You are on page 1of 345

‫بحار النوار‬

‫العلمة المجلسي ج ‪74‬‬

‫]‪[1‬‬

‫بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر‬
‫المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي )قدس ال سره( الجزء الرابع‬
‫والسبعون دار احياء التراث العربي بيروت ‪ -‬لبنان الطبعة الثالثة‬
‫المصححة ‪‍ 1403‬ه‪ 1983 .‬م‬

‫]‪[1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على خير خلقه‬
‫وخليفته في خليقته محمد وآله الطاهرين‪ .‬أما بعد‪ :‬فهذا هو المجلد السابع‬
‫عشر من كتاب بحار النوار تأليف المولى الستاد الستناد مولينا " محمد‬
‫باقر بن محمد تقي المجلسي " قدس ال روحهما ونور ضريحهما )‪(1‬‬
‫وهذا هو كتاب الروضة منه‪ ،‬وهو يحتوي على المواعظ والحكم والخطب‬
‫وأمثالها‪ ،‬المأثورة عن ال تعالى والرسول صلى ال عليه وآله والسادة‬
‫المعصومين صلوات ال عليهم أجمعين‪ ،‬وعن أتباعهم عليهم السلم وما‬
‫شاكل ذلك‪)) * .‬أبواب(( * * )المواعظ والحكم( * * )باب ‪" * * (1‬‬
‫)مواعظ ال عزوجل في القرآن المجيد( " * * اليات * النساء‪ :‬ولقد‬
‫وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا ال وإن تكفروا فإن ل‬
‫ما في السموات وما في الرض وكان ال غنيا حميدا ‪ 131‬ول ما في‬
‫السموات وما في الرض وكفى بال وكيل ‪ 132‬إن يشأ يذهبكم أيها‬

‫)‪ (1‬قال المولى المتبحر النحرير الحاج الميرزا حسين النوري نور ال ضريحه‪ :‬ان‬
‫المجلد السابع عشر من كتاب بحار النوار من المجلدات التى لم تخرج‬
‫في حياة مصنفها )العلمة المجلسي( إلى البياض وانما أخرجه بعد وفاته‬
‫تلميذه العالم الجل والنحرير الكمل الميرزا عبد ال الفندي رحمه ال‬

‫]‪[2‬‬

‫الناس ويأت بآخرين وكان ال على ذلك قديرا ‪ 133‬من كان يريد ثواب الدنيا فعند‬
‫ال ثواب الدنيا والخرة وكان ال سميعا بصيرا ‪ (1) 134‬النعام‪ :‬قل هو‬
‫القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم‬
‫شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف اليات لعلهم يفقهون‬
‫‪ .(2) 66‬وقال سبحانه‪ :‬وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف‬
‫من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ‪ 134‬إنما توعدون لت‬
‫وما أنتم بمعجزين ‪ 135‬قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف‬
‫تعلمون ‪ 136‬من تكون له عاقبة الدار إنه ل يفلح الظالمون ‪(3) 137‬‬
‫العراف‪ :‬وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ‪ 4‬فما‬
‫كان دعويهم إذ جاءهم بأسنا إل أن قالوا إنا كنا ظالمين ‪.(4) 5‬‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى " ان تكفروا " أي تجحدوا وصيته‪ .‬وقوله‪ " :‬حميدا " أي‬
‫مستوجبا للحمد‪ .‬قوله " يذهبكم " أي يهلككم‪ .‬أصله ان يشأ اذهابكم‬
‫يذهبكم‪ .‬قوله‪ " :‬على ذلك قديرا " يعنى قادرا على الفناء واليجاد‪(2) .‬‬
‫قوله تعالى‪ " :‬أو يلبسكم شيعا " لبست عليه المر إذا خلطت بعضه‬
‫ببعض أي يخلطكم فرقا مختلفين‪ .‬وقوله‪ " :‬يذيق بعضكم بأس بعض "‬
‫أي يقتل بعضكم بعضا حتى يفنى الكل‪ .‬قوله‪ " :‬نصرف اليات " أي‬
‫نظهر اليات ونكررها مرة بعد اخرى حتى يزول الشبه لكى يعلموا الحق‪.‬‬
‫)‪ (3‬قوله‪ " :‬وما أنتم بمعجزين " أي لستم بمعجزين ال عن التيان‬
‫بالبعث والعقاب‪ .‬وقوله‪ " :‬على مكانتكم " أي على قدر منزلتكم وتمكنكم‬
‫من الدنيا ومعناه اثبتوا على الكفر‪ .‬وقوله‪ " :‬من تكون " مفعول "‬
‫تعلمون " وقرأ حمزه والكسائي " يكون " بالباء لن تأنيث العاقبة ليس‬
‫بحقيقى‪ (4) .‬قوله تعالى " بياتا " أي بائتين في الليل وهو مصدر وقع‬
‫موقع الحال وقوله‪ " :‬اوهم قائلون عطف على " بياتا " أي وقت‬
‫القيلولة وهو نصف النهار‪ .‬وحذفت واو الحال استثقال لجتماع الواوين‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬دعويهم " أي دعاؤهم أو استغاثتهم‪.‬‬

‫]‪[3‬‬

‫التوبة‪ :‬وقل اعملو فسيرى ال عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم‬
‫الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ‪ .(1) 106‬يونس‪ :‬ولقد أهلكنا‬
‫القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا‬
‫كذلك نجزى القوم المجرمين ‪ 14‬ثم جعلناكم خلئف في الرض من بعدهم‬
‫لننظر كيف تعملون ‪ .15‬وقال تعالى‪ :‬وال يدعوا إلى دار السلم ويهدي‬
‫من يشاء إلى صراط مستقيم ‪ - 26‬إلى قوله تعالى ‪ -‬وإما نرينك بعض الذي‬
‫نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم ال شهيد على ما يفعلون ‪ 48‬ولكل امة‬
‫رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم ل يظلمون ‪ - 49‬إلى‬
‫قوله تعالى ‪ -‬قل أرأيتم إن أتيكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه‬
‫المجرمون ‪ 52‬أثم إذا ما وقع آمنتم به الئن وقد كنتم به تستعجلون ‪ 53‬ثم‬
‫قيل للذين ظلموا ذواقوا عذاب الخلد هل تجزون إل بما كنتم تكسبون ‪- 54‬‬
‫إلى قوله ‪ -‬وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ول تعملون من عمل‬
‫إل كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في‬
‫الرض ول في السماء ول أصغر من ذلك ول أكبر إل في كتاب مبين ‪) 62‬‬
‫‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬ويحق ال الحق بكلماته ولو كره المجرمون ‪ .83‬هود‪:‬‬
‫ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد ‪ 103‬وما ظلمناهم‬
‫ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون ال من‬
‫شئ لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ‪ 104‬وكذلك أخذ ربك إذا أخذ‬
‫القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ‪ 105‬إن في ذلك لية لمن خاف‬
‫عذاب الخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ‪ 106‬وما‬
‫نوخره إل لجل معدود ‪ 107‬يوم‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى‪ " :‬فينبئكم بما كنتم تعملون " أي فيخبركم بما فعلتم ويجازيكم‬
‫عليه‪ (2) .‬قوله تعالى‪ " :‬إذ تفيضون فيه " أي تدخلون فيه والفاضة‬
‫الدخول في العمل على جهة النصباب إليه‪ .‬والعزوب الذهاب عن المعلوم‬
‫وضده حضور المعنى للنفس والمعنى ما تغيب عن علم ربك من مثقال‬
‫ذرة أي وزن نملة صغيرة‪.‬‬

‫]‪[4‬‬

‫يأت ل تكلم نفس إل باذنه فمنهم شقي وسعيد ‪ 108‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم‬
‫فيها زفير وشهيق ‪ 109‬خالدين فيها مادامت السموات والرض إل ما شاء‬
‫ربك إن ربك فعال لما يريد ‪ 110‬وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها‬
‫مادامت السموات والرض إل ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ‪ 111‬إلى‬
‫قوله تعالى وإن كل لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير ‪114‬‬
‫فاستقم كما امرت ومن تاب معك ول تطغوا إنه بما تعملون بصير ‪) 115‬‬
‫‪ .(1‬الرعد‪ :‬قل من رب السموات والرض قل ال قل أفأتخذتم من دونه‬
‫أولياء ل يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا قل هل يستوى العمى والبصير أم‬
‫هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا ل شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق‬
‫عليهم قل ال خالق كل شئ وهو الواحد القهار ‪ 18‬أنزل من السماء ماء‬
‫فسألت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار‬
‫ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب ال الحق والباطل فأما الزبد‬
‫فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض كذلك يضرب ال‬
‫المثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما‬
‫في الرض جميعا ومثله معه لفتدوا به اولئك لهم سوء‬
‫)‪ (1‬قوله تعالى " منها قائم " أي باق كالزرع المحصود عافى الثر‪ .‬وقوله "‬
‫تتبيب " أي غير تخسير وقوله‪ " :‬وما نؤخره ال لجل معدود " أي وما‬
‫نؤخر اليوم ال لنتهاء مدة معدودة متناهية على حذف المضاف وارادة‬
‫مدة التأجيل كلها بالجل ل منتهاها فانه غير معدود‪ .‬قوله‪ " :‬زفير‬
‫وشهيق " الزفير اخراج النفس والشهيق رده والمراد شدة حالهم‬
‫وكربهم وتشبيه صراخهم بصوت الحمير‪ .‬لن الزفير والشهيق أول نهاقه‬
‫وآخره‪ .‬قوله‪ " :‬ما دامت السموات والرض " ليس المراد السماء‬
‫والرض بعينها بل المراد التبعيد فان للعرب الفاظا للتبعيد في معنى‬
‫التأبيد يقولون لفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار وما دامت السموات‬
‫والرض وما تنبت النبت ظنا منهم أن هذه الشياء ل يتغير ويريدون‬
‫بذلك التأبيد‪ ،‬فخاطبهم سبحانه بالمتعارف من كلمهم على قدر عقولهم‪.‬‬
‫وقوله " عطاء غير مجذوذ " أي غير مقطوع ول ممنوع‪.‬‬

‫]‪[5‬‬

‫الحساب ومأويهم جهنم وبئس المهاد ‪ 19‬أفمن يعلم أنما انزل إليك من ربك الحق‬
‫كمن هو أعمى إنما يتذكر اولوا الباب ‪ .(1) 20‬ابراهيم‪ :‬ولقد أرسلنا‬
‫موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام ال إن‬
‫في ذلك ليات لكل صبار شكور ‪ .6‬وقال تعالى‪ :‬قالت رسلهم أفي ال شك‬
‫فاطر السموات والرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويوخركم إلى أجل‬
‫مسمى ‪ .12‬وقال تعالى‪ :‬ألم تر أن ال خلق السموات والرض بالحق إن‬
‫يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ‪ 23‬وما ذلك على ال بعزيز ‪ .24‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ول تحسبن ال غافل عما يعمل الظالمون إنما يوخرهم ليوم تشخص فيه‬
‫البصار ‪ 44‬مهطعين مقنعي رؤسهم ل يرتد إليهم طرفهم وافئدتهم هواء‬
‫‪ 45‬وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل‬
‫قريب ‪ 46‬نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من‬
‫زوال ‪ 47‬و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا‬
‫بهم وضربنا لكم المثال وقد مكروا مكرهم وعند ال مكرهم وإن كان‬
‫مكرهم لتزول منه الجبال ‪ 48‬فل تحسبن ال مخلف وعده رسله إن ال‬
‫عزيز ذو انتقام ‪(2) .49‬‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى‪ " :‬رابيا " أن طافيا عاليا فوق الماء‪ .‬وقوله‪ " :‬جفاء " أي يجفئ‬
‫به أي يرمى به السيل والفلز المذاب‪ (2) .‬قوله تعالى‪ " :‬تشخص فيه‬
‫البصار " أي تفتح ول تغمض‪ .‬وقوله‪ " :‬مهطعين مقنعي رؤسهم " أي‬
‫مسرعين رافعي رؤوسهم‪ .‬والهطاع السراع‪ ،‬والقناع رفع الرأس‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬ل يرتد إليهم " أي ل يرجع إليهم أعينهم ول يطبقونها ول‬
‫يغمضونها‪ .‬قوله " هواء " أي خالية من العقل لفزعهم‪ .‬قوله‪ " :‬وقد‬
‫مكروا مكرهم وعند ال مكرهم " أي مكروا بالنبياء قبلك ما امكنهم من‬
‫المكر كما مكروا بك فعصمهم ال من مكرهم كما عصمك‪ " .‬وعند ال‬
‫مكرهم " أي جزاء مكرهم بحذف المضاف‪ .‬وقوله‪ " :‬مخلف وعده رسله‬
‫" أصله مخلف رسله وعده تقدم المفعول الثاني ايذانا بان ال ل يخلف‬
‫الوعد أصل‪ ،‬وإذا لم يخلف وعده أحدا كيف يخلف رسله‪.‬‬

‫]‪[6‬‬

‫النحل‪ :‬هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من‬
‫قبلهم وما ظلمهم ال ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ‪ 36‬فأصابهم سيئات ما‬
‫عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن ‪ .37‬وقال تعالى‪ :‬تال لقد أرسلنا‬
‫إلى امم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب‬
‫أليم ‪ .(1) 66‬السرى‪ :‬قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى‬
‫سبيل ‪ .(2) 87‬مريم‪ :‬إن كل من في السموات والرض إل آتي الرحمن‬
‫عبدا ‪ 95‬لقد أحصيهم وعدهم عدا ‪ 96‬وكلهم آتيه يوم القيمة فردا ‪- 97‬‬
‫إلى قوله تعالى ‪ -‬وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو‬
‫تسمع لهم ركزا ‪ .(3) 98‬النبياء‪ :‬وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة‬
‫وأنشأنا بعدها قوما آخرين ‪ 12‬فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ‪13‬‬
‫ل تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون ‪ 14‬قالوا يا‬
‫ويلنا إنا كنا ظالمين ‪ 15‬فمازالت تلك دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين‬
‫‪ - 16‬إلى قوله تعالى ‪ -‬ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا‬
‫منهم ما كانوا به يستهزؤن ‪ 43‬قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن‬
‫بل هم عن ذكر ربهم معرضون ‪ 44‬أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ل‬
‫يستطيعون نصر أنفسهم ول هم منا يصحبون ‪ 45‬بل متعنا هؤلء وآباءهم‬
‫حتى طال عليهم العمر أفل يرون أنا نأتي الرض ننقصها من أطرافها أفهم‬

‫)‪ (1‬قوله‪ " :‬فهو وليهم اليوم " عبر باليوم عن زمان الدنيا أو يوم القيامة على‬
‫أنه حكاية حال ماضية كما قاله البيضاوى‪ (2) .‬الشاكلة الطبيعة والخلقة‬
‫أو الطريقة والمذهب أي كل واحد من المؤمن والكافر يعمل على طبيعته‬
‫وخلقته التى تخلق بها‪ .‬وقيل على طريقته وسنته التى اعتادها‪ (3) .‬قوله‬
‫تعالى‪ " :‬هل تحس منهم من أحد " أي هل تشعر باحد منهم وتراه‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬ركزا " الركز الصوت الخفى واصل التركيب هو الخفاء ومنه‬
‫ركز الرمح إذا غيب طرفه في الرض والركاز المال المدفون‪.‬‬

‫]‪[7‬‬
‫الغالبون ‪ .(1) 46‬الحج‪ :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم ‪2‬‬
‫يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها‬
‫وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ال شديد ‪ .3‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬ألم تر أن ال يسجد له من في السموات ومن في الرض والشمس‬
‫والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق‬
‫عليه العذاب ومن يهن ال فما له من مكرم إن ال يفعل ما يشاء ‪ 20‬هذان‬
‫خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب‬
‫من فوق رؤسهم الحميم ‪ 21‬يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع‬
‫من حديد ‪ 22‬كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها وذوقوا‬
‫عذاب الحريق ‪ 23‬إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري‬
‫من تحتها النهار يحلون فيها من‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى‪ " :‬وكم قصمنا " أي كم أهلكنا‪ .‬والقصم بالفتح‪ :‬الكسر‪ ،‬يقال‪ :‬هو‬
‫قاصم الجبابرة‪ .‬وقال البيضاوى هذه الية واردة عن غضب عظيم لن‬
‫القصم كسر يبين تلئم الجزاء بخلف الفصم فانه كسر بل ابانة وقوله‪:‬‬
‫" يركضون " أي يهربون سراعا والركض العدو بشدة الوطى‪ .‬وقوله "‬
‫ل تركضوا " على ارادة القول أي قيل لهم استهزاء ل تركضوا وقوله‪" :‬‬
‫ما اترفتم فيه " الترفة النعمة والترف النعم‪ .‬وقوله‪ :‬حصيدا خامدين "‬
‫أي مثل الحصيد وهو البنت المحصود ولذلك لم يجمع‪ .‬و " خامدين " أي‬
‫ميتين من خمدت النار‪ .‬قوله‪ " :‬وحاق بهم " أي حل بهم وبال‬
‫استهزائهم وسخريتهم والفرق بين السخرية والهزء أن في السخرية‬
‫معنى طلب الذلة لن التسخير التذليل‪ ،‬واما الهزء فيقتضى طلب صغر‬
‫القدر بما يظهر في القول‪ .‬قوله‪ " :‬من يكلؤكم " أي يحفظكم والكلءة‬
‫الحفظ‪ .‬وقوله‪ " :‬من الرحمن " أي من بأس الرحمن‪ .‬وقوله‪" :‬‬
‫معرضون " أي ل يخطرون ببالهم فضل ان يخافوا بأسه حتى إذا كلئوا‬
‫منه عرفوا الكالئ وصلحوا للسؤال‪ .‬وقوله‪ " :‬ولهم منا يصحبون " قال‬
‫ابن قتيبة أي ل يجيرهم منا احد لن المجير صاحب الجار‪ ،‬تقول صحبك‬
‫ال أي حفظك ال واجارك‪.‬‬

‫]‪[8‬‬

‫أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ‪ 24‬وهدوا إلى الطيب من القول و هدوا‬
‫إلى صراط الحميد ‪ .25‬وقال تعالى‪ :‬وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح‬
‫وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت‬
‫للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ‪ 43‬فكأين من قرية أهلكناها وهي‬
‫ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ‪ - 44‬إلى قوله‬
‫تعالى ‪ -‬وكأين من قريه أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير ‪47‬‬
‫)‪ .(1‬المؤمنون‪ :‬حتى إذا جاء أحدهم الموت قال‪ :‬رب ارجعون ‪ 102‬لعلي‬
‫أعمل صالحا فيما تركت كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى‬
‫يوم يبعثون ‪ 103‬فإذا نفخ في الصور فل أنساب بينهم يومئذ ول يتسائلون‬
‫‪ 104‬فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ‪ 105‬ومن خفت موازينه‬
‫فاولئك الذين خسروا أنفسهم‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى‪ " :‬تذهل كل مرضعة " أي تنساه والذهول الذهاب عن الشئ دهشا‬
‫وحيرة‪ .‬وقوله‪ " :‬تضع كل ذات حمل حملها " أي لو كان ثم مرضعة‬
‫لذهلت أو حامل لوضعت وان لم يكن هناك حامل ول مرضعة والمراد شدة‬
‫هول القيامة‪ .‬وقوله‪ " :‬هذان خصمان اختصموا في ربهم " أي فوجان‬
‫مختصمان والخصم يستوى فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع ولذلك‬
‫قال‪ " :‬اختصموا " لنهما جمعان وليسا برجلين‪ .‬قوله‪ " :‬قطعت " أي‬
‫قدرت على مقادير جثتهم ثياب‪ .‬وقوله‪ " :‬يصهر به " الصهر الذابة أي‬
‫يذاب وينضج بذلك الحميم ما في بطونهم من الحشاء ويذاب به الجلود‪.‬‬
‫قوله‪ " :‬ولهم مقامع من حديد " جمع مقمعة أي سياط يجلدون بها‪.‬‬
‫وقوله " ذوقوا " أي قيل لهم ذوقوا بحذف القول‪ .‬قوله " من أساور "‬
‫جمع اسورة وهى جمع سوار‪ .‬وهو صفة مفعول محذوف‪ .‬قوله " فأمليت‬
‫" أي فأمهلت يقال‪ :‬أملى ال لفلن في العمر إذا أخر عنه أجله‪ .‬قوله "‬
‫وكيف كان نكير " أي انكاري عليهم بتغيير النعمة محنة والحياة هلكا‬
‫والعمارة خرابا‪ .‬قوله " خاوية على عروشها " أي ساقطة حيطانها على‬
‫سقوفها بان تعطلت بنيانها فخرت سقوفها ثم تهدمت حيطانها فسقطت‬
‫فوق السقف‪ " .‬خاوية " بمعنى خالية أي خالية مع بقاء عروشها‬
‫وسلمتها فيكون الجار متعلقة بخاوية‪.‬‬

‫]‪[9‬‬

‫في جهنم خالدون ‪ .(1) 106‬النور‪ :‬أل إن ل ما في السموات والرض قد يعلم ما‬
‫أنتم عليه ويوم ترجعون إليه فينبئهم بما عملوا وال بكل شئ عليم ‪) 64‬‬
‫‪ .(2‬النمل‪ :‬إنما امرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ‬
‫وامرت أن أكون من المسلمين ‪ 93‬وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما‬
‫يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ‪ 94‬وقل الحمد ل‬
‫سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ‪ .95‬القصص‪ :‬ولقد‬
‫آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الولى بصائر للناس وهدى‬
‫ورحمة لعلهم يتذكرون ‪ - 43‬إلى قوله ‪ -‬ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم‬
‫العمر ‪ .(3) 44‬الروم‪ :‬قل سيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة‬
‫الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ‪ 42‬فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن‬
‫يأتي يوم ل مرد له من ال يومئذ يصدعون ‪ 43‬من كفر فعليه كفره ومن‬
‫عمل صالحا فلنفسهم يمهدون ‪ 44‬ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫من فضله إنه ل يحب الكافرين ‪ - 45‬إلى‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى " ومن ورائهم " الوراء هنا بمعنى المام كقوله تعالى " ومن‬
‫ورائهم ملك يأخذ كل سفينة " وقوله " بزرخ " البرزخ الحاجز بين‬
‫الشيئين‪ .‬قوله " فل انساب بينهم يؤمئذ " أي ل يتواصلون بالنساب ول‬
‫يتعاطفون بها مع معرفة بعضهم بعضا‪ (2) .‬قوله " ما أنتم عليه " أي‬
‫من الخيرات والمعاصي واليمان والنفاق‪ .‬و " يوم " منصوب بالعطف‬
‫على محذوف هو ظرف زمان والتقدير ما انتم تثبتون عليه الن ويوم‬
‫يرجعون‪ ،‬خرج من الخطاب إلى الغيبة‪ (3) .‬قوله تعالى " بصائر للناس‬
‫" البصائر الحجج والبراهين للناس والعبر يبصرون بها وهى بدل من‬
‫التوراة‪ .‬والبصائر جمع البصيرة وهى نور القلب‪ .‬قوله " فطال عليهم‬
‫العمر " العمر بضمتين‪ :‬الحياة كما في القاموس أي فطال عليهم مدة‬
‫انقطاع الوحى فاندرست الشرايع فأوحينا اليك خبر موسى وغيره‪:‬‬
‫فالمستدرك الوحى إليه فحذف واقيم سببه مقامه‪.‬‬

‫]‪[10‬‬

‫قوله ‪ -‬ولقد أرسلنا من قبلك رسل إلى قومهم فجاؤهم بالبينات فانتقمنا من الذين‬
‫أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين ‪ .(1) 47‬التنزيل‪ :‬أولم يهد لهم كم‬
‫أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك ليات أفل‬
‫يسمعون ‪ .(2) 26‬سبأ‪ :‬أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء‬
‫والرض إن نشأ نخسف بهم الرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن‬
‫في ذلك لية لكل عبد منيب ‪ .10‬وقال تعالى‪ :‬وحيل بينهم وبين ما يشتهون‬
‫‪ 53‬كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ‪ .(3) 54‬فاطر‪ :‬يا‬
‫أيها الناس أنتم الفقراء إلى ال وال هو الغني الحميد ‪ 16‬إن يشأ يذهبكم‬
‫ويأت بخلق جديد ‪ 17‬وما ذلك على ال بعزيز ‪ - 18‬إلى قوله ‪ -‬أولم‬
‫يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد‬
‫منهم قوة وما كان ال ليعجزه من شئ في السموات ول في الرض إنه‬
‫كان عليما قديرا ‪ .(4) 43‬يس‪ :‬يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول‬
‫إل كانوا به يستهزؤن ‪ 29‬أولم يرواكم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم‬
‫ل يرجعون ‪ 30‬وإن كل لما جميع لدينا محضرون ‪ .31‬وقال تعالى‪ :‬ولو‬
‫نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ‪66‬‬
‫)‪ (1‬قوله " فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا ‪ -‬الية " أي فانتقمنا من المذنبين‬
‫ودفعنا العذاب عن المؤمنين وكان واجبا علينا نصرهم‪ (2) .‬قوله تعالى‬
‫" يمشون في مساكنهم " يعنى يمرون أهل مكة في متاجرهم على‬
‫ديارهم وقوله " أفل يسمعون " أي سماع تدبر‪ (3) .‬قوله تعالى " كسفا‬
‫" الكسفة‪ :‬القطعة من الشئ‪ .‬قوله " منيب " أي راجع إلى ربه فانه‬
‫يكون كثير التأمل في أمره‪ .‬وقوله " في شك مريب " أي في شك مشكك‬
‫كما قالوا عجب عجيب‪ (4) .‬قوله " ليعجزة من شئ " أي لم يكن ال‬
‫يفوته شئ‪ .‬قوله " من شئ " فاعل ليعجزه و " من " مزيدة‪.‬‬

‫]‪[11‬‬

‫ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ول يرجعون ‪.(1) 67‬‬
‫الزمر‪ :‬قل إني امرت أن أ عبد ال مخلصا له الدين وامرت أن أكون أول‬
‫المسلمين ‪ 14‬قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ‪ 15‬قل ال‬
‫أعبد مخلطا له ديني ‪ 16‬فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين‬
‫خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيمة أل ذلك هو الخسران المبين ‪ 17‬لهم‬
‫من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف ال به عباده يا عباد‬
‫فاتقون ‪ 18‬والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى ال لهم‬
‫البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين‬
‫هداهم ال واولئك هم اولوا الباب ‪ 19‬أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت‬
‫تنقذ من في النار ‪ 20‬لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف‬
‫مبنية تجري من تحتها النهار وعد ال ل يخلف ال الميعاد ‪ .21‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيمة وقيل للظالمين ذوقوا ما‬
‫كنتم تكسبون ‪ 26‬كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون‬
‫‪ 27‬فأذاقهم ال الخزي في الحيوة الدنيا ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا‬
‫يعلمون ‪ .28‬وقال تعالى‪ :‬ولو أن للذين ظلوا ما في الرض جميعا ومثله‬
‫معه لفتدوا به من سوء العذاب يوم القيمة وبدا لهم من ال ما لم يكونوا‬
‫يحتسبون ‪ 48‬وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن‬
‫‪ .(2) 49‬المؤمن‪ :‬أولم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين‬
‫كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الرض فأخذهم ال‬
‫بذنوبهم وما كان لهم من‬

‫)‪ (1‬قوله " وان كل لما " ان مخففة من الثقلية واللم هي الفارقة‪ .‬و " ما "‬
‫مزيدة للتأكيد و " كل " أصله كلهم‪ .‬ومعناه ان المم كلهم يوم القيامة‬
‫يحضرون فيقفون على ما عملوه في الدنيا‪ .‬وقوله " لطمسنا " الطمس‬
‫محو الشئ حتى يذهب أثره‪ .‬قوله " فاستبقوا الصراط " انتصاب الصراط‬
‫بنزع الخافض أي إلى الطريق‪ .‬قوله " مضيا ول يرجعون " أي لم‬
‫يقدروا على ذهاب ول مجئ‪ (2) .‬قوله تعالى " ان الخاسرين الذى‬
‫خسروا انفسهم " " الذين " خبر " ان " وقوله " لهم من فوقهم ظلل‬
‫" الظلل جمع الظلة وهى السترة العالية وهذا شرح لخسرانهم‪ .‬والنقاذ‪:‬‬
‫النجاء‪(*) .‬‬

‫]‪[12‬‬

‫ال من واق ‪ 22‬ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم ال إنه قوي‬
‫شديد العقاب ‪ .23‬وقال تعالى يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني‬
‫إلى النار ‪ 44‬تدعونني لكفر بال واشرك به ما ليس لي به علم وأنا‬
‫أدعوكم إلى العزيز الغفار ‪ 45‬لجرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في‬
‫الدنيا ول في الخرة وأن مردنا إلى ال وأن المسرفين هم أصحاب النار‬
‫‪ 46‬فستذكرون ما أقول لكم وافوض أمري إلى ال إن ال بصير بالعباد ‪47‬‬
‫فوقيه ال سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ‪ .(1) 48‬حم‬
‫عسق‪ :‬وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل ‪44‬‬
‫وتريهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال‬
‫الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيمة أل إن‬
‫الظالمين في عذاب مقيم ‪ 45‬وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون‬
‫ال ومن يضلل ال فما له من سبيل ‪ 46‬استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي‬
‫يوم ل مرد له من ال مالكم من ملجأ يؤمئذ ومالكم من نكير ‪(2) .47‬‬
‫الزخرف‪ :‬وكم أرسلنا من نبي في الولين ‪ 6‬وما يأتيهم من نبي إل كانوا به‬
‫يستهزؤن ‪ 7‬فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الولين ‪ -‬إلى قوله‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى " تدعونني لكفر بال " بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية‬
‫في التعدية بالى واللم‪ .‬وقوله " ما ليس لى به علم " أي بربوبيته علم‬
‫والمراد نفى المعلوم والشعار بأن اللوهية لبد لها من برهان‪ (2) .‬قوله‬
‫تعالى " ومن يضلل ال " أي من يخليه ال وضلله ليس له معين من‬
‫بعد خذلن ال‪ .‬وقوله " هل إلى مرد " أي رجوع ورد إلى الدنيا‪ .‬وقوله‬
‫" تريهم يعرضون عليها " أي على النار ويدل عليها العذاب‪ .‬وقوله "‬
‫من طرف خفى " أي ضعيف النظر مسارقة و " من " ابتدائية أو بمعنى‬
‫الباء‪ .‬وذلك لما عليهم من الهوان يسارقون النظر إلى النار خوفا منها‪.‬‬

‫]‪[13‬‬
‫تعالى ‪ -‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا وجدنا‬
‫آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون ‪ 23‬قال أولو جئتكم بأهدى مما‬
‫وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما ارسلتم به كافرون ‪ 24‬فانتقمنا منهم فانظر‬
‫كيف كان عاقبة المكذبين ‪ .(1) 25‬الدخان‪ :‬كم تركوا من جنات وعيون‬
‫وزروع ومقام كريم ‪ 26‬ونعمة كانوا فيها فاكهين ‪ 27‬كذلك وأورثناها قوم‬
‫آخرين ‪ 28‬فما بكت عليهم السماء والرض وما كانوا منظرين ‪.(2) 29‬‬
‫الحقاف‪ :‬ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا و‬
‫أفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ول أبصارهم ول أفئدتهم من شئ إذ كانوا‬
‫يجحدون بآيات ال وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن ‪ .(3) 26‬ق‪ :‬وكم‬
‫أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلد هل من محيص‬
‫‪ 35‬إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ‪.(4) 36‬‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى " أشد منهم بطشا ومضى مثل الولين " البطش الخذ الشديد و "‬
‫مضى " أي وسلف في القرآن قصصهم العجيبة‪ .‬وقوله " مترفوها " هم‬
‫المتنعمون الذين آثروا الترفة على طلب الحجة يريد الرؤساء‪ ،‬وتخصيص‬
‫المترفين اشعار بان التنعم وحب البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد‪) .‬‬
‫‪ (2‬قوله تعالى " ونعمة " قال في القاموس النعمة بالكسر الدعة والمال‬
‫والسم النعمة بالفتح‪ .‬وقوله " منظرين " أي مهملين إلى وقت آخر‪) .‬‬
‫‪ (3‬قوله تعالى " ولقد مكناهم فيما ان مكناكم " " ان " نافية بمعنى "‬
‫ما " النافية‪ ،‬وهو أي " ان " في النفى مع " ما " الموصولة بمعنى‬
‫الذى أحسن في اللفظ من " ما " النافية‪ (4) .‬قوله تعالى " بطشا " أي‬
‫قوة‪ .‬وقوله " فنقبوا في البلد " أي فتحوا المسالك في البلد لشدة‬
‫بطشهم‪ .‬وقوله " هل من محيص " أي هل وجدوا مفرا من الموت‪ .‬وفى‬
‫القاموس محص منى أي هرب‪ .‬وقوله‪ " :‬من كان له قلب " أي عقل‬
‫يتفكر ويتدبر‪ .‬وقوله‪ " :‬أو القى السمع " أي أصغى لستماعه‪ .‬وقوله "‬
‫هو شهيد " أي شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره‪.‬‬

‫]‪[14‬‬

‫الواقعة‪ :‬نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم‬
‫فيما ل تعلمون ‪ .(1) 61‬التغابن‪ :‬هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن‬
‫وال بما تعلمون بصير ‪ 2‬خلق السموات والرض بالحق وصوركم فأحسن‬
‫صوركم وإليه المصير ‪ 3‬يعلم ما في السموات والرض ويعلم ما تسرون‬
‫وما تعلنون وال عليم بذات الصدور ‪ 4‬ألم يأتكم نبؤا الذين كفروا من قبل‬
‫فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ‪ 5‬ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات‬
‫فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى ال وال غني حميد ‪.(2) 6‬‬
‫الطلق‪ :‬وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا‬
‫شديدا وعذبناها عذابا نكرا ‪ 8‬فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا‬
‫‪ 9‬أعد ال لهم عذابا شديدا فاتقوا ال يا اولي اللباب ‪ .(3) 10‬الملك‪ :‬فلما‬
‫رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ‪ 27‬قل‬
‫أرأيتم إن أهلكني ال ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب‬
‫أليم ‪ 28‬قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلل‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى‪ " :‬وما نحن بمسبوقين " أي ل يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو ل‬
‫يسبقنا أحد منكم على ما قدرنا له من الموت حتى يزيد في مقدار حياته‪،‬‬
‫أول يسبقنا خالق ول مقدر في الخلق والتقدير وفعلنا ما فعلنا ولم يكن لما‬
‫فعلناه مثال وانا لقادرون‪ .‬وقوله‪ " :‬على أن نبدل أمثالكم " أي لسنا‬
‫بعاجزين على خلقكم وبعثكم ثانيا‪ ،‬أو على ان نبدل منكم اشباهكم فنخلق‬
‫بدلكم‪ .‬وقوله‪ " :‬ننشئكم " أي نوجدكم بعد أن نفنيكم وقوله " فيما ل‬
‫تعلمون " أي في نشأة ل تعلمون كيفيتها‪ (2) .‬قوله تعالى " فذاقوا وبال‬
‫أمرهم " أي ضرر كفرهم في الدنيا واصل الوبال الثقل‪ .‬والنكر هو عذاب‬
‫الستيصال‪ .‬وقوله‪ " :‬حاسبناها حسابا شديدا " أي بالستقصاء‬
‫والمناقشة‪ (3) .‬قوله تعالى‪ " :‬عتت عن أمر ربها " أي عتوا على ال‬
‫ورسله وجاوزوا الحد في المخالفة‪.‬‬

‫]‪[15‬‬

‫مبين ‪ 29‬قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ‪ .(1) 30‬المعارج‪:‬‬
‫أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ‪ 38‬كل إنا خلقناهم مما يعلمون‬
‫‪ 39‬فل اقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ‪ 40‬على أن نبدل خيرا‬
‫منهم وما نحن بمسبوقين ‪ 41‬فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم‬
‫الذي يوعدون ‪ 42‬يوم يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى نصب‬
‫يوفضون ‪ 43‬خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون‬
‫‪ .(2) 44‬القيمة‪ :‬وجوه يومئذ ناضرة ‪ 22‬إلى ربها ناظرة ‪ 23‬ووجوه‬
‫يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقره ‪ 25‬كل إذا بلغت التراقي ‪ 26‬وقيل من‬
‫راق ‪ 27‬وظن أنه الفراق ‪ 28‬والتفت الساق بالساق ‪ 29‬إلى ربك يومئذ‬
‫المساق ‪ 30‬فل صدق ول صلى ‪ 31‬ولكن كذب وتولى ‪ 32‬ثم ذهب إلى أهله‬
‫يتمطى ‪ 33‬أولى لك فأولى ‪ 34‬ثم أولى لك فأولى ‪ 35‬أيحسب النسان أن‬
‫يترك سدى ‪ 36‬ألم يك نطفة من مني يمنى ‪ 37‬ثم كان علقة فخلق فسوى‬
‫‪ 38‬فجعل منه الزوجين الذكر والنثى ‪ 39‬أليس ذلك بقادر على أن يحبي‬
‫الموتى ‪.(3) 40‬‬
‫)‪ (1‬قوله تعالى " سيئت وجوه الذى كفروا " أي بان عليها الكابة والحزن‬
‫وساءتها رؤية العذاب‪ .‬وقوله‪ " :‬تدعون " أي تطلبون وتستعجلون به‪،‬‬
‫تفتعلون من الدعاء‪ .‬أو به تدعون‪ ،‬أو بسببه تدعون أن ل بعث فهو من‬
‫الدعوى‪ .‬قوله‪ " :‬غورا " بمعنى غائرا مصدر وصف به وقوله‪ " :‬بماء‬
‫معين " أي جار‪ ،‬أو ظاهر سهل التناول‪ (2) .‬قوله تعالى " ل أقسم " "‬
‫ل " مزيدة للتأكيد والمراد بالمشارق‪ :‬قيل للشمش ثلثمائة وستون‬
‫مشرقا وثلثمائة وستون مغربا‪ ،‬في كل يوم له مشرق ومغرب‪ .‬قوله‪" :‬‬
‫فذرهم يخوضوا " أي اتركهم في باطلهم‪ .‬قوله‪ " :‬من الجداث " أي من‬
‫القبور‪ .‬قوله‪ " :‬سراعا " أي مسرعين‪ .‬قوله " كأنهم إلى نصب " أي‬
‫إلى منصوبات للعبادة أو أعلم‪ " .‬يوفضون " أي يسرعون‪ .‬قوله‪" :‬‬
‫ترهقهم " أي تغشاهم‪ (3) .‬قوله تعالى‪ " :‬ناضرة " أي حسنة مضيئة‬
‫مشرقة " إلى ربها ناظرة " أي ينتظر ثواب ربها‪ .‬ورد في الحديث "‬
‫ينتهى اولياء ال بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان ‪< -‬‬

‫]‪[16‬‬

‫المرسلت‪ :‬ألم نهلك الولين ‪ 16‬ثم نتبعهم الخرين ‪ 17‬كذلك نفعل بالمجرمين ‪18‬‬
‫ويل يومئذ للمكذبين ‪ .(1) 19‬النبأ‪ :‬إنا أنذرناكم عذابا قريبا ‪ 40‬يوم ينظر‬
‫المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ‪ .(2) 41‬عبس‪ :‬فإذا‬
‫جاءت الصاخة ‪ 33‬يوم يفر المرء من أخيه ‪ 34‬وامه وأبيه ‪ 35‬وصاحبته‬
‫وبنيه ‪ 36‬لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ‪ 37‬وجوه يومئذ مسفرة ‪38‬‬
‫ضاحكة مستبشرة ‪ 39‬ووجوه يومئذ عليها غبرة ‪ 40‬ترهقها قترة ‪41‬‬
‫اولئك هم‬

‫‪ < -‬فيغتسلون فيه ويشربون منه فتبيض وجوههم اشراقا فيذهب عنهم كل قذى‬
‫ووعث ثم يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف‬
‫يثيبهم قال فذلك قوله تعالى " إلى ربها ناظرة " وانما يعنى بالنظر إليه‬
‫النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى وقال‪ :‬والناظرة في بعض اللغة هي‬
‫المنتظرة الم تسمع إلى قوله‪ " :‬فناظرة بم يرجع المرسلون " أي‬
‫منتظرة‪ .‬وقوله‪ " :‬ووجوه يومئذ باسرة " أي كالحة شديدة العبوس‪" .‬‬
‫تظن أن يفعل بها فاقرة " أي تتوقع أرباب تلك الوجوه أو توقن أن يفعل‬
‫بها داهية عظيمة تكسر قفار الظهر‪ .‬وقوله‪ " :‬إذا بلغت التراقي " أي إذا‬
‫بلغت النفس الترقوة )گلوگاه(‪ .‬وقوله‪ " :‬وقيل من راق " أي يقال له‪:‬‬
‫من يرقيك مما بك ؟ يعنى هل من طبيب ؟‪ .‬وقوله‪ " :‬وظن انه الفراق "‬
‫أي أيقن أن الذى نزل به فراق الدنيا ومحابها وعلم بمفارقة الحبة‪.‬‬
‫قوله‪ " :‬والتفت الساق بالساق " أي التوت شدة فراق الدنيا بشدة خوف‬
‫الخرة‪ ،‬أو التوت احدى ساقيه بالخرى عند الموت‪ .‬والمساق المصير‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬يتمطى " أي يتبختر افتخارا في مشيته اعجابا بنفسه‪ .‬قوله‪" :‬‬
‫اولى لك " كلمه وعيد وتهديد أي بعدا لك من خير الدنيا وبعدا لك من‬
‫خير الخرة‪ .‬وقيل معناه‪ :‬الذم أولى لك من تركه‪ .‬وقوله‪ " :‬سدى " أي‬
‫مهمل ل يحاسب ول يسئل ول يعاقب‪ (1) .‬قوله تعالى‪ " :‬ويل يومئذ‬
‫للمكذبين " الويل في الصل مصدر منصوب باضمار فعله عدل به إلى‬
‫الرفع للدللة على ثبات الهلك للمدعو عليه و " يومئذ " ظرفه أو‬
‫صفته‪ (2) .‬قوله‪ " :‬يا ليتنى كنت ترابا " أي في الدنيا فلم أخلق ولم‬
‫أكلف‪ ،‬أو في هذا اليوم فلم أبعث لم وانشر‪.‬‬

‫]‪[17‬‬

‫الكفرة الفجرة ‪ .(1) 42‬النفطار‪ :‬إن البرار لفي نعيم ‪ 13‬وإن الفجار لفي جحيم ‪14‬‬
‫يصلونها يوم الدين ‪ .(2) 15‬المطففين‪ :‬أل يظن اولئك أنهم مبعوثون ‪4‬‬
‫ليوم عظيم ‪ 5‬يوم يقوم الناس لرب العالمين ‪ .6‬الغاشية‪ :‬هل أتيك حديث‬
‫الغاشية ‪ 1‬وجوه يومئذ خاشعة ‪ 2‬عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ‪ 4‬تسقى‬
‫من عين آنية ‪ 5‬ليس لهم طعام إل من ضريع ‪ 6‬ل يسمن ول يغني من جوع‬
‫‪ 7‬وجوه يومئذ ناعمة ‪ 8‬لسعيها راضية ‪ 9‬في جنة عالية ‪ 10‬ل تسمع فيها‬
‫لغية ‪ 11‬فيها عين جارية ‪ 12‬فيها سرر مرفوعة ‪ 13‬وأكواب موضوعة‬
‫‪ 14‬و نمارق مصفوفة ‪ 15‬وزرابي مبثوثة ‪.(3) 26‬‬

‫)‪ (1‬قوله تعالى " فإذا جاءت الصاخة " أي النفحة وصفت بها مجازا لن الناس‬
‫يصخون لها‪ .‬وقوله‪ " :‬شأن يغنيه " أي يشغله عن غيره‪ .‬قوله‪" :‬‬
‫وجوه يومئذ مسفرة " أي مضيئة بما ترى من النعم‪ .‬و " وجوه يومئذ‬
‫عليها غبرة " أي عليها غبار وكدورة و " ترهقها قترة " أي يغشيها‬
‫سواد وظلمة‪ (2) .‬قوله تعالى‪ " :‬يصلونها يوم الدين " أي يدخلونها‬
‫ويقاسون حرها ويلزمونها بكونهم فيها‪ .‬ويوم الدين أي يوم الجزاء‬
‫والحساب‪ (3) .‬قوله تعالى‪ " :‬الغاشية " يعنى القيامة لنها تغشى‬
‫الخلئق باهوالها‪ .‬قوله‪ " :‬ناصبة " أي عملت ونصبت في اعمال ل‬
‫يعنيها أو نصب وتعب بالسلسل والغلل‪ .‬قوله‪ " :‬آنية " أي شديدة‬
‫الحرارة بلغت أناها في الحر‪ ،‬قوله " حامية " أي متناهية في الحر‪" .‬‬
‫الضريع " هو نوع من الشوك ل ترعاه دابة لخبثه‪ ،‬أمر من الصبر وأنتن‬
‫من الجيفة وأشد حرا من النار‪ ،‬سماه ال تعالى الضريع كما في الرواية‪.‬‬
‫قوله " ناعمة " أي ذاب بهجة أو متنعمة‪ .‬وقوله‪ " :‬لغية " أي الهزل‬
‫والكذب‪ .‬وقوله‪ " :‬ونمارق مصفوفة " أي وسائد مرتبة بعضها بجنب‬
‫بعض يستند ؟ ؟ إليها‪ .‬و " أكواب " جمع كوب أي اقداح ل عرى لها‪.‬‬
‫قوله‪ " :‬وزرابى مبثوثة " أي بسط فاخرة مبسوطة لها خمل‪.‬‬

‫]‪[18‬‬

‫* )باب ‪) * * (2‬مواعظ ال عزوجل في سائر الكتب السماوي وفى الحديث‬


‫القدسي( * " )وفى مواعظ جبرئيل عليه السلم( " ‪ - 1‬ن‪ (1) :‬تميم‬
‫القرشي عن أبيه‪ ،‬عن النصاري‪ ،‬عن الهروي قال‪ :‬سمعت علي ابن‬
‫موسى الرضا عليهما السلم يقول‪ :‬أوحى ال عزوجل إلى نبي من أنبيائه‬
‫إذا أصبحت فأول شئ يستقبلك فكله‪ ،‬والثاني فاكتمه‪ ،‬والثالث فاقبله‪،‬‬
‫والرابع فل تؤيسه والخامس فاهرب منه‪ ،‬قال‪ :‬فلما أصبح مضى فاستقبله‬
‫جبل أسود عظيم‪ ،‬فوقف و قال‪ :‬أمرني ربي عزوجل أن آكل هذا وبقي‬
‫متحيرا‪ ،‬ثم رجع إلى نفسه فقال ربي جل جلله‪ :‬ل يأمرني إل بما اطيق‬
‫فمشي إليه ليأكله فلما دنى منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها‬
‫فوجدها أطيب شئ أكله‪ ،‬ثم مضى فوجد طستا من ذهب فقال‪ :‬أمرني ربي‬
‫أن أكتم هذا فحفر له حفرة وجعله فيه وألقى عليه التراب ثم مضى فالتفت‬
‫فإذا الطست قد ظهر فقال‪ :‬قد فعلت ما أمرني ربي عزوجل فمضى فإذا هو‬
‫بطير وخلفه بازي‪ ،‬فطاف الطير حوله‪ ،‬فقال‪ :‬أمرني ربي عزوجل أن أقبل‬
‫هذا ففتح كمه فدخل الطير فيه فقال له البازي‪ :‬أخذت صيدي وأنا خلفه منذ‬
‫أيام فقال إن ربي عزوجل أمرني أن ل أويس هذا‪ ،‬فقطع من فخذه قطعة‬
‫فألقاها إليه ثم مضى فلما مضى فإذا هو بلحم ميتة منتن مدود‪ ،‬فقال أمرني‬
‫ربي عزوجل أن أهرب من هذا‪ ،‬فهرب منه ورجع ورأى في المنام كأنه قد‬
‫قيل له إنك قد فعلت ما امرت به فهل تدري ماذا كان ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قيل له‪ :‬أما‬
‫الجبل فهو الغضب‪ ،‬إن العبد إذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من عظم‬
‫الغضب فإذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة‬
‫الطيبة التي أكلها‪.‬‬

‫)‪ (1‬عيون أخبار الرضا " ع " ص ‪.152‬‬

‫]‪[19‬‬

‫وأما الطست فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى ال عزوجل إل أن يظهره‬
‫ليزينه به مع ما يدخر له من ثواب الخرة‪ .‬وأما الطير فهو الرجل الذي‬
‫يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته‪ .‬وأما البازي فهو الرجل الذي يأتيك‬
‫في حاجة فل تؤيسه‪ .‬وأما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها‪ - 2 .‬ن‪:‬‬
‫بالسانيد الثلثة )‪ (1‬عن الرضا عليه السلم أن أباه عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله يقول ال تبارك وتعالى‪ :‬يا ابن آدم ما‬
‫تنصفني أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي‪ ،‬خيري عليك منزل‬
‫وشرك إلي صاعد‪ ،‬ول يزال ملك كريم‪ ،‬يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل‬
‫قبيح‪ ،‬يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت ل تعلم من الموصوف‬
‫لسارعت إلى مقته‪ .‬ما‪ (2) :‬عن المفيد‪ ،‬عن عمر بن محمد الزيات‪ ،‬عن‬
‫علي بن مهروية‪ ،‬عن داود بن سليمان‪ ،‬عن الرضا عليه السلم عن آبائه‬
‫عليهم السلم عن النبي صلى ال عليه وآله مثله‪ ،‬وفيه " في كل يوم بعمل‬
‫غير صالح "‪ - 3 .‬مع‪ ،‬ل‪ ،‬لى‪ (3) :‬محمد بن أحمد السدي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫جرير‪ ،‬والحسن ابن عروة وعبد ال بن محمد الوهبي )‪ (4‬جميعا‪ ،‬عن‬
‫محمد بن حميد‪ ،‬عن زافر بن سليمان‪ ،‬عن محمد بن عينية‪ ،‬عن أبي حازم‪،‬‬
‫عن سهل بن سعد قال‪ :‬جاء جبرئيل عليه السلم إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وآله يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه‬

‫)‪ (1‬العيون ص ‪ 197‬وراجع في بيان المراد بالسانيد الثلثة المجلد الول ص ‪51‬‬
‫باب تلخيص المصادر‪ (2) .‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ 126‬و ‪ 281‬وج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (3) .183‬معاني الخبار ص ‪ .178‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ .7‬المالى المجلس‬
‫الحادى والربعون ص ‪ (4) .141‬في بعض النسخ " الدهنى "‪.‬‬

‫]‪[20‬‬

‫واعمل ما شئت فانك مجزي به )‪ (1‬واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه‬
‫استغناؤه عن الناس‪ - 4 .‬مع‪ (2) :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن‬
‫أبيه في حديث مرفوع عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬جاء جبرئيل‬
‫عليه السلم إلى النبي صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬يارسول ال إن ال تبارك‬
‫وتعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحدا قبلك‪ ،‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله قلت‪ :‬وما هي ؟ قال‪ :‬الصبر وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو ؟ قال‬
‫الرضا وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬الزهد وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو‬
‫؟ قال‪ :‬الخلص وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬اليقين وأحسن منه‪،‬‬
‫قلت وما هو ؟ قال جبرئيل إن مدرجة ذلك التوكل على ال عزوجل فقلت‪:‬‬
‫وما التوكل على ال عزوجل ؟ فقال‪ :‬العلم بأن المخلوق ل يضر ول ينفع‬
‫ول يعطي ول يمنع‪ ،‬واستعمال اليأس من الخلق‪ ،‬فإذا كان العبد كذلك لم‬
‫يعمل لحد سوى ال‪ ،‬ولم يرج ولم يخف سوى ال‪ ،‬ولم يطمع في أحد‬
‫سوى ال فهذا هو التوكل‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا جبرئيل فما تفسير الصبر ؟ قال‪:‬‬
‫تصبر في الضراء كما تصبر في السراء‪ ،‬وفي الفاقة كما تصبر في الغنى‪،‬‬
‫وفي البلء كما تصبر في العافية‪ ،‬فل يشكو حاله عند الخلق بما يصيب من‬
‫البلء‪ .‬قلت‪ :‬فما تفسير القناعة قال‪ :‬يقنع بما يصيب من الدنيا يقنع بالقليل‬
‫ويشكر اليسير‪ ،‬قلت‪ :‬فما تفسير الرضا ؟ قال‪ :‬الراضي ل يسخط على‬
‫سيده‪ ،‬أصاب الدنيا أم ل‪ ،‬ول يرضى لنفسه باليسير من العمل‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬
‫جبرئيل فما تفسير الزهد ؟ قال‪ :‬الزاهد يحب من يحب خالقه ويبغض من‬
‫يبغض خالقه ويتحرج )‪ (3‬من حلل الدنيا ول يلتفت إلى حرامها فان‬
‫حللها حساب وحرامها عقاب‪ ،‬ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه‪،‬‬
‫ويتحرج من الكلم‬

‫)‪ (1‬إلى هنا رواه الشيخ في أماليه ج ‪ 2‬ص ‪ 203‬من حديث جعفر بن محمد عن‬
‫آبائه عن النبي صلى ال عليه وآله‪ (2) .‬معاني الخبار ص ‪(3) .260‬‬
‫التحرج‪ :‬التجنب‪.‬‬

‫]‪[21‬‬

‫كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها‪ ،‬ويتجرح عن حطام الدنيا )‪ (1‬وزينتها كما‬
‫يتجنب النار أن تغشاه‪ ،‬ويقصر أمله وكان بين عينيه أجله‪ ،‬قلت‪ :‬يا جبرئيل‬
‫فما تفسير الخلص ؟ قال‪ :‬المخلص الذي ل يسأل الناس شيئا حتى يجد‬
‫وإذا وجد رضي وإذا بقي عنده شئ أعطاه في ال فان من لم يسأل‬
‫المخلوق فقد أقر ل عز وجل بالعبودية وإذا وجد فرضي فهو عن ال‬
‫راض وال تبارك وتعالى عنه راض‪ ،‬وإذا أعطى ال عزوجل فهو على حد‬
‫الثقة بربه عزوجل قلت‪ :‬فما تفسير اليقين ؟ قال الموقن يعمل ل كأنه يراه‬
‫فإن لم يكن يرى ال فان ال يراه‪ ،‬وأن يعلم يقينا أن ما أصابه لم يكن‬
‫ليخطيه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وهذا كله أغصان التوكل ومدرجة‬
‫الزهد‪ - 5 .‬ل‪ (2) :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن موسى بن جعفر الكميداني‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن محمد عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن جبلة‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله لجبرئيل‬
‫عليه السلم‪ :‬عظني فقال‪ :‬يا محمد عش ما شئت فانك ميت‪ ،‬و أحبب ما‬
‫شئت فإنك مفارقه‪ ،‬واعمل ما شئت فإنك ملقيه‪ :‬شرف المؤمن صلته‬
‫بالليل‪ ،‬وعزه كفه عن أعراض الناس‪ - 6 .‬عن كتاب ارشاد القلوب‬
‫للديلمي‪ (3) :‬روي عن أمير المؤمنين عليه السلم أن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال‪ :‬يا رب أي العمال أفضل ؟‬
‫فقال ال عزوجل‪ :‬ليس شئ عندي أفضل من التوكل علي والرضى بما‬
‫قسمت يا محمد وجبت محبتي للمتحابين في ووجبت محبتي للمتعاطفين‬
‫في‪ ،‬ووجبت محبتي للمتواصلين في‪ ،‬ووجبت محبتي للمتوكلين علي‪،‬‬
‫وليس لمحبتي علم )‪ (4‬ول غاية ول نهاية وكلما رفعت لهم علما وضعت‬
‫لهم علما‪ ،‬اولئك الذين نظروا إلى‬
‫)‪ (1‬الحطام الفتاة وما يحطم من عيدان الزرع إذا يبس‪ .‬والمال القليل‪ (2) .‬الخصال‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .7‬الباب الرابع والخمسون هكذا بدون ذكر السند‪(4) .‬‬
‫بفتحتين كناية عن عدم المحدودية‪.‬‬

‫]‪[22‬‬

‫المخلوقين بنظري إليهم‪ ،‬ول يرفعوا الحوائج إلى الخلق‪ ،‬بطونهم خفيفة من أكل‬
‫الحلل‪ ،‬نعيمهم في الدنيا ذكري‪ ،‬ومحبتي ورضاي عنهم يا أحمد إن أحببت‬
‫أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا وارغب في الخرة فقال‪ :‬يا إلهي‬
‫كيف أزهد في الدنيا وأرغب في الخرة ؟ قال‪ :‬خذ من الدنيا خفا )‪ (1‬من‬
‫الطعام والشراب واللباس ول تدخر لغد‪ ،‬ودم على ذكري‪ .‬فقال‪ :‬يا رب و‬
‫كيف أدوم على ذكرك ؟ فقال‪ :‬بالخلوة عن الناس‪ ،‬وبغضك الحلو‬
‫والحامض‪ ،‬و فراغ بطنك وبيتك من الدنيا‪ .‬يا أحمد فاحذر أن تكون مثل‬
‫الصبي إذا نظر إلى الخضر والصفر أحبه وإذا اعطى شئ من الحلو‬
‫والحامض اغتر به‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب دلني على عمل أتقرب به إليك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫اجعل ليلك نهارا‪ ،‬ونهارك ليل‪ ،‬قال‪ :‬يا رب كيف ذلك ؟ قال‪ :‬اجعل نومك‬
‫صلة‪ ،‬وطعامك الجوع‪ .‬يا أحمد وعزتي وجللي ما من عبد مؤمن‪ ،‬ضمن‬
‫لي بأربع خصال إل أدخلته الجنة‪ :‬يطوي لسانه فل يفتحه إل بما يعنيه‪،‬‬
‫ويحفظ قلبه من الوسواس‪ ،‬ويحفظ علمي ونظري إليه‪ ،‬وتكون قرة عينه‬
‫الجوع‪ .‬يا أحمد لو )‪ (2‬ذقت حلوة الجوع والصمت والخلوة وما ورثوا‬
‫منها‪ ،‬قال‪ :‬يا رب ما ميراث الجوع ؟ قال‪ :‬الحكمة‪ ،‬وحفظ القلب‪ ،‬والتقرب‬
‫إلي‪ ،‬والحزن الدائم‪ ،‬وخفة المؤونة بين الناس‪ ،‬وقول الحق‪ ،‬ول يبالي‬
‫عاش بيسر أو بعسر‪ .‬يا أحمد هل تدري بأي وقت يتقرب العبد إلى ال ؟‬
‫قال‪ :‬ل يا رب‪ ،‬قال‪ :‬إذا كان جايعا أو ساجدا‪ .‬يا أحمد عجبت من ثلثة‬
‫عبيد‪ :‬عبد دخل في الصلة وهو يعلم إلى من يرفع يديه وقدام من هو‪،‬‬
‫وهو ينعس )‪ (3‬وعجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره وهو‬
‫يهتم لغد‪ ،‬وعجبت من عبد ل يدري أني راض عنه أم ساخط عليه وهو‬
‫يضحك‪.‬‬

‫)‪ (1‬بكسر الخاء من الخفيف‪ (2) .‬للتمني‪ (3) .‬النعاس أول النوم وهو الحالة التى‬
‫يحتاج النسان فيها إلى النوم‪.‬‬

‫]‪[23‬‬

‫يا أحمد إن في الجنة قصرا من لؤلؤة فوق لؤلؤة‪ ،‬ودرة فوق درة ليس فيها قصم‬
‫ول وصل‪ ،‬فيها الخواص‪ ،‬أنظر إليهم كل يوم سبعين مرة واكلمهم‪ ،‬كلما‬
‫نظرت إليهم أزيد في ملكهم سبعين ضعفا‪ ،‬وإذا تلذذ أهل الجنة بالطعام‬
‫والشراب تلذذوا بكلمي وذكري وحديثي‪ .‬قال‪ :‬يا رب ما علمات اولئك ؟‬
‫قال‪ :‬هم في الدنيا مسجونون‪ ،‬قد سجنوا ألسنتهم من فضول الكلم‪،‬‬
‫وبطونهم من فضول الطعام‪ .‬يا أحمد إن المحبة ل هي المحبة للفقراء‪،‬‬
‫والتقرب إليهم‪ ،‬قال‪ :‬يا رب و من الفقراء ؟ قال‪ :‬الذين رضوا بالقليل‪،‬‬
‫وصبروا على الجوع‪ ،‬وشكروا على الرخاء‪ ،‬ولم يشكروا جوعهم ول‬
‫ظمأهم‪ ،‬ولم يكذبوا بألسنتهم‪ ،‬ولم يغضبوا على ربهم ولم يغتموا على ما‬
‫فاتهم‪ ،‬ولم يفرحوا بما آتاهم‪ .‬يا أحمد محبتي محبة للفقراء فادن الفقراء‬
‫وقرب مجلسهم منك ادنك‪ ،‬و بعد الغنياء‪ ،‬وبعد مجلسهم منك فان الفقراء‬
‫أحبائي‪ .‬يا أحمد ل تتزين بلين اللباس‪ ،‬وطيب الطعام‪ ،‬ولين الوطاء‪ ،‬فان‬
‫النفس مأوى كل شر‪ ،‬وهي رفيق كل سوء‪ ،‬تجرها إلى طاعة ال‪ ،‬وتجرك‬
‫إلى معصيته وتخالفك في طاعته‪ .‬وتطيعك فيما تكره‪ ،‬وتطغى إذا شبعت‪،‬‬
‫وتشكو إذا جاعت‪ ،‬و تغضب إذا افتقرت‪ ،‬وتتكبر إذا استغنت‪ ،‬وتنسى إذا‬
‫كبرت‪ ،‬وتغفل إذا أمنت وهي قرينة الشيطان‪ ،‬ومثل النفس كمثل النعامة‬
‫تأكل الكثير وإذا حمل عليها ل تطير‪ ،‬ومثل الدفلي )‪ (1‬لونه حسن وطعمه‬
‫مر‪ .‬يا أحمد أبغض الدنيا وأهلها وأحب الخرة وأهلها‪ ،‬قال‪ :‬يا رب ومن‬
‫أهل الدنيا ومن أهل الخرة ؟ قال‪ :‬أهل الدنيا من كثر أكله وضحكه ونومه‬
‫وغضبه قليل الرضا ل يعتذر إلى من أساء إليه‪ ،‬ول يقبل معذرة من اعتذر‬
‫إليه‪ ،‬كسلن عند الطاعة‪ ،‬شجاع عند المعصية‪ ،‬أمله بعيد وأجله قريب‪ ،‬ل‬
‫يحاسب نفسه‪ ،‬قليل المنفعة‪ ،‬كثير الكلم‪ ،‬قليل الخوف‪ ،‬كثير الفرح عند‬
‫الطعام‪ ،‬وإن أهل الدنيا‬

‫)‪ (1‬بكسر الدال وسكون الفاء والف مقصورة نبت زهره كالورد الحمر‪ .‬يقال له‬
‫بالفارسية )خر زهره( ورقها كورق الخلف مر الطعم محلل نافع من‬
‫الحكة والجرب‪.‬‬

‫]‪[24‬‬

‫ل يشكرون عند الرخاء‪ ،‬ول يصبرون عند البلء‪ ،‬كثير الناس عندهم قليل‪ ،‬يحمدون‬
‫أنفسهم بما ل يفعلون‪ ،‬ويدعون بما ليس لهم‪ ،‬ويتكلمون بما يتمنون‪،‬‬
‫ويذكرون مساوي الناس‪ ،‬ويخفون حسناتهم‪ .‬قال‪ :‬يا رب هل يكون سوى‬
‫هذا العيب في أهل الدنيا ؟ قال‪ :‬يا أحمد إن عيب أهل الدنيا كثير فيهم‬
‫الجهل‪ ،‬والحمق‪ ،‬ل يتواضعون لمن يتعلمون منه وهم عند أنفسهم عقلء‬
‫وعند العارفين حمقاء‪ .‬يا أحمد إن أهل الخير وأهل الخرة رقيقة وجوههم‪،‬‬
‫كثير حياؤهم‪ ،‬قليل حمقهم‪ ،‬كثير نفعهم‪ ،‬قليل مكرهم‪ ،‬الناس منهم في راحة‬
‫وأنفسهم منهم في تعب كلمهم موزون‪ ،‬محاسبين لنفسهم‪ ،‬متعبين لها‪،‬‬
‫تنام أعينهم ول تنام قلوبهم‪ ،‬أعينهم باكية وقلوبهم ذاكرة‪ ،‬إذا كتب الناس‬
‫من الغافلين كتبوا من الذاكرين‪ ،‬في أول النعمة يحمدون وفي آخرها‪،‬‬
‫يشكرون‪ ،‬دعاؤهم عند ال مرفوع‪ ،‬وكلمهم مسموع‪ ،‬تفرح الملئكة بهم‪،‬‬
‫يدور دعاؤهم تحت الحجب‪ ،‬يحب الرب أن يسمع كلمهم كما تحب الوالدة‬
‫ولدها‪ ،‬ول يشغلهم عن ال شئ طرفة عين‪ ،‬ول يريدون كثرة الطعام‪ ،‬ول‬
‫كثرة الكلم‪ ،‬ول كثرة اللباس‪ ،‬الناس عندهم موتى‪ ،‬وال عندهم حي قيوم‬
‫كريم‪ ،‬يدعون المدبرين كرما‪ ،‬ويريدون المقبلين تلطفا‪ ،‬قد صارت الدنيا‬
‫والخرة عندهم واحدة‪ ،‬يموت الناس مرة ويموت أحدهم في كل يوم سبعين‬
‫مرة من مجاهدة أنفسهم ومخالفة هواهم‪ ،‬والشيطان الذي يجري في‬
‫عروقهم‪ ،‬ولو تحركت ريح لزعزعتهم‪ ،‬وإن قاموا بين يدي كأنهم بنيان‬
‫مرصوص )‪ (1‬ل أرى في قلبهم شغل لمخلوق‪ ،‬فوعزتي وجللي لحيينهم‬
‫حياة طيبة‪ ،‬إذا فارقت أرواحهم من جسدهم‪ ،‬ل اسلط عليهم ملك الموت‪،‬‬
‫ول يلي قبض روحهم غيري‪ ،‬ول فتحن لروحهم أبواب السماء كلها‪،‬‬
‫ولرفعن الحجب كلها دوني‪ ،‬ولمرن الجنان فلتزينن‪ ،‬والحور العين‬
‫فلتزفن )‪ (2‬والملئكة فلتصلين‬

‫)‪ (1‬أي مزلق بعضه إلى بعض ثابت‪ ،‬من الرص وهو اتصال بعض البناء ببعض‪) .‬‬
‫‪ (2‬زففت العروس إلى زوجها أزف ‪ -‬بالضم ‪ -‬زفا وزفافا‪ ،‬وأزففتها أي‬
‫أهديتها إلى زوجها‪.‬‬

‫]‪[25‬‬

‫والشجار فلتثمرن‪ ،‬وثمار الجنة فلتدلين )‪ (1‬ولمرن ريحا من الرياح التي تحت‬
‫العرش فلتحملن جبال من الكافور والمسك الذفر فلتصيرن وقودا من غير‬
‫النار‪ ،‬فلتدخلن به‪ ،‬ول يكون بيني وبين روحه ستر فأقول له عند قبض‬
‫روحه‪ :‬مرحبا وأهل بقدومك علي‪ ،‬اصعد بالكرامة والبشرى والرحمة‬
‫والرضوان‪ ،‬و جنات لهم فيها نعيم مقيم‪ ،‬خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر‬
‫عظيم‪ .‬فلو رأيت الملئكة كيف يأخذ بها واحد ويعطيها الخر‪ .‬يا أحمد إن‬
‫أهل الخرة ل يهناؤهم الطعام منذ عرفوا ربهم‪ ،‬ول يشغلهم مصيبة منذ‬
‫عرفوا سيئاتهم‪ ،‬يبكون على خطاياهم‪ ،‬يتعبون أنفسهم ول يريحونها‪ ،‬وأن‬
‫راحة أهل الجنة في الموت‪ ،‬والخرة مستراح العابدين‪ ،‬مونسهم دموعهم‬
‫التي تفيض على خدودهم‪ ،‬وجلوسهم مع الملئكة الذين عن أيمانهم وعن‬
‫شمائلهم‪ ،‬ومناجاتهم مع الجليل الذي فوق عرشه‪ ،‬وأن أهل الخرة قلوبهم‬
‫في أجوافهم قد قرحت )‪ (2‬يقولون متى نستريح من دار الفناء إلى دار‬
‫البقاء‪ .‬يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي في الخرة ؟ قال‪ :‬ل يا رب‪،‬‬
‫قال‪ :‬يبعث الخلق ويناقشون بالحساب‪ ،‬وهم من ذلك آمنون‪ ،‬إن أدنى ما‬
‫اعطي للزاهدين في الخرة أن اعطيهم مفاتيح الجنان كلها حتى يفتحوا أي‬
‫باب شاؤوا ول أحجب عنهم وجهي ولنعمنهم بألوان التلذذ من كلمي‪،‬‬
‫ولجلسنهم في مقعد صدق وأذكرنهم ما صنعوا وتعبوا في دار الدنيا وأفتح‬
‫لهم أربعة أبواب‪ :‬باب تدخل عليهم الهدايا منه بكرة وعشيا من عندي‪،‬‬
‫وباب ينظرون منه إلي كيف شاؤوا بل صعوبة‪ ،‬وباب يطلعون منه إلى‬
‫النار فينظرون منه إلى الظالمين كيف يعذبون وباب تدخل عليهم منه‬
‫الوصايف )‪ (3‬والحور العين‪ ،‬قال‪ :‬يا رب من هؤلء الزاهدون الذين‬
‫وصفتهم ؟ قال‪ :‬الزاهد هو الذي ليس له بيت يخرب فيغتم بخرابه‪ ،‬ول له‬

‫)‪ (1‬أي فلترسلن وتنزلن‪ (2) .‬أي جرحت من الحزن والهم بالخرة‪ (3) .‬الوصايف‬
‫جمع الوصيفة وهى الخادمة‪.‬‬

‫]‪[26‬‬

‫ولد يموت فيحزن لموته‪ ،‬ول له شئ يذهب فيحزن لذهابه‪ ،‬ول يعرفه إنسان يشغله‬
‫عن ال طرفة عين‪ ،‬ول له فضل طعام ليسأل عنه‪ ،‬ول له ثوب لين‪ .‬يا‬
‫أحمد وجوه الزاهدين مصفرة من تعب الليل وصوم النهار‪ ،‬وألسنتهم كلل‬
‫إل من ذكر ال تعالى‪ ،‬قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون‬
‫أهواءهم قد ضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم )‪ (1‬قد أعطوا المجهود من‬
‫أنفسهم ل من خوف نار ول من شوق جنة‪ ،‬ولكن ينظرون في ملكوت‬
‫السماوات والرض فيعلمون أن ال سبحانه وتعالى أهل للعبادة كأنما‬
‫ينظرون إلى من فوقها‪ ،‬قال‪ :‬يا رب هل تعطي لحد من امتي هذا‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫أحمد هذه درجة النبياء والصديقين من امتك وامة غيرك وأقوام من‬
‫الشهداء‪ .‬قال‪ :‬يا رب أي الزهاد أكثر ؟ زهاد امتي أم زهاد بني إسرائيل ؟‬
‫قال‪ :‬إن زهاد بني إسرائيل في زهاد امتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رب كيف يكون ذلك وعدد بني إسرائيل أكثر من امتي ؟ قال‪ :‬لنهم‬
‫شكوا بعد اليقين‪ ،‬وجحدوا بعد القرار‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫فحمدت ال للزاهدين كثيرا وشكرته ودعوت لهم فقلت‪ :‬اللهم احفظهم‬
‫وارحمهم واحفظ عليهم دينهم الذي ارتضيت لهم‪ ،‬اللهم ارزقهم إيمان‬
‫المؤمنين الذي ليس بعده شك وزيغ‪ ،‬وورعا ليس بعده رغبة‪ ،‬وخوفا ليس‬
‫بعده غفلة‪ ،‬وعلما ليس بعده جهل‪ ،‬وعقل ليس بعده حمق وقربا ليس بعده‬
‫بعد‪ ،‬وخشوعا ليس بعده قساوة‪ ،‬وذكرا ليس بعده نسيان وكرما ليس بعده‬
‫هوان‪ ،‬وصبرا ليس بعده ضجر‪ ،‬وحلما ليس بعده عجلة‪ ،‬وامل قلوبهم‬
‫حياء منك حتى يستحيوا منك كل وقت‪ ،‬وتبصرهم بآفات الدنيا وآفات‬
‫أنفسهم ووساوس الشيطان‪ ،‬فانك تعلم ما في نفسي وأنت علم الغيوب‪ .‬يا‬
‫أحمد عليك بالورع فان الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين إن‬
‫الورع يقرب العبد إلى ال تعالى‪ .‬يا أحمد إن الورع كالشنوف )‪ (2‬بين‬
‫الحلي والخبز بين الطعام‪ ،‬إن الورع‬

‫)‪ (1‬ضمر‪ :‬هزل ودق وقل لحمه‪ (2) .‬جمع الشنف‪ :‬ما علق في الذن أو اعلها من‬
‫الحلى‪.‬‬

‫]‪[27‬‬

‫رأس اليمان وعماد الدين‪ ،‬إن الورع مثله كمثل السفينة كما أن في البحر ل ينجو‬
‫إل من كان فيها كذلك ل ينجو الزاهدون إل بالورع‪ .‬يا أحمد ما عرفني عبد‬
‫وخشع لي إل وخشعت له‪ .‬يا أحمد الورع يفتح على العبد أبواب العبادة‪،‬‬
‫فتكرم به عند الخلق‪ ،‬ويصل به إلى ال عزوجل‪ .‬يا أحمد عليك بالصمت‬
‫فان أعمر القلوب قلوب الصالحين والصامتين‪ ،‬وإن أخرب القلوب قلوب‬
‫المتكلمين بما ل يعنيهم‪ .‬يا أحمد إن العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب‬
‫الحلل‪ ،‬فإذا طيبت مطعمك ومشربك فأنت في حفظي وكنفي‪ ،‬قال‪ :‬يا رب ما‬
‫أول العبادة ؟ قال‪ :‬أول العبادة الصمت والصوم‪ ،‬قال‪ :‬يا رب وما ميراث‬
‫الصوم ؟ قال‪ :‬الصوم يورث الحكمة والحكمة تورث المعرفة‪ ،‬والمعرفة‬
‫تورث اليقين‪ ،‬فإذا استيقن العبد ل يبالي كيف أصبح‪ ،‬بعسر أم بيسر‪ ،‬إذا‬
‫كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملئكة بيد كل ملك كأس من ماء‬
‫الكوثر وكأس من الخمر يسقون روحه حتى تذهب سكرته ومرارته‬
‫ويبشرونه بالبشارة العظمى ويقولون له طبت وطاب مثواك )‪ (1‬إنك تقدم‬
‫على العزيز الحكيم الحبيب القريب فتطير الروح من أيدي الملئكة فتصعد‬
‫إلى ال تعالى في أسرع من طرفة عين‪ ،‬ول يبقى حجاب ول ستر بينها‬
‫وبين ال تعالى‪ ،‬وال عزوجل إليها مشتاق‪ ،‬وتجلس على عين عند العرش‬
‫ثم يقال لها‪ :‬كيف تركت الدنيا ؟ فتقول‪ :‬إلهي وعزتك وجللك ل علم لي‬
‫بالدنيا‪ ،‬أنا منذ خلقتني خائفة منك‪ ،‬فيقول ال تعالى‪ :‬صدقت عبدي كنت‬
‫بجسدك في الدنيا وروحك معي فأنت بعيني سرك وعلنيتك‪ ،‬سل أعطك‬
‫وتمن علي فأكرمك‪ ،‬هذه جنتي فتجنح فيها وهذا جواري فأسكنه‪ .‬فتقول‬
‫الروح‪ :‬إلهي عرفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك وعزتك وجللك‬
‫لو كان رضاك في أن اقطع إربا إربا واقتل سبعين قتلة بأشد ما يقتل به‬
‫الناس لكان رضاك أحب إلي‪ ،‬إلهي كيف أعجب بنفسي وأنا ذليل إن لم‬

‫)‪ (1‬المثوى‪ :‬المنزل والمكان‪.‬‬

‫]‪[28‬‬
‫تكرمني وأنا مغلوب إن لم تنصرني وأنا ضعيف إن لم تقوني وأنا ميت إن لم تحيني‬
‫بذكرك‪ ،‬ولول سترك لفتضحت أول مرة عصيتك‪ .‬إلهي كيف ل أطلب‬
‫رضاك وقد أكملت عقلي حتى عرفتك وعرفت الحق من الباطل والمر من‬
‫النهي والعلم من الجهل والنور من الظلمة‪ ،‬فقال ال عزوجل‪ :‬وعزتي‬
‫وجللي ل أحجب بيني وبينك في وقت من الوقات كذلك أفعل بأحبائي‪ .‬يا‬
‫أحمد هل تدري أي عيش أهنأ وأي حياة أبقى ؟ قال‪ :‬اللهم ل‪ ،‬قال‪ :‬أما‬
‫العيش الهنئ )‪ (1‬فهو الذي ل يفتر صاحبه )‪ (2‬عن ذكري ول ينسى‬
‫نعمتي ول يجهل حقي‪ ،‬يطلب رضاي في ليله ونهاره‪ ،‬وأما الحياة الباقية‬
‫فهي التي يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا وتصغر في عينه‪ ،‬وتعظم‬
‫الخرة عنده‪ ،‬ويؤثر هواي على هواه ويبتغي مرضاتي ويعظم حق عظمتي‬
‫ويذكر علمي به‪ ،‬ويراقبني بالليل والنهار عند كل سيئة أو معصية‪ ،‬وينقى‬
‫قلبه عن كل ما أكره‪ ،‬ويبغض الشيطان ووساوسه ول يجعل لبليس على‬
‫قلبه سلطانا وسبيل‪ ،‬فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبا حتى أجعل قلبه لي‬
‫وفراغه واشتغاله وهمه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل‬
‫محبتي من خلقي‪ ،‬وأفتح عين قلبه وسمعه حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه‬
‫إلى جللي وعظمتي‪ ،‬واضيق عليه الدنيا وأبغض إليه ما فيها من اللذات‬
‫واحذره من الدنيا وما فيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة فإذا‬
‫كان هكذا يفر من الناس فرارا‪ ،‬وينقل من دار الفناء إلى دار البقاء‪ ،‬ومن‬
‫دار الشيطان إلى دار الرحمن‪ .‬يا أحمد ولزيننه بالهيبة والعظمة فهذا هو‬
‫العيش الهنئ والحياة الباقية وهذا مقام الراضين‪ ،‬فمن عمل برضاي ألزمه‬
‫ثلث خصال‪ :‬اعرفه شكرا ل يخالطه الجهل‪ ،‬وذكرا ل يخالطه النسيان‪،‬‬
‫ومحبة ل يؤثر على محبتي محبة المخلوقين فإذا أحبني أحببته‪ ،‬وأفتح‬
‫عين قلبه إلى جللي ول أخفي عليه خاصة خلقي‬

‫)‪ (1‬الهنئ‪ :‬السائغ وما أتاك بل مشقة‪ (2) .‬أي ل يمل ول يكسل ول يضعف‪.‬‬

‫]‪[29‬‬

‫واناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين )‪،(1‬‬
‫ومجالسته معهم‪ ،‬وأسمعه كلمي وكلم ملئكتي واعرفه السر الذي سترته‬
‫عن خلقي وألبسه الحياء حتى يستحيي منه الخلق كلهم ويمشي على‬
‫الرض مغفورا له وأجعل قلبه واعيا وبصيرا ول أخفي عليه شيئا من جنة‬
‫ول نار‪ ،‬واعرفه ما يمر على الناس في يوم القيامة من الهول والشدة‪ ،‬وما‬
‫احاسب الغنياء والفقراء والجهال والعلماء وانومه في قبره وأنزل عليه‬
‫منكرا ونكيرا حتى يسأله‪ ،‬ول يرى غمرة الموت وظلمة القبر واللحد‬
‫وهول المطلع )‪ (2‬ثم أنصب له ميزانه وانشر ديوانه‪ ،‬ثم أضع كتابه في‬
‫يمينه فيقرؤه منشورا‪ ،‬ثم ل أجعل بيني وبينه ترجمانا فهذه صفات‬
‫المحبين‪ .‬يا أحمد اجعل همك هما واحدا‪ ،‬فاجعل لسانك لسانا واحدا‪ ،‬واجعل‬
‫بدنك حيا ل تغفل عني‪ ،‬من يغفل عني ل ابالي بأي واد هلك‪ .‬يا أحمد‬
‫استعمل عقلك قبل أن يذهب فمن استعمل عقله ل يخطي ول يطغى‪ .‬يا أحمد‬
‫ألم تدر لي شئ فضلتك على ساير النبياء ؟ قال‪ :‬اللهم ل قال‪ :‬باليقين‪،‬‬
‫وحسن الخلق‪ ،‬وسخاوة النفس‪ ،‬ورحمة الخلق‪ ،‬وكذلك أوتاد الرض لم‬
‫يكونوا أوتادا إل بهذا‪ .‬يا أحمد إن العبد إذا أجاع بطنه وحفظ لسانه علمته‬
‫الحكمة وإن كان كافرا تكون حكمته حجة عليه ووبال‪ ،‬وإن كان مؤمنا‬
‫تكون حكمته له نورا وبرهانا وشفاء ورحمة‪ ،‬فيعلم ما لم يكن يعلم‪،‬‬
‫ويبصر ما لم يكن يبصر‪ ،‬فأول ما أبصره عيوب نفسه حتى يشتغل عن‬
‫عيوب غيره‪ ،‬وابصره دقائق العلم حتى ل يدخل عليه الشيطان‪ .‬يا أحمد‬
‫ليس شئ من العبادة أحب إلي من الصمت والصوم‪ ،‬فمن صام ولم يحفظ‬
‫لسانه كان كمن قام ولم يقرأ في صلته فاعطيه أجر القيام ولم اعطه أجر‬
‫العابدين‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " من المخلوقين "‪ (2) .‬المطلع بشد الطاء المهملة وفتح‬
‫اللم‪ :‬المكان المشرف الذى يطلع منه‪.‬‬

‫]‪[30‬‬

‫يا أحمد هل تدري متى تكون العبد عابدا ؟ قال‪ :‬ل يا رب قال‪ :‬إذا اجتمع فيه سبع‬
‫خصال‪ :‬ورع يحجزه عن المحارم‪ ،‬وصمت يكفه عما ل يعنيه‪ ،‬وخوف‬
‫يزداد كل يوم من بكائه‪ ،‬وحياء يستحيي مني في الخلء‪ ،‬وأكل ما لبد منه‬
‫ويبغض الدنيا لبغضي لها‪ ،‬ويحب الخيار لحبي إياهم‪ .‬يا أحمد ليس كل من‬
‫قال احب ال أحبني حتى يأخذ قوتا‪ ،‬ويلبس دونا وينام سجودا‪ ،‬ويطيل‬
‫قياما‪ ،‬ويلزم صمتا‪ ،‬ويتوكل علي‪ ،‬ويبكي كثيرا‪ ،‬ويقل ضحكا‪ ،‬ويخالف‬
‫هواه‪ ،‬ويتخذ المسجد بيتا والعلم صاحبا‪ ،‬والزهد جليسا‪ ،‬والعلماء أحباء‪،‬‬
‫والفقراء رفقاء‪ ،‬ويطلب رضاي‪ ،‬ويفر من العاصين فرارا‪ ،‬ويشغل بذكري‬
‫اشتغال‪ ،‬ويكثر التسبيح دائما‪ ،‬ويكون بالوعد صادقا‪ ،‬وبالعهد وافيا‪،‬‬
‫ويكون قلبه طاهرا‪ ،‬وفي الصلة زاكيا‪ ،‬وفي الفرائض مجتهدا‪ ،‬وفيما‬
‫عندي من الثواب راغبا‪ ،‬ومن عذابي راهبا‪ ،‬ولحبائي قرينا وجليسا‪ .‬يا‬
‫أحمد لو صلى العبد صلة أهل السماء والرض‪ ،‬ويصوم صيام أهل السماء‬
‫والرض‪ ،‬ويطوي من الطعام مثل الملئكة‪ ،‬ولبس لباس العاري‪ ،‬ثم أرى‬
‫في قلبه من حب الدنيا ذرة‪ ،‬أو سعتها‪ ،‬أو رئاستها‪ ،‬أو حليها‪ ،‬أو زينتها ل‬
‫يجاورني في داري‪ ،‬ولنزعن من قلبه محبتي‪ ،‬وعليك سلمي ورحمتي‬
‫والحمد ل رب العالمين‪ .‬أقول‪ :‬ورأيت في بعض الكتب لهذا الحديث سندا‬
‫هكذا قال المام أبو عبد ال محمد بن علي البلخي‪ ،‬عن أحمد بن إسماعيل‬
‫الجوهري‪ ،‬عن أبي محمد علي بن مظفر ابن إلياس العبدي‪ ،‬عن أبي نصر‬
‫أحمد بن عبد ال الواعظ‪ ،‬عن أبي الغنايم‪ ،‬عن أبي الحسن عبد ال بن‬
‫الواحد بن محمد بن عقيل‪ ،‬عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم الزاهد بالشأم‪،‬‬
‫عن إبراهيم بن محمد‪ ،‬عن عبد ال بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أبي عبد ال عبد‬
‫الحميد بن أحمد بن سعيد‪ ،‬عن أبي بشر‪ ،‬عن الحسن بن علي المقري‪ ،‬عن‬
‫أبي مسلم محمد بن الحسن المقري‪ ،‬عن المام جعفر بن محمد الصادق‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن علي بن أبي طالب عليهم السلم قال‪ :‬هذا ما سئل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله ربه ليلة المعراج‪ ،‬وذكر نحوه إلى آخر‬
‫الخبر‪.‬‬

‫]‪[31‬‬

‫ووجدت في نسخة قديمة اخرى )‪ (1‬قال الشيخ أبو عمرو عثمان بن محمد البلخي‬
‫أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل الجوهري قال‪ :‬حدثنا أبو علي المطر بن‬
‫إلياس ابن سعد بن سليمانقال‪ :‬أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد ال بن‬
‫إسحاق الواعظ قال‪ :‬أخبرنا أبو الغنايم الحسن بن حماد المقري قراءة‬
‫بأهواز في آخر شهر رمضان سنة ثلث وأربعين وأربعمائة قال‪ :‬أخبرنا‬
‫أبو مسلم محمد بن الحسن المقري قراءة عليه من أصله قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫الواحد بن محمد بن عقيل قال‪ :‬أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم ابن حاتم الزاهد‬
‫بالشام قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن أحمد قال‪ :‬حدثنا إسحاق ابن بشر‪،‬‬
‫عن جعفر بن محمد الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن علي بن أبي طالب‬
‫عليهما السلم وذكر نحوه‪ - 7 .‬كا‪ (2) :‬علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫عثمان‪ ،‬عن علي بن عيسى رفعه قال‪ :‬إن موسى عليه السلم ناجاه ال‬
‫تبارك وتعالى فقال له في مناجاته‪ :‬يا موسى ل يطول في الدنيا أملك فيقسو‬
‫لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد‪ .‬يا موسى كن كمسرتي فيك )‪ (3‬فان‬
‫مسرتي أن اطاع فل اعصى‪ ،‬وأمت قلبك بالخشية‪ ،‬وكن خلق الثياب )‪(4‬‬
‫جديد القلب‪ ،‬تخفى على أهل الرض‪ ،‬وتعرف في أهل السماء‪ ،‬حلس‬
‫البيوت )‪ (5‬مصباح الليل‪ ،‬واقنت بين يدي قنوت الصابرين‪ ،‬وصح إلي من‬
‫كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه‪ ،‬و استعن بي على ذلك فإني‬
‫نعم العون ونعم المستعان‪.‬‬

‫)‪ (1‬طبعت هذه الرسالة مع تحف العقول سنة ‪‍ 1297‬ه‪ .‬والسندان فيهما تصحيف‬
‫وتحريف ول يسعنى تصحيحهما‪.‬كذا‪ (2) .‬روضة الكافي ص ‪ (3) .42‬هذا‬
‫تشبيه للمبالغة وحاصله كن على حال اكون مسرورا بفعالك فكانك تكون‬
‫مسرورا‪ (4) .‬الخلق ‪ -‬ككتف ‪ -‬البالى‪ (5) .‬الحلس‪ :‬بساط يبسط في‬
‫البيت‪.‬‬

‫]‪[32‬‬

‫يا موسى إني أنا ال فوق العباد‪ ،‬والعباد دوني وكل لي داخرون )‪ (1‬فاتهم نفسك‬
‫على نفسك‪ ،‬ول تأتمن ولدك على دينك إل أن يكون ولدك مثلك يحب‬
‫الصالحين‪ .‬يا موسى اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين‪ .‬يا‬
‫موسى كن إمامهم في صلتهم وإمامهم فيما يتشاجرون )‪ (2‬واحكم بينهم‬
‫بما أنزلت عليك‪ ،‬فقد أنزلته حكما بينا وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما كان‬
‫في الولين‪ ،‬وبما هو كائن في الخرين‪ .‬اوصيك يا موسى وصية الشفيق‬
‫المشفق با ابن البتول عيسى بن مريم صاحب التان والبرنس والزيت‬
‫والزيتون والمحراب )‪ .(3‬ومن بعده بصاحب الجمل الحمر الطيب الطاهر‬
‫المطهر‪ ،‬فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها )‪ (4‬وأنه راكع‬
‫ساجد راغب راهب‪ ،‬إخوانه المساكين‪ ،‬وأنصاره قوم آخرون )‪ (5‬ويكون‬
‫في زمانه أزل وزلزال )‪ (6‬وقتل وقلة من المال‪ ،‬اسمه أحمد محمد المين‬
‫من الباقين‪ ،‬من ثلة الولين الماضين )‪ (7‬يؤمن بالكتب كلها‪،‬‬

‫)‪ (1‬صاغرون عاجزون‪ (2) .‬التشاجر‪ :‬التنازع والتخاصم‪ (3) .‬التان ‪ -‬بالفتح ‪-‬‬
‫الحمارة‪ .‬والبرنس ‪ -‬بضم الباء والنون ‪ :-‬قلنسوة طويلة كان النساك‬
‫يلبسونها في صدر السلم‪ .‬والمراد بالزيتون والزيت‪ :‬الثمرة المعروفة‬
‫ودهنها لنه " ص " كان يأكلهما‪ .‬أو نزلتا له في المائدة من السماء‪ ،‬أو‬
‫المراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروز آبادى أي‬
‫اعطاء ال بلد الشام‪ .‬وبالزيت الدهن الذى روى انه كان في بنى اسرائيل‬
‫وكان غليانها من علمات النبوة والمحراب لزومه وكثرة العبادة فيه )كما‬
‫في المرآة(‪ (4) .‬المهيمن هنا المشاهد والمؤتمن‪ (5) .‬أي ليسوا من‬
‫قومه وعشيرته‪ (6) .‬الثلة الجماعة من الناس أي انه من سللة اشارف‬
‫النبياء‪ (7) .‬الزل ‪ -‬بشد اللم ‪ :-‬الضيق والشدة‪.‬‬

‫]‪[33‬‬

‫ويصدق جميع المرسلين‪ ،‬ويشهد بالخلص لجميع النبيين‪ ،‬امته مرحومة مباركة‬
‫ما بقوا في الدين على حقايقه‪ ،‬لهم ساعات موقتات يؤدون فيها الصلوات‬
‫أداء العبد إلى سيده نافلته‪ ،‬فبه فصدق ومناهجه فاتبع فانه أخوك‪ .‬يا‬
‫موسى إنه امي‪ ،‬وهو عبد صدق مبارك له فيما وضع يده عليه‪ ،‬ويبارك‬
‫عليه كذلك كان في علمي‪ ،‬وكذلك خلقته‪ ،‬به أفتح )‪ (1‬الساعة‪ ،‬وبامته‬
‫أختم مفاتيح الدنيا فمر ظلمة بني إسرائيل أن ل يدرسوا اسمه‪ ،‬ول يخذلوه‬
‫وإنهم لفاعلون وحبه لي حسنة فأنا معه وأنا من حزبه )‪ (2‬وهو من‬
‫حزبي‪ ،‬وحزبهم الغالبون‪ .‬فتمت كلماتي لظهرن دينه على الديان كلها‪،‬‬
‫ولعبدن بكل مكان ولنزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء لما في الصدور من‬
‫نفث الشيطان‪ ،‬فصل عليه يا ابن عمران فاني أصلي عليه وملئكتي‪ .‬يا‬
‫موسى أنت عبدي وأنا إلهك ل تستذل الحقير الفقير‪ ،‬ول تغبط الغني بشئ‬
‫يسير‪ ،‬وكن عند ذكري خاشعا‪ ،‬وعند تلوته برحمتي طامعا‪ ،‬وأسمعني‬
‫لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين‪ ،‬اطمئن عند ذكري وذكر بي من يطمئن‬
‫إلي‪ ،‬واعبدني ول تشرك بي شيئا‪ ،‬وتحر مسرتي )‪ (3‬إني أنا السيد الكبير‪،‬‬
‫إني خلقتك من نطفة من ماء مهين )‪ (4‬من طينة أخرجتها من أرض ذليلة‬
‫ممشوجة )‪ (5‬فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا فتبارك وجهي‪ ،‬وتقدس صنعي‬
‫)‪ (6‬ليس كمثلي شئ‬

‫)‪ (1‬الباء للملبسة والغرض اتصال امته ودولته ونبوته بقيام الساعة‪ (2) .‬أي‬
‫انصره واعينه‪ (3) .‬التحرى‪ :‬الطلب أي اطلب ما يوجب رضاى عنك‪(4) .‬‬
‫المهين‪ :‬الحقير والقليل والضعيف‪ (5) .‬أي مخلوطة من انواع‪ ،‬والمراد‬
‫انى خلقتك من نطفة واصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة‬
‫الرض وهو آدم عليه السلم واخذت طينته من جميع وجه الرض‬
‫المشتملة على الوان وانواع مختلفة )كذا في المرآة(‪ (6) .‬في بعض‬
‫النسخ من المصدر " صنيعى "‪.‬‬

‫]‪[34‬‬

‫وأنا الحي الدائم الذي ل أزول‪ .‬يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجل‪ ،‬عفر‬
‫وجهك لي في التراب و اسجد لي بمكارم بدنك‪ ،‬واقنت بين يدي في القيام‪،‬‬
‫وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل‪ ،‬واحي بتوراتي أيام الحياة‪،‬‬
‫وعلم الجهال محامدي‪ ،‬وذكرهم آلئي ونعمتي‪ ،‬وقل لهم ل يتمادون في‬
‫غي ما هم فيه فان أخذي أليم شديد‪ .‬يا موسى إذا انقطع حبلك مني لم‬
‫يتصل بحبل غيري فاعبدني‪ ،‬وقم بين يدي مقام العبد الحقير الفقير‪ ،‬ذم‬
‫نفسك فهي أولى بالذم‪ ،‬ول تتطاول بكتابي على بني إسرائيل‪ ،‬فكفى بهذا‬
‫واعظا لقلبك‪ ،‬ومنيرا وهو كلم رب العالمين جل وتعالى‪ .‬يا موسى متى ما‬
‫دعوتني ورجوتني وإني سأغفر لك على ما كان منك‪ ،‬السماء تسبح لي‬
‫وجل‪ ،‬والملئكة من مخافتي مشفقون‪ ،‬والرض تسبح لي طمعا‪ ،‬وكل‬
‫الخلق يسبحون لي داخرين )‪ (1‬ثم عليك بالصلة الصلة‪ ،‬فانها مني بمكان‬
‫ولها عندي عهد وثيق‪ ،‬وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال‬
‫والطعام فاني ل أقبل إل الطيب‪ ،‬يراد به وجهي‪ ،‬واقرن مع ذلك صلة‬
‫الرحام فإني أنا ال الرحمن الرحيم‪ ،‬والرحم أنا خلقتها فضل من رحمتي‬
‫ليتعاطف بها العباد‪ ،‬ولها عندي سلطان في معاد الخرة‪ ،‬وأنا قاطع من‬
‫قطعها‪ ،‬وواصل من وصلها‪ ،‬وكذلك أفعل بمن ضيع أمري‪ .‬يا موسى أكرم‬
‫السائل إذا أتاك برد جميل‪ ،‬أو إعطاء يسير‪ ،‬فانه يأتيك من ليس بانس ول‬
‫جان ملئكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك‪ ،‬وكيف مواساتك‬
‫فيما خولتك )‪ (2‬واخشع لي بالتضرع‪ ،‬واهتف لي بولولة الكتاب )‪(3‬‬
‫واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل‪ ،‬وذلك من‬
‫فضلي عليك وعلى آبائك الولين‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " داخرين " وهو حال عن الضمير في " يسبحون "‪(2) .‬‬
‫التخويل‪ :‬التمليك‪ (3) .‬الولولة‪ :‬صوت متتابع بالويل والستغاثة‪(*) .‬‬

‫]‪[35‬‬

‫يا موسى ل تنسني على كل حال‪ ،‬ول تفرح بكثرة المال‪ ،‬فان نسياني يقسي القلوب‪،‬‬
‫ومع كثرة المال كثرة الذنوب‪ ،‬الرض مطيعة‪ ،‬والسماء مطيعة والبحار‬
‫مطيعة‪ ،‬وعصياني شقاء الثقلين‪ ،‬وأنا الرحمن الرحيم‪ ،‬رحمن كل زمان‬
‫آتي بالشدة بعد الرخاء‪ ،‬وبالرخاء بعد الشدة‪ ،‬وبالملوك بعد الملوك‪ ،‬وملكي‬
‫قائم دائم ل يزول‪ ،‬ول يخفى علي شئ في الرض ول في السماء‪ ،‬وكيف‬
‫يخفى علي ما مني مبتداه‪ ،‬وكيف ل يكون همك فيما عندي وإلي ترجع ل‬
‫محالة ؟‪ .‬يا موسى اجعلني حرزك‪ ،‬وضع عندي كنزك من الصالحات‪،‬‬
‫وخفني ول تخف غيري إلي المصير‪ .‬يا موسى ارحم من هو أسفل منك في‬
‫الخلق‪ ،‬ول تحسد من هو فوقك فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار‬
‫الحطب‪ .‬يا موسى إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينال بها من فضلي‬
‫ورحمتي فقربا قربانا ول أقبل إل من المتقين فكان من شأنهما ما قد علمت‬
‫فكيف تثق بالصاحب بعد الخ والوزير‪ .‬يا موسى ضع الكبر‪ ،‬ودع الفخر‪،‬‬
‫واذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات‪ .‬يا موسى عجل التوبة‬
‫وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلة ول ترج غيري‪ ،‬اتخذني‬
‫جنة للشدايد وحصنا لملمات المور‪ .‬يا موسى كيف تخشع لي خليقة ل‬
‫تعرف فضلي عليها وكيف تعرف فضلي عليها وهي ل تنظر فيه‪ ،‬وكيف‬
‫تنظر فيه وهي ل تؤمن به ؟ وكيف تؤمن به‪ ،‬وهي ل ترجو ثوابا ؟ وكيف‬
‫ترجو ثوابا وهي قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى‪ ،‬وركنت إليها ركون‬
‫الظالمين ؟‪(1) .‬‬
‫)‪ (1‬حاصله الركون إلى الدنيا والميل إليها واتخاذها وطنا ومأوى ينافى الخشوع ل‬
‫إذ الركون ملزوم بعدم رجاء الخرة لن من يرجو لقاء ال يحقر الدنيا في‬
‫عينه ومن يؤمن بال يرجو لقاءه‪.‬‬

‫]‪[36‬‬

‫يا موسى نافس في الخير أهله )‪ (1‬فان الخير كاسمه‪ ،‬ودع الشر لكل مفتون‪ .‬يا‬
‫موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم )‪ (2‬وأكثر ذكري بالليل‪ ،‬و النهار‬
‫تغنم‪ ،‬ول تتبع الخطايا فتندم فان الخطايا موعدها النار‪ .‬يا موسى أطب‬
‫الكلم لهل الترك للذنوب‪ ،‬وكن لهم جليسا‪ ،‬واتخذهم لغيبك إخوانا‪ ،‬وجد‬
‫معهم يجدون معك )‪ .(3‬يا موسى الموت لقيك ل محالة‪ ،‬فتزود زاد من هو‬
‫على ما يتزود وارد‪ .‬يا موسى ما اريد به وجهي فكثير قليله‪ ،‬وما اريد به‬
‫غيري فقليل كثيره وأن أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو‬
‫فاعد له الجواب فإنك موقوف به ومسؤول‪ ،‬وخذ موعظتك من الدهر وأهله‬
‫فان الدهر طويله قصير وقصيره طويل وكل شئ فان‪ ،‬فاعمل كأنك ترى‬
‫ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الخرة ل محالة فان ما بقي من الدنيا‬
‫كما ولى منها‪ ،‬وكل عامل يعمل على بصيرة و مثال فكن مرتادا لنفسك )‪(4‬‬
‫يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال‪ ،‬فهنالك يخسر المبطلون‪ .‬يا‬
‫موسى ألق كفيك ذل بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده‪ ،‬فانك إذا‬
‫فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين‪ .‬يا موسى سلني من فضلي ورحمتي‬
‫فانهما بيدي ل يملكها أحد غيري وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما‬
‫عندي‪ ،‬لكل عامل جزاء‪ ،‬وقد يجزى الكفور بما سعى‪ .‬يا موسى طب نفسا‬
‫عن الدنيا وانطو عنها )‪ (5‬فإنها ليست لك ولست لها ما لك ولدار الظالمين‬
‫إل العامل فيها بالخير فانها له نعم الدار‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي بالغ في الخير وزد عليه‪ (2) .‬يعنى إذا أردت الكلم فابدأ باستعمال قلبك‬
‫وعقلك‪ (3) .‬في بعض النسخ " وجد معهم يحودون معك "‪(4) .‬‬
‫الرتياد‪ :‬الطلب‪ .‬يعنى اتركها وارغب عنها‪.‬‬

‫]‪[37‬‬

‫يا موسى ما آمرك به فاسمع ومهما أراه فاصنع )‪ (1‬خذ حقايق التوراة إلى صدرك‬
‫وتيقظ بها في ساعات الليل والنهار ول تمكن أبناء الدنيا من صدرك‬
‫فيجعلونه وكرا كوكر الطير )‪ .(2‬يا موسى أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم‬
‫لبعض فكل مزين له ما هو فيه و المؤمن من زينت له الخرة‪ ،‬فهو ينظر‬
‫إليها ما يفتر‪ ،‬قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فادلجته بالسحار )‬
‫‪ (3‬كفعل الراكب السائق إلى غايته‪ ،‬يظل كئيبا ويمسي حزينا )‪ (4‬وطوبى‬
‫له لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور‪ .‬يا موسى الدنيا نطفة )‪(5‬‬
‫ليست بثواب للمؤمن ول نقمة من فاجر‪ ،‬فالويل الطويل لمن باع ثواب‬
‫معاده بلعقة لم تبق وبلعسة لم تدم )‪ ،(6‬وكذلك فكن‬

‫)‪ (1‬أي كل وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه أي افعل الوامر في أوقاتها‬
‫التى آمرتك بادائها فيها‪ (2) .‬الوكر والوكرة‪ :‬عش الطائر‪ (3) .‬قال‬
‫المصنف في المرآة‪ :‬الدلج‪ :‬السير باليل وظاهر العبارة أنه استعمل هنا‬
‫متعديا بمعنى التسيير بالليل ولم يأت فيما عندنا من كتب اللغة قال‬
‫الفيروز آبادى‪ :‬الدلج ‪ -‬محركة ‪ -‬والدلجة ‪ -‬بالضم والفتح ‪ :-‬السير من‬
‫اول الليل وقد ادلجوا‪ ،‬فان ساروا من آخره فادلجوا ‪ -‬بالتشديد‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ويمكن ان يكون على الحذف واليصال أي ادلجت الشهوة معه وسيرته‬
‫بالسحار كالراكب الذى سائق قرينه إلى الغاية التى يتسابقان إليها‬
‫والغاية هنا الجنة والفوز بالكرامة والقرب والحب والوصال أو الموت‬
‫وهو اظهر‪ (4) .‬الكابة‪ :‬الغم وسوء الحال والنكسار من الحزن والمعنى‬
‫انه يكون في نهاره مغموما وفى ليله محزونا لطلب الخرة ولكن لو‬
‫كشف الغطاء حتى يرى ماله في الخرة يحصل له السرور ما ل يخفى‪) .‬‬
‫‪ (5‬النطفة‪ :‬ما يبقى في الدلو أو القربة من الماء كنى بها عن قلتها‪(6) .‬‬
‫اللعقة القليل مما يلعق‪ .‬واللعس ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬العض والمراد هنا ما يقطعه‬
‫باسنانه وفى بعض نسخ المصدر " بلعقة لم تبق وبلعبة لم تدم "‪.‬‬

‫]‪[38‬‬

‫كما أمرتك وكل أمري رشاد‪ .‬يا موسى إذا رأيت الغنى مقبل فقل‪ :‬ذنب عجلت إلي‬
‫عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبل فقل‪ :‬مرحبا بشعار الصالحين‪ ،‬ول تكن جبارا‬
‫ظلوما‪ ،‬ول تكن للظالمين قرينا‪ .‬يا موسى ما عمر وإن طال يذم آخره‪ ،‬وما‬
‫ضرك ما زوى عنك إذا حمدت مغبته )‪ .(1‬يا موسى صرخ الكتاب إليك‬
‫صراخا )‪ (2‬بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون‪ ،‬أم كيف يجد‬
‫قوم لذة العيش لول التمادي في الغفلة والتباع للشقوة والتتابع للشهوة‪،‬‬
‫ومن دون هذا يجزع الصديقون‪ .‬يا موسى مر عبادي يدعوني على ماكان‬
‫بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين مجيب المضطرين‪ ،‬وابدل الزمان‪،‬‬
‫وآتي بالرخاء‪ ،‬وأشكر اليسير واثيب الكثير وأغني الفقير وأنا الدائم العزيز‬
‫القدير‪ ،‬فمن لجأ إليك وانضوى )‪ (3‬إليك من الخاطئين‪ ،‬فقل‪ :‬أهل وسهل يا‬
‫رحب الفناء )‪ (4‬بفناء رب العالمين‪ ،‬واستغفر لهم وكن لهم كأحدهم‪ ،‬ول‬
‫تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله‪ ،‬وقل لهم فليسألوني من فضلي‬
‫ورحمتي فانه ل يملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم‪ ،‬طوبى لك يا‬
‫)‪ (1‬زوى عنك أي بعد عنك‪ .‬والمغبة‪ :‬العاقبة‪ (2) .‬في بعض نسخ المصدر " صرح‬
‫الكتاب صراحا " وما في المتن أصوب‪ (3) .‬انضوى إليه‪ :‬انضم‪ ،‬وفى‬
‫بعض النسخ " وانطوى "‪ (4) .‬الرحب ‪ -‬بالضم ‪ :-‬السعة‪ .‬وبالفتح ‪:-‬‬
‫الواسع‪ .‬قيل‪ :‬لعل المراد ان من لجأ اليك يا موسى من عبادي الخاطئين‬
‫لستغفر له وتدخل باستشفاعك في زمره الساكنين في جوار قبولي فل ترد‬
‫مسألته فان رحمتى قد سبقت غضبى‪ ،‬فقل له‪ :‬أهل وسهل ومرحبا‪ ،‬فانك‬
‫رحب الفناء بسبب كونك في فناء قبولي ورحمتي الواسعة‪ ،‬فآمنه من‬
‫سخطى واسكنه باستغفارك وشفاعتك المقبولة في فناء فضلى ومغفرتي‪.‬‬
‫كذا وجدته في هامش بعض النسخ المخطوطة من الكافي وقد يقرء في‬
‫بعض نسخ الحديث " يارحب الفناء نزلت بفناء " والظاهر هو الصح‪.‬‬

‫]‪[39‬‬

‫موسى كهف الخاطئين وجليس المضطرين‪ ،‬ومستغفر للمذنبين‪ ،‬إنك مني بالمكان‬
‫الرضي فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق‪ ،‬وكن كما أمرتك أطع أمري‬
‫ول تستطل على عبادي بما ليس منك مبتداه‪ ،‬وتقرب إلي فإني منك قريب‬
‫فاني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ول حمله‪ ،‬إنما سألتك أن تدعوني فاجيبك‬
‫وأن تسألني فأعطيك وأن تتقرب إلي بمامني أخذت تأويله وعلي تمام‬
‫تنزيله‪ .‬يا موسى انظر إلى الرض فانها عن قريب قبرك‪ .‬وارفع عينيك إلى‬
‫السماء فإن فوقك فيها ملكا عظيما‪ ،‬وابك على نفسك مادمت في الدنيا‬
‫وتخوف العطب )‪ (1‬والمهالك ول تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ول ترض‬
‫بالظلم ول تكن ظالما فإني للظالم رصيد حتى اديل منه المظلوم‪ .‬يا موسى‬
‫إن الحسنة عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلك ول تشرك بي ل‬
‫يحل لك أن تشرك بي‪ ،‬قارب وسدد )‪ (2‬وادع دعاء الطامع الراغب فيما‬
‫عندي‪ ،‬النادم على ما قدمت يداه‪ ،‬فإن سواد الليل يمحوه النهار‪ ،‬وكذلك‬
‫السيئة تمحوها الحسنة‪ ،‬وعشوة الليل )‪ (3‬تأتي على ضوء النهار‪ ،‬وكذلك‬
‫السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها‪ - 8 .‬قال السيد )‪ (4‬قدس ال‬
‫روحه في كتاب سعد السعود )‪ :(5‬رأيت في الزبور في السورة الثالثة‬
‫والثلثين‪ :‬ثياب العاصي ثقال على البدان ووسخ على الوجه ووسخ‬
‫البدان ينقطع بالماء ووسخ الذنوب ل ينقطع إل بالمغفرة‪ ،‬طوبي للذين‬
‫كان باطنهم أحسن من ظاهرهم‪ ،‬ومن كانت له ودائع فرح بها يوم الزفة‪،‬‬
‫ومن عمل‬

‫)‪ (1‬العطب ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الهلك‪ (2) .‬قال في النهاية وفيه " قاربوا وسددوا " أي‬
‫اقتصدوا في المور كلها واتركوا العلو فيها والتقصير‪ .‬يقال قارب فلن‬
‫في المور إذا اقتصد‪ ،‬وقال في السين والدال‪ :‬قاربوا وسددوا أي اطلبوا‬
‫باعمالكم السداد والستقامة وهو القصد في المر والعدل فيه‪ (3) .‬عشوة‬
‫الليل‪ :‬ظلمته‪ (4) .‬يعنى ابن طاووس‪ (5) .‬المصدر ص ‪.50‬‬

‫]‪[40‬‬

‫بالمعاصي وأسرها من المخلوقين‪ ،‬لم يقدر على إسرارها مني‪ ،‬قد أوفيتكم ما‬
‫وعدتكم من طيبات الرزق ونبات البر وطير السماء ومن جميع الثمرات‪،‬‬
‫ورزقتكم ما لم تحتسبوا وذلك كله على الذنوب معشر الصوام‪ ،‬بشر‬
‫الصائمين بمرتبة الفائزين وقد أنزلت على أهل التوراة بما أنزلت عليكم‪،‬‬
‫داود ! سوف تحرف كتبي ويفترى علي كذبا فمن صدق بكتبي ورسلي فقد‬
‫أنجح وأفلح وأنا العزيز الحكيم‪ .‬سبحان خالق النور‪ .‬وفي السورة السابعة‬
‫والستين‪ :‬ابن آدم جعلت لكم الدنيا دلئل على الخرة وإن الرجل منكم‬
‫يستأجر الرجل فيطلب حسابه فترعد فرائصه من أجل ذلك وليس يخاف‬
‫عقوبة النار وأنتم مكثرون التمرد وتجعلون المعاصي في الظلم الدجى إن‬
‫الظلم ل يستركم علي بل استخفيتم على الدميين وتهاونتم بي‪ ،‬ولو أمرت‬
‫فطرات الرض تبتلعكم فتجعلكم نكال )‪ (1‬ولكن جدت عليكم بالحسان فان‬
‫استغفرتموني تجدوني غفارا‪ ،‬فان تعصوني اتكال على رحمتي فقد يجب‬
‫أن يتقى من يتوكل عليه‪ ،‬سبحان خالق النور‪ .‬وفي الثامنة والستين‪ :‬ابن‬
‫آدم لما رزقتكم اللسان وأطلقت لكم الوصال )‪ (2‬ورزقتكم الموال‪ .‬جعلتم‬
‫الوصال كلها عونا على المعاصي كأنكم بي تغترون و بعقوبتي تتلعبون‪،‬‬
‫ومن أجرم الذنوب وأعجبه حسنه فلينظر الرض كيف لعبت بالوجوه في‬
‫القبور وتجعلها رميما‪ ،‬إنما الجمال جمال من عوفي من النار‪ .‬وإذا فرغتم‬
‫من المعاصي رجعتم إلي أحسبتم أني خلقتكم عبثا إني إنما جعلت الدنيا‬
‫رديف الخرة‪ ،‬فسددوا وقاربوا واذكروا رحلة الدنيا وارجوا ثوابي‪ ،‬وخافوا‬
‫عقابي واذكروا صولة الزبانية وضيق المسلك في النار وغم أبواب جهنم‬
‫وبرد الزمهرير‪ ،‬ازجروا أنفسكم حتى تنزجر‪ ،‬وارضوها باليسير من العمل‪.‬‬
‫سبحان خالق النور‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفطر‪ :‬الشق‪ .‬والنكال العذاب واسم ما يجعل عبرة للغير‪ (2) .‬الوصال‪:‬‬
‫العضاء‪.‬‬

‫]‪[41‬‬

‫وفي الحادية والسبعين‪ :‬طلب الثواب بالمخادعة يورث الحرمان‪ ،‬وحسن العمل‬
‫يقرب مني‪ ،‬أرأيتم لو أن رجل أحضر سيفا ل نصل له أو قوسا ل سهم له‬
‫أكان يردع عدوه وكذلك التوحيد ل يتم إل يتم إل بالعمل‪ ،‬وإطعام الطعام‬
‫لرضاي‪ ،‬سبحان خالق النور‪ .‬وفي الرابعة والثمانين‪ :‬مولج الليل في‬
‫النهار ومغيب النور في الظلمة ومذل العزيز ومعز الذليل وأنا الملك‬
‫العلى‪ ،‬معشر الصديقين كيف مساعدتكم أنفسكم على الضحك وأيامكم‬
‫تفني والموت بكم نازل وتموتون وترعى الدود في أجسادكم وتنساكم‬
‫الهلون والقرباء‪ ،‬سبحان خالق النور‪ .‬وفي المائة‪ :‬من فزع نفسه‬
‫بالموت هانت عليه الدنيا‪ ،‬ومن أكثر الهم والباطيل اقتحم عليه الموت من‬
‫حيث ل يشعر‪ ،‬إن ال ل يدع شابا لشبابه ول شيخا لكبره‪ ،‬إذا قربت آجالكم‬
‫توفتكم رسلي وهم ل يفرطون فالويل لمن توفته رسلي وهو على الفواحش‬
‫لم يدعها‪ ،‬والويل كل الويل لمن تتبع عورات المخلوقين‪ ،‬و الويل كل الويل‬
‫لمن كان لحد قبله تبعة خردلة حتى يؤديها من حسناته‪ .‬والليل إذا ؟ ؟‬
‫أظلم والصبح إذا استنار )‪ (1‬والسماء الرفيعة والسحاب المسخر ليخرجن‬
‫المظالم ولتؤدي كائنة ما كانت من حسناتكم أو من سيئات المظلوم تجعل‬
‫على سيئاتكم والسعيد من أخذ كتابه بيمينه وانصرف إلى أهله مضيئ‬
‫الوجه‪ ،‬والشقي من أخذ كتابه بشماله ومن وراء ظهره وانصرف إلى أهله‬
‫باسرالوجه بسرا‪ ،‬قد شحب لونه وورمت قدماه‪ ،‬وخرج لسانه دالعا على‬
‫صدره )‪ (2‬وغلظ شعره فصار في النار‬

‫)‪ (1‬في المصدر " والنهار إذا أنار " بدل " والصبح إذا استنار "‪ (2) .‬بسر يبسر‬
‫بسرا وبسورا من باب قعد أي عبس وجهه فهو با سرومنه قوله تعالى "‬
‫وجوه يومئذ باسرة " وقوله " ثم عبس وبسر "‪ .‬وشحب لونه أي تغير‬
‫من جوع أو مرض ونحوهما ودلع لسانه أي خرج من فمه‪ .‬وقوله "‬
‫دالعا لسانه على صدره " أي خارجا لسانه متدليا على صدره‪.‬‬

‫]‪[42‬‬

‫محسورا مبعدا مدحورا )‪ (1‬وصارت عليه اللعنة وسوء الحساب وأنا القادر القاهر‬
‫الذي أعلم غيب السماوات والرض وأعلم خائنة العين وما تخفي‬
‫الصدور‪ ،‬وأنا السميع العليم‪ - 9 .‬من خط الشهيد رحمه ال قيل‪ :‬في‬
‫التوراة قل لصاحب المال الكثير‪ :‬ل يغتر بكثرة ماله وغناه فإن اغتر فليطعم‬
‫الخلق غداء وعشاء‪ ،‬وقل لصاحب العلم‪ :‬ل يغتر بكثرة علمه فان اغتر‬
‫فليعلم أنه متى يموت‪ ،‬وقل لصاحب العضد القوي‪ :‬ل يغتر بقوته فان اغتر‬
‫بقوته فليدفع الموت عن نفسه‪ - 10 .‬عدة الداعي )‪ (2‬روى الحسن بن أبي‬
‫الحسن الديلمي‪ ،‬عن وهب بن منبه قال‪ :‬أوحى ال تعالى إلى داود عليه‬
‫السلم يا داود من أحب حبيبا صدق قوله‪ ،‬ومن رضي بحبيب رضي فعله‪،‬‬
‫ومن وثق بحبيب اعتمد عليه‪ ،‬ومن اشتاق إلى حبيب جد في السير إليه‪ ،‬يا‬
‫داود ذكري للذاكرين‪ ،‬وجنتي للمطيعين‪ ،‬وحبي للمشتاقين وأنا خاصة‬
‫للمحبين‪ .‬وقال سبحانه‪ :‬أهل طاعتي في ضيافتي وأهل شكري في زيادتي‬
‫وأهل ذكري في نعمتي وأهل معصيتي ل أو يسهم من رحمتي‪ ،‬إن تابوا فأنا‬
‫حبيبهم وإن دعوا فأنا مجيبهم وإن مرضوا فأنا طبيبهم‪ ،‬اداويهم بالمحن‬
‫والمصائب لطهرهم من الذنوب والمعايب‪ .‬اعلم الدين للديلمي مثله‪- 11 .‬‬
‫وفيه‪ (3) :‬قال كعب الحبار مكتوب في التوراة‪ :‬يا موسى من أحبني لم‬
‫ينسني‪ ،‬ومن رجا معروفي‪ ،‬ألح في مسألتي‪ ،‬يا موسى إني لست بغافل عن‬
‫خلقي ولكن احب أن يسمع ملئكتي ضجيج الدعاء من عبادي وترى‬
‫حفظتي تقرب بني آدم إلي بما أنا مقويهم عليه ومسببه لهم‪ ،‬يا موسى قل‬
‫لبني إسرائيل ل تبطرنكم النعمة )‪ (4‬فيعاجلكم السلب‪ ،‬ول تغفلوا عن‬
‫الشكر فيقارعكم الذل وألحوا‬

‫)‪ (1‬المحسور الممنوع يعنى درمانده وأفسوس خورده‪ .‬والمدحور المطرود‪ :‬رانده‬
‫شده‪ (2) .‬المصدر ص ‪ (3) .186‬المصدر ص ‪ (4) .143‬البطر‪ :‬الدهش‬
‫عند هجوم النعمة‪.‬‬

‫]‪[43‬‬

‫في الدعاء تشملكم الرحمة بالجابة وتهنيكم العافية‪ - 12 .‬وروي )‪ (1‬في زبور‬
‫داود يقول ال تعالى‪ :‬ابن آدم تسألني فأمنعك لعلمي بما ينفعك‪ ،‬ثم تلح علي‬
‫بالمسألة فأعطيك ما سألت فتستعين به على معصيتي‪ ،‬فأهم بهتك سترك‪،‬‬
‫فتدعوني فأستر عليك‪ ،‬فكم من جميل أصنع معك وكم قبح تصنع معي‪،‬‬
‫يوشك أن أغضب عليك‪ ،‬غضبة ل أرضي بعدها أبدا‪ .‬ومن النجيل‪ :‬أل‬
‫تدينوا وأنتم خطاء فيدان منكم بالعذاب‪ ،‬ل تحكموا بالجور فيحكم عليكم‬
‫بالعذاب‪ ،‬بالمكيال الذي تكيلون يكال لكم‪ ،‬وبالحكم الذي تحكمون يحكم‬
‫عليكم‪ .‬ومن النجيل أيضا‪ :‬احذروا الكذابة الذين يأتونكم بلباس الحملن‬
‫فهم في الحقيقة ذئاب خاطفة من ثمارهم تعرفونهمل يمكن الشجرة الطيبة‬
‫أن تثمر ثمارا ردية ول الشجرة الردية أن تثمر ثمارا صالحة‪ - 13 .‬ختص‬
‫)‪ :(2‬عن رفاعة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬في التوراة أربع‬
‫مكتوبات وأربع إلى جانبهن‪ :‬من أصبح على الدنيا حزينا أصبح على ربه‬
‫ساخطا ومن شكى مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه ومن أتى غنيا‬
‫فتضعضع له لشئ يصيبه منه ذهب ثلثا دينه‪ ،‬ومن دخل من هذه المة النار‬
‫ممن قرأ القرآن هو ممن يتخذ آيات ال هزوا‪ .‬والربعة إلى جانبهن‪ :‬كما‬
‫تدين تدان‪ ،‬ومن ملك استأثر‪ ،‬ومن لم يستشر يندم‪ ،‬والفقر هو الموت‬
‫الكبر‪ - 14 .‬ين‪ (3) :‬محمد بن سنان‪ ،‬عن يوسف بن عمران‪ ،‬عن يعقوب‬
‫بن شعيب قال‪:‬‬
‫)‪ (1‬عدة الداعي ص ‪.152‬كذا‪ (2) .‬الختصاص ص ‪ .226‬وسيأتى في باب مواعظ‬
‫الصادق عليه السلم عن أمالى الشيخ ج ‪ 1‬ص ‪ 233‬باسناده عن رفاعة‬
‫مثله‪ (3) .‬هذا رمز إلى كتابي الحسين بن سعيد الهوازي أو كتابه‬
‫والنوادر وكلها مخطوط والخبر رواه الصدوق ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في المجلس‬
‫التاسع والثمانين من اماليه وفى معافى الخبار وعلل الشرايع ومن ل‬
‫يحضره الفقيه‪ .‬ورواه البرقى أيضا في المحاسن‪.‬‬

‫]‪[44‬‬

‫سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن ال عزوجل أوحى إلى آدم أني جامع لك‬
‫الكلم كله في أربع كلم‪ ،‬قال‪ :‬يا رب وماهن ؟ فقال‪ :‬واحدة لي وواحدة لك‬
‫و واحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس‪ ،‬قال‪ :‬يا رب‬
‫بينهن لي حتى أعمل بهن‪ ،‬قال‪ :‬أما التي لي فتعبدني ل تشرك بي شيئا‪،‬‬
‫وأما التي لك فاجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه‪ ،‬وأما التي بيني وبينك‬
‫فعليك الدعاء وعلي الجابة وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما‬
‫ترضى لنفسك‪ - 15 .‬كنز الكراجكى‪ (1) :‬روي أن ال يقول‪ :‬يا ابن آدم في‬
‫كل يوم يؤتى رزقك وأنت تحزن وينقص من عمرك وأنت ل تحزن‪ ،‬تطلب‬
‫ما يطغيك وعندك ما يكفيك‪) * .‬باب ‪) " * * (3‬ما أوصى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله( " * * " )إلى أمير المؤمنين عليه السلم( " * ‪ - 1‬ل‪) :‬‬
‫‪ (2‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن مرار )‪ (3‬عن يونس يرفعه إلى‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان فيما أوصى به رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله عليا عليه السلم يا علي أنهاك عن ثلث خصال عظام‪ :‬الحسد‬
‫والحرص والكذب‪ .‬يا علي سيد العمال ثلث خصال‪ :‬انصافك الناس من‬
‫نفسك‪ ،‬ومواساتك الخ في ال عزوجل‪ ،‬وذكرك ال تبارك وتعالى على كل‬
‫حال‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) .140‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .62‬يعنى اسماعيل بن مرار‪.‬‬

‫]‪[45‬‬

‫يا على ثلث فرحات للمؤمن في الدنيا‪ :‬لقاء الخوان‪ ،‬والفطار من الصيام والتهجد‬
‫في آخر الليل‪ .‬يا علي ثلث من لم تكن فيه لم يقم له عمل‪ :‬ورع يحجزه‬
‫عن معاصي ال عزوجل‪ ،‬وخلق يداري به الناس‪ ،‬وحلم يرد به جهل‬
‫الجاهل‪ .‬يا على ثلث خصال من حقايق اليمان‪ :‬النفاق في القتار )‪(1‬‬
‫وانصاف الناس من نفسك‪ ،‬وبذل العلم للمتعلم‪ .‬يا علي ثلث خصال من‬
‫مكارم الخلق‪ :‬تعطي من حرمك‪ ،‬وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك‪- 2 .‬‬
‫ل‪ (2) :‬محمد بن علي بن الشاه‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن الحسين‪ ،‬عن‬
‫أحمد ابن خالد الخالدي‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن الصالح التميمي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن أنس بن محمد أبي مالك‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫جده‪ ،‬عن علي بن أبي طالب عليهم السلم عن النبي صلى ال عليه وآله‬
‫أنه قال في وصيته له‪ :‬يا علي ثلث من لقى ال بهن فهو من أفضل‬
‫الناس‪ :‬من أتى ال بما افترض ال عليه فهو من أعبد الناس ومن ورع‬
‫عن محارم ال فهو من أورع الناس‪ ،‬ومن قنع بما رزقه ال فهو من أغنى‬
‫الناس‪ .‬يا علي ثلث ل تطيقها هذه المة‪ :‬المواساة للخ في ماله‪،‬‬
‫وانصاف الناس من نفسه‪ ،‬وذكر ال على كل حال‪ ،‬وليس هو " سبحان‬
‫ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر " ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه‬
‫خاف ال عزوجل عنده وتركه‪ .‬يا علي ثلثة يتخوف منهن الجنون‪ :‬التغوط‬
‫بين القبور‪ ،‬والمشي في خف واحد‪ ،‬والرجل ينام وحده‪ .‬يا علي ثلث‬
‫مجالستهم تميت القلب‪ :‬مجالسة النذال )‪ (3‬ومجالسة الغنياء‬

‫)‪ (1‬القتار الضيق في المعيشة‪ (2) .‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .62‬النذال جمع نذل‬
‫بسكون الذال المعجمة وهو الساقط في الدين أو الحسب ومن كان‬
‫خسيسا‪ .‬وفى بعض النسخ " الرذال "‪.‬‬

‫]‪[46‬‬

‫والحديث مع النساء‪ .‬يا علي ثلثة يزدن في الحفظ ويذهبن السقم‪ :‬اللبان )‪(1‬‬
‫والسواك‪ ،‬وقراءة القرآن‪ .‬يا علي ثلثة من الوسواس‪ :‬أكل الطين‪ ،‬وتقليم‬
‫الظفار بالسنان‪ ،‬وأكل اللحية‪ .‬يا علي أنهاك من ثلث خصال‪ :‬الحسد‪،‬‬
‫والحرص‪ ،‬والكبرياء‪ .‬يا علي ثلث يقسين القلب‪ :‬استماع اللهو‪ ،‬وطلب‬
‫الصيد‪ ،‬وإتيان باب السلطان‪ .‬يا علي العيش في ثلثة‪ :‬دار قوراء )‪(2‬‬
‫وجارية حسناء‪ ،‬وفرس قباء‪ .‬قال مصنف هذا الكتاب رضي ال عنه )‪:(3‬‬
‫الفرس القباء الضامر البطن يقال‪ :‬فرس أقب وقباء لن الفرس يذكر‬
‫ويؤنث ويقال للنثى‪ :‬قباء ل غير‪ - 3 .‬مكا‪ (4) :‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن علي بن أبي طالب عليهم السلم عن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله أنه قال‪ :‬يا علي اوصيك بوصية فاحفظها فل تزال بخير ما‬
‫حفظت وصيتي‪ .‬يا علي من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه أعقبه ال‬
‫يوم القيامة أمنا‪ ،‬و إيمانا يحد طعمه‪ .‬يا علي من لم يحسن وصيته عند‬
‫موته كان نقصا في مروته‪ ،‬ولم يملك الشفاعة‪ .‬يا علي أفضل الجهاد من‬
‫أصبح ل يهم بظلم أحد‪ .‬يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار‪.‬‬
‫يا علي شر الناس من أكرمه الناس اتقاء شره‪ .‬يا علي شر الناس من باع‬
‫آخرته بدنياه‪ ،‬وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره‪.‬‬
‫)‪ (1‬هو ما يقال له بالفارسية )كندر(‪ (2) .‬بفتح القاف ممدودا كحمراء‪ :‬الواسعة‪) .‬‬
‫‪ (3‬يعنى الصدوق نفسه‪ (4) .‬مكارم الخلق‪ :‬ص ‪.500‬‬

‫]‪[47‬‬

‫يا علي من لم يقبل العذر من متنصل )‪ (1‬صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي‪ .‬يا‬
‫علي إن ال عزوجل أحب الكذب في الصلح وأبغض الصدق في الفساد يا‬
‫علي من ترك الخير لغير ال سقاه ال من الرحيق المختوم‪ ،‬فقال علي‪:‬‬
‫لغير ال ؟ قال‪ :‬نعم وال من تركها صيانة لنفسه يشكره ال على ذلك‪ .‬يا‬
‫علي شارب الخمر كعابد وثن‪ ،‬يا علي شارب الخمر ل يقبل ال عزوجل‬
‫صلته أربعين يوما فان مات في الربعين مات كافرا‪ .‬يا علي كل مسكر‬
‫حرام وما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام‪ .‬يا علي جعلت الذنوب كلها في‬
‫بيت وجعل مفتاحها شرب الخمر‪ .‬يا علي تاتي على شارب الخمر ساعة ل‬
‫يعرف فيها ربه عزوجل‪ .‬يا علي إن إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة‬
‫ملك مؤجل لم تنقص أيامه‪ .‬يا علي من لم تنتفع بدينه ودنياه فل خير لك‬
‫في مجالسته‪ ،‬ومن لم يوجب لك فل توجب له ول كرامة )‪ .(2‬يا علي‬
‫ينبغي أن يكون في المؤمن ثمان خصال‪ :‬وقار عند الهزاهز )‪ (3‬و صبر‬
‫عند البلء‪ ،‬وشكر عند الرخاء‪ ،‬وقنوع بما رزقه ال عزوجل‪ ،‬ول يظلم‬
‫العداء ول يتحامل على الصدقاء )‪ (4‬بدنه منه في تعب والناس منه في‬
‫راحة‪ .‬يا علي أربعة ل ترد لهم دعوة إمام عادل‪ ،‬ووالد لولده‪ ،‬والرجل‬
‫يدعو لخيه بظهر الغيب‪ ،‬والمظلوم‪ ،‬يقول ال جل جلله وعزتي وجللي‬
‫لنتصرن لك ولو بعد حين‪ .‬يا علي ثمانية إن اهينوا فل يلوموا إل أنفسهم‪:‬‬
‫الذاهب إلى مائدة لم‬

‫)‪ (1‬تنصل إلى فلن من الجناية خرج وتبرأ عنده منها‪ .‬وتنصل من كذا‪ :‬خرج‬
‫وتنصل الشئ‪ :‬أخرجه‪ ،‬وتنصل فلن من ذنبه تبرأ منه‪ (2) .‬أوجب لفلن‬
‫حقه‪ :‬راعاه‪ (3) .‬الهزاهز‪ :‬الفتن التى تهز الناس من الشدائد والحروب‪.‬‬
‫)‪ (4‬تحامل على فلن‪ :‬جار ولم يعدل وكلفه ما ل يطيق‪ .‬والصدقاء جمع‬
‫صديق‪.‬‬

‫]‪[48‬‬

‫يدع إليها‪ ،‬والمتأمر )‪ (1‬على رب البيت‪ ،‬وطالب الخير من أعدائه‪ ،‬وطالب الفضل‬
‫من اللئام‪ ،‬والداخل بين اثنين في سر لم يدخله فيه‪ ،‬والمستخف بالسلطان‪،‬‬
‫و الجالس في مجلس ليس له بأهل‪ ،‬والمقبل بالحديث على من ل يسمع‬
‫منه‪ .‬يا علي حرم ال الجنة على كل فاحش بذي )‪ (2‬ل يبالي ما قال ول ما‬
‫قيل له‪ .‬يا علي طوبى لمن طال عمره وحسن عمله‪ .‬يا علي ل تمزح‬
‫فيذهب بهاؤك‪ ،‬ول تكذب فيذهب نورك‪ ،‬وإياك وخصلتين الضجرة والكسل‪،‬‬
‫فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق‪ ،‬وإن كسلت لم تؤد حقا‪ .‬يا علي لكل‬
‫ذنب توبة إل سوء الخلق فان صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب‪ .‬يا‬
‫علي أربعة أسرع شئ عقوبة‪ :‬رجل أحسنت إليه فكافاك بالحسان إساءة‬
‫ورجل ل تبغي عليه وهو يبغي عليك‪ ،‬ورجل عاهدته على أمر فوفيت له‬
‫وغدر بك ورجل وصل قرابته فقطعوه‪ .‬يا علي من استولى عليه الضجر‬
‫رحلت عنه الراحة‪ .‬يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن‬
‫يتعلمها على المائدة‪ :‬أربع منها فريضة‪ ،‬وأربع منها سنة‪ ،‬وأربع منها‬
‫أدب‪ ،‬فأما الفريضة فالمعرفة بما يأكل والتسمية‪ ،‬والشكر‪ ،‬والرضا‪ ،‬وأما‬
‫السنة فالجلوس على الرجل اليسرى‪ ،‬والكل بثلث أصابع‪ ،‬وأن يأكل مما‬
‫يليه‪ ،‬ومص الصابع‪ ،‬وأما الدب فتصغير اللقمة والمضغ الشديد‪ ،‬وقلة‬
‫النظر في وجوه الناس‪ ،‬وغسل اليدين‪ .‬يا علي خلق ال عزوجل الجنة من‬
‫لبنتين لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل حيطانها الياقوت وسقفها‬
‫الزبرجد وحصاها اللؤلوء وترابها الزعفران والمسك الذفر )‪ ،(3‬ثم قال‬
‫لها‪ :‬تكلمي فقالت‪ " :‬ل إله إل هو الحي اليوم " قد‬

‫)‪ (1‬تأمر عليه‪ :‬تسلط وتحكم عليه‪ (2) .‬البذى على فعيل‪ :‬الكلم القبيح‪ .‬والذى تكلم‬
‫بالفحش‪ (3) .‬ذفر المسك ‪ -‬من باب علم ‪ -‬ظهر رائحته واشتدت فهو‬
‫أذفر‪.‬‬

‫]‪[49‬‬

‫سعد من يدخلني‪ ،‬قال ال جل جلله‪ :‬وعزتي وجللي ل يدخلها مدمن خمر )‪ (1‬ول‬
‫نمام ول شرطي )‪ (2‬ول مخنث ول نباش ول عشار ول قاطع رحم ول‬
‫قدري‪ .‬يا علي كفر بال العظيم من هذه المة عشرة‪ :‬القتات )‪،(3‬‬
‫والساحر‪ ،‬والديوث‪ ،‬وناكح المرأة حراما في دبرها‪ ،‬وناكح البهيمة‪ ،‬ومن‬
‫نكح ذات محرم‪ ،‬والساعي في الفتنة‪ ،‬وبايع السلح من أهل الحرب‪ ،‬ومانع‬
‫الزكاة‪ ،‬ومن وجد سعة فمات ولم يحج‪ .‬يا علي ل وليمة إل في خمس في‬
‫عرس‪ ،‬أو خرس‪ ،‬أو عذار‪ ،‬أو وكار‪ ،‬أو ركاز )‪ (4‬فالعرس التزويج‪،‬‬
‫والخرس النفاس‪ ،‬بالولد‪ ،‬والعذار الختان‪ ،‬والوكار في شرى الدار‪،‬‬
‫والركاز الرجل يقدم من مكة‪ .‬يا علي ل ينبغي للعاقل أن يكون ظاعنا )‪(5‬‬
‫إل في ثلث مرمة لمعاش‪ ،‬أو تزود لمعاد‪ ،‬أو لذة في غير محرم‪ .‬يا علي‬
‫ثلثة من مكارم الخلق في الدنيا والخرة‪ :‬أن تعفو عمن ظلمك وتصل من‬
‫قطعك‪ ،‬وتحلم عمن جهل عليك‪ .‬يا علي بادر بأربع قبل أربع‪ :‬شبابك قبل‬
‫هرمك‪ ،‬وصحتك‪ ،‬قبل سقمك‬
‫)‪ (1‬أدمن الخمر أي أدام شربها‪ .‬ومدمن الخمر المداوم شربها‪ (2) .‬الشرطي‪:‬‬
‫منسوب إلى الشرطة ‪ -‬كغرفة ‪ :-‬عون السلطان والوالى‪ .‬وقيل الطائفة‬
‫من خيار أعوان الولة ورؤساء الضابطة ورجالها‪ ،‬سموا بذلك لنهم‬
‫اعلموا انفسهم بعلمات يعرفون بها‪ .‬وانما لم يدخلوا الجنة لجورهم على‬
‫الناس وظلمهم غالبا‪ (3) .‬القتات‪ :‬النمام‪ .‬وفى المصدر " القتال " وهو‬
‫تصحيف‪ (4) .‬الخرس ‪ -‬بالضم ‪ -‬والخراس ‪ -‬بالكسر ‪ -‬طعام الولدة‪.‬‬
‫والخرسة ‪ -‬بالصم طعام النفساء نفسها‪ .‬والعذار ‪ -‬بالكسر ‪ -‬طعام الختان‬
‫أو البناء‪ ،‬وعذر الغلم عذرا ‪ -‬من باب ضرب ‪ -‬ختنه‪ .‬والوكار‪ :‬الذى‬
‫يدعى إليه الناس عند بناء الدار أو شرائها‪ ،‬والوكرة طعام يعمل عند‬
‫الفراق من البناء‪ .‬كذا في كتب اللغة والركاز‪ :‬الغنيمة‪ (5) .‬أي راحل‪.‬‬

‫]‪[50‬‬

‫وغناك قبل فقرك‪ ،‬وحياتك قبل موتك‪ .‬يا علي كره ال عزوجل لمتي العبث في‬
‫الصلة‪ ،‬والمن في الصدقة وإتيان المساجد جنبا‪ ،‬والضحك بين القبور‪،‬‬
‫والتطلع في الدور‪ ،‬والنظر إلى فروج النساء لنه يورث العمى‪ ،‬وكره‬
‫الكلم عند الجماع لنه يورث الخرس وكره النوم بين العشائين لنه يحرم‬
‫الرزق‪ ،‬وكره الغسل تحت السماء إل بمئزر‪ ،‬وكره دخول النهار إل بمئزر‬
‫فإن فيها سكانا من الملئكة‪ ،‬وكره دخول الحمام إل بمئزر‪ ،‬وكره الكلم‬
‫بين الذان والقامة في صلة الغداة‪ ،‬وكره ركوب البحر في وقت هيجانه‪،‬‬
‫وكره النوم فوق سطح ليس بمحجر‪ ،‬و قال‪ :‬من نام على سطح غير محجر‬
‫فقد برئت منه الذمة‪ ،‬وكره أن ينام الرجل في بيت وحده‪ ،‬وكره أن يغشى‬
‫الرجل امرأته وهي حايض فإن فعل وخرج الولد مجذوبا أو به برص فل‬
‫يلومن إل نفسه‪ .‬وكره أن يكلم الرجل مجذوما إل أن يكون بينه وبينه قدر‬
‫ذراع‪ ،‬وقال عليه السلم‪ :‬فر من المجذوم فرارك من السد وكره أن يأتي‬
‫الرجل أهله وقد احتلم حتى يغتسل من الحتلم فان فعل وخرج الولد‬
‫مجنونا فل يلومن إل نفسه‪ ،‬وكره البول على شط نهر جار )‪ ،(1‬وكره أن‬
‫يحدث الرجل تحت الشجرة أو نخلة قد أثمرت‪ ،‬وكره أن يتنعل الرجل وهو‬
‫قائم‪ ،‬وكره أن يدخل الرجل بيتا مظلما إل مع السراج‪ .‬يا علي آفة الحسب‬
‫الفتخار‪ .‬يا علي من خاف ال عزوجل خاف منه كل شئ‪ ،‬ومن لم يخف‬
‫ال أخافه ال من كل شئ‪ .‬يا علي ثمانية ل يقبل منهم الصلة‪ :‬العبد البق‬
‫حتى يرجع إلى مواليه والناشز وزوجها عليها ساخط‪ ،‬ومانع الزكاة‪،‬‬
‫وتارك الوضوء‪ ،‬والجارية المدركة تصلي بغير خمار‪ ،‬وإمام قوم يصلي‬
‫بهم وهم له كارهون‪ ،‬والسكران والزبين )‪(2‬‬
‫)‪ (1‬أي جانبه حال جريانه‪ (2) .‬الزبين ‪ -‬كسكين ‪ -‬مدافع الخبثين أي البول والغائط‬
‫أو ممسكهما على كره‪.‬‬

‫]‪[51‬‬

‫وهو الذي يدافع البول والغائط‪ .‬يا علي أربع من كن فيه بنى ال له بيتا في الجنة‪:‬‬
‫من آوي اليتيم‪ ،‬ورحم الضعيف‪ ،‬وأشفق على والديه‪ ،‬ورفق بمملوكه‪ .‬يا‬
‫علي ثلث من لقى ال عزوجل بهن فهو أفضل الناس‪ :‬من أتى ال بما‬
‫افترض عليه فهو من أعبد الناس‪ ،‬ومن ورع عن محارم ال فهو من‬
‫أورع الناس ومع ؟ قنع بما رزقه ال فهو أغنى الناس‪ .‬يا علي ثلث ل‬
‫يطيقها أحد من هذه المة‪ :‬المواساة للخ في ماله‪ ،‬وانصاف الناس‪ ،‬من‬
‫نفسه‪ ،‬وذكر ال على كل حال‪ ،‬وليس هو " سبحان ال والحمد ل ول إله‬
‫إل ال وال أكبر " ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف ال عزوجل‬
‫عنده وتركه‪ .‬يا علي ثلثة وإن أنصفتهم ظلموك‪ :‬السفلة‪ ،‬وأهلك‪،‬‬
‫وخادمك‪ ،‬وثلثة ل ينتصفون من ثلثة حر من عبده‪ ،‬وعالم من جاهل‪،‬‬
‫وقوي من ضعيف‪ .‬يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة اليمان‪،‬‬
‫وأبواب الجنة مفتحة له‪ :‬من أسبغ وضوءه‪ ،‬وأحسن صلته‪ ،‬وأدى زكاة‬
‫ماله‪ ،‬وكف غضبه‪ ،‬وسجن لسانه‪ ،‬واستغفر لذنبه‪ ،‬وأدى النصيحة لهل‬
‫بيت نبيه‪ .‬يا علي لعن ال ثلثة آكل زاده وحده‪ ،‬وراكب الفلة وحده‪،‬‬
‫والنائم في بيت وحده‪ .‬يا علي ثلثة يتخوف منهن الجنون‪ :‬التغوط بين‬
‫القبور‪ ،‬والمشي في خف واحد‪ ،‬والرجل ينام وحده‪ .‬يا علي ثلثة يحسن‬
‫فيهن الكذب )‪ :(1‬المكيدة في الحرب‪ ،‬وعدتك زوجتك‬

‫)‪ (1‬ل يخفى أن الكذب حرام وفعله من المعاصي كسائر المحرمات ول فرق بينه‬
‫وبينها ولكن إذا دار المر بينه وبين الهم منه فليقدم الهم حينئذ ؟ ؟‬
‫مهما كان لن العقل مستقل بوجوب الهم عند التزاحم كما إذا دار المر‬
‫بانقاذ غريق إلى ارتكاب حرام مثل وتزاحم المر بينه وبين واجب اخر‬
‫فليقدم الهم منهما وقد دلت عليه الدلة الربعة‪ .‬والموارد الثلث من هذه‬
‫الموارد‪.‬‬

‫]‪[52‬‬

‫والصلح بين الناس‪ ،‬وثلثة مجالستهم تميت القلب‪ :‬مجالسة النذال‪ ،‬ومجالسة‬
‫الغنياء‪ ،‬والحديث مع النساء‪ .‬يا علي ثلثة من حقائق اليمان‪ :‬النفاق‬
‫من القتار‪ ،‬وانصافك الناس من نفسك‪ ،‬وبذل العلم للمتعلم‪ .‬يا علي ثلث‬
‫من لم يكن فيه لم يتم عمله‪ :‬ورع يحجزه عن معاصي ال عز وجل‪ ،‬وخلق‬
‫يداري به الناس‪ ،‬وحلم يرد به جهل الجاهل‪ .‬يا علي ثلث فرحات للمؤمن‬
‫في الدنيا‪ :‬لقاء الخوان‪ ،‬وتفطير الصائم والتهجد في آخر الليل‪ .‬يا علي‬
‫أنهاك عن ثلث خصال‪ :‬الحسد‪ ،‬والحرص‪ ،‬والكبر‪ .‬يا علي أربع خصال من‬
‫الشقاء‪ :‬جمود العين‪ ،‬وقساوة القلب‪ ،‬وبعد المل وحب البقاء‪ .‬يا علي ثلث‬
‫درجات‪ ،‬وثلث كفارات‪ ،‬وثلث مهلكات‪ ،‬وثلث منجيات فأما الدرجات‬
‫فاسباغ الوضوء في السبرات )‪ (1‬وانتظار الصلة بعد الصلة والمشي‬
‫بالليل والنهار إلى الجماعات‪ .‬فأما الكفارات‪ :‬فإفشاء السلم‪ ،‬وإطعام الطعام‬
‫والتهجد بالليل والناس نيام‪ .‬فأما المهلكات‪ :‬فشح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪،‬‬
‫وإعجاب المرء بنفسه‪ ،‬وأما المنجيات‪ :‬فخوف ال في السر والعلنية‪،‬‬
‫والقصد في الغنى والفقر‪ ،‬وكلمة العدل في الرضا والسخط‪ .‬يا علي ل‬
‫رضاع بعد فطام‪ ،‬ول يتم بعد احتلم‪ .‬يا علي سر سنتين بر والديك‪ ،‬سر‬
‫سنة صل رحمك‪ ،‬سر ميل عد مريضا‪ ،‬سر ميلين شيع جنازة‪ ،‬سر ثلثة‬
‫أميال أجب دعوة‪ ،‬سر أربعة أميال زر أخا في ال‪ ،‬سر خمسة أميال أغث‬
‫الملهوف‪ ،‬سر ستة أميال انصر المظلوم‪ ،‬وعليك بالستغفار‪.‬‬

‫)‪ (1‬السبرات جمع سبرة ‪ -‬بالفتح ‪ -‬شدة البرد‪ .‬وقيل الغداة الباردة‪ .‬وفى بعض نسخ‬
‫المصدر " الشتوات "‪.‬‬

‫]‪[53‬‬

‫يا علي‪ :‬للمؤمن ثلث علمات‪ :‬الصلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬وللمتكلف ثلث‬
‫علمات‪ :‬يتملق إذا حضر‪ ،‬ويغتاب إذا غاب‪ ،‬ويشمت بالمصيبة‪ ،‬وللظالم‬
‫ثلث علمات‪ :‬يقهر من دونه بالغلبة‪ ،‬ومن فوقه بالمعصية‪ ،‬ويظاهر‬
‫الظلمة‪ ،‬وللمرائي ثلث علمات ينشط إذا كان عند الناس‪ ،‬ويكسل إذا كان‬
‫وحده‪ ،‬ويحب أن يحمد في جميع أموره‪ ،‬وللمنافق ثلث علمات إذا حدث‬
‫كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا ائتمن خان‪ .‬يا علي‪ :‬تسعة أشياء تورث‬
‫النسيان‪ :‬أكل التفاح الحامض‪ ،‬وأكل الكزبرة )‪ ،(1‬والجبن‪ ،‬وسؤر الفارة‪،‬‬
‫وقراءة كتابة القبور‪ ،‬والمشي بين امرأتين وطرح القملة‪ ،‬والحجامة في‬
‫النقرة )‪ (2‬والبول في الماء الراكد‪ .‬يا علي العيش في ثلثة‪ :‬دار قوراء‪،‬‬
‫وجارية حسناء‪ ،‬وفرس قباء‪ .‬يا علي وال لو أن المتواضع في قعر بئر‬
‫لبعث ال عزوجل إليه ريحا يرفعه فوق الخيار في دولة الشرار‪ .‬يا علي‪:‬‬
‫من انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة ال‪ ،‬ومن منع أجيرا أجره فعليه لعنة‬
‫ال‪ ،‬ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة ال‪ .‬فقيل‪ :‬يا رسول ال وما‬
‫ذلك الحدث ؟ قال‪ :‬القتل‪ .‬يا علي المؤمن من أمنه المسلمون على أموالهم‬
‫ودمائهم‪ ،‬والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه‪ ،‬والمهاجر من هجر‬
‫السيئات‪ .‬يا علي‪ :‬أوثق عرى اليمان الحب في ال‪ ،‬والبغض في ال‪ .‬يا‬
‫علي‪ :‬من أطاع امرأته أكبه ال على وجهه في النار‪ .‬فقال علي عليه‬
‫السلم‪ :‬وما تلك الطاعة ؟ قال‪ :‬يأذن في الذهاب إلى الحمامات‪ ،‬والعرسات‪،‬‬
‫والنائحات ولبس ثياب الرقاق‪ .‬يا علي إن ال تبارك وتعالى قد أذهب‬
‫بالسلم نخوة الجاهلية وتفاخرهم‬

‫)‪ (1‬يعنى گشنيز‪ (2) .‬النقرة‪ :‬ثقب في القفاء‪ .‬وثقب في وسط الورك‪.‬‬

‫]‪[54‬‬

‫بآبائهم أل وإن الناس من آدم‪ ،‬وآدم من تراب‪ ،‬وأكرمهم عند ال أتقاهم‪ .‬يا علي من‬
‫السحت ثمن الميتة‪ ،‬وثمن الكلب‪ ،‬وثمن الخمر‪ ،‬ومهر الزانية والرشوة في‬
‫الحكم‪ ،‬وأجر الكاهن‪ .‬يا علي من تعلم علما ليماري به السفهاء أو يجادل‬
‫به العلماء أو ليدعو الناس إلى نفسه فهو من أهل النار‪ .‬يا علي إذا مات‬
‫العبد قال الناس‪ :‬ما خلف ؟ وقالت الملئكة‪ :‬ما قدم‪ .‬يا علي الدنيا سجن‬
‫المؤمن وجنة الكافر‪ .‬يا علي موت الفجأة راحة المؤمن وحسرة الكافر‪ .‬يا‬
‫علي أوحى ال تبارك وتعالى إلى الدنيا‪ :‬أخدمي من خدمني وأتعبي من‬
‫خدمك‪ .‬يا علي إن الدنيا لو عدلت عند ال عزوجل جناح بعوضة لما سقى‬
‫الكافر منها شربة من ماء‪ .‬يا علي ما أحد من الولين والخرين إل وهو‬
‫يتمنى يوم القيامة أنه لم يعط من الدنيا إل قوتا‪ .‬يا علي شر الناس من اتهم‬
‫ال في قضائه‪ .‬يا علي أنين المؤمن المريض تسبيح‪ ،‬وصياحه تهليل‪،‬‬
‫ونومه على الفراش عبادة وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل ال‪،‬‬
‫فإن عوفي يمشي في الناس وما عليه من ذنب‪ .‬يا علي لو اهدي إلي كراع‬
‫لقبلت‪ ،‬ولو دعيت إلى ذراع لجبت‪ .‬يا علي ليس على النساء جمعة‪ ،‬ول‬
‫جماعة‪ ،‬ول إقامة‪ ،‬ول عيادة مريض‪ ،‬ول اتباع جنازة‪ ،‬ول هرولة بين‬
‫الصفا والمروة‪ ،‬ول استلم الحجر‪ ،‬ول حلق‪ ،‬ول تولى القضاء‪ ،‬ول ]أن[‬
‫تستشار‪ ،‬ول تذبح إل عند الضرورة‪ ،‬ول تجهر بالتلبية ول تقيم عند قبر‬
‫ول تسمع الخطبة‪ ،‬ول تتولى التزويج‪ ،‬ول تخرج من بيت زوجها إل بإذنه‪،‬‬
‫فان خرجت بغير إذنه لعنها ال وجبرئيل وميكائيل‪ ،‬ول تعطي من بيت‬

‫]‪[55‬‬

‫زوجها شيئا إل بإذنه‪ ،‬ول تبيت وزوجها عليها ساخط‪ ،‬وإن كان ظالما لها‪ .‬يا علي‬
‫السلم عريان‪ ،‬ولباسه الحياء‪ ،‬وزينته الوفاء‪ ،‬ومروته العمل الصالح‪،‬‬
‫وعماده الورع‪ ،‬ولكل شئ أساس وأساس السلم حبنا أهل البيت‪ .‬يا علي‬
‫سوء الخلق شؤم‪ ،‬وطاعة المرأة ندامة‪ .‬يا علي إن كان الشؤم في شئ ففي‬
‫لسان المرأة‪ .‬يا علي نجى المخفون‪ ،‬وهلك المثقلون‪ .‬يا علي من كذب علي‬
‫متعمدا فليتبوأ مقعده من النار‪ .‬يا علي ثلثة يزدن في الحفظ‪ ،‬ويذهبن‬
‫البلغم‪ :‬اللبان‪ ،‬والسواك‪ ،‬وقراءة القرآن‪ .‬يا علي السواك من السنة‪،‬‬
‫ومطهرة للفم‪ ،‬ويجلو البصر‪ ،‬ويرضى الرحمن ويبيض السنان‪ ،‬ويذهب‬
‫بالبخر )‪ (1‬ويشد اللثة‪ ،‬ويشهي الطعام‪ ،‬ويذهب بالبلغم‪ ،‬ويزيد في الحفظ‪،‬‬
‫ويضاعف الحسنات‪ ،‬وتفرح به الملئكة‪ .‬يا علي النوم أربعة‪ :‬نوم النبياء‬
‫عليهم السلم على أقفيتهم‪ ،‬ونوم المؤمنين على أيمانهم‪ ،‬ونوم الكفار‬
‫والمنافقين على أيسارهم‪ ،‬ونوم الشياطين على وجوههم‪ .‬يا علي ما بعث‬
‫ال عزوجل نبيا إل وجعل ذريته من صلبه‪ ،‬وجعل ذريتي من صلبك‪،‬‬
‫ولولك ما كانت لي ذرية‪ .‬يا علي أربعة من قواصم الظهر‪ :‬إمام يعصي ال‬
‫عزوجل ويطاع أمره وزوجة يحفظها زوجها وهي تخونه‪ ،‬وفقر ل يجد‬
‫صاحبه مداويا‪ ،‬وجار سوء في دار مقام‪ .‬يا علي إن عبد المطلب سن في‬
‫الجاهلية خمس سنن أجراها ال عزوجل في السلم‪ :‬حرم نساء الباء‬
‫على البناء فأنزل ال عزوجل " ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء " )‬
‫‪ (2‬ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به‪ ،‬فأنزل ال‬

‫)‪ (1‬البخر ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الريح المنتن في الفم‪ (2) .‬النساء‪.26 :‬‬

‫]‪[56‬‬

‫تبارك وتعالى " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن ل خمسه ‪ -‬الية " )‪ (1‬ولما حفر‬
‫زمزم سماها سقاية الحاج فانزل ال تبارك وتعالى " أجعلتم سقاية الحاج‬
‫وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر ‪ -‬الية " )‪ (2‬وسن‬
‫في القتل مائة من البل فأجرى ال عزوجل ذلك في السلم‪ .‬ولم يكن‬
‫للطواف عدد عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى ال‬
‫عزوجل ذلك في السلم‪ .‬يا علي إن عبد المطلب كان ل يستقسم بالزلم‪،‬‬
‫ول يعبد الصنام‪ ،‬ول يأكل ما ذبح على النصب‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا على دين أبي‬
‫إبراهيم عليه السلم‪ .‬يا علي أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم‬
‫يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي‪ ،‬وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد‬
‫على بياض‪ .‬يا علي ثلث‪ :‬يقسين القلب استماع اللهو‪ ،‬وطلب الصيد‪،‬‬
‫وإتيان باب السلطان‪ .‬يا علي ل تصل في جلد ما ل تشرب لبنه‪ ،‬ول تأكل‬
‫لحمه‪ ،‬ول تصل في ذات الجيش‪ ،‬ول في ذات الصلصل ول في ضجنان )‬
‫‪ .(3‬يا علي كل من البيض ما اختلف طرفاه‪ ،‬ومن السمك ما كان له قشور‬
‫ومن الطير مادف‪ ،‬واترك منه ما صف )‪ (4‬وكل من طير الماء ما كانت له‬
‫قانصة أو صيصية )‪.(5‬‬
‫)‪ (1‬النفال‪ (2) .42 :‬التوبة‪ (3) .19 :‬ذات الجيش‪ :‬واد قرب المدينة قيل بينها‬
‫وبين ميقات أهل المدينة ميل واحد‪ .‬وذات الصلصل‪ :‬اسم موضع في‬
‫طريق مكة‪ .‬وضجنان ‪ -‬كسكران ‪ :-‬جبل قرب مكة‪ .‬والنهى تنزيهي يحمل‬
‫على الكراهة‪ (4) .‬دف الطائر‪ :‬حرك جناحيه كالحمام‪ .‬وصف الطائر‬
‫جناحيه‪ :‬بسطهما ولم يحركهما‪ (5) .‬القانصة واحدة قوانص الطير ‪-‬‬
‫كفاصلة وفواصل ‪ -‬وقد اختلفوا فيها فقيل هي للطير بمنزلة المصارين‬
‫لغيرها وهذا القول ضعيف جدا لن المصارين هي المعاء‪ ،‬وقد ورد في‬
‫الخبر " كل من طير البر ما كانت له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له‬
‫قانصة " كقانصة الحمام ‪< -‬‬

‫]‪[57‬‬

‫يا علي كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فحرام أكله‪ .‬يا علي ل قطع في‬
‫ثمر ول كثر )‪ .(1‬يا علي ليس على زان عقر )‪ (2‬ول حد في التعريض‪،‬‬
‫ول شفاعة في حد ول يمين في قطيعة رحم‪ ،‬ول يمين لولد مع والده‪ ،‬ول‬
‫لمرأة مع زوجها‪ ،‬ول للعبد مع موله‪ ،‬ول صمت يوما إلى الليل‪ ،‬ول‬
‫وصال في صيام‪ ،‬ول تعرب بعد هجرة‪ .‬يا علي ل يقتل والد بولده‪ .‬يا علي‬
‫ل يقبل ال عزوجل دعا قلب ساه‪ .‬يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد‬
‫الجاهل‪ .‬يا علي ركعتان يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد‪.‬‬
‫يا علي ل تصوم المرأة تطوعا إل باذن زوجها‪ ،‬ول يصوم العبد تطوعا إل‬

‫‪ < -‬ل معدة كمعدة النسان والمعى موجود في الطيور كلها وقيل هي الحوصلة‬
‫وقيل هي بمنزلة معدة للنسان وهذان القولن معناهما واحد‪ ،‬لن‬
‫الحوصلة للطيور بمنزلة المعدة للنسان وهى التى يجتمع فيها كل ما‬
‫تنقر من الحب وغيره ثم ينحدر إلى معى‪ ،‬وقيل‪ :‬هي اللحمة الغليظة جدا‬
‫التى يجتمع فيها كل ما تنقر من الحصى الصغار بعد ما انحدر من‬
‫الحوصلة يقال لها بالفارسية سنگدان وهذا القول هو الصواب كما يظهر‬
‫من الحديث )كذا في المعيار( والصيصية هي الشوكة التى في رجل الطير‬
‫في موضع العقب وهى الصبع الزائد في باطن رجل الطائر بمنزلة البهام‬
‫من بنى آدم لنها شوكته‪ (1) .‬الثمر ‪ -‬بفتح المثلثة والميم ‪ -‬الرطب مادام‬
‫في رأس النخلة‪ .‬ول قطع أي في سرقته‪ ،‬قال العلقمي‪ :‬قال‪ :‬شيخنا قال‪:‬‬
‫الخطابى تأوله الشافعي على ما كان معلقا في النخل قبل أن يجد ويحرز‬
‫وقوله " ولكثر " بفتح الكاف والمثلثة جمار النخل قال‪ :‬في النهاية هو‬
‫شحمه الذى في وسط النخلة‪ .‬قال المناوى وتمامه " ال ما آواه الجرين‬
‫" فبين الحالة التى فيها القطع وهو كون المال في حرز )السراج المنير‬
‫في شرح الجامع الصغير(‪ (2) .‬العقر ‪ -‬بالضم ‪ -‬صداق المرأة‪.‬‬
‫]‪[58‬‬

