You are on page 1of 26

‫مجموعة مقالت‬

‫المذاهب المسرحية‬

‫المقالت منشورة على مدونة‬

‫قصص و حكايات‬
‫‪www.kesaswehekayat.tk‬‬

‫جمع المادة و التأليف‬


‫أحمد كمال نجم الدين‬

‫المذهب الكلسيكي‬ ‫‪.1‬‬


‫‪1‬‬
‫إن الذي اخترع هذه الكلمة هو كاتب لتيني من أهل جليوس ويدعى " أولوس" أو " أولس جليس"‬
‫‪ aulus gellius‬في القرن الثاني الميلدي ولقد كتب هذا الرجل كتابا صاغ فيه عبارتين إحداهما ‪scriptor :‬‬
‫‪ " classicus‬كلسي" أو " كلسيكي " ‪ ،‬أي ‪ :‬كتابة وتقنين القوانين الدبية من ثناياها‪.‬‬
‫الكلسيكية هي فلسفة في الفن والحياة ‪ ،‬تؤكد أهمية الترتيب والتوازن والبساطة ‪ .‬وكان الغريق القدماء هم‬
‫أشهر وأول الكلسيكيين ‪ ،‬وما لبث أن ابتدع الرومان والفرنسيون والنجليز حركاتهم الكلسيكية الخاصة بهم‬
‫والتي كان لكل منها مميزاتها الخاصة الفريدة ‪ ،‬وان كانت جميعا تعكس مثل عامة مشتركة ‪ ،‬للفن والنسانية‬
‫والعالم ‪.‬‬

‫إن أول من قام بتقنين المذهب الكلسيكي في المسرحية ‪ ،‬وضبط قواعدها غير المكتوبة هو أرسطو )‪- 384‬‬
‫‪ 322‬ق‪.‬م ( وذلك في كتابة ) الشعر ( ‪ " ،‬لقد كان أرسطو يكتب كتابه هذا وبين يديه مآسي الثلثة الكبار ‪:‬‬
‫إسخيلوس ‪ ،‬وسوفوكلس ‪ ،‬ويوربيبدز ‪ ،‬كما كان بين يديه أيضا ملهي أرستوفانز وغيره من لدات عصره ‪،‬‬
‫وكان هؤلء جميعا قد ماتوا قبل أن يولد ارسطو " ‪.‬‬

‫مابعد ارسطو‪:‬‬

‫إن اليونانيين السكندريين الذين ورثوا علوم وأدب وثقافات أثينا وغيرها من المدن اليونانية ‪ ،‬كانت بطبيعة‬
‫الحال تنقصهم ملكة الخلق التي كان يمتاز بها أهل اليونان الصلية في القرن الخامس وجزء من القرن الرابع‬
‫قبل الميلد ‪ ،‬بهذا السبب اتجه السكندريون آلي أدب أولئك العباقرة اليونانيين يدرسونه ويقدسونه ‪ ،‬ويضعونه‬
‫المثل الذي ل يصح التبديل فيه أو الخروج علية ‪ ،‬ويخيل إلينا أن أولئك العلماء السكندريين هم الذين أرسو‬
‫قواعد المذهب الكلسيكي وقعدوا قواعده ‪ ،‬والدليل على ذلك ما نجده في كتاب " مادية العلماء " أو ال‬
‫‪ ،Deipnosophistae‬للمؤلف أيينايوس العالم اليوناني المصري ‪ ،‬وهو من أهالي نوكراتيس ) حوالي ‪230‬‬
‫ق‪.‬م )‬

‫موقف مفكري العرب ‪:‬‬

‫لقد نسي الناس المسرح والمسرحية طوال العصور المظلمة وجزءا من العصور الوسطى ‪ ،‬وظل هذا الحال حتى‬
‫دالت الدولة الرومانية ‪ ،‬وبعدها نهض مفكروا العرب فعرفوا وأجادوا كل شيء ما عدا المسرح ‪ ،‬والسبب في‬
‫ذلك هو أن المسرح كان غريبا عليهم ‪ ،‬وقد نقلوا معظم فلسفة اليونانيين ولسيما آراء ارسطو ومنها ما جاء في‬
‫كتابه عن الشعر ‪.‬‬
‫إن الذي ساعد في انحطاط المسرح في القرون الوسطى هو الترجمة الخاطئة لبن رشد عن ارسطو ‪ ،‬وكذلك‬
‫حول المسرحيات من قطع أدبية ألفت للفعل والتمثيل في المسرح بواسطة شخصيات ومناظر إلى قطع إنشائية‬
‫يقرؤها القارئون على الناس !‬

‫بعض سمات الكلسيكية ‪:‬‬

‫ان من سمات الكلسيكية هو التأكيد على مبادىء العقل والتحليل ‪ ،‬بعكس الرومانسية التي تركز على الخيال‬
‫والعواطف ‪ ،‬كما تسعى الكلسيكية إلى ما هو صادق وجيد وجميل على مستوى شمولي‪ ،‬أما الرومانسية فتسعى‬
‫إلى كل ماهو استثنائي وغير تقليدي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ان الكلسيكيين يحاولون التقرب من الواقع من خلل تركيبات بسيطة ‪ ،‬حيث أنهم يدركون أن‬
‫الواقع معقد ‪ ،‬فالكاتب المسرحي مثل ‪ ،‬يركز على النواحي الساسية بحيث أن المسرحية تتبع خطا واحدا في‬
‫تقديم أحداثها التي يمكن لها أن تحدث في يوم واحد وفي مكان واحد أو في أماكن متقاربة ‪.‬‬
‫أهم السس التي يقوم عليها المذهب الكلسيكي هي ‪:‬‬
‫‪1-‬الوحدات الثلث ‪ :‬وحدة العقل ثم وحدة الزمان ووحدة المكان ‪ ،‬وبالنسبة إلى وحدة المكان فلم تعرف ال‬
‫حينما قال بها ف ‪ .‬ماجي ‪V‬‬

‫‪Maggi‬سنة ‪.1550‬‬
‫ن تكون‬‫‪ 2-‬عظامية الشخاص المسرحية ‪ :‬معنى هذا أن اليونانيين والرومان القدماء كانوا يهتمون بأ ْ‬
‫الشخصيات التي تقوم بصميم الموضوع من اللهة أو أنصاف اللهة أو الملوك والملكات ‪ ،‬والسبب في ذلك هو‬
‫أن الملوك والملكات كانوا مصدر السلطات قديما ‪ ،‬لهذا كانوا يصلحون أن يقتدى بهم‪.‬‬
‫‪ 3-‬عظامية اللغة ‪ :‬يجب على الشخاص المشاركين في المسرحية أن ل ينطقوا بألفاظ غير حسنة ل تتفق مع‬
‫تلك الشخصية المهمة ‪ ،‬وكذلك يجب أن تكون المأساة ذات أسلوب واضح وفصيح يخاطب العقول قبل‬
‫العواطف ‪.‬‬
‫‪ 4-‬وحدة المادة أو النغم ‪ :‬يجب في جو المأساة أن يخيم شبح الذعر والرأفة ‪ ،‬وإبعاد المور التي يبيحها‬
‫الرومانسيون من أمور مضحكة بحجة التفريج عن أعصاب الجمهور من شدة الحزن والفزع ‪ ،‬لنه في رأي‬
‫الكلسيكيين هناك أمور أخرى للتفريج عن أعصاب الجمهور مثل‪ :‬الناشيد الرقص والشعر الجميل …‪..‬إلخ ‪.‬‬
‫‪ 5-‬في رأي الكلسيكيين يجب أل تمثل مناظر القتل والعنف على المسرح ‪ ،‬وقد انتقدوا سوفوكلس على إظهار‬
‫)أوديب( والدم يتدفق من عينيه‪.‬‬
‫هذه بعض من خلصة آراء الكلسيكيين منذ العصر اليوناني الى أوائل القرن السادس عشر‪.‬‬

‫وخلصة القول ‪ :‬إن المذهب الكلسيكي مذهب اتباعي ‪ ،‬اتبع فن الشعر لكل من أرسطو وهوراس ‪ ،‬نشأ في‬
‫ايطاليا ‪ ،‬ونضج في فرنسا ‪ ،‬ومر في الدب النجليزي ‪ ،‬ورسا في الدب اللماني ‪ ،‬وكان له أصول ومبادىء‬
‫منها ‪:‬تقليد القدماء والطبيعة ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والموضوعية والتجرد ‪ ،‬والخلق ‪ ،‬واصلح العادات ‪ ،‬والمعقول‬
‫والممكن ‪ ،‬واللياقة الدبية ودراسة العالم الداخلي ثم قانون الوحدات ‪ :‬الفعل والزمان والمكان ‪.‬‬

‫لمذهب الكلسيكي الحديث‬

‫إن الفترة الواقعة بين عامي ‪ 1685 - 1660‬التي تعتبر من تاريخ الدب الفرنسي هي العصر الذهبي للمذهب‬
‫الكلسيكي الحديث في فرنسا ‪ ،‬مهد الكلسيكية في أوروبا بأكملها ‪ ،‬وهي الفترة من حكم الملك لويس الرابع‬
‫عشر ‪ ،‬الذي كان يلقب بالملك الشمس ‪ ،‬وهو راعي الفنون والداب ‪ ،‬ويعتبر موجه الحياة الفكرية في عصرة‬
‫آنذاك …‬

‫وقد سبقت فترة حكم لويس الرابع عشر حقبة من الستعداد والضطراب الفكري الذي مهد للعصر الكلسيكي‬
‫العظيم ‪ ،‬وفي هذه الحقبة من الزمن كان يتولى توجيه دفة السياسة الفرنسية ) الكاردينال ريشيليو ( كنائب عن‬
‫الملك الضعيف لويس الثالث عشر‪ .‬العمال التي قام بها الكاردينال هي أنه أزال الثر الرومانسي الذي تركة‬
‫السبانيون في فرنسا خلل مدة حملتهم على فرنسا واحتلل باريس ‪ ،‬وقد حرص ريشيليو على إحياء المذهب‬
‫‪1‬‬
‫الكلسيكي اليوناني القديم ‪ ،‬وقام بتشجيع الدباء والشعراء على احتذاء الشعراء اليونانيين والرومان‬
‫مع إمكانية التعديل في المذهب بما يلئم مقتضيات العصر‪ .‬ويعد كورني) من شعراء المسرح( وماليرب" مهذب‬
‫اللغة الفرنسية " ‪ ،‬وديكارت وباسكال الفيلسوفان من ممثلي تلك الحقبة ‪ .‬أما في حياة الكلسيكية الحديثة )‬
‫‪ (1685-1660‬في عهد لويس الرابع عشر فيمثله راسيين ومولييرالمسرحيان وبوالو )مقنن الكلسيكية‬
‫الحديثة ( وبوسويه " الشاعر" ‪.‬‬

