You are on page 1of 124

‫مذكرة‬

‫فقه المعامالت‬

‫جمعه ورتّبه‬
‫محمد روفيذال ابراهيم‬
‫محاضر كلية الشريعة والقانون‬
‫قسم الشريعة‬
‫الكلية الجامعية اإلسالمية العالمية بسالنجور‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لله رب العالمين والصالة والسالم على رسول الله‪ ،‬أشهد أن ال‬
‫إله إالّ الله وأشهد أن محمدًا رسول الله عليها نحيا وعليها نموت وعليها‬
‫نلقى الله وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫أنعم الله عز وجل على عباده بنعم كثيرة وكان منها البيع والشراء لتنعم‬
‫بما أحله الله لها مما ليس بضرورة وال حاجة‪.‬وقد جاء في فضل البيع‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫المبرور وكسبه ما روى رفاعة بن رافع – رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم سئل ‪ :‬أي الكسب أطيب ؟ قال (عمل الرجل بيده‬
‫وكل بيع مبرور) رواه البزار وصححه الحاكم ‪.‬‬
‫وال بد أن يوافق هذا البيع شرع الله ليكون مبرورا ً وهذا الحديث يعتبر‬
‫من جوامع كلمه عليه الصالة والسالم حيث أن مسائل البيع والشراء‬
‫بتعدد مشاربها وفروعها داخلة تحت هذين الصنفين إما عم ٌل باليد أو ما‬
‫كان سوى ذلك شريطة أن يكون البيع فيه مشتمالً على البر ‪.‬‬
‫وما هذا الدرس إال محاولةً للوقوف على أهم موضوعات المعامالت‬
‫وهذه مذكرة َبسيطة كتبتها حول هذا الدرس تخدم بإذن الله تعالى هذا‬
‫الدرس مدة هذه الفترة الدراسية (الفترة الثانية لعام ‪)1010/1029‬‬

‫‪Contents‬‬
‫الدرس األول ‪ :‬مقدمات في فقه المعامالت ‪5 ........... ................................‬‬
‫الدرس الثاني‪ :‬المال فى فقه المعامالت ‪11 ............. ................................‬‬
‫الدرس الثالث‪ :‬الملكية فى فقه المعامالت ‪14 .......... ................................‬‬
‫الدرس الرابع‪ :‬الملك التام و الملك الناقص ‪21 ........................................‬‬
‫الدرس الخامس‪ :‬العقد ‪23 ................................ ................................‬‬
‫العقد لغة ‪23 ................. ................................ ................................‬‬

‫‪1‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أقسام العقود ‪26 ............ ................................ ................................‬‬


‫الدرس السادس‪:‬أركان العقد وشروطه وكيفيته ‪30 ...................................‬‬
‫الدرس السابع‪ :‬عيوب الرضا ‪33 ........................ ................................‬‬
‫الغلط‪ /‬الخطأ ‪33 ............. ................................ ................................‬‬
‫اإلكراه ‪33 .................... ................................ ................................‬‬
‫شروط اإلكراه ‪34 ........... ................................ ................................‬‬
‫الغرر ‪35 ..................... ................................ ................................‬‬
‫العالقة بين الغرر والقمار ‪36 ............................. ................................‬‬
‫العالقة بين الغرر والميسر ‪37 ............................ ................................‬‬
‫العالقة بين الغرر والمخاطرة ‪37 ......................... ................................‬‬
‫التدليس ‪37 .................. ................................ ................................‬‬
‫الغبن ‪38 ..................... ................................ ................................‬‬
‫الدرس الثامن ‪ :‬البيوع ‪39 ................................ ................................‬‬
‫بيع الفضولي ‪41 ............ ................................ ................................‬‬
‫بيع المعاطاة ‪42 ............. ................................ ................................‬‬
‫بيع العينة ‪43 ................ ................................ ................................‬‬
‫‪2‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫بيع العرايا ‪44 ............... ................................ ................................‬‬


‫بيع المساومة ‪45 .......... ................................ ................................‬‬
‫بيع المزايدة ‪45 ............. ................................ ................................‬‬
‫بيوع األمانة ‪45 ............. ................................ ................................‬‬
‫الدرس التاسع ‪:‬البيوع المنهي عنها ‪46 ................ ................................‬‬
‫الدرس العاشر‪ :‬الخيار ‪51 ................................ ................................‬‬
‫تعريف الخيار ‪51 ........... ................................ ................................‬‬
‫خـيـار الشـرط ‪51 ........... ................................ ................................‬‬
‫خيار التعيين ‪52 ............. ................................ ................................‬‬
‫خيار الرؤية ‪53 ............. ................................ ................................‬‬
‫خيار الرؤية ‪53 ............. ................................ ................................‬‬
‫العقد على الشيء الغائب ‪53 .............................. ................................‬‬
‫خيار العيب ‪54 .............. ................................ ................................‬‬
‫خيار المجلس ‪54 ........... ................................ ................................‬‬
‫الدرس الحادي عشر‪ :‬السلم واالستصناع والصرف ‪56 ..............................‬‬

‫‪3‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .................. ................................ ................................ ................................ .1‬السلم‬


‫‪56 ............................ ................................ ................................‬‬
‫‪ .2‬االستصناع ‪59 ........... ................................ ................................‬‬
‫‪ .3‬بيع الصرف ‪61 ......... ................................ ................................‬‬
‫الدرس الثاني عشر‪ :‬اإلجارة والرهن والوديعة ‪74 ...................................‬‬
‫‪ ............................................... ................................ ................................ .1‬اإلجارة‬
‫‪74 ............................ ................................ ................................‬‬
‫‪ ................. ................................ ................................ ................................ .2‬الرهن‬
‫‪79 ............................ ................................ ................................‬‬
‫‪ .3‬الوديعة ‪87 ............... ................................ ................................‬‬
‫الدرس الثالث عشر‪ :‬القرض والعريّة والدين ‪92 .....................................‬‬
‫‪ ............................................... ................................ ................................ .1‬القرض‬
‫‪92 ............................ ................................ ................................‬‬
‫‪ ............................................... ................................ ................................ .2‬العاريّة‬
‫‪97 ............................ ................................ ................................‬‬
‫‪ .................. ................................ ................................ ................................ .3‬الدين‬
‫‪104.......................... ................................ ................................‬‬
‫الدرس الرابع عشر‪ :‬الشركة ‪107....................... ................................‬‬
‫‪4‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس األول ‪ :‬مقدمات في فقه المعامالت‬

‫‪ .1‬تعريف الفقه‬
‫الفقه لغة الفهم مطلقا ‪ ،‬سواء ما ظهر أو خفي‪ .‬وهذا ظاهر عبارة‬
‫القاموس والمصباح المنير‪ .‬واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ‪ -‬حكاية عن‬
‫ْب َما نَ ْفقَهُ َكثِيراً ِّم َّما تَقُو ُل) (هود‪ )92:‬وقوله‬ ‫قوم شعيب (قَالُوا يَا ُ‬
‫ش َعي ُ‬
‫س ِبّ ُح ِب َح ْم ِد ِه َولَ ِكن الَّ تَ ْفقَ ُهونَ تَ ْس ِبي َح ُه ْم)‬
‫َيءٍ ِإالَّ يُ َ‬
‫تعالى (َو ِإن ِّمن ش ْ‬
‫(اإلسراء‪ )44:‬فاآليتان تدالن على نفي الفهم مطلقا‪ .‬وذهب بعض‬
‫العلماء إلى أن الفقه لغة هو فهم الشيء الدقيق‪ ،‬يقال‪ :‬فقهت كالمك‪ ،‬أي‬
‫ما يرمي إليه من أغراض وأسرار‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الفقه هو العلم باألحكام الشرعية الفرعية العملية المستمدة من األدلة‬


‫التفصيلية ‪ .‬وعلى هذا فاألحكام الشرعية الفرعية المتصلة بأعمال القلب‬
‫عرف باسم علم التصوف أو األخالق‪1.‬‬ ‫أفرد لها علم خاص ُ‬

‫‪ .1‬تعريف المعامالت المالية‬


‫المعامالت في اللغة جمع معاملة؛ وهي مأخوذة من العمل وهو لفظ عام‬
‫في كل فعل يقصده المكلف‪ .‬وأما في االصطالح فهي األحكام الشرعية‬
‫المتعلقة بأمور الدنيا سواء تعلقت باألموال أو النساء حيث قال ابن‬
‫عابدين ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬والمعامالت خمسة‪ :‬المعاوضات المالية‪،‬‬
‫والمناكحات‪ ،‬والمخاصمات‪ ،‬واألمانات‪ ،‬والتركات‪2.‬‬

‫الضوابط العملية التي تُبنى عليها أحكام المعامالت‬


‫الضابط األول‪ :‬األصل في العقود الجواز‬
‫األصل في العقود اإلباحة إال ما ورد في الشرع منعه وقد قال بهذا‬
‫الرأي اإلمام الشافعي‪ ،‬والزيلعي من الحنفية‪ ،‬والشاطبي من المالكية‪،‬‬
‫وهو رأي ابن تيمية وابن القيم‪ 3‬واستدل أصحاب هذا الرأي بما يلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬الموسوعة الفقهية ‪ ،21/2‬البحر المحيط ‪ ،44/2‬شرح التلويح على التوضيح ‪،21 – 24/2‬‬
‫البحر الرائق شرح كنز الدقائق ‪.1 - 4/2‬‬
‫(‪ )2‬حاشية ابن عابدين ‪.99/2‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ 214/21‬إعالم الموقعين‪ ،410/2‬الفتاوى الكبرى‪،10 - 91/4‬الفروع البن‬
‫مفلح‪ ،419/4‬كشف األسرار‪ ،459/4‬القواعد البن رجب‪ ،440‬التقرير والتحبير ‪- 291/1‬‬
‫‪ ،299‬اإلنصاف‪ ،40/1‬شرح مختصر خليل ‪10/9‬‬
‫‪6‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫من القرآن الكريم قول الله تعالى(يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا أَ ْوفُوا ِب ْالعُقُو ِد)‬
‫المائدة‪َ ( 2:‬وأَ ْوفُوا ِب ْال َع ْه ِد ِإ َّن ْال َع ْهدَ َكانَ َم ْسؤُوال) ‪-‬اإلسراء‪ - 44:‬أي كل‬
‫العهود التي تجرى بين الناس مما لم يمنعه الشارع‪.‬‬
‫طعُونَ َما أَ َم َر‬ ‫ضونَ َع ْهدَ اللّ ِه ِمن بَ ْع ِد ِميثَاقِ ِه َويَ ْق َ‬‫وقوله تعالى ( َوالَّذِينَ يَنقُ ُ‬
‫سو ُء‬ ‫ض أ ُ ْولَئِ َك لَ ُه ُم اللَّ ْعنَةُ َولَ ُه ْم ُ‬
‫ص َل َويُ ْف ِسدُونَ فِي األ َ ْر ِ‬‫الله بِ ِه أَن يُو َ‬
‫الدَّار) ِِ البقرة‪.19:‬‬
‫طا‬ ‫واستدلوا له من السنة بقول النبي ﷺ (المسلمون على شروطهم إال شر ً‬
‫حرم حالالً أو أحل حرا ًما) ‪4‬‬

‫صا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة‬‫وقوله ﷺ (أربع من كن فيه كان منافقًا خال ً‬
‫منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد‬
‫أخلف‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر) ‪5‬‬

‫إن العقود من باب األفعال العادية‪ ،‬واألصل فيها عدم التحريم وقد كان‬
‫األوس والخزرج يحرمون على الرجل إتيان امرأته في فرجها إذا كانت‬
‫ضا كانت قريش تحرم‬ ‫مجبية‪( ،‬أي إتيانها في القبل من الخلف)‪ ،‬وأي ً‬
‫السعي بين الصفا والمروة… إلى غير ذلك من األفعال التي أنكرها الله‬
‫على أهل الجاهلية‪ ،‬ولو لم يفعلوها لما لحقهم اإلنكار‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية‪ :‬إذا حرمنا العقود والشروط بين الناس في معامالتهم‬
‫محرمين ما لم يحرمه الله‪ ،‬بخالف العقود‬
‫ِّ‬ ‫العادية بغير دليل شرعي كنا‬
‫التي تتضمن شرع دين لم يأذن به الله؛ فإن الله حرم من الدين ما لم‬
‫يأذن به؛ فال تشرع عبادة إال بشرع الله‪ ،‬وال تحرم عبادة إال بتحريم‬
‫الله‪ ،‬والعقود والمعامالت من العادات التي يفعلها المسلم والكافر‪ ،‬وإن‬

‫(‪ ) 4‬البخاري في باب‪ :‬أجر السمسرة كتاب اإلجارة‪ ،‬والدارقطني في كتاب البيوع‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري في كتاب اإليم ان‪ ,‬باب‪ :‬عالمات المنافق‪ ،‬ومسلم كتاب اإليمان باب خصال المنافق‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫كان فيهما قربة من وجه آخر؛ فليست من العبادات التي يفتقر فيها إلى‬
‫شرع كالعتق والصدقة ‪6‬‬

‫كما استدلوا بأن األصل في العقود رضا المتعاقدين‪ ،‬وموجبها ما أوجباه‬


‫اض ِّمن ُك ْم)؛ فعلق‬ ‫على أنفسهما‪ ،‬قال تعالى ( ِإالَّ أَن تَ ُكونَ تِ َج َ‬
‫ارةً َعن ت ََر ٍ‬
‫جواز التجارة على الرضا تعليق الجزاء بشرطه‪ ،‬فدل على أنه سبب له‪،‬‬
‫والرضا شرط زائد على مجرد البيع «التجارة»‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية(األصل في العقود والشروط عند اإلمام أحمد وقريب منه اإلمام‬
‫مالك الجواز والصحة؛ فال يحرم منها وال يبطل إال ما دل الشرع على‬
‫سا‪ ،‬وليس في الفقهاء األربعة أكثر‬ ‫صا أو قيا ً‬ ‫تحريمه أو بطالنه ن ً‬
‫تصحي ًحا للشرط من اإلمام أحمد) ‪. 7‬‬
‫الضابط الثاني ‪:‬العبرة في العقود للمعاني والمقاصد‬
‫اختلفت آراء الفقهاء حول هذه القاعدة؛ فمنهم من غلب جانب اللفظ على‬
‫المعنى؛ فيأخذ بظاهر اللفظ تار ًكا المعنى وقصد المتعاقدين‪ ،‬ومنهم من‬
‫غلب جانب المعنى وقصد المتعاقدين على ظواهر األلفاظ‪ ،‬ومع هذا‬
‫فإنهم ال يهملون جانب اللفظ متى أمكن الجمع بينهما‪8.‬‬

‫(‪ )6‬القواعد النورانية لشيخ اإلسالم أحمد بن عبد الحليم ص ‪ .102‬ط‪2499 2‬هـ دار المعرفة‪.‬‬
‫بيروت تحقيق محمد حامد الفقي‪ ،‬وينظر بحث اإليجار المنتهي بالتمليك للدكتور سعود بن‬
‫عبد الله الفنسيان ص ‪ .29 ،21‬مجلة البحوث الفقهية‪ ،‬العدد الثامن واألربعون‪ ،‬السنة الثانية‬
‫عشرة ‪.1002 - 2412‬‬
‫(‪ )7‬القواعد النورانية ‪ 211‬اإليجار المنتهي بالتمليك للدكتور سعود بن عبد الله الفنسيان ص ‪.21‬‬
‫(‪ )8‬المبسوط للسرخسي ‪ ،241/9‬وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ‪251/4‬وتبيين الحقائق شرح‬
‫كنز الدقائق ‪ ، 91/1‬وأسنى المطالب في شرح روض الطالب لزكريا األنصاري ‪11/1‬‬
‫والغرر البهية في شرح البهجة لزكريا األنصاري ‪445/1‬المطبعة الميمنية وتحفة المحتاج في‬
‫‪8‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أشار اإلمام النووي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في المجموع لهذه المسألة‪ ،‬فقال‪( :‬قال‬
‫المتولي‪ :‬لو قال وهبت لك هذا بألف‪ ،‬أو هذا لك بألف‪ ،‬أو هذا لك هبة‬
‫بألف فقبل‪ ..‬هل ينعقد هذا العقد؟ فيه خالف مبني على قاعدة أن االعتبار‬
‫في العقود بظواهرها أم بمعانيها؟ وفيه وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬االعتبار بظواهرها؛ ألن هذه الصيغ موضوعة إلفادة المعاني‪،‬‬
‫وتفهيم المراد منها عند إطالقها فال تترك ظواهرها‪ ،‬ولهذا لو استعمل‬
‫لفظ الطالق وأراد به الظهار أو عكسه تعلق باللفظ دون المعنى‪ ،‬وألن‬
‫اعتبار المعنى يؤدي إلى ترك اللفظ‪ ،‬وألنا أجمعنا على ألفاظ اللغة فال‬
‫يعدل بها عما وضعت له في اللغة‪ ،‬فيطلق اللفظ لغة على ما وضع له‪،‬‬
‫فكذا ألفاظ العقود‪ ،‬وألن العقود تفسر باقتران شرط مفسر؛ ففسادها‬
‫بتغيير مقتضاها أولى‪.‬‬
‫والرأي الثاني‪ :‬أن االعتبار بمعانيها؛ ألن األصل في األمر الوجوب‪،‬‬
‫حملُه عليه حملناه على االستحباب‪ ،‬وأصل النهي التحريم‪ ،‬فإذا‬
‫فإذا تعذر ْ‬
‫حملُه عليه حملناه على كراهة التنزيه‪ ،‬وكذا هنا إذا تعذر حمل‬ ‫تعذر ْ‬
‫اللفظ على مقتضاه يحمل على معناه‪ ،‬ولهذا لو باعه بعشرة دراهم‪ ،‬وفي‬
‫البلد نقود أحدها غالب حملناه على الغالب طلبًا للصحة‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬الشروط وأثرها على العقود‬

‫شرح المنهاج‪44،44/5‬دار إحياء التراث‪ ،‬وينظر التأجير المنتهي بالتمليك والصور‬


‫المشروعة فيه‪ ،‬د‪ .‬عبد الله محمد عب د الله‪ ،‬مجلة المجمع الفقهي‪ ،‬الدورة الخامسة‪ ،‬الجزء‬
‫الرابع‪ ،‬ص ‪ . 1591‬اإلجارة وتطبيقاتها المعاصرة (اإلجارة المنتهية بالتمليك) دراسة فقهية‬
‫مقارنة أ د‪ .‬علي محيي الدين القره داغي ص ‪.509 - 509‬‬
‫‪9‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫مذهب الشافعية أن ما ال يقتضيه مطلق البيع من الشروط‪ ،‬وليس هو‬


‫من مصلحة البيع؛ فإنه يفسد البيع إال شرط العتق‪ .‬وذلك مثل أن‬
‫يشتري سلعة على أن يحملها البائع إلى بيته‪ ،‬أو ثو ًبا على أن يخيطه‪ ،‬أو‬
‫دابة على أن يسلمها في بلد كذا‪ ،‬أو وقت كذا‪ ،‬أو على أال خسارة عليه‬
‫في المبيع؛ فالعقد فاسد؛ ألنه شرط يصير به الثمن مجهوال‪ ،‬وكذلك لو‬
‫باع داره وشرط رضا الجيران أو رضا فالن ففاسد‪9‬‬

‫المالكية فالشروط عندهم ثالثة أقسام‪:‬‬


‫األول‪ :‬شروط تبطل هي والبيع م ًعا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬شروط تجوز هي والبيع معًا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬شروط تبطل ويثبت البيع‪.‬‬
‫وذلك راجع إلى كثرة ما يتضمن الشروط من صنفي الفساد‪ ،‬وهما الربا‬
‫والغرر‪ ،‬وإلى قلته‪ ،‬وإلى التوسط في ذلك‪ ..‬فما كان دخول هذه األشياء‬
‫كثيرا من قبل الشرط أبطله وأبطل الشرط‪ ،‬وما كان قليال أجازه‬‫ً‬ ‫فيه‬
‫وأجاز الشرط‪ .‬وما كان متوس ً‬
‫طا أبطل الشرط وأجاز البيع وبهذا يمكننا‬
‫الجمع بين األحاديث‪10‬‬

‫الضابط الرابع‪ :‬منع الربا (سيأتي الحديث عنه فى باب خاص)‬


‫الضابط الخامس‪ :‬منع الميسر‬

‫(‪ )9‬األم ‪ ،10 ،99/5‬الغرر البهية ‪ ،412/4‬فتوحات الوهاب ‪545/4‬‬


‫(‪ )10‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪.259/1‬‬
‫‪10‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الميسر لغة‪ :‬قمار العرب باألزالم‪ ،‬وقال صاحب القاموس هو اللعب‬


‫بالقداح أو هو النرد‪ ،‬أو كل قمار‪ .‬وال يخرج المعنى االصطالحي عن‬
‫المعنى اللغوي‪ .‬وقال ابن حجر المكي‪ :‬الميسر‪ :‬القمار بأي نوع كان‪،‬‬
‫وقال المحلي‪ :‬صورة القمار المحرم التردد بين أن يغنم وأن يغرم‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬الميسر‪ :‬ميسران‪ ،‬ميسر اللهو وميسر القمار فمن ميسر اللهو‬
‫النرد والشطرنج والمالهي كلها‪ ،‬وميسر القمار ما يتخاطر الناس عليه‪.‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬منع الغرر‬
‫الغرر في اللغة يطلق على معان منها النقصان والخطر والتعرض‬
‫للتهلكة والجهل وأما في االصطالح فهو ما ال يعرف حصوله أو ال‬
‫يعرف حقيقته ومقداره‪ .‬وهذا الضابط باتفاق األئمة وأنه البد من منع‬
‫الغرر في المعامالت‪ ،‬ويدل لهذا حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ (نهى‬
‫عن بيع الغرر) كما في صحيح مسلم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس الثاني‪ :‬المال فى فقه المعامالت‬

‫‪ .1‬المال‬
‫يطلق المال في اللغة على كل ما تَملَّكه اإلنسان من األشياء‪.‬‬
‫وفي االصطالح ‪ :‬اختلف الفقهاء في تعريف المال وعرفه الزركشي من‬
‫الشافعية بأنه‪ :‬ما كان منتفعا ً به‪ ،‬أي مستعداً ألن يُنتفع به‪ .‬وحكى‬
‫السيوطي عن الشافعي أنه قال‪ :‬ال يقع اسم المال إال على ما له قيمة يُباع‬
‫بها‪ ،‬وتلزم ُمت ِلفه‪ ،‬وإن قلت‪ ،‬وما ال يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه‬
‫ذلك‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬المال شرعا ً ما يباح نفعه مطلقاً‪ ،‬أي في كل‬
‫األحوال‪ ،‬أو يُباح اقتناؤه بال حاجة(‪.)11‬‬
‫‪ .4‬يرى جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة أن المنافع‬
‫أموال بذات ‪ ،‬ألن األعيان ال تقصد لذاتها بل لمنافعها وعلى ذلك أعراف‬
‫الناس ومعامالتهم‪ .‬وألن الشرع قد حكم بكون المنفعة ماال عندما جعلها‬
‫مقابلة بالمال في عقد اإلجارة‪ ،‬وهو من عقود المعاوضات المالية‪ ،‬وكذا‬
‫عندما أجاز جعلها مهرا في عقد النكاح‪ ،‬وألن في عدم اعتبارها أمواال‬
‫تضييعا لحقوق الناس وإغراء للظلمة في االعتداء على منافع األعيان‬
‫التي يملكها غيرهم‪ ،‬وفي ذلك من الفساد والجور ما يناقض مقاصد‬
‫الشريعة وعدالتها‪ .‬وقال الشربيني الخطيب‪ :‬المنافع ليست أمواال على‬

‫(‪ )11‬الموسوعة الفقهية ‪.41 – 42/41‬‬


‫‪12‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الحقيقة بل على ضرب من التوسع والمجازالمال وتقسيمه إلى متقوم‬


‫وغير متقوم‬
‫للمال اعتبارات مختلفة‪ ،‬فإذا نظرنا إلى ما يكون له من حرمة وحماية‬
‫ينقسم إلى مال متقوم أي له قيمة في الشرع وغير متقوم أي مهدر‪،‬‬
‫وبالنسبة إلى وضعه واستقراره ينقسم إلى عقار ومنقول‪ ،‬وبالنسبة إلى‬
‫تماثل آحاده ينقسم إلى قيمي ومثلي‪.‬‬
‫أ‪ .‬المال المتقوم‬
‫وتقسيم المال إلى متقوم وغير متقوم بهذا المفهوم هو تقسيم الحنفية‬
‫خالفا لجمهور الفقهاء‪ ،‬فالحنفية ال يشترطون إباحة االنتفاع لمالية‬
‫األشياء‪ ،‬واكتفوا باشتراط العينية واالنتفاع المعتاد وتمول الناس في‬
‫اعتبار الشيء ماال‪:‬‬
‫فالمال المتقوم عندهم هو ما يُباح االنتفاع به شرعا ً في حالة السعة‬
‫واالختيار‪.‬‬
‫المال غير المتقوم‬ ‫ب‪.‬‬
‫والمال غير المتقوم‪ :‬هو ما ال يُباح االنتفاع به في حالة االختيار‪،‬‬
‫كالخمر والخنزير بالنسبة للمسلم‪ .‬أما بالنسبة للذميين فهي مال متقوم‪،‬‬
‫ألنهم ال يعتقدون حرمتها ويتمولونها‪ ،‬وقد أمرنا بتركهم وما يدينون‪.‬‬
‫أما جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة فقد اعتبروا إباحة‬
‫االنتفاع عنصراً من عناصر المالية فالشيء إذا لم يكن مباح االنتفاع به‬
‫شرعا فليس بمال أصال‪ ،‬ولذلك لم يظهر عندهم تقسيم المال إلى متقوم‬
‫وغير متقوم بالمعنى الذي قصده الحنفية‪ .‬وهم إذا أطلقوا لفظ «المتقوم»‬
‫‪13‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أرادوا به ما له قيمة بين الناس و«غير المتقوم» ما ليس له قيمة في‬


‫عرفهم‪ .‬وعلى ذلك جاء في شرح حدود ابن عرفة‪ :‬أن المعتبر في‬
‫التقويم إنما هو مراعاة المنفعة التي أذن الشارع فيها‪ ،‬وما ال يؤذن فيه‬
‫فال عبرة به‪ ،‬فال تعتبر قيمته‪ ،‬ألن المعدوم شرعا ً كالمعدوم حساً‪ .‬وعلى‬
‫ذلك فلم يعتبر جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة الخمر والخنزير في‬
‫عداد األموال أصال بالنسبة للمسلم والذمي على حد سواء‪ ،‬ولم يوجبوا‬
‫الضمان على متلفهما مطلقاً‪ ،‬في حين عدهما الحنفية ماال متقوما ً في حق‬
‫الذمي‪ ،‬وألزموا متلفهما مسلما كان أم ذميا الضمان بدليل أنها معدومة ال‬
‫قدرة عليها‪)12(.‬‬

‫الدرس الثالث‪ :‬الملكية فى فقه المعامالت‬

‫الملكية في اللغة احتواء الشيء‪ ،‬و القدرة على االستبداد به و‬


‫التصرف ‪.‬واستخدم الفقهاء لفظ الملكية و المملوكية و الملكية‪ ،‬وهذه‬
‫األلفاظ الثالثة كلها عبارة عن العالقة بين اإلنسان و المال‪ ،‬إال أن‬
‫المالكية عبارة عنها من جانب اإلنسان‪ ،‬والمملوكية عبارة عنها من‬
‫جانب المال‪ ،‬و الملكية عبارة عنها من الجانبين‪.‬‬
‫وال يمكن تعريف الملكية بأنها التصرف‪،‬ألن اإلنسان قد يملك وال‬
‫ي تصرف‪ ،‬كالمحجور عليه‪ ،‬أو يتصرف وال يملك كالوكيل‪ .‬كما ال يمكن‬

‫(‪ )12‬ينظر التاج واإلكليل لمختصر خليل ‪ ،410/1‬منح الجليل شرح مختصر خليل ‪،495/9‬‬
‫أسنى المطالب ‪ ،249/1‬مغنى المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج ‪ ،5/4‬دقائق أولي النهى‬
‫‪ ،111/2‬كشاف القناع عن متن اإلقناع ‪.494/4‬‬
‫‪14‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫تعريفها بأنها حيازة‪ ،‬ألن اإلنسان قد يملك وال يحوز كالمغصوب منه‪،‬‬
‫وقد يحوز وال يملك كالغاصب‪ .‬ويمكن تعريف الملكية بأنها صلة بين‬
‫اإلنسان وبين الشيء (اختصاصه به) مكنه من االنتفاع به (استعماالً‬
‫واستغالالً) و التصرف فيه‪ ،‬وتمنع غيره من هذا التصرف‪.‬‬
‫ولفظ الملك يطلق ويراد به الشيء المملوك‪ ،‬أو يطلق ويراد به القدرة‬
‫على التصرف بالمملوك‪ ،‬و الحق بهذا التصرف‪.‬‬
‫أ‪ -‬أسباب التملك ( الوجوه الطبيعية للمعاش )‬
‫أسباب التملك منها ما هو ممنوع‪ ،‬ومنها ما هو مباح‪ .‬فأما األسباب‬
‫الممن وعة فنذكر منها‪ :‬الربا‪ ،‬االحتكار‪،‬الغرر‪،‬القمار‪،‬الرشوة‪،‬السرقة‪،‬‬
‫الغصب‪ ،‬الغش‪ ،‬مهر البغي‪ ،‬حلوان الكاهن‪ ،‬ثمن الخمر و الخنـزير‬
‫وسائر المحرمات التي تلتمس في كتب الحالل و الحرام(اإلباحة و‬
‫الحظر)‪ ،‬وفي كتب الفقه‪ .‬وسنتكلم عن بعض هذه المحرمات في مواضع‬
‫أخرى من هذا الكتاب ‪ .‬أما حكم المال المحوز من طرق الحرام‪ ،‬فال يحل‬
‫ص َرفَهُ‬
‫لحائزه‪ ،‬بل يجب عليه البحث عن أصحابه ليرده إليهم‪،‬فإن تعذر َ‬
‫على الفقراء أو في المصالح العامة‪.‬‬
‫أسباب التملك المباحة فهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬والدة المملوك‪ ،‬مثل ثمر الشجر‪ ،‬ونتاج الحيوان‬
‫إحراز المباح‪،‬كالشجر‪ ،‬والحطب‪ ،‬و الصيد‪ ،‬واالرض المحياة‪،‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫وغنائم لحربيين‬
‫اإلرث‬ ‫ت‪.‬‬
‫الدية‪،‬أو التعويض عن التلف ( ضمان التلف )؛‬ ‫ث‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ج‪ .‬المعاوضة كالبيع أو التبرع كالهبة والهدية و الوصية و الصدقة و‬


‫الكفارة و النذر والنفقة الواجبة وغيرها ‪.‬‬
‫والتملك هنا بعضه ناشئ عن عمل كإحراز المباح وبعضه عن مال‬
‫كوالدة المملوك‪ :‬نماء المال وبعضه عن حاجة كالصدقة وبعضه عن‬
‫صلة رحم كالنفقة و الهدية وبعضه عن صلة اجتماعية كالهبة و الهدية‬
‫)‪.‬‬
‫التملك بعضه إجباري (بغير اختيار)‪ ،‬كاإلرث ووالدة المملوك‪.‬‬
‫وبعضه اختياري‪ ،‬كإحراز المباح وبعضه يؤخذ من غير مالك كإحراز‬
‫المباح‪ ،‬وبعضه قهراً من مالك ال حرمة له ك الغنيمة‪ ،‬وبعضه تراضيا ً‬
‫بمعاوضة كالبيع‪ ،‬وبعضه تراضيا ً من غير عوض كالصدقة و الهبة و‬
‫الوصية‪.‬‬
‫قال ابن جزري‪( 13‬أما الكسب فنوعان‪ :‬كسب بغير عوض‪ ،‬وبعوض‪.‬‬
‫فأما الكسب بغير عوض فأربعة أنواع‪:‬‬
‫أ‪ .‬الميراث‬
‫الغنيمة‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫العطايا كالهبة والحبس (الوقف) وغير ذلك‪.‬‬ ‫ت‪.‬‬
‫ما لم بتملكه أحد كالحطب والصيد وإحياء الموات‪.‬‬ ‫ث‪.‬‬
‫وأما الكسب بعوض فأربعة منها ‪:‬‬
‫‪ .2‬عوض عن مال كالبيع‬

‫‪ 13‬القوانين الفقهية البن جزري‪،‬ط‪.‬دار القلم‪،‬ص ‪215‬‬


‫‪16‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .1‬عوض عن عمل كاإلجارة‬


‫‪ .4‬عوض عن جناية كالديات‪.‬‬
‫الملكية الخاصة و الملكية العامة وملكية الدولة‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪ .2‬الملكية الخاصة‬
‫الملكية الخاصة هي ملكية األفراد والشركات‪ .‬والملكية الخاصة في‬
‫اإلسالم أمر معترف به ففي الكثير من آيات القرآن الكريم‪ ،‬جاء لفظ "‬
‫أموالكم " أو " أموالهم " أو " مال اليتيم " أو " بيوتكم "‪ .‬كما أن أمر‬
‫المسلمين في القرآن بدفع زكاة المال واإلنفاق يدل على أنهم مالكون‪.‬‬
‫كذلك آيات الميراث تدل على مشروعية الملكية الخاصة‪ .‬وفي السنة‬
‫النبوية العديد من األحاديث‪ ،‬كقوله ﷺفي خطبة الوداع (إن دماءكم و‬
‫أموالكم و أعراضكم عليكم حرام)‪ 14‬و قوله أيضا ً (كل المسلم على‬
‫المسلم حرام دمه وماله وعرضه )‪.15‬‬
‫وفي القرآن أيضا ً أن النفوس البشرية مفطورة على حب المال‪ .‬قال‬
‫ير ْال ُمقَن َ‬
‫ط َرةِ‬ ‫ساء َو ْال َبنِينَ َو ْالقَن ِ‬
‫َاط ِ‬ ‫ت مِنَ ال ِنّ َ‬ ‫ش َه َوا ِ‬ ‫اس ُحبُّ ال َّ‬ ‫(ز ِيّنَ ِللنَّ ِ‬
‫تعالى ُ‬
‫س َّو َم ِة َواأل َ ْن َع ِام َو ْال َح ْرثِ) آل عران‪:‬‬ ‫ض ِة َو ْال َخ ْي ِل ْال ُم َ‬‫ب َو ْال ِف َّ‬
‫ِمنَ الذَّ َه ِ‬
‫‪.24‬وقال تعالى ( َوت ُ ِحبُّونَ ْال َما َل ُحبًّا َج ًّما)‬
‫ولئن كان كل عامل في اإلسالم له الحق بتملك نتيجة عمله‪ ،‬فمن‬
‫الطبيعي أن تكون هناك ملكية خاصة‪ ،‬فلو لم تكن الملكية الخاصة جائزة‬

‫‪ 14‬رواه الشيخان‬
‫‪ 15‬رواه مسلم وغيره‬
‫‪17‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫لما أمكن للعامل أن يتملك من نتيجة عمله أكثر من حاجته وحاجة‬


