Professional Documents
Culture Documents
********************************
-1ال َّر ْح َمن :
ال رمحن يف اللغة ص فة مش بهة وهي أبلغ من ال رحيم ،والرمحة يف حقنا رقة يف
القلب تقتضي اإلحس ان إىل املرح وم وتك ون باملس احمة واللطف أو المعاونة
والعطف ،والرمحة تستدعي مرحوما فهي من صفات األفعال (. )1
وال رمحن اسم خيتص باهلل وال جيوز إطالقه يف حق غ ريه ،وال رمحن س بحانه هو
املتصف بالرمحة العامة الش املة حيث خلق عب اده ورزقهم ،وه داهم س بلهم ،
وأمهلهم فيما خوهلم ،واسرتعاهم يف أرضه ،واستأمنهم يف ملكه ،واستخلفهم
ليبل وهم أيهم أحسن عمال ،ومن مث ف إن رمحت اهلل يف ال دنيا وس عتهم مجيعا
فشملت املؤم نني والكافرين ،والرمحة تفتح أبواب الرجاء واألمل ،وتثري مكنون
الفط رة وتبعث على ص احل العمل ،وت دفع أب واب اخلوف والي أس ،وتش عر
الشخص باألمن واألمان (. )2
واهلل عز وجل س بقت رمحته غض به ،ومل جيعل يف ال دنيا إال ج زءا يس ريا من
واسع رمحته ي رتاحم به الن اس ويتع اطفون ،وبه ترفع الدابة حافرها عن ول دها
رمحة وخش ية أن تص يبه ،روى البخ اري من ح ديث أيب هري رة أنه مسع
رسول اهلل Sيقول :
ين ُ#ج ْ#ز ًءا َوأَْن#َ #ز َل ِفي األَْر ِ ِ ِ الر ْحمَ #ة ِمائَ َ #ة ج#ْ #زٍء ،فَأَْمس ِ ِ َ #
ض
ِ ِ ك عْنَ #دُه ت ْس َ #ع ًة َوت ْس #ع َ #ل ِاهلل َّ َِ ِ ُ ِ َ ( َجَعَ #
س َحافَر َها َع ْن َولَ ##د َها اح ُم اْل َخْل#ُ #ق َحتَّى َتْرفَ #َ #ع اْلَف#َ #ر ُ
ْج#ْ #زء َيَت#َ #ر َ
#ك ال ُ اح ًدا ،فَم ْن َذل َ # ُج#ْ #ز ًءا َو #
َخ ْش َ#ي َة أَ ْن تُص َ #يب ُه ) ،ويف رواية أخ رى عند البخ اري ق ال ِ ( : Sإ َّن اللََّه َخَل#َ #ق ) 3( ِ
ين َر ْح َ#م ًة َ ،وأ َْر َسَ #ل ِفي َخلِْق ِ#ه ِ ِ الر ْح #م َة ي#وم َخَلَق َها ِمائََ #ة ر ْحم ٍ#ة ،فَأَْمسِ ِ َ #
ك عْنَ #دُه ت ْسً #عا َوت ْس#ع َ َ َ َ َّ َ َ ْ َ
الرحمِة لَم يي#أَس ِمن الْجنَّةِ ِ َِّ ِ ِ َّ ِ ِ ِ
ُكلِِّه ْم َر ْح َم ًة َواح َدًة َ ،فَلْو َي ْعَل ُم اْل َكافُر ب ُك ِّل الذي عْن َد الله م َن َّ ْ َ ( َْ َ ْ َْ )4
اب ل َْم يَأَْم ْن ِم َن النَّا ِر ) . َ ،ولَْو َي ْعَلم ال ُْمْؤِم ُن بِ ُك ِّل الَّ ِذي ِعْن َد اللَِّه ِم َن الَْع َذ ِ
ُ
ال ( :قَ #ِ #دَم َعَلى وورد عند البخ اري أيضا من ح ديث ُع َمر بن اخلط اب أَنَُّه قَ َ
َخ َذْت#ُ #ه صِ#بًّيا ِفي ال َّ
سْ#بِي أ َ ت َ سْ#بِي َتْبَتِغي ِ ،إ َذا َو َ#ج َد ْ ول اللَِّه Sبِ َسْ#بٍي ،فَِ#إ َذا ْ#ام َ#رأٌَة ِم َن ال َّ ر ُسِ #
َ
1انظر بتصرف :لسان العرب ، 12/231وتفسري القرطيب ، 1/106وانظر املزيد حول هذا املعىن يف
املقصد األسىن أليب حامد الغزايل ص ، 62واألمساء والصفات للبيهقي ص ، 69وفتح الباري 13/358
.
2انظر يف هذا املعىن :تفسري ابن جرير الطربي ، 1/57وفتح الباري . 13/358
3شرح الزرقاين على موطأ اإلمام مالك ، 4/538وتفسري الطربي ، 16/7وحاشية ابن القيم على سنن
أيب داود ، 6/55وجامع العلوم واحلكم ص . 186
4انظر املغرب يف ترتيب املعرب البن املطرز ، 274 /2وانظر أيضا :النهاية يف غريب احلديث 4/359
ولسان العرب ، 495 /10ومفردات ألفاظ القرآن ص 472بتصرف .
5تفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص . 30
()4
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
وص رف أم وره باحلكمة والع دل واحلق ،وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه
يف شيء من امللك .
فامللك س بحانه هو ال ذي له األمر والنهي يف مملكته ،وهو ال ذي يتص رف يف
خلقه بأمره وفعله ،وليس ألحد عليه فضل يف قيام ملكه أو رعايته ،قال تعاىل
ضات َوال ِفي األَْر ِ س #ماو ِ ون اللَِّه ال يمِل ُ#ك#و َن ِمْثَقِ ٍ َ # :قُ#ِ #ل ا ْد ُع##وا الَّ ِذين َز َعمتُم ِمن ُد ِ
#ال َذَّرة في ال َّ َ َ َْ َ ْْ ْ
اع ُة ِعْنَ #دُه ِإال لِ َم ْن أَِذ َن [ س بأ: شَ#ف َ َوَم##ا لَُه ْم ِفي ِه َ#م#ا ِم ْن ِشْ#ر ٍك َوَم##ا لَ#ُ #ه ِمْنُه ْم ِم ْن ظَِ#ه#ي ٍر َوال َتْنَف#ُ #ع ال َّ
. ]22/23
وه ذه اآلية تض منت نفي مجيع الوج وه اليت تعلل هبا املش ركون يف التعلق
مبعبوداهتم فنفت اآلية عن آهلتهم كل أوجه التأثري يف الكون ممثلة يف نفي امللك التام
،وذلك النع دام رب وبيتهم فال خيلق ون يف الك ون ش يئا ،وال ي دبرون فيه أم را ،
وكذلك نفي املشاركة هلل يف امللك بأن يكون هلم نصيب وله نصيب ،فنفت عن
آهلتهم أن متل ك مثق ال ذرة يف الس ماوات واألرض ،ونفت أيضا وج ود الظهري
واملعني ،فقد يدعى بعض املشركني أن آهلتهم ال ميلكون شيئا وال يشاركون اهلل يف
امللك لكنها تع د ظه ريا ل ه أو معين ا ؛ أو مش ريا أو وزي را يع اون اهلل يف ت دبري اخللق
والقيام على شئونه ،مث نفي اهلل عنهم آخر ما تعلقوا به وهي الشفاعة من غري إذن
،فقد جعلوا معبوداهتم وسطاء عند اهلل فقالوا َ :ما َنْعبُُ #د ُه ْم ِإال لُِيَقِّربُونَا ِإلَى اللَِّه ُزْلَفى
[ الزمر ، ]3:فأخرب سبحانه أنه ال يشفع عنده أحد إال بإذنه ،فهو الذي يأذن للشافع
واملش فوع في ه ،وه و ال ذي حيدد هلم نوعي ة الش فاعة ( ، )1فاألدلة جمتمعة على أنه ال
خ الق للك ون إال اهلل ،وال م دبر له س واه ،وأنه امللك احلق ال دائم الق ائم بسياسة
خلقه إىل غايتهم .
-4القدوس :
التقديس يف اللغة التطهري ،ومنه مسيت اجلنة حظرية القدس كما ورد عند البزار من
ح ديث أنس أن رسول اهلل Sق ال عن رب الع زة ( :من ت##رك الخمر وهو يق##در
عليه ألسقينه منه في حظ#يرة الق#دس ،ومن ت#رك الحرير وهو يق#در عليه ألكس#ونه إي#اه في
حظ##يرة الق##دس ) ( ، )2وك ذلك مسى جربيل روح الق دس ق ال تع اىل :قُ#ْ #ل َنَّزلَ#ُ #ه
ْح ِّق [ النحل. )3( ]102 : س ِم ْن َربِّ َ
ك بِال َ وح اْلُق ُد ِ
ُر ُ
1جمموع الفتاوى ، 11/528والصواعق املرسلة . 2/462
2مسند البزار )3584 ( 3/181واحلديث صحيح لغريه ،انظر صحيح الرتغيب والرتهيب ( . )2375
3تفسري البيضاوي ، 3/420ودقائق التفسري البن تيمية . 1/310
()5
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
والقداسة تعني الطهر والربكة ،وق دس الرجل ربه أي عظمه وك ربه ،وطهر نفسه
بتوحيده وعبادته ،وحمبته وطاعته ,ومن ذلك قول املالئكة َ :ونَ ْح ُن نُ َسِّب ُح بِ َح ْم ِ#د َك
ِّس لَ#َ #ك [ البق رة ، ]30 :فالقدوس لغة يعين املطهر املنزه عن كل نقص املتصف َوُنَق##د ُ
() 1
بكل أنواع الكمال .
والقدوس سبحانه هو املنفرد بأوصاف الكمال الذي ال تضرب له األمثال ،فهو
املنزه املطهر ال ذي ال نقص فيه بوجه من الوج وه ،والتق ديس ال ذي هو خالصة
التوحيد احلق إف راد اللَّه س بحانه بذاته وأص افه وأفعاله عن األقيسة التمثيلية
والقواعد الشمولية والقوانني اليت حتكم ذوات املخلوقني وأصافهم وأفعاهلم
س َك ِمْثِل#ِ # #ه َشْ # # #يٌء ،فاهلل عز وجل ن زه نفسه عن كل نقص فق ال :لَْي َ
[الش ورى ، ]11 :فال مثيل له حنكم على كيفية أوص افه من خالله ،وال
يس توي مع س ائر اخللق فيس ري عليه ق انون أو قي اس أو قواعد حتكمه
كما حتكمهم ألنه الق دوس املطهر املتصف بالتوحيد املنف رد عن أحك ام
العبيد ،مث أثبت اهلل لنفسه أوص اف الكم ال واجلم ال ؛ فق ال س بحانه
بعد نفي النقص مطلقا ومجلة َ :و ُه#َ # # #و ال َّسِ # # # #م ُيع الَْب ِصُ # # # #ير [ الش ورى ]11 :فال
يك ون التق ديس تقديسا وال التنزيه تنزيها إال بنفي وإثب ات ،ومن مث ال
جيوز يف حق اهلل قي اس متثلي أو مشويل وإمنا جيوز يف حقه قي اس األوىل
لقوله تعاىل َ :ولِلَِّه ال َْمثَ ُل ا َأل ْعَلى [ النحل.)2( ]60 :
-5السالم :
الس الم يف اللغة مص در اس تعمل امسا للموص وف بالس المة ،فعله س لم يس لم
سالما وسالمة ،والسالمة األمن واألمان واحلصانة واالطمئنان ،وال رباءة من كل
آفة ظ اهرة وباطنة ،واخلالص من كل مك روه وعيب ( ، )3وم ادة الس الم ت دل
على اخلالص والنج اة ،وقيل للجنة دار الس الم ألهنا دار الس المة من اهلم وم
واآلف ات ،باقية بنعيمها وأهلها يف أم ان ما دامت الس ماوات واألرض ،ق ال
الم ِعْنَ #د َربِِّه ْم َو ُ#ه َ#و َولُِّيُه ْم بِ َما َ#ك#انُوا َيْع َملُ##و َن [ األنعام، )4( ]127 :
سِ #تعاىل :لَُه ْم َد ُار ال َّ
ومن السالمة أيضا التحية اخلالصة من سوء الطوية وخبث النية ،فسميت التحية
يف اإلسالم سالما ،روى البخاري من حديث أَبِي ُهَرْيَرَة أن النَِّبِي Sقَ َال ( :
1لسان العرب ، 6/168وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ، 94واملقصد األسىن ص . 65
2انظر خمتصر القواعد السلفية يف الصفات الربانية للمؤلف ،حمذورات القاعدة األوىل ص . 13
3لسان العرب ، 12/289واملغرب يف ترتيب املعرب . 1/411
4اشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص . 216
()6
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
#ك ِم َن ال َْم َ
الئِ َك ِ#ة فَا ْسَ#ت ِم ْع ب فَ َسِّ#ل ْم َعَلى أُولَِئ َ
ثم ق#ال ا ْذ َه ْ طوله ِست ُِّو َن ِذَر ًِ
اعا َّ ، آدَم َوِ ُ َخَل َق اهلل َ
#ك َوَر ْح َ#م ُة
الُم َعَلْي َ سَ #
الُم َعَلْي ُك ْم َ ،فَق#الُوا :ال َّ
الس َ
ك ،فقال َّ ك َوتَحيَُّة ُذِّريَّت َ
ك ،تَحيَّتُ َ َما يُ َحيُّونَ َ
َِّ () 1
وه َوَر ْح َم ُة الله ) . اللَِّه َ ،فَز ُاد ُ
واهلل عز وجل هو الس الم لس المته من النق ائص والعي وب ،فهو ال ذي
َل س
ِم يف ذات ه بنوره وجالله ،فمن مجاله وسبحات وجهه احتجب عن خلقه رمحة
وسى أن النيب قال ِ ( : Sح َجابُ ُ#ه َ هبم وابتالء هلم روى مسلم من حديث أَبِي ُم
صُ#رُه ِم ْن َخلِْق ِ#ه ) ( ، )2وهو الذي ِ ِ
ات َو ْجِهه َما اْنَتَهى ِإلَْيه بَ َ
ت ُسبُ َح ُ
َحَرقَ ْ
ُّور لَْو َك َشَف ُه أل ْ
الن ُ
َل س
ِم يف ص فاته بكماهلا وعلو ش أهنا ،وس لم أيضا يف أفعاله ب إطالق قدرته وإنف اذ
مش يئته ،وكم ال عدله وب الغ حكمته ،وهو س بحانه ال ذي ي دعو عب اده إىل
َّ ِ ِ
ش#و َن َعَلى السالمة وإفشاء السالم فأثىن على عباده يف قوله َ :وعَب ُاد ال َّ#ر ْح َم ِن الذ َ
ين يَ ْم ُ
#اهلُو َن قَ#الُوا َس#الماً [ الفرقان ، ]63 :وهو الذي يدعو إىل ض هوناً وِإ َذا َخ#اطَبهم الْج ِ
َُ ُ َ األَْر ِ َ ْ َ
سبل السالم باتب اع منهج اإلسالم كما ق ال َ :ي ْ#ه ِ#دي بِ#ِ #ه اهلل َم ِن َّاتَب#َ #ع ِر ْ
ض َ#وانَُه ُس #بُ َل
الم [ املائ دة ، ]16 :وهو س بحانه ال ذي ي دعو عب اده إىل دار الس الم ويبلغ من سِ #
ال َّ
اط ص#ر ٍ ِ ِ استجاب منهم إليها فقال :واللَُّه ي#ْ #د ُعو ِإلَى َدا ِر ال َّ ِ ِ
س#الم َوَي ْ#ه#دي َم ْن يَ َشُ #اء (إلَ)3ى َ َ َ
ُم ْسَتِق ٍيم [ يونس ، ]25 :فكل سالمة منشأها منه ومتامها عليه ونسبتها إليه .
-6المؤمن :
املؤمن يف اللغة اسم فاعل للموص وف باإلميان ،وأص له أمن ي أمن أمنا ،واألمن
ما يقابل اخلوف ،واإلميان يف حقنا هو تص ديق اخلرب تص ديقا جازما ،وتنفيذ
ت بِ ُمْؤِم ٍن
األمر تنفيذا كامال ،فمن األول قول إخوة يوسف ألبيهم َ :وَما أَنْ َ
صِ #ادِق َين [ يوسف ، ]17 :ومن الثاين ما رواه البخاري من حديث ابن لََنا َولَ#ْ #و ُكنَّا َ
اإليما ُن بِ ِ
اهلل َو ْح َدُه ؟ ال هلم ( :أَتَ ْدُرو َن َما ِ َ عباس يف وفد َعْب ِد اْلَقْي ِ
س لَ َّما أََتُوا النَِّبيَ Sقَ َ
َن مح َّم ًدا رسِ ُ # #
ول)اللَّه َ ،وِإقَ ُ #
#ام ُ َ َ ُ #ال َ :شَ # #ه َادُة أ َْن َال ِإلَ #َ #ه ِإ َّال اهلل َوأ َّ
قَ ##الُوا :اهلل َوَر ُس##ول ُُه أَ ْعَل ُم ،قَ َ #
س ) ،أما اسم (4
ِ ِ #اة ،و ِالِة ،وِإيت##اء َّ ِ
ض #ا َن َ ،وأَ ْن ُتْعطُ##وا م َن ال َْم ْغَنم اْل ُخ ُم َ ص َ#ي ُام َرَم َ الز َ#ك َ صُ َ َ َ # ال َّ
اهلل املؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها االسم ويشملها ألهنا مجيعا من معاين الكمال
1البخاري يف أحاديث األنبياء ،باب خلق آدم صلوات اهلل عليه . )3148 ( 3/1210
2مسلم يف كتاب اإلميان ،باب يف قوله عليه السالم إن اهلل ال ينام . )179 ( 1/161
3شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ، 196واألمساء والصفات للبيهقي ص ، 53واملقصد األسىن ص . 67
4البخاري يف كتاب اإلميان ،باب أداء اخلمس من اإلميان . )53 ( 1/29
()7
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
الذي اتصف به رب العزة واجلالل :
ذي الق## # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #ول األول :أنه ال
ّأم
دا من خلقه ، اس أال يظلم أح ََن الن
ّ
وأم
اهلل ال يَظِْل ُم
َن من آمن به من عذابه ،فكل س ينال ما يس تحق ،ق ال تع اىل ِ :إ َّن َ
َجراً َع ِظيما ً [ النساء ، ]40 :وقال : ِ ك حسنًة ي َ ِ ٍ ِ
ضاعْفَها َوُيْؤ ِت م ْن لَ ُدنُْه أ ْ مْثَق َال َذَّرة َوِإ ْن تَ ُ َ ََ ُ
اب ال ُيغَ#ِ #ادُر ْكَتاب َفَترى الْمج ِرِمين م ْشِفِقين ِم َّما ِف ِيه ويُقولُو َن يا ويَلَتَنا م ِال َه َذا ال ِ
ْكَت ِ ِ ِ
َ َْ َ ََ َوُوض َع ال ُ َ ُ ْ َ ُ َ
َح#داً [ الكهف49 : ك أَاضراً َوال يَظِْل ُم َربُّ َ
َحص َاها ووج ُدوا ما َع ِملُوا ح ِ
َ
ِ
صغ َيرًة َوال َكِب َيرًة ِإال أ ْ َ َ َ َ ََ
] (. )1
الق## #ول الث ## #اني ()2:أن املؤمن هو اجملري ال ذي جيري املظل وم من الظ امل ،مبعىن يؤمنه من
وت ُكل َش ْيٍء َو ُهَو يُ ِج ُير َوال يُ َج ُار َعَلْيهِ الظلم وينصره ،كما قال :قُ ْل َم ْن بَِي ِدِه َمَل ُك ُ
ِإ ْن ُكْنتُ ْم َتْعَل ُمو َن [ املؤمنون ، ]88 :وقال :قُ ْل أََرأَْيتُ ْم ِإ ْن أ َْهَل َكِن َي اهلل َوَم ْن َمِع َي أَْو َر ِح َمَنا
اب أَلِ ٍيم [ املل ك ، ]28 :أي لن جيدوا مالذا وال مأمنا ، ين ِم ْن َعَ ##ذ ٍ ِ ِ
فَ َم ْن يُ #جُ #ير اْل َك##اف ِر َ
ِ
ْرة أَن وعند أيب داود وص ححه األلب اين من ح ديث أَبي ُهَري َ
النَِّبّي
#ك ِم ْن أَ ْن أَظِْل َم أَْو
َع##و ُذ بَِ # َ َ Sك ا َن يقول ( :اللَّه َّم ِإنِّي أَع##و ُذ بِِ َ #
#ك م َن اْلَفْقِ #ر َوالِْقلَِّة َوالذل#ِ #ة َوأ ُ ُ ُ (َ)3
ِ
وس ى األشعري أن َر ُس ول أُ ْظَل َم ) ,وعند البخ اري ومسلم من حديث أَبي ُم َ
َخ ُذك أ ْ# اللَِّه Sقال ِ ( :إ َّن اللََّه لَيُ ْمِلي لِلظَّالِِم َحتَّى ِإ َذا أَ َخ َذُه ل َْم يُفِلْت ُ#ه ،قَ َ
#ال ثُ َّم َق َ#رأَ َ :و َ#ك َذلِ َ
َربِّ َك ِإ َذا أ ََخ َذ ال َقرى َوهي ظَالِ َمٌة ِإ َّن أ َْخ َذُه أَلِ ٌيم َش ِدي ٌد . )4( )
الق#ول الث#الث :أن املؤمن هو الذي يصدق املؤمنني إذا وحدوه ،ألنه الواحد الذي
وحد نفسه فقال َ :شِه َد اهلل أَنَُّه ال ِإلَ َ#ه ِإال ُه َ#و َوال َْمالئِ َ#ك ُة َوأُولُو الِْعلِْم قَائِما بِالِْق ْسِ #ط ال ِإلَ َ#ه
ِ ِإال ه#و الْع ِزي#ز الْح ِكيم ِإ َّن ال#د ِ
الم [ آل عمران ، )5( ]18 :وهذه اآلية ِّين عْنَ #د اللَّه الإِ ْسُ # َ َُ َ ُ َ ُ
1اشتقاق أمساء اهلل ص ، 222وتفسري الطربي ، 28/54وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص . 198
2زاد املسري البن اجلوزي ، 225 /8واملقصد األسىن ص . 67
3أبو داود يف كت اب ال وتر ،ب اب يف االس تعاذة ، )1543 ( 2/91وانظر السلس لة الص حيحة للش يخ
األلباين حديث رقم ( ، )1445وكذلك صحيح أيب داود (. )1381
4البخاري يف كتاب التفسري ،باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظاملة 4409 ( 4/1726
) ومسلم يف كتاب ،باب حترمي الظلم . )2583 ( 4/1997
5تفسري الطربي ، 28/54وروح املعاين ، 28/63األسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن . 1/243
()8
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
حتمل أعظم املعاين يف كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله ؟
وبي ان ذلك أننا لو فرض نا بقي اس األوىل وهلل املثل ألعلى طالبا وأس اتذة ومق ررا
واختبارا ،وبعد االختبار تنازع اجملتهدون من الطالب مع الكثرة الغالبة يف صحة ما
أجابوا به ،فزعم اخلاسرون أهنم على الصواب وأن إجابتهم توافق املنهج املقرر يف
الكت اب وأن اجملته دين من الطالب هم املخطئ ون يف إج ابتهم ،مث ب الغوا وطلب وا
ش هادة أس تاذهم ،فش هد خبطئهم وص حة ج واب اجملته دين ،فك ذبوا أس تاذهم
وطلب وا ش هادة األعلى من املتخصصني ،فش هدوا ألس تاذهم وللطالب اجملته دين ،
فكذبوهم وطلبوا شهادة من وضع االختبار ،ومن يرجع إليه القرار ،وأقروا على
أنفسهم أن شهادته ملزمة هلم وأهنا فصل املقال ،فشهد من وضع االختبار بصحة
ج واب املتخصصني واألس اتذة والطالب اجملته دين وك انت ش هادته للجميع إخب ارا
وحكما عدال ال جمال لرده وال معقب حلكمه . وتصديقا وقوال فصال وإعالما ٌ
ية اخللق هي إذا علم ذلك فاهلل عز وجل وله املثل األعلى جعل قض
شهادة أال إله إال اهلل وأنه ال معبود حبق سواه ،وجعل أحكام العبودية
أو األحكام الشرعية هي املنهج املقرر على طالب السعادة يف هذه الدنيا
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اي كما ق ال ُ :قلَْنا ْاهبطُ##وا مْنَها َجميع #اً فَِإَّما يَ #أْتَينَّ ُك ْم منِّي ُ#ه ً
#دى فَ َم ْن تَب#َ #ع ُهَ #د َ
ف َعَلْيِه ْم َوال ُه ْم يَ ْحَزنُ#و َن [ البقرة ، ]38 :فإذا أمهل طالب السعادة فَال َ#خ ْ#و ٌ
منهج اهلداية ،وجعل وا س عادهتم يف عبودية الش هوات والش بهات وتناس وا
مرحلة االبتالء والكفاح والرغبة يف النجاح والفالح ،وتسببوا يف ضالهلم
مبخ الفتهم رس لهم ،مث أعلن وا زورا وهبتانا أهنم ك انوا على الص واب ،
وأهنم الكثرة الغالبة عند احلساب ،وأهنم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر
يف الكتاب ،فكذبوا على أنفسهم كما ذكر اهلل يف شأهنم :ثُ َّم ل َْم تَ ُك ْن
#ف َ#ك َذبُوا َعَلى أَْنُف ِسِ #ه ْم َو َ ِ ِ ِ
ضَّ #ل َعْنُه ْم َما فْتَنُتُه ْم ِإال أ َْن قَالُوا َواللَّه َرِّبَنا َما ُكنَّا ُم ْشِ #رك َ
ين انْظُ ْ#ر َكْي َ
َ#ك##انُوا َيْفَ#ت #ُ #رون [ األنع ام ، ]23/24 :وهنا ش هد أولو العلم وش هدت املالئكة
بض الل املش ركني وص حة ما ج اء عن رس لهم ،وش هد اهلل بص دق
املرس لني وخس ران املش ركني تص ديقا للموح دين وإنص افا ملذهبهم وتك ذيبا
ألع دائهم وتص ديقا للمالئكة وأويل العلم ،فهو س بحانه املؤمن ال ذي
ش هد أنه ال إله إال هو ،وأن ه ذه الكلمة هي كلمة احلق وحقيقة
منت كلمة التوحيد وأهنا رد على مجيع من ضل من العبيد ،فتض
التوحيد أجل ش هادة وأعظمها وأع دهلا وأص دقها من أجل ش اهد بأجل
()9
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
مش هود به ،فش هادة اهلل س بحانه لنفسه بالوحدانية والقي ام بالقسط
تض منت عند الس لف أربع م راتب ،علمه س بحانه ب ذلك وتكلمه به
وإعالمه وإخب اره خللقه وأم رهم وإل زامهم به ،وعب ارات الس لف يف
الشهادة ت دور على احلكم والقض اء والإعالم والبي ان والإخب ار ،وه ذه
الأق وال كلها حق ال تن ايف بينها ف إن الش هادة تتض من كالم الش اهد
وخربه ،وتتضمن إعالمه وإخباره وبيانه (. )1
يصدق) مع عباده املؤمنني يف وعده ،ويصدق الق##ول الرابع :أن املؤمن ه و الذي
صَ #د َق اهلل فَ#اتَِّبُعوا ِملَةَّ (2
ظنون عباده املوحدين وال خييب آماهلم ،قال تعاىل :قُ ْ#ل َ
ِ ِ ِإْبر ِاه ِ
ين [ آل عمران ، ]95 :وقال :ثُ َّم َ
صَ #دقَْن ُاه ُم الَْو ْ#ع َد يم َحنيف#اً َوَما َك#ا َن م َن ال ُْم ْشِ #رك َ
َ َ
فَأَنْ َجْيَن ُ#اه ْم َوَم ْن نَ َشُ #اء َوأ َْهَل ْكَنا ال ُْم ْسِ #رِف َين [ األنبياء ، ]9:وعند البخاري من حديث أَيِب
#ول اهلل َتَع##الَى :أَنَا ِعْنَ #د ظَ ِّن َعْب#ِ #دي بِي ..الح##ديث ) ( ، )3وعند ْرَة مرفوعا َ ( :يُقُ # َ ُهَري
النسائي وصححه األلباين من حديث ابْن ُع َمَر أنه قال ( :قَ َام َر ُسول اللِ #ه َ Sي ْ#وَم
ِِ ِ ْكعَب#ِ #ة فَ َح ِمَ #د اللََّه َوأثَنى َعَلْي#ِ #ه َوقََ #
َفْت ِح َمك #ة َعَلى َدَر َ#ج ِ#ة ال
ْح ْمُ #د للَّه الَّذي َ
ص َ #د َق َو ْعَ #دُه #ال :ال َ ْ
اب َو ْحَ #دُه ) ( ، )4ف املؤمن يف أمساء اهلل ه و ال ذي يص دق يف َح َ#ز َ ص َ#ر َعْبَ #دُه َو َ#ه َ#زَم األ ْ#
َونَ َ
وع ده وهو عند ظن عب ده ال خييب أمله وال خيذل رج اءه ،ومجيع املع اين الس ابقة
حق يشملها تفسري االسم .
-7المهيمن :
املهيمن يف اللغة اسم فاعل للموص وف باهليمنة ،فعله هيمن يهيمن هيمنة ،
واهليمنة على الش يء الس يطرة عليه وحفظه والتمكن منه كما يهيمن الط ائر على
فراخه ويرفرف جبناحيه فوقهم حلمايتهم وتأمينهم ،ويقال :املهيمن أصله املؤمن
يعين آمن من
ّأم
() 5
َن غريه من اخلوف .
واهلل عز وجل هو المهيمن على عباده فهو فوقهم بذاته له علو القهر والشأن ،
1انظر شرح العقيدة الطحاوية ص ، 89واألمساء والصفات للبيهقي ص . 83
2تفسري القرطيب ، 18/46وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص . 31
3البخاري يف كتاب التوحيد ،باب السؤال بأمساء اهلل تعاىل . )6970 ( 6/2694
4النسائي يف كتاب القسامة ،باب ذكر االختالف على خالد احلذاء ، )4799 ( 8/42وانظر إرواء الغليل
يف ختريج أحاديث منار السبيل لأللباين . 7/257
5لسان العرب . 13/437
()10
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ملك على عرشه ال خيفى عليه شيء يف مملكته ،يعلم مجيع أحواهلم وال يع زب
عنه ش يء من أعم اهلم هو الق اهر ف وقهم ،وإن ت ركهم أو ت رك بعض هم مع
ظلمهم وكفرهم فذلك حلكمته فيما هم فيه مبتلون ،وملا قضى وقدر ميسرون
#ل الظَّالِ ُمو َن ِإنََّما ُي#َ # #ؤخُِّر ُه ْم لَِي#ْ # #وٍم كما ق ال تع اىل َ :وال تَ ْح َسَ# # #ب َّن اللََّه َغ #ِ # #اف ً
ال َع َّما َيْع َمُ # #
ص ُ # #ار [ إب راهيم ، ]42 :فهو حميط بالع املني مهيمن بقدرته على تَ ْش َ # #خ ِ ِ
ص في## #ه األَبْ َ
ُ
اخلالئق أمجعني ،وهو س بحانه على كل ش يء ق دير وكل ش يء إليه فقري وكل
س َك ِمْثِل#ِ #ه َشْ # #يٌء َو ُه#َ #و أمر عليه يسري ،ال يعج زه (ش)1يء وال يفتقر إىل ش يء :لَْي َ
السِم ُيع الَْب ِص ُير [ الشورى. ]11 : َّ
فجم اع معىن املهيمن أنه احمليط بغ ريه ال ذي ال خيرج عن قدرته مق دور وال ينفك
عن حكمه مفطور ،له الفضل على مجيع اخلالئق يف سائر األمور ،قال أبو احلسن
األش عري ( :خلق األش ياء بقدرته ،ودبرها مبش يئته ،وقهرها جبربوته وذللها بعزته
فذل لعظمته املتكربون ،واستكان لعز ربوبيته املتعظمون ،وانقطع دون الرسوخ يف
علمه العاملون ،وذلت له الرقاب وحارت يف ملكوته فطن ذوي األلباب ،وقامت
بكلمته الس ماوات الس بع ،واس تقرت األرض امله اد ) ( ، )2وق ال ابن حجر ( :
وأصل اهليمنة احلفظ واالرتق اب ،تق ول :هيمن فالن على فالن إذا ص ار رقيبا
عليه فهو مهيمن ) ( ، )3ف املهيمن ال رقيب على الش يء واحلافظ له والق ائم عليه
وه ذا ملحق ب املعىن الس ابق ،ويلحق به أيضا تفسري املهيمن بالش هيد ومنه قوله
#اب َوُمَهْي ِمن #اً َعَلْي#ِ #ه َ ْكَت ##اب بِ ##الْح ِّق مص##دِّقاً لِما بين ي َدي #ِ #ه ِمن ال ِ
ْكَت ِ # تع اىل :وأَْنزلَْنا ِإلَيِ َ #
َ #ك ال َ َ ُ َ َ َْ َ َ ْ َ َ ْ
() 4
[املائ دة ، ]48 :فاهلل ش هيد على خلقه مبا يك ون منهم من ق ول أو فعل ،ويف
صحيح مسلم من حديث أَبِي َذٍّر َ ع ِن النَِّبي ِ Sف َيما ي روي َع ِن اللَِّه َتَب َار َك َوَتَع اىَل
ُح ِ
ص َ # #يها َل ُك ْم ثُ َّم أَُوفِّي ُك ْم ِإيَّ َاها ،فَ َم ْن َو َجَ # #د َخْ#ي#ً #را ِ ِ ِ
ال ( :يَا عَب## #ادي ِإنََّما هَي أَ ْع َ#م##الُ ُك ْم أ ْ أَنَُّه قَ َ
#وم َّن ِإ َّال َنْف َسُ # #ه ) ( ، )5وقيل يف معىن املهيمن ال َيلُ َ #
#ك فَ ََفلَْي ْح َم#ِ #د اللََّه َ ،وَم ْن َو َ#جَ #د َغْي#َ #ر َذلِ َ #
أيضا أنه الذي ال ينقص الطائع من ثوابه شيئا ولو كثر وال يزيد العاصي عقابا على
ما يستحقه ألنه ال جيوز عليه الكذب ،وقد مس ى الثواب والعقاب جزاء ،وله أن
1انظر يف معىن االسم جامع البيان ، 7/90واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ، 239واملقصد األسىن ص 96
.
2املفردات ص ، 183والفائق يف غريب احلديث للزخمشري ، 1/416ولسان العرب .4/113
3املقصد األسىن ص ، 71وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص . 34
4املقصد األسىن ص ، 74وانظر السابق ، 184واألمساء والصفات للبيهقي ص ، 48واشتقاق أمساء اهلل
للزجاج ص ، 241وتفسري الطربي .36 /28
5شفاء العليل ص . 121
()13
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
(و)1كاحلرك ات الالإرادي ة يف اإلنس ان كحركة القلب وس ريان ال روح يف األب دان
.