‫المذهب الكلسيكي الحديث يمتاز بعدد من السمات ‪:‬‬

‫تقليد قدامى اليونانيون في مسرحياتهم من حيث الشكل مع بعض التيسيرات من أهمها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬يباح وجود عقدة ثانوية أو أكثر ‪ ،‬ذلك بشرط أل تشوه وحدة العقل أو تضعف من العقدة الساسية ‪ -‬نعني وحدة‬
‫الموضوع ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إمكانية اتساع وحدة الزمان ‪ ،‬فيجب أل تقف عند دورة شمسية واحدة كما قال أرسطو ‪ ،‬بل يمكن أن تمتد‬
‫إلى ثلث دورات ‪ ،‬أي ثلثة أيام ‪.‬‬
‫ج‪ -‬قد يمتد نطاق وحدة المكان ‪ ،‬بحيث يمكن أن يشمل قصرا بأكمله أو مدينة كاملة ‪.‬‬
‫د‪ -‬البقاء على عظامية الشخصيات ‪ ،‬ولكن ل مانع من وضع واتخاذ الوصيفات في أدوار ل تعد أدوارا تافهة ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬البقاء على السلوب الرستقراطي على أن يكون أسلوبا وسليما وشاعريا وواضحا ل لبس فيه ‪.‬‬
‫و‪ -‬من سمات الكلسيكية هي أنها ل تعرف الناشيد ول الكورس ‪.‬‬
‫ز‪ -‬في الكلسيكية الحديثة يتم إحلل الحب وأهواء النفس مكان القضاء والقدر ‪ ،‬كمحور تدور حوله أحداث‬
‫الرواية ‪ ،‬ومن هذا المنطلق أصبحت الكلسيكية ذات نزعة عالمية ‪.‬‬
‫هذه هي بعض التيسيرات في محاكاة قدامى اليونان من حيث الشكل ‪.‬‬

‫لقد كانت موضوعات مآسي وملهي الكلسيكيين الفرنسيين متخذة من الموضوعات اليونانية والرومانية ‪،‬‬
‫وكذلك متخذة من بطون التاريخ وأحداثه العظمية ‪ ،‬وبعد ذلك يطورون هذه المواضيع بما يوائم الداب الحديثة‬
‫السائدة في القرن السابع عشر ‪ .‬هذا ونرى أن الكلسيكية الحديثة كانت تعنى بالروح ول تعنى بالمظهر ‪ ،‬حيث‬
‫أن المظهر لم يكن يزيد على إطار مادي سرعان ما ينساه المتفرج على المسرحية ‪ .‬وفي المسرحيات الكلسيكية‬
‫الحديثة تكثر الحاديث الفردية " المنلوجات " والمناقشات التي يبطؤ معها الفعل وتقل معها الحركة‪.‬‬

‫إن الكلسيكية الحديثة كانت تشبه إلى حد كبير الكلسيكية اليونانية من حيث أنها تتجه إلى تسلية الطبقة‬
‫الخاصة ‪ ،‬وقد لحظ هذا أولس جليوس ‪ Aulus Gilius‬الذي أطلق على المذهب هذه التسمية ‪ ،‬وقد اختصت‬
‫الملهاة الكلسيكية الحديثة في معظم أحوالها بجعل جو المسرحية مضحكا على سخافة وأمراض المجتمع‬
‫الخلقية ‪ ،‬حتى أطلقوا على موليير " المشرع وواضع قوانين السلوك للمجتمع ‪.‬‬
‫وإذا صح أن الكلسيكية الحديثة كانت تتجه إلى تسلية الطبقة الخاصة ‪ ،‬إل أنها نجحت في رفع الشعب إلى منزلة‬
‫هذه الطبقة بما كانت تقدمه إلى طبقاته من دروس في أزمات الروح والمشكلت النفسية في عالم المأساة وما‬
‫كانت ) تشرح ( به سلوك الناس وأخلق النماذج البشرية في عالم الملهاة‪.‬‬
‫وقد كان كورني أعظم من يمثل المأساة الكلسيكية الفرنسية ‪ ،‬وكان راسين نجمها اللمع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المذهب الرومانسي‬ ‫‪.2‬‬
‫لقد نهضت دولة المسرح في اليونان القديمة وكذلك المبراطورية الرومانية القديمة ‪،‬‬
‫ولم يكن الرومانيون أو اليونانيون قد عرفوا كلمة " كلسي" أو " المذهب الكلسيكي " ‪،‬‬
‫وكذلك الحال مع شكسبير والذين عاشوا في عصره لم يعرفوا تلك الكلمة أل وهي"‬
‫رومانسي" أو " المذهب الرومانسي ‪ ،‬مع أن مسرحهم كان قد حيي حياة رومانسية‬
‫خالصه تماما كما كان المسرح الروماني واليوناني القديمان يحييان حياة كلسيكية‬
‫خالصه‪.‬‬

‫إنه يحتم علينا قبل أن نذكر الرومانسية في ميدان المسرح أن نذكر التحديد القصير‬
‫اليسير الذي وضعه هيني اللماني " ‪ " 1856 - 1797‬لتوضيح الفرق بين المذهب‬
‫الكلسيكي والمذهب الرومانسي ‪ ،‬لقد شبه هيني المذهب الكلسيكي بمذهب القيود ‪،‬‬
‫ذلك المذهب الذي يحدد أهدافه ويقف عندها ‪ ،‬حيث أن الفنان الكلسيكي يلتزم بقوانين‬
‫صارمة ل يستطيع الخروج عنها ‪ ،‬فهي دائما تبدو في إطار مادي محدود ‪ ،‬أما المذهب‬
‫الرومانسي فقد شبهه بمذهب النطلق …مذهب العاطفة والحرية …‪.‬المذهب الذي‬
‫يطير بأجنحة قوية في عالم الروحانيات غير المحدود ‪ ،‬فقد كان هيني يوجب على‬
‫الديب أو الفنان أن يجعل الرمز أهم أدواته ‪.‬‬

‫إننا نعلم أن المذهب الرومانسي هو المذهب المقابل للمذهب الكلسيكي ‪ ،‬فالمذهب‬


‫الكلسيكي إذا كان يتقيد بقانون الوحدات الثلث مثل ‪ ،‬أل وهي ‪ :‬وحدة الفعل ووحدة‬
‫الزمان ووحدة المكان ‪ ،‬كما يتقيد بوحدة المادة والنغم ‪ ،‬فإن المذهب الرومانسي ل‬
‫يتقيد بشيء من هذه الوحدات ‪ ،‬فشكسبير مثل ‪ ،‬كان يجمع في مسرحياته إضافة إلى‬
‫العقدة الساسية أكثر من عقدة ثانوية ‪ ،‬وهو كذلك ل يقتصر كما فعل الكلسيكيون على‬
‫قصة أو حكاية واحدة تتسلط عليها جميع الضواء ‪ ،‬بل هو يحشد في جميع مسرحياته‬
‫قصصا شتى وحكايات ثانوية ينظم منها كلما تقدم الفعل مقدا رائعا حافل باللليء ‪،‬‬
‫بحيث ل تمل العين من رؤيته والنظر إليه والتمتع به ‪.‬‬

‫لقد كان شكسبير في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر ينظم‬
‫مسرحياته في إنجلترا كأنه ينظمها للعالم جميعا وللزمان كله وللبشرية كلها ‪ ،‬لقد كان‬
‫شكسبير إنسانا عالميا ‪ ،‬ولم يكن شاعرا محليا أو صناعة إنجليزية ‪ ،‬لهذا السبب لم‬
‫يعرفه النجليز ‪ ،‬وظلوا يجهلونه ما يقارب قرنا ونصف القرن أو أكثر ‪ ،‬حتى جاء شليجل‬
‫) ‪ ( 1845 - 1767‬وهو رجل غير إنجليزي وعرفهم به وبقيمته ‪ ،‬حتى أدركوا أنهم يملكون‬
‫كنزا ‪ ،‬أل وهو أديب أغلى من إمبراطوريتهم ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لقد حطم شكسبير قيود الكلسيكية وجعل المسرحية كائنا حيا يتنفس برئتين‬
‫قويتين ‪ ،‬ويطير بجناحين طليقين ل يخضعان لقانون غير قانون الفن والحس والذوق‬
‫والعاطفة‪ ،‬القانون الذي يستوي أمامه الملوك والسوقة لنهم جميعا بشر ‪ ،‬ويضحك في‬
‫ظله الناس حينما تجد ّ لهم ظروف تبعث على الضحك ‪ ،‬ويبكون حينما تحز بهم ظروف ل‬
‫يكون لهم فيها من البكاء مفر …‪ .‬وهذه هي الدنيا ‪.‬‬

‫المذهب الواقعي‬ ‫‪.3‬‬


‫بعد أن ضعفت ريح المذهب الرومانسي في فرنسا ‪ ،‬وفي كثير من أمم أوروبا وأمريكا ‪ ،‬عندها اشتاق الناس إلــى‬
‫أن يحدثهم الدباء عن حياتهم الواقعية ‪ ،‬وبالفعل أخذ القصاصون العظماء أمثــال ســتندال ) ‪( 1842 - 1783‬‬
‫وبلزاك ) ‪ ( 1850 - 1799‬وفلوبير ) ‪ ( 1880 - 1821‬في فرنسا ‪ ،‬ودي فو ) ‪ ( 1731 - 1660‬وفيلدنج‬
‫)‪ ( 1754 - 1707‬فــي إنجلــترا ‪ ،‬يكتبــون القصــص الواقعيــة الممتعــة الــتي ينتزعونهــا مــن الحيــاة الواقعيــة‬
‫الصميمة ‪ ،‬وكانت أوروبا كلها في ذلــك الـوقت تقبــل علــى قصــص هـؤلء الكتــاب العظمــاء وقصــص إضــرابهم‬
‫وتلتهمها التهاما‪.‬‬

