You are on page 1of 13

‫‪ISSN: 2353 – 0030‬‬

‫مجلد ‪ ،31‬العدد ‪( 13‬خ)‪2121 ،‬‬


‫‪EISSN: 2602-697X‬‬

‫الأمير عبد القادر من خلال كتاب تحفة الزائر في مآثر الأمير‬


‫عبد القادر وأخبار الجزائر‬
‫‪Al-Amir Abd El-Kader through the book of Thehfa -‬‬
‫‪Al-Zair Fe Mathar Al-Amir Abd El-Kader wa Akhbar‬‬
‫‪Al-Djazair‬‬

‫*‬ ‫درعي فاطمة ‪DRAI FATIMA‬‬


‫جامعة مصطفى اسطمبولي معسكر – (الجزائر)‬ ‫تاريخ‬
‫‪fatima.drai@univ-mascara‬‬

‫*********************‬
‫تاريخ النشر‪2824/86/86 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪2824 /82/14 :‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪2821/80/86 :‬‬
‫ملخص‪ :‬كتاب تحفة الزائر في مآثر األمير عبد القادر وأخبار الجزائر حسب ما ذكره أبو القاسم سعد‬
‫هللا حتى اآلن أفضل مصدر عن األمير عبد القادر‪ ،‬وتبرز أهميته من خالل الوثائق التي اعتمدها في‬
‫الدراسة باإلضافة إلى معايشته الكثير من األحداث بحكم قربه من والده ومرافقته له في الكثير من‬
‫األحداث واملناطق سواءا في الجزائر أو في فرنسا أو تركيا أو دمشق أين استقروا‪ ،‬وهو ما سنحاول‬
‫تقديمه من خالل هذه الورقة البحثية التي ستتمحور حول التعريف باملؤلف واملصدر وظروف تقديمه‬
‫ومحتواه مع الرجوع إلى كتابات أخرى عربية وأجنبية تناولت األمير عبد القادر من جوانب مختلفة‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬تحفة الزائر؛ الجزائر ؛ الكتابات ؛ األمير محمد؛ األمير عبد القادر‪.‬‬
‫‪Abstract: The book of “ Thahfa al-zair fi mathar Al-Amir Abd - El- Kader Wa Akhbar Al-‬‬
‫‪Djazair “, according to Abu Qasim Saadallah so far is the best source of AL-Amir Abd-El-‬‬
‫‪Kader, and its importance is highlighted by the documents he adopted in the study in‬‬
‫‪addition to living many events due to his proximity to his father and accompanying him in‬‬
‫‪many events and regions .‬‬
‫‪This research paper that will focus on On the introduction of the author and the source and‬‬
‫‪the circumstances of his presentation and content.‬‬
‫‪Keywords: Amir Abd-Al-kader; Thahfa al-zair; Algeria; Writings; Amir Mohammed.‬‬

‫* املؤلف املرسل‪fatima.drai@univ-mascara :‬‬

‫‪419‬‬
‫ص ص ‪221 - 280‬‬ ‫الأمير عبد القادر من خلال كتاب تحفة الزائر‪...‬‬ ‫درعـي فاطمـة‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر األمير عبد القادر عبقرية اجتمعت فيها الكثير من الخصال املفتقدة وجاء في‬
‫زمن تزايدت فيه الظلمات‪ ،‬وهو شخصية متميزة دينيا ووطنيا حيث كانت له مكانة‬
‫خاصة‪ ،‬خاض مع جيشه كفاحا ضاريا مع املستدمر الفرنس ي الذي استخدم كل الحيل‬
‫لدحر األمير لكنه لم يفلح‪.‬‬
‫تناولت الكثير من الدراسات األمير عبد القادر من حيث سيرته الجهادية أو من حيث بناء‬
‫دولته الحديثة‪ ،‬وامللفت لإلنتباه في غالبية هذه الكتابات العربية أو الغربية هو تركيزها‬
‫الكبير على املحطات العسكرية في حياة األمير عبد القادر ثم على تنظيماته اإلدارية‬
‫واإلهتمام باألمير الفارس واملتصوف ‪.‬‬
‫سنحاول من خالل هذه الدراسة املوسومة ب‪ " :‬األمير عبد القادر من خالل كتاب‬
‫تحفة الزائر في مآثر األمير عبد القادر وأخبار الجزائر" الرجوع إلى الكتابات التي تناولت‬
‫األمير عبد القادر بشكل عام والتركيز على أحد أهم املصادر العربية وهو كتاب تحفة‬
‫الزائر الذي تناول مختلف جوانب حياة األمير عبد القادر‪ ،‬وتم اإلعتماد في ذلك على‬
‫املنهج التاريخي الذي يقوم على التحليل والنقد للتعريف باملصدر وأهم الجوانب التي‬
‫تطرق لها من خالل هذا املصدر املهم‪.‬‬
‫‪ .1‬األمير عبد القادر بين الكتابات العربية والغربية‪:‬‬
‫كان األمير عبد القادر شخصية فذة أثارت إعجاب الكثيرين وذاع صيتها في أرجاء الدنيا‬
‫واحترمته الشعوب نظرا لشخصيته وإنجازاته وكما سبق ذكره فإن العديد من الكتابات‬
‫تناولت األمير عبد القادر بالدراسة وهذا ما يطرح التساؤل حول دواعي هذا اإلهتمام ‪.‬‬
‫قال عنه بطرس البستاني في كتاب "األمير عبد القادر "‪" :‬فضال عن كونه من أعاظم‬
‫رجال السيف والسياسة فهو أيضا في عداد الكتبة والعلماء‪ ،‬وله رسائل وتآليف في‬
‫التصوف" (البستاني‪،‬ب‪ ،2811 ،‬صفحة ‪.)112‬‬
‫كما كتب عنه ميخائيل مشاقة في حديثه عن فتنة الشام سنة ‪2112‬م قائال‪ " :‬األمير‬
‫عبد القادر الشهم‪،‬كان ال يترك فرصة تفوته عن الدفاع عنهم" (مشاقة‪،‬م‪،2821 ،‬‬
‫الصفحات ‪ )212-212‬ويضيف‪ " :‬كان هذا الشهم الباسل متقلدا سالحه‪ ،‬ومعه رجاله‬
‫البواسل" (مشاقة‪،‬م‪ ،2821 ،‬صفحة ‪.)212‬‬