واجلب ار اسم دل على معىن من مع اين العظمة والكربي اء ،وهو يف حق اهلل وصف
حممود من معان الكمال واجلمال ،وفي حق العباد وصف مذموم من معاين النقص
لقوله تعاىل َ :ك َذلِ َ
ك يَطَْب ُع اهلل َعَلى ُك ِّل َقل ِ
ْب ُمَت َكِّبٍر َجبَّار ٍ[ غافر. )2( ]35 :
-10المتكبر :
املتكرب ذو الكربي اء وهو امللك اسم فاعل للموص وف بالكرْب ي اء ،واملتكرب هو
العظيم املتع ايل الق ِاهُر ُلعَت ِاة َخ ِلق ِه ،إذا ن ازعوه العظمة قص مهم ،واملتكرب أيضا هو ُ
الذي تكرب عن كل سوء وتكرب عن ظلم عباده ،وتكرب عن قبول الشرك يف العبادة
فال يقبل منها إال ما كان خالصا لوجهه ،روى مسلم يف صحيحه من حديث أيب
الشَر َك ِاء َع ِن ِّ
الشْر ِك َم ْن َع ِم َل هريرة أن النيب Sقال ( :قَ َال اهلل َتَب َار َك َوَتَعالَى :أَنَا أَ ْغَنى ُّ
َع َم ًال أَ ْشَ# #ر َك ِفي #ِ #ه َمِعي َغْيِ # #ري َتَر ْكتُ #ُ #ه َو ِشْ# #ر َك ُه ) ( ، )3وأصل الكرب والكربي اء االمتن اع ،
والكربي اء يف ص فات اهلل م دح ويف ص فات املخل وقني ذم ،فهو س بحانه املتف رد
بالعظمة والكربي اء ،وكل من رأى العظمة والعجب والكربي اء لنفسه على
اخلصوص دون غ ريه ك انت رؤيته خاطئة كاذبة باطلة ،ألن الكربي اء ال تكون إال
هلل ،والأكرمية بني العب اد مبنية على األفض لية يف تق وى اهلل ،والت اء يف اسم اهلل
املتكرب تاء التفرد والتخصص ألن التعاطي والتكلف والكرب ال يليق بأحد من الخلق
وإمنا مسة العبد اخلضوع والتذلل قال تعاىل :
#وى لِل ُْمَت َكِّبِرين َ
ً س ِفي َجَهن ََّم َمْث َ وهُه ْم ُم ْسَو َّدٌة أَلَْي
ُ ين َك َذبُوا َعَلى اللَِّه ُو ُج
َ َ وَيْوَم الِْقَي َامِة َتَرى الَّ ِذ
#ل ُمَت َكِّبٍر ال ُي ْ#ؤِم ُن بَِي ْ#وِمت بِ َ#ربِّي َوَربِّ ُك ْم ِم ْن ُك ِّ [ الزمر ، ]60 :وقال موسى ِ : إنِّي ُع ْ#ذ ُ
#ادلُو َن ِفي آي ِ #
#ات اللَِّه بِ َغْي ِ #ر اب [ غ افر ، ]27:وق ال س بحانه أيضا :الَّ ِذين يجِ # ال ِْحس ِ #
َ َ َُ َ
آمنُوا َ#ك َذلِ َ ِ ِ ِ َّ ِ ٍ
#ل َقل ِ
ْب ُمَت َكِّبٍر َجبَّار ك يَطَْب ُ#ع اهلل َعَلى ُك ِّ ُسْلطَان أَتَ ُاه ْم َكُبَر َمْقتاً عْن َد اللَّه َوعْن َد الذ َ
ين َ
،وعند الرتمذي وحسنه األلباين من حديث َع ْمِرو بْ ِن ُشَعْي ٍب َع ْن أَبِ ِيه ٍ [غافر]35 :
دِِّه َع ِن َع ْن َج
النَِّبّي
الر َج ِال َي ْغ َش ُاه ُم ال ُّ#ذ ُّل ِم ْن ُك ِّ
#ل صَوِر ِّ ال ( :يح َشر الْمَت َكِّبرو َن يوم الِْقيامِة أَمثَ َال َّ ِ
الذِّر في ُ ُ ْ ُ ُ ُ َْ َ َ َ ْ ِ Sقَ َ
1كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية يف العقيدة ، 465 / 8وتفسري القرطيب . 139 /2
2مفردات ألفاظ القرآن ص . 184
3مسلم كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك يف اهلل ويف نسخة باب حترمي الرياء . )2986 ( 4/2289
()14
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
صَ #ارِة ِ #ان َ ،فيُ َس#اقُو َن ِإلَى ِسْ #ج ٍن ِفي َجَهن ََّم يُ َسَّ #مى بُ##ول م َ#ك ٍ
#وه ْم نَ#ُ #ار ا َألْنٍَي##ا ِر يُ ِْسَ#قْو َن م ْن ُع َ
َس َتْعلُُ #َ َ
أ َْه ِل النَّا ِر ِط َينِة اْل َخَب ِ#ال ) ( ، )1وعند مسلم من حديث ابْ ِن َم ْس ُعود أَن النَِّبيِ Sقَ َال :
ب أَ ْن#ل يُ ِح ُّ #ل ِ :إ َّن َّ
الر ُ#ج َ #ال َر ُ#ج ٌ #ال َذَّرٍة ِم ْن ِكْب ٍ #ر ،قََ #
ْجنََّة َم ْن َ#ك#ا َن ِفي َقْلِب#ِ #ه ِمْثَقُ #
( َال يَ#ْ #د ُخ ُل ال َ
ط#ق َو َغ ْ#م ُ
ْح ِّ ب الْجم َ ِ #ال ِ :إ َّن اللََّه ج ِمي ِ
#ال الْكْب ُ#ر بَطَ ُ#ر ال َ #ل يُح ُّ َ َ َ ٌ يَ ُكو َن َثْوبُُه َح َسًنا َوَنْعلُُه َح َسَ#نًة ،قَ َ
َّاس ) (.)2 الن ِ
-11الخالق :
اخلالق في اللغة اسم فاعل فعله خلق خيلق خلقا ،واخللق مص در من الفعل خلق
ومنه قوله :الَِّذي أ َْح َسَ #ن ُك َّ#ل َشْ #يٍء َخَلَق ُ#ه َوبََ #دأَ َخْل َ#ق اإلنس#ان ِم ْن ِطي ٍن [ السجدة، ]7 :
اخللق أيضا مبعىن املخلوق ،ومنه قوله تعاىل َ :ه َذا َخْل ُ#ق اللَِّه فَ#أَُرونِي َم#ا َذا َخَل َ#ق وي أيت َ
الَِّذ َين ِم ْن ُدونِِه [ لقمان ، ]11 :واخللق أصله التقدير املستقيم ويستعمل يف إبداع
() 3
الشيء من غري أصل وال احتذاء ويف إجياد الشيء من الشيء (. )4
واخللق قد يأيت أيضا مبعىن الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يؤلف وينشئ كالما
ال يطابق احلقيقة ،ومن ذلك قوله ِ :إنَّما َتْعب ُدو َن ِمن ُد ِ
ون اللَِّه أَْوثَان#اً َوتَ ْخلُُق#و َن ِإ ْفكا ْ َ ُ
ِ
[العنكبوت ، ]17 :وقوله ِ :إ ْن َه َذا ِإال ُخلُ ُق الأََّول َين [ الشعراء. ]137 :
() 5
تكن َمْو ُج ودة وق در واخلالق يف أمساء اهلل هو ال ذي ْأوجد مجي َع األش ياء بعد أن مل ْ
أمورها يف األزل بعد أن ك انت معدومة ،واخلالق أيضا هو ال ذي ركب األش ياء
تركيبا ورتبها بقدرته ترتيبا ،فمن األدلة على معنى اإلنشاء واإلبداع وإجياد األشياء
#ل ِم ْن َخ##الٍِق َغْي#ُ #ر اللَِّه من الع دم قوله تع اىل :يا أَُّيها النَّاس ا ْذ ُك##روا نِْعم َ َِّ
ت الله َعَلْي ُك ْم َهْ # َ َ ُ ُ َ
ض ال ِإلَ #َ #ه ِإال ُه#َ #و فَ# #أَنَّى ُتْؤفَ ُك##و َن [ ف اطر ]3:ومن األدلة على األر ِ ي##رزقُ ُكم ِمن ال َّ ِ
سَ # #ماء َو ْ َ ُْ ْ َ
معنى ال رتكيب وال رتتيب ال ذي ي دل عليه امسه اخلالق قوله تع اىل :ثُ َّم َخَلْقَنا النُّ ْطَفَ #ة
َحم#اً ثُ َّم أَنْ َشْ#أنَ ُاه َخْلق#اً آ َ#خ َ#ر ِ ض#غًَة فَ َخَلْقنا الْم ْ ِ
ض#غََة عظَام#اً فَ َك َسْ#ونَا الْعظَ#َ #ام ل ْ َ ُ َعَلَقً #ة فَ َخَلْقَنا الَْعَلَقَ #ة ُم ْ
َفَتَب َار َك اهلل أ َْح َس ُن اْل َخالق َين [ املؤمنون ، ]14 :وخالصة ما ذكره العلماء يف معىن اخلالق ِِ
() 6
أنه من التقدير وهو العلم السابق ،أو القدرة على اإلجياد والتصنيع والتكوين .
واحلقيقة أن معىن اخلالق ق ائم عليهما معا ،ألن ح دوث املخلوق ات مرتب ط عن د
1الرتمذي يف كتاب صفة القيامة )2492 ( 4/655وحسن األلباين يف صحيح اجلامع ( . )8040
2مسلم يف اإلميان ،باب حترمي الكرب وبيانه . )91 ( 1/93
3اشتقاق أمساء اهلل ص ، 166لسان العرب .2/1244
4مفردات ألفاظ القرآن ص . 296
5اشتقاق أمساء اهلل ص . 167
6املقصد األسىن ص ، 72وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ، 36وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص . 211
()15
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
السلف بمراتب القدر ،فكل خملوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه ال بد أن مير بأربع
مراتب ،وهي علم اهلل السابق وتقدير كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ،وتنظيم أمور
اخلل ق قب ل إجياده وإم داده ،وه و علم التق دير وحس اب املق ادير ،مث بع د ذل ك مرتب ة
الكتابة وهي كتابة املعلومات وت دوينها ب القلم يف كلمات ،فاهلل كتب م ا خيص ك ل
خملوق يف اللوح احملفوظ ؛ كتب فيه تفصيل خلقه وإجياده وما يلزم لنشأته وإعداده مث
هدايته وإمداده ومجيع ما يرتبط بتكوينه وترتيب حياته ،مث بعد ذلك املرتبة الثالثة من
مراتب القدر وهي مرتبة املشيئة فليس يف الكون مشيئة عليا إال مشيئة اهلل ،فما شاء
كان وما مل يشأ مل يكن ،واملسلمون من أوهلم إىل آخرهم جممعون على ذلك ،مث تأيت
املرتبة الرابعة من مراتب القدر وهي مرتبة خلق األشياء وتكوينها وتصنيعها وتنفيذها
وفق ما قدر هلا مبشيئة اهلل يف اللوح احملفوظ ،قال ابن القيم ( :مراتب القضاء والقدر
اليت من مل يؤمن هبا مل يؤمن بالقضاء والقدر أربع مراتب :املرتبة األوىل علم الرب
سبحانه باألشياء قبل كوهنا ،املرتبة الثانية كتابته هلا قبل كوهنا ،املرتبة الثالثة مشيئته
هلا ،والرابعة خلقه هلا ) ( ، )1فاهلل سبحانه خالق كل شيء تقديرا وقدرة ،ومراتب
الق در هي املراحل اليت مير هبا املخل وق من كونه معلومة يف علم اهلل إىل أن يص بح
واقعا خملوقا مشهودا .
-12البارئ :
البارئ يف اللغة اسم فاعل فعله برأ يربأ برءا ،وَبرُء بضم الراء أي خال من العيب
أو التهمة واملذمة ،وخلص منها وتنزه عن وصفه ب النقص ،وأبرأ فالنا من حق
له عليه أي خلصه منه ،وب رئ املريض أي ش في من مرضه ( ، )2ويف ص حيح
ِ ال ( :لِ ُ#ك ِّ ٍ مسلم من حديث ج ابٍِر أ ْن رس ِ
يب َدَو ُاء #ل َداء َدَو ٌاء فَِ#إ َذا أُصَ # ول اهلل Sقَ َ َ (ُ َ )3
َّاء َبَرأَ بِإ ْذ ِن اللَِّه َعَّز َو َجل ) ،وال ربيء مرادف لل رباء كما يف قوله تعاىل َ :وَمن الد ِ
يم َألبِي ِ#ه ي ْك ِس#ب َخ ِط َيئً #ة أَو ِإثْما ثُ َّم ي#رِم بِ ِ#ه ب ِر ًيئا [ النساء ، ]112 :وقوله :وِإ ْذ قَ َ ِ ِ
#ال إْب َ#راه ُ َ ْ ً َْ َ َ ْ
َوَقْوِمِه إنني َبَراء ِّمَّما َتْعبُ ُدو َن [ الزخرف ، ]26 :ويقال :بريت القلم أي جعلته صاحلا َِِّ
للكتابة ,وبريت السهم أي جعلته مناسبا وصاحلا لإلصابة ،وقال الشاعر :
يا باري القوس بريا ليس يحكمه :ال تفسد القوس أعط القوس باريها (. )4
ق ال أبو إس حاق ( :ال ربء خلق على ص فة ،فكل م ربوء خمل وق ،وليس كل
1انظر تفصيل هذه املراتب والدليل عليها يف شفاء العليل ص 29وما بعدها .
2تفسري غريب القرآن البن قتيبة ص ، 15جامع األصول يف أحاديث الرسول البن األثري . 4/177
3مسلم كتاب السالم ،باب لكل داء دواء واستحباب التداوي . )2204 ( 4/1729
4اشتقاق أمساء اهلل ص ، 242ولسان العرب ، 1/239وصبح األعشى . 2/485
()16
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
خملوق مربوءا ،وذلك ألن الربء من تربئة الشيء من الشيء من قوهلم :برأت
رئت من من املرض وب
ّ
الد
() 1
َْين أبرأ منه ،فبعض اخللق إذا فصل من بعض مسي فاعلة بارئا ) .
ْرأ كفعل الزم ف إن معن اه الس امل اخلايل من َ والب ارئ إذا ك ان تق دير فعله ب رء َيب
النق ائص والعي وب ،والب ارئ س بحانه له الكم ال املطلق يف ذاته وص فاته وأفعاله ،
ت نزه عن كل نقص وتق دس عن كل عيب ،ال ش بيه له وال مثيل ،وال ند له وال
نظري ،أما إذا ك ان الب ارئ تق دير فعله أب رأ كفعل متعد ملفع ول ،فالب ارئ س بحانه
يعين واهب احلياة لألحياء ،الذي خلق األشياء صاحلة ومناسبة للغاية اليت أرادها ،
وهو سبحانه الذي يُِتم الصنعة على وجه التدبري ،ويظهر املقدور وفق سابق التقدير
#اب ِم ْن َقْب ِ#ل
ض َوال ِفي أَْنُف ِسُ #ك ْم ِإال ِفي ِكَت ٍاألر ِ ،قال تعاىل :ما أَصِ ٍ ِ ِ #
اب م ْن ُمصَ #يبة في ْ
َ َ َ
أ َْن َنْبَرأََها ِإ َّن َذلِ#َ #ك َعَلى اللَِّه يَس ٌ #ير [ احلدي د ، ]22 :والب ارئ أيضا هو ال ذي أب رأ
() 2 ِ
اخللق ،وفصل كل جنس عن اآلخر ،وصور كل خملوق مبا ينساب الغاية من
خلقه ،ق ال أبو علي ( :هو املعىن ال ذي به انفص لت الص ور بعض ها من
بعض ،فص ورة زيد مفارقة لص ورة عم رو وص ورة محار مفارقة لص ورة ف رس
فتبارك اهلل خالقا وبارئا ) (. )3
-13المصور :
صوراملصور يف اللغة اسم فاعل للموصوف بالتصوير ،فعله صور وأصله صار يَ ُ
صورا ،وصور الشيء أي جعل له شكال معلوما ،وصور الشيء قطعه وفصله ْ
وم يزه عن غ ريه ،وتص ويره جعله على ش كل متص ور وعلى وصف معني ،
والص ورة هي الش كل واهليئ ة أو ال ذات املتم يزة بالص فات ( ، )4ق ال ال راغب ( :
الص ورة ما ينتقش به األعي ان ويتم يز هبا غريها ،وذلك ض ربان :أح دمها حمس وس
يدركه اخلاصة والعامة بل يدركه اإلنس ان وكثري من احلي وان باملعاينة كص ورة
اإلنسان والفرس واحلمار ،والثاين معقول يدركه اخلاصة دون العامة كالصورة اليت
بِ َش ْيٍء ِم ْن ِع ِلمِه ِإال بَِما َش َاء [ البقرة ]255 :يعين إال مبا بني ) (. )3
وه ذه املس ألة تسمى يف ب اب العقي دة بالتسلس ل وه و ت رتيب وج ود املخلوق ات يف
متوالية مستمرة غري متناهية من األزل واألبد ومعتقد السلف الصاحل أن التسلسل يف
األزل جائز ممكن وال يلزم من ذلك أن اخللق يشارك الله يف األزلية واألولية (. )4
-15اآلخر :
1البخاري يف كتاب بدء اخللق ،باب ما جاء يف قوله وهو الذي يبدأ اخللق مث يعيده . )3019 ( 3/1166
2خلق أفعال العباد ص . 37
3السابق . 37
4شرح العقيدة الطحاوية ص . 135
()20
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
واآلخ ُر ما اآلخر يف اللغة اسم فاعل ملن اتصف باآلخرية ،فعله أَخر ي ْأخر أخ را ِ ،
َ َ
يقابل األََّول ،ويقال أيضا ملا بقي يف املدة الزمنية ،ويقال للثاين من األرقام العددية
أو ما يعقب األول يف البعدية والنوعية ،ويق ال أيضا ملا بقي يف املواضع املكانية ،
اآلخ ُر ال ذي يقابل األََّول قوله تع اىل َ :رَّبَنا أَنْ ِ #ز ْل َعَلْيَنا وهناية اجلمل الكالمية ،فمن ِ
آخ ِرنَا [ املائدة ، ]114 :ومن اآلخر الذي يقال السم ِاء تَ ُكو ُن لَنا ِعيداً ألََّولِنا و ِ ِ ِ
َ َ َ َمائ َدًة م َن َّ َ
#اب ِآمنُ#وا بِالَّ ِذي أُنِْ #ز َل َت طَائَِ#ف ٌة ِمن أ َْه ِ#ل ال ِ
ْكَت ِ ْ ملا بقي يف املدة الزمنية ،قوله تعاىل َ :وقَ#ال ْ
آخ َرُه لََعلَُّه ْم َيْر ِجُع#و َن [ آل عمران ، ]72 :وكذلك آمنُ#وا َو ْج َ#ه النََّه#ا ِر َو ْاكُف ُ#روا ِ#
ين َ
َّ ِ
َعَلى الذ َ
ص#لَّى بَِنا النَِّب ُي Sالِْع َشَ #اءال َ ( : ما رواه البخاري من حديث عبد اهلل بن ُع َم َر tأنه قَ َ
آخ ِر َحَياتِ#ِ#ه ) ( ، )1ومن اآلخر الذي يقال للثاين من األرقام العددية أو ما يعقب ِفي ِ#
األول يف البعدية والنوعية قوله تع اىل :ثُ َّم أَ ْغَرقَْنا اآل َخِ # #ر َين [ الش عراء ، ]66 :ومن
اس اآلخر الذي يقال ملا بقي يف املواضع املكانية ما رواه البخاري من حديث ابْ َن َعبَّ ٍ
لحَ#ف ًة َعَلى َمْن ِكَبْي ِ#ه ) ِ صِ #ع َد النَِّبي Sال ِْمْنَب َ#ر َو َك#ا َن ِ#
آخ َر َم ْجِل ٍ
س َجَل َسُ #ه ُمَتَعطًِّفا م َ ال َ ( : tأنه قَ َ
آخ ُر َد ْع#َ #و ُاه ْم أ َِن ِ
( ، )2ومن اآلخر ال ذي يق ال لنهاية اجلمل الكالمية قوله تع اىل َ :و #
ْح ْم ُد لِلَِّه َر ِّب الَْعال َِم َين [ يونس. ]10 : ال َ
واآلخر سبحانه ()3هو املتصف بالبقاء واآلخرية فهو اآلخر الذي ليس بعده شيء الباقي
بعد فن اء اخللق ،وهن ا س ؤال يط رح نفس ه عن كيفي ة اجلم ع بني وص ف اهلل ع ز
وج ل بأن ه اآلخ ر الب اقي ال ذي ليس بع ده ش يء وبق اء املخلوق ات يف اجلن ة ودوامه ا
وأبديتها ،كما قال تعايل عن أهل اجلنة ونعيمها ودوام متعتها ولذهتا للمؤمنني :قَال ِ
َّات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحِتَها ا َألْنَه#ار َخال ِ#دين ِف َيه#ا أَب#دا ر ِ
ضَ #ي ين ِص ْد ُقُه ْم ُله ْم َجن ٌ اهلل ه َذا يوم يْنَفع َّ ِ ِ
َ َ َ ُ ْ الصادق َ ُ َ َْ ُ َ ُ
الع ِظ ُيم [ املائدة ، ]119 :وقال سبحانه عن أهل النار ضَ ُ ْ َ َ َ ُ َْ #
ز #و ف ال #ك لذ #ه ن ع وا اهلل َعْنُه ْم َوَر ُ
ُ
ين ِف َيه#ا أَبَ#دا
َ
وله فَِ#إ َّن ل ُ#ه نَ#ار جهنَّم َخال ِ
#د َ ََ َ س
َ ََ ُ ُ ر و اهلل ص ِ عي ن مو
َ َ ْ َْ : ألهلها اء شق ال ودوام وعذاهبا
#ل من َع ْليَ#ه ##ا فٍَ # #
الجالل ك ُذو َ #ان َوَيْبَقى َو ْ#ج#ُ #ه َربِّ َ [ اجلن ]23 :؟ وما تفس ري قول ه #ُ :ك ْ َ ُّ #
واإلكرام [ الرمحن ، ]27 :وعند مسلم من حديث أيب هريرة tأن النيب Sكان يقول
س َبْع َد َك َش ْيٌء ) ( )4؟ لك َشيء ،وأَنْ َ ِ
ت اآلخُر فَ ْلي َ س َقْب َ ْ ٌ َ ت األََّو ُل فَ ْلي َ يف دعائه ُ ( :
الله َّم أَنْ َ
قد يبدو يف الظاهر أن بقاء أهل اجلنة والنار أبدا متعارضا مع إفراد اهلل عز وجل بالبقاء
1البخاري يف العلم ،باب السمر يف العلم . )116 ( 1/55
2البخاري يف اجلمعة ،باب من قال يف اخلطبة بعد الثناء أما بعد . )885 ( 1/314
3انظر يف املعىن اللغوي :كتاب العني ، 4/303ولسان العرب ، 4/11والنهاية يف غريب احلديث 1/29
واملفردات ص ، 68واشتقاق أمساء اهلل ص . 204
4مسلم يف كتاب الذكر والدعاء والتوبة ،باب ما يقول مث النوم وأخذ املضجع . )2713 ( 4/2084
()21
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
وأنه اآلخر الذي ليس بعده شيء ،لكن هذا التعارض يزول إذا علمنا أنه ال بد أن
نفرق يف قضية البقاء واآلخرية بني ما يبقى ببقاء اهلل وما يبقي بإبقاء اهلل ،أو نفرق بني
بقاء الذات والصفات اإلهلية وبقاء املخلوقات اليت أوجدها اهلل كاجلنة والنار وما فيهما
،فاجلنة مثال باقية بإبقاء الل ه وما يتجدد فيها من نعيم متوقف يف وجوده على مشيئة
اهلل ،أما ذاته وصفاته فباقية ببقائه ،وش تان بني ما يبقي ببقاء الل ه وما يبقي بإبقائه ،
فاجلن ة خملوق ة خلقه ا اهلل ع ز وج ل وكائن ة ب أمره ورهن مش يئة وحكم ه فمش يئة اهلل
حاكمة علي ما يبقى وما ال يبقى .
ومن مث فإن السلف الصاحل يعتربون خلد اجلنة وأهلها إىل ما ال هناية إمنا هو بإبقاء اهلل
وإرادته ،فالبقاء عندهم ليس من طبيعة املخلوقات وال من خصائصها الذاتية ،بل من
طبيعتها مجيعا الفناء ،فاخللود ليس لذات املخلوق أو طبيعته ،وإمنا هو مبدد دائم من
اهلل تعاىل وإبقاء مستمر ال ينقطع ،أما صفات اهلل عز وجل ومنها وجهه وعزته وعلوه
ورمحته ويده وقدرته وملكه وقوته فهي صفات باقية ببقائه مالزمة لذاته حيث البقاء
صفة ذاتية لل ه كما أن األزلية صفة ذاتية له أيضا ،فال بد إذا أن نفرق بني صفات
األفع ال اإلهلي ة وأب ديتها ومفع والت اهلل األبدي ة وطبيعته ا ،وه ذا م ا ج اء ب ه الق رآن
حيث فرق بني نوعني من البقاء ،األول وهو بقاء الذات بصفاهتا كما يف قوله تعاىل
الجالل واإلك##رام [ ال رمحن ، ]27 :والث اين يف #ل من َع ْليَ#ه#ا فٍَ #
ك ُذو َ #ان َوَيْبَقى َو ْ#ج ُ#ه َربِّ َ #ُ :ك ُّ َ ْ
اآلخ َرُة َخْي ٌ#ر َوأَْبَقى [ األعلى ، ]17 :فاآلية األوىل دلت على صفة من قوله تعاىل َ :و ِ#
ص فات ال ذات وهى ص فة الوج ه ودلت على بق اء الص فة ببق اء ال ذات ف أثبتت بق اء
الذات بصفاهتا ،وأثبتت فناء ما دوهنا أو إمكانية فنائه ،إذ أن اهلل هو األول واآلخر
وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء .
ومن مع اين اس م اهلل اآلخ ر أن ه ال ذي تنتهي إلي ه أم ور اخلالئ ق كله ا كما ورد عند
ت
ضُ # ت َنْف ِس #ي ِإلَْيَ #
#ك َوَفَّو ْ البخ اري من ح ديث ال رباء tأن النيب Sق ال َّ ( :
اللُه َّم َأ ْس َ#ل ْم ُ
ْجأَ َو َال َمْن َجا ِمْن َك ِإ َّال ِإلَْي َك ) (. )1 ك َر ْهَبًة َوَر ْغَبًة ِإلَْي َ
ك َ ،ال َمل َ ْت ظَْهِري ِإلَْي َ
ْجأ ُ أَْمِري ِإلَْي َ
ك َوأَل َ
-16الظاهر :
الظ ِاهُر يف اللغة اسم فاعل ملن اتصف ب الظهور ،والظ ِاهُر خالف الب اطن ،ظََه َر
يَ ْظَه ُر ظُُه وراً فهو ظ اهر وظهري ،والظه ور ي رد على ع دة مع ان ،منها العلو
طح يعين صار فوقه ،قال تعال :فََماالس ْ
واالرتفاع يقال :ظََهر على احلائط وعلى َّ
1البخاري يف الدعوات ،باب فضل من بات على الوضوء . )244 ( 1/97
()22
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ا ْس# #طَ ُاعوا أ َْن يَظَْه#ُ #ر ُوه َوَما ا ْسَ# #تطَ ُاعوا لَ #ُ #ه َنْقب# #اً [ الكه ف ، ]97 :أَي ما قَ َدُروا أَن َي ْعل وا عليه
الرتفاعه ،والظهور أيضا مبعىن الغلبة ،ظََهَر فال ٌن على فالن أَي قَ ِو َي عليه ،ويقال
َّ ِ
َظهر اهلل املس لمني على الك افرين أَي أَعالهم عليهم ،ق ال تع اىل :فَأَيَّْدنَا الذ َ
ين :أ َ
َآمنُ#وا َعَلى َعُ #دِّوِه ْم فَأَ ْصَ#ب ُحوا ظَ ِ#اه ِر َين [ الصف ، ]14أَي غالبني عالني ،والظهر مبعىن
ْر أَي مال من إِبل وغنم ،وفالن السند واحلماية وما يُركن إليه يقال :فالن له ظَه ٌ
ظهرا فَ َخَر به ،وعند البخاري من حديث أيب ُهَريَْرة tأن النَّيِب Sقَ َال ظََهَر بالشيء ْ
صَ ##دقَِة َما َك##ا َن َع ْن ظَْ#هِ #ر ِغًنى ) ،وي أيت الظه ور أيضا مبعىن البي ان وبُ ُدّو
() 1
َ ( :خْي#ُ #ر ال َّ
ْر ما غ اب عنك ،يق ال :تكلمت ب ذلك عن ظَهْ ِر اخلفي ،وك ذلك الظه ُ الش يء ّ
َغْيب ،ويق ال مَحَل فالن الق رآن على ظهْ ِر لس انه وعن ظَْهر قلبه ،وعند النس ائي
وصححه األلباين من حديث َس ْه ِل بْ ِن َس ْع ٍد tمرفوعا َ ( :فَق َال َ :ه ْل َتْقَرُؤ ُه َّن َع ْن ظَْه ِر
اهر بعضهم بعض اً أَعانه ،قال تعاىل َ :وظَ َ#اهُروا َ ْب ؟ ) ،واملظاهرة املعاونة وظَ
() 2
َقل ٍ
َ
عاونُوا (. )3َعَلى ِإ ْخَراج ُك ْم [ املمتحنة ، ]9 :أَي َ
ِ
والظ اهر س بحانه هو املنف رد بعلو ال ذات والفوقية ،وعلو الغلبة والقاهرية ،وعلو
الشأن وانتفاء الشبيه واملثلية ،فهو الظاهر يف كل معاين الكمال ،وهو البني املبني
ال ذي أب دى يف خلقه حججه الب اهرة وبراهينه الظ اهرة ،أح اط بكل ش يء علما
وأحصى كل شيء عددا ،حجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما
انتهى إليه بص ره من خلقه ( ، )4ق ال ابن األَثري ( :الظ اهر يف أمساء اهلل هو ال ذي
ف بطريق االستدالل ظهر فوق كل شيء وعال عليه ،وقيل :الظاهر هو الذي ُع ِر َ
العقلي مبا ظهر هلم من آثار أَفعاله وأَوصافه ) (. )5
والظاهر أيضا هو الذي بدا بنوره مع احتجابه بعامل الغيب ،وبدت آثار ظهوره
ملخلوقاته يف عامل الشهادة ،فاهلل عز وجل استخلف اإلنسان يف ملكه واستأمنه
على أرضه فاقتضى االس تخالف واالبتالء أن يك ون اإلنس ان بني ع املني ،ع امل
الغيب وع امل الش هادة ،ليتحقق مقتضى توحيد اهلل يف أمسائه ،وجالء املع اين
1البخاري يف الزكاة ،باب ال صدقة إال عن ظهر غىن . )1360 ( 2/518
2النسائي يف النكاح ،باب التزويج على سور من القرآن . )3339 ( 6/113
3انظر يف املعىن اللغوي :لسان العرب ، 4/52والنهاية يف غريب احلديث ، 164 /3ومفردات ألفاظ
القرآن ص ، 540واشتقاق أمساء اهلل للزجاج . 137
ت ِ ِ وسى ِمرفوعاِ ِِ ( :ح َجابُُه الن
ُّور َ ،وفي ِرَوايَة أَبِي بَ ْكٍر الن
ْرقَ إنَّْار ،لَْو َك َشَفُه َألح
السالمَ ُ ُ َ 4ورد ذلك يفِ حديث أيب ِ ُم
صُرُه م ْن َخْلقه ) أخرجه مسلم يف كتاب اإلميان ،باب يف قوله عليه ات َو ْجِهه َما اْنَتَهى ِإلَْيه بَ َ
ُسُب َح ُ
اهلل ال ينام . )179 ( 1/161
5النهاية يف غريب احلديث . 164 /3
()23
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
َح#داً
[اجلن]26 : املتعلقة بأوصافه وأفعاله قال تعاىل َ :عالِ ُم اْل َغْي ِ
ب فَال يُ ْظِهُر َعَلى َغْيِبِه أ َ#
،وقال َ :ذلِ#َ #ك َع##الِ ُم اْل َغْي ِب َوال َّشَ#ه َادِة الَْع ِزي#ُ #ز ال#َّ #ر ِح ُيم [ الس جدة ، ]6 :وهو سبحانه
أيضا الظاهر الذي أقام اخلالئق وأعاهنم ،ورزقهم ودبر أمرهم ،وهداهم سبلهم
،فهو املعني على املعىن الع ام وهو نصري املوح دين من عب اده على املعىن اخلاص
(. )1
-17الباطن :
طن
طنشَيْب ُ فعلهكبَ لَ الب اطن اسم فاعل ملن اتصف ب البطون ،والبطون خالف الظهور ،
ِ
يء طن من طن من ِاإلنس ان وس ائر احلي وان خالف الظهْر َ ،
والب ُ ُ بطونا ،و َالب
ون أَُّمَهاتِ ُك ْم [ النحل ، ]78 :وقال َ :وقَ#الُوا َم#اَخرج ُكم ِمن بطُ ِ
َجْوفُه قال تعاىل َ :واللَُّه أ ْ َ َ ْ ْ ُ
ص #ة لِ ُ #ذ ُكو ِرنَا َوُم َ#ح َّ#رٌم َعَلى أَْزَو ِاجَنا [ األنع ام ، ]139 :والبط ون ِ ِ ِِ ِ
في بُطُ##ون َ#ه#ذه ا َألْنَع#ِ #ام َخال َ
ِ
أيضا اخلفاء واالحتجاب وعدم الظهور ،ومنه قول اهلل تعاىل َ :وال َتْقَربُ#وا اْلَف َ#واح َ
ش
َما ظََه َ#ر ِمْنَه#ا َوَم#ا بَطَ َن [ األنعام ، ]151 :وبطن الشيء أساسه احملتجب الذي تستقر به
ت ال #َ ( :ج َ
#اوْر ُ وعلي ه األش ياء ،وعن د مس لم من ح ديث َج ابٌِر tأن َر ُس ول اللَِّه Sقَ َ
ِ ِ ِ ِ ٍ
ت أََم##امي يت َ ،فَنظَ #ْ #ر ُ
ت بَط َْن ال #َ #وادي َفنُ ##ود ُ ت ِ #ج َوا ِري َن#َ #ز ُ
لت فَا ْس َ#تْبطَْن ُ ض ْ#ي ُ
ح َراء َش ْ #هًرا َفَل َّما قَ َبِ #
#ف أَيْ ِ#دَيُه ْم
َح ًدا ) ،وقال تعاىل َ :و ُه َ#و الَّ ِذي َك َّ ) 2(
َو َخلِْفي َو َع ْن يَِم ِيني َو َع ْن ِشَ #مالِي َفَل ْم أََر أ َ#
كم َعْنُه ْم بَِب ْط ِن َمكَ #ة [ الفتح ، ]24 :قال ابن منظور ( :وذلك أن بين هاشم ِ
َعْن ُك ْم َوأَيْ#ديَ ْ
وبين أمية وسادة قريش نزول ببطن مكة ومن كان دوهنم فهم نزول بظواهر جباهلا )
(. )3
والباطن سبحانه هو احملتجب عن أبصار اخللق الذي ال يرى يف الدنيا وال ي درك يف
اآلخ رة ،وف رق بني الرؤية واإلدراك ؛ فاهلل عز وجل ال ي رى يف ال دنيا وي رى يف
اآلخرة أما اإلدراك فإنه ال يدرك يف الدنيا وال يف اآلخرة ،قال تعاىل َ :فَل َّما َتَر َاءى
اب ُمو َس#ى ِإنَّا ل َُم ْ#دَر ُكو َن قَ َ#ال َكال [ الشعراء ، ]61/62 :فموسى نفى #ال أَ ْ الْجمع ِ
صَ #ح ُ #ان قَ َََْ
اإلدراك ومل ينف الرؤية ألن اإلدراك هو اإلحاطة باملدرك من كل وجه ،أما الرؤية
فهي أخص من ذلك ،فكل إدراك يشمل الرؤية ،وليس كل رؤية تشمل اإلدراك
ص#ار و ُه#و الل ِطي ُ ِ
#ير [ األنعام]103 : #ف اْل َخب ُ ص ُار َو ُهَو يُ ْدِرك األَبْ َ َ َ َ
،قال تعاىل :ال تُ ْدِر ُك ُه األَبْ َ
1األمساء والصفات للبيهقي ص ، 24وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ، 60وشرح أمساء اهلل للرازي ص
. 252
2مسلم يف كتاب اإلميان ،باب بدء الوحي إىل رسول اهلل ). S 1/144 (161
3لسان العرب ، 1/136وانظر يف املعىن اللغوي :النهاية يف غريب احلديث ، 13/52ومفردات ألفاظ
القرآن ص ،130واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص . 137
()24
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
(. )1
واهلل عز وجل ب اطن احتجب بذاته عن أبص ار الن اظرين حلكمة أرادها يف اخلالئق
أمجعني ،فاهلل يُ رى يف اآلخ رة وال ي رى يف ال دنيا ألنه ش اء أن تق وم اخلالئق على
معىن االبتالء ،ولو رأين اه يف ال دنيا وانكشف احلج اب والغط اء لتعطلت حكمة اهلل
س #ماو ِ
ض بِ َ #
#الح ِّق ات َواألَْر َ اهلل َخل #َ #ق ال َّ َ َ
َن َ ألم َت#َ #ر أ َّ
يف ت دبريه األش ياء ،ق ال تع اىل ْ :
[إبراهيم ، ]19 :فالعلة يف احتجابه وعدم رؤيته هي االمتحان واالبتالء ،قال تعاىل :
الحَي##اَة َليْبلُ #َ #و ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ َْح َس ُ #ن َع َم ًال [ املل ك ، ]2 :ومن هنا ك ان
ت َو َ الم#ْ #و َ
ال ##ذي َخل #َ #ق َ
البطون ووضع الغطاء على أهل االبتالء أو كشف احلجاب عند االنتقال لدار اجلزاء
صُر َك الَْيْوَم َح ِديد [ ق: ت ِفي َغْفَلٍة ِمن ه َذا فَ َك َشْفنا عْن َ ِ قال تعاىل لََق ْد ُكْن َ
ك غطَ َاء َك َفَب َ َ َ ْ َ
، ]22فكيف يتحقق اإلميان باهلل وحنن ن راه ؟ وكيف تس تقيم الش رائع يف خمالفة
اإلنسان هواه ؟ (. )2
وإذا ك ان اهلل تع اىل ال ي رى يف ال دنيا ابتالءا فإنه س بحانه ي رى يف اآلخ رة إكراما
وج زاءا ،إكراما ألهل طاعته وزي ادة يف النعيم ألهل حمبته ،كما ق ال ُ :و ُج## #وٌه
َيْوَمِئ#ٍ #ذ نَّا ِض َ#رٌة إلى َرِّبَها نَ#ِ #اظَرٌة [ القيام ة ، ]22/23 :وقد ت واترت األح اديث يف إثب ات
رؤية املؤم نني ل رهبم ي وم القيامة ،فالعلة إذا يف احتجابه وع دم إدراك كيفية أوص افه
ليست ع دم وجودها وال اس تحالة رؤية اهلل تع اىل ،ولكن العلة قص ور اجله از
اإلدراكي يف احلياة الدنيا عن إدراك حقائق الغيب ،ألن اهلل عز وجل خلق اإلنسان
اجمبدارك حمدودة لتحقيق معىن االبتالء ،قال تعاىل ِ :إنَّا َخلْقَنا اإلنْ َسا َن ِم ْن نُ ْطَف ٍ#ة أَْم َشٍ #
ليه فَ َجَع َلن ُاه َس ِميعا بَ ِصيرا [ اإلنسان ، ]2 :فمن الصعب أن يرى اإلنسان ما بطن من َنبَت ِ
ْ
الغيبيات ،أو يرى كيفية ال ذات والصفات ،فالشيء ال يرى إال لسببني :األول
خف اء املرئي وهو ممتنع يف حق اهلل ،والث اين ض عف اجله از اإلدراكي لل رائي وه ذا
شأن اإلنسان (. )3
فمن اخلطأ البحث عن كيفية احلقائق الغيبية أو كيفية الذات والصفات اإلهلية ،ألن
اهلل ب اطن احتجب عن خلقه يف ع امل الش هادة ب النواميس الكونية ،أما يف اآلخ رة
عند لقائه ف األمر خيتلف إذ أن م دركات اإلنس ان وقتها تتغري بالكيفية اليت تناسب
أم ور اآلخ رة وأح داثها ،كما ثبت يف الس نة أن اإلنس ان س يكون عند دخ ول اجلنة
1انظر يف الفرق بني الرؤية واإلدراك :شرح العقيدة الطحاوية ص ، 208وبيان تلبيس اجلهمية . 1/553
2انظر للمقارنة :كتاب التوحيد البن منده . 2/82
3انظر شرح العقيد الطحاوية ص . 211
()25
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
على ص ورة آدم طوله س تون زراعا ( ، )1واهلل عز وجل مع أنه الب اطن ال ذي
احتجب عن أبص ار الن اظرين جلالله وحكمته وكم ال عزته وعظمته إال أن حقيقة
وج وده وكم ال أوص افه ن ور يض يء بص ائر املؤم نني ،فهو الق ريب اجمليب ال ذي
يسمع اخلالئق أمجعني .