‫عياله‪.‬‬
‫وقد حمى اإلسالم األمالك الفردية وغيرها من السرقة والغصب‪ ،‬فحدَّ‬
‫وعزر الغاصب‪ .‬ومن قتل دفاعا ً عن ماله فهو شهيد‪ .‬وال‬ ‫َّ‬ ‫السارق‪،‬‬
‫تقتصر الملكية في اإلسالم على مجرد تملك النقود‪ ،‬الناشئة من أجرة أو‬
‫ثمن‪ ،‬بل تمتد إلى ملكية عروض القُ ْنية‪ ،‬وعروض التجارة‪ ،‬و األصول‬
‫الثابتة (وسائل اإلنتاج ) وسائر األموال التي يسمح اإلسالم بملكها ملكا ً‬
‫خاصاً‪ ،‬بخالف األموال الحكومية‪ ،‬و األموال العامة‪ ،‬فال يجوز مثالً‬
‫للفرد أن يملك أرضا ً موقوفة‪ ،‬أو مباحة‪ ،‬أو أن يملك نهراً كبيراً أو بحرا ً‬
‫… الخ‪.‬‬
‫‪ .1‬الملكية العا ّمة‬
‫ال نعني بالملكية العامة ملكية الدولة وإنما نعني بها ملكية مجموع‬
‫الناس‪ ،‬يشتركون فيها شركة إباحة‪ ،‬فال يختص بها فرد وال دولة‪ ،‬وال‬
‫يجوز التصرف بها بيعا ً وال إقطاعا ً وال هبة‪ ،‬ألنها موقوفة على جماعة‬
‫المسلمين‪ ،‬من كان حيا ً منهم اآلن ومن سيأتي‪ ،‬وتباح منافعها لهم‬
‫لإلنتفاع الشخصي فقط‪.‬‬
‫ومن صور الملكية العامة‪:‬‬
‫أ‪ -‬المرافق ( األرفاق‪ ،‬المباحات ) العامة‪ :‬كالمياه العظيمة ( األنهار‪،‬‬
‫البحار ) والشوارع والطرقات والمراعي والغابات‪ .‬وفي هذا ورد قوله‬
‫ﷺ ( المسلمون شركاء في ثالث‪ :‬في الماء والكأل والنار) ‪16‬فيجوز لكل‬

‫‪ 16‬رواه أبو داوود والبيهقي وأبو عبيد‬


‫‪18‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫واحد أن ينتفع بهذه المرافق على وجه ليس فيه ضرر لآلخرين‪ ،‬فالناس‬
‫شرع (سواء )‪ ،‬فمن سبق إلى مباح فهو أولى به‪ ،‬فإن قعد في مكان‬ ‫فيها َ‬
‫مباح ( سوق‪ ،‬مسجد‪ ،‬طريق ) فهو أحق به ما لم يتركه‪ ،‬لكن ال يجوز‬
‫أن يتنازل عنه بعوض وال بغير عوض (بم ّنة)‪ ،‬ألنه ليس ملكا ً له‪.‬‬
‫وعلى الدولة أن تمنع التعدي و الضرر‪ ،‬و أن تصلح بين‬ ‫ب‪-‬‬
‫المنتفعين عند الخصومة أو التشاجر أوالنـزاع‪ .‬ويجوز للدولة أن تتدخل‬
‫في تنظيم االنتفاع بالمرافق‪ ،‬مثل تحديد أمكنة في الشوارع أو الرحاب‬
‫للباعة ( مقاعد أسواق )‪ ،‬ويجوز أن تقطعها لهم إقطاع إرفاق ال تمليك‪،‬‬
‫فما هو ملك عام ال يملك ملكا ً خاصا ً ألحد‪.‬‬
‫الح َمى ( العام ) وهو ما يخصص من األرض المباحة لمصلحة‬ ‫ِ‬ ‫ج‪-‬‬
‫عامة‪ ،‬مثل رعي خيل الجهاد‪ ،‬و مثل رعي سوائم الصدقة إلى أن‬
‫تصرف في مصارفها وتوزع على مستحقيها‪ ،‬وقد أجاز عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه الرعي فيها للفقراء دون األغنياء‪ .‬فالجامع إذن‬
‫للمرافق العامة والحمى العام أنهما ملك عام ال يجوز التصرف به لفرد‬
‫وال لدولة وإن كانت المرافق العامة ينتفع بها كل الناس‪ ،‬والحمى العام ال‬
‫ينتفع به كل الناس‪ ،‬بل هو مخصوص لحيوانات الجهاد وحيوانات‬
‫الصدقة‪ .‬ولعل عمر بن الخطاب سمح لفقراء المسلمين بالرعي فيه‪ ،‬ألن‬
‫حيوانات الصدقة حق للفقراء‪ ،‬فصار الحمى بهذا المعنى مخصصا ً‬
‫ضه لمصلحة الفقراء‪.‬‬‫بع ُ‬
‫د‪ -‬األوقاف‪ :‬ويدخل فيها ما هو وقف لجماعة المسلمين‪ ،‬كاألراضي التي‬
‫فتحت عنوة‪ ،‬ولم توزع على الغانمين‪ .‬كما يدخل فيها ما هو وقف على‬
‫جماعة معينة منهم كالفقراء‬
‫ه‪ -‬ملكية الدولة ( ملكية بيت المال )‬

‫‪19‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫بيت المال يعني بيوت أموال الدولة‪ ،‬سواء كانت هذه األموال منقولة (‬
‫كالنقود و العروض ) أو غير منقولة ( كاألراضي )‪ ،‬وسواء كانت هذه‬
‫األموال جمادات أو حيوانات‪ .‬ولذلك يجب أال يفهم من بيت المال أنه‬
‫مجرد صندوق أو خزانة توضع فيها النقود و ما شابهها‪ .‬إن بيت المال‬
‫يمتد مفهومه ليشمل أراضي الدولة و مخازن حبوب الدولة ومخازن‬
‫األسلحة و أنابيب المياه و النفط و ما إلى ذلك‪ .‬فبيت المال أشبه إذن‬
‫بالذمة المالية منه بالصندوق‪ ،‬فله موجودات (أصول ) وعليه مطاليب‬
‫(خصوم )‪ ،‬وهو أشبه بالشخصية المعنوية منه بالمكان الحسي‪ ،‬وأشبه‬
‫بالسجل منه بالصندوق‪ .‬ولعل هذا ما يعنيه الماوردي بقوله )بيت المال‬
‫عبارة عن الجهة ال عن المكان)‪.‬‬
‫وبيوت المال ثالثة تختلف باختالف مصارف المال‪:‬‬
‫أ‪ .‬بيت مال الزكاة‪ :‬ومصارفه معروفة محددة في سورة التوبة اآلية‪.10:‬‬
‫بيت مال المصالح‪ :‬وموارده الفيء والخراج و خمس الغنيمة‪،‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫ومصارفه في الرواتب و األجور و األرزاق‪ ،‬وفي الثغور وبناء‬
‫المساجد و القناطر و الجسور و الطرق‪ ،‬و في الفقراء و المساكين لدعم‬
‫بيت مال الزكاة عند الحاجة‪.‬‬
‫بيت مال الضوائع‪ :‬و موارده من اللقطات و التركات التي ال‬ ‫ت‪.‬‬
‫وارث لها‪ ،‬ومن ديات القتلى الذين ال أولياء لهم‪ ،‬ومصارفه اللقطاء‬
‫الفقراء‪ ،‬والفقراء الذين ال أولياء لهم‪ ،‬يكفن منها موتاهم‪ ،‬وتعقل منها‬
‫جنايتهم‪.‬‬

‫طبيعة الملكية العامة‬

‫‪20‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .2‬إنها من مرافق الجماعة‬


‫‪ .1‬بعضها من إيجاد الله تعالى‪ ،‬وبعضها من ترتيب البشر وإنجازهم‬
‫‪ .4‬تميُّزها بالوفر يعني غير النادرة‪ ،‬وتتميَّز بالوفر‪ ،‬وتصلح ألن ينتفع‬
‫بها كل الناس‪ ،‬كما أنها من ضروريات الحياة‬
‫‪ .4‬عدم جواز تملك األفراد ألعيانها غير محدودة المقدار‬

‫الدرس الرابع‪ :‬الملك التام و الملك الناقص‬


‫الملك إما تام أو ناقص ‪.‬‬
‫)‪)05/08/2020‬‬

‫‪21‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الملك التام ‪:‬هو ملك ذات الشيء (رقبته) ومنفعته معاً‪ ،‬بحيث يثبت‬
‫للمالك جميع الحقوق المشروعة‪.‬‬
‫خصائصه‬
‫‪ .2‬إ نه ملك مطلق دائم ال يتقيد بزمان محدود ما دام الشيء محل الملك‬
‫قائما ً‬
‫‪ .1‬ال يقبل اإلسقاط‪ ،‬فلو غصب شخص عينا ً مملوكة آلخر‪ ،‬فقال المالك‬
‫المغصوب منه‪ :‬أسقطت ملكي‪ ،‬فال تسقط ملكيته ويبقى الشيء ملكا ً له‪،‬‬
‫‪ .4‬يقبل النقل وطريق النقل إما العقد الناقل للملكية كالبيع‪ ،‬أو الميراث أو‬
‫الوصية‬
‫‪ .4‬يمنح صاحبه الصالحيات التامة وحرية االستعمال واالستثمار‬
‫والتصرف فيما يملك كما يشاء‬
‫‪ .5‬إذا أتلف المالك ما يملكه ال ضمان عليه؛ إذ ال يتصور مالك وضامن‬
‫في شخص واحد‬
‫الملك الناقص هو ملك العين وحدها‪ ،‬أو المنفعة وحدها‪ .‬ويسمى ملك‬
‫المنفعة حق االنتفاع‪.‬‬

‫أنواع الملك الناقص‬


‫‪ .2‬ملك العين فقط وهو أن تكون العين (الرقبة) مملوكة لشخص‪،‬‬
‫ومنافعها مملوكة لشخص آخر‪.‬‬
‫‪ .1‬ملك المنفعة الشخصي أو حق االنتفاع وهناك أسباب خمسة لملك‬
‫المنفعة‪:‬‬
‫‪22‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أ اإلعارة‪.‬‬
‫ب اإلجارة‪.‬‬
‫ج الوقف‪.‬‬
‫د الوصية‪.‬‬
‫ه اإلباحة وهي اإلذن باستهالك الشيء أو باستعماله‪ ،‬كاإلذن بتناول‬
‫الطعام أو الثمار‪.‬‬
‫‪ .4‬ملك المنفعة العيني أو حق االرتفاق ‪:‬حق االرتفاق‪ :‬هو حق مقرر‬
‫على عقار لمنفعة عقار آخر‪ ،‬مملوك لغير مالك العقار األول‪:‬‬
‫أ حق ال ّ‬
‫شِرب‬
‫ب حق المجرى‬
‫ج حق المسيل‬
‫د حق المرور‬
‫ه حق الجوار‬
‫و حق العلو أي الحق الطابقي أو حق العلو‪.‬‬

‫الدرس الخامس‪ :‬العقد‬


‫العقد لغة‬

‫هو الجمع بين أطراف الشيء وتقويتها‪ ،‬يقال‪ :‬عقد طرفي الحبل إذا‬
‫وصل أحدهما باآلخر بعقدة تمسكها فأحكم وصلها‪ .‬ويطلق على الضمان‬
‫والعهد يقال‪ :‬عاقدته على كذ ا إذا عاهدته عليه‪ .‬ويطل على الوجوب‬

‫‪23‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫يقال‪ :‬عقد البيع إذا أوجبه‪ ،‬وجميع هذه المعاني تدور حول معنى الربط‬
‫والشد(‪.)17‬‬
‫وقد اتفق أئمة اللغة على أن إطالق العقد على األجسام (أي اإلطالق‬
‫الحسي) يعد إطالقا ً حقيقاً‪ ،‬وإطالقه على المعاني (أي المعنوي) فللعلماء‬
‫فيه قوالن‪ :‬األول‪ :‬أنه إطالق حقيقي والثاني أنه إطالق مجازي‪.18‬‬
‫العقد في االصطالح الفقهي‬
‫له معنيان‬
‫‪ .2‬ما يعقده العاقد على أمر يفعله هو كاليمين على المستقبل وسمي عقدا ً‬
‫ألن الحالف ألزم نفسه الوفاء بما حلف عليه من الفعل أو الترك‪ ،‬وكذلك‬
‫العهد واألمانة ألن معطيها قد ألزم نفسه الوفاء بها وكذلك النذور وما‬
‫جرى مجرى ذلك‪.‬‬
‫‪ .1‬ما يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه وكل واحد من طرفي‬
‫العقد ألزم نفسه الوفاء به لذاك سمى البيع والنكاح وسائر عقود‬
‫المعاوضات عقوداً ألن كل واحد من طرفي العقد ألزم نفسه الوفاء (‪. )19‬‬
‫الفقهاء عندما يعرفون العقد يقتصرون على المعنى الذي يقترن في‬
‫اإليجاب بالقبول وال يذكرون العقد بإرادة الموجب وحده ولكن يالحظ‬
‫أيضا ً أن هذه التعريفات جاءت تخص عقودا ً بإرادتين كالبيع واإلجارة‪..‬‬
‫إلخ ولذلك فإنهم – في الوقت نفسه – عندما ما يذكرون التصرفات التي‬

‫(‪ )17‬لسان العرب – القاموس المحيط – معجم مقاييس اللغة‪.‬‬


‫(‪ )18‬المفردات في غريب القرآن لألصبهاني ص ‪.520‬‬
‫(‪ )19‬أحكام القرآن للجصاص في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أ َ ُّي َها الَّذِينَ آ َ َمنُوا أ َ ْوفُوا بِ ْالعُقُودِ﴾ [المائدة‪:‬‬
‫‪ ،]2‬ج‪ 1‬ص ‪.195 ،194‬‬
‫‪24‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫بإرادة منفردة كالطالق والعتاق واليمين فإنهم ال يترددون في إضافة‬


‫كلمة عقد إليها مما يؤكد أن االقتصار على المعنى األول ال يقصد منه‬
‫إنكار المعنى الثاني‪ ،‬واألهم من هذا كله أن المعنى الثاني (العقد باإلرادة‬
‫اخذُ ُك ُم اللَّه ُ‬
‫المنفردة) ثابت في كتاب الله عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ال يُ َؤ ِ‬
‫اخذُ ُك ْم بِ َما َعقَّ ْدت ُ ُم ْاأل َ ْي َمانَ ﴾ ‪-‬المائدة‪ -19 :‬أي‬
‫بِاللَّ ْغ ِو فِي أَ ْي َمانِ ُك ْم َولَ ِك ْن يُ َؤ ِ‬
‫عقد اليمين الملزم‪.‬‬
‫العقد في الفقه اإلسالمي يشتمل على نوعين‬
‫أ‪ .‬عقد بإرادتين على األقل وهذا مثل عقود البيع واإلجارة والشركة‬
‫وسائر العقود التي يشترط فيها تالقي اإليجاب بالقبول‪.‬‬
‫عقد بإرادة واحدة وهو ما يسمى العقد باإلرادة المنفردة – في‬ ‫ب‪.‬‬
‫االصطالح الحديث ‪ -‬فهو ينعقد بمجرد اإليجاب من العاقد فيلزم نفسه‬
‫بالعقد وهذا مثل عقود اليمين والنذر والحوالة عند الحنابلة فهي تنعقد‬
‫بإرادة المحيل وحده إذا كان المحال عليه مليئا ً(‪ ،)20‬والضمان عند‬
‫الحنابلة فهو ينعقد بإرادة الضامن وحده(‪ ،)21‬والوقف على غير معين‬
‫(كالمساكين والمساجد) هو من عقود اإلرادة المنفردة باتفاق الفقهاء‬
‫والوقف على معين يعتبر من عقود اإلرادة المنفردة عند بعض الفقهاء‬
‫وهو بإرادتين عند بعضهم اآلخر(‪.)22‬‬
‫والوصية على غير معين تعتبر من عقود اإلرادة المنفردة – كالوقف‬
‫على غير معين – باتفاق الفقهاء وأما الوصية لمعين فهي تفتقر إلى‬

‫(‪ )20‬المغني البن قدامة ج ‪ 4‬ص ‪.494 ،411‬‬


‫(‪ )21‬المغني لبن قدامة ج ‪ 4‬ص ‪.412 ،410‬‬
‫(‪ )22‬المغني البن قدامة ج ‪ 5‬ص ‪ 492‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫القبول عند جمهور الفقهاء‪ ،‬وفي قول ضمني لمالك(‪ )23‬أن الوصية تنعقد‬
‫بالموت (أي موت الموصي) ويحكم بذلك قبل قبول الموصى له‪ .‬وتعتبر‬
‫الهبة من عقود اإلرادة المنفردة عند بعض فقهاء الحنفية وهم شيخ‬
‫اإلسالم خواهر زادة والكاساني والبابرتي(‪ .)24‬والجعالة هي من عقود‬
‫(‪)25‬‬
‫اإلرادة المنفردة في الحقيقة‪ ،‬وهي تؤول إلى اللزوم عند الحنابلة‬
‫ألنها ال تكون إال معلقة على شرط وهو قيام المجعول له بالعمل‬
‫المطلوب‪ ،‬فإذا تحقق هذا الشرط التزم الجاعل بموجب إرادته المنفردة‬
‫بأداء الجعل للعامل وقد يقال هنا إن الجعالة قد تمت بالقبول الضمني‬
‫(‪)26‬‬
‫للعامل بقيامه بالعمل المطلوب‬
‫أقسام العقود‬
‫سم بعض الفقهاء من حيث‬
‫للعقود أقسام متعددة باعتبارات مختلفة‪ .‬ق ّ‬
‫طبيعتها إلى عدة أقسام‪.‬‬
‫‪ .1‬عقود المعاوضات‬
‫ويشمل عقد البيع بأنواعه‪:‬‬
‫أ‪ -‬المقايضة‬
‫سلم‬
‫ال ّ‬ ‫ب‪-‬‬
‫صرف‬ ‫ال ّ‬ ‫ج‪-‬‬
‫د‪ -‬عقد اإلجارة‬

‫(‪ )23‬منح الجليل على مختصر خليل للشيخ عليش ج ‪ 4‬ص ‪ ،141‬ومالك يرى أن القبول شرط في‬
‫صحة الوصية ومعنى ذلك أنها تنعقد بإرادة الموصي وحدها ولكن ال تتم إال إذا رضي‬
‫الموصى له منعا ً للمنة‪.‬‬
‫(‪ )24‬بدائع الصنائع للكاساني ج ‪ 1‬ص ‪.255‬‬
‫(‪ )25‬المغنى البن قدامة ج ‪ 4‬ص ‪.414‬‬
‫(‪ )26‬المدخل للفقه اإلسالمي للدكتور سالم مدكور ص ‪.591‬‬
‫‪26‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ه‪ -‬االستصناع‬
‫صلح‬
‫و‪ -‬ال ّ‬
‫ز‪-‬النّكاح‬
‫الخلع‬ ‫ح‪-‬‬
‫المضاربة‬ ‫ط‪-‬‬
‫المزارعة‪ ،‬المساقاة وال ّ‬
‫شركة ونحوها‬ ‫ي‪-‬‬

‫‪ .2‬عقود التّ ّ‬
‫برعات‬
‫ويشمل‬
‫أ‪ -‬عقد الهبة‬
‫العاريّة و الوديعة‬ ‫ب‪-‬‬
‫الوكالة‬ ‫ج‪-‬‬
‫د‪ -‬الكفالة بغير أمر المدين‬
‫الرهن‬
‫ه‪ّ -‬‬
‫و‪ -‬الوصيّة ونحوها‪.‬‬
‫عقود التّ ّ‬
‫برع يُغتفر فيها الغرر والجهالة اليسيرة ؛ ألنّها مبنيّة على اليسر‬
‫والتّوسعة وألنّه ال عوض فيها‪.‬‬
‫تبرعا ً في االبتداء لكنّها معاوضة في االنتهاء ‪050110‬‬
‫عقود تعتبر ّ‬
‫متبرع عند اإلقراض لكنّه عند رجوعه‬
‫ّ‬ ‫فإن المقرض‬‫‪ .2‬عقد القرض ّ‬
‫على المقترض بمثل ما أخذ يئول إلى المعاوضة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .1‬عقد الكفالة بأمر المدين‪ ،‬فإنّها ّ‬


‫تبرع في االبتداء‪ ،‬حينما يلتزم الكفيل‬
‫بالدّين الّذي على المدين‪ ،‬لكنّه إذا دفع الدّين للدّائن ورجع على المدين‬
‫بمثل ما دفعه تصير عقد معاوضة‪.‬‬

‫اختالف حكم عقود المعاوضة عن عقود التّ ّ‬


‫برع‬
‫برع في أ ّن الوفاء بما يتع ّهده‬ ‫يختلف حكم عقود المعاوضة عن عقود التّ ّ‬
‫العاقدان في عقود المعاوضة كالبيع واإلجارة ونحوهما واجب‪ ،‬إذا ت ّمت‬
‫ألن في عدم‬ ‫صحيحةً بشروطها‪ ،‬عمالً بقوله تعالى‪( :‬أَ ْوفُواْ ِب ْالعُقُو ِد ) ّ‬
‫الوفاء بها ضرراً للعاقد اآلخر‪ ،‬لضياع ما بذله من العوض في مقابلته‪،‬‬
‫برع‪ ،‬كالهبة والعار ّية والقرض والوص ّية‪ ،‬ونحوها‪،‬‬ ‫بخالف عقود التّ ّ‬
‫المتبرع ؛ ألنّه محسن‪ ،‬وما على‬ ‫ّ‬ ‫فال يجب الوفاء فيها بما تع ّهد‬
‫المحسنين من سبيل‪ ،‬مع تفصيل في مختلف العقود‪.‬‬
‫برع ؛ ألنّها‬
‫صرحوا باستحباب الوفاء في عقود التّ ّ‬ ‫فإن الفقهاء ّ‬ ‫ومع ذلك ّ‬
‫شارع عليهما في أكثر من موضع‪ ،‬قال‬ ‫حث ال ّ‬ ‫البر واإلحسان‪ ،‬وقد ّ‬ ‫من ّ‬
‫تعالى ( َوتَ َع َاونُواْ َعلَى ْال ِ ّ‬
‫بر َوالتَّ ْق َوى )‪.‬‬
‫برع يجب الوفاء عندهم فالعاريّة المؤ ّجلة‬‫أ ّما المالكيّة بعض عقود التّ ّ‬
‫الزمة عندهم إلى انقضاء األجل‪ ،‬كما تلزم عندهم الهبة بالقبول‪ ،‬فإن‬
‫امتنع الواهب من تسليمها يجبر عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬عقود األمانات‬

‫والربح في بعض األحيان‪،‬‬


‫ّ‬ ‫هناك عقود يتجلّى فيها طابع الحفظ واألمانة‬
‫وتس ّمى عقود أمانة‪ ،‬ويكون المال المقبوض فيها أمانةً في يد القابض‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ال يضمنه إالّ إذا تلف بسبب تقصيره في حفظه‪ ،‬كعقد اإليداع‪،‬‬
‫والعاريّة‪ ،‬وال ّ‬
‫شركة بأنواعها‪ ،‬والوكالة‪ ،‬والوصاية‪.‬‬
‫ومناط التّمييز ‪ -‬بوجه عا ّم ‪ -‬بين عقود الضّمان‪ ،‬وبين عقود األمانة‪،‬‬
‫يدور مع المعاوضة‪ :‬فكلّما كان في العقد معاوضة‪ ،‬كان عقد ضمان‪،‬‬
‫وكلّما كان القصد من العقد غير المعاوضة‪ ،‬كان العقد عقد أمانة‬
‫كالحفظ ونحوه‪.‬‬
‫‪ .4‬عقود التوثيقات‬

‫التوثيقات يقصد بها الوسائل التي يستوفى منها الحق كالضمان‪ ،‬والكفالة‬
‫والرهن أو يستوفى بها كالشهادة والكتابة ونحوها‪.‬‬
‫أهمية عقود التوثيقات‬
‫أ‪ -‬حماية حقوق الناس‪ ،‬وإغالق أبواب الحيل‪ ،‬وسد ذرائع المنازعات‬
‫وقطع أسباب الخصوما‬
‫في عقود التوثيق‪ ،‬ما يبعث روح الطمأنينة لدى المتعاملين‬ ‫ب‪-‬‬
‫على حقوقهم‪ ،‬ويدفع الريبة والشك بينهم‬
‫عقد التوثيق ي عتبر تأمينا لحق الدائن‪ ،‬فيما لو عجز المدين عن‬ ‫ج‪-‬‬
‫السداد‪ ،‬أو ماطل فإنه يمكن للدائن استيفاء حقه من الرهن بشروط ذلك ‪،‬‬
‫أو الرجوع على الضامن أو الكفيل‬
‫أنواع عقود التوثيقات‬

‫أ‪ -‬الرهن وهو حبس مال عينا أو منفعة في ّ ٍ‬


‫حق يمكن استيفاؤه منه عند‬
‫االستحقاق بشروط وضوابط يذكرها الفقهاء‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الضمان أو االلتزام ‪:‬ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في‬ ‫ب‪-‬‬
‫التزام الحقوق المستحقة‪ ،‬حاال أو مآال‪.‬‬
‫الكفالة ‪:‬ضم ذمة الكفيل إلى ذمة األصيل في المطالبة بنفس أو‬ ‫ج‪-‬‬
‫دين أو عين أو عمل‪ ،‬وهذا التعريف لفقهاء األحناف‪ .‬وعند غيرهم من‬
‫االئمة يعرفونها‪ :‬بأنها ضم الذمتين في المطالبة والدين‪.‬‬
‫د‪ -‬الحوالة وهي عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى أخرى للحاجة إليها‬
‫فكثيرا ما يكون المدين مماطال‪ ،‬يؤذي دائنيه بتسويفه‪ ،‬أو بمشاغباته‬
‫وضيق ذات يده‬
‫ومن صور الحوالة ما يسمى بالسفتجة وهي عبارة عن ورقة تكتب‬
‫للمقرض في بلد ليستوفي نظير قرضه في بلد آخر من وكيل المقترض‪،‬‬
‫أو من مدينه في ذاك البلد اتقاء لخطر الطريق المحتمل‪.‬‬

‫الدرس السادس‪:‬أركان العقد وشروطه وكيفيته‬


‫‪ .2‬العاقدان‬
‫محجورا عليه‪ ،‬وعدم‬
‫ً‬ ‫الشافعية اشترطوا في العاقد الرشد‪ ،‬ال يكون‬
‫مختارا‪ ،‬لكن لو كان مكرهًا بحق ينفذ‪ ،‬وبيعه أو‬
‫ً‬ ‫اإلكراه بغير حق يكون‬
‫شراؤه صحيح وإسالم َمن يشتري له مصحف ويلحق بهذا كتب العلم‬
‫الشرعي مثل كتب التفسير؛ ألنها تفسير للقرآن‪ ،‬أو كتب الحديث النبوي‬

‫‪30‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الشريف‪ ،‬أو كتب الفقه التي تهتم باألدلة‪ ،‬وفيها كثير من آيات القرآن‪،‬‬
‫ضا أن ال‬
‫وكثير من أحاديث النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم واشترطوا أي ً‬
‫يكون المشتري حربيًّا في بيع آالت الحرب‪.‬‬
‫ً‬
‫عاقال أو‬ ‫لم يشترطوا لالنعقاد أن يكون العاقد بال ًغا‪ ،‬اكتفوا بأن يكون‬
‫ً‬
‫مميزا ‪ ،‬المهم لالنعقاد هو وجود التمييز أو مجرد العقل الفطري البسيط‪.‬‬
‫ومعنى أن يكون متعددًا يعني‪ :‬عندهم حتى ينعقد العقد ال بد أن يكون له‬
‫طرفان بائع ومشتري معنى هذا‪ :‬أن اإلنسان ال يجوز أن يبيع لنفسه‪،‬‬
‫وال أن يشتري لنفسه‪ ،‬يعني‪ :‬ال يكون هو البائع والمشتري في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬وإن كان غيرهم من الفقهاء لهم في كالم وتفصيل أن من‬
‫ً‬
‫ووكيال في عقد آخر‪ ،‬يعني‪:‬‬ ‫ً‬
‫أصيال في عقد‬ ‫الممكن أن يكون اإلنسان‬
‫أصيال فيشتري‪ ،‬فيشتري شيئًا من األشياء التي هو موكل ببيعها‪.‬‬‫ً‬ ‫يكون‬
‫‪ .1‬الصيغة‪ :‬التي هي اإليجاب والقبول اللذان يعبران عن اإلرادة الخفية‬
‫لكل من طرفي العقد‪.‬‬
‫سماعها ‪ ،‬يعني‪ :‬يكون فيها تلفظ بحيث إن أطراف العقد يسمعونها‪ ،‬كل‬
‫منهم يسمع كالم اآلخر‪ .‬وتوافق اإليجاب والقبول‪ :‬اإليجاب والقبول‬
‫يكونان متوافقين على شيء واحد‪ً ،‬‬
‫فمثال لو قال‪ :‬بعتك هذه السيارة بمئة‬
‫ألف‪ ،‬وقال‪ :‬وافقت على شراء هذا البيت بمئة ألف‪ ،‬ال يتم العقد؛ ألن‬
‫أحدهم يتكلم عن السيارة واآلخر يتكلم عن البيت‪ ،‬ال بد من توافق‬
‫اإليجاب والقبول‪.‬‬
‫اتحاد مجلس العقد يعني‪ :‬يكون اإليجاب والقبول في مجلس واحد‪ ،‬أما‬
‫عرض على المشتري قال له‪ :‬بعتك كذا‪ ،‬فسكت َمن عليه‬ ‫لو أن البائع َ‬
‫القبول‪ ،‬فقام البائع من مجلسه فغير المجلس‪ ،‬انتهى‪ .‬ال بد من إيجاب‬

‫‪31‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ضا ال يفصل بين اإليجاب والقبول شيء يشعر‬ ‫وقبول جديدين وأي ً‬
‫بانصراف َمن له القبول عن هذا القبول‪ ،‬فإذا عاد احتاج ذلك إلى إيجاب‬
‫جديد‪.‬‬
‫أن يقصد كل من المتعاقدين معنى اللفظ الذي ينطق به‪ ،‬وأن يصر‬
‫البادئ على ما أتى به‪ ،‬وأن ال يكون الفصل بين لفظي اإليجاب‬
‫والقبول‪ ،‬وأن ال يتخلل بين اإليجاب والقبول كالم أجنبي عن العقد‪ ،‬وأن‬
‫ال يغير الموجب كال َمه‪ ،‬وأن يسمع كل منهما الصيغة‪ ،‬وأن يتوافق‬
‫اإليجاب والقبول تما ًما‪ ،‬وأن ال يعلق الصيغة بشيء ال يقتضيه العقد‪،‬‬
‫وأن ال يكون العقد مؤقتًا‪.‬‬
‫وعند الجمهور يختلف اإليجاب عن القبول اإليجاب عند الجمهور‪ :‬هو‬
‫ما يصدر من مالك السلعة ويريد أن يملكها لآلخر ‪-‬المملك‪ -‬أما القبول‬
‫فهو صادر عمن ينتقل إليه الملك‪ ،‬فيسمى كالمه ً‬
‫قبوال‪.‬‬
‫‪ .4‬المعقود عليه والمعقود عليه هو الشيء المطلوب‪.‬‬
‫مقدورا على تسليمه‪ ،‬مملوكًا للعاقد‬
‫ً‬ ‫طاهرا‪ ،‬منتفعًا به شرعًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫أن يكون‬
‫وقدرا وصفةً وأن يكون ً‬
‫ماال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أو له عليه والية‪ ،‬معلو ًما للعاقدين‪ ،‬عينًا‬
‫وهو ما يباح االنتفاع به شر ًعا مطلقًا في غير حاج ٍة والضرورةٍ؛ ألن‬
‫ما يحتاج إليه لحاجة أو ضرورة يباح كالميتة‪ ،‬لكننا نريد أن ال يكون‬
‫مبا ًحا لحاجة أو ضرورة‪.‬‬
‫ماال معقودًا عليه‪ ،‬السلعة التي تباع ال بد أن تكون‬‫وأن يكون المبيع ً‬
‫ماال وأن يكون حين التعاقد‪ ،‬يعني‪ :‬أثتاء التعاقد يكون الشيء المعقود‬
‫عليه موجودًا أما لو كان معدو ًما فال ينعقد العقد عندهم‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫وأن يكون مقدور التسليم‪ ،‬يعني‪ :‬في اإلمكان تسليمه للمشتري‪ ،‬أما إذا‬
‫كان شيئًا هاربًا أو شيئًا ليس في ُمكنة البائع أن يسلمه؛ ألنه ال يملكه‪ ،‬أو‬
‫ال سلطان له عليه‪ ،‬إذًا فال ينعقد العقد‪.‬‬
‫وأن ال يكون مؤقتًا‪ ،‬يعني‪ :‬ال يكون العقد مؤقتًا بمدة‪ ،‬وإال لم يكن عقدًا‪،‬‬
‫وأن يكون للبيع فائدة‪ ،‬وأن يخلو من الشرط المفسد‪ ،‬يعني‪ :‬ال يكون في‬
‫عقد البيع شرط مفسد‪.‬‬
‫‪ .4‬الثمن‬
‫ضا؛ ألن البيع مبادلة مال بمال‪ ،‬فالمبيع ً‬
‫ماال فكذلك‬ ‫أن يكون ً‬
‫ماال أي ً‬
‫الثمن يكون ً‬
‫ماال بمعنى شيء له منفعة يمكن ادخاره لوقت الحاجة‪.‬‬
‫وأن يكون طاه ًرا‪ ،‬وأن يكون منتف ًعا به‪ ،‬وأن يكون معلو ًما للعاقدين‪،‬‬
‫مقدورا على تسليمه‪ .‬معنى هذا‪ :‬أنهم ال يجيزون أن يكون أي‬‫ً‬ ‫وأن يكون‬
‫سا‪ ،‬ثمنًا أو مثمنًا‪ ،‬ال يجوز بيع أي شيء نجس‪ ،‬كالدم والخنزير وما‬ ‫نج ً‬
‫إلى ذلك من النجاسات‪.‬‬
‫وأن يكون منتف ًعا به‪ ،‬أن يكون له منفعة مشروعة‪ ،‬لكن األشياء التي‬
‫ليس فيها منافع بل فيها مضار كالسموم ً‬
‫مثال‪ ،‬أو فيها منافع لكن منافع‬
‫غير شرعية‪ ،‬كأدوات اللهو ً‬
‫مثال‪ ،‬وأن يكون معلو ًما للعاقدين‪ ،‬يعني‪ :‬كل‬
‫مقدورا‬
‫ً‬ ‫من البائع والمشتري يعلم السلعة ويعلم ثمنها تما ًما‪ ،‬وأن يكون‬
‫قادرا على تسليم السلعة‪ ،‬والمشتري‬ ‫ً‬ ‫على تسليمه‪ ،‬يعني‪ :‬البائع يكون‬
‫قادرا على تسليم الثمن‪.‬‬
‫يكون ً‬

‫‪33‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس السابع‪ :‬عيوب الرضا‬

