Professional Documents
Culture Documents
المسلمين
الشهاب الثاقب
1
بسم الله الرحمن الرحيم
المد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إل يوم الدين
أما بعد :
فهذا كتاب يقارن بي طغاة الكفار وطغاة السلمي ويبي بالدلة الدامغة أن طغاة السلمي شر من
طغاة الكفار بكثي
فأبو لب كان عم النب صلى ال عليه وسلم فقد كان أشد خطرا بكثي من أب جهل عدو السلم
والسلمي
فأبو جهل ل تنل فيه سورة باسه ولكن أبا لب قد نزلت فيه سورة كاملة باسه تلعنه إل يوم الدين
والعجيب ف أمر السلمي فإذا جاءهم كافر طاغية غاز لبلدهم نضوا من كبوتم ورفضوا وجوده
وقاوموه بقوة حت يرجوه صاغرا
بينما عندما يكمهم طاغية منهم عرب أو غي عرب فإنم ف الغالب يسكتون على باطله وبطشه
ويستسلمون له
ويستندون إل حجج سولا لم الشيطان ما أنزل ال با من سلطان
منها أن هذا الطاغية منهم فكيف يقاتلونه ؟
ومنها أنه يتستر بالسلم أحيانا كما كان يتستر التتار والغول به
ومنها أنه يشاركهم ف الناسبات الدينية ونو ذلك من حجج واهية يستندون إليها
مع أن الواجب ف ذلك أن يكونوا أشد حربا لذا العدو الداخلي الذي قال ال تعال عن أمثالم من
النافقي
{إِنّ الْ ُمنَاِف ِقيَ فِي ال ّدرْكِ ا َل ْسفَلِ مِ َن النّارِ وَلَن تَجِدَ َلهُ ْم َنصِيًا} ( )145سورة النساء
ولا عرف العدو هذه القيقة رب أناسا تابعي له ث سلمهم بلد السلمي ث خرج فكان هؤلء
الكام أقدر على البطش بالسلمي وسحق الصحوة السلمية من العدو الباشر بكثي
وهذا ما حدث ف جيع بلدان السلمي فالحتل الباشر قد خرج وترك متل أشد وأنكى فلو قارنا
بي الحتلل اليهودي الباشر لغزة مثل وبي الحتلل العرفات لو جدنا الفرق شاسعا جدا جدا
لو قارنا بي الحتلل الفرنسي للشام وبي الكم ( الوطن كذبا وزرا) لترحنا على الحتلل
الفرنسي لو قارنا بي الحتلل الباشر لصر من قبل النكليز وبي الكم الوطن ( الزيف) لترضينا
على فترة الكم النكليزي
وف الظلل :
2
كذلك ل تستقيم حياة البشر إزاء بعضهم البعض بدون استقامة حقيقة اللوهية وحقيقة العبودية ف
اعتقادهم وتصورهم ,وف حياتم وواقعهم . .إن إنسانية النسان وكرامته وحريته القيقية الكاملة
ل يكن أن تتحقق ف ظل اعتقاد أو نظام ل يفرد ال سبحانه بالربوبية والقوامة والاكمية ; ول يعل
له وحده حق اليمنة على حياة الناس ف الدنيا والخرة ,ف السر والعلنية ; ول يعترف له وحده
بق التشريع والمر والاكمية ف كل جانب من جوانب الياة النسانية . .
والواقع البشري على مدار التاريخ يثبت هذه القيقة ويصدقها .فما من مرة انرف الناس عن
الدينونة ل وحده -اعتقادا ونظاما -ودانوا لغي ال من العباد -سواء كانت هذه الدينونة ,
بالعتقاد والشعائر أم كانت باتباع الحكام والشرائع -إل كانت العاقبة هي فقدانم لنسانيتهم
وكرامتهم وحريتهم !
والتفسي السلمي للتاريخ ; يرد ذل الحكومي للطواغيت ,وسيطرة الطواغيت عليهم ,إل عامل
أساسي هو فسوق الحكومي عن دين اللّه ,الذي يفرد ال سبحانه باللوهية ,ومن ث يفرده
بالربوبية والسلطان والقوامة والاكمية .فيقول ال سبحانه عن فرعون وقومه(:ونادى فرعون ف
قومه قال:يا قوم أليس ل ملك مصر وهذه النار تري من تت ? أفل تبصرون ? أم أنا خي من هذا
الذي هو مهي ول يكاد يبي ? فلول ألقي عليه أسورة من ذهب ,أو جاء معه اللئكة مقترني !
فاستخف قومه فأطاعوه إنم كانوا قوما فاسقي) . .فيد استخفاف فرعون لم إل أنم فاسقون .
فما يستخف الاكم الطاغي قومه وهم مؤمنون بال موحدون ; ل يدينون لسواه بربوبية تزاول
القوامة والاكمية !
ولقد حدث أن الذين فسقوا عن الدينونة ل وحده ,فأتاحوا لنفر منهم أن يكموهم بغي شريعته ,
قد وقعوا ف النهاية ف شقوة العبودية لغيه .العبودية ,الت تأكل إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم ,
مهما اختلفت أشكال النظمة الت تكمهم ; والت ظنوا ف بعضها أنا تكفل لم النسانية والرية
والكرامة !
لقد هربت أوربا من ال -ف أثناء هروبا من الكنيسة الطاغية الباغية باسم الدين الزائف ! -وثارت
على ال -سبحانه -ف أثناء ثورتا على تلك الكنيسة الت أهدرت كل القيم النسانية ف عنفوان
سطوتا الغاشة ! ث ظن الناس هناك أنم يدون إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم -ومصالهم كذلك
-ف ظل النظمة الفردية [ الديقراطية ] وعلقوا كل آمالم على الريات والضمانات الت تكفلها
لم الدساتي الوضعية ,والوضاع النيابية البلانية ,والريات الصحفية ,والضمانات القضائية
والتشريعية ,وحكم الغلبية النتخبة . .إل آخر هذه الالت الت أحيطت با تلك النظمة . .ث
ماذا كانت العاقبة ? كانت العاقبة هي طغيان "الرأسالية " ذلك الطغيان الذي أحال كل تلك
الضمانات وكل تلك التشكيلت ,إل مرد لفتات ,أو إل مرد خيالت ! ووقعت الكثرية
3
الساحقة ف عبودية ذليلة للقلية الطاغية الت تلك رأس الال ,فتملك معه الغلبية البلانية !
والدساتي الوضعية ! والريات الصحفية ! وسائر الضمانات الت ظنها الناس هناك كفيلة بضمان
إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم ,ف معزل عن ال سبحانه !!!
ث هرب فريق من الناس هناك من النظمة الفردية الت يطغى فيها "رأس الال" و "الطبقة ! " إل
النظمةالماعية ! فماذا فعلوا ? لقد استبدلوا بالدينونة لطبقة "الرأساليي" الدينونة لطبقة "الصعاليك"
! أو استبدلوا بالدينونة لصحاب رؤوس الموال والشركات الدينونة للدولة الت تلك الال إل
جانب السلطان ! فتصبح أخطر من طبقة الرأساليي !
وف كل حالة وف كل وضع وف كل نظام دان البشر فيه للبشر ,دفعوا من أموالم ومن أرواحهم
الضريبة الفادحة .دفعوها للرباب التنوعة ف كل حالة !
إنه ل بد من عبودية ! فإن ل تكن ل وحده ,تكن لغي ال . .والعبودية ل وحده تطلق الناس
أحرارا كراما شرفاء أعلياء . .والعبودية لغي ال تأكل إنسانية الناس وكرامتهم وحرياتم وفضائلهم
. .ث تأكل أموالم ومصالهم الادية ف النهاية !
من أجل ذلك كله تنال قضية اللوهية والعبودية كل تلك العناية ف رسالت ال -سبحانه -وف
كتبه . .وهذه السورة نوذج من تلك العناية . .فهي قضية ل تتعلق بعبدة الصنام والوثان ف
الاهليات الساذجة البعيدة .ولكنها تتعلق بالنسان كله ف كل زمان وف كل مكان ; وتتعلق
بالاهليات كلها . .جاهليات ما قبل التاريخ .وجاهليات التاريخ .وجاهلية القرن العشرين .وكل
جاهلية تقوم على أساس من عبادة العباد للعباد !
ومن أجل ذلك كان جوهر الرسالت والكتب هو تقرير ألوهية ال -سبحانه -وربوبيته وحده
للعباد(:وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون) .
وقد قسمته للبواب التالية :
•الباب الول -تهيد
الباب الثان -الفرق بي طغاة الكفار وطغاة السلمي •
•الباب الثالث -ما فعله طغاة السلمي بالسلمي
•الباب الرابع -وجوب قتلهم وقتل من يساعدهم أو يبر وجودهم أو يدافع عنهم
كائنا من كان
•الباب الامس -وجوب الروج عليهم وتري طاعتهم لنم :
•الباب السادس -صفاتم صفات النافقي
•الباب السابع -يب قتالم بكل وسيلة مكنة فهم أشد بكثي من أعداء السلم
الباشرين
4
=============
فإل الغافلي والنائمي والانعي والستسلمي والتوقفي ف هذه السألة اللل أقدم هذا الكتاب
عسى أن يكون فيه ما يرجهم من هذا التيه الذي يعيشون به
قال تعال :
{ َوقَالَ الّذِينَ َك َفرُوا لَن ّن ْؤمِنَ ِبهَذَا اْل ُقرْآ ِن وَلَا بِالّذِي بَيْ َن يَدَْي ِه وََلوْ َترَى ِإذِ الظّالِمُو َن َموْقُوفُو َن عِندَ
ي( ضعِفُوا ِللّذِينَ ا ْستَكَْبرُوا َلوْلَا أَنتُمْ لَ ُكنّا ُمؤْمِِن َ ض اْل َقوْلَ َيقُولُ الّذِينَ اسُْت ْ ضهُمْ ِإلَى َبعْ ٍ رَّبهِ ْم َيرْجِعُ َب ْع ُ
ض ِعفُوا َأنَحْ ُن صَ َددْنَاكُ ْم عَ ِن اْلهُدَى َبعْدَ ِإذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم )31قَا َل الّذِينَ اسْتَ ْكَبرُوا لِلّذِينَ اسُْت ْ
ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْتَ ْكَبرُوا بَ ْل مَ ْكرُ اللّيْ ِل وَالّنهَارِ ِإذْ تَ ْأ ُمرُونَنَا أَن نّ ْك ُفرَ بِالّلهِ
ج ِر ِميَ ( )32وَقَالَ الّذِي َن اسُْت ْ مّ ْ
ج َزوْنَ
ق الّذِينَ َك َفرُوا هَ ْل يُ ْ ب وَ َجعَلْنَا الَْأ ْغلَالَ فِي َأعْنَا ِ جعَلَ َلهُ أَندَادًا وََأ َسرّوا النّدَا َمةَ لَمّا رََأوُا اْلعَذَا َ
وََن ْ
ِإلّا مَا كَانُوا َيعْمَلُو َن ( ) 33سورة سبأ }
***************
الشهاب الثاقب
ف 3رمضان 1425هـ الوافق 17/10/2004م
5
الباب الول
تمهيد
•تعريف الطغيان :
وف مفردات القرآن :
طغى
-طغوت وطغيت (انظر :اللسان (طغا) ؛ وعمدة الفاظ :طغا) طغوانا وطغيانا ،وأطغاه كذا :حله
[النازعات/ على الطغيان ،وذلك تاوز الد ف العصيان .قال تعال :اذهب إل فرعون إنه طغى
[العلق ،]6/وقال :قال ربنا إننا ناف أن يفرط علينا أو أن يطغى إن النسان ليطغى ،]17
[طه ،]45/ول تطغوا فيه فيحل عليكم غضب [طه ،]81/وقال تعال :فخشينا أن
يرهقهما طغيانا وكفرا [الكهف ،]80/ف طغيانم يعمهون [البقرة ،]15/إل طغيانا
كبيا [السراء ،]60/وإن للطاغي لشر مآب [ص ،]55/قال قرينه ربنا ما أطغيته
[الشمس ،]11/تنبيها أنم ل [ق ،]27/والطغوى السم منه .قال تعال :كذبت ثود بطغواها
[النجم ،]52/تنبيها أن الطغيان ل يصدقوا إذا خوفوا بعقوبة طغيانم .وقوله :هم أظلم وأطغى
[الاقة،]11/ يلص النسان ،فقد كان قوم نوح أطغى منهم فأهلكوا .وقوله :إنا لا طغى الاء
[الاقة ،]5/فإشارة إل الطوفان فاستعي الطغيان فيه لتجاوز الاء الد ،وقوله :فأهلكوا بالطاغية
[الاقة ،]11/والطاغوت عبارة عن كل معتد ،وكل معبود من العب عنه بقوله :إنا لا طغى الاء
دون ال ،ويستعمل ف الواحد والمع .قال تعال :فمن يكفر بالطاغوت [البقرة ،]256/
والذين اجتنبوا الطاغوت [الزمر ،]17/أولياؤهم الطاغوت [البقرة ،]257/يريدون أن
يتحاكموا إل الطاغوت [النساء ،]60/فعبارة عن كل معتد ،ولا تقدم سي الساحر ،والكاهن،
والارد من الن ،والصارف عن طريق الي طاغوتا ،ووزنه فيما قيل :فعلوت ،نو :جبوت
وملكوت ،وقيل :أصله :طغووت ،ولكن قلب لم الفعل نو صاعقة وصاقعة ،ث قلب الواو ألفا
لتحركه وانفتاح ما قبله.
•من شروط صحة اليان الكفر بالطاغوت :
ل يصح إيان الرء حت يكفر بالطاغوت قال تعال { :لَ إِ ْكرَاهَ فِي الدّي ِن قَد تّبَيّ َن الرّشْ ُد مِنَ اْلغَ ّي
سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَىَ لَ ان ِفصَامَ َلهَا وَالّلهُ سَمِي ٌع َعلِيمٌ} (
فَمَنْ يَ ْك ُفرْ بِالطّاغُوتِ وَُي ْؤمِن بِالّلهِ َفقَدِ اسْتَ ْم َ
)256سورة البقرة
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
6
يقول تعال { :ل إِ ْكرَاهَ فِي الدّين } أي :ل تكرهوا أحدًا على الدخول ف دين السلم فإنه بي
واضح جلي دلئله وبراهينه ل يتاج إل أن يكره أحد على الدخول فيه ،بل من هداه ال للسلم
وشرح صدره ونور بصيته دخل فيه على بينة ،ومن أعمى ال قلبه وختم على سعه وبصره فإنه ل
يفيده الدخول ف الدين مكرها مقسورًا .وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الية ف قوم من النصار،
وإن كان حكمها عامّا.
وقال ابن جرير :حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أب عدي عن شعبة عن أب بشر ،عن سعيد بن جبي عن
ابن عباس قال :كانت الرأة تكون ِمقْلتًا فتجعل على نفسها إن عاش لا ولد أن توده ،فلما أجليت
بنو النضي كان فيهم من أبناء النصار فقالوا :ل ندع أبناءنا فأنزل ال عز وجل { :ل إِ ْكرَاهَ فِي
الدّينِ قَدْ َتبَيّ َن الرّشْ ُد مِنَ اْلغَيّ }
وقد رواه أبو داود والنسائي جيعا عن ُبنْدَار به ومن وجوه أخر عن شعبة به نوه .وقد رواه ابن أب
حات وابن حبان ف صحيحه من حديث شعبة به ،وهكذا ذكر ماهد وسعيد بن جبي والشعب
والسن البصري وغيهم :أنا نزلت ف ذلك.
وقال ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد الرشي عن زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد [بن
جبي] عن ابن عباس قوله { :ل إِ ْكرَاهَ فِي الدّينِ } قال :نزلت ف رجل من النصار من بن سال بن
عوف يقال له :الصين كان له ابنان نصرانيان ،وكان هو رجل مسلمًا فقال للنب صلى ال عليه
وسلم :أل أستكرههما فإنما قد أبيا إل النصرانية؟ فأنزل ال فيه ذلك.
رواه ابن جرير وروى السدي نو ذلك وزاد :وكانا قد تنصرا على يدي تار قدموا من الشام
يملون زيتًا فلما عزما على الذهاب معهم أراد أبوها أن يستكرههما ،وطلب من رسول ال صلى
ال عليه وسلم أن يبعث ف آثارها ،فنلت هذه الية.
وقال ابن أب حات :حدثنا أب حدثنا عمرو بن عوف أخبنا شريك عن أب هلل عن أُسَق قال:
كنت ف دينهم ملوكًا نصرانيًا لعمر بن الطاب فكان يعرض علي السلم فآب فيقول { :ل ِإ ْكرَاهَ
فِي الدّينِ } ويقول :يا ُأسَق لو أسلمت لستعنا بك على بعض أمور السلمي.
وقد ذهب طائفة كثية من العلماء أن هذه ممولة على أهل الكتاب ومن دخل ف دينهم قبل النسخ
والتبديل إذا بذلوا الزية .وقال آخرون :بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يب أن يدعى جيع المم
إل الدخول ف الدين النيف دين السلم فإن أب أحد منهم الدخول فيه ول ينقد له أو يبذل الزية،
قوتل حت يقتل .وهذا معن الكراه قال ال تعال { :سَتُ ْد َعوْنَ إِلَى َق ْومٍ أُولِي بَ ْأسٍ شَدِيدٍ ُتقَاِتلُوَنهُمْ َأوْ
يُسِْلمُون } [الفتح ]16:وقال تعال { :يَاَأّيهَا النّبِ ّي جَاهِدِ اْل ُكفّارَ وَالْمُنَاِف ِقيَ وَا ْغُلظْ َعلَْيهِمْ }
[التحري ]9:وقال تعال { :يَاأَّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاِتلُوا الّذِينَ يَلُونَكُ ْم مِنَ الْ ُكفّا ِر وَْليَجِدُوا فِيكُ ْم ِغلْظَةً
وَاعْلَمُوا أَ ّن الّلهَ مَعَ اْلمُّت ِقيَ } [التوبة ]123:وف الصحيح" :عجب ربك من قوم يقادون إل النة
7
ف السلسل" يعن :السارى الذين يقدم بم بلد السلم ف الوثائق والغلل والقيود والكبال ث
بعد ذلك يسلمون وتصلح أعمالم وسرائرهم فيكونون من أهل النة.
فأما الديث الذي رواه المام أحد :حدثنا يي عن حيد عن أنس :أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال لرجل" :أسلم" قال :إن أجدن كارها .قال" :وإن كنت كارها" فإنه ثلثي صحيح،
ولكن ليس من هذا القبيل فإنه ل يكرهه النب صلى ال عليه وسلم على السلم بل دعاه إليه فأخب
أن نفسه ليست قابلة له بل هي كارهة فقال له" :أسلم وإن كنت كارهًا فإن ال سيزقك حسن النية
والخلص".
سكَ بِاْل ُعرْ َوةِ اْل ُوْثقَى ل اْن ِفصَامَ َلهَا وَالّلهُ سَمِيعٌ ت وَُي ْؤمِنْ بِالّلهِ َفقَدِ ا ْستَمْ َوقوله { :فَ َمنْ يَ ْك ُفرْ بِالطّاغُو ِ
َعلِيمٌ } أي :من خلع النداد والوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون ال،
سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى } أي :فقد ثبت ف ووحد ال فعبده وحده وشهد أن ل إله إل هو { َفقَدِ اسْتَ ْم َ
أمره واستقام على الطريقة الثلى والصراط الستقيم.
قال أبو القاسم البغوي :حدثنا أبو روح البلدي حدثنا أبو الحوص سلم بن سليم ،عن أب إسحاق
عن حسان -هو ابن فائد العبسي-قال :قال عمر رضي ال عنه :إن الِبت :السحر والطاغوت:
الشيطان ،وإن الشجاعة والب غرائز تكون ف الرجال يقاتل الشجاع عمن ل يعرف ويفر البان من
أمه ،وإن كرم الرجل دينه ،وحسبه خلقه ،وإن كان فارسيّا أو نبطيا .وهكذا رواه ابن جرير وابن أب
حات من حديث الثوري عن أب إسحاق عن حسان بن فائد العبسي عن عمر فذكره.
ومعن قوله ف الطاغوت :إنه الشيطان قوي جدّا فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الاهلية ،من
عبادة الوثان والتحاكم إليها والستنصار با.
سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى ل اْنفِصَامَ َلهَا } أي :فقد استمسك من الدين بأقوى سبب، وقولهَ { :فقَدِ اسْتَ ْم َ
وشبه ذلك بالعروة الوثقى الت ل تنفصم فهي ف نفسها مكمة مبمة قوية وربطها قوي شديد ولذا
سكَ بِاْل ُع ْروَةِ اْلوُْثقَى ل اْن ِفصَامَ َلهَا وَالّلهُ سَمِي ٌع عَلِي ٌم } . قالَ { :فقَدِ اسْتَمْ َ
سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى } يعن :اليان .وقال السدي :هو السلم وقال سعيد قال ماهدَ { :فقَدِ اسْتَ ْم َ
بن جبي والضحاك :يعن ل إله إل ال .وعن أنس ( )1بن مالك { :بِاْلعُ ْر َوةِ اْلوُْثقَى } :القرآن.
وعن سال بن أب العد قال :هو الب ف ال والبغض ف ال.
وكل هذه القوال صحيحة ول تناف بينها.
وقال معاذ بن جبل ف قوله { :ل اْن ِفصَامَ َلهَا } أي :ل انقطاع لا دون دخول النة.
سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى ل اْن ِفصَامَ َلهَا } ث قرأ { :إِ ّن الّلهَ ل وقال ماهد وسعيد بن جبيَ { :فقَدِ ا ْستَمْ َ
سهِمْ } [الرعد.]11: ُيغَّيرُ مَا ِب َقوْمٍ حَتّى ُيغَّيرُوا مَا بَِأْنفُ ِ
8
وقال المام أحد :حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا ابن عون عن ممد عن قيس بن عباد قال :كنت
ف السجد فجاء رجل ف وجهه أثر من خشوع ،فدخل فصلى ركعتي أوجز فيهما فقال القوم :هذا
رجل من أهل النة .فلما خرج اتبعته حت دخل منله فدخلت معه فحدثته فلما استأنسقلت له :إن
القوم لا دخلت قبل السجد قالوا كذا وكذا .قال :سبحان ال ما ينبغي لحد أن يقول ما ل يعلم
وسأحدثك ل :إن رأيت رؤيا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقصصتها عليه :رأيت كأن
ف روضة خضراء -قال ابن عون :فذكر من خضرتا وسعتها-وسطها عمود حديد أسفله ف الرض
وأعله ف السماء ف أعله عروة ،فقيل ل :اصعد عليه فقلت :ل أستطيع .فجاءن مِْنصَف -قال ابن
عون :هو الوصيف -فرفع ثياب من خلفي ،فقال :اصعد .فصعدت حت أخذت بالعروة فقال:
استمسك بالعروة .فاستيقظت وإنا لفي يدي فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقصصتها عليه.
فقال" :أما الروضة فروضة السلم وأما العمود فعمود السلم وأما العروة فهي العروة الوثقى ،أنت
على السلم حت توت" .
قال :وهو عبد ال بن سلم أخرجاه ف الصحيحي من حديث عبد ال بن عون وأخرجه البخاري
من وجه آخر ،عن ممد بن سيين به .
طريق أخرى وسياق آخر :قال المام أحد :حدثنا حسن بن موسى وعفان قال حدثنا حاد بن
لرّ قال :قدمت الدينة فجلست إل سلمة ،عن عاصم بن بدلة عن السيب بن رافع عن خرشة بن ا ُ
مشيخة ف مسجد النب صلى ال عليه وسلم .فجاء شيخ يتوكأ على عصًا له فقال القوم :من سره أن
ينظر إل رجل من أهل النة فلينظر إل هذا .فقام خلف سارية فصلى ركعتي فقمت إليه ،فقلت له:
قال بعض القوم :كذا وكذا .فقال :النة ل يُدخلها من يشاء وإن رأيت على عهد رسول ال صلى
ال عليه وسلم رؤيا ،رأيت كأن رجل أتان فقال :انطلق .فذهبت معه فسلك ب منهجًا عظيمًا
فعرضت ل طريق عن يساري ،فأردت أن أسلكها .فقال :إنك لست من أهلها .ث عرضت ل طريق
عن يين فسلكتها حت انتهت إل جبل زلق فأخذ بيدي فزجل فإذا أنا على ذروته ،فلم أتقار ول
أتاسك فإذا عمود حديد ف ذروته حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل حت أخذت بالعروة فقال:
استمسك .فقلت :نعم .فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة ،فقصصتها على رسول ال صلى
ال عليه وسلم فقال" :رأيت خيًا أما النهج العظيم فالحشر ،وأما الطريق الت عرضت عن يسارك
فطريق أهل النار ،ولست من أهلها ،وأما الطريق الت عرضت عن يينك فطريق أهل النة ،وأما البل
الزلق فمنل الشهداء ،وأما العروة الت استمسكت با فعروة السلم فاستمسك با حت توت".
قال :فإنا أرجو أن أكون من أهل النة .قال :وإذا هو عبد ال بن سلم .
9
وهكذا رواه النسائي عن أحد بن سليمان عن عفان ،وابن ماجه عن أب بكر بن أب شيبة ،عن
السن بن موسى الشيب كلها عن حاد بن سلمة به نوه .وأخرجه مسلم ف صحيحه من
لرّ الفزاري به .
سهِر عن خرشة بن ا ُ
حديث العمش عن سليمان بن مُ ْ
وف الظلل :
إن قضية العقيدة -كما جاء با هذا الدين -قضية اقتناع بعد البيان والدراك ; وليست قضية إكراه
وغصب وإجبار .ولقد جاء هذا الدين ياطب الدراك البشري بكل قواه وطاقاته .ياطب العقل
الفكر ,والبداهة الناطقة ,وياطب الوجدان النفعل ,كما ياطب الفطرة الستكنة .ياطب الكيان
البشري كله ,والدراك البشري بكل جوانبه ; ف غي قهر حت بالارقة الادية الت قد تلجيء
مشاهدها الاء إل الذعان ,ولكن وعيه ل يتدبرها وإدراكه ل يتعقلها لنا فوق الوعي والدراك .
وإذا كان هذا الدين ل يواجه الس البشري بالارقة الادية القاهرة ,فهو من باب أول ل يواجهه
بالقوة والكراه ليعتنق هذا الدين تت تأثي التهديد أو مزاولة الضغط القاهر والكراه بل بيان ول
إقناع ول اقتناع .
وكانت السيحية -آخر الديانات قبل السلم -قد فرضت فرضا بالديد والنار ووسائل التعذيب
والقمع الت زاولتها الدولة الرومانية بجرد دخول المباطور قسطنطي ف السيحية .بنفس الوحشية
والقسوة الت زاولتها الدولة الرومانية من قبل ضد السيحيي القلئل من رعاياها الذين اعتنقوا
السيحية اقتناعا وحبا ! ول تقتصر وسائل القمع والقهر على الذين ل يدخلوا ف السيحية ; بل إنا
ظلت تتناول ف ضراوة السيحيي أنفسهم الذين ل يدخلوا ف مذهب الدولة ; وخالفوها ف بعض
العتقاد بطبيعة السيح !
فلما جاء السلم عقب ذلك جاء يعلن -ف أول ما يعلن -هذا البدأ العظيم الكبي:
(ل إكراه ف الدين .قد تبي الرشد من الغي) . .
وف هذا البدأ يتجلى تكري ال للنسان ; واحترام إرادته وفكره ومشاعره ; وترك أمره لنفسه فيما
يتص بالدى والضلل ف العتقاد وتميله تبعة عمله وحساب نفسه . .وهذه هي أخص خصائص
التحرر النسان . .التحرر الذي تنكره على النسان ف القرن العشرين مذاهب معتسفة ونظم مذلة
; ل تسمح لذا الكائن الذي كرمه ال -باختياره لعقيدته -أن ينطوي ضميه على تصور للحياة
ونظمها غي ما تليه عليه الدولة بشت أجهزتا التوجيهية ,وما تليه عليه بعد ذلك بقوانينها
وأوضاعها ; فإما أن يعتنق مذهب الدولة هذا -وهو يرمه من اليان باله للكون يصرف هذا الكون
-وإما أن يتعرض للموت بشت الوسائل والسباب !
10
إن حرية العتقاد هي أول حقوق "النسان" الت يثبت له با وصف "إنسان" .فالذي يسلب إنسانا
حرية العتقاد ,إنا يسلبه إنسانيته ابتداء . .ومع حرية العتقاد حرية الدعوة للعقيدة ,والمن من
الذى والفتنة . .وإل فهي حرية بالسم ل مدلول لا ف واقع الياة .
والسلم -وهو أرقى تصور للوجود وللحياة ,وأقوم منهج للمجتمع النسان بل مراء -هو الذي
ينادي بأن ل إكراه ف الدين ; وهو الذي يبي لصحابه قبل سواهم أنم منوعون من إكراه الناس
على هذا الدين . .فكيف بالذاهب والنظم الرضية القاصرة العتسفة وهي تفرض فرضا بسلطان
الدولة ; ول يسمح لن يالفها بالياة ?!
والتعبي هنا يرد ف صورة النفي الطلق( :ل إكراه ف الدين) . .نفي النس كما يقول النحويون . .
أي نفي جنس الكراه .نفي كونه ابتداء .فهو يستبعده من عال الوجود والوقوع .وليس مرد ني
عن مزاولته .والنهي ف صورة النفي -والنفي للجنس -أعمق إيقاعا وآكد دللة .
ول يزيد السياق على أن يلمس الضمي البشري لسة توقظه ,وتشوقه إل الدى ,وتديه إل الطريق
,وتبي حقيقة اليان الت اعلن أنا أصبحت واضحة وهو يقول:
(قد تبي الرشد من الغي) . .
فاليان هو الرشد الذي ينبغي للنسان أن يتوخاه ويرص عليه .والكفر هو الغي الذي ينبغي
للنسان أن ينفر منه ويتقي أن يوصم به .
والمر كذلك فعل .فما يتدبر النسان نعمة اليان ,وما تنحه للدراك البشري من تصور ناصع
واضح , ,وما تنحه للقلب البشري من طمأنينة وسلم ,وما تثيه ف النفس البشرية من اهتمامات
رفيعة ومشاعر نظيفة ,وما تققه ف الجتمع النسان من نظام سليم قوي دافع إل تنمية الياة وترقية
الياة . .ما يتدبر النسان نعمة اليان على هذا النحو حت يد فيها الرشد الذي ل يرفضه إل سفيه
,يترك الرشد إل الغي ,ويدع الدى إل الضلل ,ويؤثر التخبط والقلق والبوط والضآلة على
الطمأنينة والسلم والرفعة والستعلء !
ث يزيد حقيقة اليان إيضاحا وتديدا وبيانا:
(فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لا) . .
إن الكفر ينبغي أن يوجه إل ما يستحق الكفر ,وهو(الطاغوت) .وإن اليان يب أن يتجه إل من
يدر اليان به وهو(ال) .
والطاغوت صيغة من الطغيان ,تفيد كل ما يطغى على الوعي ,ويور على الق ,ويتجاوز الدود
الت رسها ال للعباد ,ول يكون له ضابط من العقيدة ف ال ,ومن الشريعة الت يسنها ال ,ومنه
كل منهج غي مستمد من ال ,وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد ل يستمد من ال .فمن يكفر
11
بذا كله ف كل صورة من صوره ويؤمن بال وحده ويستمد من ال وحده فقد نا . .وتتمثل ناته
ف استمساكه بالعروة الوثقى ل انفصام لا .
وهنا ندنا أمام صورة حسية لقيقة شعورية ,ولقيقة معنوية . .إن اليان بال عروة وثيقة ل
تنفصم أبدا . .إنا متينة ل تنقطع . .ول يضل المسك با طريق النجاة . .إنا موصولة بالك
اللك والنجاة . .واليان ف حقيقته اهتداء إل القيقة الول الت تقوم با سائر القائق ف هذا
الوجود . .حقيقة ال . .واهتداء إل حقيقة الناموس الذي سنه ال لذا الوجود ,وقام به هذا
الوجود .والذي يسك بعروته يضي على هدى إل ربه ; فل يرتطم ول يتخلف ول تتفرق به السبل
ول يذهب به الشرود والضلل .
(وال سيع عليم) . .
يسمع منطق اللسنة ,ويعلم مكنون القلوب .فالؤمن الوصول به ل يبخس ول يظلم ول ييب .
ث يضي السياق يصور ف مشهد حسي حي متحرك طريق الدى وطريق الضلل ; وكيف يكون
الدى وكيف يكون الضلل . .يصور كيف يأخذ ال -ول الذين آمنوا -بأيديهم ,فيخرجهم
من الظلمات إل النور .بينما الطواغيت -أولياء الذين كفروا -تأخذ بأيدهم فتخرجهم من النور
إل الظلمات !
إنه مشهد عجيب حي موح .واليال يتبع هؤلء وهؤلء ,جيئة من هنا وذهابا من هناك .بدل من
التعبي الذهن الجرد ,الذي ل يرك خيال ,ول يلمس حسا ,ول يستجيش وجدانا ,ول ياطب
إل الذهن بالعان واللفاظ .
فإذا أردنا أن ندرك فضل طريقة التصوير القرآنية ,فلنحاول أن نضع ف مكان هذا الشهد الي تعبيا
ذهنيا أيا كان .لنقل مثل:ال ول الذين آمنوا يهديهم إل اليان .والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت
يقودونم إل الكفران . .إن التعبي يوت بي أيدينا ,ويفقد ما فيه من حرارة وحركة وإيقاع !
وإل جانب التعبي الصور الي الوحي نلتقي بدقة التعبي عن القيقة:
(ال ول الذين آمنوا يرجهم من الظلمات إل النور .والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يرجونم
من النور إل الظلمات) . .
إن اليان نور . .نور واحد ف طبيعته وحقيقته . .وإن الكفر ظلمات . .ظلمات متعددة متنوعة .
ولكنها كلها ظلمات .
وما من حقيقة أصدق ول أدق من التعبي عن اليان بالنور ,والتعبي عن الكفر بالظلمة .
إن اليان نور يشرق به كيان الؤمن أول ما ينبثق ف ضميه .تشرق به روحه فتشف وتصفو وتشع
من حولا نورا ووضاءة ووضوحا . .نور يكشف حقائق الشياء وحقائق القيم وحقائق التصورات ,
فياها قلب الؤمن واضحة بغي غبش ,بينة بغي لبس ,مستقرة ف مواضعها بغي أرجحة ; فيأخذ
12
منها ما يأخذ ويدع منها ما يدع ف هوادة وطمأنينة وثقة وقرار ل أرجحة فيه . .نور يكشف
الطريق إل الناموس الكون فيطابق الؤمن بي حركته وحركة الناموس الكون من حوله ومن خلله ;
ويضي ف طريقه إل ال هينا لينا ل يعتسف ول يصطدم بالنتوءات ,ول يبط هنا وهناك .فالطريق
ف فطرته مكشوف معروف .
وهو نور واحد يهدي إل طريق واحد .فأما ضلل الكفر فظلمات شت منوعة . .ظلمة الوى
والشهوة .وظلمة الشرود والتيه .وظلمة الكب والطغيان .وظلمة الضعف والذلة .وظلمة الرياء
والنفاق .وظلمة الطمع والسعر .وظلمة الشك والقلق . . .وظلمات شت ل يأخذها الصر
تتجمع كلها عند الشرود عن طريق ال ,والتلقي من غي ال ,والحتكام لغي منهج ال . .وما
يترك النسان نور ال الواحد الذي ل يتعدد .نور الق الواحد الذي ل يتلبس .حت يدخل ف
الظلمات من شت النواع وشت الصناف . .وكلها ظلمات ! . .
والعاقبة هي اللئقة بأصحاب الظلمات:
(أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) . .وإذ ل يهتدوا بالنور ,فليخلدوا إذن ف النار !
إن الق واحد ل يتعدد والضلل ألوان وأناط . .فماذا بعد الق إل الضلل ?
------------
إن بعض الغرضي من أعداء السلم يرمونه بالتناقض ; فيزعمون أنه فرض بالسيف ,ف الوقت الذي
قرر فيه:أن ل إكراه ف الدين . .أما بعضهم الخر فيتظاهر بأنه يدفع عن السلم هذه التهمة ; وهو
ياول ف خبث أن يمد ف حس السلم روح الهاد ; ويهون من شأن هذه الداة ف تاريخ السلم
وف قيامه وانتشاره .ويوحي إل السلمي -بطريق ملتوية ناعمة ماكرة -أن ل ضرورة اليوم أو
غدا للستعانة بذه الداة !وذلك كله ف صورة من يدفع التهمة الارحة عن السلم ! . .
وهؤلء وهؤلء كلها من الستشرقي الذين يعملون ف حقل واحد ف حرب السلم ,وتريف
منهجه ,وقتل إياءاته الوحية ف حس السلمي ,كي يأمنوا انبعاث هذا الروح ,الذي ل يقفوا له
مرة ف ميدان ! والذي آمنوا واطمأنوا منذ أن خدروه وكبلوه بشت الوسائل ,وكالوا له الضربات
الساحقة الوحشية ف كل مكان ! وألقوا ف خلد السلمي أن الرب بي الستعمار وبي وطنهم
ليست حرب عقيدة أبدا تقتضي الهاد ! إنا هي فقط حرب أسواق وخامات ومراكز وقواعد . .
ومن ث فل داعي للجهاد !
لقد انتضى السلم السيف ,وناضل وجاهد ف تاريه الطويل .ل ليكره أحدا على السلم ولكن
ليكفل عدة أهداف كلها تقتضي الهاد .
جاهد السلم أول ليدفع عن الؤمني الذى والفتنة الت كانوا يسامونا ; وليكفل لم المن على
أنفسهم وأموالم وعقيدتم .وقرر ذلك البدأ العظيم الذي سلف تقريره ف هذه السورة -ف الزء
13
الثان ( -والفتنة أشد من القتل) . .فاعتب العتداء على العقيدة واليذاء بسببها ,وفتنة أهلها عنها
أشد من العتداء على الياة ذاتا .فالعقيدة أعظم قيمة من الياة وفق هذا البدأ العظيم .وإذا كان
الؤمن مأذونا ف القتال ليدفع عن حياته وعن ماله ,فهو من باب أول مأذون ف القتال ليدفع عن
عقيدته ودينه . .وقد كان السلمون يسامون الفتنة عن عقيدتم ويؤذون ,ول يكن لم بد أن
يدفعوا هذه الفتنة عن أعز ما يلكون .يسامون الفتنة عن عقيدتم ,ويؤذون فيها ف مواطن من
الرض شت .وقد شهدت الندلس من بشاعة التعذيب الوحشي والتقتيل الماعي لفتنة السلمي
عن دينهم ,وفتنة أصحاب الذاهب السيحية الخرى ليتدوا إل الكثلكة ,ما ترك أسبانيا اليوم ول
ظل فيها للسلم ! ول للمذاهب السيحية الخرى ذاتا ! كما شهد بيت القدس وما حوله بشاعة
الجمات الصليبية الت ل تكن موجهة إل للعقيدة والجهاز عليها ; والت خاضها السلمون ف هذه
النطقة تت لواء العقيدة وحدها فانتصروا فيها ; وحوا هذه البقعة من مصي الندلس الليم . .وما
يزال السلمون يسامون الفتنة ف أرجاء الناطق الشيوعية والوثنية والصهيونية والسيحية ف أناء من
الرض شت . .وما يزال الهاد مفروضا عليهم لرد الفتنة إن كانوا حقا مسلمي !
وجاهد السلم ثانيا لتقرير حرية الدعوة -بعد تقرير حرية العقيدة -فقد جاء السلم بأكمل
تصور للوجود والياة ,وبأرقى نظام لتطوير الياة .جاء بذا الي ليهديه إل البشرية كلها ; ويبلغه
إل أساعها وإل قلوبا .فمن شاء بعد البيان والبلغ فليؤمن ومن شاء فليكفر .ول إكراه ف الدين
.ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلغ هذا الي للناس كافة ; كما جاء من عند
ال للناس كافة .وأن تزول الواجز الت تنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إل موكب
الدى إذا أرادوا .ومن هذه الواجز أن تكون هناك نظم طاغية ف الرض تصد الناس عن الستماع
إل الدى وتفت الهتدين أيضا .فجاهد السلم ليحطم هذه النظم الطاغية ; وليقيم مكانا نظاما
عادل يكفل حرية الدعوة إل الق ف كل مكان وحرية الدعاة . .وما يزال هذا الدف قائما ,وما
يزال الهاد مفروضا على السلمي ليبلغوه إن كانوا مسلمي !