‫نود أن نبين أن هناك فرق بين المذهب الواقعي والمذهب الطبيعي ‪ ،‬ومن مجرد النظر إلى اسم كل منهما نســتنبط‬
‫الفرق بين المذهبين ‪ .....‬فالشيء الطبيعي هو الشيء الذي يكون منسوبا إلى الطبيعة ‪ ...‬الطبيعة كما خلقها الــ ‪،‬‬
‫تلك الطبيعة التي لم تتأثر بالعوامل الخارجية الطارئة التي صنعها النسان في الغالب بما يتواضع علية من تقاليــد‬
‫وآداب ‪ ،‬وما يسنه من شرائع وقوانين ‪ ،‬وما يبتدعه من أصول الذوق العام ‪ ،‬أم عن الشيء الــواقعي فهــو الشــيء‬
‫الذي تحول إليه الشيء الطبيعي بعد أن تأثر بتلك العوامل الخارجية الطارئة ‪ ،‬والعوامل التي صنعها المجتمع بما‬
‫تواضع عليه من تقاليد وآداب ‪ ،‬وما سنه من قوانين وشرائع ‪.‬‬

‫قبل أن نبدأ في موضوعنا هذا يجب أن ننبه إلى أنه ما من إنسان في هذا الوجود إل وفيه قدر مــن الطبيعــة وقــدر‬
‫من الواقعية ‪ ...‬بل ليس ثمة أي مجتمع من المجتمعات إل وفيه من هذا وذاك ‪ ....‬إل أنــه إذا طغــت عليـة ســمات‬
‫المذهب الطبيعي قلنا عنه أنه مجتمع طبيعي ‪ ....‬فإذا غلبت عليه سمات المذهب الواقعي سمياه مجتمعا واقعيا‬

‫ترى ما الفرق بين الصورة والكلمة وبين الكائن الحي في التعبير عن الحقيقة ؟‪ ...‬لمــاذا يشــعر الجمهــور نفســه ‪،‬‬
‫الجالس في صالة المسرح بهذا الفــرق ‪ ،‬ولمــاذا يرفــض الجمهــور الســماح للمثــل بــأن يكشــف عمــا يســمح لملتــن‬
‫ورابلية بالنابة عنه ؟‪ ...‬ثم كيف يمكن أن يكون ثمة ضل من الشك في أن الممثل ل ينبغي أن يسمح لــه بالحريــة‬
‫نفسها التي يسمح بها للكاتب أو للمصور ؛ بل هو في الواقع ل يسمح له بهذه الجازة ؟‬
‫‪1‬‬
‫يعتبر المذهب الواقعي وسيلة وضيعة من وسائل التعبير ‪ ،‬خلعوهــا علــى العيــن عميــت أبصــارهم ‪،‬‬
‫فتسمعهم ينقنقون كالضفادع " الجمال هو الواقع ‪ ،‬والواقع هو الجمال ‪ -‬ذاك هو كــل مــا أعرفــه فــي هــذه الــدنيا ‪-‬‬
‫وكل ما أحرص على أن أعلمه ‪ -‬فل تدع المعرفة وراء هذا " ‪.‬‬

‫أم الفرق فهو مسألة حب ‪ ،‬فذاك الذي يحب هذه الدنيا فيرى الجمال فــي كــل مكــان ؛ إنــه الــه يحــول النقــص إلــى‬
‫كمال بالعلم والمعرفة ‪ ...‬إنه يستطيع أن يبريء العرج والمريض ‪ ،‬ويمكنه أن ينفخ روح الشجاعة في الضعاف‬
‫المنحوبين ؛ بل في وسعة أن يتعلم كيف يشفي العمى فيرد عليه بصره !‪ ...‬إن القوة قد ألقت بمقاليدها بيــن يــدي‬
‫الفنان الذي يسيطر فيما اعتقد في هذه العالم ‪.‬‬

‫إن إمكانية أن يقع المذهب الواقعي من نفوس الجماهير موقــع الستحســان أمــر محتمــل تمــام الحتمــال فــي فــترة‬
‫وجيزة من الزمن ‪ ،‬ولكن ليس في فترة غيرها فالجماهير ل تهتــم دائمــا بــالبحث عــن المعرفــة ‪ ......‬كل ‪ ....‬بــل‬
‫هي ل تهتم حتى بعصارة الفهام ‪ ،‬أو ذاك الجوهر الفرد البسيط الدائم ‪ ،‬الذي هو جوهر الحق ‪ ،‬المستقر فــي كــل‬
‫مكان إلى البد ‪ ،‬ول يراه إنسان ‪ .‬إن ما يعني الجماهير هو الجري وراء المال ‪ ،‬تلك القوه السمينة البهيميــة الــتي‬
‫يرغون منها ما يمكن أن تتيح لهم ‪ -‬تلك القوة التي هـي أشــبه بـالمرأة ‪ ،‬يصــافحها المصــافحون حينمــا ل يقنعـون‬
‫منها بقبلة ‪ ،‬تلك القوة التي أشبه بالسيد السند ‪ ،‬حينما ينفح بعشر قطع مـن الــذهب إلـى " ســائلة الفقيــر " ‪ ....‬تلــك‬
‫القوة التي ل يعنيها إل أن تتصدق بالقليل من المال في مواضع تكون فيها المحبة أولى وأجدى ‪.‬‬

‫فطالما كانت الجماهير تتألف من تلك الطبقة الخسيسة الحوشية ‪ ...‬تلك الطبقة المساومة الــتي ل تبــذل مــن الخيــر‬
‫إل فتاته ‪ ،‬فلسوف تضل مفتونة بهذا المذهب الواقعي الذي هو حيلة الفنان الوضيع العاجز ‪.‬‬

‫إنه ليس ثمة ما يدعوا إثارة القلـق فـي نفـوس رواد المسـرح ‪ ،‬وليـس ثمـة مـا يـدعوهم إلـى استشـعار الكآبـة ‪....‬‬
‫عفوا ‪ ....‬استشعار الغيظ إن أردت ‪ ..‬أما الكآبة فليس ثمة ما يدعوا إلى مثقال ذرة منها ‪ ،‬إذ أن هذا العدد المعدود‬
‫من رواد المسرح الذين يشغفون بالجمال ويمقتون المذهب الواقعي ؛ هم أقلية صغيرة تتألف من ستة ملييــن مــن‬
‫النفس ‪ ،‬وهم مبعثرون هنا وهناك في أطراف المعمــورة ‪ ،‬وهــم كــذلك ل يــذهبون إلــى المســارح الحديثــة ‪ ،‬وإن‬
‫ذهبوا فنادرا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المذهب الطبيعي‬ ‫‪.1‬‬

‫لقد أراد بعض الكتاب الطبيعيون أن يصفوا لنا عالم بأسره فلم يستطيعوا أن يصفوا‬
‫سوى مستشفى كل ما يحتويه هو أناس مجانين أو ناقصو العقل أو منحرفون ‪ ،‬وقد‬
‫حدث هذا في المسرح حينما أصابته ريح المذهب الطبيعي ‪ ،‬لقد كان ابسن جبار‬
‫المذهب الواقعي في المسرح وهو الذي كتب بعض مسرحيات اصطبغت بعض معالم‬
‫المذهب الطبيعي إل أنها لم تنزل إلى مستوى حضيض المسرحيات الطبيعية كما فعل‬
‫تلميذه الذين تتلمذوا على زول وكذلك على الكاتب السويدي أوجست مترندبرج ‪.‬‬

‫إنه لمن المؤلم أن يؤدي هذا المذهب الطبيعي مذاهب الدب بجميع أربابه إلى الدمار‬
‫الخلقي والصحي ‪ ،‬ولعل السبب في ذلك هو إلتزام المذهب الطبيعي بالصدق في‬
‫تسجيل مجريات الحياة والمبالغة في التزام ذلك ‪ ،‬دون أن يعمل الدباء حسابا إلى‬
‫العواطف المكتوبة التي تنفجر بالطلع المكشوف على ما يجمل به أن يختفي ويستتر‬
‫من موبقات العالم الجنسي ‪ ،‬والذي يدهشنا أن المذهب الطبيعي لم يجتذب نحوه سوى‬
‫ضعاف العقول والبنية من الدباء وكذلك المفكرين المرضى والعليلين ‪.‬‬

‫لقد حاول بعض الدباء أن يتلمذوا على ابسن ‪ ،‬وحاولوا أن يقلدوا طريقته في الحوار‬
‫وأسلوبه الموضوعي في تصوير الشخصيات لكنهم فشلوا ‪ ،‬ولعل السبب في فشلهم هو‬
‫أن أسلوب ابسن في تصوير شخصياته أسلوب تحليلي ينتهي دائما إلى تعقيد القواعد‬
‫وتقنين القوانين ……‪ .‬هذا ليس أسلوب المذهب الطبيعي والطبيعيين ‪ ،‬لن الطبيعيين‬
‫من أسمهم نستدل على أنهم ل يعنون بالقواعد والقوانين في تصوير شخصياتهم ‪ ،‬فهم‬
‫إنما ينقلون لنا من الحياة صورة طبيعية صادقة ‪ ،‬طليقة من القوانين متحللة من‬
‫القواعد ‪ ،‬غير مقيدة بالداب والشرائع ‪ ،‬فمسرحيات الطبيعيين تضع الشخصيات بين‬
‫‪1‬‬
‫المشاهد عارية سافرة ‪ ،‬كأنها مقاطع طويلة وعريضة لهضبة من الهضاب أو‬
‫سهل من السهول ‪ .‬هذا وينحصر عملهم على إعطائك صورة لهذا المقطع ‪ ،‬أما ما وراء‬
‫هذا فمتروك لك أنت وحدك تستنتج مما ترى ما يحلو لك من أفكار وآراء ونظريات على‬
‫هدى ما ترى من طبقات ذلك المقطع ‪.‬‬

‫إن الطبيعيون من رجال المسرح قد ساروا على نهج زول وأصحابه من قصر نشاطهم‬
‫على تصوير حياة الطبقة الدنيا ‪ ،‬ونقل ما تزخر به تلك الحياة إلى المسرح ليراه الناس‬
‫على حقيقته ‪ ،‬ول ندري ما الذي جعل أولئك الطبيعيين يقصرون نشاطهم على تصوير‬
‫تلك الطبقة على ما قصره علية زول وأصحابه …‪ .‬وبالحرى كل ما يشين تلك الطبقة‬
‫من سقوط وتهافت أخلقي وشذوذ وضعة ‪ ،‬ولؤم ودنس وحب بهيمي …‪ .‬فهل هم فعلوا‬
‫ذلك لمجرد أنهم قلدوا زول ؟ …‪ .‬أو فعلوه لنهم كانوا يؤمنون أن الذي يكشف النفس‬
‫النسانية على حقيقتها كشفا تاما هو تصويرها وهي غارقة في حمأة الرذيلة ‪ ،‬دون أن‬
‫يكسوها بما تكسوها به الفضائل من أثواب النفاق والياء ‪ ،‬كأنه في نظرهم تلك الفضائل‬
‫نفاق مصطنع ورياء مجلوب ‪ ،‬اخترعته الحضارة وتوسلت به النسانية في أطوار ضعفها‬
‫لتجعله سلحا للضعفاء يقيهم شرة القوياء ؟……‪.‬‬