‫باذن موله‪ ،‬ول يصوم الضيف تطوعا إل باذن صاحبه‪ .‬يا علي صوم يوم الفطر‪،‬‬
‫وصوم يوم الضحى حرام‪ ،‬وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام‪،‬‬
‫وصوم نذر المعصية حرام‪ ،‬وصوم الدهر حرام‪ .‬يا علي في الزناء ست‬
‫خصال ثلث منها في الدنيا وثلث منها في الخرة أما التي في الدنيا‬
‫فيذهب بالبهاء‪ ،‬ويعجل الفناء‪ ،‬ويقطع الرزق‪ ،‬وأما التي في الخرة فسوء‬
‫الحساب‪ ،‬وسخط الرحمن‪ ،‬والخلود في النار‪ .‬يا علي الربا سبعون جزءا‬
‫فأيسره مثل أن ينكح الرجل امه في بيت ال الحرام‪ .‬يا علي درهم ربا أعظم‬
‫عند ال من سبعين زنية كلها بذات محرم‪ .‬يا علي من منع قيراطا من زكاة‬
‫ماله فليس بمؤمن ول مسلم ول كرامة‪ .‬يا علي تارك الصلة يسأل الرجعة‬
‫إلى الدنيا‪ ،‬وذلك قول ال تعالى‪ " :‬حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب‬
‫ارجعون ‪ -‬الية " )‪ .(1‬يا علي تارك الحج وهو يستطيع كافر قال ال‬
‫تبارك وتعالى‪ " :‬وال على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل ومن‬
‫كفر فان ال غني عن العالمين " )‪ .(2‬يا علي من سوف الحج حتى يموت‬
‫بعثه ال يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا‪ .‬يا علي الصدقة ترد القضاء الذي‬
‫قد أبرم إبراما‪ .‬يا علي صلة الرحم يزيد في العمر‪ .‬يا علي افتتح بالملح‪،‬‬
‫واختم بالملح فان فيه شفاء من اثنين وسبعين داء )‪ (3‬يا علي لو قدمت‬
‫المقام المحمود لشفعت في أبي وامي وعمي وأخ كان لي في الجاهلية‪.‬‬

‫)‪ (1‬المؤمنون‪ (2) .101 :‬آل عمران‪ (3) .92 - 91 :‬المر ارشادى وذلك لنه كان‬
‫منشأ أكثر المراض من الطعام وهضمه في المعدة والملح قبل الطعام‬
‫وبعده يؤثر في المعدة خشنونة موجبة لهضم الطعام بسهولة فهذا تأثير‬
‫طبيعي موجب لحفظ البدن من المراض الكثيرة‪ 58.‬مكرر ‪- 1‬يا علي ل‬
‫صدقة وذو رحم محتاج‪ .‬يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم‬
‫ينفق في سبيل ال وفيه أربع عشرة خصلة‪ :‬يطرد الريح من الذنين‪،‬‬
‫ويجلو البصر‪ ،‬ويلين الخياشيم‪ ،‬ويطيب النكهة ويشد اللثة ويذهب‬
‫بالصنان )‪ (1‬ويقل وسوسة الشيطان‪ ،‬وتفرح به الملئكة ويستبشر به‬
‫المؤمن و يغيظ به الكافر‪ ،‬وهو زينة وطيب‪ ،‬ويستحيي منه منكر ونكير‪،‬‬
‫وهو براءة له في قبره‪ .‬يا علي ل خير في قول إل مع الفعل‪ ،‬ول في‬
‫منظر إل مع المخبر )‪ ،(2‬ول في المال إل مع الجود‪ ،‬ول في الصدق إل‬
‫مع الوفاء‪ ،‬ول في العفة إل مع الورع‪ ،‬ول في الصدقة إل مع النية‪ ،‬ول‬
‫في الحياة إل مع الصحة‪ ،‬ول في الوطن إل مع المن والسرور‪ .‬يا علي‬
‫حرم من الشاة سبعة أشياء‪ :‬الدم‪ ،‬والمذاكير‪ ،‬والمثانة‪ ،‬والنخاع‪ ،‬والغدد‪،‬‬
‫والطحال‪ ،‬والمرارة‪ .‬يا علي ل تماكس في أربعة أشياء‪ :‬في شراء‬
‫الضحية‪ ،‬والكفن‪ ،‬والنسمة والكرى إلى مكة‪ .‬يا علي ال اخبرك بأشبهكم‬
‫بي خلقا ؟ قال‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬أحسنكم خلقا‪ ،‬أعظمكم حلما‪،‬‬
‫وأبركم بقرابته‪ ،‬وأشدكم من نفسه انصافا‪ .‬يا علي أمان لمتي من الغرق‬
‫إذا هم ركبوا السفن فقرؤا بسم ال الرحمن الرحيم " وما قدروا ال حق‬
‫قدره والرض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه‬
‫سبحانه وتعالى عما يشركون " )‪ " (3‬بسم ال مجريها ومرسيها إن‬
‫ربي لغفور رحيم " )‪ .(4‬يا علي أمان لمتي من السرق " قل ادعوا ال‬
‫أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله السماء الحسنى " ‪ -‬إلى آخر السورة‬
‫)‪ .(5‬يا علي أمان لمتي من الهدم " إن ال يمسك السموات والرض أن‬
‫تزول ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا " )‬
‫‪.(6‬‬

‫سقطت هنا خمسة أسطر وتأتى بعد قوله يوم القيامة صدر ص ‪ (1) .59‬النكهة ريح‬
‫الفم‪ ،‬والصنان رائحة معاطن الجسد إذا تغيرت وهى من أصن اللحم إذا‬
‫انتن‪ ،‬والصنان ذفر البط والنتن عموما‪ (2) .‬في بعض النسخ " في نظر‬
‫ال مع الخبرة "‪ (3) .‬الزمر‪ (4) .67 :‬هود‪ (5) .43 :‬السراء‪ 110 :‬و‬
‫‪ (6) .111‬فاطر‪ 39.58 :‬مكرر ‪ - 2‬يا علي أمان لمتي من الهم " ل‬
‫حول ول قوة إل بال ل ملجأ ول منجا من ال إل إليه "‪ .‬يا علي أمان‬
‫لمتي من الحرق " إن وليي ال الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين‬
‫" )‪ " (1‬وما قدروا ال حق قدره " )‪ .(2‬يا علي من خاف السباع فليقرأ‬
‫" لقد جاءكم رسول من أنفسكم ‪ -‬إلى آخر السورة )‪ .(3‬يا علي ومن‬
‫استصعب عليه دابته فليقرأ في اذنها اليمنى " وله أسلم من في السموات‬
‫والرض طوعا وكرها وإليه ترجعون " )‪ .(4‬يا علي من خاف ساحرا أو‬
‫شيطانا فليقرء " إن ربكم ال الذي خلق السموات والرض ‪ -‬الية " )‬
‫‪ .(5‬يا علي من كان في بطنه ماء أصفر )‪ (6‬فليكتب على بطنه آية‬
‫الكرسي ويشربه فانه برء باذن ال عزوجل‪ .‬يا علي حق الولد على والده‬
‫أن يحسن اسمه وأدبه‪ ،‬ويضعه موضعا صالحا‪ ،‬وحق الوالد على ولده أن‬
‫ل يسميه باسمه ول يمشي بين يديه ول يجلس أمامه ول يدخل معه‬
‫الحمام‪ .‬يا علي ثلثة من الوسواس‪ ،‬أكل الطين‪ ،‬وتقليم الظفار بالسنان‬
‫وأكل اللحية‪ .‬يا علي لعن ال والدين حمل ولدهما على عقوقهما‪ .‬يا علي‬
‫يلزم الوالدين من ولدهما ما يلزم لهما من عقوقهما‪ .‬يا علي رحم ال‬
‫والدين حمل ولدهما علي برهما‪ .‬يا علي من أحزن والديه فقد عقهما‪ .‬يا‬
‫علي من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله ال‬
‫في الدنيا والخرة‪ .‬يا علي من كفى يتيما في نفقة بماله حتى يستغني‬
‫وجبت له الجنة البتة‪ .‬يا علي من مسح يده على رأس يتيم ترحما له‬
‫أعطاه ال عزوجل بكل شعرة نورا يوم القيامة‪.‬‬
‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .196 :‬النعام‪ (3) .91 :‬التوبة‪ (4) .128 :‬آل عمران‪(5) .78 :‬‬
‫يونس‪ (6) .3 :‬ماء اصفر‪ :‬صفرائيست كه بطريق ادرار دفع شود )بحر‬
‫الجواهر(‬

‫]‪[59‬‬

‫يا علي أنا ابن الذبيحين )‪ (1‬أنا دعوة أبي إبراهيم‪ .‬يا علي العقل ما اكتسب به الجنة‬
‫وطلب به رضى الرحمن‪ .‬يا علي إن أول خلق خلقه ال عزوجل العقل فقال‬
‫له‪ :‬أقبل فأقبل ثم قال له‪ :‬أدبر فأدبر‪ ،‬وقال وعزتي وجللي ماخلقت خلقا‬
‫هو أحب إلي منك‪ ،‬بك آخذ وبك اعطي‪ ،‬وبك اثيب‪ ،‬وبك اعاقب )‪ .(2‬يا علي‬
‫ل فقر أشد من الجهل‪ ،‬ول مال أعود من العقل‪ ،‬ول وحدة أوحش من‬
‫العجب‪ ،‬ول عقل كالتدبير‪ ،‬ول ورع كالكف عن محارم ال وعما ل يليق‪،‬‬
‫ول حسب كحسن الخلق‪ ،‬ول عبادة مثل التفكر‪ .‬يا علي آفة الحديث الكذب‪،‬‬
‫وآفة العلم النسيان‪ ،‬وآفة العبادة الفترة‪ ،‬وآفة الجمال الخيلء‪ ،‬وآفة الحلم‬
‫الحسد‪ .‬يا علي أربعة يذهبن ضياعا )‪ :(3‬الكل على الشبع‪ ،‬والسراج في‬
‫القمر والزرع في السبخة )‪ (4‬والصنيعة عند غير أهلها‪ .‬يا علي من نسي‬
‫الصلة علي فقد أخطأ طريق الجنة‪ .‬يا علي إياك ونقرة الغراب وفريسة‬
‫السد )‪ .(5‬يا علي لئن أدخل يدي في فم التنين )‪ (6‬إلى المرفق أحب إلي‬
‫من أن أسأل من لم يكن ثم كان‪.‬‬

‫)‪ (1‬يعنى بهما اسماعيل عليه السلم وعبد ال أباه صلى ال عليه وآله واشارة إلى‬
‫قول ابراهيم عليه السلم " واجعل لى لسان صدق في الخرين "‪(2) .‬‬
‫يعنى أن العقل هو موجب الختيار وهو ملك التكليف فافهم‪ (3) .‬أي‬
‫مهمل ضايعا‪ (4) .‬السبخة‪ :‬ارض ذات نز وملح‪ .‬يعنى شوره زار‪.‬‬
‫والصنيعة‪ :‬الحسان‪ (5) .‬فريسة السد هو ما يفترسه يعنى احذر منهما‪.‬‬
‫)‪ (6‬التنين ‪ -‬كسكين ‪ :-‬الحية العظيمة‪ .‬وقيل انه أشر من الكوسج‪ ،‬في‬
‫فمه انياب مثل اسنة الرماح‪ ،‬احمر العينين براق‪ ،‬طويل كالنخلة‪ ،‬واسع‬
‫الفم والجوف‪ ،‬يبلع كثيرا من الحيوان‪.‬‬

‫]‪[60‬‬

‫يا علي إن أعتى الناس على ال عزوجل القاتل غير قاتله‪ ،‬والضارب غير ضاربه‪،‬‬
‫ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل ال عزوجل‪ .‬يا علي تختم باليمين‬
‫فإنه فضيلة من ال عزوجل للمقربين قال‪ :‬بم أتختم يا رسول ال ؟ قال‪:‬‬
‫بالعقيق الحمر فانه أول جبل أقر ل عزوجل بالوحدانية ولي بالنبوة‪ ،‬ولك‬
‫بالوصية‪ ،‬ولولدك بالمامة‪ ،‬ولشيعتك بالجنة‪ ،‬ولعدائك بالنار‪ .‬يا علي إن‬
‫ال عزوجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ثم أطلع‬
‫الثانية فاختارك على رجال العالمين‪ ،‬ثم أطلع الثالثة فاختار الئمة من‬
‫ولدك على رجال العالمين‪ ،‬ثم أطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء‬
‫العالمين‪ .‬يا علي إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن فآنست‬
‫بالنظر إليه إني لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على‬
‫صخرتها " ل إله إل ال محمد رسول ال أيدته بوزيره ونصرته بوزيره "‬
‫فقلت لجبرئيل‪ :‬من وزيري ؟ فقال‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬فلما انتهيت إلى‬
‫سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها " إني أنا ال ل إله إل أنا وحدي‪،‬‬
‫محمد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره " فقلت لجبرئيل‬
‫عليه السلم‪ :‬من وزيري ؟ فقال‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬فلما جاوزت السدرة‬
‫انتهيت إلى عرش رب العالمين جل جلله فوجدت مكتوبا على قوائمه " أنا‬
‫ال ل إله إل أنا وحدي‪ ،‬محمد حبيبي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره "‪ .‬يا‬
‫علي إن ال تبارك وتعالى أعطاني فيك سبع خصال‪ :‬أنت أول من ينشق‬
‫عنه القبر معي‪ ،‬وأنت أول من يقف على الصراط معي‪ ،‬وأنت أول من‬
‫يكسى إذا كسيت ويحيى إذا حييت‪ ،‬وأنت أول من يسكن معي عليين‪ ،‬وأنت‬
‫أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك‪ .‬ثم قال صلى‬
‫ال عليه وآله لسلمان الفارسي رحمة ال عليه‪ :‬يا سلمان إن لك في علتك‬
‫إذا اعتللت ثلث خصال‪ :‬أنت من ال بذكر‪ ،‬ودعاؤك فيها مستجاب‪ ،‬ول‬
‫تدع العلة عليك ذنبا إل حطته‪ ،‬متعك ال بالعافية إلى انقضاء أجلك‪ .‬ثم قال‬
‫صلى ال عليه وآله لبي ذر رحمة ال عليه‪ :‬يا أبا ذر إياك والسؤال فانه‬
‫ذل حاضر‬

‫]‪[61‬‬

‫وفقر متعجلة‪ ،‬وفيه حساب طويل يوم القيامة‪ .‬يا أبا ذر تعيش وحدك‪ ،‬وتموت‬
‫وحدك‪ ،‬وتدخل الجنة وحدك‪ ،‬ويسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك‬
‫وتجهيزك ودفنك‪ .‬يا أبا ذر ل تسأل بكفك‪ ،‬فان أتاك شئ فاقبله‪ .‬ثم قال‬
‫لصحابه‪ :‬أل اخبركم بشراركم ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬المشاؤون‬
‫بالنميمة‪ ،‬المفرقون بين الحبة‪ ،‬الباغون للبرآء العيب‪ - 4 .‬ف )‪:(1‬‬
‫وصيته صلى ال عليه وآله لمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬يا علي إن من‬
‫اليقين أن ل ترضي أحدا بسخط ال‪ ،‬ول تحمد أحدا بما آتاك ال‪ ،‬ول تذم‬
‫أحدا على ما لم يؤتك ال‪ ،‬فان الرزق ل يجره حرص حريص ول تصرفه‬
‫كراهة كاره‪ ،‬إن ال بحكمه وفضله جعل الروح والفرح في اليقين‬
‫والرضى‪ ،‬وجعل الهم والحزن في الشك والسخط‪ .‬يا علي إنه ل فقر أشد‬
‫من الجهل‪ ،‬ول مال أعود من العقل )‪ (2‬ول وحدة أوحش من العجب‪ ،‬ول‬
‫مظاهرة )‪ (3‬أحسن من المشاورة‪ ،‬ول عقل كالتدبير‪ ،‬ول حسب كحسن‬
‫الخلق‪ ،‬ول عبادة كالتفكر‪ .‬يا علي آفة الحديث الكذب على ال وآفة العلم‬
‫النسيان‪ ،‬وآفة العبادة الفترة )‪ (4‬وآفة السماحة المن )‪ (5‬وآفة الشجاعة‬
‫البغي‪ ،‬وآفة الجمال الخيلء‪ ،‬وآفة الحسب الفخر‪ .‬يا علي عليك بالصدق‪،‬‬
‫ول تخرج من فيك كذبة أبدا‪ ،‬ول تجترين على خيانة أبدا‪ ،‬والخوف من ال‬
‫كأنك تراه‪ ،‬وابذل مالك ونفسك دون دينك‪ ،‬وعليك بمحاسن الخلق‬
‫فاركبها‪ ،‬وعليك بمساوي الخلق فاجتنبها‪.‬‬

‫)‪ (1‬تحف العقول ص ‪ (2) .6‬العود‪ :‬النفع‪ (3) .‬المظاهرة‪ :‬المعاونة‪ (4) .‬الفترة‪:‬‬
‫الضعف وانكسار‪ (5) .‬السماحة‪ :‬الجود‪.‬‬

‫]‪[62‬‬

‫يا علي أحب العمل إلى ال ثلث خصال‪ :‬من أتي ال بما افترض عليه فهو من أعبد‬
‫الناس‪ ،‬ومن ورع عن محارم ال فهو من أورع الناس‪ ،‬ومن قنع بما رزقه‬
‫ال فهو من أغنى الناس‪ .‬يا علي ثلث من مكارم الخلق‪ :‬تصل من‬
‫قطعك‪ ،‬وتعطي من حرمك‪ ،‬وتعفو عمن ظلمك‪ .‬يا علي ثلث منجيات‪ :‬تكف‬
‫لسانك‪ ،‬وتبكي على خطيئتك‪ ،‬ويسعك بيتك‪ .‬يا علي سيد العمال ثلث‬
‫خصال‪ :‬إنصافك الناس من نفسك‪ ،‬ومساواة الخ في ال‪ ،‬وذكر ال على‬
‫كل حال‪ .‬يا علي ثلثة من حلل ال‪ :‬رجل زار أخاه المؤمن في ال فهو زور‬
‫ال وحق على ال أن يكرم زوره )‪ (1‬ويعطيه ما سأل‪ ،‬ورجل صلى ثم‬
‫عقب إلى الصلة الخرى فهو ضيف ال وحق على ال أن يكرم ضيفه‪،‬‬
‫والحاج والمعتمر فهما وفد ال وحق على ال أن يكرم وفده )‪ .(2‬يا علي‬
‫ثلث ثوابهن في الدنيا والخرة‪ :‬الحج ينفي الفقر‪ ،‬والصدقة تدفع البلية‪،‬‬
‫وصلة الرحم تزيد في العمر‪ .‬يا علي ثلث من لم يكن فيه لم يقم له عمل‪:‬‬
‫ورع يجحزه عن معاصي ال وعلم يرد به جهل السفيه‪ ،‬وعقل يداري به‬
‫الناس‪ .‬يا علي ثلثة تحت ظل العرش يوم القيامة‪ :‬رجل أحب لخيه ما‬
‫أحب لنفسه‪ ،‬ورجل بلغه أمر فلم يقدم فيه ولم يتأخر حتى يعلم أن ذلك المر‬
‫ل رضى أو سخط‪ ،‬ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يصلح ذلك العيب عن‬
‫نفسه‪ ،‬فانه كلما أصلح من نفسه عيبا بداله منها آخر‪ ،‬وكفى بالمرء في‬
‫نفسه شغل‪ .‬يا علي ثلث من أبواب البر‪ :‬سخاء النفس وطيب الكلم‬
‫والصبر على الذى‪ .‬يا علي في التوراة أربع إلى جنبهن أربع‪ :‬من أصبح‬
‫على الدنيا حريصا‬

‫)‪ (1‬أي زائره وقاصده‪ (2) .‬الوفد‪ :‬الضيف الوارد‪.‬‬

‫]‪[63‬‬
‫أصبح وهو على ال ساخط‪ ،‬ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه‪،‬‬
‫ومن أتى غنيا فتضعضع له )‪ (1‬ذهب ثلثا دينه‪ ،‬ومن دخل النار من هذه‬
‫المة فهو من اتخذ آيات ال هزوا ولعبا‪ .‬أربع إلى جنبهن أربع‪ :‬من ملك‬
‫استأثر‪ ،‬ومن لم يستشر يندم‪ ،‬كما تدين تدان‪ ،‬والفقر الموت الكبر‪ ،‬فقيل‬
‫له‪ :‬الفقر من الدينار والدرهم ؟ فقال‪ :‬الفقر من الدين‪ .‬يا علي كل عين‬
‫باكية يوم القيامة إل ثلثة أعين‪ :‬عين سهرت في سبيل ال )‪ (2‬وعين‬
‫غضت عن محارم ال‪ ،‬وعين فاضت من خشية ال )‪ .(3‬يا علي طوبى‬
‫لصورة نظر ال إليها تبكي علي ذنب لم يطلع على ذلك الذنب أحد غير ال‪.‬‬
‫يا علي ثلث موبقات وثلث منجيات‪ :‬فأما الموبقات فهوى متبع‪ ،‬وشح‬
‫مطاع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه‪ .‬وأما المنجيات فالعدل في الرضى والغضب‪،‬‬
‫والقصد في الغنى والفقر‪ ،‬وخوف ال في السر والعلنية كأنك تراه‪ ،‬فإن لم‬
‫تكن تراه فانه يراك‪ .‬يا علي ثلث يحسن فيهن الكذب‪ :‬المكيدة في الحرب‪،‬‬
‫وعدتك زوجتك والصلح بين الناس‪ .‬يا علي ثلث يقبح فيهن الصدق‪:‬‬
‫النميمة‪ ،‬وإخبار الرجل عن أهله بما يكره وترسك الرجل عن الخير )‪ .(4‬يا‬
‫علي أربع يذهبن ضلل‪ :‬الكل بعد الشبع‪ ،‬والسراج في القمر‪ ،‬والزرع في‬
‫الرض السبخة‪ ،‬والصنيعة عند غير أهلها‪ .‬يا علي أربع أسرع شئ‬
‫عقوبة‪ :‬رجل أحسنت إليه فكافاك بالحسان إساءة‬

‫)‪ (1‬تضعضع له أي ذل وخضع‪ ،‬وانما ذلك إذا كان خضوعه له لغناه‪ (2) .‬سهر ‪-‬‬
‫كفرح ‪ -‬أي بات ولم ينم ليل أي تركت النوم زائدا عن العادة‪ (3) .‬أي سال‬
‫دمعها بكثرة‪ (4) .‬في المصدر " وتكذيبك الرجل عن الخير "‪.‬‬

‫]‪[64‬‬

‫ورجل ل تبغي عليه وهو يبغي عليك‪ ،‬ورجل عاقدته على أمر فمن أمرك الوفاء له‬
‫ومن أمره الغدر بك‪ ،‬ورجل تصل رحمه ويقطعها‪ .‬يا علي أربع من يكن فيه‬
‫كمل إسلمه‪ :‬الصدق‪ ،‬والشكر‪ ،‬والحياء وحسن الخلق‪ .‬يا علي قلة طلب‬
‫الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر‪ ،‬وكثرة الحوائج إلى الناس مذلة‬
‫وهو الفقر الحاضر‪ - 5 .‬ف )‪ (1‬يا علي إن للمؤمن ثلث علمات‪ :‬الصيام‬
‫والصلة والزكاة وإن للمتكلف من الرجال ثلث علمات‪ :‬يتملق إذا شهد‬
‫ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة‪ ،‬وللظالم ثلث علمات‪ ،‬يقهر من دونه‬
‫بالغلبة‪ ،‬ومن فوقه بالمعصية‪ ،‬ويظاهر الظلمة‪ ،‬وللمرائي ثلث علمات‪:‬‬
‫ينشط إذا كان عند الناس‪ ،‬ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع‬
‫المور‪ ،‬وللمنافق ثلث علمات‪ :‬إن حدث كذب‪ ،‬وإن اؤتمن خان‪ ،‬وإن وعد‬
‫أخلف‪ ،‬وللكسلن ثلث علمات‪ :‬يتواني حتى يفرط ويفرط حتى يضيع‪،‬‬
‫ويضيع حتى يأثم‪ ،‬وليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصا إل في ثلث مرمة‬
‫لمعاش‪ ،‬أو خطوة لمعاد‪ ،‬أو لذة في غير محرم‪ .‬يا علي إنه ل فقر أشد من‬
‫الجهل‪ ،‬ول مال أعود من العقل‪ ،‬ول وحدة أوحش من العجب‪ ،‬ول عمل‬
‫كالتدبير‪ ،‬ول ورع كالكف‪ ،‬ول حسب كحسن الخلق‪ ،‬إن الكذب آفة الحديث‪،‬‬
‫وآفة العلم النسيان‪ ،‬وآفة السماحة المن‪ .‬يا علي إذا رأيت الهلل )‪ (2‬فكبر‬
‫ثلثا وقل " الحمد ل الذي خلقني وخلقك وقدرك منازل وجعلك آية‬
‫للعالمين "‪.‬‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .10‬الهلل‪ :‬غرة القمر أو لليلتين أو الى ثلث أو إلى سبع‪.‬‬
‫قال‪ :‬شيخنا البهائي )قده(‪ :‬يمتد وقت قراءة الدعاء بامتداد وقت التسمية‬
‫هلل‪ ،‬والولى عدم تأخيره عن الليلة الولى عمل بالمتيقن المتفق عليه‬
‫لغة وعرفا‪ ،‬فان لم يتيسر فعن الليلة الثانية لقول أكثر أهل اللغة بالمتداد‬
‫إليها‪ ،‬فان فاتك فعن الثالثة لقول كثير منهم بانها آخر لياله‪.‬‬

‫]‪[65‬‬

‫يا علي إذا نظرت في مرآة فكبر ثلثا وقل‪ " :‬أللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي‬
‫"‪ .‬يا علي إذا هالك أمر فقل‪ " :‬اللهم بحق محمد وآل محمد إل فرجت عني‬
‫"‪ .‬قال‪ :‬علي عليه السلم قلت‪ :‬يا رسول ال " فتلقى آدم من ربه كلمات‬
‫" ما هذه الكلمات ؟ قال‪ :‬يا علي إن ال أهبط آدم بالهند وأهبط حواء بجدة‬
‫والحية باصفهان وإبليس بميسان )‪ (1‬ولم يكن في الجنة شئ أحسن من‬
‫الحية والطاؤوس وكان للحية قوائم كقوائم البعير‪ ،‬فدخل إبليس جوفها فغر‬
‫آدم وخدعه فغضب ال على الحية وألقى عنها قوائمها‪ ،‬وقال‪ :‬جعلت رزقك‬
‫التراب‪ ،‬وجعلت تمشين على بطنك‪ ،‬ل رحم ال من رحمك‪ .‬وغضب على‬
‫الطاؤوس لنه كان دل إبليس على الشجرة فمسخ منه صوته ورجيله‪،‬‬
‫فمكث آدم بالهند مائة سنة ل يرفع رأسه إلى السماء‪ ،‬واضعا يده على‬
‫رأسه يبكي على خطيئته‪ ،‬فبعث ال إليه جبرئيل فقال‪ :‬يا آدم الرب عزوجل‬
‫يقرئك السلم ويقول‪ :‬يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم‬
‫أسجد لك ملئكتي ؟ ألم ازوجك حواء أمتي ؟ ألم اسكنك جنتي ؟ فما هذا‬
‫البكاء يا آدم ؟ تتكلم بهذه الكلمات فان ال قابل توبتك قل " سبحانك ل إله‬
‫إل أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم‪ .‬يا‬
‫علي إذا رأيت حية في رحلك فل تقتلها حتى تخرج عليها ثلثا فان رأيتها‬
‫الرابعة فاقتلها فانها كافرة‪ .‬يا علي إذا رأيت حية في طريق فاقتلها فاني قد‬
‫اشترطت على الجن ]أ[ ل يظهروا في صورة الحيات‪ .‬يا علي أربع خصال‬
‫من الشقاء‪ :‬جمود العين‪ ،‬وقساوة القلب‪ ،‬وبعد المل‪ ،‬وحب الدنيا من‬
‫الشقاء‪ .‬يا علي إذا اثني عليك في وجهك فقل‪ " :‬اللهم اجعلني خيرا مما‬
‫يظنون‬
‫)‪ (1‬ميسان كورة معروفة بين البصرة وواسط والنسبة ميسانى ‪ -‬كما في القاموس‬
‫‪ -‬ولعل ذكر هذه المواضع كناية عن بعد المسافة بينها‪.‬‬

‫]‪[66‬‬

‫واغفر لي ما ل يعلمون‪ ،‬ول تؤاخذني بما يقولون "‪ .‬يا علي إذا جامعت فقل‪" :‬‬
‫بسم ال اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني " فإن قضى أن‬
‫يكون بينكما ولد لم يضره الشيطان أبدا‪ .‬يا علي ابدأ بالملح واختم‪ ،‬فإن‬
‫الملح شفاء من سبعين داء أولها الجنون والجذام والبرص‪ .‬يا علي ادهن‬
‫بالزيت فان من ادهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين ليلة‪ .‬يا علي ل‬
‫تجامع أهلك ليلة النصف ول ليلة الهلل‪ ،‬أما رأيت المجنون يصرع في ليلة‬
‫الهلل وليلة الصنف ؟ ؟ كثيرا )‪ .(1‬يا علي إذا ولد لك غلم أو جارية فأذن‬
‫في اذنه اليمنى وأقم في اليسرى فانه ل يضره الشيطان أبدا‪ .‬يا علي أل‬
‫انبئك بشر الناس ؟ قلت‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬من ل يغفر الذنب ول يقيل‬
‫العثرة‪ .‬أل انبئك بشر من ذلك ؟ قلت‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬من ل يؤمن‬
‫شره‪ ،‬ول يرجى خيره‪ - 6 .‬ف )‪ (2‬يا علي إياك ودخول الحمام بغير مئزر‬
‫فان من دخل الحمام بغير مئزر ملعون الناظر والمنظور إليه‪ .‬يا علي ل‬
‫تتختم في السبابة والوسطى فانه كان يتختم قوم لوط فيهما ول تعر‬
‫الخنصر )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬لما كان القمر يؤثر في الكرة الرضية تأثيرا طبيعيا موجبا لبروز آثار في‬
‫المواد الرضية فيمكن أن يؤثر في المزاج أيضا على نحو يظهر آثاره في‬
‫الولد والعقاب‪ (2) .‬التحف ص ‪ (3) .13‬نهيه صلى ال عليه وآله‬
‫لجل التشبه وهذا العنوان أحد موجبات الحرمة في السلم‪ ،‬فكل عمل‬
‫كان مثل ذلك فهو حرام مادام هذا العنوان صادقا عليه وإذا لم يصدق‬
‫عليه لم يكن من هذه الجهة حرام كما سئل عن على عليه السلم عن قول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ " :‬غيروا الشيب ول تشبهوا باليهود "‬
‫فقال عليه السلم‪ " :‬انما قال صلى ال عليه وآله ذلك والدين قل فالن قد‬
‫اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار "‪ .‬والحاصل التشبه في‬
‫المختصات المذهبية متعمدا حرام‪.‬‬

‫]‪[67‬‬

‫يا علي إن ال يعجب من عبده إذا قال " رب اغفر لي فانه ل يغفر الذنوب إل أنت "‬
‫يقول‪ :‬يا ملئكتي عبدي هذا قد علم أنه ل يغفر الذنوب غيري اشهدوا أني‬
‫قد غفرت له‪ .‬يا علي إياك والكذب فان الكذب يسود الوجه ثم يكتب عند ال‬
‫كذابا وإن الصدق يبيض الوجه ويكتب عند ال صادقا‪ ،‬واعلم أن الصدق‬
‫مبارك والكذب مشؤوم‪ .‬يا علي احذر الغيبة والنميمة فان الغيبة تفطر‬
‫والنميمة توجب عذاب القبر‪ .‬يا علي ل تحلف بال كاذبا ول صادقا من غير‬
‫ضرورة‪ ،‬ول تجعل ال عرضة ليمينك فان ال ل يرحم ول يرعى من حلف‬
‫باسمه كاذبا‪ .‬يا علي ل تهتم لرزق غد فان كل غد يأتي برزقه‪ .‬يا علي إياك‬
‫واللجاجة فان أولها جهل وآخرها ندامة‪ .‬يا علي عليك بالسواك فإن‬
‫السواك مطهرة للفم‪ ،‬ومرضات للرب‪ ،‬ومجلة للعين‪ ،‬و الخلل يحببك إلى‬
‫الملئكة فان الملئكة تتأذى بريح فم من ل يتخلل بعد الطعام‪ .‬يا علي ل‬
‫تغضب فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه عنهم‬
‫وإذا قيل لك اتق ال فانبذ غضبك وراجع حلمك‪ .‬يا علي احتسب بما تنفق‬
‫على نفسك تجده عند ال مذخورا‪ .‬يا علي أحسن خلقك مع أهلك وجيرانك‬
‫ومن تعاشر وتصاحب من الناس تكتب عند ال في الدرجات العلى‪ .‬يا علي‬
‫ما كرهته لنفسك فاكره لغيرك وما أحببته لنفسك فأحبه لخيك تكن عادل‬
‫في حكمك مقسطا في عدلك‪ ،‬محبا )‪ (1‬في أهل السماء مودودا )‪ (2‬في‬
‫صدور أهل الرض احفظ وصيتي إن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " محببا "‪ (2) .‬مودودا من الود أي محبوبا‪.‬‬

‫]‪[68‬‬

‫‪ - 7‬سن‪ (1) :‬أبيه عن أبيه‪ ،‬عن حماد بن عمرو‪ ،‬عن السري بن خالد‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عن آبائه عليهم السلم عن النبي صلى ال عليه وآله قال لعلي‬
‫عليه السلم‪ :‬يا علي اوصيك بوصية فاحفظها عني‪ ،‬فقال له علي‪ :‬يا‬
‫رسول ال أوص فكان في وصيته أن قال‪ :‬إن اليقين أن ل ترضي أحدا‬
‫بسخط ال‪ ،‬ول تحمد أحدا على ما آتاك ال‪ ،‬ول تذم أحدا على ما لم يؤتك‬
‫ال‪ ،‬فان الرزق ل يجره حرص حريص ول يصرفه كراهية كاره‪ :‬إن ال‬
‫بحكمه وفضله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن‬
‫في الشك والسخط‪ .‬يا علي إنه ل فقر أشد من الجهل‪ ،‬ول مال أعود من‬
‫العقل‪ ،‬ول وحدة أوحش من العجب‪ ،‬ول مظاهرة أوثق من المشاورة‪ ،‬ول‬
‫عقل كالتدبير‪ ،‬ول ورع كالكف‪ ،‬ول حسب كحسن الخلق‪ ،‬ول عبادة‬
‫كالتفكر‪ .‬يا علي آفة الحديث الكذب‪ ،‬وآفة العلم النسيان‪ ،‬وآفة العبادة‬
‫الفترة‪ ،‬و آفة الظرف الصلف )‪ (2‬وآفة السماحة المن‪ ،‬وآفة الشجاعة‬
‫البغي‪ ،‬وآفة الجمال الخيلء‪ ،‬وآفة الحسب الفخر‪ .‬يا علي إنك ل تزال بخير‬
‫ما حفظت وصيتي أنت مع الحق والحق معك‪ - 8 .‬كا‪ (3) :‬محمد بن يحيى‪،‬‬
‫عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن النعمان‪ ،‬عن معاوية ابن عمار قال‪ :‬سمعت‬
‫أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬كان في وصية النبي صلى ال عليه وآله‬
‫لعلي عليه السلم أن قال‪ :‬يا علي اوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬اللهم أعنه‪:‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ 16‬و ‪ (2) .17‬الظرف ‪ -‬بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ككتف‬
‫‪ -‬أي البليغ‪ .‬والصلف ‪ -‬بفتح الصاد واللم ‪ -‬هو الغلو في الظرف والزيادة‬
‫على المقدار مع تكبر‪ .‬قال المناوى‪ :‬الصلف ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬مجاوزة القدر‪،‬‬
‫يعنى عاهة براعة اللسان وذكاء الجنان التطاول على القران والتمدح بما‬
‫ليس في النسان‪ ،‬والمراد ان الظرف من الصفات الحسنة لكن له آفة‬
‫رديئة كثيرا ما تعرض له فإذا عرضت له أفسدته فليحذر ذو الظرافة تلك‬
‫الفة‪ (3) .‬روضة الكافي ص ‪.79‬‬

‫]‪[69‬‬

‫أما الولى فالصدق ول تخرجن من فيك كذبة أبدا‪ ،‬والثانية الورع ول تجتري على‬
‫خيانة أبدا‪ ،‬والثالثة الخوف من ال عز ذكره كأنك تراه‪ ،‬والرابعة كثرة‬
‫البكاء من خشية ال يبني لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة‪ ،‬والخامسة‬
‫بذلك ما لك ودمك دون دينك‪ .‬والسادسة الخذ بسنتي في صلتي وصومي‬
‫وصدقتي أما الصلة فالخمسون ركعة‪ ،‬وأما الصيام فثلثة أيام في الشهر‪،‬‬
‫الخميس في أوله و الربعاء في وسطه والخميس في آخره‪ ،‬وأما الصدقة‬
‫فجهدك حتى تقول‪ :‬قد أسرفت ولم تسرف‪ ،‬وعليك بصلة الليل ]وعليك‬
‫بصلة الليل وعليك بصلة الليل[ )‪ (1‬وعليك بصلة الزوال‪ ،‬وعليك بصلة‬
‫الزوال‪ ،‬وعليك بصلة الزوال‪ :‬وعليك بتلوة القرآن على كل حال‪ ،‬وعليك‬
‫برفع يديك في صلتك وتقليبهما وعليك بالسواك عند كل وضوء‪ ،‬وعليك‬
‫بمحاسن الخلق فاركبها ومساوي الخلق فاجتنبها‪ ،‬فان لم تفعل فل‬
‫تلومن إل نفسك‪ .‬ين‪ (2) :‬ابن علوان‪ ،‬عن عمرو بن ثابت‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله لعلي وذكر‬
‫نحوه‪ .‬ووجدته منقول من خط الشهيد )ره( نقل من كتاب الحسين بن‬
‫سعيد‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن معاوية بن عمار مثله‪ - 9 .‬ما‪ (3) :‬جماعة‬
‫عن أبي المفضل‪ ،‬عن عبد الرزاق بن سليمان‪ ،‬عن الفضل بن الفضل‬
‫الشعري‪ ،‬عن الرضا عن آبائه عليهم السلم أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله بعث عليا عليه السلم إلى اليمن فقال له وهو يوصيه‪ :‬يا علي اوصيك‬
‫بالدعاء فانه مع الجابة وبالشكر فان معه المزيد‪ ،‬وأنهاك من أن تخفر‬
‫عهدا )‪ (4‬وتعين عليه‪ ،‬وأنهاك عن المكر فإنه ل يحيق المكر السيئ إل‬
‫بأهله‪ ،‬وأنهاك عن البغي فانه من بغي عليه لينصرنه ال‪.‬‬
‫)‪ (1‬بين القوسين ليس في المصدر‪ (2) .‬مخطوط )‪ (3‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪(4) .210‬‬
‫أخفره نقض عهده‪.‬‬

‫]‪[70‬‬

‫* )باب ‪) " * * (4‬ما أوصى به رسول ال صلى ال عليه وآله( " * * " )إلى‬
‫أبى ذر رحمه ال( " * ‪ - 1‬مع‪ ،‬ل‪ (1) :‬عن علي بن عبد ال السواري‪،‬‬
‫عن أحمد بن محمد بن قيس السجزي عن عمرو بن حفص‪ ،‬عن عبيد ال‬
‫بن محمد بن أسد‪ ،‬عن الحسين بن إبراهيم‪ ،‬عن يحيى ابن سعيد البصري‪،‬‬
‫عن ابن جريج‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن عبيد بن عمير الليثي )‪ (2‬عن أبي ذر‬
‫رحمه ال قال‪ :‬دخلت يوما على رسول ال صلى ال عليه وآله وهو في‬
‫المسجد جالس وحده فاغتنمت خلوته فقال لي‪ :‬يا أبا ذر إن للمسجد تحية‪،‬‬
‫قلت‪ :‬وما تحيته ؟ قال‪ :‬ركعتان تركعهما‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال إنك أمرتني‬
‫بالصلة‪ ،‬فما الصلة ؟ قال‪ :‬خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر‪،‬‬
‫قلت‪ :‬يارسول ال أي العمال أحب إلى ال عزوجل ؟ فقال‪ :‬إيمان بال‬
‫وجهاد في سبيله ]قلت أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال‪ :‬أحسنهم خلقا‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫وأي المؤمنين أفضل ؟ قال‪ :‬من سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬قلت وأي‬
‫الهجرة أفضل ؟ قال‪ :‬من هجر السوء[ قلت‪ :‬فأي الليل أفضل ؟ قال‪ :‬جوف‬
‫الليل الغابر‪ ،‬قلت‪ :‬فأي الصلة أفضل ؟ قال‪ :‬طول القنوت‪ ،‬قلت‪ :‬فأي‬
‫الصدقة أفضل ؟ قال‪ :‬جهد من مقل إلى فقير في سر )‪ (3‬قلت‪ :‬ما الصوم ؟‬
‫قال‪ :‬فرض‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ ،332‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ 103‬و ‪ (2) .104‬في الخصال‬


‫عتبة بن عميد الليثى وهو تصحيف‪ (3) .‬في الخصال " إلى فقير ذى سن‬
‫"‪ .‬والجهد‪ :‬الطاقة‪ ،‬وأقل الرجل صار إلى القلة وهى الفقر والهمزة‬
‫للصيرورة وربما يعبر بالقلة عن العدم فيقال قليل الخير أي ل يكاد يفعله‪.‬‬

‫]‪[71‬‬

‫مجزي وعند ال أضعاف كثيرة‪ ،‬قلت‪ :‬فأي الرقاب أفضل ؟ قال‪ :‬أغلها ثمنا‬
‫وأنفسها عند أهلها‪ ،‬قلت‪ :‬فأي الجهاد أفضل ؟ قال‪ :‬من عقر جواده‬
‫واهريق دمه في سبيل ال‪ ،‬قلت‪ :‬فأي آية أنزلها ال عليك أعظم ؟ قال آية‬
‫الكرسي‪ .‬ثم قال‪ :‬يا أبا ذر ما السماوات السبع في الكرسي إل كحلقة ملقاة‬
‫في أرض فلة‪ ،‬وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلة على تلك الحلقة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال كم النبيون ؟ قال‪ :‬مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي‬
‫قلت‪ :‬كم المرسلون منهم ؟ قال‪ :‬ثلثة عشر جماء غفيراء )‪ (1‬قلت‪ :‬من‬
‫كان أول النبياء ؟ قال آدم قلت وكان من النبياء مرسل ؟ قال‪ :‬نعم خلقه‬
‫ال بيده ونفخ فيه من روحه‪ .‬ثم قال‪ :‬يا أبا ذر أربعة من النبياء‬
‫سريانيون‪ :‬آدم وشيث واخنوخ ‪ -‬وهو إدريس عليه السلم وهو أول من‬
‫خط بالقلم ‪ -‬ونوح عليه السلم وأربعة من النبياء من العرب هود‪،‬‬
‫وصالح‪ ،‬وشعيب‪ ،‬ونبيك محمد‪ ،‬وأول نبي من بني إسرائيل موسى‬
‫وآخرهم عيسى ]بينهما[ ستمائة نبي‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول ال كم أنزل ال من‬
‫كتاب ؟ قال‪ :‬مائة كتاب وأربعة كتب أنزل ال على شيث خمسين صحيفة‪،‬‬
‫وعلى إدريس ثلثين صحيفة‪ ،‬وعلى إبراهيم عشرين صحيفة‪ ،‬وأنزل‬
‫التوراة والنجيل والزبور والفرقان‪ ،‬قلت‪ :‬يارسول ال فما كانت صحف‬
‫إبراهيم قال‪ :‬كانت أمثال كلها وكان فيها " أيها الملك المبتلى المغرور إني‬
‫لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة‬
‫المظلوم فاني ل أردها وإن كانت من كافر‪ .‬وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا‬
‫على عقله أن يكون له ]أربع[ ساعات ساعة يناجي فيها ربة عزوجل‬
‫وساعة يحاسب فيها نفسه‪ ،‬وساعة‬

‫)‪ (1‬قال الجوهرى‪ :‬جاؤوا جماء غفيراء ‪ -‬ممدودا ‪ -‬والجماء الغفير‪ ،‬وجم الغفير‬
‫وجماء الغفير أي جاؤوا بجماعتهم ولم يتخلف منهم أحد وكانت فيهم‬
‫كثرة‪ ،‬وقال‪ :‬الجماء الغفير اسم وليس بفعل ال أنه تنصب المصادر التى‬
‫هي في معناه كقولك جاؤوني جميعا وقاطبة وطرا وكافة‪ ،‬وأدخلوا فيه‬
‫اللف واللم كما أدخلوا في قولهم أوردها العراك أي أوردها عراكا‪.‬‬

‫]‪[72‬‬

‫يتفكر فيما صنع ال عزوجل إليه‪ ،‬وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلل‪ ،‬فان‬
‫هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها )‪ ،(1‬وعلى‬
‫العاقل أن يكون بصيرا بزمانه‪ ،‬مقبل على شأنه‪ ،‬حافظا للسانه‪ ،‬فان من‬
‫حسب كلمه من عمله قل كلمه إل فيما يعنيه‪ ،‬وعلى العاقل أن يكون طالبا‬
‫)‪ (2‬لثلث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد‪ ،‬أو تلذذ في غير محرم‪ .‬قلت‪:‬‬
‫يارسول فما كانت صحف موسى ؟ قال‪ :‬كانت عبرا كلها وفيها‪ " :‬عجب‬
‫لمن أيقن بالموت كيف يفرح‪ ،‬ولمن أيقن بالنار لم يضحك‪ ،‬ولمن يرى‬
‫الدنيا وتقلبها بأهلها لم يطمئن إليها‪ ،‬ولمن يؤمن بالقدر كيف ينصب )‪،(3‬‬
‫ولمن أيقن بالحساب لم ل يعمل "‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول ال هل في أيدينا مما‬
‫أنزل ال عليك شئ مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال‪ :‬يا أبا ذر‬
‫اقرأ " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحيوة الدنيا‪.‬‬
‫والخرة خير وأبقى‪ .‬إن هذا )‪ (4‬لفي الصحف الولى صحف إبراهيم‬
‫وموسى " )‪ .(5‬قلت‪ :‬يارسول ال أوصني قال‪ :‬اوصيك بتقوى ال فانه‬
‫رأس المر كله قلت‪ :‬زدني قال‪ :‬عليك بتلوة القرآن وذكر ال كثيرا فانه‬
‫ذكر لك في السماء ونور لك في الرض‪ ،‬قلت‪ :‬زدني قال‪ :‬الصمت فانه‬
‫مطردة للشياطين وعون لك على أمر دينك‪ ،‬قلت‪ :‬زدني قال‪ :‬إياك وكثرة‬
‫الضحك فانه يميت القلب ]ويذهب بنور الوجه[ قلت‪ :‬زدني قال‪ :‬انظر إلى‬
‫من هو تحتك‪ ،‬ول تنظر إلى من هو فوقك فانه أجدر أن ل تزدري نعمة ال‬
‫عليك‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال زدني قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬الستجمام التفريح‪ ،‬يقال‪ :‬لستجم قلبى بشئ من اللهو أي أنى لجعل قلبى‬
‫يتفكه بشئ من اللهو‪ ،‬وقوله " وتوزيع ؟ لها " كذا في الخصال وفى‬
‫المعاني " وتفريغ لها "‪ (2) .‬كذا‪ (3) .‬أي يتعب نفسه بالجد والجهد وفى‬
‫بعض نسخ المعاني " لم يغضب " ولعله الصح‪ (4) .‬يعنى ذكر هذه‬
‫الربع آيات‪ (5) .‬العلى‪.19 - 14 :‬‬

‫]‪[73‬‬

‫صل قرابتك وإن قطعوك‪ ،‬قلت زدني قال‪ :‬أجب المساكين ومجالستهم‪ ،‬قلت‪ :‬زدني‬
‫قال‪ :‬قل الحق وإن كان مرا‪ ،‬قلت‪ :‬زدني قال‪ :‬ل تخف في ال لومة لئم‬
‫قلت‪ :‬زدني قال‪ :‬ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك ول تجد عليهم )‪(1‬‬
‫فيما تأتي‪ .‬ثم قال‪ :‬كفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلث خصال‪ :‬يعرف من‬
‫الناس ما يجهل من نفسه‪ ،‬ويستحيي لهم مما هو فيه‪ ،‬ويؤذي جليسه بما‬
‫ل يعينه‪ .‬ثم قال عليه السلم يا أبا ذر ل عقل كالتدبير‪ ،‬ول ورع كالكف‪ ،‬ول‬
‫حسب كحسن الخلق‪ .‬ما‪ (2) :‬مرسل مثله‪ .‬أقول‪ :‬ورواه الشيخ جعفر بن‬
‫أحمد القمي في كتاب الغايات مرسل مثلهما أيضا ولكن إلى قوله صلى ال‬
‫عليه وآله‪ " :‬وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلة على تلك الحلقة "‬
‫وقال‪ :‬اختصرناه وأخذنا منه موضع الحاجة‪ - 2 .‬ل )‪ :(3‬عن الحسن بن‬
‫علي بن محمد العطار‪ ،‬عن محمد بن محمود‪ ،‬عن محمد ابن منصور‬
‫الفقيه‪ ،‬وإسماعيل ]و[ المكي وحمدان جميعا‪ ،‬عن المكي بن إبراهيم‬
‫وحدثني محمد بن أبي عبد ال الشافعي‪ ،‬عن مجاهد بن أعين‪ ،‬عن عبد‬
‫الصمد بن الفضل البلخي‪ ،‬عن مكي بن إبراهيم‪ ،‬عن هشام بن حسان‬
‫والحسن بن دينار‪ ،‬عن محمد بن واسع‪ ،‬عن عبد ال بن الصامت‪ ،‬عن أبي‬
‫ذر رضي ال عن قال‪ :‬أوصاني رسول ال عليه السلم بسبع‪ :‬أوصاني أن‬
‫أنظر إلى من هو دوني ول أنظر إلى من هو فوقي وأوصاني بحب‬
‫المساكين والدنو منهم‪ ،‬وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا وأوصاني‬
‫أن أصل رحمي وإن أدبرت‪ ،‬وأوصاني أن ل أخاف في ال لومة لئم‬
‫وأوصاني أن أستكثر من قول " ل حول ول قوه إل بال العلي العظيم "‬
‫فانها من كنوز الجنة‪ - 3 .‬من كتاب مكارم الخلق )‪ (4‬يقول مولي أبي‬
‫طول ال عمره الفضل‬

‫)‪ (1‬أي ل تغضب‪ (2) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .138‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪(4) .3‬‬
‫المصدر ص ‪.537‬‬

‫]‪[74‬‬

‫ابن الحسن هذه الوراق من وصية رسول ال صلى ال عليه وآله لبي ذر الغفاري‬
‫التي أخبرني بها الشيخ المفيد أبو الوفاء عبد الجبار بن عبد ال المقري‬
‫الرازي‪ ،‬والشيخ الجل الحسن بن الحسين بن الحسن بن بابويه رحمه ال‬
‫إجازة قال أمل علينا الشيخ الجل أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي‪،‬‬
‫وأخبرني بذلك الشيخ العالم الحسين بن الفتح الواعظ الجرجاني في مشهد‬
‫الرضا عليه السلم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا الشيخ المام أبو علي الحسن بن محمد‬
‫الطوسي قال‪ :‬حدثني أبي‪ :‬الشيخ أبو جعفر رحمه ال قال‪ :‬أخبرنا جماعة‪،‬‬
‫عن أبي المفضل محمد بن عبد ال بن محمد بن المطلب الشيباني قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو الحسين رجاء بن يحيى العبرتائي الكاتب )‪ (1‬سنة أربع عشر‬
‫وثلثمائة وفيها مات قال‪ :‬حدثنا محمد بن الحسن بن شمون قال‪ :‬حدثني‬
‫عبد ال بن عبد الرحمن الصم‪ ،‬عن الفضل بن يسار‪ ،‬عن وهب بن عبد‬
‫ال الهنائي )‪ (2‬قال‪ :‬حدثني أبو حرب ابن أبي السود الديلي‪ ،‬عن أبي‬
‫السود قال‪ :‬قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة رضي ال‬
‫عنه فحدثني أبو ذر‪ .‬قال‪ :‬دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله في مسجده فلم أر في المسجد أحدا من الناس إل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وعلي إلى جانبه جالس فاغتنمت خلوة‬
‫المسجد فقلت‪ :‬يا رسول ال بأبي أنت‪ ،‬وامي أوصني بوصية ينفعني ال‬
‫بها‪ ،‬فقال‪ :‬نعم وأكرم بك يا أبا ذر إنك منا أهل البيت وإني موصيك بوصية‬
‫فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله‪ ،‬فإنك إن حفظتها كان لك بها‬
‫كفلن‪ .‬يا أبا ذر ا عبد ال كأنك تراه فإن كنت ل تراه فانه يراك‪ ،‬واعلم أن‬
‫أول عبادة ال المعرفة به‪ ،‬فهو الول قبل كل شئ فل شئ قبله‪ ،‬والفرد فل‬
‫ثاني له‪ ،‬والباقي ل إلى غاية‪ ،‬فاطر السماوات والرض وما فيهما وما‬
‫بينهما من شئ وهو ال اللطيف الخبير وهو على كل شئ قدير‪ ،‬ثم اليمان‬
‫بي وال قرار بأن ال تعالى أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا‬
‫إلى ال باذنه‪ ،‬وسراجا منيرا‪ ،‬ثم حب أهل بيتي‬

‫)‪ (1‬سيأتي ضبط العبر تأتى بعد تمام الحديث‪ (2) .‬الهنائى ‪ -‬بضم الهاء ونون ومد‬
‫‪ -‬كما في التقريب‪.‬‬
‫]‪[75‬‬

‫الذين أذهب ال عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا‪ .‬واعلم يا أبا ذر أن ال عزوجل‬


‫جعل أهل بيتي في امتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن رغب عنها‬
‫غرق‪ ،‬ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله كان آمنا‪ .‬يا أبا ذر احفظ‬
‫ما اوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والخرة‪ .‬يا أبا ذر نعمتان مغبون فيهما‬
‫كثير من الناس‪ :‬الصحة والفراغ‪ .‬يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس‪ :‬شبابك‬
‫قبل هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪،‬‬
‫وحياتك قبل موتك‪ .‬يا أبا ذر إياك والتسويف بأملك فانك بيومك‪ ،‬ولست بما‬
‫بعده فان يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم‪ ،‬وإن لم يكن غد لك لم‬
‫تندم على ما فرطت في اليوم‪ .‬يا أبا ذر كم من مستقبل يوما ل يستكمله‪،‬‬
‫ومنتظر غدا ل يبلغه‪ .‬يا أبا ذر لو نظرت إلى الجل ومصيره لبغضت )‪(1‬‬
‫المل وغروره‪ .‬يا أبا ذر كن كأنك في الدنيا غريب‪ ،‬أو كعابر سبيل‪ ،‬وعد‬
‫نفسك من أصحاب القبور‪ .‬يا أبا ذر إذا أصبحت فل تحدث نفسك بالمساء‪،‬‬
‫وإذا أمسيت فل تحدث نفسك بالصباح‪ ،‬وخذ من صحتك قبل سقمك‪،‬‬
‫وحياتك قبل موتك فانك ل تدري ما اسمك غدا‪ .‬يا أبا ذر إياك أن تدركك‬
‫الصرعة عند العثرة‪ ،‬فل تقال العثرة )‪ (2‬ول تمكن من الرجعة‪ ،‬ول يحمدك‬
‫من خلفت بما تركت‪ ،‬ول يعذرك من تقدم عليه‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " ل نقصت المل "‪ (2) .‬العثرة الزلة والخطيئة‪.‬‬
‫والقالة‪ :‬فسخ البيع‪ ،‬وتقايل إذا فسخا‪ .‬والصرعة ‪ -‬بكسر الصاد ‪ -‬المرة‬
‫من الصرع‪.‬‬

‫]‪[76‬‬

‫بما اشتغلت به )‪ .(1‬يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك‪ .‬يا أبا‬
‫ذر هل ينتظر أحد إل غنى مطغيا‪ ،‬أو فقرا منسيا‪ ،‬أو مرضا مفسدا‪ ،‬أو‬
‫هرما مفندا )‪ (2‬أو موتا مجهزا‪ ،‬أو الدجال فانه شر غائب ينتظر‪ ،‬أو‬
‫الساعة فالساعة أدهى وأمر‪ .‬يا أبا ذر إن شر الناس منزلة عند ال يوم‬
‫القيامة عالم ل ينتفع بعلمه‪ ،‬ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه‬
‫لم يجد ريح الجنة‪ .‬يا أبا ذر من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح‬
‫الجنة‪ .‬يا أبا ذر إذا سئلت عن علم ل تعلمه فقل‪ :‬ل أعلمه تنج من تبعته‪،‬‬
‫ول تفت بما ل علم لك به تنج من عذاب ال يوم القيامة‪ .‬يا أبا ذر يطلع قوم‬
‫من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون‪ :‬ما أدخلكم النار وقد دخلنا‬
‫الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم ؟ فيقولون‪ :‬إنا كنا نأمر بالخير ول نفعله‪ .‬يا‬
‫أبا ذر إن حقوق ال جل ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد وإن نعم ال‬
‫أكثر من أن يحصيها العباد‪ ،‬ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين‪ .‬يا أبا ذر إنكم‬
‫في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي‬
‫بغتة‪ ،‬ومن يزرع خيرا يوشك أن يحصد خيرا‪ ،‬ومن يزرع شرا يوشك أن‬
‫يحصد ندامة‪ ،‬ولكل زارع مثل ما زرع‪ .‬يا أبا ذر ل يسبق بطئ بحظه‪ ،‬ول‬
‫يدرك حريص ما لم يقدر له‪ ،‬ومن أعطى خيرا‬

‫)‪ (1‬يعنى واظب نفسك أن ل يدركك الموت حين غفلتك واشتغالك بالدنيا فل تتمكن‬
‫من القالة والرجعة ووارثك ل يحمدك بما تركت له‪ .‬ول يقبل ال العذر‬
‫منك باشتغالك بامور الدنيا‪ (2) .‬يقال‪ :‬فند من باب ‪ -‬علم ‪ -‬خرف وضعف‬
‫عقله‪ ،‬وفى المصدر " مقعدا "‪ ،‬وقوله " مجهزا " أجهز على الجريح‬
‫شد عليه واتم قتله‪ ،‬وجهز الميت اعد ما يلزمه‪.‬‬

‫]‪[77‬‬

‫فان ال أعطاه‪ ،‬ومن وقي شرا فان ال وقاه‪ .‬يا أبا ذر المتقون سادة‪ ،‬والفقهاء‬
‫قادة‪ ،‬ومجالستهم زيادة‪ ،‬إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن‬
‫تقع عليه‪ ،‬وإن الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه‪ .‬يا أبا ذر إن ال‬
‫تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا جعل ذنوبه بين عينيه ممثلة والثم عليه‬
‫ثقيل وبيل )‪ (1‬وإذا أراد بعبد شرا أنساه ذنوبه‪ .‬يا أبا ذر ل تنظر إلى صغر‬
‫الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت‪ .‬يا أبا ذر إن نفس المؤمن أشد‬
‫ارتكاضا من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه )‪ .(2‬يا أبا ذر‬
‫من وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه‪ ،‬ومن خالف قوله فعله فإنما‬
‫يوبخ نفسه )‪ .(3‬يا أبا ذر إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه‪ .‬يا أبا ذر‬
‫دع مالست منه في شئ‪ ،‬ول تنطق فيما ل يعنيك‪ ،‬واخزن لسانك كما تخزن‬
‫ورقك‪ .‬يا أبا ذر إن ال جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا‪،‬‬
‫وفوقهم قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون‪ :‬ربنا‬
‫إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا ؟ فيقال‪ :‬هيهات هيهات إنهم‬
‫كانوا يجوعون حين تشبعون‪ ،‬ويظمأون حين تروون‪ ،‬ويقومون حين‬
‫تنامون‪ ،‬ويشخصون حين تحفظون‪ .‬يا أبا ذر جعل ال جل ثناؤه قرة عيني‬
‫في الصلة وحبب إلي الصلة كما حبب إلى الجائع الطعام وإلى الظمآن‬
‫الماء‪ ،‬وإن الجائع إذا أكل شبع وإن‬

‫)‪ (1‬الوبيل الوخيم وزنا ومعنى‪ (2) .‬الرتكاض‪ :‬الضطراب‪ ،‬وارتكض الرجل في‬
‫أمره تقلب فيه وحاوله‪ .‬والشرك ‪ -‬محركة ‪ -‬حبالة الصيد‪ (3) .‬أي عابها‬
‫ولمها‪.‬‬
‫]‪[78‬‬

‫الظمآن إذا شرب روى‪ ،‬وأنا ل أشبع من الصلة‪ .‬يا أبا ذر أيما رجل تطوع في يوم‬
‫وليلة اثنتي عشر ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة‪ .‬يا‬
‫أبا ذر مادمت في الصلة فانك تقرع باب الملك الجبار‪ ،‬ومن يكثر قرع باب‬
‫الملك يفتح له‪ .‬يا أبا ذر ما من مؤمن يقوم مصليا إل تناثر عليه البر ما‬
‫بينه وبين العرش ووكل به ملك ينادي يا ابن آدم لو تعلم مالك في الصلة‬
‫ومن تناجي ما انفتلت )‪ (1‬يا أبا ذر طوبى لصحاب اللوية يوم القيامة‬
‫يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة أل وهم السابقون إلى المساجد‬
‫بالسحار وغير السحار‪ .‬يا أبا ذر الصلة عماد الدين واللسان أكبر‬
‫والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر‪ ،‬والصوم جنة من النار واللسان‬
‫أكبر‪ ،‬والجهاد نباهة واللسان أكبر )‪ .(2‬يا أبا ذر الدرجة في الجنة كما بين‬
‫السماء والرض وإن العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره‬
‫فيفزع لذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬ما هذا ؟ فيقال‪ :‬هذا نور أخيك‪ ،‬فيقول‪ :‬أخي فلن كنا‬
‫نعمل جميعا في الدنيا وقد فضل علي هكذا ؟ فيقال له‪ :‬إنه كان أفضل منك‬
‫عمل‪ ،‬ثم يجعل في قلبه الرضي حتى يرضى‪ .‬يا أبا ذر الدنيا سجن المؤمن‬
‫وجنة الكافر‪ ،‬وما أصبح فيها مؤمن إل حزينا فكيف ل يحزن المؤمن وقد‬
‫أوعده ال جل ثناؤه أنه وارد جهنم ولم يعده أنه صادر عنها )‪ (3‬وليلقين‬
‫أمراضا ومصيبات وأمورا تغيظه وليظلمن فل ينتصر يبتغي ثوابا من ال‬
‫تعالى فما يزال فيها حزينا حتى يفارقها‪ ،‬فإذا فارقها أفضى إلى الراحة‬
‫والكرامة‪.‬‬

‫)‪ (1‬انفتل أي انصرف‪ (2) .‬النباهة الفتنة والشرف وضد الخمول‪ (3) .‬أشار إلى‬
‫قوله تعالى في سورة مريم ‪ 72‬و ‪ " :73‬وان منكم ال واردها كان على‬
‫ربك حتما مقضيا‪ .‬ثم ننجي الذين اتقوا ‪ -‬الية "‪.‬‬

‫]‪[79‬‬

‫يا أبا ذر ما عبد ال عزوجل على مثل طول الحزن‪ .‬يا أبا ذر من اوتي من العلم ما ل‬
‫يبكيه لحقيق أن يكون قد اوتي علم ما ل ينفعه لن ال نعت العلماء فقال‬
‫جل وعز‪ :‬إن الذين اوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للذقان‬
‫سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد لمفعول ويخرون للذقان يبكون‬
‫ويزيدهم خشوعا " )‪ .(1‬يا أبا ذر من استطاع أن يبكي فليبك‪ ،‬ومن لم‬
‫يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك‪ ،‬إن القلب القاسي بعيد من ال تعالى‬
‫ولكن ل تشعرون‪ .‬يا أبا ذر يقول ال تبارك وتعالى‪ :‬ل أجمع على عبد‬
‫خوفين ول أجمع له أمنين فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا‬
‫خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة‪ .‬يا أبا ذر إن العبد ليعرض عليه ذنوبه‬
‫يوم القيامة ]فيمن ذنب ذنوبه[ فيقول‪ :‬أما إني كنت مشفقا‪ ،‬فيغفر له‪ .‬يا أبا‬
‫ذر إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها ويعمل المحقرات حتى يأتي ال‬
‫وهو عليه غضبان وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق )‪ (2‬منها فيأتي ال‬
‫عزوجل آمنا يوم القيامة‪ .‬يا أبا ذر إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة‬
‫فقلت‪ :‬وكيف ذلك بأبي أنت وامي يا رسول ال ؟ قال‪ :‬يكون ذلك الذنب‬
‫نصب عينيه تائبا منه‪ ،‬فارا إلى ال عزوجل حتى يدخل الجنة‪ .‬يا أبا ذر‬
‫الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز من اتبع نفسه وهواها‬
‫وتمنى على ال عزوجل الماني‪ .‬يا أبا ذر إن أول شئ يرفع من هذه المة‬
‫المانة والخشوع حتى ل تكاد ترى خاشعا‪ .‬يا أبا ذر والذي نفس محمد بيده‬
‫لو أن الدنيا كانت تعدل عند ال جناح بعوضة‬

‫)‪ (1‬السراء‪ (2) .109 - 108 :‬أي يدهش ويخاف ويضطرب‪.‬‬

‫]‪[80‬‬

‫أو ذباب ما سقى الكافر منها شربة من ماء‪ .‬يا أبا ذر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها‬
‫إل من ابتغى به وجه ال‪ ،‬وما من شئ أبغض إلى ال تعالى من الدنيا‪،‬‬
‫خلقها ثم عرضها فلم ينظر إليها ول ينظر إليها حتى تقوم الساعة‪ ،‬وما من‬
‫شئ أحب إلى ال تعالى من اليمان به وترك ما أمر بتركه‪ .‬يا أبا ذر إن ال‬
‫تبارك وتعالى أوحى إلى أخي عيسى عليه السلم‪ :‬يا عيسى ل تحب الدنيا‬
‫فاني لست احبها وأحب الخرة فانما هي دار المعاد‪ .‬يا أبا ذر إن جبرئيل‬
‫أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء فقال لي‪ :‬يا محمد هذه خزائن الدنيا‬
‫ول ينقصك من حظك عند ربك فقلت‪ :‬يا حبيبي جبرئيل ل حاجة لي فيها‪،‬‬
‫إذا شبعت شكرت ربي وإذا جعت سألته‪ .‬يا أبا ذر إذا أراد ال عزوجل بعبد‬
‫خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا وبصره بعيوب نفسه‪ .‬يا أبا ذر ما‬
‫زهد عبد في الدنيا إل أنبت ال الحكمة في قلبه‪ ،‬وأنطق بها لسانه ويبصره‬
‫عيوب الدنيا وداءها ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلم‪ .‬يا أبا ذر‬
‫إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فانه يلقى الحكمة فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول ال من أزهد الناس ؟ قال‪ :‬من لم ينس المقابر والبلى‪ ،‬وترك فضل‬
‫زينة الدنيا‪ ،‬وآثر ما يبقى على ما يفنى‪ ،‬ولم يعد غدا من أيامه‪ ،‬وعد نفسه‬
‫في الموتى‪ .‬يا أبا ذر إن ال تبارك وتعالى لم يوح إلي أن أجمع المال ولكن‬
‫أوحى إلي أن " سبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى‬
‫يأتيك اليقين "‪ .‬يا أبا ذر إني ألبس الغليظ‪ ،‬وأجلس على الرض‪ ،‬وألعق‬
‫أصابعي‪ ،‬وأركب الحمار بغير سرج‪ ،‬وأردف خلفي‪ ،‬فمن رغب عن سنتي‬
‫فليس مني‪ .‬يا أبا ذر حب المال والشرف أذهب لدين الرجل من ذئبين‬
‫ضاريين في زرب‬
‫]‪[81‬‬

‫الغنم )‪ (1‬فأغارا فيها حتى أصبحا فماذا أبقيا منها‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‬
‫الخائفون الخائضون المتواضعون الذاكرون ال كثيرا أهم يسبقون الناس‬
‫إلى الجنة ؟ فقال‪ :‬ل ولكن فقراء المسلمين فانهم يتخطون رقاب الناس‬
‫فيقول لهم خزنة الجنة كما أنتم حتى )‪ (2‬تحاسبوا فيقولون بم نحاسب‬
‫فوال ما ملكنا فنجود ونعدل‪ ،‬ول أفيض علينا فنقبض ونبسط ولكنا عبدنا‬
‫ربنا حتى دعانا فأجبنا‪ .‬يا أبا ذر إن الدنيا مشغلة للقلوب والبدان وإن ال‬
‫تبارك وتعالى سائلنا عما نعمنا في حلله فكيف بما نعمنا في حرامه‪ .‬يا أبا‬
‫ذر إني قد دعوت ال جل ثناؤه أن يجعل رزق من يحبني الكفاف وأن يعطي‬
‫من يبغضني كثرة المال والولد‪ .‬يا أبا ذر طوبى للزاهدين في الدنيا‪،‬‬
‫الراغبين في الخرة‪ ،‬الذين اتخذوا أرض ال بساطا‪ ،‬وترابها فراشا‪،‬‬
‫وماءها طيبا‪ ،‬واتخذوا كتاب ال شعارا ودعاءه دثارا يقرضون الدنيا‬
‫قرضا‪ .‬يا أبا ذر حرث الخرة العمل الصالح‪ ،‬وحرث الدنيا المال والبنون‪.‬‬
‫يا أبا ذر إن ربي أخبرني فقال‪ :‬وعزتي وجللي ما أدرك العابدون درك‬
‫البكاء وإني لبني لهم في الرفيق العلى قصرا ل يشاركهم فيه أحد‪ .‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال أي المؤمنين أكيس قال‪ :‬أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم‬
‫له استعدادا‪ .‬يا أبا ذر إذا دخل النور القلب انفسح القلب واستوسع‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫فما علمة ذلك بأبي أنت وامي يا رسول ال ؟ قال‪ :‬النابة إلى دار الخلود‪،‬‬
‫والتجافي عن دار الغرور والستعداد للموت قبل نزوله‪ .‬يا أبا ذر اتق ال‬
‫ول تري الناس أنك تخشى ال فيكرموك وقلبك فاجر‪.‬‬

‫)‪ (1‬الزرب موضع المواشى‪ (2) .‬أي قفوا مكانكم ول تبرحوا‪.‬‬

‫]‪[82‬‬

‫يا أبا ذر ليكن لك في كل شئ نية حتى في النوم والكل‪ .‬يا أبا ذر ليعظم جلل ال في‬
‫صدرك فل تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب اللهم اخزه وعند الخنزير‬
‫اللهم اخزه‪ .‬يا أبا ذر إن ل ملئكة قياما من خيفته‪ ،‬ما رفعوا رؤوسهم‬
‫حتى ينفخ في الصور النفخة الخرة فيقولون جميعا‪ :‬سبحانك وبحمدك ما‬
‫عبدناك كما ينبغي لك أن تعبد‪ .‬يا أبا ذر ولو كان لرجل عمل سبعين نبيا‬
‫لستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ ولو أن دلوا صبت من غسلين في‬
‫مطلع الشمس لغلت منه جماجم من مغربها ولو زفرت جهنم زفرة لم يبق‬
‫ملك مقرب ول نبي مرسل إل خر جاثيا على ركبتيه )‪ (1‬يقول‪ :‬رب نفسي‬
‫نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما السلم يقول‪ :‬يا رب أنا خليلك‬
‫إبراهيم فل تنسني‪ .‬يا أبا ذر لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت من‬
‫سماء الدنيا في ليلة ظلماء لضاءت لها الرض أفضل مما يضيئها القمر‬
‫ليلة البدر ولوجد ريح نشرها جميع أهل الرض ولو أن ثوبا من ثياب أهل‬
‫الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم‪ .‬يا أبا‬
‫ذر اخفض صوتك عند الجنائز‪ ،‬وعند القتال‪ ،‬وعند القرآن‪ .‬يا أبا ذر إذا‬
‫تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغول بالتفكر والخشوع واعلم أنك لحق‬
‫به‪ .‬يا أبا ذر اعلم أن كل شئ إذا فسد فالملح دواؤه فإذا فسد الملح فليس له‬
‫دواء‪ .‬واعلم أن فيكم خلقين‪ :‬الضحك من غير عجب والكسل من غير‬
‫سهو‪ .‬يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه‪.‬‬
‫يا أبا ذر الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو‪ ،‬ورب شهوة ساعة تورث حزنا‬

‫)‪ (1‬جثى على ركبتيه أي جلس عليها أو قام على اطراف أصابعه يعنى بزانو در‬
‫آمد‪.‬‬

‫]‪[83‬‬

‫طويل )‪ .(1‬يا أبا ذر ل يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب ال تبارك و‬
‫تعالى أمثال الباعر )‪ (2‬ثم يرجع إلى نفسه‪ ،‬فيكون هو أحقر حاقر لها‪ .‬يا‬
‫أبا ذر ل تصيب حقيقة اليمان حتى ترى الناس كلهم حمقاء في دينهم‬
‫عقلء في دنياهم‪ .‬يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون‬
‫لحسابك غدا‪ ،‬وزن نفسك قبل أن توزن‪ ،‬وتجهز للعرض الكبر يوم تعرض‬
‫ل تخفى على ال خافية‪ .‬يا أبا ذر استحي من ال فاني والذي نفسي بيده ل‬
‫ظل حين )‪ (3‬أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملكين اللذين‬
‫معي‪ .‬يا أبا ذر اتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت‪ :‬نعم فداك أبي‪ ،‬قال‪ :‬فاقصر من‬
‫المل واجعل الموت نصب عينيك واستح من ال حق الحياء‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول ال كلنا نستحي من ال ؟ قال‪ :‬ليس ذلك الحياء ولكن الحياء من ال‬
‫أن ل تنسى المقابر والبلى والجوف وما وعى والرأس ومن حوى‪ ،‬ومن‬
‫أراد كرامة الخرة فليدع زينة الدنيا فإذا كنت كذلك أصبت ولية ال‪ .‬يا أبا‬
‫ذر يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح‪ .‬يا أبا ذر مثل الذي‬
‫يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر‪ .‬يا أبا ذر إن ال يصلح بصلح‬
‫العبد ولده وولد ولده‪ ،‬ويحفظه في دويرته والدور حوله مادام فيهم‪ .‬يا أبا‬
‫ذر إن ربك عزوجل يباهي الملئكة بثلثة نفر‪ :‬رجل في أرض قفر فيؤذن‬
‫ثم يقيم ثم يصلي فيقول ربك للملئكة انظروا إلى عبدي يصلي ول يراه‬

‫)‪ (1‬في المصدر " توجب حزنا طويل "‪ (2) .‬الباعر والبعرة‪ :‬جمع بعير‪ :‬الجمل‬
‫البازل أو الجذع للذكر والنثى ويطلق أيضا على كل ما يحمل‪ (3) .‬في‬
‫المصدر " ل أزال "‪.‬‬
‫]‪[84‬‬

‫غيري‪ ،‬فينزل سبعين ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك‬
‫اليوم‪ .‬ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد فيقول ال‬
‫تعالى انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد‪ .‬ورجل في زحف فر‬
‫أصحابه وثبت هو ويقاتل حتى يقتل‪ .‬يا أبا ذر ما من رجل يجعل جبهته في‬
‫بقعة من بقاع الرض إل شهدت له بها يوم القيامة وما من منزل ينزله‬
‫قوم إل وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم‪ .‬يا أبا ذر ما من صباح‬
‫ول رواح إل وبقاع الرض تنادي بعضها بعضا يا جار هل مربك ذاكر ل‬
‫تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا ل ؟ فمن قائلة ل ومن قائلة نعم‪،‬‬
‫فإذا قالت نعم اهتزت وانشرحت وترى أن لها الفضل على جارتها‪ .‬يا أبا ذر‬
‫إن ال جل ثناؤه لما خلق الرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في‬
‫الرض شجرة يأتيها بنو آدم إل أصابوا منها منفعة‪ ،‬فلم تزل الرض‬
‫والشجر كذلك حتى تتكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم " اتخذ ال‬
‫ولدا " فلما قالوها اقشعرت الرض وذهبت منفعة الشجار‪ .‬يا أبا ذر إن‬
‫الرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا‪ .‬يا أبا ذر إذا كان العبد‬
‫في أرض قي ]يعني قفر[ فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى أمر ال‬
‫عزوجل الملئكة فصفوا خلفه صفا ل يرى طرفاه يركعون بركوعه‬
‫ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه‪ .‬يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم‬
‫يصل معه إل ملكاه اللذان معه‪ .‬يا أبا ذر ما من شاب يدع ل الدنيا ولهوها‬
‫وأهرم شبابه في طاعة ال إل أعطاه ال أجر اثنين وسبعين صديقا‪ .‬يا أبا‬
‫ذر الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين‪ .‬يا أبا ذر الجليس الصالح خير‬
‫من الوحدة والوحدة خير من جليس السوء وإملء الخير خير من السكوت‬
‫والسكوت خير من إملء الشر‪ .‬يا أبا ذر ل تصاحب إل مؤمنا‪ ،‬ول يأكل‬
‫طعامك إل تقي ول تأكل طعام‬

‫]‪[85‬‬

‫الفاسقين‪ .‬يا أبا ذر أطعم طعامك من تحبه في ال‪ ،‬وكل طعام من يحبك في ال‬
‫عزوجل‪ .‬يا أبا ذر إن ال عزوجل عند لسان كل قائل فليتق ال أمرء وليعلم‬
‫ما يقول‪ .‬يا أبا ذر اترك فضول الكلم‪ ،‬وحسبك من الكلم ما تبلغ به‬
‫حاجتك‪ .‬يا أبا ذر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع‪ .‬يا أبا ذر ما من‬
‫شئ أحق بطول السجن‪ ،‬من اللسان‪ .‬يا أبا ذر إن من إجلل ال تعالى إكرام‬
‫ذي الشيبة المسلم وإكرام حملة القرآن العاملين‪ ،‬وإكرام السلطان المقسط‪.‬‬
‫يا أبا ذر ما عمل من لم يحفظ لسانه‪ .‬يا أبا ذر ل تكن عيابا ول مداحا ول‬
‫طعانا ول مماريا‪ .‬يا أبا ذر ل يزال العبد يزداد من ال بعدا ما ساء خلقه‪ .‬يا‬
‫أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تخطوها إلى الصلة صدقة‪ .‬يا أبا ذر‬
‫من أجاب داعي ال وأحسن عمارة مساجد ال كان ثوابه من ال الجنة‬
‫فقلت‪ :‬بأبي أنت وامي يا رسول ال كيف تعمر مساجد ال ؟ قال‪ :‬ل ترفع‬
‫فيها الصوات ول يخاض فيها بالباطل‪ ،‬ول يشتر فيها ول يباع واترك‬
‫اللغو ما دمت فيها فان لم تفعل فل تلومن يوم القيامة إل نفسك‪ .‬يا أبا ذر‬
‫إن ال تعالى يعطيك مادمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست درجة في‬
‫الجنة وتصلي عليك الملئكة وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات‬
‫وتمحى عنك عشر سيئات‪ .‬يا أبا ذر أتعلم في أي شئ أنزلت هذه الية "‬
‫اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا ال لعلكم تفلحون " )‪ (1‬قلت‪ :‬ل‬
‫]أدري[ فداك أبي وامي‪ ،‬قال‪ :‬في انتظار الصلة خلف الصلة‪.‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪.200 :‬‬

‫]‪[86‬‬

‫يا أبا ذر إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات‪ ،‬وكثرة الختلف إلى المساجد‬
‫فذلكم الرباط‪ .‬يا أبا ذر يقول ال تبارك وتعالى‪ :‬إن أحب العباد إلي‬
‫المتحابون من أجلي المتعلقة قلوبهم بالمساجد‪ ،‬والمستغفرون بالسحار‪،‬‬
‫اولئك إذا أردت بأهل الرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم‪ .‬يا أبا‬
‫ذر كل جلوس في المسجد لغو إل ثلثة قراءة مصل أو ذكر ال أو سائل‬
‫عن علم‪ .‬يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فانه ل يقل‬
‫عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل‪ ،‬يقول ال عزوجل‪ " :‬إنما يتقبل ال‬
‫من المتقين " )‪ .(1‬يا أبا ذر ل يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه‬
‫أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه‬
‫ومن أين ملبسه‪ ،‬أمن حل ذلك أم من حرام‪ .‬يا أبا ذر من لم يبال من أين‬
‫اكتسب المال لم يبال ال عزوجل من أين أدخله النار‪ .‬يا أبا ذر من سره أن‬
‫يكون أكرم الناس فليتق ال عزوجل‪ .‬يا أبا ذر إن أحبكم إلى ال جل ثناؤه‬
‫أكثركم ذكرا له‪ ،‬وأكرمكم عند ال عزوجل أتقيكم له وأنجاكم من عذاب ال‬
‫أشدكم له خوفا‪ .‬يا أبا ذر إن المتقين الذين يتقون ]ال عزوجل[ من الشئ‬
‫الذي ل يتقى منه خوفا من الدخول في الشبهة‪ .‬يا أبا ذر من أطاع ال‬
‫عزوجل فقد ذكر ال وإن قلت صلته وصيامه وتلوته للقرآن‪ .‬يا أبا ذر‬
‫أصل الدين الورع ورأسه الطاعة‪ .‬يا أبا ذر كن ورعا تكن أعبد الناس‪،‬‬
‫وخير دينكم الورع‪.‬‬

‫)‪ (1‬المائدة‪.30 :‬‬


‫]‪[87‬‬

‫يا أبا ذر فضل العلم خير من فضل العبادة‪ ،‬واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا‬
‫كالحنايا )‪ (1‬وصمتم حتى تكونوا كالوتار ما ينفعكم ذلك إل بورع‪ .‬يا أبا‬
‫ذر إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء ال حقا‪ .‬يا أبا ذر من لم يأت‬
‫يوم القيامة بثلث فقد خسر‪ ،‬قلت‪ :‬وما الثلث فداك أبي وامي ؟ قال‪ :‬ورع‬
‫يحجزه عما حرم ال عزوجل عليه‪ ،‬وحلم يرد به جهل السفيه‪ ،‬وخلق‬
‫يداري به الناس‪ .‬يا أبا ذر إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على ال‪،‬‬
‫وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق ال‪ ،‬وإن سرك أن تكون أغنى الناس‬
‫فكن بما في يد ال عزوجل أوثق منك بما في يديك‪ .‬يا أبا ذر لو أن الناس‬
‫كلهم أخذوا بهذه الية لكفتهم " ومن يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه من‬
‫حيث ل يحتسب ومن يتوكل على ال فهو حسبه إن ال بالغ أمره " )‪.(2‬‬
‫يا أبا ذر يقول ال جل ثناؤه‪ :‬وعزتي وجللي ل يؤثر عبدي هواي على‬
‫هواه إل جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السماوات‬
‫والرض رزقه وكففت عليه ضيعته )‪ (3‬وكنت له من وراء تجارة كل‬
‫تاجر‪ .‬يا أبا ذر لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لدركه رزقه‬
‫كما يدركه الموت‪ .‬يا أبا ذر أل اعلمك كلمات ينفعك ال عزوجل بهن ؟‬
‫قلت‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬احفظ ال يحفظك‪ ،‬احفظ ال تجده أمامك‪،‬‬
‫تعرف إلى ال في الرخاء يعرفك في الشدة‪ ،‬وإذا سألت فاسأل ال عزوجل‪،‬‬
‫وإذا استعنت فاستعن بال فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة‪ ،‬فلو‬
‫أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشئ لم‬

‫)‪ (1‬الحنايا جمع حنية ما كان منحنيا كالقوس‪ (2) .‬الطلق‪ (3) .32 :‬وقد يقرء في‬
‫بعض النسخ " كففت عنه ضيقه "‪.‬‬

‫]‪[88‬‬

‫يكتب لك ما قدروا عليه‪ ،‬ولو جهدوا أن يضروك بشئ لم يكتبه ال عليك ما قدروا‬
‫عليه‪ ،‬فان استطعت أن تعمل ل عزوجل بالرضى في اليقين فافعل‪ ،‬وإن لم‬
‫تستطع فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا‪ ،‬وإن النصر مع الصبر‬
‫والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا‪ .‬يا أبا ذر استغن بغنى ال يغنك‬
‫ال‪ ،‬فقلت‪ :‬وما هو يا رسول ال ؟ قال‪ ،‬غداءة يوم وعشاءة ليلة فمن قنع‬
‫بما رزقه ال فهو أغنى الناس‪ .‬يا أبا ذر إن ال عزوجل يقول‪ :‬إني لست‬
‫كلم الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه‪ ،‬فان كان همه وهواه فيما أحب‬
‫وأرضى جعلت صمته حمدا لي وذكرا ]ووقارا[ وإن لم يتكلم‪ .‬يا أبا ذر إن‬
‫ال تبارك وتعالى ل ينظر إلى صوركم ول إلى أموالكم )‪ (1‬ولكن ينظر إلى‬
‫قلوبكم وأعمالكم‪ .‬يا أبا ذر التقوى ههنا‪ ،‬التقوى ههنا ‪ -‬واشار إلى صدره‬
‫‪ .-‬يا أبا ذر أربع ل يصيبهن إل مؤمن‪ :‬الصمت وهو أول العبادة‪،‬‬
‫والتواضع ل سبحانه‪ ،‬وذكر ال تعالى على كل حال‪ ،‬وقلة الشئ يعني قلة‬
‫المال‪ .‬يا أبا ذر هم بالحسنة وإن لم تعملها لكيل تكتب من الغافلين‪ .‬يا أبا‬
‫ذر من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة‪ ،‬قلت يا رسول ال إنا‬
‫لنؤخذ بما ينطق به ألسنتنا‪ ،‬قال‪ :‬يا باذر وهل يكب الناس على مناخرهم‬
‫في النار إل حصائد ألسنتهم‪ ،‬إنك ل تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب‬
‫لك أو عليك‪ .‬يا أبا ذر إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها‬
‫فيهوى في جهنم ما بين السماء والرض‪ .‬يا أبا ذر ويل للذي يحدث فيكذب‬
‫ليضحك به القوم ويل له ويل له ]ويل له[‪ .‬يا أبا ذر من صمت نجا فعليك‬
‫بالصدق ول تخرجن من فيك كذبة أبدا‪ ،‬قلت‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " أقوالكم "‪.‬‬

‫]‪[89‬‬

‫يا رسول ال فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا ؟ فقال‪ :‬الستغفار وصلوات الخمس‬
‫تغسل ذلك‪ .‬يا أبا ذر إياك والغيبة فان الغيبة أشد من الزنا‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول‬
‫ال ولم ذاك بأبي أنت وامي ؟ قال‪ :‬لن الرجل يزني فيتوب إلى ال فيتوب‬
‫ال عليه‪ ،‬والغيبة ل تغفر حتى يغفرها صاحبها‪ .‬يا أبا ذر سباب المسلم‬
‫فسوق‪ ،‬وقتاله كفر‪ ،‬وأكل لحمه من معاصي ال‪ ،‬وحرمة ماله كحرمة دمه‪،‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال وما الغيبة ؟ قال‪ :‬ذكرك أخاك بما يكره‪ ،‬قلت يا رسول‬
‫ال فان كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال‪ :‬اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه‬
‫فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته‪ .‬يا أبا ذر من ذب عن أخيه‬
‫المسلم الغيبة كان حقا على ال عزوجل أن يعتقه من النار‪ .‬يا أبا ذر من‬
‫اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره ال عزوجل‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬فان خذله وهو يستطيع نصره خذله ال في الدنيا‬
‫والخرة‪ .‬يا أبا ذر ل يدخل الجنة قتات‪ ،‬قلت‪ :‬وما القتات ؟ قال‪ :‬النمام‪ .‬يا‬
‫أبا ذر صاحب النميمة ل يستريح من عذاب ال عزوجل في الخرة‪ .‬يا أبا‬
‫ذر من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذولسانين في النار‪ .‬يا أبا ذر‬
‫المجالس بالمانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس‬
‫العشيرة‪ .‬يا أبا ذر تعرض أعمال أهل الدنيا على ال من الجمعة إلى الجمعة‬
‫في يومين الثنين والخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إل عبدا كان بينه وبين‬
‫أخيه شحناء )‪ (1‬فقال‪ :‬اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا‪ .‬يا أبا ذر إياك‬
‫وهجران أخيك فان العمل ل يتقبل من الهجران‪.‬‬

‫)‪ (1‬الشحناء‪ :‬العداوة امتلئت منها النفس‪.‬‬


‫]‪[90‬‬

‫يا أبا ذر أنهاك عن الهجران وإن كنت لبد فاعل فل تهجره فوق ثلثة أيام ]كمل[‬
‫فمن مات فيها مهاجرا لخيه كانت النار أولى به‪ .‬يا أبا ذر من أحب أن‬
‫يتمثل له الرجال قياما )‪ (1‬فليتبوأ مقعده من النار‪ .‬يا أبا ذر من مات وفي‬
‫قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إل أن يتوب قبل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول ال إنى ليعجبني الجمال حتى وددت أن علقة سوطي وقبال نعلي‬
‫حسن فهل يرهب على ذلك ؟ قال‪ :‬كيف تجد قلبك ؟ قال‪ :‬أجده عارفا للحق‬
‫مطمئنا إليه‪ ،‬قال‪ :‬ليس ذلك بالكبر ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى‬
‫غيره وتنظر إلى الناس ول ترى أن أحدا عرضه كعرضك ول دمه كدمك‪ .‬يا‬
‫أبا ذر أكثر من يدخل النار المستكبرون فقال رجل‪ :‬وهل ينجو من الكبر‬
‫أحد يا رسول ال ؟ قال‪ :‬نعم من لبس الصوف وركب الحمار وحلب العنز )‬
‫‪ (2‬وجالس المساكين‪ .‬يا أبا ذر من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر‪ ،‬يعني‬
‫ما يشتري من السوق‪ .‬يا أبا ذر من جر ثوبه خيلء لم ينظر ال عزوجل‬
‫إليه يوم القيامة‪ .‬يا أبا ذر أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ول جناح عليه‬
‫فيما بينه وبين كعبيه‪ .‬يا أبا ذر من رفع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد‬
‫برئ من الكبر‪ .‬يا أبا ذر من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليلبس الخر‬
‫أخاه‪ .‬يا أبا ذر سيكون ناس من امتي يولدون في النعيم ويغذون به‪ ،‬همتهم‬
‫ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول أولئك شرار امتي‪ .‬يا أبا ذر من‬
‫ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا ل عزوجل فقد كساه حلة‬
‫الكرامة‪ .‬يا أبا ذر طوبى لمن تواضع ل تعالى في غير منقصة وأذل نفسه‬
‫في غير مسكنة وأنفق ما ل جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل‬
‫والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة‬

‫)‪ (1‬مثل بين يديه مثول‪ :‬انتصب قائما‪ (2) .‬في المصدر " حلب الشاة "‪.‬‬

‫]‪[91‬‬

‫طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علنيته وعزل عن الناس شره‪ ،‬طوبى لمن‬
‫عمل بعلمه‪ ،‬وأنفق الفضل من ماله‪ ،‬وأمسك الفضل من قوله‪ .‬يا أبا ذر‬
‫البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب )‪ (1‬لئل يجد الفخر فيك‬
‫مسلكا‪ .‬يا أبا ذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم‬
‫وشتائهم يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم اولئك تلعنهم ملئكة‬
‫السماوات والرض‪ .‬يا أبا ذر أل اخبرك بأهل الجنة ؟ قلت‪ :‬بلى يا رسول‬
‫ال ؟ قال‪ :‬كل أشعث أغبر ذي طمرين ل يؤبه به )‪ (2‬لو أقسم على ال‬
‫لبره‪ .‬أقول‪ :‬وجدت في بعض نسخ المالي وكانت مصححة قديمة أمل‬
‫علينا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن قدس ال روحه يوم الجمعة الرابع‬
‫من المحرم سنة سبع وخمسين وأربعمائة‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا جماعة عن أبي‬
‫المفضل وساق الحديث إلى آخره‪ .‬ورواه الشيخ في أماليه )‪ (3‬عن جماعة‬
‫عن أبي المفضل قال‪ :‬حدثنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائي الكاتب )‬
‫‪ (4‬سنة أربع عشرة وثلثمائة ‪ -‬وفيها مات ‪ -‬عن محمد ابن الحسن بن‬
‫شمون‪ ،‬عن عبد ال بن عبد الرحمن الصم‪ ،‬عن الفضيل بن يسار‪ ،‬عن‬
‫وهب ابن عبد ال بن أبي ذبى الهنائي‪ ،‬عن أبي الحرب بن أبي السود‬
‫الديلي مثله‪ .‬ورواه الورام في جامعه )‪ (5‬أيضا‪.‬‬

‫)‪ (1‬ثوب صفيق‪ :‬كثيف نسجه‪ (2) .‬أي ل يلتفت إليه ول يعتد به‪ .‬والطمر ‪ -‬بالكسر‬
‫‪ -‬الثوب الخلق‪ (3) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .138‬العبرتائى بالعين المهملة‬
‫المفتوحة والباء الموحدة والراء المهملة والتاء المثناة فوق‪ .‬والكاتب كذا‬
‫في )جشن وصه( بخط المصنف وفى هامش جامع الرواة قال وفى نسخة‬
‫من " صه " للشهيد الثاني " كايب بن يحيى " وضبطه بالباء بعد الياء‪.‬‬
‫)‪ (5‬تنبيه الخواطر ج ‪ 2‬ص ‪.51‬‬

‫]‪[92‬‬

‫* )باب ‪) " * * (5‬وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى عبد ال بن مسعود( " *‬
‫‪ - 1‬مكا )‪ :(1‬عن عبد ال بن مسعودقال‪ :‬دخلت أنا وخمسة رهط من‬
‫أصحابنا يوما على رسول ال صلى ال عليه وآله وقد أصابتنا مجاعة‬
‫شديدة ولم يكن ذقنا منذ أربعة أشهر إل الماء واللبن وورق الشجر‪ ،‬قلنا‪:‬‬
‫يا رسول ال إلى متى نحن على هذه المجاعة الشديدة ؟ قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تزالون فيها ما عشتم فأحدثوا ل شكرا فإني قرأت‬
‫كتاب ال الذي أنزل علي وعلى من كان قبلي فما وجدت من يدخلون الجنة‬
‫إل الصابرون‪ .‬يا ابن مسعود قال ال تعالى‪ " :‬إنما يوفى الصابرون أجرهم‬
‫بغير حساب " )‪ " (2‬اولئك يجزون الغرفة بما صبروا " )‪ " (3‬إني‬
‫جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " )‪ .(4‬يا ابن مسعود قول ال‬
‫تعالى‪ " :‬وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " )‪ " (5‬اولئك يؤتون أجرهم‬
‫مرتين بما صبروا " )‪ (6‬يقول ال تعالى‪ " :‬أم حسبتم أن تدخلوا الجنة‬
‫ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء " )‪" (7‬‬
‫ولنبلونكم‬

‫عبد ال بن مسعود من أصحاب النبي صلى ال عليه وآله بجله وأطراه قوم و‬
‫جرحه آخرون‪ (1) .‬مكارم الخلق ص ‪ (2) .519‬الزمر‪ .14 :‬وقوله "‬
‫بغير حساب " أي ل يهتدى إليه حساب الحساب‪ (3) .‬الفرقان‪.75 :‬‬
‫والغرفة أعلى درجات الجنة وذلك بما صبروا من المشاق‪(4) .‬‬
‫المؤمنون‪ (5) .113 :‬الدهر‪ .12 :‬أي بما صبروا على أداء الواجبات‬
‫واجتناب المحرمات " جنة " أي بستانا و " حريرا " يلبسونه‪(6) .‬‬
‫القصص‪ (7) .54 :‬البقرة‪ .213 :‬قوله " لما " اصله " لم " وزيدت "‬
‫ما " وفيها توقع‪ .‬والبأساء‪ :‬الفقر والضراء‪ :‬الوجع‪.‬‬

‫]‪[93‬‬

‫بشئ من الخوف والجوع ونقص من الموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين "‬
‫)‪ (1‬قلنا‪ :‬يا رسول ال فمن الصابرون ؟ قال صلى ال عليه وآله‪ :‬الذين‬
‫يصبرون على طاعة ال وعن معصيته الذين كسبوا طيبا وأنفقوا قصدا‬
‫وقدموا فضل فأفلحوا وأنجحوا‪ .‬يا ابن مسعود عليهم الخشوع والوقار‬
‫والسكينة والتفكر واللين والعدل والتعليم والعتبار والتدبير والتقوى‬
‫والحسان والتحرج )‪ (2‬والحب في ال والبغض في ال وأداء المانة‬
‫والعدل في الحكم وإقامة الشهادة ومعاونة أهل الحق والبغية على المسئ )‬
‫‪ (3‬والعفو لمن ظلم‪ .‬يا ابن مسعود إذا ابتلوا صبروا‪ ،‬وإذا اعطوا شكروا‪،‬‬
‫وإذا حكموا عدلوا وإذا قالوا صدقوا‪ ،‬وإذا عاهدوا وفوا‪ ،‬وإذا أساؤا‬
‫استغفروا‪ ،‬وإذا أحسنوا استبشروا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما‪،‬‬
‫وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ويقولون‬
‫للناس حسنا‪ .‬يا ابن مسعود والذي بعثني بالحق إن هؤلء هم الفائزون‪ .‬يا‬
‫ابن مسعود " فمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه " فان‬
‫النور إذا وقع في القلب انشرح وانفسح‪ ،‬فقيل يا رسول ال فهل لذلك من‬
‫علمة ؟ " قال‪ :‬نعم التجافي عن دار الغرور‪ ،‬والنابة إلى دار الخلود‪،‬‬
‫والستعداد للموت قبل نزول الفوت‪ .‬فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها‬
‫وتركها لهلها‪ .‬يا ابن مسعود قول ال تعالى " ليبلوكم أيكم أحسن عمل "‬
‫)‪ (4‬يعني أيكم أزهد في الدنيا‪ ،‬إنها دار الغرور ودار من ل دار له‪ .‬ولها‬
‫يجمع من ل عقل له‪ .‬إن‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .155 :‬التحرج‪ :‬التجنب‪ (3) .‬بغى يبغى بغاء ‪ -‬بضم الباء وبغيا ‪-‬‬
‫بفتحها ‪ -‬وبغى وبغية ‪ -‬بالضم ‪ -‬وبغية ‪ -‬بالكسر ‪ -‬عليه تعدى وجنى‬
‫واستطال عليه وظلمه‪ (4) .‬هود‪ .7 :‬الملك‪.2 :‬‬

‫]‪[94‬‬

‫أحمق الناس من طلب الدنيا‪ .‬قال ال تعالى‪ " :‬اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو‬
‫وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد كمثل غيث أعجب الكفار‬
‫نباته ثم يهيج فتريه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الخرة عذاب شديد " )‬
‫‪ (1‬قال ال تعالى " وآتيناه الحكم صبيا " )‪ (2‬يعني الزهد في الدنيا وقال‬
‫ال تعالى لموسى يا موسى إنه لن يتزين المتزينون بزينة أزين في عيني‬
‫مثل الزهد‪ ،‬يا موسى إذا رأيت الفقر مقبل فقل مرحبا بشعار الصالحين‪،‬‬
‫وإذا رأيت الغنى مقبل فقل ذنب عجلت عقوبته‪ .‬يا ابن مسعود قول ال‬
‫تعالى " ولول أن يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن‬
‫لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا و سررا‬
‫عليها يتكؤن * وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحيوة الدنيا والخرة عند‬
‫ربك للمتقين " )‪ (3‬وقوله‪ " :‬من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء‬
‫لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا * ومن أراد الخرة‬
‫وسعى لها سعيها و هو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا " )‪ .(4‬يا ابن‬
‫مسعود من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات‪ ،‬ومن خاف النار ترك‬
‫الشهوات‪ ،‬ومن ترقب الموت أعرض عن اللذات‪ ،‬ومن زهد في الدنيا هانت‬
‫عليه المصيبات‪ .‬يا ابن مسعود قوله تعالى " زين للناس حب الشهوات من‬
‫النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة ‪-‬‬
‫الية " )‪ .(5‬يا ابن مسعود إن ال اصطفى موسى بالكلم والمناجاة حين‬
‫ترى خضرة البقل من بطنه من هزاله )‪ (6‬وما سأل موسى حين تولى إلى‬
‫الظل إل طعاما‬

‫)‪ (1‬الحديد‪ (2) .19 :‬مريم‪ (3) .13 :‬الزخرف‪ (4) .34 - 32 :‬السراء‪ 19 :‬و‬
‫‪ (5) .20‬آل عمران‪ (6) .12 :‬الهزال‪ :‬قلة اللحم والشحم‪ ،‬نقيض السمن‪.‬‬

‫]‪[95‬‬

‫يأكله من جوع‪ .‬يا ابن مسعود إن شئت نبأتك بأمر نوح نبي ال عليه السلم إنه‬
‫عاش ألف سنة إل خمسين عاما يدعو إلى ال‪ ،‬فكان إذا أصبح قال‪ :‬ل‬
‫امسي وإذا أمسى قال‪ :‬ل اصبح فكان لباسه شعر وطعامه الشعير وإن‬
‫شئت نبأتك بأمر داود عليه السلم خليفة ال في الرض وكان لباسه الشعر‬
‫وطعامه الشعير‪ .‬وإن شئت نبأتك بأمر سليمان عليه السلم مع ما كان فيه‬
‫من الملك‪ ،‬كان يأكل الشعير ويطعم الناس الحوارى )‪ (1‬وكان لباسه الشعر‬
‫وكان إذا جنه الليل شد يده إلى عنقه فل يزال قائما يصلي حتى يصبح‪ ،‬وإن‬
‫شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمن عليه السلم كان لباسه الصوف‬
‫وطعامه الشعير‪ .‬وإن شئت نبأتك بأمر يحيى عليه السلم كان لباسه الليف‬
‫وكان يأكل ورق الشجر‪ ،‬وإن شئت نبأتك بأمر عيسى بن مريم عليهما‬
‫السلم وهو العجب كان يقول‪ :‬إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي‬
‫الصوف ودابتي رجلي وسراجي بالليل القمر وصلي )‪ (2‬في الشتاء‬
‫مشارق الشمس وفاكهتي وريحانتي بقول الرض مما يأكل الوحوش‬
‫والنعام‪ ،‬وأبيت وليس لي شئ واصبح وليس لي شئ وليس على وجه‬
‫الرض أحد أغنى مني‪ .‬يا ابن مسعود كل هذا منهم يبغضون ما أبغض ال‬
‫ويصغرون ما صغر ال ويزهدون ما أزهد ال‪ ،‬وقد أثنى ال عليهم في‬
‫محكم كتابه فقال لنوح‪ " :‬إنه كان عبدا شكورا " )‪ (3‬وقال لبراهيم‪" :‬‬
‫اتخذ ال إبراهيم خليل " )‪ (4‬وقال لداود‪ " :‬إنا جعلناك خليفة في الرض‬
‫" )‪ (5‬وقال لموسى‪ " :‬وكلم ال موسى تكليما " )‪ (6‬وقال أيضا لموسى‬
‫عليه السلم‪ " :‬وقربناه نجيا " )‪ (7‬وقال ليحيى عليه السلم‪ " :‬وآتيناه‬
‫الحكم‬

‫)‪ (1‬الحوارى ‪ -‬بالضم وتشديد الواو المفتوحة‪ :‬الدقيق البيض‪ (2) .‬في المصدر "‬
‫اصطلئي في الشتاء " وصلى بالنار واصطلى استدفأ بها‪ (3) .‬السراء‪:‬‬
‫‪ (4) .3‬النساء‪ (5) .124 :‬ص‪ (6) .25 :‬النساء‪ (7) .164 :‬مريم‪.53 :‬‬

‫]‪[96‬‬

‫صبيا " )‪ (1‬وقال لعيسى عليه السلم‪ " :‬يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك‬
‫وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهل ‪ -‬إلى قوله‬
‫‪ -‬وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني " )‪ (2‬وقال‪ " :‬إنهم كانوا‬
‫يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " )‪ .(3‬يا‬
‫ابن مسعود كل ذلك لما خوفهم ال في كتابه من قوله‪ " :‬إن جهنم‬
‫لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم " )‪ (4‬قال‬
‫ال تعالى‪ " :‬وجئ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم ل يظلمون‬
‫" )‪ .(5‬يا ابن مسعود النار لمن ركب محرما والجنة لمن ترك الحلل‪،‬‬
‫فعليك بالزهد فإن ذلك مما يباهي ال به الملئكة‪ ،‬وبه يقبل ]ال[ عليك‬
‫بوجهه ويصلي عليك الجبار‪ .‬يا ابن مسعود سيأتي من بعدي أقوام يأكلون‬
‫طيب الطعام وألوانها ويركبون الدواب ويتزينون بزينة المرأة لزوجها‬
‫ويتبرجون تبرج النساء وزيهن مثل زي الملوك الجبابرة وهم منافقوا هذه‬
‫المة في آخر الزمان شاربون بالقهوات لعبون بالكعاب )‪ (6‬راكبون‬
‫الشهوات‪ ،‬تاركون الجماعات‪ ،‬راقدون عن العتمات )‪ (7‬مفرطون في‬
‫العدوات يقول ال تعالى " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلة واتبعوا‬
‫الشهوات فسوف يلقون غيا " )‪ .(8‬يا ابن مسعود مثلهم مثل الدفلي )‪(9‬‬
‫زهرتها حسنة وطعمها مر‪ ،‬كلمهم الحكمة‬

‫)‪ (1‬مريم‪ (2) .13 :‬المائدة ‪ (3) .109‬النبياء‪ (4) .90 :‬الحجر‪ 43 :‬و ‪(5) .44‬‬
‫الزمر‪ (6) .69 :‬القهوات جمع قهوة والمراد بها هنا الخمر ظاهرا‬
‫والكعاب بالكسر خصوص النرد‪ ،‬وفى بعض النسخ " شاربوا القهوات "‪.‬‬
‫)‪ (7‬يعنى لم يصلوا العتمة وينامون عنها‪ (8) .‬مريم‪ (9) .6 :‬مر معناه‬
‫سابقا أنه بالفارسية خر زهرة‪.‬‬

‫]‪[97‬‬

‫وأعمالهم داء ل يقبل الدواء " أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "‪ .‬يا ابن‬
‫مسعود ما يغني من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النار " يعلمون ظاهرا من‬
‫الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون "‪ .‬يبنون الدور ويشيدون‬
‫القصور ويزخرفون المساجد وليست همتهم إل الدنيا‪ ،‬عاكفون عليها‪،‬‬
‫معتمدون فيها‪ ،‬آلهتهم بطونهم قال ال تعالى‪ " :‬وتتخذون مصانع لعلكم‬
‫تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا ال وأطيعون " )‪ (1‬قال‬
‫ال تعالى‪ " :‬أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله ال على علم وختم على‬
‫سمعه وقلبه ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬أفل تذكرون " )‪ (2‬وما هو إل منافق جعل دينه‬
‫هواه وإلهه بطنه كلما اشتهى من الحلل والحرام لم يمتنع منه قال ال‬
‫تعالى " وفرحوا بالحيوة الدنيا وما الحيوة الدنيا في الخرة إل متاع " )‬
‫‪ .(3‬يا ابن مسعود محاريبهم )‪ (4‬نساؤهم وشرفهم الدراهم والدنانير‬
‫وهمتهم بطونهم اولئك ]هم[ شر الشرار الفتنة معهم وإليهم يعود‪ .‬يا ابن‬
‫مسعود قول ال تعالى " أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا‬
‫يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " )‪ .(5‬يا ابن مسعود أجسادهم‬
‫ل تشبع‪ ،‬وقلوبهم ل تخشع‪ .‬يا ابن مسعود السلم بدء غريبا وسيعود‬
‫غريبا كما بدء‪ ،‬فطوبى للغرباء‪ ،‬فمن أدرك ذلك الزمان من أعقابكم فل‬
‫تسلموا في ناديهم‪ ،‬ول تشيعوا جنائزهم‪ ،‬ول تعودوا مرضاهم‪ ،‬فانهم‬
‫يستنون بسنتكم‪ ،‬ويظهرون بدعواكم‪ ،‬ويخالفون أفعالكم فيموتون على غير‬
‫ملتكم اولئك ليسوا مني‪ ،‬ول أنا منهم‪ ،‬فل تخافن أحدا غير ال فان ال‬
‫تعالى يقول‪ " :‬أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " )‬
‫‪(6‬‬

‫)‪ (1‬الشعراء‪ (2) .131 - 129 :‬الجاثية‪ (3) .22 :‬الرعد‪ (4) .26 :‬المحاريب‪:‬‬
‫جمع محراب‪ (5) .‬الشعراء‪ (6) .207 - 205 :‬النساء ‪.78‬‬

‫]‪[98‬‬

‫ويقول‪ " :‬يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ‪-‬‬
‫إلى قوله ‪ -‬وغركم بال الغرور * فاليوم ل تؤخذ منكم فدية ول من الذين‬
‫كفروا مأويكم النار هي موليكم وبئس المصير " )‪ .(1‬يا ابن مسعود عليهم‬
‫لعنة ال مني‪ ،‬ومن جميع المرسلين‪ ،‬والملئكة المقربين وعليهم غضب‬
‫ال وسوء الحساب في الدنيا والخرة‪ ،‬وقال ال تعالى‪ " :‬لعن الذين كفروا‬
‫من بني إسرائيل ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ولكن كثيرا منهم فاسقون " )‪ .(2‬يا ابن‬
‫مسعود اولئك يظهرون الحرص الفاحش‪ ،‬والحسد الظاهر‪ ،‬ويقطعون‬
‫الرحام‪ ،‬ويزهدون في الخير قال ال تعالى‪ " :‬الذين ينقضون عهد ال من‬
‫بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون في الرض اولئك‬
‫لهم اللعنة ولهم سوء الدار " )‪ (3‬ويقول ال تعالى‪ " :‬مثل الذين حملوا‬
‫التورية ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " )‪ .(4‬يا ابن مسعود‬
‫يأتي على الناس زمان الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفه‪.‬‬
‫يقول لذلك الزمان إن كان في ذلك الزمان ذئبا وإل أكلته الذئب )‪ .(5‬يا ابن‬
‫مسعود علماؤهم وفقهاؤهم خونة‪ ،‬فجرة‪ ،‬أل إنهم أشرار خلق ال وكذلك‬
‫أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق‬
‫ال‪ ،‬يدخلهم نار جهنم " صم بكم عمي فهم ل يرجعون " )‪" (6‬‬
‫ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم عميا وبكما وصما مأويهم جهنم كلما‬
‫خبت زدناهم سعيرا " )‪ " (7‬كلما نضجت جلودهم‬

‫)‪ (1‬الحديد‪ 14 :‬و ‪ (2) .15‬المائدة‪ (3) .84 - 82 :‬الرعد‪ (4) .25 :‬الجمعة‪) .5 :‬‬
‫‪ (5‬كذا‪ (6) .‬البقرة‪ (7) .17 :‬السراء‪ :97 :‬والخبوت‪ :‬سكون النار‪(*) .‬‬

‫]‪[99‬‬

‫بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " )‪ " (1‬وإذا القوا فيها سمعوا لها شهيقا‬
‫وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ " )‪ " (2‬كلما أرادوا أن يخرجوا منها‬
‫من غم اعيدوا فيها و ]قيل لهم[ ذوقوا عذاب الحريق " )‪ " (3‬لهم فيها‬
‫زفير وهم فيها ل يسمعون " )‪ (4‬يدعون أنهم على ديني وسنتي ومنهاجي‬
‫وشرايعي أنهم مني براء وأنا منهم برئ‪ .‬يا ابن مسعود ل تجالسوهم في‬
‫المل ول تبايعوهم في السواق ول تهدوهم الطريق ول تسقوهم الماء قال‬
‫ال تعالى‪ " :‬من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها‬
‫وهم فيها ل يبخسون ‪ -‬الية " )‪ (5‬يقول ال تعالى‪ " :‬من كان يريد حرث‬
‫الدنيا نؤته منها وماله في الخرة من نصيب " )‪ .(6‬يا ابن مسعود ما بلوا‬
‫امتي بينهم العداوة والبغضاء والجدال اولئك أذلء هذه المة في دنياهم‬
‫والذي بعثني بالحق ليخسفن ال بهم ويمسخهم قردة وخنازير‪ .‬قال‪ :‬فبكى‬
‫رسول ال وبكينا لبكائه وقلنا‪ :‬يا رسول ال ما يبكيك قال رحمة للشقياء‬
‫يقول ال تعالى‪ " :‬ولو ترى إذ فزعوا فل فوت واخذوا من مكان قريب " )‬
‫‪ (7‬يعني العلماء والفقهاء‪ .‬يا ابن مسعود من تعلم العلم يريد به الدنيا وآثر‬
‫عليه حب الدنيا وزينتها استوجب سخط ال عليه وكان في الدرك السفل‬
‫من النار مع اليهود والنصارى الذين نبذوا كتاب ال تعالى قال ال تعالى‪:‬‬
‫" فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين " )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪ 55 :‬وقوله تعالى " نضجت " أي احترقت‪ (2) .‬الملك‪ 6 :‬و ‪7‬‬
‫والشهيق‪ :‬الصوت المنكر كصوت الحمار‪ .‬وهى تفور أي تغلى‪ " .‬تكاد‬
‫تميز " أي تتقطع‪ (3) .‬الحج‪ (4) .22 :‬النبياء‪ 100 :‬وقوله " زفير "‬
‫صوت كصوت الحمار والمراد شدة تنفسهم‪ (5) .‬هود‪(6) .15 :‬‬
‫الشورى‪ (7) .19 :‬السبأ‪ (8) .50 :‬البقرة‪.84 :‬‬

‫]‪[100‬‬

‫يا ابن مسعود من تعلم القرآن للدنيا وزينتها حرم ال عليه الجنة‪ .‬يا ابن مسعود من‬
‫تعلم العلم ولم يعمل بما فيه حشره ال يوم القيامة أعمى‪ ،‬ومن تعلم العلم‬
‫رياء وسمعة يريد به الدنيا نزع ال بركته وضيق عليه معيشته ووكله ال‬
‫إلى نفسه ومن وكله ال إلى نفسه فقد هلك قال ال تعالى‪ " :‬من كان‬
‫يرجوا لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة ربه أحدا " )‪ .(1‬يا‬
‫ابن مسعود فليكن جلساؤك البرار وإخوانك التقياء والزهاد لن ال تعالى‬
‫قال في كتابه " الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين " )‪ .(2‬يا‬
‫ابن مسعود اعلم أنهم يرون المعروف منكرا والمنكر معروفا ففي ذلك‬
‫يطبع ال على قلوبهم فل يكون فيهم الشاهد بالحق ول القوامون بالقسط‪،‬‬
‫قال ال تعالى " كونوا قوامين بالقسط شهداء ل ولو على أنفسكم أو‬
‫الوالدين والقربين " )‪ .(3‬يا ابن مسعود يتفاضلون بأحسابهم وأموالهم‬
‫يقول ال تعالى‪ " :‬وما لحد عنده من نعمة تجزى * إل ابتغاء وجه ربه‬
‫العلى * ولسوف يرضى " )‪ .(4‬يا ابن مسعود عليك بخشية ال وأداء‬
‫الفرائض فانه يقول‪ " :‬هو أهل التقوى وأهل المغفرة " )‪ (5‬ويقول‪" :‬‬
‫رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " )‪ .(6‬يا ابن مسعود دع‬
‫عنك ما ل يعنيك وعليك بما يغنيك فان ال تعالى يقول‪ " :‬لكل امرئ منهم‬
‫يومئذ شأن يغنيه " )‪ .(7‬يا ابن مسعود إياك أن تدع طاعة وتقصد معصية‬
‫شفقة على أهلك لن ال‬

‫)‪ (1‬الكهف‪ (2) .110 :‬الزخرف‪ .67 :‬والخلء‪ :‬الحباء‪ (3) .‬النساء‪.134 :‬‬
‫قوامين أي دائمين على القيام بالعدل‪ (4) .‬الليل‪ (5) .21 - 19 :‬المدثر‪:‬‬
‫‪ (6) .55‬البينة‪ (7) .8 :‬عبس‪.37 :‬‬

‫]‪[101‬‬
‫تعالى يقول‪ " :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول‬
‫مولود هو جاز عن والده شيئا * إن وعد ال حق فل تغرنكم الحيوة الدنيا‬
‫ول يغرنكم بال الغرور " )‪ .(1‬يا ابن مسعود احذر الدنيا ولذاتها‬
‫وشهواتها وزينتها وأكل الحرام والذهب والفضة والمراكب والنساء‬
‫والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والنعام والحرث ذلك متاع‬
‫الحيوة الدنيا وال عنده حسن المآب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين‬
‫اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وأزواج مطهرة‬
‫ورضوان من ال وال بصير بالعباد‪ .(2) .‬يا ابن مسعود ل تغترن بال ول‬
‫تغترن بصلتك وعملك وبرك وعبادتك‪ .‬يا ابن مسعود إذا تلوت كتاب ال‬
‫تعالى فأتيت على آية فيها أمر ونهي فرددها نظرا واعتبارا فيها ول تسه‬
‫عن ذلك فان نهيه يدل على ترك المعاصي وأمره يدل على عمل البر‬
‫والصلح فان ال تعالى يقول‪ " :‬فكيف إذا جمعناهم ليوم ل ريب فيه‬
‫ووفيت كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون " )‪ .(3‬يا ابن مسعود ل تحقرن‬
‫ذنبا ول تصغرنه واجتنب الكبائر فان العبد إذا نظر يوم القيامة إلى ذنوبه‬
‫دمعت عيناه قيحا ودما يقول ال تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من‬
‫خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " )‪.(4‬‬
‫يا ابن مسعود إذا قيل لك اتق ال فل تغضب فانه يقول‪ " :‬وإذا قيل له اتق‬
‫ال أخذته العزة بالثم فحسبه جهنم " )‪ .(5‬يا ابن مسعود قصر أملك فإذا‬
‫أصبحت فقل‪ :‬إني ل امسي وإذا أمسيت فقل إني ل اصبح‪ ،‬واعزم على‬
‫مفارقة الدنيا وأحب لقاء ال ول تكره لقاءه فان ال‬

‫)‪ (1‬لقمان‪ 32 :‬و ‪ .33‬والغرور بفتح الغين والمراد به الشيطان‪ (2) .‬مأخوذة من‬
‫آل عمران‪ 12 :‬و ‪ (3) .13‬آل عمران‪ (4) .24 :‬آل عمران‪(5) .28 :‬‬
‫البقرة‪.202 :‬‬

‫]‪[102‬‬

‫يحب لقاء من أحب لقاءه ويكره لقاء من يكره لقاءه‪ .‬يا ابن مسعود ل تغرس‬
‫الشجار ول تجري النهار )‪ (1‬ول تزخرف البنيان ول تتخذ الحيطان‬
‫والبستان فان ال يقول‪ " :‬الهيكم التكاثر " )‪ .(2‬يا ابن مسعود والذي‬
‫بعثني بالحق ليأتي على الناس زمان يستحلون الخمر يسمونه النبيذ عليهم‬
‫لعنة ال والملئكة والناس أجمعين‪ ،‬أنا منهم برئ وهم مني برآء‪ .‬يا ابن‬
‫مسعود الزاني بامه أهون عند ال ممن يدخل في ماله من الربا مثقال حبة‬
‫من خردل‪ ،‬ومن شرب المسكر قليل أو كثيرا فهو أشد عند ال من آكل‬
‫الربا لنه مفتاح كل شر‪ .‬يا ابن مسعود اولئك يظلمون البرار ويصدقون‬
‫الفجار والفسقة‪ ،‬الحق عندهم باطل والباطل عندهم حق‪ ،‬هذا كله للدنيا‬
‫وهم يعلمون أنهم على غير الحق ولكن زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم‬
‫عن السبيل فهم ل يهتدون‪ .‬رضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم‬
‫عن آياتنا غافلون اولئك مأويهم النار بما كانوا يكسبون‪ .‬يا ابن مسعود قال‬
‫ال تعالى من رد عن ذكري وذكر الخرة )‪ " (3‬نقيض له شيطانا فهو له‬
‫قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا‬
‫جاءنا قال‪ :‬يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " )‪ .(4‬يا ابن‬
‫مسعود إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي فرائض ال قال ال تعالى "‬
‫فاتخذتموهم سخريا حتى آنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني‬
‫جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " )‪ .(5‬ابن مسعود احذر سكر‬
‫الخطيئة فان للخطيئة سكرا كسكر الشراب بل هي‬

‫)‪ (1‬أي لكثار الثروة ل مطلقا‪ (2) .‬التكاثر‪ (3) .1 :‬كذا وفى المصدر " ومن يعش‬
‫عن ذكر الرحمن نقيض ‪ -‬الية " أي ومن يعرض عن القرآن‪(4) .‬‬
‫الزخرف ‪ .37 - 35‬وقوله " نقيض " أي نهيئ‪ ،‬وقيض ال فلنا لفلن‬
‫أي أتاحه‪ (5) .‬المؤمنون ‪ 112‬و ‪.113‬‬

‫]‪[103‬‬

‫أشد سكرا منه يقول ال تعالى‪ " :‬صم بكم عمي فهم ل يرجعون " )‪ (1‬ويقول‪" :‬‬
‫إنا جعلنا ما على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل * وإن‬
‫لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " )‪ .(2‬يا ابن مسعود الدنيا ملعونة ملعون‬
‫من فيها‪ ،‬ملعون من طلبها وأحبها ونصب لها وتصديق ذلك في كتاب ال‬
‫تعالى " كل من عليها فان ويبقى * وجه ربك ذو الجلل والكرام " )‪،(3‬‬
‫وقوله " كل شئ هالك إل وجهه " )‪ .(4‬يا ابن مسعود إذا عملت عمل‬
‫فاعمل ل خالصا لنه ل يقبل من عباده العمال إل ما كان خالصا فانه‬
‫يقول " وما لحد عنده من نعمة تجزى * إل ابتغاء وجه ربه العلى *‬
‫ولسوف يرضى " )‪ .(5‬يا ابن مسعود دع نعيم الدنيا وأكلها وحلوتها‪،‬‬
‫وحارها وباردها‪ ،‬ولينها‪ ،‬و طيبها‪ ،‬وألزم نفسك الصبر عنها فانك مسؤول‬
‫عن ذلك كله قال ال تعالى‪ " :‬ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم " )‪ .(6‬يا ابن‬
‫مسعود فل تلهينك الدنيا وشهواتها فان ال تعالى يقول‪ " :‬أفحسبتم أنما‬
‫خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون " )‪ .(7‬يا ابن مسعود إذا عملت عمل‬
‫من البر وأنت تريد بذلك غير ال فل ترج بذلك منه ثوابا فانه يقول " فل‬
‫نقيم لهم يوم القيمة وزنا " )‪ .(8‬يا ابن مسعود إذا مدحك الناس فقالوا‪:‬‬
‫إنك تصوم النهار وتقوم الليل وأنت على غير ذلك فل تفرح بذلك فان ال‬
‫تعالى يقول‪ " :‬ل تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم‬
‫يفعلوا فل تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " )‪.(9‬‬
‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .17 :‬الكهف‪ 6 :‬و ‪ (3) .7‬الرحمن ‪ 26‬و ‪ (4) .27‬القصص‪) .88 :‬‬
‫‪ (5‬الليل‪ (6) .21 - 19 :‬التكاثر‪ (7) .8 :‬المؤمنون‪ (8) .115 :‬الكهف‪:‬‬
‫‪ (9) .105‬آل عمران‪ ،185 :‬والمفازة‪ :‬المنجاة أي فائزين بالنجاة‪.‬‬

‫]‪[104‬‬

‫يا ابن مسعود أكثر من الصالحات والبر‪ ،‬فان المحسن والمسئ يندمان يقول‬
‫المحسن‪ :‬ياليتني ازددت من الحسنات ويقول المسئ‪ :‬قصرت‪ ،‬وتصديق‬
‫ذلك قوله قوله تعالى " ول اقسم بالنفس اللوامة " )‪ .(1‬يا ابن مسعود ل‬
‫تقدم الذنب ول تؤخر التوبة ولكن قدم التوبة وأخر الذنب فان ال تعالى‬
‫يقول في كتابه " بل يريد النسان ليفجر أمامه " )‪ .(2‬يا ابن مسعود إياك‬
‫أن تسن سنة بدعة فان العبد إذا سن سنة سيئة لحقه وزرها ووزر من‬
‫عمل بها قال ال تعالى‪ " :‬ونكتب ما قدموا وآثارهم " )‪ (3‬وقال سبحانه "‬
‫ينبؤا النسان يؤمئذ بما قدم وأخر " )‪ .(4‬يا ابن مسعود ل تركن إلى الدنيا‬
‫ول تطمئن إليها فستفارقها عن قليل‪ ،‬فان ال تعالى يقول‪ " :‬فأخرجناهم‬
‫من جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " )‪ .(5‬يا ابن مسعود اذكر‬
‫القرون الماضية والملوك الجبابرة الذين مضوا فان ال يقول " وعادا‬
‫وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا " )‪ .(6‬يا ابن مسعود انظر‬
‫أن تدع الذنب )‪ (7‬سرا وعلنية‪ ،‬صغيرا وكبيرا‪ ،‬فان ال تعالى حيث ما‬
‫كنت يراك وهو معك فاجتنبها )‪ .(7‬يا ابن مسعود اتق ال في السر‬
‫والعلنية‪ ،‬والبر والبحر‪ ،‬والليل والنهار‪ ،‬فانه يقول‪ " :‬ما يكون من نجوى‬
‫ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك ول أكثر إل‬
‫هو معهم أين ما كانوا " )‪.(9‬‬

‫)‪ (1‬القيامة‪ (2) .2 :‬القيامة‪ (3) .5 :‬يس‪ (4) .11 :‬القيامة‪ (5) .13 :‬مضمون‬
‫مأخوذ من اليات الواردة في سورة الشعراء‪ 147 :‬و ‪ 148‬وسورة‬
‫الدخان آية ‪ 24‬و ‪ 25‬ل لفظها وهذا من سهو الرواة واعتمادهم على‬
‫حافظتهم‪ (6) .‬الفرقان‪ (7) .38 :‬في المصدر " اياك والذنب " وفى‬
‫بعض نسخه مثل ما في المتن‪ (8) .‬في المصدر و " هو معكم أينما كنتم‬
‫"‪ (9) .‬المجادلة‪.8 :‬‬

‫]‪[105‬‬

‫يا ابن مسعود اتخذ الشيطان عدوا فان ال تعالى يقول‪ " :‬إن الشيطان لكم عدو‬
‫فاتخذوه عدوا " )‪ (1‬ويقول عن إبليس‪ " :‬ثم لتينهم من بين أيديهم ومن‬
‫خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ول تجد أكثرهم شاكرين " )‪ (2‬ويقول‬
‫" فالحق والحق أقول لملئن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين )‪ .(3‬يا‬
‫ابن مسعود ]فانظر أن[ ل تأكل الحرام ول تلبس الحرام ول تأخذ من‬
‫الحرام ول تعص ال لن ال تعالى يقول لبليس‪ " :‬واستفزز من استطعت‬
‫منهم بصوتك و أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الموال والولد‬
‫وعدهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا " )‪ (4‬وقال‪ :‬فل تغرنكم الحيوة‬
‫الدنيا ول يغرنكم بال الغرور " )‪ .(5‬يا ابن مسعود ل تقربن من الحرام‬
‫من المال والنساء )‪ (6‬فان ال تعالى يقول‪ " :‬ولمن خاف مقام ربه جنتان‬
‫" )‪ (7‬ول تؤثرن الحيوة الدنيا على الخرة باللذات والشهوات فان ال‬
‫تعالى يقول في كتابه " فأما من طغى وآثر الحيوة الدنيا فان الجحيم هي‬
‫المأوى " )‪ (8‬يعني الدنيا الملعونة والملعون ما فيها إل ما كان ل‪ .‬يا ابن‬
‫مسعود ل تخونن أحدا في مال يضعه عندك أو أمانة ائتمنك عليها فان ال‬
‫يقول‪ " :‬إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها " )‪ .(9‬يا ابن مسعود‬
‫ل تتكلم إل بالعلم بشئ سمعته ورأيته فان ال تعالى يقول‪ " :‬ول تقف ما‬
‫ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ (2) .6 :‬العراف‪ (3) .16 :‬ص‪ (4) .85 :‬السراء‪ (5) .66 :‬لقمان‪:‬‬
‫‪ ،33‬وفاطر‪ (6) .5 :‬في المصدر " يا ابن مسعود خف ال في السر‬
‫والعلنية " مكان " ل تقربن الخ "‪ (7) .‬الرحمن‪ (8) .46 :‬النازعات‪:‬‬
‫‪ (9) .39 - 37‬النساء‪:58 :‬‬

‫]‪[106‬‬

‫مسؤل " )‪ (1‬وقال‪ " :‬ستكتب شهادتهم ويسئلون " )‪ (2‬وقال‪ " :‬إذ يتلقى‬
‫المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إل لديه رقيب‬
‫عتيد " )‪ (3‬وقال‪ " :‬ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " )‪ .(4‬يا ابن‬
‫مسعود ل تهتمن للرزق فان ال تعالى يقول‪ " :‬وما من دابة في الرض إل‬
‫على ال رزقها " )‪ (5‬وقال‪ " :‬وفي السماء رزقكم وما توعدون " )‪(6‬‬
‫وقال‪ " :‬وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو وإن يمسسك بخير‬
‫فهو على كل شئ قدير " )‪ .(7‬يا ابن مسعود والذي بعثني بالحق ]نبيا[ إن‬
‫من يدع الدنيا ويقبل على تجارة الخرة فان ال تعالى يتجر له من وراء‬
‫تجارته ويربح ال تجارته يقول ال تعالى‪ " :‬رجال ل تلهيهم تجارة ول‬
‫بيع عن ذكر ال وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه‬
‫القلوب والبصار " )‪ .(8‬قال ابن مسعود‪ :‬بأبي أنت وامي يا رسول ال‬
‫كيف لي بتجارة الخرة ؟ فقال‪ :‬ل تريحن لسانك عن ذكر ال‪ ،‬وذلك أن‬
‫تقول‪ " :‬سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر " فهذه التجارة‬
‫المربحة‪ ،‬يقول ال تعالى‪ " :‬يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم اجورهم‬
‫ويزيدهم من فضله " )‪ .(9‬يا ابن مسعود كلما أبصرته بعينك واستحله‬
‫قلبك فاجعله ل فذلك تجارة الخرة لن ال يقول‪ " :‬ما عندكم ينفد وما عند‬
‫ال باق " )‪ .(10‬يا ابن مسعود وإذا تكلمت بل إله إل ال ولم تعرف حقها‬
‫فانه مردود عليك ول يزال " ل إله إل ال " يرد غضب ال عن العباد حتى‬
‫إذا لم يبالوا ما ينقص‬

‫)‪ (1‬السراء ‪ (2) .36‬الزخرف‪ (3) .18 :‬ق‪ 16 :‬و ‪ (4) .17‬ق‪ (5) .15 :‬هود‪.6 :‬‬
‫)‪ (6‬الذاريات‪ (7) .22 :‬النعام‪ (8) .17 :‬النور‪ (9) .37 :‬فاطر‪ 29 :‬و‬
‫‪ (10) .30‬النحل‪.98 :‬‬

‫]‪[107‬‬

‫من دينهم بعد إذ سلمت دنياهم يقول ال تعالى‪] :‬كذبتم كذبتم لستم بها بصادقين فانه‬
‫يقول ال تعالى[ " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " )‪ .(1‬يا‬
‫ابن مسعود أحب الصالحين فان المرء مع من أحبه‪ ،‬فان لم تقدر على‬
‫أعمال البر فأحب العلماء فان ال تعالى يقول‪ " :‬ومن يطع ال والرسول‬
‫فاولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن اولئك رفيقا " )‪ .(2‬يا ابن مسعود إياك أن تشرك بال‬
‫طرفة عين وإن نشرت بالمنشار أو قطعت أو صلبت أو احرقت بالنار يقول‬
‫ال تعالى‪ " :‬والذين آمنوا بال ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء عند‬
‫ربهم " )‪ .(3‬يا ابن مسعود اصبر مع الذين يذكرون ال ويسبحونه‬
‫ويهللونه ويحمدون ويعملون بطاعته ويدعونه بكرة وعشيا فان ال يقول‪:‬‬
‫" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ول‬
‫تعد عيناك عنهم " )‪ " (4‬ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك‬
‫عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين " )‪ .(5‬يا ابن مسعود ل‬
‫تختارن على ذكر ال شيئا فانه يقول‪ :‬ولذكر ال أكبر " )‪ (6‬ويقول‪" :‬‬
‫فاذكروني أذكركم واشكروا لي ول تكفرون " )‪ (7‬ويقول‪ " :‬إذا سئلك‬
‫عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان " )‪ (8‬ويقول‪" :‬‬
‫ادعوني أستجب لكم " )‪ .(9‬يا ابن مسعود عليك بالسكينة والوقار وكن‬
‫سهل لينا عفيفا مسلما تقيا نقيا بارا طاهرا مطهرا صادقا خالصا سليما‬
‫صحيحا لبيبا صالحا صبورا شكورا مؤمنا ورعا‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ .11 :‬وما بين القوسين ليس في المصدر‪ (2) .‬النساء‪ (3) .69 :‬الحديد‪:‬‬
‫‪ (4) .18‬الكهف‪ (5) .27 :‬النعام‪ (6) .52 :‬العنكبوت‪ (7) .44 :‬البقرة‪:‬‬
‫‪ (8) .152‬البقرة‪ (9) .186 :‬المؤمن‪.60 :‬‬
‫]‪[108‬‬

‫عابدا زاهدا رحيما عالما فقيها يقول ال تعالى‪ :‬إن إبراهيم لحليم أواه منيب " )‪(1‬‬
‫وعباد الرحمن الذين يمشون على الرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون‬
‫قالوا سلما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما )‪) (2‬ويقولون للناس‬
‫حسنا( وإذا مروا باللغو مروا كراما ]" والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم‬
‫يخروا عليها صما وعميانا "[ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا‬
‫وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما * أولئك يجزون الغرفة بما‬
‫صبروا ويلقون فيها تحية وسلما * خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما "‬
‫)‪ (3‬ويقول ال‪ " :‬قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلتهم خاشعون *‬
‫والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكوة فاعلون * والذين هم‬
‫لفروجهم حافظون * إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير‬
‫ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لماناتهم‬
‫وعهدهم راعون * والذين هم على صلواتهم يحافظون * اولئك هم‬
‫الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " )‪ (4‬يقول ال‬
‫تعالى‪ " :‬اولئك في جنات مكرمون " )‪ (5‬وقال‪ " :‬إنما المؤمنون الذين إذا‬
‫ذكر ال وجلت قلوبهم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات‬
‫عند ربهم ومغفرة ورزق كريم " )‪ .(6‬يا ابن مسعود ل تحملنك الشفقة‬
‫على أهلك وولدك على الدخول في المعاصي والحرام‪ ،‬فان ال تعالى يقول‪:‬‬
‫" يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم " )‪ (7‬وعليك بذكر‬
‫ال والعمل الصالح فان ال تعالى يقول‪ " :‬والباقيات الصالحات خير عند‬
‫ربك ثوابا وخير أمل " )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬هود‪ ،77 :‬والواه‪ :‬كثير التأسف‪ ،‬والمنيب‪ :‬الراجع إلى ال تعالى‪(2) .‬‬
‫الفرقان‪ 64 :‬و ‪ (3) .65‬الفرقان ‪ 72‬إلى ‪ (4) .76‬المؤمنون‪ 1 :‬إلى ‪.12‬‬
‫)‪ (5‬المعارج‪ (6) .35 :‬النفال‪ (7) .6 - 2 :‬الشعراء‪ 88 :‬و ‪(8) .89‬‬
‫الكهف‪.44 :‬‬

‫]‪[109‬‬

‫يا ابن مسعود ل تكونن ممن يهدي الناس إلى الخير ويأمرهم بالخير وهو غافل عنه‬
‫يقول ال تعالى‪ " :‬أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " )‪ .(1‬يا ابن‬
‫مسعود عليك بحفظ لسانك فان ال تعالى يقول‪ " :‬اليوم نختم على أفواههم‬
‫وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " )‪ .(2‬يا ابن مسعود‬
‫عليك بالسرائر فان ال تعالى يقول‪ " :‬يوم تبلى السرائر * فما له من قوة‬
‫ول ناصر " )‪ .(3‬يا ابن مسعود احذر يوما تنشر فيه الصحائف وتظهر فيه‬
‫الفضائح فان ال تعالى يقول‪ " :‬ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فل‬
‫تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين‬
‫" )‪ .(4‬يا ابن مسعود اخش ال تعالى بالغيب كأنك تراه فان لم تكن تراه‬
‫فانه يراك يقول ال تعالى‪ " :‬من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب *‬
‫ادخلوها بسلم ذلك يوم الخلود " )‪ .(5‬يا ابن مسعود أنصف الناس من‬
‫نفسك وأنصح المة وارحمهم فإذا كنت كذلك وغضب ال على أهل بلدة‬
‫وأنت فيها وأراد أن ينزل عليهم العذاب نظر إليك فرحمهم بك يقول ال‬
‫تعالى‪ " :‬وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " )‪ .(6‬يا ابن‬
‫مسعود إياك أن تظهر من نفسك الخشوع والتواضع للدميين وأنت فيما‬
‫بينك وبين ربك مصر على المعاصي والذنوب يقول ال تعالى‪ " :‬يعلم‬
‫خائنة العين وما تخفي الصدور " )‪ .(7‬يا ابن مسعود فل تكن ممن يشدد‬
‫على الناس ويخفف على نفسه يقول ال‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .41 :‬يس‪ (3) .65 :‬الطارق‪ 9 :‬و ‪ (4) .10‬النبياء‪ (5) .48 :‬ق‪:‬‬
‫‪ 32‬و ‪ (6) .33‬هود‪ (7) .119 :‬المؤمن‪.19 :‬‬

‫]‪[110‬‬

‫تعالى " لم تقولون ما ل تفعلون " )‪ .(1‬يا ابن مسعود إذا عملت عمل فاعمل بعلم‬
‫وعقل وإياك وأن تعمل عمل بغير تدبير وعلم فانه جل وجلله يقول‪ " :‬ول‬
‫تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " )‪ .(2‬يا ابن مسعود عليك‬
‫بالصدق ول تخرجن من فيك كذبة أبدا وأنصف الناس من نفسك وأحسن‪،‬‬
‫وادع الناس إلى الحسان‪ ،‬وصل رحمك ول تمكر الناس‪ ،‬وأوف الناس بما‬
‫عاهدتهم فان ال تعالى يقول‪ " :‬إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي‬
‫القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " )‪(3‬‬
‫تمت الموعظة وبال التوفيق‪) * .‬باب ‪) * * (6‬جوامع وصايا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله( * * )ومواعظه وحكمه( * ‪ - 1‬مع‪ ،‬ل‪ ،‬لى )‪(4‬‬
‫الحسن بن عبد ال بن سعيد العسكري‪ ،‬عن محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬عن‬
‫أبي حاتم‪ ،‬عن العتبي يعني محمد بن عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وأخبرنا عبد ال‬
‫بن شبيب البصري‪ ،‬عن زكريا بن يحيى المنقري‪ ،‬عن العلء بن محمد بن‬
‫الفضيل )‪ (5‬عن أبيه‪ ،‬عن جده قال‪ :‬قال قيس بن عاصم‪ :‬وفدت مع جماعة‬
‫من بني تميم إلى النبي صلى ال عليه وآله فدخلت وعنده الصلصال بن‬
‫الدلهمش فقلت‪ :‬يا نبي ال عظنا موعظة‬

‫)‪ (1‬الصف‪ (2) .2 :‬النحل‪ (3) .94 :‬النحل‪ (4) .92 :‬المعاني ص ‪ .232‬الخصال ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ .56‬المالى المجلس الول ص ‪ (5) .3‬في المعاني " العلء بن‬
‫فضيل " وفى المالى " العلء بن محمد بن الفضل "‪ .‬وفى الخصال "‬
‫العلء بن الفضل "‪.‬‬

‫]‪[111‬‬

‫ننتفع بها فانا قوم نعير )‪ (1‬في البرية فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬يا قيس‬
‫إن مع العز ذل‪ ،‬وإن مع الحياة موتا‪ ،‬وإن مع الدنيا آخرة‪ ،‬وإن لكل شئ‬
‫حسيبا‪ ،‬وعلى كل شئ رقيبا‪ ،‬وإن لكل حسنة ثوابا‪ ،‬ولكل سيئة عقابا‪ ،‬ولكل‬
‫أجل كتابا وإنه ل بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي‪ ،‬وتدفن معه‬
‫وأنت ميت فان كان كريما أكرمك‪ ،‬وإن كان لئيما أسلمك ثم ل يحشر إل‬
‫معك‪ ،‬ول تبعث إل معه‪ ،‬ول تسأل إل عنه فل تجعله إل صالحا فانه إن‬
‫صلح آنست به وإن فسد ل تستوحش إل منه وهو فعلك‪ .‬فقال‪ :‬يا نبي ال‪:‬‬
‫احب أن يكون هذا الكلم في أبيات من الشعر نفخر به على من يلينا من‬
‫العرب وندخره‪ ،‬فأمر النبي صلى ال عليه وآله من يأتيه بحسان‪ ،‬قال‬
‫قيس‪ :‬فأقبلت افكر فيما أشبه هذه العظة من الشعر فاستتب )‪ (2‬لي القول‬
‫قبل مجئ حسان فقلت‪ :‬يا رسول ال قد حضرتني أبيات أحسبها توافق ما‬
‫تريد‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬قل يا قيس‪ ،‬فقلت‪ :‬تخير خليطا )‪(3‬‬
‫من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل ول بد بعد الموت من أن‬
‫تعده * ليوم ينادى المرء فيه فيقبل فان كنت مشغول بشئ فل تكن * بغير‬
‫الذي يرضي به ال تشغل فلن يصحب النسان من بعد موته * ومن قبله‬
‫إل الذي كان يعمل أل إنما النسان ضيف لهله * يقيم قليل بينهم ثم يرحل‬
‫‪ - 2‬لي‪ (4) :‬السناني‪ ،‬عن السدي‪ ،‬عن النخعي‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن محمد‬
‫بن سنان‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬عن ابن ظبيان‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد‬
‫عليهما السلم أنه قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬أي نذهب ونجئ ونردد في البرية أي الصحراء‪ .‬وفى بعض النسخ " نعبر "‪) .‬‬
‫‪ (2‬أي استقام‪ ،‬وفى بعض النسخ " استبان " أي ظهر‪ (3) .‬في المعاني‬
‫" قرينا " مكان " خليطا "‪ (4) .‬المالى المجلس السادس ص ‪.14‬‬
‫والمراد بالسنانى‪ :‬محمد بن أحمد‪ .‬وبالسدي‪ :‬محمد بن أبى عبد ال‬
‫الكوفى‪.‬‬

‫]‪[112‬‬

‫الشتهار بالعبادة ريبة‪ ،‬إن أبي حدثني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن علي عليه السلم‬
‫أن رسول ال صلى ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬أعبد الناس من أقام‬
‫الفرائض‪ ،‬وأسخى الناس من أدى زكاة ماله وأزهد الناس من اجتنب‬
‫الحرام‪ ،‬وأتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه‪ ،‬وأعدل الناس من رضي‬
‫للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه‪ ،‬وأكيس الناس من كان‬
‫أشد ذكرا للموت‪ ،‬وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب يرجو‬
‫الثواب‪ ،‬وأغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال‪ ،‬وأعظم‬
‫الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا‪ ،‬وأعلم الناس من‬
‫جمع علم الناس إلى علمه وأشجع الناس من غلب هواه‪ ،‬وأكثر الناس‬
‫قيمة أكثرهم علما‪ ،‬وأقل الناس قيمة أقلهم علما‪ ،‬وأقل الناس لذة الحسود‪،‬‬
‫وأقل الناس راحة البخيل‪ ،‬وأبخل الناس من بخل بما افترض ال عزوجل‬
‫عليه‪ ،‬وأولى الناس بالحق أعلمهم به‪ ،‬وأقل الناس حرمة الفاسق‪ ،‬وأقل‬
‫الناس وفاء الملوك‪ ،‬وأقل الناس صديقا الملك‪ ،‬وأفقر الناس الطامع‪،‬‬
‫وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا‪ ،‬وأفضل الناس إيمانا أحسنهم‬
‫خلقا‪ ،‬وأكرم الناس أتقاهم‪ ،‬وأعظم الناس قدرا من ترك ما ل يعنيه‪ ،‬وأورع‬
‫الناس من ترك المراء وإن كان محقا‪ ،‬وأقل الناس مروة من كان كاذبا‪،‬‬
‫وأشقى الناس الملوك‪ ،‬وأمقت الناس المتكبر‪ ،‬وأشد الناس اجتهادا من‬
‫ترك الذنوب‪ ،‬وأحلم الناس من فر من جهال الناس‪ ،‬وأسعد الناس من خالط‬
‫كرام الناس‪ ،‬وأعقل الناس أشدهم مدارة للناس‪ ،‬وأولى الناس بالتهمة من‬
‫جالس أهل التهمة‪ ،‬وأعتى الناس من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه‪،‬‬
‫وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأحق الناس بالذنب السفيه‬
‫المغتاب‪ ،‬وأذل الناس من أهان الناس‪ ،‬وأحزم الناس أكظمهم للغيظ‪،‬‬
‫وأصلح الناس أصلحهم للناس‪ ،‬وخير الناس من انتفع به الناس‪ .‬كتاب‬
‫الغايات )‪ (1‬روي عن أبي حمزة الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪:‬‬
‫الشتهار بالعبادة إلى آخره‪.‬‬

‫)‪ (1‬تأليف أبي محمد بن أحمد بن على القمى نزيل الرى مخطوط‪.‬‬

‫]‪[113‬‬

‫مع )‪ :(1‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫عمير‪ ،‬عن سيف بن عميرة‪ ،‬عن أبي حمزة الثمالي‪ ،‬عن الصادق عليه‬
‫السلم مثله‪ .‬كنز الكراجكي )‪ (2‬مرسل مثله‪ - 3 .‬لى )‪ :(3‬عن ابن ناتانة‪،‬‬
‫عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن عبد ال بن الفضل الهاشمي‪،‬‬
‫عن الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬طوبى لمن طال عمره وحسن عمله‪ ،‬فحسن منقلبه إذ‬
‫رضي عنه ربه عزوجل وويل لمن طال عمره وساء عمله‪ ،‬فساء منقلبه إذ‬
‫سخط عليه ربه عزوجل‪ - 4 .‬لى‪ (4) :‬عن ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫أيوب بن نوح‪ ،‬عن محمد بن زياد عن غياث بن إبراهيم‪ ،‬عن الصادق‬
‫جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائهم عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬من أحسن فيما بقي من عمره لم يؤاخذ بما مضى من‬
‫ذنبه ومن أساء فيما بقي من عمره اخذ بالول والخر‪ - 5 .‬لى )‪ :(5‬عن‬
‫الطالقاني‪ ،‬عن محمد بن إسحاق بن بهلول‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي ابن يزيد‬
‫الصدائي )‪ ،(6‬عن أبي شيبة الجوهري‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة‪ :‬إذا حدثتم فل‬
‫تكذبوا‪ ،‬وإذا وعدتم فل تخلفوا‪ ،‬وإذا ائتمنتم فل تخونوا‪ ،‬وغضوا أبصاركم‪،‬‬
‫واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم وألسنتكم‪.‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ (2) .195‬كنز الفوائد ص ‪ (3) .138‬المالى المجلس‬


‫الثالث عشر ص ‪ 35‬والمراد بابن ناتانة الحسين بن ابراهيم‪ (4) .‬المالى‬
‫المجلس الثالث عشر ص ‪ .35‬والمراد بابن ادريس الحسين بن أحمد‪) .‬‬
‫‪ (5‬المصدر المجلس العشرون ص ‪ .55‬والمراد بالطالقاني محمد بن‬
‫ابراهيم بن اسحاق‪ (6) .‬في المصدر " الصيداوي "‪.‬‬

‫]‪[114‬‬

‫‪ - 6‬لى )‪ :(1‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن المغيرة‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن‬
‫الصادق جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن الحسين بن علي عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬سمعت جدي رسول ال صلى ال عليه وآله يقول لي‪ :‬إعمل‬
‫بفرائض ال تكن أتقى الناس‪ ،‬وارض بقسم ال تكن أغنى الناس‪ ،‬وكف‬
‫عن محارم ال تكن أورع الناس‪ ،‬وأحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا‪،‬‬
‫وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما‪ - 7 .‬ل‪ ،‬لى )‪ :(2‬عن محمد بن‬
‫أحمد السدي‪ ،‬عن عبد ال بن سليمان‪ ،‬وعبد ال بن محمد الوهبي‪ ،‬وأحمد‬
‫بن عمير‪ ،‬ومحمد بن أبي أيوب قالوا‪ :‬حدثنا عبد ال بن هاني ابن عبد‬
‫الرحمن قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ،‬عن عمه إبراهيم‪ ،‬عن ام الدرداء‪ ،‬عن أبي‬
‫الدرداء قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ " :‬من أصبح معافى في‬
‫جسده‪ ،‬آمنا في سربه‪ ،‬عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا )‪ (3‬يا ابن‬
‫جعشم يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك‪ ،‬فان يكن بيت يكنك‬
‫فذاك‪ ،‬وإن تكن دابة تركبها فبخ بخ‪ ،‬وإل فالخبز وماء الحبر وما بعد ذلك‬
‫حساب عليك أو عذاب‪ - 8 .‬لى‪ (4) :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫صفوان‪ ،‬عن الكناني قال‪ :‬قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلم‬
‫أخبرني عن هذا القول قول من هو ؟ " أسأل ال اليمان والتقوى وأعوذ‬
‫بال من شر عاقبة المور‪ ،‬إن أشرف الحديث ذكر ال‪ ،‬ورأس الحكمة‬
‫طاعته‪ ،‬وأصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص كتاب ال‪ ،‬وأوثق‬
‫العرى اليمان بال‪ ،‬وخير الملل ملة إبراهيم‪ ،‬وأحسن السنن سنة النبياء‪،‬‬
‫وأحسن الهدى هدى محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬وخير الزاد التقوى‪ ،‬وخير‬
‫العلم ما نفع‪ ،‬وخير الهدى ما اتبع وخير الغنى غنى النفس‪ ،‬وخير ما القي‬
‫في القلب اليقين‪ ،‬وزينة الحديث الصدق‬

‫)‪ (1‬المصدر المجلس السادس والثلثون ص ‪ (2) .121‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.77‬‬


‫والمالي المجلس الحادى والستون ص ‪ (3) .232‬السرب ‪ -‬بكسر السين‬
‫‪ -‬النفس وبفتحها المسلك‪ .‬وبفتحتين‪ :‬البيت‪ .‬وقوله " حيزت " ‪ -‬بكسر‬
‫المهملة والزاى المعجمة ‪) -‬له الدنيا( أي ضمت وجمعت‪ (4) .‬المجلس‬
‫الرابع والسبعون ص ‪.292‬‬

‫]‪[115‬‬

‫وزينة العلم الحسان‪ ،‬وأشرف الموت قتل الشهادة‪ ،‬وخير المور خيرها عاقبة‪ ،‬وما‬
‫قل وكفى خير مما كثر وألهى‪ ،‬والشقي من شقي في بطن امه‪ ،‬والسعيد من‬
‫وعظ بغيره‪ ،‬وأكيس الكيس التقى‪ ،‬وأحمق الحمق الفجور‪ ،‬وشر الرواية‬
‫رواية الكذب وشر المور محدثاتها‪ ،‬وشر العمى عمى القلب‪ ،‬وشر الندامة‬
‫ندامة يوم القيامة وأعظم المخطئين عند ال عزوجل لسان كذاب‪ ،‬وشر‬
‫الكسب كسب الربا‪ ،‬وشر المأكل أكل مال اليتيم ظلما‪ ،‬وأحسن زينة الرجل‬
‫السكينة مع اليمان‪ .‬ومن يبتغ السمعة يسمع ال به‪ ،‬ومن يعرف البلء‬
‫يصبر عليه‪ ،‬ومن ل يعرفه ينكره والريب كفر‪ ،‬ومن يستكبر يضعه ال‪،‬‬
‫ومن يطع الشيطان يعص ال‪ ،‬ومن يعص ال يعذبه ال‪ ،‬ومن يشكر ال‬
‫يزده ال‪ ،‬ومن يصبر على الرزية يغثه ال‪ ،‬ومن يتوكل على ال فحسبه‬
‫ال‪ ،‬ل تسخطوا ال برضا أحد من خلقه‪ ،‬ول تتقربوا إلى أحد من الخلق‬
‫بتباعد من ال عزوجل فان ال ليس بينه وبين أحد من الخلق شئ يعطيه‬
‫به خيرا أو يصرفه به عنه السوء إل بطاعته وابتغاء مرضاته‪ ،‬إن طاعة‬
‫ال نجاح كل خير يبتغى‪ ،‬ونجاة من كل شر يتقى‪ ،‬وإن ال يعصم من‬
‫أطاعه ول يعتصم منه من عصاه‪ ،‬ول يجد الهارب من ال مهربا‪ ،‬فان أمر‬
‫ال نازل بإذلله ولو كره الخلئق وكل ما هو آت قريب‪ ،‬ما شاء ال كان‪،‬‬
‫وما لم يشأ لم يكن‪ " ،‬تعاونوا على البر والتقوى‪ ،‬ول تعاونوا على الثم‬
‫والعدوان‪ ،‬واتقوا ال إن ال شديد العقاب " قال‪ :‬فقال لي الصادق جعفر‬
‫بن محمد عليهما السلم‪ :‬هذا قول رسول ال صلى ال عليه وآله‪ .‬ين )‪:(1‬‬
‫عن الجوهري‪ ،‬وفضالة‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن الصباح بن سيابة قال‪:‬‬
‫سمعت كلما يروى عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال‪ " :‬السعيد من‬
‫سعد في بطن امه وذكر نحوه إلى آخر الخبر‪ - 9 .‬لى )‪ :(2‬عن ابن الوليد‪،‬‬
‫عن الصفار‪ ،‬عن ابن هاشم‪ ،‬عن عبد ال بن ميمون عن الصادق‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫استحيوا من ال‬

‫)‪ (1‬كتاب الحسين بن سعيد الهوازي مخطوط‪ (2) .‬المالى المجلس التسعون ص‬
‫‪.366‬‬

‫]‪[116‬‬

‫حق الحياء‪ ،‬قالوا‪ :‬وما نفعل يا رسول ال ؟ قال‪ :‬فان كنتم فاعلين فل يبيتن أحدكم‬
‫إل وأجله بين عينيه‪ ،‬وليحفظ الرأس وما حوى‪ ،‬والبطن وما وعى‪ ،‬وليذكر‬
‫القبر والبلى‪ ،‬ومن أراد الخرة فليدع زينة الحياة الدنيا‪ .‬ب‪ (1) :‬عن محمد‬
‫بن عيسى‪ ،‬عن عبد ال بن ميمون مثله إل أن فيه " حوى " مكان "‬
‫وعى " و " وعى " مكان " حوى "‪ - 10 .‬فس )‪ :(2‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫حماد‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله لعلي عليه السلم‪ :‬يا علي ما من دار فيها فرحة إل‬
‫يتبعها ترحة )‪ (3‬وما من هم إل وله فرح إل هم أهل النار‪ ،‬فإذا عملت‬
‫سيئة فأتبعها بحسنته تمحها سريعا‪ ،‬وعليك بصنايع الخير فانها تدفع‬
‫مصارع السوء‪ .‬قال المفسر‪ :‬وإنما قال رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫لمير المؤمنين عليه السلم على حد التأديب للناس ل بأن لمير المؤمنين‬
‫عليه السلم سيئات عملها‪ - 11 .‬فس )‪ :(4‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن‬
‫محمد بن أحمد‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬لما نزلت هذه الية‪ " :‬ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا‬
‫منهم ول تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله من لم يتعز بعزاء ال تقطعت نفسه على الدنيا حسرات‪،‬‬
‫ومن رمى ببصره إلى ما في يد غيره كثر همه ولم يشف غيظه‪ ،‬ومن لم‬
‫يعلم أن ل عليه نعمة إل في مطعم أو في ملبس فقد قصر عمله ودنا‬
‫عذابه‪ ،‬ومن أصبح على الدنيا حزينا أصبح على ال ساخطا ومن شكى‬
‫مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه‪ ،‬ومن دخل النار من هذه المة ممن قرأ‬
‫القرآن فهو ممن يتخذ آيات ال هزوا‪ ،‬ومن أتي ذا ميسرة فيتخشع له طلبا‬
‫لما في يديه ذهب ثلثا دينه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ول تعجل وليس يكون الرجل يسأل من‬
‫الرجل‬

‫)‪ (1‬قرب السناد ص ‪ (2) .13‬تفسير على بن ابراهيم سورة الرعد ص ‪(3) .341‬‬
‫الترح‪ :‬الحزن والهم‪ (4) .‬المصدر سورة الحجر آية ‪ 89‬ص ‪.356‬‬
‫]‪[117‬‬

‫الرفق فيبجله )‪ (1‬ويوقره فقد يجب ذلك له عليه‪ ،‬ولكن يريه أنه يريد بتخشعه ما‬
‫عند ال ويريد أن يختله عما في يديه )‪ - 12 .(2‬ل )‪ :(3‬عن ابن الوليد‪،‬‬
‫عن الصفار‪ ،‬عن ابن هاشم‪ ،‬عن النوفلي عن السكوني‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن‬
‫آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫غريبتان فاحتملوها‪ :‬كلمة حكم من سفيه فاقبلوها‪ ،‬وكلمة سفه من حكيم‬
‫فاغفروها‪ - 13 .‬ل )‪ :(4‬عن محمد بن أحمد السدي‪ ،‬عن محمد بن أبي‬
‫عمران‪ ،‬عن أحمد ابن أبي بكر الزهري‪ ،‬عن علي بن أبي علي اللهبي‪،‬‬
‫عن محمد بن المنكدر‪ ،‬عن جابر ابن عبد ال قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬إن أخوف ما أخاف على امتي الهوى وطول المل‪ ،‬أما الهوى‬
‫فانه يصد عن الحق وأما طول المل فينسي الخرة‪ ،‬وهذه الدنيا قد ارتحلت‬
‫مدبرة‪ ،‬وهذه الخرة قد ارتحلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحد منهما بنون فان‬
‫استطعتم أن تكونوا من أبناء الخرة ول تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا‬
‫فانكم اليوم في دار عمل ول حساب وأنتم غدا في دار حساب ول عمل‪ .‬ل )‬
‫‪ :(5‬ابن بندار‪ ،‬عن أبي العباس الحمادي‪ ،‬عن أحمد بن محمد الشافعي عن‬
‫عمه إبراهيم محمد‪ ،‬عن علي بن أبي علي اللهبي‪ ،‬عن ابن المكندر‪ ،‬عن‬
‫جابر مثله‪ - 14 .‬ل )‪ :(6‬الحسن بن عبد ال بن سعيد العسكري‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن محمد بن عبد‬

‫)‪ (1‬التبجيل‪ :‬التعظيم‪ (2) .‬ختله أي خدعه وماكره‪ .‬ومعنى قوله " فقد يجب ذلك له‬
‫عليه " أي قد يكون يجب تعظيم بعض مسؤولين على السائل و " ذلك "‬
‫اشارة إلى التبجيل والتوقير والضمير في " له " راجع إلى المسؤول‬
‫وفى " عليه " إلى السائل‪ (3) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .19‬المصدر ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (5) .27‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (6) .27‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.84‬‬

‫]‪[118‬‬

‫الكريم عن ابن عوف‪ ،‬عن مكي بن إبراهيم البلخي‪ ،‬عن موسى بن عبيدة‪ ،‬عن‬
‫صدقة بن يسار‪ ،‬عن عبد ال عمر قال‪ :‬نزلت هذه السورة " إذا جاء نصر‬
‫ال والفتح " على رسول ال صلى ال عليه وآله في أوسط أيام التشريق‬
‫فعرف أنه الوداع فركب راحلته العضباء فحمد ال وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫أيها الناس كل دم كان في الجاهلية فهو هدر‪ ،‬وأول دم هدر دم الحارث بن‬
‫ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في هذيل فقتله بنوا الليث أو قال‪ :‬كان‬
‫مسترضعا في بني ليث فقتله هذيل ‪ (1) -‬وكل ربا كان في الجاهلية‬
‫فموضوع وأول رباء وضع ربا العباس بن عبد المطلب )‪ (2‬أيها الناس إن‬
‫الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئة يوم خلق السماوات والرضين‪ ،‬وإن‬
‫عدة الشهور عند ال اثنى عشر شهرا في كتاب ال يوم خلق السماوات‬
‫والرض منها أربعة حرم‪ :‬رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وذو‬
‫القعدة وذو الحجة والمحرم " فل تظلموا فيهن أنفسكم فان النسئ زيادة‬
‫في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤا عدة‬
‫ما حرم ال " فكانوا يحرمون المحرم عاما ويستحلون صفر ويحرمون‬
‫صفر عاما ويستحلون المحرم‪ ،‬أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في‬
‫بلكم آخر البد ورضي منكم بمحقرات العمال‪ ،‬أيها الناس من كانت عنده‬
‫وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها‪ ،‬أيها الناس إن النساء عندكم عوار ل‬
‫يملكن لنفسهن ضرا ول نفعا‪ ،‬أخذتموهن بأمانة ال‪ ،‬واستحللتم فروجهن‬
‫بكلمات ال فلكم عليهن حق ولهن عليكم حق‪ ،‬ومن حقكم عليهن أن ل‬
‫يوطئين فرشكم ول يعصينكم في معروف فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن‬
‫وكسوتهن بالمعروف‪ ،‬ول تضربوهن‪ .‬أيها الناس إني‬