وجاهد السلم ثالثا ليقيم ف الرض نظامه الاص ويقرره ويميه . .وهو وحده النظام الذي يقق
حرية النسان تاه أخيه النسان ; حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة ل الكبي التعال ; ويلغي من
الرض عبودية البشر للبشر ف جيع أشكالا وصورها .فليس هنالك فرد ول طبقة ول أمة تشرع
الحكام للناس ,وتستذلم عن طريق التشريع .إنا هنالك رب واحد للناس جيعا هو الذي يشرع
لم على السواء ,وإليه وحده يتجهون بالطاعة والضوع ,كما يتجهون إليه وحده باليان والعبادة
سواء .فل طاعة ف هذا النظام لبشر إل أن يكون منفذا لشريعة ال ,موكل عن الماعة للقيام بذا
التنفيذ .حيث ل يلك أن يشرع هو ابتداء ,لن التشريع من شأن اللوهية وحدها ,وهو مظهر
14
اللوهية ف حياة البشر ,فل يوز أن يزاوله إنسان فيدعي لنفسه مقام اللوهية وهو واحد من
العبيد !
هذه هي قاعدة النظام الربان الذي جاء به السلم .وعلى هذه القاعدة يقوم نظام أخلقي نظيف
تكفل فيه الرية لكل إنسان ,حت لن ل يعتنق عقيدة السلم ,وتصان فيه حرمات كل أحد حت
الذين ل يعتنقون السلم ,وتفظ فيه حقوق كل مواطن ف الوطن السلمي أيا كانت عقيدته .
ول يكره فيه أحد على اعتناق عقيدة السلم ,ول إكراه فيه على الدين إنا هو البلغ .
جاهد السلم ليقيم هذا النظام الرفيع ف الرض ويقرره ويميه .وكان من حقه أن ياهد ليحطم
النظم الباغية الت تقوم على عبودية البشر للبشر ,والت يدعي فيها العبيد مقام اللوهية ويزاولون فيها
وظيفة اللوهية -بغي حق -ول يكن بد أن تقاومه تلك النظم الباغية ف الرض كلها وتناصبه
العداء .ول يكن بد كذلك أن يسحقها السلم سحقا ليعلن نظامه الرفيع ف الرض . .ث يدع
الناس ف ظله أحرارا ف عقائدهم الاصة .ل يلزمهم إل بالطاعة لشرائعه الجتماعية والخلقية
والقتصادية والدولية .أما عقيدة القلب فهم فيها أحرار .وأما أحوالم الشخصية فهم فيها أحرار ,
يزاولونا وفق عقائدهم ; والسلم يقوم عليهم يميهم ويمي حريتهم ف العقيدة ويكفل لم
حقوقهم ,ويصون لم حرماتم ,ف حدود ذلك النظام .
وما يزال هذا الهاد لقامة هذا النظام الرفيع مفروضا على السلمي( :حت ل تكون فتنة ويكون
الدين ل) . .فل تكون هناك ألوهة للعبيد ف الرض ,ول دينونة لغي ال . .
ل يمل السلم السيف إذن ليكره الناس على اعتناقه عقيدة ; ول ينتشر السيف على هذا العن كما
يريد بعض أعدائه أن يتهموه ! إنا جاهد ليقيم نظاما آمنا يأمن ف ظله أصحاب العقائد جيعا ,
ويعيشون ف إطاره خاضعي له وإن ل يعتنقوا عقيدته .
وكانت قوة السلم ضرورية لوجوده وانتشاره واطمئنان أهله على عقيدتم ,واطمئنان من يريدون
اعتناقه على أنفسهم .وإقامة هذا النظام الصال وحايته .ول يكن الهاد أداة قليلة الهية ,ول
معدومة الضرورة ف حاضره ومستقبله كما يريد أخبث أعدائه أن يوحوا للمسلمي ! . .
ل بد للسلم من نظام ول بد للسلم من قوة ,ول بد للسلم من جهاد .فهذه طبيعته الت ل
يقوم بدونا إسلم يعيش ويقود .
(ل إكراه ف الدين) . .نعم ولكن( :وأعدوا لم ما استطعتم من قوة ومن رباط اليل ترهبون به
عدو ال وعدوكم .وآخرين من دونم ل تعلمونم ال يعلمهم) . .
وهذا هو قوام المر ف نظر السلم . . .وهكذا ينبغي أن يعرف السلمون حقيقة دينهم ,وحقيقة
تاريهم ; فل يقفوا بدينهم موقف التهم الذي ياول الدفاع ; إنا يقفون به دائما موقف الطمئن
الواثق الستعلي على تصورات الرض جيعا ,وعلى نظم الرض جيعا ,وعلى مذاهب الرض جيعا
15
. .ول ينخدعوا بن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده ف حسهم من حقه ف الهاد لتأمي أهله ;
والهاد لكسر شوكة الباطل العتدي ; والهاد لتمتيع البشرية كلها بالي الذي جاء به ; والذي ل
ين أحد على البشرية جناية من يرمها منه ,ويول بينها وبينه .فهذا هو أعدى أعداء البشرية ,
الذي ينبغي أن تطارده البشرية لو رشدت وعقلت .وإل أن ترشد البشرية وتعقل ,يب أن يطارده
الؤمنون ,الذين اختارهم ال وحباهم بنعمة اليان ,فذلك واجبهم لنفسهم وللبشرية كلها ,وهم
مطالبون بذا الواجب أمام ال . .
وف الوسيط ( -ج / 1ص )473
الكراه معناه :حل الغيعلى قول أو فعل ل يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه ذلك
.والراد بالدين دين الِسلم واللف واللم فيه للعهد .
والرشد :الستقامة على طريق الق مع تصلبه فيه ،مصدر رشيد يرشد ويرشد أي اهتدى .والراد
هنا :الق والدى .
والغي ضد الرشد .مصدر من غوى يغوي إذا ضل ف معتقد أو رأى ،ويرى بعض العلماء أن نفي
الِكراه هنا خب ف معن النهي ،أي :ل تكرهوا أحدا على الدخول ف دين الِسلم فإنه بي واضح
ف دلئله وبراهينه ،فمن هداه ال له ونور بصيته دخل فيه على بصية ،ومن أضله وأعمى قلبه ل
يفيده الِكراه على الدخول فيه .
وقال بعض العلماء إن الملة هنا على حالا من البية والعن :ليس ف الدين -الذي هو تصديق
بالقلب ،وإذعان ف النفس -إكراه وإجبار من ال -تعال -لحد ،لن مبن هذا الدين على
التمكي والختيار ،وهو مناط الثواب والعقاب ،لول ذلك لا حصل البتلء والختبار ،ولبطل
المتحان .
أو العن :كما يرى بعضهم -إن من الواجب على العاقل بعد ظهور اليات البينات على أن الِيان
بدين الِسلم حق ورشد .وعلى أن الكفر به غي وضلل ،أن يدخل عن طواعية واختيار ف دين
الِسلم الذي ارتضاه ال وأل يكره على ذلك بل يتاره بدون قسر أو تردد .
فالملة الول وهي قوله -تعال { : -لَ إِ ْكرَاهَ فِي الدين } :تنفى الِجبار على الدخول ف الدين
،لن هذا الجبار ل فائدة من ورائه ،إذ التدين إذعان قلب ،واتاه بالنفس والوارح إل اله رب
العالي بإرادة حرة متارة فإذا أكره عليه الِنسان إزداد كرها له ونفورا منه .فالِكراه والتدين
نقيضان ل يتمعان ،ول يكن أن يكون أحدها ثرة للخرة .
والملة الثانية وهي قوله -تعال { : -قَد تَّبيّنَ الرشد مِنَ الغي } بثابة العلة لنفي هذا الكراه على
الدخول ف الدين ،أي قد ظهر الصبح لذي عيني ،وانكشف الق من الباطل ،والدى من الضلل
وقامت الدلة الساطعة على دين الِسلم هو الدين الق وغيه من الديان ضلل وكفران وما دام
16
المر كذلك فقد توافرت السباب الت تدعو إل الدخول ف دين الِسلم ،ومن كفر به بعد ذلك
فليحتمل نتيجة كفره ،وسوء عاقبة أمره .
ث قال -تعال { : -فَ َمنْ يَ ْك ُفرْ بالطاغوت وَْي ْؤمِن بال َفقَدِ استمسك بالعروة الوثقى َل انفصام
َلهَا } .
الطاغوت :اسم لكل ما يطغى الِنسان ،كالصنام والوثان والشيطان وكل رأس ف الضلل وكل
ما عبد من دون ال .وهو مأخوذ من طغا يطغى -كسعى يسعى -طغيا وطغيانا ،أو من يطغو
طغوا طغوانا ،إذا جاوز الد وغل ف الكفر وأسرف ف العاصي والفجور .
والعروة :ف أصل معناها تطلق على ما يتعلق بالشيء من عراه أي من الهة الت يب تعليهقمنها ،
وتمع على غرى .والعروة من الدلو والكوز مقبضه .ومن الثوب مدخل زره .
والوثقى :مؤنث الوثق ،وهو الشيء الحكم الوثق .يقال وثق -بالضم -وثاقه أي :قوى وثبت
فهو وثيق أي ثابت مكم .
والنفصام :النكسار ،والقصم كسر الشيء وقطعة .
والعن :فمن خلع النداد والوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة غي ال ،وآمن بال -تعال -
إيانا حالصا صادقا فقد ثبت أمره واستقام على الطريقة الثلى الت ل انقطاع لا وأمسك من الدين
بأقوى سبب وأحكم رباط .
والفاء ف قوله َ { :فمَنْ يَ ْكفُر } للتفريع .والسي والتاء ف استمسك للتأكيد والطلب ،وقوله :
{ َفقَدِ استمسك بالعروة الوثقى } فيه -كما يقول الزمشري -تثيل للمعلوم بالنظور والستدلل
بالشاهد الحسوس حت بتصوره السامع كأنا ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به ،وجلة
{ لَ انفصام َلهَا } استئناف مقرر لا قبله أو حال من " العروة " والعامل " استمسك " .
ث ختم -سبحانه الية بقوله { :وال سَمِي ٌع َعلِيمٌ } أي سيع القوال ،وهسات القلوب ،
وخلجات النفوس ،عليم با يسره الناس وما يعلنونه ،وسيجازيهم با يستحقون من ثواب أو عقاب
قال القرطب ما ملخصه :قيل إن هذه الية منسوخة بقوله -تعال { : -ياأيها النب جَاهِدِ الكفار
والنافقي } لن النب صلى ال عليه وسلم قد أكره العرب على دين الِسلم وقاتلهم ول يرض منهم
إل الِسلم .وقيل إناه لسيت بنسوخة وإنا نزلت ف أهل الكتاب خاصة ،وأنم ل يكرهون على
الِسلم إذا أدوا الزية . .والجة لذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال :سعت عمر بن
الطاب يقول لعجوز نصرانية :أسلمي أيتها العجوز تسلمي ،إن ال بعث ممدا بالق .
قالت أنا عجوز كبية والوت إل قريب .فقال عمر :اللهم اشهد وتل { :لَ إِ ْكرَاهَ فِي الدين } .
والذي تسكن إليه النفس أن هذه الية مكمة غي منسوخة ،لن التدين ل يكون مع الِكراه -كما
أشرنا من قبل -ولن الهاد ما شرع ف الِسلم لِجبار الناس على الدخول ف الِسلم إذ ل إسلم
17
مع إجبار ،وإنا شرع الهاد لدفع الظلم ورد العدوان وإعلء كلمة ال ،والرسول صلى ال عليه
وسلم ما قاتل العرب ليكرههم على الدخول ف الِسلم وإنا قاتلهم لنم بدأوه بالعدواة .
ولن الروايات ف سبب نزول هذه الية تؤيد أنه ل إكراه ف الدين ،ومن هذه الروايات ما جاء عن
ابن عباس أنه قال :نزلت ف رجل من النز من بن سال بن عوف يققال له الصي كان له ابنان
نصرانيان وكان هو مسلما ،فقال للنب صلى ال عليه وسلم أل استكرههما فإنما قد أبيا إل
النصرانية فأنزل ال هذه الية وف رواية أخرى أنه حاول إكراههما على الدخول ف الِسلم
فاختصموا إل النب صلى ال عليه وسلم فقال النصاري :يا رسول ال أيدخل بعض النار وأنا أنظر
إليه فنلة هذه الية .
ولن النسخ ل يصار إليه إل إذا ل يكن التوفيق بي اليتي وهنا يكن التوفيق بأن نقول :إن الية
الت معنا تنفى إكراه الناس على اعتقاد ما ل يريدون وآية { ياأيها النب جَاهِدِ الكفار والنافقي }
جاءت لض النب صلى ال عليه وسلم وحض أصحابه على قتال الكفار الذين وقفوا ف طريق دعوته
،حت يكفوا عن عدوانم وتكون كلمة ال هي العليا .
18
]21هؤلء وهؤلء بلف الؤمني ،الذين قال ال فيهم { :إِنّمَا كَانَ َقوْ َل الْ ُم ْؤمِِنيَ ِإذَا ُدعُوا إِلَى الّلهِ
ك هُمُ اْل ُمفْلِحُونَ] } [النور.]51 : َورَسُوِلهِ لَِيحْكُمَ َبيَْنهُمْ أَنْ َيقُولُوا سَ ِمعْنَا [وَأَ َطعْنَا وَأُولَِئ َ
{ فَكَيْفَ ِإذَا َأصَابَْتهُ ْم ُمصِيَبةٌ بِمَا قَ ّد َمتْ أَْيدِيهِمْ ثُ ّم جَاءُوكَ يَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا إِل إِ ْحسَانًا َوَتوْفِيقًا
(} )62
ث قال تعال ف ذم النافقيَ { :فكَيْفَ ِإذَا َأصَاَبْتهُ ْم مُصِيبَ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِ ْم } أي :فكيف بم إذا
ساقتهم القادير إليك ف مصائب تطرقهم بسبب ذنوبم واحتاجوا إليك ف ذلك { ،ثُمّ جَاءُوكَ
يَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا إِل إِ ْحسَانًا َوَتوْفِيقًا } أي :يعتذرون إليك ويلفون :ما أردنا بذهابنا إل غيك،
وتاكمنا إل عداك إل الحسان والتوفيق ،أي :الداراة والصانعة ،ل اعتقادا منا صحة تلك الكومة،
كما أخبنا تعال عنهم ف قولهَ { :فَترَى الّذِي َن فِي ُقلُوِبهِ ْم َم َرضٌ ُيسَا ِرعُونَ فِيهِ ْم َيقُولُونَ َنخْشَى [أَنْ
سهِمُْتصِيبَنَا دَاِئ َرةٌ َفعَسَى الّلهُ أَنْ يَ ْأتِيَ بِاْلفَتْحِ َأوْ َأ ْمرٍ مِ ْن عِنْ ِدهِ] َفُيصْبِحُوا َعلَى مَا َأ َسرّوا فِي َأْنفُ ِ
نَا ِدمِيَ } [الائدة.]52:
لوْطِيّ ،حدثنا أبو اليمان ،حدثنا صفوان بن عمر، وقد قال الطبان :حدثنا أبو زيد أحد بن يزيد ا َ
عن عكرمة ،عن ابن عباس .قال :كان أبو َب ْرزَة السلمي كاهنا يقضي بي اليهود فيما يتنافرون فيه
فتنافر إليه ناس من السلمي فأنزل ال عز وجل { :أَلَمْ َترَ إِلَى الّذِينَ َي ْزعُمُونَ أَّنهُ ْم آمَنُوا ِبمَا أُنزلَ
ك َومَا أُنزلَ مِ ْن قَْبِلكَ [ُيرِيدُونَ أَ ْن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ] } إل قوله { :إِنْ َأ َردْنَا إِل ِإحْسَانًا ِإلَْي َ
وََت ْوفِيقًا }
ث قال تعال { :أُوَلِئكَ الّذِينَ َيعْلَ ُم الّل ُه مَا فِي قُلُوِبهِمْ } [أي] هذا الضرب من الناس هم النافقون،
وال يعلم ما ف قلوبم وسيجزيهم على ذلك ،فإنه ل تفى عليه خافية ،فاكتف به يا ممد فيهم ،فإن
ال عال بظواهرهم وبواطنهم؛ ولذا قال له { :فََأ ْع ِرضْ َعْنهُمْ } أي :ل تعنفهم على ما ف قلوبم
سهِمْ { َوعِ ْظهُ ْم } أي :وانهم ( )4على ما ف قلوبم من النفاق وسرائر الشر { وَقُ ْل َلهُمْ فِي أَْنفُ ِ
َقوْل بَلِيغًا } أي :وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلم بليغ رادع لم.
سهُ ْم جَاءُوكَ فَا ْسَتغْ َفرُوا الّلهَ ع بِِإذْنِ الّلهِ وََلوْ َأّنهُمْ ِإذْ َظلَمُوا أَْنفُ َ
{ َومَا َأرْ َسلْنَا مِ ْن رَسُولٍ إِل ِليُطَا َ
جرَ حكّمُوكَ فِيمَا شَ َ وَاسَْت ْغ َفرَ َلهُمُ الرّسُولُ َل َوجَدُوا الّلهَ َتوّابًا رَحِيمًا ( )64فَل َورَّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ َحتّى يُ َ
سلِيمَا (} )65 سلّمُوا تَ ْت وَيُ َ سهِمْ َحرَجًا مِمّا َقضَْي َ بَيَْنهُ ْم ثُمّ ل يَجِدُوا فِي َأْنفُ ِ
ع } أي :فرضت طاعته على من أرسله إليهم وقوله: يقول تعالَ { :ومَا َأرْ َسلْنَا مِ ْن رَسُولٍ إِل ِليُطَا َ
{ بِِإذْنِ الّلهِ } قال ماهد :أي ل يطيع أحد إل بإذن .يعن :ل يطيعهم إل من وفقته لذلك ،كقوله:
حسّوَنهُمْ بِِإذِْنهِ } [آل عمران ]52:أي :عن أمره وقدره ومشيئته، { َوَلقَدْ صَدََقكُمُ الّلهُ َوعْ َدهُ ِإذْ تَ ُ
وتسليطه إياكم عليهم.
وف الظلل :
19
إن القرآن حي كان « ينشىء » هذه المة و « ينشئها » . .ويطط ويثبت ملمح السلم الديدة
،ف الماعة السلمة -الت التقطها من سفح الاهلية -ويطمس ويحو ملمح الاهلية ف حياتا
ونفوسها ورواسبها . .وينظم متمعها -أو يقيمه ابتداء -على أساس اليلد الديد . .
وحي كان يوض بالماعة السلمة العركة؛ ف مواجهة الاهلية الراسبة ف نفوسها وأوضاعها من
ملفات البيئة الت التقطها النهج الربان منها؛ وف مواجهة الاهلية الرابضة فيها ومن حولا -مثلة ف
يهود الدينة ومنافقيها ومشركي مكة وما حولا -والعركتان موصولتان ف الزمان والكان!
حي كان القرآن يصنع ذلك كله . .كان يبدأ فيقيم للجماعة السلمة تصورها الصحيح ،ببيان
شرط اليان وح ّد السلم؛ ويربط بذا التصور -ف هذه النقطة بالذات -نظامها الساسي ،الذي
ييز وجودها من وجود الاهلية حولا؛ ويفردها بصائص المة الت أخرجت للناس ،لتبي للناس ،
وتقودهم إل ال . .نظامها الربان . .
وهذا الدرس يتول بيان هذا النظام الساسي ،قائما ومنبثقا من التصور السلمي لشرط اليان
وح ّد السلم!
إنه يتول تديد الهة الت تتلقى منها المة السلمة منهج حياتا؛ والطريقة الت تتلقى با؛ والنهج
الذي تفهم به ما تتلقى ،وترد إليه ما يدّ من مشكلت وأقضية ل يرد فيها نص وتتلف الفهام
فيها؛ والسلطة الت تطيعها وعلة طاعتها ومصدر سلطانا . .ويقول :إن هذا هو شرط اليان وحدّه
السلم . .
وعندئذ يلتقي « النظام الساسي » لذه المة؛ بالعقيدة الت تؤمن با . .ف وحدة ل تتجزأ؛ ول
تفترق عناصرها . .
ل. وهذا هو الوضوع الطي الذي يلوه هذا الدرس جلء دقيقا كام ً
.وهذه هي القضية الت تبدو ،بعد مطالعة هذا الدرس ،بديهية يعجب النسان كيف يادل «
مسلم » فيها!
إنه يقول للمة السلمة :إن الرسل أرسلت لتطاع -بإذن ال -ل لجرد البلغ والقناع :
{ وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال } . .
ويقول لا :إن الناس ل يؤمنون -ابتداء -إل أن يتحاكموا إل منهج ال؛ مثلً -ف حياة الرسول
صلى ال عليه وسلم -ف أحكام الرسول .وباقيا بعده ف مصدريه القرآن والسنة بالبداهة؛ ول
يكفي أن يتحاكموا -إليه ليحسبوا مؤمني -بل ل بد من أن يتلقوا حكمه مسلمي راضي :
{ فل وربك . .ل يومنون . .حت يكموك فيما شجر بينهم ،ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما
قضيت ويسلموا تسليما } . .فهذا هو شرط اليان وحد السلم .
20
ويقول لا :إن الذين يريدون أن يتحاكموا إل الطاغوت -أي إل غي شريعة ال -ل يقبل منهم
زعمهم أنم آمنوا با أنزل إل الرسول وما أنزل من قبله .فهو زعم كاذب .يكذبه أنم يريدون أن
يتحاكموا إل الطاغوت :
{ أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل اليك وما أنزل من قبلك ،يريدون أن يتحاكموا إل
الطاغوت -وقد أمروا أن يكفروا به -ويريد الشيطان أن يضلهم ضللً بعيدا } .
ويقول لا :إن علمة النفاق أن يصدوا عن التحاكم إل ما أنزل ال والتحاكم إل رسول ال :
{ وإذا قيل لم :تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ،رأيت النافقي يصدون عنك صدودا } .
ويقول لا :إن منهجها اليان ونظامها الساسي ،أن تطيع ال -عز وجل -ف هذا القرآن -وأن
تطيع رسول ال -صلى ال عليه وسلم -ف سنته -وأول المر من الؤمني الداخلي ف شرط
اليان وحد السلم معكم :
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ،وأطيعوا الرسول .وأول المر منكم } . .
ويقول لا :إن الرجع ،فيما تتلف فيه وجهات النظر ف السائل الطارئة التجددة ،والقضية الت ل
ترد فيها أحكام نصية . .إن الرجع هو ال ورسوله . .أي شريعة ال وسنة رسوله :
{ فإن تنازعتم ف شيء ،فردوه إل ال والرسول } . .
وبذا يبقى النهج الربان مهيمنا على ما يطرأ على الياة من مشكلت وأقضية كذلك ،أبد الدهر ،
ف حياة المة السلمة . .وتثل هذه القاعدة نظامها الساسي ،الذي ل تكون مؤمنة إل به ،ول
تكون مسلمة إل بتحقيقه . .إذ هو يعل الطاعة بشروطها تلك ،ورد السائل الت تد وتتلف فيها
وجهات النظر إل ال ورسوله . .شرط اليان وحد السلم . .شرطا واضحا ونصا صريا :
{ إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر } . .
ول ننسَ ما سبق بيانه عند قوله تعال { :إن ال ل يغفر أن يشرك به ،ويغفر ما دون ذلك لن يشاء
}
من أن اليهود وصموا بالشرك بال ،لنم كانوا يتخذون أحبارهم أربابا من دون ال -ل لنم
عبدوهم -ولكن لنم قبلوا منهم التحليل والتحري؛ ومنحوهم حق الاكمية والتشريع -ابتداء من
عند أنفسهم -فجعلوا بذلك مشركي . .الشرك الذي يغفر ال كل ما عداه .حت الكبائر « . .
وإن زن وإن سرق .وإن شرب المر » . .فرد المر كله إل إفراد ال -سبحانه -باللوهية .
ومن ث إفراده بالاكمية .فهي أخص خصائص اللوهية .وداخل هذا النطاق يبقى السلم مسلما
ويبقى الؤمن مؤمنا .ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره . .أما خارج هذا النطاق فهو الشرك
الذي ل يغفره ال أبدا . .إذ هو شرط اليان وحد السلم { .إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر
}..
21
-------------------
ك َومَا أُْنزِ َل مِنْ َقبِْلكَ ُيرِيدُونَ أَنْ َيتَحَاكَمُوا إِلَى { أَلَمْ َترَ إِلَى الّذِينَ َي ْزعُمُونَ أَّنهُ ْم َآمَنُوا بِمَا ُأْنزِلَ إِلَْي َ
ت وَقَدْ ُأ ِمرُوا أَنْ يَ ْك ُفرُوا ِب ِه وَُيرِي ُد الشّيْطَانُ أَنْ ُيضِّلهُ ْم ضَلَالًا َبعِيدًا ( )60وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْاالطّاغُو ِ
ِإلَى مَا َأْنزَلَ الّلهُ وَِإلَى الرّسُولِ رََأْيتَ الْ ُمنَاِف ِقيَ َيصُدّونَ َعْنكَ صُدُودًا ( )61فَ َكيْفَ ِإذَا َأصَاَبْتهُمْ ُمصِيَبةٌ
حِلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا ِإلّا إِ ْحسَانًا وََت ْوفِيقًا ( )62أُولَِئكَ الّذِي َن َيعْلَمُ الّلهُ
بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَاءُوكَ يَ ْ
سهِمْ َقوْلًا َبلِيغًا (})63 مَا فِي قُلُوِبهِمْ فََأ ْع ِرضْ َعْنهُمْ َوعِ ْظهُ ْم وَُقلْ َلهُمْ فِي َأْنفُ ِ
إن هذا التصوير لذه الجموعة الت تصفها النصوص ،يوحي بأن هذا كان ف أوائل العهد بالجرة .
يوم كان للنفاق صولة؛ وكان لليهود -الذين يتبادلون التعاون مع النافقي -قوة . .
وهؤلء الذين يريدون أن يتحاكموا إل غي شريعة ال -إل الطاغوت -قد يكونون جاعة من
النافقي -كما صرح بوصفهم ف الية الثانية من هذه الجموعة -وقد يكونون جاعة من اليهود
الذين كانوا يُد َعوْن -حي ت ّد لم أقضية مع بعضهم البعض أو أهل الدينة -إل التحاكم إل كتاب
ال فيها . .التوراة أحيانا ،وإل حكم الرسول أحيانا -كما وقع ف بعض القضية -فيفضون
ويتحاكمون إل العرف الاهلي الذي كان سائدا . .ولكننا نرجح الفرض الول لقوله فيهم :
{ يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك } . .واليهود ل يكونوا يسلمون أو يزعمون
أنم آمنوا با أنزل إل الرسول .إنا كان النافقون هم الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليه وما أنزل
من قبله ( كما هو مقتضى العقيدة السلمية من اليان بالرسل كلهم ) .
وهذا ل يكن يقع إل ف السنوات الول للهجرة .قبل أن تضد شوكة اليهود ف بن قريظة وف
خيب .وقبل أن يتضاءل شأن النافقي بانتهاء شأن اليهود ف الدينة!
ل دقيقا حاسا لشرط اليان وحد على أية حال نن ند ف هذه الجموعة من اليات ،تديدا كام ً
السلم ،وند شهادة من ال بعدم إيان الذين { يريدون أن يتحاكموا إل الطاغوت } { وقد
أمروا أن يكفروا به } كما ند قسما من ال سبحانه -بذاته العلية -أنم ل يدخلون ف اليان؛
ول يسبون مؤمني حت يكموا الرسول -صلى ال عليه وسلم -ف أقضيتهم .ث يطيعوا حكمه ،
وينفذوا قضاءه .طاعة الرضى ،وتنفيذ الرتياح القلب؛ الذي هو التسليم ،ل عجزا واضطرارا .
ولكن طمأنينة وارتضاء . .
{ أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك .يريدون أن يتحاكموا إل
الطاغوت -وقد أمروا أن يكفروا به -ويريد الشيطان أن يضلهم ضللً بعيدا } . .
أل تر إل هذا العجب العاجب . .قوم . .يزعمون . .اليان .ث يهدمون هذا الزعم ف آن؟! قوم
{ يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك } .ث ل يتحاكمون إل ما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك؟ إنا يريدون أن يتحاكموا إل شيء آخر ،وإل منهج آخر ،وإل حكم آخر . .
22
يريدون أن يتحاكموا إل . .الطاغوت . .الذي ل يستمد ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك .ول
ضابط له ول ميزان ،ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . .ومن ث فهو . .طاغوت . .طاغوت
بادعائه خاصية من خواص اللوهية .وطاغوت بأنه ل يقف عند ميزان مضبوط أيضا! وهم ل
يفعلون هذا عن جهل ،ول عن ظن . .إنا هم يعلمون يقينا ويعرفون تاما ،أن هذا الطاغوت مرم
التحاكم إليه { :وقد أمروا أن يكفروا به } . .فليس ف المر جهالة ول ظن .بل هو العمد
والقصد .ومن ث ل يستقيم ذلك الزعم .زعم أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك! إنا هو
الشيطان الذي يريد بم الضلل الذي ل يرجى منه مآب . .
{ ويريد الشيطان أن يضلهم ضللً بعيدا } . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتم التحاكم إل الطاغوت .وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إل
الروج من حد اليان وشرطه بإرادتم التحاكم إل الطاغوت! هذا هو الدافع يكشفه لم .لعلهم
يتنبهون فيجعوا .ويكشفه للجماعة السلمة ،لتعرف من يرك هؤلء ويقف وراءهم كذلك .
ويضي السياق ف وصف حالم إذا ما دعوا إل ما أنزل ال إل الرسول وما أنزل من قبله . .ذلك
الذي يزعمون أنم آمنوا به :
{ وإذا قيل لم :تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ،رأيت النافقي يصدون عنك صدودا } .
يا سبحان ال! إن النفاق يأب إل أن يكشف نفسه! ويأب إل أن يناقض بديهيات النطق الفطري . .
وإل ما كان نفاقا . .
إن القتضى الفطري البديهي لليان ،أن يتحاكم النسان إل ما آمن به ،وإل من آمن به .فإذا
زعم أنه آمن بال وما أنزل ،وبالرسول وما أنزل إليه .ث دعي إل هذا الذي آمن ،به ليتحاكم إل
أمره وشرعه ومنهجه؛ كانت التلبية الكاملة هي البديهية الفطرية .فأما حي يصد ويأب فهو يالف
البديهية الفطرية .ويكشف عن النفاق .وينبئ عن كذب الزعم الذي زعمه من اليان!
وإل هذه البديهية الفطرية ياكم ال -سبحانه -أولئك الذين يزعمون اليان بال ورسوله .ث ل
يتحاكمون إل منهج ال ورسوله .بل يصدون عن ذلك النهج حي يدعون إليه صدودا!
ث يعرض مظهرا من مظاهر النفاق ف سلوكهم؛ حي يقعون ف ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم
للدعوة إل ما أنزل ال وإل الرسول؛ أو بسبب ميلهم إل التحاكم إل الطاغوت .
ومعاذيرهم عند ذلك .وهي معاذير النفاق :
{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة -با قدمت أيديهم -ث جاءوك يلفون بال :إن أردنا إل إحسانا
وتوفيقا } . .
وهذه الصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم ف وسط الماعة السلمة -يومذاك -حيث
يصبحون معرضي للنبذ والقاطعة والزدراء ف الوسط السلم .فما يطيق الجتمع السلم أن يرى من
23
بينه ناسا يزعمون أنم آمنوا بال وما أنزل ،وبالرسول وما أنزل إليه؛ ث ييلون إل التحاكم لغي
شريعة ال؛ أو يصدون حي يدعون إل التحاكم إليها . .إنا يقبل مثل هذا ف متمع ل إسلم له ول
إيان .وكل ما له من اليان زعم كزعم هؤلء؛ وكل ما له من السلم دعوى وأساء!
أو قد تصيبهم الصيبة من ظلم يقع بم؛ نتيجة التحاكم إل غي نظام ال العادل؛ ويعودون باليبة
والندامة من الحتكام إل الطاغوت؛ ف قضية من قضاياهم .
أو قد تصيبهم الصيبة ابتلء من ال لم .لعلهم يتفكرون ويهتدون . .
وأيا ما كان سبب الصيبة؛ فالنص القرآن ،يسأل مستنكرا :فكيف يكون الال حينئذ! كيف
يعودون إل الرسول -صلى ال عليه وسلم : -
{ يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا } . .
إنا حال مزية . .حي يعودون شاعرين با فعلوا . .غي قادرين على مواجهة الرسول -صلى ال
عليه وسلم -بقيقة دوافعهم .وف الوقت ذاته يلفون كاذبي :أنم ما أرادوا بالتحاكم إل
الطاغوت -وقد يكون هنا هو عرف الاهلية -إل رغبة ف الحسان والتوفيق! وهي دائما دعوى
كل من ييدون عن الحتكام إل منهج ال وشريعته :أنم يريدون اتقاء الشكالت والتاعب
والصاعب ،الت تنشأ من الحتكام إل شريعة ال! ويريدون التوفيق بي العناصر الختلفة والتاهات
الختلفة والعقائد الختلفة . .إنا حجة الذين يزعمون اليان -وهم غي مؤمني -وحجة النافقي
اللتوين . .هي هي دائما وف كل حي!
وال -سبحانه -يكشف عنهم هذا الرداء الستعار .ويب رسوله -صلى ال عليه وسلم -أنه
يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانهم .ومع هذا يوجهه إل أخذهم بالرفق ،والنصح لم بالكف عن
هذا اللتواء :
{ أولئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم .فأعرض عنهم وعظهم ،وقل لم ف أنفسهم قولً بليغا } . .
أولئك الذين يفون حقيقة نواياهم وبواعثهم؛ ويتجون بذه الجج ،ويعتذرون بذه العاذير .وال
يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . .ولكن السياسة الت كانت متبعة -ف ذلك الوقت -مع
النافقي كانت هي الغضاء عنهم ،وأخذهم بالرفق ،واطراد الوعظة والتعليم . .
والتعبي العجيب :
{ وقل لم . .ف أنفسهم ..قولً بليغا } .
تعبي مصور . .كأنا القول يودع مباشرة ف النفس ،ويستقر مباشرة ف القلوب .
وف الوسيط ( -ج / 1ص )980
روى الفسرون ف سبب نزول قوله -تعال َ { -ألَمْ َترَ إِلَى الذين َي ْزعُمُونَ } . . .إل روايات
متقاربة ف معناها ومن ذلك ما أخرجه الثعلب وابن أب حات من طرق عن ابن عباس أن رجل من
24
النافقي يقال له بشر خاصم يهوديا ،فدعاه اليهودى إل التحاكم إل النب صلى ال عليه وسلم
ودعاه النافق إل التحاكم إل كعب بن الشرف :ث إنما احتكما إل النب صلى ال عليه وسلم
فقضى لليهودى ،فلم يرض النافق .وقال :تعال نتحاكم إل عمر بن الطاب .
فقال اليهودى لعمر :قضى لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يرض بقضائه .فقال عمر للمنافق
:أكذلك؟ قال :نعم .قال عمر :مكانكما حت أخرج إليكما .فدخل عمر فاشتمل على سيفه ث
خرج فضرب عنق النافق حت برد -أى مات . -ث قال :هكذا أقضى لن ل يرض بقضاء ال -
تعال -وقضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم فنلت .
والستفهام ف قوله { أَلَ ْم َترَ } للتعجيب من حال أولئك النافقي ،وإنكار ما هم عليه من خلق .
ذميم وإعراض عن حكم ال ورسوله إل حكم غيها .
وقوله { َي ْزعُمُونَ } من الزعم ويستعمل غالبا ف القول الذى ل تقق معه ،كما يستعمل -أيضا -
ف الكذب ومنه قوله -تعال { : -وَ َجعَلُوْا لّلهِ مِمّا َذرََأ مِنَ الرث والنعام َنصِيبا َفقَالُوْا هذا لّلهِ
ِب َزعْ ِمهِمْ } أى بكذبم .
وقد يطلق الزعم على القول الق .
قال اللوسى :وقد أكثر سيبويه ف " الكتاب " من قوله :زعم الليل كذا -ف أشياء يرتضيها .
والراد بالزعم هنا الكذب لن الية الكرية ف النافقي الذين يظهرون خلف ما يبطنون .
والعن :أل ينته علمك يا ممد إل حال هؤلء النافقي الذين يزعمون كذبا وزورا أنم آمنوا با
أنزل إليك من ربك من قرآن كري ،ومن شريعة عادلة ،ويزعمون كذلك أنم أمنوا با أنزل على
الرسل من قبلك من كتب ساوية؟ إن كنت ل تعلم حالم أو ل تنظر إليهم فهاك خبهم لتحذرهم
ولتحذر أمتك من شرورهم .
فالقصود من الستفهام التعجيب من حال هؤلء النافقي ،وحض النب صلى ال عليه وسلم وأمته
على معرفة مسالكهم البيثة ،حت يأخذوا حذرهم منهم .
وف وصفهم بادعاء الِيان با أنزل على الرسول وبا أنزل على الرسل من قبله تأكيد للتعجيب من
أحولهم ،وتشديد للتوبيخ والتقبيح من سلوكهم؛ ببيان كمال الباينة بي دعواهم القتضية حتما
للتحاكم إل الرسول صلى ال عليه وسلم وبي ما صدر عنهم من هرولة إل التحاكم إل غيه .
وقوله ُ { :يرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت } بيان لوطن التعجب من أحوالم الغريبة ،وصفاتم
السيئة .
والراد بالطاغوت هنا :ما سوى شريعة الِسلم من أحاكم باطلة بعيدة عن الق يأخذها النافقون
عمن يعظمونم وقيل الراد به :كعب بن الشرف؛ لنه هو الذى أراد النافقون التحاكم إليه ،وقد
ساه ال بذلك لكثرة طغيانه وعداوته للرسول صلى ال عليه وسلم .
25
والعن :أن هؤلء النافقي يزعمون الِيان با أنزل إليك -يا ممد -وبا أنزل من قبلك ،ومع هذا
فهم يريدون -عن مبة واقتناع -التحاكم إل الطاغوت أى إل من يعظمونه ،ويصدرون عن
قوله ،ويرضون بكمه من دون حكم ال .
وقوله { َوقَدْ أمروا أَن يَ ْك ُفرُواْ ِبهِ } جلة حالية من ضمي يريدون .
أى :يريدون التحاكم إل الطاغوت والال أن ال -تعال -قد أمرهم بالكفر به ،وبالنقياد
للحكام الت يكم با النب صلى ال عليه وسلم .
وقوله { َوُيرِيدُ الشيطان أَن ُيضِّلهُ ْم ضَلَلً َبعِيدا } معطوف على قوله { ُيرِيدُو َن } وداخل ف حكم
التعجيب ،لن اتباعهم لن يريد إضللم ،وإعراضهم عمن يريد هدايتهم أمر يدعو إل العجب
الشديد .
والراد بالضلل البعيد :الكفر والبعد عن الق والدى .
ووصفه بالبعد للمبالغة ف شناعة ضللم ،بتنيله على سبيل الجاز منلة جنس ذى مسافة كان هذا
الفرد منه بالغا غاية السافة .
قال ابن كثي :هذه الية إنكار من ال -تعال -على من يدعى الِيان با أنزل ال على رسوله
وعلى النبياء السابقي .وهو مع ذلك ،يريد أن يتحاكم ف فصل الصومات إل غي كتاب ال ،
وسنة رسوله .
كما ذكر ف سبب نزول هذه الية أنا ف رجل من النصار ورجل من اليهود تاصما .فجعل
اليهودى يقول :بين وبينك ممد .وذاك يقول :بين وبينك كعب ابن الشرف .وقيل :ف جاعة
من النافقي من أظهروا الِسلم أرادوا أن يتحاكموا إل حكام الاهلية .وقيل غي ذلك .والية أعم
من ذلك كله ،فإنا ذامة لكل من عدل عن الكتاب والسنة وتاكم إل ما سواها من الباطل .وهو
الراد بالطاغوت هنا .
ث صور -سبحانه -إعراضهم عن الق ،ونفورهم عن شريعة ال -تعال -فقال { :وَِإذَا قِيلَ
َلهُ ْم َتعَاَلوْاْ إل مَآ أَنزَلَ ال وَإِلَى الرسول رَأَْيتَ النافقي َيصُدّونَ عَنكَ صُدُودا } .
أى :وإذا قيل لؤلء النافقي أقبلوا على حكم ال وحكم رسوله ،فإن الي كل الي فيما شرعه ال
وقضاه ،إذا ما قيل لم ذلك { رَأَْيتَ النافقي } الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل
من قبلك ،رأيتم لسوء نواياهم ،ولؤم طواياهم { َيصُدّونَ عَنكَ صُدُودا } أى يعرضون عنك -يا
ممد -إعراضا شديدا .
