التفسير )سورة البقرة( ‪،4491 ،4490 ،14/4488‬‬
‫‪،4493‬وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‬
‫‪ 2/525‬والنسائي في الكبرى كما في تحفة الشراف‬
‫‪.5/460‬‬
‫‪ ()3‬فتح الباري ‪.13/290‬‬
‫‪ ()4‬لما توفي البخاري رحمه الله )‪ 256‬هـ( كان الجبائي قد‬
‫بلغ من العمر واحدا ً وعشرين عامًا‪ ،‬ول ي ُب ِْعد هذا الحتمال‬
‫صغر سن الجبائي آنذاك‪ ،‬فقد نقل ابن المرتضى في المنية‬
‫والمل مناظرات قطع فيها الجبائي خصومه في صباه‪ .‬انظر‬
‫المنية والمل ‪.35‬‬
‫‪ ()5‬هو عمرو بن عبيد أبو عثمان البصري )‪ 144‬هـ( شيخ‬

‫‪81‬‬
‫ونقل الخطيب البغدادي)‪ (1‬عددا ً من الخبار التي ردها‬
‫عمرو وأنكر على رواتها‪ .(2).‬وبعد هذه الفترة بقليل‬
‫ينقل الشافعي مناظرة له مع أشخاص من البصرة‬
‫أنكروا حجية الخبار)‪ .(3‬ولكن ل يبدو حتى هذه الحقبة‬
‫من الزمن استقرار الراء المختلفة في حجية أخبار‬
‫الحاد في جملة ما يحتج به من الحكام الفقهية‬
‫وغيرها‪ .‬غاية المر أنه قد فشا وانتشر إنكار ثبوت‬
‫بعض الخبار لغرابة في متونها أو ظهور مناقضة فيها‬
‫لما ثبت لدى المنكر‪ .‬ويدل على ذلك أنه ل يظهر في‬
‫)‪(6) (5‬‬
‫الردود التي أجيب بها على النظام)‪ (4‬وأبي هذيل‬
‫التزامهم بمنهج متكامل واحد في رد شيء من الخبار‬
‫التي ردوها أو رموها بالتناقض‪.‬‬
‫ولهذا الضطراب وعدم اتضاح معالم المناهج‬
‫المختلفة من حجية أخبار الحاد أرى أن من العسير‬
‫إلزام من تكلم في مطلق حجية خبر الحاد في هذه‬
‫الحقبة بأنه أراد حجيته في مسائل العتقاد أيضًا‪.‬‬
‫ولهذا أيضا ً ل يصح حمل مراد البخاري ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬

‫المعتزلة في عصره‪ ،‬وأحد الزهاد المعروفين‪ ،‬انظر ترجمته‬


‫في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.5/252‬‬
‫‪ ()1‬الخطيب البغدادي‪ :‬هو أبو بكر أحمد بن علي )‪ 463‬هـ(‬
‫أحد العلم وصاحب التواليف المنتشرة في السلم‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/314‬وطبقات الشافعية‪،‬‬
‫السنوي ‪.1/99‬‬
‫‪ ()2‬تاريخ بغداد ‪12/176‬‬
‫‪ ()3‬الم ‪262-7/250‬‬
‫‪ ()4‬النظام‪ :‬هو أبو إسحاق إبراهيم بن يسار )‪ 231‬هـ( من‬
‫أئمة المعتزلة‪ ،‬ولقب بالنظام لجادته نظم الكلم‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.1/36‬‬
‫‪ ()5‬العلف‪ :‬هو محمد بن الهذيل بن عبد الله‪ ،‬أبو الهذيل‬
‫العلف )‪ 235‬هـ( من أئمة المعتزلة‪ ،‬كان حسن الجدل قوي‬
‫الحجة‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي ‪7/355‬‬
‫‪ ()6‬انظر تأويل مختلف الحديث‪ ،‬ابن قتيبة ‪32 ،15‬‬

‫‪82‬‬
‫في إثبات حجية أخبار الحاد على حجيتها في العقائد‪،‬‬
‫ص على الموضع الذي تدل‬ ‫خاصة وأن المام قد ن ّ‬
‫الدلة على حجيتها فيه‪ ،‬وهي الحكام الشرعية كما‬
‫سبق‪.‬‬
‫وقد فهم الحافظ ابن حجر ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬من صنيع‬
‫المام البخاري في صحيحه أنه يحتج بأخبار الحاد‬
‫التي خّرجها‪ .‬فيقول‪):‬الذي يظهر من تصرف البخاري‬
‫في كتاب التوحيد أنه يسوق الحاديث التي وردت في‬
‫الصفات المقدسة‪ ،‬فيدخل كل حديث منها في باب‪،‬‬
‫ويؤيده بآية من القرآن للشارة إلى خروجها عن‬
‫أخبار الحاد على طريق التنزل في ترك الحتجاج بها‬
‫في العتقاديات(‪(1).‬والذي يبدو لي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن‬
‫البخاري لم يلتفت إلى هذا‪ ،‬بل أراد أن يظهر عمليا ً‬
‫أن السنة الشريفة هي المصدر الثاني من مصادر‬
‫التشريع وهي بيان القرآن وتفسيره‪.‬‬
‫ويدل على هذا أن تصرفه هذا شامل لجميع صحيحه‪،‬‬
‫ففي أي باب وجد فيه آية من كتاب الله تشير إلى‬
‫أحاديث الباب جعلها عنوانا ً للباب‪ ،‬فمثل ً عقد البخاري‬
‫ب‪ :‬كيف كان بدء‬ ‫أول أبواب صحيحه تحت عنوان )با ٌ‬
‫الوحي إلى رسول الله( صلى الله عليه وسلم وقول‬
‫الله جل ذكره‪ " :‬إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح‬
‫)‪(2‬‬
‫والنبيين من بعده"(‪.‬‬
‫وفي كتاب العلم عقد أول أبوابه تحت عنوان‪) :‬فضل‬
‫العلم وقول الله تعالى‪ " :‬يرفع الله الذين آمنوا منكم‬
‫)‪(3‬‬
‫والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير"(‬
‫ب زدني علما ً "(‪ (4).‬وفي كتاب‬‫وقوله عز وجل‪" :‬ر ِ‬
‫البيوع عقد بابا ً تحت عنوان‪) :‬الكيل على البائع‬
‫فتح الباري ‪13/445‬‬ ‫‪()1‬‬
‫انظر المصدر السابق ‪ 1/9‬والية ‪ 163‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪()2‬‬
‫سورة )المجادلة( الية )‪(11‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫سورة )طه( الية )‪(114‬‬ ‫‪()4‬‬

‫‪83‬‬
‫والمعطي‪ ،‬وقول الله عز وجل‪ " :‬وإذا كالوهم أو‬
‫)‪(1‬‬
‫وزنوهم يخسرون"(‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والذي يزيد هذا المر تأكيدا أنه عقد أبوابا في كتاب‬
‫التوحيد غير مؤيدة بآية من القرآن في صدر الباب‪،‬‬
‫منها )باب‪ :‬أن لله مائة اسم إل واحدًا()‪ (2‬ومنها‪:‬باب‬
‫قول النبي صلى الله عليه وسلم‪):‬ل شخص أغير من‬
‫)‪(3‬‬
‫الله(‬
‫والحاصل أن المام البخاري لم ينص في صحيحه‬
‫على شيء من حجية خبر الحاد الوارد في مسائل‬
‫العتقاد‪ .‬والمارات التي فُِهم منها أنه أراد إثبات‬
‫حجيته فيها ل تشير إلى ذلك‪.‬‬

‫موقف المام مسلم‬


‫التزم المام مسلم الصحة في كتابه‪ ،‬وخرج فيه كثيرا ً‬
‫من أخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد‪ .‬وإذا كان‬
‫صحيح المام البخاري يتضمن قرائن وأمارات فُِهم‬
‫منها شيء في موضوع حجية خبر الحاد‪ ،‬فإن صحيح‬
‫المام مسلم ليس فيه شيء من ذلك‪ ،‬وزاد المر‬
‫إبهاما ً أن المام مسلما ً ترك أبواب صحيحه بل‬
‫عناوين‪ ،‬فسجلها المام النووي)‪ (4‬ووضع العناوين‬

‫‪ ()1‬سورة )المطففين( الية )‪(3‬‬


‫‪ ()2‬انظر فتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪13/467‬‬
‫‪ ()3‬انظر فتح الباري ‪13/492‬‬
‫‪ ()4‬هو المام محيي الدين يحيى بن شرف النووي )‪ 676‬هـ(‬
‫محرر المذهب الشافعي‪ ،‬ومرّتبه‪ ،‬وله تبحر في الحديث‬
‫واللغة‪ ،‬وكان رأسا ً في الزهد‪ ،‬مباركًا‪ ،‬ولي مشيخة دار‬
‫الحديث الشرفية‪ ،‬وكان المام السبكي يتهجد في‪ ،‬إيوانها‬
‫وينشد‬
‫سط لها‬ ‫على ب ُ ْ‬ ‫ى‬‫وفي دار الحديث لطيف معن ً‬
‫أصبو وآوي‬
‫ً‬
‫مكانا مســه قدم‬ ‫عسى أني أمس بحر وجــهي‬
‫النواوي‬

‫‪84‬‬
‫)‪(1‬‬
‫صُعب على‬ ‫المشتهرة في طبعات الصحيح ولهذا َ‬
‫الباحثين نسبة شيء إلى المام مسلم في المسألة‪.‬‬
‫ولم يبق أمارة أو قرينة تدل على رأيه غير تخريجه‬
‫لحاديث العقائد‪ ،‬مع التزامه الصحة فيما خرجه في‬
‫كتابه‪ .‬وهاهنا أسئلة تتضح المسألة بالجواب عنهما‬
‫السؤال الول‪ :‬هل يدل تخريج المام مسلم‬
‫وغيره من الئمة الذين التزموا الصحة على‬
‫اعتقادهم بمضمونه؟‬
‫مع غياب التصريح والنص من أصحاب الصحاح في‬
‫الجابة على السؤال الول ُتركت الجابة لرأي‬
‫الباحثين‪ .‬فيقول الدكتور الشقر‪):‬ومن نظر في كتب‬
‫المحدثين العلم علم يقينا ً أن مذهبهم الحتجاج‬
‫بأحاديث الحاد‪ ،‬فالبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي‬
‫والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وغيرهم يوردون‬
‫أحاديث الحاد في كتبهم محتجين بها‪ ،‬فابن خزيمة‬
‫ت‬‫ت وعشرا ٍ‬ ‫مثل ً ألف كتاب التوحيد واحتج فيه بعشرا ٍ‬
‫)‪(2‬‬
‫من أحاديث الحاد في باب العقائد‪(.‬‬
‫وهذا الحكم على صنيع هؤلء المصنفين فيه نظر لنه‬
‫مبني على أنه ل واسطة بين رد الخبر وإثبات العقيدة‬
‫به وتكفير مخالفه‪ .‬وجمهور العلماء على إثبات‬
‫واسطة بينهما‪ ،‬فإذا صح إسناد الحديث ولم يعاِرض ما‬
‫هو أقوى منه فل موجب ول وجه لنكاره‪ ،‬ويجب‬
‫تصديقه دون القطع والجزم بموجبه‪ .‬وهو على هذه‬
‫انظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬تقي الدين‬
‫السبكي ‪ 168-5/166‬مطبعة دار المعرفة بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬وانظر العبر الذهبي ‪ ،33/334‬وطبقات الشافعية‬
‫السنوي ‪ ،2/266‬والعلم الزركلي ‪.9/184‬‬
‫‪ ()1‬انظر شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ ،‬النووي )‪ 676‬هـ(‬
‫‪ ،1/16‬وطرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم د‪ -‬عبد المهدي بن عبد القادر‪267 ،‬‬
‫‪ ()2‬أصل العتقاد‪ ،‬الشقر‪ ،‬وانظر نحوه في حجية أحاديث‬
‫الحاد‪ ،‬المين الحاج ‪.61‬‬

‫‪85‬‬
‫الحال حجة ظنية‪ ،‬فيصح ويحتمل أن يخّرج المصنف‬
‫مثل هذا الحديث للحتجاج به على هذا الوجه‪ .‬وإذا‬
‫كان هذا الوجه جائزا ً ومحتمل ً فمن أين يحصل اليقين‬
‫الذي ذكر الشقر في إلزام المصنفين بالعتقاد َ بما‬
‫خرجوه من الحاديث تصحيحا ً لها ؟‬
‫والسؤال الثاني‪ :‬هل أراد المام مسلم‬
‫وغيره من أصحاب الصحاح إلزام المسلمين‬
‫بالعتقاد بما خرجوه من أحاديث العقائد؟‬
‫لو فرضنا أن أحدا ً من الئمة صرح بوجوب العتقاد‬
‫بما خرجه في صحيحه فهل يسلم له بذلك؟ لن نجيب‬
‫على هذا السؤال في هذا الموضع لنه أحدا ً من المة‬
‫لم يعمل بجميع ما في الصحاح من أبواب الفقه مع‬
‫أنه يكتفى فيه بالظن فضل ً عن العمل بكل ما فيها‬
‫في أبواب العقائد‪ .‬وهذا ظاهر وله وجه معروف في‬
‫الفقه وأصوله‪ .‬فكيف تسلم المة لصاحب الصحيح‬
‫بوجوب القطع بكل ما صححه في أبواب العتقاد‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬هل يعني حكم أحد الئمة‬
‫بالصحة على حديث ما أنه ثابت عنده من‬
‫قول النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل‬
‫القطع واليقين ؟‬
‫صنيع الشيخين يجيب بعدم قطعهما بصدور ما أخرجاه‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجه ل يحتمل‬
‫أدنى درجات الشك‪ .‬لنا نرى في ما خرجه صاحب‬
‫الصحيح جملة من الحاديث التي اختلف في روايتها‬
‫اختلفا ً يمنع القطع برواية منها‪ .‬وقد تتبع النقاد‬
‫مخالفة الراوي لغيره في كتب الصحاح غير منكرين‬
‫لوقوعه‪ .‬بل سلموا بوقوع مثل هذه المخالفة قال‬
‫الحافظ السيوطي‪...) :‬فمجرد مخالفة أحد رواته لمن‬
‫هو أوثق منه أو أكثر عددا ً ل يستلزم الضعف‪ ،‬بل‬
‫يكون من باب صحيح وأصح‪...‬وأمثلة ذلك في‬
‫الصحيحين وغيرهما‪ .‬فمن ذلك أنهما أخرجا قصة‬

‫‪86‬‬
‫جمل جابر من طرق‪ .‬وفيها اختلف كثير في مقدار‬
‫الّثمن‪ ،‬وفي اشتراط ركوبه‪ ،‬وقد رحج البخاري‬
‫الطرق التي فيها الشتراط على غيرها مع تخريج‬
‫المرين ورجح أيضا كون الثمن أوقية مع تخريجه ما‬
‫)‪(1‬‬
‫يخالف ذلك(‬
‫قال المام البخاري رحمه الله‪):‬حدثنا أبو نعيم حدثنا‬
‫زكرياء قال سمعت عامرا ً يقول حدثني جابر رضي‬
‫الله عنه‪ :‬أنه كان يسير على جمل له قد أعيا‪ .‬فمر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فدعا له فسار‬
‫بسير ليس يسير مثله‪ .‬ثم قال "بعينه بوقية" ‪ .‬قلت‬
‫ل‪ .‬ثم قال "بعينه بوقية" فبعته‪ ،‬فاستثنيت حملنه إلى‬
‫أهلي‪ .‬فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه‪ .‬ثم‬
‫انصرفت فأرسل على إثري‪ .‬قال‪":‬ما كانت لخذ‬
‫جملك فخذ جملك فهو مالك"‬
‫قال شعبة عن مغيرة عن عامر عن جابر‪" :‬أفقرني‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إلى‬
‫المدينة"‬
‫وقال إسحاق عن جرير عن مغيرة‪" :‬فبعته على أن‬
‫لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة"‪ .‬وقال عطاء‬
‫وغيره‪ " :‬لك ظهره إلى المدينة "‬
‫وقال محمد بن المنكدر عن جابر‪" :‬شرط ظهره‬
‫إلى المدينة"‬
‫وقال زيد بن أسلم عن جابر‪ " :‬ولك ظهره حتى‬
‫ترجع"‬
‫وقال أبو الزبير عن جابر‪" :‬أفقرناك ظهره إلى‬
‫المدينة"‬
‫وقال العمش عن سالم عن جابر‪" :‬تبلغ عليه إلى‬
‫أهلك "‬

‫‪ ()1‬تدريب الراوي ‪.1/166‬‬

‫‪87‬‬
‫وقال عبيد الله ابن إسحاق عن وهب عن جابر‪:‬‬
‫"اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بوقية"‪ .‬وتابعه‬
‫زيد بن أسلم عن جابر ‪ .‬وقال ابن جريج عن عطاء‬
‫وغيره عن جابر‪" :‬أخذته بأربعة دنانير"‪ .‬وهذا يكون‬
‫وقية على حساب الدنانير بعشرة دراهم ‪.‬‬
‫‪...‬وقال العمش عن سالم عن جابر‪" :‬وقية ذهب"‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق عن سالم عن جابر "بمائتي‬
‫درهم"‪.‬‬
‫وقال داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن‬
‫جابر‪" :‬اشتراه بطريق تبوك أحسبه قال بأربع‬
‫أواق"‪.‬‬
‫وقال أبو نضرة عن جابر‪" :‬اشتراه بعشرين دينارا ً "‬
‫وقول الشعبي "بوقية " أكثر الشتراط أكثر وأصح‬
‫)‪(1‬‬
‫عندي قاله أبو عبد الله(‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه الله‪) :‬قال القرطبي‪:‬‬
‫اختلفوا في ثمن الجمل اختلفا ً ل يقبل التلفيق‬
‫وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق وهو مبني على أمر‬
‫)‪(2‬‬
‫لم يصح نقله ول استقام ضبطه‪(...‬‬
‫مثال آخر‪ :‬حديث ذي اليدين أخرجه المام‬
‫البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه في‬
‫حديث طويل‪ ،‬أنه قال صلى بنا النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم الظهر أو العصر‪ ،‬فسلم‪ ،‬فقال له ذو اليدين‪:‬‬
‫ت ؟‪ ،‬فقال النبي صلى‬ ‫قص ْ‬ ‫الصلة يا رسول الله‪ ،‬أن َ َ‬
‫الله عليه وسلم لصحابه‪ :‬أحق ما يقول؟ قالوا‪:‬‬

‫‪ ()1‬صحيح البخاري ‪ .(2517) 9/233‬وانظر اختلف‬


‫الروايات في صحيح البخاري ‪ (1955) 7/279‬و ‪) 8/99‬‬
‫‪ (2134‬و ‪ (2210) 8/212‬و ‪ (2649) 9/467‬و ‪) 10/126‬‬
‫‪.(2745‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ (2666) 7/394‬و‪ (2667) 7/395‬و‬
‫‪.(3001-2997) 298-8/291‬‬
‫‪ ()2‬فتح الباري ‪.5/322‬‬

‫‪88‬‬
‫)‪(1‬‬
‫نعم‪،‬فصلى ركعتين أخريين‪،‬ثم سجد سجدتين(‬
‫ت ؟ فقال‪ :‬لم‬ ‫َ‬
‫صر ْ‬
‫ت أم ق ِ‬ ‫وفي رواية‪ ...) :‬فقال‪ :‬أَنسي َ‬
‫)‪(2‬‬
‫أنس ولم تقصر(‪.‬‬
‫وفي رواية‪ ...):‬فقال له ذو اليدين‪ :‬أقصرت الصلة أم‬
‫نسيت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله‬
‫)‪(3‬‬
‫عليه وسلم أصدق ذو اليدين(‪.‬‬
‫وأخرجه المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬أنه قال‪) :‬فقام ذو اليدين فقال‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ :‬أقصرت الصلة أم نسيت ؟ فنظر النبي صلى‬
‫ل‪ ،‬فقال‪ :‬ما يقول ذو‬ ‫الله عليه وسلم يمينا ً وشما ً‬
‫)‪(4‬‬
‫اليدين ؟‪.(...‬‬
‫وفي رواية‪ ...) :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ...:‬كل ذلك لم يكن‪ ،‬فقال‪ :‬قد كان بعض ذلك‬
‫يا رسول الله‪ ،‬فأقبل رسول الله صلى الله عليه‬
‫)‪(5‬‬
‫وسلم على الناس‪ ،‬فقال‪ :‬أصدق ذو اليدين‪.(...‬‬
‫ول شك أن هذه الروايات في حادثة واحدة‪ ،‬وهي‬
‫ثابتة بالسانيد الصحيحة عن صحابي واحد‪.‬‬
‫وفي إخراج الشيخين لهذه الروايات المتعددة إشارة‬
‫إلى عدم قطعهما بما صح عندهما‪ .‬لن القطع إذ‬
‫احصل بثبوت إحدى الروايات دل على خلفه في‬
‫باقي في الروايات‪.‬‬
‫خّرج الشيخان هذه الروايات لنها صحيحة‬ ‫وإنما َ‬
‫السناد بنقل الثقة عن الثقة‪ .‬وزيادة الثقة مقبولة عند‬
‫جماهير العلماء من الفقهاء والمحدثين )‪ (6‬ويعلل‬

‫‪ ()1‬في كتاب السهو ‪ 3/1227‬وسيأتي تخريجه موسعا ً في‬


‫الباب الثاني‪.‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب السهو ‪.5/1229‬‬
‫‪ ()3‬كتاب السهو ‪.5/1228‬‬
‫‪ ()4‬كتاب المساجد ومواضع الصلة ‪.19/573‬‬
‫‪()5‬كتاب المساجد ومواضع الصلة ‪ /19‬بعد ‪.573‬‬
‫‪ ()6‬انظر تفصيل المسألة وآراء العلماء في نظم الفرائد لما‬

‫‪89‬‬
‫الحافظ العلئي )‪ (1‬ذلك فيقول‪) :‬لن مدار قبول خبر‬
‫الواحد على أنه يغلب على الظن صدق الراوي‪ ،‬وما‬
‫ً )‪(2‬‬
‫كان كذلك كان العمل به واجبا(‪.‬‬
‫وصنيع الشيخين في إخراج مثل هذه الروايات يدل‬
‫على أن القطع بثبوت الرواية عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ليس من شرطهما‪.‬‬
‫ومن المستبعد مع هذا الصنيع أن نجعل تخريج‬
‫الصحيح عندهما في العقائد يدل على حكمهما‬
‫بوجوب العتقاد بمضمونه وتكفير مخالفه‪ .‬لن القطع‬
‫في ثبوته غير حاصل عندهما فضل ً عن عن القطع‬
‫بثبوتهما عند غيرهما‪.‬‬

‫موقف الحافظ ابن حبان‬


‫صنف الحافظ ابن حبان كتابه الصحيح في بداية‬
‫القرن الهجري الرابع‪ ،‬الذي استقر فيه الخلف في‬
‫قضايا العقائد بين الفرق السلمية أو كاد‪ ،‬واتضح فيه‬
‫معالم منهج كل فرقة من الفرق‪ .‬وساهم هذا المر‬
‫في إيضاح مراد الحافظ ابن حبان من تخريجه لخبار‬
‫الحاد الواردة في مسائل العتقاد‪.‬‬
‫وبتتبع تراجم أبواب صحيحه يتبين لنا أن الحافظ ابن‬
‫حبان يسلك في ترجمة أبوابه منهجا ً أغلبيا ً يدل على‬
‫تفريقه بين ما هو ثابت بالقدر المشترك بين أخبار‬
‫كثيرة تصل إلى درجة التواتر المعنوي‪ ،‬وبين ما سواه‬
‫تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد للحافظ خليل بن‬
‫كيكلدي العلئي الشافعي )‪763‬هـ(‪ ،‬تحقيق كامل شطيب‬
‫الراوي‪ .‬ص ‪ ،371،380‬مطبعة المة ‪ -‬بغداد ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ ()1‬هو أبو سعيد بن كيكلدي العلئي الدمشقي‪ ،‬محدث‬
‫أصولي‪ ،‬بحاث‪ ،‬ولد وتعلم في دمشق‪ ،‬وصنف في أصول‬
‫الفقه والحديث مصنفات عديدة‪ ،‬منها جامع التحصيل في‬
‫أحكام المراسيل‪ ،‬توفي عام )‪ 761‬هـ(‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العلم‪ ،‬الزركلي ‪.2/369‬‬
‫‪ ()2‬نظم الفرائد‪.381 ،‬‬

‫‪90‬‬
‫من الخبار التي تنحط عن هذه الرتبة فيترجم للول‬
‫بنحو قوله‪) :‬ذكر إيجاب الشفاعة لمن مات من أمة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ل يشرك بالله‬
‫)‪(1‬‬
‫شيئًا(‪.‬‬
‫ومن ذلك‪) :‬ذكر إثبات الشفاعة لمن يكثر الكبائر في‬
‫)‪(2‬‬
‫الدنيا(‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن ذلك أيضا‪) :‬إيجاب الجنة لمن شهد لله جل وعل‬
‫بالوحدانية مع تحريم النار عليه(‬
‫حض قول من أنكر عذاب‬ ‫ومنه أيضًا‪) :‬ذكر الخبر المد ِ‬
‫‪(3) .‬‬
‫القبر(‬
‫ً‬
‫ومنه أيضا‪) :‬إيجاب النار لمتعمد الكذب على رسول‬
‫)‪(4‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم(‪.‬‬
‫ويترجم للثاني بنحو قوله‪) :‬ذكر الخبار عن رؤية‬
‫)‪(5‬‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم ربه جل وعل(‪.‬‬
‫ومنه أيضًا‪) :‬ذكر الخبار عن وصف بعض العذاب الذي‬
‫)‪(6‬‬
‫يعذب به الكافر في قبره(‪.‬‬
‫ومنه أيضًا‪):‬ذكر الخبار عن وصف المقام المحمود‬
‫الذي وعد الله جل وعل صفيه صلى الله عليه وسلم(‬
‫)‪(7‬ومنه أيضًا‪) :‬ذكر الخبار عن وصف التنين الذي‬
‫)‪(8‬‬
‫يسلط على الكافر في قبره(‪.‬‬
‫وفي ما سبق إشارة لتفريق الحافظ بين ما هو‬
‫ثابت على سبيل القطع وبين ما سواه‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر الحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪ ،‬الفارسي‬


‫‪.1/377‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪.14/387‬‬
‫‪ () 3‬نفسه ‪.7/388‬‬
‫‪ ()4‬نفسه ‪.1/192‬‬
‫‪ ()5‬نفسه ‪.1/226‬‬
‫‪ ()6‬نفسه ‪.1/391‬‬
‫‪ ()7‬نفسه ‪.1/399‬‬
‫‪ ()8‬انظر الحسان‪ ،‬الفارسي ‪7/392‬‬

‫‪91‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المصنفات التي خصصت لحاديث العقائد‪:‬‬
‫مع بداية القرن الثاني للهجرة بدأت ظاهرة الطعن‬
‫بثبوت بعض الخبار والقدح في رواتها‪ ،‬وسبقت‬
‫الشارة إلى صنيع عمرو بن عبيد وأبي الهذيل العلف‬
‫والنظام من المعتزلة‪.‬‬
‫واشتد وقع هذه الظاهرة على المحدثين‪ ،‬خاصة بعد‬
‫ما صنف بشر بن غياث المريسي)‪ (1‬كتايا ً رد فيه كثيرا ً‬
‫من الخبار الواردة في اللهيات‪ .‬فبدأ بعض المحدثين‬
‫بالتصنيف المستقل لحاديث العقائد ردا ً على‬
‫الخصوم‪ ،‬وكثيرا ً ما سميت هذه المصنفات بالسنة‪،‬‬
‫ة للبدعة‪.‬‬‫مقَابل ً‬
‫فصنف المام أبو داود كتابا ً في السنة ثم ألحق‬
‫معظم أحاديثه في باب السنة من كتاب السنن‪.‬‬
‫وصنف عثمان بن سعيد الدارمي)‪ (2‬كتابين )رد المام‬
‫عثمان بن سعيد على المريسي العنيد( )والرد على‬
‫الجهمية(‪ .‬وصنف عبد الله بن أحمد بن حنبل )‪ (3‬كتابا ً‬
‫سماه )السنة(‪.‬‬
‫وصنف الحافظ ابن خزيمة كتاب التوحيد وإثبات‬
‫صفات الرب‪.‬‬
‫وصنف الحافظ ابن مندة كتابه اليمان‪.‬‬
‫وصنف الحافظ الللكائي)‪ (4‬كتابه )شرح أصول اعتقاد‬
‫‪ ()1‬هو بشر بن غياث المريسي )‪ 218‬هـ( فقيه معتزلي‪،‬‬
‫وكان داعية إلى القول بخلق القرآن‪ ،‬ورمي بالزندقة‬
‫والبدعة‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/294‬والعلم‬
‫‪.2/28‬‬
‫‪ ()2‬هو عثمان بن سعيد الدرامي )‪ 280‬هـ( أحد الحفاظ‬
‫المشتغلين بعلم الحديث‪ ،‬انظر ترجمته في العبر ‪،1/403‬‬
‫وطبقات الشافعية‪ ،‬السنوي ‪.1/294‬‬
‫‪ ()3‬هو عبد الله بن أحمد بن حنبل )‪ 290‬هـ( كان من‬
‫الحفاظ للحديث‪ ،‬وهو الذي رتب مسند والده‪ ،‬انظر ترجمته‬
‫في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/418‬والعلم ‪.4/189‬‬
‫‪ ()4‬هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن المنصور‬

‫‪92‬‬
‫أهل السنة والجماعة(‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وصنف ابن أبي عاصم كتابه )السنة(‪.‬‬
‫صنف في العقائد مصنفات كثيرة لم يصلنا شيء‬ ‫و ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫منها‪. ....‬‬
‫وهؤلء المصنفون ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬هم الذين‬
‫احتجوا بأخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد‪.‬‬
‫خّرجت على‬ ‫ويظهر بين ثنايا هذه المؤلفات أحاديث ُ‬
‫عجل وانفعال وغيرة شديدة على كل ما أضيف إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ولو بسند ل يخلو من‬
‫رجال تكلم فيهم‪ ،‬أو متن ل يخلو من غرابة أو نكارة‪.‬‬
‫وأسوق للتمثيل مثال ً واحدا ً من كل كتاب‪ ،‬على أن‬
‫يأتي التفصيل في الباب الثاني إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫ل‪ :‬كتاب السنة لبي داود‪:‬‬‫أو ً‬
‫أخرج المام أبو داود رحمه الله من طرق عن جبير‬
‫بن مطعم رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال‪:‬‬ ‫أتى رسو َ‬
‫يا رسول الله جهدت النفس وضاعت العيال ونهكت‬
‫الموال‪ ،‬وهلكت النعام‪ ،‬فاستسق الله لنا‪ ،‬فإنا‬
‫نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك‪ ،‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ويحك‪ ،‬أتدري ما‬
‫تقول ؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما‬
‫زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه‪ ،‬ثم‬
‫الللكائي )‪ 418‬هـ( ففيه شافعي حافظ للحديث‪ ،‬الللكائي‪:‬‬
‫نسبة إلى بيع "اللوالك " التي تلبس في الرجل‪ ،‬انظر‬
‫ترجمت في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/236‬وطبقات الشافعي‪،‬‬
‫السنوي ‪ ،2/191‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.9/57‬‬
‫‪ ()1‬هو أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني )‪287‬‬
‫هـ( قاضي أصبهان‪ ،‬محدث وفقيه ظاهري وعرف بالصلح‬
‫والورع‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،1/413‬والعلم‪،‬‬
‫الزركلي ‪.1/182‬‬
‫‪ ()2‬انظر تعداد هذه المصنفات في مقدمة عقائد السلف‪.‬‬
‫النشار‬

‫‪93‬‬
‫قال‪ :‬ويحك إنه ل يستشفع بالله على أحد من خلقه‪،‬‬
‫شأن الله أعظم من ذلك‪ ،‬ويحك أتدري ما الله‪ ،‬إن‬
‫عرشه على سماواته ‪ -‬وقال بأصابعه مثل القبة عليه‬
‫‪(1).‬‬
‫‪ -‬وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب(‬
‫وصححه المام أبو داود من طريق أحمد بن سعيد‬
‫الرباطي‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫قال الذهبي‪) :‬لفظ الطيط لم يأت في نص ثابت(‬
‫ثانيًا‪ :‬الرد على الجهمية‪:‬‬
‫أخرج الدارمي رحمه الله بسنده عن أنس بن مالك‬
‫ل‪ :‬وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫حديثا ً طوي ً‬
‫قال‪ ...) :‬فإذا كان يوم الجمعة هبط الرب تبارك‬
‫وتعالى من عرشه إلى كرسيه وحف الكرسي بمنابر‬
‫من نور‪ ،‬فيجلس عليها النبيون‪ - .‬إلى أن قال ثم‬
‫)‪(3‬‬
‫يرتفع الرب عن كرسيه إلى عرشه(‪.‬‬
‫ثالثا ً كتاب الرد على المريسي‪:‬‬
‫أخرج الدارمي بسنده عن عبد الله بن خليفة قال‪:‬‬
‫أتت مرآة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‪:‬‬
‫ظم الرب‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬ ‫أدع الله أن يدخلني الجنة‪ ،‬فع ّ‬
‫كرسيه وسع السماوات والرض‪ ،‬وإنه ليقعد عليه فما‬
‫يفضل منه شيء إل قدر أربع أصابع ‪ -‬ومد أصابعه‬
‫حل الجديد إذا ركبه‬ ‫الربع ‪ -‬وإن له أطيطا ً كأطيط الَر ْ‬
‫)‪(4‬‬
‫من ثقله(‬
‫‪ ()1‬في كتاب السنة ‪ .18/4726‬وسيأتي تخريجه موسعا ً‬
‫وتفصيل آراء العلماء في حجيته في الباب الثاني‬
‫‪ ()2‬مختصر العلو للعلي الغفار‪ ،‬محمد ناصر اللباني ‪،124‬‬
‫طبعة المكتب السلمي ‪ -‬بيروت ‪ 1981‬هـ‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر الرد على الجهمية ‪ 302‬ضمن مجموعة عقائد‬
‫السلف‪ ،‬علي سامي النشار‪ ،‬طبع شركة السكندرية ‪-‬مصر‬
‫‪1971‬م‪ .‬وسيأتي تخريجه موسعا ً والكلم عليه في الباب‬
‫الثاني‪.‬‬
‫‪ ()4‬الرد على المريسي ‪ 432‬ضمن مجموعة عقائد السلف‪،‬‬
‫وسيأتي تفصيل المسألة في الباب الثاني‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫رابعًا‪ :‬السنة‪ :‬لعبد الله بن أحمد‬
‫وأخرج بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )ل تقبحوا‬
‫)‪(1‬‬
‫الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن(‪.‬‬
‫أخرج بسنده عن عبد الله بن أبي سلمة أن عبد الله‬
‫بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعث إلى عبد‬
‫الله بن العباس رضي الله عنهما يسأله‪ :‬هل رأى‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟‬
‫ن نعم‪ ،‬فرد عليه‬ ‫َ‬
‫فأرسل إليه عبد الله بن العباس أ ْ‬
‫ن كيف رآه ؟ قال‪ :‬فأرسل أنه رآه‬ ‫َ‬
‫عبد الله بن عمر أ ْ‬
‫في روضة خضراء‪ ،‬دونه فراش من ذهب على كرسي‬
‫من ذهب يحمله أربعة من الملئكة ملك في صورة‬
‫رجل‪ ،‬وملك في صورة ثور‪ ،‬وملك في صورة نسر‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وملك في صورة أسد(‬
‫وسيأتي مزيد بيان لبعض الخبار التي أخرجها‬
‫ً‬
‫المصنفون في كتب السنة والعقائد‪ .‬ول تصح سندا ول‬
‫متنًا‪ .‬ول يكاد يظهر وجه لحتجاجهم بها وتشنيعهم‬
‫على من أنكرها ونسبته إلى البدعة أو الجهمية‪.‬‬

‫‪ ()1‬السنة‪ ،‬عبد الرحمن أحمد بن حنبل )‪ 290‬هـ( تحقيق‬


‫محمد بن سعيد القحطاني ‪ ،1/286‬طبعة دار ابن القيم‪-‬‬
‫الدمام ‪ 1/286 .1986‬وسيأتي تفصيل المسألة في الباب‬
‫الثاني‪.‬‬
‫‪ ()2‬التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل‪ ،‬محمد بن إسحاق‬
‫بن خزيمة‪ ،‬تعليق محمد خليل هراس ‪ - 198‬طبعة دار‬
‫الشرق للطباعة ‪ 1388 -‬هـ‪ ،‬وسيأتي تفصيل المسألة في‬
‫الباب الثاني‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬احتجاج المتكلمين‬
‫بخبر الحاد‪.‬‬

‫وفيه مطلبان‬

‫المطلب الول ما يفيده خبر‬


‫الحاد‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مدى الحتجاج‬


‫بأخبار الحاد الواردة في مسائل‬
‫العتقاد‬

‫‪96‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬احتجاج المتكلمين بخبر‬
‫الحاد‪.‬‬

‫المطلب الول ما يفيده خبر الحاد‬


‫مر معنا أن الخبر عند جمهور المتكلمين ينقسم إلى‬
‫قسمين‪ :‬الخبر المتواتر وخبر الحاد‪ ،‬وأن الماتريدية‬
‫اعتبروا قسما ً بينهما وهو الخبر المشهور‪ ،‬ولهم في‬
‫تعريفه وإفادته اصطلح خاص‪ ،‬غير اصطلح الجمهور‬
‫في الخبر المشهور الذي يعد عندهم من أخبار الحاد‪.‬‬
‫وفي هذا الموضع من البحث سنتكلم أول ً على إفادة‬
‫خبر الحاد عند المتكلمين ثم نتكلم على إفادة الخبر‬
‫المشهور الذي اصطلح فيه الماتريدية اصطلحا ً خاصا‪ً.‬‬
‫لكن ما المراد من إفادة خبر الحاد؟‬
‫المراد بذلك ما يحصل في وجدان المخَبر به من‬
‫الوثاقة في صدق مضمونه‪ .‬فإذا قلنا‪ :‬خبر الحاد يفيد‬
‫العلم فالمراد أن المخَبرين به يحصل لهم اليقين‬
‫الجازم الذي ل يحتمل الوهم ول يداخله الشك في‬
‫)‪(1‬‬
‫صدق نقلته‬
‫وإذا قلنا‪ :‬خبر الحاد يفيد الظن الراجح‪ :‬فالمراد أن‬
‫المخَبر به يحصل له في وجدانه ترجيح صدق المخِبر‬
‫على كذبه ترجيحا ً مقاربا ً لليقين‪ ،‬مع بقاء احتمال كذبه‬
‫ً )‪(2‬‬
‫احتمال ً مرجوحا‪.‬‬
‫بقي أن نذكر أن الحاد الذين يجري البحث في إفادة‬
‫‪ ()1‬انظر شرح رمضان أفندي على شرح العقائد النسفية‪.‬‬
‫‪ 66-65‬طبعة تركيا ‪ .1289‬وشرح الفقه الكبر‪ ،‬علي القاري‬
‫‪ 27‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪1979 .‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر المرجعين السابقين وفتح الملهم‪ ،‬شبير أحمد‬
‫‪ 1/8‬إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي)ت ‪ (956‬فقيه‬
‫حنفي‪ ،‬من أهل حلب‪ ،‬تفقه بها وبمصر‪ ،‬ثم استقر في‬
‫القسطنطينية‪ ،‬وتوفي بها عن نيف وتسعين عامًا‪ ،‬اشهر كتبه‬
‫ملتقى البحر وله غيره مصنفات كثيرة‪ ،‬انظر أعلم النبلء)‬
‫‪ .(5/269‬كشف الظنون)‪ (2/1814‬والعلم)‪.(1/64‬‬

‫‪97‬‬
‫خبرهم ل بد أن يكونوا عدول ً ضابطين‪ ،‬لن الغرض‬
‫من دراسة إفادة أخبارهم هو الوصول إلى رأي معين‬
‫في مدى الحتجاج بأخبارهم في مسائل العتقاد‪.‬‬
‫وقد فرق المتكلمون في إفادة الخبر بين‬
‫حالتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ما يفيده الخبر بنفسه من غير اعتبار المور‬
‫الخارجة عن معنى الخبار فيه‪ ،‬نحو اعتبار مضمونه‪،‬‬
‫أو اعتبار الظرف الذي حصل فيه الخبار‪ ،‬أو اعتبار‬
‫حال المخَبرين‪ ،‬وغير ذلك من المور التي يمكن‬
‫اعتبارها في إفادة الخبر بذاته‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ما يفيده الخبر باعتبار المور الزائدة‬
‫الخارجية‪.‬‬
‫ول بد من تفصيل البحث في إفادة خبر الحاد في كلتا‬
‫الحالتين‪ ،‬لن الخلف في حجية أخبار الحاد الواردة‬
‫في العقائد هو ثمرة الخلف في هذه المسألة‪:‬‬

‫أوًل‪ :‬ما يفيده الخبر بنفسه‬


‫إن مسألة إفادة أخبار الحاد من المسائل التي‬
‫تحكمت فيها الهواء والغراض‪ ،‬وتنوعت فيها آثار‬
‫ردود الفعال حتى صار من المتعذر الوصول إلى‬
‫الحق في هذا المر إل بالتزام الموضوعية والمانة‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ومما يزيد في مشقة البحث فيه أن الباحثين فيه‬
‫قديما ً وحديثا ً ي َِهمون كثيرا ً في نسبة القوال إلى‬
‫الئمة المتقدمين‪ ،‬وسيأتي بيانه إن شاء الله‪.‬‬
‫ويمكن حصر القوال في ما يفيده خبر الحاد بنفسه‬
‫إلى قولين‪:‬‬
‫الرأي الول‪ :‬إفادته الظن‬
‫حيثما ذكر المتكلمون أو المحدثون أن خبر الحاد يفيد‬
‫الظن فمرادهم الظن الراجح‪.‬‬
‫والظن في اللغة من اللفاظ المشتركة التي تدل‬

‫‪98‬‬
‫على أكثر من معنى‪.‬‬
‫قال الفيروزآبادي‪) :‬الظن هو التردد الراجح بين‬
‫طرفي العتقاد غير الجازم‪...‬وقد يوضع موضع العلم(‬
‫)‪(1‬‬

‫وقال ابن فارس‪) :‬الظن‪ .....‬يدل على معنيين‬


‫مختلفين‪ ،‬يقين وشك‪.‬فأما اليقين فقول القائل‪:‬‬
‫ظننت ظنًا‪ ،‬أي‪ :‬أيقنت‪ .‬قال تعالى‪):‬الذين يظنون أنهم‬
‫ملقو الله()‪ (2‬أراد ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬يوقنون والظن‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫الشك‪ ،‬فيقال‪ :‬ظننت الشيء‪ ،‬إذا تيقنه(‪.‬‬
‫وقال أبو هلل في الفروق‪):‬الفرق بين الظن والشك‬
‫أن الشك استواء طرفي التجويز‪،‬والظن رجحان أحد‬
‫)‪(4‬‬
‫طرفي التجويز(‪.‬‬
‫وعلى هذا الفارق اعتمد المتكلمون والصوليون في‬
‫اصطلحهم بإفادة خبر الحاد الظن‪.‬‬
‫يقول شبير أحمد‪):‬والظن الذي تفيده أخبار الحاد إنما‬
‫)‪(5‬‬
‫هو القوي الراجح المقارب لليقين‪(..‬‬
‫وقد ذهب إلى القول بإفادة خبر الحاد الظن الراجح‬
‫جماهير المة من متكلمين وأصوليين ومحدثين‬
‫ومعتزلة وشيعة وخوارج‬
‫فمن المتكلمين الشاعرة الذين نصوا على ذلك‪:‬‬
‫المام الباقلني إذ قال‪) :‬تواضع المتكلمون والفقهاء‬
‫على تسمية كل خبر قصر عن إيجاب العلم بأنه خبر‬
‫واحد‪ ،‬وسواء عندهم رواه الواحد أو الجماعة‪ ....‬وهذا‬
‫)‪(6‬‬
‫الخبر ل يوجب العلم(‬

‫ن( ‪.4/245‬‬ ‫)( القاموس المحيط )ظ ّ‬


‫‪1‬‬

‫‪ ()2‬الية )‪ (249‬من سورة البقرة‪.‬‬


‫ن( ‪ 3/463‬وانظر الوجوه والنظائر في‬ ‫)( مقاييس اللغة )ظ ّ‬
‫‪3‬‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬هارون بن موسى ‪.374‬‬


‫‪ ()4‬الفروق اللغوية ‪.79‬‬
‫‪ ()5‬فتح الملهم ‪.1/18‬‬
‫‪ ()6‬التمهيد ‪.386‬‬

‫‪99‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ومنهم ابن فورك )‪ (1‬والبغدادي )‪ (2‬والجويني‬
‫والغزالي )‪ (4‬والرازي )‪ (5‬والمدي)‪ (6‬ولم أعثر على‬
‫خلف في ذلك بينهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن الماتريدية القائلين بذلك‪ :‬البزدوي صاحب مسلم‬
‫الثبوت وشارحه النصاري)‪ (7‬والسرخسي)‪ (8‬والعلء‬
‫البخاري)‪ (9‬والكمال ابن الهمام )‪ (10‬ولم أعثر على‬
‫خلف في ذلك بينهم‪.‬‬
‫)‪(11‬‬
‫ومن المعتزلة القائلين بذلك أبو الحسين البصري‬
‫والقاضي عبد الجبار )‪ (12‬ولم أعثر فيه على خلف‬
‫‪ ()1‬انظر مشكل الحديث وبيانه ‪ ،269‬طبعة دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫وابن فورك‪ :‬هو محمد بن الحسن‪ ،‬إمام ل يجارى في الفقه‬
‫والصول والكلم والوعظ والنحو والزهد‪ ،‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫السبكي ‪.3/52‬‬
‫‪ ()2‬انظر أصول الدين ‪ ،12‬طبعة دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪-‬‬
‫‪.1980‬والبغدادي‪ :‬هو الستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر‬
‫)‪ 429‬هـ( إمام ل يساجل في الصول وعلم الكلم‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في طبقات السبكي ‪ ،3/328‬والعلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.4/173‬‬
‫‪ ()3‬انظر الرشاد ‪.416‬‬
‫‪ ()4‬انظر المستصفى ‪.1/145‬‬
‫‪ ()5‬انظر الساس في التقديس ‪ .168‬طبعة البابي الحلبي ‪-‬‬
‫مصر ‪1935‬م‪.‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬الحكام ‪.2/280‬‬
‫‪ ()7‬انظر فواتح الرحموت ‪.2/121‬‬
‫‪ ()8‬انظر أصول السرخسي ‪.2/121‬‬
‫‪ ()9‬انظر كشف السرار ‪.1/329‬والعلء البخاري هو‪ :‬عبد‬
‫الرحمن بن أحمد )‪ 730‬هـ( فقيه حنفي أصولي‪ ،‬انظر العلم‬
‫‪.4/137‬‬
‫‪ ()10‬انظر المسامرة للكمال بن أبي شريف بشرح المسايرة‬
‫للكمال ابن الهمام ‪ ،11-10‬المطبعة الميرية‪-‬بولق‪1983 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ ()11‬انظر المعتمد ‪.2/566‬‬
‫‪ ()12‬انظر شرح الصول الخمسة ‪ ،769‬تحقيق عبد الكريم‬

‫‪100‬‬
‫بينهم‪ .‬ومن الخوارج الباضية القائلين بذلك‪ :‬عبد الله‬
‫)‪(2‬‬
‫السالمي )‪ (1‬ول أعلم فيه خلفا ً بينهم‪.‬‬
‫ومن الزيدية القائلين بذلك ابن الوزير)‪ (3‬والقاسم بن‬
‫)‪(5‬‬
‫محمد العلوي)‪ (4‬والشوكاني‬
‫)‪(6‬‬
‫ومن المحدثين القائلين بذلك‪ :‬الخطابي والبيهقي‬

‫عثمان‪ ،‬طبعة القاهرة ‪1996‬م‪.‬‬


‫‪()1‬عبد الله بن حميد السالمي )‪ 1332‬هـ( من أعيان‬
‫الباضية‪ ،‬انتهت إليه رئاسة العلم في عصره‪ ،‬مولده ووفاته‬
‫في عمان‪ ،‬وكان ضريرًا‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪ .4/214‬وانظر مشارق أنوار العقول ‪ ،2/108‬تحقيق عبد‬
‫الرحمن عميرة‪ ،‬طبعة دار الجيل ‪ -‬بيروت ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر الباضية بين الفرق السلمية‪ ،‬علي بن يحيى‬
‫‪ ،2/138‬مطابع سجل العرب ‪ -‬عمان ‪.1986‬‬
‫‪ ()3‬انظر إيثار الحق على الخلق ‪ ،387‬طبعة دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت ‪1987 -‬م‪ ،‬وانظر الروض الباسم في الذب‬
‫عن سنة أبي القاسم ‪ ،1/76‬طبعة دار المعرفة ‪ -‬بيروت‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫وابن الوزير هو‪ :‬محمد بن إبراهيم بن علي من آل‬
‫الوزير )‪ (840‬من أعيان الزيدية ومجتهديها‪ ،‬وله اشتغال‬
‫بالحديث‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/191‬‬
‫‪ ()4‬انظر الساس في عقائد الكياس ‪ ،150‬تحقيق د‪ -‬ألبير‬
‫نصري‪ ،‬طبعة دار الطليعة ‪ -‬بيروت ‪.1980 -‬‬
‫والقاسم بن محمد العلوي )‪ 1029‬هـ( من أئمة الزيدية‬
‫وأمرائها‪ ،‬بايعه خلق كثير بالمامة سنة ‪ 1016‬هـ‪ ،‬وكان‬
‫حازما ً شجاعًا‪ ،‬انظر العلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/18‬‬
‫‪ ()5‬انظر إرشاد الفحول ‪.48‬‬
‫‪ ()6‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،424‬تحقيق الكوثري‪،‬‬
‫طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫مد بن محمد السبتي‪ ،‬والخطابي‬ ‫ح ْ‬
‫والخطابي هو‪ :‬أبو سليمان َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نسبة إلى جده )خطاب( )‪ 388‬هـ(‪ ،‬كان فقيها رأسا في‬
‫ب وله اشتغال بالفقه والحديث‪ ،‬وله تصانيف‬ ‫العربية والد ُ‬
‫كثيرة نافعة في شتى العلوم‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪،‬‬
‫الذهبي ‪ ،2/175‬وطبقات السنوي ‪.1/223‬‬

‫‪101‬‬
‫)‪(3‬‬
‫والنووي‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫والحازمي‬ ‫)‪(1‬‬
‫والخطيب البغدادي‬
‫)‪(4‬‬
‫والسيوطي‬
‫أدلة من حكم بإفادته الظن‪:‬‬
‫استدل الجمهور على ذلك بأدلة منها‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن حصول العلم به أمر وجداني‪ ،‬وتأثيرات‬ ‫أو ً‬
‫الدلة في النفوس بحسب المؤثر‪ ،‬ول نجد في أنفسنا‬
‫ن بلغ الغاية في العدالة سوى‬ ‫من خبر الواحد وإ ْ‬
‫)‪(5‬‬
‫ترجيح صدقه على كذبه‪ ،‬من غير قطع‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لو كان خبر الواحد الثقة مفيدا ً للعلم بمجرده‬
‫وأخبر ثقة آخر بضد خبره‪:‬‬
‫فإما أن يقال‪ :‬كل خبر منهما يفيد العلم‪ ،‬وهو محال‬
‫لنه يستلزم متناقضين‪.‬‬

‫والبيهقي هو‪ :‬المام العلم أبو بكر أحمد بن الحسين‬


‫الشافعي‪ ،‬حافظ أصولي زاهد ورع‪ ،‬كان غزير التصنيف‪ ،‬كثير‬
‫التحقيق‪ ،‬حتى قيل فيه‪ :‬ما من شافعي إل وللشافعي في‬
‫عنقه منة إل البيهقي فإن له منة على الشافعي نفسه‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/208‬وطبقات السنوي ‪.1/98‬‬
‫‪ ()1‬انظر الكفاية في علم الرواية ‪ ،51-50‬تحقيق عبد العليم‬
‫محمد بن عبد الحليم‪ ،‬مطبعة السعادة ‪ -‬مصر ‪1973‬م‪.‬‬
‫والخطيب البغدادي هو‪ :‬أحمد بن علي بن ثابت )‪ 463‬هـ(‬
‫أحد الئمة العلم‪ ،‬وصاحب التواليف المنتشرة في السلم‪،‬‬
‫كان في الرواية بحرا ً في الدراية روضا ً زاهرًا‪ ،‬انظر ترجمته‬
‫في العبر ‪ ،2/315‬وطبقات السنوي ‪ ،1/98‬والعلم‪،‬‬
‫الزركلي ‪1/167‬‬
‫‪ ()2‬انظر شروط الئمة الخمسة ‪ .52‬والحازمي هو‪ :‬أبو بكر‬
‫محمد بن موسى الهمذاني‪ ،‬كان إماما ً ذكيا ً ثاقب النظر‪،‬‬
‫فقيها ً بارعا ً ومحدثا ً ماهرًا‪ ،‬بصيرا ً بالرجال والعلل‪ ،‬توفي شابا ً‬
‫عن خمس وثلثين سنة‪ ،‬ولو عاش أكثر من ذلك لمل الدنيا‬
‫علما ً وتحريرًا‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪،3/89‬‬
‫وطبقات السنوي ‪.1/199‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح مسلم ‪.1/14‬‬
‫‪ ()4‬انظر تدريب الراوي ‪.76-75 /1‬‬
‫‪ ()5‬انظر الفصول‪ ،‬الجصاص ‪ 3/53‬والحكام المدي ‪.2/275‬‬

‫‪102‬‬
‫وإما أن نقول خبر أحدهما يفيد العلم دون الخر‪،‬وهذا‬
‫)‪(1‬‬
‫مناقض لصل الدعوى بأن خبر الواحد يفيد العلم‪.‬‬
‫والواقع يشهد أن العدل قد يخالف غيره بل الواقع‬
‫يشهد أنه ل يكاد ينجو منه أحد من الرواة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن كل عاقل يجد من نفسه إذا ما سمع خبرا ً‬
‫من واحد ثم سمعه من غيره ازدياد َ اعتقاده‪ ،‬ولو كان‬
‫خبر الول مفيدا ً للعلم لما شعرنا بازدياد الثقة بالخبر‬
‫ما سمعناه من الثاني‪ ،‬والعلم غير قابل في نفسه‬ ‫لَ ّ‬
‫للزيادة والنقصان‪.‬‬
‫وقد يحصل التفاوت بين العلوم من جهة أخرى ل ترد‬
‫على ما ذكرنا‪ ،‬كالتفاوت بين العلم الذي يحصل‬
‫بالضرورة من غير اكتساب والعلم الذي يحصل‬
‫بالكتساب‪ ،‬وهذا التفاوت ليس في نفس العلم‬
‫بالمعلوم‪ ،‬بل من جهة افتقار أحدهما إلى النظر دون‬
‫الخر وأن أحدهما أسرع حصول ً من الخر أما العلوم‬
‫)‪(2‬‬
‫من حيث هي علوم فل يتصور فيها زيادة ول نقصان‬
‫رابعًا‪ :‬يلزم من القول بإفادة خبر الحاد العلم‬
‫مجموعة لوازم فاسدة تدل على فساده أيضًا‪ .‬منها‬
‫أنه لو كان يفيد بمجرده العلم لكان العلم حاصل ً بنبوة‬
‫من أخبر بكونه نبيا ً من غير حاجة إلى معجزة تدل‬
‫م بشهادة‬ ‫على صدقه‪ ،‬ولوجب أن يحصل للحاكم العل ُ‬
‫الشاهد الواحد‪ ،‬وأنه ل يفتقر معه إلى شاهدٍ آخر لما‬
‫)‪(3‬‬
‫فيه من طلب تحصيل الحاصل‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬لو حصل العلم بخبر الحاد بمجرده لما جاز‬
‫لمسلم أن يعدل عن ما أسنده العدل إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بوجه من الوجوه‪ ،‬وواقع الفقهاء ل‬
‫ت معارضته‬ ‫ح ْ‬ ‫يدل على ذلك‪ ،‬ولو أفاد بمجرده ل َ َ‬
‫ص َ‬

‫‪ ()1‬انظر الحكام‪ ،‬المدي ‪.2/276‬‬


‫‪ ()2‬انظر الحكام ‪2/276‬‬
‫‪ ()3‬نفسه ‪2/276‬‬

‫‪103‬‬
‫)‪(1‬‬
‫لخبر التواتر وكل ذلك خلف الجماع‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬يمكن أن أضيف إلى الدلة السابقة دليل‬
‫يستلزم بالضرورة العتراف بإفادته الظن الراجح‪.‬‬
‫وخلصته أن الشروط المعتبرة في تصحيح الحديث‬
‫وتضيعفه شروط أغلبية ظنية ُيكتفى في تحصيلها‬
‫بالظن الراجح‪ .‬وهذا الظن ل يمكن أن ينتج علما ً‬
‫وقطعا ً بثبوت الخبر‪ .‬فالحكم بالعدالة والضبط‬
‫والتحقق من اتصال السند والسلمة من الشذوذ‬
‫والعلة كل ذلك يكتفى فيه بالظن الراجح‪.‬‬
‫وبيانه من وجوه‬
‫الوجه الول‪ :‬الحكم بالعدالة حكم ظني‪ .‬فمن‬
‫المعروف أن تعديل الراوي حكم على ما يظهر من‬
‫حاله كتزكية الشاهد وهي حكم ظني‪ .‬ولو كان قطعيا ً‬
‫لما حصل هذا الخلف المعروف في توثيق جملة من‬
‫الرواة‪ .‬بل نص الذهبي على ما يفيد أن حكم المجرح‬
‫الواحد اجتهادي ظني‪ ،‬وربما يختلف حكمه في راو‬
‫واحد‪ .‬فقد ذكر يحيى بن معين وكلمه في نقد بعض‬
‫الئمة ثم قال‪...) :‬وكلمه كثير إلى الغاية في الرجال‬
‫وغالبه صواب وجيد‪ ،‬وقد ينفرد بالكلم في الرجل بعد‬
‫الرجل فيلوح خطأه في اجتهاده بما قلناه‪ ،‬فإنه بشر‬
‫من البشر وليس بمعصوم‪ ،‬بل هو في نفسه يوثق‬
‫الشيخ تارة ويختلف اجتهاده في الرجل الرواة فيجيب‬
‫السائل بحسب ما اجتهد من القول في ذلك الوقت(‬
‫)‪(2‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬في الحكم بضبط الرواي يكتفي‬


‫المعدلون بتحصيل الظن الراجح أيضًا‪ .‬لنهم يعتمدون‬

‫‪ ()1‬نفسه ‪ 2/277‬وانظر أدلة أخرى في المعتمد ‪-2/566‬‬


‫‪567‬وكشف السرار‪ ،‬البخاري ‪ 2/376‬وفواتح الرحموت‪ ،‬عبد‬
‫العلي النصاري ‪.123-2/121‬‬
‫‪ ()2‬الرواة الثقات المتكلم فيهم بما ل يوجب رد حديثهم ‪-29‬‬
‫‪31‬‬

‫‪104‬‬
‫على سبر جملة من مرويات الراوي ومقارنتها مع‬
‫رواية الحفاظ‪ ،‬فإن غلبت موافقته على مخالفته حكم‬
‫بضبطه‪ ،‬مع العتراف بتجويز الخطأ ولو في أعلى‬
‫درجات التوثيق‪ .‬قال الحافظ الذهبي‪...) :‬فأما‬
‫الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي وإن جرى‬
‫ما جرى وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات فما‬
‫يكاد يسلم أحد من الغلط‪ ،‬لكنه غلط نادر ل يضر أبدا‪،‬‬
‫إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل‪ ،‬وبه ندين الله‬
‫تعالى‪ .‬وأما التابعون فيكاد ُيعدم فيهم من يكذب‬
‫عمدًا‪ .‬ولكن لهم غلط وأوهام‪ ،‬فمن ندر غلطه في‬
‫جنب ما قد حصل احتمل‪ ،‬ومن تعدد غلطه وكان من‬
‫عمل به على‬ ‫أوعية العلم اغتفر له أيضا ً وُنقل حديثه و ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫تردد بين الئمة الثبات في الحتجاج بمن هذا نعته(‬
‫ولو سلمنا أن العارف الناقد يجد من نفسه قطعا ً‬
‫باستيفاء شرائط الصحة فل يلزم من ذلك أن يتعدى‬
‫قطعه إلى القطع بثبوت الخبر‪ .‬فل شك في أن‬
‫تحصيل هذه الشرائط الظنية ل يفيد العلم بثبوت‬
‫الخبر‪ .‬لننا نفرق بين الظن الذي يلحق إدراك‬
‫الباحث عن استيفاء هذه الشرائط في أحد الخبار‪،‬‬
‫وبين الظن الذي يلحق الخبر في ثبوته ولو بعد‬
‫القطع باستيفاء شروطه‪ .‬لن تحقق هذه الشرائط‬
‫ل يزيد على قول الناقد صادقًا‪ :‬أنا أقطع بتحقق‬
‫شرائط الصحة الظنية في هذا الخبر‪.‬‬
‫وقد أدى الخلط بين الموضعين إلى اختلط مفهوم‬
‫الصحة اللغوي بالمفهوم الصطلحي في عبارات‬
‫بعض المحدثين‪ .‬فالحافظ السيوطي رحمه الله‬
‫ينص على التفريق بين المفهومين فيقول‪) :‬وإذا‬
‫قيل‪ :‬هذا حديث صحيح فهذا معناه ما اتصل سنده‬
‫مع الوصاف المذكورة فقبلناه عمل ً بظاهر السناد‪،‬‬
‫‪ ()1‬الرواة الثقات المتكلم فيهم بما ل يوجب رد حديثهم ‪-24‬‬
‫‪.26‬‬

‫‪105‬‬
‫ل أنه مقطوع به في نفس المر لجواز الخطأ‬
‫والنسيان على الثقة خلفا ً لمن قال إن خبر الواحد‬
‫)‪(1‬‬
‫يوجب القطع(‬
‫ثم تننبه السيوطي رحمه الله إلى ما وقع به بعض‬
‫المحدثين من اضطراب عند ادعاء تطابق الصحة‬
‫الصطلحية مع القطع واليقين‪ .‬فقال‪) :‬قال – ابن‬
‫الصلح ‪: -‬وهذه النواع التي ذكرناها ل يحصل العلم‬
‫فيها إل للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال‬
‫الرواة والعلل‪ .‬وكون غيره ل يحصل له العلم‬
‫لقصوره عن الوصاف المذكورة ل ينفي حصول‬
‫العلم للمتبحر المذكور‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪ :‬وأنا مع ابن الصلح فيما عول عليه‬
‫وأرشد إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو الذي أختاره ول أعتقد سواه‪.‬‬
‫نعم يبقى الكلم في التوفيق بينه وبين ما ذكره أول ً‬
‫من المراد بقولهم‪:‬هذا حديث صحيح أنه وجدت فيه‬
‫شروط الصحة‪ ،‬ل أنه مقطوع به في نفس المر‪،‬‬
‫فإنه مخالف لما هنا فلينظر في الجمع بينهما فإنه‬
‫)‪(2‬‬
‫عسر ولم أر من بينه(‬
‫والذي يبدو لي في بيانه أنه ل منازعة في أن العالم‬
‫العارف ربما يحصل له العلم باستيفاء الشروط‬
‫المعتبرة في الحكم بالصحة‪ .‬ول منازعة في تسمية‬
‫الخبر الذي يستوفي هذه الشرائط خبرا ً صحيحا ً في‬
‫الصطلح‪ .‬ولكنا نفرق بين القطع بتحصيل هذه‬
‫الشرائط في خبر من الخبار وبين القطع بثبوت هذا‬
‫الخبر‪ .‬وموضع النزاع يتحدد في أن هذه الشرائط‬
‫هل يفيد العلم باستيفائها العلم بثبوت الخبر على‬
‫سبيل القطع واليقين؟ فل نسلم أن القطع باستيفاء‬
‫هذه الشرائط يوجب القطع بثبوت الخبر ويرفع‬
‫‪ ()1‬تدريب الراوي ‪1/75‬‬
‫‪ ()2‬تدريب الراوي ‪1/134‬‬

‫‪106‬‬
‫احتمالت الوهم أو النسيان ونحوها مما ُيلحق الظن‬
‫بإفاد الخبر‪ .‬فالقطع مثل ً باستيفاء الراوي لشرط‬
‫الضبط في جملة أخباره ل يلزم منه القطع بصدقه‬
‫في كل خبر من أخباره‪ .‬كما نص عليه المحدثون‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬اشتراط السلمة من الشذوذ دليل‬
‫على تجويز الخطأ والوهم في رواية الثقة‪ .‬فمن‬
‫المعروف أن تصحيح الرواية ل ُيكتفى فيه بعدالة‬
‫الراوي وضبطه‪ ،‬بل ل بد فيه من اشتراط سلمته من‬
‫الشذوذ والعلة‪ .‬فكيف ُيتصور تحصيل العلم برواية‬
‫العدل الضابط مع العتراف بإمكان مخالفته لمن هو‬
‫أولى منه؟‬
‫وقد نص السيوطي على وقوع الختلف في روايات‬
‫الثقات‪ ،‬ونص على أن المتقدمين من المحدثين‬
‫يصححون بعض ما اختلف فيه الثقات فقال رحمه‬
‫الله‪ ):‬قال شيخ السلم‪ :‬السناد إذا كان متصل‬
‫ورواته كلهم عدول ً ضابطين فقد انتفت عنه العلل‬
‫الظاهرة‪ .‬ثم إذا انتفى كونه معلول ً فما المانع من‬
‫الحكم بصحته؟ فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو‬
‫أوثق منه أو أكثر عددا ً ل يستلزم الضعف بل يكون‬
‫من باب صحيح وأصح‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولم ُيرو مع ذلك عن أحد من أئمة الحديث‬
‫اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة وإنما‬
‫الموجود من تصرفاتهم تقديم بعض ذلك على بعض‬
‫في الصحة‪.‬‬
‫وأمثلة ذلك في الصحيحين وغيرهما‪ .‬فمن ذلك أنهما‬
‫أخرجا قصة جمل جابر من طرق‪ ،‬وفيها اختلف كثير‬
‫في مقدار الثمن‪ ،‬وفي اشتراط ركوبه‪ .‬وقد رحج‬
‫البخاري الطرق التي فيها الشتراط على غيرها مع‬
‫تخريج المرين‪ .‬ورجح أيضا ً كون الثمن أوقية مع‬

‫‪107‬‬
‫)‪(1‬‬
‫تخريجه ما يخالف ذلك‪(...‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن خبر الثقة يفيد العلم والقطع بعد الحكم‬
‫بسلمته من الشذوذ والمخالفة؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن الكلم في تجويز الوهم وإمكان وقوعه‬
‫في رواية الثقة‪ .‬وهذا التجويز هو الذي أوجب على‬
‫النقاد تنقيب روايات الثقات واشتراط السلمة من‬
‫المخالفة في اعتبار الصحة‪ .‬وإذا حكم الناقد بنفي‬
‫وجدان المخالفة فل يدل نفي وجدانها على نفي‬
‫إمكانها ونفي إحتمال وقوعها‪ .‬فيقتصر أثر حكم النقاد‬
‫بعدم الوجدان على استيفاء شرائط الصحة‬
‫الصطلحية‪ ،‬ويبقى حصول الوهم على إمكانه‬
‫وتجويزه‪ .‬وهو الذي يمنع من ادعاء تحصيل القطع‬
‫بخبر الثقة‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬اشتراط السلمة من العلة القادحة‬
‫يدل على أن خبر الثقة ل يفيد العلم‪.‬‬
‫فكيف ُيتصور أن يفيد خبر الثقة العلم مع اشتراط‬
‫سلمته من العلل مع ما هو معلوم في مبحث العلل‬
‫من خفاءها واختلف المصنفين والنقاد في تصحيح‬
‫بعض الخبار وتعليلها‪ .‬ومع ما هو معلوم من اختلف‬
‫الناس في قبول حكم المصحح أو المعلل‪.‬‬
‫م‬‫حك ٌ‬‫وأوضح من ذلك أن حكم الناقد بتعليل الخبر ُ‬
‫م ظني‪ .‬ولو كان خبر‬ ‫نص المحدثون على أنه حك ٌ‬
‫الثقة يفيد العلم لما جاز تعليله بالظن قال السيوطي‪:‬‬
‫)والعلة عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر‬
‫السلمة منه‪ ،‬ويتطرق إلى السناد الجامع شروط‬
‫الصحة ظاهرًا‪ ،‬وتدرك بتفرد الراوي وبمخالفة غيره‬
‫ف‬
‫ل أو وق ٍ‬ ‫له مع قرائن تنبه العارف على وهم ٍ بإرسا ٍ‬
‫ث في حديث‪ .‬ذلك بحيث يغلب على‬ ‫أو دخول حدي ٍ‬

‫‪ ()1‬تدريب الراوي ‪ .67 /1‬وقد سبقت الشارة إلى اختلف‬


‫روايات الحادثة في الصحيحين ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف(‬
‫سابعًا‪ :‬تقسيم الحديث الصحيح إلى مراتب‬
‫تتفاضل في درجات الثبوت يدل على إفادته الظن‪.‬‬
‫قال ابن الصلح‪ ) :‬ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في‬
‫القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة‬
‫التي تنبني الصحة عليها‪ ،‬وتنقسم باعتبار ذلك إلى‬
‫أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر‪ ،‬ولهذا‬
‫نرى المساك عن الحكم لسناد أو حديث بأنه الصح‬
‫على الطلق()‪.(2‬‬
‫وهذا العتراف بتفاوت الخبار الصحيحة في درجات‬
‫ثبوتها وانقسامها إلى الصحيح والصح ل ُيتصور إذا‬
‫كان الصحيح يفيد القطع بثبوته‪ .‬فل يتصور في خبر‬
‫ل‪ ،‬لن القطع‬ ‫متواتر أن يكون أصح من خبر متواتر مث ً‬
‫يعني نفي أدنى درجات الشك والوهم‪ .‬ومع اشتراك‬
‫الخبرين في تحصيل هذه الرتبة ل يبقى إمكان لتصور‬
‫التفاضل في درجات الثبوت‪ .‬أما الخبار الظنية فهي‬
‫التي تكون محل ً لتفاوت درجات الظن تفاوتا ً يؤذن‬
‫بالتفاضل في درجات الثبوت بعد الشتراك في أصل‬
‫الوصف بالصحة‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬قبول الرواية بالمعنى واتفاق جمهور المحدثين‬
‫على جواز الرواية بالمعني وعدم اعتبار أداء اللفظ‬
‫في شرائط الصحة يمنع من تحصيل القطع‪ .‬فالرواية‬
‫بالمعنى تحيل القطع بصدور اللفظ عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬ومعلوم أن تصرف بعض الرواة‬
‫ببعض اللفاظ التي حسبوها توافق المعنى المراد‬
‫كان من أهم أسباب الخلف الذي حصل في مسائل‬
‫العتقاد‪ .‬ول شك أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫هو اللفظ المعصوم دون اللفظ الذي يعده الرواي‬
‫مؤديا ً لمراد المعصوم‪ .‬والتسامح مع الرواية بالمعنى‬
‫‪ ()1‬تدريب الراوي ‪.252/ 1‬‬
‫‪ ()2‬مقدمة ابن الصلح ص ‪.18‬‬

‫‪109‬‬
‫في أبواب الحلل والحرام له ما يبرره لن الظن‬
‫الراجح حجة في هذه البواب دون العقائد‪.‬‬
‫وبهذا يثبت أن رأي جمهور المة في إفادة خبر‬
‫الحاد الظن الراجح رأي سديد يشهد له الواقع‬
‫والعيان ويثبت بالدلة المذكورة‪.‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬إفادته العلم‪.‬‬
‫صرح بإفادة خبر الحاد العلم بعض المحدثين‪ ،‬وبعض‬
‫الحنابلة‪ ،‬وأهل الظاهر‪ ،‬وتابعهم على ذلك عدد من‬
‫المعاصرين‪.‬‬
‫ومن هؤلء المحدثين الذين صرحوا بإفادته العلم‬
‫ابن قتيبة )‪ -(1‬رحمه الله ‪ -‬فقد ساق اضطراب القوال‬
‫في تحديد عدد التواتر الذي تثبت به الخبار ثم قال‪:‬‬
‫)وهذه الختيارات إنما اختلفت لختلف عقول الناس‬
‫وكل يختار على قدر عقله‪،‬ولو رجعوا إلى أن الله‬
‫تعالى إنما أرسل إلى الخلق كافة رسول ً واحدًا‪...‬‬
‫ودلهم ذلك على أن الصادق العدل صادق الخبر‪ ،‬كما‬
‫أن الرسول الواحد المبلغ عن الله تعالى صادق‬
‫الخبر()‪(2‬وسيأتي بيان ما في هذا الستدلل من نظر‪.‬‬
‫ومنهم أيضًا‪ :‬الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي‪،‬‬
‫فقد ذكر كتاب السنن للترمذي وقسمه إلى أربعة‬
‫أقسام وذكر أعلها فقال‪):‬قسم صحيح مقطوع به‬
‫ً )‪(3‬‬
‫وهو ما وافق فيه البخاري ومسلما(‬
‫ومن الحنابلة الذين صرحوا بذلك القاضي أبو يعلي‬
‫)‪(5‬‬
‫الفراء)‪ ،(4‬وابن تيميه‬
‫قال القاضي‪) :‬خبر الحاد يوجب العلم من طريق‬

‫‪ ()1‬هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة )‪ 276‬هـ(‬


‫صاحب تصانيف في فنون الداب والحديث‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العبر الذهبي ‪ ،1/937‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.4/280‬‬
‫‪ ()2‬تأويل مختلف الحديث‪ ،46 ،‬مطبعة العلوم ‪ -‬لبنان ‪ -‬لم‬
‫يذكر سنة الطبع‪.‬‬
‫‪ ()3‬شروط الئمة ‪ .21‬وانظر تدريب الراوي ‪.1/131‬‬

‫‪110‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الستدلل‪ ،‬ل من جهة الضرورة(‪.‬‬
‫وقال ابن تيميه‪) :‬الخبر الذي يجب قبوله شرعا ً ل‬
‫يكون باطل ً في نفس المر‪ ،‬ومما يحقق أن خبر‬
‫م الحجة القوية‬ ‫الواحد الواجب قبوله يوجب العلم قيا ُ‬
‫على جواز نسخ المقطوع به كما في رجوع أهل قباء‬
‫عن القبلة التي كانوا يعلمونها ضرورة من دين‬
‫)‪(2‬‬
‫الرسول بخبر الواحد(‬
‫ومن أهل الظاهر الذين صرحوا بذلك‪ :‬ابن حزم إذ‬
‫يقول‪) :‬إذا جاء خبر الراوي الثقة عن مثله مسندا ً إلى‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مقطوع به على‬
‫)‪(3‬‬
‫أنه حق من عند الله عز وجل(‬
‫ويقول‪) :‬ما نقله الواحد عن الواحد واتصل برواية‬
‫العدول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب‬
‫ً )‪(4‬‬
‫العمل به ووجب العلم بصحته أيضا(‬
‫ومن المعاصرين الذين صرحوا بإفادة خبر الحاد‬

‫‪ ()4‬هو أبو يعلى محمد بن الحسين )‪ (458‬شيخ الحنابلة في‬


‫عصره وله تصانيف في الفقه والصول‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/309‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/331‬‬
‫‪ ()5‬هو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم )ابن تيمية الحراني(‬
‫إمام علم‪ ،‬غزير التصنيف‪ ،‬كثير التحرير‪ ،‬ربما يلغت مصنفاته‬
‫ثلث مائة مجلد‪ ،‬لقب بشيخ السلم‪ ،‬انظر العلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.1/141‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬أصول مذهب أحمد‪ ،‬التركي ‪.251‬‬
‫‪ ()2‬المسودة ‪.244‬‬
‫‪ ()3‬هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري )‪ 456‬هـ(‬
‫من علماء الندلس‪ ،‬كان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن‬
‫وسعة الطلع على العلوم المختلفة والمذاهب والملل‪ ،‬وفيه‬
‫يقال‪ " :‬لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان " إشارة إلى‬
‫ما اشتد به ابن حزم على علماء الئمة من نقد وتقريع‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/306‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.5/59‬‬
‫‪ ()4‬النبذ الكافية في أحكام أصول الدين ‪ ،33‬تحقيق محمد‬
‫أحمد عب العزيز‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪1985‬م‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫العلم الدكتور صبحي الصالح )‪(1‬والدكتور محمد عجاج‬
‫الخطيب)‪ (2‬والدكتور عمر الشقر)‪ (3‬وناصر الدين‬
‫اللباني)‪ (4‬وغيرهم‪.‬‬

‫بيان وهم من حكى هذا الرأي عن الئمة‬


‫الشافعي ومالك وأحمد وغيرهما‪:‬‬
‫وهم غير واحد من المتقدمين والمتأخرين في نسبة‬
‫القول بإفادته العلم إلى المام الشافعي‪ .‬ومن هؤلء‬
‫ابن القيم إذ يقول‪) :‬وقد صرح الشافعي في كتبه بأن‬
‫خبر الواحد يفيد العلم‪ ،‬ونص على ذلك صريحا ً في‬
‫كتاب اختلف مالك‪ ،‬ونصره في الرسالة‪ ،‬على أنه ل‬
‫يوجب العلم الذي يوجبه نص الكتاب والخبر‬
‫)‪(5‬‬
‫المتواتر(‪.‬‬
‫ونقل ابن القيم نص الشافعي فقال‪) :‬قال في‬
‫الرسالة‪ :‬فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي‬
‫قد يختلف الخبر فيه فيكون الخبر محتمل ً للتأويل‪،‬‬
‫وجاء الخبر فيه من طريق النفراد‪ ،‬فالحجة فيه عندي‬
‫أن يلزم العالمين حتى ل يكون لهم رد ما كان‬
‫منصوصا ً منه‪ ،‬كما يلزمهم أن يقبلوا شهادته‪ ،‬ل أن‬
‫ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن‬
‫رسول الله‪.‬‬
‫ب‪ ،‬وقلنا‪ :‬ليس‬ ‫فلو شك في هذا شاك لم نقل له‪ :‬ت ُ ْ‬
‫ن كنت عالما ً ‪ -‬أن تشك كما ليس لك إل أن‬ ‫لك ‪ -‬إ ْ‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬علوم الحديث ‪.151‬‬
‫‪ ()2‬أصول الحديث ‪.165‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬أصل العتقاد ‪ ،34‬طبعة دار النفائس ‪ -‬الكويت ‪-‬‬
‫‪.1990‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة ‪ 9‬طبعة‬
‫دار السلفية ‪ -‬الكويت ‪ -‬و )الحديث حجة بنفسه ففي الحكام‬
‫والعقائد ‪ ،15‬طبعة الدار السلفية ‪ 1400‬هـ(‪.‬‬
‫‪()5‬انظر‪ :‬مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة‪،‬‬
‫‪ ،2/476‬طبعة رئاسة إدارات البحوث والفتاء ‪ -‬الرياض‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ن أمكن فيهم‬ ‫تقضي بشهادة الشهود العدول‪ ،‬وإ ْ‬
‫الغلط‪ ،‬ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والله ولي ما غاب عنك منهم(‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وممن تابع ابن القيم على هذا القول‪ ،‬اللباني‬
‫والشقر)‪ (3‬والمين الحاج محمد‪ (4).‬وزعم اللباني أن‬
‫ص على ذلك فقال‪) :‬وقد نص على‬ ‫المام الشافعي ن ّ‬
‫أن خبر الواحد يفيد العلم المام مالك والشافعي‪.(....‬‬
‫)‪(5‬‬

‫أما المام مالك فل يصح سند الرواية إليه في‬


‫المسألة‪.‬‬
‫وأما المام الشافعي فلم ينص على ذلك‪ ،‬وإنما فُهِ َ‬
‫م‬
‫من كلمه‪ ،‬وهو فهم خاطئ‪.‬‬
‫ومعرفة مراد الشافعي من ألفاظ عبارته يعين على‬
‫استنباط رأيه في إفادة خبر الحاد‪.‬‬
‫أما خبر العامة فالمراد به‪ :‬ما ينقله العامة عن العامة‬
‫أو الجمع عن الجمع‪ ،‬والمراد به الخبر المتواتر‪.‬‬
‫والمراد بخبر الخاصة‪ :‬ما سوى المتواتر من الخبار‬
‫التي يرويها عدد مخصوص عن عدد مخصوص‪.‬‬
‫والمراد بالحاطة عند الشافعي‪):‬كل ما عُِلم أنه حق‬
‫)‪(6‬‬
‫في الظاهر والباطن ُيشهد به على الله(‪.‬‬
‫وبعد فهم هذه اللفاظ يتضح أن الشافعي رحمه الله‬
‫يفرق بين خبر العامة وخبر الخاصة‪ ،‬فخبر العامة‬
‫ونص الكتاب يفيدان الحاطة‪ ،‬ول يفيدها خبر الخاصة‪.‬‬
‫ويسوي الشافعي بين قبول خبر الخاصة وقبول‬
‫الشهادة‪ ،‬وكلهما ظني يمكن فيه الغلط ولكن وجب‬

‫الرسالة‪.4610،‬‬ ‫‪( )1‬‬


‫وجوب الخذ بأحاديث الحاد ‪.23‬‬ ‫‪()2‬‬
‫انظر‪ :‬أصل العتقاد ‪.22‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫حجية أحاديث الحاد ‪.67‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫وجوب الخذ بحديث الحاد ‪.23‬‬ ‫‪()5‬‬
‫الم ‪.7/255‬‬ ‫‪() 6‬‬

‫‪113‬‬
‫العمل على ظاهر صدقهم‪ ،‬والله ولي ما غاب عنا‬
‫منهم‪.‬‬
‫وفي كلم الشافعي إشارات أخرى إلى عدم إفادة‬
‫العلم خبر الحاد عنده‪ .‬ومن ذلك قول الشافعي‬
‫ت‪:‬يلزمك أن تثبت‬ ‫ت‪ :‬نعم‪ ،‬قل ُ‬ ‫لمناظره‪ ....) :‬فإن قل َ‬
‫)‪(1‬‬
‫خبر الواحد على ما يمكن فيه من الغلط(‪.‬‬
‫بل عموم مناظرة المام الشافعي للزام مناظره‬
‫بإثبات حجية خبر الحاد في إثبات الحكام الشرعية‬
‫على ما يمكن فيه من الخطأ والسهو‪.‬‬
‫ولهذا ل تصح نسبة القول بإفادة العلم من أخبار‬
‫الحاد إلى المام الشافعي‪ ،‬وعبارة الشافعي التي‬
‫فهم منها ابن القيم ومتابعوه أن الشافعي يقول‬
‫بإفادة خبر الحاد العلم ل تدل على ذلك أبدا ً بل يفهم‬
‫منها خلف ذلك بل تكلف ول تأويل‪ .‬أما أن الشافعي‬
‫نص على ذلك ‪ -‬كما قال الشيخ اللباني‪ ،‬فهو وهم‬
‫ظاهر‪.‬‬
‫ونسب ابن حزم هذا الرأي إلى الحارث المحاسبي‬
‫وأبي سليمان الخطابي وقال‪) :‬ذكره ابن خويز منذاد‬
‫عن مالك بن أنس(‪ (2).‬وهو واهم في هذه النسبة‪.‬‬
‫أما الحارث المحاسبي فقد وقف الزركشي على كلم‬
‫له مخالف لما نسبه إليه‪ .‬يقول الزركشي تعليقا ً على‬
‫كلم ابن حزم‪):‬وفيما حكاه عن الحارث نظر‪ ،‬فإني‬
‫رأيت كلمه في كتاب)فهم السنن( نقل عن أكثر أهل‬
‫الحديث وأهل الرأي والفقه أنه ل يفيد العلم‪ ،‬ثم‬
‫قال‪":‬وقال أقلهم يفيد العلم"‪ ،‬ولم يخبر شيئًا‪ ،‬واحتج‬
‫بإمكان السهو والغلط من ناقله كالشاهدين‪ ،‬يجب‬
‫)‪(3‬‬
‫العمل بقولهما ل العلم(‪.‬‬
‫وأما المام الخطابي فقد نقل عنه تلميذه الحافظ‬
‫‪ ()1‬نفس المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()2‬الحكام‪.1/106،‬‬
‫‪()3‬انظر البحر المحيط ‪.263-4/262‬‬

‫‪114‬‬
‫البيهقي في عدة مواطن من كتابه السماء والصفات‬
‫أن خبر الحاد ل يفيد العلم‪ .‬ومن ذلك أن الخطابي‬
‫قال تعليقا ً على حديث أخرجه الشيخان في حمل‬
‫السماوات على إصبع والرضين على إصبع‪(1) ..‬قال‪:‬‬
‫)الصل في إثبات الصفات أنه ل يجوز إل أن يكون‬
‫بكتاب ناطق أو خبر مقطوع بصحته‪ .....‬وذكر الصابع‬
‫لم يوجد في شيء من الكتاب ول من السنة التي‬
‫)‪(2‬‬
‫شرطها في الثبوت ما وصفناه(‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما نقل ابن خويز عن مالك فل يصح سندا‪ ،‬لن ابن‬
‫خويز معروف بنقل القوال الشاذة عن مالك وذكر‬
‫الحافظ ابن حجر أمثلة لما شذ به عن مالك وقال‪:‬‬
‫)عنده شواذ عن مالك‪ ،‬واختيارات وتأويلت لم يعرج‬
‫عليها حذاق المذهب‪ ....‬وقد تكلم فيه أبو الوليد‬
‫الباجي ولم يكن بالجيد النظر ول بالقوي في الفقه‪،‬‬
‫ً )‪(3‬‬
‫وطعن ابن عبد البر فيه أيضا(‪.‬‬
‫وقال الزركشي تعليقا ً على ما نسبه ابن خويز إلى‬
‫مالك‪...) :‬ونازعه الماَزري‪ ،‬وقال‪ :‬لم يعثر لمالك على‬
‫نص فيه‪ :‬ولعله رأى مقالة تشير إليه‪ ،‬ولكنها متأولة(‬
‫)‪(4‬‬

‫وكثيرا ً ما ُينسب القول بإفادة العلم من أخبار‬


‫الحاد إلى المام أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫وليس في عبارات المام نص صريح‪ ،‬واعتماد‬
‫المتقدمين والمعاصرين في نسبة شيء إلى المام‬
‫أحمد على عباراته التي نقلت عنه تعليقا ً على بعض‬
‫الحاديث‪.‬‬

‫‪ ()1‬سيأتي تخرجه موسعا ً في الباب الثاني‪.‬‬


‫‪ ()2‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪.421‬‬
‫‪ ()3‬لسان الميزان ‪ ،5/291‬وانظر‪ :‬صحيح شرح العقيدة‬
‫الطحاوية‪ ،‬حسن بن علي السقاف ‪،140‬طبعة دار المام‬
‫النووي‪-‬عمان‪.1995-‬‬
‫‪ ()4‬البحر المحيط ‪.4/262‬‬

‫‪115‬‬
‫فمثل ً جاء في رسالة بعثها المام أحمد إلى مسدد بن‬
‫)‪(2‬‬
‫مسرهد)‪...):(1‬ونشهد للعشرة أنهم في الجنة‪.(...‬‬
‫فيقول ابن تيميه رحمه الله‪) :‬يشهد المام أحمد‬
‫للعشرة بالجنة والخبر فيه)‪ (3‬خبر واحد‪ ..‬وهو يقتضي‬
‫)‪(5‬‬
‫أنه يفيد العلم()‪ (4‬وتابعه على ذلك تلميذه ابن القيم‪.‬‬
‫ويقول القاضي أبو يعلي‪) :‬جاء في رواية حنبل بن‬
‫إسحاق أن المام أحمد قال في أحاديث الرؤية نؤمن‬
‫بها ونعلم أنها حق( ويقول القاضي تعليقًا‪) :‬فقطع‬
‫على العلم بها‪ ،‬وذهب إلى ظاهر هذا الكلم جماعة‬
‫من أصحابنا‪ ،‬وقالوا‪ :‬خبر الواحد إن كان شرعيا ً أوجب‬
‫العلم‪ ،‬وهذا عندي محمول على وجه صحيح من كلم‬
‫)‪(6‬‬
‫أحمد رحمه الله(‪.‬‬
‫هذه بعض النصوص التي ألزم بها القاضي أبو يعلى‬
‫وابن تيميه وتلميذه ابن القيم المام أحمد بالقول‬
‫‪ ()1‬هو أبو الحسن البصري‪ ،‬مسدد بن مسرهد )‪ 228‬هـ(‬
‫كان حافظا ً حجة من الئمة المصنفين في الحديث‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫ترجمته في العبر الذهبي ‪ ،1/316‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.8/108‬‬
‫‪ ()2‬انظر مناقب المام أحمد‪ ،‬ابن الجوزي ‪.169‬‬
‫‪ ()3‬جاء في تبشير العشرة بالجنة أكثر من حديث‪ ،‬جمع ابن‬
‫سعد عددا ً منها‪ ،‬انظر‪ :‬القباس النيرة في فضائل العشرة‬
‫المبشرة كما في طبقات ابن سعد‪ .‬جميل إبراهيم ‪-282‬‬
‫‪ ،284‬طبعة دار المكتبة العالمية ‪ -‬بغداد ‪1989‬م‪.‬ومن هذه‬
‫الحاديث ما أخرجه الترمذي بسنده عن عبد الرحمن بن‬
‫عوف قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬أبو بكر‬
‫في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة‬
‫وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف‬
‫في الجنة وسعد في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو‬
‫عبيدة في الجنة( كتاب المناقب ‪ ،26/3747‬وانظر تحفة‬
‫الشراف ‪.7/208 ،4/4‬‬
‫‪ ()4‬انظر المسودة ‪.242‬‬
‫‪ ()5‬مختصر الصواعق ‪.2/474‬‬
‫‪ ()6‬العدة في أصول الفقه )مخطوط( نقل ً عن أصول مذهب‬
‫أحمد ‪ -‬التركي ‪.251‬‬

‫‪116‬‬
‫بإفادة خبر الحاد العلم‪.‬‬
‫مع أن القاضي أبا يعلى قد نقل تصريحا ً للمام أحمد‬
‫يخالف ذلك‪ ،‬فيقول القاضي‪) :‬رأيت في كتاب معاني‬
‫ث جمع أبي بكر الثر عن المام أحمد أنه‬ ‫الحدي َ‬
‫قال‪ ...:‬إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم‬
‫ت الله تعالى به‪ ،‬ول أشهد أن النبي‬ ‫والفرض‪ ،‬وِدن ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ذلك‪.(...‬‬
‫ففي هذا الكتاب الذي اطلع عليه القاضي ينسب‬
‫الثرم )‪ (2‬تلميذ المام أحمد إلى أستاذه قول ً صريحا ً‬
‫في عدم إفادته العلم من خبر الحاد الموجب للعمل‪،‬‬
‫فل يظهر داع بعد ذلك إلى الجتهاد في تخريج أقواله‬
‫الخرى لتدل على ما يخالف صريح قوله‪.‬‬
‫وابن القيم رحمه الله يطعن في ما نسبه أبو بكر‬
‫الثرم إلى إمامه أحمد بن حنبل رحمه الله فيقول‪:‬‬
‫)وأما رواية الثرم عن المام‪ ...‬فهذه رواية انفرد بها‬
‫الثرم‪ ،‬وليست في مسائله‪ ...‬وإنما حكى القاضي أنه‬
‫وجدها في كتاب معاني الحديث‪ ،‬والثرم لم يذكر أنه‬
‫سمع ذلك منه‪ ،‬بل لعله بلغه عنه من واهم وهم عليه‬
‫)‪(3‬‬
‫في لفظه‪.(...‬‬
‫والحق أن هذه الحتمالت التي ذكرها ابن القيم ل‬
‫تضعف رواية الثرم‪ ،‬وهو أعرف بما ينقله عن شيخه‬
‫‪ ()1‬نفسه‪.‬‬
‫الثرم هو‪ :‬أبو بكر الثرم أحمد بن محمد الطائي )‪ 261‬هـ(‬
‫أحد الئمة العلم‪ ،‬حافظ من حفاظ الحديث وكان من أذكياء‬
‫المة‪ ،‬أخذ العلم عن المام أحمد وغيره‪ ،‬انظر العبر‪ ،‬الذهبي‬
‫‪ ،1/374‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.1/194‬‬
‫‪ ()2‬الثرم هو‪ :‬أبو بكر الثرم أحمد بن محمد الطائي )‪261‬‬
‫هـ( أحد الئمة العلم‪ ،‬حافظ من حفاظ الحديث وكان من‬
‫أذكياء المة‪ ،‬أخذ العلم عن المام أحمد وغيره‪ ،‬انظر العبر‪،‬‬
‫الذهبي ‪ ،1/374‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.1/194‬‬
‫‪ ()3‬مختصر الصواعق ‪.2/474‬‬

‫‪117‬‬
‫المام أحمد‪ ،‬ول يضيره أن يتفرد بهذه الرواية عن‬
‫إمامه لنه ثقة حافظ‪.‬‬
‫وقد اعتمد هذه الرواية كبار الصوليين من الحنابلة‪،‬‬
‫وصرحوا بأن خبر الحاد ل يفيد بنفسه العلم‪ ،‬ومنهم‬
‫)‪(3‬‬
‫أبو الخطاب )‪ (1‬وابن برهان )‪ (2‬وابن قدامة‪.‬‬
‫وقد استبعد غير واحد من العلماء نسبة هذا القول‬
‫إلى المام أحمد‪ .‬فيقول شارح المسّلم بعد ذكر‬
‫النسبة إليه‪ ...) :‬وهذا بعيد عن مثله فإنه مكابرة‬
‫)‪(4‬‬
‫ظاهرة(‪.‬‬
‫ويقول ابن بدران من الصوليين الحنابلة‪ ...) :‬وكيف‬
‫يليق بمثل إمام السنة أن يدعي هذه الدعوى ؟ وفي‬
‫)‪(5‬‬
‫ة صحيحة ؟(‬‫أي كتاب رويت عنه رواي ً‬
‫وينفي ابن بدران صحة نسبة القول بإفادة خبر الحاد‬
‫بنفسه العلم إلى المام أحمد‪ ،‬ويذكر أنها مخّرجة‬
‫)‪(6‬‬
‫على كلمه وليست من صريح كلمه‪.‬‬
‫خّرج‬‫وغاية ما تدل عليه عبارات المام أحمد التي ُ‬
‫عليها هذا القول أن المام جزم بمضمون الخبار‬
‫الواردة في رؤية المؤمنين لربهم عز وجل وبمضمون‬
‫الخبر الوارد في تبشير العشرة بالجنة‪ .‬ول يلزم من‬
‫ذلك أنه يجزم بمضمون كل خبر آحادي‪.‬‬
‫ول نسلم أن إثبات رؤية الله عز وجل تستلزم القول‬
‫بإفادة خبر الحاد بنفسه العلم‪ ،‬لن الرؤية ثابتة في‬
‫أخبار كثيرة وهي زيادة على ذلك موافقة لصل في‬
‫كتاب الله عز وجل ‪ -‬كما سيأتي بيانه‪-‬ول نسلم أن‬
‫الشهادة للعشرة المبشرة بالجنة مستفادة من خبر‬

‫‪()1‬التمهيد ‪.3/58‬‬
‫‪ ()2‬الوصول ‪.2/172‬‬
‫‪ ()3‬نزهة الخاطر ‪.1/261‬‬
‫‪ ()4‬فواتح الرحموت ‪.2/121‬‬
‫‪ ()5‬نزهة الخاطر ‪.1/261‬‬
‫‪ ()6‬نفسه ‪.1/260‬‬

‫‪118‬‬
‫المخبر فقط‪ ،‬بل يدل عليه أيضا ً انتشار القول به‬
‫وإمساك الصحابة الكرام عن تكذيبه‪ ،‬فيحمل سكوُتهم‬
‫على القرار والشهادة به‪ -‬كما سيأتي بيانه‪-‬‬
‫ويمكن أن يقال بعد هذا‪ ،‬إن نسبة القول بإفادة خبر‬
‫الحاد بنفسه العلم ل تصح إلى أحد من الئمة مالك‬
‫والشافعي وأحمد‪ ،‬وقد حاول ابن حزم وموافقوه أن‬
‫يدعموا مذهبهم بموافقة الئمة معتمدين على روايات‬
‫ضعيفة وعبارات غير صريحة‪ .‬فالولى أن يكتفى بذكر‬
‫الدلة التي اعتمدوا عليها في إثبات رأيهم في‬
‫المسألة‪ .‬ويمكن إجمال أدلتهم في أربعة أدلة‪.‬‬
‫الدلة التي احتج أصحاب هذا الرأي والنظر‬
‫فيها‪:‬‬
‫الدليل الول‪ :‬استدل به ابن حزم وتابعه عليه ابن‬
‫)‪(3‬‬
‫القيم )‪ (1‬واللباني )‪ (2‬والمين الحاج‬
‫وحاصله أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ الذكر‬
‫فقال عز وجل‪) :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬
‫ً‬
‫لحافظون(‪ (4).‬والذكر يشمل القرآن والسنة معا‪ ،‬لن‬
‫كليهما وحي من عند الله عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وما‬
‫ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى()‪ (5‬ثم يقول‬
‫ابن حزم‪) :‬فأخبر تعالى ‪ -‬كما قدمنا ‪ -‬أن كلم نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم كله وحي‪ ،‬والوحي ‪ -‬بل خوف ‪-‬‬
‫ذكر‪ ،‬والذكر محفوظ بنص القرآن‪ ،‬فصح بذلك أن‬
‫كلمه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله‬
‫عز وجل‪ ،‬مضمون لنا أنه ل يضيع منه شيء‪ ،‬فهو‬
‫ً )‪(6‬‬
‫منقول إلينا كله‪ ،‬فلله الحجة علينا أبدا(‪.‬‬

‫‪()1‬مختصر الصواعق ‪.2/394‬‬


‫‪ ()2‬الحديث حجة بنفسه ‪16‬‬
‫‪()3‬حجية أحاديث الحاد ‪.26‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (9‬من سورة الحجر‪.‬‬
‫‪ ()5‬الية )‪ (4-3‬من سورة النجم‪.‬‬
‫‪ ()6‬الحكام ‪.97-1/96‬‬

‫‪119‬‬
‫قال‪ ...) :‬ول سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل‬
‫موضوع اختلطا ً ل يتميز عن أحد من الناس بيقين‪ ،‬إذ‬
‫)‪(1‬‬
‫لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ(‪.‬‬
‫وقال‪) :‬فإن قالوا‪ :‬فإنه يلزمكم أن تقولوا إن نقلة‬
‫الخبار الشرعية معصومون في نقلها‪ ،‬وإن كل واحد‬
‫منهم معصوم في نقله من تعمد الكذب ووقوع الوهم‬
‫ت‪...‬‬ ‫منه‪ ،‬قلنا لهم‪ :‬نعم‪ :‬هكذا نقول وبهذا نقطع ون َب ُ ْ‬
‫وقد علمنا ضرورة أن كل من صدق في خبر ما فإنه‬
‫معصوم في ذلك الخبر من الكذب والوهم بل شك‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫فأي نكرة في هذا ؟(‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن الحفظ ثابت للجملة ل للحاد‪ ،‬يقول‬
‫الشاطبي )الحفظ المضمون في قوله تعالى‪ " :‬إنا‬
‫نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون")‪ (3‬المراد به حفظ‬
‫أصول الدين الكلية‪ ...‬ل أن المراد المسائل الجزئية‪،‬‬
‫إذ لو كان كذلك لم يتخلف عن الحفظ جزئي من‬
‫جزيئات الشريعة‪ ،‬وليس كذلك‪،‬لنا نقطع بالجواز‪،‬‬
‫ويؤيده الوقوع‪ ،‬لتفاوت الظنون وتطرق الحتمالت‬
‫في النصوص الجزئية ووقوع الخطأ فيها قطعًا‪ .‬وقد‬
‫وجد الخطأ في أخبار الحاد‪ ،‬فدل على أن المراد‬
‫ً )‪(4‬‬
‫بالذكر المحفوظ ما كان منه كليا(‬
‫ويقال أيضًا‪ :‬ليس النزاع في حفظ كلمه صلى‬
‫الله عليه وسلم من الضياع أو الختلط بالموضوع‪،‬‬
‫وإنما النزاع في القطع بصحة كل ما أسنده العدول‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنه هل يجوز عليهم‬
‫السهو والخطأ في شيء مما أسندوه ؟ أم يقطع‬

‫‪ ()1‬نفسه ‪.1/117‬‬
‫‪.1/117-118 ()2‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (9‬من سورة الحجر‪.‬‬
‫‪ ()4‬الموافقات في أصول الشريعة ‪ ،33-1/32‬تحقيق عبد‬
‫الله دراز وابنه محمد دراز‪ ،‬مطبعة الرحمانية ‪ -‬مصر‪ ،‬لم‬
‫يذكر سنة الطبع‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫بانتفائه ؟‬
‫ول يتم القطع بذلك إل بادعاء عصمتهم‪ ،‬وقد ادعاه‬
‫ابن حزم‪ ،‬ثم خلط بين الدليل والمدلول‪ .‬فاستدل أول ً‬
‫على صدق المخبر بلزوم القول بعصمته‪ ،‬ثم استدل‬
‫على عصمته بصدقه‪.‬‬
‫أما ادعاء العصمة فهو باطل بل شبهة‪ ،‬ويرده العيان‪،‬‬
‫لن المحدثين قد نصوا على جواز الوهم في رواية‬
‫العدول الضابطين التي يقع فيها أحدهم على سبيل‬
‫القلة والندور‪ ،‬وذكروا أمثلة لوقوع ذلك منها قول ابن‬
‫عبد البر‪) :‬ل أعلم أحدا ً من أهل العلم بالحديث‬
‫المصنفين فيه عول على حديث ابن شهاب ‪ -‬يعي‬
‫محمد بن شهاب الزهري ‪ -‬في قصة ذي اليدين‪...‬‬
‫والغلط ل يسلم منه أحد‪ ،‬والكمال ليس لمخلوق‪،‬‬
‫وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إل قول النبي صلى‬
‫)‪(1‬‬
‫الله عليه وسلم(‬
‫وروى الشافعي حديث الجارية من طريق المام مالك‬
‫‪ ()1‬وغلط الزهري في قصة ذي اليدين أنه ذكر فيها ذا‬
‫الشمالين‪ ،‬وأن القصة وقعت قبل غزوة بدر وجزم الشافعي‬
‫في اختلف الحديث ‪ 7/280‬بأنهما شخصان وقال العلئي‪:‬‬
‫)قال أبو بكر الثرم سمعت مسدد بن مسرهد يقول‪ :‬الذي‬
‫قتل ببدر هو ذو الشمالين بن عبد عمرو‪ ،‬حليف لبني‬
‫زهرة‪.‬وذو اليدين رجل من العرب‪ ،‬كان في البادية‪ ،‬فيجيء‬
‫فيصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬وقال أبو عمرو بن‬
‫عبد البر قول مسدد هذا هو قول أئمة أهل الحديث والسير(‬
‫انظر نظم الفرائد ‪ 233-206‬وساق الحافظ العلئي كثيرا ً‬
‫من الروايات في قصة ذي اليدين ثم قال‪) :‬فهذه طرق‬
‫صحيحة ثابتة يفيد مجموعها العلم النظري أن أبا هريرة‬
‫رضي الله عنه كان حاضرا ً القصة يومئذ‪.‬ول خلف أن أبا‬
‫هريرة كان إسلمه سنة سبع‪ ،‬عام خيبر‪ ،‬ثم ل خلف بين أهل‬
‫السير أن ذا الشمالين استشهد يوم بدر( انظر نظم الفرائد‬
‫‪.205‬والجمع بين الروايتين غير ممكن كما في نظم الفرائد‪،‬‬
‫العلئي ‪.216‬وقد أطال الحافظ العلئي في ذكر الروايات‬
‫وتخريجها والكلم عليها‪ ،‬انظر نظم الفرائد ‪218-202‬‬

‫‪121‬‬
‫عن هلل بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن‬
‫الحكم قال‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪(1‬‬
‫بجارية‪(...‬‬
‫ثم قال الشافعي‪) :‬وهو معاوية بن الحكم‪...‬وأظن‬
‫مالكا ً لم يحفظ اسمه()‪ (2‬وقال السيوطي‪) :‬قال ابن‬
‫عبد البر‪ :‬هكذا قال مالك‪ :‬عمر بن الحكم وهو وهم‬
‫‪(3).‬‬
‫عند جميع أهل العلم(‬
‫وصنيع المحدثين يدل على نفيهم العصمة عن العدول‬
‫الثقات‪ ،‬ويظهر ذلك في حكمهم على الحديث‬
‫بالشذوذ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪) :‬الشاذ‪ :‬ما رواه المقبول‬
‫مخالفا ً لمن هو أولى منه()‪ (4‬وقال‪) :‬الشاذ راويه ثق ٌ‬
‫ة‬
‫‪(5).‬‬
‫أو صدوق(‬
‫ً‬
‫وعلى هذا لو كان الثقة معصوما ما تصورنا منه‬
‫مخالفة من هو أولى منه‪ ،‬وهذا يكفي في إبطال‬
‫)‪(6‬‬
‫الدليل الول الذي استدل به ابن حزم‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬أن العمل بخبر الواحد واجب‬
‫اتفاقًا‪ ،‬ول عمل إل عن علم‪ ،‬لن الله عز وجل قال‬
‫)ول تقف ما ليس لك به علم()‪ (7‬وقال‪) :‬قل إنما‬
‫حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم‬

‫‪ ()1‬الرسالة ‪ 75‬والحديث في الموطأ في باب ما يجوز في‬


‫العتق من الرقاب الواجبة‪ ،‬انظر تنوير الحوالك ‪ 3/5‬وسيأتي‬
‫تخريجه موسعًا‪.‬‬
‫‪ ()2‬الرسالة ‪.76‬‬
‫‪ ()3‬تنوير الحوالك ‪.3/5‬‬
‫‪ ()4‬انظر لقط الدرر ‪.54‬‬
‫‪ ()5‬نفسه ‪.55‬‬
‫‪ ()6‬وانظر إبطال ذلك أيضا ً في الساس في التقديس‪،‬‬
‫الرازي ‪.168‬‬
‫‪ ()7‬الية )‪ (36‬من سورة السراء‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫والبغي بغير الحق‪ ،‬وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به‬
‫)‪(1‬‬
‫سلطانا ً وأن تقولوا على الله ما ل تعلمون(‬
‫يقول ابن حزم‪) :‬وقد صح أن الله تعالى افترض علينا‬
‫العمل بخبر الواحد الثقة‪ ...‬وحّرم القول في دينه‬
‫بالظن‪ ،‬وحّرم علينا أن نقول عليه إل بعلم‪ ،‬فلو كان‬
‫الخبر المذكور يجوز فيه الكذب أو الوهم لكنا قد‬
‫)‪(2‬‬
‫أمرنا الله تعالى بأن نقول عليه ما لم نعلم(‬
‫)‪(4‬‬
‫وتابعه على هذا الستدلل ابن القيم )‪ (3‬والشوكاني‬
‫)‪(7‬‬
‫واللباني )‪ (5‬والشقر)‪ (6‬والمين الحاج محمد‪.‬‬
‫وطعن الجمهور في هذا الستدلل‪.‬‬
‫يقول المدي‪ ...) :‬وجوب العمل بخبر الواحد واتباعه‬
‫في الشرعيات إنما كان بناء على انعقاد الجماع على‬
‫ذلك‪ ،‬والجماع قاطع )‪ (8‬فاتباعه ل يكون اتباعا ً لما‬
‫)‪(9‬‬
‫ليس بعلم ول اتباعا ً للظن(‪.‬‬
‫فل يلزم من وجوب العمل به إفادته العلم‪ ،‬لنا لو‬
‫سلمنا أنه ل عمل إل بعد علم فالعمل بمضمون خبر‬
‫الحاد مع القول بظنيته عمل بعد علم‪ ،‬والعلم‬
‫مستفاد من الدلة القاطعة بوجوب العمل بخبر‬
‫الحاد‪.‬‬
‫وما يجري من عبارات الصوليين نحو قولهم‪ ":‬وجوب‬
‫العمل بخبر الحاد" ففيه تساهل‪ ،‬لن نفس الخبر لو‬
‫‪ ()1‬الية )‪ (33‬من سورة العراف‪.‬‬
‫‪ ()2‬الحكام ‪.2/121‬‬
‫‪ ()3‬الصواعق المرسلة ‪.2/396‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬إرشاد الفحول ‪.49‬‬
‫‪ ()5‬الحديث حجة بنفسه ‪.50‬‬
‫‪ ()6‬أصل العتقاد ‪.49‬‬
‫‪ ()7‬حجية خبر الحاد ‪.59‬‬
‫‪ ()8‬انظر قطيعة الجماع‪ ،‬الم الشافعي ‪.7/255‬‬
‫‪ ()9‬الحكام ‪2/277‬وانظر نحوه في شرح اللمع‪،‬الشيرازي‬
‫‪،2/581‬الوصول ابن برهان ‪.171-2/170‬وفواتح الرحموت‪،‬‬
‫النصاري ‪.2/122‬‬

‫‪123‬‬
‫أوجب العمل لعلم ذلك منه‪ ،‬وهو ل يثمر علمًا‪ ،‬وإنما‬
‫وجب العمل به بدليل آخر‪ ،‬فالتحقيق أنه يجب العمل‬
‫)‪(1‬‬
‫عنده ل به‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رسله إلى‬
‫الحياء والقبائل ولو لم تقم بهم الحجة على‬
‫المبعوثين لنتفت الحكمة من بعثهم‪.‬‬
‫يقول ابن حزم‪) :‬من المحال الباطل الممتنع أن يبعث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من ل تقوم عليهم‬
‫الحجة بتبليغه‪ ،‬ومن ل يلزمهم قبول ما علموهم من‬
‫القرآن وأحكام الدين وما أفتوهم به من الشريعة‪،‬‬
‫ومن ل يجب عليهم النقياد لما أخبروهم به من كل‬
‫)‪(2‬‬
‫ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(‬
‫ول يظهر وجه للستدلل بذلك على إفادة العلم من‬
‫جملة أخبار الحاد‪.‬‬
‫وغاية ما يدل عليه قيام الحجة على أهل الحياء‬
‫والقبائل بكل ما يبلغهم به من بعثهم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وليس بين أيدينا ما يدل على تبليغهم شيئا ً من‬
‫أحاديث العقائد‪ ،‬وأصل الدعوة التي كانت تصل إلى‬
‫البلدان والنواحي هي القضايا الصلية كوجود الله عز‬
‫وجل ووحدانيته وإثبات المعاد والجنة والنار‪ ،‬وهذا‬
‫القدر ثابت في القرآن الكريم‪ ،‬وليس محتاجا ً إلى‬
‫أخبار الحاد‪.‬‬
‫ولو فرضنا أن مبعوث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حدثهم بشيء من أخبار العقائد‪ ،‬فتقوم الحجة‬
‫به عليهم‪ ،‬ويجب عليهم تصديقه‪ ،‬لكن ل يدل ذلك‬
‫على وجوب إفادة جملة أخبار الحاد العلم‪ ،‬وبيانه من‬

‫‪ ()1‬انظر البحر المحيط‪.4/261 ،‬‬


‫‪ ()2‬الحكام ‪.2/107‬‬

‫‪124‬‬
‫وجوه‪:‬‬
‫الول‪:‬‬
‫أن الفارق بين جيل الصحابة ومن بعدهم كبير فإذا‬
‫قامت الدلئل في بعض الوقائع على إفادة خبر‬
‫الصحابي العلم فل يدل ذلك على إفادة مثله بخبر‬
‫تابعي أو تابع تابعي‪ ،‬لن طبقة الصحابة اختصت‬
‫ببعض الحكام الحديثية دون غيرها من الطبقات‪.‬‬
‫فمن ذلك القطع بعدالتهم )‪ (1‬وقالوا‪ :‬ل يضر إبهام‬
‫الصحابي‪ ،‬فإذا قال الثقة من التابعين‪ :‬عن رجل من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطعن‬
‫)‪(2‬‬
‫ذلك في صحة الخبر‪.‬‬
‫وإذا سمع الصحابي حديثا ً من صحابي آخر فل يضره‬
‫أن يقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪(3‬‬
‫بإرسال الصحابي الذي سمعه منه‪.‬‬
‫فإذا قام دليل على إفادة خبر الصحابي العلم فل يلزم‬
‫منه إفادة خبر غيرهم‪ ،‬لن شرف الصحبة خصهم‬
‫بأحكام ليست لغيرهم‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪:‬‬
‫إذا قام الدليل على استفادة أهل القبائل العلم‬
‫من أخبار المبعوثين إليهم‪ ،‬فل يدل ذلك على إفادة‬
‫خبر غيرهم‪.‬‬
‫ث غير الراوي والمخِبر‪ ،‬فكأن‬ ‫سل أو المبعو َ‬ ‫لن المر َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن عدالة وضبط‬
‫من أرسله‪ ،‬وتكفل للمبعوثين بذلك‪ ،‬ول يخطر ببال‬
‫متشكك أن يتوقف في خبره برهة ليعتبر عدالته‬
‫وضبطه‪ ،‬أما الراوي فل بد من اعتبار عدالته وضبطه‪،‬‬
‫سل ورواية الراوي‪.‬‬ ‫فدل على الفارق بين نقل المر َ‬
‫الدليل الرابع‪ :‬حادثة قباء‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬قواعد التحديث‪ ،‬القاسمي ‪.200‬‬
‫‪ ()2‬انظر قواعد الحديث‪ ،‬القاسمي ‪.200‬‬
‫‪ ()3‬انظر لقط الدرر‪ ،‬عبد الله حسين خاطر ‪88‬‬

‫‪125‬‬
‫أخرج المام البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما أنه قال‪) :‬بينما الناس في صلة الصبح بقباء إذ‬
‫ت فقال‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫جاءهم آ ٍ‬
‫مر أن يستقبل‬ ‫ُ‬
‫وسلم قد أنزل عليه الليلة‪ ،‬وقد أ ِ‬
‫الكعبة فاستقِبلوها‪ ،‬وكانت وجوههم إلى الشام‬
‫)‪(1‬‬
‫فاستداروا إلى القبلة(‬
‫يقول ابن القيم‪) :‬فلول حصول العلم لهم بخبر الواحد‬
‫لم يتركوا المقطوع به لخبر ل يفيد العلم‪ ،‬وغاية ما‬
‫)‪(2‬‬
‫يقال فيه أنه خبر اقترنته قرينة(‪.‬‬
‫وليس فيه دليل على حجية خبر الحاد بنفسه‪ ،‬لنه‬
‫خبر اقترنت به قرينة‪ ،‬فالنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يقلب وجهه في السماء يترقب نزول قرآن يأمره‬
‫بالتوجه نحو الكعبة الشريفة‪.‬‬
‫أخرج البخاري بسنده عن البراء بن عازب رضي الله‬
‫عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى‬
‫بيت المقدس ستة عشر شهرا ً أو سبعة عشر شهرا‪ً،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وكان يعجبه أن تكون قبلته‪ ،‬قَِبل البيت‪.(...‬‬
‫ويثبت بهذا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على‬

‫‪ ()1‬في كتاب الصلة ‪ .32/403 ،31/399‬وفي كتاب التفسير‬


‫من سورة البقرة ‪،17/4491 ،16/4490 ،14/4488‬‬
‫‪ .4494 ،19/4493‬وفي كتاب أخبار الحاد ‪ 1/7251‬ومسلم‬
‫في كتاب المساجد ومواضع الصلة ‪ 527-2/525‬وأبو داود‬
‫في كتاب الصلة برقم ‪ .1045‬والترمذي في أبواب الصلة‬
‫‪ .255/340‬وفي أبواب التــفســـير من ســورة الــبقرة‬
‫‪ 2964-3/2962‬والنســـائي في كتاب الصلة‪2/61 ،‬‬
‫‪()2‬مختصر الصواعق ‪ ،2/394‬وقد سبق نحوه عن المسودة‪،‬‬
‫ابن تيمية ‪ 246‬وانظر أصل العتقاد‪ ،‬الشقر ‪ .47‬وحجية خبر‬
‫الحاد‪ ،‬المين ‪57‬‬
‫‪ ()3‬في كتاب التفسير من سورة البقرة ‪ ،12/4486‬وفي‬
‫كتاب الصلة ‪31/399‬والترمذي في أبواب الصلة‬
‫‪ ،139/340‬وكتاب التفسير من سورة البقرة‬
‫‪.3/2962‬وانظر‪ :‬تحفة الشراف ‪.2/39‬‬

‫‪126‬‬
‫علم برغبة النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاءهم‬
‫المخبر بما كانوا يترقبون تركوا جميعا ً ما كانوا عليه‬
‫واستداروا نحو البيت الحرام‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬ل يلزم من إفادة العلم بهذا الخبر‬
‫إفادة مثله بغيره من أخبار الحاد‪ ،‬لن ظروفا ً كثيرة‬
‫أحاطت به ل يمكن أن تحيط بغيره من الخبار‬
‫منها‪ :‬علو السناد فليس بين السامعين وبين النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إل صحابي واحد‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه ل يتصور إقدام أحد على الكذب في دين‬
‫الله عز وجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في زمن الوحي لن آيات القرآن الكريم تتابع في‬
‫فضح المنافقين وتكذيبهم‪.‬‬
‫وقد استدل ابن القيم رحمه الله بآيات من‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وتابعه على ذلك اللباني والمين‬
‫الحاج محمد‪ .‬منها قوله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫)‪(1‬‬
‫استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم(‬
‫وقوله تعالى‪) :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن‬
‫تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب عظيم(‪(2).‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫)يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول(‪.‬‬
‫)‪(3‬ونحو ذلك من اليات التي توجب اتباع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم والتزام أمره ونهيه‪.‬‬
‫ول أرى فائدة من ذكرها جميعها ووجه الستدلل بها‪،‬‬
‫لن النزاع في ثبوت ما أسنده الرواة إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم من قوله وأمره ونهيه‪ ،‬ل في وجوب‬
‫امتثال المر والنهي بعد ثبوته‪.‬‬
‫واستدل أيضا ً بوجوه أخرى ضعيفة جدا‪ً.‬‬
‫منها قوله‪) :‬إن الرسل صلوات الله عليهم كانوا‬
‫يقبلون خبر الواحد ويقطعون بمضمونه‪ ،‬فقبله موسى‬
‫‪ ()1‬الية )‪ (24‬من سورة النفال‪.‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (63‬من سورة النور‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (33‬من سورة محمد‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫من الذي جاء من أقصى المدينة قائل ً له‪ " :‬إن المل‬
‫يأتمرون بك ليقتلوك ")‪ (1‬فجزم بخبره وخرج هاربا ً من‬
‫المدينة‪ ،‬وقبل خبر بنت صاحب مدين لما قالت‪ " :‬إن‬
‫أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " )‪ (2‬وقبل خبر‬
‫أبيها في قوله‪ :‬هذه ابنتي‪ ،‬وتزوجها بخبره‪ .‬وقبل‬
‫يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند‬
‫)‪(3‬‬
‫الملك‪.(...‬‬
‫وزاد على ذلك المين الحاج محمد فقال‪) :‬وقد قبل‬
‫سليمان عليه السلم وبلقيس خبر الواحد وعمل به‪،‬‬
‫وتيقنا به حتى من طير واحد‪ ،‬وهو الهدهد‪ ،‬ولم يزد‬
‫سليمان عليه السلم إل أن استوثق منه‪ ،‬وطلب منه‬
‫أن يأتيه بدليل‪ ،‬ولم يقل له‪ :‬ائتني بمخبر آخر معك‪(...‬‬
‫)‪ (4‬وظهور ضعفها يغني عن التطويل في جوابها‪.‬‬
‫ومن أضعف الدلة ما استدل به ابن قتيبة رحمه الله‬
‫أن الله أرسل رسول ً واحدا ً إلى الخلق كافة فدل‬
‫على أن الصادق العدل صادق الخبر‪ ،‬كما أن الرسول‬
‫الواحد صادق الخبر‪ ،‬وقد سبق نقل كلمه بحروفه‪.‬‬
‫ول يخفى ضعف هذا الدليل لن خبر النبي مؤيد‬
‫بالمعجزة التي تنوب مناب قول الله عز وجل "صدق‬
‫عبدي في كل ما يبلغ عني " وسيأتي بيانه عند الكلم‬
‫على المعجزات‪.‬‬
‫والحاصل أن أدلة القائلين بإفادة خبر الحاد العلم ل‬
‫تنهض لثبات ذلك‪ .‬بينما ل يحتاج القائلون بإفادة‬
‫الظن إلى اجتهاد في طلب ما يدل على ذلك لن‬
‫إفادة العلم أمر يجده المرء في نفسه‪ .‬وغاية ما يجده‬
‫المرء في نفسه تجاه أخبار الحاد الثقة وحسن الظن‬
‫بالراوي وترجيح صدقه على كذبه رجحانا ً مقاربا ً‬

‫الية )‪ (20‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫الية )‪ (25‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫مختصر الصواعق ‪.2/406‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫حجية حديث الحاد ‪.105-104‬‬ ‫‪() 4‬‬

‫‪128‬‬
‫لليقين‪.‬‬
‫أما القطع بذلك فيحتاج إلى دليل‪ ،‬قد ل ُيسَعف به من‬
‫ادعاه‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬ما يفيده خبر الحاد مع اعتبار أمور‬


‫خارجية‪:‬‬
‫قد يحيط بخبر الحاد ظروف وأحوال وقرائن تحدث‬
‫أثرا ً في إفادته‪ ،‬ويمكن أن ترقى بإفادته إلى درجة‬
‫اليقين والقطع‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مسائل‪-:‬‬

‫المسألة الولى‪ :‬إذا أخبر أحد الصحابة الكرام بخبر بين يدي خلق‬
‫عِلم أنه لو كان كذبًا لعلموه‪ ،‬ول حامل‬
‫كثير منهم ولم يكذبوه‪ ،‬و ُ‬
‫لهم على سكوتهم كالخوف والطمع‪ ،‬يدل ذلك على صدقه قطعًا‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫قاله الجصاص )‪ (1‬والباقلني)‪ (2‬والباجي )‪ (3‬والغزالي‬
‫وابن تيمية)‪ (5‬والزركشي )‪ (6‬ونسبه إلى أبي اسحق‬
‫السفرائيني )‪ ،(7‬والستاذ أبي منصور البغدادي‪ ،‬وإمام‬

