You are on page 1of 134

‫شرح أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬

‫********************************‬
‫‪   -1‬ال َّر ْح َمن ‪:‬‬
‫ال رمحن يف اللغة ص فة مش بهة وهي أبلغ من ال رحيم ‪ ،‬والرمحة يف حقنا رقة يف‬
‫القلب تقتضي اإلحس ان إىل املرح وم وتك ون باملس احمة واللطف أو المعاونة‬
‫والعطف ‪ ،‬والرمحة تستدعي مرحوما فهي من صفات األفعال (‪. )1‬‬
‫وال رمحن اسم خيتص باهلل وال جيوز إطالقه يف حق غ ريه ‪ ،‬وال رمحن س بحانه هو‬
‫املتصف بالرمحة العامة الش املة حيث خلق عب اده ورزقهم ‪ ،‬وه داهم س بلهم ‪،‬‬
‫وأمهلهم فيما خوهلم ‪ ،‬واسرتعاهم يف أرضه ‪ ،‬واستأمنهم يف ملكه ‪ ،‬واستخلفهم‬
‫ليبل وهم أيهم أحسن عمال ‪ ،‬ومن مث ف إن رمحت اهلل يف ال دنيا وس عتهم مجيعا‬
‫فشملت املؤم نني والكافرين ‪ ،‬والرمحة تفتح أبواب الرجاء واألمل ‪ ،‬وتثري مكنون‬
‫الفط رة وتبعث على ص احل العمل ‪ ،‬وت دفع أب واب اخلوف والي أس ‪ ،‬وتش عر‬
‫الشخص باألمن واألمان (‪. )2‬‬
‫واهلل عز وجل س بقت رمحته غض به ‪ ،‬ومل جيعل يف ال دنيا إال ج زءا يس ريا من‬
‫واسع رمحته ي رتاحم به الن اس ويتع اطفون ‪ ،‬وبه ترفع الدابة حافرها عن ول دها‬
‫رمحة وخش ية أن تص يبه ‪ ،‬روى البخ اري من ح ديث أيب هري رة ‪ ‬أنه مسع‬
‫رسول اهلل ‪ S‬يقول ‪:‬‬
‫ين ُ‪#‬ج ْ‪#‬ز ًءا َوأَْن‪#َ #‬ز َل ِفي األَْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الر ْحم‪َ #‬ة ِمائَ ‪َ #‬ة ج‪#ْ #‬زٍء ‪ ،‬فَأَْمس ‪ِ ِ َ #‬‬
‫ض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك عْن‪َ #‬دُه ت ْس ‪َ #‬ع ًة َوت ْس ‪#‬ع َ‬ ‫‪#‬ل ِاهلل َّ َِ ِ ُ ِ َ‬ ‫( َجَع‪َ #‬‬
‫س َحافَر َها َع ْن َولَ ‪##‬د َها‬ ‫اح ُم اْل َخْل‪#ُ #‬ق َحتَّى َتْرفَ ‪#َ #‬ع اْلَف‪#َ #‬ر ُ‬
‫ْج‪#ْ #‬زء َيَت‪#َ #‬ر َ‬
‫‪#‬ك ال ُ‬ ‫اح ًدا ‪ ،‬فَم ْن َذل ‪َ #‬‬ ‫ُج‪#ْ #‬ز ًءا َو ‪#‬‬
‫َخ ْش ‪َ#‬ي َة أَ ْن تُص ‪َ #‬يب ُه ) ‪ ،‬ويف رواية أخ رى عند البخ اري ق ال ‪ِ ( : S‬إ َّن اللََّه َخَل‪#َ #‬ق‬ ‫)‬ ‫‪3‬‬‫(‬ ‫ِ‬
‫ين َر ْح َ‪#‬م ًة ‪َ ،‬وأ َْر َس‪َ #‬ل ِفي َخلِْق ِ‪#‬ه‬ ‫ِ ِ‬ ‫الر ْح ‪#‬م َة ي‪#‬وم َخَلَق َها ِمائَ‪َ #‬ة ر ْحم ٍ‪#‬ة ‪ ،‬فَأَْمس‪ِ ِ َ #‬‬
‫ك عْن‪َ #‬دُه ت ْس‪ً #‬عا َوت ْس‪#‬ع َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬
‫الرحمِة لَم يي‪#‬أَس ِمن الْجنَّةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُكلِِّه ْم َر ْح َم ًة َواح َدًة ‪َ ،‬فَلْو َي ْعَل ُم اْل َكافُر ب ُك ِّل الذي عْن َد الله م َن َّ ْ َ ( ْ‪َ َ ْ َْ )4‬‬
‫اب ل َْم يَأَْم ْن ِم َن النَّا ِر ) ‪.‬‬ ‫‪َ ،‬ولَْو َي ْعَلم ال ُْمْؤِم ُن بِ ُك ِّل الَّ ِذي ِعْن َد اللَِّه ِم َن الَْع َذ ِ‬
‫ُ‬
‫ال ‪ ( :‬قَ ‪#ِ #‬دَم َعَلى‬ ‫وورد عند البخ اري أيضا من ح ديث ُع َمر بن اخلط اب ‪ ‬أَنَُّه قَ َ‬
‫َخ َذْت‪#ُ #‬ه‬ ‫ص‪ِ#‬بًّيا ِفي ال َّ‬
‫س‪ْ#‬بِي أ َ‬ ‫ت َ‬ ‫س‪ْ#‬بِي َتْبَتِغي ‪ِ ،‬إ َذا َو َ‪#‬ج َد ْ‬ ‫ول اللَِّه ‪ S‬بِ َس‪ْ#‬بٍي ‪ ،‬فَ‪ِ#‬إ َذا ْ‪#‬ام َ‪#‬رأٌَة ِم َن ال َّ‬ ‫ر ُس‪ِ #‬‬
‫َ‬

‫‪ 1‬انظر تفصيل املعىن يف لسان العرب ‪ ، 12/231‬وكتاب العني ‪. 3/224‬‬


‫‪2‬انظر فتح الباري ‪ 13/358‬يف معىن قول احلليمي ‪ :‬الرمحن هو مزيح العلل ‪.‬‬
‫‪3‬البخاري يف األدب ‪ ،‬باب جعل اهلل الرمحة يف مائة جزء ‪. )5654 ( 5/2236‬‬
‫‪4‬البخاري يف الرقاق ‪ ،‬باب الرجاء مع اخلوف ‪. )6104 ( 5/2374‬‬
‫(‪)2‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ول اللَِّه ‪ : S‬أََت َ‪#‬رْو َن َه ِ‪#‬ذِه ال َْم ْ‪#‬رأََة طَا ِر َ‪#‬ح ًة َولَ‪َ #‬د َها ِفي‬
‫ضَعْت ُه (‪َ ، ) 1‬فَق َال لََنا َر ُس‪ُ #‬‬‫ْصَقْت ُه بَِبطِْنَها َوأَْر َ‬
‫فَأَل َ‬
‫َّ‬
‫ول الله ‪ : S‬لَلُه أَْر َح ُم‬ ‫ِ‬‫َّ‬ ‫‪#‬ال َر ُس ‪ُ #‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫النَّا ِر ؟ ُقلَْنا ‪َ :‬ال َوالله ‪َ ،‬وهي َتْ‪#‬ق‪#‬دُر َعَلى أ َْن َال تَطَْر َ‪#‬ح ُ‪#‬ه ‪َ ،‬فَق‪َ #‬‬
‫بِِعَب ِادِه ِم ْن َه ِذِه بَِول َِدَها ) (‪. )2‬‬
‫فالرمحة اليت دل عليها امسه ال رمحن رمحة عامة تُظهر مقتضى احلكمة يف أهل‬
‫الدنيا فمن رمحته أنه أنعم عليهم ليشكروا ولكن كثريا منهم جاحدون قال تعاىل‬
‫ض‪ِ#‬لِه َولََعلَّ ُك ْم تَ ْش‪ُ #‬كُرو َن‬‫‪#‬ار لَِت ْس‪ُ #‬كنُوا ِفي ِ‪#‬ه َولَِتْبَتغُ‪#‬وا ِم ْن فَ ْ‬
‫‪#‬ل َوالنََّه َ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ  :‬وم ْن َر ْح َمت‪#‬ه َجَع َ‬
‫‪#‬ل لَ ُك ُم اللْي َ‬
‫‪#‬اح بُ ْش‪#‬راً َبْي َن يَ‪َ #‬د ْي َر ْح َمِت ِ‪#‬ه َوأَْنَزلَْنا ِم َن‬ ‫‪[ ‬القصص‪ ، ]73 :‬وقال ‪َ  :‬و ُه َ‪#‬و الَّ ِذي أَْر َس‪َ #‬ل ِّ‬
‫الريَ َ‬
‫السَم ِاء َم ًاء طَُهوراً ‪[ ‬الفرقان‪. ]48 :‬‬ ‫َّ‬
‫وملا ك انت الرمحة اليت دل عليها امسه ال رمحن رمحة عامة بالن اس أمجعني ف إن اهلل‬
‫خص ه ذا االسم ليقرنه باس توائه على عرشه يف مجيع املواضع اليت وردت يف‬
‫الق رآن والس نة ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬ال ‪#َّ #‬ر ْح َم ُن َعَلى الَْع‪#ْ #‬ر ِش ا ْس‪َ# #‬تَوى ‪[ ‬ط ه‪ ، ]5 :‬ومن‬
‫س فَِإنَُّه أَْو َس‪ُ #‬‬
‫ط‬ ‫وه الْف ْ‪#‬ر َدْو َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫حديث أيب هريرة ‪ ‬أ ِن النَِّب ِّي ‪ S‬قَ َ‬
‫ال ‪ ( :‬فَ‪ِ#‬إ َذا س‪#‬أَلْتُم اللََّه فَس‪#‬لُ ُ ِ‬
‫ش ال ‪#َّ #‬ر ْح َم ِن ) (‪ ، )3‬وذلك ألن اهلل ف وق اخلالئق أمجعني‬ ‫الْجنَِّة وأَ ْعَلى ال ِ‬
‫ْجنَّة َوَفْوقَ ‪#ُ #‬ه َع‪#ْ #‬ر ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫سواء كانوا مؤمنني أو كافرين ‪ ،‬فحياهتم قائمة بإذنه ‪ ،‬وأرزاقهم مكنونة يف غيبه‬
‫‪ ،‬وبقائهم رهن مشيئته وأمره ومن مث فإنه ال حول وال قوة هلم إال بقوته وحوله‬
‫‪ ،‬فهو امللك وهو الرمحن الذي استوى على عرشه ‪ ،‬ودبر أمر اخلالئق يف ملكه‬
‫س‪#‬ماو ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ات‬ ‫‪ ،‬فال يستغين عنه يف احلقيقة مؤمن أو كافر ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬الذي َخَل َ‪#‬ق ال َّ َ َ‬
‫ش ال َّ‪#‬ر ْح َم ُن فَا ْس‪#‬أ َْل بِ ِ‪#‬ه َخِب‪#‬يراً ‪[ ‬الفرقان‪:‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫ض َوَما َبْيَنُه َما في ستَّة أَيَّ ٍام ثُ َّم ْ‬
‫اسَتَوى َعَلى الَْعْر ِ‬ ‫األر َ‬
‫َو ْ‬
‫‪. ]59‬‬
‫‪   -2‬ال َّر ْحيم ‪:‬‬
‫فاعل كس ِميع مبعىن ِ‬
‫وقدير مبعىن‬
‫ٌ‬ ‫سامع‬ ‫الرحيم يف اللغة من صيغ املبالغة ‪ ،‬فعيل مبعىن ٍ َ ٌ‬
‫ق ادر ‪ ،‬وال رحيم دل على ص فة الرمحة اخلاصة اليت يناهلا املؤمن ون ‪ ،‬ف الرَّمْحَ ُن ال رحيم‬
‫ت كل شيء‬ ‫ِ‬
‫ب نيت صفة الرمحة األُوىل على فعالن ألَن معناه الكثرة ‪ ،‬فرمحته وس َع ْ‬
‫‪1‬هذه املرأة كانت مرضعة وعند احلرب فقدت طفلها وقد سبيت ‪ ،‬وقد فعلت ذلك ليخفف أمل اللنب يف‬
‫ثديها ‪ ،‬فأخذت تبحث عن طفلها حىت وجدته فأخذته وضمته وأرضعته ‪ ،‬فتح الباري ‪. 10/430‬‬
‫‪2‬البخاري يف األدب ‪ ،‬باب رمحة الولد وتقبيله ومعانقته ‪ ، )5653 ( 5/2235‬ومسلم يف التوبة ‪ ،‬باب يف‬
‫سعة رمحة اهلل تعاىل وأهنا سبقت غضبه ‪. 4/2109‬‬
‫‪3‬البخاري يف التوحيد ‪ ،‬باب وكان عرشه على املاء ‪. )6987 ( 6/2700‬‬
‫(‪)3‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫يم فِإمنا ذكر بعد الرَّمْح ن ألن الرَّمْح ن مقصور على اهلل‬ ‫ُ‬ ‫وهو أَْر َح ُم الرامحني ‪ ،‬وأَما َّالر ِح‬
‫عز وجل ‪ ،‬وال رحيم قد يك ون لغ ريه ‪ ،‬فجيء ب الرحيم بعد اس تغراق ال رَّمْح ِن معىن‬
‫ين َر ِحيما ً ‪[ ‬األحزاب‪]43 :‬‬
‫َ‬ ‫الرمْحَة لاختصاص املؤمنني هبا كما يف قوله ‪َ  :‬و َكا َن بِال ُْمْؤِمِن‬
‫‪ ،‬وقال عبد اهلل بن عباس ‪ ( : ‬مها امسان رقيقان أَحدمها أَرق من اآلخر ) (‪. )1‬‬
‫والرمحة اخلاصة اليت دل عليها امسه الرحيم مشلت عباده املؤمنني يف الدنيا واآلخرة‬
‫ومن‬
‫فقد ه داهم إىل توحي ده وعبوديته ‪ ،‬وهو ال ذي أك رهم يف اآلخ رة جبنته ‪َّ ،‬‬
‫عليهم يف النعيم برؤيته (‪ ، )2‬ورمحة اهلل ال تقتصر على املؤم نني فقط ؛ بل متتد‬
‫لتشمل ذريتهم من بعدهم تكرميا هلم كما قال تعاىل يف نبأ اخلضر واجلدار ‪:‬‬
‫ص ‪#‬الِ ًحا‬ ‫‪#‬نز لَُّه َما َو َ‪#‬ك‪#‬ا َن أَبُ ُ‬
‫وه َما َ‬
‫ِ ِ‬
‫المْي ِن يَِت َيمْي ِن في ال َْمد َين‪#ِ #‬ة َو َ‪#‬ك‪#‬ا َن تَ ْحَت‪#ُ #‬ه َ‪#‬ك ٌ‬
‫ِ‬ ‫‪َ ‬وأََّما ال ِ ‪#‬‬
‫ْج َد ُار فَ َ‪#‬ك‪#‬ا َن لغُ َ‬
‫فَ‪#‬أََر َاد َربُّ َك أ َْن َيْبلُ َغا أَ ُش‪#‬دَُّه َما َويَ ْس‪َ#‬ت ْخ ِر َجا َك َنز ُه َما َر ْح َ‪#‬م ًة ِّمن َّربِّ َك ‪[ ‬الكهف‪ ، ]82 :‬فاإلميان‬
‫‪َ ‬وأ َِط ُيع‪#‬وْا‬ ‫باهلل والعمل يف طاعته وتقواه من أهم أسباب الرمحة اخلاصة ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫اب أَْنَزلَْن ُاه ُمَب َار ٌك فَاتَِّبُعوهُ‬ ‫ِ‬
‫ول لََعَّل ُك ْم ُتْر َح ُمو َن ‪[ ‬آل عمران‪ ، ]132 :‬وقال ‪َ  :‬و َه َذا كَت ٌ‬
‫الر ُس َ‬
‫اللَّه َو َّ‬
‫َو َّاتُقوا لََعلَّ ُك ْم ُتْر َح ُمون ‪[ ‬األنعام‪. )3( ]155 :‬‬
‫‪   -3‬الملك ‪:‬‬
‫أصل امللك يف اللغة الربط والشد ‪ ،‬قال ابن فارس ‪ ( :‬أصل هذا الرتكيب يدل‬
‫على ق وة يف الش يء وص حة ‪ ،‬ومنه ق وهلم ‪ :‬ملكت العجني أملكه ملكا إذا‬
‫ش ددت عجنه وب الغت فيه ) (‪ ، )4‬وامللك هو النافذ األمر يف ملكه ‪ ،‬إذ ليس‬
‫كل مالك ينفذ أم ره وتص رفه فيما ميلكه ‪ ،‬فامللك أعم من املالك (‪ ، )5‬وامللك‬
‫احلقيقي هو اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وال مينع ذلك وصف غريه بامللك كما قال ‪:‬‬
‫‪َ ‬و َكا َن َوَر َاء ُه ْم َمِل ٌك يَأ ُْخ ُذ ُك َّل َسِف َينٍة َغ ْصباً ‪[ ‬الكهف‪ ، ]79 :‬فهذا ملك خملوق وملكه‬
‫مقيد حمدود ‪ ،‬أما امللك احلق فهو ال ذي أنشأ امللك وأقامه بغري معونة من اخللق ‪،‬‬

‫‪1‬انظر بتصرف ‪ :‬لسان العرب ‪ ، 12/231‬وتفسري القرطيب ‪ ، 1/106‬وانظر املزيد حول هذا املعىن يف‬
‫املقصد األسىن أليب حامد الغزايل ص ‪ ، 62‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 69‬وفتح الباري ‪13/358‬‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬انظر يف هذا املعىن ‪ :‬تفسري ابن جرير الطربي ‪ ، 1/57‬وفتح الباري ‪. 13/358‬‬
‫‪3‬شرح الزرقاين على موطأ اإلمام مالك ‪ ، 4/538‬وتفسري الطربي ‪ ، 16/7‬وحاشية ابن القيم على سنن‬
‫أيب داود ‪ ، 6/55‬وجامع العلوم واحلكم ص ‪. 186‬‬
‫‪4‬انظر املغرب يف ترتيب املعرب البن املطرز ‪ ، 274 /2‬وانظر أيضا ‪ :‬النهاية يف غريب احلديث ‪4/359‬‬
‫ولسان العرب ‪ ، 495 /10‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪ 472‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪5‬تفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪. 30‬‬
‫(‪)4‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وص رف أم وره باحلكمة والع دل واحلق ‪ ،‬وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه‬
‫يف شيء من امللك ‪.‬‬
‫فامللك س بحانه هو ال ذي له األمر والنهي يف مملكته ‪ ،‬وهو ال ذي يتص رف يف‬
‫خلقه بأمره وفعله ‪ ،‬وليس ألحد عليه فضل يف قيام ملكه أو رعايته ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫ض‬‫ات َوال ِفي األَْر ِ‬ ‫س ‪#‬ماو ِ‬ ‫ون اللَِّه ال يمِل ُ‪#‬ك‪#‬و َن ِمْثَق‪ِ ٍ َ #‬‬ ‫‪  :‬قُ‪#ِ #‬ل ا ْد ُع‪##‬وا الَّ ِذين َز َعمتُم ِمن ُد ِ‬
‫‪#‬ال َذَّرة في ال َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْْ ْ‬
‫اع ُة ِعْن‪َ #‬دُه ِإال لِ َم ْن أَِذ َن ‪[ ‬س بأ‪:‬‬ ‫ش‪َ#‬ف َ‬ ‫َوَم‪##‬ا لَُه ْم ِفي ِه َ‪#‬م‪#‬ا ِم ْن ِش‪ْ#‬ر ٍك َوَم‪##‬ا لَ‪#ُ #‬ه ِمْنُه ْم ِم ْن ظَِ‪#‬ه‪#‬ي ٍر َوال َتْنَف‪#ُ #‬ع ال َّ‬
‫‪. ]22/23‬‬
‫وه ذه اآلية تض منت نفي مجيع الوج وه اليت تعلل هبا املش ركون يف التعلق‬
‫مبعبوداهتم فنفت اآلية عن آهلتهم كل أوجه التأثري يف الكون ممثلة يف نفي امللك التام‬
‫‪ ،‬وذلك النع دام رب وبيتهم فال خيلق ون يف الك ون ش يئا ‪ ،‬وال ي دبرون فيه أم را ‪،‬‬
‫وكذلك نفي املشاركة هلل يف امللك بأن يكون هلم نصيب وله نصيب ‪ ،‬فنفت عن‬
‫آهلتهم أن متل ك مثق ال ذرة يف الس ماوات واألرض ‪ ،‬ونفت أيضا وج ود الظهري‬
‫واملعني ‪ ،‬فقد يدعى بعض املشركني أن آهلتهم ال ميلكون شيئا وال يشاركون اهلل يف‬
‫امللك لكنها تع د ظه ريا ل ه أو معين ا ؛ أو مش ريا أو وزي را يع اون اهلل يف ت دبري اخللق‬
‫والقيام على شئونه ‪ ،‬مث نفي اهلل عنهم آخر ما تعلقوا به وهي الشفاعة من غري إذن‬
‫‪ ،‬فقد جعلوا معبوداهتم وسطاء عند اهلل فقالوا ‪َ  :‬ما َنْعبُ‪ُ #‬د ُه ْم ِإال لُِيَقِّربُونَا ِإلَى اللَِّه ُزْلَفى‬
‫‪[ ‬الزمر‪ ، ]3:‬فأخرب سبحانه أنه ال يشفع عنده أحد إال بإذنه ‪ ،‬فهو الذي يأذن للشافع‬
‫واملش فوع في ه ‪ ،‬وه و ال ذي حيدد هلم نوعي ة الش فاعة (‪ ، )1‬فاألدلة جمتمعة على أنه ال‬
‫خ الق للك ون إال اهلل ‪ ،‬وال م دبر له س واه ‪ ،‬وأنه امللك احلق ال دائم الق ائم بسياسة‬
‫خلقه إىل غايتهم ‪.‬‬
‫‪   -4‬القدوس ‪:‬‬
‫التقديس يف اللغة التطهري ‪ ،‬ومنه مسيت اجلنة حظرية القدس كما ورد عند البزار من‬
‫ح ديث أنس ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ S‬ق ال عن رب الع زة ‪ ( :‬من ت‪##‬رك الخمر وهو يق‪##‬در‬
‫عليه ألسقينه منه في حظ‪#‬يرة الق‪#‬دس ‪ ،‬ومن ت‪#‬رك الحرير وهو يق‪#‬در عليه ألكس‪#‬ونه إي‪#‬اه في‬
‫حظ‪##‬يرة الق‪##‬دس ) (‪ ، )2‬وك ذلك مسى جربيل ‪ ‬روح الق دس ق ال تع اىل ‪  :‬قُ‪#ْ #‬ل َنَّزلَ‪#ُ #‬ه‬
‫ْح ِّق ‪[ ‬النحل‪. )3( ]102 :‬‬ ‫س ِم ْن َربِّ َ‬
‫ك بِال َ‬ ‫وح اْلُق ُد ِ‬
‫ُر ُ‬
‫‪1‬جمموع الفتاوى ‪ ، 11/528‬والصواعق املرسلة ‪. 2/462‬‬
‫‪2‬مسند البزار ‪ )3584 ( 3/181‬واحلديث صحيح لغريه ‪ ،‬انظر صحيح الرتغيب والرتهيب ( ‪. )2375‬‬
‫‪3‬تفسري البيضاوي ‪ ، 3/420‬ودقائق التفسري البن تيمية ‪. 1/310‬‬
‫(‪)5‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫والقداسة تعني الطهر والربكة ‪ ،‬وق دس الرجل ربه أي عظمه وك ربه ‪ ،‬وطهر نفسه‬
‫بتوحيده وعبادته ‪ ،‬وحمبته وطاعته ‪ ,‬ومن ذلك قول املالئكة ‪َ  :‬ونَ ْح ُن نُ َسِّب ُح بِ َح ْم ِ‪#‬د َك‬
‫ِّس لَ‪#َ #‬ك ‪[ ‬البق رة‪ ، ]30 :‬فالقدوس لغة يعين املطهر املنزه عن كل نقص املتصف‬ ‫َوُنَق‪##‬د ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫بكل أنواع الكمال ‪.‬‬
‫والقدوس سبحانه هو املنفرد بأوصاف الكمال الذي ال تضرب له األمثال ‪ ،‬فهو‬
‫املنزه املطهر ال ذي ال نقص فيه بوجه من الوج وه ‪ ،‬والتق ديس ال ذي هو خالصة‬
‫التوحيد احلق إف راد اللَّه س بحانه بذاته وأص افه وأفعاله عن األقيسة التمثيلية‬
‫والقواعد الشمولية والقوانني اليت حتكم ذوات املخلوقني وأصافهم وأفعاهلم‬
‫س َك ِمْثِل‪#ِ # #‬ه َش‪ْ # # #‬يٌء ‪‬‬ ‫‪ ،‬فاهلل عز وجل ن زه نفسه عن كل نقص فق ال ‪  :‬لَْي َ‬
‫[الش ورى‪ ، ]11 :‬فال مثيل له حنكم على كيفية أوص افه من خالله ‪ ،‬وال‬
‫يس توي مع س ائر اخللق فيس ري عليه ق انون أو قي اس أو قواعد حتكمه‬
‫كما حتكمهم ألنه الق دوس املطهر املتصف بالتوحيد املنف رد عن أحك ام‬
‫العبيد ‪ ،‬مث أثبت اهلل لنفسه أوص اف الكم ال واجلم ال ؛ فق ال س بحانه‬
‫بعد نفي النقص مطلقا ومجلة ‪َ  :‬و ُه‪#َ # # #‬و ال َّس‪ِ # # # #‬م ُيع الَْب ِص‪ُ # # # #‬ير ‪[ ‬الش ورى‪ ]11 :‬فال‬
‫يك ون التق ديس تقديسا وال التنزيه تنزيها إال بنفي وإثب ات ‪ ،‬ومن مث ال‬
‫جيوز يف حق اهلل قي اس متثلي أو مشويل وإمنا جيوز يف حقه قي اس األوىل‬
‫لقوله تعاىل ‪َ  :‬ولِلَِّه ال َْمثَ ُل ا َأل ْعَلى ‪[ ‬النحل‪.)2( ]60 :‬‬
‫‪   -5‬السالم ‪:‬‬
‫الس الم يف اللغة مص در اس تعمل امسا للموص وف بالس المة ‪ ،‬فعله س لم يس لم‬
‫سالما وسالمة ‪ ،‬والسالمة األمن واألمان واحلصانة واالطمئنان ‪ ،‬وال رباءة من كل‬
‫آفة ظ اهرة وباطنة ‪ ،‬واخلالص من كل مك روه وعيب (‪ ، )3‬وم ادة الس الم ت دل‬
‫على اخلالص والنج اة ‪ ،‬وقيل للجنة دار الس الم ألهنا دار الس المة من اهلم وم‬
‫واآلف ات ‪ ،‬باقية بنعيمها وأهلها يف أم ان ما دامت الس ماوات واألرض ‪ ،‬ق ال‬
‫الم ِعْن‪َ #‬د َربِِّه ْم َو ُ‪#‬ه َ‪#‬و َولُِّيُه ْم بِ َما َ‪#‬ك‪#‬انُوا َيْع َملُ‪##‬و َن ‪[ ‬األنعام‪، )4( ]127 :‬‬
‫س‪ِ #‬‬‫تعاىل ‪  :‬لَُه ْم َد ُار ال َّ‬
‫ومن السالمة أيضا التحية اخلالصة من سوء الطوية وخبث النية ‪ ،‬فسميت التحية‬
‫يف اإلسالم سالما ‪ ،‬روى البخاري من حديث أَبِي ُهَرْيَرَة ‪ ‬أن النَِّبِي ‪ S‬قَ َال ‪( :‬‬
‫‪1‬لسان العرب ‪ ، 6/168‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 94‬واملقصد األسىن ص ‪. 65‬‬
‫‪2‬انظر خمتصر القواعد السلفية يف الصفات الربانية للمؤلف ‪ ،‬حمذورات القاعدة األوىل ص ‪. 13‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 12/289‬واملغرب يف ترتيب املعرب ‪. 1/411‬‬
‫‪4‬اشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 216‬‬
‫(‪)6‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫‪#‬ك ِم َن ال َْم َ‬
‫الئِ َك ِ‪#‬ة فَا ْس‪َ#‬ت ِم ْع‬ ‫ب فَ َس‪ِّ#‬ل ْم َعَلى أُولَِئ َ‬
‫ثم ق‪#‬ال ا ْذ َه ْ‬ ‫طوله ِست ُِّو َن ِذَر ًِ‬
‫اعا ‪َّ ،‬‬ ‫آدَم َوِ ُ‬ ‫َخَل َق اهلل َ‬
‫‪#‬ك َوَر ْح َ‪#‬م ُة‬
‫الُم َعَلْي َ‬ ‫س‪َ #‬‬
‫الُم َعَلْي ُك ْم ‪َ ،‬فَق‪#‬الُوا ‪ :‬ال َّ‬
‫الس َ‬
‫ك ‪ ،‬فقال َّ‬ ‫ك َوتَحيَُّة ُذِّريَّت َ‬
‫ك ‪ ،‬تَحيَّتُ َ‬ ‫َما يُ َحيُّونَ َ‬
‫َِّ (‪) 1‬‬
‫وه َوَر ْح َم ُة الله ) ‪.‬‬ ‫اللَِّه ‪َ ،‬فَز ُاد ُ‬
‫واهلل عز وجل هو الس الم لس المته من النق ائص والعي وب ‪ ،‬فهو ال ذي‬
‫َل‬ ‫س‬
‫ِم يف ذات ه بنوره وجالله ‪ ،‬فمن مجاله وسبحات وجهه احتجب عن خلقه رمحة‬
‫وسى ‪ ‬أن النيب قال ‪ِ ( : S‬ح َجابُ ُ‪#‬ه‬ ‫َ‬ ‫هبم وابتالء هلم روى مسلم من حديث أَبِي ُم‬
‫ص‪ُ#‬رُه ِم ْن َخلِْق ِ‪#‬ه ) (‪ ، )2‬وهو الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َو ْجِهه َما اْنَتَهى ِإلَْيه بَ َ‬
‫ت ُسبُ َح ُ‬
‫َحَرقَ ْ‬
‫ُّور لَْو َك َشَف ُه أل ْ‬
‫الن ُ‬
‫َل‬ ‫س‬
‫ِم يف ص فاته بكماهلا وعلو ش أهنا ‪ ،‬وس لم أيضا يف أفعاله ب إطالق قدرته وإنف اذ‬
‫مش يئته ‪ ،‬وكم ال عدله وب الغ حكمته ‪ ،‬وهو س بحانه ال ذي ي دعو عب اده إىل‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‪#‬و َن َعَلى‬ ‫السالمة وإفشاء السالم فأثىن على عباده يف قوله ‪َ  :‬وعَب ُاد ال َّ‪#‬ر ْح َم ِن الذ َ‬
‫ين يَ ْم ُ‬
‫‪#‬اهلُو َن قَ‪#‬الُوا َس‪#‬الماً ‪[ ‬الفرقان‪ ، ]63 :‬وهو الذي يدعو إىل‬ ‫ض هوناً وِإ َذا َخ‪#‬اطَبهم الْج ِ‬
‫َُ ُ َ‬ ‫األَْر ِ َ ْ َ‬
‫سبل السالم باتب اع منهج اإلسالم كما ق ال ‪َ  :‬ي ْ‪#‬ه ِ‪#‬دي بِ‪#ِ #‬ه اهلل َم ِن َّاتَب‪#َ #‬ع ِر ْ‬
‫ض ‪َ#‬وانَُه ُس ‪#‬بُ َل‬
‫الم ‪[ ‬املائ دة‪ ، ]16 :‬وهو س بحانه ال ذي ي دعو عب اده إىل دار الس الم ويبلغ من‬ ‫س‪ِ #‬‬
‫ال َّ‬
‫اط‬ ‫ص‪#‬ر ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫استجاب منهم إليها فقال ‪  :‬واللَُّه ي‪#ْ #‬د ُعو ِإلَى َدا ِر ال َّ ِ ِ‬
‫س‪#‬الم َوَي ْ‪#‬ه‪#‬دي َم ْن يَ َش‪ُ #‬اء (إل‪َ)3‬ى َ‬ ‫َ َ‬
‫ُم ْسَتِق ٍيم ‪[ ‬يونس‪ ، ]25 :‬فكل سالمة منشأها منه ومتامها عليه ونسبتها إليه ‪.‬‬
‫‪   -6‬المؤمن ‪:‬‬
‫املؤمن يف اللغة اسم فاعل للموص وف باإلميان ‪ ،‬وأص له أمن ي أمن أمنا ‪ ،‬واألمن‬
‫ما يقابل اخلوف ‪ ،‬واإلميان يف حقنا هو تص ديق اخلرب تص ديقا جازما ‪ ،‬وتنفيذ‬
‫ت بِ ُمْؤِم ٍن‬
‫األمر تنفيذا كامال ‪ ،‬فمن األول قول إخوة يوسف ‪ ‬ألبيهم ‪َ  :‬وَما أَنْ َ‬
‫ص‪ِ #‬ادِق َين ‪[ ‬يوسف‪ ، ]17 :‬ومن الثاين ما رواه البخاري من حديث ابن‬ ‫لََنا َولَ‪#ْ #‬و ُكنَّا َ‬
‫اإليما ُن بِ ِ‬
‫اهلل َو ْح َدُه ؟‬ ‫ال هلم ‪ ( :‬أَتَ ْدُرو َن َما ِ َ‬ ‫عباس ‪ ‬يف وفد َعْب ِد اْلَقْي ِ‬
‫س لَ َّما أََتُوا النَِّبيَ ‪ S‬قَ َ‬
‫َن مح َّم ًدا رس‪ِ ُ # #‬‬
‫ول)اللَّه ‪َ ،‬وِإقَ ‪ُ #‬‬
‫‪#‬ام‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬ال ‪َ :‬ش‪َ # #‬ه َادُة أ َْن َال ِإلَ ‪#َ #‬ه ِإ َّال اهلل َوأ َّ‬
‫قَ ‪##‬الُوا ‪ :‬اهلل َوَر ُس‪##‬ول ُُه أَ ْعَل ُم ‪ ،‬قَ ‪َ #‬‬
‫س ) ‪ ،‬أما اسم‬ ‫(‪4‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬اة ‪ ،‬و ِ‬‫الِة ‪ ،‬وِإيت‪##‬اء َّ ِ‬
‫ض ‪#‬ا َن ‪َ ،‬وأَ ْن ُتْعطُ‪##‬وا م َن ال َْم ْغَنم اْل ُخ ُم َ‬ ‫ص ‪َ#‬ي ُام َرَم َ‬ ‫الز َ‪#‬ك َ‬ ‫ص‪ُ َ َ َ #‬‬ ‫ال َّ‬
‫اهلل املؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها االسم ويشملها ألهنا مجيعا من معاين الكمال‬
‫‪1‬البخاري يف أحاديث األنبياء ‪ ،‬باب خلق آدم صلوات اهلل عليه ‪. )3148 ( 3/1210‬‬
‫‪2‬مسلم يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب يف قوله عليه السالم إن اهلل ال ينام ‪. )179 ( 1/161‬‬
‫‪3‬شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 196‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 53‬واملقصد األسىن ص ‪. 67‬‬
‫‪4‬البخاري يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب أداء اخلمس من اإلميان ‪. )53 ( 1/29‬‬
‫(‪)7‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫الذي اتصف به رب العزة واجلالل ‪:‬‬
‫ذي‬ ‫الق‪## # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #‬ول األول ‪ :‬أنه ال‬
‫ّأم‬
‫دا من خلقه ‪،‬‬ ‫اس أال يظلم أح‬ ‫ََن الن‬
‫ّ‬
‫وأم‬
‫اهلل ال يَظِْل ُم‬
‫َن من آمن به من عذابه ‪ ،‬فكل س ينال ما يس تحق ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ِ  :‬إ َّن َ‬
‫َجراً َع ِظيما ً ‪[ ‬النساء‪ ، ]40 :‬وقال ‪ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ك حسنًة ي َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ضاعْفَها َوُيْؤ ِت م ْن لَ ُدنُْه أ ْ‬ ‫مْثَق َال َذَّرة َوِإ ْن تَ ُ َ ََ ُ‬
‫اب ال ُيغَ‪#ِ #‬ادُر‬ ‫ْكَتاب َفَترى الْمج ِرِمين م ْشِفِقين ِم َّما ِف ِيه ويُقولُو َن يا ويَلَتَنا م ِال َه َذا ال ِ‬
‫ْكَت ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َوُوض َع ال ُ َ ُ ْ َ ُ َ‬
‫َح‪#‬داً ‪[ ‬الكهف‪49 :‬‬ ‫ك أَ‬‫اضراً َوال يَظِْل ُم َربُّ َ‬
‫َحص َاها ووج ُدوا ما َع ِملُوا ح ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫صغ َيرًة َوال َكِب َيرًة ِإال أ ْ َ َ َ َ َ‬‫َ‬
‫] (‪. )1‬‬
‫الق‪## #‬ول الث ‪## #‬اني (‪)2:‬أن املؤمن هو اجملري ال ذي جيري املظل وم من الظ امل ‪ ،‬مبعىن يؤمنه من‬
‫وت ُكل َش ْيٍء َو ُهَو يُ ِج ُير َوال يُ َج ُار َعَلْيهِ‬ ‫الظلم وينصره ‪ ،‬كما قال ‪  :‬قُ ْل َم ْن بَِي ِدِه َمَل ُك ُ‬
‫ِإ ْن ُكْنتُ ْم َتْعَل ُمو َن ‪[ ‬املؤمنون‪ ، ]88 :‬وقال ‪  :‬قُ ْل أََرأَْيتُ ْم ِإ ْن أ َْهَل َكِن َي اهلل َوَم ْن َمِع َي أَْو َر ِح َمَنا‬
‫اب أَلِ ٍيم ‪[ ‬املل ك‪ ، ]28 :‬أي لن جيدوا مالذا وال مأمنا ‪،‬‬ ‫ين ِم ْن َع‪َ ##‬ذ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَ َم ْن يُ ‪#‬ج‪ُ #‬ير اْل َك‪##‬اف ِر َ‬
‫ِ‬
‫ْرة ‪ ‬أَن‬ ‫وعند أيب داود وص ححه األلب اين من ح ديث أَبي ُهَري َ‬
‫النَِّبّي‬
‫‪#‬ك ِم ْن أَ ْن أَظِْل َم أَْو‬
‫َع‪##‬و ُذ بِ‪َ #‬‬ ‫َ ‪َ S‬ك ا َن يقول ‪ ( :‬اللَّه َّم ِإنِّي أَع‪##‬و ُذ بِ‪ِ َ #‬‬
‫‪#‬ك م َن اْلَفْق‪ِ #‬ر َوالِْقلَِّة َوالذل‪#ِ #‬ة َوأ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫(‪َ)3‬‬
‫ِ‬
‫وس ى األشعري ‪ ‬أن َر ُس ول‬ ‫أُ ْظَل َم ) ‪ ,‬وعند البخ اري ومسلم من حديث أَبي ُم َ‬
‫َخ ُذ‬‫ك أ ْ‪#‬‬ ‫اللَِّه ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َّن اللََّه لَيُ ْمِلي لِلظَّالِِم َحتَّى ِإ َذا أَ َخ َذُه ل َْم يُفِلْت ُ‪#‬ه ‪ ،‬قَ َ‬
‫‪#‬ال ثُ َّم َق َ‪#‬رأَ ‪َ  :‬و َ‪#‬ك َذلِ َ‬
‫َربِّ َك ِإ َذا أ ََخ َذ ال َقرى َوهي ظَالِ َمٌة ِإ َّن أ َْخ َذُه أَلِ ٌيم َش ِدي ٌد ‪. )4( ) ‬‬
‫الق‪#‬ول الث‪#‬الث ‪ :‬أن املؤمن هو الذي يصدق املؤمنني إذا وحدوه ‪ ،‬ألنه الواحد الذي‬
‫وحد نفسه فقال ‪َ  :‬شِه َد اهلل أَنَُّه ال ِإلَ َ‪#‬ه ِإال ُه َ‪#‬و َوال َْمالئِ َ‪#‬ك ُة َوأُولُو الِْعلِْم قَائِما بِالِْق ْس‪ِ #‬ط ال ِإلَ َ‪#‬ه‬
‫ِ‬ ‫ِإال ه‪#‬و الْع ِزي‪#‬ز الْح ِكيم ِإ َّن ال‪#‬د ِ‬
‫الم ‪[ ‬آل عمران‪ ، )5( ]18 :‬وهذه اآلية‬ ‫ِّين عْن‪َ #‬د اللَّه الإِ ْس‪ُ #‬‬ ‫َ‬ ‫َُ َ ُ َ ُ‬
‫‪1‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 222‬وتفسري الطربي ‪ ، 28/54‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪. 198‬‬
‫‪2‬زاد املسري البن اجلوزي ‪ ، 225 /8‬واملقصد األسىن ص ‪. 67‬‬
‫‪3‬أبو داود يف كت اب ال وتر ‪ ،‬ب اب يف االس تعاذة ‪ ، )1543 ( 2/91‬وانظر السلس لة الص حيحة للش يخ‬
‫األلباين حديث رقم (‪ ، )1445‬وكذلك صحيح أيب داود (‪. )1381‬‬
‫‪4‬البخاري يف كتاب التفسري ‪ ،‬باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظاملة ‪4409 ( 4/1726‬‬
‫) ومسلم يف كتاب ‪ ،‬باب حترمي الظلم ‪. )2583 ( 4/1997‬‬
‫‪5‬تفسري الطربي ‪ ، 28/54‬وروح املعاين ‪ ، 28/63‬األسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن ‪. 1/243‬‬
‫(‪)8‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫حتمل أعظم املعاين يف كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله ؟‬
‫وبي ان ذلك أننا لو فرض نا بقي اس األوىل وهلل املثل ألعلى طالبا وأس اتذة ومق ررا‬
‫واختبارا ‪ ،‬وبعد االختبار تنازع اجملتهدون من الطالب مع الكثرة الغالبة يف صحة ما‬
‫أجابوا به ‪ ،‬فزعم اخلاسرون أهنم على الصواب وأن إجابتهم توافق املنهج املقرر يف‬
‫الكت اب وأن اجملته دين من الطالب هم املخطئ ون يف إج ابتهم ‪ ،‬مث ب الغوا وطلب وا‬
‫ش هادة أس تاذهم ‪ ،‬فش هد خبطئهم وص حة ج واب اجملته دين ‪ ،‬فك ذبوا أس تاذهم‬
‫وطلب وا ش هادة األعلى من املتخصصني ‪ ،‬فش هدوا ألس تاذهم وللطالب اجملته دين ‪،‬‬
‫فكذبوهم وطلبوا شهادة من وضع االختبار ‪ ،‬ومن يرجع إليه القرار ‪ ،‬وأقروا على‬
‫أنفسهم أن شهادته ملزمة هلم وأهنا فصل املقال ‪ ،‬فشهد من وضع االختبار بصحة‬
‫ج واب املتخصصني واألس اتذة والطالب اجملته دين وك انت ش هادته للجميع إخب ارا‬
‫وحكما عدال ال جمال لرده وال معقب حلكمه ‪.‬‬ ‫وتصديقا وقوال فصال وإعالما ٌ‬
‫ية اخللق هي‬ ‫إذا علم ذلك فاهلل عز وجل وله املثل األعلى جعل قض‬
‫شهادة أال إله إال اهلل وأنه ال معبود حبق سواه ‪ ،‬وجعل أحكام العبودية‬
‫أو األحكام الشرعية هي املنهج املقرر على طالب السعادة يف هذه الدنيا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اي‬ ‫كما ق ال ‪ُ  :‬قلَْنا ْاهبطُ‪##‬وا مْنَها َجميع ‪#‬اً فَِإَّما يَ ‪#‬أْتَينَّ ُك ْم منِّي ُ‪#‬ه ً‬
‫‪#‬دى فَ َم ْن تَب‪#َ #‬ع ُه‪َ #‬د َ‬
‫ف َعَلْيِه ْم َوال ُه ْم يَ ْحَزنُ‪#‬و َن ‪[ ‬البقرة‪ ، ]38 :‬فإذا أمهل طالب السعادة‬ ‫فَال َ‪#‬خ ْ‪#‬و ٌ‬
‫منهج اهلداية ‪ ،‬وجعل وا س عادهتم يف عبودية الش هوات والش بهات وتناس وا‬
‫مرحلة االبتالء والكفاح والرغبة يف النجاح والفالح ‪ ،‬وتسببوا يف ضالهلم‬
‫مبخ الفتهم رس لهم ‪ ،‬مث أعلن وا زورا وهبتانا أهنم ك انوا على الص واب ‪،‬‬
‫وأهنم الكثرة الغالبة عند احلساب ‪ ،‬وأهنم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر‬
‫يف الكتاب ‪ ،‬فكذبوا على أنفسهم كما ذكر اهلل يف شأهنم ‪  :‬ثُ َّم ل َْم تَ ُك ْن‬
‫‪#‬ف َ‪#‬ك َذبُوا َعَلى أَْنُف ِس‪ِ #‬ه ْم َو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪َّ #‬ل َعْنُه ْم َما‬ ‫فْتَنُتُه ْم ِإال أ َْن قَالُوا َواللَّه َرِّبَنا َما ُكنَّا ُم ْش‪ِ #‬رك َ‬
‫ين انْظُ ْ‪#‬ر َكْي َ‬
‫َ‪#‬ك‪##‬انُوا َيْفَ‪#‬ت ‪#ُ #‬رون ‪[ ‬األنع ام‪ ، ]23/24 :‬وهنا ش هد أولو العلم وش هدت املالئكة‬
‫بض الل املش ركني وص حة ما ج اء عن رس لهم ‪ ،‬وش هد اهلل بص دق‬
‫املرس لني وخس ران املش ركني تص ديقا للموح دين وإنص افا ملذهبهم وتك ذيبا‬
‫ألع دائهم وتص ديقا للمالئكة وأويل العلم ‪ ،‬فهو س بحانه املؤمن ال ذي‬
‫ش هد أنه ال إله إال هو ‪ ،‬وأن ه ذه الكلمة هي كلمة احلق وحقيقة‬
‫منت كلمة‬ ‫التوحيد وأهنا رد على مجيع من ضل من العبيد ‪ ،‬فتض‬
‫التوحيد أجل ش هادة وأعظمها وأع دهلا وأص دقها من أجل ش اهد بأجل‬
‫(‪)9‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫مش هود به ‪ ،‬فش هادة اهلل س بحانه لنفسه بالوحدانية والقي ام بالقسط‬
‫تض منت عند الس لف أربع م راتب ‪ ،‬علمه س بحانه ب ذلك وتكلمه به‬
‫وإعالمه وإخب اره خللقه وأم رهم وإل زامهم به ‪ ،‬وعب ارات الس لف يف‬
‫الشهادة ت دور على احلكم والقض اء والإعالم والبي ان والإخب ار ‪ ،‬وه ذه‬
‫الأق وال كلها حق ال تن ايف بينها ف إن الش هادة تتض من كالم الش اهد‬
‫وخربه ‪ ،‬وتتضمن إعالمه وإخباره وبيانه (‪. )1‬‬
‫يصدق) مع عباده املؤمنني يف وعده ‪ ،‬ويصدق‬ ‫الق‪##‬ول الرابع ‪ :‬أن املؤمن ه و الذي‬
‫ص‪َ #‬د َق اهلل فَ‪#‬اتَِّبُعوا ِملَةَّ‬ ‫(‪2‬‬
‫ظنون عباده املوحدين وال خييب آماهلم ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬قُ ْ‪#‬ل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإْبر ِاه ِ‬
‫ين ‪[ ‬آل عمران‪ ، ]95 :‬وقال ‪  :‬ثُ َّم َ‬
‫ص‪َ #‬دقَْن ُاه ُم الَْو ْ‪#‬ع َد‬ ‫يم َحنيف‪#‬اً َوَما َك‪#‬ا َن م َن ال ُْم ْش‪ِ #‬رك َ‬
‫َ َ‬
‫فَأَنْ َجْيَن ُ‪#‬اه ْم َوَم ْن نَ َش‪ُ #‬اء َوأ َْهَل ْكَنا ال ُْم ْس‪ِ #‬رِف َين ‪[ ‬األنبياء‪ ، ]9:‬وعند البخاري من حديث أَيِب‬
‫‪#‬ول اهلل َتَع‪##‬الَى ‪ :‬أَنَا ِعْن‪َ #‬د ظَ ِّن َعْب‪#ِ #‬دي بِي ‪ ..‬الح‪##‬ديث ) (‪ ، )3‬وعند‬ ‫ْرَة ‪ ‬مرفوعا ‪َ ( :‬يُق‪ُ #‬‬ ‫َ‬ ‫ُهَري‬
‫النسائي وصححه األلباين من حديث ابْن ُع َمَر ‪ ‬أنه قال ‪ ( :‬قَ َام َر ُسول الل‪ِ #‬ه ‪َ S‬ي ْ‪#‬وَم‬
‫ِِ ِ‬ ‫ْكعَب‪#ِ #‬ة فَ َح ِم‪َ #‬د اللََّه َوأثَنى َعَلْي‪#ِ #‬ه َوقَ‪َ #‬‬
‫َفْت ِح َمك ‪#‬ة َعَلى َدَر َ‪#‬ج ِ‪#‬ة ال‬
‫ْح ْم‪ُ #‬د للَّه الَّذي َ‬
‫ص ‪َ #‬د َق َو ْع‪َ #‬دُه‬ ‫‪#‬ال ‪ :‬ال َ‬ ‫ْ‬
‫اب َو ْح‪َ #‬دُه ) (‪ ، )4‬ف املؤمن يف أمساء اهلل ه و ال ذي يص دق يف‬ ‫َح َ‪#‬ز َ‬ ‫ص ‪َ#‬ر َعْب‪َ #‬دُه َو َ‪#‬ه َ‪#‬زَم األ ْ‪#‬‬
‫َونَ َ‬
‫وع ده وهو عند ظن عب ده ال خييب أمله وال خيذل رج اءه ‪ ،‬ومجيع املع اين الس ابقة‬
‫حق يشملها تفسري االسم ‪.‬‬
‫‪   -7‬المهيمن ‪:‬‬
‫املهيمن يف اللغة اسم فاعل للموص وف باهليمنة ‪ ،‬فعله هيمن يهيمن هيمنة ‪،‬‬
‫واهليمنة على الش يء الس يطرة عليه وحفظه والتمكن منه كما يهيمن الط ائر على‬
‫فراخه ويرفرف جبناحيه فوقهم حلمايتهم وتأمينهم ‪ ،‬ويقال ‪ :‬املهيمن أصله املؤمن‬
‫يعين‬ ‫آمن‬ ‫من‬
‫ّأم‬
‫(‪) 5‬‬
‫َن غريه من اخلوف ‪.‬‬
‫واهلل عز وجل هو المهيمن على عباده فهو فوقهم بذاته له علو القهر والشأن ‪،‬‬
‫‪1‬انظر شرح العقيدة الطحاوية ص ‪ ، 89‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 83‬‬
‫‪2‬تفسري القرطيب ‪ ، 18/46‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 31‬‬
‫‪3‬البخاري يف كتاب التوحيد ‪ ،‬باب السؤال بأمساء اهلل تعاىل ‪. )6970 ( 6/2694‬‬
‫‪4‬النسائي يف كتاب القسامة ‪ ،‬باب ذكر االختالف على خالد احلذاء ‪ ، )4799 ( 8/42‬وانظر إرواء الغليل‬
‫يف ختريج أحاديث منار السبيل لأللباين ‪. 7/257‬‬
‫‪5‬لسان العرب ‪. 13/437‬‬
‫(‪)10‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ملك على عرشه ال خيفى عليه شيء يف مملكته ‪ ،‬يعلم مجيع أحواهلم وال يع زب‬
‫عنه ش يء من أعم اهلم هو الق اهر ف وقهم ‪ ،‬وإن ت ركهم أو ت رك بعض هم مع‬
‫ظلمهم وكفرهم فذلك حلكمته فيما هم فيه مبتلون ‪ ،‬وملا قضى وقدر ميسرون‬
‫‪#‬ل الظَّالِ ُمو َن ِإنََّما ُي‪#َ # #‬ؤخُِّر ُه ْم لَِي‪#ْ # #‬وٍم‬ ‫كما ق ال تع اىل ‪َ  :‬وال تَ ْح َس‪َ# # #‬ب َّن اللََّه َغ ‪#ِ # #‬اف ً‬
‫ال َع َّما َيْع َم‪ُ # #‬‬
‫ص ‪ُ # #‬ار ‪[ ‬إب راهيم‪ ، ]42 :‬فهو حميط بالع املني مهيمن بقدرته على‬ ‫تَ ْش ‪َ # #‬خ ِ ِ‬
‫ص في‪## #‬ه األَبْ َ‬
‫ُ‬
‫اخلالئق أمجعني ‪ ،‬وهو س بحانه على كل ش يء ق دير وكل ش يء إليه فقري وكل‬
‫س َك ِمْثِل‪#ِ #‬ه َش‪ْ # #‬يٌء َو ُه‪#َ #‬و‬ ‫أمر عليه يسري ‪ ،‬ال يعج زه (ش‪)1‬يء وال يفتقر إىل ش يء ‪  :‬لَْي َ‬
‫السِم ُيع الَْب ِص ُير ‪[ ‬الشورى‪. ]11 :‬‬ ‫َّ‬
‫فجم اع معىن املهيمن أنه احمليط بغ ريه ال ذي ال خيرج عن قدرته مق دور وال ينفك‬
‫عن حكمه مفطور ‪ ،‬له الفضل على مجيع اخلالئق يف سائر األمور ‪ ،‬قال أبو احلسن‬
‫األش عري ‪ ( :‬خلق األش ياء بقدرته ‪ ،‬ودبرها مبش يئته ‪ ،‬وقهرها جبربوته وذللها بعزته‬
‫فذل لعظمته املتكربون ‪ ،‬واستكان لعز ربوبيته املتعظمون ‪ ،‬وانقطع دون الرسوخ يف‬
‫علمه العاملون ‪ ،‬وذلت له الرقاب وحارت يف ملكوته فطن ذوي األلباب ‪ ،‬وقامت‬
‫بكلمته الس ماوات الس بع ‪ ،‬واس تقرت األرض امله اد ) (‪ ، )2‬وق ال ابن حجر ‪( :‬‬
‫وأصل اهليمنة احلفظ واالرتق اب ‪ ،‬تق ول ‪ :‬هيمن فالن على فالن إذا ص ار رقيبا‬
‫عليه فهو مهيمن ) (‪ ، )3‬ف املهيمن ال رقيب على الش يء واحلافظ له والق ائم عليه‬
‫وه ذا ملحق ب املعىن الس ابق ‪ ،‬ويلحق به أيضا تفسري املهيمن بالش هيد ومنه قوله‬
‫‪#‬اب َوُمَهْي ِمن ‪#‬اً َعَلْي‪#ِ #‬ه َ‪‬‬ ‫ْكَت ‪##‬اب بِ ‪##‬الْح ِّق مص‪##‬دِّقاً لِما بين ي َدي ‪#ِ #‬ه ِمن ال ِ‬
‫ْكَت ‪ِ #‬‬ ‫تع اىل ‪  :‬وأَْنزلَْنا ِإلَي‪ِ َ #‬‬
‫َ‬ ‫‪#‬ك ال َ َ ُ َ َ َْ َ َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫(‪) 4‬‬
‫[املائ دة‪ ، ]48 :‬فاهلل ش هيد على خلقه مبا يك ون منهم من ق ول أو فعل ‪ ،‬ويف‬
‫صحيح مسلم من حديث أَبِي َذٍّر ‪َ ‬ع ِن النَِّبي ‪ِ S‬ف َيما ي روي َع ِن اللَِّه َتَب َار َك َوَتَع اىَل‬
‫ُح ِ‬
‫ص ‪َ # #‬يها َل ُك ْم ثُ َّم أَُوفِّي ُك ْم ِإيَّ َاها ‪ ،‬فَ َم ْن َو َج‪َ # #‬د َخْ‪#‬ي‪#ً #‬را‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ‪ ( :‬يَا عَب‪## #‬ادي ِإنََّما هَي أَ ْع َ‪#‬م‪##‬الُ ُك ْم أ ْ‬ ‫أَنَُّه قَ َ‬
‫‪#‬وم َّن ِإ َّال َنْف َس‪ُ # #‬ه ) (‪ ، )5‬وقيل يف معىن املهيمن‬ ‫ال َيلُ ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك فَ َ‬‫َفلَْي ْح َم‪#ِ #‬د اللََّه ‪َ ،‬وَم ْن َو َ‪#‬ج‪َ #‬د َغْي‪#َ #‬ر َذلِ ‪َ #‬‬
‫أيضا أنه الذي ال ينقص الطائع من ثوابه شيئا ولو كثر وال يزيد العاصي عقابا على‬
‫ما يستحقه ألنه ال جيوز عليه الكذب ‪ ،‬وقد مس ى الثواب والعقاب جزاء ‪ ،‬وله أن‬

‫‪1‬انظر شرح العقيدة الطحاوية ص ‪ ، 142‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 84‬‬


‫‪2‬اإلبانة ص ‪ ، 8‬وانظر اجتماع اجليوش اإلسالمية على غزو املعطلة واجلهمية لابن القيم ص ‪. 182‬‬
‫‪3‬فتح الباري ‪ ، 269 /8‬وانظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪. 266 /6‬‬
‫‪4‬تفسري غريب احلديث للخطايب ‪. 2/91‬‬
‫‪5‬مسلم يف كتاب الرب والصلة واألدب ‪ ،‬باب حترمي الظلم ‪. )2577 ( 4/1994‬‬
‫(‪)11‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫يتفضل بزيادة الثواب ويعفو عن كثري من العقاب (‪. )1‬‬
‫‪   -8‬العزيز ‪:‬‬
‫العزيز يف اللغة من ص يغ املبالغة على وزن فعيل ‪ ،‬فعله عز يعز ع زا وع زة ‪ ،‬أما‬
‫املعىن اللغوي فيأيت على معان ‪ ،‬منها العزيز مبعىن الغالب ‪ ،‬والعزة مبعىن الغلبة ‪،‬‬
‫ص‪ ، ]23:‬أي‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫يها َو َع َّ‪#‬زني في الْخطَ‪#‬اب َ ‪ّ [ ‬‬
‫ومنه ما ورد يف قوله تعاىل ‪َ  :‬فَق َ ِ‬
‫‪#‬ال أ َْكفلِْن َ‬
‫غلبين يف حماورة الكالم ‪ ،‬ومنها العزيز مبعىن اجلليل الش ريف الرفيع الش أن ومنه‬
‫قوله تعاىل عن املنافقني ‪َ  :‬يُقولُ‪##‬و َن لَِئ ْن َر َجْعَنا ِإلَى ال َْم ِد َين‪#ِ #‬ة لَيُ ْ‪#‬خ ِر َج َّن األ ََع‪#ُّ #‬ز ِمْنَها ا َأل َذ َّلَ‪‬‬
‫[املنافقون‪ ، ]8 :‬أي ليخرجن اجلليل الشريف منها الذليل ‪ ،‬ومنها العزيز مبعىن القوي‬
‫وشدَّْدهُتم ومنه ما ورد يف قوله تعاىل‬ ‫وعَّزْزت القوم َق َّوْيتُهم َ‬ ‫القاهر الشديد الصلب َ‬
‫وش دَّدنا ‪،‬‬ ‫وه َما َفَعَّزْزنَا بِثَ ‪##‬الِ ٍثَ‪[ ‬يس‪ ، ]14 :‬أَي َقَّو (ينا‪َ )2‬‬ ‫‪ِ  :‬إ ْذ أَْر َس ‪##‬لَْنا ِإلَْيِه ُم اْثَنْي ِن فَ َ‪#‬ك‪#َّ #‬ذبُ ُ‬
‫ومنها العزيز مبعىن املنقطع النظري أو الش يء القليل الن ادر الوج ود ‪ ،‬ومنه ما‬
‫ال ‪ُ ( :‬كنَّا َم َع َر ُ‪#‬ج ٍ‪#‬ل ِم ْن‬ ‫اص ِم بْ ِن ُكَلْي ٍب َع ْن أَبِ ِيه ‪ ‬قَ َ‬ ‫ورد عند أيب داود من حديث ع ِ‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫اش ٌع ِم ْن بَِني ُسَلْيٍم َفَعَّز ِت اْل َغَن ُم ‪ ،‬فَأََمَر ُمَن ِاديًا َفَن َادى أ َّ‬
‫َن َر ُس‪َ #‬‬ ‫ال لَُه مج ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اب النَِّبي ‪ُ S‬يَق ُ‬‫َص َح ِ‬
‫أْ‬
‫ْج َذ َع ُيَوفِّي ِم َّما ُيَوفِّي ِمْن ُه الثَِّنُي ) ‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫اللَِّه ‪َ S‬كا َن َيُق ُ‬
‫ول ‪ِ :‬إ َّن ال َ‬
‫وه ذه املع اين مجيعا جيوز وصف اهلل هبا ‪ ،‬فاهلل عز وجل عزيز غ الب على أم ره‬
‫َّاس ال َيْعَل ُمو َن َ‪[ ‬يوسف‪ ، ]21 :‬وقال‬ ‫كما قال ‪  :‬واللَُّه َغالِب َعَلى أَم ِرِه ول ِ‬
‫َك َّن أ َْكَثَر الن ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ب اهلل َأل ْغلَب َّن أَنَا َوُر ُس‪#‬لي إن اللَه قَ‪#‬و ٌّي َعزي ٌ‪#‬ز َ‪[ ‬اجملادلة‪ ، ]21 :‬وهو العزيز الذي‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ  :‬كَت َ‬
‫ض‬‫ات َواألَْر ِ‬ ‫س‪#‬ماو ِ‬ ‫له علو الشأن والفوقية يف ذاته وصفته كما قال تعاىل ‪َ  :‬ر ُّ‬
‫ب ال َّ َ َ‬
‫اصطَِبْر لِِعَب َادتِِه َه ْل َتْعَل ُم ل َُه َس ِمّياً َ‪[ ‬مرمي‪ ، ]65 :‬ويف صحيح مسلم‬ ‫َوَما َبْيَنُه َما فَا ْعبُ ْدُه َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْرَة ‪ ‬أن َر ُس ول اللَّه ‪ S‬ق ال ‪ ( :‬الْع‪#ُّ #‬ز ِإَز ُارُه َوالْكْب ِريَ‪ُ #‬‬
‫‪#‬اء ِر َد ُاؤُه فَ َم ْن‬ ‫من ح ديث َأَبي (‪)ُ4‬هَري َ‬
‫ُيَن‪#‬ا ِز ُعِني َع َّذْبتُ ُ‪#‬ه ) ‪ ،‬واهلل عزيز متفرد ال مثيل له متوحد ال شبيه له كما قال ‪:‬‬
‫ص ُير ‪[ ‬الشورى‪ ، ]11 :‬وقال تعاىل ‪  :‬ق ْ‪#‬ل‬ ‫السِميع الب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫س َكمْثله َش ْيٌء َو ُهَو َّ ُ َ‬ ‫‪ ‬لَْي َ‬
‫َح ٌد ‪ ، ‬وقال مبينا معىن االنفراد واألحدية ‪َ  :‬ول َْم يَ ُك ْن لَُه ُكُفًوا‬ ‫ُهَو اللَّه أ َ‬
‫أ ََح‪ٌ # #‬د ‪ ، ‬أي أن األحد هو العزيز املنف رد بأوص اف الكم ال ال ذي ال‬
‫مثيل له فنحكم على كيفية أوص افه من خالله ‪ ،‬وال يس توي مع س ائر‬
‫‪1‬فتح الباري ‪ ، 366 /6‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 32‬واملقصد األسىن ص ‪. 69‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 374 /5‬واملفردات ص ‪ ، 563‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 237‬‬
‫‪3‬أبو داود يف كت اب الض حايا ‪ ،‬ب اب ما جيوز من السن يف الض حايا ‪ ، )2799 ( 3/96‬وانظر إرواء‬
‫الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل لأللباين (‪ ، )1146‬وصحيح أيب داود (‪. )2494‬‬
‫‪4‬مسلم الرب والصلة واألدب ‪ ،‬باب حترمي الكرب ‪. )2620 ( 4/2023‬‬
‫(‪)12‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫اخللق (‪1‬يف) قانون أو قياس ألنه املتصف بالتوحيد العزيز املنفرد عن أحكام‬
‫العبيد ‪.‬‬
‫‪   -9‬الجبار ‪:‬‬
‫اجلبار يف اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل اجلابر ‪ ،‬وهو املوصوف باجلرب ‪ ،‬فعله‬
‫جرب جيرب ج ربا ‪ ،‬وأصل اجلرب إص الح الش يء بض رب من القهر ‪ ،‬ومنه جرب‬
‫العظم أي أص لح كس ره ‪ ،‬وجرب الفقري أغن اه وجرب اخلاسر عوضه وجرب املريض‬
‫عاجله ‪ ،‬ويستعمل اجلرب مبعىن اإلكراه على الفعل واإللزام بال ختري (‪. )2‬‬
‫واجلب ار س بحانه هو ال ذي جيرب الفقر ب الغىن واملرض بالص حة ‪ ،‬واخليبة والفشل‬
‫بالتوفيق واألمل ‪ ،‬واخلوف واحلزن باألمن واالطمئنان ‪ ،‬فهو جبار متصف بكثرة‬
‫جربه حوائج اخلالئق (‪ ، )3‬وهو اجلبار أيضا لعلوه على خلقه ‪ ،‬ونفاذ مشيئته يف‬
‫ملكه فال غالب ألمره وال معقب حلكمه ‪ ،‬فما شاء كان ‪ ،‬وما مل يشأ مل يكن‬
‫‪ ،‬قال أبو حامد الغزايل ‪ ( :‬اجلبار هو الذي ينفذ مشيئته على سبيل اإلجبار يف‬
‫كل واحد ‪ ،‬وال تنفذ فيه مش يئة أحد ‪ ،‬ال ذي ال خيرج أحد من قبض ته ‪،‬‬
‫وتقصر األيدي دون محى حضرته فاجلبار املطلق هو اهلل سبحانه وتعاىل فإنه جيرب‬
‫كل أحد وال جيربه أحد ‪ ،‬وال مثنوية يف حقه يف الطرفني ) (‪ ، )4‬وقال ابن القيم‬
‫‪ ( :‬وأما اجلب ار من أمساء ال رب تع اىل ‪ ،‬هو اجلربوت وك ان النيب ‪ S‬يق ول ‪:‬‬
‫سبحان ذي اجلربوت وامللكوت والكربياء والعظمة فاجلبار اسم من أمساء التعظيم‬
‫كاملتكرب وامللك والعظيم والقهار ) (‪. )5‬‬
‫واجلب ار عند اجلربية هو ال ذي يك ره العب اد على الفعل فال اختي ار هلم وال حرية‬
‫الر ْش‪ُ # #‬د ِم َن اْلغَ ِّي فَ َم ْن يَ ْكُف‪#ْ #‬ر‬
‫وهو م ردود لقوله تع اىل ‪  :‬ال ِإ ْك‪#َ #‬ر َاه ِفي ال ‪##‬دِّي ِن قَ ‪#ْ #‬د َتَبيَّ َن ُّ‬
‫ص ‪َ #‬ام لََها َواللَُّه َس ‪ِ #‬م ٌيع َعِل ٌيم ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫بِالطَّاغُ ِ‬
‫ك بِ ‪##‬الُْعْرَوة اْل‪#ُ #‬وْثَقى ال انْف َ‬ ‫وت َوُي‪#ْ #‬ؤم ْن بِاللَّه َفَق‪##‬د ْ‬
‫اسَت ْم َس ‪َ #‬‬
‫[البق رة‪ ، ]256 :‬وإمنا يتحقق معىن اجلب ار يف اإلجب ار عن إس قاط االختي ار ورفع‬
‫التكليف والمس ؤولية كالس نن الكونية اليت ال حتويل فيها وال تب ديل ‪،‬‬

‫‪1‬انظر يف معىن االسم جامع البيان ‪ ، 7/90‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 239‬واملقصد األسىن ص ‪96‬‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬املفردات ص ‪ ، 183‬والفائق يف غريب احلديث للزخمشري ‪ ، 1/416‬ولسان العرب ‪.4/113‬‬
‫‪3‬املقصد األسىن ص ‪ ، 71‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 34‬‬
‫‪4‬املقصد األسىن ص ‪ ، 74‬وانظر السابق ‪ ، 184‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 48‬واشتقاق أمساء اهلل‬
‫للزجاج ص ‪ ، 241‬وتفسري الطربي ‪.36 /28‬‬
‫‪5‬شفاء العليل ص ‪. 121‬‬
‫(‪)13‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫(و‪)1‬كاحلرك ات الالإرادي ة يف اإلنس ان كحركة القلب وس ريان ال روح يف األب دان‬
‫‪.‬‬
‫واجلب ار اسم دل على معىن من مع اين العظمة والكربي اء ‪ ،‬وهو يف حق اهلل وصف‬
‫حممود من معان الكمال واجلمال ‪ ،‬وفي حق العباد وصف مذموم‪ ‬من معاين النقص‬
‫لقوله تعاىل ‪َ  :‬ك َذلِ َ‬
‫ك يَطَْب ُع اهلل َعَلى ُك ِّل َقل ِ‬
‫ْب ُمَت َكِّبٍر َجبَّار ٍ‪[ ‬غافر‪. )2( ]35 :‬‬
‫‪   -10‬المتكبر ‪:‬‬
‫املتكرب ذو الكربي اء وهو امللك اسم فاعل للموص وف بالكرْب ي اء ‪ ،‬واملتكرب هو‬
‫العظيم املتع ايل الق ِاهُر ُلعَت ِاة َخ ِلق ِه ‪ ،‬إذا ن ازعوه العظمة قص مهم ‪ ،‬واملتكرب أيضا هو‬ ‫ُ‬
‫الذي تكرب عن كل سوء وتكرب عن ظلم عباده ‪ ،‬وتكرب عن قبول الشرك يف العبادة‬
‫فال يقبل منها إال ما كان خالصا لوجهه ‪ ،‬روى مسلم يف صحيحه من حديث أيب‬
‫الشَر َك ِاء َع ِن ِّ‬
‫الشْر ِك َم ْن َع ِم َل‬ ‫هريرة ‪ ‬أن النيب ‪ S‬قال ‪ ( :‬قَ َال اهلل َتَب َار َك َوَتَعالَى ‪ :‬أَنَا أَ ْغَنى ُّ‬
‫َع َم ًال أَ ْش‪َ# #‬ر َك ِفي ‪#ِ #‬ه َمِعي َغْي‪ِ # #‬ري َتَر ْكتُ ‪#ُ #‬ه َو ِش‪ْ# #‬ر َك ُه ) (‪ ، )3‬وأصل الكرب والكربي اء االمتن اع ‪،‬‬
‫والكربي اء يف ص فات اهلل م دح ويف ص فات املخل وقني ذم ‪ ،‬فهو س بحانه املتف رد‬
‫بالعظمة والكربي اء ‪ ،‬وكل من رأى العظمة والعجب والكربي اء لنفسه على‬
‫اخلصوص دون غ ريه ك انت رؤيته خاطئة كاذبة باطلة ‪ ،‬ألن الكربي اء ال تكون إال‬
‫هلل ‪ ،‬والأكرمية بني العب اد مبنية على األفض لية يف تق وى اهلل ‪ ،‬والت اء يف اسم اهلل‬
‫املتكرب تاء التفرد والتخصص ألن التعاطي والتكلف والكرب ال يليق بأحد من الخلق‬
‫وإمنا مسة العبد اخلضوع والتذلل قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪#‬وى لِل ُْمَت َكِّبِرين َ‬
‫ً‬ ‫س ِفي َجَهن ََّم َمْث‬ ‫َ‬ ‫وهُه ْم ُم ْسَو َّدٌة أَلَْي‬
‫ُ‬ ‫ين َك َذبُوا َعَلى اللَِّه ُو ُج‬
‫َ‬ ‫‪َ ‬وَيْوَم الِْقَي َامِة َتَرى الَّ ِذ‬
‫‪#‬ل ُمَت َكِّبٍر ال ُي ْ‪#‬ؤِم ُن بَِي ْ‪#‬وِم‬‫ت بِ َ‪#‬ربِّي َوَربِّ ُك ْم ِم ْن ُك ِّ‬ ‫‪[ ‬الزمر‪ ، ]60 :‬وقال موسى ‪ِ  : ‬إنِّي ُع ْ‪#‬ذ ُ‬
‫‪#‬ادلُو َن ِفي آي ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ات اللَِّه بِ َغْي ‪ِ #‬ر‬ ‫اب ‪[ ‬غ افر‪ ، ]27:‬وق ال س بحانه أيضا ‪  :‬الَّ ِذين يج‪ِ #‬‬ ‫ال ِْحس ‪ِ #‬‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫آمنُوا َ‪#‬ك َذلِ َ‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫‪#‬ل َقل ِ‬
‫ْب ُمَت َكِّبٍر َجبَّار‬ ‫ك يَطَْب ُ‪#‬ع اهلل َعَلى ُك ِّ‬ ‫ُسْلطَان أَتَ ُاه ْم َكُبَر َمْقتاً عْن َد اللَّه َوعْن َد الذ َ‬
‫ين َ‬
‫‪ ،‬وعند الرتمذي وحسنه األلباين من حديث َع ْمِرو بْ ِن ُشَعْي ٍب َع ْن أَبِ ِيه‬ ‫ٍ‪‬‬ ‫[غافر‪]35 :‬‬
‫دِِّه َع ِن‬ ‫َع ْن َج‬
‫النَِّبّي‬
‫الر َج ِال َي ْغ َش ُاه ُم ال ُّ‪#‬ذ ُّل ِم ْن ُك ِّ‬
‫‪#‬ل‬ ‫صَوِر ِّ‬ ‫ال ‪ ( :‬يح َشر الْمَت َكِّبرو َن يوم الِْقيامِة أَمثَ َال َّ ِ‬
‫الذِّر في ُ‬ ‫ُ ْ ُ ُ ُ َْ َ َ َ ْ‬ ‫ِ ‪ S‬قَ َ‬
‫‪1‬كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية يف العقيدة ‪ ، 465 / 8‬وتفسري القرطيب ‪. 139 /2‬‬
‫‪2‬مفردات ألفاظ القرآن ص ‪. 184‬‬
‫‪3‬مسلم كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك يف اهلل ويف نسخة باب حترمي الرياء ‪. )2986 ( 4/2289‬‬
‫(‪)14‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ص‪َ #‬ارِة‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬ان ‪َ ،‬فيُ َس‪#‬اقُو َن ِإلَى ِس‪ْ #‬ج ٍن ِفي َجَهن ََّم يُ َس‪َّ #‬مى بُ‪##‬ول‬ ‫م َ‪#‬ك ٍ‬
‫‪#‬وه ْم نَ‪#ُ #‬ار ا َألْنٍَي‪##‬ا ِر يُ ِْس‪َ#‬قْو َن م ْن ُع َ‬
‫َس َتْعلُ‪ُ #‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫أ َْه ِل النَّا ِر ِط َينِة اْل َخَب ِ‪#‬ال ) (‪ ، )1‬وعند مسلم من حديث ابْ ِن َم ْس ُعود ‪ ‬أَن النَِّبيِ ‪ S‬قَ َال ‪:‬‬
‫ب أَ ْن‬‫‪#‬ل يُ ِح ُّ‬ ‫‪#‬ل ‪ِ :‬إ َّن َّ‬
‫الر ُ‪#‬ج َ‬ ‫‪#‬ال َر ُ‪#‬ج ٌ‬ ‫‪#‬ال َذَّرٍة ِم ْن ِكْب ‪ٍ #‬ر ‪ ،‬قَ‪َ #‬‬
‫ْجنََّة َم ْن َ‪#‬ك‪#‬ا َن ِفي َقْلِب‪#ِ #‬ه ِمْثَق‪ُ #‬‬
‫( َال يَ‪#ْ #‬د ُخ ُل ال َ‬
‫ط‬‫‪#‬ق َو َغ ْ‪#‬م ُ‬
‫ْح ِّ‬ ‫ب الْجم َ ِ‬ ‫‪#‬ال ‪ِ :‬إ َّن اللََّه ج ِمي ِ‬
‫‪#‬ال الْكْب ُ‪#‬ر بَطَ ُ‪#‬ر ال َ‬ ‫‪#‬ل يُح ُّ َ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫يَ ُكو َن َثْوبُُه َح َسًنا َوَنْعلُُه َح َس‪َ#‬نًة ‪ ،‬قَ َ‬
‫َّاس ) (‪.)2‬‬ ‫الن ِ‬
‫‪   -11‬الخالق ‪:‬‬
‫اخلالق في اللغة اسم فاعل فعله خلق خيلق خلقا ‪ ،‬واخللق مص در من الفعل خلق‬
‫ومنه قوله ‪  :‬الَِّذي أ َْح َس‪َ #‬ن ُك َّ‪#‬ل َش‪ْ #‬يٍء َخَلَق ُ‪#‬ه َوبَ‪َ #‬دأَ َخْل َ‪#‬ق اإلنس‪#‬ان ِم ْن ِطي ٍن ‪[ ‬السجدة‪، ]7 :‬‬
‫اخللق أيضا مبعىن املخلوق ‪ ،‬ومنه قوله تعاىل ‪َ  :‬ه َذا َخْل ُ‪#‬ق اللَِّه فَ‪#‬أَُرونِي َم‪#‬ا َذا َخَل َ‪#‬ق‬ ‫وي أيت َ‬
‫الَِّذ َين ِم ْن ُدونِِه ‪[ ‬لقمان‪ ، ]11 :‬واخللق أصله التقدير املستقيم ويستعمل يف إبداع‬
‫(‪) 3‬‬

‫الشيء من غري أصل وال احتذاء ويف إجياد الشيء من الشيء (‪. )4‬‬
‫واخللق قد يأيت أيضا مبعىن الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يؤلف وينشئ كالما‬
‫ال يطابق احلقيقة ‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪ِ  :‬إنَّما َتْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬
‫ون اللَِّه أَْوثَان‪#‬اً َوتَ ْخلُُق‪#‬و َن ِإ ْفكا ‪‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫[العنكبوت‪ ، ]17 :‬وقوله ‪ِ  :‬إ ْن َه َذا ِإال ُخلُ ُق الأََّول َين ‪[ ‬الشعراء‪. ]137 :‬‬
‫(‪) 5‬‬

‫تكن َمْو ُج ودة وق در‬ ‫واخلالق يف أمساء اهلل هو ال ذي ْأوجد مجي َع األش ياء بعد أن مل ْ‬
‫أمورها يف األزل بعد أن ك انت معدومة ‪ ،‬واخلالق أيضا هو ال ذي ركب األش ياء‬
‫تركيبا ورتبها بقدرته ترتيبا ‪ ،‬فمن األدلة على معنى اإلنشاء واإلبداع وإجياد األشياء‬
‫‪#‬ل ِم ْن َخ‪##‬الٍِق َغْي‪#ُ #‬ر اللَِّه‬ ‫من الع دم قوله تع اىل ‪  :‬يا أَُّيها النَّاس ا ْذ ُك‪##‬روا نِْعم َ َِّ‬
‫ت الله َعَلْي ُك ْم َه‪ْ #‬‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬
‫ض ال ِإلَ ‪#َ #‬ه ِإال ُه‪#َ #‬و فَ‪# #‬أَنَّى ُتْؤفَ ُك‪##‬و َن ‪[ ‬ف اطر‪ ]3:‬ومن األدلة على‬ ‫األر ِ‬ ‫ي‪##‬رزقُ ُكم ِمن ال َّ ِ‬
‫س‪َ # #‬ماء َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫معنى ال رتكيب وال رتتيب ال ذي ي دل عليه امسه اخلالق قوله تع اىل ‪  :‬ثُ َّم َخَلْقَنا النُّ ْطَف‪َ #‬ة‬
‫َحم‪#‬اً ثُ َّم أَنْ َش‪ْ#‬أنَ ُاه َخْلق‪#‬اً آ َ‪#‬خ َ‪#‬ر‬ ‫ِ‬ ‫ض‪#‬غًَة فَ َخَلْقنا الْم ْ ِ‬
‫ض‪#‬غََة عظَام‪#‬اً فَ َك َس‪ْ#‬ونَا الْعظَ‪#َ #‬ام ل ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َعَلَق‪ً #‬ة فَ َخَلْقَنا الَْعَلَق‪َ #‬ة ُم ْ‬
‫َفَتَب َار َك اهلل أ َْح َس ُن اْل َخالق َين ‪[ ‬املؤمنون‪ ، ]14 :‬وخالصة ما ذكره العلماء يف معىن اخلالق‬ ‫ِ‬‫ِ‬
‫(‪) 6‬‬
‫أنه من التقدير وهو العلم السابق ‪ ،‬أو القدرة على اإلجياد والتصنيع والتكوين ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن معىن اخلالق ق ائم عليهما معا ‪ ،‬ألن ح دوث املخلوق ات مرتب ط عن د‬
‫‪1‬الرتمذي يف كتاب صفة القيامة ‪ )2492 ( 4/655‬وحسن األلباين يف صحيح اجلامع ( ‪. )8040‬‬
‫‪2‬مسلم يف اإلميان ‪ ،‬باب حترمي الكرب وبيانه ‪. )91 ( 1/93‬‬
‫‪3‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 166‬لسان العرب ‪.2/1244‬‬
‫‪4‬مفردات ألفاظ القرآن ص ‪. 296‬‬
‫‪5‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 167‬‬
‫‪6‬املقصد األسىن ص ‪ ، 72‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 36‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪. 211‬‬
‫(‪)15‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫السلف بمراتب القدر ‪ ،‬فكل خملوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه ال بد أن مير بأربع‬
‫مراتب ‪ ،‬وهي علم اهلل السابق وتقدير كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ‪ ،‬وتنظيم أمور‬
‫اخلل ق قب ل إجياده وإم داده ‪ ،‬وه و علم التق دير وحس اب املق ادير ‪ ،‬مث بع د ذل ك مرتب ة‬
‫الكتابة وهي كتابة املعلومات وت دوينها ب القلم يف كلمات ‪ ،‬فاهلل كتب م ا خيص ك ل‬
‫خملوق يف اللوح احملفوظ ؛ كتب فيه تفصيل خلقه وإجياده وما يلزم لنشأته وإعداده مث‬
‫هدايته وإمداده ومجيع ما يرتبط بتكوينه وترتيب حياته ‪ ،‬مث بعد ذلك املرتبة الثالثة من‬
‫مراتب القدر وهي مرتبة املشيئة فليس يف الكون مشيئة عليا إال مشيئة اهلل ‪ ،‬فما شاء‬
‫كان وما مل يشأ مل يكن ‪ ،‬واملسلمون من أوهلم إىل آخرهم جممعون على ذلك ‪ ،‬مث تأيت‬
‫املرتبة الرابعة من مراتب القدر وهي مرتبة خلق األشياء وتكوينها وتصنيعها وتنفيذها‬
‫وفق ما قدر هلا مبشيئة اهلل يف اللوح احملفوظ ‪ ،‬قال ابن القيم ‪ ( :‬مراتب القضاء والقدر‬
‫اليت من مل يؤمن هبا مل يؤمن بالقضاء والقدر أربع مراتب ‪ :‬املرتبة األوىل علم الرب‬
‫سبحانه باألشياء قبل كوهنا ‪ ،‬املرتبة الثانية كتابته هلا قبل كوهنا ‪ ،‬املرتبة الثالثة مشيئته‬
‫هلا ‪ ،‬والرابعة خلقه هلا ) (‪ ، )1‬فاهلل سبحانه خالق كل شيء تقديرا وقدرة ‪ ،‬ومراتب‬
‫الق در هي املراحل اليت مير هبا املخل وق من كونه معلومة يف علم اهلل إىل أن يص بح‬
‫واقعا خملوقا مشهودا ‪.‬‬
‫‪   -12‬البارئ ‪:‬‬
‫البارئ يف اللغة اسم فاعل فعله برأ يربأ برءا ‪ ،‬وَبرُء بضم الراء أي خال من العيب‬
‫أو التهمة واملذمة ‪ ،‬وخلص منها وتنزه عن وصفه ب النقص ‪ ،‬وأبرأ فالنا من حق‬
‫له عليه أي خلصه منه ‪ ،‬وب رئ املريض أي ش في من مرضه (‪ ، )2‬ويف ص حيح‬
‫ِ‬ ‫ال ‪ ( :‬لِ ُ‪#‬ك ِّ ٍ‬ ‫مسلم من حديث ج ابٍِر ‪ ‬أ ْن رس ِ‬
‫يب َدَو ُاء‬ ‫‪#‬ل َداء َدَو ٌاء فَ‪ِ#‬إ َذا أُص‪َ #‬‬ ‫ول اهلل ‪ S‬قَ َ‬ ‫َ (‪ُ َ )3‬‬
‫َّاء َبَرأَ بِإ ْذ ِن اللَِّه َعَّز َو َجل ) ‪ ،‬وال ربيء مرادف لل رباء كما يف قوله تعاىل ‪َ  :‬وَمن‬ ‫الد ِ‬
‫يم َألبِي ِ‪#‬ه‬ ‫ي ْك ِس‪#‬ب َخ ِط َيئ‪ً #‬ة أَو ِإثْما ثُ َّم ي‪#‬رِم بِ ِ‪#‬ه ب ِر ًيئا ‪[ ‬النساء‪ ، ]112 :‬وقوله ‪  :‬وِإ ْذ قَ َ ِ ِ‬
‫‪#‬ال إْب َ‪#‬راه ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ً َْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫َوَقْوِمِه إنني َبَراء ِّمَّما َتْعبُ ُدو َن ‪[ ‬الزخرف‪ ، ]26 :‬ويقال ‪ :‬بريت القلم أي جعلته صاحلا‬ ‫ِ‬‫َّ‬‫ِ‬
‫للكتابة ‪ ,‬وبريت السهم أي جعلته مناسبا وصاحلا لإلصابة ‪ ،‬وقال الشاعر ‪:‬‬
‫يا باري القوس بريا ليس يحكمه ‪ :‬ال تفسد القوس أعط القوس باريها (‪. )4‬‬
‫ق ال أبو إس حاق ‪ ( :‬ال ربء خلق على ص فة ‪ ،‬فكل م ربوء خمل وق ‪ ،‬وليس كل‬
‫‪1‬انظر تفصيل هذه املراتب والدليل عليها يف شفاء العليل ص ‪ 29‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪2‬تفسري غريب القرآن البن قتيبة ص ‪ ، 15‬جامع األصول يف أحاديث الرسول البن األثري ‪. 4/177‬‬
‫‪3‬مسلم كتاب السالم ‪ ،‬باب لكل داء دواء واستحباب التداوي ‪. )2204 ( 4/1729‬‬
‫‪4‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 242‬ولسان العرب ‪ ، 1/239‬وصبح األعشى ‪. 2/485‬‬
‫(‪)16‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫خملوق مربوءا ‪ ،‬وذلك ألن الربء من تربئة الشيء من الشيء من قوهلم ‪ :‬برأت‬
‫رئت من‬ ‫من املرض وب‬
‫ّ‬
‫الد‬
‫(‪) 1‬‬
‫َْين أبرأ منه ‪ ،‬فبعض اخللق إذا فصل من بعض مسي فاعلة بارئا ) ‪.‬‬
‫ْرأ كفعل الزم ف إن معن اه الس امل اخلايل من‬ ‫َ‬ ‫والب ارئ إذا ك ان تق دير فعله ب رء َيب‬
‫النق ائص والعي وب ‪ ،‬والب ارئ س بحانه له الكم ال املطلق يف ذاته وص فاته وأفعاله ‪،‬‬
‫ت نزه عن كل نقص وتق دس عن كل عيب ‪ ،‬ال ش بيه له وال مثيل ‪ ،‬وال ند له وال‬
‫نظري ‪ ،‬أما إذا ك ان الب ارئ تق دير فعله أب رأ كفعل متعد ملفع ول ‪ ،‬فالب ارئ س بحانه‬
‫يعين واهب احلياة لألحياء ‪ ،‬الذي خلق األشياء صاحلة ومناسبة للغاية اليت أرادها ‪،‬‬
‫وهو سبحانه الذي يُِتم الصنعة على وجه التدبري ‪ ،‬ويظهر املقدور وفق سابق التقدير‬
‫‪#‬اب ِم ْن َقْب ِ‪#‬ل‬
‫ض َوال ِفي أَْنُف ِس‪ُ #‬ك ْم ِإال ِفي ِكَت ٍ‬‫األر ِ‬ ‫‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬ما أَص‪ِ ٍ ِ ِ #‬‬
‫اب م ْن ُمص‪َ #‬يبة في ْ‬
‫َ َ َ‬
‫أ َْن َنْبَرأََها ِإ َّن َذلِ‪#َ #‬ك َعَلى اللَِّه يَس ‪ٌ #‬ير ‪[ ‬احلدي د‪ ، ]22 :‬والب ارئ أيضا هو ال ذي أب رأ‬
‫(‪) 2‬‬ ‫ِ‬
‫اخللق ‪ ،‬وفصل كل جنس عن اآلخر ‪ ،‬وصور كل خملوق مبا ينساب الغاية من‬
‫خلقه ‪ ،‬ق ال أبو علي ‪ ( :‬هو املعىن ال ذي به انفص لت الص ور بعض ها من‬
‫بعض ‪ ،‬فص ورة زيد مفارقة لص ورة عم رو وص ورة محار مفارقة لص ورة ف رس‬
‫فتبارك اهلل خالقا وبارئا ) (‪. )3‬‬
‫‪   -13‬المصور ‪:‬‬
‫صور‬‫املصور يف اللغة اسم فاعل للموصوف بالتصوير ‪ ،‬فعله صور وأصله صار يَ ُ‬
‫صورا ‪ ،‬وصور الشيء أي جعل له شكال معلوما ‪ ،‬وصور الشيء قطعه وفصله‬ ‫ْ‬
‫وم يزه عن غ ريه ‪ ،‬وتص ويره جعله على ش كل متص ور وعلى وصف معني ‪،‬‬
‫والص ورة هي الش كل واهليئ ة‪ ‬أو ال ذات املتم يزة بالص فات (‪ ، )4‬ق ال ال راغب ‪( :‬‬
‫الص ورة ما ينتقش به األعي ان ويتم يز هبا غريها ‪ ،‬وذلك ض ربان ‪ :‬أح دمها حمس وس‬
‫يدركه اخلاصة والعامة بل يدركه اإلنس ان وكثري من احلي وان باملعاينة كص ورة‬
‫اإلنسان والفرس واحلمار ‪ ،‬والثاين معقول يدركه اخلاصة دون العامة كالصورة اليت‬