‫كان ابن ربيعة مسترضعا في بنى سعد فقتله بنو هذيل في الجاهلية‪ .‬والترديد‬
‫والوهم من الراوى‪ (2) .‬انما بدأ صلى ال عليه وآله بابطال الربا والدم‬
‫من أهله واقربائه ليعلم أنه ليس في الدين محاباة‪(*) .‬‬

‫]‪[119‬‬

‫قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا‪ :‬كتاب ال عزوجل فاعتصموا به‪ ،‬يا أيها‬
‫الناس أي يوم هذا ؟ قالوا‪ :‬يوم حرام‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أيها الناس فأي شهر‬
‫هذا ؟ قالوا شهر حرام‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أيها الناس أي بلد هذا ؟ قالوا‪ :‬بلد حرام‬
‫قال‪ :‬فان ال عز وجل حرم عليكم دماءكم وأموالكم‪ ،‬وأعراضكم كحرمة‬
‫يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه‪ ،‬أل فليبلغ شاهدكم‬
‫غائبكم‪ ،‬ل نبي بعدي ول امة بعدكم‪ ،‬ثم رفع يديه حتى أنه ليرى بياض‬
‫إبطيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم اشهد أني قد بلغت‪ - 15 .‬ب )‪ :(1‬ابن ظريف‪ ،‬عن ابن‬
‫علوان‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫قلة العيال أحد اليسارين‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال تبارك وتعالى‬
‫ينزل المعونة على قدر المؤونة‪ ،‬وينزل الصبر على قدر قلة اليسار )‪.(2‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬المانة تجلب الغني‪ ،‬والخيانة تجلب الفقر‪- 16 .‬‬
‫ب )‪ (3‬علي‪ ،‬عن أخيه قال‪ :‬ابتدر الناس إلى قراب سيف )‪ (4‬رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله بعد موته فادا صحيفة صغيرة وجدوا فيها‪ :‬من آوى‬
‫محدثا فهو كافر‪ ،‬ومن تولى غير مواليه فعليه لعنة ال‪ ،‬وأعتى الناس )‪(5‬‬
‫على ال عزوجل من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه‪ - 17 .‬ب )‪:(6‬‬
‫ابن ظريف‪ ،‬عن ابن علوان‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪:‬‬
‫)‪ (1‬قرب السناد ص ‪ 55‬والمراد بابن ظريف ‪ -‬بالظاء المعجمة ‪ -‬الحسن بن‬
‫ظريف ابن ناصح ثقة )صه‪ .‬حش(‪ (2) .‬في المصدر " على قدر شدة‬
‫البلء "‪ (3) .‬المصدر ص ‪ (4) .112‬ابتدر القوم أمرا‪ :‬بادر بعضهم‬
‫بعضا إليه أيهم يسبق إليه أي اسرعوا‪ .‬وقراب السيف‪ :‬جفنه وهو وعاء‬
‫يكون فيه السيف بغمده وحمالته‪ (5) .‬عتى ‪ -‬كدعى ‪ -‬والمصدر عتو ‪-‬‬
‫كسمو ‪ -‬استكبر وجاوز الحد‪ ،‬فهو عات والجمع عتاة كداع ودعاة‪(6) .‬‬
‫المصدر ص ‪ 50‬والمراد بابن علوان الحسين بن علوان الكلبى عامى له‬
‫كتاب )ست‪ ،‬صه‪ ،‬حش(‪.‬‬

‫]‪[120‬‬

‫وجد في غمد سيف رسول ال صلى ال عليه وآله صحيفة مختومة ففتحوها‬
‫فوجدوا فيها‪ :‬من أعتى الناس على ال القاتل غير قاتله‪ ،‬والضارب غير‬
‫ضاربه‪ ،‬ومن أحدث حدثا )‪ (1‬أو آوى محدثا فعليه لعنة ال والملئكة‬
‫والناس أجمعين‪ ،‬ل يقبل ال منه صرفا ول عدل‪ :‬ومن تولى إلى غير‬
‫مواليه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى ال عليه وآله‪ - 18 .‬ن )‪:(2‬‬
‫بالسانيد الثلثة عن الرضا عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬اختاروا الجنة على النار ول تبطلوا أعمالكم فتقذفوا‬
‫في النار منكسين خالدين فيها أبدا‪ - 19 .‬ب )‪ :(3‬هارون‪ ،‬عن ابن زياد‪،‬‬
‫عن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪:‬‬
‫ثلثة هن ام الفواقر )‪ (4‬سلطان إن أحسنت إليه لم يشكر‪ ،‬وإن أسأت إليه‬
‫لم يغفر‪ ،‬وجار عينه ترعاك وقلبه تبغاك‪ ،‬إن رأى حسنة دفنها ولم يفشها‬
‫وإن رأى سيئة أظهرها وأذاعها‪ ،‬وزوجة إن شهدت لم تقر عينك بها‪ ،‬وإن‬
‫غبت لم تطمئن إليها‪ - 20 .‬ما )‪ :(5‬المفيد‪ ،‬عن محمد بن حسين الخلل‪،‬‬
‫عن الحسن بن الحسين النصاري‪ ،‬عن زفر بن سليمان‪ ،‬عن أشرس‬
‫الخراساني‪ ،‬عن أيوب السجستاني عن أبي قلبة قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬من أسر ما يرضى ال عزوجل أظهر ال له ما يسره‪ ،‬ومن‬
‫أسر ما يسخط ال تعالى أظهر ال تعالى له ما يحزنه‪ ،‬ومن كسب مال من‬
‫غير حله أفقره ال عزوجل‪ ،‬ومن تواضع ل رفعه ال‪ ،‬ومن سعى في‬
‫رضوان ال أرضاه ال‪ ،‬ومن أذل مؤمنا أذله ال‪ ،‬ومن عاد مريضا فانه‬
‫يخوض في‬

‫)‪ (1‬أي ابتدع بدعة‪ (2) .‬عيون أخبار الرضا " ع " ص ‪ (3) .200‬قرب السناد‬
‫ص ‪ 40‬والمراد بابن زياد مسعدة بن زياد الكوفى الربعي ثقة عين روى‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم )صه‪ .‬جش(‪ .‬له كتاب عنه هارون بن مسلم‬
‫)ست(‪ (4) .‬الفواقر جمع الفاقرة وهى الداهية‪ (5) .‬المالى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.185‬‬

‫]‪[121‬‬

‫الرحمة ‪ -‬وأومأ رسول ال صلى ال عليه وآله إلى حقويه ‪ -‬فإذا جلس عند‬
‫المريض غمرته الرحمة ومن خرج من بيته يطلب علما شيعه سبعون ألف‬
‫ملك يستغفرون له‪ ،‬ومن كظم غيظ مل ال جوفه إيمانا‪ ،‬ومن أعرض عن‬
‫محرم أبدله ال به عبادة تسره‪ ،‬ومن عفى من مظلمة أبدله ال بها عزا في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ومن بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة )‪ (1‬بنى ال له بيتا في‬
‫الجنة‪ ،‬ومن أعتق رقبة فهي فداء عن النار كل عضو منها فداء عضو‬
‫منه‪ ،‬ومن أعطى درهما في سبيل ال كتب ال له سبعمائة حسنة‪ ،‬ومن‬
‫أماط )‪ (2‬عن طريق المسلمين ما يؤذيهم كتب ال له أجر قراءة أربعمائة‬
‫آية‪ ،‬كل حرف منها بعشر حسنات‪ ،‬ومن لقى عشرة من المسلمين فسلم‬
‫عليهم كتب ال له عتق رقبة‪ .‬ومن أطعم مؤمنا لقمة أطعمه ال من ثمار‬
‫الجنة‪ ،‬ومن سقاه شربة من ماء سقاه ال من الرحيق المختوم‪ ،‬ومن كساه‬
‫ثوبا كساه ال من الستبرق والحرير وصلى عليه المل ئكة ما بقي في ذلك‬
‫الثوب سلك )‪ - 21 .(3‬ما )‪ :(4‬عن المفيد‪ ،‬عن المظفر بن محمد البلخي‪،‬‬
‫عن محمد بن همام‪ ،‬عن حميد بن زياد‪ ،‬عن إبراهيم بن عبيد بن حنان‪،‬‬
‫عن الربيع بن سلمان‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد‪ ،‬عن‬
‫أبيه عليهما السلم‪ ،‬عن جده عليه السلم قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يقول‪ :‬اعمل بفرائض ال تكن من أتقى الناس‪ ،‬وارض بقسم ال‬
‫تكن من أغنى الناس‪ ،‬وكف عن محارم ال تكن أورع الناس‪ ،‬وأحسن‬
‫مجاورة من يجاورك تكن مؤمنا‪ ،‬وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما‪.‬‬
‫‪ - 22‬ما )‪ :(5‬المفيد‪ ،‬عن محمد بن محمد بن طاهر‪ ،‬عن ابن عقده‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫موسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا دول فما كان لك منها‬

‫)‪ (1‬المفحص‪ :‬الموضع الذى تفحص القطاة أي تكشف التراب عنه لتبيض فيه‪) .‬‬
‫‪ (2‬أماط الذى عن الطريق‪ :‬أي أبعده‪ (3) .‬السلك‪ :‬الخيط‪ (4) .‬المالى ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ (5) .120‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪.229‬‬

‫]‪[122‬‬
‫أتاك على ضعفك‪ ،‬وما كان عليك لم تدفعه بقوتك‪ ،‬ومن انقطع رجاه مما فات‬
‫استراح بدنه‪ ،‬ومن رضى بما رزقه ال قرت عينه‪ - 23 .‬ما )‪ :(1‬عن ابن‬
‫الصلت‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن محمد بن عبد الملك‪ ،‬عن هارون بن عيسى‪،‬‬
‫عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن الباقر‬
‫عليهم السلم‪ ،‬عن جابر بن عبد ال أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‬
‫في خطبته‪ :‬إن أحسن الحديث كتاب ال‪ ،‬وخير الهدى هدى محمد صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وشر المور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة‪،‬‬
‫وكان إذا خطب قال في خطبته‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإذا ذكر الساعة اشتد صوته‪،‬‬
‫واحمرت وجنتاه‪ ،‬ثم يقول‪ :‬صبحتكم الساعة أو مستكم )‪ (2‬ثم يقول‪ :‬بعثت‬
‫أنا والساعة كهذه من هذه‪ ،‬ويشير بأصبعيه‪ - 24 .‬ما )‪ :(3‬عن ابن‬
‫الحمامي‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عبيدال القطان‪ ،‬عن يعقوب بن إسحاق‬
‫النحوي‪ ،‬عن عبد السلم بن مطهر‪ ،‬عن موسى بن خلف‪ ،‬عن ليث بن أبي‬
‫سليم‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫كن في الدنيا كأنك غريب وكأنك عابري سبيل‪ ،‬وعد نفسك في أصحاب‬
‫القبور‪ .‬قال‪ :‬قال مجاهد‪ :‬وقال لي عبد ال بن عمر وأنت يا عبد ال إذا‬
‫أمسيت فل تحدث نفسك أن تصبح وإذا أصبحت فل تحدث نفسك أن تمسي‪،‬‬
‫وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لسقمك فانك ل تدري ما اسمك غدا‪ .‬ما‬
‫)‪ :(4‬عن ابن حمويه‪ ،‬عن أبي الحسين‪ ،‬عن أبي خليفة‪ ،‬عن الحجبي‪ ،‬عن‬
‫حماد بن زيد‪ ،‬عن ليث‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عمر مثله‪ - 25 .‬ما )‪ (5‬عن‬
‫جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن أحمد بن عبيدال بن سابور‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .347‬يقال صبحهم ‪ -‬بالتخفيف والتشديد ‪ -‬أي أتاهم‬
‫صباحا‪ (3) .‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .390‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪(5) .16‬‬
‫المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.87‬‬

‫]‪[123‬‬

‫عن أيوب بن محمد الرقي‪ ،‬عن سلم بن رزين‪ ،‬عن إسرائيل بن يونس الكوفي‪،‬‬
‫عن جده أبي إسحاق عن حارث الهمداني‪ ،‬عن علي عليه السلم‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬النبياء قادة‪ ،‬والفقهاء سادة‪ ،‬ومجالستهم‬
‫زيادة‪ ،‬وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة‪ ،‬وأعمال محفوظة‪،‬‬
‫والموت يأتيكم بغتة‪ ،‬فمن يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد‬
‫ندامة‪ - 26 .‬ما )‪ :(1‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن محمد بن جعفر‬
‫الرزاز‪ ،‬عن جده محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن الفضيل الصيرفي‪ ،‬عن‬
‫الرضا‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬قال رجل للنبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬يا رسول ال علمني عمل صالحا ل يحال بينه وبين‬
‫الجنة ؟ قال‪ :‬ل تغضب‪ ،‬ول تسأل شيئا‪ ،‬وارض للناس ما ترضى لنفسك‪،‬‬
‫فقال يا رسول ال زدني قال‪ :‬إذا صليت العصر فاستغفر ال سبعا وسبعين‬
‫مرة تحط عنك عمل سبع وسبعين سيئة قال‪ :‬مالي سبع وسبعون سيئة‪،‬‬
‫فقال له رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬فاجعلها لك ولبيك‪ ،‬قال‪ :‬مالي‬
‫ولبي سبع وسبعون سيئة فقال له رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اجعلها‬
‫لك ولبيك ولمك‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول ال مالي ولبي وامي سبع وسبعون سيئة‬
‫قال‪ :‬اجعلها لك ولبيك وامك ولقرابتك‪ - 27 .‬ما )‪ :(2‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي‬
‫المفضل‪ ،‬عن الحسن بن علي بن سهل العاقولي‪ ،‬عن موسى بن عمر بن‬
‫يزيد‪ ،‬عن معمر بن خلد‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬جاء أبو أيوب خالد بن زيد إلى رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫فقال‪ :‬يا رسول ال أوصني واقلل لعلي أن أحفظ قال‪ :‬اوصيك بخمس‪:‬‬
‫باليأس عما في أيدي الناس‪ ،‬فإنه الغنى‪ ،‬وإياك والطمع فانه الفقر‬
‫الحاضر‪ ،‬وصل صلة مودع وإياك وما تعتذر منه‪ ،‬وأحب لخيك ما تحب‬
‫لنفسك‪ - 28 .‬ما )‪ :(3‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن النعمان بن‬
‫أحمد‪ ،‬عن محمد‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .121‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .122‬المصدر ج ‪ 2‬ص‬


‫‪.125‬‬

‫]‪[124‬‬

‫ابن شبعة‪ ،‬عن حفص بن عمر‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن عمر بن علي بن أبي‬
‫طالب عن الباقر‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من كثر همه سقم بدنه‪ ،‬ومن ساء خلقه‬
‫عذب نفسه‪ ،‬ومن لحى الرجل سقطت مروته وذهبت كرامته‪ ،‬ثم قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬لم يزل جبرئيل عليه السلم ينهاني عن‬
‫ملحاة الرجال كما ينهاني عن شرب الخمر وعبادة الوثان‪ - 29 .‬ل )‪:(1‬‬
‫عن العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن بكر بن صالح عن‬
‫الحسن بن فضال‪ ،‬عن عبد ال بن إبراهيم‪ ،‬عن الحسين بن زيد‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬إن أسرع الخير ثوابا البر‪ ،‬وإن أسرع الشر عقابا البغي‪ ،‬وكفى‬
‫بالمرء عيبا أن ينظر من الناس إلى ما يعمى عنه من نفسه‪ ،‬ويعير الناس‬
‫بما ل يستطيع تركه‪ ،‬ويؤذي جليسه بما ل يعنيه‪ - 30 .‬مع )‪ :(2‬عن‬
‫الوراق‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن إبراهيم بن ]معروف‪ ،‬عن إبراهيم ابن[ مهزيار‪،‬‬
‫عن أخيه علي‪ ،‬عن الحسن بن سعيد‪ ،‬عن الحارث بن محمد بن النعمان‬
‫عن جميل بن صالح‪ ،‬عن أبي عبد ال الصادق‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أحب أن يكون أكرم الناس‬
‫فليتق ال عزوجل‪ ،‬ومن أحب أن يكون أتقى الناس فليتوكل على ال‪ ،‬ومن‬
‫أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند ال عزوجل أوثق منه بما في‬
‫يده‪ .‬ثم قال عليه السلم‪ :‬أل انبئكم بشر الناس ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‬
‫قال‪ :‬من أبغض الناس وأبغضه الناس‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل انبئكم بشر من هذا‪ :‬؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال قال‪ :‬الذي ل يقيل عثرة‪ ،‬ول يقبل معذرة‪ ،‬ول يغفر‬
‫ذنبا‪ .‬قال‪ :‬أل انبئكم بشر من هذا ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬الذي ل‬
‫يؤمن شره‪ ،‬ول يرجى خيره‪ .‬وإن عيسى بن مريم عليه السلم قام في بني‬
‫إسرائيل فقال‪ :‬يا بني إسرائيل ل تحدثوا‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .54‬معاني الخبار ص ‪ 196‬تحت رقم ‪.2‬‬

‫]‪[125‬‬

‫بالحكمة الجهال فتظلموها ول تمنعوها أهلها فتظلموهم‪ ،‬ول تعينوا الظالم على‬
‫ظلمه فيبطل فضلكم‪ .‬المور ثلثة أمر تبين لك رشده فاتبعه‪ ،‬وأمر تبين لك‬
‫غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى ال عزوجل‪ - 31 .‬مع )‪ :(1‬عن‬
‫ابن الوليد‪ ،‬عن ابن أبان‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن فضاله‪ ،‬عن أبان‪،‬‬
‫عن إسحاق بن إبراهيم قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬وجد في ذؤابة‬
‫سيف رسول ال صلى ال عليه وآله صحيفة فإذا فيها مكتوب بسم ال‬
‫الرحمن الرحيم إن أعتى الناس على ال يوم القيامة من قتل غير قاتله‪،‬‬
‫ومن ضرب غير ضاربه‪ ،‬ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل ال‬
‫تعالى على محمد صلى ال عليه وآله ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا لم‬
‫يقبل ال تعالى منه يوم القيامة صرفا ول عدل‪ .‬قال‪ :‬ثم قال‪ :‬تدري ما يعني‬
‫بقوله " من تولى غير مواليه " قلت‪ :‬ما يعني به ؟ قال‪ :‬يعني أهل الدين‪.‬‬
‫والصرف التوبة في قول أبي جعفر عليه السلم والعدل الفداء في قول أبي‬
‫عبد ال عليه السلم‪ - 32 .‬ف )‪ :(2‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬ما لي‬
‫أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذا الدنيا‬
‫على غيرهم كتب‪ ،‬وكأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب‪ ،‬وحتى كأن‬
‫ما يسمعون من خبر الموات قبلهم عندهم كسبيل قوم سفر عما قليل إليهم‬
‫راجعون )‪ (3‬تبوؤنهم أجداثهم وتأكلون تراثهم‪ ،‬وأنتم مخلدون بعدهم‪،‬‬
‫هيهات هيهات أما يتعظ آخرهم بأولهم‪ ،‬لقد جهلوا ونسوا كل موعظة في‬
‫كتاب ال‪ ،‬وأمنوا شر كل عاقبة سوء‪ ،‬ولم يخافوا نزول فادحة )‪ (4‬ول‬
‫بوائق كل حادثة‪.‬‬
‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ 379‬تحت رقم ‪ (2) .3‬التحف ص ‪ (3) .29‬يعنى أنهم إذا‬
‫سمعوا بموت فلن مثل يظنون أنه قد سافر إلى مكان في الرض ثم‬
‫يرجع إليهم ثانيا بعد مضى ايام‪ .‬وقوله " تبوؤنهم اجداثهم " في الكافي‬
‫" بيوتهم اجداثهم " وسياتى تفسيره‪ (4) .‬الفادحة‪ :‬النازلة والفادح‬
‫الصعب المثقل‪ .‬والبوائق جمع البائقة وهى الداهية والشر‪.‬‬

‫]‪[126‬‬

‫طوبى لمن شغله خوف ال عن خوف الناس‪ .‬طوبى لمن طاب كسبه‪ ،‬وصلحت‬
‫سريرته‪ ،‬وحسنت علنية‪ ،‬واستقامت خليقته طوبى لمن أنفق الفضل من‬
‫ماله‪ ،‬وأمسك الفضل من قوله‪ .‬طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين‬
‫من إخوانه‪ .‬طوبى لمن تواضع ل عز ذكره وزهد فيما أحل له من غير‬
‫رغبة عن سنتي ورفض زهرة الدنيا )‪ (1‬من غير تحول عن سنتي‪ ،‬واتبع‬
‫الخيار من عترتي من بعدي‪ ،‬وخالط أهل الفقه والحكمة‪ ،‬ورحم أهل‬
‫المسكنة‪ .‬طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مال من غير معصيته‪ ،‬وعاد به‬
‫على أهل المسكنة )‪ (2‬وجانب أهل الخيلء والتفاخر والرغبة في الدنيا‪،‬‬
‫المبتدعين خلف سنتي )‪ (3‬العاملين بغير سيرتي‪ .‬طوبى لمن حسن مع‬
‫الناس خلقه‪ ،‬وبذل لهم معونته‪ ،‬وعدل عنهم شره‪ - 33 .‬ف )‪ :(4‬وصيته‬
‫صلى ال عليه وآله لمعاذ بن جبل )‪ (5‬لما بعثه إلى اليمن يا معاذ‬

‫)‪ (1‬المراد بها بهجتها وغضارتها‪ (2) .‬يعنى صرفه فيهم‪ (3) .‬المبتدع صاحب‬
‫البدعة‪ (4) .‬المصدر ص ‪ (5) .25‬معاذ بن جبل بضم الميم انصاري‬
‫خزرجي‪ ،‬يكنى أبا عبد الرحمن‪ ،‬أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة‪ ،‬وشهد‬
‫ليلة العقبة مع السبعين ‪ -‬من أهل يثرب )المدينة( ‪ -‬وشهد مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله المشاهد‪ ،‬وبعثه صلى ال عليه وآله إلى اليمن بعد‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬في سنة العاشر‪ ،‬وعاش إلى أن توفى في طاعون عمواس‬
‫بناحية الردن سنة ثمان عشرة في خلفة عمر‪ .‬ولما بعثه صلى ال عليه‬
‫وآله إلى اليمن شيعه صلى ال عليه وآله ومن كان معه من المهاجرين‬
‫والنصار ‪ -‬ومعاذ راكب‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وآله يمشى إلى‬
‫جنبه‪ ،‬ويوصيه‪ .‬فقال معاذ يا رسول ال‪ :‬أنا راكب وأنت تمشى أل انزل‬
‫فامشي معك ومع أصحابك ؟ فقال‪ :‬يا معاذ انما أحتسب خطاى هذه في‬
‫سبيل ال‪ .‬ثم أوصاه بوصايا ‪ -‬ذكرها الفريقين مشروحا وموجزا في‬
‫كتبهم ‪ -‬ثم التفت صلى ال عليه وآله‪ ،‬فاقبل بوجهه نحو المدينة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ان أولى الناس بى المتقون من كانوا وحيث كانوا‪.‬‬

‫]‪[127‬‬
‫علمهم كتاب ال وأحسن أدبهم على الخلق الصالحة‪ ،‬وأنزل الناس منازلهم‬
‫خيرهم وشرهم )‪ (1‬وأنفذ فيهم أمر ال ول تحاش في أمره ول ماله أحدا )‬
‫‪ (2‬فانها ليست بوليتك ول مالك‪ ،‬وأد إليهم المانة في كل قليل وكثير‪،‬‬
‫وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحق )‪ (3‬يقول الجاهل‪ :‬قد تركت من‬
‫حق ال‪ ،‬واعتذر إلى أهل عملك من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب )‬
‫‪ (4‬حتى يعذروك‪ ،‬وأمت أمر الجاهلية إل ما سنه السلم‪ ،‬وأظهر أمر‬
‫السلم كله صغيره وكبيره‪ ،‬وليكن أكثر همك الصلة فانها رأس السلم‬
‫بعد القرار بالدين‪ ،‬وذكر الناس بال واليوم الخر واتبع الموعظة فانه‬
‫أقوى لهم على العمل بما يحب ال‪ ،‬ثم بث فيهم المعلمين واعبد ال الذي‬
‫إليه ترجع‪ ،‬ول تخف في ال لومة لئم‪ .‬واوصيك بتقوى ال‪ ،‬وصدق‬
‫الحديث‪ ،‬والوفاء بالعهد‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وترك الخيانة‪ ،‬ولين الكلم‪ ،‬وبذل‬
‫السلم‪ ،‬وحفظ الجار‪ ،‬ورحمة اليتيم‪ ،‬وحسن العمل وقصر المل‪ ،‬وحب‬
‫الخرة‪ ،‬والجزع من الحساب‪ ،‬ولزوم اليمان‪ ،‬والفقه في القرآن‪ ،‬وكظم‬
‫الغيظ‪ ،‬وخفض الجناح )‪ (5‬وإياك أن تشتم مسلما‪ ،‬أو تطيع آثما أو تعصي‬
‫إماما عادل‪ ،‬أو تكذب صادقا‪ ،‬أو تصدق كاذبا‪ ،‬واذكر ربك عند كل شجر‬
‫وحجر‪ ،‬وأحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلنية بالعلنية‪ .‬يا معاذ لول‬
‫أنني أرى أل نلتقي إلى يوم القيامة لقصرت في الوصية ولكنني‬

‫)‪ (1‬أي أنزل الناس منازلهم على قدرهم وشؤونهم من الخير وشر‪ (2) .‬ل تحاش‬
‫من حاش يحاش أي نزه والمراد أنك ل تكترث بما تفعله ول تخاف من‬
‫أحد ول تستوحش منهم‪ (3) .‬في بعض النسخ " من غير ترك للحق "‪) .‬‬
‫‪ (4‬يعنى أن في كل أمر خشيت أن يسرع اليك عيب منه تقدم العذر قبل أن‬
‫يعذروك‪ (5) .‬الخفض‪ :‬الغض والخفاء وأيضا خفض ضد رفع وبمعنى‬
‫اللين والسهل‪ ،‬والجناح ما يطير به الطائر وخفض الجناح كناية عن‬
‫التواضع‪.‬‬

‫]‪[128‬‬

‫أرى أن ل نلتقي أبدأ )‪ (1‬ثم اعلم يا معاذ إن أحبكم إلي من يلقاني على مثل الحال‬
‫التي فارقني عليها )‪ - 34 .(2‬ف )‪ :(3‬من كلمه صلى ال عليه وآله‪ :‬إن‬
‫لكل شئ شرفا وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة‪ ،‬من أحب أن يكون‬
‫أعز الناس فليتق ال‪ ،‬ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على ال‪،‬‬
‫ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد ال أوثق منه بما في يده‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أل انبئكم بشرار الناس ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬من نزل‬
‫وحده‪ ،‬ومنع رفده )‪ (4‬وجلد عبده‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل انبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا‪:‬‬
‫بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬من ل يرجي خيره‪ ،‬ول يؤمن شره‪ .‬ثم قال‪ :‬أل‬
‫انبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال قال‪ :‬من ل يقيل عثرة‪ ،‬ول‬
‫يقبل معذرة‪ .‬ثم قال‪ :‬أل انبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫من يبغض الناس ويبغضونه‪ .‬إن عيسى عليه السلم قام خطيبا في بني‬
‫إسرائيل فقال‪ :‬يا بني إسرائيل ل تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها‪،‬‬
‫ول تمنعوها أهلها فتظلموهم‪ ،‬ول تظلموا ول تكافئوا‬

‫)‪ (1‬هذا البيان تصريح بموته صلى ال عليه وآله وأن معاذا لن يراه بعد اليوم‬
‫ومقامه هذا‪ ،‬فانه صلى ال عليه وآله ودعه وانصرف وسار معاذ إلى‬
‫اليمن حتى أتى صنعاء اليمن فمكث أربعة عشر شهرا ثم رجع إلى المدينة‬
‫فلما دخلها فقد مات رسول ال صلى ال عليه وآله‪ (2) .‬لعل في هذا‬
‫البيان اشارة إلى معاذ بانك لو تلقاني يوم القيامة على مثل هذه الحال ولم‬
‫تتغير حالك في مستقبل الزمان ولم تنحرف عن طريقي بعد وفاتي تكون‬
‫محبوبا عندي ولكن قيل في حقه‪ :‬انه من أصحاب الصحيفة وهم الذين‬
‫كتبوا صحيفة واشترطوا على أن يزيلو المامة عن على عليه السلم‪.‬‬
‫وممن قوى خلفة أبى بكر‪ (3) .‬التحف ص ‪ (4) .27‬الرفد بالسكر‪:‬‬
‫العطاء والصلة وهو اسم من رفده رفدا من باب ضرب أي أعطاه وأعانه‪.‬‬
‫والظاهر أنه اعم من منع الحقوق الواجبة والمستحبة‪.‬‬

‫]‪[129‬‬

‫ظالما فيبطل )‪ (1‬فضلكم يا بني إسرائيل المور ثلثة أمر بين رشده فاتبعوه‪ ،‬وأمر‬
‫بين غيه فاجتنبوه‪ ،‬وأمر اختلف فيه فردوه إلى ال‪ .‬أيها الناس إن لكم‬
‫معالم فانتهوا إلى معالمكم‪ ،‬وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم‪ ،‬إن المؤمن‬
‫بين مخافتين أجل قد مضى ل يدري ما ال صانع فيه‪ ،‬وبين أجل قد بقي ل‬
‫يدري ما ال قاض فيه فليأخذ العبد لنفسه من نفسه‪ ،‬ومن دنياه لخرته‪،‬‬
‫ومن الشيبة قبل الكبر‪ ،‬ومن الحياة قبل الموت‪ ،‬والذي نفسي بيده ما بعد‬
‫الموت من مستعتب )‪ (2‬وما بعد الدنيا دار إل الجنة والنار‪ - 35 .‬سن )‪:(3‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن عمرو بن جميع رفعه قال‪ :‬قال سلمان الفارسي‬
‫)ره(‪ :‬أوصاني خليلي بسبعة خصال ل أدعهن على كل حال‪ .‬أوصاني أن‬
‫أنظر إلى من هو دوني ول أنظر إلى من هو فوقي‪ ،‬وأن احب الفقراء وأدنو‬
‫منهم وأن أقول الحق وإن كان مرا‪ ،‬وأن أصل رحمي‪ ،‬وإن كانت مدبرة‪،‬‬
‫ول أسأل الناس شيئا وأوصاني أن أكثر من قول " ل حول ول قوة إل بال‬
‫العلي العظيم " فانها كنز من كنوز الجنة‪ - 36 .‬سن )‪ :(4‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫القاسم‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬أتى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله رجل فقال‪ :‬علمني يا رسول ال فقال‪ :‬عليك‬
‫باليأس عما في أيدي الناس فانه الغنى الحاضر‪ ،‬قال‪ :‬زدني يا رسول ال‪،‬‬
‫قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬كافأ الرجل على ما كان منه جازاه‪ .‬كافأ فلنا راقبه وقابله‪ ،‬صار نظيرا له‬
‫وساواه‪ (2) .‬المستعتب‪ :‬طلب العتبى أي السترضاء والمراد أن بعد‬
‫الموت ل يكون ما يوجب الرضا لن زمان العمال قد انقضى وختم‬
‫ديوانها ولعل أصل العتبى الرضا والفرح من الرجوع عن الذنب والساءة‬
‫وهذا المعنى ل يمكن الوصول إليه ال في دار الدنيا‪ ،‬وقبل الموت فليس‬
‫بعد الموت من استرضاء بهذا المعنى‪ (3) .‬المحاسن ص ‪ 11‬باب ‪(4) .7‬‬
‫المحاسن ص ‪ 16‬باب ‪.10‬‬

‫]‪[130‬‬

‫إياك والطمع فانه الفقر الحاضر‪ ،‬قال‪ :‬زدني يا رسول ال قال‪ :‬إذا هممت بأمر فتدبر‬
‫عاقبته فان يك خيرا ورشدا فاتبعه‪ ،‬وإن يك غيا فدعه‪ - 37 .‬سن )‪ :(1‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن يحيى الحلبي‪ ،‬عن أيوب بن عطية قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن عليا عليه السلم وجد كتابا في قراب سيف‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله مثل الصبع فيه إن أعتى الناس على ال‬
‫القاتل غير قاتله‪ ،‬والضارب غير ضاربه‪ ،‬ومن والى غير مواليه فقد كفر‬
‫بما أنزل ال على محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬ومن أحدث حدثا أو آوى‬
‫محدثا فل يقبل ال منه صرفا ول عدل‪ ،‬ول يجوز لمسلم أن يشفع في حد‪.‬‬
‫‪ - 38‬جا )‪ :(2‬عن محمد بن جعفر التميمي‪ ،‬عن هشام بن يونس النهشلي‪،‬‬
‫عن يحيى بن يعلى‪ ،‬عن أحمد بن محمد العرج‪ ،‬عن عبد ال بن حارث‪،‬‬
‫عن عبد ال بن مسعود قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬عجب‬
‫لغافل وليس بمغفول عنه‪ ،‬وعجب لطالب الدنيا والموت يطلبه‪ ،‬وعجب‬
‫لضاحك ملء فيه وهو ل يدري أرضي ال أم سخط له‪ - 39 .‬جا )‪ :(3‬عن‬
‫أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف عن ابن مهزيار‪،‬‬
‫عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن منصور بن يونس‪ ،‬عن أبي خالد القماط عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬خطب رسول ال صلى ال عليه وآله يوم‬
‫منى فقال‪ :‬نضر ال )‪ (4‬عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها‪،‬‬
‫فكم من حامل فقه غير فقيه‪ ،‬وكم حامل فقه إلى من هو أفقه منه‪ ،‬ثلثة ل‬
‫يغل عليها قلب عبد مسلم )‪ (5‬إخلص العمل ل‪ ،‬و النصيحة لئمة‬
‫المسلمين‪ ،‬واللزوم لجماعتهم‪ ،‬فان دعوتهم محيطة من ورائهم‪ ،‬المسلمون‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ 17‬باب ‪ (2) .10‬مجالس المفيد ص ‪ (3) .45‬المصدر ص ‪.110‬‬


‫)‪ (4‬في النهاية‪ :‬نضره ونضره وأنضره أي نعمه ويروى بالتخفيف‬
‫والتشديد من النضارة وهى في الصل حسن الوجه والبريق وانما أراد‬
‫حسن خلقه وقدره‪ (5) .‬الغل الخيانة والحقد‪.‬‬

‫]‪[131‬‬

‫إخوة تتكافي دمائهم‪ ،‬وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم )‪- 40 .(1‬‬
‫كشف )‪ (2‬من كتاب الحافظ عبد العزيز‪ ،‬عن سليمان بن بلل قال‪ :‬حدثني‬
‫جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد ال يقول‪ :‬كانت خطبة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله يوم الجمعة يحمد ال ويثني عليه ثم يقول‬
‫أثر ذلك وقد عل صوته واشتد غضبه واحمرت وجنتاه كأنه منذر جيش‪:‬‬
‫صبحكم أو مساكم ثم يقول‪ :‬بعثت والساعة كهاتين ثم أشار بالسبابة‬
‫والوسطى التي تلي البهام ثم يقول‪ :‬إن أفضل الحديث كتاب ال عزوجل‬
‫وخير الهدى هدى محمد‪ ،‬وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة‪ ،،‬فمن‬
‫ترك مال فلهله‪ ،‬ومن ترك دينا أو ضياعا فالي )‪ - 14 .(3‬جع )‪ :(4‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬العفاف زينة البلء‪ ،‬والتواضع زينة‬
‫الحسب‪ ،‬والفصاحة زينة الكلم‪ ،‬والعدل زينة اليمان‪ ،‬والسكينة زينة‬
‫العبادة‪ ،‬والحفظ زينة الرواية‪ ،‬وحفظ الحجاج زينة العلم‪ ،‬وحسن الدب‬
‫زينة العقل‪ ،‬وبسط الوجه زينة الحلم‪ ،‬واليثار زينة الزهد‪ ،‬وبذل الموجود‬
‫زينة اليقين‪ ،‬والتقلل زينة القناعة‪ ،‬وترك المن زينة المعروف‪ ،‬والخشوع‬
‫زينة الصلة‪ ،‬وترك ما ل يعني زينة الورع‪ - 42 .‬كا )‪ :(5‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫سهل‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن الحسن بن السري عن أبي مريم‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد ال يقول‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من‬
‫حجة الوداع‬

‫)‪ (1‬سئل الصادق عليه السلم عن معناه فقال عليه السلم‪ :‬لو أن جيشا من‬
‫المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل منهم فقال‪ :‬أعطوني‬
‫المان حتى القى صاحبكم أناظره فأعطاهم أدناهم المان وجب على‬
‫أفضلهم الوفاء به )مجمع البحرين(‪ (2) .‬كشف الغمة ج ‪ 2‬ص ‪(3) .375‬‬
‫كذا‪ (4) .‬جامع الخبار ص ‪ 143‬الفصل التاسع والسبعون‪ (5) .‬الكافي ج‬
‫‪ 8‬ص ‪ 168‬تحت رقم ‪.190‬‬

‫]‪[132‬‬

‫فوقف علينا فسلم ورددنا عليه السلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬مالي أرى حب الدنيا قد غلب على‬
‫كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب‪ ،‬وكأن‬
‫الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب‪ ،‬وحتى كأن لم يسمعوا ويروا من‬
‫خبر الموات قبلهم سبيلهم سبيل قوم سفر )‪ (1‬عما قليل إليهم راجعون‪،‬‬
‫بيوتهم أجداثهم‪ ،‬ويأكلون تراثهم يظنون أنهم مخلدون بعدهم )‪ (2‬هيهات‬
‫هيهات أما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل وعظ في كتاب ال‪،‬‬
‫وأمنوا شر كل عاقبة سوء‪ ،‬ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة )‪.(3‬‬
‫طوبى لمن شغله خوف ال عزوجل عن خوف الناس‪ .‬طوبى لمن منعه‬
‫عيبه‪ ،‬عن عيوب المؤمنين من إخوانه‪ .‬طوبى لمن تواضع ل عز ذكره‬
‫وزهد فيما أحل ال له من غير رغبة عن سيرتي‪ ،‬ورفض زهرة الدنيا من‬
‫غير تحول عن سنتي‪ ،‬واتبع الخيار من عترتي من بعدي‪ ،‬وجانب أهل‬
‫الخيلء والتفاخر والرغبة في الدنيا‪ ،‬المبتدعين خلف سنتي العاملين بغير‬
‫سيرتي‪.‬‬

‫)‪ (1‬السفر جمع مسافر فيحتمل ارجاع الضمير في قوله‪ " :‬سبيلهم " إلى الحياء‬
‫وفى قوله‪ " :‬إليهم " إلى الموات أي هؤلء الحياء مسافرون يقطعون‬
‫منازل اعمارهم من السنين والشهور حتى يلحقوا بهؤلء الموات‬
‫ويحتمل العكس في ارجاع الضميرين فالمراد أن سبيل هؤلء الموات‬
‫عند هؤلء الحياء لعدم اتعاظهم بموتهم وعدم مبالتهم سبيل قوم كانوا‬
‫ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون إليهم ويؤيده ما في النهج وتفسير‬
‫القمى " وكان الذى نرى من الموات سفر عما قليل الينا راجعون "‪) .‬‬
‫‪ (2‬الجداث جمع الجدث وهو القبر أي يرون أن بيوت هؤلء الموات‬
‫اجداثهم ومع ذلك يأكلون تراثهم أو يريدون أن تراث هؤلء قد زالت‬
‫عنهم وبقى في ايديهم ومع ذلك ل يتعظون ويظنون أنهم مخلدون بعدهم‪.‬‬
‫والتراث‪ :‬ما يخلفه الرجل لورثته‪ .‬والظامر أنه وقع في نسخ الكتاب‬
‫تصحيف والصوب ما في النهج " نبوؤهم اجداثهم ونأكل تراثهم " وفى‬
‫التفسير " ننزلهم اجداثهم "‪ (3) .‬الفادحة النازلة‪.‬‬

‫]‪[133‬‬

‫طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مال من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد‬
‫به على أهل المسكنة‪ .‬طوبى لمن حسن مع الناس خلقه‪ ،‬وبذل لهم معونته‪،‬‬
‫وعدل عنهم شره‪ .‬طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وأمسك قوله عن‬
‫الفضول وقبيح الفعل‪ - 43 .‬ختص )‪ :(1‬خطب النبي صلى ال عليه وآله‬
‫لما أراد الخروج إلى تبوك بثنية الوداع فقال بعد أن حمد ال وأثنى عليه‪:‬‬
‫أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب ال‪ ،‬وأوثق العرى كلمة التقوى‪ ،‬وخير‬
‫الملل ملة إبراهيم‪ ،‬وخير السنن سنة محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬وأشرف‬
‫الحديث ذكر ال‪ ،‬وأحسن القصص القرآن‪ ،‬وخير المور عزائمها‪ ،‬وشر‬
‫المور محدثاتها‪ ،‬وأحسن الهدى هدى النبياء‪ ،‬وأشرف القتل قتل‬
‫الشهداء‪ ،‬وأعمى الهدى الضللة بعد الهدى‪ ،‬وخير العمال ما نفع‪ ،‬وخير‬
‫الهدى ما اتبع‪ ،‬وشر العمى عمى القلب‪ ،‬واليد العليا خير من اليد السفلى‪،‬‬
‫وما قل وكفى خير مما كثر وألهى‪ ،‬وشر المعذرة حين يحضر الموت‪ ،‬وشر‬
‫الندامة ندامة يوم القيامة‪ ،‬ومن الناس من ل يأتي الجمعة إل نذرا‪ ،‬ومنهم‬
‫من ل يذكر ال إل هجرا‪ ،‬ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب‪ ،‬وخير الغنى‬
‫غنى النفس‪ ،‬وخير الزاد التقوى‪ ،‬ورأس الحكمة مخافة ال وخير ما القي‬
‫في القلب اليقين‪ ،‬والرتياب من الكفر‪ ،‬والنياحة من عمل الجاهلية والغلول‬
‫من جمر جهنم‪ ،‬والسكر جمر من النار‪ ،‬والشعر من إبليس‪ ،‬والخمر جماع‬
‫الثام‪ ،‬والنساء حبالت إبليس‪ ،‬والشباب شعبة من الجنون‪ ،‬وشر المكاسب‬
‫كسب الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم‪ ،‬والسعيد من وعظ بغيره‪ ،‬والشقي‬
‫من شقي في بطن امه‪ ،‬وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع‪ ،‬والمر‬
‫إلى آخره‪ ،‬وملك العمل خواتيمه‪ ،‬وأربى الربا الكذب‪ ،‬وكل ما هو آت‬
‫قريب‪ ،‬وسباب المؤمن فسوق‪ ،‬وقتال المؤمن كفر وأكل لحمه معصية‪،‬‬
‫وحرمة ماله كحرمة دمه‪ ،‬ومن مال على ال يكذبه‪ ،‬ومن يعف يعفو ال‬
‫عنه‪ ،‬ومن كظم الغيظ يأجره ال‪ ،‬ومن يصبر على الرزية يعوضه ال‪ ،‬ومن‬
‫يتبع السمعة يسمع ال به‪ ،‬ومن يصم بصره‪ ،‬ومن‬

‫)‪ (1‬الختصاص ص ‪.342‬‬

‫]‪[134‬‬

‫يعص ال يعذبه ال‪ ،‬اللهم اغفر لي ولمتي‪ ،‬اللهم اغفر لي ولمتي أستغفر ال لي‬
‫ولكم‪ - 44 .‬ين‪ (1) :‬عن ابن علوان‪ ،‬عن عمرو بن خالد‪ ،‬عن زيد بن‬
‫علي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليه السلم قال‪ :‬استأذن رجل على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬يا رسول ال أوصني قال‪ :‬أوصيك أن ل تشرك‬
‫بال شيئا وإن قطعت وحرقت بالنار‪ ،‬ول تنهر والديك وإن أمراك على أن‬
‫تخرج من دنياك فاخرج منها‪ ،‬ول تسب الناس وإذا لقيت أخاك المسلم‬
‫فالقه ببشر حسن‪ ،‬وصب له من فضل دلوك‪ ،‬أبلغ من لقيت من المسلمين‬
‫عني السلم‪ ،‬وادع الناس إلى السلم‪ ،‬واعلم أن لك بكل من أجابك عتق‬
‫رقبة من ولد يعقوب‪ ،‬واعلم أن الصغيراء عليهم حرام يعني النبيذ وهو‬
‫الخمر وكل مسكر عليهم حرام‪ - 45 .‬ين )‪ :(2‬عن ابن أبي البلد‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬رفعه قال‪ :‬جاء أعرابي إلى النبي صلى ال عليه وآله فأخذ بغرز‬
‫راحلته وهو يريد بعض غزواته فقال‪ :‬يا رسول ال علمني عمل أدخل‬
‫الجنة ؟ فقال‪ :‬ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم‪ ،‬وما كرهت أن‬
‫يأتيه إليك فل تأته إليهم‪ ،‬خل سبيل الراحلة‪ - 46 .‬نوادر الراوندي‪(3) :‬‬
‫باسناده‪ ،‬عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال علي‪:‬‬
‫خطب بنا رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬أيها الناس إنكم في زمان‬
‫هدنة وأنتم على ظهر سفر‪ ،‬والسير بكم سريع‪ ،‬فقد رأيتم الليل والنهار‬
‫والشمس والقمر يبليان كل جديد‪ ،‬ويقربان كل بعيد‪ ،‬ويأتيان بكل وعد‬
‫ووعيد‪ ،‬فاعدوا الجهاز لبعد المجاز‪ ،‬فقام مقداد بن السود فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال فما تأمرنا نعمل ؟ فقال‪ :‬إنها دار بلء وابتلء وانقطاع وفناء فإذا‬
‫التبست عليكم المور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع‬
‫وما حل مصدق‪ ،‬من جعله أمامه قاده إلى الجنة‪ ،‬ومن جعله خلفه ساقه إلى‬
‫النار‪ ،‬ومن جعله الدليل يدله على السبيل‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬مخطوط‪ (3) .‬المصدر ص ‪ 21‬و ‪.22‬‬

‫]‪[135‬‬

‫وهو كتاب تفصيل وبيان تحصيل‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل‪ ،‬وله ظهر وبطن وظاهره‬
‫حكم ال وباطنه علم ال تعالى‪ ،‬فظاهره وثيق وباطنه عميق‪ ،‬له نجوم‬
‫وعلى نجومه نجوم )‪ (1‬ل تحصى عجائبه ول تبلى غرائبه‪ ،‬فيه مصابيح‬
‫الهدى ومنار الحكمة‪ ،‬ودليل على المعرفة لمن عرف النصفة‪ ،‬فليرع رجل‬
‫بصره وليبلغ النصفة نظره ينجو من عطب ويتخلص من نشب فان التفكر‬
‫حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات‪ ،‬والنور يحسن التخلص‬
‫ويقل التربص )‪ - 47 .(2‬وبهذا السناد قال‪ :‬قال علي عليه السلم‪ :‬خطبنا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬أيها الناس الموتة الموتة‪ ،‬الوحية‬
‫الوحية )‪ (3‬ل تردها سعادة أو شقاوة‪ ،‬جاء الموت بما فيه بالروح والراحة‬
‫لهل دار الحيوان الذي كان لها سعيهم وفيها جاء الموت بما فيه بالويل‬
‫والحسرة والكرة الخاسرة لهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم وفيها‬
‫رغبتهم بئس العبد عبد له وجهان يقبل بوجه ويدبر بوجه‪ ،‬إن اوتى أخوه‬
‫المسلم خيرا حسده‪ ،‬وإن ابتلى خذله‪ ،‬بئس العبد عبد أوله نطفة ثم يعود‬
‫جيفة ل يدري ما يفعل به فيما بين ذلك‪ ،‬بئس العبد عبد خلق للعبادة فألهته‬
‫العاجلة عن الجلة )‪ (4‬فاز بالرغبة العاجلة عن الجلة وشقي بالعاقبة‪،‬‬
‫بئس العبد عبد تجبر واختال ونسي الكبير المتعال بئس العبد عبد عتى‬
‫وبغى‪ ،‬ونسي الجبار العلى‪ ،‬بئس العبد عبد له هوى يضله ونفس تذله‪،‬‬
‫بئس العبد عبد له طمع يقوده إلى طبع‪ - 48 .‬ما )‪ :(5‬عن أحمد بن‬
‫عبدون‪ ،‬عن علي بن محمد بن الزبير‪ ،‬عن علي بن الحسن بن فضال‪ ،‬عن‬
‫العباس بن عمار‪ ،‬عن أحمد بن رزق‪ ،‬عن الفضيل بن يسار‬
‫)‪ (1‬في المصدر " له تخوم وعلى تخومه تخوم "‪ (2) .‬كذا في المصدر‪ (3) .‬كذا‬
‫والوحى الوحى ‪ -‬مقصورا ‪ :-‬أي البدار البدار‪ ،‬السرعة السرعة‪ ،‬العجلة‬
‫العجلة‪ ،‬وشئ وحى‪ :‬مسرع‪ ،‬فعيل بمعنى فاعل ومنه موت وحى أي‬
‫سريع وذكاة وحية بهاء‪ :‬سريعة‪ .‬وتوحى على تفعل‪ :‬أسرع‪ (4) .‬أي‬
‫شغلته وصرفته حب الدنيا عن الخرة أو الموت‪ (5) .‬المالى ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.287‬‬

‫]‪[136‬‬

‫قال‪ :‬سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول‪ :‬خرج رسول ال صلى عليه وآله يريد‬
‫حاجة فإذا هو بالفضل ابن العباس قال‪ :‬فقال‪ :‬احملوا هذا الغلم خلفي‪،‬‬
‫فاعتنق رسول ال صلى ال عليه وآله من خلفه على الغلم ثم قال‪ :‬يا‬
‫غلم خف ال تجده أمامك‪ ،‬يا غلم خف ال يكفك ما سواه وإذا سألت‬
‫فاسأل ال‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن بال‪ ،‬ولو أن جميع الخليق اجتمعوا على‬
‫أن يصرفوا عنك شيئا قد قدر لك لم يستطيعوا‪ ،‬ولو أن جميع الخليق‬
‫اجتمعوا على أن يصرفوا إليك شيئا لم يقدر لك لم يستطيعوا‪ ،‬واعلم أن‬
‫النصر مع الصبر وأن الفرح مع الكرب‪ ،‬وأن اليسر مع العسر‪ ،‬وكل ما هو‬
‫آت قريب إن ال يقول ولو أن قلوب عبادي اجتمعت على قلب أشقى عبدلي‬
‫ما نقصني ذلك من سلطاني جناح بعوضة‪ ،‬ولو أن قلوب عبادي اجتمعت‬
‫على قلب أسعد عبد لي ما زاد ذلك في سلطاني جناح بعوضة‪ ،‬ولو أني‬
‫أعطيت كل عبد ما سألني ما كان ذلك إل مثل إبرة جاءها عبد من عبادي‬
‫فغمسها في البحر وذلك أن عطائي كلم وعدتي كلم وإنما أقول لشئ كن‬
‫فيكون‪ - 49 .‬كتاب المامة والتبصرة )‪ :(1‬عن أحمد بن علي‪ ،‬عن محمد‬
‫بن الحسن الصفار‪ ،‬عن إبراهيم بن هاشم‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ " :‬السعيد من وعظ بغيره "‪.‬‬

‫)‪ (1‬قال المؤلف ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في المجلد الول ص ‪ 7‬في بيان الصول والكتب‬
‫المأخوذ منها‪ " :‬كتاب المامة والتبصرة من الحيرة للشيخ الجل أبى‬
‫الحسن على بن الحسين ابن موسى بن بابويه والد الصدوق ‪ -‬طيب ال‬
‫تربتهما ‪ -‬وأصل آخر منه أو من غيره من القدماء المعاصرين له‪ .‬ويظهر‬
‫من بعض القرائن أنه تأليف الشيخ الثقة الجليل هارون بن موسى‬
‫التعلكبرى ‪ -‬رحمه ال ‪ " -‬انتهى‪ .‬أقول‪ :‬وقال المولى الستاذ الشيخ آغا‬
‫بزرگ في الذريعة ج ‪ 2‬ص ‪ 342‬ما حاصله هذا الكتاب لبعض قدماء‬
‫الصحاب المعاصرين للشيخ الصدوق ول يمكن أن يكون من تأليفات‬
‫على بن بابويه لنه يروى مؤلفه فيه عن أبى محمد هارون بن موسى‬
‫التلعكبرى المتوفى سنة ‪ 385‬وأيضا عن أبى المفضل الشيباني المتوفى‬
‫سنة ‪ .387‬وعن الحسن بن حمزة العلوى ‪-‬‬

‫]‪[137‬‬

‫* )باب ‪) * * (7‬ما جمع من مفردات كلمات الرسول صلى ال عليه وآله( * "‬
‫)وجوامع كلمه( " أقول‪ :‬قد أورد القاضي القضاعي من العامة شطرا من‬
‫كلماته صلى ال عليه وآله في كتاب الشهاب ثم جمع بينها وبين كلمات‬
‫علي عليه السلم الشيخ أبو السعادات أسعد بن عبد القاهر الصفهاني من‬
‫أصحابنا في كتاب مجمع البحرين ومطلع السعادتين أيضا وأوردها أيضا‬
‫جماعة اخرى أيضا من الخاصة والعامة في مطاوي الكتب المؤلفة في ذكر‬
‫جوامع كلماتهما و كلمات سائر السادة المعصومين كما سيجئ الشارة إليه‬
‫في باب ما جمع من جوامع كلم أمير المؤمنين عليه السلم‪ - 1 .‬ف )‪:(1‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وآله كفى بالموت واعظا‪ ،‬وكفى بالتقى غنى‪،‬‬
‫وكفى بالعبادة شغل‪ ،‬وكفى بالقيامة موئل )‪ (2‬وبال مجازيا‪ - 2 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬خصلتان ليس فوقهما من البر شئ‪ :‬اليمان بال‬
‫والنفع لعباد ال‪ ،‬وخصلتان ليس فوقهما من الشر شئ الشرك بال والضر‬
‫لعباد ال‪ - 3 .‬وقال له رجل‪ :‬أوصني بشئ ينفعني ال به‪ ،‬فقال‪ :‬أكثر ذكر‬
‫الموت‬

‫= < وعن سهل بن أحمد الديباجي المتوفى بعد سنة ‪ .370‬وعن أحمد بن على‬
‫الراوى عن محمد بن الحسن بن الوليد الذى توفى سنة ‪ 343‬فكيف يكون‬
‫من يروى عن هؤلء المشايخ المتأخرين هو والد الصدوق الذى توفى‬
‫سنة ‪ 329‬فان رواية المتقدم عصرا عن المتأخر وان وقعت في رواياتنا‬
‫لكن المقام ليس منها بشهادة أن الشيخ الصدوق مع اكثاره في الرواية‬
‫عن والده في جميع مؤلفاته لم يذكر رواية واحدة عن أحد من هؤلء‬
‫المشايخ الذين مر ذكرهم ممن يروى مؤلف المامة والتبصرة عنهم غالبا‬
‫فيه‪ (1) .‬التحف ص ‪ (2) .35‬الموئل‪ :‬الملجأ من وأل إليه وألو وؤل‪ :‬إذا‬
‫رجع إليه وطلب النجاة منه‪.‬‬

‫]‪[138‬‬

‫يسلك عن الدنيا )‪ (1‬وعليك بالشكر يزيد في النعمة‪ ،‬وأكثر من الدعاء فانك ل تدري‬
‫متى يستجاب لك‪ ،‬وإياك والبغي فان ال قضى أنه " من بغي عليه‬
‫لينصرنه ال " )‪ (2‬وقال‪ " :‬أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم " )‪(3‬‬
‫وإياك والمكر فان ال قضى " ول يحيق المكر السيئ إل بأهله " )‪- 4 .(4‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ستحرصون على المارة تكون حسرة وندامة‪،‬‬
‫فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة )‪ - 5 .(5‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬لن‬
‫يفلح قوم أسدوا أمرهم إلى امرأة )‪ - 6 .(6‬وقيل له عليه السلم‪ :‬أي‬
‫الصحاب أفضل ؟ قال‪ :‬إذا ذكرت أعانك‪ ،‬وإذا نسيت ذكرك‪ - 7 .‬وقيل‪ :‬أي‬
‫الناس شر ؟ قال صلى ال عليه وآله‪ :‬العلماء إذا فسدوا‪ - 8 .‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬أوصاني ربي بتسع‪ :‬أوصاني بالخلص في السر والعلنية‬
‫والعدل في الرضا والغضب‪ ،‬والقصد في الفقر والغنى‪ ،‬وأن أعفو عمن‬
‫ظلمني‪ ،‬واعطي‬

‫)‪ (1‬أي ينتزعك منها‪ (2) .‬مضمونها في سورة الحج‪ (3) .60 :‬يونس‪(4) .23 :‬‬
‫فاطر‪ .24 :‬وقوله " ل يحيق " أي ل يحيط و " ال بأهله " أي بالماكر‪.‬‬
‫)‪ (5‬الفطم‪ :‬القطع وفصل الولد عن الرضاع‪ .‬ولعل المراد فنعمت المارة‬
‫التى أرضعت الناس بلبنها واستفادوا منها‪ .‬وبئست المارة التى فطمت‬
‫الناس عن ارضاعها‪ .‬ولم يستفادوا منها‪ .‬وقال في النهاية‪ :‬ضرب‬
‫المرضعة مثل للمارة وما توصله إلى صاحبها من المنافع‪ ،‬وضرب‬
‫الفاطمة مثل للموت الذى يهدم عليه لذاته‪ (6) .‬في بعض نسخ المصدر "‬
‫اسندوا " والمعنى واحد‪ .‬والمراد بالمر الولية وذلك لنقصها وعجزها‬
‫لن الوالى مأمور بالبروز للقيام بشأن الرعية والمرأة عورة ل تصلح‬
‫لذلك فل يصح أن تتولى المارة ول القضاء وان ادعت القدرة على ذلك‬
‫فنفس تلك الدعاء دليل على عدم قابليتها‪.‬‬

‫]‪[139‬‬

‫من حرمني‪ ،‬وأصل من قطعني‪ ،‬وأن يكون صمتي فكرا‪ ،‬ومنطقي ذكرا‪ ،‬ونظري‬
‫عبرا )‪ - 9 .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬قيدوا العلم بالكتاب )‪- 10 .(2‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا ساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أذلهم‪،‬‬
‫واكرم الرجل الفاسق فلينتظر البلء‪ - 11 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن‪ - 12 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل‬
‫يزول المسروق منه في تهمة من هو بريئ حتى يكون أعظم جرما من‬
‫السارق )‪ - 13 .(3‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال يحب الجواد في حقه‪.‬‬
‫‪ - 14‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا كان امراؤكم خياركم وأغنياؤكم‬
‫سمحاءكم )‪ (4‬وأمركم شورى بينكم فظهر الرض خير لكم من بطنها‪ ،‬وإذا‬
‫كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلءكم واموركم إلى نسائكم فبطن‬
‫الرض خير لكم من ظهرها‪ - 15 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أصبح‬
‫وأمسى وعنده ثلث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا من أصبح وأمسى‬
‫معافا في بدنه‪ ،‬آمنا في سربه )‪ (5‬عنده قوت يومه فان كانت عنده‬
‫)‪ (1‬العبر جمع العبرة وهى العتبار والموعظة‪ (2) .‬قد كره كتابة الحديث جمع في‬
‫الصدر الول منهم ابن عباس ‪ -‬رضى ال عنه ‪ -‬واستدلوا بقوله صلى‬
‫ال عليه وآله " ل تكتبوا عنى شيئا غير القرآن " كما رواه مسلم لكن‬
‫هذه الرواية على فرض صحتها ل تنافي قوله " قيدوا العلم بالكتاب "‬
‫لن النهى فيها خاص بوقت نزول القرآن وذلك لخوف أن يشتبه بالقرآن‬
‫لنه نزل نجوما ولعل النهى مقدم والذن ناسخ عند أمن اللبس‪ .‬وبعض‬
‫المتأخرين من العامة كره كتابة العلم وعلل بان النسان ربما يتكل عليها‬
‫فل يحفظ شيئا في ذهنه‪ ،‬وهذا التعليل عليل جدا‪ (3) .‬يعنى من سرق ماله‬
‫قد يتهم زيدا وعمرا ومن هو بريئ حتى صار جرمه اعظم من السارق‪) .‬‬
‫‪ (4‬السمحاء جمع السامح وهو الجواد‪ (5) .‬السرب بفتح السين وسكون‬
‫الراء والباء الموحدة الوجهة والطريق والطريقة يقال فلن آمن في‬
‫سربه أي مطمئن في طريقته ومذهبه وقيل أي في نفسه‪.‬‬

‫]‪[140‬‬

‫الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والخرة‪ ،‬وهو اليمان‪ - 16 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر‪ ،‬وعالما ضاع في زمان جهال‪.‬‬
‫‪ - 17‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬خلتان )‪ (1‬كثير من الناس فيهما مفتون‬
‫الصحة والفراغ‪ - 18 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬جبلت القلوب على حب‬
‫من أحسن إليها وبغض من أساء إليها‪ - 19 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنا‬
‫معاشر النبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم‪ - 20 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ملعون من ألقى كله على الناس )‪ - 21 .(2‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬العبادة سبعة أجزاء‪ ،‬وأفضلها طلب الحلل‪ - 22 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬إن ال ل يطاع جبرا‪ ،‬ول يعصى مغلوبا‪ ،‬ولم يهمل العباد من‬
‫المملكة‪ ،‬ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه‪ ،‬والمالك لما ملكهم إياه فان‬
‫العباد إن استمروا )‪ (3‬بطاعة ال لم يكن منها مانع‪ ،‬ول عنها صاد‪ ،‬وإن‬
‫عملوا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبينها فعل‪ ،‬وليس من ]إن[ شاء أن‬
‫يحول بينك وبين شئ ]فعل[ ولم يفعله فأتاه الذي فعله كان هو الذي أدخله‬
‫فيه )‪ - 23 .(4‬وقال صلى ال عليه وآله لبنه إبراهيم وهو يجود بنفسه‪:‬‬
‫لول أن الماضي فرط الباقي وأن الخر لحق بالول )‪ (5‬لحزنا عليك يا‬
‫إبراهيم‪ ،‬ثم دمعت عينه وقال‪ :‬تدمع العين ويحزن القلب ول نقول إما ل‬
‫يرضى الرب‪ ،‬وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخلة ‪ -‬بالفتح ‪ -‬الخصلة‪ (2) .‬الكل‪ :‬الثقل والعيال والمؤونة‪ (3) .‬في بعض‬
‫نسخ المصدر " ائتمروا " بدون الشرطية واليتمار المتثال‪(4) .‬‬
‫توضيح ذلك أن مجرد القدرة على الحيلولة بين العبد وفعله ل يدل على‬
‫كونه تعالى فاعله إذ القدرة على المنع غير المنع ول يوجب اسناد الفعل‬
‫إليه سبحانه‪ (5) .‬الفرط ‪ -‬بفتحتين ‪ -‬السابق الوارد من القوم ليهيئ لهم‬
‫الدلء والرشاء والحياض ويستقى وهو فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى‬
‫تابع ومنه قوله صلى ال عليه وآله " أنا فرطكم على الحوض " أي‬
‫متقدمكم وسابقكم إليه‪.‬‬

‫]‪[141‬‬

‫‪ - 24‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الجمال في اللسان‪ - 25 .‬وقال صلى ال عليه‬


‫وآله‪ :‬ل يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكنه يقبض العلماء حتى إذا لم‬
‫يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهال‪ ،‬استفتوا فأفتوا بغير علم فضلوا و‬
‫أضلوا‪ - 26 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أفضل جهاد امتي انتظار الفرج )‬
‫‪ - 27 .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬مروتنا أهل البيت العفو عمن ظلمنا‬
‫وإعطاء من حرمنا‪ - 28 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أغبط أوليائي عندي‬
‫من امتي رجل خفيف الحال )‪ (2‬ذوحظ من صلة )‪ (3‬أحسن عبادة ربه في‬
‫الغيب‪ ،‬وكان غامضا في الناس )‪ (4‬وكان رزقه كفافا‪ ،‬فصبر عليه‪ ،‬إن‬
‫مات قل تراثه وقل بواكيه )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أي الترقب والتهيؤ له بحيث يصدق عليه اسم المنتظر وليس معناه ترك السعي‬
‫والعمل لنه ينافى معنى الجهاد‪ (2) .‬الغبطة‪ :‬حسن الحال والمسرة‬
‫وأصله من غبطه غبطا إذا عظم نعمة في عينه وتمنى مثل حاله من غير‬
‫أن يريد زوالها عنه‪ ،‬ورجل خفيف الحال يعنى قليل المال والحظ من‬
‫الدنيا‪ .‬والصح " خفيف الحاذ " بالذال المعجمة أي خفيف الظهر من‬
‫العيال كما ذكره اللغويون لكن في جميع النسخ " الحال " ولعله تصحيف‬
‫كما أن في بعض النسخ من المصدر " حفيف الحال " بالحاء المهملة‬
‫وهو أيضا بمعنى قليل المال والمعيشة‪ (3) .‬في بعض النسخ " ذوحظ من‬
‫صلح "‪ (4) .‬والغامض الضعيف والحقير وأصله المبهم والمخفى‪ ،‬يقال‬
‫نسب غامض أي ليعرف وغامضا في الناس يعنى من كان خفيا عنهم ل‬
‫يعرف سوى ال تعالى ومغمورا غير مشهور‪ (5) .‬في المصدر " فصبر‬
‫عليه ومات ‪ -‬الخ " والتراث ما تخلفه الرجل لورثته من الميراث وهو‬
‫مصدر والتاء فيه بدل من الواو والبواكى جمع باكية‪ ،‬وقلة بواكيه لقلة‬
‫عيالته‪ .‬ول در من نظم الحديث فقال‪ :‬أخص الناس باليمان عبد *‬
‫خفيف الحاذ مسكنه القفار له في الليل حظ من صلة * ومن صوم إذا‬
‫طلع النهار = <‬

‫]‪[142‬‬
‫‪ - 29‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما أصاب المؤمن من نصب ول وصب )‪ (1‬ول‬
‫حزن حتى الهم يهمه إل كفر ال به عنه من سيئاته‪ - 30 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬من أكل ما يشتهي‪ ،‬ولبس ما يشتهي‪ ،‬وركب ما يشتهي لم‬
‫ينظر ال إليه حتى ينزع أو يترك‪ - 31 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬مثل‬
‫المؤمن كمثل السنبلة تخر مرة وتستقيم مرة )‪ (2‬ومثل الكافر مثل الرزة‬
‫ل يزال مستقيما ل يشعر‪ .‬وسئل صلى ال عليه وآله من أشد الناس بلء‬
‫في الدنيا فقال‪ :‬النبيون ثم الماثل فالماثل ويبتلي المؤمن على قدر إيمانه‬
‫وحسن عمله )‪ (3‬فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلؤه‪ ،‬ومن سخف‬
‫إيمانه وضعف عمله قل بلؤه )‪ - 32 .(4‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬لو‬
‫كانت الدنيا تعدل عند ال مثل جناح بعوضة ما أعطى‬

‫= < وقوت النفس يأتي من كفاف * وكان له على ذاك اصطبار وفيه عفة وبه‬
‫خمول * إليه بالصابع ل يشار فذاك قد نجا من كل شر * ولم تمسسه‬
‫يوم البعث نار وقل الباكيات عليه لما * قضى نحبا وليس له يسار )‪(1‬‬
‫النصب‪ - :‬محركة ‪ -‬التعب‪ .‬والوصب ‪ -‬محركة ‪ -‬أيضا المرض والوجع‪) .‬‬
‫‪ (2‬السنبلة واحدة السنبل من الزرع ما كان في اعل سوقه‪ .‬والخر‬
‫السقوط من علو إلى سفل‪ .‬والرز شجر عظيم صلب كشجر الصنوبر‪.‬‬
‫شجرة آرزة أي ثابتة ولعل المراد به قلب المؤمن والكافر‪ ،‬فان قلب‬
‫المؤمن لرقته يتقلب أحواله مرة يسهل ومرة يصعب‪ ،‬بخلف قلب الكافر‬
‫فانه ل يزال يصعب وهى كالحجارة بل أشد قسوة‪ (3) .‬البلء ما يختبر‬
‫ويمتحن به من خير أو شر وأكثر ما يأتي مطلقا الشر وما اريد به الخير‬
‫يأتي مقيدا كما قال تعالى " بلء حسنا " وأصله المحسنة وال تعالى‬
‫يبتلى عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره وبما يكره ليمتحن به صبره‪.‬‬
‫وفى النهاية " فيه أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل " أي‬
‫الشرف فالشرف والعلى فالعلى في الرتبة والمنزلة‪ .‬والماثل جمع‬
‫المثل‪ .‬وأماثل القوم خيارهم " انتهى‪ (4) .‬سخف ‪ -‬كقرب ‪ -‬نقص‬
‫وضعف‪.‬‬

‫]‪[143‬‬

‫كافرا ول منافقا منها شيئا‪ - 33 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا دول )‪ (1‬فما كان‬
‫لك أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك‪ ،‬ومن انقطع‬
‫رجاءه مما فات استراح بدنه‪ ،‬ومن رضي بما قسمه ال قرت عينه‪- 34 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنه وال ما من عمل يقربكم من النار إل وقد‬
‫نبأتكم به ونهيتكم عنه‪ ،‬وما من عمل يقربكم إلى الجنة إل وقد نبأتكم به‬
‫وأمرتكم )‪ (2‬به فان الروح المين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى‬
‫تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب ول يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن‬
‫يطلبوا ما عند ال بمعاصيه‪ ،‬فانه ل ينال ما عند ال إل بطاعته )‪- 35 .(3‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬صوتان يبغضهما ال إعوال عند مصيبة‪،‬‬
‫ومزمار عند نعمة )‪ - 36 .(4‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬علمة رضى ال‬
‫عن خلقه رخص أسعارهم وعدل سلطانهم‪،‬‬

‫)‪ (1‬الدول‪ :‬جمع الدولة وهى ما يتداول من المال والغلبة‪ .‬والدنيا دول يعنى لثبات‬
‫لها ول قرار‪ ،‬بل تتغير فتكون مرة لهذا ومرة لذاك‪ (2) .‬منقول في الكافي‬
‫ج ‪ 74 - 2‬بلفظ أفصح‪ (3) .‬النفث‪ :‬اللقاء واللهام‪ .‬والروع بالفتح‬
‫فالسكون‪ :‬الفزع وبالضم موضع الفزع أعنى القلب فالمعنى في الحقيقة‬
‫واحد ال أن الروع بالفتح اسم للحدث أي الفزع وبالضم اسم للذات أي‬
‫القلب المفزع‪ .‬وروح المين لقب جبرئيل عليه السلم لنه يوحى وينفث‬
‫في القلب المفزع فيطمئنه ويأمنه من الفزع والضطراب‪ .‬ويستفاد منه‬
‫أن النسان وان بلغ أقصى مراتب الكمال وقد يعرض عليه ما يفزعه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أول موضع قال فيه رسول ال صلى ال عليه وآله ذلك كان في‬
‫احدى غزواته لما رأى أصحابه يسرعون إلى جمع الغنائم قال صلى ال‬
‫عليه وآله ذلك‪ .‬والجمال في الطلب ترك المبالغة فيه‪ (4) .‬العول والعولة‬
‫بالفتح فالسكون والعوال‪ :‬رفع الصوت بالبكاء‪ .‬والمزمار‪ :‬ما يترنم به‬
‫من الناشيد‪ .‬واللة التى يزمر فيها‪.‬‬

‫]‪[144‬‬

‫وعلمة غضب ال على خلقه جور سلطانهم وغلء أسعارهم )‪ - 37 .(1‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬أربع من كن فيه كان في نور ال العظم‪ :‬من كان عصمة‬
‫أمره شهادة أن ل إله إل ال وإني رسول ال‪ ،‬ومن إذا أصابته مصيبة قال‪:‬‬
‫إنا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ومن إذا أصاب خيرا قال‪ :‬الحمد ل ومن إذا‬
‫أصاب خطيئة قال‪ :‬أستغفر ال وأتوب إليه‪ - 38 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬من أعطى أربعا لم يحرم أربعا‪ :‬من اعطى الستغفار لم يحرم المغفرة‬
‫ومن اعطى الشكر لم يحرم الزيادة‪ ،‬ومن اعطى التوبة لم يحرم القبول‪ ،‬و‬
‫من اعطى الدعاء لم يحرم الجابة‪ - 39 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬العلم‬
‫خزائن ومفاتيحه السؤال فاسألوا رحمكم ال فانه يوجر أربعة‪ :‬السائل‪،‬‬
‫والمتكلم‪ ،‬والمستمع‪ ،‬والمحب لهم‪ - 40 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬سائلوا‬
‫العلماء‪ ،‬وخاطبوا الحكماء‪ ،‬وجالسوا الفقراء‪ - 41 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة‪ .‬وأفضل دينكم الورع‪- 42 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أفتى الناس بغير علم لعنه ملئكة السماء‬
‫والرض‪ - 43 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن عظيم البلء يكافئ به عظيم‬
‫الجزاء‪ ،‬فإذا أحب ال عبدا ابتله فمن رضي قلبه فله عند ال الرضى‪،‬‬
‫ومن سخط فله السخط )‪ - 44 .(2‬وأتاه رجل فقال‪ :‬يا رسول ال أوصني‬
‫فقال‪ :‬ل تشرك بال شيئا وإن حرقت بالنار وإن عذبت وإل وقلبك مطمئن‬
‫باليمان‪ ،‬ووالديك فأطعمهما و‬

‫)‪ (1‬الرخص‪ :‬ضد الغلء وأصله السهل واليسر‪ .‬والسعار جمع السعر ‪ -‬بالكسر ‪-‬‬
‫وهو الثمن‪ " (2) .‬يكافئ به " على بناء المفعول أي يجازى أو يساوى‪.‬‬
‫في القاموس‪ :‬كافاه مكافأة وكفاء‪ :‬جازاه‪ ،‬وفلنا ماثله ووافيه‪ " .‬فإذا‬
‫أحب ال عبدا " أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه ويرضى عنه‬
‫ووجده أهل لذلك ابتله بعظيم البلء من المراض الجسمانية والمكاره‬
‫الروحانية‪.‬‬

‫]‪[145‬‬

‫برهما حيين أو ميتين‪ ،‬فان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فان ذلك من‬
‫اليمان‪ ،‬والصلة المفروضة فل تدعها متعمدا فانه من ترك صلة فريضة‬
‫متعمدا فان ذمة ال منه بريئة‪ ،‬وإياك وشرب الخمر وكل مسكر فانهما‬
‫مفتاحا كل شر ‪ - 45‬وأتاه رجل من بني تميم يقال له أبو أمية فقال له‪ :‬إلى‬
‫ما تدعو الناس يا محمد ؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أدعو‬
‫إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني‪ ،‬وأدعو لى من إذا أصابك ضر فدعوته‬
‫كشفه عنك وإن استعنت به وأنت مكروب أعانك‪ ،‬وإن سألته وأنت مقل‬
‫أغناك‪ ،‬فقال‪ :‬أوصني يا محمد‪ ،‬فقال‪ :‬ل تغضب‪ ،‬قال‪ :‬زدني‪ ،‬قال‪ :‬ارض‬
‫من الناس بما ترضى لهم به من نفسك‪ ،‬فقال زدني‪ ،‬فقال‪ :‬ل تسب الناس‬
‫فتكتسب العداوة منهم‪ ،‬قال‪ :‬زدني‪ ،‬قال‪ :‬ل تزهد في المعروف عند أهله‪،‬‬
‫قال‪ :‬زدني‪ ،‬قال‪ :‬تحب الناس يحبوك ؟ ؟ وألق أخاك بوجه منبسط‪ ،‬ول‬
‫تضجر فيمنعك الضجر ]حظك[ من الخرة والدنيا‪ .‬واتزر إلى نصف الساق‪،‬‬
‫وإياك وإسبال الزار )‪ (1‬والقميص فان ذلك من المخيلة وال ل يحب‬
‫المخيلة‪ - 46 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال يبغض الشيخ الزان‬
‫والغني الظلوم والفقير المختال والسائل الملحف‪ ،‬ويحبط أجر المعطي‬
‫المنان‪ ،‬ويمقت البذخ الجري الكذاب )‪ - 47 .(2‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫من تفاقر افتقر‪ - 48 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬مدارة الناس نصف‬
‫اليمان‪ ،‬والرفق بهم نصف العيش‪ - 49 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬رأس‬
‫العقل بعد اليمان بال مداراة الناس في غير ترك حق ومن سعادة المرء‬
‫خفة لحيته‪ - 50 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما نهيت عن شئ بعد عبادة‬
‫الوثان ما نهيت عن ملحاة الرجال )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬يقال‪ :‬أسبل ازاره إذا أرخاه وأسدله‪ .‬والمخيلة‪ :‬الكبر‪ (2) .‬المختال‪ :‬المتكبر‪.‬‬
‫والملحف‪ :‬الملح في السؤال‪ .‬والبذخ‪ :‬الفخر والكبر‪ .‬والجرى على وزن‬
‫فعيل من جرأ ‪ -‬ككرم ‪ -‬جراءة وجرأة فهو جرى‪ .‬والمعنى ل يبالى ما قال‬
‫أو ما قيل فيه‪ (3) .‬الملحاة‪ :‬المنازعة والمخاصمة والمجادلة‪ .‬ومنه "‬
‫من لحاك فقد عاداك "‪.‬‬

‫]‪[146‬‬

‫‪ - 51‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره‪- 52 .‬‬
‫وقام صلى ال عليه وآله في مسجد الخيف فقال‪ :‬نضر ال عبدا سمع‬
‫مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها‪ ،‬فرب حامل فقه إلى من هو أفقه‪،‬‬
‫رب حامل فقه إلى غير فقيه‪ ،‬ثلث ل يغل عليهن قلب امرء مسلم )‪(1‬‬
‫إخلص العمل ل‪ ،‬والنصيحة لئمة المسلمين‪ ،‬ولزوم جماعتهم‪ ،‬المؤمنون‬
‫إخوة تتكافأ دماؤهم‪ ،‬وهم يد على من سواهم يسعي بذمتهم أدناهم )‪.(2‬‬
‫‪ - 53‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا بايع المسلم الذمي فليقل " اللهم خر‬
‫لي وله " )‪ - 54 .(3‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬رحم ال عبدا قال خيرا‬
‫فغنم أو سكت عن سوء فسلم‪ - 55 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ثلث من‬
‫كن فيه استكمل خصال اليمان الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل‪،‬‬
‫وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق‪ ،‬وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له )‪.(4‬‬
‫‪ - 56‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين‬
‫)‪ - 57 .(5‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬قراءة القرآن في صلة أفضل من‬
‫قراءة القرآن في غير صلة وذكر ال أفضل من الصدقة والصدقة أفضل‬
‫من الصوم والصوم حسنة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل قول إل بعمل‪ ،‬ول قول ول عمل إل‬
‫بنية‪ ،‬ول قول ول عمل ول نية إل باصابة السنة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الغل ‪ -‬بالكسر ‪ -‬الحقد‪ ،‬والغل ‪ -‬بالضم ‪ -‬طوق من حديد يجعل في العنق‪ .‬وغل‬
‫غلول من باب قعد خان في المغنم‪ (2) .‬تقدم معناه‪ (3) .‬يقال‪ :‬خرلى‬
‫واخترلى أي اجعل أمرى خيرا وألهمنى فعله واختر لى الصلح‪) .‬مجمع‬
‫البحرين(‪ (4) .‬لم يتعاط أي لم يأخذ ولم يتناول‪ ،‬وهذا الحديث أيضا مروى‬
‫في الكافي في باب المؤمن وصفاته ‪ -‬ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .- 239‬أي من توجه‬
‫عليه التعزير فعلى الحاكم أن ل يبلغ به الحد‪ ،‬بل ينقص على أقل حدود‬
‫المعزر فإذا بلغ به الحد فهو من المعتدين وفى بعض نسخ المصدر "‬
‫غير حق " والظاهر أنه تصحيف‪.‬‬

‫]‪[147‬‬
‫‪ - 58‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الناة من ال والعجلة من الشيطان )‪- 59 .(1‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن من تعلم العلم ليماري به السفهاء )‪ (2‬أو‬
‫يباهي به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه ليعظموه فليتبوأ مقعده من‬
‫النار‪ ،‬فان الرئاسة ل تصلح إل ل ولهلها‪ ،‬ومن وضع نفسه في غير‬
‫الموضع الذي وضعه ال فيه مقته ال‪ ،‬ومن دعا إلى نفسه فقال‪ :‬أنا‬
‫رئيسكم )‪ (3‬وليس هو كذلك لم ينظر ال إليه حتى يرجع عما قال‪ ،‬ويتوب‬
‫إلى ال مما ادعى‪ - 60 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال عيسى بن مريم‬
‫للحواريين‪ :‬تحببوا إلى ال وتقربوا إليه‪ ،‬قالوا‪ :‬يا روح ال بماذا نتحبب‬
‫إلى ال ونتقرب ؟ قال‪ :‬ببغض أهل المعاصي والتمسوا رضى ال بسخطهم‬
‫قالوا‪ :‬يا روح ال فمن نجالس إذا ؟ قال‪ :‬من يذكركم ال رؤيته‪ ،‬ويزيد في‬
‫عملكم منطقه‪ ،‬ويرغبكم في الخرة عمله‪ - 61 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫أبعدكم بي شبها البخيل البذي الفاحش )‪ - 62 .(4‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬سوء الخلق شؤم‪ - 63 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا رأيتم الرجل ل‬
‫يبالي ما قال أو ما قيل فيه فانه لبغية أو شيطان )‪ - 64 .(5‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬إن ال حرم الجنة على كل فاحش بذي‪ ،‬قليل الحياء‬

‫)‪ (1‬الناة ‪ -‬كقناة ‪ :-‬الوقار والحلم‪ (2) .‬أي ليجادل ويخاصم‪ ،‬من المراء‪ (3) .‬في‬
‫بعض نسخ المصدر " أنا وليكم "‪ (4) .‬البذى على فعيل‪ :‬الذى تكلم‬
‫بالفحش‪ .‬والبذاء‪ :‬الكلم القبيح‪ (5) .‬في بعض نسخ المصدر " لبغى "‪.‬‬
‫وفى بعض الكتب " لغية " واللم للملكية المجازية وهى بكسر المعجمة‬
‫وتشديد الياء المفتوحة المثناة من تحت‪ :‬الضلل‪ ،‬يقال‪ :‬انه ولدغية أي‬
‫ولد زنا‪ ،‬والغيى كالغنى‪ :‬الدنى الساقط عن العتبار‪ .‬ولعل ما في المتن‬
‫تصحيف هنا و ما يأتي‪.‬‬

‫]‪[148‬‬

‫ل يبالي ما قال وما قيل فيه‪ ،‬أما إنه إن تنسبه )‪ (1‬لم تجده إل لبغي أو شرك شيطان‬
‫قيل‪ :‬يا رسول ال وفي الناس شياطين ؟ قال‪ :‬نعم أوما تقرء قول ال‪" :‬‬
‫وشاركهم في الموال والولد " )‪ - 65 .(2‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬
‫تنفعه ينفعك‪ ،‬ومن ل يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز ومن قرض الناس‬
‫قرضوه‪ ،‬ومن تركهم لم يتركوه )‪ (3‬قيل‪ :‬فأصنع ماذا يا رسول ال ؟ قال‪:‬‬
‫أقرضهم من عرضك ليوم فقرك )‪ - 66 .(4‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أل‬
‫أدلكم على خير أخلق الدنيا والخرة‪ :‬تصل من قطعك وتعطي من حرمك‪،‬‬
‫وتعفو عمن ظلمك‪ - 67 .‬وخرج صلى ال عليه وآله يوما وقوم يدحون‬
‫حجرا فقال‪ :‬أشدكم من ملك نفسه عند الغضب وأحملكم من عفا بعد‬
‫المقدرة )‪ - 68 .(5‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال ال‪ :‬هذا دين أرتضيه‬
‫لنفسي ولن يصلحه إل السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه‪.‬‬
‫‪ - 69‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أفضلكم إيمانا أحسنكم أخلقا‪ - 70 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم‪ ،‬فقيل‬
‫له‪ :‬ما أفضل ما أعطى العبد قال‪ :‬حسن الخلق‪ - 71 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬حسن الخلق يثبت المودة‪ - 72 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬حسن‬
‫البشر يذهب بالسخيمة )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " ان تبينه "‪ (2) .‬سورة السراء آية ‪ (3) .66‬قرض‬
‫فلنا‪ :‬مدحه أو ذمه‪ .‬وأقرضه أي أعطاه قرضا‪ (4) .‬العرض بالفتح‪:‬‬
‫المتاع يقال‪ :‬اشتريت المتاع بعرض أي بمتاع مثله‪ (5) .‬يقال‪ :‬دحى‬
‫الحجر بيده أي رمى به‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر " يدحرجون "‪.‬‬
‫وأحمله أي أعانه ويمكن أن يقرء " أحلمكم " بتقديم اللم‪(6) .‬‬
‫السخيمة‪ :‬الضغينة والحقد الموجدة في النفس من السخمة وهى السواد‪.‬‬

‫]‪[149‬‬

‫‪ - 73‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬خياركم أحسنكم أخلقا الذين يألفون ويؤلفون‪74 .‬‬
‫‪ -‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليدي ثلثة سائلة ومنفقة وممسكة‪ ،‬وخير‬
‫اليدي المنفقة‪ - 75 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الحياء حياءان حياء عقل‬
‫وحياء حمق‪ ،‬فحياء العقل العلم‪ ،‬وحياء الحمق الجهل‪ - 76 .‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬من ألقى جلباب الحياء ل غيبة له‪ - 77 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليف إذا وعد‪ - 78 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬المانة تجلب الرزق‪ ،‬والخيانة تجلب الفقر‪- 79 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬نظر الولد إلى والديه حبا لهما عبادة‪- 80 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬جهد البلء أن يقدم الرجل فتضرب رقبته صبرا‬
‫)‪ (1‬والسير ما دام في وثاق العدو‪ ،‬والرجل يجد على بطن امرأته رجل‪.‬‬
‫‪ - 81‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬العلم خدين المؤمن‪ ،‬والحلم وزيره‪،‬‬
‫والعقل دليله‪ ،‬والصبر أمير جنوده‪ ،‬والرفق والده‪ ،‬والبر أخوه‪ ،‬والنسب‬
‫آدم‪ ،‬والحسب التقوى‪ ،‬والمروة إصلح المال )‪ - 82 .(2‬وجاءه رجل بلبن‬
‫وعسل ليشربه فقال صلى ال عليه وآله‪ :‬شرابان يكتفى بأحدهما عن‬
‫صاحبه‪ ،‬أشربه ول احرمه ولكني أتواضع ل‪ ،‬فانه من تواضع ل رفعه ال‬
‫ومن تكبر يضعه ال‪ ،‬ومن اقتصد في معيشته رزقه ال‪ ،‬ومن بذر حرمه‬
‫ال )‪ (3‬ومن أكثر ذكر ال آجره ال‪.‬‬

‫)‪ (1‬الجهد‪ :‬المشقة والصبر أصله الحبس‪ .‬يقال‪ :‬قتل صبرا أي حبس على القتل أو‬
‫قتل مكتوفا مغلول ل يمكنه أن يدافع‪ (2) .‬الخدين‪ .‬الصديق والرفيق من‬
‫خادنه أي صادقه وصاحبه‪ .‬يعنى ان من نسبه ينتهى إلى آدم وآدم من‬
‫طين‪ ،‬فل يفتخر به‪ .‬والمروة أصله المروءة فتقلب الهمزة واوا وتدغم‬
‫والمعنى كمال الرجولية‪ .‬ونقل عن الشهيد )ره( في الدروس أنه قال‪" :‬‬
‫المروءة تنزيه النفس عن الدناءة التى ل يليق بها "‪ (3) .‬بذر من التبذير‬
‫وهو تفريق المال في غير القصد‪.‬‬

‫]‪[150‬‬

‫‪ - 83‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أقربكم مني غدا في الموقف أصدقكم للحديث‪،‬‬
‫وآداكم للمانة‪ ،‬وأوفاكم بالعهد‪ ،‬وأحسنكم خلقا‪ ،‬وأقربكم من الناس‪- 84 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا مدح الفاجر اهتز العرش وغضب الرب‪85 .‬‬
‫‪ -‬وقال له رجل‪ :‬ما الحزم ؟ قال صلى ال عليه وآله‪ :‬تشاور امرءا ذا رأي‬
‫ثم تطيعه‪ - 86 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬يوما أيها الناس ما الرقوب فيكم‬
‫؟ قالوا‪ :‬الرجل يموت و لم يترك ولدا )‪ (1‬فقال‪ :‬بل الرقوب حق الرقوب‬
‫رجل مات ولم يقدم من ولده أحدا يحتسبه عند ال وإن كانوا كثيرا بعده‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ما الصعلوك فيكم ؟ قالوا‪ :‬الرجل الذي ل مال له‪ ،‬فقال‪ :‬بل الصعلوك‬
‫حق الصعلوك من لم يقدم من ماله شيئا يحتسبه عند ال وإن كان كثيرا من‬
‫بعده‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما الصرعة فيكم ؟ قالوا‪ :‬الشديد القوي الذي ل يوضع جنبه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬بل الصرعة حق الصرعة رجل وكز الشيطان في قلبه‪ ،‬واشتد غضبه‬
‫وظهر دمه‪ ،‬ثم ذكر ال فصرع بحلمه غضبه‪ - 87 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح‪ - 88 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬الجلوس في المسجد انتظارا للصلة عبادة ما لم‬
‫يحدث‪ ،‬قيل‪ :‬يارسول ال وما يحدث ؟ قال صلى ال عليه وآله‪ :‬الغتياب‪.‬‬
‫‪ - 89‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الصائم في عبادة وإن كان نائما على‬
‫فراشه ما لم يغتب مسلما‪ - 90 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أذاع فاحشة‬
‫)‪ (2‬كان كمبدئها‪ ،‬ومن عير مؤمنا بشئ لم يمت حتى يركبه‪ - 91 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ثلثة وإن لم تظلمهم ظلموك‪ :‬السفلة وزوجتك‬
‫وخادمك )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬الرقوب وزان رسول الذى يراقب‪ ،‬من الرقبة بمعنى النتظار والمرأة التى‬
‫تراقب موت زوجها أو ولدها فترثه‪ .‬والصعلوك‪ :‬الفقير‪ .‬والصرعة بضم‬
‫الول وفتح الثاني والثالث‪ :‬الذى يصرع الناس وبالغ في الصرع‪ ،‬من‬
‫صرعه أي طرحه على الرض‪ .‬والوكز‪ :‬الركز‪ .‬يقال‪ :‬وكزه في الرض‬
‫أي ركزه وغرزه فيه‪ (2) .‬الذاعة‪ :‬النتشار‪ (3) .‬أي ولو لم تظلمهم أنت‬
‫لكن ظلموك لدناءة أخلقهم ونقصان عقولهم‪.‬‬
‫]‪[151‬‬

‫‪ - 92‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أربع من علمات الشقاء جمود العين‪ ،‬وقسوة‬
‫القلب‪ ،‬وشدة الحرص في طلب الدنيا‪ ،‬والصرار على الذنب‪ - 93 .‬وقال له‬
‫رجل‪ :‬أوصني فقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تغضب ثم أعاد عليه فقال‪ :‬ل‬
‫تغضب ثم قال‪ :‬ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند‬
‫الغضب‪ - 94 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم‬
‫أخلقا‪ - 95 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما كان الرفق في شئ إل زانه‪ ،‬ول‬
‫كان الخرق في شئ إل شانه )‪ - 96 .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الكسوة‬
‫تظهر الغنى والحسان إلى الخادم يكبت العدو‪ - 97 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬امرت بمداراة الناس كما امرت بتبليغ الرسالة‪ - 98 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬استعينوا على اموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود‪- 99 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان نصفان نصف في الصبر ونصف في‬
‫الشكر‪ - 100 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬حسن العهد من اليمان‪- 101 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الكل في السوق دناءة‪ - 102 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬الحوائج إلى ال ]و[ أسبابها فاطلبوها إلى ال بهم فمن‬
‫أعطاكموها فخذوها عن ال بصبر‪ - 103 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬عجبا‬
‫للمؤمن ل يقضي ال عليه قضاء إل كان خيرا له سره أو ساءه‪ ،‬إن ابتله‬
‫كان كفارة لذنبة‪ ،‬وإن أعطاه وأكرمه كان قد حباه )‪ - 104 .(2‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬من أصبح وأمسى والخرة أكبر همه جعل ال الغنى في‬
‫قلبه‪ ،‬وجمع له أمره‪ ،‬ولم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه‪ ،‬ومن أصبح‬
‫وأمسى‬

‫)‪ (1‬الخرق بضم الخاء المعجمة‪ :‬ضد الرفق‪ .‬وفى الحديث " الخرق شؤم والرفق‬
‫يمن " من خرقه خرقا من باب تعب إذا فعله فلم يرفق به فهو أخرق‬
‫والنثى خرقاء والسم‪ ،‬الخرق بالضم فالسكون‪ (2) .‬حباه أي اعطاه‪.‬‬

‫]‪[152‬‬

‫والدنيا أكبر همه جعل ال الفقر بين عينيه‪ ،‬وشتت عليه أمره‪ ،‬ولم ينل من الدنيا إل‬
‫ما قسم له‪ - 105 .‬وقال لرجل سأله عن جماعة امته فقال‪ :‬جماعة امتي‬
‫أهل الحق وإن قلوا )‪ - 106 .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من وعده ال‬
‫على عمل ثوابا فهو منجز له‪ ،‬ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه‬
‫بالخيار‪ - 107 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أل اخبركم بأشبهكم بي أخلقا ؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال فقال‪ :‬أحسنكم أخلقا‪ ،‬وأعظمكم حلما‪ ،‬وأبركم‬
‫بقرابته‪ ،‬وأشدكم إنصافا من نفسه في الغضب والرضا‪ - 108 .‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬الطاعم الشاكر أفضل من الصائم الصامت )‪- 109 .(2‬‬
‫وقال‪ :‬ود المؤمن في ال من أعظم شعب اليمان‪ ،‬ومن أحب في ال و‬
‫أبغض في ال وأعطى في ال ومنع في ال فهو من أصفياء ال‪- 110 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أحب عباد ال إلى ال جل جلله أنفعهم لعباده‬
‫وأقومهم بحقه‪ ،‬الذين يحبب المعروف وفعاله‪ - 111 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬من أتى إليكم معروفا فكافئوه )‪ (3‬وإن لم تجدوا فأثنوا فان الثناء‬
‫جزاء‪ - 112 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من حرم الرفق فقد حرم الخير‬
‫كله‪ - 113 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تمار أخاك )‪ (4‬ول تمازحه‪ ،‬ول‬
‫تعده فتخلفه‪ - 114 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الحرمات التي تلزم كل‬
‫مؤمن رعايتها والوفاء بها حرمة الدين‪ ،‬وحرمة الدب‪ ،‬وحرمة الطعام‪.‬‬

‫)‪ (1‬السؤال عن كمية الجماعة‪ (2) .‬يقال‪ :‬رجل طاعم أي حسن الحال في المطعم‪.‬‬
‫والمراد به هنا المفطر‪ (3) .‬فكافئوه أي جازوه من كافأ الرجل مكافأة‬
‫بمعنى جازاه‪ (4) .‬المراء‪ :‬الجدال‪.‬‬

‫]‪[153‬‬

‫‪ - 115‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬المؤمن دعب لعب‪ ،‬والمنافق قطب وغضب )‪.(1‬‬
‫‪ - 116‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬نعم العون على تقوى ال الغنى‪- 117 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أعجل الشر عقوبة البغي‪ - 118 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬الهدية على ثلثة وجوه‪ :‬هدية المكافأة‪ ،‬وهدية‪ ،‬مصانعة‪،‬‬
‫وهدية ل‪ - 119 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬طوبى لمن ترك شهوة‬
‫حاضرة لموعود لم يره‪ - 120 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من عد غدا من‬
‫أجله )‪ (2‬فقد أساء صحبة الموت‪ - 121 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬كيف‬
‫بكم إذا فسد نساؤكم‪ ،‬وفسق شبانكم )‪ (3‬ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا‬
‫عن المنكر‪ ،‬قيل له‪ :‬ويكون ذلك يا رسول ال قال‪ :‬نعم وشر من ذلك وكيف‬
‫بكم إذا امرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال ويكون‬
‫ذلك ؟ قال‪ :‬نعم وشر من ذلك‪ ،‬وكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر‬
‫معروفا‪ - 122 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا تطيرت فامض‪ ،‬وإذا ظننت‬
‫فل تقض‪ ،‬وإذا حسدت فل تبغ‪ - 123 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬رفع عن‬
‫امتي تسع الخطاء والنسيان )‪ (4‬وما اكرهوا عليه‬

‫)‪ (1‬الدعب ‪ -‬ككتف ‪ -‬اللعب والممازح‪ .‬والقطب ايضا ‪ -‬ككتف ‪ -‬العبوس والذى‬
‫زوى ما بين عينيه وكلح‪ (2) .‬من أجله أي من عمره‪ (3) .‬في بعض‬
‫نسخ المصدر " شبابكم " وفى اللغة‪ :‬الشباب بالفتح والتخفيف والشبان‬
‫بالضم والتشديد‪ :‬جمع الشاب‪ (4) .‬قيل الخطأ والنسيان مرفوع اثمهما ل‬
‫حكمهما إذ حكمهما من الضمان ل يرتفع‪ .‬وقوله " وما اكرهوا عليه "‬
‫يستثنى منه القتل‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬والمسألة معنونة في كتب اصول الفقه‬
‫مبحث أصل البراءة مشروحة‪ .‬والطيرة بكسر الطاء‪ ،‬وفتح الياء‬
‫وسكونها ‪ :-‬ما يتشأم به من الفأل الردى‪ .‬اصله من الطير‪ ،‬لن اكثر تشأم‬
‫العرب كان به خصوصا الغراب وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه‬
‫الشرع حتى روى ان الطيرة شرك وانما يذهبه التوكل = <‬

‫]‪[154‬‬

‫وما ل يعلمون وما ل يطيقون‪ ،‬وما اضطر وا إليه‪ ،‬والحسد‪ ،‬والطيرة‪ ،‬والتفكر في‬
‫الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة ول لسان‪ - 124 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ل يحزن أحدكم أن ترفع عنه الرؤيا فانه إذا رسخ في العلم‬
‫رفعت عنه الرؤيا‪ - 125 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬صنفان من امتي إذا‬
‫صلحا صلحت امتي وإذا فسدا فسدت امتي قيل‪ :‬يا رسول ال ومن هم ؟‬
‫قال‪ :‬الفقهاء والمراء‪ - 126 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أكمل الناس عقل‬
‫أخوفهم ل وأطوعهم له‪ ،‬وأنقص الناس عقل أخوفهم للسلطان وأطوعهم‬
‫له‪.‬‬

‫= < والمراد برفع المؤاخذة عن الحسد هو ما لم يظهره الحاسد كما ورد في‬
‫الخبار " ان المؤمن ل يظهر الحسد "‪ ،‬فالظاهر ان جملة " ما لم ينطق‬
‫بشفة ول لسان " قيد للثلثة الخيرة ويؤيده ما في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪463‬‬
‫" قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ " :‬وضع عن امتى تسع‬
‫خصال‪ :‬الخطاء والنسيان وما ل يعلمون وما ل يطيقون وما اضطروا إليه‬
‫وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما‬
‫لم يظهر بلسان أو يد "‪ .‬ويحتمل ان يكون المراد بالتفكر في الوسوسة‬
‫التفكر فيما يوسوس الشيطان في النفس من أحوال المخلوقين وسوء‬
‫الظن به في أعمالهم وأحوالهم‪ .‬ويمكن أن يكون فيه تقديم وتأخير من‬
‫النساخ والصحيح‪ " :‬والوسوسة في التفكر في الخلق " كما في الكافي‬
‫وكما قيل‪ " :‬وسوسة الشيطان للنسان عند تفكره في أمر الخلقة "‬
‫وروى " ثلث لم يسلم منها أحد‪ :‬الطيرة والحسد والظن "‪ .‬الخبر "‬
‫وأعلم ان هذه الموارد لبد ان تكون في صورة التى ل يستقل العقل‬
‫بقبحها كما إذا كان مقدماتها حصلت بيد المكلف وتكون من قبله‪ ،‬حتى‬
‫تكون رفعها منة على المة‪ .‬ونظيرها قوله تعالى في آخر سورة البقرة "‬
‫ربنا ل تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا ربنا ول تحمل علينا اصرا كما حملته‬
‫على الذين من قبلنا ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به ‪ -‬الية " وتفصيلها‬
‫تطلب في مبحث اصل البراءة من كتب اصول الفقه‪.‬‬
‫]‪[155‬‬

‫‪ - 127‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ثلثة مجالستهم تميت القلب‪ :‬الجلوس مع النذال‬
‫)‪ (1‬والحديث مع النساء‪ ،‬والجلوس مع الغنياء‪ - 128 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬إذا غضب ال على امة لم ينزل العذاب عليهم غلت أسعارها و‬
‫قصرت أعمارها‪ ،‬ولم تربح تجارتها‪ ،‬ولم تزك ثمارها‪ ،‬ولم تغزر أنهارها )‬
‫‪ (2‬وحبس عنها أمطارها‪ ،‬وسلط عليها أشرارها‪ - 129 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬إذا كثر الزنى بعدي كثر موت الفجأة )‪ (3‬وإذا طفف المكيال‬
‫أخذهم ال بالسنين والنقص‪ ،‬وإذا منعوا الزكاة منعت الرض بركاتها من‬
‫الزرع والثمار والمعادن‪ ،‬وإذا جاروا في الحكم تعاونوا على الظلم‬
‫والعدوان‪ ،‬وإذا نقضوا العهود سلط ال عليهم عدوهم‪ ،‬وإذا قطعوا الرحام‬
‫جعلت الموال في أيدي الشرار وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن‬
‫المنكر ولم يتبعوا الخيار من أهل بيتي سلط ال عليهم أشرارهم فيدعوا‬
‫عند ذلك خيارهم فل يستجاب لهم‪ - 130 .‬ولما نزلت عليه " ول تمدن‬
‫عينيك إلى ما متعنا به‪ ،‬أزواجا منهم زهرة ‪ -‬إلى آخر الية " )‪ (4‬قال‪ :‬من‬
‫لم يتعز بعزاء ال انقطعت نفسه حسرات على‬

‫)‪ (1‬النذال ‪ -‬جمع النذل‪ .‬والنذل‪ :‬الخسيس والمحتقر في جميع احواله‪ .‬وفى بعض‬
‫النسخ هكذا " قال صلى ال عليه وآله‪ :‬ثلثة مجالستهم تميت القلب‪:‬‬
‫الجلوس مع الغنياء والجلوس مع النذال‪ ،‬والحديث مع النساء "‪.‬‬
‫ورواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ - 141‬كما في المتن‪ (2) .‬غزر الماء‬
‫‪ -‬بالضم ‪ -‬أي كثر‪ (3) .‬الفجأة مصدر أي ما فاجأك يعنى ما جاءك بغتة‬
‫من غير أن تشعر به‪ .‬الطفيف‪ :‬النقصان والقليل والخسيس‪ .‬والسنين‪:‬‬
‫الجدب والقحط وقلة المطار والمياه‪ .‬والمراد بالنقص نقص ريع الرض‬
‫من الحبوب والثمرات قال ال تعالى في سورة العراف ‪ " 127 -‬ولقد‬
‫اخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون "‪(4) .‬‬
‫سورة طه‪.131 :‬‬

‫]‪[156‬‬

‫الدنيا )‪ (1‬ومن مد عينيه إلى ما في أيدي الناس من دنياهم طال حزنه‪ ،‬ومن سخط‬
‫ما قسم ال له من رزقه وتنغص عليه عيشه )‪ (2‬ولم ير أن ل عليه نعمة‬
‫إل في مطعم أو مشرب فقد جهل وكفر نعم ال وضل سعيه‪ ،‬ودنا منه‬
‫عذابه‪ - 131 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يدخل الجنة إل من كان مسلما‪.‬‬
‫فقال أبو ذر‪ :‬يارسول ال وما السلم ؟ فقال‪ :‬السلم عريان ولباسه‬
‫التقوى وشعاره الهدى )‪ (3‬ودثاره الحياء‪ ،‬وملكه الورع‪ ،‬وكماله الدين‪،‬‬
‫وثمرته العمل الصالح‪ ،‬ولكل شئ أساس وأساس السلم حبنا أهل البيت )‬
‫‪ - 132 .(4‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من طلب رضى مخلوق بسخط‬
‫الخالق سلط ال عزوجل عليه ذلك المخلوق‪ - 133 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬إن ال خلق عبيدا من خلقه لحوائج الناس يرغبون في المعروف‬
‫ويعدون الجود مجدا وال يحب مكارم الخلق‪.‬‬

‫)‪ (1‬المراد ان من لم يصبر ولم يتسل نفسه بما عند ال من الجور والدرجات‬
‫الرفيعة وغير ذلك انقطعت نفسه حسرة على الدنيا وما فيها‪ (2) .‬يقال‪:‬‬
‫تنغص عليه عيشه أي تكدر‪ .‬وانغص‪ :‬منع نصيبه‪ ،‬من نغص أي لم يتم‬
‫له مراده وعيشه‪ (3) .‬الشعار ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما يلى شعر الجسد‪ .‬والدثار ‪-‬‬
‫بالكسر ‪ -‬ما يتدثر به النسان من كساء أو غيره فالشعار تحت الدثار‬
‫والدثار فوق الشعار‪ .‬والهدى ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الرشاد‪ (4) .‬يعنى بيت النبوة‬
‫وذلك لطهارة نفوسهم وحياتهم‪ ،‬قال ال عزوجل في سورة الحزاب "‬
‫انما يريد ال ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا "‪ .‬ذلك‬
‫البيت أسسه ال تعالى وجعل اهله طاهرا مطهرا معصوما معيارا ليكونوا‬
‫الميزان والمقتدى لمجتمع العالم السلمي فيجب على المسلمين حبهم‬
‫والقتداء بهم حتى ينالوا السعادة والكمال في الدنيا والخرة ول يبعد‬
‫شمولها لغيرهم ممن اتصفوا بصفاتهم واخلقهم على حسب درجات‬
‫ايمانهم كقول رسول ال صلى ال عليه وآله لسلمان الفارسى‪ " :‬سلمان‬
‫منا اهل البيت "‪ .‬قال ال العزيز في سورة ابراهيم نقل عن قوله‪ " :‬فمن‬
‫تبعني فانه منى "‪.‬‬

‫]‪[157‬‬

‫‪ - 134‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ل عبادا يفزع إليهم الناس في حوائجهم‬
‫اولئك هم المنون من عذاب ال يوم القيامة‪ - 135 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬إن المؤمن يأخذ بأدب ال إذا أوسع ال عليه اتسع وإذا أمسك عنه‬
‫أمسك‪ - 136 .‬وقال‪ :‬يأتي على الناس زمان ل يبالي الرجل ما تلف من‬
‫دينه إذا سلمت له دنياه‪ - 137 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال جبل‬
‫قلوب عباده على حب من أحسن إليها و بغض من أساء إليها‪ - 138 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا فعلت امتي خمس عشرة خصلة حل بها البلء‪،‬‬
‫قيل‪ :‬يارسول ال ماهن ؟ قال‪ :‬إذا أخذوا المغنم دول )‪ ،(1‬والمانة مغنما‪،‬‬
‫و الزكاة مغرما‪ ،‬وأطاع الرجل زوجته‪ ،‬وعق امه‪ ،‬وبر صديقه‪ ،‬وجفا أباه‪،‬‬
‫و ارتفعت الصوات في المساجد‪ ،‬واكرم الرجل مخافة شره‪ ،‬وكان زعيم‬
‫القوم أرذلهم وإذا لبس الحرير‪ ،‬وشربت الخمر‪ ،‬واتخذ القيان والمعازف )‬
‫‪ (2‬ولعن آخر هذه المة أولها فليرقبوا بعد ذلك ثلث خصال‪ :‬ريحا حمراء‪،‬‬
‫ومسخا‪ ،‬وفسخا‪ - 139 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا سجن المؤمن‬
‫وجنة الكافر‪ - 140 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬يأتي على الناس زمان‬
‫يكون الناس فيه ذئابا فمن لم يكن ذئبا أكلته الذئاب‪ - 141 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬أقل ما يكون في آخر الزمان أخ يوثق به أو درهم من حلل )‬
‫‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " إذا اكلوا " والمغنم الغنيمة‪ .‬والدول جمع دولة وهو ما‬
‫يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لذاك‪ ،‬فتطلق على المال‪ (2) .‬القيان ‪ -‬جمع‬
‫القينة ‪ :-‬المغنية ؟‪ .‬والمعازف جمع معزف‪ :‬وهى من آلت الطرب‬
‫كالطنبور والعود ونحوه من عزف بمعنى صوت وغنى‪ (3) .‬أي ل يكون‬
‫في آخر الزمان شئ اقل منهما‪.‬‬

‫]‪[158‬‬

‫‪ - 142‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬احترسوا من الناس بسوء الظن )‪- 143 .(1‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنما يدرك الخير كله بالعقل ول دين لمن ل عقل‬
‫له‪ - 144 .‬وأثنى قوم بحضرته على رجل حتى ذكروا جميع خصال الخير‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬كيف عقل الرجل ؟ فقالوا يارسول ال‬
‫نخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير تسألنا )‪ (2‬عن عقله ؟‬
‫فقال عليه السلم‪ :‬إن الحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر‪ ،‬وإنما‬
‫يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم‪.‬‬
‫‪ - 145‬وقال‪ :‬قسم ال العقل ثلثة أجزاء فمن كن فيه كمل عقله‪ ،‬ومن لم‬
‫تكن فيه فل عقل له‪ :‬حسن المعرفة ل‪ ،‬وحسن الطاعة ل‪ ،‬وحسن الصبر‬
‫على أمر ال‪ - 146 .‬وقدم المدينة رجل نصراني من أهل نجران وكان فيه‬
‫بيان وله وقار و هيبة فقيل‪ :‬يا رسول ال ما أعقل هذا النصراني‪ ،‬فزجر‬
‫القائل وقال‪ :‬مه إن العاقل من وحد ال وعمل بطاعته )‪ - 147 .(3‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬العلم خليل المؤمن‪ ،‬والحلم وزيره‪ ،‬والعقل دليله‪،‬‬
‫والعمل قيمه‪ ،‬والصبر أمير جنوده‪ ،‬والرفق والده‪ ،‬والبر أخوه‪ ،‬والنسب‬
‫آدم‪ ،‬و الحسب التقوى‪ ،‬والمروة إصلح المال‪ - 148 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬من تقدمت إليه يد كان عليه من الحق أن يكافئ‪ ،‬فان لم يفعل‬
‫فالثناء‪ ،‬فان لم يفعل فقد كفر النعمة‪ - 149 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫تصافحوا فان التصافح يذهب السخيمة )‪ - 150 .(4‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬يطبع المؤمن على كل خصلة ول يطبع على الكذب ول على الخيانة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحتراس والتحرس‪ :‬التحفظ من حرسه حرسا أي حفظه‪ (2) .‬في بعض نسخ‬
‫المصدر " تسأله "‪ " (3) .‬مه " بالفتح ‪ -‬اسم فعل بمعنى انكفف‪(4) .‬‬
‫التصافح‪ :‬المصافحة‪ .‬والسخيمة‪ :‬الضغينة والحقد‪.‬‬
‫]‪[159‬‬

‫‪ - 151‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن من الشعر حكما‪ - ،‬وروي حكمة ‪ -‬وإن من‬
‫البيان سحرا‪ - 152 .‬وقال صلى ال عليه وآله لبي ذر‪ :‬أي عرى اليمان‬
‫أوثق ؟ قال‪ :‬ال ورسوله أعلم فقال‪ :‬الموالة في ال والمعاداة في ال‬
‫والحب في ال والبغض في ال‪ - 153 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬
‫سعادة ابن آدم استخارته ال )‪ (1‬ورضاه بما قضى ال ومن شقوة ابن آدم‬
‫)‪ (2‬تركه استخارة ال وسخطه بما قضى ال‪ - 154 .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬الندم توبة‪ - 155 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما آمن بالقرآن من‬
‫استحل حرامه‪ - 156 .‬وقال له رجل‪ :‬أوصني فقال له‪ :‬احفظ لسانك‪ ،‬ثم قال‬
‫له‪ :‬يارسول ال أوصني‪ ،‬قال‪ :‬احفظ لسانك ثم قال‪ :‬يا رسول ال أوصني‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إل حصائد ألسنتهم )‬
‫‪ - 157 .(3‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬صنايع المعروف تقي مصارع‬
‫السوء‪ ،‬والصدقة الخفية تطفئ غضب ال‪ ،‬وصلة الرحم زيادة في العمر‪،‬‬
‫وكل معروف صدقة‪ ،‬وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في‬
‫الخرة‪ ،‬وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الخرة‪ ،‬وأول من يدخل‬
‫الجنة أهل المعروف‪ - 158 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال يحب إذا‬
‫أنعم على عبد ]ه[ أن يرى أثر نعمته عليه ويبغض البؤس والتبؤس )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " استخارة ال "‪ (2) .‬الشقوة‪ :‬الشقاوة‪ .‬والسخط‪:‬‬
‫ضد الرضا‪ .‬وسخط عليه أي غضب عليه‪ (3) .‬يقال‪ :‬كب على وجهه‪ :‬أي‬
‫صرعه وقلبه‪ .‬والمناخر جمع المنخر بفتح الميم والخاء‪ :‬وهو النف من‬
‫نخر ‪ -‬بالفتح ‪ -‬أي مد الصوت والنفس في خياشيمه‪ .‬والحصائد ‪ -‬جمع‬
‫الحصد والحصيد والحصيدة ‪ :-‬من حصد الزرع أي قطع وحصائد‬
‫السنتهم‪ :‬ما يقولونه من الكلم في حق الغير‪ ،‬لنه حصد به‪ (4) .‬تباءس‬
‫أي تفاقر وأرى تخشع الفقراء اخباتا وتضرعا‪.‬‬

‫]‪[160‬‬

‫‪ - 159‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬حسن المسألة نصف العلم‪ ،‬والرفق نصف‬
‫العيش‪ - 160 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان‪:‬‬
‫الحرص والمل )‪ - 161 .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الحياء من اليمان‪.‬‬
‫‪ - 162‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا كان يوم القيامة لم تزل قدما عبد‬
‫حتى يسأل عن أربع‪ :‬عن عمره فيم أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيم أبله‪ ،‬وعما‬
‫اكتسبه من أين اكتسبه‪ ،‬وفيم أنفقه‪ ،‬وعن حبنا أهل البيت )‪- 163 .(2‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من عامل الناس فلم يظلمهم‪ ،‬وحدثهم فلم‬
‫يكذبهم‪ ،‬و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته )‪ (3‬وظهرت عدالته‬
‫ووجبت اخوته )‪ (4‬وحرمت غيبته‪ - 164 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫المؤمن حرام كله عرضه وماله ودمه‪ - 165 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫صلوا أرحامكم ولو بالسلم‪ - 166 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان عقد‬
‫بالقلب‪ ،‬وقول باللسان‪ ،‬وعمل بالركان‪ - 167 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫ليس الغنى من كثرة العرض )‪ (5‬ولكن الغنى غنى النفس‪ - 168 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ترك الشر صدقة‪ - 169 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫أربعة تلزم كل ذي حجى وعقل )‪ (6‬من امتي‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال ما هن ؟‬
‫قال‪ :‬استماع العلم‪ ،‬وحفظه‪ ،‬ونشره‪ ،‬والعمل به‪ - 170 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬إن من البيان سحرا‪ ،‬ومن العلم جهل‪ ،‬ومن القول عيا )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬يعنى‪ :‬ان ابن آدم إذا كبر وضعفت غرائزه وخلقته قوى فيه الحرص والمل‪) .‬‬
‫‪ (2‬السؤال عى المحبة لنها أساس السلم والدين‪ .‬وقد مضى بيانه‪(3) .‬‬
‫المروة أصله المروءة‪ .‬تقلب الهمزة واوا وتدغم‪ " (4) .‬ووجبت أخوته‬
‫" في المصدر " وجب أجره " ولعل ما في المتن هو الصواب‪(5) .‬‬
‫العرض ‪ -‬محركة ‪ -‬المتاع وحطام الدنيا‪ (6) .‬الحجى بالكسر والقصر‪:‬‬
‫العقل والفطنة‪ .‬وأصله الستر‪ (7) .‬عيى في المنطق‪ :‬حصر‪ .‬وعيا تعيية‬
‫الرجل‪ :‬أتى بكلم ل يهتدى إليه‪ .‬وقيل‪< - :‬‬

‫]‪[161‬‬

‫‪ - 171‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬السنة سنتان سنة في فريضة الخذ بعدي بها‬
‫هدى‪ ،‬وتركها ضللة‪ ،‬وسنة في غير فريضة الخذ بها فضيلة‪ ،‬وتركها‬
‫غير خطيئة‪ - 172 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أرضى سلطانا بما‬
‫يسخط ال خرج من دين ال‪ - 173 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬خير من‬
‫الخير معطيه‪ ،‬وشر من الشر فاعله‪ - 174 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬
‫نقله ال من ذل المعاصي إلى عز الطاعة أغناه بل مال‪ ،‬وأعزه بل‬
‫عشيرة‪ ،‬وآنسه بل أنيس‪ ،‬ومن خاف ال أخاف منه كل شئ‪ ،‬ومن لم يخف‬
‫ال أخافه ال من كل شئ‪ ،‬ومن رضي من ال باليسر من الرزق رضي ال‬
‫منه باليسير من العمل‪ ،‬ومن لم يستحي من طلب الحلل من المعيشة خفت‬
‫مؤنته و رخى باله‪ ،‬ونعم عياله‪ ،‬ومن زهد في الدنيا أثبت ال الحكمة في‬
‫قلبه‪ ،‬وأنطق بها لسانه‪ ،‬وبصره عيوب الدنيا داءها ودوآها‪ ،‬وأخرجه من‬
‫الدنيا سالما إلى دار القرار‪ - 175 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أقيلوا ذوي‬
‫الهنات عثراتهم )‪ - 176 .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الزهد في الدنيا‬
‫قصر المل‪ ،‬وشكر كل نعمة‪ ،‬والورع عن كل ما حرم ال‪ - 177 .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تعمل شيئا من الخير رياء ول تدعه حياء‪- 178 .‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنما أخاف على امتي ثلثا شحا مطاعا وهوى‬
‫متبعا وإماما ضال‪ - 179 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من كثر همه سقم‬
‫بدنه‪ ،‬ومن ساء خلقه عذب نفسه‪ ،‬و من لحى الرجال ذهبت مروته‬
‫وكرامته‪ - 180 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أل إن شر امتي الذين يكرمون‬
‫مخافة شرهم‪ ،‬أل‬

‫‪ < -‬العى‪ :‬التحير في الكلم وبالفتح العجز وعدم الهتداء بوجه مراده‪ .‬وفى بعض‬
‫نسخ المصدر " غيا " بالغين المعجمة مصدر من باب ضرب أي ضل‬
‫وخاب وهلك‪ ،‬والغية بالفتح والكسر‪ :‬الضلل‪ (1) .‬الهناة‪ :‬الداهية وهى‬
‫المصيبة وجمعها هنوات‪ .‬والعثرات جمع العثرة‪ :‬وهى السقطة والزلة‬
‫والخطيئة والمعنى‪ :‬تجاوزوا وتصفحوا عن زلت صاحب المصيبة‪.‬‬

‫]‪[162‬‬

‫ومن أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني‪ - 181 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬
‫أصبح من امتي وهمته غير ال فليس من ال‪ ،‬ومن لم يهتم بأمور‬
‫المؤمنين فليس منهم‪ ،‬ومن أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت )‪182 .(1‬‬
‫‪ -‬وكتب صلى ال عليه وآله إلى معاذ يعزيه بابنه )‪ " (2‬من محمد رسول‬
‫ال إلى معاذ بن جبل سلم عليك فاني أحمد ال إليك الذي ل إله إل هو أما‬
‫بعد فقد بلغني جزعك على ولدك الذي قضى ال عليه وإنما كان ابنك من‬
‫مواهب ال الهنيئة )‪ (3‬وعواريه المستودعة عندك‪ ،‬فمتعك ال به إلى أجل‬
‫وقبضه لوقت معلوم فانا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ل يحبطن جزعك أجرك‪،‬‬
‫ولو قدمت على ثواب مصيبتك لعلمت أن المصيبة قد قصرت لعظيم ما أعد‬
‫ال عليها من الثواب لهل التسليم والصبر‪ ،‬واعلم أن الجزع ل يرد ميتا‬
‫ول يدفع قدرا فأحسن العزاء‪ ،‬وتنجز الموعود فل يذهبن أسفك على‬

‫)‪ (1‬قال السبط الشهيد المفدى سيد الشهداء الحسين بن على صلوات ال وسلمه‬
‫عليهما في خطبته يوم عاشوراء إذ عرض عليه وأصحابه المان فأنف‬
‫من الذل‪ " :‬أل وان الدعى ابن الدعى قد ركز بين اثنتين بين الذلة‬
‫والسلة‪ ،‬هيهات منا الذلة‪ ،‬يأبى ال ذلك لنا ورسوله والمؤمنون‪ ،‬و‬
‫حجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيه من أن تؤثر طاعة اللئام‬
‫على مصارع الكرام أل وانى زاحف بهذه السرة ومقلل من هذه الكثرة‬
‫مع قلة العدد وخذلة الناصر " ولنعم ما قال الحميرى‪ :‬طعمت أن تسومه‬
‫الضيم قوم * وأبى ال والحسام الصنيع كيف يلوى على الدنية جيدا *‬
‫لسوى ال ما لواه الخضوع فأبى أن يعيش ال عزيزا * أو تجلى الكفاح‬
‫وهو صريع فتلقى الجموع فردا ولكن * كل عضو في الروع منه جموع‬
‫زوج السيف بالنفوس ولكن * مهرها الموت والخضاب النجيع )‪(2‬‬
‫التعزية‪ :‬التسلية من عزى يعزى من باب تعب‪ :‬صبر على ما نابه‬
‫والتعزي‪ :‬التصبر والتسلى عند المصيبة وشعاره أن يقول‪ " :‬انا ل وانا‬
‫إليه راجعون "‪ .‬والعزاء ممدودا‪ :‬الصبر والتعزي يجيئ بمعنى النسبة‬
‫من تعزى إلى فلن أي نسبه إليه‪ (3) .‬المواهب جمع الموهبة‪ :‬العطية‪،‬‬
‫الشئ الموهوب‪ .‬والهنيئة‪ :‬ما تيسر من غير مشقة‪.‬‬

‫]‪[163‬‬

‫ما لزم لك ولجميع الخلق نازل بقدره‪ ،‬والسلم عليك ورحمة ال وبركاته "‪183 .‬‬
‫‪ -‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أشراط الساعة كثرة القراء‪ ،‬وقله الفقهاء‪،‬‬
‫وكثرة المراء وقلة المناء‪ ،‬وكثرة المطر‪ ،‬وقلة النبات‪ - 184 .‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬أبلغوني حاجة من ل يستطيع إبلغي حاجته فانه من أبلغ‬
‫سلطانا حاجة من ل يستطيع إبلغها ثبت ال قدميه على الصراط يوم‬
‫القيامة )‪ - 185 .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬غريبتان كلمة حكم من‬
‫سفيه فاقبلوها وكلمة سيئة من حكيم فاغفروها‪ - 186 .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬للكسلن ثلث علمات‪ :‬يتواني حتى يفرط‪ ،‬ويفرط حتى يضيع‪،‬‬
‫ويضيع حتى يأثم‪ - 187 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من لم يستحي من‬
‫الحلل نفع نفسه‪ ،‬وخفت مؤنته‪ ،‬ونفى عنه الكبر‪ ،‬ومن رضي من ال‬
‫باليسير من الرزق رضي ال عنه بالقليل من العمل ومن يرغب في الدنيا‬
‫فطال فيها أمله أعمى ال قلبه على قدر رغبته فيها‪ ،‬ومن زهد فيها فقصر‬
‫فيها أمله أعطاه ال علما بغير تعلم‪ ،‬وهدى بغير هداية‪ ،‬وأذهب عنه )‪(2‬‬
‫العماء وجعله بصيرا‪ ،‬أل إنه سيكون بعدي أقوام ل يستقيم لهم الملك إل‬
‫بالقتل والتجبر ول يستقيم لهم الغنى إل بالبخل‪ ،‬ول تستقيم لهم المحبة في‬
‫الناس إل باتباع الهوى والتيسير في الدين )‪ (3‬أل فمن أدرك فصبر على‬
‫الفقر وهو يقدر على الغنى و صبر على الذل وهو يقدر على العز‪ ،‬وصبر‬
‫على البغضاء في الناس وهو يقدر على المحبة ل يريد بذلك إل وجه ال‬
‫والدار الخرة أعطاه ال ثواب خمسين صديقا‪.‬‬

‫)‪ (1‬سيأتي في كتاب عهد أمير المؤمنين عليه السلم للشتر لما وله مصر‪" :‬‬
‫قال‪ :‬وتفقد أمور من ل يصل اليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره‬
‫الرجال‪ ،‬ففرغ لولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع اليك‬
‫أمورهم‪ ،‬ثم اعمل فيهم بالعذار إلى ال يوم تلقاه فان هؤلء من بين‬
‫الرعية أحوج إلى النصاف من غيرهم‪ ،‬وكل فأعذر إلى ال في تأدية حقه‬
‫إليه "‪ (2) .‬في بعض نسخ المصدر " فأذهب عنه "‪ (3) .‬أي المسامحة‬
‫والمماطلة في أمر الدين‪.‬‬
‫]‪[164‬‬

‫‪ - 188‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إياكم وتخشع النفاق وهو أن يري الجسد خاشعا‬
‫و القلب ليس بخاشع‪ - 189 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬المحسن المذموم‬
‫مرحوم‪ - 190 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أقبلوا الكرامة وأفضل الكرامة‬
‫الطيب‪ ،‬أخفه محمل و أطيبه ريحا‪ - 191 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنما‬
‫تكون الصنيعة )‪ (1‬إلى ذي دين أو ذي حسب‪ ،‬وجهاد الضعفاء الحج‪،‬‬
‫وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها‪ ،‬والتودد نصف الدين‪ ،‬وما عال امرء‬
‫قط على اقتصاد )‪ (2‬واستنزلوا الرزق بالصدقة‪ ،‬أبى ال أن يجعل رزق‬
‫عباده المؤمنين من حيث يحتسبون‪ - 192 .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل‬
‫يبلغ عبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما ل بأس به حذرا لما به البأس‪.‬‬
‫‪ - 2‬عو )‪ (3‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا أراد ال بعبد خيرا جعل له‬
‫وزيرا صالحا إن نسي ذكره‪ ،‬وإن ذكر أعانه‪ .‬سيروا سير أضعفكم‪ .‬الفرار‬
‫مما ل يطاق‪ .‬من استوى يوماه فهو مغبون‪ .‬الدنيا دار محنة‪ ،‬الدنيا ساعة‬
‫فاجعلوها طاعة‪ .‬مع كل فرحة ترحة )‪ (4‬استعينوا على الحوائج بالكتمان‬
‫لها‪ .‬لكل شئ سنام )‪ (5‬وسنام القرآن سورة البقرة‪ ،‬من لم يصبر على ذل‬
‫التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا‪ .‬من سن سنه حسنة فله أجرها وأجر‬
‫من عمل بها‪ .‬اختلف امتي رحمة )‪ (6‬أبدء بنفسك‪ .‬شر الناس من أكل‬
‫وحده‬

‫)‪ (1‬الصنيعة‪ :‬الحسان‪ .‬وجمعها الصنائع‪ (2) .‬عال أي افتقر‪ .‬وفى بعض النسخ "‬
‫واستزادوا الرزق "‪ (3) .‬العوالي اللئالى لبن أبى جمهور مخطوط‪(4) .‬‬
‫الترح ضد الفرح وترح ترحا أي حزن‪ .‬ومعنى الحديث أن مع كل سرور‬
‫حزن يعقبه حتى كانه معه أي المشيئة اللهية جرت بذلك لئل تسكن‬
‫نفوس العقلء إلى نعيمها‪ (5) .‬سنام كل شئ أعله‪ (6) .‬أي تزاورهم‬
‫وترددهم وضيافتهم كما في قوله تعالى " واختلف الليل والنهار " أي‬
‫مجيئ كل واحد عقيب الخر‪ .‬وكما في قوله " ومختلف الملئكة " أي‬
‫محل نزولهم وصعودهم‪.‬‬

‫]‪[165‬‬

‫ومنع رفده‪ ،‬وجلد عبده‪ .‬إذا تغير السلطان تغير الزمان‪ .‬إذا كان الداء من السماء‬
‫فقد بطل هناك الدواء‪ .‬الرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما‬
‫تناكر اختلف‪ .‬السخي قريب من ال قريب من الجنة قريب من الناس‪.‬‬
‫اجتنب خمسا الحسد والطيرة والبغي وسوء الظن والنميمة‪ .‬أنا عند ظن‬
‫عبدي بي‪ ،‬من فتح له باب خير فلينتهزه فانه ل يدري متى يغلق عنه‪.‬‬
‫المور بتمامها والعمال بخواتمها‪ .‬شاوروهن وخالفوهن‪ .‬حبك للشئ‬
‫يعمي ويصم‪ .‬المرأة كالضلع العوجاء‪ .‬بلوا أرحامكم ولو بالسلم )‪(1‬‬
‫الفرار في وقته ظفر‪ .‬الشباب شعبة من الجنون‪ .‬ل خير في السرف ول‬
‫سرف في الخير‪ .‬إن ال يحب الفأل الحسن‪ .‬رأس العقل بعد اليمان التودد‬
‫إلى الناس‪ .‬المقدور كائن‪ .‬والهم فاضل‪ .‬الصدقة تزيد في العمر وتستنزل‬
‫الرزق‪ ،‬و وتقي مصارع السوء‪ ،‬وتطفئ غضب الرب‪ .‬ترك الفرص‬
‫غصص‪ .‬الفرص تمر مر السحاب‪ .‬أضيق المر أدناه من الفرج‪ .‬حسن‬
‫العهد من اليمان‪ .‬من تعلمت منه حرفا صرت له عبدا‪ .‬الظفر بالجزم‬
‫والحزم‪ .‬إذا جاء القضاء ضاق الفضاء‪ .‬الدنيا سجن المؤمن‪ .‬طالب العلم‬
‫محفوف بعناية ال‪ .‬الندم توبة‪ .‬الحاسد مغتاظ على من ل ذنب له‪ .‬الحزم‬
‫باجالة الرأي‪ ،‬والرأي بتحصين السرار‪ .‬أعقل الناس محسن خائف‪،‬‬
‫وأجهلهم مسئ آمن‪ .‬طالب العلم ل يموت أو يمتع جده بقدر كده‪ .‬المؤمنون‬
‫عند شروطهم‪ .‬الكعبة تزار ول تزور‪ .‬السكوت عند الضرورة بدعة‪.‬‬
‫السلطان ظل ال يأوي إليه كل مظلوم )‪ (2‬العدل جنة واقية وجنة باقية‪.‬‬
‫أصلح وزيرك فإنه الذي يقودك إلى الجنة والنار‪ .‬الجاه أحد الرفدين والخر‬
‫المال‪ .‬المور مرهونة بأوقاتها‪ .‬الهدية تذهب السخيمة‪ .‬تصافحوا فإنه‬
‫يذهب بالغل‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي صلوا فشبه الرحم المقطوع الوصلة بارض منقطع عنها الغيث‪ .‬وقال‬
‫العلقمي أي ندوها بصلتها‪ .‬وذلك لنهم يطلقون النداوة على الصلة كما‬
‫يطلقون اليبس على القطيعة لنهم لما رأوا بعض الشياء تتصل وتختلط‬
‫بالنداوة ويحصل منها التجافي والتفرق باليبس استعاروا البلل للوصل‬
‫واليبس للقطيعة‪ .‬فذكر البلل تخييل‪ (2) .‬أخرجه البيهقى في شعب اليمان‬
‫بسند ضعيف عن عبد ال بن عمر بن الخطاب‪.‬‬

‫]‪[166‬‬

‫الهدية تورث المودة وتجدر الخوة )‪ ،(1‬وتذهب الضغينة‪ .‬تهادوا تحابوا‪ .‬نعم الشئ‬
‫الهدية أمام الحاجة‪ .‬اهد لمن يهديك‪ .‬الهدية تفتح الباب المصمت‪ .‬نعم‬
‫مفتاح الحاجة الهدية‪ .‬المرء مخبو تحت لسانه )‪ .(2‬ما يصلح للمولى فعلى‬
‫العبد حزام‪ .‬الهدايا رزق ال ‪ -‬من أهدي إليه شئ فليقبله‪ .‬إن هذه القلوب‬
‫تمل كما تمل البدان فاهدوا إليها طرائف الحكم‪ .‬في حديث القدسي يا داود‬
‫فرغ لي بيتا أسكنه‪ :‬إن ل في أيام دهركم نفحات أل فترصدوا لها‪ .‬السعيد‬
‫من وعظ بغيره‪ .‬من نظر في العواقب سلم في النوائب‪ .‬ل منع ول إسراف‪،‬‬
‫ول بخل ول إتلف‪ .‬خير المور أوسطها‪ .‬ما العلم إل ما حواه الصدر‪ .‬الدنيا‬
‫دار بلية‪ .‬تعمموا تزادوا حلما‪ .‬العمامة من المروة‪ ،‬هذان محرمان على‬
‫ذكور امتي يعني الذهب والحرير‪ - 3 .‬الدرة الباهرة من الصداف الطاهرة‪:‬‬
‫)‪ (3‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬العلم وديعة ال في أرضه‪،‬‬
‫والعلماء امناؤه عليه‪ ،‬فمن عمل بعلمه أدى أمانته‪ ،‬ومن لم يعمل بعمله‬
‫كتب في ديوان ال من الخائنين‪ .‬قال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنكم لن تسعوا‬
‫الناس بأموالكم فسعوهم بأخلقكم‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬تفرغوا من‬
‫هموم الدنيا ما استطعتم فإنه من أقبل على ال تعالى بقلبه جعل ال قلوب‬
‫العباد منقادة إليه بالود والرحمة‪ ،‬وكان ال إليه بكل خير أسرع‪ .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يريد القدر إل الدعاء‪ ،‬ول يزيد في العمر إل البر‪،‬‬
‫وإن الرجل ليحرم الرزق بالذهب يصيبه‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬حسن‬
‫الظن بال من عبادة ال‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل خير لك في صحبة‬
‫من ل يرى لك مثل الذي يرى لنفسه‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي حوطها وحجزها‪ .‬والضغينة‪ :‬الحقد والشحناء‪ (2) .‬من خبأ يخبأ أي‬
‫مستور‪ (3) .‬قال المؤلف في ج ‪ 1‬ص ‪ 10‬أنه للشيخ العلمة الشهيد‬
‫محمد بن مكى )ره(‪(*) .‬‬

‫]‪[167‬‬

‫‪ - 4‬أقول‪ :‬وجدت بخط الشيخ الجليل محمد بن علي الجبعي رحمه ال هذه أحاديث‬
‫محذوفة السناد كتبها الشيخ ابن مكي رحمه ال من خط سديد الدين ابن‬
‫مطهر رحمه ال وأجازها له شيخه السيد المرتضى النقيب المعظم النسابة‬
‫العلمة‪ ،‬مفخر العترة الطاهرة‪ ،‬تاج الملة والدين‪ :‬أبو عبد ال محمد بن‬
‫السيد العلمة النقيب الزاهد جلل الدين أبي جعفر القاسم ابن السيد النقيب‬
‫فخر الدين أبي القاسم الحسين ابن السيد نقيب جلل الدين أبي جعفر‬
‫القاسم ابن أبي منصور الحسن ابن رضي الدين محمد بن أبي طالب ولي‬
‫الدين الحسن بن أحمد بن محسن بن الحسين القصري ابن محمد بن‬
‫الحسين بن علي بن الحسين الخطيب بالكوفة ابن علي المعروف بابن‬
‫المعية ابن الحسن بن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم العمر بن الحسن‬
‫المثنى ابن المام السبط أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‬
‫السلم عن شيوخه الثقات وهم عن رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة‪ .‬أرحم من في الرض يرحمك من‬
‫في السماء‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الصوم جنة‪ .‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة‪ :‬إذا حدث أحدكم‬
‫فل يكذب‪ ،‬وإذا ائتمن فل يخن‪ ،‬وإذا وعد فل يخلف‪ .‬غضوا أبصاركم وكفوا‬
‫أيديكم‪ ،‬واحفظوا فروجكم‪ .‬قال أحمد بن أبي الحواري‪ :‬تمنيت أن أرى أبي‬
‫سليمان الداراني في المنام فرأيته بعد سنة فقلت له‪ :‬يا معلم ما فعل ال‬
‫بك ؟ فقال‪ :‬يا أحمد جئت من باب الصغير فلقيت وسق شيح )‪ (5‬فأخذت‬
‫منه عودا ما أدري تخللت به أو رميت به فأنا في حسابه منذ سنة إلى هذه‬
‫الغاية‪ ،‬تم الخبر والحمد ل رب العالمين‪ .‬وبخطه أيضا ما صورته وعلى‬
‫هذه الحاديث خط السيد تاج الدين ابن‬

‫)‪ (1‬الوسق وقر النخلة‪ ،‬والشيح بالحاء المهملة‪ :‬نبات أنواعه كثيرة كله طيب‬
‫الرائحة‪.‬‬

‫]‪[168‬‬

‫معية رحمه ال ما صورته‪ :‬سمع هذه الحاديث من لفظ مولينا الشيخ المام العالم‬
‫الفاضل العامل الزاهد الورع‪ ،‬مفخر العلماء‪ ،‬سللة الفضلء‪ ،‬شمس الملة‬
‫والحق والدين محمد بن مكي أدام ال فضائله في يوم السبت حادي عشر‬
‫شوال من سنة أربع وخمسين وسبعمائة وأجزت له روايتها عني بالسند‬
‫المتقدم وغيره من طرقي مشايخ الحلة الذين رووها إلى آخر ما سيأتي في‬
‫آخر مجلدات الكتاب‪ .‬وبخطه أيضا في أول هذه الحاديث إجازة اخرى من‬
‫السيد تاج الدين أبي عبد ال مفخر العلماء والفضلء شمس الحق والدين‬
‫صحيح‪ ،‬وكتبه محمد بن معية في حادي عشر شوال سنة أربع وخمسين‬
‫وسبعمائة‪ ،‬والحمد ل وحده وصلى ال على محمد وآله وسلم‪ .‬وبخطه نقل‬
‫من خط الشهيد ‪ -‬رحمهما ال ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬إن أعمى‬
‫العمى الضللة بعد الهدى‪ ،‬خير الغنى غنى النفس‪ .‬من يعص ال يعذبه‪.‬‬
‫عفو الملوك بقاء الملك‪ .‬ل يجني على المرء إل يده ولسانه‪ .‬صحبة‬
‫عشرين سنة قرابة‪ .‬خير الرزق ما يكفي‪ .‬الصحة والفراغ نعمتان‬
‫مكفورتان‪ - 5 .‬دعوات الراوندي‪ (1) :‬قال أسود بن أصرم قلت‪ :‬يا رسول‬
‫ال أوصني فقال‪ :‬أتملك يدك ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فتملك لسانك ؟ قلت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬صلى ال عليه وآله‪ :‬فل تبسط يدك إل إلى خير‪ ،‬ول تقل بلسانك إل‬
‫معروفا‪ - 6 .‬كنز الكراجكى‪ (2) :‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬من سرته‬
‫حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن‪ .‬ل خير في عيش إل لرجلين‪ :‬عالم مطاع‬
‫ومستمع واع‪ .‬كفى بالنفس غنى‪ ،‬وبالعبادة شغل‪ .‬ل تنظروا إلى صغر‬
‫الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم‪ .‬قال صلى ال عليه وآله‪ :‬آفة الحديث‬
‫الكذب‪ ،‬وآفة العلم النسيان‪ ،‬وآفة العبادة الفترة وآفة الظرف الصلف )‪.(3‬‬
‫ل حسب إل بتواضع‪ ،‬ول كرم إل بتقوى‪ ،‬ول عمل‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬المصدر ص ‪ (3) .13‬تقدم معناه ص ‪.68‬‬

‫]‪[169‬‬
‫إل بنية ول عبادة إل بيقين‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ (1) :‬من أراد أن يكون أعز‬
‫الناس فليتق ال عزوجل‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من خاف ال سخت‬
‫نفسه الدنيا‪ ،‬ومن رضي من الدنيا بما يكفيه كان أيسر ما فيها يكفيه‪ .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا خضرة حلوة‪ ،‬وال مستعملكم فيها فانظروا‬
‫كيف تعملون‪] .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من ترك معصية ال مخافة من‬
‫ال أرضاه ال يوم القيامة‪ ،‬ومن مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم‬
‫فقد خرج من اليمان‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬دع ما يريبك إلى ما ل‬
‫يريبك فإنك لن تجد فقد شئ تركته ل عزوجل[‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫باب التوبة مفتوح لمن أرادها فتوبوا إلى ال توبة نصوحا )‪ .(2‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه‪ ،‬واحذروا الذنوب‬
‫فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق‪ - 7 .‬ومنه‪ (3) :‬قال من كلم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله في الخصال من واحدة إلى عشرة روى عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله أنه قال‪ :‬خصلة من لزمها أطاعته الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وربح الفوز في الجنة‪ .‬قيل‪ :‬وما هي يا رسول ال ؟ قال‪ :‬التقوى‬
‫من أراد أن يكون أعز الناس فليتق ال عزوجل‪ ،‬ثم تل‪ " :‬ومن يتق ال‬
‫يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب " )‪ .(4‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى ل يدري ما ال صانع فيه‬
‫وبين أجل قد بقي ما ال قاض فيه‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من وقى شر‬
‫ثلث فقد وقى الشر كله‪ :‬لقلقه وقبقبه وذبذبه‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) .164‬أي خالصا ل لشوب فيه‪ (3) .‬المصدر ص ‪(4) .184‬‬
‫الطلق‪ 2 :‬و ‪.3‬‬

‫]‪[170‬‬

‫فلقلقه لسانه وقبقبه بطنه وذبذبه فرجه‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أربع خصال من‬
‫الشقاء‪ :‬جمود العين‪ ،‬وقساوة القلب‪ ،‬والصرار على الذنب‪ ،‬والحرص‬
‫على الدنيا‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬خمس ل يجتمعن إل في مؤمن حقا‬
‫يوجب ال له بهن الجنة‪ :‬النور في القلب‪ ،‬والفقة في السلم‪ ،‬والورع‪،‬‬
‫والمودة في الناس‪ ،‬وحسن السمت في الوجه‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة‪ :‬اصدقوا إذا حدثتم‪ ،‬وأوفوا‬
‫إذا وعدتم‪ ،‬وأدوا إذا ائتمنتم‪ ،‬واحفظوا فروجكم‪ ،‬وغضوا أبصاركم‪ ،‬وكفوا‬
‫أيديكم‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬أوصاني ربي بسبع‪ :‬أوصاني بالخلص‬
‫في السر والعلنية‪ ،‬وأن أعفو عمن ظلمني‪ ،‬واعطي من حرمني‪ ،‬وأصل‬
‫من قطعني‪ ،‬وأن يكون صمتي فكرا‪ ،‬و نظري عبرا‪ .‬وحفظ عنه صلى ال‬
‫عليه وآله ثمان‪ :‬قال‪ :‬أل اخبركم بأشبهكم بي خلقا ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول‬
‫ال‪ ،‬قال‪ :‬أحسنكم خلقا‪ ،‬وأعظمكم حلما‪ ،‬وأبركم بقرابته‪ ،‬وأشدكم حبا‬
‫لخوانه في دينه‪ ،‬وأصبركم على الحق‪ ،‬وأكظمكم للغيظ‪ ،‬وأحسنكم عفوا‪،‬‬
‫وأشدكم من نفسه إنصافا‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الكبائر تسع أعظمهن‬
‫الشراك بال عزوجل‪ ،‬وقتل النفس المؤمنة وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪،‬‬
‫وقذف المحصنة‪ ،‬والفرار من الزحف‪ ،‬وعقوق الوالدين واستحلل البيت‬
‫الحرام‪ ،‬والسحر‪ ،‬فمن لقى ال عزوجل وهو برئ منهن كان معي في جنة‬
‫مصاريعها من ذهب )‪ .(1‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان في عشرة‪:‬‬
‫المعرفة‪ ،‬والطاعة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والعمل‪ ،‬والورع والجتهاد‪ ،‬والصبر‪ ،‬واليقين‪،‬‬
‫والرضا‪ ،‬والتسليم فأيها فقد صاحبه بطل نظامه‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصاريع جمع المصراع وهو احدى عضادتى الباب‪.‬‬

‫]‪[171‬‬

‫وعن النبي صلى ال عليه وآله )‪ :(1‬قال‪ :‬صل من قطعك‪ ،‬وأحسن إلى من أساء‬
‫إليك‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬قل الحق ولو على نفسك‪ .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬اعتبروا فقد خلت المثلت )‪ (2‬فيمن كان قبلكم‪ .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬كن لليتيم كالب الرحيم‪ ،‬واعلم أنك تزرع كذلك تحصد‪ .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬اذكر ال عند همك إذا هممت‪ ،‬وعند لسانك إذا‬
‫حكمت‪ ،‬وعند يدك إذا قسمت‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪(3) :‬‬
‫أحسنوا مجاورة النعم ل تملوها )‪ (4‬ول تنفروها فانها قل ما نفرت من قوم‬
‫فعادت إليهم‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‪ :‬من قال‪ :‬قبح ال الدنيا‪ ،‬قالت‬
‫الدنيا‪ :‬قبح ال أعصانا للرب‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من عف عن‬
‫محارم ال كان عابدا‪ ،‬ومن رضي بقسم ال كان غنيا‪ ،‬ومن أحسن مجاورة‬
‫من جاوره كان مسلما‪ ،‬ومن صاحب الناس بالذي يجب أن يصاحبوه كان‬
‫عدل‪ .‬وقال عليه وآله السلم‪ :‬من اشتاق إلى الجنة سل عن الشهوات‪،‬‬
‫ومن أشفق )‪ (5‬من النار رجع عن المحرمات‪ ،‬ومن زهد في الدنيا هانت‬
‫عليه المصيبات‪ ،‬ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات‪ .‬وقال عليه وآله‬
‫السلم‪ :‬اجتهدوا في العمل‪ ،‬فان قصر بكم الضعف فكفوا عن المعاصي‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ 194‬وفيه زيادة اختار المصنف بعضه‪ (2) .‬المثلت الدواهي‬
‫والعقوبات‪ (3) .‬المصدر ص ‪ (4) .271‬النعم المجاورة أي الحاصلة‬
‫وقوله " ل تملوها " أي ل تزجروها ول تزيلوها لنها إذا زالت قل أن‬
‫تعود‪ (5) .‬الشفاق‪ :‬الخوف‪.‬‬
‫]‪[172‬‬

‫‪ - 8‬اعلم الدين‪ (1) :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل عيش إل لرجلين عالم‬
‫ناطق و متعلم واع‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن للقلوب صدأ كصدأ‬
‫النحاس )‪ (2‬فاجلوها بالستغفار وتلوة القرأن‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫الزهد ليس بتحريم الحلل ولكن أن يكون بما في يدي ال أوثق منه بما في‬
‫يديه‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬خصلتان ل تجتمعان في مؤمن‪ :‬البخل‬
‫وسوء الظن بالرزق‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أكثر‬
‫الستغفار جعل ال له من كل هم فرجا‪ ،‬ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من‬
‫حيث ل يحتسب‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬كلمة الحكمة يسمعها المؤمن‬
‫خير من عبادة سنة‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬صنايع المعروف تقي‬
‫مصارع السوء‪ ،‬وصدقة السر تطفئ غضب الرب‪ ،‬وصلة الرحم تزيد في‬
‫العمر وتدفع ميتة السوء وتنفي الفقر وتزيد في العمر‪ .‬ومن كف غضبه‬
‫وبسط رضاه وبذل معروفه ووصل رحمه وأدى أمانته أدخله ال تعالى في‬
‫النور العظم‪ ،‬ومن لم يتعز بعزاء ال تقطعت نفسه حسرات‪ ،‬ومن لم ير‬
‫أن ل عنده نعمة إل في مطعم ومشرب قل عمله وكبر جهله‪ ،‬ومن نظر إلى‬
‫ما في أيدي الناس طال حزنه ودام أسفه‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬حسن‬
‫الخلق وصلة الرحام وبر القرابة تزيد في العمار وتعمر الديار‪ ،‬ولو كان‬
‫القوم فجارا‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال يحب التقياء الخفياء‪،‬‬
‫الذين إذا حضروا لم يعرفوا‪ ،‬و إذا غابوا لم يفقدوا‪ .‬قلوبهم مصابيح الهدى‪،‬‬
‫منجون من كل غبراء مظلمة‪.‬‬

‫)‪ (1‬تأليف أبى محمد الحسن بن أبى الحسن محمد الديلمى صاحب ارشاد القلوب‬
‫مخطوط‪ (2) .‬الصدأ ‪ -‬بفتح الصاد المهملة والدال والهمز ‪ -‬مادة لونها‬
‫يأخذ من الحمرة‪ ،‬والشقرة تتكون على وجه الحديد ونحوه بسبب رطوبة‬
‫الهواء‪.‬‬

‫]‪[173‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الوحدة من قرين السوء‪ ،‬والحزم أن تستشير ذا الرأي‬
‫وتطيع أمره‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬جاملوا الشرار بأخلقهم تسلموا‬
‫من غوائلهم‪ ،‬وباينوهم بأعمالكم كيل تكونوا منهم‪ .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله لو أن المؤمن أقوم من قدح لكان له من الناس عامر )‪ (1‬واعلموا‬
‫أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلقكم‪ .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬ما من أحد ولي شيئا من امور المسلمين فأراد ال به خيرا إل جعل‬
‫ال له وزيرا صالحا‪ ،‬إن نسي ذكره‪ ،‬وإن ذكر أعانه‪ ،‬وإن هم بشر كفه‬
‫وزجره‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال يبغض البخيل في حياته‪ ،‬السخي‬
‫عند وفاته‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ادعو ال وأنتم موقنون بالجابة‬
‫واعلموا أن ال ل يقبل دعاء من قلب غافل‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫المل رحمة لمتي ولول المل ما رضعت والدة ولدها‪ ،‬ول غرس غارس‬
‫شجرا‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل‪.‬‬
‫وإياك والخلف عليهم فان فيه الهلك‪ .‬وعاد صلى ال عليه وآله رجل من‬
‫النصار فقال‪ :‬جعل ال ما مضى كفارة وأجرا‪ ،‬وما بقي عافية وشكرا‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬خلقان ل يجتمعان في مؤمن الشح وسوء‬
‫الخلق‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ويل للذين يجتلبون الدنيا بالدين‪،‬‬
‫يلبسون للناس جلود الضأن من لين ألسنتهم كلمهم أحل من العسل‪،‬‬
‫وقلوبهم قلوب الذئاب يقول ال تعالى‪ :‬أبي يغترون أم علي يجترؤون‪،‬‬
‫فوعزتي وجللي لبعثن عليهم فتنة تذر الحليم منهم حيران‪ .‬وكتب صلى‬
‫ال عليه وآله إلى بعض أصحابه يعزيه أما بعد فعظم ال جل اسمه لك‬
‫الجر‪ ،‬و ألهمك الصبر‪ ،‬ورزقنا وإياك الشكر‪ ،‬إن أنفسنا وأموالنا وأهالينا‬
‫مواهب ال الهنيئة وعواريه المستردة بها إلى أجل معدود‪ ،‬ويقبضها لوقت‬
‫معلوم‪ ،‬وقد جعل ال تعالى علينا‬

‫)‪ (1‬كذا‪.‬‬

‫]‪[174‬‬

‫الشكر إذا أعطى‪ ،‬والصبر إذا ابتلى‪ ،‬وقد كان ابنك من مواهب ال تعالى في غبطة و‬
‫سرور وقبضه منك بأجر مدخور‪ ،‬إن صبرت واحتسبت فل تجزعن أن‬
‫تحبط جزعك أجرك‪ ،‬وأن تندم غدا على ثواب مصيبتك‪ .‬فانك لو قدمت على‬
‫ثوابها علمت أن المصيبة قد قصرت عنها‪ ،‬واعلم أن الجزع ل يرد فائتا‪،‬‬
‫ول يدفع حسن قضاء‪ ،‬فليذهب أسفك ما هو نازل بك مكان ابنك والسلم‪9 .‬‬
‫‪ -‬كتاب المامة والتبصرة‪ (2) :‬عن هارون بن موسى‪ ،‬عن محمد بن علي‪،‬‬
‫عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن على بن أسباط‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن الصادق‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪:‬‬
‫الشقي من شقي في بطن امه‪ .‬ومنه بهذا السناد‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬شر الرواية رواية الكذب‪ ،‬وشر المور محدثاتها‪ ،‬وشر العمى عمى‬
‫القلب‪ ،‬وشر الندامة يوم القيامة‪ ،‬وشر الكسب كسب الربا‪ ،‬وشر المأكل أكل‬
‫مال اليتيم ظلما‪ .‬ومنه بهذا السناد قال صلى ال عليه وآله‪ :‬الشباب شعبة‬
‫من الجنون‪ .‬ومنه بهذا السناد قال صلى ال عليه وآله‪ :‬الشيخ شاب على‬
‫حب أنيس وطول حياة‪ ،‬وكثرة مال‪ .‬ومنه عن الحسن الحمزة العلوي‪ ،‬عن‬
‫علي بن محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن أبيه عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن مسعدة‬
‫بن صدقة‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ .‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬صديق كل امرء عقله وعدوه جهله‪ .‬وقال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬صديق عدو علي عدو علي‪ .‬ومنه‪ ،‬عن سهل بن أحمد‪ ،‬عن‬
‫محمد بن الشعث‪ ،‬عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬العلم‬
‫رائد‪ ،‬و العقل سائق‪ ،‬والنفس حرون )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬الحرون ‪ -‬بفتح الحاء المهملة ‪ :-‬الفرس الذى ل ينقاد وإذا اشتد‬
‫به الجرى وقف‪ .‬والرائد‪ :‬رسول الذى يرسله القوم لينظر لهم مكانا‬
‫ينزلون فيه‪ .‬والسائق فاعل من ساقه يسوقه فهو سائق‪ .‬ومعنى الكلم‬
‫واضح‪.‬‬

‫]‪[175‬‬

‫ومنه بهذا السناد قال صلى ال عليه وآله‪ :‬العقل هدية )‪ .(1‬ومنه بهذا السناد قال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬عش ما شئت فانك ميت‪ ،‬واحبب من شئت فانك‬
‫مفارقه‪ ،‬واعمل ما شئت فانك ملقيه‪ .‬ومنه بهذا السناد‪ :‬العلم رأس الخير‬
‫كله‪ ،‬والجهل رأس الشر كله‪ .‬ومنه بهذا السناد‪ :‬علموا ول تعنفوا فان‬
‫المعلم العالم خير من المعنف )‪ .(2‬ومنه عن أحمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الحسن الصفار‪ ،‬عن إبراهيم بن هاشم‪ ،‬عن النوفلي عن السكوني‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله غريبتان غريبة‪ :‬كلمة حكم من سفيه فاقبلوها‪ ،‬وكلمة‬
‫سفه من حكيم فاغفروها‪ - 10 .‬أعلم الدين‪ :‬للديلمي أربعون حديثا رواها‬
‫ابن ودعان بحذف السناد‪ :‬الول عن أنس قال‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله على ناقته العضباء فقال‪ :‬أيها الناس كأن الموت فيها على‬
‫غيرنا كتب‪ ،‬وكأن الحق على غيرنا وجب‪ ،‬وكان ما نسمع من الموات‬
‫سفر عما قليل إلينا راجعون‪ ،‬نبوؤهم أجداثهم‪ ،‬ونأكل تراثهم كأنا مخلدون‬
‫بعدهم‪ ،‬قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة )‪ (3‬طوبى لمن أنفق ما‬
‫اكتسبه من غير معصية‪ ،‬وجالس أهل الفقه والحكمة‪ ،‬وخالط أهل الذلة‬
‫والمسكنة‪ .‬طوبى لمن ذلت نفسه وحسنت خليقته‪ ،‬وصلحت سريرته‪،‬‬
‫وعزل عن الناس شره‪ .‬طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل‬
‫من قوله ووسعته السنة ولم تشتهره البدعة )‪ .(4‬الثاني عن علقمة بن‬
‫الحصين قال‪ :‬سمعت قيس بن عاصم المنقري يقول‪ :‬قدمت على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله في وفد من جماعة من بني تميم فقال لي‪ :‬اغتسل بماء‬
‫وسدر‪،‬‬
‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬العنف ضد الرفق والعتاب أي ل تشددوا بل ارفقوا بهم‪ (3) .‬الجائحة‪:‬‬
‫الفة‪ (4) .‬رواه الديلمى في الفردوس من حديث أنس بن مالك بسند‬
‫حسن هكذا " وسعته السنة ولم يعد عنها إلى البدعة "‪.‬‬

‫]‪[176‬‬

‫ففعلت ثم عدت إليه وقلت‪ :‬يا رسول ال عظنا عظة ننتفع بها‪ ،‬فقال‪ :‬يا قيس إن مع‬
‫العز ذل‪ ،‬وإن مع الحياة موتا‪ ،‬وإن مع الدنيا آخرة‪ ،‬وإن لكل شئ حسيبا‪،‬‬
‫وعلى كل شئ رقيبا‪ ،‬وإن لكل حسنة ثوابا‪ ،‬ولكل سيئة عقابا‪ ،‬وإن لكل أجل‬
‫كتابا‪ ،‬وإنه يا قيس لبد لك من قرين يدفن معك وهو حي‪ ،‬وتدفن معه وأنت‬
‫ميت‪ ،‬فان كان كريما أكرمك وإن كان لئيما أسلمك‪ ،‬ل يحشر إل معك ول‬
‫تحشر إل معه ول تسأل إل عنه‪ ،‬ول تبعث إل معه‪ ،‬فل تجعله إل صالحا‪،‬‬
‫فانه إن كان صالحا لم تأنس إل به‪ ،‬وإن كان فاحشا ل تستوحش إل منه‬
‫وهو عملك‪ .‬فقال قيس‪ :‬يا رسول ال لو نظم هذا شعر ل فتخرت به على‬
‫من يلينا من العرب‪ ،‬فقال رجل من أصحابه يقال له الصلصال‪ :‬قد حضر‬
‫فيه شئ يا رسول ال أفتأذن لي بانشاده ؟ فقال‪ :‬نعم فأنشأ يقول‪ :‬تخير‬
‫قرينا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل فل بد للنسان من‬
‫أن يعده * ليوم ينادى المرء فيه فيقبل فان كنت مشغول بشئ فل تكن *‬
‫بغير الذي يرضى به ال تشغل فما يصحب النسان من بعد موته * ومن‬
‫قبله إل الذي كان يعمل أل إنما النسان ضيف لهله * يقيم قليل عندهم ثم‬
‫يرحل الثالث عن أبي الدرداء قال‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫يوم جمعة فقال‪ :‬أيها الناس توبوا إلى ال قبل أن تموتوا‪ ،‬وبادروا‬
‫بالعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا‪ ،‬وأصلحوا الذي بينكم وبين ربكم‬
‫تسعدوا‪ ،‬وأكثروا من الصدقة ترزقوا‪ ،‬وأمروا بالمعروف تحصنوا‪ ،‬وانتهوا‬
‫عن المنكر تنصروا‪ ،‬يا أيها الناس إن أكيسكم أكثركم ذكرا للموت وإن‬
‫أحزمكم أحسنكم استعدادا له‪ ،‬أل وإن من علمات العقل التجافي عن دار‬
‫الغرور‪ ،‬والنابة إلى دار الخلود‪ ،‬والتزود لسكني القبور‪ ،‬والتأهب ليوم‬
‫النشور )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬التأهب‪ :‬التهيؤ والستعداد‪.‬‬