‫الغلط‪ /‬الخطأ‬
‫ق د يقع الشخص في خطأ ما يدفعه الى التوقيع على عقد دون علم منه‬
‫بهذا الخطأ او دون علم المتعاقد اآلخر‪ ،‬عندها يجوز ابطال العقد استنادا‬
‫الى عدم معرفة الطرفين أو أحد االطراف بهذا الخطأ اما اذا تمسك‬
‫الشخص بخطئه واراد استمرار التعاقد فللشخص اآلخر ان يتم العقد‬
‫بشكل ال يضره وان يمشي مع حقيقة ما اعتقده واخطاء الحساب وزالت‬
‫القلم ال تؤثر على العقد‪.‬‬
‫اإلكراه‬
‫الغير على أن يفعل ما ال يرضاه‪ ،‬وال يختار مباشرته‪ ،‬لو‬ ‫ِ‬ ‫اإلكراه هو حمل‬
‫ترك ونفسه وينقسم إلى‪:‬‬
‫لجئ أو الكامل‪ :‬وهو الذي ال يبقى للشخص معه قدرة وال‬ ‫‪ .2‬اإلكراه ال ُم ِ‬
‫اختيار؛ وذلك بأن يهدِّده بما يضر بالنفس أو بعض ٍو من البدن‪ ،‬وحكمه‬
‫أن يعدم الرضا ويفسد االختيار‪.‬‬
‫‪ .1‬اإلكراه غير الملجئ أو الناقص‪ :‬وهو التهديد بما ال يضر النفس أو‬
‫العضو؛ كالت خويف بالحبس أو القيد أو الضرب الذي ال يتلف‪ ،‬وحكمه‬
‫أنه يعدم الرضا‪ ،‬وال يفسد االختيار‪.‬‬
‫‪ .4‬أضاف الحنفية نو ًعا ثالثًا‪ ،‬وهو اإلكراه األدبي‪ :‬وهو الذي يعدم تمام‬
‫الرضا وال يعدم االختيار؛ كالتهديد بحبس أحد األصول أو الفروع أو‬
‫الحواشي‪ ،‬وحكمه أنه إكراه شرعي استحسانًا ال قيا ً‬
‫سا‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الشافعية‪ ،‬فقد اقتصروا على اعتبار اإلكراه الملجئ دون غيره‪.‬‬


‫شروط اإلكراه‬

‫قادرا على تنفيذ ما هدَّد به‪.‬‬ ‫كره ً‬ ‫‪ .2‬أن يكون ال ُم ِ‬


‫كره سين ِفّذ تهديدَه لو لم يح ِقّق ما‬ ‫المستكره أن ال ُم ِ‬
‫َ‬ ‫‪ .1‬أن يغلب على ظن‬
‫أكره عليه‪ ،‬وأنه عاجز عن التخلص من التهديد بالهرب أو االستغاثة أو‬
‫المقاومة‪.‬‬
‫المكره عليه متضمنًا لما ال يرضاه الشارع من إتالف‬ ‫َ‬ ‫‪ .4‬أن يكون األمر‬
‫نفس أو عضو أو مال‪ ،‬ومتضمنًا أذى اآلخرين م َّمن يهمه أمره عما يعدم‬
‫الرضا‪.‬‬
‫كره عليه قبل اإلكراه‪.‬‬ ‫المستكره ممتن ًعا عن الفعل الذي أ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ .4‬أن يكون‬
‫مستكره مما أكره عليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫خطرا على ال‬
‫ً‬ ‫‪ .5‬أن يكون المهدد به أشدَّ‬
‫‪ .1‬أن يترتب على فعل المكره به الخالص من المهدد به‪.‬‬
‫‪ .9‬أن يكون المهدد به عاجالً‪.‬‬
‫المكرهَ بفعل غير ما أكرهه عليه‪ ،‬أو بالزيادة‬ ‫ِ‬ ‫‪ .1‬أال يخالف المستكره‬
‫مختارا‪ ،‬وهذا عند الشافعية والمالكية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عليه أو بالنقصان منه‪ ،‬وإال اعتبر‬
‫أما الحنابلة والحنفية فقد اعتبروا المخالفة بالنقصان وحدَها إكراهًا‪.‬‬
‫‪ .9‬اشترط الشافعية أن يكون المكره عليه معينًا بأن يكون شيئًا واحدًا‪،‬‬
‫فلو تعدَّد لم يكن كذلك‪ ،‬وليس هذا بشرط عند بقية المذاهب‪.‬‬
‫أال يكون المهدد به حقًّا للمكره يتوصل به إلى ما ليس حقًّا له‬ ‫‪.20‬‬
‫وال واجبًا‪ ،‬وهذا شرط عند الحنفية والمتأخرين من الشافعية‪ ،‬وليس‬
‫بشرط عند غيرهم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫يؤثّر في التصرفات‬‫الجمهور غير الحنفية يذهبون إلى أن اإلكرا َه ِ‬


‫كره ونحو‬
‫الشرعية المعينة التي ال تحتمل الفسخ ‪ ،‬فال يقع طالق ال ُم َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الغرر‬
‫الغرر هو الخطر والخدعة وتعريض المرء نفسه أو ماله للهلكة‪ 27‬وفي‬
‫الشرع‪ :‬البيع المجهول العاقبة‪.28‬‬

‫فالغرر مبناه على الجهالة‪ ،‬وهذه الجهالة إما أن تكون في المبيع أو في‬
‫الثمن‪.‬‬
‫الجهالة في المبيع قد تكون‪:‬‬
‫‪ .2‬بعدم العلم بالمبيع نفسه‪ ،‬كأن يقول‪ :‬بعتك ما في هذا الصندوق بمائة‬
‫ريال وهو ال يعلم ما بداخله‪.‬‬
‫‪ .1‬أو بعدم العلم بصفاته‪ ،‬كأن يبيعه سيارة بعشرة آالف ريال‪،‬‬
‫والمشتري لم يرها وال يعرف صفاتها‬
‫‪ .4‬أو بعدم العلم بمقداره‪ ،‬كأن يقول‪ :‬بعتك بعض هذه األرض بألف‬
‫ريال‪.‬‬
‫‪ .4‬أو بعدم تملك البائع له‪ ،‬كأن يبيعه بيتا ً وهو ال يملكها‪.‬‬
‫‪ .5‬أو بعدم قدرة البائع على تسليمه‪ ،‬كأن يبيعه ساعته المفقودة‪.‬‬
‫والجهالة في الثمن قد تكون‪:‬‬

‫‪ 27‬المصباح المنيرص‪414‬‬
‫‪ 28‬القواعد النورانية البن تيمية ص‪241‬‬
‫‪36‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .2‬بعدم العلم به‪ ،‬كأن يقول‪ :‬بعتك السيارة بالثمن الذي تراه‪ ،‬ويفترقا من‬
‫غير تحديد‪.‬‬
‫‪ .1‬أو بترديده‪ ،‬كأن يقول‪ :‬خذ هذه السيارة نقداً بمائة ألف و نسيئةً بمائة‬
‫وعشرين ألف‪ ،‬فيأخذها ويفترقا بدون تحديد أي الثمنين‪.‬‬
‫‪ .4‬أو بعدم العلم باألجل‪ ،‬كأن يقول‪:‬بعتك الجوال بألف ريال تسددها متى‬
‫ما تمكنت من ذلك‪.‬‬
‫العالقة بين الغرر والقمار‬
‫القمار كالغرر عقد مبناه على الجهالة‪ ،‬متردد بين الغنم والغرم‪ ،‬والفرق‬
‫بينهما أن القمار يكون في األلعاب والمسابقات بينما الغرر يكون في‬
‫المبايعات‪ .‬يقال‪ :‬باع غرراً‪ ،‬ولعب قماراً‪.‬‬
‫فمن القمار‪ :‬أن يلعب اثنان أو أكثر ويضع كل منهم ماالً على أن من فاز‬
‫فإنه يأخذ هذا المال‪ .‬ومنه أيضا ً الرهان بين اثنين أو أكثر على أنه إذا‬
‫فاز الفريق الفالني أو الفرس الفالني أو حصل كذا وكذا فعلي ذبيحة أو‬
‫كذا من المال‪ ،‬وإن حصل العكس فعليك كذا‪.‬‬

‫العالقة بين الغرر والميسر‬


‫الغرر أحد نوعي الميسر؛ ألن الميسر نوعان‪:‬‬
‫‪ .2‬القمار المحرم‪ ،‬أي الذي فيه مال‪ .‬وهو بمعنى الغرر كما تقدم‪.‬‬
‫‪ .1‬اللهو المحرم ولو بدون مال‪ .‬وقد سئل بعض السلف عن الميسر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصالة فهو ميسر‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫العالقة بين الغرر والمخاطرة‬


‫المخاطرة أعم من الغرر‪ ،‬فالمخاطرة نوعان‪:‬‬
‫‪ .2‬مخاطرة ب سبب الجهل بالمبيع أو بالثمن‪ ،‬فهذه مقامرة وغرر‪.‬‬
‫‪ .1‬ومخاطرة بسبب عدم تحقق العاقد من كونه رابحا ً في الصفقة التي‬
‫مناسب أم ال‬
‫ٌ‬ ‫دخل بها‪ ،‬أي أنه يعلم المبيع والثمن لكنه ال يدري هل الثمن‬
‫؟ وهل سيربح في السلعة بعد ذلك ام ال ؟‪ ،‬فهذه المخاطرة ليست من‬
‫الغرر‪ ،‬بل وال تخلو منها أي تجارة‪.‬‬
‫التدليس‬
‫والتدليس ‪ :‬مأخوذ من الدلسة وهو الظلمة كأن البائع قد دلس علي‬
‫المشتري و جعله في ظلمة معنوية فلم يعرف حقيقة هذه السلعة وذلك‬
‫بأن يظهرها بمظهر حسن وهى خالف ذلك‪.‬‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ال تصروا اإلبل و الغنم فمن ابتاعها‬
‫بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها و إن‬
‫سخطها ردها و صاعا ً من تمر) متفق عليه‪.‬‬
‫ومثَّل له النبي صلى الله عليه وسلم بالتصرية وهي حبس اللبن في‬
‫الضرع فيأتي المشتري فيظن أن لبنها كثير فيشتريها فإن علم بتصريتها‬
‫قبل حلبها ردها و ال شيء عليه وكذا لو حلبها ولم يتغير اللبن فله أن‬
‫يردها مع اللبن أما إذا تغير اللبن أو شربه فيردها ومعها صاعا ً من تمر‬
‫مقابل اللبن ‪ ،‬ولو وصف المبيع بصف ٍة يزداد بها ثمنه كصناعة في العبد‬
‫أو كتابة فلم يجدها فيه فهذا تدليس ويثبت للمشتري الخيار‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الغبن‬

‫والغبن في اللغة النقص والخديعة ‪ ،‬والغبن في البيع أن يخدع فيي السيعر‬


‫فياحش عليى البيائع ‪ ،‬فيإذا‬
‫ٍ‬ ‫بنقصيان‬
‫ٍ‬ ‫إما بزيادة فاحشة على المشيتري وإميا‬
‫غبِنَ البيائع أو المشيتري فيي البييع غبنيا ً يخيرج عين العيادة أي فيي عيرف‬‫ُ‬
‫التجار فللمغبون الخيار لقول النبي صلى الله عليه وسيلم ( ال ضيرر وال‬
‫نفييس منييه )‬
‫مييرئ مسييلم إال بطيييب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ضييرار )‪ 29‬ولقولييه ( ال يحييل مييال ا‬
‫‪30‬والمغبون لم تطب نفسه ‪.‬‬
‫صور منها ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ويثبت خيار الغبن في‬
‫‪ .2‬تلقي الركبان لحديث ( ال تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منيه فيإذا أتيى‬
‫سييده السيوق فهييو بالخييار ) رواه مسييلم ألنيه ال يعيرف سييعر السيلعة فييي‬
‫السوق فيتلقاه فيبيع عليه أو يشتري منه فيغبنه فشرع له الخيار مع الغبن‬
‫‪.‬‬
‫‪ .1‬الغرر بسبب زيادة الناجش‪.‬‬
‫‪ .4‬غبن المسترسل وهو الذي يجهل القيمة وال يحسن المماكسية أو يعتميد‬
‫على صدق البائع‪.‬‬
‫ويثبت الحق للمغبون بثالثة شروط ‪:‬‬
‫‪ .2‬أن يكون جاهالً بثمن المثل في السوق عندما باع أو اشترى السلعة ‪.‬‬
‫‪ .1‬أن ال يمضي على العقد أكثر من سنة ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يكون الغبن فاحشا ً بحيث يزيد على ثمن المثل قدر الثلث فأكثر‬

‫‪ 29‬رواه بن ماجة والدار قطني وصححه األلباني في إرواء الغليل حديث رقم ( ‪) 191‬‬
‫‪ 30‬رواه أبو داود وصححه األلباني في صحيح الجامع حديث رقم ( ‪) 9111‬‬
‫‪39‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس الثامن ‪ :‬البيوع‬


‫البيع في لغة العرب معناه‪ :‬مقابلة شيء بشيء‪ ،‬وهو من أسماء األضاد‬
‫التي تطلق على الشيء وضده‪ ،‬فكلمة البيع تطلق على البيع والشراء‪،‬‬
‫والشراء يسمى بي ًعا ويسمى شرا ًء‪ ،‬والدليل على ذلك ما جاء في كتاب‬
‫الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬في استخدام هذه المادة‪ ،‬قال الله تعالى عن سيدنا‬
‫يوسف ‪-‬عليه السالم‪َ (-‬وش ََر ْوهُ ِبثَ َم ٍن َب ْخ ٍس َد َراه َِم َم ْعدُودَ ٍة َو َكانُوا ِفي ِه ِمنَ‬
‫ضاةِ اللَّ ِه)‬
‫سهُ ا ْبتِغَا َء َم ْر َ‬‫الزا ِهدِينَ ) أي‪ :‬باعوه‪ .‬وقال تعالى( َم ْن يَ ْش ِري نَ ْف َ‬ ‫َّ‬
‫سهُ) أي‪ :‬أنه يبيعها‪ ،‬ويقال لكل من‬ ‫‪-‬البقرة‪ ،-109 :‬معنى(يَ ْش ِري نَ ْف َ‬
‫المتعاقدين‪ :‬بائع وبيع‪ ،‬ومشتر وشار‪.‬‬
‫أما في اصطالح الفقهاء فقد قال بعض الشافعية في تعريفهم للبيع‪ :‬البيع‬
‫مبادلة مال بمال تمليكًا يعني ليس مجرد مبادلة أو مقايضة ولكن‬
‫الغرض التمليك ‪ ،‬فأحدهما يأخذ ما في يد اآلخر فيمتلكه ويملك الطرف‬
‫اآلخر ما كان في يده على سبيل المعاوضة‪ ،‬وزاد بعض الحنابلة في‬
‫التعريف أنه‪ :‬مبادلة مال بمال تملي ًكا أو تمل ًكا‪ ،‬فكل منهما يملك ما في يد‬
‫اآلخر ويملك اآلخر ما كان في يده‪.‬‬
‫ح في الكتاب والسنة واإلجماع أما الكتاب‪ :‬فإن الله‬ ‫جائز ومبا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫والبيع‬
‫تعالى يقول( َوأَ َح َّل اللَّهُ ْال َب ْي َع َو َح َّر َم ِ ّ‬
‫الر َبا) ‪-‬البقرة‪ -195 :‬الشاهد قوله‬
‫(وأَ َح َّل اللَّهُ ْالبَ ْي َع) أي‪ :‬البيع المعهود‪ ،‬أو جنس البيع‪ .‬صحيح ورد في‬ ‫َ‬
‫السنة بعض تخصيصات لهذا البيع‪ ،‬لكن هذا هو األصل أن البيع حالل‬
‫ما لم يكن من أنواع البيوع التي خصصها الشرع واستثناها من هذا‬
‫الحل‪ ،‬مثل بيوع الغرر‪ ،‬وبيع النجاسات‪ ،‬وما إلى ذلك ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأما السنة‪ :‬فأحاديث كثيرة من أشهرها(سئل النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬أي الكسب أطيب؟ فقال‪ :‬عمل الرجل بيده‪ ،‬وكل بيع مبرور)‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫والبيع المبرور هو البيع الخالي من الغش والتدليس‪ ،‬ومعنى مبرور‪:‬‬


‫أي‪ :‬مبارك طاهر كما ورد هذا الوصف في الحج الكامل الصحيح‪.‬‬
‫ث الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والناس يتبايعون‪ ،‬فأقرهم‬ ‫وقد بُ ِع َ‬
‫على سلوكهم في البيع والشراء‪ ،‬وهو نفسه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان‬
‫تاجرا‪ ،‬وكان يبيع فال يماري وال يجاري‪ ،‬فالبيع إذًا حالل ومباح على‬ ‫ً‬
‫األصل في الكتاب والسنة‪ .‬وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة‬
‫إال ما حرمه الشرع‪ .‬إذًا فاألصل في البيع اإلباحة‪ ،‬هذا هو األصل‪ ،‬أما‬
‫االستثناء فبعض األمور القليلة التي سيأتي الكالم عن شيء منها عندما‬
‫نتناول البيع الباطل أو البيع الفاسد‪.‬‬
‫ولقد شرع الله ‪-‬عز وجل‪ -‬البيع لحكم ومقاصد‪ :‬من مقاصد الشريعة في‬
‫حل البيع أنه يسد حاجة مهمة جدًّا من حاجات اإلنسان قدي ًما وحديثًا‪،‬‬
‫بحيث يصعب على اإلنسان أن يتصور أن البيع غير موجود أو أنه غير‬
‫كثيرا ما‬
‫ً‬ ‫مشروع؛ ألنه لو لم يشرع لوقع اإلنسان في حرج شديد؛ ألنه‬
‫يتطلع اإلنسان إلى ما في يد صاحبه وصاحبه ال يبذل له ما في يده بغير‬
‫شرع البيع طريقًا إلى تحقيق كل منهما‬ ‫عوض؛ ألنه تملكه وغال عليه‪ ،‬ف ُ‬
‫غرضه‪ ،‬ويترتب على ذلك دفع حالة كل منهما‪.‬‬
‫البيع وأنواعه‬
‫البيع المطلق‬
‫وهو مبادلة العين بالدين وهو أشهر األنواع‪ ،‬ويتيح لإلنسان المبادلة‬
‫بنقوده على كل ما يحتاج إليه من األعيان‪ ،‬وإليه ينصرف البيع عند‬
‫اإلطالق فال يحتاج كغيره إلى تقييد‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫بيع الفضولي‬
‫إذا باع اإلنسان ملك غيره بغير إذنه فهذا يسمى بيع الفضولي أو اشيترى‬
‫لغيره بغير إذنيه فيسيمى شيراء الفضيولي ‪ ،‬كيأن يعليم أن صياحبه يرغيب‬
‫في بيع سيارته مثالً ‪ ،‬ثم إن صاحبه غياب فجياء شيخص يبحيث عين مثيل‬
‫هذه السيارة ‪ ،‬فباعها له بخمسيين ألفيا ً ‪ ،‬ورضيي صياحب السييارة ‪ ،‬فهيذا‬
‫يسمى عند الفقهاء ( بيع الفضولي ) ‪.‬‬
‫هيذا البييع ال يجييوز فيي مييذهب الشيافعية فييي الجدييد والحنابليية فيي رواييية‬
‫وأبي ثور وابن المنذر ألنه قد باع ميا ال يمليك وقيد قيال النبيي صيلى الليه‬
‫عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه عندما أخبيره أنيه يبييع الشييء‬
‫وليس عنده ثم يمضي فيشتريه ويسلمه ( ال تبع ما ليس عندك ) أي ميا ال‬
‫تملك ‪ ،‬وألنه باعه ما ال يقدر على تسليمه الحتمال عدم رضا المالك ‪.‬‬
‫ويجوز إذا أجياز الماليك وهيو ميذهب ماليك والشيافعي فيي القيديم وروايية‬
‫عن أحمد‪.‬‬

‫بيع المعاطاة‬
‫هو بيع ولكن دون تلفظ باإليجاب أو القبول‪ ،‬مثال‪ :‬واحد يذهب إلى‬
‫الكتاب‬
‫َ‬ ‫المكتبة فيجد الكتاب مكتوبًا عليه الثمن‪ ،‬فينقد البائع الثمنَ ويأخذ‬
‫دون أن يتكلم أحدهما‪ ،‬أو يدفع ثمن تذكرة القطار ويأخذ التذكرة ويركب‬
‫القطار‪ ،‬وهذا اسمه بيع المعاطاة‪ ،‬هل هذا يجوز أو ال يجوز؟‬

‫‪42‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫فيه خالف بين أهل العلم‪ ،‬فجمهور الفقهاء‪ :‬على أن هذا البيع ‪-‬بيع‬
‫المعاطاة‪ -‬جائز إذا كانت هناك قرائن تدل على حصول الرضا وليس‬
‫من الضروري التلفظ ‪ ،‬فكما قلت‪ :‬إنسان وزن خمسة كيلو موز أو أربعة‬
‫تفاح ومكتوب ثم ن الكيلو كذا‪ ،‬ونقد البائع الثمن وأخذ الفاكهة‪ ،‬هذا بيع‬
‫جائز عند جمهور الفقهاء‪ ،‬رغم أن البائع والمشتري لم يتلف َ‬
‫ظا بلفظٍ‬
‫واحدٍ‪ ،‬واستدل الجمهور على هذا بأن الناس يتبايعون في أسواقهم على‬
‫المعاطاة في كل عصر‪ ،‬ولم ينقل إنكاره عن أحد‪ ،‬فكان هذا إجما ًعا‬
‫سكوتيًّا‪ ،‬والقرينة ‪ -‬يعني‪ :‬الموقف الحالي‪ -‬كافية جدًّا في الداللة على‬
‫الرضا‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يشترط أن يقع العقد باأللفاظ الصريحة أو الكنائية‬
‫وقبوال ‪ ،‬فال يصح عندهم بيع المعاطاة في أي شيء‪ ،‬سواء أكان‬ ‫ً‬ ‫إيجا ًبا‬
‫صا‪ ،‬ودليلهم على هذا أن النبي ‪-‬صلى الله‬ ‫حقيرا أو رخي ً‬
‫ً‬ ‫سا أو‬
‫المبيع نفي ً‬
‫تراض) رواه البيهقي وابن ماجه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عليه وسلم‪ -‬قال (إنما البيع عن‬
‫وصححه ابن حبان‪ .‬والرضا أمر خفي‪ ،‬فاعتُبِ َر ما يدل عليه من اللفظ‬
‫صا عند إثبات الشهود؛ ألن الله تعالى يقول( َوأَ ْش ِهدُوا) وإذا كان‬ ‫خصو ً‬
‫س َيشهدُون فعلى ماذا يشهدون إذا كانوا لم يسمعوا شيئًا؟ فالشهود‬ ‫الشهود َ‬
‫ال يشهدون إال على ما سمعوه من اللفظ‪ ،‬فقوله‪َ ) :‬وأَ ْش ِهدُوا ِإذَا تَ َبا َي ْعت ُ ْم)‬
‫يتضمن أن البيع ال يتم اال بِنا ًء على لفظ يسمعه هؤالء الشهود‪،‬‬
‫ويشهدون عليه‪.‬‬
‫ولكن جماعة من الشافعية كاإلمام النووي والمتولي وغيرهما‪ ،‬ذهبوا‬
‫إلى جوازه فيما يجوز عرفًا والنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وأصحاب‬
‫كثيرا ما كانو يتبايعون‪ ،‬فلم يصل إلينا أن أحدَهم كان يقول في كل‬
‫النبي ً‬
‫صفقة يشتريها‪ :‬بعت واآلخر يقول‪ :‬اشتريت‪ ،‬لم يرد هذا بالتفصيل‪ .‬و‬
‫يرجع في ذلك يعني‪ :‬في تفسير الرضا إلى العرف‪ ،‬مثل كل األلفاظ‬
‫‪43‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫المطلقة‪ ،‬وبعض الشافعية أجازه للمحقرات يعني‪ :‬األشياء‬


‫ً‬
‫الرخيصة‪،‬مثال تذكرة القطار‪ ،‬شراء كتاب من المكتبة دون النفائس‬
‫ضا يشتري بيتًا‪ ،‬يعني ال بد من‬
‫مثال يشتري سيارة يشتري أر ً‬ ‫يعني ً‬
‫العقد‪ ،‬هذا العقد يشتمل على اإليجاب والقبول‪.‬‬
‫بيع العينة‬

‫وبيييع العيينيية هييو أن يبيييع سييلعة بييثمن معلييوم إلييى أجييل ثييم يشييتريها ميين‬
‫المشتري بأقل ليبقى الكثير في ذمته‪.‬‬
‫فقد نهى الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن هذه الصورة؛ ألنها ربا‪،‬‬
‫وإن كان في صورة بيع وشراء‪ .‬ذلك أن اإلنسان المحتاج إلى النقود‬
‫يشتري سلعة بثمن معين إلى أجل‪ ،‬ثم يبيعها ممن اشتراها منه بثمن‬
‫حال أقل فيكون الفرق هو فائدة المبلغ الذي أخذه عاجال‪ .‬وهذا البيع‬
‫حرام ويقع باطال عند بعض الفقهاء‪ .‬فقد روي عن ابن عمر أن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪( :‬إذا ضن الناس بالدينار والدرهم‪ ،‬وتبايعوا‬
‫بالعينة‪ ،‬واتبعوا أذناب البقر‪ ،‬وتركوا الجهاد في سبيل الله‪ ،‬أنزل الله‬
‫بهم بالء فال يرفعه حتى يراجعوا دينهم)‬
‫بيع العرايا‬
‫يعرى‪ ،‬تقول‪ :‬عريت النخلة تعرى‪ :‬إذا‬ ‫ي َ‬‫العرايا مأخوذة من الفعل َع ِر َ‬
‫فردَت عن حكم غيرها من النخل‪ ،‬واالسم منها عرية‪ ،‬والجمع عرايا‪،‬‬ ‫أُ ِ‬
‫ً‬
‫رجال محتا ًجا؛ فيجعل له ثمرها عا ًما‪،‬‬ ‫وهي النخلة يعريها صاحبها‬
‫صا في أيام الجدب‬ ‫العرب كان عندهم عادات وأعراف طيبة‪ ،‬خصو ً‬
‫والقحط؛ يقوم أثرياؤهم وأغنياؤهم بمنح فقرائهم ما يعرف بالمنيحة‪،‬‬

‫‪44‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫يعني‪ :‬يعطيه ناقته أو بقرته‪ ،‬أو جاموسته‪ ،‬أو شاته منيحة‪ ،‬يحلب لبنها‬
‫طوال العام دون أن يملك األصل ‪.‬كذلك هذه المنيحة بالنسبة للنخل‬
‫صا آخر نخلةً ليأخذ ثمارها‬
‫شخص شخ ً‬
‫ٌ‬ ‫تسمى عرية‪ ،‬فيهب أو يعطي‬
‫طوال عام دون أن يملكه رقبتها ‪.‬‬

‫عرف اإلمام الشافعي العرية‪ :‬بأنها بيع الرطب على النخل بتمر في‬
‫األرض يعني‪ :‬شخص يريد أن يشتري الرطب‪ ،‬وهو على النخل ويدفع‬
‫تمرا‪ ،‬والتمر على األرض‪ ،‬أو يشتري عنبًا في الشجر‪ ،‬ويدفع‬
‫الثمن ً‬
‫الثمن زبيبًا‪ ،‬وذلك فيما دون خمسة أوسق بشرط التقابل‪ ،‬أو التقابض‬
‫في الحال ‪.‬‬
‫الدليل على مشروعية العرية‬
‫الواقع أن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في البداية نهى عن بيع التمر‬
‫بالتمر وسأل هل إذا جف الرطب ينقص فلما أُخبر بأنه ينقص منع ذلك‪،‬‬
‫ثم استثنى العرايا‪.‬‬
‫عن رافع بن خديج‪ ،‬وسهل بن أبي حثمة (أن النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر‪ -‬ثمر يعني الرطب ‪-‬إال‬
‫أصحاب العرايا؛ فإنه قد أذن لهم ) رواه أحمد والبخاري والترمذي‪،‬‬
‫وزاد فيه وعن بيع العنب بالزبيب‪ ،‬وعن كل ثمر بخرصه ‪ .‬لقد صح أن‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬استثنى العرايا أو العرية يعني خصها‬
‫بحكم مخالف لهذا العموم‬
‫ٍ‬
‫صورة العرية‬

‫‪45‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أن يبيع الرجل ثمر حائطه ‪-‬يعني الرطب‪ -‬بعد بدو صالحه ويستثني‬
‫البائع منه نخالت معلومة يبقيها لنفسه‪ ،‬أو عياله‪ ،‬وهي التي عفي له عن‬
‫خرصها في الصدقة وسميت عرايا؛ ألنها أعريت عن أن تخرص في‬
‫الصدقة؛ فرخص ألهل الحاجة الذين ال نقد لهم‪ ،‬وعندهم فضول من‬
‫تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخالت بخرصها ‪.‬‬
‫بيع المساومة‬
‫وهو البيع الذي ال يظهر فيه البائع رأس ماله‪.‬‬
‫بيع المزايدة‬
‫بأن يعرض البائع سلعته في السوق ويتزايد المشترون فيها‪ ،‬فتباع لمن‬
‫يدفع الثمن األكثر‪.‬‬
‫بيوع األمانات‬
‫وهي التي يحدد فيها الثمن بمثل رأس المال‪ ،‬أو أزيد‪ ،‬أو أنقص‪ .‬وسميت‬
‫بيوع األمانة‪ ،‬ألنه يؤتمن فيها البائع في إخباره برأس المال‪ ،‬وهي ثالثة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫أ‪ .‬بيع المرابحة‪ ،‬وهو البيع الذي يحدد فيه الثمن بزيادة على رأس المال‪.‬‬
‫بيع التولية‪ ،‬وهو البيع الذي يحدد فيه رأس المال نفسه ثمنا بال‬ ‫ب‪.‬‬
‫ربح وال خسارة‪.‬‬
‫بيع الوضيعة‪ ،‬أو الحطيطة‪ ،‬أو النقيصة‪ :‬وهو بيع يحدد فيه‬ ‫ت‪.‬‬
‫الثمن بنقص عن رأس المال‪ ،‬أي بخسارة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس التاسع ‪:‬البيوع المنهي عنها‬


‫أوال‪ :‬بيع المالمسة‬
‫فقد أخرج البخاري عن أبي سعيد ‪-‬رضيي الليه عنيه ( أن رسيول الليه ﷺ‬
‫نهى عن الم نابذة‪ ،‬وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبيه‬
‫أو ينظيير إليييه‪ ،‬ونهييى عيين المالمسيية‪ ،‬والمالمسيية لمييس الثييوب ال ينظيير‬
‫إليه)‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قيال(نهيي عين‬
‫لبستين أن يحتبيي الرجيل فيي الثيوب الواحيد ثيم يرفعيه عليى منكبيه وعين‬
‫بيعتين اللماس والنباذ) فهذا البيع فاسد لوجود الجهالة والغرر‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ثانياً‪ :‬بيع المنابذة‬


‫ي فهيو علييك بكيذا‪ ،‬وهيذا البييع فاسيد ال يصيح‬ ‫كأن يقول أي ثوب نبذته إلي َّ‬
‫لوجود الجهالة والغرر‪ ..‬فقد جياء فيي البخياري عين أبيي هرييرة ‪-‬رضيي‬
‫اللييه عنييه‪ -‬أن رسييول اللييه ‪-‬صييلى اللييه عليييه وسييلم‪ -‬نهييى عيين المالمسيية‬
‫والمنابذة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بيع الحصاة‬
‫فعيين أبييي هريييرة ‪-‬رضييي اللييه عنييه‪ -‬قييال‪ :‬نهييى رسييول اللييه ﷺ عيين بيييع‬
‫الحصاة وعن بيع الغرر‪ ..‬وفي بيع الحصاة ثالث تأويالت‪:‬‬
‫أحييدها أن يقييول‪ :‬بعتييك ميين هييذه األثييواب مييا وقعييت عليييه الحصيياة التييي‬
‫أرميها‪ .‬أو بعتك من هذه األرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة‪.‬‬
‫والثيياني أن يقييول‪ :‬بعتييك علييى أنييك بالخيييار إلييى أن أرمييي بهييذه الحصيياة‪.‬‬
‫والثالييث‪ :‬أن يجعييال نفييس الرمييي بالحصيياة بيعييا‪ ،‬فيقييول‪ :‬إذا رميييت هييذا‬
‫الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬بيع النجش‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمير ‪-‬رضيي الليه عنهميا‪ -‬قيال‪ :‬نهيى‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن النجش‪..‬‬
‫والنجش هيو أن يزيدد فدي ثمدن السدلعة ال لرغبدة فيهدا بدل ليخددع غيدره‬
‫ويغددره ليزيددد ويشددتريها وهييذا حييرام باإلجميياع‪ ،‬والبيييع صييحيح واإلثييم‬
‫مختص بالناجش إن لم يعليم بيه البيائع فيإن واطيأه عليى ذليك أثميا جميعياً‪،‬‬
‫وال خيييار للمشييتري إن لييم يكيين ميين البييائع مواط يأة‪ ،‬وكييذا إن كانييت فييي‬

‫‪48‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫األصييح ألنييه قصيير فييي االغتييرار‪ ،‬وعيين مالييك رواييية أن البيييع باطييل‪،‬‬
‫وجعل النهي عنه مقتضيا للفساد‪.‬‬
‫فخالصته هذا البيع‪ :‬أن يزيد في السلعة من ال يريد شيراءها‪ ،‬وهيذا البييع‬
‫حرام؛ ألن فيه تغريرا بالمشتري وخداعا له‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬بيعتان في بيعة‬
‫عن أبي هريرة قال (نهى رسول الله ﷺ عن بيعتيين فيي بيعية)‪ 31‬والعميل‬
‫على هذا عند أهل العلم‪ ،‬وقد فسر بعض أهل العلم قالوا‪ :‬بيعتين في بيعة‬
‫أن يقول‪ :‬أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين وال يفارقيه عليى‬
‫أحد البيعين‪ ،‬فإذا فارقه على أحدهما فيال بيأس إذا كانيت العقيدة عليى أحيد‬
‫منهما‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬ومن معنى نهي النبي ‪-‬صلى الليه علييه وسيلم‪ -‬عين‬
‫بيعتين في بيعية أن يقيول أبيعيك داري هيذه بكيذا عليى أن تبيعنيي غالميك‬
‫بكذا فإذا وجب ليي غالميك وجبيت ليك داري وهيذا يفيارق عين بييع بغيير‬
‫ثمن معلوم وال يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته‪.‬‬
‫إذن صفة بيع البيعتين فيي بيعية‪ :‬أن يقيول‪ :‬بعتيك هيذا عليى أن تبيعنيي أو‬
‫تشتري مني هذا‪ ،‬أو بعتيك هيذه السيلعة بعشيرة حالية‪ ،‬أو عشيرين مؤجلية‬
‫ويتفرقييا قبييل تعيييين أحييدهما‪ ،‬وهييذا البيييع غييير صييحيح؛ ألن البيييع معلييق‬
‫بشرط في األول ولعدم استقرار الثمن في الثاني‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬بيع الحاضر للبادي‬

‫‪ 31‬رواه الترمذي في جامعه‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪،‬‬