‫‪1‬تفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪. 37‬‬


‫‪2‬األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 40‬واملقصد األسىن ص ‪ ، 72‬وتفسري القرطيب ‪ ، 18/48‬وشرح أمساء‬
‫اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 216‬والكشاف للزخمشري ‪. 4/85‬‬
‫‪3‬تفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪. 37‬‬
‫‪4‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 243‬‬
‫(‪)17‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫اختص اإلنسان هبا من العقل والروية واملعاين اليت ُخص هبا شيء بشيء ) (‪. )1‬‬
‫واملصور سبحانه هو الذي صور املخلوقات فيه بش ىت أنواع الصور اجللية واخلفية‬
‫واحلسية والعقلية ‪ ،‬فال يتماثل جنسان أو يتساوى نوعان بل ال يتساوى فردان ‪،‬‬
‫فلكل ص ورته وس ريته وما خيصه ومييزه عن غ ريه ‪ ،‬والص ور متم يزة ب ألوان‬
‫وأشكال يف ذاهتا وصفاهتا ‪ ،‬وإحصاؤها يف نوع واحد ‪ ،‬أو حصرها يف جنس‬
‫واحد أمر يعجز العقل وي ذهل الفكر ‪ ،‬فاملص ور يف أمساء اهلل احلسىن هو مب دع‬
‫ص ور املخلوق ات ومزينها حبكمته ‪ ،‬ومعطي كل خمل وق ص ورته على ما اقتضت‬
‫مش يئته وحكمته ‪ ،‬وهو ال ذي ص ور الن اس يف األرح ام أط وارا ‪ ،‬ون وعهم أش كاال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آلدَم‬ ‫صَّوْرنَا ُك ْم ثُ َّم ُقلَْنا لل َْمالئِ َكة ْ‬
‫اس ُج ُدوا َ‬ ‫كما قال ربنا تبارك وتعاىل ‪َ  :‬ولََق ْد َخَلْقَنا ُك ْم ثُ َّم َ‬
‫من ال َّس‪ِ #‬اج ِد َين ‪[ ‬األعراف‪ ، ]11 :‬واهلل عز وجل كما صور‬ ‫َ‬ ‫يس ل َْم يَ ُك ْن‬
‫َ‬ ‫فَ َس‪َ #‬ج ُدوا ِإال ِإبِْل‬
‫األبدان فتعددت وتنوعت نوع يف األخالق فتتعدد صور األخالق والطباع‪. )2( ‬‬
‫وأعظم تك رمي لإلنس ان من اهلل املص ور أنه خلقه على ص ورته يف‬
‫املعىن اجملرد ليس تخلفه يف أرضه ويس تأمنه يف ملكه ‪ ،‬روى البخ اري‬
‫ومسلم من حديث أَبِي هريرة ‪ ‬أ ِن النيب ‪ S‬قال ‪َ ( :‬خَل َق اهلل َ‬
‫آدَم َعَلى‬
‫ص‪ِ #‬‬
‫النَ‪#‬ف ِر‬ ‫ب فَ َس‪ِّ#‬ل ْم َعَلى أُولَِئ َ‬
‫‪#‬ك َّ‬ ‫‪#‬ال ا ْذ َه ْ‬‫اعا ‪َ ،‬فَل َّما َخَلَق ُ‪#‬ه قَ َ‬ ‫ورتِه طُولُ ُ‪#‬ه ِس‪#‬تُّو َن ِذَر ً‬ ‫ُ َ‬
‫ك ؛ َفَق َال ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َوتَحيَُّة ُذِّريَّت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك فَإَّنَها تَحيَّتُ َ‬ ‫ِ‬
‫اسَتم ْع َما يُ َحيُّونَ َ‬
‫وس فَ ْ‬‫الئ َكة ُجلُ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬‫ِم َن ال َْم َ‬
‫اهلل ‪ ،‬فَكل‬ ‫وه ور ْحمة ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َوَر ْح َمة اهلل َف‪#َ #‬ز ُاد ُ َ َ َ‬ ‫الُم َعَلْي َ‬
‫الس َ‬
‫الُم َعَلْي ُك ْم ‪َ :‬فَقالُوا ‪َّ :‬‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬
‫ص َبْع‪ُ #‬د َحتَّى اآل َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آدَم ‪َ ،‬فَل ْم َي‪#َ #‬زل اْل َخْل‪#ُ #‬ق َيْنُق ُ‬ ‫ورة َ‬ ‫ص‪َ #‬‬
‫ْجنََّة َعَلى ُ‬ ‫َم ْن يَ‪#ْ #‬د ُخ ُل ال َ‬
‫) (‪. )3‬‬
‫واحلديث ظ اهر املعىن يف أن اهلل ص ور آدم وجعل له مسعا وبص را‬
‫وعلما وحكما وخالفة وملكا وغري ذلك من األوص اف املش رتكة عند‬
‫التج رد واليت يصح عند إطالقها اس تخدامها يف حق اخلالق واملخل وق‬
‫‪ ،‬فاهلل عز وجل له ص ورة وآدم له ص ورة ولفظ الص ورة عند‬
‫التج رد ال يعين أبد التماثل وال يك ون علة للتش بيه إال عند من‬
‫فسدت فطرته من املشبهة واملعطلة ‪ ،‬أما الصورة عند اإلضافة والتقييد‬
‫‪1‬مفردات ألفاظ القرآن ص ‪. 497‬‬
‫‪2‬األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 44‬واملقصد األسىن ص ‪ ، 72‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪217‬‬
‫‪.‬‬
‫‪3‬البخاري يف االستئذان ‪ ،‬باب بدء السالم ‪ ، )5873 (5/2299‬ومسلم يف كتاب اجلنة ‪2841 (4/2183‬‬
‫)‪.‬‬
‫(‪)18‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫فصورة احلق ال يعلم كيفيتها إال هو ‪ ،‬ألننا ما رأيناه وما رأينا له‬
‫مثيال ‪ ،‬أما صورة آدم فمعلومة املعىن والكيفية ‪ ،‬وقد خلق اهلل آدم‬
‫على ص ورته س بحانه يف الق در املش رتك مع ثب وت الف ارق عند أهل‬
‫التوحيد ‪ ،‬وقد ق ال ابن تيمية ‪ ( :‬ما من ش ‪##‬يئين إال بينهما ق ‪##‬در مش ‪##‬ترك‬
‫وق ‪##‬در ف ‪##‬ارق فمن نفى الق ‪##‬در المش ‪##‬ترك فقد عطل ‪ ،‬ومن نفى الق ‪##‬در الف ‪##‬ارق‬
‫فقد مثل ) (‪ ، )1‬واحلديث عن ذلك له موض عه ‪ ،‬والقصد أن املص ور‬
‫سبحانه خص اإلنسان بهيئة متميزة من خالهلا يدرك بالبصر والبصرية‬
‫أو‬ ‫‪ ،‬وأسجد له بعد تصويره املالئكة ‪ ،‬وليس بعد ذلك شرف‬
‫فضيلة (‪. )2‬‬
‫‪   -14‬األول ‪:‬‬
‫األول يف اللغة على وزن أفعل ‪ ،‬تأس يس فعله من مهزة وواو والم ‪ ،‬آل ي ؤول ْأوال‬
‫وقد قيل من واوين والم ‪ ،‬واألول أفصح وهو يف اللغة ص فة مش بهة للموص وف‬
‫باألولية وهو ال ذي ي رتتب عليه غ ريه ‪ ،‬واألولية أيضا الرج وع إىل أول الش يء‬
‫ومب دؤه أو مص دره وأص له ‪ ،‬ويس تعمل األول للمتق دم بالزم ان كقولك عبد امللك‬
‫أوال مث املنصور ‪ ،‬واملتقدم بالرياسة يف الشيء وكون غريه حمتذيا به حنو األمري أوال‬
‫مث الوزير واملتقدم بالنظام الصناعي حنو أن يقال ‪ :‬األساس أوال مث البناء (‪. )3‬‬
‫واألول سبحانه هو الذي مل يسبقه يف الوجود شيء ‪ ،‬وهو الذي عال بذاته وشأنه‬
‫فوق كل شيء ‪ ،‬وهو الذي ال حيتاج إىل غريه يف شيء ‪ ،‬وهو املستغين بنفسه عن‬
‫كل ش يء (‪ ، )4‬ف األول اسم دل على وصف األولية ‪ ،‬وأولية اهلل تقدمه على‬
‫كل من س واه يف الزم ان ‪ ،‬فهي مبعىن الَقبلية خالف البعدية ‪ ،‬أو التق دم خالف‬
‫التأخر ‪ ،‬وهذه أولية زمانية ‪ ،‬ومن األولية أيضا تقدمه سبحانه على غريه تقدما‬
‫مطلقا يف كل وصف كم ال وه ذا معىن الكم ال يف ال ذات والص فات يف مقابل‬
‫العجز والقص ور لغ ريه من املخلوق ات فال يدانيه وال يس اويه أحد من خلقه ألنه‬
‫سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله ‪ ،‬فاألول هو املتصف باألولية ‪ ،‬واألولية وصف‬
‫هلل وليس ت ألح د س واه (‪ ، )5‬ورمبا يستش كل البعض وص ف اهلل باألولي ة م ع وص فه‬
‫‪1‬الرسالة التدمرية ضمن جمموع الفتاوى ‪. 3/69‬‬
‫‪2‬انظر أقوال العلماء يف املراد حبديث بقوله خلق اهلل آدم على صورته ‪ ،‬فتح الباري ‪. 5/183‬‬
‫‪3‬مفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 100‬وكتاب العني ‪ ، 8/368‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 204‬‬
‫‪4‬السابق ص ‪ ، 100‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 25‬‬
‫‪5‬األمساء والص فات لل بيهقي ص ‪ ، 24‬تفسري أمساء اهلل للزج اج ص ‪ ، 60‬وش رح أمساء اهلل لل رازي ص‬
‫‪. 325‬‬
‫(‪)19‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫بدوام اخلالقية والقدرة والفاعلية ‪ ،‬فإذا كان اهلل عز وجل هو األول الذي ليس قبله‬
‫شيء ‪ ،‬فهل يعين ذلك أنه كان معطال عن الفعل مث أصبح خالقا فاعال قادرا بعد أن‬
‫مل يكن ؟‬
‫واجلواب عن ذلك أن يقال ‪ :‬إن اهلل عز وجل موصوف بأنه مريد فعال يفعل ما يشاء‬
‫الم ِجيد ُ َفَّع ٌال لِ َم‪#‬ا يُِري‪ُ #‬د ‪[ ‬الربوج‪ ، ]16 :‬وقد بني‬ ‫ش َ‬ ‫وقت ما يشاء كما قال ‪ُ  :‬ذو َ‬
‫العْر ِ‬
‫اهلل عز وجل أنه قبل وجود السماوات واألرض مل يكن سوى العرش واملاء كما جاء‬
‫ات واألَر ِ ِ ِ‬ ‫يف قوله تعاىل ‪  :‬وهو ِ‬
‫الماء ‪‬‬ ‫ض في ستَّة أَيَّ ٍام َو َكا َن َعْر ُش ُه َعلى َ‬‫السَم َاو ِ َ ْ َ‬ ‫لق َّ‬
‫الذي َخ َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬
‫له ‪،‬‬ ‫[هود‪ ، ]7 :‬ومن حديث ع ْمَرا َن ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قَال ‪َ ( :‬كا َن ُ‬
‫اهلل َو ْلم يَ ُك ْن َش ْيٌء َقْب ُ‬
‫ٍ (‪) 1‬‬ ‫الم ِ‬
‫ب ِفي ال‪#ِّ #‬ذ ْك ِر ُ‪#‬ك‪#‬ل َش‪ْ #‬يء ) ‪،‬‬ ‫األرض ‪َ ،‬و َكَت َ‬
‫‪#‬اء ‪ ،‬ثُ َّم َخل‪#َ #‬ق ال َّ ِ‬
‫س‪َ #‬م َاوات َو ْ‬ ‫َو َ‪#‬ك‪#‬ا َن َعْر ُش‪ُ #‬ه َعلى َ‪#‬‬
‫ورمبا يسأل سائل ويقول ‪ :‬وماذا قبل العرش واملاء ؟‬
‫واجلواب ‪ :‬أن اهلل قد ش اء أن يوقف علمنا عن بداية املخلوق ات عند الع رش واملاء‬
‫فق ال تع اىل ‪  :‬وال يُ ِحيطُ‪##‬و َن بِ َش ‪ْ #‬يٍء ِم ْن ِع ِلم‪#ِ #‬ه ِإال بَِما َش ‪َ #‬اء ‪[ ‬البق رة‪ ، ]255 :‬فاهلل أعلم هل‬
‫توجد خملوق ات قبل الع رش واملاء أم ال ؟ لكننا نعتقد أن وجودها أمر ممكن متعلق‬
‫مبش يئة اهلل وقدرته ‪ ،‬فاهلل أخربنا أنه خيلق ما يش اء ‪ ،‬ويفعل ما يش اء وهو على ما‬
‫يشاء قدير ‪ ،‬وأنه متصف بصفات األفعال ‪ ،‬ومن لوازم الكمال أنه فعال ملا يريد على‬
‫الدوام أزال وأبدا سواء كان ذلك قبل العرش واملاء أو بعد وجودمها ‪ ،‬لكن اهلل أوقف‬
‫علمنا عند هذا احلد ‪ ،‬كما أن جهلنا بذلك ال يؤثر فيما خيصنا أو يتعلق حبياتنا من‬
‫معلومات ضرورية لتحقيق الكمال يف حياة اإلنسان ‪ ،‬قال سليمان التيمي رمحه اهلل ‪:‬‬
‫( لو سئلت ‪ :‬أين اهلل ؟ لقلت ‪ :‬يف السماء ‪ ،‬فإن قال السائل ‪ :‬أين كان عرشه قبل‬
‫السماء ؟ لقلت ‪ :‬على املاء ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬فأين كان عرشه قبل املاء ؟ لقلت ‪ :‬ال أعلم )‬
‫‪ ،‬ويعقب اإلمام البخاري رمحه اهلل بقوله ‪ ( :‬وذلك لقول اهلل تعاىل ‪  :‬وال يُ ِحيطُ‪#‬و َن‬
‫(‪) 2‬‬

‫بِ َش ْيٍء ِم ْن ِع ِلمِه ِإال بَِما َش َاء ‪[ ‬البقرة‪ ]255 :‬يعين إال مبا بني ) (‪. )3‬‬
‫وه ذه املس ألة تسمى يف ب اب العقي دة بالتسلس ل وه و ت رتيب وج ود املخلوق ات يف‬
‫متوالية مستمرة غري متناهية من األزل واألبد ومعتقد السلف الصاحل أن التسلسل يف‬
‫األزل جائز ممكن وال يلزم من ذلك أن اخللق يشارك الله يف األزلية واألولية (‪. )4‬‬
‫‪   -15‬اآلخر ‪:‬‬
‫‪1‬البخاري يف كتاب بدء اخللق ‪ ،‬باب ما جاء يف قوله وهو الذي يبدأ اخللق مث يعيده ‪. )3019 ( 3/1166‬‬
‫‪2‬خلق أفعال العباد ص ‪. 37‬‬
‫‪3‬السابق ‪. 37‬‬
‫‪4‬شرح العقيدة الطحاوية ص ‪. 135‬‬
‫(‪)20‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫واآلخ ُر ما‬ ‫اآلخر يف اللغة اسم فاعل ملن اتصف باآلخرية ‪ ،‬فعله أَخر ي ْأخر أخ را ‪ِ ،‬‬
‫َ َ‬
‫يقابل األََّول ‪ ،‬ويقال أيضا ملا بقي يف املدة الزمنية ‪ ،‬ويقال للثاين من األرقام العددية‬
‫أو ما يعقب األول يف البعدية والنوعية ‪ ،‬ويق ال أيضا ملا بقي يف املواضع املكانية ‪،‬‬
‫اآلخ ُر ال ذي يقابل األََّول قوله تع اىل ‪َ  :‬رَّبَنا أَنْ ‪ِ #‬ز ْل َعَلْيَنا‬ ‫وهناية اجلمل الكالمية ‪ ،‬فمن ِ‬
‫آخ ِرنَا ‪[ ‬املائدة‪ ، ]114 :‬ومن اآلخر الذي يقال‬ ‫السم ِاء تَ ُكو ُن لَنا ِعيداً ألََّولِنا و ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َمائ َدًة م َن َّ َ‬
‫‪#‬اب ِآمنُ‪#‬وا بِالَّ ِذي أُنْ‪ِ #‬ز َل‬ ‫َت طَائَِ‪#‬ف ٌة ِمن أ َْه ِ‪#‬ل ال ِ‬
‫ْكَت ِ‬ ‫ْ‬ ‫ملا بقي يف املدة الزمنية ‪ ،‬قوله تعاىل ‪َ  :‬وقَ‪#‬ال ْ‬
‫آخ َرُه لََعلَُّه ْم َيْر ِجُع‪#‬و َن ‪[ ‬آل عمران‪ ، ]72 :‬وكذلك‬ ‫آمنُ‪#‬وا َو ْج َ‪#‬ه النََّه‪#‬ا ِر َو ْاكُف ُ‪#‬روا ِ‪#‬‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫َعَلى الذ َ‬
‫ص‪#‬لَّى بَِنا النَِّب ُي ‪ S‬الِْع َش‪َ #‬اء‬‫ال ‪َ ( :‬‬ ‫ما رواه البخاري من حديث عبد اهلل بن ُع َم َر ‪ t‬أنه قَ َ‬
‫آخ ِر َحَياتِ‪#ِ#‬ه ) (‪ ، )1‬ومن اآلخر الذي يقال للثاين من األرقام العددية أو ما يعقب‬ ‫ِفي ِ‪#‬‬
‫األول يف البعدية والنوعية قوله تع اىل ‪  :‬ثُ َّم أَ ْغَرقَْنا اآل َخ‪ِ # #‬ر َين ‪[ ‬الش عراء‪ ، ]66 :‬ومن‬
‫اس‬ ‫اآلخر الذي يقال ملا بقي يف املواضع املكانية ما رواه البخاري من حديث ابْ َن َعبَّ ٍ‬
‫لحَ‪#‬ف ًة َعَلى َمْن ِكَبْي ِ‪#‬ه )‬ ‫ِ‬ ‫ص‪ِ #‬ع َد النَِّبي ‪ S‬ال ِْمْنَب َ‪#‬ر َو َك‪#‬ا َن ِ‪#‬‬
‫آخ َر َم ْجِل ٍ‬
‫س َجَل َس‪ُ #‬ه ُمَتَعطًِّفا م َ‬ ‫ال ‪َ ( :‬‬ ‫‪ t‬أنه قَ َ‬
‫آخ ُر َد ْع‪#َ #‬و ُاه ْم أ َِن‬ ‫ِ‬
‫(‪ ، )2‬ومن اآلخر ال ذي يق ال لنهاية اجلمل الكالمية قوله تع اىل ‪َ  :‬و ‪#‬‬
‫ْح ْم ُد لِلَِّه َر ِّب الَْعال َِم َين ‪[ ‬يونس‪. ]10 :‬‬ ‫ال َ‬
‫واآلخر سبحانه (‪)3‬هو املتصف بالبقاء واآلخرية فهو اآلخر الذي ليس بعده شيء الباقي‬
‫بعد فن اء اخللق ‪ ،‬وهن ا س ؤال يط رح نفس ه عن كيفي ة اجلم ع بني وص ف اهلل ع ز‬
‫وج ل بأن ه اآلخ ر الب اقي ال ذي ليس بع ده ش يء وبق اء املخلوق ات يف اجلن ة ودوامه ا‬
‫وأبديتها ‪ ،‬كما قال تعايل عن أهل اجلنة ونعيمها ودوام متعتها ولذهتا للمؤمنني ‪  :‬قَال‬ ‫ِ‬
‫َّات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحِتَها ا َألْنَه‪#‬ار َخال ِ‪#‬دين ِف َيه‪#‬ا أَب‪#‬دا ر ِ‬
‫ض‪َ #‬ي‬ ‫ين ِص ْد ُقُه ْم ُله ْم َجن ٌ‬ ‫اهلل ه َذا يوم يْنَفع َّ ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الصادق َ‬ ‫ُ َ َْ ُ َ ُ‬
‫الع ِظ ُيم ‪[ ‬املائدة ‪ ، ]119 :‬وقال سبحانه عن أهل النار‬ ‫ض‪َ ُ ْ َ َ َ ُ َْ #‬‬
‫ز‬ ‫‪#‬و‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫‪#‬ك‬ ‫ل‬‫ذ‬ ‫‪#‬ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫وا‬ ‫اهلل َعْنُه ْم َوَر ُ‬
‫ُ‬
‫ين ِف َيه‪#‬ا أَبَ‪#‬دا‬
‫َ‬
‫وله فَ‪ِ#‬إ َّن ل ُ‪#‬ه نَ‪#‬ار جهنَّم َخال ِ‬
‫‪#‬د‬ ‫َ ََ َ‬ ‫س‬
‫َ ََ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫اهلل‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬‫و‬
‫َ َ ْ َْ‬ ‫‪‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ألهلها‬ ‫اء‬ ‫شق‬ ‫ال‬ ‫ودوام‬ ‫وعذاهبا‬
‫‪#‬ل من َع ْليَ‪#‬ه ‪##‬ا فَ‪ٍ # #‬‬
‫الجالل‬ ‫ك ُذو َ‬ ‫‪#‬ان َوَيْبَقى َو ْ‪#‬ج‪#ُ #‬ه َربِّ َ‬ ‫‪[ ‬اجلن ‪ ]23 :‬؟ وما تفس ري قول ه ‪#ُ  :‬ك ‪ْ َ ُّ #‬‬
‫واإلكرام ‪[ ‬الرمحن‪ ، ]27 :‬وعند مسلم من حديث أيب هريرة ‪ t‬أن النيب ‪ S‬كان يقول‬
‫س َبْع َد َك َش ْيٌء ) (‪ )4‬؟‬ ‫لك َشيء ‪ ،‬وأَنْ َ ِ‬
‫ت اآلخُر فَ ْلي َ‬ ‫س َقْب َ ْ ٌ َ‬ ‫ت األََّو ُل فَ ْلي َ‬ ‫يف دعائه ‪ُ ( :‬‬
‫الله َّم أَنْ َ‬
‫قد يبدو يف الظاهر أن بقاء أهل اجلنة والنار أبدا متعارضا مع إفراد اهلل عز وجل بالبقاء‬
‫‪1‬البخاري يف العلم ‪ ،‬باب السمر يف العلم ‪. )116 ( 1/55‬‬
‫‪2‬البخاري يف اجلمعة ‪ ،‬باب من قال يف اخلطبة بعد الثناء أما بعد ‪. )885 ( 1/314‬‬
‫‪3‬انظر يف املعىن اللغوي ‪ :‬كتاب العني ‪ ، 4/303‬ولسان العرب ‪ ، 4/11‬والنهاية يف غريب احلديث ‪1/29‬‬
‫واملفردات ص ‪ ، 68‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 204‬‬
‫‪4‬مسلم يف كتاب الذكر والدعاء والتوبة ‪ ،‬باب ما يقول مث النوم وأخذ املضجع ‪. )2713 ( 4/2084‬‬
‫(‪)21‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وأنه اآلخر الذي ليس بعده شيء ‪ ،‬لكن هذا التعارض يزول إذا علمنا أنه ال بد أن‬
‫نفرق يف قضية البقاء واآلخرية بني ما يبقى ببقاء اهلل وما يبقي بإبقاء اهلل ‪ ،‬أو نفرق بني‬
‫بقاء الذات والصفات اإلهلية وبقاء املخلوقات اليت أوجدها اهلل كاجلنة والنار وما فيهما‬
‫‪ ،‬فاجلنة مثال باقية بإبقاء الل ه وما يتجدد فيها من نعيم متوقف يف وجوده على مشيئة‬
‫اهلل ‪ ،‬أما ذاته وصفاته فباقية ببقائه ‪ ،‬وش تان بني ما يبقي ببقاء الل ه وما يبقي بإبقائه ‪،‬‬
‫فاجلن ة خملوق ة خلقه ا اهلل ع ز وج ل وكائن ة ب أمره ورهن مش يئة وحكم ه فمش يئة اهلل‬
‫حاكمة علي ما يبقى وما ال يبقى ‪.‬‬
‫ومن مث فإن السلف الصاحل يعتربون خلد اجلنة وأهلها إىل ما ال هناية إمنا هو بإبقاء اهلل‬
‫وإرادته ‪ ،‬فالبقاء عندهم ليس من طبيعة املخلوقات وال من خصائصها الذاتية ‪ ،‬بل من‬
‫طبيعتها مجيعا الفناء ‪ ،‬فاخللود ليس لذات املخلوق أو طبيعته ‪ ،‬وإمنا هو مبدد دائم من‬
‫اهلل تعاىل وإبقاء مستمر ال ينقطع ‪ ،‬أما صفات اهلل عز وجل ومنها وجهه وعزته وعلوه‬
‫ورمحته ويده وقدرته وملكه وقوته فهي صفات باقية ببقائه مالزمة لذاته حيث البقاء‬
‫صفة ذاتية لل ه كما أن األزلية صفة ذاتية له أيضا ‪ ،‬فال بد إذا أن نفرق بني صفات‬
‫األفع ال اإلهلي ة وأب ديتها ومفع والت اهلل األبدي ة وطبيعته ا ‪ ،‬وه ذا م ا ج اء ب ه الق رآن‬
‫حيث فرق بني نوعني من البقاء ‪ ،‬األول وهو بقاء الذات بصفاهتا كما يف قوله تعاىل‬
‫الجالل واإلك‪##‬رام ‪[ ‬ال رمحن‪ ، ]27 :‬والث اين يف‬ ‫‪#‬ل من َع ْليَ‪#‬ه‪#‬ا فَ‪ٍ #‬‬
‫ك ُذو َ‬ ‫‪#‬ان َوَيْبَقى َو ْ‪#‬ج ُ‪#‬ه َربِّ َ‬ ‫‪#ُ  :‬ك ُّ َ ْ‬
‫اآلخ َرُة َخْي ٌ‪#‬ر َوأَْبَقى ‪[ ‬األعلى‪ ، ]17 :‬فاآلية األوىل دلت على صفة من‬ ‫قوله تعاىل ‪َ  :‬و ِ‪#‬‬
‫ص فات ال ذات وهى ص فة الوج ه ودلت على بق اء الص فة ببق اء ال ذات ف أثبتت بق اء‬
‫الذات بصفاهتا ‪ ،‬وأثبتت فناء ما دوهنا أو إمكانية فنائه ‪ ،‬إذ أن اهلل هو األول واآلخر‬
‫وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء ‪.‬‬
‫ومن مع اين اس م اهلل اآلخ ر أن ه ال ذي تنتهي إلي ه أم ور اخلالئ ق كله ا كما ورد عند‬
‫ت‬
‫ض‪ُ #‬‬ ‫ت َنْف ِس ‪#‬ي ِإلَْي‪َ #‬‬
‫‪#‬ك َوَفَّو ْ‬ ‫البخ اري من ح ديث ال رباء ‪ t‬أن النيب ‪ S‬ق ال ‪َّ ( :‬‬
‫اللُه َّم َأ ْس ‪َ#‬ل ْم ُ‬
‫ْجأَ َو َال َمْن َجا ِمْن َك ِإ َّال ِإلَْي َك ) (‪. )1‬‬ ‫ك َر ْهَبًة َوَر ْغَبًة ِإلَْي َ‬
‫ك ‪َ ،‬ال َمل َ‬ ‫ْت ظَْهِري ِإلَْي َ‬
‫ْجأ ُ‬ ‫أَْمِري ِإلَْي َ‬
‫ك َوأَل َ‬
‫‪   -16‬الظاهر ‪:‬‬
‫الظ ِاهُر يف اللغة اسم فاعل ملن اتصف ب الظهور ‪ ،‬والظ ِاهُر خالف الب اطن ‪ ،‬ظََه َر‬
‫يَ ْظَه ُر ظُُه وراً فهو ظ اهر وظهري ‪ ،‬والظه ور ي رد على ع دة مع ان ‪ ،‬منها العلو‬
‫طح يعين صار فوقه ‪ ،‬قال تعال ‪  :‬فََما‬‫الس ْ‬
‫واالرتفاع يقال ‪ :‬ظََهر على احلائط وعلى َّ‬
‫‪1‬البخاري يف الدعوات ‪ ،‬باب فضل من بات على الوضوء ‪. )244 ( 1/97‬‬
‫(‪)22‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ا ْس‪# #‬طَ ُاعوا أ َْن يَظَْه‪#ُ #‬ر ُوه َوَما ا ْس‪َ# #‬تطَ ُاعوا لَ ‪#ُ #‬ه َنْقب‪# #‬اً ‪[ ‬الكه ف‪ ، ]97 :‬أَي ما قَ َدُروا أَن َي ْعل وا عليه‬
‫الرتفاعه ‪ ،‬والظهور أيضا مبعىن الغلبة ‪ ،‬ظََهَر فال ٌن على فالن أَي قَ ِو َي عليه ‪ ،‬ويقال‬
‫َّ ِ‬
‫َظهر اهلل املس لمني على الك افرين أَي أَعالهم عليهم ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬فَأَيَّْدنَا الذ َ‬
‫ين‬ ‫‪:‬أ َ‬
‫َآمنُ‪#‬وا َعَلى َع‪ُ #‬دِّوِه ْم فَأَ ْص‪َ#‬ب ُحوا ظَ ِ‪#‬اه ِر َين ‪[ ‬الصف ‪ ، ]14‬أَي غالبني عالني ‪ ،‬والظهر مبعىن‬
‫ْر أَي مال من إِبل وغنم ‪ ،‬وفالن‬ ‫السند واحلماية وما يُركن إليه يقال ‪ :‬فالن له ظَه ٌ‬
‫ظهرا فَ َخَر به ‪ ،‬وعند البخاري من حديث أيب ُهَريَْرة ‪ t‬أن النَّيِب ‪ S‬قَ َال‬ ‫ظََهَر بالشيء ْ‬
‫ص‪َ ##‬دقَِة َما َك‪##‬ا َن َع ْن ظَْ‪#‬ه‪ِ #‬ر ِغًنى ) ‪ ،‬وي أيت الظه ور أيضا مبعىن البي ان وبُ ُدّو‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪َ ( :‬خْي‪#ُ #‬ر ال َّ‬
‫ْر ما غ اب عنك ‪ ،‬يق ال ‪ :‬تكلمت ب ذلك عن ظَهْ ِر‬ ‫اخلفي ‪ ،‬وك ذلك الظه ُ‬ ‫الش يء ّ‬
‫َغْيب ‪ ،‬ويق ال مَحَل فالن الق رآن على ظهْ ِر لس انه وعن ظَْهر قلبه ‪ ،‬وعند النس ائي‬
‫وصححه األلباين من حديث َس ْه ِل بْ ِن َس ْع ٍد ‪ t‬مرفوعا ‪َ ( :‬فَق َال ‪َ :‬ه ْل َتْقَرُؤ ُه َّن َع ْن ظَْه ِر‬
‫اهر بعضهم بعض اً أَعانه ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬وظَ َ‪#‬اهُروا‬ ‫َ‬ ‫ْب ؟ ) ‪ ،‬واملظاهرة املعاونة وظَ‬
‫(‪) 2‬‬
‫َقل ٍ‬
‫َ‬
‫عاونُوا (‪. )3‬‬‫َعَلى ِإ ْخَراج ُك ْم ‪[ ‬املمتحنة‪ ، ]9 :‬أَي َ‬
‫ِ‬

‫والظ اهر س بحانه هو املنف رد بعلو ال ذات والفوقية ‪ ،‬وعلو الغلبة والقاهرية ‪ ،‬وعلو‬
‫الشأن وانتفاء الشبيه واملثلية ‪ ،‬فهو الظاهر يف كل معاين الكمال ‪ ،‬وهو البني املبني‬
‫ال ذي أب دى يف خلقه حججه الب اهرة وبراهينه الظ اهرة ‪ ،‬أح اط بكل ش يء علما‬
‫وأحصى كل شيء عددا ‪ ،‬حجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما‬
‫انتهى إليه بص ره من خلقه (‪ ، )4‬ق ال ابن األَثري ‪ ( :‬الظ اهر يف أمساء اهلل هو ال ذي‬
‫ف بطريق االستدالل‬ ‫ظهر فوق كل شيء وعال عليه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الظاهر هو الذي ُع ِر َ‬
‫العقلي مبا ظهر هلم من آثار أَفعاله وأَوصافه ) (‪. )5‬‬
‫والظاهر أيضا هو الذي بدا بنوره مع احتجابه بعامل الغيب ‪ ،‬وبدت آثار ظهوره‬
‫ملخلوقاته يف عامل الشهادة ‪ ،‬فاهلل عز وجل استخلف اإلنسان يف ملكه واستأمنه‬
‫على أرضه فاقتضى االس تخالف واالبتالء أن يك ون اإلنس ان بني ع املني ‪ ،‬ع امل‬
‫الغيب وع امل الش هادة ‪ ،‬ليتحقق مقتضى توحيد اهلل يف أمسائه ‪ ،‬وجالء املع اين‬
‫‪1‬البخاري يف الزكاة ‪ ،‬باب ال صدقة إال عن ظهر غىن ‪. )1360 ( 2/518‬‬
‫‪2‬النسائي يف النكاح ‪ ،‬باب التزويج على سور من القرآن ‪. )3339 ( 6/113‬‬
‫‪3‬انظر يف املعىن اللغوي ‪ :‬لسان العرب ‪ ، 4/52‬والنهاية يف غريب احلديث ‪ ، 164 /3‬ومفردات ألفاظ‬
‫القرآن ص ‪ ، 540‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ‪. 137‬‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسى ِمرفوعاِ ِ‪ِ ( :‬ح َجابُُه الن‬
‫ُّور ‪َ ،‬وفي ِرَوايَة أَبِي بَ ْكٍر الن‬
‫ْرقَ إنْ‬‫َّار ‪ ،‬لَْو َك َشَفُه َألح‬
‫السالمَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪4‬ورد ذلك يفِ حديث أيب ِ ُم‬
‫صُرُه م ْن َخْلقه ) أخرجه مسلم يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب يف قوله عليه‬ ‫ات َو ْجِهه َما اْنَتَهى ِإلَْيه بَ َ‬
‫ُسُب َح ُ‬
‫اهلل ال ينام ‪. )179 ( 1/161‬‬
‫‪5‬النهاية يف غريب احلديث ‪. 164 /3‬‬
‫(‪)23‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫َح‪#‬داً ‪‬‬
‫[اجلن‪]26 :‬‬ ‫املتعلقة بأوصافه وأفعاله قال تعاىل ‪َ  :‬عالِ ُم اْل َغْي ِ‬
‫ب فَال يُ ْظِهُر َعَلى َغْيِبِه أ َ‪#‬‬
‫‪ ،‬وقال ‪َ  :‬ذلِ‪#َ #‬ك َع‪##‬الِ ُم اْل َغْي ِب َوال َّش‪َ#‬ه َادِة الَْع ِزي‪#ُ #‬ز ال‪#َّ #‬ر ِح ُيم ‪[ ‬الس جدة‪ ، ]6 :‬وهو سبحانه‬
‫أيضا الظاهر الذي أقام اخلالئق وأعاهنم ‪ ،‬ورزقهم ودبر أمرهم ‪ ،‬وهداهم سبلهم‬
‫‪ ،‬فهو املعني على املعىن الع ام وهو نصري املوح دين من عب اده على املعىن اخلاص‬
‫(‪. )1‬‬
‫‪   -17‬الباطن ‪:‬‬
‫طن‬
‫طنشَيْب ُ‬ ‫فعلهكبَ لَ‬ ‫الب اطن اسم فاعل ملن اتصف ب البطون ‪ ،‬والبطون خالف الظهور ‪،‬‬
‫ِ‬
‫يء‬ ‫طن من‬ ‫طن من ِاإلنس ان وس ائر احلي وان خالف الظهْر ‪َ ،‬‬
‫والب ُ‬ ‫ُ‬ ‫بطونا ‪ ،‬و َالب‬
‫ون أَُّمَهاتِ ُك ْم ‪[ ‬النحل‪ ، ]78 :‬وقال ‪َ  :‬وقَ‪#‬الُوا َم‪#‬ا‬‫َخرج ُكم ِمن بطُ ِ‬
‫َجْوفُه قال تعاىل ‪َ  :‬واللَُّه أ ْ َ َ ْ ْ ُ‬
‫ص ‪#‬ة لِ ‪ُ #‬ذ ُكو ِرنَا َوُم َ‪#‬ح َّ‪#‬رٌم َعَلى أَْزَو ِاجَنا ‪[ ‬األنع ام‪ ، ]139 :‬والبط ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫في بُطُ‪##‬ون َ‪#‬ه‪#‬ذه ا َألْنَع‪#ِ #‬ام َخال َ‬
‫ِ‬
‫أيضا اخلفاء واالحتجاب وعدم الظهور ‪ ،‬ومنه قول اهلل تعاىل ‪َ  :‬وال َتْقَربُ‪#‬وا اْلَف َ‪#‬واح َ‬
‫ش‬
‫َما ظََه َ‪#‬ر ِمْنَه‪#‬ا َوَم‪#‬ا بَطَ َن ‪[ ‬األنعام‪ ، ]151 :‬وبطن الشيء أساسه احملتجب الذي تستقر به‬
‫ت‬ ‫ال ‪#َ ( :‬ج َ‬
‫‪#‬اوْر ُ‬ ‫وعلي ه األش ياء ‪ ،‬وعن د مس لم من ح ديث َج ابٌِر ‪ t‬أن َر ُس ول اللَِّه ‪ S‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ت أََم‪##‬امي‬ ‫يت ‪َ ،‬فَنظَ ‪#ْ #‬ر ُ‬
‫ت بَط َْن ال ‪#َ #‬وادي َفنُ ‪##‬ود ُ‬ ‫ت ِ ‪#‬ج َوا ِري َن‪#َ #‬ز ُ‬
‫لت فَا ْس ‪َ#‬تْبطَْن ُ‬ ‫ض ‪ْ#‬ي ُ‬
‫ح َراء َش ‪ْ #‬هًرا َفَل َّما قَ َ‬‫بِ ‪#‬‬
‫‪#‬ف أَيْ ِ‪#‬دَيُه ْم‬
‫َح ًدا ) ‪ ،‬وقال تعاىل ‪َ  :‬و ُه َ‪#‬و الَّ ِذي َك َّ‬ ‫)‬ ‫‪2‬‬‫(‬
‫َو َخلِْفي َو َع ْن يَِم ِيني َو َع ْن ِش‪َ #‬مالِي َفَل ْم أََر أ َ‪#‬‬
‫كم َعْنُه ْم بَِب ْط ِن َمك‪َ #‬ة ‪[ ‬الفتح‪ ، ]24 :‬قال ابن منظور ‪ ( :‬وذلك أن بين هاشم‬ ‫ِ‬
‫َعْن ُك ْم َوأَيْ‪#‬ديَ ْ‬
‫وبين أمية وسادة قريش نزول ببطن مكة ومن كان دوهنم فهم نزول بظواهر جباهلا )‬
‫(‪. )3‬‬
‫والباطن سبحانه هو احملتجب عن أبصار اخللق الذي ال يرى يف الدنيا وال ي درك يف‬
‫اآلخ رة ‪ ،‬وف رق بني الرؤية واإلدراك ؛ فاهلل عز وجل ال ي رى يف ال دنيا وي رى يف‬
‫اآلخرة أما اإلدراك فإنه ال يدرك يف الدنيا وال يف اآلخرة ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬فَل َّما َتَر َاءى‬
‫اب ُمو َس‪#‬ى ِإنَّا ل َُم ْ‪#‬دَر ُكو َن قَ َ‪#‬ال َكال ‪[ ‬الشعراء‪ ، ]61/62 :‬فموسى نفى‬ ‫‪#‬ال أَ ْ‬ ‫الْجمع ِ‬
‫ص‪َ #‬ح ُ‬ ‫‪#‬ان قَ َ‬‫ََْ‬
‫اإلدراك ومل ينف الرؤية ألن اإلدراك هو اإلحاطة باملدرك من كل وجه ‪ ،‬أما الرؤية‬
‫فهي أخص من ذلك ‪ ،‬فكل إدراك يشمل الرؤية ‪ ،‬وليس كل رؤية تشمل اإلدراك‬
‫ص‪#‬ار و ُه‪#‬و الل ِطي ُ ِ‬
‫‪#‬ير ‪[ ‬األنعام‪]103 :‬‬ ‫‪#‬ف اْل َخب ُ‬ ‫ص ُار َو ُهَو يُ ْدِرك األَبْ َ َ َ َ‬
‫‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬ال تُ ْدِر ُك ُه األَبْ َ‬
‫‪1‬األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 24‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 60‬وشرح أمساء اهلل للرازي ص‬
‫‪. 252‬‬
‫‪2‬مسلم يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب بدء الوحي إىل رسول اهلل )‪. S 1/144 (161‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 1/136‬وانظر يف املعىن اللغوي ‪ :‬النهاية يف غريب احلديث ‪ ، 13/52‬ومفردات ألفاظ‬
‫القرآن ص ‪ ،130‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 137‬‬
‫(‪)24‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫(‪. )1‬‬
‫واهلل عز وجل ب اطن احتجب بذاته عن أبص ار الن اظرين حلكمة أرادها يف اخلالئق‬
‫أمجعني ‪ ،‬فاهلل يُ رى يف اآلخ رة وال ي رى يف ال دنيا ألنه ش اء أن تق وم اخلالئق على‬
‫معىن االبتالء ‪ ،‬ولو رأين اه يف ال دنيا وانكشف احلج اب والغط اء لتعطلت حكمة اهلل‬
‫س ‪#‬ماو ِ‬
‫ض بِ ‪َ #‬‬
‫‪#‬الح ِّق ‪‬‬ ‫ات َواألَْر َ‬ ‫اهلل َخل ‪#َ #‬ق ال َّ َ َ‬
‫َن َ‬ ‫ألم َت‪#َ #‬ر أ َّ‬
‫يف ت دبريه األش ياء ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ْ  :‬‬
‫[إبراهيم‪ ، ]19 :‬فالعلة يف احتجابه وعدم رؤيته هي االمتحان واالبتالء ‪ ،‬قال تعاىل ‪ :‬‬
‫الحَي‪##‬اَة َليْبلُ ‪#َ #‬و ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ َْح َس ‪ُ #‬ن َع َم ًال ‪[ ‬املل ك‪ ، ]2 :‬ومن هنا ك ان‬
‫ت َو َ‬ ‫الم‪#ْ #‬و َ‬
‫ال ‪##‬ذي َخل ‪#َ #‬ق َ‬
‫البطون ووضع الغطاء على أهل االبتالء أو كشف احلجاب عند االنتقال لدار اجلزاء‬
‫صُر َك الَْيْوَم َح ِديد ‪[ ‬ق‪:‬‬ ‫ت ِفي َغْفَلٍة ِمن ه َذا فَ َك َشْفنا عْن َ ِ‬ ‫قال تعاىل ‪ ‬لََق ْد ُكْن َ‬
‫ك غطَ َاء َك َفَب َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫‪ ، ]22‬فكيف يتحقق اإلميان باهلل وحنن ن راه ؟ وكيف تس تقيم الش رائع يف خمالفة‬
‫اإلنسان هواه ؟ (‪. )2‬‬
‫وإذا ك ان اهلل تع اىل ال ي رى يف ال دنيا ابتالءا فإنه س بحانه ي رى يف اآلخ رة إكراما‬
‫وج زاءا ‪ ،‬إكراما ألهل طاعته وزي ادة يف النعيم ألهل حمبته ‪ ،‬كما ق ال ‪ُ  :‬و ُج‪## #‬وٌه‬
‫َيْوَمِئ‪#ٍ #‬ذ نَّا ِض ‪َ#‬رٌة إلى َرِّبَها نَ‪#ِ #‬اظَرٌة ‪[ ‬القيام ة‪ ، ]22/23 :‬وقد ت واترت األح اديث يف إثب ات‬
‫رؤية املؤم نني ل رهبم ي وم القيامة ‪ ،‬فالعلة إذا يف احتجابه وع دم إدراك كيفية أوص افه‬
‫ليست ع دم وجودها وال اس تحالة رؤية اهلل تع اىل ‪ ،‬ولكن العلة قص ور اجله از‬
‫اإلدراكي يف احلياة الدنيا عن إدراك حقائق الغيب ‪ ،‬ألن اهلل عز وجل خلق اإلنسان‬
‫اج‬‫مبدارك حمدودة لتحقيق معىن االبتالء ‪ ،‬قال تعاىل ‪ِ  :‬إنَّا َخلْقَنا اإلنْ َسا َن ِم ْن نُ ْطَف ٍ‪#‬ة أَْم َش‪ٍ #‬‬
‫ليه فَ َجَع َلن ُاه َس ِميعا بَ ِصيرا ‪[ ‬اإلنسان‪ ، ]2 :‬فمن الصعب أن يرى اإلنسان ما بطن من‬ ‫َنبَت ِ‬
‫ْ‬
‫الغيبيات ‪ ،‬أو يرى كيفية ال ذات والصفات ‪ ،‬فالشيء ال يرى إال لسببني ‪ :‬األول‬
‫خف اء املرئي وهو ممتنع يف حق اهلل ‪ ،‬والث اين ض عف اجله از اإلدراكي لل رائي وه ذا‬
‫شأن اإلنسان (‪. )3‬‬
‫فمن اخلطأ البحث عن كيفية احلقائق الغيبية أو كيفية الذات والصفات اإلهلية ‪ ،‬ألن‬
‫اهلل ب اطن احتجب عن خلقه يف ع امل الش هادة ب النواميس الكونية ‪ ،‬أما يف اآلخ رة‬
‫عند لقائه ف األمر خيتلف إذ أن م دركات اإلنس ان وقتها تتغري بالكيفية اليت تناسب‬
‫أم ور اآلخ رة وأح داثها ‪ ،‬كما ثبت يف الس نة أن اإلنس ان س يكون عند دخ ول اجلنة‬

‫‪1‬انظر يف الفرق بني الرؤية واإلدراك ‪ :‬شرح العقيدة الطحاوية ص ‪ ، 208‬وبيان تلبيس اجلهمية ‪. 1/553‬‬
‫‪2‬انظر للمقارنة ‪ :‬كتاب التوحيد البن منده ‪. 2/82‬‬
‫‪3‬انظر شرح العقيد الطحاوية ص ‪. 211‬‬
‫(‪)25‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫على ص ورة آدم ‪ ‬طوله س تون زراعا (‪ ، )1‬واهلل عز وجل مع أنه الب اطن ال ذي‬
‫احتجب عن أبص ار الن اظرين جلالله وحكمته وكم ال عزته وعظمته إال أن حقيقة‬
‫وج وده وكم ال أوص افه ن ور يض يء بص ائر املؤم نني ‪ ،‬فهو الق ريب اجمليب ال ذي‬
‫يسمع اخلالئق أمجعني ‪.‬‬
‫‪   -18‬السميع ‪:‬‬
‫والس ْم ُع يف‬‫يس ْمع مَس عا ‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫الس ميع يف اللغ ة على وزن فَ ِعي ل من أبِْني ِة املبالغ ة ‪ ،‬فعل ه مَسِ َع‬
‫حقنا ما َوقر يف األُذن من شيء تسمعه ‪ُ ،‬والسمع صفة ذات وصفة فعل ‪ ،‬فصفة‬
‫ال ذات يعرب به عن األذن والق وة اليت هبا ي درك األص وات كما يف قوله ‪َ  :‬خَت َم اهلل‬
‫َعَلى ُقلُ‪##‬وبِِه ْم َو َعَلى َس ‪ْ #‬مِعِه ْم ‪[ ‬البق رة‪ ، ]7 :‬أما ص فة الفعل فت ارة يك ون الس مع مبعىن‬
‫‪#‬ك َنَف‪#‬راً ِم َن ال ِْج ِّن يَ ْس‪َ#‬ت ِمُعو َن اْلُق ْ‪#‬رآ َن‬‫ص‪َ#‬ر ْفَنا ِإلَْي َ‬
‫االستماع واإلنصات كقوله تعاىل ‪َ  :‬وِإ ْذ َ‬
‫وه قَالُوا أَنْ ِصتُوا ‪[ ‬األحقاف‪ ، ]29 :‬وتارة يعرب به عن الفهم كما قال تعاىل ‪:‬‬ ‫ضُر ُ‬ ‫َفَل َّما َح َ‬
‫ص‪ْ#‬يَنا ‪[ ‬البقرة‪ ، ]93 :‬أي فهمنا قولك ومل نأمتر بأمرك ‪ ،‬وتارة يعرب‬ ‫‪ ‬قَ‪#‬الُوا َس‪ِ #‬مْعَنا َو َع َ‬
‫به عن الطاعة كقوله ‪َ  :‬وقَالُوا َس ِمْعَنا َوأَطَْعَنا ‪[ ‬البقرة‪ ، ]285 :‬أي فهمنا وأمترنا (‪. )2‬‬
‫والسميع سبحانه هو املتصف بالسمع كوصف ذات ووصف فعل ‪ ،‬فوصف الذات‬
‫وص ف حقيقي ن ؤمن به على ظ اهر اخلرب يف حقه س بحانه ‪ ،‬وظ اهر اخلرب ليس‬
‫كالظاهر يف حق البشر كما يتوهم من تلوث عقله بالتشبيه والتعطيل ‪ ،‬ألننا ما رأينا‬
‫اهلل وال ن دري كيفية مسعه ‪ ،‬وما رأينا م ثيال لذاته ووص فه ‪ ،‬وليس إثب ات الص فات‬
‫تشبيها أو جتسيما كما أشار بعضهم على اخلليفة املأمون أن يكتب على سرت‬
‫الكعبة ‪ ( :‬ليس كمثله شيء وهو العزيز احلكيم ) ‪ ،‬بدال من قوله تعاىل‬
‫س َك ِمْثِلِه َش ْيء َو ُهَو ال َّس‪ِ #‬م ُيع َالب ِص‪ُ #‬ير ‪[ ‬الشورى‪ ، ]11 :‬فاعتقد أن إثبات‬‫‪ْ  :‬لي َ‬
‫الس مع يف حق اهلل تش بيه ‪ ،‬وأنه ال بد أن يك ون مسع اهلل ب أذن كما‬
‫هو شأن اإلنسان ‪ ،‬ومن مث حرف الكالم عن موضعه وهذا باطل ألن‬
‫اهلل يس مع بالكيفية اليت تناسب عظمته ‪ ،‬وهو ال ذي يعلم حقيقة مسعه‬
‫املس ِمع ِفراراً من‬
‫ْ‬ ‫السميع مبعىن‬
‫َ‬ ‫فسروا‬
‫وكيفيته ‪ ،‬قال األَزهري ‪ ( :‬والعجب من قوم َّ‬
‫وصف اهلل بأَن له مَسْعا ‪ ،‬وقد ذكر اهلل الفعل يف غري موضع من كتابه فهو مَسِيع ذو مَسْ ٍع‬
‫كس ْمِع خلقه ‪ ،‬وحنن نصف اللَّه مبا‬ ‫ٍ‬
‫بال تكييف وال تشبيه بالسمع من خلقه ‪ ،‬وال مَسْ ُعه َ‬
‫‪1‬انظر حديث البخاري يف كتاب أحاديث األنبياء ‪ ،‬باب خلق آدم صلوات اهلل عليه ‪. )3148 (3/1210‬‬
‫‪2‬مفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 425‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 75‬والنهاية يف غريب احلديث ‪2/401‬‬
‫ولسان العرب ‪ ،8/162‬وبدائع الفوائد ‪. 2/308‬‬
‫(‪)26‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وال) تك ييف ‪ ،‬ولس ت أُنك ر يف كالم الع رب أن يك ون‬ ‫وص ف ب ه نفس ه ‪ ،‬بال حتدي د‬
‫سامعاً ويكون ُم ْس ِمعا ) ‪.‬‬
‫(‪1‬‬ ‫السميع ِ‬
‫أما السمع كوصف فعل هلل فهو السمع الذي يتعلق مبشيئته سبحانه ‪ ،‬أو على املعىن‬
‫اخلاص الذي فيه إجابة الدعاء أو إمساع من يشاء ‪ ،‬وعند مسلم من حديث أيب هريرة‬
‫ْح ْم‪ُ # # #‬د ) (‪ ، )2‬وعند‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ t‬مرفوعا ‪ ( :‬وِإ َذا قَ‪ِ َ # # #‬‬
‫‪#‬ال َس ‪# # #‬م َع اهلل ل َم ْن َحم‪َ # # #‬دُه َفُقولُ‪## # #‬وا َرَّبَنا لَك ال َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرتمذي وصححه األلباين من حديث َعبْد اهلل بْ ِن َع ْم ٍرو ‪ t‬كان رسول اهلل ‪ S‬يقول‬
‫فس َال تَ ْش‪َ#‬ب ُع ‪َ ،‬وِم ْن‬
‫‪#‬اء َال يُ ْس‪َ #‬م ُع ‪َ ،‬وِم ْن نَ ٍ‬‫ْب َال ي ْخ َش‪#‬ع ‪ ،‬ودع ٍ‬ ‫‪ ( :‬اللَّه َّم ِإنِّي أَع‪#‬و ُذ بِ َ ِ‬
‫‪#‬ك م ْن َقل ٍ َ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعو ُذ بِ َ‬ ‫ِ‬
‫ع ٍلم َال َيْنَف ُع أ ُ‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪#‬اء َوال‬ ‫‪#‬ك م ْن َه ُ‪#‬ؤ َالء األَْربَ ِ‪#‬ع ) ‪ ،‬وكقوله تعاىل ‪َ  :‬وَم‪#‬ا يَ ْس‪َ#‬ت ِوي األ ْ‬
‫َحَي ُ‬
‫ت بِ ُم ْس ِم ٍع َم ْن ِفي اْلُقبُو ِر ‪[ ‬فاطر‪. ]22 :‬‬ ‫ات ِإ َّن اهلل يُ ْس ِم ُع َم ْن يَ َش ُاء َوَما أَنْ َ‬
‫األَْمَو ُ‬
‫‪   -19‬البصير ‪:‬‬
‫صَرُه ‪ ،‬قال‬
‫صرا وَتَب َّ‬ ‫ِ‬ ‫الب ِ‬
‫صَر يُبصُر بَ َ‬
‫املبالغة فعيل مبعىن فاعل فعله بَ ُ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ص ٌري يف اللغة من أبنية‬ ‫َ‬
‫ص َر بعض هم بعض اً ‪،‬‬ ‫وم أَبْ َ‬
‫اص َر الق ُ‬
‫ص‪َ##‬ر فَلَنْفس‪##‬ه ‪[ ‬األنع ام‪ ]104 :‬وَتَب َ‬
‫تع اىل ‪  :‬فَ َم ْن أَبْ َ‬
‫العنٌّي والنظر ‪ ،‬أو الق وة اليت‬ ‫س َ‬‫للعنْيُ إِ َّال أَنه م ذكر ‪ ،‬ويق ال أيضا حلِ ُّ‬ ‫ص ُر يق ال َ‬ ‫والب َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ص ر التَّأَُّمل والتََّع ُّرف والتعريف واإليض اح ‪،‬‬ ‫الرؤية ‪ ،‬والتََّب ُّ‬
‫تبصر هبا العني أو حاسة ْ‬
‫والبص رية احلجة واالستبص ار ‪ ،‬وهي اسم ملا يعقد يف القلب من ال دين وحتقيق األَمر‬ ‫َ‬
‫ظره وخاطره‬ ‫ِ‬
‫صر القلب نَ ُ‬ ‫(‪)4،‬وقيل ‪َ :‬البصرية الفطنة ‪ ،‬ورجل بَص ٌري بالعلم عامل به ‪ ،‬وبَ ُ‬
‫‪.‬‬
‫والبصري س بحانه هو املتصف بالبصر ‪ ،‬والبصر ص فة من ص فات ذاته تليق جبالله‬
‫جيب إثباهتا هلل دون متثيل أو تكييف ‪ ،‬أو تعطيل أو حتريف ‪ ،‬فهو الذي يبصر مجيع‬
‫املوج ودات يف ع امل الغيب والش هادة وي رى األش ياء كلها مهما خفيت أو ظهرت‬
‫ومهما دقت أو عظمت ‪ ،‬وهو س بحانه وتع اىل مطلع على خلقه يعلم خائنة األعني‬
‫وما ختفى الص دور ‪ ،‬ال خيفى عليه ش يء من أعم ال العب اد ‪ ،‬بل هو جبميعها حميط‬
‫وهلا حافظ ذاكر ‪ ،‬فالسر عن ده عالنية والغيب عن ده ش هادة ‪ ،‬ي رى دبيب النملة‬
‫الس وداء على الص خرة الص ماء يف الليلة الظلم اء ‪ ،‬وي رى ني اط عروقها وجماري‬

‫‪1‬لسان العرب ‪.8/163‬‬


‫‪2‬مسلم يف كتاب الصالة ‪ ،‬باب النهي عن مبادرة اإلمام بالتكبري وغريه ‪. )415 ( 1/310‬‬
‫‪3‬الرتمذي يف الدعوات ‪ ، )3482 ( 5/519‬انظر صحيح ابن ماجة‪. )202(1/47‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪ ، 4/64‬والنهاية يف غريب احلديث ‪ ، 1/131‬وكتاب العني ‪ ، 7/117‬واملفردات ص‬
‫‪.127‬‬
‫(‪)27‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫القوت في أعضائها (‪ ، )1‬قال ابن القيم ‪:‬‬
‫وهو البصير يرى دبيب النملة السـوداء تحت الصخر والصوان‬
‫ويرى مجاري القوت في أعضائها ‪ :‬ويرى عروق بياضها بعيان‬
‫(‪) 2‬‬
‫ويرى خيانات العيون بلحظها ‪ :‬ويرى كذاك تقلب األجفان ‪.‬‬
‫واهلل عز وجل هو البصري ال ذي ينظر للمؤم نني بكرمه ورمحته ‪ ،‬ومين عليهم بنعمته‬
‫وجنته ‪ ،‬ويزي دهم كرما بلقائه ورؤيته ‪ ،‬وال ينظر إيل الك افرين حتقيقا لعقوبته ‪ ،‬فهم‬
‫خمل دون يف الع ذاب حمجوب ون عن رؤيته ‪ ،‬كما ق ال تع اىل ‪َ  :‬كال ِإَّنُه ْم َع ْن َربِِّه ْم‬
‫اآلخ‪َ #‬رِة َوال‬ ‫الق لَُه ْم ِفي ِ ‪#‬‬ ‫‪#‬ك ال َخ َ‬ ‫َيْوَمِئ‪#ٍ # #‬ذ ل ََم ْح ُجوبُ‪## #‬و َن ‪[ ‬املطففني‪ ، ]15 :‬وق ال ‪  :‬أُولَِئ‪َ # #‬‬
‫اب أَلِ ٌيم ‪[ ‬آل عم ران‪، ]77 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫يُ َكِّل ُمُه ُم اهلل َوال َيْنظُ‪#ُ #‬ر ِإلَْيِه ْم َي‪#ْ #‬وَم الْقَي َام‪##‬ة َوال ُي‪#َ #‬ز ِّكي ِه ْم َولَُه ْم َع‪َ #‬ذ ٌ‬
‫لمُه ُم اهلل َي‪#ْ #‬وَم‬‫الثَ ‪ٌ#‬ة َال يُ َك ُ‬
‫ِ‬
‫ْرَة ‪ t‬أن النَّيِبِ ‪ S‬قَ َ‬
‫ال ‪ ( :‬ثَ َ‬ ‫وعند البخ اري من ح ديث أَيِب ُهَري َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫‪#‬ف َعَلى س‪#‬لَْعة لََق‪#ْ #‬د أَ ْعطَى بَِها أ َْكَث‪#َ #‬ر م َّما أَ ْعطَى َو ْ‪#‬ه َ‪#‬و َ‪#‬ك‪#‬اذ ٌ‬ ‫ِ‬
‫الْقَي َام‪##‬ة َو َال َيْنظُ‪#ُ#‬ر إلَْيِه ْم َر ُ‪#‬ج ٌ‬
‫‪#‬ل َحَل‪َ #‬‬
‫ض‪#‬ل م ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ف َعَلى ي ِمي ٍن َك ِاذبٍة بع َد الْع ِ ِ‬
‫‪#‬اء‬‫ص ِر لَيْقَتط َع بَِها َم َال َر ُج ٍل ُم ْسلٍم ‪َ ،‬وَر ُج ٌل َمَن َ‪#‬ع فَ ْ َ َ‬ ‫َ َْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َوَر ُجل َحَل َ‬
‫) (‪. )3‬‬
‫‪   -20‬المولى ‪:‬‬
‫فعل ‪ ،‬فعله ويل يلي وليا ووالية ‪ ،‬واملوىل اسم‬ ‫املوىل يف اللغة مص ِدر على وزن َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملعتق والنَّاص ر واحملب والتابع والج ار وابن‬ ‫والسْيد واملْنعم ْ‬
‫الرب واملالك َّ‬ ‫يطلق على َّ‬
‫والعْبد واملْنعم عليه ‪ ،‬والف رق بني ال ويل واملوىل أن‬ ‫والص ْهر َ‬ ‫والعِقيد ِّ‬ ‫الع ّم واحلليف َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫الويل هو من توىل أمرك وقام بتدبري حالك وحال غريك وهذه من والية العموم ‪،‬‬
‫أما املوىل فهو من تركن إليه وتعتمد عليه وحتتمي به عند الشدة والرخاء ويف السراء‬
‫والضراء وهذه من والية اخلصوص (‪. )4‬‬
‫واملوىل سبحانه هو من يركن إليه املوحدون ويعتمد عليه املؤمنون يف الشدة والرخاء‬
‫َن اللَّهَ‬‫ك بِأ َّ‬‫‪ ،‬والسراء والضراء ‪ ،‬ولذلك خص الوالية هنا باملؤمنني ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬ذلِ َ‬
‫ين ال َم‪#ْ #‬ولَى لَُه ْم ‪[ ‬حمم د‪ ، ]11 :‬وق ال ‪َ  :‬وإِ ْن َتَولَّْوا‬ ‫م‪##‬ولَى الَّ ِذين آمنُ ‪##‬وا وأ َّ ِ‬
‫َن اْل َك‪##‬اف ِر َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن اللََّه َم‪#ْ #‬وال ُك ْم نْع َم ال َ‪ْ#‬م ْ‪#‬ولَى َونْع َم النَّص‪ُ #‬ير ‪[ ‬األنف ال‪ ، ]40 :‬وقال ‪  :‬قُ‪#ْ #‬ل ل َْن‬
‫فَ‪##‬ا ْعَل ُموا أ َّ‬

‫‪1‬مدارج السالكني ‪ ، 3/253‬وتفسري ابن جرير الطربي ‪ ، 1/431‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪63‬‬
‫وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪ ، 42‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪. 247‬‬
‫‪2‬توضيح املقاصد وتصحيح القواعد يف شرح قصيدة اإلمام ابن القيم ‪. 2/215‬‬
‫‪3‬البخاري يف املساقاة ‪ ،‬باب من رأى أن صاحب احلوض ‪. )2240 ( 2/834‬‬
‫‪4‬انظر لسان العرب ‪ ، 411 /5‬الغريب البن سالم ‪ ، 3/141‬والنهاية يف غريب احلديث ‪. 227 /5‬‬
‫(‪)28‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ب اهلل لََنا ُهَو َمْوالنَا َو َعَلى اللَِّه َفلَْيَتَو َّكِل ال ُْمْؤِمنُو َن ‪[ ‬التوبة‪. ]51 :‬‬ ‫ِ‬
‫يُص َيبَنا ِإال َما َكَت َ‬
‫واهلل عز وجل جعل واليته للموح دين مش روطة باالس تجابة ألم ره ‪ ،‬والعمل يف‬
‫طاعته وقربه ‪ ،‬والسعي إىل مرضاته وحبه ‪ ،‬فمن حديث أَبِي هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل‬
‫ب ِإلَ َّي َعْب‪#ِ #‬دي‬ ‫‪#‬ال ‪ :‬من ع‪ِ ِ #‬‬
‫‪#‬ادى لي َولًّيا َفَق‪#ْ #‬د آ َذْنتُ‪#ُ #‬ه بِ‪##‬ال َ‬
‫ْحْر ِب ‪َ ،‬وَما َتَق‪#َّ #‬ر َ‬ ‫‪ S‬ق ال ‪ِ ( :‬إ َّن اللََّه قَ‪َ َ ْ َ َ #‬‬
‫ب ِإلَ َّي بِالنََّو ِاف ِ‪#‬ل َحتَّى أ ُِحَّبُه ‪ ،‬فَ‪ِ#‬إ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ضُ ِ‬ ‫ب ِإلَ َّي ِم َّما ا ْفَتَر ْ‬ ‫ٍ‬
‫ت َعَلْي‪#‬ه ‪َ ،‬وَما َي َ‪#‬ز ُال َعْب‪#‬دي َيَتَق َّ‪#‬ر ُ‬ ‫بِ َشيء أ َ‬
‫َح َّ‬
‫ش بَِها َوِر ْجَل ُه الَِّتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَرُه الَّذي ُيْبصُر بِه ‪َ ،‬ويَ َدُه الَّتي َيْبطُ ُ‬ ‫ت َس ْمَع ُه الَّذي يَ ْس َم ُع بِه ‪َ ،‬وبَ َ‬ ‫َحَبْبتُُه ُكْن ُ‬
‫أْ‬
‫ت َع ْن َشي ٍء أَنَا فَ ِاعلُ‪#ُ #‬ه‬ ‫يَ ْم ِشي بَِها ‪َ ،‬وِإ ْن َس ‪#‬أَلَِني ألُ ْع ِطَينَُّه ‪َ ،‬ولَِئ ِن ا ْس ‪َ#‬تَعا َذنِي أل ُِعي َذنَُّه ‪َ ،‬وَما َت‪#َ #‬ر َّد ْد ُ‬
‫س ال ُْمْؤِم ِن ‪ ،‬يَ ْكَرُه ال َْمْو َت َوأَنَا أ َْكَرُه َم َس َاءتَُه ) (‪. )1‬‬ ‫َتَردُِّدي َع ْن َنْف ِ‬
‫‪   -21‬النصير ‪:‬‬
‫فاعل أَو مفع ول ألَن كل واحد من‬ ‫والنصري يف اللغة من ص يغ املبالغة ‪ ،‬فعيل مبعىن ِ‬
‫صَرُه‬ ‫نصرا إِذا أَعانه على ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫واسَتْن َ‬
‫عدّوه ‪ْ ،‬‬ ‫ينصره ْ‬ ‫نصره ُ‬ ‫صور ‪ ،‬وقد َ‬‫ومْن ُ‬
‫املتناصَريْن ناصر َ‬
‫صَر منه‬ ‫اصَر القوم نصر بعضهم بعضا ‪ ،‬واْنَت َ‬ ‫عدوه‪)2‬سأله أن ينصره عليهم ‪ ،‬وَتَن َ‬ ‫على‬
‫ِ‬ ‫انتقم منه ( ‪ ،‬وعند البخ اري من ح ديث أَنَ ٍ‬
‫س ‪ t‬أن رس ول اهلل ‪ S‬ق ال ‪ ( :‬انْ ُ‬
‫ص ‪ْ#‬ر‬
‫ص‪ُ#‬رُه ظَالِ ًما ؟‬
‫‪#‬ف َنْن ُ‬
‫وما ‪ ،‬فَ َكْي‪َ #‬‬
‫ص‪ُ#‬رُه َم ْظلُ ً‬
‫‪#‬اك ظَالِما أَو م ْظلُوما ‪ ،‬قَ‪##‬الُوا ‪ :‬يا رس‪ِ َ #‬‬
‫ول اهلل َ‪#‬ه َذا َنْن ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫أَ َ‪#‬خ َ ً ْ َ ً‬
‫ِ (‪) 3‬‬
‫قَ َال ‪ :‬تَْأ ُخ ُذ َفْو َق يََديْه ) ‪.‬‬
‫والنصري س بحانه هو ال ذي ينصر رس له وأنبي اءه وأولي اءه على أع دائهم يف ال دنيا‬
‫آمنُ‪##‬وا ِفي‬ ‫ين َ‬
‫ِ‬
‫ويوم يقوم األشهاد يف اآلخرة ‪ ،‬قال تعاىل ‪ِ  :‬إنَّا لََنْن ُ‬
‫ص‪ُ#‬ر ُر ُس‪َ#‬لَنا َوال‪##‬ذ َ‬
‫وم األ َْشَه ُاد ‪[ ‬غافر‪ ، ]51:‬وهو الذي ينصر املستضعفني ويرفع‬ ‫الحَي ِاة ُّ‬
‫الدْنَيا َوَيْوَم َيُق ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظلم عن املظل ومني وجيري املض طر إذا دع اه ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬أُذ َن للَّذ َ‬
‫ين ُيَق‪##‬اَتلُو َن‬
‫ص ‪ِ # #‬رِه ْم لََ‪#‬ق ‪#ِ #‬دير ‪[ ‬احلج‪ ، ]39 :‬والنصري هو ال ذي يؤيد‬ ‫ِ‬
‫بِ ‪##‬أََّنُه ْم ظُل ُ‪#‬م‪##‬وا َوِإ َّن َ‬
‫اهلل َعَلى نَ ْ‬
‫بنصره من يشاء ‪ ،‬وال غالب ملن نصره وال ناصر ملن خذله ‪ ،‬كما قال سبحانه‬
‫صُر ُك ْم ِم ْن َب ْع ِدِه ‪[ ‬آل‬ ‫ِ‬
‫ب لَ ُك ْم َوِإ ْن يَ ْخ ُذل ْ‬
‫ْكم فَ َم ْن َذا الذي َيْن ُ‬
‫ِ‬
‫صْر ُك ُم اهلل فَال َغال َ‬‫‪ِ  :‬إ ْن َيْن ُ‬
‫عمران‪ ، ]160 :‬فهو سبحانه حسب من توكل عليه وكايف من جلأ إليه ‪ ،‬وهو الذي‬
‫ي ؤمن خ وف اخلائف وجيرب املس تجري وهو نعم املوىل ونعم النصري ‪ ،‬فمن ت واله‬
‫واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه ت واله وحفظه وحرسه وص انه ‪ ،‬ومن‬

‫‪1‬البخاري يف الرقاق ‪ ،‬باب التواضع ‪. )6137 ( 5/2384‬‬


‫‪2‬لسان العرب ‪. 212 /5‬‬
‫‪3‬البخاري يف املظامل ‪ ،‬باب ميني الرجل لصاحبه ‪. )6552 ( 6/2550‬‬
‫(‪)29‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫خافه واتق اه آمنه مما خياف وحيذر ‪ ،‬وجلب إليه كل ما حيت اج إليه من املن افع (‪، )1‬‬
‫الكم فَِنْع َم ال َْم‪#ْ #‬ولَى َونِْع َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق ال ابن القيم يف معىن قوله تع اىل ‪َ  :‬وا ْعَتص‪ُ # #‬موا بِاللَّه ُه‪#َ #‬و َم‪#ْ #‬و ْ‬
‫النَّ ِص ‪ُ #‬ير ‪[ ‬احلج‪ ( : ]78 :‬أي مىت اعتص متم به ت والكم ونص ركم على أنفس كم‬
‫وعلى الش يطان ‪ ،‬ومها الع دوان الل ذان ال يفارق ان العبد ‪ ،‬وع داوهتما أضر من‬
‫عداوة العدو اخلارج ‪ ،‬فالنصر على هذا العدو أهم ‪ ،‬والعبد إليه أحوج وكمال‬
‫النصرة على العدو حبسب كمال االعتصام باهلل ) (‪. )2‬‬
‫‪   -22‬العفو ‪:‬‬
‫املبالغة ‪ ،‬يقال ‪َ :‬عفا َي ْعفو‬ ‫العف ُّو يف اللغة على وزن فعول من العف ِو ‪ ،‬وهو من صيغ ِ‬
‫العقاب عليه ‪ ،‬وأَصله‬ ‫فو ‪ ،‬وُالعفو هو الَتجاوز عن الذنب وَترك ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫وع‬ ‫عاف‬ ‫فهو‬ ‫فوا‬
‫َ‬
‫َع‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اآلثار إِذا َدَر َس ْتها وحَمَْتها ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الرياح‬
‫ُ‬ ‫والطمس ‪ ،‬م ْأخوذ من قوهلم َعَفت‬ ‫ْو ْ‬ ‫املَح ُ‬
‫(‪) 3‬‬
‫ت عنه ‪ ،‬وعند أيب داود‬ ‫حق عن دك ُعقوبة َفتَركَتها فقد َعَف ْو َ‬ ‫اس َت َّ‬
‫وكل من ْ‬
‫وص ححه األلب اين من ح ديث ع َ ِ‬
‫‪#‬ل ِإلَى‬ ‫بْد اهلل بْ َن َعمْ ٍرو ‪ t‬ق ال ‪#َ ( :‬ج‪َ # #‬‬
‫‪#‬اء َر ُ‪#‬ج ‪ٌ # #‬‬ ‫َ‬
‫النَِّبيّ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ص‪َ #‬م َ‬ ‫‪#‬اد َعَلْي ِ‪#‬ه اْل َك َ‬
‫الَم ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ت ‪ ،‬ثُ َّم أ ََع َ‬
‫ص‪َ #‬م َ‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬ال ‪ :‬يا رس‪ِ َ #‬‬
‫ول اهلل َك ْم َنْعُفو َع ِن اْل َخ‪#‬ادِم ؟ فَ َ‬ ‫ِ ‪َ S‬فَق َ َ َ ُ‬
‫َفَل َّما َك‪##‬ا َن ِفي الثَّالِثَ ‪#ِ #‬ة قَ ‪#َ #‬ال ‪ :‬ا ْعُف‪##‬وا َعْن‪#ُ #‬ه ِفي ُكل َي‪#ْ #‬وٍم َس ‪ْ#‬بِع َين َم‪#َّ #‬رة ) (‪ ، )4‬ف العفو هو ت رك‬
‫‪#‬ك َ‪[ ‬التوبة‪ ، ]43 :‬أي حَم ا اهلل‬ ‫الشيء وإزالت ه ‪ ،‬وقوله تعاىل ‪َ  :‬عَفا اهلل َعْن َ‬
‫عنك هذا األمر وغفر لك ‪.‬‬
‫فض ل‬
‫املال هو ما يَ ُ‬ ‫والعفو يأيت أيضا على معنى الكثرة والزيادة ‪ ،‬فعفو ِ‬
‫َ‬
‫عن النَّفقة كما يف قوله تع اىل ‪َ  :‬ويَ ْس‪# # #‬أَلونَ َك َم‪## #‬ا َذا ُُيْنِفُق‪## #‬و َن قُ ‪#ِ # #‬ل الَْعْف‪#َ # #‬و ‪‬‬
‫كثر وطال ‪ ،‬ومنه‬ ‫وغريه يعين َ‬ ‫َّبت والشََّعُر ُ‬ ‫وعفا الن ُ‬ ‫وع (فا‪ )5‬القوم كثُروا َ‬
‫[البقرة‪َ ، ]219 :‬‬
‫ِ‬
‫اللحى ‪.‬‬ ‫الأََمَر بِإ ْعفاء َ‬
‫والعفوّ‬
‫ُ س بحانه هو ال ذي حيب العفو والسرت ‪ ،‬ويص فح عن ال ذنوب مهما ك ان ش أهنا ‪،‬‬
‫ويسرت العيوب وال حيب اجلهر هبا ‪ ،‬يعفو عن املس يء َكَرًما وإحسانًا ‪ ،‬ويفتح واسع‬

‫‪1‬انظر بدائع الفوائد ‪ 463 /2‬بتصرف ‪.‬‬


‫‪2‬مدارج السالكني ‪. 1/180‬‬
‫‪3‬انظر لسان العرب ‪ ، 15/75‬الغريب البن قتيبة ‪. 2/361‬‬
‫‪4‬أبو داود يف األدب ‪ ،‬باب يف حق اململوك ‪ ، )5164 ( 4/341‬صحيح أيب داود (‪. )4301‬‬
‫‪5‬اشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪.134‬‬
‫(‪)30‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫رمحته فضال وإنعاما ‪ ،‬حىت ي زول الي أس من القل وب ‪ ،‬وتتعلق يف رجائها مبقلب‬
‫القل وب (‪ ، )1‬ق ال القرطيب ‪ ( :‬العفو عفو اهلل جل وعز عن خلقه ‪ ،‬وقد يك ون بعد‬
‫العقوبة وقبلها خبالف الغف ران فإنه ال يك ون معه عقوبة البتة ‪ ،‬وكل من اس تحق‬
‫عقوبة فرتكت له فقد عفي عنه ‪ ،‬فالعفو حمو الذنب ) (‪. )2‬‬
‫واملقص ود مبحو ال ذنب حمو ال وزر املوض وع على فعل ال ذنب فتك ون أفع ال العبد‬
‫خمالفات أو كبائر وحمرمات مث بالتوبة الصادقة يبدل اهلل سيئاته حسنات ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِّل اللَُّه سِّيَئاتِِهم حس‪َ#‬ن ٍ‬
‫ات َو َك‪#‬ا َن اللَُّه َغُف‪#‬وراً‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫صالِحاً فَأُولَِئ َ‬
‫ك ُيَبد ُ‬ ‫آم َن َو َع ِم َل َع َم ً‬
‫ال َ‬ ‫‪ِ ‬إال َم ْن تَ َ‬
‫اب َو َ‬
‫َر ِحيم ‪#‬اً ‪[ ‬الفرق ان‪ ]70 :‬فتمحى الس يئات عف وا وتس تبدل باحلس نات ‪ ،‬أما األفع ال‬
‫فهي يف كت اب العبد حىت يلقي ربه فيدنيه منه ويعرفه بذنبه وس وء فعله مث يس رتها‬
‫عليه ‪ ،‬كما ورد عند البخاري من حديث عبد اهلل بن عمر ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال‬
‫ب‬ ‫ب َ‪#‬ك َذا ؟ أََتْ‪#‬ع ِر ُ‬
‫ف َذنْ َ‬ ‫ول ‪ :‬أََتْع ِر ُ‬
‫ف َذنْ َ‬ ‫‪ِ ( :‬إ َّن اللََّه يُ ْدنِى ال ُْمْؤِم َن َفَي َ‬
‫ض ُع َعَلْيِه َكَنَف ُه َويَ ْسُتُرُه َفَيُق ُ‬
‫‪#‬ال ‪:‬‬ ‫ب ‪َ ،‬حتَّى ِإ َذا َق‪#َّ #‬رَرُه بِ ُذنُوبِ ‪#ِ #‬ه ‪َ ،‬وَرأَى ِفي َنْف ِس‪ِ# #‬ه أَنَُّه َهَل ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك قَ ‪َ #‬‬ ‫‪#‬ول ‪َ :‬نَع ْم أَ ْ‬
‫ي َر ِّ‬ ‫َك‪َ ##‬ذا ؟ َفَيُق‪ُ #‬‬
‫‪#‬ك الْي‪##‬وم ‪َ ،‬فيعطَى ِكَت ‪##‬اب حس‪َ# #‬ناتِِه ‪ ،‬وأََّما اْل َك‪ِ #‬‬ ‫ِ‬ ‫س ‪َ##‬ترُتها َعَلي ‪ِ َ #‬‬
‫‪#‬افُر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪#‬ك في ال ‪#ُّ #‬دْنَيا ‪َ ،‬وأَنَا أَ ْغفُر َها لَ ‪ْ ُ َ ْ َ َ #‬‬ ‫َ َْ ْ‬
‫(‪) 3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ول األ َْشَه ُاد ‪َ :‬ه ُ‪#‬ؤ َالء الذ َين َ‪#‬ك َذبُوا َعَلى َربِّه ْم ‪ ،‬أَ َال لَْعَن‪ُ #‬ة اهلل َعَلى الظالم َين )‬ ‫َوال ُْمَن ِافُقو َن َفَيُق ُ‬
‫‪ ،‬ف الوزر أو ع دد الس يئات هو ال ذي يعفى وميحى من الكت اب ‪ ،‬أما الفعل ذاته‬
‫احملس وب باحلرك ات والس كنات أو مقياسه يف مثق ال ال ذرات فه ذا على ال دوام‬
‫مس جل مكت وب ‪ ،‬ومرص ود حمس وب بالزم ان واملك ان ‪ ،‬ومق دار اإلرادة والعلم‬
‫ين ِم َّما ِفي ِ‪#‬ه َوَيُقولُ‪#‬و َن يَا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اب َفَتَرى ال ُْم ْج ِرم َ‬
‫ين ُم ْش‪#‬فق َ‬
‫ِ ِ‬
‫واالستطاعة ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬وُوض َع الْكَت ُ‬
‫َحص َاها وو ‪#‬ج ُدوا ما َع ِملُ‪#‬وا حا ِ‬ ‫اب ال يغَ ِادر ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪#‬راً َوال‬ ‫َ‬ ‫صغ َيرًة َوال َكِب َيرًة ِإال أ ْ َ َ َ َ َ‬
‫َوْيَلَتَنا َم ِال َه َذا الْكَت ِ ُ ُ َ‬
‫يَظِْل ُم َربُّ َك أ ََحداً ‪[ ‬الكهف‪. )4( ]49 :‬‬
‫‪   -23‬القدير ‪:‬‬
‫القدير يف اللغة من صيغ المبالغة ‪ ،‬فعيل من القادر ‪ ،‬فعله قدر يقدر تقديرا ‪ ،‬قال‬
‫ابن منظور ‪ ( :‬القادر والَق ِد ُير من صفات اهلل عز وجل يكونان من الُق ْدَرة ويكونان‬
‫‪#‬دير ‪[ ‬البقرة‪ ]148 :‬من الُق ْدرة ‪،‬‬ ‫من التقدير ‪ ،‬وقوله تعاىل ‪ِ  :‬إ َّن َ‬
‫اهلل َعَلى ُكل َش ْيء قَ ٌ‬
‫‪1‬األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 75‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 82‬وشرح أمساء اهلل للرازي ص‬
‫‪. 339‬‬
‫‪2‬تفسري القرطيب ‪. 1/397‬‬
‫‪3‬البخاري يف املظامل ‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل أال لعنة اهلل على الظاملني ‪. )2309 ( 2/862‬‬
‫‪4‬اتظر كتاب توحيد العبادة ومفهوم اإلميان للمؤلف ص ‪ ، 77‬مطبعة التقدم ‪ ،‬القاهرة سنة ‪1991‬م ‪.‬‬
‫(‪)31‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫فاهلل عز وجل على كل شيء قدير ‪ ،‬واهلل سبحانه ُمَقدُِّر ُك ِّل شيء وقاضيه ) (‪، )1‬‬
‫القادُر واملْقَت ِدُر والَق ِد ُير ‪ ،‬فالقادر اسم فاعل من‬
‫قال ابن األثري ‪ ( :‬يف أمساء اهلل تعاىل ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(قَ‪َ2‬د)َر َيْقدُر والَقدير فعيل منه ‪ ،‬وهو للمبالغة ‪ ،‬واملقتدر ُم َفت ِعل من َ‬
‫اقت َدَر ‪ ،‬وهو أبلغ )‬
‫‪ ،‬وقال الزجاج ‪ ( :‬القدير أبلغ يف الوصف من القادر ‪ ،‬ألن القادر اسم الفاعل من‬
‫قدر يقدر فهو قادر ‪ ،‬وقدير فعيل ‪ ،‬وفعيل من أبنية املبالغة ) (‪. )3‬‬
‫والقدير سبحانه وتعاىل هو الذي يتوىل تنفيذ المق ادير وخيلقها على ما جاء يف سابق‬
‫التقدير ؛ فمراتب القدر أربع مراتب ‪ ،‬العلم والكتابة واملشيئة واخللق ‪ ،‬واملقصود هبذه‬
‫املراتب املراح ل ال يت مير هبا املخل وق من كون ه معلوم ة يف علم اهلل يف األزل إىل الواق ع‬
‫املش هود ‪ ،‬وه ذه املراح ل تس مى عن د الس لف الص احل م راتب الق در ‪ ،‬فال ب د خلل ق‬
‫الشيء وصناعته من العلم والكتابة واملشيئة ومباشرة التصنيع والفعل ‪ ،‬وهلل املثل األعلى‬
‫ص ن َِّع ال ذي يش يد البني ان ال ب د أن يب دأ مش روعه أوال بفك رة يف األذه ان‬ ‫إذا ك ان املُ َ‬
‫ومعلومات مدروسة بدقة وإتقان ‪ ،‬درسها جيدا وقام بتقدير حساباته وضبط أموره‬
‫وإمكانياته ‪ ،‬مث يق وم بكتاب ة ه ذه املعلوم ات وخيط هلا يف بض ع ورق ات أنواع ا من‬
‫الرسومات اليت ميكن أن خياطب من خالهلا خمتلف اجلهات ‪ ،‬مث يتوقف األمر بعد ذلك‬
‫على مشيئته أو إرادته يف التنفيذ وتوقيت الفعل إن توفرت لديه القدرة واإلمكانيات ‪،‬‬
‫مث يبدأ يف التنفيذ إىل أن ينتهي البنيان كما قدر له يف األذهان ‪ ،‬فإذا كانت هذه مراحل‬
‫تص نيع األش ياء بني املخلوق ات حبكم العق ل والفط رة ‪ ،‬فاهلل س بحانه ول ه املث ل األعلى‬
‫منف رد مبراتب القض اء والق در من ب اب أوىل ‪ ،‬وهي عن د الس لف املراح ل ال يت مير هبا‬
‫املخل وق من العلم األزيل إىل أن يص بح واقع ا خملوق ا مش هودا ‪ ،‬أو من التق دير إىل‬
‫املقدور ‪ ،‬وهي عندهم أربع مراتب تشمل كل صغرية وكبرية يف الوجود (‪. )4‬‬
‫فالقادر سبحانه هو الذي يقدر المق ادير يف علمه ‪ ،‬وعلمه املرتبة األوىل من قضائه‬
‫وقدره ‪ ،‬حيث قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ‪ ،‬ونظم أمور اخللق قبل إجياده‬
‫وإم داده ‪ ،‬فالق ادر ي دل على التق دير يف املرتب ة األوىل ‪ ،‬أم ا الق دير في دل على الق درة‬
‫وتنفيذ املقدر يف املرتبة الرابعة ‪ ،‬فالقدير هو الذي خيلق وفق سابق التقدير ‪ ،‬والقدر من‬
‫التقدير والقدرة معا ‪ ،‬فبدايته يف التقدير وهنايته يف القدرة وحتقيق املقدر ‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫تعاىل ‪  :‬و َكا َن أَْمر ِ‬
‫اهلل قَ َدرا َمْق ُدورا ‪[ ‬األحزاب‪ ، ]38 :‬فالقدير هو املتصف بالقدرة ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪1‬لسان العرب ‪ ، 5/74‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 657‬والفائق ‪. 3/8‬‬
‫‪2‬النهاية يف غريب احلديث ‪. 4/22‬‬
‫‪3‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 48‬‬
‫‪4‬انظر تفصيل هذه املراتب يف شفاء العليل ص ‪ 29‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(‪)32‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫القضاء‪)1‬والقدر منشؤه عن علم الرب وقدرته ‪ ،‬وهلذا قال اإلمام‬
‫(‬
‫ويذكر ابن القيم أن‬
‫أمحد ‪ ( :‬القدر قدرة اهلل ) ‪ ،‬واستحسن ابن عقيل هذا الكالم من اإلمام أمحد غاية‬
‫االستحسان ‪ ،‬وهلذا كان املنكرون للقدر فرق تني ‪ :‬فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته‬
‫وهم غالهتم ال ذين كف رهم الس لف واألئم ة وت ربأ منهم الص حابة ‪ ،‬وفرق ة جح دت‬
‫كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العبادة مقدورة هلل تعاىل ‪ ،‬وصرحت بأن اهلل‬
‫ال يقدر عليها وال خيلقها ‪ ،‬فأنكر هؤالء كمال قدرة الرب وتوحيده يف امسه القدير‬
‫وأنكرت األخرى كمال علمه وتوحيده يف امسه القادر (‪. )2‬‬
‫‪   -24‬اللطيف ‪:‬‬
‫اللطيف يف اللغة ص فة مش بهة للموص وف ب اللطف فعله لطف يلطف لطفا ‪،‬‬
‫ولطف الش يء رقته واستحس انه وخفته على النفس ‪ ،‬أو احتجابه وخف اؤه (‪، )3‬‬
‫وعند البخاري من حديث عائشة رضي اهلل عنها قالت حني قال هلا أهل اإلفك ما‬
‫الوا‪َ ( :‬ويَ‪ِ # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #‬ريبُِني ِفي َو َجِعي أَنِّي َال أََرى ِم َن‬ ‫ق‬
‫النَِّبيّ‬
‫ض ) (‪ ، )4‬فاللطف الرقة واحلنان والرفق ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْف ِ‬‫ِ ‪ S‬اللُّط َ‬
‫ين أَْمَر ُ‬
‫ت أََرى مْن ُه ح َ‬
‫الذي ُكْن ُ‬
‫وإيصاهلا إلى َمن قدرها‬ ‫املصاحل َ‬ ‫بدقائق َ‬
‫العلم َ‬
‫ُ‬ ‫اجَتمع له‬
‫الذي ْ‬ ‫واللطيف سبحانه هو‬
‫ِ‬
‫له ِمن َخلقه مع الرفق يف الف ْعل والتنفيذ ‪ ،‬يق‬
‫ال ‪ :‬لطف به وله ‪ ،‬فقوله ‪ُ  :‬‬
‫اهلل‬
‫يف لِ َما يَ َش ُاء‬
‫َط ٌ‬ ‫يف بِِعب ِادِه ‪[ ‬الشورى‪ ، ]19 :‬لطف هبم ‪ ،‬وقوله ‪ِ  :‬إ َّن ربِّي ل ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لَط ٌ َ‬
‫قريب منهم ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪[ ‬يوسف‪ ]100 :‬لطف هلم ‪ ،‬واهلل لطيف بعباده رفيق هبم‬
‫يعامل املؤم نني بعطف ورأفة وإحس ان ‪ ،‬وي دعو املخ الفني إىل التوبة‬
‫والغفران مهما بلغ هبم العصيان ‪ ،‬فهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحواهلم‬
‫وال خيفى عليه شيء مما يف صدورهم ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬أَال َيْعَل ُم َم ْن َخَل َق‬
‫‪#‬ف اْل َخِب‪#ُ #‬ير ‪[ ‬امللك ‪ ، ]14 :‬وقال لقمان البنه وهو يعظه ‪  :‬يَا‬ ‫و ‪#‬ه‪#‬و ِ‬
‫اللطي‪ُ #‬‬ ‫ََُ‬
‫س ‪#‬ماو ِ‬
‫ات أَْو‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ص ‪ْ #‬خَرة أَْو في ال َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫َفَت ُك ْن في َ‬ ‫َ‪#‬خ ْ‪#‬ر َدٍل‬ ‫ِم ْن‬ ‫‪#‬ك ِمْثَق‪َ #‬‬
‫‪#‬ال َحَّبٍة‬ ‫ِإَّنَها ِإ ْن تَ‪ُ #‬‬ ‫ُبَن َّي‬
‫َخِب‪#ٌ #‬ير ‪[ ‬لقم ان ‪ ، ]16‬واللطيف أيضا‬ ‫لِ‬ ‫األر ِ ِ‬ ‫ِفي‬
‫‪#‬ف‬
‫َطي‪ٌ #‬‬ ‫اهلل‬
‫َ‬ ‫ض يَ ‪#‬أْت بَِها ُ‬
‫اهلل ِإ َّن‬ ‫ْ‬