-18السميع :
والس ْم ُع يفيس ْمع مَس عا َّ ، َ الس ميع يف اللغ ة على وزن فَ ِعي ل من أبِْني ِة املبالغ ة ،فعل ه مَسِ َع
حقنا ما َوقر يف األُذن من شيء تسمعه ُ ،والسمع صفة ذات وصفة فعل ،فصفة
ال ذات يعرب به عن األذن والق وة اليت هبا ي درك األص وات كما يف قوله َ :خَت َم اهلل
َعَلى ُقلُ##وبِِه ْم َو َعَلى َس ْ #مِعِه ْم [ البق رة ، ]7 :أما ص فة الفعل فت ارة يك ون الس مع مبعىن
#ك َنَف#راً ِم َن ال ِْج ِّن يَ ْسَ#ت ِمُعو َن اْلُق ْ#رآ َنصَ#ر ْفَنا ِإلَْي َ
االستماع واإلنصات كقوله تعاىل َ :وِإ ْذ َ
وه قَالُوا أَنْ ِصتُوا [ األحقاف ، ]29 :وتارة يعرب به عن الفهم كما قال تعاىل : ضُر ُ َفَل َّما َح َ
صْ#يَنا [ البقرة ، ]93 :أي فهمنا قولك ومل نأمتر بأمرك ،وتارة يعرب قَ#الُوا َسِ #مْعَنا َو َع َ
به عن الطاعة كقوله َ :وقَالُوا َس ِمْعَنا َوأَطَْعَنا [ البقرة ، ]285 :أي فهمنا وأمترنا (. )2
والسميع سبحانه هو املتصف بالسمع كوصف ذات ووصف فعل ،فوصف الذات
وص ف حقيقي ن ؤمن به على ظ اهر اخلرب يف حقه س بحانه ،وظ اهر اخلرب ليس
كالظاهر يف حق البشر كما يتوهم من تلوث عقله بالتشبيه والتعطيل ،ألننا ما رأينا
اهلل وال ن دري كيفية مسعه ،وما رأينا م ثيال لذاته ووص فه ،وليس إثب ات الص فات
تشبيها أو جتسيما كما أشار بعضهم على اخلليفة املأمون أن يكتب على سرت
الكعبة ( :ليس كمثله شيء وهو العزيز احلكيم ) ،بدال من قوله تعاىل
س َك ِمْثِلِه َش ْيء َو ُهَو ال َّسِ #م ُيع َالب ِصُ #ير [ الشورى ، ]11 :فاعتقد أن إثباتْ :لي َ
الس مع يف حق اهلل تش بيه ،وأنه ال بد أن يك ون مسع اهلل ب أذن كما
هو شأن اإلنسان ،ومن مث حرف الكالم عن موضعه وهذا باطل ألن
اهلل يس مع بالكيفية اليت تناسب عظمته ،وهو ال ذي يعلم حقيقة مسعه
املس ِمع ِفراراً من
ْ السميع مبعىن
َ فسروا
وكيفيته ،قال األَزهري ( :والعجب من قوم َّ
وصف اهلل بأَن له مَسْعا ،وقد ذكر اهلل الفعل يف غري موضع من كتابه فهو مَسِيع ذو مَسْ ٍع
كس ْمِع خلقه ،وحنن نصف اللَّه مبا ٍ
بال تكييف وال تشبيه بالسمع من خلقه ،وال مَسْ ُعه َ
1انظر حديث البخاري يف كتاب أحاديث األنبياء ،باب خلق آدم صلوات اهلل عليه . )3148 (3/1210
2مفردات ألفاظ القرآن ص ، 425واشتقاق أمساء اهلل للزجاج ص ، 75والنهاية يف غريب احلديث 2/401
ولسان العرب ،8/162وبدائع الفوائد . 2/308
()26
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
وال) تك ييف ،ولس ت أُنك ر يف كالم الع رب أن يك ون وص ف ب ه نفس ه ،بال حتدي د
سامعاً ويكون ُم ْس ِمعا ) .
(1 السميع ِ
أما السمع كوصف فعل هلل فهو السمع الذي يتعلق مبشيئته سبحانه ،أو على املعىن
اخلاص الذي فيه إجابة الدعاء أو إمساع من يشاء ،وعند مسلم من حديث أيب هريرة
ْح ْمُ # # #د ) ( ، )2وعند ِ ِ tمرفوعا ( :وِإ َذا قَِ َ # # #
#ال َس # # #م َع اهلل ل َم ْن َحمَ # # #دُه َفُقولُ## # #وا َرَّبَنا لَك ال َ َ
ِ ِ
الرتمذي وصححه األلباين من حديث َعبْد اهلل بْ ِن َع ْم ٍرو tكان رسول اهلل Sيقول
فس َال تَ ْشَ#ب ُع َ ،وِم ْن
#اء َال يُ ْسَ #م ُع َ ،وِم ْن نَ ٍْب َال ي ْخ َش#ع ،ودع ٍ ( :اللَّه َّم ِإنِّي أَع#و ُذ بِ َ ِ
#ك م ْن َقل ٍ َ ُ َ ُ َ ُ ُ
ِ ِ َعو ُذ بِ َ ِ
ع ٍلم َال َيْنَف ُع أ ُ
() 3
#اء َوال #ك م ْن َه ُ#ؤ َالء األَْربَ ِ#ع ) ،وكقوله تعاىل َ :وَم#ا يَ ْسَ#ت ِوي األ ْ
َحَي ُ
ت بِ ُم ْس ِم ٍع َم ْن ِفي اْلُقبُو ِر [ فاطر. ]22 : ات ِإ َّن اهلل يُ ْس ِم ُع َم ْن يَ َش ُاء َوَما أَنْ َ
األَْمَو ُ
-19البصير :
صَرُه ،قال
صرا وَتَب َّ ِ الب ِ
صَر يُبصُر بَ َ
املبالغة فعيل مبعىن فاعل فعله بَ ُ ِ ِِ
ص ٌري يف اللغة من أبنية َ
ص َر بعض هم بعض اً ، وم أَبْ َ
اص َر الق ُ
صَ##ر فَلَنْفس##ه [ األنع ام ]104 :وَتَب َ
تع اىل :فَ َم ْن أَبْ َ
العنٌّي والنظر ،أو الق وة اليت س َللعنْيُ إِ َّال أَنه م ذكر ،ويق ال أيضا حلِ ُّ ص ُر يق ال َ والب َ
َ
ِ
ص ر التَّأَُّمل والتََّع ُّرف والتعريف واإليض اح ، الرؤية ،والتََّب ُّ
تبصر هبا العني أو حاسة ْ
والبص رية احلجة واالستبص ار ،وهي اسم ملا يعقد يف القلب من ال دين وحتقيق األَمر َ
ظره وخاطره ِ
صر القلب نَ ُ ()4،وقيل َ :البصرية الفطنة ،ورجل بَص ٌري بالعلم عامل به ،وبَ ُ
.
والبصري س بحانه هو املتصف بالبصر ،والبصر ص فة من ص فات ذاته تليق جبالله
جيب إثباهتا هلل دون متثيل أو تكييف ،أو تعطيل أو حتريف ،فهو الذي يبصر مجيع
املوج ودات يف ع امل الغيب والش هادة وي رى األش ياء كلها مهما خفيت أو ظهرت
ومهما دقت أو عظمت ،وهو س بحانه وتع اىل مطلع على خلقه يعلم خائنة األعني
وما ختفى الص دور ،ال خيفى عليه ش يء من أعم ال العب اد ،بل هو جبميعها حميط
وهلا حافظ ذاكر ،فالسر عن ده عالنية والغيب عن ده ش هادة ،ي رى دبيب النملة
الس وداء على الص خرة الص ماء يف الليلة الظلم اء ،وي رى ني اط عروقها وجماري
1مدارج السالكني ، 3/253وتفسري ابن جرير الطربي ، 1/431واألمساء والصفات للبيهقي ص 63
وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص ، 42وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص . 247
2توضيح املقاصد وتصحيح القواعد يف شرح قصيدة اإلمام ابن القيم . 2/215
3البخاري يف املساقاة ،باب من رأى أن صاحب احلوض . )2240 ( 2/834
4انظر لسان العرب ، 411 /5الغريب البن سالم ، 3/141والنهاية يف غريب احلديث . 227 /5
()28
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ب اهلل لََنا ُهَو َمْوالنَا َو َعَلى اللَِّه َفلَْيَتَو َّكِل ال ُْمْؤِمنُو َن [ التوبة. ]51 : ِ
يُص َيبَنا ِإال َما َكَت َ
واهلل عز وجل جعل واليته للموح دين مش روطة باالس تجابة ألم ره ،والعمل يف
طاعته وقربه ،والسعي إىل مرضاته وحبه ،فمن حديث أَبِي هريرة tأن رسول اهلل
ب ِإلَ َّي َعْب#ِ #دي #ال :من عِ ِ #
#ادى لي َولًّيا َفَق#ْ #د آ َذْنتُ#ُ #ه بِ##ال َ
ْحْر ِب َ ،وَما َتَق#َّ #ر َ Sق ال ِ ( :إ َّن اللََّه قََ َ ْ َ َ #
ب ِإلَ َّي بِالنََّو ِاف ِ#ل َحتَّى أ ُِحَّبُه ،فَِ#إ َذا ِ ضُ ِ ب ِإلَ َّي ِم َّما ا ْفَتَر ْ ٍ
ت َعَلْي#ه َ ،وَما َي َ#ز ُال َعْب#دي َيَتَق َّ#ر ُ بِ َشيء أ َ
َح َّ
ش بَِها َوِر ْجَل ُه الَِّتي ِ ِ ِ ِ ِ ِ
صَرُه الَّذي ُيْبصُر بِه َ ،ويَ َدُه الَّتي َيْبطُ ُ ت َس ْمَع ُه الَّذي يَ ْس َم ُع بِه َ ،وبَ َ َحَبْبتُُه ُكْن ُ
أْ
ت َع ْن َشي ٍء أَنَا فَ ِاعلُ#ُ #ه يَ ْم ِشي بَِها َ ،وِإ ْن َس #أَلَِني ألُ ْع ِطَينَُّه َ ،ولَِئ ِن ا ْس َ#تَعا َذنِي أل ُِعي َذنَُّه َ ،وَما َت#َ #ر َّد ْد ُ
س ال ُْمْؤِم ِن ،يَ ْكَرُه ال َْمْو َت َوأَنَا أ َْكَرُه َم َس َاءتَُه ) (. )1 َتَردُِّدي َع ْن َنْف ِ
-21النصير :
فاعل أَو مفع ول ألَن كل واحد من والنصري يف اللغة من ص يغ املبالغة ،فعيل مبعىن ِ
صَرُه نصرا إِذا أَعانه على ُ ِ َ ِ
واسَتْن َ
عدّوه ْ ، ينصره ْ نصره ُ صور ،وقد َومْن ُ
املتناصَريْن ناصر َ
صَر منه اصَر القوم نصر بعضهم بعضا ،واْنَت َ عدوه)2سأله أن ينصره عليهم ،وَتَن َ على
ِ انتقم منه ( ،وعند البخ اري من ح ديث أَنَ ٍ
س tأن رس ول اهلل Sق ال ( :انْ ُ
ص ْ#ر
صُ#رُه ظَالِ ًما ؟
#ف َنْن ُ
وما ،فَ َكْيَ #
صُ#رُه َم ْظلُ ً
#اك ظَالِما أَو م ْظلُوما ،قَ##الُوا :يا رسِ َ #
ول اهلل َ#ه َذا َنْن ُ َ َُ أَ َ#خ َ ً ْ َ ً
ِ () 3
قَ َال :تَْأ ُخ ُذ َفْو َق يََديْه ) .
والنصري س بحانه هو ال ذي ينصر رس له وأنبي اءه وأولي اءه على أع دائهم يف ال دنيا
آمنُ##وا ِفي ين َ
ِ
ويوم يقوم األشهاد يف اآلخرة ،قال تعاىل ِ :إنَّا لََنْن ُ
صُ#ر ُر ُسَ#لَنا َوال##ذ َ
وم األ َْشَه ُاد [ غافر ، ]51:وهو الذي ينصر املستضعفني ويرفع الحَي ِاة ُّ
الدْنَيا َوَيْوَم َيُق ُ َ
ِ ِ ِ
الظلم عن املظل ومني وجيري املض طر إذا دع اه ،ق ال تع اىل :أُذ َن للَّذ َ
ين ُيَق##اَتلُو َن
ص ِ # #رِه ْم لََ#ق #ِ #دير [ احلج ، ]39 :والنصري هو ال ذي يؤيد ِ
بِ ##أََّنُه ْم ظُل ُ#م##وا َوِإ َّن َ
اهلل َعَلى نَ ْ
بنصره من يشاء ،وال غالب ملن نصره وال ناصر ملن خذله ،كما قال سبحانه
صُر ُك ْم ِم ْن َب ْع ِدِه [ آل ِ
ب لَ ُك ْم َوِإ ْن يَ ْخ ُذل ْ
ْكم فَ َم ْن َذا الذي َيْن ُ
ِ
صْر ُك ُم اهلل فَال َغال َِ :إ ْن َيْن ُ
عمران ، ]160 :فهو سبحانه حسب من توكل عليه وكايف من جلأ إليه ،وهو الذي
ي ؤمن خ وف اخلائف وجيرب املس تجري وهو نعم املوىل ونعم النصري ،فمن ت واله
واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه ت واله وحفظه وحرسه وص انه ،ومن
رمحته فضال وإنعاما ،حىت ي زول الي أس من القل وب ،وتتعلق يف رجائها مبقلب
القل وب ( ، )1ق ال القرطيب ( :العفو عفو اهلل جل وعز عن خلقه ،وقد يك ون بعد
العقوبة وقبلها خبالف الغف ران فإنه ال يك ون معه عقوبة البتة ،وكل من اس تحق
عقوبة فرتكت له فقد عفي عنه ،فالعفو حمو الذنب ) (. )2
واملقص ود مبحو ال ذنب حمو ال وزر املوض وع على فعل ال ذنب فتك ون أفع ال العبد
خمالفات أو كبائر وحمرمات مث بالتوبة الصادقة يبدل اهلل سيئاته حسنات ،قال تعاىل :
ِّل اللَُّه سِّيَئاتِِهم حسَ#ن ٍ
ات َو َك#ا َن اللَُّه َغُف#وراً َ ْ ََ صالِحاً فَأُولَِئ َ
ك ُيَبد ُ آم َن َو َع ِم َل َع َم ً
ال َ ِ إال َم ْن تَ َ
اب َو َ
َر ِحيم #اً [ الفرق ان ]70 :فتمحى الس يئات عف وا وتس تبدل باحلس نات ،أما األفع ال
فهي يف كت اب العبد حىت يلقي ربه فيدنيه منه ويعرفه بذنبه وس وء فعله مث يس رتها
عليه ،كما ورد عند البخاري من حديث عبد اهلل بن عمر tأن رسول اهلل Sقال
ب ب َ#ك َذا ؟ أََتْ#ع ِر ُ
ف َذنْ َ ول :أََتْع ِر ُ
ف َذنْ َ ِ ( :إ َّن اللََّه يُ ْدنِى ال ُْمْؤِم َن َفَي َ
ض ُع َعَلْيِه َكَنَف ُه َويَ ْسُتُرُه َفَيُق ُ
#ال : ب َ ،حتَّى ِإ َذا َق#َّ #رَرُه بِ ُذنُوبِ #ِ #ه َ ،وَرأَى ِفي َنْف ِسِ# #ه أَنَُّه َهَل َ #
#ك قَ َ # #ول َ :نَع ْم أَ ْ
ي َر ِّ َكَ ##ذا ؟ َفَيُقُ #
#ك الْي##وم َ ،فيعطَى ِكَت ##اب حسَ# #ناتِِه ،وأََّما اْل َكِ # ِ س َ##ترُتها َعَلي ِ َ #
#افُر َ َ َ َ #ك في ال #ُّ #دْنَيا َ ،وأَنَا أَ ْغفُر َها لَ ْ ُ َ ْ َ َ # َ َْ ْ
() 3 ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ
ول األ َْشَه ُاد َ :ه ُ#ؤ َالء الذ َين َ#ك َذبُوا َعَلى َربِّه ْم ،أَ َال لَْعَنُ #ة اهلل َعَلى الظالم َين ) َوال ُْمَن ِافُقو َن َفَيُق ُ
،ف الوزر أو ع دد الس يئات هو ال ذي يعفى وميحى من الكت اب ،أما الفعل ذاته
احملس وب باحلرك ات والس كنات أو مقياسه يف مثق ال ال ذرات فه ذا على ال دوام
مس جل مكت وب ،ومرص ود حمس وب بالزم ان واملك ان ،ومق دار اإلرادة والعلم
ين ِم َّما ِفي ِ#ه َوَيُقولُ#و َن يَا ِِ ِ
اب َفَتَرى ال ُْم ْج ِرم َ
ين ُم ْش#فق َ
ِ ِ
واالستطاعة ،قال تعاىل َ :وُوض َع الْكَت ُ
َحص َاها وو #ج ُدوا ما َع ِملُ#وا حا ِ اب ال يغَ ِادر ِ ِ
ض#راً َوال َ صغ َيرًة َوال َكِب َيرًة ِإال أ ْ َ َ َ َ َ
َوْيَلَتَنا َم ِال َه َذا الْكَت ِ ُ ُ َ
يَظِْل ُم َربُّ َك أ ََحداً [ الكهف. )4( ]49 :
-23القدير :
القدير يف اللغة من صيغ المبالغة ،فعيل من القادر ،فعله قدر يقدر تقديرا ،قال
ابن منظور ( :القادر والَق ِد ُير من صفات اهلل عز وجل يكونان من الُق ْدَرة ويكونان
#دير [ البقرة ]148 :من الُق ْدرة ، من التقدير ،وقوله تعاىل ِ :إ َّن َ
اهلل َعَلى ُكل َش ْيء قَ ٌ
1األمساء والصفات للبيهقي ص ، 75وتفسري أمساء اهلل للزجاج ص ، 82وشرح أمساء اهلل للرازي ص
. 339
2تفسري القرطيب . 1/397
3البخاري يف املظامل ،باب قول اهلل تعاىل أال لعنة اهلل على الظاملني . )2309 ( 2/862
4اتظر كتاب توحيد العبادة ومفهوم اإلميان للمؤلف ص ، 77مطبعة التقدم ،القاهرة سنة 1991م .
()31
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
فاهلل عز وجل على كل شيء قدير ،واهلل سبحانه ُمَقدُِّر ُك ِّل شيء وقاضيه ) (، )1
القادُر واملْقَت ِدُر والَق ِد ُير ،فالقادر اسم فاعل من
قال ابن األثري ( :يف أمساء اهلل تعاىل ِ
ُ ِ ِ
(قََ2د)َر َيْقدُر والَقدير فعيل منه ،وهو للمبالغة ،واملقتدر ُم َفت ِعل من َ
اقت َدَر ،وهو أبلغ )
،وقال الزجاج ( :القدير أبلغ يف الوصف من القادر ،ألن القادر اسم الفاعل من
قدر يقدر فهو قادر ،وقدير فعيل ،وفعيل من أبنية املبالغة ) (. )3
والقدير سبحانه وتعاىل هو الذي يتوىل تنفيذ المق ادير وخيلقها على ما جاء يف سابق
التقدير ؛ فمراتب القدر أربع مراتب ،العلم والكتابة واملشيئة واخللق ،واملقصود هبذه
املراتب املراح ل ال يت مير هبا املخل وق من كون ه معلوم ة يف علم اهلل يف األزل إىل الواق ع
املش هود ،وه ذه املراح ل تس مى عن د الس لف الص احل م راتب الق در ،فال ب د خلل ق
الشيء وصناعته من العلم والكتابة واملشيئة ومباشرة التصنيع والفعل ،وهلل املثل األعلى
ص ن َِّع ال ذي يش يد البني ان ال ب د أن يب دأ مش روعه أوال بفك رة يف األذه ان إذا ك ان املُ َ
ومعلومات مدروسة بدقة وإتقان ،درسها جيدا وقام بتقدير حساباته وضبط أموره
وإمكانياته ،مث يق وم بكتاب ة ه ذه املعلوم ات وخيط هلا يف بض ع ورق ات أنواع ا من
الرسومات اليت ميكن أن خياطب من خالهلا خمتلف اجلهات ،مث يتوقف األمر بعد ذلك
على مشيئته أو إرادته يف التنفيذ وتوقيت الفعل إن توفرت لديه القدرة واإلمكانيات ،
مث يبدأ يف التنفيذ إىل أن ينتهي البنيان كما قدر له يف األذهان ،فإذا كانت هذه مراحل
تص نيع األش ياء بني املخلوق ات حبكم العق ل والفط رة ،فاهلل س بحانه ول ه املث ل األعلى
منف رد مبراتب القض اء والق در من ب اب أوىل ،وهي عن د الس لف املراح ل ال يت مير هبا
املخل وق من العلم األزيل إىل أن يص بح واقع ا خملوق ا مش هودا ،أو من التق دير إىل
املقدور ،وهي عندهم أربع مراتب تشمل كل صغرية وكبرية يف الوجود (. )4
فالقادر سبحانه هو الذي يقدر المق ادير يف علمه ،وعلمه املرتبة األوىل من قضائه
وقدره ،حيث قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ،ونظم أمور اخللق قبل إجياده
وإم داده ،فالق ادر ي دل على التق دير يف املرتب ة األوىل ،أم ا الق دير في دل على الق درة
وتنفيذ املقدر يف املرتبة الرابعة ،فالقدير هو الذي خيلق وفق سابق التقدير ،والقدر من
التقدير والقدرة معا ،فبدايته يف التقدير وهنايته يف القدرة وحتقيق املقدر ،ولذلك يقول
تعاىل :و َكا َن أَْمر ِ
اهلل قَ َدرا َمْق ُدورا [ األحزاب ، ]38 :فالقدير هو املتصف بالقدرة . ُ َ
1لسان العرب ، 5/74ومفردات ألفاظ القرآن ص ، 657والفائق . 3/8
2النهاية يف غريب احلديث . 4/22
3اشتقاق أمساء اهلل ص . 48
4انظر تفصيل هذه املراتب يف شفاء العليل ص 29وما بعدها .
()32
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
القضاء)1والقدر منشؤه عن علم الرب وقدرته ،وهلذا قال اإلمام
(
ويذكر ابن القيم أن
أمحد ( :القدر قدرة اهلل ) ،واستحسن ابن عقيل هذا الكالم من اإلمام أمحد غاية
االستحسان ،وهلذا كان املنكرون للقدر فرق تني :فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته
وهم غالهتم ال ذين كف رهم الس لف واألئم ة وت ربأ منهم الص حابة ،وفرق ة جح دت
كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العبادة مقدورة هلل تعاىل ،وصرحت بأن اهلل
ال يقدر عليها وال خيلقها ،فأنكر هؤالء كمال قدرة الرب وتوحيده يف امسه القدير
وأنكرت األخرى كمال علمه وتوحيده يف امسه القادر (. )2
-24اللطيف :
اللطيف يف اللغة ص فة مش بهة للموص وف ب اللطف فعله لطف يلطف لطفا ،
ولطف الش يء رقته واستحس انه وخفته على النفس ،أو احتجابه وخف اؤه (، )3
وعند البخاري من حديث عائشة رضي اهلل عنها قالت حني قال هلا أهل اإلفك ما
الواَ ( :ويَِ # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #ريبُِني ِفي َو َجِعي أَنِّي َال أََرى ِم َن ق
النَِّبيّ
ض ) ( ، )4فاللطف الرقة واحلنان والرفق . ِ ِ ْف ِِ Sاللُّط َ
ين أَْمَر ُ
ت أََرى مْن ُه ح َ
الذي ُكْن ُ
وإيصاهلا إلى َمن قدرها املصاحل َ بدقائق َ
العلم َ
ُ اجَتمع له
الذي ْ واللطيف سبحانه هو
ِ
له ِمن َخلقه مع الرفق يف الف ْعل والتنفيذ ،يق
ال :لطف به وله ،فقوله ُ :
اهلل
يف لِ َما يَ َش ُاء
َط ٌ يف بِِعب ِادِه [ الشورى ، ]19 :لطف هبم ،وقوله ِ :إ َّن ربِّي ل ِ
َ
ِ
لَط ٌ َ
قريب منهم ، ٌ [ يوسف ]100 :لطف هلم ،واهلل لطيف بعباده رفيق هبم
يعامل املؤم نني بعطف ورأفة وإحس ان ،وي دعو املخ الفني إىل التوبة
والغفران مهما بلغ هبم العصيان ،فهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحواهلم
وال خيفى عليه شيء مما يف صدورهم ،قال تعاىل :أَال َيْعَل ُم َم ْن َخَل َق
#ف اْل َخِب#ُ #ير [ امللك ، ]14 :وقال لقمان البنه وهو يعظه :يَا و #ه#و ِ
اللطيُ # ََُ
س #ماو ِ
ات أَْو ِ ٍ
ص ْ #خَرة أَْو في ال َّ َ َ
ِ
َفَت ُك ْن في َ َ#خ ْ#ر َدٍل ِم ْن #ك ِمْثَقَ #
#ال َحَّبٍة ِإَّنَها ِإ ْن تَُ # ُبَن َّي
َخِب#ٌ #ير [ لقم ان ، ]16واللطيف أيضا لِ األر ِ ِ ِفي
#ف
َطيٌ # اهلل
َ ض يَ #أْت بَِها ُ
اهلل ِإ َّن ْ
1السابق ص . 28
2السابق ص ، 28وانظر أيضا :طريق اهلجرتني ص ، 163وشرح قصيدة ابن القيم ، 1/257ومنهاج
السنة النبوية . 3/254
3اشتقاق أمساء اهلل ص ، 138والنهاية يف غريب احلديث . 4/251
4البخاري يف الشهادات ،باب تعديل النساء بعضهن بعضا . )2518 ( 2/943
()33
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
هو ال ذي ييسر للعب اد أم ورهم ويس تجيب دع ائهم فهو احملسن إليهم يف
خف اء وسرت من حيث ال يعلم ون ،فنعمه عليهم س ابغة ظ اهرة ال
حيص يها الع ُّادون وال ينكرها إال اجلاح دون ،وهو ال ذي ي رزقهم بفض له
َن اهلل أَْنز َل ِمن َّ ِ
ض صِب ُح األَْر ُ السَماء َم ًاء َفتُ ْ من حيث ال حيتسبون :أَل َْم َتَر أ َّ َ َ َ
#ادِه
#ف بِِعب ِ
اهلل لَطي ٌ َ
ِ
يف َخِب ٌير[ احلج ، ]63وقال سبحانه ُ : َط ٌ ضَّرًة ِإ َّن اهلل ل ِ
َ ُم ْخ َ
َيْرُز ُق َم ْن يَ َش ُاء َو ُهَو اْلَق ِو ُّي الَْع ِز ُيز [ الشورى ، ]19كما أنه حياسب املؤمنني
حس ابا يس ريا بفض له ورمحته ،وحياسب غ ريهم من املخ الفني وفق عدله وحكمته
(. )1
ومن املع اين اللغوية للطيف هو ال ذي لطف عن أن ي درك كما يف قوله
َح#داف َوال يُ ْش ِ #عَر َّن بِ ُك ْم أ َ# َ :فلَْيْنظُ#ْ #ر أَُّيَها أَْز َكي طََعاما َفلَْي #أْتِ ُك ْم بِ ِ #رْز ٍق ِمْن#ُ #ه َولَْيَتَلطَّ ْ
[ الكهف ، ]19وهي أيضا من املع اين اليت يش ملها امسه اللطيف فقد دل
على لطف احلج اب لكم ال الل ه وجالله ،ف إن اهلل ال ي رى يف ال دنيا لطفا
وحكمة ويرى يف اآلخرة إكراما وحمبة ،وإن مل يدرك بإحاطة من قبل خلقه ،ولو
رآه الناس يف الدنيا جهارا لبطلت احلكمة وتعطلت معاين العدل والرمحة ،ولذلك
اهلل ِإ َّال َو ْحًيا أَْو ِم ْن َوَر ِاء ِ
ق ال عن رؤية الن اس له يف ال دنيا َ :وَما َ#ك#ا َن لَب َش ٍ #ر أَ ْن يُ َكِّلَ#م ُ#ه ُ
#ف #اب ، وقال سبحانه َ :ال تُ ْدِر ُ#ك#ه األَبص#ار و #ه#و ي #ْ #دِر ُك األَبص#ار و #ه#و ِ
اللطيُ # ْ َ َ ََُ ُ ْ َ ُ ََُ ُ ج ٍ ِح َ#
َح ٌد ِمْن ُك ْم َربَُّه َع َّ#ز َو َجل اْل َخِبير وعند مسلم أ ََّن رس َ ِ
لموا أَنَُّه ل َْن َي َ#رى أ َ# ول اهلل َ ( : Sتَع ُ َُ () 2
ُ
#وت ) ،ألن ال دنيا خلقت لالبتالء ،أما اآلخ رة فهي دار احلس اب اجلزاء َحتَّى يَُ#م َ
حيث يكشف فيها الغط اء ،ويرفع فيها احلج اب ويلطف اهلل باملوح دين عند
[ق ، ]22 :وقال صُ#ر َك الَْي ْ#وَم َح ِديٌ #د ّ احلساب ،قال تعاىل :فَ َك َشْفنا عْن َ ِ
ك غطَ َاء َك َفَب َ َ َ
() 3 ِ ِ ِ ٍ ِ
عن لطفه وإكرامه وإحسانه وإنعامه ُ :و ُجوٌه َيْوَمئذ نَّاضَرٌة إلَى َرِّبَها نَاظَرٌة .
-25الخبير :
ت ب األَمر أَي علمته
وخُب ْر ُ
اخلبري يف اللغة من مب اين املبالغة ،فعله َخَب َر خَيْرُب خُرْب ا َ ،
َخُبرُه إِذا عرفته على حقيقته ،وعند مسلم من حديث أيب موسى t
َمر أ ْ ُ
ت األ َ
وخب ْر ُ
َ
1انظر تيسري الك رمي ال رمحن يف تفسري كالم املن ان للس عدي ، 5/301وتفسري أمساء اهلل احلسىن ص 44
وتفسري القرطيب ، 9/267وفتح القدير للشوكاين . 3/57
2مسلم يف كتاب الفنت وأشراط الساعة ،باب ذكر بن صياد . )169 ( 4/2245
3انظر ه ذا املعىن يف زاد املسري ، 3/99وانظر يف معىن االسم أيضا :ش رح أمساء اهلل احلسىن لل رازي ص
254واملقصد األسىن ص ، 92واألمساء والصفات للبيهقي ص . 83
()34
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
رضي ْت ) ( ، )1تعين َت َ :عَلى اْل َخِب#ي ِر َسَ#قط َ ب اْلغُ ْسَ #ل ؟ قَ#ال ْ أنه قال لعائشة ( :فَما ي ِ
#وج
ُ َ ُ
اهلل عنها أته س أل من يعلم اجلواب بتمامه ف اخلَِب ُري ال ذي خَي ُب ُر الش يء بعلمه ،
() 2
واخلربة أبلغ من العلم ألهنا علم وزيادة ،فاخلبري بالشيء من َعِل َمه وقام مبعاجلته وبيانه
وجتربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وأمل بكيفية وصفه على احلقيقة (. )3
العامِل مبا َكان ،وما هو كائن ،وما سيكون ،وما لو كان كيف واخلبري سبحانه هو َ
يكون وليس ذلك إال هلل ،فهو الذي ال خيفى عليه شيء يف األرض وال يف السماء
،وال يتحرك متحرك وال يسكن إال بعلمه ،وال تستقيم حياته إال بأمره وإذنه قال
#ل ِفي
ض ِإال َعَلى اللَِّه ِرْز ُقَها َوَيْعَل ُم ُم ْس َ#تَقَّرَها َوُم ْس َ#تْو َد َعَها ُكٌّ # تع اىل َ :وَما ِم ْن َدابٍَّة ِفي األَْر ِ
اب ُمِبين ٍ[ هود ، ]6:واهلل عز وجل خبري له جنود السماوات واألرض خيربونه ِكَت ٍ
بالوق ائع لتحقيق احلكمة يف اخللق وهو عليم باألش ياء قبل إخب ار املالئكة عنها
وبعد اإلخبار عنها ،وعند البخاري من حديث أيب هريرة tأن النيب Sقال ( :
الِة الَفج ِر وص َِ ِ َيَتَعا َقبُو َن ِفي ُك ْم َم َ
الئِ َكٌة بِاللَّْي ِل وم َِ
صِ #ر ،
الع ْ
الة َ صَ ْ َ َ الئ َكٌة بِالنََّها ِر َ ،ويَ ْجَت ِمُعو َن في َ ََ
#ف َت##ر ْكتُم ِعبِ # ِ َّ ِ
#ادي ؟ َفَيُقولُ##و َن : ين بَ##اتُوا في ُك ْم َ ،فَي ْس #أَلُُه ْم َو ْ#ه َ#و أَ ْعَل ُم (بِِ4ه)ْم َكْيَ ْ َ َ # ثُ َّم َيْع#ُ #ر ُج الذ َ
ص #لُّو َن ) ،فس ؤاله س بحانه هلم ليس طلبا #اه ْم َو ُه ْم يُ َ ص #لُّو َن َ ،وأََتْيَنُ #
#اه ْم َو ُه ْم يُ َ
َتَر ْكَنُ #
للعلم فهو الس ميع البصري العليم اخلبري ،ولكن إلظه ار ش رف املؤمن عند ربه ،
وبي ان فض له بني مالئكته ومحلة عرشه ،ق ال ابن حجر رمحه اهلل ( :قيل احلكمة
فيه اس تدعاء ش هادهتم لبين آدم ب اخلري واس تنطاقهم مبا يقتض ي التعطف عليهم ،
وذلك إلظه ار احلكمة يف خلق ن وع اإلنس ان يف مقابلة من ق ال من املالئكة :
#ال ِإنِّي أَ ْعَل ُم َما
#ك قَ َ
ِّس لَ َ ِ ِ أَتَ ْجَع ُل ِف َيها َم ْن ُيْف ِس ُد ِف َيها َويَ ْسِف ُ
ك الدَِّم َاء َونَ ْح ُن نُ َسِّ#ب ُح ب َح ْم#د َك َوُنَق#د ُ
ال َتْعَل ُم## #و َن [ البق رة ، ]30 :أي وقد وجد فيهم من يس بح ويق دس مثلكم بنص
شهادتكم ) (. )5
-26الوتر :
الع َدِد ،و التواتر التتابع ،وقيل هو تتابع
فع من َ
الفر ُد أَو ما مل َيَت َش ْ
ْ ال ِوْتُر يف اللغة هو
األشياء وبينها فجوات وفرتات ،وتواترت اإلبل والقطا وكل شيء إذا جاء بعضه
ب َ#ك َذا ف َذنْ َ ب َ#ك َذا أََتْعِ #ر ُ ف َذنْ َ #ول أََتْعِ #ر ُ ْم ْ#ؤِم َن َفَي َ
ضُ #ع َعَلْي#ِ #ه َكَنَ#ف ُ#ه َ ،ويَ ْسُ#تُرُه َفَيُقُ # اللََّه يُ#ْ #دنِي ال ُ#
ب َ ،حتَّى ِإ َذا َق َّ#رَرُه بِ ُذنُوبِ ِ#ه َوَرأَى في نَف ِسِ#ه أَنَُّه َهَلك ق#ال َسَ#تْرُتَها َعَلْيك في ي َر ِّول َنَع ْم أَ َْفَيُق ُ
المَن #ِ #افُقو َن َفَيُق ُ #
#ول ِ ِِ
#اب َح َسَ# #ناته َ ،وأََّما الك #( #اف)ُ5ر َو ُ
ِ ِ
ال#ُّ ##دْنَيا َ ،وأَنَا أَغفُر َها لَك ا َلي#ْ ##وَم َ ،فُيْعطَى كَتَ ##
ِين َك َذبُوا َعَلى َربِِّه ْم ،أَ َال لَْعَن ُة اللَِّه َعَلى الظَّالِ ِم َين ) . ِ
َشَه ُاد َهُؤ َالء الذ َ األ ْ
-30الكبير :
الكبري يف اللغة من ص يغ املبالغة فعله َكُب َر ِكرَب اً و ُكرْب اً فهو كبري ،
والكرب نقيض الص غر كرب بالضم يكرب أي عظم ،والكبري والص غري
من األمساء املتض ايقة اليت تق ال عند اعتب ار بعض ها ببعض ،فالش يء
قد يك ون ص غريا يف جنب ش يء وكب ريا يف جنب غ ريه ويس تعمالن
يف الكمية املتصلة كالكثري والقليل واملنفصلة كالعدد ( ، )6ويكون الكرب
يف اتس اع ال ذات وعظمة الص افات حنو قوله تع اىل :فَ َجَعَلُه ْم ُ#ج َ #ذاذا
ِإال َكِب ##يراً لَُه ْم لََع ُله ْم ِإلَْي #ِ #ه َيْر ِجُع ##و َن [ األنبي اء ، ]58 :وقوله :فَال تُ ِط#ِ #ع
1أخرجه البخاري يف كتاب األدب ،باب رمحة الولد وتقبيله ومعانقته . )5649 ( 5/2234
2البخاري كتاب الصالة ،باب يرد املصلي من مر بني يديه . )487 (1/191
3مسلم يف الرب والصلة واألدب ،وانظر فيض القدير ، 2/228وعون املعبود . 11/34
4البخاري يف األدب ،باب سرت املؤمن على نفسه . )5721 ( 5/2254
5البخاري يف املظامل ،باب قول اهلل تعاىل أال لعنة اهلل على الظاملني . )2309 ( 2/862
6لسان العرب ، 5/125ومفردات ألفاظ القرآن ص . 696
()40
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
يف التع ايل ،وأيضا [الفرق ان]52 : اْل َك#ِ #اف ِر َين َو َج ِاه#ْ #د ُه ْم بِ #ِ #ه ِجَه##اداً َكِب##يراً
ُم ْج ِرِم َيها باملنزلة والرفعة كقوله َ :و َ#ك َ #ذلِ َ
ك َجَعلَْنا ِفي ُكِّ #
#ل َقْريَ #ٍ #ة أَ َك##ابَِر
[األنعام. ]123 :
والكبري سبحانه هو العظيم يف كل شيء ،عظمته عظمة مطلقة ،وهو ال ذي ك رب
ض [ البق رة ، ]255 :روي س#ماو ِ ِ ِ
ات َواألَْر َ وعال يف ذاته قال تعاىل َ :وسَ #ع ُكْرس#يُُّه ال َّ َ َ
عن عبد اهلل بن عباس tأنه قال ( :ما السماوات الس#بع واألرض#ون الس#بع في يد اهلل
إال كخردلة في يد أح## # # #دكم ) ( ، )1وهو الكبري يف أوص افه فال مسي له وال مثيل ،
وال شبيه وال نظري ،قال تعاىل َ :ه ْ#ل َتْعَل ُم لَ ُ#ه َسِ #مّياً [ مرمي ، ]65 :وهو الكبري يف
س #ماو ِ
ضات َواألَْر ِ أفعاله فعظمة اخللق تش هد بكماله وجالله ،ق ال تع اىل :لَ َخْل#ُ #ق ال َّ َ َ
َّاس ال َيْعَل ُمو َن [ غافر ، ]57 :وهو سبحانه املتصف َّاس ول ِ ِ
َك َّن أ َْكَثَر الن ِ أ َْكَبُر م ْن َخل ِْق الن ِ َ
بالكربياء ومن نازعه يف ذلك قسمه وعذبه روى مسلم من حديث أيب هريرة tأن
رس ول اهلل Sق ال ( :الِْع#ُّ #ز ِإَزارُه وال ِ
ْكْب ِريَ ##اء ِر َد ُاؤُه ،فَ َم ْن ُيَن ##ا ِز ُعِني َع َّذْبتُ #ُ #ه ) ( ، )2فهو ُ َ
س بحانه الكبري املوص وف ب اجلالل وعظم الش أن ،وهو املنف رد بذاته وص فاته
وأفعاله عن كل من سواه فله مجيع أنواع العلو املعروفة بني السلف (. )3
-31المتعال :
املتعايل اسم فاعل من تعاىل ،واملتعايل فعله تعاىل يتعاىل فهو متعال ،وهو أبلغ
من الفعل عال ،ألن األلف اظ ملا ك انت أدلة املع اين مث زيد فيها ش يء أوجبت
زيادة املعىن فزيادة املبىن دليل على زيادة املعىن ( ، )4والتعايل هو االرتِفاع ،قال
األَزه ري ( :تق ول الع رب يف الن داء للرجل تَع ال بفتح الالم ،ولالث نني تَع اال ،
عالوا ،وللمرأَة تَعايل ،وللنساء َتَع النْيَ ،وال يُبالو َن أَين يكون املدعو
وللرجال تَ ْ
() 5
يف مكان أ َْعلى من مكان الداعي أَو مكان دونه ) .