‫‪411‬‬
‫‪ISSN: 2353 – 0030‬‬
‫مجلد ‪ ،31‬العدد ‪( 13‬خ)‪2121 ،‬‬
‫‪EISSN: 2602-697X‬‬

‫برزت العديد من البحوث والدراسات التي خصصت مجاال مهما لدراسة هذه‬
‫الشخصية‪ ،‬وحول ذلك يقول عبد القادر شرشار أن شدة اإلعجاب بهذه الشخصية من‬
‫قبل اآلخر تطلبت هذا النوع من املوضوعية نظرا ملا اتسمت به سيرته املثالية سواء‬
‫كصديق أو كعدو لفرنسا من مواقف إنسانية مشهود لها بالحكمة وحسن التدبير‬
‫(شرشار‪،‬ع‪ ،1221 ،‬صفحة ‪.)28‬‬
‫لم نجد هذه املوضوعية في جميع الكتابات األوربية فمنها من اتسمت فعال باملوضوعية‬
‫لكن الكثير منها حملت أغراض معينة وبرزت فيها الروح اإلستعمارية وروح التعصب‪.‬‬
‫يقول أبو القاسم سعد هللا أن الكتابات التي كتبها الفرنسيون عن األمير عبد القادر رغم‬
‫كثرتها فهي ال تخرج في أغلبها عن الحط من دوره الوطني وجعله شخصا متعصبا دينيا في‬
‫البداية وصديقا لفرنسا في النهاية‪ ،‬وهذا املوقف يلخصه كتاب بول أزان (األمير من‬
‫التعصب اإلسالمي إلى القومية الفرنسية) ذلك أن إسناد دور املدافع الوطني للمير‬
‫يبطل عمل فرنسا في الجزائر (سعدهللا‪،‬أ‪ ،2811 ،‬صفحة ‪.)21‬‬
‫يضيف سعد هللا أن املؤرخ جورج إيفير (‪ )Georges Evier‬تناول أيضا األمير عبد القادر‬
‫وقال أنه لم يكن بطل جنسية عربية في الجزائر ألنها لم توجد ولم يكن سياسيا مجددا‬
‫يهدف إلى إدخال الحضارة األوربية على مواطنيه الذين كانوا نصف برابر‪ ،‬ولكنه كان‬
‫مرابطا طموحا أراد أن يحل نفسه محل األتراك واستغل لتحقيق ذلك الهدف غفلة‬
‫الفرنسيين ونسبه الشريف وشجاعته الشخصية (سعدهللا‪،‬أ‪ .)2811 ،‬هذا املوقف الذي‬
‫اتخذه هؤالء املؤرخون لم يقتصر على األمير عبد القادر بل شمل باقي زعماء املقاومة‬
‫الوطنية (سعدهللا‪،‬أ‪ ،2811 ،‬صفحة ‪.)21‬‬
‫من املؤرخين الفرنسيين الذين اهتموا باألمير برونو إيتيان ( ‪ )Bruno Etienne‬في كتابه‬
‫عبد القادر والذي يقدم وصفا دقيقا للمير عبد القادر وعالقته بأفراد أسرته وطالبه‬
‫وسكان دمشق خالل األيام األخيرة من حياته‪ ،‬كما يحتوي الكتاب بيبلوغرافيا وافية عن‬
‫حياة األمير وسيرته العسكرية والعلمية والدينية وجرد للعمال األكاديمية التي ألفت‬
‫حول أعماله (شرشار‪،‬ع‪ ،1221 ،‬صفحة ‪ ،)28‬وعن األمير وحياته يقول برونو إيتيان‪" :‬‬
‫تدعونا حياة األمير عبد القادر وأعماله أكثر من أي ش يء آخر إلى كتابة تأويلية عنها أكثر‬
‫منها كتابة سيرة حياة" (برونو‪،‬أ‪ ،1222 ،‬صفحة ‪.)22‬‬

‫‪411‬‬
‫ص ص ‪221 - 280‬‬ ‫الأمير عبد القادر من خلال كتاب تحفة الزائر‪...‬‬ ‫درعـي فاطمـة‬