‫‪1‬السابق ص ‪. 28‬‬
‫‪2‬السابق ص ‪ ، 28‬وانظر أيضا ‪ :‬طريق اهلجرتني ص ‪ ، 163‬وشرح قصيدة ابن القيم ‪ ، 1/257‬ومنهاج‬
‫السنة النبوية ‪. 3/254‬‬
‫‪3‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 138‬والنهاية يف غريب احلديث ‪. 4/251‬‬
‫‪4‬البخاري يف الشهادات ‪ ،‬باب تعديل النساء بعضهن بعضا ‪. )2518 ( 2/943‬‬
‫(‪)33‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫هو ال ذي ييسر للعب اد أم ورهم ويس تجيب دع ائهم فهو احملسن إليهم يف‬
‫خف اء وسرت من حيث ال يعلم ون ‪ ،‬فنعمه عليهم س ابغة ظ اهرة ال‬
‫حيص يها الع ُّادون وال ينكرها إال اجلاح دون ‪ ،‬وهو ال ذي ي رزقهم بفض له‬
‫َن اهلل أَْنز َل ِمن َّ ِ‬
‫ض‬ ‫صِب ُح األَْر ُ‬ ‫السَماء َم ًاء َفتُ ْ‬ ‫من حيث ال حيتسبون ‪  :‬أَل َْم َتَر أ َّ َ َ َ‬
‫‪#‬ادِه‬
‫‪#‬ف بِِعب ِ‬
‫اهلل لَطي ٌ َ‬
‫ِ‬
‫يف َخِب ٌير‪[ ‬احلج ‪ ، ]63‬وقال سبحانه ‪ُ  :‬‬ ‫َط ٌ‬ ‫ضَّرًة ِإ َّن اهلل ل ِ‬
‫َ‬ ‫ُم ْخ َ‬
‫َيْرُز ُق َم ْن يَ َش ُاء َو ُهَو اْلَق ِو ُّي الَْع ِز ُيز ‪[ ‬الشورى ‪ ، ]19‬كما أنه حياسب املؤمنني‬
‫حس ابا يس ريا بفض له ورمحته ‪ ،‬وحياسب غ ريهم من املخ الفني وفق عدله وحكمته‬
‫(‪. )1‬‬
‫ومن املع اين اللغوية للطيف هو ال ذي لطف عن أن ي درك كما يف قوله‬
‫َح‪#‬دا‬‫ف َوال يُ ْش ‪ِ #‬عَر َّن بِ ُك ْم أ َ‪#‬‬ ‫‪َ  :‬فلَْيْنظُ‪#ْ #‬ر أَُّيَها أَْز َكي طََعاما َفلَْي ‪#‬أْتِ ُك ْم بِ ‪ِ #‬رْز ٍق ِمْن‪#ُ #‬ه َولَْيَتَلطَّ ْ‬
‫‪[ ‬الكهف ‪ ، ]19‬وهي أيضا من املع اين اليت يش ملها امسه اللطيف فقد دل‬
‫على لطف احلج اب لكم ال الل ه وجالله ‪ ،‬ف إن اهلل ال ي رى يف ال دنيا لطفا‬
‫وحكمة ويرى يف اآلخرة إكراما وحمبة ‪ ،‬وإن مل يدرك بإحاطة من قبل خلقه ‪ ،‬ولو‬
‫رآه الناس يف الدنيا جهارا لبطلت احلكمة وتعطلت معاين العدل والرمحة ‪ ،‬ولذلك‬
‫اهلل ِإ َّال َو ْحًيا أَْو ِم ْن َوَر ِاء‬ ‫ِ‬
‫ق ال عن رؤية الن اس له يف ال دنيا ‪َ  :‬وَما َ‪#‬ك‪#‬ا َن لَب َش ‪ٍ #‬ر أَ ْن يُ َكِّلَ‪#‬م ُ‪#‬ه ُ‬
‫‪#‬ف‬ ‫‪#‬اب ‪ ، ‬وقال سبحانه ‪َ  :‬ال تُ ْدِر ُ‪#‬ك‪#‬ه األَبص‪#‬ار و ‪#‬ه‪#‬و ي ‪#ْ #‬دِر ُك األَبص‪#‬ار و ‪#‬ه‪#‬و ِ‬
‫اللطي‪ُ #‬‬ ‫ْ َ َ ََُ‬ ‫ُ ْ َ ُ ََُ ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ِح َ‪#‬‬
‫َح ٌد ِمْن ُك ْم َربَُّه َع َّ‪#‬ز َو َجل‬ ‫اْل َخِبير ‪ ‬وعند مسلم أ ََّن رس َ ِ‬
‫لموا أَنَُّه ل َْن َي َ‪#‬رى أ َ‪#‬‬ ‫ول اهلل ‪َ ( : S‬تَع ُ‬ ‫َُ‬ ‫(‪) 2‬‬
‫ُ‬
‫‪#‬وت ) ‪ ،‬ألن ال دنيا خلقت لالبتالء ‪ ،‬أما اآلخ رة فهي دار احلس اب اجلزاء‬ ‫َحتَّى يَُ‪#‬م َ‬
‫حيث يكشف فيها الغط اء ‪ ،‬ويرفع فيها احلج اب ويلطف اهلل باملوح دين عند‬
‫[ق‪ ، ]22 :‬وقال‬ ‫ص‪ُ#‬ر َك الَْي ْ‪#‬وَم َح ِدي‪ٌ #‬د ‪ّ ‬‬ ‫احلساب ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬فَ َك َشْفنا عْن َ ِ‬
‫ك غطَ َاء َك َفَب َ‬ ‫َ َ‬
‫(‪) 3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عن لطفه وإكرامه وإحسانه وإنعامه ‪ُ  :‬و ُجوٌه َيْوَمئذ نَّاضَرٌة إلَى َرِّبَها نَاظَرٌة ‪. ‬‬
‫‪   -25‬الخبير ‪:‬‬
‫ت ب األَمر أَي علمته‬
‫وخُب ْر ُ‬
‫اخلبري يف اللغة من مب اين املبالغة ‪ ،‬فعله َخَب َر خَيْرُب خُرْب ا ‪َ ،‬‬
‫َخُبرُه إِذا عرفته على حقيقته ‪ ،‬وعند مسلم من حديث أيب موسى ‪t‬‬
‫َمر أ ْ ُ‬
‫ت األ َ‬
‫وخب ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪1‬انظر تيسري الك رمي ال رمحن يف تفسري كالم املن ان للس عدي ‪ ، 5/301‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن ص ‪44‬‬
‫وتفسري القرطيب ‪ ، 9/267‬وفتح القدير للشوكاين ‪. 3/57‬‬
‫‪2‬مسلم يف كتاب الفنت وأشراط الساعة ‪ ،‬باب ذكر بن صياد ‪. )169 ( 4/2245‬‬
‫‪3‬انظر ه ذا املعىن يف زاد املسري ‪ ، 3/99‬وانظر يف معىن االسم أيضا ‪ :‬ش رح أمساء اهلل احلسىن لل رازي ص‬
‫‪ 254‬واملقصد األسىن ص ‪ ، 92‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 83‬‬
‫(‪)34‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫رضي‬ ‫ْت ) (‪ ، )1‬تعين‬ ‫َت ‪َ :‬عَلى اْل َخِب‪#‬ي ِر َس‪َ#‬قط َ‬ ‫ب اْلغُ ْس‪َ #‬ل ؟ قَ‪#‬ال ْ‬ ‫أنه قال لعائشة ‪ ( :‬فَما ي ِ‬
‫‪#‬وج‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫اهلل عنها أته س أل من يعلم اجلواب بتمامه ف اخلَِب ُري ال ذي خَي ُب ُر الش يء بعلمه ‪،‬‬
‫(‪) 2‬‬

‫واخلربة أبلغ من العلم ألهنا علم وزيادة ‪ ،‬فاخلبري بالشيء من َعِل َمه وقام مبعاجلته وبيانه‬
‫وجتربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وأمل بكيفية وصفه على احلقيقة (‪. )3‬‬
‫العامِل مبا َكان ‪ ،‬وما هو كائن ‪ ،‬وما سيكون ‪ ،‬وما لو كان كيف‬ ‫واخلبري سبحانه هو َ‬
‫يكون وليس ذلك إال هلل ‪ ،‬فهو الذي ال خيفى عليه شيء يف األرض وال يف السماء‬
‫‪ ،‬وال يتحرك متحرك وال يسكن إال بعلمه ‪ ،‬وال تستقيم حياته إال بأمره وإذنه قال‬
‫‪#‬ل ِفي‬
‫ض ِإال َعَلى اللَِّه ِرْز ُقَها َوَيْعَل ُم ُم ْس ‪َ#‬تَقَّرَها َوُم ْس ‪َ#‬تْو َد َعَها ُك‪ٌّ #‬‬ ‫تع اىل ‪َ  :‬وَما ِم ْن َدابٍَّة ِفي األَْر ِ‬
‫اب ُمِبين ٍ‪[ ‬هود‪ ، ]6:‬واهلل عز وجل خبري له جنود السماوات واألرض خيربونه‬ ‫ِكَت ٍ‬
‫بالوق ائع لتحقيق احلكمة يف اخللق وهو عليم باألش ياء قبل إخب ار املالئكة عنها‬
‫وبعد اإلخبار عنها ‪ ،‬وعند البخاري من حديث أيب هريرة ‪ t‬أن النيب ‪ S‬قال ‪( :‬‬
‫الِة الَفج ِر وص َِ‬ ‫ِ‬ ‫َيَتَعا َقبُو َن ِفي ُك ْم َم َ‬
‫الئِ َكٌة بِاللَّْي ِل وم َِ‬
‫ص‪ِ #‬ر ‪،‬‬
‫الع ْ‬
‫الة َ‬ ‫صَ ْ َ َ‬ ‫الئ َكٌة بِالنََّها ِر ‪َ ،‬ويَ ْجَت ِمُعو َن في َ‬ ‫ََ‬
‫‪#‬ف َت‪##‬ر ْكتُم ِعب‪ِ #‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫‪#‬ادي ؟ َفَيُقولُ‪##‬و َن ‪:‬‬ ‫ين بَ‪##‬اتُوا في ُك ْم ‪َ ،‬فَي ْس ‪#‬أَلُُه ْم َو ْ‪#‬ه َ‪#‬و أَ ْعَل ُم (بِِ‪4‬ه)ْم َكْي‪َ ْ َ َ #‬‬ ‫ثُ َّم َيْع‪#ُ #‬ر ُج الذ َ‬
‫ص ‪#‬لُّو َن ) ‪ ،‬فس ؤاله س بحانه هلم ليس طلبا‬ ‫‪#‬اه ْم َو ُه ْم يُ َ‬ ‫ص ‪#‬لُّو َن ‪َ ،‬وأََتْيَن‪ُ #‬‬
‫‪#‬اه ْم َو ُه ْم يُ َ‬
‫َتَر ْكَن‪ُ #‬‬
‫للعلم فهو الس ميع البصري العليم اخلبري ‪ ،‬ولكن إلظه ار ش رف املؤمن عند ربه ‪،‬‬
‫وبي ان فض له بني مالئكته ومحلة عرشه ‪ ،‬ق ال ابن حجر رمحه اهلل ‪ ( :‬قيل احلكمة‬
‫فيه اس تدعاء ش هادهتم لبين آدم ب اخلري واس تنطاقهم مبا يقتض ي التعطف عليهم ‪،‬‬
‫وذلك إلظه ار احلكمة يف خلق ن وع اإلنس ان يف مقابلة من ق ال من املالئكة ‪ :‬‬
‫‪#‬ال ِإنِّي أَ ْعَل ُم َما‬
‫‪#‬ك قَ َ‬
‫ِّس لَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَتَ ْجَع ُل ِف َيها َم ْن ُيْف ِس ُد ِف َيها َويَ ْسِف ُ‬
‫ك الدَِّم َاء َونَ ْح ُن نُ َس‪ِّ#‬ب ُح ب َح ْم‪#‬د َك َوُنَق‪#‬د ُ‬
‫ال َتْعَل ُم‪## #‬و َن ‪[ ‬البق رة‪ ، ]30 :‬أي وقد وجد فيهم من يس بح ويق دس مثلكم بنص‬
‫شهادتكم ) (‪. )5‬‬
‫‪   -26‬الوتر ‪:‬‬
‫الع َدِد ‪ ،‬و التواتر التتابع ‪ ،‬وقيل هو تتابع‬
‫فع من َ‬
‫الفر ُد أَو ما مل َيَت َش ْ‬
‫ْ‬ ‫ال ِوْتُر يف اللغة هو‬
‫األشياء وبينها فجوات وفرتات ‪ ،‬وتواترت اإلبل والقطا وكل شيء إذا جاء بعضه‬

‫‪1‬مسلم يف كتاب احليض ‪ ،‬باب نسخ املاء من املاء ‪. )349 ( 1/271‬‬


‫‪2‬انظر تفصيل املعىن اللغوي يف لسان العرب ‪ ، 4/226‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 273‬واشتقاق أمساء‬
‫اهلل ص ‪ ، 127‬والنهاية يف غريب احلديث ‪. 2/6‬‬
‫‪3‬انظر بتصرف ‪ :‬الفروق اللغوية أليب اهلالل العسكري ص ‪. 74‬‬
‫‪4‬البخاري يف كتاب مواقيت الصالة ‪ ،‬باب فضل صالة العصر ‪. )530 ( 1/203‬‬
‫‪5‬فتح الباري ‪ ، 2/36‬وانظر األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 264‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 45‬‬
‫(‪)35‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫يف إثر بعض غري مص طفة (‪ ، )1‬وقوله ‪َ  :‬وال َّش ‪ْ#‬ف ِع َواْل‪#َ #‬وْت ِر ‪[ ‬الفج ر‪ ، ]3:‬قيل ال وتر‬
‫والش فع أنه ُش ِف َع بزوجته ‪ ،‬وقيل الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة ‪ ،‬وقيل‬ ‫آدم ‪َّ ‬‬
‫األَع داد كلها ش فع ووتر ك ثرت أَو قلت ‪ ،‬وقيل ال وتر هو اهلل الواحد ‪ ،‬والش فع‬
‫فوَتْرهتم (‪، )2‬‬ ‫فعتهم وكانوا َش فعا َ‬ ‫مجيع اخللق خلقوا أَزواج اً ‪ ،‬وكان القوم وتِرا َ‬
‫فش ْ‬
‫أن رجال َس أَل‬ ‫ر‪t‬‬
‫وعند البخ اري من ح ديث ابْ ِن ُع َم َ‬
‫النَِّبّي‬
‫الِة اللي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص‪َّ#‬لى‬ ‫ال ‪َ ( :‬مْثَنى َمْثَنى فَ‪ِ#‬إ َذا َخ ِشَي ال ُّ‬
‫ص‪ْ#‬ب َح َ‬ ‫ْل ؟ قَ َ‬ ‫صَ‬ ‫ْو َعَلى املْنرَبِ ‪َ :‬ما (َت‪َ3‬ر)ى في َ‬
‫َ ‪َ S‬وه َ‬
‫َو ِ‪#‬اح َدًة فَ‪#‬أَْوَتَر ْت لَ‪#ُ #‬ه َما َص‪َّ#‬لى ) ‪ ،‬وعند الرتمذي وصححه األلباين من حديث َس َل َمة بْ ِن‬
‫أت فَ‪##‬اْنَتِثْر َوِإ َذا ا ْس ‪َ#‬ت ْج َمْر َت فَ ‪#‬أَْوتِْر ) (‪ ، )4‬أي اجعل‬ ‫س ‪ t‬أن النيب ‪ S‬ق ال ‪ِ ( :‬إ َذا َتَو َّ‬
‫ض‪َ #‬‬ ‫ْقي ٍ‬
‫احلج ارة اليت تس تنجي هبا ف رداً اس تنج بثالثة أَحج ار أَو مخسة أَو س بعة وال تس تنج‬
‫بالشفع ‪.‬‬
‫واهلل تع اىل وتر انف رد عن خلقه فجعلهم ش فعا ‪ ،‬وقد خلق اهلل املخلوق ات حبيث ال‬
‫تعتدل وال تستقر إال بالزوجية وال هتنأ على الفردية واألحدية ‪ ،‬يقول تعاىل ‪َ  :‬وِم ْن‬
‫كرو َن ‪[ ‬الذاريات‪ ، ]49 :‬فالرجل ال يهنأ إال بزوجته‬ ‫َّ‬ ‫ُ‪#‬ك ِّ ٍ‬
‫‪#‬ل َش‪ْ #‬يء َخَلْقَنا َزْو َجْي ِن لََعل ُك ْم تَ‪َ #‬ذ ُ‬
‫وال يش عر بالس عادة إال مع أس رته والتوافق بني حمبتهم وحمبته ‪ ،‬ف رياعى يف ق راره‬
‫ض روريات أوالده وزوجته ‪ ،‬وال ميكن أن تس تمر احلي اة اليت ق درها اهلل على خلقه‬
‫بغري الزوجية حىت يف تك وين أدق املواد الطبيعية ‪ ،‬فاملادة تتك ون من جمموعة من‬
‫العناصر واملركب ات وكل عنصر مك ون من جمموعة من اجلزيئ ات ‪ ،‬وكل ج زيء‬
‫مك ون من جمموعة من ال ذرات ‪ ،‬وكل ذرة هلا نظ ام يف تركيبها ت تزاوج فيه مع‬
‫أخواهتا ‪ ،‬س واء ك انت ال ذرُة س الب ًة أو موجب ًة ‪ ،‬فالعناصر يف حقيقتها عب ارة عن‬
‫أخوات من الذرات متزاوجات متفامهات متكاتفات ومتماسكات ‪ ،‬ومن املعلوم أنه‬
‫زئ املاء إال إذا احتدت ذرت ان من اهلي دروجني مع ذرة واح دة من‬ ‫ال يتك ون ج ُ‬
‫األكس جني ‪ ،‬فال ذرات متزاوجة س البها يرتبط مبوجبها وال هتدأ وال تس تقر إال‬
‫ب التزاوج بني بعض ها البعض ‪ ،‬فه ذه بناية اخللق بتق دير احلق ب نيت على الزوجية‬
‫والش فع ‪ ،‬أما ربنا عز وجل فذاته ص مدية وص فاته فردية ‪ ،‬فهو املنف رد باألحدية‬
‫‪1‬لسان العرب ‪. 5/275‬‬
‫‪2‬التبيان يف تفسري غريب القرآن ص ‪ ، 461‬والتبيان يف أقسام القرآن ص ‪ ، 20‬وانظر السابق ‪. 5/273‬‬
‫‪3‬البخاري يف كتاب الصالة ‪ ،‬باب احللق واجللوس يف املسجد ‪. )460 ( 1/179‬‬
‫‪4‬الرتمذي يف الطهارة ‪ ،‬باب ما جاء يف املضمضة ‪ ، )27 ( 1/40‬والسلسلة الصحيحة ‪)1305 ( 3/291‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪)36‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫ثبت عند مسلم من حديث أَىِب ُهَرْيَرة ‪ t‬مرفوعا ‪ِ ( :‬إن َ‬


‫اهلل َع َّ‪#‬ز َو َجل‬ ‫والوترية ‪ ،‬وقد‬
‫ِوْتٌر يُ ِح ُّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫ب ال ِوْتَر ) ‪.‬‬
‫وقد قيل أيضا يف معىن الش فع وال وتر أن الش فع تن وع أوص اف العب اد بني عز وذل‬
‫وعجز وق درة ‪ ،‬وض عف وق وة ‪ ،‬وعلم وجهل ‪ ،‬وم وت وحي اة ‪ ،‬وال وتر انف راد‬
‫صفات اهلل عز وجل فهو العزيز بال ذل ‪ ،‬والقدير بال عجز ‪ ،‬والقوي بال ضعف ‪،‬‬
‫والعليم بال جهل ‪ ،‬وهو احلي ال ذي ال ميوت ‪ ،‬القي وم ال ذي ال ين ام ‪ ،‬ومن‬
‫(‪) 2‬‬
‫أساسيات التوحيد والوترية إفراد اهلل عمن سواه يف ذاته وصفاته وأفعاله وعبوديته‬
‫‪.‬‬
‫‪   -27‬الجميل ‪:‬‬
‫اجلميل يف اللغة من اجلم ال هو احلسن يف اخللق ة واخللق ‪ ،‬مجل جيمل فهو مجيل‬
‫كك رم فهو ك رمي ‪ ،‬وجتمل ت زين ‪ ،‬ومجله جتميال زينه ‪ ،‬وأمجل الص نيعة عند فالن‬
‫يعين أحسن إليه ‪ ،‬واجملاملة هي املعاملة باجلميل ‪ ،‬والتجمل تكلف اجلميل ‪ ،‬وقد‬
‫س‪:‬‬‫ف بْ َن َقْي ٍ‬
‫َحَن َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫مجل الرجل مجاال فهو مجيل واملرأة مجيلة ‪ ،‬وقال األ ْ‬
‫يل فَ َما َج َمال ُُه‬ ‫ْج ِم‬ ‫وِإ َذا ج ِميل الْو ْجِه لَم يأ ِ‬
‫ْت ال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ َْ‬
‫(‪) 4‬‬
‫احت َمال ُُه ‪.‬‬‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الق اْلَفَتى إال ُتَق ُاه َو ْ‬‫َخ َ‬
‫َما َخْيُر أ ْ‬
‫ص ‪ِ#‬بْر َ‬
‫ص ‪ْ#‬براً‬ ‫و ِالصرب اجلميل هو الذي ال شكوى معه وال جزع فيه قال تعاىل ‪  :‬فَا ْ‬
‫ْج ِمي ‪#َ #‬ل ‪[ ‬احلج ر‪ ، ]85 :‬أي‬ ‫ص ‪ْ#‬ف َح ال َ‬
‫ص ‪َ#‬ف ِح ال َّ‬ ‫ال ‪[ ‬املع ارج‪ ، ]5 :‬وقوله ‪  :‬فَا ْ‬ ‫َجمي ً‬
‫(‪) 5‬‬
‫أعرض عنهم إعراضا ال جزع فيه ‪.‬‬
‫واهلل عز وجل هو اجلميل ‪ ،‬مجاله س بحانه على أربع م راتب مجال ال ذات ومجال‬
‫الصفات ومجال األفعال ومجال األمساء فأمساؤه كلها حسىن ‪ ،‬وصفاته كلها صفات‬
‫كمال ‪ ،‬وأفعاله كلها حكمة ومصلحة ‪ ،‬وعدل ورمحة ‪ ،‬وأما مجال الذات وكيفية‬
‫ما هو عليه ف أمر ال يدركه س واه وال يعلمه إال اهلل ‪ ،‬وليس عند املخل وقني منه إال‬
‫تعريف ات تع رف هبا إلى من أكرمه من عب اده (‪ ، )6‬وعند البخ اري ومس لم من‬
‫ات َو ْجِه ِ‪#‬ه َما‬ ‫ِ‬
‫َحَر َق ُس‪#‬بُ َح ُ‬
‫ُّور لَْو َك َشَف ُه أل ْ‬ ‫حديث أَيِب ُم َ‬
‫وسى ‪ t‬أن النَّيب ‪ S‬قال ‪ ( :‬ح َجابُُه الن ُ‬
‫‪1‬مسلم يف كتاب الذكر والدعاء والتوبة ‪ ،‬باب يف أمساء اهلل تعاىل ‪. )2677 ( 4/2062‬‬
‫‪2‬تفسري القرطيب ‪ ، 20/41‬األمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 30‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪.11/126‬‬
‫‪4‬سنن البيهقي الكربى ‪. 10/195‬‬
‫‪5‬تفسري الطربي ‪ ، 12/165‬وتفسري ابن كثري ‪. 2/472‬‬
‫‪6‬الفوائد البن القيم ص ‪. 182‬‬
‫(‪)37‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫صُرُه ِم ْن َخلِْقِه ) (‪ ، )1‬قال عبد اهلل بن عباس ‪ ( : t‬حجب الذات بالصفات‬ ‫ِ‬
‫اْنَتَهى ِإلَْيه بَ َ‬
‫وحجب الص فات باألفع ال ‪ ،‬فما ظنك جبم ال حجب بأوص اف الكم ال ‪ ،‬وسرت‬
‫بنع وت العظمة واجلالل ) (‪ ، )2‬ومن ه ذا املعىن يفهم بعض مع اين مجال ذاته ‪ ،‬ف إن‬
‫العبد ي رتقى من معرفة األفع ال إىل معرفة الص فات ومن معرفة الص فات إىل معرفة‬
‫الذات ‪ ،‬فإذا شاهد شيئا من مجال األفعال استدل به على مجال الصفات مث استدل‬
‫جبم ال الص فات على مجال ال ذات ومن ههنا يت بني أنه س بحانه له احلمد كله وأن‬
‫أحدا من خلقه ال حيصي ثناء عليه بل هو كما أثىن على نفسه (‪. )3‬‬
‫‪   -28‬الحيي ‪:‬‬
‫احليي يف اللغة هو املتصف باحلي اء ‪ ،‬يق ال (‪َ ):4‬حيَِي منه حي اء واس تحيا منه واس تحى‬
‫منه ‪ ،‬وهو َحِيي ذو حي اء كغين ذو غىن ‪ ،‬واحلي اء ص فة خلقية رقيقة وس جية‬
‫لطيفة دقيقة متنع النفس من جتاوز أحك ام الع رف أو من جتاوز أحك ام الش رع ؛‬
‫وأحك ام الع رف يقصد هبا كل ما تعرفه النف وس وتستحس نه العق ول من مك ارم‬
‫األخالق وحماسن الش يم ‪ ،‬وهي اليت ك انت ومل ت زل مستحس نة يف كل زم ان‬
‫ومك ان (‪ ، )5‬وعند البخ اري من ح ديث ابن مس عود ‪ t‬أن النيب ‪ S‬ق ال ‪ِ ( :‬إ َّن ِم َّما‬
‫اصَن ْع َما ِشْئ َ‬
‫ت ) (‪. )6‬‬ ‫ِ‬ ‫َّاس ِم ْن َك َ‬
‫الِم النُُّبَّوة األُولَى ِإ َذا ل َْم تَ ْسَتح فَ ْ‬ ‫أَ ْدَر َك الن ُ‬
‫واملقص ود أن احلي (اء‪)7‬مل ي زل مستحس نا يف ش رائع األنبي اء وأنه مل ينسخ يف مجلة ما‬
‫نسخ من شرائعهم ‪ ،‬وعند البخاري من حديث أيب سفيان ‪ t‬قال ‪َ ( :‬فو ِ‬
‫اهلل لَْوال‬ ‫َ‬
‫‪#‬اء ِم ْن أ َْن ي‪## # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #‬ؤثروا‬
‫ْحَي‪ُ # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #‬‬
‫ال َ‬
‫َع ّ‬
‫لي‬
‫َ َ‪#‬ك ِ‪#‬ذبًا لَ َك‪َ #‬ذبْ ُ‬
‫(‪) 8‬‬
‫ت َعْن‪#ُ #‬ه ) ‪ ،‬وعند البخاري من حديث أيب هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪S‬‬
‫قال ‪ِ ( :‬إ َّن موسى َك‪#‬ا َن َر ُجال َحِييًّا ِس‪#‬ت ًِّيرا َال ُي َ‪#‬رى ِم ْن ِجْل ِ‪#‬دِه َشي ٌْء ا ْس‪ِ#‬ت ْحَي ًاء ِمْن ُ‪#‬ه ) (‪ ، )9‬واهلل‬
‫َج َ‪#‬ر‬ ‫وك لَِي ْج ِزيَ َ‬
‫‪#‬ك أ ْ‬ ‫َت ِإ َّن أَبِي يَ ْ‪#‬د ُع َ‬ ‫عز وجل قال ‪  :‬فَ َج َاءْت ُه ِإ ْح َد ُاه َما تَ ْم ِش‪#‬ي َعَلى ا ْس‪ِ#‬ت ْحَي ٍاء قَ‪#‬ال ْ‬

‫‪1‬مسلم يف كتاب اإلميان ‪. )179 ( 1/161‬‬


‫‪2‬السايق ص ‪. 182‬‬
‫‪3‬السايق ص ‪. 182‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪ ، 218 /14‬واملغرب يف ترتيب املعرب للمطرزي ‪. 1/238‬‬
‫‪5‬انظر فتح الباري ‪ 1/75‬وفيض القدير للمناوي ‪ ، 427 /3‬واجلواب الكايف ص ‪. 46‬‬
‫‪6‬البخاري يف أحاديث األنبياء ‪ ،‬باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ‪. )3296 ( 3/1284‬‬
‫‪7‬عون املعبود شرح سنن أيب داود ‪.13/106‬‬
‫‪8‬البخاري يف بدء الوحي ‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إىل رسول اهلل )‪. S 1/7 (7‬‬
‫‪9‬البخاري يف أحاديث األنبياء ‪ ،‬باب حديث اخلضر مع موسى عليهما السالم ‪. )3223 ( 3/1249‬‬
‫(‪)38‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ت لََنا ‪[ ‬القص ص‪ ، ]25 :‬فاحلياء صفة أخالقية وسجية نفسية تراعي مكارم‬ ‫َما َس‪َ#‬قْي َ‬
‫األخالق وحماسن الشيم وهي كلها خري ‪ ،‬أما حياء الشرع فهو احلياء الذي حيفظ‬
‫به العبد حدود اهلل وحمارمه ‪ ،‬ورمبا يتطلب ذلك ورعا واتقاء للشبهة مما حييف على‬
‫احليي بعض الشيء (‪. )1‬‬
‫واهلل عز وجل هو احليي الذي تكفل بعباده وبأرزاقهم ألنه ليس هلم أحد سواه فهو‬
‫ال ذي يقبل ت وبتهم ويوفق حمس نهم ويس مع دع اءهم وال خييب رج اءهم ‪ ،‬وحي اء‬
‫الرب تعاىل ال تدركه األفهام وال تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجالل‬
‫(‪. )2‬‬
‫وعند أىب داود وصححه الشيخ األلباين من حديث سلمان الفارسي ‪ t‬أن رسول ِ‬
‫اهلل‬ ‫َُ‬ ‫ََ‬
‫يم يَ ْس‪َ#‬ت ْحِيى ِم ْن َعْب ِ‪#‬دِه ِإ َذا َرفَ َ‪#‬ع يَ َديْ ِ‪#‬ه ِإلَْي ِ‪#‬ه أَ ْن َيُردَُّه َما‬
‫‪ S‬قال ‪ِ)3(( :‬إ َّن َربَّ ُك ْم َتَب َار َك َوَتَعالَى َحِي ٌّى َك ِر ٌ‬
‫ِص ‪ْ##‬فًرا ) ‪ ،‬واحلي اء وصف كم ال هلل ال يع ارض احلكمة وال يع ارض بي ان احلق‬
‫ض‪#‬ة فَ َما َفْوَقَها فَأََّما‬ ‫ال َما َبُعو َ‬ ‫ب َمثَ ً‬ ‫واحلجة كما قال تعاىل ‪ِ  :‬إن الل‪َ #‬ه ال يَ ْس‪َ#‬ت ْحِيي أ َْن يَ ْ‬
‫ض‪ِ #‬ر َ‬
‫ين َكَف‪#ُ #‬روا َفَيُقولُ‪##‬و َن َم‪##‬ا َذا أََر َاد اهلل بَِه‪َ #‬ذا َمثَ ً‬ ‫َّ ِ‬ ‫ْح ُّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ال‬ ‫‪#‬ق م ْن َربِِّه ْم َوأََّما الذ َ‬ ‫آمنُ‪##‬وا َفَيْعَل ُ‪#‬م‪#‬و َن أَنَُّه ال َ‪#‬‬
‫ين َ‬
‫الذ َ‬
‫يُ ِض ُّل بِِه َكِثيرا َوَيْه ِدي بِِه َكِثيراً َوَما يُ ِضل بِِه ِإال اْلَف ِاسِق َين ‪[ ‬البقرة‪. ]26 :‬‬
‫‪   -29‬الستير ‪:‬‬
‫الستير يف اللغة على وزن ِفعيل من ص يغ املبالغة ‪ ،‬فعله سرت الش يء يَ ْس ُتُره َس رتا‬
‫والسرْت ُة ما يُستَر به‬ ‫والصْون واحلياء ‪ُّ ،‬‬ ‫أَخفاه والستري هو الذي من ش ْأنه حب السرت َّ‬
‫وسرَت الشيء غطاه وتَ َسرَّت أي تغطى‬ ‫السَتارة واجلمع َّ ِ‬
‫السَتائُر ‪َ ،‬‬ ‫كائنا ما كان ‪ ،‬وكذا ِّ‬
‫‪ ،‬وجارية ُمسرَّت ة يعين مستورة يف خدرها ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬وِإ َذا َقَرْأ َ‬
‫ت اْلُق ْ‪#‬رآ َن َجَعلَْنا‬
‫‪#‬اآلخَرِة ِح َجاب ‪# #‬اً َم ْس ‪# #‬تُوراً ‪[ ‬اإلس راء‪ ، ]45 :‬أي‬ ‫‪#‬ك وبين الَّ ِذين ال يْؤِمن‪## #‬و َن بِ‪ِ # #‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َبْيَن‪َ َْ َ َ # #‬‬
‫حجاب ا على حج اب ف األول مستور بالث اين ‪ ،‬أراد ب ذلك كثافة احلج اب‬
‫ألنه جعل على قلوهبم أكنة ويف آذاهنم وقرا (‪. )4‬‬
‫والسرت يأيت أيضا مبعىن املنع واالبتعاد عن الشيء روى البخاري من حديث عائشة‬
‫ان تَسأ َِلني ‪َ ،‬فَلم تَ ِج ْد ِعْن ِدي َغي‪#‬ر تَم‪#‬رةٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫رضي اهلل عنها أهنا قالت ‪َ ( :‬ج َاءْتني ْامَرأَة َمَعَها ْابَنَت ْ‬
‫ت ‪ ،‬فَ‪َ #‬د َخ َل النَِّبي ‪ S‬فَ َح َّدثتُ ُ‪#‬ه َفَق‪#‬ال‬
‫ت فَ َخ َ‪#‬ر َج ْ‬
‫طيُتَها َفَق َس َمْتَها َبْي َن ْابَنَتْيَها ‪ ،‬ثُ َّم قَ َ‪#‬ام ْ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َواح َدة ‪ ،‬فأ ْع ْ‬

‫‪1‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/5‬‬


‫‪2‬مدارج السالكني ‪. 261 /2‬‬
‫‪3‬أبو داود يف الوتر ‪ ،‬باب الدعاء ‪ ، )1488 ( 2/78‬وانظر صحيح أيب داود (‪. )1337‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪ ، 344 /4‬وتفسري الطربي ‪. 94 /15‬‬
‫(‪)39‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫كن لَ‪#ُ #‬ه ِس‪ْ#‬تًرا ِم َن النَّا ِر ) (‪ ، )1‬وعند البخاري‬ ‫َح َس‪َ #‬ن ِإلَْيِه َّن َّ‬
‫ْ‬ ‫‪#‬ات َش‪ْ#‬يئا فَأ‬ ‫‪ :‬من يِلي ِمن َ‪#‬ه ِ‪#‬ذِه البَن‪ِ #‬‬
‫كم ِإلَى َشي ٍء يَ ْسُتُرُه ِم َن الن ِ‬ ‫َِ ٍ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫َّاس‬ ‫ْ‬ ‫َح ُد‬
‫َ‬ ‫صلى أ‬‫من حديث أيب سعيد ‪ t‬أن النيب ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َذا َ‬
‫فَأََر َاد أ ََح ٌد أ َْن يَ ْجَت َاز َبْي َن يََديِْه َفلَْي ْدَفْع ُه ‪ ،‬فَِإ ْن أَبَى َفلُْيَقاتِل ُْه ‪ ،‬فَِإنََّما ُهَو َشْيطَا ٌن ) (‪. )2‬‬
‫والس تري س بحانه هو ال ذي حيب السرت ويبغض القب ائح ‪ ،‬وي أمر بسرت الع ورات‬
‫ويبغض الفضائح ‪ ،‬يسرت العيوب على عباده وإن كانوا هبا جماهرين ‪ ،‬ويغفر الذنوب‬
‫مهما عظمت طاملا أن العبد من املوح دين ‪ ،‬وإذا سرت عب ده يف ال دنيا س رته ي وم‬
‫ال ‪َ ( :‬ال يَ ْس ‪ُ#‬تُر اهلل َعَلى َعْب‪#ٍ #‬د‬
‫القيامة روى مس لم من ح ديث أيب هري رة أن النيب ‪ S‬قَ َ‬
‫الدْنَيا ِإ َّال َسَتَرُه اهلل َيْوَم الِْقَي َامِة ) (‪. )3‬‬ ‫في ُّ‬
‫وروى البخاري من حديث أيب هريرة ‪ t‬قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ S‬يقول ‪#ُ ( :‬ك ُّ‬
‫‪#‬ل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَُّمِتي مع‪#‬افى ِإال ال ِ‬
‫ص‪ِ#‬ب َح َوقَ ْ‪#‬د‬
‫ال ‪ ،‬ثُ َّم يُ ْ‬‫‪#‬ل بِاللَّْي ِ‪#‬ل َع َم ً‬
‫الر ُج ُ‬
‫‪#‬ل َّ‬ ‫ين ‪َ ،‬وإن م َن الم َجانَ‪#‬ة أَن َيْع َم َ‬ ‫مج‪#‬اه ِر َ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫ص‪#‬ب ُح يَ ْكش‪ُ #‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ات يَ ْس‪ُ#‬تُرُه َربُُّه َويُ ْ‬ ‫ْت الَْبار َحَة َك َذا َو َ‪#‬ك َذا ‪َ ،‬وقَ ْ‪#‬د بَ َ‬ ‫ال ُن َعمل ُ‬ ‫ول يَا فُ َ‬ ‫َسَتَرُه اهلل ‪َ ،‬فَيُق َ‬
‫ِسْتَر اللَِّه َعْن ُه ) (‪ ، 4‬وعند البخاري من حديث ابن عمر أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َّن‬ ‫)‬

‫ب َ‪#‬ك َذا‬ ‫ف َذنْ َ‬ ‫ب َ‪#‬ك َذا أََتْع‪ِ #‬ر ُ‬ ‫ف َذنْ َ‬ ‫‪#‬ول أََتْع‪ِ #‬ر ُ‬ ‫ْم ْ‪#‬ؤِم َن َفَي َ‬
‫ض‪ُ #‬ع َعَلْي‪#ِ #‬ه َكَنَ‪#‬ف ُ‪#‬ه ‪َ ،‬ويَ ْس‪ُ#‬تُرُه َفَيُق‪ُ #‬‬ ‫اللََّه يُ‪#ْ #‬دنِي ال ُ‪#‬‬
‫ب ‪َ ،‬حتَّى ِإ َذا َق َّ‪#‬رَرُه بِ ُذنُوبِ ِ‪#‬ه َوَرأَى في نَف ِس‪ِ#‬ه أَنَُّه َهَلك ق‪#‬ال َس‪َ#‬تْرُتَها َعَلْيك في‬ ‫ي َر ِّ‬‫ول َنَع ْم أَ ْ‬‫َفَيُق ُ‬
‫المَن ‪#ِ #‬افُقو َن َفَيُق ‪ُ #‬‬
‫‪#‬ول‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫‪#‬اب َح َس‪َ# #‬ناته ‪َ ،‬وأََّما الك ‪#( #‬اف‪)ُ5‬ر َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪#ُّ ##‬دْنَيا ‪َ ،‬وأَنَا أَغفُر َها لَك ا َلي‪#ْ ##‬وَم ‪َ ،‬فُيْعطَى كَت‪َ ##‬‬
‫ِين َك َذبُوا َعَلى َربِِّه ْم ‪ ،‬أَ َال لَْعَن ُة اللَِّه َعَلى الظَّالِ ِم َين ) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َشَه ُاد َهُؤ َالء الذ َ‬ ‫األ ْ‬
‫‪   -30‬الكبير ‪:‬‬
‫الكبري يف اللغة من ص يغ املبالغة فعله َكُب َر ِكرَب اً و ُكرْب اً فهو كبري ‪،‬‬
‫والكرب نقيض الص غر كرب بالضم يكرب أي عظم ‪ ،‬والكبري والص غري‬
‫من األمساء املتض ايقة اليت تق ال عند اعتب ار بعض ها ببعض ‪ ،‬فالش يء‬
‫قد يك ون ص غريا يف جنب ش يء وكب ريا يف جنب غ ريه ويس تعمالن‬
‫يف الكمية املتصلة كالكثري والقليل واملنفصلة كالعدد (‪ ، )6‬ويكون الكرب‬
‫يف اتس اع ال ذات وعظمة الص افات حنو قوله تع اىل ‪  :‬فَ َجَعَلُه ْم ُ‪#‬ج ‪َ #‬ذاذا‬
‫ِإال َكِب ‪##‬يراً لَُه ْم لََع ُله ْم ِإلَْي ‪#ِ #‬ه َيْر ِجُع ‪##‬و َن ‪[ ‬األنبي اء‪ ، ]58 :‬وقوله ‪  :‬فَال تُ ِط‪#ِ #‬ع‬

‫‪1‬أخرجه البخاري يف كتاب األدب ‪ ،‬باب رمحة الولد وتقبيله ومعانقته ‪. )5649 ( 5/2234‬‬
‫‪2‬البخاري كتاب الصالة ‪ ،‬باب يرد املصلي من مر بني يديه ‪. )487 (1/191‬‬
‫‪3‬مسلم يف الرب والصلة واألدب ‪ ،‬وانظر فيض القدير ‪ ، 2/228‬وعون املعبود ‪. 11/34‬‬
‫‪4‬البخاري يف األدب ‪ ،‬باب سرت املؤمن على نفسه ‪. )5721 ( 5/2254‬‬
‫‪5‬البخاري يف املظامل ‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل أال لعنة اهلل على الظاملني ‪. )2309 ( 2/862‬‬
‫‪6‬لسان العرب ‪ ، 5/125‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪. 696‬‬
‫(‪)40‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫يف التع ايل‬ ‫‪ ،‬وأيضا‬ ‫[الفرق ان‪]52 :‬‬ ‫اْل َك‪#ِ #‬اف ِر َين َو َج ِاه‪#ْ #‬د ُه ْم بِ ‪#ِ #‬ه ِجَه‪##‬اداً َكِب‪##‬يراً ‪‬‬
‫ُم ْج ِرِم َيها ‪‬‬ ‫باملنزلة والرفعة كقوله ‪َ  :‬و َ‪#‬ك ‪َ #‬ذلِ َ‬
‫ك َجَعلَْنا ِفي ُك‪ِّ #‬‬
‫‪#‬ل َقْريَ ‪#ٍ #‬ة أَ َك‪##‬ابَِر‬
‫[األنعام‪. ]123 :‬‬
‫والكبري سبحانه هو العظيم يف كل شيء ‪ ،‬عظمته عظمة مطلقة ‪ ،‬وهو ال ذي ك رب‬
‫ض ‪[ ‬البق رة‪ ، ]255 :‬روي‬ ‫س‪#‬ماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َواألَْر َ‬ ‫وعال يف ذاته قال تعاىل ‪َ  :‬وس‪َ #‬ع ُكْرس‪#‬يُُّه ال َّ َ َ‬
‫عن عبد اهلل بن عباس ‪ t‬أنه قال ‪ ( :‬ما السماوات الس‪#‬بع واألرض‪#‬ون الس‪#‬بع في يد اهلل‬
‫إال كخردلة في يد أح‪## # # #‬دكم ) (‪ ، )1‬وهو الكبري يف أوص افه فال مسي له وال مثيل ‪،‬‬
‫وال شبيه وال نظري ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬ه ْ‪#‬ل َتْعَل ُم لَ ُ‪#‬ه َس‪ِ #‬مّياً ‪[ ‬مرمي‪ ، ]65 :‬وهو الكبري يف‬
‫س ‪#‬ماو ِ‬
‫ض‬‫ات َواألَْر ِ‬ ‫أفعاله فعظمة اخللق تش هد بكماله وجالله ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬لَ َخْل‪#ُ #‬ق ال َّ َ َ‬
‫َّاس ال َيْعَل ُمو َن ‪[ ‬غافر‪ ، ]57 :‬وهو سبحانه املتصف‬ ‫َّاس ول ِ‬ ‫ِ‬
‫َك َّن أ َْكَثَر الن ِ‬ ‫أ َْكَبُر م ْن َخل ِْق الن ِ َ‬
‫بالكربياء ومن نازعه يف ذلك قسمه وعذبه روى مسلم من حديث أيب هريرة ‪ t‬أن‬
‫رس ول اهلل ‪ S‬ق ال ‪ ( :‬الِْع‪#ُّ #‬ز ِإَزارُه وال ِ‬
‫ْكْب ِريَ ‪##‬اء ِر َد ُاؤُه ‪ ،‬فَ َم ْن ُيَن ‪##‬ا ِز ُعِني َع َّذْبتُ ‪#ُ #‬ه ) (‪ ، )2‬فهو‬ ‫ُ َ‬
‫س بحانه الكبري املوص وف ب اجلالل وعظم الش أن ‪ ،‬وهو املنف رد بذاته وص فاته‬
‫وأفعاله عن كل من سواه فله مجيع أنواع العلو املعروفة بني السلف (‪. )3‬‬
‫‪   -31‬المتعال ‪:‬‬
‫املتعايل اسم فاعل من تعاىل ‪ ،‬واملتعايل فعله تعاىل يتعاىل فهو متعال ‪ ،‬وهو أبلغ‬
‫من الفعل عال ‪ ،‬ألن األلف اظ ملا ك انت أدلة املع اين مث زيد فيها ش يء أوجبت‬
‫زيادة املعىن فزيادة املبىن دليل على زيادة املعىن (‪ ، )4‬والتعايل هو االرتِفاع ‪ ،‬قال‬
‫األَزه ري ‪ ( :‬تق ول الع رب يف الن داء للرجل تَع ال بفتح الالم ‪ ،‬ولالث نني تَع اال ‪،‬‬
‫عالوا ‪ ،‬وللمرأَة تَعايل ‪ ،‬وللنساء َتَع النْيَ ‪ ،‬وال يُبالو َن أَين يكون املدعو‬
‫وللرجال تَ ْ‬
‫(‪) 5‬‬
‫يف مكان أ َْعلى من مكان الداعي أَو مكان دونه ) ‪.‬‬
‫َّامِة ‪ ،‬وأغلب املفسرين جعلوا االسم داال‬ ‫واملتعايل سبحانه هو القاهر ِ‬
‫خللق ِه بقدرتِِه الت َّ‬
‫أحد مع اين العلو ‪ ،‬فاملتع ايل هو املس تعلي على كل ش يء‬ ‫علىَ علو القهر ‪ ،‬وهو ُ‬
‫بقدرته ‪ ،‬قال ابن كثري ‪ ( :‬املتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر‬

‫‪1‬تفسري الطربي ‪. 24/25‬‬


‫‪2‬مسلم الرب والصلة واألدب ‪ ،‬باب حترمي الكرب ‪. )2620 ( 4/2023‬‬
‫‪3‬شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ 267‬واملقصد األسىن ص ‪ ، 299‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 52‬‬
‫‪4‬اخلصائص أليب الفتح عثمان بن جين ‪. 268 /3‬‬
‫‪5‬لسان العرب ‪ ، 15/90‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ،582‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪.162‬‬
‫(‪)41‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ) (‪ ، )1‬وقال أيضا يف‬
‫موضع آخر ‪ ( :‬وهو الكبري املتعال فكل شيء حتت قهره وسلطانه وعظمته ال إله‬
‫إال هو وال رب سواه ألنه العظيم الذي ال أعظم منه ) (‪. )2‬‬
‫فاملتعالي سبحانه هو الذي ليس فوقه ش يء يف قهره وقوته فال غالب له وال منازع‬
‫يم‬ ‫بل كل شيء حتت قهره وسلطانه ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬و ُهو الَق ِاهر َفو َق ِعب ِادِه و ُهو ِ‬
‫الحك ُ‬
‫َ َ ُ ْ َ َ َ َ‬
‫ال َخِب‪#ُ ##‬ير ‪[ ‬األنع ام‪ ، ]18 :‬وقد مجع اهلل يف ه ذه اآلية بني علو ال ذات وعلو القهر ‪،‬‬
‫‪#‬اهُر َف ْ‪#‬و َق ِعَب ِ‪#‬ادِه َوُيْر ِس‪ُ #‬ل َعَلْي ُك ْم َحَفظَ‪ً #‬ة ‪[ ‬األنعام‪، ]61 :‬‬
‫وكذلك قوله تعالى ‪  :‬وه‪#‬و الَق ِ‬
‫َ َُ‬
‫فاجتم اع علو القهر مع علو الفوقية يعين أنه امللك من ف وق عرشه ال ذي عال بذاته‬
‫ف وق كل ش يء وال ذي قهر كل ش يء وخضع جلالله كل ش يء وذل لعظمته‬
‫وكربيائه كل شيء (‪. )3‬‬
‫‪   -32‬الواحد ‪:‬‬
‫الواحد يف اللغة اسم فاعل للموص وف بالواحدية أو الوحدانية ‪ ،‬فعله وحد يوحد‬
‫والواحد أَول عدد احلساب وهو‬ ‫ُ‬ ‫وحادة وتوحيدا ‪ ،‬ووحده توحيدا جعله واحدا ‪،‬‬
‫يدل على اإلثبات ‪ ،‬فلو قيل يف الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات‬
‫ما فوق الواحد جمتمعني ومفرتقني (‪. )4‬‬
‫والواحد سبحانه هو القائم بنفسه املنفرد بوصفه الذي ال يفتقر إىل غريه َأزال وأبَدا‬
‫وهو الكامل يف ذاته وأمسائه وصفاته وأفعاله ‪ ،‬فهو سبحانه ك ان وال شيء معه‬
‫‪ ،‬وال ش يء قبله ‪ ،‬وم ازال بأمسائه وص فاته واحد أوال قبل خلقه ‪ ،‬فوج ود‬
‫املخلوقات مل يزده كماال كان مفقودا ‪ ،‬أو يزيل نقصا كان موجودا ‪ ،‬فالوحدانية‬
‫قائمة على معىن الغىن بالنفس واالنفراد بكمال الوصف ‪ ،‬قال ابن األَثري ‪ ( :‬الواحد‬
‫يف أَمساء اهلل تعاىل هو الفرد الذي مل يزل وحده ومل يكن معه آخر ) (‪. )5‬‬
‫‪#‬وم من‬
‫‪#‬اءه ق ٌ‬
‫‪#‬بي ‪ S‬إذ ج ُ‬
‫ِ‬ ‫روى البخاري من حديث عمران ‪ t‬أنه قال ‪ ( :‬إني عن َد الن ِّ‬
‫‪#‬اس‬
‫‪#‬دخل ن‪ٌ #‬‬
‫ش‪ْ#‬رتنا فأعطنا ‪ ،‬ف‪َ #‬‬ ‫اقبل‪##‬وا البُش‪##‬رى يا ِبني تميم ‪ ،‬ق‪##‬الوا ‪ :‬ب َّ‬
‫ب‪##‬ني تميم ‪ ،‬فق‪##‬ال ‪َ :‬‬
‫من أهل اليمن فق‪## #‬ال ‪ :‬اقبل‪## #‬وا البُش‪#َ # #‬رى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ‪ ،‬ق‪## #‬الوا ‪:‬‬
‫اهلل‬
‫أول ه‪#‬ذا األمر ما ك‪#‬ان ؟ ق‪#‬ال ‪ :‬ك‪#‬ان َ‬ ‫قبلنا جئناك لنتفقه في ال‪#‬دِّين ‪ ،‬ولنس‪#‬ألك عن ِ‬

‫‪1‬تفسري القرآن العظيم ‪. 2/504‬‬


‫‪2‬السابق ‪. 233 /3‬‬
‫‪3‬انظر يف معىن االسم ‪ :‬شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 335‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 64‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪. 3/446‬‬
‫‪5‬القاموس احمليط للفريوز آبادي ص ‪ ، 414‬املفردات ص ‪. 66‬‬
‫(‪)42‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫واألرض وكتب في‬ ‫َ‬ ‫ولم يكن ش‪##‬يء قبل‪#ُ #‬ه وك‪##‬ان عرشه على الم‪##‬اء ثم خل‪#َ #‬ق الس‪ِ #‬‬
‫‪#‬ماوات‬
‫الذكر كل شيء ) (‪. )1‬‬
‫ت ُمت ِ‪#‬‬
‫َّخ َذ‬ ‫ض َوال َخل‪#َ #‬ق أَْنُف ِس‪ِ #‬ه ْم َوَما ُكْن ُ‬ ‫س‪#‬ماو ِ‬
‫ات َواألَْر ِ‬ ‫وقالِّ تعاىل ‪َ  :‬ما أَ ْش‪َ #‬ه ْدُتُه ْم َخل‪#َ #‬ق ال َّ َ َ‬
‫ضداً ‪[ ‬الكهف‪ ، ]51 :‬فهو سبحانه وحده الذي خلق اخللق بال معني وال‬ ‫ين َع ُ‬ ‫ِ‬
‫المضل َ‬
‫ُ‬
‫ظهري وال وزير وال مشري ‪ ،‬ومن مث فإنه وح ده املنف رد بامللك ‪ ،‬وليس ألحد يف‬
‫اهلل ال يَ ْمِل ُك‪#‬و َن ِمْثَق‪َ #‬‬
‫‪#‬ال َذَّرٍة‬ ‫ون ِ‬ ‫الذين َز َعمتُم ِمن ُد ِ‬
‫ِ‬
‫ملكه شرك كما قال تعاىل ‪  :‬قُِل ا ْد ُعوا َ ْ ْ ْ‬
‫ض َوَما لَُه ْم ِفي ِه َما ِم ْن ِش‪ْ#‬ر ٍك َوَما لَ‪#ُ #‬ه ِمْنُه ْم ِم ْن ظَِ‪#‬ه‪#‬يرٍ ‪[ ‬سبأ‪]22 :‬‬
‫ات َوال ِفي األَْر ِ‬ ‫س‪#‬ماو ِ‬
‫في ال َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫‪.‬‬
‫ومن األدلة العقلية يف إثب ات وحدانية اإلله وتف رده بالربوبية دليل‬
‫التم انع وملخصه أنا لو ق درنا إهلني اث نني وفرض نا عرضني ض دين ‪،‬‬
‫وق درنا إرادة أح دمها ألحد الض دين وإرادة الث اين للث اين فال خيلو من‬
‫أم ور ثالثة ‪ ،‬إما أن تنفذ إرادهتما ‪ ،‬أو ال تنفذ ‪ ،‬أو تنفذ إرادة‬
‫أحدمها دون اآلخر ‪ ،‬وملا استحال أن تنفذ إرادهتما الستحالة اجتماع‬
‫الض دين واس تحال أيضا أال تنفذ إرادهتما لتم انع اإلهلني وخلو احملل‬
‫عن كِال الض دين ‪ ،‬ف إن الض رورة تقتضي أن تنفذ إرادة أحدمها دون‬
‫اآلخر ‪ ،‬فال ذي ال تنفذ إرادته هو املغل وب املقه ور املس تكره وال ذي‬
‫نف ذت إرادته هو اإلله املنف رد الواحد الق ادر على حتص يل ما يش اء ‪،‬‬
‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ل‬
‫ب ُك‪ُّ #‬‬ ‫قال تعاىل ‪َ  :‬ما اتَّ َخ َذ اللَّهُ م ْن َولَد َو َما َكا َن َم َعهُ م ْن إِلَه إِذاً لَ َذ َه َ‬
‫ص ُفو َن ‪[ ‬املؤمنون‪:‬‬ ‫ض س ْبحا َن اللَّ ِه َع َّما ي ِ‬ ‫إِل ٍَه بِ َما َخلَ َق َول ََعال َب ْع ُ‬
‫َ‬ ‫ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ ُ َ‬
‫‪ ، ]91‬فال جيوز أن يك ون يف الس ماوات واألرض آهلة متع ددة بل ال‬
‫يك ون اإلله إال واح دا وهو اهلل س بحانه ‪ ،‬وال ص الح هلما بغري‬
‫الوحدانية ‪ ،‬فلو كان للعامل إهلان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت‬
‫س‪ْ #‬ب َحا َن اللَّ ِه‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫أركانه ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬ل َْو َكا َن في ِه َما آل َهةٌ إال اللهُ لََف َس‪َ #‬دتَا فَ ُ‬
‫ب ال َْع ْر ِش َع َّما يَ ِص ُفو َن ‪[ ‬األنبياء‪ ، ]22:‬فأساس قيام اخللق وبقاء السماوات‬ ‫َر ِّ‬
‫ك‬‫واألرض هي وحدانية اهلل وانف راده عمن س واه ق ال تع اىل ‪  :‬إِ َّن اهللَ يُ ْم ِس‪ُ # # #‬‬
‫َح ‪#ٍ #‬د ِم ْن َب ْع‪#ِ # #‬د ِه إِنَّهُ َك‪## #‬ا َن‬
‫ض أَ ْن َت‪#ُ # #‬زوال َولَئِ ْن َزالَتَا إِ ْن أ َْم َس ‪َ # #‬ك ُه َما ِم ْن أ َ‪#‬‬ ‫س ‪# #‬ماو ِ‬
‫ات َواأل َْر َ‬ ‫ال َّ َ َ‬
‫ض إِال‬ ‫اء أَ ْن َت َق َ‪#‬ع َعلَى األ َْر ِ‬ ‫س‪َ #‬م َ‬
‫ك ال َّ‬ ‫َحلِيماً غَ ُفوراً ‪[ ‬فاطر‪ ]41:‬وقال أيضا ‪َ  :‬ويُ ْم ِس ُ‬

‫‪1‬البخاري يف بدء اخللق ‪ ،‬باب ما جاء يف قوله ‪َ ( :‬و ُهَو الَِّذي َيْبدأُ اخْلَْل َق مُثَّ يُِع ُيده ) ‪. )3019 ( 3/1166‬‬
‫(‪)43‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫َّاس لَرء ٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِِ ِ‬
‫يم ‪[ ‬احلج‪. )1( ]65:‬‬ ‫وف َرح ٌ‬ ‫بإ ْذنه إ َّن اهللَ بالن ِ َ‬
‫‪   -33‬القهار ‪:‬‬
‫القهار صيغة مبالغة ‪ ،‬فعال من اسم الفاعل القاهر ‪ ،‬والفرق بني القاهر والقهار‬
‫أن الق اهر هو ال ذي له علو القهر الكلي املطلق باعتب ار مجيع املخلوق ات وعلى‬
‫اختالف تنوعهم ‪ ،‬فهو قاهر فوق عباده ‪ ،‬له علو القهر مقرتنا بعلو الشأن والفوقية‬
‫‪ ،‬فال يقوى ملك من امللوك على أن ينازعه يف علوه مهما متادى يف سلطانه وظلمه‬
‫وإال قه ره القه ار ‪ ،‬ومعل وم أن املقه ور حيتمي من ملك مبلك ‪ ،‬وخيرج خبوفه من‬
‫سلطان أحدمها ليتقوى باآلخر ‪ ،‬لكن امللوك مجيعا إذا كان فوقهم ملك قاهر قادر‬
‫‪#‬ل‬ ‫فإىل من خيرجون وإىل جوار من يلجئون ؟ ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬قُ ْل َم ْن بَِي ِدِه َمَل ُك ُ‬
‫‪#‬وت ُك ِّ‬
‫‪#‬ار َعَلْي‪#ِ #‬ه ِإ ْن ُكْنتُ ْم َتْعَل ُ‪#‬م‪#‬و َن ‪[ ‬املؤمنون‪ ، ]88 :‬وعند البخاري من‬ ‫جُ‬ ‫َش‪ْ #‬يٍء َو ُ‪#‬ه َ‪#‬و يُ ِ‪#‬ج ُير َوال يُ َ‪#‬‬
‫َر ِاء ‪ t‬أن‬ ‫ديث اْلَب‬ ‫ح‬
‫النَِّبّي‬
‫‪#‬ك ‪،‬‬ ‫ْت ظَْ‪#‬ه ِري ِإلَْي‪َ #‬‬ ‫ت أْ‪َ#‬م ِري ِإلَْي‪َ #‬‬
‫‪#‬ك ‪َ ،‬وأَل َ‪#‬‬
‫ْج أ ُ‬ ‫ض‪ُ #‬‬ ‫‪#‬ك ‪َ ،‬وَفَّو ْ‬ ‫ت َو ْجِهي ِإلَْي‪َ #‬‬ ‫ُ ‪ S‬قال ‪ ( :‬اللَُّه َّم أَ ْس‪َ#‬ل ْم ُ‬
‫‪#‬ك ) (‪ ، )2‬فال ملجأ وال منجا من اهلل‬ ‫ْج‪ #‬أَ َو َال َمْن َجا ِمْن‪َ #‬‬
‫‪#‬ك ِإ َّال ِإلَْي‪َ #‬‬ ‫‪#‬ك ‪َ ،‬ال َمل َ‬ ‫َر ْغَب‪ً #‬ة َوَر ْهَب‪ً #‬ة ِإلَْي‪َ #‬‬
‫إال إليه ‪ ،‬فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي املطلق ‪.‬‬
‫أما القه ار فهو ال ذي له علو القهر باعتب ار الك ثرة والتع يني يف اجلزء ‪ ،‬أو باعتب ار‬
‫نوعية املقه ور ‪ ،‬فاهلل عز وجل أهلك ق وم ن وح وقهرهم ‪ ،‬وقهر ق وم ه ود ‪ ،‬وقهر‬
‫‪#‬ود فَ َما أَْبَقى َوَق ْ‪#‬وَم‬ ‫فرعون وهامان والنمرود ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬وأَنَُّه أ َْهَل َ‬
‫ك َع‪#‬اداً األُولَى َوثَُم َ‬
‫ك‬ ‫أظلم َوأطغَى َوالم ْؤتَِفكة ْأهَوى فغَ َّش َاها َما غ َّشى فِب‪ِّ #‬‬
‫‪#‬أي آالء َربِّ َ‬ ‫ِ‬
‫نُوح ِّمن ْقبل إَّنُه ْم كانُوا ُه ْم َ‬
‫َتَت َم َارى َهذا نَ ِذ ٌير ِّم َن النُّذ ِر األولَى ‪[ ‬النجم‪ ]56:50 :‬وقهر قوم صاحل وقوم لوط ‪ ،‬وقهر‬
‫أبا جهل واملشركني وقهر الفرس والصليبيني ‪ ،‬واهلل سبحانه قهار لكل متكرب جبار‬
‫‪ ،‬وال دنيا فيها املتك ربون وما أك ثرهم ‪ ،‬وفيها اجملرم ون وما أظلمهم ‪،‬‬
‫واملستضعفون كثريون وعاجزون يفتقرون إىل معني قهار ‪ ،‬وملك قادر جبار ‪،‬‬
‫فالواحد القهار هو ملجأهم وهو باملرصاد لكل متكرب جبار قال تعاىل ‪  :‬أَل َْم َتَر‬

‫‪1‬انظر يف ه ذه القض ية ‪ :‬دق ائق التفسري اجلامع لتفسري ش يخ اإلس الم ابن تيمية ‪، 364 / 2‬‬
‫واقتضاء الصراط املستقيم البن تيمية ‪ ، 459 / 1‬كتاب املواقف لعضد الدين اإلجيي ‪، 3/306‬‬
‫وملع األدلة يف قواعد أهل السنة واجلماعة ص ‪ ، 99‬والغنية يف أصول الدين ص ‪ ، 67‬وشرح‬
‫العقيدة الطحاوية ص ‪.87‬‬
‫‪2‬البخاري يف كتاب الوضوء ‪ ،‬باب فضل من بات على الوضوء ‪. )244 ( 1/97‬‬
‫(‪)44‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ين َج‪##‬ابُوا‬ ‫الد وثم ‪ِ َ #‬‬ ‫التي لَم ي ْخل ‪ْ #‬ق ِم ِ ِ ِ‬ ‫العم‪ِ #‬‬
‫‪#‬اد ِ‬ ‫ات ِ‬ ‫ك بِع‪##‬اد ِإرم َذ ِ‬
‫‪#‬ود ال ‪##‬ذ َ‬ ‫ثلها في البِ َ‬ ‫ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬ل َِربُّ َِ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪#‬ف َفَع‪#‬‬
‫ِ‬
‫َكْي‪َ #‬‬
‫ب َع ْليِه ْم‬
‫ص‪َّ #‬‬
‫ين طَ َغ ْ‪#‬وا في اْلبالد فَ‪#‬أَك ُثروا ف َيها الَف َس‪َ #‬اد فَ َ‬
‫األوتَ‪#‬اد الذ َ‬‫‪#‬الواد َوفْر َع ْ‪#‬و َن ذي ْ‬ ‫ص‪ْ #‬خَر ب َ‬
‫ال َّ‬
‫ص‪ِ ##‬اد ‪[ ‬الفج ر‪ ، ]6/13 :‬فالقه ار كثري القهر قه ره‬ ‫المْر َ‬ ‫ك لَِب ِ‬
‫اب ِإن َربَّ َ‬
‫‪#‬ك َس‪ْ##‬و َط َع‪َ ##‬ذ ٍ‬
‫َرب ‪َ #‬‬
‫عظيم أليم ‪ ،‬يقصم ظهر اجلب ابرة من أعدائه فيقه رهم باإلماتة واإلذالل ‪ ،‬ويقهر من‬
‫نازعه يف ألوهيته وعبادته ‪ ،‬وربوبيته وحاكميته وأمسائه وصفاته (‪. )1‬‬
‫‪   -34‬الحق ‪:‬‬
‫احلق يف اللغة اسم فاعل ‪ ،‬فعله َح َّق حَيِق حقا ‪ ،‬يق ال ‪ :‬حققت الش يء أحقه حقا‬
‫إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة ‪ ،‬واحلق مبعىن املطابقة واملوافقة والثبات‬
‫وعدم الزوال ‪ ،‬وكذلك العدل خالف الباطل والظلم ‪ ،‬واحلق يقال للاعتقاد يف‬
‫الش يء املط ابق ملا عليه يف احلقيقة ‪ ،‬كقولك ‪ :‬اعتقد أن البعث والث واب والعق اب‬
‫واجلنة والنار حق (‪ ، )2‬واحلق له استعماالت كثرية يف القرآن ‪ ،‬منها اإلسالم والعدل‬
‫واحلكمة والصدق والوحي والقرآن واحلقيقة ‪ ،‬ومنها أيضا احلساب واجلزاء كقوله ‪:‬‬
‫ين ‪[ ‬النور‪. ]25 :‬‬ ‫الح ُّق ِ‬ ‫الح َّق َوَيْعَل ُمو َن أ َّ‬ ‫‪ ‬يومِئ ٍذ يوفِّي ِهم ِ‬
‫المب ُ‬
‫اهلل ُهَو َ ُ‬
‫َن َ‬ ‫اهلل د َينُه ُم َ‬
‫َ ْ َ َُ ُ ُ‬
‫واحلق اسم هلل س بحانه هو املتصف ب الوجود ال دائم واحلي اة والقيومية والبق اء فال‬
‫يلحقه زوال أو فن اء ‪ ،‬وكل أوص اف احلق كاملة جامعة للكم ال واجلم ال ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ك بِأ َّ‬‫والعظمة واجلالل قال تعاىل ‪َ  :‬ذلِ َ‬
‫‪#‬ل‬
‫َن َما يَ ْد ُعو َن م ْن ُدونه ُهَو الَْباط‪ُ #‬‬ ‫ْح ُّق َوأ َّ‬‫َن اللََّه ُهَو ال َ‬
‫‪#‬ق َوأَنَُّه يُ ْحِيي‬‫ْح ُّ‬ ‫َن اللََّه ُه َ‪#‬و ال َ‬‫‪#‬ك بِ‪#‬أ َّ‬‫اهلل ُه َ‪#‬و الَْعِل ُّي اْل َكِب ُ‪#‬ير ‪[ ‬احلج‪ ، ]62 :‬وكقوله ‪َ  :‬ذلِ َ‬ ‫َن َ‬ ‫َوأ َّ‬
‫ال َ‪ْ#‬م‪#ْ #‬وتَى َوأَنَُّه َعَلى ُك‪#ِّ #‬ل َش‪ْ # #‬يٍء قَ‪#ِ ##‬د ٌير ‪[ ‬احلج‪ ، ]6:‬واحلق س بحانه هو ال ذي حيق احلق‬
‫بكلماته ويق ول احلق وإذا وعد فوع ده احلق ‪ ،‬ودينه حق ‪ ،‬وكتابه حق ‪ ،‬وما‬
‫‪#‬ق بِ َكِل َماتِ ‪#ِ #‬ه َولَ ‪#ْ #‬و َ‪#‬ك ‪ِ #‬رَه‬ ‫ِ‬
‫أخرب عنه حق ‪ ،‬وما أمر به حق كما ق ال ‪َ  :‬ويُ ‪#‬ح‪ُّ #‬ق اهلل ال َ‬
‫ْح‪َّ #‬‬
‫السماو ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض بِ‪#‬ال َ‬
‫ْح ِّق‬ ‫ات َواألَْر َ‬ ‫ال ُْم ْج ِرُمو َن ‪[ ‬يونس‪ ، ]82 :‬وقال سبحانه ‪َ  :‬و ُهَو الذي َخَل َق َّ َ َ‬
‫الصو ِر ‪[ ‬األنعام‪ ، ]73 :‬وقال‬ ‫ْك َيْوَم ُيْنَف ُخ ِفي ُّ‬ ‫ْح ُّق َول َُه ال ُْمل ُ‬
‫ول ُك ْن َفَي ُكو ُن َقْول ُُه ال َ‬
‫َوَيْوَم َيُق ُ‬
‫(‪) 3‬‬
‫ين ‪[ ‬النور‪]25 :‬‬ ‫الح ُّق ِ‬ ‫الح َّق َوَيْعَل ُمو َن أ َّ‬ ‫تعاىل ‪  :‬يومِئ ٍذ يوفِّي ِهم ِ‬
‫المب ُ‬
‫اهلل ُهَو َ ُ‬ ‫َن َ‬ ‫اهلل د َينُه ُم َ‬ ‫َ ْ َ َُ ُ ُ‬
‫‪.‬‬
‫‪   -35‬المبين ‪:‬‬
‫‪1‬انظر املقصد األسىن ص ‪ ، 77‬وشرح أمساء اهلل للرازي ص ‪ ، 229‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 82‬‬
‫‪2‬لس ان العرب ‪ ، 10/49‬والنهاية يف غريب احلديث ‪ ، 1/413‬واش تقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 178‬ومعجم‬
‫مقاييس اللغة ‪ ، 2/15‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪.246‬‬
‫‪3‬انظر املقصد األسىن ص ‪ ،112‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 26‬‬
‫(‪)45‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫والب ْعد‬
‫والظه ور ‪ُ ،‬‬ ‫ني التم يز‬ ‫املبني اسم فاعل من الفعل ب ان أو أب ان ‪ ،‬وأصل َالب ُ‬
‫بني ‪،‬‬‫بني إبانة فهو ُم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ائن ‪ ،‬أو أَب ان يُ ُ‬ ‫بني بَيانا فهو ب ٌ‬ ‫احلق يَ ُ‬
‫واالنفص ال ‪ ،‬يق ال ‪ :‬ب ا َن ُّ‬
‫الن أي ب ان كل واحد منهما عن ص احبه ‪ ،‬وك ذلك يف‬ ‫فمن األول َتب اين ال رج ِ‬
‫َ ََ ُ‬
‫الشركة إِذا انفصال ‪ ،‬وبانَت املرأَة عن زوجها يعين انفصلت عنه َبتطليق ٌة بائنة (‪، )1‬‬
‫ِ‬
‫والبائن أيضا مبعىن الظاهر املبني الواضح كما يف قوله ‪  :‬فَ‪#‬أَْلَقى َع َ‬
‫ص‪ُ #‬اه فَ‪ِ#‬إ َذا ه َي ُثْعَب‪##‬ا ٌن ُمِب ٌ‬
‫ين‬
‫السَماء بِ ُد َخ ٍان ُمِبي ٍن ‪[ ‬الدخان‪. ]10 :‬‬ ‫ب َيْوَم تَأْتِي َّ‬ ‫ِ‬
‫‪[ ‬األعراف‪ ]107 :‬وقوله ‪  :‬فَ ْارتَق ْ‬
‫واللس ن‬
‫َ‬ ‫والبي ان الفص احة‬ ‫ومن الث اين أب ان الق ول بيانا يعين أظه ره بفص احة ‪َ ،‬‬
‫الس ْمح اللس ان الفص يح الظريف الع ايل‬ ‫والبنِّي من الرج ال َّ‬ ‫واإلفص اح مع ذك اء ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الكالم القليل ال رتَج ‪ ،‬وفال ٌن أَْبنَي من فالن أَي أَفصح منه وأَوضح كالم اً ‪ ،‬وعند‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‬
‫ب (الن‪ُ )2‬‬ ‫ِالبخهِنِ اري من ح ديث ِابن عمر ‪ t‬أَنَُِّه قَ دَم َر ُجالن م َن اْل َم ْش ِرق فَ َخطََبا َفَعج َ‬
‫ض الَْبَي ِان لَ ِس‪ْ #‬حٌر ) ‪،‬‬ ‫ان لَس ْحًرا ‪ ،‬أَْو ِإ َّن َبْع َ‬
‫لبيا ما ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ِ ( : S‬إ َّن من الْبي ِ ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ََ َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫والظهور ‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬‫ك‬ ‫ال‬ ‫ه‬‫ل‬‫َص‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬
‫لفظ‬ ‫َبلغ‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫املقصود‬ ‫ظهار‬‫ِ‬
‫إ‬ ‫يان‬‫فالب‬
‫ُ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫واملبني هو املنف رد بوص فه املب اين خللقة الظ اهر ف وق كل ش يء ‪ ،‬له مطلق العلو‬
‫والفوقية ‪ ،‬وليس كما ق الت اجلهمية أنه بذاته يف كل مك ان ‪ ،‬بل هو س بحانه‬
‫ب ائن من خلقه ‪ ،‬ليس يف خلقه ش يء من ذاته ‪ ،‬وال يف ذاته ش يء من خملوقاته‬
‫‪ ،‬وقد ذكر ابن تيمية أن األئمة من الص حابة والت ابعني واألئمة األربعة وس ائر‬
‫اهلل بِ َما َتْع َملُ‪## #‬و َن‬
‫أئمة ال دين اتفق وا على أن قوله تع اىل ‪َ  :‬و ُ‪#‬ه ‪#َ #‬و َمَع ُك ْم أَيْ َن َما ُكْنتُ ْم َو ُ‬
‫بَ ِص ٌير ‪[ ‬احلديد‪ ، ]4 :‬ليس معناه أنه خمتلط باملخلوقات وحال فيها ‪ ،‬وال أنه بذاته‬
‫يف كل مكان ‪ ،‬بل هو سبحانه وتعاىل على عرشه ومع كل شيء بعلمه وقدرته‬
‫‪ ،‬فاهلل س بحانه مع العبد أينما ك ان ‪ ،‬يس مع كالمه وي رى أفعاله ويعلم س ره‬
‫وجنواه ‪ ،‬رقيب على خلقه مهيمن عليهم (‪ ، )4‬وق ال ابن من ده ‪ ( :‬هو س بحانه‬
‫وتعاىل موصوف غري جمهول وموجود غري مدرك ‪ ،‬ومرئي غري حماط به ‪ ،‬لقربه‬
‫كأنك ت راه ‪ ،‬وهو يس مع وي رى وهو ب املنظر األعلى ‪ ،‬وعلى الع رش اس توى ‪،‬‬
‫فالقلوب تعرفه والعقول ال تكيفه وهو بكل شيء حميط ) (‪ ، )5‬ومن معاين املبني‬

‫‪1‬لسان العرب ‪. 13/68‬‬


‫‪2‬البخاري يف كتاب الطب ‪ ،‬باب إن من البيان سحرا ‪. )5434 ( 5/2176‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 13/68‬وانظر كتاب العني ‪ ، 8/381‬واملغرب للمطرزي ‪. 1/98‬‬
‫‪4‬أقاويل الثقات يف تأويل األمساء والصفات واآليات احملكمات واملشتبهات ص ‪. 102‬‬
‫‪5‬العلو للعلي الغفار ص ‪. 235‬‬
‫(‪)46‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫أيضا الغين عن العاملني الذي ال يفتقر ألحد من خلقه (‪. )1‬‬
‫واملبني سبحانه هو الذي أبان لكل خملوق علة وجوده وغايته ‪ ،‬وأبان هلم طالقة‬
‫قدرته مع ب الغ حكمته ‪ ،‬وأب ان هلم األدلة القاطعة على وحدانيته ‪ ،‬وأب ان هلم‬
‫دينهم بأحكام شريعته ‪ ،‬وال يعذب أحدا من خلقه إال بعد بيان حجته ‪ ،‬ق ال‬
‫‪#‬ك‬ ‫اب ِم ْن َقْبِل ِ‪#‬ه لََق‪#‬الُوا َرَّبَنا لَ ْ‪#‬وال أَْر َس‪#‬ل َ‬
‫ْت ِإلَْيَنا َر ُس‪#‬و ًال َفَنتَِّب َ‪#‬ع آيَاتِ َ‬ ‫تعاىل ‪َ  :‬ولَْو أَنَّا أ َْهَل ْكَن ُاه ْم بَِع‪َ #‬ذ ٍ‬
‫ِم ْن َقْب ِل أ َْن نَ ِذ َّل َونَ ْخَزى ‪[ ‬طه‪ ، ]134 :‬وقد خاطب املبني عباده بكل أنواع البيان‬
‫ول ِإال بِِلس‪ِ #‬‬
‫ان‬ ‫‪ ،‬وأقام حجته بكل أنواع الربهان ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬وَما أَْر َسلَْنا ِم ْن ر ُس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْحكيم ‪[ ‬إبراهيم‪، ]4:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َقْومه ليَُبِّي َن لَُه ْم َفيُض ُّل اهلل َم ْن يَ َش ُاء َوَي ْهدي َم ْن يَ َش ُاء َو ُهَو الَْع ِز ُيز ال َ‬
‫قال البيهقي ‪ ( :‬املبني له معان منها أنه بني لذوي العقول ‪ ،‬ومنها أن الفضل يقع به‬
‫‪ ،‬ومنها أن التحقيق والتمييز إليه ‪ ،‬ومنها أن اهلداية به ) (‪. )2‬‬
‫‪   -36‬القوي ‪:‬‬
‫قوى فهو قوي ‪،‬‬ ‫القوي يف اللغة صفة مشبهة للموصوف بالقوة ‪ ،‬وقد ق ِو َي وتَ َّ‬
‫َبدلك مكان الضعف قوة ‪ ،‬ف القوة نقيض الضعف‬ ‫قوى اهلل ضعفك أَي أ َ‬ ‫يقال َّ‬
‫وال وهن والعجز ‪ ،‬وهي االس تعداد ال ذايت والق درة على الفعل وع دم العجز عن‬
‫القيام به ‪ ،‬قال تعاىل ملوسى ‪ ‬عن األَلواح ‪  :‬فَ ُ‪#‬خ ْ‪#‬ذَها بُِق‪#َّ #‬وٍة ‪[ ‬األعراف‪، ]145 :‬‬
‫‪#‬اب بُِق َّ‪#‬وٍة‬ ‫ِ ِ‬
‫جتك ‪ ،‬وقال ليحي ‪  : ‬يَا يَ ْحَيى ُخ‪#‬ذ الْكَت َ‬ ‫وح َّ‬
‫أَي خذها بُق َّوة يف دينك ُ‬
‫(‪) 3‬‬
‫وعْون من اهلل تعاىل ‪.‬‬ ‫جِبِ‬
‫‪[ ‬مرمي‪ ، ]12 :‬أَي د َ‬
‫والقوي سبحانه هو املوصوف بالقوة ‪ ،‬وصاحب القدرة املطلقة ‪ ،‬ال يغلبه غالب‬
‫وال ي رد قض اءه راد ‪ ،‬وال مينعه م انع ‪ ،‬وال يدفعه دافع ‪ ،‬وهو الق وي يف بطشه‬
‫الق ادر على إمتام فعله ‪ ،‬له مطلق املش يئة واألمر يف مملكته ‪ ،‬والق وي س بحانه‬
‫قوي يف ذاته ال يعرتيه ضعف أو قصور ‪ ،‬قيوم ال يتأثر بوهن أو فتور ‪ ،‬ينصر‬
‫ي‬ ‫ص‪ُ# #‬رُه ِإ َّن َ‬
‫اهلل َلَق‪ِ # #‬و ٌّ‬ ‫ص‪َ# #‬ر َّن اهلل َم ْن َيْن ُ‬ ‫من نص ره ‪ ،‬وخيذل من خذله كما ق ال ‪َ  :‬ولََيْن ُ‬
‫َع ِز ٌيز ‪[ ‬احلج‪ ، ]40 :‬والقوي سبحانه هو الذي كتب الغلبة لنفسه ورسله فقال ‪:‬‬
‫ب اهلل َأل ْغِلَب َّن أَنَا َوُر ُس‪ِ#‬لي ِإن اهلل قَ‪ِ #‬و ٌّي َع ِزي ٌ‪#‬ز ‪[ ‬اجملادلة‪ ، ]21 :‬فالقوي هو الكامل‬ ‫‪َ ‬كَت َ‬
‫القدرة على الشيء الذي ال يستويل عليه العجز يف حال من األحول املوصوف‬
‫ي َع ِزي‪#ٌ#‬ز ‪[ ‬احلج‪74 :‬‬ ‫بالقوة املطلقة ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬ما قَ َدُروا اللََّه َح َّق قَ ْدِرِه ِإ َّن اللََّه لََق ِو ٌّ‬

‫‪1‬انظر تفسري الرازي للمبني يف شرح أمساء اهلل احلسىن ص ‪. 229‬‬


‫‪2‬شعب اإلميان ‪ ، 119 /1‬وانظر مفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ،157‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪.180‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 15/206‬وكتاب العني ‪. 5/237‬‬
‫(‪)47‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫] (‪. )1‬‬
‫‪   -37‬المتين ‪:‬‬
‫املتني يف اللغة صفة مشبهة للموصوف باملتانة ‪ ،‬واملتني هو الشيء الثابت يف قوته‬
‫الش ديد يف عزمه ومتاس كه ‪ ،‬والواسع يف كماله وعظمته ‪ ،‬منت مينت متانة أي ق وي‬
‫مع ص البة واش تداد ‪ ،‬ويلحق بمعىن املت ون الثب ات واالمت داد ‪ ،‬فيك ون املتني مبعىن‬
‫ب ظَْهُره واجلمع ُمتُون ) (‪. )2‬‬ ‫صلُ َ‬
‫املنت من كل شيء ما َ‬ ‫الواسع قال ابن منظور ‪ُ ( :‬‬
‫والم تني س بحانه هو الق وي يف ذاته الش ديد الواسع الكبري احمليط ‪ ،‬فال تنقطع قوته‬
‫وال تتأثر قدرته ‪ ،‬فاملتني هو القوي الشديد املتناهي يف القوة والقدرة ‪ ،‬الذي ال‬
‫ب‬‫تتناقص قوته وال تضعف قدرته والذي ال يلحقه يف أَفعاله مشقة وال كلفة وال َتع ٌ‬
‫ين ‪[ ‬الذاريات‪ ، ]58 :‬فاهلل عز وجل‬ ‫ُ‬ ‫َّاق ُذو اْلُق َّ‪#‬وِة ال َْمِت‬
‫‪ ،‬قال تعاىل ‪ِ  :‬إ َّن اللََّه ُهَو ال َّ‪#‬رز ُ‬
‫(‪) 3‬‬

‫ني (‪. )4‬‬ ‫ِ‬


‫من حيث إنه بالغ القدرة تامها قوي ‪ ،‬ومن حيث إنه شديد القوة مت ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪[ ‬القلم‪ ، ]45 :‬الكيد على إطالقه هو‬ ‫وق ال تع اىل ‪َ  :‬وأُْملي ُله ْم ِإ َّن َكْي‪## #‬دي َمت ٌ‬
‫الت دبري يف اخلف اء بقصد اإلس اءة أو االبتالء أو املعاقبة واجلزاء ‪ ،‬وقد يك ون عيبا‬
‫م ذموما إذا ك ان بالس وء يف االبت داء ‪ ،‬وقد يك ون حمم ودا مرغوبا إذا ك ان مق ابال‬
‫لكيد الك افرين والس فهاء ‪ ،‬ف إذا ك ان الكيد عند اإلطالق كم اال يف موضع ونقصا‬
‫يف آخر فال يصح إطالقه يف حق اهلل دون ختص يص ‪ ،‬كق ول القائل ‪ :‬الكيد ص فة‬
‫اهلل ‪ ،‬فهذا باطل ألن اإلطالق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال ‪ ،‬لكن يصح‬
‫ق ول القائل ‪ :‬كيد اهلل لالبتالء واملعاقبة واجلزاء ‪ ،‬فه ذا كيد مقيد ال حيتمل إال‬
‫الكم ال فج از أن يتصف به رب الع زة واجلالل كما أثبت ذلك لنفسه فق ال ‪ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪‬‬‫ِإَّنُه ْم يَكي ُدو َن َكْيدا(ً‪َ)5‬وأَكي ُد َكْيداً ‪[ ‬الطارق‪ ، ]16 :‬وقال ‪َ  :‬وأُْملي ُله ْم ِإ َّن َكْي‪#‬دي َمت ٌ‬
‫[األع راف‪ ، ]183:‬فوصف اهلل كي ده للك افرين بأنه كيد ش ديد ق وي متني ‪ ،‬ال‬
‫ميكن ألحد منهم رده أو صده ‪ ،‬واهلل غالب على أمره كتب الغلبة لنفسه ورسله ‪.‬‬

‫‪1‬تفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 54‬وجامع البيان ‪ ، 10/17‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪. 297‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪. 13/398‬‬
‫‪3‬السابق ‪. 13/399‬‬
‫‪4‬السابق ‪ ، 13/399‬وانظر تفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 55‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪298‬‬
‫‪.‬‬
‫‪5‬انظر ه ذا املعىن يف املواضع اآلتية ‪ :‬احلقيقة واجملاز البن تيمية ‪ ، 471 / 20‬وانظر له أيضا ‪ :‬الرس الة‬
‫التدمرية ص ‪ ، 14‬واحمللى لابن ح زم ‪ ، 1/34‬وإعالم املوقعني لابن القيم ‪ ، 3/218‬وحز الغالصم يف‬
‫إفحام املخاصم عند جريان النظر يف أحكام القدر البن حيدرة ‪. 2/39‬‬
‫(‪)48‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪   -38‬الحي ‪:‬‬
‫احلي يف اللغة صفة مشبهة للموصوف باحلياة ‪ ،‬فعله َح َّي حَيَ ُّي حياة ‪ ،‬قال سبحانه‬
‫نقيض امليت‬ ‫ٍ‬
‫واحل ُّي من كل شيء ُ‬ ‫وتعاىل ‪َ  :‬ويَ ْحَيى َم ْن َح َّي َع ْن َبِّيَنة ‪[ ‬األنفال‪َ ، ]42 :‬‬
‫واحلي من النب ات ما‬
‫واحلي يطلق أيضا على كل متكلم ن اطق ‪ُّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َحي اء ‪،‬‬ ‫واجلمع أ ْ‬
‫رب يقع على بيِن أ ٍ‬
‫َب‬ ‫كان أخضرا طريا يهتز ‪ ،‬واحلي أيضا هو الواحد من أَح ِ‬
‫ياء الع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫جيم ُع القبائل ‪ ،‬واحلي أيضا البطن من بطون العرب ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كثروا أم قلوا وعلى َش ْعب َ‬
‫واحلي س بحانه هو ال دائم يف وج وده الب اقي حيا بذاته على ال دوام أزال وأب دا ‪ ،‬ال‬
‫تأخذه سنة وال نوم ‪ ،‬وهذا الوصف ليس لسواه ‪ ،‬فأي طاغوت عبد‬
‫من دون اهلل إن ك ان حيا فحياته تغالبها الغفلة والس نات ‪ ،‬وإن قاومها‬
‫وأراد البق اء ع ددا من الس اعات ف إن الن وم ي راوده ويأتيه ‪ ،‬فضال عن‬
‫ك ون املوت يوافيه ‪ ،‬فال ينف رد بكم ال احلي اة ودوامها ب اللزوم إال احلي‬
‫القيوم (‪ ، )2‬قال ابن جرير الطربي ‪ ( :‬وأما قوله احلي فإنه يعين الذي له احلياة‬
‫الدائمة والبق اء ‪ ،‬ال ذي ال أول له حيد وال آخر له ميد ‪ ،‬إذ ك ان كل ما س واه‬
‫فإنه وإن ك ان حيا فلحياته أول حمدود ‪ ،‬وآخر م أمود ‪ ،‬ينقطع بانقط اع أم دها‬
‫وينقضي بانقضاء غايتها ) (‪. )3‬‬
‫واحلي سبحانه هو املتصف باحلياة كوصف ذات هلل ال يتعلق مبشيئته ‪ ،‬وإن تعلق‬
‫هبا فاإلحياء وصف فعله ‪ ،‬وملا كان كل ما سوى اهلل حياته قائمة على إحياء اهلل ‪،‬‬
‫وإحياء اهلل يدل بالضرورة على وصف احلياة ؛ على اعتبار أن احلياة الذاتية هلل هي‬
‫احلياة احلقيقية وكل من سواه يفىن أو قابل للفناء مبشيئة اهلل ‪ ،‬فإن اسم اهلل احلي دال‬
‫على الوصفني معا ‪ ،‬احلياة كوصف ذات واإلحياء كوصف فعل ‪ ،‬ومن هنا كانت‬
‫دعوة املوحدين إىل االعتماد على اهلل ألنه احلي الذي ال ميوت كما قال سبحانه ‪:‬‬
‫وت ‪[ ‬الفرقان‪ ، ]58 :‬واهلل عز وجل من أمسائه املقيدة‬ ‫ْح ِّي الَّ ِذي ال يَُم ُ‬
‫‪َ ‬وَتَو َّك ْل َعَلى ال َ‬
‫احملي فلم ي رد يف الق رآن والس نة إال مض افا كما يف قوله ‪ِ  :‬إ َّن َذلِ ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك ل َُم ْحِيي ال َْم‪#ْ #‬وتَى‬
‫َو ُه‪#َ #‬و َعَلى ُك‪#ِّ #‬ل َش ‪ْ #‬يٍء قَ ‪#ِ #‬د ٌير ‪[ ‬ال روم‪ ، ]50 :‬ف احملي اسم مقيد ي دل على ص فة احلي اة‬
‫ب اللزوم واإلحي اء بالتض من واهلل عز وجل هو احلي ال ذي حيي ومييت ‪ ،‬إن تعلق‬
‫وصف احلي اة باملش يئة ك ان اإلحي اء وصف فعله ‪ ،‬وإن مل يتعلق هبا ك انت احلي اة‬

‫‪1‬انظر لسان العرب ‪ ، 14/211‬واملفردات لألصفهاين ص ‪ ، 269‬والنهاية يف غريب احلديث ‪. 1/472‬‬


‫‪2‬جامع البيان ‪. 3/5‬‬
‫‪3‬السابق ‪ ، 3/4‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 102‬‬
‫(‪)49‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وصف ذاته (‪. )1‬‬
‫‪   -39‬القيوم ‪:‬‬
‫وقياما ‪ ،‬وي أيت الفعل على‬ ‫القي وم يف اللغة من ص يغ املبالغة ‪ ،‬فعله ق ام يق وم قوما ِ‬
‫َ‬
‫معنيني األول القي ام بال ذات والبق اء على الوصف ‪ْ ،‬والثاين إقامة الغري واإلبق اء عليه‬
‫ألن غ ريه مفتقر إليه ‪ ،‬ف األول على اعتب ار ص فة ال ذات ‪ ،‬والث اين على اعتب ار ص فة‬
‫الفعل وعلى هذين املعنيني دارت عبارات اللغويني ‪ ،‬فالقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً‬
‫ال بغريه الباقي أزال وأبدا ‪ ،‬أو القائم بتدبري أُمور اخللق وتدبري العامل جبميع أَحواله ‪،‬‬
‫فهو القائم ب أَمور خلقه يف إِنشائهم وتويل أرزاقهم وحتديد آجاهلم وأَعماهلم ‪ ،‬وهو‬
‫العليم مبُ ْس َت ِّقرهم ومس تودعهم ‪ ،‬وهو ال ذي يق وم به كل موج ود حىت ال يتص ور‬
‫وجود شيء وال دوام وجوده إِال بقيوميته وإقامته له (‪. )2‬‬
‫والقي وم عز وجل هو الق ائم بنفسه ال ذي بلغ مطلق الكم ال يف وص فه ‪ ،‬والب اقي‬
‫بكماله ووص فه على ال دوام دون تغيري أو ت أثري ‪ ،‬فقد يك ون احلي مسيعا لكن يت أثر‬
‫مسعه مع م رور ال وقت ‪ ،‬فيفتقر إىل وس يلة إض افية للس ماع ‪ ،‬يضع مساعة أو آلة‬
‫يستعني هبا إلكمال مسعه ‪ ،‬فيلزم التصافه بكمال السمع أن يكون قيوما يف مسعه له‬
‫البقاء والكمال فيه على الدوام ‪ ،‬وقد يكون احلي بصريا لكن بصره يتأثر مع مرور‬
‫ال وقت فيفتقر إىل وس يلة إض افية لإلبص ار ‪ ،‬فيضع زجاجة أو نظ ارة يس تعني هبا ‪،‬‬
‫فيلزم التصافه بكمال البصر واإلبصار أن يكون قيوما يف بصره له البقاء والكمال‬
‫فيه على ال دوام ‪ ،‬واحلي قد يك ون متص فا بالص فات لكنه يت أثر بالغفلة والس نات ‪،‬‬
‫فتت أثر ص فاته وتض محل ورمبا ين ام أو ميوت ف تزول وتنع دم ‪ ،‬فلو ك ان قائما دائما‬
‫وم ال‬ ‫اهلل ال ِإل‪#َ #‬ه ِإال ُ‪#‬ه َ‪#‬و َ‬
‫الح ُّي الَقيُّ ُ‬ ‫لكملت حياته وبقيت صفاته ‪ ،‬ولذلك قال تعاىل ‪ُ  :‬‬
‫تَْأ ُخ‪ُ #‬ذُه ِس ‪َ#‬نٌة َوال َن‪#ْ #‬وٌم ‪[ ‬البق رة‪ ، ]255 :‬فأثبت احلي اة والقيومي ة الالزمة لكم ال أمسائه‬
‫وصفاته وأفعاله ‪ ،‬وهذا املعىن كله يف داللة القيوم على صفة الذات ‪ ،‬أما داللته على‬
‫ص فة الفعل فالقيومية هنا مردها إىل معىن الربوبية ف القيم يف اللغة هو الس يد ال ذي‬
‫يسوس األمور ويدبرها ‪ ،‬فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها ومنه قوله ‪  :‬أَفَ َم ْن ُهَو‬
‫س بِ َما َك َس‪َ#‬ب ْ‬ ‫قَ‪##‬ائِ ٌم َعَلى ُ‪#‬ك ِّ‬
‫(‪) 3‬‬
‫ت َقِّي ُم‬‫ت ‪[ ‬الرع د‪ ]33 :‬وعند البخاري مرفوعا ‪ ( :‬أَنْ َ‬ ‫‪#‬ل َنْف ٍ‬