‫]‪[177‬‬

‫الرابع‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول في خطبته‪:‬‬
‫أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم‪ ،‬وإن لكم نهاية فانتهوا إلى‬
‫نهايتكم‪ ،‬إن المؤمن بين مخافتين يوم قد مضى ل يدري ما ال قاض فيه‪،‬‬
‫ويوم قد بقي ل يدري ما ال صانع به فليأخذ العبد لنفسه من نفسه‪ ،‬ومن‬
‫دنياه لخرته‪ ،‬ومن شبابه لهرمه ومن صحته لسقمه‪ ،‬ومن حياته لوفاته‪،‬‬
‫فوالذي نفسي بيده وما بعد الموت من مستعتب )‪ (1‬ول بعد الدنيا من دار‬
‫إل الجنة أو النار‪ .‬الخامس‪ :‬عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬خطبنا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله قال في خطبته‪ :‬ل عيش إل لعالم ناطق‪ ،‬أو مستمع‬
‫واع‪ ،‬أيها الناس إنكم في زمان هدنة‪ ،‬وأن السير بكم سريع‪ ،‬وقد رأيتم‬
‫الليل والنهار كيف يبليان كل جديد‪ ،‬ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود‪.‬‬
‫فقال له المقداد‪ :‬يا نبي ال وما الهدنة ؟ فقال‪ :‬دار بلء وانقطاع فإذا‬
‫التبست عليكم المور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع‪،‬‬
‫وصادق مصدق‪ ،‬ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة‪ ،‬ومن جعله خلفه ساقه‬
‫إلى النار‪ ،‬وهو أوضح دليل إلى خير سبيل‪ ،‬من قال به صدق‪ ،‬ومن عمل به‬
‫أجر‪ ،‬ومن حكم به عدل‪ .‬السادس‪ :‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يكمل عبد اليمان بال حتى يكون فيه خمس‬
‫خصال‪ :‬التوكل على ال‪ ،‬والتفويض إلى ال والتسليم لمر ال‪ ،‬والرضا‬
‫بقضاء ال‪ ،‬والصبر على بلء ال‪ ،‬إنه من أحب في ال وأبغض في ال‪،‬‬
‫وأعطى ل‪ ،‬ومنع ل فقد استكمل اليمان‪ .‬السابع‪ :‬عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول في خطبته‪ :‬أيها الناس إن‬
‫العبد ل يكتب من المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه‪ ،‬ول ينال‬
‫درجة المؤمنين حتى يأمن أخوه بوائقه وجاره بوادره )‪ (2‬ول يعد من‬
‫المتقين حتى‬

‫)‪ (1‬استعتبه أي طلب منه العتبى أي استرضاه‪ ،‬يعنى ليس بعد الموت من‬
‫استرضاء‪ (2) .‬البوائق جمع بائقة وهى الداهية والشر والغائلة‪،‬‬
‫والبوادر جمع بادرة وهى الغضب والحدة‪.‬‬

‫]‪[178‬‬

‫يدع ما ل بأس به حذارا عما به البأس‪ .‬إنه من خاف البيات أدلج ومن أدلج )‪(1‬‬
‫المسير وصل‪ ،‬وإنما تعرفون عواقب أعمالكم لو قد طويت صحايف آجالكم‪،‬‬
‫أيها الناس إن نية المؤمن خير من عمله‪ ،‬ونية الفاسق شر من عمله‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله من انقطع‬
‫إلى ال كفاه كل مؤونة‪ ،‬ومن انقطع إلى الدنيا وكله ال إليها‪ ،‬ومن حاول‬
‫أمرا بمعصية ال كان أبعد له مما رجا وأقرب مما اتقى‪ ،‬ومن طلب محامد‬
‫الناس بمعاصي ال عاد حامده منهم ذاما‪ ،‬ومن أرضى الناس بسخط ال‬
‫وكله ال إليهم‪ ،‬ومن أرضى ال بسخط الناس كفاه ال شرهم‪ ،‬ومن أحسن‬
‫ما بينه وبين ال كفاه ال ما بينه وبين الناس‪ ،‬ومن أحسن سريرته أصلح‬
‫ال علنيته‪ ،‬ومن عمل لخرته كفى ال أمر دنياه‪ .‬التاسع‪ :‬عن نافع عن‬
‫ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬رحم ال عبدا تكلم فغنم‪،‬‬
‫أو سكت فسلم‪ .‬إن اللسان أملك شئ للنسان‪ ،‬أل وإن كلم العبد كله عليه‬
‫إل ذكر ال تعالى أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو إصلح بين‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقال له معاذ بن جبل‪ :‬يا رسول ال أنؤاخذ بما نتكلم ؟ فقال‪:‬‬
‫وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إل حصائد ألسنتهم‪ ،‬فمن أراد‬
‫السلمة فليحفظ ما جرى به لسانه وليحرس ما انطوى عليه جنانه‪،‬‬
‫وليحسن عمله وليقصر أمله‪ ،‬ثم لم يمض إل أيام حتى نزلت هذه الية " ل‬
‫خير في كثير من نجويهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين‬
‫الناس " )‪ .(2‬العاشر‪ :‬عن أبي موسى الشعري قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬ل تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن‪ ،‬فعليها يبلغ الخير‬
‫وبها ينجو من الشر‪ ،‬إنه إذا قال العبد‪ :‬لعن ال الدنيا قالت الدنيا‪ :‬لعن ال‬
‫أعصانا لربه‪ .‬فأخذ الشريف الرضي بهذا المعنى فنظمه بيتا‪ :‬يقولون‬
‫الزمان به فساد * فهم فسدوا وما فسد الزمان‬

‫)‪ (1‬الدلج السير إلى آخر الليل‪ (2) .‬النساء‪.114 :‬‬

‫]‪[179‬‬

‫الحادى عشر‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬يرى جزاء‬
‫ما قدم وقلة غنا ما خلف )‪ (1‬ولعله من حق منعه ومن باطل جمعه‪ .‬الثاني‬
‫عشر‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أيها الناس‬
‫إن الرزق مقسوم لن يعدو امرء ما قسم له‪ ،‬فأجملوا في الطلب وإن العمر‬
‫محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له فبادروا قبل نفاد الجل‪ ،‬والعمال‬
‫المحصية‪ .‬الثالث عشر‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله يقول في بعض خطبه ومواعظه‪ :‬أما رأيتم المأخوذين على‬
‫العزة والمزعجين بعد الطمأنينة الذين أقاموا على الشبهات‪ ،‬وجنحوا إلى‬
‫الشهوات‪ .‬حتى أتتهم رسل ربهم فل ما كانوا أملوا أدركوا ول إلى ما فاتهم‬
‫رجعوا‪ ،‬قدموا على ما عملوا‪ ،‬وندموا على ما خلفوا‪ ،‬ولن يغني الندم وقد‬
‫جف القلم‪ ،‬فرحم ال امرءا قدم خيرا وأنفق قصدا‪ ،‬وقال صدقا‪ ،‬وملك‬
‫دواعي شهوته ولم تملكه‪ ،‬وعصى أمر نفسه فلم تملكه‪ .‬الرابع عشر‪ :‬عن‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أيها الناس ل تعطوا‬
‫الحكمة غير أهلها فتظلموها‪ ،‬ول تمنعوها أهلها فتظلموهم‪ ،‬ول تعاقبوا‬
‫ظالما فيبطل فضلكم‪ ،‬ول تراؤوا الناس فيحبط عملكم‪ ،‬ول تمنعوا الموجود‬
‫فيقل خيركم‪ ،‬أيها الناس إن الشياء ثلثة‪ :‬أمر استبان رشده فاتبعوه‪،‬‬
‫وأمر استبان غيه فاجتنبوه‪ ،‬و أمر اختلف عليكم فردوه إلى ال‪ ،‬أيها‬
‫الناس أل انبئكم بأمرين خفيف مؤونتهما عظيم أجرهما لم يلق ال‬
‫بمثلهما‪ :‬طول الصمت‪ ،‬وحسن الخلق‪ .‬الخامس عشر‪ :‬عن ابن عمر قال‪:‬‬
‫خطبنا رسول ال صلى ال عليه وآله خطبة ذرفت منها العيون ووجلت‬
‫منها القلوب )‪ (2‬فكان مما ضبطت منها‪ :‬أيها الناس إن أفضل الناس عبدا‬
‫من تواضع عن رفعة‪ ،‬وزهد عن رغبة‪ ،‬وأنصف عن قوة‪ ،‬وحلم عن قدرة‪.‬‬
‫أل وإن أفضل الناس عبد أخذ في الدنيا الكفاف‪ ،‬وصاحب فيها العفاف‪،‬‬
‫وتزود للرحيل‪ ،‬وتأهب للمسير‪ ،‬أل وإن أعقل الناس عبد عرف ربه‬
‫فأطاعه‪ ،‬وعرف عدوه فعصاه‪ ،‬وعرف دار إقامته فأصلحها‪ ،‬وعرف‬
‫سرعة رحيله فتزود لها‪ .‬أل وإن‬

‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬ذرفت أي سالت‪ .‬ووجلت أي خافت‪.‬‬

‫]‪[180‬‬

‫خير الزاد ما صحبه التقوى‪ ،‬وخير العمل ما تقدمته النية‪ ،‬وأعلى الناس منزلة عند‬
‫ال أخوفهم منه‪ .‬السادس عشر‪ :‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬إنما يؤتي الناس يوم القيامة عن إحدى من ثلث‪ :‬إما من‬
‫شبهة في الدين ارتكبوها‪ ،‬أو شهوة للذة آثروها‪ ،‬أو عصبية لحمة‬
‫اعملوها‪ ،‬فإذا لحت )‪ (1‬لكم شبهة في الدين فاجلوها باليقين‪ ،‬وإذا‬
‫عرضت لكم شهوة فاقمعوها بالزهد‪ ،‬وإذا عنت لكم غضبة لكم غضبة‬
‫فأدوها بالعفو‪ ،‬إنه ينادي مناد يوم القيامة من كان له على ال أجرا فليقم‪،‬‬
‫فل يقوم إل العافون ألم تسمعوا قوله تعالى " فمن عفا وأصلح فأجره على‬
‫ال " )‪ .(2‬السابع عشر‪ :‬قال عبد ال بن مسعود قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬قال ال تعالى‪ :‬يا ابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن‪،‬‬
‫وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح‪ ،‬أنت فيما يكفيك وتطلب ما يطغيك‬
‫ل بقليل تقنع ول من كثير تشبع‪ .‬الثامن عشر‪ :‬عن أبي هريرة قال‪ :‬بينا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله جالس إذا رأيناه ضاحكا حتى بدت ثناياه‪،‬‬
‫فقلنا‪ :‬يا رسول ال مما ضحكت ؟ فقال‪ :‬رجلن من امتي جيئا بين يدي‬
‫ربي فقال أحدهما‪ :‬يا رب خذ لي بمظلمتي من آخر‪ ،‬فقال ال تعالى أعط‬
‫أخاك مظلمته‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب لم يبق من حسناتي شئ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب فليحمل‬
‫من أوزاري‪ ،‬ثم فاضت عينا رسول ال صلى ال عليه وآله وقال‪ :‬إن ذلك‬
‫اليوم ليوم تحتاج الناس فيه إلى من يحمل عنهم أوزارهم‪ ،‬ثم قال ال تعالى‬
‫للطالب بحقه‪ :‬ارفع بصرك إلى الجنة فانظر ماذا ترى‪ ،‬فرفع رأسه فرأى ما‬
‫أعجبه من الخير والنعمة‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب لمن هذا ؟ فقال‪ :‬لمن أعطاني ثمنه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رب ومن يملك ثمن ذلك ؟ فقال‪ :‬أنت‪ ،‬فقال‪ :‬كيف بذلك ؟ فقال‪:‬‬
‫بعفوك عن أخيك‪ ،‬فقال‪ :‬قد عفوت فقال ال تعالى‪ :‬فخذ بيد أخيك فادخل‬
‫الجنة‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ " :‬فاتقوا ال وأصلحوا ذات‬
‫بينكم "‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي ظهرت وبدت‪ (2) .‬الشورى‪.40 :‬‬

‫]‪[181‬‬

‫التاسع عشر‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قالوا‪ :‬يا رسول ال من أولياء ال الذين ل‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون ؟ فقال‪ :‬الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين‬
‫نظر الناس إلى ظاهرها‪ ،‬فاهتموا بآجلها حين اهتم الناس بعاجلها‪ ،‬فأماتوا‬
‫منها ما خشوا أن يميتهم‪ ،‬وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم‪ ،‬فما عرض‬
‫لهم منها عارض إل رفضوه‪ ،‬ول خادعهم من رفعتها خادع إل وضعوه‪،‬‬
‫خلقت الدنيا عندهم فما يجد دونها‪ ،‬وخربت بينهم فما يعمرونها‪ ،‬وماتت في‬
‫صدورهم فما يحبونها‪ ،‬بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم‪ ،‬ويبيعونها‬
‫فيشترون بها ما يبقى لهم‪ ،‬نظروا إلى أهلها صرعى قد حلت بهم المثلت‪،‬‬
‫فما يرون أمانا دون ما يرجون‪ ،‬ول خوفا دون ما يحذرون‪ .‬العشرون‪ :‬عن‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬إنما أنتم‬
‫خلف ماضين وبقية متقدمين كانوا أكبر منكم بسطة‪ ،‬وأعظم سطوة‪،‬‬
‫فازعجوا عنها أسكن ما كانوا إليها ]وغدرت بهم[ واخرجوا منها أوثق ما‬
‫كانوا بها‪ ،‬فلم يمنعهم قوة عشيرة‪ ،‬ول قبل منهم بذل فدية‪ ،‬فارحلوا أنفسكم‬
‫بزاد مبلغ قبل أن تأخذوا على فجأة‪ ،‬وقد غفلتم عن الستعداد‪ .‬الحادى‬
‫والعشرون‪ :‬عن سالم بن عبد ال‪ ،‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال لي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬كن في الدنيا كانك غريب وعابر سبيل‪ ،‬واعدد نفسك‬
‫في الموتى‪ ،‬وإذا أصبحت فل تحدث نفسك بالمساء‪ ،‬وإذا أمسيت فل تحدث‬
‫نفسك بالصباح‪ ،‬وخذ من صحتك لسقمك‪ ،‬ومن شبابك لهرمك‪ ،‬ومن حياتك‬
‫لو فاتك‪ .‬فانك ل تدري ما اسمك غدا‪ .‬الثاني والعشرون‪ :‬عن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله في بعض خطبه أو مواعظه‪ :‬أيها‬
‫الناس ل يشغلنكم دنياكم ؟ عن آخرتكم‪ ،‬فل تؤثروا هواكم على طاعة ربكم‪،‬‬
‫ول تجعلوا إيمانكم ذريعة إلى معاصيكم‪ ،‬وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‬
‫ومهدوا لها قبل أن تعذبوا وتزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا فانها موقف‬
‫عدل واقتضاء حق‪ ،‬وسؤال عن واجب‪ ،‬وقد أبلغ في العذار من تقدم‬
‫بالنذار‪.‬‬

‫]‪[182‬‬
‫الثالث والعشرون‪ :‬عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله يقول عند منصرفه من احد والناس يحدقون به وقد أسند ظهره إلى‬
‫طلحة‪ :‬أيها الناس أقبلوا على ما كلفتموه من إصلح آخرتكم‪ ،‬وأعرضوا‬
‫عما ضمن لكم من دنياكم‪ ،‬ول تستعملوا جوارحا غذيت بنعمته في التعرض‬
‫لسخطه بنقمته‪ ،‬واجعلوا شغلكم في التماس مغفرته‪ ،‬واصرفوا همتكم‬
‫بالتقرب إلى طاعته‪ ،‬إنه من بدأ بنصيبه من الدنيا فإنه نصيبه من الخرة‬
‫ولم يدرك منها ما يريد‪ ،‬ومن بدأ بنصيبه من الخرة وصل إليه من الدنيا‪.‬‬
‫الرابع والعشرون‪ :‬عن أبي هريرة فال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬إياكم وفضول المطعم فإنه يسم القلب بالقسوة )‪ ،(1‬ويبطئ‬
‫بالجوارح عن الطاعة‪ ،‬ويصم الهمم عن سماع الموعظة‪ ،‬وإياكم وفضول‬
‫النظر فإنه يبدر الهوى )‪ (2‬ويولد الغفلة وإياكم واستشعار الطمع فإنه‬
‫يشوب القلب شدة الحرص‪ ،‬ويختم على القلوب بطابع حب الدنيا‪ ،‬وهو‬
‫مفتاح كل سيئة‪ ،‬ورأس كل خطيئة‪ ،‬وسبب إحباط كل حسنة‪ .‬الخامس‬
‫والعشرون‪ :‬عن عبد ال بن عمر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله يقول‪ :‬إنما هو خير يرجى أو شر يتقى أو باطل عرف فاجتنب‪ ،‬أو حق‬
‫يتعين فطلب‪ ،‬وآخرة أظل إقبالها فسعى لها‪ ،‬ودنيا عرف نفادها فأعرض‬
‫عنها‪ ،‬وكيف يعمل للخرة من ل ينقطع من الدنيا رغبته‪ ،‬ول تنقضي فيها‬
‫شهوته‪ ،‬إن العجب كل العجب لمن صدق بدار البقاء وهو يسعى لدار‬
‫الفناء‪ ،‬وعرف أن رضى ال في طاعته‪ ،‬وهو يسعى في مخالفته‪ .‬السادس‬
‫والعشرون‪ :‬عن أبي أيوب النصاري قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يقول‪ :‬حلوا أنفسكم الطاعة‪ ،‬وألبسوها قناع المخالفة )‪(3‬‬
‫فاجعلوا آخرتكم لنفسكم وسعيكم لمستقركم‪ ،‬واعلموا أنكم عن قليل‬
‫راحلون‪ ،‬وإلى ال صائرون‪ ،‬ول‬

‫)‪ (1‬وسمه يسمه وسمة‪ :‬أي كواه وأثر فيه وجعل له علمة يعرف بها‪ (2) .‬بدر‬
‫يبدر بدورا الشئ‪ :‬عاجله وسبقه‪ (3) .‬القناع‪ :‬ما تغطى به المرأة رأسها‪.‬‬

‫]‪[183‬‬

‫يغني عنكم هنالك إل صالح عمل قدمتموه‪ ،‬وحسن ثواب أحرزتموه‪ ،‬فإنكم إنما‬
‫تقدمون على ما قدمتم‪ ،‬وتجازون على ما أسلفتم فل تخدعنكم زخارف دنيا‬
‫دنية عن مراتب جنات علية‪ ،‬فكان قد انكشف القناع وارتفع الرتياب‪،‬‬
‫ولقى كل امرء مستقره‪ ،‬وعرف مثواه ومنقلبه )‪ .(1‬السابع والعشرون‪:‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله في خطبته‪ :‬ل‬
‫تكونوا ممن خدعته العاجلة‪ ،‬وغرته المنية فاستهوته الخدعة فركن إلى‬
‫دار السوء سريعة الزوال وشيكة النتقال )‪ (2‬إنه لم يبق من دنياكم هذه‬
‫في جنب ما مضى إل كإناخة راكب أوصر حالب )‪ (3‬فعلى ما تعرجون‬
‫وماذا تنظرون ؟ فكأنكم وال وما أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن‪ ،‬وما‬
‫يصيرون إليه من الخرة لم يزل‪ ،‬فخذوا اهبة )‪ (4‬ل زوال لنقله وأعدوا‬
‫الزاد لقرب الرحلة‪ ،‬واعلموا أن كل امرء على ما قدم قادم‪ ،‬وعلى ما خلف‬
‫نادم‪ .‬الثامن والعشرون‪ :‬عن عبد ال بن عباس قال‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬أيها الناس بسط المل متقدم حلول الجل‪،‬‬
‫والمعاد مضمار العمل‪ ،‬فمغتبط بما احتقب غانم‪ ،‬ومتيسر بما فاته نادم )‪(5‬‬
‫أيها الناس إن الطمع فقر‪ ،‬واليأس غنى‪ ،‬والقناعة راحة‪ ،‬والعزلة عبادة‪،‬‬
‫والعمل كنز‪ ،‬والدنيا معدن‪ ،‬وال ما يساوي ما مضى‬

‫)‪ (1‬أي محل قراره وما انقلب إليه‪ (2) .‬الوشيك‪ :‬السريع‪ (3) .‬أناخ فلن بالمكان‪:‬‬
‫أقام به‪ .‬وصر بالناقة‪ :‬شد ضرعها بالصرار لئل يرضع ولدها‪ .‬والحالب‬
‫هو الذى يحلب الناقة أو الشاة أي أخرج ما في ضرعها من اللبن‪(4) .‬‬
‫الهبة ‪ -‬بضم الهمزة وسكون الهاء والباء الموحدة ‪ :-‬العدة يقال أخذ‬
‫للسفر اهبته أي عدته‪ (5) .‬المغتبط‪ :‬المسرور‪ ،‬واحتقب الشئ جمعه‪،‬‬
‫وغانم فاعل من غنم يغنم‪ .‬والمتيسر هو الذى يمكنه أن يفعل ما يشاء من‬
‫الخيرات‪.‬‬

‫]‪[184‬‬

‫من دنياكم هذه بأهداب بردي هذا )‪ ،(1‬ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء‬
‫بالماء وكل إلى بقاء وشيك وزوال قريب‪ ،‬فبادروا العمل وأنتم في مهل‬
‫النفاس‪ ،‬وجدة الحلس )‪ (2‬قبل أن تأخذوا بالكظم )‪ (3‬فل ينفع الندم‪.‬‬
‫التاسع والعشرون عن عبد ال بن عمر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يقول‪ :‬يكون امتي في الدنيا على ثلثة أطباق‪ :‬أما الطبق الول‬
‫فل يحبون جمع المال و ادخاره‪ ،‬ول يسعون في اقتنائه واحتكاره‪ ،‬وإنما‬
‫رضاهم من الدنيا سد جوعة وستر عورة‪ ،‬وغناهم فيها ما بلغ بهم الخرة‪،‬‬
‫فاولئك المنون الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ .‬وأما الطبق الثاني‬
‫فانهم يحبون جمع المال من أطيب وجوهه وأحسن سبيله‪ ،‬يصلون به‬
‫أرحامهم ويبرون به إخوانهم ويواسون به فقراءهم‪ ،‬ولعض أحدهم على‬
‫الرضيف )‪ (4‬أيسر عليه من أن يكتسب درهما من غير حله‪ ،‬أو يمنعه من‬
‫حقه أن يكون له خازنا إلى حين موته‪ ،‬فاولئك الذين إن نوقشوا )‪ (5‬عذبوا‬
‫وإن عفي عنهم سلموا‪ .‬وأما الطبق الثالث فانهم يحبون جمع المال مما حل‬
‫وحرم‪ ،‬ومنعه مما افترض ووجب‪ ،‬إن أنفقوه أنفقوه إسرافا وبدارا )‪،(6‬‬
‫وإن أمسكوه أمسكوه بخل و‬
‫)‪ (1‬الهداب جمع هدب وهو خمل الثوب وطرته‪ (2) .‬جدة الثوب ‪ -‬بكسر الجيم‬
‫وشد الدال ‪ -‬كونه جديدا‪ .‬والحلس ‪ -‬بالحاء المهملة ‪ -‬جمع حلس ‪-‬‬
‫بكسر الحاء ‪ -‬وهو ما يوضع على ظهر الدابة تحت السراج‪ ،‬والرحل‬
‫الذى يبسط في البيت على الرض تحت حر الثياب والمتاع‪ (3) .‬الكظم ‪-‬‬
‫محركة ‪ :-‬مخرج النفس‪ (4) .‬عض الشئ‪ :‬أمسكه بأسنانه‪ ،‬والرضيف‬
‫بالراء المهملة والضاد المعجمة ‪ -‬الحجارة المحماة‪ (5) .‬نافشه الحساب‬
‫وفى الحساب‪ :‬استقصى في حسابه‪ .‬والمناقشة التشدد في المحاسبة‪(6) .‬‬
‫بدارا أي سراعا‪.‬‬

‫]‪[185‬‬

‫احتكارا‪ ،‬اولئك الذين ملكت الدنيا زمام قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم‪.‬‬
‫الثلثون‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن‬
‫من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط ال تعالى‪ ،‬وأن تحمدهم على‬
‫رزق ال تعالى‪ ،‬وأن تذمهم على ما لم يؤتك ال‪ ،‬إن رزق ال ل يجره‬
‫حرص حريص‪ ،‬ول يرده كراهة كاره إن ال تبارك اسمه بحكمته جعل‬
‫الروح والفرح في الرضا واليقين‪ ،‬وجعل الهم والحزن في الشك والسخط‪.‬‬
‫إنك إن تدع شيئا ل إل أتاك ال خيرا منه‪ ،‬وإن تأتي شيئا تقربا إلى ال‬
‫تعالى إل أجزل ال لك الثواب عنه فاجعلوا همتكم الخرة ل ينفد فيها ثواب‬
‫المرضي عنه‪ ،‬ول ينقطع فيها عقاب المسخوط عليه‪ .‬الحادى والثلثون‪:‬‬
‫عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ليس شئ تباعدكم‬
‫من النار إل وقد ذكرته لكم‪ ،‬ول شئ يقربكم من الجنة إل وقد دللتكم عليه‪،‬‬
‫إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت عبد منكم حتى يستكمل رزقه‬
‫فأجملوا في الطلب فل يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئا من‬
‫فضل ال بمعصيته فانه لن ينال ما عند ال إل بطاعته‪ ،‬أل وإن لكل أمرء‬
‫رزقا هو يأتيه ل محالة‪ ،‬فمن رضي به بورك له فيه ووسعه‪ ،‬ومن لم‬
‫يرض به لم يبارك له فيه‪ ،‬ولم يسعه‪ ،‬إن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه‬
‫أجله‪ .‬الثاني والثلثون‪ :‬عن عيسى بن عمر‪ ،‬عن معاوية قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله يقول في خطبة أحد العيدين‪ :‬الدنيا دار بلء‬
‫ومنزل بلغة وعناء )‪ (1‬قد نزعت عنها نفوس السعداء‪ ،‬وانتزعت بالكرة‬
‫من أيدي الشقياء‪ ،‬فأسعد الناس بها أرغبهم عنها وأشغلهم بها أرغبهم‬
‫فيها‪ ،‬فهي الغاشة لمن استنصحها )‪ (2‬والمغوية لمن أطاعها‪ ،‬والخاترة‬
‫لمن انقاد إليها )‪ ،(3‬والفائز من أعرض عنها‪ ،‬والهالك من هوى فيها‪،‬‬
‫طوبى لعبد‬
‫)‪ (1‬البلغة والبلغ‪ :‬ما يكفى من العيش ول يفضل‪ .‬والعناء‪ :‬التعب‪ (2) .‬الغاش‬
‫فاعل من غشه يغشه‪ ،‬واستنصحه أي عده نصيحا‪ (3) .‬الخاتر‪ :‬الغادر‪.‬‬

‫]‪[186‬‬

‫اتقى منها ربه‪ ،‬وقدم توبته‪ ،‬وغلب شهوته من قبل أن تلقيه الدنيا إلى الخرة‬
‫فيصبح في بطن موحشة غبراء مدلهمة ظلماء )‪ (1‬ل يستطيع أن يزيد في‬
‫حسنته ول ينقص من سيئته‪ ،‬ثم ينشر فيحشر إما إلى الجنة يدوم نعيمها‪،‬‬
‫أو إلى النار ل ينفد عذابها‪ .‬الثالث والثلثون‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬يا معشر المسلمين شمروا‬
‫فإن المر جد‪ ،‬وتأهبوا فإن الرحيل قريب‪ ،‬وتزودوا فان السفر بعيد‪،‬‬
‫وخففوا أثقالكم فان وراءكم عقبة كؤودا )‪ (2‬ول يقطعها إل المخفون‪ .‬أيها‬
‫الناس إن بين يدي الساعة امورا شدادا‪ ،‬وأهوال عظاما‪ ،‬وزمانا صعبا‬
‫يتملك فيه الظلمة‪ ،‬ويتصدر فيه الفسقة‪ ،‬ويضام فيه المرون بالمعروف‬
‫ويضطهد )‪ (3‬فيه الناهون عن المنكر‪ ،‬فاعدوا لذلك اليمان‪ ،‬وعضوا عليه‬
‫بالنواجذ )‪ (4‬والجأوا إلى العمل الصالح‪ ،‬واكرهوا عليه النفوس تفضوا‬
‫إلى النعيم الدائم )‪ .(5‬الرابع والثلثون‪ :‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول لرجل يعظه‪ :‬ارغب فيما عند‬
‫ال يحبك ال‪ ،‬وازهد ما في أيدي الناس يحبك الناس إن الزاهد في الدنيا‬
‫يريح‪ ،‬ويريح قلبه وبدنه في الدنيا والخرة‪ ،‬والراغب فيها يتعب قلبه‬
‫وبدنه في الدنيا والخرة‪ ،‬ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم حسنات كأمثال‬
‫الجبال فيأمر بهم إلى النار‪ ،‬فقيل‪ :‬يا بني ال أمصلون كانوا ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫كانوا يصلون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل‪ ،‬لكنهم إذا لح لهم شئ‬
‫من أمر الدنيا وثبوا عليه‪.‬‬

‫)‪ (1‬ادلهم الليل أي أظلم واشتد سواده‪ (2) .‬كؤود وكأداء‪ :‬صعبة شاقة المصعد‪) .‬‬
‫‪ (3‬ضامه يضيمه ضيما قهره وظلمه‪ .‬وضهده وأضهد به واضطهده‪:‬‬
‫قهره وجار عليه واذاه واضطره وحبسه بسبب المذهب أو الدين‪(4) .‬‬
‫النواجذ جمع الناجذ وهو أقصى الضراس‪ (5) .‬أفضى إليه أي وصل‬
‫وانتهى به إليه‪.‬‬

‫]‪[187‬‬

‫الخامس والثلثون‪ :‬عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله يقول‪ :‬أيها الناس هذه دار ترح ل دار فرح )‪ (1‬ودار التواء )‪ (2‬ل‬
‫دار استواء‪ ،‬فمن عرفها لم يفرح لرجاء ولم يحزن لشقاء‪ ،‬أل وإن ال‬
‫خلق الدنيا دار بلوى والخرة دار عقبى‪ ،‬فجعل بلوى الدنيا لثواب الخرة‬
‫سببا‪ ،‬وثواب الخرة من بلوى الدنيا عوضا‪ ،‬فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي‪،‬‬
‫وإنها لسريعة الذهاب ووشيكة النقلب فاحذروا حلوة رضاعها لمرارة‬
‫فطامها )‪ (3‬واهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها ول تسعوا في عمارة قد‬
‫قضى ال خرابها ول تواصلوها وقد أراد ال منكم اجتنابها فتكونوا لسخطه‬
‫متعرضين‪ ،‬ولعقوبته مستحقين‪ .‬السادس والثلثون‪ :‬عن أنس بن مالك‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬أيها الناس اتقو ال حق‬
‫تقاته‪ ،‬واسعوا في مرضاته‪ ،‬وأيقنوا من الدنيا بالفناء ومن الخرة بالبقاء‪،‬‬
‫واعملوا لما بعد الموت فكأنكم بالدنيا لم تكن وبالخرة لم تزل‪ .‬أيها الناس‬
‫إن من في الدنيا ضيف‪ ،‬وما في أيديهم عارية‪ ،‬وإن الضيف مرتحل‪،‬‬
‫والعارية مردودة‪ .‬أل وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر‪،‬‬
‫والخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر‪ ،‬فرحم ال امرءا ينظر‬
‫لنفسه ومهد لرمسه )‪ (4‬مادام رسنه مرخيا وحبله على غاربه ملقيا قبل‬
‫أن ينفذ أجله وينقطع عمله‪ .‬السابع والثلثون‪ :‬عن أبي ذر رضي ال عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله لرجل وهو يوصيه‪ :‬اقلل من‬
‫الشهوات يسهل عليك الفقر‪ ،‬واقلل من الذنوب يسهل عليك الموت‪ ،‬وقدم‬
‫مالك أمامك يسرك اللحاق به‪ ،‬واقنع بما اوتيته يخف عليك الحساب ول‬
‫تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك فإنه ليس بفائتك ما قد قسم لك‪،‬‬

‫)‪ (1‬الترح ضد الفرح‪ (2) .‬من ‪ -‬لوى يلوى ليا ‪ :-‬الحبل فتله وثناه‪ .‬والتوى التواء‬
‫مطاوع لوى‪ (3) .‬الفطام انقطاع الرضاع وفصل الولد عنه‪ (4) .‬الرمس‬
‫مصدر بمعنى القبر مستويا ل يعلو عن وجه الرض‪.‬‬

‫]‪[188‬‬

‫ولست بلحق ما قد زوي عنك فلتك جاهدا فيما أنصح نافدا )‪ (1‬واسع لملك ل‬
‫زوال له‪ ،‬في منزل ل انتقال عنه‪ .‬الثامن والثلثون‪ :‬عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬إنه ما سكن حب الدنيا قلب‬
‫عبد إل التاط )‪ (2‬فيها بثلث‪ :‬شغل ل ينفد عناؤه‪ ،‬وفقر ل يدرك غناه‪،‬‬
‫وأمل ل ينال منتهاه‪ ،‬أل إن الدنيا والخرة طالبتان ومطلوبتان فطالب‬
‫الخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه وطالب الدنيا تطلبه الخرة حتى‬
‫يأخذه الموت بغتة‪ ،‬أل وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية‬
‫ل ينفد عذابها وقدم لما تقدم عليه مما هو في يديه قبل أن يخلفه لمن يسعد‬
‫بإنفاقه وقد شقي هو بجمعه‪ .‬التاسع والثلثون‪ :‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أل إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة والخرة قد‬
‫احتملت مقبلة‪ ،‬أل وإنكم في يوم عمل ل حساب فيه ويوشك أن تكونوا في‬
‫يوم حساب ليس فيه عمل‪ ،‬وإن ال يعطي الدنيا من يحب ويبغض‪ ،‬ول‬
‫يعطي الخرة إل لمن يحب وإن للدنيا أبناء وللخرة أبناء‪ .‬فكونوا من أبناء‬
‫الخرة‪ ،‬ول تكونوا من أبناء الدنيا‪ ،‬إن شر ما أتخوف عليكم اتباع الهوى‬
‫وطول المل‪ ،‬فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق‪ ،‬وطول المل يصرف‬
‫هممكم إلى الدنيا‪ ،‬وما بعدهما لحد من خير يرجاه في دنيا ول آخرة‪.‬‬
‫الربعون‪ :‬عن الزهري‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ما من بيت إل وملك الموت يقف على بابه كل يوم خمس مرات‬
‫فإذا وجد النسان قد نفد أجله وانقطع أكله ألقى عليه الموت فغشيته‬
‫كرباته‪ ،‬وغمرته غمراته‪ ،‬فمن أهل بيته الناشرة شعرها‪ ،‬والضاربة‬
‫وجهها‪ ،‬الصارخة بويلها‪ ،‬الباكية بشجوها )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ .‬ولعله " أصبح نافدا " فصحف‪ .‬والمعنى ظاهر‪ (2) .‬التاط بقليى ؟ ؟ أي‬
‫لصق به وأحببته‪ (3) .‬أي بحزنها وغصتها وهيجانها‪.‬‬

‫]‪[189‬‬

‫فيقول ملك الموت‪ :‬ويلكم مم الجزع ؟ وفيم الفزع ؟ وال ما أذهب لحد منكم مال‪،‬‬
‫ول قربت له أجل‪ ،‬ول أتيته حتى امرت‪ ،‬ول قبضت روحه حتى استأمرت‬
‫وإن لي إليكم عودة‪ ،‬ثم عودة‪ ،‬حتى ل ابقي منكم أحدا‪ ،‬ثم قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله والذي نفسي بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلمه‬
‫لذهلوا عن ميتهم وبكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت على نعشه‬
‫رفرف روحه فوق النعش وهو ينادي‪ :‬يا أهلي وولدي ل تلعبن بكم الدنيا‬
‫كما لعبت بي‪ ،‬جمعته من حله ومن غير حله وخلفته لغيري‪ ،‬والمهنأ له‬
‫والتبعات علي‪ ،‬فاحذروا‪ ،‬من مثل ما نزل‪ - 11 .‬روى الشهيد الثاني ‪-‬‬
‫قدس ال روحه ‪ -‬في كتاب الغيبة )‪ (1‬بإسناده عن شيخ الطائفة‪ ،‬عن‬
‫المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن أبيه عن‬
‫عبد ال بن سليمان النوفلي قال‪ :‬كنت عند جعفر بن محمد الصادق عليهما‬
‫السلم فإذا بمولى لعبد ال النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه‬
‫ففضه وقرأه إذا أول سطر فيه‪ " :‬بسم ال الرحمن الرحيم أطال ال بقاء‬
‫سيدي وجعلني من كل سوء فداءه‪ ،‬ول أراني فيه مكروها‪ ،‬فإنه ولي ذلك‬
‫والقادر عليه‪ .‬إعلم سيدي ومولي ‪ -‬إلى أن قال ‪ -‬إني بليت بولية الهواز‬
‫فإن رأى سيدي ومولي أن يحد لي حدا أو يمثل لي مثال لستدل به على‬
‫ما يقربني إلى ال عزوجل وإلى رسوله ويلخص لي في كتابه ما يرى لي‬
‫العمل به وفيما أبذله وابتذله وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها وبمن آنس‬
‫وإلى من أستريح وبمن أثق وآمن‪ ،‬وألجأ إليه بسري‪ ،‬فعسى أن يخلصني‬
‫ال بهدايتك فإنك حجة ال على خلقه وأمينه في بلده ل زالت نعمته عليك‬
‫"‪ .‬قال عبد ال بن سليمان فأجابه أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬بسم ال‬
‫الرحمن الرحيم جاملك ال بصنعه‪ ،‬ولطف بك بمنه‪ ،‬وكلك برعايته فإنه‬
‫ولي ذلك‪ ،‬أما بعد فقد جاء إلي رسولك بكتابك فقرأته وفهمت جميع ما‬
‫ذكرته وسألت عنه وزعمت أنك بليت بولية الهواز فسرني ذلك وساءني‬
‫وساخبرك بما ساءني من ذلك وما سرني إن شاء ال‪ ،‬فأما سروري‬
‫بوليتك فقلت‪ :‬عسى أن يغيث ‪-‬‬

‫)‪ (1‬المطبوع مع كشف الفوائد ص ‪.264‬‬

‫]‪[190‬‬

‫ال بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد عليهم السلم‪ ،‬ويعز بك ذليلهم‪ ،‬ويكسو بك‬
‫عاريهم ويقوي بك ضعيفهم ويطفي بك نار المخالفين عنهم‪ ،‬وأما الذي‬
‫ساءني من ذلك فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فل تشم حظيرة‬
‫القدس فإني ملخص لك جميع ما سألت عنه‪ ،‬إن أنت عملت به ولم تجاوزه‬
‫رجوت أن تسلم إن شاء ال‪ .‬أخبرني يا عبد ال أبي عن آبائه‪ ،‬عن علي‬
‫بن أبي طالب عليهم السلم عن رسول ال صلى ال عليه وآله إنه قال‪" :‬‬
‫من استشاره أخوه المسلم فلم يمحضه النصيحة سلبه ال لبه " واعلم أني‬
‫سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه‪ ،‬واعلم أن‬
‫خلصك مما بك من حقن الدماء وكف الذى عن أولياء ال والرفق‬
‫بالرعية والتأني وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف‪ ،‬وشدة في غير‬
‫عنف‪ ،‬ومداراة صاحبك ومن يرد عليك من رسله‪ ،‬وارتق فتق رعيتك )‪(1‬‬
‫بأن توفقهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء ال‪ .‬إياك والسعاة وأهل‬
‫النمائم فل يلتزقن بك أحد منهم ول يراك ال يوما ول ليلة وأنت تقبل منهم‬
‫صرفا ول عدل‪ ،‬فيسخط ال عليك ويهتك سترك‪ .‬واحذر مكر خوز الهواز‬
‫)‪ (2‬فان أبي أخبرني عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم أنه قال‪:‬‬
‫" اليمان ل يثبت في قلب يهودي ول خوزي أبدا " فأما من تأنس به‬
‫وتستريح إليه وتلجئ امورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر المين‬
‫الموافق لك على دينك‪ .‬وميز أعوانك )‪ (3‬وجرب الفريقين‪ ،‬فإن رأيت هناك‬
‫رشدا فشأنك وإياه‪ .‬وإياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل على دابة‬
‫في غير ذات ال لشاعر أو مضحك أو متمزح إل أعطيت مثله في ذات ال‪،‬‬
‫ولتكن جوائزك وعطاياك وخلعك‬

‫)‪ (1‬الرتق ضد الفتق أي أصلح ذات بينهم‪ (2) .‬الخوز بالمعجمتين وضم أولهما‬
‫جيل من الناس واسم لجميع بلد خوزستان‪ (3) .‬أي اجعل لهم علمة‬
‫يعرفون بها وعلى هذا فمعنى " جرب الفريقين " أي جرب من تأنس‬
‫واعوانك ويمكن أن يراد بتمييز العوان تشخيص العدو والصديق منهم‬
‫فيكون التجربة متعلقة بهما‪.‬‬

‫]‪[191‬‬

‫للقواد والرسل والخبار وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والخماس‪ :‬وما أردت‬
‫أن تصرفه في وجوه البر والنجاح والعتق والصدقة والحج والمشرب‬
‫والكسوة التي تصلى فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى ال عزوجل‬
‫وإلى رسوله صلى ال عليه وآله من أطيب مكسبك ومن طرق الهدايا‪ ،‬يا‬
‫عبد ال اجهد أن ل تكنز ذهبا ول فضة فتكون من أهل هذه الية " والذين‬
‫يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم *‬
‫يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا‬
‫ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " )‪ .(1‬ول تستصغرن شيئا من‬
‫حلو أو من فضل طعام وتصرفه في بطون خالية فسكن بها غضب الرب‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬واعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين‬
‫عليهم السلم أنه سمع النبي صلى ال عليه وآله يقول لصحابه يوما‪" :‬‬
‫ما آمن بال واليوم الخر من بات شبعانا وجاره جايع " فقلنا‪ :‬هلكنا يا‬
‫رسول ال فقال‪ " :‬من فضل طعامكم ومن فضل تمركم وورقكم وخليقكم‬
‫وخرقكم )‪ (2‬تطفئون بها غضب الرب " وسانبئك بهوان الدنيا وهوان‬
‫زخرفها على من مضى من السلف والتابعين‪ - .‬ثم ذكر حديث زهد أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم في الدنيا وطلقه لها )‪ (3‬إلى أن قال‪ :‬وقد وجهت‬
‫إليك بمكارم الدنيا والخرة عن الصادق المصدق رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي ثم كانت عليك من الذنوب‬
‫والخطايا كمثل أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت ال أن يتجافى عنك جل‬
‫وعز بقدرته‪ .‬يا عبد ال إياك أن تخيف مؤمنا فإن أبي محمد بن علي‬
‫حدثني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‬

‫)‪ (1‬التوبة‪ 35 :‬و ‪ (2) .36‬قوله " فقلنا هلكنا " أي هلكنا بما قلت أو نحن نشبع‬
‫وجيراننا يبيتون جياعا وليس عندنا ما يشبعهم فقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫" من فضل طعامكم " أي انفقوا فضل طعامكم وفضل ثيابكم وان كان‬
‫خلقا باليا خرقا‪ ،‬تسكن به غضب ربكم‪ (3) .‬كما يأتي عن قريب عن كتاب‬
‫الربعين في قضاء حقوق المؤمنين‪.‬‬

‫]‪[192‬‬
‫علي بن أبي طالب عليهم السلم أنه كان يقول‪ " :‬من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه‬
‫بها أخافه ال يوم ل ظل إل ظله وحشره في صورة الذر لحمه وجسده‪،‬‬
‫وجميع أعضائه حتى يورده مورده‪ .‬وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي‬
‫عليهم السلم‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال‪ " :‬من أغاث لهفانا‬
‫من المؤمنين أغاثه ال يوم ل ظل إل ظله‪ ،‬وآمنه يوم الفزع الكبر وآمنه‬
‫من سوء المنقلب‪ ،‬ومن قضى لخيه المؤمن حاجة قضى ال له حوائج‬
‫كثيرة إحداها الجنة‪ ،‬ومن كسى أخاه المؤمن من عرى كساه ال من‬
‫سندس الجنة واستبرقها وحريرها‪ ،‬ولم يزل يخوض في رضوان ال مادام‬
‫على المكسو منه سلك‪ .‬ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه ال من طيبات‬
‫الجنة‪ ،‬ومن سقاه من ظمأ سقاه ال من الرحيق المختوم رية‪ ،‬ومن أخدم‬
‫أخاه أخدمه ال من الولدان المخلدين وأسكنه مع أوليائه الطاهرين‪ ،‬ومن‬
‫حمل أخاه المؤمن على راحلة حمله ال على ناقة من نوق الجنة وباهى به‬
‫الملئكة المقربين يوم القيامة‪ ،‬ومن زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها‬
‫وتشد عضده ويستريح إليها زوجه ال من الحور العين‪ ،‬وآنسه بمن أحبه‬
‫من الصديقين من أهل بيته وإخوانه وآنسهم به‪ ،‬ومن أعان أخاه المؤمن‬
‫على سلطان جائر أعانه ال على إجازة الصراط عند زلة القدام‪ ،‬ومن زار‬
‫أخاه المؤمن إلى منزله ل حاجة منه إليه كتب من زوار ال‪ ،‬وكان حقيقا‬
‫على ال أن يكرم زائره‪ .‬يا عبد ال وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي‬
‫عليهم السلم انه سمع رسول ال صلى ال عليه وآله وهو يقول لصحابه‬
‫يوما‪ " :‬معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه فل‬
‫تتبعوا عثرات المؤمنين فانه من اتبع عثرة مؤمن اتبع ال عثراته يوم‬
‫القيامة وفضحه في جوف بيته " وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم‬
‫السلم أنه قال‪ " :‬أخذ ال ميثاق المؤمن أن ل يصدق في مقالته‪ ،‬ول‬
‫ينتصف من عدوه‪ ،‬وعلى أن ل يشفى غيظه إل بفضيحة نفسه لن كل‬
‫مؤمن ملجم‪ ،‬وذلك لغاية قصيرة وراحة طويلة‪ ،‬وأخذ ال ميثاق المؤمن‬
‫على‬

‫]‪[193‬‬

‫أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته يبغيه ويحسده‪ ،‬والشيطان يغويه‬
‫ويضله‪ ،‬والسلطان يقفو أثره‪ ،‬ويتبع عثراته‪ ،‬وكافر بال الذي هو مؤمن‬
‫به يرى سفك دمه دينا‪ ،‬وإباحة حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا "‪ .‬يا‬
‫عبد ال وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫ال عليه وآله قال‪ " :‬نزل علي جبرئيل فقال‪ :‬يا محمد إن ال يقرء عليك‬
‫السلم ويقول‪ :‬اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي‪ ،‬سميته مؤمنا‪ ،‬فالمؤمن‬
‫مني وأنا منه‪ ،‬ومن استهان مؤمنا فقد استقبلني بالمحاربة‪ .‬يا عبد ال‬
‫وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله أنه قال يوما‪ " :‬يا علي ل تناظر رجل حتى تنظر إلى سريرته‪ ،‬فان‬
‫كانت سريرته حسنة فان ال عزوجل لم يكن ليخذل وليه‪ ،‬وإن يكن‬
‫سريرته ردية فقد يكفيه مساويه‪ ،‬فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما عمل في‬
‫معاصي ال عزوجل ما قدرت عليه "‪ .‬يا عبد ال وحدثني أبي عن آبائه‪،‬‬
‫عن علي عليهم السلم‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال‪ " :‬أدنى‬
‫الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها‬
‫اولئك ل خلق لهم " )‪ .(1‬يا عبد ال وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي‬
‫عليهم السلم قال‪ " :‬من قال في مؤمن ما رأت عيناه وسمعت اذناه ما‬
‫يشينه ويهدم مروته فهو من الذين قال ال عزوجل‪ :‬إن الذين يحبون أن‬
‫تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم " )‪ .(2‬يا عبد ال وحدثني‬
‫أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم قال‪ " :‬من روى عن أخيه المؤمن‬
‫رواية يريد بها هدم مروته وثلبه أوبقه ال بخطيئته )‪ (3‬حتى يأتي بمخرج‬
‫مما قال‪ ،‬ولن يأتي بالمخرج منه أبدا‪ ،‬ومن أدخل على أخيه المؤمن سرورا‬
‫فقد أدخل على أهل بيت‬

‫)‪ (1‬أي ل نصيب لهم في الخرة‪ (2) .‬النور‪ (3) .19 :‬ثلبه أي عابه ولمه واغتابه‬
‫أو سبه‪ .‬وأوبقه أي أهلكه‪ ،‬ذل‪ .‬وفي بعض النسخ " بخطبه " والخطب‬
‫المر العظيم المكروه‪.‬‬

‫]‪[194‬‬

‫رسول ال سرورا‪ ،‬ومن أدخل على أهل البيت سرورا فقد أدخل على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله سرورا‪ ،‬ومن أدخل على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله سرورا فقد سر ال‪ ،‬ومن سر ال فحقيق على ال أن يدخله جنته "‪.‬‬
‫ثم إني اوصيك بتقوى ال وإيثار طاعته والعتصام بحبله فانه من اعتصم‬
‫بحبل ال فقد هدي إلى صراط مستقيم‪ ،‬فاتق ال ول تؤثر أحدا على رضاه‬
‫وهواه فانه وصية ال عزوجل إلى خلقه ل يقبل منهم غيرها ول يعظم‬
‫سواها‪ ،‬واعلم أن الخليق لم يوكلوا بشئ أعظم من التقوى فانه وصيتنا‬
‫أهل البيت‪ ،‬فان استطعت أن ل تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل‪.‬‬
‫قال عبد ال بن سليمان فلما وصل كتاب الصادق عليه السلم إلى النجاشي‬
‫نظر فيه وقال صدق وال الذي ل إله إل هو مولي فما عمل أحد بما في‬
‫هذا الكتاب إل نجا‪ ،‬فلم يزل عبد ال يعمل به أيام حياته‪ - 12 .‬كتاب‬
‫الربعين )‪ :(1‬في قضاء حقوق المؤمنين لبن أخ السيد عز الدين أبي‬
‫المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني‪ ،‬عن الشريف أبي الحارث محمد‬
‫بن الحسن الحسيني‪ ،‬عن الفقيه قطب الدين سعيد بن هبة ال الراوندي‪،‬‬
‫عن الشيخ محمد بن علي بن محسن الحلبي‪ ،‬عن الشيخ الفقيه أبي الفتح‬
‫محمد بن علي الكراجكي قال‪ :‬وأخبرني الشيخ الفقيه أبو الفضل شاذان بن‬
‫جبرئيل القمي عن الشيخين أبي محمد عبد ال بن عبد الواحد وأبي محمد‬
‫عبد ال بن عمر الطرابلسي‪ ،‬عن القاضي عبد العزيز أبي كامل‬
‫الطرابلسي‪ ،‬عن الكراجكي‪ ،‬عن الشيخ أبي عبد ال المفيد محمد بن محمد‬
‫ابن النعمان‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن قولويه‪ ،‬عن أبيه مثله وفيه بعد قوله‬
‫" وهوان زخرفها على من مضى من السلف والتابعين‪ ،‬فقد حدثني محمد‬
‫بن علي بن الحسين قال‪ :‬لما تجهز الحسين عليه السلم إلى الكوفة فأتاه‬
‫ابن عباس فناشده ال والرحم أن يكون المقتول باللطف فقال‪ :‬أنا أعرف‬
‫بمصرعي منك وما كدي من الدنيا إل فراقها أل اخبرك يا ابن عباس‬
‫بحديث أمير المؤمنين عليه السلم والدنيا فقال‪ :‬بلى لعمري إني لحب أن‬
‫تحدثني بأمرها‬

‫)‪ (1‬مخطوط ظاهرا‪.‬‬

‫]‪[195‬‬

‫فقال‪ :‬قال علي بن الحسين عليهما السلم‪ :‬سمعت أبا عبد ال الحسين عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬حدثني أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬إني كنت بفدك في بعض‬
‫حيطانها وقد صارت لفاطمة عليها السلم قال فإذا أنا بامرأة قد هجمت‬
‫علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي‪ ،‬مما‬
‫تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي وكانت من أجمل‬
‫نساء قريش‪ ،‬فقالت يا ابن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه‬
‫المسحاة وأدلك على خزائن الرض فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من‬
‫بعدك فقال لها عليه السلم‪ :‬من أنت حتى أخطبك من أهلك ؟ قالت‪ :‬أنا‬
‫الدنيا قال‪ :‬قلت لها‪ :‬فارجعي واطلبي زوجا غيري فلست من شأني‪ ،‬وأقبلت‬
‫على مسحاتي وأنشأت أقول‪ :‬لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي أن‬
‫غرت قرونا بطائل أتتنا على زي العزيز بثينة * وزينتها في مثل تلك‬
‫الشمائل فقلت لها غري سواي فانني * عزوف عن الدنيا ولست بجاهل‬
‫وما أنا والدنيا فإن محمدا * أحل صريعا بين تلك الجنادل )‪ (1‬وهبها أتتنا‬
‫بالكنوز ودرها * وأموال قارون وملك القبائل أليس جميعا للفناء مصيرنا‬
‫* ويطلب من خزانها بالطوائل )‪ (2‬فغري سوائي إنني غير راغب * بما‬
‫فيك من عز وملك ونائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا‬
‫وأهل الغوائل فإني أخاف ال يوم لقائه * وأخشى عذابا )‪ (3‬دائما غير‬
‫زائل فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لحد حتى لقى ال محمودا غير‬
‫ملوم ول مذموم ثم اقتدت به الئمة من بعده بما قد بلغكم لم يخلطوا بشئ‬
‫من بوائقها عليه السلم أجمعين وأحسن مثواهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬في بعض نسخ الحديث " رهين بقفر بين تلك الجنادل " والجنادل‪ :‬الصخور‪) .‬‬
‫‪ (2‬جمع طائلة وهى العداوة‪ (3) .‬في بعض نسخ الحديث " عتابا "‪.‬‬

‫]‪[196‬‬

‫* )باب ‪) " * * (8‬وصية أمير المؤمنين إلى الحسن بن على عليهما السلم( " *‬
‫* " )والى محمد بن الحنفية( " * ‪ - 1‬قال السيد بن طاووس في كتاب‬
‫الوصايا )‪ :(1‬وقد وقع في خاطري أن أختم هذا الكتاب بوصية أبيك أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم الذي عنده علم الكتاب صلى ال عليه إلى ولده‬
‫العزيز عليه ورسالته إلى الشيعة وذكر المتقدمين عليه ورسالته في ذكر‬
‫الئمة من ولده‪ ،‬ورأيت أن يكون رواية الرسالة إلى ولده بطريق المخالفين‬
‫والموافقين‪ ،‬فهو أجمع على ما تضمنه من سعادة الدنيا والدين فقال أبو‬
‫أحمد الحسن بن عبد ال بن سعيد العسكري في كتاب الزواجر والمواعظ‬
‫في الجزء الول منه من نسخة تأريخها ذوالقعدة سنة ثلث وسبعين‬
‫وأربعمائة ما هذا لفظه‪ :‬وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‬
‫السلم لولده ولو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه‪،‬‬
‫وحدثني بها جماعة‪ ،‬فحدثني علي بن الحسين بن إسماعيل قال حدثنا‬
‫الحسن بن أبي عثمان الدمي قال‪ :‬أخبرنا أبو حاتم المكتب يحيى بن حاتم‬
‫بن عكرمة قال‪ :‬حدثني يوسف بن يعقوب بأنطاكية قال‪ :‬حدثني بعض أهل‬
‫العلم قال‪ :‬لما انصرف علي عليه السلم من صفين إلى قنسرين كتب به‬
‫إلى ابنه الحسن بن علي عليهما السلم من الوالد الفاني المقر للزمان‪ .‬اه‪.‬‬
‫وحدثنا أحمد بن عبد العزيز قال‪ :‬حدثنا سليمان بن الربيع النهدي قال‪:‬‬
‫حدثنا كادح بن رحمة الزاهدي قال‪ :‬حدثنا صباح بن يحيى المزني‪ .‬وحدثنا‬
‫علي بن عبد العزيز الكوفي الكاتب قال‪ :‬حدثنا جعفر بن هارون بن زياد‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بن علي بن موسى الرضا‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده جعفر‬
‫الصادق‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬كشف المحجة لثمرة المهجة الفصل الرابع والخمسون والمائة ص ‪ " .157‬ط‬
‫" النجف الشرف‪.‬‬

‫]‪[197‬‬

‫أبيه‪ ،‬عن جده عليهم السلم أن عليا عليه السلم كتب إلى الحسن بن علي عليهما‬
‫السلم‪ .‬وحدثنا علي بن محمد بن إبراهيم التستري قال‪ :‬حدثنا جعفر بن‬
‫عنبسة قال‪ :‬حدثنا عباد بن زياد قال‪ :‬حدثنا عمرو بن أبي المقدام‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر محمد بن علي عليها السلم قال‪ :‬كتب أمير المؤمنين إلى الحسن بن‬
‫علي عليهما السلم‪ .‬وحدثنا محمد بن علي بن زاهر الرازي قال‪ :‬حدثنا‬
‫محمد بن العباس قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن داهر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫محمد‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم قال‪ :‬كتب علي عليه السلم إلى‬
‫ابنه الحسن عليه السلم‪ .‬كل هؤلء حدثونا أن أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫كتب بهذه الرسالة إلى الحسن عليه السلم‪ .‬وأخبرني أحمد بن عبد الرحمن‬
‫بن فضال القاضي قال‪ :‬حدثنا الحسن ابن محمد بن أحمد‪ ،‬وأحمد بن جعفر‬
‫بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عبدل قال‪ :‬حدثنا‬
‫الحسن بن ظريف بن ناصح‪ ،‬عن الحسين بن علوان‪ ،‬عن سعد بن طريف‪،‬‬
‫عن الصبغ ابن نباتة المجاشعي قال‪ :‬كتب أمير المؤمنين عليه السلم إلى‬
‫ابنه محمد كذا‪ .‬واعلم يا ولدي محمد ضاعف ال جل جلله عنايته بك‬
‫ورعايته لك أن قد روى الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب‬
‫الكليني تغمده ال جل جلله برحمته رسالة مولينا أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم إلى جدك الحسن ولده سلم ال جل جلله عليهما‪ .‬وروى رسالة‬
‫اخرى مختصرة عن مولينا علي عليه السلم إلى ولده محمد بن الحنفية‬
‫رضوان ال جل جلله عليه وذكر الرسالتين في كتاب الرسائل‪ ،‬ووجدنا‬
‫نسخة عتيقة يوشك أن يكون كتابتها في زمن حياة محمد بن يعقوب )ره(‬
‫وهذا الشيخ محمد بن يعقوب )ره( كان حياته في زمن وكلء مولينا‬
‫المهدي عليه السلم عثمان بن سعيد العمري وولده أبي جعفر محمد وأبي‬
‫القاسم الحسين بن روح وعلي بن محمد السمري وتوفي محمد بن يعقوب‬
‫قبل وفاة محمد بن علي السمري لن علي بن محمد السمري توفي في‬
‫شعبان سنة تسع وعشرين وثلثمائة وهذا محمد بن يعقوب الكليني توفى‬
‫ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب‬
‫و رواياته في زمن الوكلء المذكورين يجد طريقا إلى تحقيق منقولته‬
‫وتصديق مصنفاته ورأيت يا ولدي بين رواية حسن بن عبد ال العسكري‬
‫مصنف كتاب الزواجر والمواعظ‬

‫]‪[198‬‬

‫الذي قدمناه وبين الشيخ محمد بن يعقوب في رسالة أبيك أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم إلى ولده تفاوتا فنحن نوردها برواية محمد بن يعقوب الكليني فهو‬
‫أجمل وأفضل فيما قصدناه‪ ،‬فذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب‬
‫الرسائل باسناده إلى جعفر بن عنبسة عن عباد بن زياد السدي عن عمرو‬
‫بن أبي المقدام‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لما أقبل أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم من صفين كتب إلى ابنه الحسن عليه ]وعلى جده وأبيه وامه‬
‫وأخيه الصلة و[ السلم‪ .‬بسم ال الرحمن الرحيم من الوالد الفان‪ ،‬المقر‬
‫للزمان )‪ (1‬المدبر العمر المستسلم للدهر )‪ (2‬الذام للدنيا‪ ،‬الساكن مساكن‬
‫الموتى‪ ،‬الظاعن عنها غدا )‪ (3‬إلى الولد المؤمل ما ل يدرك )‪ (4‬السالك‬
‫سبيل من قد هلك‪ ،‬غرض السقام‪ ،‬ورهينة اليام‪ ،‬ورمية المصائب )‪(5‬‬
‫وعبد الدنيا‪ ،‬وتاجر الغرور‪ ،‬وغريم المنايا )‪ (6‬وأسير الموت‬

‫)‪ (1‬حذفت الياء ههنا للزدواج بين الفان والزمان‪ .‬وقوله " المقر للزمان " أي‬
‫المقر له بالغلبة والقهر‪ ،‬المعترف بالعجز في يد تصرفاته كانه قدره‬
‫خصما ذا بأس‪ .‬وقوله " المدبر العمر " لنه عليه السلم حين ذاك مضى‬
‫من عمره ازيد من ستين سنة ولم يبق من عمره عليه السلم ال أقل‬
‫قليل‪ (2) .‬عبارة اخرى عن قوله " المقر للزمان " وهو آكد منه‪ .‬لنه قد‬
‫يقر النسان لخصمه ول يستسلم‪ (3) .‬يريد عليه السلم قرب الرحيل‪،‬‬
‫والظاعن‪ :‬الراحل‪ (4) .‬أي يؤمل البقاء في الدنيا وهو مما ل يدركه احد‬
‫من أبناء آدم وغيره من موجودات هذا العالم‪ (5) .‬الرهينة‪ :‬المرهونة أي‬
‫أنه في قبضتها وحكمها‪ :‬والرمية في الصل اسم للصيد و يجوز ان يكون‬
‫اسما لما يرمى وما أصابه السهم‪ .‬ولهذا الحق به الهاء كالذبيحة‬
‫والنسان كالهدف ل فات الدنيا ول محالة يدركه الموت‪ (6) .‬قال ابن أبى‬
‫الحديد قوله " عبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا " لن النسان‬
‫طوع شهواته فهو عبد الدنيا‪ ،‬وحركاته فيها مبنية على غرور ل أصل‬
‫له‪ ،‬فهو تاجر الغرور ل محالة‪ ،‬ولما كانت المنايا )أي الموت والهلك(‬
‫تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريما له يقتضيه ما ل بد له من‬
‫أدائه‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫]‪[199‬‬

‫وحليف الهموم‪ ،‬وقرين الحزان‪ ،‬ورصيد الفات‪ ،‬وصريع الشهوات )‪ (1‬وخليفة‬


‫الموات‪ .‬أما بعد فان فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي‬
‫وإقبال الخرة إلي ما يزعني عن ذكر من سواي )‪ (2‬والهتمام بما ورائي‬
‫غير أني حيث تفرد بي دون هم الناس هم نفسي‪ ،‬فصدفني رأيي وصرفني‬
‫عن هواي‪ ،‬وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد ل يرى معه لعب‪،‬‬
‫وصدق ل يشوبه كذب )‪ (3‬وجدتك بعضي بل وجدتك كلي )‪ (4‬حتى كان‬
‫شيئا لو أصابك أصابني‪ ،‬وحتى كان الموت لو أتاك أتاني‪ ،‬فعناني من أمرك‬
‫ما يعنيني عن أمر نفسي )‪ (5‬فكتبت إليك كتابي‪ ،‬هذا مستظهرا به إن أنا‬
‫بقيت لك أو فنيت )‪ .(6‬فاوصيك بتقوى ال يا بني‪ ،‬ولزوم أمره‪ ،‬وعمارة‬
‫قلبك بذكره‪ ،‬والعتصام بحبله‪ ،‬وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين ال‬
‫جل جلله إن أخذت به فأحي قلبك بالموعظة‪ ،‬وأمته بالزهد‪ ،‬وقوة باليقين‪،‬‬
‫ونوره بالحكمة‪ ،‬وذل بذكر الموت‪ ،‬وقرره بالفناء )‪ (7‬وأسكنه بالخشية‪،‬‬
‫وأشعره بالصبر‪ ،‬وبصره فجائع الدنيا )‪ (8‬وحذره صولة‬
‫)‪ (1‬الحليف المحالف‪ ،‬والحلف ‪ -‬بالكسر وبالفتح ‪ :-‬المعاقدة والمعاهدة على‬
‫التعاضد والتساعد‪ .‬والرصيد‪ :‬الرقيب والذى يرصد‪ .‬والصريع‪ :‬الطريح‪) .‬‬
‫‪ (2‬جمع الفرس إذا غلب على صاحبه فلم يملكه‪ .‬ويزعنى أي يمنعنى‬
‫ويصدني‪ .‬و لفظة " ما " مفعول " تبينت "‪ (3) .‬صدفه‪ :‬صرفه‬
‫والضمير للرأى‪ ،‬والمحض‪ :‬الخالص‪ ،‬وأفضى أي انتهى‪ .‬والشوب المزج‬
‫والخلط‪ (4) .‬إذ كان هو الخليفة له والقائم مقامه ووارث علمه وفضائله‪.‬‬
‫)‪ (5‬عناني أي أهمنى من أمرك ما أهمنى من أمر نفسي‪ (6) .‬كتب عليه‬
‫السلم إليه هذه الوصية ليكون له ظهرا ومستندا يرجع إلى العمل بها في‬
‫حالتى بقائه وفنائه عنه‪ (7) .‬أي اطلب منه القرار بالفناء‪ (8) .‬الفجائع‬
‫جمع الفجيعة وهى المصيبة تفزع بحلولها‪.‬‬

‫]‪[200‬‬

‫الدهر‪ ،‬وفحش تقلبه‪ ،‬وتقلب الليالي واليام )‪ (1‬وأعرض عليه أخبار الماضين‪،‬‬
‫وذكره بما أصاب من كان قبلك من الولين‪ ،‬وسر في ديارهم‪ ،‬واعتبر‬
‫آثارهم‪ ،‬وانظر ما فعلوا وأين حلوا ونزلوا‪ ،‬وعمن انتقلوا‪ ،‬فانك تجدهم قد‬
‫انتقلوا عن الحبة‪ ،‬وحلوا دار الغربة وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم‪،‬‬
‫فأصلح مثواك‪ ،‬ول تبع آخرتك بدنياك‪ ،‬ودع القول فيما ل تعرف‪ ،‬والنظر‬
‫فيما ل تكلف‪ ،‬وأمسك عن طريق إذا خفت ضللته فان الكف عند حيرة‬
‫الضللة خير من ركوب الهوال‪ ،‬وأمر بالمعروف تكن من أهله‪ ،‬و أنكر‬
‫المنكر بلسانك ويدك‪ ،‬وباين من فعله بجهدك وجاهد في ال حق جهاده ول‬
‫تأخذك في ال لومة لئم‪ ،‬وخض الغمرات إلى الحق حيث كان‪ ،‬وتفقه في‬
‫الدين‪ ،‬وعود نفسك التصبر على المكروه )‪ (2‬فنعم الخلق الصبر‪ ،‬والجئ‬
‫نفسك في المور كلها إلى الهك فانك تلجئها إلى كهف حريز )‪ (3‬ومانع‬
‫عزيز‪ ،‬وأخلص في المسألة لربك‪ ،‬فان بيده العطاء والحرمان‪ ،‬وأكثر‬
‫الستخارة )‪ (4‬وتفهم وصيتي ول تذهبن عنك صفحا‪ ،‬فان خير القول ما‬
‫نفع )‪ (5‬واعلم أنه ل خير في علم ل ينفع‪ ،‬ول ينتفع بعلم ل يحق تعلمه‪ .‬يا‬
‫بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا‪ ،‬ورأيتني ازداد وهنا بادرت بوصيتي إليك‬
‫لخصال‪ ،‬منها أن يعجل بي أجلي دون أن أفضى إليك بما في نفسي أو‬
‫أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي‪ ،‬أو أن يسبقني إليك بعض غلبات‬
‫الهوى وفتن الدنيا وتكون كالصعب النفور )‪ (6‬وإنما قلب الحدث كالرض‬
‫الخالية ما القي فيها‬

‫)‪ (1‬الصولة‪ :‬السطوة والقدرة‪ .‬والفحش بمعنى الزيادة والكثرة‪ (2) .‬التصبر‪ :‬تكلف‬
‫الصبر‪ (3) .‬الكهف‪ :‬الملجأ‪ .‬والحريز‪ :‬الحصين‪ (4) .‬المراد بالستخارة‬
‫هنا‪ :‬اجالة الرأى في المر قبل فعله لختيار أفضل الوجوه‪ .‬أو طلب الخير‬
‫من ال تعالى‪ .‬ل ما هو المشهور اليوم ويفعله أكثر المقدسين بالسبحة‬
‫والمصحف‪ (5) .‬الصفح‪ :‬العراض‪ (6) .‬اشارة إلى أن الصبى إذا لم‬
‫يؤدب الداب في حداثة سنه ولم ترض قواه لمطاوعة العقل وموافقته‬
‫ربما تميل به القوى الحيوانية إلى مشتهياتها وتصرفه عن وجه الصواب‬
‫‪<-‬‬

‫]‪[201‬‬

‫من شئ إل قبلته‪ ،‬فبادر بالدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك‪ ،‬وتستقبل بجد رأيك‬
‫من المر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته )‪ (1‬فتكون قد كفيت‬
‫مؤونة الطلب‪ ،‬وعوفيت من علج التجربة‪ ،‬فأتاك من ذلك ما كنا نأتيه‪،‬‬
‫واستبان لك منها ما ربما أظلم علينا فيه )‪ .(2‬يا بني إني وإن لم أكن قد‬
‫عمرت عمر من كان قبلي‪ ،‬فقد نظرت في أعمارهم‪ ،‬و فكرت في أخبارهم‪،‬‬
‫وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم‪ ،‬بل كأني بما انتهى إلي من امورهم‬
‫قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم‪ ،‬فعرفت صفو ذلك من كدره‪ ،‬ونفعه من‬
‫ضرره‪ ،‬واستخلصت لك من كل أمر نخيله‪ ،‬وتوخيت لك جميله )‪(3‬‬
‫وصرفت عنك مجهوله‪ ،‬ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد‬
‫الشفيق‪ ،‬وأجمعت عليه )‪ (4‬من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر مقبل‬
‫الدهر‪ ،‬ذو نية سليمة‪ ،‬ونفس صافية‪ ،‬و أن ابتدأك بتعليم كتاب ال عزوجل‬
‫وتأويله وشرايع السلم وأحكامه وحلله وحرامه ل اجاوز بك ذلك إلى‬
‫غيره‪ ،‬ثم أشفقت أن يلتبس ما اختلف الناس فيه من أهوائهم و آرائهم مثل‬
‫الذي التبس عليهم وكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب‬
‫إلى من إسلمك إلى أمر ل آمن عليك فيه الهلكة )‪ (5‬ورجوت أن يوفقك‬
‫ال فيه لرشدك‬

‫‪ < -‬وما ينبغى له‪ ،‬فيكون حينئذ كالصعب النفور من البل‪ ،‬ووجه التشبيه أنه يعسر‬
‫حمله على الحق وجذبه إليه كما يعسر قود الجمل الصعب النفور‬
‫وتصريفه بحسب المنفعة‪ " .‬ابن ميثم " )‪ (1‬وذلك ليكون جد رأيك أي‬
‫محققه وثابته مستعدا لقبول الحقايق التى وقف عليها أهل التجارب‬
‫وكفوك طلبها‪ .‬والبغية ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الطلب‪ (2) .‬استبان أي ظهر ووضح‬
‫وذلك لن العقل حفظ التجارب وإذا ضم رأيه إلى آرائهم ربما يظهر له ما‬
‫لم يكن ظهر لهم‪ (3) .‬النخيل‪ :‬المختار المصفى وفى بعض النسخ "‬
‫جليله "‪ .‬وتوخيت أي تحريت‪ (4) .‬أجمعت أي عزمت‪ ،‬وهو عطف على‬
‫" يعنى " و " أن يكون " في محل النصب على أنه مفعول أول لرأيت‬
‫ويكون هنا تامة‪ .‬والواو في قوله " وأنت " للحال‪ (5) .‬أي أنك وأن كنت‬
‫تكره أن ينبهك احد لما ذكرت لك فانى اعد اتقان التنبيه على كراهتك له‬
‫أحب إلى من اسلمك أي القائك إلى أمر تخشى عليك فيه الهلكة‪.‬‬

‫]‪[202‬‬

‫وأن يهديك لقصدك‪ ،‬فعهدت إليك وصيتي بهذه‪ .‬واعلم مع ذلك يا بني أن أحب ما‬
‫أنت آخذ به من وصيتي إليك تقوى ال والقتصار على ما فرضه ال عليك‪،‬‬
‫والخذ بما مضى عليه الولون من آبائك و الصالحون من أهل بيتك فانهم‬
‫لن يدعوا أن ينظروا لنفسهم كما أنت ناظر‪ ،‬وفكروا كما أنت مفكر‪ ،‬ثم‬
‫ردهم آخر ذلك إلى الخذ بما عرفوا‪ ،‬والمساك عما لم يكلفوا فان أبت‬
‫نفسك عن أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك لذلك بتفهم و‬
‫تعلم ل بتورط الشبهات وعلو الخصومات‪ ،‬وابدأ قبل نظرك في ذلك‬
‫بالستعانة بإلهك عليه والرغبة إليه وفي توفيقك ونبذ كل شائبة أدخلت‬
‫عليك كل شبهة‪ ،‬أو أسلمتك إلى ضللة فان أيقنت أن قد صفا لك قبلك‬
‫فخشع وتم رأيك فاجتمع‪ ،‬وكان همك في ذلك هما واحدا‪ ،‬فانظر فيما فسرت‬
‫لك‪ ،‬وإن لم يجتمع لك رأيك على ما تحب من نفسك وفراغ نظرك وفكرك‪،‬‬
‫فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء )‪] (1‬وتتورط الظلماء[ )‪ (2‬وليس‬
‫طالب الدين من خبط ول خلط‪ ،‬والمساك عند ذلك أمثل )‪ .(3‬وإن أول ما‬
‫أبدؤك به في ذلك وآخره أني أحمد إليك ال إلهي وإله الولين والخرين‬
‫ورب من في السماوات والرضين بما هو أهله‪ ،‬وكما يجب وينبغي له‪،‬‬
‫ونسأله أن يصلي على سيدنا محمد النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬وعلى‬
‫أنبياء ال بجميع صلة من صلى عليه من خلقه‪ ،‬وأن يتم نعمته علينا بما‬
‫وفقنا له من مسألته بالستجابة لنا فان بنعمته تتم الصالحات‪ .‬يا بني قد‬
‫أنبأتك عن الدنيا وحالها وانتقالها وزوالها بأهلها‪ ،‬وأنبأتك عن الخرة وما‬
‫أعد ال فيها لهلها‪ ،‬وضربت لك أمثال لتعتبر وتحذو عليها المثال‬

‫)‪ (1‬العشواء‪ :‬ضعيفة البصر أي تخبط خبط الناقة العشواء ل تأمن أن تسقط فيما ل‬
‫خلص منه‪ ،‬واشعار لفظ الخبط له باعتبار أنه طالب للعلم من غير‬
‫استكمال شرائط الطلب وعلى غير وجهه فهو متعسف‪ ،‬سالك على غير‬
‫طريق المطلوب كالناقة العشواء‪ (2) .‬أي تدخل في الورطة وهى الهلكة‪.‬‬
‫)‪ (3‬لن كف النفس عن الخبط والخلط في أمر الدين أقرب إلى الخير‬
‫وأفضل‪.‬‬

‫]‪[203‬‬
‫إنما مثل من أبصر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جدب فأموا منزل خصيبا‬
‫فاحتملوا وعثاء الطريق )‪ (1‬وفراق الصديق‪ ،‬وخشونة السفر في الطعام‬
‫والمنام ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم فليس يجدون لشئ من ذلك ألما‬
‫ول يرون لنفقته معزما ول شئ أحب إليهم مما يقر بهم من منزلهم‪ ،‬ومثل‬
‫من اغتر بها كقوم كانوا في منزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جدب فليس‬
‫شئ أكره إليهم‪ ،‬ول أهول لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون‬
‫عليه‪ ،‬ويصيرون إليه‪ ،‬ثم فزعتك بأنواع الجهالت لئل تعد نفسك عالما فان‬
‫العالم من عرف أن ما يعلم فيما ل يعلم قليل فعد نفسه بذلك جاهل وازداد‬
‫بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا فما يزال للعلم طالبا وفيه راغبا‪،‬‬
‫وله مستفيدا‪ ،‬ولهله خاشعا‪ ،‬ولرأيه متهما‪ ،‬وللصمت لزما‪ ،‬وللخطأ‬
‫جاحدا‪ ،‬ومنه مستحييا وإن ورد عليه ما ل يعرف ل ينكر ذلك لما قد قدر به‬
‫نفسه من الجهالة‪ ،‬وأن الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم‬
‫عالما وبرأيه مكتفيا فما يزال من العلماء مباعدا‪ ،‬وعليهم زاريا‪ ،‬ولمن‬
‫خالفه مخطيا‪ ،‬ولما لم يعرف من المور مضلل‪ ،‬وإذا ورد عليه من المر‬
‫ما ل يعرفه أنكره وكذب به‪ ،‬وقال بجهالته ما أعرف هذا‪ ،‬وما أراه كان‪،‬‬
‫وما أظن أن يكون وأنى كان‪ ،‬ول أعرف ذلك لثقته برأيه‪ ،‬وقلة معرفته‬
‫بجهالته فما ينفك مما يرى فيما يلتبس عليه رأيه‪ ،‬ومما ل يعرف للجهل‬
‫مستفيدا‪ ،‬وللحق منكرا‪ ،‬وفي اللجاجة متجريا‪ ،‬وعن طلب العلم مستكبرا‪ .‬يا‬
‫بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك وأحب لغيرك‬
‫ما تحب لنفسك‪ ،‬وأكره له ما تكره لها‪ ،‬ل تظلم كما ل تحب أن تظلم‪،‬‬
‫وأحسن كما تحب أن يحسن إليك‪ ،‬واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك‪،‬‬
‫وارض من الناس ما ترضى لهم منك‪ ،‬ول تقل ما ل تعلم‪ ،‬بل ل تقل كلما‬
‫علمت مما ل تحب أن‬

‫)‪ (1‬نبا الشئ‪ :‬بعد وتأخر‪ .‬والجدب ضد الخصب‪ .‬وجدب المكان أي انقطع عنه‬
‫المطر‪ .‬والخطب ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬كثرة العشب ورجل خصيب كثير الخير‪.‬‬
‫ووعثاء السفر‪ :‬مشقته‪ .‬وفى بعض النسخ " جديب "‪.‬‬

‫]‪[204‬‬

‫يقال لك‪ ،‬واعلم أن العجاب ضد الصواب )‪ (1‬وآفة اللباب‪ ،‬وإذا هديت لقصدك فكن‬
‫أخشع ما تكون لربك ]وأسعى في كدحك‪ ،‬ول تكن خازنا لغيرك[‪ .‬واعلم يا‬
‫بني إن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة‪ ،‬وأهوال شديدة‪ ،‬وإنه لغنا بك عن‬
‫حسن الرتياد‪ ،‬وقدر بلغك من الزاد )‪ (2‬مع خفة الظهر‪ ،‬فل تحملن على‬
‫ظهرك فوق بلغك‪ ،‬فيكون ثقيل ووبال عليك‪ ،‬وإذا وجدت من أهل الحاجة‬
‫من يحمل لك زادك ]إلى يوم القيامة[ فيوافيك به ]غدا[ حيث تحتاج إليه‬
‫فاغتنمه‪ ،‬واغتنم من استقرضك في حال غناك وجعل قضاءه لك في يوم‬
‫عسرتك ]وحمله إياه‪ ،‬وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فل‬
‫تجده[ واعلم أن أمامك عقبة كؤودا )‪ (3‬ل محالة أن مهبطها بك على جنة‬
‫أو نار‪ ،‬فارتد لنفسك قبل نزولك‪ .‬وأعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا‬
‫والخرة قد أذن لدعائك‪ ،‬وتكفل لجابتك‪ ،‬وأمرك أن تسأله ليعطيك وهو‬
‫رحيم كريم‪ ،‬لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه‪ ،‬ولم يلجئك إلى من يشفع‬
‫لك إليه‪ ،‬ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعيرك بالنابة‪ ،‬ولم يعاجلك‬
‫بالنقمة‪ ،‬ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة ولم يناقشك بالجريمة‪ ،‬ولم‬
‫يؤيسك من الرحمة‪ ،‬ولم يشدد عليك في التوبة‪ ،‬فجعل توبتك التورع عن‬
‫الذنب‪ ،‬وحسب سيئتك واحدة وحسنتك عشرا‪ ،‬وفتح لك باب المتاب‬
‫والستعتاب‪ ،‬فمتى شئت سمع ندإك ونجواك فأفضيت إليه بحاجتك وأبثثته‬
‫ذات نفسك )‪ (4‬وشكوت إليه همومك‪ ،‬واستعنته على امورك‪ ،‬ثم جعل في‬
‫يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته‪ ،‬فمتى شئت استفتحت بالدعاء‬
‫أبواب خزائنه‪ ،‬فألحح‬

‫)‪ (1‬العجاب‪ :‬استحسان ما يصدر عن النفس‪ (2) .‬الرتياد‪ :‬الطلب أصله واوى من‬
‫راد يرود‪ ،‬وحسن الرتياد‪ :‬اتيانه من وجهه والبلغ ‪ -‬بالفتح ‪ -‬الكفاية أي‬
‫ما يكفى من العيش ول يفضل‪ (3) .‬الكؤود‪ :‬صعبة شاقة المصعد‪(4) .‬‬
‫أفضيت‪ :‬ألقيت وأبلغت إليه‪ .‬وأبث فلنا الخير‪ :‬اطلعه عليه‪.‬‬

‫]‪[205‬‬

‫عليه في المسألة يفتح لك أبواب الرحمة‪ ،‬ل يقنطك إن أبطأت عليك الجابة فإن‬
‫العطية على قدر المسألة‪ ،‬وربما اخرت عنك الجابة ليكون أطول للمسألة‬
‫وأجزل للعطية‪ ،‬ربما سألت الشئ فلم تؤتاه واوتيت خيرا منه عاجل أو‬
‫آجل أو صرت إلى ما هو خير لك‪ ،‬فلرب أمر قد طلبته وفيه هلك دينك‬
‫ودنياك لو اوتيته‪ ،‬ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله وينفى‬
‫عنك وباله‪ ،‬والمال ل يبقى لك ول تبقى له‪ ،‬فإنه يوشك أن ترى عاقبة‬
‫أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم‪ .‬واعلم يا بني إنك إنما خلقت‬
‫للخرة ل للدنيا‪ ،‬وللفناء ل للبقاء‪ ،‬وللموت ل للحياة‪ ،‬وأنك في منزل قلعة‪،‬‬
‫ودار بلغة )‪ (1‬وطريق إلى الخرة‪ ،‬وأنك طريد الموت الذي ل ينجو هاربه‪،‬‬
‫ولبد أنه مدركك يوما‪ ،‬فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد‬
‫كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك‪ ،‬فإذا أنت قد أهلكت‬
‫نفسك‪ .‬يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت‬
‫إليه واجعله أمامك حيث ]تراه حتى[ يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت‬
‫له أزرك‪ ،‬و ل يأتيك بغتة فيبهرك )‪ (2‬ول يأخذك على غرتك‪ ،‬وأكثر ذكر‬
‫الخرة وما فيها من النعيم والعذاب الليم‪ ،‬فإن ذلك يزهدك في الدنيا‬
‫ويصغرها عندك‪ .‬وإياك أن تغتر بما ترى من إخلد أهلها وتكالبهم عليها )‬
‫‪ (3‬وقد نبأك ال جل جلله عنها ونعت إليك نفسها وتكشفت لك عن‬
‫مساويها‪ ،‬فانما أهلها كلب عاوية وسباع ضارية يهر بعضها بعضا )‪(4‬‬
‫ويأكل عزيزها ذليلها ]ويقهر كبيرها صغيرها[‬

‫)‪ (1‬القلعة ‪ -‬بالضم فالسكون ‪ -‬أي ل يصلح للستيطان والقامة‪ ،‬يقال منزل قلعة‬
‫أي ل يملك لنازله‪ ،‬ويقلع عنه ول يدرى متى ينتقل عنه‪ .‬والبلغة‪ :‬ما يبلغ‬
‫به من العيش والمراد أنها دار تؤخذ فيها الكفاية للخرة‪ (2) .‬أي يغلبك‪.‬‬
‫)‪ (3‬التكالب‪ :‬التواثب أي شدة حرصهم عليها‪ (4) .‬ضارية أي مولعة‬
‫بالفتراس‪ :‬ويهر أي يكره أن ينظر بعضها بعضا ويمقت‪.‬‬

‫]‪[206‬‬

‫وكثيرها قليلها‪ ،‬نعم معقلة واخرى مهملة قد أضلت عقولها )‪ (1‬وركبت مجهولها‬
‫سروح عاهة في داروعث )‪ (2‬ليس لها راع يقيمها‪ ،‬ألعبتهم الدنيا فلعبوا‬
‫بها‪ ،‬ونسوا ما وراءها‪ ،‬رويدا حتى يسفر الظلم )‪ (3‬كان ورب الكعبة‬
‫يوشك من أسرع أن يلحق‪ .‬واعلم أن كل من كانت مطيته الليل والنهار )‪(4‬‬
‫فإنه يساربه وإن كان ل يسير‪ ،‬أبى ال إل خراب الدنيا وعمارة الخرة‪ .‬يا‬
‫بني فإن تزهد فيما زهدتك فيه وتعزف نفسك عنها )‪ (5‬فهي أهل ذلك‪ ،‬وإن‬
‫كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ول تعدو‬
‫أجلك فإنك في سبيل من كان قبلك فخفض )‪ (6‬في الطلب‪ ،‬وأجمل في‬
‫المكتسب فانه رب طلب قد جر إلى حرب )‪ (7‬وليس كل طالب بناج‪ ،‬وكل‬
‫مجمل بمحتاج‪ ،‬وأكرم‬

‫)‪ (1‬النعم ‪ -‬محركة ‪ :-‬البل أي أهلها على قسمين‪ ،‬قسم كابل منعها عن الشر‬
‫عقالها وهم الضعفاء وأخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء وهم‬
‫القوياء‪ ،‬و " معلقة " من العقال وعقل البعير شد وظيفه إلى ذراعه‪.‬‬
‫وقوله " أضلت عقولها " أي اضاعت عقولها وركبت طريقها المجهول‬
‫لها‪ (2) .‬السروح ‪ -‬بالضم ‪ -‬جمع سرح ‪ -‬بفتح السين وسكون الراء ‪:-‬‬
‫المال السائم من البل ونحوها الماشية‪ .‬والعاهة‪ :‬الفة‪ .‬والوعث‪ :‬الطريق‬
‫العسر يصعب السير فيه‪ (3) .‬رويدا مصدر أرود‪ ،‬مصغرا تصغير‬
‫الترخيم‪ :‬مهل‪ .‬ويسفر أي يكشف والمعنى عن قريب يكشف ظلم الجهل‬
‫عما خفى من الحقيقة بحلول الموت‪ (4) .‬المطية‪ :‬الدابة التى تركب‪(5) .‬‬
‫أي تزهد نفسك عنها ول تشتهيها‪ (6) .‬أي فسهل من الخفض بمعنى‬
‫السهل‪ (7) .‬الحرب ‪ -‬محركة ‪ :-‬سلب المال‪ ،‬من حرب الرجل‪ :‬سلبه ماله‬
‫وتركه بل شئ‪ .‬وأيضا بمعنى الهلك والويل‪.‬‬

‫]‪[207‬‬

‫نفسك عن دنية وإن ساقتك إلى الرغائب )‪ (1‬فانك لن تعتاض بما تبذل شيئا من‬
‫دينك وعرضك بثمن وإن جل‪ ،‬ومن خير حظ امرء قرين صالح‪ ،‬فقارن أهل‬
‫الخير تكن منهم‪ ،‬وباين أهل الشر تبن عنهم‪ ،‬ل يغلبن عليك سوء الظن‬
‫فانه ل يدع بينك وبين صديق صفحا )‪ (2‬بئس الطعام الحرام‪ ،‬وظلم‬
‫الضعيف أفحش الظلم‪ ،‬والفاحشة كاسمها‪ ،‬والتصبر على المكروه يعصم‬
‫القلب‪ ،‬وإذا كان الرفق خرفا كان الخرق رفقا )‪ (3‬وربما كان الداء دواء‪،‬‬
‫وربما نصح غير الناصح‪ ،‬وغش المستنصح )‪ (4‬وإياك والتكال على‬
‫المنى فإنها بضائع النوكى )‪ (5‬ومطل عن الخرة والدنيا )‪ (6‬زك قلبك‬
‫بالدب كما يذكى النار بالحطب‪ ،‬ول تكن كحاطب الليل وغثاء السيل )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬الدنية مؤنث الدنى‪ :‬الساقط الضعيف والخصلة المذمومة والنقيصة‪ .‬والمراد أن‬
‫طلب المال لصيانة النفس وحفظه فلو أتعبت وبذلت نفسك لتحصيل المال‬
‫فقد ضيعت ما هو المقصود منه فل عوض لما ضيع‪ .‬والرغائب‪ :‬جمع‬
‫الرغيبة وهى المر المرغوب فيه‪ ،‬والعطاء الكثير‪ .‬وقوله " فانك لن‬
‫تعتاض " أي لن تجد عوضا عما تبذل‪ (2) .‬الصفح العراض‪(3) .‬‬
‫الخرق ‪ -‬بضم الخاء وسكون الراء ‪ -‬وبالتحريك ضد الرفق‪ ،‬والعنف يعنى‬
‫إذا كان العنف في مقام يلزمه لمصلحة كمقام التأديب واجراء الحدود‬
‫يكون ابداله بالرفق عنفا ويكون العنف في هذا المقام من الرفق‪ .‬فل‬
‫يجوز وضع كل منهما موضع الخر‪ (4) .‬المستنصح‪ :‬المطلوب منه‬
‫النصح‪ (5) .‬المنى جمع المنية ‪ -‬بالضم فالسكون ‪ :-‬ما يتمناه النسان‬
‫لنفسه ويعلل نفسه باحتمال الوصول إليه‪ .‬والبضائع جمع بضاعة وهى‬
‫من المال ما اعد للتجارة‪ .‬والنوكى ‪ -‬كسكرى ‪ -‬جمع النوك أي الحمق‬
‫وأيضا المقهور والمغلوب والمراد هنا الضعيف النفس في الرأى والعمل‪.‬‬
‫)‪ (6‬المطل‪ :‬التسويف والتعويق وفى المصدر " وتثبط في الخرة والدنيا‬
‫" وفى التحف " وتثبط عن الخرة والدنيا " ولعله هو الصواب والتثبط‪:‬‬
‫ايضا التعويق‪ (7) .‬الحاطب الذى يجمع الحطب‪ .‬وإذا كان ذلك في ظلمة‬
‫الليل خلط الحابل بالنابل وهو مثل يضرب لمن خلط في كلمه‪ .‬والغثاء‬
‫بالغين المعجمة والثاء المثلثة ‪ -‬الزبد و البالى من ورق الشجر المخالط‬
‫زبد السيل‪.‬‬

‫]‪[208‬‬
‫وكفر النعمة لؤم‪ ،‬وصحبته الجاهل شؤم‪ ،‬والعقل حفظ التجارب‪ ،‬وخير ما جربت ما‬
‫وعظك‪ ،‬ومن الكرم لين الشيم )‪ (1‬بادر الفرصة قبل أن تكون غصة‪ ،‬ومن‬
‫الحزم العزم‪ ،‬ومن سبب الحرمان التواني‪ ،‬ليس كل طالب يصيب ول كل‬
‫راكب يؤوب )‪ (2‬ومن الفساد إضاعة الزاد‪ ،‬لكل امرء عاقبة‪ ،‬رب مصير‬
‫بما تصير )‪ (3‬ول خير في معين مهين‪ ،‬ول تبيتن من أمر على عذر )‪(4‬‬
‫من حلم ساد ومن تفهم ازداد‪ ،‬ولقاء أهل الخير عمارة القلب‪ ،‬ساهل الدهر‬
‫ماذل لك قعوده )‪ .(5‬وإياك أن تطيح بك مطية اللجاج )‪ (6‬وإن قارفت سيئة‬
‫فعجل محوها بالتوبة ول تخن من ائتمنك وإن خانك‪ ،‬ول تذع سره وإن‬
‫أذاع سرك‪ ،‬ول تخاطر بشئ رجاء أكثر منه‪ ،‬واطلب فانه يأتيك ما قسم لك‪،‬‬
‫والتاجر مخاطر‪ ،‬وخذ بالفضل وأحسن البذل‪ ،‬وقل للناس حسنا‪ .‬وأي كلمة‬
‫حكم )‪ (7‬جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لها ؟ !‬
‫إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه‪ ،‬أو تندم إذا فضلت عليه‪ ،‬واعلم أن من‬

‫)‪ (1‬الشيم ‪ -‬بالكسر فالفتح ‪ -‬جمع شيمة وهى الخلق والطبيعة والمراد الخلق‬
‫الحسنة‪ (2) .‬آب يؤوب من السفر‪ :‬رجع‪ (3) .‬في التحف " رب يسير‬
‫أنمى من كثير "‪ (4) .‬وكذا في النهج‪ ،‬وفى التحف " ول تبيتن من أمر‬
‫على غرر " والغرر بالتحريك المغرور به‪ (5) .‬القعود ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬من‬
‫البل ما يقتعده الراعى في كل حاجة أي يتخذ مركبا ويقال للبل‪ :‬الفصيل‬
‫من قياده‪ (6) .‬أطاحه‪ :‬أهلكه وأذهبه‪ ،‬وفى التحف " أن تجمح بك "‪.‬‬
‫يقال جمحت المطية‪ :‬تغلب على راكبه وذهب به وجمحت به أي طرحت‬
‫به وحمله على ركوب المهالك‪ .‬واللجاج ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الخصومة‪ .‬أي انى‬
‫احذرك من أن تغلبك الخصومات فل تملك نفسك من الوقوع في مضارها‪.‬‬
‫)‪ (7‬وكذا في التحف‪ ،‬وفى المصدر " وأحسن كلمة حكم "‪.‬‬

‫]‪[209‬‬

‫الكرم الوفاء بالذمم‪ ،‬والصدود آية المقت )‪ (1‬وكثرة العلل آية البخل‪ ،‬ولبعض‬
‫إمساكك على أخيك مع لطف خير من بذل مع جنف )‪ (2‬ومن الكرم صلة‬
‫الرحم ومن يثق بك أو يرجو صلتك إذا قطعت قرابتك ؟ )‪ (3‬التجرم وجه‬
‫القطيعة‪ ،‬احمل نفسك من أخيك عند صرمه إياك على الصلة )‪ ،(4‬وعند‬
‫صدوره على لطف المسألة‪ ،‬وعند جموده على البذل )‪ (5‬وعند تباعده على‬
‫الدنو‪ ،‬وعند شدته على اللين‪ ،‬وعند تجرمه )‪ (6‬على العذار حتى كأنك له‬
‫عبد وكأنه ذو النعمة عليك‪ ،‬وإياك أن تصنع ذلك في غير موضعه‪ ،‬أو‬
‫تفعله في غير أهله‪ .‬ول تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك‪ ،‬ول‬
‫تعمل بالخديعة فانه خلق لئيم‪ ،‬وامحض أخاك النصيحة‪ ،‬حسنة كانت أو‬
‫قبيحة‪ ،‬وساعده على كل حال‪ ،‬وزل معه حيث زال‪ ،‬ول تطلبن مجازاة أخيك‬
‫وإن حثا التراب بفيك )‪ (7‬وجد على عدوك بالفضل فانه أحرى للظفر‪،‬‬
‫وتسلم من الدنيا بحسن الخلق وتجرع الغيظ‪ ،‬فاني لم أر جرعة أحلى منه‬
‫عاقبة ول ألذ منها مغبة )‪ (8‬ول تصرم أخاك على ارتياب ول تقطعه‬

‫)‪ (1‬الذمم ‪ -‬بكسر الول وفتح الثاني ‪ :-‬جمع الذمة‪ :‬العهد والمان والضمان‪،‬‬
‫والصدود العراض والميل عن الشئ‪ .‬والمقت شدة البغض‪ (2) .‬الجنف‪:‬‬
‫الجور‪ ،‬وربما كان المساك مع حسن الخلق خير من البذل مع الجور قال‬
‫ال تعالى في سورة البقرة‪ " 265 :‬قول معروف ومغفرة خير من صدقة‬
‫يتبعها أذى "‪ (3) .‬يعنى بعد إذ أنت قطعت رحمك فمن ذا الذى يثق بك أو‬
‫يرجو صلتك ؟‪ .‬وقوله " والتجرم وجه القطيعة " لن التجرم اتيان الجرم‬
‫أو حصوله مرة بعد مرة وذلك موجب للقطيعة‪ (4) .‬الصرم ‪ -‬بالضم أو‬
‫الفتح ‪ -‬القطيعة‪ .‬وقوله " على الصلة " متعلق باحمل نفسك أي ألزم‬
‫نفسك بصلة صديقك إذا قطعك وهكذا بعده‪ (5) .‬المراد بالجمود‪ :‬البخل‪) .‬‬
‫‪ (6‬التجرم‪ :‬تفعل من باب جرم بمعنى حصول الجرم مرة بعد مرة‪(7) .‬‬
‫حثا التراب أي صبه‪ (8) .‬المغبة ‪ -‬بشد الباء الموحدة ‪ :-‬العاقبة‪ .‬أي لكظم‬
‫الغيظ لذة تجدها النفس عند الفاقة منه‪ ،‬وهى ألذ وأحلى من لذة النتقام‬
‫وهى الخلص من الضرر المعقب لفعل الغضب‪.‬‬

‫]‪[210‬‬

‫دون استعتاب )‪ (1‬ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك‪ .‬ما أقبح القطيعة بعد‬
‫الصلة والجفاء بعد الخاء‪ ،‬والعداوة بعد المودة‪ ،‬والخيانة لمن ائتمنك‪،‬‬
‫والغدر بمن استأمن إليك‪ ،‬وإن أرت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية‬
‫يرجع إليها إن بداله ولك يوما ما )‪ (2‬ومن ظن لك خيرا فصدق ظنه )‪(3‬‬
‫ول تضيعن حق أخيك اتكال على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من‬
‫أضعت حقه‪ ،‬ول يكن أهلك أشقى الناس بك‪ ،‬ول ترغبن في من زهد فيك‪،‬‬
‫ول يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته )‪ (4‬ول تكونن على‬
‫الساءة أقوى منك على الحسان‪ ،‬ول على البخل أقوى منك على البذل‪،‬‬
‫ول على التقصير أقوى منك على الفضل‪ ،‬ول يكبرن عليك ظلم من ظلمك‬
‫وإنما يسعى في مضرته ونفعك‪ ،‬وليس جزاء من سرك أن تسوءه‪ ،‬والرزق‬
‫رزقان رزق تطلبه‪ ،‬ورزق يطلبك‪ ،‬فان لم تأته أتاك )‪ .(5‬واعلم يا بني أن‬
‫الدهر ذو صروف )‪ (6‬فل تكن ممن يشتد لئمته ويقل عند الناس عذره‪ ،‬ما‬
‫أقبح الخضوع عند الحاجة‪ ،‬والجفاء عند الغنى‪ ،‬إنما لك من دنياك ما‬

‫)‪ (1‬الرتياب‪ :‬التهام والشك‪ :‬والستعتاب‪ :‬طلب العتبى أي السترضاء‪ (2) .‬أي‬
‫بقية من الصلة يسهل لك معها الرجوع إليه " ان بداله " أي ظهر له‬
‫حسن العودة يوما ما‪ (3) .‬أي بلزوم الخير الذى ظن بك‪ (4) .‬أمر عليه‬
‫السلم بلزوم حفظ الصداقة‪ .‬يعنى إذا أتى أخوك بالقطيعة فقابلها أنت‬
‫بالصلة حتى تغلبه ول يكونن هو أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما‬
‫يوجب الصلة‪ ،‬و هكذا بعده‪ (5) .‬الرزق الطالب ما هو المقدر للنسان فان‬
‫لم يأته أتاه واما المطلوب ما كان مبدؤه الحرص‪ (6) .‬صرف الدهر‬
‫وصروفه‪ :‬نوائبه وحدثانه يعنى أن الدهر بحقيقته متغير ومتبدل ومتزلزل‬
‫ل يثبت بحال ول يدوم على وجه وقد اذن بقراقه ونادت بتغيره ونعت‬
‫نفسه وأهله فل يجوز ان تشتد ذمه ولومه‪ .‬واللئمة‪ :‬اللوم والذم‪.‬‬

‫]‪[211‬‬

‫أصلحت به مثواك فأنفق في حق ول تكن خازنا لغيرك‪ ،‬وإن كنت جازعا على ما‬
‫تفلت من بين يديك )‪ (1‬فاجزع على ]كل[ ما لم يصل إليك واستدلل على ما‬
‫لم يكن بما كان فإنما المور أشباه‪ ،‬ول تكفر ذا نعمة فان كفر النعمة من‬
‫ألم الكفر‪ ،‬واقبل العذر ول تكونن ممن ل ينتفع من الغطة إل بما لزمه‬
‫إزالته فان العاقل يتعظ بالدب‪ ،‬و البهايم ل يتعظ إل بالضرب‪ ،‬اعرف الحق‬
‫لمن عرفه لك‪ ،‬رفيعا كان أو وضيعا‪ ،‬واطرح عنك واردات الهموم بعزائم‬
‫الصبر وحسن اليقين )‪ (2‬من ترك القصد جار‪ ،‬ونعم حظ المرء القنوع‪،‬‬
‫ومن شر ما صحب المرء الحسد‪ ،‬وفي القنوط التفريط‪ ،‬والشح يجلب‬
‫الملمة‪ ،‬والصاحب مناسب )‪ (3‬والصديق من صدق غيبه )‪ (4‬والهوى‬
‫شريك العمى )‪ (5‬ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة‪ ،‬ونعم طارد الهموم‬
‫اليقين‪ ،‬وعاقبة الكذب الندم‪ ،‬وفي الصدق السلمة‪ ،‬ورب بعيد أقرب من‬
‫قريب‪ ،‬والغريب من لم يكن له حبيب‪ ،‬ل يعدمك من شفيق سوء الظن‪ ،‬ومن‬
‫حم ظمئ )‪ (6‬ومن تعدى الحق ضاق مذهبه‪ ،‬ومن اقتصر على قدره كان‬
‫أبقى له‪ ،‬نعم الخلق التكرم )‪ (7‬والم اللؤم البغي عند القدرة‪ ،‬والحياء سبب‬
‫إلى كان جميل‪ ،‬وأوثق العرى التقوى‪ ،‬وأوثق سبب أخذت به سبب بينك‬
‫وبين ال‬

‫)‪ (1‬أي ما تملص وتخلص من اليد فلم يمكن أن يحفظه‪ .‬والمراد ل تجزع على ما‬
‫فاتك فان الجزع على ما لم تصله‪ ،‬فالثاني ل يجوز لنه ل يحصر فينال‬
‫فالجزع عليه مذموم فكذا الول‪ (2) .‬العزائم جمع العزيمة وهى ما جزمت‬
‫بها ولزمتها من الرادة المؤكدة الراسخة‪ (3) .‬ينبغى أن يكون الصاحب‬
‫كالنسبب المشفق ويراعى في المصاحب ما يراعى في قرابة النسب‪(4) .‬‬
‫أي من حفظ لك حقك في ظهر الغيب‪ (5) .‬يعنى في كونهما موجبين‬
‫للظلل وعدم الهتداء معهما إلى ما ينبغى من المصلحة‪ .‬وفى بعض نسخ‬
‫الحديث " والهوى شريك العناء " والعناء الشقاء والتعب‪ (6) .‬حم‬
‫الرجل‪ :‬أصابته الحمى وظمئ أي عطش‪ .‬وفى بعض نسخ الحديث " من‬
‫حمى طنى " يعنى من منع نفسه عما يضره نال العافية‪ (7) .‬التكرم تكلف‬
‫الكرم‪ ،‬وتكرم عنه‪ :‬تنزه‪.‬‬

‫]‪[212‬‬

‫سرك من أعتبك )‪ (1‬والفراط في الملمة يشب نيران اللجاجة‪ ،‬كم من دنف قد نجا‬
‫)‪ (2‬وصحيح قد هوى‪ ،‬وقد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلكا )‪(3‬‬
‫وليس كل عورة تظهر ول كل فريضة تصاب‪ ،‬وربما أخطأ البصير قصده‬
‫وأصاب العمى رشده وليس كل من طلب وجد‪ ،‬ول كل من توفى نجا‪ ،‬أخر‬
‫الشر فانك إذا شئت تعجلته وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك‪ ،‬واحتمل‬
‫أخاك على ما فيه‪ ،‬ول تكثر العتاب فانه يورث الضغينة )‪ (4‬واستعتب من‬
‫رجوت عتباه‪ ،‬وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل‪ ،‬ومن الكرم منع الحزم‪،‬‬
‫ومن كابر الزمان عطب )‪ (5‬ومن ينتقم عليه غضب‪ ،‬ما أقرب النقمة من‬
‫أهل البغي وأخلق بمن غدر أن ل يوفى له‪ ،‬زلة المتوفي أشد زلة‪ ،‬وعلة‬
‫الكذب أقبح علة‪ ،‬والفساد يبير الكثير )‪ (6‬والقتصاد ينمى اليسير‪ ،‬والقلة‬
‫ذلة‪ ،‬وبر الوالدين من أكرم الطباع‪ ،‬والمخافة شر يخاف‪ ،‬والزلل مع‬
‫العجل‪ ،‬ول خير في لذة تعقب ندما العاقل من وعظته التجارب‪ ،‬ورسولك‬
‫ترجمان عقلك‪ ،‬والهدى يجلو العمى‪ ،‬وليس مع الخلف ائتلف‪ ،‬من خير‬
‫خوانا فقد خان‪ ،‬لن يهلك من اقتصد ولن يفتقر من زهد‪ ،‬ينبئ‬

‫)‪ (1‬اعتبه‪ :‬أعطاه العتبى وأرضاه أي ترك ما كان يغضب عليه من أجله ورجع إلى‬
‫ما أرضاه عنه بعد اسخاطه اياه عليه وحقيقته ازال عنه عتبه والهمزة‬
‫فيه همزة السلب كما في أشكاه والسم العتبى‪ .‬وقوله " شرك " في‬
‫بعض نسخ الحديث " منك " بشد النون‪ (2) .‬الدنف ‪ -‬محركة ‪ :-‬المرض‬
‫اللزم‪ .‬والمريض الذى لزمه المرض بلفظ واحد في الجميع‪ .‬يقال‪ :‬رجل‬
‫دنف وامرأة دنف وهما دنف ‪ -‬مذكرا ومؤنثا ‪ -‬وهم وهن دنف مصدر‬
‫وصف به‪ .‬والدنف ‪ -‬ككتف ‪ :-‬من لزمه المرض والجمع ادناف‪(3) .‬‬
‫يعنى إذا كان الطمع في الشئ هلكا كان اليأس من ذلك الشئ ادراكا‬
‫للنجاة‪ (4) .‬الضغينة‪ :‬الحقد‪ (5) .‬عطب الرجل ‪ -‬كفرح ‪ -‬يعطب عطبا‪:‬‬
‫هلك‪ (6) .‬أباره أهلكه‪.‬‬

‫]‪[213‬‬

‫عن امرء دخيله )‪ (1‬رب باحث عن حتفه )‪ (2‬ل يشوبن بثقة رجاء )‪ (3‬وما كل ما‬
‫يخشى يضر‪ ،‬ولرب هزل قد عاد جدا‪ ،‬من أمن الزمان خانه‪ ،‬ومن تعظم‬
‫عليه أهانه‪ ،‬ومن ترغم عليه أرغمه‪ ،‬ومن لجأ إليه أسلمه‪ ،‬وليس كل من‬
‫رمى أصاب‪ ،‬وإذا تغير السلطان تغير الزمان‪ ،‬خير أهلك من كفاك‪ ،‬المزاح‬
‫تورث الضغائن‪ ،‬أعذر من اجتهد‪ ،‬وربما أكدى الحريص )‪ .(4‬رأس الدين‬
‫صحة اليقين‪ ،‬تمام الخلص تجنب المعاصي‪ ،‬خير المقال ما صدقه الفعال‪،‬‬
‫السلمة مع الستقامة‪ ،‬والدعاء مفتاح الرحمة‪ ،‬سل عن الرفيق قبل‬
‫الطريق وعن الجار قبل الدار‪ ،‬وكن عن الدنيا على قلعة )‪ (5‬احمل من أدل‬
‫عليك )‪ (6‬واقبل عذر من اعتذر إليك‪ ،‬وخذ العفو من الناس‪ ،‬ول تبلغ من‬
‫أحد مكروها )‪ (7‬وأطع أخاك وإن عصاك‪ ،‬وصله وإن جفاك‪ ،‬وعود نفسك‬
‫السماح )‪ (8‬وتخير لها من كل خلق أحسنه‪ ،‬فان الخير عادة‪ .‬وإياك أن‬
‫تكثر من الكلم هذرا وأن تكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك وأنصف‬
‫من نفسك‪ ،‬واياك ومشاورة النساء فان رأيهن إلى الفن‪ ،‬وعزمهن إلى‬
‫الوهن )‪ (9‬واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فان شدة الحجاب‬
‫خير لك‬

‫)‪ (1‬الدخيل من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم‪ .‬ودخيل الرجل داخلته‬
‫ودخيلة المرء‪ :‬باطنه وضميره‪ (2) .‬الباحث الحافر‪ .‬والحتف‪ :‬الموت أي‬
‫كم من حافر قبره بيده‪ .‬يضرب لمن يطلب ما يؤدى أي هلكه‪ (3) .‬في‬
‫بعض نسخ الحديث والتحف " ل تشترين بثقة رجاء "‪ (4) .‬أكدى الرجل‬
‫أي لم يظفر بحاجته‪ (5) .‬أي على رحلة وعدم سكونك للتوطن‪ (6) .‬أدل‬
‫عليه وثق بمحبته فأفرط عليه‪ ،‬واجترأ عليه والمراد هنا المعنى الثاني‪) .‬‬
‫‪ (7‬في التحف " ول تبلغ إلى أحد مكروهه "‪ (8) .‬أي صير نفسك معتادة‬
‫بالسماحة والجود‪ (9) .‬الفن ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬ضعف الرأى‪ .‬والوهن‪:‬‬
‫الضعف‪.‬‬

‫]‪[214‬‬

‫ولهن من الرتياب وليس خروجهن بأشد من دخول من ل يوثق به عليهن )‪ (1‬وإن‬


‫استطعت أن ل يعرفن غيرك من الرجال فافعل‪ ،‬ول تملك المرأة من المر‬
‫ما جاوز نفسها فان ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها فان‬
‫المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ول تعد بكرامتها نفسها )‪ (2‬ول تعطيها أن‬
‫تشفع لغيرها فيميل من شفعت له عليك معها ول تطل الخلوة مع النساء‬
‫فيمللنك وتمللهن )‪ (3‬واستبق من نفسك بقية فان إمساكك عنهن وهن‬
‫ترين أنك ذو اقتدار خير من أن يعثرن منك على انكسار )‪ (4‬و إياك‬
‫والتغاير في غير موضع الغيرة )‪ (5‬فان ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى‬
‫السقم ولكن أحكم أمرهن فان رأيت عيبا فعجل النكير على الكبير والصغير‬
‫وإياك أن تعاتب فيعظم الذنب ويهون العتب ول تكن عبد غيرك وقد جعلك‬
‫ال حرا‪ ،‬وما خير بخير ل ينال إل بشر ويسر ل ينال إل بعسر )‪ (6‬وإياك‬
‫أن توجف بك مطايا الطمع )‪ (7‬وإن‬

‫)‪ (1‬أي ادخال من ل يوثق به عليهن اما مساو لخروجهن في المفسدة أو أشد وكل‬
‫ما كان كذلك ل يجوز الرخصة فيه‪ ،‬وانما كان أشد في بعض الصور لن‬
‫دخول من ل يوثق به عليهن أمكن لخلوته بهن والحديث معهن فيها يزاد‬
‫من الفساد‪ (2) .‬أي ل تكرمها بكرامة تتعدى صلحها أول تجاوز باكرامها‬
‫نفسها فتكرم غيرها بشفاعتها‪ (3) .‬أين هذه الوصية من حال الذين‬
‫يصرفون النساء في مصالح المة ويعدون أنفسهم ‪ -‬على ما يلهجون بها‬
‫‪ :-‬المصلح ويرفعون الصوات بانتصار المرأة ومطالبة حقها في الشؤون‬
‫الجتماعية ويزعمون أن العفاف اهتضام المرأة وصيانتها عن الفساد‬
‫تضييع حقها ويقولون كلمة حق أرادوا به الباطل‪ ،‬فأوقدوا نيران‬
‫الشهوات وأفسدوا المة‪ .‬وإذا قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا انما‬
‫نحن مصلحون أل انهم هم المفسدون ولكن ل يشعرون‪ (4) .‬عثر يعثر‬
‫عثورا على السر وغيره‪ :‬اطلع عليه‪ (5) .‬التغاير‪ :‬اظهار الغيرة على‬
‫المرأة بسوء الظن في حالها من غير موجب‪ (6) .‬أي ان الخير الذى ل‬
‫ينال ال بشر ل يكون خيرا بل يكون شرا لن طريقه شر فكيف يكون‬
‫خيرا‪ .‬وهكذا ما ل ينال ال بعسر ل يكون يسرا‪ .‬وقيل‪ :‬ان العسر الذى‬
‫يخشاه النسان هو ما يضطره لرذيل الفعال فهو يسعى كل جهده ليتحامى‬
‫الوقوع فيه فان جعل الرذائل وسيلة لكسب اليسر أي السعة فقد وقع أول‬
‫المر فيما يهرب منه فما الفائدة في يسره وهو ل يحميه من النقيصة‪) .‬‬
‫‪ (7‬توجف أي تسرع سيرا سريعا‪ .‬والمطايا جمع المطية وهى الدابة التى‬
‫تركب‪ .‬والمناهل جمع منهل‪ :‬موضع الشرب على الطريق وما ترده ابل‬
‫ونحوها للشرب‪.‬‬

‫]‪[215‬‬

‫استطعت أن ل يكون بينك وبين ال ذو نعمة فافعل‪ ،‬فانك مدرك قسمك وآخذ سهمك‪،‬‬
‫وإن اليسير من ال أكرم وأعظم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه‪ ،‬فان‬
‫نظرت ‪ -‬فلله المثل العلى ‪ -‬فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة‬
‫لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخارا‪ ،‬وإن عليك في كثير‬
‫ما تطلب من الدناة عارا )‪ (1‬إنك ليس بايعا شيئا من دينك وعرضك بثمن‪،‬‬
‫والمغبون من غبن نفسه من ال‪ ،‬فخذ من الدنيا ما آتاك‪ ،‬وتول عما تولى‬
‫عنك‪ ،‬فان أنت لم تفعل فأجمل في الطلب‪ ،‬وإياك ومقاربة من رهبته على‬
‫دينك وعرضك‪ ،‬وباعد السلطان لتأمن خدع الشيطان وتقول‪ :‬متى أرى ما‬
‫أنكر نزعت‪ ،‬فانه هكذا هلك من كان قبلك‪ ،‬إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد‪،‬‬
‫فلو سمت بعضهم ببيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفسا )‪ (2‬وقد يتخيله‬
‫الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا )‪ (3‬يسير‬
‫حقير وينقله من شئ إلى شئ حتى يؤيسه من رحمة ال ويدخله في‬
‫القنوط فيجد الراحة إلى ما خالف السلم وأحكامه فان نفسك أبت إل حب‬
‫الدنيا وقرب السلطان فخالفتك إلى ما نهيتك عنه مما فيه رشدك فأملك‬
‫عليه لسانك فإنه ل ثقة للملوك عند الغضب‪ ،‬فل تسأل عن أخبارهم ول‬
‫تنطق بأسرارهم ول تدخل فيما بينهم‪ .‬وفي الصمت السلمة من الندامة‪،‬‬
‫وتلفيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراك فائدة ما فات من منطقك‪ ،‬وحفظ‬
‫ما في الوعاه بشد الوكاء‪ ،‬وحفظ ما في يديك أحب‬

‫)‪ (1‬الدناءة‪ :‬جمع دان أو الدنى وهو الخسيس‪ (2) .‬أي فلو عرضت للبيع من سام‬
‫السلعة يسوم أي عرضها وذكر ثمنها‪ .‬والمعنى أنك لو عرضت ببعضهم‬
‫بأن يبيع آخرته بالدنيا لم ترض بذلك ولم تطب نفسا بهذه التجارة‪(3) .‬‬
‫حتى يورطه أي يلقيه في الورطة ويوقعه في المهلكة‪ " .‬بعرض الدنيا "‬
‫أي بحطام الدنيا ومتاعها‪ .‬يعنى أن الشيطان ما زال يسول له بشئ حقير‬
‫من متاع الدنيا حتى يئس من رحمة ال ويخرجه منها فينجر المر في‬
‫متابعته إلى ما خالف السلم‪.‬‬

‫]‪[216‬‬

‫إليك من طلب ما في يد غيرك )‪ (1‬ول تحدث إل عن ثقة )‪ (2‬فتكون كذابا والكذب‬


‫ذل‪ ،‬وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع السراف‪ ،‬وحسن‬
‫اليأس خير من الطلب إلى الناس‪ ،‬والعفة مع الحرفة خير من سرور مع‬
‫فجور‪ ،‬والمرء أحفظ سره ورب ساع فيما يضره‪ ،‬من أكثر هجر )‪ (3‬ومن‬
‫تفكر أبصر‪ .‬وأحسن المماليك الدب‪ ،‬واقلل الغضب ول تكثر العتب في غير‬
‫ذنب فإذا استحق أحد منك ذنبا فأن العفو مع العدل أشد من الضرب لمن‬
‫كان له عقل‪ ،‬ول تمسك من ل عقل له‪ ،‬وخف القصاص‪ ،‬واجعل لكل امرء‬
‫منهم عمل يأخذ منه فإنه أحرى أن ل يتواكلوا )‪ (4‬وأكرم عشيرتك فإنهم‬
‫جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير وإنك بهم تصول )‪ (5‬وبهم‬
‫تطول اللذة عند الشدة وأكرم كريمهم وعد سقيمهم )‪ (6‬وأشركهم في‬
‫امورهم وتيسر عند معسورهم واستعن بال على امورك فإنه أكفى معين‪.‬‬
‫وأستودع ال دينك ودنياك وأسأله خير القضاء في الدنيا والخرة‪ .‬أقول‪:‬‬
‫إن الشيخ الحسن بن علي بن شعبة قد ذكر هذا الخبر في كتاب تحف‬
‫العقول )‪ (7‬لكن باختلف كثير فأردت أن أورده بهذه الرواية أيضا لنه‬
‫المسلك‬
‫)‪ (1‬التلفى التدارك لصلح ما فسد أو كاد‪ .‬والفرط‪ :‬القصر والمراد أن سابق الكلم‬
‫ل يدرك فيسترجع بخلف مقصر السكوت فسهل تداركه‪ ،‬والماء يحفظ في‬
‫القربة بشد وكائها أي رباطها فكذلك اللسان‪ .‬وفيه تنبيه على وجوب‬
‫ترجيح الصمت على كثرة الكلم وذلك لن الكلم يسمع وينقل فل يستطاع‬
‫اعادته صمتا‪ (2) .‬أي ل تقل ال عن صدق وثقة‪ ،‬أول ل تحدث ال عمن‬
‫تثق به‪ (3) .‬الهجر‪ :‬الهذيان‪ (4) .‬كذا وفى التحف " واجعل لكل امرء‬
‫منهم عمل تأخذه به‪ ،‬فانه أحرى أن ل يتواكلوا " ومثله في النهج‪.‬‬
‫والتواكل أن يتكل بعضهم على بعض‪ (5) .‬الصولة‪ :‬السطوة والقدرة أي‬
‫بهم تسطو وتغلب على الغير‪ .‬وفى النهج " يدك التى بها تصول "‪(6) .‬‬
‫من عاد المريض يعوده عيادة أي زاره‪ (7) .‬التحف ص ‪.68‬‬

‫]‪[217‬‬

‫كلما كررته يتضوع‪ - 2 .‬من الوالد الفان‪ ،‬والمقر للزمان‪ ،‬المدبر العمر‪ ،‬المستسلم‬
‫للدهر‪ ،‬الذام للدنيا‪ ،‬الساكن مساكن الموتى‪ ،‬الظاعن عنها إليهم غدا إلى‬
‫المولود المؤمل ما ل يدرك السالك سبيل من ]قد[ هلك‪ ،‬غرض السقام‬
‫ورهينة اليام ورمية المصائب وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا‬
‫وأسير الموت وحليف الهموم وقرين الحزان ونصب الفات وصريع‬
‫الشهوات وخليفة الموات ‪ -‬أما بعد ‪ -‬فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني‬
‫وجموح الدهر علي وإقبال الخرة إلى ما يزعني عن ذكر من سواي‬
‫والهتمام بما ورائي غير أنه حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي‬
‫فصدفني رأيي وصرفني هواي وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد‬
‫ل يكون فيه لعب وصدق ل يشوبه كذب‪] .‬و[ وجدتك بعضي بل وجدتك كلي‬
‫حتى كأن شيئا ]لو[ أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني‪ ،‬فعناني من‬
‫أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا‬
‫بقيت لك أو فنيت )‪ .(1‬فإني اوصيك بتقوى ال أي بني ولزوم أمره‬
‫وعمارة قلبك بذكره والعتصام بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين‬
‫ال إن ]أنت[ أخذت به‪ .‬أحي قلبك بالموعظة وموته بالزهد وقوه باليقين‬
‫وذل بالموت )‪ (2‬وقرره بالفناء وبصره فجائع الدنيا وحذره صولة الدهر‬
‫وفحش تقلب الليالي واليام و أعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما‬
‫أصاب من كان قبله وسر في بلدهم وآثارهم و انظر ما فعلوا وأين حلوا‬
‫وعمن انتقلوا فإنك تجدهم انتقلوا عن الحبة وحلوا دار الغربة وناد في‬
‫ديارهم‪ :‬أيتها الديار الخالية أين أهلك ؟ ثم قف على قبورهم فقل‪ :‬أيتها‬
‫الجساد البالية والعضاء المتفرقة كيف وجدتم الدار التي أنتم بها ؟ أي‬
‫بني و كأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ول تبع آخرتك بدنياك‬
‫ودع القول‬
‫)‪ (1‬تقدم تفسير جملت الحديث في ما نقل عن كتاب كشف المحجة‪ (2) .‬في النهج‬
‫" وأمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمة وذل بذكر الموت "‪.‬‬

‫]‪[218‬‬

‫فيما ل تعرف والخطاب فيما ل تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلله فان الكف‬
‫عن حيرة الضللة خير من ركوب الهوال‪ ،‬وأمر بالمعروف تكن من أهله‬
‫وأنكر المنكر بلسانك ويدك وباين من فعله بجهدك وجاهد في ال حق‬
‫جهاده ول تأخذك في ال لومة لئم‪ ،‬وخض الغمرات إلى الحق حيث كان )‬
‫‪ (1‬وتفقه في الدين وعود نفسك التصبر )‪ (2‬وألجئ نفسك في المور كلها‬
‫إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز‪ ،‬ومانع عزيز‪ ،‬وأخلص في المسألة‬
‫لربك فان بيده العطاء والحرمان وأكثر الستخارة‪ ،‬وتفهم وصيتي ول‬
‫تذهبن ]عنها[ صفحا )‪ (3‬فإن خير القول ما نفع‪ ،‬واعلم أنه ل خير في علم‬
‫ل ينفع ول ينتفع بعلم حتى ل يقال به‪ .(4) .‬أي بني إني لما رأيتك قد بلغت‬
‫سنا )‪ (5‬ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إياك خصال منهن مخافة أن‬
‫يعجل بي أجلي )‪ (6‬دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو أنقص في رأيي‬
‫كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا‬
‫فتكون كالصعب النفور‪ ،‬وإنما قلب الحدث كالرض الخالية ما القي فيها من‬
‫شئ قبلته فبادرتك بالدب قبل أن يقسو قلبك ويشغل لبك لتستقبل بجد رأيك‬
‫من المر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته )‪ (7‬فتكون قد كفيت‬
‫مؤونة الطلب وعوفيت‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ الحديث " للحق " مكان " بالموت "‪ .‬الغمرات‪ :‬الشدائد‪(2) .‬‬
‫في النهج " وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر "‪.‬‬
‫والتصبر‪ :‬تكلف الصبر‪ (3) .‬الصفح‪ :‬العراض‪ .‬وفى بعض النسخ " ل‬
‫تذهبن منك صفحا "‪ (4) .‬في النهج " ول ينتفع بعلم ل يحق تعلمه "‪.‬‬
‫وذلك تنبيه على أن من العلوم ما ل خير فيه وهى التى نهت الشريعة عن‬
‫تعلمها كالسحر والكهانة والنجوم والنيرنجات ونحوها‪ (5) .‬في النهج "‬
‫انى لما رأيتنى قد بلغت سنا "‪ (6) .‬في النهج " بادرت بوصيتي اليك‬
‫وأوردت خصال منها قبل أن يعجل بى أجلى "‪ (7) .‬وذلك ليكون جد رأيك‬
‫أي محققه وثابته مستعدا لقبول الحقائق التى وقف عليها أهل التجارب‬
‫وكفوك طلبها‪ .‬والبغية بالكسر‪ :‬الطلب‪ .‬وفى بعض النسخ " تعقله‬
‫وتجربته "‪.‬‬

‫]‪[219‬‬
‫من علج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك منه ما ربما أظلم علينا‬
‫فيه‪ .‬أي بني وإنى وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في‬
‫أعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني‬
‫بما انتهى إلي من امورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو‬
‫ذلك من كدره ونفعه من ضره‪ ،‬فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت‬
‫لك جميله‪ ،‬وصرفت عنك مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني‬
‫الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل بين ذي‬
‫النقية والنية وأن أبدأك بتعليم كتاب ال )‪ (1‬وتأويله وشرائع السلم‬
‫وأحكامه وحلله وحرامه‪ ،‬ل اجاوز ذلك بك إلى غيره ثم أشفقت أن يلبسك‬
‫ما اختلف الناس فيه أهواؤهم مثل الذي لبسهم )‪ (2‬وكان إحكام ذلك لك‬
‫على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلمك إلى أمر ل آمن عليك‬
‫فيه الهلكة‪ ،‬ورجوت أن يوفقك ال فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت‬
‫إليك وصيتي هذه‪ .‬واعلم مع ذلك )‪ :(3‬أي بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي‬
‫من وصيتي تقوى ال والقتصار على ما افترض عليك والخذ بما مضى‬
‫عليه الولون من آبائك والصالحون من أهل ملتك فانهم لم يدعوا أن ]‍ي[‬
‫نظروا لنفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر ثم ردهم آخر ذلك إلى‬
‫الخذ بما عرفوا والمساك عما لم يكلفوا‪ ،‬فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون‬
‫أن تعلم ]كما[ كانوا علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم ل بتورط الشبهات‬
‫وعلو الخصومات‪ ،‬وابدأ قبل نظرك في ذلك بالستعانة بإلهك عليه والرغبة‬

‫)‪ (1‬في النهج " وأنت مقبل العمر‪ ،‬مقتبل الدهر‪ ،‬ذونية سليمة ونفس صافية وأن‬
‫أبتدئك بتعليم كتاب ال "‪ .‬وفى بعض نسخ الكتاب " ذى الفئة "‪ (2) .‬في‬
‫النهج " أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل‬
‫الذى التبس عليهم "‪ (3) .‬في المصدر وأحكم مع ذلك‪.‬‬

‫]‪[220‬‬

‫إليه في توفيقك وترك كل شائبة أدخلت عليك شبهة )‪ (1‬وأسلمتك إلى ضللة وإذا‬
‫أنت أيقنت أن قد صفا ]لك[ قلبك فخشع‪ ،‬وتم رأيك فاجتمع وكان همك في‬
‫ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من‬
‫نفسك من ]فراغ[ فكرك ونظرك فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء‪ ،‬وليس‬
‫طالب الدين من خبط ول خلط والمساك عند ذلك أمثل‪ .‬وإن أول ما أبدأ به‬
‫من ذلك وآخره أني أحمد إليك إلهي وإلهك وإله آبائك الولين والخرين‬
‫ورب من في السماوات والرضين بما هو أهله ]و[ كما هو أهله وكما‬
‫يحب وينبغي ونسأله أن يصلي عنا على نبينا صلى ال عليه وآله وعلى‬
‫أهل بيته وعلى أنبياء ال ورسله بصلة جميع من صلى عليه من خلقه‬
‫وأن يتم نعمه علينا فيما وفقنا له من مسألته بالجابة لنا فان بنعمته تتم‬
‫الصالحات‪ .‬فتفهم أي بني وصيتي واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة‬
‫وأن الخالق هو المميت وأن المفني هو المعيد وأن المبتلي هو المعافي‬
‫وأن الدنيا لم تكن لتستقيم إل على ما خلقها ال تبارك وتعالى عليه من‬
‫النعماء والبتلء والجزاء في المعاد أو ما شاء مما ل نعلم‪ ،‬فإن أشكل‬
‫عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به وإنك أول ما خلقت ]خلقت[‬
‫جاهل ثم عملت وما أكثر ما تجهل من المر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه‬
‫بصرك ثم تبصره بعد ذلك‪ ،‬فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك فليكن له‬
‫تعمدك )‪ (2‬وإليه رغبتك ومنه شفقتك‪ .‬واعلم ]يا بني[ أن أحدا لم ينبئ عن‬
‫ال تبارك وتعالى كما أنبأ عنه نبينا صلى ال عليه وآله فارض به رائدا )‬
‫‪] (3‬وإلى النجاة قائدا[ فإني لم آلك نصيحة )‪(4‬‬

‫)‪ (1‬في النهج " أولجتك في شبهة أو أسلمتك إلى ضللة "‪ (2) .‬في النهج " له‬
‫تعبدك "‪ (3) .‬الرائد‪ :‬هو الذى يذهب لطلب المنزل لصاحبه أو من ترسله‬
‫في طلب الكلء ليتعرف موقعه والرسول قد عرف عن ال وأخبرنا‬
‫بمرضاته‪ ،‬فهو رائد سعادتنا‪ (4) .‬أي لم اقصر في نصيحتك‪.‬‬

‫]‪[221‬‬

‫وإنك لم تبلغ في النظر لنفسك ]وإن اجتهدت مبلغ[ نظري لك‪ ،‬واعلم‪] .‬يا بني[ أنه‬
‫لو كان لربك شريك لتتك رسله‪ ،‬ولرأيت آثار ملكه وسلطانه‪ ،‬ولعرفت‬
‫صفته وفعاله ولكنه إله واحد كما وصف نفسه‪ ،‬ل يضاده في ذلك أحد ول‬
‫يحاجه وأنه خالق كل شئ وأنه أجل من أن يثبت لربوبيته بالحاطة قلب أو‬
‫بصر )‪ (1‬وإذا أنت عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثك في صغر خطرك وقلة‬
‫مقدرتك وعظم حاجتك إليه أن يفعل مثله في طلب طاعته والرهبة له‬
‫والشفقة من سخطه‪ ،‬فانه لم يأمرك إل بحسن ولم ينهك إل عن قبيح‪ .‬أي‬
‫بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها بأهلها‪ ،‬وأنبأتك عن‬
‫الخرة وما أعد لهلها فيها وضربت لك فيها المثال‪ ،‬إنما مثل من أبصر‬
‫الدنيا كمثل قوم سفر نبابهم منزل جدب فأموا منزل خصيبا ]وجنابا مريعا[‬
‫فاحتملوا وعثاء الطريق )‪ (2‬وفراق الصديق وخشونة السفر في الطعام‬
‫والمنام )‪ (3‬ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم‪ ،‬فليس يجدون لشئ من ذلك‬
‫ألما ول يرون نفقته مغرما ول شيئا أحب إليهم مما قربهم من منزلهم‪،‬‬
‫ومثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصب فنبابهم إلى منزل جدب‬
‫فليس شئ أكره إليهم ول أهول لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما‬
‫يهجمون عليه )‪ (4‬ويصيرون إليه‪ ،‬وقرعتك بأنواع الجهالت لئل تعد‬
‫نفسك عالما‪ ،‬فإن ورد عليك شي ل تعرفه أكبرت ذلك فان العالم من عرف‬
‫أن ما يعلم فيما ل يعلم قليل فعد نفسه بذلك جاهل‪ ،‬فازداد بما عرف من‬
‫ذلك في طلب العلم اجتهادا‪ ،‬فما يزال للعلم طالبا‪ ،‬وفيه راغبا‪ ،‬وله‬
‫مستفيدا‪ ،‬ولهله خاشعا ولرأية متهما )‪ (5‬وللصمت لزما‪ ،‬وللخطأ حاذرا‪،‬‬
‫ومنه مستحييا‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا وفى النهج " من أن يثبت ربوبيته باحاطة قلب أو بصر "‪ (2) .‬الجناب‪:‬‬
‫الناحية‪ .‬والريع‪ :‬كثير العشب‪ .‬ووعثاء الطريق‪ :‬مشقته‪ (3) .‬في النهج "‬
‫خشونة السفر وجشوبة المطعم " والجشوبة بضم الجيم‪ :‬الغلظ أو كون‬
‫الطعام بل أدم‪ (4) .‬هجم عليه أي انتهى إليه بغتة‪ (5) .‬في المصدر "‬
‫ولهله خاشعا مهتما "‪.‬‬

‫]‪[222‬‬

‫وإن ورد عليه ما ل يعرف لم ينكر ذلك لما قرر به نفسه من الجهالة وإن الجاهل‬
‫من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالما‪ ،‬وبرأيه مكتفيا‪ ،‬فما يزال‬
‫للعلماء مباعدا‪ ،‬وعليهم زاريا‪ ،‬ولمن خالفه مخطئا‪ ،‬ولما لم يعرف من‬
‫المور مضلل فإذا ورد عليه من المور ما لم يعرفه أنكره وكذب به وقال‬
‫بجهالته‪ :‬ما أعرف هذا‪ ،‬وما أراه كان‪ ،‬وما أظن أن يكون‪ ،‬وأنى كان ؟‬
‫وذلك لثقته برأيه‪ ،‬وقلة معرفته بجهالته‪ ،‬فما ينفك بما يرى مما يلتبس‬
‫عليه رأيه مما ل يعرف للجهل مستفيدا وللحق منكرا‪ ،‬وفي الجهالة متحيرا‬
‫وعن طلب العلم مستكبرا‪ .‬أي بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما‬
‫بينك وبين غيرك‪ ،‬فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك‪ ،‬واكره له ما تكره لنفسك‪،‬‬
‫ول تظلم كما ل تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك‪ ،‬واستقبح‬
‫من نفسك ما تستقبح من غيرك‪ ،‬وارض من الناس لك ما ترضى به لهم‬
‫منك‪ ،‬ول تقل بما ل تعلم‪ ،‬بل ل تقل كلما تعلم‪ ،‬ول تقل ما ل تحب أن يقال‬
‫لك‪ .‬واعلم أن العجاب ضد الصواب وآفة اللباب‪ ،‬فإذا أنت هديت لقصدك‬
‫فكن أخشع ما تكون لربك‪ .‬واعلم أن أمامك طريقا ذا مشقة بعيدة‪ ،‬وأهوال‬
‫شديدة‪ ،‬وأنه ل غنى بك فيه عن حسن الرتياد )‪ (1‬وقدر بلغك من الزاد )‬
‫‪ (2‬وخفة الظهر‪ ،‬فل تحملن على ظهرك فوق بلغك‪ ،‬فيكون ثقل ووبال‬
‫عليك‪ ،‬وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث‬
‫تحتاج إليه فاغتنمه‪ ،‬واغتنم من استقرضك )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬الرتياد‪ :‬الطلب أصله واوى من راد يرود وحسن الرتياد‪ :‬اتيانه من وجهه‪) .‬‬
‫‪ (2‬البلغ بالفتح‪ :‬الكفاية أي ما يكفى من العيش ول يفضل‪ (3) .‬في‬
‫قوله‪ " :‬من استقرضك الخ " حث على الصدقة والمراد انك إذا أنفقت‬
‫المال على الفقراء وأهل الحاجة كان أجر ذلك وثوابه ذخيرة لك تنالها في‬
‫القيامة فكأنهم حملوا عنك زادك ويؤدونه اليك وقت الحاجة‪.‬‬

‫]‪[223‬‬

‫في حال غناك واجعل وقت قضائك في يوم عسرتك )‪ .(1‬واعلم أن أمامك عقبة‬
‫كؤودا‪ ،‬ل محالة مهبطا بك على جنة أو على نار‪ ،‬المخف فيها أحسن حال‬
‫من المثقل فارتد لنفسك قبل نزولك )‪ .(2‬واعلم أن الذي بيده ملكوت خزائن‬
‫الدنيا والخرة قد أذن بدعائك وتكفل بإجابتك‪ ،‬وأمرك أن تسأله ليعطيك‬
‫وهو رحيم‪ ،‬لم يجعل بينك وبينه ترجمانا‪ ،‬ولم يحجبك عنه‪ ،‬ولم يلجئك إلى‬
‫من يشفع إليه لك‪ ،‬ولم يمنعك إن أسات التوبة )‪ (3‬ولم يعيرك بالنابة‪ ،‬ولم‬
‫يعاجلك بالنقمة‪ ،‬ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة‪ ،‬ولم يناقشك‬
‫بالجريمة‪ ،‬ولم يؤيسك من الرحمة‪ ،‬ولم يشدد عليك في التوبة فجعل‬
‫النزوع عن الذنب حسنة )‪ (4‬وحسب سيئتك واحدة‪ ،‬وحسب حسنتك‬
‫عشرا‪ ،‬وفتح لك باب المتاب والستيناف )‪ (5‬فمتى شئت سمع نداءك‬
‫ونجواك‪ ،‬فأفضيت إليه بحاجتك‪ ،‬وأنبأته عن ذات نفسك‪ ،‬وشكوت إليه‬
‫همومك‪ ،‬واستعنته على امورك وناجيته بما تستخفي به من الخلق من‬
‫سرك )‪ (6‬ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه‪ ،‬فألحح في المسألة يفتح لك باب‬
‫الرحمة بما أذن لك فيه من مسألته‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا وفى النهج " واغتنم من استقرضك في حال غناك ليجعل قضاءه لك في‬
‫يوم عسرتك "‪ (2) .‬فارتد لنفسك أصله من راديرود إذا طلب وتفقد وتهيأ‬
‫مكانا لينزل إليها والمراد ابعث رائدا من قبلك من العمال الصالحة توقفك‬
‫الثقة به على جودة المنزل‪ .‬وفى النهج " ولم يمنعك ان أسأت من التوبة‬
‫"‪ .‬والنابة الرجوع إلى ال‪ (3) .‬التوبة مفعول لقوله عليه السلم " ولم‬
‫يمنعك "‪ (4) .‬النزوع‪ :‬الرجوع والكف‪ (5) .‬المتاب‪ :‬التوبة‪ .‬والستئناف‪:‬‬
‫الخذ في الشئ وابتداؤه‪ .‬وفى بعض النسخ " استيتاب "‪ (6) .‬المناجاة‪:‬‬
‫المكالمة سرا‪.‬‬

‫]‪[224‬‬

‫فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه‪ ،‬فألحح )‪ (1‬ول يقنطك إن أبطأت عنك‬
‫الجابة فإن العطية على قدر المسألة‪ ،‬وربما اخرت عنك الجابة ليكون‬
‫أطول للمسألة وأجزل للعطية‪ ،‬وربما‪ ،‬سألت الشئ فلم تؤته وأوتيت خيرا‬
‫منه عاجل وآجل‪ ،‬أو صرف عنك لما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته فيه‬
‫هلك دينك لو اوتيته‪ ،‬ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله ]أ[‬
‫وينفى عنك وباله والمال ل يبقى لك ول تبقى له‪ ،‬فإنه يوشك أن ترى‬
‫عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم‪ .‬واعلم أنك خلقت للخرة ل‬
‫للدنيا وللفناء ل للبقاء وللموت ل للحياة وأنك في منزل قلعة ودار بلغة‪،‬‬
‫وطريق إلى الخرة‪ ،‬أنك طريد الموت الذي ل ينجو ]منه[ هاربه ولبد أنه‬
‫يدركك يوما‪ ،‬فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث‬
‫نفسك فيها بالتوبة‪ ،‬فتحول بينك وبين ذلك‪ ،‬فإذا أنت قد أهلكت نفسك‪ .‬أي‬
‫بني أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه‪ ،‬واجعله‬
‫أمامك حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك )‪ (2‬ول يأخذك على غرتك وأكثر‬
‫ذكر الخرة وما فيها من النعيم والعذاب الليم فإن ذلك يزهدك في الدنيا‬
‫ويصغرها عندك‪ ،‬وقد نبأك ال عنها ونعتت لك نفسها )‪ (3‬وكشفت عن‬
‫مساويها‪ ،‬فإياك أن تغتر بما ترى من إخلد أهلها إليها‪ ،‬وتكالبهم عليها )‬
‫‪ (4‬وإنما أهلها كلب عاوية‬

‫)‪ (8‬يقال‪ :‬ألح في السؤال‪ :‬ألحف فيه وأقبل عليه مواظبا‪ (2) .‬الحذر ‪ -‬بالكسر ‪:-‬‬
‫الحتراز والحتراس‪ .‬والغرة ‪ -‬بالكسر فالتشديد ‪ ،-‬الغفلة‪ (3) .‬النعى‪:‬‬
‫الخبار بالموت والمراد أن الدنيا تخبر بحالها من التغير والتحول عن‬
‫فنائها‪ (4) .‬التكالب‪ ،‬التواثب وتكالبهم عليها أي شدة حرصهم عليها‪(*) .‬‬

‫]‪[225‬‬

‫وسباع ضارية‪ ،‬يهر بعضها على بعض )‪ ،(1‬يأكل عزيزها ذليلها وكبيرها صغيرها‬
‫قد أضلت أهلها عن قصد السبيل‪ ،‬وسلكت بهم طريق العمى )‪ (2‬وأخذت‬
‫بأبصارهم عن منهج الصواب‪ ،‬فتاهوا في حيرتها )‪ (3‬وغرقوا في فتنتها‪،‬‬
‫واتخذوها ربا‪ ،‬فلعبت بهم‪ ،‬ولعبوا بها ونسوا ما وراءها‪ .‬فإياك يا بني أن‬
‫تكون قد شانته كثرة عيوبها )‪ (4‬نعم معقلة واخرى مهملة قد أضلت‬
‫عقولها‪ ،‬وركبت مجهولها‪ ،‬سروح عاهة بواد وعث‪ ،‬ليس لها راع يقيمها‪.‬‬
‫رويدا حتى يسفر الظلم‪ ،‬كأن قد وردت الظعينة )‪ (5‬يوشك من أسرع أن‬
‫يؤوب‪ .‬واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار‪ ،‬فإنه يساربه وإن كان ل‬
‫يسير )‪ (6‬أبى ال إل خراب الدنيا وعمارة الخرة‪ .‬أي بني فإن تزهد فيما‬
‫زهدك ال فيه من الدنيا وتعزف نفسك عنها‪ ،‬فهي أهل ذلك‪ ،‬وإن كنت غير‬
‫قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك وأنك‬
‫في سبيل من كان قبلك‪ ،‬فاخفض في الطلب )‪ (7‬وأجمل في‬

‫)‪ (1‬الضارية‪ :‬المولعة بالفتراس‪ .‬يهر أي يكره أن ينظر بعضها بعضا ويمقت‪(2) .‬‬
‫العمى والعماءة‪ :‬الغواية‪ (3) .‬فتاهوا أي ضلوا الطريق‪ .‬والحيرة‪ :‬التحير‬
‫والتردد‪ (4) .‬الشين‪ :‬ضد الزين‪ .‬أي اياك أن تكون الذى شانته كثرة‬
‫عيوب الدنيا‪ .‬وعقل البعير بالتشديد شد وظيفه إلى ذراعه‪ .‬والنعم ‪-‬‬
‫محركة ‪ :-‬البل أي أهلها على قسمين قسم كابل منعها عن الشر عقالها‬
‫وهم الضعفاء واخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء وهم القوياء‪(5) .‬‬
‫الظعينة‪ :‬الهودج‪ .‬عبر به عليه السلم عن المسافرين في طريق الدنيا‬
‫إلى الخرة كأن حالهم أن وردوا على غاية سيرهم‪ .‬وقوله‪ " :‬يؤوب "‬
‫أي يرجع‪ (6) .‬وفى بعض النسخ " وان كان واقعا ل يسير "‪(7) .‬‬
‫فاخفض أي وارفق من الخفض بمعنى السهل‪ .‬وأجمل فيما تكتسب أي‬
‫اسع سعيا جميل ل بحرص ول بطمع‪.‬‬

‫]‪[226‬‬

‫المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب‪ ،‬وليس كل طالب بناج وكل مجمل بمحتاج‪.‬‬
‫وأكرم نفسك كل دنية‪ ،‬وإن ساقتك إلى رغبة‪ ،‬فإنك لن تعتاض بما تبذل من‬
‫نفسك عوضا‪ ،‬ول تكن عبد غيرك وقد جعلك ال حرا‪ ،‬وما خير خير ل ينال‬
‫إل بشر ويسر ل ينال إل بعسر‪ .‬وإياك أن توجف بك مطايا الطمع‪ ،‬فتوردك‬
‫مناهل الهلكة‪ ،‬وإن استطعت أن ل يكون بينك وبين ال ذو نعمة فافعل‪،‬‬
‫فانك مدرك قسمك‪ ،‬وآخذ سهمك‪ .‬وإن اليسير من ال تبارك وتعالى أكثر‬
‫وأعظم من الكثير من خلقه‪ ،‬وإن كان كل منه ولو نظرت ‪ -‬ول المثل‬
‫العلى ‪ -‬فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة لعرفت أن لك في‬
‫يسير ما تصيب من الملوك افتخارا‪ ،‬وأن عليك في كثير ما تصيب من الدناة‬
‫عارا‪ .‬فاقتصد في أمرك تحمد‪ .‬مغبة علمك )‪ (1‬إنك لست بائعا شيئا من‬
‫دينك وعرضك بثمن‪ ،‬والمغبون من غبن نصيبه من ال‪ ،‬فخذ من الدنيا ما‬
‫أتاك واترك ما تولى‪ ،‬فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب‪ .‬وإياك ومقارنة‬
‫من رهبته على دينك وباعد السلطان ول تأمن خدع الشيطان )‪ (2‬وتقول‪:‬‬
‫متى أرى ما أنكر نزعت‪ ،‬فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة وقد‬
‫أيقنوا بالمعاد‪ ،‬فلو سمت بعضهم بيع آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفسا‪ ،‬ثم‬
‫قد يتخيله الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه في هلكته بعرض من الدنيا‬
‫حقير وينقله من شر إلى شر حتى يؤيسه من رحمة ال ويدخله في‬
‫القنوط‪ ،‬فيجد الوجه إلى ما خالف السلم وأحكامه‪ ،‬فإن أبت نفسك إل حب‬
‫الدنيا وقرب السلطان فخالفت ما نهيتك عنه بما فيه رشدك‪ ،‬فأملك عليك‬
‫لسانك فإنه ل بقية للملوك عند الغضب‪ ،‬ول تسأل عن أخبارهم‪ ،‬ول تنطق‬
‫عند أسرارهم‪ ،‬ول تدخل فيما بينك وبينهم‪ .‬وفي الصمت السلمة من‬
‫الندامة‪ ،‬وتلفيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك‬

‫)‪ (1‬كذا والمغبة‪ :‬عاقبة الشئ‪ (2) .‬كذا‪ .‬والخدع ‪ -‬بضمتين ‪ -‬جمع الخدوع وهو‬
‫الكثير الخداع‪.‬‬
‫]‪[227‬‬

‫ما فات من منطقك ]وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء[ وحفظ ما في يديك أحب إلي‬
‫من طلب ما في يد غيرك‪ ،‬ول تحدث إل عن ثقة فتكون كاذبا والكذب ذل‪.‬‬
‫وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع السراف‪ ،‬وحسن اليأس‬
‫)‪ (1‬خير من الطلب إلى الناس‪ ،‬والعفة مع الحرفة خير من سرور مع‬
‫فجور )‪ (2‬والمرء أحفظ سره )‪ .(3‬ورب ساع فيما يضره )‪ .(4‬من أكثر ]أ[‬
‫هجر )‪ (5‬ومن تفكر أبصر‪ ،‬ومن خير حظ امرء قرين صالح‪ ،‬فقارن أهل‬
‫الخير تكن منهم‪ ،‬وباين أهل الشر تبن عنهم‪ ،‬ول يغلبن عليك سوء الظن‪،‬‬
‫فإنه ل يدع بينك وبين خليل صلحا وقد يقال‪ :‬من الحزم سوء الظن‪ .‬بئس‬
‫الطعام الحرام‪ .‬وظلم الضعيف أفحش الظلم‪ .‬والفاحشة كاسمها والتصبر‬
‫على المكروه يعصم القلب )‪ .(6‬وإن كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا‪،‬‬
‫وربما كان الدواء داءا والداء دواء‪ ،‬وربما نصح غير الناصح وغش‬
‫المستنصح‪ ،‬وإياك والتكال على المنى فإنها بضائع النوكى‪ ،‬وتثبط عن‬
‫خير الخرة والدنيا‪ ،‬زك قلبك بالدب كما تذكي النار بالحطب‪ ،‬ول تكن‬
‫كحاطب الليل وعثاء السبيل )‪ (7‬وكفر‬

‫)‪ (1‬وفى النهج " مرارة اليأس "‪ (2) .‬وفى النهج " والحرفة مع العفة خير من‬
‫الغنى مع الفجور "‪ (3) .‬أي الولى أن ل تبوح بسرك إلى أحد فانت احفظ‬
‫من غيرك فان أذعته انتشر فلم تلم ال نفسك ل نك كنت عاجزا عن حفظ‬
‫سر نفسك فغيرك أعجز‪ .‬إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه * فصدر‬
‫الذى يستودع السر أضيق‪ (4) .‬ربما كان النسان يسعى فيما يضره‬
‫لجهله أو سوء قصده‪ (5) .‬يقال‪ :‬فلن أهجر في منطقه أي تكلم بالهذيان‪،‬‬
‫وكثير الكلم ل يخلو من الهجار وهجر في مرضه هذى‪ (6) .‬في المصدر‬
‫" نقص للقلب "‪ (7) .‬يقال‪ " :‬هو حاطب ليل " أي يخلط في كلمه‪.‬‬
‫والوعثاء‪ :‬التعب والمشقة‪ .‬وفى كشف المحجة " وغثاء السيل " وهو‬
‫الصواب‪.‬‬

‫]‪[228‬‬

‫النعمة لؤم‪ .‬وصحبة الجاهل شؤم‪ ،‬والعقل حفظ التجارب‪ ،‬وخير ما جربت ما وعظك‬
‫ومن الكرم لين الشيم‪ .‬بادر الفرصة قبل أن تكون غصة‪ ،‬من الحزم العزم‪،‬‬
‫ومن سبب الحرمان التواني ليس كل طالب يصيب‪ ،‬ول كل راكب يؤوب‪،‬‬
‫ومن الفساد إضاعة الزاد‪ .‬ولكل أمر عاقبة‪ ،‬رب يسير أنمى من كثير‪،‬‬
‫سوف يأتيك ما قدر لك‪ ،‬التاجر مخاطر )‪ (1‬ول خير في معين مهين‪ ،‬ل‬
‫تبيتن من أمر على غرر )‪ (2‬من حكم ساد‪ ،‬ومن تفهم ازداد‪ ،‬ولقاء أهل‬
‫الخير عمارة القلوب‪ ،‬ساهل الدهر ما ذل لك قعوده‪ ،‬وإياك أن تجمح بك‬
‫مطية اللحاج‪ ،‬وإن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة‪ ،‬ول تخن من ائتمنك‬
‫وإن خانك‪ ،‬ول تذع سره وإن أذاعه‪ ،‬ول تخاطر بشئ رجاء أكثر منه‬
‫واطلب فإنه يأتيك ما قسم لك‪ ،‬خذ بالفضل وأحسن البذل‪ ،‬وقل للناس حسنا‪.‬‬
‫وأي كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك ؟ وتكره لهم ما تكره‬
‫لها‪ .‬إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه أو تندم إن تتفضل عليه‪ .‬واعلم أن‬
‫من الكرم الوفاء بالذمم‪ ،‬والدفع عن الحرم )‪ (3‬والصدود آية المقت‪ ،‬وكثرة‬
‫العلل آية البخل‪ ،‬ولبعض إمساكك عن أخيك مع لطف خير من بذل مع‬
‫جنف‪ ،‬ومن التكرم صلة الرحم ومن يرجوك أو يثق بصلتك إذا قطعت‬
‫قرابتك ؟ )‪ (4‬والتحريم وجه القطيعة‪ ،‬احمل نفسك مع أخيك عند صرمه‬
‫على الصلة وعند صدوده على اللطف والمسألة‪ ،‬وعند جموده على البذل‪،‬‬
‫وعند تباعده على الدنو‬

‫)‪ (1‬أي بنفسه وماله‪ .‬والمهين اما بضم الميم بمعنى فاعل الهانة ول يصلح لن‬
‫يكون معينا فيفسد ما يصلح‪ ،‬أو بفتحها بمعنى الحقير فانه أيضا ل يصلح‬
‫لضعف قدرته‪ .‬وفى النهج بعد هذا الكلم " ول في صديق ظنين "‬
‫والظنين ‪ -‬بالظاء‪ :‬المتهم‪ - :‬وبالضاد‪ :‬البخيل‪ (2) .‬الغرر ‪ -‬بالتحريك ‪-‬‬
‫المغرور به‪ .‬وفى النهج " ول تبين من أمر على عذر "‪ (3) .‬الحرم ‪-‬‬
‫بضمتين ‪ :-‬جمع الحريم‪ :‬ما يدافع عنه ويحميه‪ (4) .‬قوله عليه السلم‬
‫ومن يرجوك استفهام‪ ،‬أو عطف على قوله‪ " :‬الرحم " يعنى صلة من‬
‫يرجوك الخ‪ .‬والتحريم من الصلة سبب لقطع القرابة‪.‬‬

‫]‪[229‬‬

‫وعند شدته ؟ ؟ على اللين‪ ،‬وعند جرمه على العتذار‪ ،‬حتى كأنك له عبد‪ ،‬وكأنه‬
‫ذونعمة عليك‪ ،‬وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه‪ ،‬وأن تفعله بغير أهله‪.‬‬
‫ل تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك‪ ،‬ول تعمل بالخديعة فانها‬
‫خلق اللئيم‪ ،‬وامحض أخاك النصيحة‪ ،‬حسنة كانت أو قبيحة‪ ،‬وساعده على‬
‫كل حال‪ ،‬وزل معه حيث زال‪ ،‬ول تطلبن مجازاة أخيك ولو حثا التراب‬
‫بفيك‪ ،‬وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحرى للظفر )‪ (1‬وتسلم من الناس‬
‫بحسن الخلق‪ ،‬وتجرع الغيظ‪ ،‬فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ول ألذ‬
‫مغبة‪ ،‬ول تصرم أخاك على ارتياب ول تقطعه دون استعتاب‪ ،‬ولن لمن‬
‫غالظك‪ ،‬فإنه يوشك أن يلين لك‪ .‬ما أقبح القطيعة بعد الصلة‪ ،‬والجفاء بعد‬
‫الخاء‪ ،‬والعداوة بعد المودة‪ ،‬والخيانة لمن ائتمنك‪ ،‬وخلف الظن لمن‬
‫ارتجاك‪ ،‬والغدر بمن استأمن إليك‪ ،‬فإن أنت غلبتك قطيعة أخيك فاستبق لها‬
‫من نفسك بقية ترجع إليها إن بدا ذلك له يوما‪ ،‬ومن ظن بك خيرا فصدق‬
‫ظنه‪ .‬ول تضيعن حق أخيك اتكال على ما بينك وبينه‪ ،‬فإنه ليس لك بأخ من‬
‫أضعت حقه‪ ،‬ول يكن أهلك أشقى الخلق بك‪ ،‬ول ترغبن فيمن زهد فيك‪ ،‬ول‬
‫تزهدن فيمن رغب إليك إذا كان للخلطة موضعا‪ ،‬ول يكونن أخوك أقوى‬
‫على قطيعتك منك على صلته‪ ،‬ول يكونن على الساءة أقوى منك على‬
‫الحسان‪ ،‬ول على البخل أقوى منك على البذل‪ ،‬ول على التقصير أقوى‬
‫منك على الفضل‪ ،‬ول يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه إنما يسعى في‬
‫مضرته ونفعك وليس جزاء من سرك أن تسوءه‪ ،‬والرزق رزقان‪ :‬رزق‬
‫تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك‪ .‬واعلم أي بني أن الدهر ذو صروف‪،‬‬
‫فل تكونن ممن تشتد لئمته‪ ،‬ويقل عند الناس عذره‪ ،‬ما أقبح الخصوع عند‬
‫الحاجة‪ ،‬والجفاء عند الغنى‪ ،‬إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك )‪،(2‬‬
‫فأنفق في حق ول تكن خازنا لغيرك‪ ،‬وإن كنت جازعا‬

‫)‪ (1‬في النهج " فانه أحلى الظفرين " أي ظفر النتقام وظفر التملك بالحسان‪) .‬‬
‫‪ (2‬المثوى‪ :‬المقام‪ ،‬أي حظك من الدنيا ما أصلحت به منزلتك من الكرامة‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫]‪[230‬‬

‫على ما تفلت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك‪ .‬واستدلل على ما لم يكن بما‬
‫كان‪ ،‬فإنما المور أشباه‪ ،‬ول تكفرن ذانعمة‪ ،‬فإن كفر النعمة من ألم الكفر‪.‬‬
‫واقبل العذر‪ ،‬ول تكونن ممن ل ينتفع من العظة إل بما لزمه )‪ (1‬فإن‬
‫العاقل ينتفع بالدب‪ ،‬والبهايم ل تتعظ إل بالضرب‪ ،‬اعرف الحق لمن عرفه‬
‫لك رفيعا كان أو وضيعا‪ ،‬واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر‬
‫وحسن اليقين‪ .‬من ترك القصد جار‪ ،‬ونعم حظ المرء القناعة‪ ،‬ومن شر ما‬
‫صحب المرء الحسد‪ .‬وفي القنوط التفريط‪ .‬والشح يجلب الملمة‪.‬‬
‫والصاحب مناسب‪ ،‬والصديق من صدق غيبه‪ ،‬والهوى شريك العمى‪ .‬ومن‬
‫التوفيق الوقوف عند الحيرة‪ ،‬ونعم طاردا لهم اليقين‪ .‬وعاقبة الكذب الذم‪،‬‬
‫وفي الصدق السلمة‪ ،‬وعاقبة الكذب شر عاقبة‪ ،‬رب بعيد أقرب من قريب‬
‫وقريب أبعد من بعيد‪ ،‬والغريب من لم يكن له حبيب ل يعدمك من حبيب‬
‫سوء ظن‪ ،‬ومن حمى طنى )‪ (2‬ومن تعدى الحق ضاق مذهبه ومن اقتصر‬
‫على قدره كان أبقى له‪ ،‬نعم الخلق التكرم‪ ،‬وألم اللؤم البغي عند القدرة‪،‬‬
‫والحياء سبب إلى كل جميل‪ ،‬وأوثق العرى التقوى‪ ،‬وأوثق سبب أخذت به‬
‫سبب بينك وبين ال‪ .‬ومنك من أعتبك )‪ ،(3‬والفراط في الملمة تشب‬
‫نيران اللجاج‪ ،‬وكم من دنف قد نجا )‪ (4‬وصحيح قد هوى‪ .‬فقد يكون اليأس‬
‫إدراكا إذا كان الطمع هلكا‪ ،‬وليس كل عورة ]تظهر‪ ،‬ولكل فريضة[‬
‫تصاب‪ .‬وربما أخطأ البصير قصده‪ ،‬وأصاب العمى رشده‪ ،‬ليس كل من‬
‫طلب وجد‪ ،‬ول كل من توقى‬
‫)‪ (1‬وفى النهج " ممن ل تنفعه العظة ال إذا بالغت في أيلمه "‪ (2) .‬حمى الشئ‬
‫يحميه حميا وحمى وحماية‪ :‬منعه ودفعه عنه وحمى القوم حماية‪ :‬قام‬
‫بنصرهم والمريض‪ :‬ما يضره‪ .‬وطنى اللديغ من لدغ العقرب‪ :‬عوفي‪.‬‬
‫وطنى فلنا‪ :‬عالجه من طناه والمعنى من منع نفسه عما يضره نال‬
‫العافية‪ (3) .‬ولعل المعنى‪ :‬من عليك من استرضاك ويؤيده ما في بعض‬
‫نسخ الحديث‪ " :‬سرك من أعتبك "‪ (4) .‬الدنف ‪ -‬محركة ‪ -‬المريض‬
‫الذى طال به المرض‪.‬‬

‫]‪[231‬‬

‫نجا )‪ (1‬أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته )‪ (2‬وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك‬
‫واحتمل أخاك على ما فيه‪ ،‬ول تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة‪ ،‬ويجر إلى‬
‫البغضة )‪ (3‬واستعتب من رجوت إعتابه‪ ،‬وقطيعة الجاهل تعدل صلة‬
‫العاقل‪ ،‬ومن الكرم منع الحزم )‪ .(4‬من كابر الزمان عطب ومن ينقم عليه‬
‫غضب )‪ .(5‬ما أقرب النقمة من أهل البغي‪ .‬وأخلق بمن غدر أل يوفى له )‬
‫‪ .(6‬زلة المتوقي أشد زلة‪ .‬وعلة الكذب أقبح علة‪ .‬والفساد يبير الكثير‪.‬‬
‫والقتصاد يثمر اليسير )‪ (7‬والقلة ذلة‪ ،‬وبر الوالدين من كرم الطبيعة‪،‬‬
‫والزلل مع العجل‪ ،‬ول خير في لذة تعقب ندما‪ .‬والعاقل من وعظته‬
‫التجارب‪ ،‬والهدى يجلو العمى‪ .‬ولسانك ترجمان عقلك‪ ،‬ليس مع الختلف‬
‫أئتلف‪ ،‬من حسن الجوار تفقد الجار‪ ،‬لن يهلك من اقتصد‪ ،‬ولن يفتقر من‬
‫زهد‪ .‬بين عن امرء دخيله‪ ،‬رب باحث عن حتفه )‪ (8‬ل تشترين بثقة رجاء‪،‬‬
‫ما كل ما يخشى يضر‪ ،‬رب هزل عاد جدا )‪ (9‬من أمن الزمان خانه‪ ،‬ومن‬
‫تعظم عليه أهانه )‪ (10‬ومن ترغم عليه أرغمه‪ ،‬ومن لجأ‬