وقوله { َتعَاَلوْاْ إل مَآ أَنزَلَ ال وَإِلَى الرسول } إغراء لم بتقبل الق ،وحض لم على المتثال
لشريعة ال؛ لنا هى الشريعة الت فيها سعادتم ،ولكنهم لرض قلوبم ينفرون من الكم النل من
السماء إل حكم الطاغوت الباطل .
26
وقال -سبحانك { -رَأَْيتَ النافقي } ول يقل رأيتهم بالِضمار؛ لتسجيل النفاق عليهم ،وذمهم
به ،وللِشعار بعلة الكم اى :رأيتهم لنفاقهم يصدون عنك صدودا .
وقوله { صُدُودا } مصدر مؤكد بفعله أى :يعرضون عنك إعراضا تاما بيث ل يريدون أن يسمعوا
منك شيئا ،لن حكمك ل يناسب أهواءهم .
فذكر الصدر هنا للتأكيد والبالغة فكأنه قيل :صدودا أى صدود .
فأنت ترى أن الية الكرية قد ذكرت علمة جلية من علمات النافقي حت يأخذ الؤمنون حذرهم
منهم ،وهى أنم إذا ما دعوا إل حكم ال الذى يزعمون أنم آمنوا به ،أعرضوا عن هذا الاكم
إعراضا شديدا ،وظهر بذلك كذبم ونفاقهم .
ث يعرض القرآن بعد ذلك مظهرا آخر من مظاهر نفاقهم عند الشدائد والحن فيقول { :فَكَيْفَ ِإذَآ
َأصَابَْتهُ ْم ّمصِيبَ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَآءُوكَ َيحِْلفُونَ بال إِنْ َأ َردْنَآ ِإلّ إِحْسَانا وََتوْفِيقا } .
والفاء ف قوله { فَ َكيْفَ } للتفريع .و " كيف " ف مل رفع خب لبتدأ مذوف .
والعن :فكيف يكون حالم إذا نزلت بم النوازل ،وأصابتهم الصائب بسبب تركهم حكم ال ،
واتباعهم حكم الطغيان { ثُمّ جَآءُوكَ } معتذرين عما حدث منهم من قبائح ،والال أنم
حِلفُونَ بال } كذبا وزورا { إِنْ َأ َردْنَآ إِلّ إِ ْحسَانا َوَتوْفِيقا } أى ما أردنا بالتحاكم إل غيك - { يَ ْ
يا ممد -إل إحسانا إل التخاصمي ،وتوفيقا بينهم حت ل يتسع اللف بينهم ،ول نرد بذلك
عدم الرضا بكمك ،فل تؤاخذنا با فعلنا .
والستفهام بكيف هنا للتهويل .أى أن حالم عندما تصيبهم الصائب بسبب أفعالم البيثة ،ويأتون
للرسول صلى ال عليه وسلم معتذرين ،ستكون حال بائسة شنيعة مزية :لنم ل يدون وجها
مقبول للدفاع عما ارتكبوه من قبائح .
والباء ف { بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ } للسببية .والراد با قدمت أيديهم ما اجترحوه من سيئات من
أشدها تكمهم إل الطاغوت .وعب عن ذلك بقوله { :بِمَا قَ ّد َمتْ َأيْدِيهِمْ } :لن اليدى مظهر
من مظاهر الِنسان .
والتعبي ب " ث " ف هذا القام للِشعار بالتباين الشديد بي إعراضهم وصدودهم إذا ما قال لم قائل
:تعالوا إل حكم ال . . .وبي إقبالم بعد ذلك معتذرين ومقسمي باليان الكاذبة أنم ما أرادوا
با فعلوا إل الِحسان والتوفيق .
وإن ما قاله هؤلء النافقون من أعذار بعد أن أصابتهم الصائب .وانكشف أمرهم بي الؤمني ،
وصاروا مل الزدراء والنبذ لتحاكمهم إل الطاغوت .ما قاله هؤلء -كما حكاه القرآن الكري -
ليشبه ما يقوله منافقو اليوم عندما يتهربون من التحاكم إل شريعة ال إل التحاكم إل غيها من
شرائع الناس .فأنت تراهم إذا ما أحيط بم ،وعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم ،اعتذروا بأنم ما
27
تركوا الاكم بشريعة ال إل غيها ل بقصد الِحسان إل التنازعي ،والتوفيق بي متلف الطوائف
ف الجتمع حت ل يغضب من ليسوا مسلمي .
ول شك أن هذه العذار لن تغن عنهم من عذاب ال شيئا ،لنه ل عذر لن يهجر شريعة ال ،
ويهرع إل التحاكم إل غيها .
ث بي -سبحانه -أنه ليس غافل عن أعمال أولئك النافقي ،وأرشد نبيه صلى ال عليه وسلم إل
وسائل معالتهم فقال -تعال { : -أولئك الذين َيعَْلمُ ال مَا فِي قُلُوِبهِمْ فََأ ْع ِرضْ َعْنهُمْ َوعِ ْظهُمْ
سهِ ْم َقوْلً بَلِيغا } .
وَقُل ّلهُمْ ف أَْنفُ ِ
أى :أولئك الذين نافقوا ،وأخفوا حقيقة نواياهم السيئة ،وتركوا حكم ال إل حكم الطاغوت . .
{ .أولئك الذين َيعْلَ ُم ال مَا فِي ُقلُوِبهِمْ } من النفاق واليل إل الكفر ،وإن أظهروا إسلمهم .
وقوله { فََأ ْع ِرضْ عَْنهُ ْم } . . .ال بيان لطرق معالتهم .
أى :فل تلتفت إليهم ،وغض الطرف عن مسالكهم البيثة ،ول تقبل عليهم ،لكى يشعروا
باستنكارك لعمالم .
وقوله { َوعِ ْظهُمْ } :الوعظ هو التذكي بفعل الي وترك الشر بأسلوب يرقق القلوب ،ويشتمل
على الترغيب والترهيب .
أى :ذكرهم با ف أعمالم القبيحة من سوء العاقبة لم ،وبا ف تركها من خي جزيل يعود عليهم
ف دنياهم وآخرتم ،وأخبهم بأن تاكمهم إل غي شريعة ال سيكون فيه هلكهم .
سهِ ْم َقوْلً بَلِيغا } أى قل لم بعد ذلك قول يبلغ أعماق نفوسهم لقوته وقوله { َوقُل ّلهُمْ ف أَْنفُ ِ
وشدة تأثيه .بأن تورد لم ما تريد أن تاطبهم به بطريقة تعلهم يقبلون على قولك .
وف هذه الملة الكرية ما فيها من التعبي البليغ الؤثر ،حت لكأنا القول الذى يقوله الرسول صلى
ال عليه وسلم لم :يودع مباشرة ف النفس ،ويستقر رأسا ف القلوب .
سهِمْ } قلت : وقد وضح هذا العن صاحب الكشاف فقال :فإن قلت :ب تعلق قوله { :ف أَْنفُ ِ
بقوله { بَلِيغا } أى :قبل لم قول بليغا ف أنفسهم مؤثرا ف قلوبم يغتمون به اغتماما ،
ويستشعرون منه الوف استشعارا ،وهو التوعد بالقتل والستئصال إن نم منهم النفاق ،واطلع
قرنه ،وأخبهم أن ما ف نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند ال ،وانه ل فرق بينكم وبي
الشركي .وما هذه الكانة إل لِظهاركم الِيان وإِسراركم الكفر وإضماره .فإن فعلتم ما
تكشفون به غطاءكم ل يبق إل السيف .
أو يتعلق بقوله { وَقُل ّلهُمْ } .أى :قل لم ف أنفسهم البيثة وقلوبم الطوية على النفاق قول بليغا
.وإن ال يعلم ما ف قلوبكم .ل يفى عليه .فل يغن عنكم إبطانه .
28
فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق .وإل أنزل ال بكم ما أنزل بالجاهرين
بالشرك من انتقامه ،وشرا من ذلك وأغلظ ،أو قل لم ف أنفسهم خاليا بم ،ليس معهم غيهم .
قول بليغا يبلغ منهم ،ويؤثر فيهم .
فأنت ترى أن الية الكرية قد أرشدت النب صلى ال عليه وسلم إل استعمال ثلثة طرق لصرف
النافقي عن أفعالم القبيحة .
وهذه الطرق هى الِعراض عنهم ،ووعظم با يرغبهم ف الي ويرهبهم من الشر ،وماطبتهم بالقول
البليغ الؤثر الذى يرك نفوسهم تريكا قويا ،ويعلهم يقبلون وهذه الطرق هى أسى ألوان الدعوة
إل ال .وأنع الساليب ف جلب الناس إل ما يأخذ بيدهم إل الي والفلح .
وقد أفاض بعض الفسرين عند تفسيه لذه اليات ف بيان سوء حال من يتحاكم إل غي شريعة
ال ،وساقوا أمثلة متعددة لشدة تسك السلف الصلح بدى رسول ال صلى ال عليه وسلم .
ومن ذلك قول الفخر الرازى :قال القاضى :يب أن يكون التحاكم إل هذا الطاغوت كالكفر .
وعدم الرضا بكم ممد صلى ال عليه وسلم كفر ويدل عليه وجوه :
الول :أنه -تعال -قال { ُيرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت َوقَدْ أمروا أَن يَ ْك ُفرُواْ ِبهِ } .
فجعل التحاكم إل الطاغوت يكون إيانا به .
ول شك أن الِيان بالطاغوت كفر بال .كما ان الكفر بالطاغوت إيان بال .
ج َر بَيَْنهُ ْم } . .إل قوله ل َورَّبكَ لَ ُي ْؤمِنُونَ حت ُيحَكّمُوكَ فِيمَا شَ َ الثان :قوله تعال { : -فَ َ
سلّمُواْ َتسْلِيما } .وهذا نصف ف تكفي من ل يرض بكم الرسول صلى ال عليه وسلم . { َويُ َ
الثالث :قوله -تعال { -فَ ْليَحْ َذرِ الذين يُخَاِلفُو َن عَنْ َأ ْم ِرهِ أَن ُتصِيَبهُمْ فِْتنَةٌ َأ ْو ُيصِيَبهُ ْم عَذَابٌ
َألِيمٌ } وهذا يدل على أن مالفته معصية عظيمة .
وف هذه اليات دلئل على أن من رد شيئا من أوامر ال أو أوامر رسول ال صلى ال عليه وسلم
فهو خارج عن الِسلم .سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد .وذلك يوجب صحة ما
ذهبت الصحابة إليه من الكم بارتداد ما نعى الزكاة وقتلهم وسب ذراريهم .
وقال الشيخ جال الدين القاسى :قال ول ال التبيزى .روى الِمام مسلم -بسنده -عن بلل بن
عبد ال بن عمر عن أبيه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " :ل تنعوا النساء حظوظهن من
الساجد إذا استأذنكم :فقال بلل :وال لنعنهن .فقال عبد ال :أقول :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم .وتقول أنت :لنمنعهن "
وف رواية سال عن أبيه قال :فأقبل عليه عبد ال فسبه سبا ما سعته سبه مثله قط .وقال :أخبك
عن رسول ال ،وتقول :وال لنعهن .
وف رواية للِمام أحد أنه ما كلمه حت مات .
29
فأنت ترى أن ابن عمر -رضى ال عنه -لشدة تسكه بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم قد
غضب ل ورسوله .وهجر فلذة كبده ،لتلك الزلة .
وقال الِمام الشافعى :أخبنا أبو حنيفة بن ساك بن الفضل الشهاب قال :حدثن ابن أب ذئب عن
القبى عن أب شريح الكعب أن النب صلى ال عليه وسلم قال عام الفتح " :من قتل له قتيل فهو
بي النظرين .إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود " قال أبو حنيفة :فقلت لبن أب ذئب .
أتأخذ بذا يا أبا الارث؟ فضرب صدرى وصاح على صياحا كثيا ونال من وقال :أحدثك عن
رسول ال صلى ال عليه وسلم وتقول أتأخذ به؟ نعم .آخذ به .وذلك الفرض على وعلى من سعه
.إن ال -تعال -قد اختار ممدا صلى ال عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه .واختار
لم ما اختار له وعلى لسانه .فعلى اللق أن يتبعوه ل مرج لسلم .وما سكت حت تنيت أن
يسكت .
وقال الِمام ابن القيم :والذى ندين ال به ،ول يسعنا غيه أن الديث إذا صح عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم ول يصح عنه حديث آخر ينسخه ،أن الفرض علينا وعلى المة بديث وترك لك ما
خالفه .
ول نتركه للف أحد من الناس كائنا من كان .ل رواية ول غيه .إذ من المكن أن يسن الراوى
الديث ول يضره وقت الفتيا .أول يتفطن لدللته على تلك السألة .أو يتأول فيه تأويل مرجوحا
.أو يقوم ف ظنه ما يعارضه ول يكون معارضا ف نفس المر .أو يقلد غيه ف فتواه بلفه لعتقاده
أنه أعلم منه ،وأنه إنا خالفه لا هو أقوى منه . .
فال -تعال -علق سعادة الدارين بتابعته صلى ال عليه وسلم وجعل شقاوة الدارين ف مالفته .
وهكذا نرى أن السلف الصال كانوا يتمسكون بسنة رسول ال -صلى ال عليه وسلم -أشد
التمسك ،ويهجرون كل من خالفها ،ول يقيد نفسه با .
========================
30
الباب الثاني
الفرق بين طغاة الكفار وطغاة المسلمين
31
يرقبون ف مؤمن إل قال الل ال وف رواية ل يرقبون ال ولغيه وقال ابن جرير حدثن يعقوب
حدثنا ابن علية عن سلمان عن أب ملز ف قوله تعال ( ليرقبون ف مؤمن إل ول ذمة ) ثل قوله
جبيل ميكائيل إسرافيل كأنه يقول يضيف جب و ميكا و إسراف إل إيل يقول عبد ال ( ل
يرقبون ف مؤمن إل ) أنه يقول ل يرقبون ال والقول الول أظهر وأشهر وعليه الكثر وعن
ماهد أيضا الل العهد وقال قتادة الل اللف
وف الظلل :
إن علينا أن نتتبع موقف الشركي -على مدى التاريخ -من الؤمني .ليتكشف لنا الدى القيقي
لذه النصوص القرآنية ; ولنرى الوقف بكامله على مدار التاريخ:
فأما ف الزيرة العربية فلعل ذلك معلوم من أحداث السية الشهورة .ولعل ف هذا الزء من الظلل
وحده ما يكفي لتصوير مواقف الشركي من هذا الدين وأهله منذ اليام الول للدعوة ف مكة حت
هذه الفترة الت تواجهها نصوص هذه السورة .
وحقيقة إن العركة الطويلة المد ل تكن بي السلم والشرك بقدر ما كانت بي السلم وأهل
الكتاب من اليهود والنصارى .ولكن هذا ل ينفي أن موقف الشركي من السلمي كان دائما هو
الذي تصوره آيات هذا القطع من السورة:
كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة ! يرضونكم بأفواههم وتأب قلوبم ,وأكثرهم
فاسقون .اشتروا بآيات ال ثنا قليل فصدوا عن سبيله ,إنم ساء ما كانوا يعملون .ول يرقبون ف
مؤمن إل ول ذمة ,وأولئك هم العتدون . .
لقد كان هذا هو الوقف الدائم للمشركي وأهل الكتاب من السلمي .فأما أهل الكتاب فندع
الديث عنهم إل موعده ف القطع الثان من السورة ; وأما الشركون فقد كان هذا دأبم من
السلمي على مدار التاريخ . .
وإذا نن اعتبنا أن السلم ل يبدأ برسالة ممد صلى ال عليه وسلم إنا ختم بذه الرسالة .وأنوقف
الشركي من كل رسول ومن كل رسالة من قبل إنا يثل موقف الشرك من دين ال على الطلق ;
فإن أبعاد العركة تترامى ; ويتجلى الوقف على حقيقته ; كما تصوره تلك النصوص القرآنية الالدة
,على مدار التاريخ البشري كله بل استثناء !
ماذا صنع الشركون مع نوح ,وهود ,وصال ,وإبراهيم ,وشعيب ,وموسى ,وعيسى ,عليهم
صلوات ال وسلمه والؤمني بم ف زمانم ? ث ماذا صنع الشركون مع ممد صلى ال عليه وسلم
والؤمني به كذلك ? . .إنم ل يرقبوا فيهم إل ول ذمة مت ظهروا عليهم وتكنوا منهم . .
32
وماذا صنع الشركون بالسلمي أيام الغزو الثان للشرك على أيدي التتار ? ث ما يصنع الشركون
واللحدون اليوم بعد أربعة عشر قرنا بالسلمي ف كل مكان ? . . .إنم ل يرقبون فيهم إل ول ذمة
,كما يقرر النص القرآن الصادق الالد . .
عندما ظهر الوثنيون التتار على السلمي ف بغداد وقعت الأساة الدامية الت سجلتها الروايات التاريية
والت نكتفي فيها بقتطفات سريعة من تاريخ "البداية والنهاية " لبن كثي فيما رواه من أحداث عام
656ه:
"ومالوا على البلد فقتلوا جيع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والشايخ والكهول
والشبان .ودخل كثي من الناس ف البار ,وأماكن الشوش ,وقن الوسخ ,وكمنوا كذلك أياما
ل يظهرون .وكان الماعة من الناس يتمعون إل الانات ,ويغلقون عليهم البواب ,فتفتحها
التتار ,إما بالكسر وإما بالنار ,ث يدخلون عليهم ,فيهربون منهم إل أعال المكنة ,فيقتلونم
بالسطحة ,حت تري اليازيب من الدماء ف الزقة -فإنا ل وإنا إليه راجعون -كذلك ف
الساجد والوامع والربط .ول ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ
إليهم ,وإل دار الوزير ابن العلقمي الرافضي ,وطائفة من التجار أخذوا أمانا بذلوا عليه أموال جزيلة
حت سلموا وسلمت أموالم .وعادت بغداد بعد ما كانت آنس الدن كلها كأنا خراب ,ليس فيها
إل القليل من الناس ,بوقوعه:وهم ف خوف وجوع وذلة وقلة . .
"وقد اختلف الناس ف كمية من قتل ببغداد من السلمي ف هذه الوقعة .فقيل ثانائة ألف .
وقيل:ألف ألف .وقيل:بلغت القتلى ألفي ألف نفس -فإنا ل وإنا إليه راجعون ,ول حول ول قوة
إل بال العلي العظيم - .وكان دخولم إل بغداد ف أواخر الحرم .وما زال السيف يقتل أهلها
أربعي يوما . .وكان قتل الليفة الستعصم بال أمي الؤمني يوم الربعاء رابع عشر صفر ,وعفى
قبه ,وكان عمره يومئذ ستا وأربعي سنة وأربعة أشهر .ومدة خلفته خس عشرة سنة وثانية
أشهر وأيام .وقتل معه ولده الكب أبو العباس أحد ,وله خس وعشرون سنة .ث قتل ولده
الوسط أبو الفضل عبدالرحان وله ثلث وعشرون سنة ,وأسر ولده الصغر مبارك وأسرت أخواته
الثلث فاطمة وخدية ومري . .
"وقتل أستاذ دار اللفة الشيخ ميي الدين يوسف ابن الشيخ أب الفرج ابن الوزي ,وكان عدو
الوزير ;وقتل أولده الثلثة:عبدال وعبدالرحن وعبدالكري ,وأكابر الدولة واحدا بعد واحد .منهم
الدويدار الصغي ماهد الدين أيبك ,وشهاب الدين سليمان شاه ,وجاعة من أمراء السنة وأكابر
البلد . .وكان الرجل يستدعى به من دار اللفة من بن العباس ,فيخرج بأولده ونسائه ,فيذهب
إل مقبة اللل ,تاه النظرة ,فيذبح كما تذبح الشاة ,ويؤسر من يتارون من بناته وجواريه . .
33
وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الليفة صدر الدين علي ابن النيار .وقتل الطباء والئمة وحلة القرآن .
وتعطلت الساجد والماعات والمعات مدة شهور ببغداد . .
"ولا انقضى المر القدر ,وانقضت الربعون يوما ,بقيت بغداد خاوية على عروشها ,ليس با
أحد إل الشاذ من الناس ,والقتلى ف الطرقات كأنا التلول ,وقد سقط عليهم الطر ,فتغيت
صورهم ,وأنتنت من جيفهم البلد ,وتغي الواء ,فحصل بسببه الوباء الشديد حت تعدى وسرى ف
الواء إل بلد الشام ,فمات خلق كثي من تغي الو وفساد الريح ,فاجتمع على الناس الغلء
والوباء والفناء والطعن والطاعون .فإنا ل وإنا إليه راجعون . .