‫تعددت وتنوعت أيضا الكتابات اإلسبانية حول األمير عبد القادر‪ ،‬ومنهم املؤرخ ميكيل‬
‫دي إيبالزا فيرير(‪ )Mikel de Epalza Ferrer‬الذي تحدث بإسهاب عن رسائل األمير عبد‬
‫القادر للملكة االسبانية إيزابيال الثانية لطلب املساعدة وذلك بعد انحصار جيش األمير في‬
‫مواجهته للقوة الفرنسية املتزايدة لكن هذه املساعدة لم تتحقق (كبداني‪،‬ف‪،1221 ،‬‬
‫صفحة ‪ ،)121‬كما انفرد هذا املؤرخ بتوثيقه للحداث التي لها عالقة باألمير عبد القادر‬
‫والذي يمتده فيها ويفسر وجوده وذكره في أهم الكتب واملوسوعات والقصص واألدب‬
‫العالمي الذي يبين الصدى اإليجابي عن األمير خاصة أدواره اإلنسانية والتي تمثلت في‬
‫حماية املسيحيين سنة ‪( 2112‬كبداني‪،‬ف‪ ،1221 ،‬صفحة ‪ .)122‬تظهر موضوعية هذا‬
‫املؤرخ من خالل وصف األمير بالزعيم واختار في ذلك العبارات املناسبة حيث وصف‬
‫حركة األمير باملقاومة وفرنسا بالغازية‪.‬‬
‫من جهته املؤرخ اإلسباني مانويل مالودي مولينا (‪)Manuel De Malo D e Molina‬‬
‫يصف املقاومة في الجزائر باألسطورة الخرافية من ما يصل من أشعار ويقول أن الحرب‬
‫تؤدي إلى خلق شعر راق ورنان وقدم أمثلة عن األشعار التي كتبت حول مقاومة األمير‬
‫عبد القادر والتي قام بترجمتها والتي قال عنها أنها بينت مكانة األمير عبد القادر في قلوب‬
‫الجزائريين وقال أن القضية هي قضية والء تبين عظمة هذا الرجل الذي يعتبر حامي‬
‫العباد والدين (كبداني‪،‬ف‪ ،1221 ،‬صفحة ‪.)121‬‬
‫املالحظ أن الكتابات اإلسبانية قد ركزت على شخصية األمير خاصة في جانبها الديني التي‬
‫كانت ضرورية لنجاح مقاومته‪ ،‬وأهمية مدينة معسكر وبالتالي فإن هذه الشخصية كانت‬
‫لها دورها في تأسيس الدولة الجزائرية‪ ،‬كما أن كل الظروف واملعطيات منحت األمير‬
‫املزايا التاريخية املهمة‪.‬‬
‫لقد اتفق العديد من الكتاب اإلسبان على عظمة شخصية األمير عبد القادر من خالل‬
‫مجموعة معطيات مهدت الطريق لتكون هذه الشخصية عاملية سواءا في املجال‬
‫العسكري أو السياس ي أو األدبي‪.‬‬
‫من بين الكتابات األوربية نجد الكتابات اإلنجليزية وكنموذج منها نأخذ كتاب الكولونيل‬
‫تشرشل (‪ )Charles – Henry Churchill‬وكتابه حياة األمير عبد القادر ‪ .‬عزم تشرشل‬
‫على كتابة سيرة األمير عبد القادر وفي شتاء ‪ 2112 -2128‬أقام في دمشق واتفق مع األمير‬
‫عبد القادر على الجلوس معه ساعة يوميا طيلة ‪ 2‬أشهر ومن هذا اإلمالء الشخي ي‬

‫‪412‬‬
‫‪ISSN: 2353 – 0030‬‬
‫مجلد ‪ ،31‬العدد ‪( 13‬خ)‪2121 ،‬‬
‫‪EISSN: 2602-697X‬‬

‫والوثائق األصلية التي حصل عليها تشرشل جاء كتاب حياة عبد القادر‪ .‬يقوم الكتاب‬
‫على مبدأين‪ :‬تمجيد بطولة األمير الحربية وتمجيد مواقفه اإلنسانية (تشرشل‪،‬هـ‪،‬‬
‫‪ ،1222‬صفحة ‪. )11‬‬
‫أهم املواضيع التي ركز عليها تشرشل في هذا الكتاب هي التربية والتكوين الطبيعي‬
‫والديني للمير والبيئة اإلجتماعية التي كان يتفاعل معها والنظام اإلداري الذي حاول‬
‫إقامته ومناوراته وخططه العسكرية‪ ،‬وروح التقدم واإلصالح التي تميز بها وتسامحه حتى‬
‫مع ألد خصومه وحسن معاملته للسرى وصبره على املكاره وعدم يأسه حتى في أضيق‬
‫ساعات العسر وإعجابه بالحضارة الغربية والتقدم اإلنساني وتدخله اإلنساني أثناء فتنة‬
‫الشام وحبه للعلم وتعلقه بالدين وكرمه وعزوفه عن الدنيا وشهامته (تشرشل‪،‬هـ‪،‬‬
‫‪ ،1222‬صفحة ‪.)21‬‬
‫من جهتهم األملان كان لهم اهتمام بشخصية األمير عبد القادر من جوانب متعددة ومن‬
‫بينهم الضابط كليمانس ال مبينغ (‪ )Clements La Mping‬الذي عاش في الجزائر ملدة‬
‫سنتين منذ ‪ 2118‬ثم غادرها وعاد إلى وطنه أملانيا ووضع كتابا بعنوان "ذكريات من‬
‫الجزائر" نشره سنة ‪( 2122‬دودو‪،‬أ‪ ،2812 ،‬صفحة ‪ ،)81‬وقد تحدث عن األمير عبد‬
‫القادر الذي قال أنه شارك في معركة ضده في سهل الشلف ورآه من بعيد‪ ،‬ويؤكد أنه ال‬
‫يستطيع إنكار إعجابه بهذا الرجل فقد كان وحده روح املعركة ولواله ملا وقفت ثالث‬
‫قبائل في وجه الفرنسيين‪ ،‬ويتمنى للمير مصيرا آخر ألنه إذا لم يسقط في املعركة فإن‬
‫أصدقاؤه سيخونونه كما حدث قديما ليوغرطة ويقول أنه يشبهه في شجاعته وصموده‬
‫إلى حد كبير‪ ،‬لكن األمير يفوقه في نبله وشهامته (دودو‪،‬أ‪ ،2812 ،‬صفحة ‪ ،)81‬ويضيف‬
‫قائال أن األمير حرم على رجاله قتل األسرى وكان يعامل املرض ى معاملة إنسانية كبيرة‬
‫(دودو‪،‬أ‪ ،2812 ،‬صفحة ‪ ،)81‬لكن املالحظ أن هذا الضابط لم يرجع أخالق األمير‬
‫وشخصيته إلى بيئته أو دينه بل قال أن ذلك يعود إلى ثقافة األمير التي تلقاها عن والده‬
‫الذي عاش مدة في إيطاليا واطلع على عادات أهلها وتقاليدهم‪.‬‬
‫من الكتاب الروس الذين تناولوا األمير في كتاباتهم لوتسكي( ‪Vladimir Borisovich‬‬
‫‪ )Lutsky‬في كتابه " تاريخ األقطار العربية" حيث يقول عنه أنه لم يكن مرابطا عاديا بل‬
‫قبل كل ش يء محاربا جريئا وفارسا ماهرا وقناصا صائبا وقائدا عسكريا عبقريا‪ ،‬وكان‬

‫‪413‬‬
‫ص ص ‪221 - 280‬‬ ‫الأمير عبد القادر من خلال كتاب تحفة الزائر‪...‬‬ ‫درعـي فاطمـة‬