‫‪1‬انظر يف معىن االسم ‪ :‬تفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 56‬واملقصد األسىن ص ‪. 117‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 12/496‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ،105‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪. 690‬‬
‫‪3‬تفسري البيضاوي ‪ ، 1/555‬وتفسري القرطيب ‪ ، 3/272‬وتفسري ابن كثري ‪. 1/309‬‬
‫(‪)50‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ض َوَم ْن ِفي ِه َّن ) (‪. )1‬‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َواألَْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫‪   -40‬العلي ‪:‬‬
‫العلي يف اللغة ِفعيل مبعىن فاعل ‪ ،‬صفة مشبهة للموصوف ب العلو ‪ ،‬فعله عال يعلو‬ ‫ِ‬
‫عل وا ‪ ،‬والعلو ارتف اع املك ان أو ارتف اع املكانة ‪ ،‬فمن علو املك ان ما ورد عند‬
‫ت ‪َ  :‬وأَنْ‪#ِ # #‬ذْر َع ِش ‪َ # #‬يرتَ َك ا َألق‪#َ # #‬ربِ َين ‪‬‬
‫مس لم من ح ديث َُزهَرْيِ ‪ t‬أنه ق ال ‪ ( :‬لَ َّما َن َزلَ ْ‬
‫الَها َح َجًرا ثُ َّم نَ َادى ‪ :‬يَا بَِني َعْب ِد‬ ‫ض َمٍة ِم ْن َجَب ٍل َفَع َ‬
‫ال أَ ْع َ‬ ‫[الشعراء‪ ]214 :‬اْنطََل َق نَِبي ِ‬
‫اهلل ‪ِ S‬إلَى َر ْ‬
‫مَنافَا ْه ِإنِّي نَ ِذير ) (‪ ، )2‬وعند البخاري من حديث أنس ‪ t‬مرفوعا ‪َ ( :‬فع َ ِ‬
‫ال بِه ِإلَى ال َ‬
‫ْجبَّا ِر‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفَق َال َو ْهَو َم َكانَُه ‪ :‬يَا َر ِّب َخِّفف َعنَّا فَإن َّأمتي َال تَ ْسَتط ُيع َه َذا ) ‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬

‫أما العلو مبعىن علو الرفعة واجملد أو الش رف واملكانة فكقوله تع اىل ‪  :‬فَال تَِهنُ ‪## # # #‬وا‬
‫واسَت ْعَلى الرجل عال‬ ‫وعال يف األرض ْ‬ ‫السلِْم َوأَْنتُ ُم ا َأل ْعَل ْ‪#‬و َن ‪[ ‬حممد‪َ ، ]35 :‬‬ ‫َوتَ ْد ُعوا ِإلَى َّ‬
‫(‪) 4‬‬
‫والعال الرفعة والشرف ‪.‬‬
‫والعالء ُ‬
‫والع َلياء كل مكان مشرف ‪َ ،‬‬
‫وتكرب ‪َ ،‬‬
‫والعلي يف أمساء اهلل هو ال ذي على بذاته ف وق مجيع خلقه ‪ ،‬فاسم اهلل العلي دل‬
‫على علو ال ذات والفوقية ‪ ،‬وكثري من ال ذين ش رحوا األمساء ح اولوا بكل س بيل‬
‫تفسري العلو ال ذي دل عليه امسه العلي بعلو املكانة واملنزلة فقط ؛ إما هربا من‬
‫إثبات علو الذات والفوقية أو تعطيال صرحيا له (‪. )5‬‬
‫والذي عليه السلف الصاحل من الصحابة والتابعني واألئمة األجالء املتبعني أن اهلل‬
‫عز وجل ع ال على عرشه بذاته ‪ ،‬وبكيفية حقيقية معلومة هلل جمهولة لنا ‪ ،‬ال‬
‫ينازع أحد منهم يف ذلك ‪ ،‬وال مينع أن يسأل عن ربه أين هو ؟ وأدلة الكتاب‬
‫والس نة تش هد بال لبس أو غم وض على ذلك ‪ ،‬ودائما ما يق رتن اسم اهلل العلي‬
‫بامسه العظيم وأيضا عندما يذكر العرش والكرسي ‪ ،‬ففي آية الكرسي أعظم آية‬
‫س‪# #‬ماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودُه‬‫ض َوال َي‪#ُ #‬ؤ ُ‬
‫ات َواألَْر َ‬ ‫يف كت اب اهلل بعد أن ق ال تع اىل ‪َ  :‬وس‪َ # #‬ع ُكْرس‪# #‬يُُّه ال َّ َ َ‬
‫الع ِظيم ‪[ ‬البقرة‪ ، ]255 :‬وملا ذكر علوه فقال ‪:‬‬ ‫ِحْفظُهما ‪ ، ‬قال ‪  :‬وهو ِ‬
‫العل ُّي َ‬
‫َ َُ َ‬ ‫َُ‬
‫‪#‬ق ‪ ، ‬ذكر بعده العرش بكرمه وسعته فقال ‪  :‬ال ِإلَ‪#َ #‬ه‬ ‫الح ُّ‬
‫‪#‬ك َ‪#‬‬ ‫ِ‬
‫المل‪ُ #‬‬
‫‪َ ‬فَتَع‪##‬الَى اهلل َ‬
‫الع‪#ْ #‬ر ِش ال َ‪#‬ك ِريم ‪[ ‬املؤمنون‪ ، ]116 :‬وملا ذكر إعراض اخللق عن عبادته‬ ‫ب َ‬ ‫ِإال ُ‪#‬ه َ‪#‬و َر ُّ‬

‫‪1‬البخاري يف كتاب التهجد ‪. )5958 ( 5/2328‬‬


‫‪2‬مسلم يف اإلميان ‪ ،‬باب يف قوله تعاىل وأنذر عشريتك األقربني ‪ ، )207 ( 1/193‬والرضمة صخور عظام‬
‫بعضها فوق بعض ‪ ،‬انظر لسان العرب ‪. 12/245‬‬
‫‪3‬البخاري يف التوحيد ‪ ،‬باب قوله وكلم اهلل موسى تكليما ‪. )7079 ( 2731 /6‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪ ، 15/84‬وكتاب العني ‪. 2/245‬‬
‫‪5‬انظر على سبيل املثال ‪ :‬املقصد األسىن يف شرح معاين أمساء اهلل احلسىن ص ‪. 106‬‬
‫(‪)51‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫أعلم نبيه ‪ S‬يف أعقاب ذلك أنه امللك الذي ال يزول عن عرشه بإعراض الرعية‬
‫يف مملكته كشأن امللوك من خلقه ألنه املستغين بذاته امللك يف استوائه ‪ ،‬ال يفتقر‬
‫إىل أحد يف قيام ملكه أو استقراره ‪ ،‬فقال لنبيه ‪ S : ‬فَِإ ْن َتَولَّْوا َفُقل َح ْس‪ِ#‬ب َي اهلل ال‬
‫الع ِظ ِيم ‪[ ‬التوبة‪ ، ]129 :‬وقال تعاىل ‪  :‬قُل‬ ‫ش َ‬ ‫الع ْ‪#‬ر ِ‬
‫ب َ‬ ‫ِإلََه ِإال ُهَو َعَلْيِه َتَو َّك ُ‬
‫لت َو ُه َ‪#‬و َر ُّ‬
‫الع‪#ْ #‬ر ِش َس ‪ِ#‬بيال ‪[ ‬اإلس راء‪ ]42 :‬فلو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البَت َغ ‪#ْ #‬وا ِإلَى ذي َ‬
‫لَ‪#ْ #‬و َك‪##‬ا َن َمَع‪#ُ #‬ه آلَه‪ٌ #‬ة َك َما َيُقولُ ‪##‬و َن ِإذاً ْ‬
‫ك انت ه ذه آهلة على احلقيقة لن ازعوا احلق يف عليائه حىت يتحقق م راد األق وى‬
‫منهم ويعلو كإله واحد ‪ ،‬وه ذا معل وم ب دليل التم انع (‪ ، )1‬أو لو أنه اختذهم آهلة‬
‫واصطفاهم لطلبوا قربه والعلو عنده لعلمهم أنه العلي على خلقه (‪. )2‬‬
‫فه ذه اآلي ات واض حة يف إثب ات علو ال ذات والفوقية وغريها كثري ‪ ،‬لكن كث ريا‬
‫من املفس رين السم اهلل العلي جعل وه داال على معن يني فقط من مع اين العلو ‪،‬‬
‫ومها علو الش أن وعلو القهر ‪ ،‬واس تبعدوا املعىن الث الث وهو علو ال ذات والفوقية‬
‫‪.‬‬
‫والثابت الصحيح أن معاين العلو عند السلف الصاحل ثالثة معان دلت عليها أمساء‬
‫اهلل املشتقة من صفة العلو ‪ ،‬فاسم اهلل العلي دل على علو الذات ‪ ،‬وامسه األعلى‬
‫دل على علو الش أن ‪ ،‬وامسه املتع ال دل على علو القهر ؛ واملتكلم ون أص حاب‬
‫الطريقة العقلية واألقيسة املنطقية يف وصف ال ذات اإلهلية ينف ون عن اهلل علو‬
‫الذات والفوقية ألنه عندهم يدل على إثبات املكان هلل ‪ ،‬وما كان يف مكان فهو‬
‫حمصور فيه ولذلك ال جيوز عندهم حبال من األحوال أن يسأل عن اهلل بأين ؟‬
‫وه ذا خمالف لص ريح الس نة فقد ثبت يف ح ديث اجلارية ال ذي رواه مس لم من‬
‫َت ‪ِ :‬في‬
‫ح ديث معاوية بن احلكم ‪ t‬أن رس ول اهلل ‪ S‬ق ال هلا ‪ ( :‬أَيْ َن اهلل ؟ قَ ‪## # #‬ال ْ‬
‫ول اللَِّه قَ َ‪#‬ال ‪ :‬أَ ْعِتْقَها فَِإَّنَها ُمْؤِمَن‪ٌ #‬ة ) (‪ ، )3‬وهذا‬ ‫َت ‪ :‬أَنْ َ‬
‫ت َر ُس‪ُ #‬‬ ‫‪#‬ال ‪َ :‬م ْن أَنَا ؟ قَ‪#‬ال ْ‬
‫السَماء ‪ ،‬قَ َ‬
‫َّ‬
‫احلديث مع وضوحه كالشمس يف أن الرسول ‪ S‬سأل عن اهلل بأين سؤاال ال لبس‬
‫فيه وال غم وض إال أن الكث ريين من املتكلمني ت أىب أنفس هم إثباته ‪ ،‬ألن أين هنا‬
‫يتص ورون منها املك ان ال ذي يف ع امل الش هادة ‪ ،‬وال ذي خيضع لألقيسة التمثيلية‬
‫والش مولية ‪ ،‬أما املك ان ذو الكيفية الغيبية ال ذي ال يعلم خصائصه إال اهلل فه ذا ال‬

‫‪1‬دليل التم انع دليل مش هور بني املتكلمني وهو حق يف إثب ات توحيد الربوبية ‪ ،‬انظر ملع األدلة يف قواعد أهل‬
‫السنة ص ‪ ، 99‬والغنية يف أصول الدين ص ‪ ، 67‬وشرح العقيدة الطحاوية ص ‪. 87‬‬
‫‪2‬انظر ‪ :‬تفسري ابن جرير ‪ ، 15/91‬والدر املنثور ‪ ، 5/288‬وتفسري الواحدي ‪. 635 /2‬‬
‫‪3‬مسلم يف كتاب املساجد ‪ ،‬باب حترمي الكالم يف الصالة ‪. )537 ( 381 /1‬‬
‫(‪)52‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫اعتبار له عندهم ‪ ،‬ولذلك فإن عقيدة السلف تفرق بني نوعني من املكان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ما ك ان حمص ورا باحملاور الفراغية املعروفة يف حميط املخلوق ات املش هودة‬
‫والذي خيضع ألحكامنا العقلية وألقيستنا املنطقية ‪ ،‬فمكان الش يء حيدد يف املقاييس‬
‫احلديثة باعتب ار ثالثة حماور رئيس ية متعام دة ‪ ،‬اثن ان ميثالن املس توى األفقي املوازي‬
‫لس طح األرض والث الث ميثل االرتف اع عن ذلك املس توى ‪ ،‬وأجس ام ال دنيا حيدد‬
‫مكاهنا مبدى االرتف اع يف احملور الرأسي عن مس توى احملورين األفق يني ‪ ،‬والشك أن‬
‫ه ذه املق اييس املكانية ال تص لح حبال ما يف قي اس ما هو خ ارج عن حميط الع امل ‪،‬‬
‫فضال عن قياس األشياء الدقيقة كاإللكرتون يف دورانه حول نواة الذرة فقد ثبت أن‬
‫حماوره أكثر من ثالثة بكثري ‪.‬‬
‫الث‪##‬اني ‪ :‬يراد ب ه املكان الغييب الذي خيرج عن مداركنا وال نعلم خصائصه لصعوبة‬
‫ذلك علينا ‪ ،‬واملكان هبذا االعتبار حق موجود وال خيضع حبال من األحوال ملقاييس‬
‫املكان يف حسابات املخلوقني ‪ ،‬فال ميكن للمتكلمني أن يطبقوا هذه املقاييس على‬
‫ملك املوت عن دما ي أيت لقبض األرواح مع أنه خمل وق له ذات وكينونة منفص لة ‪،‬‬
‫وهو مع ذلك ال حيجبه ب اب وال ج دار ‪ ،‬وال مينعه جب أو ق رار كما ق ال رب‬
‫شيَّ َدٍة ‪[ ‬النس اء‪]78 :‬‬ ‫ت َولَْو ُكْنتُ ْم ِفي ُبُر ٍ‬
‫وج ُم َ‬ ‫العزة واجلالل ‪  :‬أَْيَن َما تَ ُكونُوا يُ ْدِر ْك ُك ُم َ‬
‫المْو ُ‬
‫‪ ،‬فملك املوت خمل وق وال خيضع يف مكانه وزمانه ملقاييس نا اليت يري دون هبا احلكم‬
‫على اس تواء اهلل على عرشه ‪ ،‬ومن مث ال يص لح أن مننع داللة اآلي ات واألح اديث‬
‫وحنول معىن اسم اهلل العلي من علو الفوقية إىل علو الرتبة واملنزلة حبجة أننا لو‬
‫أثبتناها لك ان اهلل يف مك ان فعلو الش أن ث ابت بداللة امسه األعلى وعلو القهر ث ابت‬
‫بداللة امسه املتعال ‪.‬‬
‫والرس ول ‪ S‬ملا ق ال للجارية ‪ :‬أين اهلل ؟ علم ‪ S‬أن أين للمك ان ويعلم ل وازم قوله‬
‫ولو ك ان يف ذلك خطأ وتش بيه وجتس يم كما ي دعي البعض ما س أل اجلارية بلفظ‬
‫حيتمل معن اه اخلالف ودواعي االختالف ‪ ،‬واجلارية ملا ق الت ‪ :‬اهلل يف الس ماء تعين‬
‫العلو وش هد هلا رس ول اهلل ‪ S‬باإلميان ‪ ،‬فال إش كال عند املوح دين العقالء يف فهم‬
‫حديث اجلارية وقوهلا إن اهلل يف السماء ‪ ،‬واألمر واضح جلي ظاهر ‪ ،‬فأي اع رتاض‬
‫على ذلك إمنا هو اعرتاض على رسول اهلل ‪. S‬‬
‫وعلو الفوقية أو علو ال ذات ال ذي دل عليه امسه العلي ث ابت على احلقيقة بالكت اب‬
‫والسنة وإمجاع األنبياء واملرسلني وأتباعهم ‪ ،‬فهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه‬
‫(‪)53‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ب ائن من خلقه ‪ ،‬ال ش يء من ذاته يف خلقه ‪ ،‬وال خلقه يف ش يء من ذاته ‪ ،‬وهو‬
‫من ف وق عرشه يعلم أعم اهلم ويس مع أق واهلم ويرى أفع اهلم ال ختفى منهم خافية ‪،‬‬
‫واألدلة يف ذلك أك ثر من أن حتص ى وأجل من أن تستقص ى ‪ ،‬والفط رة الس ليمة‬
‫والنف وس املس تقيمة جمبولة على اإلق رار ب ذلك ‪ ،‬وس يأيت ب إذن اهلل تع اىل املزيد عند‬
‫احلديث عن داللة األمساء على الصفات ‪ ،‬لكن جل األدلة بقرائنها جتعل املعىن الذي‬
‫دل عليه اسم اهلل العلي هو علو ال ذات والفوقية ‪ ،‬ق ال ابن خزمية ‪ ( :‬واهلل قد‬
‫وصف نفسه يف غري موضع من تنزيله ووحيه ‪ ،‬وأعلمنا أنه العلي العظيم ‪ ،‬أفليس‬
‫العلي يا ذوي احلجا ما يك ون عليا ال كما ت زعم املعطلة اجلهمية أنه أعلى وأس فل‬
‫ووسط ومع كل ش يء ويف كل موضع من أرض ومساء ‪ ،‬ويف أج واف مجيع‬
‫احليوان ‪ ،‬ولو تدبروا آية من كتاب اهلل ووفقهم اهلل لفهمها ؛ لعقلوا أهنم جهال ال‬
‫يفهمون ما يقولون ‪ ،‬وبان هلم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم ) (‪. )1‬‬
‫‪   -41‬العظيم ‪:‬‬
‫كرب‬
‫يعين األَمرَ‬ ‫ظم َي ْعظم ِعظما‬ ‫َ‬ ‫يم يف اللغة صفة مشبهة ملن اتصف بالعظمة ‪ ،‬فعله َع‬ ‫ُ‬ ‫الع ِظ‬
‫َ‬
‫ظم‬ ‫َع‬
‫ُْ ُ ُ ِ ْ َ َْ‬‫أ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫هلا‬ ‫عظم‬ ‫ي‬ ‫مة‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫َي‬
‫أ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‬
‫الن‬ ‫عند‬
‫َ‬ ‫ظمة‬‫ع‬
‫َ‬ ‫ولفالن‬ ‫‪،‬‬ ‫وارتفع‬ ‫شأنه‬ ‫وعال‬ ‫واتسع‬
‫لت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ْ‬ ‫والعظيم ة النازل ة الش ديدة واملل َّمة إذا أ َْع َ‬ ‫فخم ه ‪ ،‬والتعظيم التَّْبجي ل ‪َ ،‬‬ ‫ظم ه َّ‬ ‫وع َ‬ ‫َ‬
‫بالعظمة فهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف العبد َ‬ ‫املذموم وجَتَربه ‪ ،‬وإذا ُوص َ‬
‫ظمة العبد كبُْره (‪ُ )2‬‬ ‫وع َِ‬
‫ظمة الكرْب ياء ‪َ ،‬‬ ‫والع َ‬
‫َ‬
‫ذم ألَن العظمة يف احلقيقة هلل عز وجل ‪ ،‬وعند البخاري يف األدب املفرد وصححه‬ ‫ٌّ‬
‫‪#‬ال ِفي‬ ‫ظم ِفي َنْف ِسِه أَ ِو ْ‬ ‫ِ‬
‫اخَت َ‬ ‫األلباين من حديث ابْ َن ُع َمَر ‪)3( t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪َ ( :‬م ْن َتَع َ‬
‫اهلل َو ُهَو َعَلْيِه َغ ْضَبا ُن ) ‪.‬‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫م ْشَيته لَق َي َ‬
‫قدُره حدود العقل وجل عن تَصور ِاإلحاط ُة‬ ‫جاوَز ْ‬
‫َ‬ ‫واهلل عز وجل هو العظيم الذي‬
‫يقته ‪ ،‬فهو العظيم الواسع ‪ ،‬الكبري يف ذاته وص فته ‪ ،‬فعظمة ال ذات دل‬ ‫بكْنِه ه وحِق ِ‬
‫َ‬
‫عليها كثري من النص وص منها ما ورد عند ابن حب ان وص ححه األلب اين من‬
‫ح ديث أيب ذر ‪ t‬أن النيب ‪ S‬ق ال ‪ ( :‬ما الس‪## # #‬ماوات الس‪## # #‬بع في الكرسي إال كحلقة‬
‫ب ‪## #‬أرض فالة ‪ ،‬وفضل الع ‪## #‬رش على الكرسي كفضل تلك الفالة على تلك الحلقة ) (‪، )4‬‬
‫وقد صح عن ابن عباس ‪ t‬موقوفا ‪ ( :‬الكرسي موضع الق‪#‬دمين والع‪#‬رش ال يق‪#‬در ق‪#‬دره‬

‫‪1‬كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل ‪ ،‬ص ‪. 257‬‬


‫‪2‬لسان العرب ‪. 12/410‬‬
‫‪3‬األدب املفرد للبخاري ص ‪ ، )549 ( 193‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع ( ‪. )6157‬‬
‫‪4‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ‪ ، )361 ( 2/77‬قال األلباين ‪ :‬ال يصح يف صفة الكرسي غري هذا احلديث‬
‫‪ ،‬انظر السلسلة الصحيحة ‪. )109 ( 1/223‬‬
‫(‪)54‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫إال اهلل تعالى ) (‪. )1‬‬
‫س َك ِمْثِل‪#ِ #‬ه‬
‫َ‬ ‫أما عظمة الص فات فاهلل عز وجل له علو الش أن كما ق ال يف كتابه ‪  :‬لَْي‬
‫ض َوَما‬ ‫ات َواألَْر ِ‬‫السماو ِ‬ ‫ص ُير ‪[ ‬الشورى‪ ، ]11 :‬وقال أيضا ‪َ  :‬ر ُّ‬ ‫السِميع الب ِ‬
‫ب َّ َ َ‬ ‫َش ْيٌء َو ُهَو َّ ُ َ‬
‫اصطَِبْر لِِعَب َادتِِه َهل َتْعَل ُم ل َُه َس ِمّياً ‪[ ‬مرمي‪ ، ]65 :‬وإذا كان عرشه قد وصفه‬‫َبْيَنُه َما فَا ْعبُ ْدُه َو ْ‬
‫بالعظمة وخصه باإلضافة إليه واالستواء عليه ‪ ،‬فما بالك بعظمة من استوى عليه وعال‬
‫ف وال حُت ُّد ‪ ،‬لطالق ة الوص ف‬ ‫ِ‬
‫فوق ه ‪ ،‬وينبغي أن نعلم أن َعظم ة اهلل يف ذات ه ال تُ َكَّي ُ‬
‫عظيم يف ذاته ووصفه وجالل‬ ‫فنحن‪)2‬مل نره ومل نر له مثيل ‪ ،‬فاهلل ٌ‬ ‫وعجزنا عن معرفته ‪،‬‬
‫قدره كما أخرب عن نفسه ( ‪.‬‬
‫‪   -42‬الشكور ‪:‬‬
‫الش كور يف اللغة فع ول من ص يغ املبالغة ‪ ،‬فعله ش كر يش كر ش كرا وش كورا‬
‫وشكرانا فالشكور فعول من الشكر ‪ ،‬وأصل الشكر الزيادة والنماء والظهور ‪،‬‬
‫وحقيقة الشكر الثناء على احملسن بذكر إحسانه (‪. )3‬‬
‫وشكر العبد على احلقيقة إمنا هو إقرار القلب بإنعام الرب ونطق اللسان عن اعتقاد‬
‫آل َد ُاو َد ُش ‪#‬كرا َوقَِلي ‪#‬ل ِم ْن‬ ‫اجلن ان وعمل اجلوارح واألرك ان ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬ا ْع َمل ‪##‬وا َ‬
‫ور ‪[ ‬س بأ‪ ، ]13:‬ويف ص حيح البخ اري من ح ديث أَبِي ُهَري َْرة ‪ t‬أن‬ ‫ِعب‪ِ #‬‬
‫‪#‬اد َي ال َّ‬
‫ش ‪ُ #‬ك ُ‬ ‫َ‬
‫اك‬
‫ض ‪َ ،‬و َس ‪َّ #‬م َ‬ ‫ِ‬
‫الر ُس ‪ِ #‬ل إلَى أ ْ‪َ#‬ه ِ‪#‬ل األَْر ِ‬ ‫‪#‬وح أَنْ َ‬
‫ت أََّو ُل ُّ‬ ‫النَّبي ‪ S‬قال ‪َ ( :‬فَي‪ْ#‬أتُو َن نُ ً‬
‫وحا َفَيُقولُ‪##‬و َن يَا نُ‪ُ #‬‬ ‫ِ‬
‫ورا ‪ ،‬أََما َتَرى ِإلَى َما نَ ْح ُن ِف ِيه ‪ ..‬الحديث ) ‪.‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫اهلل َعْب ًدا َش ُك ً‬
‫والش كور س بحانه هو ال ذي يزكو عن ده القليل من أعم ال العب اد ويض اعف هلم‬
‫اجلزاء ‪ ،‬فيثيب الشاكر على شكره ويرفع درجته ويضع من ذنبه ‪ ،‬فشكر العبد هلل‬
‫تعاىل ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ‪ ،‬وشكر احلق للعبد ثناؤه عليه بذكر طاعته له ‪.‬‬
‫ويذكر ابن القيم أن الشكور سبحانه هو أوىل بصفة الشكر من كل شكور ‪ ،‬بل‬
‫هو الش كور على احلقيقة فإنه يعطي العبد ويوفقه ملا يش كره عليه ‪ ،‬ويش كر القليل‬
‫من العمل والعطاء فال يستقله أن يشكره ‪ ،‬ويشكر احلسنة بعشر أمثاهلا إىل أضعاف‬
‫مض اعفة ‪ ،‬ويش كر عب ده ب أن يثني عليه بني مالئكته ويف ملئه األعلى ‪ ،‬ويلقي له‬
‫الشكر بني عباده ‪ ،‬ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه ‪ ،‬وإذا بذل له‬

‫‪1‬انظر تعليق األلباين علي الرواية يف شرح العقيدة الطحاوية ص ‪. 45‬‬


‫‪2‬املقصد األسىن ص ‪ ، 94‬وشرح أمساء اهلل للرازي ص ‪ ، 339‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 75‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪. 4/424‬‬
‫‪4‬البخاري يف أحاديث األنبياء ‪ ،‬باب قول اهلل عز وجل ولقد أرسلنا نوحا إىل قومه ‪. )3162 ( 3/1215‬‬
‫(‪)55‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫شيئا رده عليه أضعافا مضاعفة ‪ ،‬وهو الذي وفقه للرتك والبذل وشكره على هذا‬
‫وذاك ‪ ،‬وملا بذل الشهداء أبداهنم له حىت مزقها أعداؤه شكر هلم ذلك بأن أعاضهم‬
‫منها ط ريا خض را أقر أرواحهم فيها ‪ ،‬ت رد أهنار اجلنة وتأكل من مثارها إىل ي وم‬
‫البعث ‪ ،‬فريدها عليهم أكمل ما تك ون وأمجله وأهباه ‪ ،‬ومن ش كره س بحانه أنه‬
‫جيازي عدوه مبا يفعله من اخلري واملعروف يف الدنيا وخيفف به عنه يوم القيامة ‪ ،‬فال‬
‫يضيع عليه ما يعمله من اإلحسان وهو من أبغض خلقه إليه ‪ ،‬ومن شكره أنه غفر‬
‫للمرأة البغي بسقيها كلبا كان قد جهده العطش حىت أكل الثرى (‪. )1‬‬
‫قال ابن القيم ‪ ( :‬الشكور يوصل الشاكر إىل مشكوره ‪ ،‬بل يعيد الشاكر مشكورا‬
‫وهو غاية الرب من عبده ‪ ،‬وأهله هم القليل من عباده ‪ ،‬قال اهلل تعاىل ‪َ  :‬وا ْش‪ُ #‬كُروا‬
‫لله ِإ ْن ُكْنتُ ْم ِإيَّ ُاه َتْعبُ ‪ُ # #‬دو َن ‪[ ‬البق رة‪ .. ]172 :‬ومسى نفسه ش اكرا وش كورا ‪ ،‬ومسى‬
‫الش اكرين هبذين االمسني فأعط اهم من وص فه ومساهم بامسه ‪ ،‬وحس بك هبذا حمبة‬
‫للشاكرين وفضال ‪ ،‬وإعادته للشاكر مشكورا كقوله ‪ِ  :‬إ َّن َه َذا َكا َن لَ ُك ْم َجَز ًاء َو َكا َن‬
‫َس‪ْ # #‬عيُ ُك ْم َم ْش ‪ُ ##‬كوراً ‪[ ‬اإلنس ان‪ ، ]22:‬ورض ي ال رب عن عب ده به كقوله ‪َ  :‬وإِ ْن‬
‫ض ‪#‬هُ لَ ُك ْم ‪[ ‬الزم ر‪ ، ]7 :‬وقلة أهله يف الع املني ت دل على أهنم هم خواصه‬ ‫تَ ْش ‪ُ #‬ك ُروا َي ْر َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ور ‪[ ‬سبأ‪. ) ]13:‬‬ ‫يل ِم ْن ِعَب ِاد َي َّ‬
‫الش ُك ُ‬
‫ِ‬
‫كقوله ‪َ  :‬وقَل ٌ‬
‫‪   -43‬الحليم ‪:‬‬
‫احلليم يف اللغة صفة مشبهة للموصوف باحللم ‪ ،‬فعله حلم حيلم حلما ‪ ،‬وصفة احللم‬
‫تعين األناة ومعاجلة األمور بصرب وعلم وحكمة ‪ ،‬ويف مقابلها العجلة املفسدة ألمور‬
‫ال دين وال دنيا ‪ ،‬واحلليم هو ال ذي ي رغب يف العفو وال يس ارع بالعقوبة ‪،‬‬
‫قال تعاىل يف وصف إبراهيم ‪ِ  : ‬إن ِإْبَر ِاه َيم ألََّواٌه َحِل ٌيم ‪[ ‬التوبة‪ ، ]114 :‬ويدخل‬
‫يف معىن احلِلم بلوغ الصيب احللم أو مبلغ الرجال احلكماء العقالء كما قال تعاىل ‪ :‬‬
‫الم َحِل ٍيم‬
‫ش ‪ْ#‬رنَ ُاه بِغُ ٍ‬
‫الحلم ‪[ ‬الن ور‪ ، ]59 :‬وقال ‪َ  :‬فَب َّ‬
‫َ‬ ‫َوِإ َذا َبَل‪َ #‬غ األَطَ‪#‬ف‪#‬ال ِمْنك ُم‬
‫‪[ ‬الصافات‪ ، ]101 :‬يعين لديه أناة وبصرية وحكمة من صغره (‪. )3‬‬
‫واحلليم س بحانه هو املتصف ب احللم ‪ ،‬واحللم ص فة كرمية تق وم على احلكمة والعلم‬
‫والصرب ‪ ،‬واهلل عز وجل ص بور يتمهل وال يتعجل ‪ ،‬بل يتج اوز عن ال زالت‬

‫‪1‬عدة الصابرين ص ‪. 240‬‬


‫‪2‬مدارج السالكني ‪ ، 2/242‬وانظر يف تفسري االسم األمساء والصفات ص ‪ ، 91‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن‬
‫للزجاج ص ‪ ، 47‬واملقصد األسىن ص ‪ ، 95‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪. 260‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 12/146‬وكتاب العني ‪ ، 246 /3‬زاد املسري ‪. 255 /1‬‬
‫(‪)56‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ويعفو عن السيئات ‪ ،‬فهو سبحانه ميهل عباده الطائعني ليزدادوا من الطاعة والثواب‬
‫‪ ،‬وميهل العاصني لعلهم يرجعون إىل الطاعة والصواب ‪ ،‬ولو أنه عجل لعباده اجلزاء‬
‫فح واألن ِاة ‪،‬‬
‫الص ِ‬
‫ما جنا أحد من العق اب ‪ ،‬ولكن اهلل س بحانه هو احلليم ذو َّ‬
‫اس تخلف اإلنس ان يف أرضه واس رتعاه يف ملكه ‪ ،‬واس تبقاه إىل ي وم موع ود وأجل‬
‫حمدود ‪ ،‬فأجل حبلمه عقاب الكافرين ‪ ،‬وعجل بفضله ثواب املؤمنني (‪. )1‬‬
‫وخالصة املع اين يف تفسري احلليم أنه ال ذي ال يعجل بالعقوبة واالنتقام ‪ ،‬وال حيبس‬
‫إنعامه عن عب اده ألجل ذن وهبم بل ي رزق العاصي كما ي رزق املطيع ‪ ،‬وهو ذو‬
‫الصفح مع القدرة على العقاب (‪. )2‬‬
‫‪   -44‬الواسع ‪:‬‬
‫الش يء يَ َس ُعه ِس َعة‬ ‫والواسع يف اللغة اسم فاعل للموص وف بالوسع ‪ ،‬فعله َو ِس َع َّ‬
‫وس ٌع يعين َمِليء باملال والثراء ‪،‬‬ ‫فهو و ِاسع ‪ ،‬وأَوسع اهلل عليك أَي أَغناك ‪ ،‬ورجل م ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬
‫يق ال إن اء واسع وبيت واسع ‪ ،‬مث قد يس تعمل يف الغىن يق ال ‪ :‬فالن يعطي من‬
‫س عة وواسع الرحل يعين غني ا ‪ ،‬وق ال تع اىل ‪  :‬لُِيْنِف‪ْ # # #‬ق ُذو َس‪َ# # #‬عٍة ِم ْن َس‪َ# # #‬عِتِه ‪‬‬
‫والرفاهية ‪ ،‬والس عة‬ ‫ِ‬ ‫والس عة ِ‬
‫الغىن‬ ‫[الطالق‪ ، ]7:‬وَتَو َّس ُعوا يف اجمللس أَي َتَف َّس ُحوا ‪َّ ،‬‬
‫تكون يف العلم واإلحسان وبسط النعم (‪. )3‬‬
‫والواسع س بحانه هو ال ذي وسع علمه مجيع املعلوم ات ووس عت قدرته مجيع‬
‫املق دورات ووسع مسعه مجيع املس موعات ووسع رزقه مجيع املخلوق ات ‪ ،‬فله مطلق‬
‫اجلمال والكمال يف الذات والصفات واألفعال ‪ ،‬وعند البخاري من حديث َعائِ َشة‬
‫ِ‬
‫ْح ْ‪#‬م ‪ُ # # #‬د لل‪ِ # # # #‬ه الَّذي َو ِس‪َ # # # #‬ع َس‪ْ # # # #‬مُع ُه ا َأل ْ‬
‫ِ‬
‫ات فَ‪# # # #‬أَْنَز َل اهلل َتَ‪#‬ع ‪## # #‬الَى َعَلى‬
‫ص‪َ# # # #‬و َ‬ ‫أهنا ق الت ‪ ( :‬ال َ‬
‫النَِّبيّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ‪ S : ‬قَ ْد س ِمع اهلل َقو َل الَِّتي تُجادل َ ِ ِ‬
‫ُك(‪4‬ف)ي َزْوجَها َوتَ ْشَتكي ِإلى الله َوالل‪#‬ه يَ ْس‪َ #‬م ُع تَ َح ُاوَر َ‬
‫كما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِإن الله َس ِم ٌيع بَ ِص ٌير ‪[ ‬اجملادلة‪ ، ) ]1:‬فاهلل عز وجل و ِاسع ‪َ ،‬و ِس َع ِغَناه كل ِفقري‬
‫وهو الكثري ِ‬
‫العطاء يده سحاء الليل والنهار ‪ ،‬وسعت َرمْحَت ه ك ل َشيء وهو احمليط‬ ‫ُ‬
‫بكل شيء (‪. )5‬‬

‫‪1‬تفسري أمساء اهلل احلسىن ص ‪ ، 45‬الدر املنثور ‪. 637 /4‬‬


‫‪2‬األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 72‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪ ، 45‬واملقصد األسىن ص ‪. 94‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 8/392‬وكتاب العني ‪. 2/203‬‬
‫‪4‬أخرجه البخاري كتاب التوحيد ‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل وكان اهلل مسيعا بصريا ‪. )6951 ( 6/2689‬‬
‫‪5‬تفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪ ، 51‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 59‬واملقصد األسىن ص ‪.106‬‬
‫(‪)57‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وقد اق رتن اسم اهلل الواسع بامسه العليم يف غري موضع من كتابه كما ورد يف قوله‬
‫ت َس ‪ْ#‬ب َع َس ‪َ#‬نابِ َل ِفي ُكل‬
‫ين ُيْنِفُق‪##‬و َن أْ‪َ#‬م َ‪#‬والَُه ْم ِفي َس ‪ِ#‬ب ِيل اهلل َك َمثَ‪#ِ #‬ل َحبٍَّة أَْنَبَت ْ‬ ‫ِ‬
‫تع اىل ‪َ  :‬مثَ‪#ُ #‬ل ال‪##‬ذ َ‬
‫ف لِ َم ْن يَ َش‪#‬اء َوالل‪#‬ه َوا ِس‪ٌ #‬ع َعِل ٌيم ‪[ ‬البق رة‪ ، ]261 :‬ذكر ابن‬ ‫ض‪ِ #‬اع ُ‬ ‫ُس‪ْ#‬نُبَلٍة ِمائَ‪ُ #‬ة َحَّبٍة َوالل‪#‬ه يُ َ‬
‫القيم يف بي ان العلة يف اق رتان االمسني أال يس تبعد العبد مض اعفة األجر ‪ ،‬وال يض يق‬
‫عنها عط اؤه ف إن املض اعف واسع العط اء ‪ ،‬واسع الغىن واسع الفضل ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فال يظن أن سعة عطائه تقتضي حصوهلا لكل منفق ‪ ،‬فإنه عليم مبن تصلح له هذه‬
‫املضاعفة وهو أهل هلا ومن ال يستحقها وال هو أهل هلا ‪ ،‬فإن كرمه وفضله تعاىل‬
‫ال يناقض حكمته بل يضع فضله مواضعه لسعته ورمحته ‪ ،‬ومينعه من ليس من أهله‬
‫حبكمته (‪. )1‬‬
‫‪   -45‬العليم ‪:‬‬
‫يم وزن ِفعيل ‪ ،‬فعله َعِلم يعلم علما ‪ ،‬ورجل‬ ‫ٌ‬ ‫العليم يف اللغة من أَبنية املبالغة ‪َ ،‬عِل‬
‫لإلنس ان ال ذي َعلمه اهلل ِعلما‬ ‫نقيض اجلهل ‪ ،‬وجيوز أن يق ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع امل ِ‬
‫لم ُ‬ ‫يم ِ‪ ،‬والع ُ‬
‫وعل ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العلوم َعليم ‪ ،‬كما قال تعاىل عن يوسف ‪ ‬وقوله للملك ‪ْ  :‬‬
‫اجَعلني َعَلى َخَزائ ِن‬ ‫من ُ‬
‫ض ِإنِّي َحِفيظ َعِل ٌيم ‪[ ‬يوس ف‪ ، ]55 :‬وهو ‪ ‬عليم على اعتب ار حمدودية علمه‬ ‫األَْر ِ‬
‫ومناسبته لقدره فهو ذو علم وموصوف بالعلم ‪ ،‬قال ‪َ  :‬وِإنَُّه لَذو ِع ٍلم لِ َما َع ْلمَن ُ‪#‬اه ‪‬‬
‫[يوس ف‪ ، ]68 :‬لكن ش تان بني علم مقيد حمدود وعلم مطلق بال ح دود ‪ ،‬س بحانه‬
‫وتع اىل يف كم ال علمه ‪ ،‬جل ش أنه يف إطالق وص فه ‪ ،‬فعلمه ف وق كل ذي علم‬
‫ِ ِ ِ‬
‫يم ‪[ ‬يوسف‪]76 :‬‬ ‫كما قال عز وجل ‪َ  :‬نْرفَ ُع َدَر َجات َم ْن نَ َشاء َوَفْو َق ُكل ذي ع ٍلم َعل ٌ‬
‫عليم مبا كان وما هو كائن وما سيكو ُن ‪ ،‬مل َي َزل عالِما وال يَزال‬ ‫‪ ،‬فاهلل عز وجل ُ‬
‫عاملا مبا كان وما يكون ‪ ،‬وال خيفى عليه خافية يف األَرض وال يف السماء ‪ ،‬سبحانه‬
‫دقيقها وجليلها على أَمت ِاإلمك ان (‪، )2‬‬ ‫باطِنها وظاهرها ‪ِ ،‬‬ ‫أَح اط ِعلمه جبميع األَش ياء ِ‬
‫ُ‬
‫فاسم اهلل العليم اشتمل على مراتب العلم اإلهلي ‪ ،‬وهي أنواع ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬علمه بالشيء قبل كونه وهو سر اهلل يف خلقه ‪ ،‬ضن به على عباده ‪ ،‬ال يعلمه‬
‫مل ك مق رب وال ن يب مرس ل ‪ ،‬وه ذه املرتب ة من العلم هي علم التق دير ومفت اح م ا‬
‫سيصري ‪ ،‬ومن هم أهل اجلنة ومن هم أهل السعري ؟ فكل أمور الغيب قدرها اهلل يف‬
‫اعِة‬ ‫األزل ومفتاحه ا عن ده وح ده ومل ي زل ‪ ،‬كم ا ق ال تع اىل ‪ِ  :‬إ َّن ِ ِ‬
‫س‪َ #‬‬
‫لم ال َّ‬
‫اهلل عْن ‪َ #‬دُه ع ُ‬
‫َ‬

‫‪1‬طريق اهلجرتني ص ‪. 540‬‬


‫‪2‬انظر املعىن اللغوي يف لسان العرب ‪ ، 12/421‬والنهاية يف غريب احلديث ‪ ، 3/292‬ومفردات ألفاظ‬
‫القرآن ص ‪ ، 580‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 50‬‬
‫(‪)58‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ض‬ ‫س بِ‪#‬أ ِّ‬
‫َي أَْر ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ب َغ‪#‬داً َوَم‪#‬ا تَ ْ‪#‬دِري َنْف‬‫ُ‬ ‫س َما َذا تَ ْك ِس‬
‫ٌ‬ ‫لم َما ِفي األَْر َح ِام َوَما تَ ْدِري َنْف‬
‫ث َوَيْع ُ‬‫َوُيَنِّز ُل ال َغْي َ‬
‫س‪#‬ماواتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليم َخب ٌ‪#‬ير ‪[ ‬لقمان‪ ، ]34 :‬وقال سبحانه ‪  :‬قُ‪#‬ل ال َيْع ُ‬
‫لم َم ْن في ال َّ َ َ‬ ‫‪#‬وت ِإ َّن َ‬
‫اهلل َع ٌ‬ ‫تَ ُم ُ‬
‫ب ِإال ُ‬
‫اهلل َوَما يَ ْشُعُرو َن أَيَّا َن ُيْبَعثُو َن ‪[ ‬النمل‪. ]65 :‬‬ ‫ض ال َغْي َ‬‫َواألَْر ِ‬
‫ثانيها ‪ :‬علمه بالشيء وهو يف اللوح احملفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته فاهلل‬
‫عز وجل كتب مقادير اخلالئق يف اللوح احملفوظ قبل أن خيلقهم خبمسني ألف سنة ‪،‬‬
‫واملخلوقات يف اللوح قبل إنشائها عبارة عن كلمات ‪ ،‬وتنفيذ ما يف اللوح من أحكام‬
‫تضمنتها الكلمات مرهون مبشيئة الل ه يف حتديد األوقات اليت تناسب أنواع االبتالء يف‬
‫خلق ه ‪ ،‬وك ل ذل ك عن علم ه مبا يف الل وح من حس اب وتق دير ‪ ،‬وكي ف وم ىت يتم‬
‫ض ِإ َّن‬ ‫س ‪َ #‬م ِاء َواألَْر ِ‬
‫لم َم‪##‬ا ِفي ال َّ‬
‫اهلل َيْع ُ‬
‫َن َ‬ ‫لم أ َّ‬ ‫اإلب داع والتص وير ؟ كم ا ق ال تع اىل ‪  :‬أ ْ‬
‫َلم َتْع ْ‬
‫اهلل ي ِسير ‪[ ‬احلج‪ ، ]70 :‬وقال أيضا ‪  :‬ما أَص‪#‬اب ِمن م ِ‬
‫ص‪َ #‬يبٍة‬ ‫ِ‬ ‫لك ِفي ِكَت ٍ‬
‫َ َ َ ُْ‬ ‫اب ِإ َّن َذلك َعلى َ ٌ‬ ‫َذ َ‬
‫اب ِم ْن َقْبل أَن َنْبَرأََها ‪[ ‬احلديد‪. ]23 :‬‬ ‫ض َوال ِفي أَْنُف ِس ُك ْم ِإال ِفي ِكَت ٍ‬‫ِفي األَْر ِ‬
‫لم‬ ‫وتصنيعه كما قال ‪ُ  ِ:‬‬
‫اهللَّ َيْع ُ‬ ‫ِ‬
‫ثالثها ‪ :‬علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه‬
‫ما تَح ِمل ُك ُّل أُْنثى وم‪#‬ا تَِغيض األَرح‪#‬ام وم‪#‬ا َت‪#‬زداد و ُك ُّ ٍ‬
‫ش‪َ#‬ه َادِة‬ ‫‪#‬الم ال َغْيب َوال‬ ‫ٍع‬ ‫ار‬ ‫د‬ ‫ق‬
‫‪#‬‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ل َش‪ْ #‬يء ْ َ ُ ْ َ َ ُ‬
‫ب‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫‪#‬‬‫ن‬‫ع‬ ‫ُ ْ َ ُ ََ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوَم‪#‬ا يَ ْخ ُ‪#‬ر ُج مْنَه‪#‬ا َوَم‪#‬ا‬ ‫لج في األَْر ِ‬ ‫لم َم‪#‬ا يَ ُ‬ ‫المَتَعال ‪[ ‬الرعد‪ ، ]8:‬وقال تعاىل ‪َ  :‬يْع ُ‬ ‫ال َكب ُير ُ‬
‫ور ‪[ ‬سبأ‪. ]2 :‬‬ ‫السم ِاء وما يعرج ِفيها وهو َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ال َغُف ُ‬ ‫الرح ُ‬ ‫َيْن ِز ُل م َن َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ‬
‫رابعها ‪ :‬علمه بالشيء بعد كونه وختليقه وإحاطته بالفعل بعد كسبه وحتقيقه ‪ ،‬فاهلل عز‬
‫ب ال َيْعَل ُمَها‬ ‫وجل بعد أن ذكر مراتب العلم السابقة يف قوله تعاىل ‪َ  :‬و ِعْن َدُه َمَف‪#‬اتِ ُح اْل َغْي ِ‬
‫ط ِمن ورقَ ٍ‪#‬ة ِإال يْعَلمَها وال حبٍَّة ِفي ظُلُم ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫‪#‬ات األَْر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ِإال ُه َ‪#‬و َوَيْعَل ُم َما في الَْب ِّ‪#‬ر َوالَْب ْ‪#‬ح ِر َوَما تَ ْس‪ُ#‬ق ُ ْ َ َ‬
‫اب ُمِبي ٍن ‪[ ‬األنعام‪ ، ]59 :‬ذكر بعدها املرتبة األخرية فقال‬ ‫س ِإال ِفي ِكَت ٍ‬ ‫ْب َوال يَابِ ٍ‬
‫َوال َرط ٍ‬
‫‪#‬ل ُم َس‪ّ #‬م ًى ثُ َّم‬ ‫َج ٌ‬ ‫ضي أ َ‪#‬‬ ‫َّه‪#‬ا ِر ثُ َّم َيْبَعثُ ُك ْم ِفي‪#ِ #‬ه ُليْق َ‬
‫لم َم‪##‬ا َ‪#‬ج َ‪#‬ر ْحتُ ْم بِالنَ‪#‬‬
‫اللي‪#‬ل َوَيْع ُ‬
‫ِ‬
‫‪َ  :‬و ُه َ‪#‬و ال‪##‬ذي َيَتَوفَّا ُك ْم بِ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ص‬ ‫ِإ ْليه َمْرجُع ُك ْم ثُ َّم ُيَنِّبئُ ُك ْم بِ َما ُكْنتُ ْم َتْع َملُو َن ‪[ ‬األنعام‪ ، ]60 :‬وقال أيضا ‪  :‬قَ ْد َع ْلمَنا َم‪#‬ا َتْنُق ُ‬
‫لم ِس‪َّ#‬رُه ْم َونَ ْ‪#‬ج َ‪#‬و ُاه ْم‬ ‫‪#‬اب َحِفي‪ٌ #‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫األَر ِ‬
‫اهلل َيْع ُ‬
‫َن َ‬ ‫لم‪#‬وا أ َّ‬ ‫ظ ‪ّ [ ‬ق‪ ، ]4 :‬وقال ‪  :‬أ ْ‬
‫َلم َيْع ُ‪#‬‬ ‫ض مْنُه ْم َوعْن‪َ #‬دنَا كَت‪ٌ #‬‬ ‫ْ ُ‬
‫وب ‪[ ‬التوبة‪ ، ]78 :‬فاهلل عز وجل عامل بما كان ‪ ،‬وما هو كائن ‪ ،‬وما‬
‫الم الغُُي ِ‬
‫اهلل َع ُ‬
‫َوأَن َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫سيكون ‪ ،‬وما لو كان كيف يكون على ما اقتضته حكمته البالغة ‪.‬‬
‫‪   -46‬التواب ‪:‬‬
‫التواب يف اللغة من صيغ املبالغة ‪ ،‬فعله تاب يتوب توبا وتوبة ‪ ،‬والتوبة الرجوع عن‬
‫‪1‬هذه املراتب يتعلق هبا العلم اإلهلي ويتضمنها امسه العليم خبالف مراتب العلم به سبحانه اليت ذكرها ابن القيم‬
‫وحصرها يف مخس مراتب ‪ ،‬انظر مدارج السالكني ‪ ، 1/107‬وانظر يف تفسري االسم ‪ :‬املقصد األسىن ص‬
‫‪ 126‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ‪ ، 240‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 91‬‬
‫(‪)59‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫الشيء إلى غريه ‪ ،‬وت رك ال ذنب على أمجل الوجوه ‪ ،‬وهو أبلغ وجوه االعتذار ‪،‬‬
‫ف إن االعت ذار على ثالثة أوجه ‪ :‬إما أن يق ول املعت ذر لم أفعل ‪ ،‬أو يق ول فعلت‬
‫ألجل كذا أو يقول ‪ :‬فعلت وأسأت وقد أقلعت وال رابع لذلك وهذا األخري هو‬
‫التوبة (‪ ، )1‬والت ائب يق ال لب اذل التوبة ولقابل التوبة فالعبد ت ائب إلى اهلل‬
‫واهلل ت ائب على عب ده (‪ ، )2‬والتوبة الزمة لجميع املذنبني والعاصني ص غر‬
‫الذنب أو كرب ‪ ،‬وليس ألحد عذر يف ترك التوبة بعد ارتكاب املعصية ألن املعاصي‬
‫كلها توعد اللَّه عليها أهلها (‪. )3‬‬
‫والتواب سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده حاال بعد حال ‪ ،‬فما‬
‫من عبد عص اه وبلغ عص يانه م داه مث رغب يف التوبة إليه إال فتح له‬
‫أب واب رمحته ‪ ،‬وف رح بعودته وتوبة ‪ ،‬ما لم تغرغر النفس أو تطلع‬
‫وسى ‪ ‬مرفوعا ‪ِ ( :‬إ َّن اللََّه َع‪#َّ # #‬ز‬
‫َ‬ ‫الش مس من مغرهبا ‪ ،‬فم ْن ح ديث أَيِب ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يء‬
‫‪#‬وب ُمس‪ُ #‬‬ ‫يَ‪َ #‬دُه بِالنََّه‪#‬ا ِر لَيتُ َ‬
‫ط‬
‫س‪ُ #‬‬‫يء (الن‪ََّ4‬ه)‪#‬ا ِر ‪َ ،‬وَيْب ُ‬ ‫اللْي ِ‪#‬ل لَيتُ َ‬
‫‪#‬وب ُمس‪ُ #‬‬ ‫ط يَ َدُه بِ َّ‬ ‫َو َج َّل َيْب ُس ُ‬
‫ول اللَِّه‬ ‫وع ِن ابْ ِن‬
‫ُع َمَر ‪ ‬أن َر ُس َ‬ ‫َ‬ ‫س ِم ْن َم ْغ ِربَِها ) ‪،‬‬ ‫ش‪ْ #‬م ُ‬ ‫اللَّْي ِل حتى تَ ْطلُ َ‪#‬ع ال َّ‬
‫‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َّن اللََّه َيْقَب‪#ُ #‬ل َتْوبَ‪َ#‬ة الَْعْب‪#ِ #‬د َما ل َْم ُي َغْر ِ‪#‬غ ْ‪#‬ر ) ‪ ،‬ولو أن إنسانا اتبع‬
‫(‪) 5‬‬

‫ه واه أو اس تجاب لش يطانه ومتادى يف جرم ه وعص يانه فقتل مائة نفس‬
‫وارتكب كل إمث وأراد التوبة والغف ران ت اب عليه الت واب ‪ ،‬وب دل له‬
‫ع دد ما ف ات من الس يئات بنفس أع دادها حس نات ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ :‬‬
‫‪#‬ورا َر ِح ًيما ‪[ ‬الفرق ان‪، ]71 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِّل اهلل َس‪ِّ# #‬يَئاتِه ْم َح َس‪َ# #‬نات َو َك‪##‬ا َن اهلل َغُف‪ً #‬‬ ‫فَأُْولَِئ ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك ُيَب ‪##‬د ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ول‬‫ت َر ُس َ‬ ‫وروى الرتم ذي وحس نه األلب اين من ح ديث أَنَس بْن َمال ك ‪ ‬قَ َال ‪ :‬مَس ْع ُ‬
‫‪#‬ك َعَلى َما َ‪#‬ك‪#‬ا َن‬ ‫ك َما َد َع‪#ْ #‬وتَِني َوَر َ‪#‬ج ْ‪#‬وتَِني َغَف‪#ْ #‬ر ُ‬
‫ت لَ‪َ #‬‬ ‫آدَم ِإنَّ َ‬ ‫ول ‪ ( :‬قَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ال اهلل ‪ :‬يَا ابْ َن َ‬ ‫اللَِّه ‪َ S‬يُق ُ‬
‫ِ‬
‫َك َو َال أُبَالي‬ ‫تلَ‬ ‫اسَت ْغَفْرتَِني َغَفْر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السَماء ثُ َّم ْ‬
‫ك َعَنا َن َّ‬ ‫ت ُذنُوبُ َ‬
‫آدَم لَْو َبَل َغ ْ‬
‫يك َو َال أُبَالي ‪ ،‬يَا ابْ َن َ‬ ‫ف َ‬
‫ض َخطَايَا ثُ َّم لَِق َيتِني َال تُ ْش‪ِ #‬ر ُك بِي َش‪ْ#‬يًئا َألَتْيتُ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك بُِقَرابَِها‬ ‫اب األَْر ِ‬‫ك لَ‪#ْ #‬و أََتْيَتِني بُِق‪##‬ر ِ‬
‫َ‬ ‫آدَم ِإنَّ َ‬
‫‪ ،‬يَا ابْ َن َ‬
‫َم ْغِفَرًة ) ‪.‬‬
‫(‪) 6‬‬

‫‪1‬املفردات ص ‪ ، 76‬ولسان العرب ‪ ، 1/233‬التعاريف ص ‪ ، 74‬وزاد املسري ‪. 1/70‬‬


‫‪2‬المفردات ص ‪ ، 76‬وكتاب العني للخليل بن أمحد ‪ ، 8/138‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن ص ‪. 62‬‬
‫‪3‬انظر الرعاية حلقوق اهلل للمحاسيب ص ‪ ، 68‬وإحياء علوم الدين ‪ ، 4/2‬وعوارف املعارف ص‬
‫‪. 487‬‬
‫‪4‬مسلم يف التوبة ‪ ،‬باب قبول التوبة ‪. )2759 ( 4/2113‬‬
‫‪5‬الرتم ذي يف ال دعوات ‪ ،‬ب اب يف فضل التوبة واالس تغفار ‪ ، )3537 ( 5/547‬وانظر حكم‬
‫الشيخ األلباين على احلديث يف صحيح اجلامع ( ‪. )4338‬‬
‫‪6‬املوضع السابق ‪. )3540 ( 5/548‬‬
‫(‪)60‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫هذا فضال عن فرح التواب بتوبة عبده وعودته إىل ربه ‪ ،‬فمن حديث‬
‫َح‪#ِ #‬د ُك ْم بِ َ‬
‫ض‪# #‬الَِّتِه ِإ َذا‬ ‫أَيِب هريْرَة ‪ ‬مرفوعا ‪ ( :‬لَلَّه أَ َش‪ُّ # #‬د َفرحا بِتوب ‪#ِ #‬ة أ ِ ِ‬
‫َح‪##‬د ُك ْم م ْن أ َ‬
‫َ ً َْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َ‬
‫َو َج‪َ #‬دَها ) (‪ ، )1‬إن املذنب خمطئ يف جنب اهلل وعظم ال ذنب يق اس بعظم‬
‫من أخطأت يف حقه ‪ ،‬فلو قبل اهلل توبة املذنب فإن جمرد القبول فقط‬
‫ك رم ب الغ ومنة من اهلل على عب ده ‪ ،‬فما بالنا وهو يقبل توبة املذنب‬
‫بعفو جديد وفرح شديد وجيعل يف مقابل الذنوب بالتوبة أجرا كبريا ‪.‬‬
‫وي ذكر ابن القيم أن توبة العبد إىل ربه حمفوفة بتوبة من اهلل عليه قبلها وتوبة منه‬
‫بع دها ‪ ،‬فتوبته بني توب تني من اهلل س ابقة والحقة ‪ ،‬فإنه ت اب عليه أوال إذنا وتوفيقا‬
‫وإهلاما ‪ ،‬فت اب العبد فت اب اهلل عليه ثانيا قب وال وإثابة ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪َ  :‬و َعَلى الثالثَ ‪#ِ #‬ة‬
‫ض بِ َما َر ُحَب ْ‬ ‫ين ُخِّلُف‪##‬وا َحتَّى ِإ َذا َ‬ ‫ِ‬
‫ت َعَلْيِه ْم أَْنُف ُ‬
‫س‪ُ #‬ه ْم َوظَنُّوا أَن ال‬ ‫ض‪#‬اقَ ْ‬
‫ت َو َ‬ ‫ت َعَلْيِه ُم األَْر ُ‬
‫ض‪#‬اقَ ْ‬ ‫ال‪##‬ذ َ‬
‫اب ال ‪#َّ #‬ر ِح ُيم ‪[ ‬التوب ة‪، ]118 :‬‬ ‫ِ‬
‫‪#‬اب َعَلْيِه ْم لَيتُوبُ ‪##‬وا ِإن َ‬
‫اهلل ُه‪#َ #‬و التََّّو ُ‬
‫ِ‬ ‫مل ‪ِ ِ #‬‬
‫ْج‪ #‬أَ م َن اهلل ِإال ِإلَْي‪##‬ه ثُ َّم تَ ‪َ #‬‬
‫َ َ‬
‫ف أخرب س بحانه أن توبته عليهم س بقت ت وبتهم ‪ ،‬وأهنا هي اليت جعلتهم ت ائبني ‪،‬‬
‫فك انت س ببا ومقتضيا لت وبتهم ‪ ،‬ف دل على أهنم ما ت ابوا حىت ت اب اهلل عليهم ‪،‬‬
‫واحلكم ينتف النتفاء علته ‪ ،‬فالعبد تواب واهلل تواب ‪ ،‬فتوبة العبد رجوعه إىل سيده‬
‫بعد اإلباق ‪ ،‬وتوبة اهلل نوعان ‪ :‬إذن وتوفيق ‪ ،‬وقبول وإمداد (‪ ، )2‬قال ابن القيم ‪:‬‬
‫وكذلك التواب من أوصافه ‪ :‬والتوب في أوصافه نوعان‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪.‬‬ ‫إذن بتوبة عبده وقبولها ‪ :‬بعد المتاب بمنة المنان‬
‫قال أبو حامد ‪ ( :‬التواب هو الذي يرجع إليه تيسري أسباب التوبة لعباده مرة بعد‬
‫أخ رى مبا يظهر هلم من آياته ويس وق إليهم من تنبيهاته ويطلعهم عليه من ختويفاته‬
‫وحتذيراته ‪ ،‬حىت إذا اطلع وا بتعريفه على غوائل ال ذنوب استش عروا اخلوف بتخويفه‬
‫فرجعوا إىل التوبة فرجع إليهم ) (‪. )4‬‬
‫‪   -47‬الحكيم ‪:‬‬
‫فاع ٍل ‪ ،‬فعله حكم حيكم حكما‬ ‫احلكيم يف اللغة ص يغة مبالغة على وزن ِفعيل مبعىن ِ‬
‫وحكومة ‪ ،‬واحلكيم يأيت على عدة معان منها اإلحاطة واملنع ‪ ،‬فحكم الشيء يعين‬
‫منعه وس يطر عليه وأح اط به ‪ ،‬ومنها حكمة اللج ام وهي احلدي دة املانعة للدابة عن‬
‫اخلروج ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت ‪: t‬‬
‫‪1‬مسلم يف التوبة ‪ ،‬باب يف احلض على التوبة والفرح هبا ‪. )2675 ( 4/2102‬‬
‫‪2‬مدارج السالكني‪. 312 /1‬‬
‫‪3‬شرح قصيدة ابن القيم ‪. 2/231‬‬
‫‪4‬املقصد األسىن ص ‪. 139‬‬
‫(‪)61‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ونضرب حين تختلط الدماء (‪. )1‬‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫فنحكم بالقوافي من هجانا‬
‫أي مننع بالقوايف من هجانا وقول اآلخر ‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫إني أخاف عليكمو أن أغضبا‬ ‫‪:‬‬ ‫أبني حنيفة حكموا سفهاءكم‬
‫أي امنعوا سفهاءكم ‪ ،‬ويأيت احلكيم على معىن املدقق يف األمور املتقن هلا ‪ ،‬فاحلكيم‬
‫الص ناعات ويُتقنها ‪ ،‬ويق ال للرجل إِذا ك ان‬ ‫هو ال ذي حُيْ ِك ُم األَش ياء وحُيْ ِس ُن دق ائق ِّ‬
‫التجارب (‪. )3‬‬
‫ُ‬ ‫َح َك َمْته‬
‫حكيماً قد أ ْ‬
‫واحلكيم أيضا هو الذي حُيْ ِكم األمر ويقضي فيه ويفصل دقائقه ويبني أسبابه ونتائجه‬
‫اك ِم مثل قَ ِدير مبعىن ق ادر وعِل ٍيم مبعىن ع ا ٍمِل‬
‫‪ ،‬ف احل ِكيم جيوز أَن يك ون مبعىن ح ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫الرجل إِذا تناهى عما يضره يف دينه أَو ُدنْياه (‪. )4‬‬ ‫اسَت ْح َك َم ُ‬ ‫وْ‬
‫واحلكيم س بحانه هو املتصف حبكمة حقيقية عائ دة إليه وقائم ة به كس ائر ص فاته‬
‫واليت من أجلها خلق فسوى ‪ ،‬وق در فه دى ‪ ،‬وأسعد وأشقى ‪ ،‬وأضل وه دى ‪،‬‬
‫ومنع وأعطى ‪ ،‬فهو احملكم خللق األش ياء على مقتضى حكمته ‪ ،‬وهو الحكيم يف‬
‫كل ما فعله وخلقه ‪ ،‬حكمة تامة اقتضت ص دور ه ذا اخللق ‪ ،‬ونتج عنها ارتب اط‬
‫املعلول بعلته والسبب بنتيجته ‪ ،‬وتيسري كل خملوق لغايته ‪ ،‬وإذا كان اهلل عز وجل‬
‫يفعل ما يشاء وال يرد له قضاء ‪ ،‬ما شاء كان وما مل يشأ مل يكن ‪ ،‬إال أنه احلكيم‬
‫ال ذي يضع األشياء يف مواضعها ويعلم خواصها ومنافعها ويرتب أسباهبا ونتائجها‬
‫(‪. )5‬‬
‫ق ال ابن القيم ‪ ( :‬احلكيم من أمسائه احلسىن واحلكمة من ص فاته العلى ‪ ،‬والش ريعة‬
‫الص ادرة عن أم ره مبناها على احلكمة ‪ ،‬والرس ول املبع وث هبا مبع وث بالكت اب‬
‫واحلكمة ‪ ،‬واحلكمة هي س نة الرس ول وهي تتض من العلم ب احلق والعمل به واخلرب‬
‫عنه واألمر به فكل ه ذا يس مى حكمة ‪ ،‬ويف األثر احلكمة ض الة املؤمن ‪ ،‬ويف‬
‫احلديث إن من الش عر حكمة ‪ ،‬فكما ال خيرج مق دور عن علمه وقدرته ومش يئته‬
‫فهك ذا ال خيرج عن حكمته ومحده ‪ ،‬وهو حمم ود على مجيع ما يف الك ون من خري‬
‫وشر محدا استحقه لذاته وصدر عنه خلقه وأمره ‪ ،‬فمصدر ذلك كله عن احلكمة )‬

‫‪1‬اشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 62‬ولسان العرب ‪. 12/141‬‬


‫‪2‬السابق ص ‪ ، 61‬وطبقات الشافعية ‪. 358 /3‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪. 12/143‬‬
‫‪4‬مفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 248‬وكتاب العني ‪. 3/67‬‬
‫‪5‬االعتقاد واهلداية إىل سبيل الرشاد ص ‪. 60‬‬
‫(‪)62‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫(‪. )1‬‬
‫‪   -48‬الغني ‪:‬‬
‫ِ‬
‫واغتىَن فهو‬ ‫واس َت ْغىَن َ‬ ‫الغين يف اللغة ص فة مش بهة ملن اتصف ب الغىن فعله غيِن غ ًىن ْ‬
‫غيِنّ ‪ ،‬والغىن يف حقنا قلة االحتي اج وهو مقيد نسيب ‪ ،‬ويتحقق غالبا باألس باب‬
‫ؤمن عليها اإلنسان واستخلفه اهلل فيها كاألموال واألقوات اليت يدفع هبا‬ ‫اليت استُ ِ‬
‫س ‪ِ# #‬بيل َعَلى‬ ‫عن نفسه الحاج ات وخمتلف الض روريات ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ِ  :‬إنََّما ال َّ‬
‫(‪) 2‬‬

‫الَِّذ َين يَ ْسَتأِْذنُونَ َك َو ُه ْم أَ ْغِنَي ُاء ‪[ ‬التوبة‪. ]93 :‬‬


‫ف‬‫والغىن إن تعلق باملش يئة فهو وصف فعل كقوله تع اىل ‪َ  :‬وِإ ْن ِخْفتُ ْم َعْيَلة فَ َس ‪ْ#‬و َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْغِني ُكم اهلل ِمن فَ ْ ِِ‬
‫يم ‪[ ‬التوب ة‪ ، ]28 :‬وقوله ‪َ  :‬وأَنَُّه ُ‪#‬ه َ‪#‬و‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫ض ‪#‬له ِإ ْن َش ‪َ #‬اء ِإن َ‬
‫اهلل َعل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫َغنى َوأَقَْنى ‪[ ‬النجم‪ ، ]48 :‬وإن مل يتعلق باملش يئة فهو وصف ذات كقوله تع اىل‬ ‫أَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪[ ‬آل عمران‪ ، ]97 :‬وكقوله ‪  :‬يَا أَُّيَها الن ُ‬
‫َّاس‬ ‫‪َ  :‬وَم ْن َكَفَر فَِإ َّن َ‬
‫اهلل َغن ٌّي َع ِن الَْع‪#‬الَم َ‬
‫ْح ِمي ُد ‪[ ‬فاطر‪. ]15 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَْنتُ ُم اْلُفَقَر ُاء ِإلَى اهلل َواللَُّه ُهَو اْل َغن ُّي ال َ‬
‫والغين س بحانه ه و املس تغين عن اخللق بذاته وص فاته وس لطانه ‪ ،‬واخللق مجيعا‬
‫يء ‪ ،‬وك ُّل خمل وق مفتقر‬ ‫فق راء إىل إنعامه وإحس انه ‪ ،‬فال يفتقر إِىل أَح ٍد يف ش ٍ‬
‫غريه ‪ ،‬والغين أيضا هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إليه ‪ ،‬وهذا هو الغىن املُ ْطَل ِق ‪ ،‬وال يُشارك الل َه تعاىل فيه ُ‬
‫الذي يُغين من يشاءُ من عباده على قدر حكمته وابتالئه ‪ ،‬وأي غين سوى اهلل‬
‫فغناه نسيب مقيد ‪ ،‬أما غىن احلق سبحانه فهو كامل مطلق ‪ ،‬ومهما بلغ املخلوق‬
‫يف غناه فهو فقري إىل اهلل ألن اهلل هو املنفرد باخللق والتقدير وامللك والتدبري فهو‬
‫املالك لكل ش يء املتص رف مبش يئته يف خلقه أمجعني ‪ ،‬يعطي من يش اء ما يش اء‬
‫من فض له ‪ ،‬وقسم لكل خمل وق ما خيصه يف حياته ورزقه ‪ ،‬عط اؤه ال ميتنع ‪،‬‬
‫وم دده ال ينقطع ‪ ،‬وخزائنه مألى ال تنفد ‪ ،‬روى البخ اري من ح ديث أَبِي‬
‫‪#‬ار ‪،‬‬ ‫‪#‬ل َوالنََّه َ‬ ‫َّ‬ ‫اهلل َمألَى َال يَِغي ُ‬
‫ض‪َ #‬ها َنَفَقة َس‪َّ #‬حاء اللْي َ‬
‫هريْرَة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪ ( :‬ي‪ُ #‬د ِ‬
‫َ‬ ‫َُ َ‬
‫ات واألرض ‪ ،‬فَِإنَّه لَم يِغض ما في ي‪#‬د ِه عر ُش‪#‬ه عَلى الم ِ‬
‫‪#‬اء‬ ‫أرأْيتُم ما أَْنَف َ‪#‬ق مْنذ َخل َ‪#‬ق ال َّ ِ‬
‫َ َْ ُ َ َ‬ ‫س‪َ #‬مَو َ ْ َ (‪َ ْ َ ْ ُ)3‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬
‫ض َوَيْرفَ‪#ُ # #‬ع ) ‪ ،‬وعند مس لم من ح ديث أَبي ٍّ‬
‫ذر‬ ‫ِ‬
‫‪#‬يزان يَ ْخف ُ‬ ‫ِ‬
‫الم ‪َ #‬‬
‫األخ‪#َ #‬رى ‪#‬‬ ‫ِ‬
‫‪َ ،‬وبَِي‪#ِ # #‬ده ْ‪#‬‬
‫ِ‬
‫اهلل َتب ار َك وَتع اىل ‪ ( :‬يا ِعب‪ِ #‬‬
‫‪#‬ادي ل‪#ْ #‬و أَن‬ ‫َ َ‬ ‫الغف اري ‪ t‬أن النِبي ‪ S‬ق ال ف َيما َرَوى َع ِن َ َ َ َ‬
‫‪1‬طريق اهلجرتني ص ‪ ، 161‬وانظر أيضا الصواعق املرسلة ‪. 1565 /4‬‬
‫‪2‬انظر املعىن اللغوي يف كتاب العني ‪ . 7/450‬واملغرب ‪ ، 2/115‬لسان العرب ‪. 15/135‬‬
‫‪3‬البخ اري يف التوحيد ‪ ،‬ب اب ق ول اهلل تع اىل ملا خلقت بي دي ‪ ، )6976 ( 2697 /6‬ب اب معىن ال‬
‫يغيضها أي ال ينقصها نفقة ‪ ،‬ومعىن سحاء أي كثرة السح والعطاء وهو إنزال اخلري املتواصل ‪ ،‬انظر فتح‬
‫الباري ‪. 395 /13‬‬
‫(‪)63‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ت كل ِإنْس‪ٍ # #‬‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫طي‬
‫ْ‬ ‫يد َو ِاحد ف َس‪# #‬ألونِي فأ ْع‬ ‫آخ‪ #‬ركم وِإنْس‪# #‬كم و ِجنَّكم ق‪# #‬اموا ِفي ص‪ِ # #‬ع ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫لكم َو ِ‪#‬‬‫أََّو ْ‬
‫َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الب ْح َ‪#‬ر ‪ ،‬يَا عَب‪#‬ادي إنَما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قص الم ْخَيط إذا أخل َ‬ ‫كما َيْن ُ‬
‫‪#‬ك م َّما عْن‪#‬دي إال َ‬‫قص ذل َ‬ ‫ألت ُه َما نَ َ‬
‫َم ْس‪َ #‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ‪َ ،‬وَم ْن َو َ‪#‬ج َد‬
‫فم ْن َو َج َد َخْيًرا فَ َلي ْح َمد َ‬
‫فيكم إيَّ َاها ‪َ ،‬‬
‫لكم ‪ ،‬تم (‪1‬أو) ْ‬‫ُحص َيها ْ‬ ‫هي أَ ْع َم ْ‬
‫الكم أ ْ‬
‫وم َّن ِإال نَف َس ُه ) ‪.‬‬
‫ك فال يَل َ‬ ‫َغْيَر َذلِ َ‬
‫ف الغين على س بيل اإلطالق والقي ام ب النفس هو اهلل وليس ذلك ألحد س واه ‪ ،‬فهو‬
‫الغني بذاته عن الع املني ‪ ،‬املستغني عن اخلالئق أمجعني ‪ ،‬واتص اف غري اهلل ب الغىن ال‬
‫مينع كون احلق متوحدا يف غناه ‪ ،‬ألن الغىن يف حق غريه مقيد ويف حق اهلل مطلق ‪،‬‬
‫وهذا واضح معلوم وذلك مضطرد يف مجيع أوصافه باللزوم (‪. )2‬‬
‫‪   -49‬الكريم ‪:‬‬
‫الك رمي ص فة مش بهة للموص وف ب الكرم ‪ ،‬والك َرم نقيض الل ؤم يك ون يف الرجل‬
‫واإلبل والش جر وغريها ‪ ،‬ك ُرَم‬ ‫بنفسه وإِن مل يكن له آب اء ‪ ،‬ويس تعمل يف اخليل ِ‬
‫كرم اء ‪ ،‬والك رمي هو الش يء‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كرما و َكَرامة فهو َك رمي وكرمية ومجع ال َك رمي َ‬‫الرجل َ‬
‫احلسن النفيس الواسع السخي ‪ ،‬والف رق بني الك رمي والسخي أن الك رمي هو كثري‬
‫اإلحس ان ب دون طلب والسخي هو املعطى عند الس ؤال ‪ ،‬والك رم الس عة والعظمة‬
‫والش رف والع زة والسخاء عند العط اء (‪ ، )3‬وعند الرتم ذي وص ححه األلب اين من‬
‫اجُر ِخ ٌّ‬
‫ب لَِئ ٌيم )‬ ‫ول الله ‪ S‬قال ‪ ( :‬الْمْؤِمن ِغر َك ِريم واْلَف ِ‬
‫(‪) 4‬‬
‫ُ ُ ّ ٌَ‬ ‫حديث أيب هريرة ‪ t‬أن َر ُس ُ‬
‫‪.‬‬
‫واهلل سبحانه هو الكرمي الواسع يف ذاته وصفاته وأفعاله ‪ ،‬من سعته وسع كرسيه‬
‫س ‪# #‬ماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودُه‬
‫ض َوال َي‪#ُ # #‬ؤ ُ‬
‫ات َواألَْر َ‬ ‫الس ماوات واألرض ‪ ،‬كما ق ال ‪َ  :‬وس ‪َ # #‬ع ُكْرس ‪# #‬يُُّه ال َّ َ َ‬
‫يم ‪[ ‬البقرة‪ ، ]255 :‬ووصف عرشه بالكرم فقال ‪َ  :‬فَتَعالَى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حْفظُُه َما َو ُهَو الَْعل ُّي الَْعظ ُ‬
‫ْح ُّ‪#‬ق ال ِإلَ َ‪#‬ه ِإال ُه َ‪#‬و َر ُّب الَْع ْ‪#‬ر ِش اْل َ‪#‬ك ِر ِيم ‪[ ‬املؤمنون‪ ، ]116 :‬وهو الكرمي له‬ ‫‪#‬ك ال َ‬ ‫اهلل ال َْمِل ُ‬
‫ب‬‫مسي له كما ق ال ‪َ  :‬ر ُّ‬ ‫المجد والع زة والرفعة والعظمة والعلو والكم ال فال َّ‬
‫ض َوَما َبْيَنُه َما فَا ْعبُ ْ‪#‬دُه َوا ْص‪#‬طَِبْر لِِعَب َادتِ ِ‪#‬ه َه ْ‪#‬ل َتْعَل ُم َل ُ‪#‬ه َس‪ِ #‬مّياً ‪[ ‬مرمي‪، ]65 :‬‬‫ات َواألَْر ِ‬ ‫س‪#‬ماو ِ‬
‫ال َّ َ َ‬
‫وهو الذي كرم اإلنسان ملا محل األمانة وشرفه واستخلفه يف أرضه وأستأمنه يف‬

‫‪1‬مسلم يف الرب والصلة واألدب ‪ ،‬باب حترمي الظلم ‪. )2577 ( 4/1994‬‬


‫‪2‬انظر يف معىن الغين تفسري الطربي ‪ ، 3/58‬وتفسري أمساء اهلل ص ‪ ، 63‬واملقصد األسىن ص ‪. 91‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 12/510‬واملفردات ص ‪.707‬‬
‫‪4‬الرتمذي يف الرب والصلة ‪ ،‬باب ما جاء يف البخيل ‪ ، )1964 ( 4/344‬وانظر حكم األلباين على احلديث يف‬
‫األدب املف رد حديث رقم ( ‪ ، )418‬ومعىن غر ك رمي أي ليس بذي مكر فهو ينخدع النقي اده ولينه وهو‬
‫ضد اخلب هو املخادع الذي يسعى بني الناس بالفساد ‪ ،‬انظر عون املعبود ‪. 13/102‬‬
‫(‪)64‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪#‬اه ْم ِفي‬ ‫ملكه وفض له على ِكثري منِ خلقه كما ق ال ِ ‪َ ِ :‬ولََق‪#ْ #‬د َكَّرْمَنا ِبَِني َ‬
‫آدَم َو َح َملَْن ‪ُ #‬‬
‫ضلَْن ُاه ْم َعَلى َكثي ٍر م َّم ْن َخَلْقَنا َتْفضي ًال ‪[ ‬اإلسراء‪، ]70 :‬‬‫الَْبِّر َوالَْب ْح ِر َوَرَزقَْن ُاه ْم م َن الطَِّّيَبات َوفَ َّ‬
‫وهو الذي بشر عباده املؤمنني باألجر الكرمي الواسع ‪ ،‬واملغفرة الواسعة ‪ ،‬والرزق‬
‫ِ‬ ‫ك هم الْمْؤِمنو َن حقا لَهم َدرج ٌ ِ‬‫ِ‬
‫ات عْن‪َ #‬د َربِِّه ْم َوَم ْغف َ‪#‬رٌة َوِرْز ٌق َ‪#‬ك ِر ٌ‬
‫يم‬ ‫الواسع قال تعاىل ‪  :‬أُولَئ َ ُ ُ ُ ُ َ ُ ْ َ َ‬
‫‪[ ‬األنفال‪ ، ]4:‬وهو اجلواد املعطي الذي ال ينفد عطاؤه وال ينقطع سحاؤه ‪ ،‬الذي‬
‫يعطي ما يشاء ملن يشاء وكيف يشاء بسؤال وغير س ؤال ‪ ،‬وهو الذي ال مين إذا‬
‫أعطى فيك در العطية ب املن ‪ ،‬وهو س بحانه يعفو عن ال ذنوب ويسرت العي وب‬
‫ويجازي املؤمنني بفضله وجيازي املعرضني بعدله (‪. )1‬‬
‫‪   -50‬األحد ‪:‬‬
‫أحد‬
‫األحد يف اللغة اسم فاعل أو ص فة مش بهة للموص وف باألحدية ‪ ،‬فعله َّ‬
‫يأحد تأحيدا وتوحيدا ‪ ،‬أي حقق الوحدانية ملن وحده ‪ ،‬وهو اسم بين لنفى ما‬
‫ي ذكر معه من الع دد ‪ ،‬تق ول ما ج اء يب أحد ‪ ،‬واهلم زة فيه ب دل من ال واو ‪،‬‬
‫وأص له وحد ألنه من الوح دة ‪ ،‬والف رق اللغ وي بني الواحد واألحد أن األحد‬
‫ش يء بين لنفي ما ي ذكر معه من الع دد ‪ ،‬والواحد اسم ملفتتح الع دد ‪ ،‬وأحد‬
‫يصلح يف الكالم يف موضع اجلحود والنفي ‪ ،‬وواحد يصلح يف موضع اإلثبات ‪،‬‬
‫يقال ما أتاين منهم أحد فمعناه ال واحد أتاين وال اثنان ‪ ،‬وإذا قلت جاءين منهم‬
‫واحد فمعن اه أنه مل ي أتين منهم اثن ان ‪ ،‬فه ذا حد األحد ما مل يضف ‪ ،‬ف إذا‬
‫أضيف قرب من معىن الواحد ‪ ،‬وذلك أنك تقول ‪ :‬قال أحد الثالثة كذا وكذا‬
‫‪ ،‬وأنت تريد واحدا من الثالثة (‪. )2‬‬
‫واألحد س بحانه وتع اىل هو املنف رد بذاته ووص فه املب اين لغ ريه ‪ ،‬كما ق ال تع اىل يف‬
‫معىن األحدية ‪َ  :‬ول َْم يَ ُك ْن لَ‪#ُ # #‬ه ُكُف‪## #‬واً أ ََحد ‪[ ‬اإلخالص‪ ، ]4:‬فاألحدية هي االنف راد‬
‫ونفي املثلية ‪ ،‬وتعين انف راده س بحانه بذاته وص فاته وأفعاله عن األقيسة‬
‫والقواعد والق وانني اليت حتكم ذوات املخل وقني وص فاهتم وأفع اهلم ‪ ،‬كما‬
‫س َك ِمْثِل‪#ِ #‬ه َش ‪ْ #‬يٌء َو ُ‪#‬ه َ‪#‬و ال َّس ‪ِ #‬م ُيع َالب ِص ‪ُ #‬ير ‪[ ‬الش ورى‪ ، ]11 :‬ف بني‬
‫ق ال تع اىل ‪  :‬لَْي َ‬
‫س بحانه انف راده عن كل ش يء من أوص اف املخل وقني جبميع ما ثبت له‬
‫من أوصاف الكمال ‪ ،‬فاألحد هو املنفرد الذي ال مثيل له فنحكم على‬
‫كيفية أوص افه من خالله ‪ ،‬وال يس توي مع س ائر اخللق فيس ري عليه‬
‫‪1‬انظر تفسري الطربي ‪ ، 19/104‬واملفردات ص ‪ ، 707‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 73‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 1/227‬النهاية يف غريب احلديث ‪ ، 1/27‬واملفردات ص ‪. 66‬‬
‫(‪)65‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ق انون أو قي اس أو قواعد حتكمه كما حتكمهم ‪ ،‬ألنه املتصف بالتوحيد‬
‫املنفرد عن أحكام العبيد وقال تعاىل ‪َ  :‬ه ْل َتْعَل ُم ل َُه َس ِمّياً ‪[ ‬مرمي‪ ، ]65 :‬أي‬
‫ش بيها من اظرا يدانيه أو يس اويه أو ي رقى إىل مسو ذاته وص فاته وأفعاله‬
‫(‪. )1‬‬
‫وليس األحد هو اجملرد عن الص فات أو ال ذي ال ينقسم كما فس ره بعض املتكلمني‬
‫ألن ذلك تأويل ال حيتمله اللفظ يف أصل وض عه أو كما ج رت به ع ادة اخلط اب‬
‫بني الع رب فهو أق رب إىل التحريف من كونه ت أويال (‪ ، )2‬ألنه ال م دح يف نفي‬
‫الصفات عن اهلل تفصيال ‪ ،‬وال مدح يف النفي إن مل يتضمن كماال ‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫طريقة الكتاب والسنة في إثبات الصفات هي النفي اجململ واإلثبات املفصل بعكس‬
‫طريقة املت أخرين من املتكلمني ‪ ،‬فاهلل عز وجل نفى عن نفسه كل ص فات النقص‬
‫س َك ِمْثِلِه َش ْيء ‪[ ‬الشورى‪ ، ]11 :‬وقال ‪َ  :‬و ْلم يَ ُك ْن ل ُ‪#‬ه ُكُف ً‪#‬وا أ َ‪#‬‬
‫َح ٌد‬ ‫إمجاال فقال ‪ْ  :‬لي َ‬
‫الذي ال‬ ‫‪[ ‬اإلخالص‪ ، ]4 :‬وأثبت لنفسه صفات الكمال تفصيال ‪ ،‬فقال ‪  :‬هو اهلل ِ‬
‫َُ ُ‬
‫الم ْ‪#‬ؤِمن المَهْي ِمن الع ِزي‪##‬ز الجبَّار المَت َكِّبر س ‪ْ#‬بحا َن ِ‬ ‫المِل‪ُ #‬‬
‫اهلل َع َّما‬ ‫الم ُ‪َ ُ ُ ُ ُ َ ُ َ ُ ُ ُ #‬‬ ‫س‪ُ #‬‬
‫ُّوس ال َّ‬
‫‪#‬ك الُق‪##‬د ُ‬ ‫ِإل‪#َ #‬ه ِإال ُ‪#‬ه َ‪#‬و َ‬
‫يُ ْش‪ِ # # #‬ر ُكو َن ‪[ ‬الحشر‪ ، ]22/24 :‬وغري ذلك من اآلي ات اليت ع دد اهلل فيها أمساءه‬
‫وأوص افه مثبتا هلا ولكماهلا ومفصال يف ذلك ‪ ،‬أما املتكلم ون ف إهنم جيمل ون يف‬
‫اإلثبات ويفصلون يف النفي ‪ ،‬حيث أثبت بعضهم أمساء اهلل مفرغة من األوصاف ‪،‬‬
‫وبعض هم أثبت س بع ص فات فقط ون ازع يف بقيتها ‪ ،‬وأما التفص يل يف النفي ال ذي‬
‫ي ربرون به معىن األحدية فكق وهلم ليس جبسم وال ش بح وال ص ورة ‪ ،‬وال حلم وال‬
‫دم وال عظم ‪ ،‬وال ب ذي ل ون وال طعم وال رائحة ‪ ،‬وال ب ذي ح رارة وال رطوبة‬
‫وال يبوسة ‪ ،‬وال ط ول وال ع رض وال عمق وال ش خص وال ج وهر وال ع رض ‪،‬‬
‫وال يتحرك وال يسكن وال ينقص وال يزداد ‪ ..‬إىل غري ذلك من أنواع النفي الذي‬
‫ميأل صفحات متعددة ‪.‬‬
‫وه ذه طريقة س قيمة يف إثب ات التف رد واألحدية تن اىف الفط رة وتبعث على االمشئزاز‬
‫فهي متاثل ق ول القائل يف م دح ما متيز به األمري ‪ :‬لست بزب ال وال كن اس وال محار‬
‫وال نسناس ‪ ،‬ولست حقريا وال فقريا وال غبيا وال ضريرا ‪ ،‬وكان يغىن عن ذلك‬
‫أن جيمل يف النفي ويقول ‪ :‬ليس لك نظري فيما رأت عيناي ‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم أن النفي الذي يثبت معىن األحدية ليس فيه مدح وال كمال إال‬
‫‪1‬انظر املزيد يف خمتصر القواعد السلفية يف الصفات الربانية للدكتور حممود عبد الرازق الرضواين ص ‪. 9‬‬
‫‪2‬انظر يف أنواع التأويالت الباطلة مقدمة يف أصول التفسري البن تيمية ص ‪ 43‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(‪)66‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫إذا تض من وص فا وإثباتا ‪ ،‬فنفى الس نة والن وم عن اهلل يتض من األحدية يف كم ال‬
‫الحياة والقيومية ‪ ،‬ونفى الظلم يتضمن كمال العدل ‪ ،‬وهكذا يف سائر ما نفى اهلل‬
‫عن نفسه من أوصاف النقص ‪ ،‬وكل نفى ال يستلزم ثبوتا مل يصف اهلل به نفسه ‪،‬‬
‫أما الذي يقول عن اهلل ‪ :‬ليس جبسم فهل يعىن أنه عرض ؟ ‪ ،‬فيقول ‪ :‬وليس عرضا‬
‫‪ ،‬فم اذا يك ون إذا ؟ هل يك ون ش بحا ؟ يق ول ‪ :‬وال ش بحا ‪ ،‬ف إن س ئل هل هو‬
‫داخل العامل ؟ فيقول ‪ :‬وال داخل العامل ‪ ،‬فخارجه إذاً ؟ يقول ‪ :‬وال خارجه ‪ ،‬وال‬
‫وال وال ‪ ..‬إىل غري ذلك من سفس طة الق ول ومه اترات النفي ‪ ،‬ينفي الص فات من‬
‫غري إثب ات ‪ ،‬ويظن أن ذلك معىن اسم اهلل األحد ‪ ،‬وه ذا ليس فيه ص فة م دح وال‬
‫أحدية ‪ ،‬بل هو ذم مبا يشبه املدح تعاىل اهلل عن ذلك علوا كبريا (‪. )1‬‬
‫‪   -51‬الصمد ‪:‬‬
‫ص ْمدا‬ ‫الص مد يف اللغة ص فة مش بهة للموص وف بالص مدية ‪ ،‬فعله ص م َد ي ِ‬
‫ص م ُد َ‬‫َ َْ‬
‫الس ِّي ُد املط اع ال ذي ال يُقضى َدونه أَمر ‪ ،‬ومنها‬‫وهو ي أيت على ع دة مع ان ‪ :‬منها َّ‬
‫الذي يطعم وال يطعم ‪ ،‬ومنها الص مد ُِّ‬
‫ؤدد يف كل شيء‬ ‫السيد الذي ينتهي إِليه ُّ‬
‫الس َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫فله الص مدية املطلقة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الص مد ال دائم الب اقي بعد فن اء َخلقه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو‬
‫قض ى دونه وليس فوقه أَحد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الص مد ال ذي‬ ‫ال ذي يُص َمد إِليه األَمر فال يُ َ‬
‫ص َم َد إِليه كل شيء أي الذي َخلق األَشياء كلها ال يَ ْسَتغين عنه شيء ‪ ،‬وكلها تدل‬ ‫َ‬
‫على وحدانية اهلل (‪. )2‬‬
‫الص َم َد ‪ ،‬قال‬
‫سمي أشرافَها َّ‬ ‫ب تُ ِّ‬‫والعَ(ر‪ُ)3‬‬ ‫وقال ِالبخاري ‪ ( :‬باب قولِِه اهلل ا َّ‬
‫لص َم ُد ‪َ ،‬‬
‫ؤد ُده ) ‪ ،‬وق ال ابن تيمية ‪ ( :‬واالسم‬ ‫أبو وائل ‪ :‬هو الس ّي ُد ال ذي انتهى ُس َ‬
‫الص مد فيه للس لف أق وال متع ددة قد يظن أهنا خمتلفة وليست ك ذلك بل كلها‬
‫ص واب ‪ ،‬واملش هور منها ق والن ‪ :‬أح دمها أن الص مد هو ال ذي ال ج وف له ‪،‬‬
‫والثاين أنه السيد الذي يصمد إليه يف احلوائج ) (‪. )4‬‬
‫وقال ابن اجلوزي ‪ ( :‬ويف الصمد أربعة أقوال ‪ :‬أحدها أنه السيد الذي يصمد‬
‫إليه يف احلوائج ‪ ..‬والث اين ‪ :‬أنه ال ج وف له ‪ ..‬والث الث ‪ :‬أنه ال دائم ‪ ،‬والرابع ‪:‬‬
‫الباقي بعد فناء اخللق ‪..‬وأصح الوجوه األول ألن االشتقاق يشهد له ‪ ،‬فإن أصل‬