‫‪49‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫فعن عبد الله بن عم ر رضي الله عنهما قال‪ :‬نهى رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬أن يبيع حاضر لبادرواه البخاري‪ .‬وعن ابن عباس قال‪ :‬نهى‬
‫رسول الله ‪-‬صيلى الليه علييه وسيلم‪ -‬أن تتلقيى الركبيان وأن يبييع حاضير‬
‫لباد‪ .‬فقييل البين عبياس‪ :‬ميا قوليه حاضير لبياد؟ قيال‪ :‬ال يكين ليه سمسيارا‪.‬‬
‫والسمسار هو الذي يبي ع السلعة بأغلى من سيعر يومهيا‪ .‬وفيي روايية‪( :‬ال‬
‫يبع حاضر لباد دعيوا النياس ييرزق الليه بعضيهم مين بعيض)‪ .‬وفيي رواة‬
‫عن أنس أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪( :‬ال يبييع حاضير لبياد وإن‬
‫كييان أخيياه أو أبيياه)‪ .‬والمييراد بالحاضيير سيياكن الحضيير‪ ،‬والبييادي سيياكن‬
‫الباديييية‪ ..‬قيييال النيييووي‪" :‬هيييذه األحادييييث تتضيييمن تحيييريم بييييع الحاضييير‬
‫للبادي‪ ،‬وبه قال الشافعي واألكثرون‪ .‬قال أصحابنا‪" :‬والمراد بيه أن يقيدم‬
‫غرييب مين البادييية أو مين بلييد آخير بمتياع تعييم الحاجية إليييه ليبيعيه بسييعر‬
‫يوميه‪ ،‬فيقييول ليه البلييدي‪ :‬اتركييه عنيدي ألبيعييه علييى التيدريج بييأعلى‪ .‬قييال‬
‫أصحابنا‪ :‬وإنما يحرم بهذه الشروط وبشرط أن يكيون عالميا بيالنهي‪ ،‬فليو‬
‫لم يعلم النهي أو كان المتاع مما ال يحتاج في البلد وال يؤثر فيه لقلية ذليك‬
‫المجلييوب لييم يحييرم ولييو خييالف وبيياع الحاضيير للبييادي صييح البيييع مييع‬
‫التحريم‪ .‬هذا مذهبنا وبه قيال جماعية مين المالكيية وغييرهم‪ .‬وقيال بعيض‬
‫المالكية‪ :‬يفسخ البيع ما لم يفت‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬بيع الرجل على بيع أخيه‬
‫عن عبد الله بن عمر رضي الليه عنهميا أن رسيول الليه‪-‬صيلى الليه علييه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪( :‬ال يبيع بعضكم على بيع أخيه) رواه البخاري‪.‬‬
‫مثالييه أن يقييول لميين اشييترى شيييئا فييي مييدة الخيييار‪ :‬افسييخ هييذا البيييع وأنييا‬
‫أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وهذا حرام‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ويحييرم أيضييا الشييراء علييى شييراء أخيييه وهييو أن يقييول للبييائع فييي مييدة‬
‫الخيار‪ :‬افسخ هذا البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو هذا‪..‬‬
‫ثامناً‪ :‬بيع السلعة قبل قبضها‬
‫باع إنسان سيارة آلخير قبيل أن يتملكهيا ويحوزهيا؛ ليم يصيح البييع سيواء‬
‫باعها عليه ن قدًا أم ألجل‪ ،‬وسواء كيان اليربح نسيبة مين ثمين شيراء البيائع‬
‫قدرا معينًا‪ ،‬وسواء دفع دفعة من اليثمن أم ليم ييدفع شييئًا؛ ألنيه‬
‫كالثلث‪ ،‬أم ً‬
‫باعها قبل قبضها‪ ،‬بل قبل تملكها‪ ،‬وأما إذا اتفق معه على أن يبيعها علييه‬
‫بعد أن يمتلكها ويحوزها فيجوز؛ ألنه وعد بالشراء ال عقد شراء‪ ،‬ولهميا‬
‫أن يتعاقدا بعد ذلك وفاء بالوعد‪ ،‬ويجوز أن يبيعها على غيره‪ ،‬كما يجوز‬
‫لآلخر أن يشتري غير هذه السيارة‪.‬‬
‫بيع حبل الحبلة‬
‫وهو أن يبيعه نتاج ما في بطن الناقة أي حمل الحمل‪ ،‬أو أن يتبايعا سلعة‬
‫على أن يكون تسليم الثمن بعد أن تلد الناقة ثم يلد مافي بطنها‪ ،‬فهنا‬
‫الجهالة في األجل‪.‬‬
‫بيع الثمار قبل أن يبدو صالحها‬
‫بيع الثمار قبل أن يبدو صالحها ممنوع ألنه ال يؤمن تلف الثمار قبل أن‬
‫يقطعها المشتري أما إذا تلونت بأن احمرت أو اصفرت فيجوز بيعها‪.‬‬
‫بيع المضامين والمالقيح‬

‫‪51‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫والمضامين‪ :‬مافي أصالب الفحول‪ ،‬والمالقيح‪ :‬مافي البطون من‬


‫األجنة‪.‬‬

‫الدرس العاشر‪ :‬الخيار‬

‫تعريف الخيار‬
‫الخيار بالكسر خالف األشرار ‪ ،‬وهو أيضا ً االسم من االختيار ‪ -‬وخيره‬
‫بين الشيئين أي فوض إليه الخيار ·‬
‫في االصطالح فهي عندهم ‪ :‬أن يكون ألحد العاقدين ‪ -‬أو لكليهما ‪ -‬الحق‬
‫في اختيار أحد األمرين ‪ -‬إما إمضاء العقد وتنفيذه ‪ ،‬وإما فسخه ورفعه‬
‫من أساسه ·‬
‫وهذه الخيارات منها ماورد به نص خاص ‪ -‬كخيار الشرط وخيار‬
‫الرؤية ‪ -‬ومنها ما ثبت بمقتضى القواعد العامة ‪ -‬كخيار العيب والتدليس‬
‫‪ -‬ومنها ماثبت بالقياس ‪ -‬كخيار النقد وخيار التعيين ·‬
‫ولذلك نجد الفقهاء لم يتفقوا إال على بعضها فقط‪ ،‬والباقي كان مجاالً‬
‫الختالف االجتهادات‬
‫خـيـار الشـرط‬
‫هو أن يكون ألحد العاقدين ‪ -‬أولهما معا ً ‪ -‬أو لمن ينيبه كل منهما الحق‬
‫في إجازة العقد أو فسخه باشتراط ذلك في العقد ‪ -‬ولذلك سمي خيار‬
‫الشرط فإذا قال البائع للمشتري مثالً ‪ :‬بعت لك هذه الدار بمائتي الف‬
‫ريال ‪ ،‬على أنني بالخيار أو على أنك بالخيار ‪ -‬مدة ثالثة أيام ‪ -‬وقبل‬
‫المشتري ‪ ،‬كان للبائع الحق في فسخ العقد في هذه المدة ‪ -‬وكذلك‬
‫المشتري ‪ -‬فإذا مضت المدة من غير أن يعلن البائع أو المشتري رأيه‬
‫‪52‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫في اإلمضاء أو الفسخ سقط حق كل منهما في الفسخ ولزم العقد ·‬


‫وهذا الخيار ‪ -‬كما يدل عليه اسمه ‪ -‬اليثبت إال بالشرط عند جمهور‬
‫الفقهاء فسببه هو االشتراط ·‬
‫أما عند اإلمام مالك ‪ -‬فهذا الخيار يثبت إما بالشرط ‪ ،‬وإما بالعادة على‬
‫معنى أنه لو جرت عادة الناس بثبوت الخيار ‪ -‬في سلعة من السلع ‪ -‬ثبت‬
‫الخيار فيها من غير شرط ·‬
‫خيار التعيين‬
‫خيار التعيين خيار يشترطه المشتري عادة ‪ ،‬بأن يكون المبيع أحد‬
‫أشياء معينة يختار المشتري واحداً منها بعد التجربة أو بعد التأمل‬
‫والتروي · ويشترط أال تزيد األشياء التي يختار منها المشتري على‬
‫ثالثة ‪ ،‬ألن خيار التعيين شرع استحسانا ً ‪ -‬على خالف القياس ‪ -‬للحاجة‬
‫إلى دفع الغبن بالتحري ‪ ،‬والحاجة تندفع بالتحري في ثالثة ال أكثر‬
‫القتصار األشياء على الجيد والوسط والرديء ‪ ،‬فبقي الحكم فيما يزيد‬
‫على الثالثة مردوداً بها أصل القياس ‪ ،‬وهو المنع ويحتاج المشتري إلى‬
‫خيار التعيين إذا كان ال يمكنه دخول السوق بنفسه أو كان في حاجة إلى‬
‫استشارة خبير فيما يأخذ وفيما يدع ‪ ،‬فيشترط هذا الخيار ليتسنى له‬
‫اختيار ما يناسبه خارج السوق أو بعد الرجوع إلى رأي خبير ·‬
‫ويأخذ زفر والشافعي وأحمد بالقياس ‪ ،‬فعندهم خيار التعيين يفسد البيع ‪،‬‬
‫لما فيه من الجهالة ‪ -‬والجهالة غرر ‪ -‬وقد نهى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عن بيع ‪.‬‬
‫ولكن أبا حنيفة وصاحبيه أجازوا هذا الخيار ‪ ،‬استحسانا ً على خالف‬
‫القياس ألن الناس محتاجون إلى مثل هذا النوع من المعاملة‬

‫‪53‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫خيار الرؤية‬
‫خيار الرؤية حق يثبت بمقتضاه للعاقد أن يفسخ العقد بوقت اليتغير فيه ·‬
‫إذا كان سبب هذا الخيار هو عدم رؤية محل العقد عند التعاقد فيكون‬
‫موضعه التعاقد على شيء غائب –‬
‫العقد على الشيء الغائب‬
‫وقد اختلف الفقهاء على صحة العقد على الشيء الغائب ·‬
‫فالشافعي ‪ -‬في مذهبه الجديد ‪ -‬يرى أن العقد على الغائب اليصح ‪ ،‬ومن‬
‫ثم اليكون لهذا الخيار موضع عنده في العقود الصحيحة ‪ ،‬مستدالً بأن‬
‫بيع الغائب بالوصف فيه غرر ‪ ،‬والغرر منهي عنه‬
‫والحنفية يقولون بمشروعية هذا الخيار‪ ،‬مستدلين بمارواه الطحاوي‬
‫والبيهقي ‪ ،‬أن عثمان بن عفان باع لطلحة بن عبدالله أرضا ً بالبصرة ‪،‬‬
‫ي‬
‫لم يرها واحد منهما ‪ -‬ولما قيل لكل منهما إنك قد غبنت ‪ ،‬قال ‪ :‬إل َّ‬
‫الخيار ‪ ،‬ثم حكما جبير بن مطعم بينهما فحكم بالخيار لطلحة ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد‪ ،‬فكان إجماعا ً سكوتيا ً ظاهراً ‪.‬‬
‫والمالكية يصححون بيع الغائب في إحدى صورتين ‪:‬‬
‫‪ .2‬إذا وصف بما يبين جنسه ونوعه‬
‫‪ .1‬إذا لم يوصف ولكنه اشترط الخيار عند رؤيته ‪ -‬فإذا لم يوجد وصف‬
‫وال اشتراط اليصح بيع الغائب · وعلى هذا فهم اليعترفون بخيار الرؤية‬
‫‪.‬‬
‫والحنابلة يصححون بيع الغائب بشرطين ‪:‬‬
‫‪ .2‬أن يكون المبيع من األشياء التي يصح فيها السلم ‪ -‬وهي األشياء التي‬
‫يمكن تعيينها بالوصف‬
‫‪ .1‬أن يصفه بالصفات التي تضبطه وهي األوصاف التي يترتب على‬
‫ذكرها أو عدمه ‪ -‬اختالف في الثمن غالبا ً ·‬
‫‪54‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫فإذا باع غائبا ً ‪ -‬من غير وصف بعينه ‪ -‬كان البيع غير صحيح ‪ -‬وإذا‬
‫باع الموصوف جاز له رده إذا لم يجده على الصفة التي عينها أو وجد‬
‫به عيبا ً‬

‫خيار العيب‬
‫هو أن يكون للمتملك الحق في إمضاء العقد أو فسخه ‪ -‬إذا وجد عيبا ً في‬
‫العقد المعين بالتعيين لم يطلع عليه عند التعاقد ‪.‬‬ ‫محل‬
‫فسببه إذن ظهور عيب كان موجوداً بمحل العقد قبل أن ينتقل إلى يد‬
‫المتملك ‪ ،‬ولم يظهر منه ما يدل على رضاه به ‪ ،‬وإنما ثبت له هذا الحق‬
‫في تلك الحالة النعدام رضاه بالعقد حيث كان يبغي السالمة في المعقود‬
‫عليه ليكون انتفاعه به انتفاعا ً تاما ً ‪ ،‬فلما فاتت سالمته بوجود العيب ‪،‬‬
‫أثبت الشارع له حرية اإلبقاء على العقد أو إلغائه‪ ،‬وإن شاء تمسك بحقه‬
‫كامالً وأزال عن نفسه هذا االلتزام مالم يوجد مانع يمنع من ذلك ‪ ،‬وإن‬
‫شاء تغاضى عما يصيبه من ضرر ‪ ،‬وأبقى العقد كما كان ·‬
‫خيار المجلس‬
‫صور هذا الخيار‬
‫أن يقع البيع جائزاً ‪ ،‬في فترة المجلس ‪ ،‬ويكون لكل من المتعاقدين‬
‫الخيار ‪ ،‬فإذا تفرقا لزم العقد والخيار ألحدهما ·‬
‫يقول بهذا الخيار الشافعية والحنابلة ‪ ،‬وعندهم أن أيًا من المتعاقدين‬
‫يكون له خيار الرجوع مادام مجلس العقد قائما ً لم ينفض ‪ ،‬فإذا انفض‬
‫المجلس بطل الخيار ‪ ،‬أ ي أن خيار المجلس يثبت عندهم ‪ ،‬في الفترة ما‬
‫بين صدور القول ‪ ،‬وانصراف المتعاقدين أو أحدهما عن مجلس العقد ‪،‬‬
‫‪55‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أي قبل تفرق المتعاقدين بالبدن ·‬


‫الحنفية والمالكية عندهم أن العقد متى تم في مجلسه بصدور القبول‬
‫امتنع على أي من المتعاقدين بعد ذلك أن يرجع ‪ ،‬ألن صفة العقد اإللزام‬
‫‪ ،‬وال إلزام إذا أجزنا ألي منهما الرجوع ·‬
‫الحنفية والمالكية يجعلون مجلس العقد ينفض ‪ ،‬ضرورة بصدور‬
‫القبول إذ يستوي من الناحية العملية ‪ ،‬أال يكون ألحد من المتعاقدين حق‬
‫الرجوع بعد صدور القبول ‪ ،‬وأن يكون المجلس قد انفض بصدور‬
‫القبول ·‬

‫‪56‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس الحادي عشر‪ :‬السلم واالستصناع والصرف‬


‫‪ .1‬السلم‬

‫س ِّمي س َل ًما لتسليم رأس المال في المجلس‪ ،‬وسلفًا لتقديمه‪ ،‬وهما لغتان‪،‬‬
‫ُ‬
‫سلَم لغة أهل الحجاز‪ ،‬و "السلف" لغة أهل العراق‪.‬‬ ‫ف‪ :‬ال َّ‬
‫ً‬
‫عاجال‪،‬‬ ‫س َلم اصطال ًحا‪ :‬هو عق ٌد على موصوفٍ في الذ َّمة ببد ٍل يعطى‬ ‫ال َّ‬
‫عوض موصوفٍ في الذ َّمة إلى أج ٍل‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫حاضر في‬‫ٍ‬ ‫عوض‬
‫ٍ‬ ‫أو أنه تسليم‬
‫مقبوض بمجلس العقد‪.‬‬‫ٍ‬ ‫بثمن‬
‫ٍ‬ ‫هو عقدٌ على موصوفٍ بذ َّم ٍة مؤ َّج ٍل‬
‫صورة بيع السلم‬
‫أن يأتي عثمان إلى أحمد الذي يعمل في الزراعة‪ ،‬فيقول له عثمان‪:‬‬
‫أُعطيك هذا المبلغ من المال نقداً حاالً على أن تُعطيني مقابله ُ‬
‫طنّا ً من‬
‫األرز في هذا الموضع في موسم الحصاد القادم‪ ،‬فيَ ْقبل أحمد العرض من‬
‫عثمان‪ ،‬ويستلم الثمن منه في نفس المجلس‪ ،‬ويس ِلّمه القمح في الموسم‬
‫المتَّفق عليه‪ ،‬وفي المكان الذي حدداه له‪ ،‬وبالقدر والوصف الذي ت ّم‬
‫االتفاق عليه بينهما‪.‬‬
‫أركان بيع السلم‬
‫ركن واح ٌد فقط هو صيغة العقد التي ينعقد بها‬ ‫ٌ‬ ‫سلم‬
‫عند الحنفية لبيع ال َّ‬
‫البيع‪ ،‬ويُعبَّر عنها باإليجاب والقبول‪.‬‬
‫ذهب الجمهور إلى أن أركان السلم ثالثة‪:‬‬
‫‪ .2‬العاقدان‪ :‬وهما ال ُمس ِلّم ( المشتري) ويسمى رب السلم‪ ،‬وال ُمسلَّم إليه‬
‫(البائع‬
‫‪57‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .1‬المعقود عليه (المحل)‪ :‬المسلَّم (فيه المبيع)‪ ،‬ورأس مال السلم (الثمن‬
‫‪ .4‬الصيغة اإليجاب ويصدر من ال ُمس ِلّم (المشتري)‪ ،‬والقبول ويصدر‬
‫من ال ُمسلَّم إليه (البائع)‪.‬‬
‫أركان الصيغة في عقد بيع السلم‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪-‬الحنفية والمالكية والحنابلة‪ -‬إلى اشتراط أن تكون‬


‫سلم‪.‬‬
‫سلف‪ ،‬أو ال ّ‬‫الصيغة في بيع السلم بلفظ البيع‪ ،‬أو ال َّ‬
‫وي أنّه نهى عن بيع‬
‫جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث ُر َ‬
‫سلم نوعا ً‬
‫سلم‪ ،‬وذلك دلي ٌل على كون ال َّ‬ ‫ور َّخص في ال َّ‬
‫ما ليس عند اإلنسان َ‬
‫سلَم بلفظ البيع‪.‬‬
‫من أنواع البيوع؛ لذلك جاز أن ينعقد ال ًّ‬
‫سلم فقط‪ ،‬وأنه‬ ‫اشترط اإلمام الشافعي أن تكون صيغة عقد السلم بلفظ ال َّ‬
‫ال ينعقد إال بهذا اللفظ‪ ،‬وخالف الشافعي أصحابه ومنهم زفر‪ ،‬فقالوا‬
‫سلف‪ ،‬فإذا خرج اللفظ عن ذلك كأن‬ ‫سلم أو ال َّ‬
‫بانعقاد بيع السلم بلفظي ال َّ‬
‫ينعقد بلفظ البيع أو اإلجارة أو غير ذلك لم ينعقد البيع‪ .‬وقد استد َّل اإلمام‬
‫ش ِرع على خالف القياس‪ ،‬ولذلك‬ ‫بأن بيع السلم ُ‬ ‫الشافعي فيما ذهب إليه ّ‬
‫النص إال‬
‫ُّ‬ ‫يجب االقتصار على ما جاء منصوصا ً عليه فقط‪ ،‬ولم يرد‬
‫بلفظ السلم ولم يرد بغيره‪.‬‬
‫شروط صحة بيع السلم‬
‫اشترط الفقهاء لصحة بيع السلم ما اشتُرط في البيوع بصف ٍة عامة‪ ،‬وقد‬
‫أُضيف لهذه الشروط شروط خاصة ال يص ّح بيع السلم ّإال بها‬
‫‪ .2‬أن يكون معلوم الجنس‬

‫‪58‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .1‬أن يكون معلوم الصفة‬


‫‪ .4‬أن يكون معلوم المقدار‬
‫‪ .4‬أن يكون أجل التسليم معلوم‬
‫‪ .5‬أن يت ّم تسمية مكان التسليم إن كان في حمله مشقّةٌ ودفع نفقات‬
‫وتكاليف‪.‬‬
‫شروط رأس المال‬
‫‪ .2‬أن يكون رأس المال معلوم الجنس‬
‫‪ .1‬أن يكون رأس المال معلوم القدر‬
‫‪ .4‬أن يكون نوع رأس المال معلوما ً‬

‫شروط ال ُمسلم فيه‬


‫ويُقصد بال ُمسلَم فيه المال الذي سيؤديه البائع للمشتري بعد أج ٍل معين‬
‫‪ .2‬أن يكون معلوم الجنس حنطة‪ ،‬أو قمح‪ ،‬أو شعير‬
‫‪ .1‬أن يكون معلوم النوع‪ :‬قمح بلدي أو قمح عراقي أو غير ذلك‬
‫‪ .4‬أن يكون معلوم الصفة‪ :‬صنف أول ممتاز‪ ،‬أو صنف ثاني متوسط‬
‫الجودة‪ ،‬أو صنف رديء‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يكون معلوم القدر‪ 20 :‬طن‪ 200 ،‬صاع‪ 2000 ،‬متر مربع‬
‫‪ .5‬أال يكون فيه شي ٌء من ربا الفضل إ ّما بزيادة الكيل أو الوزن‬
‫‪ .1‬أن يكون مما يتعيّن بالتعيين فإن كان مما ال يتعين بالتعيين كالدراهم‬
‫والدنانير فال يجوز السلم فيه؛ ألن الدراهم والدنانير ال تتعين في عقود‬
‫المعاوضات‪ ،‬فلم تكن مبيعة‪ ،‬فال يجوز السلم فيها)‬
‫‪ .9‬أن يكون المسلم فيه مؤجالً ويجوز عند الشافعي أن يكون حاال‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أن عقد السلم يجب أن يكون داخالً فيه اشتراط‬ ‫يرى جمهور الفقهاء ّ‬
‫األجل‪ ،‬وقال علماء الشافعية‪ :‬يجوز أن يكون عقد السلم حاالً‬

‫‪ .1‬أن يكون جنس المسلم فيه موجوداً في األسواق بنوعه وصفته في‬
‫وقت حلول أجل التسليم‬
‫‪ .9‬أن يكون أجل تسليمه معلوماً‪ ،‬فإذا كان األجل ُمطلقا ً لم يص ّح البيع؛‬
‫لما فيه من الجهالة المؤدّية للمنازعة‪.‬‬
‫شروط العقد‬
‫يجب أن يكون باتّا ً يعني أن يخلو من خيار الشرط وهذا عند الجمهور‪-‬‬
‫الحنفية والشافعية والحنابلة‪. -‬‬
‫يرى اإلمام مالك أنّه يجوز اشتراط الخيار في بيع السلم مدة ال تزيد‬
‫على ثالثة أيام؛ ألنّها قليلة وذلك ال يؤثّر في عقد السلم الذي في العادة‬
‫اشتراط األجل‪.‬‬
‫‪ .2‬االستصناع‬
‫االستصناع في اصطالح الفقهاء أن يطلب إنسان من آخر شيئا لم يصنع‬
‫بعد ليصنع له طبق مواصفات محددة بمواد من عند الصانع ‪ ،‬مقابل‬
‫عوض مالي‪.‬‬
‫سلَم والبيع بالمعنى الخاص‪ .‬أما شبهه‬
‫االستصناع شبيه باإلجارة ‪ ،‬وبال َّ‬
‫باإلجارة فألن العمل فيه جزء من المعقود عليه ‪ ،‬وأما شبهه بالبيع من‬
‫حيث أن الصانع يقدّم المواد من عنده مقابل عوض‪.‬‬
‫تعريف الفقهاء المتقدم له يوضح أنه عقد مغاير لهذه العقود ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫األئمة الثالثة ‪ -‬مالك والشافعي وأحمد‪ -‬جعلوه سلما ‪ ،‬واشترطوا‬


‫لصحته شروط السلم التي من أهمها تقديم رأس المال في مجلس العقد‪.‬‬
‫أما الحنفية فقد جعلوه عقداً مغايراً للسلم فال تجب فيه مراعاة شروطه‬
‫وأنه عقد مستقل ‪ ،‬ليس بيعا ً ‪ ،‬وال إجارة ‪ ،‬وال سلما ً‪.‬‬
‫وقد استدل من أجازه بقوله تعالى (قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج‬
‫مفسدون في األرض فهل نجعل لك خرجا ً على أن تجعل بيننا وبينهم‬
‫سداًّ * قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم‬
‫ردماً) ‪-‬الكهف‪ -94،95:‬قال ابن عباس‪ :‬خرجاً‪ :‬أجراً عظيما ً‪.‬‬
‫شروط صحته‬
‫‪ .2‬تحديد مواصفات الشيء المطلوب تحديداً يمنع التنازع والخصام عند‬
‫التسليم‪.‬‬
‫‪ .1‬عدم ذكر األجل عند العقد ‪ ،‬فإن ذكر أجل انقلب إلى عقد سلم تراعى‬
‫فيه شروط السلم وأحكامه ‪ ،‬وهذا عند اإلمام أبي حنيفة‪.‬‬
‫‪ .4‬ال يشترط في صحة هذا العقد تعجيل الثمن بل يجوز تأخيره كله أو‬
‫بعضه ألنه ليس سلما‬
‫‪ .4‬ال يشترط أن يكون ما يأتي به العامل من صنعه هو إال إذا اشترط‬
‫المستصنع ذلك‪.‬‬
‫‪ .5‬إذا اكتملت شروط صحة عقد االستصناع وانتفت عنه الموانع فإن‬
‫الصحيح أنه يلزم كال من الطرفين ‪ ،‬فال يحق ألحدهما فسخه إال برضى‬
‫الطرف اآلخر وهو قول عند بعض األحناف‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .3‬بيع الصرف‬

‫عرفه جمهور الفقهاء‪ :‬بأنه بيع الثمن بالثمن من جنسه أو من غير‬ ‫َّ‬
‫جنسه ‪ ،‬بيع الثمن بالثمن من جنسه‪ :‬كبيع الذهب بالذهب‪ ،‬أو الفضة‬
‫بالفضة‪ ،‬أو بغير جنسه‪ ،‬يعني‪ :‬كبيع الذهب بالفضة‪ ،‬أو الفضة بالذهب‪.‬‬
‫والمراد بالثمنية ما خلق لذلك الغرض‪ ،‬يعني يكون ثمنًا لألشياء‪ ،‬وهو‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬فيدخل فيه‪:‬‬
‫‪ .2‬المصوغ يعني المصنوع على شكل معين من الصياغة مثل القرط‪،‬‬
‫والسوار‪ ،‬وما إلى ذلك‬
‫‪ .1‬التبر يعني الذهب الذي على شكل حبيبات أو جزئيات أو سبائك غير‬
‫مصنعة‬
‫صنعت منه النقود يصنع عن طريق‬ ‫‪ .4‬المصكوك يعني الذهب إذا ُ‬
‫الصك‪ ،‬وهي حديدة عليها نقش معين يطبع على ذهب‪ ،‬فيصير عملةً‬
‫معينةً أو على الفضة أي ً‬
‫ضا‪.‬‬
‫هذا تعريف الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫والحديث عن بيع الصرف يستلزم الكالم عن الربا مقدما‪.‬‬
‫معنى الربا في لغة العرب‪ ،‬الزيادة‪ ،‬ومنه الربوة أي‪ :‬المكان المرتفع‪.‬‬
‫بتعاريف مختلفة تب ًعا‬
‫َ‬ ‫عرفه الفقهاء‬
‫أما الربا في اصطالح الفقهاء فقد َّ‬
‫الختالفهم في علته‪ ،‬إال أنها ‪-‬يعني‪ :‬هذه التعريفات‪ -‬تدور حول معنى‬
‫واحد وهو الزيادة بال عوض‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫عرفه الشافعية‪ :‬بأنه عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في‬
‫تأخير في البدلين‪ ،‬أو أحدهما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫معيار الشرع حالة العقد‪ ،‬أو مع‬
‫فالعوض المخصوص عندهم يُقصد به النقد والمطعوم‪ ،‬بناء على أن‬
‫العلة ‪-‬في الربا عندهم‪ -‬إما الثمنية في األثمان‪ ،‬وإما الطعم في‬
‫ً‬
‫مكيال‬ ‫المطعومات‪ ،‬وعلى هذا فال ربا عندهم في غير ذلك حتى ولو كان‬
‫أو موزونًا‪ .‬وقولهم‪ :‬غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد‪ ،‬هذا‬
‫شرط في عقد‬ ‫خاص بربا الفضل؛ ألنه ‪-‬يعني‪ :‬ربا الفضل‪ -‬زيادة مال ُ‬
‫البيع زيادةً على المعيار الشرعي‪ ،‬وال يتصور ذلك إال فيما اتحد جنسه‪،‬‬
‫كالذهب بالذهب‪ ،‬أو الفضة بالفضة‪ ،‬أو القمح بالقمح‪..‬إلخ‪ .‬إذ التفاضل‬
‫في مختلفي الجنس ال يعد ربًا ما دام يدًا بيدٍ‪.‬‬
‫وقد أشار الشافعية إلى ذلك في تعريفهم؛ إذ إن "أل" في قولهم‪:‬‬
‫"التماثل" للعهد؛ أي‪ :‬هذا التماثل المعروف وهو معروف شر ًعا‪ ،‬وذلك‬
‫ال يكون إال في متحدي الجنس‪.‬‬
‫ويصدق هذا التعريف بثالث صور‪:‬‬
‫‪ .2‬بأن يكون مجهو َل التماثل‪ ،‬ال نعرف أن هذا القدر مماثل لهذا القدر‪.‬‬
‫‪ .1‬أو معلوم التفاضل‪ ،‬نعرف أن أحد العوضين أزيد من اآلخر‪.‬‬
‫‪ .4‬أو معلوم التماثل لكن في غير معيار الشرع‪ .‬كقنطار بُر بقنطار بُر‪.‬‬
‫أنواع الربا‬
‫الربا أنواع‪ ،‬فقد اتفق فقهاء المذاهب على أن الربا يقع على نوعين‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫النوع األول‪ :‬يسمي ربا النسيئة على وزن "فعيلة"‪ ،‬والنسيئة في اللغة‬
‫معناها األجل والتأخير‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪( :‬إِنَّ َما النَّسِي ُء ِز َيادَة ٌ فِي ْال ُك ْف ِر)‬
‫التوبة‪ ،49 :‬النسيء يعني تأخير بعض الشهور عن بعض‪ ،‬حتى يتيح‬
‫العرب ألنفسهم فرصةً للسالم‪ ،‬أو فرصةً للحرب‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا يسمى‬
‫مثال‪ ،‬حتى يستمر‬ ‫تأخيرا‪ ،‬كتأخير شهر صفر عن موعده ً‬ ‫ً‬ ‫نسيئًا؛ يعني‪:‬‬
‫في الحرب‪ ،‬أو تأخير شهر محرم عن موعده‪ ،‬أو تقديم هذا الشهر على‬
‫هذا الشهر‪ ،‬هذا نوع من العبث ويسمى نسيئًا؛ لما فيه من التأخير‪ .‬ومنه‬
‫قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم ( َمن أراد أن يُنسأ له في عمره‪ ،‬ويبارك‬
‫له في رزقه‪ ،‬فليصل رحمه) معنى (ينسأ له في عمره) يعني‪ :‬يمد له في‬
‫هذا العمر‪ .‬ويقال‪ :‬ربا النساء‪ ،‬فتح النون المد؛ يعني‪ :‬الربا الذي فيه نوع‬
‫من التأجيل‪.‬‬
‫هذا النوع من الربا مجمع على تحريمه من السلف والخلف؛ ألنه من‬
‫الربا الذي ال شك فيه‪ ،‬وهو ربا الجاهلية الموضوع؛ يعني‪ :‬الذي أبطله‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في خطبة الوداع‪ ،‬فقد كانوا يتبايعون‬
‫إلى أجل مسمى؛ يعني‪ :‬واحد يشتري من اآلخر سلعةً ويسدد ثمنها بعد ‪5‬‬
‫أو ‪ 1‬شهور‪ ،‬فإذا حل األجل‪ ،‬قال لصاحبه‪ :‬أتقضي أم تُربي؟ فإن قال له‪:‬‬
‫أربي‪ ،‬يقول له إذًا‪ :‬أزيدك على األجل‪ ،‬وأزيدك في المقابل‪ ،‬وهو الفائدة‬
‫الربوية‪.‬‬
‫ربا الفضل‬
‫الفضل في اللغة‪ :‬يعني الزيادة‪ ،‬والفاضل‪ :‬هو الشيء الباقي الزائد عن‬
‫وعرفه الفقهاء‪ :‬بأنه البيع مع زيادة أحد العوضين عن‬ ‫َّ‬ ‫الحاجة‪،‬‬
‫ً‬
‫اآلخر؛مثال يبيع ذهبًا بذهب‪ ،‬ولكن أحد العوضين أزيد من اآلخر‪ ،‬أي‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫مثال ‪ 2000‬جنيه بـ ‪ ،2200‬أو ألف دوالر بـ ‪ً 2020‬‬


‫مثال‪ ،‬فالبيع‬ ‫سيبيع ً‬
‫مع زيادة أحد العوضين على اآلخر‪ ،‬فهذه الزيادة تسمى ربا الفضل‪.‬‬
‫تلك الزيادة في أحد العوضين اختلف فيها الفقهاء تبعًا الختالفهم في علة‬
‫ضا‪.‬‬
‫الربا أي ً‬
‫فذهب الشافعية إلى أنها زيادة مطلقة في المطعوم خاصةً عند اتحاد‬
‫الجنس ؛ يعني‪ :‬األشياء المطعومة عندما تتحد في الجنس‪ ،‬أي شيء‬
‫يطعم كاألرز‪ ،‬العدس‪ ،‬والفول‪ ،‬كأن نبيع ً‬
‫مثال إردب فول بإردب فول‪،‬‬
‫أو إردب فول بإردب فول وكيلة ً‬
‫مثال‪ ،‬الكيلة هذه اسمها ربا الفضل؛‬
‫ألنها زيادة في معيار الشرع ألحد العوضين‪ ،‬ومعيار الشرع هنا هو أن‬
‫هذه السلعة من جنس واحد وأنها من المطعومات‪.‬‬
‫والمتفق عليه بين أهل العلم أن ربا الفضل ال يجري إال في الجنس‬
‫الواحد‬
‫حكم ربا الفضل‬
‫ال خالف بين الفقهاء في تحريم ربا الفضل إذا اجتمع مع النسيئة‪ ،‬كأن‬
‫يبيع ذهبًا بذهب وأحدهما أزيد من اآلخر مع التأخير‪ ،‬هذا ربا نسيئة‬
‫وربا فضل‪ ،‬فالعلماء متفقون على أنهما إذا اجتم َعا االثنان حرام‪ ،‬الفضل‬
‫والنسيئة‪ ،‬فالجمهور على تحريمه‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأحاديث كثيرة؛‬
‫منها‪ :‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪(-‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪،‬‬
‫والبُر بالبُر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ً ،‬‬
‫مثال بمث ٍل‪،‬‬
‫يدًا بيدٍ‪ ،‬فَ َمن زاد أو استزاد‪ ،‬فقد أربى‪ ،‬اآلخذ والمعطي سواء)‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫مثال بمثل‪ ،‬إذًا تكون الزيادة في أحد‬