َّامِة ،وأغلب املفسرين جعلوا االسم داال واملتعايل سبحانه هو القاهر ِ
خللق ِه بقدرتِِه الت َّ
أحد مع اين العلو ،فاملتع ايل هو املس تعلي على كل ش يء علىَ علو القهر ،وهو ُ
بقدرته ،قال ابن كثري ( :املتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر
1البخاري يف بدء اخللق ،باب ما جاء يف قوله َ ( :و ُهَو الَِّذي َيْبدأُ اخْلَْل َق مُثَّ يُِع ُيده ) . )3019 ( 3/1166
()43
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
َّاس لَرء ٌ ِ ِ ِِ ِِ ِ
يم [ احلج. )1( ]65: وف َرح ٌ بإ ْذنه إ َّن اهللَ بالن ِ َ
-33القهار :
القهار صيغة مبالغة ،فعال من اسم الفاعل القاهر ،والفرق بني القاهر والقهار
أن الق اهر هو ال ذي له علو القهر الكلي املطلق باعتب ار مجيع املخلوق ات وعلى
اختالف تنوعهم ،فهو قاهر فوق عباده ،له علو القهر مقرتنا بعلو الشأن والفوقية
،فال يقوى ملك من امللوك على أن ينازعه يف علوه مهما متادى يف سلطانه وظلمه
وإال قه ره القه ار ،ومعل وم أن املقه ور حيتمي من ملك مبلك ،وخيرج خبوفه من
سلطان أحدمها ليتقوى باآلخر ،لكن امللوك مجيعا إذا كان فوقهم ملك قاهر قادر
#ل فإىل من خيرجون وإىل جوار من يلجئون ؟ ،قال تعاىل :قُ ْل َم ْن بَِي ِدِه َمَل ُك ُ
#وت ُك ِّ
#ار َعَلْي#ِ #ه ِإ ْن ُكْنتُ ْم َتْعَل ُ#م#و َن [ املؤمنون ، ]88 :وعند البخاري من جُ َشْ #يٍء َو ُ#ه َ#و يُ ِ#ج ُير َوال يُ َ#
َر ِاء tأن ديث اْلَب ح
النَِّبّي
#ك ، ْت ظَْ#ه ِري ِإلَْيَ # ت أَْ#م ِري ِإلَْيَ #
#ك َ ،وأَل َ#
ْج أ ُ ضُ # #ك َ ،وَفَّو ْ ت َو ْجِهي ِإلَْيَ # ُ Sقال ( :اللَُّه َّم أَ ْسَ#ل ْم ُ
#ك ) ( ، )2فال ملجأ وال منجا من اهلل ْج #أَ َو َال َمْن َجا ِمْنَ #
#ك ِإ َّال ِإلَْيَ # #ك َ ،ال َمل َ َر ْغَبً #ة َوَر ْهَبً #ة ِإلَْيَ #
إال إليه ،فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي املطلق .
أما القه ار فهو ال ذي له علو القهر باعتب ار الك ثرة والتع يني يف اجلزء ،أو باعتب ار
نوعية املقه ور ،فاهلل عز وجل أهلك ق وم ن وح وقهرهم ،وقهر ق وم ه ود ،وقهر
#ود فَ َما أَْبَقى َوَق ْ#وَم فرعون وهامان والنمرود ،قال تعاىل َ :وأَنَُّه أ َْهَل َ
ك َع#اداً األُولَى َوثَُم َ
ك أظلم َوأطغَى َوالم ْؤتَِفكة ْأهَوى فغَ َّش َاها َما غ َّشى فِبِّ #
#أي آالء َربِّ َ ِ
نُوح ِّمن ْقبل إَّنُه ْم كانُوا ُه ْم َ
َتَت َم َارى َهذا نَ ِذ ٌير ِّم َن النُّذ ِر األولَى [ النجم ]56:50 :وقهر قوم صاحل وقوم لوط ،وقهر
أبا جهل واملشركني وقهر الفرس والصليبيني ،واهلل سبحانه قهار لكل متكرب جبار
،وال دنيا فيها املتك ربون وما أك ثرهم ،وفيها اجملرم ون وما أظلمهم ،
واملستضعفون كثريون وعاجزون يفتقرون إىل معني قهار ،وملك قادر جبار ،
فالواحد القهار هو ملجأهم وهو باملرصاد لكل متكرب جبار قال تعاىل :أَل َْم َتَر
1انظر يف ه ذه القض ية :دق ائق التفسري اجلامع لتفسري ش يخ اإلس الم ابن تيمية ، 364 / 2
واقتضاء الصراط املستقيم البن تيمية ، 459 / 1كتاب املواقف لعضد الدين اإلجيي ، 3/306
وملع األدلة يف قواعد أهل السنة واجلماعة ص ، 99والغنية يف أصول الدين ص ، 67وشرح
العقيدة الطحاوية ص .87
2البخاري يف كتاب الوضوء ،باب فضل من بات على الوضوء . )244 ( 1/97
()44
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ين َج##ابُوا الد وثم ِ َ # التي لَم ي ْخل ْ #ق ِم ِ ِ ِ العمِ #
#اد ِ ات ِ ك بِع##اد ِإرم َذ ِ
#ود ال ##ذ َ ثلها في البِ َ ِ َ
ِ ُ
ِ ْ ِ َّ َ ِ #ل َِربُّ َِ َ َ َ َ #ف َفَع#
ِ
َكْيَ #
ب َع ْليِه ْم
صَّ #
ين طَ َغ ْ#وا في اْلبالد فَ#أَك ُثروا ف َيها الَف َسَ #اد فَ َ
األوتَ#اد الذ َ#الواد َوفْر َع ْ#و َن ذي ْ صْ #خَر ب َ
ال َّ
صِ ##اد [ الفج ر ، ]6/13 :فالقه ار كثري القهر قه ره المْر َ ك لَِب ِ
اب ِإن َربَّ َ
#ك َسْ##و َط َعَ ##ذ ٍ
َرب َ #
عظيم أليم ،يقصم ظهر اجلب ابرة من أعدائه فيقه رهم باإلماتة واإلذالل ،ويقهر من
نازعه يف ألوهيته وعبادته ،وربوبيته وحاكميته وأمسائه وصفاته (. )1
-34الحق :
احلق يف اللغة اسم فاعل ،فعله َح َّق حَيِق حقا ،يق ال :حققت الش يء أحقه حقا
إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة ،واحلق مبعىن املطابقة واملوافقة والثبات
وعدم الزوال ،وكذلك العدل خالف الباطل والظلم ،واحلق يقال للاعتقاد يف
الش يء املط ابق ملا عليه يف احلقيقة ،كقولك :اعتقد أن البعث والث واب والعق اب
واجلنة والنار حق ( ، )2واحلق له استعماالت كثرية يف القرآن ،منها اإلسالم والعدل
واحلكمة والصدق والوحي والقرآن واحلقيقة ،ومنها أيضا احلساب واجلزاء كقوله :
ين [ النور. ]25 : الح ُّق ِ الح َّق َوَيْعَل ُمو َن أ َّ يومِئ ٍذ يوفِّي ِهم ِ
المب ُ
اهلل ُهَو َ ُ
َن َ اهلل د َينُه ُم َ
َ ْ َ َُ ُ ُ
واحلق اسم هلل س بحانه هو املتصف ب الوجود ال دائم واحلي اة والقيومية والبق اء فال
يلحقه زوال أو فن اء ،وكل أوص اف احلق كاملة جامعة للكم ال واجلم ال ،
ِ ِ ِِ ك بِأ َّوالعظمة واجلالل قال تعاىل َ :ذلِ َ
#ل
َن َما يَ ْد ُعو َن م ْن ُدونه ُهَو الَْباطُ # ْح ُّق َوأ ََّن اللََّه ُهَو ال َ
#ق َوأَنَُّه يُ ْحِييْح ُّ َن اللََّه ُه َ#و ال َ#ك بِ#أ َّاهلل ُه َ#و الَْعِل ُّي اْل َكِب ُ#ير [ احلج ، ]62 :وكقوله َ :ذلِ َ َن َ َوأ َّ
ال َْ#م#ْ #وتَى َوأَنَُّه َعَلى ُك#ِّ #ل َشْ # #يٍء قَ#ِ ##د ٌير [ احلج ، ]6:واحلق س بحانه هو ال ذي حيق احلق
بكلماته ويق ول احلق وإذا وعد فوع ده احلق ،ودينه حق ،وكتابه حق ،وما
#ق بِ َكِل َماتِ #ِ #ه َولَ #ْ #و َ#ك ِ #رَه ِ
أخرب عنه حق ،وما أمر به حق كما ق ال َ :ويُ #حُّ #ق اهلل ال َ
ْحَّ #
السماو ِ َّ ِ
ض بِ#ال َ
ْح ِّق ات َواألَْر َ ال ُْم ْج ِرُمو َن [ يونس ، ]82 :وقال سبحانه َ :و ُهَو الذي َخَل َق َّ َ َ
الصو ِر [ األنعام ، ]73 :وقال ْك َيْوَم ُيْنَف ُخ ِفي ُّ ْح ُّق َول َُه ال ُْمل ُ
ول ُك ْن َفَي ُكو ُن َقْول ُُه ال َ
َوَيْوَم َيُق ُ
() 3
ين [ النور]25 : الح ُّق ِ الح َّق َوَيْعَل ُمو َن أ َّ تعاىل :يومِئ ٍذ يوفِّي ِهم ِ
المب ُ
اهلل ُهَو َ ُ َن َ اهلل د َينُه ُم َ َ ْ َ َُ ُ ُ
.
-35المبين :
1انظر املقصد األسىن ص ، 77وشرح أمساء اهلل للرازي ص ، 229واألمساء والصفات للبيهقي ص . 82
2لس ان العرب ، 10/49والنهاية يف غريب احلديث ، 1/413واش تقاق أمساء اهلل ص ، 178ومعجم
مقاييس اللغة ، 2/15ومفردات ألفاظ القرآن ص .246
3انظر املقصد األسىن ص ،112واألمساء والصفات للبيهقي ص . 26
()45
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
والب ْعد
والظه ور ُ ، ني التم يز املبني اسم فاعل من الفعل ب ان أو أب ان ،وأصل َالب ُ
بني ،بني إبانة فهو ُم ٌ ِ ائن ،أو أَب ان يُ ُ بني بَيانا فهو ب ٌ احلق يَ ُ
واالنفص ال ،يق ال :ب ا َن ُّ
الن أي ب ان كل واحد منهما عن ص احبه ،وك ذلك يف فمن األول َتب اين ال رج ِ
َ ََ ُ
الشركة إِذا انفصال ،وبانَت املرأَة عن زوجها يعين انفصلت عنه َبتطليق ٌة بائنة (، )1
ِ
والبائن أيضا مبعىن الظاهر املبني الواضح كما يف قوله :فَ#أَْلَقى َع َ
صُ #اه فَِ#إ َذا ه َي ُثْعَب##ا ٌن ُمِب ٌ
ين
السَماء بِ ُد َخ ٍان ُمِبي ٍن [ الدخان. ]10 : ب َيْوَم تَأْتِي َّ ِ
[ األعراف ]107 :وقوله :فَ ْارتَق ْ
واللس ن
َ والبي ان الفص احة ومن الث اين أب ان الق ول بيانا يعين أظه ره بفص احة َ ،
الس ْمح اللس ان الفص يح الظريف الع ايل والبنِّي من الرج ال َّ واإلفص اح مع ذك اء َ ، ِ
الكالم القليل ال رتَج ،وفال ٌن أَْبنَي من فالن أَي أَفصح منه وأَوضح كالم اً ،وعند
ِ ِ ِِ ِ
َّاس
ب (النُ )2 ِالبخهِنِ اري من ح ديث ِابن عمر tأَنَُِّه قَ دَم َر ُجالن م َن اْل َم ْش ِرق فَ َخطََبا َفَعج َ
ض الَْبَي ِان لَ ِسْ #حٌر ) ، ان لَس ْحًرا ،أَْو ِإ َّن َبْع َ
لبيا ما ،فقال رسول اهلل ِ ( : Sإ َّن من الْبي ِ ِ
َ ََ ََ َ
() 3
والظهور . ف شك ال هلَص أ و ٍ
لفظ َبلغ
أ ب املقصود ظهارِ
إ يانفالب
ُ ُ َْ ُ َ
واملبني هو املنف رد بوص فه املب اين خللقة الظ اهر ف وق كل ش يء ،له مطلق العلو
والفوقية ،وليس كما ق الت اجلهمية أنه بذاته يف كل مك ان ،بل هو س بحانه
ب ائن من خلقه ،ليس يف خلقه ش يء من ذاته ،وال يف ذاته ش يء من خملوقاته
،وقد ذكر ابن تيمية أن األئمة من الص حابة والت ابعني واألئمة األربعة وس ائر
اهلل بِ َما َتْع َملُ## #و َن
أئمة ال دين اتفق وا على أن قوله تع اىل َ :و ُ#ه #َ #و َمَع ُك ْم أَيْ َن َما ُكْنتُ ْم َو ُ
بَ ِص ٌير [ احلديد ، ]4 :ليس معناه أنه خمتلط باملخلوقات وحال فيها ،وال أنه بذاته
يف كل مكان ،بل هو سبحانه وتعاىل على عرشه ومع كل شيء بعلمه وقدرته
،فاهلل س بحانه مع العبد أينما ك ان ،يس مع كالمه وي رى أفعاله ويعلم س ره
وجنواه ،رقيب على خلقه مهيمن عليهم ( ، )4وق ال ابن من ده ( :هو س بحانه
وتعاىل موصوف غري جمهول وموجود غري مدرك ،ومرئي غري حماط به ،لقربه
كأنك ت راه ،وهو يس مع وي رى وهو ب املنظر األعلى ،وعلى الع رش اس توى ،
فالقلوب تعرفه والعقول ال تكيفه وهو بكل شيء حميط ) ( ، )5ومن معاين املبني
1تفسري أمساء اهلل للزجاج ص ، 54وجامع البيان ، 10/17وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص . 297
2لسان العرب . 13/398
3السابق . 13/399
4السابق ، 13/399وانظر تفسري أمساء اهلل للزجاج ص ، 55وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص 298
.
5انظر ه ذا املعىن يف املواضع اآلتية :احلقيقة واجملاز البن تيمية ، 471 / 20وانظر له أيضا :الرس الة
التدمرية ص ، 14واحمللى لابن ح زم ، 1/34وإعالم املوقعني لابن القيم ، 3/218وحز الغالصم يف
إفحام املخاصم عند جريان النظر يف أحكام القدر البن حيدرة . 2/39
()48
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
-38الحي :
احلي يف اللغة صفة مشبهة للموصوف باحلياة ،فعله َح َّي حَيَ ُّي حياة ،قال سبحانه
نقيض امليت ٍ
واحل ُّي من كل شيء ُ وتعاىل َ :ويَ ْحَيى َم ْن َح َّي َع ْن َبِّيَنة [ األنفالَ ، ]42 :
واحلي من النب ات ما
واحلي يطلق أيضا على كل متكلم ن اطق ُّ ، َ َحي اء ، واجلمع أ ْ
رب يقع على بيِن أ ٍ
َب كان أخضرا طريا يهتز ،واحلي أيضا هو الواحد من أَح ِ
ياء الع ِ
َ َ ْ َ ُّ
() 1
جيم ُع القبائل ،واحلي أيضا البطن من بطون العرب . ٍ
كثروا أم قلوا وعلى َش ْعب َ
واحلي س بحانه هو ال دائم يف وج وده الب اقي حيا بذاته على ال دوام أزال وأب دا ،ال
تأخذه سنة وال نوم ،وهذا الوصف ليس لسواه ،فأي طاغوت عبد
من دون اهلل إن ك ان حيا فحياته تغالبها الغفلة والس نات ،وإن قاومها
وأراد البق اء ع ددا من الس اعات ف إن الن وم ي راوده ويأتيه ،فضال عن
ك ون املوت يوافيه ،فال ينف رد بكم ال احلي اة ودوامها ب اللزوم إال احلي
القيوم ( ، )2قال ابن جرير الطربي ( :وأما قوله احلي فإنه يعين الذي له احلياة
الدائمة والبق اء ،ال ذي ال أول له حيد وال آخر له ميد ،إذ ك ان كل ما س واه
فإنه وإن ك ان حيا فلحياته أول حمدود ،وآخر م أمود ،ينقطع بانقط اع أم دها
وينقضي بانقضاء غايتها ) (. )3
واحلي سبحانه هو املتصف باحلياة كوصف ذات هلل ال يتعلق مبشيئته ،وإن تعلق
هبا فاإلحياء وصف فعله ،وملا كان كل ما سوى اهلل حياته قائمة على إحياء اهلل ،
وإحياء اهلل يدل بالضرورة على وصف احلياة ؛ على اعتبار أن احلياة الذاتية هلل هي
احلياة احلقيقية وكل من سواه يفىن أو قابل للفناء مبشيئة اهلل ،فإن اسم اهلل احلي دال
على الوصفني معا ،احلياة كوصف ذات واإلحياء كوصف فعل ،ومن هنا كانت
دعوة املوحدين إىل االعتماد على اهلل ألنه احلي الذي ال ميوت كما قال سبحانه :
وت [ الفرقان ، ]58 :واهلل عز وجل من أمسائه املقيدة ْح ِّي الَّ ِذي ال يَُم ُ
َ وَتَو َّك ْل َعَلى ال َ
احملي فلم ي رد يف الق رآن والس نة إال مض افا كما يف قوله ِ :إ َّن َذلِ َ #
#ك ل َُم ْحِيي ال َْم#ْ #وتَى
َو ُه#َ #و َعَلى ُك#ِّ #ل َش ْ #يٍء قَ #ِ #د ٌير [ ال روم ، ]50 :ف احملي اسم مقيد ي دل على ص فة احلي اة
ب اللزوم واإلحي اء بالتض من واهلل عز وجل هو احلي ال ذي حيي ومييت ،إن تعلق
وصف احلي اة باملش يئة ك ان اإلحي اء وصف فعله ،وإن مل يتعلق هبا ك انت احلي اة
1انظر يف معىن االسم :تفسري أمساء اهلل للزجاج ص ، 56واملقصد األسىن ص . 117
2لسان العرب ، 12/496واشتقاق أمساء اهلل ص ،105ومفردات ألفاظ القرآن ص . 690
3تفسري البيضاوي ، 1/555وتفسري القرطيب ، 3/272وتفسري ابن كثري . 1/309
()50
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ض َوَم ْن ِفي ِه َّن ) (. )1 السماو ِ
ات َواألَْر ِ َّ َ َ
-40العلي :
العلي يف اللغة ِفعيل مبعىن فاعل ،صفة مشبهة للموصوف ب العلو ،فعله عال يعلو ِ
عل وا ،والعلو ارتف اع املك ان أو ارتف اع املكانة ،فمن علو املك ان ما ورد عند
ت َ :وأَنْ#ِ # #ذْر َع ِش َ # #يرتَ َك ا َألق#َ # #ربِ َين
مس لم من ح ديث َُزهَرْيِ tأنه ق ال ( :لَ َّما َن َزلَ ْ
الَها َح َجًرا ثُ َّم نَ َادى :يَا بَِني َعْب ِد ض َمٍة ِم ْن َجَب ٍل َفَع َ
ال أَ ْع َ [الشعراء ]214 :اْنطََل َق نَِبي ِ
اهلل ِ Sإلَى َر ْ
مَنافَا ْه ِإنِّي نَ ِذير ) ( ، )2وعند البخاري من حديث أنس tمرفوعا َ ( :فع َ ِ
ال بِه ِإلَى ال َ
ْجبَّا ِر َ ٌ َ
ِ ِ ِ
َفَق َال َو ْهَو َم َكانَُه :يَا َر ِّب َخِّفف َعنَّا فَإن َّأمتي َال تَ ْسَتط ُيع َه َذا ) .
() 3
أما العلو مبعىن علو الرفعة واجملد أو الش رف واملكانة فكقوله تع اىل :فَال تَِهنُ ## # # #وا
واسَت ْعَلى الرجل عال وعال يف األرض ْ السلِْم َوأَْنتُ ُم ا َأل ْعَل ْ#و َن [ حممدَ ، ]35 : َوتَ ْد ُعوا ِإلَى َّ
() 4
والعال الرفعة والشرف .
والعالء ُ
والع َلياء كل مكان مشرف َ ،
وتكرب َ ،
والعلي يف أمساء اهلل هو ال ذي على بذاته ف وق مجيع خلقه ،فاسم اهلل العلي دل
على علو ال ذات والفوقية ،وكثري من ال ذين ش رحوا األمساء ح اولوا بكل س بيل
تفسري العلو ال ذي دل عليه امسه العلي بعلو املكانة واملنزلة فقط ؛ إما هربا من
إثبات علو الذات والفوقية أو تعطيال صرحيا له (. )5
والذي عليه السلف الصاحل من الصحابة والتابعني واألئمة األجالء املتبعني أن اهلل
عز وجل ع ال على عرشه بذاته ،وبكيفية حقيقية معلومة هلل جمهولة لنا ،ال
ينازع أحد منهم يف ذلك ،وال مينع أن يسأل عن ربه أين هو ؟ وأدلة الكتاب
والس نة تش هد بال لبس أو غم وض على ذلك ،ودائما ما يق رتن اسم اهلل العلي
بامسه العظيم وأيضا عندما يذكر العرش والكرسي ،ففي آية الكرسي أعظم آية
س# #ماو ِ ِ ِ
ودُهض َوال َي#ُ #ؤ ُ
ات َواألَْر َ يف كت اب اهلل بعد أن ق ال تع اىل َ :وسَ # #ع ُكْرس# #يُُّه ال َّ َ َ
الع ِظيم [ البقرة ، ]255 :وملا ذكر علوه فقال : ِحْفظُهما ، قال :وهو ِ
العل ُّي َ
َ َُ َ َُ
#ق ، ذكر بعده العرش بكرمه وسعته فقال :ال ِإلَ#َ #ه الح ُّ
#ك َ# ِ
الملُ #
َ فَتَع##الَى اهلل َ
الع#ْ #ر ِش ال َ#ك ِريم [ املؤمنون ، ]116 :وملا ذكر إعراض اخللق عن عبادته ب َ ِإال ُ#ه َ#و َر ُّ
1دليل التم انع دليل مش هور بني املتكلمني وهو حق يف إثب ات توحيد الربوبية ،انظر ملع األدلة يف قواعد أهل
السنة ص ، 99والغنية يف أصول الدين ص ، 67وشرح العقيدة الطحاوية ص . 87
2انظر :تفسري ابن جرير ، 15/91والدر املنثور ، 5/288وتفسري الواحدي . 635 /2
3مسلم يف كتاب املساجد ،باب حترمي الكالم يف الصالة . )537 ( 381 /1
()52
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
اعتبار له عندهم ،ولذلك فإن عقيدة السلف تفرق بني نوعني من املكان :
األول :ما ك ان حمص ورا باحملاور الفراغية املعروفة يف حميط املخلوق ات املش هودة
والذي خيضع ألحكامنا العقلية وألقيستنا املنطقية ،فمكان الش يء حيدد يف املقاييس
احلديثة باعتب ار ثالثة حماور رئيس ية متعام دة ،اثن ان ميثالن املس توى األفقي املوازي
لس طح األرض والث الث ميثل االرتف اع عن ذلك املس توى ،وأجس ام ال دنيا حيدد
مكاهنا مبدى االرتف اع يف احملور الرأسي عن مس توى احملورين األفق يني ،والشك أن
ه ذه املق اييس املكانية ال تص لح حبال ما يف قي اس ما هو خ ارج عن حميط الع امل ،
فضال عن قياس األشياء الدقيقة كاإللكرتون يف دورانه حول نواة الذرة فقد ثبت أن
حماوره أكثر من ثالثة بكثري .
الث##اني :يراد ب ه املكان الغييب الذي خيرج عن مداركنا وال نعلم خصائصه لصعوبة
ذلك علينا ،واملكان هبذا االعتبار حق موجود وال خيضع حبال من األحوال ملقاييس
املكان يف حسابات املخلوقني ،فال ميكن للمتكلمني أن يطبقوا هذه املقاييس على
ملك املوت عن دما ي أيت لقبض األرواح مع أنه خمل وق له ذات وكينونة منفص لة ،
وهو مع ذلك ال حيجبه ب اب وال ج دار ،وال مينعه جب أو ق رار كما ق ال رب
شيَّ َدٍة [ النس اء]78 : ت َولَْو ُكْنتُ ْم ِفي ُبُر ٍ
وج ُم َ العزة واجلالل :أَْيَن َما تَ ُكونُوا يُ ْدِر ْك ُك ُم َ
المْو ُ
،فملك املوت خمل وق وال خيضع يف مكانه وزمانه ملقاييس نا اليت يري دون هبا احلكم
على اس تواء اهلل على عرشه ،ومن مث ال يص لح أن مننع داللة اآلي ات واألح اديث
وحنول معىن اسم اهلل العلي من علو الفوقية إىل علو الرتبة واملنزلة حبجة أننا لو
أثبتناها لك ان اهلل يف مك ان فعلو الش أن ث ابت بداللة امسه األعلى وعلو القهر ث ابت
بداللة امسه املتعال .
والرس ول Sملا ق ال للجارية :أين اهلل ؟ علم Sأن أين للمك ان ويعلم ل وازم قوله
ولو ك ان يف ذلك خطأ وتش بيه وجتس يم كما ي دعي البعض ما س أل اجلارية بلفظ
حيتمل معن اه اخلالف ودواعي االختالف ،واجلارية ملا ق الت :اهلل يف الس ماء تعين
العلو وش هد هلا رس ول اهلل Sباإلميان ،فال إش كال عند املوح دين العقالء يف فهم
حديث اجلارية وقوهلا إن اهلل يف السماء ،واألمر واضح جلي ظاهر ،فأي اع رتاض
على ذلك إمنا هو اعرتاض على رسول اهلل . S
وعلو الفوقية أو علو ال ذات ال ذي دل عليه امسه العلي ث ابت على احلقيقة بالكت اب
والسنة وإمجاع األنبياء واملرسلني وأتباعهم ،فهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه
()53
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ب ائن من خلقه ،ال ش يء من ذاته يف خلقه ،وال خلقه يف ش يء من ذاته ،وهو
من ف وق عرشه يعلم أعم اهلم ويس مع أق واهلم ويرى أفع اهلم ال ختفى منهم خافية ،
واألدلة يف ذلك أك ثر من أن حتص ى وأجل من أن تستقص ى ،والفط رة الس ليمة
والنف وس املس تقيمة جمبولة على اإلق رار ب ذلك ،وس يأيت ب إذن اهلل تع اىل املزيد عند
احلديث عن داللة األمساء على الصفات ،لكن جل األدلة بقرائنها جتعل املعىن الذي
دل عليه اسم اهلل العلي هو علو ال ذات والفوقية ،ق ال ابن خزمية ( :واهلل قد
وصف نفسه يف غري موضع من تنزيله ووحيه ،وأعلمنا أنه العلي العظيم ،أفليس
العلي يا ذوي احلجا ما يك ون عليا ال كما ت زعم املعطلة اجلهمية أنه أعلى وأس فل
ووسط ومع كل ش يء ويف كل موضع من أرض ومساء ،ويف أج واف مجيع
احليوان ،ولو تدبروا آية من كتاب اهلل ووفقهم اهلل لفهمها ؛ لعقلوا أهنم جهال ال
يفهمون ما يقولون ،وبان هلم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم ) (. )1
-41العظيم :
كرب
يعين األَمرَ ظم َي ْعظم ِعظما َ يم يف اللغة صفة مشبهة ملن اتصف بالعظمة ،فعله َع ُ الع ِظ
َ
ظم َع
ُْ ُ ُ ِ ْ َ َْأو ، هلا عظم ي مة ر ح َي
أ ِ
َّاس
الن عند
َ ظمةع
َ ولفالن ، وارتفع شأنه وعال واتسع
لت ِ ِ ِ ِ
ض ْ والعظيم ة النازل ة الش ديدة واملل َّمة إذا أ َْع َ فخم ه ،والتعظيم التَّْبجي ل َ ، ظم ه َّ وع َ َ
بالعظمة فهو ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ف العبد َ املذموم وجَتَربه ،وإذا ُوص َ
ظمة العبد كبُْره (ُ )2 وع َِ
ظمة الكرْب ياء َ ، والع َ
َ
ذم ألَن العظمة يف احلقيقة هلل عز وجل ،وعند البخاري يف األدب املفرد وصححه ٌّ
#ال ِفي ظم ِفي َنْف ِسِه أَ ِو ْ ِ
اخَت َ األلباين من حديث ابْ َن ُع َمَر )3( tأن رسول اهلل Sقال َ ( :م ْن َتَع َ
اهلل َو ُهَو َعَلْيِه َغ ْضَبا ُن ) . ِ ِِ ِ
م ْشَيته لَق َي َ
قدُره حدود العقل وجل عن تَصور ِاإلحاط ُة جاوَز ْ
َ واهلل عز وجل هو العظيم الذي
يقته ،فهو العظيم الواسع ،الكبري يف ذاته وص فته ،فعظمة ال ذات دل بكْنِه ه وحِق ِ
َ
عليها كثري من النص وص منها ما ورد عند ابن حب ان وص ححه األلب اين من
ح ديث أيب ذر tأن النيب Sق ال ( :ما الس## # #ماوات الس## # #بع في الكرسي إال كحلقة
ب ## #أرض فالة ،وفضل الع ## #رش على الكرسي كفضل تلك الفالة على تلك الحلقة ) (، )4
وقد صح عن ابن عباس tموقوفا ( :الكرسي موضع الق#دمين والع#رش ال يق#در ق#دره
ه واه أو اس تجاب لش يطانه ومتادى يف جرم ه وعص يانه فقتل مائة نفس
وارتكب كل إمث وأراد التوبة والغف ران ت اب عليه الت واب ،وب دل له
ع دد ما ف ات من الس يئات بنفس أع دادها حس نات ،ق ال تع اىل :
#ورا َر ِح ًيما [ الفرق ان، ]71 : ٍ ِ
ِّل اهلل َسِّ# #يَئاتِه ْم َح َسَ# #نات َو َك##ا َن اهلل َغُفً # فَأُْولَِئ َ #
#ك ُيَب ##د ُ
ِ ٍِ
ولت َر ُس َ وروى الرتم ذي وحس نه األلب اين من ح ديث أَنَس بْن َمال ك قَ َال :مَس ْع ُ
#ك َعَلى َما َ#ك#ا َن ك َما َد َع#ْ #وتَِني َوَر َ#ج ْ#وتَِني َغَف#ْ #ر ُ
ت لََ # آدَم ِإنَّ َ ول ( :قََ #
#ال اهلل :يَا ابْ َن َ اللَِّه َ Sيُق ُ
ِ
َك َو َال أُبَالي تلَ اسَت ْغَفْرتَِني َغَفْر ُ ِ ِ ِ
السَماء ثُ َّم ْ
ك َعَنا َن َّ ت ُذنُوبُ َ
آدَم لَْو َبَل َغ ْ
يك َو َال أُبَالي ،يَا ابْ َن َ ف َ
ض َخطَايَا ثُ َّم لَِق َيتِني َال تُ ْشِ #ر ُك بِي َشْ#يًئا َألَتْيتَُ #
#ك بُِقَرابَِها اب األَْر ِك لَ#ْ #و أََتْيَتِني بُِق##ر ِ
َ آدَم ِإنَّ َ
،يَا ابْ َن َ
َم ْغِفَرًة ) .
() 6
1زاد املسري ، 9/268األمساء والصفات للبيهقي ص ، 29وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزجاج ص . 57
2لسان العرب ، 3/259النهاية يف غريب احلديث . 3/52
3البخاري :كتاب التفسري ،باب وامرأته محالة احلطب . 4/1903
4بيان تلبيس اجلهمية . 1/511
()67
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
أي) اقصد فالن ،فالصمد السيد الذي يصمد
(1
الصمد القصد يقال :اصمد فالن
إليه يف األمور ويقصد يف احلوائج ) .
وخالصة املعاين يف الصمدية أن الصمد هو السيد الذي له الكمال املطلق يف كل
ش يء ،وهو املس تغني عن كل ش يء ،وكل من س واه مفتقر إليه يص مد إليه
ويعتمد عليه ،وهو الكامل يف مجيع ص فاته وأفعاله ،ال نقص فيه بوجه من
الوج وه ،وليس فوقه أحد يف كماله ،وهو ال ذي يص مد إليه الن اس يف
ح وائجهم وس ائر أم ورهم ف األمور أص مدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه ال يقض ي
فيها غريه ،وهو املقصود إليه يف الرغائب واملستغاث به عند املصائب الذي يطعم
طعم ومل يلد ومل يولد (. )2 وال يَ َ
-52القريب :
ب يف اللغة القريب يف اللغة فعيل مبعىن اسم الفاع ل يدل على صفة القرب ،والُق ْر ُ
قريب ،والقرب يف اللغة وقربانا أَي َدنا فهو ٌ ب ْقربا ْ قر ُ
ب الشيء يَ ُ نقيض ُالبعْ د ُ ،قر َ ُ
ِ
س فَال َيْقَربُ#وا على أنواع ،منه قرب املكان كقوله تعاىل :إنََّما ال ُْم ْشِ #ركو َن نَ َج ٌ
#ذا [ التوبة ، ]28 :وقرب الزمان حنو قوله : ْح َ#ر َام َبْع َ#د َع ِ#امِه ْم َه َ ِ
الَْم ْس#ج َد ال َ
وعُ #دو َن [ األنبي اء ]109 :وقد يكون القرب يف يب أَْم بَِعيٌ #د َما تُ َ َوِإ ْن أَ ْدِري َأقَِ #ر ٌ
ص#يب ِم َّما َت#ر َك الْوالَِ #د ِ
ِ ِ
ان َواألقَْربُ#و َن [ النساء]7 : َ َ النسب نحو قوله :ل ِّلر َج ِال نَ ٌ
،وك ذلك من مع اين الق رب ق رب احلظ وة واملنزلة حنو قوله :فَأََّما ِإ ْن
َكا َن ِم ْن ال ُْمَقَّربِين َفَرْو ٌح َوَرْي َحا ٌن َو َجَّنُة نَِع ٍيم [ الواقعة. )3( ]88/89 :
والقريب سبحانه هو الذي يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء ،وهو القريب
ب ِإلَْي#ِ #ه ِم ْن
من فوق عرشه أقرب إىل عباده من حبل الوريد كما قال َ :ونَ ْح ُن أَ ْ#ق َ#ر ُ
َك ْن ال حب#ِ #ل الْوِري #ِ #د [ ق ، ]16:وق ال س بحانه أيضا :ونَحن أَ ْق##رب ِإلَي#ِ #ه ِمْن ُكم ول ِ
َْ َ ُْ َ ُ ْ َْ َ
ُتْب ِصُ#رو َن [ الواقعة ، ]85 :والقرب يف اآليتني إما أن يكون على حقيقته باعتبار ما
ورد عن ابن عباس tحيث قال ( :ما الس#موات الس#بع واألرض#ون الس#بع في يد اهلل
إال كخردلة في يد أح ##دكم ) ( ، )4وروى ابن حب ان وص ححه األلب اين من ح ديث
أيب ذر tأن النيب Sقال ( :ما الس#ماوات الس#بع في الكرسي إال كحلقة ب#أرض فالة ،
1زاد املسري . 9/268
2األمساء والص فات لل بيهقي ص ، 78وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزج اج ص ، 57واملقصد األسىن ص
.199
3لسان العرب ، 1/662واملفردات ص ، 663واشتقاق أمساء اهلل ص .146
4تفسري ابن كثري . 3/296
()68
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
وفضل الع ## #رش على الكرسي كفضل تلك الفالة على تلك الحلقة ) ( ، )1فه ذا ق رب
مطلق بالنسبة هلل عز وجل ألنه ق ريب غري مالصق ،واملخلوق ات كلها بالنسبة إليه
تتقارب من صغرها إىل عظمة ذاته وصفاته ،وهو بعيد غري منقطع بالنسبة ملقاييسنا
،فال يقدر أحد على إحاطة بعد ما بني العرش واألرض من سعته وامتداده ،قال
ابن من ده يف وصف ق رب اهلل ( :لقربه كأنك ت راه ق ريب غري مالصق وبعيد غري
منقطع ،وهو يسمع ويرى وهو باملنظر األعلى وعلى العرش استوى ) (. )2
وقد يك ون الق رب ق رب املالئكة ألنه ذكر يف س ياق اآلية قرينة ت دل على ق رب
املالئكة حيث ق ال :ونَحن أَْ#ق##رب ِإلَي#ِ # #ه ِمن حب#ِ # #ل الْوِري#ِ # #د ِإ ْذ يَتَلَّقى الْمَتَلقيِ # #
#ان َع ِن الَْيِم ِ
ين َو َع ِن ُ َ َ َ ْ ُ َ ُ ْ ْ َْ َ
الشَم ِال قَِعي ٌد [ ق ، ]16/17 :فيجوز هنا أن يكون القرب قرب امللكني ،وأما القرب ِّ
الوارد يف آية الواقعة فهو مقيد حبال االحتضار ألن الذي حيضر وقتها املالئكة ،كما
قال سبحانه َ :حتَّى ِإ َذا َج َاء أ ََح َد ُك ُم الَْمْو ُت َتَوَّفْتُه ُر ُسلَُنا [ األنعام ، ]61 :كما أن قوله
وأنتم ال تبصرون فيه دليل على أهنم املالئكة ،إذ يدل على أن هذا القريب يف نفس
املك ان ولكن ال نبص ره ( ، )3فاهلل عز وجل ق ريب من ف وق عرشه ،عليم بالس رائر
يعلم م ا تكنه الضمائر ،وهو قريب بالعلم والقدرة يف عامة اخلالئق أمجعني
،وقريب باللطف والنصرة وهذا خ اص باملؤمنني ،من تقرب منه شربا تقرب
منه زراعا ،ومن تق رب منه زراعا تق رب منه باعا ،وهو أق رب إىل العبد من عنق
راحلته ( ، )4وهو أيضا ق ريب من عب ده بق رب مبالئكته ال ذين يطلع ون على س ره
ويصلون إىل مكنون قلبه (. )5
-53المجيب :
تجابة، )6
(
اجمليب يف اللغة اسم فاعل ،فعله أج اب جييب جوابا وإجابة واس
واإلجابة ص دى الكالم أو ترديده ،أو احملاورة يف الكالم ورد الس ؤال ،
1صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ، )361 ( 2/77قال األلباين :ال يصح يف صفة الكرسي غري هذا احلديث
،انظر السلسلة الصحيحة . )109 ( 1/223
2خمتصر العلو ص . 264
3جمموع الفتاوى ، 19 /6 ، 5/502والقواعد املثلى لابن عثيمني ص . 65
نْدِ ظَ ِّن عب دي ِبِي َ ،وأَنَا َمَع ُه ِإَذا
ٍ ولِ َّاللُهِ َتَع اىَلٍ أَنَا ِع َ
مرفوعا َ ( :يُق ُ ِ عند البخ ِاري ِ ِ 4انظر ح ديث أيب هري رة t
ِ ِ ِ
َذ َكَرنِي ،فَِإ ْن َذ َكَِرنِي في َنْفسه َذ َكْرتُ ُه فيِ َنْفسي َ ،وإ ْن َِذ َكَرني في َمأل ِ َذ َكْرتُُِه في َمأل خَرْي مْنُه ْم َ ،وإ ْن َتَقَّر َ
ب ِ ٍ ِ
اعا َ ،وِإ ْن أَتَاني مَيْشى أََتْيُت ُه َهْرَولَ ًة ) ،وحديث أَىِب
ِ ِ ِ ِ ِ ت ِإلَيْه بَ ًب ِِإىَلَّ ذَر ًاعا َتَقَّرْب ُ ِإىَلَّ بِشرْبٍ َتَقَّرْب ُ
ت ِإلَْيه ذَر ًاعا َ ،وِإ ْن َتَقَّر َ
ِ ِ َّ
َحد ُك ْم ) .