‫‪ ()1‬انظر الفصول ‪.3/64‬‬


‫‪ ()2‬انظر التمهيد ‪.134‬‬
‫‪ ()3‬انظر إحكام الفصول ‪.247‬‬
‫‪ ()4‬انظر المستصفى ‪.1/141‬‬
‫‪ ()5‬انظر المسودة ‪.244‬‬
‫‪ ()6‬انظر البحر المحيط ‪.4/241‬‬
‫‪ ()7‬هو إبراهيم بن محمد السفرائيني الشافعي )‪ 418‬هـ(‬
‫أحد العلم في الفقه وأصوله‪ ،‬وأصول الدين والحديث‬
‫الشريف‪ ،‬وله اشتغال ومناظرات مع المعتزلة وغيرهم‪ ،‬حتى‬
‫لقب بـ )ركن الدين(‪ ،‬قدم عليه أهل نيسابور لينتقل إليهم‪،‬‬
‫فأجابهم‪ ،‬وبنوا له مدرسة عظيمة‪ ،‬لم ُيبن مثلها من قبل‬
‫فلزمها إلى أن توفي‪ ،‬انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي‬
‫‪ ،2/234‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪ ،1/59‬وطبقات الشافعية‪،‬‬
‫السنوي ‪.1/40‬‬

‫‪129‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الحرمين‪ ،‬وابن الحاجب‪.‬‬
‫واختاره أيضا ً ابن السبكي والجلل المحلي وعبد‬
‫)‪(2‬‬

‫العلي النصاري )‪ (3‬وغيرهم‪.‬‬


‫وأطال الباقلني في تقريره‪ ،‬ودفع ما يرد عليه فقال‪:‬‬
‫علم بمستقر العادة امتناع مثل ذلك العدد‬ ‫)‪ ....‬وقد ُ‬
‫ب ُيدعى عليهم‪،‬‬ ‫الكثير والجم الغفير عن إنكار كذ ٍ‬
‫وُيضاف إلى سماعهم وشهادتهم مع ما هم عليه من‬
‫نزاهة النفس وكبر الهمم وجللة القدر والتدين‬
‫بتحريم الكذب والنفور عنه والتبجح بالصدق وشدة‬
‫تمسكهم به‪ ،‬فلو كانوا عالمين بكذب ما ادعاه النقلة‬
‫عليهم لسارع جميعهم أو الجمهور منهم وقت سماع‬
‫الكذب عليهم‪ -‬وبعد ذلك الوقت ‪ -‬إلى إنكاره وتبكيت‬
‫قائله وتكذيبه وإعلم الناس كذَبه‪ ،‬كما لو ادعى مدع‬
‫بحضرة أهل بغداد أو الجانب الشرقي منها أو الغربي‬
‫أنهم رأوا ما لم يروه وسمعوا ما لم يسمعوه لم يلبثوا‬
‫أن يردوا قوله‪ ،‬ويعلموا الناس بطلن ما ادعاه عليهم‪.‬‬
‫هذا ثابت في مستقر العادة‪ ،‬كما أنه ثابت فيه أن‬
‫ن‬
‫ب‪ ،‬وكتما َ‬‫ل كذ ٍ‬‫اجتماع مثل عدد من ذكرنا على نقـ ِ‬
‫ما شوهد ممتنع‪ ،‬مع استقرار السلمة في النقل‪....‬‬
‫وكما يستحيل في موضع العادة على نقلة السير‬
‫والوقائع والبلدان الكذب فيما نقلوه‪.‬‬
‫وإذا كان ذلك كذلك دل إمساك الصحابة رضوان الله‬
‫عليهم عن تكذيبه على صدقه‪.‬‬
‫وقام إمساكهم عن إنكار ذلك مقام نقلهم لمثل ما‬
‫نقله الحاد وشهادِتهم من جهة النطق به وقولهم‪ :‬قد‬
‫)‪(4‬‬
‫صدقوا فيما نقلوه‪(.‬‬

‫‪ ()1‬انظر البحر المحيط ‪.4/242‬‬


‫‪ ()2‬انظر حاشية العطار ‪.2/155‬‬
‫‪ ()3‬انظر فواتح الرحموت ‪.2/125‬‬
‫‪ ()4‬انظر التمهيد ‪.140-134‬ثم ذكر الباقلني رحمه الله‬
‫الجابة على كل ما يرد على هذا وأجاد في دفعه وإبطاله‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬ما يفيده الخبر المحفوف بالقرائن‪.‬‬
‫شَرط أبو‬ ‫يقول أبو الحسين البصري المعتزلي‪َ ) :‬‬
‫إسحاق النظام في اقتضاء خبر الحاد العلم اقتران‬
‫قرائن به‪ ...‬ومثل ذلك أن ُنخَبر بموت زيد ونسمع في‬
‫داره الواعية ونرى الجنازة على بابه مع علمنا بأنه‬
‫)‪(1‬‬
‫ليس في داره مريض سواه(‬
‫وتابعه على أن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتف‬
‫بالقرائن عدد من المتكلمين والصوليين‬
‫منهم‪ :‬أبو الحسين البصري )‪ (2‬والغزالي وابن‬
‫)‪(3‬‬

‫)‪(7‬‬
‫برهان)‪ (4‬والرازي)‪ (5‬وابن قدامة)‪ (6‬والمدي‬
‫)‪(9‬‬
‫والبيضاوي‪ ،‬والسنوي)‪ (8‬والتفتازاني‬
‫ونازع في ذلك عدد من المتكلمين والصوليين منهم‬
‫)‪(10‬‬
‫الجصاص‬
‫واحتج المنكرون بأدلة أقواها‪:‬‬
‫أن الخبر مع القرائن التي يذكرها النظام قد ينكشف‬
‫عن الباطل‪ ،‬ويتصور ذلك في المثال الذي ذكره‬
‫النظام فيمكن أن يكون أغمي عليه أو لحقته سكتة‬
‫فظنوا موته‪ ،‬أو أنه أظهر ذلك ليعتقد السلطان موته‬
‫)‪(11‬‬
‫فل يقتله لجرم كان قد ارتكبه‪.‬‬
‫وأجاب المثبتون عنه فقالوا‪ :‬هذا ل يدل إل على أن‬
‫‪()1‬المعتمد ‪.2/566‬‬
‫‪ ()2‬انظر المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر المستصفى ‪.1/137‬‬
‫‪ ()4‬انظر الوصول ‪.2/150‬‬
‫‪ ()5‬انظر المحصول )ق ‪.403-2/400 (1‬‬
‫‪ ()6‬انظر نزهة الخاطر ‪1/244‬‬
‫‪ ()7‬انظر الحكام ‪.2/280‬‬
‫‪ ()8‬انظر شرح البدخشي ‪.299-2/298‬‬
‫‪ ()9‬انظر شرح النسفية ‪.20‬‬
‫‪ ()10‬انظر الفصول ‪.3/55‬‬
‫‪ ()11‬انظر‪ :‬الفصول‪ ،‬الجصاص ‪ ،3/55‬وشرح اللمع‪،‬‬
‫الشيرازي ‪.2/79‬‬

‫‪131‬‬
‫هذا القدر من القرائن ل يفيد العلم‪ ،‬ول يلزم منه أن‬
‫ليحصل العلم بشيء من القرائن‪ ،‬لن القدح في‬
‫)‪(1‬‬
‫مثال ل يقتضي القدح في أصل الدعوى‪.‬‬
‫واحتج المنكرون أيضا ً فقالوا‪:‬‬
‫لو وجب العلم عند خبر واحد لوجب ذلك عند خبر كل‬
‫ما أفاد العلم في موضع‬ ‫واحد‪ ،‬كما أن الخبر المتواتر ل َ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫أفاده في كل موضع‪.‬‬
‫وأجاب المثبتون عنه فقالوا‪ :‬ل نسلم بإيجاب ذلك‬
‫لن حصول العلم بالمتواتر ضروري‪ ،‬وحصوله بخبر‬
‫الحاد بما انضم إليه من القرائن‪ ،‬فمتى انضمت‬
‫)‪(3‬‬
‫قرائن إلى الخبر أفاد العلم‪.‬‬
‫واحتجوا لنكاره أيضا ً فقالوا‪:‬‬
‫إن دلت القرينة وحدها على تحقق مضمون الخبر‬
‫جل‬ ‫خ ِ‬
‫جل ال َ‬ ‫قطعا ً ‪ -‬كما تدل حمرة الوجه على َ‬
‫خ َ‬
‫وخوف الخائف ‪ -‬فالعلم بالقرينة‪ ،‬ويلغو الخبر‪.‬‬
‫وإن دلت القرينة عليه ظنًا‪ ،‬واجتمع معه الظن‬
‫بتحقيق مضمون الخبر نفسه فل يحصل العلم من‬
‫)‪(4‬‬
‫اجتماع ظنين‪.‬‬
‫وأجاب المثبتون فقالوا‪:‬‬
‫ً‬
‫ل يبعد أن تتوالى القرائن حتى تبلغ مبلغا ل يبقى بينها‬
‫وبين إثارة العلم إل قرينة واحدة‪ ،‬ويقوم إخبار الواحد‬
‫)‪(5‬‬
‫مقام تلك القرينة فهذا مما ل يعرف استحالته‪.‬‬
‫وبهذا يثبت أن خبر الحاد قد يفيد العلم إذا احتف‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬حاشية العطار ‪.2/157‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الفصول‪ ،‬الجصاص ‪ .3/56‬وشرح اللمع‪ ،‬الشيرازي‬
‫‪ ،2/79‬والمحصول‪ ،‬الرازي ‪.1/2/401‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬المحصول‪ ،‬الرازي ‪ ،1/2/402‬والوصول‪ ،‬ابن‬
‫برهان ‪.2/152‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬فواتح الرحموت ‪.2/121‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬المستصفى‪ ،‬الغزالي ‪ ،1/137‬والمحصول‪،‬‬
‫الرازي ‪ .1/2/400‬والبحر المحيط‪ ،‬الزركشي ‪ ،4/247‬وفتح‬
‫الملهم‪ ،‬شبير أحمد ‪.1/5‬‬

‫‪132‬‬
‫بالقرائن‪ .‬لكن الكلم في تحقق هذه القرائن وتعذر‬
‫ضبطها‬
‫يقول الرازي‪ ...) :‬إل أن القرائن ل تفي العبارات‬
‫بوصفها‪ ،‬فقد تحصل أمور ُيعلم بالضرورة عند العلم‬
‫ج ً‬
‫ل‪ ،‬مع أنا لو حاولنا‬ ‫جل ً أو وَ ِ‬
‫خ ِ‬
‫بها كون الشخص َ‬
‫)‪(1‬‬
‫التعبير عنها لعجزنا عنه(‬
‫ويقول الزركشي‪):‬لم يتعرضوا لضابط القرائن‪،‬وقال‬
‫)‪(2‬‬
‫المازري‪ :‬ل يمكن أن يشار إليها بعبارة تضبطها(‪.‬‬
‫ويقول ابن السبكي‪) :‬لو رام ْامرؤ ضبط هذه القرائن‬
‫ل‪ ،‬وكأنها‬ ‫بما يميزها عن غيرها لم يجد إلى ذلك سبي ً‬
‫تدق عن العبارات‪ ،‬وتأبى عن من يحاول ضبطها‪....‬‬
‫وبهذا يتمهد ما قلناه من أن حصول العلم بصدق‬
‫)‪(3‬‬
‫المخبر لن يتوقف على حد محدود ول عد معدود(‪.‬‬
‫ولهذا تعسر الستدلل بهذه المسألة في أخبار الحاد‬
‫الواردة في الشرعيات حتى قال البزدوي‪ .....) :‬ولم‬
‫)‪(4‬‬
‫يقع الخبر المحفوف في الشرعيات(‬
‫وقال عبد العلي النصاري‪ ...) :‬الكلم في تحقق هذه‬
‫القرائن في خبر غير المعصوم من النبي وأهل‬
‫الجماع‪ ،‬فإنه لم يدل دليل على تحققها في مادة من‬
‫المواد فل بد من إثبات تحققها‪ ،‬ودونه خرط القتاد(‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫ل في كتاب ال عز وجل‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬إفادة الخبر إذا وافق أص ً‬
‫القرآن الكريم هو المصدر الول لكل ما جاء به‬
‫السلم من أحكام عقدية وشرعية وأخلقية قال‬

‫المحصول ‪.1/2/403‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫البحر المحيط ‪.4/266‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫حاشية العطار ‪.2/157‬‬ ‫‪()3‬‬
‫انظر‪ :‬فواتح الرحموت ‪.2/122‬‬ ‫‪()4‬‬
‫نفسه‪ ،‬ونفس الصفحة‪.‬‬ ‫‪()5‬‬

‫‪133‬‬
‫تعالى‪) :‬ما فرطنا في الكتاب من شيء()‪ (1‬وقال‬
‫)‪(2‬‬
‫تعالى‪) :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شيء(‪.‬‬
‫والسنة النبوية هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم‬
‫لنها بيان الكتاب‪ .‬قال تعالى‪) :‬وأنزلنا إليك الذكر‬
‫)‪(3‬‬
‫لتبين للناس ما نزل إليهم(‪.‬‬
‫واستقراء الحكام التي جاء بها السلم عامة‪،‬‬
‫والعقدية منها على وجه الخصوص يشير إلى هذا‬
‫الترتيب بين المصدرين‪.‬‬
‫أما منزلة السنة من ناحية ما جاء فيها من عقائد‪،‬‬
‫فعلى ثلثة منازل‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن تكون السنة مقررة ومؤكدة لعقيدة ثابتة في‬ ‫أو ً‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬ما جاء في السنة المطهرة في صفة‬
‫الحياة من صفات الله عز وجل‪:‬‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يقول‪):‬اللهم لك أسلمت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬وعليك توكلت‪،‬‬
‫وإليك أنبت‪ ،‬وبك خاصمت‪ ،‬اللهم إني أعوذ بعزتك ل‬
‫إله إل أنت أن تضلني‪ ،‬أنت الحي الذي ل يموت‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫والجن والنس يموتون(‪.‬‬
‫وورود صفة الحياة في هذا الحديث مقرر ومؤكد لما‬
‫جاء في القرآن الكريم من إثبات صفة الحياة لله عز‬
‫وجل قال تعالى‪) :‬هو الحي ل إله إل هو()‪ (5‬وقال‬
‫)‪(6‬‬
‫تعالى‪):‬وتوكل على الحي الذي ل يموت(‬

‫‪ ()1‬الية )‪ (38‬من سورة النعام‪.‬‬


‫‪ ()2‬الية )‪ (89‬من سورة النحل‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (44‬من سورة النحل‪.‬‬
‫‪ ()4‬في كتاب الذكر والدعاء ‪ ،18/2717‬والبخاري في التوحيد‬
‫‪7/7383‬‬
‫‪ ()5‬الية )‪ (65‬من سورة غافر‪.‬‬
‫‪ ()6‬الية )‪ (58‬من سورة الفرقان‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫وفي هذا القسم تدل السنة على ما دل عليه الكتاب‪،‬‬
‫ولو فرضنا عدم ورود السنة فيه فدللة الكتاب وحدها‬
‫تكفي لثبات هذه الصفة‪ ،‬وإنما جاءت السنة شاهدة‬
‫ومؤكدة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن تكون السنة واردة في عقيدة سكت عنها‬
‫القرآن‪.‬‬
‫ومثال ذلك الحاديث الواردة في خروج الدجال الكبر‬
‫قبيل قيام الساعة‪-.‬وسيأتي ذكرها‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن تكون السنة مبينة لية فيها إجمال لمر‬
‫عقائدي ‪ -‬وهذا مرادنا في هذا الموطن ‪-‬والمـراد‬
‫بالجمال هنا‪:‬خفاء دللة اللفظ على المعنـى المراد‬
‫)‪(1‬‬
‫خفاًء ل ُيرفع إل بيبان من المبّين‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم بيان السنة المطهرة إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ل‪ :‬رفع احتمال المجاز‪:‬‬‫أو ً‬
‫ومثاله قوله عز وجل‪) :‬ونضع الموازين القسط‬
‫ً )‪(2‬‬
‫ليوم القيامة فل تظلم نفس شيئا(‪.‬‬
‫وذكر الموازين في هذه الية يحتمل أن يكون المراد‬
‫منه حقيقة الموازين‪ ،‬ويحتمل أن يكون مجازا ً عن‬
‫العدل‪ ،‬ولذلك حصل الختلف في تفسير الية على‬
‫قولين حكاهما الرازي فقال‪:‬‬
‫)في وضع الموازين قولن‪ :‬أحدهما قول مجاهد‪ :‬هذا‬
‫مَثل‪ ،‬والمراد بالموازين العدل‪...‬‬‫َ‬
‫الثاني‪ :‬وهو قول أئمة السلف أنه سبحانه يضع‬
‫الموازين الحقيقية‪ ،‬فتوزن بها العمال‪.(3)(...‬‬
‫وإذا أراد أئمة السلف الستدلل بهذه الية الكريمة‬
‫لثبات ما قالوه احتاجوا إلى بيان من المبّين يرفع‬
‫خفاء دللة لفظ الموازين واحتماَله للمجاز‪.‬‬
‫وقد ورد في السنة أحاديث عديدة ترفع احتمال‬
‫‪ ()1‬انظر أصول السرخسي ‪ ،1/168‬كشف السرار ‪.1/54‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (47‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫‪ ()3‬تفسير الرازي ‪.22/176‬‬

‫‪135‬‬
‫المجاز في الية الكريمة منها‪:‬‬
‫ما أخرجه المام الترمذي بسنده عن عبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص أنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬إن الله سيخلص رجل ً من أمتي على‬
‫رؤوس الخلئق يوم القيامة‪ ،‬فينشر عليه تسعة‬
‫ل‪ ،‬كل سجل مثل مد البصر ‪ -‬إلى أن‬ ‫وتسعين سج ً‬
‫قال ‪ -‬فتخرج شهادة فيها أشهد أن ل إله إل الله‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪ .‬فيقول‪ :‬أحضر‬
‫وزنك‪ .‬فيقول‪ :‬يا رب‪ :‬ما هذه البطاقة مع هذه‬
‫السجلت فقال‪ :‬إنك ل تظلم‪ ،‬قال‪ :‬فتوضع السجلت‬
‫في كفة والبطاقة في كفة‪ ،‬فطاشت السجلت‬
‫)‪(1‬‬
‫وثقلت البطاقة‪ ،‬فل يثقل مع اسم الله شيء(‪.‬‬
‫وفي هذا المثال يتبين لنا أن الدليل في إثبات حقيقة‬
‫الموازين دليلن‪ ،‬كل دليل منهما يلحقه الظن بمفرده‪.‬‬
‫فالية الكريمة ظنية الدللة على حقيقة الموازين‬
‫لحتمال المجاز‪ ،‬والحديث الشريف قطعي الدللة‬
‫على حقيقة الموازين‪ ،‬ولكن يلحقه الظن في ثبوته‪،‬‬
‫ويحصل باجتماع الدليلين وبموافقة الحديث لصل في‬
‫كتاب الله عز وجل القطعُ بإثبات حقيقة الموازين‬
‫وارتفاع احتمال المجاز في الية الكريمة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬رفع البهام‪:‬‬
‫قد يرد في الكتاب لفظ مبهم‪ ،‬ويأتي التعيين والبيان‬
‫في السنة المطهرة‪.‬‬
‫ومثال ذلك من مسائل العتقاد قوله تعالى‪) :‬يوم‬
‫يأتي بعض آيات ربك ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن‬
‫)‪(2‬‬
‫آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا(‪.‬‬
‫كر الية المرتقبة في قول الله عز وجل مبهم ل‬ ‫وذِ ْ‬
‫يعرف المراد منه إل ببيان المبين‪ .‬وقد ورد في السنة‬
‫المطهرة تعيين الية المبهمة في قوله عز وجل‬
‫‪ ()1‬سيأتي تخريجه موسعا ً في الباب الثاني‪.‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (158‬من سورة النعام‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫)بعض آيات ربك( في ما أخرجه البخاري بسنده عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪) :‬ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس‬
‫من مغربها‪ ،‬فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وذلك حين ل ينفع نفسا ً إيمانها‪ ،‬ثم قرأ الية(‪.‬‬
‫وفي هذين الدليلين من الكتاب والسنة يحصل القطع‬
‫بإثبات طلوع الشمس من مغربها علمة من علمات‬
‫الساعة‪ ،‬مع أن كل ً منهما ظني بمفرده‪ ،‬فالية‬
‫الكريمة ظنية الدللة لعدم تعيين المراد‪ .‬والحديث‬
‫فيه تعيين المراد‪ ،‬ولكن يلحقه الظن في ثبوته‪،‬‬
‫وباجتماعهما يحصل القطع في إثبات المراد‪- .‬والله‬
‫أعلم ‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تعيين المعنى المراد من اللفظ المشترك‪.‬‬
‫والمشترك في الصطلح‪ :‬هو اللفظ الموضوع للدللة‬
‫)‪(2‬‬
‫على معنيين فأكثر‪.‬‬
‫ومثاله في مسائل العتقاد‪:‬‬
‫ورود‪:‬وهو مشترك بين دخول الشيء‬ ‫لفظ ال ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫والشراف عليه أو القرب منه‪ .‬وجاء في كتاب الله‬
‫عز وجل مستعمل ً في المعنيين‪:‬‬
‫الول‪:‬نحو قوله تعالى‪):‬إنكم وما تعبدون من دون الله‬
‫حصب جهنم أنتم لها واردون()‪ (4‬وقوله تعالى‪) :‬يقدم‬
‫قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد‬
‫المورود(‪ (5).‬الثاني‪:‬نحو قوله تعالى)فأرسلوا واردهم‬

‫‪ ()1‬في كتاب التفسير ‪ 10/4636‬وسيأتي في الباب الثاني‪.‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬أصول السرخسي ‪ ،1/126‬وكشف السرار‪،‬‬
‫البخاري ‪.1/37‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬القاموس المحيط ‪.1/344‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (98‬من سورة النبياء‪.‬‬
‫‪ ()5‬الية )‪ (98‬من سورة هود‪ .‬وانظر تفسير الرازي‬
‫‪.21/244‬‬

‫‪137‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فأدلى دلوه(‬
‫قال الرازي‪):‬وقد يراد به القرب‪ ،‬نحو قول الله‬
‫تعالى‪) :‬فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه( ومعلوم أن‬
‫الوارد ما دخل الماء‪ ،‬وقال تعالى‪):‬ولما ورد ماء مدين‬
‫وجد عليه أمة من الناس يسقون()‪ (2‬وأراد به القرب‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ويقال‪ ،‬وردت القافلة البلدة‪ ،‬وإن لم تدخلها(‪.‬‬
‫ويظهر أثر هذا الشتراك في مسألة من مسائل‬
‫العتقاد وهي المرور على الصراط‪ :‬فقد ورد في‬
‫كتاب الله عز وجل الورود على جهنم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ً )‪(4‬‬
‫)وإن منكم إل واردها كان على ربك حتما ً مقضيا(‬
‫فهل المراد من المرور الشراف أم الدخول ؟‬
‫ودللة الية الكريمة تحتمل المعنيين‪ ،‬ويأتي خبر‬
‫الحاد ليدل على تعيين المراد من أحد المعنيين‪.‬‬
‫وقد جاء في السنة الشريفة أكثر من حديث يدل على‬
‫تعيين المراد من الورود بالشراف على جهنم‬
‫والمرور‬
‫عليها‪ ،‬منها ما أخرجه المام البخاري في حديث‬
‫طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬وفيه قال‪....) :‬‬
‫ويضرب جسر جهنم ‪ -‬قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ذ‪ :‬اللهم‬ ‫فأكون أول من يجير‪ ،‬ودعاء الرسل يومئ ٍ‬
‫)‪(5‬‬
‫سلم‪ ،‬سلم‪.(...‬‬
‫وباجتماع الية مع الخبر يحصل القطع بإثبات المرور‬
‫على الصراط‪ ،‬مع أن كل ً من الدليلين ظني بمفرده‪،‬‬
‫أما الية الكريمة فدللتها ظنية لحتمال أن يكون‬
‫المراد من الورود الدخول‪ ،‬وأما الخبر فهو وإن كان‬
‫قطعي الدللة في المرور والجواز‪ ،‬إل أن الظن يلحقه‬

‫الية )‪ (19‬من سورة يوسف‪.‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫الية )‪ (23‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫تفسير الرازي ‪.21/244‬‬ ‫‪()3‬‬
‫الية )‪ (71‬من سورة مريم‪.‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫في الرقاق ‪ ،52/6573‬وسيأتي في الباب الثاني‪.‬‬ ‫‪()5‬‬

‫‪138‬‬
‫في ثبوته‪ ،‬وباجتماع الدليلين ينتفي احتمال أن يكون‬
‫الدخول مرادًا‪ ،‬ويحصل القطع واليقين‪ :‬بحمل الورود‬
‫على معناه الخر وهو الشراف والمرور‪.‬‬
‫وقد نبه المام الخطابي وتلميذه البيهقي إلى تحصيل‬
‫القطع واليقين بموافقة الحديث لصل في كتاب الله‬
‫عز وجل‬
‫يقول المام الخطابي‪) :‬الصل في إثبات الصفات أنه‬
‫ل يجوز ذلك إل أن يكون بكتاب ناطق أو خبر مقطوع‬
‫بصحته أو رويت من طريق الحاد وكان لها أصل في‬
‫)‪(1‬‬
‫الكتاب أو خّرجت على بعض معانيه(‪.‬‬
‫ويقول‪) :‬الصل أن كل صفة جاء بها الكتاب أو صحت‬
‫بأخبار التواتر أو رويت من طريق الحاد وكان لها‬
‫أصل ثابت في الكتاب أو خــــرجت على بعض معانيه‬
‫فإنا نقول بها ونجريها على ظاهـــرها من غير‬
‫)‪(2‬‬
‫تكييف(‪.‬‬
‫ويقول البيهقي‪) :‬ترك أهل النظر من أصحابنا‬
‫الحتجاج بأخبار الحاد في صفات الله تعالى إذا لم‬
‫)‪(3‬‬
‫يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب(‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬إفادة الخبر المسلسل بالئمة‪:‬‬


‫نقل غير واحد من الصوليين عن طائفة من أهل‬
‫الحديث أنهم قالوا‪ :‬الحديث الذي يتصل إسناده إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بنقل المام عن المام‬
‫يحصل به العلم من جهة الستدلل‪.‬‬
‫نقله الزركشي عن ابن خويز منداد‪َ ،‬ومّثله لما يرويه‬
‫)‪(4‬‬
‫مالك وأحمد وسفيان بن عيينة‬

‫انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪.423‬‬ ‫‪()1‬‬


‫نفسه ‪.446‬‬ ‫‪()2‬‬
‫نفسه ‪.450‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫البحر المحيط ‪.4/263‬‬ ‫‪()4‬‬

‫‪139‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ونقله الشيرازي عن طائفة من أهل الحديث‪.‬‬
‫واختاره الحافظ ابن حجر‪ ،‬وزاد على ذلك شرطا ً وهو‬
‫أن يشاركه فيه غيره‪ ،‬فقال‪):‬ومنها ‪ -‬الخبار التي تفيد‬
‫العلم ‪ -‬المسلسل بالئمة الحفاظ المتقنين‪ ،‬حيث ل‬
‫يكون غريبا ً كالحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل مثل ً‬
‫ويشاركه فيه غيره‪ ،‬عن الشافعي ويشاركه فيه غيره‬
‫عن مالك بن أنس فإنه يفيد العلم عند سماعه‬
‫)‪(2‬‬
‫بالستدلل من جهة جللة رواته‪.(...‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ونقل القاسمي كلم الحافظ ابن حجر واختاره‬
‫)‪(4‬‬
‫واختاره العطار في حاشيته على جمع الجوامع‪.‬‬
‫وعند الجمهور المتكلمين والصوليين تختلف وجهة‬
‫النظر في الخبر المسلسل بالئمة‪ .‬فالمام الجويني‬
‫يرى أن الخبر إذا لم يكن فيه للعقل أو الشرع سبيل‬
‫لتحصيل العلم به فالمعتبر في تحصيله هو استمرار‬
‫العادات‪،‬ويختلف باختلف أحوال المخبرين واختلف‬
‫)‪(5‬‬
‫الوقائع ومضمون الخبار‪.‬‬
‫ويقول‪) :‬ول نرى وجها ً في النظر يؤدي إلى القطع‬
‫بالصدق‪ ،‬نعم‪ .‬ما ذكره يغلب على الظن صدقه فيه‪،‬‬
‫فأما أن يفضي إلى العلم به فل(‪.‬‬
‫ويقول‪) :‬تقول لهؤلء‪ :‬أتجوزون أن يزل العدل‬
‫ويخطئ ؟‬
‫)‪(6‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن قالوا‪ :‬ل‪ ،‬كان ذلك بهتا وهتكا‪(...‬‬
‫ويقول‪):‬ول يبعد أن يحصل الصدق بإخبار واحد‪....‬وإذا‬
‫ذكرت إمكان حصول العلم بصدق مخبر واحد فإني‬
‫أفرض تخلف العلم بالصدق عن إخبار عدد كثير وجم‬

‫‪ ()1‬انظر شرح اللمع ‪.2/579‬‬


‫‪ ()2‬انظر لقط الدرر ‪.36‬‬
‫‪ ()3‬انظر قواعد التحديث ‪.87‬‬
‫‪.2/148 ()4‬‬
‫‪ ()5‬البرهان ‪.1/580‬‬
‫‪()6‬نفسه ‪.1/584‬‬

‫‪140‬‬
‫)‪(1‬‬
‫غفير إذا جمعتهم سياسة حاملة على الكذب‪.(..‬‬
‫ويريد بذلك إمام الحرمين أن العادة هي المحكمة في‬
‫تحصيل العلم بصدق المخبر إذا لم يدل العقل أو‬
‫الشرع على صدقه‪ ،‬فقد يحصل العلم بصدق مخبر‬
‫في أحد أخباره ول يستلزم ذلك أن يحصل العلم‬
‫بجميع أخباره‪.‬‬
‫ويقول السرخسي‪) :‬إن بقاء احتمال الكذب في خبر‬
‫غير المعصوم معاين ل يمكن إنكاره‪ ،‬ومع الشبهة‬
‫والحتمال ل يثبت اليقين‪ ،‬وإنما يثبت سكون النفس‬
‫وطمأنينة القلب بترجيح جانب الصدق لبعض‬
‫)‪(2‬‬
‫السباب(‪.‬‬
‫وليس المراد بالكذب هنا الخبار عن أمر غير مطابق‬
‫للواقع وِلما في اعتقاد المخبر‪ .‬وإنما المراد به الخبار‬
‫عن الشيء بخلف ما هو به سهوًا‪ ،(3).‬قال ابن قاسم‬
‫العبادي‪) :‬إن أراد أنه لم يتعمد الكذب فليس محل‬
‫النزاع‪ ،‬وإن أراد أنه ل يـجوز عليـه السهو والغـلط‬
‫ففيه الكلم()‪ (4‬ومحل النزاع في المسألة أن إتقان‬
‫الراوي وإمامته هل توجب انتفاء احتمال السهو أو‬
‫الوهم في جميع أخباره ؟‬
‫العقل يحكم بالجواز‪ ،‬وليس هناك دليل على انتفائه‪،‬‬
‫أما الوقوع فقد يحصل على سبيل القلة والندرة‪،‬‬
‫وسبق أن ذكرنا إشارة المام الشافعي إلى وهم‬
‫المام مالك‪ ،‬وإشارة ابن عبد البر إلى اتفاق‬
‫المصنفين على وهم المام الزهري في حديث ذي‬
‫اليدين‪ ،‬وقوله‪):‬والغلط ل يسلم منه أحد‪ ،‬والكمال‬

‫‪ ()1‬البرهان ‪.1/580‬‬
‫‪ ()2‬أصول السرخسي ‪.1/329‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬البحر المحيط‪ ،‬الزركشي ‪.4/218‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬لقط الدرر ‪ ،36‬ونحوه في شرح نخبة الفكر‪،‬‬
‫القاري ‪.46‬‬

‫‪141‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ليس لمخلوق(‪.‬‬
‫وسبق أن نقلنا قول المدي‪) :‬لو كان خبر العدل يفيد‬
‫بمجرده العلم لكان العلم حاصل ً بنبوة من ُأخب َِر بكونه‬
‫)‪(2‬‬
‫نبيا ً من غير حاجة إلى معجزة تدل على صدقه(‪.‬‬
‫وجواز الوهم في خبر المام والحكم بوقوعه على‬
‫سبيل الندرة ل يحط من قدره ول يقدح في إمامته‬
‫وضبطه‪ ،‬كما أن بعض السهو جائز على النبي ول‬
‫)‪(3‬‬
‫يقدح في نبوته‪.‬‬
‫وهذا التجويز ل يستلزم مساواة خبر المام بخبر آحاد‬
‫العدول من الرواة من جميع الوجوه‪ ،‬بل يبقى فارق‬
‫كبير حكم به أهل الصنعة الحديثية‪،‬وهو الحكم‬
‫بالشذوذ أو النكارة على خبر خالف فيه راويه الئمة‬
‫الحفاظ‪ (4).‬إل أنا في هذا الموطن نريد نفي احتمال‬
‫السهو والغلط وتحصيل القطع واليقين‪ ،‬ويعوزنا‬
‫الدليل لتحصيل القطع واليقين في نفي ذلك عن‬
‫الخبر الذي تسلسل بالئمة‪.‬‬
‫ومما يهون من هيبة الخلف في هذه المسألة أن‬
‫شارح صحيح مسلم شبير العثماني قال‪) :‬أجل‬
‫السانيد‪ :‬أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن‬
‫)‪(5‬‬
‫ابن عمر‪ ،‬وتسمى هذه الترجمة سلسلة الذهب‬
‫وليس في مسند أحمد على كبره بهذه الترجمة سوى‬
‫حديث واحد()‪ ،(6‬وهو في البيوع ل في مسألة من‬
‫مسائل العتقاد‪ .‬وقال السيوطي‪ ...):‬بل ولم يقع لنا‬
‫)‪(7‬‬
‫على هذه الشريطة غيرها‪ ،‬ول خارج المسند(‪.‬‬

‫انظر‪ :‬نظم الفرائد‪ ،‬العلئي ‪.212‬‬ ‫‪()1‬‬


‫الحكام ‪.2/276‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫سيأتي بيان ذلك في الباب الثاني‪.‬‬ ‫‪()3‬‬
‫انظر‪ :‬لقط الدرر ‪.54‬‬ ‫‪()4‬‬
‫نفسه ‪.43‬‬ ‫‪()5‬‬
‫فتح الملهم ‪.1/32‬‬ ‫‪()6‬‬
‫تدريب الراوي ‪.79-1/78‬‬ ‫‪( )7‬‬

‫‪142‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬إفادة الخبر المخّرج في الصحيحين‪:‬‬
‫ل يخفى على أحد من أهل القبلة ما للشيخين‬
‫وصحيحيهما من منزلة ومكانة في نفوس أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ -‬عالمهم وجاهلهم‪ ،‬المجتهد منهم والمقلد‪،‬‬
‫والمتقدم منهم والمتأخر‪ ،‬اتفقوا جميعا ً ‪ -‬إل من رمي‬
‫ببدعة أو هوى ‪ -‬على الشهادة للشيخين بتبحرهما في‬
‫علوم الحديث ودقتهما في صنعته‪ ،‬وعلى تلقي‬
‫أحاديث الصحيحين بالقبول‪ ،‬والقرار لها بالصحة‪.‬‬
‫واختلفوا في مفهوم الصحة المتعلقة بأحاديث‬
‫الشيخين‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فذهب جماعة من المحدثين كالشيخ ابن الصلح‬
‫وابن كثير )‪ (2‬وابن حجر )‪ (3‬والسخاوي)‪ (4‬والسيوطي‬
‫)‪ (5‬وجماعة من الصوليين منهم الباجي‬
‫)‪(9‬‬
‫)‪(6‬والشيرازي)‪ (7‬والزركشي)‪ (8‬وعبدالعلي النصاري‬
‫والشوكاني )‪ (10‬إلى القطع بصحة نسبتها إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن الصلح‪) :‬وما روياه أو أحدهما فهو‬
‫مقطوع بصحته‪ ...‬خلفا ً لمن نفى ذلك محتجا ً بأنه ل‬
‫يفيد إل الظن‪ ...‬لن ظن من هو معصوم من الخطأ ل‬
‫يخطئ‪ ،‬والمة في إجماعها معصومة من الخطأ‪،‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬التقيد واليضاح ‪.29-28‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الباعث الحثيث ‪.34‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬لقط الدرر ‪ ،35‬والنكت الظراف على ابن الصلح‬
‫‪.176-1/172‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬فتح المغيث ‪.1/52‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬تدريب الراوي ‪.134-1/131‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬إحكام الفصول ‪.247‬‬
‫‪ ()7‬انظر‪ :‬شرح اللمع ‪.2/578‬‬
‫‪ ()8‬انظر‪ :‬البحر المحيط ‪.4/465‬‬
‫‪ ()9‬انظر‪ :‬فواتح الرحموت ‪.2/112‬‬
‫‪ ()10‬انظر‪ :‬إرشاد الفحول ‪ ،50‬وانظر‪ :‬رد شبهات اللحاد عن‬
‫أحاديث الحاد‪ ،‬الراشد ‪.60‬‬

‫‪143‬‬
‫ولهذا كان الجماع المبني على الجتهاد حجة مقطوعا ً‬
‫بها‪.‬‬
‫وقد قال إمام الحرمين‪ :‬لو حلف إنسان بطلق امرأته‬
‫أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلق‪ ،‬لجماع‬
‫المسلمين على صحته‪(1) .(...‬وذهب جماعة من‬
‫)‪(3‬‬
‫المحدثين منهم النووي )‪ (2‬والزين العراقي‬
‫والكتاني)‪ (4‬وشبير العثماني‪ (5).‬وجماعة من الصوليين‬
‫منهم ابن برهان)‪ (6‬والبيضاوي)‪ (7‬وابن السبكي والجلل‬
‫المحلي)‪ (8‬وأمير بادشاه )‪ (9‬وابن الوزير )‪ (10‬والصنعاني‬
‫)‪ (11‬وهما من الزيدية ‪-‬ذهبوا‪ -‬إلى أن تلقي المة‬
‫لحاديث الصحيحين بالقبول ل يدل على القطع بصحة‬
‫ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال النووي بعد نقل كلم ابن الصلح‪) :‬وهذا الذي‬
‫ذكره الشيخ في هذه المواضع خلف ما قاله‬
‫المحققون والكثر ون‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬أحاديث‬
‫الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن‪ ،‬فإنها‬
‫آحاد والحاد إنما تفيد الظن ‪ -‬على ما تقرر ‪ -‬ول فرق‬
‫بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬التقيد واليضاح ‪ ،29-28‬وانظر‪ :‬النكت الظراف‬


‫على ابن الصلح‪ ،‬ابن حجر ‪.176-1/172‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬شرح صحيح مسلم ‪ ،15-1/14‬تدريب الراوي‬
‫‪.1/131‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬فتح المغيث ‪.1/53‬‬
‫‪ ()4‬انظر نظم المتناثر ‪.17‬‬
‫‪ ()5‬فتح الملهم ‪.108-1/106‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪:‬الوصول ‪.2/174‬‬
‫‪ ()7‬انظر نهاية السول ‪.2/68‬‬
‫‪ ()8‬انظر حاشية العطار ‪.2/153‬‬
‫‪ ()9‬تيسير التحرير ‪.38-3/37‬‬
‫‪ ()10‬انظر الذب عن السنة ‪.76،87‬‬
‫‪ ()11‬توضيح الفكار ‪.126-1/125‬‬

‫‪144‬‬
‫وتلقي المة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما‬
‫فيهما‪ ،‬وهذا متفق عليه فإن أخبار الحاد التي في‬
‫غيرهما من الكتب يجب العمل بها إذا صحت‬
‫أسانيدها‪ ،‬ول تفيد إل الظن‪ ،‬وكذا الصحيحان‪.‬‬
‫وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون‬
‫ما فيهما صحيحا ً ل يحتاج إلى النظر فيه‪ ،‬بل يجب‬
‫العمل به مطلقًا‪ ،‬وما كان في غيرهما ل يعمل به‬
‫حتى ُينظر وتوجد فيه شروط الصحيح‪.‬‬
‫ول يلزم من إجماع المة على ما فيهما إجماعهم على‬
‫)‪(1‬‬
‫أنه مقطوع بأنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم(‪.‬‬
‫وقال ابن برهان‪) :‬ول عمدة للخصم إل أن المة‬
‫أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول واتفقوا‬
‫على العمل بهما‪ ،‬وهذا ل يدل على أنهما مقطوع‬
‫بصحتهما‪ ،‬فإن المة إنما عملت بهما لعتقادها المانة‬
‫والثقة في الرواية وليس كل ما يجب العمل به‬
‫)‪(2‬‬
‫مقطوعا ً بصحته(‬
‫وقال شبير أحمد‪) :‬إن إجماع المة أو تلقي المة‬
‫بالقبول إنما يفيد علم اليقين أو علم طمأنينة بالمر‬
‫الذي وقع الجماع عليه أو التلقي بقبوله‪ ،‬فالجماع‬
‫ل مطلق لخبر الواحد المستجمع لشروط‬ ‫على قبو ٍ‬
‫الصحة‪ ،‬وإفادتهِ الظن الموجب للعمل إنما يفيد‬
‫حصول العلم القطعي بأن خبر الواحد مفيد للظن‪،‬‬
‫ومقبول في العمليات‪ ،‬وأنه يحتمل السهو والغلط‬
‫احتمال ً مرجوحا ً ضعيفًا‪.‬‬
‫وظاهر أن هذا العلم القطعي المستفاد من الجماع ل‬
‫يحول خبر الواحد من إفادته الظن إلى إفادته العلم‬
‫واليقين‪ ،‬بل يؤكد كونه ظنيا ً محتمل ً للخطأ لحصول‬
‫)‪(3‬‬
‫التفاق عليه‪(....‬‬
‫‪ ()1‬شرح مسلم ‪.1/15‬‬
‫‪ ()2‬الوصول ‪.2/74‬‬
‫‪ ()3‬فتح الملهم ‪ ،1/107‬وانظر‪ :‬نحوه في شرح القاري على‬

‫‪145‬‬
‫ويبدو لي أن أدلة النووي وموافقيه ل تبقي مستمسكا ً‬
‫في استدلل القائلين بإفادة أحاديث الصحيحين القطع‬
‫واليقين‪.‬‬
‫ولدى القائلين بإفادة أحاديث الصحيحين العلم ما‬
‫يتناقض مع حكمهم بذلك‪ ،‬لنهم قسموا الصحة إلى‬
‫مراتب‪ .‬يقول الحافظ ابن حجر بعد ذكر التفاضل في‬
‫أصح السانيد‪) :‬ويلتحق بهذا التفاضل ما اتفق‬
‫الشيخان على تخريجه بالنسبة إلى ما انفرد به‬
‫أحدهما‪ ،‬وما انفرد به البخاري بالنسبة إلى ما انفرد‬
‫به مسلم‪ ،‬لتفاق العلماء على تلقي كتابيهما بالقبول‬
‫واختلف بعضهم في أيهما أرجح‪ ،‬فما اتفقا عليه أرجح‬
‫من هذه الحيثية مما لم يتفقا عليه‪ .‬وقد صرح‬
‫)‪(1‬‬
‫الجمهور بتقديم صحيح البخاري في الصحة(‪.‬‬
‫ويقول بعد ترجيح شرط البخاري على شرط مسلم‪:‬‬
‫ح البخاري على غيره من الكتب‬ ‫)ومن ثم قُ ّ‬
‫دم صحي ُ‬
‫المصنفة‪ ،‬ثم صحيح مسلم لمشاركته للبخاري في‬
‫دم‬
‫ق ّ‬
‫اتفاق العلماء على تلقي كتابه بالقبول‪ ....‬ثم ي ُ َ‬
‫في الرجحية من حيث الصحية ما وافق شرطهما‪....‬‬
‫فإن كان الخبر على شرطهما معا ً كان دون ما أخرجه‬
‫مسلم أو مثله‪ ،‬وإن كان على شرط أحدهما فيقدم‬
‫شرط البخاري وحده على شرط مسلم‬
‫وحده‪....‬فخرج لنا من هذا ستة أقسام تتفـاوت‬
‫)‪(2‬‬
‫درجاتها مـن حيث الصحـة(‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم يزيد الحافظ ابن حجر توضيحا في الشارة إلى‬
‫عدم إفادة بعض أحاديث الصحيحين العلم فيقول‪) :‬لو‬
‫كان الحديث عند مسلم مثل ً وهو مشهور قاصر عن‬
‫درجة التواتر لكن حفته قرينة صار بها يفيد العلم فإنه‬
‫يقدم على الحديث الذي يخرجه البخاري إذا كان‬
‫النخبة ‪.43-38‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬لقط الدرر ‪.43‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪.47-46‬‬

‫‪146‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فردًا(‬
‫ويقول‪) :‬لو كان الحديث الذي لم يخرجاه من ترجمة‬
‫وصفت بكونها أصح السانيد‪ ،‬كمالك عن نافع عن ابن‬
‫ل‪ ،‬ل سيما‬‫عمر فإنه يقدم على ما انفرد به أحدهما مث ً‬
‫)‪(2‬‬
‫من فيه مقال(‪.‬‬
‫إذا كان في إسناده َ‬
‫وفي كلمه معان ينبغي الوقوف عليها‪:‬‬
‫الول‪ :‬إثبات التفاوت في الصحة بين ما اتفقا عليه‬
‫وما انفرد به أحدهما‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تقديم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به‬
‫مسلم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تقديم ما أفاد العلم من أحاديث مسلم على‬
‫ما انفرد به البخاري‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تقديم ما أخرجه غيرهما من طريق مالك عن‬
‫نافع عن ابن عمر على ما انفرد به أحدهما‪.‬‬
‫وكل هذا ل معنى له إذا كان تلقي المة لحاديث‬
‫الصحيحين بالقبول يفيد العلم واليقين بأنها من قول‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬فبأي اعتبار يقدم‬
‫حديث قطع بأنه من قول الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على حديث آخر مقطوع به أيضًا؟‬
‫وكيف يحصل التفاوت بينهما بعد تحصيل العلم ؟‬
‫وتقديم ما أفاد العلم من أحاديث مسلم لتواتره أو‬
‫احتفافه بالقرينة على ما انفرد به البخاري ل معنى له‬
‫أيضا ً إذا كان تلقي المة بالقبول لحاديث المام‬
‫البخاري يفيد العلم‪ ،‬لن المقدم والمقدم عليه مفيد‬
‫للعلم عند من قال بأن تلقي المة بالقبول يفيد العلم‪.‬‬
‫وأما تقديم ما أخرجه غيرهما من بعض الطرق على‬
‫ما انفرد به أحدهما فل يظهر له وجه أيضا ً إذا كان ما‬
‫دم على‬ ‫ق ّ‬‫انفرد به أحدهما مقطوعا ً به‪ ،‬فكيف ي ُ َ‬
‫المقطوع به حديث اختلفوا في إفادته العلم أو‬
‫‪ ()1‬نفسه ‪.48‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪.49‬‬

‫‪147‬‬
‫سّلم بإفادة المق ّ‬
‫دم العلم فبأي اعتبار‬ ‫الظن ؟ ولو ُ‬
‫يقدم على ما أفاد العلم بتلقي المة له بالقبول ؟‬
‫ن حجر وحده‪ ،‬بل يلزم غيره‬ ‫ول ي َّلزم هذا الحاف َ‬
‫ظ اب َ‬
‫ممن ذكروا تفاوت مراتب الصحة على ست مراتب‬
‫)‪(2‬‬
‫كالسخاوي )‪ (1‬والسيوطي‪.‬‬
‫وأختم هذه المسألة كما ختمها به شبير أحمد فقال‪:‬‬
‫)وليس غرضنا مما كتبنا في هذا المبحث تهوين أمر‬
‫الصحيحين أو غيرهما من كتب الحديث ‪ -‬معاذ الله ‪-‬‬
‫بل المقصود هو نفي التعمق ووضع كل شيء في‬
‫موضعه وتنويه شأنه بما يستحقه‪ ،‬ونحن بحمد الله‬
‫نعتقد في هذين الكتابين الجليلين بما اعتقد به شيخ‬
‫شيوخنا ولي الله الدهولي ونقول بما قال‪ ،‬وهذا‬
‫لفظه‪ :‬أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن‬
‫جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع ‪-‬‬
‫أي بالتفصيل الذي ذكرنا ‪ -‬وأنهما متواتران إلى‬
‫مصنفيهما‪ ،‬وأن كل من يهون أمرهما فهو متبدع ضال‬
‫)‪(3‬‬
‫متبع غير سبيل المؤمنين(‪.‬‬

‫إفادة الخبر المشهور عند الحنفية‪:‬‬


‫سبقت الشارة إلى أن الحنفية جعلوا الخبر المشهور‬
‫قسما ً بين الحاد والتواتر‪ ،‬ولهم في تعريفه وإفادته‬
‫اصطلح خاص‪ ،‬أما المشهور عند الجمهور فهو قسم‬
‫من الحاد ول يخرج الكلم في إفادته عن إفادة خبر‬
‫الحاد‪ ،‬غاية المر أنه يفيد ظنا ً أرجح من الظن الذي‬
‫يفيده ما هو دونه من قسمه‪.‬‬
‫والمشهور في اصطلح الحنفية‪ :‬هو ما كان آحاد‬
‫الصل بأن يرويه عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم واحد أو اثنان أو عدد غير بالغ حد التواتر ثم‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬فتح المغيث ‪.1/17‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬تدريب الراوي ‪.1/64‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬فتح الملهم ‪.1/108‬‬

‫‪148‬‬
‫من بعدهم في القرن الثاني والثالث ومن‬ ‫تواتر ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫بعدهم‬
‫واختلفوا في إفادته على قولين‪.‬‬
‫فذهب عيسى بن أبان والجصاص إلى إفادته العلم‬
‫بطريق الكتساب‪ ،‬وجعله قسما ً من المتواتر‪.‬‬
‫يقول الجصاص‪ ...) :‬قصد عيسى بن أبان إلى ذكر‬
‫تقسيم الخبار وما تقتضيه من الحكم بمخَبرها‪...‬‬
‫‪-‬ثم قال‪ -‬والمتواتر على ضربين‪ ،‬ضرب يعلم بخبره‬
‫باضطرار‪ ،‬من غير نظر ول استدلل‪ ،‬وضرب يعلم‬
‫)‪(2‬‬
‫بخبره بالنظر والستدلل(‪.‬‬
‫وذهب جمهور الماتريدية إلى إفادته الطمأنينة‪ ،‬وأنه‬
‫قسم بين الحاد والمتواتر‪.‬‬
‫قال صدر الشريعة )‪) :(3‬الخبر المشهور يوجب علم‬
‫طمأنينة القلب‪ ،‬لنه وإن كان في الصل خبر واحد‬
‫لكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزهوا‬
‫عن وصمة الكذب‪ ،‬ثم بعد ذلك دخل في حد التواتر‬
‫)‪(4‬‬
‫فأوجب ما ذكرنا(‪.‬‬
‫قال الشارح‪) :‬والطمأنينة‪ :‬زيادة توطين وتسكين‬
‫يحصل للنفس على ما أدركته‪ .....‬وحاصله سكون‬
‫النفس عن الضطراب بشبهة‪ ،‬إل عند ملحظة كونه‬
‫آحاد الصل‪ ،‬فالمتواتر ل شبهة في اتصاله صورة ول‬
‫ة صورةَ ‪ -‬وهو‬ ‫معنى‪ ،‬وخبر الواحد في اتصاله شبه ٌ‬
‫ى حيث لم تتلقه المة بالقبول‪ ،‬فأفاد‬ ‫ظاهر ‪ -‬ومعن ً‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬فواتح الرحموت ‪ ،2/111‬وما سبق في مفهوم خبر‬
‫الحاد عند المتكلمين‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الفصول ‪.3/37‬‬
‫‪ ()3‬هو عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي )‬
‫‪ 747‬هـ(‪ ،‬المشهور بصدر الشريعة الصغر‪ ،‬ووالده صدر‬
‫الشريعة الكبر‪،‬وهو من علماء الحكمة والطبيعيات وأصول‬
‫الفقه‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬انظر ترجمته في العلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.4/354‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬التلويح‪ ،‬التفتازاني ‪.3/246‬‬

‫‪149‬‬
‫حكما ً دون اليقين‪ ،‬وفوق أصل الظن‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هو في الصل خبر واحد ولم ينضم إليه في‬
‫التصال بالنبي صلى الله عليه وسلم ما يزيد على‬
‫الظن فيجب أن يكون بمنزلة خبر الواحد‪ ،‬قلنا‪:‬‬
‫أصحاب النبي عليه الصلة والسلم تنزهوا عن وصمة‬
‫الكذب‪ ...‬فيحصل الظن بمجرد أصل النقل عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم يحصل زيادة رجحان‬
‫)‪(1‬‬
‫بدخوله في حد التواتر فيوجب علم طمأنينة(‪.‬‬
‫والملحظ في هذا التقسيم وإفادته‪ ،‬أنه ل يكاد يظهر‬
‫له أثر عملي تطبيقي في مسائل العتقاد لن إيجاد‬
‫أمثلة لخبر كان آحادا ً في عصر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ثم تواتر بعد ذلك عسير جدا‪ ،‬والمصنفات التي‬
‫جمع فيها الخبار المتواترة لم تلتفت إلى هذا الخبر‬
‫الذي سماه الماتريدية مشهورًا‪،‬وكذا الماتريدية لم أر‬
‫لهم تصنيفا ً فيه‪.‬‬
‫وسبب تقسيمهم للخبار على هذا النحو سبب فقهي‬
‫ل علقة له بالعقائد لن الماتريدية التزموا في‬
‫المسائل الفقهية فقه أبي حنيفة النعمان رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫ومنهج الحنفية في تأليف أصول الفقه هو استنباطه‬
‫من الفروع الفقهية‪ ،‬فكأنهم أرادوا استنباط الصول‬
‫التي اعتمدها أئمة المذهب في تفريع المسائل‬
‫)‪(2‬‬
‫الفقهية وبيان أحكامها‪.‬‬
‫واعتماد هذا المنهج دعا إلى هذا التقسيم‪ ،‬ويشير إلى‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬التلويح‪ ،‬التفتازاني ‪ ،3/246‬وانظر‪ :‬أصول‬


‫السرخسي ‪ 330-1/328‬وميزان الصول‪ ،‬السمرقندي‬
‫‪ ،2/633‬وكشف السرار النسفي ‪ ،26‬وكشف السرار‬
‫البخاري ‪ ،2/368‬ومرآة الصول في شرح مرقاة الوصول‪،‬‬
‫مل خسرو ‪ ،391‬المطبعة العثمانية ‪ 1317‬هـ‪ ،‬وفواتح‬
‫الرحموت ‪.2/112‬‬
‫‪ ()2‬انظر أصول الفقه‪ ،‬الخضري‪.80 ،‬‬

‫‪150‬‬
‫ذلك قول الجصاص‪) :‬القسم الثاني من قسمي‬
‫التواتر‪ :‬وهو ما يعلم صحته بالستدلل‪ ،‬فإن أبا‬
‫الحسن رحمه الله كان يحكي عن أبي يوسف أن‬
‫نسخ القرآن بالسنة إنما يجوز بالخبر المتواتر الذي‬
‫يوجب العلم كخبر المسح على الخفين)‪ (1‬فهذا الذي‬
‫ذكره من قوله يدل على أنه كان يرى أن من الخبار‬
‫المتواترة ما يعلم صحتها بالستدلل لن هذه صفة‬
‫المسح على الخفين‪ ،‬إذ ل يمكن لحد أن يدعي في‬
‫)‪(2‬‬
‫ثبوته وصحته علم اضطرار(‪.‬‬
‫ثم يذكر الجصاص أمثلة أخرى لهذا النوع من الخبار‬
‫كلها أخبار واردة في فروع فقهية )‪.(3‬وإيجاد أخبار في‬
‫العقائد بهذه الصفة أمر فيه مشقة وعسر‪ ،‬لنا نحتاج‬
‫في ذكر المثال أن نثبت آحاديته في طبقة الصحابة‬
‫وتواتره في الطبقات التالية‪.‬‬
‫فل نطيل في أمر ل يترتب عليه أثر في الحتجاج‬
‫بخبر الحاد في مسائل العتقاد‪.‬‬
‫والحاصل في الكلم على إفادة خبر الحاد في هذا‬
‫المبحث‪ ،‬أنه بنفسه ل يفيد إل الظن الراجح خلفا ً‬
‫لمن ادعى إفادته العلم‪ ،‬وقد ينضم إليه ما يقويه‬
‫فيفيد العلم بأن يحتف بالقرائن‪ ،‬أو يوافق أصل ً في‬
‫كتاب الله عز وجل‪ ،‬أو يكون الخبر بين يدي جماعة‬
‫يدل سكوتهم على تصديقه‪.‬‬
‫وذهب البعض إلى أن تلقي المة له بالقبول يدل على‬

‫‪ ()1‬في المسح على الخفين أحاديث كثيرة منها ما أخرجه‬


‫المام مسلم بسنده عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه‬
‫قال‪) :‬بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة‬
‫إذ نزل فقضى حاجته‪ ،‬ثم جاء فصبت عليه من إداوة كانت‬
‫معي‪ ،‬فتوضأ ومسح على خفيه‪ ،‬كتاب الطهارة ‪.22/274‬‬
‫‪ ()2‬الفصول ‪.3/37‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الفصول ‪ ،3/48‬وأصول السرخسي ‪،293-1/291‬‬
‫وتيسير التحرير‪ ،‬أمير بادشاه ‪.38-3/37‬‬

‫‪151‬‬
‫إفادة العلم‪ ،‬وكذا الخبر المسلسل بالئمة يفيد العلم‪.‬‬
‫وفيه نظر كما سبق‪.‬‬
‫وبعد الفراغ من الكلم على إفادة خبر الحاد ننتقل‬
‫إلى ثمرة الخلف في إفادته وهو إثبات العقيدة بخبر‬
‫الحاد‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مدى الحتجاج بأخبار الحاد‬
‫الواردة في مسائل العتقاد‬
‫أخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد تنقسم‬
‫باعتبار إفادتها إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬الخبار التي تفيد العلم بعد النظر‬
‫والكتساب بطريق من الطرق التي سبق الشارة‬
‫إليها‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الخبار التي تفيد الظن الراجح بصحة‬
‫صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي‬
‫الحاديث الصحيحة التي وصلت إلينا بنقل العدل عن‬
‫العدل‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬وهي الخبار التي لم تصل إلى درجة‬
‫الصحة المعتبرة عند المحدثين‪ ،‬سواء أكانت في رتبة‬
‫الحسن أو الضعيف أو الموضوع‪.‬‬
‫أما القسم الول فل خلف في حجيته وإثبات العقيدة‬
‫به‪ ،‬وقد يقع الخلف فيه من جهة دعوى اكتساب‬
‫العلم بثبوت الخبار من الطرق المختلف في تقويتها‬
‫لخبار الحاد نحو تلقي المة لها بالقبول‪ ،‬أو احتفافها‬
‫بالقرائن‪ ،‬وقد سبقت الشارة إلى الخلف في هذه‬
‫المسألة‪ .‬وإلى صعوبة إثبات قرائن تحف بالخبار‬
‫الشرعية ويتقوى بها الخبر حتى يفيد العلم‪.‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬فهو محل النزاع والخلف ‪ -‬كما‬
‫سيأتي بيان ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما القسم الثالث‪ :‬فلأعلم خلفا في عدم حجيته في‬
‫مسائل العتقاد‪ ،‬لن الجميع متفقون على اشتراط‬
‫أعلى درجات الثبوت في إثبات العقائد‪ .‬وما يقع به‬
‫البعض من الحتجاج بأخبار من هذا القسم فليس‬
‫سببه ادعاء حجية هذا القسم‪ ،‬بل سببه ادعاء صحته‪،‬‬
‫أو الجهل بدرجة ثبوته‪ ،‬أو الستجابة للهوى ولردود‬
‫الفعال التي تثور في زحمة الصراع الفكري‪.‬‬
‫ولهذا يتعين حصر الكلم على مدى الحتجاج بالقسم‬

‫‪153‬‬
‫الثاني من أخبار الحاد الواردة في مسائل العتقاد‪،‬‬
‫أما ما احتج به البعض من أخبار القسم الثالث‬
‫فسيأتي التنبيه عليه في الفصل الثاني إن شاء الله‪.‬‬
‫وإذا انحصر النزاع في حجية الخبار التي وصلت إلى‬
‫درجة الصحة المعتبرة عند المحدثين تمهد بعد ذلك‬
‫الكلم على المراد بمدى هذه الحجّية‪:‬‬
‫هل تقصر الحجّية على إثبات العقائد بها ؟ أم يمكن‬
‫إثبات حجية فيها دون تلك ؟ وهل هناك رتبة بين‬
‫إثبات العقيدة وتكذيب الخبر أو إهماله ؟‬
‫ويمكن الجابة على هذه السئلة في فرعين‪:‬‬

‫الفرع الول‪ :‬إثبات العقيدة بخبر الحاد‬


‫يمكن حصر الخلف في إثبات العقائد بأخبار الحاد‬
‫في قولين‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أنه ل تثبت به عقيدة‬
‫وعلى ذلك اتفق الشاعرة‪ ،‬والماتريدية‪ ،‬والمعتزلة‪،‬‬
‫والباضية‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والشيعة المامية‪ .‬وبه صرح‬
‫جماعة من المحدثين‪ ،‬وجماعة من الحنابلة‪.‬‬
‫فمن الشاعرة يقول الباقلني‪ ...) :‬أخبار الحاد ل‬
‫)‪(1‬‬
‫يجب القضاء بها في القطعيات(‪.‬‬
‫ويقول ابن فورك في الخبار الواردة في مسائل‬
‫العتقاد‪ ...) :‬وإن كان ذلك مستندا ً إلى أخبار آحاد‬
‫ل ثقات كان الحكم بها على الظاهر واجبا ً من‬ ‫وعدو ٍ‬
‫طريق التجويز ورفع الحالة‪ ،‬وإن لم يكن فيها القطع‬
‫)‪(2‬‬
‫والعتقاد(‪.‬‬
‫ويقول الشيرازي‪) :‬في مسائل الصول ‪ -‬مثل التوحيد‬
‫وإثبات الصفات ‪ -‬أدلة عقلية موجبة للعلم قاطعة‬

‫‪ ()1‬التمهيد ‪ ،266‬وانظر تفسير القرآن بالسنة‪ ،‬عبد المجيد‬


‫الدوري ‪ .314‬رسالة دكتوراه ‪ -‬جامعة بغداد ‪ 1991‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬مشكل الحديث ‪.270‬‬

‫‪154‬‬
‫)‪(1‬‬
‫للعذر‪ ،‬فل حاجة بنا إلى خبر الواحد‪.(...‬‬
‫ويقول إمام الحرمين ردا ً على الحشوية‪ ...) :‬وأما‬
‫الحاديث التي يتمسكون بها فآحاد ول تفضي إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫العلم ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغًا(‪.‬‬
‫ويقول الرازي‪):‬أخبار الحاد مظنونة فل يجوز التمسك‬
‫)‪(3‬‬
‫بها في معرفة الله تعالى وصفاته(‬
‫ويقول أيض ًًا‪) :‬خبر الواحد مظنون‪ :‬فل يجوز التمسك‬
‫)‪(4‬‬
‫به في المسائل اليقينية(‬
‫ويقول المدي جوابا ً على من منع العمل بخبر الحاد‬
‫مستدل ً بقـولـــه تعالى‪ " :‬ول تقف ما ليس لك به‬
‫علم ")‪:(5‬‬
‫)يحتمل أن يكون المراد من اتباع غير العلم فيما‬
‫المطلوب منه العلم‪ ،‬كالعتقادات في أصول الدين(‪.‬‬
‫)‪(6‬‬

‫ويقول الزركشي‪) :‬ما يطلب فيه اليقين كالعلم بالله‬


‫وصفاته‪ ،‬فإن ذلك ل يجوز العمل فيه بهذه الخبار‪،‬‬
‫)‪(7‬‬
‫لنها ل تفيد العلم‪ ،‬والظن في ذلك غير جائز(‪.‬‬
‫ولم أعثر على نص من قول أحد الشاعرة يخالف فيه‬
‫في عدم حجية الخبر الظني في إثبات العقائد‪.‬‬
‫وقد يهم البعض في نسبة الخلف إلى أحد الشاعرة‪.‬‬
‫من ذلك قول الدكتور الشقر‪) :‬مع أن المدي يذهب‬
‫إلى أن خبر الواحد قد يفيد اليقين إذا احتفت به‬
‫القرائن إل أنه يحتج به في باب العقائد()‪ .(8‬وعزاه إلى‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬شرح اللمع ‪.2/106‬‬
‫‪ ()2‬الرشاد ‪.161‬‬
‫‪ ()3‬الساس في التقديس ‪.168‬‬
‫‪ ()4‬المطالب العالية من العلم اللهي ‪ ،7/201‬تحقيق أحمد‬
‫حجازي السقا‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت ‪.1987 -‬‬
‫‪ ()5‬السراء ‪36‬‬
‫‪ ()6‬الحكام ‪.2/277‬‬
‫‪ ()7‬البحر المحيط ‪.4/260‬‬
‫‪ ()8‬أصل العتقاد ‪.43‬‬

‫‪155‬‬
‫الحكام )‪(55-2/50‬‬
‫وليس في هذه الصفحات ما يشير إلى ذلك ول إلى‬
‫قريب منه‪ ،‬وقد سبق نقل نص المدي فثبت بذلك‬
‫)‪(1‬‬
‫وهم الدكتور الشقر‪.‬‬
‫ومن الماتريدية الذين صرحوا بذلك‪-:‬‬
‫السرخسي إذ يقول‪) :‬ول خلف أن أصل الدين‬
‫كالتوحيد وصفات الله وإثبات النبوة ل يكون إل‬
‫بطريق يوجب العلم قطعًا‪ ،‬ول يكون فيه شك ول‬
‫)‪(2‬‬
‫شبهة(‪.‬‬
‫وبهذا النص يثبت أن الدكتور الشقر وهم في ذكر‬
‫السرخسي في جملة الذين يثبتون العقائد بالخبار‬
‫)‪(3‬‬
‫الظنية‪.‬‬
‫ويقول عبد العزيز البخاري‪):‬خبر الواحد ل يعمل به‬
‫)‪(4‬‬
‫في أصول الدين‪ ،‬لن المطلوب فيه علم اليقين(‪.‬‬
‫ويقول مل علي القاري‪) :‬ل يخفى أن المعتبر في‬
‫العقائد هو الدلة اليقينية‪ ،‬وأحاديث الحاد لو ثبتت إنما‬
‫)‪(5‬‬
‫تكون ظنية(‪.‬‬
‫ويقول مل خسرو‪) :‬العتقاديات ل تثبت بأخبار الحاد‬
‫)‪(6‬‬
‫لبتنائها على اليقين(‪.‬‬
‫ويقول القاضي عبد الجبار من المعتزلة‪):‬وأما ما ل‬
‫ذبا ً كأخبار الحاد‪ ،‬وما هذه‬
‫صدقا ً ول ك ِ‬ ‫يعلم كونه ِ‬
‫سبيله يجوز العمل به‪ ،‬فأما قبوله فيما طريقه‬

‫‪ ()1‬وانظر‪ :‬تفسير القرآن بالسنة د‪ -‬عبد المجيد الدوري‬


‫‪.319‬‬
‫‪ ()2‬انظر أصول السرخسي ‪.1/322‬‬
‫‪ ()3‬أصل العتقاد ‪.38-37‬‬
‫‪ ()4‬كشف السرار ‪.2/371‬‬
‫‪ ()5‬شرح الفقه الكبر ‪.83‬‬
‫‪ ()6‬مرآة الصول ‪ 406‬وانظر‪ :‬كشف السرار‪ ،‬النسفي‬
‫‪20-2/19‬وشرح التلويح‪ ،‬التفتازاني ‪ ،2/349‬وتيسير التحرير‪،‬‬
‫أمير بادشاه ‪.3/79‬‬

‫‪156‬‬
‫)‪(1‬‬
‫العتقادات فل(‪.‬‬
‫ويقول عبد الله بن حميد السالمي من الباضية‪):‬خبر‬
‫)‪(2‬‬
‫الحاد مظنون الصدق‪،‬والعقائد ل تبنى على ظن(‬
‫ويقول أحمد بن يحيى المرتضى من الزيدية‪) :‬ول‬
‫يقبل الحاد في أصول الدين‪ ...‬وإنما يؤخذ منها‬
‫)‪(3‬‬
‫باليقين‪ ،‬وهو ل يثمره(‪.‬‬
‫ويقول محمد بن المرتضى المشهور بابن الوزير‪) :‬من‬
‫الزيادة في الدين أن يرفع المظنون في العقليات أو‬
‫الشرعيات إلى مرتبة المعلوم‪ ،‬وهذا حرام بالجماع‪...‬‬
‫لنه ل حاجة ول ضرورة إلى البدعة في العتقاد‪ ،‬وأما‬
‫الفروع العملية‪ ،‬فلمـا وقـعـت الضـرورة إلى الخوض‬
‫)‪(4‬‬
‫فيها بالـظـنون لم يكن فيها حرج بالنص والجماع(‪.‬‬
‫ويقول الطوسي )‪ (5‬من الشيعة المامية‪):‬أما أخبار‬
‫)‪(6‬‬
‫الحاد والقياس فـل يجـوز أن يعول عليها عندنا(‪.‬‬
‫ويقول أبو القاسم الخوئي‪) :‬أما الظن المتعلق‬
‫بالصول العتقادية فل ينبغي الشك في عدم جواز‬
‫الكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقل ً كمعرفة الباري‬

‫‪ ()1‬شرح الصول الخمسة ‪.259‬‬


‫‪ ()2‬مشارق أنوار العقول ‪،108‬وانظر‪:‬الباضية بين الفرق‬
‫السلمية علي يحيى يعمر ‪.2/140‬وانظر‪:‬تفسير القرآن‬
‫بالسنة‪،‬عبد المجيد الدوري ‪.356-353‬‬
‫‪ ()3‬البحر الزخار والجامع لمذاهب علماء المصار‪ ،‬أحمد بن‬
‫يحيى المرتضى )‪ 840‬هـ( ‪ 1/178‬مؤسسة الرسالة ‪-‬‬
‫بيروت ‪.1975‬‬
‫‪ ()4‬إيثار الحق ‪ ،107‬وانظر‪ :‬الذب على السنة ‪2/50‬‬
‫وتوضيح الفكار‪ ،‬الصنعاني ‪ 127-1/126‬وتفسير القرآن‬
‫بالسنة‪ ،‬عبد المجيد الدوري ‪.382‬‬
‫‪ ()5‬هو محمد بن الحس بن علي الطوسي )‪ 460‬هـ(‪ ،‬كان‬
‫شافعيا ً ثم انتقل إلى مذهب الشيعة فصار فيه علما ً وحجة‪،‬‬
‫انظر ترجمته في طبقات السبكي ‪ ،3/51‬والعلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.6/315‬‬
‫‪ ()6‬القتصاد فيما يجب اعتقاده ‪.303،262‬‬

‫‪157‬‬
‫)‪(1‬‬
‫جل شأنه ‪ -‬أو شرعًا‪ ،‬كمعرفة المعاد الجسماني(‪.‬‬
‫ويقول الحافظ الخطابي من المحدثين‪) :‬الصل في‬
‫إثبات الصفات أنه ل يجوز ذلك إل أن يكون بكتاب‬
‫)‪(2‬‬
‫ناطق أو خبر مقطوع بصحته‪.(....‬‬
‫ويقول الحافظ البيهقي‪) :‬ترك أهل النظر من أصحابنا‬
‫)‪(3‬‬
‫الحتجاج بخبر الحاد في صفات الله تعالى‪.(...‬‬
‫ويقول الخطيب البغدادي‪) :‬خبر الواحد ل يقبل في‬
‫شيء من أمور الدين المأخوذ على المكلفين العلم‬
‫)‪(4‬‬
‫بها والقطع عليها(‪.‬‬
‫ويقول أبو الخطاب من الحنابلة‪) :‬أصول الدين كلفنا‬
‫فيها العلم واليقين‪ ،‬والعلم واليقين ل يستمران بغبلة‬
‫)‪(5‬‬
‫الظن(‪.‬‬
‫ووقع الوهم في نسبة القول بإثبات العقائد بخبر‬
‫الحاد إلى المام الشافعي وابن عبد البر‪:‬‬
‫أما الشافعي فقد وهم اللباني )‪ (6‬والشقر والمين‬
‫)‪(7‬‬

‫الحاج محمد)‪ (8‬في نسبة هذا القول إليه وعمدتهم في‬


‫هذه النسبة ما نقلوه عن الشافعي في الرسالة‪ ،‬وهذا‬
‫نصه‪) :‬أخبرنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير‬
‫قال‪ :‬قلت لبن عباس إن نوفا ً الَبكالي يزعم أن‬
‫موسى صاحب الخضر ليس موسى بني اسرائيل ؟‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬كذب عدوالله‪،‬أخبرني أبي بن كعب‬
‫قال‪ :‬خطبنا رسول الله‪ ...‬ثم ذكر حديث موسى‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬مصباح الصول‪ ،‬محمد سرور الواعظ الحسيني‬


‫‪ 2/297‬مطبعة النجف‪ ،‬وانظر المعالم ابن الشهيد ‪.422‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪.423‬‬
‫‪ ()3‬نفسه ‪.450‬‬
‫‪ ()4‬الكفاية ‪.605‬‬
‫‪ ()5‬التمهيد ‪.40-3/38‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬الحديث حجه بنفسه ‪.54‬‬
‫‪ ()7‬انظر‪ :‬أصل العتقاد ‪.43‬‬
‫‪ ()8‬انظر‪ :‬حجية أخبار الحاد ‪.67‬‬

‫‪158‬‬
‫والخضر بشيء يدل على أن موسى صاحب الخضر(‬
‫)‪ (1‬فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن‬
‫كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫يكذب به امرأ ً من المسلمين‪ ،‬إذ حدثه أبي بن كعب‬
‫عن رسول الله بما فيه دللة على أن موسى بني‬
‫)‪(2‬‬
‫اسرائيل صاحب الخضر(‪.‬‬
‫يقول اللباني‪) :‬وهذا القول من الشافعي ‪ -‬رحمه الله‬
‫‪ -‬دليل على أنه ل يرى التفريق بين العقيدة والعمل‬
‫في الحتجاج بخبر الحاد ؛ لن كون موسى عليه‬
‫السلم هو صاحب الخضر عليه السلم هي مسألة‬
‫)‪(3‬‬
‫علمية‪ ،‬وليست حكما ً عمليًا‪ ،‬كما هو بّين(‪.‬‬
‫ول ُيسّلم أن كل مسألة ليس تحتها عمل يكون‬
‫المطلوب فيها العتقاد الجازم‪ ،‬بل يكفي أصل‬
‫التصديق وترك التكذيب حتى يقوم دليل على طلب‬
‫العتقاد واليمان‪ ،‬ومسألتنا هذه من قصص النبياء‬
‫والتفسير ل من العقائد‪ ،‬وأيضًا‪ :‬ل يستقل خبر الحاد‬
‫بالدللة على إثبات أن موسى عليه السلم هو صاحب‬
‫الخضر‪.‬‬
‫قال الرازي‪) :‬احتج القفال على صحة قولنا‪ :‬إن‬
‫موسى هذا هو صاحب التوراة‪ ،‬فقال‪ :‬إن الله تعالى‬
‫ما ذكر موسى في كتابه إل وأراد به صاحب التوراة‪،‬‬
‫فإطلق هذا السم يوجب النصراف إليه‪ ،‬ولو كان‬
‫ى بموسى غيَره‪ ،‬لوجب‬ ‫ً‬
‫المراد به شخصا آخر مسم ً‬
‫تعريفه بصفة توجب المتياز وإزالة الشبهة‪ ،‬كما أنه‬
‫لما كان المشهور في العرف من أبي حنيفة رحمه‬
‫الله هو الرجل المعني‪ ،‬فـلو ذكـرنـا هذا السـم‬

‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في كتاب النبياء ‪ ،27/3401‬وكتاب‬


‫التفسير ‪ -‬سورة الكهف ‪ 4727 ،4726 ،2/4725 -‬ومسلم‬
‫في كتاب الفضائل ‪.46/2380‬‬
‫‪ ()2‬الرسالة‪.443-442 ،‬‬
‫‪ ()3‬الحديث حجة بنفسه ‪.54‬‬

‫‪159‬‬
‫وأردنـا به رجل ً سواه لقيدنـا‪ ،‬مثـل أن نقول‪ :‬قـال أبو‬
‫)‪(2) (1‬‬
‫حنيفـة الدينوري (‬
‫وفي خبر ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬دليل على‬
‫أنه يقطع بأن موسى عليه السلم هو صاحب الخضر‪،‬‬
‫ول يحتمل أن ابن عباس ترجمان القرآن ‪ -‬غاب عن‬
‫ذهنه دللة القرآن على أن موسى عليه السلم هو‬
‫صاحب الخضر‪ ،‬وإنما استدل بالخبر وحده لنه أخصر‬
‫في الحجة‪.‬‬
‫أما الحافظ ابن عبد البر فقد نقل عنه الشيخ ابن‬
‫تيمية حكاية الجماع على إثبات العقائد بخبر الحاد‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وتابعه على ذلك السفاريني )‪ (3‬والدكتور الشقر‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن عبد البر‪):‬اختلف أصحابنا ‪ -‬يعني‬
‫المالكية ‪ -‬وغيرهم في خبر الواحد العدل؟ هل يوجب‬
‫العلم والعمل جميعا ً ؟ أو يوجب العمل دون العلم ؟‬
‫قال‪ :‬والذي عليه أكثر أهل الحذق منهم أن يوجب‬
‫العمل دون العلم‪ ،‬وهو قول الشافعي وجمهور أهل‬
‫الفقه والنظر‪ ،‬ول يوجب العلم عندهم إل بما شهد به‬
‫الله‪ ،‬وُقطع به العذر لمجيئهِ مجيئا ً ل اختلف فيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬والذي نقول به إنه يوجب العمل دون العلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكلهم يروي خبر الواحد العدل في العتقاديات‪،‬‬
‫ويعادي عليها‪ ،‬ويوالي عليها‪ ،‬ويجعلها شرعا ً وحكما ً‬

‫‪ ()1‬هو أحمد بن داود‪.‬كان لغويا من نوادر الرجال )‬


‫‪281‬ه‪(-‬انظر ترجمته في بغية الوعاة ‪1/306‬‬
‫‪ ()2‬تفسير الرازي ‪.21/144‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪:‬لوامع النوار البهية شرح الدرة المضّية في عقيدة‬
‫الفرقة المرضية ‪ ،1/19‬طبعة المكتب السلمي ‪ -‬عمان‬
‫‪.1991‬‬
‫والسفاريني هو‪ :‬محمد بن أحمد )‪ 1188‬هـ( محقق‪ ،‬فقيه‬
‫حنبلي‪ ،‬وله اشتغال بالحديث والصول والدب‪ ،‬انظر ترجمته‬
‫في العلم‪ ،‬الزركلي ‪.6/240‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬أصل العتقاد ‪.37‬‬

‫‪160‬‬
‫ودينا ً في معتقده(‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ويقول ابن تيمية تعليقا ً على كلم ابن عبد البر‪):‬هذا‬


‫الجماع الذي ذكره في خبر الواحد العدل في‬
‫)‪(2‬‬
‫العتقادات يؤيد قول من يقول إنه يوجب العلم‪.(...‬‬
‫ول أرى أن عبارة ابن عبد البر تدل على نقل الجماع‬
‫في إثبات العقائد بأخبار الحاد‪ ،‬غاية المر أن الحافظ‬
‫ابن عبد البر يريد التنبيه على صنيعهم إذ يقع من‬
‫جميعهم إثبات العقيدة بخبر الحاد‪ ،‬ولو على سبيل‬
‫الندور والقلة‪ ،‬وهذا أمر مسلم‪ ،‬لكن ل يدل على‬
‫حجيته‪ ،‬لن استدلل المستدل ل يدل على حجية‬
‫الدليل‪ ،‬كما أن الفقهاء قد يقع منهم إثبات الحكام‬
‫الشرعية بالخبار الضعيفة‪ ،‬ول يدل ذلك على حجيته‪،‬‬
‫وسياق عبارة ابن عبد البر يدل على استنكاره‬
‫واستهجانه لما حكاه من صنيعهم‪،‬لنه نص قبل ذلك‬
‫علي أنه يوجب العمل دون العلم‪.‬‬
‫ولو سلمنا أن ابن عبد البر‪-‬رحمه الله‪ -‬أراد حكاية‬
‫سّلم ذلك ونصوص علماء المة ناطقة‬ ‫الجماع فكيف ي ٌ َ‬
‫بعدم صلحية الخبر الظني لثبات العقائد؟‬
‫وهذه المثلة كافية لثبات وهم الذين أجازوا إثبات‬
‫العقيدة بأخبار الحاد في نسبة هذا الرأي إلى غيرهم‪.‬‬
‫أما الجمهور القائلون بعدم صلحية الخبار الظنية‬
‫في إثبات العقيدة فيعتمدون على دليل يكاد يكون‬
‫بديهيًا‪.‬‬
‫وهو باختصار‪ :‬أن التكليف في مسائل العتقاد هو‬
‫الجزم والعلم الذي ل يقبل التشكيك‪ ،‬ومن المشقة‬
‫في التكليف أن نبني العلم واليقين على خبر يجوز‬

‫‪ ()1‬التمهيد بما في الموطأ من المعاني والسانيد‪ ،‬أبو عمر‬


‫يوسف بن عبدالله )ابن عبد البر( النمري الندلسي)‪463‬هـ(‬
‫تحقيق مصطفى العلوي ‪ 7-1/6‬مطبعة فضالة‪-‬المغرب ‪-‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬المسودة ‪.245‬‬

‫‪161‬‬
‫فيه الوهم والخطأ على المخبر به ول ُيقطع بصدقه‬
‫فيما أخبر به‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبيان ذلك أنا نجد في أنفسنا تفاوتا ضروريا في قبول‬
‫الخبار‪ ،‬فالوجدان الصحيح يحكم بالفرق بين مدارج‬
‫الخبر والتفاوت بين مراتب ما يثبت به‪.‬‬
‫قال شبير أحمد‪) :‬أل ترى أنك إذا أخبرك أحد من‬
‫الناس أن زيدا ً يدعوك فل يعتريك في قبول هذا الخبر‬
‫تردد وتخالج‪ ،‬وإذا أخبرك ذلك المخبر بعينه أن‬
‫السلطان يدعوك إلى حفلته اعتراك شيء من‬
‫الختلج والنقباض‪ ،‬ول ينشرح صدرك لقبوله حتى‬
‫تلتمس القرائن والشواهد‪ ،‬وهذا مراد من قال‪ :‬إن‬
‫الشهادة ينبغي أن تكون على قدر الدعوى‪ ،‬والدلي َ‬
‫ل‬
‫)‪(1‬‬
‫على وزان المدلول(‪.‬‬
‫وفي الحكام الشرعية ما يدل على هذا التفاوت‪،‬‬
‫ففي إعلم الناس بدخول وقت الصلة يكفي إخبار‬
‫مؤِذن واحد‪-‬كما سبق ذكره‪-‬وفي إثبات الحقوق‬
‫المادية بين الناس لبد من شهادة اثنين‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫)واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا‬
‫)‪(2‬‬
‫رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء(‪.‬‬
‫وفي إثبات الزنا لبد من أربعة شهود‪ ،‬قال‬
‫)‪(3‬‬
‫تعالى‪) :‬لول جاءوا عليه بأربعة شهداء(‪.‬‬
‫وفي ادعاء النبوة يطالب المدعي بالمعجزة‪ ،‬لنه‬
‫يدعي خرق العادة بتلقي وحي الله عز وجل فيطالب‬
‫بدليل من جنس دعواه‪ ،‬وهو خرق العادة‪.‬‬
‫وفي الخبار الشرعية نجد اعتبار هذا التفاوت واضحا ً‬
‫جليا ً عند العلماء كافة‪.‬‬
‫يقول الحافظ البيهقي‪ :‬الخبار على ثلثة أنواع‪:‬‬
‫نوع اتفق أهل العلم بالحديث على صحته‪ ،‬وهذا على‬
‫‪ ()1‬فتح الملهم ‪.1/8‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (282‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (13‬من سورة النور‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫ضربين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون من أوجه كثيرة وطرق شتى حتى‬
‫دخل في حد الشتهار‪ ،‬وب َعُد َ عن توهم الخطأ فيه‪،‬‬
‫فهذا الضرب من الحديث يحصل به العلم‬
‫المكتسب‪ ...‬وذلك مثل الخبار التي رويت في الرؤية‬
‫والحوض وعذاب القبر وبعض ما روي في‬
‫المعجزات‪.....‬‬
‫ً‬
‫والضرب الثاني‪ :‬أن يكون مرويا من جهة الحاد‪،‬‬
‫ويكون مستعمل ً في الدعوات والترغيب والترهيب‬
‫وفي الحكام‪ ،‬كما يكون شهادة الشاهدين مستعملة‬
‫ن كان يجوز عليها وعلى‬ ‫في الحكام عند الحكام‪،‬وإ ْ‬
‫المخبرالخطأ والنسيان‪ ،‬لورود نص الكتاب بقبول‬
‫هدين إذا كانا عدلين‪ ،‬وورود السنة بقبول‬ ‫شهادة الشا َ‬
‫خبر الواحد إذا كان عدل ً مستجمعا ً لشرائط القبول‬
‫فيما يوجب العمل‪.‬‬
‫وأما النوع الثاني من الخبار‪ :‬فهي أحاديث اتفق أهل‬
‫العلم بالحديث على ضعف مخرجها‬
‫وهذا النوع على ضربين‪:‬‬
‫ً‬
‫ضرب رواه من كان معروفا بوضع الحديث والكذب‬
‫فيه‪ ،‬فهذا الضرب ل يكون مستعمل ً في شيء من‬
‫أمور الدين إل على وجه التليين‪.‬‬
‫رف‬ ‫وضرب ل يكون راويه متهما ً بالوضع‪ ،‬غير أنه عُ ِ‬
‫بسوء الحفظ وكثرة الغلط في رواياته‪ ...‬فهذا‬
‫الضرب ل يكون مستعمل ً في الحكام‪ ،‬كما ل تكون‬
‫شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكام‪ ،‬وقد‬
‫يستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب والتفسير‬
‫والمغازي فيما ل يتعلق به الحكم‪.‬‬
‫‪-‬ثم ساق بسنده‪ -‬عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال‪:‬‬
‫)إذا روينا في الثواب والعقاب وفي فضائل العمال‬
‫تساهلنا في السانيد‪ ،‬وتسامحنا في الرجال‪ ،‬وإذا‬
‫روينا في الحلل والحرام والحكام تشددنا في‬

‫‪163‬‬
‫السانيد وانتقدنا الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ساق بسنده ‪ -‬عن يحيى بن سعيد القطان أنه‬
‫قال‪ :‬تساهلوا في التفسير عن قوم ل يوثقونهم في‬
‫الحديث‪.‬‬
‫أما النوع الثالث من الحاديث‪ :‬فهو حديث قد‬
‫اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته‪ ...‬فهذا الذي‬
‫)‪(1‬‬
‫يجب على أهل العلم بالحديث أن ينظروا فيه(‪.‬‬
‫دل لكل نوع‬ ‫وبهذا يتبين جليا ً واضحا ً أنه يجب أن ي ُ ْ‬
‫ست َ َ‬
‫من أنواع الدعاوى بدليل يناسبها ويوازنها‪.‬‬
‫فإذا كان المحدثون يتساهلون في المناقب‪،‬‬
‫ويستشهدون في الحلل والحرام ‪ -‬مع أنه يكفي فيها‬
‫الظن الراجح ‪ -‬فالولى والقرب إلى البداهة اشتراط‬
‫أعلى درجات التشدد والثبوت في مسائل العتقاد‪،‬‬
‫لن المطلوب فيها العتقاد الجازم‪ ،‬ول ُيقبل فيه تردد‬
‫أو تشكيك‪ ،‬وما هذا شأنه يجب أن يكون ثبوته بدليل‬
‫ل يدخله الشك ول يلحقه سوء ظن بحفظ راويه‬
‫وضبطه وعدالته‪ ،‬فمن تساهل في ذلك فقد هان عليه‬
‫اعتقاده‪ ،‬وعجز عن الرد على تشكيك المشككين‬
‫وطعن الملحدين‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬إثبات العقيدة بخبر الحاد‪:‬‬
‫إن المصرحين بإثبات العقائد بخبر الحاد هم بعض‬
‫المحدثين كعثمان بن سعيد الدرامي وعبد الله بن‬
‫أحمد وابن خزيمة والللكائي وابن أبي عاصم ‪-‬وقد‬
‫سبق بسط ذلك عند الكلم على احتجاج المحدثين‬
‫بخبر الحاد‪ ،‬وينضم إليهم من المحدثين ابن قتيبة‬
‫والحافظ الذهبي‪.‬‬
‫ومن الحنابلة القاضي أبو يعلى الفراء وابن تيمية‬
‫وتلميذه ابن القيم‪ ،‬وابن حزم من الظاهرية‪.‬‬
‫‪ ()1‬دلئل النبوة باختصار ‪،38-1/32‬وانظر‪:‬نحوه في الكفاية‪،‬‬
‫الخطيب ‪606-605‬ونحوه أيضا ً في ميزان العتدال ‪،1/427‬‬
‫‪.3/420 ،2/325‬‬

‫‪164‬‬
‫أما ابن قتيبة فقد صنف كتابا ً في مختلف الحديث‬
‫أثبت فيه صفات لله عز وجل والدليل فيها آحادي‪،‬‬
‫كالصورة والصابع ‪ -‬وسيأتي بيانه في الباب الثاني إن‬
‫شاء الله ‪-‬‬
‫ً‬
‫وأما الحافظ الذهبي فقد صنف كتابا لثبات علو الله‬
‫عز وجل في الصفات‪ ،‬واستدل لذلك بكثير من‬
‫الخبار والثار‪ ،‬سيأتي الكلم عليها إن شاء الله‪.‬‬
‫وأما القاضي أبو يعلى فقد صنف كتابا ً في إبطال‬
‫التأويلت التي ذكرها ابن فورك في كتابه "مشكل‬
‫الحديث" وأثبت فيه صفات كثيرة لله عز وجل منها‬
‫الصورة والصابع والساق والقدم والرجل والجلوس‬
‫على العرش ‪-‬بل والفراش ‪-‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وأما الشيخ ابن تيميه وتلميذه ابن القيم فقد سبقت‬
‫نصوص من كتبهم تصرح بذلك‪.‬‬
‫وأما ابن حزم الظاهري فهو بحق حامل لواء إثبات‬
‫إفادة خبر الحاد العلم‪ ،‬ويعتمد موافقوه عليه كثيرا ً‬
‫في سياقة الدلة على ذلك‪ ،‬وقد صرح في كتابه‬
‫الحكام بتكفير من أنكر خبرا ً صحيحا ً روي من طريق‬
‫)‪(1‬‬
‫الحاد‪.‬‬
‫وينضم إليهم عدد من المعاصرين الذين كتبوا في‬
‫إثبات حجية أخبار الحاد في العقائد‪ ،‬كاللباني‬
‫والدكتور الشقر والمين الحاج محمد وحمدي‬
‫السلفي وعبد العزيز بن راشد‪ ،‬وعمدة هؤلء جميعا ً‬
‫على كتابي اللباني‪ ،‬الذي اعتمد على كتاب ابن القيم‬
‫" الصواعق المرسلة"‪.‬‬
‫والعجيب أن كتاب الشيخ حمدي السلفي يقع في‬
‫ستين صفحة‪ ،‬بدأ بنقل كلم اللباني في الصفحة‬
‫العاشرة‪ ،‬وانتهى كتابه بقوله‪) :‬انتهى ما قاله شيخنا‬
‫في رسالته القيمة وجوب الخذ بحديث الحاد في‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الحكام ‪.97-2/96‬‬

‫‪165‬‬
‫)‪(1‬‬
‫العقيدة والرد على شبه المخالفين(‪.‬‬
‫ة لما كتب في إثبات حجية‬ ‫ويمثل كتاب اللباني خلص ً‬
‫خبر الحاد في العقائد قديما ً وأصل ً لما كتب حديثا ً‬
‫وقد ذكر فيه وجوها ً كثيرة لثبات دعواه والرد على‬
‫مخالفيه‪ ،‬وليس في ردوده على ما يرد على دليل‬
‫الجمهور في عدم صلحية خبر الحاد لثبات العقيدة‬
‫به‪ ،‬بل جميعها خطابي إنشائي‪ ،‬كما سنرى‬
‫الرد على شبه المخالفين‪:‬‬
‫قال‪) :‬الوجه الول‪ :‬أنه قول مبتدع محدث ل أصل‬
‫له‪ ...‬ولم يعرفه السلف ولم ينقل عن أحد منهم بل‬
‫)‪(2‬‬
‫ول خطر لهم على بال(‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن جميع العلوم الشرعية وما يتصل بها من‬
‫علوم لم يكن لها وجود في عصر السلف لن الحاجة‬
‫لم تظهر إلى تقعيد القواعد وتخريج الفروع‬
‫والشتغال بذلك‪ .‬ولهذا ل يعرف عن أحد من السلف‬
‫أنه اشتغل باسم )إن( وخبر )كان( أو اشتغل بأقسام‬
‫الخبار وإفادتها‪ ،‬أو تبويب الفقه وتأصيل أصوله‪ ،‬ول‬
‫يدل عدم اشتغالهم بذلك على أن الشتغال بها بدعة‬
‫وخروج عن طريق السلف‪ ،‬لن الحاجة هي التي‬
‫دعت إلى ذلك‪.‬‬
‫فالسلف لم يحتاجوا إلى علم النحو والصرف لنهم‬
‫أهل الفصاحة‪ ،‬ولما اتسعت الفتوحات واختلط العرب‬
‫بالعجم‪ ،‬وفشا اللحن ظهرت الحاجة إلى تقعيد قواعد‬
‫النحو والصرف‪.‬‬
‫ولم يحتاجوا كذلك إلى علم الكلم لشدة إيمانهم‬
‫وقلة البدعة في زمانهم‪ ،‬فلما ظهرت البدع كان لزاما ً‬
‫أن يقوم المسلمون بمواجهتها وردها‪.‬‬
‫وهذا شأن مسألتنا من بين مسائل العلوم المختلفة‬
‫‪ ()1‬النجم الثاقب للفجر الكاذب ‪ 58‬مطبوعات المانة العامة‬
‫للثقافة كردستان‪.‬‬
‫‪ ()2‬وجوب الخذ بحديث الحاد ‪.5‬‬

‫‪166‬‬
‫لم يشتغلوا بها ولم تخطر لهم على بال‪-‬كما قال‬
‫اللباني‪.-‬‬
‫ً‬
‫ومع هذا يجد الخلف لهم سلفا في رد بعض الخبار‬
‫الحادية إذا كان معارضا ً لدليل عقلي أو نقلي أقوى‬
‫منه‪ .‬كما سبق بيانه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪) :‬أن هذا القول يتضمن عقيدة‬
‫تستلزم رد مئات الحاديث الصحيحة لمجرد كونها في‬
‫العقيدة‪ ،‬وهذه العقيدة هي أن أحاديث الحاد ل تثبت‬
‫بها عقيدة‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك عند هؤلء المتكلمين فنحن‬
‫نخاطبهم فنقول‪ :‬أين الدليل القاطع على صحة هذه‬
‫)‪(1‬‬
‫العقيدة من آية أو حديث متواتر؟(‪.‬‬
‫ل‪ :‬ل يستلزم رأيُ الجمهور رد َ حديث‬ ‫والجواب‪ :‬أو ً‬
‫واحد لمجرد كونه في العقيدة‪ ،‬بل يجب قبوله على‬
‫قدر درجة ثبوته‪ ،‬فإن كان قطعيا ً وجب العتقاد به‪،‬‬
‫وإن كان ظنيا ً وجب ترجيح صدقه على كذبه‪ ،‬وعقد‬
‫القلب على ذلك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ل تنحصر الدلة القاطعة باليات الكريمات‬
‫والحاديث الشريفة‪ ،‬وقد سبق دليل الجمهور على‬
‫عدم صلحية خبر الحاد لبناء العقيدة عليه‪ ،‬فالولى‬
‫توجيه العتراض على هذا الدليل‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪) :‬هذا القول مخالف لدلة حجية خبر‬
‫الحاد في الحكام الشرعية لعمومها وشمولها لما‬
‫جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه‬
‫سواء كان عقيدة أو حكمًا‪ ،‬فتخصيص هذه الدلة‬
‫)‪(2‬‬
‫بالحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص(‬
‫والجواب‪ :‬أن أدلة حجية خبر الحاد في الحكام‬
‫الشرعية ل تدل على حجيته في العقائد‪ ،‬لن الحكام‬
‫كتفى فيها بالظن الراجح‪ ،‬ول يثبت بنيان‬ ‫الشرعية ي ُ ْ‬
‫‪ ()1‬وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة ‪.6‬‬
‫‪ ()2‬وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة ‪.8‬‬

‫‪167‬‬
‫العقيدة فوق أساس ظني‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن القول المذكور مخالف لما كان عليه‬
‫الصحابة رضي الله عنهم فإننا على يقين أنهم كانوا‬
‫دث به أحدهم عن رسول الله‬ ‫يجزمون بكل ما يح ّ‬
‫دثه‪:‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يقل أحد منهم لمن ح ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫خبرك خبر واحد ل يفيد العلم(‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬نسلم أنهم كانوا يجزمون ببعض الخبار‪،‬‬
‫وحصل منهم عدم الجزم ببعض الخبار‪.‬‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن أبي بردة عن أبي‬
‫موسى الشعري قال‪ :‬جاء أبو موسى إلى عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬فقال‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬هذا الشعري‪ ،‬ثم‬
‫ي‪ ،‬فجاء‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫دوا عل ّ‬ ‫ي‪ ،‬ر ّ‬ ‫دوا عل ّ‬‫انصرف‪ ،‬فقال ر ّ‬
‫دك ؟ كنا في شغل‪ ،‬قال‪:‬سمعت‬ ‫يا أبا موسى‪ ،‬ما ر ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬الستئذان‬
‫ن لك‪ ،‬وإل فارجع‪ ،‬قال‪ :‬لتأتيني على ذلك‬ ‫ثلث فإن أذِ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫ببينة‪ ،‬وإل فعلت وفعلت‪.(...‬‬
‫قال الحافظ الذهبي تعليقا ً على هذه القصة‪) :‬وعمر‬
‫هو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل‪ ،‬وربما كان‬
‫)‪(3‬‬
‫يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب(‪.‬‬
‫وفي هذا الخبر مثال لما نفى اللباني وقوعه بين‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم‪،‬وهناك أمثلة أخرى‬
‫معروفة مطولة في كتب أصول الفقه لمجال ول‬
‫)‪(4‬‬
‫داعي لذكرها‪.‬‬
‫ً‬
‫الوجه الخامس‪ُ) :‬يعلم يقينيا أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يبعث أفرادا ً من الصحابة إلى مختلف‬

‫‪ ()1‬نفسه ‪.8‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب الداب ‪ ،7/2154‬وأبو داود في كتاب الدب‬
‫‪.5184-138/5180‬‬
‫‪ ()3‬تذكرة الحفاظ ‪.1/6‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬احتجاج الصحابة بخبر الحاد ‪ -‬محمد عويضة ‪-67‬‬
‫‪.87‬‬

‫‪168‬‬
‫البلد ليعلموا الناس دينهم‪ ...‬ونعلم يقينا ً أن أهم شيء‬
‫في الدين إنما هو العقيدة‪ ،‬فهو أول شيء كان أولئك‬
‫)‪(1‬‬
‫الرسل يدعون الناس إليه‪.(...‬‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫سل من لدن رسول‬ ‫ل‪ :‬ل يقاس الراوي على المر َ‬ ‫أو ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لوجود فارق يمنع القياس‬
‫سل ل يجوز التوقف في خبره والنظر‬ ‫وهو أن المر َ‬
‫سل أن يختار لداء‬ ‫في عدالته وضبطه لن شأن المر ِ‬
‫سل يضمن‬ ‫رسالته من يثق بعدالته وضبطه‪ ،‬فالمر ِ‬
‫ويتكفل بعدالة وضبط من أرسله‪ ،‬ول يوجد هذا‬
‫المعنى في الراوي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أصل الدعوة التي كان يبعث بها النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أمرائه هو الشهادتان‪ ،‬وكان إعلن‬
‫الشهادتين‪ ،‬يعني الدخول في دين السلم‪ :‬فإذا أعلن‬
‫دفع إلى الصحابة‬ ‫الرجل من أهل القبائل إسلمه ُ‬
‫رضوان الله عليهم ليتعلم الفرائض ثم ينصرف داعيا ً‬
‫قومه إلى مثل ذلك‪.‬‬
‫وفي قصة معاذ بن جبل وبعِثه إلى أهل اليمن يوضح‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ما ُبعثه به‪.‬‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن معاذ بن جبل رضي‬
‫الله عنه قال‪) :‬بعثني رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬قال‪ :‬إنك تأتي قوما ً من أهل الكتاب‪ ،‬فادعهم‬
‫إلى شهادة أن ل إله إل الله‪ ،‬فإن هم أطاعوك لذلك‬
‫فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في‬
‫كل يوم وليلة‪ ،‬فإن هم أطاعوك لذلك‪ ،‬فأعلمهم أن‬
‫الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في‬
‫فقرائهم‪ ،‬فإن هم أطاعوك لذلك‪ ،‬فإياك وكرائم‬
‫أموالهم‪ ،‬واتق دعوة المظلوم‪ ،‬فإنه ليس بينها وبين‬
‫)‪(2‬‬
‫الله حجاب(‪.‬‬
‫‪ ()1‬وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة ‪.11‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب اليمان ‪ ،6/91‬والبخاري في كتاب الزكاة‬

‫‪169‬‬
‫وفي هذا الحديث يتبين أن الدعوة التي حرص النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم على تبليغها هي الكليات‬
‫والركان المذكورة‪ ،‬ومثل هذا حديث النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى وفد عبد القيس‪.‬‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما قال‪):‬إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال‪ :‬من الوفد ؟ أو من القوم ؟‬
‫قالوا‪ :‬ربيعة‪ ،‬قال‪ :‬مرحبا ً بالقوم أو بالوفد ‪ -‬غير خزايا‬
‫ول ندامى‪ ،‬قال‪ :‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إنا نأتيك من‬
‫شقة بعيدة)‪ (1‬وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار‬
‫مضر‪ ،‬وإنا ل نستطيع أن نأتيك إل في الشهر الحرام‪،‬‬
‫صل نخبر به من وراءنا‪ ،‬ندخل به الجنة‪،‬‬ ‫فمرنا بأمر فَ ْ‬
‫قال‪ :‬فأمرهم بأربع‪ ،‬ونهاهم عن أربع‪ .‬قال‪ :‬أمرهم‬
‫باليمان بالله وحده‪ .‬وقل‪ :‬هل تدرون ما اليمان‬
‫بالله ؟ قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال شهادة أن ل إله‬
‫إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة وصوم رمضان‪ ،‬وأن تؤدوا خمسا ً من‬
‫)‪(2‬‬
‫المغنم‪.(...‬‬
‫وفي هذا الحديث والذي قبله دليل على أن الدعوة‬
‫التي كان يحملها المبلغون والمبعوثون ليس فيها‬
‫فروع فقهية أو تفريعات اعتقاديه‪ .‬وهذا المعنى‬
‫مشترك في الخبار التي ذكر فيها بعوث النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ووفود القبائل إليه‪.‬‬
‫فل يتم الستدلل السابق إل بذكر مسألة اعتقاديه‬
‫بلغها مبعوث أو وافد‪ .‬ودونه خرط القتاد‪.‬‬
‫‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬
‫الوجه السادس‪:‬‬
‫‪ 1/1395‬وانظر‪ :‬تحفة الشراف ‪.5/256‬‬
‫‪ ()1‬الشقة‪:‬المسافة‪ .‬انظر النهاية‪،‬ابن الثير ‪2/492‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب اليمان ‪ ،6/17‬وأخرجه البخاري في كتاب‬
‫الزكاة ‪ 1/1398‬وانظر‪ :‬تحفة الشراف ‪.5/260‬‬

‫‪170‬‬
‫)قال تعالى‪ ":‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من‬
‫ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته")‪ ....(1‬ومعلوم‬
‫أن البلغ هو الذي تقوم الحجة به على المبّلغ ويحصل‬
‫به العلم‪ ،‬فلو كان خبر الواحد ل يحصل به العلم لم‬
‫يقع به التبليغ‪،‬فإنما تقوم الحجة بما يحصل به العلم(‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫والجواب‪ :‬ل نسلم أن الحجة ل تقوم إل بما يحصل به‬


‫العلم‪ ،‬وقد سبق أن الظن الراجح حجة يجب العمل‬
‫بها في الحكام الشرعية‪ ،‬أما العتقاد فل تقوم الحجة‬
‫به إل بخبر يحصل به العلم‪ ،‬وقد شهدت المة لنبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم بأداء المانة وتبليغ‬
‫الرسالة‪ ،‬فعلى المخالف أن يثبت حكما ً شرعيا ً وجب‬
‫فيه التبليغ ولم تقم به حجة على المكّلف أو مسألة‬
‫اعتقادية وجب تبليغها ولم تقم بها حجة على‬
‫المبّلغين‪.‬‬
‫الوجه السابع‪) :‬من لوازم هذا القول إبطال الخذ‬
‫بالحديث مطلقا ً في العقيدة من بعد الصحابة الذين‬
‫سمعوه من النبي صلى الله علي وسلم مباشرة‪،‬‬
‫وبيانه أن جماهير المسلمين‪ ،‬وخاصة قبل جمع‬
‫الحديث وتدوينه إنما وصل إليهم الحديث بطريقة‬
‫الحاد‪ ،‬والذين وصل إليهم شيء منه من طريق‬
‫التواتر‪ ،‬إنما هم أفراد قليلون في كل عصر‪ ،‬توجهوا‬
‫لتتبع طرق الحديث وإحصائها‪ ،‬فاجتمع عند كل واحد‬
‫)‪(3‬‬
‫منهم عدد ل بأس به من الحديث المتواتر(‪.‬‬
‫والجواب من وجوه‪:‬‬
‫ل‪ :‬ل نسلم بأن من لوازمه إبطال الخذ بالحاديث‬ ‫أو ً‬
‫الواردة في العتقاد مطلقًا‪ ،‬ل في عصر التابعين ول‬
‫في عصرنا‪ ،‬لن التكليف بالعتقاد يحصل بالخبر‬
‫‪ ()1‬الية )‪ (67‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫‪ ()2‬وجوب الخذ بحديث الحاد ‪.9‬‬
‫‪ ()3‬وجوب الخذ بحديث الحاد ‪.14‬‬

‫‪171‬‬
‫المفيد للعلم‪ ،‬وقد سبق أن خبر الحاد قد يحصل به‬
‫العلم بطريقة من الطرق‪ ،‬فحيث يحصل العلم يجب‬
‫مصر‪.‬‬‫العتقاد‪ ،‬في أي عصر‪ ،‬وفي أي ِ‬
‫ثانيًا‪ :‬ل نسلم أن جماهير المسلمين لم يصل إليهم‬
‫من الخبار المتواترة شيء قبل جمع الحديث وتدوينه‪،‬‬
‫لن شرط المتواتر أن يحصل تواتره في جميع طبقاته‬
‫فما حكم بتواتره في زماننا أو في زمن التدوين ل‬
‫يكون متواترا ً إذا لم يتواتر في جميع طبقاته من أوله‬
‫إلى منتهاه‪.‬‬
‫الوجه الثامن‪) :‬تكليف النسان بوجوب تصديق‬
‫الراوي الذي يثق به في الحكام دون العقيدة تكليف‬
‫)‪(1‬‬
‫بما ل يطاق(‬
‫والجواب‪ :‬أنا نجد بالبداهة في أنفسنا تفاوتا ً في قبول‬
‫أخبار مخِبر واحد‪ ،‬فإذا أخبرنا شخص بأن زيدا ً يدعونا‬
‫لحفل زفافه قبلنا خبره بل تردد‪ ،‬وإذا أخبرنا نفس‬
‫ذلك المخبر بأن السلطان يدعونا إلى حفل زفافه‬
‫تريثنا في قبول خبره حتى نتبين القرائن والشواهد‬
‫التي تدفع الريبة والشك‪.‬‬
‫ت في قبول خبر المخبر في ما‬ ‫ومثل هذا التفاو ُ‬
‫يوجب العمل وما يوجب العتقاد الجازم‪ ،‬فإذا أخبر‬
‫العدل بما يوجب العمل‪ ،‬عملنا بخبره‪ ،‬وإذا أخبر بما‬
‫يوجب العتقاد توقفنا في العتقاد به حتى يحصل‬
‫العلم‪ ،‬وليس في ذلك مشقة أو تكليف بما ل يطاق‪.‬‬
‫الوجه التاسع‪) :‬التفريق في إيجاب الخذ بحديث‬
‫الحاد في الحكام العملية دون العقيدة‪ ،‬إنما ُبني‬
‫على أساس أن العقيدة ل يقترن معها عمل والحكام‬
‫العملية ل يقترن معها عقيدة‪ ،‬وكل المرين باطل‪،‬‬
‫وقال بعض المحدثين‪ :‬المطلوب في المسائل العملية‬
‫أمران‪ ،‬العلم والعمل‪،‬والمطلوب في العمليات العلم‬

‫‪ ()1‬نفسه ‪.18_17‬‬

‫‪172‬‬
‫والعمل‪.‬‬
‫ومما يوضح لك أنه ل بد من اقتران العقيدة في‬
‫العمليات أيضا ً أو الحكام‪ ،‬أنه لو افترض أن رجل ً‬
‫يغتسل أو يتوضأ للنظافة‪ ،‬أو يصلي تريضًا‪ ،‬أو يحج‬
‫سياحة‪ ،‬ل يفعل ذلك معتقدا ً أن الله تبارك وتعالى‬
‫أوجبه عليه وتعّبده به لما أفاده ذلك شيئًا‪ ،‬كمال يفيده‬
‫معرفة القلب إذا لم تقترن بعمل القلب الذي هو‬
‫)‪(1‬‬
‫التصديق‪.(.‬‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫ل‪ :‬ل نسلم أن التفريق في إيجاب العمل بخبر‬ ‫أو ً‬
‫الحاد دون العتقاد به مبني على ما ذكر‪ ،‬بل هو مبني‬
‫على أن التكليف بالعتقاد ل يثبت إل بخبر علمي‪ ،‬أما‬
‫التكليف بالعمل فيكفي في إثباته الظن الراجح‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تتفاوت أعمال القلب بين النية التي تسبق‬
‫العمل‪ ،‬ومجرد التصديق‪ ،‬والعتقاد الجازم‪ ،‬وتسمية‬
‫هذه العمال الثلثة " اعتقادا ً " فيه تجوز‪.‬‬
‫فقول اللباني‪ " :‬ل بد من اقتران العقيدة في‬
‫العمليات "ومثاُله الذي ذكر يدلن على اشتراط النية‬
‫لستحقاق الثواب على التيان بالمطلوب شرعا ً أو‬
‫المتناع عن الممنوع شرعًا‪ ،‬ول وجه للستدلل به‬
‫على إثبات العقيدة بخبر الحاد أو النكار على خلفه‪.‬‬
‫الوجه العاشر‪) :‬لو قال قائل إن الحرام والحلل‬
‫ل يثبتان بخبر الحاد‪ ،‬بل لبد فيهما من آية قطعية‬
‫الدللة‪ ،‬أو حديث متواتر قطعي الدللة أيضا ً لم يجد‬
‫ً )‪(2‬‬
‫المتكلمون وأتباعهم عن ذلك جوابا(‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬بل وجدوا إجابات كثيرة سبق ذكرها في‬
‫إثبات حجية خبر الحاد في الحكام الشرعية من غير‬
‫الحاجة إلى القطع‪.‬‬
‫الوجه الحادي عشر‪):‬أن طرد قولهم بذلك يستلزم‬
‫‪ ()1‬وجوب الخذ بحديث الحاد‪.20-19 ،‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪.21‬‬

‫‪173‬‬
‫تعطيل العمل بحديث الحاد في الحكام العملية أيضًا‪،‬‬
‫وهذا باطل‪ ،‬ل يقولون هم به أيضًا‪ ،‬وما لزم منه باطل‬
‫فهو باطل‪.‬‬
‫وبيانه‪:‬أن كثيرا ً من الحاديث العملية تتضمن أمورا ً‬
‫اعتقادية‪ ،‬فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول لنا‪":‬إذا جلس أحدكم في التشهد الخير‬
‫فليستعذ بالله من أربع‪ ،‬يقول‪:‬اللهم إني أعوذ بـك من‬
‫عذاب القبـر ومن عذاب جهنم ومن فتنـة المحيـا‬
‫والممـات‪ ،‬ومن فتنة المسيح الدجال"‪ (1).‬فالقائلون‬
‫ن تركوا العمل به نقضوا أصل ً من‬
‫بهذا القول إ ْ‬
‫أصولهم‪ ،‬وهو وجوب العمل بحديث الحاد في‬
‫الحكام‪ ،‬وإن عملوا به فقد نقضوا القول بعدم وجوب‬
‫العتقاد بخبر الحاد‪ ،‬فإن قالوا‪ :‬نعمل بهذا الحديث‬
‫ولكننا ل نعتقد ما فيه من إثبات عذاب القبر والمسيح‬
‫)‪(2‬‬
‫الدجال‪ ،‬قلنا‪ ،‬إن العمل به يستلزم العتقاد به(‬
‫الجواب من وجهين‪:‬‬
‫ل‪ :‬ل نسلم أن القول بعدم وجوب العتقاد بالخبر‬ ‫أو ً‬
‫الظني يستلزم تعطيل العمل به‪ ،‬وقد سبق جوابه‬
‫مرارا ً واللباني ذكر في كلمه أن أحدا ً ل يقول بما‬
‫ألزم به المخالف فقال‪) :‬ول يقولون به هم أيضًا(‪،‬‬
‫من الذين لم يوجبوا‬ ‫من ِ‬
‫فما وجه اللزوم المذكور؟ و َ‬
‫ً‬
‫العتقاد بالخبر عطل العمل به أيضا ؟‬
‫ثانيًا‪ :‬الحديث المذكور ُيعمل به‪،‬و ل يستلزم ذلك‬
‫إثبات العقيدة به لن عذاب القبر ثابت بالمتواتر‬
‫المعنوي ‪ -‬كما سيأتي ‪.-‬‬
‫الوجه الثاني عشر‪):‬الذين نقلوا الذان والوضوء‬
‫والغسل هم الذين نقلوا أحاديث الصفات‪ ،‬فإن جاز‬
‫عليهم الخطأ والكذب في نقلها جاز عليهم ذلك في‬
‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ‪87/1377‬ومسلم في‬
‫كتاب المساجد ‪ 2/588‬وانظر‪ :‬تحفة الشراف ‪.80 ،11/73‬‬
‫‪ ()2‬وجوب الخذ بحديث الحاد ‪.23‬‬

‫‪174‬‬
‫نقل غيرها مما ذكرناه‪ ،‬وحينئذ ل وثوق لنا بشيء نقل‬
‫لنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم البتة‪ ،‬وهذا انسلخ‬
‫)‪(1‬‬
‫من الدين والعلم والعقل(‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن نقل العدل إذا لم يحصل به العلم وجب‬
‫ن جاز عليه الوهم والغلط‪ ،‬وإذا نقل شيئا ً‬ ‫العمل به وإ ْ‬
‫من الخبار في الصفات فل يجب العتقاد به حتى‬
‫يحصل به العلم‪ ،‬ول يعني ذلك تكذيبه أو رد خبره‪ ،‬بل‬
‫يثبت به أصل التصديق وعقد القلب ‪ -‬كما سبق ‪ -‬فإن‬
‫حصل العلم بها فل خلف في وجوب العمل بها أو‬
‫العتقاد‪ ،‬وبهذا نبرأ من النسلخ عن الخبار المروية‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكون قد‬
‫عملنا بكل خبر حسب درجة ثبوته‪.‬‬
‫الوجه الثالث عشر‪) :‬هب أن أحاديث الحاد‬
‫ل تفيد العلم واليقين‪ ،‬فهي تفيد الظن الغالب قطعا ً‬
‫باتفاقهم‪ ،‬ول يمتنع من إثبات السماء والصفات بها‪،‬‬
‫كما ل يمتنع من إثبات الحكام الطلبيـة بهـا‪ ،‬فما‬
‫الفرق بين باب الطلب وباب الخبر‪ ،‬بحيث يحتج بها‬
‫)‪(2‬‬
‫في أحدهما دون الخر ؟(‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬الفرق هو أن مسائل العتقاد ل يصح أن‬
‫تبنى على الظن‪ ،‬لن العتقاد إذا بني على الظن لم‬
‫يصمد أمام زوابع التشكيك والطعن‪ ،‬أما الحكام‬
‫العملية فيجوز أن تبنى على الظن الراجح ويجري‬
‫فيها الخلف‪ ،‬ويؤجر فيها المجتهد إن أخطأ أو أصاب‪.‬‬
‫الوجه الرابع عشر‪) :‬إن من لوازم هذا القول الباطل‬
‫القتصار في العقيدة على ما جاء في القرآن وحده‬
‫وفصل الحديث عنه‪ ،‬وعدم العتداد بما فيه من‬
‫العقائد والمور الغيبية‪ ،‬وفقا ً لطائفة من الناس‬
‫يعرفون بالقرآنيين‪ ،‬لنهم ل يدينون بالحديث إطلقًا‪...‬‬
‫وهذا وإن كان يبدو ‪ -‬لول وهلة ‪ -‬أنه يخالف قولهم‬
‫‪ ()1‬نفسه ‪.26‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪.27‬‬

‫‪175‬‬
‫المشار إليه لنهم يثبتون العقيدة بالحديث المتواتر‪،‬‬
‫فإنه في الحقيقة ل يخالف إل في اللفظ‪ ،‬والتحقيق‬
‫أن ذلك نظري إليهم غير عملي‪ ،‬وإل فليدلنا هؤلء‬
‫على عقيدة واحدة يعتقدونها بناء على حديث متواتر‪،‬‬
‫فإني شخصيا ً ل أظن أن أحدا ً من علماء الكلم يثبت‬
‫)‪(1‬‬
‫عقيدة بحديث متواتر(‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أدرك اللباني بعد سطور من صدر كلمه‬
‫أنه ل يلزم من ذلك القتصار في العقيدة على ما جاء‬
‫فيه القرآن‪ ،‬بل يعتمد فيه على الحاديث المتواترة‬
‫ن اللباني أن‬‫وعلى ما أفاد العلم من أخبار الحاد‪ .‬وظ َ ّ‬
‫أحدا ً من علماء الكلم ل يثبت عقيدة بحديث متواتر‬
‫من المتكلمين ل يثبت‬ ‫من ِ‬‫هو من الظن الوهمي‪ ،‬ف َ‬
‫عذاب القبر‪ ،‬والشفاعة لهل الكبائر من أمة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وسؤال الملكين‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من العقائد التي أثبتها المتكلمون وبذلوا الوسع في‬
‫تقريرها وتقريبها للذهان وذب طعون المبتدعة عنها‪،‬‬
‫ومصفاتهم ناطقة بذلك ؟‬
‫الوجه الخامس عشر‪) :‬هناك حكمة تروى عن‬
‫عيسى عليه السلم تقول في المتنبئين الدجالين‬
‫الكذبة‪ " :‬من ثمارهم تعرفونهم " فمن شاء من‬
‫المسلمين أن يعرف ثمرة ذلك القول الباطل‪،‬‬
‫فليتأمل فيما سنسوقه من العقائد السلمية التي‬
‫تلقاها الخلف عن السلف‪ ،‬وجاءت الحاديث متضافرة‬
‫متوافرة شاهدة عليها‪ ،‬وحينئذٍ يتبين خطورة ذلك‬
‫القول الذي يتبناه المخالفون دون أن يشعروا بما‬
‫)‪(2‬‬
‫يؤدي إليه من الضلل البعيد‪.(.‬‬
‫ثم عد ّ اللباني عددا ً منها شفاعته صلى الله عليه‬
‫‪ ()1‬وجوب الخذ بحديث الحاد ‪ .33‬وانظر نحوه في مختصر‬
‫العقيدة السلمية‪ ،‬طارق السويدان‪ 16 ،‬طبعة الكويت‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪.36‬‬

‫‪176‬‬
‫وسلم العظمى في المحشر‪ ،‬وشفاعته لهل الكبائر‪،‬‬
‫ومعجزاته كلها ما عدا القرآن‪ ،‬وسؤال منكر ونكير‪،‬‬
‫وعذاب القبر والميزان والصراط والشفاعة لهل‬
‫الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأشراط‬
‫الساعة الكبرى ثم قال‪):‬هذه بعض العقائد السلمية‬
‫الصحيحة التي وردت في الحاديث الثابتة المتواترة‬
‫أو المستفيضة وتلقتها المة بالقبول‪ ،‬وما أظن أن‬
‫أحدا ً من المسلمين يجرؤ على إنكارها أو التشكيك‬
‫فيها‪ ،‬وإن كان ذلك يلزم الذين ل يثبتون العقيدة‬
‫)‪(1‬‬
‫بحديث الحاد‪ ،‬هدانا الله وإياهم إلى سواء السبيل(‪.‬‬
‫والجواب من وجوه‪:‬‬
‫ل‪ :‬العقائد التي ذكرها اللباني معظمها ثابت بالتواتر‬ ‫أو ً‬
‫أو بخبر آحادي حصل العلم به كما سيأتي بيانه في‬
‫الباب الثاني‪ ،‬والعجيب أن اللباني في عبارة واحدة‬
‫صرح بتواترها ثم زعم أن إنكارها يلزم الذين ل يثبتون‬
‫العقيدة بخبر الحاد‪ ،‬فكيف يلزمهم إنكار المتواتر إذا‬
‫لم يثبتوا الحادي؟‬
‫ثانيًا‪ :‬من ثمار التعنت في إثبات العقيدة بخبر الحاد‬
‫الحتجاج بجملة من الخبار المنكرة‪.‬‬
‫منها‪ :‬إثبات القعود على العرش وحصول الطيط من‬
‫الثقل‪ .‬ومنها‪ :‬إثبات شغل العرش إل قدر أربع أصابع‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إثبات أن صورة آدم على صورة الرحمن‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إثبات إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم مع‬
‫الله عز وجل على العرش‪ .‬ومنها‪ :‬إثبات الهبوط‬
‫والرتفاع والتردد بين العرش والكرسي‪ .‬ومنها‪ :‬إثبات‬
‫وضع الرجلين على الكرسي وقد عاد الكرسي كالنعل‬
‫في قدميه‪ .‬ومنها‪ :‬إثبات الحمل على أكتاف الملئكة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إثبات الستلقاء ووضع إحدى رجليه على‬
‫الخرى‪.‬‬