‫)‪ (1‬توقى أي تجنب وحذر وخاف )‪ (2‬قيل‪ :‬لن فرص الشر ل تنقضي لكثرة طرقه‬
‫وطريق الخير واحد وهو الحق‪ (3) .‬البغضة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬شدة البغض‪) .‬‬
‫‪ (4‬الحزم‪ :‬ضبط المر واحكامه والحذر من فواته والخذ فيه بالثقة وهنا‬
‫بمعنى الشدة والغلظة‪ (5) .‬عطب الرجل ‪ -‬كفرح ‪ -‬يعطب عطبا‪ :‬هلك وفى‬
‫بعض النسخ " من تنقم عليه غضب "‪ (6) .‬الخلق‪ :‬الجدر‪ .‬يقال‪ :‬هو‬
‫خليق به أي جدير‪ (7) .‬في بعض نسخ الكتاب " يدبر الكثير "‪ .‬وفى‬
‫بعض نسخ الحديث " يبيد الكثير والقتصاد ينمى اليسير "‪ (8) .‬بحث في‬
‫الرض‪ :‬حفرها‪ .‬والحتف‪ :‬الموت‪ .‬وفى المثل " كالباحث عن حتفه بظلفه‬
‫" يضرب لمن يطلب ما يؤدى إلى تلف النفس‪ .‬وفى بعض نسخ الحديث‬
‫" ل تشوبن "‪ (9) .‬هزل في كلمه هزل ‪ -‬كضرب ‪ :-‬مزح وهو ضد‬
‫الجد‪ (10) .‬تنبيه على وجوب الحذر من الزمان ودوام ملحظة تغيراته‬
‫والستعداد لحوادثه قبل نزولها واستعار لفظ الخيانة باعتبار تغيره عند‬
‫الغفلة عنه والمن فيه فهو في ذلك كالصديق الخائن‪.‬‬

‫]‪[232‬‬

‫إليه أسلمه‪ .‬وليس كل من رمى أصاب )‪ (1‬إذا تغير السلطان تغير الزمان )‪ (2‬وخير‬
‫أهلك من كفاك‪ ،‬والمزاح يورث الضغائن‪ ،‬وربما أكدى الحريص )‪ (3‬رأس‬
‫الدين صحة اليقين‪ ،‬وتمام الخلص تجنبك المعاصي‪ ،‬وخير المقال ما‬
‫صدقه الفعال‪ ،‬والسلمة مع الستقامة‪ ،‬والدعاء مفتاح الرحمة‪ ،‬سل عن‬
‫الرفيق قبل الطريق‪ ،‬وعن الجار قبل الدار‪ ،‬وكن من الدنيا على قلعة‪ .‬احمل‬
‫لمن أدل عليك‪ ،‬واقبل عذر من اعتذر إليك‪ ،‬وخذ العفو من الناس‪ ،‬ول تبلغ‬
‫إلى أحد مكروهه‪ ،‬أطع أخاك وإن عصاك وصله وإن جفاك‪ .‬وعود نفسك‬
‫السماح‪ ،‬وتخير لها من كل خلق أحسنه‪ .‬فان الخير عادة‪ ،‬وإياك أن تذكر‬
‫من الكلم قذرا )‪ (4‬أو تكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك )‪.(5‬‬
‫وأنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك )‪ (6‬وإياك ومشاورة النساء فإن‬
‫رأيهن إلى أفن )‪ (7‬وعزمهن إلى وهن‪ ،‬واكفف عليهن من أبصارهن‬
‫بحجبك إياهن فان شدة الحجاب خير لك ولهن‪ .‬وليس خروجهن بأشد من‬
‫إذ خالك من ل يوثق به عليهن‪ ،‬وإن استطعت أن‬

‫)‪ (1‬تنبيه على ما ينبغى من ترك السف على ما يفوت من المطالب والتسلى بمن‬
‫أخطأ في طلبه واليه أشار أبو الطيب‪ :‬ما كل من طلب المعالى نافذا * فيها‬
‫ول كل الرجال فحول )‪ (2‬تنبيه على أن تغير السلطان في رأيه ونيته‬
‫وفعله في رعيته من العدل إلى الجور يسلتزم تغير الزمان عليهم إذ يغير‬
‫من العداد للعدل إلى العداد للجور‪ (3) .‬يقال‪ :‬أكدى الرجل أي لم يظفر‬
‫بحاجته‪ (4) .‬القذر‪ :‬الوسخ‪ ،‬وفى بعض نسخ الحديث " هذرا " مكان "‬
‫قذرا " وهذر في كلمه‪ :‬خلط وتكلم بما ل ينبغى‪ (5) .‬ذلك لستلزامه‬
‫الهوان وقلة الهيبة في النفوس‪ (6) .‬أي عامل الناس بالنصاف قبل أن‬
‫يطلبوا منك النصف‪ (7) .‬الفن ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬ضعف الرأى‪ .‬والوهن‪:‬‬
‫الضعف‪.‬‬

‫]‪[233‬‬

‫ل يعرفن غيرك فافعل‪ ،‬ول تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها‪ ،‬فان ذلك أنعم‬
‫لحالها وأرخى لبالها‪ ،‬وأدوم لجمالها‪ ،‬فان المرأة ريحانة‪ ،‬وليست‬
‫بقهرمانه‪ ،‬ول تعد بكرامتها نفسها‪ ،‬ول تطعمها أن تشفع لغيرها فتميل‬
‫مغضبة عليك معها‪ ،‬ول تطل الخلوة مع النساء فيملكنك )‪ (1‬أو تملهن‬
‫واستبق من نفسك بقية من إمساكك عنهن وهن يرين أنك ذو إقتدار خير‬
‫من أن يظهرن منك على انتشار‪ ،‬وإياك والتغاير في غير موضع غيرة فان‬
‫ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم‪ ،‬ولكن أحكم أمرهن فإن رأيت ذنبا‬
‫فعاجل النكير على الكبير والصغير‪ .‬وإياك أن تعاقب فتعظم الذنب و تهون‬
‫العتب‪ .‬وأحسن للمماليك الدب‪ .‬وأقلل الغضب ول تكثر العتب في غير ذنب‪،‬‬
‫فإذا استحق أحد منهم ذنبا فأحسن العدل فإن العدل مع العفو أشد من‬
‫الضرب لمن كان له عقل‪ .‬والتمسك بمن ل عقل له أوجب القصاص )‪.(2‬‬
‫واجعل لكل امرء منهم عمل تأخذه به‪ ،‬فإنه أحرى أن ل يتواكلوا‪ ،‬و أكرم‬
‫عشيرتك‪ ،‬فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير‪ ،‬وبهم‬
‫تصول وهم العدة عند الشدة )‪ (3‬فأكرم كريمهم وعد سقيمهم‪ ،‬وأشركهم‬
‫في أمورهم وتيسر عند معسور ]‍ل[ ‪ -‬هم‪ .‬واستعن بال على أمورك‪ ،‬فانه‬
‫أكفى معين‪ .‬أستودع ال دينك ودنياك وأسأله خير القضاء لك في الدنيا‬
‫والخرة والسلم عليك ورحمة ال‪ .‬جش )‪ (4‬الصبغ بن نباتة المجاشعي‬
‫كان من خاصة أمير المؤمنين عليه السلم وعمر بعده‪ ،‬روى عنه عهد‬
‫الشتر ووصيته إلى محمد ابنه أخبرنا عبد السلم بن الحسين الديب عن‬
‫أبي بكر الدوري‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج‪ ،‬عن جعفر بن محمد‬
‫الحسني عن علي بن عبدل‪ ،‬عن الحسن بن ظريف‪ ،‬عن الحسين بن‬
‫علوان‪ ،‬عن سعد بن طريف عن الصبغ بن نباته بالوصية‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " فيملنك "‪ (2) .‬في الكشف " وخف القصاص "‪ (3) .‬العدة‬
‫‪ -‬بالضم ‪ -‬الستعداد وبالكسر‪ :‬الجماعة‪ (4) .‬رجال النجاشي ص ‪.7‬‬

‫]‪[234‬‬

‫بيان‪ :‬قوله عليه السلم )‪ - 3 (1‬د )‪ (2‬من وصية أمير المؤمنين عليه السلم لولده‬
‫الحسن عليه السلم‪ :‬كيف وأنى بك يا بني إذا صرت في قوم صبيهم غاو‪،‬‬
‫وشابهم فاتك‪ ،‬وشيخهم ل يأمر بمعروف ول ينهى عن منكر‪ ،‬وعالمهم خب‬
‫مواه )‪ (3‬مستحوذ عليه هواه‪ ،‬متمسك بعاجل دنياه أشدهم عليك إقبال‬
‫يرصدك بالغوايل‪ ،‬ويطلب الحيلة بالتمني‪ ،‬ويطلب الدنيا بالجتهاد‪ ،‬خوفهم‬
‫أجل‪ ،‬ورجاؤهم عاجل‪ ،‬ل يهابون إل من يخافون لسانه و ]ل يكرمون إل‬
‫من[ يرجون نواله‪ ،‬دينهم الربا‪ ،‬كل حق عندهم مهجور‪ ،‬يحبون من غشهم‬
‫ويملون من داهنهم‪ ،‬قلوبهم خاوية‪ ،‬ل يسمعون دعاء‪ ،‬ول يجيبون سائل‪،‬‬
‫قد استولت عليهم سكرة الغفلة‪ ،‬إن تركتهم لم يتركوك‪ ،‬وإن تابعتهم‬
‫اغتالوك‪ ،‬إخوان الظاهر و أعداء السرائر‪ ،‬يتصاحبون على غير تقوى‪،‬‬
‫فإذا افترقوا ذم بعضهم بعضا‪ ،‬تموت فيهم السنن‪ ،‬وتحيى فيهم البدع‪،‬‬
‫فأحمق الناس من أسف على فقدهم‪ ،‬أوسر بكثرتهم‪ ،‬فكن عند ذلك يا بني‬
‫كابن اللبون ل ظهر فيركب‪ ،‬ول وبر فيسلب‪ ،‬ول ضرع فيحلب‪ ،‬فما طلبك‬
‫لقوم إن كنت عالما عابوك‪ ،‬وإن كنت جاهل لم يرشدوك‪ ،‬وإن طلبت العلم‬
‫قالوا‪ :‬متكلف متعمق‪ ،‬وإن تركت طلب العلم قالوا‪ :‬عاجز غبي )‪ (4‬وإن‬
‫تحققت لعبادة ربك قالوا‪ :‬متصنع مراء‪ ،‬وإن لزمت الصمت قالوا‪ :‬ألكن‪،‬‬
‫وإن نطقت قالوا‪ :‬مهذار‪ ،‬وإن أنفقت قالوا‪ :‬مسرف‪ ،‬وإن اقتصدت قالوا‪:‬‬
‫بخيل‪ ،‬وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك )‪ (5‬وذموك‪ ،‬وإن لم تعتد‬
‫بهم كفروك‪ ،‬فهذه صفة أهل زمانك‬

‫)‪ (1‬كان هنا بياض مقدار نصف الصفحة‪ (2) .‬العدد القوية لدفع المخاوف اليومية‬
‫تأليف الشيخ الفقيه رضى الدين على بن يوسف ابن المطهر الحلى‪.‬‬
‫مخطوط‪ (3) .‬الخب ‪ -‬بتشديد الباء الموحدة ‪ :-‬الخداع‪ .‬وموه الخبر‪:‬‬
‫زوره عليه وزخرفه ولبسه أو بلغه خلف ما هو‪ (4) .‬الغبى ضد الذكى‪) .‬‬
‫‪ (5‬أي قاطعوك‪ .‬والصرم القطع‪.‬‬

‫]‪[235‬‬

‫فاصغاك )‪ (1‬من فرغ عن جورهم‪ ،‬وأمن من الطمع فيهم‪ ،‬فهو مقبل على شأنه‪،‬‬
‫مدار لهل زمانه‪ .‬ومن صفة العالم أن ل يعظ إل من يقبل عظته‪ ،‬ول ينصح‬
‫معجبا برأيه‪ ،‬ول يخبر بما يخاف إذاعته‪ .‬ول تودع سرك إل عند كل ثقة‪،‬‬
‫ول تلفظ إل بما يتعارفون به الناس‪ ،‬ول تخالطهم إل بما يفعلون‪ ،‬فاحذر كل‬
‫الحذر وكن فردا وحيدا‪ .‬واعلم أن من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب‬
‫غيره‪ ،‬ومن كابد المور عطب ومن اقتحم اللجج غرق‪ ،‬ومن أعجب برأيه‬
‫ضل‪ ،‬ومن استغنى بعقله زل‪ ،‬ومن تكبر على الناس ذل‪ .‬ومن مزح استخف‬
‫به‪ ،‬ومن كثر من شئ عرف به‪ ،‬ومن كثر كلمه كثر خطاؤه‪ ،‬ومن كثر‬
‫خطاؤه قل حياءه‪ ،‬ومن قل حياؤه‪ ،‬قل ورعه‪ ،‬ومن قل ورعه قل دينه‪ ،‬ومن‬
‫قل دينه مات قلبه‪ ،‬ومن مات قلبه دخل النار‪ .‬قيل‪ :‬وقف رجل على الحسن‬
‫بن علي عليهما السلم فقال‪ :‬يا ابن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه‬
‫النعمة التي ما نلتها منه بشفيع منك إليه‪ ،‬بل إنعاما منه عليك إل ما‬
‫أنصفتني من خصمي فانه غشوم ظلوم‪ ،‬ل يوقر الشيخ الكبير ول يرحم‬
‫الطفل الصغير‪ .‬وكان متكئا فاستوى جالسا وقال له‪ :‬من خصمك حتى‬
‫أنتصف لك منه ؟ فقال له‪ :‬الفقر‪ ،‬فأطرق عليه السلم ساعة ثم رفع رأسه‬
‫إلى خادمه وقال‪ :‬احضر ما عندك من موجود‪ ،‬فأحضر خمسة آلف درهم‬
‫فقال‪ :‬ادفعها إليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬له بحق هذه القسام التي أقسمت بها علي متى‬
‫أتاك خصمك جائرا إل ما أتيتني منه متظلما‪ .‬بيان‪.(2) :‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬كان هنا بياض مقدار صفحة‪.‬‬


‫]‪[236‬‬

‫* )باب ‪) * * (9‬وصية أمير المؤمنين صلوات ال عليه( * " )للحسين صلى ال‬
‫عليه( " ‪ - 1‬ف )‪ (1‬يا بني أوصيك بتقوى ال في الغنى والفقر‪ ،‬وكلمة‬
‫الحق في الرضى و الغضب‪ ،‬والقصد في الغنى والفقر‪ ،‬وبالعدل على‬
‫الصديق والعدو‪ ،‬وبالعمل في النشاط والكسل‪ ،‬والرضى عن ال في الشدة‬
‫والرخاء‪ .‬أي بني ما شر بعده الجنة بشر‪ ،‬ول خير بعده النار بخير‪ ،‬وكل‬
‫نعيم دون الجنة محقور‪ ،‬وكل بلء دون النار عافية‪ .‬واعلم أي بني أنه من‬
‫أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره‪ ،‬ومن تعرى من لباس التقوى لم‬
‫يستتر بشئ من اللباس‪ ،‬ومن رضي بقسم ال لم يحزن على ما فاته ومن‬
‫سل سيف البغي قتل به‪ ،‬ومن حفر بئرا لخيه وقع فيها‪ ،‬ومن هتك حجاب‬
‫غيره انكشفت عورات بيته )‪ (2‬ومن نسي خطيئة استعظم خطيئة غيره‪،‬‬
‫ومن كابد المور عطب )‪ (3‬ومن اقتحم الغمرات غرق‪ ،‬ومن أعجب برأيه‬
‫ضل‪ ،‬ومن استغنى بعقله زل‪ ،‬ومن تكبر على الناس ذل‪ ،‬ومن خالط العلماء‬
‫وقر‪ ،‬ومن خالط النذال حقر )‪ (4‬ومن سفه على الناس شتم )‪ (5‬ومن دخل‬
‫مداخل السوء اتهم‪ ،‬ومن مزح‬

‫)‪ (1‬تحف العقول ص ‪ (2) .88‬في بعض النسخ " عوراته "‪ (3) .‬كابدها‪ :‬أي‬
‫قاساها وتحمل المشاق في فعلها بل اعداد اسبابها‪ .‬وعطب أي هلك‬
‫والغمرات الشدائد‪ .‬وفى النهج " ومن اقتحم اللجج عرق "‪ (4) .‬النذال ‪-‬‬
‫جمع النذل‪ :‬الخسيس من الناس‪ ،‬المحتقر في جميع أحواله والمراد بهم‬
‫ذوى الخلق الدنية‪ (5) .‬يعنى ومن عابهم شتم وسب بهم‪.‬‬

‫]‪[237‬‬

‫استخف به‪ ،‬ومن أكثر من شئ عرف به ومن كثر كلمه كثر خطاؤه‪ ،‬ومن كثر‬
‫خطاؤه )‪ (1‬قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه‪ ،‬ومن قل ورعه مات قلبه‪،‬‬
‫ومن مات قلبه دخل النار‪ .‬أي بني من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه‬
‫بها فذاك الحمق بعينه‪ ،‬ومن تفكر اعتبر‪ ،‬ومن اعتبر اعتزل‪ ،‬ومن اعتزل‬
‫سلم‪ ،‬ومن ترك الشهوات كان حرا‪ ،‬ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند‬
‫الناس‪ .‬أي بني عز المؤمن غناه عن الناس‪ ،‬والقناعة مال ل ينفد‪ ،‬ومن‬
‫أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير‪ ،‬ومن علم أن كلمه من عمله قل‬
‫كلمه إل فيما ينفعه‪ .‬أي بني العجب ممن يخاف العقاب فلم يكف‪ ،‬ورجا‬
‫الثواب فلم يتب و يعمل‪ .‬أي بني الفكرة تورث نورا والغفلة ظلمة‪ ،‬والجد ا‍ل‬
‫]‪ -‬ة[ ضللة‪ ،‬والسعيد من وعظ بغيره‪ ،‬والدب خير ميراث‪ ،‬وحسن الخلق‬
‫خير قرين‪ ،‬ليس مع قطيعة الرحم نماء‪ ،‬ول مع الفجور غنى‪ .‬أي بني‬
‫العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إل بذكر ال‪ ،‬وواحد في ترك‬
‫مجالسة السفهاء‪ .‬أي بني من تزيا )‪ (2‬بمعاصي ال في المجالس أورثه‬
‫ال ذل‪ ،‬ومن طلب العلم علم‪ .‬يا بني رأس العلم الرفق وآفته الخرق )‪(3‬‬
‫ومن كنوز اليمان الصبر على المصائب‪ .‬والعفاف زينة الفقر‪ ،‬والشكر‬
‫زينة الغنى‪ ،‬كثرة الزيارة تورث المللة‬

‫)‪ (1‬وفى بعض نسخ الحديث ]خطؤه[ في الموضعين والمعنى واحد‪ (2) .‬تزيا‪ :‬أي‬
‫صار ذا زى‪ (3) .‬الخرق‪ :‬الشدة‪ ،‬ضد الرفق‪.‬‬

‫]‪[238‬‬

‫والطمأنينة قبل الخبرة ضد الجزم )‪ (1‬وإعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله‪.‬‬
‫أي بني كم نظرة جلبت حسرة‪ ،‬وكم من كلمة سلبت نعمة‪ .‬أي بني ل شرف‬
‫أعلى من السلم‪ ،‬ول كرم أعز من التقوى‪ ،‬ول معقل أحرز من الورع )‪(2‬‬
‫ول شفيع أنجح من التوبة‪ ،‬ول لباس أجمل من العافية‪ ،‬ول مال أذهب‬
‫بالفاقة من الرضى بالقوت‪ ،‬ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة‬
‫وتبوء خفض الدعة )‪ .(3‬أي بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب )‪(4‬‬
‫وداع إلى التقحم في الذنوب‪ ،‬والشره جامع لمساوي العيوب )‪ (5‬وكفاك‬
‫تأديبا لنفسك ما كرهته من غيرك‪ .‬لخيك عليك مثل الذي لك عليه‪ ،‬ومن‬
‫تورط في المور بغير نظر في العواقب فقد تعرض للنوائب‪ ،‬التدبير قبل‬
‫العمل يؤمنك الندم‪ ،‬من استقبل وجوه الراء عرف مواقع الخطاء‪ ،‬الصبر‬
‫جنة من الفاقة‪ ،‬البخل جلباب المسكنة‪ ،‬الحرص علمة الفقر‪ ،‬وصول معدم‬
‫خير من جاف مكثر )‪ (6‬لكل شئ قوت وابن آدم‬

‫)‪ (1‬الطمأنينة اسم من الطمينان‪ :‬توطين النفس وتسكينها‪ .‬والخبرة‪ :‬العلم بالشئ‬
‫والحزم‪ :‬ضبط المر واحكامه والخذ فيه بالثقة‪ (2) .‬المعقل‪ :‬الحصن‬
‫والملجأ‪ .‬والورع امنع الحصون واحرزها عن وساوس الشيطان وعن‬
‫عذاب ال‪ .‬والنجاح‪ :‬الظفر والفوز أي ل يظفر النسان بشفاعة شفيع‬
‫بالنجاة من سخط ال وعذابه مثل ما يظفر بالتوبة‪ (3) .‬البلغة ‪ -‬بالضم ‪:-‬‬
‫ما يكتفى به من القوت ول فضل فيه‪ .‬والكفاف ‪ -‬بفتح الكاف ‪ :-‬ما كفى‬
‫عن الناس من الرزق واغنى‪ .‬والخفض‪ :‬لين العيش وسعته‪ .‬والدعة ‪-‬‬
‫بالتحريك ‪ :-‬الراحة والضافة للمبالغة‪ :‬أي تمكن واستقر في متسع‬
‫الراحة‪ (4) .‬النصب ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬أشد التعب‪ (5) .‬الشره ‪ -‬بكسر الشين‬
‫وشد الراء‪ :‬الحرص والغضب والطيش والعطب وقد يطلق على الشر‬
‫أيضا‪ ،‬وفى بعض النسخ بدون التاء‪ (6) .‬الوصول ‪ -‬بفتح الواو ‪ :-‬الكثير‬
‫العطاء‪ .‬والمعدم‪ :‬الفقير‪ .‬والجاف‪ :‬فاعل من جفا يجفو جفاء المعرض‬
‫والسئ الخلق‪ .‬والمكثر‪ :‬الذى كثر ماله‪ ،‬يعنى من يصل إلى الناس بحسن‬
‫الخلق والمودة مع فقره خير ممن يكثر في العطاء وهو جاف أي سيئ‬
‫الخلق‪.‬‬

‫]‪[239‬‬

‫قوت الموت‪ .‬أي بني ل تؤيس مذنبا‪ ،‬فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير‪ ،‬وكم‬
‫من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره‪ ،‬صائر إلى النار‪ ،‬نعوذ بال منها‪.‬‬
‫أي بني كم من عاص نجا‪ ،‬وكم من عامل هوى‪ ،‬ومن تحرى الصدق خفت‬
‫عليه المؤن )‪ (1‬في خلف النفس رشدها‪ ،‬الساعات تنقص العمار‪ ،‬ويل‬
‫للباغين من أحكم الحاكمين‪ ،‬وعالم ضمير المضمرين‪ .‬يا بني بئس الزاد‬
‫إلى المعاد العدوان على العباد‪ ،‬في كل جرعة شرق وفي كل اكلة غصص )‬
‫‪ (2‬لن تنال نعمة إل بفراق اخرى‪ ،‬ما أقرب الراحة من النصب‪ ،‬والبؤس‬
‫من النعيم‪ ،‬والموت من الحياة‪ ،‬والسقم من الصحة‪ .‬فطوبى لمن أخلص ل‬
‫عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلمه و صمته وفعله وقوله‪.‬‬
‫وبخ بخ )‪ (3‬لعالم عمل فجد‪ ،‬وخاف البيات فأعد واستعد‪ ،‬إن سئل نصح‬
‫وإن ترك صمت‪ ،‬كلمه صواب وسكوته من غير عي جواب )‪ (4‬والويل كل‬
‫الويل لمن بلي بحرمان وخذلن وعصيان‪ ،‬فاستحسن لنفسه ما يكرهه من‬
‫غيره وأزرى على الناس بمثل ما يأتي )‪ .(5‬واعلم أي بني أنه من لنت‬
‫كلمته وجبت محبته‪ ،‬وفقك ال لرشده وجعلك من أهل طاعته بقدرته إنه‬
‫جواد كريم‪ .‬بيان‪.(6) :‬‬

‫)‪ (1‬التحرى‪ :‬القصد والجتهاد في الطلب‪ .‬والمؤن ‪ -‬بضم الميم وفتح الهمزة ‪:-‬‬
‫جمع المؤونة وهى القوت أو الشدة والثقل‪ (2) .‬الشرق‪ :‬الغصة وهى‬
‫اعتراض الشئ في الحلق وعدم اساغته ويطلق الول في المشروبات‬
‫والثانى في المأكولت‪ " (3) .‬بخ " اسم فعل للمدح واظهار الرضى‬
‫بالشئ ويكرر للمبالغة‪ ،‬فيقال‪ :‬بخ بخ بالكسر والتنوين‪ (4) .‬العى‪ :‬العجز‬
‫عن الكلم‪ (5) .‬أزرى عليه عمله‪ .‬أي عاتبه وعابه عليه‪ (6) .‬كان هنا‬
‫بياض مقدار نصف صفحة‪.‬‬

‫]‪[240‬‬

‫* )باب ‪) * * (10‬عهد أمير المؤمنين عليه السلم إلى الشتر )ره( حين وله‬
‫مصر( * ‪ - 1‬ف‪ (1) :‬هذا ما أمر به عبد ال علي أمير المؤمنين مالك بن‬
‫الحارث الشتر في عهده إليه حين وله مصر‪ ،‬جباية خراجها ومجاهدة‬
‫عدوها واستصلح أهلها وعمارة بلدها )‪ .(2‬أمره بتقوى ال وإيثار‬
‫طاعته واتباع ما أمره ال به في كتابه‪ :‬من فرائضه وسننه التي ل يسعد‬
‫أحد إل باتباعها ول يشقى إل مع جحودها وإضاعتها‪ .‬وأن ينصر ال بيده‬
‫وقلبه ولسانه‪ ،‬فانه قد تكفل بنصر من نصره إنه قوي عزيز‪ .‬وأمره أن‬
‫يكسر من نفسه عند الشهوات فان النفس أمارة بالسوء إل ما رحم ربي إن‬
‫ربي غفور رحيم‪ .‬وأن يعتمد كتاب ال عند الشبهات فإن فيه تبيان كل شئ‬
‫وهدى ورحمة لقوم يؤمنون‪ .‬وأن يتحرى رضي ال‪ ،‬ول يتعرض لسخطه‪،‬‬
‫ول يصر على معصيته‪ ،‬فانه ل ملجأ من ال إل إليه‪ .‬ثم اعلم يا مالك أني‬
‫قد وجهتك إلى بلد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وإن الناس‬
‫ينظرون من امورك في مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولة قبلك‬
‫ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم‪ .‬وإنما يستدل على الصالحين بما يجري‬
‫ال لهم على ألسن عباده‪ .‬فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح‬
‫بالقصد‬

‫)‪ (1‬تحف العقول ص ‪ (2) .126‬مختار هذا العهد منقول في النهج مع اختلف‬
‫يسير‪ .‬والشتر هو مالك بن الحارث الشتر النخعي من اليمن كان من‬
‫أكابر أصحابه عليه السلم ذا النجدة والشجاعة روى أن الطرماح لما‬
‫دخل على معاوية قال له‪ :‬قل لبن أبى طالب‪ :‬انى جمعت العساكر بعدد‬
‫حب جاورس الكوفة وها أنا قاصده فقال له الطرماح‪ :‬ان لعلى عليه‬
‫السلم ديكا أشتر يلتقط جميع ذلك‪ .‬فانكسر من قوله معاوية‪.‬‬

‫]‪[241‬‬

‫فيما تجمع وما ترعى به رعيتك‪ .‬فأملك هواك ولتسخ بنفسك عما ل يحل لك‪ ،‬فان‬
‫سخاء النفس النصاف منها فيما أحببت وكرهت )‪ .(1‬وأشعر قلبك الرحمة‬
‫للرعية والمحبة لهم واللطف بالحسان إليهم‪ .‬ول تكونن عليهم سبعا‬
‫ضاريا تغتنم أكلهم )‪ (2‬فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في‬
‫الخلق‪ ،‬تفرط منهم الزلل )‪ (3‬وتعرض لهم العلل‪ ،‬ويؤتي على أيديهم في‬
‫العمد والخطأ‪ ،‬فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك ال‬
‫من عفو ]ه[ فانك فوقهم ووالي المر عليك فوقك وال فوق من ولك بما‬
‫عرفك من كتابه وبصرك من سنن نبيه صلى ال عليه وآله‪ .‬عليك بما كتبنا‬
‫لك في عهدنا هذا‪ ،‬ل تنصبن نفسك لحرب ال‪ ،‬فإنه ليدي لك بنقمته )‪(4‬‬
‫ول غنى بك عن عفوه ورحمته‪ .‬فل تندمن على عفو ول تبجحن بعقوبة )‬
‫‪ (5‬ول تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة‪ ،‬ول تقولن إني مؤمر آمر‬
‫فأطاع )‪ (6‬فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الفتن‪ ،‬فتعوذ‬
‫بال من درك الشقاء‪ .‬وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به‬
‫ابهة أو مخيلة )‪ (7‬فانظر إلى عظم‬
‫)‪ (1‬في المصدر " وشح بنفسك عما ل يحل لك فان الشح النصاف منها فيما‬
‫احببت و كرهت " وكذا في النهج‪ (2) .‬الضارى من الكلب‪ :‬ما لهج‬
‫بالصيد وتعوده أكله وأولع به أي السباع كالسد والنمر‪ (3) .‬تفرط‪:‬‬
‫تسبق‪ .‬والزلل‪ :‬الخطأ‪ .‬وأراد بالعلل المور الصارفة لهم عما ينبغى من‬
‫اجراء أو امر الوالى على وجوهها‪ (4) .‬يعنى ل تخالف أمر ال بالظلم‬
‫والجور فليس لك يد أن تدفع نقمته‪ (5) .‬بجح كفرح لفظا ومعنى‪(6) .‬‬
‫البادرة‪ :‬حدة الغضب‪ .‬والمندوحة‪ :‬السعة والفسحة‪ .‬والمؤمر ‪ -‬كمعظم ‪:-‬‬
‫المسلط‪ .‬والدغال‪ :‬الفساد‪ .‬والنهك‪ :‬الضعف ونهكه أضعفه‪ (7) .‬البهة ‪-‬‬
‫بضم الهمزة وفتح الباء مشددة وسكونها ‪ :-‬العظمة والكبرياء‪ .‬والمخيلة‪:‬‬
‫الكبر والعجب‪.‬‬

‫]‪[242‬‬

‫ملك ال فوقك‪ ،‬وقدرته منك على ما ل تقدر عليه من نفسك‪ ،‬فان ذلك يطامن إليك‬
‫من طماحك )‪ (1‬ويكف عنك من غربك ويفئ إليك ما عزب من عقلك‪ .‬و‬
‫إياك ومساماته في عظمته )‪ (2‬أو التشبه به في جبروته‪ ،‬فان ال يذل كل‬
‫جبار‪ ،‬و يهين كل مختال فخور‪ .‬أنصف ال وأنصف الناس من نفسك ومن‬
‫خاصتك ومن أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك‪ ،‬فانك إن ل تفعل تظلم‬
‫ومن ظلم عباد ال كان ال خصمه دون عباده‪ ،‬ومن خاصمه ال أدحض‬
‫حجته )‪ (3‬وكان ل حربا حتى ينزع ويتوب‪ .‬وليس شئ أدعى إلى تغيير‬
‫نقمة وتعجيل نقمة من إقامة على ظلم‪ ،‬فان ال يسمع دعوة المظلومين‬
‫وهو للظالمين بمرصاد‪ ،‬ومن يكن كذلك فهو رهين هلك في الدنيا‬
‫والخرة‪ .‬وليكن أحب المور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل‬
‫وأجمعها )‪ (4‬للرعية فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة )‪ (5‬وإن‬
‫سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة‪ ،‬وليس أحد من الرعية أثقل على‬
‫الوالي مؤونة في الرخاء‪ ،‬وأقل له معونة في البلء‪ ،‬وأكره للنصاف‪،‬‬
‫وأسأل باللحاف )‪ (6‬وأقل شكرا عند العطاء وأبطأ عذرا عند المنع‪،‬‬
‫وأكره للنصاف‪ ،‬وأضعف صبرا عند ملمات المور من الخاصة‬

‫)‪ (1‬يطامن أي يخفض ويسكن‪ .‬والطماح‪ :‬الفخر والنشوز والجماح‪ .‬وارتفاع البصر‬
‫والغرب‪ :‬الحدة‪ .‬ويفئ‪ :‬يرجع ما غاب عن عقلك‪ (2) .‬المساماة‪ :‬المفاخرة‬
‫والمباراة في السمو أي العلو‪ (3) .‬أدحض‪ :‬أبطل‪ .‬وحربا أي محاربا‪.‬‬
‫وينزع أي يقلع عن ظلمه‪ .‬وأدعى‪ :‬أي أشد دعوة‪ (4) .‬في النهج "‬
‫أجمعها لرضى الرعية "‪ (5) .‬يجحف أي يذهب برضى الخاصة‪(6) .‬‬
‫اللحاف‪ :‬اللحاح والشدة في السؤال‪.‬‬
‫]‪[243‬‬

‫وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للعداء أهل العامة من المة‪ ،‬فليكن لهم‬
‫صغوك )‪ (1‬واعمد لعم المور منفعة وخيرها عاقبة‪ ،‬ول قوة إل بال‪.‬‬
‫وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لعيوب الناس‪ ،‬فان في‬
‫الناس عيوبا الوالي أحق من سترها فل تكشفن ما غاب عنك‪ .‬واستر‬
‫العورة ما استطعت يستر ال منك ما تحب ستره من رعيتك‪ ،‬واطلق عن‬
‫الناس عقد كل حقد )‪ (2‬واقطع عنك سبب كل وتر‪ ،‬واقبل العذر‪ ،‬وادرء‬
‫الحدود بالشبهات‪ .‬وتغاب عن كل ما ل يصح لك ]ول تستر شبهة[ )‪ (3‬ول‬
‫تعجلن إلى تصديق ساع فان الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين )‪ .(4‬ل‬
‫تدخلن في مشورتك بخيل يخذلك عن الفضل ويعدك الفقر )‪ ،(5‬ول جبانا‬
‫يضعف عليك المور ول حريصا يزين لك الشره بالجور‪ ،‬فإن البخل‬
‫والجور و الحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بال كمونها في‬
‫الشرار )‪ (6‬أيقن إن شر وزرائك من كان للشرار وزيرا ومن شركهم في‬
‫الثام وقام بامورهم في عباد ال فل يكونن لك بطانة تشركهم في أمانتك )‬
‫‪ (7‬كما شركوا في سلطان غيرك فأردوهم‬

‫)‪ (1‬الصغو‪ :‬الميل‪ .‬وفى بعض النسخ " صفوك "‪ (2) .‬أي احلل عقد الحقاد من‬
‫قلوب الناس بحسن السيرة مع الناس‪ .‬والوتر ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬العداوة أي‬
‫اقطع عنك أسباب العداوات بترك الساءة إلى الرعية‪ (3) .‬كذا‪ .‬وليست‬
‫هذه الجملة في المصدر‪ (4) .‬الساعي‪ :‬النمام بمعايب الناس‪ .‬والغاش‪:‬‬
‫الخائن‪ (5) .‬في النهج " يعدل بك عن الفضل والفضل " هنا الحسان‬
‫بالبذل والجود‪ .‬ويعدك أي يخوفك‪ .‬والشره ‪ -‬بالتحريك‪ :‬أشد الحرص‪.‬‬
‫وفى النهج " يضعفك عن المور " بمعنى تحملك عن الضعف‪ (6) .‬أي‬
‫يجتمع كلها فيهم سوء الظن بكرم ال وفضله‪ .‬وفى بعض النسخ " كونها‬
‫في الشرار "‪ ،‬وفى النهج " فان البخل والجبن والحرص "‪(7) .‬‬
‫البطانة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الخاصة‪ ،‬من بطانة الثوب خلف ظهارته‪.‬‬

‫]‪[244‬‬

‫وأوردوهم مصارع السوء ول يعجبنك شاهد ما يحضرونك به فانهم أعوان الثمة‬


‫وإخوان الظلمة وعباب كل طمع ودغل )‪ (1‬وأنت واجد منهم خير الخلف‬
‫ممن له مثل أرائهم ونفاذهم ممن قد تصفح المور فعرف مساويها بما‬
‫جرى عليه منها )‪ (2‬فاولئك أخف عليك مؤونة‪ ،‬وأحسن لك معونة‪ ،‬وأحنى‬
‫عليك عطفا )‪ (3‬وأقل لغيرك إلفا‪ .‬لم يعاون ظالما على ظلمه‪ ،‬ول آثما على‬
‫إثمه‪ ،‬ولم يكن مع غيرك له سيرة أجحفت بالمسلمين والمعاهدين )‪(4‬‬
‫فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك وملئك‪ ،‬ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق‬
‫)‪ (5‬وأحوطهم على الضعفاء بالنصاف وأقلهم لك مناظرة )‪ (6‬فيما يكون‬
‫منك مما كره ال لوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع فانهم يقفونك على‬
‫الحق )‪ (7‬ويبصرونك ما يعود عليك نفعه‪ ،‬وألصق بأهل الورع والصدق‬
‫وذوي العقول والحساب‪ ،‬ثم رضهم على أن ل يطروك )‪ (8‬ول يبجحوك‬
‫بباطل لم تفعله‬

‫)‪ (1‬الثمة‪ :‬جمع آثم‪ ،‬كظلمة‪ :‬جمع ظالم‪ .‬والعباب ‪ -‬بضم العين ‪ :-‬معظم السيل‬
‫وعباب البحر‪ :‬موجه‪ (2) .‬تصفح‪ :‬تأمل ونظر مليا‪ .‬والمساوي‪ :‬جمع‬
‫مساءة وهى القبيح‪ .‬وفى النهج " و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له‬
‫مثل أرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزاهم ممن لم يعاون‬
‫ظالما على ظلمه ول آثما على اثمه "‪ (3) .‬أحنى عليك‪ :‬أي أشفق‪ ،‬و "‬
‫عطفا " مصدر جيئ به من غير لفظ فعله‪ .‬واللف ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬اللفة‬
‫والمحبة‪ (4) .‬اجحف بهم‪ .‬استأصلهم وأهلكهم‪ .‬وفى النهج بعده‪ " :‬فاتخذ‬
‫أولئك خاصة لخلواتك وحفلتك " والمعاهدين‪ :‬أهل الكتاب‪ (5) .‬أي ليكن‬
‫أفضلهم لديك أكثرهم قول بالحق المر‪ (6) .‬رفى النهج " مساعدة "‬
‫وقوله‪ " :‬فيما يكون منك " أي يقع ويصدر‪ (7) .‬أي ل يساعدك على ما‬
‫كره ال حال كونه نازل من ميلك إليه‪ .‬ومن قوله عليه السلم " ثم ليكن‬
‫" إلى هنا تنبيه على من ينبغى أن يتخذ عونا ووزيرا‪ ،‬وميزه باوصاف‬
‫أخص‪ (8) .‬رضهم أي عودهم على أن ل يطروك أي يزيدوا في مدحك‬
‫من أطرى اطراء‪ :‬أحسن الثناء وبالغ في المدح‪ .‬ول يبجحوك أي ول‬
‫يفرحوك بنسبة عمل اليك‪ .‬قوله‪ " :‬تدنى " ‪< -‬‬

‫]‪[245‬‬

‫فان كثرة الطراء تحدث الزهو وتدنى من الغرة والقرار بذلك يوجب المقت من ال‪.‬‬
‫ل يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء فان في ذلك تزهيد لهل‬
‫الحسان في الحسان‪ ،‬وتدريب لهل الساءة‪ ،‬فألزم كل منهم ما ألزم نفسه‬
‫)‪ (1‬أدبا منك‪ ،‬ينفعك ال به وتنفع به أعوانك‪ .‬ثم اعلم أنه ليس شئ بأدعى‬
‫لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيفه المؤونات عليهم وقلة‬
‫استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم‪ ،‬فليكن في ذلك أمر يجتمع لك به‬
‫حسن ظنك برعيتك‪ ،‬فان حسن الظن يقطع عنك نصبا طويل وإن أحق من‬
‫حسن ظنك به لمن حسن بلؤك عنده )‪ (2‬وأحق من ساء ظنك به لمن ساء‬
‫بلؤك عنده‪ .‬فأعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة في حسن الصنع‬
‫واستكثار حسن البلء عند العامة مع ما يوجب ال بها لك في المعاد‪ .‬ول‬
‫تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه المة واجتمعت بها اللفة‬
‫وصلحت عليها الرعية‪ .‬ول تحدثن سنة تضر بشئ مما مضى من تلك‬
‫السنن‪ ،‬فيكون الجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها‪ .‬وأكثر‬
‫مدارسة العلماء ومثافنة الحكماء )‪ (3‬في تثبيت ما صلح عليه أهل بلدك‬
‫وإقامة ما استقام به الناس من قبلك‪ ،‬فان ذلك يحق الحق ويدفع الباطل‬
‫ويكتفي به دليل ومثال‪ ،‬لن السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة ال‪.‬‬

‫‪ < -‬أي تقرب‪ .‬والزهو‪ :‬العجب‪ .‬والغرة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الحمية والنفة‪ .‬وهذا كله أمر‬
‫بأن يلزم أهل الورع والصدق منهم ثم أن يروضهم ويؤد بهم بالنهي عن‬
‫الطراء له أو يوجبوا له سرورا بقول باطل ينسبونه فيه إلى فعل ل‬
‫يفعله‪ (1) .‬التدريب‪ :‬العتياد والتجرى‪ .‬وقوله‪ " :‬وما ألزم نفسه " في‬
‫مقابلة الحسان أو الساءة بمثلها‪ (2) .‬أي اختبارك عنده‪ (3) .‬المثافنة‪:‬‬
‫المجالسة والملزمة‪ .‬وفى بعض نسخ النهج " ومنافثة " أي المحادثة‪.‬‬
‫)*(‬

‫]‪[246‬‬

‫ثم اعلم أن الرعية طبقات ل يصلح بعضا إل ببعض‪ ،‬ول غنى ببعضها عن بعض‬
‫فمنها جنود ال‪ ،‬ومنها كتاب العامة والخاصة‪ .‬ومنها قضاة العدل‪ ،‬ومنها‬
‫عمال النصاف والرفق‪ ،‬ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة‬
‫ومسلمة الناس )‪ (1‬ومنها التجار وأهل الصناعات‪ ،‬ومنها طبقة السفلى‬
‫من ذوي الحاجة والمسكنة وكل قد سمي ال سهمه ووضع على حد‬
‫فريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى ال عليه وآله‪ .‬وعهد عندنا محفوظ )‬
‫‪ .(2‬فالجنود بإذن ال حصون الرعية‪ ،‬وزين الولة‪ ،‬وعز الدين‪ ،‬وسبيل‬
‫المن والخفض )‪ (3‬وليس تقوم الرعة إل بهم‪ ،‬ثم لقوام للجنود إل بما‬
‫يخرج ال لهم من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوهم ويعتمدون‬
‫عليه ويكون من وراء حاجاتهم‪ ،‬ثم ل بقاء لهذين الصنفين إل بالصنف‬
‫الثالث من القضاة والعمال و الكتاب لما يحكمون من المور‪ ،‬ويظهرون‬
‫من النصاف‪ ،‬ويجمعون من المنافع‪ ،‬ويؤتمنون عليه من خواص المور‬
‫وعوامها‪ .‬ولقوام لهم جميعا إل بالتجار‪ ،‬وذوي الصناعات فيما يجمعون‬
‫من مرافقهم )‪ (4‬ويقيمون من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما‬
‫ل يبلغه رفق غيرهم‪.‬‬

‫)‪ " (1‬مسلمة الناس " قال بعض شراح النهج‪ :‬هذا تفصيل لهل الخراج ويجوز أن‬
‫يكون تفسيرا لهل الجزية والخراج معا لن للمام أن يقبل أهل الخراج‬
‫من سائر المسلمين وأهل الذمة‪ (2) .‬أراد بالسهم الذى سماه ال‬
‫الستحقاق لكل من ذوى الستحقاق في كتابه اجمال من الصدقات‬
‫كالفقراء والمساكين وعمال الخراج والصدقة وفصله في سنة نبيه صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬وحده الذى وضع ال عليه عهدا منه إلى أهل بيت نبيه‬
‫هو مرتبته ومنزلته من أهل المدينة الذين ل يقوم ال بهم فان للجندي‬
‫منزلة وحدا محدودا وكذلك العمال والكتاب و القضاة وغيرهم فان لكل‬
‫منهم حدا يقف عنده وفريضة يلزمها عليها عهد من ال محفوظ عند نبيه‬
‫وأهل بيته عليهم السلم‪ (3) .‬يعنى الراحة والسعة والعيش‪(4) .‬‬
‫المرافق‪ :‬المنافع‪.‬‬

‫]‪[247‬‬

‫ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم )‪ (1‬وفي فئ ال لكل‬
‫سعة‪ ،‬ولكل على الوالي حق بقدر يصلحه وليس يخرج الوالي من حقيقة ما‬
‫ألزمه ال من ذلك إل بالهتمام والستعانة بال وتوطين نفسك على لزوم‬
‫الحق والصبر فيما خف عليه وثقل‪ .‬فول من جنودك أنصحهم في نفسك ل‬
‫ولرسوله ولمامك وأنقاهم جيبا )‪ (2‬وأفضلهم حلما وأجمعهم علما‬
‫وسياسة ممن يبطئ عن الغضب ويسرع إلى العذر‪ ،‬ويرأف بالضعفاء‬
‫وينبو على القوياء )‪ (3‬ممن ل يثيره العنف ول يقعد به الضعف‪ ،‬ثم ألصق‬
‫بذوي الحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل النجدة‬
‫والشجاعة والسخاء والسماحة‪ ،‬فإنهم جماع من الكرم )‪ (4‬وشعب من‬
‫العرف‪ ،‬يهدون إلى حسن الظن بال واليمان بقدره‪ .‬ثم تفقد أمورهم بما‬
‫يتفقد الوالد من ولده‪ ،‬ول يتفاقمن في نفسك شئ قويتهم به )‪ (5‬ول تحقرن‬
‫لطفا تعاهدتهم به وإن قل‪ ،‬فانه داعية لهم إلى بذل النصيحة وحسن الظن‬
‫بك‪ .‬فل تدع تفقد لطيف أمورهم اتكال على جسيمها‪ ،‬فان لليسير من لطفك‬
‫موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا ل يستغنون عنه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الرفد‪ :‬العطاء والمعونة‪ (2) .‬الجيب من القميص‪ :‬طوقة‪ .‬وأيضا‪ :‬الصدر‬
‫والقلب‪ ،‬يقال‪ :‬فلن نقى الجيب أي أمين الصدر والقلب‪ .‬وأيضا‪ :‬المين‪،‬‬
‫يقال‪ :‬رجل ناصح الجيب أي أمين لغش فيه وقد يقرء في بعض النسخ‬
‫" اتقاهم "‪ (3) .‬النبو‪ :‬العلو والرتفاع وينبو أي يشتد ويعلو عليهم‬
‫ليكف أيديهم عن الظلم‪ .‬والعنف ‪ -‬مثلثة العين ‪ :-‬الشدة والمشقة‪ ،‬ضد‬
‫الرفق‪ .‬ويحتمل أن يكون بمعنى اللوم كما جاء في اللغة أيضا‪ (4) .‬أي‬
‫مجموع منه‪ .‬والعرف‪ :‬المعروف‪ .‬ومراده عليه السلم شرح أوصاف‬
‫الذين يؤخذ منهم الجند ويكون منهم رؤساؤه‪ (5) .‬تفاقم المر‪ :‬عظم أي‬
‫ل تعد ما قويتهم به عظيما ول ما تلطفك حقيرا بل لكل موضع وموقع‪.‬‬

‫]‪[248‬‬
‫وليكن آثر رؤوس جنودك من واساهم في معونته وأفضل عليهم في بذله ممن‬
‫يسعهم ويسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم )‪ (1‬حتى يكون همهم هما‬
‫واحدا في جهاد العدو‪ ،‬ثم واتر اعلمهم )‪ (2‬ذات نفسك في إيثارهم‪،‬‬
‫والتكرمة لهم‪ ،‬والرصاد بالتوسعة‪ .‬وحقق ذلك بحسن الفعال والثر‬
‫والعطف‪ ،‬فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك‪ .‬وإن أفضل قرة العيون‬
‫للولة استفاضة العدل في البلد )‪ (3‬وظهور مودة الرعية لنه ل يظهر‬
‫مودتهم إل سلمة صدورهم ول تصح نصيحتهم إل بحوطتهم على ولة‬
‫أمورهم )‪ (4‬وقلة استثقال دولتهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم )‪ (5‬ثم ل‬
‫تكلن جنودك إلى مغنم وزعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدل مما‬
‫سواه مما أفاء ال عليهم‪ ،‬تستنصر بهم به ويكون داعية لهم إلى العودة‬
‫لنصر ال ولدينه‪ ،‬واخصص أهل النجدة )‪ (6‬في أملهم إلى منتهى غاية‬
‫آمالك من النصيحة بالبذل وحسن الثناء عليهم ولطيف التعهد لهم رجل‬
‫رجل وما أبلى في كل مشهد‪ ،‬فإن كثرة الذكر‬

‫)‪ (1‬آثر أي أكرم وأفضل وأعلى منزلة‪ .‬من واساهم أي ساعدهم وعاونهم‪ .‬وأفضل‬
‫عليهم أي أفاض وأحسن إليهم‪ ،‬فل يقتر عليهم في الفرض ول ينقص‬
‫منهم شيئا ويجعل البذل شامل لمن تركوهم في الديار‪ .‬والخلوف ‪-‬‬
‫بضمتين جمع خلف بفتح فسكون ‪ :-‬من يخلف في الديار من النساء‬
‫والعجزة‪ (2) .‬واتر‪ :‬أمر من المواترة وهى ارسال الكتب بعضها أثر‬
‫بعض‪ .‬والعلم‪ :‬الطلع ويحتمل أن يكون وآثر بالثاء‪ :‬أمر من المفاعلة‬
‫أي أكرم وفضل‪ .‬والعلم‪ :‬جمع علم‪ :‬سيد القوم ورئيسهم‪(3) .‬‬
‫الستفاضة‪ :‬النتشار والتساع‪ .‬وفى النهج " الستقامة "‪ (4) .‬الحوطة‪:‬‬
‫الحيطة‪ :‬مصدر حاطه بمعنى حفظه وتعهده أي بحفظهم على ولتهم و‬
‫حرصهم على بقائهم‪ (5) .‬استثقل الشئ‪ :‬عده أو وجده ثقيل‪ .‬واستبطأ‬
‫الشئ‪ :‬عده أو وجده بطيئا‪ ،‬فيعدون زمنهم قصيرا‪ (6) .‬النجدة‪ :‬الشدة‬
‫والبأس والشجاعة‪ .‬والناكل‪ :‬الجبان الضعيف والمراد هنا المتأخر القاعد‪.‬‬

‫]‪[249‬‬

‫منك لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء ال‪ .‬ثم ل تدع أن يكون لك‬
‫عليهم عيون )‪ (1‬من أهل المانة والقول بالحق عند الناس‪ ،‬فيثبتون بلء‬
‫كل ذي بلء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلئهم‪ .‬ثم أعرف لكل امرء منهم ما‬
‫أبلى ول تضمن بلء امرء إلى غيره ول تقصرن به دون غاية بلئه )‪(2‬‬
‫وكاف كل منهم بما كان منه‪ ،‬واخصصه منك بهزه‪ .‬ول يدعونك شرف‬
‫امرء إلى أن تعظم من بلئه ما كان صغيرا‪ ،‬ول ضعة امرء )‪ (3‬على أن‬
‫تصغر من بلئه ماكان عظيما‪ .‬ول يفسدن امرءا عندك علة إن عرضت له‬
‫)‪ (4‬ول نبوة حديث له قد كان له فيها حسن بلء‪ ،‬فان العزة ل يؤتيه من‬
‫يشاء والعاقبة للمتقين‪ .‬وإن استشهد أحد من جنودك وأهل النكاية في‬
‫عدوك فأخلفه في عياله بما يخلف به الوصي الشفيق الموثق به حتى ل‬
‫يرى عليهم أثر فقده‪ ،‬فان ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك ويستشعرون به‬
‫طاعتك ويسلسون لركوب معاريض التلف الشديد في وليتك )‪ .(5‬وقد‬
‫كانت من رسول ال صلى ال عليه وآله سنن في المشركين ومنا بعده‬
‫سنن‪ ،‬قد جرت بها سنن وأمثال في الظالمين ومن توجه قبلتنا وتسمى‬
‫بديننا‪ .‬وقد قال ال لقوم أحب إرشادهم‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعو ال‬
‫وأطيعوا الرسول واولي المر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى ال‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل )‪(6‬‬
‫" وقال‪ " :‬ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي المر‬

‫)‪ (1‬العين‪ :‬الرقيب والناظر والجاسوس‪ (2) .‬ل تضم عمل امرء إلى غيره ول‬
‫تقصر به في الجزاء دون ما يبلغ منتهى عمله‪ .‬والهز التشويق‪(3) .‬‬
‫الضعة‪ :‬من مصادر وضع ‪ -‬كشرف ‪ :-‬صار وضيعا أي دنيا‪ (4) .‬أي ل‬
‫تفسدن عندك أحدا علة تعرض له‪ .‬ونبوة الزمان‪ :‬خطبه وجفوته‪(5) .‬‬
‫يسلسون‪ :‬ينقادون ويسهل عليهم‪ (6) .‬سورة النساء‪.62 :‬‬

‫]‪[250‬‬

‫منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولول فضل ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان‬
‫إل قليل " )‪ (1‬فالرد إلى ال الخذ بمحكم كتابه )‪ (2‬والرد إلى الرسول‬
‫الخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة )‪ (3‬ونحن أهل رسول ال الذين نستنبط‬
‫المحكم من كتابه ونميز المتشابه منه ونعرف الناسخ مما نسخ ال ووضع‬
‫إصره )‪ .(4‬فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من العداء‬
‫وواتر إلينا الكتب بالخبار بكل حدث يأتك منا أمر عام )‪ (5‬وال المستعان‪.‬‬
‫ثم انظر في أمر الحكام بين الناس بنية صالحة فإن الحكم في إنصاف‬
‫المظلوم من الظالم‪ ،‬والخذ للضعيف من القوي‪ ،‬وإقامة حدود ال على‬
‫سنتها ومنهاجها مما يصلح عباد ال وبلده‪ .‬فاختر للحكم بين الناس أفضل‬
‫رعيتك في نفسك وأنفسهم للعلم والحلم والورع والسخاء ممن ل تضيق به‬
‫المور ول تمحكه الخصوم )‪ (6‬ول يتمادى في إثبات الزلة ول يحصر من‬
‫الفئ )‪ (7‬إلى الحق إذا عرفه ول تشرف نفسه‬

‫)‪ (1‬سورة النساء‪ (2) .85 :‬محكم الكتاب‪ :‬نصه الصريح‪ (3) .‬أي الخذ بما أجمع‬
‫عليه مما ل يختلف في نسبته إليه‪ ،‬فل يكون مما افترق به الراء في‬
‫نسبته إليه‪ (4) .‬الصر‪ :‬الثقل أي ثقل التكليف كما قال ال تعالى في‬
‫سورة العراف‪ " :156 :‬ويضع عنهم اصرهم والغلل التى كانت‬
‫عليهم "‪ (5) .‬واتر‪ :‬أمر من المواترة‪ .‬والحدث ‪ -‬بفتحتين ‪ :-‬الحادثة أي‬
‫المر الحادث‪ (6) .‬ل تمحكه‪ :‬ل تغضبه ‪ -‬من محك الرجل‪ :‬نازع في‬
‫الكلم وتمادى في اللحاجة عند المساومة ‪ -‬أي ول تحمله مخاصمة‬
‫الخصوم عند اللحاجة على رأيه‪ .‬والزلة‪ :‬السقطة والخطيئة‪ (7) .‬حصر‪:‬‬
‫ضاق صدره أي إذا عرف الحق ل يضيق صدره من الرجوع إليه‪ .‬وفى‬
‫بعض النسخ " في انبات الزلة ول يحصر من العى "‪.‬‬

‫]‪[251‬‬

‫على طمع )‪ (1‬ول يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه )‪ (2‬وأوقفهم في الشبهات‪ ،‬وآخذهم‬
‫بالحجج‪ ،‬وأقلهم تبرما بمراجعة الخصوم )‪ (3‬وأصبرهم على تكشف‬
‫المور‪ ،‬و أصرمهم )‪ (4‬عند اتضاح الحكم‪ ،‬ممن ل يزدهيه إطراء )‪ (5‬ول‬
‫يستميله إغراق ول يصغى للتبليغ‪ ،‬فول قضاءك من كان كذلك وهم قليل‪ .‬ثم‬
‫أكثر تعهد قضائه )‪ (6‬وافتح له في البذل ما يزيح علته )‪ (7‬ويستعين به‪،‬‬
‫وتقل معه حاجته إلى الناس‪ ،‬و أعطه من المنزلة لديك ما ل يطمع فيه‬
‫غيره من خاصتك‪ ،‬ليأمن بذلك اغتيال الرجال إياه عندك‪ ،‬وأحسن توقيره‬
‫في صحبتك‪ ،‬وقربه في مجلسك‪ .‬وأمض قضاءه‪ ،‬وأنفذ حكمه‪ ،‬واشدد‬
‫عضده‪ ،‬واجعل أعوانه خيار من ترضى من نظرائه من الفقهاء وأهل‬
‫الورع والنصيحة ل ولعباد ال‪ ،‬ليناظرهم فيما شبه عليه‪ ،‬ويلطف عليهم‬
‫لعلم ما غاب عنه‪ ،‬ويكونون شهداء على قضائه بين الناس إن شاء ال‪ .‬ثم‬
‫حملة الخبار لطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه )‪ (8‬ل يختلفون ول‬
‫يتدابرون في حكم ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وآله فإن الختلف‬
‫في الحكم إضاعة للعدل وغرة في الدين )‪ (9‬وسبب من الفرقة‪ .‬وقد بين‬
‫ال ما يأتون وما ينفقون وأمر‬

‫)‪ (1‬الشراف على الشئ‪ :‬الطلع عليه من فوق‪ (2) .‬أي ينبغى له التأمل في الحكم‬
‫فل يكتفى بما يبدو له باول فهم‪ (3) .‬التبرم‪ :‬الضجر‪ .‬والملل‪(4) .‬‬
‫وأصرمهم‪ :‬أقطعهم للخصومة عند وضوح الحكم‪ (5) .‬ل يزدهيه‪ :‬افتعال‬
‫من الزهو‪ :‬العجب والفخر‪ .‬والطراء‪ :‬المبالغة في المدح أي ل تحمله‬
‫على الكبر والعجب ول يستخفه زيادة الثناء عليه‪ .‬وفى النهج " ول‬
‫يستميله اغراء "‪ (6) .‬تعهد‪ :‬تفقد وتحفظ‪ (7) .‬يزيح‪ :‬يبعد ويزول وفى‬
‫النهج " يزيل "‪ .‬أي وسع له حتى يكون ما يأخذه كافيا لمعيشته‪(8) .‬‬
‫كذا‪ .‬وفى بعض النسخ " حملة الختيار " وفى بعضها " حمل الختيار‬
‫"‪ .‬ولعل الصحيح " ثم اختيار حملة الخبار لطرافك قضاة تجتهد فيه‬
‫نفوسهم "‪ (9) .‬الغرة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الغفلة‪.‬‬
‫]‪[252‬‬

‫برد مال يعلمون إلى من استودعه ال علم كتابه‪ ،‬واستحفظه الحكم فيه‪ ،‬فإنما‬
‫اختلف القضاة في دخول البغي بينهم واكتفاء كل امرء منهم برأيه دون‬
‫من فرض ال وليته‪ ،‬وليس يصلح الدين ول أهل الدين على ذلك‪ .‬ولكن‬
‫على الحاكم أن يحكم بما عنده من الثر والسنة‪ ،‬فإذا أعياه ذلك )‪ (1‬رد‬
‫الحكم إلى أهله فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له‬
‫ترك ذلك إلى غيره‪ ،‬وليس لقاضيين من أهلة الملة أن يقيما على اختلف‬
‫في ]ا‍ل[ حكم دون ما رفع ذلك إلى ولي المر فيكم فيكون هو الحاكم بما‬
‫علمه ال‪ ،‬ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما‪ ،‬فانظر في ذلك‬
‫نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الشرار يعمل فيه بالهوى‬
‫وتطلب به الدنيا‪ ،‬واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا‬
‫فيه على حقوقه‪ .‬ثم تصفح تلك الحكام فما وافق كتاب ال وسنة نبيه‬
‫والثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه‪ ،‬وما اشتبه عليك فاجمع له‬
‫الفقهاء بحضرتك فناظرهم فيه ثم أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء‬
‫بحضرتك من المسلمين فان كل أمر اختلف فيه الرعية مردود إلى حكم‬
‫المام وعلى المام الستعانة بال والجتهاد في إقامة الحدود وجبر الرعية‬
‫على أمره‪ ،‬ول قوة إل بال‪ .‬ثم انظر إلى أمور عمالك‪ ،‬واستعملهم اختبارا‪،‬‬
‫ول تولهم امورك محاباة )‪ (2‬وأثرة‪ ،‬فإن المحاباة والثرة جماع الجور‬
‫والخيانة‪ ،‬وإدخال الضرورة على الناس وليست تصلح المور بالدغال )‬
‫‪ (3‬فاصطف لولية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة‪ ،‬وتوخ منهم أهل‬
‫التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في السلم‪ ،‬فإنهم أكرم‬
‫أخلقا‪ ،‬وأصح أعراضا‪ ،‬وأقل في المطامع إشرافا‪،‬‬

‫)‪ (1‬أعياه‪ :‬أعجزه ولم يهتد لوجه مراده‪ " (2) .‬محاباة " أي اختصاصا وميل‪.‬‬
‫والثرة ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬اختصاص المرء نفسه بأحسن الشئ دون غيره‬
‫ويعمل كيف يشاء‪ ،‬يعنى استعمل عمالك بالختبار والمتحان ل اختصاصا‬
‫واستبدادا‪ (3) .‬الدغال‪ :‬الفساد وادخال في المر بما يخالفه ويفسده‪.‬‬
‫)*(‬

‫]‪[253‬‬

‫وأبلغ في عواقب المور نظرا من غيرهم‪ ،‬فليكونوا أعوانك على ما تقلدت‪ .‬ثم أسبغ‬
‫عليهم في العمالت ووسع عليهم في الرزاق فإن في ذلك قوة لهم على‬
‫استصلح أنفسهم وغنى ]لهم[ عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن‬
‫خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك )‪ .(1‬ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون عليهم‬
‫من أهل الصدق والوفاء‪ ،‬فإن تعهدك في السر أمورهم حدوة لهم )‪ (2‬على‬
‫استعمال المانة والرفق بالرعية‪ ،‬وتحفظ من العوان‪ ،‬فإن أحد منهم بسط‬
‫يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا‪ ،‬فبسطت عليه‬
‫العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله‪ ،‬ثم نصبته بمقام المذلة‬
‫فوسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة‪ .‬وتفقد ما يصلح أهل الخراج )‪ (3‬فإن‬
‫في صلحه وصلحهم صلحا لمن سواهم ول صلح لمن سواهم إل بهم‬
‫لن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله‪ ،‬فليكن نظرك في عمارة الرض‬
‫أبلغ من نظرك في استجلب الخراج فإن الجلب ل يدرك إل بالعمارة‪ ،‬ومن‬
‫طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلد وأهلك العباد ولم يستقم له أمره إل‬
‫قليل‪ ،‬فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك ومرهم فليعلموك حال بلدهم‬
‫وما فيه صلحهم ورخاء جبايتهم )‪ (4‬ثم سل عما يرفع إليك أهل العلم به‬
‫من غيرهم‪ ،‬فان كانوا شكوا ثقل )‪ (5‬أو علة من انقطاع شرب أو إحالة‬
‫أرض اغتمرها‬

‫)‪ (1‬أي نقصوا وخانوا في أدائها وأحدثوا فيها‪ (2) .‬الحدوة‪ :‬السوق والحث‪(3) .‬‬
‫في النهج " وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله "‪ (4) .‬الجباية‪ :‬الخراج‪) .‬‬
‫‪ (5‬أي من الخراج أو علة اخرى كانقطاع الشرب )بالكسر أي النصيب‬
‫من الماء( أو احالة أرض يعنى تغييرها عما كانت عليه من الستواء‬
‫لجل الغتمرار أي النغماس في الماء بالغرق فلم ينجب زرعها ول أثمر‬
‫نخلها‪ .‬وقوله‪ " :‬أو أجحف بهم " أي ذهب بمادة الغذاء من الرض فلم‬
‫تنبت‪.‬‬

‫]‪[254‬‬

‫غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خففت عنهم ما ترجو أن يصلح ال به أمرهم‬
‫وإن سألوا معونة على إصلح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مؤونته‪،‬‬
‫فان عاقبة كفايتك إياهم صلحا‪ ،‬فل يثقلن عليك شئ خففت به عنهم‬
‫المؤونات‪ ،‬وفانه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلدك وتزيين وليتك مع‬
‫إقتنائك مودتهم وحسن نياتهم )‪ (1‬واستفاضة الخير وما يسهل ال به من‬
‫جلبهم )‪ ،(2‬فان الخراج ل يستخرج بالكد والتعاب مع أنها عقد تعتمد‬
‫عليها إن حدث حدث كنت عليهم معتمدا لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من‬
‫الحمام )‪ (3‬والثقة منهم بما عودتهم من عدلك ورفقك ومعرفتهم بعذرك‬
‫فيما حدث من المر الذي اتكلت به عليهم فاحتملوه بطيب أنفسهم‪ ،‬فان‬
‫العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الرض لعواز )‪ (4‬أهلها‬
‫وإنما يعوز أهلها لسراف الولة )‪ (5‬وسوء ظنهم بالبقاء‪ ،‬وقلة انتفاعهم‬
‫بالعبر‪ .‬فاعمل فيما وليت عمل من يحب أن يدخر حسن الثناء من الرعيه‬
‫والمثوبة من ال والرضا من المام‪ .‬ول قوة إل بال‪ .‬ثم انظر في حال‬
‫كتابك فاعرف حال كل امرء منهم فيما يحتاج إليه منهم فاجعل لهم منازل‬
‫ورتبا‪ ،‬فول على امورك خيرهم‪ ،‬واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكيدتك‬
‫وأسرارك بأجمعهم )‪ (6‬لوجوه صالح الدب ممن يصلح للمناظرة في‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " نيتهم "‪ .‬وفى النهج " مع استجلبك حسن ثنائهم وتبجحك‬
‫باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم "‪ (2) .‬في‬
‫بعض النسخ " حليهم "‪ (3) .‬كذا وفى بعض النسخ " الجمام " وفى‬
‫النهج " من اجمامك " والجمام‪ :‬الراحة‪ (4) .‬فان العمران ما دام قائما‬
‫فكل ما حملت أهله سهل عليهم أن يحملوه‪ .‬والعواز‪ :‬الفقر والحاجة‪) .‬‬
‫‪ (5‬في النهج " لشراف أنفس الولة على الجمع "‪ .‬أي لتطلع أنفسهم‬
‫إلى جمع المال‪ (6) .‬باجمعهم متعلق باخصص‪ ،‬أي ما يكون من رسائلك‬
‫حاويا لشئ من المكائد و السرار فاخصصه بمن كان ذا أخلق وصلح‬
‫ورأى ونصيحة وذهن وغير ذلك من الوصاف ‪< -‬‬

‫]‪[255‬‬

‫جلئل المور من ذوي الرأي والنصيحة والذهن‪ ،‬أطواهم عنك لمكنون السرار‬
‫كشحا ممن ل تبطره الكرامة ول تمحق به الدالةفيجترى بها عليك في خلء‬
‫أو يلتمس إظهارها في ملء‪ ،‬ول تقصر به الغفلة )‪ (1‬عن إيراد كتب‬
‫الطراف عليك‪ ،‬و إصدار جواباتك على الصواب عنك‪ ،‬وفيما يأخذ ]لك[‬
‫ويعطى منك‪ ،‬ول يضعف عقدا اعتقده لك‪ ،‬ول يعجز عن إطلق ما عقد‬
‫عليك‪ ،‬ول يجهل مبلغ قدر نفسه في المور‪ ،‬فإن الجاهل بقدر نفسه يكون‬
‫بقدر غيره أجهل‪ .‬وول ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتب خرجك‬
‫ودواوين جنودك قوما تجتهد نفسك في اختيارهم‪ ،‬فإنها رؤوس أمرك‬
‫أجمعها لنفعك وأعمها لنفع رعيتك‪ .‬ثم ل يكن اختيارك إياهم على فراستك‬
‫واستنامتك )‪ (2‬وحسن الظن بهم‪ ،‬فإن الرجال يعرفون فراساة الولة‬
‫بتضرعهم وخدمتهم )‪ (3‬وليس وراء ذلك من النصيحة والمانة ]شئ[‪.‬‬
‫ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فأعمد لحسنهم كان في العامة أثرا‬
‫وأعرفهم فيها بالنبل والمانة )‪ (4‬فإن ذلك دليل على نصيحتك ل ولمن‬
‫وليت أمره‪ ،‬ثم مرهم بحسن الولية ولين الكلمة واجعل لرأس كل أمر من‬
‫امورك رأسا منهم‪ ،‬ل يقهره كبيرها )‪ (5‬ول يتشتت عليه كثيرها‪ ،‬ثم تفقد‬
‫ما غاب عنك من حالتهم وامور من يرد عليك رسله وذوي الحاجة وكيف‬
‫وليتهم وقبولهم وليهم‬

‫‪ < -‬المذكورة‪ .‬وطوى الحديث‪ :‬كتمه‪ .‬وطوى كشحا عنه أي أعرض عنه وقاطعه‪.‬‬
‫وبطر الرجل يبطر بطرا ‪ -‬محركة ‪ -‬إذا دهش وتحير في الحق‪ .‬وبالمر‬
‫ثقل به‪ .‬وبطره النعمة‪ :‬أدهشهالدالة‪ :‬الجرأة‪ (1) .‬أي ول تكون غفلته‬
‫موجبة لتقصيره في اطلعك على ما يرد من أعمالك ول في اصدار‬
‫الجوبة عنه على وجه الصواب‪ (2) .‬الفراسة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬حسن النظر‬
‫في المور‪ .‬والستنامة‪ .‬السكون والستيناس أي ل يكون انتخاب الكتاب‬
‫تابعا لميلك الخاص‪ (3) .‬وفى النهج " بتصنعهم وحسن خدمتهم "‪(4) .‬‬
‫النبل ‪ -‬بالضم ‪ .-‬الذكاء و‪ :‬النجابة والفضل‪ (5) .‬أي ل يقهره عظيم تلك‬
‫العمال ول يخرج عن ضبطه كثيرها‪.‬‬

‫]‪[256‬‬

‫وحجتهم )‪ (1‬فإن التبرم والعز والنخوة من كثير من الكتاب إل من عصم ال‪ .‬وليس‬
‫للناس بد من طلب حاجاتهم‪ ،‬ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه‬
‫ألزمته )‪ (2‬أو فضل نسب إليك مع مالك عند ال في ذلك من حسن الثواب‪.‬‬
‫ثم التجار وذوي الصناعات فاستوص وأوص بهم خيرا‪ ،‬المقيم منهم‬
‫والمضطرب بماله )‪ (3‬والمترفق بيده فانهم مواد للمنافع وجلبها في‬
‫البلد في برك وبحرك وسهلك وجبلك‪ ،‬وحيث ل يلتئم الناس لمواضعها )‬
‫‪ (4‬ول يجترئون عليها من بلد أعدائك من أهل الصناعات التي أجرى ال‬
‫الرفق منها على أيديهم‪ ،‬فاحفظ حرمتهم وآمن سبلهم‪ ،‬وخذلهم بحقوقهم‪،‬‬
‫فإنهم سلم ل يخاف بائقته )‪ (5‬وصلح ل تحذر غائلته‪ ،‬احب المور إليهم‬
‫أجمعها للمن‪ ،‬وأجمعها للسلطان‪ ،‬فتفقد امورهم بحضرتك وفي حواشي‬
‫بلدك‪ .‬واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا )‪ (6‬و شحا قبيحا‪،‬‬
‫واحتكارا للمنافع‪ ،‬وتحكما في البياعات‪ ،‬وذلك باب مضرة للعامة‪ ،‬و عيب‬
‫على الولية‪ ،‬فامنع الحتكار فإن رسول ال صلى ال عليه وآله نهى عنه‪،‬‬
‫وليكن البيع والشراء بيعا سمحا )‪ (7‬بموازين عدل وأسعار ل تجحف‬
‫بالفريقين مع البائع‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " وقبولهم ولينهم وحجتهم "‪ .‬والتبرم‪ :‬التضجر‪ (2) .‬تغابيت‬
‫أي تغافلت عن عيب في كتابك يكون ذلك العيب لصقا بك‪ (3) .‬المضطرب‬
‫بماله‪ :‬المتردد بأمواله في الطراف والبلدان‪ .‬والمترفق بيده‪ :‬المكتسب‬
‫به وأصله ما به يتم النتفاع كالدوات‪ .‬والجلب‪ :‬الذي يجلب الرزاق‬
‫والمتاع إلى البلدان‪ (4) .‬يلتئم‪ :‬يجتمع وينضم أي بحيث ل يمكن اجتماع‬
‫الناس في مواضع تلك المرافق ول يجترئون أي ول يكون لهم الجرأة‬
‫على القدام من تلك المكنة من بلد العداء‪ .‬والرفق ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬النفع‪) .‬‬
‫‪ (5‬البائقة‪ :‬الداهية والشر‪ .‬والغائلة‪ :‬الفتنة والفساد والشر‪ .‬أي فان‬
‫التجار و الصناع مسالمون ول تخشى منهم فتنة ول داهية‪ (6) .‬الضيق‪:‬‬
‫عسر المعاملة‪ .‬البياعات‪ :‬جمع بياعة‪ :‬ما يباع‪ (7) .‬السمحة‪ :‬السهلة‬
‫التى ل ضيق فيها وبيع السماح‪ :‬ما كان فيه تساهل في بخس الثمن وفى‬
‫الخبر " السماح رباح " أي المساهلة في الشياء تربح صاحبها‪.‬‬

‫]‪[257‬‬

‫والمبتاع )‪ .(1‬فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكل وعاقب في غير إسراف‪ .‬فإن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله فعل ذلك‪ .‬ثم أل ال في الطبقة السفلى من الذين ل‬
‫حيلة لهم والمساكين والمحتاجين و ذوي البؤس والزمنى )‪ ،(2‬فإن في‬
‫هذه الطبقة قانعا ومعترا )‪ (3‬فاحفظ ال ما استحفظك من حقه فيها واجعل‬
‫لهم قسما من غلت صوافي السلم )‪ (4‬في كل بلد‪ ،‬فإن للقصى منهم مثل‬
‫الذي للدنى‪ ،‬وكل قد استرعيت حقه فل يشغلنك عنهم نظر )‪ (5‬فإنك ل‬
‫تعذر بتضييع الصغير لحكامك الكبير المهم )‪ ،(6‬فل تشخص همك عنهم‪،‬‬
‫ول تصعر خدك لهم وتواضع ل يرفعك ال )‪ (7‬واخفض جناحك للضعفاء‬
‫واربهم )‪ (8‬إلى ذلك منك حاجة وتفقد من امورهم ما ل يصل إليك منهم‬
‫ممن تقتحمه العيون )‪ (9‬وتحقره الرجال‪ ،‬ففرغ لولئك ثقتك )‪ (10‬من أهل‬
‫الخشية والتواضع‬

‫)‪ (1‬المبتاع‪ :‬المشترى‪ .‬وقارف‪ :‬أي فعل وقارب وخالط‪ .‬والحكرة ‪ -‬بالضم‪ :‬اسم من‬
‫الحتكار‪ (2) .‬البؤس ‪ -‬بضم الباء ‪ -‬وفى النهج " البؤسى " ‪ -‬كصغرى‬
‫‪ :-‬شدة الفقر‪ .‬والزمنى ‪ -‬بالفتح جمع زمن ‪ -‬ككتف ‪ :-‬المصاب بالزمانة ‪-‬‬
‫بالفتح ‪ -‬وهى العاهة وتعطيل القوى و عدم بعض العضاء‪ (3) .‬القانع ‪-‬‬
‫من قنع بالكسر كعلم ‪ .-‬إذا رضى بما معه وما قسم له‪ .‬ومن قنع بالفتح‬
‫كمنع إذا سأل وخضع‪ .‬والمعتر ‪ -‬بتشديد الراء‪ ،‬المتعرض للعطاء من غير‬
‫أن يسأل‪ (4) .‬الصوافى‪ .‬جمع صافية‪ :‬الرض التى جل عنها أهلها أو‬
‫ماتوا ول وارث لهم‪ .‬وصوافى السلم هي ارض الغنيمة‪ .‬وغلت‪ :‬جمع‬
‫غلة وهى الدخل الذى يحصل من الزرع‪ .‬والتمر واللبن والجارة والبناء‬
‫ونحو ذلك وغلت صوافي السلم‪ :‬ثمراتها‪ (5) .‬في النهج " بطر "‪) .‬‬
‫‪ (6‬في بعض النسخ " الكثير المهم "‪ " .‬فل تشخص " أي ل تصرف‬
‫اهتمامك عن ملحظة شؤونهم‪ (7) .‬والصعر‪ :‬الميل في الخد اعجابا‬
‫وكبرا أي ل تعرض بوجهك عنهم‪ (8) .‬كذا‪ .‬وفى نسخة " ارئهم "‪(9) .‬‬
‫تقتحمة العيون‪ :‬تكره أن تنظر إليه احتقارا‪ " (10) .‬ففرغ " أي فاجعل‬
‫للتفحص عنهم وعن حالهم أشخاصا ممن تثق بهم يتفرغون أنفسهم‬
‫لمعرفة أحوالهم ويبذلون جهدهم فيهم‪.‬‬

‫]‪[258‬‬
‫فليرفع إليك امورهم‪ ،‬ثم اعمل فيهم بالعذار إلى ال يوم تلقاه‪ ،‬فإن هؤلء أحوج‬
‫إلى النصاف من غيرهم وكل فأعذر إلى ال في تأدية حقه إليه‪ ،‬وتعهد أهل‬
‫اليتم والزمانة والرقة في السن‪ ،‬ممن ل حيلة له ول ينصب للمسألة نفسه‪،‬‬
‫فاجر لهم أرزاقا فإنهم عباد ال فتقرب إلى ال بتخلصهم‪ ،‬وضعهم‬
‫مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم‪ ،‬فإن العمال تخلص بصدق النيات‪ ،‬ثم إنه‬
‫ل تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلى أنك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب‬
‫دون مشافهتك بالحاجات )‪ (1‬وذلك على الولة ثقيل‪ .‬والحق كله ثقيل‪ .‬وقد‬
‫يخففه ال على أقوام طلبوا العاقبة )‪ (2‬فصبروا نفوسهم ووثقوا بصدق‬
‫موعود ال لمن صبر واحتسب فكن منهم واستعن بال واجعل لذوي‬
‫الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وذهنك من كل شغل‪ ،‬ثم تأذن‬
‫لهم عليك وتجلس لهم مجلسا تتواضع فيه ل الذي رفعك وتقعد عنهم‬
‫جندك وأعوانك )‪ (3‬من أحراسك وشرطك تخفض لهم في مجلسك ذلك‬
‫جناحك وتلين لهم كنفك )‪ (4‬في مراجعتك ووجهك حتى يكلمك متكلمهم‬
‫غير متعتع )‪ ،(5‬فإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول في غير‬
‫موطن‪ " :‬لن تقدس امة ل يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع‬
‫"‪ .‬ثم احتمل الخرق منهم والعي )‪ (6‬ونح عنك الضيق‬

‫)‪ (1‬المشافهة‪ :‬المخاطبة بالشفه أي من فيه إلى فيه والمراد حضورهم‪ (2) .‬في‬
‫بعض النسخ " العافية "‪ (3) .‬تأمر بأن يقعد عنهم ول يتعرض لهم‪.‬‬
‫والحراس‪ :‬جمع حارس وهو من يحرس الحاكم من وصول المكروه‬
‫إليه‪ .‬أي أعوان الحاكم‪ .‬والشرط ‪ -‬بضم ففتح ‪ :-‬جمع شرطة ‪ -‬بضم‬
‫فسكون ‪ -‬وهم طائفة من أعوان الولة وسموا بذلك لنهم اعلموا أنفسهم‬
‫بالعلمات يعرفون بها‪ .‬وهم المعروفون الن بالضابطة‪ (4) .‬الكنف ‪-‬‬
‫بالتحريك ‪ -‬الجانب‪ ،‬الظل‪ (5) .‬التعتعة في الكلم‪ :‬التردد فيه من عى أو‬
‫عجز والمراد غير خائف منك ومن أعوانك وفى النهج " غير متتعتع "‬
‫في الموضعين ولعله أصح‪ (6) .‬الخرق ‪ -‬بالضم ‪ :-‬العنف‪ .‬والعى بالكسر‬
‫‪ :-‬العجز عن النطق أي اطق واصبر‪ ،‬ل تضجر من هذا ول تغضب لذاك‪.‬‬

‫]‪[259‬‬

‫والنف )‪ (1‬يبسط ال عليك أكناف رحمته )‪ (2‬ويوجب لك ثواب أهل طاعته‪ ،‬فأعط‬
‫ما أعطيت هنيئا )‪ (3‬وامنع في إجمال وإعذار وتواضع هناك‪ ،‬فان ال يحب‬
‫المتواضعين ؟ ؟ وليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانبا‪ ،‬وأحسنهم مراجعة‪،‬‬
‫وألطفهم بالضعفاء‪ ،‬إن شاء ال‪ .‬ثم إن امورا من امورك ل بد لك من‬
‫مباشرتها‪ ،‬منها إحابة عمالك ما يعيى عنه كتابك )‪ ،(4‬ومنها إصدار‬
‫حاجات الناس في قصصهم‪ ،‬ومنها معرفة ما يصل إلى الكتاب والخزان مما‬
‫تحت أيديهم‪ ،‬فل تتوان فيما هنالك ول تغتنم تأخيره واجعل لكل أمر منها‬
‫من يناظر فيه ولته بتفريغ لقلبك وهمك‪ ،‬فكلما أمضيت أمرا فأمضه بعد‬
‫التروية )‪ (5‬ومراجعة نفسك ومشاورة ولي ذلك‪ ،‬بغير احتشام ول رأي )‬
‫‪ (6‬يكسب به عليك نقيضه‪ .‬ثم أمض لكل يوم علمه فان لكل يوم ما فيه‪،‬‬
‫واجعل لنفسك فيما بينك وبين ال أفضل تلك المواقيت‪ ،‬وأجزل تلك القسام‬
‫)‪ (7‬وإن كانت كلها ل إذا صحت فيها النية )‪ (8‬وسلمت منها الرعية‪،‬‬
‫وليكن في خاص ما تخلص ل به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة‪،‬‬
‫فأعط ال من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب‪ ،‬فان ال جعل النافلة لنبيه‬
‫خاصة دون خلقه فقال‪ " :‬ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى‬

‫)‪ (1‬المراد بالضيق‪ :‬ضيق الصدر من هم أو سوء خلق‪ .‬والنف ‪ -‬بالتحريك ‪:-‬‬
‫الستكبار والترفع‪ .‬أي بعد عن نفسك هذا وذلك‪ (2) .‬الكناف‪ :‬الطراف‪.‬‬
‫)‪ (3‬هنيئا‪ :‬سهل لينا أي ل تخشنه وإذا منعت فامنع بلطف وعذر‪ (4) .‬أي‬
‫يعجز عنه‪ (5) .‬التروية‪ :‬النظر في المر والتفكر فيه‪ (6) .‬الحتشام من‬
‫الحشمة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الستحياء والنقباض والغضب‪ (7) .‬أجزل‪ :‬أعظم‪) .‬‬
‫‪ (8‬في النهج " إذا صلحت "‪.‬‬

‫]‪[260‬‬

‫أن يبعثك ربك مقاما محمودا " )‪ (1‬فذلك أمر اختص ال به نبيه وأكرمه به ليس‬
‫لحد سواه وهو لمن سواه تطوع فإنه يقول‪ " :‬ومن تطوع خيرا فان ال‬
‫شاكر عليم )‪ " (2‬فوفر ما تقربت به إلى ال وكرمه وأد فرائضه إلى ال‬
‫كامل غير مثلوب ول منقوص )‪ (3‬بالغا ذلك من بدنك ما بلغ‪ .‬فإذا قمت في‬
‫صلتك بالناس فل تطولن ول تكونن منفرا ول مضيعا )‪ (4‬فان في الناس‬
‫من به العلة وله الحاجة‪ ،‬وقد سألت رسول ال صلى ال عليه وآله حين‬
‫وجهني إلى اليمن‪ :‬كيف اصلي بهم ؟ فقال‪ " :‬صل بهم كصلة أضعفهم‬
‫وكن بالمؤمنين رحيما "‪ .‬وبعد هذا )‪ (5‬فل تطولن احتجابك عن رعيتك‪.‬‬
‫فإن احتجاب الولة عن الرعية شعبة من الضيق‪ ،‬وقلة علم بالمور‪.‬‬
‫والحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير‪ ،‬ويعظم‬
‫الصغير‪ ،‬ويقبح الحسن‪ ،‬ويحسن القبيح‪ ،‬ويشاب الحق بالباطل )‪ (6‬وإنما‬
‫الوالي بشر ل يعرف ما توارى عنه الناس به من المور و ليست على‬
‫القول سمات )‪ (7‬يعرف بها الصدق من الكذب‪ ،‬فتحصن من الدخال في‬
‫الحقوق بلين الحجاب )‪ (8‬فإنما أنت أحد رجلين‪ :‬إما امرء سخت نفسك‬
‫بالبذل في الحق ففيم احتجابك‪ ،‬من واجب حق تعطيه ؟ أو خلق كريم تسديه‬
‫؟ وإما مبتلى‬
‫)‪ (1‬سورة السراء‪ (2) .81 :‬سورة البقرة‪ .153 :‬وفى النهج ]ووف ما تقربت[‪) .‬‬
‫‪ (3‬المثلوب‪ :‬المعيوب‪ .‬وفى النهج " المثلوم " أي المخدوش‪ .‬وبالغا أي‬
‫وان بلغ من اتعاب بدنك أي مبلغ‪ (4) .‬أي بالتطول والتنقص‪ .‬والمطلوب‬
‫المتوسط‪ (5) .‬وفى النهج " وأما بعد "‪ (6) .‬يشاب‪ :‬يخلط‪ (7) .‬سمات‪:‬‬
‫جمع سمة ‪ -‬بكسر السين ‪ :-‬العلمة‪ .‬وفى النهج " وليست على الحق‬
‫سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب "‪ (8) .‬الدخال في الحقوق‪:‬‬
‫الفساد فيها‪ .‬ومن المحتمل " الدغال في الحقوق "‪.‬‬

‫]‪[261‬‬

‫بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات‬
‫الناس إليك مال مؤونة عليك فيه من شكاية مظلمة أو طلب إنصاف‪ .‬فانتفع‬
‫بما وصفت لك واقتصر فيه على حظك ورشدك إن شاء ال‪ .‬ثم إن للملوك‬
‫خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف )‪ (1‬فاحسم مادة أولئك‬
‫بقطع أسباب تلك الشياء‪ ،‬ول تقطعن لحد من حشمك ول حامتك قطيعة )‬
‫‪ (2‬ول تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو‬
‫عمل مشترك يحملون مؤونتهم على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك‬
‫وعيبه عليك في الدنيا والخرة )‪ (3‬عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت‬
‫المور وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد‪ ،‬وكن في ذلك صابرا‬
‫محتسبا‪ ،‬وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه )‪(4‬‬
‫فان مغبة ذلك محمودة‪ .‬وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك )‪(5‬‬
‫واعدل عنك ظنونهم‬

‫)‪ (1‬الستئثار‪ :‬تقديم النفس على الغير‪ .‬والتطاول‪ :‬الترفع والتكبر‪ (2) .‬الحسم‪:‬‬
‫القطع‪ .‬والحشم ‪ -‬محركة ‪ :-‬الخدم‪ .‬وفى النهج " حاشيتك "‪ .‬والحامة‬
‫الخاصة‪ .‬والقطيعة ‪ -‬من القطاع ‪ :-‬المنحة من الرض‪ (3) .‬العقدة‪:‬‬
‫الولية على البلد‪ ،‬وما يمسك الشئ ويوثقه‪ ،‬وموضع العقد وهو ما عقد‬
‫عليه والضيعة‪ ،‬والعقار الذى اعتقده صاحبه ملكا‪ ،‬والبيعة المعقودة لهم‪،‬‬
‫والمكان الكثير الشجر أو النخل والكلء الكافي للبل‪ .‬وفى النهج هكذا "‬
‫ول تقطعن لحد من حاشيتك و حامتك قطيعة ول يطمعن منك في اعتقاد‬
‫عقدة تضر بمن يليها من الناس "‪ .‬والمهنأ‪ ،‬ما يأتيك بل مشقة والمنفعة‬
‫الهنيئة‪ (4) .‬في النهج " واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ‬
‫عاقبته بما يثقل عليك منه "‪ .‬والمغبة‪ :‬العاقبة‪ (5) .‬الحيف‪ :‬الظلم‪.‬‬
‫والصحار‪ :‬البراز والظهار‪ .‬أي إذا فعلت فعل وظنت الرعية أنه ظلم‬
‫فأبرز لهم عذرك وبينه‪ .‬وعدل عنه‪ :‬نحاه عنه‪.‬‬
‫]‪[262‬‬

‫بإصحارك‪ ،‬فان تلك رياضة منك لنفسك‪ ،‬ورفق منك برعيتك‪ ،‬وإعذار تبلغ فيه‬
‫حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض وإجمال )‪ .(1‬ل تدفعن صلحا‬
‫دعاك إليه عدوك فيه رضى )‪ (2‬فان في الصلح دعة لجنودك وراحة من‬
‫همومك وأمنا لبلدك‪ ،‬ولكن الحذر كل الحذر )‪ (3‬من مقاربة عدوك في‬
‫طلب الصلح فان العدو ربما قارب ليتغفل‪ ،‬فخذ بالحزم وتحصن كل مخوف‬
‫تؤتي منه‪ .‬وبال الثقة في جميع المور‪ .‬وإن لجت بينك )‪ (4‬وبين عدوك‬
‫قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع‬
‫ذمتك بالمانة واجعل نفسك جنة دونه )‪ (5‬فانه ليس شئ من فرائض ال‬
‫جل وعز الناس أشد عليه اجتماعا في تفريق أهوائهم‪ ،‬وتشتيت أديانهم من‬
‫تعظيم الوفاء بالعهود )‪ (6‬وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون‬
‫المسلمين لما استوبلوا )‪ (7‬من الغدر والختر‪ ،‬فل تغدرن بذمتك ول تخفر‬
‫بعهدك )‪ (8‬ول تختلن عدوك‪ ،‬فانه ل يجترئ على ال إل جاهل‪ ،‬قد جعل‬
‫ال عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته )‪ (9‬وحريما يسكنون إلى‬
‫منعته‪ ،‬ويستفيضون به‬

‫)‪ (1‬الخفض‪ :‬السكون والدعة‪ (2) .‬في النهج " ول فيه رضى "‪ (3) .‬في النهج "‬
‫ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه "‪ (4) .‬اللجاج‪ :‬العناد‬
‫والخصومة‪ .‬لج في المر‪ :‬لزمه وأبى أن ينصرف عنه‪ (5) .‬أي دون ما‬
‫أعطيت‪ ،‬كما في النهج‪ (6) .‬الناس مبتدأ وخبره أشد والجملة خبر ليس‪،‬‬
‫يعنى ان الناس مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم لم يجتمعوا على فريضة‬
‫أشد اهتماما من اجتماعهم على تعظيم الوفاء بالعهود حتى أن المشركين‬
‫التزموا به مع أنهم ليسوا من المسلمين‪ (7) .‬استوبلوا‪ :‬استوخموا من‬
‫عواقب الغدر والختر وهو الغدر أيضا‪ (8) .‬فل تخفر أي فل تنقض بعهدك‬
‫وفى النهج " ول تخيسن " من خاس بعهده أي خانه ونقضه‪(9) .‬‬
‫الفضاء أصله التساع وهنا محار ويراد به الفشاء والنتشار‪ .‬والحريم‪:‬‬
‫ما حرم أن يمس‪ .‬والمنعة‪ :‬القوة التى تمنع من يريد باحد سوءا‪.‬‬

‫]‪[263‬‬

‫إلى جواره‪ ،‬فل خداع‪ ،‬ول مدالسة‪ ،‬ول إذ عال فيه )‪ .(1‬فل يدعونك ضيق أمر‬
‫لزمك فيه عهد ال على طلب انفساخه‪ ،‬فان صبرك على ضيق ترجو‬
‫انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته )‪ (2‬وأن تحيط بك من ال‬
‫طلبة ]فيه[‪ ،‬ول تستقيل فيها دنياك ول آخرتك‪ .‬وإياك والدماء وسفكها‬
‫بغير حلها فانه ليس شئ أدعى لنقمة‪ ،‬ول أعظم لتبعة ول أحرى لزوال‬
‫نعمة‪ ،‬وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق‪ .‬وال مبتدء بالحكم بين‬
‫العباد فيما يتسافكون من الدماء‪ ،‬فل تصونن سلطانك )‪ (3‬بسفك دم حرام‪،‬‬
‫فان ذلك يخلقه ويزيله‪ ،‬فإياك والتعرض لسخط ال فان ال قد جعل لولي‬
‫من قتل مظلوما سلطانا قال ال‪ " :‬ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه‬
‫سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا )‪ " (4‬ول عذر لك عند ال‬
‫ول عندي في قتل العمد لن فيه قود البدن )‪ .(5‬فان ابتليت بخطأ وفرط‬
‫عليه سوطك أو يدك لعقوبة فان في الوكزة فما فوقها مقتلة فل تطمحن بك‬
‫نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أهل المقتول حقهم دية مسلمة يتقرب بها‬
‫إلى ال زلفى )‪ .(6‬إياك والعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب‬
‫الطراء‪ ،‬فإن‬

‫)‪ (1‬المدالسة‪ :‬الخيانة‪ .‬والدغال‪ :‬الفساد‪ (2) .‬التبعة‪ :‬ما يترتب على الفعل من‬
‫الخير أو الشر واستعماله في الشر أكثر‪ .‬و " أن تحيط " عطف على‬
‫تبعة‪ .‬والطلبة اسم من المطالبة أي وتخاف أن تتوجه عليك من ال‬
‫مطالبة بحقه في الوفاء الذى غدرته ول يمكن أن تسأل ال أن يقيلك من‬
‫هذه المطالبة بعفوه عنك‪ (3) .‬في النهج " ول تقوين سلطانك "‪(4) .‬‬
‫سورة السرى‪ (5) .43 :‬القود ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬القصاص‪ " (6) .‬فرط‬
‫عليه " عجل بما لم تكن تريده أي أردت تأديبا فاعقب قتل‪ .‬والوكزة‪:‬‬
‫الضربة بجمع الكف‪ .‬وهى تعليل‪ :‬لقوله " وفرط عليه "‪ .‬قوله‪ " :‬فل‬
‫تطمحن " جواب الشرط أي ل يرتفعن بك كبرياء السلطان عن تأدية الدية‬
‫إلى أهل المقتول في القتل الخطاء‪.‬‬

‫]‪[264‬‬

‫ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه )‪ (1‬ليمحق ما يكون من إحسان المحسن‪.‬‬


‫وإياك والمن على رعيتك بإحسان أو التزيد فيما كان من فعلك )‪ (2‬أو‬
‫تعدهم فتتبع موعدك بخلفك أو التسرع إلى الرعية بلسانك )‪ (3‬فان المن‬
‫يبطل الحسان )‪ (4‬والخلف يوجب المقت‪ ،‬وقد قال ال جل ثناؤه‪ " :‬كبر‬
‫مقتا عند ال أن تقولوا مال تفعلون " )‪ .(5‬إياك والعجلة بالمور قبل‬
‫أوانها‪ ،‬والتساقط فيها عند زمانها )‪ (6‬واللجاجة فيها إذا تنكرت )‪(7‬‬
‫والوهن فيها إذا أوضحت‪ ،‬فضع كل أمر موضعه‪ ،‬وأوقع كل عمل موقعه‪.‬‬
‫وإياك والستئثار بما للناس فيه السوة‪ ،‬والعتراض فيما يعنيك‪ ،‬والتغابي‬
‫عما يعنى به )‪ (8‬مما قد وضح لعيون الناظرين‪ ،‬فانه مأخوذ منك لغيرك‪،‬‬
‫وعما قليل تكشف عنك أغطية المور‪ ،‬ويبرز الجبار بعظمته‪ ،‬فينتصف‬
‫المظلومون من الظالمين‪ .‬ثم أملك حمية أنفك )‪ (9‬وسورة حدتك‪ ،‬وسطوة‬
‫يدك‪ ،‬وغرب لسانك‪ ،‬و‬
‫)‪ (1‬الطراء‪ :‬المبالغة في المدح والثناء‪ .‬الفرص‪ :‬جمع الفرصة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الوقت‬
‫المناسب للوصول إلى المقصد‪ (2) .‬التزيد ‪ -‬كالتقيد ‪ :-‬اظهار الزيادة‬
‫وتكلفها في العمال عن الواقع منها‪ (3) .‬التسرع‪ :‬المبادرة والتعجيل‪) .‬‬
‫‪ (4‬في النهج بعد هذه العبارة " والتزيد يذهب بنور الحق "‪ .‬والمقت‪:‬‬
‫السخط والبغض‪ (5) .‬سورة الصف‪ (6) .4 :‬التساقط‪ :‬تتابع السقوط‬
‫والمراد به هنا التهاون وقيل‪ :‬من ساقط الفرس إذا جاء مسترخيا وفى‬
‫النهج " التساقط فيها عند امكانها والوهن عنها إذا استوضحت "‪(7) .‬‬
‫أي لم يعرف وجه الصواب فيها‪ .‬والوهن‪ .‬الضعف‪ (8) .‬التغابى‪ :‬التغافل‬
‫عما يهتمم به و " يعنى " على صيغة المفعول‪ (9) .‬الحمية‪ :‬النفة‬
‫والنخوة وفلن حمى النف‪ :‬إذا كان ابيا يأنف الضيم‪ .‬والسورة بفتح‬
‫فسكون ‪ :-‬السطوة‪ .‬والحدة ‪ -‬بالفتح ‪ -‬من النسان‪ :‬بأسه وما يعتريه من‬
‫الغضب‪ .‬والغرب‪ :‬الحدة والنشاط وأيضا بمعنى الحد‪.‬‬

‫]‪[265‬‬

‫احترس كل ذلك بكف البادرة )‪ (1‬وتأخير السطوة‪ ،‬وارفع بصرك إلى السماء عند ما‬
‫يحضرك منه حتى يسكن غضبك فتملك الختيار‪ ،‬ولن تحكم ذلك من نفسك‬
‫حتى تكثر همومك بذكر المعاد )‪ .(2‬ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد‬
‫من صنوف ما لم آلك فيه رشدا إن أحب ال إرشادك وتوفيقك أن تتذكر ما‬
‫كان من كل ما شاهدت منا فتكون وليتك هذه من حكومة عادلة‪ ،‬أو سنة‬
‫فاضلة‪ ،‬أو أثر عن نبيك صلى ال عليه وآله‪ ،‬أو فريضة في كتاب ال‬
‫فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به منها‪ .‬وتجتهد نفسك في اتباع ما عهدت‬
‫إليك في عهدي و استوثقت من الحجة لنفسي‪ ،‬لكيل تكون لك علة عند‬
‫تسرع نفسك إلى هواها‪ ،‬فليس يعصم من السوء‪ ،‬ول يوفق للخير إل ال‬
‫جل ثناؤه‪ .‬وقد كان مما عهد إلي رسول ال صلى ال عليه وآله في‬
‫وصايته تحضيضا على الصلة والزكوة وما ملكت أيمانكم‪ ،‬فبذلك أختم لك‬
‫ما عهدت ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ .‬وأنا أسأل ال سعة‬
‫رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة )‪ (3‬أن يوفقني وإياك‬
‫لما فيه رضاه من القامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه )‪ (4‬مع حسن‬
‫الثناء في العباد وحسن الثر في البلد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة )‪(5‬‬
‫و أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة وإنا إليه راغبون والسلم على‬
‫رسول ال وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا‪ .‬جش‪ (6) :‬الصبغ بن‬
‫نباتة كان من خاصة أمير المؤمنين عليه السلم وعمر بعده‬

‫)‪ (1‬البادرة‪ :‬الحدة أو ما يبدر من اللسان عند الغضب من السب ونحوه‪ (2) .‬في‬
‫النهج " بذكر المعاد إلى ربك "‪ (3) .‬أي اعطاه كل سائل ما سأله‪ ،‬كانه‬
‫قال‪ :‬القادر على اعطاء كل سؤال‪ (4) .‬المراد من العذر الحجة الواضحة‬
‫العادلة‪ ،‬يعنى فانه حجة لك عند من قضيت عليه وعذر عند ال فيمن‬
‫اجريت عليه عقوبة أو حرمته من منفعة‪ (5) .‬أي زيادة الكرامة اضعافا‪.‬‬
‫)‪ (6‬الرجال ص ‪.7‬‬

‫]‪[266‬‬

‫روى عنه عهد الشتر ووصيته إلى محمد ابنه أخبرنا ابن الجندي‪ ،‬عن علي بن‬
‫همام عن الحميري‪ ،‬عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن الحسين بن علوان‪ ،‬عن‬
‫سعد بن طريف‪ ،‬عن الصبغ بالعهد‪ .‬ايضاح‪ :‬قوله عليه السلم )‪* .(1‬‬
‫)باب ‪) " * * (11‬وصيته عليه السلم لكميل بن زياد النخعي( " * ‪- 1‬‬
‫بشا‪ (2) :‬أخبرنا الشيخ أبو البقاء إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البصري‬
‫بقرأتي عليه في المحرم سنة ست عشر وخمسمائة بمشهد مولينا أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬عن أبي طالب محمد بن الحسن‬
‫بن عتبة‪ ،‬عن أبي الحسن محمد بن الحسين ابن أحمد‪ ،‬عن محمد بن‬
‫وهبان الدبيلي‪ ،‬عن علي بن أحمد بن كثير العسكري‪ ،‬عن أحمد بن أبي‬
‫سلمة محمد بن كثير )‪ (3‬عن أحمد بن أحمد بن الفضل الصفهاني‪ ،‬عن‬
‫أبي راشد بن علي بن وائل القرشي‪ ،‬عن عبد ال بن حفص المدني‪ ،‬عن‬
‫أبي )‪ (4‬محمد بن إسحاق‪ ،‬عن سعيد بن زيد بن أرطاة قال‪ :‬لقيت كميل بن‬
‫زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم فقال‪:‬‬
‫أل اخبرك بوصية أوصاني بها يوما هي خير لك من الدنيا بما فيها ؟ فقلت‪:‬‬
‫بلى فقال‪ :‬أوصاني يوما فقال لي‪ :‬يا كميل ابن زياد سم كل يوم باسم ال‬
‫ول حول ول قوة إل بال وتوكل على ال‪ ،‬واذكرنا‬

‫)‪ (1‬كان هنا بياض مقدار ورق‪ .‬وذلك لن عمر المؤلف ‪ -‬رضوان ال عليه ‪ -‬لم‬
‫يف بترصيف بعض مجلدات الكتاب وبيان مشكله وتوضيح معضله ومنها‬
‫هذا المجلد‪ (2) .‬بشارة المصطفى ص ‪ 29‬الطبعة الولى‪ (3) .‬في‬
‫المصدر عن على بن أحمد بن كثير العسكري‪ ،‬عن أحمد بن المفضل أبى‬
‫سلمة الصفهانى قال أخبرني أحمد بن راشد بن على بن وائل القرشى‪) .‬‬
‫‪ (4‬في المصدر " عن محمد بن اسحاق "‪.‬‬

‫]‪[267‬‬

‫وسم بأسمائنا‪ ،‬وصل علينا واستعذ بال ربنا وادرأ بذلك عن نفسك )‪ (1‬وما تحوطه‬
‫عنايتك )‪ (2‬تكف شر ذلك اليوم إن شاء ال‪ .‬يا كميل إن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله أدبه ال عزوجل وهو أدبني وأنا اؤدب المؤمنين واورث‬
‫الدب المكرمين‪ .‬يا كميل ما من علم إل وأنا أفتحه وما من سر إل والقائم‬
‫عليه السلم يختمه‪ .‬يا كميل ذرية بعضها من بعض وال سميع عليم‪ .‬يا‬
‫كميل ل تأخذ إل عنا تكن منا‪ .‬يا كميل ما من حركة إل وأنت محتاج فيها‬
‫إلى معرفة )‪ .(3‬يا كميل إذا أكلت الطعام فسم باسم ال الذي ل يضر مع‬
‫اسمه داء وهو الشفاء من جميع الدواء )‪ .(4‬يا كميل إذا أكلت الطعام‬
‫فواكل به‪ ،‬ول تبخل به فإنك لم ترزق الناس شيئا‪ ،‬وال يجزل لك الثواب‬
‫بذلك‪ .‬يا كميل أحسن خلقك وأبسط جليسك )‪ (5‬ول تنهرن خادمك يا كميل‬
‫إذا أنت أكلت فطول أكلك ليستوفى من معك ويرزق منه غيرك‪ .‬يا كميل إذا‬
‫استوفيت طعامك فاحمد ال على ما رزقك‪ ،‬وارفع بذلك صوتك ليحمده‬
‫سواك‪ ،‬فيعظم بذلك أجرك‪ .‬يا كميل ل توقرن معدتك طعاما ودع فيها للماء‬
‫موضعا وللريح مجال )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬في التحف وفى بعض النسخ من الكتاب " أدر بذلك على نفسك " وأدر امر من‬
‫درى بالشئ أن توصل إلى عمله‪ (2) .‬تحوطه‪ :‬تحفظه‪ ،‬وتعهده عنايتك‪) .‬‬
‫‪ (3‬في بعض النسخ " إلى معونة "‪ (4) .‬في بعض النسخ " جميع‬
‫السواء "‪ (5) .‬بسط الرجل ‪ :-‬سره‪ .‬وفى المصدر " إلى جليسك " وفى‬
‫بعض النسخ " ل تتهم خادمك "‪ " (6) .‬ل توقرن " أي ل تثقلن معدتك‬
‫من الطعام‪ .‬وفى بعض النسخ " ل توفرن " بالفاء‪.‬‬

‫]‪[268‬‬

‫يا كميل ل تنقد طعامك فان رسول ال صلى ال عليه وآله ل ينقده‪ .‬يا كميل ل ترفعن‬
‫يدك من الطعام إل وأنت تشتهيه فإذا فعلت ذلك فأنت تستمرئه )‪ .(1‬يا كميل‬
‫صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء‪ .‬يا كميل البركة في المال من إيتاء‬
‫الزكاة ومواساة المؤمنين‪ ،‬وصلة القربين وهم القربون ]لنا[‪ .‬يا كميل زد‬
‫قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف و عليهم‬
‫أعطف‪ ،‬وتصدق على المساكين‪ .‬يا كميل ل تردن سائل ولو بشق تمرة أو‬
‫من شطر عنب‪ .‬يا كميل الصدقة تنمى عند ال‪ .‬يا كميل حسن خلق المؤمن‬
‫من التواضع‪ ،‬وجماله التعفف‪ ،‬وشرفه الشفقة وعزه ترك القال والقيل )‬
‫‪ .(2‬يا كميل إياك والمراء فانك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت وتفسد‬
‫الخاء‪ .‬يا كميل إذا جادلت في ال تعالى فل تخاطب إل من يشبه العقلء‬
‫وهذا ]قول[ ضرورة‪ .‬يا كميل هم على كل حال سفهاء كما قال ال تعالى "‬
‫أل إنهم هم السفهاء ولكن ل يعلمون " )‪ .(3‬يا كميل في كل صنف قوم‬
‫أرفع من قوم‪ ،‬وإياك ومناظرة الخسيس منهم‪ ،‬و إن أسمعوك فاحتمل وكن‬
‫من الذين وصفهم ال تعالى بقوله " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما "‬
‫)‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬استمرأ الطعام‪ :‬استطيبه ووجده مرئيا‪ (2) .‬القال والقيل ‪ -‬مصدران ‪ :-‬ما‬
‫يقوله الناس‪ .‬وقيل‪ :‬القال البتداء والسؤال والقيل الجواب‪ (3) .‬البقرة‪:‬‬
‫‪ (4) .13‬الفرقان‪.64 :‬‬

‫]‪[269‬‬

‫يا كميل قل الحق على كل حال‪ ،‬ووازر المتقين‪ ،‬واهجر الفاسقين‪ .‬يا كميل جانب‬
‫المنافقين‪ ،‬ول تصاحب الخائنين‪ .‬يا كميل إياك إياك والتطرق إلى أبواب‬
‫الظالمين والختلط بهم والكتساب منهم وإياك أن تطيعهم وأن تشهد في‬
‫مجالسهم بما يسخط ال عليك‪ .‬يا كميل إذا اضطررت إلى حضورهم فداوم‬
‫ذكر ال تعالى والتوكل عليه و استعذ بال من شرهم‪ ،‬واطرق عنهم )‪(1‬‬
‫وأنكر بقلبك فعلهم‪ ،‬واجهر بتعظيم ال تعالى لتسمعهم فانهم يهابوك وتكفي‬
‫شرهم‪ .‬يا كميل إن أحب ما امتثله العباد إلى ال بعد القرار به وبأوليائه‬
‫عليهم السلم التجمل والتعفف والصطبار‪ .‬يا كميل ل بأس بأن ل يعلم‬
‫سرك‪ .‬يا كميل ل ترين الناس افتقارك واضطرارك‪ ،‬واصطبر عليه احتسابا‬
‫بعز وتستر‪ .‬يا كميل ل بأس بأن تعلم أخاك سرك‪ .‬يا كميل ومن أخوك ؟‬
‫أخوك الذي ل يخذلك عند الشدة ول يغفل عنك عند الجريرة )‪ (2‬ول‬
‫يخدعك حين تسأله ول يتركك وأمرك حتى تعلمه فإن كان مميل أصلحه )‬
‫‪ .(3‬يا كميل المؤمن مرآة المؤمن ]لنه[ يتأمله‪ ،‬ويسد فاقته‪ ،‬ويجمل‬
‫حالته‪ .‬يا كميل المؤمنون إخوة‪ ،‬ول شئ آثر عند كل أخ من أخيه )‪ .(4‬يا‬
‫كميل إذا لم تحب أخاك فلست أخاه‪ .‬يا كميل إنما المؤمن من قال بقولنا‪،‬‬
‫فمن تخلف عنا قصر عنا‪ ،‬ومن قصر عنا‬

‫)‪ (1‬أطرق الرجل‪ :‬سكت ولم يتكلم وارخى عينه ينظر إلى الرض‪ (2) .‬الجريرة‪:‬‬
‫الجناية‪ ،‬لنها تجر العقوبة إلى الجاني‪ (3) .‬المميل ‪ -‬اسم فاعل من أمال‬
‫‪ :-‬صاحب ثروة ومال كثير‪ (4) .‬آثر أي أقدم واكرم‪.‬‬

‫]‪[270‬‬

‫لم يلحق بنا‪ ،‬ومن لم يكن معنا ففي الدرك السفل من النار‪ .‬يا كميل كل مصدور‬
‫ينفث فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره فإياك أن تبديه )‪ (1‬فليس لك من‬
‫إبدائه توبة فإذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى )‪ .(2‬يا كميل إذاعة سر آل‬
‫محمد عليهم السلم ل يقبل ال تعالى منها ول يحتمل أحدا عليها‪ .‬يا كميل‬
‫وما قالوه لك مطلقا فل تعلمه إل مؤمنا موفقا )‪ .(3‬يا كميل ل تعلموا‬
‫الكافرين من أخبارنا فيزيدوا عليها فيبدو كم بها ]إلى[ يوم يعاقبون عليها‪.‬‬
‫يا كميل ل بد لماضيكم من أوبة )‪ (4‬ولبد لنا فيكم من غلبة‪ .‬يا كميل‬
‫سيجمع ال تعالى لكم خير البدء والعاقبة‪ .‬يا كميل أنتم ممتعون بأعدائكم‪،‬‬
‫تطربون بطربهم‪ ،‬وتشربون بشربهم‪ ،‬و تأكلون بأكلهم‪ ،‬وتدخلون‬
‫مداخلهم‪ ،‬وربما غلبتم على نعمتهم إي وال على إكراه منهم لذلك‪ ،‬ولكن‬
‫ال عزوجل ناصركم وخاذلهم‪ ،‬فإذا كان وال يومكم‪ ،‬وظهر صاحبكم لم‬
‫يأكلوا وال معكم‪ ،‬ولم يردوا مواردكم‪ ،‬ولم يقرعوا أبوابكم‪ ،‬ولم ينالوا‬
‫نعمتكم أذلة خاسئين أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيل‪ .‬يا كميل احمد ال‬
‫تعالى والمؤمنون على ذلك وعلى كل نعمة‪ .‬يا كميل قل عند كل شدة ل‬
‫حول ول قوة إل بال العلي العظيم تكفها‪ .‬و قل عند كل نعمة الحمد ل تزد‬
‫منها‪ ،‬وإذا ابطأت الرزاق عليك فاستغفر ال يوسع عليك فيها‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصدور‪ :‬الذى يشتكى من صدره‪ .‬وينفث المصدور أي رمى بالنفاثة‪ .‬المراد‬
‫ان من مل صدره من محبتنا وأمرنا ل يمكن له أن يقيها ول يبرزها‪ ،‬فإذا‬
‫أبرزها وأمر بسترها فاسترها‪ .‬وفى بعض النسخ " فمن نفث اليك منا‬
‫بأمر فاستره "‪ (2) .‬اللظى‪ :‬النار ولهبها‪ (3) .‬في المصدر " فل يعلمه‬
‫ال مؤمنا موفقا "‪ (4) .‬الوب‪ :‬الرجوع‪ ،‬آب يؤوب من سفر رجع‪.‬‬

‫]‪[271‬‬

‫يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل‪ :‬أعوذ بال القوي من الشيطان الغوي‬
‫وأعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر وقضى‪ ،‬وأعوذ بإله الناس من شر‬
‫الجنة و الناس أجمعين وسلم تكفي مؤونة إبليس والشياطين معه ولو أنهم‬
‫كلهم أبالسة مثله‪ .‬يا كميل إن لهم خدعا وشقاشق )‪ (1‬وزخازف ووساوس‬
‫وخيلء على كل أحد قدر منزلته في الطاعة والمعصية‪ ،‬فبحسب ذلك‬
‫يستولون عليه بالغلبة‪ .‬يا كميل ل عدو أعدى منهم ول ضار أضر بك‬
‫منهم‪ ،‬امنيتهم أن تكون معهم غدا إذا اجتثوا في العذاب ]الليم[ )‪ (2‬ل يفتر‬
‫عنهم بشرره‪ ،‬ول يقصر عنهم خالدين فيها أبدا‪ .‬يا كميل سخط ال تعالى‬
‫محيط بمن لم يحترز منهم باسمه ونبيه وجميع عزائمه وعوذه جل وعز‬
‫وصلى ال على نبيه وآله وسلم‪ .‬يا كميل إنهم يخدعونك بأنفسهم‪ ،‬فإذا لم‬
‫تجبهم مكروا بك وبنفسك بتحسينهم إليك شهواتك )‪ (3‬وإعطائك أمانيك‬
‫وإرادتك ويسولون لك‪ ،‬وينسونك‪ ،‬وينهونك ويأمرونك‪ ،‬ويحسنون ظنك‬
‫بال عزوجل حتى ترجوه فتغتر بذلك فتعصيه وجزاء العاصي لظى‪ .‬يا كميل‬
‫احفظ قول ال عزوجل " الشيطان سول لهم وأملى لهم " )‪ (4‬و المسول‬
‫الشيطان والمملي ال تعالى‪ .‬يا كميل اذكر قول ال تعالى لبليس لعنه ال‬
‫" وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الموال والولد وعدهم وما‬
‫يعدهم الشيطان إل غرورا " )‪ .(5‬يا كميل إن إبليس ل يعد عن نفسه‪،‬‬
‫وإنما يعد عن ربه ليحملهم على معصيته فيورطهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬الشقاشق‪ :‬جمع شقشقة وهى شئ يخرجه البعير من فيه إذا هاج‪ (2) .‬اجتثوا‬
‫أي اقتلعوا‪ ،‬وفى بعض النسخ " جثوا في العذاب "‪ (3) .‬في بعض النسخ‬
‫" بتحبيبهم اليك "‪ (4) .‬محمد " ص "‪ (5) .27 :‬السراء‪.66 :‬‬

‫]‪[272‬‬

‫يا كميل إنه يأتي لك بلطف كيده فيأمرك بما يعلم أنك قد ألفته من طاعة ل تدعها‬
‫فتحسب أن ذلك ملك كريم‪ ،‬وإنما هو شيطان رجيم‪ ،‬فإذا سكنت إليه‬
‫واطمأننت حملك على العظائم المهلكة التي ل نجاة معها‪ .‬يا كميل إن له‬
‫فخاخا ينصبها فاحذر أن يوقعك فيها )‪ .(1‬يا كميل إن الرض مملوة من‬
‫فخاخهم فلن ينجو منها إل من تشبث بنا وقد أعلمك ال أنه لن ينجو منها‬
‫إل عباده وعباده أولياؤنا‪ .‬يا كميل وهو قول ال عزوجل " إن عبادي ليس‬
‫لك عليهم سلطان " وقوله عزوجل " إنما سلطانه على الذين يتولونه‬
‫والذين هم به مشركون " )‪ .(2‬يا كميل انج بوليتنا من أن يشركك في‬
‫مالك وولدك كما امر‪ .‬يا كميل ل تغتر بأقوام يصلون فيطيلون‪ ،‬ويصومون‬
‫فيداومون‪ ،‬ويتصدقون فيحسبون أنهم موقوفون )‪ .(3‬يا كميل اقسم بال‬
‫لسمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬إن الشيطان إذا حمل قوما‬
‫على الفواحش مثل الزنى‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬والربا‪ ،‬وما أشبه ذلك من الخنى‬
‫)‪ (4‬والمأثم حبب إليهم العبادة الشديدة‪ ،‬والخشوع‪ ،‬والركوع‪ ،‬والخضوع‬
‫والسجود ثم حملهم على ولية الئمة الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة‬
‫ل ينصرون‪ .‬يا كميل إنه مستقر ومستودع )‪ (5‬واحذر أن تكون من‬
‫المستودعين‪ .‬يا كميل إنما تستحق أن تكون مستقرا إذا لزمت الجادة‬
‫الواضحة التي ل تخرجك إلى عوج ول تزيلك عن منهج ما حملناك عليه و‬
‫]ما[ هديناك إليه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفخاخ جمع فخ وهو آلة الصيد‪ (2) .‬النحل‪ (3) .102 :‬أي موقوفون‬
‫ومسئولون عنها فحسب دون ولية الئمة‪ (4) .‬الخنى‪ :‬الفحش‪ ،‬والمأثم‪:‬‬
‫الخطيئة‪ (5) .‬يعنى به اليمان فانه مستقر ومستودع‪.‬‬

‫]‪[273‬‬

‫يا كميل ل رخصة في فرض ول شدة في نافلة‪ .‬يا كميل إن ال عزوجل ل يسألك إل‬
‫عما فرض وإنما قدمنا عمل النوافل بين أيدينا للهوال العظام والطامة يوم‬
‫القيامة‪ .‬يا كميل إن الواجب ل أعظم من أن تزيله الفرائض والنوافل‬
‫وجميع العمال وصالح الموال )‪ (1‬ولكن من تطوع خيرا فهو خير له‪ .‬يا‬
‫كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك‪ ،‬وغفلتك أكثر من ذكرك‪ ،‬ونعم ال عليك‬
‫أكثر من كل عملك‪ .‬يا كميل إنه ل تخلو من نعمة ال عزوجل عندك‬
‫وعافيته فل تخل من تحميده وتمجيده‪ ،‬وتسبيحه‪ ،‬وتقديسه‪ ،‬وشكره‪،‬‬
‫وذكره على كل حال‪ .‬يا كميل ل تكونن من الذين قال ال عزوجل " نسوا‬
‫ال فأنسيهم أنفسهم " )‪ (2‬ونسيهم إلى الفسق " اولئك هم الفاسقون "‪.‬‬
‫يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق إنما الشأن أن تكون‬
‫الصلة فعلت بقلب نقي وعمل عند ال مرضي وخشوع سوي‪ ،‬وإبقاء للجد‬
‫فيها‪ .‬يا كميل عند الركوع والسجود وما بينهما تبتلت العروق والمفاصل‬
‫حتى تستوفى ]ولء[ إلى ما تأتي به من جميع صلواتك‪ .‬يا كميل انظر فيم‬
‫تصلي‪ ،‬وعلى ما تصلي‪ ،‬إن لم تكن من وجهه وحله فل قبول‪ .‬يا كميل إن‬
‫اللسان يبوح من القلب )‪ (3‬والقلب يقوم بالغذاء‪ ،‬فانظر فيما تغذي قلبك‬
‫وجسمك‪ ،‬فإن لم يكن ذلك حلل لم يقبل ال تعالى تسبيحك ول شكرك‪ .‬يا‬
‫كميل افهم واعلم أنا ل نرخص في ترك أداء المانات لحد من الخلق فمن‬
‫روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب‪ ،‬اقسم‬
‫لسمعت رسول ال صلى ال عيله وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا‬
‫ثلثا‪ :‬يا أبا الحسن أد المانة إلى البر والفاجر فيما قل وجل حتى في الخيط‬
‫والمخيط‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ .‬ولعل معناه حقوق ال ل يؤدى بهذه المور فحسب‪ (2) .‬سورة الحشر‪:‬‬
‫‪ (3) .19‬باح إليه بالسر‪ .‬أظهره‪ .‬وفى بعض النسخ " ينزح "‪.‬‬

‫]‪[274‬‬

‫يا كميل ل غزو إل مع إمام عادل‪ ،‬ول نفل )‪ (1‬إل مع إمام فاضل‪ .‬يا كميل أرأيت لو‬
‫لم يظهر نبي )‪ (2‬وكان في الرض مؤمن تقي أكان في دعائه إلى ال‬
‫مخطئا أو مصيبا بلى وال مخطئا حتى ينصبه ال عزوجل ]لذلك[ ويؤهله‬
‫له‪ .‬يا كميل الدين ل فل تغترن بأقوال المة المخدوعة التي قد ضلت بعد‬
‫ما اهتدت‪ ،‬وأنكرت وجحدت بعد ما قبلت‪ .‬يا كميل الدين ل تعالى فل يقبل‬
‫ال تعالى من أحد القيام به إل رسول أو نبيا أو وصيا‪ .‬يا كميل هي نبوة‬
‫ورسالة وإمامة ول بعد ذلك إل متولين‪ ،‬ومتغلبين‪ ،‬و ضالين‪ ،‬ومعتدين‪ .‬يا‬
‫كميل إن النصارى لم تعطل ال تعالى‪ ،‬ول اليهود‪ ،‬ول جحدت موسى ول‬
‫عيسى‪ ،‬ولكنهم زادوا ونقصوا وحرفوا وألحدوا فلعنوا ومقتوا ولم يتوبوا‬
‫ولم يقبلوا‪ .‬يا كميل " إنما يتقبل ال من المتقين "‪ .‬يا كميل إن أبانا آدم لم‬
‫يلد يهوديا ول نصرانيا ول كان ابنه إل حنيفا مسلما‪ ،‬فلم يقم بالواجب عليه‬
‫فأداه ذلك إلى أن لم يقبل ال قربانه بل قبل من أخيه فحسده وقتله وهو من‬
‫المسجونين في الفلق الذين عدتهم اثنا عشر‪ :‬ستة من الولين‪ ،‬وستة من‬
‫الخرين‪ ،‬والفلق السفل من النار )‪ ،(3‬ومن بخاره حر جنهم‪ ،‬وحسبك فيما‬
‫حر جهنم من بخاره‪ .‬يا كميل نحن وال الذين اتقوا والذين هم محسنون‪ .‬يا‬
‫كميل إن ال عزوجل كريم حليم عظيم رحيم دلنا على أخلقه‪،‬‬

‫)‪ (1‬النفل ‪ -‬محركة ‪ -‬الغنيمة‪ (2) .‬في المصدر " لو أن ال لم يظهر نبيا "‪(3) .‬‬
‫الفلق ‪ -‬محركة ‪ -‬عود يربط حبل من أحد طرفيه إلى الخر وتجعل رجل‬
‫المجرم داخل ذلك الحبل وتشدا فيضرب عليهما‪.‬‬

‫]‪[275‬‬

‫وأمرنا بالخذ بها‪ ،‬وحمل الناس عليها فقد أديناها غير مختلفين‪ ،‬وأرسلناها غير‬
‫منافقين‪ ،‬وصدقناها غير مكذبين‪ ،‬وقبلناها غير مرتابين‪ ،‬لم يكن لنا وال‬
‫شياطين نوحي إليها‪ ،‬وتوحي إلينا كما وصف ال تعالى قودا ذكرهم ال‬
‫عزوجل بأسمائهم في كتابه لو قرء كما أنزل " شياطين النس والجن‬
‫يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " )‪ .(1‬يا كميل الويل لهم‬
‫فسوف يلقون غيا‪ .‬يا كميل لست وال متملقا حتى اطاع ول ممنا حتى‬
‫اعصى )‪ (2‬ول مهانا لطعام العراب حتى أنتحل إمرة المؤمنين )‪ (3‬أو‬
‫أدعي بها‪ .‬يا كميل نحن الثقل الصغر والقرآن الثقل الكبر‪ ،‬وقد أسمعهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وقد جمعهم فنادى الصلة جامعة يوم كذا‬
‫وكذا‪ ،‬وأيام سبعة وقت كذا وكذا‪ ،‬فلم يتخلف أحد فصعد المنبر فحمد ال‬
‫وأثنى عليه ثم قال‪ :‬معاشر الناس إني مؤد عن ربي عزوجل ول مخبر عن‬
‫نفسي فمن صدقني فقد صدق ال‪ ،‬ومن صدق ال أثابه الجنان‪ ،‬ومن‬
‫كذبني كذب ال عزوجل‪ ،‬وكذب ال أعقبه النيران ثم ناداني فصعدت‬
‫فأقامني دونه ورأسي إلى صدره والحسن والحسين عن يمينه و شماله‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬معاشر الناس أمرني جبرئيل عن ال عزوجل أنه ربي وربكم أن‬
‫أعلمكم أن القرآن هو الثقل الكبر‪ ،‬وأن وصيي هذا وابناي من خلفهم من‬
‫أصلبهم حامل وصاياي هم الثقل الصغر‪ ،‬يشهد الثقل الكبر للثقل الصغر‬
‫ويشهد الثقل الصغر للثقل الكبر كل واحد منهما ملزم لصاحبه غير‬
‫مفارق له حتى يردا إلى ال فيحكم بينهما وبين العباد‪ .‬يا كميل فإذا كنا‬
‫كذلك فعلم يتقدمنا من تقدم وتأخر عنا من تأخر ؟‪ .‬يا كميل قد أبلغهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله رسالة ربه ونصح لهم‪ ،‬ولكن ل يحبون‬
‫الناصحين‪.‬‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .112 :‬كذا وفى التحف " ول ممنيا حتى ل اعصى "‪ (3) .‬انتحل‬
‫الشعر أو القول ادعاه لنفسه‪ .‬وانتحل مذهب كذا انتسب إليه‪.‬‬
‫]‪[276‬‬

‫يا كميل قال رسول ال صلى ال عليه وآله لي قول والمهاجرين والنصار‬
‫متوافرون يوما بعد العصر يوم النصف من شهر رمضان قائم على قدميه‬
‫فوق منبره‪ :‬علي ]مني[ وابناي منه والطيبون مني وأنا منهم وهم‬
‫الطيبون بعد امهم‪ ،‬وهم سفينة من ركبها نجى ومن تخلف عنها هوى‬
‫الناجي في الجنة والهاوي في لظى‪ .‬يا كميل الفضل بيد ال يؤتيه من يشاء‬
‫وال ذو الفضل العظيم‪ .‬يا كميل على م يحسدوننا وال أنشأنا قبل أن‬
‫يعرفونا فتراهم بحسدهم إيانا عن ربنا يزيلونا‪ .‬يا كميل من ل يسكن الجنة‬
‫فبشره بعذاب أليم وخزي مقيم وأكبال ومقامع وسلسل طوال‪ ،‬ومقطعات‬
‫النيران ومقارنة كل شيطان‪ .‬الشراب صديد‪ ،‬واللباس حديد‪ ،‬والخزنة‬
‫فظظة )‪ (1‬والنار ملتهبة والبواب موثقة مطبقة ينادون فل يجابون‬
‫ويستغيثون فل يرحمون‪ ،‬نداهم يا مالك ليقض علينا ربك قال‪ :‬إنكم ماكثون‬
‫لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون‪ .‬يا كميل نحن وال الحق‬
‫الذي قال ال عزوجل‪ " :‬ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات‬
‫والرض ومن فيهن "‪ .‬يا كميل ثم ينادون ال تقدست أسماؤه بعد أن‬
‫يمكثوا أحقابا اجعلنا على الرخاء فيجيبهم " اخسؤا فيها ول تكلمون "‪ .‬يا‬
‫كميل فعندها ييئسون من الكره‪ ،‬واشتدت الحسرة‪ ،‬وأيقنوا بالهلكة والمكث‬
‫جزاء بما كسبوا عذبوا‪ .‬يا كميل قل الحمد ل الذي نجانا من القوم‬
‫الظالمين‪ .‬يا كميل أنا أحمد ال على توفيقه إياي‪ ،‬والمؤمنين على كل حال‪.‬‬
‫يا كميل إنما حظي من حظي بدينا زائلة مدبرة‪ ،‬فافهم وتحظى بآخرة باقية‬
‫ثابتة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفظ‪ :‬الغليظ‪ ،‬السئ الخلق‪.‬‬

‫]‪[277‬‬

‫يا كميل كل يصير إلى الخرة والذي يرغب فيه منها ثواب ال عزوجل والدرجات‬
‫العلى من الجنة التي ل يورثها إل من كان تقيا‪ .‬يا كميل إن شئت فقم‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وسيجئ في باب مواعظ أمير المؤمنين عليه السلم وخطبه وحكمه‬
‫عين هذه الوصية منه عليه السلم لكميل بن زياد هذا من كتاب تحف‬
‫العقول أيضا لكن أخصر من هذه الوصيته‪ ،‬وسيأتي في باب ما جمع من‬
‫جوامع كلم أمير المؤمنين عليه السلم وفي غيره أيضا ما يناسب هذا‬
‫الباب إن شاء ال تعالى )‪) * .(3‬باب ‪) " * * (12‬كتاب كتبه عليه السلم‬
‫لدار شريح( " * ‪ - 1‬لى )‪ (3‬عن صالح بن عيسى العجلي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫محمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن الفرج‪ ،‬عن عبد ال بن محمد العجلي‪ ،‬عن‬
‫عبد العظيم الحسني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبان مولى زيد ابن علي‪ ،‬عن عاصم بن‬
‫بهدلة قال‪ :‬قال لي شريح القاضي‪ :‬اشتريت دارا بثمانين دينارا وكتبت‬
‫كتابا‪ ،‬وأشهدت عدول فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‬
‫السلم فبعث إلي موله قنبرا فأتيته فلما أن دخلت عليه قال‪ :‬يا شريح‬
‫اشتريت دارا و‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) .171‬هنا بياض مقدار ورق‪ (3) .‬المجلس الحادى‬
‫والخمسون ص ‪ .187‬وشريح القاضى هو الذى استعمله عمر ابن‬
‫الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل قاضيا ستين سنة ال ثلث سنين‬
‫في فتنة ابن الزبير وقيل فلم يزل بالكوفة قاضيا من عهد عمر الى مدة‬
‫‪ 75‬سنة ولم يعطل فيها غير عامين أو أربعة استعفى الحجاج بن يوسف‬
‫في فتنة ابن الزبير فاعفاه ومات سنة ‪ 87‬وعمره مائة وثمان سنين‬
‫وأدرك الجاهلية ول يعد من الصحابة بل كان من التابعين‪ ،‬وقيل عزله‬
‫على عليه السلم عن القضاء مدة عشرين يوما ثم نصبه‪.‬‬

‫]‪[278‬‬

‫كتبت كتابا وأشهدت عدول ووزنت مال ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم قال‪ :‬يا شريح اتق ال فانه‬
‫سيأتيك من ل ينظر في كتابك‪ ،‬ول يسئل عن بينتك‪ ،‬حتى يخرجك من دارك‬
‫شاخصا )‪ (1‬ويسلمك إلى قبرك خالصا‪ ،‬فانظر أن ل تكون اشتريت هذه‬
‫الدار من غير مالكها‪ ،‬ووزنت مال من غير حله‪ ،‬فإذا أنت قد خسرت‬
‫الدارين جميعا الدنيا و الخرة‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬يا شريح فلو كنت‬
‫عندما اشتريت هذه الدار أتيتني فكتبت لك كتابا على هذه النسخة إذا لم‬
‫تشترها بدرهمين‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين قال‪ :‬كنت‬
‫أكتب لك هذا الكتاب‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد ذليل من‬
‫ميت ازعج بالرحيل )‪ (2‬اشترى منه دارا في دار الغرور‪ ،‬من جانب الفانين‬
‫إلى عسكر الهالكين‪ ،‬وتجمع هذه الدار حدودا أربعة فالحد الول منها‬
‫ينتهي إلى دواعي الفات‪ ،‬والحد الثاني منها ينتهى إلى دواعي العاهات‪،‬‬
‫والحد الثالث منها ينتهي إلى دواعي المصيبات‪ ،‬والحد الرابع منها ينتهي‬
‫إلى الهوى المردي والشيطان المغوي‪ ،‬وفيه يشرع باب هذه الدار )‪،(3‬‬
‫اشترى هذا المفتون بالمل‪ ،‬من هذا المزعج بالجل‪ ،‬جميع هذه الدار‬
‫بالخروج من عز القنوع والدخول في ذل الطلب فما أدرك هذا المشتري‬
‫]فيما اشتري منه[ من درك فعلى مبلي أجسام الملوك )‪ ،(4‬وسالب نفوس‬
‫الجبابرة مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير )‪ (5‬ومن جمع المال إلى المال‬
‫فأكثر‪ ،‬وبنى فشيد‪ ،‬ونجد فزخرف )‪ (6‬وادخر بزعمه للولد‪ ،‬إشخاصهم‬
‫جميعا إلى موقف العرض والحساب لفصل القضاء‪ ،‬و‬
‫)‪ (1‬شاخصا أي ذاهبا مبعدا‪ (2) .‬ازعج على صيغة المجهول‪ :‬أي اقلع‪ (3) .‬يشرع‬
‫أي يفتح في الحد الرابع‪ (4) .‬كذا وفى بعض النسخ " مبلبل اجسام‬
‫الملوك "‪ .‬أي مهيج داءاتها‪ ،‬المهلكة لها‪ (5) .‬تبع‪ :‬ملوك اليمن‪ .‬حمير‬
‫أبو قبيلة من اليمن‪ (6) .‬شيد أي رفع‪ .‬ونجد بشد الجيم أي زين‪.‬‬

‫]‪[279‬‬

‫خسر هنالك المبطلون‪ ،‬شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى‪ ،‬ونظر بعين‬
‫الزوال لهل الدنيا‪ ،‬وسمع منادي أهل الزهد ينادي في عرصاتها ما أبين‬
‫الحق لذي عينين‪ ،‬إن الرحيل أحد اليومين‪ ،‬تزودوا من صالح العمال‬
‫وقربوا المال بالجال فقد دنا الرحلة والزوال‪ .‬بيان‪ :‬قوله عليه السلم )‬
‫‪) * .(1‬باب ‪ " * * (13‬تفسيره عليه السلم كلم الناقوس " * أقول‪ :‬قد‬
‫مضى بعض أخبار هذا الباب في كتاب العلم في باب غرائب العلوم وفي‬
‫كتاب قصص النبياء في باب أحوال عيسى عليه السلم يعني أخبار هذا‬
‫الباب فتذكر‪ - 1 .‬قب‪ (2) :‬وروى أنه عليه السلم يعني أمير المؤمنين قد‬
‫فسر صوت الناقوس ذكره صاحب مصباح الواعظ وجمهور أصحابنا عن‬
‫الحارث العور‪ ،‬وزيد وصعصعة ابنا صوحان والبراء بن مسيرة )‪(3‬‬
‫والصبغ بن نباتة‪ ،‬وجابر بن شرجيل‪ ،‬ومحمود ابن الكوا أنه قال عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬سبحان ال حقا حقا‪ ،‬إن المولى صمد يبقى‪ ،‬يحلم عنا رفقا‬
‫رفقا‪ ،‬لول عمله كنا نشقى‪ ،‬حقا حقا صدقا صدقا‪ ،‬إن المولى يسائلنا‬
‫ويواقفنا ويحاسبنا‪ ،‬يا مولينا ل تهلكنا وتداركنا واستخدمنا واستخلصنا‪،‬‬
‫حلمك عنا قد جرأنا يا مولينا عفوك عنا‪ ،‬إن الدنيا قد غرتنا وشغلتنا‬
‫واستهوتنا واستلهتنا واستغوتنا‪ ،‬يا ابن الدنيا جمعا جمعا يا ابن الدنيا مهل‬
‫مهل يا ابن الدنيا دقا دقا‪ ،‬وزنا وزنا‪ ،‬تفني الدنيا قرنا قرنا‪ ،‬ما من يوم‬
‫يمضي عنا إل يهوى منا ركنا‪ ،‬قد ضيعنا دارا تبقى‪،‬‬

‫)‪ (1‬هنا بياض مقدار نصف صفحة‪ (2) .‬مناقب آل أبي طالب لبن شهر آشوب باب‬
‫مسابقته بالعلم‪ (3) .‬كذا‪.‬‬

‫]‪[280‬‬

‫واستوطنا دارا تفنى‪ ،‬تفنى الدنيا قرنا قرنا كل موتا كل موتا‪ ،‬كل موتا‪ ،‬كل دفنا‪ ،‬كل‬
‫فيها موتا )‪ (1‬نقل نقل دفنا دفنا‪ ،‬يا ابن الدنيا مهل مهل‪ ،‬وزن ما يأتي‬
‫وزنا وزنا‪ ،‬لول جهلي ما إن كانت عندي الدنيا إل سجنا‪ ،‬خيرا خيرا شرا‬
‫شرا شيئا شيئا حزنا حزنا‪ ،‬ماذا من ذاكم ذا أم ذا‪ ،‬هذا أسنا ترجو تنجو‬
‫تخشى تردى‪ ،‬عجل قبل الموت الوزنا‪ ،‬ما من يوم يمضي عنا إل أوهن منا‬
‫ركنا إن المولى قد أنذرنا‪ ،‬إنا نحشر غرل بهما‪ .‬قال‪ :‬ثم انقطع صوت‬
‫الناقوس فسمع الديراني ذلك وأسلم وقال‪ :‬إني وجدت في الكتاب إن في‬
‫آخر النبياء من يفسر ما يقول الناقوس )‪) .(2‬باب ‪ " * (14‬خطبه‬
‫صلوات ال عليه المعروفة " * ‪ - 1‬ف )‪ (3‬خطبة الوسيلة‪ (4) :‬الحمدل‬
‫الذي أعدم الوهام أن تنال إلى وجوده )‪ (5‬وحجب العقول أن تختال )‪(6‬‬
‫ذاته لمتناعها من الشبه والتشاكل‪ ،‬بل هو الذي ل تتفاوت ذاته‪ ،‬ول‬
‫تتبعض بتجزية العدد في كماله‪ .‬فارق الشياء ل باختلف الماكن‪ ،‬ويكون‬
‫فيها‬

‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬هنا بياض مقدار صفحة‪ (3) .‬التحف ص ‪ (4) .92‬هذه الخطبة قد‬
‫أخرجها الكليني ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في كتاب الروضة بتمامها مع اختلف كثير‬
‫ولذلك تعرضنا لتلك الختلفات في الهامش‪ .‬والحراني رحمة ال عليه‬
‫اختار منها ما اقتضاه كتابه )تحف العقول( وقد صرح به‪ (5) .‬أعدم فلنا‬
‫منه أي منع وفى الروضة " منع الوهام "‪ (6) .‬في الروضة " أن‬
‫يتخيل "‪.‬‬

‫]‪[281‬‬

‫ل على الممازجة‪ .‬وعلمها ل بأداة‪ ،‬ل يكون العلم إل بها‪ .‬وليس بينه وبين معلومه‬
‫علم غيره )‪ (1‬كان عالما لمعلومه‪ .‬إن قيل كان فعلي تأويل أزلية الوجود‪.‬‬
‫وإن قيل‪ :‬لم يزل فعلى تأويل نفي العدم )‪ (2‬فسبحانه وتعالى عن قول من‬
‫عبد سواه‪ ،‬فاتخد إلها غيره علوا كبيرا‪ ،‬نحمده بالحمد الذي ارتضاه من‬
‫خلقه وأوجب قبوله على نفسه‪ .‬أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ .‬شهادتان ترفعان القول وتضعان العمل )‬
‫‪ (3‬خف ميزان ترفعان منه‪ ،‬وثقل ميزان توضعان فيه‪ ،‬وبهما الفوز بالجنة‬
‫والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلة‬
‫تنالون الرحمة‪ ،‬فأكثروا من الصلة على نبيكم " إن ال وملئكته يصلون‬
‫على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "‪ .‬أيها الناس‬
‫إنه ل شرف أعلى من السلم‪ ،‬ول كرم أعز من التقوى‪ ،‬ول معقل أحرز‬
‫من الورع‪ .‬ول شفيع أنجح من التوبة‪ .‬ول لباس أجل من العافية‪ .‬ول وقاية‬
‫أمنع من السلمة‪ .‬ول مال أذهب بالفاقة من الرضي والقنوع‪ .‬ومن اقتصر‬
‫على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة‪ .‬والرغبة مفتاح التعب والحتكار مطية‬
‫النصب‪ .‬والحسد آفة الدين‪ .‬والحرص داع إلى التقحم في الذنوب‪ ،‬وهو داع‬
‫إلى الحرمان )‪ (4‬والبغي سائق إلى الحين‪ .‬والشرة جامع لمساوى العيوب‬
‫)‪ .(5‬رب طمع خائب‪ .‬و‬
‫)‪ (1‬يحتمل الفاضة والتوصيف فعلى الول فالمراد أنه ل يتوسط بينه وبين معلومه‬
‫علم غيره وعلى الثاني فالمراد أن ذاته المقدسة كافية للعلم ول يحتاج‬
‫إلى علم أي صورة علمية غير ذاته تعالى‪ ،‬بهذه الصورة العلمية‬
‫وبارتسامها كان عالما بمعلومه كما في الممكنات‪ (2) .‬أي ليس كونه‬
‫موجودا في الزل عبارة عن مقارنته للزمان أزل لحدوث الزمان بل‬
‫بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء أو أنه تعالى ليس بزماني و " كان " يدل‬
‫على الزمانية فتأويله أن معنى كونه أزل أن وجوده يمتنع عليه العدم‬
‫ولعل المعنى الخير في الفقرة الثانية متعين‪ (3) .‬تضعان خلف ترفعان‬
‫أي تثقلن‪ .‬وفى الروضة " وتضاعفان العمل "‪ (4) .‬قد مضى هذه‬
‫الكلمات مع اختلف يسير في وصيته لبنه الحسين عليهما السلم‪(5) .‬‬
‫الحين ‪ -‬بفتح المهملة والمثناة التحتانية ‪ :-‬الهلك والمحنة والشرة غلبة‬
‫الحرص والغضب والطيش والحدة والنشاط‪ .‬وفى بعض النسخ " الشره‬
‫" وهو الحرص أيضا‪.‬‬

‫]‪[282‬‬

‫أمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان‪ ،‬وتجارة تؤول إلى الخسران‪ .‬أل ومن تورط‬
‫في المور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب‪ .‬وبئست‬
‫القلدة الدين للمؤمن )‪ .(1‬أيها الناس إنه ل كنز أنفع من العلم‪ .‬ول عز‬
‫أنفع من الحلم‪ .‬ول حسب أبلغ من الدب‪ .‬ول نصب )‪ (2‬أوجع من الغضب‪.‬‬
‫ول جمال أحسن من العقل‪ .‬ول قرين شر من الجهل‪ .‬ول سوأة أسوء من‬
‫الكذب )‪ (3‬ول حافظ أحفظ من الصمت‪ .‬ول غائب أقرب من الموت‪ .‬أيها‬
‫الناس إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره‪ .‬ومن رضي برزق‬
‫ال لم يأسف على ما في يد غيره‪ .‬ومن سل سيف البغي قتل به‪ .‬ومن حفر‬
‫لخيه بئرا وقع فيها‪ .‬ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته‪ .‬ومن‬
‫نسي زلته )‪ (4‬استعظم زلل غيره‪ .‬ومن أعجب برأيه ضل‪ .‬ومن استغنى‬
‫بعقله زل‪ .‬ومن تكبر على الناس ذل‪ .‬ومن سفه على الناس شتم‪ .‬ومن‬
‫خالط العلماء وقر‪ .‬ومن خالط النذال حقر‪ .‬ومن حمل ما ل يطيق عجز‪.‬‬
‫أيها الناس إنه ل مال ]هو[ أعود من العقل )‪ .(5‬ول فقر هو أشد من‬
‫الجهل ول واعظ هو أبلغ من النصح )‪ (6‬ول عقل كالتدبير‪ .‬وعبادة‬
‫كالتفكر‪ .‬ول مظاهرة أوثق من المشاورة )‪ .(7‬ول وحدة أوحش من‬
‫العجب‪ .‬ول ورع كالكف )‪ (8‬ول حلم‬

‫)‪ (1‬وفى الروضة " وبئست القلدة قلدة الذنب للمؤمن "‪ (2) .‬النصب‪ :‬التعب‬
‫والمشقة الذي يتفرع على الغضب وهو من أخس المتاعب إذ ل ثمرة له‬
‫ول داعى إليه العدم تملك النفس وفى بعض نسخ الروضة " ول نسب‬
‫أوضع من الغضب "‪ (3) .‬السوأة‪ :‬الخلة القبيحة والجمع سوءات‪(4) .‬‬
‫الزلة‪ :‬السقطة والخطيئة‪ .‬وفى بعض النسخ والروضة " ومن نسى زل‬
‫"‪ (5) .‬العود‪ :‬النفع‪ (6) .‬النصح‪ :‬الخلوص‪ (7) .‬المظاهرة‪ :‬المعاونة‪.‬‬
‫والعجب‪ :‬الكبر واعجاب المرء بنفسه وبفضائله وأعماله‪ (8) .‬وفى‬
‫الروضة " كالكف عن المحارم " وفى بعض نسخ الروضة " ول حكم‬
‫كالصبر والصمت "‪ .‬أي ول حكمة‪.‬‬

‫]‪[283‬‬

‫كالصبر والصمت‪ .‬أيها الناس إن في النسان عشر خصال يظهرها لسانه‪ :‬شاهد‬
‫يخبر عن الضمير وحاكم يفصل بين الخطاب‪ ،‬وناطق يرد به الجواب‪.‬‬
‫وشافع تدرك به الحاجة وواصف تعرف به الشياء وأمير يأمر بالحسن‬
‫وواعظ ينهى عن القبيح ومعز تسكن به الحزان وحامد تجلى به الضغائن‪،‬‬
‫ومؤنق يلهى السماع )‪ .(1‬أيها الناس ]إنه[ ل خير في الصمت عن الحكم‬
‫كما أنه ل خير في القول بالجهل )‪ .(2‬اعلموا أيها الناس أنه من لم يملك‬
‫لسانه يندم‪ .‬ومن ل يتعلم يجهل‪ .‬ومن ل يتحلم ل يحلم )‪ .(3‬ومن ل يرتدع‬
‫ل يعقل‪ .‬ومن ل يعقل يهن‪ ،‬ومن يهن ل يوقر و من يتق ينج )‪ .(4‬ومن‬
‫يكسب مال من غير حقه يصرفه في غير أجره )‪ .(5‬ومن ل يدع وهو‬
‫محمود يدع وهو مذموم )‪ .(6‬ومن لم يعط قاعدا منع قائما )‪ .(7‬ومن يطلب‬
‫العز بغير حق يذل‪ .‬ومن عاند الحق لزمه الوهن‪ .‬ومن تفقه وقر‪ .‬وتكبر‬
‫حقر‪ .‬ومن ل يحسن ل يحمد‪.‬‬

‫)‪ (1‬المعز من التعزية بمعنى التسلية‪ ،‬والضغائن جمع الضغينة بمعنى الحقد‪ ،‬وفى‬
‫الروضة وحاضر تجلى به الضغائن "‪ .‬والمونق‪ :‬العجب‪ .‬وفى الروضة "‬
‫ومونق يتلذذ به "‪ (2) .‬الحكم ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الحكمة‪ (3) .‬أي ل يحصل ملكة‬
‫الحلم ال بالتحلم وهو تكلف الحلم‪ (4) .‬الردع‪ :‬الرد والكف‪ " .‬ومن ل‬
‫يرتدع " أي من ل ينزجز عن القبائح بنصح الناصحين ل يكون عاقل ول‬
‫يكمل عقله ول يعقل قبح القبائح‪ .‬وفى الروضة " ومن ل يوقر يتوبخ "‪.‬‬
‫)‪ (5‬أي فيما ل يوجر عليه في الدنيا والخرة‪ (6) .‬أي من ل يترك الشر‬
‫وما ينبغى على اختيار يدعه على اضطرار ول يحمد بهذا الترك‪ (7) .‬أي‬
‫من لم يعط المحتاجين حال كونه قاعدا يقوم عنده الناس ويسألونه ؟‬
‫يبتلى بان يفتقر إلى سؤال غيره فيقوم بين يديه ويسأله ول يعطيه‪.‬‬

‫]‪[284‬‬
‫أيها الناس إن المنية قبل الدنية‪ .‬والتجلد قبل التبلد )‪ (1‬والحساب قبل العقاب‪.‬‬
‫والقبر خير من الفقر‪ .‬وعمي البصر خير من كثير من النظر‪ .‬والدهر يوم‬
‫لك ويوم عليك )‪ (2‬فاصبر فبكليهما تمتحن‪ .‬أيها الناس أعجب ما في‬
‫النسان قلبه )‪ .(3‬وله مواد من الحكمة وأضداد من خلفها‪ .‬فإن سنح له‬
‫الرجاء أذله الطمع )‪ .(4‬وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه‬
‫اليأس قتله السف‪ .‬وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ‪ .‬وإن أسعد‬
‫بالرضى نسي التحفظ )‪ .(5‬وإن ناله الخوف شغله الحزن )‪ .(6‬وإن اتسع‬
‫بالمن استلبته الغرة وإن جددت له نعمة أخذته العزة )‪ .(7‬وإن أفاد مال‬
‫أطغاه الغنى وإن عضته فاقة )‪ (8‬شغله البلء‪ .‬وإن أصابته مصيبة فضحه‬
‫الجزع‪ .‬وإن أجهده الجوع قعد به الضعف‪ .‬وإن أفرط في الشبع كظته‬
‫البطنة )‪ ،(9‬فكل تقصير به‬

‫)‪ (1‬المنية‪ :‬الموت‪ .‬والدنية‪ :‬الذلة يعنى أن الموت خير من الذلة‪ ،‬فالمراد بالقبلية‬
‫القبلية بالشرف‪ .‬وفى النهج " المنية ول الدنية والتعلل ول التوسل "‬
‫وهو أوضح‪ .‬والتجلد‪ :‬تكلف الشدة والقوة‪ .‬والتبلد ضده‪ (2) .‬زاد في‬
‫الروضة " فإذا كان لك فل تبطر وإذا كان عليك ‪ -‬الخ " ولعله سقط من‬
‫قلم النساخ‪ (3) .‬في النهج " ولقد علق بنياط هذا النسان بضعة هي‬
‫أعجب ما فيه وذلك القلب "‪ (4) .‬سنح له‪ :‬بدا وظهر‪ (5) .‬التحفظ‪:‬‬
‫التوقى والتحرز من المضرات‪ (6) .‬وفى الروضة والنهج " شغله الحذر‬
‫"‪ (7) .‬الغرة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الغترار والغفلة‪ .‬واستلبته أي سلبته عن‬
‫رشده ويمكن أن تكون " العزة " بالهمال والزاى‪ " (8) .‬أفاد مال " أي‬
‫أعطاه اياه‪ .‬وعضته أي اشتد عليه الفاقة والفقر‪ (9) .‬وفى الروضة‬
‫والنهج " وان جهده الجوع قعد به الضعف "‪ .‬والكظة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما‬
‫يعترى النسان عند المتلئه من الطعام‪ ،‬يقال‪ :‬كظ الطعام فلنا أي ملءه‬
‫حتى ل يطيق التنفس‪ .‬والبطنة بالكسر‪ :‬المتلء المفرط من الكل‪.‬‬

‫]‪[285‬‬

‫مضر وكل أفراط له مفسد‪ .‬أيها الناس من قل ذل‪ .‬ومن جاد ساد‪ .‬ومن كثر ماله‬
‫رأس )‪ .(1‬ومن كثر حلمه نبل )‪ .(2‬ومن فكر في ذات ال تزندق )‪ .(3‬ومن‬
‫أكثر من شئ عرف به‪ .‬ومن كثر مزاحه استخف به‪ .‬ومن كثر ضحكه‬
‫ذهبت هيبته‪ .‬فسد حسب ]من[ ليس له أدب‪ ،‬إن أفضل الفعال صيانة‬
‫العرض بالمال‪ .‬ليس من جالس الجاهل بذي معقول‪ .‬من جالس الجاهل‬
‫فليستعد لقيل وقال )‪ .(4‬لن ينجو من الموت غني بماله‪ .‬ول فقير لقلله‪.‬‬
‫أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري النفس عن مدرجة أهل التفريط )‪.(5‬‬
‫فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطأ )‪ .(6‬وللنفوس‬
‫خواطر للهوى والعقول تزجر وتنهى )‪ .(7‬وفي التجارب علم مستأنف‪.‬‬
‫والعتبار يقود إلى الرشاد‪ .‬وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك )‪.(8‬‬
‫عليك لخيك المؤمن مثل‬

‫)‪ (1‬رأس بفتح الهمزة أي هو رئيس للقوم ويحتمل أن يكون من رأس يرؤس أي‬
‫مشى متبخترا أو أكل كثيرا‪ (2) .‬النبل‪ :‬الفضل والشرف والنجابة‪(3) .‬‬
‫تزندق أي اتصف بالزندقة‪ (4) .‬في اللغة‪ :‬يستعمل " القول " في الخير‪.‬‬
‫" والقال والقيل والقالة " في الشر‪ .‬والقول مصدر والقال والقيل اسمان‬
‫له‪ .‬والقال البتداء والقيل الجواب‪ .‬والقلل‪ :‬قلة المال‪ (5) .‬المدرج‬
‫والمدرجة‪ :‬المذهب والمسلك يعنى أن للقلوب شواهد تعرج النفس عن‬
‫مسالك أهل التقصير إلى درجات المقربين‪ (6) .‬الفطنة‪ :‬الحذق والفهم‬
‫وهى مبدأ وخبره قوله‪ " :‬مما يدعو " يعنى أن الفطنة هي مما يدعو‬
‫النفس إلى الحذر من المخاطرات‪ (7) .‬الخواطر‪ ،‬جمع خاطر‪ :‬ما يخطر‬
‫بالقلب والنفس من أمر أو تدبير والعقول تزجر وتنهى عنها‪ (8) .‬وفى‬
‫الروضة " وعليك "‪.‬‬

‫]‪[286‬‬

‫الذي لك عليه‪ .‬لقد خاطر من استغنى برأيه )‪] .(1‬و[ التدبير قبل العمل يؤمنك من‬
‫الندم‪ .‬ومن استقبل وجوه الراء عرف مواقف الخطاء )‪ .(2‬ومن أمسك‬
‫عن الفضول عدلت رأيه العقول )‪ .(3‬ومن حصر شهوته فقد صان قدره‪.‬‬
‫ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته )‪ .(4‬وفي تقلب الحوال علم‬
‫جواهر الرجال‪ .‬واليام توضح لك السرائر الكامنة‪ .‬وليس في البرق‬
‫الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة )‪ .(5‬ومن عرف بالحكمة لحظته‬
‫العيون بالوقار والهيبة‪ .‬وأشرف الغنى ترك المنى‪ .‬والصبر جنة من الفاقة‪.‬‬
‫والحرص علمة الفقر‪ .‬والبخل جلباب المسكنة‪ .‬والمودة قرابة مستفادة‪.‬‬
‫ووصول معدم خير من جاف مكثر )‪ .(6‬والموعظة كهف لمن وعاها‪ .‬ومن‬
‫أطلق طرفه كثر أسفه )‪ .(7‬ومن ضاق خلقه‬

‫)‪ (1‬يقال‪ :‬خاطر بنفسه عرضها للخطر أي أشرف نفسه للهلك‪ (2) .‬أي استشار‬
‫الناس واقبل نحو آرائهم ولحظها واحدا واحدا وتفكر فيها فمن طلب‬
‫الراء من وجوهها الصحيحة انكشف له مواقع الخطاء واحترس منه‪) .‬‬
‫‪ (3‬أي حكم القول بعدالة رأيه وصوابه‪ (4) .‬أمنه ‪ -‬بالفتح ‪ -‬أي أمن قومه‬
‫من شره‪ ،‬ويحتمل بالمد من باب الفعال أي آمن من شر قومه أو عد‬
‫قومه أمينا ونال الحاجة التى توهم حصولها في اطلق اللسان‪ (5) .‬يقال‪:‬‬
‫خطف البرق البصر‪ :‬استلبه بسرعة وذهب به‪ .‬والمستمتع‪ :‬المنتفع و‬
‫المتلذذ‪ ،‬يعنى ل ينفعك ما يبصر وما يسمع كالبرق الخاطف بل ينبغى أن‬
‫تواظب وتستضئ دائما بانوار الحكم لتخرجك من ظلمات الجهل‪ ،‬ويحتمل‬
‫أن يكون المراد ل ينفع ما يبصر وما يسمع من اليات والمواعظ مع‬
‫النغماس في ظلمات المعاصي والذنوب‪ (6) .‬قد مضى هذه العبارة وبيان‬
‫ما فيها في وصيته عليه السلم لبنه الحسين سلم ال عليه ويحتمل‬
‫أيضا أن يكون المراد أن الفقير المتودد خير من الغنى المتجافى‪ .‬قوله‪" :‬‬
‫وعاها " أي حفظها وجمعها‪ (7) .‬الطرف ‪ -‬بسكون الراء‪ :‬العين‪ .‬و ‪-‬‬
‫بالتحريك‪ :‬اللسان أي ومن اطلق عينه ونظره كثر أسفه‪ .‬وفى الروضة‬
‫بعد هذا الكلم هكذا " وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله وقل ما‬
‫ينصفك اللسان في نشر قبيح أو احسان "‪.‬‬

‫]‪[287‬‬

‫مله أهله‪ .‬ومن نال استطال )‪ .(1‬قل ما تصدقك المنية‪ .‬التواضع يكسوك المهابة‪.‬‬
‫وفي سعة الخلق كنوز الرزاق )‪ .(2‬من كساه الحياء ثوبه خفي على‬
‫الناس عيبه‪ .‬تحرى القصد من القول فإنه من تحرى القصد خفت عليه‬
‫المؤن )‪ (3‬في خلف النفس رشدها‪ .‬من عرف اليام لم يغفل عن‬
‫الستعداد‪ .‬أل وإن مع كل جرعة شرقا وفي كل اكلة غصصا‪ .‬ل تنال نعمة‬
‫إل بزوال اخرى‪ .‬لكل ذي رمق قوت‪ .‬ولكل حبة آكل‪ .‬وأنت قوت الموت )‬
‫‪ .(4‬اعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الرض فإنه يصير إلى‬
‫بطنها‪ .‬والليل والنهار يتسارعان في هدم العمار‪ .‬أيها الناس كفر النعمة‬
‫لؤم )‪ .(5‬وصحبته الجاهل شؤم‪ .‬من الكرم لين الكلم‪ .‬إياك والخديعة فانها‬
‫من خلق اللئام‪ .‬ليس كل طالب يصيب‪ .‬ول كل غائب يؤوب‪ .‬ل ترغب فيمن‬
‫زهد فيك‪ .‬رب بعيد هو أقرب من قريب‪ .‬سل عن الرفيق قبل الطريق وعن‬
‫الجار قبل الدار‪ .‬استر عورة أخيك لما تعلمه فيك )‪ .(6‬اغتفر زلة‬