َحد ُك ْم م ْن ُعُنق َراحَلة أ َ ب إىَل أ َ وسى tأن رسول اهلل Sقَ َال َ ( :والذي تَ ْد ُعونَُه أَْقَر ُ ُم َ
5انظر طريق اهلجرتني ص ، 44واجتماع اجليوش اإلسالمية ص ، 68وجامع البيان .2/92
6لسان العرب . 1/283
()69
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ت ِعْ#ق ِ#دي
ش َة رضي اهلل ِعنها أهنا قالت َ ( :وَ(و#َ1ج) ْ#د ُ َ وعند البخاري من حديث عائِ
ِ ِ َ
يب ) ،واإلجابة س بَِها مْنُه ْم َد ٍ
اع َو َال ُمج ٌ َ َي
ْلوَ م
ْ َه
ُ لزت َمَن## #ا ِ
ش فَجْئ ُ
ْجْي ُ
َبْعَ # #د َما ا ْس َ# #ت َمَّر ال َ
ك ذلك إجابة احملت اج بالعطية والن وال ،وإعط اء الفقري عند الس ؤال ،فللمجيب
معنيان إجابة السائل بالعلم ،وإجابة النائل باملال (. )2
والعط اء ،وهو اجمليب ؤال وال دُّعاء ب الَقبُول َ وامل ِجيب س بحانه هو ال ذي يُقابِل الس َ
ال ُذي جييب املض طر إذا دع اه ويغيث املله وف إذا ن اداه ،ويكشف الس وء عن
عب اده ويرفع البالء عن أحبائه ،وكل اخلالئق مفتق رة إليه ،وال ق وام حلياهتا إال
ض َ َ عليه ،ال ملجأ هلا منه إال إليه ،ق ال تع اىل :يَ ْس# #أَل ُُه َم ْن ِفي ال َّ
س# #ماو ِ
ات َواألَْر ِ
() 3
ُك َّل َيْوٍم ُهَو ِفي َشأ ٍْن [ الرمحن ، ]29 :فجميع اخلالئق تصمد إليه وتعتمد عليه
،وشرط إجابة الدعاء صدق اإلميان والوالء ،فاهلل حكيم يف إجابته ،قد يعجل
أو يؤجل على حسب السائل والسؤال ،أو يلطف بعبده باختياره األفضل لواقع
احلال ،أو ي دخر له ما ينفعه عند املصري واملآل ،لكن اهلل تع اىل جييب عب ده
حتما وال خييب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلني :
#ان فَ َلي ْسَ# #ت ِجيبُوا لِي َّاع ِإ َذا َد َع ِ # يب أ ُِج #ادي َعنِّي فَ ِ##إنِّي قَ ِ ##رَك ِعبِ ##
ِ
يب َد ْع #َ #وَة ال ##د ِ
ُ ٌ َِ وِإ َذا َس ##أَل َ َ
ِ َولُْيْؤمنُ#وا بِي لََعلَُّه ْم َيْر ُشُ #دو َن [ البقرة ، ]186 :وقال َ :وقَ َ
ب #ال َربُّ ُك ُم ا ْد ُع#وني أَ ْسَ#تج ْ
لَ ُك ْم ِإ َّن الَِّذ َين يَ ْسَ# #ت ْكِبُرو َن َع ْن ِعَب #َ #ادتِي َسَ# #ي ْد ُخلُو َن َجَهن ََّم َد ِ#اخِ #ر َين [ غ افر ، ]60 :ومن
اهلل Sق ال َ ( :ما ِم ْن َر ُج#ٍ #ل يَ #ْ #د ُعو اللََّه بُِ # #د َع ٍاء ِإ َّال ح ديث أَبِي هريْرَة tأن رس ول ِ
ِ ِ
َُ َُ َ
اآلخ َرة َ ،وِإَّما أَ ْن يُ َكَّفَر َعْن ُ#ه َّخَر لَ ُ#ه في # الدْنَيا َوِإَّما أَ ْن يُ#د َ
يب لَُه ،فَِإَّما أَ ْن ُيَع َّج َل ل َُه في ُّ ِْ
استُج َ
ول اللِ #ه ع بِِ#إثٍْم أَْو قَ ِط َيع ِ#ة َر ِحٍم أَْو يَ ْسَ#تْع ِج ُل ،قَ#الُوا :يَا َر ُسَ # م ْن ُذنُوبِِه بَِق ْدِر َما َد َعا َما ل َْم يَ ْ#د ُ
ِ
اب لي ) (. )4 اسَت َج َ ت َربِّي فَ َما ْ ول َد َعْو ُ ف يَ ْسَتْع ِج ُل ؟ قَ َال َ :يُق ُ َو َكْي َ
-54الغفور :
الغفور يف اللغة من صيغ املبالغة على وزن فعول اليت تدل على الكثرة يف الفعل فعله
الغف ِر التغطية والسرت ،وكل ش يء س رتته فقد غفر يغفر غف را ومغف رة ،وأَصل َ
غفرته واملغفر غط اء ال رأس ،واملغف رة التغطية على ال ذنوب والعفو عنها ،غف َر اهلل
اهلل Sقال :ذنوبه أَي سرتها ( ، )1وعند البخاري من حديث ابن عمر tأن رسول ِ
َُ
ب
َ ن
ْذَ ف
ُ ِ
ر ع
# ت
ََْ
أ ؟ اذَ ك
ب َ# #ول أََتْ#ع ِر ُ
ف َذنْ َ اهلل يُ ْدنِي ال ُْمْؤِم َن َفَي َ
ضُ #ع َعَلْي ِ#ه َكَنَف ُ#ه َويَ ْسُ#تُرُه َ ،فَيُق ُ ( ِإن َ
#ال :
#ك ،قَ َ # ب َ ،حتَّى ِإ َذا َق#َّ #رَرُه بِ ُذنُوبِ #ِ #ه َوَرأَى ِفي َنْف ِسِ# #ه أَنَُّه َهَل َ # #ول َ :نَع ْم أَ ْ
ي َر ِّ َكَ ##ذا ؟ َفَيُقُ #
#افُر َوال ُْمَن ِ#افُقو َن
َك الْيوم َفيعطَى ِكَتاب حسَناتِِه ،وأََّما اْل َك ِ
َ َ َ َ
ِ
الدْنَيا َوأَنَا أَ ْغفُر َها ل َ َ ْ َ ُ ْ ك ِفي ُّ َسَتْرُتَها َعَلْي َ
اهلل َعَلى الظَّالِ ِم َين ) .
() 2 الذين َك َذبوا َعَلى ربِِّهم أَ َال لَْعَن ُة ِ ِ ِ
َ ْ َشَه ُاد َهُؤ َالء َ ُ ول األ ْ َفَيُق ُ
والغف ور س بحانه هو ال ذي يسرت العي وب ويغفر ال ذنوب ،ومهما بلغ ال ذنب أو
تك رر من العبد وأراد الرج وع إىل ال رب ف إن ب اب املغف رة مفت وح يف كل وقت ،
واسم اهلل الغف ور ي دل على دع وة العب اد لالس تغفار بنوعيه ،الع ام واخلاص ،
فاالستغفار من العبد على نوعني :
األول :االستغفار العام وهو االستغفار من صغائر الذنوب ،وما يدور من خواطر
السوء يف القلوب ،فالقلب فيه منطقتان :منطقة حديث النفس ومنطقة الكسب ،
فمن املنطقة األوىل خترج اخلواطر اليت تتطلب االس تغفار الع ام ،وهي خ واطر
النفس األم ارة كما ورد يف قوله س بحانه وتع اىل َ :وَما أَُب#ِّ #ر ُئ َنْف ِس #ي ِإ َّن
#ور َر ِح ٌيم [ يوس ف ، ]53 :وعند ِ النْفس ألََّمارٌة بِال ُّ ِ
س# # # #وء ِإال َما َرح َم َربِّي ِإ َّن َربِّي َغُفٌ # # # َّ َ َ
#وب ِإلَْي ِ#ه ِ ِ
اهلل َوأَتُ ُ اهلل S)3قال َ ( :واهلل ِإنِّي َأل ْسَ#ت ْغفُر َ البخاري عن أَبي ُهَريَْرَة tأن رسول
ِفي الَْي#ْ # # # # #وِم أ َْكَث#َ # # # # #ر ِم ْن َسْ# # # # # #بِع َين َم#َّ # # # # #رًة ) ( ،وعند مس لم من ح ديث ا َألغ ِّر
َزنِي اْل ُم
ٍ () 4 ِ ِ ِ ِ ِ
ال ِ ( :إنَُّه لَُيغَا ُن َعَلى َقْلِبي َوِإنِّي َأل ْسَ#ت ْغفُر َ
اهلل في الَْي ْ#وم مائََ #ة َم َّ#رة ) ول اهلل Sقَ َِ tأ ََّن َر ُس َ
.
الث##اني :االستغفار اخلاص وهو متعلق مبنطقة الكسب بعد تعمد الفعل واق رتاف اإلمث
آخ#َ #ر َوال اهلل ِإلَه# #اً َ يف اللس ان واجلوارح كقوله تع اىل :وال #ِ #ذين ال ي #ْ #د ُعو َن م##ع ِ
ََ َ َ َ
ف
اع ْضَ # ْح ِّق َوال َيْزنُ#و َن َوَم ْن َيْفَع ْ#ل َذلِ َ
#ك َيْل َ#ق أَثَام#اً يُ َ اهلل ِإال بِ#ال َ
س التي َح َّ#رَم ُ
ِ
النْف َ َيْقُتلُ#و َن َّ
ِّل ص#الِحاً فَأُولَِئ َ
#ك ُيَب#د ُ ال َ#ل َع َم ً ِ
آم َن َو َعم َ#اب َو َ
ِِ ِ ِ
اب َي ْ#وَم الْقَي َام#ة َويَ ْخلُ ْ#د في#ه ُمَهان#اً ِإال َم ْن تَ َ
ل َُه الَْع َذ ُ
اهلل َغُفوراً َر ِحيماً [ الفرقان. ]70 : ٍ ِ
اهلل َسِّيَئاتِه ْم َح َسَنات َو َكا َن ُ ُ
واهلل عز وجل خلق البشر ب إرادة ح رة خمرية بني احلق والباطل واخلطأ والص واب
وأعلمهم أنه الغف ور الت واب ،ليظهر هلم الكم ال يف أمسائه وحيقق فيهم مقتضى
أوصافه لتعود املنفعة عليهم ألنه الغين عنهم أمجعني ،روى الرتمذي وحسنه األلباين
ِ
آدَم َخطَّ ٌاء َو َخْي#ُ #ر اْل َخطَّائ َ
ين #ل ْاب ِن َ من ح ديث أنس بن مالك tأن النيب Sق ال ُ ( :كُّ #
التََّّوابُ##و َن ) ،وعند مسلم من حديث أَبِي أَيُّ
() 1
وب tأن رسول اهلل Sقال ( :لَ#ْ #و َ
وب َي ْغِفُرَها لَُه ْم ) (. )2 ٍ ِ
اهلل بَِقْوم لَُه ْم ُذنُ ٌ َج َاء ُ
اهلل لَ ُك ْم ل َ أَنَّ ُك ْم ل َْم تَ ُك ْن لَ ُك ْم ُذنُ ٌ
وب َي ْغفُر َها ُ
-55الودود :
املودة ،فعله َوَّد الشيء ُوّدا و ِوّدا الود مصدر َّ الودود يف اللغة من صيغ المبالغة ،و ُّ
ٍ
#ف َس َ#نة َوَما ُ#ه َ#و وو َّدا ،وال ود مبعىن األمنية ومنه قوله تع اىل َ :ي#َ #و ُّد أ َ
َحُ #د ُه ْم لَ#ْ #و ُيَع َّمُر أَْلَ # َ
الود أيضا مبعىن المحبة كما يف قوله : ِ
بِ ُمَز ْحزحه م َن الَْع َذاب أَ ْن ُيَع َّمَر [ البقرة ، ]96 :و ُّ
ِ ِ ِ ِ
#اد اللََّه َوَر ُس#ول َُه َولَ ْ#و َك#انُوا آبَ َ#اء ُه ْم أَْو ال تَ ِج ُد َقوماً يْؤِمنو َن بِاللَِّه والْيوِم ِ
اآلخ ِر ُي َ#وادُّو َن َم ْن َح َّ َ َْ ْ ُ ُ
ِ
أَْبَن َ#اء ُه ْم أَْو ِإ ْ#خ َ#واَنُه ْم أَْو َعشَ #يرَتُه ْم [ اجملادلة ، ]22 :والودود يف اللغة أيضا قد يأيت على
معىن املعية واملرافقة واملص احبة كالزم من ل وازم احملبة ،كما ورد عند مس لم من
اهلل بْ ِن ِد َين ا ٍر َع ْن اب ِن ُعم ر ( : tأ َّ
َن َر ُجال ِم َن ا َأل ْع##ر ِ
اب لَِقَي#ُ #ه بِطَِري#ِ #ق َمكَ #ة ، ْد ِ حديث عب ِ
َ ََ َ
ت َعَلى َرْأ ِسِه َ ،فَق َ
#ال ْاب ُن اهلل َو َح َمَل ُه َعَلى ِح َما ٍر َكا َن َيْر َكبُُه َوأَ ْعطَ ُاه ِع َم َامًة َكانَ ْفَسلم َعَلْيِه َعْب ُد ِ
َ َ
ِ
َّ ِ ِ
#ال َعْبُ #د اهلل :إن أَبَا َهَ #ذا ِ ِ
ض ْ#و َن بالَْيس #ير َ ،فَقَ # َِّ
اب َوإنُه ْم َيْر َ َِّ
اهلل إنُه ُم ا َأل ْع#َ #ر ُ
ك ُ ِد َين##ا ٍر لَ#ُ #ه :أَ ْ
ص َ#ل َح َ
ِ ِ ِ اهلل َ Sيُق ُ ِ ول ِ اب َوِإنِّي َس ِمْع ُ َكا َن ُودًّا لُِع َمر ْب ِن اْل َخطَّ ِ
ول :إ َّن أََبَّر اْلب ِّ#ر صَ#ل ُة الَْولَ#د أ َْه َ
#ل ُو ِّد ت َر ُس َ (َ )3
أَبِ ِيه ) .
وال ودود س بحانه هو ال ذي حيب رس له وأولياءه ويتودد إليهم ب املغفرة والرمحة
فريضى عنهم ويتقبل أعم اهلم وي وددهم إىل خلقه فيحبب عب اده فيهم كما ق ال
ل لَُه ُم ال َّ#ر ْح َم ُن ُو ّداً [ مرمي: سبحانه وتعاىل ِ :إ َّن الَّ ِذين آمنُ#وا و َع ِملُ#وا ال َّ ِ ِ
ص#ال َحات َسَ#ي ْجَع ُ َ َ َ
ب اهلل الَْعْب َد َح
أ
َ َ َّاذِ
إ ( : قال S النيب أن t هريرة أيب ، ]96وعند البخاري من حديث
سَ #م ِاء ِإ َّن
#ل في أ َْه ِ#ل ال َّ ُ #ادي ِجْب ِري النًا فَأَحِبب ُ#ه َ ،في ِحُّبُه ِجب ِري#ل َ ،فيَن ِ
ُ ُ ْ ُ ْ ْ ب فُ َ #ل ِإ َّن اللَ #ه يُ ِح ُّ
َ نَ َادى ِجْب ِري
ض ) ( ، )4ق ال #ول في األَْر ِ س َ #م ِاء ،ثُ َّم يُو َ
ض ُ #ع لَ#ُ #ه اْلَقبُُ # #ل ال َّ النًا فَ #أ َِحبُّ ُ ِ
وه َفيُحبُُّه أ َْ#ه ُ ب فُ َ الل َ #ه يُ ِح ُّ
عبد اهلل بن عباس ( : tالودود احلبيب اجمليد الكرمي ) (. )5
1الرتمذي يف صفة القيامة )2499 ( 4/659وانظر صحيح اجلامع حديث رقم ( . )4515
2مس لم يف كت اب التوبة ،ب اب س قوط ال ذنوب باالس تغفار توبة ، )2748 ( 4/2105وانظر يف املعىن
اللغوي لسان العرب ، 3/453وكتاب العني ، 8/99واملفردات ص . 860
3مسلم يف الرب والصلة واألدب ،باب فضل صلة أصدقاء األب واألم وحنومها . )2552 ( 4/1979
4البخاري يف بدء اخللق ،وانظر النبوات البن تيمية ص . 76
5اجلامع الصحيح املختصر .4/1885
()72
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
واهلل عز وجل ودود يؤيد رس له وعب اده الص احلني مبعيته الخاصة ،فال خييب
رج اءهم وال ي رد دع اءهم وهو عند حسن ظنهم به ،وهو ال ودود لعامة خلقه
بواسع كرمه وسابغ نعمه ،يرزقهم ويؤخر العقاب عنهم لعلهم يرجعون إليه (، )1
قال ابن القيم ( :وأما الودود ففيه قوالن :أحدمها أنه مبعىن فاعل وهو الذي حيب
أنبياءه ورسله وأولياءه وعباده املؤمنني ،والثاين أنه مبعىن مودود وهو احملبوب الذي
يس تحق أن حيب احلب كله وأن يك ون أحب إىل العبد من مسعه وبص ره ومجيع
حمبوباته ) (. )2
-56الولي :
الية ، ال ويل يف اللغة ص يغة مبالغة من اسم الفاعل ال وايل ،فعله َوِلَي َيِلي ِو ً
والويل هو الذي يلي غريه حبيث يكون قريبا منه بال فاصل ،ويكون ذلك يف
املك ان أو النسب أو النس بة ،ويطلق ال ويل أيضا على الوالد والناصر واحلاكم
والسيد (. )3
ضِ #عيفاً أَْو ال #ق َس ِ#فيهاً أَْو َ والوالية تويل األمر كقوله تعالى :فَ ِ#إ ْن َ#ك#ا َن الَّ ِذي َعَلْي#ِ #ه ال َ#
ْح ُّ
يَ ْسَت ِط ُيع أ َْن يُِم َّل ُه َ#و َفلْيُ ْمِل ْ#ل َولِيُُّه بِالَْع ْ#دِل [ البقرة ، ]282 :وعند مسلم من حديث أيب
#اءُه بِ ِ#ه َوقَ ْ#د َولِ َي ِ هريرة tأن رسول اللَّه Sقال ِ ( :إ َذا صَنع أل ِ
َح#د ُك ْم َخادُم ُ#ه طََع َام ُ#ه ،ثُ َّم َج َ (َ َ َ )4
َحَّرُه َو ُد َخانَُه َ ،فلُْيْقِع ْدُه َمَع ُه َفلَْيْأ ُك ْل ) .
وال ويل س بحانه هو املَت َولي ألُُم ور خلقه ،الَق ائِم على ت دبري ملكه ،ال ذي ميسك
سَ #م َاء أَ ْن َتَق َ#ع
ك ال َّاألرض إال بإذنه كما قال سبحانه َ ويُْم ِسُ # السماء أن تقع على ُ
َّاس لَ#رء ٌ ِ َعَلى الأ َْر ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
يم [ احلج ، ]65 :وقال :أَفَ َم ْن ُ#ه َ#و وف َرح ٌ ض إال بإ ْذن#ه إ َّن اللَه بالن ِ َ
س بِ َما َك َسَب ْت [ الرعد ، ]33 :ووالية اهلل لعباده على وجهني : قَائِ ٌم َعَلى ُك ِّل َنْف ٍ
الوجه األول :الوالية العامة وهي والية اهلل لشئون عباده ،وتكفله بأرزاقهم وتدبريه
ألح واهلم ،ومتكينهم من الفعل واالس تطاعة ،وذلك بتيسري األس باب ونتائجها
وت رتيب املعل والت على عللها ،وتلك هي الوالية العامة اليت تقتضي العناية
والتدبري ،وتصريف األمور وتدبري املقادير ،فاهلل من فوق عرشه قريب من عباده
ب ِإلَْي#ِ #ه ِم ْن َحْب#ِ #ل
سُ #ه َونَ ْح ُن َأْ#ق َ#ر ُ
كما قال :ولََ#ق ْ#د َخَلْقَنا ا ِإلنْس#ا َن وَنْعَلم ما ُتوسِ #و ِ ِ
س ب##ه َنْف ُ
َ َ َُ َْ ُ َ
الَْوِريد ِ ّ [ ق. ]16 :
الوجه الث#اني :والي ة اهلل للمؤمنني وهي والية حفظ وتدبري سواء كان تدبريا كونيا
أو شرعيا فإن اإلرادة الكونية والشرعية عند السلف جتتمعان يف املؤمن وتفرتقان يف
الكافر حيث تتوافق إرادة املؤمن مع اإلرادة الشرعية والكونية معا ،والكافر خيالف
الش رعية ويوافق الكونية حتما ( ، )1فالوالية اخلاصة والية حفظ وعص مة ،وحمبة
ِ َّ ِ
ونصرة سواء كان يف تدبري اهلل الكوين أو الشرعي قال تعاىل :اهلل َول ُّي الذ َ
ين
ين َكَف ُ#روا أَْولَِي ُ#اؤ ُه ُم الطَّاغُ ُ
وت يُ ْخ ِر ُج#وَنُه ْم ِم َن النُّو ِر َّ ِ ِ ِ
آمنُوا يُ ْخ ِر ُجُه ْم م َن الظُّلُ َم#ات ِإلَى النُّو ِر َوالذ َ
َ
اب النَّا ِر ُه ْم ف َيها َخال ُ #دو َن [ البق رة ، ]257 :وش رط ه ذه ِ ِ ِ ِ
ِإلَى الظلُ َم##ات أُولَئَ #
ُّ
#ك أَ ْ
ص َ #ح ُ
#اء اللَِّه ال َخ ْ#و ٌ ِ
ف الوالية اإلميان وحتقيق اإلخالص واملتابعة ،قال تعاىل :أَال ِإ َّن أَْولَي َ
َعَلْيِه ْم َوال ُه ْم يَ ْحَزنُ#و َن الَِّذ َين َآمنُ#وا َو َك#انُوا َيَّتُق#و َن [ يونس ، ]63:وعند البخاري من
حديث أيب هريرة tمرفوعا ( :إن اللَّه قال :من عادى لي وليا فقد آذنته ب#الحرب ..
احلديث ) ( ، )2فوالية اهلل لعب اده املؤم نني مقرونة ب واليتهم ل رهبم ،ف واليتهم والية
س#ماو ِ ِ ِ ِ ِ
ات حفظ حلدوده والتزام بتوحيده ،قال تعاىل :قُ ْل أَ َغْيَر اللَّه أَتَّ #خ ُذ َولّي#اً فَ#اط ِر ال َّ َ َ
ض َو ُهَو يُطِْع ُم َوال يُطَْع ُم [ األنعام. )3( ]14 :
َواألَْر ِ
-57الحميد :
احلميد يف اللغة ص يغة مبالغه على وزن فعيل مبعىن اسم املفع ول وهو احملم ود ،
فعله محد حيمد محدا ،واحلمد نقيض ال ذم مبعىن الش كر والثن اء ،وهو المكاف أة
حتمد
كر ,ألنّك َ على العمل واحلمد والش كر ُمَتقارب ان لكن احلمد َأع ُّم من الش
الذاتِّية وعلى عطائه وال تَ ْش ُكره على ِصفاته (. )4 اإلنسان على ِصفاته َّ
ق ال ال راغب ( :احلمد أخص من املدح وأعم من الش كر ،ف إن املدح يق ال فيما
يك ون من اإلنس ان باختي اره ،وما يق ال منه وفيه بالتس خري ،فقد ميدح اإلنس ان
بطول قامته وصباحة وجهه ،كما ميدح ببذل ماله وسخائه وعلمه ،واحلمد يكون
1انظر شفاء العليل ص . 280
2البخاري يف الرقاق ،باب التواضع . )6137 ( 5/2384
3شرح العقيدة الطحاوية ص . 403
4لسان العرب ، 3/156وتفسري الطربي ، 13/179وبصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز
للفريوز آبادي ، 2/499حتقيق حممد على النجار املكتبة العلمية ،وفتح الباري . 8/351
()74
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
يف الث اين دون األول ،والش كر ال يق ال إال يف مقابلة نعمة ،فكل ش كر محد ،
وليس كل محد ش كرا ،وكل محد م دح وليس كل م دح محدا ،ويق ال فالن
حممود إذا محد ،وحممد إذا كثرت خصاله احملمودة ) (. )1
بْح ْمُ #د لِلَِّه َر ِّ
واحلميد س بحانه هو املس تحق للحمد والثن اء ،محد نفسه فق ال :ال َ
الَْع## #ال َِم َين [ الفاحتة ، ]2:فهو س بحانه احملم ود على ما خلق وش رع ،ووهب
ونزع ،وضر ونفع ،وأعطى ومنع ،وعال بذاته وشأنه فارتفع ،وأمسك السماء عن
األرض أن تقع وفرش األرض فانبسط سهلها واتسع ،محد نفسه ومحده املوحدون
فله احلمد كله قال ابن القيم ا ( :احلمد كله هلل رب العاملني ..فإنه احملمود على ما
خلقه وأمر به وهنى عنه ،فهو احملم ود على طاع ات العب اد ومعاص يهم وإمياهنم
وكف رهم ،وهو احملم ود على خلق األب رار والفج ار واملالئكة وعلى خلق الرسل
وأع دائهم ،وهو احملم ود على عدله يف أعدائه كما هو احملم ود على فض له وإنعامه
على أوليائه ،فكل ذرة من ذرات الك ون ش اهدة حبم ده ،وهلذا س بح حبم ده
السماوات السبع واألرض ومن فيهن وإن من شيء إال يسبح حبمده ) (. )2
وروى البخ اري من ح ديث عب د اهلل بن عب اس tأن الن يب Sك ان إِ َذا قَ َام ِم َن اللَّي ِ
ْل
#ك
ْح ْ #م ُد ،لََ #
#ك ال َض َوَم ْن ِفي ِه َّن َولََ # س #مو ِ
ات َواألَْر ِ ْح ْ #م ُد أَنْ َ
ت َقِّي ُم ال َّ َ َ ال ( :اللَُّه َّم لََ #
#ك ال َ َيَتَه َّج ُد قَ َ
ْح ْ#م ُد
#ك ال َ ض َ ،ولَ َات َواألَْر ِ س#مو ِ
#ور ال َّ َ َ
ت نُ ُ ْح ْ#م ُد أَنْ َ ض َوَم ْن ِفي ِه َّن َ ،ولَ َ
#ك ال َ ات َواألَْر ِ س#مو ِ
#ك ال َّ َ َُمْل ُ
#ق َوالنَِّبيُّو َن
َّار َ#ح ٌّ ْجنَُّة َ#ح ٌّ
#ق َ ،والن ُ #ك َ#ح ٌّ
#ق َ ،وال َ #ق َ ،وَقْولَُ # #ق َ ،ولَِقُ #
#اؤ َك َ#ح ٌّ ْح ُّ ْح ُّ
#ق َ ،وَو ْعُ #د َك ال َ# ت ال َ#أَنْ َ
() 3
الس َاع ُة َح ٌّق ..الحديث ) . َح ٌّق َ ،وُم َح َّمٌد َ Sح ٌّق َ ،و َّ
وكذلك فإن اهلل عز وجل هو احلميد الذي يحمده عباده املوحدون ألهنم يعلمون
أن اهلل خلق ال دنيا لالبتالء وخلق اآلخ رة للج زاء ،فهم حيمدونه على الس راء
والضراء ويوحدونه يف العبادة واالستعانة والدعاء ،حىت يكرمهم جبنته عند اللقاء
،فإن ابتالهم صربوا ،وإن أنعم عليهم شكروا ،ولذلك قال تعاىل يف وصفهم
َن َ#ه َدانَا اهلل [ األعراف]43 : ْح ْ#م ُد لِلَِّه الَّ ِذي َ#ه َدانَا لَِ#ه َذا َوَما ُكنَّا لَِن ْهَت ِ#د َي لَ ْ#وال أ ْ
َ :وقَالُوا ال َ
،وقال أيضا :وقَالُوا ال ِ ِ َّ ِ
ور [ فاطر: ْحَز َن ِإ َّن َرَّبَنا لَ َغُف ٌ
ور َش ُك ٌ ب َعنَّا ال َ ْح ْم ُد للَّه الذي أَ ْذ َه َ َ َ
. )4( ]34
قال ابن القيم يف نونيته :
1املفردات ص . 256
2طريق اهلجرتني ص . 192
3تفسري الطربي ، 15/144وتفسري القرطيب . 10/309
4االعتقاد للبيهقي ص . 62
()75
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
وهو الحميد فكل حمد واقع :أو كان مفروضا مدى األزمان
مأل الوجود جمعيه ونظيره :من غير ما عد وال حسبان
() 1
هو أهله سبحانه وبحمده :كل المحامد وصف ذي االحسان
.
-58الحفيظ :
وحفظ ظ ِحْفظا ِ ، حيف ُ
حف ظ َ احلفيظ في اللغة مبالغة من اسم الفاعل احلافظ فعله ِ
الشيء صيانته من التلف والضياع ،ويستعمل احلفظ يف العلم على معىن الضبط
تعاهد الشيء وقلة الغفلة عنه ،ورجل حافظ وقوم ُحف اظ هم وعدم النسيان ،أو ُ
ِ ِ
الذين ُرِزقوا ِحفظ ما مَسِعوا وقلما َيْن َس ْون شيئا ،واحلافظ واحلفيظ أيضا هو املوكل
#ات ِم ْن َبْي ِن
بالش يء حَيَْفظه ،ومنه احلفظة من املالئكة كما يف قوله تع اىل :لَ #ُ #ه ُمَعِّقَبٌ #
اهلل [ الرعد ، ]11 :أي حتفظ األنفس بأمر اهلل حىت ي َديْ ِ#ه وِمن َخلِْف ِ#ه ي ْحَفظُونَ ُ#ه ِمن أَْ#م ِر ِ
ْ َ َ َ ْ
ص و َن األعم ال ويكتبوهنا على بين آدم ،كما ي أيت أجلها وك ذلك احلفظة ال ذين حُيْ ُ
َح#ِ #اف ِظ َين ِكَرام# #اً َك##اتِِب َين َيْعَل ُم##و َن َما َتْفَعلُ## #و َن
ق ال تع اىل يف وص فهم َ :وِإ َّن َعَلْي ُك ْم ل َ
الشيء لنفسه َ والسَّر حفظا َرعاه وصانه ،واحتفظ [االنفطار ، ]12 :ويقال حفظ املال ِّ
() 2
الغفلة يف األُمور والكالم . صها به والتحفظ قلة َ يعين َخ َّ
ذرة يف ّ واحلفيظ سبحانه هو العليم املهيمن الرقيب على خلقه ،ال َي ْعُزب عن ه ِم ُ
ثقال
ملكه ،وهو احلفيظ الذي حيفظ أعمال املكلفني ،والذي شرف حبفظها الكرام
الك اتبني ،ي دونون على العب اد الق ول واخلط رات ،واحلرك ات والس كنات ،
ويضعون األجر كما حدد هلم باحلسنات والسيئات ،وهو احلفيظ ال ذي حيفظ
عليهم أمساعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء ( ، )3وهو احلفيظ
الش ِّر واألذى والبالء ،ومنه ال دعاء ال ذي رواه أبو داود وص ححه ملن يش اءُ من َّ
ي، احَفظِْني ِم ْن َبْي ِن يَ َد َ األلباين من حديث ابن عمر tأن رسول اهلل Sقال ( :اللَُّه َّم ْ
#ك أَ ْن أُ ْغَت َ#ال ِم ْن تَ ْحِتي ) ِ
َوم ْن َخلِْفي َ ،و َع ْن يَِم ِيني َو َع ْن ِش َمالِي َ ،وم ْن َف ْ#وِقي َ ،وأ ُ
َع#و ُذ بَِعظَ َمِت َ ِ
(. )4
1النهاية يف غريب احلديث ، 298 /4ولسان العرب ، 396 /3واشتقاق أمساء اهلل ص ، 152ومفردات
ألفاظ القرآن ص ، 760وفتح الباري شرح صحيح البخاري . 13/408
2مسلم يف كتاب اإلميان ،باب حترمي الكرب وبيانه . )91 ( 1/93 ،
3املوضع السابق ،باب يف قوله عليه السالم إن اهلل ال ينام . )179 ( 1/161
4انظر الفوائد ص .182
5البخاري يف كتاب التوحيد ،باب وكان عرشه على املاء وهو رب العرش العظيم . )6987 ( 6/2700
()78
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
أن ملك من أش ركوا به لو بلغ الس ماوات الس بع واألرض ون وما فيهن
وما بينهن على عرض هن ومق دارهن وس عة حجمهن ال ميثلن ش يئا يف
الكرسي ال ذي حتت ق دم امللك ،فما بالك بعرشه وجمده ؟ وما بالك
ودُه ِحفظُُه َما ،فهو ال ذي باتس اع ملكه ؟ وعلى ال رغم من ذلك ال َيُئ ُ
ض أَن َت ُزوال ،ألنه ال يق وى غ ريه على حفظهن ك َّ ِ مُيْ ِس ُ
الس َم َاوات َواألَْر َ
وإدارهتن حىت لو ادعى لنفسه ملكهن ،فاهلل من حلمه على خلقه
كإن اهلل يُْم ِس ُ #
أمس كهن بقدرته وأبق اهن حلكمته ،ول ذلك ق ال تع اىل َّ :
َح ٍ#د ِم ْن َبْع#ِ #دِه ِإنَُّه َ#ك#ا َن
ض أ َْن َت#ُ #زوال َولَِئ ْن َزالََتا ِإ ْن أَْم َس َ #كُه َما ِم ْن أ َ#
ات َواألَْر َ س #ماو ِ
ال َّ َ َ
#ورا [ ف اطر ، ]41 :وقد ورد عند ابن حب ان وص ححه األلب اين من ِ
َحل ًيما َغُفً # #
حديث أيب ذر tأن النيب Sقال ( :ما الس#ماوات الس#بع في الكرسي إال كحلقة ب#أرض
فالة ،وفضل الع## # # # # # #رش على الكرسي كفضل تلك الفالة على تلك الحلقة ) ( ، )1وصح
عن ابن عباس tموقوفا أنه قال ( :الكرسي موضع القدمين والعرش ال يق#در ق#دره إال
اهلل تعالى ) (. )2
أما جمد أوصافه فله علو الشأن فيها ،ال مسي له وال نظري وال شبيه له وال مثيل فاجملد
وصف ج امع لكل أن واع العلو اليت يتصف هبا املعب ود فهو العلي العظيم
،ألن أي معب ود س واه إذا عال جمده بعض اخللق وغلب على الع رش
واس تقر له امللك فإنه مس لوب العظمة يف عل وه احملدود ،إما ملرضه أو
نومه ،أو ق دوم أجله ،أو غلبة غ ريه على ملكه أو غري ذلك من
أن واع الض رورة والقي ود ،ف أي عظمة يف علو املخل وق وهو يعلم أن
قدرته حمدودة وأيامه مع دودة ؟ أيس تحق املخل وق أن يك ون معب ودا من
دون اهلل ؟ فما بالنا مبجد رب الع زة واجلالل ال ذي له العلو والكم ال
والعظمة واجلم ال يف مجيع األمساء والص فات واألفع ال ،له علو الش أن
وه عظمة حقيقية فهو اجمليد حقا والقهر والفوقية ،وعظمته يف عل
وص دقا ،وجمد الظ املني زورا وإفكا ،وأي عاق ل س يقر مبج د أفعال ه وب الغ
كرمه وإنعامه ،وجوده وإحسانه ،فهو الذي أوجد املخلوقات وحفظها وهداها
المِل ُ #
#ك ورزقها فس بحان اجمليد يف ذاته وص فاته وأفعاله ق ال تع اىل َ :فَتَع##الَى اهلل َ
1صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ، )361 ( 2/77قال الشيخ األلباين :ال يصح يف صفة الكرسي غري هذا
احلديث ،انظر السلسلة الصحيحة . )109 ( 1/223
2انظر تعليق األلباين علي الرواية يف شرح العقيدة الطحاوية ص . 45
()79
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
1البخاري يف اجلنائز ،باب الدخول على امليت بعد املوت إذا أدرج يف كفنه )1186 ( 1/419وانظر يف
املعىن اللغوي لسان العرب ، 238 /3وكتاب العني . 398 /3
2تفسري أمساء اهلل احلسىن ص ،وجامع البيان . 53 7/90
3شرح العقيدة الطحاوية ص . 89
4البخاري يف كتاب التهجد ،باب التهجد بالليل . )1069 ( 1/377
()82
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ِ
احِت َس#ابًا غُِف َ#ر لَ ُ#ه
ض#ا َن ِإ َيمانًا َو ْ حديث ِأَبِي ُِهَِريَْرَة( )1أن َر ُسول اللَّه Sقال َ ( :م ْن َ
ص َام َرَم َ
ت لُفالن فيه ت من خري أو شر ،وَتَق دََّم ْ َما َتَق##دََّم م ْن َذنْب##ه ) ،وال َق َدم كل ما ق ّدْم َ
ُة َدُم والُق ْدم ٍّر ،والَق دُّم يف خري وش َدٌم ،أي َتَق قَ
الس
صْ #د ٍق ِعْنَ #د َربِِّه ْم [ يونس: َن لَُهم قََ #دم ِ
آمنُ#وا أ َّ ْ َ ين َ
َّ ِ
َْبقَُة يف األمر ،قال تعاىل َ :وبَ ِّشِر الذ َ
َثرة ِ ٍ
يقال :لفالن قََِدُم ص ْدق أَِي أ َ ال صاحلا ق ّدموه ، ]2ومعىن قدم صدق يعين عم ً
َح َس نة ،ويق ول تع اىل َ :ولََ#ق #ْ #د َعِل ْمَنا ال ُْم ْس َ# #تْق ِدِم َين ِمْن ُك ْم َولََ#ق #ْ #د َعل ْمَنا ال ُْم ْس َ# #تأْخ ِر َين
[احلجر ، ]24 :قيل معناه لقد علمنا املستقدمني منكم يف طاعة أو من ي ْأيت منكم أَو ًال
إِىل املسجد ومن يْأيت متأَخرا ،أو من يتقدم من الناس على صاحبه يف املوت (. )2
واملق دم س بحانه هو ال ذي يق دم وي ؤخر وفق مش يئته وإرادته ،فالتق دمي من أن واع
التدبري الذي يتعلق بفعل اهلل يف خلقه ،وهو على نوعني ،كوين وشرعي ،فالتقدمي
الك وين تق دير اهلل يف خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك يف قوله :قُ #ْ #ل ال أَْمِل ُ #
#ك
اعًة َوال ِ #ل ِإ َذا َج ض#راً وال َنْفع#اً ِإال ما َش#اء اللَُّه لِ ُك ِّ ٍ
لَِنْف ِس#ي َ
َجلُُه ْم فَال يَ ْسَ#تأْخُرو َن َسَ #
#اء أ َ
َ ٌ َج
#ل أَُّمة أ َ َ َ َ ّ
ِ ٍ ِ
يَ ْسَتْق ِدُمو َن [ يونس ، ]49 :وقوله تعاىل :قُ ْل لَ ُك ْم م َيع ُاد َيْوم ال تَ ْسَتأْخُرو َن َعْن ُه َسَ #
اعًة
َوال تَ ْس َ#تْق ِدُمو َن [ س بأ ، ]30 :وأيضا من التق دمي املتعلق بالت دبري الك وين ،اص طفاء
احلق ملن ش اء من خلقه ،وتق دمي بعض خلقه على بعضه ،بن اء على حكمته يف
آدَم
اصطََفى َابتالء املخلوقات واصطفاء من شاء للرساالت كما قال تعاىل ِ :إ َّن اللََّه ْ
ين [ آل عمران ، ]33 :وقوله عن مرمي : ِ آل ِإب#ر ِاهيم و َ ِ
آل ع ْم َ#را َن َعَلى الَْع#الَم َ َونُوحاً َو َ ْ َ َ َ
ين [ آل ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َت ال َْمالئِ َكُ #ة يَا َم#ْ #ريَ ُم ِإ َّن اللََّه ا ْ
وِإ ْذ قَ##ال ِ
ص#طََفاك َعَلى ن َس#اء الَْع##الَم َ ص#طََفاك َوطَهََّرك َوا ْ َ
ِ ِ
ص #طََف ُاه َعَلْي ُك ْم َوَز َادُه بَ ْس #طًَة في الْعلِْم َّ ِ
#ال إ َّن اللَه ا ْ
عم ران ، ]42 :وقوله عن ط الوت :قََ #
َوال ِْج ْسِ #م َواللَُّه ُي#ْ #ؤتِي ُمْل َ#ك ُ#ه َم ْن يَ َشُ #اء َواللَُّه َوا ِسٌ #ع َعِل ٌيم [ البق رة ، ]247 :فهذا اصطفاء
وتقدمي يتعلق بالتدبري الكوين .