"ولا نودي ببغداد بالمان ,خرج من تت الرض من كان بالطامي والقن والقابر كأنم الوتى إذا
نبشوا من قبورهم ; وقد أنكر بعضهم بعضا ,فل يعرف الوالد ولده ,ول الخ أخاه ,وأخذهم
الوباء الشديد .فتفانوا وتلحقوا بن سبقهم من القتلى " . .ال ال .
هذه صورة من الواقع التاريي ,حينما ظهر الشركون على السلمي فلم يرقبوا فيهم إل ول ذمة .
فهل كانت صورة تاريية من الاضي البعيد الوغل ف الظلمات ,اختص با التتار ف ذلك الزمان ?
كل ! إن الواقع التاريي الديث ل تتلف صوره عن هذه الصورة ّ ! . .إن ما وقع من الوثنيي
النود عند انفصال باكستان ل يقل شناعة ول بشاعة عما وقع من التتار ف ذلك الزمان البعيد . .إن
ثانية مليي من الهاجرين السلمي من الند -من أفزعتهم الجمات الببرية التوحشة على السلمي
الباقي ف الند فآثروا الجرة على البقاء -قد وصل منهم إل أطراف باكستان ثلثة مليي فقط !
أما الليي المسة الباقية فقد قضوا بالطريق . .طلعت عليهم العصابات الندية الوثنية النظمة
العروفة للدولة الندية جيدا والت يهيمن عليها ناس من الكبار ف الكومة الندية ,فذبتهم
كالراف على طول الطريق ,وتركت جثثهم نبا للطي والوحش ,بعد التمثيل با ببشاعة منكرة ,
ل تقل -إن ل تزد -على ما صنعه التتار بالسلمي من أهل بغداد ! . . .أما الأساة البشعة الروعة
النظمة فكانت ف ركاب القطار الذي نقل الوظفي السلمي ف أناء الند إل باكستان ,حيث ت
التفاق على هجرة من يريد الجرة من الوظفي السلمي ف دوائر الند إل باكستان واجتمع ف هذا
القطار خسون ألف موظف . .ودخل القطار بالمسي ألف موظف ف نفق بي الدود الندية
الباكستانية يسمى [ مر خيب ] . .وخرج من الناحية الخرى وليس به إل أشلء مزقة متناثرة ف
القطار ! . .لقد أوقفت العصابات الندية الوثنية الدربة الوجهة ,القطار ف النفق .ول تسمح له
بالضي ف طريقه إل بعد أن تول المسون ألف موظف إل أشلء ودماء ! . .وصدق قول ال
سبحانه( :كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة) . .وما تزال هذه الذابح تتكرر ف
صور شت .
34
ث ماذا فعل خلفاء التتار ف الصي الشيوعية وروسيا الشيوعية بالسلمي هناك ? . . .لقد أبادوا من
السلمي ف خلل ربع قرن ستة وعشرين مليونا . .بعدل مليون ف السنة . .وما تزال عمليات
البادة ماضية ف الطريق . .ذلك غي وسائل التعذيب الهنمية الت تقشعر لولا البدان .وف هذا
العام وقع ف القطاع الصينيمن التركستان السلمة ما يغطي على بشاعات التتار . .لقد جيء بأحد
الزعماء السلمي ,فحفرت له حفرة ف الطريق العام .وكلف السلمون تت وطأة التعذيب
والرهاب ,أن يأتوا بفضلتم الدمية [ الت تتسلمها الدولة من الهال جيعا لتسخدمها ف السماد
مقابل ما تصرفه لم من الطعام !!! ] فيلقوها على الزعيم السلم ف حفرته . .وظلت العملية ثلثة
أيام والرجل يتنق ف الفرة على هذا النحو حت مات !
كذلك فعلت يوغسلفيا الشيوعية بالسلمي فيها .حت أبادت منهم مليونا منذ الفترة الت صارت
فيها شيوعية بعد الرب العالية الثانية إل اليوم .وما تزال عمليات البادة والتعذيب الوحشي -الت
من أمثلتها البشعة إلقاء السلمي رجال ونساء ف "مفارم" اللحوم الت تصنع لوم [ البولوبيف ]
ليخرجوا من الناحية الخرى عجينة من اللحم والعظام والدماء -ماضية إل الن !!!
وما يري ف يوغسلفيا يري ف جيع الدول الشيوعية والوثنية . .الن . .ف هذا الزمان . .
ويصدق قول ال سبحانه( :كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة ?) (.ل يرقبون ف
مؤمن إل ول ذمة ,وأولئك هم العتدون) . .
إنا ل تكن حالة طارئة ول وقتية ف الزيرة العربية .ول تكن حالة طارئة ول وقتية ف بغداد . .إنا
الالة الدائمة الطبيعية التمية ; حيثما وجد مؤمنون يدينون بالعبودية ل وحده ; ومشركون أو
ملحدون يدينون بالعبودية لغي ال .ف كل زمان وف كل مكان .
ومن ث فإن تلك النصوص -وإن كانت قد نزلت لواجهة حالة واقعة ف الزيرة ,وعنت بالفعل
تقرير أحكام التعامل مع مشركي الزيرة -إل أنا أبعد مدى ف الزمان والكان .لنا تواجه مثل
هذه الالة دائما ف كل زمان وف كل مكان .والمر ف تنفيذها إنا يتعلق بالقدرة على التنفيذ ف
مثل الالة الت نفذت فيها ف الزيرة العربية ,ول يتعلق بأصل الكم ول بأصل الوقف الذي ل
يتبدل على الزمان . .
وقال تعال { :لَ َي ْرقُبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَلَ ِذمّ ًة وَُأوَْلِئكَ هُ ُم الْ ُمعْتَدُونَ} ( )10سورة التوبة
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
** اشَْت َروْاْ بِآيَاتِ الّلهِ ثَمَنا قَلِيلً َفصَدّوْا عَن سَبِيِلهِ ِإّنهُمْ سَآ َء مَا كَانُوْا َيعْمَلُو َن * لَ َيرْقُبُو َن فِي
لةَ وَآَت ُواْ الزّكَاةَ َفإِ ْخوَانُكُمْ
ك هُمُ الْ ُمعْتَدُو َن * فَإِن تَابُوْا وَأَقَامُوْا الصّ َ
ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَلَ ِذمّ ًة وَُأوْلَـِئ َ
فِي الدّي ِن وَُن َفصّلُ ا َليَاتِ ِل َقوْمٍ َيعْلَمُو َن
35
يقول تعال ذما للمشركي وحثا للمؤمني على قتالم {اشتروا بآيات ال ثنا قليلً} يعن أنم
اعتاضوا عن اتباع آيات ال با التهوا به من أمور الدنيا السيسة {فصدوا عن سبيله} أي منعوا
الؤمني من اتباع الق {إنم ساء ما كانوا يعملون * ل يرقبون ف مؤمن إلً ول ذمة} تقدم
تفسيه وكذا الَية الت بعدها {فإن تابوا وأقاموا الصلة} إل آخرها تقدمت .وقال الافظ أبو
بكر البزار :حدثنا ممد بن الثن ,حدثنا يي بن أب بكر ,حدثنا أبو جعفر الرازي ,حدثنا الربيع
بن أنس قال :سعت أنس بن مالك يقول قال رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه
وسلم« :من فارق الدنيا على الخلص ل وعبادته ل يشرك به ,وأقام الصلة وآتى الزكاة
فارقها وال عنه راضٍ» وهو دين ال الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربم ,قبل هرج
الحاديث واختلف الهواء وتصديق ذلك ف كتاب ال {فإن تابوا} يقول فإن خلعوا الوثان
وعبادتا {وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقال ف آية أخرى {فإن تابوا وأقاموا
الصلة وآتوا الزكاة فإخوانكم ف الدين} ث قال البزار :آخر الديث عندي وال أعلم فارقها
وهو عنه راضٍ وباقيه عندي من كلم الربيع بن أنس.
** وَإِن نّ َكُثوَاْ أَيْمَاَنهُم مّن َبعْ ِد َعهْ ِدهِمْ وَ َطعَنُواْ فِي دِينِكُمْ َفقَاتُِلوَاْ َأئِمّ َة الْ ُك ْفرِ إِّنهُمْ لَ أَيْمَانَ َلهُمْ
َل َعّلهُمْ يَنَتهُونَ
يقول تعال وإن نكث الشركون الذين عاهدتوهم على مدة معينة أيانم أي عهودهم
ومواثيقهم {وطعنوا ف دينكم} أي عابوه وانتقصوه ,ومن ههنا أخذ قتل من سب الرسول
صلوات ال وسلمه عليه أو من طعن ف دين السلم أو ذكره بنقص ,ولذا قال{ :فقاتلوا أئمة
الكفر إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون} أي يرجعون عما هم فيه من الكفر والعناد والضلل .وقد
قال قتادة وغيه :أئمة الكفر .كأب جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف وعدد رجالً ,وعن
مصعب بن سعد بن أب وقاص قال :مر سعد بن أب وقاص برجل من الوارج فقال الارجي:
هذا من أئمة الكفر فقال سعد كذبت بل أنا قاتلت أئمة الكفر رواه ابن مردويه ,وقال العمش
عن زيد بن وهب عن حذيفة أنه قال ما قوتل أهل هذه الَية بعد .وروي عن علي بن أب طالب
رضي ال عنه :مثله ,والصحيح أن الَية عامة وإن كان سبب نزولا مشركي قريش فهي عامة
لم ولغيهم وال أعلم وقال :الوليد بن مسلم :حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحن بن جبي
بن نفي ,أنه كان ف عهد أب بكر رضي ال عنه إل الناس حي وجههم إل الشام قال :إنكم
ستجدون قوما موّقة رؤوسهم ,فاضربوا معاقد الشيطان منهم بالسيوف ,فوال لن أقتل رجلً
منهم أحب ألّ من أن أقتل سبعي من غيهم وذلك بأن ال يقول{ :فقاتلوا أئمة الكفر} رواه
ابن أب حات.
36
حبّح ْرثَ وَالنّسْ َل وَالّلهُ َل يُ ِ
وقال تعال { :وَِإذَا َتوَلّى َسعَى فِي ا َل ْرضِ لُِيفْسِدَ ِفِيهَا وَُيهِْلكَ الْ َ
الفَسَادَ} ( )205سورة البقرة
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
قال السدي :نزلت ف الخنس بن شريق الثقفي ,جاء إل رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال
عليه وسلم ,وأظهر السلم وف باطنه خلف ذلك ,وعن ابن عباس ,أنا نزلت ف نفر من النافقي
تكلموا ف خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم ,فأنزل ال ف ذم النافقي ومدح خبيب
وأصحابه {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال} وقيل :بل ذلك عام ف النافقي كلهم
وف الؤمني كلهم ,وهذا قول قتادة وماهد والربيع بن أنس وغي واحد ,وهو الصحيح,وقال ابن
جرير :حدثن يونس ,أخبنا ابن وهب ,أخبن الليث بن سعد عن خالد بن أب هلل ,عن القرظي,
عن نوف وهوالبكال وكان من يقرأ الكتب ,قال :إن لجد صفة ناس من هذه المة ف كتاب ال
النل :قوم يتالون على الدنيا بالدين ,ألسنتهم أحلى من العسل ,وقلوبم أمرّ من الصب ,يلبسون
للناس مسوك الضأن ,وقلوبم قلوب الذئاب ,يقول ال تعال :فعليّ يترئون وب يغترون ,حلفت
بنفسي لبعثن عليهم فتنة تترك الليم فيها حيان ,قال القرظي :تدبرتا ف القرآن فإذا هم النافقون
فوجدتا{ ومن الناس من يعجبك قوله ف الياة الدنيا ويشهد ال على ما ف قلبه} الَية ,وحدثن
ممد بن أب معشر :أخبن أبو معشر نيح ,قال :سعت سعيدا القبي يذاكر ممد بن كعب
القرظي ,فقال سعيد :إن ف بعض الكتب :إن عبادا ألسنتهم أحلى من العسل ,وقلوبم أمر من
الصب ,لبسوا للناس مسوك الضأن من اللي ,يترئون الدنيا بالدين ,قال ال تعال ,عليّ تترئون وب
تغترون ؟ وعزت لبعثن عليهم فتنة تترك الليم منهم حيان ,فقال ممد بن كعب هذا ف كتاب ال,
فقال سعيد :وأين هو من كتاب ال ؟ قال :قول ال {ومن الناس من يعجبك قوله ف الياة الدنيا}
الَية ,فقال سعيد :قد عرفت فيمن أنزلت هذه الَية ؟ فقال ممد بن كعب ,إن الَية تنل ف الرجل
ث تكون عامة بعد ,وهذا الذي قاله القرظي ,حسن صحيح ,وأما قوله {ويشهد ال على ما ف قلبه}
فقرأه ابن ميصن {ويشهد ال} بفتح الياء وضم الللة {على ما ف قلبه} ومعناها أن هذا وإن أظهر
لكم اليل لكن ال يعلم من قلبه القبيح كقوله تعال{ :إذا جاءك النافقون قالوا نشهد إنك لرسول
ال صلى ال عليه وسلم وال يعلم إنك لرسوله وال يعلم يشهد إن النافقي لكاذبون} وقراءة
المهور بضم الياء ونصب الللة{ ,يشهد ال على ما ف قلبه} ومعناه أنه يظهر للناس السلم
ويبارز ال با ف قلبه من الكفر والنفاق كقوله تعال{ :يستخفون من الناس ول يستخفون من ال}
الَية ,هذا معن ما رواه ابن إسحاق عن ممد بن أب ممد ,عن عكرمة ,عن سعيد بن جبي ,عن ابن
عباس ,وقيل :معناه أنه إذا أظهر للناس السلم حلف وأشهد ال لم أن الذي ف قلبه موافق للسانه,
37
وهذا العن صحيح ,وقاله عبد الرحن بن زيد بن أسلم ,واختاره ابن جرير وعزاه إل ابن عباس
وحكاه عن ماهد ,وال أعلم.
وقوله {وهو ألد الصام} الَلد ف اللغة العوج {وتنذر به قوما لدا} أي عوجا ,وهكذا النافق ف
حال خصومته ,يكذب ويزور عن الق ول يستقيم معه ,بل يفتري ويفجر ,كما ثبت ف الصحيح
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال «آية النافق ثلث :إذا حدث كذب ,وإذا عاهد غدر,
وإذا خاصم فجر» .وقال البخاري :حدثنا قبيصة ,حدثنا سفيان عن ابن جريج ,عن ابن مليكة عن
عائشة ترفعه ,قال «إن أبغض الرجال إل ال اللد الصم» قال :وقال عبد ال بن يزيد :حدثنا
سفيان ,حدثنا ابن جريج عن ابن مليكة عن عائشة عن النب صلى ال عليه وسلم ,قال «إن أبغض
الرجال إل ال اللد الصم» وهكذا رواه عبد الرزاق عن معمر ف قوله {وهو ألد الصام} عن ابن
جريج ,عن ابن أب مليكة ,عن عائشة عن النب صلى ال عليه وسلم ,قال «إن أبغض الرجال إل ال
اللد الصم».
وقوله {وإذا تول سعى ف الرض ليفسد فيها ويهلك الرث والنسل وال ل يب الفساد} أي هو
أعوج القال سيء الفعال ,فذلك قوله وهذا فعله ,كلمه كذب ,واعتقاده فاسد ,وأفعاله قبيحة,
والسعي ـ ههنا ـ هو القصد ,كما قال إخبارا عن فرعون {ث أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا
ربكم العلى فأخذه ال نكال الَخرة والول ,إن ف ذلك لعبة لن يشى} وقال تعال{ :يا أيها
الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم المعة فاسعوا إل ذكر ال} أي اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك
صلة المعة ,فإن السعي السي إل الصلة منهي عنه بالسنة النبوية «إذا أتيتم الصلة فل تأتوها
وأنتم تسعون ,وأتوها وعليكم السكينة والوقار» فهذا النافق ليس له هة إل الفساد ف الرض
وإهلك الرث ,وهومل ناء الزروع والثمار والنسل ,وهو نتاج اليوانات الذين ل قوام للناس إل
بما وقال ماهد :إذا سعي ف الرض إفسادا ,منع ال القطر فهلك الرث والنسل {وال ل يب
الفساد} أي ل يب من هذه صفته ,ول من يصدر منه ذلك.
وقوله {وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالث} أي إذا وعظ هذا الفاجر ف مقاله وفعاله ,وقيل له
اتق ال وانزع عن قولك وفعلك وارجع إل الق ,امتنع وأب وأخذته المية والغضب بالث ,أي
بسبب ما اشتمل عليه من الَثام ,وهذه الَية شبيهة بقوله تعال{ :وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف
ف وجه الذين كفروا النكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ,قل أفأنبئكم بشر من ذلكم
النار وعدها ال الذين كفروا وبئس الصي} ولذا قال ف هذه الَية {فحسبه جهنم ولبئس الهاد}
أي هي كافيته عقوبة ف ذلك وقوله {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة ال} لا أخب عن
النافقي بصفاتم الذميمة
وف الظلل :
38
(ومن الناس من يعجبك قوله ف الياة الدنيا ,ويشهد ال على ما ف قلبه ,وهو ألد الصام .وإذا
تول سعى ف الرض ليفسد فيها ويهلك الرث والنسل ,وال ل يب الفساد .وإذا قيل له:اتق ال
أخذته العزة بالث ,فحسبه جهنم ولبئس الهاد . .ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال ,
وال رؤوف بالعباد) . .
هذه اللمسات العجيبة من الريشة البدعة ف رسم ملمح النفوس ,تشي بذاتا بأن مصدر هذا القول
العجز ليس مصدرا بشريا على الطلق .فاللمسات البشرية ل تستوعب -ف لسات سريعة كهذه
-أعمق خصائص النماذج النسانية ,بذا الوضوح ,وبذا الشمول .
إن كل كلمة أشبه بط من خطوط الريشة ف رسم اللمح وتديد السمات . .وسرعان ما ينتفض
النموذج الرسوم كائنا حيا ,ميز الشخصية .حت لتكاد تشي بأصبعك إليه ,وتفرزه من مليي
الشخاص ,وتقول:هذا هو الذي أراد إليه القرآن ! . .إنا عملية خلق أشبه بعملية اللق الت ترج
كل لظة من يد الباريء ف عال الحياء !
هذا الخلوق الذي يتحدث ,فيصور لك نفسه خلصة من الي ,ومن الخلص ,ومن التجرد ,
ومن الب ,ومن الترفع ,ومن الرغبة ف إفاضة الي والب والسعادة والطهارة على الناس . .هذا
الذي يعجبك حديثه .تعجبك ذلقة لسانه ,وتعجبك نبة صوته ,ويعجبك حديثه عن الي والب
والصلح ( . .ويشهد ال على ما ف قلبه) . .زيادة ف التأثي والياء ,وتوكيدا للتجرد والخلص
,وإظهارا للتقوى وخشية ال ( . .وهو ألد الصام) ! تزدحم نفسه باللدد والصومة ,فل ظل فيها
للود والسماحة ,ول موضع فيها للحب والي ,ول مكان فيها للتجمل واليثار .
هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه ,ويتنافر مظهره ومبه . .هذا الذي يتقن الكذب والتمويه
والدهان . .
حت إذا جاء دور العمل ظهر الخبوء ,وانكشف الستور ,وفضح با فيه من حقيقة الشر والبغي
والقد والفساد:
(وإذا تول سعى ف الرض ليفسد فيها ,ويهلك الرث والنسل ,وال ل يب الفساد) . .
وإذا انصرف إل العمل ,كانت وجهته الشر والفساد ,ف قسوة وجفوة ولدد ,تتمثل ف إهلك كل
حي من الرث الذي هو موضع الزرع والنبات والثار ,ومن النسل الذي هو امتداد الياة
بالنسال . .وإهلك الياة على هذا النحو كناية عما يعتمل ف كيان هذا الخلوق النكد من القد
والشر والغدر والفساد . .ما كان يستره بذلقة اللسان ,ونعومة الدهان ,والتظاهر بالي والب
والسماحة والصلح ( . .وال ل يب الفساد) . .ول يب الفسدين الذين ينشئون ف الرض
الفساد . .وال ل تفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس ; ول يوز عليه الدهان والطلء الذي قد
39
يوز على الناس ف الياة الدنيا ,فل يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تدعهم
الظواهر وتفى عليهم السرائر .