‫‪1‬زاد املسري ‪ ، 9/268‬األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 29‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪. 57‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 3/259‬النهاية يف غريب احلديث ‪. 3/52‬‬
‫‪3‬البخاري ‪ :‬كتاب التفسري ‪ ،‬باب وامرأته محالة احلطب ‪. 4/1903‬‬
‫‪4‬بيان تلبيس اجلهمية ‪. 1/511‬‬
‫(‪)67‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫أي) اقصد فالن ‪ ،‬فالصمد السيد الذي يصمد‬
‫(‪1‬‬
‫الصمد القصد يقال ‪ :‬اصمد فالن‬
‫إليه يف األمور ويقصد يف احلوائج ) ‪.‬‬
‫وخالصة املعاين يف الصمدية أن الصمد هو السيد الذي له الكمال املطلق يف كل‬
‫ش يء ‪ ،‬وهو املس تغني عن كل ش يء ‪ ،‬وكل من س واه مفتقر إليه يص مد إليه‬
‫ويعتمد عليه ‪ ،‬وهو الكامل يف مجيع ص فاته وأفعاله ‪ ،‬ال نقص فيه بوجه من‬
‫الوج وه ‪ ،‬وليس فوقه أحد يف كماله ‪ ،‬وهو ال ذي يص مد إليه الن اس يف‬
‫ح وائجهم وس ائر أم ورهم ف األمور أص مدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه ال يقض ي‬
‫فيها غريه ‪ ،‬وهو املقصود إليه يف الرغائب واملستغاث به عند املصائب الذي يطعم‬
‫طعم ومل يلد ومل يولد (‪. )2‬‬ ‫وال يَ َ‬
‫‪   -52‬القريب ‪:‬‬
‫ب يف اللغة‬ ‫القريب يف اللغة فعيل مبعىن اسم الفاع ل يدل على صفة القرب ‪ ،‬والُق ْر ُ‬
‫قريب ‪ ،‬والقرب يف اللغة‬ ‫وقربانا أَي َدنا فهو ٌ‬ ‫ب ْقربا ْ‬ ‫قر ُ‬
‫ب الشيء يَ ُ‬ ‫نقيض ُالبعْ د ‪ُ ،‬قر َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫س فَال َيْقَربُ‪#‬وا‬ ‫على أنواع ‪ ،‬منه قرب املكان كقوله تعاىل ‪  :‬إنََّما ال ُْم ْش‪ِ #‬ركو َن نَ َج ٌ‬
‫‪#‬ذا ‪[ ‬التوبة‪ ، ]28 :‬وقرب الزمان حنو قوله ‪ :‬‬ ‫ْح َ‪#‬ر َام َبْع َ‪#‬د َع ِ‪#‬امِه ْم َه َ‬ ‫ِ‬
‫الَْم ْس‪#‬ج َد ال َ‬
‫وع‪ُ #‬دو َن ‪[ ‬األنبي اء‪ ]109 :‬وقد يكون القرب يف‬ ‫يب أَْم بَِعي‪ٌ #‬د َما تُ َ‬ ‫َوِإ ْن أَ ْدِري َأقَ‪ِ #‬ر ٌ‬
‫ص‪#‬يب ِم َّما َت‪#‬ر َك الْوالِ‪َ #‬د ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َواألقَْربُ‪#‬و َن ‪[ ‬النساء‪]7 :‬‬ ‫َ َ‬ ‫النسب نحو قوله ‪  :‬ل ِّلر َج ِال نَ ٌ‬
‫‪ ،‬وك ذلك من مع اين الق رب ق رب احلظ وة واملنزلة حنو قوله ‪  :‬فَأََّما ِإ ْن‬
‫َكا َن ِم ْن ال ُْمَقَّربِين َفَرْو ٌح َوَرْي َحا ٌن َو َجَّنُة نَِع ٍيم ‪[ ‬الواقعة‪. )3( ]88/89 :‬‬
‫والقريب سبحانه هو الذي يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء ‪ ،‬وهو القريب‬
‫ب ِإلَْي‪#ِ #‬ه ِم ْن‬
‫من فوق عرشه أقرب إىل عباده من حبل الوريد كما قال ‪َ  :‬ونَ ْح ُن أَ ْ‪#‬ق َ‪#‬ر ُ‬
‫َك ْن ال‬ ‫حب‪#ِ #‬ل الْوِري ‪#ِ #‬د ‪[ ‬ق‪ ، ]16:‬وق ال س بحانه أيضا ‪  :‬ونَحن أَ ْق‪##‬رب ِإلَي‪#ِ #‬ه ِمْن ُكم ول ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ُْ َ ُ ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ُتْب ِص‪ُ#‬رو َن ‪[ ‬الواقعة‪ ، ]85 :‬والقرب يف اآليتني إما أن يكون على حقيقته باعتبار ما‬
‫ورد عن ابن عباس ‪ t‬حيث قال ‪ ( :‬ما الس‪#‬موات الس‪#‬بع واألرض‪#‬ون الس‪#‬بع في يد اهلل‬
‫إال كخردلة في يد أح ‪##‬دكم ) (‪ ، )4‬وروى ابن حب ان وص ححه األلب اين من ح ديث‬
‫أيب ذر ‪ t‬أن النيب ‪ S‬قال ‪ ( :‬ما الس‪#‬ماوات الس‪#‬بع في الكرسي إال كحلقة ب‪#‬أرض فالة ‪،‬‬
‫‪1‬زاد املسري ‪. 9/268‬‬
‫‪2‬األمساء والص فات لل بيهقي ص ‪ ، 78‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزج اج ص ‪ ، 57‬واملقصد األسىن ص‬
‫‪.199‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 1/662‬واملفردات ص ‪ ، 663‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪.146‬‬
‫‪4‬تفسري ابن كثري ‪. 3/296‬‬
‫(‪)68‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وفضل الع ‪## #‬رش على الكرسي كفضل تلك الفالة على تلك الحلقة ) (‪ ، )1‬فه ذا ق رب‬
‫مطلق بالنسبة هلل عز وجل ألنه ق ريب غري مالصق ‪ ،‬واملخلوق ات كلها بالنسبة إليه‬
‫تتقارب من صغرها إىل عظمة ذاته وصفاته ‪ ،‬وهو بعيد غري منقطع بالنسبة ملقاييسنا‬
‫‪ ،‬فال يقدر أحد على إحاطة بعد ما بني العرش واألرض من سعته وامتداده ‪ ،‬قال‬
‫ابن من ده يف وصف ق رب اهلل ‪ ( :‬لقربه كأنك ت راه ق ريب غري مالصق وبعيد غري‬
‫منقطع ‪ ،‬وهو يسمع ويرى وهو باملنظر األعلى وعلى العرش استوى ) (‪. )2‬‬
‫وقد يك ون الق رب ق رب املالئكة ألنه ذكر يف س ياق اآلية قرينة ت دل على ق رب‬
‫املالئكة حيث ق ال ‪  :‬ونَحن أَْ‪#‬ق‪##‬رب ِإلَي‪#ِ # #‬ه ِمن حب‪#ِ # #‬ل الْوِري‪#ِ # #‬د ِإ ْذ يَتَلَّقى الْمَتَلقي‪ِ # #‬‬
‫‪#‬ان َع ِن الَْيِم ِ‬
‫ين َو َع ِن‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ ْ ْ َْ َ‬
‫الشَم ِال قَِعي ٌد ‪[ ‬ق‪ ، ]16/17 :‬فيجوز هنا أن يكون القرب قرب امللكني ‪ ،‬وأما القرب‬ ‫ِّ‬
‫الوارد يف آية الواقعة فهو مقيد حبال االحتضار ألن الذي حيضر وقتها املالئكة ‪ ،‬كما‬
‫قال سبحانه ‪َ  :‬حتَّى ِإ َذا َج َاء أ ََح َد ُك ُم الَْمْو ُت َتَوَّفْتُه ُر ُسلَُنا ‪[ ‬األنعام‪ ، ]61 :‬كما أن قوله‬
‫وأنتم ال تبصرون فيه دليل على أهنم املالئكة ‪ ،‬إذ يدل على أن هذا القريب يف نفس‬
‫املك ان ولكن ال نبص ره (‪ ، )3‬فاهلل عز وجل ق ريب من ف وق عرشه ‪ ،‬عليم بالس رائر‬
‫يعلم م ا تكنه الضمائر ‪ ،‬وهو قريب بالعلم والقدرة يف عامة اخلالئق أمجعني‬
‫‪ ،‬وقريب باللطف والنصرة وهذا خ اص باملؤمنني ‪ ،‬من تقرب منه شربا تقرب‬
‫منه زراعا ‪ ،‬ومن تق رب منه زراعا تق رب منه باعا ‪ ،‬وهو أق رب إىل العبد من عنق‬
‫راحلته (‪ ، )4‬وهو أيضا ق ريب من عب ده بق رب مبالئكته ال ذين يطلع ون على س ره‬
‫ويصلون إىل مكنون قلبه (‪. )5‬‬
‫‪   -53‬المجيب ‪:‬‬
‫تجابة‪، )6‬‬
‫(‬
‫اجمليب يف اللغة اسم فاعل ‪ ،‬فعله أج اب جييب جوابا وإجابة واس‬
‫واإلجابة ص دى الكالم أو ترديده ‪ ،‬أو احملاورة يف الكالم ورد الس ؤال ‪،‬‬

‫‪1‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ‪ ، )361 ( 2/77‬قال األلباين ‪ :‬ال يصح يف صفة الكرسي غري هذا احلديث‬
‫‪ ،‬انظر السلسلة الصحيحة ‪. )109 ( 1/223‬‬
‫‪2‬خمتصر العلو ص ‪. 264‬‬
‫‪3‬جمموع الفتاوى ‪ ، 19 /6 ، 5/502‬والقواعد املثلى لابن عثيمني ص ‪. 65‬‬
‫نْدِ ظَ ِّن عب دي ِبِي ‪َ ،‬وأَنَا َمَع ُه ِإَذا‬
‫ٍ‬ ‫ولِ َّاللُهِ َتَع اىَلٍ أَنَا ِع َ‬
‫مرفوعا ‪َ ( :‬يُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫عند البخ ِاري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪4‬انظر ح ديث أيب هري رة ‪t‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َذ َكَرنِي ‪ ،‬فَِإ ْن َذ َكَِرنِي في َنْفسه َذ َكْرتُ ُه فيِ َنْفسي ‪َ ،‬وإ ْن َِذ َكَرني في َمأل ِ َذ َكْرتُُِه في َمأل خَرْي مْنُه ْم ‪َ ،‬وإ ْن َتَقَّر َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اعا ‪َ ،‬وِإ ْن أَتَاني مَيْشى أََتْيُت ُه َهْرَولَ ًة ) ‪ ،‬وحديث أَىِب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِإلَيْه بَ ً‬‫ب ِِإىَلَّ ذَر ًاعا َتَقَّرْب ُ‬ ‫ِإىَلَّ بِشرْبٍ َتَقَّرْب ُ‬
‫ت ِإلَْيه ذَر ًاعا ‪َ ،‬وِإ ْن َتَقَّر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َحد ُك ْم ) ‪.‬‬
‫َحد ُك ْم م ْن ُعُنق َراحَلة أ َ‬ ‫ب إىَل أ َ‬ ‫وسى ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قَ َال ‪َ ( :‬والذي تَ ْد ُعونَُه أَْقَر ُ‬ ‫ُم َ‬
‫‪5‬انظر طريق اهلجرتني ص ‪ ، 44‬واجتماع اجليوش اإلسالمية ص ‪ ، 68‬وجامع البيان ‪.2/92‬‬
‫‪6‬لسان العرب ‪. 1/283‬‬
‫(‪)69‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ت ِعْ‪#‬ق ِ‪#‬دي‬
‫ش َة رضي اهلل ِعنها أهنا قالت ‪َ ( :‬وَ(و‪#َ1‬ج) ْ‪#‬د ُ‬ ‫َ‬ ‫وعند البخاري من حديث عائِ‬
‫ِ‬ ‫ِ َ‬
‫يب ) ‪ ،‬واإلجابة‬ ‫س بَِها مْنُه ْم َد ٍ‬
‫اع َو َال ُمج ٌ‬ ‫َ‬ ‫َي‬
‫ْ‬‫ل‬‫و‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َه‬
‫ُ‬ ‫ل‬‫ز‬‫ت َمَن‪## #‬ا ِ‬
‫ش فَجْئ ُ‬
‫ْجْي ُ‬
‫َبْع‪َ # #‬د َما ا ْس ‪َ# #‬ت َمَّر ال َ‬
‫ك ذلك إجابة احملت اج بالعطية والن وال ‪ ،‬وإعط اء الفقري عند الس ؤال ‪ ،‬فللمجيب‬
‫معنيان إجابة السائل بالعلم ‪ ،‬وإجابة النائل باملال (‪. )2‬‬
‫والعط اء ‪ ،‬وهو اجمليب‬ ‫ؤال وال دُّعاء ب الَقبُول َ‬ ‫وامل ِجيب س بحانه هو ال ذي يُقابِل الس َ‬
‫ال ُذي جييب املض طر إذا دع اه ويغيث املله وف إذا ن اداه ‪ ،‬ويكشف الس وء عن‬
‫عب اده ويرفع البالء عن أحبائه ‪ ،‬وكل اخلالئق مفتق رة إليه ‪ ،‬وال ق وام حلياهتا إال‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عليه ‪ ،‬ال ملجأ هلا منه إال إليه ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬يَ ْس‪# #‬أَل ُُه َم ْن ِفي ال َّ‬
‫س‪# #‬ماو ِ‬
‫ات َواألَْر ِ‬
‫(‪) 3‬‬
‫ُك َّل َيْوٍم ُهَو ِفي َشأ ٍْن ‪[ ‬الرمحن‪ ، ]29 :‬فجميع اخلالئق تصمد إليه وتعتمد عليه‬
‫‪ ،‬وشرط إجابة الدعاء صدق اإلميان والوالء ‪ ،‬فاهلل حكيم يف إجابته ‪ ،‬قد يعجل‬
‫أو يؤجل على حسب السائل والسؤال ‪ ،‬أو يلطف بعبده باختياره األفضل لواقع‬
‫احلال ‪ ،‬أو ي دخر له ما ينفعه عند املصري واملآل ‪ ،‬لكن اهلل تع اىل جييب عب ده‬
‫حتما وال خييب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلني ‪:‬‬
‫‪#‬ان فَ َلي ْس‪َ# #‬ت ِجيبُوا لِي‬ ‫َّاع ِإ َذا َد َع ‪ِ #‬‬ ‫يب أ ُِج‬ ‫‪#‬ادي َعنِّي فَ ‪ِ##‬إنِّي قَ ‪ِ ##‬ر‬‫َك ِعب‪ِ ##‬‬
‫ِ‬
‫يب َد ْع ‪#َ #‬وَة ال ‪##‬د ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫‪َِ ‬وِإ َذا َس ‪##‬أَل َ َ‬
‫ِ‬ ‫َولُْيْؤمنُ‪#‬وا بِي لََعلَُّه ْم َيْر ُش‪ُ #‬دو َن ‪[ ‬البقرة‪ ، ]186 :‬وقال ‪َ  :‬وقَ َ‬
‫ب‬ ‫‪#‬ال َربُّ ُك ُم ا ْد ُع‪#‬وني أَ ْس‪َ#‬تج ْ‬
‫لَ ُك ْم ِإ َّن الَِّذ َين يَ ْس‪َ# #‬ت ْكِبُرو َن َع ْن ِعَب ‪#َ #‬ادتِي َس‪َ# #‬ي ْد ُخلُو َن َجَهن ََّم َد ِ‪#‬اخ‪ِ #‬ر َين ‪[ ‬غ افر‪ ، ]60 :‬ومن‬
‫اهلل ‪ S‬ق ال ‪َ ( :‬ما ِم ْن َر ُج‪#ٍ #‬ل يَ ‪#ْ #‬د ُعو اللََّه بِ‪ُ # #‬د َع ٍاء ِإ َّال‬ ‫ح ديث أَبِي هريْرَة ‪ t‬أن رس ول ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫َُ َ‬
‫اآلخ َرة ‪َ ،‬وِإَّما أَ ْن يُ َكَّفَر َعْن ُ‪#‬ه‬ ‫َّخَر لَ ُ‪#‬ه في ‪#‬‬ ‫الدْنَيا َوِإَّما أَ ْن يُ‪#‬د َ‬
‫يب لَُه ‪ ،‬فَِإَّما أَ ْن ُيَع َّج َل ل َُه في ُّ‬ ‫ِْ‬
‫استُج َ‬
‫ول الل‪ِ #‬ه‬ ‫ع بِ‪ِ#‬إثٍْم أَْو قَ ِط َيع ِ‪#‬ة َر ِحٍم أَْو يَ ْس‪َ#‬تْع ِج ُل ‪ ،‬قَ‪#‬الُوا ‪ :‬يَا َر ُس‪َ #‬‬ ‫م ْن ُذنُوبِِه بَِق ْدِر َما َد َعا َما ل َْم يَ ْ‪#‬د ُ‬
‫ِ‬
‫اب لي ) (‪. )4‬‬ ‫اسَت َج َ‬ ‫ت َربِّي فَ َما ْ‬ ‫ول َد َعْو ُ‬ ‫ف يَ ْسَتْع ِج ُل ؟ قَ َال ‪َ :‬يُق ُ‬ ‫َو َكْي َ‬
‫‪   -54‬الغفور ‪:‬‬
‫الغفور يف اللغة من صيغ املبالغة على وزن فعول اليت تدل على الكثرة يف الفعل فعله‬
‫الغف ِر التغطية والسرت ‪ ،‬وكل ش يء س رتته فقد‬ ‫غفر يغفر غف را ومغف رة ‪ ،‬وأَصل َ‬
‫غفرته واملغفر غط اء ال رأس ‪ ،‬واملغف رة التغطية على ال ذنوب والعفو عنها ‪ ،‬غف َر اهلل‬

‫‪1‬البخاري ىف املغازي ‪ ،‬باب حديث اإلفك ‪. )3910 ( 4/1518‬‬


‫‪2‬شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 281‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 51‬‬
‫‪3‬االعتقاد للبيهقي ص ‪ ، 60‬واألمساء والصفات ص ‪. 88‬‬
‫‪4‬صحيح ما عدا قوله ‪ ( :‬وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ) انظر صحيح اجلامع حديث (‬
‫‪ )5714‬وما بني قوسني ضعيف انظر ضعيف اجلامع حديث رقم ( ‪. )5177‬‬
‫(‪)70‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫اهلل ‪ S‬قال ‪:‬‬‫ذنوبه أَي سرتها (‪ ، )1‬وعند البخاري من حديث ابن عمر ‪ t‬أن رسول ِ‬
‫َُ‬
‫ب‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬‫ذ‬‫َ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ع‬
‫‪#‬‬ ‫ت‬
‫َْ‬‫َ‬
‫أ‬ ‫؟‬ ‫ا‬‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬
‫ب َ‪#‬‬ ‫‪#‬ول أََتْ‪#‬ع ِر ُ‬
‫ف َذنْ َ‬ ‫اهلل يُ ْدنِي ال ُْمْؤِم َن َفَي َ‬
‫ض‪ُ #‬ع َعَلْي ِ‪#‬ه َكَنَف ُ‪#‬ه َويَ ْس‪ُ#‬تُرُه ‪َ ،‬فَيُق ُ‬ ‫( ِإن َ‬
‫‪#‬ال ‪:‬‬
‫‪#‬ك ‪ ،‬قَ ‪َ #‬‬ ‫ب ‪َ ،‬حتَّى ِإ َذا َق‪#َّ #‬رَرُه بِ ُذنُوبِ ‪#ِ #‬ه َوَرأَى ِفي َنْف ِس‪ِ# #‬ه أَنَُّه َهَل ‪َ #‬‬ ‫‪#‬ول ‪َ :‬نَع ْم أَ ْ‬
‫ي َر ِّ‬ ‫َك‪َ ##‬ذا ؟ َفَيُق‪ُ #‬‬
‫‪#‬افُر َوال ُْمَن ِ‪#‬افُقو َن‬
‫َك الْيوم َفيعطَى ِكَتاب حسَناتِِه ‪ ،‬وأََّما اْل َك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫الدْنَيا َوأَنَا أَ ْغفُر َها ل َ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫ك ِفي ُّ‬ ‫َسَتْرُتَها َعَلْي َ‬
‫اهلل َعَلى الظَّالِ ِم َين ) ‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬ ‫الذين َك َذبوا َعَلى ربِِّهم أَ َال لَْعَن ُة ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َشَه ُاد َهُؤ َالء َ ُ‬ ‫ول األ ْ‬ ‫َفَيُق ُ‬
‫والغف ور س بحانه هو ال ذي يسرت العي وب ويغفر ال ذنوب ‪ ،‬ومهما بلغ ال ذنب أو‬
‫تك رر من العبد وأراد الرج وع إىل ال رب ف إن ب اب املغف رة مفت وح يف كل وقت ‪،‬‬
‫واسم اهلل الغف ور ي دل على دع وة العب اد لالس تغفار بنوعيه ‪ ،‬الع ام واخلاص ‪،‬‬
‫فاالستغفار من العبد على نوعني ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬االستغفار العام وهو االستغفار من صغائر الذنوب ‪ ،‬وما يدور من خواطر‬
‫السوء يف القلوب ‪ ،‬فالقلب فيه منطقتان ‪ :‬منطقة حديث النفس ومنطقة الكسب ‪،‬‬
‫فمن املنطقة األوىل خترج اخلواطر اليت تتطلب االس تغفار الع ام ‪ ،‬وهي خ واطر‬
‫النفس األم ارة كما ورد يف قوله س بحانه وتع اىل ‪َ  :‬وَما أَُب‪#ِّ #‬ر ُئ َنْف ِس ‪#‬ي ِإ َّن‬
‫‪#‬ور َر ِح ٌيم ‪[ ‬يوس ف‪ ، ]53 :‬وعند‬ ‫ِ‬ ‫النْفس ألََّمارٌة بِال ُّ ِ‬
‫س‪# # # #‬وء ِإال َما َرح َم َربِّي ِإ َّن َربِّي َغُف‪ٌ # # #‬‬ ‫َّ َ َ‬
‫‪#‬وب ِإلَْي ِ‪#‬ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َوأَتُ ُ‬ ‫اهلل‪ S)3‬قال ‪َ ( :‬واهلل ِإنِّي َأل ْس‪َ#‬ت ْغفُر َ‬ ‫البخاري عن أَبي ُهَريَْرَة ‪ t‬أن رسول‬
‫ِفي الَْي‪#ْ # # # # #‬وِم أ َْكَث‪#َ # # # # #‬ر ِم ْن َس‪ْ# # # # # #‬بِع َين َم‪#َّ # # # # #‬رًة ) ( ‪ ،‬وعند مس لم من ح ديث ا َألغ ِّر‬
‫َزنِي‬ ‫اْل ُم‬
‫ٍ (‪) 4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪ِ ( :‬إنَُّه لَُيغَا ُن َعَلى َقْلِبي َوِإنِّي َأل ْس‪َ#‬ت ْغفُر َ‬
‫اهلل في الَْي ْ‪#‬وم مائَ‪َ #‬ة َم َّ‪#‬رة )‬ ‫ول اهلل ‪ S‬قَ َ‬‫ِ ‪ t‬أ ََّن َر ُس َ‬
‫‪.‬‬
‫الث‪##‬اني ‪ :‬االستغفار اخلاص وهو متعلق مبنطقة الكسب بعد تعمد الفعل واق رتاف اإلمث‬
‫آخ‪#َ #‬ر َوال‬ ‫اهلل ِإلَه‪# #‬اً َ‬ ‫يف اللس ان واجلوارح كقوله تع اىل ‪  :‬وال ‪#ِ #‬ذين ال ي ‪#ْ #‬د ُعو َن م‪##‬ع ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ف‬
‫اع ْ‬‫ض‪َ #‬‬ ‫ْح ِّق َوال َيْزنُ‪#‬و َن َوَم ْن َيْفَع ْ‪#‬ل َذلِ َ‬
‫‪#‬ك َيْل َ‪#‬ق أَثَام‪#‬اً يُ َ‬ ‫اهلل ِإال بِ‪#‬ال َ‬
‫س التي َح َّ‪#‬رَم ُ‬
‫ِ‬
‫النْف َ‬ ‫َيْقُتلُ‪#‬و َن َّ‬
‫ِّل‬ ‫ص‪#‬الِحاً فَأُولَِئ َ‬
‫‪#‬ك ُيَب‪#‬د ُ‬ ‫ال َ‬‫‪#‬ل َع َم ً‬ ‫ِ‬
‫آم َن َو َعم َ‬‫‪#‬اب َو َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َي ْ‪#‬وَم الْقَي َام‪#‬ة َويَ ْخلُ ْ‪#‬د في‪#‬ه ُمَهان‪#‬اً ِإال َم ْن تَ َ‬
‫ل َُه الَْع َذ ُ‬
‫اهلل َغُفوراً َر ِحيماً ‪[ ‬الفرقان‪. ]70 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َسِّيَئاتِه ْم َح َسَنات َو َكا َن ُ‬ ‫ُ‬
‫واهلل عز وجل خلق البشر ب إرادة ح رة خمرية بني احلق والباطل واخلطأ والص واب‬

‫‪1‬لسان العرب ‪ ، 5/25‬وكتاب العني ‪. 407 /4‬‬


‫‪2‬البخاري يف املظامل ‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل أال لعنة اهلل على الظاملني ‪. )2309 ( 2/862‬‬
‫‪3‬البخاري يف الدعوات ‪ ،‬باب استغفار النيب ‪ S‬يف اليوم والليلة ‪. )5948 ( 5/2324‬‬
‫‪4‬مسلم يف الذكر والدعاء والتوبة ‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن ‪. )2702 ( 4/2075‬‬
‫(‪)71‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫وأعلمهم أنه الغف ور الت واب ‪ ،‬ليظهر هلم الكم ال يف أمسائه وحيقق فيهم مقتضى‬
‫أوصافه لتعود املنفعة عليهم ألنه الغين عنهم أمجعني ‪ ،‬روى الرتمذي وحسنه األلباين‬
‫ِ‬
‫آدَم َخطَّ ٌاء َو َخْي‪#ُ #‬ر اْل َخطَّائ َ‬
‫ين‬ ‫‪#‬ل ْاب ِن َ‬ ‫من ح ديث أنس بن مالك ‪ t‬أن النيب ‪ S‬ق ال ‪ُ ( :‬ك‪ُّ #‬‬
‫التََّّوابُ‪##‬و َن ) ‪ ،‬وعند مسلم من حديث أَبِي أَيُّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫وب ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪ ( :‬لَ‪#ْ #‬و‬ ‫َ‬
‫وب َي ْغِفُرَها لَُه ْم ) (‪. )2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلل بَِقْوم لَُه ْم ُذنُ ٌ‬ ‫َج َاء ُ‬
‫اهلل لَ ُك ْم ل َ‬ ‫أَنَّ ُك ْم ل َْم تَ ُك ْن لَ ُك ْم ُذنُ ٌ‬
‫وب َي ْغفُر َها ُ‬
‫‪   -55‬الودود ‪:‬‬
‫املودة ‪ ،‬فعله َوَّد الشيء ُوّدا و ِوّدا‬ ‫الود مصدر َّ‬ ‫الودود يف اللغة من صيغ المبالغة ‪ ،‬و ُّ‬
‫ٍ‬
‫‪#‬ف َس ‪َ#‬نة َوَما ُ‪#‬ه َ‪#‬و‬ ‫وو َّدا ‪ ،‬وال ود مبعىن األمنية ومنه قوله تع اىل ‪َ  :‬ي‪#َ #‬و ُّد أ َ‬
‫َح‪ُ #‬د ُه ْم لَ‪#ْ #‬و ُيَع َّمُر أَْل‪َ #‬‬ ‫َ‬
‫الود أيضا مبعىن المحبة كما يف قوله ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بِ ُمَز ْحزحه م َن الَْع َذاب أَ ْن ُيَع َّمَر ‪[ ‬البقرة‪ ، ]96 :‬و ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬اد اللََّه َوَر ُس‪#‬ول َُه َولَ ْ‪#‬و َك‪#‬انُوا آبَ َ‪#‬اء ُه ْم أَْو‬ ‫‪ ‬ال تَ ِج ُد َقوماً يْؤِمنو َن بِاللَِّه والْيوِم ِ‬
‫اآلخ ِر ُي َ‪#‬وادُّو َن َم ْن َح َّ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫أَْبَن َ‪#‬اء ُه ْم أَْو ِإ ْ‪#‬خ َ‪#‬واَنُه ْم أَْو َعش‪َ #‬يرَتُه ْم ‪[ ‬اجملادلة‪ ، ]22 :‬والودود يف اللغة أيضا قد يأيت على‬
‫معىن املعية واملرافقة واملص احبة كالزم من ل وازم احملبة ‪ ،‬كما ورد عند مس لم من‬
‫اهلل بْ ِن ِد َين ا ٍر َع ْن اب ِن ُعم ر ‪ ( : t‬أ َّ‬
‫َن َر ُجال ِم َن ا َأل ْع‪##‬ر ِ‬
‫اب لَِقَي‪#ُ #‬ه بِطَِري‪#ِ #‬ق َمك‪َ #‬ة ‪،‬‬ ‫ْد ِ‬ ‫حديث عب ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ت َعَلى َرْأ ِسِه ‪َ ،‬فَق َ‬
‫‪#‬ال ْاب ُن‬ ‫اهلل َو َح َمَل ُه َعَلى ِح َما ٍر َكا َن َيْر َكبُُه َوأَ ْعطَ ُاه ِع َم َامًة َكانَ ْ‬‫فَسلم َعَلْيِه َعْب ُد ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ال َعْب‪ُ #‬د اهلل ‪ :‬إن أَبَا َه‪َ #‬ذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ‪ْ#‬و َن بالَْيس ‪#‬ير ‪َ ،‬فَق‪َ #‬‬ ‫َّ‬‫ِ‬
‫اب َوإنُه ْم َيْر َ‬ ‫َّ‬‫ِ‬
‫اهلل إنُه ُم ا َأل ْع‪#َ #‬ر ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ِد َين‪##‬ا ٍر لَ‪#ُ #‬ه ‪ :‬أَ ْ‬
‫ص ‪َ#‬ل َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهلل ‪َ S‬يُق ُ ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫اب َوِإنِّي َس ِمْع ُ‬ ‫َكا َن ُودًّا لُِع َمر ْب ِن اْل َخطَّ ِ‬
‫ول ‪ :‬إ َّن أََبَّر اْلب ِّ‪#‬ر ص‪َ#‬ل ُة الَْولَ‪#‬د أ َْه َ‬
‫‪#‬ل ُو ِّد‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫(‪َ )3‬‬
‫أَبِ ِيه ) ‪.‬‬
‫وال ودود س بحانه هو ال ذي حيب رس له وأولياءه ويتودد إليهم ب املغفرة والرمحة‬
‫فريضى عنهم ويتقبل أعم اهلم وي وددهم إىل خلقه فيحبب عب اده فيهم كما ق ال‬
‫ل لَُه ُم ال َّ‪#‬ر ْح َم ُن ُو ّداً ‪[ ‬مرمي‪:‬‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ِ  :‬إ َّن الَّ ِذين آمنُ‪#‬وا و َع ِملُ‪#‬وا ال َّ ِ ِ‬
‫ص‪#‬ال َحات َس‪َ#‬ي ْجَع ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ب اهلل الَْعْب َد‬ ‫َح‬
‫أ‬
‫َ َ َّ‬‫ا‬‫ذ‬‫ِ‬
‫إ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪S‬‬ ‫النيب‬ ‫أن‬ ‫‪t‬‬ ‫هريرة‬ ‫أيب‬ ‫‪ ، ]96‬وعند البخاري من حديث‬
‫س‪َ #‬م ِاء ِإ َّن‬
‫‪#‬ل في أ َْه ِ‪#‬ل ال َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬ادي ِجْب ِري‬ ‫النًا فَأَحِبب ُ‪#‬ه ‪َ ،‬في ِحُّبُه ِجب ِري‪#‬ل ‪َ ،‬فيَن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ب فُ َ‬ ‫‪#‬ل ِإ َّن الل‪َ #‬ه يُ ِح ُّ‬
‫َ‬ ‫نَ َادى ِجْب ِري‬
‫ض ) (‪ ، )4‬ق ال‬ ‫‪#‬ول في األَْر ِ‬ ‫س ‪َ #‬م ِاء ‪ ،‬ثُ َّم يُو َ‬
‫ض ‪ُ #‬ع لَ‪#ُ #‬ه اْلَقبُ‪ُ #‬‬ ‫‪#‬ل ال َّ‬ ‫النًا فَ ‪#‬أ َِحبُّ ُ ِ‬
‫وه َفيُحبُُّه أ ْ‪َ#‬ه ُ‬ ‫ب فُ َ‬ ‫الل ‪َ #‬ه يُ ِح ُّ‬
‫عبد اهلل بن عباس ‪ ( : t‬الودود احلبيب اجمليد الكرمي ) (‪. )5‬‬

‫‪1‬الرتمذي يف صفة القيامة ‪ )2499 ( 4/659‬وانظر صحيح اجلامع حديث رقم ( ‪. )4515‬‬
‫‪2‬مس لم يف كت اب التوبة ‪ ،‬ب اب س قوط ال ذنوب باالس تغفار توبة ‪ ، )2748 ( 4/2105‬وانظر يف املعىن‬
‫اللغوي لسان العرب ‪ ، 3/453‬وكتاب العني ‪ ، 8/99‬واملفردات ص ‪. 860‬‬
‫‪3‬مسلم يف الرب والصلة واألدب ‪ ،‬باب فضل صلة أصدقاء األب واألم وحنومها ‪. )2552 ( 4/1979‬‬
‫‪4‬البخاري يف بدء اخللق ‪ ،‬وانظر النبوات البن تيمية ص ‪. 76‬‬
‫‪5‬اجلامع الصحيح املختصر ‪.4/1885‬‬
‫(‪)72‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫واهلل عز وجل ودود يؤيد رس له وعب اده الص احلني مبعيته الخاصة ‪ ،‬فال خييب‬
‫رج اءهم وال ي رد دع اءهم وهو عند حسن ظنهم به ‪ ،‬وهو ال ودود لعامة خلقه‬
‫بواسع كرمه وسابغ نعمه ‪ ،‬يرزقهم ويؤخر العقاب عنهم لعلهم يرجعون إليه (‪، )1‬‬
‫قال ابن القيم ‪ ( :‬وأما الودود ففيه قوالن ‪ :‬أحدمها أنه مبعىن فاعل وهو الذي حيب‬
‫أنبياءه ورسله وأولياءه وعباده املؤمنني ‪ ،‬والثاين أنه مبعىن مودود وهو احملبوب الذي‬
‫يس تحق أن حيب احلب كله وأن يك ون أحب إىل العبد من مسعه وبص ره ومجيع‬
‫حمبوباته ) (‪. )2‬‬
‫‪   -56‬الولي ‪:‬‬
‫الية ‪،‬‬ ‫ال ويل يف اللغة ص يغة مبالغة من اسم الفاعل ال وايل ‪ ،‬فعله َوِلَي َيِلي ِو ً‬
‫والويل هو الذي يلي غريه حبيث يكون قريبا منه بال فاصل ‪ ،‬ويكون ذلك يف‬
‫املك ان أو النسب أو النس بة ‪ ،‬ويطلق ال ويل أيضا على الوالد والناصر واحلاكم‬
‫والسيد (‪. )3‬‬
‫ض‪ِ #‬عيفاً أَْو ال‬ ‫‪#‬ق َس ‪ِ#‬فيهاً أَْو َ‬ ‫والوالية تويل األمر كقوله تعالى ‪  :‬فَ ‪ِ#‬إ ْن َ‪#‬ك‪#‬ا َن الَّ ِذي َعَلْي‪#ِ #‬ه ال َ‪#‬‬
‫ْح ُّ‬
‫يَ ْسَت ِط ُيع أ َْن يُِم َّل ُه َ‪#‬و َفلْيُ ْمِل ْ‪#‬ل َولِيُُّه بِالَْع ْ‪#‬دِل ‪[ ‬البقرة‪ ، ]282 :‬وعند مسلم من حديث أيب‬
‫‪#‬اءُه بِ ِ‪#‬ه َوقَ ْ‪#‬د َولِ َي‬ ‫ِ‬ ‫هريرة ‪ t‬أن رسول اللَّه ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َذا صَنع أل ِ‬
‫َح‪#‬د ُك ْم َخادُم ُ‪#‬ه طََع َام ُ‪#‬ه ‪ ،‬ثُ َّم َج َ‬ ‫(‪َ َ َ )4‬‬
‫َحَّرُه َو ُد َخانَُه ‪َ ،‬فلُْيْقِع ْدُه َمَع ُه َفلَْيْأ ُك ْل ) ‪.‬‬
‫وال ويل س بحانه هو املَت َولي ألُُم ور خلقه ‪ ،‬الَق ائِم على ت دبري ملكه ‪ ،‬ال ذي ميسك‬
‫س‪َ #‬م َاء أَ ْن َتَق َ‪#‬ع‬
‫ك ال َّ‬‫األرض إال بإذنه كما قال سبحانه ‪َ ‬ويُْم ِس‪ُ #‬‬ ‫السماء أن تقع على ُ‬
‫َّاس لَ‪#‬رء ٌ ِ‬ ‫َعَلى الأ َْر ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ‬
‫يم ‪[ ‬احلج‪ ، ]65 :‬وقال ‪  :‬أَفَ َم ْن ُ‪#‬ه َ‪#‬و‬ ‫وف َرح ٌ‬ ‫ض إال بإ ْذن‪#‬ه إ َّن اللَه بالن ِ َ‬
‫س بِ َما َك َسَب ْت ‪[ ‬الرعد‪ ، ]33 :‬ووالية اهلل لعباده على وجهني ‪:‬‬ ‫قَائِ ٌم َعَلى ُك ِّل َنْف ٍ‬
‫الوجه األول ‪ :‬الوالية العامة وهي والية اهلل لشئون عباده ‪ ،‬وتكفله بأرزاقهم وتدبريه‬
‫ألح واهلم ‪ ،‬ومتكينهم من الفعل واالس تطاعة ‪ ،‬وذلك بتيسري األس باب ونتائجها‬
‫وت رتيب املعل والت على عللها ‪ ،‬وتلك هي الوالية العامة اليت تقتضي العناية‬

‫‪1‬تفسري القرطيب ‪. 19/296‬‬


‫‪2‬جالء األفه ام يف فضل الص الة على حممد خري األن ام البن القيم ص ‪ ، 315‬وانظر يف معىن االسم أيضا‬
‫األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 101‬وشرح أمساء اهلل للرازي ص ‪ ، 287‬وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ‪52‬‬
‫‪.‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 406 /15‬وكتاب العني ‪. 365 /8‬‬
‫‪4‬مسلم يف األميان ‪ ،‬باب سنان اململوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس وال يكلفه ما يغلبه ‪. )1663 (3/1284‬‬
‫(‪)73‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫والتدبري ‪ ،‬وتصريف األمور وتدبري املقادير ‪ ،‬فاهلل من فوق عرشه قريب من عباده‬
‫ب ِإلَْي‪#ِ #‬ه ِم ْن َحْب‪#ِ #‬ل‬
‫س‪ُ #‬ه َونَ ْح ُن َأْ‪#‬ق َ‪#‬ر ُ‬
‫كما قال ‪  :‬ولََ‪#‬ق ْ‪#‬د َخَلْقَنا ا ِإلنْس‪#‬ا َن وَنْعَلم ما ُتوس‪ِ #‬و ِ ِ‬
‫س ب‪##‬ه َنْف ُ‬
‫َ َ َُ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫الَْوِريد ِ ‪ّ [ ‬ق‪. ]16 :‬‬
‫الوجه الث‪#‬اني ‪ :‬والي ة اهلل للمؤمنني وهي والية حفظ وتدبري سواء كان تدبريا كونيا‬
‫أو شرعيا فإن اإلرادة الكونية والشرعية عند السلف جتتمعان يف املؤمن وتفرتقان يف‬
‫الكافر حيث تتوافق إرادة املؤمن مع اإلرادة الشرعية والكونية معا ‪ ،‬والكافر خيالف‬
‫الش رعية ويوافق الكونية حتما (‪ ، )1‬فالوالية اخلاصة والية حفظ وعص مة ‪ ،‬وحمبة‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ونصرة سواء كان يف تدبري اهلل الكوين أو الشرعي قال تعاىل ‪  :‬اهلل َول ُّي الذ َ‬
‫ين‬
‫ين َكَف ُ‪#‬روا أَْولَِي ُ‪#‬اؤ ُه ُم الطَّاغُ ُ‬
‫وت يُ ْخ ِر ُج‪#‬وَنُه ْم ِم َن النُّو ِر‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا يُ ْخ ِر ُجُه ْم م َن الظُّلُ َم‪#‬ات ِإلَى النُّو ِر َوالذ َ‬
‫َ‬
‫اب النَّا ِر ُه ْم ف َيها َخال ‪ُ #‬دو َن ‪[ ‬البق رة‪ ، ]257 :‬وش رط ه ذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإلَى الظلُ َم‪##‬ات أُولَئ‪َ #‬‬
‫ُّ‬
‫‪#‬ك أَ ْ‬
‫ص ‪َ #‬ح ُ‬
‫‪#‬اء اللَِّه ال َخ ْ‪#‬و ٌ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫الوالية اإلميان وحتقيق اإلخالص واملتابعة ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬أَال ِإ َّن أَْولَي َ‬
‫َعَلْيِه ْم َوال ُه ْم يَ ْحَزنُ‪#‬و َن الَِّذ َين َآمنُ‪#‬وا َو َك‪#‬انُوا َيَّتُق‪#‬و َن ‪[ ‬يونس‪ ، ]63:‬وعند البخاري من‬
‫حديث أيب هريرة ‪ t‬مرفوعا ‪ ( :‬إن اللَّه قال ‪ :‬من عادى لي وليا فقد آذنته ب‪#‬الحرب ‪..‬‬
‫احلديث ) (‪ ، )2‬فوالية اهلل لعب اده املؤم نني مقرونة ب واليتهم ل رهبم ‪ ،‬ف واليتهم والية‬
‫س‪#‬ماو ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ات‬ ‫حفظ حلدوده والتزام بتوحيده ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬قُ ْل أَ َغْيَر اللَّه أَتَّ ‪#‬خ ُذ َولّي‪#‬اً فَ‪#‬اط ِر ال َّ َ َ‬
‫ض َو ُهَو يُطِْع ُم َوال يُطَْع ُم ‪[ ‬األنعام‪. )3( ]14 :‬‬
‫َواألَْر ِ‬
‫‪   -57‬الحميد ‪:‬‬
‫احلميد يف اللغة ص يغة مبالغه على وزن فعيل مبعىن اسم املفع ول وهو احملم ود ‪،‬‬
‫فعله محد حيمد محدا ‪ ،‬واحلمد نقيض ال ذم مبعىن الش كر والثن اء ‪ ،‬وهو المكاف أة‬
‫حتمد‬
‫كر ‪ ,‬ألنّك َ‬ ‫على العمل واحلمد والش كر ُمَتقارب ان لكن احلمد َأع ُّم من الش‬
‫الذاتِّية وعلى عطائه وال تَ ْش ُكره على ِصفاته (‪. )4‬‬ ‫اإلنسان على ِصفاته َّ‬
‫ق ال ال راغب ‪ ( :‬احلمد أخص من املدح وأعم من الش كر ‪ ،‬ف إن املدح يق ال فيما‬
‫يك ون من اإلنس ان باختي اره ‪ ،‬وما يق ال منه وفيه بالتس خري ‪ ،‬فقد ميدح اإلنس ان‬
‫بطول قامته وصباحة وجهه ‪ ،‬كما ميدح ببذل ماله وسخائه وعلمه ‪ ،‬واحلمد يكون‬
‫‪1‬انظر شفاء العليل ص ‪. 280‬‬
‫‪2‬البخاري يف الرقاق ‪ ،‬باب التواضع ‪. )6137 ( 5/2384‬‬
‫‪3‬شرح العقيدة الطحاوية ص ‪. 403‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪ ، 3/156‬وتفسري الطربي ‪ ، 13/179‬وبصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز‬
‫للفريوز آبادي ‪ ، 2/499‬حتقيق حممد على النجار املكتبة العلمية ‪ ،‬وفتح الباري ‪. 8/351‬‬
‫(‪)74‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫يف الث اين دون األول ‪ ،‬والش كر ال يق ال إال يف مقابلة نعمة ‪ ،‬فكل ش كر محد ‪،‬‬
‫وليس كل محد ش كرا ‪ ،‬وكل محد م دح وليس كل م دح محدا ‪ ،‬ويق ال فالن‬
‫حممود إذا محد ‪ ،‬وحممد إذا كثرت خصاله احملمودة ) (‪. )1‬‬
‫ب‬‫ْح ْم‪ُ #‬د لِلَِّه َر ِّ‬
‫واحلميد س بحانه هو املس تحق للحمد والثن اء ‪ ،‬محد نفسه فق ال ‪  :‬ال َ‬
‫الَْع‪## #‬ال َِم َين ‪[ ‬الفاحتة‪ ، ]2:‬فهو س بحانه احملم ود على ما خلق وش رع ‪ ،‬ووهب‬
‫ونزع ‪ ،‬وضر ونفع ‪ ،‬وأعطى ومنع ‪ ،‬وعال بذاته وشأنه فارتفع ‪ ،‬وأمسك السماء عن‬
‫األرض أن تقع وفرش األرض فانبسط سهلها واتسع ‪ ،‬محد نفسه ومحده املوحدون‬
‫فله احلمد كله قال ابن القيم ا ‪ ( :‬احلمد كله هلل رب العاملني ‪ ..‬فإنه احملمود على ما‬
‫خلقه وأمر به وهنى عنه ‪ ،‬فهو احملم ود على طاع ات العب اد ومعاص يهم وإمياهنم‬
‫وكف رهم ‪ ،‬وهو احملم ود على خلق األب رار والفج ار واملالئكة وعلى خلق الرسل‬
‫وأع دائهم ‪ ،‬وهو احملم ود على عدله يف أعدائه كما هو احملم ود على فض له وإنعامه‬
‫على أوليائه ‪ ،‬فكل ذرة من ذرات الك ون ش اهدة حبم ده ‪ ،‬وهلذا س بح حبم ده‬
‫السماوات السبع واألرض ومن فيهن وإن من شيء إال يسبح حبمده ) (‪. )2‬‬
‫وروى البخ اري من ح ديث عب د اهلل بن عب اس ‪ t‬أن الن يب ‪ S‬ك ان إِ َذا قَ َام ِم َن اللَّي ِ‬
‫ْل‬
‫‪#‬ك‬
‫ْح ْ ‪#‬م ُد ‪ ،‬لَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك ال َ‬‫ض َوَم ْن ِفي ِه َّن َولَ‪َ #‬‬ ‫س ‪#‬مو ِ‬
‫ات َواألَْر ِ‬ ‫ْح ْ ‪#‬م ُد أَنْ َ‬
‫ت َقِّي ُم ال َّ َ َ‬ ‫ال ‪ ( :‬اللَُّه َّم لَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك ال َ‬ ‫َيَتَه َّج ُد قَ َ‬
‫ْح ْ‪#‬م ُد‬
‫‪#‬ك ال َ‬ ‫ض ‪َ ،‬ولَ َ‬‫ات َواألَْر ِ‬ ‫س‪#‬مو ِ‬
‫‪#‬ور ال َّ َ َ‬
‫ت نُ ُ‬ ‫ْح ْ‪#‬م ُد أَنْ َ‬ ‫ض َوَم ْن ِفي ِه َّن ‪َ ،‬ولَ َ‬
‫‪#‬ك ال َ‬ ‫ات َواألَْر ِ‬ ‫س‪#‬مو ِ‬
‫‪#‬ك ال َّ َ َ‬‫ُمْل ُ‬
‫‪#‬ق َوالنَِّبيُّو َن‬
‫َّار َ‪#‬ح ٌّ‬ ‫ْجنَُّة َ‪#‬ح ٌّ‬
‫‪#‬ق ‪َ ،‬والن ُ‬ ‫‪#‬ك َ‪#‬ح ٌّ‬
‫‪#‬ق ‪َ ،‬وال َ‬ ‫‪#‬ق ‪َ ،‬وَقْولُ‪َ #‬‬ ‫‪#‬ق ‪َ ،‬ولَِق‪ُ #‬‬
‫‪#‬اؤ َك َ‪#‬ح ٌّ‬ ‫ْح ُّ‬ ‫ْح ُّ‬
‫‪#‬ق ‪َ ،‬وَو ْع‪ُ #‬د َك ال َ‪#‬‬ ‫ت ال َ‪#‬‬‫أَنْ َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫الس َاع ُة َح ٌّق ‪ ..‬الحديث ) ‪.‬‬ ‫َح ٌّق ‪َ ،‬وُم َح َّمٌد ‪َ S‬ح ٌّق ‪َ ،‬و َّ‬
‫وكذلك فإن اهلل عز وجل هو احلميد الذي يحمده عباده املوحدون ألهنم يعلمون‬
‫أن اهلل خلق ال دنيا لالبتالء وخلق اآلخ رة للج زاء ‪ ،‬فهم حيمدونه على الس راء‬
‫والضراء ويوحدونه يف العبادة واالستعانة والدعاء ‪ ،‬حىت يكرمهم جبنته عند اللقاء‬
‫‪ ،‬فإن ابتالهم صربوا ‪ ،‬وإن أنعم عليهم شكروا ‪ ،‬ولذلك قال تعاىل يف وصفهم‬
‫َن َ‪#‬ه َدانَا اهلل ‪[ ‬األعراف‪]43 :‬‬ ‫ْح ْ‪#‬م ُد لِلَِّه الَّ ِذي َ‪#‬ه َدانَا لَِ‪#‬ه َذا َوَما ُكنَّا لَِن ْهَت ِ‪#‬د َي لَ ْ‪#‬وال أ ْ‬
‫‪َ  :‬وقَالُوا ال َ‬
‫‪ ،‬وقال أيضا ‪  :‬وقَالُوا ال ِ ِ َّ ِ‬
‫ور ‪[ ‬فاطر‪:‬‬ ‫ْحَز َن ِإ َّن َرَّبَنا لَ َغُف ٌ‬
‫ور َش ُك ٌ‬ ‫ب َعنَّا ال َ‬ ‫ْح ْم ُد للَّه الذي أَ ْذ َه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪. )4( ]34‬‬
‫قال ابن القيم يف نونيته ‪:‬‬
‫‪1‬املفردات ص ‪. 256‬‬
‫‪2‬طريق اهلجرتني ص ‪. 192‬‬
‫‪3‬تفسري الطربي ‪ ، 15/144‬وتفسري القرطيب ‪. 10/309‬‬
‫‪4‬االعتقاد للبيهقي ص ‪. 62‬‬
‫(‪)75‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وهو الحميد فكل حمد واقع ‪ :‬أو كان مفروضا مدى األزمان‬
‫مأل الوجود جمعيه ونظيره ‪ :‬من غير ما عد وال حسبان‬
‫(‪) 1‬‬
‫هو أهله سبحانه وبحمده ‪ :‬كل المحامد وصف ذي االحسان‬
‫‪.‬‬
‫‪   -58‬الحفيظ ‪:‬‬
‫وحفظ‬ ‫ظ ِحْفظا ‪ِ ،‬‬ ‫حيف ُ‬
‫حف ظ َ‬ ‫احلفيظ في اللغة مبالغة من اسم الفاعل احلافظ فعله ِ‬
‫الشيء صيانته من التلف والضياع ‪ ،‬ويستعمل احلفظ يف العلم على معىن الضبط‬
‫تعاهد الشيء وقلة الغفلة عنه ‪ ،‬ورجل حافظ وقوم ُحف اظ هم‬ ‫وعدم النسيان ‪ ،‬أو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذين ُرِزقوا ِحفظ ما مَسِعوا وقلما َيْن َس ْون شيئا ‪ ،‬واحلافظ واحلفيظ أيضا هو املوكل‬
‫‪#‬ات ِم ْن َبْي ِن‬
‫بالش يء حَيَْفظه ‪ ،‬ومنه احلفظة من املالئكة كما يف قوله تع اىل ‪  :‬لَ ‪#ُ #‬ه ُمَعِّقَب‪ٌ #‬‬
‫اهلل ‪[ ‬الرعد‪ ، ]11 :‬أي حتفظ األنفس بأمر اهلل حىت‬ ‫ي َديْ ِ‪#‬ه وِمن َخلِْف ِ‪#‬ه ي ْحَفظُونَ ُ‪#‬ه ِمن أْ‪َ#‬م ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ص و َن األعم ال ويكتبوهنا على بين آدم ‪ ،‬كما‬ ‫ي أيت أجلها وك ذلك احلفظة ال ذين حُيْ ُ‬
‫َح‪#ِ #‬اف ِظ َين ِكَرام‪# #‬اً َك‪##‬اتِِب َين َيْعَل ُم‪##‬و َن َما َتْفَعلُ‪## #‬و َن ‪‬‬
‫ق ال تع اىل يف وص فهم ‪َ  :‬وِإ َّن َعَلْي ُك ْم ل َ‬
‫الشيء لنفسه‬ ‫َ‬ ‫والسَّر حفظا َرعاه وصانه ‪ ،‬واحتفظ‬ ‫[االنفطار‪ ، ]12 :‬ويقال حفظ املال ِّ‬
‫(‪) 2‬‬
‫الغفلة يف األُمور والكالم ‪.‬‬ ‫صها به والتحفظ قلة َ‬ ‫يعين َخ َّ‬
‫ذرة يف‬ ‫ّ‬ ‫واحلفيظ سبحانه هو العليم املهيمن الرقيب على خلقه ‪ ،‬ال َي ْعُزب عن ه ِم ُ‬
‫ثقال‬
‫ملكه ‪ ،‬وهو احلفيظ الذي حيفظ أعمال املكلفني ‪ ،‬والذي شرف حبفظها الكرام‬
‫الك اتبني ‪ ،‬ي دونون على العب اد الق ول واخلط رات ‪ ،‬واحلرك ات والس كنات ‪،‬‬
‫ويضعون األجر كما حدد هلم باحلسنات والسيئات ‪ ،‬وهو احلفيظ ال ذي حيفظ‬
‫عليهم أمساعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء (‪ ، )3‬وهو احلفيظ‬
‫الش ِّر واألذى والبالء ‪ ،‬ومنه ال دعاء ال ذي رواه أبو داود وص ححه‬ ‫ملن يش اءُ من َّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫احَفظِْني ِم ْن َبْي ِن يَ َد َ‬ ‫األلباين من حديث ابن عمر ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪ ( :‬اللَُّه َّم ْ‬
‫‪#‬ك أَ ْن أُ ْغَت َ‪#‬ال ِم ْن تَ ْحِتي )‬ ‫ِ‬
‫َوم ْن َخلِْفي ‪َ ،‬و َع ْن يَِم ِيني َو َع ْن ِش َمالِي ‪َ ،‬وم ْن َف ْ‪#‬وِقي ‪َ ،‬وأ ُ‬
‫َع‪#‬و ُذ بَِعظَ َمِت َ‬ ‫ِ‬
‫(‪. )4‬‬

‫‪1‬شرح قصيدة ابن القيم ‪. 2/215‬‬


‫‪2‬انظر بتصرف لسان العرب ‪ ، 7/441‬واملفردات ص ‪. 244‬‬
‫‪3‬انظر هذه املعاين يف زاد املسري البن اجلوزي ‪ ،2/142‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن ص ‪ ، 48‬واشتقاق أمساء اهلل‬
‫للزجاج ص ‪. 146‬‬
‫‪4‬أبو داود يف كتاب األدب ‪ ،‬باب ما يقول إذا أصبح ‪ ، )5074 ( 4/318‬وانظر تصحيح األلباين يف‬
‫صحيح الرتغيب والرتهيب حديث رقم ( ‪.)659‬‬
‫(‪)76‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫واحلفيظ أيضا هو ال ذي حيفظ أهل التوحيد واإلميان ‪ ،‬ويعص مهم من اهلوى‬
‫وشبهات الشيطان ‪ ،‬وحيول بني املرء وقلبه من الوقوع يف العصيان ‪ ،‬ويهيأ األسباب‬
‫لتوفيقه إىل الطاعة واإلميان ‪ ،‬ويش هد ملثل ه ذه املع اين ما ثبت من ح ديث ابن‬
‫مسعود ‪ t‬أن النيب ‪ S‬كان يدعو ‪ ( :‬اللهم احفظني باإلسالم قائما ‪ ،‬واحفظ‪#‬ني باإلس‪#‬الم‬
‫قاعدا واحفظني باإلسالم راقدا ‪ ،‬وال تشمت بي عدوا حاسدا ‪ ،‬اللهم إني أسألك من كل‬
‫خير خزائنه بيدك ‪ ،‬وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ) (‪. )1‬‬
‫واألرض بقدرته ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪َ  :‬و ِس‪َ # # #‬ع‬ ‫حفظ السما ِ‬
‫وات‬ ‫واحلفيظ أيضا هو ال ذي ِ‬
‫َ‬
‫ودُه ِحْفظُُه َما َو ُهَو الَْعِل ُّي الَْع ِظ ُيم ‪[ ‬البقرة‪، ]255 :‬‬
‫ض َوال َيئُ ُ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َواألَْر َ‬
‫ِ‬
‫ُكْرسيُُّه َّ َ َ‬
‫فاهلل حفيظ ملخلوقاته يبقيها على حاهلا لغاياهتا ‪ ،‬وينظم ترابط العلل مبعلوالهتا ‪،‬‬
‫وهو س بحانه حيفظ األش ياء ب ذواتها وص فاتها ‪ ،‬وقد ذكر أبو حامد الغ زايل أن‬
‫احلفظ يف ذلك على وجهني ‪:‬‬
‫الوجه الأول ‪ :‬إدامة وجود املوجودات وإبقاؤها ‪ ،‬ويضاده اإلعدام ‪ ،‬واهلل تعاىل هو‬
‫احلافظ للسماوات واألرض واملالئكة واملوج ودات اليت يط ول أمد بقائها واليت ال‬
‫يطول أمد بقائها ‪ ،‬مثل احليوانات والنبات وغريمها ‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬أن احلفظ صيانة املتقابالت املتضادات بعضها عن بعض ‪ ،‬كالتقابل‬
‫بني املاء والنار ‪ ،‬فإهنما يتعاديان بطباعهما ‪ ،‬فإما أن يطفئ املاء النار ‪ ،‬وإما أن حتيل‬
‫النار املاء إىل خبار ‪ ،‬وقد مجع اهلل عز وجل بني هذه املتضادات املتنازعة يف سائر‬
‫العناصر واملركبات ‪ ،‬وسائر األحياء كاإلنسان والنبات واحليوان ‪ ،‬ولوال حفظه‬
‫تعاىل هلذه األسباب وتنظيم معادالهتا ‪ ،‬وارتباط العلل مبعلوالهتا ‪ ،‬لتنافرت وتباعدت‬
‫وبطل امتزاجها واضمحل تركيبها ‪ ،‬وهذه هي األسباب اليت حتفظ اإلنسان من‬
‫اهلالك وتؤمن له حبفظ اهلل احلياة (‪. )2‬‬
‫‪   -59‬المجيد ‪:‬‬
‫اجمليد يف اللغة من صيغ املبالغة على وزن فعيل ‪ ،‬فعله جمد ميجد متجيدا ‪ ،‬واجمليد هو‬
‫الكرمي ِ‬
‫الفَعال ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إذا قارن شرف الذات حسن الفعال مُسِّ َي جَم دا ‪ ،‬وفعيل أبلغ من‬
‫والكرم والسخاءُ‬
‫ُ‬ ‫ْد املُروءُة‬
‫ُ‬
‫والوهاب والكرمي ‪ ،‬واملج ُ‬
‫َ‬ ‫فاعل ‪ ،‬فكأنه جيمع معىن اجلليل ّ‬
‫ْد أيض ا األَخ ذ من الش رف‬ ‫والش رف والفخر واحلسب والعزة والرفعة ‪ ،‬واملج ُ‬
‫َ‬
‫‪1‬حسنه األلباين ‪ ،‬انظر صحيح اجلامع حديث رقم ( ‪. )1260‬‬
‫‪2‬املقصد األسىن ص ‪ 113‬بتصرف ‪.‬‬
‫(‪)77‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫القوم فيما بينهم‬ ‫ومتاج َد ُ‬ ‫عظمه وأَثىن عليه ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َجم َده وجَمَّده كالمها‬ ‫والس ْؤَدد ما يكفي(‪ )،1‬وأ َ‬ ‫ُّ‬
‫ق واْلُق‪## # # #‬رآنِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫فق‬ ‫باجمليد‬ ‫كتابه‬ ‫وصف‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫واهلل‬ ‫‪،‬‬ ‫هم‬ ‫ْد‬
‫ذ َك جَم َ‬
‫روا‬
‫َ ْ‬ ‫‪‬‬
‫[ق‪ ، ]1:‬ألن القرآن كالم اهلل غري خملوق ‪ ،‬وصفة الكالم من‬ ‫يد ‪ّ ‬‬ ‫الْم ِج ِ‬
‫َ‬
‫صفاته العليا فالقرآن كرمي فيه اإلعجاز والبيان ‪ ،‬وفيه روعة الكلمات‬
‫واملع ان ‪ ،‬وفيه كم ال الس عادة لإلنس ان ‪ ،‬فهو كت اب جميد عظيم رفيع‬
‫الشأن ‪.‬‬
‫واجمليد سبحانه هو الذي عال وارتفع بذاته ‪ ،‬وله اجملد يف أمسائه وصفاته وأفعاله فمجد‬
‫ال ذات اإلهلي ة بنِّي يف مجال اهلل وس عته وعل وه واس توائه على عرش ه فعند مس لم من‬
‫‪#‬ل يُ ِح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫‪#‬ال )‬ ‫ْج َم َ‬
‫ب ال َ‬ ‫حديث عبد اهلل بْ ِن َم ْس ُعود ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ ّن َ‬
‫اهلل َجمي ٌ‬
‫ِ‬ ‫(‪ ، )2‬وروى أيضا من حديث أَيِب ُم‬
‫ال ‪ ( :‬ح َجابُ ُ‪#‬ه الن ُ‬
‫ُّور لَ ْ‪#‬و َك َش‪َ#‬ف ُه‬ ‫وس ى ‪ t‬أن النَّيب ‪ S‬قَ َ‬ ‫َ‬
‫صُرُه ِم ْن َخلِْقِه ) (‪ ، )3‬وكيفية مجال الذات أو كيفية‬ ‫ِ‬ ‫ألَحر َق سبح ُ ِ‬
‫ات َو ْجِهه َما اْنَتَهى ِإلَْيه بَ َ‬ ‫ْ َ ُُ َ‬
‫ما هو عليه أمر ال يدركه س واه وال يعلمه إال اهلل ‪ ،‬وليس عند املخل وقني منه إال ما‬
‫ومن جمد ذاته‬ ‫أخرب به عن نفسه من كم ال وص فه وجالل ذاته وكم ال فعله (‪ِ ، )4‬‬
‫اس تواؤه على عرشه ؛ فهو العلي بذاته على خلقه ‪ ،‬يعلم السر وأخفى يف ملكه‬
‫ش ا ْس‪َ#‬تَوى ‪[ ‬طه‪]5 :‬‬ ‫الع ْ‪#‬ر ِ‬
‫الر ْح َم ُن َعَلى َ‬ ‫وهو القائم عليهم واحمليط هبم قال تعاىل ‪َّ  :‬‬
‫‪ ،‬وقد ثبت أن العرش أعلى املخلوقات ‪ ،‬وأنه فوق املاء ‪ ،‬وأن املاء فوق السماء‬
‫‪ ،‬واهلل عز وجل ف وق ذلك حميط ب اخلالئق ويعلم ما هم عليه ‪ ،‬روى البخ اري‬
‫س ‪ ،‬فَِإنَُّه‬ ‫ال ‪ ( :‬فَ‪ِ#‬إ َذا س‪#‬أَلْتُم اهلل فَس‪#‬لُ ُ ِ‬
‫وه(‪5‬ا)لْف ْ‪#‬ر َدْو َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫من حديث أَبِي ُهَري َْرَة ‪ t‬أ ِن النَِّبي ‪ S‬قَ َ‬
‫ْجنَِّة ) ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ط الْجنَِّة وأَ ْعَلى ال ِ‬
‫الر ْح َم ِن َومْن ُه َتَف َّجُر أَْنَه ُار ال َ‬
‫ش َّ‬ ‫ْجنَّة َوَفْوقَُه َعْر ُ‬‫َ‬ ‫أَْو َس ُ َ َ‬
‫وقد ذكر اهلل يف كم ال جمده اختص اص الكرسي بال ذكر دون الع رش يف‬
‫س‪# # #‬ماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوال‬‫ات َواألَْر َ‬ ‫أعظم آية يف كتابه فق ال س بحانه ‪َ  :‬وس‪َ # # #‬ع ُكْرس‪ُّ# # #‬يُه ال َّ َ َ‬
‫ودُه ِحْفظُُهَما َوُهَو الَْعِل ُّي الَْع ِظ ُيم ‪[ ‬البقرة‪ ، ]255 :‬والكرسي كما فسره السلف‬ ‫َيُئ ُ‬
‫الصاحل ما يكون حتت قدم امللك عند استوائه على عرشه ‪ ،‬وقد بني اهلل‬
‫من كمال وصفه وسعة ملكه ملن أعرض عن طاعته وتوحيده يف عبادته‬

‫‪1‬النهاية يف غريب احلديث ‪ ، 298 /4‬ولسان العرب ‪ ، 396 /3‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 152‬ومفردات‬
‫ألفاظ القرآن ص ‪ ، 760‬وفتح الباري شرح صحيح البخاري ‪. 13/408‬‬
‫‪2‬مسلم يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب حترمي الكرب وبيانه ‪. )91 ( 1/93 ،‬‬
‫‪3‬املوضع السابق ‪ ،‬باب يف قوله عليه السالم إن اهلل ال ينام ‪. )179 ( 1/161‬‬
‫‪4‬انظر الفوائد ص ‪.182‬‬
‫‪5‬البخاري يف كتاب التوحيد ‪ ،‬باب وكان عرشه على املاء وهو رب العرش العظيم ‪. )6987 ( 6/2700‬‬
‫(‪)78‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫أن ملك من أش ركوا به لو بلغ الس ماوات الس بع واألرض ون وما فيهن‬
‫وما بينهن على عرض هن ومق دارهن وس عة حجمهن ال ميثلن ش يئا يف‬
‫الكرسي ال ذي حتت ق دم امللك ‪ ،‬فما بالك بعرشه وجمده ؟ وما بالك‬
‫ودُه ِحفظُُه َما ‪ ،‬فهو ال ذي‬ ‫باتس اع ملكه ؟ وعلى ال رغم من ذلك ال َيُئ ُ‬
‫ض أَن َت ُزوال ‪ ،‬ألنه ال يق وى غ ريه على حفظهن‬ ‫ك َّ ِ‬ ‫مُيْ ِس ُ‬
‫الس َم َاوات َواألَْر َ‬
‫وإدارهتن حىت لو ادعى لنفسه ملكهن ‪ ،‬فاهلل من حلمه على خلقه‬
‫ك‬‫إن اهلل يُْم ِس ‪ُ #‬‬
‫أمس كهن بقدرته وأبق اهن حلكمته ‪ ،‬ول ذلك ق ال تع اىل ‪َّ  :‬‬
‫َح ٍ‪#‬د ِم ْن َبْع‪#ِ #‬دِه ِإنَُّه َ‪#‬ك‪#‬ا َن‬
‫ض أ َْن َت‪#ُ #‬زوال َولَِئ ْن َزالََتا ِإ ْن أَْم َس ‪َ #‬كُه َما ِم ْن أ َ‪#‬‬
‫ات َواألَْر َ‬ ‫س ‪#‬ماو ِ‬
‫ال َّ َ َ‬
‫‪#‬ورا ‪[ ‬ف اطر‪ ، ]41 :‬وقد ورد عند ابن حب ان وص ححه األلب اين من‬ ‫ِ‬
‫َحل ًيما َغُف‪ً # #‬‬
‫حديث أيب ذر ‪ t‬أن النيب ‪ S‬قال ‪ ( :‬ما الس‪#‬ماوات الس‪#‬بع في الكرسي إال كحلقة ب‪#‬أرض‬
‫فالة ‪ ،‬وفضل الع‪## # # # # # #‬رش على الكرسي كفضل تلك الفالة على تلك الحلقة ) (‪ ، )1‬وصح‬
‫عن ابن عباس ‪ t‬موقوفا أنه قال ‪ ( :‬الكرسي موضع القدمين والعرش ال يق‪#‬در ق‪#‬دره إال‬
‫اهلل تعالى ) (‪. )2‬‬
‫أما جمد أوصافه فله علو الشأن فيها ‪ ،‬ال مسي له وال نظري وال شبيه له وال مثيل فاجملد‬
‫وصف ج امع لكل أن واع العلو اليت يتصف هبا املعب ود فهو العلي العظيم‬
‫‪ ،‬ألن أي معب ود س واه إذا عال جمده بعض اخللق وغلب على الع رش‬
‫واس تقر له امللك فإنه مس لوب العظمة يف عل وه احملدود ‪ ،‬إما ملرضه أو‬
‫نومه ‪ ،‬أو ق دوم أجله ‪ ،‬أو غلبة غ ريه على ملكه أو غري ذلك من‬
‫أن واع الض رورة والقي ود ‪ ،‬ف أي عظمة يف علو املخل وق وهو يعلم أن‬
‫قدرته حمدودة وأيامه مع دودة ؟ أيس تحق املخل وق أن يك ون معب ودا من‬
‫دون اهلل ؟ فما بالنا مبجد رب الع زة واجلالل ال ذي له العلو والكم ال‬
‫والعظمة واجلم ال يف مجيع األمساء والص فات واألفع ال ‪ ،‬له علو الش أن‬
‫وه عظمة حقيقية فهو اجمليد حقا‬ ‫والقهر والفوقية ‪ ،‬وعظمته يف عل‬
‫وص دقا ‪ ،‬وجمد الظ املني زورا وإفكا ‪ ،‬وأي عاق ل س يقر مبج د أفعال ه وب الغ‬
‫كرمه وإنعامه ‪ ،‬وجوده وإحسانه ‪ ،‬فهو الذي أوجد املخلوقات وحفظها وهداها‬
‫المِل ‪ُ #‬‬
‫‪#‬ك‬ ‫ورزقها فس بحان اجمليد يف ذاته وص فاته وأفعاله ق ال تع اىل ‪َ  :‬فَتَع‪##‬الَى اهلل َ‬

‫‪1‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ‪ ، )361 ( 2/77‬قال الشيخ األلباين ‪ :‬ال يصح يف صفة الكرسي غري هذا‬
‫احلديث ‪ ،‬انظر السلسلة الصحيحة ‪. )109 ( 1/223‬‬
‫‪2‬انظر تعليق األلباين علي الرواية يف شرح العقيدة الطحاوية ص ‪. 45‬‬
‫(‪)79‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫ش ال َك ِر ِيم ‪[ ‬املؤمنون‪ ، ]116 :‬وقال أيضا ‪ُ  :‬سْب َحا َن َر ِّ‬


‫ب‬ ‫العْر ِ‬
‫ب َ‬ ‫الح ُّق ال ِإلََه ِإال ُهَو َر ُّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫العْر ِش َع َّما يَصُفون ‪[ ‬الزخرف‪. ]82 :‬‬ ‫ات َواألَْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ب َ‬ ‫ض َر ِّ‬ ‫َّ َ َ‬
‫‪   -60‬الفتاح ‪:‬‬
‫الفت اح يف اللغة من ص يغ املبالغة على وزن فع ال من اسم الفاعل الف اتح ‪ ،‬فعله َفَت َح‬
‫ين َ‪#‬ك َّ‪#‬ذبُوا بِآياتَِنا َوا ْس‪َ#‬ت ْكَبُروا‬ ‫َّ ِ‬ ‫َيْفَتح َفْتح اً ‪ ،‬والَفْت ُح نقيض ِ‬
‫اإلغالق ‪ ،‬قال تعاىل ‪ِ  :‬إ َّن الذ َ‬
‫السَم ِاء ‪[ ‬األعراف‪ ، ]40 :‬واملعىن أن أَبواب السماء تغلق أمام‬ ‫اب َّ‬ ‫َّح لَُه ْم أَْبَو ُ‬ ‫َعْنَها ال ُتَفت ُ‬
‫َرواحهم وال أَعم اهلم بعكس املؤم نني ‪ ،‬واملفت اح ك ُّل ما‬ ‫ص َع ُد أ ُ‬ ‫أرواحهم ‪ ،‬فال تَ ْ‬
‫ص ول إليها ‪ ،‬وعند البخ اري من‬ ‫الو ُ‬
‫ُ‬ ‫ص ل به إىل اس تخراج اْل ْمغلق اَت اليت َيَتع َّذر‬ ‫ُيَتَو َّ‬
‫ب‬ ‫ت بِ ُّ‬
‫‪#‬الر ْع ِ‬ ‫صْر ُ‬ ‫يت مَفاتِيح اْل َكِلِم ‪ ،‬ونُ ِ‬ ‫حديث أيب هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪ ( :‬أُ ْع ِط ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض َحتَّى ُو ِضَع ْت في يَ ِدي ) ‪ْ ،‬‬ ‫يح َخَزائِ ِن األَْر ِ‬
‫يت بِ َمَفاتِ ِ‬
‫‪َ ،‬وَبْيَن َما أَنَا نَائِ ٌم الَْبا ِر َحَة ِإ ْذ أُتِ ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫فأخرب‬
‫والوص ول إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح ال َكلم ِوهو ما يَِ َّس ر ِاهلل له من َالبالغة والفص ِاحة ُ‬ ‫أويت َمف ات َ‬ ‫‪ S‬أنه َ‬
‫غ وامض املع اين وب دائع احل َكم وحَم اس ن العب ارات واأللف اظ اليت أُغلقت على غ ريه ‪،‬‬
‫َّاح يف اللغة أيضا هو‬ ‫ومنِ كان يف يَده مَفاتيح شيء َس ُه َل عليه الوصول إليه ‪ ،‬والفت ُ‬ ‫َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫َّاح ألَنه َيْفتُ ُح مواضع احلق ‪.‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫الناس‬ ‫بني‬ ‫حيكم‬ ‫الذي‬ ‫للقاضي‬ ‫يقال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫احلاك‬
‫والفتَّاح سبحانه هو الذي يفتح أبواب الرَّمْح ة والرزق لعباده أمجعني أو يفتح أبواب‬
‫‪#‬ل‬ ‫البالء المتحان املؤمنني الصادقني ‪ ،‬فمن األول ما ورد يف قوله تعاىل ‪َ  :‬ولَْو أ َّ‬
‫َن أ َْه َ‬
‫ض ول ِ‬
‫َك ْن َك‪#َّ #‬ذبُوا فَأَ َخ‪#ْ #‬ذنَ ُاه ْم بِ َما‬ ‫‪#‬ات ِمن ال َّ ِ‬ ‫اْلُق‪##‬رى آمنُ ‪##‬وا و َّاتَق‪##‬وا لََفَت ْحَنا َعَلْيِهم بر َك‪ٍ #‬‬
‫س‪َ # #‬ماء َواألَْر ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّاس م ْن َر ْح َم‪#‬ة فَال ُم ْمس‪َ #‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكانُوا يَ ْك ِسبُو َن ‪[ ‬األعراف ‪ ، ]96 :‬وقوله ‪َ  :‬ما َيْفَت ِح اهلل للن ِ‬
‫ْح ِك ُيم ‪[ ‬فاطر ‪ ، ]2:‬قيل معناه ما‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لََها َوَما يُْمس‪ْ #‬ك فَال ُمْرس‪َ #‬ل لَ ُ‪#‬ه م ْن َبْع‪#‬ده َو ُه َ‪#‬و الَْع ِزي ُ‪#‬ز ال َ‬
‫ي ْأتيهم به اهلل من مطر أَو رزق فال يق در أَحد أَن مينعه ‪ ،‬وما ميسك من ذلك فال‬
‫يقدر أَحد أَن يرسله ‪ ،‬ومن الفتح مبعىن فتح البالء واالمتحان ما ورد يف قوله تعاىل‬
‫اب ُك ِّل َش‪ْ #‬يٍء َحتَّى ِإ َذا فَ ِر ُح‪#‬وا بِ َما أُوتُ‪#‬وا أَ َخ ْ‪#‬ذنَ ُاه ْم‬ ‫ِ‬
‫‪َ  :‬فَل َّما نَ ُسوا َما ذُ ِّكُروا بِه َفَت ْحَنا َعَلْيِه ْم أَْبَو َ‬
‫َب ْغَتًة فَِإ َذا ُه ْم ُمْبِل ُسو َن ‪[ ‬األنعام‪. )3( ]44 :‬‬
‫والفت اح هو ال ذي حيكم بني العب اد فيما هم فيه خيتلف ون ‪ ،‬ومنه قوله تع اىل ‪َ  :‬رَّبَنا‬
‫ت َخْي‪#ُ #‬ر اْلَف‪##‬اتِ ِح َين ‪[ ‬األع راف ‪ ، ]89 :‬وهو س بحانه‬ ‫ِ‬
‫ا ْفَت ْح َبْيَنَنا َوَبْي َن َقْومَنا بِ ‪##‬ال َ‬
‫ْح ِّق َوأَنْ َ‬
‫‪1‬البخاري يف التعبري ‪ ،‬باب رؤيا الليل ‪. )6597 ( 6/2568‬‬
‫‪2‬انظر يف املعىن اللغوي ‪ :‬لسان العرب ‪ ، 2/536‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 189‬ومفردات ألفاظ‬
‫القرآن ص ‪ ، 621‬وكتاب العني ‪.3/194‬‬
‫‪3‬فتح القدير ‪ ، 326 /4‬وتفسري الطربي ‪ ، 114 /22‬وتفسري الثعاليب ‪.252 /3‬‬
‫(‪)80‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعني ‪ ،‬ويفتح أبواب البالء واهلالك‬
‫على الكافرين املعاندين ‪ ،‬وهو الذي يَ َفت ُح على َخ ِلق ِه ما انغَل َق عليهم من أمو ِر ِهم‬
‫ُفيَي ّس ُرها هلم فَضال منه و َكَرًما ألن خ زائن السماوات واألرض بي ده ‪ ،‬يفتح منها‬
‫ما يشاء حبكمته ‪ ،‬وعلى ما قضاه يف خلقه مبشيئته (‪ ، )1‬قال ابن القيم ‪:‬‬
‫‪ :‬والفتح في أوصافه أمران‬ ‫وكذلك الفتاح من أسمائه‬
‫فتح بحكم وهو شرع إلهنا ‪ :‬والفتح باألقدار فتح ثان‬
‫(‪) 2‬‬
‫والرب فتاح بذين كليهما ‪ :‬عدال وإحسانا من الرحمن ‪.‬‬
‫‪   -61‬الشهيد ‪:‬‬
‫الشهيد يف اللغة صيغ مبالغة من اسم الفاعل الشاهد ‪ ،‬فعله شهد يشهد شهودا‬
‫وشهادة ‪ ،‬والشهود هو احلضور مع الرؤية واملشاهدة ‪ ،‬وعند أيب داود وحسنه‬
‫الصْب َح ‪َ ،‬فَق َال ‪ :‬أَ َش ِاه ٌد‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل ‪َ S‬يْوًما ُّ‬ ‫صلَّى بَِنا َر ُس ُ‬ ‫األلباين من حديث أُىَبِّ ‪ ‬أنه قَ َ‬
‫ال ‪َ ( :‬‬
‫ص‪َ#‬لو ِ‬
‫ات َعَلى‬ ‫ال‪َ3‬ت)ْي ِن أَْثَق ُل ال َّ َ‬ ‫ال ٌن ‪ ،‬قَالُوا َال ‪ ،‬قَ َال ‪ِ :‬إ َّن َهاَتْي ِن َّ‬
‫الص َ‬ ‫ال ٌن قَالُوا ‪َ :‬ال ‪ ،‬قَ َال أَ َش ِاه ٌد فُ َ‬‫فُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫وه َما َولَْو َحْبًوا َعَلى ُّالر َك ِب ) ‪.‬‬ ‫ين َولَْو َتْعَل ُمو َن َما في ِه َما َألَتْيتُ ُم ُ‬
‫(‬
‫ال ُْمَنافق َ‬
‫والش هادة هي ِاإل ْخب ار مبا ش َاه َده ‪َ ،‬ش ِه َد فالن على فالن حبق فهو ش اهد وش هيد‬
‫فالشاهد يلزمه أن ُيَبنِّيُ ما َعِل َم ُه على احلقيقة ‪ ،‬وعند البخاري من حديث أَبِي بَكَْرَة‬
‫‪ ‬أن رس ول اللَِّه ‪ S‬ق ال ‪ ( :‬أَ َال أَُنِّبئُ ُك ْم بِ ‪##‬أ َْكَب ِر اْل َكَب ‪##‬ائِِر ‪ُ ،‬قلَْنا َبَلى يَا َر ُس‪َ # #‬‬
‫ول اللَِّه ‪ ،‬قَ ‪َ #‬‬
‫‪#‬ال ‪:‬‬
‫وق الْوالِ َدي ِن ‪ ،‬و َكا َن مت ِ‬ ‫ِ‬
‫الزو ِر َو َش‪َ #‬ه َادُة ال ُّ‪#‬زو ِر‬ ‫س َفَق َال ‪ :‬أَ َال َوَقْو ُل ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّكًئا فَ َجَل‬ ‫اإل ْشَر ُاك بِاللَّه ‪َ ،‬و ُعُق ُ َ ْ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫ت ) (‪. )4‬‬ ‫ْت َال يَ ْس ُك ُ‬ ‫الزو ِر ‪ ،‬فَ َما َز َال َيُقولَُها َحتَّى ُقل ُ‬ ‫الزو ِر َو َشَه َادُة ُّ‬ ‫أَ َال َوَقْو ُل ُّ‬
‫والشهادة تأيت مبعىن احلكم كما ورد عند البخاري من حديث زيد بن ثابت ‪ ‬أن‬
‫‪#‬ك أَبَا‬
‫اهلل َعَلْي َ‬ ‫أم العالء رضي اهلل عنها قالت عند وفاة عثمان بن مظعون ‪ ( : ‬ر ْحم ُة ِ‬
‫َ َ‬
‫‪#‬ال‬‫‪#‬ك اللَُّه ‪َ ،‬فَق‪َ # # # # # # # # # # # # #‬‬ ‫ب فَ َش‪َ # # # # # # # # # # # # # #‬ه َادتِي َعَلْي‪َ # # # # # # # # # # # # #‬‬
‫‪#‬ك لََق‪#ْ # # # # # # # # # # # # #‬د أ َْكَرَم‪َ # # # # # # # # # # # # #‬‬ ‫س‪# # # # # # # # # # # # # #‬ائِ ِ‬
‫ال َّ‬
‫النَِّبّي‬
‫ول اهلل فَ َم ْن يُك ِرُم‪#ُ #‬ه الل‪ُ #‬ه ‪..‬‬ ‫ت يَا َر ُس‪َ #‬‬ ‫ْت ‪ :‬بِ‪#‬أَبِي أَنْ َ‬ ‫َكرَم‪#ُ #‬ه ؟ َفُقل ُ‬ ‫يك أ َّ‬ ‫ُ ‪ : S‬وما ي ‪#ْ #‬دِر ِ‬
‫َن الل‪َ #‬ه قَ‪#ْ #‬د أ َ‬ ‫ََ ُ‬

‫‪1‬صحيح البخاري ‪ ، 4/1697‬وتفسري القرطيب ‪ ، 14/300‬وتفسري ابن كثري ‪. 3/539‬‬


‫‪2‬شرح قصيدة ابن القيم ‪.2/234‬‬
‫‪3‬أبو داود يف كتاب الصالة ‪ ،‬باب يف فضل صالة اجلماعة ‪ ، )554 ( 1/151‬وانظر حكم األلباين على‬
‫احلديث يف مشكاة املصابيح حديث رقم ( ‪. )1066‬‬
‫‪4‬البخاري يف األدب ‪ ،‬باب عقوق الوالدين من الكبائر ‪. )5631 ( 5/2229‬‬
‫(‪)81‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫الحديث ) (‪. )1‬‬


‫والشهيد سبحانه هو الرقيب على خلقه أينما كانوا وحيثما كانوا ‪ ،‬حاضر شهيد‬
‫أق رب إليهم من حبل الوريد ‪ ،‬يس مع وي رى وهو ب املنظر األعلى وعلى الع رش‬
‫اس توى ف القلوب تعرفه والعق ول ال تكيفه ‪ ،‬وهو س بحانه ف وق عرشه على‬
‫احلقيقة ‪ ،‬وبالكيفية اليت تناسبه ‪ ،‬وشهادته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة‬
‫‪ ،‬تشمل العلم والرؤية والتدبري والقدرة (‪ ، )2‬والشهيد أيضا هو الذي شهد لنفسه‬
‫بالوحدانية والقي ام بالقسط كما ق ال تع اىل ‪َ  :‬ش ‪ِ #‬ه َد اللَُّه أَنَُّه ال ِإلَ‪#َ #‬ه ِإال ُ‪#‬ه َ‪#‬و‬
‫يم ‪[ ‬آل عمران‪:‬‬ ‫والْمالئِ َك ُة وأُولُو الِْعلِْم قَائِماً بِالِْقس‪ِ #‬ط ال ِإلَ َ‪#‬ه ِإال ُه‪#‬و الْع ِزي‪#‬ز ال ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪ ، ]19‬وشهادة اهلل لنفسه بالوحدانية تضمنت عند السلف عدة مراتب ‪،‬‬
‫ق ال ابن أيب العز ‪ ( :‬وعب ارات الس لف يف ش هد ت دور على احلكم‬
‫والقض اء واإلعالم والبي ان واإلخب ار ‪ ،‬وه ذه األق وال كلها حق ال تن ايف‬
‫بينها ‪ ،‬ف إن الش هادة تتض من كالم الش اهد وخ ربه ‪ ،‬وتتض من إعالمه‬
‫وإخب اره وبيانه ‪ ،‬فلها أربع م راتب ‪ ،‬ف أول مراتبها علم ومعرفة واعتق اد‬
‫لصحة املشهود به وثبوته ‪ ،‬وثانيها تكلمه بذلك وإن مل يعلم به غريه بل‬
‫يتكلم هبا مع نفسه ويتذكرها وينطق هبا أو يكتبها ‪ ،‬وثالثها أن يعلم غريه‬
‫مبا يشهد به وخيربه به ويبينه له ‪ ،‬ورابعها أن يلزمه مبض موهنا ويأمره به‬
‫‪ ،‬فش هادة اهلل س بحانه لنفسه بالوحدانية والقي ام بالقسط تض منت ه ذه‬
‫املراتب األربع ‪ ،‬علمه ب ذلك س بحانه وتكلمه به وإعالمه وإخب اره خللقه‬
‫به وأمرهم وإلزامهم به ) (‪ ، )3‬فاهلل شهيد يشهد بصدق املؤمنني إذا وحدوه‬
‫ويش هد لرس له ومالئكته وف وق كل ش هادة ش هادته لنفسه بالوحدانية ‪،‬‬
‫وقد تقدم تفصيل ذلك يف اسم اهلل املؤمن مبا يغين عن اإلعادة ‪.‬‬
‫‪   -62‬المقدم ‪:‬‬
‫البخ‪)4‬اري من ح ديث ابن‬ ‫املَق دُِّم يف اللغة اسم فاعل ‪ ،‬فعله ق دََّم يَق دَّم تق دميا ‪ ،‬وعند‬
‫عب اس ‪ ‬مرفوعا ‪ ( :‬اللَُّه َّم ا ْغِف‪#ْ # # # #‬ر لِي َما قَ‪## # # #‬دَّْم ُ‬‫ُ‬
‫(‬
‫ت ) ‪ ،‬وعن ده أيضا من‬ ‫ت َوَما أَخَّْر ُ‬

‫‪1‬البخاري يف اجلنائز ‪ ،‬باب الدخول على امليت بعد املوت إذا أدرج يف كفنه ‪ )1186 ( 1/419‬وانظر يف‬
‫املعىن اللغوي لسان العرب ‪ ، 238 /3‬وكتاب العني ‪. 398 /3‬‬
‫‪2‬تفسري أمساء اهلل احلسىن ص ‪ ،‬وجامع البيان ‪. 53 7/90‬‬
‫‪3‬شرح العقيدة الطحاوية ص ‪. 89‬‬
‫‪4‬البخاري يف كتاب التهجد ‪ ،‬باب التهجد بالليل ‪. )1069 ( 1/377‬‬
‫(‪)82‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ِ‬
‫احِت َس‪#‬ابًا غُِف َ‪#‬ر لَ ُ‪#‬ه‬
‫ض‪#‬ا َن ِإ َيمانًا َو ْ‬ ‫حديث ِأَبِي ُِهَِريَْرَة(‪ )1‬أن َر ُسول اللَّه ‪ S‬قال ‪َ ( :‬م ْن َ‬
‫ص َام َرَم َ‬
‫ت لُفالن فيه‬ ‫ت من خري أو شر ‪ ،‬وَتَق دََّم ْ‬ ‫َما َتَق‪##‬دََّم م ْن َذنْب‪##‬ه ) ‪ ،‬وال َق َدم كل ما ق ّدْم َ‬
‫ُة‬ ‫َدُم والُق ْدم‬ ‫ٍّر ‪ ،‬والَق‬ ‫دُّم يف خري وش‬ ‫َدٌم ‪ ،‬أي َتَق‬ ‫قَ‬
‫الس‬
‫ص‪ْ #‬د ٍق ِعْن‪َ #‬د َربِِّه ْم ‪[ ‬يونس‪:‬‬ ‫َن لَُهم قَ‪َ #‬دم ِ‬
‫آمنُ‪#‬وا أ َّ ْ َ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫َْبقَُة يف األمر ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬وبَ ِّشِر الذ َ‬
‫َثرة‬ ‫ِ ٍ‬
‫يقال ‪ :‬لفالن قََِدُم ص ْدق أَِي أ َ‬ ‫ال صاحلا ق ّدموه‬ ‫‪ ، ]2‬ومعىن قدم صدق يعين عم ً‬
‫َح َس نة ‪ ،‬ويق ول تع اىل ‪َ  :‬ولََ‪#‬ق ‪#ْ #‬د َعِل ْمَنا ال ُْم ْس ‪َ# #‬تْق ِدِم َين ِمْن ُك ْم َولََ‪#‬ق ‪#ْ #‬د َعل ْمَنا ال ُْم ْس ‪َ# #‬تأْخ ِر َين ‪‬‬
‫[احلجر‪ ، ]24 :‬قيل معناه لقد علمنا املستقدمني منكم يف طاعة أو من ي ْأيت منكم أَو ًال‬
‫إِىل املسجد ومن يْأيت متأَخرا ‪ ،‬أو من يتقدم من الناس على صاحبه يف املوت (‪. )2‬‬
‫واملق دم س بحانه هو ال ذي يق دم وي ؤخر وفق مش يئته وإرادته ‪ ،‬فالتق دمي من أن واع‬
‫التدبري الذي يتعلق بفعل اهلل يف خلقه ‪ ،‬وهو على نوعني ‪ ،‬كوين وشرعي ‪ ،‬فالتقدمي‬
‫الك وين تق دير اهلل يف خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك يف قوله ‪  :‬قُ ‪#ْ #‬ل ال أَْمِل ‪ُ #‬‬
‫‪#‬ك‬
‫اعًة َوال‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬ل ِإ َذا َج‬ ‫ض‪#‬راً وال َنْفع‪#‬اً ِإال ما َش‪#‬اء اللَُّه لِ ُك ِّ ٍ‬
‫لَِنْف ِس‪#‬ي َ‬
‫َجلُُه ْم فَال يَ ْس‪َ#‬تأْخُرو َن َس‪َ #‬‬
‫‪#‬اء أ َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َج‬
‫‪#‬ل أَُّمة أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْسَتْق ِدُمو َن ‪[ ‬يونس‪ ، ]49 :‬وقوله تعاىل ‪  :‬قُ ْل لَ ُك ْم م َيع ُاد َيْوم ال تَ ْسَتأْخُرو َن َعْن ُه َس‪َ #‬‬
‫اعًة‬
‫َوال تَ ْس ‪َ#‬تْق ِدُمو َن ‪[ ‬س بأ‪ ، ]30 :‬وأيضا من التق دمي املتعلق بالت دبري الك وين ‪ ،‬اص طفاء‬
‫احلق ملن ش اء من خلقه ‪ ،‬وتق دمي بعض خلقه على بعضه ‪ ،‬بن اء على حكمته يف‬
‫آدَم‬
‫اصطََفى َ‬‫ابتالء املخلوقات واصطفاء من شاء للرساالت كما قال تعاىل ‪ِ  :‬إ َّن اللََّه ْ‬
‫ين ‪[ ‬آل عمران‪ ، ]33 :‬وقوله عن مرمي ‪ :‬‬ ‫ِ‬ ‫آل ِإب‪#‬ر ِاهيم و َ ِ‬
‫آل ع ْم َ‪#‬را َن َعَلى الَْع‪#‬الَم َ‬ ‫َونُوحاً َو َ ْ َ َ َ‬
‫ين ‪[ ‬آل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ال َْمالئِ َك‪ُ #‬ة يَا َم‪#ْ #‬ريَ ُم ِإ َّن اللََّه ا ْ‬
‫وِإ ْذ قَ‪##‬ال ِ‬
‫ص‪#‬طََفاك َعَلى ن َس‪#‬اء الَْع‪##‬الَم َ‬ ‫ص‪#‬طََفاك َوطَهََّرك َوا ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ‪#‬طََف ُاه َعَلْي ُك ْم َوَز َادُه بَ ْس ‪#‬طًَة في الْعلِْم‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ال إ َّن اللَه ا ْ‬
‫عم ران‪ ، ]42 :‬وقوله عن ط الوت ‪  :‬قَ‪َ #‬‬
‫َوال ِْج ْس‪ِ #‬م َواللَُّه ُي‪#ْ #‬ؤتِي ُمْل َ‪#‬ك ُ‪#‬ه َم ْن يَ َش‪ُ #‬اء َواللَُّه َوا ِس‪ٌ #‬ع َعِل ٌيم ‪[ ‬البق رة‪ ، ]247 :‬فهذا اصطفاء‬
‫وتقدمي يتعلق بالتدبري الكوين ‪.‬‬
‫أما التق دمي الش رعي فهو متعلق مبحبة اهلل لفعل دون فعل ‪ ،‬وتق دمي بعض األحك ام‬
‫على بعض ملا تقتض يه املص لحة اليت تع ود على العب اد ‪ ،‬كما يف س نن َالنس ائي‬
‫ص‪#‬لُّو َن‬ ‫وصححه األلباين من حديث الب ر ِاء ‪ ‬أن نيب اهلل ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َّن اهلل وم َِ‬
‫الئ َكَت‪#ُ #‬ه يُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ‬
‫س‪،‬‬ ‫ص‪ِّ #‬دقُُه َم ْن َس‪ِ #‬مَع ُه ِم ْن َر ٍ‬
‫طب َويَ‪#‬ابِ ٍ‬ ‫ف الْمق‪#‬دَِّم ‪ ،‬والم َ‪#‬ؤ ّذن ي ْغَف‪#‬ر َل ُ‪#‬ه بِم ِّ‪#‬د ِِ‬
‫ص‪ْ#‬وته ‪َ ،‬ويُ َ‬
‫َ ُ ُ ُ َ َ‬ ‫ص‪ُ ِّ #‬‬‫َعَلي ال َّ‬