‫خطيبا ملهما يسحر السامعين كالمه الحكيم الفصيح وكاتبا فذا ومنظما قديرا‬
‫(لوتسكي‪،‬ف‪ ،1221 ،‬صفحة ‪.)218‬‬
‫ثم يتحدث عن حياة األمير فيقول أنه بعدما أصبح حاكم دولة كبيرة واصل حياته‬
‫املتواضعة فأكل البسيط من الطعام وشرب املاء القراح ولم يتحل بأية حلية‪ ،‬وكان‬
‫أمينا لتقاليد القبائل الرحل وفضل السكن في خيمة‪ ،‬وكانت ثروته الوحيدة مكتبة‬
‫ممتازة (لوتسكي‪،‬ف‪ ،1221 ،‬صفحة ‪.)282‬‬
‫‪ .4‬التعريف باألمير محمد بن األمير عبد القادر‪:‬‬
‫هو محمد بن األمير عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى بن املختار‪ ،‬ولد بالقيطنة‬
‫سنة ‪2121‬هـ‪2122 /‬م (الزركلي‪ ،1221 ،‬الصفحات ‪ )122-121‬وهي تقع على وادي‬
‫الحمام بمعسكر وهو أكبر أبناء األمير عبد القادر من زوجته خيرة وهي ابنة عمه‪.‬‬
‫ولد في فترة اشتداد الصراع ضد الفرنسيين‪ ،‬حيث عاش ‪ 1‬سنوات من الحرب ضد‬
‫فرنسا (‪ ،)2121-2122‬و‪ 2‬سنوات من األسر في سجون فرنسا‪ ،‬ثم سنتين في بروسة‪ ،‬ثم‬
‫انتقل إلى دمشق التي استقر بها (سعدهللا‪،‬أ‪ ،1221 ،‬صفحة ‪)228‬‬
‫لم يعش األمير محمد حياة مستقرة في صباه حيث عاش حياة الخوف على وقع الحرب‬
‫واألسر والغربة وزلزال بروسة‪ ،‬فلم يعرف حياة اجتماعية هادئة‪ .‬ويقول سعد هللا أن‬
‫والده تولى تعليمه في سجن أمبواز ووضعه تحت إشراف صهره مصطفى بن التهامي إال‬
‫أن ذلك لم يعطيه تعليما منتظما (سعدهللا‪،‬أ‪ ،1221 ،‬صفحة ‪ ،)212‬إلى أن انتقل إلى‬
‫دمشق في مرحلة املراهقة أين انتظم في التعليم وأخذ من علمائها في الفترة التي كانت‬
‫بالد املشرق تعرف نهضة أدبية وسياسية‪.‬‬
‫تأثر األمير محمد بذلك كثيرا خاصة وأنه كان أكبر أبناء األمير عبد القادر وكان يرافقه‬
‫أينما ذهب‪ ،‬وكان يحضر مجالسه مع أعيان بالد الشام وقد قال هو ذلك بأنه كان يالزم‬
‫والده ومحتذيا حذوه وأنه قرأ عليه التوحيد والحديث والنحو واستفاد منه (سعدهللا‪،‬أ‪،‬‬
‫‪ ،1221‬صفحة ‪. )212‬‬
‫كان األمير محمد مهتما باألدب والتاريخ وظهرت ثقافته من خالل مؤلفه تحفة الزائر‬
‫وحتى من املؤلفات األخرى كما اهتم بالقضايا التي عرفتها الفترة التي عايشها‪.‬‬
‫إلى جانب اهتمامه بالتاريخ واألدب حصل األمير عبد القادر على لقب "باشا (سعدهللا‪،‬أ‪،‬‬
‫‪ ،1221‬صفحة ‪ ")212‬وكان ضابطا في الجيش العثماني ويقول الزركلي أنه كان يحمل‬

‫‪414‬‬
‫‪ISSN: 2353 – 0030‬‬
‫مجلد ‪ ،31‬العدد ‪( 13‬خ)‪2121 ،‬‬
‫‪EISSN: 2602-697X‬‬

‫رتبة فريق في الجيش العثماني‪ ،‬وقد أكد والئه للدولة العثمانية من خالل كثرة دعائه‬
‫لسالطينها‪ ،‬وقد حصل على وسام وراتب من السلطان عبد الحميد (سعدهللا‪،‬أ‪،1221 ،‬‬
‫صفحة ‪.)212‬‬
‫بعد وفاة والده أصبح هو كبير العائلة بعد مبايعة إخوته له في وثيقة وقعوها بذلك‪ .‬ترك‬
‫األمير محمد بعض األبناء منهم علي زين العابدين‪.‬‬
‫للمير محمد عدة تآليف وهي‪:‬‬
‫‪ -2‬تحفة الزائر في مآثر األمير عبد القادر وأخبار الجزائر ‪.‬‬
‫‪ -1‬عقد األجياد في الصافنات الجياد (الزركلي‪ ،1221 ،‬صفحة ‪.)122‬‬
‫‪ -1‬نخبة عقد األجياد وهو مختصر لعقد األجياد في الصافنات الجياد (الزركلي‪،1221 ،‬‬
‫صفحة ‪ ،)122‬وهو مطبوع في طبعتين ‪2181‬هـ و‪2111‬هـ‪،‬وكل من عقد األجياد ومختصره‬
‫هما في الخيل وذكر محاسنها (الزركلي‪ ،1221 ،‬صفحة ‪ )122‬وتاريخها وآدابها‪.‬‬
‫‪ -2‬مجموع ثالث رسائل‪ ،‬وهي مطبوعة في مصر وهذه الرسائل هي‪:‬‬
‫‪ -2‬ذكرى ذوي الفضل في مطابقة أركان اإلسالم للعقل‪.‬‬
‫‪ -1‬كشف النقاب عن أسرار اإلحتجاب‪.‬‬
‫‪ -1‬الفاروق والترياق في تعدد الزوجات والطالق (الزركلي‪ ،1221 ،‬صفحة ‪.)122‬‬
‫‪ -1‬كتاب نزهة الخاطر في قريض األمير عبد القادر‪ ،‬وقد جمع فيه بعض ما تفرق من‬
‫شعر األمير عبد القادر‪.‬‬
‫‪ .2‬كتاب تحفة الزائر في مآثر األمير عبد القادر‪:‬‬
‫إن كثرة اإللحاح على كتابة سيرة األمير عبد القادر هي التي جعلت األمير محمد يفكر‬
‫في كتابة تحفة الزائر‪ ،‬خاصة وأنه كان كبير العائلة وكان يالزم والده في الكثير من‬
‫تحركاته‪.‬‬
‫اعتمد األمير محمد على وثائق رسمية متمثلة في املعاهدات واإلتفاقيات ووثائق عائلته‬
‫واملراسالت الخاصة باألمير عبد القادر والكتب العربية واألجنبية التي تناولت األمير عبد‬
‫القادر بالدراسة‪.‬‬
‫شمل كتاب تحفة الزائر مرحلة كفاح األمير عبد القادر ضد اإلستعمار الفرنس ي الذي‬
‫ينتهي سنة ‪ ،2121‬ونالحظ أن املؤلف توقف عند سنة ‪ 2121‬أي أنه استثنى الفترة ما‬
‫بين ‪ 2111-2121‬من الدراسة‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫ص ص ‪221 - 280‬‬ ‫الأمير عبد القادر من خلال كتاب تحفة الزائر‪...‬‬ ‫درعـي فاطمـة‬