‫لقد صرح الطبيعيون أن هدفهم هو أن يضعوا الناس أمام الحقيقة التي خلقوا عليها ل‬
‫لبس فيها ول غموض ول تعميه ‪ ،‬وصرحوا أن غرضهم من تصوير الناس على هذا النحو‬
‫هو أن يفهم المصلحون حقيقة النفس النسانية قبل أن يحاولوا إصلحها ‪ ،‬فالطبيب‬
‫النطاسي هو الذي يتحسس مواضع الداء ويتعرف أسبابه والصل الذي عنه نشأ ‪،‬‬
‫بطبيعي الحال ما دامت المسألة مسألة تشخيص لمراض النفس النسانية فليس يهم‬
‫الطبيعيين من هذه النفس إل أمراضها ‪ ،‬والعجيب أن زول ‪ -‬أمير القصة الطبيعية في‬
‫الدب الفرنسي ‪ -‬أدرك ما للمسرح من خطر في هذا الميدان ‪ ،‬فحاول أن يغزوه بتمثيله‬
‫من النوع الطبيعي اسمها " تيريزراكان " ففشل ‪ ،‬وفشلي تمثيليته …‪ .‬ومن ثمة عاد إلى‬
‫القصة وقصر نشاطه عليها ‪.‬‬

‫إن الذي فشل فيه زول نجح فيه تولستوى ) ‪ ( 1910 - 1828‬الروسي العظيم ‪ ،‬فقد كان‬
‫طبيعيا إلى حد بعيد في تمثيلية " سلطان الظلم " حيث صور في هذه التمثيلية قوة تأثير‬
‫البيئة وتحكمها على الفرد ‪ ،‬ولقد تجنب تولستوى الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه زول ‪،‬‬
‫ولعلة حينما جنب نفسه الوقوع فيه ‪ ،‬قد وقف مثل ابسن في أعلى درجات السلم‬
‫الواقعي وفي أول درجات السلم الطبيعي ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المذهب الرمزي‬ ‫‪.2‬‬

‫إن الرمزية في المسرحية ضرب من ضروب الرومانسية أكثر شهرة وأقل استغلقا مممن‬
‫العاطفية ‪.‬فا الرمزية شىء ينحني جادة الصواب ‪ ،‬ثم هي شميء معقمول بحكمم المترتيب‬
‫وهي اليوم تستعمل في العمالم كلمه ‪ ،‬فنحمن ليمكمن أن نسمميها شميء مسمرحيا إذا كنما‬
‫نقصد بالشي المسرحي الشي الزاهر المبهر ن ومع ذلك فالرمزية هي لباب المسرح إذ‬
‫لم يكن بدا من أن ندرج فنها من بين الفنون الرفيعه والرمزية ليست شيء يخشمى منمة‬
‫إنها الرقة نفسها وهي شيء يفهمة الملوك وذي المناصب الرفيعمة ‪ ،‬وثممة نفمر يخشمون‬
‫من الرمزية ويكرهونها ويمدعون أن سمب ذلمك همو أنهما تحممل فمي ىطياتهما البلء والذي‬
‫‪،‬وأنها ليست في الدب شيء ‪ .‬ثمم همم يقمدمون لمذلك أنهمم يعيشمون فمي عمالم واقعمي‬
‫غلأنهم ليستطيعون أن يفسروا لنا لماذا يستخدمون الرموز لكي يقولو لنما همذا الكلم ‪،‬‬
‫ول كيف كانوا طوال حياتهم يستخدمون هذة الرمموز نفسمها المتي يجمدونها ‪ ،‬ممما يعسمر‬

‫‪1‬‬
‫عليهم أدراكها الي هذا الحد ‪ .‬وذاك أن الرمز ليسمت فمي أصمول الفنمون كلهما‬
‫فحسب بل أنها في جذور الحياة جميعا ‪ ،‬بل نحن لنستطيع جعل هذة الحياة شئا نحتملمة‬
‫إلعن طريق الرموز التي نستخدمها علمى المدوام ‪ .‬وممن همذا القمول يمكمن القمول بمأن‬
‫الرمزية ‪.‬‬

‫شبه الرومانسية في أنها ل تهدف الى مجرد تصوير الجوانب الظاهرة من الواقع ‪ .‬وهممي‬
‫تضيف في خطراتها المتي همي أقمل ممن خطمرات الرومانسمية عنصمرا خياليما أو شماعريا‬
‫لمظمماهر الواقمع السممطحية ‪ .‬كممما أن الرمزيممة ل تقيممد نفسممها بخلممق الصممورة السمماحرة‬
‫فحسمب ‪ ،‬وانمما تؤلمف صمورة محمددة عمن معنمى العممل الفنمي المختمص ممن النمواحي‬
‫الفكرية والخلقيه أو العاطفية ‪ .‬فالرمز موضموع أو عممل ليقتصمر علمى القيممة الذاتيمة‬
‫وأنما يشمل أيضا القيمة الخارجية ‪ .‬فمالرمز فمي الفمن همو ربماط ممن القيمم ن والكماتب‬
‫المسرحي الذي ينغمس في الرمزية يحاول أن يبين سلسلة من المعماني والقيمم يشمعر‬
‫بشانة ل يستطيع أن يعبر عنها تعبيرا وافيا أو مقنعا أل إذا سملك تلمك المسمالك القصميرة‬
‫الى المستويات العميقه من العواطف والوجدان‪.‬‬

‫أللوان التي تثيرها الرمزية مختلفة فهي ترضي الرغبة الشديدة فمي الهمرب ممن الممور‬
‫المالوفة و المور الدنيوية ‪ ،‬كما أنها تمتع المرء ذا التجاة الخلقي الممتين والمذي يحمس‬
‫بأنة قد أضاع وقته في المسرح سدى اذ لم يعد منة بجوهرة فكرية فلسفية أو أخلقيممة ‪،‬‬
‫اضافة الي ذلك ترضي الجوانب الشاعر يه والخيالية اذ أنها تحرك نشاط الجانب البيمماني‬
‫العقلي ‪.‬‬

‫ومقممدار الرمزيممة يختلممف اختلف كممبير حممتى فممي المسممرحيات ذات الطبيعممة الرمزيممة‬
‫الكيدة ‪ .‬وكثير مما نجمد الرمزيمة فمي معظمم المسمرحيات المتي ممن همذا النموع عرضمية‬
‫بالنسبة لموضوع كانت طريقة معالجته رومانسية أو واقعية بشكل عام ‪.‬‬

‫فكتماب المسمرح يميلمون إلمى اسمتخدام الحيمل الرمزيمة لبمراز قيمم ل يمكمن أن تظهمر‬
‫بوضوح كاف أو بقوة في التصوير الواقعي للوجود البشري وحدة ز وقد تكون مثممل هممذه‬
‫الرمزية شيئا صعب المنمال ‪ ،‬وليمس فيهما ممن قيممة تتعمدى الشمبيه البيماني فمي إيحائهما‬
‫بمشابهة المعني ‪ ،‬ولكنها قد تكون عنصرا أساسيا في بنا المسرحية فتحتل مكان عنصممر‬
‫ظاهري ‪.‬‬

‫نماذج من المسرح الرمزي ‪:‬‬

‫‪ .1‬مسرحيات ابسن " بيت الدمية " و " البطة البرية "‪.‬‬

‫‪ .2‬مسرحيات لوليم باتلر ييتس " كاثلين ني هوليهان "‪. CATHLEEN NI HOULIHAN‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .3‬ومن أحسن المثله علي المسرحيات الرمزية تلك المسرحيات التي‬
‫وجدت في العصور الوسطي التي كانت تعرف بالمسرحيات الخلقية ‪.‬‬

‫‪ .4‬مسرحيات بيتس في مسرحية "موطن الحبيب " ‪THE LAND OF HEART,S DESIRR‬‬

‫‪1‬‬
‫المذهب التعبيري‬ ‫‪.3‬‬

‫أسم أطلقه النقاد اللمان ‪ ،‬نشا نتيجة احتجاج النقاد فمي محاولمة الرومانسمية والواقعيمة‬
‫أبعاد العناصر التي ل تدخل صمنها ‪ .‬وهذا المذهب كما يوحي اسممه ‪ ،‬محماوله لكتشماف‬
‫تقنية وطريقه للتعمبير عمما يعتقمد الكماتب المسمرحي بأنمة يشمكل الحقيقمة الباطنمة فمي‬
‫مسرحية ‪ ،‬وهو طريقة أوفى ‪،‬وأكثر تأثيرا من طرق بقية المذاهب المسمرحية ‪.‬فهمو ممن‬
‫جهة يشكل احتجاجا لي ما في الرومانسية من أباطيل عاطفية ‪ ،‬ومن جهة اخرى يشكل‬
‫احتجاجا على اتجاة الواقعية غلي الكتفاء بالتصوير المدقيق للممور الظاهريمة فمي الحيماة‬
‫واللهجمات والوسمط الجتمماعي والخلق والعواطمف والفكمار عنمد طبقمة ممن طبقمات‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫فالتعبيري يرى أن الرومانسية تحاول أن تستبدل التأويل المين للتجربة النسانية بتأويل‬
‫مزيف ؛ ويرى أن الواقعية تضيع الحقائق السميكيولوجية الباطنمة نتيجمة أنشمغالها بالنقمل‬
‫الدقيق للظواهر ‪ .‬ثم أن التعبيرية تكشف عن تمأثير النشمغال المعاصمر بتجمارب الرجمل‬
‫المعاصرالفنية والمعقدة والشعورية واللشعورية على المسرحية ‪ ،‬وتفضح عن ضيق كل‬
‫من الكاتب المسرحي والمخرج ذرعا بالقيود التي فرضتها المسرحية الطبيعية في نهايمة‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬وتظهر رغبه شديدة في الستغلل الكاممل لجميمع مما فمي المسمرح‬
‫الحديث من وسمائل هائلمة فمي المعمدات وفمي أل أضماءه ‪ ،‬وتحماول أن تخمرج بالوسمائل‬
‫التخيليه القويه ما في المسرحية التجربية من مفاهيم فلسفية أو مادية ‪ .‬والتعبيرية تتيممح‬
‫أقصى مجال من الحرية في أستخدام الساليب والوسائل الفنية والجواء ‪ .‬فقد نجد في‬
‫المسرحية الواحدة أنتقال فجائيا –لنعطي له أحيانا تفسيرا – من الشعر الي النثر ‪ ،‬ومممن‬
‫الواقعية الموضوعية الي ذروت المولموج المذاتي ‪ ،‬وممن حموار واقعمي تقليمدي المي كلم‬
‫مسرف اليجاز ز واما كان التركيز ينصب على تجارب الفرد أو الجماهير الساسممية فمأن‬
‫المسرحية التعبيرية تتجهنحو تبسيط الحبكة المسرحية وتقليل الفعل الموضوعي ‪ ،‬وذلك‬
‫لكي ل ينصرف النتباه عن المور الرئيسية ‪.‬‬