ويضي السياق يوضح معال الصورة ببعض اللمسات:
(وإذا قيل له:اتق ال أخذته العزة بالث .فحسبه جهنم ولبئس الهاد) . .
إذا تول فقصد إل الفساد ف الرض ; وأهلك الرث والنسل ; ونشر الراب والدمار ; وأخرج ما
يعتمل ف صدره من القد والضغن والشر والفساد . .إذا فعل هذا كله ث قيل له( :اتق ال) . .
تذكيا له بشية ال والياء منه والتحرج من غضبه . .أنكر أن يقال له هذا القول ; واستكب أن
يوجه إل التقوى ; وتعاظم أن يؤخذ عليه خطأ وأن يوجه إل صواب .وأخذته العزة ل بالق ول
بالعدل ول بالي ولكن(بالث) . .فاستعز بالجرام والذنب والطيئة ,ورفع رأسه ف وجه الق
الذي يذكر به ,وامام ال بل حياء منه ; وهو الذي كان يشهد ال على ما ف قلبه ; ويتظاهر بالي
والب والخلص والتجرد والستحياء !
إنا لسة تكمل ملمح الصورة ,وتزيد ف قسماتا وتييزها بذاتا . .وتدع هذا النموذج حيا يتحرك
.تقول ف غي تردد:هذا هو .هذا هو الذي عناه القرآن ! وأنت تراه أمامك ماثل ف الرض الن
وف كل آن !
وف مواجهة هذا العتزاز بالث ; واللدد ف الصومة ; والقسوة ف الفساد ; والفجور ف الفساد . .
ف مواجهة هذا كله يبهه السياق باللطمة اللئقة بذه البلة النكدة:
(فحسبه جهنم ,ولبئس الهاد !) . .
حسبه ! ففيها الكفاية ! جهنم الت وقودها الناس والجارة .جهنم الت يكبكب فيها الغاوون وجنود
إبليس أجعون .جهنم الطمة الت تطلع على الفئدة .جهنم الت ل تبقي ول تذر .جهنم الت تكاد
تيز من الغيظ ! حسبه جهنم (ولبئس الهاد !) ويا للسخرية القاصمة ف ذكر(الهاد) هنا . .ويا
لبؤس من كان مهاده جهنم بعد العتزاز والنفخة والكبياء !
***********
وأما طغاة السلمي فأشد من ذلك بكثي ولكن أكثر الناس ل يعلمون
40
حسَابِ ( )27وَقَا َل رَجُ ٌل ّم ْؤمِنٌ مّ ْن آلِ ِف ْر َعوْنَ يَكُْتمُ ِإيَاَنهُ َأَتقْتُلُو َن رَ ُجلًا أَن َيقُو َل رَبّ َي الّلهُ وَقَ ْد الْ ِ
ض الّذِي َيعِدُكُمْ إِنّ جَاءكُم بِاْلبَيّنَاتِ مِن رّبّكُ ْم وَإِن َيكُ كَا ِذبًا َفعََلْيهِ كَ ِذُبهُ وَإِن َيكُ صَادِقًا ُيصِبْكُم َبعْ ُ
صرُنَا سرِفٌ كَذّابٌ ( )28يَا َق ْومِ لَكُمُ الْمُ ْلكُ الَْي ْومَ ظَا ِهرِينَ فِي الَْأ ْرضِ فَمَن يَن ُ الّلهَ لَا َيهْدِي مَ ْن ُهوَ مُ ْ
س الّلهِ إِنْ جَاءنَا قَا َل ِف ْر َعوْنُ مَا ُأرِيكُمْ ِإلّا مَا َأرَى َومَا َأهْدِيكُمْ إِلّا سَبِيلَ الرّشَادِ ( )29وَقَالَ مِن بَ ْأ ِ
ح َوعَا ٍد وَثَمُودَ وَالّذِينَ ب ( )30مِثْ َل دَْأبِ َق ْومِ نُو ٍ ف َعلَيْكُم مّثْ َل َي ْومِ الْأَ ْحزَا ِالّذِي آمَنَ يَا َق ْومِ ِإنّي أَخَا ُ
مِن َبعْ ِدهِ ْم َومَا الّلهُ ُيرِيدُ ظُ ْلمًا لّ ْلعِبَادِ ( )31وَيَا َق ْومِ ِإنّي أَخَافُ َعلَيْكُ ْم َي ْومَ التّنَا ِد (َ )32ي ْومَ ُتوَلّونَ
ف مِن َقبْلُ مُدِْبرِي َن مَا لَكُم مّنَ الّلهِ مِ ْن عَاصِ ٍم َومَن ُيضْلِلِ الّلهُ فَمَا َلهُ مِ ْن هَا ٍد ( )33وََلقَدْ جَاءكُمْ يُوسُ ُ
ك مّمّا جَاءكُم ِبهِ حَتّى ِإذَا هََلكَ قُ ْلتُمْ لَن يَْب َعثَ الّلهُ مِن َبعْ ِد ِه رَسُولًا كَذَِلكَ بِالَْبيّنَاتِ َفمَا زِلْتُ ْم فِي َش ّ
ب ( )34الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الّلهِ ِبغَْيرِ ُسلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَُب َر مَقْتًا ف ّمرْتَا ٌ سرِ ٌُيضِلّ الّلهُ مَ ْن ُهوَ مُ ْ
ب مُتَكَّبرٍ َجبّا ٍر ( )35وَقَا َل ِف ْر َعوْنُ يَا هَامَانُ عِندَ الّلهِ َوعِندَ الّذِي َن آمَنُوا كَذَِلكَ يَ ْطبَعُ الّلهُ َعلَى كُ ّل قَ ْل ِ
ابْنِ لِي صَرْحًا ّلعَلّي أَْبلُغُ الْأَسْبَابَ (َ )36أسْبَابَ السّمَاوَاتِ فَأَطّلِعَ إِلَى ِإَلهِ مُوسَى وَإِنّي لَأَظُّنهُ كَاذِبًا
ك زُيّ َن ِل ِفرْ َعوْنَ سُوءُ عَ َمِلهِ َوصُ ّد عَنِ السّبِي ِل َومَا كَيْدُ ِف ْر َعوْنَ إِلّا فِي َتبَابٍ ( )37وَقَالَ الّذِي وَكَذَِل َ
ع وَإِنّ الْآ ِخ َرةَ هِ َي دَارُ حيَاةُ الدّنْيَا مَتَا ٌ آمَنَ يَا َق ْومِ اتِّبعُونِ َأهْدِكُمْ َسبِي َل الرّشَا ِد ( )38يَا َق ْومِ ِإنّمَا هَ ِذهِ الْ َ
جزَى إِلّا مِْثَلهَا َومَنْ عَ ِم َل صَالِحًا مّن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َو ُه َو ُمؤْمِنٌ اْل َقرَا ِر ( )39مَنْ عَ ِملَ سَيّئَ ًة فَلَا يُ ْ
فَُأوْلَِئكَ يَ ْدخُلُونَ الْجَنّةَ ُي ْرزَقُونَ فِيهَا ِبغَْيرِ حِسَابٍ ( )40وَيَا َق ْومِ مَا لِي َأ ْدعُوكُمْ إِلَى النّجَا ِة وَتَ ْدعُوَننِي
ِإلَى النّا ِر ( )41تَ ْدعُوَننِي لِأَ ْك ُفرَ بِالّلهِ وَُأ ْشرِكَ ِبهِ مَا َلْيسَ لِي ِبهِ ِعلْ ٌم وَأَنَا َأ ْدعُوكُمْ إِلَى اْل َعزِيزِ اْل َغفّا ِر (
)42لَا َج َرمَ أَنّمَا تَ ْدعُونَنِي إِلَْيهِ لَْيسَ َل ُه َد ْعوَةٌ فِي الدّنْيَا وَلَا فِي الْآ ِخ َرةِ وَأَ ّن َم َردّنَا إِلَى الّلهِ وَأَنّ
ستَذْ ُكرُو َن مَا َأقُولُ لَكُ ْم وَأَُف ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى الّلهِ إِ ّن الّلهَ َبصِيٌ س ِرِفيَ هُمْ َأصْحَابُ النّا ِر ( )43فَ َ الْمُ ْ
ب ( )45النّارُ ُي ْع َرضُونَ عََلْيهَا ت مَا مَ َكرُوا َوحَاقَ بِآلِ ِف ْر َعوْنَ سُوءُ اْلعَذَا ِ بِاْلعِبَا ِد (َ )44فوَقَاهُ الّلهُ َسيّئَا ِ
غُ ُدوّا َو َعشِيّا وََي ْومَ َتقُومُ السّا َعةُ َأدْخِلُوا آلَ ِف ْر َعوْنَ َأشَدّ اْلعَذَابِ ( )46سورة غافر
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
** وَقَا َل رَجُ ٌل ّم ْؤمِ ٌن مّنْ آلِ ِف ْر َعوْنَ يَ ْكتُمُ ِإيَاَنهُ أََتقُْتلُو َن رَجُلً أَن َيقُو َل رَبّ َي الّل ُه وَقَدْ جَآءَكُمْ بِاْلبَيّنَاتِ
ض الّذِي َيعِدُكُمْ إِنّ الّلهَ لَ َيهْدِي مَنْ مِن رّبّكُ ْم وَإِن َيكُ كَاذِبا َفعََلْيهِ كَ ِذُبهُ وَإِن َيكُ صَادِقا ُيصِبْكُمْ َبعْ ُ
صرُنَا مِن بَ ْأسِ الّلهِ إِن جَآءَنَا ب * َيقَومِ لَكُ ُم الْ ُم ْلكُ الَْي ْومَ ظَا ِهرِي َن فِي ال ْرضِ فَمَن يَن ُ سرِفٌ كَذّا ٌ ُه َو مُ ْ
قَالَ ِف ْر َعوْ ُن مَآ ُأرِيكُمْ إِ ّل مَآ َأ َرىَ َومَآ َأهْدِيكُمْ ِإلّ سَبِيلَ ال ّرشَادِ
الشهور أن هذا الرجل الؤمن كان قبطيا من آل فرعون قال السدي :كان ابن عم فرعون ويقال
إنه الذي نا مع موسى عليه الصلة والسلم ,واختاره ابن جرير ورد قول من ذهب إل أنه كان
إسرائيليا لن فرعون انفعل لكلمه واستمعه وكف عن قتل موسى عليه السلم ,ولو كان إسرائيليا
لوشك أن يعاجل بالعقوبة لنه منهم وقال ابن جريج عن ابن عباس رضي ال عنهما ل يؤمن من آل
41
فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون والذي قال{ :يا موسى إن الل يأترون بك ليقتلوك} رواه
ابن أب حات وقد كان هذا الرجل يكتم إيانه عن قومه القبط فلم يظهر إل هذا اليوم حي قال فرعون
{ذرون أقتل موسى} فأخذت الرجل غضبة ل عز وجل .وأفضل الهاد كلمة عدل عند سلطان
جائر كما ثبت بذلك الديث ,ول أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله{ :أتقتلون رجلً أن
يقول رب ال} اللهم إل ما رواه البخاري ف صحيحه حيث قال حدثنا علي بن عبد ال حدثنا الوليد
بن مسلم حدثنا الوزاعي حدثن يي بن أب كثي حدثن ممد بن إبراهيم التيمي حدثن عروة بن
الزبي رضي ال تعال عنهما قال قلت لعبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما أخبن بأشد
شيء صنعه الشركون برسول ال صلى ال عليه وسلم قال بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي
بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أب معيط فأخذ بنكب رسول ال صلى ال عليه وسلم ولوى ثوبه ف
عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر رضي ال عنه فأخذ بنكبه ودفعه عن النب صلى ال عليه
وسلم ث قال{ :أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟} انفرد به البخاري
من حديث الوزاعي قال وتابعه ممد بن إسحاق عن يي بن عروة عن أبيه به .وقال ابن أب حات
حدثنا هارون بن إسحاق المدان حدثنا عبدة عن هشام يعن ابن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص
رضي ال عنه أنه سئل ما أشد ما رأيت قريشا بلغوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال مر
صلى ال عليه وسلم بم ذات يوم فقالوا له أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ فقال« :أنا ذاك»
فقاموا إليه فأخذوا بجامع ثيابه فرأيت أبا بكر رضي ال عنه متضنه من ورائه وهو يصيح بأعلى
صوته وإن عينيه لتسيلن وهو يقول :يا قوم {أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات
من ربكم} حت فرغ من الَية كلها وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة فجعله من مسند عمرو
بن العاص رضي ال عنه ,وقوله تعال{ :وقد جاءكم بالبينات من ربكم} أي كيف تقتلون رجلً
لكونه يقول رب ال وقد أقام لكم البهان على صدق ما جاءكم به من الق ؟ ث تنل معهم ف
الخاطبة فقال{ :وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم} يعن إذا ل
يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل والرأي التام والزم أن تتركوه ونفسه فل تؤذوه فإن يك
كاذبا فإن ال سبحانه وتعال سيجازيه على كذبه بالعقوبة ف الدنيا والَخرة وإن يكن صادقا وقد
آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب ف الدنيا والَخرة فمن الائز
عندكم أن يكون صادقا فينبغي على هذا أن ل تتعرضوا له بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه.
وهكذا أخب ال عز وجل عن موسى عليه السلم أنه طلب من فرعون وقومه الوادعة ف قوله:
{ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كري * أن أدوا إل عباد ال إن لكم رسول أمي *
وأن ل تعلوا على ال إن آتيكم بسلطان مبي * وإن عذت برب وربكم أن ترجون * وإن ل تؤمنوا
ل فاعتزلون} وهكذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقريش أن يتركوه يدعو إل ال تعال عباد
42
ال ول يسوه بسوء ويصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ف ترك أذيته قال ال عز وجل{ :قل ل أسألكم
عليه أجرا إل الودة ف القرب} أي أن ل تؤذون فيما بين وبينكم من القرابة فل تؤذون وتتركوا بين
وبي الناس ,وعلى هذا وقعت الدنة يوم الديبية وكان فتحا مبينا ,وقوله جل وعل{ :إن ال ل
يهدي من هو مسرف كذاب} أي لو كان هذا الذي يزعم أن ال تعال أرسله إليكم كاذبا كما
تزعمون لكان أمره بينا يظهر لكل أحد ف أقواله وأفعاله فكانت تكون ف غاية الختلف
والضطراب وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما ,ولو كان من السرفي الكذابي لا هداه ال
وأرشده إل ما ترون من انتظام أمره وفعله ,ث قال الؤمن مذرا قومه زوال نعمة ال عنهم وحلول
نقمة ال بم{ :يا قوم لكم اللك اليوم ظاهرين ف الرض} أي قد أنعم ال عليكم بذا اللك
والظهور ف الرض بالكلمة النافذة والاه العريض فراعوا هذه النعمة بشكر ال تعال وتصديق رسوله
صلى ال عليه وسلم واحذروا نقمة ال إن كذبتم رسوله {فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا} أي ل
تغن عنكم هذه النود وهذه العساكر ول ترد عنا شيئا من بأس ال إن أرادنا بسوء قال فرعون
لقومه رادا على ما أشار به هذا الرجل الصال البار الراشد الذي كان أحق باللك من فرعون {ما
أريكم إل ما أرى} أي ما أقول لكم وأشي عليكم إل ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون فإنه كان
يتحقق صدق موسى عليه السلم فيما جاء به من الرسالة {قال لقد علمت ما أنزل هؤلء إل رب
السموات والرض بصائر} وقال ال تعال{ :وجحدوا با واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فقوله:
{ما أريكم إل ما أرى} كذب فيه وافترى وخان ال تبارك وتعال ورسوله صلى ال عليه وسلم
ورعيته فغشهم وما نصحهم وكذا قوله{ :وما أهديكم إل سبيل الرشاد} أي وما أدعوكم إل إل
طريق الق والصدق والرشد وقد كذب أيضا ف ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه قال ال
تبارك وتعال{ :فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد} وقال جلت عظمته{ :وأضل فرعون قومه
وما هدى} وف الديث «ما من إمام يوت يوم يوت وهو غاش لرعيته إل ل يرح رائحة النة وإن
ريها ليوجد من مسية خسمائة عام» وال سبحانه وتعال الوفق للصواب.
ب * مِثْ َل دَْأبِ َق ْومِ نُوحٍ َوعَا ٍد وَثَمُودَ ف َعلَيْكُ ْم مّثْ َل َي ْومِ ال ْحزَا ِ
** وَقَا َل الّ ِذيَ آمَنَ َي َق ْومِ ِإنّيَ أَخَا ُ
وَالّذِي َن مِن َبعْ ِدهِمْ َومَا الّلهُ ُيرِيدُ ُظلْما ّل ْلعِبَادِ * وََي َق ْومِ إِنّيَ أَخَافُ َعلَيْ ُكمْ َي ْومَ الّتنَا ِد * َي ْومَ ُتوَلّونَ
ف مِن َقبْلُ مُدِْبرِي َن مَا لَكُ ْم مّنَ الّلهِ مِ ْن عَاصِ ٍم َومَن ُيضْلِلِ الّلهُ فَمَا َلهُ مِ ْن هَا ٍد * وََلقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُ ُ
ك مّمّا جَآءَكُـمْ ِبهِ َحتّىَ ِإذَا َهَلكَ قُ ْلتُمْ لَن َيْب َعثَ الّل ُه مِن َبعْ ِدهِ رَسُولً بِالَْبيّنَاتِ َفمَا زِلْتُ ْم فِي َش ّ
ب * الّذِينَ يُجَادِلُو َن فِيَ آيَاتِ الّلهِ ِبغَْيرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ َكُبرَ َمقْتا ف ّمرْتَا ٌ سرِ ٌ كَ َذِلكَ ُيضِلّ الّلهُ مَ ْن ُهوَ مُ ْ
عِندَ الّلهِ َوعِندَ الّذِي َن آمَنُواْ كَذَِلكَ يَ ْطبَعُ الّلهُ َعلَىَ كُـلّ َق ْلبِ مَُتكَّبرٍ جَبّارٍ
هذا إخبار من ال عز وجل عن هذا الرجل الصال مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس ال تعال ف
الدنيا والَخرة فقال{ :يا قوم إن أخاف عليكم مثل يوم الحزاب} أي الذين كذبوا رسل ال ف
43
قدي الدهر كقوم نوح وعاد وثود والذين من بعدهم من المم الكذبة كيف حل بم بأس ال وما
رده عنهم راد ول صده عنهم صاد {وما ال يريد ظلما للعباد} أي إنا أهلكهم ال تعال بذنوبم
وتكذيبهم رسله ومالفتهم أمره فأنفذ فيهم قدره ث قال{ :ويا قوم إن أخاف عليكم يوم التناد} يعن
يوم القيامة وسي بذلك ,قال بعضهم لا جاء ف حديث الصور أن الرض إذا زلزلت وانشقت من
قطر إل قطر وماجت وارتت فنظر الناس إل ذلك ذهبوا هاربي ينادي بعضهم بعضا وقال آخرون
منهم الضحاك بل ذلك إذا جيء بنهم ذهب الناس هرابا منهم فتتلقاهم اللئكة فتردهم إل مقام
الحشر وهو قوله تعال{ :واللك على أرجائها} وقوله{ :يا معشر الن والنس إن استطعتم أن
تنفذوا من أقطار السموات والرض فانفذوا ل تنفذون إل بسلطان} وقد روي عن ابن عباس رضي
ال عنه والسن والضحاك أنم قرأوا يوم التناد بتشديد الدال من ند البعي إذا شرد وذهب وقيل لن
اليزان عنده ملك إذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته أل قد سعد فلن بن فلن سعادة ل
يشقى بعدها أبدا ,وإن خف عمله نادى أل قد شقي فلن بن فلن وقال قتادة :ينادي كل قوم
بأعمالم ,ينادي أهل النة أهل النة وأهل النار أهل النار ,وقيل سي بذلك لناداة أهل النة أهل
النار {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدت ما وعد ربكم حقا ؟ قالوا نعم} ومناداة أهل
النار أهل النة {أن أفيضوا علينا من الاء أو ما رزقكم ال قالوا إن ال حرمهما على الكافرين}
ولناداة أصحاب العراف أهل النة وأهل النار كما هو مذكور ف سورة العراف ,واختار البغوي
وغيه أنه سي بذلك لجموع ذلك وهو قول حسن جيد ,وال أعلم وقوله تعال{ :يوم تولون
مدبرين} أي ذاهبي هاربي {كل ل وزر إل برك يومئذ الستقر} ولذا قال عز وجل{ :ما لكم من
ال من عاصم} أي ل مانع ينعكم من بأس ال وعذابه {ومن يضلل ال فما له من هاد} أي من
أضله ال فل هادي له غيه .وقوله تبارك وتعال{ :ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} يعن أهل
مصر وقد بعث ال فيهم رسولً من قبل موسى عليه الصلة والسلم وهو يوسف عليه الصلة
والسلم كان عزيز أهل مصر وكان رسولً يدعو إل ال تعال أمته بالقسط فما أطاعوه تلك الطاعة
إل بجرد الوزارة والاه الدنيوي ولذا قال تعال{ :فما زلتم ف شك ما جاءكم به حت إذا هلك
قلتم لن يبعث ال من بعده رسولً} أي يئستم فقلتم طامعي{ :لن يبعث ال من بعده رسولً}
وذلك لكفرهم وتكذيبهم {كذلك يضل ال من هو مسرف مرتاب} أي كحالكم هذا يكون حال
من يضله ال لسرافه ف أفعاله وارتياب قلبه ,ث قال عز وجل{ :الذين يادلون ف آيات ال بغي
سلطان أتاهم} أي الذين يدفعون الق بالباطل ويادلون بالجج بغي دليل وحجة معهم من ال
تعال فإن ال عز وجل يقت على ذلك أشد القت ولذا قال تعال{ :كب مقتا عند ال وعند الذين
آمنوا} أي والؤمنون أيضا يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته يطبع ال على
قلبه فل يعرف بعد ذلك معروفا ول ينكر منكرا ولذا قال تبارك وتعال{ :كذلك يطبع ال على كل
44
قلب متكب} أي على اتباع الق {جبار} وروى ابن أب حات عن عكرمة وحكي عن الشعب أنما
قال :ل يكون النسان جبارا حت يقتل نفسي وقال أبو عمران الون وقتادة :آية البابرة القتل بغي
حق ,وال تعال أعلم.