‫)‪ (1‬النيل‪ :‬اصابة الشئ‪ .‬يقال‪ :‬نال من عدوه أي بلغ منه مقصوده يعنى من أصاب‬
‫شيئا من اسباب الشرف كالمال والعلم يتفضل ويترفع غالبا ويمكن أن‬
‫يكون هذا نظير قوله‪ " :‬من جاد ساد " فالمراد أن الجود والكرم غالبا‬
‫يوجبان الفخر والستطالة‪ .‬والمنية‪ :‬البغية وما يتمنى النسان‪ ،‬يعنى في‬
‫الغالب امنيتك كاذبة‪ (2) .‬وفى الروضة بعد هذا الكلم كذا " كم من عاكف‬
‫على ذنبه في آخر أيام عمره "‪ (3) .‬أي أقصد الوسط العدل من القول‬
‫وجانب التعدي والفراط والتفريط ليخف عليك المؤونة‪ (4) .‬قد مضى‬
‫هذه الكلمات في وصاياه عليه السلم أيضا‪ (5) .‬اللوم ‪ -‬بالفتح غير‬
‫مهموز ‪ :-‬الملمة ومهموزا‪ :‬ضد الكرم‪ .‬واللئام‪ :‬جع لئيم و ‪ -‬بالضم ‪:-‬‬
‫الدنى وقد لؤم الرجل ‪ -‬بالضم ‪ -‬لؤما‪ (6) .‬في الروضة بعد هذه الجملة‬
‫هكذا " أل ومن أسرع في المسير أدركه المقيل‪ ،‬استر عورة أخيك كما‬
‫يعلمها فيك "‪ .‬وفى بعض النسخ " لما يعلمها "‪.‬‬

‫]‪[288‬‬

‫صديقك ليوم يركبك عدوك‪ .‬من غضب على من ل يقدر أن يضره طال حزنه وعذب‬
‫نفسه‪ .‬من خاف ربه كف ظلمه‪ .‬ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة‬
‫البهيمة‪ .‬إن من الفساد إضاعة الزاد‪ .‬ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة‬
‫غدا‪ .‬وما مناكرتم إل لما فيكم من المعاصي والذنوب )‪ .(1‬ما أقرب الراحة‬
‫من التعب‪ .‬والبؤس من التغيير )‪ .(2‬ما شر بشر بعده الجنة‪ .‬وما خير بخير‬
‫بعده النار‪ .‬وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلء دون النار عافية‪ .‬عند‬
‫تصحيح الضمائر تبدو الكبائر )‪ .(3‬تصفية العمل أشد من العمل‪ .‬وتخليص‬
‫النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد‪ .‬هيهات لول التقى كنت‬
‫أدهى العرب )‪ .(4‬عليكم بتقوى ال في الغيب والشهادة )‪ ،(5‬و كلمة الحق‬
‫في الرضى والغضب‪ ،‬والقصد في الغنى والفقر‪ ،‬وبالعدل على العدو و‬
‫الصديق‪ ،‬وبالعمل في النشاط والكسل‪ ،‬والرضى عن ال في الشدة‬
‫والرخاء‪ .‬ومن كثر كلمه كثر خطاؤه‪ ،‬ومن كثر خطاؤه قل حياؤه‪ ،‬ومن قل‬
‫حياؤه قل ورعه‪ .‬ومن قل ورعه مات قلبه‪ ،‬ومن مات قلبه دخل النار‪ .‬من‬
‫تفكر اعتبر‪ .‬ومن اعتبر‬

‫)‪ (1‬في الروضة " هيهات هيهات وما تناكرتم ال لما فيكم من المعاصي والذنوب "‬
‫أي ليس تناكرتم ال لذنوبكم وعيوبكم‪ (2) .‬وفى الروضة وبعض النسخ "‬
‫من النعيم " والمراد بالتغيير سرعة تقلب أحوال الدنيا‪ (3) .‬أي إذا أراد‬
‫النسان تصحيح ضميره عن النيات الفاسدة والخلق الذميمة تظهر له‬
‫العيوب الكبيرة الكامنة في النفس والخلق الذمية التى خفيت عليه تحت‬
‫أستار الغفلت‪ (4) .‬الدهاء جودة الرأى‪ ،‬والحذق وبمعنى المكر والحتيال‬
‫وهو المراد ههنا‪ .‬وفى الروضة " لول التقى لكنت أدهى العرب " ومن‬
‫كلم له عليه السلم " وال ما معاوية بأدهى منى ولكنه يغدر ويفجر‪.‬‬
‫ولول كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس‪ ،‬ولكن كل غدرة فجرة وكل‬
‫فجرة كفرة‪ .‬ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة‪ .‬وال ما استغفل‬
‫بالمكيدة ول استغمز بالتشديدة "‪ (5) .‬قد مضى هذا الكلم إلى آخر‬
‫الخطبة في وصيته صلوات ال عليه لبنه الحسين عليه السلم ولم يذكر‬
‫في الروضة وفيها بعد هذا الكلم " أيها الناس ان ال عزوجل وعد نبيه‬
‫محمدا صلى ال عليه وآله الوسيلة ووعد الحق " إلى آخر ما خطبه‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫]‪[289‬‬

‫اعتزل‪ .‬ومن اعتزل سلم‪ .‬ومن ترك الشهوات كان حرا‪ .‬ومن ترك الحسد كانت له‬
‫المحبة عند الناس‪ .‬عز المؤمن غناه عن الناس‪ .‬القناعة مال ل ينفد‪ .‬ومن‬
‫أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير‪ .‬ومن علم أن كلمه من عمله قل‬
‫كلمه إل فيما ينفعه‪ .‬العجب ممن يخاف العقاب فل يكف‪ ،‬ويرجو الثواب‬
‫ول يتوب ويعمل‪ .‬الفكر تورث نورا‪ .‬والغفلة ظلمة‪ .‬والجهالة ضللة‪] .‬و[‬
‫السعيد من وعظ بغيره‪ .‬والدب خير ميراث‪ .‬حسن الخلق خير قرين‪ .‬ليس‬
‫مع قطيعة الرحم نماء‪ .‬ول مع الفجور غنى‪ .‬العافية عشرة أجزاء تسعة‬
‫منها في الصمت إل بذكر ال ]وحده[ وواحد في ترك مجالسة السفهاء‪.‬‬
‫رأس العلم الرفق وآفته الخرق‪ .‬ومن كنوز اليمان الصبر على المصائب‪.‬‬
‫والعفاف زينة الفقر‪ .‬والشكر زينة الغنى‪ .‬كثرة الزيارة تورث المللة‪:‬‬
‫والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم‪ .‬إعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف‬
‫عقله‪ .‬ل تؤيس مذنبا‪ ،‬فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير‪ .‬وكم من مقبل‬
‫على عمله مفسد في آخر عمره‪ ،‬صائر إلى النار‪ .‬بئس الزاد إلى المعاد‬
‫العدوان على العباد‪ .‬طوبى لمن أخلص ل عمله وعلمه وحبه وبغضه‬
‫وأخذه وتركه وكلمه وصمته وفعله وقوله‪ .‬ل يكون المسلم مسلما حتى‬
‫يكون ورعا‪ ،‬ولن يكون ورعا حتى يكون زاهدا ولن يكون زاهدا حتى‬
‫يكون حازما‪ ،‬ولن يكون حازما حتى يكون عاقل‪ ،‬وما العاقل إل من عقل‬
‫عن ال وعمل للدار الخرة‪ .‬وصلى ال على محمد النبي وعلى أهل بيته‬
‫الطاهرين‪ - 2 .‬ف )‪ :(1‬خطبته عليه السلم المعروفة بالديباج‪ :‬الحمد ل‬
‫فاطر الخلق وخالق الصباح ومنشر الموتى وباعث من في القبور وأشهد‬
‫أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى ال‬
‫عليه وآله‪ .‬عباد ال ! إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى ال جل ذكره‬
‫اليمان بال‬

‫)‪ (1‬التحف‪.149 :‬‬

‫]‪[290‬‬

‫وبرسله وما جاءت به من عند ال والجهاد في سبيله‪ ،‬فانه ذروة السلم )‪(1‬‬
‫وكلمة الخلص‪ ،‬فإنها الفطرة‪ .‬وإقامة الصلة فانها الملة‪ .‬وإيتاء الزكاة‬
‫فانها فريضة‪ .‬وصوم شهر رمضان‪ ،‬فإنه جنة حصينة‪ .‬وحج البيت‬
‫والعمرة‪ ،‬فإنهما ينفيان الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة‪ .‬وصلة‬
‫الرحم‪ ،‬فانها ثروة في المال )‪ (2‬و منسأة في الجل وتكثير للعدد‪ .‬والصدقة‬
‫في السر فإنها تكفر الخطأ وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى‪ .‬والصدقة في‬
‫العلنية‪ ،‬فإنها تدفع ميتة السوء‪ .‬وصنايع المعروف فإنها تقي مصارع‬
‫السوء‪ .‬وأفيضوا في ذكر ال جل ذكره )‪ (3‬فإنه أحسن الذكر وهو أمان من‬
‫النفاق وبراءة من النار وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه ال جل وعز‬
‫وله دوي تحت العرش )‪ .(4‬وارغبوا فيما وعد المتقون‪ ،‬فإن وعد ال‬
‫أصدق الوعد وكل ما وعد فهو آت كما وعد‪ ،‬واقتدوا بهدي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله )‪ (5‬فإنه أفضل الهدى‪ .‬واستنوا بسنته‪ ،‬فإنها أشرف‬
‫السنن‪ .‬وتعلموا كتاب ال تبارك وتعالى‪ ،‬فإنه أحسن الحديث وأبلغ‬
‫الموعظة‪ ،‬وتفقهوا فيه‪ ،‬فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما‬
‫في الصدور‪ .‬وأحسنوا تلوته‪ ،‬فإنه أحسن القصص‪ " ،‬وإذا قرئ )عليكم(‬
‫القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )‪ " (6‬وإذا هديتم لعلمه‬
‫فاعملوا بما علمتم منه لعلكم تفلحون‪ ،‬فاعلموا عباد ال أن العالم العامل‬
‫بغير علمه كالجاهل الحائر الذي ل يستفيق من جهله )‪ (7‬بل الحجة عليه‬
‫أعظم وهو عند ال ألوم‪ ،‬والحسرة‬

‫)‪ (1‬الذروة ‪ -‬بالكسر والضم ‪ :-‬من كل شئ أعله‪ (2) .‬الثروة‪ :‬الكثرة‪ .‬وفى النهج‬
‫" مثراة "‪ .‬المنسأة ‪ -‬من النسأ ‪ :-‬التأخير‪ (3) .‬أفيضوا‪ :‬أسرعوا‬
‫واندفعوا‪ (4) .‬الدوى‪ :‬الصوت‪ (5) .‬الهدى بالفتح‪ :‬الطريقة والسيرة‪،‬‬
‫وبالضم الرشاد‪ (6) .‬سورة العراف‪ (7) .203 :‬أي كالجاهل المتحير‬
‫الذى ل أفاق من جهله‪.‬‬

‫]‪[291‬‬

‫أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحير في جهله و‬
‫كلهما حائر بائر مضل مفتون‪ ،‬مبتور ما هم فيه )‪ (1‬وباطل ما كانوا‬
‫يعملون‪ .‬عباد ال ! ل ترتابوا فتشكوا‪ .‬ول تشكوا فتكفروا‪ .‬ول تكفروا‬
‫فتندموا ول ترخصوا لنفسكم فتدهنوا )‪ (2‬وتذهب بكم الرخص مذاهب‬
‫الظلمة فتهلكوا‪ .‬ول تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا‬
‫خسرانا مبينا‪ .‬عباد ال ! إن من الحزم أن تتقوا ال‪ .‬وإن من العصمة أل‬
‫تغتروا بال‪ .‬عباد ال ! إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه وأغشهم‬
‫لنفسه أعصاهم له‪ .‬عباد ال ! إنه من يطع ال يأمن ويستبشر ومن يعصه‬
‫يخب ويندم ول يسلم‪ .‬عباد ال ! سلوا ال اليقين‪ ،‬فان اليقين رأس الدين‬
‫وارغبوا إليه في العافية‪ ،‬فان أعظم النعمة العافية‪ ،‬فاغتنموها للدنيا‬
‫والخرة وارغبوا إليه في التوفيق‪ ،‬فإنه اس وثيق )‪ (3‬واعلموا أن خير ما‬
‫لزم القلب اليقين‪ ،‬وأحسن اليقين التقى‪ ،‬وأفضل امور الحق عزائمها‪،‬‬
‫وشرها محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة‪ ،‬وبالبدع هدم‬
‫السنن‪ .‬المغبون من غبن دينه‪ .‬والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه‪.‬‬
‫والسعيد من وعظ بغيره‪ .‬والشقي من انخدع لهواه‪ .‬عباد ال ! اعلموا أن‬
‫يسير الرياء شرك‪ .‬وأن إخلص العمل اليقين‪ .‬والهوى يقود إلى النار‪.‬‬
‫ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ويحضر الشيطان‪ .‬والنسئ زيادة في‬
‫الكفر )‪ (4‬وأعمال العصاة تدعوا إلى سخط الرحمن‪ .‬وسخط الرحمن يدعو‬
‫إلى النار‪ .‬ومحادثة النساء تدعو إلى البلء ويزيغ القلوب‪ .‬والرمق لهن‬
‫يخطف‬

‫)‪ (1‬البائر‪ :‬الفاسد‪ ،‬الهالك‪ ،‬الذى ل خير فيه وفى المثل " حائر بائر " أي ل يطيع‬
‫مرشدا ول يتجه لشئ‪ .‬والمبتور‪ :‬المقطوع‪ (2) .‬ل ترخصوا أي ل تجعله‬
‫رخيصا والرخصة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬التسهيل والتخفيف‪ .‬والدهان‪ :‬المصانعة‬
‫كالمداهنة أي المساهلة‪ (3) .‬الس ‪ -‬بالتثليث‪ :‬الساس‪ (4) .‬النسيئ‬
‫التأخير‪.‬‬

‫]‪[292‬‬

‫نور أبصار القلوب )‪ (1‬ولمح العيون‪ .‬مصائد الشيطان ومجالسة السلطان يهيج‬
‫النيران‪ .‬عباد ال ! اصدقوا‪ ،‬فإن ال مع الصادقين‪ .‬وجانبوا الكذب‪ ،‬فإنه‬
‫مجانب لليمان وإن الصادق على شرف منجاة وكرامة )‪ (2‬والكاذب على‬
‫شفا مهواة وهلكة وقولوا الحق تعرفوا به‪ .‬واعلموا به تكونوا من أهله‪.‬‬
‫وأدوا المانة إلى من أئتمنكم عليها‪ .‬وصلوا أرحام من قطعكم‪ .‬وعودوا‬
‫بالفضل على من حرمكم‪ .‬وإذا عاقدتم فأوفوا‪ .‬وإذا حكمتم فاعدلوا‪ .‬وإذا‬
‫ظلمتم فاصبروا‪ .‬وإذا اسئ إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى‬
‫عنكم‪ .‬ول تفاخروا بالباء " ول تنابزوا باللقاب بئس السم الفسوق بعد‬
‫اليمان " ول تمازحوا ول تغاضبوا ول تباذخوا )‪ " (3‬ول يغتب بعضكم‬
‫بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا )‪ " (4‬ول تحاسدوا فان الحسد‬
‫يأكل اليمان كما تأكل النار الحطب ول تباغضوا فإنها الحالقة )‪ (5‬وأفشوا‬
‫السلم في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها‪ .‬وارحموا الرملة )‬
‫‪ (6‬واليتيم وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين في سبيل ال وابن‬
‫السبيل والسائلين وفي الرقاب والمكاتب والمساكين‪ ،‬وانصروا المظلوم‬
‫وأعطوا الفروض )‪ (7‬وجاهدوا أنفسكم‬

‫)‪ (1‬الرمق‪ :‬طول النظر إلى الشئ وفعله من باب قتل واللمحة ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬النظرة‬
‫بالعجلة والنظرة الخفيفة أي ونظر العيون اليهن بنظر خفيف من حبائل‬
‫الشيطان ومكائده‪ (2) .‬الشرف ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬العلو والمكان العالي‪.‬‬
‫والمنجاة ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الباعث على النجاة ويقال‪ :‬الصدق منجاة أي منج‪.‬‬
‫وشفا كل شئ طرفه وجانبه‪ .‬والمهواة‪ :‬ما بين الجبلين ونحوه‪(3) .‬‬
‫التمازح‪ :‬التداعب والتلعب‪ ،‬والتباذخ‪ :‬التفاخر‪ (4) .‬سورة الحجرات‪:‬‬
‫‪ (5) .12‬الحالقة‪ :‬الخصلة السيئة التى تحلق أي تهلك كل خصلة حسنة‪) .‬‬
‫‪ (6‬الرملة‪ :‬الضعفاء‪ .‬ويطلق أيضا على المسكين ومن ل أهل له ومن‬
‫ماتت زوجها‪ (7) .‬في بعض النسخ " القروض "‪.‬‬

‫]‪[293‬‬

‫في ال حق جهاده‪ .‬فانه شديد العقاب وجاهدوا في سبيل ال‪ .‬واقروا الضيف )‪.(1‬‬
‫وأحسنوا الوضوء‪ .‬وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها فإنها من‬
‫ال جل وعز بمكان " ومن تطوع خيرا )فهو خير له( فإن ال شاكر عليم )‬
‫‪ " (2‬وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان )‪." (3‬‬
‫و " اتقوا ال حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون )‪ ." (4‬واعلموا‬
‫عباد ال ! أن المل يذهب العقل ويكذب الوعد ويحث على الغفلة ويورث‬
‫الحسرة فاكذبوا المل فإنه غرور وإن صاحبه مأزور )‪ (5‬فاعملوا في‬
‫الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا وأجمعوا معها رغبة فإن ال‬
‫قد تأذن للمسلمين بالحسنى )‪ (6‬ولمن شكر بالزيادة فإني لم أر مثل الجنة‬
‫نام طالبها ول كالنار نام هاربها‪ ،‬ول أكثر مكتسبا ممن كسبه ليوم تذخر‬
‫فيه الذخائر وتبلى فيه السرائر‪ .‬وإن من ل ينفعه الحق يضره الباطل ومن‬
‫ل يستقيم به الهدى )‪ (7‬تضره الضللة ومن ل ينفعه اليقين يضره الشك‪.‬‬
‫وإنكم قد أمرتم بالظعن )‪ (8‬ودللتم على الزاد‪ ،‬أل إن أخوف ما أتخوف‬
‫عليكم اثنان طول المل واتباع الهوى‪ .‬أل وإن الدنيا قد أدبرت وآذنت‬
‫بانقلع )‪ (9‬أل وإن الخرة قد أقبلت وآذنت باطلع‪.‬‬

‫)‪ (1‬قرى الضيف‪ .‬أضافه‪ (2) .‬سورة البقرة‪ .153 :‬وقوله‪ " :‬تطوع " أي تبرع‪) .‬‬
‫‪ (3‬سورة المائدة‪ (4) .5 :‬سورة آل عمران‪ (5) .97 :‬المأزور‪ :‬الثم ‪-‬‬
‫من وزر ‪ -‬وقياسه موزور‪ (6) .‬الحسنى‪ :‬العاقبة الحسنة‪ (7) .‬لنه ليس‬
‫بين الهدى والضللة شئ فان وراء الهدى ضلل كله‪ .‬وفى النهج " ومن‬
‫لم يستقم به الهدى يجربه الضلل إلى الردى "‪ (8) .‬الظعن‪ :‬الرحيل‬
‫والمر تكويني والمراد بالزاد عمل الصالحات وترك السيئات‪ (9) .‬آذنت‬
‫أي أعلمت واعلمها هو ما أودع في طبيعتها من التقلب والتحول ومن‬
‫نظر ‪< -‬‬

‫]‪[294‬‬

‫أل وإن المضمار اليوم والسباق غدا‪ ،‬أل وإن السبقة الجنة والغاية النار‪ .‬أل وإنكم‬
‫في أيام مهل من ورائه أجل )‪ (1‬يحثه ]ا‍ل[ ‪ -‬عجل‪ .‬فمن أخلص ل عمله‬
‫في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله‪ ،‬ولم يضره أجله‪ .‬ومن لم يعمل في‬
‫أيام مهله ضره أمله‪ ،‬ولم ينفعه عمله‪ .‬عباد ال ! افزعوا إلى قوام دينكم )‬
‫‪ (2‬بإقام الصلة لوقتها‪ .‬وإيتاء الزكاة في حينها والتضرع والخشوع‪.‬‬
‫وصلة الرحم‪ ،‬وخوف المعاد‪ .‬وإعطاء السائل‪ ،‬وإكرام الضعفة ]والضعيف[‬
‫)‪ (3‬وتعلم القرآن والعمل به‪ ،‬وصدق الحديث‪ ،‬والوفاء بالعهد وأداء المانة‬
‫إذا ائتمنتم‪ ،‬وارغبوا في ثواب ال وارهبوا عذابه‪ ،‬وجاهدوا في سبيل ال‬
‫بأموالكم وأنفسكم‪ .‬وتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم‪ .‬واعملوا‬
‫بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير‪ .‬أقول قولي وأستغفر‬
‫ال لي ولكم‪ - 3 .‬من مناقب ابن الجوزي )‪ (4‬الخطبة المنبرية‪:‬‬

‫‪ < -‬إليها يحصل له اليقين بفنائها‪ .‬والطلع من أطلع على فلن أي أشرف وأتاه‬
‫ويفهم منه التيان بفجأة‪ .‬وفى النهج " ان الدنيا قد آذنت بوداع والخرة‬
‫قد أشرفت باطلع أل وان اليوم المضمار وغدا السباق " والمضمار‪:‬‬
‫الموضع الذى تضمر فيه الخيل‪ .‬وتضميره أن تربط ويكثر علفها وماؤها‬
‫حتى تسمن ثم يقلل علفها وماؤها وتجرى في الميدان حتى تهزل وذلك‬
‫في مدة أربعين يوما وهذه المدة أيضا تسمى المضمار‪ .‬والسباق‪:‬‬
‫المسابقة واجراء الخيل في مضمار فتسابق فيه‪ .‬والسبقة ‪ -‬بفتح فسكون‬
‫‪ :-‬المرة من السبق ‪ -‬وبفتحتين ‪ :-‬الغاية المحبوبة التى يحب السابق أن‬
‫يصل إليها‪ .‬و ‪ -‬بضم فسكون ‪ :-‬ما يتراهن عليه المتسابقون وهذا الكلم‬
‫على سبيل الستعارة أي العمل في الدنيا للستباق في الخرة‪ (1) .‬المهل‬
‫‪ -‬بالفتح ‪ :-‬المهلة‪ .‬وأيضا‪ .‬الرفق‪ .‬وفى النهج " أمل "‪ .‬أي المل في‬
‫البقاء واستمرار الحياة‪ (2) .‬الفزاع‪ :‬الخافة‪ ،‬الغاثة وازالة الفزع "‬
‫ضد "‪ (3) .‬في بعض النسخ " الضعيفة والضعيف "‪ (4) .‬المصدر ص‬
‫‪.70‬‬

‫]‪[295‬‬

‫روى مجاهد‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين عليه السلم يوما على منبر‬
‫الكوفة فقال‪ :‬الحمدل وأحمده وأومن به وأستعينه وأستهديه‪ ،‬وأشهد أن ل‬
‫إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى‬
‫ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيتها‬
‫النفوس المختلفة‪ ،‬والقلوب المتشتته‪ ،‬الشاهدة أبدانهم‪ ،‬الغائبة عقولهم‪ ،‬كم‬
‫أدلكم على الحق وأنتم تنفرون نفور المعزى من وعوعة السد‪ ،‬هيهات أن‬
‫أطلع بكم ذروة العدل أو اقيم اعوجاج الحق اللهم إنك تعلم أنه لم يكن مني‬
‫منافسة في سلطان‪ ،‬ول التماس فضول الحطام‪ ،‬ولكن لرد المعالم من‬
‫دينك‪ ،‬وأظهر الصلح في بلدك فيأمن المظلومون من عبادك‪ ،‬وتقام‬
‫المعطلة من حدودك‪ .‬اللهم إنك تعلم أني أول من أناب‪ ،‬وسمع فأجاب لم‬
‫يسبقني إل رسولك‪ .‬اللهم ل ينبغي أن يكون الوالي على الدماء والفروج‬
‫والمغانم والحكام ومعالم الحلل والحرام‪ ،‬وإمامة المسلمين ]وامور‬
‫المؤمنين[ البخيل لن تهمته في جميع الموال‪ ،‬ول الجاهل فيدلهم بجهله‬
‫على الضلل‪ ،‬ول الجافي فينفرهم بجفائه‪ ،‬ول الخائف فيتخذ قوما دون‬
‫قوم‪ ،‬ول المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ول المعطل للسنن فيؤدي‬
‫ذلك إلى الفجور‪ ،‬ول الباغي فيدحض الحق‪ ،‬ول الفاسق فيشين الشرع‪.‬‬
‫فقام إليه رجل فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات وترك امرأة‬
‫وابنتين وأبوين فقال‪ :‬لكل واحد من البوين السدس وللبنتين الثلثان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فالمرأة قال‪ :‬صار ثمنها تسعا وهذا من أبلغ الجوبة‪ - 4 .‬خطبة‪(1) :‬‬
‫ويعرف بالبالغة‪ :‬روى ابن أبي ذئب عن أبي صالح العجلي قال‪ :‬شهدت‬
‫أمير المؤمنين كرم ال وجهه وهو يخطب فقال‪ :‬بعد أن حمدال تعالى‬
‫وصلى على محمد رسوله صلى ال عليه وآله‪ :‬أيها ‪-‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر ص ‪ 72‬وسنده هكذا " القرشى " عن على بن الحسين عليه‬
‫السلم عن عبد ال ابن صالح العجلى عن رجل من بنى شيبان قال‪." ..‬‬

‫]‪[296‬‬

‫الناس إن ال أرسل إليكم رسول ليزيح به علتكم‪ ،‬ويوقظ به غفلتكم‪ ،‬وإن أخوف ما‬
‫أخاف عليكم اتباع الهوى وطول المل‪ ،‬أما اتباع الهوى فيصدكم )‪ (1‬عن‬
‫الحق‪ ،‬وأما طول المل فينسيكم الخرة‪ .‬أل وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن‬
‫الخرة قد أقبلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الخرة ول‬
‫تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ول حساب‪ ،‬وغدا حساب ول عمل‪ ،‬و‬
‫اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت‪ ،‬ومحاسبون على أعمالكم‬
‫ومجازون بها فل تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور‪ ،‬فانها دار‬
‫بالبلء محفوفة وبالعناء والغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين‬
‫أهلها دول وسجال )‪ (2‬ل تدوم أحوالها‪ ،‬ول يسلم من شرها نزالها‪ ،‬بينا‬
‫أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم في بلء وغرور‪ ،‬العيش فيها مذموم‪،‬‬
‫والرخاء فيها ل يدوم‪ ،‬أهلها فيها أهداف وأغراض مستهدفة )‪ (3‬وكل فيها‬
‫حتفه مقدور وحظه من نوائبها موفور‪ ،‬وأنتم عباد ال على محجة من قد‬
‫مضى‪ ،‬وسبيل من كان ثم انقضى )‪ (4‬ممن كان أطول منكم أعمارا‪ ،‬و أشد‬
‫بطشا وأعمر ديارا‪ ،‬أصبحت أجسادهم بالية‪ ،‬وديارهم خالية وآثارهم عافية‬
‫فاستبدلوا بالقصور المشيدة‪ ،‬والنمارق الموسدة )‪ (5‬بطون اللحود‬
‫ومجاورة اللدود في دار ساكنها مغترب‪ ،‬ومحلها مقترب‪ .‬بين قوم‬
‫مستوحشين متجاورين غير متزاورين ل يستأنسون بالعمران‪ ،‬ول‬
‫يتواصلون تواصل الجيران‪ .‬على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار‪،‬‬
‫وكيف يكون بينهم تواصل‪ ،‬وقد طحنتهم البلى‪ ،‬وأظلتهم الجنادل و‬

‫)‪ (1‬في المصدر " فيضلكم "‪ (2) .‬أي تارة لهم وتارة عليهم‪ (3) .‬زاد في المصدر‬
‫" وأسبابها مختلفة "‪ (4) .‬في المصدر " واعلموا عباد ال أنكم وما‬
‫أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ‪ -‬الخ " وجعل ما في‬
‫المتن نسخة‪ (5) .‬في المصدر " والنمارق الموسدة الصخور والحجار‬
‫في القبور التى خرب فناؤها وتهدم بناؤها فمحلها مقترب وساكنها‬
‫مغترب الخ "‪ .‬والمغترب‪ :‬الظاعن‪.‬‬

‫]‪[297‬‬

‫الثرى‪ .‬فأصبحوا بعد الحياة أمواتا‪ ،‬وبعد غضارة العيش رفاتا‪ .‬قد فجع بهم الحباب‬
‫وسكنوا التراب‪ ،‬وظعنوا فليس لهم إياب‪ ،‬وتمنوا الرجوع فحيل بينهم وبين‬
‫ما يشتهون " كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون‬
‫" )‪ .(1‬وقد أخرج أبو نعيم طرفا من هذه الخطبة في كتابه المعروف‬
‫بالحلية‪ - 5 .‬خطبة‪ (2) :‬في مدح رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ذكرها‬
‫الحسن بن عرفة‪ ،‬عن سعيد بن عمير قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم فقال‪ :‬الحمد ل داحي المدحوات )‪ (3‬وداعم المسموكات‪ ،‬وجابل‬
‫القلوب على فطرتها شقيها‪ ،‬وسعيدها وغويها ورشيدها‪ ،‬اللهم واجعل‬
‫شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على سيدنا محمد عبدك ورسولك وحبيبك‬
‫الخاتم لما سبق‪ ،‬والفاتح لما انغلق‪ ،‬المعلن بالحق‪ ،‬الناطق بالصدق‪ ،‬الدافع‬
‫جيشات الباطيل )‪ (4‬والدامغ هيشات الضاليل‬

‫)‪ (1‬زاد في المصدر بعد قوله " يبعثون " " وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه‬
‫وقدمتم على ما قدموا عليه فكيف بكم إذا تناهت المور وبعثر ما في‬
‫القبور وحصل ما في الصدور ان ربهم بهم يومئذ لخبير‪ ،‬وكأني وال بكم‬
‫وقد وقفتم للتحصيل بين يدى الملك الجليل فطارت القلوب لشفاقها من‬
‫سالف الذنوب وهبطت عنكم الحجب والستار وظهرت العيوب والسرار‪،‬‬
‫وزال الشك والرتياب هنالك تجزى كل نفس بما كسبت ان ال سريع‬
‫الحساب جعلنا ال واياكم عاملين بكتابه متبعين لسنة رسوله‪ ،‬حتى يحلنا‬
‫دار المقامة من فضله‪ ،‬انه حميد مجيد برحمته وكرمه "‪ (2) .‬المصدر‬
‫ص ‪ 74‬و ‪ 75‬وسنده هكذا " عبد ال بن ابى المجد‪ ،‬عن عبد الوهاب ابن‬
‫المبارك‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن حداد‪ ،‬عن ابى بكر بن أحمد بن على بن‬
‫ابراهيم ابن منحويه‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن اسحاق‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫سليمان‪ ،‬عن الحسن بن عرفة عن عباد بن الحبيب‪ ،‬عن مجالد‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن عمير "‪ (3) .‬أي باسط المبسوطات‪ .‬وقوله " داعم المسموكات‬
‫" أي مقيمها وحافظها‪ .‬وقوله " جابل القلوب " أي خالقها‪ (4) .‬يأتي‬
‫معنى الجيشاب والهيشات بعد تمام الخطبة‪.‬‬

‫]‪[298‬‬

‫فاضطلع قائما بأمرك )‪ (1‬مستوفزا في مرضاتك‪ ،‬غير ناكل عن قدم )‪ (2‬ولواه في‬
‫عزم مراعيا لعهدك‪ .‬محافظا لودك‪ ،‬حتى أوري قبس القابس وأضاء‬
‫الطريق للخابط )‪ (3‬وهدى به الناس بعد خوض الفتن والثام‪ ،‬والخبط في‬
‫عشو الظلم‪ ،‬فأنارت نيرات الحكام بارتفاع العلم‪ ،‬فهو أمينك المأمون‪،‬‬
‫وخازن علمك المخزون‪ ،‬وشهيد يوم الدين وحجتك على العالمين‪ ،‬وبعيثك‬
‫بالحق ورسولك الصدق إلى الخلق اللهم فافسح له مفسحا في ظلك‪ .‬واجزه‬
‫بمضاعفات الخير من فضلك‪ ،‬اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش‪ ،‬وقرار‬
‫النعمة‪ ،‬ومنتهى الرغبة‪ ،‬ومستقر اللذة‪ ،‬ومنتهى الطمأنينة‪ ،‬وأرجاء الدعة‬
‫وأفناء الكرامة‪ .‬القدم )‪ (4‬بتسكين الدال التقدم‪ ،‬والجيشات من جاشت القدر‬
‫تجيش إذا غلت‪ .‬والهيشات الجماعات وهاشوا إذا تحركوا‪ - 6 .‬خطبة‪(5) :‬‬
‫اخرى في مدح رسول ال صلى ال عليه وآله والئمة عليهم السلم‪.‬‬
‫رواها أحمد بن عبد ال الهاشمي‪ ،‬عن الحسن بن علي بن محمد بن موسى‬
‫بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلم قال الحسين‬
‫عليه السلم خطب أمير المؤمنين خطبة بليغة في مدح رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله فقال بعد حمد ال والصلة على نبيه‪ :‬لما أراد ال أن ينشئ‬
‫المخلوقات ]ويبدع الموجودات[ أقام الخلئق في صورة‬

‫)‪ (1‬فاضطلع أي نهض قويا والضلعة‪ :‬القوة‪ .‬والمستوفز‪ :‬المسارع المستعجل‪) .‬‬
‫‪ (2‬الناكل‪ :‬الناكص والمتأخر‪ .‬أي غير جبان يتأخر عند وجوب القدام‪.‬‬
‫والواهى‪ :‬الضعيف‪ (3) .‬ورى الزند ‪ -‬كوعى ‪ -‬وورى ‪ -‬كولى ‪ :-‬خرجت‬
‫ناره‪ ،‬واوريته ووريته واستوريته‪ .‬والقبس شعلة من النار والقابس الذى‬
‫يطلب النار‪ .‬والكلم تمثيل لنجاح طالب الحق ببلوغ طلبتهم منه واشراق‬
‫النفوس المستعدة لقبوله بما سطع من أنواره‪ .‬والخابط‪ :‬الذى يسير ليل‬
‫على غير الجادة‪ (4) .‬هذا من كلم صاحب المناقب‪ (5) .‬في المصدر‬
‫المطبوع ص ‪ 76‬بزيادات واختلف‪.‬‬

‫]‪[299‬‬

‫واحدة قبل دحو الرض ورفع السماوات‪ ،‬ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا‬
‫من ضيائه وسطع‪ ،‬ثم اجتمع في تلك الصورة‪ ،‬وفيها صورة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله )‪ (1‬فقال له تعالى‪ :‬أنت المرتضى المختار‪ ،‬وفيك‬
‫مستودع النوار‪ ،‬من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء‪ ،‬وأجرى الماء‪،‬‬
‫واجعل الثواب والعقاب والجنة والنار وأنصب أهل بيتك علما للهداية‪،‬‬
‫وأودع فيهم أسراري بحيث ل يغيب عنهم دقيق ول جليل‪ ،‬ول يخفى عنهم‬
‫خفي‪ ،‬اجعلهم حجتي على خليقتي‪ ،‬وأسكن قلوبهم أنوار عزتي‪ ،‬و أطلعهم‬
‫على معادن جواهر خزائني‪ .‬ثم أخذ ال تعالى عليهم الشهادة بالربوبية‬
‫والقرار بالوحدانية‪ ،‬وأن المامة فيهم‪ ،‬والنور معهم‪ ،‬ثم إن ال سبحانه‬
‫أخفى الخليقة في غيبه ؟‪ ،‬وغيبها في مكنون علمه‪ ،‬ونصب العوالم‪ ،‬وموج‬
‫الماء‪ ،‬وأثار الزبد‪ ،‬وأهاج الدخان فطفا عرشه على الماء‪ ،‬ثم أنشأ الملئكة‬
‫من أنوار أبدعها وأنواع اخترعها‪ ،‬ثم خلق المخلوقات فأكملها‪ ،‬ثم قرن‬
‫بتوحيده نبوة نبيه‪ ،‬فشهدت له السماوات و الرض والملئكة والعرش‬
‫والكرسي والشمس والقمر والنجوم ]وما في الرض[ بالنبوة والفضيلة‪،‬‬
‫ثم خلق آدم وأبان للملئكة فضله وأراهم ما خصه به من سابق العلم فجعله‬
‫محرابا وقبلة لهم فسجدوا له وعرفوا حقه‪ .‬ثم إن ال تعالى بين لدم عليه‬
‫السلم حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر فأودعه شيئا وأوصاه وأعلمه‬
‫أنه السر في المخلوقات‪ ،‬ثم لم يزل ينتقل من الصلب الطاهرة إلى الرحام‬
‫الزكية إلى أن وصل إلى عبد المطلب فألقاه إلى عبد ال ثم صانه ال عن‬
‫الخثعمية حتى وصل إلى آمنة‪ ،‬فلما أظهره ال بواسطة نبينا صلى ال عليه‬
‫وآله استدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر اللطيف‪ ،‬وندب العقول‬
‫إلى الجابة لذلك المعنى المودع في الذر قبل النسل‪ ،‬فمن واقفه قبس من‬
‫لمحات ذلك النور اهتدى إلى السر وانتهى إلى العهد المودع في باطن‬
‫المر وغامض العلم‪ ،‬ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة عشى بصر قلبه‬
‫عن إدراكه فل يزال ذلك النور ينتقل فينا أهل‬

‫)‪ (1‬في المصدر " وفيها هيئة نبينا صلى ال عليه وآله "‪.‬‬

‫]‪[300‬‬

‫البيت ويتشعشع في غرايزنا إلى أن يبلغ الكتاب أجله فنحن أنوار الرض‬
‫والسماوات ومحض خالص الموجودات‪ ،‬وسفن النجاة‪ ،‬وفينا مكنون العلم‪،‬‬
‫وإلينا مصير المور‪ ،‬وبمهدينا تنقطع الحجج‪ ،‬فهو خاتم الئمة‪ ،‬ومنقذ‬
‫المة‪ ،‬ومنتهى النور وغامض السر‪ ،‬فليهنأ من استمسك بعروتنا‪ ،‬وحشر‬
‫على محبتنا‪ - 7 .‬نهج البلغة )‪ ،(1‬ومن كتاب عيون الحكمة والمواعظ‬
‫لعلي بن محمد الواسطي من خطبه صلوات ال عليه‪ .‬الحمد ل الذي ل يبلغ‬
‫مدحته القائلون ول يحصى نعماءه العادون ول يؤدي حقه المجتهدون‪،‬‬
‫الذي ل يدركه بعد الهمم‪ ،‬ول يناله غوص الفطن )‪ (2‬الذي ليس لصفته حد‬
‫محدود‪ ،‬ول نعت موجود‪ ،‬ول وقت معدود‪ ،‬ول أجل ممدود‪ ،‬فطر الخلئق‬
‫بقدرته‪ ،‬ونشر الرياح برحمته‪ ،‬ووتد بالصخور ميدان أرضه‪ ،‬أول الدين‬
‫معرفته‪ ،‬وكمال معرفته التصديق به‪ ،‬وكمال التصديق به توحيده‪ ،‬وكمال‬
‫توحيده الخلص له‪ ،‬وكمال الخلص ]له[ نفي الصفات عنه‪ ،‬لشهادة كل‬
‫صفة أنها غير الموصوف‪ ،‬وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة‪ ،‬فمن‬
‫وصف ال سبحانه فقد قرنه‪ ،‬ومن قرنه فقد ثناه‪ ،‬ومن ثناه فقد جزأه ومن‬
‫جزأه فقد جهله ]ومن جهله فقد أشار إليه )‪ .[(3‬ومن أشار إليه فقد حده‪،‬‬
‫ومن حده فقد عده‪ ،‬ومن قال فيم فقد ضمنه‪ ،‬و من قال علم فقد أخلى منه‪،‬‬
‫كائن ل عن حدث‪ ،‬موجود ل عن عدم‪ ،‬مع كل شئ ل بمقارنة‪ ،‬وغير كل‬
‫شئ ل بمزايلة‪ ،‬فاعل ل بمعنى الحركات واللة‪ ،‬بصير إذ ل منظور إليه من‬
‫خلقه‪ ،‬متوحد إذ ل سكن يستأنس به‪ ،‬ول يستوحش لفقده‪ .‬أنشأ الخلق‬
‫إنشاء‪ ،‬وابتدأه ابتداء‪ ،‬بل روية أجالها‪ ،‬ول تجربة استفادها‬

‫)‪ (1‬الخطبة الولى‪ .‬وكتاب عيون الحكمة مخطوط‪ (2) .‬الفطن‪ :‬جمع فطنة‪.‬‬
‫وغوصها‪ :‬استغراقها في بحر المعقولت‪ (3) .‬هذه الجملة ليست في غير‬
‫واحد من النسخ المخطوطة العتيقة ول في شرحي ابن ميثم وابن أبى‬
‫الحديد‪ .‬والظاهر أنها زيادة من النساخ وفى البحار الطبع المعروف‬
‫بكمبانى خط عليها الكاتب بعد ما كتبها‪ .‬وليس لها معنى مستقيما صحيحا‬
‫ال بتكلف‪.‬‬

‫]‪[301‬‬

‫ول حركة أحدثها‪ ،‬ول همامة نفس اضطرب فيها )‪ ،(1‬أحال الشياء لوقاتها‪ ،‬و‬
‫لئم بين مختلفاتها‪ ،‬وغرز غرائزها‪ ،‬وألزمها أشباحها )‪ (2‬عالما بها قبل‬
‫ابتداءها محيطا بحدودها وانتهائها‪ ،‬عارفا بقرائنها وأحنائها )‪ .(3‬ثم أنشأ‬
‫سبحانه فتق الجواء‪ ،‬وشق الرجاء‪ ،‬وسكائك الهواء‪ ،‬فأجرى )‪ (4‬فيها‬
‫ماء متلطما تياره )‪ (5‬متراكما زخاره‪ ،‬حمله على متن الريح العاصفة‪ ،‬و‬
‫الزعزع القاصفة‪ ،‬فأمرها برده‪ ،‬وسلطها على شده‪ :‬وقرنها إلى حده‪،‬‬
‫الهواء من تحتها فتيق‪ ،‬والماء من فوقها دفيق‪ .‬ثم أنشأ سبحانه ريحا‬
‫اعتقم مهبها‪ ،‬وأدام مربها )‪ (6‬وأعصف مجراها‪ ،‬و أبعد منشأها‪ ،‬فأمرها‬
‫بتصفيق الماء الزخار‪ ،‬وأثارة موج البحار‪ ،‬فمخضته مخض السقاء )‪(7‬‬
‫وعصفت به عصفها بالفضاء‪ ،‬ترد أوله إلى آخره‪ ،‬وساجيه إلى مائره حتى‬
‫عب عبابه )‪ (8‬ورمى بالزبد ركامه‪ .‬فرفعه في هواء منفتق‪ ،‬وجو منفهق )‬
‫‪(9‬‬
‫)‪ (1‬همامة نفس ‪ -‬بالفتح ‪ -‬اهتمامها بالمور وقصدها إليه والضطرب الحركة‬
‫والحركة في الهمامة النتقال من رأى إلى رأى‪ .‬والحالة بمعنى التحويل‬
‫والنقل‪ (2) .‬الشباح‪ :‬الشخاص‪ (3) .‬الحناء جمع حنو ‪ -‬بالكسر ‪ -‬أي‬
‫الجانب وفى كلمه عليه السلم دللة على جواز اطلق العارف عليه‬
‫سبحانه‪ (4) .‬السكاكة ‪ -‬بالضم ‪ -‬الهواء الملقى أعناق السماء جمعها‬
‫سكائك‪ (5) .‬التيار‪ :‬الموج‪ .‬والمتراكم‪ :‬ما يكون بعضها فوق بعض‪،‬‬
‫والزخار الشديد الزخر أي المتداد والرتفاع‪ (6) .‬أي جعل هبوبها عقيما‬
‫والريح العقيم التى ل تلقح سحابا ول شجرا وكذلك كانت تلك الرياح‪.‬‬
‫والمرب مصدر ميمى من أرب بالمكان مثل الب به أي لزمه " فادام‬
‫مربها " أي ملزمتها أو ان ادام من ادمت الدلو ملتها‪ .‬والمرب‪ .‬بكسر‬
‫اوله المكان والمحل‪ (7) .‬التصفيق‪ :‬التحريك‪ .‬ومخضته‪ :‬حركته بشدة‪) .‬‬
‫‪ (8‬الساجى‪ :‬الساكن‪ .‬والمائر‪ :‬الذى يذهب ويجئ أو المتحرك مطلقا‪.‬‬
‫وعب أي ارتفع‪ ،‬والعباب بالضم معظم الماء وكثرته وارتفاعه‪ .‬والركام‪:‬‬
‫ثبجه وما تراكم منه بعضه على بعض‪ (9) .‬النفهاق‪ :‬التساع‪.‬‬

‫]‪[302‬‬

‫فسوى منه سبع سماوات‪ ،‬جعل سفلهن موجا مكفوفا‪ (1) ،‬وعلياهن سقفا محفوظا‬
‫وسمكا مرفوعا‪ ،‬بغير عمد يدعمها‪ ،‬ول دسار ينتظمها )‪ (2‬ثم زينها بزينة‬
‫الكواكب و ضياء الثواقب )‪ (3‬وأجرى فيها سراجا مستطيرا وقمرا منيرا‪،‬‬
‫في فلك دائر‪ ،‬وسقف سائر‪ ،‬ورقيم مائر )‪ .(4‬ثم فتق ما بين السماوات‬
‫العلى‪ ،‬فملهن أطوارا من ملئكته‪ ،‬منهم سجود ل يركعون‪ ،‬وركوع ل‬
‫ينتصبون‪ ،‬وصافون ل يتزايلون‪ ،‬ومسبحون ل يسأمون )‪ (5‬ل يغشاهم نوم‬
‫العيون‪ ،‬ول سهو العقول‪ ،‬ول فترة البدان‪ ،‬ول غفلة النسيان‪ ،‬ومنهم‬
‫امناء على وحيه‪ ،‬وألسنة إلى رسله‪ ،‬ومختلفون بقضائه وأمره‪ ،‬ومنهم‬
‫الحفظة لعباده‪ ،‬والسدنة لبواب جنانه‪ ،‬ومنهم الثابته في الرضين السفلى‬
‫أقدامهم‪ ،‬و المارقة من السماء العليا أعناقهم‪ ،‬والخارجة من القطار‬
‫أركانهم‪ ،‬والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم‪ ،‬ناكسة دونه أبصارهم‪،‬‬
‫متلفعون تحته بأجنحتهم )‪ (6‬مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة‪،‬‬
‫وأستار القدرة‪ ،‬ل يتوهمون ربهم بالتصوير‪ ،‬ول يجرون عليه صفات‬
‫المصنوعين‪ ،‬ول يحدونه بالماكن ول يشيرون إليه بالنظائر‪ .‬ومنها في‬
‫صفة خلق آدم عليه السلم‪ :‬ثم جمع سبحانه من حزن الرض )‪ (7‬وسهلها‬
‫وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء‬

‫)‪ (1‬المكفوف‪ :‬الممنوع من السيلن‪ (2) .‬يدعمها أي يسندها ويحفظها من‬


‫السقوط‪ .‬والدسار‪ :‬المسمار أو الخيوط تشد بها الواح السفينة من ليف‬
‫ونحوه‪ (3) .‬الثواقب‪ :‬المنيرة المشرقة‪ (4) .‬مستطيرا أي منتشر الضياء‬
‫وهو الشمس‪ .‬والرقيم‪ :‬اسم من اسماء الفلك أو هو الكهكشان لنه مرقوم‬
‫بالكواكب‪ .‬والمائر المتحرك‪ (5) .‬سجود جمع ساجد وكذا ركوع‪ .‬سئم من‬
‫الشئ مل منه‪ (6) .‬متلفعون من تلفعت بالثوب أي التحفت به‪ (7) .‬الحزن‬
‫بالفتح فالسكون‪ :‬المكان الغليظ الخشن كالجبل‪ .‬والسبخ ما ملح من‬
‫الرض‪.‬‬

‫]‪[303‬‬

‫حتى خلصت )‪ ،(1‬ولطها بالبلة حتى لزبت )‪ ،(2‬فجبل منها صورة ذات أحناء‬
‫ووصول )‪ (3‬وأعضاء وفصول‪ ،‬أجمدها حتى استمسكت‪ ،‬وأصلدها حتى‬
‫صلصلت )‪ (4‬لوقت معدود‪ ،‬وأجل معلوم‪ ،‬ثم نفخ فيها من روحه‪ ،‬فمثلت‬
‫إنسانا ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف بها‪ ،‬وجوارح يختدمها )‪ (5‬وأدوات‬
‫يقلبها‪ ،‬ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل‪ ،‬والذواق والمشام واللوان‬
‫والجناس معجونا بطينة اللوان المختلفة والشباه المؤتلفة‪ ،‬والضداد‬
‫المتعادية‪ ،‬والخلط المتباينة‪ ،‬من الحر والبرد والبلة والجمود ]والمساءة‬
‫والسرور[ واستأدى ال سبحانه الملئكة وديعته لديهم )‪ ،(6‬وعهد وصيته‬
‫إليهم في الذعان بالسجود له‪ ،‬والخشوع لتكرمته‪ ،‬فقال سبحانه‪" :‬‬
‫اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس " ]وقبيله[ اعترته الحمية‪ ،‬وغلبت عليه‬
‫الشقوة‪ ،‬وتعزز بخلقة النار‪ ،‬واستوهن خلق الصلصال‪ .‬فأعطاه ال النظرة‬
‫استحقاقا للسخطة‪ ،‬واستتماما للبلية‪ ،‬وإنجازا للعدة‪ ،‬فقال‪ :‬إنك من‬
‫المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬سن الماء‪ :‬صبه من غير تفريق واما الصب المتفرق فهو الشن بالمعجمة‪.‬‬
‫وخلصت أي صارت طينة خالصة‪ .‬وفى بعض النسخ من النهج " حتى‬
‫خضلت بتقديم الضاد المعجمة على اللم أي ابتلت‪ (2) .‬لطها أي خلطها‬
‫وعجنها‪ .‬ولزبت ‪ -‬بفتح الزاى ‪ -‬أي التصقت وثبتت‪ (3) .‬الوصول‬
‫الفصول باعتبار‪ (4) .‬اصلدها أي جعلها صلبة‪ .‬والصلد من الحجر الصلب‬
‫الملس‪ .‬وقيل صلبت حتى تسمع لها صلصلة إذا هبت عليها رياح فلذلك‬
‫سماه ال الصلصال‪ (5) .‬أي يجعلها في مآربه واوطارها كالخدم الذين‬
‫تستعملهم في خدمتك‪ (6) .‬أي طلب منها اداءها‪ (7) .‬ص‪ 81 :‬و ‪.82‬‬

‫]‪[304‬‬

‫‪ - 8‬ومن خطبة له عليه السلم )‪ (1‬الحمدل الذي بطن خفيات المور )‪ (2‬ودلت‬
‫عليه أعلم الظهور‪ ،‬وامتنع على عين البصير فل قلب من لم يره ينكره‪،‬‬
‫ول عين من أثبته تبصره‪ ،‬سبق في العلو فل شئ أعل منه‪ ،‬وقرب في‬
‫الدنو فل شئ أقرب منه‪ ،‬فل استعلؤه باعده عن شئ من خلقه‪ ،‬ول قربه‬
‫ساواهم في المكان به‪ ،‬لم يطلع العقول على تحديد صفته‪ ،‬ولم يحجبها عن‬
‫واجب معرفته‪ ،‬فهو الذي تشهد له أعلم الوجود على إقرار قلب ذي‬
‫الجحود )‪ (3‬تعالى ال عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيرا‪.‬‬
‫‪ - 9‬ومن خطبة له عليه السلم )‪ (4‬الحمد ل الذي لم تسبق له حال حال )‬
‫‪ (5‬فيكون أول قبل أن يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا )‪(6‬‬
‫وكل مسمى بالوحدة غيره قليل )‪ (7‬وكل عزيز غيره ذليل‪ ،‬وكل قوي غيره‬
‫ضعيف‪ ،‬وكل مالك غيره مملوك‪ ،‬وكل عالم غيره متعلم‪ ،‬وكل قادر غيره‬
‫يقدر ويعجزه‪ ،‬وكل سميع غيره يصم عن لطيف الصوات ويصمه كبيرها‪،‬‬
‫ويذهب عنه ما بعد منها‪ ،‬وكل بصير غيره يعمى عن خفي اللوان ولطيف‬
‫الجسام‪ ،‬وكل ظاهر غيره غير باطن‪ ،‬وكل باطن غيره غير ظاهر‪ ،‬لم‬
‫يخلق‬

‫)‪ (1‬النهج تحت رقم ‪ (2) .49‬بطنت المر أي عرفت باطنه‪ (3) .‬الجحود‪ :‬النكار‬
‫مع العلم‪ ،‬وظاهر الكلم أن انكار الجاحد مقصور على اللسان ول ينكر‬
‫أحد وجود الصانع بالقلب لظهور الدلة‪ (4) .‬النهج تحت رقم ‪(5) .63‬‬
‫لنه سبحانه ليس زمانيا وكذلك صفاته التى هي عين ذاته فل يلحقها‬
‫التقدم والتأخر‪ (6) .‬أي العالم ببواطن الشياء‪ (7) .‬أي متصف بالقلة‪.‬‬
‫ووصف غيره سبحانه بالوحدة تقليل له وفى ذاته تعالى مشعر بعلو الذات‬
‫عن التركيب المشعر بلزوم النحلل وتفردها بالعظمة والسلطان‪.‬‬

‫]‪[305‬‬

‫ما خلقه لتشديد سلطان‪ ،‬ول تخوف من عواقب زمان‪ ،‬ول استعانة على ند مثاور‬
‫ول شريك مكاثر )‪ ،(1‬ول ضد منافر‪ ،‬ولكن خليق مربوبون‪ ،‬وعباد‬
‫داخرون‪ ،‬لم يحلل في الشياء فيقال هو فيها كائن‪ ،‬ولم ينأ عنها فيقال هو‬
‫منها بائن‪ ،‬لم يؤده خلق ما ابتدأ )‪ ،(2‬ول تدبير ما ذرأ‪ ،‬ول وقف به عجز‬
‫عما خلق‪ ،‬ول ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر‪ ،‬بل قضاء متقن وعلم‬
‫محكم وأمر مبرم )‪ (3‬المأمول مع النقم‪ ،‬المرهوب مع النعم‪ - 10 .‬ومن‬
‫خطبة له عليه السلم )‪ (4‬الحمد ل المعروف من غير رؤية‪ ،‬والخالق من‬
‫غير روية )‪ (5‬الذي لم يزل قائما دائما إذ ل سماء ذات أبراج‪ ،‬ول حجب‬
‫ذات أرتاج‪ ،‬ول ليل داج‪ ،‬ول بحرساج )‪ (6‬ول جبل ذوفجاج‪ ،‬ول فج ذو‬
‫اعوجاج‪ ،‬ول أرض ذات مهاد )‪ ،(7‬ول خلق ذو اعتماد‪ ،‬ذلك مبتدع الخلق‬
‫ووارثه‪ ،‬وإله الخلق ورازقه‪ ،‬والشمس والقمر دائبان في مرضاته‪ ،‬يبليان‬
‫)‪ (8‬كل جديد‪ ،‬ويقربان كل بعيد‪ ،‬قسم أرزاقهم‪ ،‬و أحصى آثارهم وأعمالهم‪،‬‬
‫وعدد أنفاسهم‪ ،‬وخائنة أعينهم‪ ،‬وما تخفي صدورهم من‬

‫)‪ (1‬الند المثل والنظير‪ .‬والمثاور‪ :‬المواثب والمحارب‪ .‬والشريك المكاثر أي‬
‫المفاخر بالكثرة والذى يريد الغلبة بالكثرة‪ .‬والمنافرة أيضا المفاخرة‪(2) .‬‬
‫آده المر أي أثقله‪ (3) .‬أبرم الحبل أي جعله طاقين ثم فتله‪ (4) .‬النهج‬
‫تحت رقم ‪ (5) .88‬الروية الفكر وامعان النظر‪ (6) .‬الرتاج جمع رتج ‪-‬‬
‫بالتحريك ‪ -‬أي الباب العظيم‪ .‬والداجى‪ :‬المظلم‪ .‬و الساجى‪ :‬الساكن‪.‬‬
‫والفجاج‪ :‬جمع فج وهو الطريق الواسع بين جبلين‪ (7) .‬المهاد ‪ -‬ككتاب‬
‫‪ :-‬الفراش‪ (8) .‬دئب عمله إذا جد وتعب‪ .‬وابلؤهما كل جديد انه يبلى‬
‫بمضي اليام والشهور وكذلك تقريبهما كل بعيد‪.‬‬

‫]‪[306‬‬

‫الضمير‪ ،‬ومستقرهم ومستودعهم من الرحام والظهور‪ ،‬إلى أن تتناهى بهم الغايات‬


‫هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته‪ ،‬واتسعت رحمته‬
‫لوليائه في شدة نقمته‪ ،‬قاهر من عازه‪ ،‬ومدمر من شاقه‪ ،‬ومذل من ناواه‬
‫)‪ ،(1‬وغالب من عاداه ومن توكل عليه كفاه‪ ،‬ومن سأله أعطاه‪ ،‬ومن‬
‫أقرضه قضاه‪ ،‬ومن شكره جزاه‪ - 11 .‬ومن خطبة له عليه السلم )‪(2‬‬
‫الحمدل خالق العباد‪ ،‬وساطح المهاد‪ ،‬ومسيل الوهاد )‪ (3‬ومخصب النجاد‬
‫ليس لوليته ابتداء‪ ،‬ول لزليته انقضاء‪ ،‬وهو الول لم يزل‪ ،‬والباقي بل‬
‫أجل خرت له الجباه‪ ،‬ووحدته الشفاه‪ ،‬حد الشياء عند خلقه لها إبانة له‬
‫من شبهها ل تقدره الوهام بالحدود والحركات‪ ،‬ول بالجوارح والدوات‪ ،‬ل‬
‫يقال له " متى " ول يضرب له أمد ‍ب " حتى " الظاهر ل يقال له " مما "‬
‫والباطن ل يقال " فيما " ل شبح فيتقضى )‪ (4‬ول محجوب فيحوى‪ ،‬لم‬
‫يقرب من الشياء بالتصاق‪ ،‬ولم يبعد عنها بافتراق ل يخفى عليه من‬
‫عباده شخوص لحظة )‪ (5‬ول كرور لفظة‪ ،‬ول ازدلف ربوة )‪ (6‬ول‬

‫)‪ (1‬عازه فعزني أي غالبني فغلبني أي قهر من رام مشاركته في شئ من عزته‪ .‬و‬
‫والتدمير الهلك‪ .‬وناواه أي باعده وعاداه وخالفه‪ (2) .‬النهج تحت رقم‬
‫‪ (3) .161‬الوهاد جمع وهدة وهى الرض المنخفضة‪ .‬وساطح المهاد أي‬
‫جاعله سطحا سهل‪ .‬والنجاد‪ :‬جمع نجد ما ارتفع منها‪ .‬وتسييل الوهاد‬
‫بمياه المطار وتخصيب النجاد بانواع النبات‪ (4) .‬أي ليس بجسم حتى‬
‫يتطرق إليه الفناء‪ .‬وقوله " ول محجوب فيحوى " المحجوب الذى ستره‬
‫جسم فيكون الساتر حاويا له‪ (5) .‬أي امتداد بصر بل حركة من جفن‪) .‬‬
‫‪ (6‬ازدلف الربوة‪ :‬تقربها من النظر‪ .‬أي تقدمها في النظر فان الربوة‬
‫أول ما يقع في العين من الرض عند مد البصر‪.‬‬

‫]‪[307‬‬

‫انبساط خطوة‪ ،‬في ليل داج‪ ،‬ول غسق ساج‪ ،‬يتفيؤ عليه القمر المنير )‪ (1‬وتعقبه‬
‫الشمس ذات النور )‪ (2‬في الفول والكرور )‪ (3‬وتقلب الزمنة والدهور‪،‬‬
‫من إقبال ليل مقبل وإدبار نهار مدبر )‪ (4‬قبل كل غاية ومدة‪ ،‬وكل إحصاء‬
‫وعدة‪ ،‬تعالى عما ينحله المحددون من صفات القدار )‪ ،(5‬ونهايات‬
‫القطار‪ ،‬وتأثل المساكن )‪ (6‬وتمكن الماكن‪ ،‬فالحد لخلقه مضروب‪ ،‬وإلى‬
‫غيره منسوب‪ ،‬لم يخلق الشياء من اصول أزلية‪ ،‬ولمن أوائل أبدية )‪(7‬‬
‫بل خلق ما خلق فأقام حده )‪ ،(8‬وصور ما صور فأحسن صورته‪ ،‬ليس‬
‫لشئ منه امتناع‪ ،‬ول له بطاعة شئ انتفاع‪ ،‬علمه بالموات الماضين‬
‫كعلمه بالحياء الباقين‪ ،‬وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في‬
‫الرضين السفلى‪ - 12 .‬ومن خطبة له عليه السلم )‪ (9‬ل يشغله شأن‪ ،‬ول‬
‫يغيره زمان‪ ،‬ول يحويه مكان‪ ،‬ول يصفه لسان‪ ،‬ول يعزب عنه عدد قطر‬
‫الماء )‪ (10‬ول نجوم السماء‪ ،‬ول سوافي الريح في الهواء‪ ،‬ول دبيب‬
‫النمل‬

‫)‪ (1‬أصل التفيؤ للظل نسخ نور الشمس‪ ،‬ولما كان الظلم بالليل عاما كالضياء‬
‫بالنهار عبر عن نسخ نور القمر له بالتفيوء‪ ،‬تشبيها له بنسخ الظل‬
‫لضياء الشمس‪ (2) .‬الضمير في تعقبه راجع إلى القمر ويحتمل ان يعود‬
‫إلى الغسق فان الشمس تسوقه من موضع إلى موضع‪ (3) .‬الفول‪:‬‬
‫المغيب‪ .‬والكرور‪ :‬الرجوع بالشروق‪ (4) .‬الغرض بيان علمه تعالى‬
‫بالجزئيات وأنه ل يغيب عنه شئ‪ (5) .‬أي عما ينسبه المحددون لذاته‬
‫والمعرفون لها‪ " .‬من صفات القدار " جمع قدر ‪ -‬بسكون الدال ‪ -‬وهو‬
‫حال الشئ من الطول والعرض والعمق والصغر والكبر‪ .‬قوله‪ " :‬نهايات‬
‫القطار " أي نهاية البعاد الثلثة‪ (6) .‬التأثل‪ :‬التأصل‪ (7) .‬في قوله‬
‫عليه السلم هذا اشارة إلى ابطال القول بان العيان الثابتات مندرجة في‬
‫غيب الذات اندراج الشجرة في النواة واللوازم في الملزومات‪(8) .‬‬
‫واقامة حد الشياء‪ :‬اتقان الحدود على وفق الحكمة من المقادير‬
‫والشكال‪ .‬والنهايات والجال‪ (9) .‬النهج تحت رقم ‪ (10) .176‬ل يعزب‬
‫أي ل يخفى‪.‬‬

‫]‪[308‬‬
‫على الصفا )‪ (1‬ول مقيل الذر في الليلة الظلماء‪ ،‬يعلم مساقط الوراق‪ ،‬وخفي طرف‬
‫الحداق‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال غير معدول به )‪ (2‬ول مشكوك فيه‪ ،‬ول‬
‫مكفور دينه ول مجحود تكوينه‪ ،‬شهادة من صدقت نيته‪ ،‬وصفت دخلته )‬
‫‪ (3‬وخلص يقينه وثقلت موازينه‪ - 13 .‬ومن خطبة له عليه السلم )‪(4‬‬
‫فمنها لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا ولم يلد فيكون موروثا هالكا‪،‬‬
‫ولم يتقدمه وقت ول زمان‪ ،‬ولم يتعاوره زيادة ول نقصان‪ ،‬بل ظهر للعقول‬
‫بما أرانا من علمات التدبير المتقن‪ ،‬والقضاء المبرم )‪ (5‬فمن شواهد‬
‫خلقه خلق السماوات موطدات بل عمد )‪ (6‬قائمات بل سند‪ ،‬دعاهن فأجبن‬
‫طائعات مذعنات غير متلكئات ول مبطئات )‪ (7‬ولول إقرارهن له بالربوبية‬
‫وإذعانهن بالطواعية )‪ (8‬لما جعلهن‬

‫)‪ (1‬السوافى الريح جمع سافية من سفت الريح التراب والورق أي حملته‪ .‬والصفا‬
‫‪ -‬مقصورا ‪ -‬جمع صفاة ‪ -‬وهى الحجر الملس‪ .‬والذر صغار النمل والذرة‬
‫واحدة منها‪ ،‬ومقيلها محل استراحتها‪ ،‬والتخصيص بالصفا لعدم التأثير‬
‫بالدبيب كالتراب إذ يمكن في التراب ونحوه ان يعلم الدبيب بالثر‪(2) .‬‬
‫عدل بال أي جعل له عديل ونظيرا‪ (3) .‬الدخلة ‪ -‬بالكسر والضم ‪ -‬باطن‬
‫المر‪ (4) .‬النهج تحت رقم ‪ (5) .180‬تعاور القوم أي اختلفوا وتناوبوا‪.‬‬
‫وتعاور الزيادة والنقصان من لواحق المكان ولما كان نفى المور‬
‫المذكورة مستلزما لنفى المكان والجسمية أضرب عليه السلم عن‬
‫ظهوره سبحانه على حذو الجسمانيات والممكنات بظهوره بالثار واليات‬
‫البينات للعقول ل الحواس واللت‪ .‬والتدبير في حقه سبحانه كون أفعاله‬
‫على وفق الحكمة والمصلحة ل اجالة الفكر والروية والمبرم‪ :‬المحكم‪) .‬‬
‫‪ (6‬وطدت الرض كوعدت أطدها إذا اثبتها بالوطئ وغيرها حتى تتصلب‪.‬‬
‫وتوطيد السماوات احكام خلقها واقامتها في مقامها على وفق الحكمة‪) .‬‬
‫‪ (7‬تلكأ‪ :‬توقف وزنا ومعنى‪ (8) .‬الطواعية ‪ -‬كثمانية ‪ :-‬الطاعة‪.‬‬

‫]‪[309‬‬

‫موضعا لعرشه‪ ،‬ول مسكنا لملئكته‪ ،‬ول مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من‬
‫خلقه جعل نجومها أعلما يستدل به الحيران في مختلف فجاج القطار‪ ،‬لم‬
‫يمنع ضوء نورها ادلهمام‪ ،‬سجف الليل المظلم )‪ (1‬ول استطاعت جلبيب‬
‫سواد الحنادس )‪ (2‬أن ترد ما شاع في السموات من تللوء نور القمر‪.‬‬
‫فسبحان من ل يخفى عليه سواد غسق داج‪ ،‬ول ليل ساج‪ ،‬في بقاع‬
‫الرضين المتطأطئات‪ ،‬ول في يفاع السفع المتجاورات )‪ (3‬وما يتجلجل به‬
‫الرعد في افق السماء‪ ،‬وما تلشت عنه بروق الغمام )‪ (4‬وما تسقط من‬
‫ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف النواء‪ ،‬وانهطال السماء )‪ (5‬ويعلم‬
‫مسقط القطرة ومقرها‪ ،‬ومسحب‬

‫)‪ (1‬ادلهمام الظلمة كثافتها وشدتها‪ ،‬واسود مدلهم مبالغة‪ .‬والسجف ‪ -‬بالكسر ‪-‬‬
‫الستر كالسجف بالفتح‪ (2) .‬جلبيب جمع جلباب ‪ -‬بالكسر ‪ -‬ثوب واسع‬
‫تغطى به المرأة ثيابها من فوق كالملحفة وقيل هو الخمار‪ .‬والحنادس‬
‫جمع حندس ‪ -‬بكسر الحاء ‪ -‬الليل المظلم‪ (3) .‬طأطأ رأسه أي خفضه‬
‫فتطأطأ أي تواضع وانحنى ووصف الرضين بالمتطأطئات لكونها موطأ‬
‫للقدام وتحت السماوات‪ .‬واليفاع‪ :‬التل أو مطلق مرتفع الرض‪ .‬والسفع‬
‫جمع سفعاء‪ :‬السواد تضرب إلى الحمرة والمراد الجبال‪ ،‬والغرض احاطة‬
‫علمه بالسافل والعالي‪ (4) .‬الجلجلة‪ :‬صوت الرعد‪ .‬وتلشت أي اضمحلت‬
‫أي يعلم ما يصوت به الرعد و ما يضمحل عنه البرق‪ (5) .‬العواصف‬
‫الرياح الشديدة‪ .‬والنواء جمع نوء ‪ -‬بالفتح ‪ -‬وهى ثمان وعشرون منزلة‬
‫ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها‪ .‬ويسقط في المغرب كل ثلث عشرة‬
‫ليلة منزلة مع طلوع الفجر وتطلع اخرى مقابلتها ذلك الوقت في المشرق‬
‫فينقضى جميعها مع انقضاء السنة‪ .‬وكانت العرب تزعم أن مع سقوط‬
‫المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر وينسبونه إليها فيقولون مطرنا بنوء‬
‫كذا‪ ،‬وانما سمى نوءا لنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع‬
‫بالمشرق أي نهض وطلع‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالنوء الغروب وهو من‬
‫الضداد‪ ،‬واضافة العواصف إلى النواء من الضافة إلى الظرف لكثرة‬
‫هبوب العواصف في أوقات النواء على مجرى العادة ‪< -‬‬

‫]‪[310‬‬

‫الذرة ومجرها )‪ ،(1‬وما يكفي البعوضة من قوتها‪ ،‬وما تحمل النثى في بطنها‪.‬‬
‫والحمد ل الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش‪ ،‬أو سماء أو أرض‪ ،‬أو‬
‫جان أو إنس ل يدرك بوهم‪ ،‬ول يقدر بفهم‪ ،‬ول يشغله سائل‪ ،‬ول ينقصه‬
‫نائل‪ ،‬ول ينظر بعين ول يحد بأين‪ ،‬ول يوصف بالزواج‪ ،‬ول يخلق بعلج‪،‬‬
‫ول يدرك بالحواس‪ ،‬ول يقاس بالناس‪ ،‬الذي كلم موسى تكليما‪ ،‬وأراه من‬
‫آياته عظيما‪ ،‬بل جوارح ول أدوات‪ ،‬ول نطق ول لهوات )‪ (2‬بل إن كنت‬
‫صادقا أيها المتكلف لوصف ربك‪ ،‬فصف جبرئيل أو ميكائيل وجنود‬
‫الملئكة المقربين‪ ،‬في حجرات القدس مرجحنين‪ ،‬متولهة عقولهم )‪ (3‬أن‬
‫يحدوا أحسن الخالقين‪ ،‬وإنما يدرك بالصفات ذووا الهيئات والدوات ومن‬
‫ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء‪ ،‬فل إله إل هو‪ ،‬أضاء بنوره كل ظلم‪،‬‬
‫وأظلم بظلمته كل نور‪ - 14 .‬ومن خطبة له عليه السلم )‪ :(4‬في التوحيد‬
‫وتجمع هذه الخطبة من اصول العلم ما ل تجمعه خطبة‪ .‬فمنها‪ :‬ما وحده‬
‫من كيفه‪ ،‬ول حقيقته أصاب من مثله‪ ،‬ول إياه عنى من شبهه‪ ،‬ول صمده‬
‫من أشار إليه وتوهمه )‪ ،(5‬كل معروف بنفسه مصنوع‪ ،‬وكل قائم في‬
‫سواه معلول )‪ (6‬فاعل بل اضطراب آلة‪ ،‬مقدر ل بجول فكرة‪ ،‬غني ل‬
‫باستفادة‪ ،‬ل‬

‫‪ < -‬ل لتاثير النوء في الرياح والمطار كما كانت تزعمه العرب وكانوا يقولون‬
‫مطرنا بنوء كذا‪ .‬وهطل المطر‪ :‬نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر‪ .‬وانهطال‬
‫المطر تتابعه‪ .‬والمراد بالسماء هنا المطر‪ (1) .‬سحبه‪ :‬جره على وجه‬
‫الرض‪ (2) .‬اللهوات جمع لهاة ‪ -‬اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى‬
‫الفم‪ (3) .‬المرجحن ‪ -‬كالمقشعر ‪ :-‬المائل لثقله والمتحرك يمينا وشمال‬
‫كناية عن انحنائهن لعظمة ال سبحانه‪ .‬والمتولهة‪ :‬الحائرة أو متخوفة‪) .‬‬
‫‪ (4‬النهج تحت رقم ‪ (5) .184‬صمده أي قصده‪ (6) .‬أي كل ما يحتاج في‬
‫وجوده وتقومه إلى غيره كالعراض فهو معلول محتاج إلى العلة‪.‬‬

‫]‪[311‬‬

‫تصحبه الوقات‪ ،‬ول ترفده الدوات )‪ (1‬سبق الوقات كونه‪ ،‬والعدم وجوده‪ ،‬و‬
‫البتداء أزله‪ ،‬بتشعيره المشاعر عرف أن ل مشعر له‪ ،‬وبمضادته بين‬
‫المور عرف أن ل ضد له‪ ،‬وبمقارنته بين الشياء عرف أن ل قرين له‪،‬‬
‫ضاد النور بالظلمة‪ ،‬والوضوح بالبهمة‪ ،‬والجمود بالبلل‪ ،‬والحرور‬
‫بالصرد‪ ،‬مؤلف بين متعادياتها‪ ،‬مقارن بين متبايناتها‪ ،‬مقرب بين‬
‫متباعداتها‪ ،‬مفرق بين متدانياتها‪ ،‬ل يشمل بحد‪ ،‬ول يحسب بعد‪ ،‬وإنما تحد‬
‫الدوات أنفسها وتشير اللت إلى نظائرها‪ ،‬منعتها " منذ " القدمة‬
‫وحمتها " قد " الزلية )‪ (2‬وجنبتها " لول " التكملة )‪ (3‬بها تجلى‬
‫صانعها للعقول‪ ،‬وبها امتنع عن نظر العيون )‪ (4‬ل يجري عليه السكون‬
‫والحركة‪ ،‬وكيف يجري عليه ما هو أجراه‪ ،‬ويعود فيه ما هو أبداه‪ ،‬ويحدث‬
‫فيه ما هو أحدثه‪ ،‬إذا لتفاوتت ذاته و لتجزأ كنهه‪ ،‬ول امتنع من الزل‬
‫معناه‪ ،‬ولكان له وراء إذ وجد له أمام‪ ،‬ول التمس التمام إذ لزمه النقصان‪،‬‬
‫وإذا لقامت آية المصنوع فيه‪ ،‬ولتحول دليل بعد أن كان مدلول عليه‪،‬‬
‫وخرج بسلطان المتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره‪ .‬الذي ل يحول‬
‫ول يزول ول يجوز عليه الفول‪ ،‬لم يلد فيكون مولودا‪ ،‬ولم يولد فيصير‬
‫محدودا‪ ،‬جل عن اتخاذ البناء‪ ،‬وطهر عن ملمسة النساء‪ ،‬ل تناله الوهام‬
‫فتقدره‪ ،‬ول تتوهمه الفطن فتصوره‪ ،‬ول تدركه الحواس فتحسه‪ ،‬ول‬
‫تلمسه اليدي فتمسه )‪ (5‬ول يتغير بحال‪ ،‬ول يتبدل في الحوال‪ ،‬ول تبليه‬
‫الليالي و‬
‫)‪ (1‬رفده أي أعانه‪ (2) .‬حمى الشئ ‪ -‬كرضى ‪ -‬أي منعه‪ " (3) .‬لول " ل يستعمل‬
‫ال في ناقص عن بعض الوجوه‪ .‬كما أن قولك عند نظرك إلى المستحسنة‬
‫من الشياء والمتوقد من الذهان‪ :‬ما أحسنها لول أن فيها كذا من قبول‬
‫الفناء وتوقف ادراكها على شروط كثيرة يجنبها ويبعدها عن كونها‬
‫كاملة‪ (4) .‬أي بعقولنا حكمنا بامتناعه عن نظر عيوننا‪ (5) .‬لمسه ‪-‬‬
‫كنصره ‪ -‬أي أفضى إليه بيده‪ .‬ومسسته أي لمسته‪.‬‬

‫]‪[312‬‬

‫اليام )‪ (1‬ول يغيره الضياء والظلم )‪ (2‬ول يوصف بشئ من الجزاء ول‬
‫بالجوارح والعضاء‪ ،‬ول بعرض من العراض‪ ،‬ول بالغيرية والبعاض‪،‬‬
‫ول يقال له حد ول نهاية‪ ،‬ول انقطاع ول غاية‪ ،‬ول أن الشياء تحويه‬
‫فتقله أو تهويه )‪ (3‬أو أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله‪ ،‬وليس في الشياء‬
‫بوالج )‪ (4‬ول عنها بخارج‪ ،‬يخبر ل بلسان ولهوات‪ ،‬ويسمع ل بخروق‬
‫وأدوات )‪ (5‬يقول ول يلفظ‪ ،‬ويحفظ ول يتحفظ ويريد ول يضمر‪ ،‬يحب‬
‫ويرضى من غير رقة‪ ،‬ويبغض ويغضب من غير مشقة‪ ،‬يقول لما أراد‬
‫كونه كن فيكون‪ ،‬ل بصوت يقرع‪ ،‬ول بنداء يسمع‪ ،‬وإنما كلمه سبحانه‬
‫فعل منه أنشأه‪ ،‬ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا‪ ،‬ولو كان قديما لكان إلها‬
‫ثانيا‪ .‬ل يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات‪ ،‬ول يكون‬
‫بينها وبينه فصل‪ ،‬ولله عليها فضل‪ ،‬فيستوي الصانع والمصنوع‪ ،‬ويتكافأ‬
‫المبتدع والبديع‪ .‬خلق الخليق على غير مثال خل من غيره‪ ،‬ولم يستعن‬
‫على خلقها بأحد من خلقه‪ ،‬و أنشأ الرض فأمسكها من غير اشتغال )‪(6‬‬
‫وأرساها على غير قرار‪ ،‬وأقامها بغير قوائم ورفعها بغير دعائم‪ ،‬وحصنها‬
‫من الود والعوجاج )‪ (7‬ومنعها من التهافت و النفراج‪ ،‬أرسى أوتادها‪،‬‬
‫وضرب أسدادها‪ ،‬واستفاض عيونها )‪ (8‬وخد أوديتها‬

‫)‪ (1‬لعل المعنى لو صدق اطلق واحد من هذه اللفاظ عليه سبحانه لصدق البواقى‪،‬‬
‫و ل يصدق عليه شئ منها لستلزام الجميع الجسمية‪ ،‬وليس الغرض‬
‫الستدلل على نفى بعضها ببعض‪ .‬وقوله " ل يتغير بحال " أي بتغير‬
‫الوصاف كالشباب والشيب‪ ،‬ول يتبدل في الحوال أي ل يصير ظالما في‬
‫حال الغضب‪ ،‬عادل في غيره‪ ،‬جوادا في حال بخيل في غيره‪ (2) .‬الظلم‬
‫‪ -‬بالفتح ‪ -‬ذهاب النور‪ (3) .‬أي ل يحويه جسم حتى يرتفع بارتفاعه‬
‫وينخفض بانخفاضه‪ (4) .‬عدله ‪ -‬بالتخفيف والتشديد ‪ -‬أي أقامه‬
‫والوالج‪ :‬الداخل‪ (5) .‬اللهوات ‪ -‬بالفتح ‪ -‬جمع لهاة تقدم معناها أنها‬
‫اللحمة في سقف أقصى الفم‪ (6) .‬أي لم يشغله امساكها عن غيره من‬
‫المور‪ (7) .‬العوجاج عطف تفسير على الود ‪ -‬وزان فرس ‪(8) .-‬‬
‫الوتاد‪ :‬جمع وتد‪ .‬والسداد‪ :‬جمع سد‪ ،‬والمراد بها الجبال‪ .‬والخد ‪-‬‬
‫بتشديد الدال ‪ -‬الشق‪.‬‬

‫]‪[313‬‬

‫فلم يهن ما بناه‪ ،‬ول ضعف ما قواه‪ ،‬هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته‪ ،‬وهو‬
‫الباطن لها بعلمه ومعرفته‪ ،‬والعالي على كل شئ منها بجلله وعزته‪ ،‬ل‬
‫يعجزه شئ منها طلبه‪ ،‬ول يمتنع عليه فيغلبه‪ ،‬ول يفوته السريع منها‬
‫فيسبقه‪ ،‬ول يحتاج إلى ذي مال فيرزقه‪ ،‬خضعت الشياء له‪ ،‬وذلت‬
‫مستكينة لعظمته‪ ،‬ل تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه‬
‫وضره‪ ،‬ول كفء له فيكافيه‪ ،‬ول نظير له فيساويه وهو المفني لها بعد‬
‫وجودها‪ ،‬حتى يصير موجودها كمفقودها‪ ،‬وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها‬
‫بأعجب من إنشائها واختراعها‪ ،‬وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من‬
‫طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها )‪(1‬‬
‫وأجناسها ومتبلدة اممها وأكياسها )‪ (2‬على إحداث بعوضة ما قدرت على‬
‫إحداثها‪ ،‬ول عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم‬
‫ذلك‪ ،‬وتاهت )‪ (3‬وعجزت قواها و تناهت‪ ،‬ورجعت خاسئة حسيرة )‪(4‬‬
‫عارفة بأنها مقهورة‪ ،‬مقرة بالعجز عن إنشائها مذعنة بالضعف عن‬
‫إفنائها‪ .‬وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده‪ ،‬ل شئ معه كما كان قبل‬
‫ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها‪ ،‬بل وقت ول مكان‪ ،‬ول حين ول زمان‪،‬‬
‫عدمت عند ذلك الجال والوقات‪ ،‬وزالت السنون والساعات‪ ،‬فل شئ إل‬
‫]ال[ الواحد القهار الذي إليه مصير جميع المور بل قدرة منها كان ابتداء‬
‫خلقها‪ ،‬وبغير امتناع منها كان فناؤها‪ ،‬ولو قدرت على المتناع لدام‬
‫بقاؤها‪ ،‬لم يتكأده صنع شئ منها إذ صنعه‪ ،‬ولم يؤده منها خلق ما برأه‬
‫وخلقه‪ ،‬ولم يكونها لتشديد سلطان‪ ،‬ول لخوف من زوال‬

‫)‪ (1‬مراحها ‪ -‬بضم الميم ‪ :-‬اسم مفعول من اراح البل‪ ،‬ردها إلى المراح ‪ -‬كالمناخ‬
‫‪ -‬أي المأوى‪ .‬والسائم‪ :‬الراعى‪ .‬يريد ما كان في مأواه وما كان في‬
‫مرعاه‪ .‬والسناخ‪ :‬الصناف والنواع‪ (2) .‬المتبلدة‪ :‬الغبية‪ .‬والكياس ‪-‬‬
‫جمع كيس ‪ -‬وهو الحاذق والعاقل‪ (3) .‬تاهت أي تحيرت وضلت‪(4) .‬‬
‫الخاسئ‪ :‬الذليل الصاغر‪ .‬وقيل هو البعيد مما يريده‪ .‬والحسير‪ :‬الكال‬
‫المعيى‪.‬‬

‫]‪[314‬‬
‫ول نقصان‪ ،‬ول للستعانة بها على ند مكاثر‪ ،‬ول للحتراز بها من ضد مثاور )‪،(1‬‬
‫ول للزدياد بها في ملكه‪ ،‬ول لمكاثرة شريك في شركه‪ ،‬ول لوحشة كانت‬
‫منه فأراد أن يستأنس إليها‪ ،‬ثم هو يفتيها بعد تكوينها‪ ،‬للسأم دخل عليه‬
‫في تصريفها وتدبيرها ول لراحة واصلة إليه‪ ،‬ول لثقل شئ منها عليه‪ ،‬ل‬
‫يمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها‪ ،‬لكنه سبحانه دبرها بلطفه‪،‬‬
‫وأمسكها بأمره‪ ،‬وأتقنها بقدرته‪ ،‬ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه‬
‫إليها‪ ،‬ول استعانة بشئ منها عليها‪ ،‬ول لنصراف من حال وحشة إلى حال‬
‫استئناس‪ ،‬ول من حال جهل وعمى إلى علم والتماس‪ ،‬ول من فقر وحاجة‬
‫إلى غنى وكثرة‪ ،‬ول من ذل وضعة )‪ (2‬إلى عز وقدرة‪ - 15 .‬ومن خطبة‬
‫له عليه السلم )‪ (3‬الحمدل الذي أظهر من آثار سلطانه وجلل كبريائه ما‬
‫حير مقل العيون من عجائب قدرته )‪ ،(4‬وردع خطرات هماهم النفوس )‬
‫‪ (5‬عن عرفان كنه صفته وأشهد أن ل إله إل ال شهادة إيمان وإيقان‬
‫وإخلص وإذعان‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله وأعلم الهدى‬
‫دارسة‪ ،‬ومناهج الدين طامسة )‪ (6‬فصدع بالحق‪ ،‬و نصح للخلق‪ ،‬وهدى‬
‫إلى الرشد‪ ،‬وأمر بالقصد صلى ال عليه وآله‪ .‬واعلموا عباد ال أنه لم‬
‫يخلقكم عبثا‪ ،‬ولم يرسلكم همل‪ ،‬علم مبلغ نعمه عليكم‪ ،‬وأحصى إحسانه‬
‫إليكم‪ ،‬فاستفتحوه واستنجحوه واطلبوا إليه واستميحوه )‪(7‬‬

‫)‪ (1‬الند ‪ -‬بكسر النون وتشديد الدال ‪ -‬المثل والنظير‪ .‬والمكاثرة‪ :‬المغالبة بالكثرة‪.‬‬
‫والثور‪ :‬الهيجان والوثب‪ ،‬ثاوره مثاورة وثوارا أي وثبه‪ (2) .‬الضعة ‪-‬‬
‫بالفتح ‪ -‬انحطاط الدرجة‪ ،‬ضد الرفعة‪ (3) .‬النهج تحت رقم ‪(4) .193‬‬
‫المقلة هي شحمة العين التى تجمع السواد والبياض‪ (5) .‬الهمهمة الكلم‬
‫الخفى وصوت يسمع ول يفهم محصوله وقيل‪ :‬همومها في طلب العلم‪) .‬‬
‫‪ (6‬طامسة أي مندرسه وممحوة‪ .‬والصدع الشق‪ (7) .‬أي سلوه الفتح‬
‫والنجاح وهو الفوز بالمقاصد‪ .‬واستميحوه أي التمسوا منه العطاء‪.‬‬

‫]‪[315‬‬

‫فما قطعكم عنه حجاب‪ ،‬ول اغلق عنكم دونه باب‪ ،‬فإنه لبكل مكان‪ ،‬وفي كل حين‬
‫وأوان‪ ،‬ومع كل إنس وجان‪ ،‬ل يثلمه العطاء‪ ،‬ول ينقصه الحباء )‪ (1‬ول‬
‫يستنفده سائل‪ ،‬ول يستقصيه نائل‪ ،‬ول يلويه شخص عن شخص )‪ (2‬ول‬
‫يلهيه صوت عن صوت ول تحجزه هبة عن سلب‪ ،‬ول يشغله غضب عن‬
‫رحمة‪ ،‬ول تولهه رحمة عن عقاب )‪ (3‬ول تجنه البطون عن الظهور‪ ،‬ول‬
‫تقطعه الظهور عن البطون‪ ،‬قرب فنأى )‪ (4‬وعل فدنا‪ ،‬وظهر فبطن )‪(5‬‬
‫وبطن فعلن‪ ،‬ودان ولم يدن‪ ،‬لم يذرء الخلق باحتيال‪ ،‬ول استعان بهم لكلل‬
‫)‪ - 16 .(6‬وله عليه السلم من خطبة )‪ (7‬يعلم عجيج الوحوش في‬
‫الفلوات‪ ،‬ومعاصي العباد في الخلوات‪ ،‬واختلف النينان في البحار‬
‫الغامرات )‪ ،(8‬وتلطم الماء بالرياح العاصفات‪ - 17 .‬وله عليه السلم من‬
‫خطبة )‪ (9‬تعرف بخطبة الشباح‪ ،‬هي من جلئل خطبه‪ .‬روى مسعدة بن‬
‫صدقة عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلم أن رجل أتى أمير‬
‫المؤمنين عليا عليه السلم فقال يا أمير المؤمنين صف لنا ربنا لنزداد له‬
‫حبا وبه معرفة فغضب عليه السلم‬

‫)‪ (1‬الحباء‪ :‬العطاء‪ (2) .‬أي ل يميله أحد عن غيره‪ (3) .‬أي ل تغفله ول تجعله‬
‫والها متحيرا‪ (4) .‬أي قرب علما وقدرة ولطفا ورحمة فنأى جلل وعظمة‬
‫ومجدا‪ (5) .‬أي ظهر سبحانه من حيث اللء وبطن من حيث الذات "‬
‫فعلن " أي من حيث السمات و " دان ولم يدن " أي جازى وحاسب‪ ،‬ولم‬
‫يحاسبه أحد‪ (6) .‬ذرأ أي خلق‪ ،‬والحتيال‪ :‬التفكر في العمل‪ (7) .‬النهج‬
‫تحت رقم ‪ (8) .196‬العجيج رفع الصوت‪ ،‬والنينان جمع النون وهو‬
‫الحوت‪ (9) .‬النهج تحت رقم‪.88 :‬‬

‫]‪[316‬‬

‫وصعد المنبر وهو مغضب )‪ (1‬فحمد ال وأثنى عليه وصلى على النبي‪ .‬وقال‪:‬‬
‫الحمد ل الذي ل يفره المنع والجمود )‪ (2‬ول يكديه العطاء والجود إذ كل‬
‫معط مستقص سواه‪ ،‬وكل مانع مذموم ما خله )‪ (3‬وهو المنان بفوائد‬
‫النعم وعوائد المزيد والقسم )‪ (4‬عياله الخلئق ضمن أرزاقهم‪ ،‬وقدر‬
‫أقواتهم‪ ،‬ونهج سبيل الراغبين إليه والطالبين ما لديه‪ ،‬وليس بما سئل‬
‫بأجود منه بما لم يسأل‪ ،‬الول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله‪ ،‬والخر‬
‫الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده والرادع أناسي البصار عن أن تناله أو‬
‫تدركه )‪ (5‬ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال‪ ،‬ول كان في مكان‬
‫فيجوز عليه النتقال‪ ،‬ولو وهب تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه‬
‫أصداف البحار )‪ (6‬من فلز اللجين والعقيان‪ ،‬ونثارة الدر وحصيد المرجان‬
‫ما أثره ذلك في وجوده )‪ (7‬ول أنفد سعة ما عنده‪ ،‬ولكان عنده من ذخائر‬

‫)‪ (1‬لعل غضبه عليه السلم لعلمه بان غرض السائل وصفه بصفات الجسام كما‬
‫يزعم أكثر العوام ويناسبه بعض كلمات الخطبة‪ ،‬أو لنه سأل بيان كنه‬
‫حقيقته سبحانه أو وصفه بصفات أبلغ وارفع مما نطق به الكتاب والثار‬
‫لزعمه أنه ل يكفى في معرفة ال تعالى‪ ،‬ويشعر بذلك بعض ألفاظ‬
‫الخطبة‪ (2) .‬وفر الشئ‪ :‬أتم وكمل‪ .‬ول يكديه أي ل يفقره‪ (3) .‬لنه منع‬
‫على وفق المصلحة‪ (4) .‬اضافة الفوائد إلى النعم بيانية ؟‪ ،‬والعوائد إلى‬
‫المزيد من قبيل اضافة الموصوف إلى الصفة أي عوائده المزيدة على‬
‫العباد‪ (5) .‬أناسى‪ :‬جمع انسان‪ ،‬وانسان العين هو ما يرى وسط الحدقة‬
‫ممتازا عنها في لونها‪ (6) .‬أبدع عليه السلم في تسمية انفلق المعادن‬
‫عن الجواهر تنفسا‪ .‬كالحيوان يتنفس فيخرج من صدره الهواء‪ .‬فان‬
‫أغلب ما يكون من ذلك بل كله عن تحرك المواد الملتهبة في جوف‬
‫الرض إلى الخارج والتعبير بالتنفس يناسب تكون المعدنيات من بخار‬
‫الرض‪ .‬كما أبدع أيضا في تسمية انفتاح عن الدر ضحكا‪ (7) .‬العقيان‪:‬‬
‫ذهب الخاص يثمو ؟ في معدنه‪ .‬ونثارة الدر ‪ -‬بالضم ‪ -‬ما تناثر منه‪.‬‬
‫وحصيد المرجان‪ :‬محصوده وذلك اشارة إلى أن المرجان نبات‪ .‬وأنفده‬
‫بمعنى أفناه‪.‬‬

‫]‪[317‬‬

‫النعام ما ل تنفده مطالب النام‪ ،‬لنه الجواد الذي ل يغيضه سؤال السائلين )‪ (1‬ول‬
‫يبخل إلحاح الملحين‪ .‬ومنها‪ :‬ل تقدر عظمة ال سبحانه على قدر عقلك‬
‫فتكون من الهالكين‪ ،‬هو القادر الذي إذا ارتمت الوهام )‪ (2‬لتدرك منقطع‬
‫قدرته‪ ،‬وحاول الفكر المبرء من خطر الوساوس أن يقع عليه في عميقات‬
‫غيوب ملكوته )‪ (3‬وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفيات صفاته‪،‬‬
‫وغمضت )‪ (4‬مداخل العقول في حيث ل تبلغه الصفات لتنال علم ذاته‬
‫ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب‪ ،‬متخلصة إليه سبحانه )‪(5‬‬
‫فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه ل ينال بجور العتساف كنه معرفته )‪ (6‬ول‬
‫يخطر ببال أولى الرويات خاطرة من تقدير جلل عزته‪ ،‬الذي ابتدع الخلق‬
‫على غير مثال امتثله‪ ،‬ول مقدار‬

‫)‪ (1‬أي ل يغيضه‪ ،‬من أغاضه ال‪ .‬وفى بعض نسخ النهج المخطوطة " يغيظه "‪.‬‬
‫والح في السؤال أي بالغ فيه‪ (2) .‬ارتمت الوهام أي ذهبت أمام الفكار‪.‬‬
‫وارتمى مطاوع رمى يقال‪ :‬رماه فارتمى الصيد رماه‪ ،‬ارتمت به البلد‪:‬‬
‫اخرجته‪ .‬والوهام خطرات القلب‪ .‬ومنقطع قدرته أي موضع النقطاع‪) .‬‬
‫‪ (3‬المراد بملكوته عزه وسلطانه‪ .‬وتولهت أي اشتدت عشقها وحنت‬
‫إليه‪ (4) .‬غمض الشئ ‪ -‬بفتح الغين المعجمة ‪ -‬أي خفى مأخذه‪ ،‬ومداخل‬
‫العقل طرق الفكر‪ (5) .‬أي ردها‪ ،‬والجملة جزاء للشرط السابق قوله "‬
‫إذا ارتمت "‪ ،‬والضمير المنصوب راجع إلى الوهام وغيرها‪ .‬والواد‬
‫للحال‪ .‬وتجوب أي تقطع‪ .‬والمهاوى جمع مهواة وهى الحفرة أوما بين‬
‫الجبلين ويراد بها المهلكة‪ .‬والسدف جمع سدفة وهى القطعة من الليل‬
‫المظلم‪ .‬ومتخلصة أي متوجهة ؟ ؟ إليه‪ .‬وجبهه كمنعه ‪ -‬أي ضرب‬
‫جبهته‪ (6) .‬الجور‪ :‬العدول عن الطريق‪ ،‬والعتساف قطع المسافة على‬
‫غير جادة معلومة والمراد بجور اعتسافها شدة جولنها في ذلك الملك‬
‫الذى ل جادة له ول يفضى إلى المقصود‪.‬‬

‫]‪[318‬‬

‫احتذى عليه من خالق معبود كان قبله )‪ ،(1‬وأرانا من ملكوت قدرته‪ ،‬وعجايب ما‬
‫نطقت به آثار حكمته‪ ،‬واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك‬
‫قوته )‪ (2‬ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته‪ ،‬وظهرت في البدايع‬
‫التي أحدثها آثار صنعته‪ ،‬وأعلم حكمته‪ ،‬فصار كل ما خلق حجة له ودليل‬
‫عليه‪ ،‬وإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة ودللته على المبدع‬
‫قائمة‪ .‬وأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك‪ ،‬وتلحم حقاق مفاصلهم‬
‫المحتجبة لتدبير حكمتك )‪ (3‬لم يعقد غيب ضميره على معرفتك‪ ،‬ولم يباشر‬
‫قلبه اليقين بأنه ل ند لك‪ ،‬وكأنه لم يسمع تبرء التابعين من المتبوعين إذ‬
‫يقولون " تال إن كنا لفي ضلل مبين إذ نسويكم برب العالمين " كذب‬
‫العادلون بك )‪ (4‬إذ شبهوك بأصنامهم‪ ،‬ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم‬
‫)‪ (5‬وجزؤوك تجزئة المجسمات بخواطرهم وقدروك على الخلقة المختلفة‬
‫القوى بقرائح عقولهم‪ .‬وأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك‬
‫والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك‪ ،‬ونطقت عنه شواهد حجج‬
‫بيناتك‪ ،‬وإنك أنت ال الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها‬
‫مكيفا‪ ،‬ول في رويات خواطرها فتكون محدودا مصرفا )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬احتذى عليه أي قاس وطبق عليه‪ .‬وفى بعض نسخ النهج " خالق معهود "‪) .‬‬
‫‪ (2‬بمساك قوته ‪ -‬بالكسر ‪ -‬ما يمسك به‪ .‬والموصول في " ما دلنا "‬
‫مفعول ثان لرانا وفيه دللة على احتياج الباقي في بقائه إلى مؤثر‪(3) .‬‬
‫التلحم التلصق‪ .‬والحقاق ‪ -‬بالكسر ‪ -‬جمع حق ‪ -‬بالضم ‪ -‬وهى في‬
‫الصل وعاء من خشب‪ .‬وحقاق المفاصل النقر التى يرتكز فيها العظام‪.‬‬
‫واحتجابها استتارها بالجلد واللحم والجار في قوله عليه السلم " لتدبر‬
‫حكمتك " متعلق بالمحتجبة أي المستورة للتدبير الذى اقتضته الحكمة‪،‬‬
‫والمراد من شبهه بالنسان ونحوه‪ (4) .‬أي الذين عدلوا بك غيرك‬
‫وشبهوك به‪ (5) .‬نحلوك أي اعطوك‪ ،‬وحلية المخلوقين صفاتهم الخاصة‬
‫بهم‪ (6) .‬أي محاطا بالحدود‪(*) .‬‬

‫]‪[319‬‬

‫ومنها‪ :‬قدر ما خلق فأحكم تقديره‪ ،‬ودبره فألطفت تدبيره‪ ،‬ووجهه لوجهته‪ ،‬فلم‬
‫يتعدد حدود منزلته‪ ،‬ولم يقصر دون النتهاء إلى غايته‪ ،‬ولم يستصعب إذا‬
‫مر بالمضي على إرادته‪ ،‬وكيف صدرت المور عن مشيته‪ ،‬المنشئ‬
‫أصناف الشياء بل روية فكر آل إليها‪ ،‬ول قريحة غريزة أضمر عليها‪ ،‬ول‬
‫تجربة أفادها من حوادث الدهور‪ ،‬ول شريك أعانه على ابتداع عجائب‬
‫المور‪ ،‬فتم خلقه‪ ،‬وأذعن لطاعته‪ ،‬وأجاب إلى دعوته ولم يعترض دونه‬
‫ريث المبطئ‪ ،‬ول أناة المتلكئ )‪ (1‬فأقام من الشياء أودها‪ ،‬و نهج‬
‫حدودها‪ ،‬ولءم بقدرته بين متضادها‪ ،‬ووصل أسباب قرائنها )‪ (2‬وفرقها‬
‫أجناسا مختلفات في الحدود والقدار‪ ،‬والغرائز والهيئات‪ ،‬بدايا خلئق أحكم‬
‫صنعها‪ ،‬وفطرها على ما أراد وابتدعها‪ .‬ومنها في صفة السماء‪ :‬ونظم بل‬
‫تعليق رهوات فرجها‪ ،‬ولحم صدوع انفراجها‪ ،‬ووشج بينها وبين‬
‫أزواجها‪ ،‬وذلل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها‬
‫)‪ (3‬و ناداها بعد إذ هي دخان‪ ،‬فالتحمت عرى أشراجها )‪ (4‬وفتق بعد‬
‫الرتتاق صوامت‬

‫)‪ (1‬الريث البطوء‪ ،‬والناة ‪ -‬كقناة ‪ -‬اسم من التأني في المر أي تمكث ولم يعجل‬
‫والتلكؤ‪ :‬التوقف والمعنى نفى الريث والناة عن الشياء في اجابة الدعوة‬
‫والذعان للطاعة‪ (2) .‬القرائن النفوس المقرونة بالبدان واعتدال المزاج‬
‫سبب بقاء الروح أي وصل أسباب أنفسها بتعديل أمزجتها‪ (3) .‬الرهوات‬
‫جمع الرهوة وهى المكان المرتفع والمنخفض ونظمها تصفيتها‪ .‬قال ابن‬
‫الثير في النهاية في حديث علي عليه السلم‪ :‬ونظم رهوات فرجها أي‬
‫المواضع المتفتحة منها وهو مأخوذ من قولهم رها رجليه رهوا أي فتح‪.‬‬
‫ول حم أي ألصق‪ .‬والصدوع جمع صدع وهو الشق واضافة الصدوع إلى‬
‫النفراج من اضافة الخاص إلى العام‪ .‬ووشج بينها أي شبك الهابطين‬
‫والساعدين الرواح العلوية والسفلية‪ .‬والحزونة‪ :‬الصعوبة‪ (4) .‬التهمت‬
‫عرى اشراجها‪ :‬الشراج جمع شرج وهى مقبض الكوز‪ ،‬والدلو‪ .‬وتسمى‬
‫مجرة السماء شرجا تشبيها بشرج العيبة‪ ،‬واشراج الوادي ما أنفسح‬
‫منه‪.‬‬

‫]‪[320‬‬

‫أبوابها‪ ،‬وأقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها‪ ،‬وأمسكها من أن تمور في‬
‫خرق الهواء بأيده )‪ (1‬وأمرها أن تقف مستسلمة لمره‪ ،‬وجعل شمسها‬
‫آية مبصرة لنهارها‪ ،‬وقمرها آية ممحوة من ليلها‪ ،‬فأجراهما في مناقل‬
‫مجراهما‪ ،‬وقدر سيرهما في مدارج درجهما‪ ،‬لتميز بين الليل والنهار بهما‪،‬‬
‫وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما‪ ،‬ثم علق في جوها فلكها‪ ،‬وناط‬
‫بها زينتها من خفيات دراريها )‪ (2‬و مصابيح كواكبها‪ ،‬ورمى مسترقي‬
‫السمع بثواقب شهبها‪ ،‬وأجراها على أذلل تسخيرها‪ ،‬من ثبات ثابتها‪،‬‬
‫ومسير سائرها‪ ،‬وهبوطها وصعودها ونحوسها وسعودها‪ .‬ومنها في صفة‬
‫الملئكة عليهم السلم‪ :‬ثم خلق سبحانه لسكان سماواته‪ ،‬وعمارة الصفيح‬
‫العلى )‪ (3‬من ملكوته خلقا بديعا من ملئكته‪ ،‬مل بهم فروج فجاجها‪،‬‬
‫وحشى بهم فتوق أجوائها‪ ،‬وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم‬
‫في حظائر القدس )‪ (4‬وسترات الحجب‪ ،‬و سرادقات المجد‪ ،‬ووراء ذلك‬
‫الرجيج الذي تستك منه السماع سبحات نور تردع البصار عن بلوغها )‬
‫‪ (5‬فتقف خاسئة على حدودها‪ ،‬أنشأهم على صور مختلفات‪ ،‬و أقدار‬
‫متفاوتات‪ ،‬اولي أجنحة تسبح جلل عزته‪ ،‬ل ينتحلون ما ظهر في الخلق‬
‫من‬

‫)‪ (1‬وأمسكها من أن تمور أي تضطرب في الهواء‪ " .‬بأيده " أي بقوته‪(2) .‬‬
‫دراريها‪ :‬كواكبها وأقمارها‪ (3) .‬الصفيح‪ :‬السماء‪ (4) .‬الزجل‪ :‬رفع‬
‫الصوت‪ .‬والحظائر‪ :‬جمع حظيرة وهى الموضع الذى يحاط عليه لتأوى‬
‫إليه الغنم‪ ،‬والبل توقيا من البرد والريح وهو مجاز ههنا عن المقامات‬
‫المقدسة للرواح الطاهرة‪ (5) .‬الرجيج‪ :‬الضطراب والزلزلة وفسروا‬
‫السبحات بالنور والبهاء والجلل والعظمة وقيل‪ :‬سبحات الوجه محاسنه‬
‫لنك إذا رأيت الوجه‪ .‬الحسن‪ .‬قلت سبحان ال‪ ،‬ولعل المراد بها النوار‬
‫التي تحجب البصار‪ ،‬ويعبر عنها بالحجب‪.‬‬

‫]‪[321‬‬

‫صنعه‪ ،‬ول يدعون أنهم يخلقون شيئا معه مما انفرد به " بل عباد مكرمون ل‬
‫يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " جعلهم فيما هنالك أهل المانة على‬
‫وحيه‪ ،‬وحملهم إلى المرسلين " ودايع أمره ونهيه‪ ،‬وعصمهم من ريب‬
‫الشبهات‪ ،‬فما منهم زائغ من سبيل مرضاته‪ ،‬وأمدهم بفوائد المعونة‪،‬‬
‫وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة )‪ (1‬وفتح لهم أبوابا ذلل إلى‬
‫تماجيده )‪ (2‬ونصب لهم منارا واضحة على أعلم توحيده لم تثقلهم‬
‫موصرات الثام )‪ (3‬ولم ترتحلهم عقب الليالي واليام‪ ،‬ولم ترم الشكوك‬
‫بنوازعها عزيمة إيمانهم‪ ،‬ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم )‪ (4‬ول‬
‫قدحت قادحة الحن فيما بينهم ول سلبتهم الحيرة ما لق من معرفته‬
‫بضمائرهم )‪ (5‬وما سكن من‬

‫)‪ (1‬الشعار من اللباس ما يلبس تحت الدثار‪ ،‬وأخبت الرجل إذا خضع وخشع ل‬
‫تعالى‪ (2) .‬الذلل بضمتين جمع ذلول وهو ضد الصعب‪ .‬وفتح البواب‬
‫المذكورة كناية عن سهولة التمجيد لعدم معارضة شيطان أو نفس امارة‬
‫بالسوء‪ (3) .‬موصرات الثام‪ :‬مثقلتها‪ (4) .‬رحل البعير وارتحله حط‬
‫عليه الرحل والرحل مركب للبعير‪ .‬والعقبة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬النوبة والجمع‬
‫عقب‪ .‬أي لم يؤثر فيهم ارتحال الليالى واليام كما يؤثر ارتحال النسان‬
‫البعير في ظهره‪ .‬والنوازع بالعين المهملة من نزع في القوس إذا جذبها‬
‫ومدها ونوازع الشكوك الشبهات‪ .‬وقيل الشهوات‪ .‬وفى بعض نسخ‬
‫المصدر " النوازغ " بالغين المعجمة من نزغ الشيطان بين القوم إذا‬
‫أفسد‪ ،‬ويقال نزغه الشيطان أي وسوس إليه‪ .‬والعزيمة‪ :‬التصميم والجزم‬
‫على رأى‪ .‬والمعترك موضوع العرك أي القتال‪ .‬اعترك البل في الورد‬
‫ازدحمت‪ (5) .‬قدح بالزند ‪ -‬كمنع ‪ -‬رام اليراء به‪ .‬والحن ‪ -‬جمع ‪ -‬احنة‬
‫وهى الحقد و الحسد والغضب أي ل يثير الغضب فيما بينهم‪ .‬ولق الشئ‬
‫بغيره‪ :‬لصق ومنه ليقة الدواة لنه يلصق المداد بها والغرض نفى الحيره‬
‫عنهم كالحنة لنها ل تكون العن الشبه والوسواس‪ .‬و يحتمل أن يكون‬
‫المراد بالحيرة الوله لشدة الحب وكمال المعرفة‪ .‬وسيجئ اثبات ؟ ؟ الوله‬
‫لهم في الكلمات التية‪.‬‬

‫]‪[322‬‬

‫عظمته وهيبة جللته في أثناء صدورهم )‪ (1‬ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع‬
‫برينها على فكرهم منهم من هو في خلق الغمام الدلح )‪ (2‬وفي عظم‬
‫الجبال الشمخ‪ ،‬وفي قترة الظلم اليهم )‪ (3‬ومنهم من قد خرقت أقدامهم‬
‫تخوم الرض السفلى‪ ،‬فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء‬
‫وتحتها ريح هفافة )‪ (4‬تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية‪ ،‬قد‬
‫استفرغتهم أشغال عبادته‪ ،‬ووصلت حقائق اليمان بينهم وبين معرفته‪،‬‬
‫وقطعهم اليقان به إلى الوله إليه‪ .‬ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند‬
‫غيره‪ ،‬قد ذاقوا حلوة معرفته‪ ،‬وشربوا بالكأس الروية من محبته‪ ،‬و‬
‫تمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته‪ ،‬فحنوا بطول الطاعة اعتدال‬
‫ظهورهم‪ ،‬و لم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم )‪ (5‬ول أطلق عنهم‬
‫عظيم الزلفة ربق خشوعهم‬

‫)‪ (1‬الثناء ‪ -‬جمع ثنى ‪ -‬بالكسر ‪ -‬أي خللها‪ (2) .‬فتقترع أي تضرب‪ .‬والرين‬
‫بالنون‪ :‬الطبع‪ ،‬والتغطية‪ ،‬والدنس‪ ،‬ورانت النفس أي خبثت‪ .‬والدلح جمع‬
‫دالح وهو الثقيل من السحاب‪ (3) .‬الشمخ ‪ -‬بالضم والتشديد ‪ -‬جمع‬
‫شامخ وهو من الجبل العالي‪ .‬والقترة ‪ -‬بالضم ‪ -‬بيت الصايد يتستر به‬
‫عند تصييده ويجمع على قتر مثل غرفة وغرف‪ .‬واليهم الذى ل يهتدى‬
‫فيه ومنه فلة يهماء‪ .‬وفى بعض النسخ " البهم " بالباء الموحدة وهم‬
‫الملئكة المأمورون بالمطر‪ (4) .‬التخوم ‪ -‬بضم التاء ‪ -‬معالم الرض‬
‫وحدودها وهى جمع تخم ‪ -‬بالضم ‪ .-‬ومخارق الهواء‪ :‬المواضع التى‬
‫تمكنت فيها تلك الرايات بخرق الهواء‪ .‬والريح الهفافة‪ :‬الطيبة الساكنة‪.‬‬
‫وقوله " قد استفرغتهم " أي عن الشتغال بانفسهم‪ (5) .‬قوله " ع " "‬
‫بالكاس " الباء بمعنى من والروية أي التى يزيل العطش‪ ،‬وسويداء‬
‫القلب وسوداؤه حبته‪ .‬والوشيجة ليف يفتل ثم يشبك بين الخشبتين فينقل‬
‫عليه البر المحصود ونحوه‪ .‬وشيجة القوم أي دخلء فيهم‪ .‬والوشيجة‬
‫أيضا واحدة الوشائج وهى عروق الذنين‪ .‬وحنيت الشئ عطفته‪ .‬وقوله‬
‫" ع " " مادة تضرعهم " أي الداعي إليه‪ .‬فبقدر صعودهم إلى مدارج‬
‫الطاعة يزداد قربهم‪ ،‬وكلما ازداد قربهم ازداد علمهم بعظمة ال سبحانه‪:‬‬
‫فلذلك ل ينقص تضرعهم وخشوعهم‪.‬‬

‫]‪[323‬‬

‫ولم يتولهم العجاب )‪ (1‬فيستكثروا ما سلف منهم‪ ،‬ول تركت لهم استكانة الجلل‬
‫نصيبا في تعظيم حسناتهم‪ ،‬ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم )‪(2‬‬
‫ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم ولم تجف لطول المناجاة‬
‫أسلت ألسنتهم‪ ،‬ول ملكتهم الشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم‪،‬‬
‫ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم )‪ (3‬ولم يثنوا إلى راحة التقصير في‬
‫أمره رقابهم‪ ،‬ول تعدو على عزيمة جدهم بلدة الغفلت ول تنتضل في‬
‫هممهم خدائع الشهوات )‪ (4‬قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم‬
‫ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم‪ ،‬ل يقطعون أمد غاية‬
‫عبادته‪ ،‬ول يرجع بهم الستهتار بلزوم طاعته إل إلى مواد من قلوبهم غير‬
‫منقطعة من رجائه و مخافته )‪ (5‬لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في‬
‫جدهم )‪ (6‬ولم تأسرهم الطماع فيؤثروا‬

‫)‪ (1‬أطلق السير أي حل اسره‪ .‬والربق ‪ -‬بكسر الراء ‪ -‬جمع ربقة‪ ،‬وتولى المر‬
‫تقلده‪ (2) .‬الدؤوب‪ :‬التعب‪ (3) .‬السلت‪ :‬الطراف‪ .‬والهمس الصوت‬
‫الخفى‪ .‬والجؤار ‪ -‬كغراب ‪ -‬رفع الصوت بالدعاء والتضرع والستغاثة أي‬
‫ليس لهم أشغال خارجة عن العبادة‪ .‬المراد بمقاوم الطاعة صفوف العبادة‬
‫وبعدم اختلف مناكبهم عدم تقدم بعضهم على بعض في الصف أو عدم‬
‫انحراف صفوفهم‪ (4) .‬البلدة ضد الذكاوة والفطانة والمراد بالخدائع‬
‫الوساوس الصارفة عن العبادة وانتضالها تواردها وتتابعها‪ (5) .‬يمموه‬
‫أي يقصدوه بالرغبة والرجاء‪ .‬والمد‪ :‬الغاية‪ ،‬المنتهى‪ " ،‬ويرجع " فعل‬
‫متعد ولزم تقول رجع زيد ورجعته‪ .‬والستهتار الولوع بالشئ والحرص‬
‫عليه‪ .‬والمادة مشتقة من مد البحر وغيره إذا زاد‪ ،‬وكل ما أعنت به قوما‬
‫في حرب وغيره فهو مادة لهم‪ .‬و المراد بالمادة المعين المقوى‪ .‬و " من‬
‫" في قوله " من قلوبهم " ابتدائية‪ ،‬أي مواد ناشئة من قلوبهم ؟ ؟ غير‬
‫منقطعة‪ ،‬وفى قوله " من رجائه " بيانية‪ ،‬فتكون المواد عبارة عن‬
‫الرجاء والخوف الباعثين لهم على لزوم الطاعة‪ (6) .‬الونى‪ :‬الفتور‬
‫والتأنى‪ .‬و " لم تأسرهم " أي لم تجعلهم أسيرا وهو المقيد والمشدد‪.‬‬

‫]‪[324‬‬

‫وشيك السعي على اجتهادهم )‪ (1‬ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم‪ ،‬ولو‬


‫استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم‪ ،‬ولم يختلفوا في ربهم‬
‫باستحواذ الشيطان عليهم )‪ (2‬ولم يفرقهم سوء التقاطع‪ ،‬ول تولهم غل‬
‫التحاسد‪ ،‬ول شعبتهم مصارف الريب )‪ (3‬ول اقتسمتهم أخياف الهمم )‪(4‬‬
‫فهم اسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ول عدول ول ونى ول فتور‪،‬‬
‫وليس في أطباق السماوات موضع إهاب إل و عليه ملك ساجد أو ساع‬
‫حافد‪ ،‬يزدادون على طول الطاعة بربهم علما‪ ،‬وتزداد عزة ربهم في‬
‫قلوبهم عظما‪ .‬منها في صفة الرض ودحوها على الماء‪ :‬كبس الرض‬
‫على مور أمواج مستفحلة )‪ (5‬ولجج بحار زاخرة‪ ،‬تلتطم أواذي أمواجها‬
‫وتصطفق متقاذفات أثباجها‪ ،‬وترغو زبدا كالفحول عند هياجها )‪(6‬‬

‫)‪ (1‬واليثار الختيار والوشيك‪ :‬القريب والسريع أي ليسوا مأسورين في ربقة‬


‫الطمع حتى يختاروا السعي القريب في تحصيل المطموع الدنياوى الفاني‬
‫على اجتهادهم الطويل في تحصيل السعادة الباقية كما يفعله البشر‪(2) .‬‬
‫استعظام العمل هو العجب المنهى عنه ونسخ الشئ ازالته وابطاله‬
‫والمراد بالرجاء تجاوز الحد المطلوب منه ويعبر عنه بالغترار‬
‫والشفقات‪ :‬تارات الخوف ومراته‪ .‬والوجل‪ :‬الخوف‪ .‬والستحواذ‪:‬‬
‫الستيلء‪ (3) .‬الغل‪ :‬الحسد والحقد‪ .‬والمصارف‪ :‬الوجوه والطرق‪(4) .‬‬
‫أخياف الهمم أي الهمم المختلفة وأصله من الخيف محركة ‪ -‬وهو زرقة‬
‫احدى العينين وسواد الخرى في الفرس ومنه قيل لخوة الم أخياف لن‬
‫آباءهم شتى‪ .‬والغرض نفى الختلف بينهم والتعادى والتفرق بعروض‬
‫الريب واختلف الهمم‪ (5) .‬كبس الرجل رأسه في قميصه إذا أدخله فيه‪،‬‬
‫كبس الرض أي أدخلها الماء بقوة واعتماد شديد وموز المواج تحركها‪.‬‬
‫واستفحل المر‪ :‬اشتد وامواج مستفحلة أي هائجة هيجان الفحول وقيل‪:‬‬
‫أي حائلة‪ (6) .‬ورغى اللبن صارت له رغوة أي زبد وهو محركة الذى‬
‫يظهر فوق السيل‪ ،‬الرغاء ‪ -‬بالضم ‪ -‬صوت البل وزبدا منصوب بمقدر‬
‫أي ترغو قاذفة زبدا‪ .‬والواذى جمع آذى وهو ‪< -‬‬

‫]‪[325‬‬
‫فخضع جماح الماء المتلطم لثقل حملها‪ ،‬وسكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها وزل‬
‫مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها‪ ،‬فأصبح‪ ،‬بعد اصطخاب أمواجه ساجيا‬
‫مقهورا‪ ،‬و في حكمة الذل منقادا أسيرا )‪ (1‬وسكنت الرض مدحوة في‬
‫لجة تياره وردت من نخوة بأوه واعتلئه‪ ،‬وشموخ أنفه وسمو غلوائه‪،‬‬
‫وكعمته على كظة جريته فهمد بعد نزقاته‪ ،‬ولبد زيفان وثباته )‪ (2‬فلما‬
‫سكن هيج الماء من تحت أكنافها وحمل شواهق الجبال الشمخ البذخ على‬
‫أكتافها )‪ (3‬فجر ينابيع العيون من عرانين انوفها‪ ،‬وفرقها في سهوب‬
‫بيدها وأخاديدها وعدل حركاتها بالراسيات من جلميدها )‪(4‬‬

‫‪ < -‬الموج الشديد وأعلى الموج‪ .‬والصفق‪ :‬الضرب يسمع له صوت واصطفقت‬
‫المواج أي ضرب بعضها بعضا‪ .‬والتقاذف‪ :‬الترامي بقوة‪ .‬وثبج البحر ‪-‬‬
‫محركة ‪ :-‬معظمه ووسطه‪ .‬واللطم ضرب الخد بالكف والتطمت المواج‬
‫ضرب بعضها بعضا‪ (1) .‬الكلكل في الصل‪ :‬الصدر‪ .‬استعارة لما لقى‬
‫الماء من الرض‪ .‬ومستخذيا أي منكسرا مسترخيا‪ .‬وقوله " إذ تمعكت‬
‫عليه " مستعار من تمعكت الدابة أي تمرغت في التراب والمعك الدلك في‬
‫التراب‪ ،‬والكاهل ما بين الكتفين‪ .‬والصطخاب افتعال من الصخب وهو‬
‫ارتفاع الصوت والمراد اضطراب الصوات‪ .‬والساجى الساكن‪ ،‬والحكمة ‪-‬‬
‫محركة ‪ -‬حديدة في اللجام تكون على حنك الفرس تمنعه عن مخالفة‬
‫راكبه‪ (2) .‬الدحو‪ :‬البسط‪ .‬والتيار‪ :‬الموج‪ ،‬واللجة‪ :‬معظم الماء‪ .‬والبأو‪:‬‬
‫الكبر والزهو‪ .‬والغلواء ‪ -‬بضم الغين وفتح اللم ‪ :-‬النشاط وتجاوز الحد‪.‬‬
‫وكعم البعير ‪ -‬كمنع ‪ -‬شدفاه لئل يعض أو يأكل‪ .‬والكظة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما‬
‫يعرض من امتلء البطن بالطعام ولعل المراد ما يشاهد في جرى الماء‬
‫من ثقل الندفاع‪ .‬لن كظة الجرية ما يشاهد من الماء الكثير في جريانه‬
‫من الثقل‪ .‬همد‪ :‬ذهب حرارته والنزق والنزقان‪ :‬الطيش‪ .‬ولبد ‪ -‬كفرح‬
‫ونصر ‪ -‬أي قام ووثب‪ .‬والزيفان ‪ -‬محركة ‪ :-‬التبختر في المشى‪.‬‬
‫والوثبة‪ :‬الطفرة‪ (3) .‬الكناف الجوانب‪ .‬والشاهق المرتفع من الجبال‪.‬‬
‫والبذخ‪ :‬الشمخ ال أن فيه ضخامة مع الرتفاع‪ .‬و " حمل " عطف على‬
‫أكتاف‪ (4) .‬عرانين جمع عرنين ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو ما صلب من عظم‬
‫النف وهو الذى تحت الحاجبين والمراد أعالي الجبال غير أن الستعارة‬
‫من ألطف أنواعها في هذا المقام‪< - .‬‬

‫]‪[326‬‬

‫وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها‪ ،‬فسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع‬


‫أديمها وتغلغلها‪ ،‬متسربة في جوبات خياشيمها وركوبها أعناق سهول‬
‫الرضين و جراثيمها )‪ ،(1‬وفسح بين الجو وبينها‪ ،‬وأعد الهواء متنسما‬
‫لساكنها‪ ،‬وأخرج إليها أهلها على تمام مرافقها‪ ،‬ثم لم يدع جرز الرض‬
‫التي تقصر مياه العيون عن روابيها‪ ،‬ول تجد جداول النهار ذريعة إلى‬
‫بلوغها حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها وتستخرج نباتها‪ ،‬ألف‬
‫غمامها بعد افتراق لمعه‪ ،‬وتباين قزعه )‪ (2‬حتى‬

‫‪ < -‬والسهوب‪ :‬جمع سهب ‪ -‬بالفتح ‪ -‬أي الفلة البعيدة الكناف‪ .‬والبيد جمع بيداء‬
‫وهى الفلة التى يبيد سالكها أي يهلك‪ .‬والخاديد جمع الخدود وهو الشق‬
‫في الرض والمراد مجارى النهار‪ .‬والضمائر كلها راجع إلى الرض‪.‬‬
‫والراسيات‪ :‬الثابتات‪ ،‬والجلميد جمع جلمود‪ ،‬وهو الحجر الصلد‪(1) .‬‬
‫والشناخيب‪ .‬جمع شنخوب ‪ -‬بالضم ‪ -‬أي رؤوس الجبال العالية‪ .‬والشم‪:‬‬
‫المرتفعة العالية‪ .‬والصياخيد جمع صيخود وهو الصخرة الشديدة‪ .‬ورسب‬
‫في الماء ‪ -‬كنصر ‪ :-‬ذهب سفل‪ ،‬وجبل راسب أي ثابت‪ .‬والقطع ‪ -‬كعنب ‪-‬‬
‫جمع قطعة ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهى الطائفة من الشئ والمراد بأديمها سطحها‪.‬‬
‫والتغلغل الدخول ومبالغة فيه‪ .‬وتسرب الوحش وانسرب في حجره أي‬
‫دخل‪ .‬والجوبة‪ :‬الحفرة‪ .‬والخيشوم أقصى النف وضمير " تغلغلها "‬
‫للجبال و " خياشيمها " للرض والمجاز ظاهر‪ .‬والجرثومة‪ :‬قيل التراب‬
‫المجتمع في أصول الشجر ولعل المراد بجراثيمها المواضع المرتفعة‬
‫منها‪ .‬وركوب الجبال اعناق السهول‪ :‬استعلؤها عليها‪ ،‬وأعناقها‪:‬‬
‫سطوحها‪ (2) .‬المتنسم‪ :‬موضع التنسم‪ ،‬وهو طلب التنسم وفائدته ترويح‬
‫القلب حتى ل يتاذى بغلبة الحرارة وفيه بقاء الحيوان‪ .‬ومرافق الدار ما‬
‫يستعان به ويحتاج إليه في التعيش‪ .‬واخراج أهل الرض على تمام‬
‫مرافقها ايجادهم واسكانهم في الرض بعد تهيئة ما يصلحهم لمعاشهم و‬
‫التزود إلى معادهم‪ ،‬ومن جملة تلك المرافق سكون الرض وكونها‬
‫خارجة من الماء على حد خاص من الصلبة والرخاوة‪ ،‬غير صقيل‬
‫يتأذى أهلها بانعكاس الشعة‪ ،‬قابلة لنفجار وحفر البار ونزول المطار‬
‫وتكون المعادن وتولد انواع الحيوانات والحياة بعد الموت حتى يتجدد فيه‬
‫الحبوب والثمار والعشاب ونحو ذلك مما ل يحصيه ال ال عزوجل ‪-‬‬
‫والراوبى جمع الرابية‪ :‬ما ارتفع من الرض‪ .‬والجدول النهر الصغير‪.‬‬
‫والناشئة‪ :‬ما ينشأ من السحاب أي يبتدى ظهوره‪ .‬واللمعة ‪ -‬بالضم ‪ -‬في‬
‫الصل‪ :‬قطعة من النبت‪ .‬والقزع جمع قزعة ‪ -‬محركة فيهما ‪ -‬وهى ‪< -‬‬

‫]‪[327‬‬

‫إذا تمخضت لجة المزن فيه والتمع برقه في كففه‪ ،‬ولم ينم وميضه في كنهور ربابه‬
‫ومتراكم سحابه‪ ،‬أرسله سحا متداركا قد أسف هيد به )‪ (1‬تمريه الجنوب‬
‫درر أهاضيبه‪ ،‬ودفع شآبيبه‪ ،‬فلما ألقت السحاب برك بوانيها وبعاع ما‬
‫استقلت به من العبء المحمول عليها )‪ (2‬أخرج به من هوامد الرض‬
‫النبات‪ ،‬ومن زعر الجبال العشاب‪ ،‬فهي تبهج بزينة رياضها‪ ،‬وتزدهي بما‬
‫البسته من ريط أزاهيرها وحلية ما سمطت به من ناضر أنوارها )‪(3‬‬
‫وجعل ذلك بلغا للنام‪ ،‬ورزقا للنعام وخرق الفجاج في آفاقها‪ ،‬وأقام‬
‫المنار للسالكين على جواد طرقها‪.‬‬

‫‪ < -‬القطعة من الغيم‪ ،‬وتباين القزع تباعدها‪ .‬وتمخضت أي تحركت‪ .‬والمخض‬


‫تحريك السقاء الذى فيه لبن ليخرج زبده‪ .‬والضمير في " فيه " راجع‬
‫إلى المزن أي تحركت فيه اللجة المستودعة فيه‪ (1) .‬الوميض‪ :‬اللمعان‪.‬‬
‫كهنور ‪ -‬كسفرجل ‪ -‬قطع عظيمة من السحاب كالجبال وقيل‪ :‬المتراكم‬
‫منه‪ .‬والرباب ‪ -‬كسحاب ‪ -‬البيض منه‪ " .‬سحا " أي متواصل متلحقا‬
‫والمتدارك من الدرك ‪ -‬محركة ‪ -‬وهو اللحاق‪ .‬تدارك القوم إذا لحق‬
‫آخرهم أولهم‪ .‬وكففه‪ :‬حاشيته وجوانبه‪ .‬وهيدبه ما تهدب أي تدلى‪،‬‬
‫واسف الطائر دنا من الرض‪ (2) .‬الهاضيب‪ :‬جمع أهضاب وهو جمع‬
‫هضبة ‪ -‬كضربة ‪ -‬وهى المطرة‪ .‬والشآبيب جمع شؤبوب‪ :‬وهو ما ينزل‬
‫من المطر دفعة بشدة وكانما ينصب من جانب لمن أعلى‪ .‬والبرك الصدر‪،‬‬
‫والبواني قوائم الناقة والضافة لدنى ملبسة‪ ،‬وبناء الكلم على تشبيه‬
‫السحاب بالناقة المحمول عليها‪ .‬البعاع ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬ثقل السحاب من الماء‬
‫وهو عطف على " برك "‪ .‬والعبء ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الحمل‪ .‬والهوامد من‬
‫الرض التى ل نبات فيها‪ (3) .‬الزعر ‪ -‬محركة ‪ :-‬فتلة الشعر من الرأس‪،‬‬
‫والزعر‪ :‬الموضع الذى قل نباته والجمع زعر كأحمر وحمر‪ .‬والبهج ‪-‬‬
‫كالمنع ‪ -‬السرور والفرح‪ .‬وتزدهى أي تكبر وتعجب‪ .‬الريط ‪ -‬كعنب ‪ -‬جمع‬
‫ريطة ‪ -‬بالفتح ‪ -‬قيل هي كل ثوب رقيق لين‪ .‬وسمطت على صيغة‬
‫المفعول أي علقت‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر بالشين المعجمة والشميط‬
‫من النبات ما كان فيه لون الخضرة مختلطا بلون الزهر‪ .‬والنوار‪ :‬جمع‬
‫نور ‪ -‬بفتح النون ‪ -‬وهو الزهر‪.‬‬

‫]‪[328‬‬

‫فلما مهد أرضه وأنفذ أمره اختار آدم عليه السلم خيرة من خلقه‪ ،‬وجعله أول‬
‫جبلته‪ ،‬وأسكنه جنته‪ ،‬وأرغد فيها اكله‪ ،‬وأوعز إليه )‪ (1‬فيما نهاه عنه‪،‬‬
‫وأعلمه أن في القدام عليه التعرض لمعصيته‪ ،‬والمخاطرة بمنزلته‪ ،‬فأقدم‬
‫على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه‪ ،‬فأهبطه بعد التوبة )‪ (2‬ليعمر أرضه‬
‫بنسله‪ ،‬وليقيم الحجة به على عباده‪ ،‬ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد‬
‫عليهم حجة ربوبيته‪ ،‬ويصل بينهم وبين معرفته‪ ،‬بل تعاهدهم بالحجج على‬
‫ألسن الخيرة من أنبيائه‪ ،‬ومتحملي ودائع رسالته قرنا فقرنا حتى تمت‬
‫بنبينا محمد صلى ال عليه وآله حجته‪ ،‬وبلغ المقطع عذره ونذره‪ ،‬وقدر‬
‫الرزاق فكثرها وقللها وقسمها على الضيق والسعة‪ ،‬فعدل فيها ليبتلي من‬
‫أراد بميسورها ومعسورها وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها‬
‫وفقيرها‪ ،‬ثم قرن بسعتها عقابيل )‪ (3‬فاقتها وبسلمتها طوارق آفاتها‪،‬‬
‫وبفرج أفراحها غصص أتراحها )‪ (4‬وخلق الجال فأطالها وقصرها‬
‫وقدمها وأخرها ووصل بالموت أسبابها وجعله خالجا لشطانها وقاطعا‬
‫لمرائر أقرانها‪ .‬عالم السر من ضمائر المضمرين‪ ،‬ونجوى المتخافتين‪ ،‬و‬
‫خواطر رجم الظنون )‪ (5‬وعقد عزيمات اليقين‪ ،‬ومسارق إيماض الجفون‪،‬‬
‫وما ضمنته‬

‫)‪ (1‬أوعزت إلى فلن في فعل أو ترك أي تقدمت وأمرت‪ (2) .‬هذا الكلم صريح في‬
‫أن الهباط كان بعد التوبة‪ .‬وهو ظاهر من قوله عليه السلم في الخطبة‬
‫الولى من النهج " ثم بسط ال سبحانه في توبته ولقاه كلمة رحمته‬
‫ووعده المرد إلى جنته فأهبطه إلى دار البلية وتناسل الذرية " ويناسبه‬
‫ترتيب الكلم في سورة طه وغيرها‪ (3) .‬العقابيل‪ :‬الشدائد‪ .‬جمع عقبولة‬
‫‪ -‬بالضم ‪ -‬وهى قروح صغار تخرج بالشفة غب الحمى وبقايا المرض‪) .‬‬
‫‪ (4‬الفرح‪ :‬السرور‪ ،‬والفرج ‪ -‬كغرف ‪ -‬جمع فرجة وهى التفصى من‬
‫الهم‪ .‬و الترح ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الهم والهلك والنقطاع‪ (5) .‬خالجا أي‬
‫جازبا لشطانها وهى جمع شطن ‪ -‬كسبب ‪ -‬وهو الحبل الطويل‪.‬‬
‫والمرائر‪ :‬جمع مريرة وهى الحبال المفتولة على اكثر من طاق وقيل‬
‫الحبال الشديدة الفتل‪ .‬والقران جمع قرن ‪ -‬محركة ‪ -‬وهو في الصل‬
‫الحبل تجمع به البعيران ولعل المراد بمرائر القران الجال والعمار التى‬
‫يرجى امتدادها لقوة المزاج والبنية‪ .‬و التخافت‪ :‬المكالمة السرية‪.‬‬
‫والخواطر‪ :‬ما يخطر في القلب من تدبير امر‪ ،‬يقال خطر ببالى‪ .‬ورجم‬
‫الظنون كل ما يسبق إليه الظن من غير برهان‪.‬‬

‫]‪[329‬‬

‫أكنان القلوب‪ ،‬وغيابات الغيوب‪ ،‬وما أصغت لستراقه مصائخ السماع‪ ،‬ومصائف‬
‫الذر‪ ،‬ومشاتي الهوام )‪ (1‬ورجع الحنين من المولهات وهمس القدام‪،‬‬
‫ومنفسح الثمرة من ولئج غلف الكمام‪ ،‬ومنقمع الوحوش من غيران‬
‫الجبال وأوديتها‪ ،‬و مختبئ البعوض بين سوق الشجار وألحيتها‪ ،‬ومغرز‬
‫الوراق من الفنان‪ ،‬ومحط المشاج من مسارب الصلب )‪ (2‬وناشئة‬
‫الغيوم ومتلحمها‪ ،‬ودرور قطر السحاب في متراكمها‪ ،‬وما تسفي‬
‫العاصير بذيولها‪ ،‬وتعفو المطار بسيولها‪ ،،‬وعوم نبات الرض في كثبان‬
‫الرمال‪ ،‬ومستقر ذوات الجنحة بذرى شناخيب الجبال‪ ،‬وتغريد ذوات‬
‫المنطق في دياجير الوكار‪ ،‬وما أو عبته الصداف‪ ،‬وحضنت عليه أمواج‬
‫البحار وما غشيته سدفة ليل‪ ،‬أو ذر عليه شارق نهار‪ ،‬وما اعتقبت عليه‬
‫أطباق الدياجير‪ ،‬و سبحات النور‪ ،‬وأثر كل خطوة‪ ،‬وحس كل حركة‪ ،‬ورجع‬
‫كل كلمة )‪ ،(3‬و‬

‫)‪ (1‬أومض البرق ايماضا إذا لمع لمعا خفيا‪ .‬والكن ‪ -‬بالكسر ‪ -‬اسم لكل ما يستتر‬
‫فيه النسان لدفع الحر والبرد من البنية‪ .‬وغيابة كل شئ ما يسترك منه‪.‬‬
‫والمصائخ جمع مصاخ وهو مكان الصاخة وهو ثقبة الذن‪ .‬أي خروقها‬
‫التى تسمع‪ .‬والمصائف محل القامة في الصيف‪ .‬والذر صغار النمل‪.‬‬
‫والمشاتي محل القامة في الشتاء‪ (2) .‬والمولهات‪ :‬الحزينات‪ .‬ورجع‬
‫الجنين‪ :‬ترديده‪ .‬والهمس أخفى ما يكون من صوت القدم على الرض‪.‬‬
‫ومنفسح الثمرة‪ :‬موضع نموها في الكمام‪ .‬الولئج جمع وليجة بمعنى‬
‫البطانة الداخلية‪ .‬والغلف ‪ -‬بضمتين وبضمة ‪ -‬جمع غلف ككتاب‪ ،‬والكم‬
‫‪ -‬بالكسر وعاء الطلع وغطاء النور‪ :‬والمنقمع‪ :‬موضع الخفاء‪ .‬والمختبأ‬
‫موضع الختباء والستتار‪ .‬وسوق الشجار جمع ساق أي أسفلها الذى‬
‫تقوم عليه فروعها‪ ،‬واللحية جمع لحاء وهو قشر الشجرة‪ .‬وغرزه في‬
‫الرض ‪ -‬كضربه ‪ -‬إذا أدخله‪ ،‬ومغرز الوراق موضع وصلها والفنان‬
‫الغصون‪ ،‬والمسارب المواضع التى يختفى‪ ،‬والمشاج قيل مفرد كاعشار‬
‫وأكياش‪ ،‬وقيل جمع مشج بالفتح أو مشج ‪ -‬محركة ‪ -‬أو مشيج على فعيل‬
‫مثل يتيم وأيتام وأصله مأخوذ من مشج إذا خلط لنها مختلطة من جراثيم‬
‫مختلفة كل منها يصلح لتكوين عضو من أعضاء البدن‪ (3) .‬التلحم‬
‫التلؤم واللتصاق والشتباك‪ .‬ومتلحم الغيوم ما التصق منها بعضها‬
‫ببعض‪ .‬والدرور‪ :‬السيلن‪ ،‬والقطر ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬المطر والواحدة القطرة‪.‬‬
‫وسفت الريح التراب أي ذرته ورمت به‪ .‬والعاصير‪ :‬جمع اعصار وهى‬
‫ريح تثير السحاب أو تقوم على ‪< -‬‬

‫]‪[330‬‬

‫تحريك كل شفة ومستقر كل نسمة‪ ،‬ومثقال كل ذرة‪ ،‬وهماهم كل نفس هامة‪ ،‬وما‬
‫عليها من ثمر شجرة‪ ،‬أو ساقط ورقة‪ ،‬أو قرارة نطفة‪ ،‬أو نقاعة دم‬
‫ومضغة )‪ (1‬أو ناشئة خلق وسللة‪ ،‬لم يلحقه في ذلك كلفة‪ ،‬ول اعترضته‬
‫في حفظ ما ابتدع من خلقه عارضة‪ ،‬ول اعتورته في تنفيذ المور )‪(2‬‬
‫وتدابير المخلوقين مللة ول فترة‪ ،‬بل نفذ ]ف‍ي[ ‪ -‬هم علمه‪ ،‬وأحصاهم عدة‪،‬‬
‫ووسعهم عدله‪ ،‬وغمرهم فضله مع تقصيرهم )‪ (3‬عن كنه ما هو أهله‪.‬‬
‫اللهم أنت أهل الوصف الجميل‪ ،‬والتعداد الكثير إن تؤمل فخير مأمول‪ ،‬وإن‬
‫ترج فأكرم مرجو‪ ،‬اللهم وقد بسطت لي ]لسانا[ فيما ل أمدح به غيرك‪ ،‬ول‬
‫اثني به على أحد سواك‪ ،‬ول أوجهه إلى معادن الخيبة ومواضع الريبة‪،‬‬
‫وعدلت بلساني عن مدائح الدميين‪ ،‬والثناء على المربوبين المخلوقين‪،‬‬
‫اللهم ولكل مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء أو عارفة من عطاء‪،‬‬
‫وقد رجوتك دليل على ذخائر الرحمة وكنوز المغفرة‪ ،‬اللهم وهذا مقام من‬
‫أفردك بالتوحيد الذي هو لك‪ ،‬و‬

‫‪ < -‬الرض كالعمود‪ .‬و " تعفو " أي تمحو‪ .‬والعوم‪ :‬السباحة‪ .‬والكثيب‪ :‬التل من‬
‫الرمل‪ .‬وذروة ‪ -‬بالضم والكسر ‪ -‬أعله جمعها ذرى‪ .‬والشناخيب رؤوس‬
‫الجبال كما مر‪ .‬وغرد الطائر ‪ -‬كفرح ‪ :-‬رفع صوته‪ ،‬وذوات المنطق من‬
‫الطيور ماله صوت وغناء كأن غيرهم أبكم ول يقدر على النطق‪.‬‬
‫والدياجير جمع ديجور وهو الظلمة‪ .‬واوعبتة‪ :‬أي جمعته‪ .‬وحضنت عليه‬
‫أي ربته وما حضنته المواج العنبر والمسك وغيرهما‪ .‬والسدفة ‪ -‬بالضم‬
‫‪ :-‬الظلمة‪ .‬وذر‪ :‬طلع‪ .‬وسبحات النور‪ :‬درجاته وأطواره ومراته‪ .‬والرجع‬
‫ترديد الصوت‪ (1) .‬الهمهمة‪ :‬الصوت الخفى أو ترديد الصوت في الحلق‬
‫‪ -‬و " هامة " أي ذات همة والضمير في عليها راجع إلى الرض وان لم‬
‫يسبق ذكرها ويعتمد في مثله على فهم المخاطب كقوله تعالى " كل من‬
‫عليها فان "‪ .‬والنقاعة نقرة يجمع فيها الدم‪ ،‬والمضغة عطف على "‬
‫نقاعة " أي يعلم مقر جميع ذلك " استفدنا كثيرا في شرح هذه الخطب‬
‫من بهجة الحدائق للسيد محمد ابن امير شاه "‪ (2) .‬اعتورته أي تداولته‬
‫وتناولته‪ (3) .‬غمرهم أي غطاهم وسترهم كما يغمر البحر ما غاص فيه‪.‬‬

‫]‪[331‬‬

‫لم ير مستحقا لهذه المحامد والممادح غيرك‪ ،‬وبي فاقة إليك ل يجبر مسكنتها إل‬
‫فضلك‪ ،‬ول ينعش من خلتها إل منك وجودك )‪ (1‬فهب لنا في هذا المقام‬
‫رضاك‪ ،‬وأغننا عن مد اليدي إلى سواك‪ ،‬إنك على كل شئ قدير‪- 18 .‬‬
‫جوابه عليه السلم لليهودي‪ :‬جاء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين علي‬
‫عليه السلم فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين متى كان ربنا عزوجل ؟ فقال له عليه‬
‫السلم‪ :‬يا يهودي ]ما كان[ لم يكن ربنا فكان و إنما يقال متى كان لشئ لم‬
‫يكن فكان هو كائن بل كينونة كائن لم يزل ليس له قبل‪ ،‬هو قبل القبل‪،‬‬
‫وقبل الغاية‪ ،‬انقطعت عنه الغايات‪ ،‬فهو غاية كل غاية‪ - 19 .‬من كتاب‬
‫مطالب السؤول )‪ (2‬لمحمد بن طلحة‪ :‬من خطب أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم ما ذكر بعد انصرافه من صفين‪ :‬أحمده استتماما لنعمته‪ ،‬واستسلما‬
‫لعزته‪ ،‬واستعصاما من معصيته‪ ،‬وأستعينه فاقة إلى كفايته إنه ل يضل من‬
‫هداه‪ ،‬ول يئل من عاداه‪ ،‬ول يفتقر من كفاه‪ ،‬فانه أرجح ما وزن )‪(3‬‬
‫وأفضل ما خزن‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال شهادة ممتحنا إخلصها معتقدا‬
‫مصاصها‪ ،‬نتمسك بها أبدا ما أبقانا‪ ،‬وندخرها لهوال ما يلقانا‪ ،‬فانه عزيمة‬
‫اليمان‪ ،‬وفاتحة الحسان‪ ،‬ومرضاة الرحمن‪ ،‬ومدحرة الشيطان )‪.(4‬‬
‫وأشهد أن محمد عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالدين المشهور‪ ،‬والعلم المأثور‪ ،‬و‬
‫الكتاب المسطور‪ ،‬والنور الساطع‪ ،‬والضياء اللمع‪ ،‬والمر الصادع‪ ،‬إزاحة‬
‫للشبهات واحتجاجا بالبينات‪ ،‬وتحذيرا باليات‪ ،‬وتخويفا بالمثلت‪ ،‬والناس‬
‫في فتن انجذم‬

‫)‪ (1‬نعشه‪ :‬رفعه‪ .‬والخلة ‪ -‬بالفتح‪ :‬الفقر‪ .‬والمن‪ :‬الحسان‪ (2) .‬المصدر ص ‪58‬‬
‫وفى النهج تحت رقم ‪ (3) .2‬وأل يئل‪ :‬نجى وخلص‪ .‬والضمير في " انه‬
‫" راجع إلى الحمد المفهوم من أحمده ‪ -‬وقد يكون الضمير عائدا ل‪(4) .‬‬
‫مصاص كل شئ خالصه‪ ،‬والهاويل جمع الهوال‪ ،‬ودحره ‪ -‬كمنعه ‪-‬‬
‫طرده وأبعده‪.‬‬

‫]‪[332‬‬

‫فيها حبل الدين‪ ،‬وتزعزعت سواري اليقين‪ ،‬فاختلف النجر )‪ (1‬وتشتت المر‪،‬‬
‫وضاق المخرج‪ ،‬وعمى الصدر‪ ،‬فالهدى خامل‪ ،‬والعمى شامل‪ ،‬عصي‬
‫الرحمن ونصر الشيطان‪ ،‬وخذل اليمان‪ ،‬فانهارت دعائمه‪ ،‬وتنكرت‬
‫معالمه‪ ،‬ودرست سبله وعفت شركه )‪ (2‬أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه‬
‫ووردوا مناهله‪ ،‬بهم سارت أعلمه وقام لواؤه‪ ،‬في فتن داستهم بأخفافها‪،‬‬
‫ووطئتهم بأظلفها‪ ،‬وقامت على سنابكها )‪ (3‬فهم فيها تائهون‪ ،‬حائرون‬
‫جاهلون مفتونون‪ ،‬في خير دار وشر جيران‪ ،‬نومهم سهود )‪ (4‬وكحلهم‬
‫دموع‪ ،‬بأرض عالمها ملجم‪ ،‬وجاهلها مكرم‪ - 20 .‬ومنها )‪ (5‬أيها الناس‬
‫شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة‪ ،‬وعرجوا عن طريق المنافرة‪ ،‬وضعوا‬
‫تيجان المفاخرة‪ ،‬أفلح من نهض بجناح‪ ،‬أو استسلم فأراح ماء آجن‪ ،‬ولقمة‬
‫يغص بها آكلها‪ ،‬ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها )‪ (6‬كالزارع بغير‬
‫أرضه‪ .‬فان أن أقل يقولوا‪ :‬حرص على الملك‪ ،‬وإن أسكت يقولوا جزع من‬
‫الموت هيهات بعد اللتيا والتي وال لبن أبي طالب آنس بالموت من الطفل‬
‫بثدي امه بل‬

‫)‪ (1‬المثلت ‪ -‬بفتح فضم ‪ :-‬العقوبات‪ ،‬وانجذم أي انقطع‪ ،‬والسوارى جمع سارية‬
‫العمود والدعامة‪ ،‬وتزعزت أي اضطربت‪ ،‬والنجر ‪ -‬بفتح النون وسكون‬
‫الجيم ‪ :-‬الصل‪ (2) .‬انهارت أي هوت وسقطت‪ ،‬وتنكرت أي تغيرت من‬
‫حال تسر إلى حال تكره‪ .‬ودرست كاندرست أي انطمست‪ .‬والشرك ‪-‬‬
‫بضمتين ‪ -‬جمع شراك وهى الطريق‪ (3) .‬الظلف جمع ظلف ‪ -‬بالكسر ‪-‬‬
‫للبقر والشاة وشبههما كالخف للبعير‪ ،‬والقدم للنسان‪ .‬والسنابك جمع‬
‫سنبك ‪ -‬كقنفد ‪ -‬وهو طرف الحافر‪ (4) .‬السهود عدم النوم وذلك كما‬
‫يقال‪ :‬جوده بخل‪ ،‬وهكذا بعده‪ (5) .‬المصدر ص ‪ (6) .59‬عرج عن‬
‫الشئ‪ :‬تركه‪ ،‬والظاهر أن المعنى فاز من قام في طلب المقصود إذا تهيأ‬
‫أسبابه‪ ،‬ووجد أعوانا‪ ،‬والجناح عبارة عنها أو انفاد لما يجرى عليه وقعد‬
‫عن الطلب رأسا إذا فقد أسبابه‪ ،‬والمراد بالماء الجن الخلفة والمارة‬
‫مطلقا والجن‪ :‬المتغير الطعم واللون‪ ،‬ل يستساغ‪.‬‬

‫]‪[333‬‬

‫اندمجب على مكنون علم لو بحت به لضطربتم اضطراب الرشية في الطوي‬


‫البعيدة )‪ - 21 .(1‬ومن خطبه عليه السلم )‪ :(2‬أما بعد فان الدنيا قد‬
‫أدبرت وآذنت بوداع‪ ،‬وإن الخرة قد أقبلت وأشرفت باطلع‪ ،‬أل وإن اليوم‬
‫المضمار‪ ،‬وغدا السباق‪ ،‬والسبقة الجنة‪ ،‬والغاية النار أفل تائب من‬
‫خطيئته قبل منيته )‪ (3‬أل عامل لنفسه قبل يوم بؤسه‪ ،‬أل وإنكم في أيام‬
‫أمل من ورائه أجل‪ ،‬فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه‬
‫عمله ولم يضرره أجله ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر‬
‫عمله وضره أجله‪ ،‬أل فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة‪ ،‬أل وإني‬
‫لم أر كالجنة نام طالبها‪ ،‬ول كالنار نام هاربها‪ ،‬أل وإنه من ل ينفعه الحق‬
‫يضرره الباطل‪ ،‬ومن ل يستقيم به الهدى يجر به الضلل‪ ،‬أل وإنكم قد‬
‫امرتم بالظعن )‪ (4‬ودللتم على الزاد‪ ،‬وإن أخوف ما أخاف به عليكم اتباع‬
‫الهوى وطول المل‪ ،‬تزودوا في الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا‪- 22 .‬‬
‫ومن خطبه عليه السلم )‪ (5‬في استنفار الناس إلى أهل الشام وقد تثاقلوا‪:‬‬
‫أف لكم قد سئمت عتابكم‪ ،‬أرضيتم من الخرة بالحياة الدنيا عوضا‪ ،‬وبالذل‬
‫من العز خلقا‪ ،‬إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارات أعينكم كأنكم ؟ ؟ من‬
‫الموت في غمرة‪ ،‬ومن الذهول في سكرة ترتج عليكم حواري فتعمهون )‬
‫‪ (6‬فكأن قلوبكم‬

‫)‪ (1‬اندمج الشئ إذ أدخل في شئ واستحكم فيه‪ ،‬والرشية جمع رشاء بمعنى الحبل‬
‫والطوى‪ :‬جمع طوية وهى البئر والبعيدة أي العميقة‪ (2) .‬مطالب السؤول‬
‫ص ‪ .59‬والنهج تحت رقم ‪ (3) .28‬المنية‪ :‬الموت‪ (4) .‬الظعن‪ :‬الرحيل‪.‬‬
‫)‪ (5‬مطالب السؤول ص ‪ .59‬والنهج تحت رقم ‪ (6) .34‬الغمرة‪ :‬الشدة‬
‫وغمرات الموت شدائده‪ .‬ويرتج أي يغلق‪ .‬والحوار‪ :‬هو مراجعة الكلم‪.‬‬
‫والعمة‪ :‬عمى البصيرة‪ .‬أي ل تهتدون لفهمه‪ .‬وتتحيرون وتترددون‪،‬‬
‫والذهول‪ :‬النيسان لشغل والترك والغيبة عن الرشد‪.‬‬

‫]‪[334‬‬
‫مألوسة فأنتم ل تعقلون‪ ،‬ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي‪ ،‬وما أنتم لي بركن يمال‬
‫بكم‪ ،‬ول زوافر عز يفتقر إليكم )‪ (1‬ما أنتم إل كابل ضل رعاتها‪ ،‬فكلما‬
‫جمعت من جانب انتشرت من جانب‪ ،‬لبئس لعمر ال سعر نار الحرب أنتم‪،‬‬
‫تكادون ول تقتدون )‪ (2‬وتنتقص أطرافكم ول تمتعضون )‪ ،(3‬ول ينام‬
‫عنكم وأنتم في غفلة ساهون‪ ،‬غلب وال المتخاذلون‪ ،‬وأيم ال إني لظل‬
‫بكم أن لو حمس الوغى )‪ (4‬واستحر الموت فقد انفرجتم عن ابن أبي‬
‫طالب انفراج الرأس )‪ (5‬وال إن امرءا يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه‬
‫ويهشم عظمه‪ ،‬ويفري جلده لعظيم عجزه‪ ،‬ضغيف قلبه )‪ ،(6‬حرج صدره‪،‬‬
‫أنت )‪ (7‬فكن ذاك إن شئت فأما أنا فوال دون أن اعطي ذاك ضرب‬
‫بالمشرفية تطير منه فراش الهام )‪ ،(8‬وتطيح السواعد والقدام )‪ (9‬ويفعل‬
‫ال بعد ذلك ما يشاء‪.‬‬

‫)‪ (1‬المألوسة‪ :‬المخلوطة بمس الجنون‪ .‬وسجيس ‪ -‬بفتح فكسر ‪ -‬كلمة تقال بمعنى‬
‫أبدا وأصله من سجس الماء بمعنى تغير وكدر‪ .‬أي انهم ليسوا بثقاة عنده‬
‫يركن إليهم أبدا‪ .‬وزوافر المجد‪ :‬أسبابه وأعمدته‪ .‬ومن البناء ركنه‪ ،‬ومن‬
‫الرجل عشيرته وأنصاره‪ .‬وقوله " يمال بكم " أي يمال على العدو بعزكم‬
‫وقوتكم‪ ،‬وهو وصف لهم بالضعف والذل‪ (2) .‬السعر‪ :‬أصله مصدر "‬
‫سعر النار " من باب نفع ‪ :-‬أوقدها أي لبئس ما توقد به الحرب أنتم ‪-‬‬
‫ويقال‪ :‬ان " سعر " جمع ساعر‪ .‬وفى النهج " تكادون ول تكيدون "‪) .‬‬
‫‪ (3‬امتعض أي غضب‪ (4) .‬حمس ‪ -‬كفرح ‪ -‬اشتد وصلب‪ .‬والوغى‪:‬‬
‫الحرب‪ (5) .‬مثل لشدة التفرق يعنى أن الرأس إذا انفرج عن الجسد ل‬
‫يعود إليه ثانيا‪ (6) .‬عرق اللحم ‪ -‬كنصر ‪ -‬أكله ولم يبق منه على العظم‪.‬‬
‫والهشم‪ :‬الكسر‪ ،‬وفراه يفريه‪ :‬مزقه‪ .‬وفى النهج " ضعيف ما ضمنت‬
‫عليه جوانح صدره "‪ (7) .‬الخطاب في " أنت " عام لكل من مكن عدوه‬
‫من نفسه‪ " (8) .‬أنا " مبتدأ و " ضرب " خبره بمعنى الضارب و "‬
‫أعطى " على صيغة المعلوم‪ (9) .‬أي ل يمكن عدوه من نفسه حتى يكون‬
‫دون ذلك ضرب بالمشرفية‪ .‬وهى السيوف التى تنسب إلى مشارف وهى‬
‫قرى من أرض العرب تدنو من الريف‪ .‬وقيل‪ :‬ان المشرفية نسبة إلى‬
‫موضع في بلد اليمن ل إلى مشارف الشام‪ .‬وفراش ‪(*) < -‬‬

‫]‪[335‬‬

‫‪ - 23‬ومن خطبة عليه السلم )‪ :(1‬الحمدل وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث‬
‫الجليل )‪ (2‬فانه ل ينجو من الموت من خافه‪ ،‬ول يعطي البقاء من أحبه‪،‬‬
‫أل وإن الوفاء توأم الصدق‪ ،‬ول أعلم جنة أوقى منه‪ ،‬وما يغدر من علم‬
‫كيف المرجع )‪ (3‬ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهل الغدر كيسا ونسبهم‬
‫أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة‪ ،‬ما لهم قاتلهم ال ؟ قد يرى الحول القلب‬
‫بوجه الحيلة‪ ،‬ودونها مانع من أمر ال تعالى ونهيه )‪ (4‬فيدعها رأي عين‬
‫بعد القدرة عليها‪ ،‬وينتهز فرصتها من ل حريجة له في الدين )‪- 24 .(5‬‬
‫ومن كلمه في بعض مواقف صفين )‪ :(6‬معاشر المسلمين استشعروا‬
‫الخشية‪ ،‬وتجلببوا السكينة‪ ،‬وعضوا على النواجذ فانه أنبى للسيوف عن‬
‫الهام )‪ (7‬وأكملوا اللمة‪ ،‬وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل‬

‫‪ < -‬الهام‪ :‬العظام الرقيقة التى تلى القحف‪ .‬وقوله " تطيح السواعد " أي تسقط‬
‫وفعله كباع‪ (1) .‬مطالب السؤول ص ‪ (2) .59‬قولهم‪ :‬جل الخطب أي‬
‫عظم المر والشأن‪ .‬والفادح‪ :‬الثقيل‪ .‬والحدث‪ :‬المر الحادث المنكر‪(3) .‬‬
‫المرجع اما مصدر أي علم كيف الرجوع إلى ال‪ ،‬أو اسم مكان أي علم‬
‫بكيفية المعاد‪ (4) .‬رجل حول قلب ‪ -‬بضم الول وتشديد الثاني من‬
‫اللفظين ‪ :-‬أي بصير بتحويل المور وتقليبها قد يرى وجه الحيلة في‬
‫بلوغ مراده لكن يجد دون الوصول بمراده مانعا من أمر ال ونهيه‪ ،‬فيدع‬
‫الحيلة وهو قادر عليها وتركها خوفا من عقاب ال سبحانه‪ (5) .‬النتهاز‬
‫اغتنام الفرصة والحريجة ‪ -‬بالحاء المهملة ‪ :-‬التحرج أي التحرز من‬
‫الثم‪ (6) .‬المصدر ص ‪ (7) .51‬استشعر‪ :‬لبس الشعار‪ ،‬وهو ما يلى‬
‫البدن من الثياب‪ ،‬والجلباب ما تغطى به المرأة ثيابها من فوق‪ .‬والنواجذ‬
‫جمع الناجذ وهو أقص الضراس والهام‪ :‬الرأس‪ (1) .‬اللمة ‪ -‬بفتح اللم‬
‫والهمزة الساكنة ‪ -‬الدرع واكمالها أن يراد عليها البيضة ‪< -‬‬

‫]‪[336‬‬

‫سلها والحظوا الخزر‪ ،‬واطعنوا الشزر‪ ،‬ونافحوا بالظبى‪ ،‬وصلوا السيوف بالخطا‪ ،‬و‬
‫اعلمو أنكم يعين ال تعالى )‪ (1‬ومع ابن عم رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫فعاودوا الكر واستحيوا من الفر‪ ،‬فانه عار في العقاب‪ ،‬ونار يوم الحساب‪،‬‬
‫وطيبوا عن أنفسكم نفسا‪ ،‬و امشوا إلى الموت مشيا سجحا )‪ ،(2‬وعليكم‬
‫بهذا السواد العظم والرواق المطنب فاضربوا ثبجه‪ ،‬فان الشيطان كامن‬
‫في كسره‪ ،‬قد قدم للوثبة يدا‪ ،‬وأخر للنكوص رجل‪ ،‬فصمدا صمدا حتى‬
‫ينجلي لكم عمود الحق وأنتم العلون وال معكم ولن يتركم أعمالكم )‪.(3‬‬
‫‪ - 25‬ومن كلمه في خطبة )‪ (4‬رحم ال امرءا تبع حكما فوعى‪ ،‬ودعي‬
‫إلى رشاد فدنا‪ ،‬وأخذ بحجزة )‪(5‬‬