‫يعتبر هذا الكتاب من أهم املصادر التي أرخت لتاريخ الجزائر خاصة وأنه اعتمد على‬
‫مجموعة هامة من الوثائق املرتبطة بعائلة األمير ومراسالته‪ .‬كما يمكن اعتبار هذا‬
‫املؤلف أدبيا إضافة غلى صفته التاريخية حيث اشتمل على أشعار وقصائد للمير عبد‬
‫القادر‪.‬‬
‫‪ 1 . 2‬وصف الكتاب‪:‬‬
‫جاء هذا املؤلف في جزأين‪ :‬الجزء األول في سيرة األمير عبد القادر السيفية‪ ،‬إال أنه لم‬
‫يكن مقسما ال إلى أبواب وال مباحث‪ ،‬فلم يخضع بذلك إلى منهج علمي دقيق بل‬
‫استخدم عناوين صغيرة وقد تضمن الجزء األول‪:‬‬
‫مقدمة في ذكر جغرافية أقسام املغرب‪ ،‬ثم ذكر حدود بالد الجزائر ومساحتها وما اشتهر‬
‫فيها من املدن والجبال‪ ،‬ثم ذكر ابتداء عمران املغرب وحوادث دول األشراف والعرب‬
‫والبربر‪ ،‬ثم ذكر للبربر وشعائرهم‪ ،‬ثم ذكر لدول بالد املغرب األدارسة واألغالبة وصوال إلى‬
‫املوحدين والسعديين‪ ،‬ثم الحديث عن الدولة العلية في املغرب األوسط وإفريقية‪ ،‬ثم‬
‫الحديث عن ثورتي ابن األحرش ومحمد بن الشريف‪ ،‬ثم ذكر تسلط الفرنسيين على‬
‫مدينة الجزائر وذكر معاهدة اإلستسالم‪ ،‬ثم الحديث عن معارك األمير عبد القادر بعد‬
‫بيعته‪ ،‬ثم ذكر كفاح األمير ضد الفرنسيين‪ ،‬وتنظيمه للجيش‪ ،‬ثم معاهداته مع فرنسا‬
‫وغيرها من الوقائع وقد جاء في نهاية الجزء األول‪ ..." :‬بعد أن قهر رجالها وأباد أبطالها‬
‫وأشغلها خمسة عشر عاما إلى أن أراد هللا إنفاذ ما قدره وقضاه ‪...‬فاستسلم لقضاء‬
‫مواله وسلم إليه نفسه برضاه على شروط موقع عليها من الجانبين "‪.‬‬
‫وفي األخير يقول وبتسليم سيفه انتهت سيرته السيفية وهي الجزء األول ويليه الجزء‬
‫الثاني في سيرته القلمية أو العلمية وهللا ولي التوفيق (األميرمحمد‪ ،2821 ،‬صفحة ‪.)111‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬يخص السيرة القلمية‪ ،‬وقد تضمن ركوب األمير البحر إلى طولون وملا‬
‫اتفق له مع فرنسا‪ ،‬وقد تضمن هذا الجزء ذكر تحركات األمير عبد القادر ومساره من‬
‫حمله إلى طولون‪ ،‬ثم إلى سجن أمبواز‪ ،‬ثم وصوله إلى القسطنطينية فبروسة وذكر‬
‫حادثة الزلزال‪ ،‬ثم ذكر إنتقال األمير إلى دمشق وما صادفه من إحتفال فيها‪ ،‬وكذا زيارته‬
‫لبيت املقدس ‪.‬‬
‫تضمن هذا الجزء أيضا ذكر لحوادث جبل لبنان‪ ،‬وحادثة دمشق‪ ،‬وذكر وفاة والدته‪ ،‬ثم‬
‫توجهه إلى الحجاز‪ ،‬ثم إلى مكة الطاهرة فاملدينة املنورة‪ ،‬ثم األستانة باريس ورجوعه إلى‬

‫‪411‬‬
‫‪ISSN: 2353 – 0030‬‬
‫مجلد ‪ ،31‬العدد ‪( 13‬خ)‪2121 ،‬‬
‫‪EISSN: 2602-697X‬‬