‫‪ ()1‬نفسه ‪.38-37‬‬

‫‪177‬‬
‫ومن ثمار هذا التعنت ما أدى إليه هذا الثبات من‬
‫تمزيق وفتن وهوان وتشبيه وتجسيم أصاب من أثبت‬
‫هذه المنكرات في عقيدته بربه تبارك وتعالى‪ .‬وما‬
‫أظن أن أحدا ً من المسلمين يرغب في استمرار‬
‫التنكب عن الدلة وإعمال التمزيق في صفوف المة‬
‫وإشغالها باجترار عقيم لمثل هذه المسائل‪.‬‬
‫هدانا الله تعالى وإياهم إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ما توجبه أخبار الحاد إذا لم تثبت بها العقيدة‬
‫إذا صح الخبر الوارد في مسائل العتقاد ولم يحصل‬
‫القطع به‪ ،‬فهذا ل يعني تكذيبه أو إهماله‪ ،‬بل يجب فيه‬
‫ما يتناسب مع درجة ثبوته‪.‬‬
‫واستقراء العقائد السلمية يثبت أن أصول العقائد‬
‫وكبرى مسائلها قد تكفل القرآن الكريم ببيانها‪ ،‬وفيما‬
‫يتعلق بالله عز وجل وصفاته نجد أدلتها في القرآن‬
‫الكريم موفورة متظاهرة‪ ،‬وكذا المتكلمون أطالوا في‬
‫ذكر وجوه إثبات هذه الصفات بدليل العقل‪،‬‬
‫فاستفادت هذه الصول القطع بالنقل والعقل‪ ،‬فإذا‬
‫جاء خبر الحاد في شيء من هذا الباب يكون شاهدا ً‬
‫ومؤكدًا‪.‬‬
‫ولهذا ل يشتد النزاع في هذه الساحة من ساحات‬
‫العقائد حول حجية خبر الحاد‪.‬‬
‫ويعبر عن ذلك قول الشيرازي‪) :‬في مسائل الصول ‪-‬‬
‫مثل التوحيد وإثبات الصفات ‪ -‬أدلة عقلية موجبة‬
‫)‪(1‬‬
‫للعلم قاطعة للعذر‪ ،‬فل حاجة بنا إلى خبر الواحد(‪.‬‬
‫وفي الغيبيات ل مجال لثباتها بأدلة العقل فل بد فيها‬
‫من النقل‪ ،‬ونجد في نصوص القرآن الكريم والسنة‬
‫المتواترة شيئا ً كثيرا ً فيما يتعلق باليوم الخر والبعث‬

‫‪ ()1‬شرح اللمع ‪.2/601‬‬

‫‪178‬‬
‫والنشور والجنة والنار‪.‬‬
‫ومنها أيضا ً كثير من أخبار الحاد التي تعذر تحصيل‬
‫القطع بمضمونها‪ .‬فهل يعني ذلك إهمالها أو تكذيبها ؟‬
‫إن الشاعرة والماتريدية وهم جمهور أهل السنة ل‬
‫يهملون ول يكذبون ما هذه حاله من الخبار‪ ،‬بل‬
‫يوجبون فيها أصل التصديق‪ ،‬وإن لم يحصل القطع‪،‬‬
‫ويشترطون لذلك شرطين‪ :‬أن يصح السند‪ ،‬وأن‬
‫يكون مضمونها غير معارض لما هو أقوى منها‪.‬‬
‫يقول إمام الحرمين‪) :‬يتعين على كل معتن بالدين‬
‫واثق بعقله أن ينظر فيما تعلقت به الدلة‬
‫السمعية‪.‬فإن صادفه غير مستحيل في العقل‪ ،‬وكانت‬
‫الدلة السمعية قاطعة في طرقها‪ ،‬ل مجال للحتمال‬
‫في ثبوت أصولها ول في تأويلها‪ :‬فما هذا سبيله‪ ،‬فل‬
‫وجه له إل القطع به‪.‬وإن لم تثبت الدلة السمعية‬
‫بطرق قاطعة‪ ،‬ولم يكن مضمونها مستحيل ً في‬
‫العقل‪ ...‬فل سبيل إلى القطع‪ ،‬لكن المتدين يغلب‬
‫على ظنه ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته‪،‬‬
‫وإن لم يكن قاطعًا‪.‬وإن كان مضمون الشرع المتصل‬
‫بنا مخالفا ً لقضية العقل فهو مردود قطعا ً بأن الشرع‬
‫ل يخالف العقل‪ ،‬ول يتصور في هذا القسم ثبوت‬
‫سمع قاطع به‪،‬ول خفاء به‪.‬فهذه مقدمة السمعيات‬
‫)‪(1‬‬
‫لبد من الحاطة بها‪.(...‬‬
‫ويقول ابن فورك‪) :‬فإن قيل‪ :‬فإذا لم يكن خبر الواحد‬
‫موجبا ً للعتقاد والقطع‪ ...‬فعلى ماذا تحملونه ؟‪ ،‬قيل‪:‬‬

‫‪ ()1‬الرشاد ‪ ،360‬وانظر‪ :‬نحوه في لمع العتقاد ‪112‬‬


‫المسمى لمع الدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫تحقيق د‪ -‬فوقية حسين‪ ،‬طبعة المؤسسة المصرية )‪1965‬‬
‫م(‪ ،‬ونحوه أيضا ً في أصول الدين البغدادي ‪،23-22‬وشرح‬
‫المقاصد مسعود بن عمر سعد الدين التفتازاني )‪793‬هـ(‬
‫تحقيق عبد الرحمن عميرة ‪ ،121-5/117‬طبعة عالم الكتب‪-‬‬
‫بيروت ‪1989‬م‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫وزة‬
‫إنها وإن لم تكن موجبة للقطع بها فإنها مج ّ‬
‫مغلبة‪ ...‬فيكون الحكم بها على الظاهر واجبا ً من‬
‫طريق التجويز ورفع الحالة‪ ،‬وإن لم يكن فيها القطع‬
‫)‪(1‬‬
‫والعتقاد(‪.‬‬
‫ظر‪:‬‬
‫ويقول الغزالي‪) :‬كلما ورد به السمع ُين ِ‬
‫فإن كان العقل مجوزا ً له وجب التصديق به قطعا إن‬
‫ً‬
‫كانت الدلة السمعية قاطعة في متنها ومستندها‪،‬‬
‫ووجب التصديق بها ظنا ً إن كانت ظنية‪ ،‬فإن وجوب‬
‫التصديق عمل يبنى على الدلة الظنية كسائر‬
‫)‪(2‬‬
‫العمال‪.(...‬‬
‫ويقول عبد العزيز البخاري‪) :‬أما الخبار في أحكام‬
‫الخرة‪ :‬فمن ذلك ما هو مشهور‪ ،‬ومن ذلك ما هو‬
‫دونه لكنه يوجب ضربا ً من العلم وفيه ضرب من‬
‫العمل أيضا ً وهو عقد القلب عليه إذ العقد فضل على‬
‫العلم‪ ،‬لن العلم قد يكون بدون عقد القلب كعلم أهل‬
‫الكتاب بحقيقة النبي عليه الصلة والسلم مع عدم‬
‫اعتقادهم حقيقته‪ ،‬وكعلمنا بدلئل الخصوم من غير أن‬
‫نعتقدها‪.‬‬
‫وعلى العكس فالعقد قد يكون بدون العلم أيضا ً‬
‫كاعتقاد المقلد‪.‬‬
‫ً‬
‫وإن كان كذلك جاز أن يكون خبر الواحد موجبا للعقد‬
‫الذي هو عمل القلب‪ ،‬وإن لم يكن موجبا ً للعلم‪ ،‬قال‬
‫أبو اليسر‪ :‬الخبار الواردة في أحكـام الخرة من باب‬
‫)‪(3‬‬
‫العمل‪ ،‬فإن العمل بالقلب اعتقاد(‪.‬‬
‫ويمكن أن يورد على كلم البخاري أن عقد القلب إنما‬

‫‪ ()1‬مشكل الحديث ‪.270‬‬


‫‪ ()2‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬الغزالي ‪ ،6320‬مطبعة منير ‪-‬‬
‫بغداد ‪ -‬لم يذكر سنة الطبع‪.‬‬
‫‪ ()3‬كشف السرار ‪ ،377-2/376‬وانظر‪ :‬نحوه في أصول‬
‫السرخسي ‪ 1/329‬وكشف السرار النسفي ‪ ،1/329‬وشرح‬
‫التلويح‪ ،‬التفتازاني ‪.2/350‬‬

‫‪180‬‬
‫يحصل بعد العلم والقطع‪ .‬قال الفنري‪) :‬عقد القلب‬
‫)‪(1‬‬
‫بالحكم هو الذي يعقب العلم‪.(...‬‬
‫والجواب‪:‬أن المراد بعقد القلب هو التصديق غير‬
‫الجازم وترك النكار والتكذيب ول يشترط فيه العلم‬
‫والقطع‬
‫وبهذا يتبين أن منهج الشاعرة والماتريدية إثبات‬
‫العقائد بخبر الحاد إذا حصل فيها القطع واليقين‬
‫وانتفى احتمال السهو والكذب عن مخبريها‪.‬‬
‫فإذا تعذر القطع وحصل الظن الراجح وجب الحتجاج‬
‫به في منزلة تتناسب مع درجة ثبوته فيجب فبه أصل‬
‫التصديق من غير جزم به ويجب عقد القلب عليه‪،‬‬
‫وبذلك يكون التيان بما كلفنا به في كل خبر على قدر‬
‫درجة ثبوته‪.‬‬
‫ويثبت بهذا أن الشاعرة والماتريدية لم يهملوا أخبار‬
‫الحاد ولم يكذبوا رواتها‪ ،‬بل عملوا بها ما أمكن ذلك ‪-‬‬
‫والله أعلم ‪-‬‬

‫‪ ()1‬حاشية الفنري على شرح التلويح ‪.2/350‬‬

‫‪181‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تخريج منهج أهل السنة‬
‫على مواقف السلف الصالح‪.‬‬
‫ة من مصطلحات نقل الخبار لم تكن‬ ‫ح أن جمل ً‬‫صحي ٌ‬
‫مستعملة في عصر الصحابة الكرام‪ ،‬لكن الرجوع‬
‫إلى بعض المرويات يكشف لنا عن أربعة نقاط‬
‫هامة في استبيان رأي السلف الصالح وتخريج‬
‫أقوال العلماء عليها‪.‬‬
‫النقطة الولى‪:‬‬
‫أن بعض الصحابة لم يكن يعد مجرد نقل الصحابي‬
‫مفيدا ً للعلم بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وإذا جاز لصحابي أن ل يعد مجرد نقل الصحابي‬
‫مفيدا ً للعلم فمن أين يمتنع على غيرهم عد نقل‬
‫الثقة قاصرا ً عن إفادة العلم بنفسه‪ .‬مع أنه قد‬
‫اجتمع للصحابي في الخبر الذي يبلغه عن الصحابي‬
‫ما ل يجتمع لنا في الخبار التي تبلغنا عن نبينا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬فالسند فيه يتصل بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بحلقة واحدة‪ ،‬واجتمع في‬
‫راويه من العدالة وشرف الصحبة ومبلغ العناية بنقل‬
‫السنة ما ل يجتمع في رواية سائر الطبقات‪ .‬فأي‬
‫ظن يرد على ثبوت مثل هذا الخبر عند الصحابي ول‬
‫يرد ظن مثله أو أعظم منه على ثبوت غيره من‬
‫الخبار عند العلماء والمصنفين؟‬
‫النقطة الثانية‪:‬‬
‫أن صنيع السلف في قبول الخبار وروايتها يخالف‬
‫ما جنح إليه بعض المحدثين الذين جعلوا مجرد نقل‬
‫الخبر في العقيدة موجبا ً من فور بلوغه لعقد القلب‬
‫وقطع دابر النظر‪ .‬فإذا احتج أحدهم بخبر في‬
‫العقيدة عد فتح أبواب الفهم ومقارنته بغيره من‬
‫أدلة السمع بابا ً من أبواب التجهم والعتزال‬
‫والتنكب عن منهج السلف الصالح‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫ونجد في مرويات السلف الصالح أن مجرد الرواية‬
‫لم يكن موجبا ً لصرف دواعي الفهم والعرض على‬
‫القرآن ومرويات السنة المطهرة‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‪:‬‬
‫أن مجرد الحتجاج بالنقل الصحيح لم ُينّزل عند‬
‫الصحابة في تلك المنزلة التي تدعو إلى الحكم على‬
‫المخالف بالبدعة أو الستخفاف بالسنة‪.‬‬
‫ونوضح هذه النقاط بمثال أخرجه المام البخاري‬
‫بسنده عن ابن أبي مليكة أنه قال‪ :‬توفيت ابنة‬
‫لعثمان رضي الله عنه بمكة‪ ،‬وجئنا لنشهدها‪.‬‬
‫وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم‪،‬‬
‫وإني لجالس بينهما ‪-‬أو قال جلست إلى أحدهما ثم‬
‫جاء الخر فجلس إلى جنبي‪ -‬فقال عبد الله بن عمر‬
‫رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان‪ :‬أل تنهى عن‬
‫البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)‪ .‬فقال ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما‪ :‬قد كان عمر رضي الله‬
‫عنه يقول بعض ذلك‪ .‬ثم حدث قال‪ :‬صدرت مع‬
‫عمر رضي الله عنه من مكة‪ ،‬حتى إذا كنا بالبيداء‬
‫مرة‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب فانظر‬ ‫إذا هو بركبٍ تحت ظل س ُ‬
‫من هؤلء الركب؟ قال‪ :‬فنظرت فإذا صهيب‪.‬‬
‫فأخبرته فقال‪ :‬ادعه لي‪ ،‬فرجعت إلى صهيب‬
‫فقلت‪ :‬ارتحل فالحق أمير المؤمنين‪ .‬فلما أصيب‬
‫عمر دخل صهيب يبكي يقول‪ :‬واأخاه واصاحباه‪.‬‬
‫فقال عمر رضي الله عنه‪ :‬يا صهيب أتبكي علي‬
‫وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إن‬
‫الميت ليعذب ببكاء أهله عليه(‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ :‬فلما مات عمر‬
‫رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬رحم الله عمر‪ ،‬والله ما حدث رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬إن الله ليعذب المؤمن‬

‫‪183‬‬
‫ببكاء أهله عليه(‪ ،‬ولكن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪) :‬إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله‬
‫عليه(‪ .‬وقالت حسبكم القرآن‪} :‬ول تزر وازرة وزر‬
‫أخرى{‪.‬‬
‫‪...‬قال ابن أبي ملكية والله ما قال ابن عمر رضي‬
‫)‪(1‬‬
‫الله عنهما شيئا(‬
‫وفي صحيح مسلم أن ابن أبي مليكة قال‪ :‬حدثني‬
‫القاسم بن محمد قال‪ :‬لما بلغ عائشة قول عمر‬
‫وابن عمر قالت‪ :‬إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ول‬
‫)‪(2‬‬
‫مكذبين ولكن السمع يخطئ(‬
‫وفيه أيضا أنها قالت‪ ) :‬يغفر الله لبي عبد الرحمن‬
‫أما إنه لم يكذب‪ ،‬ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى‬
‫عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في‬
‫)‪(3‬‬
‫قبرها(‪.‬‬
‫فقد دار هذا الخبر بين كبار الصحابة فاحتج به عمر‬
‫وابن عمر رضي الله عنهما‪ .‬ولم يكن هذا النقل‬
‫الصحيح مانعا ً لعائشة رضي الله عنها من ترك‬
‫العتقاد بمضمونه لما ذكرته من حجة القرآن مع‬
‫تجويز الخطأ في الرواية‪ .‬ولما بلغ عبد الله ابن عمر‬
‫رضي الله عنهما ما اعترضت به عائشة رضي الله‬
‫عنها ما قال شيئا ً كما ذكر ابن أبي مليكة‪.‬‬
‫ثم انتقل الكلم في هذه المسألة إلى العلماء فلم‬
‫يقصروا في تفنيد الدلة ونقدها وتوجيهها من غير أن‬
‫ً )‪(4‬‬
‫نسمع لغوا ً أو تأثيما‪.‬‬

‫‪(1226)1/432 ()1‬‬
‫‪ ()2‬صحيح مسلم ‪(929) 2/638‬‬
‫‪ ()3‬صحيح مسلم ‪( 932 )2/638‬‬
‫‪ ()4‬انظر ذلك في فتح الباري لبن حجر ‪.156-3/153‬‬
‫وسوف يأتي مثل هذا الختلف في رؤية النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لربه عز وجل‪ .‬وقد سبق نقل بعض الخبار التي‬

‫‪184‬‬
‫النقطة الرابعة‪:‬‬
‫تبين مما سبق أن من منهج أهل السنة النتفاع‬
‫بأخبار الحاد الظنية في إيجاب أصل التصديق وعقد‬
‫القلب عليها والتسليم من غير إنكار ول تكذيب‪.‬‬
‫والحجة في هذا الوجه من النتفاع هو تعليق‬
‫العتقاد بها على تفويض ثبوتها عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وهذا الوجه من النتفاع بالخبر الظني ليس مبتدعا ً‬
‫وله عن السلف الصالح توجيه وتخريج‪ .‬فقد أخرج‬
‫الحاكم بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‬
‫‪) :‬لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫المسجد القصى أصبح يتحدث الناس بذلك‪ ،‬فارتد‬
‫ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه‪ ،‬وسعوا بذلك إلى‬
‫أبي بكر رضي الله عنه ‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل لك إلى‬
‫صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت‬
‫المقدس‪ ،‬قال‪ :‬أو قال ذلك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬لئن‬
‫كان قال ذلك لقد صدق‪ ،‬قالوا‪ :‬أو تصدقه أنه ذهب‬
‫الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬إني لصدقه فيما هو أبعد من ذلك‪ ،‬أصدقه‬

‫توقف بعض الصحابة الكرام في قبولها‪ .‬وكان الغرض هناك‬


‫أن نرد على الروافض الذين استدلوا بهذا التوقف على عدم‬
‫حجية جملة الخبار في الشرع‪ ..‬وقد بينا أن بعض الصحابة‬
‫توقفوا في قبول بعض الخبار في بعض الحوال حتى تثبت‬
‫بشاهد أو بينة‪ .‬وبالتفاق لم يكن هذا المطلوب من الشهادة‬
‫والبينة تحصيل العلم والقطع بثبوت الخبر‪ .‬بل كان الغرض‬
‫مجرد دفع شبهة أو ريبة عرضت لمن بلغه الخبر‪ ،‬أو كان‬
‫الخذ بالحوط والعمل بالوثق هو الغرض الذي ناسب ورع‬
‫السلف وغيرتهم على السنة المطهرة‪ .‬وبقي في هذه‬
‫الخبار وجه يدل على المطلوب في هذا المقام وهو أن‬
‫بعض الصحابة لم يعدوا مجرد النقل مفيدا ً للعلم سادا ً‬
‫لبواب النظر والتثبت والفهم‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫بخبر السماء في غدوة أو روحة‪ ،‬فلذلك سمي أبو‬
‫)‪(1‬‬
‫بكر الصديق(‬
‫وفي هذا الخبر أن أبا بكر رضي الله عنه علق‬
‫ق كونه من قول النبي‬ ‫التصديق بما ُنقل على تحق ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال‪) :‬لئن كان قال ذلك‬
‫لقد صدق(‪ .‬ولم يمنع هذا التعليق من مدحه‬
‫بالصديقية رضي الله عنه‪ .‬وهو بذلك يصلح سلفا ً‬
‫لكل من أبدى الذعان والتسليم والرغبة في إظهار‬
‫التصديق إذا تحقق صدور الخبر عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ ()1‬المستدرك ‪ (4381) 10/198‬وأخرجه البيهقي في دلئل‬


‫النبوة ‪.(652) 2/246‬‬

‫‪186‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫تطبيق المنهج العلمي في‬
‫الحتجاج بخير الحاد في أبواب‬
‫العقيدة‬

‫وفيه ثلثة مباحث‬

‫المبحث الول‪ :‬الحتجاج بخبر‬


‫الحاد في أسماء الله تعالى‬
‫وصفاته‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحتجاج بخبر‬


‫الحاد في مسائل النبوات‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الحتجاج بخير‬


‫الحاد في السمعيات‬

‫‪187‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الحتجاج بخبر الحاد في‬
‫أسماء الله تعالى وصفاته‪.‬‬

‫وفيه مطلبان‬

‫المطلب الول في السماء الحسنى‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحتجاج بأخبار الحاد‬


‫في الصفات الخبرية‬

‫‪188‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تطبيق المنهج العلمي في الحتجاج‬
‫بخير الحاد في أبواب العقيدة‬
‫المبحث الول‪ :‬الحتجاج بخبر الحاد في‬
‫أسماء الله تعالى وصفاته‪.‬‬
‫المطلب الول في السماء الحسنى‬
‫السم لغة مشتق من السمو‪ .‬قال ابن فارس‪:‬‬
‫)السين والميم والواو أصل يدل على العلو‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫سموت‪ ،‬إذا علوت‪.‬‬
‫واشتق منه السم لنه تنويه ورفعه ودللة على‬
‫المعنى )‪.(1‬‬
‫وقال الراغب‪):‬السم ما يعرف به ذات الشيء()‪.(2‬‬
‫والسم عند المتكلمين‪ :‬هو اللفظة الدالة على الذات‬
‫)‪.(3‬‬
‫وعند قول القائل )زيد( نعقل ثلثة أمور ذات الشيء‪،‬‬
‫وهذه اللفاظ المخصوصة‪ ،‬وجعل هذه اللفاظ‬
‫المخصوصة معرفة لهذه الذات‪ ،‬أما اللفظ‬
‫المخصوص فهو السم وأما الذات المخصوصة فهي‬
‫المسمى‪ ،‬والتسمية جعل ذلك اللفظ دال ً على الذات‪.‬‬
‫)‪(4‬‬

‫)‪(5‬‬
‫وقال التفتازاني‪):‬ول خفاء في تغاير المور الثلثة(‬
‫و يحسن في هذا المقام التنبيه إلى الفرق بين السم‬
‫والصفة وقد عرفنا المراد من )السم(‬
‫أما الصفة لغة فتطلق ويراد بها المارة اللزمة‬
‫)‪(6‬‬
‫للشيء‬
‫والصفة عند المتكلمين‪ :‬ما دل على معنى زائد عن‬
‫‪ ()1‬مقاييس اللغة )سمو( ‪3/98‬‬
‫‪ ()2‬المفردات في ترتيب القرآن ‪) 244‬سما(‬
‫‪()3‬انظر لوامع البينات‪ ،‬الرازي ‪ ،18‬وشرح المقاصد‪،‬‬
‫التفتازاني ‪4/344‬‬
‫‪()4‬انظر لوامع البينات‪ ،‬الرازي ‪20-19‬‬
‫‪ ()5‬شرح المقاصد ‪2/338‬‬

‫‪189‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الذات‬
‫فالفرق بينهما في زيادة دللة الصفة على دللة‬
‫السم‪ ،‬إذ أن الصفة تدل على الذات وزيادة وصفية‬
‫ولفظ الجللة )الله( ل يدل إل على الذات المقدسة‬
‫نفسها دون زيادة معنى آخر‪ .‬واسم )الرحمن( مثل‬
‫)‪(2‬‬
‫يدل على ذات الله عز وجل المتصفة بالرحمة‬
‫وقد اتفق العلماء على جواز إطلق السماء والصفات‬
‫على الباري تعالى إذا ورد إذن الشرع واتفقوا على‬
‫عدم جوازه إذا ورد منعه‬
‫واختلفوا فيما لم يرد به إذن ول منع وكان الباري‬
‫موصوفا ً بمعناه‪ ،‬ولم يكن إطلقه عليه مما يستحيل‬
‫في حقه فقال جمهور الشاعرة وابن حزم وغيرهم‬
‫ل يجوز إطلق مثل ذلك على الباري عز وجل على‬
‫سبيل التسمية أو الوصف‪ ،‬فل يشتق له عز وجل أسم‬
‫ول صفه من قوله تعالى‪) :‬الله يستهزئ بهم()‪(3‬ول من‬
‫)‪(4‬‬
‫قوله )ومكروا ومكر الله(‬
‫وقال المعتزلة والكرامية يجوز مثل ذلك على سبيل‬
‫التسمية والوصف )‪ (5‬وإليه مال القاضي أبو بكر‬

‫‪ ()6‬انظر مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس )وصف( ‪ ،6/115‬وانظر‬


‫المفردات الراغب )وصف( ‪525‬‬
‫‪ ()1‬انظر شرح المقاصد‪ ،‬التفتازاني ‪ 4/344‬وشرح جوهرة‬
‫التوحيد‪ ،‬الباجوري ‪146‬‬
‫‪ ()2‬يدل لفظ الجللة "الله" على صفات الكمال ولكن بالدللة‬
‫اللتزامية العقلية‪.‬انظر لوامع البينات‪109،‬‬
‫‪ ()3‬سورة البقره الية ‪2‬‬
‫‪()4‬سورة آل عمران الية ‪54‬‬
‫‪ ()5‬انظر أصول الدين‪ ،‬البغدادي ‪ ،118،‬نهاية القدام في‬
‫علم الكلم‪ ،‬أبو الفتح الشهرستاني )‪ 548‬هـ( تحقيق إلفرد‬
‫جيوم ‪ ،129-128‬طبعة مكتبة المثنى ‪ -‬بغداد‪ ،‬لم يذكر سنة‬
‫الطبع‪.‬والفصل في الملل والهواء والحل‪ ،‬علي بن محمد بن‬
‫حزم )‪ 456‬هـ( ‪ ،2/162‬المطبعة الدبية ‪ -‬مصر )‪13317‬‬
‫هـ(‪.‬وشرح النووي على صحيح مسلم ‪ ،5/536‬والسماء‬

‫‪190‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الباقلني من الشاعرة‬
‫وتوقف إمام الحرمين الجويني وقال‪):‬ما لم يرد فيه‬
‫إذن ول منع لم نقض فيه بتحليل ول تحريم فإن‬
‫الحكام الشرعية تتلقى من موارد السمع‪ ،‬ولو قضينا‬
‫بتحليل أو تحريم من غير إذن لكنا مثبتين حكما دون‬
‫)‪(2‬‬
‫السمع(‬
‫وفصل المام الغزالي رحمه الله فقال بجواز الطلق‬
‫على سبيل الوصف دون التسمية ووجه الفصل بينهما‬
‫أن إجراء الصفات إخبار بثبوت مدلولها‪ ،‬فيجوز عند‬
‫ثبوت المدلول‪ ،‬إل لمانع ووجوبه بالدلئل على إباحة‬
‫الخبار بالصدق‪ ،‬بخلف التسمية فان فيها نوع تصرف‬
‫في المسمى ل تجوز إل لمن له ولية على المسمى‬
‫كالب والمالك ومن يجري مجرى ذلك )‪(3‬ووافقه‬
‫الرازي واختار رأيه وقال‪) :‬الدليل على أنه ل يجوز‬
‫وضع السم لله تعالى أنا أجمعنا على أنه ل يجوز لنا‬
‫والصفات‪ ،‬ابن تيمية ‪ ،61-1/60‬طبعة دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬لم يذكر سنة الطبع‪.‬والمواقف في علم الكلم‪ ،‬عضد‬
‫الدين عبد الرحمن اليجي )‪ 756‬هـ( ‪ 333‬طبعة دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬لم يذكر سنة الطبع‪ .‬وشرح المقاصد‪،‬‬
‫التفتازاني ‪ 4/343‬وشرح جوهرة التوحيد‪ ،‬الباجوري‬
‫‪146‬وإتحاف المريد بجوهرة التوحيد‪ ،‬عبد السلم اللقاني )‬
‫‪ 1041‬هـ( ‪ ،126‬مطبعة السعادة ‪-‬مصر ‪ 1955‬م‪.‬والبيهقي‬
‫وموقفه من اللهيات‪ ،‬أحمد بن عطية الغامدي‪ 124 ،‬رسالة‬
‫دكتوراه في العقيدة‪ ،‬الجامعة السلمية ‪ -‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫والعقيدة السلمية وأسسها‪ ،‬عبد الرحمن حسن الميداني‬
‫‪ ،251‬طبعة دمشق ‪ 1966 -‬م‪.‬وعقيدة المؤمن‪ ،‬أبو بكر‬
‫الجزائري ‪ 78‬دار الكتب السلفية ‪ -‬القاهرة ‪ -‬لم يذكر سنة‬
‫الطبع‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر الباقلني وآراؤه الكلمية ‪ -‬د‪ -‬محمد رمضان ‪-‬‬
‫مطبعة المة ‪ -‬بغداد ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬الرشاد إلى قواطع الدلة ‪.243‬‬
‫‪()3‬المقصد السنى شرح أسماء الله الحسنى‪ ،‬الغزالي ‪-164‬‬
‫‪ ،165‬طبعة شركة الطباعة الفنية ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫أن نسمي الرسول باسم ٍ ما سماه الله به‪ ،‬ول باسم ٍ‬
‫ما سمى نفسه به‪ ،‬فإذا لم يجز ذلك في حق‬
‫الرسول‪ ،‬بل في حق أحد من آحاد الناس‪ ،‬فهو في‬
‫حق الله تعالى أولى()‪(1‬وهذا هو الذي أراه راجحا لن‬
‫أسماء الله عز وجل قديمة بمعنى أن الله عز وجل‬
‫سمى نفسه بها في الزل فل يجوز لغيره تعالى أن‬
‫يطلق عليه سبحانه اسما ً من تلقاء نفسه‬
‫وأما إطلق اللفظ على سبيل الوصف فل مانع من‬
‫إطلقه إذا لم يمنع منه الشرع أو العقل‬
‫وبعد التسليم بأن إطلق السماء على الله عز وجل‬
‫يتوقف على إذن الشارع‬
‫هل يشترط وروده بخبر متواتر ؟ أو يكتفى فيه بخبر‬
‫العدل الواحد؟‬
‫وقد أشار الزركشي إلى حصول الخلف في المسألة‬
‫على قولين‪ .‬فقال‪ :‬والصحيح الثبوت كما في سائر‬
‫الحكام الشرعية‪ .‬وقيل ل يثبت‪ ،‬بل لبد فيه من‬
‫)‪(2‬‬
‫القطع(‬
‫وبعد البحث لم أستطع الوقوف على تعيين من‬
‫اشترط الدليل القاطع لثبات أسماء الله عز وجل‬
‫وقد وجدت العلماء كافة تساهلوا في قوة الدليل‬
‫الذي تثبت به السماء فالشاعرة جعلوا المسألة من‬
‫المسائل العملية ل العتقادية‪ ،‬لن تحليل إطلق‬
‫السماء وتحريمه حكمان شرعيان فيثبت بما تثبت به‬
‫الحكام الشرعية‪.‬‬
‫قال إمام الحرمين الجويني‪) :‬ثم ل تشترط في جواز‬
‫الطلق ورود ما يقطع به الشرع ولكن ما يقتضي‬
‫)‪(3‬‬
‫العمل‪ ،‬وإن لم يوجب العلم(‬
‫وقال البغدادي‪) :‬وكل ما نطق به القرآن من أسماء‬
‫‪()1‬لوامع البينات ‪،39‬‬
‫‪ ()2‬البحر المحيط ‪.4/261‬‬
‫‪()3‬الرشاد إلي قواطع الدلة ‪143‬‬

‫‪192‬‬
‫الله تعالى‪ ،‬أو وردت به السنة الصحيحة أو أجمعت‬
‫عليه المة من أسمائه فجائز إطلقه()‪.(1‬‬
‫وصنف الغزالي كتابا ً في السماء الحسنى وذكر فيه‬
‫عددا ً من السماء الحسنى لم تثبت بخبر متواتر‬
‫وكذلك فعل الفخر الرازي‪.‬‬
‫ورجح السعد التفتازاني أن المسألة من العمليات ل‬
‫من العتقاديات وقال‪) :‬التسمية من العمليات وأقوال‬
‫اللسان()‪.(2‬‬
‫أما أهل الحديث فقد أثبتوا كثيرا ً من أسماء الله عز‬
‫وجل بأخبار ل يصل أحدها إلى درجة الصحة وهذا‬
‫التساهل من الفريقين الشاعرة والمحدثين في قوة‬
‫الدليل الذي تثبت به السماء الحسنى دليل على أن‬
‫المسألة ليست اعتقادية‪ ،‬لن الخلف في درجة الخبر‬
‫الذي تثبت به العقيدة منحصر في الصحيح‪ ،‬وليس في‬
‫ما جاء من الحاديث الواردة في ذكر السماء‬
‫الحسنى حديث يبلغ رتبة الصحيح ‪ -‬كما سيأتي ‪-‬‬
‫وقد صرح المام الجويني بإلحاق هذه المسألة‬
‫بالعمليات فقال‪) :‬ما ورد الشرع بإطلقه من أسمائه‬
‫تعالى وصفاته أطلقناه‪ ،‬وما منع الشرع من إطلقه‬
‫ض فيه‬‫ن ول منعٌ لم نق ِ‬
‫منعناه‪ ،‬وما لم يرد فيه إذ ٌ‬
‫ل أو تحريم من غير شرع‪.‬‬ ‫بتحلي ٍ‬
‫ثم ل نشترط في جواز الطلق ورود ما نقطع به في‬
‫الشرع‪ ،‬ولكن ما يقتضي العمل وان لم يوجب العلم‬
‫)‪(3‬‬
‫فهو كاف(‬
‫فالمام الجويني يرى أن مسألة السماء الحسنى‬
‫ظ دال على‬ ‫ترجع إلى معنى التسمية وهو إطلقُ لف ٍ‬
‫الذات عمل من أعمال اللسان‪ ،‬ل يشترط لجوازه‬
‫خبر قطعي‪ ،‬بل يكتفى فيه بما يوجب العمل‪.‬‬
‫‪ () 1‬أصول الدين ‪119‬‬
‫‪ ()2‬شرح المقاصد ‪4/434‬‬
‫‪ ()3‬الرشاد ‪143‬‬

‫‪193‬‬
‫‪-‬الخبار الواردة في المسألة‬
‫قال الله عز وجل‪) :‬ولله السماء الحسنى فادعوه بها‬
‫)‪(1‬‬
‫وذروا الذي يلحدون في أسمائه(‬
‫وقد ذكر في القرآن الكريم عدد من أسماء الله‬
‫الحسنى ل يجهلها جاهل ول ينكرها منكر‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ومسلم من رواية العرج عن أبي‬
‫هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬إن الله تسعة وتسعين اسما ً من أحصاها‬
‫)‪(2‬‬
‫دخل الجنة(‬
‫وعند مسلم‪ :‬زاد همام عن أبي هريرة عن النبي صلى‬
‫)‪(3‬‬
‫الله عليه وسلم )إنه وتر يحب الوتر(‬
‫وأخرجه الترمذي من رواية العرج عن أبي هريرة ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫)إن لله تسعة وتسعين اسما ً من أحصاها دخل الجنة‪،‬‬
‫هو الله الذي ل إله إل هو الرحمن الرحيم الملك‬
‫القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار‬
‫المتكبر الخالق الباري المصور الغفار القهار الوهاب‬
‫الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض العز‬
‫المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير‬
‫الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ‬
‫المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب‬
‫الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق‬
‫الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبديء‬
‫المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد‬
‫الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الول‬
‫الخر الظاهر الباطن الوالي لمتعالي البر التواب‬
‫‪ ()1‬الية )‪180‬من سورة العراف‬
‫‪ ()2‬أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ‪ 12/7392‬ومسلم في‬
‫كتاب الذكر والدعاء ‪2/26772‬‬
‫‪ ()3‬كتاب الدعوات ‪83/3507‬‬

‫‪194‬‬
‫المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلل‬
‫والكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار‬
‫النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد‬
‫الصبور(‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪ ":‬هذا حديث غريب‪ ،‬حدثنا به غير واحد‬
‫عن صفوان بن صالح‪ ،‬ول نعرفه إل من حديث‬
‫صفوان بن صالح‪ ،‬وهو ثقة عند أهل الحديث‪ ،‬وقد‬
‫روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول نعلم في كثير شيء‬
‫من الروايات له إسناد صحيح ذكر فيه السماء إل في‬
‫هذا الحديث‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وقد روي آدم بن إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا‬
‫عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر‬
‫)‪(2‬‬
‫فيه السماء‪ ،‬وليس له إسناد صحيح‪".‬‬
‫ووقع ذكر السماء عند ابن ماجة من رواية العرج‬
‫عن أبي هريرة )‪ (3‬أن رسول الله صلى لله عليه‬
‫وسلم قال‪) :‬إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إل‬
‫واحدا‪ ،‬إنه وتر يحب الوتر‪ ،‬من حفظها دخل الجنة‪،‬‬
‫وهو الله الواحد الصمد الول الخر الظاهر الباطن‬
‫الخالق البارئ المصور الملك الحق السلم المؤمن‬
‫المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم‬
‫اللطيف الخبير السميع البصير العليم العظيم البار‬
‫المتعال الجليل الجميل الحي القيوم القادر القاهر‬
‫العلي الحكيم القريب المجيب الغني الوهاب الودود‬
‫الشكور الماجد الواجد الولي الشهيد المبين البرهان‬
‫الرؤوف الرحيم المبدئ المعيد الباعث الوارث القوي‬
‫الشديد الضار النافع الباقي الواقي الخافض الرافع‬
‫القابض الباسط المعز المذل المقسط الرازق ذو‬
‫‪ ()1‬وهو ضعيف‪،‬انظر ميزان العتدال ‪2/336‬‬
‫‪()2‬سنن الترمذي ‪5/497‬‬
‫‪ ()3‬انظر سنن ابن ماجة ‪2/1270‬‬

‫‪195‬‬
‫القوة المتين القائم الدائم الحافظ الوكيل الفاطر‬
‫السامع المعطي المحيي المميت المانع الجامع‬
‫الهادي الكافي البد العالم الصادق النور المنير التام‬
‫القديم الوتر الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم‬
‫يكن له كفوا ً أحد()‪ (1‬وفي سنده عبد الملك بن محمد‬
‫الصنعاني)‪.(2‬‬
‫وأخرج البيهقي في السماء والصفات من حديث‬
‫العرج عن أبي هريرة‪:‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إن لله‬
‫تسعة وتسعين اسما مائة إل واحدا من أحصاها دخل‬
‫الجنة‪ ،‬وهو وتر يحب الوتر‪.‬‬
‫هو الله الذي ل إله إل هو الرحمن الرحيم الملك‬
‫القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار‬
‫المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب‬
‫الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع‬
‫المعز المذل السميع البصير العدل اللطيف الخبير‬
‫الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ‬
‫المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب‬
‫الواسع الحكم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق‬
‫الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ‬
‫المعيد المحيي المميت الحي الواحد الماجد الواجد‬
‫الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الول الخر‬
‫الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم‬
‫العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلل والكرام‬
‫المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع‬
‫النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور‬
‫)‪(3‬‬
‫الكافي(‬
‫‪ ()1‬كتاب الدعاء ‪10/3861‬‬
‫‪ ()2‬ا‪،‬انظر الميزان ‪2/336‬‬
‫‪ ()3‬السماء والصفات‪،‬احمد بن الحسين البيهقي)‬
‫‪458‬هـ(تحقيق محمد زاهد الكوثري ‪13‬طبعة دار الكتب‬

‫‪196‬‬
‫ووقع عنده ذكر السماء في رواية وفيها تقديم وتأخير‬
‫وإبدال‪.‬‬
‫وقال عنها‪ :‬تفرد بهذه الرواية عبد العزيز بن الحصيني‬
‫بن الترجمان‪ ،‬وهو ضعيف الحديث عند أهل النقل‪...‬‬
‫ومحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ولهذا الحتمال ترك البخاري ومسلم إخراج‬
‫)‪(1‬‬
‫الحديث(‬
‫وقال الحافظ ابن كثير‪):‬والذي عول عليه جماعة من‬
‫الحفاظ أن سرد السماء في هذا الحديث مدرج فيه(‬
‫)‪(2‬‬

‫العلمية‪-‬بيروت‪.-‬‬
‫‪ ()1‬نفسه ‪ ،19‬وانظر نحوه في إيثار الحق‪ ،‬ابن الوزير‬
‫‪.158‬‬
‫‪ ()2‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬آبو الفداء إسماعيل ابن كثير‬
‫القرشي الدمشقي )‪ 774‬هـ( ‪ 2/270‬الطبعة الولى‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ -‬بيروت ‪ 1980‬وانظر كلم الحافظ على إدراج‬
‫السماء في الحديث في فتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪.11/256‬‬

‫‪197‬‬
‫مدى احتجاج العلماء بهذه الخبار‪:‬‬
‫اتفق جمهور العلمـاء على أن هذه الحاديـث ل‬
‫)‪(1‬‬
‫تقتضي حصر أسماء الباري عز وجل في هذا العدد‬
‫وخالف ابن حزم الظاهري فقال‪) :‬ل يحل أن يسمى‬
‫الله عز وجل بالقديم ول الحنان ول الفرد ول الدايم‬
‫ول الباقي ول العالم‪ ...‬ول السامع ول الضار ول النافع‬
‫ول المبدئ ول المعيد ول القادر ول الوارث ول الباعث‬
‫ول القاهر ول الجليل ول المعطي ول المنعم ول‬
‫المحسن ول الحكم ول الحاكم ول الواهب ول الغفار‬
‫ول الهادي ول العدل ول الصادق ول الحافظ ول البديع‬
‫ول المحيي ول المميت‪ ،‬ول بشيء لم يسم به نفسه‬
‫ل‪ ،‬وإن كان في غاية المدح عندنا‪ ،‬أو كان متصرفا‬ ‫أص ً‬
‫من أفعاله تعالى إل أن نخبر عنه‪ ...‬ومن البرهان على‬
‫هذا أن الله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من‬
‫أحصاها دخل الجنة‪ ،‬فلو كانت هذه السماء التي منعنا‬
‫منه أن تطلق جائزا ً لكانت أسماء الله تعالى أكثر من‬
‫مائه ونيف وهذا باطل لن قول رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم " مائة غير واحد " مانع من أن يكون له‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬ولو جاز ذلك لكان قوله عليه السلم‬
‫)‪(2‬‬
‫كذبا ً وهذا كفر ممن أجازه(‬
‫وقال الجمهور ليس في الحديث الذي استدل به ابن‬
‫حزم دليل على حصر السماء في هذا العدد‪.‬‬
‫قال الفخر الرازي‪ :‬تخصيص العدد بالذكر ليس فيه‬
‫نفي الزائد عليه‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر التمهيد‪ ،‬الباقلني ‪ 233‬وأصول الدين‪ ،‬البغدادي‬


‫‪120‬والسماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ 19‬والعتقاد له أيضا ً ‪.18‬‬
‫وفتح الباري ابن حجر ‪ 11/625‬وشرح النووي على‬
‫صحيح مسلم ‪5/536‬وفتح المجيد‪ ،‬عبد الرحمن آل الشيخ‬
‫‪ 646‬وموقف البيهقي من اللهيات‪ ،‬الغامدي ‪126‬وموقف‬
‫ابن حزم من اللهيات‪ ،‬أحمد المحمد ‪210‬‬
‫‪ ()2‬الفصل في الملل والهواء والنحل ‪165 ،2/164‬‬

‫‪198‬‬
‫ويحتمل أن يكون سبب التخصيص أمرين‬
‫أحدهما‪ :‬لعل هذه السماء أعظم وأجل من غيرها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن ل يكون قوله‪) :‬إن لله تسعة وتسعين‬
‫اسما كلما ً تامًا‪ ،‬بل يكون مجموع قوله )إن لله تسعة‬
‫وتسعين اسما ً من أحصاها دخل الجنة‪ ،‬كلما ً واحدا‪،‬‬
‫وذلك بمنزلة قولك إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة‬
‫وهذا ل يدل على أنه ليس له من الدراهم أكثر من‬
‫اللف ويدل على صحة هذا التأويل حديث عبد الله بن‬
‫مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو‬
‫ويقول‪:‬‬
‫)اللهم إني عبدك وابن عبدك‪ ،‬وابن أمتك ناصيتي‬
‫ي حكمك‪ ،‬عدل في قضاؤك‪ ،‬أسألك‬ ‫ضف ّ‬‫بيدك‪ ،‬ما ٍ‬
‫بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك‬
‫أو علمته أحدا ً من خلقك أو استأثرت به في علم‬
‫)‪(1‬‬
‫الغيب عندك‪(...‬‬
‫وبهذا الحديث استدل الجمهور على أن أسماء الله‬
‫عز وجل ليست منحصرة في تسعة وتسعين اسما‪،‬‬
‫واستدل ابن حزم الظاهري بحديث أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه على انحصارها‪ ،‬وليس فيه دليل على ذلك‬
‫كما سبق‪.‬‬
‫وتناقض ابن حزم حيث ذكر اسم )العالم( في جملة‬
‫السماء التي ل يصح تسمية الباري بها‪ ،‬وكان قد أثبته‬
‫قبل صفحات من ذلك الموضع فقال‪:‬‬
‫)لما جاء النص بأنه يسمى الحي العالم القدير سميناه‬
‫بذلك‪ ،‬ولول النص ما جاز لحد أن يسمى الله تعالى‬
‫)‪(2‬‬
‫بشيء من ذلك(‪.‬‬
‫وأما جمهور العلماء فقد أطلقوا عددا من السماء‬
‫على الباري عز وجل نذكر منها ما ثبت بالحاديث‬
‫‪ ()1‬لوامع البينات‪.74 ،‬والحديث أخرجه البيهقي في السماء‬
‫والصفات ‪.18‬‬
‫‪ ()2‬الفصل ‪.2/164‬‬

‫‪199‬‬
‫السابقة فمما أثبته الدرامي‪) :‬الخافض الرافع الماجد‬
‫)‪(1‬‬
‫الواجد المنتقم المانع الضار النافع الصبور(‬
‫ومما أثبته الفخر الرازي )الجواد والجليل والمانع‬
‫والصبور والصادق والخافض والرافع والضار والنافع‬
‫والمقدم والمؤخر والمنتقم والوهاب والوارث‬
‫)‪(2‬‬
‫والجميل(‬
‫ومما أثبته البيهقي‪) :‬الوتر والجليل والواجد والماجد‬
‫والمقدم والمؤخر والوالي والمغني والنافع والضار‬
‫والحنان والدائم والجميل والصادق والبرهان والشديد‬
‫والسامع والمنير والخافض والرافع والصبور‬
‫)‪(3‬‬
‫والمنتقم(‪.‬‬
‫ومن السماء التي أثبتها اليجي‪ :‬العدل والواحد‬
‫)‪(4‬‬
‫والماجد والمغني والضار والنافع‬
‫وعلى العموم فقد أجاز جمهور المتكلمين إطلق‬
‫اللفاظ التي وردت في الخبار السابقة على الله عز‬
‫وجل على سبيل التسمية‪.‬‬
‫وزاد المتكلمون على ذلك فألحقوا هذه السماء‬
‫بالصفات إلى أقسام باعتبارات مختلفة‪.‬‬
‫ل‪ :‬تقسيم الصفات باعتبار ملزمة الصفة للذات‬ ‫أو ً‬
‫وانفكاكها عنها‪.‬‬
‫وتنقسم الصفات بهذا العتبار إلى قسمين‪ :‬صفات‬
‫ذات‪ ،‬وصفات فعل‪.‬‬
‫وقد اختلف المتكلمون في الفرق بينها‪:‬‬
‫فعند المعتزلة‪ :‬ما جرى فيه النفي والثبات فهو من‬
‫صفات الفعل‪ ،‬كما يقال‪ ،‬خلق الله لفلن ولدًا‪ ،‬ولم‬
‫يخلق لفلن‪ ،‬وأراد بنا اليسر‪ ،‬ولم يرد بنا العسر وكلم‬
‫الله موسى‪ ،‬ول يكلم الله الكافرين يوم القيامة‪.‬‬
‫الرد على بشر المريسي‪ ،‬عثمان الدارمي ‪.370‬‬ ‫‪( )1‬‬
‫لوامع البينات ‪.127-121 ،116‬‬ ‫‪()2‬‬
‫السماء والصفات ‪ 19-15‬وانظر العتقاد ‪.19-18‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫المواقف ‪.336-335‬‬ ‫‪()4‬‬

‫‪200‬‬
‫وما لم يجر فيه النفي فهو من صفات الذات‪،‬كالعلم‬
‫والقدرة‪ ،‬فل يقال‪ :‬لم يعلم كذا‪ ،‬ولم يقدر على كذا‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫أما عند الشاعرة‪ :‬فالفرق بينهما أن ما يلزم من نفيه‬
‫نقيضه فهو من صفات الذات‪ ،‬كالحياة يلزم من نفيها‬
‫الموت‪ ،‬والعلم يلزم من نفيه الجهل‪.‬‬
‫وما ل يلزم من نفيه نقيضه فهو من صفات الفعل‪،‬‬
‫فلو نفيت الحياء أو الماتة أو الخلق أو الرزق‪ ،‬لم‬
‫يلزم منه نقيضه‪.‬‬
‫ويظهر أثر الختلف في الفارق بينهما عند الشاعرة‬
‫والمعتزلة في صفتي الدارة والكلم‪ ،‬فهما من صفات‬
‫الفعال عند المعتزلة لجريان النفي والثبات فيهما‪،‬‬
‫ومن صفات الذات عند الشاعرة‪ ،‬إذ يلزم من نفيهما‬
‫نقضيهما وهو الجبر والخرس‪.‬‬
‫وعند الماتريدية‪ :‬كل ما ُوصف الله عز وجل به ول‬
‫يجوز أن يوصف بضده فهو من صفات الذات كالقدرة‬
‫والعلم والدارة‪.‬‬
‫وكل ما يجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات‬
‫الفعل كالحياء والماتة والقبض والبسط والرفع‬
‫والخفض وغيره‪.‬‬
‫وذهب الماتريدية إلى إرجاع صفات الفعل إلى صفة‬
‫)‪(1‬‬
‫واحدة هي صفة التكوين‪.‬‬
‫يقول ملعلي القاري رحمه الله‪ ...) :‬ومرجع الكل‬
‫إلى التكوين‪ ،‬فإنه إن تعلق بالحياة سمي إحياء‪،‬‬
‫وبالموت إماتة‪ ،‬وبالصورة تصويرا ً إلى غير ذلك‪،‬‬
‫فالكل تكوين‪ ،‬وإنما الخصوص بخصوص المتعلقات(‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ثانيًا‪ :‬تقسيمها باعتبار النفي والثبات‪.‬‬


‫وتنقسم بهذا العتبار إلى سلبية وثبوتية‪.‬‬
‫والسلبية نسبة إلى السلب وهو النفي‪،‬وسميت بذلك‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬شرح الفقه الكبر‪ ،‬القاري ‪.19‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪ ،20‬وانظر‪ :‬التمهيد في أصول الدين‪ ،‬أبو المعين‬
‫النسفي )‪ 508‬هـ( ‪ ،29-28‬تحقيق الدكتور عبد الحي قابيل‪،‬‬
‫المطبعة الفنية ‪ -‬مصر ‪ 1987 -‬م‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫لن مدلولها هو نفي أمر عن الله عز وجل ل يليق‬
‫)‪(1‬‬
‫به‪.‬‬
‫وهي خمس صفات‪ :‬الوحدانية والقدم والبقاء‬
‫والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس‪.‬‬
‫أما الوحدانية فمدلولها نفي التعدد في ذاته وفي‬
‫صفاته وفي أفعاله‪.‬‬
‫ووحدة الذات معناها‪ :‬أنه سبحانه ليس جسما ً مركبا‪ً،‬‬
‫يقبل النقسام‪ ،‬وأنه ليس هناك إله آخر غيره‪ ،‬ووحدة‬
‫الصفات معناها‪ :‬أنه ليس له صفتان من جنس واحد‪،‬‬
‫وليس لغيره صفة تشبه صفته‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ووحدة الفعال معناها‪ :‬أنه ليس لحد فعل كفعله‪.‬‬
‫وأما القدم فعناه أنه ل أول لوجوده‪ ،‬أو ل افتتاح‬
‫)‪(3‬‬
‫لوجوده‪.‬‬
‫وأما البقاء فمعناه عدم الخرية للوجود‪ ،‬أو عدم‬
‫)‪(4‬‬
‫اختتام الوجود‪.‬‬
‫وأما المخالفة للحوادث فمعناه أنه ل يماثله شيء‬
‫)‪(5‬‬
‫منها في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله‪.‬‬
‫وأما القيام بالنفس فمعناه أنه ل يفتقر لذات يقوم‬
‫)‪(6‬‬
‫بها‪ ،‬ول يفتقر في وجوده إلى موجد‪.‬‬
‫ويقابل الصفات السلبية الصفات الثبوتية‪.‬‬
‫‪ ()1‬وإتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪ ،74‬وشرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري‬
‫‪.85‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬حاشية الدسوقي ‪ ،89‬وشرح الفقه الكبر‪ ،‬القاري‬
‫‪ ،12‬و إتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪ 82‬وشرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري‬
‫‪.97‬‬
‫‪ ()3‬انظر حاشية الدسوقي ‪ ،76‬وشرح الباجوري ‪،88‬‬
‫وإتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪.74‬‬
‫‪ ()4‬انظر حاشية الدسوقي ‪ ،79‬وشرح الباجوري ‪،89‬‬
‫وإتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪.77‬‬
‫‪ ()5‬انظر حاشية الدسوقي ‪ ،83‬وإتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪.79‬‬
‫‪ ()6‬انظر حاشية الدسوقي ‪ ،85‬وشرح الباجوري ‪،96‬‬
‫وإتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪.80‬‬

‫‪203‬‬
‫وتقسم حسب تفاوت دللتها مع دللة الذات إلى‬
‫قسمين‪:‬‬
‫نفسية وزائدة‪.‬‬
‫والصفة النفسية‪:‬‬
‫هي التي تدل على نفس الذات دون معنى زائد عليها‪،‬‬
‫وهي‬
‫)‪(1‬‬
‫صفة الوجود وما سواها من الصفات الثبوتية التي‬
‫تدل على الذات وزيادة‪.‬‬
‫وهي قسمان‪ :‬صفات المعاني‪ ،‬والصفات المعنوية‪.‬‬
‫دث أو المصدر‬ ‫أما المعاني فجمع معنى‪ :‬وهو الح َ‬
‫)‪(2‬‬
‫در وأراد‪.‬‬ ‫كالقدرة والدارة‪ ،‬مصدران من ق ِ‬
‫وفي اصطلح المتكلمين كل صفة قائمة بموصوف‬
‫توجب له حكما ً فهي صفة معنى كالقدرة والعلم‬
‫والرادة وغيرها‪ ،‬توجب لمن قامت به أن يكون قادرا ً‬
‫عالما ً مريدًا‪ ،‬وقد أقام المتكلمون الدلة على اتصاف‬
‫الله عز وجل بسبع صفات‪ ،‬سموها صفات المعاني‬
‫وهي القدرة والرادة والكلم والسمع والبصر والعلم‬
‫)‪(3‬‬
‫والحياة‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وزاد الماتريدية بها صفة التكوين‪.‬‬
‫وأما المعنوية‪ :‬فهي نسبة إلى المعاني‪ ،‬والصفات‬
‫المعنوية نسبة إلى صفات المعاني‪ ،‬لن التصاف‬
‫بالمعنوية فرع التصاف بالمعنى‪ ،‬وهذه الفرعية‬
‫باعتبار التعقل ل باعتبار التأخر بالزمان‪ ،‬فحيث وجبت‬
‫له سبحانه صفات‬

‫‪ ()1‬انظر حاشية الدسوقي ‪ ،93‬وشرح الباجوري ‪،85‬‬


‫وإتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪.69‬‬
‫‪ ()2‬انظر شرح النسفية‪ ،‬الشيخ عبد الملك السعدي ‪.85‬‬
‫‪ ()3‬انظر حاشية الدسوقي ‪ ،97‬وشرح الباجوري ‪،105‬‬
‫وإتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪.86‬‬
‫‪ ()4‬انظر التمهيد‪ ،‬النسفي ‪ ،28‬وشرح الفقه الكبر‪ ،‬القاري‬
‫‪.20‬‬

‫‪204‬‬
‫الحياة والرادة والسمع والبصر وغيرها فهو حي مريد‬
‫)‪(1‬‬
‫سميع بصير‪....‬‬
‫وتحصل من مجموع هذه الصفات عشرون صفة ذاتية‬
‫صفة نفسية وهي الوجود‪ ،‬وخمس صفات سلبية وهي‬
‫القدم والبقاء والمخالفة للحوادث‪ ،‬والقيام بالنفس‬
‫والوحدانية‪.‬‬
‫وسبع صفات معان‪ ،‬وهي السمع والبصر والرادة‬
‫والقدرة والكلم والحياة والعلم‪.‬‬
‫وسبع صفات معنوية‪ :‬وهي السميع والبصير والمريد‬
‫والقادر والمتكلم والحي والعالم‪.‬‬
‫يضاف إليها صفات الفعال‪ ،‬كالخلق والترزيق‬
‫والتصوير وغيرها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تقسيم الصفات باعتبار دليلها‪.‬‬
‫وتنقسم بهذا العتبار إلى قسمين‪ :‬صفات عقلية‬
‫وصفات خبرية‪.‬‬
‫أما الصفات العقلية‪ :‬فهي التي يمكن أن يدل العقل‬
‫على ثبوتها‪ ،‬ول يدل هذا على عدم ورود الخبر‬
‫القطعي فيها‪ ،‬وإنما سميت بذلك مقابلة للصفات‬
‫الخبرية‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫ً‬
‫والصفات العقلية‪ :‬هي الصفات المذكورة سابقا من‬
‫صفات الذات والفعال بأقسامها‪ ،‬وقد ذكر المتكلمون‬
‫)‪(2‬‬
‫لها أدلة عقلية‪ ،‬مع ثبوتها بالخبار القطعية‪.‬‬
‫والصفات الخبرية نسبة إلى الخبر‪ ،‬لن الخبر هو‬
‫الطريق الوحيد لثباتها‪ ،‬أما العقل‪ ،‬فلو استقل بتعقلها‬
‫لحال اتصاف الله عز وجل بها‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر حاشية الدسوقي ‪ ،118 -97‬وشرح الباجوري‬


‫‪ ،123‬وإتحاف المريد ‪.116-114‬‬
‫‪ ()2‬انظر هذه الدلة في القتصاد‪ ،‬الغزالي ‪ ،74-53‬والتمهيد‬
‫النسفي ‪.23-21‬وشرح الصول الخمسة‪ ،‬القاضي عبدالجبار‬
‫‪ ،156-151‬والعقائد العضدية ‪ .74-1/53‬ولوامع النوار‪،‬‬
‫السفاريني ‪.1/148‬‬

‫‪205‬‬
‫ويمكن تقسيم الصفات الخبرية بحسب الخبر الوارد‬
‫فيها إلى قسمين‪:‬‬
‫الصفات الثابتة بخبر متواتر‪ ،‬كالوجه واليدين والعين‬
‫واليمين وغيرها‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫قال تعالى‪) :‬يريدون وجهه( ‪ ،‬وقال‪) :‬بل يداه‬
‫مبسوطتان()‪ ،(2‬وقال‪):‬ولتصنع على عيني()‪ (3‬وقال‪:‬‬
‫)‪(4‬‬
‫)والسماوات مطويات بيمينه(‪.‬‬
‫والصفات الثابتة بخبر آحادي كالساق والقدم والصورة‬
‫وغيرها ‪ -‬مما سيأتي بيانه ‪.-‬‬
‫وبعد ذكر أقسام الصفات نشير إلى إلحاق السماء‬
‫الحسنى بالصفات‪.‬‬
‫فمن السماء الحسنى التي تعود إلى صفة الوجود‪:‬‬
‫)الحق‪ ،‬النور‪ ،‬الظاهر‪ ،‬الباطن(‪.‬‬
‫فالحق معناه‪ :‬ما يلزم إثباته والعتراف به‪ ،‬ول يسع‬
‫)‪(5‬‬
‫إنكاره‪ ،‬ووجود الباري أولى ما يوصف بذلك‪.‬‬
‫والنور معناه‪ :‬أنه عز وجل ظاهر الوجود بما نصب من‬
‫الدلئل على وجوده‪ ،‬كما أن النور ظاهر بدليل‬
‫)‪(6‬‬
‫الحس‪.‬‬
‫والظاهر‪ :‬هو الظاهر بحججه الباهرة‪ ،‬فل يمكن معها‬
‫)‪(7‬‬
‫أن يجحد وجوده وينكر ثبوته‪.‬‬
‫والباطن‪ :‬أي بحقيقة ذاته‪ ،‬إذ تعجز العقول والحواس‬
‫)‪(8‬‬
‫عن إدراك حقيقته جل وعل‪.‬‬
‫‪ ()1‬الية )‪ (28‬من سورة الكهف‪.‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (64‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (39‬من سورة طه‪.‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (67‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫‪ ()5‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،27-26‬والمطالب‬
‫العالية‪ ،‬الرازي ‪.3/240‬‬
‫‪ ()6‬انظر العقيدة السلمية‪ ،‬حبنكة ‪.1/158‬‬
‫‪ ()7‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،27‬والمطالب العالية‬
‫‪.3/249‬‬
‫‪ ()8‬انظر المقصد السنى‪ ،‬الغزالي ‪ ،129‬والعقيدة‬

‫‪206‬‬
‫ومن السماء الحسنى التي تعود إلى صفة القدرة‪:‬‬
‫القوي والمتين والقادر والمقتدر والمهيمن والعزيز‬
‫والملك والغالب والقهار والجبار )‪.(1‬‬
‫ومن السماء التي تعود إلى صفة العلم‪ :‬العليم‬
‫والعلم والعالم والخبير والشهيد والرقيب والمحصي‬
‫بمعنى المحيط بكل موجود جملة وتفصي ً‬
‫ل‪ ،‬والواجد‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫إذا جعل من الوجدان بمعنى العلم‪.‬‬
‫ومن السماء التي تعود إلى صفة الوحدانية‪ :‬الواحد‬
‫)‪(3‬‬
‫والحد والوتر‪.‬‬
‫ومن السماء التي تعود إلى صفة المخالفة للحوادث‪:‬‬
‫السبوح والعظيم والكبير والجليل والمجيد والمتكبر‬
‫والعلي والماجد والسلم بمعنى‪ :‬السالم من كل نقص‬
‫)‪(4‬‬
‫في ذاته وصفاته وأفعاله‪.‬‬
‫والقدوس بمعنى المنزه عن كل وصف يدركه الحس‬
‫)‪(5‬‬
‫أو يتصوره الخيال‪.‬‬
‫ومن السماء التي تعود إلى صفة القيام بالنفس‪:‬‬
‫)‪(6‬‬
‫الغني‪ ،‬والصمد والقيوم‪.‬‬
‫ومن السماء التي تعود إلى صفة البقاء‪ ،‬الباقي‬

‫السلمية‪ ،‬حبنكة ‪.1/159‬‬


‫‪ ()1‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،161‬والمقصد السنى‬
‫‪ ،122‬والمطالب العالية ‪.3/276‬‬
‫‪ ()2‬انظر المطالب العالية ‪ ،3/276‬والعقيدة السلمية‪،‬‬
‫حبنكة ‪.170‬‬
‫‪ ()3‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،31-29‬والعقيدة‬
‫السلمية‪ ،‬حبنكة ‪.182‬‬
‫‪ ()4‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،53‬والمقصد السنى‬
‫‪.57‬‬
‫‪ ()5‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،55‬والمقصد السنى‬
‫‪.55‬‬
‫‪ ()6‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ ،78‬والمقصد السنى‬
‫‪ ،126‬والعقيدة السلمية‪ ،‬حبنكة ‪.199‬‬

‫‪207‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والخر والوارث‪.‬‬
‫ومن السماء التي تعود إلى صفة القدم‪ ،‬الول‬
‫)‪(2‬‬
‫والقديم والمتقدم‪.‬‬
‫وأما السماء الحسنى التي تعود إلى صفات الفعال‬
‫فمرجعها إلى أقسام‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬السماء التي تعود إلى صفات أفعال‬
‫الخالق والتكوين العام وهي‪ :‬الخالق والخلق والباري‬
‫والبديع والمصور والحكيم والرشيد‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ما يدخل في باب الترزيق‪ ،‬وهي‬
‫الرازق والرزاق والمقيت والمغني والقابض والباسط‪،‬‬
‫والوهاب والبّر والكريم والواسع‪ ،‬والفتاح‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما يدخل منها في المغفرة والرحمة‪:‬‬
‫وهي‪ ،‬الغفور والغفار والغافر والرحيم والرحمن‬
‫والودود واللطيف والتواب والحليم والرؤوف‬
‫والشكور والعفو والصبور‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬ما يدخل منها في باب تصريف شؤون‬
‫الخلق في حياتهم‪ ،‬وهي‪ :‬الخافض والرافع والمعز‬
‫والمذل والمقدم والمؤخر والمانع والضار والنافع‬
‫والوالي والوكيل والولي‪.‬‬
‫القسم الخامس‪ :‬ما يدخل منها في باب المحاسبة‬
‫والعقاب‪ ،‬وهي المنتقم والعدل والحكم والمقسط‪.‬‬
‫القسم السادس‪ :‬ما يدخل منها في باب تصريف أمور‬
‫القيامة‪ ،‬وهي‪ :‬المحيي والمميت والباعث والجامع‬
‫والمبدئ والمعيد )‪.(3‬‬
‫وبهذا يتبين أن المتكلمين لم يعطلوا شيئا ً من أسماء‬
‫الله عز وجل ولم يهملوه‪ ،‬بل ردوا جميع ما جاءت به‬
‫الخبار إلى صفات ذكروها وأطالوا في إثباتها بالدلة‬

‫‪ ()1‬انظر المقصد السنى ‪.142-141‬‬


‫‪ ()2‬انظر شرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري ‪.24-23‬‬
‫‪ ()3‬انظر العقيدة السلمية‪ ،‬حبنكة ‪.248-1/238‬‬

‫‪208‬‬
‫القاطعة من العقل والنقل )‪ ،(4‬ولحظوا أن الحاديث‬
‫الواردة فيها ل تصل في ثبوتها إلى درجة توجب العلم‬
‫واليقين وإنما توجب العمل‪ ،‬فاستدلوا بها على جواز‬
‫إطلق اللسان بتسمية الله عز وجل بما وردت به‬
‫هذه الخبار‪ ،‬وبذلك يكون المتكلمون قد عملوا بكل‬
‫دليل بحسب ما توجبه درجة ثبوته‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬

‫‪ ()4‬انظر ذكر هذه الصفات بأدلتها من العقل والنقل في‬


‫شرح النسفية‪ ،‬الشيخ عبد الملك السعدي ‪.62-57‬‬

‫‪209‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحتجاج بأخبار الحاد في‬
‫الصفات الخبرية‬
‫سبق أن أشرنا إلى انقسام الصفات إلى عقلية‬
‫وخبرية‪ ،‬وأن الصفات الخبرية منها ماورد بخبر قطعي‬
‫الثبوت كالستواء والوجه واليدين واليمين‪ .‬ومنها ما‬
‫ثبت بخبر آحادي‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن ورود أخبار الحاد بشيء من الصفات‬
‫يعتبر شاهدا ً لما دلت عليه الدلة القاطعة من العقل‬
‫أو النقل‪ ،‬ول يستقل خبر الحاد في شيء من‬
‫الصفات غير الصفات الخبرية‪.‬‬
‫ولهذا لن أطيل في ما جاءت به أخبار الحاد شاهدة‬
‫ومؤكدة‪ .‬لركز البحث فيما استقلت به أخبار الحاد‬
‫من الصفات الخبرية كالقدمين والصورة والقدم‬
‫والرجل والساق والصابع والستلقاء والنزول وغيرها‪.‬‬
‫والحتجاج بالخبار الواردة فيها يتفاوت بين التفويض‬
‫والتأويل وإثباتها صفات لله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وقبل أن نشرع في تفصيل هذه الخبار وتفاوت‬
‫الجتجاج بها يحسن أن نمهد لذلك بمواقف أهل‬
‫السنة والجماعة من متشابه القرآن والسنة‪.‬‬
‫مواقف أهل السنة والجماعة من متشابه‬
‫الكتاب والسنة‬
‫إن المتتبع لما أثر عن الصحابة رضوان الله عليهم في‬
‫مسائل الصفات ل يستطيع أن يقف على ّاثار يثبت‬
‫بها منهجا ً متكامل ً يدعي فيه أنه منهج الصحابة ‪-‬‬
‫رضوان الله عليهم ‪ -‬التزموا به ولم يخالفوه‪ .‬فلقد‬
‫ّامن الصحابة رضوان الله عليهم إيمانا كامل ً ليداخله‬
‫شك‪ ،‬وليفارقه التنزيه المطلق لله عز وجل‪.‬ولم يرد‬
‫قط من طريق صحيح عن أحدهم أنه سأل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن شيء من الصفات وغيرها‬
‫من الصول العتقادية فاستغنوا بصدق إيمانهم‬
‫وكماله عن الخوض فيما يدعوهم إلى الختلف‬

‫‪210‬‬
‫ويشغلهم عن نشر دين السلم وتثبيت قواعده في‬
‫أرجاء المعمورة‪ (1).‬واهتدوا بهدي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إذ نهاهم عن كثرة السؤال وتكلف‬
‫ماليعنيهم‪.‬‬
‫ولما انتشرت الفتوحات دخل الناس في دين الله‬
‫أفواجا ً أفواجًا‪ .‬وفي هذه الفواج أفراد من أمم‬
‫أجنبية لم يتفهموا روح السلم‪ ،‬وفي نفوسهم بقايا‬
‫من ثقافاتهم الوثنية أو النصرانية وغيرها‪ ،‬ولم يتذوق‬
‫هؤلء بيان اللغة العربية‪ ،‬ففهموا من الخبار ما يقضي‬
‫إلى التجسيم والتشبيه‪ .‬ويتحدث القاضي عياض)‪ (2‬عن‬
‫موقف السلف من هذه الحاديث وأثر العجمة في‬
‫صرفها عن المراد بها فيقول‪) :‬رحم الله المام مالكًا‪،‬‬
‫فلقد كره التحدث بمثل هذه الحاديث الموهمة‬
‫للتشبيه‪ ،‬والمشكلة المعنى‪ ...‬والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أوردها على قوم عرب يفهمون كلم العرب‬
‫على وجهه وتصرفاتهم في حقيقته ومجازه واستعارته‬
‫وبليغه وإيجازه‪ ،‬فلم تكن في حقهم مشكلة‪ ،‬ثم جاء‬
‫من غلبت عليه العجمة وداخلته المية‪ ،‬فل يكاد يفهم‬
‫من مقاصد العرب إل نصها وصريحها‪ ...‬فتفرقوا في‬
‫تأويلها أو حملها على ظاهرها شذر مذر فمنهم من‬
‫)‪(3‬‬
‫أمن به ومنهم من كفر‪(..‬‬
‫ومما يؤكد ما ذهب إليه القاضي عياض أن أول ظهور‬
‫للشبهة والبدعة كان بعيدا ً عن مركز الثقافة والفكر‬
‫السلمي‪ .‬في بلخ من بلد خراسان‪ ،‬حيث أظهر‬

‫‪ ()1‬انظر الباقلني وآراؤه الكلمية ‪.460‬‬


‫‪ ()2‬هو عياض بن موسى اليحصبي الندلسي )‪544‬هـ( عالم‬
‫المغرب‪ ،‬وإمام أهل الحديث في وقته وكان من أعلم الناس‬
‫بكلم العرب وأنسابه‪ ،‬أنظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي‬
‫‪ 2/467‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.282 /5‬‬
‫‪ ()3‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪ .‬تحقيق محمد أمين قره‬
‫علي‪ ،‬ومساعديه‪ .2/542 .‬طبعة دار الفيحاء‪-‬عمان‪.1986-‬‬

‫‪211‬‬
‫مقاتل بن سليمان)‪ (1‬مقالته‪ .‬فقال‪ :‬إن لله جسمًا‪،‬وله‬
‫جوارح وأعضاء من يد ورجل وعينين‪ (2).‬وهناك أيضا‬
‫ظهرت مقالة هشام بن الحكم )‪ (3‬فقال‪ :‬إن لله‬
‫جسما ً يقوم ويتحرك‪ ،‬غير أنه على العرش مماس له‬
‫دون سواه )‪ .(4‬وفي بلخ أيضا ً ظهرت مقالة الجهم بن‬
‫صفوان )‪ (5‬الذي تصدى لراء مقاتل وهشام بن‬
‫ن أنها‬
‫الحكم‪ .‬غير أنه بالغ في نفي الصفات‪ ،‬لنه ظ ّ‬
‫تستلزم التشبيه)‪ (6‬وجرت بينه وبين مقاتل مناظرات‬
‫ومناقشات انتقل صداها وأثرها إلى علماء المة من‬
‫السلف الصالح لما سارع العامة إليهم يسألون عن‬
‫الحق فيما أثاره هذا الجدال‪ .‬فكان الموقف الولي‬

‫‪ ()1‬هو مقاتل بن سليمان الزدي بالولء‪ ،‬له اشتغال‬


‫بالتفسير‪ .‬ولكنه أفرط في إثبات ظواهر النصوص حتى وقع‬
‫في التشبيه‪ .‬أو كان عند المحدثين متروك الحديث‪ .‬انظر‬
‫ميزان العتدال ‪ 4/174‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪8/206‬‬
‫‪ ()2‬انظر مقالت السلميين‪ ،‬الشعري ‪.259-1/258‬‬
‫‪ ()3‬هو هشام بن الحكم الشيباني بالولء)ت ‪179‬هـ( كان من‬
‫أعيان الشيعة المامية في عصره‪ .‬وهو رأس الفرقة‬
‫الهاشمية من فرق الشيعة‪.‬انظر الفرق بين‪ ،‬البغدادي ‪،65‬‬
‫والعلم‪ ،‬الزركلي ‪9/82‬‬
‫‪ ()4‬انظر مقالت السلميين ‪.1/257‬‬
‫‪ ()5‬هو الجهم بن صفوان‪ ،‬أبو محرز الزدي بالولء )‪128‬هـ(‬
‫إليه نسبت الجهمية‪ ،‬ومن عقائدهم فناء النار والجنة والقول‬
‫بخلق القرآن‪ .‬انظر مقالت السلميين‪ ،‬الشعري )‪(1/312‬‬
‫وميزان العتدال‪ ،‬الذهبي )‪ .(1/46‬والزينة في الكلمات‬
‫السلمية العربية‪ ،‬أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي‪ ،‬تحقيق‬
‫د‪.‬عبدالله سلوم السامرائي)‪ ،(268‬دار واسط للطباعة‪،‬‬
‫بغداد‪1988 ،‬م‪ .‬وتاريخ الفرق السلمية‪ ،‬علي الغرابي )‪-22‬‬
‫‪ ،(28‬مطبعة محمد صبيح‪ ،‬مصر ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ ()6‬انظر دراسات في الفرق والعقائد السلمية‪ ،‬د‪.‬عرفان‬
‫عبد الحميد )‪ .(197-83‬و)في علم الكلم( دراسة فلسفية‪،‬‬
‫د‪.‬أحمد محمود صبحي )‪ (29-25‬طبعة مؤسسة الثقافة‬
‫الجتماعية‪ ،‬مصر‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫لعلماء المة ورجالها يرتكز على النهي عن الخوض‬
‫فيما ل عمل تحته وتبديع السائل‪.‬‬
‫ومن ذلك ما رواه المام البيهقي بسنده عن المام‬
‫مالك أن سائل سأله عن الستواء فقال)الستواء غير‬
‫مجهول‪ ،‬والكيـف غير معقول‪ ،‬واليمـان به واجـب‪،‬‬
‫والسـؤال عنه بدعة‪ ،‬وما أراك إل مبتدعًا‪ ،‬فأمــر به‬
‫)‪(1‬‬
‫خَرج(‪.‬‬
‫أن ي ُ‬
‫وانضم إلى النهي عن السؤال تنفير الناس عن‬
‫المبتدعة والجلوس إليه‪ .‬روى عبدالله بن أحمد بن‬
‫حنبل بسنده عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم‬
‫القاضي أنه قال‪ " :‬بخراسان صنفان ما على الرض‬
‫)‪(2‬‬
‫شر منهما الجهمية والمقاتلية "‪.‬‬
‫ولكن مع كثرة التشكيك وإثارة الشبه لم تكن هذه‬
‫الطريقة كافية في إقناع العوام من المسلمين‬
‫فانبرى المعتزلة للدفاع عن العقيدة‪ ،‬وسارعوا إلى‬
‫إعمال دليل العقل‪ ،‬وكان التأويل عمدتهم في التوفيق‬
‫عند تعارض ظاهر النقل مع العقل‪ ،‬فوجد الناس في‬
‫شبه المخالفين‪ ،‬ولكن لما بالغ بعض‬ ‫ذلك مايدحض ُ‬
‫المعتمدين على منهج التأويل اضطر أهل الحديث إلى‬
‫الخوض في ما كرهوا الخوض فيه‪.‬‬
‫ويصف الدارمي من المحدثين هذه الضرورة التي‬
‫ألجأت أهل الحديث لذلك فيقول‪):‬ولول ما بدأكم به‬
‫هذا المعارض بإذاعة ضللت المريسي وبثها فيكم ما‬
‫اشتغلنا بذكر كلمه مخافة أن يعلق بعض كلمه‬
‫بقلوب الجهال‪ ..‬ولذلك قال عبد الله بن المبارك‪" :‬‬
‫لن احكي كلم اليهود والنصارى أحب إلي من لن‬
‫أحكي كلم الجهمية فمن أجل ذلك كرهنا الخوض‬
‫فيه‪ ..‬حتى أذاع المعارض نقائصه فيكم فخشينا أن ل‬
‫يسعنا النكار على من بثها منافحة عن الله‪ ،‬وتثُبتـا ً‬
‫‪ ()1‬السماء والصفات )‪.(516‬‬
‫‪ ()2‬السنة‪ ،‬عبدالله بن احمد بن حنبل‪.1/108 ،‬‬

‫‪213‬‬
‫لصفاته العليا‪ ،‬ومحاماة عن ضعفاء الناس وأهل‬
‫الغفلة من النساء والصبيان أن ُيضلوا بها إذ بثها رجل‬
‫كان يشار إليه بشيء من فقه وبصر "‪ (1).‬وبعد هذه‬
‫الضرورة ظهرت مصنفات لعدد من المحدثين في‬
‫الرد على المخالفين‪.‬‬
‫ومن هذه المؤلفات‪:‬‬
‫الرد على الجهمية ورد الدارمي عثمان بن سعيد على‬
‫المريسي العنيد‪ .‬والسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل‬
‫)‪90‬هـ(‪ .‬والتوحيد وإثبات صفات الرب لبن خزيمة‪.‬‬
‫وقد ظهر في بعض هذه المصنفات أحيانا ً ّاثار سلبية‬
‫لهذا الدخول الضطراري إلى ساحة الصراع الفكري‪،‬‬
‫فغّلب بعضهم ظاهر النقل‪ ،‬وأثبت أصول ً اعتقادية‬
‫ببعض الخبار المنكرة‪ ،‬ووقع بعضهم في إثبات ما هو‬
‫قريب جدا ً من التشبيه حتى نعتهم الخصوم‬
‫)‪(2‬‬
‫بالحشوية‪.‬‬
‫واشتد الصراع الفكري حتى نهايات القرن الثالث بين‬
‫بعض أهل الحديث والمعتزلة‪ ،‬وبين المعتزلة‬
‫والمشبهة وب َُعدت الشقة بين الفرق‪ ،‬ونفر الناس من‬
‫إفراط هؤلء وتفريط أولئك‪ ،‬حتى أقبل القرن الرابع‬
‫الهجري وظهرت فيه التيارات الوسطية المعتدلة‪ ،‬في‬
‫مصر ممثلة بالطحاوية نسبة إلى أبي جعفر‬
‫الطحاوي)‪ (3‬والماتريدية في سمرقند والشعرية في‬
‫بغداد‪.‬‬
‫واستطاع المذهب الشعري أن يسود وينتشر أكثر‬

‫‪ ()1‬انظر عقائد السلف ‪ 365‬ونحوه في ‪.259‬‬


‫‪ ()2‬انظر تأويل مختلف الحديث ‪ 55‬وتبين كذب المفتري‪،‬‬
‫ابن عساكر ‪.11‬‬
‫‪ ()3‬الطحاوي‪ :‬هو محمد بن أحمد الطحاوي )‪ 321‬هـ( برع‬
‫في الفقه والحديث‪ .‬وانتهت إليه رئاسة الحنفية في مصر‪.‬‬
‫انظر ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ 2/10‬والعلم‪ ،‬الزركلي‬
‫‪.1/197‬‬

‫‪214‬‬
‫من انتشار التيارات الوسطية الخرى‪ ،‬لنه نشأ في‬
‫در له من‬ ‫مركز الصراع الفكري ببغداد ّانذاك‪ ،‬ولنه قُ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫در لي مذهب آخر‪.‬‬ ‫العلماء الفذاذ العلم مالم ٌيق ّ‬
‫ومن هؤلء العلماء‪ :‬أبو بكر الباقلني‪ ،‬وعبد القادر‬
‫البغدادي‪ ،‬وأبو المعالي الجويني‪ ،‬وأبو حامد الغزالي‪،‬‬
‫وأبو الفتح محمد الشهرستاني‪ ،‬وغيرهم من العلم‪.‬‬
‫وبظهور المذهب الشعري انحصر الخلف بين أهل‬
‫السنة والجماعة في مسألة الصفات الخبرية في‬
‫موقفين‪ :‬التفويض والتأويل‪.‬‬
‫التفويض‬
‫وض( قال‬ ‫أما التفويض في اللغة فهو مأخوذ من )فــ ّ‬
‫ابن فارس الفاء والواو والضاد أصل يدل على اتكال‬
‫)‪(2‬‬
‫في المر على ّاخر‪ ،‬ورده عليه‬
‫وأما التفويض في اصطلح المتكلمين فهو‪ :‬اليمان‬
‫بما وََرد‪ ،‬مع صرف اللفظ عن ظاهره الموهم ورد ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫ل‪.‬‬‫العلم بالمراد إلى الله عّز وج ّ‬
‫والمراد بالظاهر في هذا التعريف‪ :‬المعنى الذي‬
‫يفهمه السامع من غير تأمل أو توقف على قرينة‬
‫خارجية‪.‬‬
‫وبالمثال يتضح المقال‪.‬‬
‫قال تعالى‪):‬وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم‬
‫ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف‬
‫)‪(4‬‬
‫يشاء(‪.‬‬
‫في هذه الية الكريمة أضيفت اليدان إلى الله عّز‬

‫‪ ()1‬في علم الكلم‪ ،‬الدكتور أحمد محمود صبحي ‪ 2/24‬ــ‬


‫‪.35‬‬
‫‪ ()2‬مقاييس اللغة )فوض( ‪ 4/460‬وانظر مختار الصحاح‬
‫‪.514‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح جوهر التوحيد‪ ،‬الباجوري ‪ 149‬والنظام الفريد‬
‫مع إتحاف المريد‪ ،‬محمد محيي الدين عبد الحميد ‪.129‬‬
‫‪ ()4‬سورة المائدة‪.64 ،‬‬

‫‪215‬‬
‫ل والسامع لول وهلة يتبادر إلى مخيلته من لفظ‬ ‫وج ّ‬
‫اليد معنى هو الظاهر‪ ،‬وعند التوقف على القرائن‬
‫الخارجية‪ ،‬مثل نفي المشابهـة بين الخالق والمخلوق‪،‬‬
‫ونفي التركيب والتجسيم يحكم السامع باستحالة هذا‬
‫كل المراد إلى الله عّز وج ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫المعنى الظاهر‪ ،‬ثم ي َ ِ‬
‫وهذا هو التفويض‪.‬‬
‫ول بد في التفويض من أمور ستة‪ ،‬ذكرها الغزالي في‬
‫إلجام العوام وهي‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬التقديس‪ :‬وهو تنزيه الرب تعالى عن الجسمية‬
‫وتوابعها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬التصديق‪ :‬وهو اليمان بما جاء في النص وأنه‬
‫حق على الوجه الذي أراده‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬العتراف بالعجز‪ ،‬وهو أن يقرر بأن معرفة‬
‫المراد ليس على قدر طاقتنا‪ ،‬وأن ذلك ليس من‬
‫شأننا‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬السكوت‪ ،‬وهو أن ل نسأل عن معناه ول‬
‫نخوض فيه‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬المساك وهو أن ل يتصرف في تلك اللفاظ‬
‫بالتصريف والتبديل بلغة أخرى‪ ،‬أو الزيادة فيه‪،‬‬
‫والنقصان منه‪ ،‬أو الجمع والتفريق‪ ،‬بل ل ينطق إل‬
‫بذلك اللفظ‪ ،‬وعلى ذلك الوجه من اليراد والعراب‬
‫والتصريف والصيغة‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الكف‪ ،‬وهو أن يكف الباطن عن التصرف‬
‫)‪(1‬‬
‫فيه‪.‬‬
‫وتجد هذه المور الستة متفقا ً عليها بين العلماء‪ ،‬وهي‬
‫ضـحها غير‬ ‫منثورة في كتبهم ولم أر من جمعها وو ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫الغزالي‬
‫‪ ()1‬إلجام العوام ‪ 4‬ــ ‪ 5‬المطبعة الميمنية‪ ،‬مصر‪ 1309 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر الختلف في اللفظ‪ ،‬ابن قتيبة ‪ .28‬وأصول الدين‪،‬‬
‫البغدادي ‪ .113‬والسماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪.517-515‬‬
‫والملل والنحل‪ ،‬الشهرستاني ‪ 1/137‬ــ ‪ .139‬ولوامع‬

‫‪216‬‬
‫سب جمهور العلماء هذا المذهب إلى السلف‬ ‫وقد ن ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫الصالح‪.‬‬
‫ول يوجد في عبارات السلف ذكر التفويض صريحا‪ً،‬‬
‫لن )التفويض( بهذا المعنى اصطلح من المتأخرين‬
‫أطلقوه بعد انتشار الكلم في أحاديث الصفات‪.‬‬
‫وعمدة العلماء في نسبتهم مذهب التفويض إلى‬
‫السلف ما نقلوه عنهم من العبارات والمارات التي‬
‫تدل على ذلك‪ ،‬ومن هذه المارات‪ :‬النهي عن‬
‫السؤال عنها‪.‬‬
‫فهذا المام مالك يقول لسائل سأله عن الستواء‪:‬‬
‫)الستواء غير مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول‪ ،‬واليمان‬
‫به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬وما أراك إل مبتدعـًا(‪.‬‬
‫)‪ (2‬وهو مروي عن غيره من السلف رضي الله‬
‫)‪(3‬‬
‫عنهم‬
‫ومنها الكف عن تفسيرها والنهي عنه‪.‬‬
‫ما نقل الذهبي عن الوليد بن مسلم أنه قال‪ " :‬سألت‬
‫الوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن‬
‫سعد عن الحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا‬
‫)‪(4‬‬
‫مّروها كما جاءت بل تفسير(‪.‬‬ ‫َ‬
‫لي‪ :‬أ ِ‬
‫وقال البيهقي بعد ذكر شيء من أحاديث الصفات‬
‫البنيات‪ ،‬الرازي ‪ ،38‬والمواقف‪ ،‬اليجي‪ .‬وعقيدة السلف‬
‫وأصحاب الحديث‪ ،‬أبو عثمان إسماعيل الصابوني )‪ 449‬هـ(‪،‬‬
‫ومعه رسالتان للقرطبي والصنعاني‪ .62 ،‬مطبعة السرمد ‪-‬‬
‫بغداد‪1990 -‬م‪ .‬والصفات الخبرية‪ ،‬محمد عياش ‪،71 ،47‬‬
‫‪.79‬‬
‫‪ ()1‬انظر المراجع السابقة ورسالة التنزيه‪ ،‬عبد الله بن أحمد‬
‫بن قدامة ‪ ،180‬مطبعة الجاحظ ‪ -‬بغداد ‪1989 -‬م‪ .‬ومختصر‬
‫العلو‪ ،‬اللباني ‪ ،195 ،139،150‬ورسالة التوحيد ـ محمد‬
‫عبده ‪ ،11‬طبعة مصر ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪.515‬‬
‫‪ ()3‬نفسه ‪.517-515‬‬
‫‪ ()4‬انظر مختصر العلو‪ ،‬اللباني ‪.159 ،142 ،139‬‬

‫‪217‬‬
‫الخبرية‪:‬‬
‫)أما المتقدمون من هذه المة فإنهم لم يفسروا ما‬
‫كتبنا‪ ..‬مع اعتقادهم بأجمعهم أن الله تبارك وتعالى‬
‫واحد ليجوز عليه التبعيض‪.‬‬
‫ثم نقل بسنده عن سفيان بن عيينة أنه قال‪ :‬كل ما‬
‫وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلوته‬
‫)‪(1‬‬
‫والسكوت عليه(‪.‬‬
‫والحاصل أن جمهور العلماء نسبوا التفويض إلى‬
‫السلف‪ .‬وهذا التفويض في المتشابه رتبة من رتب‬
‫الحتجاج اختاره الراغبون في السلمة‪ .‬فلم يؤخذ‬
‫عليهم تكذيب الرواية ول تحريفها ووسعهم فيها ما‬
‫وسع السلف الصالح رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫ولكن ابن تيمية رحمه الله لم يرض بذلك‪ ،‬وأنكر على‬
‫من ينسب التفويض إلى السلف‪ ،‬لنه يستلزم جهلهم‬
‫وعدم قدرتهم على فهم النص‪ ،‬ولذلك سمى من‬
‫ينسب التفويض إليهم بأهل التجهيل‪ ،‬فيقول‪):‬وأهل‬
‫التجهيل يقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يعرف معاني ما أنزل من ّايات الصفات ول‬
‫)‪(2‬‬
‫السابقون الولون عرفوا ذلك(‬
‫والذي فهمه ابن تيمية رحمه الله من موقف السلف‬
‫أنهم فهموا من النصوص إثبات الصفات‪ ،‬ثم فوضوا‬
‫العلم بكيفية الصفات فيقول‪) :‬ومذهب السلف أنهم‬
‫يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به‬
‫رسوله‪ ،‬من غير تحريف ولتعطيل ولتكييف ولتمثيل‪.‬‬
‫م أن ما ُوصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه‬ ‫فَعُل ِ َ‬
‫لغز ول أحاجي‪ ،‬بل معناه يعرف من حيث يعرف‬
‫‪(3).‬‬
‫مقصود المتكلم بكلمه(‬
‫السماء والصفات ‪2/62‬وانظر نحوه منقول ً عن جماعة‬ ‫‪() 1‬‬
‫السلف في شرح أصول السنة الللكائي ‪.453 ،2/433‬‬ ‫من‬
‫السماء والصفات ‪.282 ،2/27‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫نفسه ‪.2/20‬‬ ‫‪()3‬‬

‫‪218‬‬
‫ويرد على كلم ابن تيمية أمران‪:‬‬
‫الول أنا ل نسلم بأن هذه اللفاظ من الصفات لن‬
‫هذه النصوص لم ُتسق أصالة لوصف الله عز وجل‬
‫ومن أثبت مثل هذه اللفاظ صفات لله عز وجل جّرد‬
‫اللفظة عما قبلها وما بعدها‪ ،‬ونظر إلى اللفظة مفردة‬
‫فاعتبرها من صفات الله عز وجل‪.‬‬
‫ودللة هذه النصوص على الوصف دللة ظنية‪ ،‬ولذلك‬
‫وقع الختلف في عدها من آيات الصفات‬
‫فهذا المام الجويني يذكر الخلف عن الشاعرة في‬
‫عد هذه النصوص من الصفات فيقول‪) :‬ذهب بعض‬
‫أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة‬
‫للرب تعالى‪ ،...‬والذي يصح عندنا حمل اليدين على‬
‫القدرة‪ ،‬وحمل العينين على البصر‪ ،‬وحمل الوجه على‬
‫)‪(1‬‬
‫الوجود(‪.‬‬
‫ويعد السعد التفتازاني الصفات المختلف فيها فيقول‪:‬‬
‫)ومنها ما ورد كالستواء واليد والوجه والعين ونحو‬
‫)‪(2‬‬
‫ذلك والحق أنها مجازات وتمثيلت(‪.‬‬
‫ول ينحصر الخلف في عد هذه النصوص من الصفات‬
‫بين الشاعرة‪ .‬بل نقل ابن تيمية رحمه الله الخلف‬
‫بين السلف حول النصوص الواردة في الساق فقال‪:‬‬
‫)روي عن ابن عباس وطائفة أن المراد في قوله‬
‫تعالى‪ " :‬يوم يكشف عن ساق ")‪ (3‬الشدة )‪ .(4‬قال‪:‬‬
‫إن الله يكشف الشدة في الخرة‪ ،‬وعن أبي سعيد‬
‫وطائفة أنهم عدوها في الصفات للحديث الذي رواه‬
‫أبو سعيد في الصحيحين‪ (5)،‬ول ريب أن ظاهر القرآن‬

‫‪ ()1‬الرشاد ‪.156-155‬‬
‫‪ ()2‬شرح المقاصد ‪ .4/174‬وانظر أصول الدين ‪.110‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (42‬من سورة القلم‪.‬‬
‫‪ ()4‬انظر تفسير الطبري‪.29/35 ،‬‬
‫‪ ()5‬السماء والصفات ‪ 1/254‬وانظر أمثلة أخرى في‬
‫الصفات الخبرية‪ ،‬محمد عياش ‪.212‬‬

‫‪219‬‬
‫ل يدل على أن هذه من الصفات‪ ،‬فإنه قال)يوم‬
‫يكشف عن ساق( ولم يقل‪ :‬عن ساقه‪ ،‬فمع عدم‬
‫التعريف بالضافة ل يظهر أنه من الصفات إل بدليل‬
‫)‪(1‬‬
‫آخر(‪.‬‬
‫فههنا يوافق ابن تيمية رحمه الله ما روي عن ابن‬
‫عباس في عدم اعتبار الساق من الصفات‪ .‬وإذا كان‬
‫النص القرآني لم يقل )عن ساقه( فقد روي في‬
‫حديث أبي سعيد الخدري عند الشيخين أنه قال‪":‬‬
‫فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن‪"..‬‬
‫فإذا ثبت اختلف الخلف والسلف في اعتبار بعض‬
‫هذه النصوص من صفات الله عز وجل صح أن يقال‪:‬‬
‫ليس كل مضاف إلى الله عز وجل‪ ،‬صفة له وقد‬
‫)‪(2‬‬
‫صرح بذلك جمهور الشاعرة‪.‬‬
‫وصح قول الجويني‪):‬الضافة تنقسم إلى إضافة صفة‬
‫وإضافة ملك وإضافة تشريف‪ .‬قال‪ :‬ونظائر ذلك في‬
‫)‪(3‬‬
‫كتاب الله كثيرة(‪.‬‬
‫ومنها قوله تعالى في قصة مريم)فأرسلنا إليها روحنا(‬
‫)‪ (4‬وقال عز وجل‪):‬ناقة الله وسقياها()‪ (5‬وقال عز‬
‫وجل‪) :‬وعباد الرحمن الذين يمشون على الرض‬
‫ً )‪(6‬‬
‫هونا(‪.‬‬
‫ولم يقل أحد من السلف أو الخلف في هذه‬
‫الضافات إنها صفات لله عز وجل‪ (7).‬وهذا يسوغ‬
‫‪ ()1‬السماء والصفات ‪ 1/254‬وانظر أمثلة أخرى في‬
‫الصفات الخبرية‪ ،‬محمد عياش ‪.212‬‬
‫‪ ()2‬انظر مشكل الحديث‪ ،‬ابن فورك ‪ 12-11‬والفصل‪ ،‬ابن‬
‫حزم ‪.2/168‬‬
‫‪ ()3‬الرشاد ‪.151‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (17‬من سورة مريم‪.‬‬
‫‪ ()5‬الية )‪ (13‬من سورة الشمس‪.‬‬
‫‪ ()6‬الية )‪ (63‬من سورة الفرقان‪.‬‬
‫‪ ()7‬انظر دفع شبة التشبيه بأكف التنزيه‪ ،‬أبو الفرج عبد‬
‫الرحمن الجوزي )‪ 597‬هـ( تحقيق محمد زاهد الكوثري ‪-43‬‬

‫‪220‬‬
‫الخلف في عدم اعتبار كثير من هذه الحاديث من‬
‫أحاديث صفات الله عز وجل‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬هل فهم السلف من الخبار التي ذكر‬
‫فيها مثل الساق والرجل والضحك أنها صفات لله عز‬
‫وجل ؟‪.‬‬
‫يصعب إقامة دليل على أنهم فِهموا ذلك من هذه‬
‫النصوص‪ ،‬لنه لم ينقل عن السلف الخوض في هذه‬
‫النصوص‪ ،‬ونقل عنهم تفسير الساق بالشدة كما‬
‫سبق‪.‬‬
‫ونقل عن متأخري السلف ما يحتمل اعتبار هذه‬
‫النصوص من الصفات وما يحتمل غيره‪ .‬وذلك مثل‬
‫قولهم‪ :‬الستواء معلوم‪ ،‬والكيف مجهول‪.‬‬
‫ولهذا نرى ابن تيمية يستدل بقولهم هذا على أن‬
‫السلف أثبتوا الصفات فيقول‪) :‬قول ربيعة ومالك‬
‫الستواء غير مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول‪ ،‬واليمان‬
‫به واجب‪ ،‬موافق لقول الباقين‪ :‬أمروها كما جاءت بل‬
‫كيف‪ ،‬فإنما نفوا علم الكيفية‪ ،‬ولم ينفوا حقيقة‬
‫الصفة‪.‬‬
‫وأيضا ً فإنه ل يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم‬
‫عن اللفظ معنى‪ ،‬وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية‬
‫)‪(1‬‬
‫إذا ثبتت الصفات(‪.‬‬
‫وقد تابع ابن تيمية على ذلك من المعاصرين الشيخ‬
‫)‪(2‬‬
‫عبد العزيز بن باز والدكتور صالح الفوزان وغيرهما‬

‫‪ 47‬مطبعة دار إحياء الكتب العربية ‪ -‬مصر ‪ 1350 -‬هـ‪.‬ودفع‬


‫شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى المام احمد‪ ،‬تقي‬
‫الدين أبو بكر الحصني )‪ 829‬هـ( ‪ 12‬مع كتاب دفع شبهة‬
‫التشبيه‪.‬‬
‫‪ ()1‬السماء والصفات ‪.2/32‬‬
‫‪ ()2‬انظر )تنبيهات هامة على ما كتبه محمد علي الصابوني‬
‫في صفات الله عز وجل( عبد العزيز بن باز ‪ .18-17‬مطبعة‬
‫الصحابة السلمية ‪ -‬الكويت‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫ويبدو لي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن النهي عن تفسيرها ونفي‬
‫العلم بالكيفية ل يدل على إثباتها صفات لله عز وجل‪،‬‬
‫لن هذه النصوص لو بقيت على ظاهرها دون تفسير‬
‫ما تنبه السامع على وجه دللتها على وصف الله‬
‫تبارك وتعالى بما جاء فيها من هذه اللفاظ‪.‬‬
‫فإذا سمع السامع مثل ً قول الله عز وجل‪):‬ول تجعل‬
‫يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد‬
‫ملوما ً محسورًا(‪ (1).‬لم يلتفت ذهنه إلى ظاهر اليد‬
‫وغّلها إلى العنق وبسطها‪ ،‬وإنما يفهم من له أقل خط‬
‫من النظر أن في الية تعبيرا ً مجازيا ً بليغا ً في ذم‬
‫خّلي السامع بينه وبين‬ ‫التقتير والسراف‪ .‬وكذلك لو ُ‬
‫قول الله عز وجل‪) :‬وقالت اليهود يد الله مغلولة‬
‫غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق‬
‫كيف يشاء(‪ (2).‬لم يتبادر إلى ذهنه أن اليهود وصفوا‬
‫الله تبارك وتعالى بظاهر اليد التي وصفوها بالغل بل‬
‫السياق يدل على أن اليهود وصفوا الله عز وجل‬
‫بالبخل ‪ -‬لعنوا بما قالوا ‪ -‬بل الله عز وجل كريم جواد‬
‫ينفق كيف يشاء ول ُيحتاج في هذا الفهم إلى تفسير‬
‫ول تأويل ول شرح غريب‪.‬‬
‫فإذا أبينا إل أن نثبت بهذه الية أن لله تبارك وتعالى‬
‫يدين تليقان بجلله تحركت القوة الذهنية ورجعت إلى‬
‫النص كرة ثانية‪ ،‬وقد تدرك إثبات اليدين‪ ،‬وقد ل تدرك‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫ويبدو واضحا أن إثبات الصفة بهذا النص يحتاج إلى‬
‫دليل خارج عن دللة النص ومفهومه ول يستقيم ذلك‬
‫إل بإعمال الفكر فيه‪ ،‬وتحميل ألفاظه فوق طاقتها‪،‬‬
‫وتجريدها عن سباقها وسياقها‪ ،‬وحملها على وجه ل‬
‫ي ُْعرف له نظير في لغة العرب‪ ،‬لن اليد والساق‬
‫ونحوها من هذه اللفاظ أسماء أبعاض وأجزاء في‬
‫‪ ()1‬الية )‪ (29‬من سورة السراء‪.‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (64‬من سورة المائدة‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫لغة العرب فإذا حملناها على الصفات فقد تصرفنا‬
‫في النص‪ .‬ومثل هذا التصرف في النصوص يدخل من‬
‫باب الولى في نهي السلف عن تفسيرها‪ ،‬ل سيما‬
‫وأنه يحتاج بعد إثباتها على ظاهرها إلى نفي الجارحة‬
‫)‪(1‬‬
‫والبعضية‪.‬‬
‫ثم إن ابن تيمية‪ -‬رجمه الله تعالى يؤكد أن نصوص‬
‫الصفات ليست مجهولة بمنزلة حروف المعجم وليس‬
‫فيها لغز ول أحاجي‪.‬‬
‫ول يخفى أنا إذا أثبتنا الساق مثل ً ل على وجه الجارحة‬
‫ول البعضية‪ ،‬بل على وجه الوصفية فقد أحلنا على ما‬
‫هو كاللغر وحروف المعجم في الخفاء‪ ،‬ويزداد‬
‫الغموض والخفاء والشكال إذا جمعنا هذه النصوص‬
‫الواردة في النزول والضحك والرجل والقدم والصابع‬
‫وأثبتناها صفات لله عز وجل على الوجه اللئق به‪،‬‬
‫فإن من العسير أن يكف القلب عن مفارقة التنزيه‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫حتى لو كف اللسان عن ذلك‪.‬‬
‫وفي ما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله نظر من وجه‬
‫آخر‪ ،‬لنه جعل تفسير هذه النصوص من العلم الذي‬
‫يعلمه الله عز وجل والراسخون في العلم قال‪:‬‬
‫)الستواء معلوم‪ُ ،‬يعلم معناه وُيفسر وُيترجم بلغة‬
‫أخرى‪ ،‬وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في‬
‫العلم‪ ،‬وأما كيفية ذلك الستواء فهو التأويل الذي ل‬
‫يعلمه إل الله تعالى(‪ (3).‬فما هو التفسير الذي يعلمه‬
‫الراسخون في العلم‪ ،‬دون غيرهم ؟ ومعلوم أنه لم‬
‫يرد عن السلف ول عن ابن تيمية رحمه الله تعالى‬
‫شيء من هذا التفسير إل القول بأنها صفات لله عز‬

‫‪ ()1‬كبرى اليقينيات الكونية ‪.115‬‬


‫‪ ()2‬انظر )ابن تيمية( محمد أبو زهرة ‪ ،271‬مطبعة دار الفكر‬
‫العربي ‪ -‬مصر ودراسات في الفرق والعقائد‪ ،‬عرفان عبد‬
‫الحميد ‪.191‬‬
‫‪ ()3‬السماء والصفات ‪ .2/69‬وانظر نحوه ‪.236-2/235‬‬

‫‪223‬‬
‫وجل على الوجه اللئق به‪ .‬وليس للراسخين مزية‬
‫في ذلك على غيرهم‪ ،‬وإذا كان هذا العلم ل يعلمه إل‬
‫لله عز وجل والراسخون في العلم فما وجه إلزام‬
‫غيرهم به وهو فوق طاقتهم وقدراتهم ؟‬
‫والحاصل أن تفويض العلم بمراد الله من هذه‬
‫من عدها في الصفات وتفويض العلم‬ ‫ه ِ‬‫ج ُ‬
‫اللفاظ أو َ‬
‫بالكيفية إلى الله عز وجل‪.‬‬
‫ول وجه للنكار على من رأى أن التفويض في هذه‬
‫اليات أسلم‪ ،‬ول وجه للنكار على من نسبه إلى‬
‫السلف لن الغالب على السلف السكوت‪ .‬والتفويض‬
‫بعد ذلك مسلك ينجينا ويغنينا عن التكذيب و التحريف‬
‫وتكلف الخوض في ما حذر الله تبارك وتعالى من‬
‫الخوض فيه‪.‬‬
‫ولننتقل إلى الموقف الثاني وهو التأويل‪.‬‬
‫مذهب التأويل‬
‫ل )أّول يؤّول( وأصله‬‫التأويل في اللغة مصدُر الفع ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫)آل( أي رجع‪.‬‬
‫والتأويل في اصطلح المتكلمين هو حمل اللفظ على‬
‫خلف ظاهره على سبيل القطع مع بيان المعنى الذي‬
‫)‪(2‬‬
‫يغلب على ظن المؤول أنه المراد‪.‬‬
‫ولتوضيح هذا التعريف لبد أول ً من بيان المراد‬
‫بالظاهر هنا وهو‪ :‬المعنى الذي يفهمه السامع من غير‬
‫تأمل أو توقف على قرينة خارجية‪.‬‬
‫ولبد من التنبيه إلى أن حمل اللفظ على ما يشير‬
‫إليه ظاهره مما يفيد التشبيه أو التبعيض أو التجسيم‬

‫‪ ()1‬انظر القاموس‪ ،‬الفيروزآبادي )أ ََول( ‪ .3/231‬ومختار‬


‫الصحاح‪ ،‬محمد بن عبد القادر الرازي )أول( ‪ .33‬مطبعة عز‬
‫الدين ‪ -‬بيروت ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر شرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري ‪ .149‬وأنظر بسط الدلة‬
‫في القتصاد‪ ،‬الغزالي ‪ .35-28‬وأساس التقديس‪ ،‬الرازي‬
‫‪.45-16‬‬

‫‪224‬‬
‫باطل قطعًا‪ ،‬لن أدلة العقل والنقل تدل على‬
‫)‪(1‬‬
‫استحالة ذلك كله على الباري عز وجل‪.‬‬
‫وصرف اللفظ عن ظاهره مع التوقف عن بيان المراد‬
‫يعد تأويل ً إجماليًا‪.‬‬
‫وهذا التأويل الجمالي هو مذهب السلف الذي نسبه‬
‫إليهم جمهور العلماء)‪ (2‬والتأويل التفصيلي‪ :‬هو صرف‬
‫اللفظ عن ظاهره الذي دلت الدلة القاطعة على نفيه‬
‫مع حمل اللفظ على معنى يسوغ في اللغة ويليق‬
‫)‪(3‬‬
‫بالله عز وجل‪.‬‬
‫والتأويل في هذا المعنى ل يمنع منه شرع ول عقل‪.‬‬
‫ومع ذلك اشتد إنكار البعض على التأويل بزعمهم أن‬
‫فيه تعطيل ً لصفات أثبتها الشرع في نصوصه‬
‫الصحيحة‪ ،‬يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى‪) :‬وأصل‬
‫هذه المقالة ‪ -‬مقالة التعطيل في الصفات ‪ -‬إنما هو‬
‫مأخوذ عن تلمذة اليهود‪ ...‬فإن أول من حفظ عنه أنه‬
‫قال‪ :‬ليس الله على العرش حقيقة‪ ،‬وأن )استوى(‬
‫)‪(4‬‬
‫بمعنى استولى ‪ -‬ونحو ذلك ‪ -‬هو الجعد بن درهم‬
‫وأخذها عنه الجهم وأظهرها فُنسبت مقالة الجهمية‬
‫)‪(5‬‬
‫إليه(‪.‬‬
‫ويبدو أن ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن هذا النكار الشديد على‬
‫التأويل غير متجه إلى موضع النزاع‪ .‬لن التأويل يكون‬
‫تعطيل ً للصفات إذا ثبت بشكل قاطع أن الية أو‬
‫الحديث فيهما وصف لله عز‪ ،‬وجل والنصوص‬
‫‪ ()1‬انظر المصدر السابق ‪.153‬‬
‫‪ ()2‬انظر شرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري ‪.153‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري ‪.154‬‬
‫‪ ()4‬هو الجعد بن درهم )‪ 118‬هـ( من موالي بني الحكم‪ .‬كان‬
‫يقول بخلق القرآن‪ ،‬وهو أول من تكلم بذلك في دمشق‪.‬‬
‫وكان يقول بنفي الصفات‪.‬لنه ظن أن الشتراك في لفظ‬
‫الصفات بين الخالق والمخلوق يستلزم التشبيه‪ .‬انظر ميزان‬
‫العتدال ‪ .1/399‬وتاريخ الفرق السلمية‪ ،‬الغرابي ‪.28‬‬
‫‪ ()5‬السماء والصفات ‪.2/17‬‬

‫‪225‬‬
‫الشرعية التي تعّرض العلماء لتأويلها ليست قطعية‬
‫في دللتها على الوصف‪ ،‬وهي تحتمل الوصف‬
‫وتحتمل غيره‪ ،‬وحمل النص على بعض احتمالته‬
‫المقبولة شرعا ً وفق أصول اللغة العربية التي أنزل‬
‫‪(1).‬‬
‫بها القرآن مسلك ل تعطيل فيه‬
‫ويضاف إلى ذلك أن عد مثل هذه اللفاظ في‬
‫الصفات هو نوع تأويل وتعطيل‪ ،‬لن ظاهر اليد والقدم‬
‫والساق والوجه أنها أبعاض وأعضاء‪ ،‬وإلحاقها‬
‫بالصفات مع نفي البعضية والتركيب صرف لهذه‬
‫اللفاظ عن ظاهرها‪ ،‬واستدلل بما وراء ظاهر النص‪،‬‬
‫وهذا نوع تأويل‪.‬‬
‫وإذا ألحقت هذه النصوص بالصفات تعطل النتقاع بما‬
‫سيقت له هذه اليات‪ ،‬لنها مسوقة لمعان ل علقة‬
‫لها بالصفات‪.‬‬
‫فمثل ً قول الله عز وجل‪) :‬واصبر لحكم ربك فإنك‬
‫بأعيننا()‪ (2‬ليس مسوقا ً لثبات صفة العين بل السياق‬
‫في مواساة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفيها يأمر‬
‫الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على‬
‫أذى المشركين‪ ،‬ويبشره الله عز وجل بأنه في حفظه‬
‫)‪(3‬‬
‫ورعايته وحمايته‪.‬‬
‫فإذا أردنا حمل النص على الوصفية أشكل علينا فهم‬
‫المراد‪ ،‬ول ينجينا قولنا‪ :‬هي صفة تليق بجلله من‬
‫التكلف والوقوع في غموض‪ ،‬والحالة على المجهول‪،‬‬
‫ويزداد الشكال عند ملحظة اليات الخرى التي ذكر‬
‫فيها لفظ )العين( مضافا ً إلى الله عز وجل بالفراد‬

‫‪ ()1‬انظر العقيدة السلمية‪ ،‬عبد الرحمن حبنكة ‪.256‬‬


‫‪ ()2‬الية )‪ (48‬من سورة الطور‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر تنوير الذهان من تفسير روح البيان‪ ،‬إسماعيل‬
‫حقي البر وسوي اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني‬
‫‪ 4/169‬طبعة دار القلم بيروت ‪1989‬م‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫)‪(1‬‬
‫في قوله تعالى ولتصنع على عيني(‪.‬‬
‫والحاصل أن دللة اليات والحاديث على الصفات في‬
‫هذا الباب دللة ظنية‪ ،‬ول يستقيم عدها في الصفات‬
‫إل بتأويل‪ ،‬فلماذا يجوز تأويل النص وحمله على خلف‬
‫أساليب العرب لنثبت به الصفة ول يجوز فهم النص‬
‫وتأويله على ما يوافق أساليب اللغة العربية ول‬
‫يعارض شرعًاولعق ً‬
‫ل؟!‬
‫ثم إن التأويل التفصيلي ضرورة لبد منها‪ ،‬ولم يستغن‬
‫السلف عن التأويل‪ ،‬وكذا المنكرون على التأويل ل‬
‫مفر لهم من التأويل في بعض النصوص الواردة في‬
‫الصفات‪ .‬وسأذكر أمثلة لذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬من تأويل السلف ما نقله البخاري في )خلق أفعال‬
‫العباد( عن سفيان الثوري أنه قال في قوله عز وجل‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫"هو معكم أينما كنتم ")‪ (2‬قال‪ :‬علمه‪.‬‬
‫‪ -2‬واختار البخاري في صحيحة تأويل الوجه بالملك‬
‫فـي قولـه تعـالــى‪):‬كل شيء هالك إل وجهه()‪) :(4‬إل‬
‫)‪(5‬‬
‫ملكـه‪ ،‬ويقـال‪ :‬إل ما أريد به وجه اللـه(‪.‬‬
‫وابن تيمية رحمه الله مع إنكاره الشديد على التأويل‬
‫يؤول أحيانا ً دون أن يسلم بأن تصرفه في النص‬
‫تأويل‪ .‬وسأذكر أمثلة لتأويله وتأويل المنكرين على‬
‫أهل التأويل‪:‬‬
‫‪ -1‬يقول رحمه الله‪):‬إن الله معنا حقيقة‪ ،‬وهو فوق‬
‫العرش حقيقة‪ ...‬ثم هذه المعية تختلف أحكامها‬
‫بحسب الموارد فلما قال‪):‬يعلم ما يلج في الرض وما‬

‫‪ ()1‬الية )‪ (39‬من سورة طه‪ .‬وانظر كبرى اليقينيات‪،‬‬


‫البوطي ‪ .114‬والصفات الخبرية‪ ،‬محمد عياش ‪.88-87‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (4‬من سورة الحديد‪.‬‬
‫‪ ()3‬ضمن مجموعة عقائد السلف ‪.122‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (88‬من سورة القصص‪.‬‬
‫‪ ()5‬انظر فتح الباري ‪.8/505‬‬

‫‪227‬‬
‫يخرج منها(‪-‬إلى قوله‪)-‬وهو معكم أينما كنتم(‪ (1).‬دل‬
‫ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها‬
‫أنه مطلع عليكم‪ ،‬شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم‪،‬‬
‫وهذا معنى قول السلف‪ :‬إنه معهم بعلمه‪ ،‬وهذا ظاهر‬
‫)‪(2‬‬
‫الخطاب وحقيقته‪.‬‬
‫ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في‬
‫الغار‪) :‬ل تحزن إن الله معنا()‪ (3‬كان هذا أيضا ً حقا ً‬
‫على ظاهره‪ .‬ودلت الحال على أن حكم هذه المعية‬
‫)‪(4‬‬
‫الطلع والنصر والتأييد(‪.‬‬
‫وفي هذا النص السابق يصل ابن تيمية رحمه الله إلى‬
‫النتيجة التي يصل إليها المؤول‪ ،‬ولكن ل يسلم رحمه‬
‫الله أن الوصول إلى هذه النتيجة يحصل بصرف‬
‫اللفظ عن ظاهره إلى معنى يحتمله‪ ،‬بل النص دال‬
‫بحقيقته وظاهره على المراد‪.‬‬
‫والذي يبدو لي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن ظاهر المعية‬
‫وحقيقتها ل يحتملن بمجرده معية الطلع أو النصرة‬
‫والتأييد وإنما يفهم هذا من سياق اليتين السابقتين‪.‬‬
‫وقد صرح ابن تيمية بأن الطلع والعلم والنصرة هي‬
‫حكم المعية ومقتضاها‪ ،‬وهذا هو ما يسميه المؤولة‬
‫تأويل المعية‪.‬‬
‫ولو عوملت جميع هذه النصوص الواردة في الباب‬
‫بمثل ما عوملت به آيات المعية لكان النزاع بين ابن‬
‫تيمية والمؤولين نزاعا ً لفظيا ً فقط‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن المثلـة علـى تأويل ابن تيميه قولــه في‬
‫)‪(5‬‬
‫اليـة الـكريمـة‪):‬ونحن أقرب إليه من حبل الوريد(‬

‫الية )‪ (4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫السماء والصفات ‪.2/81‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫الية )‪ (40‬من سورة التوبة‪.‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫السماء والصفات ‪.2/81،211‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫الية )‪ (16‬من سورة ق‪.‬‬ ‫‪()5‬‬

‫‪228‬‬
‫)‪(1‬‬
‫)هو قرب ذوات الملئكة وقرب علم الله(‪.‬‬
‫وقال‪) :‬وأما من ظن أن المراد بذلك قرب ذات الرب‬
‫من حبل الوريد‪،‬إذ أن ذاته أقرب فهذا في غاية‬
‫)‪(2‬‬
‫الضعف(‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا تأويل أيضا لن ظاهر اللفظ يدل على إسناد‬
‫القرب إلى الله عز وجل‪ ،‬وتفسيره بقرب الملئكة‬
‫صرف للفظ عن ظاهره‪.‬‬
‫فلم ل يقال في هذا الصرف أنه تعطيل لما وصف‬
‫الله تعالى به نفسه؟‬
‫ولم ل يقال‪ :‬التقرب معلوم والكيف مجهول واليمان‬
‫به واجب ؟‬
‫والجواب‪ :‬أن دللة مثل هذه اللفاظ على الوصف أو‬
‫غير الوصف تتفاوت وضوحا ً وخفاًء‪ ،‬ولهذا كثر الخلف‬
‫فيها قديما ً وحديثًا‪.‬‬
‫ومن تأويل المنكرين للتـأويل‪ ،‬قول شارح الطحاوية‬
‫ابن أبي العز الحنفي رحمه الله‪) :‬قال الله عز وجل‪:‬‬
‫)وكان الله بكل شيء محيطًا(‪ (3) ،‬وليس المراد من‬
‫إحاطته بخلقه أنه كالفلك‪ ....‬وإنما المراد إحاطة‬
‫)‪(4‬‬
‫عظمته وسعة علمه وقدرته‪.‬‬
‫سن الشيخ اللباني في تعليقه هذه العبارة ثم‬ ‫وُيح ّ‬
‫يقول‪) :‬وهو من التأويل الذي ينقمه الشارح مع أنه‬
‫ً )‪(5‬‬
‫لبد منه أحيانا(‪.‬‬
‫والحاصل أنه حتى المنكرين على التأويل لم يجدوا‬
‫مفرا ً من التأويل في بعض المواطن‪ ،‬ولهذا قال إمام‬

‫‪ ()1‬السماء والصفات ‪.2/98‬‬


‫‪ ()2‬نفسه ‪ .2/349‬وانظر نحوه في شرح حديث النزول ‪130‬‬
‫طبعة المكتب السلمي ‪ -‬بيروت ‪1969 -‬م‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (125‬من سورة النساء‪.‬‬
‫‪ ()4‬شرح العقيدة الطحاوية ‪ .314‬تحقيق ناصر الدين‬
‫اللباني طبعة المكتب السلمي‪-‬بيروت‪ 1399)-‬هـ(‪.‬‬
‫‪ ()5‬المصدر نفسه ‪.314‬‬

‫‪229‬‬
‫الحرمين الجويني‪) :‬ومما يجب العتناء به معارضة‬
‫الحشوية بآيات يوافقون على تأويلها حتى إذا سلكوا‬
‫مسلك التأويل عورضوا بذلك السبيل فيما فيه‬
‫التنازع‪.‬‬
‫فمما يعاَرضون به قوله تعالى‪ " :‬وهو معكم أينما‬
‫كنتم ")‪ (1‬فإن راموا إجراء ذلك على الظاهر حلوا‬
‫عقدة إصرارهم في حمل الستواء على العرش على‬
‫الكون عليه‪ ،‬والتزموا فضائح ل يبوء بها عاقل‪ ،‬وإن‬
‫حملوا قوله‪):‬وهو معكم أينما كنتم( على الحاطة‬
‫بالخفيات فقد تسوغوا التأويل(‪ (2).‬فثبت أن التأويل ل‬
‫بد منه للسلف والخلف وللمتأخرين الذين أنكروه‬
‫وعدوه تعطيل ً وتحريفًا‪ ،‬وإنما ُنسب التأويل إلى‬
‫المعتزلة والشاعرة والماتريدية ومن وافقهم لنهم‬
‫توسعوا فيه‪ ،‬ووضعوا له منهجا ً متكامل ً يقوم على‬
‫أسس واضحة‪ ،‬وعرضوا كثيرا ً من الخبار التي يجري‬
‫فيها التأويل على هذا الساس والمنهج‪.‬‬
‫وباستقراء مواضيع تأويلتهم يتضح لنا المنهج الراسخ‬
‫الذي سلكه الشاعرة في التأويل ويقوم هذا المنهج‬
‫على عدة أسس‪.‬‬
‫ل‪ :‬ل يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إل عند‬ ‫أو ً‬
‫)‪(3‬‬
‫قيام الدليل القاطع على أن ظاهره محال ممتنع‬
‫مثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬قلب‬
‫)‪(4‬‬
‫المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن(‪.‬‬
‫قال الغزالي‪":‬حمله على الظاهر غير ممكن‪...‬إذ لو‬