‫‪1‬البخاري يف كتاب الصوم ‪ ،‬باب صوم رمضان احتسابا من اإلميان ‪. )38 ( 1/22‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 12/467‬كتاب العني ‪ ، 5/122‬عون املعبود ‪. 2/331‬‬
‫(‪)83‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫هريرة ‪ ‬أن النيب‬ ‫أيب‬ ‫حديث‬ ‫من‬ ‫مسلم‬ ‫صحيح‬ ‫ويف‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫)‬ ‫صلَّى َمَع ُه‬
‫َ‬ ‫َج ِر َم ْن‬
‫ْ‬ ‫َول َُه ِمْثل أ‬
‫ف ال ُْمَق‪##‬دَِّم َلك ‪#‬انَ ْت ُقْر َع‪ً #‬ة ) (‪ ، )2‬وعند أيب‬ ‫ص ‪ِّ #‬‬‫‪ S‬ق ال ‪ ( :‬لَ‪#ْ #‬و َتْعَل ُ‪#‬م‪#‬و َن أَْو َيْعَل ُ‪#‬م‪#‬و َن َما ِفي ال َّ‬
‫ص‪َّ # #‬‬
‫ف‬ ‫ال ‪ ( :‬أَتُِّموا ال َّ‬ ‫ول اللَِّه ‪ S‬قَ َ‬ ‫س ‪ ‬أ ََّن َر ُس َ‬ ‫داود وص ححه األلب اين من ح ديث أَنَ ِ‬
‫ف ال ُْم‪#َ #‬ؤ َّخِر ) (‪ ، )3‬وال ع ربة مبن‬ ‫ص َفلَْي ُك ْن ِفي ال َّ‬
‫ص‪ِّ # #‬‬ ‫ال ُْمَق‪##‬دََّم ثُ َّم الَّ ِذي يَِلي ‪#ِ #‬ه فَ َما َك‪##‬ا َن ِم ْن َنْق ٍ‬
‫ادعى أنه ال ي رغب يف التق دم إىل الصف األول حبجة أن الن اس يطلب ون فيه األجر‬
‫وأن والعب ادة احلق هي ما يك ون بغري ع وض أو مقابل (‪ ، )4‬وعند البخ اري من‬
‫ص‪# #‬الِ َحًة فَ َخْي‪#ٌ #‬ر‬ ‫‪#‬ازِة ‪ ،‬فَ‪ِ# #‬إن تَ ‪ُ #‬‬
‫‪#‬ك َ‬
‫ح ديث أيب هري رة ‪ ‬أن النيب ‪ S‬ق ال ‪ ( :‬أَ ْس‪ِ # #‬ر ُعوا بِ ِ‬
‫الجَن ‪َ #‬‬
‫كم ) (‪. )5‬‬ ‫ضُعونَُه َع ْن ِرقَابِ ْ‬ ‫ك فَ َشٌّر تَ َ‬‫ُتَقدُِّموَنَها ِإلَْيِه ‪َ ،‬وِإن يَك ِسَوى َذلِ َ‬
‫مواض عها على مقتضى احلكمة‬ ‫ض عها يف ِ‬ ‫فاملَق دِّم س بحانه هو ال ذي يُق دِّم األش ياء ويَ َ‬
‫دمي ق ّدمه ومن اس تحق الت أخري أخ ره ‪ ،‬واهلل تع اىل‬ ‫حق التق َ‬ ‫اس َت ّ‬ ‫واالس تحقاق ‪ ،‬فمن ْ‬ ‫ُ‬
‫أيضا هو املقدم الذي قدم األحباء وعصمهم من معصيته ‪ ،‬وقدم رسول اهلل ‪ S‬على‬
‫األنبي اء تش ريفا له على غ ريه ‪ ،‬وق دم أنبي اءه وأولي اءه على غ ريهم ‪ ،‬فاص طفاهم‬
‫ونصرهم وطهرهم وأكرمهم (‪. )6‬‬
‫‪   -63‬المؤخر ‪:‬‬
‫أخر يؤخر تأخريا ‪ ،‬والتأخر ضد التقدم ‪ ،‬ومنه‬ ‫ّ‬ ‫املؤخر يف اللغة عكس املقدم ‪ ،‬فعله‬
‫ِ‬
‫س‪#‬ول اهلل ‪S‬‬ ‫ال ‪َ ( :‬فَتَب َّس َم َر ُ‬
‫ِ‬
‫ما ورد عند البخاري من حديث ُع َمَر بْ ِن اخْلَطَّاب ‪ ‬أَنَُّه قَ َ‬
‫اهلل بْ ِن َعمْ ِرو ‪ ‬أَن‬ ‫بْد ِ‬‫وقَ ‪#َ #‬ال ‪ :‬أَخِّر َعنِّى يا ُعم‪##‬ر ) (‪ ، )7‬وعند البخ اري من ح ديث ع ِ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪) 8‬‬ ‫ِ‬
‫النيب ‪ ( : S‬ما سئل َع ْن َشيْء قُدَِّم َو َال أُخَِّر إال قَ َال ا ْفَع ْل َو َال َحَر َج ) ‪ ،‬وعند البخاري‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫ٍك ‪ ‬قَ‬ ‫س ب ِن مالِ‬
‫ال ‪#َ ( :‬ك ‪## # # # # # # # # # # # # # # # # # # #‬ا َن‬ ‫َ‬ ‫ديث أَنَ ِ ْ َ‬ ‫من ح‬
‫النَِّبيّ‬
‫‪#‬ع َبْيَنُه َما ‪َ ،‬وِإ َذا‬ ‫ش‪#‬مس أَخَّر الظُّْ‪#‬ه‪#‬ر ِإلَى وق ِ‬ ‫ُ ‪ِ S‬إ َذا ْارتَ َ‪#‬‬
‫ص‪ِ #‬ر ‪ ،‬ثُ َّم يَ ْج َ‪#‬م ُ‬
‫ْت الَْع ْ‬ ‫‪#‬ل أَ ْن تَِزي‪َ #‬غ ال َّ ْ ُ َ َ َ‬
‫‪#‬ل َقْب‪َ #‬‬
‫حَ‬

‫‪1‬النسائي يف األذان ‪ ،‬باب رفع الصوت باألذان ‪ ، )646 ( 2/13‬وانظر صحيح اجلامع ( ‪. )1841‬‬
‫‪2‬مسلم يف الصالة ‪ ،‬باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل األول فاألول منها ‪. )439 ( 1/326‬‬
‫‪3‬أبو داود يف الصالة ‪ ،‬باب تسوية الصفوف ‪ ، )671 ( 1/180‬وانظر صحيح اجلامع ( ‪. )122‬‬
‫‪4‬انظر طبقات الصوفية ص ‪ ، 489‬والتعرف ملذهب أهل التصوف ص ‪ ،161‬وصفة الصفوة ‪. 2/249‬‬
‫‪5‬البخاري يف اجلنائز ‪ ،‬باب السرعة باجلنازة ‪. )1252 ( 1/442‬‬
‫‪6‬النهاية يف غريب احلديث ‪. 4/25‬‬
‫‪7‬البخاري يف اجلنائز ‪ ،‬باب ما يكره من الصالة على املنافقني ‪. )1300 ( 1/459‬‬
‫‪8‬البخاري يف العلم ‪ ،‬باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغريها ‪. )83 ( 1/43‬‬
‫(‪)84‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ِ‬
‫صلَّى الظُّْهَر ثُ َّم َرك َ‬
‫ب ) (‪. )1‬‬ ‫ت َ‬‫َزا َغ ْ‬
‫ض ُعها يف َمواض عها ‪ ،‬إما ت أخريا كونيا‬ ‫ؤخر األش ياء َفَي َ‬
‫املؤخر س بحانه هو ال ذي يُ ّ‬ ‫و ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫كما ورد عند مس لم من ح ديث ابن مس عود ‪ ‬أن أم حبيبة ق الت ‪ ( :‬اللُه َّم أَْمتْعني‬
‫آلج ٍ‬
‫‪#‬ال‬ ‫َلت اهلل َ‪#‬‬ ‫‪#‬ال النَِّبي ‪ : S‬قَ‪#ْ #‬د س‪#‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫ول اهلل َوبِ‪#‬أَبِي أَبِي ُسفَيا َن َوبِ‪#‬أ َِخي ُمَعا ِويَ‪َ#‬ة ‪َ ،‬فَق‪َ #‬‬‫بِ‪#َ#‬زْو ِجي ر ُس‪ِ #‬‬
‫َ‬
‫‪#‬ل ِحِّلِه أَْو ُي َ‪#‬ؤخَِّر َش‪ْ#‬يًئا َع ْن ِحِّلِه َولَ ْ‪#‬و‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ئ‬‫ي‬‫‪#‬‬‫ش‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫َن‬ ‫ل‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫ٍ‬ ‫وم‬ ‫‪#‬‬‫س‬ ‫ق‬‫م‬ ‫ٍ‬
‫ضُروبَة َ َّ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َ ِّ َ َ ًْ َْ‬
‫ق‬ ‫ا‬ ‫اق‬ ‫ز‬ ‫َر‬‫أ‬‫و‬ ‫ٍ‬
‫ة‬ ‫ود‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫‪#‬‬ ‫م‬ ‫ٍ‬
‫ام‬ ‫ي‬‫َ‬
‫أ‬‫و‬ ‫مْ ٍ‬
‫َ‬
‫ض َل ) (‪. )2‬‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫أ‬‫و‬ ‫ا‬‫ر‬‫ي‬ ‫خ‬
‫َْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫ك‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ب‬‫ق‬‫ل‬
‫ْ‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫اب‬‫ٍ‬ ‫ذ‬‫ع‬
‫ْ ََ‬ ‫َو‬ ‫أ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫َّا‬
‫الن‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اب‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬
‫ْ ُ َ ْ ََ‬‫ك‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َن‬
‫أ‬ ‫اهلل‬ ‫ِ‬
‫ْت‬ ‫ل‬‫أ‬
‫َ‬‫س‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ن‬‫ك‬
‫ُْ َ‬
‫ال ‪َ ( :‬د َخل ُ‬
‫ْت أَنَا‬ ‫حديث أَيِب َع ِطيََّة أنه قَ َ‬ ‫ِ‬
‫وإما تأخريا شرعيا كما ورد عند مسلم من‬
‫َح‪ُ #‬د ُه َما ُيَع ِّج ُل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص‪َ # #‬حاب ُم َح َّمد ‪ S‬أ َ‪#‬‬ ‫َ‬
‫الن م ْن أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ين َر ُج َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وق َعَلى َعائ َش‪َ # #‬ة َفُقلَْنا ‪ :‬يَا أَُّم ال ُْم‪#ْ #‬ؤمن َ‬ ‫َوَم ْس‪ُ# #‬ر ٌ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َت أَُّيُه َما الذي ُيَع ِّج ُل‬ ‫الَة ‪ ،‬قَ‪##‬ال ْ‬
‫ص‪َ #‬‬ ‫اآلخ ُ‪#‬ر ُي‪#َ #‬ؤخُِّر ِ‬
‫اإلْفطَ‪#َ #‬ار َوُي‪#َ #‬ؤخُِّر ال َّ‬ ‫الَة ‪َ ،‬و َ‪#‬‬ ‫ص‪َ #‬‬ ‫ِ‬
‫اإلْفطَ‪#َ #‬ار َوُيَع ِّج ُل ال َّ‬
‫ص‪َ#‬ن ُع‬
‫ك َك‪#‬ا َن يَ ْ‬ ‫َت ‪#َ :‬ك َذلِ َ‬‫‪#‬ال ‪ُ :‬قلَْنا َعْب‪ُ #‬د اللَِّه َيْعِني ابْ َن َم ْس‪ُ #‬عود ‪ ،‬قَ‪#‬ال ْ‬ ‫الَة ؟ قَ َ‬ ‫ص‪َ #‬‬ ‫ِ‬
‫اإلْفطَ َ‪#‬ار َوُيَع ِّج ُل ال َّ‬
‫ول اللَِّه ‪. )3( ) S‬‬ ‫َر ُس ُ‬
‫واملؤخر أيضا هو الذي يؤخر العذاب مبقتضى حكمته ابتالء لعباده لعلهم يتوبوا إليه‬
‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫َّاس بِظُلْمِه ْم َما َت َ‪#‬ر َك َعَلْيَها م ْن َدابَّة َولَك ْن ُي َ‪#‬ؤخُِّر ُه ْم ِإلَى أ َ‬
‫َج ٍ‪#‬ل‬ ‫قال تعاىل ‪َ  :‬ولَْو ُيَؤاخ ُذ اللُه الن َ‬
‫اعًة َوال يَ ْس‪َ#‬تْق ِدُمو َن ‪[ ‬النحل‪ ]61 :‬وقال ‪َ  :‬وال‬ ‫ِ‬
‫َجلُُه ْم ال يَ ْس‪َ#‬تأْخُرو َن َس‪َ #‬‬ ‫ُم َس‪ّ #‬م ًى فَ‪ِ#‬إ َذا َج َ‬
‫‪#‬اء أ َ‬
‫ال َع َّما يْعم‪#‬ل الظَّالِمو َن ِإنَّما ي َ‪#‬ؤخِّر ُهم لِي‪#‬وٍم تَ ْش‪َ #‬خ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ار ‪[ ‬إبراهيم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ص‪#‬‬‫ص في‪#‬ه األَبْ َ‬ ‫ُ‬ ‫تَ ْح َس‪َ#‬ب َّن اللََّه َغ‪#‬اف ً َ َ ُ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ‬
‫ويؤخر ما يشاء (‪، )4‬‬ ‫يقدُم ما يشاءُ حبكمته‬ ‫‪ ]42‬فاملؤخر هو املن ِز ُل لألشياء منازهَلا ِ‬
‫ُ‬
‫والفرق بني اآلخر واملؤخر أن اآلخر دل على صفة من صفات الذات واملؤخر دل‬
‫على صفة من صفات الفعل ‪.‬‬
‫‪   -64‬المليك ‪:‬‬
‫لكا‪ ،)5‬ومجع‬ ‫ُ (‬
‫املليك يف اللغة من صيغ املبالغة على وزن فعيل فعله ملك ميلك ِملكا وم‬
‫املليك ملك اء ‪ ،‬واملليك هو املالك العظيم امللك ‪ ،‬ويك ون مبعىن امللك ‪ ،‬وهو‬
‫وملكيته ‪ ،‬فله علو الش أن والقهر يف‬ ‫اسم ي دل على العلو املطلق للملك يف ملكه ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وصف امللكية ‪ ،‬وله علو الش أن والفوقية يف وصف امللك واالس تواء على الع رش ‪،‬‬
‫قال أمية بن أيب الصلت ‪:‬‬
‫‪1‬البخاري يف كتاب تقصري الصالة ‪ ،‬باب يؤخر الظهر إىل العصر ‪ ، )1060 ( 1/374‬وانظر كتاب العني‬
‫للخليل بن أمحد ‪ ، 303 /4‬واملغرب للمطرزي ‪. 1/32‬‬
‫‪2‬مسلم يف القدر ‪ ،‬باب بيان أن اآلجال واألرزاق وغريها ال تزيد وال تنقص ‪. )2663 ( 4/2050‬‬
‫‪3‬مسلم يف كتاب الصيام ‪ ،‬باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ‪. )1099 ( 2/771‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪. 4/11‬‬
‫‪5‬زاد املسري ‪ ،8/104‬روح املعاين ‪. 27/96‬‬
‫(‪)85‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫لك الحمد والنعماء والفضل ربنا ‪ :‬وال شيء أعلى منك جدا وأمجد‬
‫مليك على عرش السماء مهيمن ‪ :‬لعزته تعنو الوجوه وتسجد (‪. )1‬‬
‫والف رق بني املالك وامللك واملليك ‪ ،‬أن املالك يف اللغة ص احب املِْلك أو من له‬
‫ملكية الش يء وال يل زم أن يك ون له امللك ‪ ،‬فقد ي ؤثر امللك على املالك وملكيته‬
‫فيحجر على ملكيته أو ينازعه فيها أو يسُ لبها منه ‪ ،‬أما امللك فهو أعم من املالك‬
‫ألنه غ الب ق اهر ف وق كل مالك ‪ ،‬فامللك من له امللكية وامللك معا ‪ ،‬أو هو مالك‬
‫امللك ‪ ،‬واملليك ص يغة مبالغة يف إثب ات كم ال امللكية وامللك معا مع دوامها أزال‬
‫وأب دا ‪ ،‬فاملليك أك ثر مبالغة من امللك ‪ ،‬وامللك أك ثر مبالغة من املالك ‪ ،‬ق ال ابن‬
‫اجلوزي ‪ ( :‬املليك هو املالك وبن اء فعيل للمبالغة يف الوصف ‪ ،‬ويك ون املليك مبعىن‬
‫امللك ) (‪ ، )2‬فاسم اهلل املليك يشمل األمرين معا امللكية وامللك (‪. )3‬‬
‫‪   -65‬المقتدر ‪:‬‬
‫املقت در اسم فاعل من اقت در ‪ ،‬فعله اقت در يقت در اقت دارا ‪ ،‬واألصل‬
‫قد‬
‫ّ‬
‫وقدر يق در ق درة ‪ ،‬واملقت در ُمْفَت ِعل من اْقَت َدَر ‪ ،‬وهو أك ثر مبالغة من‬
‫َر يق در ‪َ ،‬‬
‫الق ادر والق دير (‪ ، )4‬ق ال ابن منظ ور ‪ ( :‬املْقَت ِدر الوسط من كل ش يء ‪ ،‬ورجل‬
‫والقصري ) (‪ ، )5‬والمقتدر على الشيء هو‬ ‫مقت ِدر اخلْلق أَي وسطُه ‪ ،‬ليس بالطويل ُ‬
‫ََ‬ ‫ُ َْ ُ َ‬
‫املتمكن منه بإحاطة تامة وقوة واملهيمن عليه بإحكام كامل وقدرة ‪ ،‬قال البيهقي‬
‫‪ ( :‬املقتدر هو التام القدرة الذي ال ميتنع عليه شيء ) (‪. )6‬‬
‫وقال املناوي ‪ ( :‬املقتدر من االقتدار وهو االستيالء على كل من أعطاه حظا من‬
‫قدرته ‪ ..‬واملقت در أبلغ من الق ادر ملا يف البن اء من معىن التكلف واالكتس اب ‪،‬‬
‫فإن ذلك وإن امتنع يف حقه تعاىل حقيقة لكنه يفيد املعىن مبالغة ) (‪. )7‬‬

‫‪1‬تفسري القرطيب ‪ ، 11/248‬وروح املعاين ‪. 9/113‬‬


‫‪2‬انظر زاد املسري يف علم التفسري البن اجلوزي ‪ ، 8/104‬وانظر أيضا ‪ :‬الفروق اللغوية أليب هالل العسكري‬
‫ص ‪ ، 513‬وتاج العروس للزبيدي ‪. 7/181‬‬
‫‪3‬انظر يف تفسري االسم أيضا ‪ :‬األمساء والصفات ص ‪ ، 46‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪. 188‬‬
‫‪4‬النهاية يف غريب احلديث ‪. 4/22‬‬
‫‪5‬لسان العرب ‪. 5/79‬‬
‫‪6‬االعتقاد واهلداية إىل سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب احلديث البيهقي ص ‪. 63‬‬
‫‪7‬فيض القدير ‪ ، 2/487‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 657‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 200‬‬
‫(‪)86‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫واملقتدر سبحانه وتعاىل هو الذي يقدِّر األشياء بعلمه وينفذها بقدرته ‪ ،‬فاملقتدر‬
‫جيمع داللة اسم اهلل الق ادر وامسه الق دير معا ‪ ،‬فاس م اهلل الق ادر ه و ال ذي يق در‬
‫المق ادير يف علمه ‪ ،‬وعلمه املرتبة األوىل من قضائه وقدره ‪ ،‬واهلل عز وجل قدر كل‬
‫شيء قبل تصنيعه وتكوينه ‪ ،‬ونظم أمور اخللق قبل إجياده وإمداده ‪ ،‬فالقادر يدل على‬
‫التقدير يف املرتبة األوىل ‪ ،‬والقدير يدل على القدرة وتنفيذ املقدر يف املرتبة الرابعة من‬
‫مراتب القدر فالقدير هو الذي خيلق وفق سابق التقدير ‪ ،‬والقدر بدايته يف التقدير‬
‫وهنايت ه يف الق درة وحتقي ق املق در ‪ ،‬أما املقت در فيجمع وس طية الداللة مع املبالغة ‪،‬‬
‫وه ذا ما دل عليه معن اه يف اللغة ‪ ،‬حيث مجع يف داللته بني اسم اهلل الق ادر‬
‫والق دير معا فهو أبلغ منهما يف الداللة والوصف ‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل ‪َ  :‬وا ْ‬
‫ض‪ِ # #‬ر ْ‬
‫ب ل َُه ْم‬
‫ص‪َ#‬ب َح َه ِش‪#‬يماً تَ ْ‪#‬ذ ُر ُ‬
‫وه‬ ‫ض فَأَ ْ‬ ‫س‪َ #‬م ِاء فَا ْخَتَل‪َ #‬‬
‫ط بِ ِ‪#‬ه َنَب ُ‬
‫‪#‬ات األَْر ِ‬ ‫‪#‬اه ِم َن ال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫مثَ‪#‬ل الْحي ِ‬
‫‪#‬اة ال ُّ‪#‬دْنَيا َك َم‪#‬اء أَْنَزلَْن ُ‬‫َ َ ََ‬
‫ِ‬
‫اح َو َكا َن الل ُه َعَلى ُك ِّل َش ْيء ُمْقَتدراً ‪[ ‬الكهف‪ ، ]45 :‬أي مقتدرا على كل شيء‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫الريَ ُ‬
‫ِّ‬
‫من األشياء حيييه ويفنيه بقدرته ال يعجز عن شيء (‪ ، )1‬وق ال تع اىل عن فرعون‬
‫َخ‪َ # #‬ذ َع ِزي‪ٍ # # #‬ز ُمْقَت ‪#ِ # #‬دٍر ‪[ ‬القم ر‪ ، ]42 :‬ق ال‬
‫وقومه ‪َ  :‬ك‪#َّ # #‬ذبُوا بِآياتَِنا ُكِّلَها فَأَ َخ‪#ْ # #‬ذنَ ُاه ْم أ ْ‪#‬‬
‫الزركشي ‪ ( :‬واعلم أن اللفظ إذا ك ان على وزن من األوزان مث نقل إىل وزن‬
‫آخر أعلى منه فال بد أن يتض من من املعىن أك ثر مما تض منه أوال ‪ ،‬ألن األلف اظ‬
‫أدلة على املع اين ف إذا زي دت يف األلف اظ وجب زي ادة املع اين ض رورة ومنه قوله‬
‫تع اىل ‪  :‬فَأَ َ‪#‬خ ْ‪#‬ذنَ ُاه ْم أ َْخ‪َ #‬ذ َع ِزي ‪ٍ #‬ز ُمْقَت‪#ِ #‬دٍر ‪ ‬فهو أبلغ من ق ادر لداللته على أنه ق ادر‬
‫متمكن القدرة ال يرد شيء عن اقتضاء قدرته ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة املعىن‬
‫) (‪. )2‬‬
‫‪   -66‬المسعر ‪:‬‬
‫املسعر يف اللغة اسم فاعل من التسعري ‪ ،‬فعله سعر يسعر تسعريا وتسعرية ‪ ،‬يقال ‪:‬‬
‫وسَّعُروا إذا اتفقوا علي ِس ْعر ‪ ،‬وهو من َسَّعر النار إذا رفعها ‪ ،‬ألن‬ ‫أسَعر أهل السوق َ‬ ‫ْ‬
‫الس ْعر يوصف باالرتف اع ‪ ،‬و َس َعرت الن َار إذا أوق دهَت ما وس َّعرهتا بالتش ديد للمبالغة‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ت اش تعلت واس توقدت ‪ ،‬ون ار َس ع ٌري يعين مس تعرة ومرتفعة ‪،‬‬ ‫ت وتَ َس َّعَر ْ‬
‫اس َتَعَر ْ‬
‫وْ‬
‫‪#‬اه ْم َس‪ِ #‬عيراً ‪[ ‬اإلسراء‪:‬‬ ‫والسعري النار والسعار حر النار ومنه قوله ‪ُ  :‬كلََّما َخَب ْ‬
‫ت ِز ْدنَ‪ُ #‬‬
‫ْج ِح ُيم ُسِّعَر ْت ‪[ ‬التكوير‪ ، ]12 :‬وناقة مس عورة‬ ‫‪ ، ]97‬وكذلك قوله تعايل ‪َ  :‬وِإ َذا ال َ‬

‫‪1‬فتح القدير للشوكاين ‪. 3/290‬‬


‫‪2‬الربهان يف علوم القرآن أليب عبد اهلل حممد بن هبادر الزركشي ‪. 3/34‬‬
‫(‪)87‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ك أَن هبا جنون اً من س رعتها وكلب مس عور من ش دة هنشه وعضه يف الن اس ‪ ،‬أو‬
‫مسعور مبعىن جوعان متلهف للطعام وااللتهام ‪.‬‬
‫واملس عر س بحانه هو ال ذي يزيد الش يء ويرفع من قيمته أو مكانته أو ت أثريه يف‬
‫اخلالئق ‪ ،‬فيقبض ويبسط وفق مش يئته وحكمته ‪ ،‬والتس عري وصف كم ال يف حقه‬
‫وهو من صفات فعله وحكمه وأمره وال اعرتاض ألَحد من خلقه عليه ‪ ،‬فهو الذي‬
‫يرخص األشياء ويغليها وفق تديره الكوين أو ما أمر به العباد يف تدبريه الشرعي ‪،‬‬
‫قال عبد الرءوف املناوي ‪ ( :‬املسعر هو الذي يرفع سعر األقوات ويضعها ‪ ،‬فليس‬
‫ذلك إال إليه وما تواله اهلل بنفسه ومل يكله إىل عباده ال دخل هلم فيه ) (‪. )1‬‬
‫واملسعر سبحانه هو ال ذي يسعر بعدله الع ذاب على أعدائه ‪ ،‬وه ذا حقه من جهة‬
‫تدبري الكوين حيث أوجد النار وزادها سعريا على الكفار ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬وَم ْن َي ْه ِد‬
‫‪#‬اء ِم ْن ُدونِ‪#ِ # #‬ه َونَ ْح ُ‬
‫ش ‪ُ# #‬ر ُه ْم َي‪#ْ # #‬وَم الِْقَي َام‪#ِ # #‬ة َعَلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللَّه َف ‪#‬ه ‪##‬و الْم ْهت‪#ِ # #‬د ومن ي ْ ِ‬
‫ض ‪# #‬ل ْل َفَل ْن تَ ‪#‬ج‪َ #‬د لَُه ْم أَْولَي‪َ # #‬‬‫ُ ُ َ ُ َ ََ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ص ‪ّ #‬ماً َم‪#‬أَْو ُاه ْم َجَهن َُّم ُكلَما َخَب ْت ز ْدنَ‪#ُ #‬اه ْم َس ‪#‬عيراً ‪[ ‬اإلس راء‪، ]97 :‬‬ ‫ُو ُ‪#‬ج‪#‬وهِه ْم ُع ْمي ‪#‬اً َوبُ ْكم ‪#‬اً َو ُ‬
‫وقال ‪َ  :‬وَم ْن ل َْم ُيْؤِم ْن بِاللَِّه َوَر ُسولِِه فَِإنَّا أَ ْعَت ْدنَا لِْل َك ِاف ِر َين َسِعيرا ً‪[ ‬الفتح‪ ، ]13 :‬واملسعر‬
‫أيضا هو الذي يتوىل التعذيب بالنار يف الدنيا ‪ ،‬وهذا من جهة تدبريه الشرعي فال‬
‫يع ذب بالن ار ‪ ،‬فعند أيب داود وص ححه األلب اين من ح ديث محزة األس لمي ‪ ‬أن‬
‫وه بِالنَّا ِر ‪#َ ،‬ف ‪#َ #‬ولَّْي ُ‬
‫ت‬ ‫‪#‬اح ِرقُ ُ‬ ‫رس ول اهلل ‪ S‬أم ره على س رية ق ال له ‪ِ ( :‬إ ْن َو َ‪#‬ج ‪#ْ #‬دتُ ْم فُ َ‬
‫النًا فَ‪ْ # #‬‬
‫ب بِالنَّا ِر ِإ َّال َر ُّ‬
‫ب‬ ‫‪#‬وه فَِإنَُّه َال ُيَع ِّ‪#‬ذ ُ‬
‫وه َو َال تُ ْح ِرقُ ُ‬ ‫ت ِإلَْيِه َفَق َال ‪ِ :‬إ ْن َو َج ْدتُ ْم فُ َ‬
‫النًا فَاقُْتلُ ُ‬ ‫َفَن َادانِي َفَر َجْع ُ‬
‫النَّا ِر ) (‪. )2‬‬
‫‪   -67‬القابض ‪:‬‬
‫ض ِخ ُ‬
‫الف‬ ‫ض ه َقْبض اً وقَبض ة ‪ ،‬والَقْب ُ‬ ‫ض ه َيْقِب ُ‬ ‫الق ابض يف اللغة اسم فاعل ‪ ،‬فعله َقَب َ‬
‫ف على الش يء وهو من أوص اف اليد وفعلها ‪،‬‬ ‫ْع الك ّ‬ ‫َالب ْس ط وهو يف حقنا مَج ُ‬
‫بض عليه‬ ‫جِب‬
‫والقْبضة ما أَخذت ُ ْم ِع كفِّك كله تقول ‪ :‬هذا ُقْبض ُة كفِّي أَي قدر ما َتْق ُ‬
‫َت لِي َنْف ِس‪#‬ي ‪‬‬ ‫ول َفَنَب ْ‪#‬ذُتَها َو َ‪#‬ك َذلِ َ‬
‫ك َس‪َّ#‬ول ْ‬ ‫ضًة ِم ْن أَثَ‪ِ #‬ر َّ‬
‫الر ُس‪ِ #‬‬ ‫ت َقْب َ‬
‫ضُ‬‫‪ ،‬قال السامري ‪َ  :‬فَقَب ْ‬
‫حافر َفرس الرسول (‪ ، )3‬وعند مسلم من حديث إِيَاس‬ ‫[طه‪ ]96 :‬أَراد من تراب أَثر ِ‬
‫بْن َسَل َمَة عن أبيه ‪ ‬أنه قال غزونا مع رسول اهلل ‪ُ S‬حَنْيًنا ‪ ..‬إىل أن قال ‪:‬‬
‫‪1‬فيض القدير شرح اجلامع الصغري للمناوي ‪ ، 2/337‬والنهاية يف غريب احلديث البن األثري ‪. 2/368‬‬
‫‪2‬رواه أبوداود يف كتاب اجلهاد ‪ ،‬باب يف كراهية حرق العدو بالنار ‪ ، )2673 ( 3/54‬وانظر صحيح سنن‬
‫أيب داود باختصار السند للشيخ حممد ناصر الدين األلباين ‪. )2327 ( 2/508‬‬
‫‪3‬لسان العرب البن منظور ‪. 7/213‬‬
‫(‪)88‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫اسَتْقَب َل بِ ِه‬
‫ْ‬ ‫ض ثُ َّم‬‫اب ِم َن األَْر ِ‬
‫ضًة ِم ْن ُتر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض َقْب‬‫َ‬ ‫اهلل ‪َ S‬نَز َل َع ِن الَْب ْغَلِة ثُ َّم َقَب‬ ‫ول ِ‬ ‫( َفَل َّما َغ ُشوا َر ُس َ‬
‫ض‪#‬ةِ‬ ‫ْ‬‫ا‬ ‫‪#‬ك‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ا‬‫اب‬‫ر‬‫ت‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ه‬‫ي‬‫ن‬‫ي‬‫ع‬ ‫َ‬
‫أل‬‫م‬ ‫َّ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬‫ن‬‫ا‬‫‪#‬‬‫س‬ ‫ن‬‫إ‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫وهُه ْم َفَق َال ‪َ :‬ش َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ ُ ْ ْ َ ً َ َْ َ ْ َُ ً َ َْ َ‬
‫ب‬‫ق‬ ‫ل‬ ‫الل‬ ‫‪#‬ق‬ ‫ل‬‫خ‬ ‫ا‬‫م‬‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫وه‬ ‫ج‬ ‫ْو‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫اه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُو ُج َ‬
‫‪#‬ل ) ‪ ،‬والقبض قد ي أيت مبعىن ت أخري اليد وع دم‬ ‫(‪) 1‬‬
‫ين َفَه‪#َ #‬زَمُه ُم اللَُّه َع‪#َّ #‬ز َو َج‪َّ #‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َفَولْوا ُم‪#ْ #‬دب ِر َ‬
‫المس ًة كما ورد عند‬ ‫ِ‬
‫م دها أو على املعىن املع اكس وهو تناول ك للش يء بي دك ُم َ‬
‫َّت يَ َد َها إِىَل‬‫ْرأًَة َم د ْ‬‫ائش ة رضي اهلل عنها أ ََّن ام َ‬ ‫النسائي وحسنه األلباين من حديث َع َ‬
‫النَِّبّي‬
‫ْخ ْ‪#‬ذُه‬
‫‪#‬اب َفَل ْم تَأ ُ‪#‬‬ ‫ت يَ‪#ِ #‬دي ِإلَْي‪َ #‬‬
‫‪#‬ك بِ ِكَت‪ٍ #‬‬ ‫ول اللَِّه َم‪َ #‬د ْد ُ‬
‫ت ‪ ( :‬يَا َر ُس ‪َ #‬‬
‫ض يَ َدُه َفَق الَ ْ‬ ‫ِ ‪ S‬بِ ِكَت ٍ‬
‫اب َفَقَب َ‬
‫ت ْام َ‪#‬رأًَة لَ َغَّيْر ِت‬‫‪#‬ال ‪ :‬لَ‪#‬و ُكْن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َفَق َال ‪ِ :‬إنِّي ل َْم أَ ْدِر أَيَ ُد ْامَرأٍَة ِهَي أَْو َر ُج ٍل قَال ْ‬
‫َت ‪ :‬بَ ْ‪#‬ل يَ‪ُ #‬د ْام َ‪#‬رأَة ‪ ،‬قَ َ ْ‬ ‫ِ ِ ِ ِ (‪) 2‬‬
‫تاع وإِن‬ ‫ك امل َ‬ ‫ض َقبُولُ َ‬‫الشيء ْقبض اً يعين أَخذته ‪ ،‬والَقْب ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ض‬‫ْ‬ ‫ب‬
‫َ‬‫ق‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫أَ ْظَف َارك بالْحنَّاء )‬
‫تاع إِىل َحِّيِزك ‪ ،‬وصار الشيءُ َيف َقْب ِضتي‬ ‫ك املَ َ‬ ‫مل حُتَِّولُه من مكانه والقبض أيضا حَتْ ِويلُ َ‬
‫املريض إِذا تُ ويِّفَ أو أَش رف على املوت وعند البخ اري من‬ ‫ُ‬ ‫ِض‬
‫َ‬ ‫أَي يف ِمْل ِكي ‪ ،‬وقب‬
‫ض فَاْئِتَنا ) (‪ ، )3‬أَرادت‬ ‫ِ‬ ‫حديث أُس امةُ ‪ ‬قال ‪ ( :‬أَرس‪َ#‬ل ِ‬
‫ت ْابَن‪ُ #‬ة النَِّبي ‪ِ S‬إلَْي‪##‬ه ِإ َّن ْابًنا لي قُِب َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬
‫ت ‪ ،‬وق ال‬ ‫ْزَو ْ‬
‫ومعاجلة النَّْزع ‪ ،‬وَتَقبَّضت اجلل دُة يف الن ار أَي ان َ‬ ‫ِ‬
‫أَنه يف ح ال الَقْبض ُ‬
‫ض‪# # #‬و َن أَيْ ‪#ِ # #‬دَيُه ْم ‪[ ‬التوب ة‪ ، ]67 :‬أَي عن النفقة‬ ‫تع اىل يف وصف املن افقني ‪َ  :‬وَيْقِب ُ‬
‫والصدقة فال ُيْؤتون الزكاة (‪. )4‬‬
‫العب ِاد بلطفه‬‫والق ابِض س بحانه هو ال ذي ميسك ال رزق وغ ريه من األش ياء عن ِ‬
‫ِ ُ‬
‫ضِّي ُق األسباب على قوم‬ ‫َُ‬‫ي‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫وقدرته‬ ‫بأمره‬ ‫مات‬ ‫امل‬ ‫عند‬ ‫واح‬ ‫َر‬
‫ْ‬‫أل‬ ‫ا‬ ‫ض‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ق‬‫وي‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫وحكمته‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وامتحانا (‪ ، )5‬وقبضه تع اىل وإمساكه وصف حقيقي ال‬ ‫ويَو ِّس ع على آخ رين ابتالء‬‫ُ‬
‫نعلم كيفيته ‪ ،‬ن ؤمن به علي ظ اهره وحقيقته ‪ ،‬ال منثل وال نكيف ‪ ،‬وال نعطل وال‬
‫حنرف ‪ ،‬فاإلميان بص فات اهلل ف رع عن اإلميان بذاته والق ول يف ص فاته ك القول يف‬
‫ذاته ألننا ما رأينا اهلل تعاىل وما رأينا لذاته مثيال ‪ ،‬فهو أعلم بكيفية قبضه وبسطه أو‬
‫إمساكه وأخذه ‪ ،‬وال داعي للتأويل الذي انتهجه املتكلمون بكل سبيل ‪ ،‬فنؤمن مبا‬
‫أخرب اهلل بال متثيل وال تعطيل ‪ ،‬وعلى هذا اعتقاد السلف يف مجيع الصفات واألفعال‬
‫‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ( :‬وقد تواتر يف السنة جميء اليد يف حديث النيب ‪S‬‬
‫‪ ،‬فاملفهوم من هذا الكالم أن هلل تعاىل يدين خمتصتان به ذاتيتان له كما يليق جبالله‬
‫‪1‬مسلم يف اجلهاد والسري ‪ ،‬باب يف غزوة حنني ‪. )1777 ( 3/1402‬‬
‫‪2‬النسائي لسان العرب ‪ ، 7/214‬وانظر اشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪. 40‬‬
‫‪3‬البخاري باب قول النيب صلى اهلل عليه وسلم يعذب امليت ببعض بكاء أهله عليه ‪. )1224 ( 1/431‬‬
‫‪4‬تفسري ابن كثري ‪ ، 2/369‬وتفسري الثعاليب ‪. 2/140‬‬
‫‪5‬شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 241‬واملقصد األسىن للغزايل ص ‪. 82‬‬
‫(‪)89‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪ ،‬وأنه س بحانه خلق آدم بي ده دون املالئكة وإبليس (‪ )1،‬وأنه س بحانه يقبض األرض‬
‫ويطوى السموات بيده اليمىن وأن يداه مبسوطتان ) ‪.‬‬
‫ض‪#‬تُُه َي‪#ْ #‬وَم الِْقَي َام‪#ِ #‬ة َوال َّ‬
‫ض َج ِميع‪#‬اً َقْب َ‬ ‫قال تعاىل ‪  :‬وما قَ‪َ #‬دروا اللَّه ‪#‬ح َّ ِ‬
‫ات‬
‫س‪َ #‬م َاو ُ‬ ‫‪#‬ق قَ‪#ْ #‬دِره َواألَْر ُ‬ ‫ََ ُ َ َ‬
‫ات بَِي ِم ِين ‪#ِ # #‬ه ُس‪ْ# # #‬ب َحانَُه َوَتَع‪## #‬الَي َع َّما يُ ْش‪ِ # # #‬ر ُكو َن ‪[ ‬الزم ر‪ ، ]67 :‬وورد عند أيب داود‬
‫َم ْط ِويَّ ٌ‬
‫آدَم‬ ‫ِ‬
‫وسى ‪ ‬أن َر ُسول اللَّه ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َّن اللََّه َخَل َق َ‬ ‫وصححه األلباين من حديث أَبُي ُم‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َ‪#‬م ُ‪#‬ر‬
‫‪#‬اء مْنُه ُم األ ْ‬ ‫آدَم َعَلى قَ‪#ْ #‬دِر األَْر ِ‬
‫ض‪#َ ،)2‬ج َ‬ ‫‪#‬اء َبنُو َ‬‫َ‬ ‫ج‬‫ض ‪ ،‬فَ َ‪#‬‬ ‫ض ‪ٍ#‬ة َقَب َ‬
‫ض ‪َ #‬ها م ْن َج ِمي‪#ِ #‬ع األَْر ِ‬ ‫م ْن َقْب َ‬
‫ْحْز ُن َواْل َخِب ُ‬
‫يث َوالطَِّّي ُ‬ ‫َسَو ُد َوَبْي َن َذلِ َ‬
‫(‬
‫ب) ‪.‬‬ ‫السْه ُل َوال َ‬
‫ك ‪َ ،‬و َّ‬ ‫ض َواأل ْ‬ ‫َواألَْبَي ُ‬
‫‪   -68‬الباسط ‪:‬‬
‫ض وأَرض ُمْنَبسطة‬ ‫والب ْس ُط نقيض الَقْب ِ‬ ‫يبسط بَسطا ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫بسط‬ ‫َ‬ ‫الباسط اسم فاعل فعله‬
‫وتب َّسط يف البالد أَي سار‬ ‫وانبس ط الشيء على األَرض امتد عليها واتسع ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫مستويَة‬
‫الوجه يعين ُمَتَهِّل ٌل ‪ ،‬و َالب ِسي ُط هو الرجل امل َنب ِسط اللسان‬ ‫فيها طو ًال وعرضاً ‪ ،‬وب ِسي ُط ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي يَ‪َ #‬د َك‬‫ْت إل َّ‬‫ب وأَكره ‪ ،‬بسطُها يعين َمدُّها ويف اآلية ‪  :‬لَئ ْن بَ َسط َ‬ ‫وبسط إ َّيل يده مبا أُح ّ‬ ‫َ‬
‫لَِتْقُتَلِني َما أَنَا بَِب ِاس ٍط يَ ِد َي ِإلَْي َك َألقُْتَل َك ‪[ ‬املائدة‪ ، ]28 :‬وبسط الكف يستعمل على‬
‫ين يَ‪#ْ #‬د ُعو َن‬ ‫ْح ِّ َّ ِ‬ ‫أنواع فتارة للطلب حنو قول الل ه تعاىل ‪  :‬لَ‪#ُ #‬ه َد ْع‪#َ #‬وُة ال َ‪#‬‬
‫‪#‬ق َوالذ َ‬
‫ِم ْن ُدونِِه ال يَ ْسَت ِج ُيبو َن لَُه ْم بِ َش ْيٍء ِإال َكَب ِاس ِط َكَّفْيِه ِإلَى الَْم ِاء ‪[ ‬الرعد‪ ]14 :‬وتارة‬
‫اسطُو‬ ‫ات الْمو ِت والْمالئِ َك ُة ب ِ‬ ‫للأخذ حنو قوله ‪  :‬ولَو َترى ِإِذ الظَّالِمو َن ِفي َغمر ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫أَيْ‪#ِ #‬دي ِه ْم أ َْخ ِر ُ‪#‬ج‪#‬وا أَْنُف َس ‪ُ #‬ك ُم ‪[ ‬األنع ام‪ ، ]93 :‬وت ارة للصولة والض رب كما ق ال‬
‫وء َوَودُّوا لَْو تَ ْكُفُرو َن ‪[ ‬املمتحنة‪:‬‬ ‫الس ِ‬ ‫تعاىل ‪  :‬ويبسطُوا ِإلَي ُكم أَي ِديهم وأَل ِ‬
‫ْسَنَتُه ْم بِ ُّ‬ ‫ْ ْ ْ َُ ْ َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ف يَ َش‪ُ #‬اء‬ ‫‪#‬ق َكْي َ‬ ‫س‪#‬وطََتان ُيْنف ُ‬ ‫للبذل والعطاء حنو قوله ‪  :‬بَ ْل يَ َد ُاه َمْب ُ‬ ‫(‪) 3‬‬
‫‪ ، ]2‬وتارة‬
‫‪[ ‬املائدة‪ ، ]64 :‬وبسط اليد يف حقنا معلوم املعىن والكيفية أما يف حق‬
‫اهلل فمعلوم املعىن جمهول الكيفية ‪.‬‬
‫لباس ُط سبحانه هو الذي َيْب ُسط الرزق لعباده ُجبوده ورمحته ‪ ،‬ويوسعه عليهم ببالغ‬ ‫ا ِ‬
‫كرمه وحكمته ‪ ،‬فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته ‪ ،‬فإن شاء وسع وإن شاء‬
‫قرت فهو الباسط القابض ‪ ،‬فإن قبض كان ذلك ملا تقتضيه حكمته الباهرة ال لشيء‬
‫آخر فإن خزائن ملكه ال تفىن ومواد جوده ال تتناهى كما قال تعاىل ‪  :‬لَ ُ‪#‬ه َمَقالِي‪ُ #‬د‬

‫‪1‬جمموع الفتاوى ‪. 363 /6‬‬


‫‪2‬أبو داود يف كتاب السنة ‪ ،‬باب يف القدر ‪ ، )4693 ( 4/222‬وانظر صحيح اجلامع ( ‪. )1759‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 258 /7‬واملفردات ص ‪.122‬‬
‫(‪)90‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫[الشورى‪]12 :‬‬ ‫ض َيْب ُس‪ُ #‬ط ال ِّ‪#‬رْز َق لِ َم ْن يَ َش‪ُ #‬اء َوَيْق ِ‪#‬دُر ِإنَُّه بِ ُك ِّ‪#‬ل َش‪ْ #‬يٍء َعِل ٌيم ‪‬‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َواألَْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫ض َولَك ْن ُيَ‪#‬ن ِّ‪#‬ز ُل بَِق‪َ #‬دٍر َما يَ َش ‪ُ #‬اء ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬وق ال ‪َ  :‬ولَ‪#ْ #‬و بَ َس ‪َ #‬ط اللَُّه ال‪#ِّ #‬رْز َق لعَب‪##‬اده لََب َغ‪#ْ #‬وا في األَْر ِ‬
‫[الشورى‪. )1( ]27 :‬‬
‫والباسط سبحانه أيضا هو ال ذي يبسط ي ده بالتوبة ملن أس اء ‪ ،‬وهو ال ذي ميلي هلم‬
‫فجعلهم بني اخلوف والرجاء ‪ ،‬روى مسلم من حديث أيب موسى األشعري ‪ ‬أن‬
‫وب ُم ِسي ُء النََّها ِر ‪َ ،‬وَيْب ُس ُ‬
‫ط يَ َدُه بِالنََّها ِر‬ ‫ِ‬
‫ط يَ َدُه بِاللَّْي ِل لَيتُ َ‬
‫النيب ‪ S‬قال ‪ِ ( :‬إ َّن اللََّه َعَّز َو َج َّل َيْب ُس ُ‬
‫س ِم ْن َم ْغ ِربَِها ) ‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وب ُم ِسي ُء اللَّْي ِل َحتَّى تَ ْطلُ َع َّ‬
‫الش ْم ُ‬
‫ِ‬
‫لَيتُ َ‬
‫الباسط إال مقارنا للق ابض وأال يفصل بينهما‬ ‫(‪) 3‬‬
‫وبعض أهل العلم أوجب ع دم إطالق‬
‫ألن كم ال الق درة ال يتحقق إال هبما معا ‪ ،‬وه ذا الكالم فيه نظر ألن أمساء اهلل‬
‫كلها حسىن وكلها ت دل على الكم ال ‪ ،‬وكل واحد منها يفيد املدح والثن اء على‬
‫اهلل بنفسه كما أن األمساء احلسىن ال ختلو من التقييد العقلي باملمكنات (‪ ، )4‬فالقبض‬
‫مقيد مبا يش اء اهلل قبضه والبسط ك ذلك ‪ ،‬ول ذلك إذا ص رح النص بالتقييد ذكر‬
‫ف َم َّد الظِّ َّل َولَْو َش َاء ل َ‬
‫َجَعَل ُه‬ ‫الوصف فيه مفردا كما يف قوله تعاىل ‪  :‬أَل َْم َتَر ِإلَى َربِّ َ‬
‫ك َكْي َ‬
‫س َعَلْيِه َدلِي ًال ثُ َّم َقَب ْضَن ُاه ِإلَْيَنا َقْبضاً يَ ِسيراً ‪[ ‬الفرقان‪ ، ]46 :‬فالقبض‬ ‫اكناً ثُ َّم َجَعلَْنا َّ‬
‫الش ْم َ‬
‫سِ‬
‫َ‬
‫يف اآلية مقيد بالظل ‪ ،‬وإطالق الق ابض أيضا مقيد باملمكن ات ‪ ،‬وهك ذا يف س ائر‬
‫األمساء وداللتها على التقييد ب املفعوالت ‪ ،‬وق ال تع اىل يف البسط ‪  :‬وَلَ ‪#ْ #‬و بَ َس ‪َ #‬ط اللَُّه‬
‫ض ‪[ ‬الشورى‪ ، ]27 :‬فالبسط مقيد يف اآلية بالرزق ‪ ،‬فامسا‬ ‫الرْز َق لِِعَب ِادِه لََب َغْوا ِفي األَْر ِ‬
‫ِّ‬
‫اهلل القابض والباسط كل منهما يفيد املدح والثناء بنفسه ‪ ،‬وإن ذكرا مقرتنني زادت‬
‫داللة الكم ال يف وصف رب الع زة واجلالل ‪ ،‬كما هو احلال عند اق رتان احلي مع‬
‫القيوم ‪ ،‬والرمحن مع الرحيم والغين مع الكرمي ‪ ،‬والقريب مع اجمليب وغري ذلك من‬
‫أمساء اهلل ‪ ،‬فالقول بوجوب ذكر االمسني معا فيه نظر وإن كان مستحسنا ‪.‬‬
‫‪   -69‬الرازق ‪:‬‬
‫فع‬ ‫يرزق َرْزق اً و ِرْزق اً ‪ِّ ،‬‬
‫والرْز ُق هو ما ُيْنَت ُ‬ ‫الرازق يف اللغة اسم فاعل ‪ ،‬فعله َرَز َق ُ‬
‫واس َتْرَزقه يعين طلب منه ال ِّرزق ‪ ،‬وقد‬ ‫العط اء ‪ْ ،‬‬
‫به ومجع ه أَْرزاق ‪ ،‬وال رزق هو َ‬

‫‪1‬فتح القدير ‪ ، 2/57‬وكتاب األمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 85‬‬


‫‪2‬مسلم يف التوبة ‪ ،‬باب قبول التوبة من الذنوب ‪. )2759 ( 4/2113‬‬
‫‪3‬انظر تفسري الثعاليب ‪ ، 1/191‬تفسري أمساء اهلل احلسىن ص ‪ 40‬وانظر أيضا تفسري الثعاليب ‪.1/191‬‬
‫‪4‬اتظر أمساء اهلل احلسىن الثابتة يف الكتاب والسنة اجلزء األول اإلحصاء ص ‪. 34‬‬
‫(‪)91‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪‬‬ ‫يس مى املطر رزق اً ألَن ال ِّرْزق يك ون على أث ره ‪ ،‬ومعىن ق ول الل ه تع اىل ‪:‬‬
‫كر رزقكم مثل قوهلم ‪ُ :‬م ِطرنا‬ ‫ِّ‬
‫َوتَ ْجَِعلُو َن ِرْزقَ ُك ْم أَنَّ ُك ْم تُ َكذبُو َن ‪[ ‬الواقعة‪ ]82:‬أَي ُش َ‬
‫َرزاق نوعان ‪ :‬ظاهرة كاألَقوات لألَبدان ‪،‬‬ ‫َبن ْوء الثريا أو بنوء كذا وكذا ‪ ،‬واأل ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫وباطنة كاملعارف واإلميان للقلوب والنُّفوس ‪.‬‬
‫َ‬
‫والرا ِز ُق سبحانه هو الذي يرزق اخللائ ق أَمجعني ‪ ،‬وهو الذي قدر أرزاقهم قبل‬
‫خلق العاملني ‪ ،‬وهو الذي تكفل باستكماهلا ولو بعد حني ‪ ،‬فلن متوت نفس إال‬
‫باس تكمال رزقها كما أخربنا الص ادق األمني ‪ ، S‬روى ابن ماجة وص ححه‬
‫ابِِر ‪ ‬أن‬ ‫ديث َج‬ ‫اين من ح‬ ‫األلب‬
‫النَِّبّي‬
‫‪#‬وت َحتَّى تَ ْس‪َ#‬تْوِف َى‬ ‫َج ِملُ‪#‬وا ِفي الطََّل ِ‬
‫ب فَ‪ِ#‬إ َّن َنْف ًس‪#‬ا ل َْن تَ ُم َ‬ ‫ِ ‪ S‬قال ‪ ( :‬أَُّيَها الن ُ‬
‫َّاس َّاتُق‪#‬وا الل‪َ #‬ه َوأ ْ‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪#‬ل َو َد ُع‪#‬وا َما َح ُ‪#‬رَم )‬
‫ب ُ‪#‬خ ُذوا َما َح َّ‬ ‫َج ِملُوا ِفي الطََّل ِ‬
‫ِرْزَقَها َوِإ ْن أَبْطَأَ َعْنَها ‪ ،‬فَ َّاتُقوا الل َه َوأ ْ‬
‫ديث أيب أمامة ‪ ‬أن‬ ‫‪ ،‬ومن ح‬
‫النَِّبّي‬
‫ال ‪ ( :‬إن روح الق‪#‬دس نفث في روعي أن نفسا لن تم‪#‬وت ح‪#‬تى تس‪#‬تكمل أجلها‬ ‫ِ ‪ S‬قَ َ‬
‫وتستوعب رزقها ‪ ،‬فاتقوا اهلل وأجملوا في الطلب ‪ ،‬وال يحملن أحدكم استبطاء ال‪##‬رزق‬
‫أن يطلبه بمعصية اهلل ‪ ،‬فإن اهلل تعالى ال ينال ما عنده إال بطاعته ) (‪ ، )3‬وق ال تعاىل ‪:‬‬
‫س‪َ # # #‬م ِاء‬
‫‪#‬ل ِم ْن َخ‪## #‬الٍِق َغْي‪#ُ # #‬ر اللَِّه َي‪#ْ # #‬رُزقُ ُك ْم ِم َن ال َّ‬ ‫‪ ‬يا أَُّيها النَّاس ا ْذ ُك‪## #‬روا نِْعم َ َِّ‬
‫ت الله َعَلْي ُك ْم َه‪ْ # #‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ض َ‪[ ‬ف اطر‪ ، ]3:‬فالرازق اسم يدل على وصف الرزق املقارن للخلق يف‬ ‫َواألَْر ِ‬
‫التقدير األزيل وامليثاقي ‪ ،‬فاهلل سبحانه قدر خلقهم ورزقهم معا قبل وجودهم ‪،‬‬
‫وكتب أرزاقهم يف ال دنيا واآلخ رة قبل إنش ائهم ‪ ،‬ف الرزق وصف ع ام يتعلق‬
‫بعموم الكون يف عامل امللك وامللكوت ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ ( :‬والرزق اسم لكل ما يغتذى به اإلنسان وذلك يعم رزق الدنيا‬
‫ورزق اآلخ رة ‪ ..‬فالبد لكل خمل وق من ال رزق ‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل ‪َ  :‬وَما ِم ْن َدابٍَّة‬
‫ِفي األَْر ِ‬
‫ض ِإال َعَلى اللَِّه ِرْز ُقَها ‪[ ‬هود‪ ، ]6:‬حىت إن ما يتناوله العبد من احلرام هو‬
‫داخل يف هذا الرزق ‪ ،‬فالكفار قد يرزقون بأسباب حمرمة ويرزقون رزقا حسنا ‪،‬‬
‫‪1‬لسان العرب ‪. 10/115‬‬
‫‪2‬ابن ماجة يف كت اب التج ارات ‪ ،‬ب اب االقتص اد يف طلب املعيشة ‪ ، )2144 ( 2/725‬وانظر تص حيح‬
‫الشيخ األلباين للحديث يف صحيح اجلامع حديث رقم ( ‪.‌)2742‬‬
‫‪3‬انظر مسند الشهاب ‪ ، )1151 ( 2/185‬وانظر صحيح اجلامع رقم ( ‪. ) 2085‬‬
‫(‪)92‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وقد ال يرزقون إال بتكلف ‪ ،‬وأهل التقوى يرزقهم اهلل من حيث ال حيتسبون ‪،‬‬
‫وال يكون رزقهم بأسباب حمرمة وال يكون خبيثا ‪ ،‬والتقى ال حيرم ما حيتاج إليه‬
‫من ال رزق ‪ ،‬وإمنا حيمى من فض ول ال دنيا رمحة به وإحس انا إليه ‪ ،‬ف إن توس يع‬
‫الرزق قد يكون مضرة على صاحبه ‪ ،‬وتقديره يكون رمحة لصاحبه ) (‪.‌)1‬‬
‫‪   -70‬القاهر ‪:‬‬
‫الق اهر يف اللغة اسم فاعل للموص وف بقهر غ ريه ‪ ،‬فعله قهر يقهر قه را ‪،‬‬
‫َخ ذُت ُهم قهْرا‬ ‫وقهرت الشيء غلبته وعلوت عليه مع إذالله باالضطرار ‪ ،‬تقول ‪ :‬أ َ‬
‫أمره إىل الذل‬ ‫وج ْدتَه َمقهورا ‪ ،‬أو صار ُ‬ ‫الرجل إذا َ‬ ‫أَي من غري رضاهم ‪ ،‬وأقهِ ُر ُ‬
‫والص غار والقهر وعند الرتم ذي وص ححه األلب اين من ح ديث أَىِب ُهَري َْرة ‪ ‬مرفوعا‬
‫س‪َ #‬م ِاء قَ ْس‪َ#‬وًة‬
‫ض َو َعَلْونَا َم ْن ِفي ال َّ‬‫يف شأن يأجوج ومأجوج ‪َ ( :‬فَيُقولُو َن َقَهْرنَا َم ْن ِفي األَْر ِ‬
‫َو ُعلُ‪#ًّ #‬وا ) (‪ ، )2‬وروى أمحد وصححه األلباين من حديث أَبِي أيوب األنصاري ‪ ‬أن‬
‫النيب ‪ S‬قال ‪َ ( :‬ول َْم َيْع َم ْل َيْوَمِئ ٍذ َع َم ًال َيْقَهُر ُه َّن ‪ ..‬احلديث ) (‪. )3‬‬
‫والق اهر س بحانه هو الغ الِب على مجيع اخلالئق على املعىن الع ام ‪ ،‬ال ذي يعلو يف‬
‫قه ره وقوته فال غ الب وال من ازع له ‪ ،‬بل كل ش يء حتت قه ره وس لطانه ‪ ،‬ق ال‬
‫ب ك ‪ #‬ل ِإل ‪#ٍ #‬ه بِ َما َخل ‪َ #‬ق َو َلعال‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫تع اىل ‪َ  :‬ما اتَّ َخذ الل ‪#‬ه م ْن َولد َوَما كان َمَع‪#ُ #‬ه م ْن ِإل ‪##‬ه ِإذا ل ‪#‬ذ َه َ‬
‫ض ُس‪ْ#‬ب َحا َن الله َع َّما يَ ِص‪#‬فون َ‪[ ‬املؤمنون‪ ، ]91 :‬فيستحيل أن يكون هلذا‬ ‫ض‪ُ #‬ه ْم َعلى َبْع ٍ‬
‫َبْع ُ‬
‫العامل إال إله واحد ألن اهلل قاهر فوق عباده له العلو والغلبة ‪ ،‬فلو فرضنا وجود إهلني‬
‫اث نني خمتلفني ومتض ادين وأراد أح دهما ش يئا خالف ه اآلخ ر ‪ ،‬فال ب د عن د التن ازع من‬
‫غالب وخاسر ‪ ،‬فالذي ال تنفذ إرادته هو املغلوب العاجز ‪ ،‬والذي نفذت إرادته هو‬
‫القاهر القادر ‪ ،‬واهلل عز وجل قال عن نفسه ‪َ  :‬وُهَو الَق ِاهُر َفْو َق ِعَب ِادِه ‪[ ‬األنعام‪، ]61 :‬‬
‫أي هو ال ذي قهر كل ش يء ‪ ،‬وخضع جلالله كل ش يء ‪ ،‬وذل لعظمته وكربيائه‬
‫كل شيء ‪ ،‬وعال علي عرشه فوق كل شيء ‪ ،‬قال ابن جرير ‪ ( :‬ويعين بقوله القاهر‬
‫أي املذلل املستعبد خلقه العايل عليهم ‪ ،‬وإمنا قال فوق عباده ألنه وصف نفسه تعاىل‬
‫بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه ‪ ،‬فمعىن الكالم إذا ‪:‬‬

‫‪1‬جمموع الفتاوى ‪ ، 16/52‬وانظر يف معىن االسم أيضا األمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 86‬‬
‫‪2‬الرتمذي يف التفسري ‪ ،‬باب ومن سورة الكهف ‪ ، )3153 ( 5/313‬وانظر السلسلة الصحيحة ( ‪)3153‬‬
‫‪.‬‬
‫‪3‬أمحد يف املسند ‪ ، )23614 ( 5/420‬وانظر السلسلة الصحيحة ( ‪ ، )114‬وانظر لسان العرب ‪.5/120‬‬
‫(‪)93‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ملذل هلم العايل عليهم بتذليله هلم وخلقه إياهم ‪ ،‬فهو فوقهم بقهره‬ ‫واهلل الغالب عباده ا‬
‫إياهم وهم دونه ) (‪. )1‬‬
‫‪   -71‬الديان ‪:‬‬
‫الديان صيغة مبالغة على وزن فعال فعله َدان يدين دينا ‪ ،‬يقال ‪ :‬دنتهم فدانوا أي‬
‫ج ازيتهم وحاسبتهم وقهرهتم فأط اعوا ‪ ،‬وال ديان يطلق على امللك املط اع واحلاكم‬
‫والقاضي ‪ ،‬وهو ال ذي ي دين الن اس إما مبعىن يقه رهم وإما مبعىن حياس بهم ‪ ،‬فمن‬
‫األول دان الرجل الق وم إذا قه رهم ف دانوا له إذا انق ادوا ‪ ،‬ومن الث اين ال ديان مبعىن‬
‫احملاسب اجملازي ‪ ،‬قال خويلد بن نوفل الكاليب للح ارث الغساين وكان ملكا ظاملا‬
‫‪:‬‬
‫‪ :‬ليال وصبحا كيف يختلفان‬ ‫يا أيها الملك المخوف أما ترى‬
‫‪ :‬ليال وهل لك بالمليك يدان‬ ‫هل تستطيع الشمس أن تأتي بها‬
‫يا حار أيقن أن ملكك زائل ‪ :‬واعلم بأن كما تدين تدان (‪. )2‬‬
‫والدين اجلزاء ومالك يوم الدين أي يوم اجلزاء ‪ ،‬وقوله تعاىل عن الكافرين ‪  :‬أئ‪#‬ذا‬
‫‪#‬دينُو َن ‪[ ‬الص افات‪ ]53 :‬أي جمزيون حماسبون ‪ ،‬وقوله ‪ :‬‬ ‫ِمْتَنا َو ُكنَّا ُتَراب‪#‬اً َو ِعظَام‪#‬اً أَِإنَّا ل َ‪#‬‬
‫َم ِ‬
‫ص‪ِ #‬ادِق َين ‪[ ‬الواقعة‪ ، ]86/87 :‬أي مقهورين‬ ‫َفَلوال ِإ ْن ُكْنتُم َغْير م ِد ِين ِ‬
‫ين َتْرجُعوَنَها ِإ ْن ُكْنتُ ْم َ‬ ‫ْ َ َ (‪َ )3‬‬ ‫ْ‬
‫وم دبرين وجمزيني ‪ ،‬وقد يك ون ال ديان مبعين ص احب ال ديوان وهو الكت اب‬
‫احلافظ لألعم ال واحلق وق ومنه ما رواه أمحد واحلاكم من ح ديث عائشة رضي اهلل‬
‫الثَ‪ٌ#‬ة ‪ِ :‬دي‪#َ #‬وا ٌن َال َيْعَب‪#‬أُ اللَُّه بِ‪#ِ#‬ه‬ ‫ين ِعْن‪َ #‬د اللَِّه َع‪#َّ #‬ز َو َ‪#‬ج َّ‬
‫‪#‬ل ثَ َ‬ ‫ُ‬ ‫عنها أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪ ( :‬ال‪##‬دََّوا ِو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ) (‪. )4‬‬ ‫َشْيئاً ‪َ ،‬ود َيوا ٌن َال َيْتُر ُك اللَُّه مْن ُه َشْيئاً ‪َ ،‬ود َيوا ٌن َال َي ْغفُرُه ُ‬
‫وال ديان س بحانه هو ال ذي دانت له اخلليفة ‪ ،‬وعنت له الوج وه ‪ ،‬وذلت لعظمته‬
‫اجلب ابرة وخضع لعزته كل عزيز ‪ ،‬ملك ق اهر على ع رش الس ماء مهيمن ‪ ،‬لعزته‬
‫تعنو الوج وه وتس جد ‪ ،‬يرضى على من يس تحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه ‪،‬‬
‫ويغضب على من يس تحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقص يه ‪ ،‬فيع ذب من يش اء ‪،‬‬

‫‪1‬تفسري ابن جرير ‪ ، 161 /7‬وانظر تفسري البيضاوي ‪ ، 398 /2‬وتفسري القرطيب ‪. 399 /6‬‬
‫‪2‬مجهرة األمثال ‪ ، 2/168‬والصحاح للجوهري ‪ ، 5/2118‬والنهاية يف غريب احلديث ‪. 2/148‬‬
‫‪3‬قاعدة يف احملبة البن القيم ص ‪ ، 34‬ولسان العرب ‪ ، 11/525‬وفتح الباري ‪. 13/384‬‬
‫‪4‬أخرجه احلاكم يف املستدرك وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه ‪ ، )8717 ( 619 / 4‬وأمحد‬
‫يف املسند ‪ ، )26073 ( 6/240‬واحلديث ضعفه األلباين انظر ضعيف اجلامع حديث رقم ( ‪.‌)3022‬‬
‫(‪)94‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ويرحم من يشاء ويعطي من يشاء ‪ ،‬ومينع من يشاء ‪ ،‬ويقرب من يشاء ‪ ،‬ويقص ي‬
‫من يشاء ‪ ،‬له دار البقاء ‪ ،‬دار عذاب أليمة وهي النار ‪ ،‬ودار سعادة عظيمة وهي‬
‫اجلنة ‪ ،‬فهو ال ديان ال ذي ي دين العب اد أمجعني ويفصل بينهم ي وم ال دين (‪ ، )1‬كتب‬
‫أعماهلم فهي حاضرة ‪ ،‬وال يغادر صغرية وال كبرية إال أظهرها هلم يف اآلخرة ‪ ،‬قال‬
‫‪#‬اب َفَت‪##‬رى الْم ْج‪ِ #‬رِمين ُم ْش ‪ِ#‬فِقين ِم َّما ِفي ‪#ِ #‬ه وَيُقولُ ‪##‬و َن يَا وْيَلَتَنا َم‪ِ #‬‬ ‫ِ ِ‬
‫‪#‬ال َه‪َ #‬ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تع اىل ‪َ  :‬وُوض ‪َ #‬ع الْكَت‪ُ َ ُ #‬‬
‫ك‬‫ض ‪#‬راً َوال يَظِْل ُم َربُّ َ‬‫َحص ‪َ #‬اها ووج‪ُ #‬دوا ما َع ِملُ ‪##‬وا حا ِ‬
‫َ‬
‫‪#‬اب ال ي َغ ‪#ِ #‬ادر ِ‬
‫ص ‪#‬غ َيرًة َوال َكِب‪#َ #‬يرًة ِإال أ ْ َ َ َ َ َ‬
‫الْكَت‪َ ُ ُ ِ #‬‬
‫ِ‬
‫ْح ُّ‬
‫‪#‬ق‬ ‫ْح َّق َوَيْعَل ُمو َن أ َّ‬ ‫أَحداً ‪[ ‬الكهف‪ ، ]49 :‬وقال ‪  :‬يومِئ ٍذ يوفِّي ِهم ِ‬
‫اهلل ُه َ‪#‬و ال َ‬
‫َن َ‬ ‫اهلل د َينُه ُم ال َ‬
‫َ ْ َ َُ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ين ‪[ ‬النور‪. ]25 :‬‬ ‫ِ‬
‫ال ُْمب ُ‬
‫العباد بأعماهلم ‪ ،‬إن خريا فخ ريا‬
‫(‪) 2‬‬
‫قال ابن القيم يف معىن يوم الدين ‪ ( :‬يوم يدين اهلل‬
‫وإن شرا فشرا ‪ ،‬وذلك يتضمن جزاءهم وحساهبم ) ‪.‬‬
‫‪   -72‬الشاكر ‪:‬‬
‫الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر ‪ ،‬فعله شكر يشكر شكرا ‪ ،‬والشكر هو‬
‫الثن اء اجلميل على الفعل اجلليل ‪ ،‬وجمازاة اإلحس ان باإلحس ان ‪ ،‬روى أمحد‬
‫وصححه األلباين من حديث ص حيح أيب سعيد اخلدري ‪ ( : ‬أن عمر بن الخط‪#‬اب‬
‫ِ‬
‫‪ ‬دخل على النبي ‪ S‬فق‪#‬ال يا رس‪#‬ول اهلل ‪ :‬رأيت فالنا يش‪#‬كر ‪ ،‬ي‪#‬ذكر أَنَّك أَ ْعطَْيَت ُ‪#‬ه د َين َ‬
‫‪#‬اريْ ِن‬
‫‪ ،‬فق ‪##‬ال رس ‪##‬ول اهلل ‪ : S‬لكن فالنا قَ ‪#ْ #‬د أَ ْعطَْيتُ ‪#ُ #‬ه َما َبْي َن الَْع َش ‪َ#‬رِة ِإلَى ال ِْمائَ ‪#ِ #‬ة فما ش ‪##‬كر ‪َ ،‬وِإ َّن‬
‫‪#‬ال ُع َم ُ‪#‬ر ‪ :‬يَا‬ ‫َح َد ُه ْم لََي ْس‪#‬أَلُِني ال َْم ْس‪#‬أَلََة فَأُ ْع ِط َيها ِإيَّ ُاه َفَي ْخ ُ‪#‬ر ُج بَِها ُمَتأَبِّطَُها َوَما هي لَُه ْم ِإ َّال نَ ٌ‪#‬ار ‪ ،‬قَ َ‬
‫أ َ‪#‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل فَل َم ُتْعطي ِه ْم ؟ قَ َال ‪ِ :‬إَّنُهم يَأَْبْون ِإ َّال أَ ْن يَ ْسأَلُون ي َويَأْبَى ُ‬
‫(‪) 3‬‬
‫اهلل لَي الْبُ ْخ َل ) ‪.‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫والشكور أبلغ من الشاكر وهو املبالغ يف الشكر بالقلب واللسان واجلوارح ‪ ،‬قال‬
‫عبد ال رءوف املن اوي ‪ ( :‬الش كور الب اذل وس عه يف أداء الش كر بقلبه ولس انه‬
‫وجوارحه اعتق ادا واعترافا ‪ ،‬وقيل الش اكر من يش كر على الرخ اء والش كور على‬
‫البالء ‪ ،‬والشاكر من يشكر على العطاء ‪ ،‬والشكور من يشكر على املنع ) (‪. )4‬‬
‫واهلل سبحانه شاكر جيازي العباد على أعماهلم ‪ ،‬ويزيد من فضله أجورهم ‪ ،‬فيقابل‬
‫ش كرهم بزي ادة النعم يف ال دنيا وواسع األجر يف اآلخ رة ق ال تع اىل ‪  :‬فَ ‪##‬ا ْذ ُكُرونِي‬
‫أَ ْذ ُ‪#‬ك ْ‪#‬ر ُك ْم َوا ْش ‪ُ #‬كُروا لِي َوال تَكُف‪#ُ #‬رون ِ ‪[ ‬البق رة‪ ، ]152 :‬وق ال ‪َ  :‬وِإ ْذ تَ ‪#‬أ ََّذ َن َربُّ ُك ْم لَِئ ْن‬
‫‪204‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪1‬انظر الصالة وحكم تاركها ص ‌‬
‫‪2‬قاعدة يف احملبة البن القيم ص ‪ ، 34‬لسان العرب ‪ ، 11/525‬وفتح الباري ‪. 13/384‬‬
‫‪3‬أمحد يف املس ند ‪ ،‬وانظر صحيح الرتغيب والرتهيب حديث رقم ( ‪ ، )844‬وانظر شرح أمساء اهلل احلسىن‬
‫للرازي ص ‪ ، 291‬وتفسري األمساء للزجاج ص ‪. 47‬‬
‫‪4‬التوقيف على مهمات التعاريف ص ‪. 437‬‬
‫(‪)95‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪ ،‬وروى البخ اري من‬ ‫[إب راهيم‪]7 :‬‬ ‫َش ‪َ #‬كْرتُ ْم َألِزي ‪َ #‬دنَّ ُك ْم َولَِئ ْن َكَ‪#‬ف ْ‪#‬رتُ ْم ِإ َّن َع‪َ #‬ذابِي لَ َش ‪ِ #‬دي ٌد ‪‬‬
‫ْجنََّة ِإ َّال أُِر َى َمْقَع‪َ #‬دُه ِم َن النَّا ِر لَ ْ‪#‬و‬ ‫حديث أَىِب ُهَريَْرَة ‪ ‬أن النَِّبي ‪ S‬قَ َ‬
‫ال ‪َ ( :‬ال يَ ْ‪#‬د ُخ ُل أ َ‪#‬‬
‫َح ٌد ال َ‬
‫َح َس ‪َ #‬ن لَِي ُ‪#‬ك‪#‬و َن َعَلْي‪#ِ #‬ه‬ ‫أَس ‪#‬اء لِ ‪#‬ي ْ‪#‬ز َد َاد ُش ‪ْ #‬كرا و َال ي‪#ْ #‬د ُخل النَّار أَح‪ٌ #‬د ِإ َّال أُِرى مْقع‪َ #‬دُه ِمن ال ِ‬
‫ْجنَّة َل‪#ْ #‬و أ ْ‬
‫َََ َ َ‬ ‫َ َ َ (‪َ َ ُ َ َ ً )1‬‬
‫َح ْسَرًة ) ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه شاكر يرضى بأعمال العباد وإن قلت تكرميا هلم ودعوة للمزيد ‪،‬‬
‫مع أنه س بحانه قد بني هلم ما هلم من وعد أو وعيد ‪ ،‬لكنه ش اكر يتفضل‬
‫مبض اعفة الأجر ويقبل التوبة وميحو ما يش اء من ال وزر ‪ ،‬واهلل غين عنا وعن‬
‫ش كرنا ال يفتقر إىل طاعتنا أو ش يء من أعمالنا لكنه ميدح من أطاعه ويثين عليه‬
‫اكرا َعِليما ‪‬‬ ‫ويثيبه ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬ما يْفعل اهلل بِع‪َ #‬ذابِ ُكم ِإ ْن َش‪َ #‬كرتُم وآمْنتُم و َك‪#‬ا َن اهلل َش‪ِ #‬‬
‫َْْ َ َْ‬ ‫َ ََ ُ َ ْ‬
‫[النساء‪. ]147 :‬‬
‫قال البيضاوي يف تفسري اآلية ‪ ( :‬م ا يفعل اهلل بعذابكم إن شكرمت وآمنتم ‪ ،‬أيتشفى‬
‫به غيظا ‪ ،‬أو ي دفع به ض ررا ‪ ،‬أو يس تجلب به نفعا وهو الغين املتع ايل عن النفع‬
‫والضر وإمنا يع اقب املصر بكف ره ‪ ..‬وك ان اهلل ش اكرا مثيبا يقبل اليسري ويعطي‬
‫اجلزيل عليما حبق شكركم وإميانكم ) (‪. )2‬‬
‫‪   -73‬المنان ‪:‬‬
‫املن ان يف اللغة من ص يغ املبالغة على وزن فع ال ‪ ،‬فعله َم َّن مَيُ ُّن َمّنا ‪ ،‬يعين قطعه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني أَي‬ ‫لق وتقطع ‪ ،‬ورجل َمن ٌ‬ ‫َخ َ‬‫نني إِذا أ ْ‬
‫وحبل َم ٌ‬ ‫ني احلبل الضعيف ‪َ ،‬‬ ‫وذهب به ‪ ،‬واملَن ُ‬
‫ضعيف ‪ ،‬يقال ‪ :‬كأ ََّن الدهر َمنَّه وذهب مبُنَّته أَي بقوته ‪ ،‬واملنُون املوت ألَنه مَيُ ُّن كل‬
‫شيء فيضعفه وينقصه ويقطعه ‪ ،‬وعليه جاء قوله تعاىل ‪  :‬أ ََم يُقولُو َن ش ِاعر نت‪#‬ربَّص بِ ِ‪#‬ه‬
‫َ ٌ ََ َ ُ‬ ‫َْ‬
‫وم َّن عليه أَحسن وأنعم عليه ‪ ،‬وقوله عز وجل ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫‪‬‬ ‫ب ال َْمنُ‪## #‬ون‪[ ‬الط ور‪َ ، ]30 :‬‬ ‫َريْ َ‬
‫‪#‬ون ‪[ ‬القلم‪ ]3:‬أي غري حمس وب أو غري مقط وع أو غري‬‫َج‪##‬را َغْ‪#‬ي‪##‬ر ممنُ‪ٍ # #‬‬
‫َوِإن لَك أل ْ‪#‬‬
‫َ َْ‬
‫منقوص (‪. )3‬‬
‫ق ال ال راغب األص فهاين ‪ ( :‬املنة النعمة الثقيلة ‪ ،‬ويق ال ذلك على وجهني ‪:‬‬
‫من فالن على فالن إذا أثقله بالنعمة ‪،‬‬
‫أحدمها أن يكون ذلك بالفعل ‪ ،‬فيقال ‪َّ :‬‬
‫ين‪[ ‬آل عم ران‪ .. ، ]164:‬وذلك‬ ‫ِِ‬
‫وعلى ذلك قوله ‪  :‬لََق‪#ْ ##‬د َم َّن اهللُ َعلَى ال ُْم ‪#ْ #‬ؤمن َ‬
‫على احلقيقة ال يك ون إال هلل تع اىل ‪ ،‬والث اين ‪ :‬أن يك ون ذلك ب القول ‪ ،‬وذلك‬
‫‪1‬البخاري يف كتاب الرقاق ‪ ، )6569 ( 11/426‬وانظر املقصد األسىن ص ‪. 95‬‬
‫‪2‬تفسري البيضاوي ‪ ، 272 /2‬وتفسري الطربي ‪. 340 /5‬‬
‫‪3‬السابق ‪ ، 106 /5‬وزاد املسري البن اجلوزي ‪. 8/328‬‬
‫(‪)96‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫مس تقبح فيما بني الن اس إال عند كف ران النعمة ‪ ،‬ولقبح ذلك قيل ‪ :‬املنة هتدم‬
‫الص نيعة ‪ ،‬وحلسن ذكرها عند الكف ران قيل ‪ :‬إذا كف رت النعمة حس نت املنة ‪،‬‬
‫وقوله ‪  :‬يَ ُمنُّو َن َعلَْيك أَ ْن أَ ْس‪#‬لَ ُموا قُ‪#ْ #‬ل ال تَ ُمنُّوا َعلَ َّي إِ ْس‪َ #‬‬
‫الم ُكم بَ‪#ِ #‬ل الل‪#‬هُ يَ ُم ُّن َعلَْي ُك ْم أَ ْن‬
‫ين ‪[ ‬احلج رات‪ ، ]17:‬فاملنة منهم ب القول ومنة اهلل‬ ‫َ‬ ‫ص ‪ِ #‬اد ِق‬ ‫ِ‬
‫َه‪َ #‬دا ُك ْم ل ِإل َيم‪##‬ان إِ ْن ُكْنتُ ْم َ‬
‫عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر ) (‪. )1‬‬
‫باإلنع ام‬ ‫اخٍر ِ‬ ‫واملن ان س بحانه هو العظيم اهلب ات ال وافر العطايا ‪ ،‬ال ذي يْنعِم غ ري ف ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫والذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ‪ ،‬وهو امل ْعطي ابتداء وانتهاء ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬وِإن‬
‫‪#‬ور َر ِح ٌُيم‪[ ‬النحل‪ ، ]18:‬فلل ه املِنَّة على عباده‬ ‫وها ِإ َّن َ‬
‫اهلل لَغَُف‪ٌ #‬‬ ‫ص‪َ #‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ُع‪##‬دُّوا ن ْع َ‪#‬م َة اهلل ال تُ ْح ُ‬
‫وال ِمنَّة ألَحد عليه ‪ ،‬فهو احملسن إيل العبد واملنعم عليه ‪ ،‬وال يطلب اجلزاء يف‬
‫إحس انه إليه بل أوجب بفض له لعب اده حقا عليه ‪ ،‬منة منه وتكرما إن هم وح دوه‬
‫يف العبادة ومل يشركوا به شيئا (‪. )2‬‬
‫ف النَِّبي ‪َ S‬عَلى مِح َ ا ٍر‬ ‫َ‬ ‫ت ِر ْد‬
‫ُ‬ ‫روى البخاري من حديث ُم َع ٍاذ بن جبل ‪ ‬قال ‪ُ :‬كْن‬
‫‪#‬ق الِْعب‪ِ #‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ال ‪ ( :‬يا مع‪#‬ا ُذ ‪#َ ،‬ه‪#‬ل تَ‪#ْ #‬د ِري ح َّ ِ‬
‫‪#‬اد َعَلى‬ ‫‪#‬ق اللَّه َعَلى عَب‪#‬اده َوَما َح ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْر ‪َ ،‬فَق َ‬‫ُيَق ُال لَهُ ُعَفي ٌ‬
‫وه َو َال يُ ْش‪ِ #‬ر ُكوا بِ ِ‪#‬ه‬
‫ال ‪ :‬فَِإ َّن َح َّق اللَِّه َعَلى الِْعَب ِاد أَ ْن َي ْعبُ ُد ُ‬
‫ْت ‪ :‬اللَُّه َو َر ُسول ُُه أَ ْعَل ُم ‪ ،‬قَ َ‬ ‫اللَِّه ؟ ُقل ُ‬
‫اهلل ‪ ،‬أَفَ َ‬
‫ال‬ ‫ول ِ‬ ‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس‪َ #‬‬ ‫ب َم ْن َال يُ ْش ِر ُك بِِه َش‪ْ#‬يًئا ‪َ ،‬فُقل ُ‬ ‫َ‬ ‫َشْيًئا َو َح َّق الِْعَب ِاد َعَلى اللَِّه أَ ْن َال ُيَع ِّذ‬
‫َّكلُوا ) (‪. )3‬‬ ‫ال ‪َ :‬ال ُتب ِّشر ُهم َفيت ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫َّاس ؟ قَ َ‬‫أُبَ ِّشُر به الن َ‬
‫‪   -74‬القادر ‪:‬‬
‫األمر أق ُْدُره وأقدُِّره‬ ‫ِ‬
‫القادر يف اللغة اسم فاعل من قَ َدر َيْقدر فهوِ قادر ‪ِ ،‬يقال قَ َدْرت ْ‬
‫ْداره مْقياسه ‪ ،‬وقَ َدَر الش يءُ بالش يء‬‫ودبَّرتَه ‪ ،‬وق ْدُر كل ش يء ومق ُ‬‫رت فيه َ‬‫إذا نَظَ َ‬
‫قاسه ‪ ،‬والتقدير على وجوه من املعاين ‪ ،‬أَحدها ‪ :‬الرتوية والتفكري يف تسوية‬ ‫وقَدََّره َ‬
‫قدك‬‫أَمر وهتيئته والثاين ‪ :‬تقديره بعالمات يقطعه عليها ‪ ،‬والثالث ‪ :‬أَن َتنْ ِوي أَمرا بِع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ت َألْم ِر كذا أَقدُر‬ ‫قدْر ُ‬
‫ت عليه ‪ ،‬ويقال َ‬ ‫قد ُ‬
‫وع ْ‬
‫نويتُه َ‬ ‫ت أَمر كذا وكذا أَي‬
‫تقول قدَّْر ُ‬
‫له إِذا نظرت فيه َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫ودَّبْرتَه وقايسته ‪.‬‬
‫والقادر سبحانه وتعاىل هو الذي يقدر المق ادير يف علمه ‪ ،‬وعلمه املرتبة األوىل من‬
‫‪1‬مفردات غريب القرآن ص ‪. 777‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 13/418‬وتفسري القرطيب ‪ ، 16/94‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪.128‬‬
‫‪3‬البخاري يف كتاب اجلهاد والسري ‪ ،‬باب اسم الفرس واحلمار ‪. )2701 ( 3/1049‬‬
‫‪4‬انظر النهاية يف غريب احلديث ‪ ، 4/22‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 657‬واشتقاق أمساء اهلل للزجاج‬
‫ص ‪ ، 137‬ولسان العرب ‪. 5/74‬‬
‫(‪)97‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫قضائه وقدره ‪ ،‬فاهلل عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ‪ ،‬ونظم أمور اخللق‬
‫قبل إجياده وإمداده مث كتب يف اللوح هذه املعلومات ودوهنا بالقلم يف كلمات ‪ ،‬وكل‬
‫خملوق مهما عظم شأنه أو قل حجمه كتب اهلل ما خيصه يف اللوح احملفوظ ‪ ،‬مث يشاء‬
‫حبكمته وقدرته أن يكون األمر واقعا على ما سبق يف تقديره ‪ ،‬ولذلك فإن القدر عند‬
‫السلف مبين على التقدير والقدرة ‪ ،‬فبدايته يف التقدير وهو علم حساب املقادير ‪ ،‬أو‬
‫العلم اجلامع التام لحساب النظام العام الذي يسري عليه الكون من بدايته إىل هنايته ‪،‬‬
‫من َش ْيٍء ِإال ِعْن َدنَا َخَزائِنُُه َوَما ُنَنِّزل ُُه ِإال بَِق َدٍر َمْعلُ ٍوم ‪[ ‬احلجر‪ ، ]21 :‬وقال‬ ‫قال تعاىل ‪َ  :‬وِإ ْن ْ‬
‫أيضا ‪َ  :‬و َ‪#‬ك‪#‬ا َن أْ‪َ#‬م ُ‪#‬ر اللَِّه قَ‪َ #‬دراً َمْ‪#‬ق ُدوراً ‪[ ‬األح زاب‪ ، ]38 :‬وقال سبحانه ‪ِ  :‬إ َّن اللََّه بَ‪##‬الِ ُغ‬
‫أْ‪َ#‬م ِرِه قَ ْ‪#‬د َجَع َ‪#‬ل اللَُّه لِ ُك ِّ‪#‬ل َش‪ْ #‬يٍء قَ ْ‪#‬دراً ‪[ ‬الطالق‪ ، ]3:‬وعند مسلم من حديث عبد اهلل بن‬
‫س‪# #‬ماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ‪ S‬قَ ال ‪َ ( :‬كَتب اهلل مَق‪ِ #‬‬ ‫عم رو ‪ ‬أن رس ول ِ‬
‫ات‬ ‫‪#‬اد َير ال َخالئ ‪#ِ #‬ق َقْب‪##‬ل أَ ْن يَ ْخلُ ‪#َ #‬ق ال َّ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َُ‬
‫ِ (‪) 1‬‬ ‫ٍ‬
‫الم‪#‬اء ) ‪ ،‬ويف رواي ة الرتم ذي ‪ ( :‬قَ‪##‬دََّر ُ‬
‫اهلل‬ ‫‪#‬ف َس ‪َ#‬نة ‪َ ،‬و َعْر ُش ‪ُ #‬ه َعلى َ‪#‬‬ ‫ين أَل‪َ #‬‬
‫َ‬ ‫ض بِ َخ ْم ِس ‪#‬‬
‫َواألَْر َ‬
‫ٍ (‪) 2‬‬ ‫ات واألَر ِ ِ‬
‫‪#‬ف َس‪َ#‬نة ) ‪ ،‬فالقادر هو الذي قدر‬ ‫ين أَل َ‬ ‫ض ب َخ ْمس‪َ #‬‬ ‫السَم َاو ِ َ ْ َ‬ ‫المَق ِاد َير َقْبل أَ ْن يَ ْخلُ َق َّ‬
‫َ‬
‫املقادير قبل اخللق والتصوير ‪ ،‬والقادر داللته تتوجه إىل املرتبة األوىل من مراتب القدر ‪،‬‬
‫س الَّ ِذي َخَل‪#َ #‬ق‬ ‫وهي العلم والتقدير وإمكانية حتقيق املقدر ‪ ،‬ولذلك قال تعاىل ‪  :‬أََولَْي َ‬
‫الق الَْعِل ُيم ‪[ ‬يس‪، ]81 :‬‬ ‫‪#‬ادٍر َعَلى أَ ْن يَ ْخلُ‪#َ # #‬ق ِمْثَلُه ْم َبَلى َو ُ‪#‬ه ‪#َ #‬و اْل َخ ُ‬‫س ‪# #‬ماوات واألَرض بَِ‪#‬ق ‪ِ #‬‬
‫ال َّ َ َ َ ْ َ‬
‫ِّل َخْي‪#‬را‬ ‫ب ال َْم َشا ِر ِق َوال َْم َغا ِر ِب ِإنَّا لََق ِادُرو َن َعَلى أ َْن ُنَب‪#‬د َ‬ ‫وقال سبحانه أيضا ‪  :‬فَال أُق ِ‬
‫ْس ُم بَِر ِّ‬
‫وق َين ‪[ ‬املعارج‪ ، ]40/41 :‬فاآليات تتعلق بإمكانية حتقيق املقدر ‪،‬‬ ‫ِمْنهم وما نَحن بِمس‪#‬ب ِ‬
‫ُ ْ ََ ْ ُ َ ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال أيضا ‪َ  :‬وِإنَّا َعَلى أ َْن نُِريَ َك َما نَع ُد ُه ْم لََقادُرو َن ‪[ ‬املؤمنون‪. ]95 :‬‬
‫‪   -75‬الخالق ‪:‬‬
‫اخلالق ص يغة مبالغة على وزن فع ال من اسم الفاعل اخلالق ‪ ،‬فعله خلق خيلق‬
‫خلقا والفرق بني اخلالق واخلالق أن اخلالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير‬
‫وعلم مث بتصنيع وخلق عن قدرة وغىن ‪ ،‬أما اخلالق فهو الذي يبدع يف خلقه كما‬
‫ْت‬‫وكيفا فمن حيث الكم خيلق ما يش اء كما ق ال ‪ِ  :‬إ ْن ي َش ‪ْ#‬أ ي ‪#ْ #‬ذ ِهْب ُكم أَُّيَها النَّاس وي ‪#‬أ ِ‬
‫ُ ََ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫الرحم‪#‬ةِ‬ ‫‪#‬ك قَ ِ‪#‬ديرا ‪[ ‬النساء‪ ، ]133 :‬وقال ‪  :‬وربُّ َ ِ‬
‫ك اْل َغن ُّي ُذو َّ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ين َو َك‪#‬ا َن اللَُّه َعَلى َذلِ َ‬ ‫بِ َ‬
‫آخ ِر َ‬
‫ين ‪[ ‬األنعام‪:‬‬ ‫ف ِم ْن َبْع ِد ُك ْم َما يَ َش‪ُ #‬اء َك َما أَنْ َش‪#‬أَ ُك ْم ِم ْن ُذِّريَِّة َق ْ‪#‬وٍم َ‪#‬‬
‫آخ ِر َ‬ ‫ِإ ْن يَ َشْأ يُ ْذ ِهْب ُك ْم َويَ ْسَت ْخِل ْ‬
‫‪ ]133‬وأما من حيث الكيف فقال تعاىل ‪َ  :‬وَتَرى ال ِْجَب َال تَ ْح َسُبَها َج ِام َدًة َو ِه َي تَ ُم ُّ‪#‬ر َم َّ‪#‬ر‬