‫الشام‪ ،‬ثم حديثه عن وفاة األمير عبد القادر وما أدرجته الجرائد الفرنساوية وذكر ملرضه‬
‫ورسائل التعازي واملراثي‪ ،‬وفي األخير خاتمة في نسبه الشريف‪.‬‬
‫في نهاية الجزء الثاني يقول‪ ..." :‬وهنا انتهى القلم في تنسيق ما قصدناه على الوجه الذي‬
‫أردناه فجاء بحمده تعالى كتابا كلل الصدق تيجانه وسلسل التحقيق غدرانه‪،‬ولعبت يد‬
‫التهذيب بأغصان سطوره ‪...‬وقد وفق هللا سبحانه إلتمامه واستنشاق مسك ختامه في‬
‫منتصف ربيع األول ‪2121‬هـ وسنة ‪ 2182‬ميالدية والحمد هلل في اإلبتداء واإلنتهاء‬
‫والصالة والسالم على ذي السنا والبها وعلى آله وأصحابه أولي النهي صالة وسالما دائمين‬
‫متالزمين إلى يوم الدين (األميرمحمد‪ ،2821 ،‬صفحة ‪. )222‬‬
‫‪ 1-1-2‬ذكره لنسب أبيه‪:‬‬
‫أخذ نسب أبيه حسب ما جاء في كتب النسب والشرف كالحافظ سيدي عبد الرحمن‬
‫بن محمد الفاس ي في جوهرة العقول في ذكر آل الرسول والشيخ أحمد بن احمد بن ابي‬
‫القاسم العشماوي‪ ،‬وكتاب العالمة عبد هللا الونشريس ي صاحب املعيار‪ ،‬والفهامة املقري‬
‫التلمساني في رياض األزهار وغيرهم ممن ثبت عندهم وزينوا به صحائف كتبهم حيث‬
‫يقول في ذلك‪ ... " :‬ها أن أرويه كما تلقيته من فيه رض ي هللا عنه فهو عبد القادر بن‬
‫محي الدين بن مصطفى بن محمد بن املختار بن عبد القادر بن أحمد املختار بن عبد‬
‫القادر بن أحمد املشهور بابن خدة بن محمد بن عبد القوي بن علي بن أحمد بن عبد‬
‫القوي بن خالد بن يوسف بن أحمد بن بشار بن محمد بن مسعود بن طاووس بن‬
‫يعقوب بن عبد القوي بن أحمد بن محمد بن إدريس األصغر بن إدريس األكبر بن عبد‬
‫هللا بن الحسن املثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة الزهراء بنت‬
‫سيد الوجود محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وشرف وكرم وعظم (األميرمحمد‪،‬‬
‫‪ ،2821‬صفحة ‪.)181‬‬
‫‪ 2-1-2‬مبايعته‪:‬‬
‫يقول األمير محمد أنه عندما توالى عليهم فيما بينهم الكرب والنكد وتسلط على بالدهم‬
‫العدو ومنعهم القرار ‪...‬اجتمع األشراف والعلماء وأعيان القبائل من العرب والبربر‬
‫وقدموا على حضرة سيدي الجد وألزموه أن يقبل بيعتهم على اإلمارة لنفسه أو لولده‬
‫سيدي الوالد‪....‬وملا كان عاجزا عن القيام بأعبائه ورأى أن ولده املنوه به قد بلغ أشده‬

‫‪411‬‬
‫ص ص ‪221 - 280‬‬ ‫الأمير عبد القادر من خلال كتاب تحفة الزائر‪...‬‬ ‫درعـي فاطمـة‬

‫وترشح لإلمارة وتأهل لها ‪...‬وقبل سيدي الوالد ما انشرح إليه صدر والده من إمارته قائال‬
‫إنا لها إنا لها (األميرمحمد‪ ،2821 ،‬صفحة ‪.)81‬‬
‫عن ظروف املبايعة يقول‪... " :‬وملا تالحق الناس الذين تعيد بحضورهم للبيعة وجلس‬
‫سيدي الوالد تحت الشجرة قام والده فبايعه على السمع والطاعة ودعا له ثم لقبه‬
‫ناصر الدين وقام عمه سيدي الجد ألمي السيد علي أبو طالب وبايعه وكذا األخوة وسائر‬
‫القرابة ثم األشراف والعلماء واألعيان والرؤساء ‪...‬بايعوه على ما بايعه عليه والده‬
‫(األميرمحمد‪ ،2821 ،‬صفحة ‪.)81‬‬
‫يقول األمير محمد أن البيعة تمت في ‪ 1‬رجب ‪2121‬هـ املوافق ل ‪ 11‬نوفمبر ‪2111‬م‪،‬‬
‫نجد أن تشرشل قال أن البيعة تمت في ‪ 12‬نوفمبر ‪2111‬م وقد وصف البيعة أن األمير‬
‫أعلم بكل ما دار وفي هدوء وانضباط نفس وبدون زهو قال‪ " :‬إن من واجبي طاعة أوامر‬
‫والدي" ‪.‬‬
‫لقد اكتفى األمير عبد القادر بلقب اإلمارة وتجنب الخالفة حتى ال يصطدم بالخليفة‬
‫العثماني أو بسلطان املغرب عبد الرحمن‪ ،‬وهذا ما لم يذكره إبنه‪.‬‬
‫‪ 4-1-2‬تنظيم الدولة‪:‬‬
‫بعد البيعة عمل األمير عبد القادر على اختيار رجال تتوفر فيهم القدرة والكفاءة واإللتزام‬
‫ليتحملوا معه أعباء املسؤولية أمام هللا وأمام الشعب وفي ذلك يقول األمير محمد‪" :‬‬
‫‪...‬استوزر محمد بن العربي واستكتب ابن عمه السيد أحمد بن علي بن ابي طالب‬
‫والسيد الحاج مصطفى بن تهامي ‪....‬وولي الحاج الجيالني بن فريحة ناظر خزينة اململكة‬
‫‪...‬ولنظارة األمور الخارجية عين الحاج امليلود بن عراش وبث العمال والقضاة في سائر‬
‫الجهات ورتب مجلسا للشورى يشمل ‪ 22‬عضوا من أجلة العلماء وجعل لرئاسته قاض ي‬
‫القضاة أحمد بن الهاشمي املراحي‪( "..‬األميرمحمد‪ ،2821 ،‬صفحة ‪. )222‬‬
‫‪ 2-1-2‬تنظيم الجيش‪:‬‬
‫أولى األمير عبد القادر أهمية للجانب العسكري للحفاظ على سلطته وملواجهة العدو‬
‫وأدرك أن الحماسة وحدها ال تكفي وأن الشجاعة بال تنظيم ال تكفي وأنه البد من‬
‫تنظيم الجيش لذلك عقد مجلسا عموميا حسب ما أورده األمير محمد من رجال الدولة‬
‫وأعيان الرعية وزعمائها وخطب فيهم خطبة أوضح فيها فوائد العسكر النظامي ومنافعه‬
‫وأخبرهم أنه اعتزم على تنظيم عدد منه كاف فأجابه الجميع غلى ذلك ووافقوه عليه‬