‫(مثال بمثل) فالزيادة ليست ً‬
‫ً‬ ‫قال ﷺ‬
‫ضا قال(يدًا بيد) يدل على أن تأخير القبض‬ ‫ً‬
‫فضال‪ .‬وأي ً‬ ‫العوضين تسمى‬
‫فيه نوع آخر من أنواع الربا وهو ربا النسيئة‪.‬‬
‫كذلك ما رواه أبو هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪(-‬التمر بالتمر‪ ،‬والحنطة بالحنطة‪ ،‬والشعير بالشعير‪،‬‬
‫والملح بالملح‪ً ،‬‬
‫مثال بمثل‪ ،‬يدًا بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى‪ ،‬إال ما‬
‫اختلفت ألوانُه)‪ ،‬هذا واضح أن فيه تحري ًما لربا الفضل وربا النسيئة‪.‬‬
‫ضا قال‪ :‬جاء بالل إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫وروى أبو سعيد أي ً‬
‫تمر برني ‪ -‬ضرب من التمر أحمر بصفرة‪ ،‬كثير اللحاء‪ ،‬وهو ما َك َ‬
‫سا‬
‫النواة قشرة ً حمرا َء‪ ،‬وهو ‪ ،‬شديد الحالوة‪ ،‬ونوع جيد جدًّا من التمر‪-‬‬
‫فقال له رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ (-‬من أين هذا؟ فقال بالل‪ :‬تمر‬
‫كان عندنا رديء‪ ،‬ف ِبعتُ منه صاعين بصاع لمطعم رسول الله ‪-‬أي‪:‬‬
‫إلطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫ت أن‬ ‫عين الربا‪ ،‬ال تفعل‪ ،‬ولكن إذا أر ْد َ‬
‫ُ‬ ‫عليه وسلم‪ -‬عند ذلك؛ هو‬
‫اشتره)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫التمر ف ِب ْعه ببيع آخر‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫تشتري‬
‫األصناف الربوية‪ ،‬وعلة تحريم الربا‬
‫الفقهاء اتفقوا على أن الربا يجري في األنواع الستة التي حددها‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في سنته‪ ،‬وهي‪ :‬الذهب‪ ،‬والفضة‪،‬‬
‫والبُر‪ ،‬والشعير‪ ،‬والتمر‪ ،‬والملح‪ .‬وقد ُجمعت في حديث أبي سعيد‬
‫الخضري ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬وحديث عبادة بن الصامت ‪-‬رضي الله‬
‫عنه‪ -‬عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال (الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة‬
‫بالفضة‪ ،‬والبُر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫األصناف فبيعوا كيف شئتم إذَا‬


‫ُ‬ ‫ً‬
‫مثال بمث ٍل‪ ،‬سوا ًء بسواء‪ ،‬فإذا اختلفت هذه‬
‫كان يدًا بيدٍ)‪ ،‬هذا حديث صحيح‪ ،‬رواه مسلم في (صحيحه)‪ ،‬في كتاب‬
‫البيوع‪ ،‬باب الربا‪.‬‬
‫حرمة الربا في األصناف الستة المذكورة في الحديث تتعداها إلى‬
‫غيرها مما يساويها في العلة‪ ،‬وإفراد األصناف الستة بالذكر إنما ورد‬
‫على سبيل المثال ال على سبيل الحصر‪ ،‬يعني‪ :‬النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬ذكر لنا البُر والشعير والتمر والملح والذهب والفضة على‬
‫سبيل التمثيل ولم يرد أن يستقصي؛ ألنه يخاطب عقالء‪ ،‬والعاقل يرى‬
‫أنه ما دام الشيء يشبه الشيء فينبغي أن يأخذ حكمه؛ ألن الشريعة‬
‫اإلسالمية تجمع بين المتماثالت وتفرق بين غير المتماثالت‪ .‬فكيف‬
‫يكون الشيئان متماثلين ثم يأخذ أحدهما حك ًما ويأخذ اآلخر حك ًما آخر؟‬
‫فهذا غير معقول‪.‬‬
‫فهناك أشياء لم يذكرها النبي ﷺفي األصناف الستة وفيها نفس العلة‬
‫الموجودة في الذهب أو الفضة أو بقية األصناف األخرى‪.‬‬
‫إن النبي ﷺ نص على البُر وهو أعلى المطعومات‪ ،‬ونص على الملح‬
‫وهو أدنى المطعومات‪ ،‬يعني‪ :‬أقلها‪ ،‬فكان ذلك تنبي ًها إلى أن ما بينهما‬
‫الحق بهما‪ ،‬فذكر أعلى شيء في الطعام وأدني شيء في الطعام‪ ،‬وما‬
‫بينهما داخل في الحرمة بال شك‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن الربا إنما يثبت في تلك‬
‫األصناف لعلة‪ ،‬يعني‪ :‬فيه سبب‪ ،‬فيه وصف‪ ،‬فوجب تعدية هذا الحكم في‬
‫كل موضع ُو ِجدت فيه تلك العلة‪ ،‬وهذا كالم معقول جدًّا‪.‬‬
‫علة تحريم الربا في هذه األصناف الستة‬

‫‪67‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫اتفق المعللون الذين يأخذون بالقياس على أن علة الذهب والفضة واحدة‪،‬‬
‫وأن علة األعيان األربعة األخرى واحدة‪ ،‬ثم اختلفوا بعد ذلك في علة كل‬
‫صل بها اإلمام النووي في مجموعه قرابةَ‬ ‫واحد منها على مذاهب‪َ ،‬و َ‬
‫عشرة مذاهب‪.‬‬
‫الشافعية ذهبوا إلى أن العلة في الذهب والفضة جنسية األثمان غال ًبا‪،‬‬
‫جنس‬
‫َ‬ ‫يعني‪ :‬النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ذكر الذهب والفضة وهو يريد‬
‫األثمان‪ ،‬فأي شيء يتخذه الناس أثمانًا فهو ينطبق عليه هذا الوصف‬
‫فيكون علة‪ ،‬ويراد بذلك كونهما جنس األثمان أو جوهرها ‪-‬أي‪ :‬أعالها‪-‬‬
‫وربما عبر الشافعية عن العلة بكونها قيم المتلفات‪ ،‬يعني‪ :‬النبي ‪-‬ﷺ ذكر‬
‫الذهب والفضة؛ ألنها قيم المتلفات أو قيم األشياء‪ ،‬يعني‪ :‬المعيار الذي‬
‫نزن به األشياء‪ ،‬ندخر فيه األثمان‪ ،‬يعني‪ :‬ما نجد فيه من تعويضات‪،‬‬
‫وغرامات‪ ،‬ومهور‪ ،‬وأروش الجنايات‪ ...‬إلخ‪ ،‬كله يكون بالذهب‬
‫والفضة‪.‬‬
‫وهذه العلة عندهم مقصورة على الذهب والفضة ال تتعداهما‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫كانوا ال يتصورون أنه من الممكن أن يخترع الناس أشياء يعتبرونها‬
‫أثمانًا ويتعاملون بها‪ ،‬وتكون قيم لألشياء من غير الذهب والفضة‪ ،‬فهي‬
‫علة لكنها علة قاصرة‪ ،‬يعني‪ :‬هذا يضعف من قولهم‪ :‬أنه ما دامت علة ال‬
‫بد من أن صفات العلة تكون متعدية‪ ،‬فكيف تكون علة وقاصرة في نفس‬
‫الوقت؟ وهذا أضعف من شأنهم‪ .‬أما غير الذهب والفضة فالعلة فيها أنها‬
‫طعام‪.‬‬
‫الشافعية يرون بناء على هذا ال ربا فيما سوى الذهب والفضة من‬
‫الموزونات‪ ،‬كالحديد والنحاس والرصاص‪ ،‬والقطن والكتان والصوف‪،‬‬
‫وهي خالفًا للحنفية ‪-‬كما سيأتي بيانه‪ -‬فيجوز بيع بعضها لبعض‬
‫‪68‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫خالف في شيء من ذلك عند الشافعية إال وج ًها‬


‫َ‬ ‫ً‬
‫ومؤجال‪ ،‬وال‬ ‫ً‬
‫متفاضال‬
‫حكاه المتولي والرافعي عن بعض األصحاب‪ :‬أنه يجوز بيع مال بجنسه‬
‫متفاضال‪ ،‬سواء كان مطعو ًما أو نقدًا وغيرهما‪ ،‬وهو وجه شاذ‬ ‫ً‬
‫وضعيف‪.‬‬
‫والعلة في األصناف األربعة األخرى من غير النقدين ‪-‬يعني‪ :‬كالبر‬
‫والشعير والتمر والملح‪ -‬ذكر الشافعية أن العلة فيها هي الطعم من‬
‫الطعام فعليه فإن الربا يحرم في كل مطعوم سواء كان مما يُكال أو مما‬
‫يوزن‪ ،‬أو مما ال يكال وال يوزن‪ ،‬أي شيء يستخدم كطعام ال يجوز بيعه‬
‫بجنسه إال بالتساوي ِمثْ ًال بمث ٍل‪ ،‬وهات وخذ؛ أي‪ :‬بال تأجيل‪.‬‬
‫مكيال أو موزونًا‪ ،‬فيجري‬‫ً‬ ‫لكن ال يحرم في غير المطعوم ولو كان‬
‫الربا عند الشافعية في البرتقال ً‬
‫مثال‪ ،‬فال نبيع كيلوا برتقال بـ"‪ "1‬كيلو‬
‫ضا؛ ألنه طعام‬
‫برتقال‪ ،‬والبطيخ أي ً‬
‫والمراد بالمطعوم ما قُ ِصد لطعام اآلدمي خاصةً‪ ،‬يعني‪ :‬ما يأكله‬
‫اإلنسان‪ ،‬أما طعام الحيوانات والطيور وما إلى ذلك فهذا خار ٌج عن‬
‫ضا يقصد به طعام اآلدمي سواء كان اقتياتًا ‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫الربوية‪ .‬والطعام أي ً‬
‫يقتات به ويعيش عليه‪ ،‬أو تفك ًها‪ ،‬يعني‪ :‬يحلي به‪ ،‬أو تداويًا يعني‪:‬‬
‫يُستخدم في الدواء والعالج‪ ،‬كل هذا يسمى مطعو ًما عند الشافعية‪.‬‬
‫والطعام عام يتناول جمي َع ما يسمى طعا ًما‪ ،‬فكل ما يؤكل بل ويشرب‬
‫س َّمى الما َء طعا ًما‪ ،‬فقال‬ ‫يسمى طعا ًما‪ ،‬فالله ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ -‬‬
‫ط َعا ُم ُك ْم ِح ٌّل لَ ُه ْم) ‪-‬المائدة‪- :‬‬‫َاب ِح ٌّل لَ ُك ْم َو َ‬‫ط َعا ُم الَّذِينَ أُوتُوا ْال ِكت َ‬
‫تعالى(و َ‬
‫َ‬
‫ب ِم ْنهُ) أي‪ :‬من الماء ماء النهر(فَلَي َ‬
‫ْس‬ ‫والمرد به الذبائح‪ ،‬وقال(فَ َم ْن ش َِر َ‬
‫طعَ ْمهُ فَإِنَّهُ ِمنِّي) ‪-‬البقرة‪ .-149 :‬وعن عائشةَ ‪-‬رضي الله‬ ‫ِمنِّي َو َم ْن لَ ْم يَ ْ‬
‫‪69‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫عنها (مكثنا مع رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬زمنًا ما لنا طعام إال‬
‫األسودان‪ ،‬التمر والماء)‪ ،‬فسمت الماء طعا ًما‪ .‬وباآلية والحديث استدل‬
‫الشافعية على جريان الربا في الماء‪ ،‬كما صححه إمام الحرمين‬
‫والرافعي والجمهور؛ لكونه من المطعومات‪.‬‬

‫والشرع أجاز الصرف بشروط معينة‪ ،‬فالصرف بمعني مبادلة النقد‬


‫بالنقد من جنسه أو حتى من غير جنسه على رأي الجمهور مشروع‪،‬‬
‫األصل فيه أنه أمر مشروع مباح‪.‬‬
‫تعالى(وأَ َح َّل اللَّه ُ ْال َب ْي َع َو َح َّر َم‬
‫َ‬ ‫ودليل هذه المشروعية من الكتاب‪ :‬قوله‬
‫الربَا ) البقرة‪195 :‬‬
‫ِّ‬
‫ألن الصرف نوع من أنواع البيع‪ ،‬فهو يدخل في عموم البيع‪ ،‬فـ"أل" في‬
‫الصرف‪ .‬إذًا‬
‫ُ‬ ‫كلمة (أَ َح َّل اللَّهُ ْال َب ْي َع) يعني‪ :‬كل البيع‪ ،‬ومن هذا البيع‬
‫فاألصل فيه أنه حالل‪.‬‬
‫ودليل المشروعية من السنة أحاديث كثيرة صحيحة؛ منها‪ :‬حديث عبادة‬
‫بن الصامت ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال(الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ ،‬والبُر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪،‬‬
‫والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ً ،‬‬
‫مثال بمثل‪ ،‬سوا ًء بسواء‪ ،‬يدًا بيد‪ ،‬فإذا‬
‫األجناس‪ ،‬فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ) أخرجه مسلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اختلفت هذه‬
‫والحديث واضح‪ ،‬معناه‪ :‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول‪ :‬إذا‬
‫تبايعتم (الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ ،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪،‬‬
‫والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح) ال بد أن يكون هناك تماثل سواء في الثمن‬
‫والمثمن‪ ،‬ال بد من التماثل‪(.‬يدًا بيد) يعني‪ :‬وال بد من القبض في الحال‪،‬‬
‫‪70‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫لكن إذا (اختلفت هذه األجناس) كأن ِبعتم الذهب بالفضة أو الفضة‬
‫بالذهب (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ) يعني‪ :‬ال يُشترط التماثل وإنما‬
‫يُشترط فقط القبض في الحال‪.‬‬
‫ً‬
‫(مثال بمث ٍل) المراد بها المماثلة‬ ‫والمراد بالمماثلة المذكورة في الحديث‬
‫يعني‪ :‬التساوي في القدر ال في الصورة‪ ،‬القدر حسب تقدير الشرع‪ ،‬إذا‬
‫كان شيئًا يوزن يكون ذلك بالوزن‪ ،‬أو إذا كان يقدر بأي نوع من أنواع‬
‫ومعياره هو القدر ال الصورة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التقدير الذي أقره الشرع‪ ،‬فالتماثل ميزانُه‬
‫ال يهم الشكل‪ ،‬المهم التماث ُل في القدر‪.‬‬
‫شروط صحة عقد الصرف‬
‫الشرط األول‪ :‬التقابض في المجلس‪ ،‬في المجلس أي‪ :‬قبل تفرق‬
‫المتعاقدين بأجسادهما‪ ،‬وتسا َمح المالكية في األجل اليسير‪ ،‬ال بأس أن‬
‫يكون هناك فاصل قصير ريثما يقوم أحدهما فيحضر المال‪ ،‬أو أن يعده‪،‬‬
‫لكن ذلك كله ينبغي أن يكون قبل تفرق المجلس‪ ،‬وقبل إنهاء هذا‬
‫المجلس‪ .‬ويحل اآلن القبض الحكمي‪ ،‬مثل استالم الشيك ونحوه‪ ،‬محل‬
‫القبض الحقيقي؛ رفعًا للحرج‬
‫والشرط الثانى‪ :‬خلو العقد من خيار الشرط‪ ،‬يعني‪ :‬ممنوع في عقد‬
‫الصرف أن يدخله خيار الشرط‪ ،‬يعني‪ :‬يقول‪ :‬وافقت بشرط ‪-‬م ً‬
‫ثال‪ -‬أن‬
‫أستشير محامي‪ ،‬أو بشرط أن أراجع ولدي أو أوالدي‪ ،‬أو أبي أو أخي‪،‬‬
‫ممنوع دخول خيار الشرط؛ ألن خيار الشرط يمنع الملك‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬خلو العقد من اشتراط األجل‪ ،‬يعني ال يقل‪ :‬أعطني مدةً‬
‫سأشتري هذا بعد أسبوع أو بعد ثالثة أيام أو بعد شهر؛ ألن األجل يفوت‬
‫القبض‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬التماثل‪ ،‬يعني‪ :‬كما قال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‬
‫ً‬
‫(مثال بمثل‪ ،‬سوا ًء بسواء) وهو شرط في بيع أحد النقدين بجنسه ذهب‬
‫بذهب‪ ،‬أو فضة بفضه‪ ،‬ال بد من التساوي‪ ،‬لكن إذا اختلف جنس كل‬
‫منهما عن اآلخر‪ ،‬كأن باع ذهبًا بفضة أو باع فضةً بذهب‪ ،‬فال يُشترط‬
‫التماثل بل يصح التفاضل‪.‬‬
‫والمراد بالتساوي في العلم وفي واقع األمر‪ ،‬يعني‪ :‬ال بد أن يعلم ك ٌّل من‬
‫المتعاقدين بهذا التماثل‪ ،‬يعني‪ :‬في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة‬
‫بنفس الجنس‪ ،‬ألن الجهل بالتساوي يساوي التفاضل‪ ،‬وهو ممنوع أو‬
‫ضا ال‬
‫الواقع أن البدلين متساويان لكن ليس عند المتعاقدين علم بذلك‪ ،‬أي ً‬
‫يجوز؛ ألن الجهل بالتساوي يساوي العلم بالتفاضل‪.‬‬
‫أنواع الصرف‬
‫النوع األول‪ :‬هو بيع أحد النقدين بجنسه‪ ،‬الذهب بالذهب أو الفضة‬
‫بالفضة‪ ،‬وهذا النوع من الصرف اتفق الفقها ُء فيه على أن بيع أحد‬
‫النقدين بجنسه ممنوع فيه التفاضل‪ ،‬وممنوع فيه كذلك النساء‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫ممنوع الزيادة وممنوع التأجيل‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بيع أحد النقدين باآلخر‪ ،‬يعني اختالف في الجنس بين‬
‫الثمن والمثمن‪،‬في هذا النوع كبيع أحد النقدين باآلخر كالذهب بالفضة أو‬
‫الفضة بالذهب‪ .‬هذا النوع يجوز فيه التفاضل‪ ،‬الممنوع فيه هو النسيئة‪،‬‬
‫التأجيل‪ ،‬لكن ليس من الضرورة أن يكونَا متساويين‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬بيع النقد بالنقد ومع أحدهما أو كليهما شيء آخر‪ .‬يعني‪:‬‬
‫سنبيع نقدًا بنقد‪ ،‬ذه ًبا بفضة ً‬
‫مثال‪ ،‬أو ذهبًا بذهب‪ ،‬أو فضة بفضة‪ ،‬لكن‬
‫مع أحد النقدين شيء من العرض ‪-‬يعني‪ :‬من العروض‪ -‬كأن يكون مع‬
‫‪72‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أحدهما ‪ً -‬‬
‫مثال‪ -‬مد بعجوة‪ ،‬منديل‪ ،‬كتاب‪ ،‬قلم‪ ،‬ذهب وقلم بذهب دينار‪،‬‬
‫ومد عجوة بدينار‪ ،‬هل يجوز هذا؟ أو درهم ومنديل بدرهمين‪ ،‬هل يجوز‬
‫هذا على أساس أن الدرهم اآلخر هو ثمن المنديل‪ ،‬أو أن ذلك ال يجوز؟‬
‫فإذا اختلفت األجناس كأن بعنا ذهبًا بفضة أو فضة بذهب ومع أحدهما‬
‫شيء‪ ،‬فيجوز التفاضل والجزاف‪ ،‬فيلزم التقابض كبيع مد ودرهم‪ ،‬هذا‬
‫في المجلس‪ ،‬يعني‪ :‬يجوز التفاضل ويجوز الجزاف‪ ،‬ويلزم التقابض في‬
‫المجلس‪ ،‬أما إذا كان النقد بنقد من جنسه ذهب بذهب‪ ،‬أو فضة بفضة‪،‬‬
‫ومع أحدهما شيء كبيع مد ودرهم بدرهمين‪ ،‬ففي ذلك خالف بين‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫بيع درهم و ُم َّد عجو ٍة بدرهمين‬
‫ذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم الجواز‪ ،‬هذا ال يجوز أن نبيع دره ًما‬
‫وكتا ًبا بدرهمين‪ ،‬أو دره ًما و ُم َّد عجو ٍة بدرهمين‪ .‬واستدلوا بما رواه‬
‫فُضالة بن عبيد‪ ،‬أحد أصحاب النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ورضوان‬
‫الله عليهم أجمعين‪ -‬هو حكى عن نفسه‪ :‬أنه أتى رسو َل الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬يوم فتح خيبر بقالدة ‪-‬ب ِعقد‪ -‬فيه خرز‪ ،‬يعني‪ :‬العقد من‬
‫الذهب لكن فيه خرز وذهب‪ ،‬الخرزات كل مجموعة قطع من الذهب‪،‬‬
‫خرز وذهب‪ ،‬وخرز وذهب‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أتى به النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬ليبيعه ويضم الثمن إلى الغنيمة‪ ،‬فأمر رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬بالذهب الذي في القالدة فَنُزع‪ ،‬يعني‪ :‬قال‪ :‬اخلع هذا الذهب‪ ،‬انزع‬
‫هذا الذهب وحده‪ ،‬فَنُزع‪ .‬ثم قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪(-‬الذهب بالذهب ‪-‬‬
‫بوزن) رواه مسلم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يبيع ذهبًا بذهب‪ -‬وزنًا‬

‫‪73‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الشافعية والحنابلة يرفضون هذه المسألةَ التي يقول عنها العلماء‪ :‬أنها‬
‫مسالة درهم و ُمد عجوة بدرهم‪.‬‬
‫أما الحنفية فقد ذهبوا إلى الجواز‪ ،‬أجازوا مسألة مد عجوة يعني‪ :‬نقد‬
‫ومعه عرض بنقد من جنسه‪ ،‬الحنفية أجازوا هذا بشرط زيادة النقد‬
‫المفرد على النقد المضموم إليه‪ ،‬يعني‪ :‬نحن عندنا ذهب مفرد أو فضة‬
‫مفردة ‪ ،‬يشترط فيه أن يكون أزيدَ عن المضموم إليه‪ ،‬يعني‪ :‬عن الذهب‬
‫اآلخر الذي معه العجوة ومعه الكتاب أو الفضة التي معها العجوة ومعها‬
‫أكثر‬
‫َ‬ ‫الكتاب أو معها الثوب أو معها منديل وما إلى ذلك يكون المفرد‬
‫يعني‪ :‬يشيرون إلى أن هذه الزيادة مقابل ال َع َرض الموجود في العوض‬
‫اآلخر أو البدل اآلخر‪.‬‬
‫أما إذا تساويَا وكان المفرد أقل بطل البيع؛ ألن فيه زيادة في أحد‬
‫العوضين‪ ،‬بطل البيع؛ لتحقق التفاضل المحرم الذي نَهى عنه النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫بيع الشيء المطلي بالذهب أو الفضة‬
‫أما المالكية فاألصل عندهم في بيع المح َّلى ‪-‬يعني‪ :‬بيع الشيء المطلي‬
‫بالذهب أو الفضة‪ ،‬أو المزين بالذهب أو الفضة‪ -‬أن هذا ممنوع‪ ،‬إال في‬
‫بعض األشياء‪ ،‬بعض األشياء رخصوا فيها وذلك في المصحف أو‬
‫السيف‪ .‬فاألشياء التي أجازوا تحليتها وتزيينها بالذهب أو بالفضة يجوز‬
‫فيها ذلك‪ ،‬يعني‪ :‬يجوز بيع المحلى فيها بذهب أو فضة بذهب أو فضة‪،‬‬
‫حتى لو كان في أحدهما زيادة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس الثاني عشر‪ :‬اإلجارة والرهن والوديعة‬


‫‪ .2‬اإلجارة‬

‫أجرا‪ ،‬من باب قتل‪ :‬أجر‪ ،‬يأ ُجر‪،‬‬ ‫اإلجارة لغةً اإلثابة يقال آجره الله ً‬
‫يأجر‪ ،‬وآجره لغة ثالثة‪ ،‬واألجرة الكراء‪،‬‬ ‫ومن باب ضرب‪ :‬أجر‪ِ ،‬‬
‫وجمعه أجور‪ ،‬إذًا فاإلجارة في اللغة تعني‪ :‬اإلثابة‪ ،‬آجره الله‪ :‬أثابه‬
‫واصطال ًحا‪ :‬عقد على المنافع بعوض‬
‫واإلجارة في األصل جائزة مباحة ألنها ‪-‬كما سيأتي في الكالم عن‬
‫حكمة مشروعيتها‪ -‬تحقق مصالح الناس‪ ،‬ولو افترضنا أن الشرع‬
‫الشريف لم ي ِبحها‪ ،‬لوقع الناس في كثير من الحرج‪ ،‬فاألصل فيها‬
‫الجواز أو اإلباحة‪ ،‬ودليل مشروعيتها الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬

‫أما الكتاب فهناك آيات متعددة‪ ،‬منها قوله تعالى(فَإِ ْن أَ ْر َ‬


‫ض ْعنَ لَ ُك ْم‬
‫فَآتُوه َُّن أ ُ ُج َ‬
‫وره َُّن( الطالق‪1 :‬‬
‫وذلك بالنسبة للطفل الصغير إذا طلق أبوه أمه‪ ،‬وأراد أن يرضعه؛ فإنه‬
‫أجرا‪،‬‬
‫إذا طلب من مطلقته أن ترضع هذا الصبي‪ ،‬فإن لها على ذلك ً‬
‫والله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يأمر بأداء هذا األجر مقابل اإلرضاع ‪.‬‬
‫وينطبق على ذلك التعريف عقدٌ على منفعة بمقابل‪ ،‬هنا العقد على‬
‫المنفعة‪ ،‬وهي إرضاع الطفل‪ ،‬وليس على اللبن؛ إنما على اإلرضاع‪،‬‬
‫والمقابل هو األجرة التي يتفق عليها الرجل ‪-‬والد الطفل ‪-‬والمطلقة ‪-‬أم‬
‫الطفل‪ -‬التي أرضعت هذا الطفل‬

‫‪75‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ت ا ْستَأ ْ ِج ْرهُ ِإ َّن َخي َْر َم ِن‬


‫ت إِحْ دَاهُ َما يَا أَبَ ِ‬
‫قال تعالى في آية أخرى (قَالَ ْ‬
‫ين) القصص‪11 :‬‬ ‫ي ْاأل َ ِم ُ‬ ‫ا ْستَأ ْ َج ْر َ‬
‫ت ْالقَ ِو ُّ‬
‫هذه اآلية تحكي موقفًا حدث في األمم السابقة‪ ،‬ولكن القرآن الكريم حكى‬
‫مقرا له فإحدى ابنتي الرجل الصالح الذي سقى سيدنا‬ ‫هذا الموقف ًّ‬
‫موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬لها وأل ختها الغنم جاءت إليه‪ ،‬فقالت له‪" :‬هيا إلى‬
‫ص قَا َل‬ ‫ص َ‬‫ص َعلَ ْي ِه ْالقَ َ‬ ‫والدي ليكافئك على ما سقيت لنا" (فَلَ َّما َجا َءهُ َوقَ َّ‬
‫ت‬ ‫الظا ِل ِمينَ (القصص‪ . 1:‬هنا قال القرآن (قَالَ ْ‬ ‫ت ِمنَ ْالقَ ْو ِم َّ‬ ‫َف نَ َج ْو َ‬‫َال تَخ ْ‬
‫ين( القصص‪:‬‬ ‫ي ْاأل َ ِم ُ‬ ‫ت ا ْستَأ ْ ِج ْرهُ إِ َّن َخ ْي َر َم ِن ا ْستَأ ْ َج ْر َ‬
‫ت ْالقَ ِو ُّ‬ ‫إِحْ دَاهُ َما يَا أَبَ ِ‬
‫‪)11‬‬
‫وهذا النص يدل على أن اإلجارة كانت مشروعة في األمم السابقة‪،‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫وهي مشروعة لنا أي ً‬
‫أما الدليل على مشروعية اإلجارة من السنة فأحاديث كثيرة رواها‬
‫البخاري ومسلم وغيرهما‪ ،‬ومن هذه األحاديث ما ورد عن السيدة‬
‫عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬في حديث الهجرة‪ ،‬قالت (استأجر رسول الله‬
‫ً‬
‫رجال من الدِّيل‪ -،‬والديل قبيلة من‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأبو بكر‬
‫القبائل العربية‪ ،‬وهي بكسر الدال ‪-‬استأجر رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫ً‬
‫رجال من الديل هاد ًيا خريتًا‪ -‬هذا الوصف مدرج في‬ ‫وسلم‪ -‬وأبو بكر‬
‫الحديث أضافه ابن شهاب الزهري يفسر به معنى الخريت فقال؛‬
‫والخريت الماهر بالهداية يعني‪ :‬العارف بطرق الصحراء الملتوية‪ ،‬فهو‬
‫صاحب خبرة ‪-‬فقول السيدة عائشة‪ :‬فهو على دين كفار قريش وأمناه‪،‬‬
‫فدفعا إليه رحليهما‪ ،‬وواعداه غار ثور بعد ثالث ليال‪ ..‬إلى آخر‬
‫الحديث) رواه البخاري في الصحيح في كتاب اإلجارة‪ ،‬والشاهد فيه‬
‫قول السيدة عائشة ‪-‬رضي الله عنها (استأجر رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫‪76‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫عليه وسلم‪ -‬وأبو بكر‪ )...‬إلى آخر الحديث‪ ،‬وفيه فوائد في مقدمتها‬
‫مشروعية اإلجارة ‪.‬‬
‫والحكمة من مشروعي ِة اإلجارة أنها تُل ِبّي حاجة الناس‪ ،‬فما كل إنسان‬
‫ج إلى‬‫عنده في ملكه‪ ،‬وفي حوزته كل ما يحتاج إليه‪ ،‬بل اإلنسان يحتا ُ‬
‫سهُ بإعطاء اإلنسان‬‫الغير ال تسم ُح نف ُ‬
‫ُ‬ ‫كثيرا فيما ال يملكه‪ ،‬وهذا‬
‫ً‬ ‫غيره‬
‫بدون مقابل؛ فهو يحتاج إلى المنفعة مني‪ ،‬وأنا‬
‫ِ‬ ‫هذه المنفعة التي يملكها‬
‫احتاج إلى المنفعة منه‪ ،‬فكان توسيط النقود للوصول إلى التعاون على‬
‫البر والتقوى ‪.‬‬
‫أركان اإلجارة وشروط صحتها‬
‫‪ .2‬العاقدان‪ -‬المؤجر والمستأجر ‪.‬‬
‫أجيرا مشتر ًكا يعمل‬
‫ً‬ ‫‪ .1‬العين المؤجرة‪ ،‬أو اإلنسان األجير سواء أكان‬
‫أجيرا‬
‫ً‬ ‫للناس جمي ًعا‪ ،‬كالحائك‪ ،‬والنجار‪ ،‬والحداد‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬أو كان‬
‫مثال الذي يطبخ لك‬ ‫صا كالخادم الذي يخدم في بيتك‪ ،‬أو الطباخ ً‬ ‫خا ًّ‬
‫الطعام في بيتك لك وحدك‪..‬الخ فهذا اسمه "األجير الخاص ‪".‬‬
‫‪ .4‬سواء كانت العين المؤجرة منفعة يحصل عليها اإلنسان من شيء‬
‫كمنفعة الركوب للسيارة أو السكنى بالنسبة للدار ً‬
‫مثال ‪ ،‬أو كانت إنسانًا‬
‫صا ‪.‬‬
‫أجيرا عا ًّما أو خا ًّ‬
‫ينتفع اإلنسان بخدماته ‪ً -‬‬
‫‪ .4‬المنفعة التي يحصل عليها المستأجر‪ ،‬ويملكها المؤجر ‪.‬‬
‫‪ .5‬األجرة أو العوض‪ ،‬أو المقابل الذي يدفعه المستأجر للمؤجر ‪.‬‬
‫وإن كان شيئًا من األشياء؛ كالدور والعقارات والسيارات ونحوها؛‬
‫ً‬
‫فمثال‪ :‬ينبغي تحديد الغرض من هذه‬ ‫وجب تحديد المنفعة المبتغاة منه‪،‬‬
‫المنفعة‪ ،‬وأن تكون تلك المنفعة ح ً‬
‫الال ال حرا ًما‪ ،‬فال يجوز تأجير أي‬

‫‪77‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫شيء لتحصيل منفعة بالنسبة له‪ ،‬وهي منفعة حرمها الشارع‪ً ،‬‬
‫مثال‬
‫الزنا‪ ،‬النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حرم األجر فيه وسماه (مهر البغي)‬
‫فورد في الصحيح‪ :‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن‬
‫الكلم‪ ،‬وحلوان الكاهن) أي ‪:‬ما يعطاه مقابل البشارة‪ ،‬أو الكالم الذي يتنبأ‬
‫ضا‪( ،‬ومهر البغي) أي أجر الزنا‪ ،‬فالله ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬ ‫به‪ ،‬حرام أي ً‬
‫ض‬ ‫َاء ِإ ْن أَ َر ْدنَ تَ َح ُّ‬
‫صنًا ِلتَ ْبتَغُوا َع َر َ‬ ‫يقول(و َال ت ُ ْك ِرهُوا فَتَيَاتِ ُك ْم َعلَى ْال ِبغ ِ‬ ‫َ‬
‫ور َر ِحي ٌم( النور‪:‬‬ ‫ْال َح َياةِ الدُّ ْن َيا َو َم ْن يُك ِر ُّه َّن فَإِ َّن اللهَ ِم ْن َب ْع ِد ِإك َرا ِه ِه َّن َغفُ ٌ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫‪44‬‬
‫فالمنفعة المحرمة ال يجوز اإليجار عليها‪ ،‬ومثال ذلك القتل‪ :‬أن‬
‫صا ثالثًا مقابل مبلغ معين؛‬
‫صا آخر ليقتل له شخ ً‬
‫يستأجر شخص شخ ً‬
‫ضا ال‬
‫أجْر النائحة التي تنوح على الميت‪ ،‬هذا أي ً‬
‫فهذا ال يجوز‪ ،‬أو ُ‬
‫يجوز ‪.‬‬
‫باإلجمال كل المنافع المحرمة ال يجوز دفع األجرة في مقابلها‪ ،‬وال‬
‫يجوز االتفاق والتعاقد عليها‪ ،‬إنما اإلجارة تكون على منفعة‪ ،‬هذه‬
‫المنفعة حالل‪ ،‬أحلها الشرع مثل ً‬
‫مثال السكنى في الدار‪ ،‬أو االنتقال‬
‫من مكان إلى مكان‪ ،‬أو إجارة الشخص لخياطة الثوب أو البناء ‪-‬بناء‬
‫مثال‪ -‬أو زراعة أرض‪ ،‬أو األرض نفسها تؤجر أو حيوان يؤجر‪،‬‬ ‫دار ً‬
‫كل هذا جائز؛ ألن المنفعة هنا حالل ‪.‬‬
‫ويشترط أال تكون هذه المنفعة واجبة على المستأجر‪ ،‬يعني‪ :‬ال يجوز‬
‫مثال أن اإلنسان يطلب أجرة على صالة العصر أو صالة الظهر‪،‬‬ ‫ً‬
‫يصلي الظهر ً‬
‫مثال‪ ،‬ويطلب األجرة على هذا فال يجوز‪ ،‬كما ال يجوز‬
‫صا ليصلي عنه فيقول له‪ :‬صلي عني‪ ،‬أو صم عني مقابل‬‫أن يؤجر شخ ً‬
‫أجر معين فال يجوز هذا‪ ،‬وكل األمور التي ال تجوز فيها النيابة‬
‫‪78‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫صا في العبادات ال تجوز اإلجارة عليها‪ ،‬يعني‪ :‬الصالة‬ ‫خصو ً‬