‫‪1‬مسلم يف كتاب القدر ‪ ،‬باب حجاج آدم وموسى عليهما السالم ‪. )2653 ( 4/2044‬‬
‫‪2‬الرتمذي ‪ :‬كتاب القدر ‪. )2156 ( 4/458‬‬
‫(‪)98‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪‬‬ ‫‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫[النمل‪]88 :‬‬ ‫ص‪ْ#‬ن َع اللَِّه الَِّذي أَْتَق َن ُك َّ‪#‬ل َش‪ْ #‬يٍء ِإنَُّه َخِب‪#ٌ #‬ير بِ َما َتْفَعلُ‪##‬ون َ‪‬‬ ‫س‪َ #‬ح ِ‬
‫اب ُ‬ ‫ال َّ‬
‫ص‪َ#‬وَر ُك ْم َوِإلَْي‪#ِ #‬ه ال َْم ِص‪ُ #‬ير ‪[ ‬التغابن‪، ]3:‬‬
‫َح َس‪َ #‬ن ُ‬
‫ص‪َّ#‬وَر ُك ْم فَأ ْ‬ ‫ض بِ‪##‬ال َ‬
‫ْح ِّق َو َ‬ ‫األر َ‬ ‫َخَل‪#َ #‬ق ال َّ ِ‬
‫س‪َ #‬م َاوات َو ْ‬
‫وها َوِز َين‪ً #‬ة َويَ ْخلُ‪#ُ #‬ق َما ال َتْعَل ُ‪#‬م‪#‬ون َ‪[ ‬النح ل‪، ]8:‬‬ ‫‪#‬ال والْح ِ‪#‬م ِ‬ ‫وقال ‪  :‬واْل َخْي‪ِ #‬‬
‫‪#‬ير لَتْر َكبُ َ‬‫‪#‬ل َواْلبغَ‪َ َ َ َ #‬‬ ‫َ َ‬
‫ف اخلالق هو ال ذي يب دع يف خلقه كما وكيفا بقدرته املطلقة ‪ ،‬فيعيد ما خلق‬
‫ويكرره كما كان ‪ ،‬بل خيلق خلقا جديدا أحسن مما كان (‪ ، )1‬ويف هذا رد على‬
‫ال ذين ق الوا ليس يف اإلمك ان أب دع مما ك ان ‪ ،‬ألن ذلك ين ايف معىن امسه اخلالق ‪،‬‬
‫‪#‬ل َش ‪ْ #‬يٍء‬ ‫ِ‬
‫ص حيح أن اهلل أحسن وأتقن كل ش يء خلقه كما ق ال ‪  :‬الَّذي أ ْ‬
‫َح َس ‪َ #‬ن ُك‪َّ #‬‬
‫َخَلَ‪#‬ق ‪#ُ #‬ه َوبَ ‪َ # #‬دأَ َخْل‪#َ # #‬ق اإلنس‪## #‬ان ِم ْن ِطي ٍن ‪[ ‬الس جدة‪ ]7 :‬لكن ق درة اهلل مطلقة فهو اخلالق‬
‫اخلالق كما أنه الرازق الرزاق ‪.‬‬
‫ق ال ابن تيمية فيمن ق ال ليس يف اإلمك ان أب دع من ه ذا الع امل ‪ ،‬ألنه لو ك ان‬
‫كذلك ومل خيلقه لكان خبال يناقض اجلود أو عجزا يناقض القدرة ‪ ( :‬ال ريب أن‬
‫اهلل س بحانه يق در على غري ه ذا الع امل وعلى إب داع غ ريه إىل ما ال يتن اهى ك ثرة‬
‫ويق در على غري ما فعله كما بني ذلك يف غري موضع من الق رآن ‪ ،‬وقد ي راد به –‬
‫يعين ق ول القائل ليس يف اإلمك ان ‪ -‬أنه ما ميكن أحسن منه وال أكمل منه ‪ ،‬فه ذا‬
‫ليس ق دحا يف الق درة ‪ ،‬بل قد أثبت قدرته على غري ما فعله ‪ ،‬لكن ق ال ما فعله‬
‫أحسن وأكمل مما مل يفعله ‪ ،‬وه ذا وصف له س بحانه ب الكرم واجلود واإلحس ان ‪،‬‬
‫وهو سبحانه األكرم فال يتصور أكرم منه سبحانه وتعاىل عما يقول الظاملون علوا‬
‫كبريا ) (‪ ، )2‬ويذكر ابن القيم أن براهني املعاد يف القرآن مبينة على ثالثة أصول ‪:‬‬
‫أح‪#‬دها ‪ :‬تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال يف جواب من قال ‪َ  :‬م ْن يُ ْحِيي‬
‫يم ‪ ، ‬وقال ‪َ  :‬وِإن‬ ‫ِ‬ ‫يم قُ ْل يُ ْحِي َيها الَّ ِذي أَن َشأ ََها أََّو َل َمَّرٍة َو ُهَو بِ ُك ِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ل َخْل ٍ‪#‬ق َعل ٌ‬ ‫الْعظَ َام َوه َي َرم ٌ‬
‫اق الَْعِليم ُ‪[ ‬احلجر‪. ]86 :‬‬ ‫ك ُهَو اْل َخل ُ‬ ‫يل ِإ َّن َربَّ َ‬ ‫الصْفح ال ِ‬
‫ْجم َ‬
‫اصَف ِح َّ َ َ‬ ‫اعَة لآتَِيٌة فَ ْ‬
‫الس َ‬
‫َّ‬
‫ض بَِق ِادٍر َعَلى‬
‫األر َ‬ ‫والثاني ‪ :‬تقرير كمال قدرته كقوله ‪  :‬أَولَْيس الَّ ِذي َخَل َق َّ ِ‬
‫السَم َاوات َو ْ‬ ‫َ َ‬
‫الق الَْعِل ُيم ‪. ‬‬ ‫أ َْن يَ ْخلُ َق ِمْثَلُهم َبَلى َو ُهَو اْل َخ ُ‬
‫ض َوَما‬ ‫األر َ‬ ‫ِ‬ ‫الث‪## # #‬الث ‪ :‬كم ال حكمته كما يف قوله تع اىل ‪َ  :‬وَما َخَلْقَنا ال َّ‬
‫س ‪َ # # #‬م َاوات َو ْ‬
‫ين ‪[ ‬الدخان‪ ، ]38 :‬وقوله سبحانه ‪  :‬أَفَ َح ِسْبتُ ْم أَنََّما َخَلْقَنا ُك ْم َعَبث‪#‬اً َوأن ُك ْم إلَْيَنا‬
‫ِ‬ ‫َّ‬‫َ‬ ‫ِِ‬
‫َبْيَنُه َما العب َ‬

‫‪1‬انظر يف معىن اخلالق واخلالق شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 211‬وتفسري األمساء للزجاج ص ‪، 36‬‬
‫واملقصد األسىن ص ‪ ، 72‬واألمساء والصفات للبيهقي ص ‪. 42‬‬
‫‪2‬جامع الرسائل البن تيمية ص ‪ ، 120‬رسالة يف معىن كون الرب عادال ويف تنزهه عن الظلم ‪.‬‬
‫(‪)99‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ال ُتْر َجُعو َن ‪[ ‬املؤمنون‪. )1( ]115 :‬‬
‫ق ال ابن كثري ‪ ( :‬وقوله إن ربك هو اخلالق العليم تقرير للمع اد وأنه تع اىل ق ادر‬
‫على إقامة الس اعة ‪ ،‬فإنه اخلالق ال ذي ال يعج زه خلق ش يء ‪ ،‬العليم مبا متزق من‬
‫األجساد وتفرق يف سائر أقطار األرض ) (‪. )2‬‬
‫والقرطيب جيعل اخلالق داال أيضا تق دير اهلل لألخالق وتقس يمها بني العب اد ‪ ،‬وه ذا‬
‫يس عه اللفظ وحيتمله ‪ ،‬يق ول القرطيب ‪ ( :‬إن ربك هو اخلالق أي املق در للخلق‬
‫واألخالق ‪ ،‬العليم بأهل الوفاق والنفاق ) (‪. )3‬‬
‫‪   -76‬المالك ‪:‬‬
‫املالك يف اللغة اسم فاعل فعله ملك ميلك فهو مالك ‪ ،‬واهلل عز وجل مالك األشياء‬
‫كلها ومص رفها على إرادته ال ميتنع عليه منها ش يء ‪ ،‬ألن املالك للش يء يف كالم‬
‫العرب هو املتصرف فيه والقادر عليه ‪ ،‬فإن قال قائل ‪ :‬فقد يغصب اإلنسان على‬
‫الش يء فال ي زول ملكه عنه ‪ ،‬قيل له ‪ :‬ال ي زول ملكه عنه حكما وديانة ‪ ،‬فأما يف‬
‫الظاهر واالستعمال فالغاصب له ما هو يف يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو‬
‫هبة أو إهالك أو إص الح ‪ ،‬وإن ك ان يف ذلك خمطئا آمثا آتيا ما هو حمظ ور عليه‬
‫بإحالته بينه وبني مالكه ‪ ،‬فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل ‪ :‬رجع إىل ملكه‬
‫أي إىل حاله اليت ك ان فيها حقيقة ‪ ،‬واهلل عز وجل ق ادر على األش ياء اليت خلقها‬
‫وخيلقها ال ميتنع عليه منها ش يء ‪ ،‬وقد ق رأ ابن كثري ون افع وأَبو عم رو وابن ع امر‬
‫ومحزة َمِلك يوم الدين بغري أَلف ‪ ،‬وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك ب أَلف ‪،‬‬
‫وقد رويت القراءتان عن النيب ‪. )4( S‬‬
‫واهلل عز وجل مالك امللك ‪ ،‬ملكه عن أصالة واستحقاك ألنه اخلالق احلي القيوم‬
‫الوارث ‪ ،‬فعلة استحقاق امللك أمران ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ص ناعة الش يء وإنش ائه واخرتاعه ‪ ،‬فالعاق ل يعلم عقال أن املخ رتع له ب راءة‬
‫االخرتاع واملؤلف له حق الطبع والنشر ‪ ،‬روى البخاري عن عمر بن اخلطاب ‪ t‬أنه‬

‫‪1‬الفوائد البن القيم ص ‪. 7‬‬


‫‪2‬تفسري ابن كثري ‪. 557 /2‬‬
‫‪3‬تفسري القرطيب ‪. 54 /10‬‬
‫‪4‬اشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ‪ ، 43‬ولسان العرب البن منظور ‪ ، 10/491‬وكتاب السبعة يف القراءات‬
‫أليب بكر البغدادي ص ‪. 104‬‬
‫(‪)100‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ٍ‬
‫قال‪َ ( :)2‬م ْن أ َْحَيا أَْر ًضا َمِّيَتًة فَِه َي ُله ) ‪َ ،‬وُيْرَوى ذلك أيضا َع ْن َع ْم ِرو بْ ِن َع ْوف َع ِن النَّيِب ِّ‬
‫(‪) 1‬‬

‫‪ ، ( S‬وإذا كان ملوك الدنيا ال ميكن ألحدهم أن يؤسس ملكه جبهده منفردا فال بد‬
‫له من ظهري أو معني ‪ ،‬سواء من أهله وقرابته ‪ ،‬أو حزبه ومجاعته ‪ ،‬أو قبيلته وعشريته‬
‫‪ ،‬فإن اهلل عز وجل هو املتفرد بامللكية حقيقة ‪ ،‬فال أحد ساعده يف إنشاء اخللق أو‬
‫عاونه على استقرار امللك ‪ ،‬أو ميسك السماء معه أن تقع على األرض ‪ ،‬قال سبحانه‬
‫ين ‪[ ‬األعراف‪ ، ]54 :‬وقال أيضا ‪ :‬‬ ‫ْق واألَْمر َتبار َك اللَُّه ر ُّ ِ‬
‫ب الَْعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫وتعاىل ‪  :‬أَال ل َُه اْل َخل ُ َ ُ َ َ‬
‫ض‪#‬دا ‪‬‬ ‫َّخ َذ ِ‬ ‫ض وال َخل‪#َ #‬ق أَْنُف ِس‪ِ #‬هم وم‪##‬ا ُكْن ُ ِ‬ ‫م‪##‬ا أَ ْش‪َ #‬ه ْدُتُهم َخل‪#َ #‬ق ال َّ ِ‬
‫لين َع ُ‬
‫المض‪َ #‬‬
‫ت ُمت ‪ُ #‬‬ ‫ْ ََ‬ ‫س‪َ #‬م َاوات َواألَْر ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اهلل ولم‬ ‫[الكهف ‪ ، ]51 :‬وعند البخاري من حديث عمران ‪ t‬أن النيب ‪ S‬قال ‪ ( :‬كان َ‬
‫واألرض وكتب في ال‪##‬ذكر‬
‫َ‬ ‫يكن ش‪##‬يء قبل‪#ُ #‬ه ‪ ،‬وك‪##‬ان عرش‪##‬ه على الم‪##‬اء ‪ ،‬ثم خل‪#َ #‬ق الس‪ِ #‬‬
‫‪#‬ماوات‬
‫كل شيء ) (‪. )3‬‬
‫الثاني ‪ :‬دوام احلياة فهو علة أخرى الستحقاق امللك ألنه يوجب انتقال امللكية وثبوت‬
‫التملك ‪ ،‬ومعلوم أن كل من على األرض ميت فان كما قال تعاىل ‪ُ  :‬ك ُّل َم ْن َع ْليَه‪#‬ا‬
‫س َذائَِق‪ُ #‬ة‬‫الجالل واإلكرام ‪[ ‬الرمحن‪ ، ]27:‬وقال أيضا ‪ُ  :‬ك ُّل َنْف ٍ‬ ‫فَ ٍ‬
‫ك ُذو َ‬
‫ان َوَيْبَقى َو ْج ُه َربِّ َ‬
‫المْو ِت ثُ َّم ِإ ْليَنا ُتْر َجُعون ‪[ ‬العنكبوت ‪ ، ]57:‬وملا كانت احلياة وصف ذات لل ه واإلحياء‬ ‫َ‬
‫‪#‬ك‬‫المل ُ‬ ‫الملْك بالضرورة سيئول إىل خالقه ومالكه كما قال ‪َ  :‬لم ِن ُ‬ ‫وصف فعله ‪ ،‬فإن ُ‬
‫اهلل‬
‫ض َو ُ‬ ‫ات َواألَْر ِ‬ ‫س‪#‬ماو ِ‬ ‫الو ِاح ِد الَقهَّار ‪[ ‬غافر ‪ ، ]16:‬وقال تعاىل ‪َ  :‬و ِهلل ِم َير ُ‬
‫اث ال َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫اليْوَم هلل َ‬
‫َ‬
‫فالملْك هلل يف املبتدأ عند إنشاء اخللق فلم يكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َما َتْع َملُو َن َخبير ‪[ ‬آل عمران ‪ُ ، ]180 :‬‬
‫أح د س واه ‪ ،‬واملل ك هلل يف املنتهى عن د زوال األرض ألن ه لن يب ق من املل وك س واه ‪،‬‬
‫فالملِ‪#‬ك هو املتصرف‬ ‫وهو امللك من فوق عرشه ال خالق وال مدبر للكون إال اهلل ‪َ ،‬‬
‫باألمر والنهي يف مملكته وهو القائم بسياسة خلقه ‪ ،‬وملكه هو احلق الدائم له بدوام‬
‫احلياة ‪ ،‬وملا كان اهلل تعاىل هو املنفرد باخللق والتدبري فإنه ينفرد بامللك والتقدير إلزاما‬
‫وينف رد أيض ا بأن ه املال ك املس تحق للمل ك ‪ ،‬ق ال ابن القيم ‪ ( :‬الف رق بني امللك‬
‫واملالك أن املالك هو املتص رف بفعله ‪ ،‬وامللك هو املتص رف بفعله وأم ره ‪،‬‬
‫وال رب تع اىل مالك امللك فهو املتص رف بفعله وأم ره ) (‪ ، )4‬ويقصد أن مالك‬
‫الش يء ال يل زم أن يك ون ملكا لوج ود من يرأسه ومينع تص رفه يف ملكه ‪ ،‬أما‬

‫‪1‬البخاري يف كتاب املزارعة ‪ ،‬باب من أحيا أرضا مواتا ‪. 2/823‬‬


‫‪2‬السابق ‪. 2/823‬‬
‫‪3‬البخاري يف كتاب التوحيد ‪ ،‬باب وكان عرشه على املاء ‪. )6982 ( 6/2699‬‬
‫‪4‬بدائع الفوائد ‪. 972 /4‬‬
‫(‪)101‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫امللك الذي له امللكية وامللك فله مطلق التدبري واألمر ‪.‬‬
‫‪   -77‬الرزاق ‪:‬‬
‫الرازق ‪ ،‬فعله‬
‫(‪) 1‬‬
‫الرزاق يف اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل‬
‫رزق يرزق رزقا ‪ ،‬واملصدر الرزق وهو ما ينتفع به واجلمع أرزاق ‪.‬‬
‫وحقيقة الرزق هو العطاء املتجدد الذي يأخذه صاحبه يف كل تقدير يومي أو‬
‫س نوي أو عم ري فين ال ما قسم له يف التق دير األزيل وامليث اقي ‪ ،‬وال رزاق‬
‫سبحانه هو الذي يتوىل تنفيذ املقدر يف عطاء الرزق املقسوم ‪ ،‬والذي خيرجه‬
‫يف الس ماوات واألرض ‪ ،‬فإخراجه يف الس ماوات يعين أنه مقضي مكت وب ‪،‬‬
‫وإخراجه يف األرض يعين أنه س ينفذ ال حمالة ول ذلك ق ال اهلل تع اىل يف ش أن‬
‫ب َء ِفي‬
‫ِج الْ َخ ْ‬ ‫اهلدهد املوحد وخماطبته س ليمان ‪  : ‬أَال يَ ْس‪ُ # #‬ج ُدوا لِلَّ ِه الَّ ِذي يُ ْ‪#‬‬
‫خ‪ #‬ر ُ‬
‫ش‬ ‫ض َوَي ْعلَ ُم َما تُ ْخ ُف‪## #‬و َن َو َما ُت ْعِلنُ‪## #‬و َن اللَّهُ ال إِلَ ‪#َ # #‬ه إِال ُه‪#َ # #‬و َر ُّ‬
‫ب ال َْع‪#ْ # #‬ر ِ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫س ‪# #‬ماو ِ‬
‫ال َّ َ َ‬
‫ال َْع ِظ ِيم ‪[ ‬النمل‪ ، ]26:‬فالرزق مكتوب يف السماء وهو وعد اهلل وحكمه يف‬
‫القضاء قبل أن يكون واقعا مقدورا يف األرض ‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل ‪َ  :‬و ِفي‬
‫ال َّ ِ‬
‫وع‪ُ ##‬دو َن ‪ [ ‬ال ذريات‪ ، ]22:‬وق ال عن تنفيذ ما قس مه‬ ‫س‪َ ##‬ماء ِر ْزقُ ُك ْم َو َما تُ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ل ِر ْز َق َها اللَّهُ‬
‫لكل خمل وق فيما س بق به القض اء ‪َ  :‬و َك‪ # #‬أَيِّ ْن م ْن َدابَّة ال تَ ْح ‪#‬م‪ُ #‬‬
‫يم ‪[ ‬العنكب وت‪ ، ]60:‬وق ال تع اىل ‪َ  :‬و َما ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫يع ال َْعل ُ‬
‫ير ُز ُق َها وإِيَّا ُكم و ُه‪##‬و ال َّ ِ‬
‫س ‪#‬م ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َْ‬
‫ض إال َعلَى الله ر ْز ُق َها ‪[ ‬ه ود‪ ، ]6:‬فاهلل يتوالها حلظة بلحظة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َدابَّة في األ َْر ِ‬
‫تنفيذا للمقسوم يف سابق التقدير ‪.‬‬
‫ف الرزاق سبحانه هو الذي يتوىل تنفيذ العطاء ال ذي قدره ألرزاق اخلالئق حلظة‬
‫بلحظ فهو كثري اإلنف اق ‪ ،‬وهو املفيض ب األرزاق رزقا بعد رزق ‪ ،‬مبالغة يف‬
‫اإلرزاق وما يتعلق بقسمة األرزاق وترتيب أسباهبا يف املخلوقات ‪ ،‬أال ترى أن‬
‫ال ذئب قد جعل اهلل رزقه يف أن يصيد الثعلب فيأكله ‪ ،‬والثعلب رزقه أن يصيد‬
‫يد األفعى فيأكلها ‪ ،‬واألفعى رزقها أن‬ ‫القنفذ فيأكله ‪ ،‬والقنفذ رزقه أن يص‬
‫(‪) 2‬‬
‫تص يد الطري فتأكله ‪ ،‬والطري رزقه يف أن يص يد اجلراد فيأكله ‪ ،‬وتت واىل‬
‫السلس لة يف أرزاق متسلس لة رتبها ال رزاق يف خلقه ‪ ،‬فتب ارك ال ذي أتقن كل‬
‫شيء يف ملكه وجعل رزق اخلالئق عليه ‪ ،‬ضمن رزقهم وسيؤديه هلم كما وعد‬
‫‪1‬األسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن للقرطيب ‪ ، 1/278‬ولسان العرب ‪. 10/115‬‬
‫‪2‬املستطرف يف كل فن مستظرف ‪. 2/230‬‬
‫(‪)102‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫ويعبدوه وحدهٍ ال شريك له ِقالِ تعاىل ‪َ  :‬وَما َخَلْق ُ‬


‫ت‬
‫ِ‬
‫‪ ،‬وكل ذلك لريكنوا إليه‬
‫ِ ِ‬
‫َّاق ُذو‬‫ز‬‫‪#‬ر‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫‪#‬و‬
‫ه‬ ‫ه‬‫َّ‬
‫الل‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫‪#‬ون‬
‫م‬‫نس ِإال لَيْعبُ‪ُ #‬دون َما (ُ‪ُ ُ ُ َ َ ْ ِّ ِّ ُ ْ )1‬‬
‫ْع‬
‫ط‬ ‫ي‬ ‫َن‬
‫أ‬ ‫د‬‫‪#‬‬‫ي‬‫ر‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أ‬ ‫ا‬‫م‬‫و‬ ‫ق‬‫ز‬‫ر‬ ‫ن‬‫م‬ ‫م‬‫ه‬‫ن‬‫م‬ ‫د‬‫‪#‬‬‫ي‬‫ر‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ُ َ َّ ُ‬ ‫الْج َّن َواإل َ‬
‫ين ‪[ ‬الذاريات‪. ]57 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اْلُقَّوة ال َْمت ُ‬
‫ْل ِحِّلِه أَْو ُي َؤ ِّخَر َش ْيًئا َع ْن ِحِّلِه ‪ ،‬وعند مس لم‬ ‫َ‬ ‫ف األرزاق مقسومة ولَ ْن ُيَع ِّج َل َش ْيًئا َقب‬
‫ِ‬ ‫ال ‪ ( :‬قَ‪## # # # # # #‬ال ْ‬
‫َت أُُّم َحب َيب‪َ # # # # # # #‬ة َزْو ُج‬ ‫من ح ديث عبد اهلل بن مس عود ‪ t‬أنه قَ َ‬
‫النَِّبيّ‬
‫اهلل ‪َ S‬وبِ ‪# # #‬أَبِي أَبِي ُس ‪ْ# # #‬فَيا َن َوبِ ‪# # #‬أ َِخي ُمَعا ِويَ ‪َ# # #‬ة ‪َ ،‬فَ‪#‬ق ‪َ # #‬‬
‫‪#‬ال‬ ‫ول ِ‬ ‫ِ ‪ : S‬اللَُّه َّم أَْمِتْعِني بِ‪#َ # # #‬زْو ِجي ر ُس ‪ِ # # #‬‬
‫َ‬
‫النَِّبّي‬
‫ومٍة ‪ ،‬ل َْن ُيَع ِّج َل َش‪ْ#‬يًئا‬ ‫ٍ‬ ‫ض‪#‬روبٍة ‪ ،‬وأَيَّ ٍام مع‪ُ #‬د َ ٍ‬ ‫آلج ٍ‬ ‫ْت اللََّه َ‪#‬‬ ‫ِ ‪ ( : S‬قَ‪#ْ #‬د س‪#‬أَل ِ‬
‫س‪َ #‬‬‫ودة ‪َ ،‬وأَْرَزاق َمْق ُ‬ ‫‪#‬ال َم ْ ُ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫اب ِفي النَّا ِر أَْو‬ ‫ْت اللََّه أَ ْن يُِعي‪َ #‬ذ ِك ِم ْن َع‪َ #‬ذ ٍ‬ ‫ت س‪#‬أَل ِ‬ ‫َقْب‪##‬ل ِحِّلِه ‪ ،‬أَو ي‪#َ #‬ؤخِّر َش‪ْ#‬يًئا َعن ِحِّلِه ‪ ،‬ولَ‪##‬و ُكْن ِ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫(َ‪ْ )2‬‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ض َل ) ‪.‬‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫َ‬‫أ‬‫و‬ ‫ا‬‫ر‬‫ي‬ ‫خ‬
‫َْ َ َ َ ْ ً َ َ‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫ك‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ْ‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ٍ‬
‫اب‬ ‫َع َذ‬
‫ب َوَم ْن َيَتَو َّك ْل‬ ‫ِ‬
‫ث ال يَ ْحَتس‪ُ #‬‬ ‫اللَه يَ ْجَع ْل لَ ُ‪#‬ه َم ْخَرج‪#‬اً َوَيْرُز ْق ُ‪#‬ه ِم ْن َحْي ُ‬ ‫وقال تعاىل ‪َ  :‬وَم ْن َيتَِّق َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َفُ‪#‬ه َ‪#‬و َح ْس‪#‬بُُه ِإ َّن الل‪َ #‬ه بَ‪##‬الغ أْ‪َ#‬م ِره قَ‪#ْ #‬د َجَع‪#َ #‬ل الل‪#‬ه لكل َش‪ْ #‬يء قَ‪#ْ #‬درا ‪[ ‬الطالق‪، ]3:‬‬ ‫َعَلى ِ‬
‫ويف هذا بيان أن الذي قدره من الرزق على العموم واإلمجال سيتواله يف اخللق‬
‫على مدار الوقت والتفصيل فهو سبحانه الرزاق اخلالق القدير املقتدر ‪ ،‬قال ابن‬
‫القيم ‪:‬‬
‫وكذلك الرزاق من أسمائه والرزق من أفعاله نوعان‬
‫رزق على يد عبده ورسوله نوعان أيضا ذان معروفان‬
‫رزق القلوب العلم واإليمان والرزق المعد لهذه األبدان‬
‫ه‪#‬ذا هو ال‪#‬رزق الحالل وربنا رزاقه والفضل‬
‫للمنان‬
‫والثاني سوق القوت لألعضاء في تلك المجاري سوقه بوزان‬
‫هذا يكون من الحالل كما يكون من الحرام كالهما رزقان‬
‫واهلل رازقه بهذا االعتبار وليس باإلطالق دون بيان (‪. )3‬‬
‫‪   -78‬الوكيل ‪:‬‬
‫‪1‬شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 235‬وتفسري األمساء للزجاج ص ‪ ، 38‬واملقصد األسىن ص ‪. 79‬‬
‫‪2‬مسلم يف القدر ‪ ،‬باب بيان اآلجال واألرزاق وغريها ال تزيد وال تنقص ‪. )2663 ( 4/2050‬‬
‫‪3‬شرح قصيدة ابن القيم ‪. 2/234‬‬
‫(‪)103‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وحِقيق ة الوكيل أنه‬ ‫العَب اد ‪،‬‬‫الو ِكيل يف اللغة هو الَقِّيم ال َكِفيل ال ذي تكفل ب أرزاق ِ‬
‫القيام به ‪ ،‬ووكلت أْم ِري‬
‫َ‬ ‫ي َستقل بأَمر املوكول إليه ‪ ،‬يقال ‪ :‬توكل باألَمر ْإذاَ ض ِمن ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َ َْ َ ْ ْ‬
‫ْره ‪،‬‬ ‫اس َتكفاه أَم َ‬‫واعَتم دت فيه َعليه ‪ ،‬ووكل فالن فالنا إذا ْ‬ ‫إىل فالن أي أجْلَأته إليه ْ‬
‫إما ثق ًة بِكفايَِته أو َعجزا عن القيام بأمر نفسه ‪ ،‬ووكيلك يف كذا إذا سلمته األمر‬
‫وتركته له وفوضته إليه واكتفيت به (‪ ، )1‬فالتوكل قد ي أيت مبعىن ت ويل‬
‫اإلش راف على الش يء ومراقبته وتعه ده ومنه ما ورد عند البخ اري من‬
‫حديث سهل بن سعد ‪ t‬أن النيب ‪ S‬قال ‪َ ( :‬م ْن َتَو َّك َل لِى َما َبْي َن ِر ْجَلْي‪#ِ #‬ه‬
‫ْجنَِّة ) (‪ ، )2‬وقد ي أيت التوكل مبعىن االعتم اد‬ ‫َحَيْي‪#ِ #‬ه ‪َ ،‬ت‪#َ #‬و َّكل ُ‬
‫ْت لَ ‪#ُ #‬ه بِال َ‬ ‫َوَما َبْي َن ل ْ‬
‫على الغري والرك ون إليه ومنه ما ورد يف قوله تع اىل ‪َ  :‬وَم ْن َيَتَو َّك ْل َعَلى‬
‫اللَِّه َفُ‪#‬ه َ‪#‬و َح ْس ‪#‬بُُه ‪[ ‬الطالق‪ ، ]3/‬ورمبا يفسر الوكيل بالكفيل ‪ ،‬والوكيل أعم‬
‫ألن كل كفيل وكيل وليس كل وكيل كفيال ‪ ،‬وعند الرتمذي‬
‫وصححه األلباني من حديث عمر بن اخلطاب ‪ t‬أن رسول اللَّه ‪ ( : S‬لَْو‬
‫ِ‬ ‫اهلل ‪#‬ح َّ ِ ِ‬ ‫أَنَّ ُكم ُكْنتُم َتوكلُ‪##‬و َن َعَلى ِ‬
‫‪#‬ق َتَو ُّكل‪##‬ه لَ‪#ُ#‬رِزقْتُ ْم َك َما ُت‪#ْ #‬رَز ُق الطَّْ‪#‬ي ُ‪#‬ر َت ْغ‪ُ #‬دو خ َما ً‬
‫ص‪#‬ا‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫وح بِطَانًا) ‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫َوَتُر ُ‬
‫والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعاملني خلقا وتدبريا ‪ ،‬وهداية وتقديرا ‪ ،‬فهو‬
‫املتوكل خبلقه إجياد وإمدادا كما قال تبارك وتعاىل ‪َ  :‬ذلِ ُك ُم اللَُّه َربُّ ُك ْم ال ِإلََه ِإال ُ‪#‬ه َ‪#‬و‬
‫يل ‪[ ‬األنعام‪ ، ]102 :‬وقال تعاىل ‪ :‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َخالِ ُق ُك ِّل َش ْيء فَا ْعبُ ُد ُ‬
‫وه َو ُهَو َعَلى ُك ِّل َش ْيء َوك ٌ‬
‫يل ‪[ ‬الزمر‪ ، ]62:‬وقال هود ‪ِ  : ‬إنِّي‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َخال ُق ُك ِّل َش ْيء َو ُهَو َعَلى ُك ِّل َش ْيء َوك ٌ‬ ‫ُ‬
‫آخ ٌذ بَناص‪َ#‬يتَها ‪[ ‬هود‪ ، ]56 :‬فالوكيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت َعَلى الَله َربِّي َوَربِّ ُك ْم َما م ْن َدابَّة إال ُه َ‪#‬و ‪#‬‬ ‫َتَو َّكل ُ‬
‫الكفيل بأرزاق عباده ومصاحلهم (‪. )4‬‬
‫وهو س بحانه وكيل املؤم نني ال ذين جعل وا اعتق ادهم يف حوله وقوته ‪ ،‬وخرج وا‬
‫من حوهلم وطوهلم وآمنوا بكمال قدرته ‪ ،‬وأيقنوا أنه ال حول وال قوة إال باهلل‬
‫‪ ،‬فركن وا إليه يف مجيع أم ورهم ‪ ،‬وجعل وا اعتم ادهم عليه يف س ائر حي اهتم ‪،‬‬
‫وفوضوا إليه األمر قبل سعيهم ‪ ،‬واستعانوا به حال كسبهم ‪ ،‬ومحدوه بالشكر‬
‫ين ِإ َذا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫بعد توفيقهم ‪ ،‬والرضا باملقسوم بعد ابتالئهم قال تعاىل ‪ِ  :‬إنََّما ال ُْمْؤمنُو َن الذ َ‬
‫‪1‬لسان العرب ‪ ، 734 /11‬وكتاب العني ‪ ، 405 /5‬واشتقاق أمساء اهلل ‪ ،136‬واملفردات ‪. 882‬‬
‫‪2‬البخاري يف احملاربني ‪ ،‬باب فضل من ترك الفواحش ‪. )6422 ( 6/2497‬‬
‫‪3‬الرتمذي يف الزهد ‪ ،‬باب يف التوكل على اهلل ‪. )2344 ( 4/573‬‬
‫‪4‬زاد املسري ‪. 505 /1‬‬
‫(‪)104‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪#‬وبُه ْم َوِإ َذا تُِلَي ْت َعَلْيِه ْم آيَاتُ ‪#ُ #‬ه َز َادْتُه ْم ِإ َيمان‪# #‬اً َو َعَلى َربِِّه ْم َيَتَو َّكلُ ‪##‬و َن ‪‬‬
‫ُ‬ ‫ذُ ِك ‪#َ #‬ر اللَُّه َو ِجَل ْ‬
‫ت ُقلُ ‪#‬‬
‫ين قَ َال لَُهم الن ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس إ َّن الن َ‬
‫َّاس قَ ْ‪#‬د‬ ‫ُ ُ‬ ‫[األنفال‪ ، ]2 :‬وقال سبحانه يف وصف املؤمنني ‪  :‬الذ َ‬
‫يل ‪[ ‬آل عمران‪]173 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اخ َشْو ُه ْم َفَز َاد ُه ْم إ َيماناً َوقَالُوا َح ْسُبَنا اللُه َونْع َم الَْوك ُ‬ ‫َج َمُعوا لَ ُك ْم فَ ْ‬
‫ين َو َد ْع أَ َذ ُاه ْم َوَتَو َّك ْل َعَلى اللَِّه َو َكَفى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬وق ال لنبيه ‪َ S : ‬وال تُ ‪#‬ط ِ‪#‬ع اْل َ‪#‬ك‪#‬اف ِر َ‬
‫ين َوال ُْمَن‪##‬افق َ‬
‫ب ال َْم ْش ِر ِق َوال َْم ْغ ِر ِب ال ِإلََه ِإال ُه َ‪#‬و فَاتَّ ِ‪#‬خ ْذُه‬‫ال ‪[ ‬األحزاب‪ ، ]48 :‬وقال ‪َ  :‬ر ُّ‬ ‫بِاللَِّه َو ِكي ً‬
‫َو ِكي ًال ‪[ ‬املزمل‪. )1( ]9:‬‬
‫وي ذكر ابن القيم أن توكيل العبد ربه يك ون بتفويضه نفسه إليه وعزلها عن‬
‫التص رف إال بإذنه يت ويل ش ئون أهله ووليه ‪ ،‬وه ذا هو ع زل النفس عن الربوبية‬
‫وقيامها بالعبودية وه و معىن ك ون ال رب وكيل عب ده أي كافيه والق ائم ب أموره‬
‫ومصاحله ألنه ينوب عنه يف التصرف ‪ ،‬فوكالة الرب عبده أمر وتعبد وإحسان‬
‫له وخلعة منه عليه ال عن حاجة منه وافتقار إليه ‪ ،‬وأما توكيل العبد ربه فتسليم‬
‫لربوبيته وقيام بعبوديته (‪. )2‬‬
‫‪   -79‬الرقيب ‪:‬‬
‫ال رقيب يف اللغة فعيل مبعىن فاعل وهو املوص وف باملراقبة ‪ ،‬فعله رقب ي رقب‬
‫رقابة والرقابة تأيت مبعىن احلفظ واحلراسة واالنتظار مع احلذر والرتقب ‪ ،‬وعند‬
‫البخاري من حديث ابن عمر ‪ t‬أن أبا بكر ‪ t‬قال ‪ْ ( :‬ار ُقبُوا ُم َح َّم ًدا ‪ِ S‬في أ َْه ِل‬
‫َبْيتِ‪#ِ # #‬ه ) ‪ ،‬أي احفظ وه فيهم ‪ ،‬وق ال ه ارون ‪  : ‬إِنِّي َخ ِش ‪ُ # #‬‬
‫(‪)3‬‬
‫يت أَ ْن َت ُق‪َ # #‬‬
‫‪#‬ول‬
‫رائيل َول َْم َت‪#ْ #‬رقُ ْب َق‪#ْ #‬ولِي ‪[ ‬ط ه‪ ، ]94:‬ف الرقيب املوكل حبفظ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْت َبْي َن بَني إ ْس ‪َ #‬‬
‫َف‪#َّ #‬رق َ‬
‫الش يء املرتصد له املتح رز عن الغفلة فيه ورقيب الق وم حارس هم ‪ ،‬وهو ال ذي‬
‫يش رف على مرقبة ليحرس هم ‪ ،‬ورقيب اجليش طليعتهم ‪ ،‬وال رقيب األمني ‪،‬‬
‫وارتقب املكان أشرف عليه وعال فوققه (‪. )4‬‬
‫والرقيب سبحانه هو املطلع على خلقه ‪ ،‬يعلم كل صغرية وكبرية يف ملكه ‪ ،‬ال‬
‫َن اللَّ َه َي ْعلَ ُم َما‬
‫َم َت‪#َ #‬ر أ َّ‬
‫خيفى عليه ش يء يف األرض وال يف الس ماء ق ال تع اىل ‪  :‬أَل ْ‬
‫ض َما يَ ُك‪##‬و ُن ِم ْن نَ ْ‪#‬‬
‫ج َ‪#‬وى ثَالثَ‪#ٍ #‬ة إِال ُه‪#َ #‬و َرابِ ُع ُه ْم َوال َخ ْم َس ‪ٍ #‬ة‬ ‫ات َو َما ِفي األ َْر ِ‬
‫س ‪#‬ماو ِ‬ ‫ِ‬
‫في ال َّ َ َ‬

‫‪1‬انظر شرح أمساء اهلل للرازي ص ‪ ، 282‬واملقصد األسىن ص ‪. 114‬‬


‫‪2‬مدارج السالكني ‪ 2/127‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪3‬البخاري يف فضائل الصحابة ‪ ،‬باب مناقب قرابة رسول اهلل )‪. S 3/1361 (3509‬‬
‫‪4‬تاج العروس للزبيدي ‪.1/274‬والقاموس احمليط للفريوز أبادي ‪ ، 1/75‬ولسان العرب ‪. 13/437‬‬
‫(‪)105‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫‪#‬ك َوال أَ ْكَث‪#َ #‬ر إِال ُه‪#َ #‬و َم َع ُه ْم أَيْ َن َما َك‪##‬انُوا ثُ َّم ُينَبُِّئ ُه ْم‬‫َ‬ ‫إِال ُه‪#َ #‬و َس ِاد ُس‪ُ ##‬ه ْم َوال أَ ْدنَى ِم ْن َذلِ ‪#‬‬
‫يم ‪[ ‬اجملادل ة‪ ، ]7:‬وق ال ‪  :‬أ َْم‬ ‫ٍ ِ‬ ‫بِ َما َع ِملُ‪## #‬وا َي‪#ْ # #‬و َم ال ِْقيَ َام‪#ِ # #‬ة إِ َّن اللَّ َه بِ ُك‪ِّ # #‬‬
‫‪#‬ل َش ‪ْ # #‬يء َعل ٌ‬
‫اه ْم َبلَى َو ُر ُس‪#‬لُنَا لَ‪َ #‬ديْ ِه ْم يَ ْكتُبُ‪##‬و َن ‪[ ‬الزخ رف‪80:‬‬ ‫ج َ‪#‬و ُ‬ ‫يَ ْح َس‪#‬بُو َن أَنَّا ال نَ ْس‪َ #‬م ُع ِس‪َّ #‬ر ُه ْم َونَ ْ‪#‬‬
‫] ‪ ،‬ومراقبة اهلل خللقه مراقبة عن اس تعالء وفوقية ‪ ،‬وق درة وص مدية ‪ ،‬ال‬
‫تتحرك ذرة إال بإذنه ‪ ،‬وال تسقط ورقة إال بعلمه ‪ ،‬ملك له امللك كله ‪ ،‬وله‬
‫احلمد كله ‪ ،‬أزمة األم ور كلها بيدي ه ‪ ،‬ومص درها منه ومردها إليه ‪ ،‬مس تو‬
‫على عرش ه ال ختفى عليه خافية ‪ ،‬ع امل مبا يف نف وس عب اده مطلع على السر‬
‫والعالني ة ‪ ،‬يس مع وي رى ‪ ،‬ويعطي ومينع ‪ ،‬وي ثيب ويع اقب ‪ ،‬ويك رم ويهني‬
‫وخيلق ويرزق ‪ ،‬ومييت وحييي ‪ ،‬ويقدر ويقضي ‪ ،‬ويدبر أمور مملكته ‪ ،‬فمراقبته‬
‫خللقه مراقبة حفظ دائمة ‪ ،‬وهيمنة كاملة ‪ ،‬وعلم وإحاطة (‪. )1‬‬
‫واهلل عز وجل رقيب راصد ألعمال العباد وكسبهم ‪ ،‬عليم باخلواطر اليت تدب‬
‫يف قل وهبم ‪ ،‬ي رى كل حركة أو س كنة يف أب داهنم ‪ ،‬ووكل مالئكته بكتابة‬
‫ين كِ َرام‪#‬اً‬ ‫أعماهلم وإحصاء حسناهتم وسيئاهتم ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬وإِ َّن َعلَي ُكم ل ِ ِ‬
‫َحافظ َ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ين َي ْعلَ ُم‪#‬و َن َما َت ْف َعلُ‪#‬و َن ‪[ ‬االنفطار‪ ، ]10/12:‬فاملالئكة تسجيل أفعال اجلنان‬‫ِِ‬
‫َك‪#‬اتب َ‬
‫واألب دان ‪ ،‬وق ال تع اىل عن تس جيلهم لق ول القلب وق ول اللس ان ‪َ  :‬ولََق‪#ْ #‬د‬
‫َخلَ ْقنَا اإلنْسا َن وَنعلَم ما ُتوس ِوس بِِه َن ْفسهُ ونَحن أَقْرب إِلَي ِه ِمن حب ِل الْو ِر ِ‬
‫يد إِ ْذ َيَتلَ َّقى‬ ‫ُ َ ْ ُ َ ُ ْ ْ َْ َ‬ ‫َ َ ْ َُ َْ ُ‬
‫ِ‬
‫يب َعتي ‪ٌ #‬د ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْمَتلَِّقي ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ان َع ِن الْيَ ِمي ِن َو َع ِن ال ِّش ‪َ #‬مال قَعي ‪ٌ #‬د َما َيلْف‪ُ #‬‬
‫ِ‬
‫ظ م ْن َق‪#ْ #‬ول إال لَ َديْ ‪##‬ه َرق ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫[ق‪ ، ]16/18:‬وهو س بحانه من ف وقهم رقيب عليهم وعلى ت دوينهم ورقيب‬
‫أيضا على أفع ال اإلنس ان ق ال تع اىل ‪َ  :‬و َما تَ ُك‪##‬و ُن ِفي َش‪# #‬أ ٍْن َو َما َتْتلُو ِمْن ‪##‬هُ ِم ْن‬
‫ضو َن ِف ِ‬‫آن َوال َت ْع َملُو َن ِم ْن َع َم ٍل إِال ُكنَّا َعلَْي ُك ْم ُش ُهوداً إِ ْذ تُِفي ُ‬
‫ُقر ٍ‬
‫(‪)2‬‬
‫يه ‪[ ‬يونس‪]61:‬‬ ‫ْ‬
‫‪.‬‬
‫‪   -80‬المحسن ‪:‬‬
‫احلس ُن‬
‫فعله أحسن حيسن إحس انا فهو حمسن ‪ ،‬و ْ‬ ‫احملسن يف اللغة اسم فاعل ‪،‬‬
‫وأح َس َن إليه وبه صنع له وبه معروفا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫وح َّسن الشيء حتسينا زينه ‪ْ ،‬‬
‫ضد ال ُقْبح ‪َ ،‬‬
‫وهو حيسن الش يء أي يعلمه خبربه ‪ ،‬واستحسن الش يء رغب فيه وتعلق به‬
‫واعت ربه َح َس نا ‪ ،‬واحلُ ْس ىَن البالغة احلسن يف كل ش يء من جهة الكم ال‬
‫‪1‬الفوائد ص ‪ 28‬بتصرف ‪ ،‬وانظر أيضا ‪ :‬الصواعق املرسلة ‪ ، 1223 /4‬وشفاء العليل ص ‪. 243‬‬
‫‪2‬األسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن ‪ ، 1/402‬الدر املنثور للسيوطي ‪. 425 /2‬‬
‫(‪)106‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ِِ‬
‫ْح ْس‪# #‬نَى َو ِزيَ ‪#َ #‬ادة ‪[ ‬ي ونس‪، ]26:‬‬
‫َح َس‪# #‬نُوا ال ُ‬ ‫واجلم ال ‪ ،‬كما ق ال تع اىل ‪  :‬للَّذ َ‬
‫ين أ ْ‬
‫والزي ادة النظر إىل وجه الل ه تع اىل ي وم القيامة ‪ ،‬فس رها ب ذلك‬ ‫ّ‬ ‫فاحلس ىن الجن ة‬
‫ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫رسول اهلل ‪ S‬والصحابة من بعده ‪.‬‬
‫ك بِ ‪##‬ال ُْع ْر َو ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقوله عز وجل ‪َ  :‬و َم ْن يُ ْس ‪#‬ل ْم َو ْج َه‪##‬هُ إِلَى اللَّه َو ُه‪#َ #‬و ُم ْحس ‪ٌ #‬ن َف َق‪##‬د ْ‬
‫استَ ْم َس ‪َ #‬‬
‫الْ‪#ُ # #‬و ْث َقى ‪[ ‬لقم ان‪ ، ]22:‬واحملسن يف الش رع هو ال ذي بلغ درجة اإلحس ان ‪،‬‬
‫ك‬‫واإلحسان فسره النيب ‪ S‬كما جاء عن عمر ‪ ( : t‬ا ِإل ْح َس‪#‬ان أَ ْن َت ْعبُ‪َ #‬د اهللَ َكأَنَّ َ‬
‫ِحس‪ِ #‬‬ ‫اك ) ‪ ،‬وقال تعاىل ‪  :‬إِ َّن اللَّ َه يَ‪#‬أ ُْمر بِ َ ِ‬ ‫لم تَ ُك ْن َت َ‪#‬راهُ فَِإنَّهُ َي َ‪#‬ر َ‬
‫ان‬ ‫الع‪ْ #‬دل َوالإ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َت َراهُ فَ‪ِ#‬إ ْن ْ‬
‫‪[ ‬النح ل‪ ، ]90:‬قيل ‪ :‬أَراد با ِإلحس ان ا ِإلخالص وهو ش رط يف ص ِ‬
‫حة ا ِإلميان‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫وح ْس ن الطاعة ف إن َم ْن‬ ‫وا ِإلسالم معا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أَراد با ِإلحسان ا ِإلشار َة إىل‬
‫املراقبة ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫عمله ‪ ،‬واملعىن يشمل االثنني معا ‪.‬‬ ‫َحسن َ‬‫راقَب اهللَ أ َ‬
‫واحملسن سبحانه هو الذي له كمال احلسن يف أمسائه وصفاته وأفعاله ‪ ،‬كما قال‬
‫ْح ْس ‪#‬نَى ‪[ ‬ط ه‪ ، ]8:‬فال ش يء‬ ‫تع اىل يف كتابه ‪  :‬اهللُ ال إِلَ ‪#َ #‬ه إِال ُه‪#َ #‬و لَ ‪##‬هُ األَ ْس ‪َ #‬ماءُ ال ُ‬
‫أكمل وال أمجل من اهلل ‪ ،‬فكل كمال ومجال يف املخلوق من آثار صنعته ‪ ،‬وهو‬
‫ال ذي ال حيد كماله وال يوصف جالله ‪ ،‬وال حيصي أحد من خلقه ثن اء عليه ‪،‬‬
‫بل هو كما أثىن على نفسه ‪ ،‬ليس يف أفعاله عبث وال يف أوامره سفه ‪ ،‬بل أفعاله‬
‫كلها ال خترج عن احلكمة واملص لحة والع دل والفضل والرمحة ‪ ،‬إن أعطى‬
‫فبفض له ورمحته وإن منع أو ع اقب فبعدله وحكمته ‪ ،‬وهو ال ذي أحسن كل‬
‫ش يء خلقه ف أتقن ص نعه وأب دع كونه وه داه لغايته ‪ ،‬وأحسن إىل خلقه بعم وم‬
‫نعمه ومشول كرمه وس عة رزقه على ال رغم من خمالفة أك ثرهم ألم ره وهنيه ‪،‬‬
‫وأحسن إيل املؤم نني فوع دهم احلسين وع املهم بفض له ‪ ،‬وأحسن إىل من أس اء‬
‫فأمهله مث حاسبه بعدله (‪. )3‬‬
‫‪   -81‬الحسيب ‪:‬‬
‫احلس يب يف اللغة من ص يغ المبالغة ‪ ،‬فعله حسِب حيسِب حسَابا وحس بانا ‪،‬‬
‫واسم الفاعل احلاسب ‪ ،‬وهو املوص وف مبحاس بة غ ريه ‪ ،‬واحلس اب ض بط‬
‫الع دد وبي ان مق ادير األش ياء املع دودة ‪ ،‬س واء ك ان ذلك جزما أم ظنا ‪،‬‬
‫‪1‬شرح العقيدة الطحاوية ص ‪. 206‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 13/114‬وكتاب العني ‪ ،3/143‬ومفردات ألفاظ القرآن ص ‪. 235‬‬
‫‪3‬انظر طريق اهلجرتني البن القيم ص ‪ ، 470‬واألسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن للقرطيب ‪. 1/512‬‬
‫(‪)107‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ت‬‫الشََّرف الثابِ ُ‬ ‫واحلسيب هو الكايف الكرمي الرفيع الشأن ‪ ،‬واحلسب يف حقنا هو‬
‫يف ِ‬
‫غري‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َصل‬ ‫أل‬‫ا‬ ‫يب‬ ‫الص الِ ُح ‪ ،‬ويقال ‪ُ :‬ر َّ‬
‫ب َح ِس ِ‬ ‫ب أيضا هو الفعل َّ‬‫ُ‬ ‫واحلس‬
‫َ‬ ‫اآلباء ‪،‬‬
‫َح ِسيب ‪ِ ،‬أَي له آباء يفعلون اخلري وال يفعله هو (‪. )1‬‬
‫واحلس يب س بحانه هو العليم الك ايف ال ذي ق در أرزاق اخلالئق قبل خلقهم ‪،‬‬
‫ووعد باس تكمال العب اد ألرزاقهم على مقتضى حكمته يف ت رتيب أس باهبم ‪،‬‬
‫فض من أال تنفد خزائنه من اإلنف اق ‪ ،‬وأن كال س ينال نص يبه من األرزاق ‪،‬‬
‫فهو احلس يب ال رزاق وهو الق دير اخلالق ‪ ،‬ق ال أبو حامد ‪ ( :‬احلس يب هو‬
‫الكايف ‪ ،‬وهو الذي من كان له كان حسبه ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل حسيب‬
‫كل أحد وكافيه ‪ ،‬وه ذا وصف ال تتص ور حقيقته لغ ريه ‪ ،‬ف إن الكفاية إمنا‬
‫حيت اج إليها املكفي لوج وده ول دوام وج وده ولكم ال وج وده ‪ ،‬وليس يف‬
‫الوج ود ش يء هو وح ده ك اف لش يء إال اهلل عز وجل ‪ ،‬فإنه وح ده ك اف‬
‫لكل شيء ال لبعض األشياء ‪ ،‬أي هو وحده كاف ليحصل به وجود األشياء‬
‫ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها ) (‪. )2‬‬
‫وهو سبحانه أيضا احلسيب الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه ‪ ،‬واستعانوا به‬
‫‪#‬ال ل َُهم الن ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس إ َّن الن َ‬
‫َّاس قَ ‪#ْ #‬د َج َم ُع ‪##‬وا لَ ُك ْم‬ ‫ين قَ ‪ُ ُ َ #‬‬ ‫واعتم دوا عليه ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬الذ َ‬
‫فَا ْخ َش ‪##‬و ُهم َف‪##‬ز َاد ُهم إِيمان ‪##‬اً وقَ ‪##‬الُوا حس ‪##‬بنَا اهلل ونِ ْعم الْوكِي ‪##‬ل فَ ‪##‬ا ْن َقلَبوا بِنِ ْعم‪#ٍ #‬ة ِمن ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُْ َُ َ َ ُ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫ض‪#‬ل َعظيم ‪[ ‬آل عمران‪:‬‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ض‪َ #‬وا َن الله َواللهُ ذُو فَ ْ‬ ‫ض ٍل ل ْ‬
‫َم يَ ْم َس ْس‪ُ #‬ه ْم ُس‪#‬وءٌ َواتَب ُع‪#‬وا ر ْ‬ ‫َوفَ ْ‬
‫‪ ، ]173/174‬وعند البخاري من حديث ابن عباس ‪ t‬قال ‪َ :‬ح ْس ُبنَا اهللُ َونِ ْع َم‬
‫ِ‬ ‫الوكِي ل ‪ ،‬قَاهَل ا إِبْر ِاهيم ‪ِ ‬ح ِ‬
‫ني قَ الُوا ‪  :‬إِ َّن‬ ‫ني أُلْق َى يف النَّا ِر ‪َ ،‬وقَاهَلَا حُمَ َّم ٌد ح َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس قَ‪ْ #‬د َج َم ُع‪##‬وا لَ ُك ْم فَا ْخ َش‪ْ #‬و ُه ْم َف‪#َ #‬ز َاد ُه ْم إِ َيمان‪#‬اً َوقَ‪##‬الُوا َح ْس‪ُ#‬بنَا اللَّهُ َون ْع َم ال َْوكي‪#ُ #‬ل ‪‬‬
‫(ال‪3‬ن) َ‬
‫‪ ،‬ومن ك ان اهلل حس يبه كف اه ‪ ،‬ومن ع رف احلس يب حاسب نفسه قبل أن‬
‫يلقاه ‪.‬‬
‫واحلس يب جل ش أنه هو ال ذي حيصي أع داد املخلوق ات وهيئاهتا وما مييزها ‪،‬‬
‫ويضبط مقاديرها وخصائصها ‪ ،‬وحيصي أعمال املكلفني يف خمتلف الدواوين ‪،‬‬
‫حيصي أرزاقهم وأسباهبم وأفعاهلم ومآهلم يف حال وجودهم وبعد موهتم وعند‬

‫‪1‬لسان العرب ‪ ، 1/310‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 129‬‬


‫‪2‬املقصد األسىن للغزايل ص ‪. 113‬‬
‫‪3‬البخاري يف كتاب التفسري ‪ ،‬باب إن الناس قد مجعوا لكم فاخشوهم اآلية ‪. )4287 (4/1662‬‬
‫(‪)108‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫حس اهبم ي وم يق وم األش هاد ‪ ،‬فهو اجملازي للخليقة عند ق دومها حبس ناهتا‬
‫آخر ‪ ،‬كما الَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب واحد َعن َ‬ ‫وس يئاهتا ‪ ،‬وحس ابُه واق ٌع ال حمالة ال يَ ْش غَلُه حس ُ‬
‫يَ ْشغَلُه مَسْع عن مسع ‪ ،‬وال َشأْ ٌن عن شأْ ٍن فهو سريع احلساب كما قال ‪  :‬الَْي‪#ْ #‬و َم‬
‫اب ‪[ ‬غ افر‪]17:‬‬ ‫ت ال ظُلْم الْي‪##‬وم إِ َّن اللَّ َه س‪ِ # #‬ر ِ‬
‫ْحس‪ِ # #‬‬ ‫س بِ َما َك َس‪# #‬بَ ْ‬
‫‪#‬ل َن ْف ٍ‬
‫يع ال َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫تُ ْج‪#َ #‬زى ُك‪ُّ #‬‬
‫(‪. )1‬‬
‫واحلس يب أيضا هو الك رمي العظيم اجمليد ال ذي له علو الش أن ومع اين الكم ال ‪،‬‬
‫س َك ِمثِْل ِه َش‪ْ #‬يءٌ َو ُه َ‪#‬و‬
‫وله يف ذاته وصفاته مطلق اجلمال واجلالل ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬لَْي َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ير ‪[ ‬الشورى‪ ، ]11 :‬وقال تعاىل ‪َ  :‬هل َت ْعلَ ُم لَهُ َس ِميّاً ‪[ ‬مرمي‪]65:‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يع البَص ُ‬
‫السم ُ‬
‫‪.‬‬

‫‪   -82‬الشافي ‪:‬‬
‫الش ايف يف اللغة اسم فاعل ‪ ،‬فعله ش فى يش في ش فاءَ ‪ ،‬وش فى كل ش يء حرفه‬
‫ق ال تع اىل ‪َ  :‬و ُكْنتُ ْم َعلَى َش‪َ # # #‬فا ُح ْف‪#َ # #‬ر ٍة ِم َن النَّا ِر فَأَْن َق‪َ # # #‬ذ ُك ْم ‪[ ‬آل عم ران‪، ]103:‬‬
‫والشِّفاء موافاة شفا السالمة وصار امسا للربء ‪ ،‬فالشفاء هو ال دواء الذي يكون‬
‫الس ق ِم ‪ ،‬وعند أيب داود وصححه األلباين من حديث َج ابٍِر‬ ‫سببا فيما يربئ من َّ‬
‫ِ‬
‫ال ‪( :‬فَِإنَّ َما ش‪َ # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #‬فاءُ‬
‫َ‬ ‫قَ‬ ‫بن عبد اهلل ‪ t‬أن النيب ‪S‬‬
‫ال ِْعيّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الش فاء ونال ه ‪ ،‬وعند مس لم من ح ديث عائشة‬ ‫استَ ْش َفى طلب ِّ‬ ‫ِ ال ُّس ‪َ#‬ؤ ُال ) ‪ ،‬و ْ‬
‫س‪# #‬ا ُن فَ َش‪َ # #‬فى‬ ‫أن رس ول اهلل ‪ S‬قَ ال عن هج اء حس ان ‪ t‬لق ريش ‪َ ( :‬ه َج‪ُ #‬‬
‫‪#‬اه ْم َح َّ‬
‫تص بالشِّفاء ‪ ،‬وهو‬ ‫اخ َّ‬ ‫ِِ‬ ‫(‪)4‬‬
‫َوا ْش‪َ#‬تَفى ) ‪ ،‬أَراد أَنه َش فى املؤمنني واشتفى بنَفس ه أَي ْ‬
‫الش فاء أو الب ر ِء من املرض لكن املعىن نقل من ِش فاء األَجس ِام إِىل ِش ِ‬
‫فاء‬ ‫من ِّ‬
‫ُْ‬
‫(‪)5‬‬
‫غيظي ‪.‬‬ ‫ت بكذا وتَ َشفْيت من ْ‬
‫تفي ُ‬ ‫والن ُف ِ‬
‫وس يقال ‪ :‬ا ْش ْ‬ ‫ِ‬
‫القلوب ُّ‬
‫والشايف سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ‪ ،‬ويشفي العليل باألسباب واألمل‬
‫‪1‬انظر ش رح أمساء اهلل احلسىن لل رازي ص ‪ ، 274‬وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزج اج ص ‪ ، 49‬وكت اب‬
‫املواقف لعضد الدين اإلجيي ‪. 3/309‬‬
‫‪2‬انظر يف هذا املعىن معارج القبول ‪. 1/144‬‬
‫‪3‬أبو داود يف الطهارة ‪ ،‬باب يف اجملروح يتيمم ‪ ، )336 (1/93‬وانظر صحيح اجلامع ( ‪. )4362‬‬
‫‪4‬مسلم يف فضائل الصحابة رضي اهلل عنهم ‪ ،‬باب فضائل حسان بن ثابت )‪. t 3/1936 (2490‬‬
‫‪5‬لسان العرب ‪ ، 14/436‬وكتاب العني ‪ ، 6/290‬واملفردات ص ‪. 459‬‬
‫(‪)109‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫فقد يربأ الداء مع انعدام الدواء ‪ ،‬وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ‪ ،‬ويرتب عليه‬
‫أس باب الش فاء ‪ ،‬وكالمها باعتب ار ق درة اهلل س واء ‪ ،‬فهو الش ايف ال ذي خلق‬
‫أس باب الش فاء ورتب النت ائج على أس باهبا واملعل والت على عللها فيش في هبا‬
‫وبغريها ‪ ،‬ألن حص ول الش فاء عن ده حيكمه قض اؤه وق دره ‪ ،‬فاألس باب س واء‬
‫ترابط فيها املعل ول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق اهلل وتق ديره ومش يئته‬
‫وت دبريه ‪ ،‬واألخذ هبا الزم علينا من قبل احلكيم س بحانه إلظه ار احلكمة يف‬
‫الش رائع واألحك ام ومتي يز احلالل واحلرام وظه ور التوحيد واإلس الم ‪ ،‬فاللّ ه ع ّز‬
‫وج ّل متص ف بالق درة واحلكم ة ‪ ،‬ومن أمسائه الق دير احلكيم ‪ ،‬فبالق درة خل ق‬
‫األشياء وأوجدها وهداها وسريها وانفرد بذلك دون شريك وهذا توحيد الربوبية‬
‫وباحلكم ة رتب األس باب ونتائجه ا وابتالن ا هبا وعل ق عليه ا الش رائع واألحك ام‬
‫حتقيقا لتوحيد العبودية ‪ ،‬وإمنا مثل األسباب كمثل اآللة بيد الصانع فكما ال يقال ‪:‬‬
‫السيف ضرب العنق وال السوط ضرب العبد ‪ ،‬وإمنا يقال ‪ :‬السياف ضرب العنق‬
‫وفالن ض رب فالن ا بالس وط ‪ ،‬فك ذلك ال يق ال ش فاين ال دواء أو الط بيب ألهنا‬
‫أسباب وعلل ‪ ،‬والعلل واألسقام كما ذكر النيب عليه الصالة والسالم فيما صح‬
‫عنه ‪ ( :‬ط‪#‬ب‪#‬ي‪#‬ب‪#‬ه‪# # #‬ا‪ #‬ا‪#‬ل‪# # #‬ذ‪#‬ي‪ #‬خ‪#‬ل‪#‬ق‪#‬ه‪#‬ا‪ ، )1 ( ) #‬فه و س بحانه الق ادر الفاع ل بلط ائف‬
‫ت‪#َ #‬ف ُه‪َ #‬و‪ #‬يَ‪#ْ #‬ش‪ِ #‬ف‪#‬ي‪ِ #‬ن‪#‬‬ ‫القدرة وخفايا املشيئة ‪ ،‬ولذلك قال إبراهيم ‪#َ  : ‬و‪#‬إِ‪َ #‬ذ‪#‬ا‪َ #‬م‪ِ #‬ر‪ْ #‬‬
‫ض‪ُ #‬‬
‫‪[ ‬الش عراء‪ ، ]80:‬وقد وحد الغالم ربه يف امسه الشايف ملا قال له الوزير يف‬
‫ت‪#َ #‬ش‪َ #‬ف‪ْ #‬ي‪#‬تَ‪#‬نِ‪#‬ي‪ #، #‬ف‪#‬ق‪#‬ا‪#‬ل‪ #: #‬إِ‪#‬نِّ‪#‬ي‪#‬‬ ‫قصة أصحاب األخدود ‪َ ( :‬م‪#‬ا‪َ #‬ه‪#‬ا‪ُ #‬ه‪#‬نَ‪#‬ا‪ #‬ل‪#‬ك‪ #‬أَ‪ْ #‬ج‪َ #‬م‪ُ #‬ع‪ #‬إِ‪#‬ن‪ #‬أَ‪#‬نْ‪#َ #‬‬
‫ت‪ #‬ا‪#‬هللَ‪ #‬فَ‪َ #‬ش‪َ #‬ف‪#‬ا‪#َ #‬ك‪ #، #‬ف‪# َ#‬آ‪َ #‬م‪َ #‬ن‪#‬‬ ‫ت‪ #‬بِ‪#‬ا‪ِ #‬‬
‫هلل‪َ #‬د‪َ #‬ع‪#ْ #‬و‪#ُ #‬‬ ‫ال‪ #‬أَ‪ْ #‬ش‪ِ #‬ف‪#‬ى‪ #‬أَ‪َ #‬ح‪ً #‬د‪#‬ا‪ #‬إِ‪#‬نَّ‪َ #‬م‪#‬ا‪ #‬يَ‪ْ #‬ش‪ِ #‬ف‪#‬ى‪ #‬ا‪#‬هلل‪ #، #‬ف‪ِ#‬إ‪#‬ن‪ #‬أَ‪#‬نْ‪#َ #‬‬
‫ت‪ #‬آ‪َ #‬م‪ْ #‬ن‪#َ #‬‬
‫بِ‪#‬ا‪#‬هللِ‪ #‬فَ‪َ #‬ش‪َ #‬ف‪#‬ا‪#‬هُ‪ #‬ا‪#‬هللُ‪. )2 ( ) #‬‬
‫واهلل عز وجل هو الشايف الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي األبدان‬
‫‪#‬اءتْ ُك ْم َم ْو ِعظَ‪#‬ةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش‪َ #‬فاءٌ لِ َما‬ ‫من أمراضها ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬يَا أَُّي َها الن ُ‬
‫َّاس قَ‪ْ #‬د َ‪#‬ج َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِفي ال ُّ‬
‫ين ‪[ ‬ي ونس‪ ]57:‬وق د ذك ر ابن القيم أن القلب‬ ‫ص ‪ُ #‬دو ِر َو ُه‪ً #‬‬
‫‪#‬دى َو َر ْح َم‪ #‬ةٌ لل ُْم‪#ْ #‬ؤمن َ‬
‫‪1‬أبو داود يف الرتجل ‪ ،‬باب يف اخلضاب ‪ ، )4207 ( 4/86‬وصحيح أيب داود ‪. )3544 ( 2/792‬‬
‫‪2‬رواه مسلم من حديث صهيب يف كتاب الزهد والرقاق ‪ ،‬وانظر األمساء والصفات للبيهقي ص ‪.111‬‬
‫(‪)110‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫مىت اتصل برب العاملني خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء‬
‫ك انت ل ه أدوي ة أخ رى غ ري األدوية ال يت يعانيه ا القلب البعي د من ه املع رض عنه ‪،‬‬
‫فإذا قويت النفس بإمياهنا وفرحت بقرهبا من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها‬
‫بذكره وانصراف قواها كلها إليه ومجع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه‬
‫فإن ذلك يكون هلا من أكرب األدوية يف دفع األمل بالكلية (‪. )1‬‬
‫‪   -83‬الرفيق ‪:‬‬
‫الرفْق‬ ‫فق َيْرفق ِرفقا ‪ ،‬و ِّ‬
‫الرفيق يف اللغة من صيغ املبالغة ‪ ،‬فعيل مبعىن فاعل ‪ ،‬فعله َر َ‬
‫هو اللطف وهو ضد العْنف ‪ ،‬ويعين لِني اجلانب ولطافة الفعل ‪ ،‬رفق ب األَمر وله‬
‫وعليه وهو به َرفِيق يعين لَ ِطيف ‪ ،‬وعند أمحد من حديث عائشة أَن النيب ‪ S‬قال ‪:‬‬
‫الرفْ‪#ُ #‬ق ِفي َشي ٍْء قَ‪#ُّ #‬ط إِالَّ َزانَ‪##‬هُ َوالَ ُع‪ِ #‬ز َل َع ْن َشي ٍْء ِإالَّ َش‪#‬انَهُ ) (‪ ، )2‬فالرفق هو‬
‫( َما َ‪#‬ك‪#‬ا َن ِّ‬
‫ك وإِيّاه رفقة واحدة ‪ ،‬والرفي ق‬ ‫ِ‬ ‫اللّطف ِ‬
‫يقك هو الذي يُراف ُقك يف السفر جَتْ َم ُع َ‬ ‫ورف َ‬ ‫ُ َ‬
‫أيضا هو ال ذي يت ويل العمل برفق ‪ ،‬أو يتَرفق ب املريض ويتلطف به ‪ ،‬وعند أيب‬
‫ال للرسول ‪ ( : S‬أَ ِرنِي َ‪#‬ه َذا‬ ‫داود وصححه األلباين من حديث أَىِب رمثة أن أباه قَ َ‬
‫‪#‬ل َر ِفي ‪ٌ #‬ق ‪ ،‬طَبِ ُيب َها‬ ‫يب ‪ ،‬بَ ‪#ْ #‬ل أَنْ َ‬
‫ت َر ُج‪ٌ #‬‬
‫ِ‬
‫‪#‬ال ‪ : S‬الل ‪#‬هُ الطَّب ُ‬ ‫‪#‬ل طَبِ ٌ‬
‫يب قَ ‪َ #‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫الذي بظَ ْه‪ِ #‬ر َك فَ ‪#‬إنِّي َر ُج‪ٌ #‬‬
‫ال‪#ِ #‬ذي َخَلَق َها ) (‪ ، )3‬واملِْرفَ ُق من َمَرافِق ال دار األم اكن املص احبة لل دار من خ دمات‬
‫وحنوها واملرفِق من ِاإلنس ان والدابة أَعلى ال ذراع وأَس فل‬
‫خمتلفة ك َمص اب املاء ُ‬
‫َ‬
‫ضد (‪. )4‬‬
‫الع ُ‬
‫َ‬
‫والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده القريب منهم يغفر ذنوهبم ويتوب عليهم ‪،‬‬
‫وهو الذي تكفل هبم من غري عوض أو حاجة ‪ ،‬فييسر أسباهبم وقدر أرزاقهم‬
‫وه داهم ملا يص لحهم ‪ ،‬فنعمته عليهم س ابغة ‪ ،‬وحكمته فيهم بالغة ‪ ،‬حيب‬
‫‪1‬زاد املعاد ‪ ، 4/12‬وانظر أيضا ‪ :‬إغاثة اللهفان ‪ ، 1/45‬وشفاء العليل ص ‪. 91‬‬
‫‪2‬أمحد يف املسند ‪ )25748 ( 6/206‬وصححه األلباين من حديث أنس انظر ‪ :‬صحيح اجلامع ( ‪. )5654‬‬
‫‪2/79‬‬ ‫‪3‬أخرجه أبو داود يف كتاب الرتجل ‪ ،‬باب يف اخلضاب ‪ ، )4207 ( 4/86‬وانظر صحيح أيب داود‬
‫‪ ، )3544 ( 2‬والط بيب مل ي دخل مع األمساء احلسىن للتقيد ال ذي ورد بع ده ‪ ،‬وهو قوله ‪ :‬طَِب ُيبَها الَِّذي‬
‫َخَلَقَها فحسن االسم على ما قيد به ‪.‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪ ، 10/118‬وهتذيب اللغة ‪ ، 9/109‬وكتاب العني ‪ ، 5/149‬واملغرب للمطرزي ‪1/33‬‬
‫‪.9‬‬
‫(‪)111‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫عب اده الموح دين ويتقب ل ص احل أعم اهلم ‪ ،‬ويق رهبم وينص رهم على ع دوهم ‪،‬‬
‫ويع املهم بعطف ورمحة وإحس ان وي دعو من خالفه إىل التوبة واإلميان ‪ ،‬فهو‬
‫الرفيق احملسن يف خف اء وسرت ‪ ،‬حياسب املؤم نني بفض له ورمحته ‪ ،‬وحياسب‬
‫املخ الفني بعدله وحكمته ‪ ،‬ترغيبا هلم يف توحي ده وعبادته ‪ ،‬وحلما منه‬
‫ليدخلوا يف طاعته (‪. )1‬‬
‫واهلل عز وجل رفيق يتابع عباده يف حركاهتم وسكناهتم ‪ ،‬ويتوالهم يف حلهم‬
‫وترح اهلم مبعية عامة وخاصة ‪ ،‬فاملعية العامة كقوله تع اىل ‪َ  :‬ما يَ ُك‪## # # #‬و ُن ِم ْن‬
‫‪#‬ك َوال أَ ْكَث َ‪#‬ر‬ ‫نَ ْج َوى ثَالثٍَة إِال ُه‪#َ #‬و َرابِ ُع ُه ْم َوال َخ ْم َس‪ٍ #‬ة إِال ُه َ‪#‬و َس ِاد ُس‪ُ #‬ه ْم َوال أَ ْدنَى ِم ْن َذلِ َ‬
‫َن اهللَ َم‪#َ #‬ع‬ ‫إِال ُه‪#َ #‬و َم َع ُه ْم أَيْ َن َما َ‪#‬ك‪#‬انُوا ‪[ ‬اجملادل ة‪ ، ]7:‬واملعية اخلاصة كقوله ‪َ  :‬وأ َّ‬
‫ين ‪[ ‬األنف ال‪ ، ]19:‬وعند الرتم ذي وص ححه األلب اين من ح ديث ابن‬ ‫ِِ‬
‫ال ُْم‪#ْ #‬ؤمن َ‬
‫ِ‬ ‫‪#‬ك َكِل ‪#‬م ‪ٍ #‬‬
‫اح َف‪## #‬ظ اهللَ‬ ‫‪#‬ات ‪ْ ،‬‬ ‫ُعلِّ ُم‪َ َ # #‬‬ ‫عب اس ‪ t‬أن رس ول اهلل ‪ S‬ق ال له ‪ ( :‬يَا غُالَ ُم إِنِّي أ َ‬
‫‪ ،‬وعند مسلم من حديث ابن عمر ‪t‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪#‬ك )‬ ‫‪#‬ظ اهللَ تَ ِ‪#‬ج ْدهُ تُ َج َ‪#‬‬
‫اه َ‬ ‫‪#‬ك ‪ ،‬اح َف‪ِ #‬‬
‫يَ ْح َفظْ‪ْ َ #‬‬
‫ب ِفي الس‪#‬ف ِر‬ ‫ت ال َّ ِ‬
‫ص‪#‬اح ُ‬ ‫أن رسول اهلل ‪ S‬كان يقول إذا خرج للسفر ‪ُ ( :‬‬
‫الله َّم أَنْ َ‬
‫الخليفة ِفي األ ْ‪َ#‬ه ِ‪#‬ل ‪ ..‬الح‪##‬ديث ) (‪ ، )3‬وهو الرفيق ال ذي جيمع عب اده املوح دين‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫ْجنَّة ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عنده يف اجلنة كما قالت امرأت فرعون ‪َ  :‬ر ِّ‬
‫ب ابْ ِن لي عْن َد َك َبْيتا في ال َ‬
‫ول اللَّ ِه ‪S‬‬ ‫[التح رمي‪ ]11:‬وعند البخ اري من ح ديث عائشة ق الت ‪#َ ( :‬ك ‪##‬ا َن َر ُس ‪ُ # #‬‬
‫ْجن َِّة ثُ َّم يُ َخَّي ُر ‪َ ،‬فلَ َّما‬ ‫ِ‬ ‫ض نَبِي قَ‪ُّ #‬‬ ‫ول و ْهو ِ‬
‫‪#‬ط َحتَّى َي‪#َ #‬رى َم ْق َع‪َ #‬دهُ م َن ال َ‬ ‫َن ُي ْقبَ َ‬ ‫يح ‪ :‬ل ْ‬
‫صح ٌ‬ ‫َي ُق ُ َ َ َ‬
‫ص‪َ # #‬رهُ إِلَى‬ ‫ص بَ َ‬ ‫َن ‪#َ #‬ز َل بِ ‪#ِ #‬ه َو َرأْ ُس‪# #‬هُ َعلَى فَ ِ‪#‬خ‪ِ #‬ذي ‪ ،‬غُ ِش‪# #‬ي َعلَْي ‪#ِ #‬ه َس‪َ # #‬‬
‫اعةً ‪ ،‬ثُ َّم أَفَ ‪َ #‬‬
‫‪#‬اق فَأَ ْش‪َ # #‬خ َ‬
‫ت أَنَّهُ‬ ‫ْت ‪ :‬إِ ًذا الَ يَ ْختَ ُارنَا ‪َ ،‬و َعِل ْم ُ‬ ‫الر ِفي‪#َ # # # # # #‬ق األَ ْعلَى ‪ُ ،‬قل ُ‬
‫‪#‬ال ‪ :‬اللَّ ُه َّم َّ‬ ‫س ‪ْ # # # # # #‬ق ِ‬
‫ف ثُ َّم قَ‪َ # # # # # #‬‬ ‫ال َّ‬
‫‪#‬ك ِ‪#‬‬
‫آخ َر َكِل َم ٍ‪#‬ة تَ َكلَّ َم‬ ‫ت تِْل َ‬ ‫َت ‪ :‬فَ َك‪##‬انَ ْ‬ ‫يح ‪ ،‬قَ‪#‬ال ْ‬ ‫ص‪#‬ح ٌ‬
‫يث الَّ ِذي َك‪#‬ا َن يح ِّ‪#‬دُثنَا ‪ ،‬و ْه‪#‬و ِ‬
‫ُ َ (‪َ َ َ)4‬‬ ‫ْح‪#ِ #‬د ُ‬ ‫ال َ‬
‫يق األَ ْعلَى ) ‪.‬‬ ‫الر ِف َ‬ ‫بِ َها ‪ :‬اللَّ ُه َّم َّ‬
‫‪   -84‬المعطي ‪:‬‬
‫والع ِطيَّة اس ٌم ملا يُ ْعطي‬
‫املعطي اسم فاعل ِفعله من أعطى يعطي فهو معط ‪َ ،‬‬
‫والعط اء أَص له اللفظي َعط او‬ ‫ومجعها َعطايا وأ َْعطيَة ‪ ،‬والعط اء إعطاء الم ال ‪َ ،‬‬
‫بالواو ألَنه من َعطَ ْوت إِال أَن العرب َت ْه ِم ُز الواو والياء إِذا جاءتا بعد األَلف‬
‫‪1‬انظر يف تفسري االسم ‪ :‬االسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن ‪. 1/556‬‬
‫‪2‬الرتمذي يف صفة القيامة والرقائق والورع ‪ ، )2516 ( 4/667‬وانظر صحيح اجلامع ( ‪. )7957‬‬
‫‪3‬مسلم يف احلج ‪ ،‬باب ما يقول إذا ركب إىل سفر احلج وغريه ‪. )1342 ( 2/978‬‬
‫‪4‬البخاري يف الدعوات ‪ ،‬باب مرض النيب ‪ S‬ووفاته ‪. )4173 ( 1613 /4‬‬
‫(‪)112‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫العط اء‬
‫اس َت ْعطى وَت َعطي ِيعين (س‪)1‬أَل َ‬
‫حركة ‪ ،‬ويق ال ‪ْ :‬‬ ‫ألهنا أفضل يف النطق وال‬
‫َنت ُم ْعطيَّه ؟ ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫هل‬ ‫‪:‬‬ ‫تقول‬ ‫ِ‬
‫يد أ ُ ْ َ ً‬
‫ا‬‫شيئ‬ ‫يك‬‫ط‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫َن‬ ‫‪ ،‬وإِذا أَردت من ز ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫واملعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتوىل أمره ورزقه يف الدنيا‬
‫واآلخرة كما قال تعاىل عن موسى ‪ ‬وهو يصف عطاء الربوبية ‪  :‬قَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ال َرُّبنَا‬
‫الَّ ِذي أَ ْعطَى ُكل َش ‪ْ # #‬ي ٍء َخ ْل َق‪## #‬هُ ثُ َّم َه‪َ # #‬دى ‪[ ‬ط ه‪ ، ]50:‬وق ال تع اىل عن عط اء‬
‫الذين س‪ِ #‬ع ُدوا فَِفي الْجن َِّة َخالِ‪#ِ #‬دين ِف َيها ما َدام ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬‫ات َواأل َْر ُ‬‫س‪َ #‬م َاو ُ‬
‫ت ال َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اآلخرة ‪َ  :‬وأ ََّما َ ُ‬
‫وذ ‪[ ‬هود‪ ، ]108:‬وعطاء اهلل قد يكون عاما‬ ‫ج ُذ ٍ‬‫إِال َما َش‪#‬اء َرب‪#‬ك َعطَ‪#‬اء غَْي َ‪#‬ر َم ْ‪#‬‬
‫أو خاصا ‪ ،‬فالعط اء الع ام يك ون للخالئق أمجعني ‪ ،‬والعط اء اخلاص يك ون‬
‫لألنبياء واملرسلني وصاحل املؤمنني ‪ ،‬فمن العطاء العام ما ورد يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫حظُ‪##‬وراً ‪[ ‬اإلسراء‪:‬‬ ‫ك َم ْ‬
‫ك َو َما َك‪##‬ا َن َعطَ‪##‬اءُ َربِّ َ‬‫الء ِم ْن َعطَ ِاء َربِّ َ‬ ‫الء وه ُؤ ِ‬
‫ِ‬
‫‪ُ ‬كالً نُ ِم ُّد َه ُؤ َ َ‬
‫‪ ، ]20‬والعط اء هنا هو متكني العبد من الفعل ومنحه الق درة واالس تطاعة ‪،‬‬
‫كل على حسب رزقه وقض اء اهلل وق دره ‪ ،‬ومن العط اء اخلاص اس تجابة‬
‫ال دعاء وحتقيق مطلب األنبي اء والص احلني من األولي اء ‪ ،‬ومن ذلك ال دعاء‬
‫والعطاء يف قصة سليمان ‪: ‬‬
‫َّاب‬
‫َنت ال َْوه ُ‬ ‫كأ َ‬ ‫ب لِي ُملكا ال يَنبَ ِغي أل َ‪#‬‬
‫َح ‪#ٍ # #‬د ِّم ْن َب ْع‪#ِ ِ# # #‬دي إِنَّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ب اغ ِف‪#ْ # # #‬ر لِي َو َه‬ ‫‪#‬ال َر ِّ‬ ‫‪ ‬قَ‪َ # # #‬‬
‫اص‬‫‪#‬ل َبنَّاء َوغَ‪#َّ # #‬و ٍ‬ ‫‪#‬‬ ‫‪#‬‬
‫ك‬ ‫ين‬ ‫اط‬ ‫ي‬ ‫‪#‬‬ ‫‪#‬‬ ‫َّ‬
‫ش‬ ‫ال‬‫و‬ ‫اب‬ ‫‪#‬‬ ‫‪#‬‬ ‫ص‬‫َ‬
‫أ‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫‪#‬اء‬ ‫‪#‬‬ ‫خ‬
‫‪#‬‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫َم‬
‫أ‬ ‫‪#‬‬ ‫‪#‬‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫‪#‬‬ ‫‪#‬‬
‫ج‬
‫ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ ُ َّ‬ ‫فَ َس ‪# #‬خ َّْرنَا ُ ِّ َ َ ْ‬
‫ت‬ ‫يح‬ ‫‪#‬ر‬‫‪#‬‬ ‫‪#‬‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪#‬ه‬‫‪#‬‬ ‫‪#‬‬‫َ‬‫ل‬
‫ص‪39:‬‬ ‫س‪#‬اب ‪ّ [ ‬‬
‫ك بِغَْي‪ِ #‬ر ِح ٍ‬ ‫ص‪َ #‬ف ِاد َه‪َ #‬ذا َعطَا ُؤنَا فَ‪#ْ #‬امنُ ْن أَو أ َْم ِس‪ْ #‬‬ ‫ين في األَ ْ‬
‫وآ َخ‪ِ #‬رين م َق‪#َّ #‬رنِ ِ‬
‫َُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ال َْم‪#َ #‬وال َي م ْن َو َرائي‬ ‫ِ‬
‫] ‪ ،‬وك ذلك يف دع اء زكريا ‪ ‬حيث ق ال ‪َ  :‬وإِنِّي خ ْف ُ‬
‫َو َ‪#‬ك ‪##‬انَ ِت ْام‪#َ # #‬رأَتِي َع‪#ِ # #‬اقراً َف َه ْب لِي ِم ْن لَ ‪ُ # #‬دنْ َك َولِيّ ‪# #‬اً ‪[ ‬م رمي‪ ]5:‬فحقق اهلل مطلبه‬
‫‪#‬ل لَ‪##‬هُ‬ ‫وأعطاه ما يتمناه فقال ‪  :‬يَا َز َك ِريَّا إِنَّا ُنبَ ِّش‪#‬ر َك بِغُ ٍ‬
‫َم نَ ْج َع‪ْ #‬‬
‫الم ا ْس‪ُ #‬مهُ يَ ْحيَى ل ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫‪#‬ل َس ‪ِ #‬ميّاً ‪[ ‬م رمي‪ ]7:‬وق ال عن عطائه للمؤم نني يف اآلخ رة ‪َ  :‬ج‪#َ #‬ز ًاء م ْن‬ ‫ِم ْن َقْب‪#‬‬
‫ُ‬
‫َربِّ َك َعطَ ًاء ِح َساباً ‪[ ‬النبأ‪. )2( ]36:‬‬
‫‪   -85‬المقيت ‪:‬‬
‫املقيت اسم فاعل للموص وف باإلقاتة فعله أق ات وأص له َق ات يَ ُق وت ُقوتا ‪،‬‬
‫الرجل وأقاته أي‬
‫َ‬ ‫والق وت لغ ة هو ما ميسك الرمق من ال رزق ‪ ،‬تق ول ‪ :‬ق ات‬

‫‪1‬لسان العرب ‪ ، 15/68‬واملفردات ص ‪. 672‬‬


‫‪2‬انظر املزيد يف االسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن للقرطيب ‪. 1/355‬‬
‫(‪)113‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫أعط اه قوته واملص در الق وت ‪ ،‬وهو املدخر احملف وظ ال ذي يقت ات منه حني‬
‫احلاجة ‪ ،‬وعند أيب داود وص ححه األلب اين من ح ديث عبد اهلل بن عم رو ‪ t‬أن‬
‫وت ) (‪. )1‬‬ ‫رسول اهلل ‪ S‬قال ‪َ ( :‬ك َفى بِال َْم ْر ِء إِثْ ًما أَ ْن يُ َ‬
‫ضيِّ َع َم ْن َي ُق ُ‬
‫واملقيت س بحانه هو املقت در ال ذي خلق األق وات وتكفل بإيص اهلا إىل اخللق ‪،‬‬
‫وهو حفيظ عليها ‪ ،‬فيعطي كل خملوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من‬
‫زم ان أو مك ان أو كم أو كيف ومبقتضى املش يئة واحلكمة ‪ ،‬فرمبا يعطي‬
‫املخلوق قوتا يكفيه ألمد طويل أو قصري كيوم أو شهر أو سنة ‪ ،‬ورمبا يبتليه‬
‫فال حيصل عليه إال مبش قة وكلفة ‪ ،‬والل ه عز وجل خلق األق وات على خمتلف‬
‫األنواع واأللوان ويسر أسباب نفعها لإلنسان واحليوان قال تعاىل ‪َ  :‬و ُه َو الَّ ِذي‬
‫الر َّمان‬ ‫ع ُم ْختَِلفا أكلهُ َو َّ‬
‫الز ْيتُ‪#‬و َن َو ُّ‬ ‫الز ْر َ‬ ‫ات وغَْير م ْعرو َش ٍ‬
‫ات َوالنَّ ْخ َل َو َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أَنْ َشأَ َجنَّات َم ْع ُرو َش َ َ َ ُ‬
‫ص ِاد ِه َوال تُ ْس‪ِ #‬رفوا إِنَّهُ ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫َثمر َوآتُوا َحقهُ َي ْو َم َح َ‬ ‫ُمتَ َشابها َوغَْي َر ُمتَ َشابه كلوا م ْن َثم ِره إِ َذا أ َ‬
‫ين ‪[ ‬األنع ام‪ ، ]141:‬وكما أنه س بحانه املقيت ال ذي ي ويف كامل‬ ‫ِ‬ ‫يُ ِح ُّ‬
‫ب الم ْس ‪ِ #‬رف َ‬
‫ال رزق لإلنس ان واحلي وان ‪ ،‬فإنه أيضا مقيت القل وب بالمعرفة واإلميان ‪ ،‬وهو‬
‫احلافظ لأعمال العباد بال نقصان وال نسيان (‪ ، )2‬قال البيهقي يف تفسري االسم ‪:‬‬
‫( املقيت هو املقت در ف ريجع معن اه إىل ص فة الق درة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬املقيت احلفيظ ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل ) (‪. )3‬‬
‫‪   -86‬السيد ‪:‬‬
‫ود فهو‬‫الس يد يف اللغة ص فة مش بهة للموص وف بالس يادة ‪ ،‬أص له من س َاد يَ ُس ُ‬
‫ألجل الياء الساكنة قبلها مث أدغمت ‪ ،‬وقد سادهم ُس ودا‬ ‫َس ْي ِود فقلبت الواو ياء ْ‬
‫والش ِريف والفاضل‬ ‫رب واملالِك َّ‬
‫والس يّد يُطلق على ال ِّ‬
‫وس يادة يعين اس تادهم ‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫حمل أذى ِ‬
‫قومه وال َّزوج وال رئيس واملق دَّم ‪ ،‬والس يد على‬ ‫ومتَ ِّ‬
‫(‪)4‬‬
‫والك رمي واحلليم ُ‬
‫اإلطالق هو اهلل ألنه مالك اخللق أَمجعني وال مالك هلم سواه ‪.‬‬
‫والسيد سبحانه وهو الذي حقت له السيادة املطلقة ‪ ،‬ف اخللق كلهم عبيده وهو‬
‫‪1‬أخرجه أبو داود يف كتاب الزكاة ‪ ،‬باب يف صلة الرحم ‪ ، )1692 ( 2/132‬وانظر تصحيح األلباين يف‬
‫إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل ( ‪. )989‬‬
‫‪2‬انظر تفسري االسم يف ش رح أمساء اهلل احلسىن لل رازي ص ‪ ، 373‬وتفسري األمساء احلسىن للزج اج ص ‪48‬‬
‫واملقصد األسىن للغزايل ص ‪ ، 102‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪ ، 136‬وزاد املسري ‪.2/151‬‬
‫‪3‬االعتقاد واهلداية إىل سبيل الرشاد ص ‪ ، 59‬وانظر أيضا النهاية يف غريب احلديث ‪. 4/118‬‬
‫‪4‬النهاية يف غريب احلديث ‪ ، 2/417‬ولسان العرب ‪ ، 3/228‬والفائق يف غريب احلديث ‪. 2/207‬‬
‫(‪)114‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫رهبم ‪ ،‬وهو ال ذي ميلك نواصيهم ويت والهم ‪ ،‬وهو املالك الك رمي احلليم ال ذي‬
‫ميلك نواصيهم ويت وىل أم رهم ويسوس هم إىل ص الحهم (‪ ، )1‬ق ال ابن القيم ‪( :‬‬
‫وأما وصف ال رب تع اىل بأنه الس يد ف ذلك وصف لربه على اإلطالق ف إن س يد‬
‫اخللق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون وبأمره يعلمون وعن قوله يصدرون ‪،‬‬
‫ف إذا ك انت املالئكة واإلنس واجلن خلقا له س بحانه وتع اىل وملكا له ليس هلم‬
‫غىن عنه طرفة عني وكل رغب اهتم إليه وكل ح وائجهم إليه ك ان هو س بحانه‬
‫وتعاىل السيد على احلقيقة ) (‪. )2‬‬
‫وق ال اآللوسي يف روح املع اين ‪ ( :‬وإطالق الص مد مبعىن الس يد عليه تع اىل مما ال‬
‫خوف فيه ‪ ،‬وإن كان يف إطالق السيد نفسه خالف والصحيح إطالقه عليه عز‬
‫وجل كما يف احلديث ) (‪ ، )3‬وقال ابن القيم ‪ ( :‬السيد إذا أطلق عليه تعاىل فهو‬
‫مبعىن املالك واملوىل والرب ال باملعىن الذي يطلق علي املخلوق ) (‪. )4‬‬
‫‪   -87‬الطيب ‪:‬‬
‫الطيب يف اللغة على بن اء فِ ْعل ‪ ،‬فعله ط اب يطيب طيبا فما أطيبه ‪ ،‬يعين ما أمجله‬
‫وما أزك اه وما أنفسه ‪ ،‬وما أحاله وما أج وده ‪ ،‬والطيب يك ون يف احملسوس ات‬
‫وغريها ف الطيب من احملسوس ات هو ما لذ وزكا من خي ار املطعوم ات‬
‫ض َحالالً‬ ‫وامللبوس ات يف ال دنيا واآلخ رة كما يف قوله تع اىل ‪ُ  :‬كلُ‪##‬وا ِم َّما ِفي األ َْر ِ‬
‫طَيِّباً ‪[ ‬البقرة‪ ، ]168:‬وقال تعاىل عن طيبات اآلخرة ‪  :‬ومساكِن طَيِّبةً ِفي جن ِ‬
‫َّات‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫َع ْد ٍن ‪[ ‬الصف‪ ، )5( ]12:‬أما الطيب يف غري احملسوسات فهو كالطيب من القول‬
‫ب اللَّهُ‬‫ض‪َ #‬ر َ‬
‫‪#‬ف َ‬ ‫والكلمات أو الباقيات الصاحلات كما يف قوله تعاىل ‪  :‬أَل ْ‬
‫َم َت َ‪#‬ر َكْي َ‬
‫الس َم ِاء ‪[ ‬إبراهيم‪.]24:‬‬ ‫ت َو َف ْر ُع َها ِفي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َمثَالً َكل َم ًة طَيِّبَ ًة َك َش َج َرة طَيِّبَ ٍة أ ْ‬
‫َصلُ َها ثَابِ ٌ‬
‫واهلل عز وجل طيب له الكم ال يف ذاته وأمسائه وص فاته ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬اللّ ‪##‬هُ ال‬
‫ِ ِِ‬
‫إِلَ‪#َ #‬ه إِال ُه‪#َ #‬و لَ‪##‬هُ األَ ْس‪َ #‬ماءُ ال ُ‬
‫ْح ْس‪#‬نَى ‪[ ‬ط ه‪ ، ]8:‬وقال تعاىل ‪  :‬لَْي َ‬
‫س َكمثْل‪##‬ه َش‪ْ #‬يءٌ‬