‫‪411‬‬
‫‪ISSN: 2353 – 0030‬‬
‫مجلد ‪ ،31‬العدد ‪( 13‬خ)‪2121 ،‬‬
‫‪EISSN: 2602-697X‬‬

‫‪...‬املنادي بأعلى صوت ‪..‬أنه صدر أمر موالنا ناصر الدين بتجنيد وتنظيم العساكر من‬
‫كافة البالد فمن أراد الدخول تحت اللواء املحمدي ويشمله عز النظام‪ ،‬فليسارع إلى دار‬
‫اإلمارة معسكر ليقيد اسمه في الدفاتر األميرية‪ ،‬وتنظم الجيش في ثالث فرق فرقة‬
‫املشاة‪ ،‬فرقة الخيالة‪ ،‬فرقة املدفعيون (األميرمحمد‪ ،2821 ،‬صفحة ‪.)212‬‬
‫‪ 6-1-2‬نهاية الكفاح‪:‬‬
‫في شرح الظروف التي أنهى فيها األمير عبد القادر كفاحه يقول‪..." :‬فلم يسعه حينئذ إال‬
‫النظر في أمره وانتهاز الفرصة في خالصه من مكائد العدو ومكره فجمع خاصته وذويه‬
‫وقال‪ :‬ياقوم إن األحوال كما ترون واألخبار على ما تسمعون فما الرأي وما الحيلة فقالوا‬
‫الرأي لسيدنا فالذي يراه نحن معه فيه‪ ،‬فقال ال أرى إال التسليم لقضاء هللا تعالى‬
‫والرض ى به ‪...‬إلى أن فقدت املعاضد واملساعد ‪."...‬‬
‫نرى في ذلك أن األمير يقول أنه تم اإلجماع على أن يتم التسليم للفرنسيين‪ ،‬دون ذكر‬
‫لسلطان املغرب بينما يقول تشرشل أن األمير عبد القادر طرح مشكل حول ملن يكون‬
‫اإلستسالم إلى املسيحيين أو إلى أيدي موالي عبد الرحمن‪ ،‬وترك لهم الحكم في األمر‬
‫ويقول أنه يفضل ألف مرة أن يثق فيمن حاربه على الوثوق فيمن خانه (تشرشل‪،‬هـ‪،‬‬
‫‪ ،1222‬صفحة ‪.)122‬‬
‫عن مطالب األمير عبد القادر الخاصة بالتسليم فيقول األمير محمد‪ .." :‬إن األمير‬
‫عاجله الحال أن يكتب كتابا في ذلك إلى الجنرال المورسيير رئيس الجيوش الفرنساوية‬
‫فبعث رسوال من حاشيته ليخبر الجنرال باللسان ‪...‬فبلغ الرسول الرسالة الشفاهية إلى‬
‫الجنرال فاهتز لذلك"‪ ،‬بينما يقول تشرشل‪ ..." :‬لم يستطيع األمير عبد القادر أن يكتب‬
‫مطالبه ألن املطر كان مايزال ينزل بغزارة ثم اخذ قطعة من الورق ووضع عليه خاتمه‬
‫وأرسلها في الحال مع فارسين وكلفهما بإظهار خاتمه للجنرال كعالمة على التفويض منه‬
‫بإبداء املطالب التي سيقدمانها باسمه شفويا" (تشرشل‪،‬هـ‪ ،1222 ،‬صفحة ‪.)122‬‬
‫هل يمكن اعتبار ما قام به األمير عبد القادر تسليما كما يقول ابنه األمير محمد هذا‬
‫غير صحيح ألن األمير عقد اتفاقا مع العدو الفرنس ي اشترط فيه الذهاب إلى عكا أو‬
‫اإلسكندرية على متن باخرة تنقله بعد وقف الحرب‪ ،‬وقراره هذا كان مرتبطا بقبول أو‬
‫رفض السلطات اإلستعمارية التي رحبت بذلك بل وافقت على طلبه في الرحيل مع من‬
‫يريد مرافقته‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫ص ص ‪221 - 280‬‬ ‫الأمير عبد القادر من خلال كتاب تحفة الزائر‪...‬‬ ‫درعـي فاطمـة‬