‫ً‬
‫مثال معلوم ومتفق على أنه ال تجوز اإلجارة عليها ‪-‬أخذ األجرة على‬
‫الصالة ‪.‬‬
‫مثال على الصيام فال يجوز أن يقول‪ :‬صم عني وخذ كذا‪،‬‬‫وكذلك مجمع ً‬
‫أو أصوم رمضان آخذ منك كذا‪ ،‬ال هذا ال يجوز؛ إنما في الحج خالف؛‬
‫فيجوز في الحج على خالف بين الفقهاء أن يقوم شخص بالحج عن‬
‫أجرا ‪.‬‬
‫شخص آخر ويأخذ مقابل ذلك ً‬
‫اشترطوا في األجرة أن تكون ً‬
‫ماال متقو ًما معلو ًما ويشمل ذلك النقود‪،‬‬
‫مثال الثمار أو الخضروات أو أي شيء له‬ ‫ويشمل غيرها مما فيه فائدة ً‬
‫قيمة ‪.‬‬
‫ويجوز اشتراط تعجيل األجرة‪ ،‬ويجوز اشتراط تأجيلها‪ ،‬ويجوز أخذ‬
‫بعضها في البداية‪ ،‬وبعضها في النهاية‪ ،‬أو يجوز أن تكون على‬
‫مراحل متعددة حسب االتفاق؛ لكن تستحق‪ ،‬وتثبت‪ ،‬وتستقر بعد‬
‫الفراغ من العمل‪ ،‬أو استيفاء المنفعة‪ ،‬أو التمكن من هذا االستيفاء‪،‬‬
‫أو عند اشتراط التعجيل فتقبض في مجلس العقد‪،‬بمجرد انتهاء العقد‪.‬‬
‫واألصل في عقد اإلجارة عند الجمهور اللزوم‪ ،‬فال يملك أحد‬
‫المتعاقدين االنفراد بفسخ العقد إال لمقتض تنفسخ به العقود الالزمة‪،‬‬
‫من ظهور العيب‪ ،‬أو ذهاب محل استيفاء المنفعة‪.‬‬
‫كون المحل في عقد اإلجارة معينا ً أو موصوفا ً في الذمة‬

‫‪79‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫اإلجارة واقعة على منفعة عين معينة‪ ،‬أو شخص معين‪ ،‬مثل أجرتك‬
‫هذه الدار المعينة بكذا‪ ،‬أو يقول لشخص أجرتك نفسي بكذا أو يقول‬
‫مدير شركة الخدمات مثالً أجرتك هذا الشخص المشاهد لعمل كذا بكذا‪.‬‬
‫واإلجارة الواقعة على منفعة عين موصوفة في الذمة مثل أن يقول‬
‫الرجل أجرتك سيارة مواصفاتها كذا وكذا بكذا‪ ،‬على منفعة شخص غير‬
‫معين أي موصوف في الذمة‪.‬‬
‫‪ .2‬الرهن‬
‫تعريف الرهن‬
‫الرهن في اللغة العربية معناه‪ :‬الثبوت والدوام‪ ،‬وقد يطلق الرهن ويراد‬
‫به ما يلزم عنه من الحبس والمنع؛ كقوله تعالى في سورة المدثر ( ُك ُّل‬
‫اب ْاليَ ِم ِ‬
‫ين) المدثر‪41 :‬و ‪.49‬‬ ‫ت َرهِينَةٌ ِإ َّال أَ ْ‬
‫ص َح َ‬ ‫نَ ْف ٍس بِ َما َك َ‬
‫سبَ ْ‬
‫وأما الرهن في االصطالح‪ :‬فهو جعل عين لها قيمة مالية شرعًا وثيقة‬
‫بدين بحيث يمكن أخذ الدين أو أخذ بعضه من تلك العين‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إذا أنا اقترضت منك مبلغًا ليكن خمسين ألف جنيه ً‬
‫مثال وأنت‬
‫أردت أن تستوثق لدينك عندي فطلبت رهنًا فرهنت عندك سيارتي ً‬
‫مثال‬
‫تساوي مائة ألف أو رهنت عندك داري التي تساوي هذا المبلغ فهذا‬
‫التعريف ينطبق على هذا المثل تما ًما‪ ،‬فأنا جعلت عينًا مالية وهي‬
‫السيارة أو الدار وثيقة؛ يعني لتوثيق وتأكيد ثبوت الدين في ذمتي حتى‬
‫تطمئن تما ًما إلى أنني سأرد إليك دينك‪ ،‬بحيث يمكن أخذ الدين؛ يعني إذا‬
‫أنا عجزت عن سداد هذا الدين أنت يمكنك أن تبيع هذه السيارة أو هذه‬
‫الدار وتستوفي منها حقك كله أو بعضه‪ ،‬وكذلك ً‬
‫مثال لو أنا اشتريت منك‬

‫‪80‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫مثال بثمن مؤجل وأردت أن تستوثق من سدادي لهذا الثمن طلبت‬ ‫شيئًا ً‬
‫رهنًا‪ ،‬فأعطيتك شيئًا يسمى عي ًنا؛ يعني شيء له قيمة مالية وهي في‬
‫العادة تكون أكثر من ثمن المؤجل؛ يعني وثيقة تستوثق بها في استردادك‬
‫لهذا الثمن‪.‬‬
‫حكم الرهن‬
‫حكم الرهن الجواز؛بعض الناس ال يطلبون ره ًنا وبعض الناس يطلبون‬
‫رهنًا‪ ،‬مثله في ذلك مثل البيع والسلم‪ ،‬وقد شرعه الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫تلبية لحاجة الناس وحف ً‬
‫ظا ألموالهم؛ ألنه قد يكون اإلنسان في حاجة إلى‬
‫القرض‪ ،‬ولكن المقرض يحب أن يستوثق لماله ‪-‬وهذا حقه‪ ،‬فيأبى أن‬
‫يقرض إال بعد أن يستوثق من ت مكنه من استرداده لهذا الدين في الوقت‬
‫الذي يحتاج إليه فيه‪ ،‬وكذلك في البيوع؛ اشترى شيء وثمن مؤجل وهو‬
‫البائع لم يأخذ الثمن ويريد أن يستوثق فيطلب رهنًا حتى إذا عجز المدين‬
‫باع العين المرهونة واستوفى منها حقه‪.‬‬
‫والرهن بهذا المعنى مشروع جائز وثابت بالكتاب والسنة وباإلجماع‪:‬‬
‫سفَ ٍر َو َل ْم‬‫(و ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َعلَى َ‬‫أما الكتاب فإن الله تعالى قال في سورة البقرة َ‬
‫ضا فَ ْليُ َؤ ِدّ الَّذِي اؤْ ت ُ ِمنَ‬ ‫ضةٌ َفإِ ْن أَ ِمنَ َب ْع ُ‬
‫ض ُك ْم بَ ْع ً‬ ‫َان َم ْقبُو َ‬
‫ت َِجدُوا َكاتِبًا فَ ِره ٌ‬
‫ق اللَّهَ َربَّهُ) ‪ -‬البقرة‪114 :‬‬ ‫أَ َمانَتَهُ َو ْليَتَّ ِ‬
‫قال ابن العربي‪ :‬اختلف الناس في هذه اآلية على قولين؛ فمنهم من حملها‬
‫سفَ ٍر)‪ ،‬لم يجوز الرهن إال في السفر؛ وهو‬ ‫على ظاهرها ( َوإِ ْن ُك ْنت ُ ْم َعلَى َ‬
‫قول مجاهد من علماء التابعين؛ لكن كافة العلماء على رد ذلك القول‪،‬‬
‫وأن الرهن ليس من الضروري أن يكون الراهن والمرتهن في سفر‪،‬‬
‫إذًا لماذا ذكر القرآن الكريم لفظ السفر فقال ( َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َعلَى َ‬
‫سفَ ٍر)؟ ذكر‬
‫‪81‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫السفر هنا؛ ألنه هو الحالة الغالبة التي ال يكون الكاتب فيها موجودًا‪،‬‬
‫لكن في الحضر في اإلقامة يكون الكاتب موجودًا فال نحتاج إلى رهن‬
‫أحيانًا‪ ،‬أو في غالب األحايين‪ ،‬ممكن كتابة صك ً‬
‫بدال من الرهن‪ ،‬لكن في‬
‫صا في البيئات التي تنتشر فيها‬
‫كثيرا ما ال نجد الكاتب خصو ً‬ ‫ً‬ ‫السفر‬
‫األمية‪.‬‬
‫و المراد به غالب األحوال والدليل على ذلك أن الرهن يجوز في السفر‬
‫ويجوز في الحضر‪ ،‬وليس من شرطه أن يكون في السفر؛ وأن ذكر‬
‫السفر في اآلية إنما ذكر ألنه الغالب‪" :‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫ابتاع في الحضر ورهن ولم يكتبه"‪ ،‬وهذا الفقه صحيح؛ وذلك ألن‬
‫الكاتب إنما يعدم في السفر غالبًا؛ فأما في الحضر فال يكون ذلك بحال‪،‬‬
‫إن لم تجد هذا الكاتب وجدت غيره‪ ،‬لكن لماذا قلنا‪ :‬إن الرهن جائز ولم‬
‫نقل إن الرهن واجب أو فرض الزم مع أن الله تعالى يقول (فَ ِره ٌ‬
‫َان‬
‫ضةٌ) كلمة رهان تفيد األمر؛ أي فارهنوا عينًا مقبوضة‪ ،‬الدليل على‬ ‫َم ْقبُو َ‬
‫أن هذا األسلوب ليس المراد منه األمر أن الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ذكر في‬
‫ضا فَ ْليُ َؤ ِدّ الَّذِي اؤْ ت ُ ِمنَ أَ َمانَتَهُ‬ ‫نفس السياق قوله تعالى (فَإِ ْن أَ ِمنَ بَ ْع ُ‬
‫ض ُك ْم بَ ْع ً‬
‫ضا‪ ،‬لكن‬ ‫أصال إذا أمن بعضكم بع ً‬ ‫ً‬ ‫ق اللَّهَ َربَّهُ) يعني ال داعي للرهن‬ ‫َو ْل َيتَّ ِ‬
‫الرهن يكون عند افتقاد هذا األمن والرغبة في التوثيق‪ ،‬فالله ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬لم يوجب الرهن ضربة الزب؛ يعني ال بد منه‪ ،‬بل جعله وسيلة‬
‫من وسائل االستيثاق‪ ،‬وهناك من الوسائل األخرى ما قد يغني عنه‬
‫كالكتابة أو الضمان أو الكفالة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ويدل على مشروعية الرهن من السنة‪ :‬ما رواه البخاري في صحيحه‬
‫بسنده عن السيدة عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬قالت (إن النبي ﷺرهن‬
‫شعيرا‬
‫ً‬ ‫درعه عند يهودي ‪-‬يقال له‪ :‬أبو الشحم‪ -‬على ثالثين صا ًعا من‬
‫ألهله)؛ أي لزوجاته‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫وفيه فائدة أنه رهن عند يهودي داللة على جواز معاملة أهل الكتاب‬
‫من النصارى‪ ،‬نعاملهم فيما أباح ديننا المعاملة فيه من البيع والرهن‬
‫والسلم وما إلى ذلك‪...‬‬
‫فقد أجمع علماء المسلمين على مشروعية الرهن‪ ،‬وإن اختلفوا في جوازه‬
‫في الحضر وقصره على السفر ‪-‬كما سبق أن ذكرنا من نصوص ابن‬
‫ضا رأي الظاهرية الذين يرفضون‬ ‫العربي المالكي‪ ،‬رحمه الله‪ -‬وهو أي ً‬
‫ً‬
‫عمال بظاهر اآلية الكريمة‪،‬‬ ‫الرهن في الحضر ويقصرونه على السفر‬
‫وحملوا الحديث على أنه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فعل ما فعل في الحضر‬
‫طا‪ ،‬والصحيح قول الجمهور وفعل النبي ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫وليس شر ً‬
‫وسلم‪ -‬دليل الجواز‪ ،‬وليس كما فهم الظاهرية‪ :‬أن النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم؛ يعني فعل الرهن في الحضر مع أنه غير مستحب‪ ,‬فعل النبي‬
‫ضا على االستحباب سواء في الحضر أو السفر‪.‬‬ ‫يدل أي ً‬
‫أركان الرهن‬
‫الرهن يتكون من عدة أركان‪ :‬فالراهن‪ ،‬والمرتهن‪ ،‬والمرهون‪،‬‬
‫وا لمرهون به‪ ،‬والصيغة التي يتم بها العقد‪.‬‬
‫‪ .2‬المرهون وهو العين التي ستكون وثيقة أن يكون مما يجوز بيعه‬
‫شرعًا حتى يتمكن المرتهن من بيعه عند يأسه من سداد الراهن‪ ،‬ولذلك‬
‫ال يجوز رهن الدين نفسه؛ ألن الدين ال يجوز بيعه شر ًعا‪ ،‬وال رهن‬
‫المنفعة؛ ألن المنفعة ال يجوز بيعها‪ ،‬المنفعة تستأجر‪ ،‬تعار‪ ،‬ويجوز‬
‫رهن جزء مشاع من الملكية ممكن إنسان يرهن نصف عقار أو ثلث دار‬
‫على المشاع أو ربع سيارة على المشاع‪ ،‬ما عدا األرض المزروعة فإنه‬
‫يجوز بيعها وال يجوز رهنها وهي مزروعة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .1‬المرهون به فيشترط فيه أن يكون دينًا؛ ألن الله‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫ذكر الرهن في مجال المداينة في آية المداينة‪ ،‬والديْن الذي يرهن ما‬
‫يقابله هو الدين الثابت المعلوم للعاقدين‪ ،‬الثابت المستقر لكن إذا كان‬
‫الدين لم يثبت بعد كنفقة الزوجة في الغد أو في الشهر القادم‪ ،‬وال بد أن‬
‫وال ال نعرف‬‫يكون معلو ًما للعاقديْن ‪-‬الراهن والمرتهن‪ -‬لكن إذا كان مجه ً‬
‫ً‬
‫مجهوال ألحدهما معلو ًما لآلخر؛ فال يجوز هذا‪ ،‬وال‬ ‫قدره؛ حتى ولو كان‬
‫في الدين الذي لم يثبت بعد‪ ،‬هو في طريقه إلى الثبات إن تم‪ ،‬لكنه لم‬
‫صا‬‫مثال لو أن شخ ً‬‫ضا الرهن به أو الرهن فيه؛ ً‬ ‫يثبت بعد‪ ،‬ال يجوز أي ً‬
‫مثال وقال ‪:‬من يرد إلي ضالتي؛‬ ‫ضاع له شيء سيارة أو جمل أو بقرة ً‬
‫فله كذا من المال‪ ،‬هنا ال يجوز الرهن في هذا الدين‪ ،‬فهو دين في ذمة‬
‫فعال لكنه ال يثبت إال بالحصول على المنفعة إتمام العمل ورد‬ ‫الجاعل ً‬
‫الضالة وهكذا ‪.‬‬
‫‪ .4‬العاقدان وهما الراهن والمرتهن فيشترط فيهما أهلية التبرع بمعنى‬
‫أنهما يكونان بالغين عاقلين لهما حرية التصرف‪ ،‬وأن يكون مختارين‪،‬‬
‫أما الصغير والمحجور عليه والمكره ال يجوز أن يكون راهنًا أو مرتهنًا‬
‫إال أن الصغير يجوز إذا رأى وليه أن له مصلحة في أن يكون راهنًا أو‬
‫أن يكون مرتهنًا ‪.‬‬
‫‪ .4‬الصيغة التي يتم بها العقد فهي تتم بأي كالم أو أي كتابة أو أي وسيلة‬
‫يفهم منها حدوث معنى الرهن‪ ،‬فهذه هي الصيغة فهي تتم بأي شيء‬
‫يشعر بالرهن‪ ،‬وال يشترط فيها إال شرط واحد وهو أال تشتمل هذه‬
‫الصيغة على ما يتناقض مع مقتضى العقد؛ ً‬
‫مثال‪ :‬لو اتفقنا أنا وأنت‬
‫أرهن عندك شيء مقابل دين علي‪ ،‬وأقول لك‪ :‬بشرط أال تتصرف في‬
‫هذا الرهن وال تبيعه عندما أعجز عن السداد‪ ،‬هذا يخالف مقتضى العقد ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫فمقتضى العقد هو التوثيق حتى إذا عجز الراهن تصرف المرتهن في‬
‫هذه العين وأخذ حقه أو جزءا منه؛ ألن من غير المعقول أن ينتظر‬
‫المرتهن إلى األبد‪ ،‬ال بد أن يأتي عليه وقت إذا لم يحصل على حقه؛ فإن‬
‫من حقه أن يبيع هذه العين ويستوفي منها حقه أو بعضه ‪.‬‬
‫منفعة المرهون‬
‫منفعة األرض‪ ،‬ومنفعة الدار‪ ،‬ومنفعة السيارة‪ ...‬كل هذه األمور إنما هي‬
‫للراهن‪ ،‬و ال يجوز للمرتهن التصرف في هذه العين التي تحت نظره‬
‫وقد تكون تحت يد المرتهن لالستيفاء منها عند الحاجة‪.‬‬
‫ورد عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قال (لبن الدر إذا كان مرهو ًنا‬
‫لمن يركبه بنفقته) وفي رواية أخرى عند اإلمام أحمد (الرهن يركب‬
‫بنفقته ولبن الدر يشرب بنفقته)؛ يعني‪:‬‬
‫أ‪ -‬من ينفق على الدابة من حقه أن يركبها ومن حقه أن يأخذ لبنها‪،‬‬
‫وعلى الذي يركب ويشرب النفقات‪ ،‬هذا رأي‪،‬‬
‫وفهم اإلمام أحمد وإسحاق أن للمرتهن حق االنتفاع بالرهن إذا‬ ‫ب‪-‬‬
‫قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك‪،‬‬
‫والجمهور قالوا ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن‬ ‫ج‪-‬‬
‫ومنفعته ونفقاته على الراهن وتفصيل رأيهم كاآلتي‪:‬‬
‫‪ .2‬المالكية قالوا كل منافع الرهن إنما هي للراهن يعني للمدين ما لم‬
‫يشترط المرتهن ذلك فإن اشترطها قال له‪ :‬أسلفك أو أقرضك أو أبيع لك‬
‫هذه السلعة بثمن مؤجل بشرط أن ترهن عندي‪ ،‬فإن اشترطها فهي له‬
‫بشرط أن يكون الدين بسبب البيع ال بسبب القرض؛ ألن المنفعة بسبب‬
‫ً‬
‫عمال بالقاعدة الفقهية القائلة‪ :‬كل قرض جر نف ًعا فهو ربا؛‬ ‫القرض ربا‬
‫‪85‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫يعني جر نفعًا للمقرض وهي قاعدة صحيحة‪ ،‬وأن يشترط المرتهن ذلك‬
‫وأن يتفقا على مدة للمنفعة ال مطلقًا‪ ،‬يقول ً‬
‫مثال‪ :‬أبيع لك هذا الثوب بكذا‬
‫نسيئة بشرط أن تعطيني سيارتك أركبها يومين‪ ،‬ثالثة‪ ،‬أسبوع‪ ...‬يجوز‬
‫هذا عند المالكية‪.‬‬
‫‪ .1‬الشافعية إنهم يرون أن المنفعة كلها للراهن بشرط أال يتصرف في‬
‫ظا على مصلحة المرتهن‪ ،‬وتصرف‬ ‫الرهن تصرفًا ينقص قيمته؛ حفا ً‬
‫الراهن يكون بعد إذن المرتهن‪ ،‬أما المرتهن فال ينتفع بشيء من الرهن‪،‬‬
‫ونفقات الرهن على الراهن وإن انتفع المرتهن بشيء منه خصم من‬
‫الدين‪ ،‬وإن اشترط أن تكون المنفعة للمرتهن فسد العقد‪.‬‬
‫فالشافعية هنا متشددون‪ ،‬ولكن قولهم هذا واضح وفي غاية الدقة‪ ،‬فمنفعة‬
‫العين المرهونة إنما هي للراهن‪ ،‬وكل ما فيه أنهم اشترطوا أال يتصرف‬
‫الراهن في العين المرهونة بطريقة تقلل من قيمتها فهم حافظوا على حق‬
‫المرتهن وحافظوا في نفس الوقت على حق الراهن‪ ،‬وشددوا لدرجة أنهم‬
‫قالوا‪ :‬إنه إذا اشترط ذلك فسد العقد‪ ،‬ولم يقولوا‪ :‬الشرط باطل ً‬
‫مثال‪.‬‬
‫‪ .4‬أما الحنفية فإنهم ال يجيزون انتفاع الراهن بالرهن إال بعد إذن‬
‫المرتهن‪ ،‬أما المرتهن فال ينتفع بشيء من الرهن إال بإذن الراهن‪،‬‬
‫ضا جر نف ًعا‬‫وبشرط أال يشترط عليه ذلك في العقد‪ ،‬فإن اشترطه كان قر ً‬
‫وهو ربا‪ ،‬وهم يقصدون بعدم اشتراطه؛ أي عدم ذكره في العقد‪.‬‬
‫‪ .4‬أما الحنابلة فقد فرقوا بين أن يكون الرهن مركوبًا أو محلوبًا أو‬
‫غير ذلك مما ال يحلب وال يركب‪ ،‬فإن كان مركوبًا مركوبًا كالفرس ً‬
‫مثال‬
‫مثال‪ ،‬وما ال يحلب‬ ‫مثال كالبقرة أو مركوبًا ومحلوبًا كالناقة ً‬
‫أو محلوبًا ً‬
‫مثال أو الدار أو الحائط حديقة يعني‪ ،‬فإن كان‬ ‫وال يركب هذا كاألرض ً‬
‫من النوع األول جاز للمرتهن االنتفاع به في ذلك بالعدل‪ ،‬وأما غير‬
‫المركوب والمحلوب فيجوز االنتفاع من جانب المرتهن بشرط إذن‬

‫‪86‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الراهن‪ ،‬وبشرط أال يكون الرهن في مقابل القرض‪ ،‬بل يكون مقابل‬
‫البيع كالمالكية‪ ،‬وانتفاع الراهن بالرهن جائز بإذن المرتهن؛ ألنه يتعلق‬
‫به حقه؛ أي حقه في االستيفاء‪.‬‬
‫ويجوز للمرتهن شراء الرهن بثمن السوق وهو ثمن المثل فإذا أراد‬
‫مثال أن يشتري العقار المرهون أو يشتري بستان مرهون أو يشتري‬ ‫ً‬
‫األرض المرهونة؛ فإذا أراد المرتهن أن يشتريها فعليه أن يعلم قيمتها‬
‫في السوق؛ فيأخذها بسعر السوق‪ ،‬أما أن يضغط على الراهن ويأخذ منه‬
‫الرهن أو العين المرهوننة بثمن بخس؛ فهذا حرام شر ًعا‪.‬‬
‫اغالق الرهن‬
‫قال النبي ﷺ (ال يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه‬
‫غرمه) ال يغلق؛ معنى ال إغالق ال يضيع عليه وال يمنع من التصرف‬
‫‪32‬‬
‫فيه‪ ،‬بل له فوائده وثماره وعليه نفقاته وما يغرم فيه‪.‬‬
‫فأبطل النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بهذا الحديث ما كان عليه الجاهلية‬
‫يعني ‪ :‬أن يستولي المرتهن على العين المرهونة وهي في الغالب األعم‬
‫يكون ثمنها وتكون قيمتها أغلى من الدين وأعلى من الدين فتضيع على‬
‫صاحبها؛ لكن الشريعة اإلسالمية جاءت بالعدل كله وبالرحمة كلها‬
‫فأنصفت الراهن وأنصفت المرتهن‪ ،‬المرتهن حقه هو الدين حقه استرداد‬
‫فجعلت العين وثيقة حتى يطمئن قلبه‪ ،‬وحتى إذا عجز الراهن ممكن أن‬
‫تباع يبيعها الراهن ويسدد منها الثمن‪ ،‬أو يبيعها حتى المرتهن بإذن من‬

‫‪ 32‬رواه م عاوية بن عبد الله بن جعفر قد ذكره وأخرجه الدارقطني في (سننه) وقال‪ :‬حديث حسن‬
‫متصل‪ ،‬وقال ابن حجر في (بلوغ المرام شرح أحاديث األحكام)‪ :‬رجاله ثقات؛ يعني سند هذا‬
‫ضا صحيح‪.‬‬ ‫الحديث صحيح‪ ،‬ومعناه أي ً‬
‫‪87‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫القاضي ويأخذ حقه ويرد الباقي إلى الراهن؛ ألنه حقه‪ ،‬فهذه شريعة‬
‫عادلة أنصفت الراهن وأنصفت المرتهن‪ ،‬فاحتفظت للمرتهن بحقه في‬
‫سداد الدين وطمأنته‪ ،‬والنبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال(من أخذ أموال‬
‫الناس يريد أداءها أدى الله عنه‪ ،‬ومن أخذ أموال الناس يريد إتالفها أتلفه‬
‫الله ‪-‬سبحانه وتعالى)‪.‬‬
‫حكم يد المرتهن‬
‫إنها يد أمانة؛ فإن المرتهن إذا تلفت هذه العين دون تع ٍدّ منه وال تقصير‬
‫سا‬
‫ال شيء عليه‪ ،‬لكن إذا تلفت بتعديه أو بتقصير منه فإنه يضمن‪ ،‬فقيا ً‬
‫على الوديعة‪ ،‬لكن إذا قلنا‪ :‬إنها يد ضمان فهو مسئول عنها فإذا تلفت أو‬
‫ضاعت أو استهلكت؛ فإنه يضمن في كل األحوال‪.‬‬
‫إذا ت لف الرهن في يد المرتهن الراجح أنه ال يضمن إال بالتعدي؛ أي‬
‫اإلهمال‪ ،‬واإلهمال أو عدم اإلهمال إذا اختلف فيه ينبغي أن يكون إثباته‬
‫بالبينات‪ ،‬وال يفك الرهن حتى يدفع الدين لصاحبه‪ ...‬هذا حقه‪ ،‬فإن ظل‬
‫الرهن في يد المرتهن حتى يقضى الدين كله؛ فهذا حقه‪ ،‬فإذا تلفت العين‬
‫المرهونة وكانت بدون إهمال من المرتهن فال شيء عليه؛ ألنها هلكت‬
‫أو تلفت في يد الراهن‪ ،‬أما إذا تلفت بتعديه فإنه يضمن ثمنها عند‬
‫الرهن أو عند التلف‪ ،‬يضمن ثمنها عند التلف؛ ألن هذا هو الثمن العدل‬
‫في هذه الحالة‬
‫‪ .3‬الوديعة‬

‫تعريف الوديعة‬

‫‪88‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الوديعة في الشرع (عبارة عن تو ُّك ٍل لحفظ مال غيره تبرعا بغير‬


‫تصرف)‪ )33(.‬وقال الشوكاني في تعريفها شرعا‪( :‬العين التي يضعها‬
‫مالكها عند آخر ليحفظها)‪)34(.‬‬

‫ُحكْمها والحكمة من مشروعيتها‬


‫اإليداع عقد جائز‪ ،‬وهي من عقود التبرعات‪ ،‬ويستحب لمن تودع عنده‬
‫الوديعة أن يقبلها متى علم من نفسه القدرة على حفظها؛ وذلك لقوله‬
‫تعالى ( َوتَ َع َاونُوا َعلَى ْال ِب ِ ّر َوالتَّ ْق َوى) المائدة‪.1 :‬‬
‫ولما رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال (والله في عون‬
‫العبد ما كان العبد في عون أخيه)‪)35(.‬‬

‫وإذا كانت الوديعة عقدا جائزا مباحا من حيث ذاته للفاعل والقابل‪ ،‬فربما‬
‫يكون حكمه الوجوب في بعض األحيان نقل الحطاب عن ابن عرفة قوله‬
‫(وقد يعرض وجوبها كخائفٍ فَ ْقدَها لموجب هالكه أو فقده إن لم يودعها‬
‫صبه)‪36.‬‬‫مع وجود قابل لها يقدر على حفظها‪ ،‬وحرمتها كمودعِ شيءٍ َغ َ‬
‫وكذلك إن لم يكن هناك من يقدر على حفظها إال شخص بعينه‪ ،‬وال‬
‫حفظ لها إال به يجب أيضا‪37.‬‬

‫(‪ )33‬اإلنصاف‪.421/1 :‬‬


‫(‪ )34‬نيل األوطار‪.454/5 :‬‬
‫(‪ )35‬صحيح مسلم‪ :‬كتاب الذ كر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ,‬باب‪ :‬فضل التهليل والتسبيح‬
‫والدعاء‪.‬‬
‫(‪ )36‬مواهب الجليل‪.152/5 :‬‬
‫(‪ )37‬انظر سبل السالم‪.151/1 :‬‬
‫‪89‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫وشرعت لحاجة الناس إليها خاصة عند السفر أو ربما لم يستطع‬


‫صاحب الوديعة أن يحفظها في وقت معين أو في مكان محدد أو بكيفية‬
‫معينة فيعهد بها إلى من يقدر على ذلك‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫فحكم عقد الوديعة أنه عقد جائز من الطرفين في الجملة ألنها نوع‬
‫‪39‬‬
‫فمتى أراد المودِع أخذ وديعته لزم المستودَع ردها ؛‬ ‫من الوكالة‬
‫‪40‬‬
‫لقوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها) والوديعة‬
‫أمانة فهو مأمور بردها ‪.‬‬
‫فإن أراد المستودع ردها على صاحبها لزمه قبولها ؛ ألن المستودع‬
‫‪41‬‬
‫متبرع بإمساكها فال يلزمه التبرع في المستقبل ‪.‬‬
‫قال في الحاوي (ال يخلو حال من استودع وديعة من ثالثة أحوال أحدها‬
‫‪ :‬أن يكون ممن يعجز عنها ‪ ،‬وال يثق بأمانته نفسه فيها ‪ ،‬فهذا ال يجوز‬
‫له أن يقبلها والحال الثانية أن يكون أمينا ً عليها قادراً على القيام بها‬
‫وليس غيره ممن يقوم بها ‪ ،‬فهذا ممن قد تعين عليه قبولها ‪ ،‬ولزمه‬

‫مواهييب الجليييل (‪ ، )152/5‬الوسيييط فييي المييذهب ‪ ،‬الغزالييي ‪ ،‬وعليييه حواشييي دار السييالم ‪،‬‬ ‫(‪)38‬‬
‫القيياهرة ‪ ،‬مصيير ‪ ،‬الطبعيية األولييى ‪2429 ،‬هييـ (‪ ، )500/4‬الحيياوي (‪ ، )151/1‬روضيية‬
‫الطييالبين ‪ ،‬أبييو زكريييا يحيييى النييووي ‪ ،‬دار الكتييب العلمييية ‪ ،‬بيييروت ‪ ،‬لبنييان (‪، )119/5‬‬
‫المغني ‪ ,‬ابن قدامية ‪,‬دار عيالم الكتيب‪ ,‬الريياض‪ ,‬الطبعيه الثالثية ‪2429‬هيـ(‪ ، )151/9‬منتهيى‬
‫اإلرادات (‪ ، )151/1‬كشييـاف القنييياع عييين ميييتن اإلقنييياع ‪ ،‬البهيييوتي ‪ ،‬دار الكتيييب العلميييية ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪2421 ،‬هـ (‪.)104/4‬‬
‫(ويطلق الجائز في مقابلة الالزم ‪ ،‬فالالزم ميا ال يقبيل الفسيخ أو ميا ال يمكين إبطاليه والجيائز‬
‫عكسه) المنثور في القواعد ‪ ،‬بدر الدين الزركشي (‪. )404/1‬‬
‫كشاف القناع (‪. )104/4‬‬ ‫(‪)39‬‬
‫سورة النساء ‪ ،‬اآلية (‪. )51‬‬ ‫(‪)40‬‬
‫المغني (‪. )151/9‬‬ ‫(‪)41‬‬
‫‪90‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫استيداعه ا ‪ ،‬كما تعين الشهادة على الشاهد إذا لم يوجد من يتحملها سواه‬
‫‪ ،‬وكما يلزم اإلنسان خالص نفس يقدر على إحيائها إذا لم يوجد غيره ‪،‬‬
‫ألن حرمة المال كحرمة النفس والحالة الثالثة أن يكون أمينا ً عليها‬
‫وقادراً على حفظها ‪ ،‬وقد يوجد غيره من األمناء عليها ‪ ،‬فهذا مندوب‬
‫‪42‬‬
‫إليه ‪ ،‬وإن لم تجب عليه) ‪.‬‬
‫وقال النووي (قال أصحابنا لو تعين عليه قبول وديعة فلم يقبلها ‪ ،‬وتلفت‬
‫‪43‬‬
‫فهو عاص ‪ ،‬وال ضمان ؛ ألنه لم يلتزم الحفظ) ‪.‬‬
‫وقال في نهاية المحتاج (ولهما) يعني للمالك (االستردادو) للوديع (الرد‬
‫كل وقت) من الجانبين ‪ ،‬نعم يحرم الرد حيث وجب القبول ويكون‬
‫‪44‬‬
‫خالف األولى حيث ندب ولم يرضه المالك" ‪.‬‬
‫ومتى طالب صاحب الوديعة بوديعته من أودعها عنده وجب على‬
‫المودع لديه أن يردها لصاحبها؛ لقول الله تعالى (فَإِ ْن أ َ ِمنَ بَ ْع ُ‬
‫ض ُك ْم‬
‫ق الله َربَّهُ) البقرة‪ 114 :‬وقوله (ِ َّن‬ ‫بَ ْعضا ً فَ ْليُ َؤ ِدّ الَّذِي اؤْ ت ُ ِمنَ أ َ َمانَتَهُ َو ْليَتَّ ِ‬
‫ت ِإلَى أ َ ْه ِل َها) النساء‪ 51 :‬وعن أبي هريرة‬ ‫الله يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أَ ْن ت ُ َؤدُّوا األ َ َمانَا ِ‬

‫(‪ )42‬الحاوي (‪ ، ) 151/1‬نهاية المحتاج إلى شيرح المنهياج ‪ ،‬شيمس اليدين محميد الرمليي الشيهير‬
‫بالشافعي الصغير ‪ ،‬ومعه ‪ :‬حاشيية نيور اليدين الشبراملسيي وحاشيية أحميد بين عبيد اليرازق‬
‫المعييروف بييالمغربي الرشيييدي ‪ ،‬شييركة مكتبيية ومطبعيية مصييطفى البييابي الحلبييي بمصيير ‪،‬‬
‫الطبعة األخيرة ‪2411 ،‬هـ ‪ ، )222/1( .‬بداية المجتهد ونهاية المقتصيد ‪ ،‬محميد بين أحميد‬
‫بن رشد الحفيد ‪ ،‬مكتبة ابن تيمية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة األولى ‪2425 ،‬هـ ‪)219/4( .‬‬
‫‪ ،‬مواهب الجليل (‪ ، )152/5‬التاج واإلكليل (‪. )111/5‬‬
‫(‪ )43‬روضة الطالبين (‪. )424/5‬‬
‫(‪ )44‬نهاية المحتاج (‪. )225/1‬‬
‫‪91‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ (أ ِدّ األمانة إلى من ائتمنك‪ ،‬وال تخن من‬
‫خانك)‪45.‬‬

‫ضمانها‬
‫الوديعة ال يضمنها من أودعت عنده إال إذا فرط في حفظها أو تعدى عليها‪،‬‬
‫وال يصح أن يضمنها مع غير تقصير أو تعدٍّ؛ ألن ذلك سيحمل الناس على‬
‫االمتناع عن قبول الودائع‪ ،‬وفي هذا من تعطيل مصالح الناس ما ال يخفى‪،‬‬
‫قال الجصاص (وال خالف بين الفقهاء في نفي ضمان الوديعة إذا لم يتعد‬
‫فيه المودع)‪46.‬‬