‫سمات المذهب التعبيري‬

‫‪ .1‬اشتمال المسرحية التعبيرية على شخصية رئيسية واحدة تعاني أزمة روحية أو ذهنية‬
‫أو نفسية ‪ ،‬على أن تري البيئة والنماس فمي المسمرحية ممن خلل نظمرة تلمك السخصمية‬

‫‪1‬‬
‫الرئسية إليها‪.‬على أن تكون متفرسمة يترجمهما مؤلمف المسمرحية ويعمبر عنهما‬
‫بوسائل المسرحيه الرمرية ‪.‬‬

‫‪ .2‬تتألف المسرحية التعبيرية عادة من عدد كبير من المشاهد والمناظر‪.‬‬

‫‪ .3‬المشهد الول غالبا ما يكون من مشاهد الحياة ‪ ،‬وذلك لتيسيرالدخول الى الموضوع ‪.‬‬

‫‪ .4‬تهدف الى تصوير دخيلة النفس وتجسم تجارب العقل الباطن ‪ ،‬فليس المهمتصوير‬
‫المظاهر الخارجية المحتملة الوقوع ‪.‬‬

‫‪ .5‬شخصيات الروايه التعبيريه نماذج ‪ ،‬لافراد عائدين ومن ثمة يسمون بأسماء رمزية أو‬
‫ندعوهم ‪ :‬الرجل او المرأه أو الشاعر أو الشرطى‪ ....‬الخ ‪.‬‬

‫‪.6‬اللغة مقتضبة يكثر فيها حذف أواخر الجمل ‪ ..‬وهي لغه سريعه تلغرافية ‪...‬ويفضل أن‬
‫تكون لغة دارجة تبتعد عن اللغة الرسمية التي ليستعملها الناس في تفكيرهم الخاص‪.‬‬

‫‪ .7‬التمثيل يكون فيها سريعا شديد التحدر ‪ ،‬خياليا ‪ ،‬متنوع المناظر مصحوب بالموسيقى‬
‫والصوات الرمزية ‪ ،‬حافل بالحيل المسرحية كالقنعة والملبس الغريبمه والضماءه المتي‬
‫تثير الخيال‪.‬‬

‫نماذج من المسرح التعبيري‬

‫مسرحية " اللة الحاسبة" ل"ألممر رايس"‬

‫مسرحية " القرد كثيف الشعر" ل"يوجين أونيمل"‬

‫مسرحية " من الصباح إلى منتصمف الليل" و " الغاز ‪ "Gas‬ل" جورج قيصر"‬

‫مسرحية " حياة النسمان" ل "أنمدرييف"‬

‫‪1‬‬
‫المذهب السريالي‬ ‫‪.4‬‬

‫الممذهب السمريالي أو السمريالزم ممذهب فمي الفمن والدب أسسمه الشماعر الفرنسمي‬
‫أندريه بريتون في باريس عام ‪. 1924‬حيث سقطت المبادىء والفكار التي كانت سائدة‬
‫في العالم قبل الحرب العالمية الولى‪ ،‬فخاب ظن الناس في كل ما كان سائدا من قيممم‬
‫ممأثورة ونظريمات ثابتمة ‪ ،‬والتمسموا فمي علج مشمكلتهم الجتماعيمة مبمادئ وفلسمفات‬
‫جديدة ‪ .‬فنشأت نزعة جارفة تمدعو إلمى التحلمل ممن الخلق وتحريمر الغمرائز والرغبمات‬
‫المكبوتة في النفس البشرية‪ .‬وأكثر ممن ذلمك لشمباع الغمرائز والرغبمات إشمباعا حمرا ل‬
‫يخضع لي قيد ‪ ،‬ول تردعه أية مواضعة من مواضمعات المجتممع ‪ .‬حيمث لمم تقتصمر همذه‬
‫النزعة على الحيماة ‪ ،‬بمل امتمدت إلمى الفمن والدب ‪ ،‬ممما أدى إلمى ظهمور السمريالية أو‬
‫مذهب ما فوق الواقع أو ما وراء الواقع أو المذهب الذي يستند إلى اللوعي ‪ .‬فهممو ذلممك‬
‫المذهب الذي يحلق بنا وراء الحدود المألوفة ‪ ،‬والذي يحاول أن يمد الدب والفنون لهممذا‬
‫السبب بما لم تألفه الداب والفنون من المواد الغريبة عليها ‪ ،‬أو الممواد المتي لمم يسمبق‬
‫للكتاب أو الفنانين أن يستعملوها أما رهبة منها أو وجهل بها أو لعدم قدرتهم علمي تكيمف‬
‫طريقه تناولها ‪،‬ومن ذلك المزج بين المسرحية الواحدة أو القصة الواحمدة أو الصمورة أو‬
‫التمثال الواحد بين تجارب العقل الواعي والعقل الباطن ‪ ..‬ومن ضرورات هذا الممزج أل‬
‫يخضع الكاتب أو الشاعرأو الفنان لصول المنطق والتفكيمر المعقمد السمليم ‪ ،‬وذلمك لن‬
‫من أهم قواعد السريالزم أن تتغلب سمات العقل والباطن وصبغته على سمممات العقممل‬
‫الواعي وصبغته في عملية الممزج بيمن تجمارب كمل منهمما فمي روايمة الكماتب أو قصميدة‬

‫‪1‬‬
‫الشماعر أو صمورة الرسمام أو التمثمال… وممن أثمار غلبمة العقمل البماطن علمى‬
‫العقل الواعي هذا التحليل من أصول المنطق والتفكير المعقد السليم ‪.‬‬

‫فهو كالمذهب الدادي الذي انبثقت منة السريالية فإنه يسمتخدم الفمن سملحا ضمد الشمر‬
‫والقيود التي يراهما السمرياليون فمي المجتممع ‪.‬فالسمريالية تحماول أن تكشمف عمن واقمع‬
‫جديد يتجاوز الواقع الفعلي‪ .‬فا السريالية كلمة جديدة تعني ما فوق الواقعية‪.‬‬

‫ومن ينعم النظر في هذا الكلم يدرك كيف الرومانسية توشك أن تقترب من السممريالزم‬
‫لن أصل الرومانسية تغليب العاطفة والخيال علي المور العقلية‪ .‬فالسممرياليون يممدعون‬
‫أنهم يصنعون أشكال وصورا بمدون وعمي ‪ ،‬وبمدون تفكيمر لكمن بأحسماس فطمري خمالص‬
‫دعي السرياليون أن بإمكانهم صنع عممالم‬ ‫‪،‬وعن طريق الصدفة ‪ .‬وباستخدام هذا المنهج ي ّ‬
‫في مجال الفن والدب أكثر جممال ممن العمالم الحقيقمي ‪ .‬فهمم بهمذه الطريقمة يحماولون‬
‫مفاجأة المشاهد وعرض مايعتقمدونه العمالم العميمق والحقيقمي ممن الطبيعمة البشمرية ‪.‬‬
‫والحركة السريالية مازلت تؤثر على الفنانين والكتاب في العالم ‪.‬‬

‫فانطلقا من اليحاء والشارة التي آمن بها السرياليون ‪ ،‬لمم يحفلموا كمثيرا بوضمع خاتممة‬
‫لمسرحية أو قصة ‪ ،‬وأنما تركو للمشاهد أو القارىء مهمة تصمور الخماتمه المتي يريمدها ‪،‬‬
‫والتي ترسمها له قواه النفسية أو المطلقة من كبتها‪ .‬وآمنوا أيضا بأن المقماطع والوزان‬
‫في الشعر ‪ ،‬وأوضاع الجملة وأساليبها في النثر الفني مظهر من مظاهر الصنعة يعمترض‬
‫طريق الخلق الفني ‪ ،‬ويقتل إحساس الفنان الخلق ‪ .‬لذلك يجب أن يعبر السريالي عممما‬
‫اختلج في أعماقه ولوعيه بحرارة عفوية ‪.‬‬

‫ومهما يكن من اختلف لراء في السريالزم ‪ ،‬فالكاتب أو الفنان الذي يأخذ بهذا الممذهب‬
‫يفضل أليرتبط بالوضاع المعروفة في المذاهب الخرى ‪ ،‬وهمو لمذالك يأبممى التقيمد فمي‬
‫المسرحية مثل بالقالب الواحد يصب مسرحيته فيه كما كان يصنع الكماتب الكلسميكي أو‬
‫الكماتب المواقعي بمل همو يمؤثر التنقمل فمي المسمرحية الواحمدة بيمن الجمواء المختلفمة‬
‫…‪.‬الجواء السائبة المتحللة من العرف والتقاليد … وهذا التحلل من العرف والتقاليد هو‬
‫سمه من سمات الرومنسية ‪ ،‬إل أنمه فمي السمريالزم تحلمل نشمأ ممما كرثمت بمه الحمرب‬
‫العالمية الولى ) ‪ ( 1918– 1914‬نفوس من اصطلوا حرها فزعزعت فيهم القيم الخلقية‬
‫وجعلتها تفلت من ربقة العقل ) القديم ( الذي زلزلت أركانه نظرية النسبية الجديدة وما‬
‫أذهل به فرويد عقول العمالم ممن أبحماثه السميكلوجية العجيبمة المتي أثبتمت ممدى تسملط‬
‫عقلنا البماطن وهيمنتمه القماهرة علينما وتحكممه فمي تكيمف أخلقنما ‪ ،‬وبالتمالي فمي عقلنما‬
‫الواعي ‪.‬‬