‫كما نجد أيضا ما يؤكد أن األمير لم يسلم وذلك من خالل الرسالة التي بعثها األمير إلى‬
‫ال مورسيير عندما أصبح وزيرا للحرب والتي هنأه فيها بمنصبه وذكره بامليثاق والقيام‬
‫بواجب الوفاء ومن جملة ما كتب‪..." :‬كثيرا ممن ال إملام لهم بما وقع بيني وبينك‬
‫يعتقدون أنك غلبتني في الحرب وأجبرتني على التسليم والبقاء فينبغي لك أن توضح لهم‬
‫القضية وتوقفهم على ما جهلوه من أمرنا وبذلك تجد منهم من يسعفك ويأخذ بيدك في‬
‫الوفاء بعهدك الذي هو في الحقيقة عهد دولة فرنسا بل الشعب كله لكونك كنت وقتئذ‬
‫رئيس جيوشهم ونائب ملكهم في كل ما تجريه وبالجملة فإن وفيتهم فإنكم تنالون فخرا‬
‫كبيرا بين األمم والدول وإن نقضتم وأخلفتم فال شك أنكم مرتكبون أمرا شنيعا يسقط‬
‫به قدركم ويقبح بارتكابه ذكركم في العالم كله‪ ،‬حرر في ‪ 1‬شعبان ‪2112‬هـ‪11/‬‬
‫جوان‪( 2128‬األميرمحمد‪ ،2821 ،‬صفحة ‪.)21‬‬
‫يواصل قائال فحرك املكتوب من دي المورسيير سواكن اإلحن فأمر بنقل األمير من‬
‫بو إلى أمبواز‪ .‬نجد أن تشرشل يقول أن األيام مرت وأسابيع وشهور دون جواب‬
‫(تشرشل‪،‬هـ‪ ،1222 ،‬صفحة ‪ ،)111‬وأن سبب نقلهم من بو إلى أمبواز هي محاولة‬
‫مرافقيه الوقوع على الحراس ونقل العدد املمكن منهم وتذوق حالوة الثأر في حركة‬
‫يائسة من التضحية ما داموا غير مسلحين وقد قالوا فيما بعد أنهم لم يفكروا في‬
‫الهروب بل رغبتهم في املوت حتى يبقى دمهم عارا أبديا لفرنسا ‪...‬من أجل املطالبة‬
‫بالوفاء بالوعد الذي أعطي لسيدنا‪ ،‬وبعد رفضهم الحرية نقلوا مع األمير عبد القادر إلى‬
‫قصر أمبواز‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫رغم أن هذا املصدر يعتبر من أهم املصادر التي تناولت األمير عبد القادر بالدراسة إال‬
‫أنه حمل بعض املغالطات خاصة وأنه اعتمد على بعض املصادر الغربية‪ ،‬لذلك أصبح‬
‫من الواجب إعادة دراسته للحفاظ على صورة األمير عبد القادر رمز املقاومة ومؤسس‬
‫الدولة الجزائرية الحديثة والوقوف والتصدي لكل املحاوالت اإلستعمارية الرامية‬
‫لتشويه سيرته وذلك من خالل التدقيق أكثر والتمحيص في كل ما ورد عن األمير عبد‬
‫القادر وما كتب حوله من كتابات عربية أو غربية‪.‬‬
‫يبقى األمير عبد القادر شخصية حافظت على مكانتها ليس فقط على املستوى الوطني أو‬
‫العربي اإلسالمي لكن أيضا على املستوى العالمي‪ .‬وهو عبقرية اجتمعت فيها الكثير من‬

‫‪421‬‬
‫‪ISSN: 2353 – 0030‬‬
‫مجلد ‪ ،31‬العدد ‪( 13‬خ)‪2121 ،‬‬
‫‪EISSN: 2602-697X‬‬

‫الخصال املفتقدة وجاء في زمن تزايدت فيه الظلمات‪ ،‬وهو شخصية متميزة دينيا ووطنيا‬
‫حيث كانت له مكانة خاصة‪ ،‬خاض مع جيشه كفاحا ضاريا مع املستدمر الفرنس ي الذي‬
‫استخدم كل الحيل لدحر األمير لكنه لم يفلح‪.‬‬
‫املصادر واملراجع‪:‬‬
‫‪:‬املؤلفات‬
‫‪ -‬المري محمد بن عبد القادر ‪ .)6909(.‬حتفة الزائر يف مأثر المري عبد القادر ‪.‬السكندرية‪،‬لبنان‪ :‬املطبعة التجارية عرزوزي وجاويش‪،‬‬
‫‪ -‬البس تاين‪،‬بطرس‪.)6911(.‬المري عبد القادر(ط‪.)2‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬مطبعة املعارف‪،‬مج ‪.66‬‬
‫‪ -‬الزرلكي‪،‬خري ادلين‪ ،)2002(.‬العالم(ط‪.)69‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬دار العمل للماليني‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪ -‬برونو‪ ،‬ايتني‪ .)2006(.‬المري عبد القادر (ط‪.)2‬ترمجة ميش يل خوري‪ ،‬دار الفارايب‪.‬‬

‫‪ -‬ترششل‪،‬تشارلز هرني‪ .)2009(.‬حياة المري عبد القادر‪(،‬ترمجة وتقدمي وتعليق‪،‬أبو القامس سعد هللا)‪.‬اجلزائر‪ :‬دار الغرب الساليم‪.‬‬
‫‪ -‬دودو‪ ،‬أبو العيد‪.)6919(.‬اجلزائر يف مؤلفات الرحالني الملان (‪ . )6199 - 6120‬اجلزائر‪ :‬الرشكة الوطنية للنرش والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -‬سعد هللا‪ ،‬أبو القامس ‪.)2001(.‬أحباث وأراء‪ ،‬ج‪ ،2‬اجلزائر‪ :‬دار البصائر‪.‬‬
‫‪ -‬سعد هللا‪،‬أبو القامس‪.)6912(.‬جتارب يف الدب والرحةل‪.‬اجلزائر‪ :‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪.‬‬
‫‪ -‬لوتسيك‪،‬فالدميري‪.)2001( .‬اترخي القطار العربية احلديث(ط‪ .)9‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ :‬دار الفارايب‪.‬‬
‫‪ -‬مشاقة‪،‬ميخائيل‪.)6901(،‬شاهد العيان حبوادث سورًي ولبنان‪ .‬مرص‪ :‬ملحم خليل عبدو وأندراوس حنا شخاشريي‪.‬‬
‫‪:‬املقالت‬
‫‪ -‬رششار‪ ،‬عبد القادر‪ ".)2002(.‬خشصية المري عبد القادر من منظور الخر ترمجة كتاب عبد القادر لقوس تاف دوقا أمنوذجا "‪.‬جمةل‬
‫انسانيات‪ .‬مركز البحث يف النرثوبولوجيا الاجامتعية والثقافية‪( .‬اجملدل ‪ ،VII‬العدد (‪ )20 -69‬ص ‪.‬ص‪)26-69 .‬‬
‫‪ -‬كبداين‪،‬فؤاد‪ ".)2061(.‬صورة المري عبد القادر يف الكتاابت الس بانية "‪ .‬جمةل العلوم النسانية والاجامتعية‪.‬جامعة قاصدي مرابح‪.‬‬
‫(العدد ‪.) 61‬ص ‪.‬ص‪.161 - 166 .‬‬

‫‪421‬‬

You might also like