‫والوديعة ال تودع وال تعار وال تؤاجر وال ترهن‪ ،‬وإن فعل ـ أي المودَع‬
‫لديه ـ شيئا منها ضمن‪ 47 .‬وإن مات الرجل وعنده وديعة‪ ،‬فإن عرفت‬
‫بأعيانها‪ :‬فأربابها أحق بها من الغرماء؛ ألن حق الغرماء بعد موت‬
‫المدين يتعلق بماله دون مال سائر الناس‪ ،‬وكما كانوا أحق بها في حياة‬
‫المدين فكذلك بعد موته‪ 48 .‬وإن حدث هناك خالف حولها أو قيمتِها‬
‫وغير ذلك فالقول قول المودع مع يمينه؛ ألنه قد ثبت له اليد‪49.‬‬

‫(‪ )45‬رواه أبو داود‪ :‬كتاب اإلجارة‪ ،‬باب‪ :‬في الرجل يأخذ حقه من تحت يده‪ ،‬والترمذي‪)2114( :‬‬
‫وقال حسن غريب‪ ،‬وفي سنده مقال‪.‬‬
‫(‪ )46‬أحكام القرآن‪.194/1 :‬‬
‫(‪ )47‬الفتاوى الهندية‪.441/4 :‬‬
‫(‪ )48‬المبسوط‪.219/22 :‬‬
‫(‪ )49‬الفتاوى الكبرى‪.411/5 :‬‬
‫‪92‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الدرس الثالث عشر‪ :‬القرض والعريّة والدين‬


‫‪ .1‬القرض‬

‫القرض‪ :‬هو المال الذي يعطيه المقرض للمقترض ليرد مثله إليه عند‬
‫قدرته عليه‪ ،‬وهو في أصل اللغة‪ :‬القطع‪.‬‬
‫وسمي المال الذي يأخذه المقترض بالقرض؛ ألن المقرض يقطعه قطعة‬
‫من ماله‪.‬‬
‫وعقد القرض عقد تمليك فال يتم إال ممن يجوز له التصرف‪ ،‬وال يتحقق‬
‫إال باإليجاب والقبول كعقد البيع والهبة‪ .‬وينعقد بلفظ القرض والسلف‪،‬‬
‫وبكل لفظ يؤدي إلى معناه‪.‬وعند المالكية أن الملك يثبت بالعقد ولو لم‬
‫يقبض المال‪ .‬ويجوز للمقترض أن يرد مثله أو عينه‪ ،‬سواء أكان مثليا ً‬
‫أم غير مثلي‪ ،‬ما لم يتغير بزيادة أو نقص‪ ،‬فإن تغير وجب رد المثل‪.‬‬
‫مشروعيته‬
‫وهو قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه‪ ،‬لما فيه من الرفق بالناس‪،‬‬
‫والرحمة بهم‪ ،‬وتيسير أمورهم‪ ،‬وتفريج كربهم‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫وإذا كان اإلسالم ندب إليه وحبب فيه بالنسبة للمقترض فإنه أباحه‬
‫للمقترض‪ ،‬ولم يجعله من باب المسألة المكروهة ألنه يأخذ المال لينتفع‬
‫به في قضاء حوائجه‪ ،‬ثم يرد مثله‪.‬‬
‫الترادف بين القرض والسلف وال ّد ْين‬
‫إن القرض والسلف كلمتان مترادفتان؛ فكما أن القرض يرد فيه‬
‫المقرض؛ فكذلك السلف‪ .‬أما الدَّيْن فهو عا ٌّم؛‬ ‫ِ‬ ‫المقترض بدل ما أخذ من‬
‫سلَم‪ ،‬وبيع األعيان إلى أجل‪ ،‬فهو‬ ‫حيث إنه يطلق على القرض‪ ،‬وال َّ‬
‫عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً‪ ،‬واآلخر نسيئة‪ ،‬فإن‬
‫العين عند العرب ما كان حاضراً والدَّيْن ما كان غائباً‪.‬‬
‫فضله‬
‫روى أبو هرييرة أن النبيي ‪-‬صيلى الليه علييه وسيلم‪ -‬قيال‪( :‬مين نفيس عين‬
‫مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الليه عنيه كربية مين كيرب ييوم القيامية‪،‬‬
‫ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن ستر مسلما‬
‫ستره الله في الدنيا واآلخرة‪ ،‬والله في عون العبد ما كان العبد فيي عيون‬
‫أخييه)‪ 4.‬وعين ابين مسيعود رضيي الليه عنيه أن النبيي ‪-‬صيلى الليه علييه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪( :‬ما مين مسيلم يقيرض مسيلما ً قرضيا ً ميرتين إال كيان كصيدقة‬
‫مرة)‪.‬‬
‫وقال رسول الله ﷺ (دخل رجل الجنة فرأى عليى بابهيا مكتوبياً‪ :‬الصيدقة‬
‫بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر)‬
‫هيذا كليه لمييا فيي القيرض ميين الرفيق بالمحتياجين والرحميية بهيم وتفييريج‬
‫كربهم‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫اشتراط األجل فيه‬


‫ذهب جمهور الفقهاء إلى أنيه ال يجدوز اشدتراط األجدل فدي القدرض؛ ألنده‬
‫تبرع محض وللمقرض أن يطالب ببذله في الحال‪ ،‬فإذا أجل القرض إلى‬
‫أجل معلوم لم يتأجل وكان حاالً‪.‬وقال مالك‪ :‬يجوز اشتراط األجل‪ ،‬ويلزم‬
‫الشييرط‪ ،‬فييإذا أجييل القييرض إلييى أجييل معلييوم تأجييل‪ ،‬ولييم يكيين لييه حييق‬
‫المطالبة قبل حلول األجل‪ ،‬لقول الله تعالى ( َيا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ ِإذَا تَدَا َينتُم‬
‫بِدَي ٍْن إِلَى أَ َج ٍل ُّم َ‬
‫س ًّمى) (‪ )111‬سورة البقرة‪.‬‬
‫ولما رواه عمر وبن عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪( :‬المسلمون على شروطهم)‪.‬‬
‫أنواع القرض‬
‫القرض في اإلسالم ينقسم إلى قسمين‪ :‬قرض حسن‪ ،‬وقرض ربوي‪.‬‬
‫فالقرض الحسن هو‪ :‬ما يعطيه المقرض من المال إرفاقا ً بالمقترض ليرد‬
‫إليه مثله دون اشتراط زيادة‪ ،‬ويطلق هذا اللفظ كما جاء فيي القيرآن عليى‬
‫المال الذي ينفق على المحتاجين طلبا ً لثواب اآلخرة‪.‬‬
‫والقييرض الربييوي‪ :‬هييو القييرض الييذي يشييترط فيييه المقييرض شيييئا ً زيييادة‬
‫على ما أقرض‪.‬‬
‫كل قرض جر نفعا ً فهو ربا‬
‫إن المقصييود ميين عقييد القييرض الرفييق بالنيياس‪ ،‬ومعيياونتهم علييى شييؤون‬
‫عيشهم‪ ،‬وتيسير وسائل حياتهم‪ ،‬وليس وسيلة لالستغالل‪ ،‬ولهذا ال يجيوز‬

‫‪95‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أن يييرد المقتييرض للمقييرض إال مييا أقرضييه منييه أو مثلييه عم يالً بالقاعييدة‬
‫الفقهية القائلة‪" :‬كل قرض جر نفعا ً فهو ربا"‪.‬‬
‫والحرمة مقيدة هنا بما كان نفع القرض مشروطا ً أو متعارفدا ً عليده‪ ،‬فيإن‬
‫لييم يكيين مشييروطا ً وال متعارف يا ً عليييه‪ ،‬كانييت الزيييادة جييائزة ودليييل ذلييك‬
‫حديث أبيي رافيع قيال‪ :‬اسيتلف رسيول الليه مين رجيل بكيراً فجاءتيه إبيل‬
‫الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكراً‪ ،‬فقلت‪ :‬لم أجد في اإلبل إال جميالً‬
‫خياراً رباعياً‪ ،‬فقال النبي‪( :‬أعطه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء)‪.‬‬
‫ومن رحمة الله بخلقه أن حرم عليهم كيل ميا مين شيأنه أن يضيرهم‪ ،‬وليو‬
‫نظرنييا إلييى القييرآن الكييريم والسيينة النبوييية لوجييدنا أن الربييا المحييرم فييي‬
‫عصير النييزول كيان فييي القيرض‪ :‬وهيو الييذي سيماه القييرآن ربيا فهييو تلييك‬
‫الزيادة المشروطة في القروض والديون؛ ألن هذه المعاملة هي ما يرجع‬
‫إليه لفظ الربا في ذلك العصر‪.‬‬
‫وقد كانيت معاملية شيائعة ومعروفية بيينهم‪ ،‬قيال الجصياص‪" :‬الربيا اليذي‬
‫كانت العرب تعرفه وتفعله‪ ،‬إنما كان قرض الدراهم والدنانير إليى أجيل‪،‬‬
‫بزيادة على قدر ما استقرض‪ ،‬على ما يتراضون به‪ ..‬هذا كان المتعارف‬
‫المشهور بينهم" ثم قال‪" :‬ولم يكن تعاملهم بالربا إال على هذا الوجه الذي‬
‫ذكرنا‪ ،‬من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل‪ ،‬مع شرط الزيادة"‪.‬‬
‫متعارفا ً في‬
‫َ‬ ‫وقال الرازي‪" :‬أما ربا النسيئة فهو األمر الذي كان مشهوراً‬
‫الجاهلية؛ وذلك أنهم كانوا يدفعون الميال عليى أن يأخيذوا كيل شيهر قيدراً‬
‫معينياً‪ ،‬ويكييون رأس الميال باقيياً‪ ،‬ثيم إذا حي ّل اليدين طييالبوا الميدين بييرأس‬
‫المال‪ ،‬فإن تعذر عليه األداء زادوا في الحق واألجل؛ فهذا هو الربا الذي‬
‫كانوا في الجاهلية يتعاملون به"‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫فينفهم مميا تقيدم أن الربيا المتعاميل بيه فيي عصير النيزول‪ ،‬واليذي جيياءت‬
‫اآليات القرآنية بتحريمه كان على القرض‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫النيييوع األول‪ :‬هيييو تليييك الزيدددادة التدددي تشدددترط فدددي أول العقدددد فدددي عقدددد‬
‫القرض‪ ،‬وهي المشهورة بهذا االسم كما سبق‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬هو الزيادة الثانية أو المكدررة‪ ،‬فدي ديدن البيدع‪ ،‬وهيو اليذي‬
‫يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى‪ ،‬فإذا حل األجيل وليم يكين عنيد صياحبه‬
‫قضيياء زاده وأ ّخيير عنييه‪ ،‬وهييو مييا يسييمى البيييع اآلجييل‪ ،‬وإن كييان ذلييك ال‬
‫يعني أنهم ال يزيدون في ثمن البيع على قيمته نقداً‪.‬‬
‫صور للقرض الذي يدر منفعة‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن يقرض ألفين أو ثالث على بيعه داره‪ ،‬أو عليى أن ييرد علييه أجيود‬
‫منه أو أكثر منه‪.‬‬
‫أن يقرضه ماالً على أن يسعى له أو لوالده أو قريبيه فيي عميل‬ ‫ب‪.‬‬
‫أو وظيفة‪.‬‬
‫أن يقرضه ماالً على أن يؤجره بيتا ً أو دكانا ً أو غير ذلك‪.‬‬ ‫ت‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من الصور الشائعة بيين النياس‪ ،‬والنبيي ﷺ نهيى عين سيلف‬
‫وبيع‪.‬‬
‫وروي عن ابن كعب وابن مسعود وابين عبياس رضيي الليه عينهم جميعيا ً‬
‫أنهيم نهييوا عين قييرض جيير منفعية؛ ألن القييرض عقييد إرفياق وقربيية‪ ،‬فييإذا‬
‫شرط فيه منفعة خرج عن موضوعه‪ ،‬فيجيب عليى المسيلم أن ينتبيه ليذلك‬
‫ويحذر منه ويخلص النية في القرض وفي غيره مين األعميال الصيالحة‪،‬‬
‫فييإن القييرض ليييس القصييد منييه النميياء الحسييي‪ ،‬وإنمييا القصييد منييه النميياء‬
‫‪97‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ا لمعنيييوي‪ ،‬وهيييو التقيييرب إليييى الليييه عيييز وجيييل‪ ،‬بيييدفع حاجييية المحتييياج‪،‬‬
‫واسترجاع رأس المال‪ ،‬فإذا كان هذا القصد في القرض‪ ،‬فيإن الليه تعيالى‬
‫ينزل في المال البركة والنماء والطيب‪.‬‬
‫‪ .2‬العاريّة‬

‫تعريفها‪:‬‬
‫العاريّية – بتشييديد الييياء أفصييح ميين تخفيفهيا – وهييي فييي اللغيية ‪ :‬اسييم لمييا‬
‫يعطيه الرجل لغير ه لينتفع به ثم ييرده علييه‪ ،‬كميا تطليق عليى العقيد اليذي‬
‫يتضمن هذا‪ .‬مشتقة من التعاور وهو التداول وانتقال الشئ من يد الى يد‪.‬‬
‫وهي في االصيطالح الشيرعي‪ :‬إباحية االنتفياع بميا يحيل االنتفياع بيه ميع‬
‫بقاء عينه‪.‬‬
‫فعقددد العاريَّددة يتضددمن اباحددة االنتفدداع للمسددتعير‪ ،‬فهييو ال يملييك المنفعيية‬
‫وانما يباح له ان ينتفع بالعين‪ ،‬أي الشئ المسيتعار عليى ميا سييأتي ‪ ،‬وليذا‬
‫ال يملك ان يؤجر العين المستعارة ألحد‪ ،‬كما ال يملك ان يعيرها لغيره‪.‬‬
‫وإنما تص ّح اعارة ما يح ّل االنتفاع به‪ ،‬فيال تصي ّح اعيارة خنزيير او آالت‬
‫لهو‪ ،‬كما ال تصيح اعيارة مصيحف لحيائض ونفسياء‪ ،‬ألنيه ال يجيوز لهميا‬
‫سه والقراءة فيه‪.‬‬
‫م ّ‬
‫واإلعددارة تكددون فددي األعيددان التددي ال تسددتهلك باالسددتعمال‪ ،‬فييإذا كانييت‬
‫تستهلك باالستعمال – كالصابون مثال – فال تصح اعارتها‪.‬‬
‫اإلعيييارة مشيييروعة‪ ،‬وقيييد د ّل عليييى مشيييروعيتها نصيييوص مييين الكتييياب‬
‫والسنّة‪ ،‬وانعقد على ذلك اإلجماع‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫قوله تعالى‪ :‬فوييل للمصيلّين ‪ .‬اليذين هيم عين صيالتهم سياهون‪ .‬اليذين هيم‬
‫يراؤون ويمنعون الماعون )الماعون‪.(1-4 :‬‬
‫فقييد ذكيير اللييه تعييالى ان منييع الميياعون ميين صييفات المكييذب بيييوم الييدين‬
‫والمهدَّد بالويل – وهو العذاب والهالك – يوم القيامة‪ ،‬فد ّل ذليك عليى ّ‬
‫ان‬
‫بييذل المييياعون اميير مشيييروع ومطلييوب ‪ .‬وجمهيييور المفسييرين عليييى ان‬
‫ا لمراد بالماعون ما يستعيره الجيران بعضهم من بعيض‪ ،‬كاليدلو واإلبيرة‬
‫وال ِق ْدر ونحو ذلك‪ ،‬ويلحق به كل ما في معناه‪.‬‬
‫ميا رواه انييس رضيى اللييه عنييه‪ ،‬ان النبيي صييلى اللييه علييه وسييلم اسييتعار‬
‫فرس يا ً ميين ابييي طلحيية فركبييه‪( .‬اخرجييه البخيياري فييي الهبيية‪ ،‬بيياب‪ :‬ميين‬
‫استعار من الناس الفرس‪ ،‬رقم‪ .1414 :‬ومسلم في الفضائل ‪ ،‬بياب ‪ :‬فيي‬
‫شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب ‪ ،‬رقم‪)1409 :‬‬
‫وما رواه جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال‪ :‬سيمعت النبيي صيلى الليه‬
‫عرهيا‪( .‬اخرجيه مسيلم‬
‫عليه وسلم يقول‪َ " :‬من كانت له ارض فليهبها أو ليُ ْ‬
‫في البيوع‪ ،‬باب‪ :‬كراء األرض‪ ،‬رقم‪.)2541:‬‬
‫ومييا د ّل عليييه القييرآن والسينّة ميين مشييروعية اإلعييارة عاميية‪ :‬انعقييد عليييه‬
‫اجماع علماء المسلمين في كل العصور‪.‬‬
‫حكمة مشروعيتها‪:‬‬
‫إن حكمة التشريع في العاريّة هي تحقيق التعاون الذي نددب اللده تعدالى‬
‫المسددلمين اليدده اذ قييال‪( :‬وتعيياونوا علييى البيير والتقييوى وال تعيياونوا علييى‬
‫اإلثم والعدوان) (المائدة ‪. )1 :‬‬

‫‪99‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫فكثير من الناس ال يتمكن من اقتناء كل ما يحتاج اليه من متياع او مليبس‬


‫او مسييكن او عقييار‪ :‬إمييا لقليية ذات يييده‪ ،‬او لفقدانييه فييي األسييواق‪ ،‬أو نييدرة‬
‫وجوده‪ ،‬او لكثرة مشاغل بعض الناس التي تنسيهم بعض حاجاتهم‪.‬‬
‫روى جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪ :‬ما من صاحب ابل وال بقر وال غنم ال ييؤدي حقهيا‪ ،‬اال‬
‫بظ ْلفها ‪ ،‬وتنَط ُحهُ ذات‬
‫ف ِ‬ ‫أُقعد لها يوم القيامة بقاعٍ قَ ْرقَ ٍر‪ ،‬تطؤه ذات ِ ّ‬
‫الظ ْل َّ‬
‫القرن بقرنها‪ ،‬ليس فيها يومئذً ج ّماء وال مكسورة القرن‪ .‬قلنا ‪ :‬ييا رسيول‬
‫اطيراق فحلهيا‪ ،‬واعيارة دلوهيا‪ ،‬ومنيحتُهيا‪ ،‬وحلبهيا‬
‫ُ‬ ‫الله ‪ ،‬وما حقّها؟ قال‪:‬‬
‫على الماء‪ ،‬وحم ٌل عليها في سبيل الله‪(.‬اخرجه مسيلم فيي الزكياة‪ ،‬بياب ‪:‬‬
‫‪50‬‬
‫اثم مانع الزكاة‪ ،‬رقم‪.)911 :‬‬
‫حكم العاريَّة‪:‬‬
‫العار َّية مستحبة ومندوب اليها‪ ،‬لما سبق مين أدلية فيي بييان مشيروعيتها‬
‫وحكميية التشييريع‪ ،‬وقييد كانييت واجبيية فييي اول التشييريع‪ ،‬للتهديييد الشييديد‬
‫لمانعها كما علمت‪ ،‬ولكن هذا الوجوب نسخ باإلجماع‪ ،‬وبقى الحكم عليى‬
‫االستحباب‪ ،‬وهذا هو االصل في حكمها اآلن‪.‬‬
‫وقد تصبح واجبة ‪ ،‬اذا توقف عليهيا انقياذ حيياة انسيان معصيوم‪ ،‬أي غيير‬
‫حربييي‪ ،‬كإعييارة ثييوب لييدفع حي ٍ ّير او بيير ٍدّ شييديدين مه ِل َك ييْن‪ ،‬واعييارة حبييل‬
‫إلنقاذ غريق‪ ،‬واعارة ضماد لعصب جرح بليغ ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫قاع قرقر ‪ :‬ارض مستوية‪ .‬ت طؤه ‪ :‬تدوسه‪ .‬الظلف‪ :‬ما يكون في نهاية القدم من البقر والغنم‬
‫ونحوها‪ ،‬جماء‪ :‬ال قرن لها‪ .‬اطراق فحلها ‪ :‬اعارة الذكر منها لينزو على اناثها‪ .‬منيحتها‪:‬‬
‫المنيحة هي الشاة او البقرة او الناقة‪ ،‬يعطيها مالكها لغيره لينتفع بلبنها ونحوه زمانا‪ ،‬ثم يردها‬
‫لمالكها‬
‫‪100‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ومن الواجب اعارة ما فيه حفظ ميال محتيرم ايضيا‪ ،‬كإعيارة سي ّكين ليذبح‬
‫حيييوان مييأكول اللحييم يخشييى موتييه اذا لييم يييذبح‪ ،‬ألن عييدم ذبحييه إضيياعة‬
‫مال‪ ،‬وهو منهي عنه شرعا‪.‬وقد تكون العاريَّة محرمة‪ ،‬كإعارة آلية قاتلية‬
‫لمن غلب على ظنه انه سيقتل بها ‪ ،‬وكإعارة مصحف لحيائض او نفسياء‬
‫كما علمت‪ ،‬وقد تكون مكروهة ‪ ،‬كما لو كان فيها مساعدة على مكروه‪.‬‬
‫أحكام تتعلق بالعاريَّة‬
‫أ‪ .‬حدود االنتفاع بالعين المستعارة‪:‬‬
‫للمستعير ان ينتفع بالعين المستعارة ضمن الحدود التي أذن فيهيا الماليك‪،‬‬
‫لرضاه بهذا‪ ،‬وليس له ان ينت فع بغير ما اذن به‪ ،‬ألنه ليم ييرض بيذلك‪ ،‬اال‬
‫اذا كيييان اقيييل تيييأثيرا عليييى العيييين مييين اليييذي اذن بيييه‪ ،‬فيييإن اطليييق االذن‬
‫باالنتفاع‪ ،‬بأن اعاره مطلقا دون التقييد بوجه من وجوه االنتفياع‪ ،‬كيان ليه‬
‫ان ينتفع من العين بما ينتفيع بهيا عيادة‪ ،‬وان نهياه عين االنتفياع بوجيه مين‬
‫الوجوه امتنع عليه ذ لك الوجه‪ ،‬ولو كان اقل تأثيرا على العين‪ ،‬وذلك كله‬
‫ألن المعير مالك للمنفعة ومتبرع بها‪ ،‬فله تحديد وجيه االنتفياع بميا شياء‪،‬‬
‫وعليه‪:‬‬
‫‪ )a‬فلو اعاره ارضا لينتفع بها‪ ،‬جاز له ان يبني فيها وأن يغرس شجراً أو‬
‫يزرع زرعا‪ ،‬ألنه اطلق اإلذن باالنتفاع ‪ ،‬فلو قال‪ :‬اعرتك هيذه األرض‪،‬‬
‫دون ان يقول لتنتفع بها‪ ،‬فالصحيح ان اإلعارة غير صحيحة‪.‬‬
‫‪ )b‬وان أعاره للبناء او الغراس جاز له ان يزرع‪ ،‬ألن الزرع اقل ضررا‬
‫من الغراس او البناء‪ ،‬فرضاه باألشد دليل رضاه باألقل‪ ،‬اال ان نهياه عين‬
‫ذلك فليس له فعله‪.‬‬
‫‪ )c‬وإن أعياره للييزرع فلييس لييه ان يبنيي او يغييرس‪ ،‬ألن البنياء والغييراس‬
‫كل منهما اكثر ضررا على األرض مين اليزرع‪ ،‬ورضياه باألقيل ال ييدل‬
‫على رضاه باألشد‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ )d‬وان اعيياره للزراعيية مطلقييا زرع مييا شيياء ‪ ،‬فييإن اعيياره لزراعيية نييوع‬
‫معييين كييان لييه زرعييه وزرع مييا هييو مثلييه او اقييل منييه تييأثيرا ‪ ،‬وليييس لييه‬
‫زراعة ما هو اشد منه ضررا على األرض‪.‬‬
‫وهكذا القول في كل عين مستعارة‪:‬‬
‫فلو استعار سيارة للركوب فليس له ان يستعملها لحمل األمتعة مثال‪ ،‬وان‬
‫استعارها لحمل امتعة خفيفة – كخشب مثال ونحوه – فليس ليه ان يحميل‬
‫فيها اشياء ثقيلة كحديد او اسمنت ونحو ذلك‪.‬‬
‫وللمستعير ان يستوفي المنفعة او بمن ينوب منابيه – كوكيليه ميثال – ألن‬
‫االنتفيياع ي عييود عليييه ويرجييع اليييه‪ ،‬شييريطة ان يكييون مثلييه او دونييه فييي‬
‫اسييتيفاء المنفعيية ميين حيييث التييأثير علييى العييين المسييتعارة‪ ،‬فلييو اسييتعار‬
‫دراجيية وأراد ان يركييب عليهييا أجيييره أو وكيلييه للقيييام بعملييه لمصييلحته ‪،‬‬
‫كان له ذلك‪ ،‬اال اذا كان يزيد عنه في وزنه وثقله‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫يد المستعير على العيد المستعارة‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬


‫إن ييد المسييتعير عليى العييين المسيتعارة يييد ضيمان‪ ،‬فييإذا قيبض المسييتعير‬
‫العييين المسييتعارة دخلييت فييي ضييمانه‪ ،‬ومعنييى هييذا ان المسييتعير العييين‬
‫صيير فييي‬
‫المسييتعارة إذا تلفييت‪ ،‬سييواء أتعييدى باسييتعمالها أم لييم يتع يدّ‪ ،‬وق ّ‬
‫صر‪ ،‬ألنه قبض مال غيره لمصلحة نفسه‪.‬‬ ‫حفظها ام لم يق ّ‬
‫وقد د ّل على ذلك حديث أُمية بن صفوان بن أُمية عن ابيه صفوان رضى‬
‫الله عنه‪ :‬ان رسول الليه صيلى الليه علييه وسيلم اسيتعار منيه دروعيا ً ييوم‬
‫حنييين‪ ،‬فقييال‪ :‬أغصييب يييا محمييد؟ فقييال صييلى اللييه عليييه وسييلم ‪" :‬ال‪ ،‬بييل‬

‫‪102‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫عاريَّيية مضييمونة" (اخرجييه ابييو داود فييي البيييوع واإلجييارات‪ ،‬بيياب‪ :‬فييي‬
‫تضمين العارية‪ ،‬رقم‪.)4511 :‬‬
‫ويضمن المستعير العيين المسيتعارة بقيمتهيا ييوم تلفهيا‪ ،‬اذا تلفيت وذهبيت‬
‫يي منهييا او نقييص ميين قيمتهييا بسييبب‬
‫وليو بآفيية سييماوية‪ ،‬وال يضييمن مييا بَ ِل َ‬
‫االستعمال المأذون فيه‪ ،‬فإذا استعملها في غيير ميا أذن ليه بيه‪ ،‬فنقصيت ‪،‬‬
‫فإنه يضمن‪.‬‬
‫وكييذلك يضييمن مييا نقييص منهييا بسييبب االسييتعمال ان اسييتعملها فيمييا ال‬
‫تسييتعمل فيييه عييادة‪ ،‬كييأن اسييتعمل الييدار او النجييارة‪ ،‬او اسييتعمل اوعييية‬
‫الطعام لنقل الرمل او الحجارة‪.‬‬
‫ويضمنها ايضا اذا استعملها بعد رجوع ال ُمعير باالعارة وطلبه ردّ العين‬
‫المستعارة ‪ ،‬حتى ولو استعملها فيما هو مألوف في استعمالها‪ ،‬او ميا اذن‬
‫له المعير سياب قا باسيتعمالها فييه‪ ،‬ألنيه اسيتعمال غيير ميأذون فييه‪ ،‬وكيذلك‬
‫الحال لو كانت العارية مؤقتة واستعملها بعد انتهاء المدة‪.‬‬
‫شرط الضمان فيما ال ضمان فيه‪ ،‬وعدم الضمان فيما فيه الضمان‪ :‬علمنا‬
‫أنيه ال ضيمان فيميا تليف او نقييص مين عيين العاريية باالسيتعمال المييأذون‬
‫فيه‪ ،‬وكذلك تضمن العار ية اذا تلفت بغير االستعمال المأذون فييه مطلقيا‪،‬‬
‫فلو شرط في العقد خالف هذا كان الشرط الغيا ال يلزم الوفاء به‪ ،‬ويبقى‬
‫عقد العارية صحيحا كما ليو يشيرط فييه هيذا الشيرط‪ ،‬وقييل‪ :‬تفسيد اإلعيارة‬
‫أيضا‪.‬‬
‫نفقة المستعار ومؤونة رده‪:‬‬ ‫ت‪.‬‬
‫إذا كان للمستعار نفقة – كما لو كيان دابية فتحتياج اليى عليف ‪ ،‬او مسيكنا‬
‫فيحتاج الى ترميم – فهذه النفقة على مالك العين‪ ،‬سواء أكان المعيير هيو‬

‫‪103‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫المالييك للعييين أم المسييتأجر لهييا‪ ،‬ألن النفقيية تبييع للملييك‪ ،‬واإلعييارة تبييرع‬
‫بالمنفعة من مالكها لينتفع بها المستعير‪ ،‬فال يجب عليه في مقابلها شئ‪.‬‬
‫فييييإذا انتهييييت االعييييارة او فسييييخت‪ ،‬ووجييييب علييييى المسييييتعير رد العييييين‬
‫المستعارة الى المعيير‪ ،‬وكيان لردهيا علييه مؤونية ونفقية‪ ،‬كيأجرة دابية او‬
‫سيارة نقل مثال‪ ،‬كان ذلك على المسيتعير‪ ،‬ألن اليرد واجيب علييه‪ ،‬إذ انيه‬
‫قبض العين لمنفعة نفسيه‪ ،‬وميا ال ييتم الواجيب إال بيه فهيو واجيب‪ ،‬واليرد‬
‫الواجب عليه ال يتم اال بالنفقة ‪ ،‬فهي واجبة عليه‪.‬‬

‫الرجوع بالعاريّة وردّها‪:‬‬ ‫ث‪.‬‬


‫يحق ل ِ ّكل من المعير والمستعير‬
‫عقد العار َّية عقد جائز من الطرفين‪ ،‬أي ّ‬
‫فسخه متى شاء ولو بغير علم اآلخر وال رضاه‪ ،‬فيحيق للمعيير ان يرجيع‬
‫بالعارييية ويسييترد العييين المسييتعارة متييى شيياء‪ ،‬حتييى ولييو كانييت اإلعييارة‬
‫مؤقتة بوقت لم ينته بعد‪ .‬وكذلك يحق للمستعير ان يردها ايضا متى شاء‪.‬‬
‫وال يلزم أي منهما باستمرار اإلعارة‪ ،‬ألنها مبرة من المعير وارتفاق من‬
‫المستعير‪ ،‬فال يناسبها اإللزام ألي منهما‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك ما اذا استعار ارضا ً لدفن ميدت ‪ ،‬فلييس ألحيدهما فسيخ‬
‫اإلعارة في األرض المدفون فيها‪ ،‬فال يحق للمعيير اسيترداد األرض وال‬
‫للمستعير ردها‪ ،‬حتى يبلى المدفون ويندرس أثيره‪ ،‬بيأن يصيير ترابيا وال‬
‫يبقى منه شئ ظاهر‪ .‬وذلك ألن الدفن كان بإذن‪ .‬وفي النيبش هتيك حرمية‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وال يلزمه اجرة على أي حال في هذا‪.‬‬
‫وكددذلك يسددتثنى مددا إذا أذن المعيددر فددي شددغل المسددتعار بشدد يتضددرر‬
‫المستعير بالرجوع فيه‪ ،‬كما لو اعاره سفينة لنقل بضاعة وطالبه بها فيي‬
‫ل ّجة البحر‪ ،‬او أعاره سيارة لذلك وطالبه بهيا فيي موضيع ال يسيتطيع فييه‬
‫‪104‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫تحصيل غيرها‪ ،‬كالصحراء مثال‪ ،‬ففي هذه األحوال ال يلزم المستعير رد‬
‫العين المستعارة‪ ،‬وله ان يستمر باالنتفاع بها حتى يتمكن من ردهيا بغيير‬
‫ضرر‪ ،‬ولكن يلزمه في هذا وامثاله اجرة المثل من حين الطلب الى حين‬
‫الرد‪.‬‬
‫‪ .3‬الدين‬
‫تعتبر االستدانة من أهم المعامالت الشائعة بين الناس لحاجة‬
‫الناس دوما للمال الذي يعتبر عصب الحياة‪ .‬الدين في الفقه اإلسالمي هو‬
‫مـا يثبت في الذمة سـواء أكان نقدا أم غيره‪. 51‬لقد أقر اإلسالم التعامل‬
‫بالدين وقد تبث ذلك في نصوص الكتاب و السنة و إجماع علماء األمة و‬
‫المعقول‪.‬‬
‫وردت في شأن الدَّيْن أطول آية في القرآن الكريم‪ ،‬وذلك ألهمية‬
‫موضوع الدَّين‪ ،‬قال الله تعالى( يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا إِذَا تَدَايَ ْنتُ ْم بِدَي ٍْن إِلَى‬
‫أَ َج ٍل ُم َ‬
‫س ًّمى فَا ْكتُبُوهُ ) البقرة ‪.111‬‬

‫سداد الدين‬
‫لحقوق اآلخرين في اإلسالم أهمية بالغة و اهتمام كبير كونها مبنية‬
‫على َّالمشاحة لذلك أوجبت الشريعة على المسلمين تسديد ديونهم بل‬
‫واعتبرت مطل المدين القادر على الوفاء ظلم يستحق صاحبه العقوبة‪.‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )‬

‫‪ 51‬نزيه ‪،‬كمال حماد ‪:‬قضايا فقهية معاصرة في المال و االقتصاد ط‪/2412 2‬ـ‪1002‬م ‪ ،‬دار القلم‬
‫‪،‬دمشق ‪ ،‬الدار الشامية بيروت ‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪105‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫ووجه االستدالل من اآلية ظاهر فكلمة "العقود" لفظ عام يستغرق كل‬
‫عقد فأمر الـلـه سبحانه بالوفاء بالعقود‪ ،‬يعني َّبذلك عقود الدين وهي ما‬
‫عقده المرء على نفسه‪ ،‬من بيع وشراء وإجارة وكراء وكذلك ما عقده‬
‫عل ى نفسه لـلـه من الطاعات‪ ،‬كالحج والصيام واالعتكاف والقيام والنذر‬
‫وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫مطل المدين‬
‫من ضمن ما نهت عنه الشريعة اإلسالمية وحذرت منه مسألة مطل‬
‫المدين و مطل المدين في اإلصطالح منع قضاء ما استحق أداؤه‪.52‬‬
‫مطل المدين المعسر الذي ال يجد وفاء لدينه‪ ،‬فإنه يمهل حتى يوسر‪،‬‬
‫ويترك بطلب الرزق وال يحل مطالبته أو مضايقته؛ ألن الـلـه سبحانه‬
‫وهذا‬ ‫الميسرة‬ ‫وقت‬ ‫إلى‬ ‫إنظاره‬ ‫أوجب‬
‫مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة و كذلك‬
‫مطل المدين الغني الذي منعه العذر عن الوفاء كغيبة ماله وعدم وجوده‬
‫بين يديه وقته بغير تعمده‪.‬‬
‫الدَّين بالدين‬
‫الدَّين بالدين هو مثل أن يأخذ الرجل من غريمه في دين له عليه سكنى‬
‫دار مثالً‪ ،‬بحجة أن ذلك من باب الدين بالدين لذلك من الفقهاء من ال‬
‫يجيز أن يأخذ الرجل من غريمه في دين له عليه تمراً قد بدا صالحه وال‬
‫سكنى دار وال جارية تتواضع‪ ،‬ويراه من باب الدين بالدين وذلك ألنهم‬