أما التق دمي الش رعي فهو متعلق مبحبة اهلل لفعل دون فعل ،وتق دمي بعض األحك ام
على بعض ملا تقتض يه املص لحة اليت تع ود على العب اد ،كما يف س نن َالنس ائي
ص#لُّو َن وصححه األلباين من حديث الب ر ِاء أن نيب اهلل Sقال ِ ( :إ َّن اهلل وم َِ
الئ َكَت#ُ #ه يُ َ َ ََ ََ
س، صِّ #دقُُه َم ْن َسِ #مَع ُه ِم ْن َر ٍ
طب َويَ#ابِ ٍ ف الْمق#دَِّم ،والم َ#ؤ ّذن ي ْغَف#ر َل ُ#ه بِم ِّ#د ِِ
صْ#وته َ ،ويُ َ
َ ُ ُ ُ َ َ صُ ِّ #َعَلي ال َّ
1البخاري يف كتاب الصوم ،باب صوم رمضان احتسابا من اإلميان . )38 ( 1/22
2لسان العرب ، 12/467كتاب العني ، 5/122عون املعبود . 2/331
()83
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
هريرة أن النيب أيب حديث من مسلم صحيح ويف ، () 1
) صلَّى َمَع ُه
َ َج ِر َم ْن
ْ َول َُه ِمْثل أ
ف ال ُْمَق##دَِّم َلك #انَ ْت ُقْر َعً #ة ) ( ، )2وعند أيب ص ِّ # Sق ال ( :لَ#ْ #و َتْعَل ُ#م#و َن أَْو َيْعَل ُ#م#و َن َما ِفي ال َّ
صَّ # #
ف ال ( :أَتُِّموا ال َّ ول اللَِّه Sقَ َ س أ ََّن َر ُس َ داود وص ححه األلب اين من ح ديث أَنَ ِ
ف ال ُْم#َ #ؤ َّخِر ) ( ، )3وال ع ربة مبن ص َفلَْي ُك ْن ِفي ال َّ
صِّ # # ال ُْمَق##دََّم ثُ َّم الَّ ِذي يَِلي #ِ #ه فَ َما َك##ا َن ِم ْن َنْق ٍ
ادعى أنه ال ي رغب يف التق دم إىل الصف األول حبجة أن الن اس يطلب ون فيه األجر
وأن والعب ادة احلق هي ما يك ون بغري ع وض أو مقابل ( ، )4وعند البخ اري من
ص# #الِ َحًة فَ َخْي#ٌ #ر #ازِة ،فَِ# #إن تَ ُ #
#ك َ
ح ديث أيب هري رة أن النيب Sق ال ( :أَ ْسِ # #ر ُعوا بِ ِ
الجَن َ #
كم ) (. )5 ضُعونَُه َع ْن ِرقَابِ ْ ك فَ َشٌّر تَ َُتَقدُِّموَنَها ِإلَْيِه َ ،وِإن يَك ِسَوى َذلِ َ
مواض عها على مقتضى احلكمة ض عها يف ِ فاملَق دِّم س بحانه هو ال ذي يُق دِّم األش ياء ويَ َ
دمي ق ّدمه ومن اس تحق الت أخري أخ ره ،واهلل تع اىل حق التق َ اس َت ّ واالس تحقاق ،فمن ْ ُ
أيضا هو املقدم الذي قدم األحباء وعصمهم من معصيته ،وقدم رسول اهلل Sعلى
األنبي اء تش ريفا له على غ ريه ،وق دم أنبي اءه وأولي اءه على غ ريهم ،فاص طفاهم
ونصرهم وطهرهم وأكرمهم (. )6
-63المؤخر :
أخر يؤخر تأخريا ،والتأخر ضد التقدم ،ومنه ّ املؤخر يف اللغة عكس املقدم ،فعله
ِ
س#ول اهلل S ال َ ( :فَتَب َّس َم َر ُ
ِ
ما ورد عند البخاري من حديث ُع َمَر بْ ِن اخْلَطَّاب أَنَُّه قَ َ
اهلل بْ ِن َعمْ ِرو أَن بْد ِوقَ #َ #ال :أَخِّر َعنِّى يا ُعم##ر ) ( ، )7وعند البخ اري من ح ديث ع ِ
َ َ َُ ْ َ
() 8 ِ
النيب ( : Sما سئل َع ْن َشيْء قُدَِّم َو َال أُخَِّر إال قَ َال ا ْفَع ْل َو َال َحَر َج ) ،وعند البخاري
َّ ٍ
ٍك قَ س ب ِن مالِ
ال #َ ( :ك ## # # # # # # # # # # # # # # # # # # #ا َن َ ديث أَنَ ِ ْ َ من ح
النَِّبيّ
#ع َبْيَنُه َما َ ،وِإ َذا ش#مس أَخَّر الظُّْ#ه#ر ِإلَى وق ِ ُ ِ Sإ َذا ْارتَ َ#
صِ #ر ،ثُ َّم يَ ْج َ#م ُ
ْت الَْع ْ #ل أَ ْن تَِزيَ #غ ال َّ ْ ُ َ َ َ
#ل َقْبَ #
حَ
1النسائي يف األذان ،باب رفع الصوت باألذان ، )646 ( 2/13وانظر صحيح اجلامع ( . )1841
2مسلم يف الصالة ،باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل األول فاألول منها . )439 ( 1/326
3أبو داود يف الصالة ،باب تسوية الصفوف ، )671 ( 1/180وانظر صحيح اجلامع ( . )122
4انظر طبقات الصوفية ص ، 489والتعرف ملذهب أهل التصوف ص ،161وصفة الصفوة . 2/249
5البخاري يف اجلنائز ،باب السرعة باجلنازة . )1252 ( 1/442
6النهاية يف غريب احلديث . 4/25
7البخاري يف اجلنائز ،باب ما يكره من الصالة على املنافقني . )1300 ( 1/459
8البخاري يف العلم ،باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغريها . )83 ( 1/43
()84
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ِ
صلَّى الظُّْهَر ثُ َّم َرك َ
ب ) (. )1 ت ََزا َغ ْ
ض ُعها يف َمواض عها ،إما ت أخريا كونيا ؤخر األش ياء َفَي َ
املؤخر س بحانه هو ال ذي يُ ّ و ْ
ِ ِ َّ
كما ورد عند مس لم من ح ديث ابن مس عود أن أم حبيبة ق الت ( :اللُه َّم أَْمتْعني
آلج ٍ
#ال َلت اهلل َ# #ال النَِّبي : Sقَ#ْ #د س#أ ِ
َ ول اهلل َوبِ#أَبِي أَبِي ُسفَيا َن َوبِ#أ َِخي ُمَعا ِويََ#ة َ ،فَقَ #بِ#َ#زْو ِجي ر ُسِ #
َ
#ل ِحِّلِه أَْو ُي َ#ؤخَِّر َشْ#يًئا َع ْن ِحِّلِه َولَ ْ#وَ ب ئي#ش ل ج عي َن ل ، ةٍ وم #س قم ٍ
ضُروبَة َ َّ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َ ِّ َ َ ًْ َْ
ق ا اق ز َرأو ٍ
ة ود د ع
# م ٍ
ام يَ
أو مْ ٍ
َ
ض َل ) (. )2 ف َ
أو اري خ
َْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ ن اك رِ بقل
ْا ي فِ ابٍ ذع
ْ ََ َو أ ِ
ر َّا
الن ي فِ ٍ
اب ذ ع ن مِ
ْ ُ َ ْ ََكِ ذ ي عِ ي َن
أ اهلل ِ
ْت لأ
َس تِ نك
ُْ َ
ال َ ( :د َخل ُ
ْت أَنَا حديث أَيِب َع ِطيََّة أنه قَ َ ِ
وإما تأخريا شرعيا كما ورد عند مسلم من
َحُ #د ُه َما ُيَع ِّج ُل ٍ ِ
صَ # #حاب ُم َح َّمد Sأ َ# َ
الن م ْن أ ْ ِ ين َر ُج َ ِِ ِ
وق َعَلى َعائ َشَ # #ة َفُقلَْنا :يَا أَُّم ال ُْم#ْ #ؤمن َ َوَم ْسُ# #ر ٌ
ِ َّ
َت أَُّيُه َما الذي ُيَع ِّج ُل الَة ،قَ##ال ْ
صَ # اآلخ ُ#ر ُي#َ #ؤخُِّر ِ
اإلْفطَ#َ #ار َوُي#َ #ؤخُِّر ال َّ الَة َ ،و َ# صَ # ِ
اإلْفطَ#َ #ار َوُيَع ِّج ُل ال َّ
صَ#ن ُع
ك َك#ا َن يَ ْ َت #َ :ك َذلِ َ#ال ُ :قلَْنا َعْبُ #د اللَِّه َيْعِني ابْ َن َم ْسُ #عود ،قَ#ال ْ الَة ؟ قَ َ صَ # ِ
اإلْفطَ َ#ار َوُيَع ِّج ُل ال َّ
ول اللَِّه . )3( ) S َر ُس ُ
واملؤخر أيضا هو الذي يؤخر العذاب مبقتضى حكمته ابتالء لعباده لعلهم يتوبوا إليه
ِ ٍ ِ ِ ِ َّ
َّاس بِظُلْمِه ْم َما َت َ#ر َك َعَلْيَها م ْن َدابَّة َولَك ْن ُي َ#ؤخُِّر ُه ْم ِإلَى أ َ
َج ٍ#ل قال تعاىل َ :ولَْو ُيَؤاخ ُذ اللُه الن َ
اعًة َوال يَ ْسَ#تْق ِدُمو َن [ النحل ]61 :وقال َ :وال ِ
َجلُُه ْم ال يَ ْسَ#تأْخُرو َن َسَ # ُم َسّ #م ًى فَِ#إ َذا َج َ
#اء أ َ
ال َع َّما يْعم#ل الظَّالِمو َن ِإنَّما ي َ#ؤخِّر ُهم لِي#وٍم تَ ْشَ #خ ِ ِ ِ
ار [ إبراهيم: ُ ص#ص في#ه األَبْ َ ُ تَ ْح َسَ#ب َّن اللََّه َغ#اف ً َ َ ُ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ
ويؤخر ما يشاء (، )4 يقدُم ما يشاءُ حبكمته ]42فاملؤخر هو املن ِز ُل لألشياء منازهَلا ِ
ُ
والفرق بني اآلخر واملؤخر أن اآلخر دل على صفة من صفات الذات واملؤخر دل
على صفة من صفات الفعل .
-64المليك :
لكا ،)5ومجع ُ (
املليك يف اللغة من صيغ املبالغة على وزن فعيل فعله ملك ميلك ِملكا وم
املليك ملك اء ،واملليك هو املالك العظيم امللك ،ويك ون مبعىن امللك ،وهو
وملكيته ،فله علو الش أن والقهر يف اسم ي دل على العلو املطلق للملك يف ملكه ِ
ُ َ
وصف امللكية ،وله علو الش أن والفوقية يف وصف امللك واالس تواء على الع رش ،
قال أمية بن أيب الصلت :
1البخاري يف كتاب تقصري الصالة ،باب يؤخر الظهر إىل العصر ، )1060 ( 1/374وانظر كتاب العني
للخليل بن أمحد ، 303 /4واملغرب للمطرزي . 1/32
2مسلم يف القدر ،باب بيان أن اآلجال واألرزاق وغريها ال تزيد وال تنقص . )2663 ( 4/2050
3مسلم يف كتاب الصيام ،باب فضل السحور وتأكيد استحبابه . )1099 ( 2/771
4لسان العرب . 4/11
5زاد املسري ،8/104روح املعاين . 27/96
()85
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
لك الحمد والنعماء والفضل ربنا :وال شيء أعلى منك جدا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن :لعزته تعنو الوجوه وتسجد (. )1
والف رق بني املالك وامللك واملليك ،أن املالك يف اللغة ص احب املِْلك أو من له
ملكية الش يء وال يل زم أن يك ون له امللك ،فقد ي ؤثر امللك على املالك وملكيته
فيحجر على ملكيته أو ينازعه فيها أو يسُ لبها منه ،أما امللك فهو أعم من املالك
ألنه غ الب ق اهر ف وق كل مالك ،فامللك من له امللكية وامللك معا ،أو هو مالك
امللك ،واملليك ص يغة مبالغة يف إثب ات كم ال امللكية وامللك معا مع دوامها أزال
وأب دا ،فاملليك أك ثر مبالغة من امللك ،وامللك أك ثر مبالغة من املالك ،ق ال ابن
اجلوزي ( :املليك هو املالك وبن اء فعيل للمبالغة يف الوصف ،ويك ون املليك مبعىن
امللك ) ( ، )2فاسم اهلل املليك يشمل األمرين معا امللكية وامللك (. )3
-65المقتدر :
املقت در اسم فاعل من اقت در ،فعله اقت در يقت در اقت دارا ،واألصل
قد
ّ
وقدر يق در ق درة ،واملقت در ُمْفَت ِعل من اْقَت َدَر ،وهو أك ثر مبالغة من
َر يق در َ ،
الق ادر والق دير ( ، )4ق ال ابن منظ ور ( :املْقَت ِدر الوسط من كل ش يء ،ورجل
والقصري ) ( ، )5والمقتدر على الشيء هو مقت ِدر اخلْلق أَي وسطُه ،ليس بالطويل ُ
ََ ُ َْ ُ َ
املتمكن منه بإحاطة تامة وقوة واملهيمن عليه بإحكام كامل وقدرة ،قال البيهقي
( :املقتدر هو التام القدرة الذي ال ميتنع عليه شيء ) (. )6
وقال املناوي ( :املقتدر من االقتدار وهو االستيالء على كل من أعطاه حظا من
قدرته ..واملقت در أبلغ من الق ادر ملا يف البن اء من معىن التكلف واالكتس اب ،
فإن ذلك وإن امتنع يف حقه تعاىل حقيقة لكنه يفيد املعىن مبالغة ) (. )7
1جمموع الفتاوى ، 16/52وانظر يف معىن االسم أيضا األمساء والصفات للبيهقي ص . 86
2الرتمذي يف التفسري ،باب ومن سورة الكهف ، )3153 ( 5/313وانظر السلسلة الصحيحة ( )3153
.
3أمحد يف املسند ، )23614 ( 5/420وانظر السلسلة الصحيحة ( ، )114وانظر لسان العرب .5/120
()93
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ملذل هلم العايل عليهم بتذليله هلم وخلقه إياهم ،فهو فوقهم بقهره واهلل الغالب عباده ا
إياهم وهم دونه ) (. )1
-71الديان :
الديان صيغة مبالغة على وزن فعال فعله َدان يدين دينا ،يقال :دنتهم فدانوا أي
ج ازيتهم وحاسبتهم وقهرهتم فأط اعوا ،وال ديان يطلق على امللك املط اع واحلاكم
والقاضي ،وهو ال ذي ي دين الن اس إما مبعىن يقه رهم وإما مبعىن حياس بهم ،فمن
األول دان الرجل الق وم إذا قه رهم ف دانوا له إذا انق ادوا ،ومن الث اين ال ديان مبعىن
احملاسب اجملازي ،قال خويلد بن نوفل الكاليب للح ارث الغساين وكان ملكا ظاملا
:
:ليال وصبحا كيف يختلفان يا أيها الملك المخوف أما ترى
:ليال وهل لك بالمليك يدان هل تستطيع الشمس أن تأتي بها
يا حار أيقن أن ملكك زائل :واعلم بأن كما تدين تدان (. )2
والدين اجلزاء ومالك يوم الدين أي يوم اجلزاء ،وقوله تعاىل عن الكافرين :أئ#ذا
#دينُو َن [ الص افات ]53 :أي جمزيون حماسبون ،وقوله : ِمْتَنا َو ُكنَّا ُتَراب#اً َو ِعظَام#اً أَِإنَّا ل َ#
َم ِ
صِ #ادِق َين [ الواقعة ، ]86/87 :أي مقهورين َفَلوال ِإ ْن ُكْنتُم َغْير م ِد ِين ِ
ين َتْرجُعوَنَها ِإ ْن ُكْنتُ ْم َ ْ َ َ (َ )3 ْ
وم دبرين وجمزيني ،وقد يك ون ال ديان مبعين ص احب ال ديوان وهو الكت اب
احلافظ لألعم ال واحلق وق ومنه ما رواه أمحد واحلاكم من ح ديث عائشة رضي اهلل
الثٌَ#ة ِ :دي#َ #وا ٌن َال َيْعَب#أُ اللَُّه بِ#ِ#ه ين ِعْنَ #د اللَِّه َع#َّ #ز َو َ#ج َّ
#ل ثَ َ ُ عنها أن رسول اهلل Sقال ( :ال##دََّوا ِو
ِ ِ ِ ِ
اهلل ) (. )4 َشْيئاً َ ،ود َيوا ٌن َال َيْتُر ُك اللَُّه مْن ُه َشْيئاً َ ،ود َيوا ٌن َال َي ْغفُرُه ُ
وال ديان س بحانه هو ال ذي دانت له اخلليفة ،وعنت له الوج وه ،وذلت لعظمته
اجلب ابرة وخضع لعزته كل عزيز ،ملك ق اهر على ع رش الس ماء مهيمن ،لعزته
تعنو الوج وه وتس جد ،يرضى على من يس تحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه ،
ويغضب على من يس تحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقص يه ،فيع ذب من يش اء ،
1تفسري ابن جرير ، 161 /7وانظر تفسري البيضاوي ، 398 /2وتفسري القرطيب . 399 /6
2مجهرة األمثال ، 2/168والصحاح للجوهري ، 5/2118والنهاية يف غريب احلديث . 2/148
3قاعدة يف احملبة البن القيم ص ، 34ولسان العرب ، 11/525وفتح الباري . 13/384
4أخرجه احلاكم يف املستدرك وقال :هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه ، )8717 ( 619 / 4وأمحد
يف املسند ، )26073 ( 6/240واحلديث ضعفه األلباين انظر ضعيف اجلامع حديث رقم ( .)3022
()94
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ويرحم من يشاء ويعطي من يشاء ،ومينع من يشاء ،ويقرب من يشاء ،ويقص ي
من يشاء ،له دار البقاء ،دار عذاب أليمة وهي النار ،ودار سعادة عظيمة وهي
اجلنة ،فهو ال ديان ال ذي ي دين العب اد أمجعني ويفصل بينهم ي وم ال دين ( ، )1كتب
أعماهلم فهي حاضرة ،وال يغادر صغرية وال كبرية إال أظهرها هلم يف اآلخرة ،قال
#اب َفَت##رى الْم ْجِ #رِمين ُم ْش ِ#فِقين ِم َّما ِفي #ِ #ه وَيُقولُ ##و َن يَا وْيَلَتَنا َمِ # ِ ِ
#ال َهَ #ذا َ َ َ َ تع اىل َ :وُوض َ #ع الْكَتُ َ ُ #
كض #راً َوال يَظِْل ُم َربُّ ََحص َ #اها ووجُ #دوا ما َع ِملُ ##وا حا ِ
َ
#اب ال ي َغ #ِ #ادر ِ
ص #غ َيرًة َوال َكِب#َ #يرًة ِإال أ ْ َ َ َ َ َ
الْكَتَ ُ ُ ِ #
ِ
ْح ُّ
#ق ْح َّق َوَيْعَل ُمو َن أ َّ أَحداً [ الكهف ، ]49 :وقال :يومِئ ٍذ يوفِّي ِهم ِ
اهلل ُه َ#و ال َ
َن َ اهلل د َينُه ُم ال َ
َ ْ َ َُ ُ ُ َ
ين [ النور. ]25 : ِ
ال ُْمب ُ
العباد بأعماهلم ،إن خريا فخ ريا
() 2
قال ابن القيم يف معىن يوم الدين ( :يوم يدين اهلل
وإن شرا فشرا ،وذلك يتضمن جزاءهم وحساهبم ) .
-72الشاكر :
الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر ،فعله شكر يشكر شكرا ،والشكر هو
الثن اء اجلميل على الفعل اجلليل ،وجمازاة اإلحس ان باإلحس ان ،روى أمحد
وصححه األلباين من حديث ص حيح أيب سعيد اخلدري ( : أن عمر بن الخط#اب
ِ
دخل على النبي Sفق#ال يا رس#ول اهلل :رأيت فالنا يش#كر ،ي#ذكر أَنَّك أَ ْعطَْيَت ُ#ه د َين َ
#اريْ ِن
،فق ##ال رس ##ول اهلل : Sلكن فالنا قَ #ْ #د أَ ْعطَْيتُ #ُ #ه َما َبْي َن الَْع َش َ#رِة ِإلَى ال ِْمائَ #ِ #ة فما ش ##كر َ ،وِإ َّن
#ال ُع َم ُ#ر :يَا َح َد ُه ْم لََي ْس#أَلُِني ال َْم ْس#أَلََة فَأُ ْع ِط َيها ِإيَّ ُاه َفَي ْخ ُ#ر ُج بَِها ُمَتأَبِّطَُها َوَما هي لَُه ْم ِإ َّال نَ ٌ#ار ،قَ َ
أ َ#
ِ ِ ِ ِ
ول اهلل فَل َم ُتْعطي ِه ْم ؟ قَ َال ِ :إَّنُهم يَأَْبْون ِإ َّال أَ ْن يَ ْسأَلُون ي َويَأْبَى ُ
() 3
اهلل لَي الْبُ ْخ َل ) . َر ُس َ
والشكور أبلغ من الشاكر وهو املبالغ يف الشكر بالقلب واللسان واجلوارح ،قال
عبد ال رءوف املن اوي ( :الش كور الب اذل وس عه يف أداء الش كر بقلبه ولس انه
وجوارحه اعتق ادا واعترافا ،وقيل الش اكر من يش كر على الرخ اء والش كور على
البالء ،والشاكر من يشكر على العطاء ،والشكور من يشكر على املنع ) (. )4
واهلل سبحانه شاكر جيازي العباد على أعماهلم ،ويزيد من فضله أجورهم ،فيقابل
ش كرهم بزي ادة النعم يف ال دنيا وواسع األجر يف اآلخ رة ق ال تع اىل :فَ ##ا ْذ ُكُرونِي
أَ ْذ ُ#ك ْ#ر ُك ْم َوا ْش ُ #كُروا لِي َوال تَكُف#ُ #رون ِ [ البق رة ، ]152 :وق ال َ :وِإ ْذ تَ #أ ََّذ َن َربُّ ُك ْم لَِئ ْن
204بتصرف .
1انظر الصالة وحكم تاركها ص
2قاعدة يف احملبة البن القيم ص ، 34لسان العرب ، 11/525وفتح الباري . 13/384
3أمحد يف املس ند ،وانظر صحيح الرتغيب والرتهيب حديث رقم ( ، )844وانظر شرح أمساء اهلل احلسىن
للرازي ص ، 291وتفسري األمساء للزجاج ص . 47
4التوقيف على مهمات التعاريف ص . 437
()95
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
،وروى البخ اري من [إب راهيم]7 : َش َ #كْرتُ ْم َألِزي َ #دنَّ ُك ْم َولَِئ ْن َكَ#ف ْ#رتُ ْم ِإ َّن َعَ #ذابِي لَ َش ِ #دي ٌد
ْجنََّة ِإ َّال أُِر َى َمْقَعَ #دُه ِم َن النَّا ِر لَ ْ#و حديث أَىِب ُهَريَْرَة أن النَِّبي Sقَ َ
ال َ ( :ال يَ ْ#د ُخ ُل أ َ#
َح ٌد ال َ
َح َس َ #ن لَِي ُ#ك#و َن َعَلْي#ِ #ه أَس #اء لِ #ي ْ#ز َد َاد ُش ْ #كرا و َال ي#ْ #د ُخل النَّار أَحٌ #د ِإ َّال أُِرى مْقعَ #دُه ِمن ال ِ
ْجنَّة َل#ْ #و أ ْ
َََ َ َ َ َ َ (َ َ ُ َ َ ً )1
َح ْسَرًة ) .
واهلل سبحانه شاكر يرضى بأعمال العباد وإن قلت تكرميا هلم ودعوة للمزيد ،
مع أنه س بحانه قد بني هلم ما هلم من وعد أو وعيد ،لكنه ش اكر يتفضل
مبض اعفة الأجر ويقبل التوبة وميحو ما يش اء من ال وزر ،واهلل غين عنا وعن
ش كرنا ال يفتقر إىل طاعتنا أو ش يء من أعمالنا لكنه ميدح من أطاعه ويثين عليه
اكرا َعِليما ويثيبه ،قال تعاىل :ما يْفعل اهلل بِعَ #ذابِ ُكم ِإ ْن َشَ #كرتُم وآمْنتُم و َك#ا َن اهلل َشِ #
َْْ َ َْ َ ََ ُ َ ْ
[النساء. ]147 :
قال البيضاوي يف تفسري اآلية ( :م ا يفعل اهلل بعذابكم إن شكرمت وآمنتم ،أيتشفى
به غيظا ،أو ي دفع به ض ررا ،أو يس تجلب به نفعا وهو الغين املتع ايل عن النفع
والضر وإمنا يع اقب املصر بكف ره ..وك ان اهلل ش اكرا مثيبا يقبل اليسري ويعطي
اجلزيل عليما حبق شكركم وإميانكم ) (. )2
-73المنان :
املن ان يف اللغة من ص يغ املبالغة على وزن فع ال ،فعله َم َّن مَيُ ُّن َمّنا ،يعين قطعه
ِ ِ
ني أَي لق وتقطع ،ورجل َمن ٌ َخ َنني إِذا أ ْ
وحبل َم ٌ ني احلبل الضعيف َ ، وذهب به ،واملَن ُ
ضعيف ،يقال :كأ ََّن الدهر َمنَّه وذهب مبُنَّته أَي بقوته ،واملنُون املوت ألَنه مَيُ ُّن كل
شيء فيضعفه وينقصه ويقطعه ،وعليه جاء قوله تعاىل :أ ََم يُقولُو َن ش ِاعر نت#ربَّص بِ ِ#ه
َ ٌ ََ َ ُ َْ
وم َّن عليه أَحسن وأنعم عليه ،وقوله عز وجل : ِ
ب ال َْمنُ## #ون[ الط ورَ ، ]30 : َريْ َ
#ون [ القلم ]3:أي غري حمس وب أو غري مقط وع أو غريَج##را َغْ#ي##ر ممنٍُ # #
َوِإن لَك أل ْ#
َ َْ
منقوص (. )3
ق ال ال راغب األص فهاين ( :املنة النعمة الثقيلة ،ويق ال ذلك على وجهني :
من فالن على فالن إذا أثقله بالنعمة ،
أحدمها أن يكون ذلك بالفعل ،فيقال َّ :
ين[ آل عم ران .. ، ]164:وذلك ِِ
وعلى ذلك قوله :لََق#ْ ##د َم َّن اهللُ َعلَى ال ُْم #ْ #ؤمن َ
على احلقيقة ال يك ون إال هلل تع اىل ،والث اين :أن يك ون ذلك ب القول ،وذلك
1البخاري يف كتاب الرقاق ، )6569 ( 11/426وانظر املقصد األسىن ص . 95
2تفسري البيضاوي ، 272 /2وتفسري الطربي . 340 /5
3السابق ، 106 /5وزاد املسري البن اجلوزي . 8/328
()96
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
مس تقبح فيما بني الن اس إال عند كف ران النعمة ،ولقبح ذلك قيل :املنة هتدم
الص نيعة ،وحلسن ذكرها عند الكف ران قيل :إذا كف رت النعمة حس نت املنة ،
وقوله :يَ ُمنُّو َن َعلَْيك أَ ْن أَ ْس#لَ ُموا قُ#ْ #ل ال تَ ُمنُّوا َعلَ َّي إِ ْسَ #
الم ُكم بَ#ِ #ل الل#هُ يَ ُم ُّن َعلَْي ُك ْم أَ ْن
ين [ احلج رات ، ]17:فاملنة منهم ب القول ومنة اهلل َ ص ِ #اد ِق ِ
َهَ #دا ُك ْم ل ِإل َيم##ان إِ ْن ُكْنتُ ْم َ
عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر ) (. )1
باإلنع ام اخٍر ِ واملن ان س بحانه هو العظيم اهلب ات ال وافر العطايا ،ال ذي يْنعِم غ ري ف ِ
ُ ُ َ
والذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ،وهو امل ْعطي ابتداء وانتهاء ،قال تعاىل َ :وِإن
#ور َر ِح ٌُيم[ النحل ، ]18:فلل ه املِنَّة على عباده وها ِإ َّن َ
اهلل لَغَُفٌ # صَ # ِ ِ
َت ُع##دُّوا ن ْع َ#م َة اهلل ال تُ ْح ُ
وال ِمنَّة ألَحد عليه ،فهو احملسن إيل العبد واملنعم عليه ،وال يطلب اجلزاء يف
إحس انه إليه بل أوجب بفض له لعب اده حقا عليه ،منة منه وتكرما إن هم وح دوه
يف العبادة ومل يشركوا به شيئا (. )2
ف النَِّبي َ Sعَلى مِح َ ا ٍر َ ت ِر ْد
ُ روى البخاري من حديث ُم َع ٍاذ بن جبل قال ُ :كْن
#ق الِْعبِ # ِ ِِ ال ( :يا مع#ا ُذ #َ ،ه#ل تَ#ْ #د ِري ح َّ ِ
#اد َعَلى #ق اللَّه َعَلى عَب#اده َوَما َح ُّ َ َ ْ َ َُ ْر َ ،فَق َُيَق ُال لَهُ ُعَفي ٌ
وه َو َال يُ ْشِ #ر ُكوا بِ ِ#ه
ال :فَِإ َّن َح َّق اللَِّه َعَلى الِْعَب ِاد أَ ْن َي ْعبُ ُد ُ
ْت :اللَُّه َو َر ُسول ُُه أَ ْعَل ُم ،قَ َ اللَِّه ؟ ُقل ُ
اهلل ،أَفَ َ
ال ول ِ ْت :يَا َر ُسَ # ب َم ْن َال يُ ْش ِر ُك بِِه َشْ#يًئا َ ،فُقل ُ َ َشْيًئا َو َح َّق الِْعَب ِاد َعَلى اللَِّه أَ ْن َال ُيَع ِّذ
َّكلُوا ) (. )3 ال َ :ال ُتب ِّشر ُهم َفيت ِ ِِ
َ ْ ْ َ َّاس ؟ قَ َأُبَ ِّشُر به الن َ
-74القادر :
األمر أق ُْدُره وأقدُِّره ِ
القادر يف اللغة اسم فاعل من قَ َدر َيْقدر فهوِ قادر ِ ،يقال قَ َدْرت ْ
ْداره مْقياسه ،وقَ َدَر الش يءُ بالش يءودبَّرتَه ،وق ْدُر كل ش يء ومق ُرت فيه َإذا نَظَ َ
قاسه ،والتقدير على وجوه من املعاين ،أَحدها :الرتوية والتفكري يف تسوية وقَدََّره َ
قدكأَمر وهتيئته والثاين :تقديره بعالمات يقطعه عليها ،والثالث :أَن َتنْ ِوي أَمرا بِع ِ
َ َ
ِ
ت َألْم ِر كذا أَقدُر قدْر ُ
ت عليه ،ويقال َ قد ُ
وع ْ
نويتُه َ ت أَمر كذا وكذا أَي
تقول قدَّْر ُ
له إِذا نظرت فيه َ
() 4
ودَّبْرتَه وقايسته .