‫‪ ()1‬الية )‪ (4‬من سورة الحديد‪.‬‬


‫‪ ()2‬الرشاد ‪ .161‬وانظر الصفات الخبرية محمد عياش ‪-89‬‬
‫‪ .306-298 ،92‬وقد ساق في هذه الصفحات عددا ً من‬
‫اليات والحاديث التي اتفقت المة على صرفها عن ظاهرها‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر أساس التقديس‪ ،‬الرازي ‪ .182‬والرشاد‪ ،‬الجويني‬
‫‪ .160‬وشرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري ‪.153‬‬
‫‪ ()4‬سيأتي تخريجه موسعًا‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيها أصابع فَعُل ِ َ‬
‫م‬
‫أنها كناية عن القدرة التي هي سر الصابع‪ ،‬وكّني‬
‫بالصابع عن القدرة لن ذلك أعظم وقعا ً في تفهم‬
‫)‪(1‬‬
‫تمام القتدار"‪.‬‬
‫أما إذا كان إجراؤه على الظاهر غير محال فل يجوز‬
‫تأويله‪ ،‬ولذلك أنكر الغزالي على المعتزلة أهم أولوا‬
‫ما ورد من الخبار في أحوال الخرة كالميزان‬
‫والصراط وغيرهما وقال‪ " :‬هو بدعة‪ ،‬إذ لم ينقل ذلك‬
‫بطريق الرواية‪ ،‬وإجراؤه على الظاهر غير محال‬
‫)‪(2‬‬
‫فيجب إجراؤه على الظاهر "‬
‫ووجه جواز التأويل في النصوص التي يعارض ظاهرها‬
‫الدليل القاطع أن دللة النص ظنية‪،‬تحتمل وجهين أو‬
‫اكثر‪ ،‬فيجب القطع بصرف اللفظ عن الحتمال‬
‫ن الوجه الذي يصح‬ ‫المعارض للدليل القاطع‪ ،‬ثم ي ُب َي ّ ْ‬
‫حمل اللفظ عليه‪ ،‬لنه يحتمله ولمانع من حمله عليه‬
‫)‪(3‬‬

‫ثانيًا‪ :‬من العقائد الثابتة بالدليل القاطع أن الله عّز‬


‫ل ليس في جهة أو حيز ل يجوز عليه التركيب‬ ‫وج ً‬
‫)‪(4‬‬
‫ولالتجسيم ولالتشبيه ولتقوم به الحوادث ‪ ،‬فإذا‬
‫وردت الظواهر الظنية معارضة لهذه العقائد وجب‬
‫الخذ بالنص الشرعي ما أمكن فتؤول الظواهر إما‬
‫لويفوض تفصيلها إلى لله‪،‬وإما تفصيل ً بتعيين‬ ‫اجما ً‬

‫‪ ()1‬انظر قواعد العقائد‪ ،‬مع إحياء علوم الدين ‪ 1/102‬طبعة‬


‫دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ ()2‬المصدر السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪ .‬وانظر القتصاد في‬
‫العتقاد ‪.18‬وشرح الجوهرة‪ ،‬اللقاني ‪ .131‬ودراسات في‬
‫الفرق والعقائد‪ ،‬د‪ -‬عرفان ‪.208‬‬
‫‪ ()3‬انظر الرشاد‪ ،‬الجويني ‪ .160‬والمواقف‪ ،‬اليجي ‪-272‬‬
‫‪ .273‬وشرح المقاصد‪ ،‬التفتازاني ‪.4/50‬‬
‫‪ ()4‬انظر بسط ذلك في التمهيد‪ ،‬النسفي ‪ .18-6‬والقتصاد‪،‬‬
‫الغزالي ‪ .35-28‬والساس في التقديس ‪.45-15‬‬

‫‪231‬‬
‫)‪(1‬‬
‫المراد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يشترط لصحة التأويل أن يكون موافقا ً لوضع‬
‫اللغة وعرف الستعمال جاريا ً على ما يقتضيه لسان‬
‫)‪(2‬‬
‫العرب وتفهمه في خطاباتها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬التأويل‪ :‬بيان المعنى الذي يظن المؤول أنه‬
‫المراد‪ ،‬لن اللفظ قد يحتمل أكثر من معنى يصح‬
‫صرفه إليه )‪(3‬مثال ذلك تأويل إمام الحرمين قوله عّز‬
‫ل‪) :‬الرحمن على العرش استوى()‪ (4‬قال‪) :‬ل يمتنع‬ ‫وج ّ‬
‫منا حمل الستواء على القهر والغلبة‪ ،‬وذلك شائع في‬
‫اللغة‪ ...‬ول يبعد حمل الستواء على قصد الله إلى‬
‫أمر في العرش‪ ،‬وهذا تأويل سفيان الثوري رحمه الله‬
‫فاستشهد بقوله تعالى‪) :‬ثم استوى إلى السماء وهي‬
‫دخان()‪ (5‬معناه قصد إليها()‪ (6‬وهذا معنى قولهم‪" :‬‬
‫التأويل ظني " ويترتب على هذا أن إبطال وجه من‬
‫وجوه تأويل اللفظ ل يدل على إبطال التأويل بالكلية‪،‬‬
‫)‪(7‬‬
‫لنه قد يصح تأويله على وجه آخر‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬يشترط لصحة التأويل أن ل يخالف أصل ً ثابتا‪ً.‬‬
‫)‪(8‬‬

‫‪ ()1‬انظر المواقف‪ ،‬اليجي ‪ .27‬وشرح المقاصد‪ ،‬التفتازاني‬


‫‪.4/50‬‬
‫‪ ()2‬انظر فيصل التفرقة بين السلم والزندقة‪،‬ضمن‬
‫مجموعة الجواهر الغوالي من رسائل الغزالي ‪.199‬طبعة‬
‫منير‪-‬بغداد ‪ .1990‬وشرح الفقه الكبر‪ ،‬القاري ‪ .34‬والتأويل‬
‫اللغوي في القرآن الكريم‪ ،‬حسين حامد الصالح ‪ 61‬رسالة‬
‫دكتوراه ‪ -‬جامعة بغداد ‪.1995‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح الجوهرة‪ ،‬الباجوري ‪ .149‬وشرح الجوهرة‪،‬‬
‫اللقاني ‪.128‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (5‬من سورة طه‬
‫‪ ()5‬الية )‪ (11‬من سورة فصلت‪.‬‬
‫‪ ()6‬انظر الرشاد ‪.41‬‬
‫‪ ()7‬انظر تعليق الكوثري على الختلف في الفظ ‪.26‬‬
‫‪ ()8‬انظر البرهان‪ ،‬الجويني ‪.1/536‬وفيصل التفرقة‪،‬الغزالي‬

‫‪232‬‬
‫ومن هذا التأويل المخالف‪ ،‬تأويل ابن قتيبة رحمه الله‬
‫الستواء بالستقرار‪ ،‬قال‪):‬وقالوا في قوله‪) :‬الرحمن‬
‫على العرش استوى( أنه استولى‪ ،‬وليس يعرف في‬
‫اللغة استويت على الدار‪ ،‬أي استوليت عليها‪ ،‬وانما‬
‫)‪(1‬‬
‫استوى في هذا المكان‪ :‬استقر(‪.‬‬
‫ً‬
‫ول يخفى أن في الستقرار تشبيها بالمخلوق‪،‬‬
‫ل ومثل هذا التأويل غير‬ ‫ومفارقة لتنزيه الباري عّز وج ّ‬
‫ً )‪(2‬‬
‫مقبول لنه يخالف أصل ً ثابتا‪.‬‬
‫وبعد ذكر هذه السس التي يقوم عليها التأويل عند‬
‫الشاعرة لبد من التنبيه إلى أمور خمسة‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن كل المذهبين ‪ -‬التفويض والتأويل ‪ -‬يقودان‬
‫لل‬ ‫إلى غاية واحدة‪ ،‬لن الثمرة فيهما أن الله عّز وج ّ‬
‫يشبهه شيء من مخلوقاته‪ ،‬وانه منزه عن جميع‬
‫النقائض‪ ،‬متصف بصفات الكمال‪.‬‬
‫والذي يبدو ‪ -‬والله اعلم ‪ -‬أن المسلك الذي ارتضاه‬
‫ابن تيمية رحمه الله أقل حكمة وسلمة من مسلكي‬
‫لل‬‫التأويل والتفويض‪ ،‬لن إثبات صفة لله عّز وج ّ‬
‫يجوز أن يكون بدليل ظني يحتمل الوصفية كما‬
‫يحتمل غيرها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التفويض هو اعتقاد السلف والخلف‪ ،‬والتأويل‬
‫الوارد عن الخلف ضرورة فكرية اضطروا إليها لرفع‬
‫الوسوسة والشكوك عن العوام‪ ،‬والتصدي لرد‬
‫مذاهب المبتدعة‪ ،‬وتوضيح العقائد السلمية‪.‬‬
‫ومما يساعد على تصوير ذلك أن المام الخطابي‬
‫رحمه الله ذكر الحاديث التي ذكر فيها القدم والرجل‬
‫وغيرها‪ ،‬وذكر أن مذهب السلف فيها التفويض ثم‬
‫قال‪":‬ونحن أحرى بأن ل نتقدم فيما تأخر عنه من هو‬
‫‪.191-198‬والتأويل اللغوي في القرآن الكريم‪،‬حسين الصالح‬
‫‪.63‬‬
‫‪ ()1‬الختلف في اللفظ ‪.337‬‬
‫‪ ()2‬انظر تعليق الكوثري عليه ‪.37‬‬

‫‪233‬‬
‫أكثر علما وأقدم زمانا ً وسنًا‪ ،‬ولكن الزمان الذي نحن‬
‫فيه قد صار أهله حزبين‪ :‬منكر لما ُيروى من نوع هذه‬
‫ل‪ ،‬ومسّلم للرواية فيها ذاهب‬ ‫الحاديث ومكذب به أص ً‬
‫في تحقيق الظاهر مذهبا ً يكاد يفضي إلى القول‬
‫بالتشبيه‪ ،‬ونحن نرغب عن المرين معًا‪ ،‬ونطلب لما‬
‫يرد من هذه الحاديث إذا صحت من طريق النقل‬
‫والسند تأويل ً ُيخّرج على معاني أصول الدين ومذاهب‬
‫)‪(1‬‬
‫العلماء‪.(...‬‬
‫وفي هذا دليل على أن التأويل في حقهم ضرورة‬
‫قدِرها‪ ،‬والتفويض مسلكهم‬ ‫اضطروا إليها وقَ ّ‬
‫دروها ب َ‬
‫واختيارهم فإذا احتاجوا لرد مذهب المبتدع أو تثبيت‬
‫خّرجوا لهذه النصوص تأويلت موافقة‬ ‫عقيدة الضعفاء َ‬
‫للدلة العقلية وقواعد اللغة العربية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تفويض العلم بالخبر وتأويله وجه من وجوه‬
‫الحتجاج به‪ ،‬ونجد في عبارات العلماء التصريح بأن‬
‫التفويض أو التأويل رتبة بين تكذيب الخبر‪ ،‬وإثبات‬
‫الصفات به‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالمام الخطابي يجعل الـتأويل موقفا وسطا بين‬
‫)‪(2‬‬
‫إنكار صحة الرواية والتسليم بظاهرها‬
‫ويقول إمام الحرمين‪ " :‬وأما الحاديث التي يتمسكون‬
‫بها فآحاد ل تفضي إلى العلم‪ ،‬ولو اضربنا عن جميعها‬
‫لكان سائغًا‪ ،‬ولكنا نومئ إلى تأويل ما دون منها في‬
‫)‪(3‬‬
‫الصحاح(‬
‫التفريق في هذه المسألة بين المتواتر والحادي‬
‫تبين مما سبق أن المتشابه يلحقه الظن والخفاء في‬
‫دللته فإذا لحقه الظن في نقله بنقل الحاد دون‬
‫التواتر فقد توارد عليه ظنان يوجب التفريق بينه وبينه‬
‫المتواتر مما تشابه من نصوص الكتاب والسنة‪ .‬وقد‬
‫‪ ()1‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪.444-443‬‬
‫‪ ()2‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪.443‬‬
‫‪ ()3‬الرشاد ‪ 161‬وانظر نحوه المواقف ‪.272‬‬

‫‪234‬‬
‫جعل بعض الشاعرة ذلك موجبا للتفريق بين‬
‫الموضعين‪.‬‬
‫فالمام الباقلني لم يثبت من الصفات الخبرية إل ما‬
‫ورد في الخبر المتواتر‪ ،‬كالوجه واليدين بقوله تعالى‪:‬‬
‫)ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام( )‪ (1‬وقوله‪):‬ما‬
‫)‪(2‬‬
‫منعك أن تسجد لما خلقت بيدي(‬
‫أما الخطابي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬فقد فّرق بين الصفات‬
‫الخبرية الثابتة بالمتواتر والثابتة بالحاد فسلك في‬
‫الولى مسلك التفويض‪ ،‬وفي الثانية مسلك التأويل‪،‬‬
‫فيقول‪ " :‬والصل أن كل صفة جاء بها الكتاب أو‬
‫صحت بأخبار التواتر‪ ...‬فإنا نقول بها ونجريها على‬
‫ظاهرها من غير تكييف‪ ...‬وماكان مجيئه من طريق‬
‫الحاد وأفضى بنا القول إذا أجريناه على ظاهره إلى‬
‫التشبيه فنتأوله على معنى يحتمله ويزول منه معنى‬
‫التشبيه( )‪ (3‬وتبعه المام البيهقي‪ ،‬ويظهر ذلك واضحا ً‬
‫من عناوينه في السماء والصفات‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬باب ما جاء في إثبات العين وفي إثبات‬
‫اليدين‪ ،‬ويقول في ما كان ثبوته بخبر الحاد‪ :‬باب ما‬
‫ذكر في الصابع‪ ،‬باب ما جاء في الضحك‪...‬‬
‫ويسير البيهقي على خطى المام الخطابي في تأويل‬
‫ما ورد بالحادي وتفويض ما ثبت بالمتواتر من‬
‫)‪(4‬‬
‫الصفات الخبرية‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا المنهج هو الذي أراه مناسبا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬لن‬
‫إثبات الصفات ل ينبغي أن يكون بخبر لحقه الظن في‬
‫ثبوته ودللته‪ ،‬وخاصة إذا كان ظاهره مما يوهم‬

‫‪ ()1‬الية )‪ (27‬من سورة الرحمن‪.‬‬


‫‪ ()2‬الية )‪ (75‬من سورة ص‬
‫الية )‪ (75‬من سورة ص‬
‫‪ ()3‬انظر السماء والصفات‪ ،‬البيهقي ‪ .446‬وانظر التمهيد‪،‬‬
‫الباقلني ‪.258‬‬
‫‪ ()4‬انظر البيهقي وموقفه من اللهيات‪ ،‬الغامدي ‪.268‬‬

‫‪235‬‬
‫التشبيه والتجسيم فل حرج في تأويله بل الحرج في‬
‫إثبات صفة لله عز وجل زائدة على الذات‪ ،‬فما يؤمننا‬
‫أن يكون المراد من الخبر ما يذكره أهل التأويل دون‬
‫الوصفية‪ ،‬إذ الخبر يحتمل الوصف ويحتمل غيره‪ ،‬ومع‬
‫هذا الحتمال يجوز أن يقع وصفنا لله عز وجل بصفة‬
‫لم يصف بها نفسه‪ ،‬ول وصفه بها رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أما التفويض فيما ثبت بخبر متواتر فهو السلم‪،‬وهو‬
‫ما يعتقده الشاعرة كما سبق ول يكون التأويل إل‬
‫لضرورة‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫المسألة الولى‪:‬ما جاء في تفسير الستواء‬
‫بالجلوس‬
‫أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن خارجة بن‬
‫مصعب أنه قال‪):‬الجهمية كفار بلغوا نساءهم أنهن‬
‫طوالق وأنهن ل يحللن لزواجهن لتعودوا مرضاهم‬
‫ول تشهدوا جنائزهم‪ ،‬ثم تل "طه* ما أنزلنا عليك‬
‫القرآن لتشقى* إل تذكرة لمن يخشى* تنزيل ً ممن‬
‫خلق الرض والسموات العلى* الرحمن على‬
‫العرش استوى")‪ (1‬وهل يكون الستواء إل‬
‫)‪(2‬‬
‫بجلوس(‬
‫وقد ذكر المحقق ما ل يوافق عليه فقال‪) :‬أما‬
‫القول بأن الستواء ل يكون إل بجلوس فليس هذا‬
‫من مذهب السلف بل مذهب السلف بخلفه‪ ..‬ومن‬
‫هنا نقول إن هذه العبارة أقرب إلى التجسيم‬
‫وتشبيه الخالق بالمخلوق()‪ (3‬فيلحظ تردده إذ حكم‬
‫بأنه أقرب إلى التجسيم وسوف نرى تناقض‬
‫المحقق في موضع آخر من نفس الكتاب‪.‬‬
‫و أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عبدالله بن‬
‫خليفة عن عمر رضي الله عنه قال‪) :‬إذا جلس‬
‫تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط‬
‫)‪(4‬‬
‫كأطيط الرحل الجديد(‬
‫‪1‬‬
‫)( الية )‪ (5-1‬من سورة طه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السنة ‪ .(10)1/106‬وانظر الحتجاج بهذا القول في الصواعق المرسلة‬

‫لبن القيم ‪ 4/1303‬واجتماع الجيوش له أيضا ً ‪ .144‬والتحفة المدنية في‬

‫العقيدة السلفية لحمد بن ناصر آل معمر ‪.82‬ولم يذكر الجلوس‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫)( هامش السنة ‪1/106‬‬
‫‪4‬‬
‫)( السنة ‪ (584)1/300‬و ‪ (585)1/302‬و ‪ (1019)2/454‬وأخرجه بهذا اللفظ البزار في‬
‫مسنده ‪ (325)1/457‬والدارقطني في الصفات ‪.(35)1/29‬‬

‫‪237‬‬
‫وقال‪):‬حدثني أبي أنبأنا وكيع بحديث إسرائيل عن‬
‫أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي‬
‫الله عنه قال إذا جلس الرب عز وجل على‬
‫الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع‬
‫فغضب وكيع وقال أدركنا العمش وسفيان‬
‫)‪(1‬‬
‫يحدثون بهذه الحاديث ل ينكرونها(‬
‫وقال المحقق تعليقا ً على هذا الخير‪) :‬نعم‬
‫السلف ل ينكرون ذلك لن الله "ليس كمثله‬
‫شيء وهو السميع البصير" أما المبتدعة وأصحاب‬
‫الكلم الذين ل يتخيلون في صفات الله إل ما يليق‬
‫بالبشر ثم يهربون إلى التأويل لهذا الخاطر(‬
‫وهذا تهافت وتناقض فلم يصح عن واحد من السلف‬
‫تأويل الستواء بالجلوس‪ ،‬وليس الجلوس من‬

‫وقال ابن كثير في تفسيره ‪)1/311‬وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا زهير حدثنا‬
‫ابن أبي بكير حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد ال بن خليفة عن عمر رضي ال عنه قال‬
‫أتت امرأة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت ادع ال أن يدخلني الجنة قال فعظم الرب‬
‫تبارك وتعالى وقال إن كرسيه وسع السموات والرض وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد من‬
‫ثقله وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور =‬
‫=وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما والطبراني وابن أبي عاصم‪-‬‬
‫‪ - (574)1/252‬في كتابي السنة لهما والحافظ الضياء في كتابه الحاديث‬

‫المختارة ‪- 1/264-‬من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله بن خليفة‬

‫وليس بذاك المشهور وفي سماعه من عمر نظر ثم منهم من يرويه عنه‬

‫موقوفا ومنهم من يرويه عنه مرسل ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة‬

‫ومنهم من يحذفها( وقال الذهبي في ميزان العتدال ‪) 4/89‬عبد الله بن‬


‫خليفة الهمذاني ل يكاد يعرف(‬
‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (587)1/301‬وانظر الستشهاد به في العلو للعلي الغفار‬
‫‪ 1/158‬ومعارج القبول للحكمي ‪1/189‬‬

‫‪238‬‬
‫صفات الله ول مما يليق به‪ .‬وما أقرب إنكار‬
‫المحقق لتفسير الستواء بالجلوس في صدر هذا‬
‫الكتاب‪ .‬وإذا كان هذا الكتاب مصدرا ً من مصادر‬
‫ح النسبة إلى عبد الله بن أحمد‬ ‫عقيدة السلف صحي َ‬
‫وكان مؤلفه موثقا ً في نقله مشهودا له بصحة‬
‫ً‬
‫العتقاد والعدالة الحديثية فكيف استجازوا مع ذلك‬
‫إنكار ما خرجه تحت عنوان )سئل عما روي في‬
‫الكرسي وجلوس الرب عزوجل عليه ورأيت‬
‫أبي رحمه الله يصحح هذه الحاديث أحاديث‬
‫الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا‬
‫بها()‪ .(1‬فهذا نص في إثبات الجلوس على العرش‬
‫عن المام أحمد‪ .‬ول شك بموافقة ابنه له على‬
‫مقتضى هذه الرواية فكيف يعقل أن يحكم المحقق‬
‫على إثبات الجلوس بأنه أقرب إلى التجسيم ثم‬
‫يسكت على إثباته عن إمامه وعن المؤلف الذي‬
‫شهد له بالسلفية والعدالة في كتابه الذي أوجب أن‬
‫يكون في الصدارة من مؤلفات المسلمين؟! ج ّ‬
‫ل‬
‫مقدار المام أحمد عن النطق بما لم يخف حتى‬
‫على هذا المحقق أنه أقرب إلى التجسيم‪.‬‬
‫وأثبت الدارمي الجلوس فقال‪):‬الحي القيوم‬
‫يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط‬
‫ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم‬
‫)‪(2‬‬
‫ويجلس إذا شاء(‬
‫ونجد ابن عثيمين رحمه الله مترددا ً في الجلوس‬
‫فيقول‪) :‬أما تفسير استواء الله تعالى على‬
‫العرش باستقراره عليه فهو مشهور عن‬
‫السلف‪ ..‬وأما الجلوس والقعود فقد ذكره‬

‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪1/300‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪1/215‬‬

‫‪239‬‬
‫بعضهم ولكن في نفسي منه شيء()‪ .(1‬وهذا‬
‫تردد عجيب فمن جزم بالستقرار مالذي يمنعه من‬
‫القول بالجلوس؟ أما ما ذكره من الورود عن‬
‫السلف فل ينفع أيضا ً لن حال أسانيده ليس أحسن‬
‫من حال ما جاء في الجلوس‪.‬‬
‫ورد ّ سليمان بن سحمان رحمه الله على من‬
‫نسب إثبات الجلوس إلى محمد بن عبد الوهاب‬
‫فيقول‪) :‬قد جاء الخبر بذلك عن أمير‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب الذي ضرب الله‬
‫الحق على لسانه كما رواه المام عبد الله بن‬
‫المام أحمد في كتابه السنة له‪ ..‬وهذا الحديث‬
‫)‪(2‬‬
‫صححه جماعة من المحدثين(‬
‫وأخرجه عبد الله تحت نفس العنوان‬
‫السابق بلفظ آخرعن عبد الله بن خليفة قال جاءت‬
‫إمرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ادع‬
‫ظم الرب عزوجل‬ ‫الله أن يدخلني الجنة قال فع ّ‬
‫وقال وسع كرسيه السموات والرض إنه ليقعد‬
‫عليه جل وعز فما يفضل منه إل قيد أربعة‬
‫)‪(3‬‬
‫أصابع وإن له أطيطا ً كأطيط الرحل إذا ركب(‬
‫وأخرجه الدارمي عنه بلفظ فيه زيادة قال في‬
‫آخره‪) :‬وإن له أطيطا ً كأطيط الرحل الجديد إذا‬
‫ركبه من يثقله()‪ (4‬وقال‪) :‬فهاك أيها المريسي‬

‫‪1‬‬
‫)( مجموع فتاويه ورسائله ‪1/196‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الضياء الشارق في رد شبهات المازق المارق ‪79‬‬
‫‪3‬‬
‫)( السنة ‪(593)1/305‬‬
‫‪4‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪.428-1/425‬وأخرجه الطبري في تفسيره ‪11-3/9‬وابن خزيمة في‬
‫التوحيد ‪106‬وتبرأ من الحتجاج به لنقطاعه‪ .‬وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪(193)2/548‬‬
‫‪ (260)2/650‬والدارقطني في لصفات ‪.(5)1/29‬‬

‫‪240‬‬
‫خذها مشهورة مأثورة فصرها وضعها بجنب تأويلك‬
‫)‪(1‬‬
‫الذي خالفت فيه أمة محمد(‬
‫وفي كتاب السنة للخلل أن تلك الفضلة هي‬
‫مجلس النبي صلى الله عليه وسلم الذي ُيجلسه‬
‫)‪(2‬‬
‫الله فيه معه يوم القيامة‬
‫وجنح مرعي بن يوسف الحنبلي بعيدا عن‬
‫الصواب والحق بقوله‪...) :‬فقال الحنابلة أما هذا‬
‫الحديث فنحن لم نقله من عند أنفسنا فقد رواه‬
‫عامة أئمة الحديث في كتبهم التي قصدوا فيها نقل‬
‫الخبار الصحيحة وتكلموا على توثقة رجاله وتصحيح‬
‫طرقه ورواه من الئمة جماعة أحدهم إمامنا أحمد‬
‫وأبو بكر الخلل صاحبه وابن بطة والدارقطني في‬
‫كتاب الصفات الذي جمعه وضبط طرقه وحفظ‬
‫عدالة رواته وهو حديث ثابت ل سبيل إلى‬
‫دفعه ورده إل بطريق العناد والمكابرة‪،‬‬
‫والتأويل يمكن فإنه قد يطلق الفضل والمراد به‬
‫الخروج عن حد الوصف والختصاص‪ ..‬فيقال فما‬
‫خرج عن الختصاص بوصف الستواء إل هذا‬
‫المقدار وله تعالى أن يخص ما يشاء منه بوصف‬
‫)‪(3‬‬
‫الختصاص دون ما شاء والله أعلم(‬
‫ومما استدلوا به أيضًا‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪.1/428‬‬
‫وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية ‪)1/20‬هذا حديث ل يصح عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم واسناده مضطرب جدا وعبدال بن خليفه ليس من الصحابة فيكون الحديث الول مرسل‬
‫وابن الحكم وعثمان ل يعرفان وتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وتارة يقفه على عمر وتارة يوقف على بن خليفة وتارة يأتي فما يفضل منه إل قدر اربعه‬
‫اصابع وتارة يأتي فما يفضل منه مقدار اربعة اصابع وكل هذا تخليط من الرواة فل يعول عليه(‬
‫‪2‬‬
‫)( كتاب السنة للخلل ‪.1/220‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أقاويل الثقات ‪119‬‬

‫‪241‬‬
‫ما أخرجه عثمان بن سعيد بسنده عن محمد بن‬
‫إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد‬
‫بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪):‬إن الله فوق‬
‫عرشه فوق سمواته فوق أرضه مثل القبة‬
‫وأشار النبي مثل القبة وإنه ليئط به أطيط‬
‫)‪(1‬‬
‫الرحل بالراكب(‬
‫وقال‪) :‬وهذا أيها المعارض ناقض لتأويلك أن‬
‫العرش إنما هو أعلى الخلق ‪ -‬يعني السموات فما‬
‫دونها من السقوف والعرش وأعالي الخلئق ‪-‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ورسول الله يقول إنه فوق السموات العلى(‬
‫وهذا حديث مضطرب السناد منكر المتن فل يضاف‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وهذا الذي ذكره‬
‫الدارمي نص في العلو الحسي أثبته بهذا الخبر‬
‫الواهي‪ ،‬وكذلك خرجه من خرجه في السنة‪ .‬وجعله‬
‫ابن خزيمة مفسرا ً وشاهدا ً في تفسير قول الله‬
‫تعالى "الرحمن على العرش استوى")‪ (3‬وأنكر ابن‬
‫تيمية على من رده واستشهد له بشواهد من جنسه‬

‫‪1‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪ 468‬و ‪ .518‬وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة ‪.(575)1/252‬‬
‫وقال اللباني‪):‬إسناده ضعيف ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس ومثله ل يحتج به إل إذا صرح‬
‫بالتحديث وهذا ما لم يفعله في ما وقفت عليه من الطرق إليه‪ (.‬والحق أنه ل يحتج به في هذا‬
‫المطلب حتى لو صرح بالتحديث‪.‬وابن اسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازى‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود في السنن ‪ (4726)4/232‬وابن خزيمة في كتاب التوحيد ‪ ،101‬والطبراني في‬
‫المعجم الكبير ‪ (1547)2/128‬والجري في الشريعة ‪3/1091‬وأبو الشيخ في العظمة ‪)2/556‬‬
‫‪ (198‬والدارقطني في الصفات ‪ (38) 1/31‬وابن مندة في الرد على الجهمية ‪ (71)1/49‬وفي‬
‫التوحيد ‪ ،3/188‬وابن أبي شيبة في كتاب العرش ‪ 57‬والبيهقي في السماء والصفات وضعفه‬
‫‪.528‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪468‬‬

‫‪242‬‬
‫سندا ً ومتنا ً فقال‪...):‬وهذا الحديث قد يطعن‬
‫فيه بعض المشتغلين بالحديث انتصارا ً‬
‫للجهمية وإن كان ل يفقه حقيقة قولهم‬
‫وما فيه من التعطيل أو استبشاعا ً لما فيه من‬
‫)‪(1‬‬
‫ذكر الطيط‪(...‬‬
‫أما ابن القيم فقد نظمه في نونيته فقال‪:‬‬
‫)الله فوق العرش فوق سمائه*****سبحان ذي‬
‫الملكوت والسلطان‬
‫ولعرشه منه أطيط مثل ما*****قد أط رحل‬
‫)‪(2‬‬
‫الراكب العجلن(‬

‫ومما استدلوا به أيضًا‪:‬‬


‫ما أخرجه عثمان الدارمي بسنده عن عطاء بن‬
‫يسار قال‪) :‬أتى رجل كعبا ً وهو في نفر فقال يا أبا‬
‫إسحاق حدثني عن الجبار فأعظم القوم قوله فقال‬
‫كعب دعوا الرجل فإن كان جاهل ً تعلم وإن كان‬
‫عالما ً ازداد علما ثم قال كعب أخبرك أن الله خلق‬
‫سبع سموات ومن الرض مثلهن ثم جعل ما بين كل‬
‫سماءين كما بين السماء الدنيا والرض وكثفهن مثل‬
‫ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في‬
‫السموات سماء إل لها أطيط كأطيط الرحل‬
‫العلفي أول ما يرتحل من ثقل الجبار‬
‫)‪(3‬‬
‫فوقهن(‬

‫‪3‬‬
‫)( لنه أخرجه في كتابه التوحيد ‪ 101‬تحت باب "ذكر استواء خالقنا‬
‫العلي العلى"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( بيان تلبيس الجهمية ‪ 1/570‬وانظر نحوه في مجموع الفتاوى ‪16/435‬‬
‫‪2‬‬
‫)( شرح قصيدة ابن القيم ‪ 1/522‬وانظر اجتماع الجيوش ‪ 50‬وشرح العقيدة الطحاوية لبن أبي‬
‫العز ‪،316‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الرد على الجهمية ‪ (88) 1/59‬وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪(234)2/611‬‬

‫‪243‬‬
‫واضطرب المثبتون في هذا الخبر أيضا ً فبعد أن‬
‫أخرجه الدارمي في السنة احتج به ابن القيم)‪.(1‬‬
‫واستنكر الذهبي لفظة من ألفاظه فذكر الخبر من‬
‫أوله إلى أن قال‪..) :‬كأطيط الرحل أول ما يرتحل‬
‫)‪(2‬‬
‫وذكر كلمة منكرة ل تسوغ لنا والسناد نظيف‪(..‬‬
‫أما ابن تيمية رحمه الله فلم يستنكر هذه اللفظة‬
‫بل زعم أن هذا الجزء من الخبر لو كان منكرا ً في‬
‫دث به الئمة على هذا‬ ‫دين السلم عندهم لم يح ّ‬
‫الوجه‪ .‬وزعم أن الخبر يحتمل أن يكون مما تلقاه‬
‫كعب عن الصحابة‪ .‬وأن هذه الرواية من روايات‬
‫أهل الكتاب التي ليس عندنا ما يكذبها‪ .‬واستشهد له‬
‫بتوالف وظلمات بعضها فوق بعض فقال رحمه الله‪:‬‬
‫)وهذا الثر وإن كان هو رواية كعب فيحتمل أن‬
‫يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون‬
‫مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي‬
‫ليس عندنا شاهد هو ل يدافعها ول يصدقها ول‬
‫يكذبها‪ .‬فهؤلء الئمة المذكورون في إسناده هم من‬
‫أجل الئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما‬
‫فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا‬
‫القول منكرا ً في دين السلم عندهم لم‬
‫يحدثوا به على هذا الوجه‪ .‬وقد ذكر ذلك‬
‫القاضي أبو يعلى فيما خرجه من أحاديث الصفات(‬
‫ثم استشهد له بخبر خالد بن معدان وعبد الله بن‬
‫مسعود في الثقل على العرش‪.‬وما جاء في تفسير‬
‫)‪(3‬‬
‫تفطر السموات‬

‫‪1‬‬
‫)( اجتماع الجيوش السلمية ‪68‬و ‪ 163‬وانظر معارج القبول للحكمي‬
‫‪.1/180‬‬
‫‪2‬‬
‫)( العلو للعلي الغفار ‪1/121‬‬
‫‪3‬‬
‫)( بيان تلبيس الجهمية ‪573- 1/570‬‬

‫‪244‬‬
‫ومما استدلوا به أيضًا‪:‬‬
‫ماأخرجه ابن أبي شيبة بسنده عن خصيف عن‬
‫عكرمة عن ابن عباس في قوله "تكاد السموات‬
‫يتفطرن من فوقهن ")‪ (1‬قال‪):‬ممن فوقهن من‬
‫)‪(2‬‬
‫الثقل(‬
‫وأخرجه من طريق آخر عن خصيف بلفظ )"‬
‫)‪(3‬‬
‫السماء منفطر به" قال بالله عز وجل(‬
‫وأخرجه الطبري بسنده عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما قال‪):‬يعني من ثقل الرحمن وعظمته‬
‫)‪(4‬‬
‫تبارك وتعالى(‬

‫‪1‬‬
‫)( الية )‪ (5‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كتاب العرش ‪ 58‬وخصيف بن عبد الرحمن الجزرى ‪ 137‬هـ قال الحافظ فى تهذيب التهذيب‬
‫‪) :3/144‬قال ابن المدينى‪ :‬كان يحيى بن سعيد يضعفه‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬تركه جماعة من أئمتنا‪،‬‬
‫واحتج به آخرون(‪.‬‬
‫وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪ (236)2/614‬والحاكم في المستدرك ‪.(3653)2/480‬‬
‫‪3‬‬
‫)( كتاب العرش ‪ 59‬من طريق يحيى بن يمان عن شريك عن خصيف‪.‬‬
‫ويحيى بن يمان هو أبو زكريا الكوفى ‪ 189‬هـ قال المزي في تهذيب الكمال ‪)32/57‬قال حنبل بن‬
‫إسحاق عن أحمد بن حنبل ليس بحجة( أما شريك فهو شريك بن عبد ال النخعى ‪ 177‬هـ وهو‬
‫صدوق يخطىء كثيرا انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.4/336‬‬
‫وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪ (235)2/613‬بلفظ )ممن فوقهن يعني الرب تبارك وتعالى( في‬
‫سنده إلى خصيف أبو أسامة يرويه عن شريك وأبو أسامة هو حماد بن أسامة الكوفى ‪ 201‬هـ‬
‫ثقة ثبت ربما دلس‪ ،‬وكان بأخرة يحدث من كتب غيره انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.3/3‬‬
‫وأخرجه بسند فيه جابر الجعفى عن عكرمة عن ابن عباس قال‪) :‬ممتلئة به( كتاب العرش ‪.60‬‬
‫وجابر بن يزيد الجعفى ‪ 127‬هـ ضعيف انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.2/48‬‬
‫‪4‬‬
‫)( تفسير الطبري ‪ 25/7‬قال‪) :‬حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن‬
‫أبيه عن ابن عباس(‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫وهذه أسانيد ضعيفة‪ .‬والذي ذهب إليه جمهور‬
‫المفسرين أن الضمير في الية الكريمة يعود على‬
‫)‪(1‬‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫ومع ذلك احتج بها ابن القيم وغيره‪ ،‬ونظمها ابن‬
‫القيم في قصيدته النونية فقال‪:‬‬
‫)وبسورة الشورى وفي مزمل****سر‬
‫عظيم شأنه ذو شان‬
‫في ذكر تفطير السماء فمن يرد****علما ً‬
‫به فهو القريب الداني‬
‫لم يسمح المتأخرون بنقله****جنبا ً وضعفا ً‬
‫عنه في اليمان‬
‫بل قاله المتقدمون فوارس****السلم هم‬
‫أمراء هذا الشان‬

‫ومحمد بن سعد هو بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي‪ ..‬قال الخطيب كان لينًا في الحديث(‬
‫انظر ترجمته في ميزان العتدال ‪ ،6/162‬يرويه عن أبيه عن عمه وهو الحسين بن الحسن‬
‫العوفي قال الذهبي في ميزان العتدال ‪) 2/286‬ضعفه يحيى بن معين وغيره‪ ..‬روى عنه ابنه‬
‫الحسن وابن أخيه سعد بن محمد(‬
‫يرويه عن الحسن بن عطية )والد الحسين ومحمد( ‪ 181‬هـ وهو ضعيف انظر ترجمته فى‬
‫تهذيب التهذيب ‪ .2/294‬ويرويه الحسن عن أبيه عطية بن سعد أبوالحسن العوفى ‪ 111‬هـ وهو‬
‫ضعيف انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .7/225‬وانظر احتجاج ابن القيم به في اجتماع‬
‫الجيوش ‪.158‬‬
‫‪1‬‬
‫)( قال ابن كثير في التفسير ‪)4/439‬قوله تعالى "السماء منفطر به" قال‬

‫الحسن وقتادة أي بسببه من شدته وهوله ومنهم من يعيد الضمير على‬


‫الله تعالى وروي عن ابن عباس ومجاهد وليس بقوي لنه لم يجر له ذكر‬

‫ههنا( وانظر التبيان في تفسير غريب القرآن لبن قتيبة ‪ 1/433‬وفتح‬


‫الباري لبن حجر ‪ .8/675‬والدر المنثور للسيوطي ‪8/321‬‬

‫‪246‬‬
‫ومحمد بن جرير الطبري في**** تفسيره حكى به‬
‫)‪(2‬‬
‫القولن(‬
‫ومما استدلوا به أيضًا‪:‬‬
‫ما أخرجه عثمان بن سعيد بسنده عن ابن مسعود‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪):‬إن ربكم ليس عنده ليل ول‬
‫نهار‪ ،‬نور السموات من نور وجهه‪ ،‬وإن مقدار كل‬
‫يوم من أيامكم عنده ثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه‬
‫أعمالكم بالمس أول النهار فينظر فيها ثلث‬
‫ساعات فيطلع فيها على ما يكره فيغيظه ذلك‬
‫فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون‬
‫العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين‬
‫يحملون العرش وسرادقات العرش والملئكة‬
‫)‪(2‬‬
‫المقربون…(‬

‫‪2‬‬
‫)( انظر شرح قصيدة ابن القيم ‪.1/513‬واجتماع الجيوش ‪ 121‬ومعارج القبول ‪2/790‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقض المام عثمان بن سعيد ‪ 476-1/475‬وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ‪)9/179‬‬
‫‪ (8886‬وهو عندهما من طريقين عن حماد ابن سلمة عن الزبير أبي عبد السلم عن أيوب بن‬
‫عبد ال الفهري عن ابن مسعود‪.‬‬
‫أما حماد بن سلمة فالكلم في أحادبثه في العقائد معروف تكرر‪ .‬وأبو عبد السلم ذكره المام‬
‫مسلم في الكنى ‪ 1/656‬فقال‪):‬أبوعبد السلم الزبير بن جواتشير عن أيوب بن عبد ال بن مكرز‬
‫روى عنه حماد بن سلمة( وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة ‪)1/135‬جواتشير اسم فارسي أوله‬
‫جيم مضمومة وبعد اللف مثناة فوقانية مفتوحة ومعجمة مكسورة(‪.‬‬
‫أما أيوب بن عبد الله بن مكرز فقد قال الذهبي في ميزان العتدال‬

‫‪)1/60‬قال ابن عدي له حديث ل يتابع عليه(‬


‫وأخرج نحو هذا اللفظ عبد ال بن أحمد في السنة ‪ (1026)2/455‬عن خالد بن معدان من رواية‬
‫ابنته التي تعد في المجاهيل وهي عبدة بنت خالد‪.‬‬
‫وقال ابن حبان في المجروحين ‪)1/165‬أيوب بن عبد السلم شيخ كأنه كان زنديقًا يروى عن أبي‬
‫بكرة عن بن مسعود إن ال تبارك وتعالى إذا غضب انتفخ على العرش حتى يثقل على حملته‬

‫‪247‬‬
‫ومع هشاشة هذا السند فقد تابع ابن تيمية وابن‬
‫ن سعيد على الحتجاج‬ ‫نب َ‬
‫القيم رحمهما الله عثما َ‬
‫)‪(3‬‬
‫به‬
‫ونقل ابن القيم تفسير الستواء بالجلوس عن‬
‫ابن عباس‬
‫فقال‪):‬وفي تفسير السدي عن أبي مالك وأبي‬
‫صالح عن ابن عباس "الرحمن على العرش‬
‫)‪(5‬‬
‫استوى" قال قعد()‪ (4‬وهذا ل يصح عنه‬

‫ل ذكر مثل هذا الحديث ول كتابته إل دهري يوقع الشك‬


‫حّ‬
‫روى عنه حماد بن سلمة كان كذابًا ل ي ِ‬
‫في قلب المسلمين بمثل هذه الموضوعات نعوذ بال من حالة تقربنا إلى سخطه( وقد تحامل‬
‫الذهبي على ابن حبان في إنكاره على من روى هذا الحديث فقال في ميزان العتدال ‪1/460‬‬
‫)‪..‬ل أعرف له إسنادًا عن حماد فيتأمل هذا فإن ابن حبان صاحب تشنيع وشغب(‪ .‬فل يعاب على‬
‫ابن حبان غيرته على عقيدة المسلمين في ربهم وقد تأملنا كما أراد الحافظ الذهبي فوجدناه في‬
‫معجم الطبراني ونقض الدارمي أيضا‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر بيان تلبيس الجهمية ‪ 1/572‬واجتماع الجيوش ‪ 159‬وشفاء العليل ‪1/23‬‬
‫‪4‬‬
‫)( اجتماع الجيوش السلمية ‪ .158‬وانظر بيان تلبيس الجهمية ‪.1/434‬‬
‫‪5‬‬
‫)( لن السدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة السدى قال‬

‫الحافظ في ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪) :1/314‬وقال الجوزجانى‪ :‬حدثت‬


‫عن معتمر عن ليث ـ يعنى ابن أبى سليم ـ قال‪ :‬كان بالكوفة كذابان‪،‬‬

‫فمات أحدهما‪ ،‬السدى والكلبى‪ .‬كذا قال‪ ،‬و ليث أشد ضعفا ً من السدى‪.‬‬

‫وقال العقيلى‪ :‬ضعيف‪ ،‬وكان يتناول الشيخين‪ .‬وحكى عن أحمد‪ :‬إنه‬


‫ليحسن الحديث إل أن هذا التفسير الذي يجىء به قد جعل له إسنادا ً‬

‫واستكلفه( وأبو صالح هو باذام =‬


‫=ويقال باذان مولى أم هانىء بنت أبى طالب وهوضعيف يرسل انظر‬

‫ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.1/417‬وأبو مالك هو غزوان الغفارى )مشهور‬


‫بكنيته( انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.23/246‬‬

‫‪248‬‬
‫واحتج ابن القيم في تفسير الستواء بامتلء‬
‫العرش وأطيطه فقال‪) :‬قال حماد بن سلمة عن‬
‫عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال‬
‫إن الله مل العرش حتى أن للعرش أطيطا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫كأطيط الرحل(‬
‫ومما استدلوا به حكابة تفسير الستواء‬
‫بالستقرار عن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫قال ابن القيم‪) :‬قول إمامهم )المفسرين( ترجمان‬
‫القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما‬
‫ذكر البيهقي عنه في قوله تعالى الرحمن‬
‫)‪(2‬‬
‫على العرش استوى قال استقر(‬
‫وقد رجعت إلى مكان هذه الرواية عند البيهقي‬
‫الذي اعتمد عليه ابن القيم فيهذه الحكاية فوجدت‬
‫فيها تكذيب هذه الرواية عن ابن عباس ومع ذلك لم‬
‫ينبه ابن القيم على ذلك‪ .‬قال البيهقي في سند هذه‬
‫الرواية في نفس الصفحة التي نقل فيها هذا القول‬
‫عن ابن عباس‪) :‬وأبو صالح)‪(3‬هذا والكلبي)‪ (4‬ومحمد‬
‫‪1‬‬
‫)( اجتماع الجيوش ‪ ،160‬وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪.2/593‬‬

‫ول يصح لنه من رواية حماد بن سلمة عن وعطاء بن السائب‪ .‬وقد سبق‬

‫ترجمته في أكثر من موضع‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫)( اجتماع الجيوش ‪.157‬وانظر نحوه في معارج القبول ‪ .1/202‬وهو في السماء والصفات‬
‫للبيهقي ‪520‬‬
‫‪3‬‬
‫)( هو باذام‪ ،‬و يقال باذان‪ ،‬أبو صالح‪ ،‬مولى أم هانىء بنت أبى طالب‬

‫قال الحافظ فى تهذيب التهذيب ‪) :1/417‬وقال ابن المدينى‪ ،‬عن القطان‪،‬‬

‫عن الثورى‪ :‬قال الكلبى‪ :‬قال لى أبو صالح‪ :‬كل ما حدثتك كذب‪...‬وقال‬
‫ابن حبان‪ :‬يحدث عن ابن عباس‪ ،‬ولم يسمع منه(‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( هو محمد بن السائب ‪ 146‬هـ متهم بالكذب‪ ،‬ورمي بالرفض قال‬
‫الحافظ فى تهذيب التهذيب ‪):9/180‬وقال ابن حبان‪ :‬وضوح الكذب فيه‬

‫‪249‬‬
‫ك عند أهل الحديث ل‬ ‫بن مروان)‪ (1‬كلهم مترو ٌ‬
‫يحتجون‪ ،‬بشيء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها‬
‫وظهور الكذب منهم في رواياتهم()‪ (2‬ثم أطال في‬
‫ترجمتهم واعتراف بعضهم بالكذب وشهادة علماء‬
‫الجرح عليهم بمثله‬
‫وفي موضع آخر يحكي ابن القيم هذا القول عن‬
‫البغوي فيقول‪):‬قول المام محي السنة الحسين بن‬
‫مسعود البغوي قدس الله روحه‪ :‬قال في تفسيره‬
‫الذي هو شجى في حلوق الجهمية والمعطلة في‬
‫سورة العراف في قوله تعالى‪":‬ثم استوى على‬
‫)‪(3‬‬
‫العرش" قال الكلبي ومقاتل استقر(‬
‫وقد رجعت إلى تفسير البغوي فوجدته ما يثبت‬
‫وهمه في الحكاية عنه إذ قال رحمه الله‪) :‬ثم‬
‫استوى على العرش قال الكلبي ومقاتل‪ :‬استقر‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة صعد‪ .‬وأولت المعتزلة الستواء‬
‫بالستيلء‪.‬‬
‫فأما أهل السنة فيقولون الستواء على العرش‬
‫صفة لله تعالى بل كيف‪ ،‬يجب على الرجل اليمان‬
‫به ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل‪ (4)(..‬فأين هذا‬
‫من ذاك ؟‬

‫أظهر من أن يحتاج إلى الغراق فى وصفه‪ ،‬روىعن أبى صالح التفسير‪،‬‬


‫وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس‪ ،‬ل يحل الحتجاج به(‬
‫‪1‬‬
‫)( محمد بن مروان السدى الصغير متهم بالكذب انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.9/437‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السماء والصفات ‪.521-520‬‬
‫‪3‬‬
‫)( اجتماع الجيوش ‪122‬‬
‫‪4‬‬
‫)( تفسير البغوي ‪2/164‬‬

‫‪250‬‬
‫ويقول ابن القيم‪) :‬والستواء في اللغة معلوم‬
‫مفهوم وهو العلو والرتفاع على الشيء‬
‫)‪(5‬‬
‫والستقرار والتمكن فيه(‬
‫وقال‪:‬‬
‫ً‬
‫)وانظر إلى الكلبي أيضا والذي****قد قاله من غير‬
‫)‪(2‬‬
‫ما نكران(‬
‫وزعم ابن عثيمين رحمه الله أنه مشهور عن‬
‫السلف فقال‪) :‬أما تفسير استواء الله تعالى على‬
‫عرشه باستقراره عليه فهو مشهور عن السلف‬
‫)‪(3‬‬
‫نقله ابن القيم في النونية وغيره(‬

‫‪5‬‬
‫)( حاشية ابن القيم ‪13/20‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر شرح قصيدة ابن القيم ‪.1/440‬‬
‫‪3‬‬
‫)( مجموع رسائله وفتاويه ‪1/196‬‬

‫‪251‬‬
‫ماجاء في الستلقاء‬
‫قال أبو بكر بن أبي عاصم في كتابه السنة‪:‬‬
‫)قال أبو إسحاق إبراهيم الحزامي وقرأت من كتابه‬
‫ثم مزقه وقال لي واعتذر إلي‪ :‬حلفت أن ل أراه إل‬
‫مزقته فانقطع من طرف الكتاب عن محمد بن‬
‫فليح عن سعيد بن الحارث عن عبدالله بن منين‬
‫قال بينا أنا جالس في المسجد إذ جاء قتادة بن‬
‫النعمان فجلس فتحدث ثم ثاب إليه ناس فقال‬
‫انطلق بنا يا ابن منين إلى أبي سعيد الخدري فإني‬
‫قد ُأخبرت أنه قد اشتكى قال فإنطلقنا حتى دخلنا‬
‫على أبي سعيد فوجدناه مستلقيا ً رافعا ً إحدى رجليه‬
‫على الخرى فسلمنا وقعدنا فرفع قتادة يده فقرصه‬
‫قرصة شديدة قال أبو سعيد‪ :‬أوجعتني‪ .‬قال ذلك‬
‫أردت ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول لما قضى الله خلقه استلقى ثم وضع‬
‫إحدى رجليه على الخرى ثم قال ل ينبغي‬
‫)‪(1‬‬
‫أن ُيفعل مثل هذا‪ ،‬قال أبو سعيد نعم(‬

‫‪1‬‬
‫)( ‪ .(568)1/248‬وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ‪19/13‬والبيهقي في السماء والصفات‬
‫‪ .448‬وعزاه اللباني في تخريج السنة لبن أبي عاصم إلى ابن منده في المعرفة)‪ (21321‬من‬
‫طريق المؤلف‪.‬‬
‫وعزاه ابن القيم في اجتماع الجيوش ‪ 1/54‬إلى الخلل في كتاب السنة‬

‫وقال )‪..‬بإسناد صحيح على شرط البخاري( وانظر نحوه في إبطال‬

‫التأويلت ‪.1/188‬ومعارج القبول ‪ 1/149‬ومختصر العلو لللباني ‪.98‬‬

‫وقال الذهبي في العلو ‪ 1/63‬رواته ثقات رواه أبو بكر الخلل في كتاب‬

‫السنة له‪ .‬مع أن في إسناده فليح بن سليمان ‪ 168‬هـ نقل في ميزان‬


‫العتدال ‪ 5/442‬تضعيفه عن ابن معين وأبي حاتم والنسائي‪.‬ويرويه فليح‬

‫عن سعيد بن الحارث قال الذهبي في ميزان العتدال ‪) :2/169‬ل يعرف(‪.‬‬


‫ويريه سعيد عن عبد الله بن منين عن قتادة ورواية عبد الله بن منين عن‬

‫‪252‬‬
‫واضطرب المثبتون في هذا الخبر فبعد أن خرجه‬
‫من خرجه في كتب السنة اشتد إنكار بعضهم على‬
‫من تأوله أو أنكره‪ .‬فحكى الدارمي وجها ً في تأويله‬
‫ثم قال منكرا ً على من تأوله‪..) :‬ثم فسره المعارض‬
‫ده من الحق وهو مقر أن النبي‬ ‫بأسمج التفسير وأبع ِ‬
‫قد قاله‪ ...‬فيقال لهذا المعارض من يتوجه لنقيضة‬
‫هذا الكلم من شدة استحالته وخروجه عن جميع‬
‫المعقول عند العرب والعجم حتى كأنه ليس من‬
‫)‪(1‬‬
‫كلم النس‪(...‬‬
‫)‪(2‬‬
‫واشتد ابن القيم على من أنكر هذا الخبر‬
‫وهو لئق باعتقاد اليهود‪ .‬ومما يشير إلى مصدره ما‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره عن محمد بن قيس‬
‫قال جاء رجل إلى كعب فقال يا كعب أين ربنا…‬
‫فقال له الناس لتسكت عن هذا‪ ،‬فقال كعب دعوه‬
‫ت أين‬ ‫فإن يك عالما ً ازداد وإن يك جاهل ً تعّلم‪ ،‬سأل َ‬
‫ربنا‪ ،‬وهو على العرش العظيم متكىء واضع‬
‫إحدى رجليه على الخرى…والله على‬
‫العرش متكىء ثم تفطر السموات ثم قال‬
‫كعب اقرأوا إن شئتم‪" :‬تكاد السموات يتفطرن من‬
‫)‪(4) (3‬‬
‫فوقهن" (‬
‫وقال الشهرستاني‪) :‬وقد اجتمعت اليهود عن‬
‫آخرهم على أن الله تعالى لما فرغ من خلق‬

‫قتادة منقطعة كما ذكر البيهقي في السماء والصفات ‪ .448‬قال الذهبي‬

‫في ميزان العتدال ‪) :2/169‬ل يعرف(‬


‫‪1‬‬
‫)( نقض المام عثمان بن سعيد ‪806-2/802‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر الصواعق المرسلة ‪1529-4/1527‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الية )‪ (5‬من سورة الشورى‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( تفسير الطبري ‪25/7‬‬

‫‪253‬‬
‫السموات والرض استوى على عرشه مستلقيا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫على قفاه واضعا ً احدى رجليه على الخرى(‬
‫وقد أسرف أبو يعلي في هذا الخبر فقال‪) :‬اعلم أن‬
‫هذا الخبر يفيد أشياء منها جواز الستلقاء عليه‬
‫ل على وجه الستراحة بل على صفة ل نعقل‬
‫معناها‪ ،‬وأن له رجلين يضع إحداهما على‬
‫الخرى على صفة ل نعقل معناها إذ ليس في‬
‫حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لنا ل نصف ذلك‬
‫بصفات المخلوقين بل نطلق ذلك كما أطلقنا الوجه‬
‫واليدين وخلق آدم بهما والستواء على العرش‪- ..‬‬
‫قال ‪ -‬وخبر كعب تضمن شيئين أحدهما إثبات‬
‫الرجلين صفة والثاني منع هذه الجلسة وكراهتها‪.‬‬
‫وقام الدليل على جواز هذه الجلسة‪..‬وبقي إثبات‬
‫الرجلين على ظاهره لنه لم ينقل عنهم خلفه‬
‫)‪(2‬‬
‫ول رده فوجب الرجوع إليه(‬
‫المسألة الثانية في الصابع‬
‫قال المام البخاري في الصحيح‪) :‬حدثنا مسدد أنه‬
‫سمع يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني منصور‬
‫وسليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله أن‬
‫يهوديا ً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا‬
‫محمد إن الله يمسك السموات على إصبع‬
‫والرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر‬
‫على إصبع والخلئق على إصبع ثم يقول أنا الملك‬
‫فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫)‪(3‬‬
‫بدت نواجذه ثم قرأ "وما قدروا الله حق قدره" (‬
‫)‪(4‬‬

‫‪1‬‬
‫)( الملل والنحل ‪219‬‬
‫‪2‬‬
‫)( إبطال التأويلت ‪189-1/188‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الية )‪ (67‬من سورة الزمر‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫قال يحيى بن سعيد وزاد فيه فضيل بن عياض عن‬
‫منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله فضحك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا ً وتصديقا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫له(‬
‫وأخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عطاء عن أبي‬
‫الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر‬
‫يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫جالس قال كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله‬

‫‪4‬‬
‫)( يييي ييييييي ‪ .(6978 )6/2697‬يييييي يييييي يييي‬

‫يي يييييي ) ‪1/429 (4087‬يييييييي ) ‪ 5/371 (3238‬يييي‬

‫يييي يي ييييي ) ‪ 1/264 (448‬يييييي يييي ) ‪1/264 (489‬‬

‫يي يييي يي يييي يي ييييي يي يييييي يي ييييي يي ييييي‬

‫يي ييي ييييي يييي‪):‬يي ييي يييي يي ييييي ييي يييي يييي‬
‫يييي يي يييي يييي ييييييي ييي يييي ييي ييي يييي يييي‬

‫ييي يييي يييي ييييييي يييييي ييي ييي ييي يييي‬

‫ييييييي ييي ييييي ييييي ييي ييي ييي ييييي( ييي ييييي‬

‫ييي يييي يييييي يي ييييي يييييي ييي ييي ييي يييي يي‬

‫يييي يي ييي يييي يييييي يييي‪ .‬يييييي يييييي يي ييييي‬


‫) ‪ 5/182 (1779‬يييي‪):‬يييي يييييي يييي ييييي يي‬

‫ييييييي يي ييييي يي ييي يييي‪ .‬يييي يييييي يي ييييييي‬

‫يي ييييي يي ييي يييي‪ .‬ييييي ييي يييي يي يييي ييييي يي‬

‫ييييي يي ييييي يي ييييي يي ييييي يي ييي يييي(‬

‫يييييييي يي ييييي يييييي ) ‪6/446 (11451‬يييي‪):‬ييييي‬


‫يييي يي يييي يييي يي يييييي يي ييييييي يي ييييي يي‬

‫ييي يييي( ي ييييييييي يي يييييي يييييي ) ‪) (10335‬‬


‫‪.10/164 (10334‬‬

‫‪255‬‬
‫السماء على ذه وأشار بالسبابة‪ ،‬والرضين على ذه‪،‬‬
‫والماء على ذه‪ ،‬والجبال على ذه‪ ،‬وسائر الخلق‬
‫على ذه وجعل يشير بأصبابعه فأنزل الله عز وجل‬
‫)‪(1‬‬
‫وما قدروا الله حق قدره‪ (..‬الية‬

‫وهذا الحديث يرويه إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن عبد ال بن مسعود‪ .‬واختلف عنه في‬
‫إسناده‪ ،‬كما اختلف أيضًا في إضافة بعض الرواة لقوله "فضحك تصديقا للحبر"فأخرجه بهذه‬
‫الضافة البخاري في الصحيح ‪ (7075)6/2729‬ومسلم في الصحيح )‪4/2147 (2786‬والنسائي‬
‫في السنن الكبرى )‪ 4/413 (7736‬و)‪ 6/446 (11450‬والبزار في مسنده )‪5/181 (1779‬‬
‫وأبو يعلى في مسنده ‪ (5387)9/265‬وابن حبان في صحيحه )‪.319 :/1 (7326‬‬
‫من طرق عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر به‪.‬‬
‫وأخرجه المام أحمد في المسند)‪ 1/457 (4368‬والبخاري في صحيحه )‪4/1812 (4533‬من‬
‫طرق عن شيبان عن منصور به‪ .‬وأخرجه المام أحمد في المسند عن إسرائيل عن منصور)‬
‫‪=.1/457 (4369‬‬
‫=وأخرجه النسائي في السنن الكبرى )‪4/400 (7687‬عن ابن عيينة وفضيل عن منصور وهو‬
‫في مسند البزار )‪5/181 (1778‬عن سفيان عن منصور به‬
‫وأخرجه بدون هذه الضافة المام أحمد في المسند )‪ 1/378 (3590‬والبخاري في الصحيح )‬
‫‪6/2697 (6979‬و)‪ .6/2712 (7013‬ومسلم في الصحيح )‪4/2148 (2786‬و)‪(2786‬‬
‫‪ .4/2148‬والبزار في المسند )‪4/314 (1497) (1496‬و)‪5/183 (1780‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى ‪ (11452) 6/447‬وأبو يعلى في مسنده)‪9/93 (5160‬وابن حبان في صحيحه )‪(7325‬‬
‫‪ .1/318‬وهو عند جميعهم من طرق عن العمش عن إبراهيم النخعي عن عبيدة عن عبد ال بن‬
‫مسعود‪ .‬وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير )‪164 :/1 (10336‬من طريق أبي هاشم الرماني‬
‫عن إبراهيم به‪ .‬وانظر علل الدارقطني ‪5/177‬‬
‫‪1‬‬
‫)( وصله الترمذي )‪ 5/371 (3239‬من رواية محمد بن بشار عن يحيى عن فضيل به‪.‬وقال‪:‬‬
‫هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وأخرجه مسلم )‪ ،4/2147 (2786‬وعثمان الدارمي في الرد على‬

‫‪256‬‬
‫وقد أغرب بعض الرواة فجعله من قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم)‪ .(1‬وجعله آخُر من قول الحبر‬
‫بعد ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر‬
‫شيئا ً من عظمة الرب‪.‬‬
‫أخرج ابن مندة في الرد على الجهمية بسنده عن‬
‫مسروق أنه قال قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ليهودي ُاذكر من عظمة الرب‬
‫عز وجل فقال‪ :‬السموات على هذه يعني الخنصر‬
‫والرض على هذه يعني البنصر والجبال على هذه‬
‫يعني الوسطى والماء على هذه يعني السبابة‬
‫وسائر الخلق على هذه يعني البهام فأنزل الله‬
‫)‪(2‬‬
‫"وما قدروا الله حق قدره"(‬
‫وهذا الحديث ظاهره إثبات الجوارح والعضاء وقد‬
‫اشتغل بصرفه عن ظاهره بعض أهل السنة طلبا ً‬
‫لوجه يصح حمله عليه)‪ (3‬ولكن تحمس آخرون في‬
‫إبطال هذا التأويل حتى بالغ ابن عثيمين في النكار‬

‫المريسي )‪ (1/372‬كلهما عن أحمد بن عبد ال بن يونس عن فضيل به‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (494) (493)1/266‬و ‪ (1113)2/483‬وأخرجه المام أحمد في مسنده ‪)1/251‬‬
‫‪ (2267‬و ‪ (2990)1/324‬والترمذي في السنن ‪ (3240)5/371‬وابن أبي عاصم في السنة‬
‫‪ (545)1/240‬والطبري في تفسيره ‪24/26‬والطبراني في المعجم الوسط ‪.(4689)5/67‬‬
‫والجري في الشريعة ‪.3/1164‬‬
‫وعطاء هو بن السائب بن مالك من صغار التابعين ‪ 136‬هـ صدوق اختلط‪..‬انظر ترجمته في‬
‫تهذيب التهذيب ‪ .7/206‬وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح الهمدانى مولهم‪ ،‬انظر ترجمته فى‬
‫تهذيب التهذيب ‪.10/132‬‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر السنة لعبد الله بن أحمد ‪ .1/264‬وقد مر تخربجه‬
‫‪2‬‬
‫)( ‪.(21)1/45‬وأخرجه في التوحيد ‪ 3/24‬من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن أبي السائب‬

‫وعن أبي الضحى )وهو مسلم بن صبيح( عن مسروق التابعي‪ .‬وفي إسناده أيضا ً حماد بن سلمة‬
‫وقد كثر الكلم في أحايثة في العقائد‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫على من أّول الخبر فقال تعليقا ً على قول محمد بن‬
‫عبد الوهاب‪ "):‬هذا الحديث فيه مسائل منها أن هذه‬
‫العلوم وأمثاُلها باقية عند اليهود لم يتأولوها"‪ :‬كأنه‬
‫يقول إن اليهود خير من أولئك المحرفين‬
‫لها لنهم لم يكذبوها ولم يتأولوها وجاء‬
‫قوم من هذه المة فقالوا ليس لله أصابع‬
‫وأن المراد بها القدرة فكأنه يقول اليهود خير منهم‬
‫ف بالله منهم()‪. (1‬‬
‫في هذا وأعر ُ‬
‫فإن قيل‪ :‬قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وضحك تعجبا ً وقرأ الية تصديقا ً ِلما ذكره‪ .‬كما قال‬
‫ابن خزيمة رحمه الله‪) :‬وقد أجل الله قدر نبيه صلى‬
‫الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق الباري‬
‫العظيم بحضرته بما ليس من صفاته فيسمعه‬
‫ل بدل وجوب التكبير والغضب‬ ‫فيضحك عنده ويجع َ‬
‫ضحكا ً تبدو منه نواجذه( ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وقال ابن تيمية رحمه الله‪..) :‬وكان اليهود إذا ذكروا‬


‫بين يديه أحاديث في ذلك يقرأ من القرآن ما‬
‫يصدقها كما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود‬

‫‪3‬‬
‫)( انظر مشكل الحديث لبن فورك ‪ .79‬والبيهقي في السماء والصفات‬

‫‪ 423‬وإيضاح الدليل للقاضي ابن جماعة ‪179‬‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر القول المفيد على كتاب التوحيد ‪ 392‬وانظر نحوه‬

‫في شروح كتاب التوحيد تحقيق التجريد لحسن العواجي‬

‫‪ 2/565‬والدر النضيد لسعيد الجندول ‪ 228‬والقول السديد لعبد‬


‫الرحمن بن ناصر السعدي ‪ .207‬وانظر أيضا ً معارج القبول‬

‫‪2/783‬‬
‫‪2‬‬
‫)( التوحيد ‪76‬‬

‫‪258‬‬
‫أن يهوديا ً قال للنبي إن الله يوم القيامة يمسك‬
‫)‪(1‬‬
‫السموات على إصبع‪(..‬‬
‫فالجواب عن الول‪ :‬نعم قد أجل الله قدَر نبيه صلى‬
‫الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق بحضرته بما‬
‫ليس من صفاته فيسمعه ول ينكر وقد فعل فعلين‬
‫كل واحد مهما يدل على إنكاره عند العقلء‪ .‬الول‬
‫هو الضحك استخفافا ً من هذا القول الذي تمجه‬
‫السماع ول تخفى ركاكته وتهافته على منزه فإذا‬
‫كانت الرضون على إصبع فكيف تكون الجبال على‬
‫إصبع غيره ثم يكون الشجر على إصبع آخر والماء‬
‫على إصبع وكل ذلك من الرض؟ هل هذا إل من‬
‫شر البلية!‪ .‬والثاني هو قراءة الية الكريمة وتدل‬
‫على النكار من وجهين‪.‬‬
‫الول‪ :‬التصريح بأنهم لم يقدروا الله حق قدره بعد‬
‫هذا الوصف وأنه تعالى عن ما يشركون‪ .‬ويشهد له‬
‫ما أخرجه الطبري بسنده عن سعيد بن جبير قال‬
‫تكلمت اليهود في صفة الرب فقال ما لم يعلموا‬
‫ولم يروا فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫"وما قدروا الله حق قدره" ثم بين للناس عظمته‬
‫فقال‪) :‬والرض جميعا قبضته يوم القيامة‬
‫والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما‬
‫يشركون()‪ (2‬فجعل صفتهم التي وصفوا الله بها‬
‫ً)‪(3‬‬
‫شركا‬
‫والوجه الخر أن ظاهر الية يخالف ظاهر خبر‬
‫اليهودي فأين طوي السموات بيمينه من جعلها على‬

‫‪1‬‬
‫)( درء التعارض ‪7/96‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الية )‪ (67‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تفسير الطبري ‪ 24/28‬وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪ 1/361‬والبيهقي في السماء‬
‫والصفات ‪ .426‬وعزاه ابن تيمية إلى ابن أبي حاتم في تفسيره انظرمجموع الفتاوى ‪.13/163‬‬

‫‪259‬‬
‫أحد الصابع ؟ وكذلك الرض جميعها بما فيها من‬
‫جبال وشجر وماء أين جعُلها على أصابع من قوله‬
‫تعالى "والرض جميعا قبضته يوم القيامة" ؟‬
‫فل نسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر‬
‫ل من قال من الرواة إنه ضحك‬ ‫على اليهودي‪ ،‬وقو ُ‬
‫تصديقا ً فهو ظن منه وحسبان قال الخطابي رحمه‬
‫الله‪) :‬واليهود مشبهة وفي ما يدعونه منزل ً من‬
‫ظ تدخل في باب التشبيه وليس القول‬ ‫التوراة ألفا ٌ‬
‫بها من مذهب المسلمين … وقول من قال من‬
‫الرواة "تصديقا ً لقول الحبر" ظن وحسبان والمر‬
‫فيه ضعيف(‪ (1).‬وقد تكلف أحد الدارسين في الرد‬
‫على الخطابي رحمه الله فقال‪) :‬إل أن هذا ل يمنع‬
‫من قبول ما وافقوا فيه الحق والصواب وكان مما‬
‫شهد به التنزيل أو أقرته السنة‪ ..‬وليس كل ما في‬
‫التوراة باطل بل فيها الحق والصدق فيكون إذن هذا‬
‫)‪(2‬‬
‫من ضمن ذلك الحق والصدق(‬
‫ولعل الذي جرأه على هذا الكلم قول ابن تيمية‬
‫رحمه الله‪..) :‬وأما ما في التوراة من إثبات‬
‫الصفات فلم ينكر النبي شيئا من ذلك بل‬
‫كان علماء اليهود إذا ذكروا شيئا ً من ذلك‬
‫يقرهم عليه ويصدقهم عليه كما في الصحيحين‬
‫عن عبد الله بن مسعود‪ ..‬وفي التوراة إن الله كتب‬
‫)‪(3‬‬
‫التوراة بإصبعه‪(..‬‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر السماء والصفات للبيهقي ‪ .425-424‬وانظر هامش)‪ (2‬ص )‬

‫‪.(355‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر المام الخطابي ومنهجه في العقيدة‪ ،‬أبوعبد الرحمن الحسن بن‬

‫عبد الرحمن العلوي ‪ .165‬وهي رسالته التي نال بها الماجستير من جامعة‬
‫أم القرى بمكة المكرمة‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫والجواب أنا ل نسلم أن هذا الخبر مما شهد به‬
‫التنزيل أو أقرته السنة لن كلم الحبر ل يحتمل إل‬
‫الجارحة والعضو فإن كان قوله حقا ً فأثِبتوا الجارحة‬
‫والعضو؟ فإن رضي القوم بذلك تركوا ما تستروا به‬
‫وتترسوا من تفسير ذلك بالصفات‪ ،‬وإن لم يرضوا‬
‫بذلك فقد صرفوا كلم الحبر عن ظاهره و عاملوه‬
‫ة أعلى النصوص بلغة وفصاحة وعصمة‬ ‫معامل َ‬
‫ليثبتوا به صفة لله عز وجل يضع عليها السموات‬
‫ة يضع عليها الرضين وصفة يضع عليها‬ ‫وصف ً‬
‫الجبال‪ ..‬وليت شعري إذا كان ظاهر الخبر وهو‬
‫الجارحة منفيا ً عند الفريقين ومصروفا ً عنه إلى‬
‫معنى آخر فأي المعنيين أقرب إلى اللغة والعقل‬
‫والشرع هذا الذي ذكروه أم نحو قول الخطابي‪) :‬لو‬
‫صح الخبر من طريق الرواية كان ظاهر اللفظ منه‬
‫متأول ً على نوع من المجاز أو ضرب من التمثيل‬
‫فقد جرت به عادة الكلم بين الناس في عرف‬
‫تخاطبهم‪ ،‬فيكون المعنى في ذلك إظهار قدرته‬
‫وسهولة المر في جمع السموات وقلة اعتياصها‬
‫عليه بمنزلة من جمع شيئا ً في كفه فاستخف حمله‬
‫فلم يشتمل بجميع كفه عليه لكنه يقّله بأصابعه فقد‬
‫يقول النسان في المر الشاق إذا أضيف إلى‬
‫الرجل القوي إنه ليأتي عليه بإصبع واحدة‪..‬يراد به‬
‫)‪(1‬‬
‫الستظهار في القدرة عليه والستهانة به(‬

‫‪3‬‬
‫)( الجواب الصحيح ‪ .4/419‬وانظر نحوه في درء التعارض ‪ 7/96‬وقد بذل هناك ابن تيمية‬
‫رحمه ال وسعه في الدفاع عن التوراة وما فيها من الخبار التي يسميها بأخبار الصفات‪ .‬وانظر‬
‫ص )‪ (524‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر السماء والصفات للبيهقي ‪ 426-425‬و تعليق الكوثري على‬
‫الختلف في اللفظ ‪39‬‬

‫‪261‬‬
‫ثم العجب ممن ل يرضى بحمل المتشابه على‬
‫محكم التنزيه كيف يحمله على نحو ما في التوراة‬
‫من القول بأن الله كتب التوراة بإصبعه مما هو‬
‫محكم في العضاء والجوارح؟‬
‫والعجب من شارح كتاب التوحيد لمحمد بن عبد‬
‫ق‬
‫الوهاب الذي عد ّ من فوائد هذا الحديث‪) :‬اتفا َ‬
‫اليهودية والسلم في إثبات الصابع لله‬
‫على وجه يليق بجلله()‪ (1‬وأعجب منه قول شارح‬
‫آخر‪) :‬سبب الضحك هو سروره حيث جاء في‬
‫القرآن ما يصدق ما وجد هذا الحبر في‬
‫كتابه لنه ل شك أنه إذا جاء ما يصدق القرآن فإن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يسر به وإن‬
‫كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين‬
‫أن القرآن من عند الله لكن تضافر البينات مما‬
‫يقوي الشيء( )‪ (2‬فل يخفى أن القرآن أغنى ما‬
‫يكون عن الحاجة إلى تصديق حبر‪ .‬وأن تضافر‬
‫البينات تقوي ما لم يصل إلى علم اليقين‪ ،‬بل إيمان‬
‫آحاد الناس بالقرآن ليزداد بهذه الرواية التي ذكرها‬
‫الحبر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( الجديد في شرح التوحيد لمحمد بن عبد العزيز القرعاوي ‪.34‬‬
‫‪2‬‬
‫)( القول المفيد على كتاب التوحيد لبن عثيمين ‪.363‬‬

‫‪262‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬في الساق‬
‫أخرج عبد الله بن مندة بسنده عن أبي سعيد‬
‫الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث‬
‫طويل أنه قال‪) :‬ويكشف عن ساقيه جل‬
‫)‪(1‬‬
‫وعز(‪.‬‬
‫ق من‬‫وقال ابن مندة‪) :‬هذا حديث ثابت باتفا ٍ‬
‫البخاري ومسلم بن الحجاج‪ .‬وقد رواه آدم بن أبي‬
‫إياس عن الليث بن سعد عن خالد عن سعيد بن‬
‫أبي هلل عن زيد بن أسلم مثله وقال يكشف عن‬
‫)‪(2‬‬
‫ساقه جل وعز(‬
‫‪1‬‬
‫)( أخرجه في الرد على الجهمية ‪ 16-15‬من طريق عن يحيى بن أيوب المصري ثنا يحيى بن‬
‫بكير ثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن هلل عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار‬
‫عن أبي سعيد‪ .‬وقد خالف‬
‫يحيى بن أيوب المحفوظ عن ابن بكير‪ ،‬أخرجه من طريق يحيى بن بكير به المام البخاري في‬
‫الصحيح ‪ (7001)6/2706‬و ‪ (4635)4/1871‬بلفظ " فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن"‬
‫وهذا اللفظ أيضًا خالف فيه سعيد بن هلل المحفوظ عن زيد بن أسلم‪ .‬فأخرجه المام مسلم في‬
‫الصحيح ‪ (183) 1/167‬من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ولفظه " فيكشف عن ساق "‬
‫وابن أبي عاصم في السنة ‪ (635)1/285‬وابن مندة في الرد على الجهمية ‪.16-15‬‬
‫وأخرجه المام مسلم في الصحيح ‪ (183)1/167‬من طريق حفص بن ميسرة عن زيد‪ .‬وابن‬
‫مندة في الرد على الجهمية ‪ .16‬وأخرجه بهذا اللفظ أيضًا ابن أبي عاصم في السنة ‪(634)1/283‬‬
‫من طريق عبد الرحمن بن اسحاق عن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫بل أخرجه المام مسلم من طريق سعيد بن أبي هلل في الصحيح ‪1/170‬وقال وهو نحو حديث‬
‫حفص بن ميسرة‪ .‬وأخرجه كذلك ابن حبان في الصحيح ‪(7377) 16/377‬‬
‫وأخرج المام مسلم لهذا اللفظ شاهدًا من حديث عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما في الصحيح‬
‫‪.(2940) 4/2258‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الردعلى الجهمية ‪ 16– 15‬وأخرجه من هذا الطريق المام البخاري في الصحيح ‪)4/1871‬‬
‫‪(4635‬‬

‫‪263‬‬
‫والحق أنه منكر باللفظ الول ليس موجودا ً في‬
‫البخاري ول في مسلم‪ .‬وأنه مخالف للمشهور‬
‫باللفظ الثاني‪.‬‬
‫وأخرجه أبو يعلى الفراء بسنده عن مقاتل بن‬
‫سليمان أنه قال‪) :‬قال عبد الله بن مسعود في قول‬
‫الله عز وجل‪" :‬يوم يكشف عن ساق ")‪ (1‬يعني عن‬
‫ساقه اليمين فيضيء من نور ساقه الرض فذلك‬
‫قوله‪" :‬وأشرقت الرض بنور ربها ")‪ (2‬ثم قال أبو‬
‫يعلى‪) :‬فهذا قول ابن مسعود وناهيك بعبد الله أول‬
‫)‪(3‬‬
‫المقدمين من الصحابة بعد العشرة‪(..‬‬
‫وحال مقاتل بن سليمان مما ل يخفى على أحد فل‬
‫تثبت الرواية عن ابن مسعود رضي الله فل ننخدع‬
‫بترويج أبي يعلى لهذا الخبر بما هو صادق فيه من‬
‫فضل ابن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬
‫وقد تناقض المثبتون في إضافة الساق إلى الله‬
‫عز وجل فبعد أن خرجه من خّرجه في كتب السنة‬
‫قال ابن القيم مخاطبا ً المخالف الذي أراد أن يلزمه‬
‫إذا أثبت الظواهر أن يثبت يدا ً واحدة وساقا ً واحدة‬
‫ونحو ذلك مما هو مستبشع‪) :‬من أين في ظاهر‬
‫القرآن أن لله ساقا ً وليس معك إل قوله تعالى "يوم‬
‫يكشف عن ساق" والصحابة متنازعون في تفسير‬
‫الية هل المراد الكشف عن الشدة ؟ أو المراد بها‬
‫أن الرب تعالى يكشف عن ساقه؟‬
‫ول يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه‬
‫من الصفات أم ل في غير هذا الموضع‪ .‬وليس في‬
‫ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله لنه‬
‫سبحانه لم يضف الساق إليه وإنما ذكره مجردا ً عن‬
‫‪1‬‬
‫)( الية )‪ (42‬من سورة القلم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الية )‪ (69‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( إبطال التأويلت ‪1/161‬‬

‫‪264‬‬
‫كرا ً والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين‬
‫الضافة من ّ‬
‫والصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن وإنما‬
‫أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته‬
‫وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه )فيكشف الرب‬
‫عن ساقه فيخرون له سجدا( ومن حمل الية على‬
‫ذلك قال قوله تعالى "يوم يكشف عن ساق‬
‫ويدعون إلى السجود" مطابق لقوله" فيكشف عن‬
‫ساقه فيخرون له سجدا" وتنكيره للتعظيم والتفخيم‬
‫كأنه قال يكشف عن ساق عظيمة جلت عظمتها‬
‫)‪(1‬‬
‫وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه(‬
‫ويجب التنبيه على ما في هذا الكلم في نقاط‬
‫الولى‪ :‬أنه سلم باختلف الصحابة الكرام في ما ُيعد‬
‫من الصفات فيقال إذن‪ :‬وهذا دليل على أن‬
‫المسألة ظنية وأن إنكار فريق لما يعده الخر من‬
‫الصفات ليس بدعة ول مخالفة لمنهج السلف‪.‬وأنه‬
‫ل هذا الخلف من غير تبديع ول‬ ‫ة مث ُ‬
‫إذا وسع الصحاب َ‬
‫تفسيق فلم أنكرتم على من لم يترجح عنده حمل‬
‫مثل هذا الخبر على أنه من أخبار الصفات؟‬
‫الثانية‪ :‬أنه سمى هذا التنازع تنازعا ً في تفسير الية‪.‬‬
‫وما ذكره من التفسير بالكشف عن الشدة هو‬
‫التأويل اصطلحا ً وهذا اعتراف بثبوت التأويل عن‬
‫الصحابة وإن سماه بغير اسمه المصطلح عليه‪.‬‬
‫فيتعين عليه أن يجيب عن كل ما ذكر من الوجوه‬
‫التي أريد بها إبطال التأويل وعده تعطيل ً وتجهما ً‬
‫وبدعة وتحربفًا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أنا نسلم بما حكاه عن السلف من تفسير‬
‫دها من نصوص الصفات‪ ،‬وهذا اتفاق‬ ‫الية وعدم ع ّ‬
‫من الفريقين على هذا القدر ولكن أين النقل عن‬
‫صحابي واحد أنه عد نصا ً من نصوص الكتاب أو‬

‫‪1‬‬
‫)( الصواعق المرسلة ‪ 253-1/252‬وانظر نحوه في دقائق التفسير لبن تيمية ‪2/482‬‬

‫‪265‬‬
‫السنة من أخبار الصفات‪ ،‬أو قال أثبت لله يدا ً تليق‬
‫بجلله أو قال اليد من صفات الله عز وجل فمثل‬
‫هذا الذي ذكر أنه لم يحصل فيه نزاع إل في هذا‬
‫رد من طريق صحيح ول سقيم‪.‬‬ ‫الموضع الواحد لم ي َ ِ‬
‫وكيف فهم أن الصحابة تنازعوا في هذا الموضع فلم‬
‫َيذكر إل قول ً عن بعضهم بما سماه تفسيرا ً للنص‬
‫وعدم عده من الصفات‪ ،‬فأين النقل المقابل عن‬
‫الفريق الخر الذي يثبت به النزاع ؟ ولم يذكر إل‬
‫ة من روى الساق مضافا ً إلى الله عز وجل‬ ‫رواي َ‬
‫ً‬
‫وليس هذا نزاعا‪ ،‬فما الذي يمنع إذا كان قوله‬
‫"يكشف عن ساق " يفسر بكشفه عن شدة أن‬
‫يكون قوله" عن ساقه" يفسر بكشفه عن شدته؟‬
‫الرابعة‪ :‬أن نسأل عن الفرق بين هذا الخبر وبين‬
‫كل الخبار التي ُتعد من أخبار الصفات فلم احتمل‬
‫الخلف هنا ولم يحتمله هناك؟‬
‫الخامسة‪ :‬أن نشير إلى أن التأويل هنا ثابت عن ابن‬
‫سنهما الحافظ ابن حجر وصححه‬ ‫عباس بسندين ح ّ‬
‫بسند فقال‪) :‬وأما الساق فجاء عن ابن عباس في‬
‫قوله تعالى "يوم يكشف عن ساق" قال عن شدة‬
‫من المر والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا‬
‫اشتدت‪..‬‬
‫وقال الخطابي تهيب كثير من الشيوخ الخوض في‬
‫معنى الساق ومعنى قول ابن عباس أن الله يكشف‬
‫عن قدرته التي تظهر بها الشدة وأسند البيهقي‬
‫الثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما‬
‫حسن‪ ،‬وزاد إذا خفي عليكم شيء من القرآن‬
‫فاتبعوه من الشعر‪..‬وأسند البيهقي من وجه آخر‬
‫)‪(1‬‬
‫صحيح عن ابن عباس قال يريد يوم القيامة(‬
‫‪1‬‬
‫)( فتح الباري ‪13/428‬وانظر السماء والصفات للبيهقي ‪436‬وإيضاح الدليل ل بن جماعة‬
‫‪135‬‬

‫‪266‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬ماجاء في القدمين‬
‫أخرج عثمان الدارمي بسنده عن ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما قال‪) :‬الكرسي موضع‬
‫)‪(1‬‬
‫القدمين والعرش ل يقدره إل الله عز وجل(‪.‬‬
‫وقد خرجه بعض المحدثين في كتب السنة‪ ،‬وخّرجه‬
‫الهروي تحت عنوان " باب وضع الله عز وجل‬
‫قدمه على الكرسي " )‪ (2‬وأخرجه ابن مندة‬
‫تحت عنوان " خبر آخر يدل على ما تقدم من ذكر‬
‫)‪(3‬‬
‫القدمين "‬

‫‪1‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪ 433 ،412 ،1/399‬وأخرجه عبد الله‬

‫في السنة ‪ (586)1/301‬و ‪ (1021) 2/454‬والهروي في‬

‫الربعين في دلئل التوحيد ‪ .56‬من طرق عن وكيع عن سفيان‬

‫عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن‬

‫ابن عباس قال الكرسي موضع القدمين والعرش ل يقدره إل‬


‫الله عز وجل‪ .‬وخالف سلم بن جنادة الثقات من أصحاب وكيع‬

‫في لفظه فقال "الكرسي موضع قدميه "أخرجه ابن خزيمة‬

‫في التوحيد ‪ .108‬وسلم بن جنادة هو أبو السائب الكوفي‬

‫‪ 254‬هـ ثقة يخالف في حديثه وهذه من مخالفاته انظر ترجمته‬

‫في تهذيب التهذيب ‪.4/129‬‬

‫وتابع عبد الرحمن بن مهدي وكيع بن الجراح على روايته عن سفيان عند عبد ال بن أحمد في‬
‫السنة ‪ (1020)2/454‬وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪ .(218)2/584‬وتابعه أيضًا عبد الرزاق‬
‫الصنعاني في تفسيره ‪.3/251‬‬
‫وهذا إسناد حسن لن فيه عمار بن معاوية الدهنى ‪ 133‬هـ وهو صدوق انظر ترجمته في تقريب‬
‫التهذيب ‪.408‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الربعين في دلئل التوحيد ‪56‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الرد على الجهمية ‪1/21‬‬

‫‪267‬‬
‫وتصرف الرواة في ألفاظه فأخرجه عبد الله‬
‫في السنة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه‬
‫قال‪):‬إن الكرسي الذي وسع السموات والرض‬
‫در قد َْر العرش إل الذي‬ ‫لموضع قدميه وما يق ّ‬
‫خلقه‪ ،‬وإن السموات في خلق الرحمن جل وعز‬
‫مثل قبة في صحراء( )‪ (1‬وهو مخالف للمحفوظ عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما‪ .‬بل رفعه بعضهم إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫‪1‬‬
‫)( ‪ (1091)2/477 (590) 1/302‬قال اللباني في مختصر العلو)‪ (102‬إسناد صحيح رجاله‬
‫كلهم ثقات‪.‬وليس كما قال لن في سنده إسحاق بن منصور السلولى ‪ 204‬هـ وهو صدوق تكلم فيه‬
‫للتشيع‪ ،‬انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .1/251‬يرويه عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق‬
‫السبيعى عن أبيه عن عمار الدهني ‪ 198‬هـ وهو صدوق يهم‪ ،‬انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب‬
‫‪.1/183‬وقد خالف المحفوظ من الرواية عن عمار الدهني‪=.‬‬
‫=وأخرجه بنحو هذا اللفظ الحاكم في المستدرك ‪ .2/310‬وقال هذا حديث صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه‪ .‬وليس كما قال لن فيه محمد بن معاذ يرويه عن أبي عاصم مخالفًا‬
‫للمحفوظ عن أبي عاصم‪ .‬وهو مجهول روىعن أبي النعمان محمد بن الفضل وعمر بن الحسن‬
‫الراسبي‪ .‬ويروي عنه شيخ الحاكم أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي‪.‬‬
‫و أخرجه بنحو هذا اللفظ الطبري في تفسيره ‪ 3/9‬عن السدي بسند فيه أسباط بن نصر وهو‬
‫صدوق كثير الخطأ انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.1/212‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وهو شجاع بن مخلد في روايته عن أبي عاصم الضحاك بن مزاحم عن سفيان‬
‫الثوري‪.‬أخرجه ابن مندة في الرد على الجهمية ‪ .1/21‬قال شجاع في حديثه أنه سأل النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم عن قول ال جل وعز وسع كرسيه السموات والرض قال كرسيه موضع قدمه‬
‫والعرش ل يقدر قدره‪.‬‬
‫وأعله الحافظ ابن الجوزي في العلل المتناهية ‪ 1/22‬فقال‪) :‬هذا الحديث وهم شجاع بن مخلد في‬
‫رفعه فقد رواه أبو مسلم الكجي واحمد بن منصور الرمادي كلهما عن أبي عاصم فلم يرفعاه‬
‫ورواه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع كلهما عن سفيان فلم يرفعاه بل وقفاه على ابن عباس وهو‬

‫‪268‬‬
‫وزاد بعضهم بوصف الكرسي في ما أخرجه عبد‬
‫الله بسنده عن أبي موسى الشعري رضي الله‬
‫عنه أنه قال‪) :‬الكرسي موضع القدمين وله‬
‫)‪(1‬‬
‫أطيط كأطيط الرحل(‬
‫استدللهم بـ )وهو واضع رجليه تبارك وتعالى‬
‫على الكرسي(‪:‬‬
‫وأخرجه عبد الله بسنده عن أبي مالك قال )إن‬
‫الصخرة التي تحت الرض السابعة ومنتهى الخلق‬
‫على أرجائها أربعة من الملئكة‪ ،‬لكل ملك منهم‬
‫أربعة وجوه وجه إنسان ووجه أسد ووجه نسر ووجه‬
‫ثور فهم قيام عليها قد أحاطوا بالرض والسموات‬
‫ورؤوسهم تحت الكرسي‪ ،‬والكرسي تحت العرش‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو واضع رجليه تبارك وتعالى على‬
‫)‪(2‬‬
‫الكرسي(‬

‫الصحيح( وذكر ذلك في ترجمته الحافظ فى تهذيب التهذيب ‪.4/312‬‬


‫وأخرجه من طريق ابن أبي عاصم موقوفا الدارقطني في الصفات ‪ 1/30‬من طريق أحمد بن‬
‫منصور الرمادى وابن مندة في الرد على الجهمية ‪ 1/21‬وقال‪):‬هكذا رواه شجاع بن مخلد‬
‫مرفوعًا عن النبي صلى ال عليه وسلم وقال إسحاق بن سيار في حديثه عن أبي عاصم من قول‬
‫ابن عباس‪ .‬وكذلك رواه أصحاب الثوري عنه( وابن أبي شيبة في كتاب العرش ‪ 79‬من طريق‬
‫الحسن بن علي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (588)1/302‬و ‪ .(1022)2/454‬وأخرجه الطبري في تفسيره ‪ 3/9‬وأبو الشيخ في‬
‫العظمة ‪2/627‬وابن مندة في الرد على الجهمية ‪1/21‬وابن أبي شيبة في كتاب العرش ‪78‬‬
‫والبيهقي في السماء والصفات ‪ .510‬من طرق عن عبد الصمد بن عبد الوارث يرويه عن أبيه‬
‫عن محمد بن جنادة عن سلمة بن كهيل عن عمارة بن عمير عن أبي موسى‪ .‬وصححه اللباني‬
‫في مختصر العلو ‪ .124‬وليس كما قال لن في سنده انقطاعًا فإن عمارة لم يدرك أبا موسى انظر‬
‫ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .7/421‬وفيه أيضًا عبد الصمد بن عبد الوارث وهو صدوق‪ .‬انظر‬
‫ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.6/327‬‬

‫‪269‬‬
‫ومن أعجب ما رأيت في شرحه قول أحدهم‪) :‬يبين‬
‫ابن عباس رضي الله عنه بأن هذا الكرسي الذي‬
‫وسع السموات والرض هو موضع القدمين أي أن‬
‫الله يضع قدميه عليه ويستوي على عرشه‬
‫فإن السلف يقولون عن هذا الكرسي بأنه بين يدي‬
‫العرش كالمرقاة إليه()‪ (1‬فهل يقال بعد هذا إن‬
‫القدمين صفة من صفاته ل على سبيل الجارحة‬
‫قبل مثل هذا الكلم ترقيعا ً‬
‫والعضو؟ وهل ي َ ْ‬
‫بالبلكفة ؟‬
‫أما أهل السنة فقد فهموا من خبر ابن عباس‬
‫بروايته الولى أنه تفسير لغوي للفظ الكرسي ل‬
‫علقة له بأخبار الصفات البتة ولم يخلطوا فيه ما‬
‫خلطه الرواة في ألفاظه‪ .‬قال ابن عطية‪) :‬يريد هو‬
‫من عرش الرحمن كموضع القدمين من أسرة‬
‫الملوك فهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته‬
‫)‪(2‬‬
‫إليه كنسبة الكرسي إلى سرير الملك(‬

‫‪2‬‬
‫)( السنة ‪ (1023) 2/455 (589)1/302‬قال‪ :‬حدثني أبي نا رجل ثنا إسرائيل عن السدي عن‬
‫أبي مالك ففي إسناده مجهول‪ ،‬وفيه السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة ‪ 127‬هـ‬
‫وهو صدوق يهم انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.1/314‬‬
‫وأبو مالك هو غزوان الغفارى مشهور بكنيته وهو ثقة من التابعين‪ .‬انظر ترجمته فى تهذيب‬
‫التهذيب ‪.23/246‬‬
‫‪1‬‬
‫)( إثبات علو الله لسامة القصاص ‪2/304‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر تفسير القرطبي ‪ .3/278‬وانظر السماء والصفات للبيهقي ‪ 447‬وتعليق الكوثري على‬
‫الختلف في اللفظ لبن قتيبة ‪ .35‬وقارن ذلك بموقف حسن السقاف العنيف إذ كتب بخط‬
‫عريض في هامش العلو للذهبي ‪) :261‬كفر إسرائيلي وهو صحيح السناد عن ابن عباس موقوفًا‬
‫وهو مما نقله عن السرائيليات وخالفه في رواية أخرى صحيحة السناد(‬

‫‪270‬‬
‫وقال السيوطي‪) :‬ويوضحه ما أخرجه ابن جرير عن‬
‫الضحاك في الية قال كرسيه الذي يوضع تحت‬
‫)‪(1‬‬
‫العرش الذي تجعل الملوك عليه أقدامهم(‬
‫وهذا هو الذي يتعين المصير إليه لن إضافة‬
‫القدمين في الخبر تقتضي التجسيم‪ ،‬ولن ينجي من‬
‫ذلك عد ّ القدمين من الصفات‪ ،‬لن الصفات ل يكون‬
‫لها موضع توضع فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫ومما استدلوا به أيضا خبر عن وهب بن منبه‪:‬‬
‫أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن وهب بن منبه‬
‫)أنه ذكر من عظمة الله عز وجل فقال إن‬
‫السموات السبع لفي الهيكل)‪ (2‬وإن الهيكل لفي‬
‫الكرسي‪ ،‬وإن قدميه لعلى الكرسي‪ ،‬وهو‬
‫يحمل الكرسي‪ ،‬وقد عاد الكرسي كالنعل‬
‫)‪(3‬‬
‫في قدميه(‬

‫المسألة الخامسة‪ :‬ماجاء في الصدر والذراعين‬

‫‪1‬‬
‫)( الدر المنثور ‪ .2/17‬وانظر تفسير الطبري ‪3/10‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أخرج عبد الله بن أحمد في السنة ‪2/478‬عن وهب أنه سئل ما‬

‫الهيكل فقال شيء من أطراف السماء محدق بالرضين والبحار كأطناب‬


‫الفسطاط(‬
‫‪3‬‬
‫)( السنة ‪ (1093) (1092)2/477‬وأخرجه الطبري في تاريخه ‪1/33‬وأبو‬

‫الشيخ في العظمة ‪ (570)3/1052‬و ‪ .(9172)4/1399‬وعزاه ابن تيمية‬

‫في بيان تلبيس الجهمية ‪ 2/213‬إلى الخلل في كتابه السنة‪ .‬وهو عند‬

‫جميعهم بإسناد حسن عن وهب لن فيه إسماعيل بن عبد الكريم بن‬


‫معقل بن منبه الصنعانى وهو صدوق انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب‬

‫‪ .1/316‬ويرويه إسماعيل عن عمه عبد الصمد بن معقل ‪ 183‬هـ وهو‬


‫صدوق أيضًا‪.‬انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.6/328‬‬

‫‪271‬‬
‫أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عبد الله بن‬
‫عمرو رضي الله عنهما أنه قال‪):‬خلقت الملئكة‬
‫)‪(1‬‬
‫من نور الذراعين والصدر(‬
‫وأخرجه بلفظ آخر عنه أنه قال‪):‬ليس شيء أكثر‬
‫من الملئكة‪ ،‬إن الله عز وجل خلق الملئكة من نور‬
‫فذكره‪ .‬وأشار سريج بن يونس بيده إلى‬
‫صدره قال وأشار أبو خالد إلى صدره فيقول‬
‫)‪(2‬‬
‫كن ألف ألف ألفين فيكونون(‬
‫وهذا خبر ضيعف السند منكر المتن لنه يخالف ما‬
‫أخرجه المام مسلم في الصحيح بسنده عن عائشة‬
‫رضي الله عنها أنها قالت‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪):‬خلقت الملئكة من نور وخلق‬
‫الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم(‬
‫)‪(3‬‬

‫ومع نكارته أخرجه من خرجه في السنة‪ .‬وزعم‬


‫القاضي أبو يعلى على عادته أنه على ظاهره فأثبت‬
‫به الصدر والذراعين ثم أجاب عن العتراض بأن‬
‫الخبر موقوف على عبد الله بن عمرو وأنه كان‬
‫يحدث عن أهل الكتاب فقال‪):‬إثبات الصفات ل‬

‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (1195)2/510‬و ‪ .(1084)2/475‬وأخرجه بنحو هذا اللفظ أبو الشيخ في العظمة‬
‫‪ .(315)2/733‬والبيهقي في السماء والصفات ‪.433‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السنة ‪ .(1194) 2/510‬وأخرجه بنحو هذا اللفظ أبو الشيخ في العظمة ‪ ،(316) 2/734‬وابن‬
‫مندة في الرد على الجهمية ‪ .(34) (33)1/49‬وأخرجه البزار في مسنده ‪ (2475)6/440‬وأبو‬
‫الشيخ في العظمة ‪ 2/727‬من طريقين عن هشام به بلفظ غير منكر "خلق ال عز وجل الملئكة‬
‫من نور"‪ .‬وهو عند جميهم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد ال بن عمرو‪ .‬وهشام‬
‫بن عروة من المدلسين وقد عنعنه انظر ترجمته فى طبقات المدلسين لبن حجر ‪ 26‬وتهذيب‬
‫التهذيب ‪.11/51‬‬
‫‪3‬‬
‫)( صحيح مسلم ‪.(2996)4/2294‬‬

‫‪272‬‬
‫يؤخذ إل توقيفا ً لنه ل مجال للعقل والقياس فيه‬
‫علم أنهم‬‫فإذا روي فيه عن بعض الصحابة فيه قول ُ‬
‫قالوه توقيفًا…الثاني‪ :‬أن شرعنا وشْرعَ غيرنا سواء‬
‫في الصفات لن صفاته ل تختلف باختلف الشرائع(‬
‫)‪(1‬‬

‫وقال ابن الجوزي‪) :‬وقد أثبت به القاضي ذراعين‬


‫وصدرا ً لله عز وجل وهذا قبيح لنه حديث ليس‬
‫بمرفوع ول يصح‪ ،‬وهل يجوز أن ُيخلقَ مخلوق من‬
‫)‪(2‬‬
‫ذات القديم هذا أقبح مما ادعته النصارى(‬
‫واشتد عثمان بن سعيد على من أول هذا الخبر‬
‫فقال‪):‬وادعى المعارض أن من الحاديث التي تروى‬
‫عن رسول الله أحاديث منكرة مستشنعة جدا ً ل‬
‫يجوز إخراجها…ثم أقبل عليها بعد ما أقر أنها‬
‫ج يدعو‬ ‫ت مستشنعة يفسرها ويطلب لها مخار َ‬ ‫منكرا ٌ‬
‫إلى صواب التأويل في دعواه‪ .‬ويحك أيها المعارض‬
‫وما يدعوك إلى تفسير أحاديث زعمت أنها‬
‫مستشنعة ل أصل لها عندك ول يجوز التحدث بها‪،‬‬
‫فلو دفعتها بعللها وشنعها عنك كان أولى بك من أن‬
‫تستنكرها وتكذب بها ثم تفسرها ثانية كالمثبت لها‬
‫على وجوه ومعان من المحال والضلل الذي لم‬
‫يسبقك إلى مثلها أحد من العالمين‪ ،‬فادعيت أن من‬
‫تلك المنكرات ما روى أبو أسامة عن هشام بن‬
‫عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال خلق الله‬
‫الملئكة من نور الذراعين والصدر قلت وقال‬
‫)‪(3‬‬
‫بعضهم من شعر الذراعين والصدر‪(.‬‬
‫وما أخذه عثمان بن سعيد على من اشتغل بتاويل‬
‫مثل هذه الخبار صحيح فالواجب أن نطرح مثل‬
‫‪1‬‬
‫)( إبطال التأويلت ‪.1/222‬‬
‫‪2‬‬
‫)( دفع شبه التشبيه ‪56‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نقض المام عثمان بن سعيد ‪650-2/647‬‬

‫‪273‬‬
‫هذه المنكرات ولكن ُيعتذر لهل التأويل أنهم قصدوا‬
‫بذلك ِذكر وجهٍ يصح حمل الخبر عليه تجنبا ً لطرحه‬
‫بالكلية‪ .‬ومع ذلك فالولى ترك الشتغال بذلك كي ل‬
‫ُيتخذ مثل هذا التكلف في التأويل حجة للمنازع الذي‬
‫يحاول أن يجعل من مثل هذا التأويل شاهدا ً على‬
‫)‪(1‬‬
‫ضعف مذهب التأويل بالجملة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر تأويل هذا الخبر في مشكل الحديث لبن فورك ‪ 42‬والسماء‬
‫والصفات للبيهقي ‪ .433‬وأقاويل الثقات للمقدسي ‪.163‬‬

‫‪274‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬كونه تعالى في الرض‬
‫أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن لقيط بن‬
‫عامر حديثا ً طويل ً في البعث والموقف‪ ،‬وفيه أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس‬
‫مر إلهك ما‬‫خطيبا ً فقال‪…) :‬ثم تبعث الصيحة فل َعَ ْ‬
‫تدعُ على ظهرها من شيء إل مات والملئكة الذين‬
‫مع ربك عز وجل فأصبح ربك يطوف في‬
‫الرض وخلت عليه البلد فأرسل ربك عز وجل‬
‫السماء‪ ..‬قلت يا رسول الله فما يعمل بنا ربنا جل‬
‫وعز إذا لقيناه ؟ قال تعرضون عليه بادية له‬
‫صفحاتكم ل تخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك‬
‫عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح قَِبلكم بها‬
‫فلعمر إلهك ما يخطىء وجه أحدكم منها قطرة‪(..‬‬
‫)‪(1‬‬

‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (11120)2/485‬وهو في مسند أحمد ‪ 4/13‬من زيادات عبد ال بن أحمد وأخرجه أبو‬
‫داود مختصرا فى آخر باب لغو اليمين من سننه ‪ (3266)3/226‬مقتصرا فيه على موضع‬
‫الشاهد وهو قوله‪" :‬لعمر إلهك"‪.‬وأخرجه مطول ابن أبي عاصم في السنة ‪ .(636)1/286‬وابن‬
‫خزيمة في التوحيد ‪190-186‬مع مغايرة في بعض اللفاظ‪ .‬والطبراني في المعجم الكبير‬
‫‪ (477)19/211‬والدارقطني في الكتاب المنسوب إليه "رؤية ال" ‪1/153‬مقتصراً فيه على‬
‫موضع الشاهد في الرؤية‪.‬والحاكم في المستدرك ‪.4/605‬‬
‫وسنده ضعيف جدًا‪ ،‬يرويه إبراهيم بن حمزة الزبيري‪ ،‬وهو صدوق‪ ،‬انظر ترجمته فى تهذيب‬
‫التهذيب ‪1/117‬عن‬
‫عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي‪ ،‬وهو صدوق أيضًا انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.6/276‬‬
‫يرويه عن عبد الرحمن بن عياش النصارى‪ :‬ول يعرف إل بهذا الحديث‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫التاريخ الكبير للبخاري ‪ .5/335‬وتقريب التهذيب ‪ .348‬يرويه عن دلهم بن السود قال الذهبي‬
‫في ميزان العتدال ‪) :3/45‬عداده في التابعين ل ُيعرف‪ ،‬سمع أباه( يرويه عن أبيه السود بن‬
‫عبد ال بن حاجب وهو مثله ل يعرف إل بهذا الحديث‪ .‬قال الحافظ فى تهذيب التهذيب ‪:1/341‬‬

‫‪275‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله‪):‬هذا حديث كبير‬
‫جليل تنادي جللته وفخامته وعظمته على‬
‫أنه قد خرج من مشكاة النبوة ل يعرف إل من‬
‫حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن‬
‫المدني رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري وهما‬
‫من كبار علماء المدينة ثقتان محتج بهما في‬
‫الصحيح احتج بهما إمام أهل الحديث محمد بن‬
‫إسماعيل البخاري‪ .‬ورواه أئمة أهل السنة في‬
‫كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم‬
‫والنقياد ولم يطعن أحد منهم فيه ول في أحد من‬
‫رواته‪ .‬فممن رواه المام ابن المام أبو عبد الرحمن‬
‫عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي‬
‫كتاب السنة‪ ...‬ومنهم الحافظ الجليل أبو بكر أحمد‬
‫بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في كتاب السنة‬
‫له‪...‬وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم‪.‬‬
‫وقال ابن مندة روى هذا الحديث محمد بن إسحاق‬
‫الصنعاني وعبدالله بن أحمد بن حنبل وغيرهما وقد‬
‫ة من‬
‫رواه بالعراق مجمِع العلماء وأهل الدين جماع ٌ‬
‫الئمة منهم أبو زرعة الرازي وأبو حاتم وأبو عبد‬
‫الله محمد بن إسماعيل ولم ينكره أحد ولم يتكلم‬
‫في إسناده بل رووه على سبيل القبول والتسليم‬
‫ول ينكر هذا الحديث إل جاحد أو جاهل أو‬
‫مخالف للكتاب والسنة هذا كلم أبي عبد الله‬
‫بن مندة‪.‬‬
‫‪..‬وقوله فيظل يضحك هو من صفات أفعاله‬
‫سبحانه وتعالى التي ل يشبهه فيها شيء من‬
‫مخلوقاته كصفات ذاته‪ ،‬وقد وردت هذه الصفة في‬

‫)روى له أبو داود حديثًا واحدًا وهو حديث أبى رزين العقيلى الذي يقول فيه‪ " :‬لعمر إلهك "(‬
‫يرويه عن عاصم بن لقيط بن عامر وهو ل يعرف أيضًا ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب ‪5/50‬‬
‫ل وهو حديث غريب جدًا(‪.‬‬
‫بحديثه وقال‪) :‬ورواه أبو القاسم الطبراني مطو ً‬

‫‪276‬‬
‫أحاديث كثيرة ل سبيل إلى ردها كما ل سبيل إلى‬
‫تشبيهها وتحريفها‪ .‬وكذلك " فأصبح ربك يطوف‬
‫في الرض " هو من صفات فعله ‪...‬وقوله "‬
‫فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم"‬
‫فيه إثبات صفة اليد له سبحانه بقوله‬
‫)‪(1‬‬
‫وإثبات الفعل الذي هو النضح(‬

‫‪1‬‬
‫)( زاد المعاد ‪ 682-3/677‬وانظر شرح قصيدة ابن القيم لحمد بن إبراهيم ‪ 2/471‬ومعارج‬
‫القبول للحكمي ‪2/766‬‬

‫‪277‬‬
‫ما جاء في النزول كل ليلة‬
‫وردت أحاديث كثيرة في إضافة النزول إلى‬
‫الله عز وجل وتفاوتت هذه الحاديث في أسانيدها‬
‫ة‪ .‬لكن بعض‬ ‫ومتونها صحة وضعفا ً وقبول ً ونكار ً‬
‫المثبتين اجتهدوا في جمع هذه الحاديث كما يجمع‬
‫حاطب ليل يستكثرون بذلك من الروايات والسانيد‬
‫ليثبتوا تواتَر هذه الحاديث تواترا ً معنويا ً فيقطعوا‬
‫الطريق على من رد ّ هذه الحاديث بحجة أنها‬
‫ث آحادٍ ل يحصل القطع بها‪ .‬من ذلك قول ابن‬ ‫أحادي ُ‬
‫خزيمة‪) :‬باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام‬
‫رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في نزول الرب جل وعل إلى سماء‬
‫الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق‬
‫بقلبه مستيقن بما في هذه الخبار من ذكر نزول‬
‫)‪(1‬‬
‫الرب(‬
‫ومن ذلك قول ابن مندة في صدر سياقة أحاديث‬
‫النزول‪) :‬ذكر الي المتلوة والسنة المأثورة بالسند‬
‫)‪(2‬‬
‫الصحيحة في النزول(‬
‫ً‬
‫لكن هذا الجمع أضر كثيرا بدللة الحاديث‬
‫الصحيحة وفتح أبواب الخوض في صفات الله عز‬
‫وجل‪ ،‬فنذكر بعض ما صح من الحاديث في النزول‬
‫ونبين وجه تفسيره‪ ،‬ثم نعرض لبعض الواهيات‬
‫المنكرات من الخبار التي ل تكاد تحتمل إل‬
‫التشبيه‪.‬‬
‫أخرج المام البخاري رحمه الله بسنده عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪) :‬يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة‬
‫‪1‬‬
‫)( التوحيد ‪125‬‬
‫‪2‬‬
‫)( التوحيد ‪3/282‬وانظر نحوه في العلو للعلي الغفار للذهبي ‪1/91‬‬

‫‪278‬‬
‫إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخر يقول‬
‫من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من‬
‫)‪(1‬‬
‫يستغفرني فأغفر له(‬
‫وأخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )ينزل الله‬
‫إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل‬
‫الول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي‬
‫يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه‬
‫من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فل يزال كذلك‬
‫)‪(2‬‬
‫حتى يضيء الفجر(‬
‫وأخرج النسائي بسنده عن أبي هريرة وأبي‬
‫سعيد رضي الله عنهما أنهما قال‪) :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن الله عز وجل يمهل حتى‬
‫يمضي شطر الليل الول ثم يأمر مناديا ينادي‬
‫يقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر‬
‫)‪(3‬‬
‫يغفر له هل من سائل يعطى(‬
‫وأخرج المام أحمد بسنده )عن عثمان بن أبي‬
‫العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ينادي كل ليلة ساعة فيها مناد هل من داع‬
‫فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من‬
‫)‪(4‬‬
‫مستغفر فأغفر له(‬

‫‪1‬‬
‫)( صحيح البخاري ‪ (5962)5/2330‬و ‪(7056)6/2723‬‬
‫‪2‬‬
‫)( صحيح مسلم ‪(758)1/521‬‬
‫‪3‬‬
‫)( السنن الكبرى ‪ .(10316)6/124‬وقد نبه حسن السقاف إلى رفع‬

‫الخلف في تصحيحه فقد اتفق على صحة سنده غير أن حفص بن غياث‬
‫تغير حفظه قليل ً بأخرة فنبه السقاف إلى أن رواية حفص بن غياث في‬

‫هذا الحديث عن العمش‪ ،‬وكانت روايته عنه من كتاب عنده فل يتأثر بتغير‬
‫حفظه انظر دفع شبه التشبيه لبن الجوزي ‪ 193‬بتحقيق حسن السقاف‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫ونحن إذا تأملنا هذه الحاديث الصحيحة التي تتحدث‬
‫عن موضوع واحد لم نجد ما يدفع هذا الفهم السليم‬
‫لهذه الحاديث‪ ،‬فمن التعبير عن هذا الفهم ما ذكره‬
‫حكي عن‬ ‫ابن حجر فقال‪) :‬وقال ابن العربي ُ‬
‫المبتدعة رد ّ هذه الحاديث‪ ،‬وعن السلف امراُرها‬
‫وعن قوم تأويُلها وبه أقول‪ ..‬فأما قوله )ينزل( فهو‬
‫راجع إلى أفعاله ل إلى ذاته‪ ،‬بل ذلك عباره عن‬
‫مَلكه الذي ينزل بأمره ونهيه والنزول كما يكون في‬ ‫َ‬
‫الجسام يكون في المعاني‪ ،‬فإن حملته في الحديث‬
‫على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك‪ ،‬وإن‬
‫حملته على المعنوى بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل‬
‫فيسمى ذلك نزول ً عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية‬
‫صحيحة انتهى‪ .‬والحاصل أنه تأوله بوجهين إما بأن‬
‫المعنى ينزل أمره‪ ،‬أو المَلك بأمره‪ ،‬وإما بأنه‬
‫استعاره بمعني التلطف بالداعين والجابة لهم‬
‫ونحوه وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض‬
‫المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي‬
‫زل ملكًا‪ ،‬ويقويه ما رواه النسائي من طريق الغر‬ ‫ُين ِ‬

‫‪4‬‬
‫)( مسند أحمد ‪ .218-4/217‬من طرق عن حماد بن سلمة قال حدثنا علي بن زيد عن الحسن‬
‫عن عثمان بن أبي العاص‪ .‬وأخرجه البزار في مسنده ‪.(2320)6/308‬‬
‫وأخرج الطبراني له شاهدا من حديث عبد الرحمن بن سلم الجمحي‪.‬وهو‬
‫صدوق انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .6/193‬يرويه عن داود بن عبد‬

‫الرحمن العطار ‪ 174‬هـ وهو ثقة روى له الجماعة انظر ترجمته فى‬

‫تهذيب التهذيب ‪ .3/192‬يرويه عن هشام بن حسان الزدى وهو ثقة‪ ،‬من‬


‫أثبت الناس فى ابن سيرين انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪.11/36‬‬

‫يرويه عن محمد بن سيرين وهو أحد العلم انظر ترجمته فى تهذيب‬


‫التهذيب ‪.9/216‬‬

‫وهو في المعجم الوسط ‪ (2769)3/154‬والمعجم الكبير ‪(8391)9/59‬‬

‫‪280‬‬
‫عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ " إن الله يمهل‬
‫حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل‬
‫من داع فيستجاب له الحديث"‬
‫وفي حديث عثمان بن أبي العاص ينادي مناد هل‬
‫من داع يستجاب له الحديث‪ ،‬قال القرطبي وبهذا‬
‫يرتفع الشكال()‪ (1‬لكن لما أحضرت مع هذه‬
‫الحاديث متون منكرة أبعدت هذا الفهم الصحيح ِبما‬
‫فيها من تقوية الظاهر وتأكيد المعنى الموهم‪ ،‬حتى‬
‫تكلموا في نزوله بذاته على سبيل النتقال والحركة‬
‫جه في النزول بين السموات‬ ‫وخلو العرش منه وتدر ِ‬
‫وهبوطه وصعوده وارتفاعه بعد النزول وغير ذلك‪.‬‬
‫فأعدل الطرق في ذلك أن نميز الصحيح‬
‫ونطلب له وجها من وجوه الحتجاج التي تتناسب‬
‫ح الواهي‬‫مع دللته وثبوته تفويضا ً أو تاويل ً ثم نطر َ‬
‫والمنكر حتى ل ُيشاغب به على دللة الصحيح‪.‬‬
‫ومن هذه المتون المنكرة ما أخرجه عبد الله بسنده‬
‫)عن ثوير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يقال له أبو الخطاب أنه سأل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟ فقال أحب أن‬
‫أوتر نصف الليل إن الله عز وجل يهبط من‬
‫السماء العليا إلى السماء الدنيا فيقول هل‬
‫من مذنب هل من مستغفر هل من داع حتى إذا‬
‫)‪(2‬‬
‫طلع الفجر ارتفع(‬

‫‪1‬‬
‫)( فتح الباري ‪3/30‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ‪ .(1089)2/476‬ثوير بن أبى فاختة أبو الجهم الكوفى‪ ،‬ضعيف رمى‬
‫بالرفض انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .2/36‬وأبو الخطاب ل يوقف‬

‫على اسمه ذكره ابن حجر في الصابة ‪ 7/108‬وذكر هذا الحديث في‬
‫ترجمته‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫وهذا إسناده ضعيف وذكر الهبوط والرتفاع في متنه‬
‫منكر‪ .‬ول يخفى بعد ما بين لفظ الهبوط ولفظ‬
‫التنزل في هذا السياق‪ ،‬فلفظ الهبوط شديد‬
‫النحراف إلى الظاهر الحسي بخلف لفظ التنزل‬
‫الذي ل يكاد يخفى وجه استعماله العربي في هذا‬
‫السياق‪.‬‬
‫ومنها خبر عن عبيد بن عمير‬
‫قال ابن القيم‪) :‬ذكر عبد الله بن أحمد في كتاب‬
‫السنة من رواية حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن‬
‫عبيد بن عمير قال ينزل الرب عز وجل شطر الليل‬
‫إلى السماء فيقول من يسألني فأعطيه من‬
‫يستغفرني فأغفر له حتى إذا كان الفجر صعد‬
‫الرب عز وجل()‪ (1‬وليس في كتاب السنة هذه‬
‫)‪(2‬‬
‫الزيادة المنكرة في آخره‬
‫ومما استدل به ابن القيم وغيره حديث عبادة بن‬
‫الصامت‬
‫أخرجه الطبراني بسنده )عن عبادة بن الصامت‬
‫قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل‬
‫ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث‬
‫الليل فيقول أل عبد ٌ من عبادي يدعوني فأستجيب‬
‫م لنفسه يدعوني فأغفر له أل مقتٌر‬ ‫له‪ .‬أل ظال ٌ‬
‫ن فأفك عنه‪،‬‬ ‫رزَقه أل مظلوم يدعوني فأنصره أل عا ٍ‬

‫‪1‬‬
‫)( اجتماع الجيوش ‪ 163‬و ‪ .170‬وانظر الحتجاج به في معارج القبول ‪ 1/180‬والتحفة‬
‫المدنية في العقيدة السلفية ‪ 75‬والفواكه العذاب ‪114‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السنة ‪ (507)1/272‬قال عبد ال بن أحمد‪) :‬أخبرت عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال‬
‫قلت لعطاء فذكر حديثا وأما سبحان الملك القدوس فبلغني حسبت أنه يخبر ذلك عن عبيد بن عمير‬
‫قال ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني‬
‫فأغفر له( فهذا سند فيه مجهول وهو شيخ المصنف‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫فيكون كذلك حتى يصبح الصبح ثم يعلو جل وعز‬
‫)‪(1‬‬
‫على كرسيه(‬
‫الستدلل بـ‪) :‬فإذا نزل جلس على كرسيه ثم‬
‫مد ساعديه فإذا كان الصبح ارتفع(‬
‫و أخرج عثمان الدارمي بسنده عن أبي الدرداء‬
‫رضى الله عنه عن رسول الله أنه قال‪) :‬إن الله‬
‫تبارك وتعالى ينزل في ثلث ساعات من الليل يفتح‬
‫الذكر فينظر الله في الساعة الولى منهن في‬
‫الكتاب الذي لم يره غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما‬
‫يشاء ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة‬
‫عدن وهي داره التي لم ترها عين ولم تخطر‬
‫على قلب بشر وهي مسكنه ول يسكنها معه‬
‫من بني آدم غير ثلثة النبيين والصديقين‬
‫والشهداء‪ ،‬ثم يقول طوبى لمن دخلك‪ ،‬ثم ينزل‬
‫في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه‬
‫وملئكته فتنتفض فيقول قومي بعزتي‪ ،‬ثم يطلع إلى‬
‫عباده فيقول هل من مستغفر أغفر له وهل من داع‬
‫أجيب حتى تكون صلة الفجر ولذلك يقول‪" :‬وقرآن‬
‫الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ً ")‪ (2‬يشهده الله‬
‫)‪(3‬‬
‫وملئكة الليل والنهار(‬

‫‪1‬‬
‫)( المعجم الوسط ‪.(6079)6/159‬وانظر العرش للذهبي ‪ ،2/81‬وقال‬

‫محققه‪) :‬الحجة فيه قوله ويعلو على كرسيه( وانظر اجتماع الجيوش ‪54‬‬

‫وحاشية ابن القيم ‪ 13/44‬ومعارج القبول ‪1/297‬‬

‫وفي سنده إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت ‪ 131‬هـ‬

‫يرويه عن عبادة ولم يسمع منه ولم يرو عنه إل مو سى بن عقبة‪ .‬انظر‬
‫ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .1/256‬وانظر مجمع الزوائد للهيثمي‬

‫‪10/154‬والعلو للعلي الغفار للذهبي ‪.1/64‬‬


‫‪2‬‬
‫)( الية )‪ (78‬من سورة السراء‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫وهو في كتب التوحيد والسنة بألفاظ بعضها أنكر‬
‫من بعض‪ .‬فرواه ابن خزيمة وليس فيه ذكر الدار‬
‫والمسكن وفيه )‪..‬فينتفض ()‪ (1‬مضافا ً إلى الغائب‬
‫فل نأمن إذا نبهنا إلى احتمال التصحيف أن يعد هذا‬
‫تعطيل ً أيضًا!‬
‫ورواه ابن مندة في التوحيد ولفظه‪..) :‬وهي مسكنه‬
‫الذي يسكن ول يكون معه فيها إل النبياء‬
‫والشهداء‪ ..‬ثم يهبط‪.(..‬وقال‪) :‬هذا إسناد حسن‬
‫)‪(2‬‬
‫مصري(‬
‫وهذا السناد الذي حسنه واحتج به من احتج به في‬
‫كتب التوحيد والعقيدة )‪ (3‬فيه من هو منكر الحديث‬
‫)‪(4‬‬
‫عند علماء هذا الفن‬
‫ول يخفى وجه نكارته في إثبات هذا النزول الذي ل‬
‫يكاد يحتمل تأويل ً يصرفه عن النزول الحسي مع ما‬
‫فيه من إثبات مسكن له يكون معه فيه النبياء‬
‫والشهداء‪.‬‬
‫المسألة السابعة‪ :‬وصفه تعالى بالمسافة‬

‫‪3‬‬
‫)( الرد على الجهمية ‪(128)1/76‬‬
‫‪1‬‬
‫)( في كتاب التوحيد ‪135‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ‪/3/308‬وهو بنحوه في المعجم الوسط ‪ (8635)8/279‬واعتقاد أهل‬
‫السنة ‪ (756)3/442‬وكتاب العرش لبن أبي شيبة ‪.(86)93‬‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر الحتجاج به أيضًا في شرح قصيدة ابن القيم ‪ 2/502‬ومعارج القبول ‪ 1/197‬و ‪1/299‬‬
‫وعزاه إلى كتاب السنة للخلل‬
‫‪4‬‬
‫)( وهو عند جميعهم من رواية زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد‬
‫عنه‬
‫قال البخاري في التاريخ الكبير ‪)3/446‬زيادة بن محمد‪ ..‬منكر الحديث(‪ .‬وترجمه العقيلي في‬
‫الضعفاء ‪ 2/93‬وساق هذا الحديث في ترجمته‪ .‬وكذلك فعل الذهبي في ميزان العتدال ‪3/145‬‬