‫المراحل التي مر بها السمريالزم ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫في البداية أطلق علي حركمة السمريالزم ) دادا ( أي بابما ‪ ،‬وهمي الكلممة المتي‬
‫ارتجلوها لثورتهم العاصفة بجميع القيم الخلقية ‪ ،‬والسخرية وما وسعتهم السممخرية بممما‬
‫توارثه الناس من آداب وتقاليد وشرائع ومثل‪ .‬وأنهم اتخذوا أحط الطرق وأوقحهمما لنشممر‬
‫همذه المروح الجديمدة وإشماعتها بيمن النماس ‪ .‬وقمد وجمدوا أن إنجيلهمم الجديمد وقيمهمم‬
‫الجديدة في تعاليم مماركس ‪ ،‬تلمك التعماليم المتي كمانت أكمبر مخمدر للطبقمات العاملمة ‪،‬‬
‫ولهذا نشبت بينهم وبين رجال السياسة والديان عامة ‪،‬ولسيما الكاثوليكيين ‪ ،‬مصادمات‬
‫فكريه عنيفة ‪ ،‬إذا كانوا يغرون الشعب بالتحرر من الكثلكة إلى الواقعية الشتراكية ‪.‬‬

‫أما الفن الجيد الذي كانوا ينشدونه فقمد وجمدوه فمي تلمك الكتابمة اللشمعورية أو الكتابمة‬
‫التلقائية والتي كان أندريه بريتون أول من ارتفع بها إلى السريالزم الصممحيح ‪ ،‬وبممالحرى‬
‫كان أول من انتشلها من بؤرة الفوضى التي قضت فيها فترة الحصانة في موسكو‪.‬‬

‫وأول هذ الطوار التي مر بها السمريالزم ممن الفمترة ) ‪ (1924– 1920‬وهي الفترة التي‬
‫كان فيها السريالزم يلتمس طريقه إلمى الفنمون والداب والسياسمة باسمتخدام الوسمائل‬
‫التي يستطيع بها تسمخير العقمل البماطن للنتماج فمي همذا الميمدان الفسميح الرحمب ‪.‬أمما‬
‫الطمور الثماني فكمان ممن الفمترة )‪ ( 1930 _ 1925‬وهو الطور التي تحقق فيه كيان‬
‫السريالزم ‪ ،‬وذلك بقيام الشيوعية الدولية ‪ ،‬وكان ذلك مصحوبا بالنتاج الفعلي في عمالم‬
‫الدب والفنون وفقا لصوله اللشعورية ) التلقائية( الخالصة… أما الطور الثالث الذي مر‬
‫به السريالزم هو ذلك الطور الذي أخذ فيه معتنقو السريالزم بالتحلل تمدريجيا ممن ربقمة‬
‫موسمكو السياسمية ‪ ،‬وهمو تحلمل يكماد يكمون ردة إلمى الصمول المتي ثمار عليهما منشمئو‬
‫السريالزم المذين كمانو ينكمرون الوطنيمة ويسمتهزئون بالشمرائع ويسمخرون ممن التقاليمد‬
‫ويزرون بالديان… مما نتج عن هذه المردة أن أصمبح كتماب السمريالزم وفنمانوه يتهماونون‬
‫إلى حد ما في الكتابة اللشعورية أو التلقائيمة المتي يكتبهما الكماتب وهمو شمبه ذاهمل عمن‬
‫نفسه ‪ ،‬وعادوا يجيزون الكتابة الشعور يه إلى حد ما – كما أجازوا ذلك فمي الفمن أيضما ‪.‬‬
‫أممما السممريالزم فممي طمموره الحممديث ‪ ،‬ظهممر بطريقممة جديممدة أو وجممه جديممد مممن أوجممه‬
‫السريالزم ‪ ،‬وهي طريقة الضطراب الذهني )البارانويما ( المتي ينتماب الكماتب السمريالي‬
‫فيها حاله أشبه بالشرود الفكري يصدر فيها عن ممزاج سموداوي يجعمل أفكماره ممفككمة‬
‫يكاد الربط بينها يكون معدوما…‪ .‬وقد تأثر بالفن الحديث الكثير من كتاب المسرح الذين‬
‫يثيرون في القارئ أو المتفرج الكثير من مشاعر الرحممة وأحاسميس الحنمان بجممال مما‬
‫يصموره خيمالهم المنطلمق ممن صمورة المروح النسماني المسمتكن فمي أغموار النفمس ول‬
‫يحسن إظهارها إل هؤلء السرياليون‪.‬‬

‫السمات التي تميزت بها المسرحيات السريالية ‪:‬‬

‫استطاع المذهب السريالي أن يقدم للمسرح وجه نظر جديدة حيث تميزت المسرحيات‬
‫السريالية بمجموعة من الخصائص منها‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫أن المسرحيات السريالية تكاد تكمون تشمبه المسمرحيات الطبيعيمة ممن حيمث‬
‫عدم اشتمالها على ذروة ‪ ،‬ومن حيث أنها مجرد صورة ل تربطها إل فكرة عامة‪.‬‬

‫المسرحية السريالية تشبه الحلمم أو أحلم اليقظمة والمتي همي ممن آثمار سملطان العقمل‬
‫الباطن‪.‬‬

‫نمماذج من المسمرح السمريالي‪-:‬‬

‫مسمرحية قلبي في بلد الحملم )‪ (My Heart is in the Highlands‬ل )وليم ساروين(‬

‫‪1‬‬
‫المذهب الصوفي‬ ‫‪.5‬‬

‫في أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬وفي الثلمث الول ممن القمرن العشمرين الميلدي‪ ،‬قمامت‬
‫حركة أدبية قوية في أيرلندا كان أبطالها يهدفون إلمى مما تهمدف إليمه الحركمة السياسمية‬
‫الثورية هناك من النفصال عن إنجلترا‪.‬‬

‫ومن ثم كان لهذه الحركة طابعها الفذ المستقل عن الدب النجليزي بعامة‪ ،‬شعره ونثره‬
‫وأغراضه‪.‬‬

‫وقد تميزت تلك الحركة في دنيا المسرح بانطباعات عدة أهمها ما كان يدعو إليه الكاتب‬
‫المسرحي جون ملينجتون سين ‪John Millington Synge 1871 - 1909‬م‪ ،‬وليدي أوجستا‬
‫جريجوري ‪Lady Augusta Gregory 1852 - 1932‬م ‪ ،‬ووليم بتلر ييتس ‪William Butler‬‬
‫‪Yeats 1865-1939‬م‪ ،‬من الثمورة علمى الممذهب المواقعي وتجريمد المسمرح والمسمرحية‬
‫للغراض الدبية الخالصة البعيدة عن الفكار‪ ،‬التي ل تنشد إصلحا ً ول تهتم بنقد المجتمع‪،‬‬
‫أو التبشير بفلسفة اجتماعية خاصة‪ ،‬وكان سين يتحمس لهمذا تحمسما ً شمديدًا‪ ،‬ويحتمج لمه‬
‫بأنه ل بد للمسرحية أن تكون عمل ً فنيما ً خالصما ً يسممو بمالنفس البشمرية ويعلمو بهما فموق‬
‫عذاب هذه الحياة المملة المتعبة المكتظة باللم والمواجع‪ ،‬تماما ً كمما تفعمل الموسميقي‬
‫السيمفونية‪.‬‬

‫من أجل ذلك اتجه الكتاب نحو السطورة والسطورة الدينية‪ ،‬ونحو تصوير الروح الريفي‬
‫الذي تزيده طبيعة الجزيرة اليرلندية فتنة على فتنة وسحرا ً فوق سحر‪.‬‬

‫وقد اتجهت ليدي جريجوري ووليم ييتس بالمسرحية اتجاها ً صوفيا ً روحانيًا‪ ،‬وهمو مما يكماد‬
‫يشبه ما حدث في عالم التصوف الشرقي‪ ،‬حينمما انقسمم المتصموفة فمي الشمرق فكمان‬
‫منهم من حافظ على روح الشمريعة‪ ،‬وإن سماروا بفمرائض المدين فمي طريمق كلمه تزكيمة‬
‫روحية وصفاء مستنير وتطهير وجداني ل غبار عليه‪ ،‬وكان منهم فئة أخرى ضالة استعلت‬
‫علممى العلممم والشممريعة‪ ،‬فزعمممت أنهممما للعامممة‪ ،‬العامممة الممتي ل بممد أن تؤخممذ بممالعلوم‬
‫والفرائض والشرائع والقوانين تضبط حركتها وتقيد تصرفاتها في كل شيء‪ ،‬في العبادات‬
‫وفي المعاملت على السواء‪ .‬أما الخاصة وهم صفوة المتصوفة فيمما يزعمم همؤلء‪ ،‬فهمم‬
‫أهل الحقيقة‪ ،‬وهم لذلك ل يتقيدون بما يدعو إليه الدين من فرائض‪ ،‬وما يلزم بممه العامممة‬
‫‪1‬‬
‫من علم ومن شرائع وقوانين‪ ،‬وكل الفريقين يدعو إلى التخلص ممن ممادة همذا‬
‫العالم والندماج في الذات اللهية‪.‬‬

‫وتكماد ليمدي أوجسمتا جريجموري تمثمل الفئة الولمى‪ ،‬ويكماد وليمم بتلمر ييتمس يمثمل الفئة‬
‫الثانية‪.‬‬

‫والمذهب الصوفي خليط من المذاهب الرومانسية والرمزية والسريالية‪ ،‬كما أن له صملة‬


‫واضحة ببذرته الولى‪ ،‬وهي المسرحية الدينية ولسيما النموع الخلقمي منهما‪ .‬وقمد كتبمت‬
‫ليدي جريجوري مسرحيتها الصوفية "الرجمل المسمافر"‪ ،‬فمي حيمن كتمب ييتمس مسمرحية‬
‫على نمط هذا المذهب هي "حيث لشيء"‪ .‬كما تجدر الشمارة إلمى مسمرحية "كمل حمي"‪،‬‬
‫وهي مسرحية أخلقية تنسمب إلمى مؤلمف مجهمول فمي عصمر إدوارد الرابمع ‪Edward IV‬‬
‫‪1461-1483‬م‪ ،‬وقد مثلت هذه المسرحية في الميادين العامة قديمًا‪ ،‬إل أنها أعيد إخراجها‬
‫في العصر الحديث في كل من إنجلترا وأمريكا ونالت نجاحا ً وأقبل عليها الجمهمور إقبمال ً‬
‫شديدًا‪ ،‬وذلك لما فيها من الثارات الدينية القوية التي تلئم أمزجة الجمهرة المتدينة فمي‬
‫كل أمة من المم‪.‬‬