‫‪ 52‬النووي ‪:‬شرح صحيح مسلم‬


‫‪106‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫اختلفوا هل هذا يدخل في الدَّين بالدين‪ .‬وكان أشهب يجيز ذلك ويقول‪:‬‬
‫‪53‬‬
‫ليس هذا من باب الدين بالدين‬
‫المقاصة‬
‫المقاصة هي اختالف الجنس بأن كان لرجل في ذمة رجل ذهب‬
‫ولآلخر عليه دراهم فتقاصا بأن كان لرجل في ذمة رجل ذهب ولآلخر‬
‫عليه دراهم فاصطرفا بما في ذمتهما‪ .‬الدين بالدين ليس كله محظوراً‪،‬‬
‫فالحظر ال يشمل الساقط بالساقط حيث إنه ال يبقى على هذا دَين‪ ،‬وال‬
‫على هذا دين‪ ،‬فهو جائز مثل أن يكون لهذا على هذا دراهم‪ ،‬ولهذا على‬
‫‪54‬‬
‫هذا دنانير‪ ،‬فيقول‪ :‬بعت هذا بهذا‪ ،‬وتبرأ الذمتان‪.‬‬
‫من الفقهاء من يرى عدم صحة هذه المعاملة بحجة أنها بيع دين بدين‬
‫وبهذا قال الليث والشافعي‪ .‬ومنهم من يرى صحة هذه المعاملة‪ .‬وجوزه‬
‫‪55‬‬
‫مالك وأبو حنيفة‬
‫المقاصة ال تتطلب تسليم الدين يداً بيد‪ ،‬فإذا كان لشخص دين على آخر‪،‬‬
‫ولآلخر دين على األول فهنا تجري المقاصة‪ ،‬بمعنى‪ :‬الدين بالدين‪.‬‬
‫الديون الناشئة عن المعامالت المالية‬
‫المداينة تشمل جميع المداينات التي بين الناس‪:‬‬

‫‪ 53‬بداية المجتهد ‪:‬كتاب البيوع الفصل الثالث ‪:‬في الفرق بين ما يباع من الطعام مكيالً وجزافاً‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.249‬‬
‫‪ 54‬تفسير آيات أشكلت البن تيمية ‪:‬ص‪.140 – 149‬‬
‫‪ 55‬المغني البن قدامة ‪:‬دار عالم الكتب للطباعة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.201‬‬
‫‪107‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫اشتريت من شخص سلعة بمائة درهم مثالً إلى أجل وقبضتَها‪ ،‬فإننا‬‫َ‬ ‫إذا‬
‫نقول‪ :‬له عليك دين (بقيمة مائة درهم)‪ .‬وإذا اقترض منك شخص مائة‬
‫ضها‪ ،‬فإننا نقول‪ :‬لك عليه دين (مائة درهم)‪.‬‬
‫درهم وق َب َ‬
‫ومن هذا نعلم أن السلعة التي يشتريها اإلنسان ويقبضها يرافقها دين‪،‬‬
‫أي‪ :‬يصبح المشتري القابض مديناً‪ ،‬كما أن النقود التي يقترضها‬
‫ويقبضها يرافقها دين‪ ،‬أي‪ :‬يصبح المقترض مديناً‪.‬‬

‫الدرس الرابع عشر‪ :‬الشركة‬

‫تعريف الشركة‬

‫‪108‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫شركا وشركة‪ ،‬وشركت بينهما في‬ ‫الشركة في اللغة مصدر من شرك ْ‬


‫المال وأشركته جعلته شريكا‪ ،‬والشركة‪ :‬االختالط أو خلط الشريكين‪،‬‬
‫وقد يطلق لفظ الشركة على عقد الشركة؛ ألنه سبب الخلط‪.‬‬
‫ويتضح من هذا أن للشركة معنيين لغويين‪ :‬الخلط مطل ًقا سواء أكان في‬
‫المال أو في األشخاص المشتركين أو في غيرها‪ ،‬والعقد(‪.)56‬‬
‫الشركة في الفقه اإلسالمي بمعناها العام "اختصاص اثنين فأكثر بمحل‬
‫واحد"‪ ،‬والمحل الواحد إما أن يكون عينا أو د ْينا أو عمال أو ماال أو‬
‫جاها ‪ ،‬وقد تعرف بأنها "االجتماع في استحقاق أو تصرف" وهو‬
‫التعريف المشهور عند الحنابلة؛ فاالجتماع في االستحقاق يعني‬
‫المشاركة في العين باإلرث أو الشراء أو الهبة أو الغنيمة أو الوصية أو‬
‫نحو ذلك‪ ،‬وال فرق بين أن يملك المتشاركون العين والمنفعة أو العين‬
‫دون المنفعة أو المنفعة دون عينها‪ ،‬ومعنى االجتماع في التصرف‪ :‬قيام‬
‫كل من الشركاء في العمل في الشركة بيعًا‪ ،‬وشراء‪ ،‬ورهنا‪ ،‬وإجارة‬
‫وغيرها‪ ،‬أيا كان نوع الشركة (‪.)57‬‬
‫أما تعريف الفقهاء لشركة العقد فقد عرفها الشافعية بأنها عقد يقتضي‬
‫ثبوت الحق في شيء الثنين فأكثر على جهة الشيوع (‪.)58‬‬

‫مشروعية الشركة‬

‫‪ 56‬ينظر لسان العرب والقاموس المحيط مادة (شرك)‪.‬‬


‫(‪ )57‬المغني ‪ ،209/9‬اإلنصاف ‪ ،409/5‬تبيين الحقائق ‪ ،424/4‬الجوهرة النيرة ‪ ،115/2‬شرح‬
‫حدود ابن عرفة ‪ ،111– 112‬الغرر البهية‪ ،219 - 211/4‬حاشيتا قليوبي وعميرة ‪،421/1‬‬
‫شرح مختصر خليل ‪ ،41– 49/1‬حاشية الدسوقي ‪.441/4‬‬
‫(‪ )58‬أسنى المطالب ‪ ،154 - 151/1‬الغرر البهية ‪ ،219 - 211/4‬تحفة المحتاج ‪- 112/5‬‬
‫‪ ،111‬نهاية المحتاج ‪.4/5‬‬
‫‪109‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫دليل مشروعية الشركة‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬واإلجماع‪،‬‬


‫والمعقول‪.‬‬
‫ض ُه ْم َعلَى‬ ‫يرا ِّم ْن ْال ُخلَ َ‬
‫طاء لَيَ ْب ِغي بَ ْع ُ‬ ‫(و ِإ َّن َكثِ ً‬
‫أما القرآن فقوله تعالى َ‬
‫ت َوقَ ِلي ٌل َّما ُه ْم) ‪ -‬ص‪14:‬‬ ‫ض ِإال الَّذِينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا ال َّ‬
‫صا ِل َحا ِ‬ ‫بَ ْع ٍ‬
‫والخلطاء هم الشركاء؛ فدلت اآلية على تقرير وجود الشركة في معرض‬
‫ذكر الخصومة بين الشركاء‪ ،‬وقد رأى الحنابلة في هذه اآلية دليال على‬
‫جواز الشركة في العين والعقد‪.‬‬
‫(وإِ ْن تُخَا ِل ُ‬
‫طو ُه ْم فَإِ ْخ َوانُ ُك ْم) ‪-‬البقرة‪110:‬‬ ‫ونحوه قوله تعالى َ‬
‫فأباح لهم بذلك خلط طعام اليتيم بطعامهم‪ ،‬وأن تكون يده مع أيديهم‪ ،‬مع‬
‫جواز أن يكون بعضهم أكثر أكال من غيره‪ .‬وقد ذكر علي بن محمود‬
‫نحوا مما ذكره الجصاص‪ ،‬وذكر ابن العربي استشهاد علماء‬ ‫الطبري ً‬
‫المالكية بهذه اآلية الكريمة على جواز االشتراك في الطعام‪ ،‬وأكله على‬
‫اإلشاعة(‪.)59‬‬

‫وروى ابن ماجة وأبو داود والحاكم وصححه‪ ..‬أن السائب بن أبي‬
‫السائب قال للنبي ﷺ (كنت شريكي في الجاهلية؛ فكنت خير شريك ال‬
‫تداريني وال تماريني) ولفظ ابن ماجة (كنت شريكي‪ ،‬ونعم الشريك؛‬
‫كنت ال تداري وال تماري)(‪)60‬‬

‫(‪ )59‬أحكام القرآن للجصاص ‪ ،451 -452/2‬أحكام القرآن البن العربي ‪-404 ،125 -124/2‬‬
‫‪.404‬‬
‫(‪ )60‬سنن أبي داود كتاب األدب‪ ,‬باب‪ :‬في كراهية المراء ‪ ،)4141(110/4‬ابن ماجة كتاب‬
‫التجارات‪ ,‬باب‪ :‬في الشركة والمقايضة ‪.)1119(911/1‬‬
‫‪110‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أركـان الشركـة‬
‫اإليجاب والقبول باإلجماع‪ ،‬وليس لهما ألفاظ مخصوصة بل كل ما دل‬
‫على الشركة يعتبر إيجابًا وقبوال؛ كأن يقول شخص آلخر‪ :‬شاركتك في‬
‫كذا‪ ،‬فيقول اآلخر‪ :‬قبلت‪ .‬أو أعطيتك ألف دينار مقابل ألف دينار منك‬
‫شركة أو للمتاجرة م ًعا‪ ،‬فقبل اآلخر‪ ..‬انعقدت الشركة‪ .‬ورأى الحنابلة‬
‫والشافعية والمالكية أن أركان الشركة أربعة‪ :‬اإليجاب والقبول‬
‫والعاقدان والمحل‪ ،‬والمحل يشمل المال والعمل‪ ،‬ونص الشافعية على‬
‫سا‪ ،‬ونفي ابن رشد أن يكون العمل ركنًا خا ً‬
‫صا‪..‬‬ ‫اعتبار العمل ركنا خام ً‬
‫بل هو تابع للمال فال يعتبر بنفسه ‪. 61‬‬
‫والشركة تجوز باألثمان المطلقة التي ال تتعين بالتعيين كالنقدين من‬
‫الذهب "الدنانير" والفضة "الدراهم"‪ ،‬وكل نقد مصكوك‪ ،‬ويدخل فيها‬
‫األوراق المالية التي تحل محل الذهب والفضة كالجنيهات والدنانير‬
‫والرياالت والروبية والمارك والدوالر وغيرها؛ مما يتعامل بها الناس‪،‬‬
‫ويتم الصرف فيها‪.‬‬
‫وتجوز عند المالكية واألوزاعي وابن أبي ليلى بغير النقدية كعروض‬
‫التجارة مكيال كان أو موزونا أو عدديًا متقاربا أو غير متقارب‪ .،‬وعند‬
‫الشافعية والشيعة الجعفرية أنها تجوز في المثليات من العروض كالبر‬
‫والشعير والحديد‪ ،‬وال تصح في القيميات‪ ،‬ومنع األحناف الشركة‬
‫بالعروض وإنما تقوم بالنقدين‪ ،‬وتكون الشركة فيهما أو ببيع أحدهما‬

‫(‪ )61‬الغرر البهية‪ ،211/4‬ومواهب الجليل ‪ ،214 - 214/5‬نهاية المحتاج‪.9 - 1/5‬‬


‫‪111‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫نصف عروضه بنصف عروض اآلخر‪ ،‬إذا كانت قيمتاهما على السواء‪،‬‬
‫وتنعقد الشركة على قيمتهما‪.62‬‬
‫وتجوز الشركة بالعمل؛ أي بتقديم ِخ ْدمات معينة من أعمال الشركة‪،‬‬
‫سواء أكانت مستقلةً كما في شركة الوجوه وشركة األعمال‪ ،‬أو من‬
‫جانب واحد كما في شركة المضاربة‪ ،‬أو تاب ًعا للمال كما في شركة‬
‫العنان ‪. 63‬‬
‫الحكمة من مشروعية الشركة في اإلسالم‬
‫تتوخى الشريعة من وراء إقرار مشروعية الشركة مجموعة من‬
‫األهداف أهمها ‪:‬التعاون بين الناس وبيان أنه أساس كل خير يقول تعالى‬
‫( وتعاونوا على البر والتقوى ) ‪ -‬المائدة ‪1‬‬
‫‪ .2‬تحقيق الربح للمشتركين ‪.‬‬
‫‪ .1‬القيام بالمشروعات الضخمة نتيجة جمع أموال كثيرة من شخصين‬
‫أوكثر‪.‬‬
‫‪ .4‬التنمية اإلقتصادية للدولة اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪ .4‬تنبيه الناس على أن البركة مع الجماعة‪.‬‬

‫‪ 62‬بدائع الصنائع‬
‫(‪ )63‬بدائع الصنائع ‪ ،59/1‬فتوحات الوهاب ‪ ،491/4‬تحفة الحبيب‪ ،211/4‬الفواكه الدواني‬
‫‪ ،212/1‬رد المحتار ‪ ،199 - 191/4‬المغني ‪ ، 209/9‬اإلنصاف ‪ ،409/5‬تبيين الحقائق‬
‫‪ ،424/4‬الجوهرة النيرة ‪ ،115/2‬شرح حدود ابن عرفة ‪ ،111– 112‬الغرر البهية‪- 211/4‬‬
‫‪ ،219‬حاشيتا قليوبي وعميرة ‪ ،421/1‬شرح مختصر خليل ‪ ،41– 49/1‬حاشية الدسوقي‬
‫‪ ،441/4‬الشركات في ضوء اإلسالم ص ‪ ،24 - 24‬مشكلة االستثمار في البنوك اإلسالمية‬
‫وكيف عالجها اإلسالم د‪ .‬محمد صالح محمد الصاوي ‪ ،259– 254‬العقود المسماة د‪ .‬وهبة‬
‫الزحيلي ص ‪.211 - 214‬‬
‫‪112‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ .5‬التنبيه الى إمكانية التكامل بين المال والخبرة والعمل للتكافل وتحقيق‬
‫التقدم ‪.‬‬
‫‪ .1‬الحيلولة دون كنز األموال ألن أصحاب األموال القليلة أو أصحاب‬
‫الخبرات المحدودة يمكنهم شراء أسهم الشركات الكبرى والمساهمة فيها‬
‫وذلك باستثمار أموالهم واإلستفادة من ربحها ‪.‬‬
‫أهم أنواع شركة العقد عند فقهاء اإلسالم‬
‫أهم أنواع شركة العقد عند فقهاء اإلسالم هي‪:‬‬
‫‪ .2‬شركة األموال ‪.‬‬
‫‪ .1‬شركة األعمال أو األبدان‬
‫‪ .4‬شركة الوجوه أو الذمم‪.‬‬
‫وهذه األنواع الثالثة يتفرع كل منها الى شركة عنان وشركة مفاوضة‪.‬‬
‫‪ .4‬شركة المضاربة‪.‬‬
‫‪ .1‬شركة األموال‬
‫هي أن يشترك اثنان أو اكثر في مال على أن يتجرا فيه ويكون الربح‬
‫بينهما بنسبة معلومة أما الخسارة فتكون على حسب رأس المال‪.‬‬
‫وقد شرعت شركة األموال لتنمية األموال كما يقول الكاساني ‪ ،‬وتنقسم‬
‫شركة األموال عند الفقهاء الى قسمين هما شركة العنان وشركة‬
‫المفاوضة‪:‬‬
‫‪ .2‬شركة العنان‬
‫‪113‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫قال السبكي (المشهور أنها مأخوذة من عنان الدابة وهو ما تقاد به كأن‬
‫كل واحد من الشريكين أخذ بعنان صاحبه ال يطلقه يتصرف حيث شاء )‬
‫‪64‬‬

‫وعرفها الفقهاء في اإلصطالح بقولهم ( هي أن يشترك اثنان أو اكثر في‬


‫مال لهما على أن يتجرا فيه والربح بينهما ‪ ،‬أما الخسارة فتكون على‬
‫حسب رأس المال)‪.‬‬
‫أهم مميزات شركة العنان‬
‫تتميز شركة العنان بمميزات جعلتها أكثر أنواع الشركات انتشارا من‬
‫أهمها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنه ال يشترط فيها المساواة ال في رأس المال وال في التصرف‪.‬‬
‫أنه يجوز أن يكون أحد الشريكين مسؤوال عن الشركة واآلخر‬ ‫ب‪-‬‬
‫غير مسؤول‪.‬‬
‫أنه ليست فيها كفالة حيث ال يطالب أحد الشريكين فيها إال بما‬ ‫ج‪-‬‬
‫عقده بنفسه من التصرفات أما تصرفات شريكه فهو غير مسؤول عنها‬
‫د‪ -‬يجوز أن يتساوى الشريكين في هذه الشركة في الربح أو يختلفا‬
‫فيوزع الربح بينهما حسب الشرط الذي اتفقا عليه ‪ ،‬أما الخسارة فتكون‬
‫على حسب رأس المال فحسب عمال بالقاعدة " الربح على ما اشترط‬
‫والوضيعة على قدر المالين"‬
‫وهذه الشركة جائزة باإلجماع كما ذكر ابن المنذر‪.‬‬
‫‪ .1‬شركة المفاوضة‬

‫‪ 64‬مختصر الطحاوي ‪ 209‬والشرح الكبير للدرديري‬


‫‪114‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫المفاوضة لغة المساواة وسميت هذه الشركة مفاوضة إلعتبار المساواة‬


‫بين الشركاء في كل شئ‪ .‬وقد عرفها الفقهاء اصطالحا بقولهم‪ ":‬أن‬
‫يتعاقد اثنان أو أكثر على أن يشتركا في مال أو عمل أو ضمان ويشترط‬
‫أن يكونا متساويين في رأس مالهما وتصرفهما وربحهما وخسارتهما‬
‫ودينهما "‪.‬‬
‫أهم مميزات شركة المفاوضة‬
‫لشركة المفاوضة مميزات عدة أهمها‪:‬‬
‫أ‪ -‬المساواة بين الشركاء في رأس المال‪.‬‬
‫المساواة بين الشركاء في التصرف‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫المساواة بين الشركاء في الربح‪.‬‬ ‫ج‪-‬‬
‫د‪ -‬المساواة بين الشركاء في الدين‪.‬‬
‫ه‪ -‬أن يكون كل واحد من الشركاء وكيل لصاحبه فيما يجب عليه‪.‬‬
‫أهم ما تختلف فيه شركة المفاوضة عن شركة العنان هو‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن شركة المفاوضة مختلف في جوازها أما شركة العنان فهي مجمع‬
‫على جوازها‪.‬‬
‫أنه تشترط المساواة في شركة المفاوضة وال تشترط في شركة‬ ‫ب‪-‬‬
‫العنان‪.‬‬
‫أن شركة المفاوضة تعطي الحق المطلق في التصرف بينما‬ ‫ج‪-‬‬
‫شركة العنان يكون الشريك فيها مقيدا بإذن الشريك‪.‬‬
‫أقسام الشركة عند الفقهاء‬

‫‪115‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫وقد قسم األحناف الشركة إلى‪:‬‬


‫‪ .2‬شركة المفاوضة وهي أن يشترك اثنان أو أكثر بالمساواة ماال ود ْينًا‬
‫ورب ًحا‬
‫‪ .1‬شركة عنان وهي أن يشترك اثنان أو أكثر ببعض المال أو مع‬
‫التساوي في المال أو فضل مال أحدهما مع المساواة في الربح أو‬
‫االختالف فيه‬
‫‪ .4‬شركة الصنائع وهي أن يشترك اثنان اتفقا في الصنعة أو اختلفا‪،‬‬
‫على أن يتقبال األعمال‪ ،‬ويكون الكسب بينهما‪.‬‬
‫‪ .4‬شركة الوجوه‪ - :‬وتسمى شركة المفاليس ‪ ، -‬وهي أن يشترك اثنان ال‬
‫مال لهما على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا نقدًا ونسيئة‪ ،‬ويكون الربح‬
‫بينهما‪.‬‬
‫والمالكية يقسمون الشركة إلى سبعة أنواع هي‪:‬‬
‫‪ - 2‬شركة المفاوضة‪ :‬وهي أن يفوض كل واحد من الشريكين التصرف‬
‫لآلخر في حضوره‪ ،‬وغيبته‪ ،‬ويلزمه كل ما يعمله شريكه‪.‬‬
‫‪ - 1‬شركة عنان‪ :‬وهي أن يشتركا على أال يتصرف أحدهما إال بإذن من‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫‪ - 4‬شركة عمل‪ :‬وهي شركة الصنائع عند األحناف‪.‬‬
‫‪ - 4‬شركة ذمم‪ :‬وهي شركة الوجوه عند األحناف‪.‬‬
‫‪ - 5‬شركة وجوه‪ :‬وهي أن يتفق رجل ذو وجاهة مع رجل آخر ال‬
‫وجاه ة عنده على أن يبيع الوجيه تجارة الخمل؛ ألن وجاهته تحمل‬
‫الناس على الثقة به‪ ،‬والشراء منه‪ ،‬وله في نظير ذلك جزء من الربح‪،‬‬
‫وهي ممنوعة عند المالكية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫‪ – 1‬شركة اختيار‪ :‬وهي التي تنشأ بفعل الشريكين‪ ،‬كشراء اثنين شيئا‪،‬‬
‫أو هبته لهما‪ ،‬أو اإليصاء به إليهما؛ فيصير الشيء مشتركا بينهما شركة‬
‫ملك‪.‬‬
‫‪ - 9‬شركة الجبر‪ :‬وهي عبارة عن أن يشتري شخص سلعة بحضرة‬
‫تاجر اعتاد التجارة في هذه السلعة‪ ،‬ولم يخطر أحدًا بأنه يريد أن‬
‫يشتريها لنفسه خاصة‪ ،‬ولم يتكلم في ذلك؛ فإن له الحق في أن يشترك‬
‫فيها مع من اشتراها‪ ،‬ويجبر من اشتراها على الشركة مع ذلك‬
‫التاجر(‪.)65‬‬

‫ذهب الشافعية والظاهرية إلى أنه ال يصح من أنواع الشركة إال شركة‬
‫العنان والمضاربة‪ .‬وال يرون وجها لشركة المفاوضة والوجوه‬
‫والصنائع‪ ،‬خالفا للشيعة الزيدية؛ فإنهم يقولون بجواز شركة‬
‫المضاربة‪)66(.‬‬

‫صفة عقد الشركة‬


‫الشركة عقد محدد يعني أن الشريك يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي‬
‫من رأس المال‪ ،‬ومقدار ما يأخذ من أرباح‪ ،‬واحتمال الخسارة في‬

‫(‪ )65‬حاشية العدوي ‪ ،104/1‬المدونة ‪ ،594/4‬التاج واإلكليل ‪ ،10/9‬شرح مختصر خليل ‪41/1‬‬
‫– ‪ 49‬حاشية العدوي ‪.104/1‬‬
‫(‪ )66‬األم ‪ ،141– 141/1 ،141/4‬أسنى المطالب ‪ ،155 – 154/1‬شرح البهجة‪- 211/4‬‬
‫‪ ،219‬تحفة المحتاج ‪ ،114/5‬المحلى ‪ ،424– 421/1‬الشركات في ضوء اإلسالم ص‬
‫‪ , 15 - 11‬الشركات في الفقه اإلسالمي د‪ .‬عبد الفتاح محمد أبو العينين ص‪ ،25 - 20‬مشكلة‬
‫االستثمار في البنوك اإلسالمية وكيف عالجها اإلسالم د‪ .‬محمد صالح محمد الصاوي ‪244‬‬
‫–‪ ،245‬العقود المسماة ‪.290 - 212‬‬
‫‪117‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫الشركة ال يجعلها عقدًا احتماليا‪ ،‬وهذا ما نص عليه الفقهاء من ضرورة‬


‫أن يعرف مقدار رأس المال‪ ،‬وأن يكون الربح جز ًءا شائعا معلوم القدر‪.‬‬
‫يجاب والقبول‬
‫َ‬ ‫والشركة عقد نافذ النظر؛ لنفاذ عقدها ما لم يالبس اإل‬
‫عيب من عيوب التراضي كاإلكراه؛ فيكون عقد الشركة موقوفًا‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ضا أنها عقد من عقود المعاوضة؛ بمعنى أن كل‬ ‫ومن صفات الشركة أي ً‬
‫شريك يقدم حصة في رأس المال‪ ،‬ويأخذ نصيبًا من أرباح الشركة مقابل‬
‫هذه الحصة‪ ،‬وقد تكون مبادلة مال بمال إذا كان رأس المال من النقدين‬
‫أو غيرهما‪ ،‬وقد تكون مبادلة عمل بعمل كما في شركة الصنائع‬
‫والوجوه أو شركة التوصية أو الشركات التي تقدم فيها الحصة عمال من‬
‫األعمال عند القانونيين‪ ،‬ومن الفقهاء من يرى أن الشركة ليست من‬
‫عقود المعاوضة‪.‬‬
‫ضا أنها عقد مستمر؛ أي يحتاج تنفيذه إلى زمن‪ ،‬ال سيما‬
‫ومن صفاتها أي ً‬
‫إذا كانت شركات كبرى كالشركات المساهمة‪ ،‬كما أن من صفاتها أنها‬
‫عقد أصلي مستقل في وجوده‪ ،‬واتفاق منظم تتحد فيه مصالح الشركاء‪،‬‬
‫وال تتعارض لجلب المصلحة للشركة ال لشريك دون شريك‪ ،‬وهو معنى‬
‫مستفاد من قوله ﷺ فيما يرويه عن ربه (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن‬
‫أحدهما صاحبه)‪ ،‬وفي رواية أخرى (فإذا تخاونا محقت البركة‬
‫منها)(‪.)67‬‬

‫شروط الشركة‬

‫(‪ )67‬الشركات في ضوء اإلسالم‪ ،‬ص ‪.21 - 24‬والحديث رواه أبو داود في كتاب البيوع وينظر‬
‫أيضا الوسيط للدكتور عبد الرزاق السنهوري ‪ ،112/5‬والمدخل الفقهي العام للزرقا ‪.511/2‬‬
‫‪118‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أ‪ .‬أن يكون كل من العاقدين أهال للوكالة؛ ألن كل واحد منهما قد أذن‬
‫لصاحبه ف ي التصرف في رأس مال الشركة‪ ،‬وفي تقبل األعمال‪ ،‬وفي‬
‫استجالب السلع وبيعها‪ .‬والشركة تتضمن معنى الوكالة‪ ،‬جاء في كتاب‬
‫الهداية )وشرطه ‪ -‬أي عقد الشركة‪ -‬أن يكون التصرف المعقود عليه‬
‫قابال للوكالة؛ ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتر ًكا بينهما؛ فيتحقق حكمه‬
‫المطلوب منه‪ ،‬وهو االشتراك في الربح؛ إذ لو لم يكن كل منهما وكيال‬
‫عن صاحبه في النصف وأصيال في النصف اآلخر ما كان المستفاد‬
‫مشتر ًكا((‪.)68‬‬
‫أن يكون الربح معلوم القدر؛ فإن كان مجهوال تفسد الشركة؛‬ ‫ب‪.‬‬
‫ألن الربح هو المقصود‪ ،‬وجهالته تفسد عقد الشركة‪ ،‬والجهالة المقيدة‬
‫هي التي تفضي إلى النز اع‪ .‬أما الجهالة اليسيرة فال تعتبر‪ ،‬وال مانع من‬
‫أن يكون جز ًءا شائ ًعا في الجملة كالثلث والربع‪ ،‬وال يجوز تحديده بمبلغ‬
‫معين كعشرة دنانير الحتمال أال يحصل من الربح إال المبلغ الذي حدد‬
‫ألحدهما؛ فال تتحقق الشركة(‪.)69‬‬
‫حاضرا عند مباشرة أعمال الشركة كالبيع‬ ‫ً‬ ‫أن يكون المال‬ ‫ت‪.‬‬
‫والشراء؛ فال تصح الشركة بمال غائب أو دين في الذمة؛ ألن المقصود‬
‫من الشركة الربح‪ ،‬وال يتم ذلك إال بالتصرف‪ ،‬وال يتحقق التصرف بمال‬
‫غائب أو دين(‪.)70‬‬

‫(‪ )68‬العناية شرح الهداية ‪ ،291 ،255/1‬فتح القدير ‪ ،255/1‬تبيين الحقائق ‪.424/4‬‬
‫(‪ )69‬بدائع الصنائع‪ ،59/1‬الفتاوى الهندية ‪ ،401/1‬مواهب الجليل ‪ ،242/5‬شرح مختصر‬
‫خليل‪ ،45/1‬فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب اإلمام مالك ألبي عبد الله محمد بن‬
‫أحمد المشهور بالشيخ عليش (‪2199‬هـ ‪2111 -‬م)‪241/1.‬دار المعرفة‪.‬‬
‫(‪ )70‬البحر الرائق ‪ ،211/5‬الموسوعة الفقهية ‪.50/11‬‬
‫‪119‬‬
‫فقه المعامالت ‪1‬‬

‫أن يُعلم رأس المال وقت العقد ‪ -‬عند غير األحناف ‪ -‬؛ إذ ال‬ ‫ث‪.‬‬
‫يجوز أن يكون رأس المال مجهوال وال جزافًا؛ ألنه ال بد من الرجوع‬
‫عند المفاصلة‪ ،‬وال يمكن مع الجهل (‪.)71‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد‬

‫(‪ )71‬المبسوط ‪ ،210/22‬بدائع الصنائع ‪ ،101/5‬الشركات في ضوء اإلسالم ص ‪،21 - 21‬‬


‫العقود المسماة د‪ .‬وهبة الزحيلي ص‪.215‬‬
‫‪120‬‬
‫بيع املراحبة‬

‫بيع املراحبة‪ :‬أن خيرب برأس ماله مث يبيع به ويربح فيقول‪ :‬رأس مايل فيه مائة بعتكه هبا وربح عشرة فهذا‬
‫جائز غري مكروه ألن الثمن معلوم وإن قال‪ :‬بعتك هبا وربح درهم يف كل عشرة أو قال ده ايزده أو ده‬
‫دواز ده فهو صحيح أيضا جائز غري مكروه ألن الثمن معلوم فهي كاليت قبلها ولكن كرهه أمحد ألن‬
‫ابن عمر وابن عباس كرهاه ألنه بيع األعاجم وألن الثمن قد ال يعلم يف احلال‪.‬‬

‫وبيع التولية‬

‫هو البيع مبثل الثمن الذي اشرتى به وحكمه حكم املراحبة فيما ذكران ويصح بلفظ البيع ولفظ التولية‬
‫ألنه مؤد ملعناه قال أمحد‪ :‬وال أبس بيع الرقم وهو الثمن الذي يكتب على الثوب وال بد من علمه حال‬
‫العقد ليكون معلوما فإن مل يعلم فالبيع ابطل ألن الثمن جمهول وقال‪ :‬املساومة عندي أسهل من املراحبة‬
‫ألن بيع املراحبة يعترب به أمانة واسرتسال من املشرتي وحيتاج إىل حتري الصدق واجتناب الريبة وقال يف‬
‫رجلني اشرتاي ثواب بعشرين مث اشرتى أحدمها من صاحبه ابثنني وعشرين‪ :‬فإنه خيري يف املراحبة إبحدى‬
‫وعشرين ألنه اشرتى نصفه بعشرة ونصفه أبحد عشرة‪.‬‬

‫بيع الوضيعة‬

‫األول‪ ،‬وهو ض ّد بيع املراحبة‪.‬‬


‫الشيء بنقصان معلوم من الثّمن ّ‬
‫هو بيع ّ‬

‫بيع التلجئة‬

‫يعرف بعض احلنفية بيع التلجئة‪ :‬أبنه عقد ينشئه لضرورة أمر فيصري من املدفوع إليه‪.‬‬
‫عرفه بقوله‪ :‬هو أن يظهرا بيعا مل يريداه ابطنا بل خوفا من ظامل وحنوه‪.‬‬ ‫ويف (اإلنصاف) ّ‬
‫ومسّاه الشافعية بيع األمانة وصورته كما ذكر النووي يف (اجملموع)‪ :‬أن يتفقا على أن يظهرا العقد إما‬
‫للخوف من ظامل وحنوه وإما لغري ذلك‪ ،‬ويتفقا على أهنما إذا أظهراه ال يكون بيعا‪ ،‬مثَّ يعقد البيع‪.‬‬
‫وأما التلجئة اليت أضيف هذا البيع إليها فرتد يف اللغة مبعىن‪ :‬اإلكراه واالضطرار‪ ،‬فريجع معناها إىل معىن‬
‫اإلجلاء‪ ،‬وهو اإلكراه التام أو امللجئ‪ ،‬أو معناه كما يفهم من (حاشية ابن عابدين)‪ :‬أن يهدد شخص‬
‫غريه إبتالف نفس أو عضو أو ضرب مربح إذا مل يفعل ما يطلبه منه‪ .‬قال اجلرجاين‪ :‬هو العقد الذي‬
‫يباشره اإلنسان عند ضرورة‪ ،‬ويصري كاملدفوع إليه‪ ،‬وصورته أن يقول الرجل لغريه‪ :‬أبيع دارى منك بكذا‬
‫يف الظاهر‪ ،‬وال يكون بيعا يف احلقيقة‪ ،‬ويشهد على ذلك وهو نوع من اهلزل‪.‬‬
‫[الفتاوى اهلندية ‪ ،209 /3‬والتوقيف ص ‪ ،154‬وشرح منتهى اإلرادات ‪ ،140 /2‬والتعريفات ص‬
‫‪( 48‬علمية)]‪.‬‬

‫بيع العربون‬

‫تعريف العربون يف االصطالح‪ :‬عُرف بعدة تعريفات فقيل هو‪" :‬أن يشرتي السلعة من غريه‪ ،‬ويدفع‬
‫إليه دراهم على أنه إن أخذ السلعة فهي من الثمن‪ ،‬وإال فهي للمدفوع إليه جماان"‪ .‬وقال ابن قدامة ‪-‬‬
‫رمحه هللا‪ -‬يف املغين" ‪:‬والعربون يف البيع هو‪ :‬أن يشرتي السلعة فيدفع إىل البائع درمها أو غريه على أنه‬
‫إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن‪ ،‬وإن مل أيخذ فذلك للبائع‪".‬‬

‫املضاربة‬

‫ض ِربُو َن‬
‫آخ ُرو َن يَ ْ‬
‫املضاربة يف اللغة مفاعلة من ضرب يف األرض‪ :‬إذا سار فيها‪ ،‬ومن هذا قوله تعاىل‪َ{ :‬و َ‬
‫جانب‪.‬وال‬ ‫وعمل من ٍ‬ ‫جانب‪ٍ ،‬‬‫كة يف الربح مبال من ٍ‬ ‫ض}‪ ،‬وهي يف اصطالح احلنفية‪ :‬عقد شر ٍ‬ ‫ِيف األ َْر ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خترج تعريفات املذاهب األخرى عن هذا املعىن‪.‬‬
‫بيع االستجرار‬

‫أخرته له‪.‬‬
‫السحب‪ ،‬وأجررته ال ّدين‪ّ :‬‬
‫واالستجرار لغة‪ :‬اجلذب و ّ‬
‫وبيع االستجرار‪ :‬أخذ احلوائج من البيّاع شيئا فشيئا‪ ،‬ودفع مثنها بعد ذلك‪.‬‬

‫بيع التقسيط‬

‫بيع التقسيط هو بيع يُ َع َّجل فيه املبيع (السلعة) ويتأجل فيه الثمن كلُّه أو ُ‬
‫بعضه على أقساط معلومة‬
‫آلجال معلومة‪.‬‬

You might also like