والقادر سبحانه وتعاىل هو الذي يقدر المق ادير يف علمه ،وعلمه املرتبة األوىل من
1مفردات غريب القرآن ص . 777
2لسان العرب ، 13/418وتفسري القرطيب ، 16/94واألمساء والصفات للبيهقي ص .128
3البخاري يف كتاب اجلهاد والسري ،باب اسم الفرس واحلمار . )2701 ( 3/1049
4انظر النهاية يف غريب احلديث ، 4/22ومفردات ألفاظ القرآن ص ، 657واشتقاق أمساء اهلل للزجاج
ص ، 137ولسان العرب . 5/74
()97
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
قضائه وقدره ،فاهلل عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ،ونظم أمور اخللق
قبل إجياده وإمداده مث كتب يف اللوح هذه املعلومات ودوهنا بالقلم يف كلمات ،وكل
خملوق مهما عظم شأنه أو قل حجمه كتب اهلل ما خيصه يف اللوح احملفوظ ،مث يشاء
حبكمته وقدرته أن يكون األمر واقعا على ما سبق يف تقديره ،ولذلك فإن القدر عند
السلف مبين على التقدير والقدرة ،فبدايته يف التقدير وهو علم حساب املقادير ،أو
العلم اجلامع التام لحساب النظام العام الذي يسري عليه الكون من بدايته إىل هنايته ،
من َش ْيٍء ِإال ِعْن َدنَا َخَزائِنُُه َوَما ُنَنِّزل ُُه ِإال بَِق َدٍر َمْعلُ ٍوم [ احلجر ، ]21 :وقال قال تعاىل َ :وِإ ْن ْ
أيضا َ :و َ#ك#ا َن أَْ#م ُ#ر اللَِّه قََ #دراً َمْ#ق ُدوراً [ األح زاب ، ]38 :وقال سبحانه ِ :إ َّن اللََّه بَ##الِ ُغ
أَْ#م ِرِه قَ ْ#د َجَع َ#ل اللَُّه لِ ُك ِّ#ل َشْ #يٍء قَ ْ#دراً [ الطالق ، ]3:وعند مسلم من حديث عبد اهلل بن
س# #ماو ِ ِ اهلل Sقَ ال َ ( :كَتب اهلل مَقِ # عم رو أن رس ول ِ
ات #اد َير ال َخالئ #ِ #ق َقْب##ل أَ ْن يَ ْخلُ #َ #ق ال َّ َ َ َ َُ َُ
ِ () 1 ٍ
الم#اء ) ،ويف رواي ة الرتم ذي ( :قَ##دََّر ُ
اهلل #ف َس َ#نة َ ،و َعْر ُش ُ #ه َعلى َ# ين أَلَ #
َ ض بِ َخ ْم ِس #
َواألَْر َ
ٍ () 2 ات واألَر ِ ِ
#ف َسَ#نة ) ،فالقادر هو الذي قدر ين أَل َ ض ب َخ ْمسَ # السَم َاو ِ َ ْ َ المَق ِاد َير َقْبل أَ ْن يَ ْخلُ َق َّ
َ
املقادير قبل اخللق والتصوير ،والقادر داللته تتوجه إىل املرتبة األوىل من مراتب القدر ،
س الَّ ِذي َخَل#َ #ق وهي العلم والتقدير وإمكانية حتقيق املقدر ،ولذلك قال تعاىل :أََولَْي َ
الق الَْعِل ُيم [ يس، ]81 : #ادٍر َعَلى أَ ْن يَ ْخلُ#َ # #ق ِمْثَلُه ْم َبَلى َو ُ#ه #َ #و اْل َخ ُس # #ماوات واألَرض بَِ#ق ِ #
ال َّ َ َ َ ْ َ
ِّل َخْي#را ب ال َْم َشا ِر ِق َوال َْم َغا ِر ِب ِإنَّا لََق ِادُرو َن َعَلى أ َْن ُنَب#د َ وقال سبحانه أيضا :فَال أُق ِ
ْس ُم بَِر ِّ
وق َين [ املعارج ، ]40/41 :فاآليات تتعلق بإمكانية حتقيق املقدر ، ِمْنهم وما نَحن بِمس#ب ِ
ُ ْ ََ ْ ُ َ ُْ
ِ ِ
وقال أيضا َ :وِإنَّا َعَلى أ َْن نُِريَ َك َما نَع ُد ُه ْم لََقادُرو َن [ املؤمنون. ]95 :
-75الخالق :
اخلالق ص يغة مبالغة على وزن فع ال من اسم الفاعل اخلالق ،فعله خلق خيلق
خلقا والفرق بني اخلالق واخلالق أن اخلالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير
وعلم مث بتصنيع وخلق عن قدرة وغىن ،أما اخلالق فهو الذي يبدع يف خلقه كما
ْتوكيفا فمن حيث الكم خيلق ما يش اء كما ق ال ِ :إ ْن ي َش ْ#أ ي #ْ #ذ ِهْب ُكم أَُّيَها النَّاس وي #أ ِ
ُ ََ َ ُ ْ
الرحم#ةِ #ك قَ ِ#ديرا [ النساء ، ]133 :وقال :وربُّ َ ِ
ك اْل َغن ُّي ُذو َّ ْ َ ََ ين َو َك#ا َن اللَُّه َعَلى َذلِ َ بِ َ
آخ ِر َ
ين [ األنعام: ف ِم ْن َبْع ِد ُك ْم َما يَ َشُ #اء َك َما أَنْ َش#أَ ُك ْم ِم ْن ُذِّريَِّة َق ْ#وٍم َ#
آخ ِر َ ِإ ْن يَ َشْأ يُ ْذ ِهْب ُك ْم َويَ ْسَت ْخِل ْ
]133وأما من حيث الكيف فقال تعاىل َ :وَتَرى ال ِْجَب َال تَ ْح َسُبَها َج ِام َدًة َو ِه َي تَ ُم ُّ#ر َم َّ#ر
1مسلم يف كتاب القدر ،باب حجاج آدم وموسى عليهما السالم . )2653 ( 4/2044
2الرتمذي :كتاب القدر . )2156 ( 4/458
()98
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
،وقال : [النمل]88 : صْ#ن َع اللَِّه الَِّذي أَْتَق َن ُك َّ#ل َشْ #يٍء ِإنَُّه َخِب#ٌ #ير بِ َما َتْفَعلُ##ون َ سَ #ح ِ
اب ُ ال َّ
صَ#وَر ُك ْم َوِإلَْي#ِ #ه ال َْم ِصُ #ير [ التغابن، ]3:
َح َسَ #ن ُ
صَّ#وَر ُك ْم فَأ ْ ض بِ##ال َ
ْح ِّق َو َ األر َ َخَل#َ #ق ال َّ ِ
سَ #م َاوات َو ْ
وها َوِز َينً #ة َويَ ْخلُ#ُ #ق َما ال َتْعَل ُ#م#ون َ[ النح ل، ]8: #ال والْح ِ#م ِ وقال :واْل َخْيِ #
#ير لَتْر َكبُ َ#ل َواْلبغََ َ َ َ # َ َ
ف اخلالق هو ال ذي يب دع يف خلقه كما وكيفا بقدرته املطلقة ،فيعيد ما خلق
ويكرره كما كان ،بل خيلق خلقا جديدا أحسن مما كان ( ، )1ويف هذا رد على
ال ذين ق الوا ليس يف اإلمك ان أب دع مما ك ان ،ألن ذلك ين ايف معىن امسه اخلالق ،
#ل َش ْ #يٍء ِ
ص حيح أن اهلل أحسن وأتقن كل ش يء خلقه كما ق ال :الَّذي أ ْ
َح َس َ #ن ُكَّ #
َخَلَ#ق #ُ #ه َوبَ َ # #دأَ َخْل#َ # #ق اإلنس## #ان ِم ْن ِطي ٍن [ الس جدة ]7 :لكن ق درة اهلل مطلقة فهو اخلالق
اخلالق كما أنه الرازق الرزاق .
ق ال ابن تيمية فيمن ق ال ليس يف اإلمك ان أب دع من ه ذا الع امل ،ألنه لو ك ان
كذلك ومل خيلقه لكان خبال يناقض اجلود أو عجزا يناقض القدرة ( :ال ريب أن
اهلل س بحانه يق در على غري ه ذا الع امل وعلى إب داع غ ريه إىل ما ال يتن اهى ك ثرة
ويق در على غري ما فعله كما بني ذلك يف غري موضع من الق رآن ،وقد ي راد به –
يعين ق ول القائل ليس يف اإلمك ان -أنه ما ميكن أحسن منه وال أكمل منه ،فه ذا
ليس ق دحا يف الق درة ،بل قد أثبت قدرته على غري ما فعله ،لكن ق ال ما فعله
أحسن وأكمل مما مل يفعله ،وه ذا وصف له س بحانه ب الكرم واجلود واإلحس ان ،
وهو سبحانه األكرم فال يتصور أكرم منه سبحانه وتعاىل عما يقول الظاملون علوا
كبريا ) ( ، )2ويذكر ابن القيم أن براهني املعاد يف القرآن مبينة على ثالثة أصول :
أح#دها :تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال يف جواب من قال َ :م ْن يُ ْحِيي
يم ، وقال َ :وِإن ِ يم قُ ْل يُ ْحِي َيها الَّ ِذي أَن َشأ ََها أََّو َل َمَّرٍة َو ُهَو بِ ُك ِّ ِ ِ ِ
#ل َخْل ٍ#ق َعل ٌ الْعظَ َام َوه َي َرم ٌ
اق الَْعِليم ُ[ احلجر. ]86 : ك ُهَو اْل َخل ُ يل ِإ َّن َربَّ َ الصْفح ال ِ
ْجم َ
اصَف ِح َّ َ َ اعَة لآتَِيٌة فَ ْ
الس َ
َّ
ض بَِق ِادٍر َعَلى
األر َ والثاني :تقرير كمال قدرته كقوله :أَولَْيس الَّ ِذي َخَل َق َّ ِ
السَم َاوات َو ْ َ َ
الق الَْعِل ُيم . أ َْن يَ ْخلُ َق ِمْثَلُهم َبَلى َو ُهَو اْل َخ ُ
ض َوَما األر َ ِ الث## # #الث :كم ال حكمته كما يف قوله تع اىل َ :وَما َخَلْقَنا ال َّ
س َ # # #م َاوات َو ْ
ين [ الدخان ، ]38 :وقوله سبحانه :أَفَ َح ِسْبتُ ْم أَنََّما َخَلْقَنا ُك ْم َعَبث#اً َوأن ُك ْم إلَْيَنا
ِ ََّ ِِ
َبْيَنُه َما العب َ
1انظر يف معىن اخلالق واخلالق شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ، 211وتفسري األمساء للزجاج ص ، 36
واملقصد األسىن ص ، 72واألمساء والصفات للبيهقي ص . 42
2جامع الرسائل البن تيمية ص ، 120رسالة يف معىن كون الرب عادال ويف تنزهه عن الظلم .
()99
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ال ُتْر َجُعو َن [ املؤمنون. )1( ]115 :
ق ال ابن كثري ( :وقوله إن ربك هو اخلالق العليم تقرير للمع اد وأنه تع اىل ق ادر
على إقامة الس اعة ،فإنه اخلالق ال ذي ال يعج زه خلق ش يء ،العليم مبا متزق من
األجساد وتفرق يف سائر أقطار األرض ) (. )2
والقرطيب جيعل اخلالق داال أيضا تق دير اهلل لألخالق وتقس يمها بني العب اد ،وه ذا
يس عه اللفظ وحيتمله ،يق ول القرطيب ( :إن ربك هو اخلالق أي املق در للخلق
واألخالق ،العليم بأهل الوفاق والنفاق ) (. )3
-76المالك :
املالك يف اللغة اسم فاعل فعله ملك ميلك فهو مالك ،واهلل عز وجل مالك األشياء
كلها ومص رفها على إرادته ال ميتنع عليه منها ش يء ،ألن املالك للش يء يف كالم
العرب هو املتصرف فيه والقادر عليه ،فإن قال قائل :فقد يغصب اإلنسان على
الش يء فال ي زول ملكه عنه ،قيل له :ال ي زول ملكه عنه حكما وديانة ،فأما يف
الظاهر واالستعمال فالغاصب له ما هو يف يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو
هبة أو إهالك أو إص الح ،وإن ك ان يف ذلك خمطئا آمثا آتيا ما هو حمظ ور عليه
بإحالته بينه وبني مالكه ،فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل :رجع إىل ملكه
أي إىل حاله اليت ك ان فيها حقيقة ،واهلل عز وجل ق ادر على األش ياء اليت خلقها
وخيلقها ال ميتنع عليه منها ش يء ،وقد ق رأ ابن كثري ون افع وأَبو عم رو وابن ع امر
ومحزة َمِلك يوم الدين بغري أَلف ،وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك ب أَلف ،
وقد رويت القراءتان عن النيب . )4( S
واهلل عز وجل مالك امللك ،ملكه عن أصالة واستحقاك ألنه اخلالق احلي القيوم
الوارث ،فعلة استحقاق امللك أمران :
األول :ص ناعة الش يء وإنش ائه واخرتاعه ،فالعاق ل يعلم عقال أن املخ رتع له ب راءة
االخرتاع واملؤلف له حق الطبع والنشر ،روى البخاري عن عمر بن اخلطاب tأنه
، ( Sوإذا كان ملوك الدنيا ال ميكن ألحدهم أن يؤسس ملكه جبهده منفردا فال بد
له من ظهري أو معني ،سواء من أهله وقرابته ،أو حزبه ومجاعته ،أو قبيلته وعشريته
،فإن اهلل عز وجل هو املتفرد بامللكية حقيقة ،فال أحد ساعده يف إنشاء اخللق أو
عاونه على استقرار امللك ،أو ميسك السماء معه أن تقع على األرض ،قال سبحانه
ين [ األعراف ، ]54 :وقال أيضا : ْق واألَْمر َتبار َك اللَُّه ر ُّ ِ
ب الَْعالَم َ َ وتعاىل :أَال ل َُه اْل َخل ُ َ ُ َ َ
ض#دا َّخ َذ ِ ض وال َخل#َ #ق أَْنُف ِسِ #هم وم##ا ُكْن ُ ِ م##ا أَ ْشَ #ه ْدُتُهم َخل#َ #ق ال َّ ِ
لين َع ُ
المضَ #
ت ُمت ُ # ْ ََ سَ #م َاوات َواألَْر ِ َ ْ َ
اهلل ولم [الكهف ، ]51 :وعند البخاري من حديث عمران tأن النيب Sقال ( :كان َ
واألرض وكتب في ال##ذكر
َ يكن ش##يء قبل#ُ #ه ،وك##ان عرش##ه على الم##اء ،ثم خل#َ #ق السِ #
#ماوات
كل شيء ) (. )3
الثاني :دوام احلياة فهو علة أخرى الستحقاق امللك ألنه يوجب انتقال امللكية وثبوت
التملك ،ومعلوم أن كل من على األرض ميت فان كما قال تعاىل ُ :ك ُّل َم ْن َع ْليَه#ا
س َذائَِقُ #ةالجالل واإلكرام [ الرمحن ، ]27:وقال أيضا ُ :ك ُّل َنْف ٍ فَ ٍ
ك ُذو َ
ان َوَيْبَقى َو ْج ُه َربِّ َ
المْو ِت ثُ َّم ِإ ْليَنا ُتْر َجُعون [ العنكبوت ، ]57:وملا كانت احلياة وصف ذات لل ه واإلحياء َ
#كالمل ُ الملْك بالضرورة سيئول إىل خالقه ومالكه كما قال َ :لم ِن ُ وصف فعله ،فإن ُ
اهلل
ض َو ُ ات َواألَْر ِ س#ماو ِ الو ِاح ِد الَقهَّار [ غافر ، ]16:وقال تعاىل َ :و ِهلل ِم َير ُ
اث ال َّ َ َ
ِ
اليْوَم هلل َ
َ
فالملْك هلل يف املبتدأ عند إنشاء اخللق فلم يكن ِ ِ
ب َما َتْع َملُو َن َخبير [ آل عمران ُ ، ]180 :
أح د س واه ،واملل ك هلل يف املنتهى عن د زوال األرض ألن ه لن يب ق من املل وك س واه ،
فالملِ#ك هو املتصرف وهو امللك من فوق عرشه ال خالق وال مدبر للكون إال اهلل َ ،
باألمر والنهي يف مملكته وهو القائم بسياسة خلقه ،وملكه هو احلق الدائم له بدوام
احلياة ،وملا كان اهلل تعاىل هو املنفرد باخللق والتدبري فإنه ينفرد بامللك والتقدير إلزاما
وينف رد أيض ا بأن ه املال ك املس تحق للمل ك ،ق ال ابن القيم ( :الف رق بني امللك
واملالك أن املالك هو املتص رف بفعله ،وامللك هو املتص رف بفعله وأم ره ،
وال رب تع اىل مالك امللك فهو املتص رف بفعله وأم ره ) ( ، )4ويقصد أن مالك
الش يء ال يل زم أن يك ون ملكا لوج ود من يرأسه ومينع تص رفه يف ملكه ،أما
-82الشافي :
الش ايف يف اللغة اسم فاعل ،فعله ش فى يش في ش فاءَ ،وش فى كل ش يء حرفه
ق ال تع اىل َ :و ُكْنتُ ْم َعلَى َشَ # # #فا ُح ْف#َ # #ر ٍة ِم َن النَّا ِر فَأَْن َقَ # # #ذ ُك ْم [ آل عم ران، ]103:
والشِّفاء موافاة شفا السالمة وصار امسا للربء ،فالشفاء هو ال دواء الذي يكون
الس ق ِم ،وعند أيب داود وصححه األلباين من حديث َج ابٍِر سببا فيما يربئ من َّ
ِ
ال ( :فَِإنَّ َما شَ # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # # #فاءُ
َ قَ بن عبد اهلل tأن النيب S
ال ِْعيّ
()3
الش فاء ونال ه ،وعند مس لم من ح ديث عائشة استَ ْش َفى طلب ِّ ِ ال ُّس َ#ؤ ُال ) ،و ْ
س# #ا ُن فَ َشَ # #فى أن رس ول اهلل Sقَ ال عن هج اء حس ان tلق ريش َ ( :ه َجُ #
#اه ْم َح َّ
تص بالشِّفاء ،وهو اخ َّ ِِ ()4
َوا ْشَ#تَفى ) ،أَراد أَنه َش فى املؤمنني واشتفى بنَفس ه أَي ْ
الش فاء أو الب ر ِء من املرض لكن املعىن نقل من ِش فاء األَجس ِام إِىل ِش ِ
فاء من ِّ
ُْ
()5
غيظي . ت بكذا وتَ َشفْيت من ْ
تفي ُ والن ُف ِ
وس يقال :ا ْش ْ ِ
القلوب ُّ
والشايف سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ،ويشفي العليل باألسباب واألمل
1انظر ش رح أمساء اهلل احلسىن لل رازي ص ، 274وتفسري أمساء اهلل احلسىن للزج اج ص ، 49وكت اب
املواقف لعضد الدين اإلجيي . 3/309
2انظر يف هذا املعىن معارج القبول . 1/144
3أبو داود يف الطهارة ،باب يف اجملروح يتيمم ، )336 (1/93وانظر صحيح اجلامع ( . )4362
4مسلم يف فضائل الصحابة رضي اهلل عنهم ،باب فضائل حسان بن ثابت ). t 3/1936 (2490
5لسان العرب ، 14/436وكتاب العني ، 6/290واملفردات ص . 459
()109
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
فقد يربأ الداء مع انعدام الدواء ،وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ،ويرتب عليه
أس باب الش فاء ،وكالمها باعتب ار ق درة اهلل س واء ،فهو الش ايف ال ذي خلق
أس باب الش فاء ورتب النت ائج على أس باهبا واملعل والت على عللها فيش في هبا
وبغريها ،ألن حص ول الش فاء عن ده حيكمه قض اؤه وق دره ،فاألس باب س واء
ترابط فيها املعل ول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق اهلل وتق ديره ومش يئته
وت دبريه ،واألخذ هبا الزم علينا من قبل احلكيم س بحانه إلظه ار احلكمة يف
الش رائع واألحك ام ومتي يز احلالل واحلرام وظه ور التوحيد واإلس الم ،فاللّ ه ع ّز
وج ّل متص ف بالق درة واحلكم ة ،ومن أمسائه الق دير احلكيم ،فبالق درة خل ق
األشياء وأوجدها وهداها وسريها وانفرد بذلك دون شريك وهذا توحيد الربوبية
وباحلكم ة رتب األس باب ونتائجه ا وابتالن ا هبا وعل ق عليه ا الش رائع واألحك ام
حتقيقا لتوحيد العبودية ،وإمنا مثل األسباب كمثل اآللة بيد الصانع فكما ال يقال :
السيف ضرب العنق وال السوط ضرب العبد ،وإمنا يقال :السياف ضرب العنق
وفالن ض رب فالن ا بالس وط ،فك ذلك ال يق ال ش فاين ال دواء أو الط بيب ألهنا
أسباب وعلل ،والعلل واألسقام كما ذكر النيب عليه الصالة والسالم فيما صح
عنه ( :ط#ب#ي#ب#ه# # #ا #ا#ل# # #ذ#ي #خ#ل#ق#ه#ا ، )1 ( ) #فه و س بحانه الق ادر الفاع ل بلط ائف
ت#َ #ف ُهَ #و #يَ#ْ #شِ #ف#يِ #ن# القدرة وخفايا املشيئة ،ولذلك قال إبراهيم #َ : و#إَِ #ذ#اَ #مِ #رْ #
ضُ #
[ الش عراء ، ]80:وقد وحد الغالم ربه يف امسه الشايف ملا قال له الوزير يف
ت#َ #شَ #فْ #ي#تَ#نِ#ي #، #ف#ق#ا#ل #: #إِ#نِّ#ي# قصة أصحاب األخدود َ ( :م#اَ #ه#اُ #ه#نَ#ا #ل#ك #أَْ #جَ #مُ #ع #إِ#ن #أَ#نْ#َ #
ت #ا#هللَ #فََ #شَ #ف#ا#َ #ك #، #ف# َ#آَ #مَ #ن# ت #بِ#اِ #
هللَ #دَ #ع#ْ #و#ُ # ال #أَْ #شِ #ف#ى #أََ #حً #د#ا #إِ#نََّ #م#ا #يَْ #شِ #ف#ى #ا#هلل #، #فِ#إ#ن #أَ#نْ#َ #
ت #آَ #مْ #ن#َ #
بِ#ا#هللِ #فََ #شَ #ف#ا#هُ #ا#هللُ. )2 ( ) #
واهلل عز وجل هو الشايف الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي األبدان
#اءتْ ُك ْم َم ْو ِعظَ#ةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِشَ #فاءٌ لِ َما من أمراضها ،قال تعاىل :يَا أَُّي َها الن ُ
َّاس قَْ #د َ#ج َ
ِ ِِ ِفي ال ُّ
ين [ ي ونس ]57:وق د ذك ر ابن القيم أن القلب ص ُ #دو ِر َو ُهً #
#دى َو َر ْح َم #ةٌ لل ُْم#ْ #ؤمن َ
1أبو داود يف الرتجل ،باب يف اخلضاب ، )4207 ( 4/86وصحيح أيب داود . )3544 ( 2/792
2رواه مسلم من حديث صهيب يف كتاب الزهد والرقاق ،وانظر األمساء والصفات للبيهقي ص .111
()110
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
مىت اتصل برب العاملني خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء
ك انت ل ه أدوي ة أخ رى غ ري األدوية ال يت يعانيه ا القلب البعي د من ه املع رض عنه ،
فإذا قويت النفس بإمياهنا وفرحت بقرهبا من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها
بذكره وانصراف قواها كلها إليه ومجع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه
فإن ذلك يكون هلا من أكرب األدوية يف دفع األمل بالكلية (. )1
-83الرفيق :
الرفْق فق َيْرفق ِرفقا ،و ِّ
الرفيق يف اللغة من صيغ املبالغة ،فعيل مبعىن فاعل ،فعله َر َ
هو اللطف وهو ضد العْنف ،ويعين لِني اجلانب ولطافة الفعل ،رفق ب األَمر وله
وعليه وهو به َرفِيق يعين لَ ِطيف ،وعند أمحد من حديث عائشة أَن النيب Sقال :
الرفْ#ُ #ق ِفي َشي ٍْء قَ#ُّ #ط إِالَّ َزانَ##هُ َوالَ ُعِ #ز َل َع ْن َشي ٍْء ِإالَّ َش#انَهُ ) ( ، )2فالرفق هو
( َما َ#ك#ا َن ِّ
ك وإِيّاه رفقة واحدة ،والرفي ق ِ اللّطف ِ
يقك هو الذي يُراف ُقك يف السفر جَتْ َم ُع َ ورف َ ُ َ
أيضا هو ال ذي يت ويل العمل برفق ،أو يتَرفق ب املريض ويتلطف به ،وعند أيب
ال للرسول ( : Sأَ ِرنِي َ#ه َذا داود وصححه األلباين من حديث أَىِب رمثة أن أباه قَ َ
#ل َر ِفي ٌ #ق ،طَبِ ُيب َها يب ،بَ #ْ #ل أَنْ َ
ت َر ُجٌ #
ِ
#ال : Sالل #هُ الطَّب ُ #ل طَبِ ٌ
يب قَ َ # ِ َّ ِ ِ
الذي بظَ ْهِ #ر َك فَ #إنِّي َر ُجٌ #
ال#ِ #ذي َخَلَق َها ) ( ، )3واملِْرفَ ُق من َمَرافِق ال دار األم اكن املص احبة لل دار من خ دمات
وحنوها واملرفِق من ِاإلنس ان والدابة أَعلى ال ذراع وأَس فل
خمتلفة ك َمص اب املاء ُ
َ
ضد (. )4
الع ُ
َ
والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده القريب منهم يغفر ذنوهبم ويتوب عليهم ،
وهو الذي تكفل هبم من غري عوض أو حاجة ،فييسر أسباهبم وقدر أرزاقهم
وه داهم ملا يص لحهم ،فنعمته عليهم س ابغة ،وحكمته فيهم بالغة ،حيب
1زاد املعاد ، 4/12وانظر أيضا :إغاثة اللهفان ، 1/45وشفاء العليل ص . 91
2أمحد يف املسند )25748 ( 6/206وصححه األلباين من حديث أنس انظر :صحيح اجلامع ( . )5654
2/79 3أخرجه أبو داود يف كتاب الرتجل ،باب يف اخلضاب ، )4207 ( 4/86وانظر صحيح أيب داود
، )3544 ( 2والط بيب مل ي دخل مع األمساء احلسىن للتقيد ال ذي ورد بع ده ،وهو قوله :طَِب ُيبَها الَِّذي
َخَلَقَها فحسن االسم على ما قيد به .
4لسان العرب ، 10/118وهتذيب اللغة ، 9/109وكتاب العني ، 5/149واملغرب للمطرزي 1/33
.9
()111
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
عب اده الموح دين ويتقب ل ص احل أعم اهلم ،ويق رهبم وينص رهم على ع دوهم ،
ويع املهم بعطف ورمحة وإحس ان وي دعو من خالفه إىل التوبة واإلميان ،فهو
الرفيق احملسن يف خف اء وسرت ،حياسب املؤم نني بفض له ورمحته ،وحياسب
املخ الفني بعدله وحكمته ،ترغيبا هلم يف توحي ده وعبادته ،وحلما منه
ليدخلوا يف طاعته (. )1
واهلل عز وجل رفيق يتابع عباده يف حركاهتم وسكناهتم ،ويتوالهم يف حلهم
وترح اهلم مبعية عامة وخاصة ،فاملعية العامة كقوله تع اىل َ :ما يَ ُك## # # #و ُن ِم ْن
#ك َوال أَ ْكَث َ#ر نَ ْج َوى ثَالثٍَة إِال ُه#َ #و َرابِ ُع ُه ْم َوال َخ ْم َسٍ #ة إِال ُه َ#و َس ِاد ُسُ #ه ْم َوال أَ ْدنَى ِم ْن َذلِ َ
َن اهللَ َم#َ #ع إِال ُه#َ #و َم َع ُه ْم أَيْ َن َما َ#ك#انُوا [ اجملادل ة ، ]7:واملعية اخلاصة كقوله َ :وأ َّ
ين [ األنف ال ، ]19:وعند الرتم ذي وص ححه األلب اين من ح ديث ابن ِِ
ال ُْم#ْ #ؤمن َ
ِ #ك َكِل #م ٍ #
اح َف## #ظ اهللَ #ات ْ ، ُعلِّ ُمَ َ # # عب اس tأن رس ول اهلل Sق ال له ( :يَا غُالَ ُم إِنِّي أ َ
،وعند مسلم من حديث ابن عمر t
()2
#ك ) #ظ اهللَ تَ ِ#ج ْدهُ تُ َج َ#
اه َ #ك ،اح َفِ #
يَ ْح َفظْْ َ #
ب ِفي الس#ف ِر ت ال َّ ِ
ص#اح ُ أن رسول اهلل Sكان يقول إذا خرج للسفر ُ ( :
الله َّم أَنْ َ
الخليفة ِفي األ َْ#ه ِ#ل ..الح##ديث ) ( ، )3وهو الرفيق ال ذي جيمع عب اده املوح دين و ِ
َ
ْجنَّة ِ ِ ِ ِ عنده يف اجلنة كما قالت امرأت فرعون َ :ر ِّ
ب ابْ ِن لي عْن َد َك َبْيتا في ال َ
ول اللَّ ِه S [التح رمي ]11:وعند البخ اري من ح ديث عائشة ق الت #َ ( :ك ##ا َن َر ُس ُ # #
ْجن َِّة ثُ َّم يُ َخَّي ُر َ ،فلَ َّما ِ ض نَبِي قَُّ # ول و ْهو ِ
#ط َحتَّى َي#َ #رى َم ْق َعَ #دهُ م َن ال َ َن ُي ْقبَ َ يح :ل ْ
صح ٌ َي ُق ُ َ َ َ
صَ # #رهُ إِلَى ص بَ َ َن #َ #ز َل بِ #ِ #ه َو َرأْ ُس# #هُ َعلَى فَ ِ#خِ #ذي ،غُ ِش# #ي َعلَْي #ِ #ه َسَ # #
اعةً ،ثُ َّم أَفَ َ #
#اق فَأَ ْشَ # #خ َ
ت أَنَّهُ ْت :إِ ًذا الَ يَ ْختَ ُارنَا َ ،و َعِل ْم ُ الر ِفي#َ # # # # # #ق األَ ْعلَى ُ ،قل ُ
#ال :اللَّ ُه َّم َّ س ْ # # # # # #ق ِ
ف ثُ َّم قََ # # # # # # ال َّ
#ك ِ#
آخ َر َكِل َم ٍ#ة تَ َكلَّ َم ت تِْل َ َت :فَ َك##انَ ْ يح ،قَ#ال ْ ص#ح ٌ
يث الَّ ِذي َك#ا َن يح ِّ#دُثنَا ،و ْه#و ِ
ُ َ (َ َ َ)4 ْح#ِ #د ُ ال َ
يق األَ ْعلَى ) . الر ِف َ بِ َها :اللَّ ُه َّم َّ
-84المعطي :
والع ِطيَّة اس ٌم ملا يُ ْعطي
املعطي اسم فاعل ِفعله من أعطى يعطي فهو معط َ ،
والعط اء أَص له اللفظي َعط او ومجعها َعطايا وأ َْعطيَة ،والعط اء إعطاء الم ال َ ،
بالواو ألَنه من َعطَ ْوت إِال أَن العرب َت ْه ِم ُز الواو والياء إِذا جاءتا بعد األَلف
1انظر يف تفسري االسم :االسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن . 1/556
2الرتمذي يف صفة القيامة والرقائق والورع ، )2516 ( 4/667وانظر صحيح اجلامع ( . )7957
3مسلم يف احلج ،باب ما يقول إذا ركب إىل سفر احلج وغريه . )1342 ( 2/978
4البخاري يف الدعوات ،باب مرض النيب Sووفاته . )4173 ( 1613 /4
()112
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
العط اء
اس َت ْعطى وَت َعطي ِيعين (س)1أَل َ
حركة ،ويق ال ْ : ألهنا أفضل يف النطق وال
َنت ُم ْعطيَّه ؟ . أ هل : تقول ِ
يد أ ُ ْ َ ً
اشيئ يكط عي َن ،وإِذا أَردت من ز ٍ
َ َ َْ
واملعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتوىل أمره ورزقه يف الدنيا
واآلخرة كما قال تعاىل عن موسى وهو يصف عطاء الربوبية :قََ #
#ال َرُّبنَا
الَّ ِذي أَ ْعطَى ُكل َش ْ # #ي ٍء َخ ْل َق## #هُ ثُ َّم َهَ # #دى [ ط ه ، ]50:وق ال تع اىل عن عط اء
الذين سِ #ع ُدوا فَِفي الْجن َِّة َخالِ#ِ #دين ِف َيها ما َدام ِ ِ
ضات َواأل َْر ُسَ #م َاو ُ
ت ال َّ َ َ َ َ اآلخرة َ :وأ ََّما َ ُ
وذ [ هود ، ]108:وعطاء اهلل قد يكون عاما ج ُذ ٍإِال َما َش#اء َرب#ك َعطَ#اء غَْي َ#ر َم ْ#
أو خاصا ،فالعط اء الع ام يك ون للخالئق أمجعني ،والعط اء اخلاص يك ون
لألنبياء واملرسلني وصاحل املؤمنني ،فمن العطاء العام ما ورد يف قوله تعاىل :
حظُ##وراً [ اإلسراء: ك َم ْ
ك َو َما َك##ا َن َعطَ##اءُ َربِّ َالء ِم ْن َعطَ ِاء َربِّ َ الء وه ُؤ ِ
ِ
ُ كالً نُ ِم ُّد َه ُؤ َ َ
، ]20والعط اء هنا هو متكني العبد من الفعل ومنحه الق درة واالس تطاعة ،
كل على حسب رزقه وقض اء اهلل وق دره ،ومن العط اء اخلاص اس تجابة
ال دعاء وحتقيق مطلب األنبي اء والص احلني من األولي اء ،ومن ذلك ال دعاء
والعطاء يف قصة سليمان :
َّاب
َنت ال َْوه ُ كأ َ ب لِي ُملكا ال يَنبَ ِغي أل َ#
َح #ٍ # #د ِّم ْن َب ْع#ِ ِ# # #دي إِنَّ َ ْ ب اغ ِف#ْ # # #ر لِي َو َه #ال َر ِّ قََ # # #
اص#ل َبنَّاء َوغَ#َّ # #و ٍ # #
ك ين اط ي # # َّ
ش الو اب # # صَ
أ ث ي ح #اء # خ
# ر ِ
ه ِ
ر َم
أ # # ِ
ب ي رِ # #
ج
ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ ُ َّ فَ َس # #خ َّْرنَا ُ ِّ َ َ ْ
ت يح #ر# #ل ا #ه# #َل
ص39: س#اب ّ [
ك بِغَْيِ #ر ِح ٍ صَ #ف ِاد َهَ #ذا َعطَا ُؤنَا فَ#ْ #امنُ ْن أَو أ َْم ِسْ # ين في األَ ْ
وآ َخِ #رين م َق#َّ #رنِ ِ
َُ َ َ
َ
ِ ِ
ت ال َْم#َ #وال َي م ْن َو َرائي ِ
] ،وك ذلك يف دع اء زكريا حيث ق ال َ :وإِنِّي خ ْف ُ
َو َ#ك ##انَ ِت ْام#َ # #رأَتِي َع#ِ # #اقراً َف َه ْب لِي ِم ْن لَ ُ # #دنْ َك َولِيّ # #اً [ م رمي ]5:فحقق اهلل مطلبه
#ل لَ##هُ وأعطاه ما يتمناه فقال :يَا َز َك ِريَّا إِنَّا ُنبَ ِّش#ر َك بِغُ ٍ
َم نَ ْج َعْ #
الم ا ْسُ #مهُ يَ ْحيَى ل ْ ُ
ِ
#ل َس ِ #ميّاً [ م رمي ]7:وق ال عن عطائه للمؤم نني يف اآلخ رة َ :ج#َ #ز ًاء م ْن ِم ْن َقْب#
ُ
َربِّ َك َعطَ ًاء ِح َساباً [ النبأ. )2( ]36:
-85المقيت :
املقيت اسم فاعل للموص وف باإلقاتة فعله أق ات وأص له َق ات يَ ُق وت ُقوتا ،
الرجل وأقاته أي
َ والق وت لغ ة هو ما ميسك الرمق من ال رزق ،تق ول :ق ات
1انظر ب دائع الفوائد البن القيم ، 3/730وع ون املعب ود يف ش رح س نن أيب داود ، 13/111وش رح
النووي على صحيح مسلم ، 15/6وانظر فتح الباري . 5/180
2حتفة املودود بأحكام املولود البن القيم ص . 126
3روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين ،أليب الفضل حممود األلوسي . 30/274
4بدائع الفوائد . 3/730
5لسان العرب ، 1/563وكتاب العني ، 7/461واملغرب . 2/29
()115
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
يع الْبَ ِص ُ #ير [ الش ورى ، ]11:وهو أيضا طيب يف أفعاله يفعل األكمل و ُه##و ال َّ ِ
س #م ُ َ َ
واألحسن ،فهو ال ذي أتقن كل ش يء ،وأحسن كل ش يء ،ف احلكيم امسه
واحلكمة ص فته ،وهي بادية يف خلقه تش هد لكم ال فعله ،وتش هد بأنه مجيل
الذي أَْت َق َن ُك َّل َش ْي ٍء إِنَّهُ َخبِ ٌير بِ َما َت ْف َعلُ##و َن اهلل ِجليل عليم خبري ،قال تعاىل :صْنع ِ
َُ
ِ ِ ِ ِ
َح َسُ #ن م َن اهلل صْ#بغَةً َونَ ْح ُن لَ##هُ َعاب ُ #دو َن ِ [ النمل ، ]88:وقال ِ :
صْ#بغَةَ اهلل َو َم ْن أ ْ
#ل َشْ #ي ٍء َخلَ َق#هُ َوبََ #دأَ َخ ْل َ#ق اإلنس#ان ِم ْن َح َسَ #ن ُك َّ ِ
[ البقرة ، ]138:وقال :الَّذي أ ْ
ِطي ٍن [ الس جدة ، ]7:والطيب أيضا هو الق دوس املنزه عن النق ائص والعيوب ،
ق ال القاضي عي اض ( :الطيب يف ص فة اهلل تع اىل مبعىن املنزه عن النق ائص وهو
مبعىن القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسالمة من اخلبث ) (. )1
وهو س بحانه الطيب ال ذي طيب ال دنيا للموح دين ف أدركوا الغاية منها وعلم وا
أهنا وس يلة إىل اآلخ رة س ينتقلون عنها ،وطيب اجلنة هلم ب اخللود فيها فش مروا
إليها سواعدهم وضحوا من أجلها بأمواهلم وأنفسهم رغبة يف القرب من اهلل (.)2
-88الحكم :
احلكم يف اللغة من ص يغ املبالغة السم الفاعل احلاكم ،وهو ال ذي حيَكم
ويفصل ويقضي يف س ائر األم ور ،فعله حكم حيكم ُحكْما ،واحلكم العلم
صبِيّا [ م رمي12 : الحكم َ
َ قوٍة َوآَتْينَاهُ اب بِ َّ ِ ِ
والفقه ،قال اهلل تعاىل :يَا يَ ْحَيى ُخذ الكتَ َ
َّاس أَ ْن تَ ْح ُك ُموا بِال َْع ْ#د ِل
] ،واحلكم القضاء بالعدل قال تعاىل َ :وإِ َذا َح َك ْمتُ ْم َبْي َن الن ِ
وح َّكمه يف ماله حتكيم اً إذا جعل [ النس اء ، ]58:واحلَ َكم بفتحتني هو احلاكم َ ،
اكموا مبعىن واحد ق ال تع اىل :فَال ْم فيه ،واحتكم وا إىل احلاكم وحَتَ ُ َ إليه احلُك
#وك ِف َيما َشَ # #ج َر َبْيَن ُه ْم [ النس اء ، ]65:واحملاكمة هي ك ال ُي ْؤِمنُ ##و َن َحتَّى يُ َح ِّك ُمَ #َو َربِّ َ
املخاصمة إىل احلاكم (. )3
واحلكم سبحانه هو الذي حيكم يف خلقه كما أراد ،إما إلزاما ال يرد وإما تكليفا
على وجه االبتالء للعباد ،فحكمه يف خلقه نوعان :
أوال :حكم يتعل ق بالت دبري الك وين وه و واق ع ال حمال ة ألن ه يتعل ق باملش يئة ،
1صحيح مسلم بشرح النووي ، 7/100وانظر الديباج على صحيح مسلم . 3/89
2انظر حلية األولياء . 10/375
3لسان العرب ، 140 /12وكتاب العني ، 3/66واملغرب للمطرزي . 218 /1
()116
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ومشيئة اهلل ال تكون إال باملعىن الكوين فما شاء كان وما مل يشأ مل يكن ،ومن
مث ال معقب حلكمه وال غالب ألمره وال راد لقضائه وقدره ،ومن هذا احلكم ما
صَ #ها ِم ْن أَط َْر ِاف َها َواللَّهُ يَ ْح ُك ُم ال َم َي#َ #ر ْوا أَنَّا نَ#أْتِي األ َْر َ
ض َنْن ُق ُ ورد يف قوله تعاىل :أ ََول ْ
اح ُك ْم اب [ الرعد ، ]41:وكذلك قوله :قَ#ال َر ِّ ْحسِ # مع ِّقب لِح ْك ِم ِه و ُهو س ِر ِ
ب ْ يع ال َ َُ َ ُ َ َ َ ُ
ِ
الم ْسَت َعا ُن َعلى َما تَص ُفو َن [ األنبياء ، ]112:أي افعل ما تنصر الر ْح َم ُن ُ بِ َ
الح ِّق َو َرُّبنَا َّ
به عبادك وختذل به أعداءك .