‫المذهب الوجودي‬ ‫‪.6‬‬

‫الوجودية نسبة إلى الوجود‪ ،‬ولكمل شميء عنمد الوجموديين وجمود وصمورة‪ ،‬والصمورة همي‬
‫مجموعة من الخصائص والصفات الثابتمة المتي يتصمف بهما الشميء‪ ،‬فهمي جموهر الشميء‬
‫الموجود أو ماهيته‪ ،‬أو ما هويته‪ ،‬كما يعبر عنها بعض الوجوديين نسبة إلى ما هو؟‪.‬‬

‫أما الوجود فهو كينونة الشيء بالفعل في هذا العالم‪ ،‬والشميء ل تكمون لمه صمورة إل إذا‬
‫ل‪ ،‬ولذلك كان الوجود سمابقا ً علمى الصمورة فمي نظمر الوجموديين‪ ،‬وهمم فمي ذلمك‬
‫وجد أو ً‬
‫يختلفون عن أفلطون في نظرية المثل المشهورة التي تجعل الصور سابقة علممى وجممود‬
‫ل‪ ،‬ثم تتولى هي بنفسها صيرورتها إلى‬‫الشياء‪ .‬وهكذا يقول الوجوديون بوجمود الشياء أو ً‬
‫الصورة التي تريد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫والوجوديون يقصدون بهذا الكلم عن الوجود والصورة‪ ،‬النسان قبل أي شيء‬
‫آخر‪ ،‬بل لعلهم ل يقصدون بمه شميئا ً آخمر غيمر النسمان‪ ،‬ويمذهب "جمان بمول سمارتر ‪Jean‬‬
‫‪ ،"Paul Sartre‬إلى أن وجود الشياء يأتي بعد صورتها إل في النسان‪ ،‬إذ يتحقق وجوده‬
‫ل‪ ،‬ثم تتحقق صورته‪ :‬أي صفاته‪ ،‬أو ماهيته‪ ،‬أو هويته‪ ،‬بعد ذلك‪.‬‬‫أو ً‬

‫وهذه الفئة من الوجوديين‪ ،‬هي الفئة المادية المتي تنكمر وجمود الخمالق ‪ -‬سمبحانه ‪ -‬المذي‬
‫يخلق الناس وهم ينكرون وجود الخالق لن النسان الوجودي في نظرهم هو الذي يتولى‬
‫خلق أعماله‪ ،‬ويحدد صفاته أو ماهيته أو صورته بنفسه‪ ،‬وعلى ضوء ما يراه بعممد أن يفكممر‬
‫ويختمار اختيمارا ً حمرا ً ل يمليمه عليمه أحمد ممن الخمارج‪ .‬حمتى ولمو كمان همذا المملمي ممن‬
‫الوجوديين أنفسهم‪.‬‬

‫على أن من الوجوديين فئة أخرى تؤمن بوجود الخالق‪ ،‬وهؤلء همم الوجوديمون المدينيون‪،‬‬
‫أو الوجودية المؤلهة‪ ،‬أي التي تعترف بوجود إله خلق النسان‪ ،‬لكنه لم يخلق أعممماله‪ .‬إن‬
‫الله في نظر هؤلء الوجوديين المدينيين يخلمق النسمان‪ ،‬ثمم النسمان بعمد ذلمك همو المذي‬
‫يخلق أعماله بنفسه‪ ،‬أي أنهم يرفضون فكرة الجبر‪ ،‬ويؤمنمون بفكمرة الختيمار‪ .‬وممن هنما‬
‫ل‪ ،‬ثم بالصورة التي يخلقها النسان ثانيا ً‪.‬‬
‫كانوا يؤمنون بوجود النسان أو ً‬

‫أما الوجوديون الملحدون الذين ل يؤمنون بوجود إلمه‪ ،‬فزعيمهمم همو "جمان بمول سمارتر"‪،‬‬
‫ومنهم "مارتين هيمدجر ‪ ،"Martin Heidegger‬و" ألبير كامي ‪ ،"Albert Camus‬و" سيمون‬
‫دي بوفوار ‪ ."Simone de Beauvoir‬وتقوم فلسفة هؤلء على وجوب أن ينظر النسان‬
‫في مجتمعه‪ ،‬وفي العالم الذي يعيش فيه‪ ،‬وما يجب عليه أن يقوم بمه فمي همذا المجتممع‬
‫وفي ذلك العالم‪ ،‬ليكون وجوده مشروعا ً‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المذهب التجريبي‬ ‫‪.7‬‬

‫المسرح التجريبي مفهوم حديث‪ ،‬يرجعه بعمض النقماد إلمى ستانسلفسمكي فمي محماولته‬
‫لنشاء معمل مسرحي لحد تلميذه‪ ،‬وإلى أنتونيان آرتود ‪ ،Antonin Artaud‬في مسرحه‬
‫"القسوة"‪ ،‬وتجارب العنف كما في مسرح فايس‪ ،‬وكلها وغيرها تجارب تحق عليها صفة‬
‫التجريب‪ ،‬أو صفة الطليعية‪ ،‬طبقا ً لمفاهيم العصمر الحمديث‪ .‬إذ إن التجريمب أصمل ً همو مما‬
‫كان يتعلق بعرض خاص‪ ،‬له مواصفات فكرية وتنفيذية كالتي حققها ماكس رينهارت ‪Max‬‬
‫‪ ،Reinhardt‬في مسرحه الخاص الصغير‪.‬‬

‫والحقيقة أنه ليمس هنماك تاريمخ ثمابت لتحديمد نشمأة المسمرح التجريمبي‪ ،‬وإن كمانت ثممة‬
‫بدايات قد طالعنا بها ظهور المسرح الحديث‪ ،‬فمي أواخمر القمرن التاسمع عشمر الميلدي‪،‬‬
‫وفي مقدمة هذه البدايات مسرح "أندريه أنطموان ‪ ،"Andre Antoine‬مؤسس المسمرح‬
‫الحر في فرنسا‪ ،‬إذ ُيعد ّ مسرحه من أوائل المسمارح التجريبية‪ ،‬التي ذاع صيتها في جميع‬
‫أرجاء العالم‪ ،‬وكان تجريبا ً لجمهور عام‪.‬‬

‫كانت بداية المسرح الحر بداية متواضعة‪ ،‬ومع ذلك أصمبح مسمرحه المبنمي ممن الخشمب‬
‫في الفنون الجميلة بباريس‪ ،‬حيث قدم أنطوان أول عروضه للمسمرح التجريمبي‪ ،‬صمرخة‬
‫مدويمة ورممزا ً للقموي التقدميمة فمي عصمره‪ ،‬وقمد نجمح أنطموان‪ ،‬الممثمل والمخمرج‪ ،‬منمذ‬
‫اللحظة الولى في وصل التعاون بيمن مسمرحه وكتماب الدب‪ ،‬خاصمة الكماديميين منهمم‪،‬‬
‫وعلمى رأسمهم إميمل زول‪ .‬أمما مسمرحه فقمد كمان يتسمع ‪ 343‬متفرجًا‪ ،‬وكانت تسودهم‬
‫روابط السرة‪ .‬وقد كان مسرح أنطوان‪ ،‬بحمق‪ ،‬ثمورة علمى التقاليمد المسمرحية‪ ،‬واتجاهما ً‬
‫جديدا ً نحو السلوب الطبيعي بكل تفاصيله‪ ،‬فالممثلون في المسمرح التجريمبي يتحركمون‬
‫على المسرح حركة طبيعية‪ ،‬ولول مرة أدار الممثل ظهره للجماهير‪ ،‬وكانت مفاجمأة لمم‬
‫يعهدها أحد من قبل‪ ،‬وغالى أنطوان في أسلوبه‪ ،‬حيمن اقتضمت بعمض المنماظر أن تظهمر‬
‫تماما كالطبيعة‪ ،‬فتجد محل جزار بلحوم حقيقية‪ ،‬ومحل صانع أحذيمة بكمل عمدده وعمدته‪.‬‬
‫ولم يكن أنطوان ليرضى مطلقًا‪ ،‬إل أن يحاكي الطبيعة بحذافيرها‪.‬‬

‫وظهمر‪ ،‬فيممن ظهمر ممن أعلم المسمرح التجريمبي الحمديث فمي فرنسما‪ ،‬المخمرج "جماك‬
‫كوبوه"‪ ،‬الذي أنشأ مسرح "الفييه كولممبيه" عمام ‪1913‬م‪ .‬وممن دوافمع تأسميس مسمرحه‬
‫الجديد‪ ،‬ضيقه الشديد بالوسمط المسمرحي والمسمرحيين فمي أيمامه‪ .‬وقمد كمان "كوبموه"‪،‬‬
‫حين أسس مسرحه‪ ،‬غير مهيمما ً باتجماه مسمرحي معيمن‪ ،‬إل أنمه أوضمح فلسمفة مسمرحه‬
‫الجديد بنشرة يختلف فحواها عمقًا‪ ،‬عما سبق أن جاءت بمه نشمرات المسمارح التجريبيمة‬
‫الخرى‪ ،‬في عصره‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وحين بدأ "كوبوه" مسرحه‪ ،‬بدأه بأحد عشر ممث ً‬
‫ل‪ ،‬راحوا يقممرأون المسممرحيات‬
‫بصوت عال‪ ،‬ويرتجلون المشاهد التمثيليمة‪ ،‬ويمؤدون التمرينمات اللقائيمة والحركيمة‪ ،‬المتي‬
‫تعينهم على الداء الفني السليم‪.‬‬

‫وهكذا ضرب مسرحه أروع المثلة في حقل التجريب المسرحي‪ ،‬حتى صارت مسرحياته‬
‫السس‪ ،‬التي نهج على منوالها تلميذه من بعده‪ ،‬أمثال‪ :‬جوفيه وديلن وبيتويف وباتي‪.‬‬