‫‪ < -‬ونحوها وقد يراد بها آلت الحرب والدفاع واكمالها استيفاؤها‪ .‬وفائدة القلقلة‬
‫التحرز من عدم خروجها حالة الحاجة‪ .‬والخزر ‪ -‬محركة‪ :‬النظر بلحظ‬
‫العين‪ .‬والشرر ‪ -‬بالفتح الطعن عن اليمين والشمال‪ .‬والمنافجة‪:‬‬
‫المضاربة والمدافعة‪ .‬والظبى ‪ -‬بالضم‪ :‬جمع ظبة ‪ -‬بالضم أيضا ‪ -‬وهى‬
‫طرف السيف وحده‪ .‬و " صلوا " من الوصل‪ ،‬أي اجعلوا سيوفكم متصلة‬
‫بخطا أعدائكم‪ .‬أو إذا قصرت سيوفكم عن الوصول إلى أعدائكم فصلوها‬
‫بخطاكم‪ .‬وقوله " بعين ال " أي ملحوظون بها‪ " (2) .‬طيبوا عن‬
‫أنفسكم نفسا " أي ارضوا ببذلها فكم تبذلونها اليوم لتحروزها غدا‬
‫والسجح ‪ -‬بضمتين وتقديم المعجمة ‪ :-‬السهل‪ (3) .‬والرواق ككتاب‬
‫الفسطاط‪ ،‬والمطنب‪ :‬المشدود بالطناب‪ .‬وثبج الشئ ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬وسطه‪.‬‬
‫والكسر ‪ -‬بكسر الكاف ‪ -‬شقه السفل ‪ -‬وكمن ‪ -‬كنصر ‪ -‬أي استخفى‪،‬‬
‫والمراد بالسواد العظم أهل الشام وبالرواق المطنب معاوية نفسه‪،‬‬
‫والشيطان الكامن لعله عمرو بن العاص‪ .‬وقوله فصمدا صمدا أي فاثبتوا‬
‫على قصدكم‪ ،‬والصمد‪ :‬القصد‪ .‬ولن يتركم أي ل ينقصكم شيئا‪(4) .‬‬
‫مطالب السؤول ص ‪ (5) .59‬الحجزة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬موضع شد الزار‪.‬‬
‫ومعقده ومن السراويل موضع التكة و المراد القتداء والتمسك‪.‬‬

‫]‪[337‬‬

‫هاد فنجا‪ ،‬وراقب ربه‪ ،‬وخاف ذنبه‪ ،‬وقدم خالصا‪ ،‬واكتسب مذخورا )‪ (1‬واجتنب‬
‫محذورا‪ ،‬ورمى غرضا )‪ (2‬وأحرز عوضا‪ ،‬وكابر هواه )‪ ،(3‬وكذب مناه‬
‫وجعل الصبر عطية نجاته‪ ،‬والتقوى عدة وفاته‪ ،‬وركب الطريقة الغراء‪،‬‬
‫ولزم المحجة البيضاء‪ ،‬واغتنم المهل )‪ (4‬وبادر الجل‪ ،‬وتزود من العمل‬
‫قبل انقطاع المل‪ - 26 .‬ومن خطبه عليه السلم‪ (5) :‬يوبخ أهل الكوفة‬
‫وقد تثاقلوا في الخروج إلى الخوارج معه‪ :‬أيتها الفئة المجتمعة أبدانهم‬
‫المتفرقة أديانهم إنه وال ما غرت دعوة من دعاكم‪ ،‬ول استراح قلب من‬
‫قاساكم )‪ (6‬كلمكم يوهن الصم الصلب‪ ،‬وفعلكم يطمع فيكم عدوكم‬
‫المرتاب‪ ،‬إذا دعوتكم إلى أمر فيه صلحكم والذب عن حريمكم اعتراكم‬
‫الفشل وجئتم بالعلل‪ ،‬ثم قلتم‪ :‬كيت وكيت وذيت وذيت أعاليل بأضاليل‬
‫وأقوال الباطيل ثم سألتموني التأخير‪ ،‬دفاع ذي الدين المطول )‪ (7‬هيهات‬
‫هيهات إنه ل يدفع الضيم ‪-‬‬

‫)‪ (1‬أي عمل بما افترض ال عليه ويذخر ثوابه ليوم حاجته‪ (2) .‬أي قصد إلى‬
‫الحق فأصابه‪ (3) .‬كابره‪ :‬غالبه وخالفه‪ ،‬والمكابرة‪ :‬المغالبة‪(4) .‬‬
‫الغراء‪ :‬النيرة الواضحة‪ ،‬والمحجة‪ :‬جادة الطريق ومعظمه والمراد سبيل‬
‫الحق ومنهج العدل‪ .‬والمهل هنا بمعنى مدة الحياة مع العافية‪ (5) .‬روى‬
‫أن هذه الخطبة خطبها أمير المؤمنين عند اغارة الضحاك بن قيس بعد‬
‫قصة الحكمين وعزمه على المسير إلى قتال معاوية‪ (6) .‬قاساه ‪ -‬مقاساة‬
‫‪ -‬اللم‪ :‬كابده وعالج شدته‪ " (7) .‬كيت وكيت " يكنى بهما عن الحديث‬
‫والخبر‪ ،‬يقول فلن كيت وكيت‪ .‬و هكذا ذيت وذيت كناية عن الحديث‬
‫والفعل‪ .‬وقوله " أعاليل بأضاليل " خبر مبتدأ محذوف أي وإذا دعوتكم‬
‫إلى القتال تعللتم بأعاليل هي باطلة ضلل عن سبيل ال‪ .‬والمطول تطويل‬
‫الموعد والمطل فيه‪ ،‬والكثير المطل ‪ -‬بالفتح ‪ -‬وهو التسويف بالعدة أي‬
‫دفاعكم كدفاعه‪.‬‬

‫]‪[338‬‬

‫الذل )‪ (1‬ول يدرك الحق إل بالجد‪ ،‬فخبروني يا أهل العراق مع أي إمام بعدي‬
‫تقاتلون أم أية دار تمنعون‪ ،‬الذليل وال من نصرتموه‪ ،‬والمغرور من‬
‫غررتموه وأصبحت ول أطمع في نصركم‪ ،‬ول أصدق قولكم‪ ،‬فرق ال بيني‬
‫وبينكم وأبدلكم بي غيري وأبدلني بكم من هو خير لي منكم‪ ،‬أما إنه‬
‫ستلقون بعدي ذل شامل وسيوفا قاطعة‪ ،‬وأثرة قبيحة‪ ،‬يتخذها الظالمون‬
‫عليكم سنة‪ .‬فتبكي عيونكم‪ ،‬ويدخل الفقر بيوتكم وقلوبكم‪ ،‬وتتمنون في‬
‫بعض حالتكم إنكم رأيتموني فنصرتموني‪ ،‬و أرقتم دماءكم دوني فل يبعد‬
‫ال إل من ظلم‪ .‬يا أهل الكوفة أعظكم فل تتعظون‪ ،‬وأوقظكم فل تستيقظون‬
‫إن من فاز بكم فقد فاز بالخيبة‪ ،‬ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل‪ ،‬اف‬
‫لكم لقد لقيت منكم ترحا )‪ (2‬يوما اناديكم ويوما اداجيكم )‪ (3‬فل أحرار عند‬
‫النداء ول ثبتة عند المصائب فيال ماذا منيت به منكم )‪ (4‬لقد منيت بصم‬
‫ل يسمعون وكمه ل يبصرون‪ ،‬وبهم ل يعقلون‪ ،‬أما وال لو أني حين‬
‫أمرتكم بأمري حملتكم على المكروه مني فإذا استقمتم هديتم وإن أبيتم‬
‫بدأت بكم لكانت الزلفي ولكني تواخيت لكم وتوانيت عنكم وتماديت في‬
‫غفلتكم فكنت أنا وأنتم كما قال الول‪ :‬أمرتهم بأمري بمنعرج اللوى * فلم‬
‫تستبينوا الرشد إل ضحى الغد )‪(5‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ ،‬والضيم‪ :‬الظلم ‪ -‬وفى النهج وأمالى الشيخ ج ‪ 1‬ص ‪ " 183‬ول يدفع‬
‫الضيم الذليل "‪ .‬وهو الصوب‪ (2) .‬الفوق من السهام‪ :‬المكسور الفوق‪.‬‬
‫والفوق موضع الوتر من السهم‪ .‬والناصل‪ :‬العارى عن النصل ول يخفى‬
‫طيش السهم الذى ل فوق له ول نصل فانه ل يكاد يتجاوز عن القوس‪،‬‬
‫أي من رمى بهم فكأنما رمى بسهم ل يثبت في الوتر حتى يرمى‪ ،‬وان‬
‫رمى به لم يصب مقتل إذا ل نصل له‪ .‬والترح‪ :‬ضد الفرح‪ (3) .‬أي‬
‫اداريكم‪ .‬وفى النهج " اناجيكم "‪ (4) .‬منيت أي بليت‪ (5) .‬البيت من‬
‫قصيدة دريد بن الصمة‪ .‬ومنعرج اللوى اسم مكان‪ ،‬وأصل اللوى من‬
‫الرمل‪ :‬الجدد بعد الرملة‪ .‬ومنعرجه‪ :‬منعطفه يمنة ويسرة‪.‬‬

‫]‪[339‬‬
‫اللهم إن دجلة والفرات نهران أصمان أبكمان فأرسل عليهم ماء بحرك‪ ،‬و انزع‬
‫عنهم ماء نصرك‪ ،‬حبذا إخواني الصالحين‪ ،‬إن دعوا إلى السلم قبلوه‪،‬‬
‫وقرؤا القرآن فأحكموه‪ ،‬وندبوا إلى الجهاد فطلبوه‪ ،‬فحقيق لهم الثناء‬
‫الحسن‪ ،‬واشوقاه إلى تلك الوجوه‪ ،‬ثم ذرفت عيناه ونزل عن المنبر‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إنا ل وإنا إليه راجعون إلى ما صرت إليه‪ ،‬صرت إلى قوم إن أمرتهم‬
‫خالفوني وإن اتبعتهم تفرقوا عني جعل ال لي منهم فرجا عاجل‪ .‬ثم دخل‬
‫منزله فجاءه رجل من أصحابه فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إن الناس قد ندموا‬
‫على تثبطهم وقعودهم وعلموا أن الحظ في إجابتك لهم‪ ،‬فعاودهم في‬
‫الخطبة فلما أصبح من الغد دخل المسجد العظم ونودي في الناس‬
‫فاجتمعوا فلما غص المسجد بالناس صعد المنبر وخطب هذه الخطبة‪- 27 .‬‬
‫فقال بعد أن حمد ال تعالى‪ :‬أيها الناس أل ترون إلى أطرافكم قد انتقصت‬
‫وإلى بلدكم تغرى‪ ،‬وأنتم ذو عدد جم وشوكة شديدة‪ ،‬فما بالكم اليوم ل‬
‫أبوكم من أين تؤتون ومن أين تسخرون‪ ،‬وأنى تؤفكون‪ ،‬انتبهوا رحكم ال‬
‫وتحركوا لحرب عدوكم فقد أبدت الرغوة عن الصريخ لذي عينين وقد‬
‫أضاء الصبح لذي عشاء فاسمعوا قولي هداكم ال إذا قلت‪ ،‬وأطيعوا أمري‬
‫إذا أمرت فوال لئن أطعتموني لن تغووا‪ ،‬وإن عصيتموني لن ترشدوا‪،‬‬
‫خذوا للحرب اهبتها )‪ (1‬وأعدوا لها عدتها‪ ،‬واخرجوا لها فقد شبت‬
‫وأوقدت نارها‪ ،‬وتحرك لكم الفاسقون لكي يطفئوا نور ال ويغزوا عباد‬
‫ال‪ ،‬فوال أن لو لقيتم وحدي وهم أضعاف ما هم عليه لما كنت بالذي‬
‫أهابهم‪ ،‬ول أستوحش ]منهم و[ من قتالهم‪ ،‬فإني من ضللتهم التي هم‬
‫عليها والحق الذي ]أنا عليه لعلى بصيرة ويقين‪ ،‬وإني إلى لقاء ربي‬
‫لمشتاق‪ ،‬وبحسن ثوابه لمنتظر‪ ،‬وهذا القلب الذي ألقاهم به هو القلب‬
‫الذي[ لقيت به الكفار مع رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وهو القلب الذي‬
‫لقيت به أهل الجمل وأهل صفين ليلة الهرير فإذا أنا نفرتكم فانفروا خفافا‬
‫وثقال‪ ،‬وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل ال‬

‫)‪ (1‬الهبة‪ :‬السباب واللت‪.‬‬

‫]‪[340‬‬

‫ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون‪ ،‬اللهم اجعلنا وإياهم على الهدى وجنبا وإياهم‬
‫البلوى‪ ،‬واجعل الخرة لناولهم خيرا من الولى‪ ،‬فلما فرغ من كلمه أجابه‬
‫الناس سراعا‪ ،‬فخرج بهم إلى الخوارج‪ - 28 .‬ونقل‪ :‬أن جماعة حضروا‬
‫لديه وتذاكروا فضل الخط وما فيه فقالوا‪ :‬ليس في الكلم أكثر من اللف‬
‫ويتعذر النطق بدونها فقال لهم في الحال هذه الخطبة من غير سابق فكرة‬
‫ول تقدم روية‪ ،‬وسردها وليس فيها ألف‪ .‬حمدت من عظمت منته‪ ،‬وسبغت‬
‫نعمته‪ ،‬وتمت كلمته‪ ،‬ونفذت مشيته‪ ،‬و بلغت حجته‪ ،‬وعدلت قضيته‪،‬‬
‫وسبقت غضبه رحمته‪ ،‬حمدته حمد مقر بربوبيته متخضع لعبوديته‪،‬‬
‫متنصل من خطيئته‪ ،‬معترف بتوحيده‪ ،‬مستعيذ من وعيده مؤمل من ربه‬
‫مغفرة تنجيه‪ ،‬يوم يشغل كل عن فصيلته وبنيه‪ ،‬ونستعينه ونسترشده‬
‫ونؤمن به ونتوكل عليه‪ ،‬وشهدت له شهود عبد مخلص موقن‪ ،‬وفردته‬
‫تفريد مؤمن متيقن‪ ،‬ووحدته توحيد عبد مذعن‪ ،‬ليس له شريك في ملكه‪،‬‬
‫ولم يكن له ولي في صنعه‪ ،‬جل عن مشير ووزير )‪ (1‬وعون ومعين‬
‫ونظير‪ ،‬علم فستر‪ ،‬وبطن فخبر‪ ،‬وملك فقهر‪ ،‬وعصي فغفر‪ ،‬وعبد فشكر‪،‬‬
‫وحكم فعدل‪ ،‬وتكرم وتفضل‪ ،‬لن يزول‪ ،‬ولم يزل‪ ،‬ليس كمثله شئ‪ ،‬وهو قبل‬
‫كل شئ‪ ،‬وبعد كل شئ‪ ،‬رب متفرد بعزته متمكن بقوته‪ ،‬متقدس بعلوه‪،‬‬
‫متكبر بسموه‪ ،‬ليس يدركه بصر‪ ،‬ولم يحط به نظر‪ ،‬قوي منيع بصير سميع‬
‫)‪ (2‬رؤوف رحيم‪ ،‬عجز عن وصفه من وصفه‪ ،‬وضل عن نعته من عرفه‪،‬‬
‫قرب فبعد‪ ،‬وبعد فقرب‪ ،‬يجيب دعوة من يدعوه ويرزقه و يحبوه‪ ،‬ذو لطف‬
‫خفي‪ ،‬وبطش قوي‪ ،‬ورحمة موسعة‪ ،‬وعقوبة موجعه‪ ،‬رحمته جنة‬
‫عريضة مونقة‪ ،‬وعقوبته جحيم ممدودة موبقة‪ ،‬وشهدت ببعث محمد عبده‬
‫ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه وخليله‪ ،‬بعثه في خير عصر وحين فترة‬
‫وكفر‪ ،‬رحمة لعبيده ومنة لمزيده‪ ،‬ختم به نبوته‪ ،‬ووضحت به حجته‪،‬‬
‫فوعظ ونصح وبلغ وكدح‪ ،‬رؤوف‬

‫)‪ (1‬وفى " كف " أي مصباح الكفعمي " وتنزه عن مثل ‪ -‬خ ل "‪ (2) .‬زاد في كف‬
‫" على حكيم "‪.‬‬

‫]‪[341‬‬

‫بكل مؤمن‪ ،‬رحيم سخي رضي ولي زكي‪ ،‬عليه رحمة وتسليم‪ ،‬وبركة وتعظيم‬
‫وتكريم‪ ،‬من رب غفور رحيم‪ ،‬قريب مجيب حليم‪ .‬وصيتكم معشر من حضر‬
‫بوصية ربكم وذكرتكم سنة نبيكم‪ ،‬فعليكم برهبة تسكن قلوبكم‪ ،‬وخشية‬
‫تدري دموعكم‪ ،‬وتقية تنجيكم قبل يوم يذهلكم و يبتليكم‪ .‬يوم يفوز فيه من‬
‫ثقل وزن حسنته‪ ،‬وخف وزن سيئته‪ ،‬وعليكم بمسألة )‪ (1‬ذل وخضوع‪،‬‬
‫وتملق وخشوع‪ ،‬وتوبة ونزوع وليغنم كل )‪ (2‬منكم صحته قبل سقمه‬
‫وشيبته قبل هرمه‪ ،‬وسعته قبل فقره )‪ (3‬وفرغته قبل شغله‪ ،‬وحضره قبل‬
‫سفره‪ ،‬و حياته قبل ]موته‪ ،‬قبل[ يهن ويهرم‪ ،‬ويمرض ويسقم‪ ،‬ويمله‬
‫طبيبه‪ ،‬ويعرض عنه حبيبه‪ ،‬وينقطع عمره‪ ،‬ويتغير عقله‪ .‬ثم قيل‪ :‬هو‬
‫موعوك وجسمه منهوك‪ ،‬ثم جد في نزع شديد‪ ،‬وحضره كل قريب وبعيد‪،‬‬
‫فشخص ببصره‪ ،‬وطمح بنظره‪ ،‬ورشح جبينه وخطفت عرينه‪ ،‬وجدبت‬
‫نفسه وبكت عرسه‪ ،‬وحضر رمسه‪ ،‬ويتم منه ولده‪ ،‬وتفرق عنه عدده‪،‬‬
‫وفصم جمعه‪ ،‬و ذهب بصره وسمعه‪ ،‬وجرد وغسل‪ ،‬وعري ونشف‬
‫وسجى‪ ،‬وبسط له وهيئ‪ ،‬ونشر عليه كفنه )‪ (4‬وشد منه ذقنه‪ ،‬وحمل فوق‬
‫سرير‪ ،‬وصلى عليه بتكبير بغير سجود وتعفير ونقل من دور مزخرفة‪،‬‬
‫وقصور مشيدة‪ ،‬وفرش منجدة )‪ (5‬فجعل في ضريح ملحود ضيق‬
‫مرصود‪ ،‬بلبن منضود‪ ،‬مسقف بجلمود‪ ،‬وهيل عليه عفره‪ ،‬وحشى مدره‪،‬‬
‫وتحقق حذره‪ ،‬ونسي خبره‪ ،‬ورجع عنه وليه ونديمه ونسيبه وحميمه‪،‬‬
‫وتبدل به قرينه وحبيبه‪ ،‬فهو حشو قبر‪ ،‬ورهين حشر‪ ،‬يدب في جسمه دود‬
‫قبره‪ ،‬ويسيل صديده من‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " ولتكن مسئلتكم مسألة "‪ (2) .‬زاد في كف " وندم‬
‫ورجوع‪ ،‬وليغتنم كل مغتنم "‪ (3) .‬في كف " عدمه وخلوته قبل فقره "‪.‬‬
‫)‪ (4‬زاد في كف " وقمص وعمم ولف وودع وسلم "‪ (5) .‬زاد في كف‬
‫" وحجر منضدة "‪.‬‬

‫]‪[342‬‬

‫منخره‪ ،‬وتسحق تربته لحمه‪ ،‬وينشف دمه‪ ،‬ويرم عظمه‪ ،‬حتى يوم حشره فينشره‬
‫من قبره‪ ،‬وينفخ في صور‪ ،‬ويدعى لحشر ونشور‪ ،‬فثم بعثرت قبور‪،‬‬
‫وحصلت سريرة ]في[ صدور‪ .‬وجئ بكل نبي وصديق وشهيد ومنطيق‪،‬‬
‫وقعد لفصل حكمه قدير )‪ ،(1‬بعبده خبير بصير‪ ،‬فكم حسرة تضنيه )‪ (2‬في‬
‫موقف مهيل‪ ،‬ومشهد جليل‪ ،‬بين يدي ملك عظيم بكل صغيرة وكبيرة عليم‪،‬‬
‫فحينئذ يلجمه عرقه‪ ،‬ويخفره قلقه‪ ،‬فعبرته غير مرحومة وصرخته غير‬
‫مسموعة )‪ (3‬وبرزت صحيفته‪ ،‬وتبينت جريرته‪ ،‬فنظر في سوء عمله )‪(4‬‬
‫وشهدت عينه بنظره‪ ،‬ويده ببطشه‪ ،‬ورجله بخطوه‪ ،‬وجلده بلمسه‪ ،‬وفرجه‬
‫بمسه‪ ،‬و يهدده منكر ونكير‪ ،‬وكشف له حيث يصير‪ ،‬فسلسل جيده‪ ،‬وغلت‬
‫يده‪ ،‬فسيق يسحب وحده‪ .‬فورد جهنم بكره شديد‪ ،‬وظل يعذب في جحيم‪،‬‬
‫ويسقى شربة من حميم‪ ،‬تشوي وجهه وتسلخ جلده )‪ (5‬يستغيث فيعرض‬
‫عنه خزنة جهنم‪ ،‬ويستصرخ فيلبث حقبه بندم‪ ،‬نعوذ برب قدير من شر كل‬
‫مصير‪ ،‬ونسأله عفو من رضي عنه‪ ،‬ومغفرة من قبل منه وهو ولي‬
‫مسألتي‪ ،‬ومنجح طلبتي‪ ،‬فمن زحزح عن تعذيب ربه جعل في جنته بقربه‬
‫وخلد في قصور )‪ (6‬ونعمه‪ ،‬وملك بحور عين وحفدة‪ ،‬وتقلب في نعيم‬
‫وسقى من تسنيم )‪ (7‬مختوم بمسك وعنبر )‪ (8‬يشرب من خمر معذوب‬
‫شربه‪ ،‬ليس ينزف لبه‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " قعد وتولى لفصل حكمه عند رب قدير "‪ (2) .‬أي‬
‫تهزله وتضعفه‪ ،‬وفى بعض نسخ المصدر " فكم زمرة تغنيه "‪ (3) .‬زاد‬
‫في كف " وحجته مقبولة "‪ (4) .‬زاد في كف " فنطق كل عضو بسوء‬
‫عمله "‪ (5) .‬زاد في كف " يضرب زبينه بمقمع من حديد يعود جلده بعد‬
‫نضجه بجلد جديد " والزبينة‪ :‬الشرطي‪ (6) .‬زاد في كف " وطيف عليه‬
‫بكؤوس وسكن حضيرة مشيدة ومكن فردوس "‪ (7) .‬زاد في كف "‬
‫ويشرب من عين سلسبيل‪ ،‬ممزوجة بزنجبيل "‪ (8) .‬زاد في كف "‬
‫مستديم للحبور مستشعر للسرور يشرب من خمور في روض مشرق ‪< -‬‬

‫]‪[343‬‬

‫هذه منزلة من خشي ربه وحذر نفسه‪ ،‬وتلك عقوبة من عصى منشئه‪ ،‬وسولت له‬
‫نفسه معصية مبدئه‪ ،‬لهو ذلك قول فصل‪ ،‬وحكم عدل‪ ،‬خير قصص قص‪،‬‬
‫ووعظ به و نص‪ ،‬تنزيل من حكيم حميد )‪ .(1‬أقول‪ :‬وهذه الخطبة قد نقلها‬
‫الكفعمي في كتاب المصباح ولكن مع اختلف شديد ولذلك قد تعرضنا لتلك‬
‫الختلفات في الهامش‪ - 29 .‬كا‪ :‬من الروضة )‪ (2‬عن أحمد بن محمد‬
‫الكوفي‪ ،‬عن جعفر بن عبد ال المحمدي عن أبي روح فرج بن قرة‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن عبد ال‪ ،‬عن مسعدة بن صدقة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين عليه السلم بالمدينة فحمد ال وأثنى عليه‬
‫وصلى على النبي وآله‪ .‬ثم قال‪ :‬أما بعد فإن ال تبارك وتعالى لم يقصم‬
‫جباري دهر إل من بعد تمهيل ورخاء‪ ،‬ولم يجبر كسر عظم من المم إل‬
‫بعد أزل وبلء )‪ (3‬أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم‬
‫من خطب معتبر )‪ (4‬وما كل ذي قلب بلبيب ول كل ذي سمع بسميع‪ ،‬ول‬
‫كل ذي ناظر عين ببصير‪ ،‬عباد ال أحسنوا فيما يعنيكم )‪ (5‬النظر فيه ثم‬
‫انظروا إلى عرصات من قد أقاده ال بعلمه )‪ (6‬كانوا على سنة من‬

‫‪ < -‬مغدق ليس يصدع من شربه "‪ .‬والحبور‪ :‬السرور‪ (1) .‬زاد في كف " نزل به‬
‫روح قدس مبين على نبى مهتد مكين صلت عليه رسل سفرة مكرمون‬
‫بررة‪ ،‬عذت برب رحيم من شر كل رجيم فيتضرع متضرعكم وليبتهل‬
‫مبتهلكم فنستغفر رب كل مربوب لى ولكم "‪ (2) .‬ص ‪ 63‬تحت رقم ‪.22‬‬
‫)‪ (3‬الزل‪ :‬الشدة والضيق‪ (4) .‬الخطب الشأن والمر‪ .‬وفى بعض نسخ‬
‫المصدر‪ " .‬ما استقبلتم من خطب واستدبرتم من خطب "‪ (5) .‬أي فيما‬
‫يهمكم‪ .‬وفى بعض النسخ باعجام الغين وهو تصحيف‪ (6) .‬من القود‬
‫فانهم قد أصابوا دماء بغير حق‪.‬‬

‫]‪[344‬‬
‫آل فرعون‪ ،‬أهل جنات وعيون وزروع ومقام كريم‪ ،‬ثم انظروا بما ختم ال لهم بعد‬
‫النضرة والسرور والمر والنهي‪ ،‬ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان وال‬
‫مخلدون ول عاقبة المور‪ .‬فيا عجبا ومالي ل أعجب من خطأ هذه الفرق‬
‫على اختلف حججها في دينها ل يقتفون )‪ (1‬أثر نبي‪ ،‬ول يقتدون بعمل‬
‫وصي‪ ،‬ول يؤمنون بغيب‪ ،‬ول يعفون عن عيب المعروف فيهم ما عرفوا‪،‬‬
‫والمنكر عندهم ما أنكروا‪ ،‬وكل امرء منهم إمام نفسه أخذ منها فيما يرى‬
‫بعرى وثيقات وأسباب محكمات‪ ،‬فل يزالون بجور ولم يزدادوا إل خطأ‪ ،‬ل‬
‫ينالون تقربا‪ ،‬ولن يزدادوا إل بعدا من ال عزوجل‪ ،‬انس بعضهم ببعض‬
‫وتصديق بعضهم لبعض‪ ،‬كل ذلك وحشة مما ورث النبي المي‪ ،‬ونفورا‬
‫مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والرض‪ ،‬أهل حسرات وكهوف‬
‫شبهات‪ ،‬وأهل عشوات وضللة وريبة )‪ ،(2‬من وكله ال إلى نفسه ورأيه‬
‫فهو مأمون عند من يجهله غير المتهم عند من ل يعرفه‪ ،‬فما أشبه هؤلء‬
‫بأنعام قد غاب عنها رعاؤها‪ ،‬وواأسفا من فعلت شيعتي من بعد قرب‬
‫مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا‪ ،‬وكيف يقتل بعضها بعضا‪،‬‬
‫المتشتت غدا عن الصل النازلة بالفرع‪ ،‬المؤملة الفتح من غير جهته كل‬
‫حزب منهم آخذ ]منه[ بغصن أينما مال الغصن مال معه‪ ،‬مع أن ال وله‬
‫الحمد سيجمع هؤلء لشر يوم لبني امية كما يجمع قزع الخريف )‪ (3‬يؤلف‬
‫ال بينهم‪ ،‬ثم‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " ل يقتصون " وهو بمعناه‪ (2) .‬في بعض نسخ المصدر "‬
‫أهل خسران وكفر وشبهات "‪ .‬والعشوة ‪ -‬بالتثليث ‪ :-‬ركوب المر على‬
‫غير بيان‪ (3) .‬القزع ‪ -‬بالقاف والزاى ثم العين المهملة ‪ :-‬قطع السحاب‬
‫المتفرقة وانما خص الخريف لنه أول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا‬
‫غير متراكم ول مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك كما في النهاية‪.‬‬

‫]‪[345‬‬

‫يجعلهم ركاما كركام السحاب )‪ ،(1‬ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم )‪(2‬‬
‫كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم تثبت عليه أكمة‪ ،‬ولم‬
‫يرد سننه رض طود‪ ،‬يذعذعهم ال في بطون أودية‪ ،‬ثم يسلكهم ينابيع في‬
‫الرض‪ ،‬يأخذ بهم من قوم حقوق قوم‪ ،‬ويمكن بهم قوما في ديار قوم‬
‫تشريدا لبني امية )‪ (3‬ولكيل يغتصبوا ما غصبوا‪ ،‬يضعضع ال بهم ركنا‪،‬‬
‫وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويمل منهم بطنان الزيتون )‪ (4‬فوالذي‬
‫فلق الحبة وبرئ النسمة ليكونن ذلك وكأني‬
‫)‪ (1‬الركام‪ :‬المراكب بعضه فوق بعض ونسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنه لم يكن‬
‫برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك وتمكينهم من‬
‫أسبابه وتركهم واختيارهم بتأليفهم وحثهم عليه ونظير هذا كثير في‬
‫اليات والخبار‪ (2) .‬أي محل انبعاثهم وتهييجهم وكانه أشار عليه السلم‬
‫بذلك إلى فتن أبى مسلم المروزى واستئصالهم لبنى امية وانما شبههم‬
‫بسيل العرم لتخريبهم البلد وأهلها الذين كانوا في خفض ودعة‪ ،‬واريد‬
‫بالجنتين جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدتهم وجماعة عن‬
‫شمالها روى أنها كانت أخصب البلد واطيبها‪ ،‬لم تكن فيها عاهة ول‬
‫هامة‪ .‬وفسر العرم تارة بالصعب واخرى بالمطر الشديد واخرى بالجرذ‬
‫واخرى بالوادي واخرى بالحباس التى تبنى في الودية‪ .‬ومنه قيل‪ :‬انه‬
‫اصطرخ أهل سبأ‪ ،‬قيل‪ :‬انما اضيف السيل إلى الجرذ لنه نقب عليهم سدا‬
‫ضربته لهم بلقيس فحقنت به الماء وتركت فيه ثقبا على مقدار ما‬
‫يحتاجون إليه أو المسناة التى عقدت سدا على أنه جمع عرمة وهى‬
‫الحجارة المركومة وكان ذلك بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وآله‬
‫وعليه‪) .‬الوافى( )‪ (3‬الكمة‪ :‬التل‪ .‬والرض‪ :‬الدق الجريش‪ .‬والطود‪:‬‬
‫الجبل‪ .‬وفى بعض النسخ " رص طود " بالصاد المهملة فيكون بمعنى‬
‫اللزاق والضم والشد ولعله الصواب والمجرور في " سننه " يرجع إلى‬
‫السيل أو إلى ال تعالى‪ .‬والذعذعة ‪ -‬بالذالين المعجمتين والعينين‬
‫المهملتين التفريق‪ .‬والتشريد‪ :‬التنفير‪ .‬وفى بعض النسخ " يدغدغهم "‪.‬‬
‫)‪ (4‬التضعضع‪ :‬الهدم‪ .‬والجنادل جمع جندل وهو الصخر العظيم أي‬
‫ينقص ال ويكسر بهم البنيان التى طويت وبنيت بالجنادل والحجار من‬
‫بلد ارم وهى دمشق والشام إذ كان ‪< -‬‬

‫]‪[346‬‬

‫أسمع صهيل خيلهم‪ ،‬وطمطمة رجالهم )‪ (1‬وأيم ال ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو‬
‫والتمكين في البلد كما تذوب اللية على النار )‪ .(2‬من مات منهم مات‬
‫ضال‪ ،‬وإلى ال عزوجل يفضي منهم من درج )‪ (3‬و يتوب ال عزوجل‬
‫على من تاب‪ .‬ولعل ال يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلء وليس‬
‫لحد على ال عز ذكره الخيرة بل ل الخيرة والمر جميعا‪ .‬أيها الناس إن‬
‫المنتحلين للمامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم‬
‫تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع )‪ (4‬عليكم من ليس مثلكم‪ ،‬ولم يقومن‬
‫قوي عليكم على هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها )‪ (5‬لكن تهتم كما تاهت‬
‫بنو إسرائيل على عهد موسى ]بن عمران[ ولعمري ليضاعفن عليكم التيه‬
‫من بعدي أضعاف ما تأهت بنو إسرائيل‪ .‬ولعمري أن لو قد استكملتم من‬
‫بعدي مدة سلطان بني امية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضللة‬
‫وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم‪ ،‬و قطعتم الدنى من أهل بدر‪،‬‬
‫ووصلتم البعد من أبناء الحرب لرسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬و لعمري‬
‫أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء‪ ،‬وقرب الوعد‪ ،‬وانقضت‬
‫المدة‪ ،‬وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق‪ ،‬ولح لكم القمر المنير‪،‬‬
‫فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة‪.‬‬

‫‪ < -‬مستقر ملكهم في أكثر الزمان تلك البلد لسيما زمانه صلى ال عليه وآله "‬
‫قاله المؤلف ‪ -‬رحمه ال ‪ " :-‬والمراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال‬
‫الشام أو بلد بالصين كما في القاموس‪ (1) .‬الصهيل ‪ -‬كامير ‪ :-‬صوت‬
‫الفرس‪ .‬والطمطمة في الكلم أن يكون فيه عجمة‪ (2) .‬اللية‪ :‬الشحمة‪) .‬‬
‫‪ (3‬أي يرجع من مات‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر " يقضى " بالقاف‬
‫بمعنى القضاء والمحاكمة‪ (4) .‬في بعض نسخ المصدر " يتخشع "‪(5) .‬‬
‫الزواء‪ :‬الصرف‪.‬‬

‫]‪[347‬‬

‫واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلى ال عليه وآله‬
‫فتداويتم من العمى والصمم والبكم‪ ،‬وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف‪ ،‬ونبذتم‬
‫الثقل الفادح عن العناق )‪ (1‬ول يبعد ال إل من أبى وظلم واعتسف‪،‬‬
‫وأخذ ما ليس له وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‪ - 30 .‬كا‪ :‬من‬
‫الروضة )‪ ،(2‬عن علي بن الحسين المؤدب وغيره‪ ،‬عن أحمد ابن محمد‬
‫بن خالد‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران‪ ،‬عن عبد ال بن أبي الحارث الهمداني‪،‬‬
‫عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم فقال‪ :‬الحمد ل الخافض الرافع‪ ،‬الضار النافع‪ ،‬الجواد الواسع‪،‬‬
‫الجليل ثناؤه الصادقة أسماؤه‪ ،‬المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب‪،‬‬
‫الذي جعل الموت بين خلقه عدل وأنعم بالحياة عليهم فضل فأحيا وأمات‬
‫وقدر القوات‪ ،‬أحكمها بعلمه تقديرا‪ ،‬وأتقنها بحكمته تدبيرا‪ ،‬إنه كان خبيرا‬
‫بصيرا‪ ،‬هو الدائم بل فناء‪ ،‬والباقي إلى غير منتهى‪ ،‬يعلم ما في الرض‬
‫وما في السماء وما بينهما وما تحت الثرى‪ .‬أحمده بخالص حمده‪،‬‬
‫المخزون بما حمده به الملئكة والنبيون‪ ،‬حمدا ل يحصى له عدد‪ ،‬ول‬
‫يتقدمه أمد )‪ (3‬ول يأتي بمثله أحد أو من به‪ ،‬وأتوكل عليه وأستهديه‬
‫وأستكفيه وأستقصيه بخير وأسترضيه )‪ .(4‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده‬
‫ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬

‫)‪ (1‬يقال‪ :‬فدحه الدين أي أثقلة‪ .‬أي طريق الديون المثقلة ومظالم العباد واطاعة‬
‫أهل الجور وظلمهم عليكم عن أعناقكم )منه(‪ (2) .‬ص ‪ 170‬تحت رقم‬
‫‪ (3) .193‬في بعض النسخ " أحد " أي بالتقدم الزمانى بأن يكون حمده‬
‫أحد قبل ذلك‪ ،‬أو بالتقدم المعنوي بان يحمد أفضل منه‪ .‬والمد‪ :‬الغاية‪) .‬‬
‫‪ (4‬استقصيه ‪ -‬بالصاد المهملة ‪ -‬من قولهم استقصى في المسألة وتقصى‬
‫إذا بلغ الغاية وبالضاد المعجمة كما في بعض نسخ المصدر من قولهم‪:‬‬
‫استقضى فلن أي طلب إليه أن يقضيه وقوله " بخير " بسبب طلب‬
‫الخير‪.‬‬

‫]‪[348‬‬

‫أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‪ ،‬صلى ال‬
‫عليه وآله‪ .‬أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار ول قرار‪ ،‬إنما أنتم فيها‬
‫كركب عرسوا فأناخوا )‪ (1‬ثم استقلوا فغدوا وراحوا‪ ،‬دخلوا خفافا وراحوا‬
‫خفافا )‪ (2‬لم يجدوا عن مضي نزوعا )‪ (3‬ول إلى ما تركوا رجوعا‪ ،‬جد‬
‫بهم فجدوا‪ ،‬وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا حتى إذا اخذ بكظمهم وخلصوا‬
‫إلي دار قوم جفت أقلمهم )‪ (4‬لم يبق من أكثرهم خبر ول أثر‪ ،‬قل في‬
‫الدنيا لبثهم‪ ،‬وعجل إلى الخرة بعثهم فأصبحتم حلول في ديارهم‪ ،‬ظاعنين‬
‫على آثارهم‪ ،‬والمطايا بكم تسير سيرا‪ ،‬ما فيه أين ول تفتير‪ ،‬نهاركم‬
‫بأنفسكم دؤوب‪ ،‬وليلكم بأرواحكم ذهوب )‪ (5‬فأصبحتم تحكون من حالهم‬
‫حال‪ ،‬وتحتذون من مسلكهم مثال )‪ (6‬فل تغرنكم الحياة الدنيا فانما أنتم‬
‫فيها سفر حلول )‪ (7‬الموت بكم نزول‪ ،‬تنتضل فيكم مناياه )‪ (8‬وتمضي‬
‫بأخباركم‬

‫)‪ (1‬الركب جمع راكب‪ .‬والتعريس‪ :‬نزول القوم في السفر في آخر الليل نزلة للنوم‬
‫والستراحة‪ .‬أناخوا أي أقاموا‪ .‬و " استقلوا " أي مضوا وارتحلوا‪(2) .‬‬
‫أي دخلوا في الدنيا عند ولدتهم خفافا بلزاد ول مال وراحوا عند الموت‬
‫كذلك ويحتمل أن يكون كناية عن السراع‪ (3) .‬نزع عن الشئ نزوعا‪:‬‬
‫كف وقلع عنه أي لم يقدروا على الكف عن المضى والظرفان متعلقان‬
‫بالنزوع والرجوع‪ (4) .‬أي جفت اقلم الناس عن كتابة آثارهم لبعد‬
‫عهدهم ومحو ذكرهم‪ " (5) .‬حلول " جمع حال‪ .‬و " ظاعنين " أي‬
‫سائرين‪ .‬والين‪ :‬العياء " ول تفتير " أي ليست تلك الحركة موجبة‬
‫لفتور تلك المطايا فتسكن عن السير زمانا‪ .‬و " نهاركم بانفسكم دؤوب "‬
‫أي نهاركم يسرع ويجد ويتعب بسبب أنفسكم ليذهبها‪ .‬ويحتمل أن يكون‬
‫الباء للتعدية أي نهاركم يتعبكم في أعمالكم وحركاتكم وذلك سبب لفناء‬
‫أجسادكم‪ " (6) .‬تحكون " أي أحوالكم تحكى وتخبر عن أحوالهم‪.‬‬
‫والحتذاء‪ :‬القتداء‪ (7) .‬هما جمعان أي مسافرون حللتم بالدنيا‪ .‬والنزول‬
‫‪ -‬بفتح النون ‪ -‬أي نازل‪ (8) .‬النتضال‪ :‬رمى السهام للسبق‪ .‬والمنايا‬
‫جمع المنية وهى الموت ولعل الضمير ‪< -‬‬
‫]‪[349‬‬

‫مطاياه إلى دار الثواب والعقاب والجزاء والحساب‪ .‬فرحم ال امرءا راقب ربه‪،‬‬
‫وتنكب ذنبه )‪ (1‬وكابر هواه‪ ،‬وكذب مناه‪ ،‬امرء أزم نفسه من التقوى‬
‫بزمام‪ ،‬وألجمها من خشية ربها بلجام‪ ،‬فقادها إلى الطاعة بزمامها‪،‬‬
‫وقدعها عن المعصية بلجامها )‪ (2‬رافعا إلى المعاد طرفه )‪ (3‬متوقعا في‬
‫كل أوان حتفه )‪ (4‬دايم الفكر‪ ،‬طويل السهر‪ ،‬عزوفا عن الدنيا‪ ،‬سأما‬
‫كدوحا لخرته متحافظا )‪ (5‬امرءا جعل الصبر مطية نجاته‪ ،‬والتقوى عدة‬
‫وفاته‪ ،‬ودواء أجوائه فاعتبر وقاس‪ ،‬وترك الدنيا والناس‪ ،‬يتعلم للتفقة‬
‫والسداد‪ ،‬وقد وقر قلبه ذكر المعاد وطوى مهاده )‪ (6‬وهجر وساده‪،‬‬
‫منتصبا على أطرافه‪ ،‬داخل في أعطافه‪ ،‬خاشعا ل عزوجل‪ ،‬يراوح بين‬
‫الوجه والكفين )‪ (7‬خشوع في السر لربه‪ ،‬لدمعه صبيب ولقلبه وجيب )‪(8‬‬
‫شديدة أسباله‪ ،‬ترتعد من خوف ال جل ذكره أوصاله )‪ (9‬قد عظمت‬

‫‪ < -‬راجع إلى الدنيا بتأويل الدهر أو بتشبيهها بالرجل الرامى أي ترمى اليكم المنايا‬
‫في الدنيا سهاما فتهلككم والسهام المراض والبليا الموجبة للموت‬
‫ويحتمل أن يكون فاعل تنتضل الضمير الراجع إلى الدنيا ويكون المرمى‬
‫المنايا والول أظهر )منه(‪ (1) .‬تنكب أي تجنب‪ .‬وكابر أي خالف وغالب‪.‬‬
‫وفى بعض نسخ المصدر " كابد " أي قاساه وتحمل المشاق في فعله‪) .‬‬
‫‪ (2‬قدعه كمنعه ‪ :-‬كفه‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر " وقرعها "‪(3) .‬‬
‫طرفه أي عينه‪ (4) .‬الحتف‪ :‬الموت‪ (5) .‬عزفت عن كذا أي زهدت فيه‬
‫وانصرفت عنه‪ .‬سأما أي ملول‪ .‬والكدح‪ :‬السعي والهتمام‪ (6) .‬الجوى‪:‬‬
‫الحرقة من وجد أو حزن‪ .‬و " طوى مهاده " أي على اقدامه‪(7) .‬‬
‫أعطاف جمع عطاف وهو الرداء‪ " .‬يراوح " أي يضع جبهته تارة‬
‫للسجود ويرفع بدنه تارة في الدعاء ففى اعمال كل واحد منهما راحة‬
‫للخرى‪ (8) .‬أي هو صاب كثير الصب لدمعه‪ .‬ولقلبه وجيب أي‬
‫اضطراب‪ .‬واسبال جمع سبل ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬المطر والدمع إذا هطل‪(9) .‬‬
‫الوصال‪ :‬المفاصل‪.‬‬

‫]‪[350‬‬

‫فيما عند ال رغبته‪ ،‬واشتدت منه رهبته‪ ،‬راضيا بالكفاف من أمره )‪ (1‬يظهر دون‬
‫ما يكتم‪ ،‬ويكتفي بأقل مما يعلم‪ .‬أولئك ودايع ال في بلده‪ ،‬المدفوع بهم‬
‫عن عباده‪ ،‬لو أقسم أحدهم على ال جل ذكره وتعالى لبره‪ ،‬أو دعا على‬
‫أحد نصره ال‪ ،‬يسمع إذا ناجاه‪ ،‬ويستجيب له إذا دعاه‪ ،‬جعل ال العاقبة‬
‫للتقوى‪ ،‬والجنة لهلها مأوى‪ ،‬دعاؤهم فيها أحسن الدعاء " سبحانك اللهم‬
‫" دعاهم المولى على ما آتاهم‪ ،‬وآخر دعواهم أن الحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫‪ - 31‬كا‪ :‬من الروضة )‪ (2‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‬
‫عن محمد بن النعمان أو غيره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم أنه ذكر هذه‬
‫الخطبة لمير المؤمنين عليه السلم يوم الجمعة‪ :‬الحمد ل أهل الحمد‬
‫ووليه‪ ،‬ومنتهى الحمد ومحله‪ ،‬البدئ البديع الجل العظم‪ ،‬العز الكرم‪،‬‬
‫المتوحد بالكبرياء‪ ،‬والمتفرد باللء‪ ،‬القاهر بعزه‪ ،‬والمسلط بقهره‪،‬‬
‫الممتنع بقوته‪ ،‬المهيمن بقدرته‪ ،‬والمتعالي فوق كل شئ بجبروته‪،‬‬
‫المحمود بامتنانه وباحسانه‪ ،‬المتفضل بعطائه وجزيل فوائده‪ ،‬المتوسع‬
‫برزقه‪ ،‬المسبغ بنعمه‪ ،‬نحمده على آلئه‪ ،‬وتظاهر نعمائه‪ ،‬حمدا يزن عظمة‬
‫جلله ويمل قدر آلئه وكبريائه‪ .‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‬
‫الذي كان في أوليته متقادما‪ ،‬وفي ديموميته متسيطرا )‪ (3‬خضع الخليق‬
‫لوحدانيته وربوبيته‪ ،‬وقديم أزليته‪ ،‬ودانوا لدوام أبديته )‪ .(4‬وأشهد أن‬
‫محمدا صلى ال عليه وآله عبده ورسوله وخيرته من خلقه‪ ،‬اختاره بعلمه‪،‬‬
‫و‬

‫)‪ (1‬زاد في الوافى " وان أحسن طول عمره "‪ (2) .‬ص ‪ 173‬تحت رقم ‪(3) .194‬‬
‫أي هو في دوامه مسلط على جميع خلقه‪ (4) .‬أي أقروا وأذعنوا بدوام‬
‫أبديته أو أطاعوا وخضعوا وذلوا لكونه دائم البدية‪.‬‬

‫]‪[351‬‬

‫اصطفاه لوحيه‪ ،‬وائتمنه على سره‪ ،‬وارتضاه لخلقه‪ ،‬وانتدبه لعظيم أمره‪ ،‬ولضياء‬
‫معالم دينه‪ ،‬ومناهج سبيله‪ ،‬ومفتاح وحيه‪ ،‬وسببا لباب رحمته‪ ،‬ابتعثه على‬
‫حين فترة من الرسل‪ ،‬وهدأة من العلم )‪ (1‬واختلف من الملل‪ ،‬وضلل عن‬
‫الحق‪ ،‬وجهالة بالرب‪ ،‬وكفر بالبعث والوعد‪ ،‬أرسله إلى الناس أجمعين‬
‫رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فصله وفضله وبينه وأوضحه وأعزه‪،‬‬
‫وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد‪.‬‬
‫ضرب للناس فيه المثال وصرف فيه اليات لعلهم يعقلون‪ ،‬أحل فيه الحلل‬
‫وحرم فيه الحرام وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا لئل يكون للناس‬
‫على ال حجة بعد الرسل‪ ،‬ويكون بلغا لقوم عابدين‪ ،‬فبلغ رسالته وجاهد‬
‫في سبيله وعبده حتى أتاه اليقين صلى ال عليه وآله وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬
‫اوصيكم عباد ال واوصي نفسي بتقوى ال الذي ابتدأ المور بعلمه‪ ،‬وإليه‬
‫يصير غدا ميعادها‪ ،‬وبيده فناؤها وفناؤكم‪ ،‬وتصرم أيامكم‪ ،‬وفناء آجالكم‪،‬‬
‫وانقطاع مدتكم‪ ،‬فكان قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان‬
‫قبلكم‪ ،‬فاجعلوا عباد ال اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير‪،‬‬
‫ليوم الخرة الطويل فإنها دار عمل والخرة دار القرار والجزاء فتجافوا‬
‫عنها‪ ،‬فان المغتر من اغتر بها لن تعدوا الدنيا إذا تناهت إليها امنية أهل‬
‫الرغبة فيها‪ ،‬المحبين لها‪ ،‬المطمئنين إليها‪ ،‬المفتونين بها أن تكون كما‬
‫قال ال عزوجل " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض مما‬
‫يأكل الناس والنعام الية )‪ " (2‬مع أنه لم يصب امرء منكم في هذه الدنيا‬
‫حبرة إل أورثته عبرة )‪ (3‬ول يصبح فيها في جناح أمن إل وهو يخاف‬
‫فيها نزول جائحة )‪ (4‬أو تغير نعمة أو زوال عافية ما فيه‪ ،‬مع أن الموت‬
‫من وراء‬

‫)‪ (1‬الهدأة ‪ -‬بفتح الهاء وسكون الدال ‪ :-‬السكون عن الحركات‪ (2) .‬يونس‪.24 :‬‬
‫الحبرة بالفتح ‪ -‬النعمة‪ .‬والعبرة‪ :‬الدمعة‪ (4) .‬الجائحة‪ :‬الفة النبي تهلك‬
‫الثمار والموال‪ .‬وكل مصيبة عظيمة‪.‬‬

‫]‪[352‬‬

‫ذلك وهول المطلع‪ ،‬والوقوف بين يدي الحكم العدل تجزى كل نفس بما عملت‪" ،‬‬
‫ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى "‪ " .‬فاتقوا‬
‫ال عز ذكره وسارعوا إلى رضوان ال والعمل بطاعته والتقرب إليه بكل‬
‫ما فيه الرضا فانه قريب مجيب‪ ،‬جعلنا ال وإياكم ممن يعمل بمحابه‬
‫ويجتنب سخطه‪ ،‬ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة‪ ،‬وأنفع التذكر كتاب‬
‫ال جل وعز‪ " :‬وإذا قرء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " )‬
‫‪ " .(1‬أستعيذ بال من الشيطان الرجيم " بسم ال الرحمن الرحيم‪:‬‬
‫والعصر إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا‬
‫بالحق وتواصوا بالصبر " )‪ " (2‬إن ال وملئكته يصلون على النبي يا‬
‫أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما " )‪ .(3‬اللهم صل على محمد‬
‫وآل محمد‪ ،‬وبارك على محمد وآل محمد‪ ،‬وتحنن )‪ (4‬على محمد وآل‬
‫محمد‪ ،‬وسلم على محمد وآل محمد‪ ،‬كأفضل ما صليت وباركت وترحمت‬
‫وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم أعط‬
‫محمدا الوسيلة و الشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة‪ ،‬اللهم اجعل محمدا‬
‫وآل محمد أعظم الخلئق كلهم شرفا يوم القيامة‪ ،‬وأقربهم منك مقعدا‪،‬‬
‫وأوجههم عندك يوم القيامة جاها‪ ،‬وأفضلهم عندك منزلة ونصيبا‪ ،‬اللهم‬
‫أعط محمدا أشرف المقام وحباء السلم )‪ (5‬وشفاعة السلم اللهم وألحقنا‬
‫به غير خزايا ول ناكبين )‪ (6‬ول نادمين ول مبدلين إله الحق آمين‪ .‬ثم‬
‫جلس قليل ثم قام فقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .203 :‬العصر‪ :‬إلى ‪ (3) .3‬الحزاب‪ (4) .56 :‬التحنن‪ :‬الترحم‪) .‬‬
‫‪ (5‬الحباء‪ :‬العطاء أي أعطه عطية سلمتك بأن يكون سالما عن جميع ما‬
‫يوجب نقصا أو خزيا‪) .‬منه( )‪ (6‬في بعض نسخ المصدر " ول ناكثين "‪.‬‬
‫]‪[353‬‬

‫الحمد ل أحق من خشي وحمد‪ ،‬وأفضل من اتقي وعبد‪ ،‬وأولى من عظم و مجد‪،‬‬
‫نحمده لعظيم غنائه‪ ،‬وجزيل عطائه‪ ،‬وتظاهر نعمائه‪ .‬وحسن بلئه‪ .‬ونؤمن‬
‫بهداه الذي ل يخبو ضياؤه‪ .‬ول يتمهد سناؤه )‪ (1‬ول يوهن عراه‪ ،‬ونعوذ‬
‫بال من سوء كل الريب‪ .‬وظلم الفتن‪ ،‬ونستغفره من مكاسب الذنوب )‪(2‬‬
‫ونستعصمه من مساوي العمال ومكاره المال والهجوم في الهوال‬
‫ومشاركة أهل الريب )‪ (3‬والرضا بما بعمل الفجار في الرض بغير الحق‪،‬‬
‫اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬الحياء منهم والموات‪ ،‬الذين‬
‫توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى ال عليه وآله‪ ،‬اللهم تقبل حسناتهم‬
‫وتجاوز عن سيئاتهم‪ ،‬وأدخل عليهم المغفرة والرحمة والرضوان‪ ،‬واغفر‬
‫للحياء من المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬الذين وحدوك‪ ،‬وصدقوا رسولك‪،‬‬
‫وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك‪ ،‬واقتدوا بنبيك‪ ،‬وسنوا سنتك‪ ،‬وأحلوا‬
‫حللك‪ ،‬وحرموا حرامك‪ ،‬وخافوا عقابك‪ ،‬ورجوا ثوابك‪ ،‬ووالوا أولياءك‪،‬‬
‫وعادوا أعداءك‪ ،‬اللهم اقبل حسناتهم‪ ،‬وتجاوز عن سيئاتهم‪ ،‬وأدخلهم‬
‫برحمتك في عبادك الصالحين‪ ،‬إله الحق آمين‪ - 32 .‬كا‪ :‬من الروضة )‪(4‬‬
‫خطبة لمير المؤمنين عليه السلم علي بن الحسن المؤدب عن أحمد بن‬
‫محمد بن خالد‪ ،‬وأحمد بن محمد )‪ ،(5‬عن علي بن الحسن التيمي جميعا‬
‫عن إسماعيل بن مهران قال‪ :‬حدثني عبد ال بن الحارث‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " ل يهمد " والسنا مقصورا ضوء البرق وممدودا‪:‬‬
‫الرفعة‪ (2) .‬أي من شر كل شك وشبهة يعترى في الدين‪ (3) .‬أي الذين‬
‫يشكون ويرتابون في الدين أو الذين يريبون الناس فيهم بالخيانة‬
‫والسرقة‪ (4) .‬المصدر ص ‪ 352‬تحت رقم ‪ (5) .550‬أحمد بن محمد‬
‫عطف على على بن الحسن وهو العاصمى‪ ،‬والتيمي هو ابن فضال وقل‬
‫من تفطن لذلك )قاله المؤلف( وفى بعض نسخ المصدر " أحمد بن محمد‬
‫بن أحمد " وفى بعضها " عن على الحسين المؤدب "‪.‬‬

‫]‪[354‬‬

‫عليه السلم قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين عليه السلم الناس بصفين‪ ،‬فحمد ال وأثنى‬
‫عليه وصلى على محمد النبي صلى ال عليه وآله ثم قال‪ :‬أما بعد فقد جعل‬
‫ال تعالى عليكم حقا بولية أمركم ومنزلتي التي أنزلني ال عز ذكره بها‬
‫منكم‪ ،‬ولكم من الحق مثل الذي لي عليكم )‪ (1‬والحق أجمل الشياء في‬
‫التواصف وأوسعها في التناصف )‪ (2‬ل يجري لحد إل جرى عليه‪ ،‬ول‬
‫يجري عليه إل جرى له‪ ،‬ولو كان لحد أن يجري ذلك له‪ ،‬ول يجري عليه‬
‫لكان ذلك ال عزوجل خالصا دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل‬
‫ما جرت عليه ضروب قضائه )‪ (3‬ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه‬
‫وجعل كفارتهم )‪ (4‬عليه بحسن الثواب تفضل منه وتطول بكرمه‪ ،‬وتوسعا‬
‫بما هو من المزيد له أهل ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس‬
‫على بعض فجعلها تتكافى )‪ (5‬في وجوهها‬

‫)‪ (1‬الذى له عليهم من الحق هو وجوب طاعته وامحاض نصيحته والذى لهم عليه‬
‫من الحق هو وجوب معدلته فيهم‪ (2) .‬التواصف أن يصف بعضهم لبعض‬
‫والتناصف أن ينصف بعضهم بعضا وانما كان الحق أجمل الشياء في‬
‫التواصف لنه يوصف بالحسن والوجوب وكل جميل وانما كان أوسعها‬
‫في التناصف لن الناس لو تناصفوا في الحقوق لما ضاق عليهم أمر من‬
‫المور وفى النهج " والحق أوسع الشياء في التواصف واضيقها في‬
‫التناصف " وهو أوضح ومعناه أن الناس كلهم يصفون الحق ولكن ل‬
‫ينصف بعضهم بعضا‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر " التراصف " موضع‬
‫التواصف‪ (3) .‬أي أنواعه المتغيرة المتوالية‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر "‬
‫صروف قضائه "‪ (4) .‬انما سمى جزاؤه تعالى على الطاعة كفارة لنه‬
‫يكفر ما يزعمونه من أن طاعتهم له تعالى حق لهم عليه يستوجبون به‬
‫الثواب مع أنه ليس كذلك لن الحق له عليهم حيث أقدرهم على الطاعة‬
‫والهمهم اياها ولهذا سماه التفضل والتطول والتوسع بالنعام الذى هو‬
‫للمزيد منه أهل لنه الكريم الذى ل تنفد خزائنه بالعطاء والجود تعالى‬
‫مجده وتقدس‪ .‬وفى نهج البلغة " وجعل جزاءهم عليه " وعلى هذا فل‬
‫يحتاج إلى التكلف‪ (5) .‬أي جعل كل وجه من تلك الحقوق مقابل بمثله‪،‬‬
‫فحق الوالى ‪ -‬وهو الطاعة من ‪< -‬‬

‫]‪[355‬‬

‫ويوجب بعضها بعضا‪ ،‬ول يستوجب بعضها إل ببعض )‪ (1‬فأعظم مما افترض ال‬
‫تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية‪ ،‬وحق الرعية على‬
‫الوالي فريضة فرضها ال عزوجل لكل على كل‪ ،‬فجعلها نظام الفتهم‪ ،‬وعزا‬
‫لدينهم )‪ (2‬وقواما لسنن الحق فيهم‪ .‬فليست تصلح الرعية إل بصلح‬
‫الولة ول تصلح الولة إل باستقامة الرعية‪ ،‬فإذا أدت الرعية من الوالي‬
‫حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم‪ ،‬فقامت مناهج الدين‪،‬‬
‫واعتدلت معالم العدل وجرت على أذللها السنن )‪ (3‬وصلح بذلك الزمان‪،‬‬
‫وطاب بها العيش‪ ،‬وطمع في بقاء الدولة‪ ،‬ويئست مطامع العداء وإذا‬
‫غلبت الرعية على واليهم وعل الوالي الرعية‪ ،‬اختلف هنالك الكلمة‬
‫وظهرت مطامع الجور‪ ،‬وكثر الدغال في الدين‪ ،‬وتركت معالم السنن )‪(4‬‬
‫فعمل بالهوى‪ ،‬وعطلت الثار‪ ،‬وكثر علل النفوس )‪ (5‬ول يستوحش‬
‫لجسيم حق عطل ول لعظيم باطل اثل‪ ،‬فهنالك تذل البرار وتعز الشرار‪،‬‬
‫وتخرب البلد )‪(6‬‬

‫‪ < -‬الرعية ‪ -‬مقابل بمثله وهو العدل فيهم وحسن السيرة‪ (1) .‬كما أن الوالى إذا لم‬
‫يعدل لم يستحق الطاعة‪ (2) .‬فانها سبب اجتماعهم به ويقهرون اعداءهم‬
‫ويعز دينهم‪ .‬وقوله‪ " :‬قواما " أي به يقوم جريان الحق فيهم وبينهم‪) .‬‬
‫‪ (3‬في القاموس‪ :‬ذل الطريق ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬محجته‪ .‬وامور ال جارية‬
‫اذللها وعلى أذللها أي مجاريها جمع ذل ‪ -‬بالكسر ‪ (4) .-‬الدغال‪:‬‬
‫بكسر الهمزة ‪ -‬وهو أن يدخل في الشئ ما ليس منه وهو البداع‬
‫والتلبيس أو ‪ -‬بفتحها ‪ -‬جمع الدغل ‪ -‬بالتحريك‪ :‬الفساد‪ (5) .‬قال‬
‫البحراني‪ :‬علل النفوس أمراضها بملكات السوء كالغل والحسد والعداوة‬
‫ونحوها وقيل‪ :‬عللها وجوه ارتكابها للمنكرات فتاتي في كل منكر بوجه‬
‫ورأى فاسد‪ (6) .‬التأثيل‪ :‬التأصيل‪ .‬ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل‪ .‬وفى‬
‫النهج " فعل " مكان أثل والتبعة ما يتبع اعمال العباد من العقاب وسوء‬
‫العاقبة‪.‬‬

‫]‪[356‬‬

‫وتعظم تبعات ال عزوجل عند العباد‪ .‬فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة ال‬
‫عزوجل‪ ،‬والقيام بعدله‪ ،‬و الوفاء بعهده‪ ،‬والنصاف له في جميع حقه‪ ،‬فانه‬
‫ليس العباد إلى شئ أحوج منهم إلى التناصح في ذلك‪ ،‬وحسن التعاون‬
‫عليه‪ ،‬وليس أحد وإن اشتد على رضى ال حرصه‪ ،‬وطال في العمل‬
‫اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى ال من الحق أهله‪ ،‬ولكن من واجب حقوق‬
‫ال عزوجل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم‪ .‬والتعاون على إقامة‬
‫الحق فيهم‪ ،‬ثم ليس امرء وإن عظمت في الحق منزلته وجسمت في الحق‬
‫فضيلته‪ ،‬بمستغن عن أن يعان على ما حمله ال عزوجل من حقه‪ ،‬ول‬
‫لمرء مع ذلك خسئت به المور‪ ،‬واقتحمته العيون )‪ (1‬بدون ما أن يعين‬
‫على ذلك ويعان عليه وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في‬
‫ذلك حاجة وكل في الحاجة إلى ال عزوجل شرع سواء )‪ .(2‬فأجابه رجل‬
‫من عسكره ل يدرى من هو‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه لم ير في عسكره قبل‬

‫)‪ " (1‬ول لمرء " يعنى مع عدم الستغناء عن الستعانة وقوله‪ " :‬خسئت به‬
‫المور " يقال‪ :‬خسئت الكلب خسئا طردته وخسأ الكلب بنفسه يتعدى ول‬
‫يتعدى‪ .‬وقد تعدى بالباء أي طردته المور أو يكون الباء للسببية أي‬
‫بعدت بسببه المور‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر " حست " بالمهملتين أي‬
‫اختبرته‪ .‬واقتحمه‪ :‬احتقره‪ ،‬وفى النهج " ول امرء وان صغرته النفوس‬
‫واقتحمته العيون "‪ .‬وقوله‪ " :‬بدون ما أن يعين " أي بأقل من أن‬
‫يستعان به ويعان والحاصل كما في الوافى أن الشريف والوضيع جميعا‬
‫محتاجون في أداء الحقوق إلى اعانة بعضهم بعضا واستعانة بعضهم‬
‫ببعض وكل من كانت النعمة عليه اعظم فاحتياجه في ذلك أكثر لن‬
‫الحقوق عليه أوفر لزياد الحقوق بحسب ازدياد النعم‪ " (2) .‬سواء "‬
‫بيان لقوله‪ " :‬شرع " وتأكيد وانما ذكره عليه السلم ذلك لئل يتوهم‬
‫أنهم يستغنون باعانة بعضهم بعضا عن ربهم تعالى بل هو الموفق‬
‫والمعين لهم في جميع امورهم ول يستغنون بشئ عن ال تعالى وانما‬
‫كلفهم بذلك ليختبر طاعتهم ويثيبهم على ذلك واقتضت حكمته البالغة أن‬
‫يجرى الشياء باسبابها وهو المسبب لها والقادر على امضائها بل سبب‪.‬‬
‫)منه(‬

‫]‪[357‬‬

‫ذلك اليوم ول بعده‪ .‬فقام وأحسن الثناء على ال عزوجل بما أبلهم وأعطاهم من‬
‫واجب حقه عليهم والقرار )‪ (1‬بكل ما ذكر من تصرف الحالت به وبهم‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬أنت أميرنا‪ ،‬ونحن رعيتك بك أخرجنا ال عزوجل من الذل‪،‬‬
‫وبإعزازك أطلق عباده من الغل )‪ ،(2‬فاختر علينا فأمض اختيارك‪ ،‬وائتمر‬
‫فأمض ائتمارك )‪ (3‬فانك القائل المصدق‪ ،‬والحاكم الموفق‪ ،‬والملك المخول‬
‫)‪ ،(4‬ل نستحل في شئ من معصيتك‪ ،‬ول نقيس علما بعلمك‪ ،‬يعظم عندنا‬
‫في ذلك خطرك )‪ ،(5‬ويجل عنه في أنفسنا فضلك‪ .‬فأجابه أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم فقال‪ :‬إن من حق من عظم جلل ال في نفسه و جل موضعه‬
‫من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه‪ ،‬وإن أحق من كان كذلك‬
‫لمن عظمت نعم ال عليه‪ ،‬ولطف إحسانه إليه‪ ،‬فإنه لم تعظم نعم ال على‬
‫أحد إل زاد حق ال عليه عظما‪ ،‬وإن من أسخف حالت الولة عند صالح‬
‫الناس )‪ (6‬أن يظن بهم حب الفخر‪ ،‬ويوضع أمرهم على الكبر‪ ،‬وقد كرهت‬
‫أن يكون جال في ظنكم أني احب الطراء )‪ (7‬واستماع الثناء‪ ،‬ولست بحمد‬
‫ال كذلك‪ ،‬ولو‬

‫)‪ " (1‬أبلهم "‪ :‬انعمهم‪ " .‬من واجب حقه " يعنى من حق أمير المؤمنين " ع "‪.‬‬
‫)‪ (2‬أشار به إلى قوله تعالى‪ " :‬ويضع عنهم اصرهم والغلل التى كانت‬
‫عليهم " أي يخفف عنهم ما كانوا به من التكاليف الشاقة‪ (3) .‬اليتمار‬
‫بمعنى المشاورة‪ (4) .‬أي الملك الذى اعطاك ال للمرة علينا وجعلنا‬
‫خدمك وتبعك‪ (5) .‬أي في العلم بأن تكون كلمة " في " تعليلية ويحتمل‬
‫أن يكون اشارة إلى ما دل عليه من الكلم من اطاعته عليه السلم‪.‬‬
‫والخطر‪ :‬القدر والمنزلة‪ (6) .‬السخف‪ :‬رقة العيش ورقة العقل‪،‬‬
‫والسخافة رقة كل شئ‪ ،‬أي أضعف أحوال الولة عند الرعية أن يكونوا‬
‫متهمين عندهم بهذه الخصلة المذمومة‪ (7) .‬جال بالجيم ‪ -‬من الحولن ‪-‬‬
‫بالواو ‪ .-‬والطراء‪ :‬مجاوزة الحد في الثناء‪.‬‬

‫]‪[358‬‬

‫كنت احب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا ل سبحانه )‪ (1‬عن تناول ما هو أحق به من‬
‫العظمة والكبرياء‪ ،‬وربما استحلى الناس )‪ (2‬الثناء بعد البلء فل تثنوا‬
‫علي بجميل ثناء لخراجي نفسي إلى ال وإليكم )‪ (3‬من البقية في حقوق‬
‫لم أفرغ من أدائها و فرائض لبد من إمضائها‪ ،‬فل تكلموني بما تكلم به‬
‫الجبابرة‪ .‬ول تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة‪ ،‬ول تخالطوني‬
‫بالمصانعة )‪ (4‬ول تظنوا لي استثقال‬

‫)‪ (1‬أي تواضعا له تعالى وفى بعض نسخ المصدر القديمة " ولو كنت أحب أن يقال‬
‫ذلك لتناهيت له أغنانا ال واياكم عن تناول ما هو أحق به من التعاظم‬
‫وحسن الثناء " والتناهى‪ :‬قبول النهى والضمير في " له " راجع إلى‬
‫ال تعالى‪ .‬وفى النهج كما في النسخ المشهورة‪ (2) .‬يقال‪ :‬استحله أي‬
‫وجده حلوا قال ابن ميثم رحمه ال‪ :‬هذا يجرى مجرى تمهيد العذر لمن‬
‫أثنى عليه‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬وأنت معذور في ذلك حيث رأيتنى اجاهد في ال‬
‫و أحث الناس على ذلك ومن عادة الناس أن يستهل الثناء عند أن يبلو‬
‫بلءا حسنا في جهاد أو غيره من سائر الطاعات ثم أجاب عن هذا العذر‬
‫في نفسه بقوله‪ " :‬ول تثنوا على بجميل ثناء " أي ل تثنوا على لجل ما‬
‫ترونه منى من طاعة ال فان ذلك انما هو اخراج لنفسي إلى ال من‬
‫حقوقه الباقية على لم افرغ بعد أدائها وهى حقوق نعمه وفرائضه التى‬
‫لبد من المضى فيها وكذلك اليكم من الحقوق التى أوجبها ال على من‬
‫النصيحة في الدين والرشاد إلى الطريق الفضل والتعليم لكيفية سلوكه‪.‬‬
‫)‪ (3‬أي لعترافي بين يدى ال وبمحضر منكم‪ ،‬ان على حقوقا في ايالتكم‬
‫ورئاستي عليكم لم اقم بها بعد وأرجو من ال القيام بها‪ .‬وفى بعض نسخ‬
‫المصدر " من التقية " يعنى من أن يتقوني في مطالبة حقوق لكم لم‬
‫افرغ من ادائها وعلى هذا يكون المراد بمستحلى الثناء الذين يثنيهم‬
‫الناس اتقاء شرهم وخوفا من بأسهم‪ (4) .‬أهل البادرة الملوك‬
‫والسلطين‪ .‬والبادرة‪ :‬الحدة والكلم الذى يسبق من النسان في الغضب‬
‫أي ل تثنوا على كما يثنى على أهل الحدة من الملوك خوفا من سطوتهم‬
‫أو ل تحتشموا منى كما يحتشم من السلطين والمراء كترك المسارة‬
‫والحديث اجلل وخوفا منهم وترك مشاورتهم‪ ،‬أو اعلمهم ببعض المور‬
‫والقيام بين أيديهم‪ .‬والمصانعة‪ :‬الرشوة والمداراة‪.‬‬

‫]‪[359‬‬

‫في حق قيل لي‪ ،‬ول التماس إعظام لنفسي‪ ،‬فإنه من استثقل الحق أن يقال له‪ ،‬أو‬
‫العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه‪ .‬فل تكفوا عن مقالة‬
‫بحق‪ ،‬أو مشورة بعدل‪ ،‬فاني لست في نفسي بفوق أن اخطئ ول آمن ذلك‬
‫من فعلي )‪ (1‬إل أن يكفي ال من نفسي ما هو أملك به مني‪ ،‬فإنما أنا وأنتم‬
‫عبيد مملوكون لرب ل رب غيره‪ ،‬يملك منا ما ل نملك من أنفسنا‪ ،‬وأخرجنا‬
‫مما كنا فيه )‪ (2‬إلى ما صلحنا عليه‪ ،‬فأبدلنا بعد الضللة بالهدى وأعطانا‬
‫البصيرة بعد العمى‪ .‬فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل فقال‪ :‬أنت أهل ما‬
‫قلت‪ ،‬وال ]وال[ فوق ما قلته‪ ،‬فبلؤه عندنا ما ل يكفر )‪ (3‬وقد حملك ال‬
‫تبارك وتعالى رعايتنا‪ ،‬وولك سياسة امورنا‪ ،‬فأصبحت علمنا الذي نهتدي‬
‫به‪ ،‬وإمامنا الذي نقتدي به‪ ،‬وأمرك كله رشد‪ ،‬وقولك كله أدب‪ ،‬قد قرت بك‬
‫في الحياة أعيننا‪ ،‬وامتلت من سرور بك قلوبنا‪ .‬وتحيرت من صفة ما فيك‬
‫من بارع الفضل )‪ (4‬عقولنا‪ .‬ولسنا نقول لك‬

‫)‪ (1‬هذا من قبيل هضم النفس‪ ،‬ليس بنفى العصمة مع أن الستثناء يكفينا مؤونة‬
‫ذلك وقال المؤلف ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬هذا من النقطاع إلى ال والتواضع‬
‫الباعث لهم على النبساط معه بقول الحق وعد نفسه من المقصرين في‬
‫مقام العبودية والقرار بأن عصمته من نعمه تعالى عليه‪ (2) .‬أي من‬
‫الجهالة عدم العلم والمعرفة والكمالت التى يسرها ال تعالى لنا ببعثة‬
‫الرسول صلى ال عليه وآله‪ ،‬قال ابن أبى الحديد‪ :‬ليس هذا اشارة إلى‬
‫خاص نفسه عليه السلم لنه لم يكن كافرا فاسلم ولكنه كلم يقوله‬
‫ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم في أفياء الناس فيأتى بصيغة الجمع‬
‫الداخلة فيها نفسه توسعا‪ (3) .‬أي نعمته عندنا وافرة بحيث ل نستطيع‬
‫كفرها وسترها‪ ،‬أول يجوز كفرانها وترك شكرها‪ (4) .‬برع في الشئ فاق‬
‫أقرانه فيه‪.‬‬

‫]‪[360‬‬

‫أيها المام الصالح تزكية لك‪ .‬ول نجاوز القصد في الثناء عليك‪ .‬ولم يكن )‪ (1‬في‬
‫أنفسنا طعن على يقينك‪ ،‬أو غش في دينك فنتخوف أن يكون أحدثت بنعمة‬
‫ال تبارك وتعالى تجبرا‪ ،‬أو دخلك كبر‪ ،‬ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى ال‬
‫عزو جل بتوقيرك‪ ،‬وتوسعا بتفضيلك‪ ،‬وشكرا بإعظام أمرك‪ ،‬فانظر لنفسك‬
‫ولنا‪ ،‬و آثر أمر ال على نفسك وعلينا‪ ،‬فنحن طوع فيما أمرتنا‪ ،‬ننقاد من‬
‫المور مع ذلك فيما ينفعنا‪ .‬فأجابه أمير المؤمنين عليه السلم فقال‪ :‬وأنا‬
‫أستشهدكم عند ال على نفسي لعلمكم فيما وليت به من اموركم وعما قليل‬
‫يجمعني وإياكم الموقف بين يديه‪ ،‬والسؤال عما كنا فيه‪ ،‬ثم يشهد بعضنا‬
‫على بعض‪ ،‬فل تشهدوا اليوم بخلف ما أنتم شاهدون غدا‪ ،‬فان ال‬
‫عزوجل ل يخفى عليه خافية‪ ،‬ول يجوز عنده إل مناصحة الصدور في‬
‫جميع المور‪ .‬فأجابه الرجل ‪ -‬ويقال لم ير الرجل بعد كلمه هذا لمير‬
‫المؤمنين عليه السلم فأجابه ‪ -‬وقد عال الذي )‪ (2‬في صدره فقال والبكاء‬
‫تقطع منطقه‪ ،‬وغصض الشجى تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته‪،‬‬
‫ووحشة من كون فجيعته )‪ .(3‬فحمد ال وأثنى عليه ثم شكى إليه هول ما‬
‫أشفى عليه )‪ (4‬من الخطر العظيم والذل الطويل في فساد زمانه‪ ،‬وانقلب‬
‫جده )‪ (5‬وانقطاع ما كان من دولته‪ ،‬ثم‬

‫)‪ (1‬قال المؤلف ‪ -‬رحمه ال‪ " :‬لم يكن " على بناء المجهول من كننت الشئ‪:‬‬
‫سترته‪ .‬أو ‪ -‬بفتح الياء وكسر الكاف ‪ -‬من وكنت الطائر بيضه يكنه إذا‬
‫حضنه وفى بعض نسخ المصدر " لم يكن " وفى النسخة القديمة " لن‬
‫يكون "‪ (2) .‬عال ‪ -‬بالمهملة ‪ :-‬اشتد وتفاقم وغلبه وثقل عليه وأهمه‪) .‬‬
‫‪ (3‬الغصة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬ما اعترض في الحلق وكذا الشجا‪ .‬والمرزئة‪:‬‬
‫المصيبة وكذا الفجيعة والضميران راجعان إلى أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ (4) .‬أي أشرف عليه‪ ،‬والضمير في قوله‪ " :‬إليه " راجع إلى ال‬
‫تعالى‪ (5) .‬الجد‪ :‬البحت وقد يقر الحد وهو الحدود والحكام والعقوبة وما‬
‫يعترى النسان من الغضب‪.‬‬

‫]‪[361‬‬

‫نصب المسألة إلى ال عزوجل بالمتنان عليه‪ ،‬والمدافعة عنه بالتفجع وحسن‬
‫الثناء‪ .‬فقال‪ :‬يا رباني العباد‪ ،‬ويا سكن البلد )‪ (1‬أين يقع قولنا من فضلك‪،‬‬
‫وأين يبلغ وصفنا من فعلك‪ ،‬وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل‬
‫بلئك ؟ و كيف وبك جرت نعم ال علينا‪ ،‬وعلى يدك اتصلت أسباب الخير‬
‫إلينا‪ ،‬ألم تكن لذل الذليل ملذا وللعصاة الكفار إخوانا )‪ (2‬فبمن إل بأهل‬
‫بيتك وبك أخرجنا ال عزوجل من فظاعة تلك الخطرات‪ ،‬أو بمن فرج عنا‬
‫غمرات الكربات )‪ (3‬وبمن إل بكم أظهر ال معالم ديننا‪ ،‬واستصلح ما كان‬
‫فسد من دنيانا‪ ،‬حتى استبان بعد الحور ذكرنا )‪ ،(4‬وقرت من رخاء العيش‬
‫أعيننا‪ ،‬لما وليتنا بالحسان جهدك ووفيت لنا بجميع وعدك‪ ،‬وقمت لنا على‬
‫جميع عهدك‪ ،‬فكنت شاهد من غاب منا وخلف أهل البيت لنا‪ ،‬وكنت عز‬
‫ضعفائنا‪ ،‬وثمال فقرائنا )‪ ،(5‬وعماد عظمائنا يجمعنا في المور عدلك‪،‬‬
‫ويتسع لنا في الحق تأنيك )‪ ،(6‬فكنت لنا انسا إذا‬

‫)‪ (1‬السكن ‪ -‬بالتحريك‪ :‬كل ما يسكن إليه وفى بعض نسخ المصدر " يا ساكن‬
‫البلد "‪ (2) .‬أي كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الخوان‬
‫شفقة منك عليهم أو المراد الشفقة على الكفار والعصاة والهتمام في‬
‫هدايتهم ويحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره وكان‬
‫يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع هذا قول المؤلف والظاهر " ألم نكن "‬
‫بالنون على صيغة المتكلم مع الغير والمعنى كنا ملذا لذل الذليل ل للذليل‬
‫واخوانا للعصاة والكفرة فبك وأهل بيتك دون غيركم أخرجنا ال من‬
‫فظاعة ؟‪ (3) .‬الفظاعة‪ :‬الشناعة‪ .‬وفظاعة تلك الخطرات‪ :‬شناعتها‬
‫وشدتها والغمرات الشدائد والمزدحمات‪ (4) .‬قال الجوهرى‪ :‬نعوذ بال‬
‫من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة‪ .‬وفى بعض نسخ‬
‫المصدر " بعد الجور " بالمعجمة‪ (5) .‬في النهاية الثمال ‪ -‬بالكسر ‪:-‬‬
‫الملجأ والغياث وقيل هو المطعم في الشدة‪ (6) .‬أي صار مداراتك وتأنيك‬
‫وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقه سببا لوسعة ‪< -‬‬

‫]‪[362‬‬

‫رأيناك‪ ،‬وسكنا إذا ذكرناك‪ ،‬فاي الخيرات لم تفعل‪ ،‬وأي الصالحات لم تعمل ولو أن‬
‫المر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا )‪ (1‬وتقوى لمدافعته‬
‫طاقتنا‪ ،‬أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا‪ ،‬وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا‪،‬‬
‫لقدمنا أنفسنا وأبناءنا قبلك‪ ،‬ولخطرناها )‪ (2‬وقل خطرها دونك‪ ،‬ولقمنا‬
‫بجهدنا في محاولة من حاولك‪ ،‬وفي مدافعة من ناواك )‪ (3‬ولكنه سلطان ل‬
‫يحاول‪ ،‬وعز ل يزاول )‪ (4‬ورب ل يغالب‪ ،‬فإن يمنن علينا بعافيتك‪،‬‬
‫ويترحم علينا ببقائك‪ ،‬و يتحنن علينا بتفريج )‪ (5‬هذا من حالك إلى سلمة‬
‫منك لنا‪ ،‬وبقاء منك بين أظهرنا نحدث ل عزوجل بذلك شكرا نعظمه‪،‬‬
‫وذكرا نديمه )‪ (6‬ونقسم أنصاف أموالنا صدقات‪ ،‬وأنصاف رقيقنا عتقاء )‬
‫‪ (7‬ونحدث له تواضعا في أنفسنا‪ ،‬ونخشع في جميع امورنا‪ ،‬وأن يمض بك‬
‫إلى الجنان‪ ،‬ويجري عليك حتم سبيله‪ ،‬فغير متهم فيك قضاؤه‪ ،‬ول مدفوع‬
‫عنك بلؤه‪ ،‬ول مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت‬
‫فيه‪ ،‬ولكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليل )‪(8‬‬

‫‪ < -‬الحق علينا وعدم تضيق المور بنا‪ (1) .‬في بعض نسخ المصدر " تحريكه‬
‫جهدنا " أي تغييره وصرفه‪ (2) .‬أي جعلناها في معرض المخاطرة‬
‫والهلك أو صيرناها خطرا ورهنا وعوضا لك قال الجزرى‪ :‬فيه " الهل‬
‫مشمر للجنة فان الجنة ل خطر لها " أي ل عوض لها ول مثل‪ .‬والخطر‬
‫‪ -‬بالتحريك ‪ -‬في الصل‪ :‬الرهن وما يخاطر عليه ومثل الشئ وعدله ول‬
‫يقال ال في الشئ الذى له قدر ومزية‪ " (3) .‬حاولك " أي قصدك‪ .‬و "‬
‫ناواك " أي عاداك‪ .‬وقوله‪ " :‬ولكنه " أي الرب تعالى‪ (4) .‬أي ذو عز‬
‫وغلبة‪ .‬وزاوله أي حاوله وطالبه‪ (5) .‬في بعض نسخ المصدر "‬
‫بتصريح "‪ (6) .‬الضميران راجعان إلى الشكر والذكر‪ (7) .‬الرقيق‪:‬‬
‫المملوك‪ (8) .‬في اكثر نسخ المصدر " لعز هذا السلطان " فقوله " لعز‬
‫" متعلق بالبكاء و " أن يعود " بدل اشتمال له أي نبكى لتبدل عز هذا‬
‫السلطان ذل‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر " لعن ال هذا ‪< -‬‬

‫]‪[363‬‬

‫وللدين والدنيا أكيل )‪ (1‬فل نرى لك خلفا نشكو إليه ول نظيرا نأمله ول نقيمه )‪.(2‬‬
‫‪ 33‬كا‪ :‬من الروضة )‪ (3‬خطبة لمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬عن علي بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن أبيه ومحمد بن علي جميعا عن إسماعيل بن مهران‪ ،‬و أحمد‬
‫بن محمد بن أحمد‪ ،‬عن علي بن الحسن التيمي‪ ،‬وعلي بن الحسين‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن محمد بن خالد جميعا عن إسماعيل بن مهران‪ ،‬عن المنذر بن‬
‫جيفر‪ ،‬عن الحكم بن ظهير‪ ،‬عن عبد ال بن جرير )‪ (4‬العبدي‪ ،‬عن الصبغ‬
‫بن نباتة قال‪ :‬أتى أمير المؤمنين عليه السلم عبد ال بن عمرو ولد أبي‬
‫بكر وسعد بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل لهم )‪ (5‬فصعد المنبر ومال‬
‫الناس إليه فقال‪ :‬الحمدل ولي الحمد ومنتهى الكرم ل تدركه الصفات‪ ،‬ول‬
‫يحد باللغات‪ ،‬ول يعرف بالغايات‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬وأن محمدا رسول ال نبي الهدى‪ ،‬وموضع التقوى‪ ،‬ورسول الرب‬
‫العلى‪ ،‬جاء بالحق من عند الحق لينذر بالقرآن المبين‪ ،‬والبرهان‬
‫المستنير فصدع )‪ (6‬بالكتاب المبين )‪ (7‬ومضى على ما مضت عليه‬
‫الرسل الولون‪ .‬أما بعد أيها الناس فل تقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم‬
‫فاتخذوا العقار وفجروا النهار‪ ،‬وركبوا أفره الدواب )‪ (8‬ولبسوا ألين‬
‫الثياب‪ ،‬فصار ذلك عليهم‬

‫‪ < -‬السلطان " أي هذه السلطنة التى ل تكون صاحبها‪ (1) .‬الكيل يكون بمعنى‬
‫المأكول وبمعنى الكل والمراد هنا الثاني‪ (2) .‬كأن الرجل كان هو الخضر‬
‫عليه السلم )الوافى(‪ (3) .‬المصدر ص ‪ 360‬تحت رقم ‪ (4) .551‬في‬
‫بعض نسخ المصدر " حريز " وفى جامع الرواة ص ‪ 107‬ج ‪ " 1‬حريث‬
‫"‪ (5) .‬يعنى في قسمة الموال والعطاء بين المسلمين‪ (6) .‬في بعض‬
‫نسخ المصدر " بالقرآن المبين والبرهان المستبين‪ (7) .‬أي تكلم به‬
‫جهارا أو شق جماعاتهم بالتوحيد وفصل بين الحق والباطل‪ (8) .‬الدابة‬
‫الفارهة‪ :‬النشيطة القوية‪.‬‬

‫]‪[364‬‬

‫عارا وشنارا )‪ (1‬إن لم يغفر لهم الغفار إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون‪،‬‬
‫وصيرتهم إلى ما يستوجبون‪ ،‬فيفقدون ذلك فيسألون ويقولون ظلمنا ابن‬
‫أبي طالب وحرمنا ومنعنا حقوقنا‪ ،‬فال عليهم المستعان‪ ،‬من استقبل قبلتنا‬
‫وأكل ذبيحتنا وآمن بنبينا ]صلى ال عليه وآله[ وشهد شهادتنا‪ ،‬ودخل في‬
‫ديننا أجرينا عليه حكم القرآن وحدود السلم‪ .‬ليس لحد على أحد فضل إل‬
‫بالتقوى‪ ،‬أل وإن للمتقين عند ال تعالى أفضل الثواب وأحسن الجزاء‬
‫والمآب‪ ،‬لم يجعل ال تبارك وتعالى الدنيا للمتقين ثوابا وما عند ال خير‬
‫للبرار‪ .‬انظروا أهل دين ال فيما أصبتم في كتاب ال )‪ (2‬وتركتم عند‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وجاهدتم به في ذات ال أبحسب أم بنسب‬
‫أم بعمل أم بطاعة أم زهادة )‪ (3‬وفيما أصبحتم فيه راغبين فسارعوا إلى‬
‫منازلكم ‪ -‬رحمكم ال ‪ -‬التي امرتم بعمارتها‪ ،‬العامرة التي ل تخرب‪ ،‬الباقية‬
‫التي ل تنفد‪ ،‬التي دعاكم إليها و حضكم عليها )‪ (4‬ورغبكم فيها‪ ،‬وجعل‬
‫الثواب عنده عنها فاستتموا نعم ال عز ذكره بالتسليم لقضائه‪ ،‬والشكر‬
‫على نعمائه فمن لم يرض بهذا فليس منا ول إلينا وإن الحاكم يحكم بحكم‬
‫ال‪ ،‬ول خشية عليه من ذلك‪ ،‬اولئك هم المفلحون ‪ -‬وفي نسخة ول وحشة‬
‫واولئك لخوف عليهم ول هم يحزنون ‪ .-‬وقال‪ :‬وقد عاتبتكم بدرتي التي‬
‫اعاتب بها أهلي فلم تبالوا‪ ،‬وضربتكم بسوطي الذي اقيم به حدود ربي فلم‬
‫ترعووا )‪ (5‬أتريدون أن أضربكم بسيفي‪ ،‬أما إني أعلم الذي‬

‫)‪ (1‬الشنار‪ :‬العيب والعار‪ (2) .‬أي من مواعيده الصادقة على العمال الصالحة‬
‫واراد بتركهم عند رسول ال صلى ال عليه واله ضمانه لهم بذلك كأنه‬
‫وديعة لهم عنده‪ (3) .‬استفهام انكار يعنى ليس ذلك بحسب ول نسب بل‬
‫بعمل وطاعة وزهادة‪ .‬وقوله‪ " :‬فيما اصبحتم فيه راغبين " أي انظروا‬
‫أيضا فيما اصبحتم فيه راغبين هل هو الذى اصبتم في كتاب ال تعالى‬
‫يعنى ليس هو بذاك وانما هو الدنيا وزهرتها‪ (4) .‬الحض‪ :‬الحث‬
‫والترغيب‪ (5) .‬الرعواء‪ :‬الكف والنزجار‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الندم والنصراف‬
‫عن الشئ‪.‬‬

‫]‪[365‬‬
‫تريدون‪ ،‬ويقيم أودكم )‪ (1‬ولكن ل أشتري صلحكم بفساد نفسي )‪ (2‬بل يسلط ال‬
‫عليكم قوما فينتقم لي منكم‪ ،‬فل دنيا استمتعتم بها‪ ،‬ول آخرة صرتم إليها‪،‬‬
‫فبعدا و سحقا لصحاب السعير‪ - 34 .‬كا‪ (3) :‬من الروضة خطبة لمير‬
‫المؤمنين عليه السلم عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن سعيد بن المنذر )‪ (4‬بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن‬
‫أبيه قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين عليه السلم ورواها غيره بغير هذا السناد‬
‫وذكر أنه خطب بذي قار )‪ (5‬فحمد ال وأثنى عليه‪ :‬ثم قال‪ :‬أما بعد فإن ال‬
‫تبارك وتعالى بعث محمدا صلى ال عليه وآله بالحق ليخرج عباده من‬
‫عبادة عباده إلى عبادته‪ ،‬ومن عهود عباده إلى عهوده‪ ،‬ومن طاعة عباده‬
‫إلى طاعته‪ ،‬ومن ولية عباده إلى وليته بشيرا ونذيرا وداعيا إلى ال‬
‫بإذنه وسراجا منيرا‪ ،‬عودا وبدءا وعذرا ونذرا‪ ،‬بحكم قد فصله )‪(6‬‬
‫وتفصيل قد أحكمه‪ ،‬وفرقان قد فرقه )‪ (7‬وقرآن قد بينه ليعلم العباد ربهم‬
‫إذ جهلوه‪ ،‬وليقروا به إذ جحدوه‪ ،‬وليثبتوه بعد إذ أنكروه‪ ،‬فتجلى‬

‫)‪ (1‬الود ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬العوجاج‪ (2) .‬أي ل أطلب لحكم بالظلم وبما لم يأمرنى‬
‫به ربى فاكون قد اصلحتكم بافساد نفسي‪ (3) .‬المصدر ص ‪ 386‬تحت‬
‫رقم ‪ (4) .586‬في بعض نسخ المصدر " سعد بن المنذر "‪ (5 .‬موضع‬
‫بين الكوفة وواسط‪ " .‬القاموس "‪ " (6) .‬عودا وبدءا " يعنى إلى‬
‫لدعوة بعد ما بدأ فيها والمراد تكرير الدعوة‪ " .‬عذرا ونذرا " كل منهما‬
‫مفعول له لقوله‪ " :‬بعث " أي عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين‪ ،‬أو حال أي‬
‫عاذرا ومنذرا‪ .‬وله‪ " :‬بحكم " المراد به الجنس أي بعثه مع أحكام‬
‫مفصلة مبينة‪ (7) .‬الفرقان هو القرآن وكل ما فرق بين الحق والباطل‪.‬‬
‫والمراد بتفريقه انزاله متفرقا أو تعلقه بالحكام المتفرقة‪.‬‬

‫]‪[366‬‬

‫لهم سبحانه في كتابه )‪ (1‬من غير أن كونوا رأوه‪ ،‬فأراهم حلمه كيف حلم )‪(2‬‬
‫وأراهم عفوه كيف عفا‪ ،‬وأراهم قدرته كيف قدر‪ ،‬وخوفهم من سطوته‪،‬‬
‫وكيف خلق ما خلق من اليات‪ ،‬وكيف محق من محق من العصاة‬
‫بالمثلت‪ ،‬واحتصد من احتصد بالنقمات )‪ (3‬وكيف رزق وهدى أعطى‪،‬‬
‫وأراهم حكمه كيف حكم )‪ (4‬وصبر حتى يسمع ما يسمع ويرى‪ .‬فبعث ال‬
‫عزوجل محمدا صلى ال عليه وآله بذلك‪ .‬ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي‬
‫زمان ليس في ذلك الزمان شئ أخفى من الحق‪ ،‬ول أظهر من الباطل‪ ،‬ول‬
‫أكثر من الكذب على ال تعالى و رسوله صلى ال عليه وآله صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور )‪ (5‬من الكتاب إذا تلى‬
‫حق تلوته‪ ،‬ول سلعة أنفق بيعا ‪ (6‬ول أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن‬
‫مواضعه‪ ،‬وليس في العباد ول في البلد شئ‪ ،‬هو أنكر من المعروف ول‬
‫أعرف من المنكر‪ ،‬وليس فيها فاحشة أنكر ول عقوبة أنكى من الهدى )‪(7‬‬
‫عند الضلل في ذلك الزمان‪ ،‬فقد نبذ الكتاب حملته‪ ،‬وتناساه حفظته )‪(8‬‬
‫حتى تمالت بهم الهواء‪ ،‬وتوارثوا ذلك من الباء وعملوا بتحريف الكتاب‬
‫كذبا وتكذيبا فباعوه بالبخس )‪ (9‬وكانوا فيه من الزاهدين‪ .‬فالكتاب وأهل‬
‫الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان‪ ،‬وصاحبان مصطحبان في طريق‬
‫واحد‪ ،‬ل يؤويهما مؤو‪ ،‬فحبذا ذانك الصاحبان‪ ،‬واها لهما ولما يعملن‬

‫)‪ (1‬أي ظهر من غير أن يرى بالبصر بل نبههم عليه في القرآن من قصص الولين‬
‫وما حل بهم من النقمة عند مخالفة الرسل‪ (2) .‬في نسخة " حكمه كيف‬
‫حكم " )‪ (3‬المثلت ‪ -‬بفتح الميم وضم الثاء ‪ -‬جمع المثلة وهى العقوبة‪.‬‬
‫والحتصاد‪ :‬المبالغة في القتل والستيصال مأخوذ من حصد الزرع‪(4) .‬‬
‫في نسخة " حلمه كيف حلم "‪ .‬وهو الصواب‪ (5) .‬السلعة ‪ -‬بالكسر ‪:-‬‬
‫المتاع‪ .‬البوار‪ ،‬الكساد‪ (6) .‬النفاق‪ :‬الرواج‪ (7) .‬النكاية‪ :‬الجرج والقرح‪.‬‬
‫)‪ (8‬تناساه‪ :‬أرى من نفسه أنه نسيه‪ (9) .‬البخس‪ :‬بالموحدة ثم المعجمة‬
‫ثم المهملة‪ :‬الناقص‪.‬‬

‫]‪[367‬‬

‫له )‪ (1‬فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم‪ ،‬ومعهم و‬
‫ليسوا معهم‪ ،‬وذلك لن الضللة ل توافق الهدى‪ ،‬إن اجتمعا وقد اجتمع‬
‫القوم على الفرقة‪ ،‬وافترقوا على الجماعة‪ ،‬وقد ولو أمرهم وأمر دينهم من‬
‫يعمل فيهم بالمكر والمنكر‪ .‬والرشاء والقتل‪ ،‬كأنهم أئمة الكتاب وليس‬
‫الكتاب إمامهم‪ ،‬لم يبق عندهم من الحق إل اسمه‪ ،‬ولم يعرفوا من الكتاب‬
‫إل خطه وزبره )‪ (2‬يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فل يطمئن‬
‫جالسا حتى يخرج من الدين ينتقل من دين ملك إلى دين ملك‪ ،‬ومن ولية‬
‫ملك إلى ولية ملك‪ ،‬ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك‪ ،‬ومن عهود ملك إلى‬
‫عهود ملك‪ ،‬فاستدرجهم ال تعالى من حيث ل يعلمون وإن كيده متين‬
‫بالمل والرجاء )‪ (3‬حتى توالدوا في المعصية‪ ،‬ودانوا بالجور‪ .‬والكتاب لم‬
‫يضرب عن شئ منه صفحا‪ ،‬ضلل تائهين‪ ،‬قد دانوا بغير دين ال عز ذكره‬
‫وأدانوا لغير ال )‪ .(4‬مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضللة‪ ،‬خربة‬
‫من الهدى وفقراؤها وعمارها أخائب خلق ال وخليقته‪ ،‬من عندهم جرت‬
‫الضللة وإليهم تعود‪ ،‬وحضور مساجدهم المشي إليها كفر بال العظيم إل‬
‫من مشى إليها وهو عارف بضللتهم‪ ،‬فصارت مساجدهم من فعالهم على‬
‫ذلك النحو خربه من الهدى‪ ،‬عامرة من الضللة‪ ،‬قد بدلت‬
‫)‪ " (1‬واها " كلمة تلهف وتوجع‪ .‬قوله‪ " :‬لما يعملن " في بعض نسخ المصدر‬
‫" لم يعمدان له " بالدال أي العلة الغائية من خلقها‪ (2) .‬بكسر الزاى‬
‫وسكون الباء أي كتابته‪ .‬وقوله‪ " :‬يدخل الداخل " أي في الدين وخروجه‬
‫لما يرى من عدم عمل أهله به وبدعهم وجورهم‪ (3) .‬متعلق بقوله "‬
‫استدرجهم " استدراج ال تعالى عباده أنه كلما جدد العبد خطيئة جدد له‬
‫نعمة وأنساه الستغفار وأن يأخذه قليل قليل ويباغته‪ " (4) .‬دانوا " أي‬
‫أمروا بطاعة غيره تعالى‪ .‬و " أدانوا " لم يرد هذا البناء فيما عندنا من‬
‫كتب اللغة و في النسخة القديمة " وكانوا لغير ال " )منه(‪.‬‬

‫]‪[368‬‬

‫سنة ال وتعديت حدوده ول يدعون إلى الهدى‪ ،‬ول يقسمون الفئ‪ ،‬ول يوفون‬
‫بذمة‪ .‬يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا‪ ،‬قد أتوا ال بالفتراء والجحود‪،‬‬
‫و استغنوا بالجهل عن العلم ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة )‪(1‬‬
‫وسموا صدقهم على ال فرية‪ ،‬جعلوا في الحسنة العقوبة السيئة‪ ،‬وقد بعث‬
‫ال عزوجل إليكم رسول من أنفسكم عزيزا عليه ما عنتم حريص عليكم‬
‫بالمؤمنين رؤف رحيم )‪ " (2‬وأنزل عليه كتابا عزيزا ل يأتيه الباطل من‬
‫بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد قرآنا عربيا غير ذي عوج‬
‫لينذر من كان حيا )‪ (3‬ويحق القول على الكافرين فل يلهينكم المل‪ ،‬ول‬
‫يطولن عليكم الجل‪ ،‬فإنما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم‪ ،‬وتغطية الجال‬
‫عنهم حتى نزل بهم الموعود )‪ (4‬الذي ترد عنه المعذرة‪ ،‬و ترفع عنه‬
‫التوبة‪ ،‬وتحل معه القارعة والنقمة )‪ .(5‬وقد أبلغ ال عزوجل إليكم‬
‫بالوعد‪ ،‬وفصل لكم القول‪ ،‬وعلمكم السنة وشرع لكم المناهج ليزيح العلة )‬
‫‪ (6‬وحث على الذكر‪ ،‬ودل على النجاة وإنه من انتصح ل واتخذ قوله دليل‬
‫هداه للتي هي أقوم )‪ (7‬ووفقه للرشاد‪ ،‬وسدده‬

‫)‪ (1‬المثلة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬النكال‪ ،‬قال الفيض رحمه ال ‪ :-‬ومن روى مثلوا ‪ -‬بالتشديد‬
‫‪ -‬أراد جدعوهم بقطع الذن والنوف‪ " (2) .‬من أنفسكم " أي من‬
‫جنسكم عربي مثلكم‪ .‬وقرء من انفسكم ‪ -‬بفتح الفاء ‪ -‬أي من أشرفكم "‬
‫عزيز عليه " أي شديد شاق‪ " .‬ما عنتم " عنتكم ولقاؤكم المكروه‪" .‬‬
‫حريص عليكم " أي على ايمانكم وصلح شأنكم‪ (3) .‬أي عاقل فهما فان‬
‫الغافل كالميت‪ (4) .‬المراد بالموعود الموت‪ (5) .‬القارعة‪ :‬الشديدة من‬
‫شدائد الدهر‪ (6) .‬زاح الشئ يزيح زيحا أي بعد وذهب وأزاحه غيره‪" .‬‬
‫الصحاح " )‪ (7‬النتصاح‪ :‬قبول النصيحة يعنى من اطاع اوامر ال تعالى‬
‫وعلم انه انما يهديه إلى مصالحه ويرد عن مفاسده يهديه للحالة التى‬
‫اتباعها اقوم وهى من اللفاظ القرآنية " ان هذا القرآن يهدى للتى هي‬
‫اقوم " وتلك الحالة هي المعرفة بال وتوحيده كما في الوافى‪.‬‬

‫]‪[369‬‬

‫ويسره للحسنى‪ ،‬فان جار ال آمن محفوظ‪ ،‬وعدوه خائف مغرور‪ ،‬فاحترسوا من‬
‫ال عز ذكره بكثرة الذكر‪ ،‬واخشوا منه بالتقى‪ ،‬وتقربوا إليه بالطاعة فإنه‬
‫قريب مجيب‪ .‬قال ال عزوجل‪ " :‬وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب‬
‫دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " )‪(1‬‬
‫فاستجيبوا ل وآمنوا به وعظموا ال الذي ل ينبغي لمن عرف عظمة ال‬
‫أن يتعظم )‪ (2‬فان رفعة الذين يعلمون ما عظمة ال أن يتواضعوا له‪ ،‬وعز‬
‫الذين يعلمون ما جلل ال أن يذلوا له وسلمة الذين يعلمون ما قدرة ال‬
‫أن يستسلموا له‪ ،‬فل ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة‪ ،‬ول يضلون بعد‬
‫الهدى‪ ،‬فل تنفروا من الحق نفار الصحيح من الجرب )‪ (3‬والباري من‬
‫ذي السقم‪ .‬واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه‪ ،‬ولن‬
‫تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه‪ ،‬ولن تمسكوا به حتى‬
‫تعرفوا الذي نبذه‪ ،‬ولن تتلوا الكتاب حق تلوته حتى تعرفوا الذي حرفه‪،‬‬
‫ولن تعرفوا الضللة حتى تعرفوا الهدى‪ ،‬ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا‬
‫الذي تعدى‪ ،‬فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع‪ ،‬والتكلف‪ ،‬ورأيتم الفرية على ال‬
‫وعلى رسوله والتحريف لكتابه ورأيتم كيف هدى ال من هدى‪ ،‬فل‬
‫يجهلنكم )‪ (4‬الذين ل يعلمون علم القرآن إن علم القرآن ليس بعلم‪ ،‬ما هو‬
‫إل من ذاق طعمه‪ ،‬فعلم بالعلم جهله‪ ،‬وبصر به عماه )‪ ،(5‬وسمع به‬
‫صممه‪ ،‬وأدرك به علم ما فات‪ ،‬وحيى به بعد إذ مات‪ ،‬وأثبت عند ال عز‬
‫ذكره الحسنات‪ ،‬ومحابه السيئات‪ ،‬وأدرك به رضوانا من ال تبارك وتعالى‪.‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .186 :‬أي يطلب لنفسه العظمة‪ (3) .‬أي الذى به الجرب وهو داء‬
‫معروف‪ (4) .‬من التجهيل أي ل ينسبوكم إلى الجهل‪ " (5) .‬فعلم بالعلم‬
‫جهله " أي ما جهل مما يحتاج إليه في جميع المور أو كونه جاهل ‪< -‬‬

‫]‪[370‬‬

‫فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة )‪ (1‬فإنهم خاصة نور يستضاء به‪ ،‬وأئمة يقتدى‬
‫بهم‪ .‬وهم عيش العلم وموت الجهل‪ .‬هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم‪،‬‬
‫و صمتهم عن منطقهم )‪ (2‬وظاهرهم عن باطنهم ل يخالفون الدين ول‬
‫يختلفون فيه‪ ،‬فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق )‪ (3‬فهم من شأنهم‬
‫شهداء بالحق ومخبر صادق )‪ (4‬ل يخالفون الحق ول يختلفون فيه‪ ،‬قد‬
‫خلت لهم من ال سابقة‪ ،‬ومضى فيهم من ال عزوجل حكم صادق‪ ،‬وفي‬
‫ذلك ذكرى للذاكرين‪ .‬فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية‪ ،‬ول تعقلوه‬
‫عقل رواية‪ ،‬فان رواة الكتاب كثير ورعاته قليل‪ ،‬وال المستعان‪.‬‬

‫‪ < -‬قبل ذلك أو كمل علمه حتى اقر بأنه جاهل فان غايه كل كمال في المخلوق‬
‫القرار بالعجز عن استكماله والعتراف بثبوته كما ينبغى للرب تعالى أو‬
‫يقال‪ :‬ان الجاهل لتساوي نسبة الشياء إليه لجهله بجميعها يدعى علم كل‬
‫شئ واما العالم فهو يميز بين ما يعلمه وما ل يعلمه فبالعلم عرف جهله‬
‫ول يخفى جريان الحتمالت في الفقرتين التاليتين وان الول أظهر في‬
‫الجميع بأن يكون المراد بقوله‪ " :‬وبصر به عماه " أي أبصر به ما‬
‫عمى عنه أو تبدلت عماه بصيرة‪ " .‬وسمع به " يمكن أن يقرء بالتخفيف‬
‫أي سمع ما كان صم عنه أو بالتشديد أي بدل بالعلم صممه يكونه سميعا‬
‫)قاله المؤلف في المرآة(‪ (1) .‬كنى عليه السلم بقوله‪ " :‬من عند أهله "‬
‫عن نفسه ومن يحذو حذوه من أولده واهله عليهم السلم‪ (2) .‬ذلك لن‬
‫صمت العارف ابلغ من نطق غيره‪ (3) .‬انما ل يخالفون الدين لنهم‬
‫قوامه وأربابه وانما ل يختلفون فيه لن الحق في التوحيد واحد فالدين أو‬
‫القرآن بينهم شاهد صادق يأخذون بحكمه كما يؤخذ بحكم الشاهد‬
‫الصادق‪ .‬و " صامت ناطق " لنه ل ينطق بنفسه بل لبد له من مترجم‬
‫فهو صامت في الصورة وفى المعنى انطق الناطقين‪ .‬لن الوامر‬
‫والنواهي والداب كلها مبنية عليه ومتفرعة عنه فهو شأن من شأنهم‬
‫)الوافى(‪ (4) .‬مخبر صادق في حقهم حال كونهم شهداء بالحق غير‬
‫مخالفين له ول مختلفين فيه‪.‬‬

‫]‪[371‬‬

‫‪ - 35‬ما‪ (1) :‬عن الحسين بن عبيدال‪ ،‬عن علي بن محمد بن محمد العلوي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن موسى الرقي‪ ،‬عن علي بن محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫أبي عبد ال البرقي عن عبد العظيم بن عبد ال الحسني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫أبان مولى زيد بن علي‪ ،‬عن عاصم ابن بهدلة‪ ،‬عن شريح القاضي قال‪:‬‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم لصحابه يوما وهو يعظهم‪ :‬ترصدوا مواعيد‬
‫الجال‪ ،‬وباشروها بمحاسن العمال‪ ،‬ول تركنوا إلى ذخائر )‪ (2‬الموال‬
‫فتخليكم خدائع المال‪ ،‬إن الدنيا خداعة صراعة مكارة غرارة سحارة‬
‫أنهارها لمعة وثمراتها يانعة )‪ (3‬ظاهرها سرور وباطنها غرور‪ ،‬تأكلكم‬
‫بأضراس المنايا‪ ،‬وتبيركم )‪ (4‬باتلف الرزايا‪ ،‬لهم بها أولد الموت وآثروا‬
‫زينتها وفطلبوا رتبتها‪ .‬جهل الرجل ومن ذلك الرجل المولع بلذتها‪،‬‬
‫والساكن إلى فرحتها والمن لغدرتها‪ ،‬دارت عليكم بصروفها‪ ،‬ورمتكم‬
‫بسهام حتوفها )‪ (5‬فهي تنزع أرواحكم نزعا وأنتم تجمعون لها جمعا‬
‫للموت تولدون‪ ،‬وإلى القبور تنقلون‪ ،‬وعلى التراب تتوسدون )‪ (6‬وإلى‬
‫الدود تسلمون وإلى الحساب تبعثون‪ ،‬يا ذوي الحيل والراء والفقه‬
‫والنباء‪ ،‬اذكروا مصارع الباء فكأنكم بالنفوس قد سلبت‪ ،‬و بالبدان قد‬
‫عريت‪ ،‬وبالمواريث قد قسمت‪ ،‬فتصير يا ذا الدلل والهيبة )‪ (7‬والجمال‬
‫إلى منزلة شعثاء‪ ،‬ومحلة غبراء‪ ،‬فتنوم على خدك في لحدك في منزل قل‬
‫زواره ومل عماله‪ ،‬حتى تشق عن القبور‪ ،‬وتبعث إلى النشور‪.‬‬

‫)‪ (1‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .266‬الركون‪ :‬الميل والعتماد‪ (3) .‬ينع الثمرة‪ :‬أدرك‬
‫وطاب وحان قطافه فهو يانع‪ (4) .‬المنايا جمع منية وهى الموت‪ .‬وأباره‬
‫أي أهلكه‪ (5) .‬الحتف‪ :‬الموت جمعه حتوف‪ (6) .‬في بعض النسخ " على‬
‫التراب ينومون "‪ (7) .‬الدلل ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الوقار والتغنج‪.‬‬

‫]‪[372‬‬

‫فان ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور )‪ (1‬وأنت ملك مطاع وآمن ل تراع يطوف‬
‫عليكم ولدان كأنهم الجمان )‪ (2‬بكأس من معين‪ ،‬بيضاء لذة للشاربين أهل‬
‫الجنة فيها يتنعمون‪ ،‬وأهل النار فيها يعذبون‪ ،‬هؤلء في السندس والحرير‬
‫يتبخترون‪ ،‬وهؤلء في الجحيم والسعير يتقلبون‪ ،‬هؤلء تحشا جماجمهم‬
‫بمسك الجنان وهؤلء يضربون بمقامع النيران‪ ،‬هؤلء يعانقون الحور في‬
‫الحجال‪ ،‬وهؤلء يطوقون أطواقا في النار بالغلل في قلبه فزع قد أعيى‬
‫الطباء‪ ،‬وبه داء ل يقبل الدواء‪ .‬يا من يسلم إلى الدود ويهدى إليه اعتبر‬
‫بما تسمع وترى وقل لعينيك تجفو لذة الكرى وتفيض من الدموع بعد‬
‫الدموع تترى )‪ ،(3‬بيتك القبر بيت الهوال والبلى‪ ،‬وغايتك الموت‪ .‬يا قليل‬
‫الحياء‪ ،‬اسمع يا ذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ والتعريف‪ ،‬جعل يوم‬
‫الحشر يوم العرض والسؤال‪ ،‬والحباء والنكال‪ ،‬يوم تقلب إليه أعمال النام‪،‬‬
‫وتحصى فيه جميع الثام‪ ،‬يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها وتضع‬
‫الحوامل ما في بطونها‪ .‬ويفرق بين كل نفس وحبيبها‪ ،‬ويحار في تلك‬
‫الهوال عقل لبيبها‪ ،‬إذا تنكرت الرض بعد حسن عمارتها‪ ،‬وتبدلت بالخلق‬
‫بعد أنيق زهرتها )‪ (4‬أخرجت من معادن الغيب أثقالها‪ ،‬ونفضت إلى ال‬
‫أحمالها يوم ل ينفع الجد )‪ (5‬إذا عاينوا الهول الشديد فاستكانوا‪ ،‬وعرف‬
‫المجرمون بسيماهم فاستبانوا فانشقت القبور بعد طول انطباقها‪،‬‬
‫واستسلمت النفوس إلى ال بأسبابها‪ ،‬كشف عن الخرة غطاؤها‪ ،‬وظهر‬
‫للخلق أبناؤها‪ ،‬فدكت الرض دكا دكا )‪ ،(6‬ومدت‬
‫)‪ (1‬الحبور‪ :‬السرور‪ .‬وراعه المر‪ :‬أفزعه‪ (2) .‬الجمان‪ ،‬اللؤلؤ‪ (3) .‬جفا صاحبه‬
‫أعرض عنه‪ .‬والكرى‪ :‬النعاس‪ .‬وتترى أي متواليا‪ (4) .‬النيق‪ :‬الحسن‬
‫المعجب‪ (5) .‬في المصدر " ل ينفع الحذر "‪ (6) .‬دكت الرض أي سوى‬
‫صعودها وهبوطها‪.‬‬

‫]‪[373‬‬

‫لمر يراد بها مدا مدا‪ ،‬واشتد المثارون إلى ال )‪ (1‬شدا شدا‪ ،‬وتزاحفت الخليق‬
‫إلى المحشر زحفا زحفا )‪ (2‬ورد المجرمون على العقاب ردا ردا‪ ،‬وجد‬
‫المر ويحك يا إنسان جدا جدا‪ ،‬وقربوا للحساب فردا فردا‪ ،‬وجاء ربك و‬
‫الملك صفا صفا‪ ،‬يسألهم عما عملوا حرفا حرفا‪ ،‬فجئ بهم عراة البدان‪،‬‬
‫خشعا أبصارهم‪ ،‬أمامهم الحساب‪ ،‬ومن ورائهم جهنم يسمعون زفيرها‬
‫ويرون سعيرها‪ ،‬فلم يجدوا ناصرا ول وليا يجيرهم من الذل‪ ،‬فهم يعدون‬
‫سراعا )‪ (3‬إلى مواقف الحشر يساقون سوقا فالسموات مطويات بيمينه‬
‫كطي السجل للكتب‪ ،‬والعباد على الصراط وجلت قلوبهم‪ ،‬يظنون أنهم ل‬
‫يسلمون‪ ،‬ول يؤذن لهم فيتكلمون‪ ،‬ول يقبل منهم فيعتذرون‪ ،‬قد ختم على‬
‫أفواهم‪ ،‬واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون‪ .‬يالها من ساعة ما‬
‫أشجى مواقعها من القلوب‪ ،‬حين ميز بين الفريقين فريق في الجنة وفريق‬
‫في السعير‪ .‬من مثل هذا فليهرب الهاربون‪ ،‬إذا كانت الدار الخرة لها يعمل‬
‫العاملون‪ - 36 .‬ما‪ (4) :‬عن محمد بن أحمد بن شاذان‪ ،‬عن محمد بن علي‬
‫بن المفضل‪ ،‬عن علي بن حسن النحوي‪ ،‬عن الحسن بن علي الزفري )‪(5‬‬
‫عن العباس بن بكار الضبي عن أبي بكر الهذلي‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين عليه السلم فقال‪ :‬الحمد ل الذي ل‬
‫يحويه مكان‪ ،‬ول يحده زمان‪ ،‬عل بطوله ودنى بحوله‪ ،‬سابق كل‬

‫)‪ (1‬ثار إليه وثب عليه وفى بعض النسخ " المبارون "‪ (2) .‬تزاحف القوم في‬
‫الحرب‪ :‬زحف بعضهم إلى بعض وتدانوا‪ .‬والزحف‪ :‬الجيش يزحفون إلى‬
‫العدو أي يمشون‪ .‬ويقال زحف إليه كمنع زحفا إذا مشى نحوه‪ .‬وزحفا‬
‫زحفا أي زحفا بعد زحف متفرقين‪ (3) .‬في بعض النسخ " يقودون‬
‫سراعا "‪ (4) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .296‬كذا وفى المصدر " الرمزنى‬
‫"‪.‬‬

‫]‪[374‬‬

‫غنيمة وفضل‪ ،‬وكاشف كل عظيمة وإزل )‪ (1‬أحمده على جود كرمه وسبوغ نعمه‬
‫وأستعينه على بلوغ رضاه والرضا بما قضاه وأومن به إيمانا وأتوكل عليه‬
‫إيقانا وأشهد أن ل إله إل ال الذي رفع السماء فبنيها وسطح الرض‬
‫فطحيها وأخرج منها ماءها ومرعيها والجبال أرسيها )‪ (2‬ل يؤوده خلق‬
‫وهو العلي العظيم‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى‬
‫المشهور والكتاب المسطور والدين المأثور إبلء لعذره وإنهاء لمره‪ ،‬فبلغ‬
‫الرسالة وهدى من الضللة وعبد ربه حتى أتاه اليقين فصلى ال عليه وآله‬
‫وسلم كثيرا‪ .‬أوصيكم بتقوى ال فان التقوى أفضل كنز وأحرز حرز وأعز‬
‫عز‪ ،‬فيه نجاة كل هارب ودرك كل طالب وظفر كل غالب وأحثكم على طاعة‬
‫ال فانها كهف العابدين وفوز الفائزين وأمان المتقين‪ ،‬واعلموا أيها الناس‬
‫إنكم سيارة قد حدا بكم الهادي وحدي لخراب الدنيا حادي‪ ،‬وناداكم للموت‬
‫منادي‪ ،‬فل تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور أل وإن الدنيا دار‬
‫غرارة خداعة تنكح في كل يوم بعل وتقتل في كل ليلة أهل‪ ،‬وتفرق في كل‬
‫ساعة شمل‪ ،‬فكم من منافس فيها وراكن إليها من المم السالفة قد قذفتهم‬
‫في الهاوية ودمرتهم تدميرا وتبرتهم تتبيرا وأصلتهم سعيرا )‪ (3‬أين من‬
‫جمع فأوعى‪ ،‬وشد فأوكى‪ ،‬ومنع فأكدى )‪ (4‬بل أين من عسكر العساكر‪ ،‬و‬
‫دسكر الدساكر )‪ (5‬وركب المنابر‪ ،‬أين من بنى الدور‪ ،‬وشرف القصور‪،‬‬
‫وجمهر ‪-‬‬

‫)‪ (1‬ال زال ‪ -‬بكسر الهمزة ‪ :-‬الداهية‪ " (2) .‬طحيها " أي بسطها‪ .‬و " أرسيها "‬
‫أي أثبتها‪ (3) .‬التدمير‪ :‬الهلك والتتبير‪ :‬الهلك أيضا‪ ،‬وأصله النار‪:‬‬
‫أدخله أياها وأثواه فيها‪ .‬والسعير‪ :‬لهب النار‪ (4) .‬أوكى ايكاء ‪ -‬القربة‬
‫وعلى ما في القربة‪ :‬شدها بالوكاء‪ ،‬والوكاء رباط القربة ونحوها‪ .‬وأكدى‬
‫اكداء ‪ -‬الرجل ‪ :-‬لم يظفر بحاجته‪ ،‬أو بخل في العطاء‪ .‬وأكداه عن كذا‪:‬‬
‫رده عنه ومنعه‪ (5) .‬قال الفيومى في المصباح‪ :‬الدسكرة بناء يشبه‬
‫القصر‪ ،‬حوله بيوت‪ ،‬ويكون ‪< -‬‬

‫]‪[375‬‬

‫اللوف )‪ (1‬قد تداولتهم أيامها‪ ،‬وابتلعتهم أعوامها‪ ،‬فصاروا أمواتا وفي القبور‬
‫رفاتا قد يئسوا ما خلفوا )‪ (2‬ووقفوا على ما أسلفوا‪ ،‬ثم ردوا إلى ال‬
‫مولهم الحق أل له الحكم وهو أسرع الحاسبين‪ .‬وكأني بها وقد أشرفت‬
‫بطليعها وعسكرت بفظايعها‪ ،‬فأصبح المرء بعد صحته مريضا‪ ،‬وبعد‬
‫سلمته نقيصا )‪ (3‬يعالج كربا ويقاسي تعبا‪ ،‬في حشرجة السباق )‪ (4‬و‬
‫تتابع الفواق‪ ،‬وتردد النين‪ ،‬والذهول عن البنات والبنين‪ ،‬والمرء قد‬
‫اشتمل عليه شغل شاغل وهو هائل‪ ،‬قد اعتقل منه اللسان وتردد منه‬
‫البنان‪ ،‬فأصاب مكروها وفارق الدنيا مسلوبا‪ ،‬ل يملكون له نفعا ول لما حل‬
‫به دفعا‪ ،‬يقول ال عزوجل في كتابه‪ " :‬فلول إن كنتم غير مدينين *‬
‫ترجعونها إن كنتم صادقين )‪ " (5‬ثم من دون ذلك أهوال يوم القيامة ويوم‬
‫الحسرة والندامة‪ ،‬يوم تنصب الموازين‪ ،‬وتنشر الدواوين بإحصاء كل‬
‫صغيرة وإعلن كل كبيرة‪ ،‬يقول ال في كتابه " ووجدوا ما عملوا حاضرا‬
‫ول يظلم ربك أحدا " )‪] (6‬ثم قال‪ .[:‬أيها الناس الن الن من قبل الندم‬
‫ومن قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب ال وإن كنت‬
‫لمن الساخرين * أو تقول لو أن ال هداني لكنت من المتقين * أو تقول‬
‫حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين "‬

‫‪ < -‬للملوك‪ :‬قال الزهرى‪ :‬وأحسبه معربا‪ .‬والدسكره‪ :‬القربة‪ (1) .‬شرف البيت ‪-‬‬
‫من باب التفعيل ‪ :-‬جعل له شرفا‪ .‬وجمهر الشئ‪ :‬جمعه‪ (2) .‬في المصدر‬
‫" قد نسوا ما خلفوا "‪ (3) .‬في المصدر " نقيضا " بالضاد المعجمة‪) .‬‬
‫‪ (4‬حشرج الرجل أي غرغر عند الموت وتردد نفسه‪ .‬والفواق ‪ -‬بالضم‬
‫‪ :-‬ما يأخذ النسان عند النزع‪ ،‬وترجيع الشهقة العالية‪ (5) .‬الواقعة‪86 :‬‬
‫و ‪ 87‬وقوله " غير مدينين " أي غير مجزيين يوم القيامة أو غير‬
‫مملوكين مقهورين من دانه إذا اذله واستعبده وأصل التركيب للذل‬
‫والنقياد‪ (6) .‬الكهف‪.47 :‬‬

‫]‪[376‬‬

‫فيرد الجليل جل ثناؤه " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من‬
‫الكافرين " )‪ (1‬فوال ما سئل الرجوع إل ليعمل صالحا‪ ،‬ول يشرك بعبادة‬
‫ربه أحدا‪] .‬ثم قال‪ [:‬أيها الناس الن الن ما دام الوثاق مطلقا‪ ،‬والسراج‬
‫منيرا‪ ،‬وباب التوبة مفتوحا‪ ،‬ومن قبل أن يجف القلم‪ ،‬وتطوى الصحيفة‪،‬‬
‫فل رزق ينزل‪ ،‬ول عمل يصعد‪ ،‬المضمار اليوم‪ ،‬والسباق غدا‪ ،‬فانكم ل‬
‫تدرون إلى جنه أو إلى نار‪ .‬وأستغفر ال لي ولكم‪ } .‬باب ‪) * { 15‬مواعظ‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم وخطبه أيضا وحكمه( * ‪ - 1‬مع‪ ،‬لى‪(2) :‬‬
‫الطالقاني‪ ،‬عن أحمد بن محمد الهمداني‪ ،‬عن الحسن بن القاسم قراءة‪ ،‬عن‬
‫علي بن إبراهيم بن المعلى‪ ،‬عن أبي عبد ال محمد بن خالد‪ ،‬عن عبد ال‬
‫ابن بكر المرادي‪ ،‬عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسين عن أبيه عليهم السلم قال‪ :‬بينا أمير المؤمنين عليه السلم ذات‬
‫يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب إذ أتاه شيخ عليه شخبة السفر )‪(3‬‬
‫فقال أين أمير المؤمنين ؟ فقيل هو ذا فسلم عليه ثم قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫إني أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما ل‬
‫احصى‪ ،‬وإني أظنك ستغتال )‪ (4‬فعلمني مما علمك ال‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ .‬يا شيخ‬
‫من اعتدل يوماه فهو مغبون‪ ،‬ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته‬
‫)‪ (1‬الزمر‪ 58 :‬إلى ‪ (2) .61‬معاني الخبار ص ‪ ،197‬المجالس ص ‪(3) .236‬‬
‫عباهم تعبئة وتعبيئا‪ :‬جهزهم‪ .‬والشخبة‪ :‬التعب والمشقة‪ .‬وفى المصدر‬
‫بالحاء المهملة بمعنى تغير اللون من مرض ونحوه‪ .‬وفى أمالى الشيخ ج‬
‫‪ 2‬ص ‪ " 49‬في هيئة السفر "‪ (4) .‬غاله واغتاله‪ :‬اخذه من حيث ل‬
‫يدرى وقتله‪.‬‬

‫]‪[377‬‬

‫عند فراغها‪ ،‬ومن كانت غده شر يوميه فمحروم‪ ،‬ومن لم يبال ما رزء )‪ (1‬من‬
‫آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك‪ ،‬ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب‬
‫عليه الهوى‪ ،‬ومن كان في نقص فالموت خير له‪ .‬يا شيخ إن الدنيا خضرة‬
‫حلوة ولها أهل وإن الخرة لها أهل‪ ،‬ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا‬
‫)‪ (2‬ل يتنافسون في الدنيا‪ ،‬ول يفرحون بغضارتها‪ ،‬ول يحزنون لبؤسها‪.‬‬
‫يا شيخ من خاف البيات قل نومه‪ ،‬ما أسرع الليالي واليام في عمر العبد‪،‬‬
‫فاخزن لسانك‪ ،‬وعد كلمك يقل كلمك إل بخير‪ .‬يا شيخ ارض للناس ما‬
‫ترضى لنفسك‪ ،‬وأت إلى الناس ما تحب أن يؤتي إليك‪ .‬ثم أقبل على‬
‫أصحابه فقال‪ :‬أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على‬
‫أحوال شتى‪ ،‬فبين صريع يتلوى‪ ،‬وبين عائد ومعود )‪ (3‬وآخر بنفسه‬
‫يجود‪ ،‬وآخر ل يرجى وآخر مسجى )‪ (4‬وطالب الدنيا والموت يطلبه‪،‬‬
‫وغافل و ليس بمغفول عنه‪ ،‬وعلى أثر الماضي يصير الباقي‪ .‬فقال له زيد‬
‫بن صوحان العبدي‪ :‬يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى ؟ قال‪:‬‬
‫الهوى قال‪ :‬فأي ذل أذل ؟ قال‪ :‬الحرص على الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فأي فقر أشد ؟‬
‫قال‪ :‬الكفر بعد اليمان‪ ،‬قال‪ :‬فأي دعوة أضل ؟ قال‪ :‬الداعي بما ل يكون‬
‫قال‪ :‬فأي عمل أفضل ؟ قال‪ :‬التقوى‪ ،‬قال فأي عمل أنجح ؟ قال‪ :‬طلب ما‬
‫عند ال‪ ،‬قال‪ :‬فأي صاحب شر ؟ قال‪ :‬المزين لك معصية ال‪ ،‬قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬رزأه‪ :‬أصابه ونقصه‪ (2) .‬ظلف نفسه عن الشئ‪ :‬كف عنه‪ (3) .‬تلوى أي‬
‫انعطف وانطوى‪ .‬والصريع‪ :‬المطروح على الرض‪ .‬والمعود الذى يعوده‬
‫الناس في مرض‪ (4) .‬سجى الميت تسجية‪ :‬مد عليه ثوبا يستره‪.‬‬

‫]‪[378‬‬

‫فأي الخلق أشقى ؟ قال‪ :‬من باع دينه بدنيا غيره‪ ،‬قال‪ :‬فأي الخلق أقوى ؟ قال‪:‬‬
‫الحليم‪ ،‬قال‪ :‬فأي الخلق أشح ؟ قال‪ :‬من أخذ المال من غير حله فجعله في‬
‫غير حقه‪ ،‬قال‪ :‬فأي الناس أكيس ؟ قال‪ :‬من أبصر رشده من غيه فمال إلى‬
‫رشده‪ ،‬قال‪ :‬فمن أحلم الناس ؟ قال‪ :‬الذي ل يغضب‪ ،‬قال‪ :‬فأي الناس أثبت‬
‫رأيا ؟ قال‪ :‬من لم يغره الناس من نفسه ولم تغره الدنيا بتشوفها )‪ (1‬قال‪:‬‬
‫فأي الناس أحمق ؟ قال المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأي الناس أشد حسرة ؟ قال‪ :‬الذي حرم الدنيا والخرة ذلك هو‬
‫الخسران المبين‪ ،‬قال‪ :‬فأي الخلق أعمى ؟ قال‪ :‬الذي عمل لغير ال‪ ،‬يطلب‬
‫بعمله الثواب من عند ال عزوجل قال‪ :‬فأي القنوع أفضل ؟ قال‪ :‬القانع بما‬
‫أعطاه ال‪ ،‬قال‪ :‬فأي المصائب أشد ؟ قال‪ :‬المصيبة بالدين‪ ،‬قال‪ :‬فأي‬
‫العمال أحب إلى ال عزوجل ؟ قال‪ :‬انتظار الفرج‪ ،‬قال‪ :‬فأي الناس خير‬
‫عند ال عزوجل ؟ قال‪ :‬أخوفهم ل وأعملهم بالتقوى وأزهدهم في الدنيا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأي الكلم أفضل عند ال عزوجل ؟ قال‪ :‬كثرة ذكره والتضرع إليه‬
‫ودعاؤه‪ ،‬قال‪ :‬فأي القول أصدق ؟ قال‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال قال‪ :‬فأي‬
‫العمال أعظم عند ال عزوجل ؟ قال‪ :‬التسليم والورع‪ ،‬قال‪ :‬فأي الناس‬
‫أكرم ؟ قال‪ :‬من صدق في المواطن‪ .‬ثم أقبل عليه السلم على الشيخ فقال‪:‬‬
‫يا شيخ إن ال عزوجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم‪ ،‬فزهدهم‬
‫فيها وفي حطامها‪ ،‬فرغبوا في دار السلم الذي دعاهم إليه‪ ،‬وصبروا على‬
‫ضيق المعيشة‪ ،‬وصبروا على المكروه‪ ،‬واشتاقوا على ما عند ال من‬
‫الكرامة‪ ،‬وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان ال‪ ،‬وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة‬
‫فلقوا ال وهو عنهم راض‪ ،‬وعلموا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي‪،‬‬
‫فتزودوا لخرتهم غير الذهب والفضة‪ ،‬ولبسوا الخشن‪ ،‬وصبروا على‬
‫القوت )‪ (2‬وقدموا الفضل‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬التشوف‪ :‬التزين‪ (2) .‬في المصدر " فصبروا على الذل "‪.‬‬

‫]‪[379‬‬

‫أحبوا في ال وأبغضوا في ال عزوجل‪ ،‬اولئك المصابيح )‪ (1‬وأهل النعيم في‬


‫الخرة والسلم‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬فأين أذهب وأدع الجنة وأنا أراها وأرى‬
‫أهلها معك يا أمير المؤمنين جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك‪ ،‬فأعطاه‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم سلحا وحمله فكان في الحرب بين يدي أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم يضرب قدما ]قدما[ وأمير المؤمنين عليه السلم‬
‫يعجب مما يصنع‪ ،‬فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحم ال وأتبعه‬
‫رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم فوجده صريعا ووجد دابته‬
‫ووجد سيفه في ذراعه فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫بدابته وسلحه وصلى أمير المؤمنين عليه السلم عليه وقال‪ :‬هذا وال‬
‫السعيد حقا فترحموا على أخيكم‪ .‬ما )‪ :(2‬عن الحسين بن عبيدال‬
‫الغضائري‪ ،‬عن الصدوق باسناده مثله‪ .‬كتاب الغايات‪ (3) :‬للشيخ جعفر بن‬
‫أحمد القمي مرسل مثله‪ - 2 .‬لى‪ (4) :‬عن جعفر بن علي بن الحسن بن‬
‫علي بن عبد ال بن المغيرة‪ ،‬عن جده الحسن‪ ،‬عن جده عبد ال‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل بن مسلم‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم كانت الفقهاء والحكماء إذا‬
‫كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلث ليس معهن رابعة‪ :‬من كانت الخرة همه‬
‫كفاه ال همه من الدنيا‪ ،‬ومن أصلح سريرته أصلح ال علنيته‪ ،‬ومن‬
‫أصلح فيما بينه وبين ال عزوجل أصلح ال له فيما بينه وبين الناس‪- 3 .‬‬
‫لى‪ (5) :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني عن‬
‫الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال علي عليه السلم‪ :‬ما‬
‫من يوم يمر على‬

‫)‪ (1‬في المصدر " اولئك المصابيح في الدنيا "‪ (2) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪(3) .49‬‬
‫مخطوط‪ (4) .‬المجالس ص ‪ (5) .22‬المصدر ص ‪.66‬‬

‫]‪[380‬‬

‫ابن آدم إل قال له ذلك اليوم‪ :‬يا ابن آدم أنا يوم جديد‪ ،‬وأنا عليك شهيد‪ ،‬فقل في‬
‫خيرا واعمل في خيرا‪ ،‬أشهد لك به يوم القيامة فانك لن تراني بعده أبدا‪4 .‬‬
‫‪ -‬لى‪ (1) :‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن عمه محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن هارون‬
‫بن مسلم‪ ،‬عن مسعدة بن صدقة‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم أن أمير المؤمنين عليه السلم خطب بالبصرة‪،‬‬
‫فقال بعد ما حمد ال عزوجل وأثنى عليه وصلى على النبي وآله‪ :‬المدة‬
‫وإن طالت قصيرة‪ ،‬والماضي للمقيم عبرة‪ ،‬والميت للحي عظة‪ ،‬وليس‬
‫لمس مضى عودة‪ ،‬ول المرء من غد على ثقة ]إن[ الول للوسط رائد‬
‫والوسط للخر قائد‪ ،‬وكل لكل مفارق‪ ،‬وكل بكل لحق‪ ،‬و الموت لكل‬
‫غالب‪ ،‬واليوم الهائل لكل آزف‪ ،‬وهو اليوم الذي ل ينفع فيه مال ول بنون‬
‫إل من أتى ال بقلب سليم‪ .‬ثم قال عليه السلم‪ :‬معاشر شيعتي اصبروا‬
‫على عمل ل غنى بكم عن ثوابه‪ ،‬و اصبروا عن عمل ل صبر لكم على‬
‫عقابه‪ ،‬إنا وجدنا الصبر على طاعة ال أهون من الصبر على عذاب ال‬
‫عزوجل‪ ،‬اعملوا أنكم في أجل محدود‪ ،‬وأمل ممدود‪ ،‬ونفس معدود‪ ،‬ولبد‬
‫للجل أن يتناهى‪ ،‬وللمل أن يطوى‪ ،‬وللنفس أن يحصى‪ ،‬ثم دمعت عيناه‪،‬‬
‫وقرأ " وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون مال تفعلون " )‪.(2‬‬
‫‪ - 5‬يد‪ ،‬لى‪ (3) :‬عن ابن عصام‪ ،‬عن الكليني‪ ،‬عن محمد بن علي بن معن‪،‬‬
‫عن محمد بن علي بن عاتكة‪ ،‬عن الحسن بن النضر الفهري‪ ،‬عن عمرو‬
‫الوزاعي‪ ،‬عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر بن يزيد الجعفي‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫محمد بن علي الباقر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى ال عليه وآله‬
‫بتسعة )‪ (4‬أيام وذلك حين فرغ من جمع القرآن فقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) .67‬النفطار‪ (3) .13 - 11 :‬التوحيد ص ‪ 54‬والمجالس ص‬


‫‪ (4) .193‬في التوحيد " بسبعة " أيام‪.‬‬

‫]‪[381‬‬

‫الحمد ل الذي أعجز الوهام أن تنال إل وجوده‪ ،‬وحجب العقول أن تتخيل ذاته في‬
‫امتناعها من الشبه والشكل‪ ،‬بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته‪ ،‬ولم يتبعض‬
‫بتجزئة العدد في كماله‪ ،‬فارق الشياء ل على اختلف الماكن‪ ،‬وتمكن‬
‫منها ل على الممازجة‪ ،‬وعلمها ل بأداة‪ ،‬ل يكون العلم إل بها‪ ،‬وليس بينه‬
‫وبين معلومة علم غيره‪ ،‬إن قيل‪ " :‬كان " فعلى تأويل أزلية الوجود‪ ،‬وإن‬
‫قيل‪ " :‬لم يزل " فعلى تأويل نفي العدم‪ ،‬فسبحانه وتعالى عن قول من عبد‬
‫سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا‪ .‬نحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه‬
‫وأوجب قبوله على نفسه‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬شهادتان ترفعان القول وتضاعفان‬
‫العمل‪ ،‬خف ميزان ترفعان منه‪ ،‬وثقل ميزان توضعان فيه‪ ،‬وبهما الفوز‬
‫بالجنة‪ ،‬والنجاة من النار‪ ،‬والجواز على الصراط‪ ،‬وبالشهادتين تدخلون‬
‫الجنة وبالصلة تنالون الرحمة‪ ،‬فأكثروا من الصلة على نبيكم وآله " إن‬
‫ال وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا‬
‫تسليما " أيها الناس إنه ل شرف أعلى من السلم‪ ،‬ول كرم أعز من‬
‫التقوى‪ .‬ول معقل آحرز من الورع‪ ،‬ول شفيع أنجح من التوبة‪ ،‬ول كنز‬
‫أنفع من العلم‪ ،‬ول عز أرفع من الحلم‪ ،‬ول حسب أبلغ من الدب‪ ،‬ول نصب‬
‫أوضع من الغضب‪ ،‬ول جمال أزين من العقل‪ ،‬ول سوءة أسوء من الكذب‪،‬‬
‫ول حافظ أحفظ من الصمت‪ ،‬ول لباس أجمل من العافية‪ ،‬ول غائب أقرب‬
‫من الموت‪ .‬أيها الناس إنه من مشى على وجه الرض فانه يصير إلى‬
‫بطنها‪ ،‬والليل والنهار مسرعان في هدم العمار‪ ،‬ولكن ذي رمق قوت‪،‬‬
‫ولكل حبة آكل‪ ،‬وأنت قوت الموت‪ ،‬وإن من عرف اليام لم يغفل عن‬
‫الستعداد‪ ،‬لن ينجو من الموت غني بماله‪ ،‬ول فقير لقلله‪ ،‬أيها الناس من‬
‫خاف ربه كف ظلمه‪ ،‬ومن لم يرع في كلمه أظهر هجره‪ ،‬ومن لم يعرف‬
‫الخير من الشر فهو بمنزلة البهم )‪ ،(1‬ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة‬
‫غدا‪ ،‬هيهات هيهات وما تناكرتم إل لما فيكم من المعاصي‬

‫)‪ (1‬في المجالس " بهيمة "‪.‬‬


‫]‪[382‬‬

‫والذنوب‪ ،‬فما أقرب الراحة من التعب‪ ،‬والبؤس من النعيم‪ ،‬وما شر بشر بعده‬
‫الجنة‪ ،‬وما خير بخير بعده النار‪ ،‬وكل نعيم دون الجنة محقور‪ ،‬وكل بلء‬
‫دون النار عافية‪ - 6 .‬لى‪ (1) :‬عن محمد بن القاسم السترابادي‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي العسكري‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬كم من غافل ينسج ثوبا‬
‫ليلبسه وإنما هو كفنه‪ ،‬ويبني بيتا ليسكنه وإنما هو موضع قبره‪ - 7 .‬لى‪:‬‬
‫)‪ (2‬قيل لمير المؤمنين عليهم السلم‪ :‬ما الستعداد للموت ؟ قال‪ :‬أداء‬
‫الفرائض‪ ،‬واجتناب المحارم‪ ،‬والشتمال على المكارم‪ ،‬ثم ل يبالي أوقع‬
‫على الموت أم وقع الموت عليه‪ ،‬وال ما يبالي ابن أبي طالب أوقع على‬
‫الموت‪ ،‬أم وقع الموت عليه‪ - 8 .‬لى‪ (3) :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫في بعض خطبه‪ :‬أيها الناس إن الدنيا دار فناء والخرة دار بقاء‪ ،‬فخذوا‬
‫من ممركم لمقركم‪ ،‬ول تهتكوا أستاركم عند من ل يخفى عليه أسراركم‪،‬‬
‫وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم‪ ،‬ففي الدنيا‬
‫حييتم‪ ،‬وللخرة خلقتم‪ ،‬إنما الدنيا كالسم يأكله من ل يعرفه‪ ،‬إن العبد إذا‬
‫مات قالت الملئكة‪ :‬ما قدم‪ ،‬وقال الناس‪ :‬ما أخر‪ ،‬فقدموا فضل يكن لكم‪،‬‬
‫ول تؤخروا كل يكن عليكم‪ ،‬فإن المحروم من حرم خير ماله والمغبوط من‬
‫ثقل بالصدقات والخيرات موازينه‪ ،‬وأحسن في الجنة بها مهاده‪ ،‬وطيب‬
‫على الصراط بها مسلكه‪ - 9 .‬لى‪ (4) :‬عن ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي الخطاب‪ ،‬عن المغيرة )‪ (1‬المجالس ص ‪ .67‬وسيأتى بهذا السند أيضا‬
‫عن العيون‪ (2) .‬المجالس ص ‪ (3) .68‬المصدر ص ‪ (4) .68‬المصدر ص‬
‫‪.126‬‬

‫]‪[383‬‬

‫ابن محمد‪ ،‬عن بكر بن خنيس‪ ،‬عن أبي عبد ال الشامي‪ ،‬عن نوف البكالي قال‪:‬‬
‫أتيت أمير المؤمنين عليه السلم وهو في رحبة مسجد الكوفة فقلت‪:‬‬
‫السلم عليك يا أمير ‪ -‬المؤمنين ورحمة ال وبركاته‪ ،‬فقال‪ :‬وعليك السلم‬
‫يا نوف ورحمة ال وبركاته‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أمير المؤمنين عظني‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫نوف أحسن يحسن إليك‪ ،‬فقلت زدني يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬يا نوف ارحم‬
‫ترحم‪ ،‬فقلت‪ :‬زدني يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬يا نوف قل خيرا تذكر بخير‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬زدني يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬اجتنب الغيبة فانها ادام كلب النار‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلل وهو يأكل‬
‫لحوم الناس بالغيبة وكذب من زعم أنه ولد من حلل وهو يبغضني‬
‫ويبغض الئمة من ولدي‪ ،‬وكذب من زعم أنه ولد من حلل وهو يحب‬
‫الزناء وكذب من زعم أنه يعرف ال عزوجل وهو مجتر على معاصي ال‬
‫كل يوم وليلة‪ ،‬يا نوف أقبل وصيتي ل تكونن نقيبا ول عريفا ول عشارا‬
‫ول بريدا‪ ،‬يا نوف صل رحمك يزيد ال في عمرك وحسن خلقك يخفف ال‬
‫في حسابك‪ ،‬يا نوف إن سرك أن تكون معي يوم القيامة فل تكن للظالمين‬
‫معينا‪ ،‬يا نوف من أحبنا كان معنا يوم القيامة‪ ،‬ولو أن رجل أحب حجرا‬
‫لحشره ال معه‪ ،‬يا نوف إياك أن تتزين للناس وتبارز ال بالمعاصي‬
‫فيفضحك ال يوم تلقاه‪ ،‬يا نوف احفظ عني ما أقول لك تنل به خير الدنيا‬
‫والخرة‪ - 10 .‬ن‪ ،‬لى‪ (1) :‬عن علي بن أحمد بن موسى‪ ،‬عن محمد بن‬
‫هارون الصوفي عن عبيدال موسى الروياني‪ ،‬عن عبد العظيم بن عبد ال‬
‫الحسني قال‪ :‬قلت لبي ‪ -‬جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلم يا ابن‬
‫رسول ال حدثني بحديث عن آبائك عليهم السلم فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن‬
‫جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير ‪ -‬المؤمنين عليه السلم‪ :‬ل‬
‫يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا استووا هلكوا‪ .‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬زدني يا ابن‬
‫رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم لو تكاشفتم ما تدافنم‪.‬‬

‫)‪ (1‬العيون ص ‪ .216‬والمجالس ص ‪.267‬‬

‫]‪[384‬‬

‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم‬
‫فسعوهم بطلقة الوجه وحسن اللقاء فاني سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يقول‪ " :‬إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلقكم "‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬من عتب على‬
‫الزمان طالت معتبته‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال فقال‪ :‬حدثني‬
‫أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬مجالسة الشرار تورث سوء الظن بالخيار‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني‬
‫يا ابن رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬
‫قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬قيمة كل امرء ما‬
‫يحسنه‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن‬
‫جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬المرء‬
‫مخبو تحت لسانه‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬حدثني‬
‫أبي‪ ،‬عن جدي عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬ما هلك امرء عرف قدره قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال‪،‬‬
‫فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم‪ .‬قال‪ :‬قلت له‪:‬‬
‫زدني يا ابن رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬من وثق بالزمان‪ ،‬صرع‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬خاطر بنفسه من‬
‫استغنى برأيه‪.‬‬

‫]‪[385‬‬

‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬قلة العيال أحد‬
‫اليسارين‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن‬
‫جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬من‬
‫دخله العجب هلك‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬حدثني‬
‫أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬من أيقن بالخلف جاد بالعطية‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬زدني يا ابن رسول‬
‫ال فقال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن جدي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬من رضي بالعافية ممن دونه رزق السلمة ممن‬
‫فوقه‪ .‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬حسبي‪ - 11 .‬جا‪ ،‬ما‪ (1) :‬عن المفيد‪ ،‬عن علي بن‬
‫محمد بن حبيش الكاتب‪ ،‬عن الحسن بن علي الزعفراني‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫محمد الثقفي‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن عثمان‪ ،‬عن علي بن محمد بن أبي‬
‫سعيد‪ ،‬عن فضيل بن الجعد‪ ،‬عن أبي إسحاق الهمداني قال‪ :‬لما ولى أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم محمد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتابا‬
‫وأمره أن يقرأه على أهل مصر وليعمل بما وصاه به فيه فكان الكتاب‪ :‬بسم‬
‫ال الرحمن الرحيم من عبد ال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أهل‬
‫مصر ومحمد بن أبي بكر‪ ،‬سلم عليكم فإني أحمد إليكم ال الذي ل إله إل‬
‫هو أما بعد فإني اوصيكم بتقوى ال فيما أنتم عنه مسؤولون وإليه‬
‫تصيرون‪ ،‬فإن ال تعالى يقول‪ " :‬كل نفس بما كسبت رهينة " )‪(2‬‬
‫ويقول‪ " :‬ويحذركم ال نفسه وإلى ال المصير " )‪ (3‬ويقول‪ " :‬فوربك‬
‫لنسئلنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " )‪ .(4‬واعلموا عباد ال إن ال‬
‫عزوجل سائلكم عن الصغير من عملكم‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ .152‬وأمالى الشيخ ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .24‬المدثر‪ (3) .43 :‬آل‬
‫عمران‪ (4) .28 :‬الحجر‪.93 :‬‬
‫]‪[386‬‬

‫والكبير فإن يعذب فنحن أظلم وإن يعف فهو أرحم الراحمين‪ .‬يا عباد ال إن أقرب ما‬
‫يكون العبد إلى المغفرة والرحمة حين يعمل ل بطاعته وينصحه في‬
‫التوبة‪ .‬عليكم بتقوى ال فإنها تجمع الخير‪ ،‬ول خير غيرها ويدرك بها من‬
‫الخير ما ل يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الخرة قال ال عزوجل‪" :‬‬
‫وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا‬
‫حسنة ولدار الخرة خير ولنعم دار المتقين )‪ .(1‬اعلموا يا عباد ال إن‬
‫المؤمن من يعمل الثلث من الثواب أما الخير فان ال يثيبه بعمله في دنياه‬
‫قال ال سبحانه لبراهيم " وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الخرة لمن‬
‫الصالحين " )‪ (2‬فمن عمل ل تعالى أعطاه ال أجره في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫وكفاه المهم فيهما‪ ،‬وقد قال ال تعالى " يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم‬
‫للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ال واسعة إنما يوفى الصابرون‬
‫أجرهم بغير حساب )‪ " (3‬فما أعطاهم‪ .‬ال في الدنيا لم يحاسبهم به في‬
‫الخرة‪ .‬قال ال تعالى‪ " :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )‪ " (4‬والحسنى‬
‫هي الجنة والزيادة هي الدنيا‪ .‬وإن ال تعالى يكفر بكل حسنة سيئة قال ال‬
‫عزوجل " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )‪ " (5‬حتى إذا‬
‫كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم‪ ،‬ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها‬
‫إلى سبعمائة ضعف قال ال عزوجل " جزاء من ربك عطاء حسابا )‪" (6‬‬
‫وقال " اولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون )‪" (7‬‬
‫فارغبوا في هذا رحمكم ال‪ ،‬واعملوا له و‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .31 :‬العنكبوت‪ (3) .26 :‬الزمر‪ " .13 :‬بغير حساب " أي أجرا ل‬
‫يهتدى إليه حساب الحساب‪ (4) .‬يونس‪ (5) .27 :‬هود‪ (6) .116 :‬النبأ‪:‬‬
‫‪ .36‬أي حسب لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها‪(7) .‬‬
‫السبأ‪.37 :‬‬

‫]‪[387‬‬

‫تحاضوا عليه )‪ .(1‬واعلموا يا عباد ال إن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله‪،‬‬


‫شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم‪ ،‬أباحهم‬
‫ال ما كفاهم‪ ،‬وأغناهم قال ال عز اسمه " قل من حرم زينة ال التي‬
‫أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا‬
‫خالصة يوم القيمة كذلك نفصل اليات لقوم يعلمون )‪ " (2‬سكنوا الدنيا‬
‫بأفضل ما سكنت‪ ،‬وأكلوها بأفضل ما أكلت‪ ،‬شاركوا أهل الدنيا في دنياهم‬
‫وأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون‪ ،‬وشربوا من طيبات ما يشربون‪،‬‬
‫ولبسوا من أفضل ما يلبسون‪ ،‬وسكنوا من أفضل ما يسكنون‪ ،‬وتزوجوا‬
‫من أفضل ما يتزوجون‪ ،‬وركبوا من أفضل ما يركبون أصابوا لذة الدنيا مع‬
‫أهل الدنيا وهم غدا جيران ال تعالى يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون‪ ،‬ل‬
‫يرد لهم دعوة ول ينقص لهم نصيب من اللذة‪ ،‬فإلى هذا يا عباد ال يشتاق‬
‫إليه من كان له عقل‪ ،‬و يعمل له بتقوى ال‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال‪ .‬يا‬
‫عباد ال إن اتقيتم ال وحفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما‬
‫عبد وذكرتموه بأفضل ما ذكر‪ ،‬وشكرتموه بأفضل ما شكر‪ ،‬وأخذتم بأفضل‬
‫الصبر والشكر‪ ،‬واجتهدتم بأفضل الجتهاد‪ ،‬وإن كان غيركم أطول منكم‬
‫صلة وأكثر منكم صياما‪ ،‬فأنتم أتقى ل وأنصح منهم لولى المر‪ ،‬احذروا‬
‫يا عباد ال الموت وسكرته‪ ،‬فأعدوا له عدته فانه يفجأكم بأمر عظيم‪ ،‬بخير‬
‫ل يكون معه شر أبدا‪ ،‬أو بشر ل يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة‬
‫من عاملها ؟ ومن أقرب إلى النار من عاملها ؟ إنه ليس أحد من الناس‬
‫تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير‪ ،‬إلى الجنة أم النار‬
‫أعدو هو ل أم ولي‪ ،‬فان كان وليا ل فتحت له أبواب الجنة وشرعت له‬
‫طرقها و رأى ما أعد ال له فيها‪ ،‬ففرغ من كل شغل‪ ،‬ووضع عنه كان‬
‫ثقل‪ ،‬وإن كان عدو ال فتحت له أبواب النار‪ ،‬وشرع له طرقها‪ ،‬ونظر إلى‬
‫ما أعد ال له فيها‪ ،‬فاستقبل كل مكروه‪ ،‬وترك كل سرور‪ ،‬كل هذا يكون‬
‫عند الموت‪ ،‬وعنده يكون بيقين‬

‫)‪ (1‬تحاض القوم‪ :‬تحاثوا‪ (2) .‬العراف‪.30 :‬‬

‫]‪[388‬‬

‫قال ال تعالى‪ " :‬الذين تتوفيهم الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم ادخلوا الجنة بما‬
‫كنتم تعملون " )‪ .(1‬ويقول‪ " :‬الذين تتوفيهم الملئكة ظالمي أنفسهم‬
‫فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن ال عليم بما كنتم تعملون *‬
‫فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين " )‪ .(2‬يا عباد‬
‫ال إن الموت ليس منه فوت فاحذروه قبل وقوعه وأعدوا له عدته فإنكم‬
‫طرد الموت‪ ،‬إن أقمتم له أخذكم‪ ،‬وإن فررتم منه أدرككم‪ ،‬وهو ألزم لكم من‬
‫ظلكم‪ ،‬الموت معقود بنواصيكم‪ ،‬والدنيا تطوي خلفكم‪ ،‬فأكثروا ذكر الموت‬
‫عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات وكفى بالموت واعظا‪ ،‬وكان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت فقال‪:‬‬
‫" أكثروا ذكر الموت فإنه هاذم اللذات حائل بينكم وبين الشهوات‪ .‬يا عباد‬
‫ال ما بعد الموت لمن ل يغفر له أشد من الموت‪ ،‬القبر فاحذروا ضيقه‬
‫وضنكه وظلمته وغربته‪ ،‬إن القبر يقول كل يوم‪ :‬أنا بيت الغربة‪ ،‬أنا بيت‬
‫التراب أنا بيت الوحشة‪ ،‬أنا بيت الدود والهوام‪ ،‬والقبر روضة من رياض‬
‫الجنة أو حفرة من حفر النيران‪ ،‬إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الرض‪:‬‬
‫مرحبا وأهل‪ ،‬قد كنت ممن أحب أن تمشي على ظهري‪ ،‬فإذا وليتك فستعلم‬
‫كيف صنيعي بك‪ ،‬فيتسع له مد البصر‪ .‬وإن الكافر إذا دفن قالت له الرض‪:‬‬
‫ل مرحبا بك ول أهل‪ ،‬لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري‪ ،‬فإذا‬
‫وليتك فستعلم كيف صنيعي بك‪ ،‬فتضمه حتى تلتقي أضلعه‪ ،‬وإن المعيشة‬
‫الضنك التي حذر ال منها عدوه عذاب القبر‪ ،‬إنه يسلط على الكافر في‬
‫قبره تسعة وتسعين تنينا فينهشن لحمه ويكسرن عظمه‪ ،‬يترددن عليه‬
‫كذلك إلى يوم يبعث‪ ،‬لو أن تنينا منها تنفخ في الرض لم تنبت زرعا أبدا‪.‬‬
‫]اعلموا[ يا عباد ال إن أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .34 :‬النحل‪ 30 :‬و ‪ (3) .31‬الهاذم بالذال المعجمة بمعنى الهادم‪.‬‬

‫]‪[389‬‬

‫يكفيها اليسير‪ ،‬تضعف عن هذا فان استطعتم أن تجزعوا لجسادكم )‪ (1‬وأنفسكم‬


‫مما ل طاقة لكم به ول صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب ال‪ ،‬واتركوا ما‬
‫كره ال‪ .‬يا عباد ال إن بعد البعث ما هو أشد من القبر يوم يشيب فيه‬
‫الصغير‪ ،‬ويسكر منه الكبير‪ ،‬ويسقط فيه الجنين‪ ،‬وتذهل كل مرضعة عما‬
‫أرضعت‪ ،‬يوم عبوس قمطرير يوم كان شره مستطيرا‪ ،‬إن فزع ذلك اليوم‬
‫ليرهب الملئكة الذين ل ذنب لهم وترعد منه السبع الشداد‪ ،‬والجبال‬
‫الوتاد‪ ،‬والرض المهاد‪ ،‬وتنشق السماء فهي يومئذ واهية‪ ،‬وتتغير فكأنها‬
‫وردة كالدهان‪ ،‬وتكون الجبال سرابا مهيل‪ ،‬بعد ما كانت صما صلبا‪،‬‬
‫وينفخ في الصور فيفزع من في السموات ومن في الرض إل من شاء‬
‫ال‪ ،‬فكيف من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج‬
‫والبطن‪ ،‬إن لم يغفر ال له ويرحمه من ذلك اليوم لنه يفضى ويصير إلى‬
‫غيره إلى نار قعرها بعيد‪ ،‬وحرها شديد‪ ،‬و شرابها صديد‪ ،‬وعذابها جديد‪،‬‬
‫ومقامعها حديد‪ ،‬ل يفتر عذابها‪ ،‬ول يموت ساكنها‪ ،‬دار ليس فيها رحمة‪،‬‬
‫ول تسمع لهلها دعوة‪ .‬واعلموا يا عباد ال إن مع هذا رحمة ال التي ل‬
‫تعجز العباد جنة عرضها كعرض السموات والرض اعدت للمتقين‪ ،‬ل‬
‫يكون معها شر أبدا‪ .‬لذاتها ل تمل ومجتمعها ل يتفرق‪ ،‬وسكانها قد جاوروا‬
‫الرحمن‪ ،‬وقام بين أيديهم الغلمان بصحاف من الذهب فيها الفاكهة‬
‫والريحان‪ .‬ثم اعلم يا محمد بن أبي بكر إني قد وليتك أعظم أجنادي في‬
‫نفسي أهل مصر فإذا وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف‬
‫منه على نفسك‪ ،‬وأن تحذر منه على دينك‪ ،‬فإن استطعت أن ل تسخط ربك‬
‫برضى أحد من خلقه فافعل فان ل عزوجل خلفا من غيره وليس في شئ‬
‫سواه خلف منه‪ ،‬اشتد على الظالم‪ ،‬وخذ عليه ولن لهل الخير وقربهم‪،‬‬
‫واجعلهم بطانتك وأقرانك‪ ،‬وانظر إلى صلتك كيف هي فإنك إمام لقومك ان‬
‫تتمها ول تخففها وليس من إمام يصلي بقوم يكون في صلتهم نقصان إل‬
‫كان عليه ل ينقص من صلتهم شئ‪ ،‬وتممها وتحفظ فيها يكن لك‬

‫)‪ (1‬في مجالس المفيد " تنزعوا أجسادكم " وهو الصواب‪.‬‬

‫]‪[390‬‬

‫مثل اجورهم ول ينقص ذلك من أجرهم شئ‪ ،‬وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام‬
‫الصلة‪ ،‬تمضمض ثلث مرات‪ ،‬واستنشق ثلثا‪ ،‬واغسل وجهك ثم يدك‬
‫اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك فإني رأيت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يصنع ذلك‪ ،‬واعلم أن الوضوء نصف اليمان ثم ارتقب وقت‬
‫الصلة فصلها لوقتها‪ ،‬ول تعجل بها قبله لفراغ‪ ،‬ول تؤخرها عنه لشغل‪،‬‬
‫فان رجل سأل رسول ال صلى ال عليه وآله عن أوقات الصلة فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أتاني جبرئيل عليه السلم وقت الصلة‬
‫حين زالت الشمس فكانت على حاجبه اليمن‪ ،‬ثم أتاني وقت العصر فكان‬
‫ظل كل شئ مثله‪ ،‬ثم صلى المغرب حين غربت الشمس‪ ،‬ثم صلى العشاء‬
‫الخرة حين غاب الشفق ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشبكة فصل‬
‫لهذه الوقات‪ .‬وألزم السنة المعروفة والطريق الواضح‪ ،‬ثم انظر ركوعك‬
‫وسجودك فان رسول ال صلى ال عليه وآله كان أتم الناس صلة وأخفهم‬
‫عمل فيها‪ .‬واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلتك فمن ضيع الصلة فانه‬
‫لغيرها أضيع‪ ،‬أسأل ال الذي يرى ول يرى وهو بالمنظر العلى أن يجعلنا‬
‫وإياك ممن يحب ويرضى حتى يعيننا وإياك على شكره وذكره‪ ،‬وحسن‬
‫عبادته وأداء حقه وعلى كل شئ اختار لنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا‪ .‬وأنتم‬
‫يا أهل مصر فليصدق قولكم فعلكم وسركم علنيتكم‪ ،‬ول تخالف ألسنتكم‬
‫قلوبكم‪ ،‬واعلموا أنه ل يستوي إمام الهدى وإمام الردى ووصي النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وعدوه‪ .‬إني ل أخاف عليكم مؤمنا ول مشركا‪ ،‬أما‬
‫المؤمن فيمنعه ال بإيمانه وأما المشرك فيحجزه ال عنكم بشركه ولكني‬
‫أخاف عليكم المنافق‪ ،‬يقول ما تعرفون‪ ،‬ويعمل ما تنكرون‪ .‬يا محمد بن أبي‬
‫بكر اعلم أن أفضل العفة الورع في دين ال‪ ،‬والعمل بطاعته وإني اوصيك‬
‫بتقوى ال في أمر سرك وعلنيتك‪ ،‬وعلى أي حال كنت عليه‪ ،‬الدنيا دار‬
‫بلء ودار فناء والخرة دار الجزاء ودار البقاء‪ ،‬واعمل لما يبقى واعدل‬
‫عما يفنى ول تنس نصيبك من الدنيا‪ .‬اوصيك بسبع هن جوامع السلم‪:‬‬
‫تخشى ال عزوجل ول تخشى الناس في ال‪.‬‬