ثاني##ا :حكم يتعل ق بالت دبري الش رعي وه و حكم تكليفي دي ين ي رتتب علي ه ث واب
وعقاب وموقف املكلفني يوم احلساب ،ومثال ه ما جاء يف قوله تعاىل :يَا أَُّي َها
يم # #ةُ األَْن َع #ِ #ام إِال َم ##ا ُيْتلى َع ْلي ُك ْم غَْي#َ #ر ُم ِحلي
لت ل ُك ْم بَِه َ ود أ ُِح ْ ال#ِ ##ذين آمنُ###وا أَوفُ###وا بِ###الع ُق ِ
ُ َ َ ْ
الصْي ِد َوأَْنتُ ْم ُح ُر ٌم إ َّن اهللَ يَ ْح ُك ُم َم#ا يُِريُ #د [ املائدة ، ]1:ومثال احلكم الشرعي أيضا ِ َّ
اهلل [ الشورى ، ]10:وقوله قوله تعاىل :وما ا ْختَل ْفتُم ِفي ِ#ه ِمن َش#ي ٍء فَح ْكم#هُ إِلى ِ
ْ ْ ُ ُ ْ ََ
#ك َو َم##ا ِ ِ ِ ِ ِ #ف يُ َح ِّك ُمونَ َ #
#ك َوعْنَ ##د ُه ُم الت َّْو َراةُ ف َيه##ا ُح ْك ُم اهلل ثُ َّم َيَت َول #ْ #و َن م ْن َب ْع##د َذل َ # َ :و َكْيَ #
ين [ املائدة. ]43: ك بِ ِ ِ ِ
الم ْؤمن َ
أُولئ َ ُ
ق ال القرط يب ( :ف احلَ َكم من ل ه احلكم وه و تنفي ذ القض ايا وإمض اء األوام ر
والنواهي وذلك باحلقيقة هو اهلل تعاىل ،فهذا االسم يرجع تارة إىل معىن اإلرادة ،
وتارة إىل معىن الكالم ،وتارة إىل الفعل ،فأما رجوعه إىل اإلرادة فإن اهلل تعاىل
حكم يف األزل مبا اقتض ته إرادت ه ،ونف ذ القض اء يف الل وح احملف وظ ،جيري القلم
في ه على وف اق حكم اهلل ،مث جرت األقدار يف الوجود ب اخلري والشر ،والع رف
والنك ر على وف اق القض اء واحلكم ،وإذا ك ان راجع ا إىل مع ىن الكالم فيك ون
معناه املبني لعباده يف كتابه ما يطالبهم به من أحكامه كما يقال ملن يبني للناس
األحك ام وينهج هلم مع اين احلالل واحلرام :حكم ،وعلى ه ذا فال يك ون يف
الوجود حكم إال كتابه ،فعنده يوقف إذ هو احلكم العدل ،وإذا كان راجعا إىل
الفعل فيكون معناه احلكم الذي ينفذ أحكامه يف عباده بإشقائه إياهم وإسعاده
وتقريبه إياهم وإبعاده على وفق مراده ) (. )1
وقال ابن القيم يف نونيته :
والحكم شرعي وكوني وال يتالزمان وما هما سيان
هريرة tأن رسول َّاهلل ِ Sقال َ ( :يْنِ #ز ُل َرُّبنَا َتَبَ #
#ار َك وعند البخاري من حديث أيب
ِ
#ول َ :م ْن يَ #ْ #د ُعون ي سَ ##م ِاء ال ُ ُ َ َْ َ َ ْ #
ث اللْي#ِ #ل اآلخُ #ر َيُقُ # ل
ُ ث ىقبي ين حِ اين ُّ
#د #ل لَْيلَ #ٍ #ة إِلَى ال َّ
َوَت َع##الَى ُكَّ #
يب لَهُ َم ْن يَ ْسأَلُنِي فَأُ ْع ِطَيهُ َم ْن يَ ْسَت ْغِفُرنِي فَأَ ْغِفَر لَهُ ) .
()1 فَأ ْ ِ
َسَتج َ
-90البر :
بار ومجعه َب َرَرة ,والرِب ُّ هو الَ بُّر اسم فاعل للموصوف بالرب ،فعله َب َّر َيَب ُّر فهو ُّ
العق وق وهو اإلساءة ني من األهل ض ّد ُ حق)2الوالدين واألق ربِ َ
(
اإلحسان ،والرب يف
والب ُّر والب ّار مبعىن واحد ,لكن ال ذي ثبت يف أمساء َّض ييع حلقهم َ ، إليهم والت ْ
البار واألمساء كما علمنا توقيفية على النص . اهلل تعاىل َالبُّر ُدون ّ
العطوف على عبادة ببِرة ولطفه ،فهو أهل ال رب والعطاء والرب سبحانه وتعاىل هو َ
ِ
حيسن إىل عب اده يف األرض أو يف الس ماء ،روى البخ اري من ح ديث أَبي
#ال :
#ك َ ،وقَ َ#ل :أَنِْفْ #ق أُنِْفْ #ق َعلَْي َ
ال اللَّهُ َعَّز َو َج َّ ول الل ِه Sقَ َ
ال ( :قَ َ ُهَرْيَرَة tأ ََّن َر ُس َ
#ق ُمْنُ #ذ َخَل َ#ق#ال :أ ََرأَْيتُ ْم َما أَْنَف َ
#ار َ ،وقَ َ ِ
ض َها َنَفَقةٌ َ ،س َّح ُ َّ ِ
َّه َ
#ل َوالن َ
اء اللْي َ يَ ُد اهلل َمألَى الَ تَغي ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ض َما في يَ##ده َ ،و َ#ك#ا َن َع ْر ُش #هُ َعَلى ال َْم##اء َ ،وبَِي##ده ال # ِ
#يزا ُن
ْم َ ض فَِإنَّهُ ل َْم يَغ ْ
اء َواأل َْر َ
س َ #م َ
ال َّ
ض َوَي ْرفَ ُع ) ،كما أن الرب عز وجل هو الصادق يف وعده الذي يتجاوز ()3 ِ
يَ ْخف ُ
عن عبده وينصره وحيميه ،ويقبل القليل منه وينميه ،وهو املحسن إلى ِ
عبادِه
ال ذي ع َّم بِ ُّره وإحس انُه مجي ع ِ
خلق ِه فما منهم من أحد إال وتكفل اهلل برزقه (، )4 َ َ ُ
قال أبو السعود ( :الرب احملسن الرحيم الكثري الرمحة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل
أجاب ) (. )5
-91الغفار :
الغف ار يف اللغة من ص يغ املبالغة على وزن فع ال كثري املغف رة ،فعله غفر يغفر
غف را ومغف رة ،وأَصل الغَف ِر التغطية والسرت ،وقد تق دم احلديث عن املعىن
4انظر شرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ، 278وتفسري األمساء احلسىن للزجاج ص ، 50واملقصد األسىن
للغزايل ص ، 105والبيهقي ص ، 73واملفردات ص . 707
1البخاري يف كتاب التهجد ،باب الدعاء والصالة من آخر الليل . )1094 ( 1/384
2لسان العرب ، 4/51واملغرب للمطرزي . 1/69
3البخاري يف التفسري ،باب قوله وكان عرشه على املاء . )4407 ( 4/1724
4انظر تفسري البغوي ، 4/240وشرح أمساء اهلل احلسىن للرازي ص ، 335وفتح القدير ، 5/100وتفسري
األمساء احلسىن للزج اج ص ، 61واألسىن يف ش رح أمساء اهلل احلسىن للقرطيب ، 1/333وزاد املسري البن
اجلوزي ، 8/53واملقصد األسىن للغزايل ص . 123
5تفسري أيب السعود ، 8/150وانظر أيضا تفسري النسفي . 4/185
()119
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
اللغوي يف تفسري اسم اهلل الغفور (. )1
والغف ار س بحانه هو ال ذي يسرت ال ذنوب بفض له ويتج اوز عن عب ده بعف وه ،
وطاملا أن العبد موحد فذنوبه حتت مش يئة اهلل وحكمه ،فقد يدخله اجلنة ابت داء
وقد يطه ره من ذنبه ،والغف ور والغف ار قريب ان يف املعىن فهما من ص يغ املبالغة يف
الفعل ،وقيل الغف ار أبلغ من الغف ور ،ف الغفور هو من يغفر ال ذنوب العظ ام ،
والغفار هو من يغفر الذنوب الكثرية ،غفور للكيف يف الذنب وغفار للكم فيه
( ، )2وقد تك ون هن اك من الف روق ما مل يظهر حىت اآلن مما يظهر إعج از الق رآن
فيما يس تقبل من الزمان ،كما هو احلال يف اإلعجاز الع ددي حلساب احلروف
واجلمل فإهنا أمور تزيد العقل عجزا يف تصور عظمة القرآن ( ، )3وقد ظهر اآلن
اإلعج از الص ويت لألمساء احلسىن وإن ك ان األمر يتطلب مزي دا من األدلة ،فقد
ت بني بالتجربة أن كل اسم له ت أثري ص ويت على اجله از املن اعي يف اإلنس ان ،
وأمور أخرى تبني أن اسم اهلل الغفار على وزن فعال له موضعه احملسوب بدقة
يف كت اب اهلل ،وأن اسم اهلل الغف ور على وزن فع ول له أيضا موض عه احملس وب
بدقة يف كتاب اهلل (. )4
وأيا ك ان الف رق ف إن الغف ار ي دل على املبالغة يف الك ثرة ،واهلل عز وجل وضع
نظاما دقيقا ملالئكته يف ت دوين األجر املوض وع على العمل ،فهي تس جل ما
يدور يف منطقة حديث النفس دون وضع ثواب أو عقاب لقوله Sيف احلديث :
ج ##او َز لِي َعن أ َُّمتي ما وسوس ِ ْ # #
لم ) (، )5
#ل أ َْو تَ َك ْ
َم َت ْع َ#م ْ #
ور َها َما ل ْ ت بِ## #ه ُ
ص ُ # #د ُ َ َ َْ َ ْ ( إِ َّن اهللَ تَ ََ #
وهذا يتطلب استغفارا عاما حملو خواطر الشر النابعة من هوى النفس ،ويتطلب
اس تعاذة حملو خ واطر الشر النابعة من ملة الش يطان ،كما أهنا تس جل ما ي دور يف
منطقة الكسب مع وضع الث واب والعق اب ،وهي تس جل فعل اإلنس ان احملدد
بالزم ان واملك ان مث تضع اجلزاء املناسب باحلس نات والس يئات يف مقابل العمل ،
ف إذا ت اب العبد من ال ذنب حميت س يئاته وزالت وغف رت ب أثر رجعي وب دلت
1البخاري يف القدر ،باب وكان أمر اهلل قدرا مقدورا . )6228 ( 6/2435
2مسلم يف احلدود ،باب من اعرتف على نفسه بالزىن. )1696 ( 3/1324
3لسان العرب ، 3/135والنهاية يف غريب احلديث ، 1/312ومفردات ألفاظ القرآن . 210
4صحيح مسلم فضائل الصحابة باب من فضائل عبد اهلل بن سالم ). t 4/1931 (2484
()124
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
ض َما في يَ ##د ِه ) ( ، )1وهو س بحانه من ف وق عرشه َم يَِغ ْ
ض فَِإنَّهُ ل ْ
األر َ ال َّ ِ
س َ ##م َوات َو ْ
عليم مبوضع ج وده يف خلقه ،فال يعطي إال مبقتضى عدله وحكمته ،وما حيقق
مص لحة الش يء وغايته ،ول ذلك ج اء عقب ذكر ج وده ونفقته َ ( :ع ْر ُش #هُ َعلَى
ض َوَي ْرفَ ُع ) (. )2 ِ الم ِاء وبِي ِد ِه األ ْخرى ِ
الم َيزان يَ ْخف ُ َ َ ََ
وهو ال ذي يه دي عب اده أمجعني إىل ج ادة احلق املبني ،ه داهم س بل الش رائع
واألحكام ومتييز احلالل من احلرام ،وبني هلم أسباب صالحهم يف الدنيا واآلخرة
ودع اهم إىل ع دم إيث ار ال دنيا على اآلخ رة ،ق ال تع اىل َ :واهللُ يَ #ْ #د ُعو إِلَى َدا ِر
اط ُم ْستَ ِق ٍيم [ يونس ، ]25:وقال سبحانه :إِنِّي صر ٍِ ِ َّ ِ ِ
السالم َوَي ْهدي َم ْن يَ َشاءُ إلَى َ
ص # #ر ٍ
ِ ْت َعلَى اللَّ ِه َربِّي َو َربِّ ُك ْم َما ِم ْن َدابٍَّة إِال ُه#َ # #و ِ ِ ِ ِ ِ #
َت#َ # #و َّكل ُ
اط آخ ٌ #ذ بنَاص # #يَت َها إ َّن َربِّي َعلَى َ
ُم ْستَِق ٍيم [ هود. ]56:
ويذكر ابن القيم أن اجلواد سبحانه هو الذي له اجلود كله ،وجود مجيع اخلالئق
يف جنب جوده أقل من ذرة يف جبال الدنيا ورماهلا ،فمن رمحته سبحانه بعباده
أنه ابتالهم باألوامر والنواهي رمحة ومحية ،ال حاجة منه إليهم مبا أمرهم به فهو
الغين احلميد ،وال خبال منه عليهم مبا هناهم عنه فهو اجلواد الك رمي ،ومن رمحته
أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئال يسكنوا إليها وال يطمئنوا إليها ،ويرغبوا يف
النعيم املقيم يف داره وج واره ،فس اقهم إىل ذلك بس ياط االبتالء واالمتح ان ،
فمنعهم ليعطيهم وابتالهم ليع افيهم ،وأم اهتم ليح ييهم ،ومن رمحته هبم أن
حذرهم نفسه لئال يغرتوا به فيعاملوه مبا ال حتسن معاملته به ،كما قال تعاىل :
وف بِال ِْعبَ#ِ #اد [ آل عمران ، ]30:قال غري واحد من
َ ويُ َح#ِّ #ذ ُر ُك ُم اهللُ َن ْف َس#هُ َواهللُ َرءُ ٌ
السلف :من رأفته بالعباد حذرهم من نفسه لئال يغرتوا به (. )3
-95السبوح :
بح تس بيحا ،الس بوح يف اللغة ِمن أبنية املبالغة على وزن ُّفعول ،فعله س بح يَس ُ
و َس بَ َح يف الكالم إذا أَكثر فيه التَّسبيح والتنزيه ،وسبحان اهلل معناه تنزيه اهلل من
1البخاري يف التوحيد ،باب قول اهلل تعاىل ملا خلقت بيدي ، )6976 ( 2697 /6باب معىن ال
يغيضها أي ال ينقصها نفقة ،ومعىن سحاء أي كثرة السح والعطاء وهو إنزال اخلري املتواصل ،انظر فتح
الباري . 395 /13
2تكملة احلديث السابق عند البخاري .
3إغاثة اللهفان . 2/157
()125
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
الص احبة والولد ،وقيل :معن اه تنزيه اهلل تع اىل عن كل ما ال ينبغي أن يوصف
اع معناه بُ ْع ُده تبارك وتعاىل عن أَن يكون له شريك أَو ن ّد ،أَو مثيْل أَو به ،ومِج
ُ
وسْبحانا مبعىن واحد (. )1
ت اهلل تسبيحاً ُ ض ّد وسبَّ ْح ُ
وح عز وجل هو ال ذي له أوص اف الكم ال واجلم ال بال نقص ،وله والس بّ ُ
ُ
قلب املسبح تذكرا وتفكرا ُ فيها بح
ْ ُ يس حيث ، والسوء الشر عن املقدسة األفعال
والش ر ،فيقول ما ْأب َعد اهلل عن السوء ، والبعد عن النَّقص َّ
َ فال يرى إال العظم َة
ومشاهدة واألفعال فيزداد ِ ص اف ِ
مث يقطع مسافة أو َمْر َحلة أخرى يف معرفة األ َْو َ
تعظيم اً هلل وتبعيدا له من السوء ،والقلب يف ذلك يبتعد من الظلمات إىل النور
،ومن إرادة الشر إىل إرادة اخلري ومن َع َمى القلوب وأ َْدَوائها إىل نُو ِرها وشفائِها
الو ْحي عليها (، )2 ِ ،ومن ِ
وس ْيطرة َ ص الحها َ فس ادها َو َس ْيطرة األهواء عليها إىل َ
َ
ِ َّ ِ ِ
ول الله Sال ( :قَ َام فينَا َر ُسُ #
وس ى األشعري tأنه قَ َ وعند مسلم من حديث أَب ي ُم َ
ِ
ات َو ْج ِه#ِ #ه َما
ت ُس #بُ َح ُ
َح َ#رقَ ْ
ُّور لَ#ْ #و َك َش َ #فهُ أل ْ# س َكِلمٍ # بِ َخ ْم ِ
منها ..)3ح َجابُ##هُ الن ُ #ات ..وذكر َ
ص ُرهُ ِم ْن َخل ِْق ِه ) ( . ِ
ا ْنَت َهى إِلَْيه بَ َ
كين ِعْن َد َربِّ َ َّ ِ
هو ِالذي سبح حبمده املسبحون قال تعاىل ِ :إ َّن الذ َ والسبوح سبحانه
ِ ِ
ج ُدو َن [ األع راف ، ]206 :وق ال : ال يَ ْسَ# #ت ْكِبُرو َن َع ْن عَب َادت ##ه َويُ َسِّ# #ب ُحونَُه َولَ #ُ #ه يَ ْسُ # #
ِ ِ َد ْع َ#و ُاه ْم ِف َيها ُسْ#ب َحانَ َ
الم [ يونس ، ]10 :وقال سبحانه : ك اللَُّه َّم َوتَحَّيُتُه ْم ف َيها َسٌ #
َك ْن الس ##بع واألَرض ومن ِفي ِه َّن وِإن ِمن َش# #يٍء ِإال يسِّ# #بح بِحم#ِ #دِه ول ِ
َ ْ ْ ُ َ ُ َْ َ ات ال َّ ْ ُ َ ْ ُ َ َ ْ س َ ##م َاو ُتُ َس ِّ##ب ُح َل#ُ ##ه ال َّ
يحُه ْم ِإنَُّه َكا َن َحِليماً َغُفوراً [ اإلسراء. ]44 : َتْفَقُهو َن تَ ْسِب َ
-96الوارث :
الوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غريه ،يقال :ورث فالن أباه يرثه
وراثة ومرياثا ،وورث الرجل ول ده م اال أي أش ركه يف ماله ،والوراثة يف
حقنا انتق ال املال أو امللك من املتق دم إىل املت أخر ،ومنه وارث م ال امليت
الذي ميلك تركته ،ووارث امللك يرث سلطانه (. )4
والوارث سبحانه هو الباقي الدائم بعد فناء اخللق ،قال ابن منظور ( :الوارث
1لسان العرب ، 2/471وكتاب العني ، 3/151واملغرب للمطرزي . 1/379
2انظر األمساء والصفات للبيهقي ص ، 37وشرح النووي على صحيح مسلم . 4/204
3مسلم يف كتاب اإلميان ،باب يف قوله عليه السالم إن اهلل ال ينام . )179 ( 1/161
4لسان العرب ، 2/199وكتاب العني ، 8/234واملغرب للمطرزي . 2/349
()126
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
صفة من صفات اهلل عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث اخلالئق ويبقى بعد
فن ائهم واهلل عز وجل ي رث األرض ومن عليها وهو خري ال وارثني ،أي يبقى
بعد فن اء الكل ويفىن من س واه ،ف ريجع ما ك ان ملك العب اد إليه وح ده ال
شريك له ) (. )1
وإذا ك ان اخلالئق يتع اقبون على األرض ف ريث املت أخر املتق دم ،وي رث الولد
والده والزوج زوجته وهكذا يستمر التوارث حىت ينقطع حبل احلياة يف الدنيا ،
اتالسماو ِ
اث َّ َ َ فإنه ال يبقى إال مالك امللك الوارث الكبري ،قال تعاىل َ :ولِ ِله ِم َير ُ
اهلل بِ َما َت ْع َملُو َن َخِب ٌير [ آل عمران ، ]180:فالوارث سبحانه هو الباقي بعد ض َو ُ َواألَْر ِ
فن اء اخللق أو ال وارث جلميع األش ياء بعد فن اء أهلها ،وال وارث أيضا هو ال ذي
ض ُه ْم َو ِديَ َ#ار ُه ْم
أورث املؤمنني ديار الكافرين يف الدنيا كما قال تعاىل َ :وأَْو َرثَ ُك ْم أ َْر َ
اهلل َعَلى ُك#ِّ #ل َشْ #يٍء قَ#ِ #ديرا [ األحزاب ، ]27:وكذلك َوأَْم#َ #وال َُه ْم َوأ َْرض#اً ل َْم تطَئُوها َو َ#ك#ا َن ُ
أورث املؤمنني مساكنهم يف اجلنة فجعل هلم البقاء خملدين فيها كما قال َ :وقَ#الُوا
ِِ ْجنَِّة َحْي ُ ِ ال ِ ِ ِ
ين اء فَِن ْع َم أ ْ
َج ُ#ر الَْع#امل َ ث نَ َش ُ ض َنَتَبَّوأُ م َن ال َ ْح ْم ُد للَّه الَّذي َ
ص َد َقَنا َو ْع َد ُه َوأَْو َرَثَنا األَْر َ َ
ِ ِ
ث م ْن عَبادنَا َم ْن َك#ا َن تَقيّ#اً [ مرمي، ]63 :ِ ِ ِ َِّ
ْجنَّةُ التي نُور ُ ِ
[ الزمر ، ]74:وقال :تل َ
ْك ال َ
وت وريث املؤم نني اجلنة ال يعين أهنا تش ارك اهلل يف البق اء واإلرث ،ألن خل د اجلن ة
وأهلها إىل ما ال هناية إمنا هو بإبقاء اهلل وإرادته فبقاء املخلوقات ليس من طبيعتها وال
من خصائصها الذاتية ،بل من طبيعتها مجيعا الفناء ،أما بقاء اهلل ودوامه ومرياثه
وسائر أوصافه فهي باقية ببقائه مالزمة لذاته سبحانه وتعاىل ،ألن البقاء صفة ذاتية
له فهو الوارث جلميع اخلالئق يف الدنيا واآلخرة .
-97الرب :
رب ربوبية ،أو رب ي ُّ ال رب يف اللغة ص فة مش بهة للموص وف بالربوبية ،فعله َّ
ِ
لق على املالك رىب يريب تربية ،والرب هو الذي يريب غريه وينشئه شيئا فشيئا ويُطْ ُ
واملدبَّر وامل َريِّب والَقِّيم واملْنعِم ،وال يُطَل ُق غ َري ُمض اف إال على اهلل تع اىل ،والس ِّيد َ
َّ
ُ
وإذا أُطل َق على َغ ريه أُض يف ؛ ك رب اإلبل ورب ال دار ،أي مالكها ،ويطلق ِ ُ ِ
َح ُد ُك َما َفَي ْسِ#قي َربَُّه َخ ْ#م ً#را أي
أيضا على السيد املطاع ،ومنه قوله تعاىل :أََّما أ َ#
سيده املطاع ،ويطلق الرب أيضا على املعبود ومنه قول الشاعر :
1السابق . 2/199
()127
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
أرب يبول الثعلبان برأسه :لقد ذل من بالت عليه الثعالب .
الش )1يء ح اال فح اال إيل حد
(
فوصف ال رب من الناحية اللغوية يك ون ملن أنشأ
التمام أو قام على إصالح شئونه وتويل أمره بانتظام .
والرب سبحانه وتعاىل هو املتكفل خبلق املوجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها
وإصالحها وهو ال ذي نظم معيشتها ودبر أمرها ،ودليل هذا املعىن ما ورد يف
ض ِفي ِس #ت َِّة أَيَّ ٍام ثُ َّم ا ْس َ#ت َوى س #ماو ِ
ات َواأل َْر َ
ِ
قول ه تع اىل :إِ َّن َربَّ ُك ُم اهللُ ال ##ذي َخل #َ #ق ال َّ َ َ
ات بِ#أ َْم ِر ِه
ش#مس وال َقم#ر والنُّج#وم مس#خَّر ٍ ِ
#ار يَطْلُبُ#هُ َحثيث#اً َوال َّ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ
َّه َ
اللي#ل الن َ
ش ُي ْغشي ْ
َعلى العر ِ ِ
َْ
ين [ األع راف ]54:؛ ف الرب سبحانه هو ِ
الع##الم َ
ب َ #ار َك اهللُ َر ُّ
أَال ل##هُ ال َخل#ُ #ق َواأل َْم#ُ #ر َتبََ #
املتكفل باخلالئق أمجعني إجيادا وإمدادا ورعاية وقياما على كل نفس مبا كسبت ،
قال تعاىل :أَفَ َم ْن ُه َو قَائِ ٌم َعلى ُكل َن ْف ٍ
س بِ َما َك َسبَ ْت [ الرعد. ]33:
وحقيق ة مع ىن الربوبي ة يف الق رآن تق وم على رك نني اث نني وردا يف آي ات كث رية
أحدمها إفراد اهلل باخللق ،والثاين إفراده باألمر وتدبري ما خلق ،كما قال تعاىل
عن موسى هو يبني حقيقة الربوبية لفرعون ملا سأله :قَال فَ َم ْن َربُّ ُك َم#ا يَ#ا ُمو َس#ى
قَ ##ال َرُّبنَ ##ا ال #ِ #ذي أَ ْعطَى ُك##ل َشْ ##ي ٍء َخل َق##هُ ثُ َّم َهَ #دى ، فأج اب فرع ون عن الربوبي ة
حبص ر معانيه ا يف معن يني ج امعني ،األول إف راد اهلل بتخلي ق األش ياء وتكوينه ا
وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده ،والثاين إفراد
اهلل بت دبري األم ر يف خلقه كه دايتهم والقي ام على ش ؤوهنم وتص ريف أح واهلم
والعناية هبم فهو سبحانه الذي توكل باخلالئق أمجعني قال تعاىل :اهللُ َخ ُ
الق ُكل
َش ْي ٍء َو ُه َو َعلى ُكل َش ْي ٍء َوكِيل [ الزمر. )2( ]63:
-98األعلى :
األعلى يف اللغة أفعل التفض يل ،فعله عال يعلو عل وا ،ف األعلى هو ال ذي ارتفع
عن غريه وفاقه يف وصفه ،وهي مفاضلة بني اثنني أو اجلميع يف عظمة وصف أو
فعل ،أو مفاض لة بني ص احب العلو واألعلى منه ،ف األعلى ذو العال والعالء
يم [ النح ل، ]60: هلل المثَ##ل األَ ْعلَى و ُه##و الع ِزي##ز ِ
ِ ()3
الحك ُ
َ َ َ ُ َ واملعايل ،قال تعاىل َ :و َ ُ
1روح املعاين ، 14/170وزاد املسري البن اجلوزي ، 459 /4وتذكرة األريب يف تفسري الغريب 1/72
.
2انظر يف هذا املعىن معارج القبول . 1/144
3العقيدة األصفهانية ص ، 74والفرقان بني احلق والباطل البن تيمية .13/164
()129
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
نقص وجب نفيه عن املخل وق فاخلالق أوىل بنفيه عنه ) ( ، )1فقي اس
األوىل ج ائز يف حق اهلل وأمسائه وص فاته وأفعاله أما احملرم املمن وع فهو قي اس
التمثيل والشمول (. )2
-99اإلله :
إالهة ،واإلله هو اهلل
َله يألهُ َ
املعبود ،فعله أ َ اإلله يف اللغة اسم املفعول املألوه أي
هِل
عز وجل ،وكل ما اختذ من دونه معبودا إِلهٌ عند متخذه ،واآل َةُ األَصنام مسوا
ب ذلك العتق ادهم أَن العب ادة حَتُ ُّق هلا ،وأص له إالهٌ على فع ال مبعىن مفع ول ألنه
م ألوه أي معب ود ،كقولنا إم ام مبعىن م ؤمت به ،فلما أدخلت عليه األلف والالم
حذفت اهلمزة ختفيفا لكثرته يف الكالم (. )3
واإلله سبحانه هو املعبود حبق ،املستحق للعبادة وحده دون غريه ،وقد قامت
كلمة التوحيد يف اإلسالم على معىن األلوهية ،قال ابن تيمية ( :ال إله إال أنت
في ه إثب ات انف راده باإلهلي ة ،واأللوهي ة تتض من كم ال علم ه وقدرت ه ورمحت ه
وحكمته ،ففيها إثبات إحسانه إىل العباد فإن اإلله هو المألوه واملألوه هو الذي
يس تحق أن يعب د ،وكون ه يس تحق أن يعب د ه و مبا اتص ف ب ه من الص فات ال يت
تستلزمك أن يكون هو احملبوب غاية احلب املخضوع له غاية اخلضوع ،والعبادة
تتضمن غاية احلب بغاية الذل ) (. )4
واسم اإلله خيتلف يف معناه عن اسم الرب يف كثري من النواحي ،فالرب معناه
يع ود إىل االنف راد ب اخللق والت دبري ،أم ا اإلل ه فه و املس تحق للعب ادة املألوه ال ذي
تعظمه القلوب وختضع له وتعبده عن حمبة وتعظيم وطاعة وتسليم ،ولذلك كان
التوحيد ال ذي أمر اهلل عز وجل به العب اد هو توحيد األلوهية املتض من
لتوحيد الربوبية بأن يعبد اهلل وحده وال يشرك به شيئا فيكون الدين
كله هلل ،وال خياف العبد إال اهلل ،وال ي دعو أح دا إال اهلل ويك ون
اهلل أحب إليه من كل ش يء ؛ فاملوح دون حيب ون هلل ويبغض ون هلل
خاتمة البحث
المنهج السلفي وأثره في تفسير األسماء
****************************
األمر ،فمن املعلوم
()2
منهج السلف الصاحل يف أبسط صوره هو تصديق اخلرب وتنفيذ
أن الكالم العريب الذي نزل به القرآن ينقسم إىل اخلرب والطلب ،واخلرب هو ما
حيتمل الص دق أو الك ذب ،ويتطلب التص ديق ،واألم ر ه و م ا ال حيتم ل ذلك
ويتطلب التنفي ذ ( ، )3وملا ك ان الص حابة أه ل الفص احة واللس ان ،وق د خ اطبهم
اهلل بنوعي الكالم يف القرآن كان منهجهم يف مسائل التوحيد واإلميان هو تصديق
اخلرب وتنفيذ األمر ،فلو أخربهم اهلل عن شيء صدقوه تصديقا جازما ينفى الوهم
والشك والظن ،ولو أمرهم بشيء نفذوه بالقلب واللسان واجلوارح تنفيذا كامال
،وتل ك هي غاي ة التوحي د العظمى وطريق ة الس لف املثلى ال يت جاه دوا اآلخ رين
من أجل إثباهتا يف توحيدهم لرهبم ،أن يثبتوا ما أثبته اهلل لنفسه بتصديق خربه ،
1انظر منهاج السنة النبوية البن تيمية 3/288وما بعدها بتصرف ،وانظر أيضا يف حتقيق هذه
املسألة وتفصيلها :جمموع الفتاوى . 2/11 ، 3/100 ، 1/136
2شرح شذور الذهب يف معرفة كالم العرب البن هشام ص .40
3شرح السيوطي على سنن النسائي .2/131
()131
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
وأن يطيعوا اهلل فيما أمر على لسان نبيه . S
وكان املسلم منهم إذا نطق بالشهادتني فقد عقد يف نفسه عقدا أن يكون اهلل عز
وجل هو املعبود احلق الذي يصدق يف خربه دون نكران ،ويطاع يف أمره دون
عصيان ،وهذه حقيقة اإلميان اليت نزل هبا القرآن وفهمها أصحاب اللغة واللسان
.
وق د ظه ر أث ر ه ذا املنهج جلي ا يف تفس ري األمساء احلس ىن واإلميان مبعانيه ا كم ا
محلتها أدلتها ،وبان أن كل اسم إن فسر على هذا املنهج السلفي فله موضعه من
املع ىن ،وإن فس ر حتت دع وى نفي الص فات وتعطيله ا أو الق ول بتأويله ا ويل
أعناقه ا فلن جتد معن ا واض حا يف ه ذه اآلراء ،ولن جتد إحساس ا بالعظم ة هلذه
األمساء ،السيما يف األمساء املشتقة من فعل واحد كالعلي واألعلى واملتعايل ،فإن
ال ذين ال يؤمن ون بعل و ال ذات والفوقي ة ،حبج ة أن إثب ات االس تواء يش به اس تواء
املخلوق يف الكيفية ،ويفسرون استواء اهلل على عرشه بأنه استيالء منه على ملكه
هؤالء ال يستقيم عندهم تفسري اسم اهلل العلي مع توضيح الفرق بينه وبني األعلى
واملتع ايل ،ألن ك ل اس م كم ا س بق دل على مع ىن من مع اين العل و ،فاس م اهلل
العلى دل على علو الفوقية وأن اهلل عال عرشه وهو أعلم بالكيفية ،وامسه املتعايل
دل على علو القهر والغلبة ،وامسه األعلى دل على علو الشأن والعظمة ،تنسجم
يف ذلك األدلة اللغوية مع األصول القرآنية والنبوية .
لكن نظرة املفسرين املتأثرين مبذهب املتكلمني ختتلف عن ذلك ،وال تعطي هذا
األمساء إال مع ىن واح دا موجه ا خبلفي ة عقلي ة ومت أثرا بنزع ة تأويلي ة تعطيلي ة ،
فبعضهم جيعل اسم اهلل العلى داال فقط على علو الرتبة واملنزلة ،ويؤكد أن هذا
فهم اخلواص ب ل جيع ل من أثبت دالل ة االس م على عل و الفوقي ة واالس تواء -وهم
الس لف الص احل -جيعلهم حش وية ب ل من الع وام ال ذين مل جياوز إدراكهم عن
احلواس اليت هي رتبة البهائم ،وأهنم مل يفهموا عظمة إال باملساحة ،وال علوا إال
باملك ان ،وال فوقي ة إال ب ه ،وملا ج اء إىل اق رتان اس م اهلل العلي باالس تواء ،
وختصيص العرش باإلضافة إليه سلك فيه تأويال باطال وزعم أن العلو عليه هو
علو الرتبة واملكانة ،كقول القائل اخلليفة فوق السلطان تنبيها به على أنه فوق
()132
د .محمود عبد الرازق أسماء اهلل الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الرضواني
مجيع الناس الذين هم دون السلطان ( ، )1وقال آخر ( :العلي هو فعيل يف معىن
فاع ل ،فاهلل تع اىل ع ال على خلق ه ،وه و علي عليهم بقدرت ه ،وال جيب أن
يذهب بالعلو ارتفاع مكان ،إذ قد بينا أن ذلك ال جيوز يف صفاته ) (.)2
وعلو الرتبة الذي ذكروه هو عند السلف املعىن الذي دل عليه امسه األعلى وهو
علو الشأن واملكانة ،خبالف العلي واملتعايل أو علو الفوقية وعلو القه ر ،فهما
معنيان مستقالن ،ولذلك ماذا صنعوا يف هذين االمسني ؟ -األعلى واملتعال –
أغمضوا أعينهم وكأنه غري مذكور ،فصاحب املقصد األسىن أسقطه ومل يلتفت
إليه ،واملتعايل قال عنه ( :املتعايل مبعىن العلي مع نوع من املبالغة وقد سبق معناه
) (. )3
والقصد أن م ذهب الس لف بنقائه الفط ري وإميان ه النقي ال ذي يتواف ق في ه العق ل
الصريح مع النقل الصحيح أظهر كل اسم مبعناه املوضوع له بدقة ،انطالقا من
تصديق اخلرب وتنفيذ األمر ،ففرق بني القادر والقدير واملقتدر ،واملالك وامللك
واملليك ،واخلالق واخلالق ،والرازق والرزاق ،وغري ذلك من األمساء كما سبق
،وليس يف إثب ات الص فات ال يت دلت عليه ا األمساء تش بيه أو متثي ل ،أو ظ اهر
باطل يستدعي التعطيل والتأويل بال دليل ،فالرسل صادقون فيما يبلغون ،وال
خيربون عن اهلل إال ب احلق ال ذي يعلم ون ،وال خيربون عن أمسائه وص فاته وأفعال ه
وأحكام ه إال ب احلق احملض ال ذي يفهم ه الع وام واخلواص ،فم ىت علم املؤمن أن
الرس ول أخ رب عن رب ه بش يء من الغيبي ات أو األمساء والص فات ص دق تص ديقا
جازما يبلغ علم اليقني ،ويزداد املؤمن إميانا بعني اليقني وحق اليقني ،وعلم أيضا
أنه ال جيوز أن يكون يف الوحي شيء باطين خمفي خبالف ما أخرب به الناس ،وأنه
من احملال أن حيدث يف النفوس الفوضى والتخبط وااللتباس .