‫أما دعاة التجريمب بمعنماه الطليعمي‪ ،‬مضممونا ً وشمكل ً والتزاممًا‪ ،‬فقمد مارسموه بشمجاعة‪،‬‬
‫وأبدوا فيه نشاطا ً ملحوظًا‪ ،‬نحو تطوير حركة الطليعيين المسرحيين‪ ،‬في مجال المسرح‪،‬‬
‫في النصف الثاني من القرن العشرين الميلدي‪ ،‬حسمب رأي "جيممس روز ايفمانز"‪ ،‬المتي‬
‫أنتجت عددا ً من الشكال المسرحية‪ ،‬ما زالت تواصل رسالتها‪ ،‬ومنها على سبيل المثممال؛‬
‫مسرح اللمعقول‪ ،‬ومسرح البموب‪ ،‬المسمرح التجريمبي المذي يتنماول موضموعات حديثمة‪،‬‬
‫ومسرح الجريدة الحية‪ ،‬والمسرح التسجيلي‪.‬‬

‫وتلك الشكال‪ ،‬وما إليهما ممن أشمكال التجريمب الطليعمي‪ ،‬همدفها البحمث عمن المكانمات‬
‫الجديدة‪ ،‬والغوار البعيدة‪ ،‬لفن الدراما بأوسع المفاهيم‪.‬‬

‫والمسرح التجريبي بأشكاله المسرحية المتعددة‪ ،‬ل يجتذب‪ ،‬خاصمة فمي بدايمة عهمده‪ ،‬إل‬
‫الخاصة المتخصصة‪ ،‬إذ إن النتماج‪ ،‬فمي الغمالب‪ ،‬يتمتمع بدرجمة عاليمة ممن التقمدير الفنمي‬
‫والفكري‪ ،‬خاصمة مما يتعلمق بتكتيمك الفمن المسمرحي‪ .‬إل أنمه بمضمي الموقت أخمذ شمكل ً‬
‫جماهيريًا‪ ،‬كمسرح اللمعقول والمسرح التسجيلي‪.‬‬

‫ومن أشهر المسارح التجريبية المعاصرة في إنجلترا‪ ،‬مسمرح "سمتوك أون ترنمت"‪ ،‬المذي‬
‫يتخذ لنفسه شكل المسرح في المدائرة‪ .‬وتقمدم فرقتمه عديمدا ً ممن التجمارب المسمرحية‪،‬‬
‫التي ل تعتمد على الديكور‪ ،‬وإنما على كافة المؤثرات التكنولوجية التي تسهم فممي إثممراء‬
‫العممل المسمرحي‪ .‬والمسمرح فمي المدائرة‪ ،‬أو مسمرح الحلقمة‪ُ) ،‬انظمر صمورة المسمرح‬
‫الدائري(‪ ،‬يتمتع بمزايا عدة‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫أ‪ .‬منصة للتمثيمل تختلمف جمذريًا‪ ،‬عمن منصمة التمثيمل التقليديمة المغلقمة‪ ،‬بحيمث تعطمي‬
‫الممثل فرصة أكبر لكتساب حصيلة جديدة من حرفية الداء‪ ،‬وهو محماط بالجمماهير ممن‬
‫جميع الجهات‪.‬‬

‫ب‪ .‬مسرح بسيط في إنشائه‪ ،‬اقتصادي في نفقات الصرف على برامجه‪.‬‬

‫ج‪ .‬مسرح يربط المتفرج والجمهور برباط الود‪ ،‬ويجعل ممن وجمه الممثمل شمبيها ً بنظيمره‬
‫في السينما والتليفزيون‪ ،‬من حيث الرؤية والثر الدرامي المباشر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وُيعد مسمرح "الهامسمتيد ‪ "Hampstead‬بحي سويس كوتدج ‪Swiss Cottage‬‬
‫أشهر المسارح الطليعية بإنجلترا ‪ ،‬ويتسع المسرح لحموالي ‪ 150‬متفرج‪ .‬ولهذا المسرح‬
‫فلسفة خاصة في مجال التجريمب‪ ،‬إذ يشمجع المحمترفين ممن الممثليمن للدلء بخمبرتهم‪،‬‬
‫واختبار مواهبهم على أعلي المستويات‪ ،‬بغض النظمر عمن الجمور الضمئيلة‪ ،‬المتي يمدفعها‬
‫لقاء ما ُيتاح لهم من فرص‪.‬‬

‫وهناك أمثلة عديدة‪ ،‬ل حصر لها‪ ،‬من المسارح التجريبية المماثلة‪ ،‬الممتي أصمبحت توصممف‬
‫بالمسمارح الطليعيمة‪ ،‬ولكمل ممن همذه المسمارح‪ ،‬بمالطبع‪ ،‬فلسمفته وأسملوبه فمي العممل‬
‫الطليعي‪.‬‬

‫كانت تجربمة "أنطموان" ثمورة علمى القمديم بكمل مفماهيمه ومقومماته‪ ،‬والتجماه بالمسمرح‬
‫جذريا ً نحو محاكاته للطبيعة‪ .‬وكانت محاولة "فسفولود ميرهولمد ‪"Vesvolod Meyerhold‬‬
‫الروسي‪ ،‬في الستعانة بالرمزيمة والتعبيريمة‪ ،‬فمي تجسميد العممل المسمرحي‪ ،‬ثمورة ضمد‬
‫أسمتاذه "كونسمتانتين ستانسلفسمكي ‪ ،"Konstantin Stanislavski‬محقق الواقعية؛ ثم‬
‫كانت تجربمة "كوبموه" الفرنسمي‪ ،‬نحمو اكتشماف مسمرح الغمد‪ ،‬مسمرح الجماعمة‪ ،‬ورفضمه‬
‫اليمان باتجاه معين دون آخر؛ ثم كانت الحركة الطليعية الحديثة في أوروبا‪ ،‬التي تمثلممت‬
‫في مسرح "اللمعقول"‪ ،‬ومما بعمده كمسمرح "الواقعمة"‪ ،‬والمسمرح "المفتموح"‪ ،‬والمسمرح‬
‫"الحر"‪ ،‬والمسارح المشابهة‪ ،‬التي انتشرت في أواخر الستينيات‪ ،‬وبداية السبعينيات من‬
‫القرن العشرين الميلدي في أمريكا‪.‬‬

‫المذهب الملحمي‬ ‫‪.8‬‬

‫‪1‬‬
‫ل يكشمف المسمرح الملحممي عمن شخصميات‪ ،‬ول يعقمد عقمدة مسمرحية‪ ،‬بمل‬
‫يروي قصة ويسردها‪ .‬والقصة هي التي تستلفت النظر‪ ،‬وهي التي يتحتم عليها أن ترشممد‬
‫الممثلين وتهديهم‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬ل تبسط المسرحية الملحمية حدثا ً كمبيرا ً واحمدًا‪ ،‬بمل‬
‫تحبك عديدا ً من الحداث الصغيرة التي تلقي الضوء على موقف ما من زوايا مختلفة‪.‬‬

‫وخاتمة الدراما الملحمية أو الملهماة ليسمت لهما فمي الواقمع إل أهميمة ثانويمة‪ .‬فكمثير ممن‬
‫المتفرجين الذين شاهدوا "فيدرا" ل يذكرون بالطبع الطريقة التي تنتهمي بهما المسمرحية‪،‬‬
‫فالقصة بالفعل هي التي تسمتلفت النظمر‪ .‬ول يسمري همذا القمول علمى مسمرح "برخمت"‬
‫فقط كما في "فيدرا" و"أندروماك"‪ ،‬بل في كمل مسمرح ملحممي جمدير بهمذا السمم‪ .‬مثل ً‬
‫تروي "أنتيجونا" قصة امرأة شابة تعمرض نفسمها للمموت طاعمة للقموانين غيمر المكتوبمة‪.‬‬
‫ن تطلمق لنفسمها العنمان وتصمرح لبمن زوجهما بأنهما‬‫وتروي "فيدرا" قصة زوجة رجمل مسم ّ‬
‫تحبه؛ لنها ظنت أن زوجها قد مات‪ ،‬ويعمود المزوج‪ .‬وتمروي مسمرحيات شكسمبير قصصما ً‬
‫من الجممال بحيمث حولهما البعمض إلمى حكايمات زادت ممن شمهرة مؤلفهما وذيموع صميته‪.‬‬
‫وتروي "حرب طروادة" قصة رجلين حسني النية ظنا أن الحكمة يمكن أن تجنبهما شرور‬
‫الحرب‪ ،‬وتروي "الخرتيت" قصة رجل يرفض أن يتبع حركة تقليد القطيع الممتي تممدفع إلممى‬
‫العبودية‪.‬‬

‫وسر جاذبية هذه القصص الملحمية يكمن في نهاية المر في موقف ل مخرج منه‪:‬‬

‫"فيدرا" أمام حب محرم‪" ،‬أنتيجونا" أمام إخلص محرم‪ ،‬عطيل السود أمام امرأة بيضاء‬
‫من الجمال والطهر بحيث ترمز إلى التملك المحرم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫أما عن الطبمائع والدراسمة النفسمية التقليديمة المتي أشمتهر بهما المسمرح الملحممي فهمي‬
‫مقتضبة‪.‬‬

‫ويحاول الشاعر اللماني برخت في مسرحه الملحمي أن يبين الكائنات في مواجهة بنمماء‬
‫اجتماعي يكونها ويوجهها ويلزمها‪ ،‬والجدية توجمد عنمد برخمت فمي مسمرحه بالقمدر المذي‬
‫يريد أن يبين به في المسرحية الواحدة بيئة اجتماعية بعاداتها ومعتقداتها‪ ،‬وتطورا ً موازيا ً‬
‫لها في الفكار والفعال وطباع البشر‪ ،‬هذه الحركمة التاريخيمة المزدوجمة همي مما أراد أن‬
‫يبرزه في مسرحه الملحمي الذي يلقي الضوء على أثر متبادل‪ ،‬أثر البشر على المجتمع‪،‬‬
‫وأثمر المجتممع علمى البشمر‪ .‬وبهمذا القمدر يعمبر المسمرح الملحممي عمن إثمراء للمعرفمة‬
‫النسانية‪.‬‬

‫وقد اتهم برخت المسرح التقليدي بأنه يقدم طبائع ثابتة فقط ل غير‪ ،‬وأكد على الواقعيممة‬
‫التي تقول بأن النسان غالبا ما يكون نتاجا ً للحداث‪ .‬وتعد ّ مسرحية "جاليليوجماليلي" ممن‬
‫أشهر مسرحيات برخت والمذهب الملحممي فمي الموقت ذاتمه‪ ،‬وهمي تمروي حيماة العمالم‬
‫جاليليو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مع خالص تحياتي و تمنياتي القلبية بالستفادة‬

‫مدونة قصص و حكايات‬


‫‪www.kesaswehekayat.tk‬‬

‫‪1‬‬

You might also like