‫]‪[391‬‬
‫وخير القول ما صدقه العمل‪ ،‬ول تقض في أمر واحد بقضائين مختلفين فيختلف‬
‫أمرك وتزيغ عن الحق‪ ،‬وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك‪،‬‬
‫واكره لهم ما تكره لنفسك ولهل بيتك‪ ،‬فان ذلك أوجب للحجة‪ ،‬وأصلح‬
‫للرعية‪ ،‬و خض الغمرات إلى الحق ول تخف في ال لومة لئم‪ .‬وأنصح‬
‫المرء إذا استشارك‪ ،‬واجعل نفسك اسوة لقريب المسلمين وبعيدهم جعل‬
‫ال مودتنا في الدين‪ ،‬وحلنا وإياكم حلية المتقين أبقى لكم طاعتكم حتى‬
‫يجعلنا وإياكم بها إخوانا على سرر متقابلين‪ ،‬أحسنوا أهل مصر موازرة‬
‫محمد أميركم وأثبتوا على طاعته تردوا حوض نبيكم صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫أعاننا ال وإياكم على ما يرضيه والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ .‬بشا‪:‬‬
‫)‪ (1‬أخبرنا الشيخ المام أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه قراءة‬
‫عليه بالري سنة عشرة وخمسمائة عن شيخ الطائفة مثله ‪ -‬إلى قوله ‪-‬‬
‫فأنتم أتقى ل عز وجل منه وأنصح لولي المر‪ ،‬ثم قال‪ :‬والخبر بكماله‬
‫أوردته في كتاب الزهد والتقوى‪ - 12 .‬لى‪ (2) :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫ابن هاشم‪ ،‬عن ابن أبي نجران‪ ،‬عن ابن حميد‪ ،‬عن محمد بن قيس‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬كان أمير المؤمنين عليه السلم بالكوفة إذا‬
‫صلى العشاء الخرة ينادي الناس ثلث مرات حتى يسمع أهل المسجد أيها‬
‫الناس تجهزوا رحمكم ال فقد نودي فيكم بالرحيل‪ ،‬فما التعرج على الدنيا‬
‫بعد نداء فيها بالرحيل‪ ،‬تجهزوا رحمكم ال وانتقلوا بأفضل ما بحضرتكم‬
‫من الزاد وهو التقوى واعلموا أن طريقكم إلى المعاد وممركم على الصراط‬
‫والهول العظم أمامكم على طريقكم عقبة كؤودة ومنازل مهولة مخوفة‪ ،‬ل‬
‫بد لكم من الممر عليها والوقوف بها فاما برحمة من ال فنجاة من هولها‬
‫وعظم خطرها وفظاعة منظرها وشدة مختبرها وإما بهلكة ليس بعدها‬
‫انجبار‪.‬‬

‫)‪ (1‬بشارة المصطفى ص ‪ (2) .52‬المالى ص ‪.298‬‬

‫]‪[392‬‬

‫ج‪ (1) :‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن ابن‬
‫مهزيار‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عمرو بن أبي المقدام‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم مثله‪ - 13 .‬لى‪ (2) :‬عن الدقاق‪ ،‬عن محمد بن الحسن‬
‫الطاري‪ ،‬عن محمد بن الحسين الخشاب‪ ،‬عن محمد بن محسن‪ ،‬عن‬
‫المفضل بن عمر‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن‬
‫أبيه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬وال ما دنياكم‬
‫عندي إل كسفر على منهل )‪ (3‬حلوا‪ ،‬إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا‪ ،‬ول‬
‫لذاذتها في عيني إل كحميم أشربه غساقا وعلقم أتجرع به زعاقا وسم‬
‫أفعاة )‪ (4‬أسقاه دهاقا وقلدة من نار أوهقها حناقا‪ ،‬ولقد رقعت مدرعتي‬
‫هذه حتى استحييت من راقعها وقال لي اقذف بها قذف التن‪ ،‬ل يرتضيها‬
‫ليرقعها فقلت‪ :‬له اعزب عني‪ .‬في عند الصباح يحمد القوم السرى *‬
‫وتنجلي عني عللت الكرى )‪ (5‬ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش‬
‫من ديباجكم‪ ،‬ولكلت لباب هذا البر بصدور دجاجكم‪ ،‬ولشربت الماء الزلل‬
‫برقيق زجاجكم‪ ،‬ولكني أصدق ال جلت عظمته حيث يقول " من كان يريد‬
‫الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم ل يبخسون * أولئك‬
‫الذين ليس لهم في الخرة إل النار " )‪ (6‬فكيف أستطيع‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ (2) .116‬المجالس ‪ (3) .368‬السفر ‪ -‬بالفتح فالسكون ‪-‬‬
‫جمع سافر وهو المسافر‪ .‬والمنهل موضع شرب الماء على الطريق‪ .‬اعلم‬
‫أن الخبر بتمامه مر في المجلد ‪ 40‬ص ‪ 346‬مع توضيح لغاته وتفسير‬
‫غريبه مفصل من المؤلف ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬فل حاجة إلى بيان مشكله ههنا‪.‬‬
‫)‪ (4‬في المصدر " الفعى "‪ (5) .‬العللة‪ :‬بقية كل شئ‪ .‬وفى بعض‬
‫النسخ " غللت " بالمعجمة جمع غللة وهى شعار تلبس تحت الثوب‬
‫استعار لما يشمل النسان من حالة النوم‪ .‬وفى المحكى عن مجمع المثال‬
‫" غيابات " وفى بعض نسخ المجمع " عمايات " والكرى النعاس‪(6) .‬‬
‫هود‪ 15 :‬و ‪.16‬‬

‫]‪[393‬‬

‫الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الرض لحرقت نبتها ولو اعتصمت نفس بقلة‬
‫لنضجها وهج النار في قلتها‪ ،‬وأيما خير لعلي ؟ ! أن يكون عند ذي‬
‫العرش مقربا ؟ أو يكون في لظى خسيئا مبعدا‪ ،‬مسخوطا عليه بجرمه‬
‫مكذبا ؟ وال لن أبيت على حسك السعدان مرقدا وتحتي أطمار على سفاها‬
‫ممددا‪ ،‬أواجر في أغللي مصفدا أحب إلي من أن ألقى في القيامة محمدا‬
‫خائنا في ذي يتمة أظلمه ]بفلسه[ متعمدا ولم أظلم اليتيم وغير اليتيم لنفس‬
‫تسرع إلى البلء قفولها‪ ،‬ويمتد في أطباق الثرى حلولها وإن عاشت رويدا‬
‫فبذي العرش نزولها‪ .‬معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم الدنيا بأنيابها‪،‬‬
‫تختطت منكم نفسا بعد نفس كذئابها‪ ،‬وهذه مطايا الرحيل قد انيخت‬
‫لركابها‪ ،‬أل إن الحديث ذوشجون فل يقولن قائلكم إن كلم علي متناقض‬
‫لن الكلم عارض‪ .‬ولقد بلغني أن رجل من قطان المدائن تبع بعد الحنيفية‬
‫علوجه ولبس من نالة دهقانه منسوجه‪ ،‬وتضمخ بمسك هذه النوافج‬
‫صباحه‪ ،‬وتبخر بعود الهند رواحه‪ ،‬وحوله ريحان حديقة يشم تفاحه‪ ،‬وقد‬
‫مد له مفروشات الروم على سرره‪ ،‬تعسا له بعد ما ناهز السبعين من‬
‫عمره‪ ،‬وحوله شيخ يدب على أرضه من هرمه‪ ،‬وذو يتمة تضور من ضره‬
‫ومن قرمه فما واساهم بفاضلت من علقمه‪ ،‬لئن أمكنني ال منه لخضمنه‬
‫خضم البر‪ ،‬ولقيمن عليه حد المرتد‪ ،‬ولضربنه الثمانين بعد حد‪ ،‬ولسدن‬
‫من جهله كل مسد تعسا له أفل شعر ؟ أفل صوف ؟ أفل وبر ؟ أفل رغيف‬
‫قفار الليل إفطار مقدم )‪ (1‬أفل عبرة على خد في ظلمة ليال تنحدر ؟ ولو‬
‫كان مؤمنا لتسقت له الحجة إذا ضيع ما ل يملك‪ .‬وال لقد رأيت عقيل‬
‫أخي وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعة‪ ،‬و عاودني في عشر وسق‬
‫من شعيركم يطعمه جياعه‪ ،‬ويكاد يلوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه‪،‬‬
‫ورأيت أطفاله شعث اللوان من ضرهم‪ ،‬كأنما اشمازت وجوههم من قرهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ أفل رغيف لليل افطار معدم "‪.‬‬

‫]‪[394‬‬

‫فلما عاودني في قوله وكرره أصغيت إليه سمعي فغره‪ ،‬وظنني واتغ ديني فأتبع ما‬
‫سره أحميت له حديدة ينزجر )‪ (1‬إذ ل يستطيع منها دنوا ول يصبر‪ ،‬ثم‬
‫أدنيتها من جسمه‪ ،‬فضج من ألمه ضجيج ذي دنف يئن من سقمه‪ ،‬وكاد‬
‫يسبني سفها من كظمه‪ ،‬ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه‪ ،‬فقلت له‪،‬‬
‫ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من الذى ول أئن من لظى‪ ،‬وال لو سقطت‬
‫المكافأة عن المم‪ ،‬وتركت في مضاجعها باليات في الرمم لستحييت من‬
‫مقت رقيب يكشف فاضحات من الوزار تنسخ‪ ،‬فصبرا على دنيا تمر‬
‫بلوائها‪ ،‬كليلة بأحلمها تنسلخ‪ ،‬كم بين نفس في خيامها ناعمة‪ .‬وبين أثيم‬
‫في جحيم يصطرخ‪ ،‬فل تعجب )‪ (2‬من هذا‪ .‬وأعجب بل صنع منا من طارق‬
‫طرقنا بملفوفات زملها في وعائها‪ ،‬ومعجونة بسطها في إنائها‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫أصدقة أم نذر أم زكاة ؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة‪ ،‬وعوضنا‬
‫منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة‪ ،‬فقال لي‪ :‬ل ذاك ول ذاك ولكنه‬
‫هدية‪ .‬فقلت له‪ :‬ثكلتك الثواكل أفعن دين ال تخدعني بمعجونة عرقتموها‬
‫بقندكم وخبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم‪ ،‬أمختبط أم ذوجنة‪ ،‬أم‬
‫تهجر ؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة‪ ،‬فماذا أقول في‬
‫معجونة أتزقمها معمولة وال لو اعطيت القاليم السبعة بما تحت أفلكها‬
‫واسترق لي قطانها )‪ (1‬مذعنة باملكها على أن أعصي ال في نملة‬
‫أسلبها شعيرة فألوكها ما قبلت ول أردت‪ ،‬ولدنياكم أهون عندي من ورقة‬
‫في في جرادة تقضمها‪ ،‬وأقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها‪،‬‬
‫وأمر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذوسقم فيبشمها‪ .‬فكيف أقبل ملفوفات‬
‫عكمتها في طيها‪ ،‬ومعجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيئها‪.‬‬
‫)‪ (1‬في المصدر " لينزجر "‪ (2) .‬في المصدر " ول تعجب "‪ (3) .‬قطان جمع‬
‫قاطن وهو الساكن والذى اقام في بلدة وتوطنها‪.‬‬

‫]‪[395‬‬

‫أللهم إني نفرت عنها نفار المهرة من كيها ‪ " -‬اريه السها ويريني القمر " )‪- (1‬‬
‫ءأمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة وأبتلع إبل في مبركها رابطة ؟ !‬
‫أدبيب العقارب من وكرها ألتقط ؟ أم قواتل الرقش في مبيتي أرتبط ؟‬
‫فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي وأقراصي ؟ فبتقوى ال أرجو خلصي‪.‬‬
‫ما لعلي ونعيم يفنى‪ ،‬ولذة تنحتها المعاصي‪ .‬سألقى وشيعتي ربنا بعيون‬
‫ساهرة‪ .‬وبطون خماص " ليمحص ال الذين آمنوا ويمحق الكافرين "‬
‫ونعوذ بال من سيئات العمال‪ ،‬وصلى ال على محمد وآله‪ - 14 .‬فس‪) :‬‬
‫‪ (2‬قال أمير المؤمنين عليه السلم يوما وقد تبع جنازة فسمع رجل يضحك‬
‫فقال‪ :‬كأن الموت فيها على غيرنا كتب‪ ،‬وكأن الحق فيها على غيرنا وجب‬
‫وكأن الذي نسمع من الموات سفر عما قليل إلينا راجعون‪ ،‬ننزلهم‬
‫أجداثهم‪ .‬و نأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم‪ ،‬قد نسينا كل واعظة‪ ،‬ورمينا‬
‫بكل جائحة‪ ،‬أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس‪ ،‬وتواضع‬
‫من غير منقصة‪ ،‬وجالس أهل التفقه )‪ (3‬والرحمة‪ ،‬وخالط أهل الذل‬
‫والمسكنة‪ ،‬وأنفق مال جمعه في غير معصية‪ .‬أيها الناس طوبى لمن ذل‬
‫في نفسه‪ ،‬وطاب كسبه‪ ،‬وصلحت سريرته‪ ،‬وحسنت خليقته‪ ،‬وأنفق الفضل‬
‫من ماله‪ ،‬وأمسك الفضل من كلمه‪ ،‬وعدل )‪ (4‬عن الناس شره‪ ،‬وسعته‬
‫السنة ولم يتعد إلى البدعة‪ .‬يا أيها الناس طوبى لمن لزم بيته‪ ،‬وأكل‬
‫كسرته‪ ،‬وبكى على خطيئته‪ ،‬و كان من نفسه في تعب )‪ (5‬والناس منه في‬
‫الراحة‪.‬‬

‫)‪ (1‬هذا مثل‪ ،‬وقد هجا به الكميت الحجاج هكذا‪ :‬شكونا إليه خراب السواد * فحرم‬
‫علينا لحوم البقر فكنا كما قال من قبلنا * " اريها السها وتريني القمر "‬
‫)‪ (2‬تفسير القمى " ره " ص ‪ (3) .428‬في بعض النسخ " اهل الفقه‬
‫"‪ (4) .‬في بعض النسخ " كف عن الناس "‪ (5) .‬في بعض النسخ " في‬
‫شغل "‪.‬‬

‫]‪[396‬‬

‫‪ - 15‬ل‪ (1) :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني عن‬
‫جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪:‬‬
‫كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلث ليس معهن‬
‫رابعة‪ :‬من كانت الخرة همه كفاه ال همه في الدنيا )‪ ،(2‬ومن أصلح‬
‫سريرته أصلح ال علنيته‪ ،‬ومن أصلح فيما بينه وبين ال عزوجل أصلح‬
‫ال فيما بينه وبين الناس‪ - 16 .‬ل‪ (3) :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫حماد بن عيسى‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم في وصيته لبنه محمد بن الحنفية‪ :‬إياك والعجب‪،‬‬
‫وسوء الخلق‪ ،‬وقلة الصبر فإنه ل يستقيم لك على هذه الخصال الثلث‬
‫صاحب‪ ،‬ول يزال لك عليها من الناس مجانب‪ ،‬وألزم نفسك التودد وصبر‬
‫على مؤونات الناس نفسك‪ ،‬وابذل لصديقك نفسك ومالك‪ ،‬ولمعرفتك )‪(4‬‬
‫رفدك ومحضرك‪ ،‬وللعامة بشرك ومحبتك‪ ،‬ولعدوك عدلك وإنصافك‪،‬‬
‫واضنن بدينك وعرضك عن كل أحد فإنه أسلم لدينك ودنياك‪ - 17 .‬ما‪(5) :‬‬
‫عن المفيد‪ ،‬عن الحسين بن محمد التمار‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن أبي‬
‫نعيم‪ ،‬عن صالح بن عبد ال‪ ،‬عن هشام بن أبي مخنف‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن‬
‫أبي أسحاق السبيعي‪ ،‬عن الصبغ بن نباتة قال‪ :‬إن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم خطب ذات يوم فحمد ال وأثنى عليه وصل على النبي صلى ال‬
‫عليه وآله قال‪ :‬أيها الناس اسمعوا مقالتي وعوا كلمي إن الخيلء من‬
‫التجبر والنخوة من التكبر‪ ،‬وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل‪ ،‬أل إن‬
‫المسلم أخو المسلم فل تنابزوا ول تخاذلوا فإن شرائع الدين واحدة وسبيله‬
‫قاصدة من أخذ بها لحق‪ ،‬ومن تركها مرق‪ ،‬ومن فارقها محق‪ ،‬ليس‬
‫المسلم بالخائن إذا ائتمن‪ ،‬ول بالمخلف إذا وعد‪ ،‬ول بالكذوب إذا نطق‪،‬‬
‫نحن أهل بيت ‪-‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .64‬في بعض النسخ " من الدنيا "‪ (3) .‬الخصال ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (4) .72‬أي لصحابك‪ (5) .‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ 9‬و ‪.10‬‬

‫]‪[397‬‬

‫الرحمة‪ ،‬وقولنا الحق‪ ،‬وفعلنا القسط‪ ،‬ومنا خاتم النبيين‪ ،‬وفينا قادة السلم وامناء‬
‫الكتاب‪ ،‬ندعوكم إلى ال ورسوله وإلى جهاد عدوه والشدة في أمره‬
‫وابتغاء رضوانه وإلى إقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬وصيام‬
‫شهر رمضان وتوفير الفئ لهله‪ .‬أل وإن أعجب العجب أن معاوية بن أبي‬
‫سفيان الموي وعمرو بن العاص السهمي يحرضان الناس على طلب‬
‫الدين بزعمهما‪ ،‬وإني وال لم اخالف رسول ال صلى ال عليه وآله قط‬
‫ولم أعصه في أمر قط أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها البطال‪،‬‬
‫وترعد فيها الفرائص بقوة أكرمني ال بها فله الحمد‪ ،‬ولقد قبض النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وأن رأسه في حجري‪ ،‬ولقد وليت غسله اغسله بيدي‬
‫وتقلبه الملئكة المقربون معي‪ ،‬وأيم ال ما اختلف امة بعد نبيها إل ظهر‬
‫باطلها على حقها إل ما شاء ال‪ .‬قال‪ :‬فقام عمار بن ياسر ‪ -‬رحمة ال‬
‫عليه ‪ -‬فقال‪ :‬أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن المة لم يستقم عليه فتفرق‬
‫الناس وقد نفذت بصائرهم‪ - 18 .‬فس‪ (1) :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬للظالم غدا يكفيه عضه يديه‪ ،‬و الرحيل وشيك‪ ،‬وللخلء ندامة إل‬
‫المتقين‪ - 19 .‬ب‪ (2) :‬عن ابن ظريف‪ ،‬عن ابن علوان‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن‬
‫أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال علي عليه السلم‪ ،‬ما ملئ بيت قط خيره إل‬
‫أوشك أن يمل غيره‪ ،‬وما ملئ بيت قط غيره إل أن يوشك أن يمل خيره )‬
‫‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى ص ‪ (2) .612‬قرب السناد ص ‪ (3) .57‬كذا‪ .‬وهكذا في المصدر‪،‬‬
‫ويمكن أن يتكلف في معناه ويقال‪ :‬المراد من غيره تغير الحال وانتقالها‬
‫عن الصلح إلى الفساد وذلك لما تحقق من أن الشئ إذا جاوز حده‬
‫انعكس ضده‪ .‬لكن الظاهر فيه تصحيف والصحيح " ما ملئ بيت قط حبرة‬
‫ال أوشك أن يملء عبرة‪ ،‬وما ملئ بيت قط عبرة ال يوشك أن يملء‬
‫حبرة " وقد مر نظيره ص ‪ 351‬والحبرة بالفتح النعمة وسعة العيش‪،‬‬
‫والعبرة بالفتح الدمعة قبل أن تفيض أو الحزن بل بكاء ذكرهما الفيروز‬
‫آبادي‪.‬‬

‫]‪[398‬‬

‫‪ - 20‬ب‪ (1) :‬عن أبي البختري‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم أن عليا عليه‬
‫السلم قال لرجل وهو يوصيه‪ :‬خذ مني خمسا‪ :‬ل يرجون أحدكم إل ربه‪،‬‬
‫ول يخاف إل ذنبه‪ ،‬ول يستحي أن يتعلم ما ل يعلم‪ ،‬ول يستحي إذا سئل‬
‫عما ل يعلم أن يقول ل أعلم‪ ،‬واعلموا أن الصبر من اليمان بمنزلة الرأس‬
‫من الجسد‪ - 21 .‬ما‪ (2) :‬عن المفيد‪ ،‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن‬
‫أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلم قال‪:‬‬
‫قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أفضل ما توسل به المتوسلون اليمان‬
‫بال‪ ،‬ورسوله‪ ،‬والجهاد في سبيل ال‪ ،‬وكلمة الخلص فإنها الفطرة‪،‬‬
‫وإقام الصلة فإنها الملة‪ ،‬وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض ال‪ ،‬وصيام شهر‬
‫رمضان فانه جنة من عذاب ال‪ ،‬وحج البيت فإنه ميقات للدين )‪ (3‬و‬
‫مدحضة للذنب )‪ (4‬وصلة الرحم فإنها مثراة للمال‪ ،‬ومنسأة للجل )‪(5‬‬
‫والصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة‪ ،‬وتطفئ غضب الرب‪ ،‬وصنايع‬
‫المعروف فإنها تدفع ميتة السوء‪ ،‬وتقي مصارع الهوان‪ .‬أل فاصدقوا فان‬
‫ال مع من صدق‪ ،‬وجانبوا الكذب فان الكذب مجانب اليمان أل وإن‬
‫الصادق على شفا منجاة وكرامة‪ ،‬أل وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة‬
‫أل وقولوا خيرا تعرفوا به‪ ،‬واعملوا به تكونوا من أهله‪ ،‬وأدوا المانة إلى‬
‫من ائتمنكم‪ ،‬وصلوا من قطعكم‪ ،‬وعودوا بالفضل على من ساء لكم )‪.(6‬‬
‫ع‪ (7) :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن إبراهيم بن مهزيار‪ ،‬عن أخيه‪ ،‬عن حماد‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) .72‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .220‬في بعض النسخ " منفاة‬
‫للفقر "‪ (4) .‬المدحضة ‪ -‬بفتح الميم ‪ :-‬المزلة والمزلقة‪ (5) .‬أي مكثر‬
‫للثروة‪ .‬والنسيئ‪ :‬التاخير‪ .‬والمراد بالجل‪ :‬العمر‪ (6) .‬في المصدر "‬
‫وعودوا بالفضل عليهم "‪ (7) .‬علل الشرائع المجلد الول الباب الثاني‬
‫والثمانون بعد المائة‪.‬‬

‫]‪[399‬‬

‫ابن عيسى‪ ،‬عن إبراهيم بن عمر بإسناده يرفعه إلى علي بن أبي طالب عليه السلم‬
‫مثله‪ .‬ين‪ (1) :‬عن حماد مثله‪ - 22 .‬ل‪ (2) :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أيوب‬
‫بن نوح‪ ،‬عن الربيع بن محمد المسلي‪ ،‬عن عبد العلى‪ ،‬عن نوف قال‪ :‬بت‬
‫ليلة عند أمير المؤمنين عليه السلم فكان يصلي الليل كله‪ ،‬ويخرج ساعة‬
‫بعد ساعة فينظر إلى السماء‪ ،‬ويتلو القرآن قال‪ :‬فمر بي بعد هدوء من‬
‫الليل فقال‪ :‬يا نوف أراقد أنت أم رامق )‪ (3‬قلت‪ :‬بل رامق أرمقك ببصري‬
‫يا أمير المؤمنين قال‪ :‬يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في‬
‫الخرة اولئك الذين اتخذوا الرض بساطا‪ ،‬وترابها فراشا‪ ،‬وماءها طيبا‪،‬‬
‫والقرآن دثارا والدعاء شعارا‪ ،‬وقرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج‬
‫عيسى بن مريم عليه السلم‪ .‬إن ال عزوجل أوحى إلى عيسى بن مريم‬
‫عليه السلم‪ :‬قل للمل من بني ‪ -‬إسرائيل‪ :‬ل تدخلوا بيوتا من بيوتي إل‬
‫بقلوب طاهرة‪ ،‬وأبصار خاشعة‪ ،‬وأكف نقية‪ ،‬وقل لهم‪ :‬اعلموا أني غير‬
‫مستجيب لحد منكم دعوة‪ ،‬ول لحد من خلقي قبله مظلمة‪ .‬يا نوف إياك أن‬
‫تكون عشارا‪ ،‬أو شاعرا‪ ،‬أو شرطيا‪ ،‬أو عريفا )‪ (4‬أو صاحب عرطبة‪،‬‬
‫وهي الطنبور‪ ،‬أو صاحب كوبة‪ ،‬وهو الطبل فان نبي ال داود عليه السلم‬
‫خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال‪ :‬إنها الساعة التي ل ترد فيها دعوة‬
‫إل دعوة عريف‪ ،‬أو دعوة شاعر‪ ،‬أو دعوة عاشر )‪ (5‬أو شرطي‪ ،‬أو‬
‫صاحب عرطبة )‪ (6‬أو صاحب كوبة‪.‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .164‬الراقد‪ :‬النائم‪ .‬والرامق‪ :‬اللحظ‬
‫والناظر في الشئ‪ (4) .‬العريف ‪ -‬بالفتح والتخفيف‪ :‬العالم بالشئ ومن‬
‫يعرف أصحابه‪ ،‬والقيم بأمر القوم والنقيب وهو دون الرئيس‪(5) .‬‬
‫العشار والعاشر الذى ياخذ العشرية والخراج والجباية‪ (6) .‬العرطبة‪:‬‬
‫العود‪.‬‬
‫]‪[400‬‬

‫‪ - 23‬ل )‪ (1‬عن الحسن بن حمزة العلوي‪ ،‬عن يوسف بن محمد الطبري‪ ،‬عن سهل‬
‫بن نجدة‪ (2) ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ،‬عن زكريا بن أبي زائدة‪ ،‬عن عامر‬
‫الشعبي‪ ،‬قال تكلم أمير المؤمنين عليه السلم بتسع كلمات ارتجلهن ارتجال‬
‫فقأن عيون البلغة‪ ،‬وأيتمن جواهر الحكمة‪ ،‬وقطعن جميع النام عن‬
‫اللحاق بواحدة منهن ثلث منها في المناجاة‪ ،‬و ثلث منها في الحكمة‪،‬‬
‫وثلث منها في الدب‪ .‬فأما اللتي في المناجاة فقال‪ :‬إلهي كفى بي عزا أن‬
‫أكون لك عبدا‪ ،‬وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا‪ ،‬أنت كما احب فاجعلني كما‬
‫تحب‪ .‬وأما اللتي في الحكمة فقال‪ :‬قيمة كل امرء ما يحسنه‪ ،‬وما هلك‬
‫امرء عرف قدره‪ ،‬والمرء مخبو تحت لسانه‪ .‬واللتي في الدب فقال‪ :‬امنن‬
‫على من شئت تكن أميره‪ ،‬واحتج إلى من شئت تكن أسيره‪ ،‬واستغن عمن‬
‫شئت تكن نظيره‪ - 24 .‬ل‪ (3) :‬عن العطار‪ ،‬عن أبيه وسعد معا‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن الحسن بن علي ابن أبي عثمان‪ ،‬عن موسى بن بكر‪ ،‬عن أبي‬
‫الحسن الول‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫عشرة يفتنون أنفسهم وغيرهم‪ ،‬ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم الناس‬
‫كثيرا‪ ،‬والرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس بذي فطنة‪ ،‬والذي يطلب مال‬
‫يدرك ول ينبغي له‪ ،‬والكاد عند المتئد )‪ ،(4‬والمتئد‪ :‬الذي ليس له مع‬
‫تؤدته علم وعالم غير مريد للصلح‪ ،‬ومريد للصلح ليس بعالم‪ ،‬والعالم‬
‫يحب الدنيا‪ ،‬و الرحيم بالناس يبخل بما عنده‪ ،‬وطالب العلم يجادل فيه من‬
‫هو أعلم‪ ،‬فإذا علمه لم يقبل منه‪ - 25 .‬ل‪ (5) :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن‬
‫يحيى العطار‪ ،‬وأحمد بن إدريس معا‪ ،‬عن سهل عن محمد بن الحسن‬
‫الزيات‪ ،‬عن عمرو بن عثمان الخزاز‪ ،‬عن ثابت بن دينار‪ ،‬عن سعد بن‬
‫طريف الخفاف‪ ،‬عن الصبغ بن نباتة قال‪ :‬كان أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬الخصال‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .45‬في المصدر " سهل بن نحره "‪ (3) .‬المصدر ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (4) .53‬اتأد في المر‪ :‬تمهل وتأنى‪ .‬والتؤدة ‪ -‬كلمزة ‪ -‬الرزانة‬
‫وتأنى‪ (5) .‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.94‬‬

‫]‪[401‬‬

‫الصدق أمانة‪ ،‬والكذب خيانة‪ ،‬والدب رئاسة‪ ،‬والحزم كياسة‪ ،‬والسرف متواة‬
‫والقصد مثراة )‪ (1‬والحرص مفقرة‪ ،‬والدناءة محقرة‪ ،‬والسخاء قربة‪،‬‬
‫واللؤم غربة والرقة استكانة‪ ،‬والعجز مهانة‪ ،‬والهوى ميل‪ ،‬والوفاء كيل‪،‬‬
‫والعجب هلك‪ ،‬و الصبر ملك )‪ - 26 .(2‬ن‪ (3) :‬عن المفسر‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن الحسن الحسيني‪ ،‬عن الحسن بن علي العسكري‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين صلوات ال وسلمه عليه‪ :‬كم من غافل‬
‫ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو كفنه‪ ،‬ويبنى بيتا ليسكنه وإنما هو موضع‬
‫قبره‪ - 27 .‬ما‪ (4) :‬عن أحمد بن محمد الجعابي‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن‬
‫عبد ال بن ياسين قال‪ :‬سمعت العبد الصالح علي بن محمد بن علي الرضا‬
‫عليهم السلم بسر من رأى يذكر عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬العلم وراثة كريمة‪ ،‬والداب حلل حسان‪ ،‬والفكر‬
‫مرآة صافية‪ ،‬والعتذار منذر ناصح‪ ،‬وكفى بك أدبا لنفسك تركك ما كرهته‬
‫من غيرك‪ - 28 .‬ما‪ (5) :‬عن المفيد‪ ،‬عن الحسين بن محمد التمار‪ ،‬عن‬
‫محمد بن القاسم النباري‪ ،‬عن أحمد بن عبيد‪ ،‬عن عبد الرحيم بن قيس‬
‫الهللي‪ ،‬عن العمري‪ ،‬عن أبي حمزة السعدي‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬أوصى أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الحسن ابن علي عليهما السلم فقال‪ :‬فيما‬
‫أوصى إليه‪ :‬يا بني ل فقر أشد من الجهل‪ ،‬ول عدم أشد من عدم العقل‪ ،‬ول‬
‫وحدة أوحش من العجب )‪ (6‬ول حسب كحسن الخلق‪ ،‬ول‬

‫)‪ (1‬المتواة‪ :‬ما يسبب الخسارة والضياع‪ .‬والمثراة‪ :‬ما يسبب مزيد الثروة‪(2) .‬‬
‫الملك ‪ -‬بالكسر والفتح ‪ :-‬القوام‪ (3) .‬عيون أخبار الرضا عليه السلم‬
‫ص ‪ (4) .165‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ 113‬و ‪ (5) .114‬المصدر ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (6) .145‬في بعض النسخ " ول وحشة أوحش من العجب "‪.‬‬

‫]‪[402‬‬

‫ورع كالكف عن محارم ال‪ ،‬ول عبادة كالتفكر في صنعة ال عزوجل‪ ،‬يا بني العقل‬
‫خليل المرء‪ ،‬والحلم وزيره‪ ،‬والرفق والده‪ ،‬والصبر من خير جنوده‪ .‬يا بني‬
‫إنه ل بد للعاقل من أن ينظر في شأنه‪ ،‬فليحفظ لسانه‪ ،‬وليعرف أهل زمانه‪.‬‬
‫يا بني إن من البلء الفاقة‪ ،‬وأشد من ذلك مرض البدن‪ ،‬وأشد من ذلك‬
‫مرض القلب‪ ،‬وإن من النعم سعة المال‪ ،‬وأفضل من ذلك سعة البدن‪،‬‬
‫وأفضل من ذلك تقوى القلوب‪ .‬يا بني للمؤمن ثلث ساعات‪ ،‬ساعة يناجي‬
‫فيها ربه‪ ،‬وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها‬
‫فيما يحل ويجمل‪ ،‬وليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلث )‪:(1‬‬
‫مرمة لمعاش‪ ،‬أو خطوة لمعاد‪ ،‬أو لذة في غير محرم‪ - 29 .‬ما‪ (2) :‬عن‬
‫المفيد‪ ،‬عن الجعابي‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم‬
‫أبى علي قال‪ :‬حدثني عم أبي الحسين بن موسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن موسى عن‬
‫أبيه جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه محمد بن علي‪ ،‬عن أبيه علي بن الحسين‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم‪ :‬أن‬
‫المؤمن ل يصبح إل خائفا وإن كان محسنا ول يمسى إل خائفا وإن كان‬
‫محسنا‪ ،‬لنه بين أمرين‪ :‬بين وقت قد مضى ل يدري ما ال صانع به‪ ،‬وبين‬
‫أجل قد اقترب ل يدري ما يصيبه من الهلكات‪ .‬أل وقولوا خيرا تعرفوا به‪،‬‬
‫واعملوا به تكونوا من أهله‪ ،‬صلوا أرحامكم وإن قطعوكم‪ ،‬وعودوا بالفضل‬
‫على من حرمكم‪ ،‬وأدوا المانة إلى من ائتمنكم‪ ،‬وأوفوا بعهد من عاهدتم‪،‬‬
‫وإذا حكمتم فاعدلوا‪ - 30 .‬ما‪ (3) :‬روي أن أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫خرج ذات ليلة من المسجد وكانت ليلة قمراء فأم الجبانة )‪ (4‬ولحقه‬
‫جماعة يقفون أثره فوقف عليهم ثم قال‪ :‬من أنتم ؟‬

‫)‪ (1‬شخص ‪ -‬بفتحتين ‪ -‬شخوصا‪ :‬خرج من موضع إلى موضع‪ (2) .‬المالى ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (3) .211‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .219‬أم المر‪ :‬قصده‪ .‬والجبانة‬
‫بشد الباء مواضع بالكوفة وأهلها يسمون المقبرة ‪< -‬‬

‫]‪[403‬‬

‫قالوا‪ :‬شيعتك يا أمير المؤمنين‪ ،‬فتفرس في وجوههم ثم قال‪ :‬فمالي ل أرى عليكم‬
‫سيماء الشيعة قالوا‪ :‬وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ فقال‪ :‬صفر‬
‫الوجوه من السهر عمش‪ ،‬العيون من البكاء‪ ،‬حدب الظهور من القيام‪،‬‬
‫خمص البطون من الصيام‪ ،‬ذبل الشفاه من الدعاء )‪ (1‬عليهم غبرة‬
‫الخاشعين‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الموت طالب ومطلوب ل يعجزه المقيم‪ ،‬ول‬
‫يفوته الهارب‪ ،‬فقدموا ول تنكلوا فإنه ليس من الموت محيص‪ ،‬إنكم إن لم‬
‫تقتلوا تموتوا‪ ،‬والذي نفس علي بيده للف ضربة بالسيف على الرأس‬
‫أهون من موت على فراش‪ - 31 .‬ومن كلمه عليه السلم )‪ (2‬أيها الناس‬
‫أصبحتم أغرضا تنتضل فيكم المنايا )‪ (3‬وأموالكم نهب للمصائب‪ ،‬ما‬
‫طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص‪ ،‬وما شربتموه من شراب فلكم‬
‫فيه شرق‪ ،‬واشهد بال ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إل بفراق‬
‫اخرى تكرهونها‪ .‬أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء ل للفناء ولكنكم من دار‬
‫تنقلون فتزودوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه والسلم‪ - 32 .‬ما‪) :‬‬
‫‪ (4‬عن ابن الصلت‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن القاسم بن جعفر المعروف بابن‬
‫الشامي عن عباد بن أحمد القزويني قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫مطرف‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬عن صعصعة بن صوحان قال‪ :‬عادني أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم في مرض ثم قال‪ :‬أنظر فل تجعلن عيادتي إياك فخرا على‬
‫قومك‪ ،‬وإذا رأيتهم في أمر فل تخرج منه‬

‫‪ < -‬جبانة‪ .‬منها جبانة كندة‪ ،‬وجبانة السبيع‪ ،‬وجبانة ميمون‪ ،‬وجبانة عرزم‪،‬‬
‫وجبانة سالم و غيرها وجميعها بالكوفة‪ (1) .‬الحدب ما ارتفع من الرض‬
‫وغيره‪ .‬وخمص بطنه أي ضمر وفرغ وذبل النبات‪ :‬قل ماؤه وجف‬
‫وذهبت نضارته‪ (2) .‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .220‬مر معناه غير مرة‪(4) .‬‬
‫المالى ج ‪ 1‬ص ‪.357‬‬

‫]‪[404‬‬

‫فإنه ليس بالرجل غنى عن قومه‪ ،‬إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة‬
‫فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه‪ ،‬وإذا رأيتهم في شر فل تخذلنهم‪ ،‬وليكن‬
‫تعاونكم على طاعة ال‪ ،‬فانكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة ال‬
‫تعالى وتناهيتم عن معاصيه‪ - 33 .‬ما‪ (1) :‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪،‬‬
‫عن عبد ال بن أبي داود السجستاني عن إبراهيم الحسن المقسمي‬
‫الطرسوسي‪ ،‬عن بشر بن زاذان‪ ،‬عن عمرو بن صبيح عن جعفر بن‬
‫محمد‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‪ ،‬عن علي بن أبي طالب عليه السلم أنه‬
‫قال‪ :‬إن الدنيا عناء وفناء‪ ،،‬وعبر وغير‪ ،‬فمن فنائها أن الدهر موتر‬
‫قوسه‪ ،‬مفوق نبله تصيب الحي بالموت‪ ،‬والصحيح بالسقم‪ ،‬ومن عناها أن‬
‫المرء يجمع ما ل يأكل‪ ،‬ويبني ما ل يسكن‪ ،‬ومن عبرها أنك ترى المغبوط‬
‫مرحوما أو المرحوم مغبوطا ليس بينهما إل نعيم زال أو بؤس نزل‪ ،‬ومن‬
‫غيرها أن المرء يشرف عليه أمله فيختطفه دونه أجله‪ .‬قال‪ :‬وقال علي‬
‫عليه السلم أربع للمرء ل عليه اليمان والشكر فان ال تعالى يقول‪ " :‬ما‬
‫يفعل ال بعذابكم إن شكرتم وآمنتم " )‪ (2‬والستغفار فانه قال‪ " :‬وما كان‬
‫ال ليعذبهم وأنت فيهم وما كان ال معذبهم وهم يستغفرون )‪" (3‬‬
‫والدعاء فانه قال تعالى‪ " :‬قل ما يعبؤ بكم ربي لول دعاؤكم )‪- 34 ." (4‬‬
‫ما‪ (5) :‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن عبيدال بن الحسن بن إبراهيم‬
‫العلوي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد العظيم الحسني‪ ،‬عن أبي جعفر الثاني‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬قال‪ :‬أربع أنزل ال‬
‫تعالى تصديقي بها في كتابه قلت‪ :‬المرء‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .107‬النساء‪ .147 :‬أي ل حاجة له سبحانه إلى عذابكم‬
‫ان شكرتم نعمته‪ (3) .‬النفال‪ (4) .33 :‬الفرقان‪ .77 :‬أي ما يصنع بكم‪.‬‬
‫من عبأت الجيش إذا هيأته‪ (5) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪.180‬‬

‫]‪[405‬‬

‫مخبو تحت لسانه فإذا تكلم ظهر‪ ،‬فأنزل ال تعالى " ولتعرفنهم في لحن القول " )‬
‫‪ (1‬قلت‪ :‬فمن جهل شيئا عاداه‪ ،‬فأنزل ال " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه‬
‫ولما يأتهم تأويله " )‪ (2‬وقد قلت قدر ‪ -‬أو قال‪ :‬قيمة ‪ -‬كل امرء ما يحسن‪،‬‬
‫فأنزل ال في قصة طالوت " إن ال اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم‬
‫والجسم " )‪ (3‬وقلت‪ :‬القتل يقل القتل‪ ،‬فأنزل ال " ولكم في القصاص‬
‫حيوة يا اولي اللباب " )‪ - 35 .(4‬ما‪ (5) :‬عن محمد بن العباس النحوي‪،‬‬
‫عن العباس بن الفرج الرياشي عن سعيد بن أوس النصاري قال‪ :‬سمعت‬
‫الخليل بن أحمد يقول‪ :‬أحث كلمة على طلب علم قول علي بن أبي طالب‬
‫عليه السلم " قدر كل امرء ما يحسن "‪ - 36 .‬ما‪ (6) :‬باسناد المجاشعي‪،‬‬
‫عن أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬ل تتركوا حج بيتكم ل يخلو منكم ما‬
‫بقيتم فإنكم إن تركتموه لم تنظروا‪ ،‬وإن أدنى ما يرجع به من أتاه أن يغفر‬
‫له ما سلف‪ ،‬واوصيكم بالصلة وحفظها فإنها خير العمل وهي عمود‬
‫دينكم‪ ،‬وبالزكاة فإني سمعت نبيكم صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬الزكاة قنطرة‬
‫السلم فمن أداها جاز القنطرة‪ ،‬ومن منعها احتبس دونها وهي تطفئ‬
‫غضب الرب‪ ،‬وعليكم بصيام شهر رمضان فإن صيامه جنة حصينة من‬
‫النار‪ ،‬وفقراء المسلمين أشركوهم في معيشتكم‪ ،‬والجهاد في سبيل ال‬
‫بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل ال رجلن إمام هدى أو مطيع له‬
‫مقتد بهداه‪ ،‬وذرية نبيكم صلى ال عليه وآله ل تظلمون بين أظهركم‪ ،‬و‬
‫أنتم تقدرون على الدفع‪ ،‬واوصيكم بأصحاب نبيكم ل تسبوهم وهم الذين لم‬
‫يحدثوا بعده حدثا ولم يؤوا محدثا‪ ،‬فان رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫أوصى بهم‪ ،‬وأوصيكم بنساءكم‬

‫)‪ (1‬محمد " ص "‪ (2) .30 :‬يونس‪ (3) .39 :‬البقرة‪ .247 :‬البسطة‪ :‬الفضيلة في‬
‫الجسم والمال‪ (4) .‬البقرة‪ (5) .179 :‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪(6) .108‬‬
‫المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.136‬‬

‫]‪[406‬‬

‫وما ملكت أيمانكم ول تأخذكم في ال لومة لئم يكفكم ال من أرادكم وبغى عليكم‬
‫وقولوا للناس حسنا كما أمركم ال عزوجل‪ ،‬ول تتركوا المر بالمعروف و‬
‫النهي عن المنكر فيولي ال اموركم شراركم ثم تدعون فل تستجاب لكم‬
‫دعاؤكم وعليكم بالتواضع والتباذل‪ ،‬وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق‪،‬‬
‫وتعاونوا على البر والتقوى‪ ،‬ول تعاونوا على الثم والعدوان‪ ،‬واتقو ال إن‬
‫ال شديد العقاب‪ - 37 .‬مع‪ (1) :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن اليقطيني‪ ،‬عن‬
‫يونس‪ ،‬عن أبي أيوب عن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬جمع الخير كله في ثلث خصال‪ :‬النظر‬
‫والسكوت والكلم‪ ،‬وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو‪ ،‬وكل سكوت ليس‬
‫فيه فكرة فهو غفلة‪ ،‬وكل كلم ليس فيه ذكر فهو لغو‪ .‬فطوبى لمن كان‬
‫نظره عبرة‪ ،‬وسكوته فكرة‪ ،‬وكلمه ذكرا‪ ،‬وبكى على خطيئته وآمن الناس‬
‫شره‪ - 38 .‬ف‪ (2) :‬ومن حكمه صلوات ال عليه وترغيبه وترهيبه‬
‫ووعظه‪ :‬أما بعد فان المكر والخديعة في النار فكونوا من ال على وجل‪،‬‬
‫ومن صولته على حذر )‪ (3‬إن ال ل يرضى لعباده بعد إعذاره وإنذاره‬
‫استطرادا واستدراجا من حيث ل يعلمون‪ ،‬ولهذا يضل سعي العبد حتى‬
‫ينسى الوفاء بالعهد‪ ،‬ويظن أنه قد أحسن صنعا ول يزال كذلك في ظن‬
‫ورجاء وغفلة عما جاءه من النبأ‪ ،‬يعقد على نفسه العقد ويهلكها بكل‬
‫الجهد وهو في مهلة من ال على عهد‪ ،‬يهوي مع الغافلين‪ ،‬ويغدو مع‬
‫المذنبين‪ ،‬ويجادل في طاعة ال المؤمنين‪ ،‬ويستحسن تمويه المترفين )‪(4‬‬
‫فهؤلء‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ (2) .344‬تحف العقول ص ‪ (3) .154‬الصولة‪ :‬السطوة‬


‫والقدرة‪ (4) .‬التمويه‪ .‬التلبيس والممزوج من الحق والباطل‪ .‬المترف‪:‬‬
‫المتنعم والذى يترك ويصنع ما يشاء ول يمنع‪(*) .‬‬

‫]‪[407‬‬

‫قوم شرحت قلوبهم بالشبهة‪ ،‬وتطاولوا على غيرهم بالفرية )‪ (1‬وحسبوا أنها ل‬
‫قربة وذلك لنهم عملوا بالهوى‪ ،‬وغيروا كلم الحكماء‪ ،‬وحرفوه بجهل‬
‫وعمى‪ ،‬و طلبوا به السمعة والرياء )‪ (2‬بل سبيل قاصدة‪ ،‬ول أعلم‬
‫جارية‪ ،‬ول منار معلوم إلى أمدهم‪ ،‬وإلى منهلهم واردوه )‪ (3‬وحتى إذا‬
‫كشف ال لهم عن ثواب سياستهم )‪ (4‬و استخرجهم من جلبيب غفلتهم‪،‬‬
‫استقبلوا مدبرا واستدبروا مقبل‪ ،‬فلم ينتفعوا بما أدركوا من امنيتهم ول بما‬
‫نالوا من طلبتهم ول ما قضوا من وطرهم )‪ (5‬وصار ذلك عليهم وبال‬
‫فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون‪ .‬وإني احذركم هذه المزلة وآمركم‬
‫بتقوى ال الذي ل ينفع غيره‪ ،‬فلينتفع بنفسه إن كان صادقا على ما يجن‬
‫ضميره )‪ (6‬فإنما البصير من سمع وتفكر ونظر وأبصر وانتفع بالعبر‬
‫وسلك جددا واضحا )‪ (7‬يتجنب فيه الصرعة في الهوى‪ ،‬ويتنكب طريق‬
‫العمى‪ ،‬ول يعين على فساد نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في‬
‫نطق أو تغيير‬

‫)‪ (1‬تطاول عليه‪ :‬اعتدى وترفع عليه‪ .‬والفرية ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬القذف والكذبة العظيمة‬
‫التى يتعجب منها‪ (2) .‬السمعة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬ما يسمع‪ ،‬يقال‪ :‬فعله رئاء‬
‫وسمعة أي فعله ليراه الناس ويسمعوه‪ (3) .‬المنار ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬ما يجعل‬
‫في الطريق للهتداء‪ .‬والمنهل‪ :‬المورد وموضع الشرب على الطريق‬
‫ويسمى أيضا المنزل الذى في المفاوز على طريق المسافر منهل لن فيه‬
‫ماء‪ (4) .‬في بعض نسخ المصدر " عن جزاء معصيتهم "‪ (5) .‬المنية‪:‬‬
‫البغية وما يتمنى‪ .‬والطلبة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬اسم من المطالبة ‪ -‬وبالفتح ‪:-‬‬
‫المرة‪ .‬والوطر ‪ -‬بفتحتين‪ :‬الحاجة‪ (6) .‬أي يستره‪ .‬وفى بعض النسخ "‬
‫فلينتفع بتقية ان كان صادقا على ما يحن ضميره "‪ (7) .‬الجدد ‪ -‬بفتحتين‬
‫‪ -‬الرض الصلبة المستوية التى يسهل المشى فيها‪ .‬ويتنكب‪ :‬عدل‬
‫وتجنب‪ .‬والغواة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬جمع غاوى اسم فاعل من غوى‪ .‬وتعسف في‬
‫الحق أو القول‪ :‬أخذه على غير هداية أو حمله على معنى ل تكون دللته‬
‫عليه ظاهرة‪.‬‬

‫]‪[408‬‬

‫في صدق‪ .‬ول قوة إل بال‪ .‬قولوا ما قيل لكم وسلموا لما روي لكم ول تكلفوا ما لم‬
‫تكلفوا فإنما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه‬
‫غايتكم‪ ،‬واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعلموا‬
‫فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل واستعملوا الخضوع واستشعروا‬
‫الخوف والستكانة ل‪ .‬واعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتباذل )‬
‫‪ (1‬وكظم الغيظ‪ ،‬فإنها وصية ال‪ .‬وإياكم والتحاسد والحقاد‪ ،‬فإنهما من‬
‫فعل الجاهلية " ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا ال إن ال خبير بما‬
‫تعملون " )‪ .(2‬أيها الناس اعلموا علما يقينا أن ال لم يجعل للعبد وإن‬
‫اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته أكثر مما قدر له في الذكر الحكيم‪،‬‬
‫ولم يحل بين المرء على ضعفه وقلة حيلته وبين ما كتب له في الذكر‬
‫الحكيم‪ .‬أيها الناس إنه لن يزداد امرء نقيرا بحذقه )‪ (3‬ولن ينتقص نقيرا‬
‫لحمقه‪ ،‬فالعالم بهذا‪ ،‬العامل به أعظم الناس راحة في منفعة‪ .‬والتارك له‬
‫أكثر الناس شغل في مضرة‪ .‬رب منعم عليه في نفسه مستدرج بالحسان‬
‫إليه‪ .‬ورب مبتلى عند الناس مصنوع له )‪ .(4‬فأفق أيها المستمتع من‬
‫سكرك )‪ (5‬وانتبه من غفلتك وقصر من عجلتك )‪(6‬‬

‫)‪ (1‬التناصف‪ :‬النصاف‪ (2) .‬سورة الحشر‪ (3) .18 :‬النقير‪ :‬النكتة التى في ظهر‬
‫النواة‪ .‬والمراد بها هنا الحقير والقليل من الشئ والمراد بالذكر الحكيم‪:‬‬
‫اللوح المحفوظ‪ ،‬ول يكون للنسان أن ينال من الكرامة فوق ما كتب له‬
‫في اللوح المحفوظ‪ (4) .‬أي ل يغتر المنعم عليه بالنعمة‪ .‬فربما تكون هذه‬
‫النعمة استدراجا له من ال ثم يأخذه من حيث ل يشعر‪ .‬وكذلك ل يقنط‬
‫المبتلى عند الناس فقد تكون البلوى صنعا من ال له ليرفع بها مقامه‬
‫ومنزلته‪ (5) .‬في بعض النسخ " فافق أيها المستمع من سكرك "‪(6) .‬‬
‫أي العجلة في طلب الدنيا‪.‬‬

‫]‪[409‬‬
‫وتفكر فيما جاء عن ال تبارك وتعالى فيما ل خلف فيه ول محيص عنه ولبد منه‪،‬‬
‫ثم ضع فخرك‪ ،‬ودع كبرك‪ ،‬واحضر ذهنك‪ ،‬واذكر قبرك ومنزلك‪ ،‬فان عليه‬
‫ممرك وإليه مصيرك‪ .‬وكما تدين تدان )‪ .(1‬وكما تزرع تحصد‪ .‬وكما تصنع‬
‫يصنع بك‪ .‬وما قدمت إليه تقدم عليه غدا ل محالة‪ .‬فلينفعك النظر فيما‬
‫وعظت به‪ .‬وع )‪ (2‬ما سمعت ووعدت‪ ،‬فقد اكتنفك بذلك خصلتان‪ ،‬ول بد‬
‫أن تقوم بأحدهما‪ :‬إما طاعة ال تقوم لها بما سمعت‪ ،‬وإما حجة ال تقوم‬
‫لها بما علمت‪ .‬فالحذر الحذر والجد الجد‪ ،‬فانه ل ينبئك مثل خبير إن من‬
‫عزائم ال في الذكر الحكيم )‪ (3‬التي لها يرضى ولها يسخط ولها يثيب‬
‫وعليها يعاقب أنه ليس بمؤمن وإن حسن قوله وزين وصفه وفضله غيره‬
‫إذا خرج من الدنيا فلقى ال بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها‪ :‬الشرك‬
‫بال فيما افترض عليه من عبادته‪ ،‬أو شفاء غيظ بهلك نفسه‪ ،‬أو يقر‬
‫بعمل فعمل بغيره‪ ،‬أو يستنجح حاجة إلى الناس )‪ (4‬باظهار بدعة في دينه‪،‬‬
‫أو سره أن يحمده الناس بما لم يفعل من خير‪ ،‬أو مشى في الناس بوجهين‬
‫و لسانين والتجبر والبهة‪ .‬واعلم ]وأعقل ذلك ‍ف[ ‪ -‬ان المثل دليل على‬
‫شبهه أن البهائم همها بطونها وأن السباع همها التعدي والظلم‪ ،‬وإن‬
‫النساء همهن زينة الدنيا والفساد فيها و إن المؤمنين مشفقون مستكينون‬
‫خائفون‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي كما تجازى " بصيغة الفاعل " تجازى " بصيغة المفعول " بفعلك وبحسب‬
‫ما عملت‪ " (2) .‬ع " أمر من وعى يعى أي احفظ‪ (3) .‬العزائم جمع‪:‬‬
‫عزيمة وعزيمة ال‪ :‬فريضته التى افترضها‪ (4) .‬في بعض النسخ "‬
‫حاجته "‪ .‬ويستنجح‪ :‬سأل أن يقضوها له‪ .‬والتجبر‪ :‬التكبر والبهة‪:‬‬
‫النخوة‪.‬‬

‫]‪[410‬‬

‫‪ - 37‬موعظته عليه السلم ووصفه المقصرين )‪ :(1‬ل تكن ممن يرجو الخرة بغير‬
‫عمل ويرجو التوبة )‪ (1‬بطول المل‪ ،‬يقول في الدنيا قول الزاهدين ويعمل‬
‫فيها عمل الراغبين‪ ،‬إن اعطي منها لم يشبع وإن منع لم يقنع‪ ،‬يعجز عن‬
‫شكر ما اوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي‪ ،‬ينهى الناس ول ينتهي و يأمر‬
‫الناس ما ل يأتي‪ ،‬يحب الصالحين ول يعمل بأعمالهم‪ ،‬ويبغض المسيئين‬
‫وهو منهم ويكره الموت لكثرة سيئاته ول يدعها في حياته‪ ،‬يقول‪ :‬كم‬
‫أعمل فأتعني )‪ (2‬أل أجلس فأتمنى‪ ،‬فهو يتمنى المغفرة ويدأب في‬
‫المعصية )‪ .(3‬وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر‪ ،‬يقول فيما ذهب‪ :‬لو كنت‬
‫عملت ونصبت لكان خيرا لي ويضيعه غير مكترث لهيا )‪ (4‬إن سقم ندم‬
‫على التفريط في العمل‪ .‬وإن صح أمن مغترا‪ .‬يؤخر العمل‪ ،‬تعجبه نفسه ما‬
‫عوفي )‪ (5‬ويقنط إذا ابتلي‪ ،‬تغلبه نفسه على ما يظن ول يغلبها على ما‬
‫يستيقن )‪ (6‬ل يقنع من الرزق بما قسم له ول يثق منه بما قد ضمن له‪،‬‬
‫ول يعمل بما فرض عليه‪ .‬فهو من نفسه في شك‪ ،‬إن استغنى بطر وفتن )‬
‫‪ (7‬وإن افتقر قنط ووهن‪ ،‬فهو‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (1) .157‬وفى النهج " ويرجئ التوبة " أي يؤخر التوبة‪ (2) .‬في‬
‫بعض النسخ " لم اعمل "‪ .‬وأتعنى‪ :‬أتعب نفسي من العناء أي القيت‬
‫نفسي في التعب والمشقة‪ (3) .‬يدأب‪ :‬يستمر ويجد في المعصية‪(4) .‬‬
‫نصبت‪ :‬اجتهدت واتعبت فيه‪ .‬و " غير مكترث لهيا " أي ل يعبأ به ول‬
‫يباليه‪ (5) .‬أي مادام في العافية‪ (6) .‬يعمل بالظن في اعمال الدنيا ول‬
‫يعمل للخرة باليقين‪ .‬وهو على يقين من ان السعادة والشرف في‬
‫الفضيلة والزهد في الدنيا ول يكتسبهما ولكن إذا ظن وتوهم لذة حاضرة‬
‫وشهوة عاجلة بادر إليها‪ (7) .‬بطر أي اغتر بالنعمة ففتن‪.‬‬

‫]‪[411‬‬

‫من الذنب والنعمة موفر )‪ (1‬ويبتغي الزيادة ول يشكر‪ ،‬ويتكلف من الناس ما ل‬


‫يعنيه ويصنع من نفسه ما هو أكثر‪ .‬إن عرضت له شهوة واقعها باتكال‬
‫على التوبة‪ ،‬وهو ل يدري كيف يكون ذلك‪ .‬ل تغنيه رغبته ول تمنعه‬
‫رهبته‪ .‬ثم يبالغ في المسألة حين يسأل‪ ،‬ويقصر في العمل‪ ،‬فهو بالقول مدل‬
‫)‪ (2‬ومن العمل مقل‪ ،‬يرجو نفع عمل ما لم يعمله‪ .‬ويأمن عقاب جرم قد‬
‫عمله‪ .‬يبادر من الدنيا إلى ما يفنى‪ ،‬ويدع جاهدا ما يبقى )‪ (3‬وهو يخشى‬
‫الموت ول يخاف الفوت‪ .‬يستكثر من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من‬
‫نفسه‪ .‬ويستكثر من طاعته ما يحتقر من غيره‪ .‬يخاف على غيره بأدنى من‬
‫ذنبه‪ .‬ويرجو لنفسه بأدنى من عمله‪ .‬فهو على الناس طاعن ولنفسه‬
‫مداهن‪ .‬يؤدي المانة ما عوفي وارضي‪ ،‬و الخيانة إذا سخط وابتلي‪ .‬إذا‬
‫عوفي ظن أنه قد تاب‪ .‬وإن ابتلي ظن أنه قد عوقب يؤخر الصوم ويعجل‬
‫النوم‪ ،‬ل يبيت قائما‪ ،‬ول يصبح صائما‪ .‬يصبح وهمته الصبح ولم يسهر )‬
‫‪ .(4‬ويمسي وهمته العشاء وهو مفطر‪ .‬يتعوذ بال ممن هو دونه ول يتعوذ‬
‫ممن هو هو فوقه‪ .‬ينصب الناس لنفسه ول ينصب نفسه لربه‪ .‬النوم مع‬
‫الغنياء أحب إليه من الركوع مع الضعفاء‪ ،‬يغضب من اليسير ويعصي في‬
‫الكثير‪ ،‬يعزف لنفسه على غيره )‪ (5‬ول يعزف عليها لغيره‪ .‬فهو يحب أن‬
‫يطاع ول يعصى ويستوفى ول يوفي‪ .‬يرشد غيره ويغوي نفسه‪ .‬ويخشى‬
‫الخلق في غير ربه ول يخشى ربه في خلقه‪ .‬يعرف ما أنكر وينكر ما‬
‫عرف‪ .‬ول يحمد ربه على نعمه‪ .‬ول يشكره على مزيد‪ ،‬ول يأمر بالمعروف‬
‫ول ينهى عن منكر‪ ،‬فهو دهره في لبس )‪ (6‬إن مرض أخلص وتاب وإن‬
‫عوفي‬

‫)‪ (1‬أي ول ينقص منهما شيئا من وفره أي كثره وجعله وفرا أي كثيرا‪ (2) .‬يقال‪:‬‬
‫ادل على فلن أي أخذه من فوقه واستعلى عليه‪ (3) .‬يبادر في الدنيا إلى‬
‫ما كان يفنى ويترك ما يبقى من العمال التى كانت للخرة‪ ،‬ومع أنه‬
‫يخشى من الموت ل يخاف الفوت‪ ،‬وفى النهج " يخشى الموت ول يبادر‬
‫الفوت "‪ (4) .‬ولم يسهر أي ينام الليل كله والسهر ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬عدم‬
‫النوم في الليل‪ (5) .‬يعزف‪ :‬يزهد ويمنع‪ (6) .‬أي كان في مدة عمره الذى‬
‫يعيش في خلط واشتباه‪.‬‬

‫]‪[412‬‬

‫قسا وعاد )‪ ،(1‬فهو أبدا عليه ول له‪ ،‬ل يدري عمله إلى ما يؤديه إليه‪ ،‬حتى متى‬
‫وإلى متى )‪ .(2‬اللهم اجعلنا منك على حذر‪ .‬احفظ وع انصرف إذا شئت‪.‬‬
‫‪ - 38‬وصيته عليه السلم لكميل بن زياد )‪ (3‬يا كميل سم كل يوم باسم ال‬
‫وقل ل حول ول قوة إل بال‪ .‬وتوكل على ال واذكرنا وسم بأسمائنا وصل‬
‫علينا‪ .‬وأدر بذلك على نفسك )‪ (4‬وما تحوطه عنايتك‪ ،‬وتكف شر ذلك اليوم‬
‫إن شاء ال‪ .‬يا كميل إن رسول ال صلى ال عليه وآله أدبه ال وهو عليه‬
‫السلم أدبني وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الداب المكرمين‪ .‬يا كميل ما من‬
‫علم إل وأنا أفتحه وما من سر إل والقائم عليه السلم يختمه‪ .‬يا كميل ذرية‬
‫بعضها من بعض وال سميع عليم‪ .‬يا كميل ل تأخذ إل عنا تكن منا‪ .‬يا كميل‬
‫ما من حركة إل وأنت محتاج فيها إلى معرفة‪ .‬يا كميل إذا أكلت الطعام فسم‬
‫باسم الذي ل يضر مع اسمه داء وفيه شفاء من كل السواء‪ .‬يا كميل وآكل‬
‫الطعام ول تبخل عليه‪ ،‬فانك لن ترزق الناس شيئا‪ ،‬وال يجزل لك الثواب‬
‫بذلك‪ .‬أحسن عليه خلقك‪ .‬وابسط جليسك ول تتهم خادمك‪ (5) .‬يا كميل إذا‬
‫أكلت فطول أكلك ليستوفى من معك ويرزق منه غيرك‪ .‬يا كميل إذا‬
‫استوفيت طعامك فأحمد ال على ما رزقك وارفع بذلك صوتك‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ‪ " :‬نسى "‪ (2) .‬كذا في النسخ‪ .‬وهو استفهام توبيخي‪(3) .‬‬
‫التحف ص ‪ " (4) .171‬ادر " أمر من أدار الشئ يديره‪ .‬تحوطه أي‬
‫تحفظه وتعهده عنايتك‪ (5) .‬بسط الرجل ‪ :-‬جرأه وسره‪ ،‬وفى بعض‬
‫النسخ " ول تنهرن خادمك "‪.‬‬

‫]‪[413‬‬
‫يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك‪ .‬يا كميل ل توقرن معدتك طعاما )‪ (1‬ودع فيها للماء‬
‫موضعا وللريح مجال ول ترفع يدك من الطعام إل وأنت تشتهيه‪ ،‬فان فعلت‬
‫ذلك فأنت تستمرئه )‪ ،(2‬فان صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء‪ .‬يا‬
‫كميل البركة في مال من آتى الزكاة وواسى المؤمنين ووصل القربين )‪.(3‬‬
‫يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم‬
‫أرأف وعليهم أعطف‪ .‬وتصدق على المساكين‪ .‬يا كميل ل ترد سائل ولو‬
‫من شطر حبة عنب أو شق تمرة‪ ،‬فان الصدقة تنمو عند ال‪ .‬يا كميل‬
‫أحسن حلية المؤمن التواضع‪ ،‬وجماله التعفف‪ ،‬وشرفه التفقه‪ ،‬وعزه ترك‬
‫القال والقيل )‪ .(4‬يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم‪ ،‬فإياك ومناظرة‬
‫الخسيس منهم وإن أسمعوك واحتمل وكن من الذين وصفهم ال " وإذا‬
‫خاطبهم الجاهلون قالوا سلما " )‪ .(5‬يا كميل قل الحق على كل حال‪ ،‬وواد‬
‫المتقين واهجر الفاسقين‪ ،‬وجانب المنافقين‪ ،‬ول تصاحب الخائنين‪ .‬يا كميل‬
‫ل تطرق أبواب الظالمين )‪ (6‬للختلط بهم والكتساب معهم‪ ،‬وإياك‬

‫)‪ " (1‬ل توقرن " أي ل تثقلن معدتك من الطعام‪ .‬وفى بعض النسخ " توفرن "‪) .‬‬
‫‪ (2‬استمرأ الطعام‪ :‬استطيبه ووجده مريئا‪ (3) .‬واسى المؤمنين‪ :‬عاونهم‪.‬‬
‫)‪ (4‬القال والقيل ‪ -‬مصدران ‪ :-‬ما يقوله الناس‪ .‬وقيل‪ :‬القال البتداء‬
‫والسؤال والثانى الجواب‪ (5) .‬سورة الفرقان‪ (6) .64 :‬ل تطرق أي ل‬
‫تقرع‪ .‬وأطرق الرجل‪ :‬سكت ولم يتكلم وبمعنى أرخى عينيه ينظر إلى‬
‫الرض‪.‬‬

‫]‪[414‬‬

‫أن تعظمهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط ال عليك وإن اضطررت إلى‬
‫حضورهم فداوم ذكر ال والتوكل عليه واستعذ بال من شرورهم وأطرق‬
‫عنهم وأنكر بقلبك فعلهم واجهر بتعظيم ال ]‍ل[ ‪ -‬تسمعهم فانك بها تؤيد‬
‫وتكفى شرهم‪ .‬يا كميل إن أحب ما امتثله العباد إلى ال بعد القرار به‬
‫وبأوليائه التعفف والتحمل والصطبار‪ .‬يا كميل ل ترى الناس إقتارك‪،‬‬
‫واصبر عليه إحتسابا بعز وتستر‪ .‬يا كميل ل بأس أن تعلم أخاك سرك‪ .‬ومن‬
‫أخوك ؟ أخوك‪ ،‬الذي ل يخذلك عند الشديدة‪ ،‬ول يقعد عنك عند الجريرة )‬
‫‪ (1‬ول يدعك حتى تسأله‪ ،‬ول يذرك وأمرك حتى تعلمه‪ ،‬فان كان مميل‬
‫أصلحه )‪ .(2‬يا كميل المؤمن مرآة المؤمن‪ ،‬لنه يتأمله فيسد فاقته ويجمل‬
‫حالته‪ .‬يا كميل المؤمنون إخوة ول شئ آثر عند كل أخ من أخيه )‪ .(3‬يا‬
‫كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه‪ ،‬إن المؤمن من قال بقولنا‪ ،‬فمن تخلف‬
‫عنه قصر عنا‪ ،‬ومن قصر عنا لم يلحق بنا‪ ،‬ومن لم يكن معنا ففي الدرك‬
‫السفل من النار‪ .‬يا كميل كل مصدور ينفث )‪ (4‬فمن نفث إليك منا بأمر‬
‫أمرك بستره‪ ،‬فاياك أن تبديه وليس لك من إبدائه توبة وإذا لم تكن توبة‬
‫فالمصير إلى لظى )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الجريرة‪ :‬الجناية‪ ،‬لنها تجر العقوبة إلى الجاني‪ .‬ول يذرك أي ل يدعك‪ .‬قيل‪:‬‬
‫ول فعل منه بهذا المعنى ال المضارع والمر‪ (2) .‬المميل ‪ -‬اسم فاعل من‬
‫أمال ‪ :-‬صاحب ثروة كثيرة ومال كثير‪ (3) .‬أي أقدم وأكرم‪(4) .‬‬
‫المصدور‪ :‬الذى يشتكى من صدره‪ .‬وينفث المصدور أي رمى بالنفاثة‪.‬‬
‫والمراد ان من ملء صدره من محبتنا وأمرنا ل يمكن له أن يقيها ول‬
‫يبرزها فإذا أبرزها وأمرك بسترها فاسترها وفى بعض النسخ " مصدود‬
‫"‪ (5) .‬اللظى‪ :‬النار ولهبها‪.‬‬

‫]‪[415‬‬

‫يا كميل إذاعة سر آل محمد صلوات ال عليهم ل يقبل منها ول يحتمل أحد عليها‬
‫وما قالوه فل تعلم إل مؤمنا موفقا )‪ .(1‬يا كميل قل عند كل شدة‪ " :‬ل حول‬
‫ول قوة إل بال " تكفها‪ ،‬وقل عند كل نعمة‪ " :‬الحمدل " تزدد منها‪ .‬وإذا‬
‫أبطأت الرزاق عليك فاستغفر ال يوسع عليك فيها‪ .‬يا كميل انج بوليتنا‬
‫من أن يشركك الشيطان في مالك وولدك‪ .‬يا كميل إنه مستقر ومستودع )‬
‫‪ (2‬فاحذر أن تكون من المستودعين وإنما يستحق أن يكون مستقرا إذا‬
‫لزمت الجادة الواضحة التي ل تخرجك إلى عوج )‪ (3‬ول تزيلك عن منهج‪.‬‬
‫يا كميل ل رخصة في فرض ول شدة في نافلة‪ .‬يا كميل إن ذنوبك أكثر من‬
‫حسناتك‪ ،‬وغفلتك أكثر من ذكرك‪ ،‬ونعم ال عليك أكثر من عملك‪ .‬يا كميل‬
‫إنك ل تخلو من نعم ال عندك وعافيته إياك‪ ،‬فل تخل من تحميده وتمجيده‬
‫وتسبيحه وتقديسه وشكره وذكره على كل حال‪ .‬يا كميل ل تكونن من الذين‬
‫قال ال " نسوا ال فأنسيهم أنفسهم )‪ " (4‬ونسبهم إلى الفسق فهم‬
‫فاسقون‪ .‬يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق‪ ،‬الشأن أن تكون‬
‫الصلة بقلب نقي وعمل عند ال مرضي‪ ،‬وخشوع سوي‪ ،‬وانظر فيما‬
‫تصلي‪ ،‬وعلى ما تصلي‪ ،‬إن لم يكن من وجهه وحله فل قبول‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " تعلمه ال مؤمنا موفقا "‪ .‬وفى بعضها " فل يعلمه ال مؤمنا‬
‫موفقا "‪ .‬وكذا في بشارة المصطفى‪ (2) .‬يعنى به اليمان فانه مستقر‬
‫ومستودع‪ (3) .‬العوج ‪ -‬بكسر العين ‪ -‬للمعانى‪ ،‬و ‪ -‬بفتحها ‪ -‬للشياء‪) .‬‬
‫‪ (4‬سورة الحشر‪.19 :‬‬

‫]‪[416‬‬
‫يا كميل اللسان ينزح القلب )‪ (1‬والقلب يقوم بالغذاء‪ ،‬فانظر فيما تغذي قلبك‬
‫وجسمك فإن لم يكن حلل لم يقبل ال تسبيحك ول شكرك‪ .‬يا كميل إفهم‬
‫واعلم أنا ل نرخص في ترك أداء المانة لحد من الخلق‪ ،‬فمن روى عني‬
‫في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب‪ ،‬اقسم لسمعت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلثا‪ :‬يا أبا‬
‫الحسن أد ]اء[ المانة إلى البر والفاجر فيما جل وقل حتى الخيط والمخيط‪.‬‬
‫يا كميل ل غزو إل مع إمام عادل ول نفل إل من إمام فاضل )‪ .(2‬يا كميل‬
‫لو لم يظهر نبي وكان في الرض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى ال مخطئا‬
‫أو مصيبا‪ ،‬بل وال مخطئا حتى ينصبه ال لذلك ويؤهله له‪ .‬يا كميل الدين‬
‫ل فل يقبل ال من أحد القيام به إل رسول أو نبيا أو وصيا‪ .‬يا كميل هي‬
‫نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إل موالين متبعين أو عامهين‬
‫مبتدعين‪ ،‬إنما يتقبل ال من المتقين )‪ .(3‬يا كميل إن ال كريم حليم عظيم‬
‫رحيم دلنا على أخلقه وأمرنا بالخذ بها وحمل الناس عليها‪ ،‬فقد أديناها‬
‫غير متخلفين وأرسلناها غير منافقين وصدقناها غير مكذبين وقبلناها غير‬
‫مرتابين‪ .‬يا كميل لست وال متملقا حتى أطاع ول ممنيا )‪ (4‬حتى ل‬
‫اعصى‪ ،‬ول مائرا )‪ (5‬لطعام العراب حتى أنحل )‪ (6‬إمرة المؤمنين‬
‫وادعى بها‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصباح نزحت البئر من باب نفع نزوحا استقيت ماءها كله‪ .‬وفى بعض‬
‫بالنسخ وبشارة المصطفى " يبوح من القلب "‪ (2) .‬النفل ‪ -‬محركة ‪-‬‬
‫الغنيمة )‪ (3‬أي ما يقوم به النبي والرسول والمام‪ .‬وعمه أي تحير في‬
‫طريقه‪ .‬وفى بعض النسخ " ضالين مبتدعين "‪ .‬وفى بشارة المصطفى "‬
‫ال متولين ومتغلبين وضالين ومعتدين "‪ (4) .‬في بشارة المصطفى "‬
‫ممنا "‪ (5) .‬مايره أتى بالميرة وهى الطعام الذى يدخر‪ (6) .‬أنحل فلنا‬
‫شيئا‪ :‬أعطاه اياه وخصه به‪ .‬وفى بشارة المصطفى " حتى انتحل "‪.‬‬

‫]‪[417‬‬

‫يا كميل إنما حظي من حظى بدنيا زائلة مدبرة ونحظى بآخرة باقية ثابتة‪ .‬يا كميل‬
‫إن كل يصير إلى الخرة والذي نرغب فيه منها رضى ال والدرجات العلى‬
‫من الجنة التي يورثها من كان تقيا‪ .‬يا كميل من ل يسكن الجنة فبشره‬
‫بعذاب أليم وخزي مقيم‪ .‬يا كميل أنا أحمد ال على توفيقه وعلى كل حال‪،‬‬
‫إذا شئت فقم‪ - 39 .‬شا‪ (1) :‬من كلم أمير المؤمنين عليه السلم ما اشتهر‬
‫بين العلماء وحفظه ذووا الفهم والحكماء‪ .‬أما بعد أيها الناس فإن الدنيا قد‬
‫أدبرت وآذنت بوداع‪ ،‬وإن الخرة قد أقبلت وأشرفت باطلع‪ .‬أل وإن‬
‫المضمار اليوم وغدا السباق‪ ،‬والسبقة الجنة والغاية النار‪ .‬أل وإنكم في‬
‫أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل‪ ،‬فمن أخلص ال عمله لم يضره أمله‪،‬‬
‫ومن بطأ به عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره‬
‫أمله‪ .‬أل فاعملوا في الرغبة والرهبة‪ ،‬فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا ال‪،‬‬
‫واجمعوا معها رهبة‪ ،‬وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا ال‪ ،‬واجمعوا معها‬
‫رغبة‪ ،‬فإن ال قد تأذن للمحسنين بالحسنى‪ ،‬ولمن شكره بالزيادة‪ ،‬ول‬
‫كسب خير من كسب ليوم تدخر فيه الذخائر‪ ،‬وتجمع فيه الكبائر‪ ،‬وتبلى فيه‬
‫السرائر‪ ،‬وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها‪ ،‬ول مثل النار نام هاربها‪ .‬أل‬
‫وإنه من ل ينفعه اليقين يضره الشك ومن ل ينفعه حاضر لبه ورأيه فغائبه‬
‫عنه أعجز‪ .‬أل وإنكم قد امرتم بالظعن ودللتم على الزاد‪ ،‬وإن أخوف ما‬
‫أخاف عليكم اثنان‪ :‬اتباع الهوى وطول المل‪ ،‬لن اتباع الهوى يصد عن‬
‫الحق وطول المل ينسي الخرة‪ .‬أل وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة وأن‬
‫الخرة قد ترحلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة منهما بنون فكونوا إن استطعتم من‬
‫أبناء الخرة‪ ،‬ول تكونوا من أبناء‪ ،‬الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل ول حساب وغدا‬
‫حساب ول عمل‪.‬‬

‫)‪ (1‬ارشاد المفيد ص ‪.113‬‬

‫]‪[418‬‬

‫‪ - 40‬شا‪ (1) :‬ومن كلم أمير المؤمنين عليه السلم في الحكمة والموعظة‪ :‬قوله‪:‬‬
‫خذوا رحمكم ال من ممركم لمقركم‪ ،‬ول تهتكوا أستاركم عند من ل يخفى‬
‫عليه أسراركم‪ ،‬وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن يخرج منها أبدانكم‬
‫فللخرة خلقتم‪ ،‬وفي الدنيا حبستم‪ .‬أن المرء إذا هلك قالت الملئكة‪ :‬ما‬
‫قدم‪ ،‬وقال الناس ما خلف‪ .‬فلله آباؤكم قدموا بعضا يكن لكم‪ ،‬ول تخلفوا كل‬
‫فيكن عليكم فإنما مثل الدنيا مثل السم يأكله من ل يعرفه‪ .‬ومن ذلك قوله‬
‫عليه السلم ل حياة إل بالدين‪ ،‬ول موت إل بجحود اليقين‪ ،‬فاشربوا من‬
‫العذب الفرات ينبهكم من نومة السبات‪ ،‬وإياكم والسمائم المهلكات‪ .‬ومن‬
‫ذلك قوله عليه السلم الدنيا دار صدق لمن عرفها‪ ،‬ومضمار الخلص لمن‬
‫تزود منها‪ ،‬في مهبط وحي ال تعالى‪ ،‬ومتجر أوليائه‪ .‬اتجروا تربحوا‬
‫الجنة‪ .‬ومن ذلك قوله عليه السلم لرجل سمعه يذم الدنيا من غير معرفة‬
‫لما يجب أن يقول في معناها‪ :‬الدنيا دار صدق لمن صدقها‪ ،‬ودار عافية‬
‫لمن فهم عنها‪ ،‬دار غنى لمن تزود منها‪ ،‬مسجد أنبياء ال‪ ،‬ومهبط وحيه‪،‬‬
‫ومصلى ملئكته‪ ،‬ومتجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة‪ ،‬وربحوا فيها الجنة‪.‬‬
‫فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها‪ ،‬ونادت بفراقها‪ ،‬ونعت نفسها فشوقت‬
‫بسرورها إلى السرور‪ ،‬وحذرت ببلئها إلى البلء تخويفا وتحذيرا وترغيبا‬
‫وترهيبا‪ .‬فيا أيها الذام للدنيا ! والمغتر بتغريرها متى غرتك ؟ أبمصارع‬
‫آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع امهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بكفيك‪،‬‬
‫ومرضت بيديك ؟ تبتغي لهم الشفاء‪ ،‬وتستوصف لهم الطباء‪ ،‬وتلتمس لهم‬
‫الدواء‪ ،‬لم تنفعهم بطلبتك‪ ،‬ولم تشفعهم بشفاعتك‪ ،‬قد مثلت لك الدنيا بهم‬
‫مصرعك ومضجعك‪ ،‬حيث ل ينفعك بكاؤك‪ ،‬ول تغني عنك أحباؤك‪ .‬ومن‬
‫ذلك قوله عليه السلم‪ :‬أيها الناس خذوا عني خمسا فوال لو رحلتم المطي‬
‫فيها لنضيتموها )‪ (2‬قبل أن تجدوا مثلها ل يرجون أحد إل ربه‪ ،‬ول‬
‫يخافن إل ذنبه‬

‫)‪ (1‬ارشاد المفيد ص ‪ (2) .140‬أنضيتم الظهر أي أهزلتموه‪.‬‬

‫]‪[419‬‬

‫ول يستحيين العالم إذا سئل عما ل يعلم أن يقول‪ :‬ال يعلم‪ ،‬الصبر من اليمان‬
‫بمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬ول إيمان لمن ل صبر له‪ .‬ومن ذلك قوله عليه‬
‫السلم‪ :‬كل قول ليس ل فيه ذكر فلغو‪ ،‬وكل صمت ليس فيه فكر فسهو‪،‬‬
‫وكل نظر ليس فيه اعتبار فلهو‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬ليس من ابتاع نفسه‬
‫فأعتقها كمن باع نفسه فأوبقها‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬من سبق إلى الظل‬
‫ضحى‪ ،‬ومن سبق إلى الماء ظمى‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬حسن الدب ينوب‬
‫عن الحسب‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تجليا‬
‫ازداد عنه توليا‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬المودة أشبك النساب‪ ،‬والعلم أشرف‬
‫الحساب‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬إن يكن الشغل مجهدة‪ ،‬فاتصال الفراغ‬
‫مفسدة‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬من بالغ في الخصومة أثم‪ ،‬ومن قصر فيها‬
‫خصم‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلحه من الكريم‪.‬‬
‫وقوله عليه السلم‪ :‬من أحب المكارم اجتنب المحارم‪ .‬وقوله عليه السلم‪:‬‬
‫من حسنت به الظنون رمقته الرجال بالعيون‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬غاية‬
‫الجود أن تعطي من نفسك المجهود‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬ما بعد كائن‪ ،‬ول‬
‫قرب بائن‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه‪ .‬وقوله‬
‫عليه السلم‪ :‬تمام العفاف الرضا بالكفاف‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬أتموا الجود‬
‫ابتناء المكارم واحتمال المغارم‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬أظهر الكرم صدق‬
‫الخاء في الشدة والرخاء‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬الفاجر إن سخط ثلب‪ ،‬وإن‬
‫رضي كذب‪ ،‬وأن طمع خلب )‪ .(1‬وقوله عليه السلم‪ :‬من لم يكن أكثر ما‬
‫فيه عقله كان بأكثر ما فيه قتله‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬احتمل زلة وليك‬
‫لوقت وثبة عدوك‪.‬‬

‫)‪ (1‬ثلبه ثلبا‪ :‬لمه وذكر معايبه‪ ،‬وخلب أي خدع‪.‬‬


‫]‪[420‬‬

‫وقوله عليه السلم‪ :‬حسن العتراف يهدم القتراف‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬لم يضع‬
‫من مالك ما بصرك صلح حالك‪ .‬وقوله عليه السلم‪ .‬القصد أسهل من‬
‫التعسف‪ ،‬والكف أدرع من التكلف‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬شر الزاد إلى‬
‫المعاد احتقاب ظلم العباد‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬ل نفاد لفائدة إذا شكرت‪ ،‬ول‬
‫بقاء لنعمة إذا كفرت‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬الدهر يومان‪ :‬يوم لك ويوم‬
‫عليك‪ .‬فان كان لك فل تبطر‪ ،‬و إن كان عليك فاصبر‪ .‬وقوله عليه السلم‪:‬‬
‫رب عزيز أذله خلقه‪ ،‬وذليل أعزه خلقه‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬من لم يجرب‬
‫المور خدع‪ ،‬ومن صارع الحق صرع‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬لو عرف الجل‬
‫قصر المل‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬الشكر زينة الغنى‪ ،‬والصبر زينة البلوى‪.‬‬
‫وقوله عليه السلم‪ :‬قيمه كل امرئ ما يحسنه‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬الناس‬
‫أبناء ما يحسنون‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬المرء مخبو تحت لسانه )‪.(1‬‬
‫وقوله عليه السلم‪ :‬من شاور ذوي اللباب دل على الصواب‪ .‬وقوله عليه‬
‫السلم‪ :‬من قنع باليسير استغنى عن الكثير‪ ،‬ومن لم يستغن بالكثير افتقر‬
‫إلى الحقير‪ .‬وقوله عليه السلم‪ :‬من صحت عروقه أثمرت فروعه‪ .‬وقوله‬
‫عليه السلم‪ :‬من أمل إنسانا هابه‪ ،‬ومن قصر عن معرفة شئ عابه‪ .‬ومن‬
‫كلمه عليه السلم‪ :‬المؤمن من نفسه في تعب‪ ،‬والناس منه في راحة‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من كسل لم يؤد حق ال عليه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬أفضل‬
‫العبادة الصبر‪ ،‬والصمت‪ ،‬وانتظار الفرج‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الصبر على‬
‫ثلثة أوجه‪ :‬فصبر على المصيبة‪ ،‬وصبر عن المعصية‬

‫)‪ (1‬أي مستور حاله في سكوته فإذا تكلم ظهر مقداره وعقله‪.‬‬

‫]‪[421‬‬

‫وصبر على الطاعة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحلم وزير المؤمن‪ ،‬والعلم خليله‪ ،‬والرفق‬
‫أخوه‪ ،‬والبر والده والصبر أمير جنوده‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلثة من كنوز‬
‫الجنة‪ :‬كتمان الصدقة‪ ،‬وكتمان المصيبة وكتمان المرض‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬احتج إلى من شئت تكن أسيره‪ ،‬واستغن عمن شئت تكن نظيره‬
‫وأفضل على من شئت تكن أميره‪ .‬وكان يقول عليه السلم‪ :‬ل غنى مع‬
‫فجور‪ ،‬ول راحة لحسود‪ ،‬ول مودة لملول‪ .‬وقال عليه السلم لحنف بن‬
‫قيس‪ :‬الساكت أخو الراضي‪ ،‬ومن لم يكن معنا كان علينا‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الجود من كرم الطبيعة‪ ،‬والمن مفسدة للصنيعة‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ترك التعاهد للصديق داعية القطيعة‪ .‬وكان يقول عليه السلم‪ :‬إرجاف‬
‫العامة بالشئ دليل على مقدمات كونه )‪ .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬اطلبوا‬
‫الرزق فإنه مضمون لطالبه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬أربعة ل ترد لهم دعوة‪:‬‬
‫المام العادل لرعيته‪ ،‬والولد البار لوالده والوالد البار لولده‪ ،‬والمظلوم‪.‬‬
‫يقول ال وعزتي وجللي ل تنصرن لك ولو بعد حين‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫خير الغنى ترك السؤال‪ ،‬وشر الفقر لزوم الخضوع‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫المعروف عصمة البوار‪ ،‬والرفق نعشة من العثار )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل على ربه )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫لول التجارب عميت المذاهب‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل عدة أنفع من العقل‪،‬‬
‫ول عدو أضر من الجهل‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من اتسع أمله قصر عمله‪.‬‬

‫)‪ (1‬ارجفوا في الخبار‪ :‬خاضوا فيها‪ (2) .‬النعشة‪ :‬قيام العاثر من عثرته‪ (3) .‬ال‬
‫دلل‪ :‬العغنج ونوع من التبختر‪.‬‬

‫]‪[422‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬أشكر الناس أقنعهم‪ ،‬وأكفر هم للنعم أجشعهم )‪ .(1‬في أمثال )‪(2‬‬
‫هذا الكلم المفيد للحكمة‪ ،‬وفصل الخطاب لم نستوف ما جاء في معناه عنه‬
‫لئل ينتشر به الخطاب ويطول الكتاب‪ ،‬وفيما أثبتناه منه مقنع لذوي‬
‫اللباب‪ - 41 .‬جا )‪ :(3‬عن محمد بن الحسين المقري‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسين الصيدلني‪ ،‬عن أحمد بن محمد مولى بني هاشم‪ ،‬عن أبي نصر‬
‫المخزومي‪ ،‬عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال‪ :‬لما قدم علينا أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم البصرة مر بي وأنا أتوضأ فقال‪:‬‬
‫يا غلم أحسن وضوءك يحسن ال إليك‪ .‬ثم جازني فأقبلت أقفوا أثره‬
‫فحانت منه التفاتة فنظر إلي فقال‪ :‬يا غلم ألك إلي حاجة ؟ قلت‪ :‬نعم‬
‫علمني كلما ينفعني ال به فقال يا غلم من صدق ال نجى‪ ،‬ومن أشفق‬
‫على دينه سلم من الردى‪ .‬ومن زهد في الدنيا قرت عينه بما يرى من ثواب‬
‫ال عزوجل‪ .‬أل أزيدك يا غلم ؟ قلت‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين قال‪ :‬من كن‬
‫فيه ثلث خصال سلمت له الدنيا والخرة‪ :‬من أمر بالمعروف وائتمر به‪،‬‬
‫ونهى عن المنكر وانتهى عنه‪ ،‬وحافظ على حدود ال‪ ،‬يا غلم أيسرك أن‬
‫تلقى ال يوم القيامة وهو عنك راض ؟ قلت‪ :‬نعم يا أمير المؤمنين‪ :‬قال كن‬
‫في الدنيا زاهدا وفي الخرة راغبا‪ ،‬وعليك بالصدق في جميع امورك فان‬
‫ال تعبدك وجميع خلقه بالصدق )‪ (4‬ثم مشى حتى دخل سوق البصرة‬
‫فنظر إلى الناس يبيعون ويشترون فبكى بكاء شديدا ثم قال‪ :‬يا عبيد الدنيا‬
‫وعمال أهلها إذا كنتم بالنهار تحلفون‪ ،‬وبالليل في فراشكم تنامون‪ ،‬وفي‬
‫خلل ذلك عن الخرة تغفلون‪ ،‬فمتى تجهزون الزاد )‪ (5‬وتفكرون في‬
‫المعاد ؟ ! فقال له رجل‪ :‬يا أمير المؤمنين إنه لبد لنا من المعاش فكيف‬
‫نصنع ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إن طلب المعاش من حله ل‬
‫يشغل عن عمل الخرة فان قلت لبد‬
‫)‪ (1‬أي أشدهم حرصا‪ (2) .‬تتمة كلم المفيد )ره( وذكرها هنا غير مناسب انما‬
‫يناسب كتاب الرشاد‪ (3) .‬مجالس المفيد ص ‪ (4) .69‬تعبده أي دعاه‬
‫للطاعة أو اتخذه عبدا له‪ (5) .‬في المصدر " تحرزون الزاد "‪.‬‬

‫]‪[423‬‬

‫لنا من الحتكار لم تكن معذورا‪ .‬فولى الرجل باكيا فقال له أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬أقبل علي أزدك بيانا‪ ،‬فعاد الرجل إليه فقال له‪ :‬اعلم يا عبد ال إن‬
‫كل عامل في الدنيا للخرة لبد أن يوفى أجر عمله في الخرة‪ ،‬وكل عامل‬
‫دينا للدنيا عمالته في الخرة نار جهنم‪ ،‬ثم تل أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫قوله تعالى " فأما من طغى وآثر الحيوة الدنيا فان الجحيم هي المأوى " )‬
‫‪ - 42 .(1‬جا )‪ :(2‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن‬
‫معروف عن ابن مهزيار‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن فضيل الرسان‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫عقيل قال‪ :‬قال علي عليه السلم‪ :‬إنما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى‪،‬‬
‫وطول المل‪ ،‬فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق‪ ،‬وأما طول المل فينسي‬
‫الخرة‪ ،‬ارتحلت الخرة مقبلة‪ ،‬وارتحلت الدنيا مدبرة ولكل بنون فكونوا‬
‫من بني الخرة ول تكونوا من أبناء الدنيا‪ .‬اليوم عمل ول حساب وغدا‬
‫حساب ول عمل‪ - 43 .‬من كتاب عيون الحكم والمواعظ )‪ (3‬لعلي بن‬
‫محمد الواسطي استنسخناه من أصل قديم في المواعظ وذكر الموت وهو‬
‫خمسمائة وثمانية وثمانون حكمة‪ .‬قوله عليه السلم‪ :‬رحم ال عبدا سمع‬
‫حكما فوعى‪ ،‬ودعي إلى الرشاد فدنا‪ ،‬وأخذ بحجزة هاد فنجى‪ ،‬وراغب‬
‫ربه‪ ،‬وخاف ذنبه‪ ،‬قدم خالصا‪ ،‬وعمل صالحا‪ ،‬اكتسب مذخورا‪ ،‬واجتنب‬
‫محذورا‪ ،‬رمى غرضا‪ ،‬وأحرز عوضا‪ ،‬كابد هواه‪ ،‬وكذب مناه جعل الصبر‬
‫مطية نجاته‪ ،‬والتقوى عدة وفاته‪ ،‬ركب الطريقة الغراء‪ ،‬ولزم المحجة‬
‫البيضاء‪ ،‬اغتنم المهل‪ ،‬وبادر الجل‪ ،‬وتزود من العمل‪ - 44 .‬ومن خطبة له‬
‫عليه السلم تعرف بالغراء‪ :‬منها‪ :‬جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها‪،‬‬
‫وأبصارا لتجلو عن عشاها‪ ،‬وأشلء جامعة‬

‫)‪ (1‬النازعات‪ (2) .39 :‬مجالس المفيد ص ‪ .121‬ورواه أيضا بسندين آخرين ص‬
‫‪ 55‬وص ‪ (3) .203‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[424‬‬

‫لعضائها )‪ (1‬ملئمة لحنائها‪ ،‬في تركيب صورها )‪ (2‬ومدد عمرها‪ ،‬بأبدان قائمة‬
‫بأرفاقها وقلوب رائدة لرزاقها في مجللت نعمه‪ ،‬وموجبات سننه‪،‬‬
‫وحواجز عافيته )‪ .(3‬وقدر لكم أعمارا سترها عنكم‪ ،‬وخلف لكم عبرا من‬
‫آثار الماضين قبلكم‪ ،‬من مستمتع خلقهم‪ ،‬ومستفسح خناقهم )‪ (4‬أرهقهم‬
‫المنايا دون المال‪ ،‬لم يمهدوا في سلمة البدان )‪ (5‬ولم يعتبروا في انف‬
‫الوان‪ ،‬فهل ينتظر أهل بضاضة الشاب إل حواني الهرم )‪ (6‬وأهل غضارة‬
‫الصحة إل نوازل السقم ؟ وأهل مدة البقاء إل آونة الفناء‪ ،‬مع قرب الزيال‪،‬‬
‫وازوف النتقال‪ ،‬وعلز القلق‪ ،‬وألم المضض‪ ،‬وغصص الجرض )‪(7‬‬
‫وتلفت‬

‫)‪ (1‬تجلو أي تكشف‪ .‬وكلمة " عن " زائدة‪ .‬والشلء جمع شلو ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو‬
‫العضو‪ (2) .‬الملئمة‪ :‬الموافقة‪ .‬والحناء جمع حنو وهو الجانب‪ .‬وفى‬
‫النهاية " ملئمة لحنائها " أي معاطفها‪ .‬والغرض الشارة إلى الحكم‬
‫والمصالح المرعية في تركيب العضاء وترتيبها وجعل كل منها في‬
‫موضع يليق بها‪ .‬والظرف متعلق بالملئمة‪ .‬وقال بعض شراح النهج كانه‬
‫قال مركبة أو مصورة فأتى بلفظة في كما تقول ركب في سلحه وبسلحه‬
‫أي متسلحا‪ " (3) .‬مجللت " و " موجباب " من أضافة الصفة إلى‬
‫الموصوف‪ ،‬والحواجز‪ :‬الموانع و حواجز العافية ما يمنع المضار‬
‫ويدفعها‪ .‬وهى صفة مضافة إلى موصوفها كسابقتيها‪ (4) .‬المستمتع على‬
‫صيغة المفعول‪ :‬ما ينتفع به‪ .‬والخلق ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬النصيب‪ .‬والفسحة ‪-‬‬
‫بالضم‪ :‬السعة‪ :‬وخنقه إذا عصر حلقه والخناق ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما يخنق به‬
‫من حبل‪ ،‬والمراد مدة آجالهم في الدنيا‪ (5) .‬أرهقهم المنايا أي أدركتهم‬
‫مسرعة أي أدركتهم المنايا قبل وصولهم إلى آمالهم‪ .‬وتمهيد المر‪:‬‬
‫اصلحه‪ (6) .‬انف ‪ -‬بضمتين ‪ :-‬أول المر‪ .‬والبضاضة‪ :‬رقة اللون‬
‫وصفاؤه‪ :‬والحوانى جمع حانية وهى العلة التى تحت الظهر‪ .‬والهرم كبر‬
‫السن‪ (7) .‬الغضارة‪ :‬طيب العيش والسعة والنعمة والخصب‪ .‬والنوازل‬
‫جمع نازلة وهى الشديدة من شدائد الدهر‪ .‬والونة جمع أوان‪ .‬والزيال‪:‬‬
‫مصدر زايله مزايلة وزيال أي فارقه‪ .‬والزوف‪ :‬الدنو والقرب‪ .‬والعلز ‪-‬‬
‫بالتحريك قلق وخفة يصيب المريض والمحتضر والسير‪ .‬والمضض ‪< -‬‬

‫]‪[425‬‬

‫الستعانة )‪ (1‬بنصرة الحفظة والقرباء والعزة والقرناء‪ ،‬فهل دفعت القارب أو‬
‫نفعت النواحب‪ ،‬وقد غودر في محلة الموات رهينا‪ ،‬وفي ضيق المضجع‬
‫وحيدا‪ ،‬قد هتكت الهوام جلدته‪ ،‬وأبلت النواهك جدته‪ ،‬وعفت العواصف‬
‫آثاره‪ ،‬ومحا الحدثان معالمه )‪ (2‬وصارت الجساد شحبة بعد بضتها‪،‬‬
‫والعظام نخرة بعد قوتها‪ ،‬والرواح مرتهنة بثقل أعبائها )‪ (3‬موقنة بغيب‬
‫أنبائها‪ ،‬ل تستزاد من صالح عملها‪ ،‬ول تستعتب من سيئ زللها )‪ (4‬أو‬
‫لستم ترون أبناء القوم والباء وإخوانهم والقرباء ؟ تحتذون‬
‫‪ - < -‬محركة ‪ :-‬وجع المصيبة وبلوغ الحزن من القلب‪ .‬وجرض بريقه ‪ -‬كفرح ‪:-‬‬
‫ابتلعه بالجهد على هم وحزن‪ (1) .‬التلفت‪ :‬أبلغ من اللتفات‪ .‬والباء في "‬
‫بنصرة الخ " متعلق بالستعانة أو بالتلفت فيكون بمعنى " إلى "‬
‫واضافة التلفت تفيد الملبسة‪ .‬والحفظة في النهج " الحفدة " وهو‬
‫الصواب و معناها‪ :‬العوان والخدم وقيل‪ :‬أولد الولد‪ (2) .‬غودر أي‬
‫ترك وبقى‪ .‬و " رهينا " أي موثوقا بذنوبه أو بأعماله‪ .‬والهوام ‪ -‬بشد‬
‫الميم ‪ -‬جمع الهامة وهى من الحيوان كل ذات سم يقتل كالحيات واما ما‬
‫يسم ول يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور‪ .‬والنواهك ‪ -‬جمع ناهك ‪-‬‬
‫وهو المبالغ في جميع الشياء من نهكه الحمى أي أضناه‪ .‬وجد الشئ‬
‫جدة‪ :‬صار جديدا‪ .‬و " عفت " أي محت‪ .‬والعواصف‪ :‬الرياح الشديدة‪.‬‬
‫والمعالم‪ :‬جمع معلم ‪ -‬بفتح الميم ‪ -‬وهو ما يستدل به‪ .‬والحدثان مصدر‬
‫يدل على الضطراب بمعنى ما يحدث‪ (3) .‬الشحبة ‪ -‬بفتح الشين ‪-‬‬
‫الهالكة‪ .‬وشحب يشحب شحوبا أي تغير من سفر أو هزال أو عمل‪ .‬وقد‬
‫مر‪ .‬والبضة‪ :‬رقة اللون وصفاؤها ونخرة أي بالية‪ .‬والعباء‪ :‬الثقال‪،‬‬
‫جمع عبء ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو الحمل وأعباء الرواح ذنوبها‪ " (4) .‬ل‬
‫تستزاد ‪ -‬الخ " أي ل يطلب منها العمل فانه ل عمل بعد الموت‪ " .‬ول‬
‫تستعتب " ‪ -‬مبنى للمفعول ‪ -‬أي ل يطلب منها تقديم العتبى يعنى التوبة‬
‫عن العمل القبيح‪ ،‬أو مبنى للفاعل أي ل يمكنها أن تطلب الرضا والقالة‬
‫من السيئات‪.‬‬

‫]‪[426‬‬

‫أمثلتهم‪ ،‬وتركبون قدتهم‪ ،‬وتطأون جادتهم‪ ،‬فالقلوب قاسية عن حظها )‪ (1‬لهية‬


‫عن رشدها‪ ،‬سالكة في غير مضمارها‪ ،‬كأن المعني سواها )‪ (2‬وكأن‬
‫الرشد في إحراز دنياها‪ .‬فاعلموا أن مجازكم على الصراط ومزالق دحضه‪،‬‬
‫وأهاويل زل‪ ،‬وتارات أهواله )‪ (3‬فاتقوا ال تقية ذي لب شغل التفكر قلبه‬
‫وأنصب الخوف بدنه وأسهر التهجد غرار نومه‪ ،‬وأظمأ الرجاء هواجر‬
‫يومه )‪ (4‬فظلف الرهب شهواته‪ ،‬وأوجف الذكر بلسانه‪ ،‬وقدم الخوف ل‬
‫بانه‪ ،‬وتنكب المخالج عن وضح السبيل )‪ (5‬وسلك أقصد المسالك إلى‬
‫النهج المطلوب‪ ،‬ولم تفتله فاتلت الغرور‪ ،‬ولم تعم عليه مشتبهات المور‬
‫)‪(6‬‬

‫)‪ (1‬القدة ‪ -‬بالكسر والدال المهملة ‪ :-‬الطريقة‪ .‬و " تطأون جادتهم " أي تسيرون‬
‫على سبيلهم بل انحراف عنهم في شئ أي يصيبكم ما أصابهم بدون أي‬
‫تفاوت‪ .‬وقسى القلب‪ :‬صلب وغلظ‪ (2) .‬المعنى‪ :‬المقصود والمراد‪ ،‬أي‬
‫كان المأمور والمنهى والمخاطب بالمواعظ والزواجر والوعد والوعيد‬
‫غير تلك القلوب‪ (3) .‬المزلق‪ :‬المكان الذى تزل فيه القدم ول تثبت‪.‬‬
‫والدحض هو انقلب الرجل بغتة فسقط المار‪ .‬والزلل‪ :‬هو انزلق القدم‪.‬‬
‫وتارات الهوال‪ :‬دفعاتها‪ " (4) .‬أنصب الخوف بدنه " أي أتعبه‪ .‬والغرار‬
‫‪ -‬بالكسر ‪ :-‬قلة النوم‪ ،‬أو قليله‪ ،‬و لعل المعنى لم يترك العبادة له نوما‬
‫قليل‪ " .‬وأسهر التهجد " أي أزال قيام الليل نومه القليل‪ ،‬فأذهبه بالمرة‪.‬‬
‫والهواجر جمع هاجرة أي صار رجاء الثواب موجب لن أظمأ نفسه في‬
‫هاجرة اليوم بالصوم فيها‪ " (5) .‬ظلف الرهب " أي منع الخوف‪ .‬وفى‬
‫النهج " ظلف الزهد "‪ .‬وأوجف دابته أي حركها مسرعا وحثها على‬
‫السير‪ .‬والبان ‪ -‬بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة ‪ :-‬حينه ووقته يعنى‬
‫القيامة‪ .‬وتنكب الشئ‪ :‬مال عنه‪ .‬والمخالج‪ :‬الطرق المتشعبة عن الطريق‬
‫العظم‪ .‬وخلج أي جذب كأنها تجذب النسان إليها‪ .‬والوضح‪ :‬جادة‬
‫الطريق والجار والمجرور متعلق بالمخالج أي المخالج المتشعبة عن‬
‫الطريق الواضح‪ (6) .‬فتله ‪ -‬كضربه ‪ -‬صرفه عن وجهه‪ .‬وفاتلت‬
‫الغرور‪ :‬وساوس الشيطان‪ " .‬ولم ‪< -‬‬

‫]‪[427‬‬

‫ظافرا بفرحة البشرى‪ ،‬وراحة النعمى في أنعم نومه )‪ (1‬وآمن يومه‪ ،‬قد عبر معبر‬
‫العاجلة حميدا‪ ،‬وقدم زاد الجلة سعيدا‪ ،‬وبادر من وجل‪ ،‬وأكمش في مهل‪،‬‬
‫ورغب في طلب‪ ،‬وذهب عن هرب )‪ (2‬وراغب في يومه غده‪ ،‬ونظر قدما‬
‫أمامه‪ ،‬فكفى بالجنة ثوابا‪ ،‬ونوال وكفى بالنار عقابا ووبال‪ ،‬وكفى بال‬
‫منتقما ونصيرا‪ ،‬وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما‪ .‬ومنها‪ :‬أم هذا الذي أنشأه‬
‫في ظلمات الرحام ]وشغف الستار نطفة دهاقا وعلقة محاقا‪ ،‬وجنينا‬
‫وراضعا[ )‪ (3‬ووليدا ويافعا )‪ (4‬ثم منحه قلبا حافظا‪ ،‬ولسانا لفظا‪ ،‬وبصرا‬
‫لحظا‪ ،‬ليفهم معتبرا‪ ،‬ويقصر مزدجزا‪ ،‬حتى إذا قام اعتداله‪ ،‬واستوى مثاله‬
‫)‪ (5‬نفر مستكبرا‪ ،‬وخبط سادرا ماتحا في غرب هواه‪ ،‬كادحا سعيا لدنياه‬
‫في لذات طربه‪ ،‬وبدوات أربه‪ ،‬ثم ل يحتسب رزية )‪ (6‬ول يخشع نعيه‪،‬‬
‫فمات في قبيلته‬

‫‪ < -‬تعم عليه " أي لم تخف عليه المور المشتبهة حتى يقع فيها على غير بصيرة‪.‬‬
‫)‪ (1‬النعمى ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الخفض والدعة وما انعم به عليك‪ .‬وأنعم النوم‪:‬‬
‫أطيبه و المراد بالنوم اما الراحة في الجنة اطلقا لسم الملزوم على‬
‫لزمه‪ ،‬أو الراحة في البرزخ أو لن مكث الجسد في القبر يشبه النوم‪) .‬‬
‫‪ (2‬الوجل‪ :‬الخوف أي سارع إلى العمال الصالحة من خوف ال تعالى‪.‬‬
‫وأكمش أي أسرع في مدة حياته‪ .‬وقوله " ذهب عن هرب " أي فر مما‬
‫يهرب عن مثله‪ (3) .‬الشغف‪ :‬جمع شغاف وهو في الصل غلف القلب‬
‫استعارة لموضع الولد‪ .‬والدهاق الذى أفرغ افراغا شديدا‪ ،‬والمحق‪:‬‬
‫المحو‪ (4) .‬اليافع‪ :‬الغلم الذى شارف الحتلم‪ (5) .‬أي بلغت قامته حد‬
‫ما قدر لها من النمو‪ (6) .‬السادر‪ :‬الذى ل يهتم ول يبالى ما صنع‬
‫والمتحير‪ .‬والماتح ‪ -‬بالتاء المثناة من فوق ‪ :-‬الذى يستقى الماء بالدلو‬
‫من أعلى البئر والمايح ‪ -‬بالياء المثناة من تحت ‪ :-‬الذى ينزل البئر‬
‫ليملء الدلو‪ .‬والغرب هو الدلو العظيمة التى تتخذ من جلد ثور شبه بها‬
‫لسعة المانى‪ .‬وكدح في ‪< -‬‬

‫]‪[428‬‬

‫عزيزا وعاش في هفوته يسيرا )‪ ،(1‬لم يفد عوضا‪ ،‬ولم يقض مفترضا‪ ،‬دهمته‬
‫فجعات المنية في غبر جماحه وسنن مراحه )‪ (2‬فظل سادرا‪ ،‬وبات ساهرا‪،‬‬
‫في غمرات اللم‪ ،‬وطوارق الوجاع ]والسقام[ )‪ (3‬بين أخ شقيق‪ ،‬ووالد‬
‫شفيق‪ ،‬وداعية بالويل جزعا‪ ،‬ولدمة للصدر قلقا‪ ،‬والمرء في سكرة‬
‫ملهية‪ ،‬وغمرة كارثة‪ ،‬وأنة موجعة )‪ (4‬وجذبة مكربة‪ ،‬وسوقة متعبة‪ ،‬قد‬
‫أدرج في أكفانه مبلسا‪ ،‬وجذب منقادا‬

‫‪ < -‬العمل كدوحا‪ :‬سعى‪ .‬ولعل المراد ببدوات أربه‪ .‬ما يخطر بباله ويبدو له أي‬
‫يظهر آرائه المختلفة باختلف دواعيه والحاصل أنه ذهب إلى ما يبدو له‬
‫من رغباته غير متقيد بالشريعة ول ملتزم حدود الفضيلة‪ .‬والرب‬
‫محركة‪ :‬الحاجة‪ .‬واحتساب الرزية‪ :‬العتداد بها‪ .‬أي ل يظنها ول يفكر‬
‫في وقوعها‪ .‬والرزية‪ :‬المصيبة‪ (1) .‬النعى‪ :‬خبر الموت‪ .‬وفى النهج "‬
‫ول يخشع تقية "‪ .‬وقوله " فمات في قبيلته عزيزا " في بعض النسخ "‬
‫فمات في فتنته غريرا " وهكذا في النهج وهو الصواب ظاهرا‪ .‬والغرير‪:‬‬
‫المغرور‪ ،‬والهفوة‪ :‬الزلة‪ (2) .‬دهمته أي غشيته‪ .‬وفجعات المنية أسبابها‬
‫وافجعته أي أوجعته والفجيعة‪ .‬المصيبة و " غبر جماحه " جمع غابر‬
‫بمعنى الباقي والمراد بقايا هواه وشهواته وعتوه الذى ذهب كثير منها‪.‬‬
‫والسنن ‪ -‬محركة ‪ :-‬النهج والطريقة‪ .‬والمراح ‪ -‬ككتاب اسم من مرح‬
‫الرجل إذا أشر وبطر ونشط وتبختر‪ .‬والمعنى هجمت عليه المراض‬
‫والوجاع واسباب الموت في أثناء غفلته وعتوه واغتراره‪ " (3) .‬فظل‬
‫سادرا " أي كان في جميع النهار متحيرا لشدة ما نزل به‪ .‬وغمرة الشئ‪:‬‬
‫شدته‪ .‬وطوارق الوجاع‪ :‬ما يأتي منها ليل وسمى التى بالليل طارقا‬
‫لحاجته إلى دق الباب لن الطرق بمعنى الضرب وكثيرا ما يشتد الوجاع‬
‫والسقام ليل‪ (4) .‬الشقيق‪ :‬الخ‪ ،‬واتصاف الخ بالشقيق للمبالغة في‬
‫العطوفة والرحمة‪ .‬واللدمة‪ :‬الضارية‪ .‬والكارثة‪ :‬الشديدة الشاقة‪.‬‬
‫والونة بفتح فتشديد‪ .‬من الن أي التوجع‪ .‬و المراد بجذبة مكربة جذبات‬
‫النفاس عند النزع‪ .‬والسوقة‪ :‬من ساق المريض نفسه عند الموت سوقا‬
‫وسياقا‪ .‬ومبلسا أي آيسا من أهله‪ .‬وماله أو من الرجوع إلى الدنيا‪ .‬و "‬
‫سلسا " أي‬

‫]‪[429‬‬

‫سلسا‪ ،‬ثم القي على العواد رجيع وصب‪ ،‬ونضو سقم‪ ،‬تحمله حفدة الولدان وحشدة‬
‫الخوان‪ ،‬إلى دار غربته‪ ،‬ومنقطع زورته )‪ (1‬حتى إذا انصرف المشيع‬
‫ورجع المتفجع أقعد في حفرته نجيا لبهتة السؤال‪ ،‬وعثرة المتحان )‪.(2‬‬
‫وأعظم ما هنالك بلية نزل الحميم‪ ،‬وتصيلة الجحيم‪ ،‬وفورات السعير‪ ،‬و‬
‫سورات الزفير )‪ (3‬ل فترة مريحة‪ ،‬ول دعة مزيحة‪ ،‬ول قوة حاجزة‪ ،‬ول‬
‫موتة ناجزة ول سنة مسلية‪ ،‬بين أطوار الموتات وعذاب الساعات‪ .‬إنا بال‬
‫عائذون )‪ .(4‬عباد ال أين الذين عمروا فنعموا‪ ،‬وعلموا ففهموا‪ ،‬ونظروا‬
‫فلهوا‪ ،‬وسلموا فنسوا‪ ،‬امهلوا طويل‪ ،‬ومنحوا جميل‪ ،‬وحذروا أليما‪،‬‬
‫ووعدوا جسيما‪ ،‬احذروا الذنوب المورطة‪ ،‬والعيوب المسخطة‪ .‬اولى‬
‫السماع والبصار‪ ،‬والعافية والمتاع ! هل من مناص‪ ،‬أو خلص‪ ،‬أو معاذ‬
‫أو ملذ‪ ،‬أو قرار‪ ،‬أو مجاز )‪ (5‬أم ل ؟ فأنى تؤفكون ؟ أم أين تصرفون ؟ أم‬
‫بماذا‬

‫سهل لعدم قدرته على الممانعة‪ (1) .‬الرجيع من الدواب ما رجعته من سفر إلى‬
‫سفر وهو الكال‪ .‬والوصب‪ :‬التعب والمرض‪ .‬و " نضو " بالكسر‪:‬‬
‫المهزول‪ .‬والحفدة‪ :‬العوان‪ .‬والحشدة‪ :‬المسارعون إلى التعاون‪.‬‬
‫والزورة من زاره يزوره ومنقطع الزورة‪ :‬حيث ل يزور‪ (2) .‬النجى‪ :‬من‬
‫تحادثه سرا‪ .‬وبهتة السؤال‪ :‬دهشته وحيرته‪ .‬والعثرة‪ :‬الزلة‪ (3) .‬الحميم‬
‫في الصل‪ ،‬الماء الحار‪ ،‬والتصلية‪ :‬الحراق‪ :‬والمراد هنا دخول جهنم‪.‬‬
‫وفارت القدر‪ :‬جاشت‪ .‬والسعير النار أو لهبها‪ .‬والسورة‪ :‬الشدة‪ .‬والزفير‪:‬‬
‫صوت النار عند توقدها‪ (4) .‬الفترة‪ :‬السكون بعد حدة واللين بعد شدة‪.‬‬
‫أي ل يفتر العذاب حتى يستريح المعذب من اللم‪ ،‬ول تكون دعة ‪ -‬أي‬
‫راحة ‪ -‬حتى تزيح عنه ما أصابه من التعب‪ ،‬وليست له قوة بحجز عنه‪.‬‬
‫ول بموتة حاضرة تذهب باحساسه عن الشعور بتلك اللم‪ .‬والناجز‪:‬‬
‫الحاضر والسريع‪ .‬والسنة‪ :‬اوائل النوم‪ .‬والمسلية‪ :‬الملتهية عن اللم‪.‬‬
‫والطوار النواع والمراد بالموتات‪ :‬العقوبات‪ (5) .‬في بعض النسخ " أو‬
‫فرار أو محار " أي مرجع إلى الدنيا بعد فراقها‪.‬‬

‫]‪[430‬‬
‫تغترون ؟ وإنما حظ أحدكم من الرض‪ ،‬ذات الطول والعرض‪ ،‬قيد قده )‪ (1‬متعفرا‬
‫على خده‪ .‬الن عباد ال والخناق مهمل )‪ (2‬والروح مرسل في فينة‬
‫الرشاد )‪ (3‬وراحة الجساد‪ ،‬ومهل البقية‪ ،‬وانف المشية‪ ،‬وإنظار التوبة‪،‬‬
‫وانفساح الحوبة )‪ (4‬قبل الضنك والمضيق‪ ،‬والروع والزهوق‪ ،‬وقبل قدوم‬
‫الغائب المنتظر )‪ (5‬وأخذ العزيز المقتدر‪ - 44 .‬ومن خطبة له عليه‬
‫السلم‪ :‬فاتعظوا عباد ال بالعبر النوافع‪ ،‬واعتبروا بالي السواطع‪،‬‬
‫وازدجروا بالنذر البوالغ )‪ (6‬وانتفعوا بالذكر والمواعظ‪ ،‬فكأن قد علقتكم‬
‫مخالب المنية وانقطعت عنكم علئق المنية‪ ،‬ودهمتكم مفظعات المور )‪(7‬‬
‫والسياقة إلى الورد المورود )‪ (8‬وكل نفس معها سائق وشهيد‪ ،‬وسائق‬
‫يسوقها إلى محشرها‪ ،‬وشاهد يشهد عليها بعملها‪ - 45 .‬ومن خطبة له‬
‫عليه السلم‪ :‬هل يحس به أحد إذا دخل منزل ؟ أم هل يراه‬

‫)‪ " (1‬قيد قده " ‪ -‬بكسر القاف وفتحها من الثاني ‪ :-‬مقدار طوله‪ ،‬يريد مضجعه‬
‫من القبر‪ (2) .‬الخناق ‪ -‬بكسر الخاء المعجمة ‪ :-‬الحبل يخنق به والمراد‬
‫الموت أو أسبابه‪ " (3) .‬فينة الرشاد " بفتح الفاء وتقديم الياء على‬
‫النون‪ :‬الساعة والحين‪ .‬ويمكن أن يقرء " فينة الرتياد " يعنى الطلب‪) .‬‬
‫‪ (4‬والنف بضمتين المستأنف يعنى لو أردتم استيناف المشيئة لمكنكم‪.‬‬
‫والحوبة‪ :‬الحاجة‪ ،‬وانفساح الحوبة‪ :‬سعة وقت الحاجة أي العمل الذى‬
‫يحتاج إليه العبد‪ (5) .‬الروع‪ :‬الخوف‪ .‬والزهوق‪ :‬الضمحلل‪ .‬والمراد‬
‫بالغائب المنتظر‪ :‬الموت‪ (6) .‬الى‪ :‬جمع آية وهى الدليل‪ .‬والسواطع‪:‬‬
‫الظاهرة الدللة‪ .‬والبوالغ‪ :‬جمع البالغة غاية البيان لكشف عواقب‬
‫التفريط‪ .‬والنذر جمع النذير بمعنى النذار أو المخوف‪ (7) .‬المنية‪:‬‬
‫الموت‪ .‬وفظع المر إذا اشتد‪ (8) .‬الورد ‪ -‬بالكسر ‪ -‬الصل فيه‪ :‬الماء‬
‫يورد للرى والمراد به الموت أو المحشر ولعل الوصف بالمورود للدللة‬
‫على أنه لبد من ورده‪.‬‬

‫]‪[431‬‬

‫إذا توفى أحدا‪ ،‬بل كيف يتوفى الجنين في بطن امه‪ ،‬أيلج عليه من بعض جوارحها‬
‫أم الروح أجابته باذن ربها‪ ،‬أم هو ساكن معها في أحشائها‪ ،‬كيف يصف‬
‫إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله‪ - 46 .‬ومن خطبة له عليه السلم‪:‬‬
‫عباد ال‪ ،‬ال ال )‪ (1‬في أعز النفس عليكم‪ ،‬وأحبها إليكم‪ ،‬فان ال قد‬
‫أفصح سبيل الحق‪ ،‬وأنار طرقه‪ ،‬بشقوة لزمة‪ ،‬أو سعادة دائمة )‪(2‬‬
‫فتزودوا في أيام الفناء ليام البقاء‪ ،‬فقد دللتم على الزاد‪ ،‬وامرتم بالظعن )‬
‫‪ (3‬وحثثتم على السير‪ ،‬فانما أنتم كركب وقوف ل يدرون متى يؤمرون‬
‫بالمسير‪ .‬أل فما يصنع بالدنيا من خلق للخرة ؟ وما يصنع بالمال من عما‬
‫قليل يسلبه ويبقى عليه تبعته وحسابه ؟ عباد ال إنه ليس لما وعد ال من‬
‫الخير مترك‪ ،‬ول فيما نهى عنه من الشر مرغب‪ .‬عباد ال احذروا يوما‬
‫تفحص فيه العمال‪ ،‬ويكثر فيه الزلزال وتشيب فيه الطفال‪ ،‬اعلموا عباد‬
‫ال أن عليكم رصدا من أنفسكم‪ ،‬وعيونا من جوارحكم وحفاظ صدق‬
‫يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم‪ ،‬ل تستركم منه ظلمة ليل داج‪ ،‬ول يكنكم‬
‫منه باب ذو رتاج )‪ (4‬وإن غدا من اليوم قريب‪ ،‬يذهب اليوم بما فيه ويجئ‬
‫الغد بما ل خفاء به‪ ،‬فكان كل امرء منكم قد بلغ من الرض منزل وحدته‬
‫ومحط حفرته‪ ،‬فياله من بيت وحدة‪ ،‬ومنزل وحشة‪ ،‬ومفرد غربة‪ ،‬وكأن‬
‫الصيحة قد أتتكم‪ ،‬والساعة قد غشيتكم‪ ،‬وبررتم لفصل القضاء‪ ،‬قد زاحت‬
‫عنكم الباطيل واضمحلت عنكم العلل )‪ (5‬واستحقت بكم الحقايق‪،‬‬
‫وصدرتكم المور مصادرها‬

‫)‪ (1‬أي راقبوا ال في أعز النفس ولعل المراد بها النفس المطمئنة‪ (2) .‬مرفوعان‬
‫على الخبرية أي فعاقبتكم أو جزاؤكم شقوة أو سعادة واللزم غير مفارق‬
‫والدائم‪ :‬غير الزائل‪ (3) .‬والظعن‪ :‬الرحيل‪ (4) .‬الداجي‪ :‬المظلم‪ .‬والرتاج‬
‫‪ -‬ككتاب‪ :‬الباب العظيم إذا كان محكم الغلق‪ (5) .‬زاحت أي بعدت‪ ،‬والعلل‪:‬‬
‫جمع العلة وهى المرض الشاغل‪.‬‬

‫]‪[432‬‬

‫فاتعظوا بالغير‪ ،‬واعتبروا بالعبر‪ ،‬وانتفعوا بالنذر‪ - 47 .‬ومن كلمه عليه السلم‪:‬‬
‫قاله بعد تلوته " الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر " )‪ (1‬ياله مراما ما‬
‫أبعده‪ ،‬وزورا ما أغفله وحطاما ما أفرغه وخطرا ما أفظعه‪ ،‬أفبمصارع‬
‫آبائهم يفتخرون ؟ أم بعديد الهلكى يتكاثرون‪ ،‬يرتجعون منهم أجسادا خوت‬
‫)‪ (2‬وحركات سكنت )‪ (3‬ولن يكونوا عبرا أحق من أن يكون مفتخرا‪،‬‬
‫ولن يهبطوا منهم جناب ذلة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزة )‪ (4‬لقد‬
‫نظروا إليهم بأبصار العشوة وضربوا منهم في غمرة جهالة )‪ (5‬ولو‬
‫استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية‪ ،‬والربوع الخالية لقالت‪:‬‬
‫ذهبوا في الرض ضلل )‪ ،(6‬وذهبتهم في أعقابهم جهال‪ ،‬تطأون في‬
‫هامهم )‪ (7‬وتستثبتون في أجسادهم‪ ،‬وترتعون فيما لفظوا‪ ،‬وتسكنون فيما‬
‫خربوا وإنما اليام بينهم وبينكم بواك ونوائح عليكم‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي شغلكم عن طاعة ال وصرفكم عن الخرة مكاثرة بعضكم لبعض‪ (2) .‬خوت‬
‫أي سقطت بناؤها وخلت من أرواحها‪ (3) .‬المعنى أنهم يذكرون آباءهم‬
‫ويفتخرون بهم فكأنهم ردوهم إلى الدنيا وارتجعوهم من القبور‪ .‬وقيل هو‬
‫استفهام وان لم يكن حرف الستفهام مذكورا أي يرتجعون منهم أجسادا‬
‫خوت‪ .‬وكلمة " من " يحتمل أن يكون للتجريد فالمعنى أيرتجعون من‬
‫أجسادهم اجسادا خوت ومن حركاتهم حركات سكنت‪ .‬ويحتمل أن يكون‬
‫صلة للرتجاع فيكون الجساد الخاوية كالهبة التى يرتجعها الواهب‪ ،‬وأن‬
‫يكون للتبعيض فالضمير المجرور لعامة أهل المقابر‪ (4) .‬الجناب بالفتح‪:‬‬
‫الناحية والفناء‪ .‬و " أحجى " أي أولى‪ (5) .‬العشوة بالفتح‪ :‬سوء البصر‬
‫بالليل‪ .‬وضرب في الماء‪ :‬سبح أي خاضوا وسبحوا من ذكرهم في غمرة‬
‫الجهالة‪ (6) .‬الخاوية‪ :‬الخالية والمنهدمة‪ .‬والربوع‪ :‬الماكن والمساكن‪.‬‬
‫والضلل ‪ -‬كعشاق ‪ -‬جمع ضال‪ (7) .‬هام ‪ -‬جمع هامة ‪ -‬وهى أعلى‬
‫الرأس‪.‬‬

‫]‪[433‬‬

‫أولئكم سلف غايتكم‪ ،‬وفراط مناهلكم الذين كانت لهم مقاوم العز‪ ،‬وحلبات الفخر‬
‫ملوكا وسوقا )‪ (1‬وسلكوا في بطون البرزخ سبيل‪ ،‬سلطت الرض عليهم‬
‫فيه فأكلت من لحومهم‪ ،‬وشربت من دمائهم‪ ،‬فأصبحوا في فجوات قبورهم‬
‫جمادا ل ينمون وضمارا ل يوجدون )‪ (2‬ل يفزعهم ورود الهوال‪ ،‬ول‬
‫يحزنهم تنكر الحوال‪ ،‬ول يحفلون بالرواجف‪ ،‬ول يأذنون للقواصف )‪(3‬‬
‫غيبا ل ينتظرون‪ ،‬وشهودا ل يحضرون وإنما كانوا جميعا فتشتتوا‪ ،‬والفا‬
‫فافترقوا )‪ (4‬وما عن طول عهدهم‪ ،‬ول بعد محلهم عميت أخبارهم‪،‬‬
‫وصمت ديارهم )‪ (5‬ولكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا )‪ (6‬وبالسمع‬
‫صمما‪ ،‬وبالحركات سكونا‪ ،‬فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات )‪(7‬‬
‫جيران ل يتأنسون‪ ،‬وأحباء ل يتزاورون‪ ،‬بليت بينهم عرى التعارف‪،‬‬
‫وانقطعت منهم أسباب‬

‫)‪ " (1‬سلف الغاية "‪ :‬السابق إليها‪ .‬والغاية‪ :‬الحد الذى ينتهى إليه الشئ حسيا أو‬
‫معنويا‪ .‬والمراد‪ :‬الموت‪ .‬وفرط فلن القوم كنصر أي تقدمهم إلى الورد‬
‫لصلح الحوض والدلء‪ ،‬والفرط ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬المتقدم إلى الماء‪.‬‬
‫والمناهل‪ :‬مواضع ما تشرب الشاربة من النهر‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬ومقاوم‪ :‬جمع‬
‫مقام‪ .‬والحلبات جمع حلبة بالفتح و هي الدفعة من الخيل في الرهان‪ ،‬أو‬
‫هي الخيل تجتمع للنصرة من كل أوب‪ .‬والسوق ‪ -‬بضم ففتح جمع سوقه‬
‫بالضم‪ :‬بمعنى الرعية‪ (2) .‬الفجوة الفرجة والمراد هنا شق القبر‪ .‬وقوله‬
‫" ول ينمون " من النمو وهو الزيادة من الغذاء‪ .‬والضمار‪ :‬خلف‬
‫العيان الغائب والذى ل يرجى ايابه‪ " (3) .‬ل يحفلون بكسر الفاء‪ :‬أي ل‬
‫يبالون‪ .‬والرواجف جمع راجفة‪ :‬الزلزلة توجب الضطراب‪ .‬والقواصف‬
‫من قصف الرعد‪ :‬اشتدت هدهدته‪ .‬وأذن له‪ :‬استمع‪ (4) .‬الف جمع آلف‬
‫أي مؤتلف مع غيره‪ (5) .‬صم يصم بالفتح فيها‪ :‬خرس عن الكلم‪ .‬وهذه‬
‫النسبة إلى الديار مجاز‪ (6) .‬المراد من خرس الديار عدم صعود الصوت‬
‫من سكانها‪ (7) .‬ارتجال الصفة‪ :‬وصف الحال بل تأمل فالواصف لهم‬
‫بأول النظر يظنهم صرعوا من السبات ‪ -‬بالضم ‪ :-‬أي النوم‪.‬‬

‫]‪[434‬‬

‫الخاء‪ ،‬فكلهم وحيد وهم جميع‪ ،‬وبجانب الهجر وهم أخلء‪ ،‬ل يتعارفون لليل‬
‫صباحا ول لنهار مساء‪ .‬أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا )‪(1‬‬
‫شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا )‪ (2‬ورأوا من آياتها أعظم مما‬
‫قدروا )‪ (3‬فكلتا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فأتت مبالغ الخوف والرجاء )‬
‫‪ (4‬فلو كانوا ينطقون بها لعيوا )‪ (5‬بصفة ما شاهدوا وما عاينوا‪ .‬ولئن‬
‫عميت آثارهم‪ ،‬وانقطعت أخبارهم‪ ،‬لقد رجعت فيهم أبصار العبر )‪(6‬‬
‫وسمعت عنهم آذان العقول‪ ،‬وتكلموا من غير جهات النطق فقالوا‪ :‬كلحت‬
‫الوجوه النواضر‪ ،‬وخوت الجسام النواعم )‪ (7‬ولبسنا أهدام البلى‪،‬‬
‫وتكاءدنا ضيق المضجع )‪ (8‬وتوارثنا الوحشة‪ ،‬وتهكمت علينا الربوع‬
‫الصموت )‪ (9‬فانمحت محاسن أجسادنا‪،‬‬

‫)‪ (1‬الجديدان‪ :‬الليل والنهار‪ .‬فان ذهبوا في نهار فل يعرفون له ليل أو في ليل فل‬
‫يعرفون نهارا‪ (2) .‬الخطر بالتحريك‪ :‬الشراف على الهلك‪ .‬وقوله‪" :‬‬
‫أفظع " أي اشد شناعة‪ (3) .‬أي تصوروه‪ :‬بعقولهم‪ (4) .‬المباءة‪ :‬مكان‬
‫التبوء والستقرار أي ضرب لها أجل ينتهون فيه إلى مباءة وهى المرجع‬
‫إلى الجنة أو النار فاتت ذلك المرجع مبالغ الخوف والرجاء عظمة‪ ،‬أو‬
‫تجاوزت عن أن يبلغها خوف خائف أو رجاء راج لعظمتها‪ (5) .‬العى‬
‫العجز‪ ،‬وعيى عن الكلم‪ :‬عجز‪ (6) .‬أي نظرت إليهم بعد الموت نظرة‬
‫ثانية‪ .‬والعبر‪ :‬جمع عبرة‪ (7) .‬كلح أي عبس‪ .‬والنواضر‪ :‬الحسنة‬
‫البواسم‪ .‬خوت أي تهدمت بنيتها‪ ،‬وتفرقت أعضاؤها‪ (8) .‬أهدام جمع هدم‬
‫وهو الثوب البالى‪ .‬وتكأد المر بتشديد الهمزة ‪ -‬أي شق على‪(9) .‬‬
‫تهكمت أي تهدمت‪ .‬والربوع‪ :‬أماكن القامة‪ .‬والصموت‪ :‬جمع صامت‬
‫وهى التى ل تنطق‪ ،‬والمراد القبور‪.‬‬

‫]‪[435‬‬

‫وتنكرت معارف صورنا‪ ،‬وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا‪ ،‬ولم نجد من كرب‬
‫فرجا‪ ،‬ول من ضيق متسعا‪ .‬فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب‬
‫الغطاء لك‪ ،‬وقد ارتسخت أسماعهم بالهوام فاستكت‪ ،‬واختلجت )‪(1‬‬
‫أبصارهم بالتراب فخسفت‪ ،‬وتقطعت اللسنة في أفواههم بعد دلقتها )‪(2‬‬
‫وهمدت القلوب في صدورهم بعد يقظتها )‪ (3‬وعاث في كل جارحة منهم‬
‫جديد بلى سمجها )‪ (4‬وسهل طرق الفة إليها مستسلمات‪ ،‬فل أيد تدفع ول‬
‫قلوب تجزع لرأيت أشجان قلوب وأقذاء عيون‪ ،‬لهم من كل فظاعة صفة‬
‫حال ل تنتقل‪ ،‬وغمرة ل تنجلي )‪ (5‬فكم أكلت الرض من عزيز جسد وأنيق‬
‫لون كان في الدنيا غذي ترف )‪ (6‬وربيب شرف‪ ،‬يتعلل بالسرور في ساعة‬
‫حزنه‪ ،‬ويفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به‪ ،‬ضنا بغضارة عيشه‪،‬‬
‫وشحاحة بلهوه ولعبه )‪ (7‬فبينا هو يضحك إلى الدنيا وتضحك‬

‫)‪ (1‬ارتسخت من رسخ الغدير رسوخا إذا نش ماؤه أي أخذ في النقصان ونضب‬
‫يعنى نضب مستودع قوة السماع وذهبت مادته بامتصاص الهوام وهى‬
‫الديدان هنا‪ .‬واستكت الذن بتشديد الكاف أي صمت وانسدت‪ .‬وقوله "‬
‫فاختلجت أبكارهم " في النهج "‪ ،‬اكتحلت أبصارهم " والظاهر هو‬
‫الصواب‪ (2) .‬خسفت عين فلن‪ :‬فقأها‪ .‬ودلقة اللسن‪ :‬حدتها في النطق‪.‬‬
‫)‪ (3‬الهمود‪ :‬الموت وطفو النار والسكون‪ .‬واليقظة نقيض النوم‪(4) .‬‬
‫عاث أي أفسد‪ .‬والبلى التحلل والفناء‪ .‬وسمج الصورة تسميجا‪ :‬أي قبحها‬
‫أي أفسد الفناء في كل عضو منهم فقبحه‪ (5) .‬اشجان القلوب‪ :‬همومها‪.‬‬
‫واقذاء‪ .‬العيون‪ :‬ما يسقط فيها فيؤلمها‪ .‬والفظاعة والغمرة‪ :‬الشدة‪(6) .‬‬
‫" من عزيز جسد " من اضافة الصفة‪ .‬والنيق‪ :‬الحسن المعجب‪ .‬والغذى‬
‫اسم بمعنى المفعول أي مغذي بالنعيم‪ .‬والترف التنعم‪ (7) .‬الربيب بمعنى‬
‫المربى من ربه يربه بالضم إذا رباه‪ .‬وتعلل المر تشاغل به‪ .‬و السلوة ‪-‬‬
‫بالفتح ‪ :-‬ما يسلى عن الهم أي ينسبه‪ .‬والضن‪ :‬البخل‪ .‬وغضارة العيش‪:‬‬
‫طيبه ‪< -‬‬

‫]‪[436‬‬

‫الدنيا إليه‪ ،‬في ظل عيش غفول )‪ (1‬إذ وطئ الدهر به حسكه‪ ،‬ونقضت اليام قواه‪،‬‬
‫ونظرت إليه الحتوف من كثب‪ ،‬فخالطه بث ل يعرفه‪ ،‬ونجي هم ما كان‬
‫يجده )‪ (2‬وتولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته‪ ،‬ففزع إلى ما كان‬
‫عوده الطباء من تسكين الحار بالقار )‪ (3‬وتحريك البارد بالحار‪ ،‬فلم يطفئ‬
‫ببارد إل ثور حرارة‪ ،‬ول حرك بحار إل هيج برودة‪ ،‬ول اعتدل بممازج‬
‫لتلك الطبايع إل أمد منها كل ذات داء )‪ (4‬حتى فتر معلله‪ ،‬وذهل ممرضه‪،‬‬
‫وتعايا أهله بصفة دائه‪ ،‬وخرسوا عن جواب السائلين عنه‪ ،‬وتنازعوا دونه‬
‫شجي خبر يكتمونه )‪(5‬‬

‫‪ < -‬والشح‪ :‬البخل‪ " (1) .‬فبينا هو يضحك إلى الدنيا " أي مشتاقا أي متوجها‬
‫إليها‪ .‬و " يضحك الدنيا إليه " يجرى على وفق مراده‪ .‬ووصف العيش‬
‫بالغفلة لنه إذا كان هنيئا يوجبها‪ (2) .‬الحسك‪ :‬نبات تعلق قشرته‬
‫بصوف‪ .‬والمراد ابتلؤه بآلم الدهر‪ .‬والحتوف جمع الحتف ‪ -‬بالفتح ‪-‬‬
‫وهو الموت والهلك‪ .‬والكثب ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬أي قرب‪ ،‬يعنى توجهت إليه‬
‫المهلكات على قرب منه‪ .‬والبث‪ :‬الحزن‪ .‬وخالطه الحزن أي دخل في‬
‫باطنه والنجى‪ :‬المناجى‪ ،‬فعيل من ناجاه مناجاة أي ساره‪ .‬والهم‪ :‬الحزن‪.‬‬
‫)‪ (3‬الفترة ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬انكسار الحدة واللين على الحال‪ .‬و " آنس " حال‬
‫من ضمير " فيه "‪ .‬أي تولد فيه الضعف بسبب العلل حال كونه أشد انسا‬
‫بصحته من جميع الوقات السابقة والقار هنا ضد الحار‪ (4) .‬أي ما طلب‬
‫تعديل مزاجه بدواء يمازج ما فيه من الطبايع ليعدلها ال وساعد كل‬
‫طبيعة على تولد الداء‪ (5) .‬معلل المريض‪ :‬من يسليه عن مرضه بترجية‬
‫الشفاء‪ ،‬كما أن ممرضه من يتولى خدمته في مرضه لمرضه‪ .‬وذهله‬
‫وذهل عنه ‪ -‬كمنع ‪ -‬أي نسبه أو تناساه عمدا‪ .‬وتعايا أي أظهر العيى أي‬
‫العجز‪ ،‬وعييت بأمرى كرضيت‪ :‬إذا لم تهتد لوجهه‪ ،‬وتعايا أهله بصفة‬
‫دائه أي اشتركوا في العجز والحيرة عن وصف دائه للطبيب ومن يسأل‬
‫عن حاله‪ .‬وخرس‪ .‬كفرح ‪ -‬أي انعقد لسانه ومنع من الكلم خلقة والمراد‬
‫سكتوا كالخرس عن جواب السائلين فل يخبرون عن عافيته ‪< -‬‬

‫]‪[437‬‬

‫فقائل يقول‪ :‬هو لما به‪ ،‬وممن لهم إياب عافيته‪ ،‬ومصبر لهم على فقده‪ ،‬يذكرهم‬
‫اسى الماضين من قبله )‪ .(1‬فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا‬
‫وترك الحبة إذ عرض له عارض من غصصه‪ ،‬فتحيرت نوافذ فطنته )‪(2‬‬
‫ويبست رطوبة لسانه‪ ،‬فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده‪ ،‬ودعاء‬
‫مؤلم بقلبه سمعه فتصام عنه )‪ (3‬من كبير كان يعظمه أو صغير كان‬
‫يرحمه )‪ (4‬وإن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة أو تعتدل‬
‫على عقول أهل الدنيا )‪ - 48 .(5‬ومن كلمه عليه السلم إنكم مخلوقون‬
‫اقتدارا‪ ،‬ومربوبون اقتسارا )‪(6‬‬

‫لعدم ظهور أماراتها‪ ،‬وعن عدمها ويأسهم من البرء لكونه مكروها لنفوسهم فل‬
‫ينطق بذكره لسانهم‪ .‬و " شجى "‪ :‬الحزن والخبر الذى يكتمونه هو‬
‫موته‪ ،‬وقال بعض شراح النهج‪ :‬أي تخاصموا في خبر ذى شجى أي خبر‬
‫ذى غصة ينازعونه وهم حول المريض سرا دونه وهو ل يعلم بنجواهم‬
‫وبما يفيضون فيه من أمره‪ " (1) .‬هو لمابه " أي للمر الذى نزل به أي‬
‫أشفى على الموت‪ " .‬وممن لهم اياب عافيته " الممنى‪ :‬مخيل المنية‪.‬‬
‫والياب‪ :‬الرجوع أي يبعثهم على الرجاء بعود عافيته فيقول‪ :‬قد رأينا‬
‫أسوء حال منه ثم عوفي‪ .‬والسى‪ :‬جمع السوة وهى ما يتأسى به‬
‫الحزين ويتسلى وسمى المصبر اسوة لنه يذكرهم التأسي بالماضين في‬
‫موت أقاربهم وأحبابهم أو صبرهم عليه‪ (2) .‬أي الفكار الدقيقة الصائبة‪.‬‬
‫)‪ (3‬تصام عنه أي أظهر الصمم بعدم اللتفات للعجز عن الكلم‪(4) .‬‬
‫المراد بالكبير الذى يعظمه الوالد‪ ،‬والصغير الولد‪ .‬والغمرات الشدائد‪،‬‬
‫والفظيع الشديد‪ .‬والستغراق‪ :‬الستيعاب أي شدائد الموت أشد من أن‬
‫يشمله بيان ووصف‪ (5) .‬تعتدل أي تستقيم عليها بالقبول والدراك‪ ،‬أي‬
‫لغفلتهم عنها ل تتناسب عند عقولهم قيد ركونها‪ (6) .‬مربوبون‪:‬‬
‫مملوكون‪ .‬والقتسار‪ :‬الغلبة والقهر‪.‬‬

‫]‪[438‬‬

‫]ومقبوضون احتضارا[ ومضمنون أجداثا‪ ،‬وكاينون رفاتا‪ ،‬ومبعوثون أفرادا‬


‫ومدينون‪] ،‬جزاء ومميزون[ حسابا )‪ (1‬فرحم ال عبدا اقترف فاعترف‪،‬‬
‫ووجل فعمل‪ ،‬وحاذر فبادر‪ ،‬وعبر فاعتبر‪ ،‬وحذر فازدجر‪ ،‬فأجاب فأناب )‬
‫‪ (2‬وراجع فتاب‪ ،‬واقتدى فاحتذى‪ ،‬فباحث طلبا‪ ،‬ونجا هربا‪ ،‬فأفاد ذخيرة‪،‬‬
‫وأطاب سريرة‪ ،‬وتأهب للمعاد )‪ (3‬واستظهر بالزاد ليوم رحيله ووجه‬
‫مسيله )‪ (4‬وحال حاجته‪ ،‬وموطن فاقته‪ ،‬تقدم أمامه لدار مقامه‪ .‬فمهدوا‬
‫لنفسكم في سلمة البدان‪ ،‬فهل ينتظر أهل غضارة الشاب إل جواني الهرم‬
‫؟ و أهل بضاضة الصحة إل نوازل السقم )‪ (5‬وأهل مدة البقاء إل مفاجأة‬
‫الفناء ؟ واقتراب الفوت‪ ،‬ودنو الموت‪ ،‬وازوف النتقال‪ ،‬وإشفاء الزوال‪،‬‬
‫وحفي النين ورشح الجبين‪ ،‬وامتداد العرنين‪ ،‬وعلز القلق‪ ،‬وفيض الرمق‪،‬‬
‫وألم المضض وغصص الجرض )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬والحتضار‪ :‬الحضور والمراد حضور الموت أو حضور الملئكة الموكلين‬


‫بقبض الرواح‪ ،‬والجداث‪ .‬جمع جدث ‪ -‬بفتحتين وهو القبر‪ .‬ومضمنون‬
‫أي مجعولون في ضمنها‪ .‬والرفات‪ :‬الحطام‪ (2) .‬اقترف‪ :‬اكتسب‪.‬‬
‫والوجل‪ :‬خاف‪ .‬وبادر‪ :‬سارع‪ .‬والنابة‪ :‬الرجوع إلى ال باصلح العمل‪) .‬‬
‫‪ (3‬التأهب‪ :‬التهيؤ والستعداد‪ " .‬استظهر بالزاد " أي حمل زادا حمله‬
‫ظهر راحلته إلى الخرة‪ .‬أو حفظ زاده واستعان به‪ (4) .‬في النهج "‬
‫ووجه سبيله "‪ (5) .‬البضاضة‪ .‬رقة اللون‪ .‬والحوانى‪ :‬جمع حانية وهى‬
‫العلة التى تحت الظهر وغيره‪ ،‬والغضارة‪ :‬النعمة والسعة والخصب‪.‬‬
‫والنوازل جمع النازلة وهى الداهية والشديدة من شدائد الدهر‪ .‬والونة‬
‫جمع أوان وهو الوقت‪ .‬والنتظار في المواضع عبارة عن النتهاء وكون‬
‫اللواحق غايات للسوابق‪ .‬وقد تقدمت هذه الجمل سابقا‪ (6) .‬الزوف‪:‬‬
‫القرب‪ .‬أشفى اشفاء عليه أشرف وأشفى المريض على الموت أي قاربه‪.‬‬
‫‪<-‬‬
‫]‪[439‬‬

‫واعلموا عباد ال إنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان‬
‫أطول منكم أعمارا‪ ،‬وأشد بطشا‪ ،‬وأعمر ديارا‪ ،‬وأبعد آثارا‪ ،‬فأصبحت‬
‫أصواتهم هامدة جامدة )‪ (1‬من بعد طول تقلبها‪ ،‬وأجسادهم بالية‪ ،‬وديارهم‬
‫خالية وآثارهم عافية )‪ (2‬واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق‬
‫الممهدة )‪ (3‬الصخور والحجار المسندة في القبور اللطية الملحدة )‪(4‬‬
‫التي قد بين الخراب فناؤها وشيد التراب بناؤها‪ ،‬فمحلها مقترب‪ ،‬وساكنها‬
‫مغترب )‪ (5‬بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين‪ ،‬ل يستأنسون‬
‫بالعمران‪ ،‬ول يتواصلون الجيران والخوان‪ ،‬على ما بينهم من قرب‬
‫الجوار‪ ،‬ودنو الدار‪ ،‬وكيف يكون بينهم تواصل‪ ،‬وقد طحنهم بكلكلة البلى‪،‬‬
‫فأكلهم الجنادل والثرى )‪ (6‬فأصبحوا بعد الحياة أمواتا‪ ،‬وبعد غضارة‬
‫العيش رفاتا‪ ،‬فجع بهم الحباب‪ ،‬وسكنوا التراب‪ ،‬وظعنوا فليس لهم إياب‪.‬‬
‫هيهات هيهات كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون‪،‬‬
‫وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى‪ ،‬والوحدة في دار الموت‪،‬‬
‫وارتهنتم في ذلك‬

‫‪ < -‬والنين‪ :‬التأوه‪ .‬وحفى النين أي كثرة التأوه‪ .‬والعرنين‪ :‬النف أو ما صلب‬
‫منه‪ .‬والعلز قلق وخفة وهلع يصيب المريض والمحتضر‪ .‬والفيض‪:‬‬
‫الموت‪ .‬والرمق بقية الحياة‪ .‬والمضض ‪ -‬محركة ‪ :-‬وجع المصيبة‪،‬‬
‫وبلوغ الهم والحزن من القلب‪ .‬والغصص جمع غصة‪ .‬والجرض‪ :‬الريق‪،‬‬
‫جرض بريقه كفرح ابتلعه بالجهد على هم وحزن‪ (1) .‬الهمود‪ :‬طفوء‬
‫النار أو ذهاب حرارتها والفعل كنصر‪ (2) .‬أي ممحوة وعفا أثره أي‬
‫انمحى واندرس‪ (3) .‬النمارق جمع نمرقة وهى الوسادة يتكأ عليها‪.‬‬
‫الممهدة‪ :‬المبسوطة‪ (4) .‬الستناد إلى الشئ‪ :‬العتماد عليه‪ .‬ولطأ‬
‫بالرض ‪ -‬كمنع وفرح ‪ :-‬لصق‪ (5) .‬المغترب‪ :‬الظاعن‪ (6) .‬الكلكل ‪-‬‬
‫كجعفر ‪ :-‬صدر البعير‪ ،‬شبه عليه السلم البلى أي الفناء بالجمل يرض‬
‫صدره ما برك عليه‪ .‬والجنادل‪ :‬الحجارة‪ .‬والثرى‪ :‬التراب‪.‬‬

‫]‪[440‬‬

‫المضجع‪ ،‬وضمكم ذلك المستودع‪ ،‬فكيف بكم لو قد تناهت المور‪ ،‬وبعثرت القبور )‬
‫‪ (1‬وحصل ما في الصدور‪ ،‬ووقعتم للتحصيل )‪ (2‬بين يدي الملك الجليل‬
‫فطارت القلوب لشفاقها من سالف الذنوب‪ ،‬وهتكت منكم الحجب والستار‪،‬‬
‫و ظهرت منكم الغيوب والسرار‪ ،‬هنالك تجزى كل نفس بما كسبت إن ال‬
‫يقول‪ " :‬ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى "‪.‬‬
‫اغتنموا أيام الصحة قبل السقم‪ ،‬والشيبة قبل الهرم‪ ،‬وبادروا التوبة قبل‬
‫الندم‪ ،‬ول يحملنكم المهلة على طول الغفلة‪ ،‬فان الجل يهدم المل‪ ،‬واليام‬
‫موكلة بنقص المدة‪ ،‬وتفريق الحبة‪ ،‬فبادروا رحمكم ال بالتوبة قبل‬
‫حضور النوبة‪ ،‬وبرزوا للغيبة التي ل ينتظر معها الوبة )‪ (3‬واستعينوا‬
‫على بعد المسافة بطول المخافة‪ ،‬فكم من غافل وثق لغفلته‪ ،‬وتعلل بمهلته‪،‬‬
‫فأمل بعيدا وبنى مشيدا‪ ،‬فنقص بقرب أجله بعد أمله‪ ،‬فاجأته منيته بانقطاع‬
‫امنيته‪ ،‬فصار بعد العز والمنعة والشرف والرفعة مرتهنا بموبقات عمله )‬
‫‪ (4‬قد غاب فما يرجع‪ ،‬وندم فما انتفع‪ ،‬وشقي بما جمع في يومه وسعد به‬
‫غيره في غده‪ ،‬وبقي مرتهنا بكسب يده ذاهل عن أهله وولده‪ ،‬ل يغني عنه‬
‫ما ترك فتيل )‪ (5‬ول يجد إلى مناص سبيل‪ .‬فعلى م عباد ال التعرج والدلج‬
‫)‪ (6‬وإلى أين المفر والمهرب ؟ وهذا الموت‬

‫)‪ (1‬أي بلغكم إلى النهاية ووصلتم إلى منتهى تلك الحوال وهو البعث والنشور‪ .‬و‬
‫بعثر الرجل متاعه إذا فرقه وبدده وبعثرت القبور أي قلب ثراها واخرج‬
‫موتاها‪ (2) .‬في مطالب السؤول " ووقفتم للتحصيل "‪ (3) .‬الوبة‪:‬‬
‫الرجوع‪ (4) .‬الموبقات‪ :‬المهلكات‪ (5) .‬الفتيل‪ :‬الخيط في شق النبات‪ .‬أي‬
‫ل يغنى عنه شيئا بقدر الفتيل‪ .‬والمناص‪ :‬الخلص‪ (6) .‬التعرج‪ :‬الصعود‪،‬‬
‫والدلج‪ :‬السفر بالليل‪.‬‬

‫]‪[441‬‬

‫في الطلب‪ ،‬يخترم الول فالول )‪ (1‬ل يتحنن على ضعيف‪ ،‬ول يعرج على شريف )‬
‫‪ (2‬والجديدان )‪ (3‬يحثان الجل تحثيثا‪ ،‬ويسوقانه سوقا حثيثا )‪ (4‬وكل ما‬
‫هو آت فقريب‪ ،‬ومن وراء ذلك العجب العجب‪ ،‬فأعدوا الجواب ليوم‬
‫الحساب‪ ،‬وأكثروا الزاد ليوم المعاد‪ .‬عصمنا ال وإياكم بطاعته‪ ،‬وأعاننا‬
‫وإياكم على ما يقرب إليه ويزلف لديه فإنما نحن به وله‪ .‬إن ال وقت لكم‬
‫الجل‪ ،‬وضرب لكم المثال‪ ،‬وألبسكم الرياش‪ ،‬وأرفع لكم المعاش‪ ،‬وآثركم‬
‫بالنعم السوابغ‪ ،‬وتقدم إليكم بالحجج البوالغ‪ ،‬وأوسع لكم في الرفد الروافغ‬
‫)‪ (5‬فتشمروا فقد أحاط بكم الحصاء‪ ،‬و ارتهن لكم الجزاء )‪ (6‬القلوب‬
‫قاسية عن حظها‪ ،‬لهية عن رشدها‪ ،‬اتقو ال تقية من شمر تجريدا‪ ،‬وجد‬
‫تشميرا‪ ،‬وانكمش في مهل‪ ،‬وأشفق في وجل‪ ،‬ونظر في كرة الموئل‪،‬‬
‫وعاقبة المصدر‪ ،‬ومغبة المرجع‪ ،‬وكفى بال منتقما ونصيرا‪ ،‬وكفى بكتاب‬
‫ال حجيجا وخصيما )‪ .(7‬رحم ال عبدا استشعر الحزن‪ ،‬وتجلبب الخوف‪،‬‬
‫وأضمر اليقين‪ ،‬وعري عن الشك‬

‫)‪ (1‬اخترمه‪ :‬أهلكه واستأصله‪ .‬واخترمه المرض‪ :‬هزله واخترمه المنية‪ :‬أخذته‬
‫وتحنن عليه‪ :‬ترحم‪ (2) .‬فلن ل يعرج على قوله أي ل يعتمد عليه‪.‬‬
‫وعلى المكان أن حبس مطيته عليه وأقام فيه‪ (3) .‬أي الليل والنهار‪(4) .‬‬
‫التحثيث‪ :‬التحريص والتنشيط على فعل‪ .‬والحثيث‪ :‬السريع‪ (5) .‬الرفد‬
‫العطاء‪ ،‬والروافغ الواسعة‪ (6) .‬في النهج " وارصد لكم الجزاء "‪(7) .‬‬
‫شمر تشمرا‪ :‬مر مسرعا‪ .‬وانكمش الرجل‪ :‬أسرع وجد‪ .‬أي وبالغ في حث‬
‫نفسه على المسير إلى ال تعالى مع تمهل البصيرة‪ .‬والوجل‪ :‬الخوف‪.‬‬
‫والموئل‪ :‬مستقر السير والمراد هنا ما ينتهى إليه النسان من سعادة‬
‫وشقاء‪ ،‬وكرته‪ .‬حملته واقباله‪< - .‬‬

‫]‪[442‬‬

‫في توهم الزوال‪ ،‬فهو منه على وبال‪ ،‬فزهر مصباح الهدى في قلبه وقرب على‬
‫نفسه البعيد‪ ،‬وهون الشديد‪ ،‬فخرج من صفه العمى‪ ،‬ومشاركة الموتى‪،‬‬
‫وخيار من مفاتيح الهدى‪ ،‬ومغاليق أبواب الردى‪ ،‬واستفتح بما فتح به‬
‫العالم أبوابه‪ ،‬وخاض بحاره‪ ،‬وقطع غماره‪ ،‬ووضحت له سبيله ومناره‪،‬‬
‫واستمسك من العرى بأوثقها‪ ،‬واستعصم من الجبال بأمتنها‪ ،‬خواض‬
‫غمرات‪ ،‬فتاح مبهمات‪] ،‬دفاع معضلت‪ ،‬دليل فلوات‪ ،‬يقول فيفهم‪ ،‬ويسكت‬
‫فيسلم‪ ،‬قد أخلص ل‪ ،‬فاستخلصه‪ ،‬فهو من معادن دينه وأوتاد أرضه‪ ،‬قد‬
‫ألزم نفسه العدل‪ ،‬فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه‪ ،‬يصف الحق‬
‫ويعمل به ل يدع للخير غاية إل أمها[ ول مطية إل قصدها‪] .‬تم القسم الول‬
‫من كتاب الروضة ويليه القسم الثاني أوله كتاب الغارات[‬

‫‪ < -‬والمغبة ‪ -‬بفتح الميم والغين وتشديد الباء ‪ :-‬العاقبة‪ .‬والحجيج‪ :‬الخصيم‬
‫والمخاصم‪ .‬فاعلم انى استفدت كثيرا في ترجمة لغات هذه الخطب من‬
‫كتاب بهجة الحدائق من شروح النهج للسيد علء الدين محمد بن المير‬
‫شاه أبى تراب من سادات گلستانة الصفهانى ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬المتوفى سنة‬
‫‪ 1110‬الهجرى القمرى‪ .‬ول الحمد أول وآخرا‪) .‬على اكبر الغفاري(‬
‫‪1386‬‬

‫]‪[443‬‬

‫كلمة المصحح‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم نحمدك اللهم على التوفيق‪ ،‬ونصلي على‬
‫رسولك وآله هداة الطريق‪ .‬أما بعد‪ :‬فاني لمغتبط بهذه الفرصة التي اتيحت‬
‫لي لتصحيح هذا الجزء الذي هو في أجزاء الكتاب كالكوكب الدري‪ ،‬وفي‬
‫نظام هذا السلك المنضد كالدر ‪ -‬الوضئ‪ .‬لما فيه من عقائل الدب‪ ،‬وكرائم‬
‫الخطب‪ ،‬وينابيع الحكم‪ ،‬والمواعظ والزواجر والعبر‪ ،‬ومحاسن الكتب‬
‫والثر ما يشفي الغليل من غلته‪ ،‬ويبرئ العليل من علته‪ ،‬ويطهر النفوس‬
‫عن درن الرذائل‪ ،‬ويرحض القلوب عن ظلمة ‪ -‬الثام‪ ،‬فمن امتثل أوامره‬
‫وائتمر‪ ،‬وانتهى عن نواهيه وازدجر‪ ،‬واتعظ بمواعظه واعتبر‪ ،‬فهو أفضل‬
‫من تقمص وائتزر‪ .‬والكتاب بما في غضونه من الدروس الراقية يغنينا عن‬
‫سرد جمل الثناء عليه أو تسطير الكلم في إطرائه‪ ،‬غير أنه لم يخرج في‬
‫زمان مؤلفه الفحل والبطل‪ ،‬وسارع إلى رحمة ربه الكريم ولم يمهله الجل‪.‬‬
‫فبقي مسودة دون تصحيح ألفاظه‪ ،‬وتفسير غرائبه ولغاته‪ .‬فهو مع كونه‬
‫جؤنة مشحونة بنفائس العلق‪ ،‬ذوحظ وافر من السقاط‬

‫]‪[443‬‬

‫كلمة المصحح‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم نحمدك اللهم على التوفيق‪ ،‬ونصلي على‬
‫رسولك وآله هداة الطريق‪ .‬أما بعد‪ :‬فاني لمغتبط بهذه الفرصة التي اتيحت‬
‫لي لتصحيح هذا الجزء الذي هو في أجزاء الكتاب كالكوكب الدري‪ ،‬وفي‬
‫نظام هذا السلك المنضد كالدر ‪ -‬الوضئ‪ .‬لما فيه من عقائل الدب‪ ،‬وكرائم‬
‫الخطب‪ ،‬وينابيع الحكم‪ ،‬والمواعظ والزواجر والعبر‪ ،‬ومحاسن الكتب‬
‫والثر ما يشفي الغليل من غلته‪ ،‬ويبرئ العليل من علته‪ ،‬ويطهر النفوس‬
‫عن درن الرذائل‪ ،‬ويرحض القلوب عن ظلمة ‪ -‬الثام‪ ،‬فمن امتثل أوامره‬
‫وائتمر‪ ،‬وانتهى عن نواهيه وازدجر‪ ،‬واتعظ بمواعظه واعتبر‪ ،‬فهو أفضل‬
‫من تقمص وائتزر‪ .‬والكتاب بما في غضونه من الدروس الراقية يغنينا عن‬
‫سرد جمل الثناء عليه أو تسطير الكلم في إطرائه‪ ،‬غير أنه لم يخرج في‬
‫زمان مؤلفه الفحل والبطل‪ ،‬وسارع إلى رحمة ربه الكريم ولم يمهله الجل‪.‬‬
‫فبقي مسودة دون تصحيح ألفاظه‪ ،‬وتفسير غرائبه ولغاته‪ .‬فهو مع كونه‬
‫جؤنة مشحونة بنفائس العلق‪ ،‬ذوحظ وافر من السقاط والغلط‪،‬‬
‫فقاسيت ما قاسيت في تصحيحه‪ ،‬ولم آل جهدا في تحقيقه‪ ،‬وتحملت‬
‫المشاق في توضيحه‪ ،‬ولم أرم الطناب في تعليقه‪ .‬مع أن الباع قصير‪،‬‬
‫والمر خطير‪ .‬ولست بمستعظم عملي‪ ،‬ول مستكثر جهدي‪ ،‬وما ابرء‬
‫نفسي‪ ،‬وأنا معترف بأن الذي خلق من عجل قلما يسلم من الخطأ والزلل‪،‬‬
‫فالمرجو من أساتذتي العظام أن يمروا على هفواتي مر الكرام‪ ،‬فان‬
‫العصمة ل الملك العلم‪ ،‬وما توفيقي إل بال عليه توكلت وإليه انيب‪ .‬على‬
‫اكبر الغفاري‬

‫مكتبة يعسوب الدين عليه السلم اللكترونية‬

You might also like