‫‪284‬‬
‫احتجوا بما جاء في حديث السراء من رواية‬
‫شريك عن أنس رضي الله عنه‬
‫أخرجه المام البخاري بسنده عن شريك بن عبد‬
‫الله أنه قال سمعت أنس بن مالك‪ ،‬وفيه أنه قال‪:‬‬
‫)‪ ..‬ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل‬
‫ذلك كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم‬
‫إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في‬
‫الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة‬
‫وموسى في السابعة بتفضيل كلم الله‪ ،‬فقال‬
‫موسى‪ :‬رب لم أظن أن ترفع علي أحدًا‪ .‬ثم عل به‬
‫فوق ذلك بما ل يعلمه إل الله حتى جاء سدرة‬
‫المنتهى‪ ،‬ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى‬
‫كان منه قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬فأوحى الله‬
‫فيما أوحى إليه خمسين صلة على أمتك كل يوم‬
‫وليلة‪ ،‬ثم هبط حتى بلغ موسى‪ ،‬فاحتبسه موسى‬
‫فقال‪ :‬يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال عهد إلي‬
‫خمسين صلة كل يوم وليلة‪ .‬قال إن أمتك ل‬
‫تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم‪.‬‬
‫فالتفت النبي إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك‬
‫فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت فعل به إلى‬
‫الجبار فقال وهو مكانه يا رب خفف عنا فإن‬
‫)‪(1‬‬
‫أمتي ل تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات…(‬
‫وقد تكلم الحفاظ في هذه الرواية كثيرًا‪ ،‬وقد ذكر‬
‫شريك فيها ما ُيثِبت نسيانه في ما ذكره من عدم‬
‫ضبطه لمن في السموات‪ .‬ومن أجمع ما قيل فيها‬
‫ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح حيث نقل عن‬
‫الخطابي أن قوله ودنا الجبار رب العزة فتدلى‬
‫يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين‬
‫الخر وتمييز مكان كل واحد منهما قال‪) :‬هذا على‬

‫‪1‬‬
‫)( صحيح البخاري ‪(7079) 6/370‬‬

‫‪285‬‬
‫ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي‬
‫تعلق من فوق إلى أسفل‪ .‬قال فمن لم يبلغه من‬
‫هذا الحديث إل هذا القدر مقطوعا ً عن غيره ولم‬
‫يعتبره بأول القصة وآخرها اشتبه عليه وجهه ومعناه‬
‫وكان قصاراه إما رد الحديث من أصله وإما الوقوع‬
‫في التشبيه‪ ،‬وهما خطتان مرغوب عنهما‪ ،‬وأما من‬
‫اعتبر أول الحديث بآخره فإنه يزول عنه الشكال‬
‫فإنه مصرح فيهما بأنه كان رؤيا لقوله في أوله‬
‫"وهو نائم" وفي آخره‪" :‬استيقظ " وبعض الرؤيا‬
‫ل يضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن‬ ‫مث ٌ‬
‫يصرف إليه في مثله‪ ،‬وبعض الرؤيا ل يحتاج إلى‬
‫ذلك بل يأتي كالمشاهدة‪.‬‬
‫قلت‪ -‬الحافظ ابن حجر‪ -‬وهو كما قال …ثم قال‬
‫الخطابي إن الذي وقع في هذه الرواية من نسبة‬
‫التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف‬
‫والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر‬
‫قال والذي قيل فيه ثلثة أقوال أحدها أنه دنا جبريل‬
‫من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى أي تقرب‬
‫منه‬
‫الثاني‪ :‬تدلى له جبريل بعد النتصاب والرتفاع حتى‬
‫رآه متدليا ً كما رآه مرتفعا ً وذلك من آيات الله حيث‬
‫أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد‬
‫على شيء ول تمسك بشيء‬
‫الثالث‪ :‬دنا جبريل فتدلى محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ساجدا ً لربه تعالى شكرا ً على ما أعطاه‬
‫قال وقد روى هذا الحديث عن أنس من غير طريق‬
‫شريك فلم يذكر فيه هذه اللفاظ الشنيعة وذلك‬
‫مما يقوي الظن أنها صادرة من جهة شريك انتهى‬
‫…ثم قال الخطابي وفي هذا الحديث لفظة أخرى‬
‫تفرد بها شريك أيضا ً لم يذكرها غيره وهي قوله"‬
‫فعل به يعني جبريل إلى الجبار تعالى فقال وهو‬

‫‪286‬‬
‫مكانه يا رب ")‪ (1‬قال والمكان ل يضاف إلى الله‬
‫تعالى إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫مقامه الول الذي قام فيه قبل هبوطه انتهى‪-‬كلم‬
‫الخطابي‪ … -‬وقد أزال العلماء إشكاله فقال‬
‫القاضي عياض في الشفا‪ :‬إضافة الدنو والقرب إلى‬
‫الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ول قرب‬
‫زمان وإنما هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته وبالنسبة‬
‫إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه وإكرام له‪ .‬ويتأول‬
‫فيه ما قالوه في حديث ينزل ربنا إلى السماء وكذا‬
‫في حديث من تقرب مني شبرا ً تقربت منه ذراعا ً‬
‫وقال غيره الدنو مجاز معنوي لظهار عظيم منزلته‬
‫عند ربه تعالى‪ .‬والتدلي طلب‪ ،‬وقاب قوسين‬
‫بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن‬
‫لطف المحل وإيضًاح المعرفة وبالنسبة إلى الله‬
‫إجابة سؤاله ورفع درجته‪..‬‬
‫وقد سبق إلى التنبيه على ما في رواية شريك من‬
‫م في صحيحه فإنه قال بعد أن ساق‬ ‫المخالفة مسل ٌ‬
‫)‪(2‬‬
‫سنده وبعض المتن‪ :‬قال فقدم وأخر وزاد ونقص‬
‫و‪-‬شريك‪ -‬قال فيه النسائي وأبو محمد بن الجارود‬
‫ليس بالقوي وكان يحيى بن سعيد القطان ل يحدث‬
‫عنه نعم قال محمد بن سعد وأبو داود ثقة‪ (3) .‬فهو‬
‫‪1‬‬
‫)( إذا علمنا أن هذه اللفظة مما تفرد به شريك فقد علمنا أن الحافظ‬

‫عبد الغني المقدسي قد أبعد بقوله في عقيدته ص ‪) :70‬والمنكر لهذه‬


‫اللفظة بعد هذا الحديث راد على الله ورسوله(‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر صحيح مسلم ‪(162)1/148‬‬
‫‪3‬‬
‫)( قال الذهبي في ميزان العتدال للذهبي ‪) 3/372‬شريك بن عبد ال بن أبي نمر المدني‬
‫تابعي صدوق‪.‬قال ابن معين ل بأس به‪ .‬وقال هو والنسائي ليس بالقوي‪..‬حدثنا محمد بن إسماعيل‬
‫حدثنا عبد العزيز بن عبد ال حدثني سليمان عن شريك سمعت أنسأ يقول ليلة أسري برسول‬

‫‪287‬‬
‫مختلف فيه فإذا تفرد عُد ّ ما ينفرد به شاذًا…‬
‫ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من‬
‫المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك‪..‬منها‬
‫نسبة الدنو والتدلي إلى الله عز وجل والمشهور‬
‫في الحديث أنه جبريل)‪…(1‬ومنها قوله "فعل به‬
‫الجبار فقال وهو مكانه" وقد تقدم ما فيه‪ .‬فهذه‬
‫أكثر من عشرة مواضع في هذا الحديث لم أرها‬
‫)‪(2‬‬
‫مجموعة في كلم أحد ممن تقدم (‬
‫ونسبة التدلي إلى جبريل عليه السلم ثابتة في‬
‫الصحيحين أو أحدهما من حديث أم المؤمنين‬
‫)‪(5‬‬
‫عائشة )‪ (3‬وعبد الله بن مسعود)‪ (4‬وأبي هريرة‬
‫رضي الله عنهم‪.‬‬
‫ولم يلتفت القوم إلى هذا النقد الحديثي فاحتجوا‬
‫بخبر شريك )‪ (6‬بل إن ابن القيم لما تحدث عن‬
‫رواية شريك في كتاب موضوعه السيرة النبوية نبه‬
‫على مخالفة شريك‪ ،‬ولما وصل إلى العقيدة غض‬

‫ال صلى ال عليه وسلم وذكر الحديث إلى أن قال ثم عل به فوق ذلك بما ل يعلمه إل ال حتى‬
‫جاء سدرة المنتهى ودنا من الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى‪ .‬وهذ من‬
‫غرائب الصحيح(‪ .‬وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب ‪) :266‬صدوق يخطىء(‬
‫‪1‬‬
‫)( قال البيهقي في السماء والصفات ‪ ..) :555‬وقد خالفه فيما تفرد به‬

‫من الرواية عبد الله بن مسعود وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم وهم‬
‫أحفظ وأكبر وأكثر(‬
‫‪2‬‬
‫)( فتح الباري ‪ .485-13/483‬وانظر نحوه في السماء والصفات للبيهقي ‪ .555‬وانظر كلم‬
‫ابن كثير في تفسيره‪ 3/4 .‬ودفع شبه من شبه وتمرد للتقي الحصني ‪10‬‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر صحيح البخاري ‪ (3062)3/1181‬و)‪ (3063‬وصحيح مسلم ‪(177)1/160‬‬
‫‪4‬‬
‫)( انظرصحيح البخاري ‪ (3061) 3/1181‬و ‪ (4575) (4574)4/1840‬وصحيح مسلم‬
‫‪(174)1/158‬‬
‫‪5‬‬
‫)( انظر صحيح مسلم ‪(175)1/158‬‬

‫‪288‬‬
‫الطرف عنه‪ .‬قال في زاد المعاد‪ ..) :‬وأما ما وقع‬
‫في حديث شريك أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه‬
‫فهذا مما عد من أغلط شريك الثمانية وسوء‬
‫)‪(1‬‬
‫حفظه لحديث السراء(‬
‫ولكنه قال في قصيدته النونية التي نظمها في‬
‫العقيدة ‪):‬فقدرت من قربه من ربه قوسان(‬
‫)‪(2‬‬

‫فمن أعجب ما يصنعه محتج بحديث ما أن ينقده في‬


‫السيرة ويحتج به في العقيدة‪ ،‬مع أن المعروف في‬
‫مناهج العلماء أن يتشددوا في العقيدة والحلل‬
‫والحرام وأن يقبلوا في الخبار والتاريخ ما ل يقبلونه‬
‫في الحلل والحرام !‬

‫ومما استدلوا به في إثبات المسافة خبر يروى عن‬


‫الحسن البصري‬
‫قال ابن القيم‪) :‬قول الحسن رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫روى أبو بكر الهذيلي عن الحسن رحمه الله تعالى‬
‫قال ليس شيء عند ربك من الخلق أقرب‬
‫إليه من إسرافيل وبينه وبين ربه سبعة حجب‬
‫كل حجاب مسيرة خمسمائة عام وإسرافيل دون‬

‫‪6‬‬
‫)( يييي يييي ييييي يييي ييي ييييي ‪ 104‬يييييي ييييي‬
‫يييييي ‪ 1/61‬ييييييي يييييي ‪ 48‬يييي ييييييي‬

‫يييييييي يييي ييي يييي ‪ 1/248‬ييييييي ييييييي يي‬

‫ييييييي ييييييي يييي يي يييي ‪ 41‬يييي ييييي يي يييي‬


‫ييييي ييي ييييي ييييييي ‪1/116‬‬
‫‪1‬‬
‫)( ‪1/99‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر شرح قصيدة ابن القيم ‪1/198‬‬

‫‪289‬‬
‫هؤلء ورأسه تحت العرش ورجله في تخوم‬
‫)‪(1‬‬
‫السابعة(‬
‫ويقول أحدهم مصرحا بما فهمه من هذا الخبر‪:‬‬
‫)مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع‬
‫غيره من المخلوقات‪ :‬فهو أقربها إليه‬
‫سبحانه‪ ،‬وذلك لن الله سبحانه قد أخبر أنه‬
‫مستو على عرشه في أكثر من موضع ففي‬
‫)‪(2‬‬
‫إثبات الستواء على العرش دليل على قربه إليه(‬
‫ثم يقول عن قرب حملة العرش‪) :‬فكونهم أقرب‬
‫الخلق إلى الله دليل على أن العرش أقرب‬
‫)‪(3‬‬
‫منهم إليه سبحانه لنهم إنما يحملونه(‬
‫ة بينه‬ ‫ة بينه وبين العرش ونسب ً‬
‫وبهذا جعلوا لله نسب ً‬
‫وبين حملة العرش هي كالنسبة التي تثبت بين‬
‫العرش وحملة العرش‪.‬‬

‫ومما استدلوا به أيضا ً ما ذكره الذهبي‬


‫فقال‪) :‬حديث يحيى بن سعيد الموي حدثنا أحوص‬
‫بن حكيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عائذ الثمالي‬

‫‪1‬‬
‫)( اجتماع جيوشه ‪ 69‬و ‪ .163‬وانظر الحتجاج به في التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع‬
‫للملطي ‪101‬و ‪112‬‬
‫والتحفة المدنية لحمد بن ناصر ‪.75‬‬
‫وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪ .(278) 2/687‬وأبو بكر الهذلى البصرى‪ ،‬قيل اسمه سلمى بن‬
‫عبد ال بن سلمى‪ ،‬وقيل روح ‪ 167‬هـ وهو أخبارى متروك الحديث‪.‬انظر ترجمته فى تهذيب‬
‫التهذيب ‪.12/46‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هو د‪ -‬محمد بن خليفة التميمي في رسالته التي نال فيها الماجستير‬
‫من الجامعة السلمية بالمدينة "محمد بن عثمان بن أبي شيبة وكتابه‬

‫العرش " ‪81‬‬


‫‪3‬‬
‫)( المصدر السابق ‪82‬‬

‫‪290‬‬
‫عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله إن‬
‫أقرب الخلق إلى الله تعالى جبرائيل‬
‫وإسرافيل وميكائيل وإنهم من الله تعالى‬
‫بمسيرة خمسين ألف سنة‪ .‬رواه ابن منده في‬
‫الصفات وشيخ السلم في الفاروق‪.‬وإسناده لين‬
‫)‪(1‬‬
‫لن الحوص ليس بمعتمد(‬
‫وهذه الخبار مصدرها السرائيليات التي كان يحدث‬
‫)‪(2‬‬
‫بها وهب بن منبه وعبد الله بن سلم وكعب الحبار‬
‫ومما احتجوا به أيضا ً ما أخرجه أبو الشيخ‬
‫الصفهاني بسنده )عن مجاهد في قوله عز وجل‪:‬‬
‫"وقربناه نجيا ً ")‪ (3‬قال بين السماء السابعة وبين‬
‫العرش سبعون ألف حجاب فما زال يقرب‬
‫موسى حتى صار بينه وبينه حجاب فلما‬
‫رأى مكانه وسمع صريف القلم قال رب أرني‬
‫)‪(4‬‬
‫أنظر إليك(‬
‫ومجاهد بن جبر يروي أهل الكتاب وهذا المروي‬
‫منكر لما فيه من إثبات المكان ولما فيه من مخالفة‬
‫ظاهر القرآن لن موسى طلب الرؤية في الواد‬

‫‪1‬‬
‫)( العلو للعلي الغفار ‪. 1/90‬‬

‫وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ‪ (276) 2/684‬وهو في الللىء المصنوعة للسيوطي ‪1/71‬‬
‫والحوص بن حكيم ضعيف وقال الحافظ فى تهذيب التهذيب ‪..) :1/192‬وحكى عن أبى بكر‬
‫ابن عباس قيل للحوص‪ :‬ما هذه الحاديث التى تحدث بها عن النبى صلى ال عليه وآله وسلم ؟‬
‫قال‪ :‬أوليس الحديث كله عن النبى صلى ال عليه وآله وسلم(‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر هذه الخبار في العظمة ‪ (287)2/696‬و ‪ (300)2/705‬و ‪ (299)2/713‬والمعجم‬
‫الوسط للطبراني ‪(8942) 8/382‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الية )‪ (25‬من سورة مريم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( العظمة ‪ (301)2/714‬وأخرجه الطبري في تفسيره ‪ 16/95‬والبيهقي في السماء والصفات‬
‫‪508‬‬

‫‪291‬‬
‫المقدس وهذا الخبر ينص على طلبه بعد تجاوز‬
‫حجب السماء قال تعالى‪):‬وناديناه من جانب الطور‬
‫ً )‪(1‬‬
‫اليمن وقربناه نجيا(‬
‫وقال تعالى‪) :‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه‬
‫)‪(2‬‬
‫قال رب أرني أنظر إليك(‬
‫واحتج به ابن تيمية واستشهد له بخبر إسرائيلي‬
‫أنكر منه‪ .‬فقال رجمه الله‪ ..) :‬وقد ناداه من موضع‬
‫معين وقربه إليه دل ذلك على ما قاله السلف‬
‫من قربه ودنوه من موسى عليه السلم مع‬
‫أن هذا قرب مما دون السماء‪ .‬وقد جاء أيضا ً من‬
‫حديث وهب بن منبه وغيره من السرائيليات قربه‬
‫من أيوب عليه السلم وغيره من النبياء عليهم‬
‫السلم‪ .‬ولفظه الذي ساقه البغوى أنه أظله غمام‬
‫ثم نودى يا أيوب أنا الله‪ ،‬يقول أنا قد دنوت منك‬
‫أنزل منك قريبا‪ ،‬لكن السرائيليات إنما تذكر‬
‫على وجه المتابعة ل على وجه العتماد عليها‬
‫)‪(3‬‬
‫وحدها(‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهذا الذي عده ابن تيمية استشهادا ل اعتمادا هو ما‬
‫أشرنا إليه من تقوية الظاهرالموهم وتحكيمه بلفظ‬
‫الكتاب فأين قوله تعالى‪) :‬وناديناه من جانب الطور‬
‫اليمن وقربناه نجيًا( من هذا التقريب الذي ُأدني‬
‫فيه حتى جاوز حجب السماء وسمع صريف القلم‬

‫وانظر الحتجاج به في التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع‬

‫للملطي ‪101‬و ‪ 112‬وكتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة‬

‫‪ 5/464‬والعلو للعلي الغفار ‪1/128‬واجتماع الجيوش‬


‫‪161‬ومعارج القبول ‪1/182‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الية )‪ (52‬من سورة مريم‬
‫‪2‬‬
‫)( الية )‪ (143‬من سورة العراف‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫والتقريب الذي فيه الدنو والنزول قريبا ً منه ؟ فل‬
‫يتم هذا الستشهاد إل إذا جعلنا الدللة واحدة في‬
‫النصين‪ ،‬وهذا هو الرجوع بالمتشابه إلى المنكرات‬
‫والسرائيليات‪.‬‬
‫فهذا حال ما احتجوا به لثبات بعد المسافة بين‬
‫الله وخلقه‪ .‬ومن أصرح ما في إثباته قول الدارمي‪:‬‬
‫)‪..‬فيقال لهذا المعارض المدعي ما ل علم له من‬
‫أنبأك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله تعالى‬
‫من أسفله؟ لنه من آمن بأن الله فوق عرشه‬
‫فوق سمواته علم يقينا ً أن رأس الجبل‬
‫أقرب إلى الله من أسفله‪ ،‬وأن السماء‬
‫السابعة أقرب إلى عرش الله تعالى من السادسة‬
‫والسادسة أقرب إليه من الخامسة ثم كذلك إلى‬
‫)‪(1‬‬
‫الرض(‬

‫‪3‬‬
‫)( كتب ورسائل ابن تيمية في العقيدة ‪ .5/464‬وانظر الدر‬

‫المنثور للسيوطي ‪ 5/515‬وفي بعض ماروي فيه ما يؤكد‬

‫إسرائيلية أصله‪ .‬منه قولهم‪ :‬أردفه جبريل حتى سمع صرير‬


‫القلم والتوراة تكتب له وقولهم‪ :‬أدخل في السماء فكلم‬
‫‪1‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪ .1/504‬وانظر الفواكه العذاب لحمد بن ناصر‬
‫‪ 157‬وإثبات علوالله لحمود التويجري ‪84‬‬

‫‪293‬‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬وصفه تعالى بالمماسة‬
‫أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن حكيم بن جابر‬
‫قال‪) :‬إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده غير‬
‫ثلثة أشياء خلق الجنة بيده‪ ،‬ثم جعل ترابها‬
‫الوْرس)‪ (1‬والزعفران وجبالها المسك وخلق آدم‬
‫)‪(2‬‬
‫بيده وكتب التوراة لموسى(‬
‫وأخرج عبد الله بسنده عن عكرمة أنه قال )إن الله‬
‫عز وجل لم يمس بيده إل آدم صلوات الله‬
‫عليه خلقه بيده والجنة والتوارة كتبها بيده قال‬

‫‪1‬‬
‫)( نبات أصفر يصبغ به‪ .‬انظر النهاية في غريب الحديث لبن الثير‬

‫‪.5/172‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصنف ‪ (573)7/28‬قال‪):‬حدثنا عبد ال بن نمير قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد(‪.‬وعبد‬
‫ال هو أبو هشام الكوفى ‪ 199‬هـ ثقة صاحب حديث من أهل السنة انظر ترجمته في تهذيب‬
‫التهذيب ‪ .6/58‬يرويه عن إسماعيل بن أبى خالد أبو عبد ال الكوفي ‪ 146‬هـ وهو ثقة ثبت قال‬
‫الحافظ فى تهذيب التهذيب ‪.1/292‬ويرويه إسماعيل عن حكيم بن جابر بن طارق بن عوف‬
‫الحمسى الكوفى وهو ثقة وترجمته في تهذيب التهذيب ‪ .2/445‬وذكره الذهبي في العلو ‪1/125‬‬
‫عن يعلى بن عبيد يرويه عن إسماعيل عن حكيم ويعلى وهو أبو يوسف الطنافسى الكوفى ‪209‬‬
‫هـ قال الحافظ فى تهذيب التهذيب ‪):11/403‬وقال الدارقطنى‪ :‬بنو عبيد كلهم ثقات‪ .‬وقال ابن‬
‫عمار الموصلى‪ :‬أولد عبيد كلهم ثبت‪ ،‬وأحفظهم يعلى(‬
‫وأخرجه عثمان بن سعيد في النقض على المريسي ‪ 266-1/263‬بسند فيه عطاء بن السائب‬
‫‪ 136‬هـ وهو صدوق اختلط انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .7/206‬يرويه عطاء عن ميسرة‬
‫بن يعقوب أبو جميلة الطهوى الكوفي وهو مقبول انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب‬
‫‪.1/345‬وأخرجه عبد ال بن أحمد في السنة ‪ (573) 1/296‬و ‪ (1206)2/525‬بسند فيه إبراهيم‬
‫بن الحكم بن أبان‪ ،‬أبو إسحاق العدنى وهو ضعيف وصل مراسيل انظر ترجمته فى تهذيب‬
‫التهذيب ‪ .1/116‬وأخرجه من طريق عبد ال بن أحمد أبو بكر النجاد في الرد على من يقول‬
‫القرآن مخلوق ‪(98) 1/67‬‬

‫‪294‬‬
‫ودملج)‪(1‬الله عز وجل لؤلؤة بيده فغرس فيها‬
‫قضيبا ً فقال امتدي حتى أرضي وأخرجي ما فيك‬
‫)‪(2‬‬
‫بإذني فأخرجت النهار والثمار(‬
‫وقد تناقض المثبتون في إثبات ما يقتضيه هذا الخبر‬
‫فقد أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة وتحمس‬
‫في إثباته عثمان بن سعيد )‪ (3‬واشتد على من تأوَله‬
‫فقال‪) :‬فيقال لهذا المريسي الجاهل بالله وبآياته‬
‫ي خل ْقَ ذلك غيُره‬ ‫فهل علمت شيئا مما خلق الله ول ِ َ‬
‫قه من غير‬ ‫ي خل َ‬ ‫حتى خص آدم من بينهم أنه ول َ‬
‫ل‬
‫مه‪ .‬وإل فمن ادعى أن الله لم ي ِ‬ ‫مسيس بيده فس ّ‬
‫ي خل ْ َ‬
‫ق‬ ‫خل ْقَ شيء صغيرأو كبير فقد كفر‪ ،‬غيرأنه ول ِ َ‬
‫ق آدم بيده‬ ‫ي خل ْ َ‬ ‫الشياء بأمره وقوله وإرادته وول َ‬
‫مسيسا ً لم يخلق ذا روح بيديه غيره‪ ،‬فلذلك‬
‫خصه وفضله وشرف بذلك ذكره لول ذلك ما كانت‬
‫له فضيلة من ذلك على شيء من خلقه إذ خلقهم‬
‫بغير مسيس في دعواك‪.‬‬
‫وأما قولك تأكيد للخلق فلعمري إنه لتأكيد جهلت‬
‫معناه فقلبته إنما هو تأكيد اليدين وتحقيقهما‬
‫د‬
‫وتفسيرهما حتى يعلم العباد أنها تأكي ُ‬

‫‪1‬‬
‫)( قال ابن منظور في لسان العرب )دملج( ‪) 2/276‬الدملجة‪ :‬تسوية الشيء كما يدملج السوار‬
‫وفي حديث خالد بن معدان دملج ال لؤلؤة ودملج الشيء إذا سواه وأحسن صنعته(‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السنة ‪ (574)1/297‬بسند فيه عبدة بنت خالد بن معدان ول يعرف لها ترجمة‪ .‬وأخرجه من‬
‫طريق عبد ال بن أحمد أبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ‪.(99) 1/67‬‬
‫وأخرجه الطبري في تفسيره عن بعض أهل= الشام ‪= -‬ولعله كعب‪)13/147 -‬قال إن ربك أخذ‬
‫لؤلؤة فوضعها على راحتيه ثم دملجها بين كفيه ثم غرسها وسط أهل الجنة ثم قال لها وكفيت حتى‬
‫تبلغي مرضاتي ففعلت فلما استوت تفجرت من أصولها أنهار الجنة وهي طوبى(‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر موافقة محقق "إبطال التأويلت" على ما ذكره عثمان بن سعيد في حاشية ‪.1/207‬‬
‫وانظر أيضًا شرح قصيدة ابن القيم لحمد بن إبراهيم بن عيسى ‪2/501‬‬

‫‪295‬‬
‫س بيد‪ ،‬لما أن الله قد خلق خلقا ً كثيرا ً في‬ ‫مسي ٍ‬
‫السموات والرض أكبَر من آدم وأصغر وخلق‬
‫النبياء والرسل وكيف لم يؤكد في خلق شيء منها‬
‫ما أكد في آدم‪ ،‬إذ كان أمر المخلوقين في معنى‬
‫يدي الله كمعنى آدم عند المريسي فإن يك صادقا ً‬
‫م شيئا ً نعرفه وإل فإنه الجاحد‬ ‫في دعواه فليس ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫بآيات الله المعطل ليدي الله(‬
‫والذي يبدو لي والله أعلم أن هذا الخبر من‬
‫السرائيليات فقد أخرج عثمان بن سعيد بسند‬
‫صحيح عن كعب الحبار أنه قال‪) :‬لم يخلق الله غير‬
‫ثلث خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة‬
‫عدن بيده ثم قال لها تكلمي قالت قد أفلح‬
‫)‪(2‬‬
‫المؤمنون(‬
‫فإن قيل هذا الخبر موافق لقول الله تعالى‪) :‬ما‬
‫منعك أن تسجد لما خلقت بيدي()‪ (3‬ويمتنع التأويل‬
‫لنه لو كانت اليد هي القدرة لدى إلى إثبات قدرتين‬
‫لن اللفظ جاء على صيغة المثنى‪ .‬وتأويله بالقدرة‬

‫‪1‬‬
‫)( نقض المام عثمان بن سعيد ‪1/230‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقض عثمان بن سعيد ‪ .1/265‬عن محمد بن المنهال قال‪:‬ثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن‬
‫أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن كعب‪ .‬ومحمد بن المنهال أبو جعفرالضرير ‪ 231‬هـ ثقة‬
‫حافظ انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .9/476‬يرويه عن يزيد بن زريع العيشى ‪ 182‬هـ وهو‬
‫ثقة ثبت انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .11/327‬ويرويه يزيد عن سعيد بن أبى عروبة ‪156‬‬
‫هـ وهو ثقة حافظ و كان من أثبت الناس فى قتادة‪.‬انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ‪ .4/64‬وقال‬
‫ابن حبان فى الثقات ‪) :6/360‬وكان قد اختلط سنة خمس وأربعين ومائة وبقى خمس سنين في‬
‫اختلطه وأحب إلي أن ل يحتج به إل بما روى عنه القدماء قبل اختلطه مثل بن المبارك ويزيد‬
‫بن زريع وذويهما(‪ .‬ويرويه سعيد عن قتادة بن دعامة السدوسى وهو ثقة ثبت انظر ترجمته فى‬
‫تهذيب التهذيب ‪.8/35‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الية )‪ (75‬من سورة ص‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫يمنع الخصوصية التي توجبها الية لدم كما أشار‬
‫إلى ذلك الدارمي فله ثلثة أجوبة ذكرها القاضي‬
‫ابن جماعة فقال‪) :‬أحدها أن المراد مزيد العناية‬
‫بإنعامه عليه في خلقه وإيجاده وتكريمه كما يقال‬
‫ت وصيتك بكلتا يدي‪،‬‬ ‫خذ هذا المر بكلتا يديك‪ ،‬وأخذ ُ‬
‫ول شك أن العتناء بخلق آدم حاصل بإيجاده وجعله‬
‫خليفة في الرض وتعليمه السماء وإسكانه الجنة‬
‫وسجود الملئكة له فلذلك خصه بما يدل لغة على‬
‫مزيد العتناء‬
‫الجواب الثاني أن المراد بيدي القدرة لن غالب‬
‫قدرة النسان في تصرفاته بيده وُثنيت اليد مبالغ ً‬
‫ة‬
‫في عظم القدرة فإنها باليدين أكثر منها بالواحدة‪.‬‬
‫الثالث أن يكون ذكر اليدين صلة لقصد التخصيص‬
‫به تعالى ومعناه ِلما خلقت أنا دون غيري ومنه قوله‬
‫تعالى‪" :‬ذلك بما قدمت يداك")‪ (1‬أي بما قدمت‬
‫أنت‪..‬‬
‫فإن قيل إن كان المراد بخلقت بيدي القدرة لم‬
‫يكن لدم مزية لن الخلق كلهم بقدرته؟‬
‫قلنا المراد مزيته بالخلق في الكرام بالنواع التي‬
‫ذكرناها‪ .‬وكذلك قوله تعالى‪" :‬مما عملت‬
‫أيدينا")‪(2‬فليس لها مزية على غيرها باعتبار الخلق‬
‫وحده بل بإعتبار ما جعل في خلقها من المنافع‬
‫المعدومة في غيرها‪.‬‬
‫فإن قيل فالقدرة شيء واحد ل يثنى ول يجمع وقد‬
‫ثنيت وجمعت ؟‬
‫قلنا هذا غير ممنوع فقد نطقت العرب بذلك‬
‫بقولهم‪ :‬مالك بذلك يدان‪ .‬وفي الحديث عن يأجوج‬

‫‪1‬‬
‫)( الية )‪ (10‬من سورة الحج‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الية )‪ (71‬من سورة يس‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫ومأجوج )ما لحد يدان بقتالهم()‪ (3‬فثنوا عند قصد‬
‫المبالغة ومنه )بين يدي نجواكم صدقة()‪ (4‬وأيضا ً فقد‬
‫جاء )يد الله()‪ (5‬وجاء‪):‬بل يداه مبسوطتان()‪ (6‬وجاء‪:‬‬
‫مل على‬ ‫)بأيدينا()‪ (7‬فلو لم يحمل على القدرة وح ِ‬
‫)‪(8‬‬
‫الظاهر لزم من تصوير ذلك ما يتعالى الله عنه(‬

‫‪3‬‬
‫)( أخرجه المام مسلم في صحيحه ‪(2937) 4/2250‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الية )‪ (13‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الية )‪ (10‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫)( الية )‪ (64‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫)( الية )‪ (52‬من سورة التوبة‪) .‬ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله‬
‫بعذاب من عنده أو بأيدينا( ول يخفى أن الستشهاد بقوله تعالى في الية‬

‫)‪ (71‬من سورة يس‪) :‬أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا(‬
‫أصح‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫)( إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ‪127-125‬‬

‫‪298‬‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬وصفه بالصورة‬
‫جاء في بعض الحاديث الصحيحة إضافة‬
‫هم عودَته على الله عز‬ ‫"الصورة" إلى ضمير يو ِ‬
‫وجل مع ما فيها من ظهور الشارة إلى عودته على‬
‫ة بالمعنى فعلت بدللة الحاديث‬ ‫ابن آدم‪ .‬لكن الرواي َ‬
‫الصحيحة ما فعلته‪ .‬ولبيان ذلك يتعين الوقوف على‬
‫بعض هذه الروايات الصحيحة والكلم على‬
‫تفسيرها‪ ،‬ثم نسوق الروايات الخرى التي حكموها‬
‫في دللة الحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫أخرج المام مسلم بسنده )عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن‬
‫)‪(1‬‬
‫الله خلق آدم على صورته(‬
‫وأخرج المام البخاري في الدب المفرد بسنده‬
‫)عن أبى هريرة قال‪ :‬ل تقولن قبح الله وجهك ووجه‬
‫من أشبه وجهك فإن الله عز وجل خلق آدم صلى‬
‫)‪(2‬‬
‫الله عليه وسلم على صورته(‬

‫‪1‬‬
‫)( صحيح مسلم ‪ (2612)4/2017‬وهو في مسند الحميدي ‪ (1121)2/476‬ومسند أحمد‬
‫‪ (7319)2/244‬و ‪ (10743)2/519‬والسنة لعبدال بن أحمد ‪ (496)1/267‬واعتقاد أهل السنة‬
‫‪ (714)3/423‬وغيرها من طرق عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الدب المفرد ‪.(173)1/71‬وهو في مصنف عبد الرزاق ‪ 9/445‬و مسند الحميدي ‪)2/476‬‬
‫‪ (1120‬ومسند أحمد ‪ (7414)2/251‬و ‪ (9602)2/434‬والسنة لبن أبي عاصم ‪(519)1/229‬‬
‫)‪ (520‬والسنة لعبدال بن أحمد ‪ (1071) (1068)2/470‬والتوحيد لبن خزيمة ‪ 36‬وصحيح ابن‬
‫حبان ‪ (5710)13/18‬والصفات للدارقطني ‪ (44)35‬و)‪ (46‬واعتقاد أهل السنة للللكائي‬
‫‪ (715)3/423‬والسماء والصفات للبيهقي ‪371‬‬
‫وهو عند جميهم بإسناده حسن صحيح‪ .‬ورجاله ثقات على كلم يسير في ابن عجلن وهو محمد‬
‫بن عجلن القرشى‪ ،‬أبو عبد ال المدنى ‪ 148‬هـ‪ .‬وثقه أحمد وابن معين وقال الحافظ فى تهذيب‬
‫التهذيب ‪) :9/342‬وقال يحيى القطان‪ ،‬عن ابن عجلن‪ :‬كان سعيد المقبرى يحدث عن أبى‬

‫‪299‬‬
‫ول يكاد يخفي في هذه الحاديث عود الضميرعلى‬
‫المضروب‪ .‬وقد نص على ذلك بعض المحدثين‬
‫المبرئين من تهمة التجهم‪ ،‬من ذلك قول ابن خزيمة‬
‫رحمه الله‪) :‬باب ذكر أخبار صورته عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم تأولها بعض من لم يتحر العلم على‬
‫غير تأويلها ففتن عالما ً من أهل الجهل والغباوة‬
‫حملهم الجهل بمعنى الخبر على القول بالتشبيه جل‬
‫وعل أن يكون وجه خَلق من خلقه مثل وجهه‪..‬توهم‬
‫بعض من لم يتحر العلم أن قوله "على صورته "‬
‫يريد صورة الرحمن‪ ،‬عز ربنا وجل أن يكون هذا‬
‫معنى الخبر بل معنى قوله "خلق آدم على صورته"‬
‫الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب‬
‫الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب والذي‬
‫قبح وجههه فزجره النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫ه‬
‫ه وج ِ‬‫يقول ووجه من أشبه وجهك لن وجه آدم شبي ُ‬
‫بنيه فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم قبح الله وجهك‬
‫ه آدم صلوات‬ ‫ووجه من أشبه وجهك كان مقبحا ً وج َ‬
‫ة بوجه‬
‫مه عليه الذي وجوه بنيهِ شبيه ٌ‬
‫الله وسل ُ‬
‫أبيهم‪ ،‬فتفهموا رحمكم الله معنى الخبر ول تغلطوا‬
‫ول تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل وتحملوا‬
‫)‪(1‬‬
‫القول على التشبيه الذي هو ضلل(‬

‫هريرة‪ ،‬وعن أبيه عن أبى هريرة‪ ،‬وعن رجل عن أبى هريرة‪ ،‬فاختلطت عليه فجعلها كلها عن‬
‫أبى هريرة‪.‬ولما ذكر ابن حبان فى كتاب " الثقات " هذه القصة قال‪ :‬ليس هذا بوهنٍ يوهن‬
‫النسان به‪ ،‬لن الصحيفة كلها فى نفسها صحيحة‪ ،‬وربما قال ابن عجلن‪ :‬عن سعيد عن أبيه‬
‫عن أبى هريرة‪ ،‬فهذا مما حمل عنه قديما قبل اختلط صحيفته فل يجب الحتجاج إل بما يروى‬
‫عنه الثقات‪(.‬‬
‫وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري عبد بن حميد في مسنده ‪.(900)1/283‬وعبد الرزاق في‬
‫المصنف ‪9/444‬‬
‫‪1‬‬
‫)( التوحيد ‪ .38-37‬وانظر نحوه في صحيح ابن حبان ‪ 13/18‬والسماء والصفات للبيهقي ‪373‬‬

‫‪300‬‬
‫فنبه ابن خزيمة على معناه وعد ّ عود َ الضمير على‬
‫غير المضروب تأويل ً وضلل ً وتشبيهًا‪ .‬وحذر من‬
‫الغلط فيه والمغالطة وسوف نرى هل استجاب له‬
‫ل السلف ممن لم يرضوا‬ ‫من يعده إمام الئمة ورج َ‬
‫هذا المسلك فتصرفوا في الرواية كما شهد عليهم‬
‫بذلك المبرأ من التجهم ابن قتيبة فقال‪..):‬ولما‬
‫وقعت هذه التأويلت المستكرهة وكثر التنازع فيها‬
‫ج على أن زادوا في الحديث فقالوا‬ ‫حمل قوما ً اللجا ُ‬
‫روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقالوا إن الله عز وجل خلق آدم على صورة‬
‫الرحمن‪ ،‬يريدون أن تكون الهاء في )صورته( لله‬
‫ن‬
‫ن مكا َ‬‫جل وعز وأن ذلك يتبين بأن يجعلوا الرحم َ‬
‫الهاء كما تقول إن الرحمن خلق آدم على صورته‬
‫)‪(1‬‬
‫فركبوا قبيحا ً من الخطأ‪(..‬‬
‫وهذا اللفظ أخرجه ابن أبي عاصم بسنده )عن‬
‫العمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن‬
‫عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ل‬
‫خلق على صورة‬ ‫تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫الرحمن(‬
‫وقد أعله ابن خزيمة المبرأ من التجهم بثلث علل‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تأويل مختلف الحديث ‪219‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السنة ‪ (517)1/227‬والحديث أخرجه ابن أحمد في السنة ‪ (498)1/268‬و ‪(1076)2/472‬‬
‫وابن خزيمة في التوحيد ‪.38‬والطبراني في المعجم الكبير ‪ (13580)12/430‬والجري في‬
‫الشريعة ‪3/1147‬والدارقطني في الصفات ‪(48) 36‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عنعنة حبيب بن أبي ثابت فإنه كان يدلس‪ .‬وكذلك العمش وقد خولف‬
‫في إسناده من قبل سفيان الثوري فقال عن حبيب بن أبي ثابت عن‬

‫عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسله‪ ،‬أخرجه ابن‬
‫خزيمة في التوحيد ص ‪ 27‬بسند صحيح فهذا المرسل أصح من الموصول‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫وفيه اضطراب أيضا ً فقد أخرجه ابن أبي عاصم‬
‫وغيره من طريق العمش بلفظ )ل تقبحوا الوجه‬
‫)‪(1‬‬
‫فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته(‬
‫ل لو قدر أن‬‫وهذه الرواية تكالبت عليها أربعُ عل ٍ‬
‫تقوم لها قائمة مع هذه العلل فل تقوى على مقاومة‬
‫قواطع التنزيه التي تمنع من إثبات الصورة على‬
‫الطلق فكيف إذا كانت هذه الصورة على صورة‬
‫آدم! فمن المعروف أن الصورة في لغة العرب يراد‬
‫بها الهيأة )‪ (2‬وقال الراغب‪) :‬الصورة هيأة منفردة‬
‫يتميز بها الموجود ()‪ (3‬والصورة تقتضي التركيب وقد‬
‫نبه عليه استعمال القرآن في قوله تعالى "في أي‬
‫صورة ما شاء ركبك")‪ .(4‬والتركيب من لوازم الجسم‬
‫التي قطع العقل والنقل بنفيها‪.‬‬
‫وقد بالغ بعض المثبتين في الهتمام والحتجاج‬
‫بإثبات الصورة حتى أفردها بالتأليف حمود التويجري‬
‫في كتاب سماه )عقيدة أهل اليمان في خلق‬
‫آدم على صورة الرحمن( وقدم له عبد العزيز‬
‫بن باز‪ .‬وكتب أستاذ الدراسات العليا بالجامعة‬
‫السلمية حماد النصاري مقال ً بعنوان )تعريف‬
‫)‪(5‬‬
‫أهل اليمان بصحة حديث صورة الرحمن(‬

‫وتابعه على ذلك عدو الجهمية اللباني في تحقيقه كتاب السنة ‪.1/277‬‬
‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (518)1/227‬وأخرجه الدارقطني في الصفات ‪ (45)35‬والللكائي في اعتقاد أهل‬
‫السنة ‪(716)3/423‬‬
‫وقال اللباني محقق السنة‪) :‬حديث صحيح وإسناده ضعيف وهو مكرر الذي قبله لكنه بلفظ على‬
‫صورته وهو اللفظ المحفوظ في الحديث من طرق عن أبي هريرة رضي ال عنه كما تقدم بيانه(‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر مقاييس اللغة لبن فارس )صور( ‪3/320‬‬
‫‪3‬‬
‫)( مفردات القرآن ‪290‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الية )‪ (8‬من سورة النفطار‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫وكتب سليمان علوان )القول المبين في إثبات‬
‫الصورة لرب العالمين(‪.‬‬
‫وحاصل ما ذكروه في الدفاع عن هذا الحديث أنهم‬
‫ذكروا له شاهدين من مرويات المحدثين وشاهدا ً‬
‫من التوراة‬
‫أما الشاهد الول فهو ما أخرجه عبد الله بن أحمد‬
‫بسنده )عن ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال إذا قاتل أحدكم فليجنب الوجه‬
‫فإنما صورة النسان على وجه الرحمن‬
‫)‪(1‬‬
‫تبارك وتعالى(‬
‫وهذا ل يصلح شاهدا ً لنه ضعيف السناد منكر‬
‫)‪(2‬‬

‫)‪(3‬‬
‫المتن‬
‫وأما الشاهد الثاني فهو ما أخرجه ابن أبي عاصم‬
‫)عن محمد بن ثعلبة بن سواء حدثني عمي محمد‬
‫بن سواء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن‬
‫أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه‬

‫‪5‬‬
‫)( نشره في مجلة الجامعة السلمية في الهند مجلد ‪/8‬العدد الرابع‪.‬‬

‫ونقلها الفقيهي في هامش تحقيقه كتاب الصفات للدارقطني‬


‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (1243)2/536‬وأخرجه الدارقطني في الصفات ‪ (49)36‬وانظر عقيدة اهل اليمان‬
‫‪22- 21‬‬
‫‪2‬‬
‫)( في إسناده عبد الله بن لهيعة بن عقبة أبو عبد الرحمن المصرى ‪174‬‬

‫هـ نقل الذهبي في ميزان العتدال ‪ 4/167‬تضعيفه عن بعض الئمة وقال‪:‬‬


‫)والعمل على تضعيف حديثه(‬
‫‪3‬‬
‫)( لنه يخالف المحفوظ عن أبي هريرة من طرق بعضها في الصحيح كما‬
‫تقدم‬

‫‪303‬‬
‫فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه(‬
‫)‪(1‬‬

‫وهذا إسناد حسن)‪ (2‬لكن ل ينفعه هذا الحسن لنه‬


‫ً)‪(4‬‬
‫مخالف للمحفوظ)‪ (3‬فهو شاذ المتن أيضا‬
‫وأما الشاهد الخر فينبهنا إلى أثر تجسيم أهل‬
‫الكتاب في عقائد المسلمين وهذا النص الذي‬
‫استشهد به هو )أن الله عز وجل لما خلق السماء‬
‫والرض قال نخلق بشرا ً بصورتنا فخلق الله‬
‫النسان على صورته على صورة الله‬
‫)‪(5‬‬
‫خلقه‪(..‬‬
‫ويقول التويجري بعد الستشهاد به‪) :‬وفيما ذكرته‬
‫من نص التوراة أبلغ رٍد على من تأول‬

‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪1/227‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لن محمد بن ثعلبة صدوق كما في تقريب التهذيب ‪471‬‬
‫‪3‬‬
‫)( قال اللباني في هامش السنة ‪) :1/227‬المحفوظ في الطرق الصحيحة على صورته‪ ..‬ثم إن‬
‫سعيد بن أبي عروبة قد خولف في إسناده أيضًا عن قتادة فقال المثنى بن سعيد عن قتادة عن أبي‬
‫أيوب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ على صورته‪ .‬أخرجه مسلم ‪ 732‬وأحمد ‪ 2519‬وابن خزيمة‬
‫ص ‪ 27‬والبيهقي في السماء والصفات ص ‪ .290‬وتابعه)المثنى( همام حدثنا قتادة به سندا‬
‫ولفظا‪ ،‬أخرجه مسلم وأحمد‪ .463 2/‬فهذا هو المحفوظ عن قتادة إسنادا ومتنا‪ .‬وتابعه سفيان عن‬
‫أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة به‪ ،‬وهذا صحيح على شرط الشيخين‪(..‬‬
‫‪ ()4‬الشاذ عند المحدثين من أقسام الضعيف وهو ما رواه المقبول مخالفا ً‬

‫لمن هو أولى منه وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الصطلح‬

‫كما ذكره الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر مع حاشيته لقط الدرر‬
‫لعبد الله خاطر ‪54‬‬
‫‪5‬‬
‫)( انظر عقيدة أهل اليمان ‪ .31‬وهذا النص في العهد القديم سفر‬
‫التكوين ص ‪.2‬‬

‫‪304‬‬
‫حديثي ابن عمر وأبي هريرة رضي الله‬
‫)‪(1‬‬
‫عنهما(‬
‫ويقول محمد حمزة بعد ذكر هذا النص‪):‬فإن ذلك‬
‫)‪(2‬‬
‫مما يقوي الحديث ويصححه(‬
‫وزاد التويجري توثيقا ً مذكرا ً بقول الله عز وجل‪) :‬إنا‬
‫)‪(3‬‬
‫أنزلنا التوراة فيها هدى ونور(‬
‫ويقول التويجري‪) :‬وهذا نص صريح في أن الله‬
‫خلق النسان على صورة وجهه الذي هو صفة‬
‫من صفات ذاته وهذا النص ل يحتمل التأويل(‬
‫)‪ (4‬ول يخفى أن تسمية الوجه صفة وإن أراد‬
‫التويجري التترس به لكنه يكشف عن مراوغتهم‬
‫فأي معنى لعد الوجه صفة وهو يعد الخبر نصا ً‬
‫صريحا ً في أن الله خلق على صورة الوجه جارحة‬
‫ووجها ً من المخلوق ذا صورة‪ .‬بل أي معنى في عده‬
‫وجه الله صفة مع أنه وجه له صورة صور عليها‬
‫آدم!‬
‫بل إن التويجري ينقل هذا الستشهاد عن ابن تيمية‬
‫فيقول‪) :‬وأيضا ً فهذا المعنى عند أهل الكتاب‬
‫من الكتب المأثورة عن النبياء كالتوراة‬
‫فإن في السفر الول منها‪" :‬سنخلق بشرا‬
‫)‪(5‬‬
‫على صورتنا يشبهها"(‬
‫ً‬
‫وعزاه إلى جزء ما زال مخطوطا من كتابه تلبيس‬
‫الجهمية زعم أنه موجود في جامعة محمد بن سعود‬

‫‪1‬‬
‫)( عقيدة أهل اليمان ‪31‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ظلمات أبي رية ‪ .147‬وانظر نحوه في النوار الكاشفة للمعلمي ‪.186‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الية )‪ (44‬من سورة المائدة‪ .‬وانظر عقيدة أهل اليمان ‪31‬‬
‫‪4‬‬
‫)(المصدر السابق ‪40‬‬
‫‪5‬‬
‫)(المصدر السابق ‪76‬‬

‫‪305‬‬
‫بالرياض )‪ (1‬وقد ندب طلب العلم على تحقيقه‪.‬‬
‫ونقل منه أيضا ً قول ابن تيمية بعد ذكر النهي عن‬
‫ضرب الوجه في الحديث‪ ..) :‬يدل على أن‬
‫)‪(2‬‬
‫المانع هو مشابهة وجهه لصورة الله(‬
‫وقوله‪) :‬ويقتضي أن شبه الوجه بالصورة هو‬
‫المانع من تقبيح الوجه()‪ (3‬وقوله‪) :‬جعل مجرد‬
‫)‪(4‬‬
‫المشابهة لوجه الله مانعًا‪(..‬‬

‫ومن أصرح ما يدل على أثر هذه المنكرات أن ابن‬


‫قتيبة يذكر وجها ً من وجوه التأويل التي يحتملها‬
‫الخبر ويرضاه ثم يعود عنه لن ما في التوراة ل‬
‫يحتمله‪ .‬فقد أمكن تأويله لول نص التوراة‪ .‬يقول ابن‬
‫ب من‬ ‫قتيبة‪..) :‬ولم أر في التأويلت شيئا ً أقر َ‬
‫الطراد ول أبعد َ من الستكراه من تأويل بعض أهل‬
‫النظر فإنه قال فيه أراد أن الله تعالى خلق آدم في‬
‫الجنة على صورته في الرض كأن قوما ً قالوا إن‬
‫آدم كان من طوله في الجنة كذا ومن حليته كذا‬
‫ومن نوره كذا ومن طيب رائحته كذا لمخالفة ما‬
‫يكون في الجنة ما يكون في الدنيا‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم يريد في‬
‫الجنة على صورته يعني في الدنيا‪.‬‬
‫ولست أحتم بهذا التأويل على هذا الحديث‬
‫ول أقضي بأنه مراد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فيه لني قرأت في التوراة أن‬
‫الله جل وعز لما خلق السماء والرض قال‬

‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق ‪114‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق ‪21‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المصدر السابق ‪114‬‬
‫‪4‬‬
‫)( المصدر السابق ‪126‬‬

‫‪306‬‬
‫نخلق بشرا ً بصورتنا فخلق آدم من أدمة الرض‬
‫ونفخ في وجهه نسمة الحياة‪ .‬وهذا ل يصلح له ذلك‬
‫التأويل‪ .‬وكذلك حديث ابن عباس أن موسى صلى‬
‫الله تعالى عليه وسلم ضرب الحجر لبني إسرائيل‬
‫فتفجر وقال اشربوا يا حمير فأوحى الله تبارك‬
‫وتعالى إليه عمدت إلى خلق من خلقي خلقتهم‬
‫على صورتي فشبهتهم بالحمير فما برح حتى‬
‫)‪(1‬‬
‫عوقب‪ ،‬هذا معنى الحديث(‬
‫ومن عجيب ما ذهبوا إليه أن أحدهم بعد أن‬
‫استشهد له بنص التوراة السابق قال‪) :‬إذا كان‬
‫حديث الصورة مما يغيظه فليغتظ بما في معناه‬
‫كقوله تعالى‪ " :‬ويبقى وجه ربك ذو الجلل‬
‫والكرام")‪ (2‬وقوله‪" :‬ولتصنع على عيني" ( فأي‬
‫)‪(4) (3‬‬

‫تشبيه أصرح من إثبات صورة لله عز جل على‬


‫صورة آدم مع الستشهاد له بالتوراة وبما جاء في‬
‫إضافة العين والوجه لله إلى الله عز وجل؟ وإذا لم‬
‫يكن إثبات وجه وعين مع صورة على صورة آدم‬
‫تشبيها ً فكيف يكون التشبيه؟‬
‫ومنهم من ل يتكلف هذا التخريج ويكتفي بمثل‬
‫إيجاب اليمان بالحديث أو إثباته على ظاهره)‪.(5‬‬
‫وكل هذا تهافت كان يغنيهم عنه السكوت عن خبر‬
‫ما تعّبدنا الله بمثله في العمل فضل ً عن العتقاد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تأويل مختلف الحديث ‪220‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الية )‪ (27‬من سورة الرحمن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الية )‪ (39‬من سورة طه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( ظلمات أبي رية‪ ،‬عبد الرزاق حمزة ‪.148‬‬
‫‪5‬‬
‫)( انظر الربعين في دلئل التوحيد للهروي ‪ 63‬واجتماع الجيوش السلمية ‪100‬وشرح العقيدة‬
‫السفارينية لمحمد بن عبد العزيز ‪ .111‬والتنبيهات السنية لعبد العزيز بن ناصر ‪ 1/160‬وانظر‬
‫كلم محقق كتاب الشريعة للجري د‪-‬عبد ال الدميجي ‪.3/1150‬‬

‫‪307‬‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬ما جاء في نسبة البعاض‬
‫إلى الباري سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن عكرمة قال‪:‬‬
‫)إن الله عز وجل إذا أراد أن يخوف عباده أبدى‬
‫عن بعضه إلى الرض فعند ذلك تزلزل‪ ،‬وإذا أراد‬
‫أن تدمدم على قوم تجلى لها()‪(1‬‬
‫وممن صرح بإثبات هذا الخبر ابن القيم الذي أنشده‬
‫فقال‪:‬‬
‫وزعمت أن الله أبدى بعضه****** للطور‬
‫حتى عاد كالكثبان‬
‫لما تجلى يوم تكليم الرضى****** موسى الكليم‬
‫)‪(2‬‬
‫مكّلم الرحمن‬
‫ومما استدلوا به على إثبات البعاض خبر في‬
‫تفسير قوله تعالى‪) :‬وإن له عندنا لزلفى()‪ (3‬أخرج‬
‫عبد الله بن أحمد في قول الله تعالى في حق داود‬
‫عليه السلم "وإن له عندنا لزلفى " بسنده‬
‫عن)مجاهد عن عبيد بن عمير قال حتى يضع‬
‫)‪(4‬‬
‫بعضه عليه(‬

‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (1069)2/470‬ول يصح إلى عكرمة لن في سنده يحيى يرويه معنعنًا عن عكرمة‬
‫ويحيى بن أبى كثير الطائى ‪ 132‬هـ ثقة ثبت لكنه يدلس و يرسل‪ ،‬انظر ترجمته فى تهذيب‬
‫التهذيب ‪.11/269‬والخبر في الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي ‪ (961)1/248‬ولفظه‪) :‬إذا أراد‬
‫ال تعالى أن يخوف خلقه أظهر للرض منه شيئَا فارتعدت وإذا أرد أن يهلك خلقه تبدي لها(‪.‬‬
‫وعزاه ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ‪ 5/87‬إلى الطبراني في كتاب السنة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر شرح قصيدة ابن القيم لحمد بن إبراهيم ‪1/230‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الية )‪ (40‬من سورة ص‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( السنة ‪ (1086)2/475‬و ‪ (1180) 2/507‬من طريق وكيع عن سفيان عن منصور به‪.‬‬
‫وأخرجه من طريقه الخلل في السنة ‪ .(320)1/262‬وأخرجه الخلل في السنة ‪(319)1/262‬‬
‫عن سعيد بن جبير بسند فيه محمد بن بشر بن شريك النخعي يرويه عن عبد الرحمن بن شريك‬

‫‪308‬‬
‫وأخرجه بلفظ آخر بسنده عن مجاهد عن عبيد بن‬
‫عمير" وإن له عندنا لزلفى" قال‪) :‬ذكر الدنو منه‬
‫)‪(1‬‬
‫حتى ذكر أنه يمس بعضه(‬
‫وأخرجه أيضا ً بلفظ آخر عن مجاهد عن عبيد بن‬
‫عمير قال‪):‬ما يأمن داود عليه السلم يوم القيامة‬
‫حتى يقال له ُادنه فيقول ذنبي ذنبي حتى بلغ فيقال‬
‫ُادنه فيقول ذنبي ذنبي فيقال له ُادنه فيقول ذنبي‬
‫ذنبي حتى بلغ مكانا ً الله أعلم به قال سفيان كأنه‬
‫)‪(2‬‬
‫يمسك شيئا(‬
‫وهذه أخبار موقوفات ومنكرات وإسرائيليات تخالف‬
‫الجماع على تنزيه الباري سبحانه عن البعاض‬
‫والجزاء‪ .‬ومثل هذه السانيد ل تنهض في إثبات‬
‫الحلل والحرام فضل عن العقائد‪ .‬فل أرى وجها ً‬
‫للحتجاج بها وتخريجها في كتب العقائد‪.‬‬

‫عن أبيه‪ .‬وقال المحقق‪) :‬إسناده ضعيف لن فيه محمد بن بشر( وهو محمد بن بشر بن شريك‬
‫النخعي الكوفي قال الذهبي في ميزان العتدال ‪) 6/80‬شيخ لبن عقدة ما هو بعمدة( ويرويه‬
‫محمد بن بشر عن عبد الرحمن بن شريك بن عبد ال النخعى‪ ،‬الكوفى ‪ 227‬هـ وهو صدوق‬
‫يخطىء انظر ترجمته في التاريخ الكبير ‪ 5/296‬وميزان العتدال ‪.4/289‬‬
‫وأخرجه بهذا السند أيضًا عن مجاهد يرويه عبيد بن عمير السنة ‪.(321)1/262‬‬
‫‪1‬‬
‫)( السنة ‪ (1165)2/503‬يرويه عن عبد ال بن عمر أبو عبد الرحمن وهو )مشكدانة( ‪ 239‬هـ‬
‫وهو صدوق انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ‪5/333‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السنة ‪ (1161) 2/502‬بسند فيه حميد العرج وهو حميد بن عطاء‪ ،‬و‬
‫يقال‪ :‬ابن على‪ ،‬وهو ضعيف انظر ترجمته تهذيب التهذيب ‪.3/53‬‬

‫‪309‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الحتجاج بخبر الحاد في‬
‫مسائل النبوات‬
‫وفيه خمسة مطالب‬
‫المطلب الول‪ :‬في عصمتهم من الكفر‬
‫بالله والجهل بصفاته‪:‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬في عصمة النبياء مما‬
‫يخل بالتبليغ‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬في عصمة النبياء من‬
‫الكذب في ما وراء التبليغ‬
‫المطلب الرابع‪ :‬ما جاء في تأثير السحر‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫المطلب الخامس‪:‬ما ثبت من المعجزات‬
‫المروية من طريق الحاد‬

‫‪310‬‬
311
‫المبحث الثاني‪ :‬الحتجاج بخبر الحاد في مسائل‬
‫النبوات‬
‫المطلب الول‪ :‬في عصمتهم من الكفر بالله والجهل‬
‫بصفاته‪:‬‬
‫من مباحث مسائل العتقاد ما يجب للرسل‪ ،‬وما‬
‫يستحيل في حقهم‪ ،‬وما يجوز عليهم‪.‬‬
‫ق‪،‬‬‫ويذكر المتكلمون فيما يجب على النبياء‪ :‬الصد َ‬
‫والمانة‪ ،‬والتبليغ‪ ،‬والفطانة‪.‬‬
‫ويذكرون أضداد هذه الصفات فيما يستحيل عليهم‪،‬‬
‫وهي‪ :‬الكذب‪ ،‬والمعصية‪ ،‬والكتمان‪ ،‬والغفلة‪ ،‬والبلدة‪.‬‬
‫ويذكرون من الجائزات في حقهم العراض البشرية‬
‫التي ل تؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية مما‬
‫ليخالف شرفا ً ول مروءة معتبرة في الشرع‪،‬‬
‫ول تتناقض مع مقامهم‪ ،‬فيجوز في حقهم الكل‬
‫والشرب وإتيان النساء الحلل وغيره‪ (1) .‬واختلفوا في‬
‫تأثير السحر عليهم‪ ،‬في تفصيل سيأتي بيانه‪.‬‬
‫ومن أهم هذه المسائل‪ :‬ما يستحيل في حق النبياء‬
‫ن الله‬ ‫م ّ‬ ‫عليهم الصلة والسلم بمقتضى العصمة التي َ‬
‫بها عليهم فوصلوا إلى غاية الكمال النساني والسمو‬
‫الروحي‪ ،‬وتحلوا بالخلق العظيمة التي جعلتهم قدوة‬
‫حسنة‪ ،‬ومثل أعلى‪ ،‬حتى دعا الله عز وجل إلى‬
‫القتداء بهم‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫قال تعالى‪) :‬أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده(‬
‫وقال تعالى‪) :‬وجعلناهم أئمه يهدون بأمرنا وأوحينا‬
‫إليهم فعل الخيرات وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وكانوا‬
‫)‪(3‬‬
‫لنا عابدين(‪.‬‬
‫ولولم يكونوا كذلك لسقطت هيبتهم في القلوب‪،‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬إتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪ 181-179‬وشرح جوهرة‬
‫التوحيد‪ ،‬الباجوري ‪.278-274‬‬
‫‪ ()2‬سورة النعام ‪.90‬‬
‫‪ ()3‬سورة النبياء ‪.72‬‬

‫‪312‬‬
‫ولصغر شأنهم في عيون الناس فتضيع الثقه فيهم‪،‬‬
‫ول ينقاد لهم احد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولكن الله عز وجل اصطفاهم واجتباهم وعلمهم‪،‬‬
‫ودعا إلى القتداء بهم وحفظهم من كل ما يتنافى مع‬
‫)‪(1‬‬
‫مقام النبوة‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬إتحاف المريد‪ ،‬اللقاني ‪ 182-179‬وشرح جوهرة‬


‫التوحيد‪ ،‬الباجوري ‪283-274‬‬
‫ولوامع النوار البهية‪ ،‬السفاريني ‪ 308-303‬وإرشاد‬
‫النام في عقائد السلم‪ ،‬محمود صالح البغدادي ‪- 142-139‬‬
‫طبعة دار البراء ‪1985 -‬م‪ .‬والساس في السنة )قسم‬
‫العقائد(‪ ،‬سعيد حوى ‪ - 2/832‬طبعة دار السلم عمان ‪-‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫وقبل تفصيل المور التي عصمهم الله عز وجل من‬
‫الوقوع بها ل بد من الوقوف على حقيقة العصمة‪.‬‬
‫تأتي العصمة في اللغة ويراد بها الحفظ والمنع‬
‫)‪(1‬‬
‫والوقاية‬
‫ومن أوضح القوال في حقيقة العصمة وأبعدها عن‬
‫الشكال والعتراض ما ذكره القاري ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬
‫فقال‪) :‬العصمة فضل من الله تعالى يحمله على فعل‬
‫الخير‪ ،‬ويزجره عن الشر‪ ،‬مع بقاء الختيار تحقيقا ً‬
‫للبتلء والختبار‪-(2).‬قال‪ :-‬وإليه مال الشيخ أبو منصور‬
‫الماتريدي حيث قال‪ :‬العصمة ل تزيل المحنة ول‬
‫)‪(3‬‬
‫تدفعها(‬
‫وقد ذكر الرازي في كيفية حصول العصمة أن النفس‬
‫إذا حصل فيها ملكة العفة‪ ،‬ثم انضاف إلى ذلك العلم‬
‫التام بما في الطاعة من السعادة وفي المعصية من‬
‫الشقاوة صار ذلك العلم معينا ً له على مقتضى الملكة‬
‫النفسانية‪ ،‬ثم يصير الوحي متما لذلك‪ ،‬ثم خوف‬
‫المؤاخذة على القدر القليل يكون توكيدا ً لذلك‬
‫الحتراز‪ ،‬فيحصل من اجتماع هذه المور حقيقة‬
‫)‪(4‬‬
‫العصمة‬
‫وأجمع المسلمون على أن النبياء صلوات الله عليهم‬
‫على غاية المعرفة ووضوح العلم واليقين‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫بالتوحيد والعلم بالله وصفاته واليمان بما أوحي‬
‫إليهم‪ ،‬ول يجوز عليهم الجهل بشيء من ذلك أو‬
‫الشك فيه‪ .‬ولم ينقل أحد من أهل الخبار أن الله عز‬

‫‪ ()1‬القاموس المحيط )عصم( ‪.4/151‬‬


‫‪ ()2‬شرح الفقه الكبر ‪.53‬‬
‫‪ ()3‬تأويلت أهل السنة‪ ،‬أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي‬
‫)‪ 333‬هـ( تحـقيق د‪ .‬محمد مستفيض الرحمن‪،238 .‬‬
‫مطبعة الرشاد‪-‬بغداد‪.1983 ،‬‬
‫‪ ()4‬محصل أفكار المتقدمين ‪ ،158‬وانظر حجية السنة ‪-87‬‬
‫‪.88‬‬

‫‪314‬‬
‫رف بكفر أو إشراك أو‬ ‫وجل اصطفى للنبوة من عُ ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫جهل بالله قبل ذلك‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪) :‬وقد استدل القاضي القشيري‬
‫)‪ (2‬على تنزيههم عن هذا بقوله تعالى‪) :‬وإذ أخذنا من‬
‫النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى‬
‫)‪(3‬‬
‫وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا(‬
‫وبقوله تعالى‪) :‬وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم‬
‫)‪(4‬‬
‫من كتاب وحكمة(‬
‫‪ ...‬قال‪ :‬وبعيد أن يأخذ منه الميثاق‪ ...‬ويجوز عليه‬
‫)‪(5‬‬
‫الشرك(‬
‫ولدينا من أخبار الحاد ما قد يوهم خلف ما سبق‬
‫تقريره في حق آدم وإبراهيم عليهما السلم‬
‫أما ما نسب إلى أبينا آدم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فقد أخرجه‬
‫الترمذي بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله‬
‫تعالى‪) :‬هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها‬
‫زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حمل خفيفا‬

‫‪ ()1‬انظر مقالت السلميين‪ ،‬الشعري ‪ ،1/272‬والشفا‪،‬‬


‫عياض ‪ .2/230‬وعصمة النبياء‪ ،‬الرازي ‪ .8‬طبعة الدار‬
‫العربية ‪ -‬بغداد‪ .1990-‬والمواقف‪ ،‬اليجي ‪ .358‬وشرح‬
‫المقاصد‪ ،‬التفتازاني ‪ .5/155‬البحر المحيط‪ ،‬الزركشي‬
‫‪ .4/169‬وشرح الفقه الكبر‪ ،‬على القاري ‪ .52‬وشرح‬
‫العقائد‪ ،‬الدواني ‪ 2/279‬وفواتح الرحموت‪ ،‬النصاري ‪.2/98‬‬
‫‪ ()2‬هو القاضي عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري‬
‫النيسابوري )‪ 514‬هـ( من كبار علماء نيسابور كان إماما ً‬
‫مناظرا ً مفسرا ً أديبا ً زاهدا ً صالحًا‪ ،‬زار بغداد في طريقه إلى‬
‫الحج‪ ،‬ووعظ بها‪ ،‬فوقعت بسببه فتنة بين الحنابلة والشافعية‪،‬‬
‫انظر‪ :‬العبر‪ ،‬الذهبي ‪ ،2/403‬وطبقات الشافعية‪ ،‬السنوي‬
‫‪ ،2/151‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.4/120‬‬
‫‪ ()3‬سورة الحزاب ‪7‬‬
‫‪ ()4‬سورة آل عمران ‪81‬‬
‫‪ ()5‬الشفا ‪2/259‬‬

‫‪315‬‬
‫عوا الله ربها لئن آتيتنا صالحا ً‬ ‫فمرت به فلما أثقلت د َ َ‬
‫لنكونن من الشاكرين‪ ،‬فلما آتاهما صالحا ً جعل له‬
‫)‪(1‬‬
‫شركاء فيما آتاهما(‪.‬‬
‫أنه قال‪) :‬لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان ل‬
‫مته عبد‬ ‫ميه عبد الحارث‪ ،‬فس ّ‬ ‫يعيش لها ولد‪ ،‬فقال‪ :‬س ّ‬
‫الحارث‪ ،‬فعاش ذلك وكان ذلك من وحي الشيطان‬
‫)‪(2‬‬
‫وأمره(‬
‫وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب ل نعرفه‬
‫مرفوعا ً إل من حديث عمر بن إبراهيم بن قتادة‪،‬‬
‫ورواه بعضهم عن عبد الصمد‪ ،‬ولم يرفعه‪ ،‬وعمر بن‬
‫)‪(3‬‬
‫إبراهيم شيخ بصري‪.‬‬
‫وقد أعل الحافظ ابن كثير هذا الحديث بعلل ثلث‬
‫الولى‪ :‬أن عمر بن إبراهيم متكلم فيه‪ ،‬قال الذهبي‪:‬‬
‫)قال أبو حاتم ل يحتج به‪ ،‬وقال ابن عدي‪ :‬يروي عن‬
‫قتادة ما لم يوافق عليه( ثم ساق حديثه السابق‬
‫)‪(4‬‬
‫وقال‪) :‬وهو حديث منكر كما ترى(‬
‫الثانية‪ :‬أن الطبري أخرج هذا الحديث من قول‬
‫ً )‪(5‬‬
‫سمرة‪ ،‬وليس مرفوعا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن عمر بن إبراهيم يرويه عن قتادة عن‬
‫الحسن البصري‪ ،‬وقد أخرج الطبري من طرق‬
‫صحيحة عن الحسن نفسه أنه فسر الية بغير هذا‪،‬‬
‫فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا ً لما عدل عنه‬
‫إلى قوله )كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن‬
‫بآدم‪ ،‬وقال‪" :‬جعل له شركاء فيما آتاهما " )‪ (6‬عنى بها‬

‫‪()1‬سورة العراف ‪190-189‬‬


‫‪ ()2‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب ومن سورة العراف ‪.3077-8‬‬
‫‪ ()3‬السنن ‪.5/250‬‬
‫‪ ()4‬ميزان العتدال ‪.3/179‬‬
‫‪ ()5‬تفسير الطبري ‪.9/146‬‬
‫‪ ()6‬نفسه ‪.9/146‬‬

‫‪316‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ذرية آدم ومن اشرك منهم بعده(‬
‫قال ابن كثير‪) :‬ولو كان هذا الحديث محفوظا ً عنده‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه‬
‫هو ول غيره‪ ،‬ول سيما مع تقواه لله وورعه‪ ،‬فهذا‬
‫يدلل على أنه موقوف على الصحابي‪ ،‬ويحتمل أنه‬
‫تلقاه من بعض أهل الكتاب ممن آمن منهم مثل‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫كعب‪ ،‬أو وهب بن منبه وغيرهما(‬
‫ثم ذكر الحافظ ابن كثير كلما ً نفيسا‪ ،‬في أخبار أهل‬
‫ً‬
‫الكتاب‪ ،‬وقسمها إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫الول منها‪ :‬ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من‬
‫الكتاب أو السنة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما علمنا كذبه بما دل على خلف الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫ومنها ما هو مسكوت عنه وهو المأذون بروايته بقوله‬
‫)‪(3‬‬
‫عليه السلم )‪ ...‬وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج(‬

‫‪ ()1‬تفسير ابن كثير ‪.276-3/275‬‬


‫‪ ()2‬نفسه ‪.3/276‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه البخاري في كتاب النبياء ‪ ،50/3461‬ولفظه‬
‫)بلغوا عني ولو آية‪ ،‬وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج(‪،‬‬
‫وأخرجه الترمذي في كتاب العلم ‪.13/2669‬‬

‫‪317‬‬
‫ذب لقوله‪) :‬إذا حدثكم أهل‬ ‫دق ول يك ّ‬‫وهو الذي ل يص ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم(‬
‫ثم قال الحافظ ابن كثير‪) :‬وهذا الثر من القسم‬
‫الثاني أو الثالث‪ ،‬فيه نظر‪ ،‬فأما من حدث به من‬
‫صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسم الثالث‪ ،‬وأما‬
‫نحن فعلى مذهب الحسن البصري ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في‬
‫هذا‪ ،‬وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء‪،‬‬
‫وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته‪ ...‬فذكر‬
‫آدم وحواء كالتوطئه لما بعدهما من الوالدين‪ ،‬وهو‬
‫كالستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس‪ ،‬كقوله‬
‫)لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما ً‬
‫)‪(2‬‬
‫للشياطين(‬
‫ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها‬
‫السماء ليست هي التي ُيرمى بها‪ ،‬وإنما هذا استطراد‬
‫)‪(3‬‬
‫من شخص المصابيح إلى جنسها(‬
‫والحاصل‪ :‬أن الشرك في الية الكريمة منسوب إلى‬
‫بعض ذرية آدم وحواء‪.‬‬
‫سنه الترمذي‪،‬‬ ‫والحديث الوارد في تفسير الية‪ ،‬ح ّ‬
‫وأعله ابن كثير بعلل قادحة‪ ،‬فل ينسب الشرك إلى‬
‫أبينا آدم عليه السلم بهذا الخبر الواهي‪ ،‬حتى وإن‬
‫سلمنا ببقاء الحديث في درجة الحسن‪ ،‬لن الخلف‬
‫في إثبات العقائد منحصر بما هو في رتبة الصحيح‪ ،‬ل‬
‫في رتبة الحسن‪.‬‬

‫وأما إبراهيم عليه السلم فقد وقع في فهم بعض‬


‫العلماء نسبة الشك إليه‪ ،‬لقوله تعالى‪) :‬وإذ قال‬

‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في كتاب العتصام بالسنة ‪،25/7362‬‬


‫وقد سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ ()2‬سورة تبارك ‪.5‬‬
‫‪ ()3‬تفسير ابن كثير ‪ 277-3/276‬وانظر عصمة النبياء‪،‬‬
‫الرازي ‪.26-23‬‬

‫‪318‬‬
‫إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى‪ ،‬قال أولم تؤمن‬
‫)‪(1‬‬
‫قال بلى ولكن ليطمئن قلبي‪(..‬‬
‫ذكر الطبري ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن عطاء بن أبي رباح أنه‬
‫قال‪) :‬دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس‪،‬‬
‫فقال‪) :‬رب أرني كيف تحيي الموتى(‪ ،‬ورضي المام‬
‫الطبري هذا الرأي واستدل له بقول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬نحن أحق بالشك من إبراهيم‪ ،‬إذ قال‪:‬‬
‫"رب أرني كيف تحيي الموتى قال‪ :‬أولم تؤمن قال‬
‫)‪(2‬‬
‫بلى ولكن ليطمئن قلبي‪("...‬‬
‫واستدل الطبري أيضًا‪ ،‬بما أخرجه عن ابن عباس من‬
‫طرق قال فيها الحافظ ابن حجر‪) :‬يشد بعضها بعضًا(‬
‫أنه قال‪) :‬أرجى آية في القرآن‪ " :‬وإذ قال إبراهيم‬
‫رب ارني كيف تحيي الموتى‪" ...‬‬
‫قال الطبري‪) :‬هذا لما يعرض في الصدور ويوسوس‬
‫به الشيطان‪ ،‬فرضي الله من إبراهيم عليه السلم‬
‫)‪(3‬‬
‫بأن قال‪" :‬بلى"(‬
‫والذي أراه ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن هذه الدلة ل تنهض‬
‫لثبات دخول أقل الشك على إيمان إبراهيم عليه‬
‫السلم بقدرة الله عز وجل على إحياء الموتى‪:‬‬
‫لسباب ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن سؤاله عليه السلم لم يكن لغرض‬
‫‪ ()1‬سورة البقره ‪.260‬‬
‫‪ ()2‬تفسير الطبري ‪50-3/49‬‬
‫والحديث أخرجه البخاري في كتاب أحاديث النبياء‬
‫‪ 11/3372‬وأطرافه بالرقام التالية‬
‫)‪ (6992 ،4694 ،4537 ،3375 ،3372‬وأخرجه مسلم‬
‫في كتاب الفضائل ‪ 2371-41/2369‬وابن ماجة في كتاب‬
‫الفتن ‪23/4026‬‬
‫وابن مندة في اليمان ‪ 2/488‬من طرق عن يونس بن‬
‫يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد‬
‫الرحمن بن عوف به‪.‬‬
‫‪ ()3‬تفسيره ‪.3/50‬‬

‫‪319‬‬
‫الستثبات والتأكد من قدرة الله عز وجل على‬
‫الحياء‪ ،‬بل لعله أراد أن يدلي بخلته إلى الله عز وجل‬
‫فيختص عن غيره من بني آدم بإحياء الموتى أمام‬
‫ناظريه‪ .‬فإن قيل‪ :‬أولم يؤمن ؟‪ ...‬قلنا‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن‬
‫استشرفت نفسه إلى رؤية كيفية الحياء وهيئته‪،‬‬
‫ليزداد يقينا وطمأنينة‪ ،‬وإن لم يكن في إيمانه الول‬
‫)‪(1‬‬
‫شك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)نحن أحق بالشك من إبراهيم( دليل على نفي الشك‬
‫عن إبراهيم عليه السلم‪ ،‬كما نبه إليه النووي رحمه‬
‫الله فقال‪) :‬خرج مخرج العادة في الخطاب‪ ،‬فإن من‬
‫ت‬‫أراد المدافعة عن إنسان‪ ،‬قال للمتكلم فيه‪ :‬ما كن َ‬
‫قائل ً لفلن أو فاعل معه من مكروه فقله لي وافعله‬
‫)‪(2‬‬
‫معي‪ ،‬ومقصوده من ذلك‪ :‬ل تقل ذلك فيه(‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال أيضًا‪ :‬معناه أن الشك مستحيل في‬
‫حق إبراهيم عليه السلم‪ ،‬فإن الشك في قدرة الله‬
‫على إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى إبراهيم لكان‬
‫المقصودون بقول النبي صلى الله عليه وسلم )نحن(‬
‫حقّ بالشك منه‪ ،‬فاستحالة شكهم تدل من باب‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫الولى على استحالة الشك على إبراهيم الخليل عليه‬
‫)‪(3‬‬
‫السلم‬
‫الثالث‪ :‬قول ابن عباس رضي الله عنهما في الية‬
‫‪ ()1‬انظر تأويلت أهل السنة ‪ ، 1/609‬وشرح السنة‪،‬‬
‫البغوي ‪ 117-1/115‬والجامع لحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‬
‫‪.3/193-195‬‬
‫‪ ()2‬شرح صحيح مسلم ‪1/365‬‬
‫‪ ()3‬نظر تأويل مختلف الحديث‪ ،‬ابن قتيبه ‪ ،66‬وشرح‬
‫السنة‪ ،‬البغوي ‪-117-115‬والفصل ابن حزم ‪4/8‬‬
‫والشفاء‪ ،‬عياض ‪ 2/230‬وعصمة النبياء‪ ،‬الرازي ‪48-44‬‬
‫وشرح صحيح مسلم‪ ،‬النووي ‪،1/364‬‬
‫وفتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪8/466 8/254 ،6/507‬‬
‫وشرح مقدمة القيرواني‪ ،‬المين الحاج محمد ‪240‬‬

‫‪320‬‬
‫الكريمة )هي أرجى آية في القرآن( ل لعفو الله عز‬
‫وجل عن الشك في قدرته على إحياء الموتى‪ ،‬بل لن‬
‫إبراهيم عليه السلم رجا من الله عز وجل أمرا ً هو‬
‫الغاية في الرجاء‪ ،‬لنه سأل الحياء في الدنيا وليست‬
‫الدنيا مظنة ذلك‪ ،‬ويجوز أن يقال‪ :‬هي أرجى آية‬
‫لقوله تعالى‪) :‬أولم تؤمن( أي أن اليمان كاف ل‬
‫يحتاج معه إلى تفسير وبحث عن كيفية الحياء وهيئته‬
‫)‪(1‬‬

‫والحاصل أن الشك في قدرة الله عز وجل على إحياء‬


‫الموتى مستبعد على آحاد المؤمنين وهو أشد‬
‫استبعادا ً على أنبياء الله عز وجل‪ ،‬ول يجوز أن ينسب‬
‫الشك إلى إبراهيم عليه السلم بالدلة السابقة‪ ،‬وقد‬
‫بان ما فيها من ضعف الدللة والثبوت‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫فرجع المر إلى إثبات عصمتهم من الجهل بالله عز‬
‫وجل وصفاته‪ ،‬وإلى الواقع المتوارث من لدن آدم أبي‬
‫البشر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم‬
‫يبعث نبي قط أشرك بالله طرفة عين أو جهل صفة‬
‫)‪(2‬‬
‫من صفاته‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر فتح الباري ابن حجر ‪.6/509‬‬


‫‪ ()2‬انظر فواتح الرحموت‪ ،‬عبد العلي النصاري ‪.2/98‬‬

‫‪321‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬في عصمة النبياء مما يخل بالتبليغ‬
‫انعقد إجماع أهل الشرائع على وجوب عصمة النبياء‬
‫من أي شيء يخل بالتبليغ ككتمان الرسالة والكذب‬
‫في دعواها والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر‬
‫بالدعوة إليه‪ ،‬والتقصير والكذب والخطأ في بيان‬
‫الحكام الشرعية سواء أكان ذلك البيان بالقول أم‬
‫)‪(1‬‬
‫بالفعل‬
‫وكل ذلك محال عليهم بدليل العقل أيضًا‪ ،‬لنه يناقض‬
‫مدلول المعجزة‬
‫وقد وضح الشهرستاني وجه دللة المعجزة على ذلك‬
‫فقال‪) :‬اقتران المعجزة بدعوة النبي نازل منزلة‬
‫التصديق بالقول‪ ،‬وذلك أنه عرف من سنة الله تعالى‬
‫دي من يدعي الرسالة‬ ‫أنه ل يظهر أمرا ً خارقا على ي َ‬
‫عند وقت التحدي والستدعاء إل لتصديقه‪...‬‬
‫ونحن نعلم قطعا ً في صورة من يدعي الرسالة من‬
‫دي جماعة حضور‪ ،‬ثم‬ ‫ملك حاضر محتجب بستر بين ي َ‬
‫إن رجل قام وقال‪ :‬إني رسول هذا الملك إليكم‪ ،‬وآية‬
‫رك هذا الستر إذا استدعيت‬ ‫صدقي في دعواي أن يح ِ‬
‫منه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الملك‪ :‬إن كنت صادقا في دعواي‬
‫حّرك في الحال عُِلم قطعا ً ويقينا ً‬ ‫فحرك هذا الستر‪ ،‬فَ َ‬
‫أنه أراد بذلك الفعل تصديق المدعي‪ ،‬ونزل التحريك‬
‫‪ ()1‬انظر المعتمد في أصول الفقه‪ ،‬البصري المعتزلي‬
‫‪ ،1/371‬والمستصفى‪ ،‬الغزالي ‪ 2/213‬والوصول إلى‬
‫الصول‪ ،‬ابن برهان ‪ ،1/358‬والشفا‪ ،‬عياض ‪ 2/258‬وعصمة‬
‫النبياء‪ ،‬الرازي ‪ ،8‬والمواقف اليجي ‪ ،358‬وانظر نظم‬
‫الفرائد‪ ،‬العلئي ‪ ،332‬وشرح النسفيه‪ ،‬التفتازاني ‪155‬‬
‫وشرح المقاصد‪ ،‬التفتازاني ‪ 5/50‬والبحر المحيط‪ ،‬الزركشي‬
‫‪ ،174-173 /4‬وشرح الدواني على العقائد العضديه ‪،2/279‬‬
‫وشرح الفقه الكبر‪ ،‬علي القاري ‪ 52‬وفواتح الرحموت‪،‬‬
‫النصاري ‪ ،2/275‬وإرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاني ‪ ،356‬وشرح‬
‫جوهرة التوحيد‪ ،‬الباجوري ‪.283-280‬‬

‫‪322‬‬
‫منه على خلف العادة منزلة التصديق بالقول‪ ،‬فكذلك‬
‫)‪(1‬‬
‫في صورة مسألتنا هذه(‬
‫وقد شهد الله عز وجل لنبيه بأداء المانه فقال تعالى‪:‬‬
‫)اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‬
‫)‪(2‬‬
‫ورضيت لكم السلم دينا(‬
‫ومن أخبار الحاد التي تشهد لذلك‪ ،‬ما رواه الشافعي‬
‫بسنده عن المطلب بن حنطب رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ما تركت‬
‫شيئا مما أمركم الله به إل وقد امرتكم به‪ ،‬ول تركت‬
‫)‪(3‬‬
‫شيئا مما نهاكم الله عنه إل وقد نهيتكم عنه(‬
‫ووجه الحتجاج بهذا الخبر الحادي موافقته للدلة‬
‫القاطعة من العقل والجماع والقرآن‪.‬‬
‫ولما كان بيان النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغه‬
‫بالقول تارة وبالفعل تارة أخرى‪ ،‬فلنفصل القول في‬
‫عصمته في فرعين‪:‬‬

‫الفرع الول‪ :‬في عصمة أقوالهم التبليغية‪.‬‬


‫قد علمنا وجوب عصمة النبياء فيما طريقه البلغ‪،‬‬
‫لدللة المعجزة على صدقهم فيه‪.‬‬
‫ولكن هل يجوز على النبي أن يقصد التكلم بخبر‬
‫بلغي غير مطابق للواقع معتقدا ً أنه مطابق له‪ ،‬فيقع‬
‫خْلف في قوله على سبيل الخطأ أو السهو ؟‬ ‫ال ُ‬
‫والذي عليه جمهور المة عدم جواز وقوع الخلف في‬
‫أقوال النبي التبليغية‪ ،‬وأنه معصوم فيها عن الخبار‬
‫عن شيء منها على خلف ما هو عليه‪ ،‬لقصدا ول‬

‫‪ ()1‬نهاية القدام ‪ ،432-431‬وانظر نحوه في لمع العتقاد‪،‬‬


‫الجويني ‪110‬‬
‫‪ ()2‬سورة المائدة ‪.3‬‬
‫‪ ()3‬الرسالة ‪.87‬وقد اثبت الشيخ احمد شاكر في الصفحات‬
‫)‪ (103-93‬صحة الحديث وصحبة المطلب بما ل مطمع في‬
‫أزيد منه وأقوى‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫)‪(1‬‬
‫عمدا ول سهوا ول غلطا‪.‬‬
‫ونقل اليجي والعلئي وغيرهما عن الباقلني أنه جوز‬
‫صدوره منه على سبيل السهو والنسيان‬
‫يقول اليجي‪) :‬في جواز صدور الكذب عنهم على‬
‫سبيل السهو والنسيان خلف‪ ،‬فمنعه كثير من الئمة‬
‫وجوزه القاضي مصيرا ً منه إلى عدم دخوله في‬
‫)‪(2‬‬
‫التصديق المقصود بالمعجزة(‬
‫ويقول العلئي‪) :‬وقد قال القاضي أبو بكر الباقلني‬
‫في كتابه النتصار‪ :‬المعجزة تدل على صدق النبي في‬
‫ما هو متفكر فيه وعامد له‪ ،‬وذهول النفس وطريان‬
‫النسيان ل يدخل تحت الصدق الذي هو مدلول‬
‫)‪(3‬‬
‫المعجزة(‪.‬‬
‫وقد رجعت إلى النتصار فوجدت كلم القاضي ل يدل‬
‫على جواز السهو أو الغلط في أقوال النبي التبليغية‪.‬‬
‫داه وب َّلغه دون‬
‫وإنما جوز القاضي السهو عليه فيما أ ّ‬
‫ده فقال‪) :‬إن قال قائل‪ :‬هل يجوز أن ينسى‬ ‫ما لم يؤ ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بعض القرآن بعد أدائه‬
‫وبلغه‪ .....‬؟‬
‫ً‬
‫قيل‪ :‬إن أردت بالنسيان نسيانا يدوم صاحبه عليه‪،‬‬
‫وينسب إلى البلدة‪ ،‬فمعاذ الله أن يجوز ذلك عليه‪.‬‬
‫وإن أردت أن ينسى ذلك القدر الذي ينساه العالم‬
‫الحافظ بالقرآن الذي ل ي َْنسب صاحبه إلى بلدة فإن‬
‫ذلك جائز عليه بعد أدائه وبلغه‪ ،‬والذي يدل على‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬المستصفى‪ ،‬الغزالي ‪ 2/213‬وشرح المقاصد‪،‬‬


‫التفتازاني ‪ ،5/50‬وشرح النسفية‪ ،‬التفتازاني ‪ ،155‬والشفا‪،‬‬
‫عياض ‪ ،2/340‬ونهاية السول‪ ،‬السنوي ‪ ،9-3/8‬وشرح‬
‫الدواني على العقائد العضدية ‪ ،2/279‬وشرح الفقه الكبر‪،‬‬
‫القاري ‪ ،52‬ومشارق أنوار العقول‪ ،‬السالمي ‪،17-2/16‬‬
‫والساس لعقائد الكياس‪ ،‬القاسم الزيدي ‪.143-142‬‬
‫‪ ()2‬المواقف ‪.358‬‬
‫‪ ()3‬نظم الفرائد ‪.334‬‬

‫‪324‬‬
‫جوازه أنه غير مفسد له ول قادح في آياته ول مفسد‬
‫لكمال صفاته‪ ...‬وإذا كان ذلك كذلك جاز مثل هذا‬
‫السهو عليه في ما أداه وبلغه دون ما لم يؤده‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫لجماع المسلمين على منع ذلك‪(...‬‬
‫وليس في هذه العبارة ما يدل على جواز وقوع‬
‫الخلف في أقواله التبليغيه سهوا ً ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬
‫وقد استدل السفرائيني)‪ (2‬على عصمتهم من ذلك‬
‫بدليل العقل لدخوله تحت دللة المعجزة‪ ،‬لن‬
‫المعجزة بمنزلة قوله تعالى‪) :‬صدق عبدي في كل ما‬
‫يبلغ عني( وتشمل جميع أقواله جملة واحدة من غير‬
‫)‪(3‬‬
‫خصوص‬
‫وقال شارح المسلم‪) :‬قيل لبطال هذا الرأي ‪-‬يعني‬
‫جواز الكذب عليه سهوًا‪ :-‬يلزم عدم الوثوق في‬
‫التبليغ‪ ،‬فإنه يجوز حينئذ أن يكون كذبا ً جاريا ً على‬
‫)‪(4‬‬
‫لسانه الشريف غلطا‪(...‬‬
‫وأجيب )من قبل القاضي( بأنه إذا جرى على لسانه‬
‫الشريف الكذب غلطا فل بد من التنبيه على أنه‬
‫)‪(5‬‬
‫خلف الواقع فلم ينعدم الوثوق‪.‬‬
‫وقد دفع الشيخ عبد الغني عبد الخالق هذا الجواب‬
‫بقوله‪) :‬هذا التنبيه إنما يكون بخبر آخر‪ ،‬وما جاز على‬
‫ن يكون قد‬ ‫أحد المثلين جاز على الخر‪ ،‬فهو محتمل ل َ ْ‬
‫صدر أيضا ً على سبيل الكذب سهوا فل زال الوثوق‬
‫منعدما‪ ...‬اللهم إل أن يقال بعصمته من الكذب سهوا ً‬
‫في التنبيه لئل يؤدي إلى ما ذكره‪،‬وهو بعيد‪ ،‬لنا نقول‬

‫‪ ()1‬النتصار لنقل القرآن ‪.313-312‬‬


‫‪ ()2‬هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد‪ ،‬تقدمت ترجمته‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر الشفا‪ ،‬عياض ‪ ،2/287‬ونظم الفرائد‪ ،‬العلئي‬
‫‪.341-340‬‬
‫‪ ()4‬فواتح الرحموت ‪.2/99‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬المصدر السابق نفسه في نفس الصفحة‪ ،‬وحجية‬
‫السنة‪ ،‬عبد الغني عبد الخالق ‪.101‬‬

‫‪325‬‬
‫له‪ِ :‬لم َلم تختصر الطريق فتمنع الكذب سهوا من‬
‫)‪(1‬‬
‫أول المر‪ ،‬لئل يؤدي إلى ما ذكر ؟(‪.‬‬
‫وبهذا تثبت عصمة النبي من الكذب في التبليغ عمدا ً‬
‫وسهوا ً وغلطًا‪.‬‬
‫وبين أيدينا من أخبار الحاد ما يشهد لذلك ويؤكده‪،‬‬
‫وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال‪) :‬قلت‬
‫ل ما أسمع منك ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫يا رسول الله أأكتب ك َ‬
‫قلت‪ :‬في الرضا والغضب ؟ قال‪ :‬نعم فإني ل أقول‬
‫)‪(2‬‬
‫في ذلك كله إل حقا(‬
‫وفي أخبار الحاد ما يشكل ظاهره على ما قرر في‬
‫عصمة النبي وهي خبران‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫الخبر الول في قصة الغرانيق‬
‫وأخرجها المام الطبري من طرق عديدة‬
‫فمن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي‬
‫ومحمد بن قيس قال‪) :‬جلس رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في ناد من أندية قريش‪ ،‬فتمنى يومئذ أن‬
‫ل يأتيه من الله شيء فينفروا عنه‪ ،‬فأنزل الله عليه‪:‬‬
‫)‪(4‬‬
‫)والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى(‬
‫فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ‬
‫)أفرأيتم اللت والعزى * ومناه الثالثة الخرى()‪،(5‬‬
‫ألقى عليه الشيطان كلمتين‪) :‬تلك الغرانيق العلى‪،‬‬
‫وإن شفاعتهن لترجى( فتكلم بها‪ ،‬ثم مضى فقرأ‬
‫السورة‪ ،‬فسجد في آخر السورة‪ ،‬وسجد القوم جميعا‬

‫‪ ()1‬حجية السنة ‪.102-101‬‬


‫‪ ()2‬أخرجه المام أبو داود في كتاب العلم ‪.3/3646‬‬
‫‪ ()3‬قال ابن الثير )الغرانيق هنا الصنام‪ ،‬وهي في الصل‬
‫الذكور من طير الماء‪ ،‬وكانوا يزعمون أن الصنام تقربهم من‬
‫الله وتشفع لهم‪ ،‬فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء‬
‫وترتفع(‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية ‪.3/364‬‬
‫‪ ()4‬سورة النجم ‪.2-1‬‬
‫‪ ()5‬سورة النجم ‪20-19‬‬

‫‪326‬‬
‫)‪(1‬‬
‫معه‪(...‬‬
‫وفي هذا الخبر علل شتى‪ ،‬منها‪ :‬انقطاع السند‪ ،‬إذ‬
‫يرويه محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وهما‬
‫)‪(2‬‬
‫في طبقة التابعين‬
‫ومنها أن أبا معشر وهو لجيح السندي ‪ -‬تفرد به‬
‫عنهما‪..‬‬
‫وقد ضعفه النسائي‪ ،‬والدارقطني‪ .‬وقال ابن معين‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ليس بقوي‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪.‬‬
‫ومن طريق يزيد بن زياد المدني عن محمد بن كعب‬
‫القرظي قال‪) :‬لما رأى رسول الله صلى عليه وسلم‬
‫تولى قومه عنه‪ ،‬وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما‬
‫جاءهم به من عند الله تمنى في نفسه أن يأتيه من‬
‫الله ما يقارب بينه وبين قومه‪ ،‬وكان يسره مع حبه‬
‫وحرصهم عليه أن يلين له بعض ما غلظ عليه من‬
‫أمرهم‪ ...‬فأنزل الله‪) :‬النجم إذا هوى( حتى انتهى إلى‬
‫قول الله عز وجل )ومناة الثالثة الخرى( ألقى‬
‫الشيطان على لسانه‪ :‬تلك الغرانيق العلى‪ ،‬وإن‬
‫شفاعتهن ترتضى‪ ...‬وأتى جبرائيل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ت على الناس ما لم‬ ‫يا محمد‪ ،‬ماذا صنعت ؟ لقد تلو َ‬
‫)‪(4‬‬
‫ت ما لم ُيقل لك به(‬‫آتك به عن الله‪ ،‬وقل َ‬
‫وفي إسناد هذا الخبر انقطاع كالخبر السابق‪ ،‬وراويه‬
‫عن محمد بن كعب هو يزيد بن زياد المدني قال فيه‬
‫)‪(5‬‬
‫البخاري‪ :‬ل يتابع على حديثه‪.‬‬
‫ق َأبَهم المام الطبري فيه من حدثه به‪ ،‬عن‬ ‫ومن طري ٍ‬
‫الضحاك أن الشيطان ألقى في تلوة النبي صلى الله‬

‫تفسير الطبري ‪.187-17/186‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫انظر تقريب التهذيب‪.203-2/202 ،‬‬ ‫‪( )2‬‬
‫انظر ترجمته في ميزان العتدال ‪.4/246‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫تفسير الطبري ‪.17/187‬‬ ‫‪()4‬‬
‫انظر ترجمته في ميزان العتدال‪ ،‬الذهبي ‪.4/423‬‬ ‫‪()5‬‬

‫‪327‬‬
‫عليه وسلم )تلك الغرانيق العلى‪ (..‬فقرأها النبي‬
‫)‪(1‬‬
‫صلى الله عليه وسلم كذلك‪(...‬‬
‫وهذا السناد معل لوجود مبهم فيه‪ ،‬وهو شيخ‬
‫الطبري‪ ،‬ولن الضحاك رواه مرسل وقد ضعفه يحيى‬
‫)‪(2‬‬
‫بن سعيد القطان وغيره‬
‫وأخرج الطبري بسند صححه الحافظ ابن حجر )عن‬
‫سعيد بن جير قال لما نزلت هذه الية قرأها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال‪) :‬تلك الغرانيق‬
‫)‪(3‬‬
‫العلى‪(...‬‬
‫ً‬
‫وأخرج الطبري نحوه بسند صححه الحافظ أيضا عن‬
‫وه‬
‫أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬ونح َ‬
‫)‪(4‬‬
‫من طريقين عن أبي العالية الرياحي‬
‫وقد عاب العلماء على من أولع بقصة الغرانيق من‬
‫المفسرين‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪) :‬يكفيك أن هذا حديث لم يخرجه‬
‫أحد من أهل الصحة‪ ،‬ول رواه فقيه بسند سليم‬
‫متصل‪ ،‬وانما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون‬
‫ت هذه الحكاية عنه‬ ‫كيـ ْ‬
‫ح ِ‬‫المولعون بكل غريب‪ ...‬ومن ُ‬
‫من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم‪ ،‬ول‬
‫رفعها إلى صاحب‪ ،‬وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة‬
‫واهية‪.‬‬
‫والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد‬
‫بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما‪.‬‬
‫قال أبو بكر البزار‪ :‬هذا ل نعلمه يروى عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره إل هذا‪...‬‬
‫ولم يسنده عن شعبة إل أميه بن خالد‪ ،‬وغيره يرسله‬

‫تفسير الطبري ‪.17/189‬‬ ‫‪()1‬‬


‫انظر‪ :‬ترجمته في الميزان ‪.2/326‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫تفسير الطبري ‪ ،17/178‬وانظر‪ :‬فتح الباري ‪.8/561‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫تفسير الطبري ‪ ،17/179‬وانظر‪ :‬فتح الباري ‪.8/561‬‬ ‫‪()4‬‬

‫‪328‬‬
‫)‪(1‬‬
‫عن سعيد بن جبير‪(...‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وأمية بن خالد سئل عنه المام أحمد فلم يحمده‪.‬‬
‫وقال فيه الحافظ ابن حجر‪ :‬صدوق‪ (3).‬وقد خالف‬
‫أمية الثقات في وصله‪ ،‬إذ رواه الطبري عن سعيد بن‬
‫جبير مرسل ً من طريقين صححهما الحافظ ابن حجر‬
‫‪ -‬كما سبق ‪-‬‬
‫وعلى هذا يحكم على المرفوع بالشذوذ‪.‬‬
‫وأخرجه الطبري مرفوعا ً عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما بسند ضعيف من طريق محمد بن سعد بن‬
‫)‪(5‬‬
‫محمد بن الحسن العوفي‪ (4).‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫والحاصل أن قصة الغرانيق لم يروها فقيه بسند‬
‫سليم متصل‪ ،‬ومن حكيت عنه هذه الحكاية من‬
‫التابعين لم يسندها أحد منهم‪ ،‬وأكثر الطرق عنهم‬
‫فيها ضعيفة واهية كما سبق من قول القاضي عياض‬
‫رحمه الله‪.‬‬
‫وقد جمع الحافظ ابن كثير طرق هذه القصة وقال‬
‫فيها‪) :‬لم أرها مسندة من وجه صحيح‪ ...‬وأكثرها‬
‫)‪(6‬‬
‫مرسلت ومنقطعات(‬
‫والذي يظهر من صنيع صاحبي الصحيح تضعيف قصة‬
‫الغرانيق‪ ،‬إذ أخرجا ما صح من القصة عندهما‪.‬‬
‫فأخرج المام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما قال‪) :‬سجد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالنجم‪ ،‬وسجد معه المسلمون والمشركون والجن‬

‫‪ ()1‬انظر الشفا ‪ ،291-2/289‬وانظر مجمع الزوائد‬


‫‪.7/71،115‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬ترجمته في الميزان ‪.1/275‬‬
‫‪ ()3‬التقريب ‪.114‬‬
‫‪ ()4‬تفسير الطبري ‪.17/189‬‬
‫‪ ()5‬انظر ترجمته في ميزان العتدال ‪.3/560‬‬
‫‪ ()6‬تفسير ابن كثير ‪.231-3/230‬‬

‫‪329‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والنس(‬
‫وأخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫)أول سورة أنزلت فيها سجدة )والنجم( قال‪ :‬فسجد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسجد من خلفه‪،‬‬
‫إل رجل ً رأيته أخذ كفا ً من تراب فسجد عليه‪ ،‬فرأيته‬
‫)‪(2‬‬
‫بعد ذلك قتل كافرا ً ‪ -‬وهو أمية بن خلف(‬
‫وقد ألف الشيخ اللباني كتابا ً في تضعيف هذه القصة‬
‫)‪(3‬‬
‫سماه )نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق(‬
‫وبعد عرض ما يوهن هذه القصة من طريق السناد‬
‫يحسن بيان ما في متنه من معارضة لما ثبت‬
‫بالبراهين والجماع على عصمة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وهذا البيان من وجوه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه ل يليق بالنبي أن يتمنى مسايرة الكفار‬
‫ومصانعتهم بالباطل والتلفظ بالشرك‪ ،‬ول أن يحدث‬
‫نفسه بذلك وُيسّر به‪ ،‬بل آحاد الدعاة إلى الله عز‬
‫وجل يتنزهون عن مثل هذه المسايرة والمجاملة‬
‫بالباطل‪ ،‬ول يجوز أن ينسب مثل ذلك إلى النبياء‬
‫بخبر فيه شبهة في اتصال سنده وصدق قائله‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن قول القائل‪) :‬تلك الغرانيق العلى وإن‬
‫شفاعتهن‪ (....‬فيه مدح للهة ُتعبد من دون الله‪ ،‬وهو‬
‫كفر قام الجماع على عصمة النبي من جريانه على‬
‫)‪(4‬‬
‫قلبه أو لسانه‬
‫ً‬
‫وقصة الغرانيق فيها معارضة لما ثبت قطعا أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم بلغ المانة‪ ،‬ولم يتقول على الله عز‬

‫‪ ()1‬في كتاب التفسير‪ ،‬من سورة النجم ‪.4/4862‬‬


‫‪ ()2‬أخرجه البخاري في كتاب التفسير من سورة النجم‬
‫‪ 4/4863‬مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة ‪20/576‬‬
‫والنسائي ‪.2/160‬‬
‫‪ ()3‬أشار إليه في مختصر العلو ‪.235‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬الشفا‪ ،‬عياض ‪.2/293‬‬

‫‪330‬‬
‫وجل‪ ،‬ولم يبدل شيئا من تلقاء نفسه‪ ،‬يقول الله عز‬
‫وجل‪) :‬ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه‬
‫باليمين ثم لقطعنا منه الوتين()‪ (1‬وقال تعالى‪) :‬قل ما‬
‫يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إل ما‬
‫)‪(2‬‬
‫يوحى إلي(‬
‫وقال‪) :‬وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك‬
‫لتفتري علينا غيره وإذا ً لتخذوك خليل ً ولول أن ثبتناك‬
‫لقد كدت تركن إليهم شيئا ً قليل(‬
‫ً )‪(3‬‬

‫قال القاضي عياض رحمه الله‪) :‬ذكر تعالى أنهم كادوا‬


‫ن ث َّبته لكاد يركن‬ ‫َ‬
‫يفتنونه حتى يفتري‪ ،‬وأنه لول أ ْ‬
‫إليهم‪ ،‬فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى عصمه‬
‫ل‪ ،‬فكيف‬ ‫من أن يفتري‪ ،‬وث َّبته فلم يركن إليهم قلي ً‬
‫كثيرا ً ؟ وهم يروون في أخبارهم الواهيه أنه زاد على‬
‫الركون والفتراء بمدح آلهتهم‪ ،‬وأنه قال صلى الله‬
‫ت ما لم يقل‪.‬وهذا‬ ‫ت على الله وقل ُ‬ ‫عليه وسلم‪ :‬افتري ُ‬
‫ضد مفهوم الية‪ ،‬وهي تضعف الحديث لو صح‪ ،‬فكيف‬
‫)‪(4‬‬
‫ول صحة !؟‪(...‬‬
‫الثالث‪ :‬يستحيل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫تكلم بذلك عامدا ً أو ساهيًا‪ ،‬قال الرازي‪) :‬أما العمد‬
‫فغير جائز لنه تخليط في الوحي‪ ،‬وذلك يوجب زوال‬
‫الثقة عن كل ما جاء به‪ ...‬أما السهو فغير جائز أيضا‪ً،‬‬
‫لنه لو جاز وقوع السهو ها هنا لجاز في غيره‪ ،‬وحينئذ‬
‫ترتفع الثقة بالشرع‪ ،‬ولن الساهي ل يجوز أن يقع منه‬
‫مثل هذه اللفاظ مطابقة لوزن هذه السورة‬
‫وطريقتها ومعناها‪ ،‬فإنا نعلم بالضرورة أن واحدا ً لو‬
‫أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق فيه ببيت‬

‫‪ ()1‬سورة الحاقه ‪.44‬‬


‫‪ ()2‬سورة يونس ‪.15‬‬
‫‪ ()3‬سورة السراء ‪.74-73‬‬
‫‪ ()4‬الشفا ‪ ،298-2/296‬وانظر نحوه في النتصار‪ ،‬الباقلني‬
‫‪ 310‬وعصمة النبياء‪ ،‬الرازي ‪.106-105‬‬

‫‪331‬‬
‫)‪(1‬‬
‫شعر في وزنها ومعناها وطريقتها(‬
‫وقد ذكر الباقلني والقاضي عياض والرازي وجوها ً‬
‫)‪(2‬‬

‫في تفسير هذه القصة مبنية على تسليم الحديث لو‬


‫صح‪ ،‬وقد أعاذنا الله من صحته ‪ -‬كما قال القاضي‬
‫)‪(3‬‬
‫عياض ‪-‬‬
‫والذي ل يطول المقام بذكره من هذه الوجوه هو‬
‫الوجه الذي اختاره المام الطبري والحافظ ابن حجر‪،‬‬
‫لن الطبري اعتمد ما ساقه من روايات في هذه‬
‫القصة‪ ،‬وأما الحافظ ابن حجر فقد صحح ثلثة أسانيد‬
‫منها قال‪:‬‬
‫)وهي مراسيل يحتج بها من يحتج بالمرسل‪ ،‬وكذا من‬
‫)‪(4‬‬
‫ل يحتج به لعتضاد بعضها ببعض(‬
‫أما المام الطبري فقد جعل العبارة من قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بسبب إلقاء الشيطان‪ ،‬وقد مر‬
‫أنه ل يجوز أن يصدر هذا القول من النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ل عمدا ً ول سهوًا‪.‬‬
‫فإن كان مراده أنه من إلقاء الشيطان على سبيل‬
‫الجبر والضطرار فهو غير جائز أيضًا‪.‬‬
‫وقد ذكر الرازي فساده‪ ،‬لن الشيطان لو تمكن من‬
‫إجبار النبي عليه الصلة والسلم على ذلك لرتفعت‬
‫الثقة بالوحي لقيام هذا الحتمال ؛ ولنه لو جاز إلقاء‬
‫الشيطان على هذا الوجه لكان للشيطان سلطان‬
‫على النبي‪ ،‬وأي سلطان‪ ،‬وقد قال تعالى‪) :‬إنه ليس‬
‫له سلطان على الذين آمنوا()‪ .(5‬وقال‪) :‬إن عبادي‬

‫‪ ()1‬عصمة النبياء ‪ ،107‬وانظر نحوه في النتصار ‪308‬‬


‫والشفا ‪ ،2/213‬وفتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪.8/562‬‬
‫‪ ()2‬انظر المراجع السابقة‪.‬‬
‫‪ ()3‬الشفا ‪.2/292‬‬
‫‪ ()4‬فتح الباري ‪.8/562‬‬
‫‪ ()5‬الية )‪ (99‬من سورة النحل‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫ليس لك عليهم سلطان()‪ (1‬وقال‪) :‬وما كان لي عليكم‬
‫)‪(2‬‬
‫من سلطان إل أن دعوتكم فأستجبتم لي(‬
‫وبهذا يثبت أنه ل يصح أن تكون العبارة من قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول يتضح وجه لما ارتضاه‬
‫المام الطبري ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما الحافظ ابن حجر فقد ذكر وجوها واستحسن‬
‫منها ما قيل‪) :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتةٍ من‬
‫السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا ً نغمته‪ ،‬بحيث‬
‫)‪(3‬‬
‫سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها(‬
‫وقد جوز الرازي هذا الوجه )‪ (4‬والقاضي عياض ‪،‬‬
‫)‪(5‬‬

‫وليس فيه ما يقدح في عصمة النبي صلى الله عليه‬


‫وسلم مما يخل بتبليغه عن الله عز وجل‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫‪ ()1‬الية )‪ (42‬من سورة الحجر‪.‬‬


‫‪ ()2‬سورة إبراهيم‪ .22 ،‬وانظر‪ :‬عصمة النبياء‪ ،‬الرازي‬
‫‪ ،108‬والشفا‪ ،‬عياض ‪ .2/298‬وفتح الباري ‪.8/562‬‬
‫‪ ()3‬فتح الباري ‪.28/56‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬عصمة النبياء ‪.108‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬الشفا ‪.2/301‬‬

‫‪333‬‬
‫الخبر الثاني الذي يشكل ظاهره على ما قرر في‬
‫عصمة النبي من الخطأ أو السهو في التبليغ‬
‫وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬لم أنس ولم‬
‫تقصر( في حديث ذي اليدين‪.‬‬
‫أخرج المام البخاري بسنده عن محمد بن سيرين عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬صلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إحدى صلتي العشي ‪ -‬قال محمد‪ :‬وأكثر‬
‫ظني أنها العصر ‪ -‬ركعتين‪ ،‬ثم سلم‪ ،‬ثم قام إلى‬
‫خشبة في مقدم المسجد‪ ،‬فوضع يده عليها‪ ،‬وفيهم‬
‫أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فهابا أن يكلماه وخرج‬
‫ن الناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬أقصرت الصلة ؟ ورجل‬ ‫سَرعا ُ‬
‫َ‬
‫يدعوه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين‬
‫ت ؟ فقال‪ :‬لم أنس‪ ،‬ولم‬ ‫ت أم قُ ِ‬
‫صر ْ‬ ‫فقال‪ :‬أنسي َ‬
‫تقصر‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬قد نسيت‪ ،‬فصلى ركعتين ثم سلم‪،‬‬
‫ثم كبر فسجد مثل سجوده وأطول‪ ،‬ثم رفع رأسه‬
‫فكبر ثم وضع رأسه فكبر‪ ،‬فسجد مثل سجوده أو‬
‫)‪(1‬‬
‫أطول‪ ،‬ثم رفع رأسه وكبر(‬
‫وهذا الحديث من أخبار الحاد التي كثرت طرقها‬
‫فدخلت في حد الستفاضة والشهرة‪ ،‬نص على ذلك‬
‫الحافظ العلئي رحمه الله قال‪) :‬هذا الحديث بتعدد‬
‫طرقه وصحتها داخل في قسم المستفيض‪ ،‬وهو‬
‫)‪(2‬‬
‫الذي يسميه أهل الحديث بالمشهور(‬
‫‪ ()1‬في كتاب السهو باب من يكبر في سجدتي السهو ح)‬
‫‪ (1229‬وأخرجه المام مسلم في كتاب الصلة‪ ،‬باب السهو‬
‫في الصلة والسجود له ‪ 19/99‬وأبو داود في كتاب الصلة‬
‫باب السهو في السجدتين )ح ‪ (1008‬والترمذي في أبواب‬
‫الصلة‪ ،‬باب ما جاء في الرجل ليسلم في الركعتين في‬
‫الظهر والعصر ‪ 175/399‬وابن ماجة في كتاب إقامة‬
‫الصلة‪ ،‬باب فيمن سلم من اثنتين أو ثلث ساهيا ً ‪/134‬‬
‫‪1213‬والنسائي‪ ،‬انظر سنن النسائي مع شرح السيوطي‬
‫‪.24-2/23‬‬
‫‪ ()2‬نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد‪،‬‬

‫‪334‬‬
‫وقال الشافعي‪) :‬حديث ذي اليدين ثابت عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لم يرد عن رسول الله‬
‫)‪(1‬‬
‫شيء قط أشهر منه(‬
‫)‪(2‬‬
‫وعمران بن‬ ‫وممن رواه من الصحابة أبو هريرة‬
‫الحصين )‪ (3‬وعبد الله بن عمر)‪ (4‬رضي الله عنهم‪.‬‬
‫إل أن قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه )لم أنس‬
‫ولم ُتقصر( واقع في بعض الروايات‪ ،‬وليس في‬
‫)‪(6‬‬
‫جميعها‪ ،‬وهي مخرجة عند المام مالك )‪ (5‬والبخاري‬
‫)‪(8‬‬
‫وابن ماجة )‪ (7‬والنسائي‪.‬‬
‫ووقع في رواية المام مالك أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لما سأله ذو اليدين )أقصرت الصلة أم نسيت(‬
‫)‪(9‬‬
‫قال‪) :‬كل ذلك لم يكن(‪.‬‬
‫ووقع في طرق أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪َ) :‬أصدق ذو اليدين ؟( ولم يجب عن سؤاله بنفي‬
‫المرين أو أحدهما‪.‬‬
‫ويفهم من هذا أن القول بشهرة حديث ذي اليدين ل‬
‫يعني أن قول النبي صلى الله عليه وسلم )لم أنس‬
‫الحافظ خليل بن العلئي )‪ 763‬هـ( ‪ .241‬وقد جمع العلئي‬
‫في كتابه هذا طرق الحديث وألفاظه‪ ،‬وتكلم عن الفوائد‬
‫الفقهيه والحديثية المستخرجة من الحديث بما ل مطمح في‬
‫أجود منه وأقوى‪.‬‬
‫‪ ()1‬اختلف الحديث في حاشية الم ‪ ،7/278‬مطبعة دار‬
‫الشعب ‪ -‬القاهرة‬
‫‪ ()2‬سبق تخريجه‬
‫‪ ()3‬أخرجه مسلم في كتاب أتصله ‪19/101،102‬وابن‬
‫ماجة في كتاب إقامة الصلة ‪ 134/1215‬والنسائي ‪2/36‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلة ‪134/1213‬‬
‫‪ ()5‬انظر تنوير الحوالك ‪1/116‬‬
‫‪ ()6‬برقم )‪(1229‬‬
‫‪ ()7‬برقم )‪(1214‬‬
‫‪ ()8‬انظر شرح سنن النسائي‪ ،‬السيوطي ‪24-2/23‬‬
‫‪ ()9‬انظر تنوير الحوالك ‪ 1/115‬وأخرجها المام مسلم‬
‫‪2/22‬‬ ‫‪ 19/99‬والنسائي انظر شرح السيوطي‬

‫‪335‬‬
‫ولم تقصر( قد وصل إلى حد الشهرة التي يحصل بها‬
‫سكون النفس وطمأنينة القلب إلى صدورها عن‬
‫النبي صلى لله عليه وسلم‪ ،‬لن حد الشهرة لصل‬
‫الحديث‪ ،‬ل للفاظه التي اختلف فيها الحفاظ ‪ -‬والله‬
‫أعلم ‪-‬‬
‫فهل يثبت بهذه الرواية وقوع الخلف في أقوال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم على سبيل السهو ؟‬
‫لم أر أحدا ً من العلماء منع إثباته بهذه الرواية طعنا ً‬
‫في ثبوتها‪ ،‬بل انشغل العلماء في تخريجها على الوجه‬
‫الذي ينسجم مع ما قرر في عصمة أقوال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫واختلفوا في تخريجها على وجوه‪:‬‬
‫أجودها‪ :‬أن نفيه صلى الله عليه وسلم إنما كان بناء‬
‫على ما في ظنه واعتقاده‪ ،‬وهو أنه لم يفعل شيئا ً من‬
‫ذلك‪ ،‬فأخبر بحق‪ ،‬لنه موافق لما في نفسه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وكأن النطق مقدر بذلك ‪ -‬وإن كان‬
‫محذوفا ً ‪ -‬لنه لو صرح به وقال‪ :‬لم تقصر الصلة‬
‫وليس في ظني أني نسيت‪ ،‬ثم تبين أنه كان خلفه‬
‫في نفس المر كان إخباره صدقًا‪ ،‬ولم يقتض ذلك أن‬
‫يكون خلفه في ظنه‪ ،‬فكذلك إذا كان مقدرا ً مرادا ً‬
‫ليس فيه خلف ول كذب‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫واختار هذا الوجه الحافظ العلئي وعبد العلي‬
‫)‪(3‬‬
‫سّلم )‪ (2‬وغيرهما‬
‫م َ‬
‫النصاري شارح ال ُ‬
‫والوجه الثاني‪ :‬أن قول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫متضمن لخبرين‪ ،‬الول‪) :‬لم أنس( والثاني )لم تقصر(‬
‫والخبر الول ليس بلغيا ً ول بيانا ً لحكم شرعي‪ ،‬بل هو‬
‫إخبار عن حالة نفسه‪ ،‬فهو وإن بدا غير مطابق للواقع‬
‫إل أنه ليس من الخبار البلغية‪.‬‬
‫‪ ()1‬نظم الفرائد ‪.348‬‬
‫‪ ()2‬فواتح الرحموت ‪.2/98‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬شرح النووي على مسلم ‪.3/11‬‬

‫‪336‬‬
‫وأما الخبر الثاني‪ :‬فهو وإن كان بلغيا ً إل أنه مطابق‬
‫للواقع فل اعتراض‬
‫)‪(1‬‬
‫واختار هذا الوجه الشيخ عبد الغني عبد الخالق‬
‫ونبه إليه القاضي عياض فذكره تحت عنوان )حالته‬
‫)‪(2‬‬
‫صلى الله عليه وسلم في أخبار الدنيا(‪.‬‬
‫و الحاصل أنه قد ثبت بالدليل القاطع عصمة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الكذب في التبليغ‪ ،‬وأنه ل‬
‫ف في القول في تبليغ الشريعة ل على‬ ‫خل ْ ٌ‬
‫يجوز عليه ُ‬
‫سبيل العمد ول على غيره‪.‬‬
‫وبين أيدينا أخبار آحاد بعضها يشهد لذلك ويؤكده‪،‬‬
‫وبعضها قد يعارضه لول وهلة كما سبق بيانه ‪ -‬والله‬
‫أعلم _‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عصمة النبي في أفعاله التبليغية‬


‫مر معنا اتفاق المسلمين على عصمة النبياء من أن‬
‫يقع شيء من أخبارهم البلغية على خلف ما هو به‪،‬‬
‫وأنه ل يقع الخلف فيها ل عمدا ً ول سهوا ً ول غلطا ً‬
‫وأما ما يبّلغه النبي من الشرع بفعله ل بقوله فما‬
‫الذي يجوز عليه فيه ؟ وما الذي يستحيل ؟ الحق في‬
‫سم أفعال النبي على ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ق ّ‬
‫هذه المسألة أن ت ُ َ‬
‫الول‪:‬ما يختص به من أمور دينه وأذكار قلبه‪ ،‬ونحوها‬
‫مما ل يفعله ل ِي ُت َّبع فيه‪ .‬فهو فيه كسائر البشر‪ ،‬يجوز‬

‫‪ ()1‬حجية السنة ‪.110‬‬


‫‪ ()2‬الشفا‪ ،‬عياض ‪ 320-2/311‬وقد ذكر وجوها ً أخرى في‬
‫توجيه قوله صلى الله عليه وسلم )لم أنس( وقد نبه الحافظ‬
‫ابن حجر إلى ضعفها و ورود العتراضات عليها فلنكتف في‬
‫هذه الوجوه بما قوي و سلم من العتراض‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫)‪(1‬‬
‫عليه السهو فيه‪ .‬وليس هذا القسم مما نحن فيه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أفعاله البلغية التي قصد بها تعليم المة‪ :‬بأن‬
‫يكون ذلك أول أداء منه لها وأول بيان لحكمها‪ ،‬ولم‬
‫يسبق له أن فعلها للتبليغ والتعليم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أفعاله الشرعية التي لم يقصد بها التعليم‪:‬‬
‫بأن يكون قد فعلها من قبل مرارا ً حتى استقرت‬
‫ورسخت في نفوس المة‪ ،‬ولم يقصد بفعلها حينئذٍ إل‬
‫محض العبادة كسائر الناس‪.‬‬
‫وقد تسمى هذه الفعال أفعال ً بلغية‪ ،‬لنها على مثال‬
‫الفعل الذي سبق له فعله قاصدا ً منه البلغ والتعليم‬
‫)‪.(2‬‬
‫فإذا حصل التمييز بين القسم الثاني والثالث أمكن‬
‫الجمع بين أقوال العلماء في المسألة وتحررت‬
‫مواضع النزاع‪.‬‬
‫فالقاضي عياض رحمه الله حكى الخلف فقال‪) :‬قال‬
‫جماعة من العلماء‪ :‬الفعال في هذا الباب ل يجوز‬
‫طروّ المخالفة فيه عمدا ً ول سهوًا‪ .‬وطرو هذه‬
‫العوارض عليها يوجب التشكيك ويسبب المطاعن‪،‬‬
‫‪ ()1‬حكى القاضي عياض اتفاق الكثر من طبقا ت علماء هذه‬
‫المة على جواز السهو والغلط عليه في هذا القسم ولكن‬
‫على سبيل الندور ل التكرر و التصال انظر الشفا ‪ 2/342‬و‬
‫النتصار‪ ،‬الباقلني ‪ 214 - 212‬ونظم الفرائد‪ ،‬العلئي ‪.338‬‬
‫وحجية السنة‪ ،‬عبد الغني ‪.106‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬المسامرة‪ ،‬الكمال ابن الهمام ‪ ،203‬وحجية‬
‫السنة‪ ،‬عبد الغني عبد الخالق‪107 - 106 .‬‬