‫‪1‬انظر ب دائع الفوائد البن القيم ‪ ، 3/730‬وع ون املعب ود يف ش رح س نن أيب داود ‪ ، 13/111‬وش رح‬
‫النووي على صحيح مسلم ‪ ، 15/6‬وانظر فتح الباري ‪. 5/180‬‬
‫‪2‬حتفة املودود بأحكام املولود البن القيم ص ‪. 126‬‬
‫‪3‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين ‪ ،‬أليب الفضل حممود األلوسي ‪. 30/274‬‬
‫‪4‬بدائع الفوائد ‪. 3/730‬‬
‫‪5‬لسان العرب ‪ ، 1/563‬وكتاب العني ‪ ، 7/461‬واملغرب ‪. 2/29‬‬
‫(‪)115‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫يع الْبَ ِص ‪ُ #‬ير ‪[ ‬الش ورى‪ ، ]11:‬وهو أيضا طيب يف أفعاله يفعل األكمل‬ ‫و ُه‪##‬و ال َّ ِ‬
‫س ‪#‬م ُ‬ ‫َ َ‬
‫واألحسن ‪ ،‬فهو ال ذي أتقن كل ش يء ‪ ،‬وأحسن كل ش يء ‪ ،‬ف احلكيم امسه‬
‫واحلكمة ص فته ‪ ،‬وهي بادية يف خلقه تش هد لكم ال فعله ‪ ،‬وتش هد بأنه مجيل‬
‫الذي أَْت َق َن ُك َّل َش ْي ٍء إِنَّهُ َخبِ ٌير بِ َما َت ْف َعلُ‪##‬و َن‬ ‫اهلل ِ‬‫جليل عليم خبري ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬صْنع ِ‬
‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َس‪ُ #‬ن م َن اهلل ص‪ْ#‬بغَةً َونَ ْح ُن لَ‪##‬هُ َعاب ‪ُ #‬دو َن‬ ‫ِ‬ ‫‪[ ‬النمل‪ ، ]88:‬وقال ‪ِ  :‬‬
‫ص‪ْ#‬بغَةَ اهلل َو َم ْن أ ْ‬
‫‪#‬ل َش‪ْ #‬ي ٍء َخلَ َق‪#‬هُ َوبَ‪َ #‬دأَ َخ ْل َ‪#‬ق اإلنس‪#‬ان ِم ْن‬ ‫َح َس‪َ #‬ن ُك َّ‬ ‫ِ‬
‫‪[ ‬البقرة‪ ، ]138:‬وقال ‪  :‬الَّذي أ ْ‬
‫ِطي ٍن ‪[ ‬الس جدة‪ ، ]7:‬والطيب أيضا هو الق دوس املنزه عن النق ائص والعيوب ‪،‬‬
‫ق ال القاضي عي اض ‪ ( :‬الطيب يف ص فة اهلل تع اىل مبعىن املنزه عن النق ائص وهو‬
‫مبعىن القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسالمة من اخلبث ) (‪. )1‬‬
‫وهو س بحانه الطيب ال ذي طيب ال دنيا للموح دين ف أدركوا الغاية منها وعلم وا‬
‫أهنا وس يلة إىل اآلخ رة س ينتقلون عنها ‪ ،‬وطيب اجلنة هلم ب اخللود فيها فش مروا‬
‫إليها سواعدهم وضحوا من أجلها بأمواهلم وأنفسهم رغبة يف القرب من اهلل (‪.)2‬‬
‫‪   -88‬الحكم ‪:‬‬
‫احلكم يف اللغة من ص يغ املبالغة السم الفاعل احلاكم ‪ ،‬وهو ال ذي حيَكم‬
‫ويفصل ويقضي يف س ائر األم ور ‪ ،‬فعله حكم حيكم ُحكْما ‪ ،‬واحلكم العلم‬
‫صبِيّا ‪[ ‬م رمي‪12 :‬‬ ‫الحكم َ‬
‫َ‬ ‫قوٍة َوآَتْينَاهُ‬ ‫اب بِ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫والفقه ‪ ،‬قال اهلل تعاىل ‪  :‬يَا يَ ْحَيى ُخذ الكتَ َ‬
‫َّاس أَ ْن تَ ْح ُك ُموا بِال َْع ْ‪#‬د ِل‬
‫] ‪ ،‬واحلكم القضاء بالعدل قال تعاىل ‪َ  :‬وإِ َذا َح َك ْمتُ ْم َبْي َن الن ِ‬
‫وح َّكمه يف ماله حتكيم اً إذا جعل‬ ‫‪[ ‬النس اء‪ ، ]58:‬واحلَ َكم بفتحتني هو احلاكم ‪َ ،‬‬
‫اكموا مبعىن واحد ق ال تع اىل ‪  :‬فَال‬ ‫ْم فيه ‪ ،‬واحتكم وا إىل احلاكم وحَتَ ُ‬ ‫َ‬ ‫إليه احلُك‬
‫‪#‬وك ِف َيما َش‪َ # #‬ج َر َبْيَن ُه ْم ‪[ ‬النس اء‪ ، ]65:‬واحملاكمة هي‬ ‫ك ال ُي ْؤِمنُ ‪##‬و َن َحتَّى يُ َح ِّك ُم‪َ #‬‬‫َو َربِّ َ‬
‫املخاصمة إىل احلاكم (‪. )3‬‬
‫واحلكم سبحانه هو الذي حيكم يف خلقه كما أراد ‪ ،‬إما إلزاما ال يرد وإما تكليفا‬
‫على وجه االبتالء للعباد ‪ ،‬فحكمه يف خلقه نوعان ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬حكم يتعل ق بالت دبري الك وين وه و واق ع ال حمال ة ألن ه يتعل ق باملش يئة ‪،‬‬

‫‪1‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ، 7/100‬وانظر الديباج على صحيح مسلم ‪. 3/89‬‬
‫‪2‬انظر حلية األولياء ‪. 10/375‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 140 /12‬وكتاب العني ‪ ، 3/66‬واملغرب للمطرزي ‪. 218 /1‬‬
‫(‪)116‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ومشيئة اهلل ال تكون إال باملعىن الكوين فما شاء كان وما مل يشأ مل يكن ‪ ،‬ومن‬
‫مث ال معقب حلكمه وال غالب ألمره وال راد لقضائه وقدره ‪ ،‬ومن هذا احلكم ما‬
‫ص‪َ #‬ها ِم ْن أَط َْر ِاف َها َواللَّهُ يَ ْح ُك ُم ال‬ ‫َم َي‪#َ #‬ر ْوا أَنَّا نَ‪#‬أْتِي األ َْر َ‬
‫ض َنْن ُق ُ‬ ‫ورد يف قوله تعاىل ‪  :‬أ ََول ْ‬
‫اح ُك ْم‬ ‫اب ‪[ ‬الرعد‪ ، ]41:‬وكذلك قوله ‪  :‬قَ‪#‬ال َر ِّ‬ ‫ْحس‪ِ #‬‬ ‫مع ِّقب لِح ْك ِم ِه و ُهو س ِر ِ‬
‫ب ْ‬ ‫يع ال َ‬ ‫َُ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫الم ْسَت َعا ُن َعلى َما تَص ُفو َن ‪[ ‬األنبياء‪ ، ]112:‬أي افعل ما تنصر‬ ‫الر ْح َم ُن ُ‬ ‫بِ َ‬
‫الح ِّق َو َرُّبنَا َّ‬
‫به عبادك وختذل به أعداءك ‪.‬‬
‫ثاني‪##‬ا ‪ :‬حكم يتعل ق بالت دبري الش رعي وه و حكم تكليفي دي ين ي رتتب علي ه ث واب‬
‫وعقاب وموقف املكلفني يوم احلساب ‪ ،‬ومثال ه ما جاء يف قوله تعاىل ‪  :‬يَا أَُّي َها‬
‫يم‪ # #‬ةُ األَْن َع ‪#ِ #‬ام إِال َم ‪##‬ا ُيْتلى َع ْلي ُك ْم غَْي‪#َ #‬ر ُم ِحلي‬
‫لت ل ُك ْم بَِه َ‬ ‫ود أ ُِح ْ‬ ‫ال‪#ِ ##‬ذين آمنُ‪###‬وا أَوفُ‪###‬وا بِ‪###‬الع ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫الصْي ِد َوأَْنتُ ْم ُح ُر ٌم إ َّن اهللَ يَ ْح ُك ُم َم‪#‬ا يُِري‪ُ #‬د ‪[ ‬املائدة‪ ، ]1:‬ومثال احلكم الشرعي أيضا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اهلل ‪[ ‬الشورى‪ ، ]10:‬وقوله‬ ‫قوله تعاىل ‪  :‬وما ا ْختَل ْفتُم ِفي ِ‪#‬ه ِمن َش‪#‬ي ٍء فَح ْكم‪#‬هُ إِلى ِ‬
‫ْ ْ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫‪#‬ك َو َم‪##‬ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬ف يُ َح ِّك ُمونَ ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك َوعْن‪َ ##‬د ُه ُم الت َّْو َراةُ ف َيه‪##‬ا ُح ْك ُم اهلل ثُ َّم َيَت َول ‪#ْ #‬و َن م ْن َب ْع‪##‬د َذل ‪َ #‬‬ ‫‪َ  :‬و َكْي‪َ #‬‬
‫ين ‪[ ‬املائدة‪. ]43:‬‬ ‫ك بِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْؤمن َ‬
‫أُولئ َ ُ‬
‫ق ال القرط يب ‪ ( :‬ف احلَ َكم من ل ه احلكم وه و تنفي ذ القض ايا وإمض اء األوام ر‬
‫والنواهي وذلك باحلقيقة هو اهلل تعاىل ‪ ،‬فهذا االسم يرجع تارة إىل معىن اإلرادة ‪،‬‬
‫وتارة إىل معىن الكالم ‪ ،‬وتارة إىل الفعل ‪ ،‬فأما رجوعه إىل اإلرادة فإن اهلل تعاىل‬
‫حكم يف األزل مبا اقتض ته إرادت ه ‪ ،‬ونف ذ القض اء يف الل وح احملف وظ ‪ ،‬جيري القلم‬
‫في ه على وف اق حكم اهلل ‪ ،‬مث جرت األقدار يف الوجود ب اخلري والشر ‪ ،‬والع رف‬
‫والنك ر على وف اق القض اء واحلكم ‪ ،‬وإذا ك ان راجع ا إىل مع ىن الكالم فيك ون‬
‫معناه املبني لعباده يف كتابه ما يطالبهم به من أحكامه كما يقال ملن يبني للناس‬
‫األحك ام وينهج هلم مع اين احلالل واحلرام ‪ :‬حكم ‪ ،‬وعلى ه ذا فال يك ون يف‬
‫الوجود حكم إال كتابه ‪ ،‬فعنده يوقف إذ هو احلكم العدل ‪ ،‬وإذا كان راجعا إىل‬
‫الفعل فيكون معناه احلكم الذي ينفذ أحكامه يف عباده بإشقائه إياهم وإسعاده‬
‫وتقريبه إياهم وإبعاده على وفق مراده ) (‪. )1‬‬
‫وقال ابن القيم يف نونيته ‪:‬‬
‫والحكم شرعي وكوني وال يتالزمان وما هما سيان‬

‫‪1‬األسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن ‪. 1/438‬‬


‫(‪)117‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫بل ذاك يوجد دون هذا مفردا والعكس أيضا ثم يجتمعان‬
‫لن يخلو المربوب من إحداهما أو منهما بل ليس ينتفيان‬
‫لكنما الشرعي محبوب له أبدا ولن يخلو من األكوان‬
‫هو أمره الديني جاءت رسله بقيامه في سائر األزمان‬
‫لكنما الكوني فهو قضاؤه في خلقه بالعدل واإلحسان‬
‫هو كله حق وعدل ذو رضا والشأن في المقضي كل الشان (‪. )1‬‬
‫‪   -89‬األكرم ‪:‬‬
‫األك رم اسم دل على المفاض لة يف الك رم ‪ ،‬فعله ك رم يك رم كرما ‪ ،‬واألك رم‬
‫هو األحسن والأنفس واألوسع واألعظم واألش رف ‪ ،‬والأعلى من غ ريه يف كل‬
‫وصف كمال ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِعْن َد اللَِّه أَْت َقا ُك ْم ‪[ ‬احلجرات‪. )2( ]13:‬‬
‫واألكرم سبحانه هو الذي ال يوازي ه كرم وال يعادله يف كرم ه نظري ‪ ،‬وقد يكون‬
‫األكرم مبعىن الكرمي ‪ ،‬لكن الفرق بني الكرمي واألكرم أن الكرمي دل على الصفة‬
‫الذاتية والفعلية معا كداللته على مع اين احلسب والعظمة والس عة والع زة والعلو‬
‫والرفعة وغري ذلك من صفات الذات ‪ ،‬وأيضا دل على صفات الفعل فهو الذي‬
‫يصفح عن ال ذنوب وال مين إذا أعطى فيك در العطية ب املن ‪ ،‬وهو ال ذي تع ددت‬
‫نعمه على عباده حبيث ال حتصى وهذا كمال ومجال يف الكرم ‪ ،‬أما األكرم فهو‬
‫املنفرد بكل ما سبق يف أنواع الكرم الذايت والفعلي فهو سبحانه أكرم األكرمني‬
‫له العلو املطلق على خلقه يف عظمة الوصف وحس نه ومن مث له جالل الش أن يف‬
‫كرمه وهو مجال الكمال وكمال اجلمال (‪ ، )3‬فاهلل عز وجل ال كرم يسموا إىل‬
‫كرمه وال إنعام يرقى إىل إنعامه وال عطاء يوازي عطاءه ‪ ،‬له علو الشأن يف كرمه‬
‫‪ ،‬يعطى ما يش اء ملن يش اء كيف يش اء بس ؤال وغير س ؤال ‪ ،‬وهو يعفو عن‬
‫ال ذنوب ويسرت العيوب ويجازي املؤمنني بفضله وميهل املعرضني وحياسبهم بعدله‬
‫فما أكرمه وما أرمحه وما أعظمه (‪ ، )4‬وحسبنا ما جاء يف قوله ‪َ  :‬وإِ ْن َت ُعدُّوا نِْع َم‪َ #‬ة‬
‫ِّث ‪[ ‬الضحى‪، ]11:‬‬ ‫وها ‪[ ‬النحل‪ ، ]18:‬وقال ‪َ  :‬وأََّما بِنِ ْع َم ِة َربِّ َ‬
‫ك فَ َحد ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ِ‬
‫اللَّه ال تُ ْح ُ‬
‫‪1‬توضيح املقاصد وتصحيح القواعد يف شرح قصيدة اإلمام ابن القيم ‪. 2/218‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 12/510‬واملفردات ص ‪.707‬‬
‫‪3‬انظر األسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن ‪. 1/131 ، 1/112‬‬
‫(‪)118‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫هريرة ‪ t‬أن رسول َّاهلل ‪ِ S‬قال ‪َ ( :‬يْن‪ِ #‬ز ُل َرُّبنَا َتَب‪َ #‬‬
‫‪#‬ار َك‬ ‫وعند البخاري من حديث أيب‬
‫ِ‬
‫‪#‬ول ‪َ :‬م ْن يَ ‪#ْ #‬د ُعون ي‬ ‫س‪َ ##‬م ِاء ال ‪ُ ُ َ َْ َ َ ْ #‬‬
‫ث اللْي‪#ِ #‬ل اآلخ‪ُ #‬ر َيُق‪ُ #‬‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ى‬‫ق‬‫ب‬‫ي‬ ‫ين‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ا‬‫ي‬‫ن‬ ‫ُّ‬
‫‪#‬د‬ ‫‪#‬ل لَْيلَ ‪#ٍ #‬ة إِلَى ال َّ‬
‫َوَت َع‪##‬الَى ُك‪َّ #‬‬
‫يب لَهُ َم ْن يَ ْسأَلُنِي فَأُ ْع ِطَيهُ َم ْن يَ ْسَت ْغِفُرنِي فَأَ ْغِفَر لَهُ ) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫فَأ ْ ِ‬
‫َسَتج َ‬
‫‪   -90‬البر ‪:‬‬
‫بار ومجعه َب َرَرة ‪ ,‬والرِب ُّ هو‬ ‫الَ بُّر اسم فاعل للموصوف بالرب ‪ ،‬فعله َب َّر َيَب ُّر فهو ُّ‬
‫العق وق وهو اإلساءة‬ ‫ني من األهل ض ّد ُ‬ ‫حق‪)2‬الوالدين واألق ربِ َ‬
‫(‬
‫اإلحسان ‪ ،‬والرب يف‬
‫والب ُّر والب ّار مبعىن واحد ‪ ,‬لكن ال ذي ثبت يف أمساء‬ ‫َّض ييع حلقهم ‪َ ،‬‬ ‫إليهم والت ْ‬
‫البار واألمساء كما علمنا توقيفية على النص ‪.‬‬ ‫اهلل تعاىل َالبُّر ُدون ّ‬
‫العطوف على عبادة ببِرة ولطفه ‪ ،‬فهو أهل ال رب والعطاء‬ ‫والرب سبحانه وتعاىل هو َ‬
‫ِ‬
‫حيسن إىل عب اده يف األرض أو يف الس ماء ‪ ،‬روى البخ اري من ح ديث أَبي‬
‫‪#‬ال ‪:‬‬
‫‪#‬ك ‪َ ،‬وقَ َ‬‫‪#‬ل ‪ :‬أَنِْف‪ْ #‬ق أُنِْف‪ْ #‬ق َعلَْي َ‬
‫ال اللَّهُ َعَّز َو َج َّ‬ ‫ول الل ِه ‪ S‬قَ َ‬
‫ال ‪ ( :‬قَ َ‬ ‫ُهَرْيَرَة ‪ t‬أ ََّن َر ُس َ‬
‫‪#‬ق ُمْن‪ُ #‬ذ َخَل َ‪#‬ق‬‫‪#‬ال ‪ :‬أ ََرأَْيتُ ْم َما أَْنَف َ‬
‫‪#‬ار ‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ِ‬
‫ض َها َنَفَقةٌ ‪َ ،‬س َّح ُ َّ‬ ‫ِ‬
‫َّه َ‬
‫‪#‬ل َوالن َ‬
‫اء اللْي َ‬ ‫يَ ُد اهلل َمألَى الَ تَغي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َما في يَ‪##‬ده ‪َ ،‬و َ‪#‬ك‪#‬ا َن َع ْر ُش ‪#‬هُ َعَلى ال َْم‪##‬اء ‪َ ،‬وبَِي‪##‬ده ال ‪#‬‬ ‫ِ‬
‫‪#‬يزا ُن‬
‫ْم َ‬ ‫ض فَِإنَّهُ ل َْم يَغ ْ‬
‫اء َواأل َْر َ‬
‫س ‪َ #‬م َ‬
‫ال َّ‬
‫ض َوَي ْرفَ ُع ) ‪ ،‬كما أن الرب عز وجل هو الصادق يف وعده الذي يتجاوز‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫يَ ْخف ُ‬
‫عن عبده وينصره وحيميه ‪ ،‬ويقبل القليل منه وينميه ‪ ،‬وهو املحسن إلى ِ‬
‫عبادِه‬
‫ال ذي ع َّم بِ ُّره وإحس انُه مجي ع ِ‬
‫خلق ِه فما منهم من أحد إال وتكفل اهلل برزقه (‪، )4‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫قال أبو السعود ‪ ( :‬الرب احملسن الرحيم الكثري الرمحة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل‬
‫أجاب ) (‪. )5‬‬
‫‪   -91‬الغفار ‪:‬‬
‫الغف ار يف اللغة من ص يغ املبالغة على وزن فع ال كثري املغف رة ‪ ،‬فعله غفر يغفر‬
‫غف را ومغف رة ‪ ،‬وأَصل الغَف ِر التغطية والسرت ‪ ،‬وقد تق دم احلديث عن املعىن‬

‫‪4‬انظر شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 278‬وتفسري األمساء احلسىن للزجاج ص ‪ ، 50‬واملقصد األسىن‬
‫للغزايل ص ‪ ، 105‬والبيهقي ص ‪ ، 73‬واملفردات ص ‪. 707‬‬
‫‪1‬البخاري يف كتاب التهجد ‪ ،‬باب الدعاء والصالة من آخر الليل ‪. )1094 ( 1/384‬‬
‫‪2‬لسان العرب ‪ ، 4/51‬واملغرب للمطرزي ‪. 1/69‬‬
‫‪3‬البخاري يف التفسري ‪ ،‬باب قوله وكان عرشه على املاء ‪. )4407 ( 4/1724‬‬
‫‪4‬انظر تفسري البغوي ‪ ، 4/240‬وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 335‬وفتح القدير ‪ ، 5/100‬وتفسري‬
‫األمساء احلسىن للزج اج ص ‪ ، 61‬واألسىن يف ش رح أمساء اهلل احلسىن للقرطيب ‪ ، 1/333‬وزاد املسري البن‬
‫اجلوزي ‪ ، 8/53‬واملقصد األسىن للغزايل ص ‪. 123‬‬
‫‪5‬تفسري أيب السعود ‪ ، 8/150‬وانظر أيضا تفسري النسفي ‪. 4/185‬‬
‫(‪)119‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫اللغوي يف تفسري اسم اهلل الغفور (‪. )1‬‬
‫والغف ار س بحانه هو ال ذي يسرت ال ذنوب بفض له ويتج اوز عن عب ده بعف وه ‪،‬‬
‫وطاملا أن العبد موحد فذنوبه حتت مش يئة اهلل وحكمه ‪ ،‬فقد يدخله اجلنة ابت داء‬
‫وقد يطه ره من ذنبه ‪ ،‬والغف ور والغف ار قريب ان يف املعىن فهما من ص يغ املبالغة يف‬
‫الفعل ‪ ،‬وقيل الغف ار أبلغ من الغف ور ‪ ،‬ف الغفور هو من يغفر ال ذنوب العظ ام ‪،‬‬
‫والغفار هو من يغفر الذنوب الكثرية ‪ ،‬غفور للكيف يف الذنب وغفار للكم فيه‬
‫(‪ ، )2‬وقد تك ون هن اك من الف روق ما مل يظهر حىت اآلن مما يظهر إعج از الق رآن‬
‫فيما يس تقبل من الزمان ‪ ،‬كما هو احلال يف اإلعجاز الع ددي حلساب احلروف‬
‫واجلمل فإهنا أمور تزيد العقل عجزا يف تصور عظمة القرآن (‪ ، )3‬وقد ظهر اآلن‬
‫اإلعج از الص ويت لألمساء احلسىن وإن ك ان األمر يتطلب مزي دا من األدلة ‪ ،‬فقد‬
‫ت بني بالتجربة أن كل اسم له ت أثري ص ويت على اجله از املن اعي يف اإلنس ان ‪،‬‬
‫وأمور أخرى تبني أن اسم اهلل الغفار على وزن فعال له موضعه احملسوب بدقة‬
‫يف كت اب اهلل ‪ ،‬وأن اسم اهلل الغف ور على وزن فع ول له أيضا موض عه احملس وب‬
‫بدقة يف كتاب اهلل (‪. )4‬‬
‫وأيا ك ان الف رق ف إن الغف ار ي دل على املبالغة يف الك ثرة ‪ ،‬واهلل عز وجل وضع‬
‫نظاما دقيقا ملالئكته يف ت دوين األجر املوض وع على العمل ‪ ،‬فهي تس جل ما‬
‫يدور يف منطقة حديث النفس دون وضع ثواب أو عقاب لقوله ‪ S‬يف احلديث ‪:‬‬
‫ج ‪##‬او َز لِي َعن أ َُّمتي ما وسوس ‪ِ ْ # #‬‬
‫لم ) (‪، )5‬‬
‫‪#‬ل أ َْو تَ َك ْ‬
‫َم َت ْع َ‪#‬م ‪ْ #‬‬
‫ور َها َما ل ْ‬ ‫ت بِ‪## #‬ه ُ‬
‫ص ‪ُ # #‬د ُ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫( إِ َّن اهللَ تَ َ‪َ #‬‬
‫وهذا يتطلب استغفارا عاما حملو خواطر الشر النابعة من هوى النفس ‪ ،‬ويتطلب‬
‫اس تعاذة حملو خ واطر الشر النابعة من ملة الش يطان ‪ ،‬كما أهنا تس جل ما ي دور يف‬
‫منطقة الكسب مع وضع الث واب والعق اب ‪ ،‬وهي تس جل فعل اإلنس ان احملدد‬
‫بالزم ان واملك ان مث تضع اجلزاء املناسب باحلس نات والس يئات يف مقابل العمل ‪،‬‬
‫ف إذا ت اب العبد من ال ذنب حميت س يئاته وزالت وغف رت ب أثر رجعي وب دلت‬

‫‪1‬النهاية يف غريب احلديث البن األثري ‪ ، 3/373‬وجممع البحرين للطرحيي ‪. 3/321‬‬


‫‪2‬انظر ش رح أمساء اهلل احلسىن لل رازي ص ‪ ، 220‬واألسىن يف ش رح أمساء اهلل احلسىن للقرطيب ‪1/156‬‬
‫واملقصد األسىن للغزايل ص ‪.95‬‬
‫‪3‬انظر يف ذلك ‪. http://www.al-mishkat.com/khedher/Papers/paper9.htm :‬‬
‫‪4‬انظر ‪. http://www.c4arab.com/showthread.php?threadid=27634 :‬‬
‫‪5‬البخاري يف العتق ‪ ،‬باب اخلطأ والنسيان يف العتاقة والطالق وحنوه ‪. )2391 ( 2/894‬‬
‫(‪)120‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫آم َن َو َع ِمل َع َمالً َ‬


‫ص ‪# # #‬الحاً‬ ‫كما ق ال ٍ‪  :‬إِال َم ْن تَ‪َ # # #‬‬
‫‪#‬اب َِو َ‬ ‫الس يئات حس نات‬
‫ِّل اهللُ َسيِّئَاتِِه ْم َح َسنَات َو َكا َن اهللُ غَ ُفوراً َرحيماً‪[ ‬الفرقان‪ ، ]70:‬وهذه‬ ‫فَأُولئِ َ‬
‫ك ُيبَد ُ‬
‫هي املبالغة يف املغف رة أن ال وزر يقابله بالتوبة الص ادقة حس نات ‪ ،‬فاهلل عز وجل‬
‫غفار كثري املغفرة مل يزل وال يزال بالعفو معروفا ‪ ،‬وبالغفران والصفح عن عباده‬
‫موص وفا وكل مض طر إىل عف وه ومغفرته كما هو مض طر إىل رمحته وكرمه ‪،‬‬
‫وقد وعد عب اده ب املغفرة والعفو ملن أتى منهم بأس باهبا فق ال ‪َ  :‬وإِنِّي لَغََّف ٌار لِ َم ْن‬
‫اب َو َآم َن َو َع ِم َل َصالِحاً ثُ َّم ْاهتَ َدى ‪[ ‬طه‪. )1( ]82:‬‬
‫تَ َ‬
‫‪   -92‬الرءوف ‪:‬‬
‫ال رءوف ص يغة مبالغة من اسم الفاعل الرائف ‪ ،‬وهو املوص وف بالرأفة ‪ ،‬فعله‬
‫َف به َي ْرأَف َرأْف ة ‪ ،‬والرأفة يف حقنا هي امتالء القلب بالرقة ‪ ،‬وهي أشد‬ ‫َرأ َ‬
‫الزانِيَة‬
‫ما يك ون من الرمحة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل شدة الرمحة ومنتهاها ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪َّ  :‬‬
‫اهلل ‪‬‬‫ْخ ْ‪#‬ذ ُكم بِ ِهما رأْفَ‪#‬ةٌ ِفي ِدي ِن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وال َّ‪#‬زانِي فَاجِل‪ُ #‬دوا ُكل و ِ‪ِ ٍ #‬‬
‫اح د مْن ُه َما مائَ‪َ #‬ة َج ْل‪َ #‬دة َوال تَأ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫[النور‪ ، ]2:‬يعين ال تنظروا بأي اعتبار ميكن أن مينحهم شيئا من الرمحة والرقة‬
‫‪ ،‬فال ترمحومها َفتُ ْس ِقطُوا عنهما ما أ ََم َر اهلل به من احلد ‪ ،‬وميكن الق ول أن‬
‫الرمحة تس بق الرأفة ‪ ،‬فالرأفة هي املنزلة ال يت تعقبها يق ال ‪ :‬فالن رحيم ف إذا‬
‫اش تدت رمحته فهو رءوف ‪ ،‬فالرأفة آخر ما يك ون من الرمحة ول ذلك ق دمت‬
‫يم ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ين رءوف َرح ٌ‬ ‫الرأفة على الرمحة يف وصف نبينا ‪ S‬كما ق ال تع اىل ‪  :‬ب ‪##‬ال ُْم ْؤمن َ‬
‫[التوب ة‪ ، ]128:‬وذلك على اعتب ار أن الرأفة مبالغة يف الرمحة ‪ ،‬واملبالغة يف الرمحة‬
‫تتعلق خباصة املؤم نني ‪ ،‬أما الرمحة يف امسه ال رمحن فإهنا تتعلق ب اخلالئق أمجعني ‪،‬‬
‫ف األمر يف الرأفة والرمحة على ق در الوالية واإلميان وعلى حسب علو اهلمة يف‬
‫عمل اإلنسان وقد كانت رأفة النيب ‪ S‬بأصحابه ما بعدها رأفة (‪. )2‬‬
‫والرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده املؤمنني حبفظ مسعهم وأبصارهم‬
‫وحرك اهتم وس كناهتم يف توحي ده وطاعته وه ذا من كم ال الرأفة بالص ادقني ‪،‬‬
‫روى البخ اري من ح ديث أَىِب ُهَري َ‬
‫ْر َة ‪ t‬عن النيب ‪ S‬يف احلديث القدسي ‪َ ( :‬و َما‬
‫ٍ‬
‫ب إِل َّ‬
‫َى‬ ‫ت َعلَي‪#ِ #‬ه ‪ ،‬وما ي‪##‬ز ُ ِ‬
‫ال َعْب‪##‬دي َيَت َق‪#َّ #‬ر ُ‬ ‫ض‪َ َ َ َ ْ ُ #‬‬ ‫َى ِم َّما ا ْفَت َر ْ‬
‫ب إِل َّ‬
‫َح َّ‬ ‫َت َق‪#َّ #‬رب إِل َّ ِ‬
‫َى َعْب‪##‬دي بِ َشيْء أ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص‪َ #‬رهُ ال‪#‬ذي ُيْبص‪ُ #‬ر ب‪#‬ه ‪،‬‬ ‫ت َس‪ْ #‬م َعهُ ال‪#‬ذي يَ ْس‪َ #‬م ُع ب‪#‬ه ‪َ ،‬وبَ َ‬ ‫بِالن ََّوافل َحتَّى أُحبَّهُ فَإ َذا أ ْ‬
‫َحبَْبتُ‪#‬هُ ُكْن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬تيسري الكرمي الرمحن للسعدي ‪. 5/300‬‬


‫‪2‬انظر يف املعين اللغوي ‪ :‬لسان العرب ‪ ، 112 /9‬وروح املعاين ‪ ، 2/7‬واشتقاق أمساء اهلل ص ‪. 86‬‬
‫(‪)121‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ش بِ َها َو ِر ْجلَ ‪##‬هُ التِي يَ ْم ِش‪# #‬ى بِ َها ‪َ ،‬وإِ ْن َس‪# #‬أَلَنِي ألُ ْع ِطَينَّهُ ‪َ ،‬ولَئِ ِن ا ْس‪َ# #‬ت َعا َذنِي‬
‫ُ‬ ‫َويَ‪َ # #‬دهُ التِي َيْبطُ‬
‫س ال ُْم ْؤِم ِن ‪ ،‬يَ ْك َرهُ ال َْم ْو َ‬ ‫ُّدي َع ْن َن ْف ِ‬ ‫اعلُهُ َترد ِ‬‫ت عن َشي ٍْء أَنَا فَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َوأَنَا‬ ‫َ‬ ‫ألُعي َذنَّهُ ‪َ ،‬و َما َت(َر‪)َّ1‬د ْد ُ َ ْ‬
‫أَ ْك َرهُ َم َس َاءتَهُ ) ‪.‬‬
‫وك ذلك ال رءوف ي دل على معىن التعطف على عب اده املذنبني ‪ ،‬فيفتح هلم ب اب‬
‫التوبة ما مل تغرغر النفس أو تطلع الش مس من مغرهبا ‪ ،‬فقد روى مس لم من‬
‫س‬ ‫‪#‬اب َقْبل أَ ْن تَطْلُ‪#َ #‬ع ال َّ‬
‫ش‪ْ #‬م ُ‬ ‫حديث أيب هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال ‪َ ( :‬م ْن تَ‪َ #‬‬
‫يِب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫م ْن َم ْغ ِربِ َها تَ ‪َ # # # #‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وسى‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ديث‬ ‫ح‬ ‫من‬ ‫أيضا‬ ‫ده‬ ‫عن‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫‪#‬اب اهللُ َع ْليه )‬
‫ط يَ‪َ #‬دهُ بِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬وب‬
‫الليل ليَتُ َ‬ ‫األشعري ‪ t‬أن النَّيِب ِّ ‪ S‬قَ ال ‪ ( :‬إن اهللَ َع َّ‪#‬ز َو َجل َيْب ُ‬
‫س‪ُ #‬‬
‫س ِم ْن‬ ‫الليل حتى تَطْلُ َع ال َّ‬
‫ش‪ْ #‬م ُ‬
‫ِ‬
‫وب ُمسيء ْ‬ ‫َّها ِر ليَتُ َ‬‫ط يَ َدهُ بِالن َ‬‫سُ‬ ‫َّه‪3‬ا)ِر َوَيْب ُ‬
‫ُمسيءُ الن َ‬
‫ِ‬
‫َم ْغ ِربِ َها ) ( ‪ ،‬وال رءوف أيضا هو ال ذي خيفف عن عب اده فال يكلفهم‬
‫ما يشق عليهم أو خيرج عن وس عهم وط اقتهم ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬يُ ِري‪ُ # #‬د‬
‫ض‪ِ # #‬عيفاً ‪[ ‬النس اء‪ ، ]28:‬وق ال ‪  :‬ال‬ ‫ف َعْن ُك ْم َو ُخِل‪#َ ##‬ق ا ِإلنْ َس ‪##‬ا ُن َ‬ ‫اهللُ أَ ْن يُ َخ ِّف َ‬
‫لف اهللُ َن ْفساً إِال ُو ْس َع َها ل ََها َما َك َسبَ ْت َو َعلَْي َها ‪[ ‬البقرة‪. )4( ]286:‬‬ ‫يُ َك ُ‬
‫‪   -93‬الوهاب ‪:‬‬
‫الوه اب يف اللغة ص يغة مبالغة على وزن فع ال من ال واهب وهو املعطي للهبة ‪،‬‬
‫فعله وهب يهب وهبا وهبة ‪ ،‬واهلبة عطاء الشيء بال عوض ‪ ،‬قال ابن منظور‬
‫‪ ( :‬اهلبة العطية اخلالية عن األع واض واألغ راض ‪ ،‬ف إذا ك ثرت مسي ص احبها‬
‫وهابا ‪ ،‬وهو من أبنية املبالغة ) (‪. )5‬‬
‫والوهاب سبحانه هو الذي يكثر العطاء بال عوض ‪ ،‬ويهب ما يشاء ملن يشاء‬
‫بال غ رض ‪ ،‬ويعطي احلاجة بغري س ؤال ‪ ،‬ويس بغ على عب اده النعم واألفض ال ‪،‬‬
‫نعمه كامنة يف األنفس ومجيع املصنوعات ‪ ،‬ظاهرة بادية يف سائر املخلوقات ‪،‬‬

‫‪1‬البخاري يف الرقاق ‪ ،‬باب التواضع ‪. )6137 ( 5/2384‬‬


‫‪2‬مسلم يف الذكر والدعاء والتوبة ‪ ،‬باب استحباب االستغفار واالستكثار منه ‪( 4/2076‬‬
‫‪. )2703‬‬
‫‪3‬مسلم يف كتاب التوبة ‪ ،‬باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة ‪)2759 ( 4/2113‬‬
‫‪.‬‬
‫‪4‬شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ‪ ، 341‬وتفسري األمساء احلسىن للزجاج ص ‪ ، 62‬واألمساء والصفات‬
‫للبيهقي ص ‪ ، 77‬واملقصد األسىن للغزايل ص ‪ ، 124‬واألسىن للقرطيب ‪.1/172‬‬
‫‪5‬لسان العرب ‪ ، 1/803‬وكتاب العني ‪. 4/97‬‬
‫(‪)122‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫نعم وعطاء وجود وهبات تدل على أنه املتوحد يف امسه الوهاب ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫ض ي ْخلُ‪#ُ #‬ق ما ي َش‪#‬اء يهب لِمن ي َش‪#‬اء إِنَاث ‪#‬اً ويه ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ :‬‬
‫اء‬
‫ب ل َم ْن يَ َش‪ُ #‬‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُ ََ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫س ‪َ #‬م َاوات َواأل َْر ِ َ‬
‫‪#‬ك ال َّ‬‫هلل ُم ْل‪ُ #‬‬
‫يم قَ‪#ِ #‬د ٌير ‪[ ‬الشورى‪]50 :‬‬ ‫ِ‬ ‫الذ ُكور أَو يزِّوجهم ذُ ْكراناً وإِنَاثاً ويجعل من ي َش ِ‬
‫اء َعقيماً ِإنَّهُ َعل ٌ‬
‫(‪ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ َ ُّ)1‬‬
‫‪.‬‬
‫واهلل جل ش أنه يهب العط اء يف ال دنيا على س بيل االبتالء ‪ ،‬ويهب العط اء يف‬
‫اآلخرة على سبيل األجر واجلزاء ‪ ،‬فعطاؤه يف الدنيا علقه مبشيئته وابتالئه للناس‬
‫حبكمته ليتعلق العبد بربه عند النداء والرجاء ‪ ،‬ويسعد بتوحيده وإميانه بني الدعاء‬
‫والقض اء ‪ ،‬وه ذا أعظم فضل وهبة وعط اء إذا أدرك العبد حقيقة االبتالء ‪،‬‬
‫ت ال َْم َ‪#‬والِ َي‬ ‫واستعان باهلل يف حتقيق ما يتمناه ‪ ،‬قال زكريا ‪ ‬يف دعائه ‪َ  :‬وإِنِّي ِخ ْف ُ‬
‫ِم ْن َو َرائي َو َكانَ ِت ْام َرأَتِي َع ِاقراً َف َه ْب لِي ِم ْن لَ ُدنْ َك َولِيّ‪#‬اً ‪[ ‬مرمي‪ ، ]5:‬وقال سبحانه‬
‫عن عب اده املوح دين ‪  :‬والَّ ِذين ي ُقولُ ‪##‬و َن رَّبنَا َهب لَنَا ِمن أَ ْزو ِ‬
‫اجنَا َوذُ ِّريَّاتِنَا ُق‪#َّ #‬ر َة أَ ْعيُ ٍن‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ين إِ َماماً ‪[ ‬الفرقان‪ ، ]74:‬وقال تعاىل يف املقابل عن الراغبني يف الدنيا‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َعلْنَا لل ُْمتَّق َ‬
‫َو ْ‬
‫اجلَ‪َ #‬ة َع َّجلْنَا لَ‪#‬هُ ِف َيها َما نَ َش‪#‬اءُ لِ َم ْن نُ ِري‪ُ #‬د ثُ َّم‬
‫املعرضني عن اآلخرة ‪  :‬من َكا َن ي ِري ُد الْع ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫الها َم ْذ ُموماً َم ْد ُحورا ً‪[ ‬اإلسراء‪ ، ]18:‬فعلق حتقيق مراد العبد يف‬ ‫ص َ‬ ‫َّم يَ ْ‬‫َج َعلْنَا لَهُ َج َهن َ‬
‫الدنيا على مشيئته سبحانه ‪ ،‬أما يف اآلخرة فيحقق للعبد مشيئته وما يتمناه قال‬
‫تعاىل ‪  :‬ل َُه ْم َما يَ َش‪#‬اءُو َن ِف َيها َولَ‪َ #‬د ْينَا َم ِزي‪ٌ #‬د ‪ّ [ ‬ق‪ ، ]35:‬فاهلل عز وجل من أمسائه‬
‫احلسىن الوه اب ومن ص فاته أنه يهب ما يش اء ملن يش اء كيف يش اء ‪ ،‬ف إن‬
‫أوجب شيئا على نفسه فهو من فضله وكرمه ‪ ،‬فما يعطيه لعباده ظاهرا وباطنا‬
‫يف ال دنيا واآلخ رة إمنا هي نعم وهب ات وهي من الك ثرة حبيث ال حتص يها‬
‫احلسابات (‪. )2‬‬
‫‪   -94‬الجواد ‪:‬‬
‫جاد جَي ود َج ْودة‬ ‫اجلواد يف اللغة صفة مشبهة للموصوف باجلود ‪ ،‬فعله َ‬
‫‪ ،‬واجلَيِّد نقيض الرديء ‪ ،‬وقد جاد َج ْودة وأَجاد يعين أَتى باجلَيِّد من‬
‫القول أَو الفعل ‪ ،‬واجلود هو الكرم ‪ ،‬ورجل َج واد يعين سخي كثري‬
‫العطاء ‪ ،‬واجلود من املطر هو الذي ال مطر فوقه يف الكثرة ‪ ،‬وفالن‬
‫جَيُ ود بنفسه أَي خيرجها وي دفعها كما ي دفع ا ِإلنس ان ماله وجيود به ‪،‬‬

‫‪1‬انظر تفسري األمساء للزجاج ص ‪ ، 60‬واألمساء والصفات ص ‪ ، 97‬واملقصد األسىن ص ‪. 77‬‬


‫‪2‬انظر املزيد يف تفسري اسم الوهاب ‪ :‬األسىن للقرطيب ‪. 1/396‬‬
‫(‪)123‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ت ِعْن ‪َ # # # #‬د‬
‫ال ‪ُ ( :‬كْن ُ‬ ‫وعند البخ اري من ح ديث أس امة بن زيد ‪ t‬قَ َ‬
‫النَّبِّي‬
‫ث إِلَْي َها ‪:‬‬ ‫‪#‬ود بَِن ْف ِس‪ِ #‬ه ‪َ ،‬فَب َع َ‬
‫َن ْابَن َها يَ ُج‪ُ #‬‬‫ول إِ ْح‪َ #‬دى َبنَاتِ‪#ِ #‬ه ‪ ..‬أ َّ‬ ‫ِ ‪ S‬إِ ْذ َج‪#‬‬
‫‪#‬اءهُ َر ُس‪ُ #‬‬
‫َ‬
‫ص ‪#‬بِ ْر َولْتَ ْحتَ ِس ‪ْ #‬ب ) (‪ ، )1‬وال ذي‬ ‫لِلَّ ِه َما أَ َخ‪َ #‬ذ ‪َ ،‬ولِلَّ ِه َما أَ ْعطَى ُك‪ٌّ #‬‬
‫‪#‬ل بِأ َ‪#‬‬
‫َج ٍ‪#‬ل َفلْتَ ْ‬
‫جيود بنفسه عند املوت ال دخل له يف إخ راج ال روح أو إبقائها ‪،‬‬
‫وإمنا ذلك هلل عز وجل ال ذي ي أمر مالئكته باس تخراجها ‪ ،‬ولكن عرب‬
‫بأنه جيود بنفسه تكرميا له إذ ال حيلة يف دفع املوت ‪ ،‬أو لرض اه‬
‫بق در اهلل واس تعداده للقائه ورغبته يف أن يلقى اهلل مؤمنا ‪ ،‬كما يف‬
‫حديث عمران بن حصني ‪ t‬يف املرأة اجلهنية اليت رمجت حبد الزنا قال‬
‫ض ‪َ #‬ل ِم ْن أَ ْن َج‪َ #‬‬
‫‪#‬اد ْت بَِن ْف ِس ‪َ #‬ها لل ‪ِ #‬ه َت َع‪##‬الَى ) (‪، )2‬‬ ‫ت َت ْوبَ ‪#‬ةً أَفْ َ‬ ‫‪َ ( : S‬و َه‪ْ #‬‬
‫‪#‬ل َو َج‪#ْ #‬د َ‬
‫ف اجلود سهولة البذل واإلنفاق وجتنب ما ال حيمد من األخالق ويكون‬
‫بالعبادة والصالح وبالسخاء والسماح (‪. )3‬‬
‫واجلواد أيضا مجع ج ادة واجلادة الطريق املمهد ‪ ،‬أو س واء الطريق‬
‫ووس طه ‪ ،‬أو الطريق األعظم اليت جتتمع الط رق عليه كما ورد عند‬
‫مس لم من ح ديث عبد اهلل بن س الم ‪ t‬أنه ق ال ‪َ ( :‬بْينَ َما أَنَا نَ‪## #‬ائِ ٌم إِ ْذ‬
‫‪#‬ال فَ‪ِ#‬إ َذا أَنَا بِ َج َ‪#‬و َّ‬
‫اد‬ ‫ت َم َع‪#‬هُ قَ َ‬ ‫‪#‬ال لِي ‪ :‬قُ ْم ‪ ،‬فَأَ َ‪#‬خ َذ بِيَ ِ‪#‬دي فَ‪#‬انْطَلَ ْق ُ‬ ‫‪#‬ل َف َق َ‬‫أَتَاني َر ُج ٌ‬
‫ِ‬
‫ال لِي ‪ :‬الَ تَأْ ُخ ْذ ِف َيها فَِإَّن َها طُُر ُق‬ ‫ت آل ُخ َذ ِف َيها َف َق َ‬ ‫ال ‪ :‬فَأَ َخ ْذ ُ‬ ‫َع ْن ِش َمالِي ‪ ،‬قَ َ‬
‫‪#‬ال لِي ‪ُ :‬خ‪#ْ #‬ذ َها‬ ‫اد َمْن َه ٌج َعلَي يَ ِميِنِي َف َق‪َ #‬‬ ‫‪#‬ال ‪ :‬فَ ‪ِ#‬إ َذا َ‪#‬ج َ‪#‬و ُّ‬ ‫اب ال ِّش ‪َ #‬م ِال ‪ ،‬قَ‪َ #‬‬ ‫ص ‪َ #‬ح ِ‬
‫أَ ْ‬
‫‪#‬ال ‪ ،‬أ ََّما الطُُّر ُق الَّتِي َرأَيْ َ‬ ‫ِ‬
‫ت َع ْن‬ ‫ص‪ُ##‬ت َها َعلَْي ‪##‬ه ‪َ ،‬ف َق‪َ #‬‬ ‫صْ‬ ‫ت النَّبِي ‪َ S‬ف َق َ‬ ‫ُهنَا ‪ ،‬فَ‪##‬أََتْي ُ‬
‫‪#‬ك فَ ِهي‬ ‫ت َع ْن يَ ِمينِ‪َ #‬‬ ‫اب ال ِّش‪َ #‬م ِال َوأ ََّما الطُُّر ُق الَّتِي َرأَيْ َ‬ ‫ص‪َ #‬ح ِ‬ ‫يَ َس‪#‬ا ِر َك فَ ِهي طُ‪#ُ #‬ر ُق أَ ْ‬
‫اب الْيَ ِمي ِن ) ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫َص َح ِ‬ ‫طُُر ُق أ ْ‬
‫والج واد س بحانه هو الكامل يف ذاته وأمسائه وص فاته ‪ ،‬ال ذي ينفق على خلقه‬
‫بك ثرة ج وده وكرمه ‪ ،‬وفض له وم دده ‪ ،‬فال تنفد خزائنه ‪ ،‬وال ينقطع س حاؤه ‪،‬‬
‫وال ميتنع عطاؤه ‪ ،‬روى البخاري من حديث أَبِي هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ S‬قال‬
‫‪#‬ار ‪َ ،‬أرأ ْيتُ ْم َما أَْن َف‪َ #‬‬
‫‪#‬ق ُمْنذ َخل ‪#َ #‬ق‬ ‫َّه‪َ #‬‬
‫‪#‬ل َوالن َ‬ ‫اهلل َمألَى الَ يَِغي ُ‬
‫ض‪َ # #‬ها َن َف َقة َس‪َّ # #‬حاء الل ْي ‪َ #‬‬
‫‪ ( :‬ي ‪ُ # #‬د ِ‬
‫َ‬

‫‪1‬البخاري يف القدر ‪ ،‬باب وكان أمر اهلل قدرا مقدورا ‪. )6228 ( 6/2435‬‬
‫‪2‬مسلم يف احلدود ‪ ،‬باب من اعرتف على نفسه بالزىن‪. )1696 ( 3/1324‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪ ، 3/135‬والنهاية يف غريب احلديث ‪ ، 1/312‬ومفردات ألفاظ القرآن ‪. 210‬‬
‫‪4‬صحيح مسلم فضائل الصحابة باب من فضائل عبد اهلل بن سالم )‪. t 4/1931 (2484‬‬
‫(‪)124‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ض َما في يَ ‪##‬د ِه ) (‪ ، )1‬وهو س بحانه من ف وق عرشه‬ ‫َم يَِغ ْ‬
‫ض فَِإنَّهُ ل ْ‬
‫األر َ‬ ‫ال َّ ِ‬
‫س ‪َ ##‬م َوات َو ْ‬
‫عليم مبوضع ج وده يف خلقه ‪ ،‬فال يعطي إال مبقتضى عدله وحكمته ‪ ،‬وما حيقق‬
‫مص لحة الش يء وغايته ‪ ،‬ول ذلك ج اء عقب ذكر ج وده ونفقته ‪َ ( :‬ع ْر ُش ‪#‬هُ َعلَى‬
‫ض َوَي ْرفَ ُع ) (‪. )2‬‬ ‫ِ‬ ‫الم ِاء وبِي ِد ِه األ ْخرى ِ‬
‫الم َيزان يَ ْخف ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫وهو ال ذي يه دي عب اده أمجعني إىل ج ادة احلق املبني ‪ ،‬ه داهم س بل الش رائع‬
‫واألحكام ومتييز احلالل من احلرام ‪ ،‬وبني هلم أسباب صالحهم يف الدنيا واآلخرة‬
‫ودع اهم إىل ع دم إيث ار ال دنيا على اآلخ رة ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪َ  :‬واهللُ يَ ‪#ْ #‬د ُعو إِلَى َدا ِر‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍيم ‪[ ‬يونس‪ ، ]25:‬وقال سبحانه ‪  :‬إِنِّي‬ ‫صر ٍ‬‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫السالم َوَي ْهدي َم ْن يَ َشاءُ إلَى َ‬
‫ص ‪# #‬ر ٍ‬
‫ِ‬ ‫ْت َعلَى اللَّ ِه َربِّي َو َربِّ ُك ْم َما ِم ْن َدابٍَّة إِال ُه‪#َ # #‬و ِ ‪ِ ِ ِ ِ #‬‬
‫َت‪#َ # #‬و َّكل ُ‬
‫اط‬ ‫آخ ‪ٌ #‬ذ بنَاص ‪# #‬يَت َها إ َّن َربِّي َعلَى َ‬
‫ُم ْستَِق ٍيم ‪[ ‬هود‪. ]56:‬‬
‫ويذكر ابن القيم أن اجلواد سبحانه هو الذي له اجلود كله ‪ ،‬وجود مجيع اخلالئق‬
‫يف جنب جوده أقل من ذرة يف جبال الدنيا ورماهلا ‪ ،‬فمن رمحته سبحانه بعباده‬
‫أنه ابتالهم باألوامر والنواهي رمحة ومحية ‪ ،‬ال حاجة منه إليهم مبا أمرهم به فهو‬
‫الغين احلميد ‪ ،‬وال خبال منه عليهم مبا هناهم عنه فهو اجلواد الك رمي ‪ ،‬ومن رمحته‬
‫أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئال يسكنوا إليها وال يطمئنوا إليها ‪ ،‬ويرغبوا يف‬
‫النعيم املقيم يف داره وج واره ‪ ،‬فس اقهم إىل ذلك بس ياط االبتالء واالمتح ان ‪،‬‬
‫فمنعهم ليعطيهم وابتالهم ليع افيهم ‪ ،‬وأم اهتم ليح ييهم ‪ ،‬ومن رمحته هبم أن‬
‫حذرهم نفسه لئال يغرتوا به فيعاملوه مبا ال حتسن معاملته به ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪:‬‬
‫وف بِال ِْعبَ‪#ِ #‬اد ‪[ ‬آل عمران‪ ، ]30:‬قال غري واحد من‬
‫‪َ ‬ويُ َح‪#ِّ #‬ذ ُر ُك ُم اهللُ َن ْف َس‪#‬هُ َواهللُ َرءُ ٌ‬
‫السلف ‪ :‬من رأفته بالعباد حذرهم من نفسه لئال يغرتوا به (‪. )3‬‬
‫‪   -95‬السبوح ‪:‬‬
‫بح تس بيحا ‪،‬‬‫الس بوح يف اللغة ِمن أبنية املبالغة على وزن ُّفعول ‪ ،‬فعله س بح يَس ُ‬
‫و َس بَ َح يف الكالم إذا أَكثر فيه التَّسبيح والتنزيه ‪ ،‬وسبحان اهلل معناه تنزيه اهلل من‬

‫‪1‬البخاري يف التوحيد ‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل ملا خلقت بيدي ‪ ، )6976 ( 2697 /6‬باب معىن ال‬
‫يغيضها أي ال ينقصها نفقة ‪ ،‬ومعىن سحاء أي كثرة السح والعطاء وهو إنزال اخلري املتواصل ‪ ،‬انظر فتح‬
‫الباري ‪. 395 /13‬‬
‫‪2‬تكملة احلديث السابق عند البخاري ‪.‬‬
‫‪3‬إغاثة اللهفان ‪. 2/157‬‬
‫(‪)125‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫الص احبة والولد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬معن اه تنزيه اهلل تع اىل عن كل ما ال ينبغي أن يوصف‬
‫اع معناه بُ ْع ُده تبارك وتعاىل عن أَن يكون له شريك أَو ن ّد ‪ ،‬أَو مثيْل أَو‬ ‫به ‪ ،‬ومِج‬
‫ُ‬
‫وسْبحانا مبعىن واحد (‪. )1‬‬
‫ت اهلل تسبيحاً ُ‬ ‫ض ّد وسبَّ ْح ُ‬
‫وح عز وجل هو ال ذي له أوص اف الكم ال واجلم ال بال نقص ‪ ،‬وله‬ ‫والس بّ ُ‬
‫ُ‬
‫قلب املسبح تذكرا وتفكرا‬ ‫ُ‬ ‫فيها‬ ‫بح‬
‫ْ ُ‬ ‫يس‬ ‫حيث‬ ‫‪،‬‬ ‫والسوء‬ ‫الشر‬ ‫عن‬ ‫املقدسة‬ ‫األفعال‬
‫والش ر ‪ ،‬فيقول ما ْأب َعد اهلل عن السوء ‪،‬‬ ‫والبعد عن النَّقص َّ‬
‫َ‬ ‫فال يرى إال العظم َة‬
‫ومشاهدة واألفعال فيزداد‬ ‫ِ‬ ‫ص اف‬ ‫ِ‬
‫مث يقطع مسافة أو َمْر َحلة أخرى يف معرفة األ َْو َ‬
‫تعظيم اً هلل وتبعيدا له من السوء ‪ ،‬والقلب يف ذلك يبتعد من الظلمات إىل النور‬
‫‪ ،‬ومن إرادة الشر إىل إرادة اخلري ومن َع َمى القلوب وأ َْدَوائها إىل نُو ِرها وشفائِها‬
‫الو ْحي عليها (‪، )2‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬ومن ِ‬
‫وس ْيطرة َ‬ ‫ص الحها َ‬ ‫فس ادها َو َس ْيطرة األهواء عليها إىل َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول الله ‪S‬‬‫ال ‪ ( :‬قَ َام فينَا َر ُس‪ُ #‬‬
‫وس ى األشعري ‪ t‬أنه قَ َ‬ ‫وعند مسلم من حديث أَب ي ُم َ‬
‫ِ‬
‫ات َو ْج ِه‪#ِ #‬ه َما‬
‫ت ُس ‪#‬بُ َح ُ‬
‫َح َ‪#‬رقَ ْ‬
‫ُّور لَ‪#ْ #‬و َك َش ‪َ #‬فهُ أل ْ‪#‬‬ ‫س َكِلم‪ٍ #‬‬ ‫بِ َخ ْم ِ‬
‫منها‪ ..)3‬ح َجابُ‪##‬هُ الن ُ‬ ‫‪#‬ات ‪ ..‬وذكر‬ ‫َ‬
‫ص ُرهُ ِم ْن َخل ِْق ِه ) ( ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْنَت َهى إِلَْيه بَ َ‬
‫ك‬‫ين ِعْن َد َربِّ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫هو ِالذي سبح حبمده املسبحون قال تعاىل ‪ِ  :‬إ َّن الذ َ‬ ‫والسبوح سبحانه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ج ُدو َن ‪[ ‬األع راف‪ ، ]206 :‬وق ال ‪ :‬‬ ‫ال يَ ْس‪َ# #‬ت ْكِبُرو َن َع ْن عَب َادت ‪##‬ه َويُ َس‪ِّ# #‬ب ُحونَُه َولَ ‪#ُ #‬ه يَ ْس‪ُ # #‬‬
‫ِ ِ‬ ‫َد ْع َ‪#‬و ُاه ْم ِف َيها ُس‪ْ#‬ب َحانَ َ‬
‫الم ‪[ ‬يونس‪ ، ]10 :‬وقال سبحانه ‪ :‬‬ ‫ك اللَُّه َّم َوتَحَّيُتُه ْم ف َيها َس‪ٌ #‬‬
‫َك ْن ال‬‫س ‪##‬بع واألَرض ومن ِفي ِه َّن وِإن ِمن َش‪# #‬يٍء ِإال يس‪ِّ# #‬بح بِحم‪#ِ #‬دِه ول ِ‬
‫َ ْ ْ ُ َ ُ َْ َ‬ ‫ات ال َّ ْ ُ َ ْ ُ َ َ ْ‬ ‫س ‪َ ##‬م َاو ُ‬‫تُ َس ‪ِّ##‬ب ُح َل‪#ُ ##‬ه ال َّ‬
‫يحُه ْم ِإنَُّه َكا َن َحِليماً َغُفوراً ‪[ ‬اإلسراء‪. ]44 :‬‬ ‫َتْفَقُهو َن تَ ْسِب َ‬
‫‪   -96‬الوارث ‪:‬‬
‫الوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غريه ‪ ،‬يقال ‪ :‬ورث فالن أباه يرثه‬
‫وراثة ومرياثا ‪ ،‬وورث الرجل ول ده م اال أي أش ركه يف ماله ‪ ،‬والوراثة يف‬
‫حقنا انتق ال املال أو امللك من املتق دم إىل املت أخر ‪ ،‬ومنه وارث م ال امليت‬
‫الذي ميلك تركته ‪ ،‬ووارث امللك يرث سلطانه (‪. )4‬‬
‫والوارث سبحانه هو الباقي الدائم بعد فناء اخللق ‪ ،‬قال ابن منظور ‪ ( :‬الوارث‬
‫‪1‬لسان العرب ‪ ، 2/471‬وكتاب العني ‪ ، 3/151‬واملغرب للمطرزي ‪. 1/379‬‬
‫‪2‬انظر األمساء والصفات للبيهقي ص ‪ ، 37‬وشرح النووي على صحيح مسلم ‪. 4/204‬‬
‫‪3‬مسلم يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب يف قوله عليه السالم إن اهلل ال ينام ‪. )179 ( 1/161‬‬
‫‪4‬لسان العرب ‪ ، 2/199‬وكتاب العني ‪ ، 8/234‬واملغرب للمطرزي ‪. 2/349‬‬
‫(‪)126‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫صفة من صفات اهلل عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث اخلالئق ويبقى بعد‬
‫فن ائهم واهلل عز وجل ي رث األرض ومن عليها وهو خري ال وارثني ‪ ،‬أي يبقى‬
‫بعد فن اء الكل ويفىن من س واه ‪ ،‬ف ريجع ما ك ان ملك العب اد إليه وح ده ال‬
‫شريك له ) (‪. )1‬‬
‫وإذا ك ان اخلالئق يتع اقبون على األرض ف ريث املت أخر املتق دم ‪ ،‬وي رث الولد‬
‫والده والزوج زوجته وهكذا يستمر التوارث حىت ينقطع حبل احلياة يف الدنيا ‪،‬‬
‫ات‬‫السماو ِ‬
‫اث َّ َ َ‬ ‫فإنه ال يبقى إال مالك امللك الوارث الكبري ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬ولِ ِله ِم َير ُ‬
‫اهلل بِ َما َت ْع َملُو َن َخِب ٌير ‪[ ‬آل عمران‪ ، ]180:‬فالوارث سبحانه هو الباقي بعد‬ ‫ض َو ُ‬ ‫َواألَْر ِ‬
‫فن اء اخللق أو ال وارث جلميع األش ياء بعد فن اء أهلها ‪ ،‬وال وارث أيضا هو ال ذي‬
‫ض ُه ْم َو ِديَ َ‪#‬ار ُه ْم‬
‫أورث املؤمنني ديار الكافرين يف الدنيا كما قال تعاىل ‪َ  :‬وأَْو َرثَ ُك ْم أ َْر َ‬
‫اهلل َعَلى ُك‪#ِّ #‬ل َش‪ْ #‬يٍء قَ‪#ِ #‬ديرا ‪[ ‬األحزاب‪ ، ]27:‬وكذلك‬ ‫َوأَْم‪#َ #‬وال َُه ْم َوأ َْرض‪#‬اً ل َْم تطَئُوها َو َ‪#‬ك‪#‬ا َن ُ‬
‫أورث املؤمنني مساكنهم يف اجلنة فجعل هلم البقاء خملدين فيها كما قال ‪َ  :‬وقَ‪#‬الُوا‬
‫ِِ‬ ‫ْجنَِّة َحْي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِ ِ ِ‬
‫ين‬ ‫اء فَِن ْع َم أ ْ‬
‫َج ُ‪#‬ر الَْع‪#‬امل َ‬ ‫ث نَ َش ُ‬ ‫ض َنَتَبَّوأُ م َن ال َ‬ ‫ْح ْم ُد للَّه الَّذي َ‬
‫ص َد َقَنا َو ْع َد ُه َوأَْو َرَثَنا األَْر َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث م ْن عَبادنَا َم ْن َك‪#‬ا َن تَقيّ‪#‬اً ‪[ ‬مرمي‪، ]63 :‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬‫َّ‬
‫ْجنَّةُ التي نُور ُ‬ ‫ِ‬
‫‪[ ‬الزمر‪ ، ]74:‬وقال ‪  :‬تل َ‬
‫ْك ال َ‬
‫وت وريث املؤم نني اجلنة ال يعين أهنا تش ارك اهلل يف البق اء واإلرث ‪ ،‬ألن خل د اجلن ة‬
‫وأهلها إىل ما ال هناية إمنا هو بإبقاء اهلل وإرادته فبقاء املخلوقات ليس من طبيعتها وال‬
‫من خصائصها الذاتية ‪ ،‬بل من طبيعتها مجيعا الفناء ‪ ،‬أما بقاء اهلل ودوامه ومرياثه‬
‫وسائر أوصافه فهي باقية ببقائه مالزمة لذاته سبحانه وتعاىل ‪ ،‬ألن البقاء صفة ذاتية‬
‫له فهو الوارث جلميع اخلالئق يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫‪   -97‬الرب ‪:‬‬
‫رب ربوبية ‪ ،‬أو‬ ‫رب ي ُّ‬ ‫ال رب يف اللغة ص فة مش بهة للموص وف بالربوبية ‪ ،‬فعله َّ‬
‫ِ‬
‫لق على املالك‬ ‫رىب يريب تربية ‪ ،‬والرب هو الذي يريب غريه وينشئه شيئا فشيئا ويُطْ ُ‬
‫واملدبَّر وامل َريِّب والَقِّيم واملْنعِم ‪ ،‬وال يُطَل ُق غ َري ُمض اف إال على اهلل تع اىل ‪،‬‬‫والس ِّيد َ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫وإذا أُطل َق على َغ ريه أُض يف ؛ ك رب اإلبل ورب ال دار ‪ ،‬أي مالكها ‪ ،‬ويطلق‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َح ُد ُك َما َفَي ْس‪ِ#‬قي َربَُّه َخ ْ‪#‬م ً‪#‬را ‪ ‬أي‬
‫أيضا على السيد املطاع ‪ ،‬ومنه قوله تعاىل ‪  :‬أََّما أ َ‪#‬‬
‫سيده املطاع ‪ ،‬ويطلق الرب أيضا على املعبود ومنه قول الشاعر ‪:‬‬

‫‪1‬السابق ‪. 2/199‬‬
‫(‪)127‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫أرب يبول الثعلبان برأسه ‪ :‬لقد ذل من بالت عليه الثعالب ‪.‬‬
‫الش‪ )1‬يء ح اال فح اال إيل حد‬
‫(‬
‫فوصف ال رب من الناحية اللغوية يك ون ملن أنشأ‬
‫التمام أو قام على إصالح شئونه وتويل أمره بانتظام ‪.‬‬
‫والرب سبحانه وتعاىل هو املتكفل خبلق املوجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها‬
‫وإصالحها وهو ال ذي نظم معيشتها ودبر أمرها ‪ ،‬ودليل هذا املعىن ما ورد يف‬
‫ض ِفي ِس ‪#‬ت َِّة أَيَّ ٍام ثُ َّم ا ْس ‪َ#‬ت َوى‬ ‫س ‪#‬ماو ِ‬
‫ات َواأل َْر َ‬
‫ِ‬
‫قول ه تع اىل ‪  :‬إِ َّن َربَّ ُك ُم اهللُ ال ‪##‬ذي َخل ‪#َ #‬ق ال َّ َ َ‬
‫ات بِ‪#‬أ َْم ِر ِه‬
‫ش‪#‬مس وال َقم‪#‬ر والنُّج‪#‬وم مس‪#‬خَّر ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪#‬ار يَطْلُبُ‪#‬هُ َحثيث‪#‬اً َوال َّ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ‬
‫َّه َ‬
‫اللي‪#‬ل الن َ‬
‫ش ُي ْغشي ْ‬
‫َعلى العر ِ ِ‬
‫َْ‬
‫ين ‪[ ‬األع راف‪ ]54:‬؛ ف الرب سبحانه هو‬ ‫ِ‬
‫الع‪##‬الم َ‬
‫ب َ‬ ‫‪#‬ار َك اهللُ َر ُّ‬
‫أَال ل‪##‬هُ ال َخل‪#ُ #‬ق َواأل َْم‪#ُ #‬ر َتبَ‪َ #‬‬
‫املتكفل باخلالئق أمجعني إجيادا وإمدادا ورعاية وقياما على كل نفس مبا كسبت ‪،‬‬
‫قال تعاىل ‪  :‬أَفَ َم ْن ُه َو قَائِ ٌم َعلى ُكل َن ْف ٍ‬
‫س بِ َما َك َسبَ ْت ‪[ ‬الرعد‪. ]33:‬‬
‫وحقيق ة مع ىن الربوبي ة يف الق رآن تق وم على رك نني اث نني وردا يف آي ات كث رية‬
‫أحدمها إفراد اهلل باخللق ‪ ،‬والثاين إفراده باألمر وتدبري ما خلق ‪ ،‬كما قال تعاىل‬
‫عن موسى ‪ ‬هو يبني حقيقة الربوبية لفرعون ملا سأله‪  :‬قَال فَ َم ْن َربُّ ُك َم‪#‬ا يَ‪#‬ا ُمو َس‪#‬ى‬
‫قَ ‪##‬ال َرُّبنَ ‪##‬ا ال ‪#ِ #‬ذي أَ ْعطَى ُك‪##‬ل َش‪ْ ##‬ي ٍء َخل َق‪##‬هُ ثُ َّم َه‪َ #‬دى ‪ ، ‬فأج اب فرع ون عن الربوبي ة‬
‫حبص ر معانيه ا يف معن يني ج امعني ‪ ،‬األول إف راد اهلل بتخلي ق األش ياء وتكوينه ا‬
‫وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده ‪ ،‬والثاين إفراد‬
‫اهلل بت دبري األم ر يف خلقه كه دايتهم والقي ام على ش ؤوهنم وتص ريف أح واهلم‬
‫والعناية هبم فهو سبحانه الذي توكل باخلالئق أمجعني قال تعاىل ‪  :‬اهللُ َخ ُ‬
‫الق ُكل‬
‫َش ْي ٍء َو ُه َو َعلى ُكل َش ْي ٍء َوكِيل ‪[ ‬الزمر‪. )2( ]63:‬‬
‫‪   -98‬األعلى ‪:‬‬
‫األعلى يف اللغة أفعل التفض يل ‪ ،‬فعله عال يعلو عل وا ‪ ،‬ف األعلى هو ال ذي ارتفع‬
‫عن غريه وفاقه يف وصفه ‪ ،‬وهي مفاضلة بني اثنني أو اجلميع يف عظمة وصف أو‬
‫فعل ‪ ،‬أو مفاض لة بني ص احب العلو واألعلى منه ‪ ،‬ف األعلى ذو العال والعالء‬
‫يم ‪[ ‬النح ل‪، ]60:‬‬ ‫هلل المثَ‪##‬ل األَ ْعلَى و ُه‪##‬و الع ِزي‪##‬ز ِ‬
‫ِ‬ ‫(‪)3‬‬
‫الحك ُ‬
‫َ َ َ ُ َ‬ ‫واملعايل ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ  :‬و َ ُ‬

‫‪1‬انظر بتصرف ‪ :‬مفردات ألفاظ القرآن ص ‪ ، 336‬والنهاية يف غريب احلديث ‪. 2/179‬‬


‫‪2‬انظر يف املعىن القرآين للرب والربوبية ‪ :‬املختصر املفيد يف أنواع التوحيد للمؤلف ص ‪. 116 : 88‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪. 15/85‬‬
‫(‪)128‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫[ال روم‪27:‬‬ ‫يم ‪‬‬ ‫ض و ُه‪##‬و الع ِزي‪##‬ز ِ‬ ‫ِ‬ ‫المثَ‪#ُ #‬ل األَ ْعلَى ِفي ال َّ‬
‫س‪َ #‬م َاوات َواأل َْر ِ َ َ َ ُ َ‬
‫الحك ُ‬ ‫وقال ‪َ  :‬ولَ‪##‬هُ َ‬
‫] ‪ ،‬ق ال األلوسي ‪ ( :‬وله املثل األعلى أي الص فة العجيبة الش أن اليت هي مثل يف‬
‫العلو مطلقا ‪ ،‬وهو الوج وب ال ذايت ‪ ،‬والغىن املطلق ‪ ،‬واجلود الواسع ‪ ،‬والنزاهة‬
‫عن صفات املخلوقني ‪ ،‬ويدخل فيه علوه تعاىل عما يقولون علوا كبريا ) (‪. )1‬‬
‫واسم اهلل األعلى دل على علو الش أن وهو أحد مع اين العلو ‪ ،‬فاهلل عز وجل‬
‫تعاىل عن مجيع النقائص والعيوب املنافية إلهليته وربوبيته ‪ ،‬وتعاىل يف أحديته عن‬
‫الش ريك والظهري وال ويل والنصري ‪ ،‬وتع اىل يف عظمته أن يش فع أحد عن ده دون‬
‫إذنه ‪ ،‬وتعاىل يف صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد ‪ ،‬وتعاىل‬
‫يف كمال حياته وقيوميته عن السنة والنوم ‪ ،‬وتعاىل يف قدرته وحكمته عن العبث‬
‫والظلم ‪ ،‬وتعاىل يف علمه عن الغفلة والنسيان ‪ ،‬وعن ترك اخللق سدي دون غاية‬
‫رزق ‪ ،‬بل هو‬ ‫ِ‬
‫ويرزق وال يُ َ‬
‫طع ُم ُ‬‫أو ابتالء أو امتحان ‪ ،‬وتعاىل يف غناه يُطع ُم َوال يُ َ‬
‫على كل شيء قدير ‪ ،‬وكل شيء إليه فقري ‪ ،‬وكل أمر عليه يسري ‪ ،‬ال حيتاج إىل‬
‫شيء ‪ ،‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصري ‪ ،‬تعايل يف صفات كماله ونعوت‬
‫جالله عن التعطيل والتمثيل (‪. )2‬‬
‫ِ ِ‬
‫وجل جيوز يف حقه قي اس األويل ب دليل قوله ‪َ  :‬ولل ‪##‬ه َ‬
‫المثَ ‪#ُ #‬ل األَ ْعلَى َو ُه‪#َ #‬و‬
‫ِ‬
‫واهلل عز‬
‫يم ‪[ ‬النح ل‪ ، ]60:‬فإنه من املعل وم أن كل كم ال أو نعت‬ ‫الع ِزي ‪#ُ #‬ز َ‬
‫الحك ُ‬ ‫َ‬
‫ممدوح لنفسه ال نقص فيه يك ون لبعض املوج ودات املخلوقة احملدثة‬
‫ف الرب اخلالق الص مد القي وم هو أوىل به ‪ ،‬وكل نقص أو عيب جيب‬
‫أن ينزه عنه بعض املخلوقات احملدثة فالرب اخلالق القدوس السالم هو‬
‫أوىل أن ي نزه عنه (‪ ، )3‬ق ال ابن تيمية ‪ ( :‬وهلذا ك انت الطريقة النبوية‬
‫الس لفية أن يس تعمل يف العل وم اإلهلية قي اس األوىل كما ق ال اهلل تع اىل‬
‫المثَ ‪#ُ #‬ل األَ ْعلَى ‪ ، ‬إذ ال ي دخل اخلالق واملخل وق حتت قض ية‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ  :‬ولل ‪##‬ه َ‬
‫كلية تستوي أفرادها وال يتماثالن يف شيء من األشياء ‪ ،‬بل يعلم أن‬
‫كل كم ال ال نقص فيه بوجه ثبت للمخل وق فاخلالق أوىل به وكل‬

‫‪1‬روح املعاين ‪ ، 14/170‬وزاد املسري البن اجلوزي ‪ ، 459 /4‬وتذكرة األريب يف تفسري الغريب ‪1/72‬‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬انظر يف هذا املعىن معارج القبول ‪. 1/144‬‬
‫‪3‬العقيدة األصفهانية ص ‪ ، 74‬والفرقان بني احلق والباطل البن تيمية ‪.13/164‬‬
‫(‪)129‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫نقص وجب نفيه عن املخل وق فاخلالق أوىل بنفيه عنه ) (‪ ، )1‬فقي اس‬
‫األوىل ج ائز يف حق اهلل وأمسائه وص فاته وأفعاله أما احملرم املمن وع فهو قي اس‬
‫التمثيل والشمول (‪. )2‬‬
‫‪   -99‬اإلله ‪:‬‬
‫إالهة ‪ ،‬واإلله هو اهلل‬
‫َله يألهُ َ‬
‫املعبود ‪ ،‬فعله أ َ‬ ‫اإلله يف اللغة اسم املفعول املألوه أي‬
‫هِل‬
‫عز وجل ‪ ،‬وكل ما اختذ من دونه معبودا إِلهٌ عند متخذه ‪ ،‬واآل َةُ األَصنام مسوا‬
‫ب ذلك العتق ادهم أَن العب ادة حَتُ ُّق هلا ‪ ،‬وأص له إالهٌ على فع ال مبعىن مفع ول ألنه‬
‫م ألوه أي معب ود ‪ ،‬كقولنا إم ام مبعىن م ؤمت به ‪ ،‬فلما أدخلت عليه األلف والالم‬
‫حذفت اهلمزة ختفيفا لكثرته يف الكالم (‪. )3‬‬
‫واإلله سبحانه هو املعبود حبق ‪ ،‬املستحق للعبادة وحده دون غريه ‪ ،‬وقد قامت‬
‫كلمة التوحيد يف اإلسالم على معىن األلوهية ‪ ،‬قال ابن تيمية ‪ ( :‬ال إله إال أنت‬
‫في ه إثب ات انف راده باإلهلي ة ‪ ،‬واأللوهي ة تتض من كم ال علم ه وقدرت ه ورمحت ه‬
‫وحكمته ‪ ،‬ففيها إثبات إحسانه إىل العباد فإن اإلله هو المألوه واملألوه هو الذي‬
‫يس تحق أن يعب د ‪ ،‬وكون ه يس تحق أن يعب د ه و مبا اتص ف ب ه من الص فات ال يت‬
‫تستلزمك أن يكون هو احملبوب غاية احلب املخضوع له غاية اخلضوع ‪ ،‬والعبادة‬
‫تتضمن غاية احلب بغاية الذل ) (‪. )4‬‬
‫واسم اإلله خيتلف يف معناه عن اسم الرب يف كثري من النواحي ‪ ،‬فالرب معناه‬
‫يع ود إىل االنف راد ب اخللق والت دبري ‪ ،‬أم ا اإلل ه فه و املس تحق للعب ادة املألوه ال ذي‬
‫تعظمه القلوب وختضع له وتعبده عن حمبة وتعظيم وطاعة وتسليم ‪ ،‬ولذلك كان‬
‫التوحيد ال ذي أمر اهلل عز وجل به العب اد هو توحيد األلوهية املتض من‬
‫لتوحيد الربوبية بأن يعبد اهلل وحده وال يشرك به شيئا فيكون الدين‬
‫كله هلل ‪ ،‬وال خياف العبد إال اهلل ‪ ،‬وال ي دعو أح دا إال اهلل ويك ون‬
‫اهلل أحب إليه من كل ش يء ؛ فاملوح دون حيب ون هلل ويبغض ون هلل‬

‫‪1‬الكيالنية ضمن جمموع الفتاوى ‪. 12/350‬‬


‫‪2‬غاية املرام يف علم الكالم لسيف الدين اآلمدي ‪.1/122‬‬
‫‪3‬لسان العرب ‪. 13/467‬‬
‫‪4‬دقائق التفسري اجلامع لتفسري ابن تيمية ‪. 2/364 ،‬‬
‫(‪)130‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫ويعبدون اهلل ويتوكلون عليه (‪. )1‬‬

‫خاتمة البحث‬
‫المنهج السلفي وأثره في تفسير األسماء‬
‫****************************‬
‫األمر ‪ ،‬فمن املعلوم‬
‫(‪)2‬‬
‫منهج السلف الصاحل يف أبسط صوره هو تصديق اخلرب وتنفيذ‬
‫أن الكالم العريب الذي نزل به القرآن ينقسم إىل اخلرب والطلب ‪ ،‬واخلرب هو ما‬
‫حيتمل الص دق أو الك ذب ‪ ،‬ويتطلب التص ديق ‪ ،‬واألم ر ه و م ا ال حيتم ل ذلك‬
‫ويتطلب التنفي ذ (‪ ، )3‬وملا ك ان الص حابة أه ل الفص احة واللس ان ‪ ،‬وق د خ اطبهم‬
‫اهلل بنوعي الكالم يف القرآن كان منهجهم يف مسائل التوحيد واإلميان هو تصديق‬
‫اخلرب وتنفيذ األمر ‪ ،‬فلو أخربهم اهلل عن شيء صدقوه تصديقا جازما ينفى الوهم‬
‫والشك والظن ‪ ،‬ولو أمرهم بشيء نفذوه بالقلب واللسان واجلوارح تنفيذا كامال‬
‫‪ ،‬وتل ك هي غاي ة التوحي د العظمى وطريق ة الس لف املثلى ال يت جاه دوا اآلخ رين‬
‫من أجل إثباهتا يف توحيدهم لرهبم ‪ ،‬أن يثبتوا ما أثبته اهلل لنفسه بتصديق خربه ‪،‬‬

‫‪1‬انظر منهاج السنة النبوية البن تيمية ‪ 3/288‬وما بعدها بتصرف ‪ ،‬وانظر أيضا يف حتقيق هذه‬
‫املسألة وتفصيلها ‪ :‬جمموع الفتاوى ‪. 2/11 ، 3/100 ، 1/136‬‬
‫‪2‬شرح شذور الذهب يف معرفة كالم العرب البن هشام ص ‪.40‬‬
‫‪3‬شرح السيوطي على سنن النسائي ‪.2/131‬‬
‫(‪)131‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫وأن يطيعوا اهلل فيما أمر على لسان نبيه ‪. S‬‬
‫وكان املسلم منهم إذا نطق بالشهادتني فقد عقد يف نفسه عقدا أن يكون اهلل عز‬
‫وجل هو املعبود احلق الذي يصدق يف خربه دون نكران ‪ ،‬ويطاع يف أمره دون‬
‫عصيان ‪ ،‬وهذه حقيقة اإلميان اليت نزل هبا القرآن وفهمها أصحاب اللغة واللسان‬
‫‪.‬‬
‫وق د ظه ر أث ر ه ذا املنهج جلي ا يف تفس ري األمساء احلس ىن واإلميان مبعانيه ا كم ا‬
‫محلتها أدلتها ‪ ،‬وبان أن كل اسم إن فسر على هذا املنهج السلفي فله موضعه من‬
‫املع ىن ‪ ،‬وإن فس ر حتت دع وى نفي الص فات وتعطيله ا أو الق ول بتأويله ا ويل‬
‫أعناقه ا فلن جتد معن ا واض حا يف ه ذه اآلراء ‪ ،‬ولن جتد إحساس ا بالعظم ة هلذه‬
‫األمساء ‪ ،‬السيما يف األمساء املشتقة من فعل واحد كالعلي واألعلى واملتعايل ‪ ،‬فإن‬
‫ال ذين ال يؤمن ون بعل و ال ذات والفوقي ة ‪ ،‬حبج ة أن إثب ات االس تواء يش به اس تواء‬
‫املخلوق يف الكيفية ‪ ،‬ويفسرون استواء اهلل على عرشه بأنه استيالء منه على ملكه‬
‫هؤالء ال يستقيم عندهم تفسري اسم اهلل العلي مع توضيح الفرق بينه وبني األعلى‬
‫واملتع ايل ‪ ،‬ألن ك ل اس م كم ا س بق دل على مع ىن من مع اين العل و ‪ ،‬فاس م اهلل‬
‫العلى دل على علو الفوقية وأن اهلل عال عرشه وهو أعلم بالكيفية ‪ ،‬وامسه املتعايل‬
‫دل على علو القهر والغلبة ‪ ،‬وامسه األعلى دل على علو الشأن والعظمة ‪ ،‬تنسجم‬
‫يف ذلك األدلة اللغوية مع األصول القرآنية والنبوية ‪.‬‬
‫لكن نظرة املفسرين املتأثرين مبذهب املتكلمني ختتلف عن ذلك ‪ ،‬وال تعطي هذا‬
‫األمساء إال مع ىن واح دا موجه ا خبلفي ة عقلي ة ومت أثرا بنزع ة تأويلي ة تعطيلي ة ‪،‬‬
‫فبعضهم جيعل اسم اهلل العلى داال فقط على علو الرتبة واملنزلة ‪ ،‬ويؤكد أن هذا‬
‫فهم اخلواص ب ل جيع ل من أثبت دالل ة االس م على عل و الفوقي ة واالس تواء ‪ -‬وهم‬
‫الس لف الص احل ‪ -‬جيعلهم حش وية ب ل من الع وام ال ذين مل جياوز إدراكهم عن‬
‫احلواس اليت هي رتبة البهائم ‪ ،‬وأهنم مل يفهموا عظمة إال باملساحة ‪ ،‬وال علوا إال‬
‫باملك ان ‪ ،‬وال فوقي ة إال ب ه ‪ ،‬وملا ج اء إىل اق رتان اس م اهلل العلي باالس تواء ‪،‬‬
‫وختصيص العرش باإلضافة إليه سلك فيه تأويال باطال وزعم أن العلو عليه هو‬
‫علو الرتبة واملكانة ‪ ،‬كقول القائل اخلليفة فوق السلطان تنبيها به على أنه فوق‬
‫(‪)132‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫مجيع الناس الذين هم دون السلطان (‪ ، )1‬وقال آخر ‪ ( :‬العلي هو فعيل يف معىن‬
‫فاع ل ‪ ،‬فاهلل تع اىل ع ال على خلق ه ‪ ،‬وه و علي عليهم بقدرت ه ‪ ،‬وال جيب أن‬
‫يذهب بالعلو ارتفاع مكان ‪ ،‬إذ قد بينا أن ذلك ال جيوز يف صفاته ) (‪.)2‬‬
‫وعلو الرتبة الذي ذكروه هو عند السلف املعىن الذي دل عليه امسه األعلى وهو‬
‫علو الشأن واملكانة ‪ ،‬خبالف العلي واملتعايل أو علو الفوقية وعلو القه ر ‪ ،‬فهما‬
‫معنيان مستقالن ‪ ،‬ولذلك ماذا صنعوا يف هذين االمسني ؟ ‪ -‬األعلى واملتعال –‬
‫أغمضوا أعينهم وكأنه غري مذكور ‪ ،‬فصاحب املقصد األسىن أسقطه ومل يلتفت‬
‫إليه ‪ ،‬واملتعايل قال عنه ‪ ( :‬املتعايل مبعىن العلي مع نوع من املبالغة وقد سبق معناه‬
‫) (‪. )3‬‬
‫والقصد أن م ذهب الس لف بنقائه الفط ري وإميان ه النقي ال ذي يتواف ق في ه العق ل‬
‫الصريح مع النقل الصحيح أظهر كل اسم مبعناه املوضوع له بدقة ‪ ،‬انطالقا من‬
‫تصديق اخلرب وتنفيذ األمر ‪ ،‬ففرق بني القادر والقدير واملقتدر ‪ ،‬واملالك وامللك‬
‫واملليك ‪ ،‬واخلالق واخلالق ‪ ،‬والرازق والرزاق ‪ ،‬وغري ذلك من األمساء كما سبق‬
‫‪ ،‬وليس يف إثب ات الص فات ال يت دلت عليه ا األمساء تش بيه أو متثي ل ‪ ،‬أو ظ اهر‬
‫باطل يستدعي التعطيل والتأويل بال دليل ‪ ،‬فالرسل صادقون فيما يبلغون ‪ ،‬وال‬
‫خيربون عن اهلل إال ب احلق ال ذي يعلم ون ‪ ،‬وال خيربون عن أمسائه وص فاته وأفعال ه‬
‫وأحكام ه إال ب احلق احملض ال ذي يفهم ه الع وام واخلواص ‪ ،‬فم ىت علم املؤمن أن‬
‫الرس ول أخ رب عن رب ه بش يء من الغيبي ات أو األمساء والص فات ص دق تص ديقا‬
‫جازما يبلغ علم اليقني ‪ ،‬ويزداد املؤمن إميانا بعني اليقني وحق اليقني ‪ ،‬وعلم أيضا‬
‫أنه ال جيوز أن يكون يف الوحي شيء باطين خمفي خبالف ما أخرب به الناس ‪ ،‬وأنه‬
‫من احملال أن حيدث يف النفوس الفوضى والتخبط وااللتباس ‪.‬‬

‫‪1‬املقصد األسىن للغزايل ص ‪.108‬‬


‫‪2‬تفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ‪. 48‬‬
‫‪3‬املقصد األسىن ص ‪.142‬‬
‫(‪)133‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬

‫اإلنتاج العلمي للمؤلف‬


‫أوال ‪ :‬األحباث العلمية املنشورة واملقبولة للنشر يف جمالت علمية ‪:‬‬
‫معرفة النبي ‪ S‬وأثرها على النصارى المنصفين ( الدليل من األناجيل على أن نصارى‬ ‫‪‬‬
‫اليوم يعرفون محمدا ‪S‬كما يعرفون أبناءهم ) ‪.‬‬
‫الفضائيات والغزو الفكري ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المختصر المفيد في أنواع التوحيد ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بداية الكون واإلنسان ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التصوف هل له أصل في الكتاب والسنة ؟‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المحكم والمتشابه وعالقته بالتفويض ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القلب رؤية من الداخل ( دراسة وصفية بيانية لألدلة النقلية ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الكتب املطبوعة ‪:‬‬
‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة – الجزء األول اإلحصاء ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة – الجزء الثاني الشرح والتفسير ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مفهوم القدر والحرية عند أوائل الصوفية ‪ ،‬نفذ ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محنة اإلمام في صفة الكالم ‪ ،‬نفذ ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪)134‬‬
‫د‪ .‬محمود عبد الرازق‬ ‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة‬
‫الرضواني‬
‫توحيد الصفات بين اعتقاد السلف وتأويالت الخلف ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إثبات الشفاعة لصاحب المقام المحمود والرد على الدكتور مصطفى محمود ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫توحيد العبادة ومفهوم اإليمان ‪ ،‬نفذ ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القواعد السلفية في الصفات الربانية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حتت الطبع‬
‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ‪ -‬الجزء الثالث داللة األسماء على‬ ‫‪‬‬
‫الصفات ‪.‬‬
‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ‪ -‬الجزء الرابع دعاء المسألة ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ‪ -‬الجزء الخامس دعاء العبادة ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫معجم ألفاظ الصوفية ‪ ( -‬األصول القرآنية للمصطلح الصوفي ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬

You might also like