‫‪338‬‬
‫وإلى هذا مال الستاذ أبو إسحاق _ يعني السفرائيني‬
‫_‬

‫‪339‬‬
‫وذهب الكثر من الفقهاء والمتكلمين إلى أن المخالفة‬
‫في الفعال البلغية والحكام الشرعية سهوا ً من غير‬
‫قصد منه جائز عليه كما تقرر في أحاديث السهو في‬
‫الصلة‪ ،‬وفرقوا بين ذلك وبين القوال البلغية لقيام‬
‫المعجزة على الصدق في القول‪ ،‬ومخالفة ذلك‬
‫تناقضها‪ ،‬فأما السهو في الفعال فغير مناقض لها ول‬
‫)‪(1‬‬
‫قادح في النبوة‪(...‬‬
‫والحق أن هذا القول الذي اختاره القاضي عياض‬
‫وحكاه عن الكثرين محمول على القسم الثالث من‬
‫أقسام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو ما‬
‫يفعله النبي صلى الله عليه وسلم تعبدا ً محضا ً كسائر‬
‫البشر‪ ،‬ولم يقصد بها التعليم والتبليغ‪.‬‬
‫وأما ما قصد به التعليم والتبليغ من أفعاله صلى الله‬
‫عليه وسلم فالمعجزة تدل على صدقه فيها أيضًا‪،‬‬
‫لنها بمنزلة قوله تعالى‪ ":‬صدق عبدي في كل ما يبلغ‬
‫عني "‪ ،‬فيشمل القول والفعل‪ .‬ولن صدور السهو‬
‫فيما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا ً به‬
‫التعليم والتبليغ يوجب التشكيك ويسبب الطعن في‬
‫القول أيضًا‪.‬‬
‫قال الدكتور عبد الغني عبد الخالق‪) :‬وهذه المسألة ‪-‬‬
‫يعني العصمة في الفعال ‪ -‬يجب أن تكون قطعية ل‬
‫ظنية ودللة المعجزة قطعية‪ ،‬وأما أحاديث السهو‬
‫)‪(2‬‬
‫فدللتها ظنية‪ ...‬فوجب العتماد على المعجزة(‬
‫ووجه ظنية دللتها أن أفعاله التي حصل فيها السهو‬
‫ليست بلغية حقيقة‪ ،‬وإنما سميت بلغية لنها على‬
‫مثال الفعل الذي سبق للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فعله على سبيل التعليم والتبليغ‪.‬‬
‫قال الدكتور عبد الغني عبد الخالق‪) :‬ولكن المر‬
‫اختلط على المتنازعين من العلماء في هذه المسألة‬
‫‪ ()1‬الشفا ‪.2/341‬‬
‫‪ ()2‬حجية السنة ‪.105‬‬

‫‪340‬‬
‫فظنوا القسم الثاني والثالث نوعا ً واحدًا‪ ،‬حكمه واحد‪،‬‬
‫فمنهم من منع حصول السهو وأول الحاديث بتأويلت‬
‫ركيكة‪ ...‬ومنهم من تمسك بالحاديث‪ ،‬وأهمل دللة‬
‫المعجزة القطعية‪ ،‬والقسم الثالث في الحقيقة‬
‫)‪(1‬‬
‫ملتحق بالقسم الول(‬

‫‪ ()1‬نفسه ‪.107‬‬

‫‪341‬‬
‫وقد نبه الغزالي إلى مذهبه في المسألة بعبارة ل‬
‫يدخلها اللبس والخلط بين القسمين من أفعال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪) :‬كل ما يناقض مدلول‬
‫المعجزة فهو محال عليهم بدليل العقل‪ ،‬ويناقض‬
‫مدلول المعجزة جواز الكفر‪ ...‬والكذب والخطأ فيما‬
‫يبلغ والتقصير في التبليغ‪...‬أما النسيان والسهو فل‬
‫خلف في جوازه عليهم فيما يخصهم من العبادات‪،‬‬
‫ول خلف في عصمتهم بما يتعلق بتبليغ الشرع‬
‫والرسالة‪ ،‬فإنهم كلفوا تصديقه جزمًا‪ ،‬ول يمكن‬
‫)‪(1‬‬
‫التصديق مع تجويز الغلط(‬
‫قال الدكتور عبد الغني‪) :‬ول شك أن قوله )ما يتعلق‬
‫بتبليغ الشرع( شامل للقول والفعل‪ ،‬وكأنه قد جعل‬
‫القسم الول والثالث في كلمنا قسما ً واحدًا‪ ،‬وهو‬
‫الول في كلمه‪ ،‬ومعنى قوله )ما يخصهم من‬
‫العبادات(‪ :‬ما لم يقصدوا به التبليغ وإن شاركهم‬
‫غيرهم فيه‪ ،‬بدليل المقابلة بما بعده()‪ - (2‬والله أعلم ‪-‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وإلى هذا المذهب أيضا ً مال الباقلني في النتصار‬
‫والباجوري في شرح الجوهرة )‪ (4‬والشيخ حسين‬
‫)‪(5‬‬
‫الجسر في الحصون الحميدية‬
‫وأما أحاديث السهو في هذه المسألة فمجموعها يدل‬
‫على جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم قطعا ً‬
‫في أفعاله التي يقوم بها لمحض العبادة كسائر الناس‬
‫ل لقصد التعليم والتبليغ فلنعرض ما جاء في هذه‬
‫المسألة من الخبار‪:‬‬
‫ل‪ :‬حديث ذي اليدين الذي تقدم‪ ،‬وفيه أنه صلى‬ ‫أو ً‬
‫الرباعية ركعتين‪.‬‬

‫المستصفى ‪.214-2/212‬‬ ‫‪()1‬‬


‫حجية السنة ‪.107‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪312‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫‪.282‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫‪.48-49‬‬ ‫‪() 5‬‬

‫‪342‬‬
‫وقد سبق أن هذا الخبر من أخبار الحاد التي كثرت‬
‫طرقها فدخلت في حد الستفاضة والشهرة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حديث عبد الله بن مالك بن بجينه رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫أخرج المام البخاري بسنده عن عبد الله بن بجينه‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪) :‬صلى لنا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات‪ ،‬ثم قام‬
‫فلم يجلس‪ ،‬فقام الناس معه فلما قضى صلته‬
‫ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو‬
‫)‪(1‬‬
‫جالس ثم سلم(‬
‫ثالثًا‪ :‬حديث عبد الله بن مسعود‬
‫أخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي‬
‫الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى‬
‫الظهر خمسًا‪ ،‬فقيل له‪ :‬أزيد في الصلة ؟ فقال‪ :‬وما‬
‫ذاك ؟ قال‪ :‬صليت خمسا ً فسجد‬
‫)‪(2‬‬
‫سجدتين بعدما سلم(‬
‫رابعًا‪ :‬حديث معاوية بن حديج رضي الله عنه‪.‬‬
‫أخرج المام أبو داود بسنده عن معاوية بن حديج‬
‫رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫صلى يومًا‪ ،‬فسلم وقد بقيت من الصلة ركعة‪ ،‬فأدركه‬
‫رجل فقال‪ :‬نسيت من الصلة ركعة فرجع‪ ،‬فدخل‬
‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في كتاب الذان ‪ 230-146/829‬وفي‬
‫كتاب السهو ‪ 5/1230 ،1225 ،1/1224‬وفي كتاب اليمان‬
‫‪ 15/6670‬ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‬
‫‪ 19/570‬وأبو داود في كتاب الصلة ح )‪ (1034‬والترمذي‬
‫في أبواب الصلة ‪ 288/391‬والنسائي ‪ 2/19‬وابن ماجة في‬
‫كتاب إقامة الصلة ‪.1207 ،131/1206‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه البخاري في كتاب السهو ‪ 2/1226‬ومسلم في‬
‫كتاب المساجد ومواضع الصلة ‪ 19/572‬وأبو داود في كتاب‬
‫الصلة‪ ،‬باب إذا صلى خمسا ً ‪ 1022-1019‬والترمذي في‬
‫أبواب الصلة ‪ 393-289/392‬والنسائي ‪ 31-2/28‬وابن‬
‫ماجة في كتاب إقامة الصلة ‪.130/1205‬‬

‫‪343‬‬
‫ل‪ ،‬فأقام الصلة‪ ،‬فصلى للناس‬ ‫المسجد‪ ،‬وأمر بل ً‬
‫ركعة‪ ،‬فأخبرت بذلك الناس‪ ،‬فقالوا لي‪ :‬أتعرف‬
‫الرجل ؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬إل أن أراه‪ ،‬فمّر بي‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا‬
‫)‪(1‬‬
‫هو‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا طلحة بن عبيد الله(‬
‫ومجموع هذه الحاديث بمجموع طرقها يثبت وقوع‬
‫السهو من النبي صلى الله عليه وسلم في ما يخصه‬
‫من أداء العبادات التي سبق له تبليغها وتعليمها لمته‪،‬‬
‫وهذا الوجه من السهو غير مضاد للمعجزة ول قادح‬
‫في التبليغ‪ ،‬وغير موجب للتشكيك والطعن‪ ،‬لن‬
‫غلطات الفعل وغفلت القلب من سمات البشر‪ ،‬كما‬
‫في حديث ابن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬
‫والنسيان على هذا الوجه من تمام الحكمة اللهية لما‬
‫يترتب عليه من بيان الحكم الشرعي بالفعل الجلي‪،‬‬
‫ويشترط التنبيه على هذا السهو ول يقر عليه لتحصل‬
‫به الفائدة‪.‬‬
‫وهذا الوجه من النسيان رحماني لن الشيطان ل‬
‫سبيل له على عباد الله المخلصين )‪ - (2‬والله أعلم ‪-‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬في عصمة النبياء من الكذب في ما وراء التبليغ‬
‫سبق أن بينا عصمة النبي من الكذب في التبليغ‪،‬‬
‫فُيحتاج إلى البحث في عصمة النبي من الكذب فيما‬
‫وراء التبليغ‪ .‬كالخبار عن المور الدنيوية التي ل‬
‫تضاف إلى الوحي‪.‬‬
‫والحق في هذه المسألة أن نفرق بين حالتين‪.‬‬
‫الولى‪ :‬الخبار عن أمر من المور الدنيوية على‬
‫خلف ما هو به سهوًا‪.‬‬

‫‪ ()1‬في تاب الصلة‪ ،‬باب إذا صلى خمسا ً ‪ 1023‬وانظر تحفة‬


‫الشراف ‪.8/425‬‬
‫‪ ()2‬انظر الشفا ‪ -346- 2/340‬وسلم الوصول لشرح نهاية‬
‫السول‪ ،‬محمد المطيعي ‪ 3/8‬وحجية السنة‪ ،‬عبد الغني عبد‬
‫الخالق ‪.107-105‬‬

‫‪344‬‬
‫الثانية‪ :‬تعمد الخبار عن أمر من المور على خلف ما‬
‫هو به‪.‬‬
‫وفي الولى‪ :‬يحكم العقل بالجواز لن ذهول النفس‬
‫وطريان النسيان ل يدخل تحت الصدق الذي هو‬
‫مدلول المعجزة‪ (1).‬ولنه ل يفدح في النبوة ة ل يزرى‬
‫بالنبي‪.‬‬
‫أما الوقوع‪ :‬فلم ينقل إلينا خبر في إخبار النبي عن‬
‫أمر غير مطابق الواقع غير حديث ذي اليدين‪ .‬وقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيه )لم أنس ولم تقصر(‪.‬‬
‫وقد سبق ذكر وجوه يخرج عليها هذا القول حتى ل‬
‫يدخل في وقوع الخلف في أقوال النبي‪.‬‬
‫وفي الثانية‪ :‬نجد في بعض الخبار نسبة الكذب إلى‬
‫إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬لم‬
‫يكذب إبراهيم النبي عليه السلم قط إل ثلث كذبات‪،‬‬
‫ثنتين في ذات الله‪ ،‬قوله‪):‬إني سقيم()‪ (2‬وقوله‪) :‬بل‬
‫فعله كبيرهم هذا( وواحدة في شأن سارة‪ .‬فإنه قَدِ َ‬
‫)‪(3‬‬
‫م‬
‫أرض جبار ومعه سارة ‪-‬وكانت أحسن الناس‪ ،-‬فقال‬
‫ن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك‪،‬‬ ‫لها‪ :‬إن هذا الجبار إ ِ ْ‬
‫فإن سألك فأخبريه أنك أختي‪ ،‬فإنك أختي في‬
‫السلم‪ ،‬فإني ل أعلم في الرض مسلما ً غيري‬
‫وغيرك‪ ،‬فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار أتاه‬
‫فقال له‪ :‬لقد قدم أرضك امرأة ل ينبغي لها أن تكون‬
‫إل لك‪ ،‬فأرسل إليها فُأتي بها‪ ،‬فقام إبراهيم عليه‬
‫السلم إلى الصلة‪ ،‬فلما دخلت عليه لم يتمالك أن‬
‫ضت يده قبضة شديدة‪ ،‬فقال لها‪:‬‬ ‫قب ِ ِ‬‫بسط يده إليها‪ ،‬فَ ُ‬
‫ادعي الله أن يطلق يدي‪ ،‬ول أضرك‪ .‬ففعلت‪ ،‬فعاد‪،‬‬
‫‪ ()1‬انظر المواقف‪،‬اليجي ‪358‬‬
‫‪ ()2‬سورة الصافات )‪(89‬‬
‫‪ ()3‬سورة النبياء )‪(63‬‬

‫‪345‬‬
‫ت أشد من القبضة الولى‪ .‬فقال لها مثل ذلك‪،‬‬ ‫فقبض ْ‬
‫ففعلت‪ ،‬فعاد فقبضت أشد من القبضتين الولين‪،‬‬
‫ه أن ل‬ ‫فقال‪ :‬ادعي الله أن يطلق يدي‪ ،‬فَل َ ِ‬
‫ك الل َ‬
‫طلقت يده‪ ،‬ودعا الذي جاء بها‪،‬‬ ‫أضرك‪ ،‬ففعلت‪ ،‬وأ ُ ْ‬
‫فقال له‪ :‬إنك إنما أتيتني بشيطان‪ ،‬ولم تأتني بإنسان‬
‫)‪(1‬‬
‫طها هاجر‪(...‬‬ ‫َ‬
‫جها من أرضي‪ ،‬وأع ِ‬ ‫فأخرِ ْ‬
‫وللعلماء فيه مذاهب‪:‬‬
‫ل‪ :‬إثبات الحديث على ظاهره‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫)‪(2‬‬
‫نقل النووي رحمه الله عن المازري قوله‪) :‬أما ما‬
‫ل يتعلق بالبلغ ‪ -‬يعني من الكذب ‪ -‬ففي إمكان‬
‫وقوعه من النبياء وعصمتهم منه القولن المشهوران‬
‫للسلف والخلف‪ ...‬وقد تأول بعضهم هذه الكلمات‬
‫وأخرجها عن كونها كذبًا‪ ...‬ول معنى للمتناع من‬
‫إطلق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم(‬
‫)‪(3‬‬

‫وعبارته تحمل أمرين‪:‬‬


‫ل الخلف في عصمة النبياء من الكذب فيما‬ ‫ق ُ‬
‫الول‪ :‬ن َ ْ‬
‫ل يتعلق بالبلغ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الحكم الشرعي في إطلق الكذب على‬
‫)‪(4‬‬
‫كلمات إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ ()1‬كتاب الفضائل ‪ 41/2371‬وأخرجه البخاري في كتاب‬
‫النبياء ‪ 8/3357‬وكتاب النكاح ‪13/5084‬‬
‫‪ ()2‬هو محمد بن علي التميمي الماَزري‪ ،‬نسبته إلى ماَزر‬
‫بجزيرة صقلية من فقهاء المالكية‪ ،‬له شرح على صحيح‬
‫مسلم سماه )المعلم في شرح مسلم( توفي )‪ 536‬هـ( انظر‬
‫ترجمته في العبر‪ ،‬الذهبي ‪ 2/451‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.7/264‬‬
‫‪ ()3‬شرح صحيح مسلم ‪220 - 5/219‬‬
‫‪ ()4‬وأما إطلق لفظ الكذب على كلمات إبراهيم عليه‬
‫ن على الوجه الذي يجوز على‬ ‫السلم فل يمتنع إطلقه‪ ،‬لك ْ‬
‫النبياء‪ ،‬وهو أن كلماته تعد كذبا ً من حيث أن ظاهرها الذي‬
‫يتبادر إلى فهم السامع غير مطابق للواقع‪ ،‬وهي صدق من‬
‫حيث أن لها معان أخرى تحتملها تلك الكلمات وتتطابق مع‬

‫‪346‬‬
‫أما المر الول فلم أعثر على من ينسب إليه هذا‬
‫جوَّز‬‫الرأي‪ ،‬غير اثنين‪ ،‬أولهما المام الطبري‪ ،‬حيث َ‬
‫صدور الكذب عن النبياء‪ ،‬ثم قال‪) :‬وغير مستحيل أن‬
‫يكون الله تعالى أذن لخليله في ذلك‪ ،‬ليقّرع قومه به‪،‬‬
‫ويقبح به عليهم‪ (1)(...‬وثانيهما ابن الثير الجزري في‬
‫)‪(2‬‬
‫النهاية‬
‫وجمهور العلماء على خلف ما ذهب إليه الطبري‬
‫وابن الثير في هذه المسألة‪ ،‬وقد سلكوا في هذا‬
‫الحديث مسلك التأويل لستحالة حمله على ظاهره ‪-‬‬
‫كما سيأتي ‪-‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نفي الكذب‪ ،‬عن إبراهيم عليه السلم وتأويل‬
‫الخبر دون الطعن في ثبوته‪:‬‬
‫اختار جمهور العلماء العدول عن حمل الكذب على‬
‫ظاهره في هذا الحديث‪ ،‬لنه يستحيل من وجوه‪.‬‬
‫‪ -1‬أن قليل الكذب من صغائر الخسة التي تزري‬
‫بفاعلها وتخل بمروءته‪ ،‬والجماع منعقد على عصمة‬
‫)‪(3‬‬
‫النبياء من الوقوع في صغائر الخسة‪.‬‬
‫الواقع‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪) :‬ما ورد من أخبار النبياء عليهم السلم‬
‫في الحاديث مما في ظاهره إشكال يقتضي أمورا ً ل تليق‬
‫بهم بحال‪ ،‬وتحتاج إلى تأويل‪ ،‬وتردد احتمال فل يجب أن‬
‫يتحدث منها إل بالصحيح‪ ،‬ول يرد منها إل المعلوم الثابت‪.‬‬
‫ول يجوز إطلقه بقصد الزراء أو الهزل أو الستخفاف‪ ،‬وإنما‬
‫يجوز ذلك عل سبيل المذاكرة والتعليم فقط‪ ،‬وكمال الدب‬
‫في حق النبياء أن يهجر من العبارة ما يقبح وأن يتحرى‬
‫ل‪ :‬هل يجوز على النبي الخلف‬ ‫أحسن اللفظ كأن يقول مث ً‬
‫في أقواله‪ ،‬والخبار بخلف ما وقع سهوا ً أو غلطًا( وقد بسط‬
‫القول في ما يجوز النطق به في حق النبياء ما ل يجوز في‬
‫الشفا ‪ ،241-2/232‬والسيوطي في الحاوي ‪.241-1/232‬‬
‫‪ ()1‬تفسير الطبري ‪10/240‬‬
‫‪ ()2‬النهاية في غريب الحديث ‪2/380‬‬
‫‪ ()3‬انظر الشفا‪ ،‬عياض ‪ ،2/314‬والذكار‪ ،‬النووي ‪،167‬‬
‫وشرح الفقه الكبر‪ ،‬القاري ‪52‬‬

‫‪347‬‬
‫‪ -2‬أن تجويز شيء من الكذب قد يحدث الريبة في‬
‫أخبار النبي وأقواله‪ ،‬وقد ورد عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال‪) :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة(‬
‫ومثل هذه الريبة ل تليق بالنبوة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الله عز وجل وصف إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫قيه‪ ،‬قال تعالى‪) :‬واذكر في الكتاب إبراهيم إنه‬ ‫دي ّ‬
‫ص ّ‬
‫بال ِ‬
‫ً )‪(2‬‬ ‫ً‬
‫كان صديقا نبيا(‬
‫ديق‪ :‬من كثر منه الصدق‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫قال الراغب‪) :‬الص ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫بل يقال لمن ل يكذب قط(‬
‫ؤذن بإيراد فضيلة من فضائل‬ ‫‪ -4‬إن سياق الحديث ي ْ‬
‫إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ولو كان الكذب في الحديث‬
‫على ظاهره لشكل علينا سبب ورود الحديث‪ ،‬ل‬
‫سيما وأن الكذب غير لئق بآحاد المؤمنين‪ ،‬وجاء في‬
‫حديث صفوان بن سليم أنه قال‪ :‬قيل لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬أيكون المؤمن جبانا ً ؟ فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فقيل له‪ :‬أيكون المؤمن بخيل ً ؟ فقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫فقيل له‪ :‬أيكون المؤمن كذابا ً ؟ فقال‪ :‬ل(‬
‫وبما سبق تعين تأويل الكذبات الواردة في الحديث‪،‬‬
‫قال القاضي عياض بعد ذكر قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬لم يكذب إبراهيم إل ثلث كذبات(‪) :‬معناه أنه‬
‫لم يتكلم بكلم صورته صورة الكذب ‪ -‬وإن كان حقا ً‬
‫)‪(5‬‬
‫في الباطن ‪ -‬إل هذه الكلمات‪(..‬‬
‫‪ ()1‬أخرجه الترمذي في كتاب الزهد والرقائق والورع‬
‫‪ 125/2518‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ ()2‬سورة مريم ‪41‬‬
‫‪ ()3‬المفردات في غريب القرآن ‪277‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه المام مالك مرسل ً من حديث صفوان‪ ،‬انظر‬
‫تنوير الحوالك ‪ 3/153‬وقال ابن عبد البر‪ :‬ل أحفظه‬
‫مسندا ً من وجه ثابت‪ ،‬وهو حديث حسن مرسل‪ ،‬انظر‬
‫المصدر نفسه‬
‫‪ ()5‬انظر‪ ،‬الشفا‪ ،‬عياض ‪2/323‬‬

‫‪348‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪) :‬وأما إطلقه الكذب على‬
‫المور الثلثة فلكونه قال قول ً يعتقده السامع كذبا ً‬
‫حققّ لم يكن كذبًا‪ ،‬لنه من باب المعاريض‬ ‫لكنه إذا ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫المحتملة للمرين‪ ،‬فليس بكذب محض(‬
‫أما قوله )إني سقيم( فأراد به العتراض عن الخروج‬
‫مع قومه إلى عيدهم وشهود باطلهم وكفرهم وهو‬
‫صدق إذ يحتمل أن يكون أراد بقوله)إني سقيم( أي‪:‬‬
‫سأسقم‪ ،‬واسم الفاعل يستعمل بمعنى المستقبل‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪) :‬ولما جاءت رسلنا إبراهيم‬
‫بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها‬
‫)‪(2‬‬
‫كانوا ظالمين(‬
‫ومنه قوله تعالى‪) :‬إنا منجوك وأهلك إل امرأتك كانت‬
‫من الغابرين * إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا ً‬
‫)‪(3‬‬
‫من السماء بما كانوا يفسقون(‬
‫فهذا القول من إبراهيم عليه السلم من التورية‪،‬‬
‫حتمل أكثر من معنى‪ ،‬أحدهما‬ ‫وهي أن ي ُط ِْلق لفظا ً ي َ ْ‬
‫)‪(4‬‬
‫قريب‪ ،‬والخر بعيد‪ ،‬ويريد به البعيد فأراد إبراهيم‬
‫باسم الفاعل ما يحتمله من الستقبال موهما ً قومه‬
‫أنه أراد السقم في الحال‪.‬‬
‫ً‬
‫وعلى هذا الوجه الذي يجوز أن يكون مرادا تخرج‬
‫)‪(5‬‬
‫الكلمات عن الكذب حقيقة‪ ،‬وتدخل في المعاريض‪.‬‬
‫سِئل عن كسر الصنام )بل فعله‬ ‫وأما قوله لما ُ‬
‫)‪(6‬‬
‫كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون(‬
‫فهو من التقريع والتوبيخ‪ ،‬ويحتمل أنه ذكره إلزاما ً‬

‫‪ ()1‬فتح الباري ‪6/482‬‬


‫‪ ()2‬سورة العنكبوت ‪31‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (34-33‬من سورة العنكبوت‪.‬‬
‫‪ ()4‬انظر اليضاح‪ ،‬القزويني ‪353‬‬
‫‪ ()5‬انظر الشفا ‪ 2/321‬وشرح النووي على مسلم‬
‫‪ 220-5/219‬وفتح الباري ‪6/482‬‬
‫‪ ()6‬الية )‪ (63‬من سورة النبياء‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫مه‬
‫سر خد ِ‬ ‫لهم‪ ،‬لنه لما كان هو الله الكبر‪ ،‬فَك َ ْ‬
‫المقربين ل يصدر إل عنه‪ ،‬ومثله ل يعد كذبًا‪ ،‬كقوله‬
‫ذب في النار )ذق إنك أنت العزيز‬ ‫تعالى في حق المع ّ‬
‫الكريم()‪ (1‬وهو في الحقيقة مهان ذليل‪.‬‬
‫ولم يقل إبراهيم عليه السلم هذا القول قاصدا ً إلى‬
‫تحقيق هذا القول‪ ،‬بل أراد التقريع والتنبيه‪.‬‬
‫وقد حصل له ما أراد )فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا‬
‫)‪(2‬‬
‫إنكم أنتم الظالمون(‬
‫وأما قوله في حق سارة )إنها أختي( فهو صدق كما‬
‫قال‪ ،‬وفي الحديث )فإنك أختي في السلم( وهو‬
‫)‪(3‬‬
‫صريح بأن التورية مراده‪.‬‬
‫وقد صح نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫حديث عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫خطب عائشة إلى أبي بكر‪ ،‬فقال له أبو بكر‪ :‬إنما أنا‬
‫أخوك‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت أخي في دين الله وكتابه‪ ،‬وهي‬
‫لي حلل()‪ (4‬وكل القولين صدق‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تأويل الحديث على فرض ثبوته‬
‫قال الرازي‪) :‬وهذا من أخبار الحاد فل يعارض الدليل‬
‫القطعي‪ ...‬ثم إن صح حمل على ما يكون ظاهره‬
‫)‪(5‬‬
‫الكذب‪.(...‬‬
‫ويقول‪) :‬حضرت في بعض المجالس‪ ،‬فتمسك بعض‬
‫الحشوية بما يروون‪ :‬أنه عليه السلم‪ ،‬قال‪) :‬إن‬
‫إبراهيم كذب ثلث كذبات( فقلت‪ :‬إنه ل يجوز إسناد‬
‫الكذب إلى خليل الله بمثل هذا الخبر الذي ليفيد إل‬
‫الظن الضعيف‪.‬‬
‫ي ‪ -‬كيف يجوز تكذيب‬ ‫فقال الحشوي ‪ -‬كالغضبان عل ّ‬
‫الية )‪ (49‬من سورة الدخان‪.‬‬ ‫‪() 1‬‬
‫الية )‪ (64‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫انظر‪ :‬عصمة النبياء‪ ،‬الرازي ‪.41‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب النكاح ‪.11/5081‬‬ ‫‪()4‬‬
‫عصمة النبياء ‪.42‬‬ ‫‪() 5‬‬

‫‪350‬‬
‫الراوي ؟ فقلت له‪ :‬العجب منك ومن دينك‪ ،‬حيث‬
‫تستبعد تكذيب الراوي‪ ،‬ول تستبعد براءة خليل الله‬
‫ت القضية لكان أنفعَ لك في‬ ‫عن الكذب ! ولو قلب َ‬
‫)‪(1‬‬
‫دينك ودنياك(‪.‬‬
‫والحاصل أن الكذب فيما ل يتعلق بالتبليغ قبيحة من‬
‫قبائح الذنوب التي تنزه عنها مقام النبوة‪ ،‬وقد دلت‬
‫الدلة على عصمتهم منها‪ ،‬ويكفي في نفي الكذب‬
‫عن إبراهيم عليه السلم ظنية دللة الخبر دون‬
‫الطالة في درجة ثبوته‪.‬‬

‫‪ ()1‬المطالب العالية ‪.7/201‬‬

‫‪351‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬ما جاء في تأثير السحر على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‬
‫)‪(1‬‬
‫طف مأخذه ودق‬ ‫السحر في اللغة‪ :‬كل ما ل َ ُ‬
‫سحر يقال على معان‪:‬‬ ‫وقال الراغب‪ :‬وال ّ‬
‫الول‪ :‬الخداع‪ ،‬وتخييلت ل حقيقة لها‪ ،‬نحو ما يفعله‬
‫المشعبذ بصرف البصار عما يفعله لخفة يد‪ ...‬وعلى‬
‫ذلك قوله تعالى‪) :‬وسحروا أعين الناس واسترهبوهم(‬
‫)‪(3‬‬
‫)‪(2‬وقال‪):‬يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى(‬
‫الثاني‪ :‬استجلب معاونة الشيطان بضرب من التقرب‬
‫إليه‪ ،‬كقوله تعالى‪ " :‬ولكن الشياطين كفروا يعلمون‬
‫)‪(5) (4‬‬
‫الناس السحر " ‪(.‬‬
‫وقال ابن حزم‪ :‬ومن السحر الطلمسات وهي أعمال‬
‫ة لقوى‬ ‫تعتمد على قوى ركبها الله عز وجل مداِفع ً‬
‫ُأخرى‪ ،‬كدفع الحر للبرد ودفع البرد للحر‪ ،‬وآثارها‬
‫ظاهر ل ينكرها إل معاند‪.‬‬
‫ونوع أخرى من السحر يكون بالّرقى‪ :‬وهو كلم‬
‫مجموع من حروف مقطعة في طوالع معروفة أيضا ً‬
‫يحدث لذلك التركيب قوة تستثار بها الطبائع وتدافع‬
‫قوى أخرى‪ ،‬فتعالج بها الورام والسقام ويبرأ بها‬
‫)‪(6‬‬
‫البرء التام‬
‫والنوع الخير هو الذي يطلق عليه الطب أيضا‪ً،‬‬
‫)‪(7‬‬
‫والمطبوب هو المسحور‬
‫وقال ابن الثير‪ :‬وكنوا بالطب عن السحر تفاؤل ً‬
‫‪ ()1‬انظر القاموس المحيط )سحر( ‪2/45‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (116‬من سورة العراف‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (66‬من سورة طه‪.‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (102‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ ()5‬المفردات ‪226‬‬
‫‪ ()6‬الفصل ‪ - 5-4 /5‬بتصرف يسير ‪-‬‬
‫‪ ()7‬انظر مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس )طبب( ‪،3/408‬‬
‫والقاموس المحيط‪ ،‬الفيروزآبادي )طبب( ‪1/96‬‬

‫‪352‬‬
‫)‪(1‬‬
‫بالبرء‪ ،‬كما كنوا بالسليم عن اللديغ‬
‫وهذا النوع الخير من السحر فقط هو الذي يجوز أن‬
‫يقع النبي تحت تأثيره‪.‬‬
‫وقد جاء في الخبار الصحيحة مما أخرجه الشيخان‬
‫وغيرهما من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن‬
‫ل الله صلى‬ ‫حَر رسو َ‬ ‫س َ‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت‪َ :‬‬
‫ل من بني زريق‪ ،‬يقال له‪ :‬لبيد بن‬ ‫الله عليه وسلم رج ٌ‬
‫العصم‪ ،‬حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله‪ ،‬حتى إذا‬
‫كان ذات يوم ‪ -‬أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ثم دعا‪ ،‬ثم دعا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا عائشة!‬
‫أشعرت أن الله أفتاني فيما أفتيته فيه؟ جاءني رجلن‬
‫فقعد أهدهما عند رأسي والخر عند رجلي‪ :‬فقال‬
‫الذي عند رأسي للذي عند رجلي ‪ -‬أو الذي عند‬
‫رأسي للذي عند رجلي ‪ -‬ما وجع الرجل ؟ قال‪:‬‬
‫مطبوب‪ ،‬قال‪ :‬من طبه ؟ قال‪ :‬لبيد بن العصم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مشاطة )‪(2‬قال‪:‬‬ ‫شط و ُ‬ ‫م ْ‬
‫في أي شيء ؟ قال‪ :‬في ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫ر‪ ،‬قال‪ :‬فأين هو؟ قال‪ :‬في بئر ذي‬ ‫ب طلعة ذك ٍ‬ ‫ج ّ‬
‫وَ ُ‬
‫)‪(4‬‬
‫أروان قالت‪ :‬فأتاها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في أناس من أصحابه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا عائشة‪ ،‬والله‬
‫لكأن ماءها ُنقاعة الحناء‪ ،‬ولكأن نخلها رؤوس‬
‫الشياطين‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ :‬أفل‬
‫أحرقته ؟ قال‪ :‬ل أما أنا فقد عافاني الله‪ ،‬وكرهت أن‬
‫‪ ()1‬النهاية ‪3/110‬‬
‫‪ ()2‬المشط‪ :‬اللة المعروفة التي يسرح بها الشعر‪،‬‬
‫والمشاطة‪ :‬ما يخرج من لشعر إذا مشط‪ ،‬انظر فتح الباري‬
‫‪10/281،284‬‬
‫جف( وهما بمعنى واحد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫)و‬ ‫الروايات‪:‬‬ ‫أكثر‬ ‫وفي‬ ‫ب‪:‬‬
‫ج ّ‬
‫‪ ()3‬و ُ‬
‫وهو الغشاء الذي يكون على الطلع‪ ،‬انظر فتح الباري‬
‫‪10/281‬‬
‫‪ ()4‬ذي أروان‪ :‬بئر في بني زريق في المدينة‪ ،‬انظر فتح‬
‫الباري ‪.10/282‬‬

‫‪353‬‬
‫أثير على الناس شرًا‪ ،‬فأمرت بها فدفنت(‬
‫)‪(1‬‬

‫وفي رواية البخاري من طريق سفيان بن عيينة )حتى‬


‫كان يرى أنه يأتي النساء ول يأتيهن‪ ...‬وهذا أشد ما‬
‫)‪(2‬‬
‫يكون من السحر(‬

‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في كتاب الطب ‪ 47/5763‬و ‪49/5765‬‬


‫و ‪ 5766‬وكتاب الجزية ‪ ،14/3175‬و كتاب الدعوات‬
‫‪ 6/6391‬وكتاب بدء الخلق ‪ ،14/3175‬ومسلم في كتاب‬
‫السلم ‪ 17/2189‬وما بعده وابن ماجة في كتاب الطب‬
‫‪3545‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب الطب ‪.49/5765‬‬

‫‪354‬‬
‫وقد أنكر هذا الحديث ‪ -‬قديما ً وحديثا ً ‪ -‬بعض أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫ً‬
‫فالمعتزلة قديما بنوا إنكارهم هذا الحديث على‬
‫قولهم‪ :‬بنفي حقيقة السحر‪ ،‬وأنه مجرد تمويه واحتيال‬
‫وتخييل )‪ .(1‬وقال الحافظ ابن حجر‪) :‬وهذا اختيار أبي‬
‫جعفر الستراباذي من الشافعية)‪ ،(2‬وأبي بكر الرازي‬
‫)‪(3‬‬
‫من الحنفية(‬
‫وممن أنكره حديثا‪ً:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫الشيخ محمد عبده‪ ،‬وأبو رية)‪ (4‬وحسن السقاف‬
‫ومجموع ما ساقوه من مسوغات إنكار هذا الحديث‬
‫ينحصر في النقاط التية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تجويز تأثير السحر عليه حتى يتخيل أنه فعل‬
‫الشيء ولم يفعله قادح ومشكك في التبليغ‪ ،‬إذ يجوز‬
‫)‪(6‬‬
‫أن يتخيل أنه ب َل ّغَ شيئا ً ولم يبلغه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن السحر نوع من سبل الشيطان على أبن آدم‪،‬‬
‫وقد دل القرآن الكريم على حفظه صلى الله عليه‬
‫وسلم منه‪ ،‬قال تعالى‪) :‬إن عبادي ليس لك عليهم‬
‫)‪(7‬‬
‫سلطان * إل من اتبعك من الغاوين(‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر مقالت السلميين ‪ 2/115‬وشرح الصول‬


‫الخمسة‪ ،‬عبد الجبار ‪.72‬‬
‫‪ ()2‬هو أبو جعفر الستراباذي من كبار الفقهاء والمدرسين‪،‬‬
‫وأجلة العلماء البارزين من طبقة الحارث ابن سريج‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫ترجمته في طبقات الشافعية‪ ،‬السنوي ‪.1/34‬‬
‫‪ ()3‬انظر فتح الباري ‪ 10/273‬وانظر الفصل‪.5-5/4 ،‬‬
‫‪ ()4‬نقله عنهما عبد الرحمن يحيى المعلمي في النوار‬
‫الكاشفة ‪ ،249‬ومحمد عبد الرزاق حمزة في أضواء على‬
‫ظلمات أبي رية ‪.269‬‬
‫‪ ()5‬صحيح شرح العقيدة الطحاوية ‪.401‬‬
‫‪ ()6‬انظر فتح الباري ‪ ،287 /10‬وصحيح شرح العقيدة‬
‫الطحاوية‪ ،‬السقاف ‪.401‬‬

‫‪ ()7‬الية )‪ (42‬من سورة الحجر‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫‪ -3‬أن حديث الباب من أخبار الحاد‪ ،‬ول تثبت العقيدة‬
‫)‪(1‬‬
‫بخبر الحاد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وذهب جمهور العلماء قديما وحديثا إلى توجيه‬
‫الحديث على وجه يصح حمله عليه‪.‬‬
‫قال القاضي عياض رحمه الله‪) :‬السحر مرض من‬
‫ل يجوز عليه كأنواع‬ ‫المراض‪ ،‬وعارض من العل ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫قدح في نبوته(‬ ‫المراض مما ل ي ُْنكر‪ ،‬ول ي َ ْ‬
‫والذي يدل على أن الذي أصابه صلى الله عليه وسلم‬
‫كان من جنس المرض‪ ،‬قول الملكين‪) :‬ما وجع‬
‫الرجل؟ قال‪ :‬مطبوب‪ ،‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫)أما أنا فقد عافاني الله(‬
‫وقد مر معنا أن من أنواع السحر ما يتعلق بالسقام‬
‫والورام وعلجها‪ ،‬وهو ما يسمى من السحر بالطب‪،‬‬
‫ويكون تسلطه على الجوارح والعضاء ل على القلوب‬
‫والرواح‪.‬‬
‫ومثل هذا التأثير ل دليل على امتناعه على النبي ‪-‬‬
‫والله أعلم ‪-‬‬
‫وأجاب الجمهور عن الشبه التي أوردها المنكرون بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن إنكار المعتزلة حقيقة السحر مكابرة‪ ،‬فقد‬ ‫أو ً‬
‫ذكره الله تعالى في كتابه‪ ،‬وذكر أنه مما ي ُت ََعلم‪ ،‬وذكر‬
‫فّرقُ به بين المرء وزوجه‪ ،‬وهذا كله ل‬ ‫أن فيه ما ي ُ َ‬
‫)‪(4‬‬
‫يمكن فيما ل حقيقة له‬
‫قال تعالى‪) :‬واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك‬
‫سليمان‪ ،‬وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا‬

‫‪ ()1‬انظر النوار الكاشفة ‪ 250‬وظلمات أبي رية ‪.271‬‬


‫‪ ()2‬الشفا ‪.2/412‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح النووي على مسلم ‪ ،5/35‬وفتح الباري‪ ،‬ابن‬
‫حجر ‪ 279-10/278‬وشرح النسائي ‪4/313‬‬
‫‪ ()4‬انظر مختلف الحديث‪ ،‬ابن قتيبه ‪ ،121‬وشرح النووي‬
‫على مسلم ‪ 5/35‬وفتح الباري ‪10/273‬‬

‫‪356‬‬
‫يعلمون الناس السحر( إلى قوله )فيتعلمون منها‬
‫)‪(1‬‬
‫يفرقون به المرء وزوجه(‬
‫ثانيًا‪ :‬أن تجويز تأثير السحر على الوجه الذي ذكرناه‬
‫غير قادح في النبوة ول مشكك في التبليغ‪ .‬لن تأثير‬
‫طه على جوارحه وظاهره )ل على عقله‬ ‫سل ّ َ‬
‫السحر وت َ َ‬
‫وقلبه( وأشد ما يكون تأثيره عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه يتخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله‪ ،‬لكنه‬
‫تخييل ل يعتقد صحته‪ ،‬وإنما يكون من جنس الخواطر‬
‫)‪(2‬‬
‫التي تلوح ول تثبت‬

‫‪ ()1‬سورة البقرة ‪.102‬‬


‫‪ ()2‬انظر الشفا‪ ،‬عياض ‪ 2/413‬وشرح النووي على مسلم‬
‫‪ 5/35‬وفتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪.279-10/278‬‬

‫‪357‬‬
‫وبهذا ل يكون تجويز تأثير السحر عليه قادحا ً في‬
‫اعتقاداته ومعارفه الثابتة فضل ً عما قامت الدلة‬
‫القطعية على صدقه وصحته وعصمته فيه مما يتعلق‬
‫بالتبليغ‪ ،‬والمعجزة شاهدة بذلك‪.‬‬
‫وتجويز ما قام الدليل بخلفه باطل‪ ،‬فأما ما يتعلق‬
‫ببعض أمور الدنيا فغير بعيد‪ ،‬ول ممتنع أن يخيل إليه‬
‫من أمور الدنيا ما ل حقيقة له‪ ،‬على أن التخيل واقع‬
‫على بصره غير متطرق إلى العقل‪ ،‬وليس في ذلك‬
‫)‪(1‬‬
‫ما يدخل لبسا ً على الرسالة‪.‬‬
‫وقال القاضي عياض‪) :‬ولم ينقل عنه في مده سحره‬
‫)‪(3‬‬
‫)‪ (2‬قول كان بخلف ما أخبر به(‬
‫ثالثًا‪ :‬أنا نسلم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫الشيطان بقوله تعالى‪) :‬إن عبادي ليس عليهم‬
‫سلطان()‪ (4‬إل أن من أنواع السحر ما يقوم به‬
‫الساحر بغير معونة الشيطان‪ ،‬كما سبق ذكره‪ ،‬قال‬
‫النووي‪:‬‬
‫)ول يستنكر في العقل أن الله سبحانه يخرق العادة‬
‫عند النطق بكلم ملفق‪ ،‬أوتركيب _أجسام أو مزج‬

‫‪ ()1‬انظر الشفا‪ ،‬عياض ‪ ، 2/412‬وشرح النووي مسلم‬


‫وفتح الباري ابن حجر ‪ ،10/278‬والنوار الكاشفة‪،‬‬ ‫‪5/35‬‬
‫المعلمي ‪ 251‬وظلمات أبي رية ‪.272 - 269‬‬
‫‪ ()2‬وقع تحديد المدة في ما أخرجه النسائي بسند صحيح عن‬
‫زيد بن أرقم رضي الله عنه قال‪ :‬سحر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم رجل من اليهود فاشتكى أيامًا‪ ،‬فاتاه جبريل عليه‬
‫ً‬
‫السلم فقال‪ :‬إن رجل من اليهود سحرك‪ ،‬عقد لك عقدا في‬
‫بئر كذا وكذا‪ ،‬فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فاستخرجوها‪ ،‬فجيء به فقام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كأنما نشط من عقال‪ (....‬انظر سنن النسائي مع‬
‫شرحه السيوطي ‪.113-4/112‬‬
‫‪ ()3‬الشفا‪ 2/314 ،‬بتصرف يسير‬

‫‪ ()4‬الية )‪ (42‬من سورة الحجر‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫بين قوى‪ ،‬على ترتيب ل يعرفه إل الساحر‪ ،‬فيكون‬
‫قمة‪ ،‬كالدوية‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫منها أجسام قاتلة كالسموم‪ ،‬ومنها ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫الحادة‪ ،‬ومنها مبرئه كالدوية المضادة للمرض(‬
‫رابعًا‪ :‬وأما العتماد على القول بظنية ثبوت خبر‬
‫الحاد فل يمنع من قبول الخبر‪ ،‬وتوجيهه على الوجه‬
‫الذي ذكره الجمهور‪ ،‬فليس في هذا الوجه ما يمنع‬
‫منه العقل أو الشرع‪ ،‬وإذا ارتفع المنع من العقل‬
‫والشرع لم يبق إل الجواز في هذه المسألة‪ ،‬ويكون‬
‫الحديث ‪ -‬وإن كان ظنيا ً في ثبوته ‪ -‬شاهدا ً ومؤكدا ً‬
‫للجواز العقلي ‪ -‬والله أعلم ‪.-‬‬
‫والحاصل‪ ،‬أن منكري هذا الحديث لم يفرقوا بين‬
‫ظم عليهم أن يثبتوا ما يلزم منه‬ ‫أنواع السحر‪ ،‬فَعَ ُ‬
‫ط الشيطان على أحوال النبي صلى الله عليه‬ ‫سل ّ ُ‬
‫تَ َ‬
‫جوُّز عليه التخييل في البلغ‪.‬‬ ‫وسلم‪ ،‬أو ما ي ُ َ‬
‫وأما الجمهور فقد جوزوا تأثير السحر عليه صلى الله‬
‫عليه وسلم على الوجه الذي ل يقدح بنبوته ول ينقص‬
‫قدره‪ ،‬ول يلزم منه التشكيك في التبليغ‪.‬‬
‫وهو الذي أراه جائزا ً ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬لن الخبر الوارد‬
‫يؤكد جوازه العقلي‪ ،‬ولن القرآن الكريم قد دل على‬
‫جواز هذا الجنس من تأثير السحر على النبياء وذلك‬
‫حَرة فرعون لما سحروا أعين الناس‬ ‫س َ‬
‫في قصة َ‬
‫واسترهبوهم وخيلوا إليهم أن الحبل أو العصا انقلبت‬
‫حية تسعى‪ ،‬وفي حق موسى عليه السلم قال تعالى‪:‬‬
‫)قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من‬
‫ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه‬
‫من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة‬
‫موسى()‪ (2‬وفي الية نص على تخيله ما لم يكن‪ .‬ولم‬
‫يكن غاية تأثير السحر على نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫‪ ()1‬شرح النووي على مسلم ‪ 5/35‬بتصرف يسير‪ ،‬وقد سبق‬
‫نحوه عن ابن حزم في بداية المسألة‪.‬‬
‫‪ ()2‬الية )‪ (67-65‬من سورة طه‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫وسلم أكثر من التخييل كما في الحديث‪ .‬وقد دل‬
‫القرآن الكريم على جواز مثله على النبياء‪ ،‬فل معنى‬
‫لنكار المنكرين ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬

‫‪360‬‬
‫نننننن نننننن‪:‬نن ننن نن‬
‫نننننننن ننننننن نن نننن‬
‫نننننن‬
‫المعجزة‪ :‬أمر خارق للعادة يظهر على يدي‬
‫مدعـي النبوة أو الرسالـة على وجه يبّين صدق‬
‫)‪(1‬‬
‫دعواه‪.‬‬
‫وإنما قلنا‪ " :‬أمر "ليتناول الفعل كانفجار الماء من‬
‫م الفعل‪ ،‬كعدم الحراق بالنار‪.‬‬ ‫بين الصابع‪ ،‬وعد َ‬
‫والخارق للعادة‪ :‬أمر ممكن في نفسه يحصل على‬
‫خلف ما ألف الناس ودرجوا عليه )‪ (2‬فانقلب العصا‬
‫حية مثل ً أمر ممكن ل يحيل العقل وقوعه بقدرة الله‬
‫عز وجل‪ ،‬إل أن الذي ألفناه واعتدنا عليه أن خروج‬
‫الحية ل يكون إل من بيضة تخرج من جوف النثى‬
‫بوسائط شتى وبعد مرور زمن مخصوص في بيئة‬
‫مخصوصة‪ ،‬فإذا أمر الله عز وجل خرجت الحية من‬
‫العصا على خلف ما عودنا عليه الله عز وجل في‬
‫عالم السباب‪.‬‬
‫وبقولنا‪ " :‬على يدي المدعي " تخرج الخوارق الخرى‬
‫)‪(5‬‬
‫كالكرامة)‪ (3‬والستدراج )‪ (4‬والرهاص‪.‬‬

‫ذكر في غاية المرام‪،‬‬‫‪ ()1‬أفدت هذا التعريف من مجموع ما ُ‬


‫المدي ‪ ،333‬والمواقف‪ ،‬اليجي ‪ 339‬وشرح المقاصد‪،‬‬
‫التفتازاني ‪ .13-5/11‬وشرح الباجوري على جوهرة التوحيد‬
‫‪.299-297‬‬
‫‪ ()2‬انظر شرح جوهرة التوحيد ‪ 298‬وكبرى اليقينيات‪،‬‬
‫البوطي ‪175‬‬
‫‪ ()3‬الكرامة‪ :‬أمر خارق للعادة يجريه الله عز وجل على يد‬
‫الولي على سبيل الكرام له‪ ،‬انظر شرح الجوهرة ‪.297‬‬
‫‪ ()4‬الستدراج‪:‬أمر خارق للعادة يجري على يد أعداء الله عز‬
‫وجل ليزدادوا ضلل ً وغواية عقوبة لهم‪،‬انظرالمصدرالسابق‬
‫‪298‬‬
‫‪ ()5‬الرهاص‪ :‬أمر خارق للعادة يجري على يد النبي قبل‬
‫بعثته إيذانا ً بالبعثة وتأسيسا ً لها‪ ،‬المصدر السابق ‪299‬‬

‫‪361‬‬
‫وبقولنا‪ " :‬على وجه يبين صدق دعواه " تخرج الهانة‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ووجه دللة المعجزة على الصدق أن الله سبحانه‬


‫يخرق العادة على يدي النبي إيذانا ً بأنه مرسل من‬
‫لدن القادر الخالق سبحانه‪.‬‬
‫قال المدي‪) :‬وليس ذلك في ضرب المثال ‪ -‬إل كما‬
‫لو كان بعض الملوك جالسا ً على سريره والناس‬
‫مجتمعون لخدمته‪ ،‬فقام واحد من عرض الناس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا أيها الناس إني رسول هذا الملك إليكم‪ ،‬وآية‬
‫صدقي على ذلك أني إذا طلبت منه أن يحرك يده ‪-‬‬
‫مثل ً ‪ -‬فعل‪ ،‬فإنه إذا أتى له بذلك لم يتمار أحد من‬
‫الحضور أنه صادق فيما ادعاه()‪ .(2‬ويكـون التصديق‬
‫من الله عـز وجل بالفعـل بمنزلـة قوله‪ ":‬صدق‬
‫عبدي"‪.‬‬
‫والمعجزات التي أظهرها الله عز وجل على أيدي‬
‫الرسل الكرام ‪ -‬عليهم الصلة والسلم ‪ -‬ثابتة في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ومنها انقلب عصا موسى عليه‬
‫السلم حيه قال تعالى‪) :‬فألقى عصاه فإذا هي ثعبان‬
‫)‪(3‬‬
‫مبين(‬
‫ومنها عدم احتراق سيدنا إبراهيم عليه السلم بالنار‪،‬‬
‫قال تعالى‪) :‬قلنا يا نار كوني بردا ً وسلما ً على‬
‫)‪(4‬‬
‫إبراهيم(‪.‬‬
‫ومنها إحياء الموتى وإبراء المرضى على يد عيسى‬
‫عليه السلم‪ :‬قال تعالى‪) :‬ورسول ً إلى بني إسرائيل‬

‫‪()1‬الهانة‪ :‬أمر خارق للعادة يجري على يد مدعي النبوة على‬


‫وجه يبين كذبه‪ ،‬كأن يقول‪ :‬آية صدقي أن ينطق الحجر‬
‫بصدقي فيكذبه‪ ،‬انظر شرح الفقه الكبر‪ ،‬القاري ‪ .66‬وشرح‬
‫الباجوري على الجوهرة ‪.298‬‬
‫‪ ()2‬انظر غاية المرام ‪ 328‬باختصار يسير‪.‬‬
‫‪ ()3‬الية )‪ (107‬من سورة العراف‪.‬‬
‫‪ ()4‬الية )‪ (69‬من سورة النبياء‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫أني قد جئتكم بآية من ربكم أني ُأخلق لكم من‬
‫الطين كهيأة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ً بإذن الله‬
‫)‪(1‬‬
‫وأبرء الكمه والبرص وأحي الموتى بإذن الله(‪.‬‬
‫ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر النبياء‬
‫معجزة‪ ،‬حتى أن معجزاته صلى الله عليه وسلم‬
‫أفردت بالجمع والتصنيف‪ ،‬وجمع العلماء فيها أسفارا ً‬
‫ل‪ ،‬زادت فيها على ألف ومائتي معجزة‪ (2).‬ومن‬ ‫طوا ً‬
‫هذه المعجزات ما أمكن تحصيل العلم بها رغم‬
‫ورودها من طريق الحاد‪.‬‬
‫وسبق أن بينا أنه قد ينضم إلى خبر الحاد ما يمكن‬
‫التوصل به إلى العلم بثبوته من طرق خارجية‪ .‬كأن‬
‫يروي الواحد حادثه بين يدي جمع غفير حضروا هذه‬
‫الحادثة فيمتنعوا عن تكذيبه مع ماهم عليه من‬
‫النزاهة والعدالة والحرص على تكذيبه لو كان كاذبا ً‬
‫وفيما يأتي بيان عدد من المعجزات التي تثبت بهذه‬
‫الطريق‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ل‪ :‬نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم‬ ‫أو ً‬
‫تكررت هذه المعجزة مرات عديدة‪ ،‬جاء في كل‬
‫واحدة منها عدد من الخبار عن الصحابة الكرام‬
‫رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫الولى‪ :‬أثناء الرجوع من الحديبية‪.‬‬
‫أخرج البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله عنهما‬
‫قال‪) :‬عطش الناس يوم الحديبية‪ ،‬والنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بين يديه ركوة)‪ (4‬فتوضأ‪ ،‬فجهش الناس‬

‫‪1‬‬

‫‪ ()2‬انظر‪ :‬شرح النووي على مسلم ‪.1/1‬‬


‫‪ ()3‬المعجزة هنا تكثير الماء ببركة اليد الشريفة التي وضعت‬
‫في الركوة ففار الماء حتى بدا للناظر أنه ينبع من بين‬
‫أصابعه الشريفة‬
‫‪ ()4‬الركوة‪ :‬إناء صغير من جلد ويشرب فيه الماء‪ ،‬انظر‬
‫النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪2/261‬‬

‫‪363‬‬
‫حوه‪ ،‬فقال‪ :‬ما لكم ؟ قالوا‪ :‬ليس عندنا ماء نتوضأ ول‬
‫نشرب إل ما بين يديك‪ ،‬فوضع يده في الركوة‪ ،‬فجعل‬
‫الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون‪ ،‬فشربنا‬
‫)‪(1‬‬
‫وتوضأنا(‬
‫)‪(2‬‬
‫وفي هذه القصة أحاديث عن أنس بن مالك‬
‫وسلمة بن الكوع )‪ (3‬والبراء بن عازب)‪ (4‬وعبد الله بن‬
‫عباس)‪ (5‬رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نبع الماء من بين أصابعه بالزوراء‬
‫أخرج البخاري بسنده عن قتادة عن أنس بن مالك‬
‫رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه كانوا بالزوراء ‪ -‬والزوراء بالمدينة عند‬
‫السوق والمسجد ‪ -‬فدعا بقدح فيه ماء‪ ،‬فوضع كفه‬
‫فيه‪ ،‬فجعل ينبع الماء من بين أصابعه فتوضأ أصحابه‬

‫‪ ()1‬أخرجه المام البخاري من ثلثة طرق عن سالم بن أبي‬


‫الجعد عن جابر رضي الله عنه في كتاب الشربة ‪،31/5639‬‬
‫وكتاب المناقب ‪25/3576‬وكتاب المغازي ‪36/4152‬وأخرجه‬
‫البيهقي في دلئل النبوة ‪4/115‬وأبو نعيم في الدلئل ‪346‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه المام البخاري من طريق المام مالك عن‬
‫إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه في كتاب المناقب‬
‫‪ ،25/3573‬ومن هذه الطريق أيضا ً أخرجه مسلم في‬
‫الفضائل ‪ 3/5‬والبيهقي في الدلئل ‪.124 ،4/121‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه المام مسلم من طريق عن عكرمة بن عمار‪،‬‬
‫عن إياس بن سلمة‪ ،‬عن أبيه سلمة رضي الله عنه في‬
‫كتاب الجهاد واليسير ‪ 45/132‬وفي كتاب اللقطة ‪،5/19‬‬
‫ومن هذا الطريق أخرجه أيضا ً البيهقي في الدلئل ‪.4/111‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه المام البخاري من طريقين عن إسرائيل بن‬
‫يونس‪ ،‬عن أبي إسحاق السبيعي‪ ،‬عنه‪ ،‬في كتاب المناقب‬
‫‪ 25/3577‬وكتاب المغازي ‪ ،36/4150‬والبيهقي في الدلئل‬
‫‪ ،4/110‬وأخرجه البخاري من طريق أخرى عن أبي إسحاق‬
‫السبيعي عن البراء في كتاب المغازي ‪ ،36/4151‬وأبو نعيم‬
‫في الدلئل ‪.349‬‬
‫‪ ()5‬أخرجه البيهقي في الدلئل ‪.4/120‬‬

‫‪364‬‬
‫جميعًا‪ ،‬فقلت لنس )‪ :(1‬يا أبا حمزة‪ ،‬كم كانوا ؟ فقال‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫زهاء ثلثمائة(‪.‬‬
‫هذه المعجزة التي حصلت في الزوراء بالمدينه‬
‫شهدها جماعة من الصحابة‪ ،‬إل أنها لم ترو إل عن‬
‫أنس رضي الله عنه‪ ،‬وقال ابن بطال‪) :‬وذلك لطول‬
‫)‪(3‬‬
‫عمره وتطلب الناس العلو في السند(‬
‫الثالثة‪ :‬في خروجه إلى قباء‬
‫أخرج الحافظ البيهقي بسنده عن أنس رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء‪،‬‬
‫فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير‪ ،‬قال‪ :‬فأدخل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يده‪ ،‬فلم يسعه القدح‪ ،‬فأدخل‬
‫أصابعه الربع ولم يستطع أن يدخل إبهامه‪ ،‬ثم قال‬
‫ي نبع‬
‫صر عين ّ‬‫للقوم‪ :‬هلموا إلى الشرب‪ ،‬قال أنس‪ :‬ب َ ُ‬
‫الماء من بين أصابعه‪ ،‬فلم يزل القوم يردون القدح‬
‫ً )‪(4‬‬
‫حتى رووا منه جميعا(‬
‫وفي الباب أيضا ً أحاديث أخرى عن عمران ابن‬

‫‪ ()1‬القائل‪ :‬هو قتادة السدوسي‪.‬‬


‫‪ ()2‬أخرجه البخاري في المناقب ‪ ،25/3572‬ومسلم في‬
‫كتاب الفضائل ‪.3/6،7‬والبيهقي في الدلئل ‪،125-4/124‬‬
‫وأبو نعيم في الدلئل ‪.349-348‬‬
‫‪ ()3‬نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪ ،‬ولم يرضه لنه‬
‫جعل جميع الحاديث الواردة في نبع الماء حديثا ً واحدًا‪،‬‬
‫والواقع أنها وقائع متباعدة متكررة‪ ،‬ومراد ابن بطال رحمه‬
‫الله أن الحادثة التي وقعت بالزوراء لم ترد من غير طريق‬
‫أنس رضي الله عنه مع أن الذين شهدوها بلغوا زهاء‬
‫الثلثمائة‪.‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه في الدلئل ‪ 125-4/124‬والبخاري في المناقب‬
‫‪ 3575 ،3574 ،25/3572‬وكتاب الوضوء ‪ 46/200‬ومسلم‬
‫في الفضائل ‪ .3/6،7‬وأبو نعيم في الدلئل ‪.349-347‬‬

‫‪365‬‬
‫الحصين)‪ (1‬وعبد الله بن مسعود )‪ (2‬وزياد بن الحارث‬
‫)‪(5‬‬
‫الصدائي )‪ (3‬ومعاذ بن جبل )‪ (4‬وأبي قتادة النصاري‬
‫رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫والواقع الذي تشير إلى هذه الحاديث أن قضية نبع‬
‫الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت‬
‫منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة‪ ،‬رواها بعض‬
‫من شهدها من الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬وهذه‬
‫الحاديث وإن كانت في أفرادها ظنية لورودها مورد‬
‫الحاد‪ ،‬إل أن القطع يحصل من وجهين‬
‫الول‪ :‬أن هذه الحاديث دلت بمجموعها على نبع‬
‫الماء من بين أصابعه على سبيل القطع‪ ،‬فإن كل خبر‬
‫منها يدل على نبع الماء من بين أصابعه الشريفة‬
‫صلى الله عليه وسلم ويستحيل فيما جرت به العادة‬
‫أن ينقل الرواة أخبارا ً كثيرة تشترك في قدر‬
‫معين‪،‬ويكون هذا القدر مظنونًا‪،‬كما أنا نعلم قطعا ً‬
‫بكرم حاتم وشجاعة عنترة‪ ،‬لن الخباريين نقلوا‬
‫عنهما قصصا ً ووقائع شتى‪ ،‬وهذه الوقائع وإن كانت‬
‫أفرادها ظنية إل أن القدر الذي اشتركت فيه هذه‬

‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في المناقب ‪ ،25/3571‬وفي كتاب‬


‫التيمم ‪ 6/344‬ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‬
‫‪ 312 ،55/311‬وهو عند جميعهم من طريق أبي رجاء‬
‫عمران بن تيم العطاردي عنه‪.‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه البخاري في المناقب ‪ ،25/3579‬والترمذي في‬
‫المناقب ‪ 6/3633‬والبيهقي في الدلئل ‪ ،130-4/129‬وأبو‬
‫نعيم في الدلئل ‪ 345‬وهو عند جميعهم من طريق إبراهيم‬
‫النخعي عن علقمه عنه‪.‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه البيهقي في الدلئل ‪ ،4/126‬وابن ماجة في كتاب‬
‫الذان ‪ 3/717‬وأبو نعيم في الدلئل ‪.352‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه مسلم في كتاب الفضائل ‪.3/706‬‬
‫‪()5‬أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‬
‫‪55/311‬والبيهقي في الدلئل ‪283-4/282‬وأبو نعيم في‬
‫الدلئل ‪348‬‬

‫‪366‬‬
‫الخبار‪ ،‬وهو جود حاتم وشجاعة عنترة أمر قطعي ل‬
‫ينكره إل معاند مكابر‪ ،‬ومعلوم أن الرواة الذين نقلوا‬
‫لنا وقائع نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه‬
‫وسلم قد بلغوا من العدالة والضبط حدا ً إذا تفرد‬
‫الواحد عن الواحد منهم بنقل خبر فإنه يفيد الظن‬
‫الراجح‪ ،‬فإذا تضافروا على رواية قدر مشترك في‬
‫أخبارهم استحال قطعا ً أن يكون كذبا ً أو غلطا ً أو‬
‫مظنونًا‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪:‬‬
‫أنه قد شهد هذه الوقائع جمع من الصحابة رضوان‬
‫الله عليهم‪ ،‬ورواها عدد منهم فدل سكوتهم على‬
‫تصديق من رواها منهم‪ -‬كما سيأتي‪.-‬‬

‫‪367‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تكثير الطعام ببركته صلى الله عليه وسلم‬
‫تكررت هذه المعجزة في وقائع‬
‫الولى‪ :‬دعوة أبي طلحة النصاري‪:‬‬
‫أخرج المام البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه قال‪) :‬قال أبو طلحة ُ‬
‫لم سليم )‪ :(1‬لقد‬
‫سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ضعيفا ً أعرف فيه الجوع‪ ،‬فهل عندك من شيء ؟‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فأخرجت أقراصا ً من شعير‪ ،‬ثم أخرجت‬
‫سْته تحت يدي‬ ‫خمارا ً لها‪ ،‬فل ّ‬
‫فت الخبز ببعضه‪ ،‬ثم و ّ‬
‫ولثتني)‪ (2‬ببعضه‪ ،‬ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ :‬فذهبت به‪ ،‬فوجدت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في المسجد‪ ،‬ومعه الناس‪،‬‬
‫فقمت عليهم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬أرسلك أبو طلحة ؟ فقلت نعم‪ ،‬قال‪ :‬بطعام ؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لمن معه‪ :‬قوموا‪ ،‬فانطلق‪ ،‬وانطلقت بين أيديهم حتى‬
‫جئت أبا طلحة فأخبرته‪ ،‬فقال أبو طلحة‪ :‬يا أم سليم‬
‫قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس‬
‫وليس عندنا ما نطعمهم‪ .‬فقالت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪،‬‬
‫فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪،‬فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأبو طلحة معه‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ت بذلك‬
‫وسلم‪ :‬هلمي يا أم سليم‪ ،‬ما عندك ؟ فأت ْ‬
‫الخبز‪ ،‬فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‬

‫‪ ()1‬أم سليم زوج أبي طلحة زيد بن سهل النصاري والدة‬


‫أنس بن مالك رضي الله عنهم انظر فتح الباري ‪.6/729‬‬
‫‪ ()2‬المراد لفت بعضه على رأسي وبعضه على إبطي‪.‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري ‪.6/730‬‬

‫‪368‬‬
‫دمته )‪ ،(2‬ثم قال‬ ‫َ‬ ‫صرت أم سليم عُ ّ‬ ‫فَ ُ‬
‫كة )‪ (1‬فأ ْ‬ ‫ت‪ ،‬وعَ َ‬
‫ف ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن‬
‫يقول‪ ،‬ثم قال‪ :‬ائذن لعشرة‪ ،‬فأذن لهم‪ ،‬فأكلوا حتى‬
‫شبعوا‪ ،‬ثم خرجوا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ائذن لعشرة‪ ،‬فأذن لهم‪،‬‬
‫فأكلوا حتى شبعوا‪ ،‬ثم خرجوا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ائذن لعشرة‪،‬‬
‫فأذن لهم‪ ،‬فأكلوا حتى شبعوا‪ ،‬ثم خرجوا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ائذن لعشرة‪ ،‬فأكل القوم كلهم حتى شبعوا‪ ،‬والقوم‬
‫ً )‪(3‬‬
‫سبعون أو ثمانون رجل(‬
‫الثانية‪ :‬في غزوة الخندق‪:‬‬
‫أخرج المام البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله‬
‫رضي الله عنه قال‪) :‬لما حفر الخندق رأيت بالنبي‬
‫)‪(5‬‬
‫صلى الله عليه وسلم خمصا ً )‪ (4‬شديدًا‪ ،‬فانكفيت‬
‫إلى امرأتي‪ ،‬فقلت‪ :‬هل عندك شيء ؟ فإني رأيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا ً شديدًا‪،‬‬
‫فأخرجت إلي جرابا ً فيه صاع من شعير‪ ،‬ولنا بهيمة‬
‫داجن‪ ،‬فذبحتها وطحنت الشعير‪ ،‬ففرغت إلى فراغي‪،‬‬
‫وقطعتها في برمتها )‪ (6‬ثم وليت إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬ل تفضحيني برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وبمن معه‪ ،‬فجئته فساررته‪،‬‬

‫كة‪ :‬إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبًا‪،‬‬ ‫‪ ()1‬العُ ّ‬


‫والعسل‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.3/284‬‬
‫‪ ()2‬أي صيرت ما خرج من العكة إدامًا‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن‬
‫الثير ‪.1/31‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه البخاري من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله‬
‫بن أبي طلحة عن أنس في كتاب المناقب ‪ 25/3578‬وفي‬
‫كتاب اليمان ‪ 22/6688‬ومسلم في كتاب الشربه ‪،20/142‬‬
‫‪ 143‬والترمذي في كتاب المناقب ‪ 6/3630‬والبيهقي في‬
‫الدلئل ‪ ،92-6/88‬وأبو نعيم في الدلئل ‪.354-353‬‬
‫‪ ()4‬الخمص‪ :‬الجوع الشديد‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/80‬‬
‫‪ ()5‬انكفيت‪ :‬أي انقلبت وذهبت‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪.7/507‬‬
‫قدر مطلقًا‪ ،‬وهي الصل متخذة من حجر‬ ‫‪ ()6‬البرمة‪ :‬ال ِ‬
‫معروف باليمن والحجاز‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.1/121‬‬

‫‪369‬‬
‫فقلت‪:‬‬
‫يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا‪ ،‬وطحنا صاعا ً من شعير‬
‫كان عندنا‪ ،‬فتعال أنت ونفر معك‪ ،‬فصاح النبي‪ :‬يا أهل‬
‫الخندق‪ ،‬إن جابرا ً قد صنع سورا ً )‪ (1‬فحي هل بكم‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل ت ُن ْزِل َ ّ‬
‫ن‬
‫ُبرمتكم‪ ،‬ول تخب ُْزن عجينكم حتى أجيء‪ ،‬فجئت وجاء‬
‫دم الناس‪ ،‬حتى‬ ‫ق ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ي َ ْ‬
‫ت الذي‬ ‫ت‪ :‬قد فعل ُ‬ ‫ت امرأتي‪ ،‬فقالت‪ :‬بك وبك‪ ،‬فقل ْ‬ ‫جئ ُ‬
‫مد َ‬
‫ت له عجينا فبصق فيه وبارك‪ ،‬ثم عَ ِ‬ ‫ً‬ ‫ت‪ ،‬فأخرج ْ‬ ‫قل ِ‬
‫إلى برمتنا فبصق وبارك‪ ،‬ثم قال‪ :‬ادفع خابزة فلتخبز‬
‫معي‪ ،‬واقدحي من برمتكم ول تنزلوها ‪ -‬وهم ألف ‪-‬‬
‫فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن‬
‫)‪(2‬‬
‫برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو‪(.‬‬
‫وقد بين الباقلني رحمه الله وجه إفادة العلم‬
‫والقطع من الخبار الواردة في أمهات المعجزات‬
‫الحسيه أحسن بيان فقال‪:‬‬
‫)وأما سبيل العلم بأعلمه عليه السلم فهو النظر‬
‫والستدلل ل الضطرار‪ .‬والدليل على ذلك‪ ،‬أنا نعلم‬
‫ضرورة‪ :‬أن هذه العلم قد نقلت عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في جميع أعصار المسلمين‪ ،‬وأن المة لم‬
‫تخل قط في زمن من الزمان من ناِقلة لهذه العلم‪،‬‬
‫وأنها قد أذيعت في الصدر الول ورويت من حيث‬
‫َيسمع روايتها مشاهدو النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ()1‬السور‪ :‬طعام يدعى إليه الناس‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن الثير‬
‫‪.2/420‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه المام البخاري في كتاب المغازي ‪ 30/4102‬من‬
‫طريق حنطلة بن أبي سفيان عن سعيد بن ميناء عن جابر‪،‬‬
‫والمام مسلم في كتاب الشربة ‪ 20/141‬والبيهقي في‬
‫الدلئل ‪ 3/426‬وأخرجه البخاري في كتاب المغازي‬
‫‪ 30/4101‬من طريق عبد الواحد بن أيمن‪ ،‬عن أبيه أيمن‬
‫الحبشي‪ ،‬عن جابر والبيهقي في الدلئل ‪ ،3/425‬وأبو نعيم‬
‫‪.358‬‬

‫‪370‬‬
‫صر عددهم عن عدد‬ ‫ومعاصروه‪ ،‬وأن الناقلة لها وإن قَ ُ‬
‫أهل التواتر ‪ -‬وكانوا آحادا ً ‪ -‬فإن كل ناقل منهم أضاف‬
‫ما نقله للنبي صلى الله عليه وسلم من هذه العلم‬
‫إلى مشهد مشهود وموقف معروف وغزاة قد حضر‬
‫أهلها السامعون لنقلهم فلم ينكروا عليهم‪ ،‬ول ردوا‬
‫نقلهم‪ ،‬ول ظهر منهم تهمة للنقلة‪ ،‬ل عند سماع‬
‫خبرهم ول بعد ذلك‪.‬‬
‫وقد علم بمستقر العادة إمساك مثل ذلك العدد‬
‫الكثير عن إنكار كذب يدعى عليهم ويضاف إلى‬
‫سماعهم ومشاهدتهم‪ ،‬مع ما هم عليه من نزاهة‬
‫ن بتحريم الكذب‪ ،‬فلو‬ ‫النفس‪ ،‬وكبر الهمم‪ ،‬والتدي ِ‬
‫كانوا عالمين بكذب ما ادعاه النقلة عليهم لسارع‬
‫جميعهم أو الجمهور منهم إلى إنكاره وتبكيت قائله‪.‬‬
‫كما أنه لو ادعى مدع بحضرة أهل بغداد أو محلة من‬
‫محالها أنه رأى مالم يروه لم يلبثوا أن يردوا قوله‬
‫ويعلموا‬

‫‪371‬‬
‫الناس بطلن ما ادعاه عليهم‪.‬‬
‫هذا ثابت في مستقر العادة‪ ،‬كما أنه يستحيل في‬
‫موضوع العادة على نقلة السير والخبار والوقائع‬
‫الكذب فيما نقلوه‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك دل إمساك‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم عن تكذيب ما نقله من‬
‫هذه العلم على صدق ما أضيف إليهم‪ ،‬وقام‬
‫إمساكهم عن إنكار ذلك مقام نقلهم لمثل ما نقله‬
‫الحاد‪ ،‬وقوِلـهم‪ :‬قد صدقوا فيما نقلوه وقد شاهدنا‬
‫مثل الذي شاهدوه‪.‬‬
‫وهذه دللة ظاهرة‪ ،‬وحجة قاهرة على صحة نقل هذه‬
‫العلم وصدق رواتها وإن قصروا عن حد أهل التواتر(‬
‫)‪(1‬‬

‫وقد صرح عدد من العلماء الكابر بسلوك هذا‬


‫المسلك في إثبات بعض المعجزات المنقولة بنقل‬
‫الحاد‪ .‬منهم القاضي عياض )‪ (2‬والبيهقي )‪ (3‬والنووي‬
‫)‪(5‬‬
‫)‪ (4‬وابن حجر‪.‬‬
‫وممن أثبت هذه المعجزات من المتكلمين‪:‬‬
‫)‪(7‬‬
‫الستاذ أبو منصور البغدادي )‪ (6‬وإمام الحرمين‬
‫)‪(10‬‬
‫والغزالي )‪ (8‬والمدي )‪ (9‬والعضد اليجي‬

‫‪ ()1‬وقد أطال المام الباقلني في ذكر الشبه التي يمكن أن‬


‫يوردها الخصم على هذا الوجه الذي تثبت به المعجزات‬
‫وأجاد في دفعها‪ ،‬انظر التمهيد ‪ 140-134‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ ()2‬الشفا ‪.1/497‬‬
‫‪ ()3‬الدلئل ‪.1/32‬‬
‫‪ ()4‬شرح صحيح مسلم ‪.4/725‬‬
‫‪ ()5‬فتح الباري ‪.6/725‬‬
‫‪ ()6‬أصول الدين ‪.182‬‬
‫‪ ()7‬الرشاد ‪.354‬‬
‫‪ ()8‬القتصاد ‪.131‬‬
‫‪ ()9‬غاية المرام ‪.375‬‬
‫‪ ()10‬المواقف ‪.359‬‬

‫‪372‬‬
‫)‪(13‬‬
‫والتفتازاني)‪ (11‬والجلل الدواني )‪ (12‬والباجوري‬
‫وهو الذي أراه ثابتا ً مقطوعا ً به فإنا نجد بالضرورة من‬
‫أنفسنا إثبات هذه المعجزات‪ - .‬والله أعلم ‪-‬‬

‫‪ ()11‬شرح المقاصد ‪.5/11‬‬


‫‪ ()12‬شرح العقائد العضديه ‪.2/276‬‬
‫‪ ()13‬شرح جوهرة التوحيد ‪.314-313‬‬

‫‪373‬‬
‫يييييي يييييي‪ :‬يييييييي يييي‬
‫يييييي يي يييييييي‬
‫يييي ييي ييييي‪.‬‬
‫يييييي ييييي يي ييييي يييييي‬
‫يييييي‬
‫يييييي يييييي‪ :‬يي ييييي‬
‫ييييي يييييي‬
‫يييييي يييييي‪ :‬يي يييييي‬
‫ييييييي يييييييي يييي يييي‬
‫ييي يييي يييي يييي ييي‬
‫ييييييي‬
‫يييييي يييييي‪ :‬يي ييي‬
‫ييييييي ييي ييييييي‬
‫يييييي يييييي‪ :‬يي يييييي‬
‫يييييي يييييي‪ :‬يي يييي يييي‬
‫يي ييي‬

‫‪374‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الحتجاج بخير الحاد في السمعيات‬
‫المطلب الول في أشراط الساعة الكبرى‬
‫تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يكون‬
‫بين يدي الساعة من أحداث كبرى وأحداث صغرى‪،‬‬
‫منها ما وقع‪ ،‬ومنها ما لم يقع بعد‪.‬‬
‫ومن أهم هذه الحداث تلك التي تكون مقدمة‬
‫وإيذانا ً لتغيير النظام الكوني والسنن الكونية‪ ،‬والتي‬
‫تعرف بأشراط الساعة الكبرى‪ ،‬واقتصر المتكلمون‬
‫على ذكرها في العقائد لن من هذه الشراط ما‬
‫ثبت أصله بالخبار المتواترة ومنها ما ثبت أصله‬
‫بالحاد ووافق أصل ً في القرآن الكريم فاستفاد‬
‫القطع من هذه الموافقة‪.‬‬
‫وجاء في الخبار تحديد هذه الشراط الكبرى‬
‫بعشرة أشراط‬
‫ُ‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن حذيفة بن أسيد‬
‫الغفاري رضي الله عنه قال‪) :‬اطلع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫تذاكرون ؟ قلنا‪ :‬نذكر الساعة‪ ،‬قال‪) :‬إنها لن تقوم‬
‫حتى تروا قبلها عشر آيات‪ ،‬فذكر الدخان‪ ،‬والدجال‪،‬‬
‫والدابة‪ ،‬وطلوع الشمس من مغربها‪ ،‬ونزول عيسى‬
‫مريم‪ ،‬ويأجوج ومأجوج‪ ،‬وثلثة خسوف‪ ،‬خسف‬
‫بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وآخر ذلك نار تطرد الناس إلى المحشر(‬

‫‪ ()1‬كتاب الفتن وأشراط الساعة ‪ ،13/2901‬من طرق عن‬


‫أبي الطفيل الكناني‪ ،‬عن حذيفة الغفاري رضي الله عنه‪،‬‬
‫وأخرجه أبو داود في كتاب الملحم ‪ ،12/4311‬والترمذي في‬
‫كتاب الفتن ‪ ،21/2183‬وابن ماجة في كتاب الفتن‬
‫‪28/4055 ،25/4041‬وابن مندة في اليمان ‪،100/1001‬‬
‫‪ 1003 ،1002‬والنسائي في الكبرى كما في تحفة الشراف‬
‫‪ 3/918‬وله شاهد من حديث واثلة بن السقع رضي الله‬
‫عنه‪.‬أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد‪ ،‬الهيثمي‬

‫‪375‬‬
‫ويحتاج إلى تفصيل في هذه الشراط ليتبين لنا ما‬
‫فيها من احتجاج بخبر الحاد‪.‬‬
‫الدخان‬
‫أصل الدخان الذي هو شرط من أشراط الساعة‬
‫دل عليه ظاهر قوله تعالى‪) :‬فارتقب يوم تأت‪.‬‬
‫السماء بدخان مبين‪ ،‬يغشى الناس هذا عذاب أليم‬
‫* ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون( )‪ (1‬وشهدت‬
‫له بضعة أحاديث‪ ،‬فحصل من مجموعها وموافقتها‬
‫للية الكريمة ارتفاع الظن في ثبوت الحاديث‬
‫الشريفة‪ ،‬وارتفاع الظن عن دللة الية الكريمة‬
‫)‪(2‬‬
‫على الدخان الذي هو شرط من أشراط الساعة‪.‬‬

‫‪.7/186‬‬
‫‪ ()1‬سورة الدخان ‪.12-10‬‬
‫‪ ()2‬دللة الية الكريمة على الدخان المرتقب في أشراط‬
‫الساعة دلله ظنية محتمله‪ ،‬ولذلك اختلف السلف في‬
‫تفسيرها‪.‬فأخرج البخاري في كتاب تفسير سورة الدخان‬
‫‪ 4824-1/4820‬عن عبد الله بن مسعود أنه قال‪) :‬إنما كان‬
‫هذا لن قريشا ً لما استعصوا على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف‪ ،‬فأصابهم قحط وجهد‬
‫حتى أكلوا العظام‪ ،‬فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما‬
‫بينه وبينها كهيأة الدخان من الجهد‪ ،‬فأنزل الله عز وجل‬
‫)فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا‬
‫عذاب أليم( قال‪ :‬فأتي رسول الله‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫استسق الله لمضر فإنها قد هلكت‪ ،‬قال‪ :‬لمضر ؟إنك‬
‫لجريء‪ ،‬فاستسقى‪ ،‬فسقوا‪ ،‬فنزلت )إنكم عائدون( فلما‬
‫أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية‪،‬‬
‫فأنزل الله عز وجل‪) :‬يوم نبطش البطشة الكبرى إنا‬
‫منتقمون( قال‪ :‬يعني يوم بدر(‪ .‬وقال ابن كثير في تفسيره‬
‫‪) :4/139‬وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير‬
‫الية بهذا جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم‬
‫النخعي‪ .....‬وقال آخرون لم يمض الدخان بعد‪ ،‬بل هو من‬
‫أمارات الساعة‪ ،‬كما تقدم من حديث أبي سريحة ‪ -‬حذيفة‬
‫بن ُأسيد الغفاري رضي الله عنه‪.(...‬‬

‫‪376‬‬
‫ومن الخبار التي ذكر فيها الدخان الحاديث التية‪:‬‬
‫الول‪ :‬حديث حذيفة بن ُأسيد الغفاري رضي الله‬
‫عنه ‪ -‬وقد سبق ‪-‬‬
‫الثاني‪ :‬أخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪:‬‬
‫ً‬
‫)بادروا بالعمال ستا‪ :‬الدجال‪ ،‬والدخان‪ ،‬ودابة‬
‫الرض‪ ،‬وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة‬
‫)‪(2)((1‬‬
‫صة أحدكم‬ ‫خوَي ْ َ‬
‫و ُ‬
‫الثالث‪ :‬أخرج المام الطبري في تفسيره بسند‬
‫صحيح )‪ (3‬عن عبد الله بن عباس أنه فسر الدخان‬
‫الوارد في الية الكريمة بالدخان المرتقب يوم‬
‫)‪(4‬‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وأخرجه ابن أبي حاتم بسند قال فيه ابن كثير‪) :‬هذا‬
‫إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر‬
‫المة وترجمان القرآن‪ ،‬وهكذا قول من وافقه من‬
‫الصحابة والتابعين رضي الله عنهم مع الحاديث‬
‫المرفوعة من الصحاح والحسان‪ ،‬مما فيه مقنع‬
‫ودللة ظاهرة على أن الدخان من اليات المنتظرة‪،‬‬
‫)‪(5‬‬
‫مع أنه ظاهر القرآن(‬
‫‪ ()1‬أمر العامة‪ :‬يراد به يوم القيامة‪ .‬والخويصة‪ :‬تصغير خاصة‬
‫ويراد بها الموت‪.‬نقله النووي في شرحه على مسلم ‪5/808‬‬
‫عن قتادة بن دعامة السدوسي‪.‬وانظر النهاية في غريب‬
‫الحديث‪ ،‬ابن الثير‪.2/37 .‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب الفتن وأشراط الساعة من طريقين عن قتادة‬
‫عن الحسن البصري عن زياد بن رياح عنه ‪25/129‬ومن‬
‫طريق العلء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي‬
‫هريرة ‪ 128 /25‬وأحمد في المسند ‪2/324‬وابن مندة في‬
‫اليمان ‪.1011-1007‬‬
‫‪ ()3‬صححه ابن كثير في تفسيره ‪.4/154‬‬
‫‪ ()4‬تفسير الطبري ‪.25/113‬‬
‫‪ (5) ()5‬انظر تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير ‪145- 4/144‬‬

‫‪377‬‬
‫في الدجال الكبر‬
‫ورد في السنة الشريفة الشارة إلى خروج قريب‬
‫من ثلثين دجال ً )‪ (6‬آخرهم الدجال الكبر الذي يعتبر‬
‫ظهوره من علمات الساعة الكبرى‪.‬‬
‫وخروج هذا الدجال الكبر ثابت بالقدر المشترك‬
‫عظ َ َ‬
‫م‬ ‫ذكر فيها ِ‬‫ذكر فيها صفته‪ ،‬وأخبارٍ ُ‬ ‫بين أخبارٍ ُ‬
‫ذكر فيها ما يجري على يديه من‬ ‫فتنته وأخبارٍ ُ‬
‫ذكر فيها قتله على يدي‬ ‫خوارق العادات‪ ،‬وأخبارٍ ُ‬
‫المسيح الدجال‪ .‬ويحصل من مجموع هذه الخبار‬
‫تواتر القدر المشترك بينها وهو أن خروج الدجال‬
‫)‪(7‬‬
‫الكبر علمة من علمات الساعة‪.‬‬

‫‪ ()6‬أخرجه المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله‬


‫عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬ل تقوم الساعة‬
‫حتى يبعث دجالون كذابون‪ ،‬قريب من ثلثين‪ ،‬كلهم يزعم أنه‬
‫رسول الله( في كتاب الفتن ‪ /18‬بعد ‪ ،2932‬وأخرجه‬
‫البخاري في كتاب الفتن ‪25/7121‬وأخرجه أبو يعلي في‬
‫مسنده )‪ (5945‬وانظر تخريجه موسعا ً في حاشية مسند أبي‬
‫يعلى ‪.10/350‬‬
‫‪ ()7‬نص على تواتر القدر المشترك بين أخبار الدجال الحافظ‬
‫الكتاني في نظم المتناثر ‪ 240‬وصنف الشوكاني فيه كتابا ً‬
‫فسماه )التوضيح فيما تواتر في المنتظر والدجال والمسيح(‬
‫انظر التصريح بما تواتر في نزول المسيح‪ ،‬محمد أنور شاه‬
‫الكشميري ‪ .55‬تحقيق عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬طبعة القاهرة‬
‫‪1982‬م‪ .‬وعقد البخاري في كتاب الفتن من صحيحة بابا ً في‬
‫ذكر الدجال ذكر فيه ثلثة عشر حديثا ً )‪(7134-7122‬‬
‫بالضافه إلى أحاديث أخرى مذكورة في غير هذا الباب‪،‬‬
‫وعقد المام مسلم في كتاب الفتن من صحيحه أبوابا ً في‬
‫الدجال وصفته‪ ،‬وما معه‪ ،‬ومكثه في الرض‪ ،‬تزيد فيه على‬
‫ثلثين حديثا ً )‪ (2947-2932‬وقد جمع الحافظ ابن كثير في‬
‫كتاب النهاية في الفتن شيئا ً كثيرا ً مما تناثر في كتب السنة‬
‫من أخبار الدجال‪ ،‬انظر النهاية في الفتن والملحم‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد أحمد عبد العزيز‪ ،‬طبعة دار الجيل‪-‬بيروت‪-1/103-‬‬
‫‪.181‬‬

‫‪378‬‬
‫أما آحاد هذه الخبار وما جاء فيها من تفصيل سيرته‬
‫فتحتاج إلى تفصيل‪:‬‬
‫ل‪ :‬ما جاء في صفاته الخلقية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن النواس بن بن‬
‫سمعان رضي الله عنه قال‪):‬ذكر رسول الله صلى‬
‫فض فيه‬ ‫الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخ ّ‬
‫ورّفع‪ (1)،‬حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه‬
‫عرف ذلك فينا‪ ،‬فقال‪):‬ما شأنكم؟ قلنا‪ :‬يا رسول‬
‫الله ذكرت الدجال غداة‪ ،‬فخفضت فيه ورفعت حتى‬
‫ظنناه في طائفة النخل‪ .‬فقال‪ :‬غيُر الدجال أخوفني‬
‫ن يخرج وأنا فيكم‪ ،‬فأنا حجيجه دونكم‪ ،‬وإن‬ ‫عليكم‪ ،‬إ ْ‬
‫يخرج ولست فيكم‪ ،‬فامرؤ حجيج نفسه‪ ،‬والله‬
‫خليفتي على كل مسلم‪ .‬إنه شاب قطط)‪ (2‬عينه‬
‫طافئة‪ ،‬كأني أشّبهه بعبد العزى بن قطن‪ ،‬فمن‬
‫أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف‪ ،‬إنه‬
‫ة)‪ (3‬بين الشام والعراق‪ ،‬فعاث يمينًا‪ ،‬وعاث‬ ‫خل ّ ً‬
‫خارج َ‬
‫ً)‪(4‬‬
‫شمال يا عباد الله فاثبتوا‪ ،‬قلنا يا رسول الله‪ :‬وما‬
‫لبثه في الرض؟ قال‪ :‬أربعون يومًا‪ ،‬يوم كسنة‪،‬‬
‫ويوم كشهر‪ ،‬ويوم كجمعه‪ ،‬وسائر أيامه كأيامكم‪،‬‬
‫قلنا يا رسول الله‪ ،‬وما إسراعه في الرض؟‬
‫قال‪:‬كالغيث استدبرته الريح‪ ،‬فيأتي على القوم‬
‫فيدعوهم‪ ،‬فيؤمنون به‪ ،‬ويستجيبون له‪ ،‬فيـأمر‬
‫ض فتنبت‪ ،‬فتروح عليهم‬ ‫السماء فتمطر‪ ،‬والر َ‬

‫فض فيه ورّفع‪ :‬المراد ما يفعله الخطيب من رفع‬ ‫‪ ()1‬فخ ّ‬


‫الصوت وخفضه انظر شرح النووي ‪.5/785‬‬
‫ط‪ :‬شديد الجعودة‪ ،‬انظر النهاية لبن الثير ‪،4/81‬‬‫‪ ()2‬قط َ َ‬
‫وشرح النووي ‪.5/786‬‬
‫ه بين الشام والعراق‪ :‬في طريق بينهما‪ .‬انظر النهاية‪،‬‬ ‫خل ّ َ‬
‫‪َ () 3‬‬
‫ابن الثير ‪ .2/73‬وشرح النووي ‪.5/786‬‬
‫‪ ()4‬العيث‪ :‬أشد الفساد‪ ،‬والسراع فيه‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن‬
‫الثير ‪ .3/327‬وشرح النووي ‪.5/786‬‬

‫‪379‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫وأسبغه ضروعا ً‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ذرا ً‬‫سارحتهم أطول ما كانت ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫وأمده خواصر‪.‬‬
‫م فيدعوهم‪ ،‬فيردون عليه قوله‬ ‫ثم يأتي القو َ‬
‫حلين ليس بأيديهم‬ ‫م ِ‬
‫م ْ‬ ‫فينصرف عنهم‪ ،‬فيصبحون ُ‬
‫خرَبة فيقول لها‪:‬‬ ‫شيء من أموالهم‪ ،‬ويمر بال َ‬
‫)‪(4‬‬
‫أخرجي كنوزك‪ ،‬فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل‬
‫ثم يدعو رجل ً ممتَلئا ً شبابا ً فيضربه بالسيف‪،‬‬
‫فيقطعه جزلتين رمية الغرض )‪ (5‬ثم يدعوه فيقبل‬
‫ويتهلل وجهه‪ ،‬يضحك فبينما هو كذلك‪ ،‬إذ بعث الله‬
‫المسيح ابن مريم‪ ،‬فينزل عند المنارة البيضاء‬
‫مهُْرودتين )‪ (6‬واضعا ً كفيه على‬ ‫شرقي دمشق‪ ،‬بين َ‬
‫طر‪ ،‬وإذا رفعه تحدر‬ ‫أجنحة ملكين‪ ،‬إذا طأطأ رأسه قَ َ‬
‫سه‬
‫ف ِ‬ ‫منه جمان كاللؤلؤ )‪ (7‬فل يحل لكافر يجدر ريح ن َ َ‬
‫فسه ينتهي حين ينتهي ط َْرفه‪ ،‬فيطلبه‬ ‫إل مات‪ ،‬ون َ َ‬
‫ُ )‪(8‬‬
‫ن‬‫حتى يدركه بباب لد ّ فيقتله‪ ،‬ثم يأتي عيسى اب ِ‬
‫‪ ()1‬المراد ترجع ماشيتهم آخر النهار مرتفعا ً أعلى سنامها‪،‬‬
‫انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/159‬‬
‫‪ ()2‬المراد‪ :‬طول الضرع من كثرة اللبن فيه‪ .‬انظر شرح‬
‫النووي ‪.5/787‬‬
‫متلء الخاصرة من الشبع‪ .‬انظر المرجع السابق‬ ‫‪ ()3‬المراد‪ :‬ا ْ‬
‫‪.5/787‬‬
‫‪ ()4‬اليعسوب‪ :‬فحل النحل‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪،3/234‬‬
‫وشرح النووي ‪.5/787‬‬
‫‪ ()5‬الجزلتين‪ :‬القطعتين‪ ،‬والغرض‪ :‬الهدف‪ .‬والمراد أنه‬
‫يضربه ضربتين فيقطعه قطعتين ويكون ب ُْعد ما بين القطعتين‬
‫بقدر رمية السهم إلى الهدف‪ .‬نظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪3/360‬‬
‫وشرح النووي ‪.5/788‬‬
‫‪ ()6‬بين مهرودتين‪ :‬أي لبس ثوبين مصبوغين بزعفران‪ .‬انظر‬
‫النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪ 5/258‬وشرح النووي ‪.5/788‬‬
‫‪ ()7‬الجمان‪ :‬حب يتخذ من الفضة على هيأة اللؤلؤ‪ ،‬انظر‬
‫النهاية ابن الثير ‪ ،5/301‬وشرح النووي ‪.5/788‬‬
‫د‪ :‬قرية قريبة من بيت المقدس‪ ،‬انظر النهاية‪ ،‬ابن‬ ‫‪ ()8‬باب ل ُ ّ‬
‫الثير ‪ 4/245‬وشرح النووي ‪.5/789‬‬

‫‪380‬‬
‫م قد عصمهم الله منه‪ ،‬فيمسح على‬ ‫مريم قو ٌ‬
‫وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة‪ ،‬فبينما هو‬
‫كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى‪ :‬إني قد أخرجت‬
‫ن )‪ (1‬لحد بقتالهم‪َ ،‬فحّرز عبادي إلى‬ ‫عبادا ً لي‪ ،‬ل يدا ِ‬
‫الطور‪ (2)،‬ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل‬
‫حدب ينسلون‪ (3)،‬فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية‬
‫فيشربون ما فيها‪ ،‬ويمر آخرهم‪ ،‬فيقولون‪ :‬لقد كان‬
‫بهذه مرة ماء‪ ،‬ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه‬
‫حتى يكون رأس الثور لحدهم خيرا ً من مائة دينار‬
‫)‪(4‬‬
‫لحدكم اليوم‪ ،‬فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه‪،‬‬
‫فيرسل الله عليهم الن َّغف )‪.(5‬في رقابهم‪ ،‬فيصبحون‬
‫س واحدة‪ ،‬ثم يهبط نبي الله‬‫ت نف ٍ‬ ‫فرسى)‪ (6‬كمو ِ‬
‫عيسى وأصحابه إلى الرض فل يجدون في الرض‬
‫مهم )‪ (7‬ونتنهم‪ ،‬فيرغب نبي‬ ‫موضعَ شبر إل مله َزهَ ُ‬
‫الله عيسى وأصحابه إلى الله‪ ،‬فيرسل الله طيرا ً‬

‫‪ ()1‬أي ل قدرة ول طاقة‪ ،‬انظر‪ :‬شرح النووي على مسلم‬


‫‪.5/789‬‬
‫حّرزهم إلى الطور‪ :‬أي ضمهم إلى جبل الطور واجعله‬ ‫‪ِ () 2‬‬
‫حرزا ً وحفظا ً لهم‪ ،‬انظر النهاية ‪ 1/366‬وشرح النووي‬
‫‪.5/789‬‬
‫‪ ()3‬المراد‪ :‬يظهرون من غليظ الرض ومرتفعها‪ ،‬انظر‬
‫المفردات‪ ،‬الراغب ‪ ،110‬والنهاية ‪ 1/349‬وشرح النووي‬
‫‪.5/789‬‬
‫‪ ()4‬المراد‪ :‬يرغبون إلى الله ويدعون‪ .‬انظر النهاية ابن الثير‬
‫‪ .2/237‬وشرح النووي ‪.5/760‬‬
‫)( )‪ (10‬الن ََغفف‪ :‬دود يكون في أنوف البل والغنم‪ .‬انظر‬
‫‪5‬‬

‫النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪ .5/87‬وشرح النووي ‪.5/789‬‬


‫فَترسين‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير‬
‫م ْ‬
‫‪ ()6‬فرسى‪ :‬أي قتلى ُ‬
‫‪ .3/428‬وشرح النووي ‪.5/789‬‬
‫)( الَز َ‬
‫‪7‬‬
‫هم‪ :‬رائحة الجيفة‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/323‬‬
‫وشرح النووي ‪.5/790‬‬

‫‪381‬‬
‫كأعناق البخت )‪ (1‬فتحملهم‪ ،‬فتطرحهم حيث شاء‬
‫ن منه بيت مدرٍ ول‬ ‫الله‪ ،‬ثم يرسل الله مطرا ً ل ي َك ُ ّ‬
‫ه ثم‬‫)‪(3‬‬
‫وبر‪ (2)،‬فيغسل الرض حتى يتركها كالَزل َ َ‬
‫ف َ‬
‫يقال للرض‪ :‬أنبتي ثمرتك ؛ردي بركتك‪ ،‬فيومئذ‬
‫)‪(4‬‬
‫فها‬‫ح ِ‬
‫ق ْ‬ ‫تأكل العصابة من الرمانة‪ ،‬ويستظلون ي َ‬
‫سل‪(5).‬حتى أن الّلقحة)‪ (6‬من البل‬ ‫ويبارك في الّر ْ‬
‫لتكفي الفئام من الناس‪ ،‬واللقحة من البقر لتكفي‬
‫القبيلة من الناس‪ ،‬واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ‬
‫من الناس‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا ً طيبة‪،‬‬
‫فتأخذهم تحت آباطهم‪ ،‬فتقبض روح كل مؤمن وكل‬
‫)‪(7‬‬
‫مسلم‪،‬ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها َتهاُرج‬
‫)‪(9‬‬
‫مر)‪ (8‬فعليهم تقوم الساعة(‬ ‫ح ُ‬
‫ال ُ‬

‫خت‪ :‬جمال طويلة العناق‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير‬ ‫‪ ()1‬الب ُ ْ‬


‫‪.1/101‬‬
‫ن‪ :‬ل يمنع من نزول الماء بيت مصنوع من المدر ‪-‬‬ ‫ُ‬
‫)( ل ي َ ّ‬
‫ك‬ ‫‪2‬‬

‫وهو الطين الصلب‪ ،‬ول بيت من وبر البل‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن‬
‫الثير ‪ .5/145‬وشرح النووي ‪.5/790‬‬
‫فة‪ :‬المرآة‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/3309‬‬ ‫‪ ()3‬الَزل َ َ‬
‫‪ ()4‬قال ابن الثير‪) :‬أراد قشرها‪ ،‬تشبيها ً بقحف الرأس‪ ،‬وهو‬
‫الذي فوق الدماغ(‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.4/17‬‬
‫سل‪ :‬اللبن‪ ،‬انظر النهاية ‪.2/222‬‬ ‫‪ ()5‬الَر ْ‬
‫‪ ()6‬اللقحة‪ :‬الناقه القريبة العهد بالنتاج‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن‬
‫الثير ‪.4/262‬‬
‫‪ ()7‬أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس‪ ،‬كما تفعل‬
‫البهائم‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪ 5/527‬وشرح النووي‬
‫‪.5/791‬‬
‫مر‪ :‬جمع حمار‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.1/439‬‬ ‫ح ُ‬ ‫‪ ()8‬ال ُ‬
‫‪ ()9‬أخرجه المام مسلم في كتاب الفتن ‪ .20/2937‬وأبو‬
‫داود في كتاب الملحم ‪ 14/4321‬والترمذي في كتاب الفتن‬
‫‪ 59/2240‬وابن ماجة في كتاب الفتن ‪ 33/4075‬والبغوي‬
‫في شرح السنة في باب الدجال لعنه الله )‪.(4261‬‬

‫‪382‬‬
‫وفي هذا الحديث تفاصيل ينبغي الوقوف عليها‪،‬‬
‫لن بعض المعاصرين أنكروا جملة الخبار التي‬
‫تحدث عن الدجال بدعوى التعارض والضطراب‪.‬‬
‫ل‪ :‬صفة الدجال الخلقية‬ ‫أو ً‬
‫جاء في الحديث وصف الدجال بأنه شاب شديد‬
‫جعودة الشعر عينه طافئة‪،‬وفي بعض النسخ)عينه‬
‫عنبة طافئة()‪(1‬والمراد تشبيه عينه بالحبة من العنب‬
‫التي خرجت عن حد نبتة أخواتها‪،‬فظهرت من بينها‬
‫)‪(2‬‬
‫وارتفعت‬
‫وفي حديث ابن عمر عند الشيخين أنه أعور العين‬
‫اليمنى‪ .‬وفي حديث حذيفة بن اليمان عند مسلم أنه‬
‫)‪(3‬‬
‫أعور العين اليسرى‪.‬‬
‫وقد جعل الدكتور فتحي عيد يحيى وعز الدين‬
‫بليق تعارض ظاهر الروايتين ذريعة لرد جميع ما ورد‬
‫في أحاديث الدجال‪.‬‬
‫يقول الدكتور فتحي‪) :‬الحاديث على ظاهرها‬
‫مشتملة على بعض المتعارضات‪ ،‬فبعضها يصف‬
‫الدجال أنه أعور العين اليمنى‪ .‬وأخرى تصفه بأنه‬
‫أعور العين اليسرى‪...‬وذلك التعارض ل يقبل التأويل‬
‫)‪(4‬‬
‫أو التوفيق(‬
‫وقال‪) :‬والرأي عندي أن الحاديث لكونها من طريق‬
‫الحاد وصحيحة السناد‪ ،‬فإنها ل تحمل حقيقة تواجد‬
‫الدجال بتلك الصورة التي وردت فيها‪ ،‬لن ذلك من‬
‫)‪(5‬‬
‫المسائل الغيبية التي تمس العقيدة(‬

‫‪ ()1‬انظر شرح النووي ‪.5/7860‬‬


‫‪ ()2‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.3/130‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه المام مسلم في كتاب الفتن ‪.20/2934‬‬
‫‪ ()4‬أشراط الساعة ونظرية آخر الزمان رؤية جديده في ضوء‬
‫الكتاب والسنة فتحي عيد يحيى ‪72‬لم يذكر مكان الطبع‬
‫ولسنته‬
‫‪ ()5‬نفسه ‪.71‬‬

‫‪383‬‬
‫ويقول عز الدين بليق‪) :‬أحاديث المسيح الدجال‬
‫أحاديث كثيرة متناقضة()‪ (1‬وذكر أمثلة على التناقض‬
‫منها قوله‪) :‬هل هو أعور العين اليسرى كما في‬
‫حديث حذيفة أم أنه أعور العين اليمنى ‪ -‬كما في‬
‫)‪(2‬‬
‫حديث ابن عمر ؟(‬
‫وهكذا يعتمد البعض في إنكار ما تناقله المسلمون‬
‫جيل ً عن جيل وتواترت به جملة الخبار على أمرين‬
‫الول‪ :‬دعوى التعارض في الخبار‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الخبار الحاديه ل تثبت بها المور الغيبية‪.‬‬
‫أما المر الول فل نسلم دعوى التعارض في صفة‬
‫عيني الدجال ول أنها لتقبل التأويل أو التوفيق‪ ،‬بل‬
‫تقبله وتقبل الترجيح‪:‬‬
‫أما التوفيق‪ :‬فالعور في اللغة العيب‬
‫وار ذهاب حس إحدى‬ ‫ور والعُ ّ‬
‫قال الفيروزآبادي‪) :‬العَ َ‬
‫وار كل ما أعل العين كالرمد‬ ‫العينين‪ ،‬والعائر كالعُ ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫والقذى(‬
‫قال النووي‪):‬وكل عيني الدجال معيبة عوراء‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫إحداهما بذهابها‪ ،‬والخرى بعيبها(‬
‫ويمكن الترجيح بدل ضرب الخبار بعضها ببعض‪،‬‬
‫وهو ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر فقال بترجيح ما‬
‫اتفق عليه الشيخان في حديث ابن عمرأن العور‬

‫‪ ()1‬موازين القرآن والسنة للحاديث الصحيحة والضعيفة‬


‫والمرفوعة‪-‬عز الدين بليق‪ .89 -‬طبعة دار الفتح بيروت‬
‫‪.1983‬‬
‫‪ ()2‬نفسه ‪.99‬‬
‫‪ ()3‬انظر القاموس المحيط )ع َوََر( ‪ 2/97‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ .5/780 ()4‬ونقله النووي عن القاضي عياض‪،1/410 ،‬‬
‫وانظر نحوه في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة‪،‬‬
‫شمس الدين محمد بن أحمد القرطبي)‪ 761‬هـ(تحقيق‬
‫الدكتور أحمد حجازي ‪ ،776‬طبعة دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‬
‫‪.1982‬‬

‫‪384‬‬
‫في عينه اليمنى على رواية حذيفة رضي الله عنه‬
‫)‪(1‬‬
‫عند المام مسلم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مكان خروجه‪:‬‬
‫يقول الدكتور فتحي محمد يحيى‪):‬ومن التعارض‬
‫اختلف الزمان والمكان الذي يخرج منه‪ .‬ففي بعض‬
‫الروايات أنه يخرج من قبل المشرق على البهام‪.‬‬
‫وفي حديث النواس عند مسلم أنه يخرج من خلة‬
‫بين الشام والعراق‪ ...‬وروى أحمد والحاكم أنه‬
‫)‪(2‬‬
‫يخرج من خراسان(‬
‫أما خروج الدجال من أصبهان فهو عند المام أحمد‬
‫من حديث عائشة رضي الله عنها )‪ (3‬بسند قال فيه‬
‫الهيثمي‪):‬ورجاله رجال الصحيح غير الحضرمي بن‬
‫لحق‪ .‬وهو ثقة( )‪(4‬وعند المام مسلم من حديث‬
‫أنس بن مالك‪ .‬أنه يتبعه من يهود أصبهان سبعون‬
‫ألفا ً)‪ (5‬ول يفيد خروجه منها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫أما خروجه من قبل المشرق ففي حديث أبي بكر‬
‫الصديق عند الترمذي )‪ (6‬وابن ماجة )‪ (7‬وفيه أنه‬
‫)‪(8‬‬
‫يخرج من أرض بالمشرق‪ ،‬ويقال لها‪ :‬خراسان‪.‬‬
‫ول تعارض بين الروايات جميعها لن أصبهان مدينة‬
‫في في أرض خراسان‪ .‬وهي جزء من إيران‪ ،‬وهي‬
‫في جهة المشرق بالنسبة لبلد الحجاز‪ ،‬أما رواية‬
‫خروجه من خلة بين الشام والعراق‪ ،‬فليس فيها‬
‫تحديد المراد بخروجه من طريق تصل بين الشام‬
‫‪ ()1‬انظر فتح الباري ‪.13/121‬‬
‫‪ ()2‬أشراط الساعة ‪.91‬‬
‫‪ ()3‬مسند أحمد ‪.6/75‬‬
‫‪ ()4‬مجمع الزوائد ‪.7/3338‬‬
‫‪ ()5‬في كتاب الفتن ‪.25/2944‬‬
‫‪ ()6‬في كتاب الفتن ‪.57/2237‬‬
‫‪ ()7‬في كتاب الفتن ‪.32/4072‬‬
‫‪ ()8‬انظر معجم البلدان‪)،‬ياقوت الحموي()‪626‬هـ(‪1/206‬دار‬
‫صادر‪-‬بيروت‪1955.‬وانظر المصدر نفسه ‪.2/350‬‬

‫‪385‬‬
‫والعراق‪ ،‬فيحتمل أن يكون المراد خروجه من‬
‫طريق تمر بين الشام والعراق‪ ،‬ول يبعد أن تكون‬
‫أصبهان مرحلة من مراحل هذه الطريق التي تمتد‬
‫حتى تمر بين الشام والعراق‪ ،‬وبهذا يرتفع التعارض‬
‫الظاهري بين الخبار ‪ -‬والله أعلم ‪.-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مدة لبثه في الرض‪:‬‬
‫يقول عز الدين بليق‪ :‬بالنسبة للبث الدجال في‬
‫الرض‪ ،‬في حديث النواس بن سمعان يذكر أن‬
‫يلبث أربعين يومًا‪ ،‬يوم كسنة ويوم كشهر‪ ...‬وفي‬
‫حديث النعمان بن سالم )فيمكث أربعين ‪ -‬ل أدري‪،‬‬
‫ً )‪(1‬‬
‫يومًا‪ ،‬أوأربعين شهرًا‪ ،‬أو أربعين عاما(‬
‫)فإن كان مدة لبثه أربعين يوما ً فهل يمكن أن ينجح‬
‫في دخول كل البلد والمدن والقرى‪ .‬وينجح في‬
‫)‪(2‬‬
‫سحب سبعين ألفا ً من يهود أصبهان وحدها‪(....‬‬
‫ويقول‪) :‬وفي الحديث الذي يقول فيه" يوم كسنة‬
‫ويوم كشهر "‪ ...‬فهل سيقوم الله سبحانه وتعالى‬
‫بتغيير دوران الرض حول محورها ثلث مرات‬
‫)‪(3‬‬
‫لينسجم مع هذا الحديث ؟(‬
‫وعلى ما سبق من كلمه مؤاخذات عديدة‪.‬‬
‫الولى‪ :‬أنه ل يظهر أن التعارض بين الرواية التي‬
‫ذكر فيها العدد على سبيل التشكيك وبين الرواية‬
‫التي جزم فيها بالعدد أربعين‪ .‬لنه شك من الراوي‪،‬‬
‫ل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقع‬
‫التعارض‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬استبعاد انتشار الدجال في الرض في تلك‬
‫المدة ل يضعف الحديث غاية ما فيه أنه يستحيل‬
‫ة‪ .‬والعقل ل يحيله‪ ،‬والعوائد قابلة للتغيير‪ ،‬فقد‬ ‫عاد ً‬
‫‪ ()1‬يريد حديث عبد الله بن مسعود من طريق النعمان بن‬
‫سالم‪ ،‬وهو عند مسلم في كتاب الفتن ‪.22/2940‬‬
‫‪ ()2‬أشراط الساعة ‪.101‬‬
‫‪ ()3‬نفسه ‪.99‬‬

‫‪386‬‬
‫كان في الماضي القريب يستحيل عادة أن ينتقل‬
‫الشخص من مكة إلى العراق مثل ً في يوم وليلة‪.‬‬
‫أما اليوم فيمكن التنقل بينهما في ساعات معدودة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬يجوز في ذكر اليام وأنواعها أن يكون مجازا ً‬
‫عن شعور الناس ببطء مرور الوقت من شدة ما‬
‫)‪(1‬‬
‫يرون من البلء‬
‫ً‬
‫على أنه ل يستحيل عقل أن يقوم الله عز وجل‬
‫بتغيير دوران الرض لينسجم مع حديث النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬ومما سبق يتبين لنا أن خروج‬
‫الدجال ثابت على سبيل القطع‪ .‬وأما من أنكر‬
‫خروجه فإنما اعتمد على ضرب بعض الخبار بعضها‬
‫ببعض بأقل شبهة تدور في الخاطر‪ .‬وعلى فرض‬
‫ورود بعض الخبار المتعارضة تعارضا ً ليمكن معه‬
‫جمع ول تأويل فإنما يتوقف في صحة المتعارضين‪.‬‬
‫ويبقى بعد ذلك في أخبار الدجال ما ل يحطها عن‬
‫مرتبة المتواتر المعنوي ‪ -‬والله أعلم‪.‬‬
‫مَثل المنكرين لخروج الدجال بدعوى التعارض في‬ ‫و َ‬
‫أخباره كمثل قوم جاءهم منذر بقدوم جيش جرار‬
‫يتقدمه تسعة فرسان مدججين بالسلح‪ ،‬ثم أتاهم‬
‫منذر آخر بقدوم جيش يتقدمه سبعة فرسان‬
‫مدججين بالسلح‪ ،‬فقام أحدهم يهون عليهم المر‬
‫ويقعدهم عن التجهيز للقاء الجيش بدعوى تناقض‬
‫الخبار واضطرابها‪ - .‬والله أعلم‪.‬‬

‫في نزول عيسى عليه السلم‬


‫نزول عيسى عليه السلم من السماء الدنيا إلى‬
‫الرض قبل قيام الساعة ثابت على سبيل القطع‬
‫لتواتر القدر المشترك بين أخبار كثيرة تدل على‬
‫نزوله عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الساس في العقائد‪ ،‬سعيد حوى ‪.2/1033‬‬

‫‪387‬‬
‫وقد جمع الشيخ محمد أنور شاه الكشميري كثيرا ً‬
‫من هذه الخبار في كتابه التصريح بما تواتر في‬
‫نزول المسيح )‪ (1‬وقال الغماري في نزوله عليه‬
‫السلم‪):‬يرويه جمع من الصحابة يزيد عددهم على‬
‫)‪(2‬‬
‫العشرين(‬
‫وأحصى الكوثري في أحاديث نزوله عليه السلم‬
‫سبعين حديثًا‪ ،‬وقال‪) :‬أربعون منها صحاح وحسان‪،‬‬
‫‪(3).‬‬
‫والباقي منجبر(‬
‫وتحت هذا الصل الثابت على سبيل التواتر‬
‫المعنوي أخبار آحاد فيها صفة نزوله عليه السلم‪،‬‬
‫ومكان نزوله‪ ،‬وأعماله التي يقوم بها قبل نزوله‪.‬‬
‫أول ً _ سبق في حديث النواس بن سمعان أن‬
‫مْهرودتين‪،‬وقال‬
‫عيسى عليه السلم ينزل بين َ‬
‫لولى في تفسير هذه الجملة أن‬ ‫الشيخ عبد الفتاح‪ :‬ا َ‬
‫ذلك إشارة إلى نزوله على الحال التي رفع عليها‬
‫إلى السماء( )‪ (4‬وسبق أنه ينزل معه ملكان‪.‬‬
‫وقد ورد في مسند أحمد وصف الملكين في حديث‬
‫سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وفيه‪):‬معه ملكان من الملئكة يشبهان نبيين من‬
‫النبياء‪ ،‬ولو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء‬

‫‪ ()1‬بلغت خمسة وسبعين حديثًا‪ ،‬ثم ذكر بعدها عددا ً من‬


‫الثار وقال‪) :‬هذه مائة خبر وخبر من المرفوع والموقوف(‪،‬‬
‫انظر التصريح بما تواتر في نزول المسيح ‪.293‬‬
‫‪ ()2‬عقيدة أهل السلم في نزول عيسى عليه السلم‪ ،‬أبو‬
‫الفضل عبد الله بن محمد الصديق الغماري الحسني ‪،12‬‬
‫طبعة عالم الكتب بيروت ‪1986‬‬
‫‪ ()3‬نظره عابرة في مزاعم من ينكر نزول عيسى عليه‬
‫السلم قبل الخرة‪ ،‬محمد زاهد الكوثري )‪ 1371‬هـ( ‪75‬‬
‫طبعة دار الجيل‪ ،‬القاهره ‪.1987‬‬
‫‪ ()4‬انظر التصريح بما تواتر في نزول المسيح‪ ،‬الكشميري‬
‫حاشية ص ‪116‬‬

‫‪388‬‬
‫آبائهما‪ ،‬واحد منها عن يمينه والخر عن شماله‪(...‬‬
‫)‪ .(1‬وقد نص الحافظ ابن كثير على نكارته فقال‪:‬‬
‫)تفرد به أحمد‪ ،‬وإسناده ل بأس به‪ ،‬ولكن في متنه‬
‫)‪(2‬‬
‫غرابة ونكارة(‬
‫ثانيًا‪ :‬ما جاء في مكان نزوله عليه السلم‪ :‬سبق‬
‫في حديث النواس بن سمعان أنه ينزل عند المنارة‬
‫البيضاء بدمشق‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أعماله التي يقوم بها‪:‬‬
‫أخرج المام البخاري بسنده من حديث أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال‪) :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل‬
‫)‪(3‬‬
‫فيكم ابن مريم حكما ً مقسطًا‪ ،‬فيكسر الصليب‬
‫)‪(4‬‬
‫ويقتل الخنزير‬
‫)‪(6‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫ويضع الجزية ويفيض المال حتى ل يقبله أحد(‬
‫ويقوم المسيح عليه السلم بقتل الدجال‪ ،‬على ما‬
‫صحت به الخبار من حديث النواس بن سمعان وقد‬
‫سبق‬

‫‪5/221 ()1‬‬
‫‪ ()2‬النهاية في الفتن‪.1/139 ،‬‬
‫‪ ()3‬يحتمل أن يكون المراد كسر الصليب حقيقة‪،‬و يحتمل أن‬
‫يكون المراد إبطال دين النصرانية‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري‬
‫‪ ،6/608‬والتصريح‪ ،‬الكشميري ‪ ،92‬والساس في العقائد‪،‬‬
‫سعيد حوى ‪.3/1094‬‬
‫‪ ()4‬المراد أنه يأمر بقتل الخنزير مبالغة في تحريم أكله‪،‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ 4/521‬والتصريح الكشميري ‪.92‬‬
‫والساس في العقائد‪ ،‬سعيد حوى ‪.3/1094‬‬
‫‪ ()5‬المراد أنه ل يقبلها‪ ،‬ول يقبل من الكفار إل السلم أو‬
‫القتل‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي على مسلم ‪ ،1/370‬وفتح الباري‬
‫‪ .6/608‬والساس في العقائد سعيد حوى ‪.3/1094‬‬
‫‪ ()6‬أخرجه البخاري في كتاب البيوع ‪ ،102/2222‬وفي كتاب‬
‫النبياء ‪ ،49/3448‬ومسلم في كتاب اليمان ‪71/155‬‬
‫والترمذي في كتاب الفتن ‪.54/2233‬‬

‫‪389‬‬
‫وله شواهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص‬
‫)‪(6‬‬
‫رضي الله عنهما عند مسلم )‪ (5‬والمام أحمد‬
‫)‪(7‬‬
‫ومجمع بن جارية النصاري عند الترمذي‬
‫وآحاد هذه الخبار وإن لم تصل إلى درجة التواتر‪،‬‬
‫فل وجه لنكارها لن فيها إخبارا ً عن أمر غيبي ل‬
‫يعارض عقل ً ول شرعًا‪ ،‬فيجب فيها أصل التصديق‪،‬‬
‫ول يجب فيها العتقاد الجازم الذي يكفر منكره‪.‬‬
‫في خروج يأجوج ومأجوج‬
‫يأجوج ومأجوج)‪ (8‬طائفتان من ذرية آدم عليه السلم‬
‫)‪ (9‬وخروجهم قبل يوم القيامة ثابت على سبيل‬
‫القطع واليقين من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬تواتر القدر المشترك بين أخبار كثيرة‬
‫متفرقة‪ ،‬فيها أوصافهم‪ ،‬وما يقومون به من إفساد‬
‫في الرض‪ ،‬وما يسلطه الله عز وجل عليهم‬
‫لهلكهم‪ ،‬وهذه الخبار وإن كانت ظنية في أفرادها‪،‬‬
‫إل أنها تدل على قدر مشترك بينها على سبيل‬
‫)‪(10‬‬
‫القطع‬

‫‪ ()5‬في كتاب الفتن وأشراط الساعة ‪ 23/2940‬والنسائي‬


‫في الكبرى كما في تحفة الشراف ‪.6/391‬‬
‫‪ ()6‬المسند ‪.2/166‬‬
‫‪ ()7‬في كتاب الفتن ‪ ،62/2244‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫فعول(‪ .‬انظر معاني‬ ‫م ْ‬
‫مأجوج( ) َ‬ ‫فّعول( )و َ‬
‫‪) ()8‬يأجوج( من )ي َ ْ‬
‫القرآن‪ ،‬أبو الحسن سعيد بن مسعدة )الخفش الوسط( )‬
‫‪ 215‬هـ( تحقيق د‪ -‬فائز فارس ‪ 2/399‬طبعة الكويت ‪-‬‬
‫جتها‪ ،‬ويأجوج ومأجوج‬ ‫‪ .1979‬وقال الراغب‪ :‬أجيج النار وأ ّ‬
‫منه‪ ،‬شبهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموجة لكثرة‬
‫اضطرابهم‪.‬انظر المفردات ‪.10‬‬
‫‪ ()9‬انظر تفسير الطبري ‪ 16/17‬والنهاية‪ ،‬ابن كثير ‪.1/200‬‬
‫‪ ()10‬نص على تواترها الكتاني في نظم المتناثر ‪ 242‬وقد‬
‫جمع ابن كثير طرفا ً منها في النهاية ‪ 201-1/194‬والقرطبي‬
‫في التذكرة ‪.815-11‬‬

‫‪390‬‬
‫الثاني‪ :‬موافقة هذه الخبار لصل في كتاب‬
‫الله عز وجل‪.‬‬
‫قال تعالى‪) :‬قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج‬
‫مفسدون في الرض فهل نجعل لك خرجا ً على أن‬
‫تجعل بيننا وبينهم سدًا( إلى قوله تعالى‪):‬فما‬
‫اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نفبا ً * قال‬
‫هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء‬
‫ً )‪(1‬‬
‫وكان وعد ربي حقا(‬
‫وقوله تعالى‪):‬حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم‬
‫)‪(2‬‬
‫من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق‪(...‬‬
‫ووجه تحصيل القطع بموافقة الخبار لهذه اليات‬
‫هو تعيين الوعد الوارد فيها بما دلت عليه الخبار من‬
‫خروجهم قبل قيام الساعة ليكون خروجهم علمة‬
‫من علمات الساعة‪.‬‬
‫وتحت هذا الصل الثابت أخبار فيها تفصيل بذكر‬
‫أوصافهم وأخبارهم‪:‬‬
‫فمن ذلك‪ -1 :‬حديث النواس بن سمعان‪ ،‬وقد‬
‫سبق‪.‬‬
‫‪ -2‬أخرج المام البخاري بسنده عن زينب‬
‫بنت جحش رضي الله عنها‪ :‬أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم دخل عليها فزعا ً يقول‪ :‬ل إله إل الله‪،‬‬
‫ويل للعرب من شر قد اقترب‪ ،‬فُِتح اليوم من ردم‬
‫يأجوج ومأجوج مثل هذه ‪ -‬وحلق إصبعه‪ ،‬البهام‬
‫والتي تليها ‪ -‬فقالت زينب بنت جحش‪ :‬فقلت يا‬
‫رسول الله‪ :‬أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال‪:‬نعم‪ ،‬إذا‬
‫‪(3).‬‬
‫كثر الخبث(‬
‫‪ ()1‬سورة الكهف ‪.98-94‬‬
‫‪ ()2‬سورة النبياء ‪.97-96‬‬
‫‪ ()3‬في كتاب النبياء ‪.3598 ،7/3346‬وفي كتاب المناقب‬
‫‪25/3598‬والفتن ‪.4/7059،8/7135‬والخبث هو النجاسة‪،‬‬
‫والمراد إذا اكثر الفسق والفجور‪،‬انظر‪:‬النهاية‪،‬ابن الثير‬

‫‪391‬‬
‫ومن الملحظ أنه يشتهر على اللسنة ما ينقله‬
‫المفسرون من أوصاف مرعبة لخلقتهم‪ ،‬فمن ذلك‬
‫ما أخرجه الطبري عن وهب بن منبه أنه قال في‬
‫حديث طويل في قصة ذي القرنين‪ ....) :‬فوجدهم‬
‫على مقدارٍ واحد‪ ،‬ذكرهم وأنثاهم‪ ،‬مبلغ طول الواحد‬
‫منهم مثل نصف الرجل المربوع منا‪ ،‬لهم مخالب‬
‫في موضع الظفار من أيدينا‪ ،‬وأضراس وأنياب‬
‫كأضراس السباع وأنيابها‪ ،‬وأحناك كأحناك البل‬
‫قوة‪ .....‬عليهم من الشعر في أجسادهم ما‬
‫يواريهم‪ ...‬ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫إحداهما وبرة ظهرها وبطنها‪.‬والخرى زغبة‬
‫سعانه إذا لبسهما‪ ،‬يلتحف أحدهما‬ ‫ظهرها وبطنها‪ ،‬ت َ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫ويفترش الخرى‪(....‬‬
‫ووهب بن منبه قال الذهبي في ترجمته‪) :‬من أحبار‬
‫التابعين‪ ....‬وكان ثقة صادقًا‪ ،‬كثير النقل من كتب‬
‫السرائيليات()‪ (3‬وقد ضّعف الحافظ ابن كثير ما‬
‫نقله المام الطبري عن وهب‪ .‬وهو الحق والله‬
‫)‪(4‬‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪2/6‬ومسلم في كتاب الفتن ‪.1/2880‬والترمذي في الفتن‬


‫‪ 23/2187‬وابن ماجة في الفتن ‪ 9/3953‬وأخرج البخاري‬
‫نحوه من حديث أبي هريرة في كتاب النبياء ‪،7/3347‬‬
‫والفتن ‪ 28/7136‬ومسلم في الفتن ‪.1/2881‬‬
‫وبر‪:‬ما يكسو الجمل‪.‬انظر‪:‬النهاية‪،‬ابن الثير‬
‫)( ال َ‬
‫‪1‬‬

‫‪5/144‬والزغب‪:‬صغار الريش أول ما ينبت‪.‬انظر‪:‬النهاية‪،‬ابن‬


‫الثير ‪.2/304‬‬
‫‪ ()2‬تفسير الطبري ‪.16/21‬‬
‫‪ ()3‬انظر الميزان‪4/352 ،‬‬
‫‪ ()4‬انظر تفسيره ‪ ،3/105‬والنهاية في الفتن ‪ 3/105‬ومجمع‬
‫الزوائد‪ ،‬الهيثمي ‪.8/6‬‬

‫‪392‬‬
‫وقد ذكر غير واحد من المفسرين ما سبق في‬
‫أوصافهم منهم الرازي )‪ (1‬والقرطبي )‪ (2‬وذكرها‬
‫السفاريني في شرح العقيدة المرضية)‪ (3‬ول يظهر‬
‫لذلك وجه ‪ -‬والله أعلم ‪.-‬‬
‫وإنما ثبت في أوصافهم عدة أحاديث منها‪:‬‬
‫ما أخرجه المام أحمد بسنده عن خالد بن عبد الله‬
‫بن حرملة عن خالته أنه قال‪) :‬خطب رسول الله‬
‫ب رأسه من لدغة‬ ‫صلى الله عليه وسلم وهو عاص ٌ‬
‫عقرب‪ ،‬فقال‪ :‬إنكم تقولون‪ :‬ل عدو‪ ،‬وإنكم لن‬
‫عراض‬ ‫تزالوا تقاتلون حتى يأتي يأجوج ومأجوج‪ِ ،‬‬
‫شغاف)‪ (4‬من كل‬ ‫صْهب ال ّ‬ ‫الوجوه‪ ،‬صغار العيون‪ُ ،‬‬
‫مط َْرقه (‬
‫)‪(6) (5‬‬
‫ن ال ُ‬
‫جا ّ‬‫م َ‬
‫حدب ينسلون كأن وجوههم ال َ‬
‫وأخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬ل تقوم الساعة حتى تقاتلكم أمة ينتعلون‬
‫)‪(7‬‬
‫ن المطرقة(‬ ‫جا ّ‬
‫م َ‬‫الشعر وجوههم مثل ال َ‬
‫‪ ()1‬انظر تفسير الرازي ‪.171 /21‬‬
‫‪ ()2‬الجامع لحكام القرآن ‪.11/9‬‬
‫‪ ()3‬لوامع النوار البهية ‪.2/115‬‬
‫صهبة مختصة‬ ‫شغاف‪ :‬قال ابن الثير )‪ ...‬ال ُ‬ ‫صْهب ال ّ‬‫ُ‬ ‫‪() 4‬‬
‫بالشعر‪ ،،،‬وهي حمرة يعلوها سواد( انظر النهاية ‪ .3/62‬وقال‬
‫ب شعر‬‫صه ُ‬‫ب(‪َ :‬‬
‫كتا ْ‬‫شَغاف كـ ) ِ‬
‫صهب ال ِ‬ ‫الفيروز آبادي‪) :‬ورجل َ‬
‫الرأس( انظر القاموس المحيط )شغف(‪.3/159.‬‬
‫ن وهو الترس‪ .‬والمجان‬ ‫ج ّ‬ ‫م َ‬
‫ده‪ِ :‬‬
‫ح ُ‬
‫ع‪،‬وا ِ‬
‫ن‪ .‬جم ٌ‬‫جا ّ‬
‫م َ‬ ‫‪ ()5‬ال َ‬
‫المطرقة‪ :‬الترس التي كسيت جلدًا‪ ،‬والمراد تشبيه وجوههم‬
‫شرتها‪.‬انظر النهاية‪،‬ابن الثير‬ ‫بها لستدارتها وغلظ لحمها وب َ َ‬
‫‪3/122‬وشرح النووي ‪ 5/760‬وفتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪.6/130‬‬
‫‪ ()6‬انظر مسند أحمد ‪ .5/271‬ورجاله رجال الصحيح كما في‬
‫مجمع الزوائد‪ ،‬الهيثمي ‪.8/6‬‬
‫‪ ()7‬في كتاب الفتن ‪ .18/2912‬وأخرجه البخاري في كتاب‬
‫الجهاد ‪ 2929 ،95/2928‬وأبو داود في كتاب الملحم‬
‫‪ .9/4303‬والترمذي في الفتن ‪ .40/2215‬وابن ماجة في‬
‫الفتن ‪.36/4096‬‬

‫‪393‬‬
‫وفي رواية أخرى‪ ....) :‬حتى تقاتلوا قوما ً صغار‬
‫)‪(2)((1‬‬
‫العين ذ ُْلف ال ُُنف‬
‫ن يجتهد في‬ ‫م ْ‬
‫من المعاصرين َ‬ ‫ومن الملحظ أن ِ‬
‫تطبيق هذا الوصف على قوم معينين‪ .‬كالمغول أو‬
‫التتار أو الصينيين‪ ،‬فمن ذلك قول الدكتور فتحي‬
‫تعليقا ً على حديث زينب رضي الله عنها ‪ -‬وقد سبق‬
‫‪:-‬‬
‫)نحن نرجح أن يكون هذا الحديث للتحذير من‬
‫خروج التتار على المة العربية‪ ،‬وقد وقع حين كثير‬
‫)‪(3‬‬
‫فيهم الخبث(‬
‫وهذا قول مخالف لما دلت عليه الحاديث‬
‫الصحيحة من خروجهم بعد نزول عيسى عليه‬
‫السلم كما سبق في حديث النواس بن سمعان‬
‫وغيره‪.‬‬
‫_ويقول الشيخ البوطي في رد مثل هذه الجتهادات‪:‬‬
‫)وخير من الخوض في ذلك أن نقف عند حدود‬
‫الدللة القطعية التي تثبت بصريح القرآن وصحاح‬
‫الحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ع‬
‫وسلم ثم ننتظر في معرفة الكنه والتفاصيل الواق َ‬
‫سه‪ .‬فهو الذي يتكفل وحده بشرح كل‬ ‫ي نف َ‬
‫الزمن َ‬
‫)‪(4‬‬
‫شيء عنهم(‬
‫‪ -‬والله أعلم ‪.-‬‬
‫في خروج الدابة‬

‫صُر النف وانبطاحه‪ .‬وال َُنف‪ :‬جمع قلة لل َْنف‬ ‫‪ ()1‬الذ َل َ َ‬


‫ف‪ :‬قِ َ‬
‫انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/165‬‬
‫‪ ()2‬أخرجها المام مسلم في كتاب الفتن ‪ /18‬بعد ‪.2912‬‬
‫‪ ()3‬أشراط الساعة ‪.107‬‬
‫‪ ()4‬كبرى اليقينيات الكونية ‪ 272‬وانظر نحوه في الساس‬
‫في العقائد‪ ،‬سعيد حوى ‪.2/1032‬‬

‫‪394‬‬
‫خروج الدابة قبل يوم القيامة‪ ،‬وعدها من علمات‬
‫الساعة ثابت على سبيل القطع واليقين ويمكن‬
‫تحصيل القطع من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬تواتر القدر المشترك بين أخبار متفرقة في‬
‫ذكر علمات الساعة‪ ،‬ويقع فيها ذكر الدابة من بين‬
‫)‪(1‬‬
‫هذه العلمات‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬موافقة هذه الخبار لقوله عز وجل‪) :‬وإذا‬
‫وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض‬
‫)‪(2‬‬
‫تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ليوقنون(‬
‫وقد نقل الطبري عن ابن عمر‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬وقتادة‪ ،‬أنهم‬
‫فسروا الية بخروج الدابة في آخر الزمان عند‬
‫فساد الناس وتركهم أوامر الله‪ ،‬وتبديلهم الدين‬
‫)‪(3‬‬
‫الحق‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫واختاره ابن كثير من المفسرين والسفاريني من‬
‫المتكلمين)‪ (5‬وغيرهم‪.‬‬
‫وتحت هذا الصل أخبار آحاد ذكرها المفسرون‬
‫وبعض المتكلمين في صفات الدابة وخروجها‬
‫ويحتاج إلى بيان ما فيها‪.‬‬
‫ل‪ :‬أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي‬ ‫أو ً‬
‫الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان بن داود وعصا‬
‫موسى بن عمران فتجلو وجه المؤمن بالعصا‪،‬‬

‫‪()1‬نص على تواتر القدر المشترك في أخبار الدابة الكتاني‬


‫في نظم المتناثر ‪2420‬وقد جمع الحافظ ابن كثير طرفا ً من‬
‫هذه الخبار في تفسيره ‪،379-3/388‬وفي نهاية الفتن‬
‫‪.214-1/208‬‬
‫‪ ()2‬سورة النمل‪.82 .‬‬
‫‪ ()3‬تفسير الطبري ‪.15-20/13‬‬
‫‪ ()4‬انظر تفسيره ‪..3/375‬‬
‫‪ ()5‬انظر لوامع النوار ‪2/146‬‬

‫‪395‬‬
‫)‪(1‬‬
‫خوان‬ ‫وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى أن أهل ال ِ‬
‫ليجتمعون‪ ،‬فيقال‪ :‬ها‪ ،‬ها‪ ،‬يا مؤمن‪ ،‬ويقال‪ :‬ها‪ ،‬ها يا‬
‫)‪(2‬‬
‫كافر‪ ،‬ويقول هذا‪ :‬يا كافر‪ ،‬وهذا‪ :‬يا مؤمن(‬
‫وفي سنده علي بن زيد يرويه عن أوس بن خالد‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫أما علي بن يزيد بن جدعان فقد ترجمه الذهبي في‬
‫الميزان‪ ،‬ونقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل‪ ،‬ويحيى‬
‫)‪(3‬‬
‫بن معين‬
‫وأما أوس بن خالد فقد ترجمه الذهبي في الميزان‬
‫)‪(4‬‬
‫وقال‪) :‬ل يعرف(‬
‫‪-‬‬ ‫ومثل هذا السناد ل تثبت به أوصاف الدابة‬
‫والله أعلم ‪-‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أخرج ابن ماجة بسنده عن بريدة بن الحصيب‬
‫رضي الله عنه قال‪) :‬ذهب بي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية ‪ -‬قريب من مكة‬
‫‪ -‬فإذا أرض يابسة حولها رمل‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬تخرج الدابة من هذا‬
‫شبر )‪ .(5‬قال ابن بريدة‪:‬‬ ‫الموضع‪ ،‬فإذا فِْتر في ِ‬
‫ً‬
‫فحججت بعد ذلك بسنين‪ ،‬فأرانا عصا له فإذا هو‬
‫)‪(7) (6‬‬
‫بعصاي هذه هكذا وهكذا (‬
‫خوان‪ :‬ما‬‫‪ ()1‬عند الكل‪ ،‬انظر النهاية ابن الثير ‪ 2/89‬ال ِ‬
‫يوضع عليه الطعام‬
‫‪ ()2‬في كتاب التفسير ‪ .28/3187‬وقال‪ :‬وهذا حديث حسن‬
‫غريب‪ ،‬وابن ماجة في الفتن ‪.31/4066‬‬
‫‪3/127 ()3‬‬
‫‪1/278 ()4‬‬
‫فْتر‪ :‬المسافة بين أعلى البهام وأعلى السبابة من‬ ‫‪ ()5‬ال ِ‬
‫شْبر‪ :‬ما بين أعلى البهام وأعلى الخنصر‪،‬‬ ‫أصابع اليد‪ ،‬وال ِ‬
‫شَبر( ‪2/55‬‬‫انظر القاموس‪ ،‬الفيروزآبادي )فََتر( ‪ 2/107‬و ) َ‬
‫‪ ()6‬المراد‪ :‬الشارة بالعصا إلى اتساع الموضع المذكور‪.‬‬
‫‪ ()7‬في كتاب الفتن ‪ ،31/4067‬كما في تحفة الشراف‬
‫‪2/536‬‬

‫‪396‬‬
‫وفي سنده خالد بن عبيد‪ ،‬يرويه عن عبد الله بن‬
‫بريدة عن أبيه‪.‬‬
‫وخالد بن عبيد ترجمه الذهبي في الميزان فقال‪:‬‬
‫دث‬ ‫)قال البخاري‪ :‬في حديثه نظر‪،‬وقال الحاكم‪ :‬ح ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫عن أنس بموضوعات(‬
‫ومثل هذا السناد له حكم سابقه ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أخرج الطبري في تفسيره بسنده عن عطية‬
‫العوفي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫)تخرج الدابة من صدع من الصفا كجري الفرس‬
‫)‪(2‬‬
‫ثلثة أيام ل يخرج ثلثها(‬
‫وعطية بن سعد العوفي ترجمه الذهبي في‬
‫الميزان‪ ،‬ونقل تضعيفه عن ابن معين‪ ،‬وأحمد بن‬
‫)‪(3‬‬
‫ماعةٍ غيرهم‪.‬‬ ‫ج َ‬‫حنبل والنسائي‪ ،‬و َ‬
‫رابعًا‪ :‬أخرج أبو يعلى في مسنده عن عبد الله بن‬
‫عمر رضي الله عنهما أنه قال‪) :‬أل أريكم المكان‬
‫الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أن‬
‫دابة الرض تخرج منه فضرب بعصاه الشق الذي‬
‫في الصفا‪ ،‬فقال‪) :‬إنها ذات ريش وزغب‪ ،‬وإنه‬
‫صَر الفرس الجواد ثلثة أيام وثلث‬ ‫ليخرج ثُلثها ُ‬
‫ح ْ‬
‫ل‪ ،‬وإنها لتمر عليهم‪ ،‬وإنهم ليفرون منها إلى‬ ‫ليا ٍ‬
‫المساجد‪ ،‬فنقول لهم‪ :‬أترون المساجد تنجيكم‬
‫مني ؟ فتخطمهم)‪ (4‬فيتنافرون في السواق‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫يا كافر‪ ،‬يا مؤمن(‬

‫‪2/634 ()1‬‬
‫‪ ()2‬تفسيره ‪20/14‬‬
‫‪3/80 ()3‬‬
‫مت البعير( إذا ك َ َ‬
‫ويُته‬ ‫خط َ َ‬
‫‪ ()4‬فتخطمهم‪ :‬أي فتسمهم‪ ،‬من ) َ‬
‫خطام‪،‬‬ ‫سمة ال ِ‬ ‫ه‪ ،‬وتسمى تلك ال ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫خطا ً من النف إلى أحد َ‬
‫خ ّ‬
‫انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/50‬‬
‫‪ ()5‬أخرجه برقم )‪ .10/67 (57033‬من طريق ليث بن أبي‬
‫سليم عن سعيد بن عامر بن ابن عمر‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫)‪(1‬‬
‫قال الهيثمي‪) :‬فيه ليث بن أبي‬ ‫وإسناده ضعيف‬
‫)‪(2‬‬
‫سليم وهو مدلس(‬
‫خامسًا‪ :‬وأخرج المام الطبري بسنده عن حذيفة بن‬
‫اليمان أنه قال‪ :‬ذكر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الدابة فقال حذيفة‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬من‬
‫أين تخرج ؟ قال‪ :‬من أعظم المساجد حرمة على‬
‫الله‪ ،‬بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ‬
‫تضطرب الرض تحتهم‪ ،‬وُتحّرك القناديل‪ ،‬وينشق‬
‫الصفا مما يلي المسعى‪ ،‬وتخرج الدابة من الصفا‪،‬‬
‫معة ذات وََبر وريش‪،‬لم‬ ‫مل َ ّ‬
‫أول ما يبدو رأسها‪ُ ،‬‬
‫ن‪،‬‬
‫سم الناس مؤم ٌ‬ ‫يدركها طالب‪ ،‬ولن يفوتها هارب ت َ ِ‬
‫وكافر ‪ -‬أما المؤمن فتترك وجهه وكأنه كوكب دري‪،‬‬
‫وتكتب بين عينيه ‪ -‬مؤمن ‪ -‬وأما الكافر فتكنت بين‬
‫)‪(3‬‬
‫ة سوداء ‪ -‬كافر ‪(-‬‬ ‫عينيه نكت ً‬
‫وفي إسناده ضعف‪ ،‬لنه من طريق عصام بن‬
‫رّواد بن الجراح عن أبيه‪ ،‬عن سفيان الثوري وعصام‬
‫)‪(4‬‬
‫ترجمه الذهبي في الميزان وقال‪) :‬لّينه الحاكم(‬
‫وأبوه رّواد‪ :‬ترجمه الذهبي في الميزان وقال‪) :‬قال‬
‫أحمد بن حنبل‪ :‬ل بأس به صاحب سنة‪ ،‬إل أنه حدث‬
‫عن سفيان بمناكير‪ ...‬وقال البخاري‪ :‬رّواد عن‬
‫)‪(5‬‬
‫سفيان كان قد اختلط‪ ،‬ل يكاد يقوم(‬

‫‪ ()1‬قال محققه‪) :‬إسناده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم(‬


‫‪ 10/65‬وليث بن أبي سليم ترجمه الذهبي ونقل تضعيفه عن‬
‫يحيى بن معين والنسائي وغيرهم‪ ،‬انظر الميزان ‪-3/420‬‬
‫‪.421‬‬
‫‪ ()2‬مجمع الزوائد ‪ .8/7‬وانظر‪ :‬المطالب العالية‪ ،‬ابن حجر‬
‫‪.4/345‬‬
‫‪ ()3‬تفسيره ‪.20/15‬‬
‫‪ ()4‬انظر الميزان ‪.3/66‬‬
‫‪ ()5‬نفس المصدر ‪2/56‬‬

‫‪398‬‬
‫وهذه الخبار على ضعف سندها أوردها بعض‬
‫المفسرين)‪ (1‬وذكرها السفاريني في شرح العقيدة‬
‫)‪(2‬‬
‫المرضية دون نقد أو تعليق‬
‫والذي يبدو لي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن السلمة في‬
‫المور الغيبية تفويض ما خفي من تفاصيلها‬
‫ودقائقها‪ .‬ول حاجة للستنتاج أو الجتهاد أو العتماد‬
‫على أخبار ضعيفة السناد‪ ،‬لن وقوعها سيسفر‬
‫ويكشف ما هو في عداد الغيب اليوم‪.‬‬
‫الخسوف الثلثة‬
‫جاء في الخسوف الثلثة حديث حذيفة بن أسيد ‪-‬‬
‫وقد سبق ‪ -‬وفيه تعيين الخسوف الثلثة علمة من‬
‫علمات الساعة الكبرى وهي خسف المشرق‬
‫وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب‪ .‬وجاء في‬
‫الخسف أحاديث عدة منها‪:‬‬
‫ما أخرجه الترمذي بسنده عن عمران بن حصين‬
‫رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪) :‬في هذه المة خسف ومسخ وقذف‪ ،‬فقال‬
‫رجل من المسلمين‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ومتى ذاك ؟‬
‫ربت‬‫ش ِ‬‫قال إذا ظهرت القينات)‪ (3‬والمعازف )‪ (4‬و ُ‬
‫)‪(5‬‬
‫الخمور(‬
‫وفي سنده عبد الله بن عبد القدوس‪ ،‬وهو ضعيف‬
‫كما في الميزان)‪.(6‬‬

‫‪ ()1‬انظر مثل ً الكشاف‪ ،‬الزمخشري ‪ ،462-2/461‬وتفسير‬


‫الرازي ‪ ،12/218‬والتذكرة القرطبي ‪821-816‬‬
‫‪ ()2‬لوامع النوار ‪ ،149-2/146‬وأشراط الساعة‪ ،‬السفاريني‬
‫‪.117-115‬‬
‫‪ ()3‬القّينات‪ :‬الماء المغنيات‪ .‬انظر النهاية ابن الثير ‪.4/135‬‬
‫‪ ()4‬المعازف‪ :‬الدفوف وغيرها مما يضرب عليه‪ .‬انظر‬
‫النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.3/230‬‬
‫‪ ()5‬في كتاب الفتن ‪.38/2212‬‬
‫‪ ()6‬انظر ميزان العتدال ‪.2/457‬‬

‫‪399‬‬
‫وأخرج أيضا ً بسنده عن عائشة رضي الله عنها‬
‫قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)يكون في آخر هذه المة خسف ومسخ وقذف‪،‬‬
‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬قلت يا رسول الله أنهلك وفينا‬
‫)‪(1‬‬
‫الصالحون؟ قال‪ :‬نعم إذا ظهر الخبث(‬
‫وقال الترمذي‪) :‬هذا حديث غريب من حديث عائشة‬
‫ل نعرفه إل من هذا الوجه وعبد الله بن عمر)‪ (2‬ت َك َّلم‬
‫فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه(‬
‫وأخرج ابن ماجة بسنده عن سهل بن سعد رضي‬
‫الله عنه أنه سمع النبي‪ :‬صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫)يكون في آخر أمتي خسف ومسخ وقذف(‬
‫وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو‬
‫)‪(4‬‬
‫ضعيف‪ ،‬كما في الميزان‬
‫وأخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله‬
‫ل‪ ،‬وفيه أن رسول الله صلى الله‬ ‫عنه حديثا ً طوي ً‬
‫عليه وسلم قال‪) :‬فليرتقبوا عند ذلك ريحا ً حمراء‪،‬‬
‫ل‬
‫ت تتابع كنظام با ٍ‬ ‫وزلزلة وخسفا ً ومسخا ً وقذفا ً وآيا ٍ‬
‫)‪(5‬‬
‫طع سلكه فتتابع(‬ ‫قُ ِ‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حديث غريب ل نعرفه إل من هذا‬
‫الوجه‪.‬‬
‫جذامي‪ ،‬ترجمه الذهبي في‬ ‫وفي سنده رميح ال ُ‬
‫)‪(6‬‬
‫الميزان وقال‪) :‬ل يكاد يعرف(‬

‫‪ ()1‬في كتاب الفتن ‪.21/2185‬‬


‫‪ ()2‬عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر الخطاب‪.‬‬
‫انظر ترجمته في الميزان‪ ،‬الذهبي ‪.2/465‬‬
‫‪ ()3‬في كتاب الفتن ‪.29/4060‬‬
‫‪.2/564 ()4‬‬
‫‪ ()5‬في كتاب الفتن ‪.38/2210‬‬
‫‪.2/54 ()6‬‬

‫‪400‬‬
‫وأخرج ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمرو بن‬
‫العاص رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم )يكون في أمتي خسف‬
‫)‪(1‬‬
‫ومسخ وقذف(‬
‫وفي سنده انقطاع بين عبد الله بن عمرو وراويه‬
‫)‪(2‬‬
‫عنه‪ ،‬وهو محمد بن مسلم بن ت َد ُْرس )أبو الزبير(‬
‫والحاصل أنه ل يصح من الحاديث السابقة غير‬
‫حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه عند المام‬
‫مسلم فل يجب العتقاد بذلك‪ ،‬ول يجوز أيضا ً‬
‫ل‪ ،‬فيجب فيه أصل‬ ‫تكذيبه لنه ل يعارض نقل ً ول عق ً‬
‫التصديق من غير اعتقاد وجزم ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬
‫طلوع الشمس من مغربها‬
‫طلوع الشمس من مغربها ثابت على سبيل القطع‬
‫من وجهين‬
‫الول‪ :‬تواتر القدر المشترك بين أخبار كثيرة تدل‬
‫)‪(3‬‬
‫على ذلك‬
‫الثاني‪ :‬موافقة هذه الخبار لقوله عز وجل‪) :‬هل‬
‫ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي ربك أو يأتي‬
‫بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ل ينفع‬
‫نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في‬
‫)‪(4‬‬
‫إيمانها خيرا ً قل انتظروا إنا مننتظرون(‬

‫‪ ()1‬في كتاب الفتن ‪.29/4062‬‬


‫‪ ()2‬انظر ترجمته في الميزان‪ ،‬الذهبي ‪.39-4/37‬‬
‫‪ ()3‬نص على التواتر في هذه المسألة الكتاني في نظم‬
‫المتناثر ‪ ،241‬وابن كثير في النهاية ‪ ،1/222‬وقد أخرج ابن‬
‫مندة جمعا ً من هذه الحاديث في كتاب اليمان ‪-3/896‬‬
‫‪908‬وجمع الحافظ ابن كثير بعضها في تفسيره ‪2/196‬وفي‬
‫النهاية ‪.222-1/214‬‬
‫‪ ()4‬سورة النعام ‪.158‬‬

‫‪401‬‬
‫ح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬ ‫وقد ص ّ‬
‫فسر قوله تعالى‪) :‬بعض آيات ربك( بطلوع الشمس‬
‫من مغربها‬
‫فقد أخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم )ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس‬
‫من مغربها‪،‬فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فذلك حين ل ينفع نفسا ً إيمانها‪ ،‬ثم قرأ الية(‬
‫وقد ساق الطبري نحو ه من طرق كثيرة عن تسعة‬
‫)‪(2‬‬
‫من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم‬
‫خروج النار من قعر عدن‬
‫سبق في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه ذكر‬
‫أشراط الساعة الكبرى‪،‬وفيه)آخرها نار تخرج من‬
‫)‪(3‬‬
‫قعر عدن تطرد الناس إلى محشرهم(‬
‫ولم أر من نص على تواتر هذه العلمة الكبرى أو‬
‫ذكر لها أصل ً موافقا ً في كتاب الله عز وجل‪.‬‬
‫وهي ثابتة في السنة الشريفة‪ ،‬بالسانيد الصحيحة‬
‫عن خمسة من الصحابة أولها‪ :‬حديث حذيفة‬
‫السابق‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أخرج الترمذي بسنده عن عبد الله بن عمر‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬ستخرج نار من حضر موت‪ ،‬أو من‬
‫نحو حضر موت قبل يوم القيامة تحشر الناس‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬فما تأمرنا؟ قال‪ :‬عليكم‬
‫بالشام"‬

‫‪ ()1‬في كتاب التفسير ‪ ،10/4636‬وفي كتاب الرقاق‬


‫‪ 40/6506‬وكتاب الفتن ‪.25/7121‬‬
‫‪ ()2‬انظر تفسيره ‪.100-8/97‬‬
‫‪ ()3‬سبق تخريجه في أول المبحث‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫وقال الترمذي حسن غريب صحيح من حديث ابن‬
‫)‪(1‬‬
‫عمر‬
‫ثالثًا‪ :‬أخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪ُ):‬يحشر الناس على ثلث طرائق‬
‫راغبين وراهبين‪ ،‬واثنان على بعير وثلثة على بعير‬
‫قيل معهم‬ ‫حشر بقيَتهم الناُر‪ ،‬ت ُ ِ‬
‫وعشرة على بعير‪،‬وَي َ ْ‬
‫حيث قالوا)‪ (2‬وتبيت معهم حيث باتوا‪ ،‬وتصبح معهم‬
‫)‪(3‬‬
‫حيث أصبحوا‪ ،‬وتمسي معهم حيث أمسوا(‬
‫رابعًا‪ :‬أخرج المام البخاري بسنده حديثا ً طويل ً عن‬
‫أنس بن مالك رضي الله عنه‪ ،‬وفيه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ ...):‬أما أول أشراط‬
‫الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى‬
‫)‪(4‬‬
‫المغرب(‬
‫خامسًا‪:‬أخرج المام أحمد بسنده عن رافع بن بشير‬
‫السلمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال )يوشك أن تخرج نار من حبس سيل‬
‫تسير بسيرِ بطيئةِ البل‪ ،‬تسير النهار وتقيم‬
‫الليل‪،‬تغدو وتروح ويقال غدت النار أيها الناس‬

‫‪ ()1‬في كتاب الفتن ‪ .42/2217‬والمام أحمد في المسند‬


‫‪ 2/8،53،69،99‬وأبو يعلى في مسنده برقم )‪ (5551‬وقال‬
‫محققه‪ :‬إسناده صحيح‪.9/223 .‬‬
‫‪ ()2‬من القيلولة‪ ،‬وهي النوم في الظهيرة‪ .‬انظر مقاييس‬
‫اللغة‪ ،‬ابن فارس)قيل( ‪ .5/45‬ومختار الصحاح‪ ،‬الرازي ‪.559‬‬
‫‪ () 3‬في كتاب الرقاق ‪.44/6522‬ومسلم في كتاب الجنة‬
‫‪،14/2861‬والنسائي في السنن الكبرى كما في التحفة‬
‫‪.10/120‬‬
‫‪ ()4‬في كتاب أحاديث النبياء ‪ .1/3329‬وفي كتاب مناقب‬
‫النصار ‪ 51/3938‬وفي كتاب التفسير ‪ .6/4480‬وأخرجه‬
‫المام أحمد في مسنده ‪ ،3/108،211‬وأبو يعلى في مسنده‬
‫برقم ‪.6/138 ،3414‬‬

‫‪403‬‬
‫فاغدوا‪ ،‬قالت )‪ (1‬النار أيها الناس! قيلوا‪ .‬راحت‬
‫)‪(2‬‬
‫النار‪ ،‬أيها الناس‪ ،‬روحوا‪ ،‬من أدركته أكلته(‬
‫سادسًا‪ :‬أخرج المام أبو داود بسنده عن عبد الله‬
‫بن عمر رضي الله عنهما‪ :‬قال‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪):‬ستكون هجرة بعد‬
‫هجرة‪ ،‬فخيار أهل الرض ألزمهم مهاجر إبراهيم‬
‫)‪(3‬ويبقى في الرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم‪،‬‬
‫تقذرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة‬
‫)‪(4‬‬
‫والخنازير(‬
‫وإسناده حسن من جهة راويه عن عبد الله بن‬
‫)‪(5‬‬
‫عمرو وهو شهر بن حوشب‪.‬‬
‫والحاصل أن الحاديث في خروج النار وسوقها‬
‫الناس إلى أرض المحشر تصل إلى رتبة المشهور‬
‫من الخبار‪.‬‬
‫ومما يجب التنبيه إليه أن بعض المعارضين أشكل‬
‫عليهم حديث أبي هريرة في خروج نار من أرض‬
‫الحجاز‪ .‬وظنوا أنه معارض للحاديث السابقة‪ .‬وهذا‬
‫الحديث أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪):‬لتقوم الساعة حتى تخرج النار من أرض‬
‫)‪(6‬‬
‫الحجاز‪ .‬تضيء أعناق البل ببصرى(‬

‫‪ ()1‬قالت‪ :‬من القليلولة وهي الستراحة في القائلة‪ .‬والقائلة‬


‫نصف النهار‪ .‬انظر القاموس )قيل( ‪.4/42‬‬
‫‪ 443/13 ()2‬وقال في مجمع الزوائد )‪ :(8/12‬رجاله رجال‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪ ()3‬مهاجر إبراهيم‪ :‬المراد بها بلد الشام‪ ،‬انظر النهاية‪ ،‬ابن‬
‫الثير ‪.5/244‬‬
‫‪ ()4‬في كتاب الجهاد ‪.3/482‬‬
‫‪ ()5‬انظر ترجمته في الميزان الذهبي ‪.2/283‬‬
‫‪ ()6‬في كتاب الفتن ‪ .24/7118‬ومسلم في كتاب الفتن‬
‫‪.14/2902‬‬

‫‪404‬‬
‫وممن أشكل عليه الجمع بين الحديثين حسن‬
‫)‪(1‬‬
‫السقاف‬
‫ووجه الشكال أنه قد ثبت خروج نار من بلد الحجاز‬
‫أضاءت لها أعناق البل ببصرى‪.‬‬
‫ً‬
‫قال القرطبي في التذكرة تعليقا على هذا الحديث‪:‬‬
‫)وقد خرجت نار عظيمة‪ ،‬وكان بدؤها زلزلة عظيمة‪،‬‬
‫وذلك في ليلة الربعاء بعد العتمة الثالثة من جمادى‬
‫الخرة سنة الربعين وخمسين وستمائة‪ ،‬إلى ضحى‬
‫النهار يوم الجمعة فسكنت‪ ...‬وظهرت بطرف‬
‫الحرة‪ ...‬وانتهت إلى قرب المدينة‪ ،‬وكان يلي‬
‫المدينة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم نسيم‬
‫بارد‪ ...‬وسمعت أنها ُرِئيت من مكة ومن جبال‬
‫)‪(2‬‬
‫بصرى(‬
‫وقال النووي‪):‬قد خرجت في زماننا ً نار في المدينة‬
‫سنة أربع وخمسين وستمائة وكانت نارا ً عظيمة جدا ً‬
‫من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة‪ ،‬تواتر العلم‬
‫)‪(3‬‬
‫بها عند جميع أهل الشام وسائر البلدان الخرى( ‪.‬‬
‫فإذا وقعت فكيف تكون آخر الشراط ولم يظهر‬
‫قبلها العلمات الخرى؟‬
‫يقول السقاف‪):‬وبين تلك السنين والن سنين‬
‫كثيرة‪،‬فهذه ليست من علماتها الكبرى التي هي‬
‫كالخزرات المتتاليات( وعد السقاف هذا من‬
‫الضطراب والتخالف )‪.(4‬‬
‫والصحيح أن خروج النار من الحجاز يعد من‬
‫علمات الساعة الصغرى‪ ،‬وخروجها من عدن علمة‬
‫أخرى من علماتها الكبرى‪.‬‬

‫صحيح شرح الطحاوية ‪.520‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫التذكرة ‪745‬‬ ‫‪()2‬‬
‫انظر فتح الباري ‪13/79‬‬ ‫‪()3‬‬
‫صحيح شرح الطحاوية ‪520‬‬ ‫‪() 4‬‬

‫‪405‬‬
‫يقول النووي‪):‬وليس في الحديث أن نار الحجاز‬
‫متعلقة بالحشر بل هي آية من أشراط الساعة‬
‫)‪(1‬‬
‫مستقلة(‬
‫ول يضر في هذا أن يكون بيننا وبين النار التي‬
‫خرجت في الحجاز سنين كثيرة‪ ،‬لنه ثبت فيما‬
‫أخرجه مسلم رحمه الله بسنده عن سهل بن سعد‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يشير بإصبعه التي تلي البهام‬
‫والوسطى‪ .‬وهو يقول‪):‬بعثت أنا الساعة كهاتين‪،‬‬
‫ويقرن بين إصبعيه()‪ (2‬وقد نص الكتاني على تواتره‬
‫)‪.(3‬وفي عصرنا الحاضر‪ ،‬وفي ضوء المكتشفات‬
‫العلمية الحديثة يتقرب هذا المعنى إلى الذهان‪،‬‬
‫فقد جاء في موسوعة المعرفة أن العلماء يعتقدون‬
‫أن عمر الرض ابتدأ منذ نحو أربع آلف مليون سنة‬
‫مضت‪ (4) ،‬وعمر النسان على هذه الرض يمتد إلى‬
‫نحو من مليون سنة مضت )‪،(5‬وهذه الرقام تقرب‬
‫إلى الذهان وجه عد بعثة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم علمة من علمات الساعة الصغرى‪ .‬ومن‬
‫باب الولى أن تكون النار التي أخبر النبي صلى الله‬
‫علية وسلم بخروجها من الحجاز علمة صغرى من‬
‫علمات الساعة‪ .‬وعلى هذا فل إشكال ول تعارض‪.‬‬
‫وذكر السقاف إشكال ً آخر وهو أنه قد ورد في‬
‫بعض الحاديث أن النار التي تخرج من قعر عدن‬

‫‪ ()1‬شرح مسلم ‪ .5/752‬انظر نحوه في لوامع النوار‬


‫‪.2/150‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب الجمعة ‪ .13/867‬وفي كتاب الفتن‬
‫‪2951-27/2950‬‬
‫‪ ()3‬انظر نظم المتناثر ‪236‬‬
‫‪ ()4‬انظر موسوعة المعرفة )الرض والكون( ‪21‬‬
‫‪ ()5‬نفسه ‪27‬‬

‫‪406‬‬
‫هي أول الشراط وفي أحاديث أخرى أنها آخر‬
‫)‪(1‬‬
‫الشراط‪.‬‬
‫وهذا أيضا تعارض ظاهري فقط سرعان ما يرتفع‬ ‫ً‬
‫بعد التوضيح‪.‬‬
‫يقول السفاريني رحمه الله‪ ...) :‬جمع بعض العلماء‬
‫بينهما بأن آخرية خروج النار باعتبار ما ذكر معها من‬
‫اليات‪ ،‬وأ َّوليتها لنها من أول اليات التي لشيء‬
‫ً )‪(2‬‬
‫بعدها من أمور الدنيا أصل(‬
‫ونحو هذا أن يقال‪ :‬علمات الساعة قسمان علمات‬
‫لقربها وعلمات لوقوعها‪.‬وعلى هذا تكون نار عدن‬
‫ل علمة تدل على‬ ‫آخر علمات اقترابها‪ ،‬وتكون أو َ‬
‫وقوعها‪ .‬فل تعارض ول تناقض‪.‬‬
‫وآخر إشكال يمكن أن يثار في هذه الخبار هو‬
‫الشارة في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‬
‫إلى أن النار تحشر الناس من المشرق إلى‬
‫المغرب‪ .‬فيشكل ذلك على خروجها من عدن‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪) :‬ظهر لي في وجه الجمع أن‬
‫كونها تخرج من قعر عدن ل ينافي حشرها الناس‬
‫من المشرق إلى المغرب‪ .‬وذلك أن ابتداء خروجها‬
‫من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الرض كلها‪،‬‬
‫والمراد بقوله "تحشر الناس من المشرق إلى‬
‫المغرب" إرادة تعميم الحشر ل خصوص المشرق‬
‫والمغرب‪.‬أو أنها بعد النتشار أول ما تحشر أهل‬
‫المشرق‪ ..‬وأما جعل الغاية إلى المغرب‪،‬فلن الشام‬
‫)‪(3‬‬
‫بالنسبة إلى المشرق مغرب(‬
‫وبهذا يرتفع الشكال كما ارتفع ما قبله‪ .‬ويتبين أنه‬
‫ل مبرر في رد ما ثبت بالسانيد الصحيحة عن‬

‫‪ ()1‬صحيح شرح الطحاوية ‪521‬‬


‫‪ ()2‬أشراط الساعة ‪124‬‬
‫‪ ()3‬فتح الباري ‪11/461‬‬

‫‪407‬‬
‫خمسة من الصحابة الكرام بدعوى التعارض‬
‫والتناقض‪- .‬والله أعلم‪-‬‬

‫‪408‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬في أهوال القبر ونعيمه‬
‫اليمان بعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين‬
‫واجب شرعا ً لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪(1‬‬
‫في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر المعنوي‬
‫ومع تواتر معناها توافق ما دلت عليه آيات القرآن‬
‫الكريم دللة ظنية‪ ،‬فقوله تعالى في حق فرعون‪:‬‬
‫)النار يعرضون عليها غدوا ً وعشيًا‪ ،‬ويوم تقوم الساعة‬
‫أدخلوا آل فرعون أشد العذاب()‪ (2‬يشير إلى عرضهم‬
‫على النار غدوا ً وعشيا ً قبل يوم القيامة‪ ،‬وما ذاك إل‬
‫في البرزخ‬
‫قال الحافظ ابن كثير‪) :‬هذه الية أصل كبير في‬
‫)‪(3‬‬
‫استدلل أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور(‬
‫وُفسر قـوله تعـالى‪) :‬يثبت الله الذيـن آمنوا‬
‫وعـملوا الصـالـحات بالقول الثابت في الحياة الدنيا‬
‫)‪(5‬‬
‫وفي الخرة()‪ (4‬بالتثبيت عند سؤال الملكين‪.‬‬
‫ويدل عليه ما أخرجه البخاري بسنده عن البراء بن‬
‫عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪):‬إذا أ ُقِْعد المؤمن في قبره ُأتي‪ ،‬ثم شهد‬
‫أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله فذلك قوله‪:‬‬
‫)‪(6‬‬
‫"يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت "(‬

‫‪ ()1‬نص على تواترها من المحدثين والزبيدي في لقط اللئ‬


‫‪ ،213‬والكتاني في نظم المتناثر ‪ ،133-132‬ومن المتكلمين‬
‫اليجي في المواقف ‪ ،382‬والتفتازاني في شرح المقاصد‬
‫‪.5/112‬‬
‫‪ ()2‬سورة غافر ‪.46‬‬
‫‪ ()3‬انظر تفسيره ‪.4/82‬‬
‫‪ ()4‬سورة إبراهيم ‪.27‬‬
‫‪ ()5‬انظر تفسير ابن كثير ‪.533-2/531‬‬
‫‪ ()6‬في كتاب الجنائز ‪ 86/1369‬وفي كتاب التفسير‬
‫‪ ،2/4699‬وأخرجه مسلم في كتاب الحنة وصفه نعيمها‬
‫‪ 17/2871‬وأبو داود في كتاب السنة ‪ ،27/4750‬والترمذي‬

‫‪409‬‬
‫وتحت هذا الصل الثابت على سبيل القطع أخبار‬
‫ف في حجيتها‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬ ‫آحاد مختل ٌ‬
‫ل‪ :‬ما جاء في تصوير أهوال القبر ونعيمه‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي‬
‫الله عنه قال‪) :‬دخل رسول الله صلى الله عليه‬
‫له فرأى ُأناسا ً كأنهم يكتشرون )‪ (1‬قال‪ :‬أما‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬
‫وسلم ُ‬
‫إنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى‬
‫فأكثروا من ذكر هادم اللذات ‪ -‬الموت ‪ -‬فإنه لم يأت‬
‫على القبر يوم إل تكلم فيه‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا بيت الغربة‪،‬‬
‫وأنا بيت الوحدة‪ ،‬وأنا بيت التراب‪ ،‬وأنا بيت الدود‪،‬‬
‫فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر‪ :‬مرحبا ً وأه ً‬
‫ل‪ ،‬أما‬
‫ت لحب من عيشي على ظهري إلي‪ ،‬فإذا‬ ‫ن كن َ‬ ‫إ ْ‬
‫ت إلي فسترى من صنيعي بك‬ ‫وُّليُتك اليوم‪ ،‬وصرِ َ‬
‫قال‪ :‬فيتسع له مد بصره‪ ،‬ويفتح له باب إلى الجنة‪،‬‬
‫وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر‪ :‬ل‬
‫ت لبغض من عيشي على‬ ‫ن كن َ‬ ‫ل‪ ،‬أما إ ْ‬‫مرحبا ً ول أه ً‬
‫ت إلي‪،‬فسترى‬ ‫صْر َ‬‫ك اليوم‪ ،‬و ِ‬ ‫ظهري إلي‪ ،‬فإذا وُّليت َ‬
‫صنيعي بك‪،‬قال‪ :‬فليتئم عليه وتختلف أضلعه‪،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه‪،‬‬
‫فأدخل بعضها في جوف بعض قال‪ :‬ويقيض الله له‬
‫سبعين تنينًا‪ ،‬لو أن واحدا ً منها نفخ في الرض ما أنبت‬
‫دشنه حتى يفضي به‬ ‫خ ِ‬‫شيئا ً مابقيت الدنيا‪ ،‬فين َْهشَنه وي َ ْ‬
‫الحساب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬القبر روضة‬
‫)‪(2‬‬
‫من رياض الجنة أو حفره من حفر النار(‬

‫في التفسير ‪ ،14/3120‬والنسائي في كتاب الجنائز‪ ،‬انظر‬


‫شرح سنن النسائي‪ ،‬السيوطي ‪ ،4/101‬وابن ماجة في كتاب‬
‫الزهد ‪.32/4269‬‬
‫شر ظهور السنان‬ ‫‪ ()1‬يكتشرون‪ :‬قال ابن الثير‪ :‬الك َ ْ‬
‫للضحك‪ ،‬انظر النهاية ‪.4/167‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب صفة القيامة ‪ 26/2460‬من طريق عن‬

‫‪410‬‬
‫وهو خبر ضعيف السناد )‪.(1‬وفي متنه تفصيل‬
‫لهوال القبر ونعيمه التي ثبتت بالتواتر المعنوي‬
‫فيكون الخبر شارحا ً وشاهدا ً لما ثبت قطعًا‪ ،‬ول يجب‬
‫اليمان بهذا الخبر على التفصيل الوارد فيه‪ ،‬ول يكفر‬
‫منكره‪ ،‬ول حرج أيضا ً في تصديقه‪ ،‬إذ ل يخالف عقل ً‬
‫ول شرعًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الخبار الواردة في ضغطة القبر‬
‫أخرج النسائي بسند رجاله ثقات عن ابن عمر عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪):‬هذا الذي‬
‫تحرك له العرش‪ ،‬وفتحت له أبواب السماء‪ ،‬وشهد له‬
‫سبعون ألفا ً من الملئكة‪ ،‬لقد ضم ضمة‪ ،‬ثم فّرج‬
‫)‪(2‬‬
‫عنه(‬

‫صافي‬ ‫القاسم بن الحكم العرني عن عبيد الله بن الوليد الوّ ّ‬


‫عن عطية العوفي عن أبي سعيد رضي الله عنه‪ .‬وقال‬
‫الترمذي‪ :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫‪ ()1‬لنه غريب تفرد به عطية بن سعد العوفي‪ ،‬وهو ضعيف‬
‫كما في ميزان العتدال‪ ،‬الذهبي ‪ ،3/79‬وتفرد به عنه عبد‬
‫الله بن الوليد‪ ،‬وهو ضعيف كما في الميزان ‪.3/17‬والقاسم‬
‫بن الحكم العرني نقل الذهبي تضعيفه عن أبي زرعة الرازي‪،‬‬
‫وأبي حاتم‪ .‬انظر ميزان العتدال ‪.3/370‬وأخرجه المام‬
‫أحمد ‪ 3/38‬وأبو يعلي موقوفا ً على أبي سعيد رضي الله عنه‬
‫)‪2/491 (1329‬وابن حبان في كتاب الجنائز ‪15/3121‬‬
‫وانظر الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ ،3/55‬وهو عند جميعهم‬
‫من طريق دراج‪ ،‬أبي السمح المصري‪ ،‬ترجمه الذهبي‪ ،‬ونقل‬
‫تضعيفه عن النسائي وأبي حاتم الرازي والدارقطني‪ ،‬انظر‬
‫ميزان العتدال ‪.25-2/24‬وله شاهد من حديث أبي هريرة‪،‬‬
‫أخرجه الطبري في تفسيره ‪ ،16/228‬وابن حبان في كتاب‬
‫الجنائز ‪ 15/3123‬والهيثمي في مجمع الزوائد ‪ .7/67‬وهو‬
‫عند جميعهم من طريق دراج عن عبد الرحمن بن حجيره‬
‫عنه‪ ،‬وهو ضعيف أيضا ً لضعف دراج‪.‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب الجنائز‪ ،‬باب ضمة القبر وضغطته ‪ 4/100‬من‬
‫طريق إسحاق بن إبراهيم عن عمرو بن محمد العنقري عن‬
‫ابن إدريس عن عبيد الله عن نافع‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫وأخرج الحافظ ابن حبان بسنده عن عائشة رضي‬
‫الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن‬
‫)‪(1‬‬
‫معاذ(‬
‫وأخرج المام أحمد بسنده عن حذيفة رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في جنازة‪ ،‬فلما بلغ القبر قعد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على حافته‪ ،‬أو على شفته ‪ -‬فجعل ينظر‬
‫فيه‪ ،‬ثم قال‪ُ) :‬يضغط المؤمن في هذا ضغطة تزول‬
‫ً )‪(3‬‬
‫منها حمائله )‪ (2‬وُيمل على الكافر نارا(‬
‫وقال الحافظ الهيثمي‪ :‬فيه محمد بن جابر‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف)‪.(4‬‬

‫‪()1‬أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة ح )‪ (1412‬من‬


‫طريق عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن عائشة رضي الله‬
‫عنها وفيه انقطاع‪ ،‬لن نافعا ً لم يسمع عائشة ووصله ابن‬
‫حبان من طريق صفية بنت أبي عبيد مسعود الثقفية عن‬
‫عائشة رضي الله عنها في كتاب الجنائز ‪ 15/3112‬وقال‬
‫محققة الشيخ شعيب الرناؤوط‪ ،‬إسناد صحيح على شرط‬
‫مسلم انظر الحسان ‪ .7/379‬أخرجه المام أحمد ‪ 6/55‬من‬
‫طريق سعد بن إبراهيم بهذا السناد‪ ،‬والطحاوي في شرح‬
‫مشكل الثار‪ ،‬إل أنهم لم يسموا صفية‪ ،‬فقال أحمد‪ :‬عن‬
‫إنسان وقال الطحاوي‪ :‬عن امرأة ابن عمر‪.‬‬
‫‪ ()2‬الحمائل‪ :‬عروق النثيين‪ ،‬ويحتمل أن يراد موضع حمائل‬
‫السيف‪،‬أي عواقه وصدره وأضلعه‪.‬انظر النهاية ابن الثير‬
‫‪1/422‬‬
‫‪ ()3‬المسند ‪ ،5/407‬وأخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب‬
‫السنة )‪ (1462‬من طريق محمد بن جابر عن عمرو بن مرة‬
‫عن أبي البختري عن حذيفة رضي الله عنه‪.‬ومحمد بن جابر‬
‫هو اليمامي السحيمي‪ ،‬ترجمه الذهبي‪ ،‬ونقل تضعيفه عن ابن‬
‫معين والنسائي والبخاري وغيرهم من الئمة‪ .‬انظر الميزان‬
‫‪3/496‬وأبو البختري الطائي صدوق لم يسمع من حذيفة‬
‫رضي الله عنه انظر ميزان العتدال ‪.4/494‬‬
‫‪ ()4‬مجمع الزوائد ‪ .3/5046‬انظر إتحاف المتقين‪ ،‬الزبيدي‬

‫‪412‬‬
‫وأخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن أنس بن مالك‬
‫رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى‬
‫على صبي أو صبيه قال‪) :‬لو نجا أحد من ضمة القبر‬
‫)‪(1‬‬
‫لنجا هذا الصبي(‬
‫)‪(2‬‬
‫وفي إسناده ضعف‪.‬‬
‫وأخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن أبي المتوكل‬
‫الناجي أن سعد بن معاذ لما وضع في قبره تأوه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ثلث مرات‪ ،‬وقال‪ " :‬أوه‪ ،‬أوه‪،‬‬
‫أوه " ثم قال‪) :‬لو كان أحد ينفلت منها لنفلت منها‬
‫)‪(3‬‬
‫سعد بن معاذ(‬
‫والحاصل أنه يصح في أسانيد ضغطة القبر‬
‫إسنادان الول عن ابن عمر رضي الله عنها عند‬
‫النسائي‪ ،‬والثاني عن عائشة رضي الله عنها عند ابن‬
‫حبان‪...‬‬
‫وباقي السانيد ضعيفة ولكن يشهد لها هذان‬
‫الحديثان‪.‬‬
‫وليمكن ادعاء تحصيل القطع بمجموع هذه‬
‫السانيد‪ .‬فالخبر ظني الثبوت ولهذا ليجب العتقاد‬
‫الجازم بثبوته ويكفي فيه أصل التصديق‪.‬‬
‫ومما يجب الشارة إليه أن ظاهر أحاديث ضمة القبر‬
‫تعارض ظاهر أحاديث نعيم القبر التي ذكر فيها توسيع‬
‫قبر المؤمن‪.‬‬
‫ومنها ما أخرجه المام أحمد بسنده عن أبي سعيد‬
‫‪10/422‬‬
‫‪ ()1‬في كتاب السنة ‪ ،2/602 ،1435 ،1434‬من طريقين‬
‫عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس‬
‫بن مالك رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪ ()2‬لضعف ثمامة بن عبد الله كما في ميزان العتدال‪،‬الذهبي‬
‫‪،1/372‬وقد ساق الذهبي هذا الحديث في ترجمته ونص‬
‫علىنكارته‬
‫‪ ()3‬كتاب السنة )‪ 2/617 (1467‬وهو موقوف على أبي‬
‫المتوكل علي بن داود الناجي‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬شهدت مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم جنازة‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪) :‬يا أيها الناس ِإن هذه المة تبتلى‬
‫في قبورها فإذا النسان دفن فتفرق عنه أصحابه‬
‫جاءه ملك في يده مطراق‪ ،‬فأقعده‪ .‬قال‪ :‬ما تقول‬
‫في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا ً قال‪ :‬أشهد أن ل إله‬
‫إل الله‪ ،‬وأن محمدا ً عبده ورسوله‪ .‬فيقول له‪:‬‬
‫صدقت‪ ،‬ثم يفتح له باب إلى النار‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا منزلك‬
‫لو كفرت بربك‪ ،‬فأما إذا آمنت بربك فهذا منزلك‪.‬‬
‫فيفتح له باب الجنة‪ ،‬فيريد أن ينهض إليه‪ .‬فيقول له‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫اسكن‪ ،‬ويفسح له في قبره‪(...‬‬
‫وأخرج الترمذي نحوه بألفاظ متقاربة من حديث أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه‪ ،‬وفيه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪...) :‬فيقولن‪ :‬ما كنت تقول في هذا‬
‫الرجل‪ .‬فيقول ما كان يقول‪):‬هو عبد الله ورسوله‪.‬‬
‫أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله‪.‬‬
‫فيقولن‪ :‬قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في‬
‫قبره سبعون ذراعا ً في سبعين‪ .‬وإن كان منافقا ً قال‪:‬‬
‫سمعت الناس يقولون‪ :‬فقلت مثله‪ ،‬ل أدري‪.‬‬
‫فيقولن‪ :‬قد كنا نعلم أنك تقول ذلك‪ .‬فيقال للرض‪:‬‬
‫التئمي عليه‪ ،‬فتلتئم عليه‪ :‬فتختلف فيها أضلعه فل‬
‫)‪(2‬‬
‫يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك(‬
‫ول ُتحمل ألفاظ الحديث على ظاهرها‪ .‬لن اختلف‬

‫‪ ()1‬المسند ‪ .3/3‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪:3/74‬‬


‫رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح‪ .‬وأخرجه ابن حبان‬
‫في صحيحه)‪ .(3113‬انظر الحسان ‪ .7/380‬والبيهقي في‬
‫العتقاد ‪.221-220‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب الجنائز ‪ ،71/1071‬وقال الترمذي‪) :‬حديث‬
‫حسن غريب( وأخرجه ابن حبان في صحيحه‪ ،‬انظر الحسان‬
‫‪).7/386‬ح ‪ (3117‬وابن أبي عاصم في السنة)ح ‪(864‬‬
‫‪.2/416‬‬

‫‪414‬‬
‫الضلع ودخول بعضها في جوف بعض ليس المراد به‬
‫ظاهره‪ ،‬بل المراد به ما يتناسب مع عالم البرزخ‪ ،‬وما‬
‫يحكمه من قوانين تختص بكيفية تعلق الروح بالبدن‪.‬‬
‫يقول على القاري‪):‬اعلم أن الروح لها بالبدن خمسة‬
‫أنواع من التعلق متغايرة الحكام‪:‬‬
‫ً‬
‫الول‪ :‬تعلقها به في بطن الم جنينا‪ .‬والثاني‪ :‬تعلقها‬
‫به بعد خروجه إلى وجه الرض‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬تعلقها به في حال النوم‪ ،‬فلها به تعلق من‬
‫وجه ومفارقة من وجه‪ .‬والرابع‪ :‬تعلقها به في البرزخ‪،‬‬
‫فإنها وإن فارقته وتجردت عنه‪ ،‬فإنها لم تفارقه فراقا ً‬
‫كليا ً بحيث ل يبقى لها إليه التفات البتة‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬تعلقها به يوم بعث الجساد‪ .‬وهو أكمل‬
‫أنواع تعلقها به‪ ،‬إذ ل يقبل البدن معه موتًا‪ ،‬ول نوما‬
‫ً‪،‬ول شيئا ً من الفساد‪.‬‬
‫ح تبع‬‫ن‪ ،‬والروا ُ‬‫والحاصل أن أحكام الدنيا على البدا ِ‬
‫ن تبع لها‪.‬‬
‫لها‪ .‬وأحكام البرزِخ على الرواِح‪ ،‬والبدا ُ‬
‫ً‬
‫وأحكام الحشر والنشر على الرواح والجساد جميعا(‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وفي مسألتنا يكون كلم القبر واختلف أضلع‬


‫الميت بما يتناسب مع عالم البرزخ فل يرد على هذا‬
‫الخبر‬
‫ره من أخبار عذاب القبر أن يقال‪ :‬ن َْبش القبور‬‫وغي ِ‬
‫ل على سلمة أعضاء الموات‪.‬‬ ‫بعد مدة من الدفن د ّ‬
‫ً‬
‫قال الغزالي‪):‬إياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم‬
‫القيامة لمخالفته قياس ما في الدنيا‪ .‬فإنك لو لم تكن‬
‫قد شاهدت عجائب الدنيا‪ ،‬ثم عرضت عليك قبل‬
‫المشاهدة لكنت أشد إنكارا ً لها‪ .‬وفي طبع الدمي‬

‫‪ ()1‬شرح الفقه الكبر ‪ .105‬وانظر نحوه في لوامع النوار‬


‫البهية‪ ،‬السفاريني ‪ 2/28‬وشرح الباجوري على الجوهرة‬
‫‪ .364‬والساس في العقائد‪ ،‬سعيد حوى ‪.3/1190‬‬

‫‪415‬‬
‫)‪(1‬‬
‫إنكار ما لم يأنس به‪(...‬‬
‫وظاهره هذه الحاديث يشير إلى ما يلقاه الميت بعد‬
‫دفنه‪ .‬فإن كان مؤمنا ً يفسح له في قبره ويفتح له‬
‫باب إلى الجنة‪ .‬وليس فيها أنه يعاني شيئا ً من أهوال‬
‫القبر‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد ذكر القاري وجها للجمع بين هذه الخبار‪ .‬فقال‪:‬‬
‫)‪...‬ضغطته بالنسبة إلى المؤمن على هيأة معانقة‬
‫الم الشفيقة إذا قدم ولدها من السفر()‪ (2‬وقال‬
‫الزبيدي‪...):‬أصل ضمة القبر أن الرض أمهم‪ ،‬ومنها‬
‫دوا إليها‬
‫خلقوا‪ .‬فغابوا عنها الغيبة الطويلة‪ ،‬فلما ُر ّ‬
‫ضمتهم ضمة الوالدة التي غاب ولدها‪ ،‬ثم قدم عليها‬
‫فمن كان لله مطيعا ً ضمته برأفة ورفق‪ ،‬ومن كان‬
‫)‪(3‬‬
‫عاصيا ً ضمته بعنف لسخطها عليه(‪.‬‬
‫وضغطة القبر سواء كانت ضغطة حنان أو ضغطة‬
‫عذاب ليس المراد بها ظاهرها بل المراد ما يتناسب‬
‫مع عالم البرزخ وكيفية تعلق الروح بالبدن في عالم‬
‫البرزخ‪-.‬كما سبق بيانه‪ -‬والله أعلم‬

‫‪ ()1‬الحياء ‪1/102‬‬
‫‪ ()2‬إتحاف المتقين ‪ 10/422‬بتصرف يسير‪ ،‬و قد أفادني‬
‫أستاذي المشرف بنحو ما سبق ثم وجدته عند الزبيدي‬
‫والقاري‪.‬‬
‫‪ ()3‬شرح الفقه الكبر ‪.83‬‬
‫شرح الفقه الكبر ‪.83‬‬

‫‪416‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬في المقام المحمود وهوشفاعة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوم القيامة‬
‫الشفاعة مظهر من مظاهر رحمة الله عز وجل‬
‫مقرون بتكريم الله رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫بالذن له بالشفاعة‪.‬‬
‫وأصل الشفاعة ثابت بالمنطوق والمفهوم من آيات‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ومن تلك اليات قوله تعالى)ولسوف‬
‫يعطيك ربك فترضى()‪ (1‬وقوله‪) :‬عسى أن يبعثك ربك‬
‫مقاما ً محمودًا(‪ (2).‬وتفسير المقام المحمود ثابت‬
‫بالحاديث الصحيحة عن عدد من الصحابة‪ ،‬ويستفاد‬
‫القطع في أصل الشفاعة من وجوه منها‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن أصل الشفاعة ثابت بالقدر المشترك بين‬
‫أخبار كثيرة تدل كلها على إثبات الشفاعة لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهي متواترة المعنى وإن‬
‫كان أفراد أدلتها آحادًا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن من أنواع الشفاعة ما هو ثابت بالمتواتر‬
‫من الخبار‪ ،‬وهي شفاعته لهل المحشر لراحتهم من‬
‫طول الموقف وأهواله)‪ ،(3‬وهي كافيه لثبات أصل‬
‫الشفاعة‪.‬‬
‫وتحت هذا الصل الثابت على سبيل القطع أخبار‬
‫آحاد احتج بها فريق وأنكرها آخرون‪ ،‬وتفصيل ذلك في‬
‫مسألتين‪:‬‬
‫المسألة الولى‪:‬في تفسير المقام المحمود بالقعاد‬
‫على العرش‬

‫‪ ()1‬سورة الضحى ‪.5‬‬


‫‪ ()2‬سورة السراء ‪.79‬‬
‫‪ ()3‬هذه الشفاعة ثابتة من طرق كثيرة عن اثني عشر‬
‫صحابيا ً وهي مخرجة في الكتب التي عنيت بجمع المتواتر‬
‫انظر‪ :‬لقط اللئ‪ ،‬الزبيدي ‪ ،78-75‬ونظم المتناثر‪ ،‬الكتاني‬
‫‪.245‬‬

‫‪417‬‬
‫قال الله عز وجل‪) :‬ومن الليل فتهجد به نافلة لك‬
‫ً )‪(1‬‬
‫عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودا(‬
‫وذكر المام الطبري في تفسير الية من طريق عباد‬
‫بن يعقوب السدي إلى مجاهد بن جبر )‪ (2‬أنه فسر‬
‫)‪(3‬‬
‫الية فقال‪) :‬يجلسه معه على عرشه(‬
‫وعباد ابن يعقوب‪ ،‬ترجمه الذهبي في الميزان‪ :‬وقال‪:‬‬
‫)كان داعية إلى الرفض )‪ (4‬ومع ذلك كان يروي‬
‫)‪(5‬‬
‫المناكير عن المشاهير(‬
‫ولم أر من نص على ضعف هذه الرواية عن مجاهد‬
‫رحمه الله‪،‬وهي ضعيفة لضعف راويها عباد‪،‬ولنه‬
‫خالف من هو أوثق منه فيما نقله عن مجاهد في‬
‫تفسير المقام المحمود فأخرج الطبري من طريقين‬
‫عن ابن نجيح)‪ (6‬عن مجاهد أنه فسر قوله تعالى‪:‬‬
‫)عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودًا( فقال‪) :‬شفاعة‬
‫محمد يوم القيامة(‪.‬‬
‫)‪(8‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫ومن طريق ابن جريج عن مجاهد مثله وقد نص‬
‫الحافظ الذهبي على نكارة ما نسب إلى مجاهد‬
‫رحمه الله فقال‪) :‬ومن أنكر ما جاء عن مجاهد في‬

‫‪ ()1‬سورة السراء ‪.79‬‬


‫‪ ()2‬مجاهد بن جبر‪ :‬قال الذهبي في ترجمته‪ :‬المقرئ‬
‫المفسر‪ ،‬أحد العلم الثبات مات سنة )‪ 104‬هـ( الميزان‬
‫‪.3/439‬‬
‫‪ ()3‬تفسير الطبري ‪.9/145‬‬
‫‪ ()4‬الرافضة فرقة رفضت إمامة زيد بن علي‪ ،‬ثم لزم هذا‬
‫السم كل من غل في التشيع وأبغض السلف‪ .‬انظر الزينة‪،‬‬
‫أبو حاتم الرازي ‪.270‬‬
‫‪.2/380 ()5‬‬
‫‪ ()6‬عبد الله بن أبي نجيح‪:‬ثقة حافظ وانظر ترجمته في‬
‫التقريب ‪.1/475‬‬
‫‪ ()7‬ابن جريج‪ :‬عبد الملك‪ .‬ثقة فقيه انظر ترجمته في‬
‫التقريب ‪.1/520‬‬
‫‪ ()8‬تفسير الطبري ‪.15/144‬‬

‫‪418‬‬
‫التفسير في قوله‪ " :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما ً‬
‫محمودا ً " قال‪:‬يجلسه معه على العرش(‪ (1).‬ووجه‬
‫نكارته أن تفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت‬
‫بالسانيد الصحيحة عن العدد من الصحابة‪ ،‬وسيأتي‬
‫ذكرها بعد قليل إن شاء الله‪.‬‬
‫وقال اللباني‪) :‬تفسير المقام المحمود بالقعاد على‬
‫العرش مخالف لما في الصحيحين وغيرهما أن‬
‫المقام المحمود هو الشفاعة العظمى‪ ،‬وهو تفسير‬
‫مقطوع‪ ،‬غير مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ولو صح ذلك مرسل ً لم يكن فيه حجة‪ ،‬فكيف وهو‬
‫مقطوع موقوف على بعض التابعين ؟ وإن عجبي ل‬
‫يكاد ينتهي من تحمس بعض المحدثين السالفين لهذا‬
‫الحديث الواهي والثر المنكر ومبالغتهم في النكار‬
‫على من رده‪،‬وإساءتهم الظن بعقيدته‪ ...‬وهب أن‬
‫الحديث في حكم الحديث المرسل‪ ...‬فكيف تثبت به‬
‫فضيله ؟! بل كيف يبنى عليه عقيدة أن الله تعالى‬
‫)‪(2‬‬
‫يقعد نبيه صلى الله عليه وسلم معه على عرشه(‬
‫وقد أثبت تفسير المقام المحمود بالقعاد على‬
‫العرش بعض المحدثين‪ ،‬على رأسهم المام ابن قيم‬
‫)‪(3‬‬
‫الجوزية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في كتابه بدائع الفوائد‬
‫ونقله عن بعض المحدثين‪ ،‬كما نقله عن الدار قطني‬
‫في أبيات ذكرها هناك‪.‬‬
‫قال السقاف)ول تصح نسبتها للدارقطني‪،‬لن في‬

‫‪ ()1‬ميزان العتدال ‪.3/439‬‬


‫‪ ()2‬مختصر العلو‪ 234 ،‬بتصرف يسير في السطر الول‪.‬‬
‫‪ ()3‬بدائع الفوائد ‪.4/93‬‬

‫‪419‬‬
‫)‪(3) (2‬‬
‫(‬ ‫سندها إليه كذابين‪.‬وهما ابن كادش)‪ (1‬والعشاري‬
‫ونقله الحافظ الذهبي عن طائفة منهم أبو محمد‬
‫)‪(4‬‬
‫يحيى بن محمد بن صاعد‬
‫وممن رضيه من المفسرين القاضي أبو بكر بن‬
‫العربي‪ ،‬إذ قال في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫)وتخفي في نفسك ما الله مبديه( )‪) :(5‬فهذا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ما عصى ربه ل حال الجاهليه‬
‫ة وتفضيل ً وجلل ً أحله به المحل‬ ‫ول بعدها‪ .‬ت َ ْ‬
‫كرم ُ‬
‫)‪(6‬‬
‫الرفيع ليصلح أن يقعد معه على كرسيه(‬
‫)‪(7‬‬
‫واختاره القاضي أبو يعلى‪ ،‬وذكر أن أحد المحدثين‬
‫قال‪) :‬إذا كان يوم القيامة جيء بينكم فأقعد بين يدي‬
‫الله عز وجل‪ ،‬على كرسيه‪ ،‬فقال الحاضرون‪ :‬إذا كان‬
‫على الكرسي هو معه ؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬ويلكم هو معه‪،‬‬
‫هو معه‪ ،‬وفي لفظ آخر قال‪ :‬ويلكم هذا أقر حديث‬

‫‪ ()1‬هو أبو العز أحمد بن عبيد الله‪ ،‬قال الذهبي في ترجمته‬


‫)أقر بوضع حديث وتاب وأناب( ميزان العتدال ‪.1/118‬‬
‫‪ ()2‬هو محمد بن علي بن عطية‪ ،‬أبو طالب المكي‪ ،‬قال‬
‫الذهبي في ترجمته‪) :‬قال لي أبو ظاهر العلق‪ :‬إن أبا طالب‬
‫وعظ ببغداد وخلط في كلمه‪ ،‬وحفظ عنه أنه قال‪) :‬ليس‬
‫دعوه وهجروه( ميزان‬‫على المخلوقين أضر من الخالق‪ ،‬فب ّ‬
‫العتدال ‪.3/655‬‬
‫‪ ()3‬صحيح شرح العقيدة الطحاوية ‪.312‬‬

‫‪ ()4‬انظر مختصر العلو‪ ،‬اللباني ‪ ،233‬ويحيى بن صاعد من‬


‫أعيان حفاظ الحديث من أهل بغداد )ت ‪ 318‬هـ(‪ ،‬انظر‬
‫ترجمته في العبر الذهبي‪ ،‬والعلم‪ ،‬الزركلي ‪.9/207‬‬
‫‪ ()5‬سورة الحزاب ‪.37‬‬
‫‪ ()6‬أحكام القرآن ‪.3/1530‬‬
‫‪ ()7‬سماه سعيدا ً الجريري‪،‬وهو سعيد بن إياس‪ ،‬أبو مسعود‬
‫الجريري‪ .‬انظر ترجمته في الميزان ‪.2/127‬وقد رواه ابن‬
‫أبي عاصم عن عبدالله ابن سلم موقوفا ً بسند ضعيف في‬
‫السنة ‪.2/365‬‬

‫‪420‬‬
‫)‪(1‬‬
‫في الدنيا لعينى(‬
‫)‪(2‬‬
‫وقد سجل ابن الثير في تاريخه دعوة البربهاري‬
‫إلى القول بالقعاد على العرش بحد السيف في‬
‫مساجد بغداد‪ ،‬وقد تسبب ذلك في إثارة فتنة وشغب‬
‫)‪(3‬‬
‫كبيرين‪.‬‬
‫ومن العجيب أن يعتمد هؤلء العلم تفسير المقام‬
‫المحمود بالقعاد على العرش‪ ،‬مع أن تفسير المقام‬
‫المحمود بالشفاعة ثابت بالخبار الصحيحة مما يدل‬
‫على نكارة ما روي عن مجاهد رحمه الله‪.‬‬
‫وقد جمع الحافظ ابن خزيمة عددا ً منها تحت عنوان‪:‬‬
‫ذكر البيان أن المقام الذي يشفع فيه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لمته هو المقام المحمود الذي وعده الله‬
‫عز وجل في قوله‪ " :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما ً‬
‫)‪(4‬‬
‫محمودا ً "‬
‫)‪(5‬‬
‫وكذلك فعل القرطبي في التذكرة‬
‫ومنها‪ :‬ما أخرجه البخاري بسنده عن جابر بن عبد‬
‫الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪):‬من قال حين يسمع النداء‪ :‬اللهم رب‬
‫هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمدا ً‬
‫الوسيلة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته‪ ،‬حلت له‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬إبطال التأويلت‪ ،‬أبو يعلى )‪/11‬أ(‪.‬‬
‫‪ ()2‬هو الحسن بن علي أبو محمد البربهاري )‪329‬هـ( قال‬
‫الذهبي في ترجمته‪) :‬الفقيه القدوة‪ ،‬شيخ الحنابلة بالعراق‬
‫ل‪ ،‬كان له صيت عظيم وحرمة تامة(‪ ،‬انظر‪ :‬العبر‪،‬‬ ‫لحا ً‬
‫قا ً‬
‫الذهبي ‪ .2/33‬وانظر‪ :‬العلم ‪.2/217‬‬
‫‪ ()3‬الكامل في التاريخ‪ ،‬أبو الحسن علي بن أبي الكرم)ابن‬
‫الثير الجزري()‪630‬هـ(‪ .‬تحقيق عبد الوهاب النجار‪.6/206 ،‬‬
‫الطباعة المنيرية‪-‬مصر ‪1353‬هـ‪ .‬وانظر تعليق الكوثري على‬
‫تبيين كذب المفتري ‪.392‬‬
‫‪ ()4‬انظر التوحيد وإثبات صفات الرب ‪.307-305‬‬
‫‪.297-299 ()5‬‬

‫‪421‬‬
‫)‪(1‬‬
‫شفاعتي يوم القيامة(‬
‫ومنها ما أخرجه البخاري بسنده عن ابن عمر رضي‬
‫ً )‪(2‬‬
‫جث ّا‬
‫الله عنهما قال‪):‬إن الناس يصيرون يوم القيامة ُ‬
‫كل أمة تتبع نبيها‪ ،‬يقولون‪ :‬يا فلن اشفع‪ ،‬حتى تنتهي‬
‫الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم‬
‫)‪(3‬‬
‫يبعثه الله المقام المحمود(‬
‫ومنها ما أخرجه الحافظ ابن خريمة بسنده عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في قوله‪ " :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودا ً "‬
‫)‪(4‬‬
‫قال‪ :‬هو المقام الذي أشفع فيه لمتي(‬
‫والقول بالقعاد على العرش فاسد من جهة العقل‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫يقول ابن حيان الندلسي‪ ...):‬نص الكتاب ينادي‬
‫بفساده من وجوه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن البعث ضد الجلس‪ ،‬وبعث الله الميت‪:‬‬
‫أقامه من قبره‪ .‬فتفسير البعث بالجلس من تفسير‬
‫الضد بالضد‪ .‬الثاني‪ :‬لو كان جالسا ً تعالى على‬
‫العرش لكان محدودا ً متناهيا ً محدثًا‪ .‬الثالث‪ :‬أنه قال‪:‬‬
‫)مقامًا( ولم يقل‪ :‬مقعدا‪ .‬والمقام موضع القيام ل‬
‫‪(5).‬‬
‫موضع القعود(‬
‫‪ ()1‬كتاب التفسير ‪،11/4719‬وأخرجه أبو داود في الصلة‪،‬‬
‫باب ما جاء في الدعاء عند الذان )‪ (529‬والترمذي في‬
‫أبواب الصلة ‪ ،157/211‬والنسائي في كتاب الذان‪ ،‬انظر‬
‫شرح سنن النسائي‪ ،‬السيوطي ‪ 2/27‬وابن ماجة في كتاب‬
‫الذان والسنة فيها ‪ 4/722‬وانظر تحفة الشراف ‪.2/367‬‬
‫جث ًّا( جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه انظر‬
‫‪ُ ) () 2‬‬
‫النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪ 1/239‬وفتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪.8/510‬‬
‫‪ ()3‬في كتاب التفسير ‪ ،11/4718‬والنسائي في الكبرى كما‬
‫في تحفة الشراف ‪.5/2190‬‬
‫‪ ()4‬التوحيد وإثبات صفات الرب ‪.305‬‬
‫‪ ()5‬البحر المحيط ‪ 6/73‬بتصرف يسير‪ .‬مطبعة السعادة‪،‬‬
‫مصر ‪1328‬هـ‬

‫‪422‬‬
‫وبهذا يثبت أنه ل وجه لتفسير المقام المحمود‬
‫بالشفاعة لهشاشة سنده وسقامة متنه‪- .‬والله أعلم‪-‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬شفاعته صلى الله عليه وسلم لهل‬
‫الكبائر من أمته‬
‫مّر بنا أن أصل الشفاعة لنبينا محمد صلى الله‬‫َ‬
‫عليه وسلم ثابت على سبيل القطع‪ ،‬وأن تحت هذا‬
‫الصل أخبار آحاد اختلف المسلمون في الحتجاج بها‬
‫أو ردها‪.‬‬
‫ومن هذه الخبار الحادية ما ورد في تحضيض‬
‫الشفاعة لهل الكبائر من أمة سيدنا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو‪ :‬حديث )شفاعتي لهل الكبائر من‬
‫أمتي(‬
‫أخرج الترمذي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله‬
‫)‪(1‬‬
‫عليه وسلم قال‪):‬شفاعتي لهل الكبائرمن أمتي(‬
‫وله شواهد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله‬

‫‪ ()1‬في كتاب صفة القيامة ‪ ،110/2435‬وابن خزيمة في‬


‫التوحيد ‪ .270‬والحاكم في المستدرك ‪ 1/69‬وابن حبان‬
‫‪ .14/387‬جميعا ً من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ثابت‬
‫به‪.‬وقال الترمذي‪ ،‬هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا‬
‫الوجه ‪ 4/540‬وقال شعيب الرناؤوط‪ :‬إسناد صحيح على‬
‫شرط مسلم انظر الحسان ‪ 14/387‬وأخرجه أحمد‬
‫‪ ،3/213‬وأبو داود في كتاب السنة ‪ 23/4739‬وأخرجه ابن‬
‫خزيمة في التوحيد ‪ 271‬والحاكم في المستدرك ‪.1/69‬‬
‫جميعا ً من طريق سليمان بن حرب عن بسطام بن حريث‬
‫أشعث الحداني به‪ .‬وانظر تخريجه في تخريج أحاديث شرح‬
‫العقائد النسفية‪ ،‬جلل الدين عبد الرحمن السيوطي )ت‬
‫‪ 911‬هـ( )‪ (35‬تحقيق وتعليق صبحي السامرائي‪ ،‬نشر دار‬
‫الرشد الرياض‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وكعب بن‬ ‫عنهما )‪ (1‬وابن عمر )‪ (2‬وابن عباس‬
‫عجرة)‪ (4‬رضي الله عنهم‬
‫واختلف المسلمون في إثبات شفاعة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لهل الكبائر من أمته‪.‬‬
‫فنقل الباقلني إجماع أهل السنة على صحتها لهل‬
‫الكبائر‪ ،‬فقال‪) :‬إعلم أن أهل السنة والجماعه أجمعوا‬
‫على صحة الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم لهل‬
‫الكبائر من هذه المه )‪ (5‬وقال العضد اليجي‪:‬‬
‫)وأجمعت المه على أصل الشفاعة‪ ،‬وهي عندنا لهل‬
‫الكبائر من المه لقوله عليه السلم )شفاعتي لهل‬

‫‪ ()1‬أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة ‪ ،11/2436‬وابن‬


‫خزيمة في التوحيد ‪ 271‬وابن حبان ‪ ،14/386‬والحاكم في‬
‫المستدرك ‪.1/69‬جميعا ً من طريق جعفر بن محمد عن أبيه‬
‫علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ ،‬وقال الترمذي هذا‬
‫حديث حسن غريب‪ ،‬يستغرب من حديث جعفر بن محمد‬
‫‪ ،4/540‬وانظر ترجمته في ميزان العتدال‪ ،‬الذهبي ‪1/414‬‬
‫وانظر تخريج الحديث في تخريج أحاديث العقائد‪ ،‬السيوطي‬
‫‪35‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه أبو يعلي ‪ .10/186‬وقال في مجمع الزوائد ‪:7/5‬‬
‫ه رجال الصحيح غير حرب سريج وهو ثقة(‪ ،‬وحرب له‬ ‫)رجال ُ‬
‫ترجمة في الميزان ‪،1/469‬وأخرجه ابن أبي عاصم في‬
‫السنة ‪.2/398‬وانظر تخريجه في تخريج أحاديث‬
‫العقائد‪،‬السيوطي ‪.35‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (11454‬من‬
‫طريق عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن ابن جريج‬
‫عن عطاء عن ابن عباس‪ .‬وموسى بن عبد الرحمن الصنعاني‬
‫قال الذهبي في ترجمته‪) :‬معروف ليس بثقه‪ ،‬فإن ابن حبان‬
‫قال فيه‪:‬دجال‪ ،‬وضع عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس‬
‫كتابا ً في التفسير( وساق هذا الحديث في ترجمته‪ ،‬ميزان‬
‫العتدال ‪.4/213‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه البيهقي في البعث والنشور‪.‬‬
‫‪ ()5‬النصاف ‪ ،168‬ونقل الجماع أيضا ً الجويني في الرشاد‬
‫‪.394‬‬

‫‪424‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الكبائر من أمتي(‬
‫وقال الجلل الدواني‪) :‬شفاعة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لهل الكبائر من أمته لقوله عليه السلم‪:‬‬
‫)ادخرت شفاعتي لهل الكبائر من أمتي()‪ (2‬وهو‬
‫حديث صحيح وبذلك يبطل مذهب المعتزلة في‬
‫)‪(3‬‬
‫إنكارهم الشفاعة لهل الكبائر(‬
‫)‪(4‬‬
‫وأنكر الشفاعة من الفرق السلمية المعتزلة‬
‫وفرق الخوارج )‪ (5‬إل النجدات )‪ (6‬وقال السالمي من‬
‫الخوارج الباضية‪) :‬أثبت الشاعرة الشفاعة لهل‬
‫الكبائر تعويل ً على حديث رووه " شفاعتي لهل‬
‫الكبائر من أمتي "‬
‫وُيجاب من وجوه‪:‬أحدهما‪ :‬أنه خبر واحد يعارض‬
‫القطعي‪.‬ثانيهما‪ :‬أنه لو لم يعارض قطعيا ً ما أوجب‬
‫العلم‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أنه عارضته رواية مثلها‪ ،‬ونصها‪ ":‬ل تنال‬

‫‪ ()1‬المواقف ‪.380‬‬
‫‪ ()2‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ ()3‬شرح العقائد العضديه ‪ ،2/270‬وانظر‪ :‬التبصير في‬
‫الدين‪ ،‬أبو المظفر طاهر بن محمد السفرائيني )‪ 471‬هـ(‬
‫‪ ،174‬تحقيق كمال الحوت‪ ،‬طبعة عالم الكتب ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫‪ .19833‬وشرح المواقف‪ ،‬الجرحاني ‪.8/221‬‬
‫‪ ()4‬انظر شرح الصول الخمسة‪ ،‬القاضي عبد الجبار ‪651‬‬
‫وانظر المقالت‪ ،‬الشعري ‪ 2/148‬والنصاف‪ ،‬الباقلني ‪169‬‬
‫وأصول الدين‪ ،‬البغدادي ‪ ،244‬والفصل‪ ،‬ابن حزم ‪.4/63‬‬
‫‪ ()5‬انظر مقالت السلميين‪ ،‬الشعري ‪ ،1/157‬والفصل‪،‬‬
‫ابن حزم ‪.4/190‬‬
‫‪ ()6‬انظر المقالت‪ ،‬الشعري ‪.1/157‬والنجدات هم فرقه من‬
‫الخوارج نسبوا إلى نجدة بن عامر الحنفي‪ ،‬وكان من‬
‫رؤسائهم انظر مقالت السلميين ‪ 1/163‬والفصل‪ ،‬ابن حزم‬
‫‪.4/180‬‬

‫‪425‬‬
‫)‪(2‬‬
‫شفاعتي أهل الكبائر من أمتي")‪ (1‬فهذه بتلك(‪.‬‬
‫والقطعي الذي يعارض الحديث عند السالمي وغيره‬
‫من المنكرين‪ ،‬هو قوله تعالى‪) :‬ول يشفعون إل لمن‬
‫)‪(3‬‬
‫ارتضى(‬
‫قالوا‪ :‬فيه قصر الشفاعة على المرضي من الناس‪،‬‬
‫وهو التقي الذي يجانب المحرمات ويؤدي الواجبات‬
‫)‪(4‬‬

‫وقوله تعالى‪) :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع‬


‫)‪(5‬‬
‫يطاع(‬
‫ً‬
‫وقوله تعالى‪) :‬واتقوا يوما ل تجري نفس عن نفس‬
‫)‪(6‬‬
‫شيئا ً ول يقبل منها شفاعة(‬
‫وقال أهل السنة في الجواب عن شبه المنكرين‬
‫ل‪ :‬إن قول النبي صلى الله عليه وسلم )شفاعتي‬ ‫أو ً‬
‫لهل الكبائر من أمتي( وإن كان منقول ً بنقل الحاد‬
‫فهو مفيد للعلم من وجهين‬
‫الول‪ :‬أنه خبر تتوافر الدواعي على إبطاله لو كان‬
‫باط ً‬
‫ل‪.‬‬
‫قال الباقلني‪) :‬وقد أطبق سلف المه على تسليم‬
‫هذه الرواية وصحتها مع ظهورها وانتشارها‪ ،‬والعلم‬
‫بأنها مروية في الصحابة والتابعين‪ ،‬ولو كانت مما لم‬
‫تقم الحجة بها لطعن طاعن فيها بدفع العقل والسمع‬
‫لها‪ ،‬على ما يقوله المعتزلة‪ ،‬ولكانت الصحابة أعلم‬
‫بذلك وأشد تسرعا ً إلى إنكارها‪ ،‬ولو كانوا قد فعلوا‬
‫‪ ()1‬لم أعثر على تخريجه في شيء من كتب السنة المطهرة‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫‪ ()2‬مشارق النوار ‪،133-2/132‬وانظر نحوه في شرح‬
‫الصول الخمسة‪،‬عبد الجبار ‪.651‬‬
‫‪ ()3‬سورة النبياء ‪.38‬‬
‫‪ ()4‬انظر نحوه في شرح الصول الخمسه‪ ،‬عبد الجبار ‪-649‬‬
‫‪ 651‬ومشارق النوار‪ ،‬السالمي ‪.2/132‬‬
‫‪ ()5‬سورة غافر ‪.18‬‬
‫‪ ()6‬سورة البقرة ‪.48‬‬

‫‪426‬‬
‫ذلك ‪ -‬أو بعضهم ‪ -‬لظهر ذلك وانتشر ولتوفرت‬
‫الدواعي على إذاعته وإبدائه‪ ،‬حتى ينقل‪ ...،‬لن هذه‬
‫العادة ثابتة في الخبار‪ ،‬وفي العلم بفساد ذلك دليل‬
‫)‪(1‬‬
‫على ثبوت خبر الشفاعة(‬
‫ً‬
‫الثاني‪ :‬أنه خبر تشهد له أخبار كثيرة جدا تدل‬
‫بعممومها على ثبوت الشفاعة لمن مات على‬
‫التوحيد‪ ،‬وعلى خروج الموحدين من النار‪ ،‬ووجوب‬
‫الجنة لمن شهد أن ل إله إل الله‪ ،‬ويدخل في ذلك كله‬
‫أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وسرد هذه الخبار ل يتسع له المقام‪ ،‬ولذلك نكتفي‬
‫)‪(2‬‬
‫بالمثال‬
‫أخرج المام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬لكل‬
‫نبي دعوة مستجابة‪ ،‬فتعجل كل نبي دعوته‪ ،‬وإني‬
‫اختبأت دعوتي شفاعة لمتي يوم القيامة فهي نائلة ‪-‬‬
‫إن شاء الله‪ -‬من مات من أمتي ل يشرك بالله شيئًا(‬
‫)‪(3‬‬

‫وأخرج المام مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله‬


‫دث عن رسول الله صلى الله‬ ‫رضي الله عنهما يح ّ‬
‫)‪(4‬‬ ‫ً‬
‫عليه وسلم )إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة(‬
‫وأخرج المام مسلم بسنده عن أبي ذر رضي الله‬
‫عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫)أتاني جبريل عليه السلم فبشرني أنه من مات من‬
‫أمتك ل يشرك بالله شيئا ً دخل الجنة‪ ،‬قلت وإن زنى‪،‬‬
‫)‪(5‬‬
‫وإن سرق ؟ قال‪ :‬وإن زنى‪ ،‬وإن سرق(‬

‫‪ ()1‬التمهيد ‪.368-367‬‬
‫‪ ()2‬انظر للستزادة من هذه الخبار ما جمعه ابن كثير في‬
‫النهاية في الفتن والملحم ‪241-2/202‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه في كتاب اليمان ‪.68/338‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه في كتاب اليمان ‪.84/317‬‬
‫‪ ()5‬أخرجه في كتاب اليمان ‪ 40/153‬وذكره الزبيدي في‬

‫‪427‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ل نسلم بأن الشفاعة لهل الكبائر تعارض‬
‫قطعيًا‪.‬‬
‫أما قوله تعالى‪) :‬ول يشفعون إل لمن ارتضى( فمعناه‬
‫‪ -‬كما ذكر الباقلني‪) :‬ول يشفعون إل لمن رضي الله‬
‫سبحانه أن يشفعوا له‪ ،‬وأ َِذن فيه‪ ،‬ولم يرد بذلك أنهم‬
‫ل يشفعون إل لمن رضي عمله‪ ،‬لن من رضي الله‬
‫)‪(1‬‬
‫سائر عمله ل يحتاج إلى الشفاعة(‬
‫وقال التفتازاني‪) :‬ل نسلم أن "من ارتضى " ل يتناول‬
‫الفاسق‪ ،‬فإنه مرضي من جهة اليمان والعمل‬
‫)‪(2‬‬
‫الصالح‪ ،‬وإن كان مبغوضا ً من جهة المعصية(‬
‫وأما قوله تعالى‪) :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع‬
‫)‪(3‬‬
‫يطاع(‬
‫فمعناه‪ :‬ل شفاعة للظالمين بالكفر والشرك قال‬
‫)‪(4‬‬
‫تعالى‪) :‬إن الشرك لظلم عظيم(‬
‫وأما قوله تعالى‪) :‬ول يقبل منها شفاعة( فيجب‬
‫تخصيصه بالكفار‪ ،‬جمعا ً بين الدلة إذ ل يجوز إسقاط‬
‫بعض الدلة المتعارضة مهما أمكن الجمع بينها‪ ،‬وههنا‬
‫يمكن الجمع بأن تخصص الدلة الدالة على نفي‬
‫)‪(5‬‬
‫الشفاعة بالكفار‪ ،‬فل تعارض حينئذ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬حديث )ل تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي(‬
‫الحاديث المتواترة عن أربعه وثلثين صحابيا ً انظر لقط‬
‫اللئ‪235-234.‬ونظم المتناثر‪ ،‬الكتاني ‪.125 ،49‬‬
‫‪ ()1‬التمهيد ‪ ،371‬وانظر النصاف‪ ،‬الباقلني ‪.174-173‬‬
‫‪ ()2‬شرح المقاصد ‪.5/160‬‬
‫‪ ()3‬سورة غافر ‪.18‬‬
‫‪ ()4‬سورة لقمان ‪.13‬‬
‫‪ ()5‬انظر حاشية الخلخالي على شرح الدواني على العقائد‬
‫العضديه ‪ .271-2/270‬وانظر للستزادة في رد شبه‬
‫المخالفين‪ :‬التمهيد ‪ 372-368‬والنصاف‪.174-173 ،‬‬
‫والتمهيد‪ ،‬النسفي ‪ .99-90‬وشرح العقائد العضديه‪ ،‬الجلل‪،‬‬
‫الدواني ‪ 271-2/269‬ولوامع النوار‪ ،‬السفاريني ‪-2/217‬‬
‫‪.218‬‬

‫‪428‬‬
‫)‪(1‬‬
‫حديث ل أصل له‬

‫‪ () 1‬لم أعثر على أصل لهذا الحديث في ما لدي من مصادر‪،‬‬


‫ولم أعثر عليه في كتب الموضوعات غير أن المام الباقلني‬
‫قال‪) :‬هذه الرواية التي ذكروها غير معروفة ول ثابتة عند‬
‫أهل النقل(‪ .‬انظر‪ :‬التمهيد ‪.368‬‬

‫‪429‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬في وضع الميزان يوم القيامة‬
‫أخرج المام الترمذي بسنده عن عبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص أنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم )إن الله سيخلص رجل ً من أمتي على‬
‫ة‬
‫شر عليه تسع ً‬‫رؤوس الخلئق يوم القيامة‪َ ،‬فين ْ ُ‬
‫ل‪ ،‬كل سجل مثل مد البصر‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬ ‫وتسعين سج ً‬
‫َ‬
‫ك كتبتي الحافظون ؟‬ ‫م َ‬ ‫أتنكر من هذا شيئا ً ؟ أظ َل َ َ‬
‫ك عذر ؟ فيقول‪ :‬ل يا‬ ‫َ‬
‫فيقول‪ :‬ل يا رب‪ ،‬فيقول‪ :‬أفَل َ َ‬
‫رب‪ ،‬فيقول‪ :‬بلى إن لك عندنا حسنة‪ ،‬فإنه ل ظ ُْلم‬
‫عليك اليوم‪ ،‬فتخرج بطاقه فيها‪ :‬أشهد أن لإله إل‬
‫الله‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬فيقول‪ :‬أحضر‬
‫وزنك‪ ،‬فيقول‪ :‬يارب ما هذه البطاقة مع هذه‬
‫السجلت ؟ فقال‪ :‬إنك ل تظلم‪ ،‬قال‪ :‬فتوضع‬
‫السجلت في كفة والبطاقة في كفة‪ ،‬فطاشت‬
‫السجلت وثقلت البطاقة‪ ،‬فل يثقل مع اسم الله‬
‫)‪(1‬‬
‫شيء(‬
‫وأخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه قال‪:‬‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬كلمتان حبيبتان‬
‫إلى الرحمن خفيفتان إلى اللسان ثقيلتان في‬

‫‪ ()1‬كتاب اليمان ‪ 17/2639‬من طريق عن عبد الله بن‬


‫المبارك عن الليث بن سعد عن عامر بن يحيى عن أبي عبد‬
‫الرحمن المعافري عن ابن مسعود رضي الله عنه‪ .‬وأخرجه‬
‫الحاكم من طريق عبد الله بن المبارك وصححه ووافقه‬
‫الذهبي‪ ،‬المستدرك ‪ .1/529‬وأخرجه ابن ماجة في الزهد من‬
‫طريق ابن أبي مريم عن الليث بن سعد به ‪35/4300‬‬
‫وأخرجه الحافظ ابن حبان في صحيحه في كتاب اليمان )‬
‫‪ ،(225‬وانظر الحسان‪ ،‬الفارسي ‪ 1/392‬وصححه اللباني‬
‫في تعليقه على شرح ابن أبي العز الحنفي على الطحاويه‬
‫‪ .473‬وانظر تخريجه في تخريج أحاديث العقائد‪ ،‬السيوطي‬
‫‪.30‬‬

‫‪430‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم(‪.‬‬
‫وأخرج الترمذي بسنده عن أبي الدرداء عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬ما من شيء أثقل في‬
‫ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن‪ ،‬وإن الله‬
‫يبغض الفاحش البذيء(‬
‫)‪(2‬‬
‫وقال‪ :‬وهذا حديث حسن صحيح‬
‫وأخرج المام مسلم رحمه الله بسنده عن أبي‬
‫مالك الشعري رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬الطهور‬
‫)‪(3‬‬
‫شطر اليمان والحمد لله تمل الميزان‪(...‬‬
‫وأخرج الحاكم بسنده عن سلمان الفارسي رضي‬
‫الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪):‬يوضع‬

‫‪ ()1‬في كتاب الدعوات ‪ ،65/6406‬وفي اليمان والنذور‬


‫‪19/6682‬وفي كتاب التوحيد ‪ ،58/7563‬ومسلم في كتاب‬
‫الذكر والدعاء ‪10/2694‬وكتاب الطهارة ‪ ،1/223‬وأبو يعلى‬
‫‪ ،6096‬والبيهقي في العتقاد ‪.139‬‬
‫‪ ()2‬كتاب البر والصلة ‪ 62/2002‬وأبو داود في الدب‬
‫‪.8/4799‬‬
‫‪ ()3‬في كتاب الطهارة ‪ .1/223‬من طريق أبان بن يزيد‬
‫العطار عن يحيى بن حماد عن زيد بن أبي سلم ممطور‬
‫الحبشي عن أبيه أبي مالك رضي الله عنه قال النووي‪) :‬هذا‬
‫السناد مما تكلم فيه الدار قطني وغيره فقالوا‪ :‬سقط فيه‬
‫رجل بين أبي سلم وأبي مالك‪ ،‬والساقط عبد الرحمن بن‬
‫غنم عن أبي مالك الشعري‪ .‬وهكذا أخرجه النسائي وابن‬
‫ماجة وغيرهما‪ ،‬ويمكن أن يجاب لمسلم عن هذا بأن الظاهر‬
‫من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلم لهذا الحديث من‬
‫أبي مالك‪ ،‬فيكون أبو سلم سمعه من أبي مالك وسمعه‬
‫أيضا ً من عبد الرحمن بن غنم فرواه مرة عنه ومرة عن عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬وكيف كان فالمتن صحيح ل مطعن فيه ‪ -‬والله‬
‫أعلم(‪ .‬وانظر‪ :‬شرحه على مسلم ‪ .1/500‬ووصله النسائي‬
‫في الزكاة‪ ،‬انظر شرح سنن النسائي‪ ،‬السيوطي ‪.5-3/4‬‬
‫ووصله ابن ماجة في كتاب الطهاره ‪ 5/280‬وأخرجه ابن‬
‫مندة في اليمان ‪.46/211‬‬

‫‪431‬‬
‫الميزان يوم القيامة‪ ،‬فلو وزن فيه السماوات والرض‬
‫لوسعت‪ ،‬فتقول الملئكة‪ :‬يارب لمن يزن هذا ؟‬
‫فيقول الله تعالى‪ :‬لمن شئتم من خلقي‪ ،‬فتقول‬
‫)‪(1‬‬
‫الملئكة‪ :‬سبحانك ما عبدناك حق عبادتك(‬
‫وأخرج الترمذي بسنده عن أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه أنه قال‪ ،‬سألت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يشفع لي يوم القيامة‪ ،‬فقال‪ :‬أنا فاعل‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬
‫يارسول الله فأين أطلبك ؟ قال‪ :‬اطلبني أول ما‬
‫تطلبني على الصراط‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن لم ألقك على‬
‫الصراط ؟ قال‪ :‬فاطلبني عند الميزان‪ ،‬قلت‪ :‬فإن لم‬
‫ألقك عند الميزان؟ قال‪ :‬فاطلبني عند الحوض‪ ،‬فإني‬
‫ل أخطأ هذه الثلث المواطن(‬
‫قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من هذا‬
‫)‪(2‬‬
‫الوجه‬
‫هيأة الميزان‪:‬‬
‫في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الوزن‬
‫يوم القيامة‪:‬‬
‫قال تعالى‪) :‬ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فل‬
‫س شيئا ً وإن كان مثقال حبةٍ من خردل أتينا‬ ‫تظلم نف ٌ‬
‫)‪(3‬‬
‫بها وكفى بنا حاسبين( ‪.‬وقال تعالى‪) :‬فمن ثقلت‬
‫موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه‬
‫فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون(‬
‫)‪.(4‬وقال تعالى‪) :‬والوزن يومئذٍ الحق فمن ثقلت‬
‫موازينه فأولئك هم المفلحون*ومن خفت موازينه‬
‫فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا آياتنا‬
‫)‪(5‬‬
‫يظلمون(‬

‫المستدرك ‪ .4/586‬وقال الذهبي‪ :‬على شرط مسلم‪.‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫صفة القيامة ‪ ،9/2433‬وأخرجه المام أحمد ‪.3/178‬‬ ‫‪( )2‬‬
‫سورة النبياء ‪.47‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫سورة المؤمنون ‪.103-102‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫سورة العراف ‪.98‬‬ ‫‪() 5‬‬

‫‪432‬‬
‫ويجوز أن يكون المراد من الميزان والموازين في‬
‫ن الحسي‪،‬ويجوز أن يكون مجازا ً‬ ‫هذه اليات الميزا َ‬
‫لن القرآن الكريم جرى فيه التجويز بالميزان عن‬
‫العدل‪ ،‬لكونه آلة للنصاف‪ ،‬قال العز ابن عبد السلم‪:‬‬
‫)الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان()‪ (1‬وهذا من‬
‫)‪(2‬‬
‫مجاز تشبيه المعاني بالجرام(‬
‫ولنه يجوز أن يكون المراد هذا وذاك اختلف‬
‫المسلمون في إثبات الميزان‪.‬‬
‫وقد حكى المام الشعري رحمه الله اختلف‬
‫المسلمين في الميزان فقال‪:‬‬
‫)اختلفوا في الميزان‪ :‬فقال أهل الحق‪ :‬له لسان‬
‫وكفتان ُتوزن في إحدى كفتيه الحسنات وفي الخرى‬
‫السيئات فمن رجحت حسناته دخل الجنة ومن‬
‫رجحت سيئاته دخل النار‪ ....‬وقال أهل البدع بإبطال‬
‫حقيقة الميزان‪ ،‬وقالوا‪ :‬موازين‪ ،‬وليس بمعنى كفات‬
‫مجازاة يجازيهم الله بأعمالهم وزنا ً‬ ‫وألسن‪ ،‬ولكنها ال ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫بوزن‪ ،‬وأنكروا الميزان‪ (...‬فأنكر الميزان الحسي‬
‫)‪(7‬‬
‫المعتزلة )‪ (4‬والشيعة )‪ (5‬والزيدية)‪ (6‬والباضية‬
‫وتأولوا اليات الكريمة بالعدل‪ .‬وذكروا وجهين لوجوب‬
‫التأويل‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن وزن العمال مستحيل‪ ،‬إذ هي أعراض‪،‬‬

‫‪ ()1‬سورة الشورى ‪.17‬‬


‫‪ ()2‬الشارة إلى اليجاز ببعض أنواع المجاز‪ ،‬أبو محمد عز‬
‫الدين عبد العزيز ابن عبد السلم الشافعي)‪660‬هـ( )‪(117‬‬
‫طبعة دار المعرفة ‪ -‬بيروت ‪ 1313 -‬هـ‬
‫‪ ()3‬مقالت السلميين‪ ،‬الشعري ‪.2/146‬‬
‫‪ ()4‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬القاضي عبدالجبار ‪.743‬‬
‫‪ ()5‬انظر القتصاد فيما يتعلق بالعتقاد‪ ،‬الطوسي‪.222،‬‬
‫‪ ()6‬انظر الساس لعقائد الكياس‪،‬القاسم بن محمد الزيدي‬
‫‪.204‬‬
‫‪ ()7‬انظر مشارق أنوار العقول ‪.127 - 125‬‬

‫‪433‬‬
‫والعراض ل توزن‪ (1).‬وقال السالمي‪):‬وذهب آخرون‬
‫إلى أن الموزون أجسام حسنة وقبيحة‪ ،‬وذلك أن‬
‫العمال الحسنة تنقلب أجساما ً حسنة‪ ،‬والعمال‬
‫القبيحة تنقلب أجساما ً قبيحة قـال‪ :‬وُرد ّ بأن هذا من‬
‫ل‪ ،‬فمـن المحـال‬ ‫باب قلب الحقائق‪ ،‬وهو ممتنع عق ً‬
‫ً )‪(2‬‬
‫قلب العراض أجساما(‬
‫الثاني‪ :‬أن قدر هذه العمال معلوم عند الله عز وجل‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ث‬‫فالوزن ل طائل تحته ول فائدة فيوجب العَب َ َ‬
‫)‪(4‬‬
‫وذهب جمهور أهل السنة إلى إثبات الميزان‬
‫وقال الشعري )‪ (5‬والباقلني )‪ (6‬والقرطبي )‪ (7‬وابن‬
‫)‪(9‬‬
‫أبي العز الحتفي )‪ (8‬وغيرهم‬
‫الميزان له لسان وكفتان‪ ،‬توزن في إحدى كفتيه‬
‫الحسنات وفي الخرى السيئات‪ .‬وقالوا الموزون هو‬
‫الصحف التي فيها العمال‪ ،‬فل يمتنع أن تدون‬
‫الحسنات‪،‬وكل حسنة تشغل صحيفة أو جزءا ً من‬
‫صحيفة وكذلك السيئات‪ .‬فيحصل الترجيح بكثرة‬

‫‪ ()1‬انظر الساس لعقائد الكياس‪ ،‬القاسم بن محمد الزيدي‬


‫‪.204‬‬
‫‪ ()2‬انظر مشارق أنوار العقول ‪.126‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح الصول الخمسة‪ ،‬عبدالجبار ‪ 744‬والساس‪،‬‬
‫الزيدي ‪ .204‬وانظر التذكرة‪ ،‬القرطبي ‪ .376 - 373‬وشرح‬
‫المقاصد‪ ،‬التفتازاني ‪.123 - 5/120‬‬
‫‪ ()4‬مقالت السلميين ‪.2/146‬‬
‫‪ ()5‬النصاف ‪.51‬‬
‫‪ ()6‬التذكرة ‪.378‬‬
‫‪ ()7‬شرح العقيدة الطحاوية ‪.474 - 472‬‬
‫‪ ()8‬انظر أصول الدين‪ ،‬البغدادي ‪.246‬والرشاد‪،‬الجويني‬
‫‪280‬ونهاية القدام‪،‬الشهرستاني ‪.470‬والنهاية في الفتن‪،‬ابن‬
‫كثير ‪ 2/230‬وشرح جوهرة التوحيد‪ ،‬اللقاني ‪ ،234‬ولوامع‬
‫النوار السفاريني ‪.178‬‬
‫‪ ()9‬انظر‪ :‬التبصير في الدين‪ ،‬السفرائيني ‪175-174‬‬
‫والمسامرة‪.238 ،‬‬

‫‪434‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أحدهما‬
‫ويدل على هذا حديث البطاقة والسجلت‪ ،‬الذي‬
‫سبق‪ .‬وفيه‪) :‬فتوضع السجلت في كفة والبطاقة في‬
‫)‪(2‬‬
‫كفة‪ ،‬فطاشت السجلت وثقلت البطاقة(‬
‫ووجه إثبات صفة الميزان وروده بهذا الخبر وجوازه‬
‫العقلي‬
‫وقد وردت النصوص القرآنية بذكر الميزان‬
‫والوزن‪.‬وهي تحتمل الحقيقة وتحتمل المجاز‪ ،‬فيعمل‬
‫بالحقيقة لمكانها‪ ،‬ويكون الخبر الوارد في البطاقة‬
‫)‪(3‬‬
‫والسجلت مؤكدا ً وشاهدا ً لحملها على الحقيقة‪.‬‬
‫وفيما سبق جواب على الوجه الول الذي أوجب به‬
‫المعتزلة ومن وافقهم حمل النصوص الواردة على‬
‫المجاز‬
‫والجواب عن الوجه الثاني‪:‬أنا ل نسلم كون أفعال‬
‫الله معللة بالغراض )‪ (4‬ول نسلم عدم الفائدة في‬
‫الوزن‬
‫فمن فوائده وحكمه أن يشاهد العبد مقدار أعماله‬
‫ويعلم أنه مجزي عنها بالعدل‪ .‬أو متجاَوز عنه باللطف‪.‬‬
‫قال الغزالي‪) :‬من يعزم على معاقبة وكيله بجنايته‬
‫من أين ي َب ْعُد ُ أن‬‫في أمواله‪ ،‬أو يعزم على البراء‪ ،‬فَ ِ‬
‫ي ُعَّرفه مقدار جنايته بأوضح الطرق ليعلم أنه في‬
‫‪ ()1‬انظر المراجع السابقة والمنهاج في شعب اليمان‪ ،‬أبو‬
‫عبد الله الحسين الحليمي )‪403‬هـ( تحقيق حلمي فودة‬
‫‪ 1/393‬طبعة دار الفكر‪ 1979-‬وشرح المواقف‪ ،‬الجرجاني‬
‫‪.8/221‬‬
‫‪ ()2‬سبق تخريجه‬
‫‪ ()3‬انظر النصاف‪ ،‬الباقلني‪ ،‬تفسير الرازي ‪ .22/177‬وغاية‬
‫المرام‪ ،‬المدي ‪ 305‬والمواقف‪ ،‬اليجي ‪ ،383‬وشرح‬
‫المقاصد‪ ،‬التفتازاني ‪.5/120‬‬

‫‪ ()4‬انظر‪ :‬بسط الدلة على نفي الغرض عن أفعال الله عز‬


‫وجل في المواقف ‪.331‬‬

‫‪435‬‬
‫)‪(1‬‬
‫عقوبته عادل‪ ،‬وفي التجاوز عنه متفضل(‬
‫وإذا بطلت الستحالة رجع المر إلى جوازحمل‬
‫النصوص الواردة على الحقيقة والمجاز ويكون‬
‫الترجيح بإبقاء الخبر الوارد في البطاقة والسجلت‬
‫على حقيقته‬
‫)‪(2‬‬
‫وذهب فريق من العلماء منهم ابن حزم الظاهري‬
‫والشاطبي)‪ (3‬والدواني)‪ (4‬والباجوري)‪ (5‬إلى اليمان‬
‫بالميزان وتفويض كيفيته إلى الله عز وجل يقول‬
‫الدواني‪) :‬الميزان حق‪ ،‬وهو عبارة عما يعرف به‬
‫مقادير العمال‪ ،‬وليس علينا البحث عن كيفيته‪ .‬بل‬
‫)‪(6‬‬
‫نؤمن به ونفوض كيفيته إلى الله تعالى(‬
‫والذي يبدو لي ‪-‬والله أعلم‪ -‬أن مذهب الجمهور‬
‫والمذهب الخير سليم ل يتوجه إليهما اعتراض‪.‬‬
‫أما مذهب الجمهور فقد استدلوا بخبر البطاقة‬
‫والخبار الخرى لثبات هيأة الميزان‪.‬‬
‫وأما من قال بتفويض كيفية الوزن وصفة الميزان‬
‫فلم يتوصل إلى القطع في المسألة بوجه من الوجوه‬
‫فتوقف وفوض من غير إنكار ول تكذيب‪.‬‬
‫وأما المعتزلة ومن وافقهم فقد أعملوا التأويل في‬
‫اليات والخبار وصرفوا اللفاظ عن ظاهرها‪ ،‬وتكلفوا‬
‫في ادعاء ضرورة التأويل لستحالة وزن العراض‪،‬‬
‫وعدم الفائدة من الوزن عندهم‪.‬‬
‫ما لم يحصل القطع بإثبات هيـأة الـميزان‪ -‬في‬ ‫ول ّ‬
‫‪ ()1‬القتصاد ‪ .137‬وانظر غاية المرام‪ ،‬المدي‬
‫‪305‬والمواقف‪ ،‬اليجي ‪ .384‬وشرح النفسية‪ ،‬التفتازاني‬
‫‪ 111‬وشرح الدواني على العقائد العضدية ‪.2/265‬‬
‫‪ ()2‬الفصل ‪.4/65‬‬
‫‪ ()3‬العتصام ‪.493‬‬
‫‪ ()4‬انظر شرح العقائد العضدية ‪.26 - 2/264‬‬
‫‪ ()5‬شرح جوهرة التوحيد ‪ .401‬وانظر كبرى اليقينيات‬
‫الكونية‪ ،‬البوطي ‪.286‬‬
‫‪ ()6‬شرح العقائد العضدية ‪.2/264‬‬

‫‪436‬‬
‫النصوص القرآنية من جهة الدللة وفي الخبار من‬
‫فر الشعري من أنكر هيأة‬ ‫جهة الثبوت‪ ،-‬لم ي ُك َ ّ‬
‫الميزان‪ ،‬وإنما نسبه إلى البدعة كما سبق‪ .‬وهو الحق‬
‫‪-‬والله أعلم ‪ -‬لنه ل حاجة إلى التأويل‪ .‬ولن أفراد‬
‫ن قبل التأويل فل تقبله الجملة‬
‫هذه اليات والخبار إ ِ ْ‬
‫والمجموع ولنه قد ثبت في عصرنا الحديث أنه‬
‫يمكن قياس العراض كالحرارة والضغط والسرعة‪،‬‬
‫مما يقرب ويسهل تصور وزن العمال في الخرة‪ .‬مع‬
‫أن شأن المسلم الذعان والتسليم والتصديق دون‬
‫الحاجة إلى تصور المسألة وكيفية حصولها‪ .‬ويكفيه‬
‫في ذلك حكم العقل بالجواز مع ورود الخبر بالوقوع‬
‫‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬

‫‪437‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬في الصراط‬
‫أخرج المام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه في حديث الرؤية الطويل أنه قال‪...):‬‬
‫ويضرب جسر جهنم‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬فأكون أول من يجيز‪ ،‬ودعاء الرسل يومئذ‪:‬‬
‫اللهم سلم‪ ،‬سلم‪ ،‬وبه كلليب‪ ،‬مثل شوك السعدان‪.‬‬
‫)‪ ،(1‬أما رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬قال‪ :‬فإنها مثل شوك السعدان‪ ،‬غير أنها ل يعلم‬
‫قدر عظمها إل الله‪ ،‬فتخطف الناس بأعمالهم منهم‬
‫الموَبق بعمله‪ ،‬ومنهم المخردل )‪ ،(3)(.....(2‬ونحوه من‬
‫)‪(4‬‬
‫حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‪.‬‬

‫‪ ()1‬السعدان‪ :‬نبت ذو شوك‪ ،‬وهو من جيد مراعي البل‪،‬‬


‫تسمن عليه‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/367‬‬
‫طع‪ ،‬تقطعه‬‫‪ ()2‬المخردل‪ :‬المرمي المصروع‪ ،‬وقيل المق ّ‬
‫كلليب الصراط‪ ،‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪.2/20‬‬
‫‪ ()3‬في كتاب الرقاق ‪ 52/6573‬من طريق عن الزهري عن‬
‫سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد عنه‪ .‬ومن طريق الزهري‬
‫أيضا ً في كتاب التوحيد ‪ ،7438 ،24/7437‬وفي كتاب الذان‬
‫‪ 129/806‬ومسلم في اليمان ‪ ،300 ،81/299‬وعبدالله ابن‬
‫أحمد في السنة ‪ 1/234‬وأبو يعلي في مسنده )‪(6360‬‬
‫‪ ،11/241‬وابن مندة في اليمان ‪ 766-3/764‬وأخرجه‬
‫الترمذي من طريق قتيبه بن سعيد عن عبد العزيز بن محمد‬
‫عن العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة‪ ،‬في كتاب‬
‫صفة الجنة ‪ 20/57‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه البخاري من طريق على زيد بن أسلم عن عطاء‬
‫عنه في كتاب الرقاق ‪،51/6549‬وفي كتاب التوحيد ‪4/7438‬‬
‫ومسلم في اليمان ‪ 81/302،303‬وابن مندة في اليمان ح‬
‫‪ .782-3/777 ،818 ،817 ،816‬وأخرجه البخاري من‬
‫طريق عن سعيد بن أبي عروبه عن قتادة عن أبي المتوكل‬
‫الناجي‪،‬عنه في كتاب الرقاق ‪ ،48/6535‬وابن مندة في‬
‫اليمان‪ 3/793،‬وأخرجه البخاري من طريق عن هشام‬
‫الدستوائي عن قتادة عن أبي المتوكل عنه‪ ،‬في كتاب‬

‫‪438‬‬
‫وأخرج المام مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله‬
‫رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال في حديث دخول الحنة بغير حساب‪ ...) :‬وعلى‬
‫)‪(1‬‬
‫جسر جهنم كلليب وحسك(‬
‫وأخرج بسنده عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله‬
‫عنهما أنهما قال في حديث الشفاعة الطويل‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ...) :‬وترسل‬
‫المانه والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا ً وشما ً‬
‫ل‪،‬‬
‫فيمر أولكم كالبرق‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬أي‬
‫شيء يمر كمر البرق ؟ قال‪ :‬ألم تروا إلى البرق كيف‬
‫يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح‪ ،‬ثم كمر‬
‫شد ّ الرجال تجري بهم أعمالهم‪ ،‬ونبيكم قائم‬ ‫الطير و َ‬
‫ب سّلم سّلم‪ ،‬حتى تعجز‬ ‫على الصراط يقول‪ :‬ر ّ‬
‫أعمال العباد‪ ،‬حتى يجيء الرجل فل يستطيع السير إل‬
‫زحفًا‪ ،‬قال‪ :‬وفي حافتي الصراط كلليب معلقة‬
‫مأمورة بأخذ من أمرت به فمخذوش ناج ومكدوس‬
‫)‪(3‬‬
‫)‪(2‬في النار(‬
‫وأخرج الترمذي بسنده عن أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫يشفع لي يوم القيامة‪ ،‬فقال‪ :‬أنا فاعل‪ ،‬قال‪ :‬قلت يا‬
‫رسول الله فأين أطلبك ؟ قال‪ :‬اطلبني أول ما‬
‫المظالم ‪،1/2440‬وابن مندة في اليمان ‪.3/793‬‬
‫‪ ()1‬في كتاب اليمان ‪ 84/316‬من طريقين عن روح بن‬
‫عبادة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر‪ .‬وابن مندة في‬
‫اليمان )‪ 804-3/802 (851) (850‬وأخرجه مسلم أيضا ً في‬
‫كتاب اليمان ‪ ،84/320‬من طريق حجاج بن الشاعر عن‬
‫الفضل بن دكين عن محمد بن أيوب عن يزيد بن صهيب‬
‫الفقير عنه‪ ،‬وابن مندة في اليمان )‪.(3/807 ،858‬‬
‫‪ ()2‬مكدوس‪ :‬مدفوع‪ ،‬وتكدس النسان إذا دِفع من ورائه‬
‫فسقط‪ ،‬انظر النهايةلبن الثير ‪.4/155‬‬
‫‪ ()3‬في كتاب اليمان ‪ ،84/329‬وأبو يعلى في مسنده )‬
‫‪ 11/79 (6216‬وابن مندة في اليمان ‪.3/832 ،883‬‬

‫‪439‬‬
‫تطلبني على الصراط قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن لم ألقك على‬
‫الصراط ؟ قال‪ :‬فاطلبني عند الميزان‪ ،‬قلت‪ :‬فإن لم‬
‫ألقك عند الميزان؟ قال‪ :‬فاطلبني عند الحوض‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فإني ل أخطئ هذه الثلث المواطن(‬
‫وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لنعرفه إل من‬
‫)‪(2‬‬
‫هذا الوجه‬
‫وأخرج الترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها‬
‫قالت‪):‬يارسول الله " والرض جميعا ً قبضته يوم‬
‫القيامة والسماوات مطويات بيمينه ")‪ (3‬فأين‬
‫)‪(4‬‬
‫المؤمنون يومئذ ٍ ؟ قال‪ :‬على الصراط ياعائشة(‬

‫‪ ()1‬في كتاب صفة القيامة ‪ 9/2433‬وقد سبق تخريجه‬


‫موسعًا‪.‬‬
‫‪ ()2‬السنن ‪.4/537‬‬
‫‪ ()3‬سورة الزمر الية ‪.67‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه المام الترمذي من طريقين عن داود بن أبي هند‬
‫عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها في‬
‫كتاب التفسير ‪ 15/3121‬و ‪ 40/3241‬وابن ماجة في الزهد‬
‫‪ 33/4279‬وأخرج الترمذي نحوه من حديث عبد الله بن‬
‫عباس رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها في‬
‫التفسير ‪.40/3241‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب من‬
‫هذا الوجه‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وأخرج المام مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪):‬آخر من يدخل الحنة رجل‪ ،‬فهو يمشي مرة‬
‫ويكبو مرة‪ ،‬وتسفعه النار مرة‪ ،‬فإذا ما جاوزها التفت‬
‫)‪(2‬‬
‫جاني منك‪(...‬‬‫إليها‪ ،‬فقال‪ :‬تبارك الذي ن ّ‬
‫وبعد‪ :‬فهذه أحاديث عن سبعة من الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم تتوارد جميعها على إثبات الصراط‪،‬‬
‫وأنه جسر ُيضرب فوق جهنم‪ ،‬له جنبتان وكلليب‪،‬‬
‫يتفاوت الناس في سرعة عبورهم حسب أعمالهم‬
‫وقد أثبت أهل السنة والجماعة ما تواردت عليه هذه‬
‫)‪(3‬‬
‫الخبار في شأن الصراط‪.‬‬
‫ووجه إثباته هو استفاضة الخبار الواردة فيه‪،‬‬
‫وموافقتها لصل في كتاب الله عز وجل‪ ،‬وفي قوله‬
‫تعالى‪) :‬وإن منكـم إلواردها كـان علـى ربك حتما ً‬
‫مقضـيـا ً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها‬
‫ً )‪(4‬‬
‫جثيا(‬
‫ونقل المام الطبري تفسير الورود بالمرور على‬
‫الصراط عن قتادة‪ ،‬وابن عباس رضي الله عنهما‬
‫)‪.(5‬واختاره القرطبي )‪ (6‬وابن كثير وغيرهما من‬
‫)‪(7‬‬
‫المفسرين‬

‫‪ ()1‬السنن ‪.5/347‬‬
‫‪ ()2‬في كتاب اليمان ‪ .83/310‬وابن مندة في اليمان )ح‬
‫‪.3/795 (841‬‬
‫‪ ()3‬انظر مقالت السلميين‪ ،‬الشعري ‪ 2/146‬والنصاف‬
‫الباقلني ‪ ،52‬والفرق بين الفرق‪ ،‬البغدادي ‪ 348‬والفصل‪،‬‬
‫ابن حزم ‪ ،4/66‬ولمع الدلة‪ ،‬الجويني ‪.113‬‬
‫‪ ()4‬سورة مريم ‪.71-70‬‬
‫‪ ()5‬انظر تفسير الطبري ‪.111-16/110‬‬
‫‪ ()6‬انظر الجامع لحكام القرآن ‪.92-11/91‬‬
‫‪ ()7‬انظر تفسير ابن كثير ‪.134-3/133‬‬

‫‪441‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ونسب اليجي )‪ (1‬والتفتازاني )‪ (2‬والدواني‬
‫والسفاريني )‪ (4‬إنكار المرور على الصراط إلى جمهور‬
‫)‪(5‬‬
‫المعتزلة‪ .‬وهو قول من سار على أصولهم كالزيدية‬
‫)‪(6‬‬
‫والشيعة‪.‬‬
‫)‪(7‬‬
‫وحكاه السالمي من الباضية عن جمهورهم‬
‫قال القاسم الزيدي‪) :‬قد روي عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪ " :‬يمد الصراط‪ ،‬فيكون أول من يمر‬
‫)‪(8‬‬
‫به أنا وأمتي‪ " ...‬قلنا‪ :‬ل ثقة براويه(‬
‫ول وجه لنكار الخبر لنه مروي عن سبعة من‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫ويستند المنكرون إلى شبه في إنكار هذه‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫أقواها‪ :‬أن الخرة دار جزاء ل تكليف فيها‪ ،‬والعبور‬
‫)‪(9‬‬
‫على الصراط فيه تكليف ومشقة‪.‬‬
‫ول يجوز ترك هذه الخبار وإنكارها بمثل هذه الشبهة‪،‬‬
‫لن التكليف المنفي هو الذي يبقى معه الختيار‪،‬‬
‫وليس التكليف بجواز الصراط منه‪.‬‬
‫وقد ثبت في القرآن الكريم ما هو من جنس التكليف‬
‫بعبور الصراط‪ ،‬فقال تعالى‪) :‬ادخلوا الجنة أنتم‬
‫وأزواجكم تحبرون()‪ (10‬وقال تعالى‪) :‬فادخلوا أبواب‬
‫‪ ()1‬انظر المواقف ‪.384‬‬
‫‪ ()2‬انظر شرح المقاصد ‪.5/120‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح العقائد العضدية ‪.2/264‬‬
‫‪ ()4‬انظر لوامع النوار ‪.2/192‬‬
‫‪ ()5‬انظر الساس لعقائد الكياس‪ ،‬القاسم بن محمد الزيدي‬
‫‪.205‬‬
‫‪ ()6‬انظر القتصاد‪ ،‬الطوسي ‪.222‬‬
‫‪ ()7‬انظر مشارق أنوار العقول ‪.2/129‬‬
‫‪ ()8‬الساس ‪.207-206‬‬
‫‪ ()9‬انظر شرح الصول الخمسة‪ ،‬عبد الجبار ‪.737‬‬
‫والقتصاد‪ ،‬الطوسي ‪ .222‬والساس‪ ،‬القاسم الزيدي ‪.206‬‬
‫‪ ()10‬سورة الزخرف الية ‪.70‬‬

‫‪442‬‬
‫)‪(1‬‬
‫جهنم خالدين فيها(‬
‫ور ُيكّلف بنفخ الروح فيما‬
‫وثبت في السنة أن المص ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫صوره‪ ،‬وليس بنافخ‬
‫أما دعوى المشقة في العبور‪ :‬فقد دلت الخبار‬
‫على أن الناس فيه متفاوتون‪ ،‬فمنهم من يعبر كالبرق‬
‫ومنهم من يعبر مثل طرف العين‪ ،‬وهذا توفيق من‬
‫الله وإعانة‪ ،‬فل مشقة فيه على غير أهل المشقة‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫والله أعلم‬
‫وقد اسـتظهر القاضـي عبد الجبار من المعتزلة‬
‫والسالمي من الباضية ضعف دوافع المنكرين إلى‬
‫تأويل الخبار‪.‬‬
‫ي عن كثير من مشايخنا أن‬ ‫حك ِ َ‬‫فقال القاضي‪ُ ...) :‬‬
‫الصراط إنما هو الدلة الدالة على الطاعات التي من‬
‫مسك بها نجا‪ ...‬والدلة الدالة على النار التي من‬ ‫تَ َ‬
‫ركبها هلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وذلك مما ل وجه له‪ ،‬لن فيه حمل لكلم الله تعالى‬
‫على ما ليس يقتضيه ظاهره‪ ،‬وقد ذكرنا القول في‬
‫أن كلم الله تعالى مهما أمكن حمله على حقيقته‬
‫فذلك هو الواجب‪ ،‬دون أن يصرف عنه إلى المجازي(‬
‫)‪(4‬‬

‫وقال السالمي‪) :‬والذي يظهر لي إبقاء الحاديث على‬


‫أصلها من غير تعرض لردها على راويها‪ ،‬وتفويض‬
‫‪ ()1‬سورة النحل الية ‪.29‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه المام مسلم من حديث ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما‪ ،‬في كتاب اللباس والزينة ‪ 26/100‬وانظر شرح‬
‫النووي في تفريق العلماء بين تصوير ماله ظل وما ل ظل له‬
‫‪.4/814‬‬
‫‪ ()3‬انظر رد شبهات المنكرين في الرشاد‪ ،‬الجويني ‪،379‬‬
‫القتصاد‪ ،‬الغزالي ‪ 138‬والمواقف‪ ،‬اليجي ‪ 384‬والعتصام‪،‬‬
‫الشاطبي ‪ .2/492‬وشرح المقاصد ‪ 5/120‬ولوامع النوار‪،‬‬
‫السفاريني ‪.2/193‬‬
‫‪ ()4‬شرح الصول الخمسة ‪.738‬‬

‫‪443‬‬
‫دقها من غير قطع بكفر من‬ ‫أمره إلى الله‪ ،‬فمن ص ّ‬
‫خالفه فيها فقد أحسن الظن بالراوي‪ ،‬ول بأس عليه‬
‫)‪(1‬‬
‫إن شاء الله(‬
‫وبعد أن فرغنا من إثبات الصراط وعبور الخلق عليه‬
‫يحسن التنبيه إلى ما دخل في وصف الصراط من‬
‫الخبار الواهية‪.‬‬
‫يكثر في كتب العقائد وصف الصراط بأنه أحد من‬
‫السيف وأدق من الشعرة‪ .‬قال التفتازاني‪) :‬الصراط‬
‫ده الولون والخرون‪،‬‬ ‫جسر ممدود على متن جهنم‪َ ،‬ير ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫أدق من الشعرة وأحد من السيف(‬
‫ووصف الصراط بهذا الوصف أخرجه البهيقي من‬
‫طريق أبي خالد الدالني عن عبدالله بن مسعود‬
‫)‪(3‬‬
‫رضي الله عنه‬
‫وأبو خالد هو يزيد بن عبد الرحمن‪ .‬ترجمه الذهبي‬
‫في الميزان فقال‪ ..) :‬قال ابن حبان فاحش الوهم‪ ،‬ل‬
‫)‪(4‬‬
‫يجوز الحتجاج به(‬
‫وأخرج البيهقي من طريق زياد النمري عن أنس بن‬
‫مالك قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪) :‬الصراط كحد الشعرة وكحد السيف‪(...‬‬
‫)‪(5‬وزياد هو ابن عبدالله النمري‪.‬ترجمه الذهبي في‬
‫الميزان فقال‪):‬ضّعفه ابن معين" وقال أبو حاتم‪ :‬ل‬
‫)‪(6‬‬
‫يحتج به(‬
‫‪ ()1‬مشارق أنوار العقول ‪.2/130‬‬
‫‪ ()2‬شرح المقاصد ‪5/120‬وانظر نحوه في الرشاد‪،‬الجويني‬
‫‪379‬وقواعد العقائد‪،‬الغزالي مع الحياء ‪1/115‬وشرح جوهرة‬
‫التوحيد‪ ،‬اللقاني ‪.235‬‬
‫‪ ()3‬شعب اليمان ‪5/123‬‬
‫‪.4/432 ()4‬‬
‫‪ ()5‬شعب اليمان ‪5/124‬‬
‫‪ 2/91 ()6‬وانظر ما جاء في وصف الصراط بنحوه من الثار‬
‫وتضعيفها في النهاية‪ ،‬ابن كثير ‪ 108 - 106 /2‬وفتح الباري‬
‫‪554 /11‬والتذكرة‪ ،‬القرطبي ‪ ،400‬وشرح جوهرة التوحيد‪،‬‬

‫‪444‬‬
‫وهذا الوصف على ضعف إسناده معارض لما ثبت‬
‫بالسانيد الصحيحة أن الجسر له جنبتان وعليه كلليب‬
‫‪-‬كما سبق ذكره ‪-‬‬
‫ً‬
‫وذكر الباجوري وجها للجمع بين هذا وذاك فقال‪:‬‬
‫)‪ ....‬على فرض صحة ذلك‪ ،‬فهو محمول على غير‬
‫ظاهره‪ ،‬بأن يؤول بأنه كناية عن شدة المشقة‪.‬‬
‫وحينئذ فل ينافي ما ورد في الحاديث الدالة على‬
‫كون الكلليب فيه‪ ...‬وقيل إنه يضيق ويتسع بحسب‬
‫)‪(1‬‬
‫عمل ابن آدم(‬
‫رج‬‫خ ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وهذا الوجه وإن كان جائزا وجامعا فغايته أن ي ُ ْ‬
‫ف الصراط بالدقة والحدة عن معارضة الحاديث‬ ‫وص َ‬
‫الثابتة بوصفه بالعرض وغيره‪ ،‬ولكن يبقى الكلم على‬
‫ثبوت هذا الوصف بنفسه بهذا السناد‪ .‬والله أعلم‬

‫الباجوري ‪ ،406‬ولوامع النوار‪ ،‬السفاريني ‪.193 /2‬‬


‫‪ ()1‬شرح الجوهرة ‪ 407-406‬بتصرف يسير‪ .‬وانظر‪ :‬نحوه‬
‫في الحصون الحميدية‪ ،‬حسين الجسر ‪.129‬‬

‫‪445‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬في رؤية الله عز وجل‪:‬‬

‫في رؤية ال عز وجل في الدار الخرة‬


‫أثبت أهل السنة والجماعة جواز رؤية الله عز وجل‬
‫واتفقوا على وقوعها في الخرة وعلى أن المؤمنين‬
‫يرون الله تعالى دون الكافرين‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وأنكر ذلك المعتزلة والشيعة والباضية والزيدية ‪.‬‬
‫واستدل أهل السنة بالكتاب والسنة والجماع‪.‬‬
‫فمن الكتاب قوله تعالى )وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها‬
‫)‪(2‬‬
‫ناظرة(‪.‬‬
‫ومن السنة‪:‬‬
‫ما أخرجه البخاري بسنده عن جرير بن عبد الله‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪:‬خرج علينا رسول الله عليه‬
‫الصلة والسلم ليلة البدر فقال‪:‬إنكم سترون ربكم‬
‫)‪(3‬‬
‫يوم القيامة كما ترون هذا ل تضامون في رؤيته‪.‬‬
‫وأخرج بسنده عن أبى هريرة رضي الله عنه أن‬
‫الناس قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هل نرى ربنا يوم‬
‫القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪):‬هل‬

‫‪ ()1‬انظر مقالت السلميين‪ ،‬الشعري ‪ 1/264‬وشرح‬


‫النووي على مسلم ‪ 1/425‬وشرح الصول الخمسة‪ ،‬عبد‬
‫الجبار ‪ 233‬والقتصاد‪ ،‬الطوسي ‪ 75‬والساس لعقائد‬
‫الكياس‪ ،‬القاسم ‪ 79-78‬الحق الدامغ‪ ،‬الخليلي ‪.32‬‬
‫‪ ()2‬سورة القيامة ‪.23-22‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ‪،24/7436‬‬
‫‪ .7434،7435‬وفي كتاب مواقيت الصلة ‪،16/554‬‬
‫‪ ،26/573‬وفي كتاب التفسير من سورة )ق( ‪2/4851‬‬
‫وأخرجه المام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‬
‫‪ .27/633‬وأبو داود في كتاب السنة ‪4731-20/4729‬‬
‫والترمذي في كتاب صفة الجنة ‪ 16/2551‬وابن ماجة في‬
‫مقدمة السنن ‪ 13/177‬وابن خزيمة في كتاب التوحيد‬
‫‪ .168/169‬وابن مندة في اليمان ‪.762-3/758‬‬

‫‪446‬‬
‫تضاُرون في القمر ليلة البدر؟ قالوا‪ :‬ل يا رسول الله‪،‬‬
‫قال‪ :‬فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟‬
‫)‪(1‬‬
‫قالوا‪ :‬ل يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬فإنكم ترونه كذلك‪.(...‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وأخرج نحوه من حديث أبى سعيد الخدري‪.‬‬
‫وأخرج المام مسلم بسنده عن صهيب بن سنان‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪):‬إذا دخل أهل الجنة الجنة‪ ،‬قال‪ :‬يقول الله تبارك‬
‫وتعالى‪ :‬تريدون شيئا ً أزيدكم؟ فيقولون‪ :‬ألم تبيض‬
‫وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة‪ ،‬وتنجينا من النار؟ قال‪:‬‬
‫فيكشف الحجاب‪ :‬فما ُأعطوا شيئا أحب‬
‫)‪(3‬‬
‫إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل(‪.‬‬
‫وأخرج البخاري بسنده عن أبى موسى الشعري‬
‫رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪) :‬جنتان من فضة‪-‬آنيتهما وما فيهما‪-‬وجنتان من‬
‫ذهب‪-‬آنيتهما وما فيهما‪-‬وما بين القوم وبين أن ينظروا‬
‫إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن(‪.‬‬
‫)‪(4‬‬

‫‪ () 1‬أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ‪ ،24/7437‬وفي صفة‬


‫الجنة ‪ .52/6573‬ومسلم في اليمان ‪ 81/182‬وابن خزيمة‬
‫في التوحيد ‪ 169/170‬وابن مندة في اليمان ‪.769-3/763‬‬
‫‪ ()2‬وفي كتاب التفسير‪ ،‬سورة النساء ‪ .8/4581‬ومسلم‬
‫في كتاب اليمان ‪ 81/183‬وعبد الله بن أحمد في السنة‬
‫‪ .1/236‬وابن أبى عاصم في السنة ‪ .1/999‬وابن خزيمة في‬
‫التوحيد ‪ 169‬وابن مندة في اليمان ‪ .3/772‬والللكائي في‬
‫شرح أصول العتقاد ‪.3/494‬‬
‫‪ () 3‬في كتاب اليمان ‪ 80/181‬وأخرجه الترمذي في صفة‬
‫الجنة ‪ 16/2552‬وابن ماجة في مقدمة سننه ‪.13/187‬‬
‫‪() 4‬في كتاب التفسير سورة الرحمن ‪ 1/4878،4880‬وفي‬
‫كتاب التوحيد ‪ ،24/7444‬ومسلم في اليمان ‪80/180‬‬
‫والترمذي في صفة الجنة ‪.3/2528‬‬

‫‪447‬‬
‫وقد أخرج الللكائي أحاديث الرؤية عن واحد‬
‫ً )‪(1‬‬
‫وعشرين صحابيا‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪) :‬جمع الدار قطني طرق‬
‫الحاديث الواردة في رؤية الله عز وجل في الخرة‪،‬‬
‫فزادت على العشرين‪ ،‬وتتبعها ابن القيم في حادي‬
‫الرواح فبلغت الثلثين أكثرها جياد‪ .‬وأسند الدارقطني‬
‫عن يحيى بن معين قال‪ :‬عندي سبعة عشر حديثا ً في‬
‫ً )‪(2‬‬
‫الرؤية صحاحا(‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وصرح المل علي القاري والكلنبوي بوصول أحاديث‬
‫)‪(4‬‬
‫الرؤية إلى رتبة المشهور‪.‬‬
‫ونقل الباقلني والغزالي والتفتازاني وغيرهم من‬
‫المتكلمين إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على‬
‫إثبات رؤية الله عز وجل استنادا ً لهذه الحاديث‬
‫)‪(5‬‬
‫ولظاهر قوله تعالى )إلى ربها ناظرة(‪.‬‬
‫ول يخفى بعد هذا وجه اتفاق أهل السنة والجماعة‬
‫على إثبات رؤية الله عز وجل لن تكاتف الدلة‬
‫وتعاضدها يدفع عن مجموعها كل ريبة وشبهة‪ .‬ول‬
‫يخفى ما لخبر الحاد من دور في إثبات رؤية الله عز‬
‫وجل‪ .‬لن قول الله عز وجل )وجوه يومئذ ناضرة إلى‬

‫‪ ()1‬انظر شرح أصول العتقاد ‪ 492-3/470‬وتخريج أحاديث‬


‫العقائد‪ ،‬السيوطي ‪.26-25‬‬
‫‪ ()2‬فتح الباري ‪ .13/532‬وانظر حادي الرواح إلى بلد‬
‫الفراح ‪ 235-199‬طبعة مكتبة المتنبي‪-‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ ()3‬هو إسماعيل بن مصطفى الكلنبوي )‪ 1205‬هـ( العلمة‬
‫الذي جمع إلى علم الدين معارف عصره من الرياضيات‬
‫والطبيعيات‪ .‬اشهر مؤلفاته‪ :‬حاشيته على شرح الدواني على‬
‫العضدية اعتنى بها غاية العتناء وفيها من التحقيقات ما ل‬
‫تغني عنه كتب المتقدمين‪ .‬انظر ترجمته في مقالت الكوثري‬
‫‪.494-491‬‬
‫‪ ()4‬انظر شرح الفقه الكبر القاري ‪ .66‬وحاشية الكلنبوي‬
‫على شرح العضدية ‪ 2/177‬وشرح النسفية‪ ،‬التفتازاني ‪..74‬‬
‫‪ ()5‬سورة القيامة الية ‪.23‬‬

‫‪448‬‬
‫ربها ناظرة()‪ (1‬يقبل التأويل وصرف المراد بالنظر إلى‬
‫معنى آخر غير الرؤية‪ .‬ولتوضيح هذا لبد من ذكر وجه‬
‫دللة الية الكريمة على إثبات الرؤية وشبه‬
‫المخالفين‪.‬‬
‫وجه الستدلل بالية‪-:‬‬
‫يقول التفتازاني‪) :‬النظر الموصول بإلى‪ ،‬إما بمعنى‬
‫الرؤية أو ملزوم لها بشهادة النقل عن أئمة اللغة‬
‫والتتبع لموارد استعماله‪ (2).‬وإما مجاز عنها لكونه‬
‫عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي طلبا ً لرؤيته‪.‬‬
‫وقد تغدر ههنا الحقيقة لمتناع المقابلة والجهة‪ .‬فتعين‬
‫)‪(3‬‬
‫الرؤية لكونها أقرب المجازات(‪.‬‬
‫ويقول الرازي في تفسير الية‪ :‬سلمنا أن النظر‬
‫عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا ً لرؤيته‪.‬‬
‫ولكننا نقول لما تعذر حمله على حقيقته وجب حمله‬
‫على مسببه وهو الرؤية‪ ،‬إطلقا ً لسم السبب على‬
‫)‪(4‬‬
‫المسبب‪ ...‬لن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية(‪.‬‬
‫والذي يبدو لي ‪-‬والله أعلم‪ -‬أن الية الكريمة ليست‬
‫قطعية الدللة في إثبات الرؤية‪.‬‬
‫وقد أشار إلى ذلك اليجي فقال بعد ذكر وجه‬
‫الستدلل بالية‪) :‬وأنت ل يخفى عليك أن أمثال هذه‬

‫‪ ()1‬سورة القيامة ‪.23-22‬‬


‫‪ ()2‬انظر مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس )نظر( ‪.5/444‬‬
‫والمفردات‪ ،‬الراغب ‪ 497‬حيث قال )النظر تقليب البصر‬
‫والبصيرة لدراك الشيء ورويته‪ .‬وقد يراد به التأمل‬
‫والفحص‪ .‬وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص(‪.‬‬
‫‪ () 3‬شرح المقاصد ‪ .4/193‬وانظر البانة‪ ،‬الشعري ‪.14‬‬
‫والتمهيد‪ ،‬الباقلني ‪ 247‬والرشاد‪ ،‬الجويني ‪ .182‬ونهاية‬
‫القدام ‪ 369‬وغاية المرام‪ ،‬المدي ‪ 177-176‬وشرح القاري‬
‫على الفقه الكبر ‪ 68‬وشرح الدواني على العضدية ‪.2/177‬‬
‫‪ () 4‬تفسير الرازي ‪.30/228‬‬

‫‪449‬‬
‫ة ل تصلح للتعويل‬ ‫الظواهر ل تفيد إل ظنونا ً ضعيف ً‬
‫)‪(1‬‬
‫عليها في المسائل العلمية(‪.‬‬
‫ً‬
‫وإليه أشار الحلل الدواني أيضا فقال بعد إجمال‬
‫الدلة في الرؤية من الكتاب والسنة والجماع‪:‬‬
‫)والمعتمد فيه إجماع المة قبل حدوث المبتدعين‬
‫)‪(2‬‬
‫على وقوع الرؤية(‪.‬‬
‫ً‬
‫ويقول الكلنبوي تعليقا على قول الدواني‪) :‬يشير إلى‬
‫ما ذكره المصنف ‪-‬يعني العضد اليجي‪ -‬في المواقف‬
‫من أن دللة الكتاب والسنة على هذا المطلب ل تثمر‬
‫علما ً قطعيا ً بل ظنيًا‪ ،‬فل اعتماد لدللتهما عليه لن‬
‫)‪(3‬‬
‫المطلب يقيني‪ .‬والمعتمد هنا إجماع المة(‪.‬‬
‫ووجه الظنية في دللة الية أن حقيقة النظر في اللغة‬
‫هي تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا ً لرؤيته‬
‫ويستعمل في الرؤية مجازا ً كما يستعمل في وجوه‬
‫أخرى مجازًا‪.‬‬
‫يقول ابن فارس‪) :‬النظر تأمل الشيء‪ :‬ثم يستعار‬
‫ويتسع فيه‪ ،‬فيقال نظرت إلى الشيء إذا عاينته‪ ،‬ومن‬
‫باب المجاز قولهم‪ :‬نظر الدهر إلى بني فلن‬
‫فأهلكهم()‪(4‬‬
‫ويقول ابن منظور‪) :‬النظر حس العين‪...‬وتقول‪:‬‬
‫نظرت إلى كذا وكذا‪ ،‬من نظر العين ونظر القلب‪.‬‬
‫يقول القائل‪ :‬إنما ننظر إلى الله ثم إليك‪ ،‬أي إنما‬
‫)‪(5‬‬
‫أتوقع فضل الله ثم فضلك(‪.‬‬
‫ولما كانت دللة الية غير قطعية في إثبات الرؤية‬
‫فقد تسوغ الخلف فيها‪ .‬ونقل الطبري من طرق عن‬

‫‪ ()1‬المواقف ‪.307‬‬
‫‪ ()2‬شرح العضدية مع حاشية الكلنبوي ‪.2/177‬‬
‫‪ () 3‬المصدر السابق نفس الصفحة‪ ،‬وانظر نحوه في شرح‬
‫المقاصد‪ ،‬التفتازاني ‪.4/195‬‬
‫‪ ()4‬مقاييس اللغة )نظر( ‪5/444‬‬
‫‪ ()5‬لسان العرب )نظر( ‪7/73‬‬

‫‪450‬‬
‫مجاهد بن جبر أنه لم يرض تفسير النظر الوارد في‬
‫الية بالرؤية ‪.((1‬‬
‫ولما كانت دللتها غير قطعية أيضا ً لم يكفر أهل‬
‫السنة مخالفيهم في إثبات الرؤية‪ .‬مع أنهم بينوا‬
‫ضعف وجوه تأويل الية التي ذكرها المعتزلة‬
‫وموافقوهم‪.‬‬
‫ومنها قول القاضي عبد الجبار )فإلى في الية واحد‬
‫اللء‪ ،‬فكأنه تعالى قال‪ :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ ،‬إلى ربها‬
‫منتظرة ونعمه مرتقبة(‪((2‬‬
‫ول يخفى ما في هذا التأويل من تكلف ظاهر‪ .‬وهو‬
‫مخالف للغة أيضًا‪ ،‬قال في اللسان‪):‬من قال‪ :‬إن‬
‫معنى قوله تعالى)إلى ربها ناظرة(يعني منتظرة فقد‬
‫أخطأ‪،‬لن العرب ل تقول نظرت إلى الشيء‪ ،‬بمعنى‬
‫انتظرته‪ ،‬إنما تقول‪ :‬نظرت فلنًا‪ :‬أي انتظرته(‪((3‬‬
‫ويقول التفتازاني مستبعدا ً تأويل المعتزلة من جهة‬
‫العقل‪):‬سوق الية لبشارة المؤمنين‪ ...‬والخبار‬
‫بانتظارهم النعمة والثواب ل يلئم ذلك‪ ،‬بل ربما ينافيه‬
‫لن النتظار أجدر بالغم والحزن والقلق وضيق‬
‫الصدر(‪((4‬‬
‫ويمكن أيضا ً الستدلل بالحاديث على صرف النظر‬
‫إلى الرؤية‪ .‬فإذا كانت الية الكريمة تقبل التأويل‪،‬‬
‫ويحتمل أن يراد بها وجها ً آخر غير الرؤية‪ ،‬فإن‬
‫مجموع الحاديث ل يقبل التأويل الذي يصرفها عن‬
‫الوجه الذي أثبته أهل السنة والجماعة‪ .‬وبهذا يظهر‬
‫أثر أخبار الحاد في إثبات رؤية الله عز وجل‪.‬‬

‫)‪ (1‬تفسير الطبري ‪.293-29/192‬‬


‫)‪ (2‬شرح الصول الخمسة‪ .269 - 268 ،‬وانظر نحوه في‬
‫الساس‪ ،‬القاسم الزيدي ‪.80‬‬
‫)‪ (3‬لسان العرب ‪.74-7/73‬‬
‫)‪ (4‬شرح المقاصد ‪ ،4/193‬وانظر نحوه في أصول الدين‪،‬‬
‫البغدادي ‪ 100‬وتفسير الرازي ‪.30/228‬‬

‫‪451‬‬
‫أما المعتزلة وموافقوهم فقد طعنوا في ثبوت أخبار‬
‫الحاد كما طعنوا في الستدلل بالية‪.‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبار‪):‬هذا الخبر يتضمن التشبيه‪،‬‬
‫لنا ل نرى القمر إل مدورا ً عاليا ً منورًا‪ .‬ومعلوم أنه‬
‫ليجوز أن يرى القدير تعالى على هذا الحد‪ .‬فيجب أن‬
‫نقطع على أنه كذب على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬وهذا الخبر يروى عن قيس بن أبي حازم عن‬
‫جرير بن عبد الله البجلي‪...‬وقيس هذا مطعون‬
‫سِلم فأكبر ما فيه أن يكون‬ ‫فيه‪...‬وإن صح هذا الخبر و َ‬
‫خبرا ً من أخبار الحاد‪ .‬وخبر الواحد مما ليقتضي‬
‫العلم‪،‬ومسألتنا هذه طريقها القطع والثبات(‪((5‬‬
‫والجواب على قوله من وجوه‪:‬‬
‫ل‪ :‬ل نسلم أن الحديث يتضمن التشبيه‪ ،‬لن تشبيه‬ ‫أو ً‬
‫الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة ل‬
‫في كيفية الرؤية )‪ .(6‬لن رؤية الله عزوجل بل كيف‪.‬‬
‫كما سيأتي‪....‬‬

‫ثانيًا‪ :‬ليقدح في عدالة قيس بن أبي حازم طَعن من‬


‫طَعن به‪ .‬يقول الذهبي )قيس بن أبي حازم ثقة حجة‪،‬‬
‫كاد أن يكون صحابيا ً وَّثقة ابن معين والناس‪...‬‬
‫وأجمعوا على الحتجاج به‪ ،‬ومن تكلم فيه فقد آذى‬
‫نفسه‪ ،‬نسأل الله العافية(‪.((1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬لينفع الطعن في رواية قيس‪ ،‬لنه قد ورد في‬
‫الرؤية أحاديث أخرى عن واحد وعشرين صحابيا ً كما‬
‫سبق‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬سلمنا بأن أحاديث الرؤية من أخبار الحاد‪:‬‬
‫ولكن تتظاهر الدلة في مسألة الرؤية من ظاهر‬
‫)‪ (5‬شرح الصول‪ 268/269 ،‬وانظر نحوه في الساس‪،‬‬
‫الزيدي ‪.80‬‬
‫)‪ (6‬فتح الباري ‪.11/546‬‬
‫)‪ (1‬ميزان العتدال‪.3/393 ،‬‬

‫‪452‬‬
‫الكتاب والجماع والسنة حتى يحصل العلم واليقين‬
‫في مسألتنا هذه‪.‬‬
‫فظاهر قوله تعالى‪) :‬إلى ربها ناظرة( يحتمل وجوها ً‬
‫من المجاز منها الرؤية‪ .‬ويكفي أن تساق الحاديث‬
‫الشريفة لتعيين الرؤية من وجوه المجاز التي يتحملها‬
‫النظر‪ .‬فإذا استند إجماع المة قبل ظهور المخالف‬
‫على هذا الوجه من الستدلل حصل اليقين في‬
‫مسألتنا هذه‪ .‬فإذا استقام الستدلل لهل السنة في‬
‫إثبات الرؤية فلبد من بيان الرؤية على الوجه الذي‬
‫أثبته أهل السنة‪.‬‬
‫يقول الغزالي‪) :‬إنما أنكر الخصم الرؤية لنه لم يفهم‬
‫صل معناها على التحقيق‪،‬‬ ‫ما نريده بالرؤية‪ ،‬ولم يح ّ‬
‫وظن أننا نريد بها حالة تساوي الحالة التي يدركها‬
‫الرائي عند النظر إلى الجسام واللوان‪ ،‬وهيهات‬
‫فنحن نعترف باستحالة ذلك في حق الله سبحانه‬
‫ولكن ينبغي أن نحصل معنى هذا اللفظ في الموضع‬
‫المتفق ونسبكه ثم نحذف منه ما يستحيل في حق‬
‫الله سبحانه وتعالى‪ ،‬فإن بقى من معانيه معنى لم‬
‫يستحل في حق الله سبحانه وتعالى وأمكن أن‬
‫يسمى ذلك المعنى رؤية حقيقية أثبتناها في حق الله‬
‫ة‪ .‬وإن لم يكن‬ ‫سبحانه‪ ،‬وقضينا بأنه مرئي حقيق ً‬
‫إطلق اسم الرؤية عليه إل بالمجاز أطلقنا اللفظ‬
‫عليه بإذن الشرع‪ ،‬واعتقدنا المعنى كما دل عليه‬
‫العقل‪ ...‬وتحصيله‪ :‬أن الرؤية ل حقيقية لها إل أنها‬
‫نوع إدراك‪ ،‬هو كمال ومزيد كشف بالضافة ‪ -‬أي‬
‫بالنسبة ‪ -‬إلى التخيل‪ .‬فإنا نرى الصديق مث ً‬
‫ل‪ :‬ثم‬
‫نغمض العين فتكون صورة الصديق حاضرة في‬
‫دماغنا على سبيل التخيل والتصور‪ ،‬ولكنا لو فتحنا‬
‫البصر أدركنا تفرقته‪ ...‬إل أن هذه الحالة الثانية‬
‫كالستكمال لحالة التخيل‪ ...،‬فنسمي هذا الستكمال‬
‫بالضافة إلى الخيال رؤية وإبصارًا‪.‬‬

‫‪453‬‬
‫وكذا من الشياء ما نعلمه ولنتخيله‪ .‬وهو ذات الله‬
‫عزوجل وصفاته وكل ما لصورة له‪...‬فإنه ليحيل‬
‫العقل أن يكون لهذا العلم مزيد استكمال‪ ،‬نسبته إليه‬
‫ة البصار إلى التخيل‪.‬‬
‫نسب َ‬
‫ً‬
‫وإن كان ذلك ممكنا بأن خلقت هذه الحالة في العين‬
‫كان اسم الرؤية بحكم وضع اللغة عليه أصدق‪،‬‬
‫وخلقها في العين غير مستحيل‪ ،‬كما أن خلقها في‬
‫القلب غير مستحيل‪.‬‬
‫فإذا فهم المراد بما أطلقه أهل الحق من الرؤية علم‬
‫أن العقل ليحيله‪ .‬وأن الشرع قد شهد له فل يبقى‬
‫للمنازعة وجه إل على سبيل العناد أو المشاحنة في‬
‫إطلق عبارة الرؤية‪ ،‬أو القصور عن درك هذه‬
‫المعاني الدقيقة التي ذكرناها(‪((2‬‬
‫وبعد هذه العبارات النفيسة يمكن تلخيص مراد‬
‫أهل السنة من رؤية الله عزوجل‪ ،‬بأنها انكشاف‬
‫بالبصر يزيد على صفة العلم به سبحانه ويحصل‬
‫بالبصر على وجه خارق للعادة فيخلو من الشرائط‬
‫والكيفيات المعتبرة في رؤية الجسام والعراض‬
‫كاشتراط الجهة وثبوت المسافة المناسبة بين الرائي‬
‫والمرئي‪.((1‬‬
‫وبعد ذكر رأي أهل السنة في إثبات رؤية الله عزوجل‬
‫لم يبق إل أن نشير باختصار إلى أشهر شبه‬
‫المخالفين وما يكفي لدفعها‪.‬‬
‫وهذه الشبه نوعان‪ :‬نوع يرجع إلى أدلة سمعية ونوع‬
‫آخر يرجع إلى أدلة عقلية‪.‬‬
‫ل‪ :‬الشبه السمعية‪:‬‬‫أو ً‬

‫)‪ (2‬القتصاد ‪ 46-43‬وانظر نحوه في غاية المرام ‪-166‬‬


‫‪.167‬‬
‫)‪ (1‬انظر التمهيد‪ ،‬الباقلني ‪ ،274‬وشرح النسفية‪ ،‬التفتازاني‬
‫‪ ،75‬وفتح الباري‪ ،‬ابن حجر ‪ ،11/546‬وشرح العضدية‬
‫‪.2/166‬‬

‫‪454‬‬
‫تمسك المعتزلة وموافقوهم في قولهم بنفي الرؤية‬
‫بآيات من القرآن الكريم زعموا أنها تؤيد مذهبهم‬
‫نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬قال الله تعالى )لتدركه البصار وهو يدرك‬
‫البصار وهو اللطيف الخبير(‪((2‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبار‪):‬وجه الدللة في الية هو ما‬
‫قد ثبت من أن الدراك إذا قرن بالبصر ليحتمل إل‬
‫(‬
‫الرؤية‪ .‬وثبت أنه تعالى نفى عن نفسه إدراك البصر(‬
‫‪.(3‬‬
‫وقد أجاب الباقلني فقال‪ ...) :‬الية ل حجة فيها لنه‬
‫قال‪ ":‬لتدركه البصار " ولم يقل لتراه البصار‪،‬‬
‫والدراك بمعنى يزيد على الرؤية‪ ،‬لن الدراك‪:‬‬
‫الحاطة بالشيء من جميع الجهات‪ ،‬والله تعالى‬
‫ليوصف بالجهات‪ ،‬ول أنه في جهة‪ ،‬فجاز أن يرى وإن‬
‫لم يدرك‪ .‬وهذا كما قال تعالى في قصة اللعين‬
‫فرعون"حتى إذا أدركه الغرق"‪ ((4‬يعني أحاط به من‬
‫جميع جوانبه‪ ،‬والغرق ليوصف بأنه يرى‪ ،‬وإنما يوصف‬
‫بأنه أحاط بالشيء‪ .‬كذلك المؤمن يوصف بأنه يرى‬
‫ربه ول يدركه بالحاطة‪ .‬وهذا كما نقول إنا نعلم ربنا‪،‬‬
‫ولنقول إنا نحيط به‪ .‬فكما كانت الحاطة معنى يزيد‬
‫على العلم كذلك الدراك معنى يزيد على الرؤية‪.‬‬
‫وهذا صحيح لنا نجمع بين قوله تعالى‪ ":‬فاعلم أنه‬
‫)‪ (2‬سورة النعام ‪.103‬‬
‫)‪ (3‬شرح الصول الخمسة ‪ .233‬وانظر القتصاد‪ ،‬الطوسي‬
‫‪ 75‬و الساس‪ ،‬القاسم الزيدي ‪.79‬‬
‫)‪ (4‬سورة يونس ‪.90‬‬
‫)‪ (5‬سورة محمد ‪.19‬‬
‫)‪ (6‬سورة طه ‪.110‬‬
‫)‪ (7‬سورة القيامة ‪.23‬‬
‫)‪ (8‬النصاف ‪ .184‬وانظر نحوه في البانة‪ ،‬الشعري‬
‫‪ .16،19‬والرشاد‪ ،‬الجويني والقتصاد‪ ،‬الغزالي ‪48‬‬
‫والمواقف‪ ،‬اليجي‪.308 ،‬‬

‫‪455‬‬
‫لإله إل الله"‪ ((5‬وبين قوله تعالى‪ ":‬وليحيطون به‬
‫(‬
‫علمًا"‪ .((6‬ونجمع بين قوله تعالى "إلى ربها ناظرة"‬
‫‪ (7‬وبين قوله تعالى‪:‬‬
‫"لتدركه البصار " فتقول‪ :‬معلوم وليحاط به‪ ،‬ومرئي‬
‫ل يدرك‪ .‬فصح ما قلناه وبطل قول الغير(‪.((8‬‬
‫‪ - 2‬قال تعالى‪):‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه‬
‫قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني‪.((1(..‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبار في وجه استدللهم بالية‪:‬‬
‫)وهذه الية حجة لنا‪ ...‬لنه تعالى قال "لن تراني "‬
‫ولن موضوعة للتأييد‪ .‬فقد نفى أن يكون مرئيا ً البتة‪...‬‬
‫وهذا يدل على استحالة الرؤية(‪((2‬‬
‫وأجاب الباقلني فقال‪):‬إن هذا ل يمنع من جواز‬
‫الرؤية‪ .‬لن قوله "لن تراني " إنما تضمن عدم وجود‬
‫الرؤية عند السؤال ل استحالة الرؤية‪ ...‬ولو أراد‬
‫استحالة الرؤية لقال‪:‬لن يجوز أن تراني‪ .‬وقد ليوجد‬
‫الشيء وليدل على استحالته‪ .‬أل ترى أن أحدا ً لو‬
‫سأل نبي زمانه أن يسأل ربه أن يرزقه ولدًا‪ .‬فسأل‬
‫نبي ذلك الزمان‪ ،‬فأوحى الله تعالى‪ :‬لن ي ُْرَزق هذا‬
‫ل ولدًا‪ .‬فل يدل ذلك على أنه ليجوز وجود الولد‬ ‫السائ ُ‬
‫ن‬
‫في حق هذا السائل‪ ،‬وليستحيل‪ ،‬بل هو جائز وإ ْ‬
‫مِنع من وجوده عقب السؤال‪.‬‬ ‫ُ‬
‫على أن حرف "لن " ليقتضي عدم جواز الرؤية في‬
‫الدنيا والخرة ولو قرن بـ )أبد( أل ترى أنه تعالى قال‬

‫)‬

‫)‬

‫)‬

‫)‬

‫)‪ (1‬سورة العراف ‪.143‬‬


‫)‪ (2‬شرح الصول الخمسة ‪.264‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة ‪.95‬‬

‫‪456‬‬
‫(‬
‫في حق اليهود‪ ":‬ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم "‬
‫‪(3‬‬
‫فلم يدل ذلك على أنهم لن يتمنوه في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫لنه أخبر تعالى أنهم يتمنون الموت في النار بقوله "‬
‫ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك"‪ ((4‬يعنون الموت‪.‬‬
‫فإذا كان حرف لن مع اقتران )أبد( به ليقتضي نفي‬
‫ذلك في الدنيا والخرة‪ .‬فكيف به إذا لم يقرن‬
‫به)أبد( ؟(‪((5‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الشبه العقلية‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬لو جاز عليه سبحانه الرؤية بالبصار لوجب أن‬
‫يكون‪ .‬محدودا ً وحال ً في مكان أو يكون من جنس‬
‫المرئيات‪ ،‬لننا لم نعقل مرئيا ً بالبصر إل كذلك‪ .‬فلما‬
‫ً(‬
‫استحال عليه جميع هذه الوجوه بطل أن يكون مرئيا‬
‫‪.(6‬‬
‫والجواب‪ :‬أن اشتراط هذه المور لحصول الرؤية في‬
‫الدنيا لينفي تحقق الرؤية في الخرة بدون هذه‬
‫الشرائط‪ .‬واعتماد المعتزلة في هذا الستدلل على‬
‫قياس الغائب على الشاهد‪ .‬ويلزمهم على هذا‬
‫القياس وصف الله عزوجل بالجسمية‪ .‬لن القائل‬
‫ً‬
‫يقول‪ :‬لو كان للكون خالق لوجب أن يكون جسما وذا‬
‫علة وطبع وآلة وغير ذلك‪ ،‬لنا لن نعقل صانعا ً إل على‬
‫هذه الوصاف‪.‬‬
‫فإما أن يتمسك المعتزلة بهذا الدليل فيلزمهم القول‬
‫بمحالت كثيرة على الله عزوجل كالجسمية‬

‫)‪ (4‬سورة الزخرف ‪.77‬‬


‫)‪ (5‬سورة النصاف‪ 179 ،‬وانظر نحوه في التمهيد‪270 ،‬‬
‫والقتصاد‪ ،‬الغزالي ‪ 47‬وشرح المقاصد ‪ 4/207‬وشرح‬
‫الدواني‪.200/180 ،‬‬
‫)‪ (6‬انظر شرح الصول الخمسة‪ ،‬عبد الجبار ‪249 - 248‬‬
‫والقتصاد‪ ،‬الطوسي ‪.74‬‬
‫)‬

‫‪457‬‬
‫واستخدام اللة وغيرها‪ ،‬وإما أن يرفضوا هذه‬
‫اللزامات محافظة على التنزيه فتسقط شبهتهم في‬
‫الرؤية أيضا ً وتنفي هذه اللوازم التي ذكروها ‪.((1‬‬
‫والحاصل أن المعتزلة لم يذكروا وجها ً تثبت به‬
‫استحالة الرؤية‪ .‬وقد أطال أهل السنة في دفعها ولم‬
‫يكتفوا بذلك بل استدلوا بالعقل أيضا ً على جوازها‪.‬‬
‫فمن ذلك أن المام الباقلني استنبط من قوله تعالى‬
‫)قال رب أرني أنظر إليك( دليل ً عقليا ً يثبت الجواز‬
‫فقال‪) :‬الدليل على جوازها من حيث العقل سؤال‬
‫موسى عليه السلم حيث قال "رب أرني أنظر إليك‬
‫"فموسى عليه السلم طلب الرؤية ويستحيل أن‬
‫يسأل نبي من النبياء مع جللة قدره وعلو مكانته ما‬
‫يجوز عليه و ما ليجوز عليه سبحانه‪ .‬ولو أنه اعتقد‬
‫عدم جوازها لما سألها(‪((2‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن رؤية الله جائزة في العقل وقد دل‬
‫ظاهر الكتاب على وقوعها ونصت الحاديث الشريفة‬
‫على ذلك وأجمع أهل السنة على إثبات الرؤية قبل‬
‫حدوث المخالف‪ .‬ثم خالف المعتزلة فأولوا الية على‬
‫ت الرؤية‪ ،‬وطعنوا في صحة الخبار‬ ‫وجه ليتم به إثبا ُ‬
‫وعدالة رواتها‪ ،‬واستدلوا بشبه سمعية وعقلية لنفي‬
‫الرؤية‪ .‬وقد أجاب عنها أهل السنة والجماعة والله‬
‫أعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬النصاف ‪ .187‬والتمهيد ‪ 277‬والقتصاد‪ ،‬الغزالي ‪42‬‬


‫وغاية المرام‪ ،‬المدي ‪ 168‬وشرح المقاصد‪ ،‬التفتازاني‬
‫‪.4/207‬‬
‫)‪ (2‬النصاف ‪ .47‬وانظر الباقلني وآراؤه ‪ ,‬د‪ .‬محمد رمضان‬
‫‪.568‬‬

‫‪458‬‬
‫رؤية ال عز وجل في الدنيا‬
‫سبق أن رؤية الله عز وجل جائزة من جهة العقل‪.‬‬
‫أنها ثابتة حاصلة للمؤمنين في الخرة بدليل السمع‪.‬‬
‫أما رؤيته في الدنيا فقد اتفق أهل السنة والجماعة‬
‫على أن الله عزوجل ليراه أحد من المؤمنين في‬
‫الدنيا‪ .‬وحكى القاضي عياض عن المام مالك وغيره‬
‫من السلف والخلف أنه يستدل لمنع ذلك بدليل‬
‫العقل‪ .‬قال القاضي‪):‬وقد رأيت لبعض السلف‬
‫والمتأخرين ما معناه‪ :‬إن رؤيته تعالى في الدنيا‬
‫ممتنعة لضعف تركيب أهل الدنيا وقواهم‪ ...‬فإذا كان‬
‫في الخرة ركبوا تركيبا ً آخر‪ ،‬ورزقوا قوى ثابتة باقية‬
‫قووا بها على الرؤية وقد رأيت نحو هذا لمالك بن‬
‫أنس رحمه الله وقال‪ :‬لم ير في الدنيا لنه باق‪ ،‬ول‬
‫ُيرى الباقي بالفاني(‪((1‬‬
‫ثم أشار القاضي إلى عدم تمام الستدلل بما سبق‬
‫فقال‪):‬وهذا كلم حسن مليح‪ .‬وليس فيه دليل على‬
‫الستحالة إل من حيث ضعف القدرة فإذا قوى الله‬
‫تعالى من شاء من عباده وأقدره على حمل أعباء‬
‫الرؤية لم تمتنع في حقه(‪((2.‬‬
‫ويستدل لثبات الجواز العقلي بأن موسى عليه‬
‫السلم طلب الرؤية في الدنيا‪ .‬وليجوز على النبي أن‬
‫يجهل ما يستحيل في حق الله عز وجل‪ .‬وقد سبق‬
‫بيانه‪.(13‬‬

‫)‪ (1‬الشفا ‪ .1/384‬وانظر نحوه في فتح الباري‪ ،‬ابن حجر‬


‫‪ .8/782‬وشرح الفقه الكبر‪ ،‬القاري ‪.103‬‬
‫)‪ (2‬الشفا ‪.385-1/384‬‬
‫‪ (31‬وانظر الشفا ‪ .382 /1‬ولوامع النوار ‪.285 /2‬‬
‫)‪ (4‬فتح الباري ‪.872 /8‬‬
‫)‪ (5‬ت َعَل ّ ُ‬
‫موا‪ :‬بمعنى اعلموا‪ .‬انظر النهاية‪ ،‬ابن الثير ‪3/292‬‬
‫وشرح النووي على مسلم ‪5/777‬‬

‫‪459‬‬
‫وفي أخبار الحاد ما يدل على امتناعها في الدنيا‬
‫على المؤمنين من أمة محمد )صلى الله عليه‬
‫وسلم(‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪):‬ووقع في صحيح مسلم ما‬
‫يؤيد هذه التفرقة ‪ -‬يعني بين الرؤية في الدنيا‬
‫والخرة ‪ -‬حديث مرفوع(‪ .((4‬يريد بذلك ما أخرجه‬
‫المام مسلم بسنده عن عمرو بن ثابت النصاري أنه‬
‫أخبره بعض أصحاب رسول الله )صلى الله عليه‬
‫وسلم(أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم( قال‬
‫يوم حذر الناس الدجال )إنه مكتوب بين عينيه كافر‪.‬‬
‫يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن(‬
‫َ‬ ‫( َ‬
‫حد ٌ منكم ربه عز وجل‬ ‫ه لن ي ََرى أ َ‬
‫موا‪ ( 5‬أن ّ ُ‬‫وقال )ت َعَل ّ ُ‬
‫حتى يموت(‪( 6‬‬
‫(‬

‫وأخرج ابن خزيمة له شاهدين من حديث أبي أمامة‬


‫وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما‪ .‬بلفظ )لن تروا‬
‫ربكم حتى تموتوا(‪((1‬‬
‫وليس في هذه الحاديث ما ينفي وقوع رؤية النبي‬
‫)صلى الله عليه وسلم( لربه عز وجل‪ .‬أما في رواية‬
‫مسلم فذلك ظاهر واضح‪ .‬وأما في رواية ابن خزيمة‪.‬‬
‫فلن المتكلم ليدخل في عموم كلمه‪(12‬‬
‫فإذا لم يثبت ما يمنع رؤية النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( لربه‪ .‬فقد اختلف السلف والخلف في وقوعها‬
‫ليلة المعراج‪.‬‬
‫فذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى إثبات‬
‫وقوعها‪ .‬وذهبت عائشة رضي الله عنها وعبد الله بن‬
‫مسعود وأبو هريرة رضي الله عنهم أجمعين إلى نفي‬
‫)‪ (6‬كتاب الفتن ‪.19/2931‬‬
‫)‬

‫)‬

‫)‪ (1‬التوحيد وإثبات صفات الرب‪.185 ،‬‬


‫‪ (21‬انظر فتح الباري ‪ ,‬ابن حجر ‪.8/782‬‬

‫‪460‬‬
‫الوقوع ‪ .(13‬واختلفت الرواية عن أبي ذر رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫أما عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقد أخرج‬
‫المام مسلم بسنده عن أبي العالية عن ابن عباس‬
‫قال )ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى( ‪( 4‬‬
‫‪2‬‬

‫قال‪ :‬رآه بفؤاده مرتين‪(35‬‬


‫وأخرج المام مسلم بسنده عن عطاء ابن عباس قال‬
‫)رآه بقلبه(‪((6‬‬
‫وأخرج الحافظ ابن حبان بسنده عن أبي سلمة عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما قال‪):‬قد رأى محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ربه(‪((7‬‬
‫وأخرج الحافظ ابن خريمة بسنده عن أنس بن مالك‬
‫رضي الله عنه قال‪):‬رأى محمد ربه(‪((8‬‬
‫وأما عائشة رضي الله عنها فقد أخرج المام مسلم‬
‫بسنده عن مسروق قال‪) :‬كنت عند عائشة رضي الله‬
‫عنها فقالت‪ :‬يا أبا عائشة‪ ,‬ثلث من تكلم بواحدة‬
‫منهن فقد أعظم على الله الفرية‪ :‬قلت وما هن ؟‬
‫قالت‪ :‬من زعم أن محمدًا)صلى الله عليه وسلم(‬

‫‪ (31‬انظر النصاف‪ ،‬الباقلني ‪ 176‬والشفا‪ ،‬عياض ‪1/376‬‬


‫وشرح النووي ‪ 1/415‬وشرح الطحاوية‪ ،‬الحنفي ‪.213‬‬
‫‪ (42‬سورة النجم ‪.13-12‬‬
‫)‪ (5‬كتاب اليمان ‪ 77/175‬وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد‬
‫‪.199‬‬
‫)‪ (6‬كتاب اليمان ‪ 77/175‬وأخرجه الطبري في تفسيره‬
‫‪ 48 /27‬وابن خزيمة في التوحيد ‪.199‬‬
‫)‪ (7‬انظر الحسان ‪ 1/266‬وأخرجه الترمذي في كتاب‬
‫التفسي من سورة النجم ‪.3/3280‬‬
‫‪ (83‬التوحيد ‪.199‬‬
‫)‪ (9‬سورة التكوير ‪.23‬‬
‫)‪ (10‬سورة النجم ‪.13‬‬
‫)‬

‫)‬

‫‪461‬‬
‫رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية‪ ،‬قال‪ :‬وكنت‬
‫متكئا فجلست فقلت ياأم‬
‫أنظريني ولتعجلي‪ ،‬ألم يقل الله عز وجل)ولقد رآه‬
‫بالفق المبين(‪) ((9‬ولقد رآه نزلة أخرى(‪ ((10‬فقالت‪:‬‬
‫أنا أول هذه المة سأل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬إنما هو جبريل‪ ،‬لم أره على صورته‬
‫التي خلق عليها‪ ،‬غير هاتين المرتين‪ .‬رأيته منهبطا من‬
‫قهِ ما بين السماء إلى الرض‪.‬‬ ‫خل ِ‬ ‫عظ َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ساد ّا ً ِ‬
‫السماء‪َ ،‬‬
‫فقالت‪ :‬أولم تسمع أن الله يقول‪ " :‬لتدركه البصار‬
‫وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير "؟‪((1‬‬
‫أو لم تسمع أن الله عز وجل يقول‪ " :‬وما كان لبشر‬
‫أن يكلمه الله إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل‬
‫رسول ً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم "‪((2‬‬
‫قالت‪ :‬ومن زعم أن رسول الله )صلى الله عليه‬
‫وسلم( كتم شيئا ً من كتاب الله فقد أعظم على الله‬
‫الفرية‪.‬‬
‫والله يقول‪ ":‬ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ربك‬
‫وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "‪((3‬‬
‫قالت ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم‬
‫على الله الفرية‪ .‬والله يقول‪ ":‬قل ليعلم من في‬
‫السموات والرض الغيب إل الله " ‪(15(((4‬‬
‫)‬

‫)‬

‫)‪ (1‬سورة النعام ‪103‬‬


‫)‪ (2‬سورة الشورى ‪.51‬‬
‫)‪ (3‬سورة المائدة ‪..67‬‬
‫)‪ (4‬سورة النمل ‪..65‬‬
‫‪ (51‬في كتاب اليمان ‪ .77/177‬والبخاري في التفسير من‬
‫سورة المائدة ‪ .6/4612‬وفي تفسير سورة النجم ‪.1/4855‬‬
‫وفي كتاب التوحيد ‪ ،4/7380‬و ‪ 46/7531‬والترمذي في‬
‫تفسير سورة النجم ‪ 53/3278‬وابن خزيمة في التوحيد‬
‫‪ 223-222‬والبيهقي في السماء ‪.549‬‬

‫‪462‬‬
‫وأخرج المام مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه قال )"ما كذب الفؤاد ما رأى " ‪(16‬‬
‫قال‪ :‬رأى جبريل له ستمائة جناح(‪((7‬‬
‫وأخرج أيضا ً بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه "‬
‫ولقد رآه نزلة أخرى " ‪ ((8‬قال )رأى جبريل(‪((9‬‬
‫وأما أبو ذر الغفاري رضي الله عنه فقد اختلفت‬
‫الرواية عنه‪ .‬فروي عنه ما يقتضي نفي الوقوع وروي‬
‫عنه ما يفيد الوقوع‪.‬‬
‫فأخرج المام مسلم بسنده عن عبد الله بن شقيق‬
‫قال‪ :‬قلت لبي ذر‪ :‬لو رأيت رسول الله )صلى الله‬
‫عليه وسلم( لسألته‪ .‬فقال‪ :‬عن أي شئ كنت‬
‫تسأله ؟ قال‪ :‬كنت أسأله‪ :‬هل رأيت ربك ؟ قال أبو‬
‫ذر‪ :‬قد سألته فقال‪ :‬رأيت نورًا‪((10.‬‬
‫وفي رواية عن مسلم أيضا ً قال‪:‬سألت رسول‬
‫الله)صلى الله عليه وسلم(هل رأيت ربك؟ قال‪ :‬نور‬
‫أنى أراه؟‪((1‬‬
‫وهاتان الروايتان تقتضيان نفي الوقوع‪.‬‬

‫‪ (61‬سورة النجم ‪11‬‬


‫)‪ (7‬في كتاب اليمان ‪ .77/174‬وأخرجه البخاري بألفاظ‬
‫متقاربة في كتاب التفسير من سورة النجم ‪.53/4856‬‬
‫والترمذي في كتاب التفسير من سورة النجم ‪53/3277‬‬
‫وابن خزيمة في التوحيد ‪ .203-202‬وابن حبان‪ .‬انظر‬
‫الحسان ‪ .1/228‬والبهيقي في السماء والصفات ‪.547‬‬
‫)‪ (8‬سورة النجم ‪.11‬‬
‫)‪ (9‬في كتاب اليمان ‪ 175 /87‬والبيهقي في السماء ‪.550‬‬
‫)‪ (10‬في كتاب اليمان ‪ 78/178‬والترمذي في تفسير سورة‬
‫النجم ‪ 3/3282‬وابن خزيمة في التوحيد ‪206-205‬‬
‫)وابن حبان‪ ،‬انظر الحسان ‪.1/228‬‬

‫)‬

‫)‪ (1‬في كتاب اليمان ‪.78/178‬‬

‫‪463‬‬
‫قال النووي )أما قوله صلى الله عليه وسلم‪ ":‬نور‬
‫أنى أراه " فهو بتنوين "نور " وبفتح الهمزة في " أنى‬
‫" وتشديد النون وفتحها‪ ،‬و"أراه " بفتح الهمزة‪ .‬هكذا‬
‫رواه جميع الرواة في جميع الروايات والصول‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬حجابه نور‪ ،‬فكيف أراه ؟ قال المام أبو عبد‬
‫الله المارزي رحمه الله‪ .‬الضمير في أراه عائد على‬
‫الله عز وجل‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬أن النور منعني من الرؤية‪ .‬كما جرت العادة‬
‫بإغشاء النوار والبصار ومنِعها من إدراك ما حالت‬
‫بين الرائي وبينه‪.‬وقول صلى الله عليه وسلم " رأيت‬
‫نورا ً " معناه‪ :‬رأيت النور فحسب ولم أر غيره(‪((2‬‬
‫وفي حديث أبي موسى الشعري‪ ...‬عند المام مسلم‬
‫ما يدل على أن النور هو الحجاب‪ .‬وفيه )حجابه‬
‫النور ‪ ,‬ولو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى‬
‫إليه بصره من خلقه(‪((3‬‬
‫وأما ما روي عن أبي ذر رضي الله عنه مما يقتضي‬
‫إثبات الرؤية فقد وقع في بعض روايات الخبر السابق‬
‫وخبر آخر غيره‪.‬‬

‫)‪ (2‬شرح النووي ‪.423-1/422‬‬


‫)‪ (3‬في كتاب اليمان ‪،79/179‬وابن ماجة في مقدمة السنن‬
‫‪ .196-13/195‬والمراد بقوله‪ :‬سبحات وجهه نور جلله‬
‫وبهائه‪ ،‬أما الحجاب فحقيقته إنما تكون للجسام المحدودة‪،‬‬
‫ةالله تعالى منزه عن الجسم والحد‪ .‬والمقصود بإضافة‬
‫الحجاب إليه أنه خالقه وجاعله مانعا ً من رؤيته عز وجل‪.‬‬
‫ومنه القول المأثور"أن الله ل يحتجب عن خلقه بشيء ولكن‬
‫حجب خلقه عنه بمخلوق‪ .‬والمراد بما انتهى إليه بصره جميع‬
‫المخلوقات‪ ،‬لن بصره سبحان محيط بجميع الكائنات ولفظة‬
‫"من" هنا لبيان الجنس ل للتبعيض‪ .‬وانظر مشكل الحديث‪،‬‬
‫ابن فورك ‪ 87 -85‬والنهاية‪ ،‬ابن الثير ‪ 2/332‬وشرح النووي‬
‫‪.1/424‬‬

‫‪464‬‬
‫أول ً ‪ -‬وقع في بعض روايات الخبر السابق أنه قال‪":‬‬
‫نوُُر إني أراه " أخرجه ابن خزيمة من طريق أبي‬
‫موسى محمد بن المثنى‪.((4‬‬
‫وعند ابن خزيمة أيضا ً أن محمدا ً بن بشار )بندار( ‪((5‬‬
‫نبه إلى مخالفة أبي موسى في هذه الرواية فحدث‬
‫بهذا الحديث فقال‪ ...":‬نور أنى أراه ؟ " ثم قال‪:‬‬
‫)لكما قال أبو موسى _ قال _‪ :‬إني أراه( ‪ ((6‬ومما‬
‫يؤكد وهم محمد بن المثنى في هذه الرواية أنه كان‬
‫ليحدث إلمن كتابه ‪ ((7‬وصورة كتابة الروايتين‬
‫متقاربة مما يقوي احتمال حصول تصحيف في الخط‬
‫أو وهم عند القراءة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫على أن هذه الرواية مخالفة لما في صحيح مسلم ـ‬
‫كما سبق ـ وقد استنكرها القاضي عياض من وجه‬
‫آخر فقال‪):‬هذه الرواية لم تقع إلينا ولرأيتها في‬
‫شيء من الصول‪ .‬ومن المستحيل أن تكون ذات الله‬
‫نورًا‪ :‬إذ النور من جملة الجسام‪ .‬والله سبحانه يجل‬
‫عن ذلك‪ .‬هذا على مذهب جميع أئمة المسلمين( ‪.((1‬‬
‫وعلى هذا فليصح نسبة القول بإثبات الرؤية إلى أبي‬
‫ذر رضي الله عنه إستنادا ً لهذه الرواية‪.‬‬
‫ولكن جاء في خبر آخر أنه أثبت الرؤية‪.‬‬
‫فقد أخرج ابن خزيمة بسنده عنه رضي الله عنه في‬
‫قوله تعالى‪):‬ولقد رآه نزلة أخرى( )رآه بقلبه‪ .‬ولم‬
‫يره بعينيه(‪.((2‬‬

‫التوحيد ‪.206-205‬‬ ‫)‪(4‬‬


‫ثقة حافظ‪ ،‬انظر ترجمته في التقريب ‪.2/147‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫التوحيد ‪.207‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫انظر الميزان ‪.4/24‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫شرح النووي ‪.1/423‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫التوحيد ‪.208‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪465‬‬
‫فانضاف بهذا الخبر قول أبي ذر في تفسير الية إلى‬
‫قول ابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وتضافرت الرواية عنهم بإثبات وقوع الرؤية بالفؤاد‬
‫دون البصر‪.‬‬
‫ومعناه أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده‪ ،‬أو خلق‬
‫لفؤاده بصرا ً حتى رأى ربه رؤية صحيحة‪ .‬والرؤية‬
‫ليشترط لها محل مخصوص عقل ً ولو جرت العادة‬
‫بخلقها في العين‪ .‬فقد يخلق الله انكشافا ً يزيد على‬
‫العلم‪ ،‬ويجعل محل هذا النكشاف في القلب‪((3.‬‬
‫وبعد اختلف السلف من الصحابة الكرام في إثبات‬
‫وقوع الرؤية اختلف الخلف من أهل السنة والجماعة‬
‫في هذه المسألة على ثلثة أقوال‪.‬‬
‫فريق يرجح ماذهب إليه ابن عباس وفريق يسوق‬
‫العتراضات على استدلل الفريق الول ثم يختار‬
‫الوقف في هذه المسألة‪ .‬وفريق يصرح بنفي وقوع‬
‫الرؤية‪.‬‬
‫وفيما يلي تفصيل اختلفهم ووجه مااختاره كل فريق‪.‬‬
‫اختار فريق من أهل السنة والجماعة إثبات الرؤية‪.‬‬
‫ومنهم المام الباقلني ‪ (14‬وابن خزيمة )‪ (2‬والمام‬
‫النووي )‪ (3‬وغيرهم)‪ (4‬ووجه هذا الختيار ترجيح الخبر‬
‫الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما من وجوه‪.‬‬

‫)‪ (3‬يقول الحافظ بن كثير في تفسيره ‪ :4/251‬ليصح في‬


‫وقوع الرؤية بالبصر شيء عن الصحابة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫وانظر شرح النوري علي مسلم ‪ 1/417‬وفتح الباري ابن‬
‫حجر ‪ 8/738‬ولوامع النوار‪ ،‬السفاريني ‪2/255‬‬
‫‪ (41‬انظر النصاف ‪.181‬‬
‫‪ ()2‬انظر التوحيد ‪.197‬‬
‫‪ ()3‬انظر شرح النووي على مسلم ‪.1/416‬‬
‫‪ ()4‬انظر لوامع النوار‪ ،‬السفاريني ‪ ،2/252‬وشرح الجوهرة‪،‬‬
‫الباجوري ‪.251‬‬

‫‪466‬‬
‫ل‪ :‬إن الخبر عن ابن عباس له حكم المرفوع إلى‬ ‫أو ً‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫يقول ابن خزيمة )ثبت عن ابن عباس إثباته أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه‪ .‬وبيقين يعلم كل‬
‫عالم أن هذا من الجنس الذي ليدرك بالقول والراء‬
‫والظنون‪ ،‬وليدرك مثل هذا العلم إل من طريق‬
‫ب أو بقول نبي مصطفى ولأظن أحدا ً‬ ‫النبوة‪ ،‬إما بكتا ٍ‬
‫من أهل العلم يتوهم أن ابن عباس قال‪ ":‬رأى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ربه " برأى وظن ‪.(((1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الترجيح بتفاوت العلم‪.‬‬
‫يقول ابن خزيمة )وتقول كما قال معمر بن راشد لما‬
‫ذكر اختلف عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي‬
‫الله عنهما في هذه المسألة‪ :‬ما عائشة عندنا أعلم‬
‫من ابن عباس‪.‬‬
‫نقول‪ :‬عائشة الصديقة بنت الصديق‪ ،‬حبيبة حبيب‬
‫الله‪ ،‬عالمة فقيهة‪ ،‬كذلك ابن عباس ابن عم النبي‬
‫)صلى الله عليه وسلم(‪ .‬دعا النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( له أن يرزقه الحكمة والعلم‪...‬وهو المسمى‬
‫ترجمان القرآن‪.((2(...‬‬
‫ويقول النووي‪) :‬ثم إن عائشة رضي الله عنها لم تنف‬
‫الرؤية بحديث عن الرسول )صلى الله عليه وسلم(‬
‫ولو كان معها فيه حديث لذكرته‪ .‬وإنما اعتمدت‬
‫الستنباط من اليات‪.((3(...‬‬
‫ثالثًا‪ :‬العتراض على استدلل عائشة رضي الله عنها‬
‫باليات الكريمات‪.‬‬

‫)‪ (1‬التوحيد ‪ ،228‬وانظر نحوه في شرح النووي ‪،1/416‬‬


‫ولوامع النوار ‪.2/252‬‬
‫)‪ (2‬التوحيد ‪ ،228‬وانظر نحوه في لوامع النوار البهية‪،‬‬
‫السفاريني ‪2/253‬‬
‫)‪ (3‬شرح النووي على مسلم ‪.1/416‬‬

‫‪467‬‬
‫يقول النووي‪):‬فأما احتجاج عائشة بقول الله تعالى‪":‬‬
‫لتدركه البصار " فجوابه ظاهر‪ .‬فإن الدراك هو‬
‫الحاطة‪ .‬والله تعالى ليحاط به‪ ،‬وإذا ورد النص بنفي‬
‫الحاطة ليلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة‪ ...‬وأما‬
‫احتجاجها رضي الله عنها بقول الله تعالى‪ ":‬وما كان‬
‫ببشر أن يكلمه الله إل وحيا ً " ‪ ((4‬فالجواب عنه من‬
‫أوجه‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه ليلزم من الرؤية وجود الكلم حال الرؤية‬
‫فيجوز وجود الرؤية من غير كلم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه عام مخصوص بما تقدم من الدلة‪( 5(.‬‬
‫(‬

‫القول الثاني‪ :‬الوقف‪.‬‬


‫نظر بعض العلماء في أدلة الفريقين من الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم فلم ينقدح في أذهانهم مايترجح به‬
‫أدلة فريق من الفريقين‪ .‬فاختاروا الوقف على‬
‫المسألة‪.‬‬
‫وممن صرح باختيار هذا الموقف التابعي الجليل سعيد‬
‫بن جبير فقال‪) :‬لأقول رآه ول لم يره(‪ ((6‬واختاره‬
‫القاضي عياض ونسبه إلى بعض مشايخه من المالكية‬
‫‪ ((7‬وعزاه الحافظ ابن حجر إلى القرطبي في شرحه‬
‫على مسلم‪ .‬يقول الحافظ )وقد رجح القرطبي في‬
‫"المفهم" قول الوقف في هذه المسألة‪ ،‬وعزاه‬
‫لجماعة من المحققين‪ ،‬وقواه بأنه ليس في الباب‬
‫دليل قاطع وغاية مااستدل به للطائفتين ظواهر‬
‫متعارضة قابلة للتأويل‪.((8(...‬‬
‫وتفصيل وجه اختيار الوقف في المسألة كما يأتي‪:‬‬

‫من سورة الشورى ‪.51‬‬ ‫)‪(4‬‬


‫شرحه على مسلم ‪.1/417‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫انظر الشفا‪ ،‬عياض ‪.1/380‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫نفسه ‪.1/381‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫فتح الباري ‪.8/783‬‬ ‫)‪(8‬‬

‫‪468‬‬
‫‪ - 1‬يقول القاضي عياض‪):‬والحق الذي لامتراء فيه‬
‫ل‪ ....‬وليس في‬ ‫أن رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عق ً‬
‫الشرع دليل قاطع على استحالتها ولامتناعها‪ ...‬وأما‬
‫وجوبه لنبينا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والقول بأنه رآه‬
‫بعينه فليس فيه قاطع أيضا ً ولنص‪.‬‬
‫إذ المعول فيه على آيتي النجم‪ .‬والتنازع فيهما مأثور‪،‬‬
‫والحتمال لهما ممكن‪ ،‬ولأثر قاطع متواتر عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بذلك‪.‬‬
‫وحديث ابن عباس خبر عن اعتقاده لم يسنده الى‬
‫ب العمل باعتقاده‬ ‫النبي )صلى الله عليه وسلم( فيج َ‬
‫مضمنه‪ ،‬ومثله حديث أبي ذر في تفسير الية‪ ...‬فإن‬
‫ورد حديث نص بين في الباب اعتقد ووجب المصير‬
‫إليه‪ ،‬إذ لاستحالة فيه ولمانع قطعيا ً يرده والله‬
‫الموفق للصواب(‪.((1‬‬
‫وقد فصل الحافظ ابن حجر في الجابة على من‬
‫قال‪ :‬خبر ابن عباس له حكم المرفوع‪.‬‬
‫فقال بعد نقل كلم المام النووي‪ ...):‬وجزمه بأن‬
‫ف الرؤية بحديث مرفوع تبع فيه ابن‬ ‫عائشة لم تن ِ‬
‫خزيمة ‪ ...((2‬وهو عجيب‪ ،‬فقد ثبت ذلك عنها في‬
‫مسلم‪((4.(((3‬‬
‫ويقول البيهقي‪):‬اتفقت رواية عبدالله مسعود وعائشة‬
‫بنت الصديق وأبي هريرة رضي الله عنهم على أن‬
‫هذه اليات أنزلت في رؤية النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( جبريل عليه السلم‪ ،‬وفي بعضها أسند الخبر‬
‫إلى النبي )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬وهو أعلم بمعنى‬
‫ما أنزل إليه(‪.((5‬‬
‫الشفا ‪.1/388‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫انظر رأي ابن خزيمة في التوحيد ‪.228‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫سبق تخريجه‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫فتح الباري ‪.382 - 8/381‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫السماء والصفات ‪.550‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫‪469‬‬
‫وبهذا يتضح أنه لمعول في إثبات الرؤية على آيتي‬
‫سورة النجم‪ ،‬لنه قد ثبت في حديث عائشة المرفوع‬
‫أن المرئي هو جبريل عليه السلم‪ .‬وتفسير ابن‬
‫عباس لليتين إجتهاد منه‪ .‬وقد وقع مخالفا لما صح‬
‫عن رسول الله )صلى الله عليه وسلم( في تفسير‬
‫اليتين‪.‬‬
‫وقول القائل‪):‬ماعائشة أعلم عندنا من ابن عباس(‬
‫مبني على أن ماذهبت إليه عائشة رضي الله عنها‬
‫في تفسير الية استنباط منها واجتهاد‪ .‬فيقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫استدللها باليتين من سورة النعام والشورى‬
‫استنباط واجتهاد‪ .‬ويتجه العتراض على الستدلل‬
‫بهما كما سبق‪ ،‬ولكن تفسيرها لليات من سورة‬
‫النجم مرفوع إلى النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫فيجب المصير إليه‪ ،‬وهو قادح في إثبات الرؤية‬
‫استنادا ً لليات من سورة النجم لن المرئي فيها هو‬
‫جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬نفي وقوع الرؤية‪.‬‬
‫ولم أر من صرح باختياره غير عثمان الدارمي فإنه‬
‫قال مخاطبا ً من أنكر وقوع الرؤية في الخرة‪):‬وأنتم‬
‫تقولون وجميع المة تقول به أنه لم يَر‪ ،‬وليرى في‬
‫الدنيا‪ .‬فأما في الخرة فما أكبر نعيم أهل الجنة إل‬
‫النظر إلى وجهه(‪((1‬‬
‫وفي حكايته هذا الموقف عن جميع المة نظر ظاهر‬
‫فقد صح خلفه عن طائفة من الصحابة كما سبق‬
‫وصح عن بعض كبار التابعين كالحسن البصري‬
‫وعكرمة‪((2.‬‬
‫والحاصل أن الخلف في هذه المسألة ليدعو إلى‬
‫شقاق أو نزاع‪ ،‬ولكل خلف سلف في هذه المسألة‪.‬‬
‫)‪ (1‬الرد على الجهمية ‪306‬‬
‫)‪ (2‬انظر التوحيد‪ ،‬ابن خزيمة ‪ .4/251‬وتفسير ابن كثير‬
‫‪4/251‬‬

‫‪470‬‬
‫والذي أميل إليه هو ماذهب إليه القاضي عياض رحمه‬
‫الله‪ ،‬فالعقل والشرع ليمنعان أن يرى النبي )صلى‬
‫الله عليه وسلم( ربه عز وجل في الدنيا‪ .‬أما الوقوع‬
‫فيحتاج إلى دليل‪ ،‬وليس يصح التمسك باليات‬
‫الكريمة لثباته لنه قد صح عن النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( تفسيرها بخلفه‪ .‬فل بأس في الوقف حتى‬
‫يتبين الدليل‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫ويحسن قبل ختام هذا المطلب التنبيه إلى بعض‬
‫الخبار التي لحقها الضعف في سندها والنكارة في‬
‫متنها في موضوع الرؤية‪.‬‬
‫‪ - 1‬أخرج عبدالله بن أحمد بسنده عن عبدالله بن‬
‫أبي سلمة قال‪ :‬بعث عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن‬
‫عباس رضي الله عنهما يسأله‪):‬هل رأى محمد )صلى‬
‫ن نعم قد رآه فرد‬ ‫الله عليه وسلم( ربه ؟ فبعث إليه أ ْ‬
‫رسوله إليه‪ ،‬وقال كيف رآه فقال‪ :‬رآه على كرسي‬
‫من ذهب يحمله أربعة من الملئكة ملك في صورة‬
‫رجل وملك في صورة أسد‪ ،‬وملك في صورة ثور‪،‬‬
‫وملك في صورة نسر‪ ،‬في روضة خضراء‪ ،‬دونه‬
‫فراش من ذهب(‪.((3‬‬
‫وإسناده ضعيف لنه من طريق محمد بن إسحاق عن‬
‫عبدالرحمن بن الحارث بن عبدالله عن ابن أبي‬
‫سلمة‪ .‬ومحمد بن إسحاق بن يسار المطلبي صدوق‬
‫يدلس‪ ((4‬وقد ساق الحافظ الذهبي هذا الحديث في‬
‫ترجمته مشيرا ً إلى نكارته‪((5.‬‬

‫)‪ (3‬السنة ‪ .1/176‬وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد ‪،198‬‬


‫والبيهقي في السماء والصفات‬
‫)‪ (4‬انظر ترجمته في التقريب ‪.2/144‬‬
‫)‪ (5‬انظر الميزان ‪.3/473‬‬

‫‪471‬‬
‫وعبدالرحمن بن الحارث المخزومي قال فيه المام‬
‫أحمد‪ :‬متروك الحديث‪ ((6‬وقال البيهقي‪):‬في هذه‬
‫الرواية انقطاع بين ابن عباس رضي الله عنهما وبين‬
‫الراوي عنه‪ :‬وليس شيء من هذه اللفاظ في‬
‫(‬
‫الروايات الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما(‬
‫‪.(7‬‬
‫وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما أنه سِئل‪):‬هل رأى محمد ربه ؟ فقال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫رآه‬
‫كأن قدميه على خضرة‪ ،‬دونه ستر من لؤلؤ‪.( 8 (.‬‬
‫(‬

‫وقد نبه البيهقي إلى ضعف سنده‪ .‬لنه من طريق‬


‫إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما‪ .‬وإبراهيم متروك الحديث‬
‫‪ ((1‬ولوالده ترجمة في الميزان ‪ ((2‬وبهذا ليظهر وجه‬
‫لخراج الحديث في كتاب اسمه السنة‪ ،‬وكتاب اسمه‬
‫التوحيد دون التنبيه إلى ضعف سنده ونكارة متنه‪.‬‬
‫ومن العجيب أن القاضي أبا يعلى بذل وسعه لحاطة‬
‫هذا الخبر بما يصرف عن تكذيبه فنقل عن بعض‬
‫المحدثين قولهم في هذا الحديث‪ :‬من أنكره فهو‬
‫معتزلي‪ .‬وقولهم من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو‬
‫زنديق ونقل قول أحدهم‪ :‬هذه أحاديث نحلف عليها‬
‫بالطلق والعتاق‪ .‬ثم ذهب القاضي إلى أن هذه‬
‫حش من إطلقها بوجهين‬ ‫اللفاظ ليجب أن يستو َ‬
‫ة من صفات ذاته بشناعة‬ ‫أحدهما‪ :‬أنا لنزيل صف ً‬

‫)‪ (6‬نفسه ‪.2/554‬‬


‫)‪ (7‬السماء والصفات ‪.558‬‬
‫)‪ (8‬نفسه ‪ .558‬وقد أخرجه البيهقي بألفاظ أشد نكارة من‬
‫هذه اللفاظ وتكلم على اهتراء أسانيدها‪ .‬انظر السماء‪،‬‬
‫البيهقي ‪.560-557‬‬
‫)‪ (1‬انظر ميزان العتدال ‪ -‬الذهبي ‪.1/27‬‬
‫)‪ (2‬انظر المصدر نفسه ‪.1/570‬‬

‫‪472‬‬
‫شنعت‪ .‬الثاني‪ :‬ليس في إثبات الفراش والقدم‬
‫والخضرة أكثر من تقريب المحدث من القديم ‪ ( 3‬ثم‬
‫(‬

‫يقول‪) :‬فأما الفراش المذكور في الخبر فل نعقل‬


‫معناه كغيره من الصفات(‪.((4‬‬
‫والحق أن في سند هذا الخبر ضعفا ً ليحتاج معه إلى‬
‫هذا التكلف والتمحل‪ .‬وفي متنه دخول في الكيفية‬
‫والتشبيه والتجسيم‪ .‬وقد أعاذنا الله عز وجل مع‬
‫اهتراء هذا السند أن نتحرج من رده وتكذيبه‪ ،‬بل‬
‫الحرج في قبوله على أي وجه وتأويل‪ ،‬وحسبنا‬
‫ة من‬‫ماأوصل إليه قبوله من إثبات الفراش صف ً‬
‫صفات الله عز وجل وغير ذلك من الشناعات التي‬
‫شعر بها القاضي أبو يعلى الفراء ‪ -‬رحمه الله‪.-‬‬

‫)‪ (3‬إبطال التأويلت ‪/94‬أ‪.‬‬


‫)‪ (4‬نفسه ‪/98‬ب‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫الخاتمة‬
‫في ختام هذا البحث يمكن تلخيص أهم نتائجه في‬
‫نقاط‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن أول موضع من مواضع النزاع في حجية خبر‬ ‫أو ً‬
‫الحاد هو الخلف في إفادته‪ .‬فهل يحصل اليقين‬
‫بصدق كل خبر يرويه الحاد؟ أم يجوز أن يحصل‬
‫ببعض أخبار الحاد دون بعض آخر؟‬
‫ويمكن إجمال الجابة على هذين السؤالين بأن‬
‫حصول العلم واليقين بصدق المخبر أمر وجداني‬
‫يحصل في وجداننا ويختلف حصوله باختلف الوقائع‬
‫والشخاص والهيئات والحوال المصاحبة للخبر‪ ،‬ويجد‬
‫المرء في نفسه تفاوتا ً في القطع بصدق أخبار مخبر‬
‫واحد فيقطع بصدقه في خبر دون خبر آخر مع أن‬
‫المخبر فيهما واحد‪.‬‬
‫وبسبب هذا التفاوت صح أن يقال‪ :‬إن الحكم على‬
‫إفادة خبر الحاد مبني على الحكم بإفادة الغالب‬
‫والكثر‪ .‬وباستقراء أخبار الحاد وإفادتها نتوصل إلى‬
‫الحكم بأن الصل في خبر الحاد أنه يفيد الظن‬
‫الراجح بصدق مضمونه‪ ،‬وقد يصاحب بعض الخبار‬
‫هيئات وأحوال تصل بإفادتها إلى درجة اليقين والقطع‬
‫بصدقها‪ .‬ومن هذه الهيئات والحوال‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يخبر شخص بوقوع حادثة بين يدي جماعة‬
‫وخلق كثير شهدوا وقوع الحادثة وأمسكوا عن تكذيبه‬
‫مع انتفاء الموانع عن المساك عن تكذيبه لوكان‬
‫كاذبًا‪ ،‬فيقام سكوتهم مقام الشهادة له بالصدق‪،‬‬
‫فيحصل القطع بصدقه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يوافق الخبر أصل ً في كتاب الله عز وجل‬
‫ويكون الصل في الكتاب ظني الدللة على أمر دل‬
‫عليه الخبر قطعًا‪ .‬وقد يحصل في هذه الموافقة‬

‫‪474‬‬
‫ارتفاع ظنية الكتاب فيكون لخبر الحاد دور في‬
‫تحصيل القطع واليقين في ما سيق للدللة عليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يرد الخبر محتفا ً بقرائن تدل على صدقه كأن‬
‫يخبر زيد عن موت عمر‪ ،‬ونسمعَ في داره البكاء‬
‫والعويل‪ .‬ويصاحب ذلك خروج الكفن من داره مع‬
‫علمنا بأنه ليس في داره مريض سواه فيحصل اليقين‬
‫بموته‪ .‬وحصول اليقين في مثل هذا الخبر يكثر‬
‫حصوله في الخبار العادية‪ ،‬أما الخبار الشرعية‬
‫فيتعذر إثبات قرائن تحف بها فتصل بها إلى درجة‬
‫القطع واليقين وعلى مدعي ذلك إثباته‪ ،‬ودونه خرط‬
‫القتاد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬القول بظنية خبر الحاد ليقدح في حجيته في‬
‫إثبات الحكام الشرعية والمسائل الفقهية‪ ،‬لنها مبنية‬
‫ل اليقين في أفرادها‬‫على الظن الراجح‪ ،‬وحصو ُ‬
‫متعذر‪.‬فيكتفى فيها بالظن الراجح‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مايجب العتقاد به لبد في دليله من تحصيل‬
‫القطع واليقين لن العقيدة قطعية يقينية‪ ،‬والظني‬
‫ينوء بحمل القطعي‪ .‬أما إذا حصل العلم بمضمون‬
‫خبر الحاد فلخلف في إثبات العقيدة به ولكن ليكفر‬
‫منكره لن حصول العلم به متوقف على النظر‬
‫والستدلل‪ .‬وقد يعجز البعض عن تحصيل العلم‬
‫واكتسابه وقد ل ينجو من إيراد الشبه والعتراضات‬
‫عليه‪ .‬فيعذر لذلك وليقدح في إيمانه‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إذا تعذر حصول العلم واليقين بصدق مضمون‬
‫خبر آحادي ورد في مسائل العتقاد فل يصلح لثبات‬
‫العقيدة به‪ .‬وُينظر في مضمونه فإن كان منسجما ً مع‬
‫الدلة القاطعة من العقل والنقل وجب تصديقه‬
‫تصديقا ً غير جازم ولموجب للعتقاد بمضمونه‪ .‬وإن‬
‫كان مخالفا ً وجب تأويله وصرفه إلى معنى يصح حمله‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫خامسًا‪ :‬هذا المنهج العلمي في التعامل مع أخبار‬
‫الحاد يجد له في هدي الصحابة الكرام ما يثبت‬
‫أصالته وسلمته من التنكب عن هدي القرون‬
‫المشهود لها بالخيرية‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬في تطبيق هذا المنهج العملي نجد مسائل‬
‫العتقاد في كتب العقائد موزعة على ثلثة أبواب‬
‫اللهيات والنبوات والسمعيات‪ .‬وفي باب اللهيات‬
‫وردت أخبار في السماء الحسنى‪ ،‬ومن هذه السماء‬
‫ماورد في القرآن الكريم ومنها مااستقل به خبر‬
‫آحادي‪ .‬ولما تعذر حصول العلم بثبوت هذه الخبار‬
‫ولم ترتفع عن درجة الظنية وجب فيها مايوجبه الظن‬
‫وهو العمل دون العتقاد‪ .‬واعتبرت هذه الخبار إذنا ً‬
‫شرعيا ً يجيز تسمية الله عز وجل بما تضمنته هذه‬
‫الخبار من السماء الحسنى وهذه التسمية من باب‬
‫عمل اللسان فل يشترط فيه القطع‪.‬‬
‫وفي صفات الله عز وجل ينحصر الخلف في حجية‬
‫خبر الحاد في الصفات الخبرية التي استقل بورودها‬
‫خبر الحاد ومن هذه الصفات ماورد بأخبار صحيحة‪،‬‬
‫ولكنها لم ترتفع عن رتبة ظنية الثبوت وفي دللتها‬
‫على الصفات ظن أيضا ً فيكون تأويلها أحكم وتفويض‬
‫العلم بها أسلم‪ ،‬ومن هذه الصفات ماورد في‬
‫أخبارلتفيد الظن الراجح ومع ذلك أثبت بها البعض‬
‫صفات لله عز وجل‪ .‬والغرب من ذلك أن بعض هذه‬
‫الخبار منكرة المتون لنها تخالف الدلة القاطعة من‬
‫العقل والنقل‪ ،‬ومع ذلك فقد تكلف البعض وتحمل‬
‫قدرا ً فوق طاقته لتخريج هذه الخبار على وجه يثبت‬
‫به إلحاق هذه الخبار في الصفات‪.‬‬
‫لخبار الحاد تعلقا في بعض‬ ‫وفي مسائل النبوات نجد َ‬
‫مسائل العصمة وبعض المعجزات‪ .‬أما في باب‬
‫العصمة فنجد أدلة قاطعة من العقل توجب عصمة‬
‫النبياء وفي بعض أخبار الحاد مايشكل ظاهره‬

‫‪476‬‬
‫ويعارض هذه الدلة القاطعة فوجب المصيرإلى‬
‫تأويله وتنبيه من أثبته على ظاهره‪ ،‬وأما في باب‬
‫المعجزات فقد أمكن تحصيل العلم بثبوت بعض‬
‫المعجزات مثل إسماع تسبيح الحصى وتكثير الطعام‬
‫ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬ووجه تحصيل العلم بها أن المخبرين بها وإن‬
‫كانوا آحادا ً لكنهم أخبروا بين يدي جماعة حضروها‬
‫وشهدوها‪ .‬ثم سكتوا عن تكذيبهم ولو كان كاذبا ً‬
‫لسارعوا إلى تكذيبهم‪ .‬فيقام سكوتهم مقام الشهادة‬
‫لهم بالصدق‪.‬‬
‫وفي السمعيات تتفرع المسائل‪ :‬ففي أشراط‬
‫الساعة الكبرى أخبار آحاد يمكن تحصيل العلم بها إما‬
‫لتواترها تواترا ً معنويا كخروج الدجال ونزول عيسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬وإما لموافقتها لصل في كتاب الله عز‬
‫وجل كطلوع الشمس من مغربها وخروج دابة الرض‪.‬‬
‫وثبوت بعض هذه الشراط على سبيل القطع ليعني‬
‫وجود العتقاد بكل ماورد فيها من أخبار لن فيها‬
‫مالم يصح من جهة السند ومالم يصح من جهة المتن‬
‫لمخالفته الدلة القاطعة‪ ،‬فليجب العتقاد بتفاصيل‬
‫الشراط ودقائقها‪ ،‬وفي بعض هذه التفاصيل أخبار‬
‫آحاد صحت من جهة السند ولم تخالف قطعيا ولم‬
‫تصل إلى رتبة القطعي فيجب فيها أصل التصديق‬
‫دون العتقاد الجازم‪ .‬وفي المقام المحمود نجد خبرا ً‬
‫منكرا ً عن المام مجاهد في تفسيره بالقعاد على‬
‫العرش تمسك به بعض المحدثين فوجب التنبيه إلى‬
‫ضعف سنده وسقامة متنه‪.‬‬
‫وفي رؤية الله عز وجل تتابعت أخبار الحاد على‬
‫تبشير المؤمنين برؤيتهم لله عز وجل في الخرة‪.‬‬
‫ووافقت هذه الخبار أصل ً في كتاب الله عز وجل‪،‬‬
‫وحصل إجماع السلف على إثبات الرؤية مستندين‬
‫في هذا الجماع إلى دليل الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪477‬‬
‫وفي رؤية الله عز وجل في الدنيا‪ :‬اختلف الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم فصح إنكاره عن عائشة رضي الله‬
‫عنها وصح إثباتها عن عبد الله بن عباس وغيره من‬
‫الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وهذا ماسوغ‬
‫ي‬ ‫اختلف الخلف في هذه المسألة أيضًا‪ ،‬ولك ٍ‬
‫ل رأ ٌ‬
‫ووجه ودليل‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلة‬
‫والسلم على أشرف المرسلين‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫‪479‬‬
‫)الباضية بين الفرق السلمية ‪ ،‬علي بن يحيى ‪ ،‬مطابع سجل العرب ‪ -‬عمان ‪.1986‬‬
‫إتحاف المريد بجوهرة التوحيد‪ ،‬عبد السلم اللقاني ) ‪ 1041‬هـ( ‪ ،‬مطبعة السعادة ‪-‬مصر ‪ 1955‬م‬ ‫‪.2‬‬

‫إحكام الفصول في أحكام الصول‪،‬أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي) ‪274‬هـ( تحقيق عبد الله محمد الجبوري مؤسسة الرسالة‬ ‫‪.3‬‬
‫الطبعة الولى ‪ 1409‬هـ ‪.‬‬

‫الرشاد إلى قواطع الدلة في أصول العتقاد ‪ ،‬إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني ) ‪ 478‬هـ( ‪ ،‬تحقيق محمد يوسف موسى‬ ‫‪.4‬‬
‫مطبعة دار السعادة ‪ -‬مصر ‪.1950 -‬‬

‫إرشاد النام في عقائد السلم ‪ ،‬محمود صالح البغدادي ‪ -‬طبعة دار البراء ‪1985 -‬م‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫الساس في السنة ) قسم العقائد ( ‪ ،‬سعيد حوى ‪ -‬طبعة دار السلم عمان ‪1992 -‬م ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬

‫الساس في عقائد الكياس‪ ،‬تحقيق د‪ -‬ألبير نصري ‪ ،‬طبعة دار الطليعة ‪ -‬بيروت ‪. 1980 -‬‬ ‫‪.7‬‬
‫السماء والصفات ‪ ،‬ابن تيمية ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ ،‬لم يذكر سنة الطبع ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬

‫السماء والصفات ‪ ،‬البيهقي ‪ ،‬تحقيق الكوثري ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪ .10‬السماء والصفات‪،‬احمد بن الحسين البيهقي) ‪458‬هـ(تحقيق محمد زاهد الكوثري طبعة دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪.-‬‬

‫‪ .11‬الشارة إلى اليجاز ببعض أنواع المجاز‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلم الشافعي) ‪660‬هـ( طبعة دار المعرفة ‪ -‬بيروت‬
‫‪ 1313 -‬هـ‬

‫‪ .12‬أشراط الساعة ونظرية آخر الزمان رؤية جديده في ضوء الكتاب والسنة فتحي عيد يحيى لم يذكر مكان الطبع ولسنته‬

‫‪ .13‬أصل العتقاد ‪ ،‬طبعة دار النفائس ‪ -‬الكويت ‪. 1990 -‬‬

‫‪ .14‬أصول الحديث ‪ ،‬د‪-‬محمد عجاج الخطيب طبعة دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪. 1975 -‬‬
‫‪ .15‬أصول الدين ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪.1980 -‬‬

‫‪ .16‬أصول الفقه ‪ ،‬محمد أبو زهرة طبعة دار الفكر العربي ‪ -‬لم يذكر سنة الطبع ‪. -‬‬

‫‪ .17‬القباس النيرة في فضائل العشرة المبشرة كما في طبقات ابن سعد ‪ .‬جميل إبراهيم ‪ ،‬طبعة دار المكتبة العالمية ‪ -‬بغداد ‪1989‬م‬

‫‪ .18‬إلجام العوام المطبعة الميمنية‪ ،‬مصر ‪ 1309 ،‬هـ‪.‬‬


‫‪ .19‬الم طبعة دار الشعب ‪ -‬القاهره ‪ 1968 .‬م‬

‫‪ .20‬إيثار الحق على الخلق‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪1987 -‬م‬
‫‪ .21‬ابن تيمية ‪ ،‬محمد أبو زهرة ‪ ،‬مطبعة دار الفكر العربي ‪ -‬مصر‬

‫‪ .22‬الختلف في اللفظ‪،‬والرد على الجهمية والمشبهة‪.‬تحقيق محمد أحمد الكوثري ‪،‬مطبعة منير‪-‬بغداد‪1989 -‬م‪.‬‬

‫‪ .23‬العتصام ‪ ،‬آبو إسحاق الشاطبي ) ‪ 790‬هـ( تحقيق أحمد عبد الشافي طبعة دار الكتب العلمية ‪-‬بيروت‪ 1988 -‬م‪.‬‬

‫‪ .24‬الباقلني وآراؤه الكلمية ‪ -‬د‪ -‬محمد رمضان ‪ -‬مطبعة المة ‪ -‬بغداد ‪1986 -‬م ‪.‬‬

‫‪ .25‬البحر الزخار والجامع لمذاهب علماء المصار ‪ ،‬أحمد بن يحيى المرتضى )‪ 840‬هـ( مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت ‪1975‬‬

‫‪ .26‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ ،‬بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي )‪794‬هـ( تحقيق د‪ .‬عبد القادر العاني‪ -‬وعمر سليمان الشقر‬
‫طبعة الكويت ‪1409‬هـ‪.‬‬

‫‪ .27‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪ :‬محمد بن أحمد بن محمد ) ابن رشد (القرطبي ) ‪ 595‬هـ( الطبعة الرابعة دار المعرفة بيروت ‪1979‬‬
‫م‪.‬‬

‫‪ .28‬بلوغ السول في الصول ‪ ،‬أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي ) ‪ 483‬هـ( تحقيق أبو الوفا الفغاني ‪ ،‬طبعة بيروت ‪1973‬‬
‫‪ .29‬البيهقي وموقفه من اللهيات ‪ ،‬أحمد بن عطية الغامدي رسالة دكتوراه في العقيدة ‪ ،‬الجامعة السلمية ‪ -‬المدينة المنورة ‪.‬‬

‫‪ .30‬التأويل اللغوي في القرآن الكريم‪ ،‬حسين حامد الصالح رسالة دكتوراه ‪ -‬جامعة بغداد ‪. 1995‬‬
‫‪ .31‬تأويلت أهل السنة‪ ،‬أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي ) ‪ 333‬هـ( تحـقيق د‪ .‬محمد مستفيض الرحمن‪ .‬مطبعة الرشاد‪-‬بغداد‪،‬‬

‫‪.1983‬‬

‫‪ .32‬تاج اللغة وصحاح العربية ‪ ،‬إسماعيل بن حماد الجوهري ‪ .‬تحقيق أحمد عبد الغفور عطار طبعة دار العلم ‪ -‬لبنان ‪ /1987‬م‬
‫‪ .33‬تاريخ الفرق السلمية‪ ،‬علي الغرابي ‪ ،‬مطبعة محمد صبيح‪ ،‬مصر ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬التبصير في الدين ‪ ،‬أبو المظفر طاهر بن محمد السفرائيني )‪ 471‬هـ( ‪ ،‬تحقيق كمال الحوت ‪ ،‬طبعة عالم الكتب ‪ -‬بيروت ‪1983 -‬‬

‫‪ .35‬تخريج أحاديث شرح العقائد النسفية‪ ،‬جلل الدين عبد الرحمن السيوطي )ت ‪ 911‬هـ ( تحقيق وتعليق صبحي السامرائي‪ ،‬نشر دار‬
‫الرشد الرياض‪.‬‬

‫‪ .36‬تدريب الراوي في شرح تقريب النوادي ‪ ،‬جلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي )‪ 911‬هـ( طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫‪. 1989‬‬

‫‪ .37‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد القرطبي) ‪ 761‬هـ(تحقيق الدكتور أحمد حجازي طبعة دار‬

‫الكتب العلمية‪-‬بيروت ‪.1982‬‬

‫‪ .38‬التصريح بما تواتر في نزول المسيح‪ ،‬محمد أنور شاه الكشميري ‪ .‬تحقيق عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬طبعة القاهرة ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬تفسير القرآن العظيم ‪ ،‬آبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي )‪ 774‬هـ( الطبعة الولى ‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪1980‬‬

‫‪ .40‬التقيد واليضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلح ‪ ،‬الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي )‪ 806‬هـ( ‪ ،‬طبعة دار الحديث ‪ -‬مكة ‪-‬‬
‫‪ 1984‬م ‪.‬‬

‫‪ .41‬التمهيد بما في الموطأ من المعاني والسانيد‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبدالله )ابن عبد البر( النمري الندلسي) ‪463‬هـ( تحقيق مصطفى‬
‫العلوي مطبعة فضالة‪-‬المغرب ‪1982 -‬م‪.‬‬

‫‪ .42‬التمهيد في أصول الدين‪ ،‬أبو المعين النسفي )‪ 508‬هـ( ‪ ،‬تحقيق الدكتور عبد الحي قابيل‪ ،‬المطبعة الفنية ‪ -‬مصر ‪ 1987 -‬م ‪.‬‬

‫‪ .43‬التمهيد في أصول الفقه ‪ ،‬أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي) ‪ 510‬هـ(تحقيق محمد بن علي بن إبراهيم مطبعة دار‬

‫المدني جدة ‪1985‬م‬


‫‪ .44‬التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة ‪ ،‬أبو بكر محمد بن الطيب بن الباقلني )‪ 403‬هـ(تحقيق‬

‫رتشرد مكارثي‪،‬المطبعة الكاثوليكيةبيروت ‪1957‬م‬

‫‪ .45‬التمهيد في تخريج الفروع على الصـول ‪ ،‬جمال الدين عبد الرحيم بـن الحسـن السنوي الشافعـي )‪ 772‬هـ( تحقيق محمد حسن هيتو‬

‫‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت ‪ 1987‬م ‪.‬‬


‫‪ .46‬تنبيهات هامة على ما كتبه محمد علي الصابوني في صفات الله عز وجل‪ ،‬عبد العزيز بن باز‪ .‬مطبعة الصحابة السلمية ‪ -‬الكويت ‪.‬‬

‫‪ .47‬تنوير الذهان من تفسير روح البيان ‪ ،‬إسماعيل حقي البر وسوي اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني طبعة دار القلم بيروت‬
‫‪1989‬م ‪.‬‬

‫‪ .48‬تنوير الحوالك على موطأ مالك‪،‬جلل الدين عبد الرحمن السيوطي)‪911‬هـ( طبعة دار الندوة بيروت ‪.‬‬

‫‪ .49‬تيسير التحرير ‪ ،‬محمد أمير بادشاه الحسني الحنفي ‪ ،‬على كتاب ) التحرير في أصول الفقه ( للكمال محمد بن عبد الواحد ) ابن‬

‫الهمام ( السكندري الحنفي )‪ 861‬هـ( طبعة‪ ،‬البابي الحلبي ) ‪ 19332‬هـ( ‪.‬‬

‫‪ .50‬حاشية العطار ‪ ،‬حسن بن محمد ) ‪1250‬هـ( على جمع الجوامع للتاج عبد الوهاب بن السبكي ) ‪771‬هـ( وبها مشه تقرير لعبد الرحمن‬

‫الشربيني‪ ،‬وتقريرات لمحمد بن علي المالكي‪ .‬مطبعة البابي‪-‬مصر ‪1385‬هـ‪.‬‬


‫‪ .51‬حلية العلماء في معرفة مذهب العلماء ‪ ،‬أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال تحقيق ياسين دراكه الطبعة الولى ‪ ،‬لمكتبة الرسالة‬

‫‪1988‬‬
‫‪ .52‬دراسات حول السنة ‪ ،‬د‪ -‬محمد إبراهيم الجيوشي طبعة دار الهدي ‪ -‬مصر‪1987 -‬‬

‫‪ .53‬دراسات في الفرق والعقائد السلمية‪ ،‬د‪.‬عرفان عبد الحميد‪.‬‬


‫‪ .54‬دفع شبة التشبيه بأكف التنزيه ‪ ،‬أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي )‪ 597‬هـ( تحقيق محمد زاهد الكوثري مطبعة دار إحياء الكتب‬

‫العربية ‪ -‬مصر ‪ 1350 -‬هـ ‪.‬‬


‫‪ .55‬دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى المام احمد ‪ ،‬تقي الدين أبو بكر الحصني )‪ 829‬هـ( مع كتاب دفع شبهة التشبيه ‪.‬‬

‫‪ .56‬الرد على الجهمية ضمن مجموعة عقائد السلف ‪ ،‬علي سامي النشار ‪ ،‬طبع شركة السكندرية ‪-‬مصر ‪1971‬م‪.‬‬

‫‪ .57‬رسالة التنزيه ‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن قدامة ‪ ،‬مطبعة الجاحظ ‪ -‬بغداد ‪1989 -‬م ‪.‬‬
‫‪ .58‬رسالة التوحيد ـ محمد عبده ‪ ،‬طبعة مصر ‪1969‬م ‪.‬‬
‫‪ .59‬الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم‪ ،‬طبعة دار المعرفة ‪ -‬بيروت ‪1979‬م ‪.‬‬

‫‪ .60‬الروضة البهية بين الشعرية والماتريدية ‪ ،‬الحسن بن محمد ) ابن عذبة ( طبعة دائرة المعارف النظامية ‪-‬الهند‪1322 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .61‬الزينة في الكلمات السلمية العربية‪ ،‬أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي‪ ،‬تحقيق د‪.‬عبدالله سلوم السامرائي‪ ،‬دار واسط للطباعة‪،‬‬

‫بغداد‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .62‬السنة ‪ ،‬عبد الرحمن أحمد بن حنبل ) ‪ 290‬هـ( تحقيق محمد بن سعيد القحطاني طبعة دار ابن القيم‪ -‬الدمام ‪. 1986‬‬

‫‪ .63‬شرح أحمد بن قاسم العبادي الشافعي ) ‪ 994‬هـ( على شرح جلل الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي )‪ 864‬هـ( على الورقات‬

‫في أصول الفقه لمام الحرمين ‪ ،‬وهو في حاشية إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الصول‪،‬محمد بن علي الشوكاني) ‪ 1255‬هـ( ‪-‬‬

‫طبعة دار الفكر بيروت ‪.‬‬


‫‪ .64‬شرح الصول الخمسة ‪ ،‬تحقيق عبد الكريم عثمان ‪ ،‬طبعة القاهرة ‪1996‬م ‪.‬‬

‫‪ .65‬شرح اليجي على مختصر المنتهى لبن الحاجب ‪ ،‬القاضي عبد الرحمن بن أحد اليجي ) ‪ 756‬هـ( طبعة الستانه ‪ 1307‬هـ‬
‫‪ .66‬شرح البدخشي ‪ 2/310‬المسمى )مناهج العقول( محمد بن الحسن البدخشي‪،‬وهو شرح لمنهاج الصول في علم الصول للقاضي أبي‬

‫عبد الله محمد بن عبد الله البيضاوي )‪ 685‬هـ( طبعة دار الكتب العلمية بيروت ‪ 1984‬م ‪.‬‬
‫‪ .67‬شرح العقيدة الطحاوية‪ .‬تحقيق ناصر الدين اللباني طبعة المكتب السلمي‪-‬بيروت‪ 1399)-‬هـ( ‪.‬‬

‫‪ .68‬شرح الفقه الكبر ‪ ،‬علي القاري طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪1979 .‬م ‪.‬‬

‫‪ .69‬شرح اللمع في أصول الفقه ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ) ‪ 476‬هـ( ‪،‬تحقيق عبد المجيد تركي ‪ ،‬طبعة دار الغرب السلمي‬

‫بيروت ‪ 1988 -‬م ‪.‬‬


‫‪.70‬‬

‫شرح المقاصد مسعود بن عمر سعد الدين التفتازاني )‪793‬هـ( تحقيق عبد الرحمن عميرة ‪ ،‬طبعة عالم الكتب‪ -‬بيروت ‪1989‬م‪.‬‬

‫‪ .71‬شرح جوهر التوحيد ‪ ،‬الباجوري ‪ 149‬والنظام الفريد مع إتحاف المريد ‪ ،‬محمد محيي الدين عبد الحميد‬

‫‪ .72‬شرح حديث النزول طبعة المكتب السلمي ‪ -‬بيروت ‪1969 -‬م ‪.‬‬
‫‪ .73‬شرح رمضان أفندي على شرح العقائد النسفية طبعة تركيا ‪.1289‬‬

‫‪ .74‬شرح على القاري على نخبة الفكر في مصطلحات أهل الثر للحافظ ابن حجر ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ 1978 -‬م‬
‫‪ .75‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪ .‬تحقيق محمد أمين قره علي‪ ،‬ومساعديه‪ .‬طبعة دار الفيحاء‪-‬عمان‪.1986 -‬‬

‫‪ .76‬صحيح شرح العقيدة الطحاوية ‪ ،‬حسن بن علي السقاف‪،‬طبعة دار المام النووي‪-‬عمان‪.1995 -‬‬

‫‪ .77‬طبقات الشافعية الكبرى ‪ ،‬تقي الدين السبكي مطبعة دار المعرفة بيروت ‪ ،‬الطبعة الثانية‬

‫‪ .78‬العبر في خبر من غبر ‪ ،‬محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي )‪ 748‬هـ( تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول ‪ ،‬طبعة دار الكتب‬

‫العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬لم يذكر سنة الطبع ‪.‬‬

‫‪ .79‬عصمة النبياء ‪ ،‬الرازي‪ .‬طبعة الدار العربية ‪ -‬بغداد‪. 1990 -‬‬


‫‪ .80‬عقيدة أهل السلم في نزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬أبو الفضل عبد الله بن محمد الصديق الغماري الحسني ‪ ،‬طبعة عالم الكتب‬

‫بيروت ‪1986‬‬
‫‪ .81‬العقيدة السلمية وأسسها ‪ ،‬عبد الرحمن حسن الميداني ‪ ،‬طبعة دمشق ‪ 1966 -‬م ‪.‬‬

‫‪ .82‬عقيدة السلف وأصحاب الحديث ‪ ،‬أبو عثمان إسماعيل الصابوني )‪ 449‬هـ( ‪ ،‬ومعه رسالتان للقرطبي والصنعاني‪ .،‬مطبعة السرمد ‪-‬‬
‫بغداد‪1990 -‬م ‪.‬‬

‫‪ .83‬عقيدة المؤمن ‪ ،‬أبو بكر الجزائري دار الكتب السلفية ‪ -‬القاهرة ‪ -‬لم يذكر سنة الطبع ‪.‬‬
‫‪ .84‬علوم الحديث ومصطلحه ‪ ،‬د‪-‬صبحي صالح ‪ ،‬دار العلم للمليين ‪ -‬بيروت ‪. 1981‬‬

‫‪ .85‬فتح المغيث لشرح ألفية الحديث ‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي ) ‪ 902‬هـ ( ‪ ،‬تحقيق علي حسين علي الطبعة‬

‫الطبري ‪1992‬‬ ‫الثانية ‪ ،‬دار المام‬


‫‪ .86‬فتح الملهم ‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪ ،‬شبير أحمد الديوبندي العثماني مطبعة جيد بريس ‪ ،‬دهلي ‪.‬‬
‫‪ .87‬الفصل في الملل والهواء والحل ‪ ،‬علي بن محمد بن حزم )‪ 456‬هـ( ‪ ،‬المطبعة الدبية ‪ -‬مصر ) ‪ 13317‬هـ(‬

‫‪ .88‬الفصول في الصول ‪ ،‬أحمد بن علي الرازي الجصاص ) ‪ 370‬هـ ( تحقيق دكتور عجيل جاسم ‪ ،‬الطبعة الولى ‪1985‬‬
‫‪ .89‬فواتح الرحموت ‪ ،‬عبد العلي محمد بن نظام الدين النصاري ) ‪ 1119‬هـ( وهو شرح مسلم الثبوت في أصول الفقه لمحب الله ابن عبد‬

‫الشكور الحنفي ‪ .‬مع المستصفى الغزالي طبعة دار العلوم ‪-‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ .90‬في علم الكلم دراسة فلسفية‪ ،‬د‪.‬أحمد محمود صبحي طبعة مؤسسة الثقافة الجتماعية‪ ،‬مصر‪1982 ،‬م ‪.‬‬

‫‪ .91‬فيصل التفرقة بين السلم والزندقة‪،‬ضمن مجموعة الجواهر الغوالي من رسائل الغزالي طبعة منير‪-‬بغداد ‪.1990‬‬

‫‪ .92‬قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث‪ ،‬محمد جمال الدين القاسمي )‪ 232‬هـ ( طبعة دار الكتب العلمية ‪-‬بيروت ‪1979‬م‪.‬‬

‫‪ .93‬قواعد العقائد ‪ ،‬مع إحياء علوم الدين طبعة دار المعرفة ‪ -‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ .94‬الكامل في التاريخ‪ ،‬أبو الحسن علي بن أبي الكرم)ابن الثير الجزري() ‪630‬هـ(‪ .‬تحقيق عبد الوهاب النجار‪ .‬الطباعة المنيرية‪-‬مصر‬

‫‪1353‬هـ‪.‬‬
‫‪ .95‬كشف السرار شرح المنار أبو البركات عبد الله بن أحمد أحمد النسفي )‪ 710‬هـ( ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ 1986 -‬م‬

‫‪ .96‬الكفاية في علم الرواية ‪ ،‬تحقيق عبد العليم محمد بن عبد الحليم ‪ ،‬مطبعة السعادة ‪ -‬مصر ‪1973‬م ‪.‬‬
‫كليات أبي‬ ‫‪.97‬‬
‫البقاء ‪ ،‬المطبعة الميرية ‪1280‬هـ‬

‫‪ .98‬التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل ‪ ،‬محمد بن إسحاق بن خزيمة ‪ ،‬تعليق محمد خليل هراس ‪ -‬طبعة دار الشرق للطباعة ‪1388 -‬‬

‫هـ‬
‫‪ .99‬لسان العرب ‪ .‬جمال الدين محمد بن مكرم ) ابن منظور ( ) ت ‪ 630‬هـ ( مصورة عن طبعة بولق‬

‫‪ .100‬لملمع الدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة ‪ ،‬تحقيق د‪ -‬فوقية حسين ‪ ،‬طبعة المؤسسة المصرية )‪ 1965‬م(‬

‫‪ .101‬للوامع النوار البهية شرح الدرة المضّية في عقيدة الفرقة المرضية‪ ،‬طبعة المكتب السلمي ‪ -‬عمان ‪. 1991‬‬

‫مجلة الجامعة الردنية المجلد ‪ 13‬العدد الول‬ ‫‪.102‬‬


‫المحصول في علم أصول الفقه ‪ ،‬فخر الدين محمد بن عمر الرازي) ‪ 606‬هـ( تحقيق طه جابر العلواني ‪ ،‬مطابع جامعة‬ ‫‪.103‬‬

‫محمد بن سعود الرياض ‪. 1980‬‬


‫مختار الصحاح ‪ ،‬محمد بن عبد القادر الرازي ) أول (‪ .‬مطبعة عز الدين ‪ -‬بيروت ‪1987 -‬م ‪.‬‬ ‫‪.104‬‬

‫مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ‪ ،‬طبعة رئاسة إدارات البحوث والفتاء ‪ -‬الرياض ‪.‬‬ ‫‪.105‬‬

‫متصر العقيدة السلمية‪ ،‬طارق السويدان‪ ،‬طبعة الكويت ‪1978‬م‪.‬‬ ‫‪.106‬‬

‫مختصر العلو للعلي الغفار ‪ ،‬محمد ناصر اللباني ‪ ،‬طبعة المكتب السلمي ‪ -‬بيروت ‪ 1981‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.107‬‬

‫المسامرة للكمال بن أبي شريف بشرح المسايرة للكمال ابن الهمام‪ ،‬المطبعة الميرية‪-‬بولق‪ 1983 -‬م ‪.‬‬ ‫‪.108‬‬

‫المسودة في أصول الفقه ‪ ،‬أحمد بن محمد الحراني الدمشقي) ابن تيمية() ‪ 745‬هـ( تحقيق محمد محيي الدين مطبعة‬ ‫‪.109‬‬
‫المدني ‪ -‬القاهرة ‪ 1964 ،‬م‪.‬‬

‫مشارق أنوار العقول ‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن عميرة ‪ ،‬طبعة دار الجيل ‪ -‬بيروت ‪1989 -‬م ‪.‬‬ ‫‪.110‬‬
‫مشكل الحديث وبيانه ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪1980 -‬م ‪.‬‬ ‫‪.111‬‬

‫‪ .112‬المطالب العالية من العلم اللهي‪ ،‬تحقيق أحمد حجازي السقا ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت ‪. 1987 -‬‬
‫معاني القرآن ‪ ،‬أبو الحسن سعيد بن مسعدة ) الخفش الوسط( ) ‪ 215‬هـ ( تحقيق د‪ -‬فائز فارس طبعة الكويت – ‪1979‬‬ ‫‪.113‬‬

‫المعتمد في أصول الفقه‪،‬أبو الحسين محمد بن علي البصري المعتزلي ‪ ،‬تحقيق محمد حميد عبد الله المطبعة الكاثوليكية‬ ‫‪.114‬‬
‫بيروت ‪1965‬م‬

‫معجم البلدان‪)،‬ياقوت الحموي() ‪626‬هـ( دار صادر‪-‬بيروت‪1955.‬‬ ‫‪.115‬‬

‫المفردات في غريب القرآن ‪ .‬أبو القاسم الحسين بن محمد ) الراغب الصبهاني ( ) ت ‪ 502‬هـ ( تحقيق محمد سيد كيلني‬ ‫‪.116‬‬
‫طبعة دار المعرفة ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫مقالت السلميين واختلف المصلين‪،‬المام أبو الحسن علي بن إسماعيل الشعري) ‪ 330‬هـ( تحقيق محيي الدين عبد‬ ‫‪.117‬‬

‫الحميد‪،‬مطبعة النهضة مصر ‪1950‬م‬


‫مقالت الكوثري‪ ،‬أحمد خيري مطبعة النوار بالقاهرة‬ ‫‪.118‬‬

‫‪ .119‬المقصد السنى شرح أسماء الله الحسنى ‪ ،‬الغزالي طبعة شركة الطباعة الفنية ‪ -‬مصر ‪.‬‬
‫‪ .120‬المنهاج في شرح صحيح ملم بن الحجاج ‪ ،‬أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي تحقيق عبد الله أحمد أبو زينه ‪ ،‬طبعة دار‬

‫الشعب القاهره ‪ 1973 -‬م ‪.‬‬

‫المنهاج في شعب اليمان‪ ،‬أبو عبد الله الحسين الحليمي )‪403‬هـ( تحقيق حلمي فودة طبعة دار الفكر‪1979 -‬‬ ‫‪.121‬‬

‫‪ .122‬المنهاج في شعب اليمان‪ ،‬أبو عبد الله الحسين الحليمي )‪403‬هـ( تحقيق حلمي فودة طبعة دار الفكر‪1979 -‬‬
‫موازين القرآن والسنة للحاديث الصحيحة والضعيفة والمرفوعة‪-‬عز الدين بليق‪ -‬طبعة دار الفتح بيروت ‪.1983‬‬ ‫‪.123‬‬

‫الموافقات في أصول الشريعة ‪ ،‬تحقيق عبد الله دراز وابنه محمد دراز ‪ ،‬مطبعة الرحمانية ‪ -‬مصر ‪ ،‬لم يذكر سنة الطبع ‪.‬‬ ‫‪.124‬‬
‫المواقف في علم الكلم ‪ ،‬عضد الدين عبد الرحمن اليجي )‪ 756‬هـ( طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ ،‬لم يذكر سنة‬ ‫‪.125‬‬

‫الطبع‪.‬‬
‫الموطأ مع شرحه تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ‪ ،‬جلل الدين عبد الرحمن بن أحمد السيوطي ) ‪ 911‬هـ( طبعة دار إحياء‬ ‫‪.126‬‬

‫الكتب العربية ‪ -‬مصر لم يذكر سنة الطبع ‪.‬‬

‫النبذ الكافية في أحكام أصول الدين ‪ ،‬تحقيق محمد أحمد عب العزيز ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪1985‬م ‪.‬‬ ‫‪.127‬‬

‫‪.128‬‬
‫النجم الثاقب للفجر الكاذب مطبوعات المانة العامة للثقافة كرستان ‪.‬‬
‫‪.129‬‬
‫نخبة الفكر في مصطلح أهل الثر‪ ،‬في حاشية شرحها لقط الدرر للشيخ عبد الله بن حسين خاطر العدوي‪ .‬مطبعة عبد الحميد حنفي‪-‬مصر‬

‫‪1355‬هـ ‪.‬‬
‫نزهة الخاطر‪ ،‬عبد القادر بن مصطفى بن بدران ‪ ،‬وهو شرح كتاب روضة الناظر نخبة المناظر ‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن قدامة‬ ‫‪.130‬‬

‫المقدسي )‪ 620‬هـ( طبعة دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬لم يذكر سنة الطبع ‪.‬‬
‫‪ .131‬نظره عابرة في مزاعم من ينكر نزول عيسى عليه السلم قبل الخرة ‪ ،‬محمد زاهد الكوثري ) ‪ 1371‬هـ ( طبعة دار الجيل ‪ ،‬القاهره‬

‫‪. 1987‬‬

‫نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد للحافظ خليل بن كيكلدي العلئي الشافعي )‪763‬هـ( ‪ ،‬تحقيق كامل‬ ‫‪.132‬‬

‫شطيب الراوي ‪ ،‬مطبعة المة ‪ -‬بغداد ‪1986 -‬م ‪.‬‬

‫نهاية القدام في علم الكلم ‪ ،‬أبو الفتح الشهرستاني )‪ 548‬هـ( تحقيق إلفرد جيوم ‪ ،‬طبعة مكتبة المثنى ‪ -‬بغداد ‪ ،‬لم يذكر‬ ‫‪.133‬‬

‫سنة الطبع ‪.‬‬


‫‪ .134‬نهاية السول في شرح منهاج الصول ‪ ،‬عبد الرحيم بن الحسن السنوي )‪ 772‬هـ( وهو شرح للمنهاج لناصر الدين عبد الله بن عمر‬

‫البيضاوي )‪ 685‬هـ( ومعه حاشية الشيخ محمد بخيت المطيعي طبعة عالم الكتب ‪ -‬بيروت ‪ -‬لم يذكر سنة الطبع ‪.‬‬
‫النهاية في الفتن والملحم‪ ،‬تحقيق محمد أحمد عبد العزيز‪ ،‬طبعة دار الجيل‪-‬بيروت‬ ‫‪.135‬‬

‫‪ .136‬النهاية في غريب الحديث ‪ ،‬أبو السعادات المبارك بن محمد بن اليثر الجزري ) ‪ 606‬هـ ( تحقيق ظاهر أحمد الزاوي ومحمد‬
‫الظباحي ‪ ،‬طبعة دار الكتب ‪ -‬بيروت ‪ 1965‬م‬

‫هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر )‪ 852‬هـ( تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‬ ‫‪.137‬‬
‫طبعة دار الكتب العلمية بيروت ‪1989‬م‪.‬‬

‫وجوب الخذ بحديث الحاد في العقيدة ‪ 9‬طبعة دار السلفية ‪ -‬الكويت ‪ -‬و ) الحديث حجة بنفسه ففي الحكام والعقائد ‪،‬‬ ‫‪.138‬‬

‫طبعة الدار السلفية ‪ 1400‬هـ(‪.‬‬


‫الوصول إلى الصول ‪ ،‬أحمد بن علي ) ابن برهان ( البغدادي )‪ 518‬هـ( تحقيق عبد الحميد أبو زنيد مطبعة المعارف الرياض‬ ‫‪.139‬‬
‫‪ 1984‬م‬

You might also like