ب * َأسْبَابَ السّمَاوَاتِ فَأَ ّطلِعَ إِلَىَ ِإلَـهِ صرْحا ّلعَـّليَ أَبُْلغُ ال ْسبَا َ ** وَقَا َل َف ْر َعوْنُ َيهَامَا ُن ابْنِ لِي َ
سبِي ِل َومَا كَـيْ ُد ِف ْر َعوْنَ إِلّك زُيّنَ ِل ِف ْر َعوْنَ ُسوَ ُء عَمَِل ِه َوصُدّ عَ ِن ال ّ
مُوسَ َى وَإِنّي لظُّنهُ كَاذِبا وَكَـذَِل َ
فِي َتبَابٍ
يقول تعال مباعن فرعون وعتوه وترده وافترائه ف تكذيبه موسى عليه الصلة والسلم أنه أمر
وزيره هامان أن يبن له صرحا وهو القصر العال النيف الشاهق وكان اتاذه من الَجر الضروب من
الطي الشوي كما قال تعال{ :فأوقد ل يا هامان على الطي فاجعل ل صرحا} ولذا قال إبراهيم
النخعي كانوا يكرهون البناء بالَجر وأن يعلوه ف قبورهم رواه ابن أب حات ,وقوله {لعلي أبلغ
السباب أسباب السموات} إل قال سعيد بن جبي وأبو صال أبواب السموات وقيل طرق
السموات {فأطلع إل إله موسى وإن لظنه كاذبا} وهذا من كفره وترده أنه كذب موسى عليه
الصلة والسلم ف أن ال عز وجل أرسله إليه قال ال تعال{ :وكذلك زين لفرعون سوء عمله
وصد عن السبيل} أي بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل شيئا يتوصل به إل تكذيب
موسى عليه الصلة والسلم ولذا قال تعال{ :وما كيد فرعون إل ف تباب} قال ابن عباس وماهد
يعن إل ف خسار.
حيَاةُ ال ّدنْيَا مَتَاعٌ
** وَقَا َل الّ ِذيَ آمَنَ َي َق ْومِ اّتِبعُونِ َأهْدِكُـمْ َسبِيـلَ ال ّرشَـادِ * َي َق ْومِ ِإنّمَا هَـ ِذهِ الْ َ
ج َزىَ إِ ّل مِْثَلهَا َومَنْ عَمِـ َل صَالِحا مّن ل يُ ْ
وَإِ ّن الَ ِخ َرةَ هِ َي دَارُ اْلقَـرَارِ * مَ ْن عَمِـلَ سَـيَّئةً فَ َ
ب
جنّةَ ُي ْرزَقُو َن فِيهَا ِبغَْيرِ ِحسَا ٍ
ذَكَـرٍ َأوْ ُأنْثَ َى َو ُه َو ُمؤْمِنٌ فَُأوْلَـِئكَ يَدْخُلُو َن الْ َ
يقول الؤمن لقومه من ترد وطغى وآثر الياة الدنيا ونسي البار العلى فقال لم{ :يا قوم اتبعون
أهدكم سبيل الرشاد} ل كما كذب فرعون ف قوله{ :وما أهديكم إل سبيل الرشاد} ث زهدهم ف
الدنيا الت قد آثروها على الَخرى وصدتم عن التصديق برسول ال صلى ال عليه وسلم موسى عليه
الصلة والسلم فقال{ :يا قوم إنا هذه الياة الدنيا متاع} أي قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب
وتضمحل {وإن الَخرة هي دار القرار} أي الدار الت ل زوال لا ول انتقال منها ول ظعن عنها إل
غيها بل إما نعيم وإما جحيم ولذا قال جلت عظمته{ :من عمل سيئة فل يزى إل مثلها} أي
واحدة مثلها {ومن عمل صالا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون النة يرزقون فيها بغي
حساب} أي ل يتقدر بزاء بل يثيبه ال عز وجل ثوابا كثيا ل انقضاء له ول نفاد وال تعال الوفق
للصواب.
45
** وََي َق ْومِ مَا لِيَ َأ ْدعُوكُـمْ ِإلَى النّجَا ِة وَتَ ْدعُونَنِيَ إِلَى النّا ِر * تَ ْدعُونَنِي لكْـ ُفرَ بِالّلهِ وَُأ ْشرِكَ ِبهِ مَا
َلْيسَ لِي ِب ِه عِلْ ٌم وَأَنَاْ َأ ْدعُوكُمْ إِلَى اْل َعزِيزِ اْل َغفّا ِر * َل َج َرمَ َأنّمَا تَ ْدعُوَننِيَ إَِلْيهِ َلْيسَ َل ُه َد ْع َوةٌ فِي ال ّدنْيَا
ستَذْ ُكرُونَ مَآ َأقُولُ لَكُـمْ سرِِفيَ هُمْ َأصْحَابُ النّارِ * فَ َ وَلَ فِي الَ ِخ َر ِة وَأَ ّن َمرَدّنَآ ِإلَى الّل ِه وَأَنّ الْ ُم ْ
ق بِآلِ ِف ْر َعوْنَ ُس َوءُ ت مَا مَكَـرُوْا وَحَا َ وَُأَف ّوضُ َأ ْم ِريَ إِلَى الّلهِ إِ ّن الّلهَ َبصِيٌ بِاْلعِبَا ِد * فَوقَاهُ الّلهُ سَّيئَا ِ
ب* اْلعَذَا ِ
النّا ُر ُي ْعرَضُونَ َعلَْيهَا غُ ُدوّا َوعَشِيّا وََي ْومَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْ ِخُلوَْا آلَ ِف ْر َعوْنَ َأشَدّ اْلعَذَابِ يقول لم
الؤمن ما بال أدعوكم إل النجاة وهي عبادة ال وحده ل شريك له وتصديق رسوله ال الذي بعثه
{وتدعونن إل النار * تدعونن لكفر بال وأشرك به ما ليس ل به علم} أي على جهل بل دليل
{وأنا أدعوكم إل العزيز الغفار} أي هو ف عزته وكبيائه يغفر ذنب من تاب إليه {ل جرم أنا
تدعونن إليه} يقول حقا ؟ قال السدي وابن جرير معن قوله {ل جرم} حقا .وقال الضحاك {ل
جرم} ل كذب وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس {ل جرم} يقول :بلى إن الذي تدعونن إليه
من الصنام والنداد {ليس له دعوة ف الدنيا ول ف الَخرة} قال ماهد :الوثن ليس له شيء ,وقال
قتادة يعن الوثن ل ينفع ول يضر ,وقال السدي :ل ييب داعيه ل ف الدنيا ول ف الَخرة ,وهذا
كقوله تبارك وتعال{ :ومن أضل من يدعو من دون ال من ل يستجيب له إل يوم القيامة وهم عن
دعائهم غافلون ؟ * وإذا حشر الناس كانوا لم أعداء وكانوا بعبادتم كافرين} {إن تدعوهم ل
يسمعوا دعاءكم ولو سعوا ما استجابوا لكم} وقوله{ :وأن مردنا إل ال} أي ف الدار الَخرة
فيجازي كلً بعمله ولذا قال{ :وأن السرفي هم أصحاب النار} أي خالدين فيها بإسرافهم وهو
شركهم بال عز وجل{ :فستذكرون ما أقول لكم} أي سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونيتكم
عنه ونصحتكم ووضحت لكم وتتذكرونه وتندمون حيث ل ينفع الندم {وأفوض أمري إل ال} أي
وأتوكل على ال وأستعينه وأقاطعكم وأباعدكم {إن ال بصي بالعباد} أي هو بصي بم تعال
وتقدس فيهدي من يستحق الداية ويضل من يستحق الضلل وله الجة البالغة والكمة التامة
والقدر النافذ .وقوله تبارك وتعال{ :فوقاه ال سيئات ما مكروا} أي ف الدنيا والَخرة ,وأما ف
الدنيا فنجاه ال تعال مع موسى عليه الصلة والسلم وأما ف الَخرة فبالنة {وحاق بآل فرعون
سوء العذاب} وهو الغرق ف اليم ث النقلة منه إل الحيم ,فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا
ومساء إل قيام الساعة فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم ف النار
وف الظلل :
(وقال فرعون:ذرون أقتل موسى ,وليدع ربه ,إن أخاف أن يبدل دينكم ,أو أن يظهر ف الرض
الفساد) . .
46
ويبدو من قوله( :ذرون أقتل موسى) . .أن رأيه هذا كان يد مانعة ومعارضة -من ناحية الرأي -
كأن يقال مثلً:إن قتل موسى ل ينهي الشكال .فقد يوحي هذا للجماهي بتقديسه واعتباره شهيدا
,والماسة الشعورية له وللدين الذي جاء به ,وباصة بعد إيان السحرة ف مشهد شعب جامع ,
وإعلنم سبب إيانم ,وهم الذين جيء بم ليبطلوا عمله ويناوئوه . .وقد يكون بعض مستشاري
اللك أحس ف نفسه رهبة أن ينتقم إله موسى له ,ويبطش بم .وليس هذا ببعيد ,فقد كان
الوثنيون يعتقدون بتعدد اللة ,ويتصورون بسهولة أن يكون لوسى إله ينتقم له من يعتدون عليه !
ويكون قول فرعون( :وليدع ربه) . .ردا على هذا التلويح ! وإن كان ل يبعد أن هذه الكلمة
الفاجرة من فرعون ,كانت تبجحا واستهتارا ,لقي جزاءه ف ناية الطاف كما سيجيء .
ولعله من الطريف أن نقف أمام حجة فرعون ف قتل موسى:
(إن أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر ف الرض الفساد) . .
فهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثن ,عن موسى رسول ال -عليه السلم ( -إن
أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر ف الرض الفساد) ?!!
أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح ? أليست هي بعينها كلمة الباطل
الكال ف وجه الق الميل ? أليست هي بعينها كلمة الداع البيث لثارة الواطر ف وجه اليان
الادى ء ?
إنه منطق واحد ,يتكرر كلما التقى الق والباطل ,واليان والكفر .والصلح والطغيان على توال
الزمان واختلف الكان .والقصة قدية مكررة تعرض بي الي والي .
فأما موسى -عليه السلم -فالتجأ إل الركن الركي والصن الصي ,ولذ بالناب الذي يمي
اللئذين ,ويي الستجيين:
(وقال موسى:إن عذت برب وربكم من كل متكب ل يؤمن بيوم الساب) . .
قالا .واطمأن .وسلم أمره إل الستعلي على كل متكب ,القاهر لكل متجب ,القادر على حاية
العائذين به من الستكبين .وأشار إل وحدانية ال ربه وربم ل ينسها أو يتركها أمام التهديد
والوعيد .كما أشار إل عدم اليان بيوم الساب .فما يتكب متكب وهو يؤمن بيوم الساب ,وهو
ل ,مردا من كل قوة ,ما له من حيم ول شفيع يتصور موقفه يومئذ حاسرا خاشعا خاضعا ذلي ً
يطاع .
هنا انتدب رجل من آل فرعون ,وقع الق ف قلبه ,ولكنه كتم إيانه .انتدب يدفع عن موسى ,
سرِفٌ كَذّابٌ (ك صَادِقا ُيصِبْكُم َبعْضُ الّذِي َيعِدُكُمْ إِ ّن الّلهَ لَا َيهْدِي مَ ْن ُه َو مُ ْ
ويتال كَذُِب ُه وَإِن َي ُ
)28
47
لدفع القوم عنه ,ويسلك ف خطابه لفرعون وملئه مسالك شت ,ويتدسس إل قلوبم بالنصيحة
ويثي حساسيتها بالتخويف والقناع:
وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيانه:أتقتلون رجلً أن يقول:رب ال ,وقد جاءكم بالبينات
من ربكم ? وإن يك كاذبا فعليه كذبه ,وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ,إن ال ل
يهدي من هو مسرف كذاب .يا قوم لكم اللك اليوم ظاهرين ف الرض ,فمن ينصرنا من بأس ال
إن جاءنا ? قال فرعون:ما أريكم إل ما أرى ,وما أهديكم إل سبيل الرشاد .وقال الذي آمن:يا
قوم إن أخاف عليكم مثل يوم الحزاب .مثل دأب قوم نوح وعاد وثود والذين من بعدهم ,وما
ال يريد ظلما للعباد .ويا قوم إن أخاف عليكم يوم التناد .يوم تولون مدبرين ما لكم من ال من
عاصم ,ومن يضلل ال فما له من هاد .ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ; فما زلتم ف شك
ما جاءكم به ,حت إذا هلك قلتم:لن يبعث ال من بعده رسولً .كذلك يضل ال من هو مسرف
مرتاب .الذين يادلون ف آيات ال بغي سلطان أتاهم كب مقتا عند ال وعند الذين آمنوا ,كذلك
يطبع ال على كل قلب متكب جبار . .
إنا جولة ضخمة هذه الت جالا الرجل الؤمن مع التآمرين من فرعون وملئه .وإنه منطق الفطرة
الؤمنة ف حذر ومهارة وقوة كذلك .
إنه يبدأ بتفظيع ما هم مقدمون عليه( :أتقتلون رجلً أن يقول:رب ال) . .فهل هذه الكلمة البيئة
التعلقة باعتقاد قلب ,واقتناع نفس ,تستحق القتل ,ويرد عليها بإزهاق روح ? إنا ف هذه الصورة
فعلة منكرة بشعة ظاهرة القبح والبشاعة .
ث يطو بم خطوة أخرى .فالذي يقول هذه الكلمة البيئة :رب ال . .يقولا ومعه حجته ,وف
يده برهانه( :وقد جاءكم بالبينات من ربكم) . .يشي إل تلك اليات الت عرضها موسى -عليه
السلم -ورأوها ,وهم -فيما بينهم وبعيدا عن الماهي -يصعب أن ياروا فيها !
ث يفرض لم أسوأ الفروض ; ويقف معهم موقف النصف أمام القضية ; تشيا مع أقصى فرض يكن
أن يتخذوه( :وإن يك كاذبا فعليه كذبه) . .وهو يمل تبعة عمله ,ويلقى جزاءه ,ويتمل جريرته
.وليس هذا بسوغ لم أن يقتلوه على أية حال !
وهناك الحتمال الخر ,وهو أن يكون صادقا .فيحسن الحتياط لذا الحتمال ,وعدم التعرض
لنتائجه( :وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) . .وإصابتهم ببعض الذي يعدهم هو كذلك
أقل احتمال ف القضية ,فهو ل يطلب إليهم أكثر منه .وهذا منتهى النصاف ف الدل والفحام .
ث يهددهم من طرف خفي ,وهو يقول كلما ينطبق على موسى كما ينطبق عليهم( :إن ال ل
يهدي من هو مسرف كذاب) . .فإذا كان موسى فإن ال ل يهديه ول يوفقه ,فدعوه له يلقي منه
جزاءه .واحذروا أن تكونوا أنتم الذين تكذبون على موسى وربه وتسرفون ,فيصيبكم هذا الآل !
48
وحي يصل بم إل فعل ال بن هو مسرف كذاب ,يهجم عليهم موفا بعقاب ال ,مذرا من بأسه
الذي ل ينجيهم منه ما هم فيه من ملك وسلطان ,مذكرا إياهم بذه النعمة الت تستحق الشكران ل
الكفران:
(يا قوم لكم اللك اليوم ظاهرين ف الرض .فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ?) . .
إن الرجل يشعر با يشعر به القلب الؤمن ,من أن بأس ال أقرب ما يكون لصحاب اللك
والسلطان ف الرض ; فهم أحق الناس بأن يذروه ,وأجدر الناس بأن يسوه ويتقوه ,وأن يبيتوا
منه على وجل ,فهو يتربص بم ف كل لظة من لظات الليل والنهار .ومن ث يذكرهم با هم فيه
من اللك والسلطان ,وهو يشي إل هذا العن الستقر ف حسه البصي .ث يمل نفسه فيهم وهو
يذكرهم ببأس ال( :فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ?) ليشعرهم أن أمرهم يهمه ,فهو واحد
منهم ,ينتظر مصيه معهم ; وهو إذن ناصح لم مشفق عليهم ,لعل هذا أن يعلهم ينظرون إل
تذيره باهتمام ,ويأخذونه مأخذ الباءة والخلص .وهو ياول أن يشعرهم أن بأس ال إن جاء
فل ناصر منه ول مي عليه ,وأنم إزاءه ضعاف ضعاف .
هنا يأخذ فرعون ما يأخذ كل طاغية توجه إليه النصيحة .تأخذه العزة بالث .ويرى ف النصح
الالص افتياتا على سلطانه ,ونقصا من نفوذه ,ومشاركة له ف النفوذ والسلطان:
(قال فرعون:ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم إل سبيل الرشاد) . .
إنن ل أقول لكم إل ما أراه صوابا ,وأعتقده نافعا .وإنه لو الصواب والرشد بل شك ول جدال !
وهل يرى الطغاة إل الرشد والي والصواب ?! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنم قد يطئون ?!
وهل يوز لحد أن يرى إل جوار رأيهم رأيا ?! وإل فلم كانوا طغاة ?!
ولكن الرجل الؤمن يد من إيانه غي هذا ; ويد أن عليه واجبا أن يذر وينصح ويبدي من الرأي
ما يراه .ويرى من الواجب عليه أن يقف إل جوار الق الذي يعتقده كائنا ما كان رأي الطغاة .ث
هو يطرق قلوبم بإيقاع آخر لعلها تس وتستيقظ وترتعش وتلي .يطرق قلوبم بلفتها على مصارع
الحزاب قبلهم .وهي شاهدة ببأس ال ف أخذ الكذبي والطغاة:
(وقال الذي آمن:يا قوم إن أخاف عليكم مثل يوم الحزاب .مثل دأب قوم نوح وعاد وثود والذين
من بعدهم .وما ال يريد ظلما للعباد) . .
ولكل حزب كان يوم .ولكن الرجل الؤمن يمعها ف يوم واحد( :مثل يوم الحزاب) فهو اليوم
الذي يتجلى فيه بأس ال .وهو يوم واحد ف طبيعته على تفرق الحزاب ( . .وما ال يريد ظلما
للعباد) إنا يأخذهم بذنوبم ,ويصلح من حولم ومن بعدهم بأخذهم بأيام ال .
ث يطرق على قلوبم طرقة أخرى ,وهو يذكرهم بيوم آخر من أيام ال .يوم القيامة .يوم التنادي:
49
(ويا قوم إن أخاف عليكم يوم التناد .يوم تولون مدبرين ما لكم من ال من عاصم .ومن يضلل ال
فما له من هاد) . .
وف ذلك اليوم ينادي اللئكة الذين يشرون الناس للموقف .وينادي أصحاب العراف على
أصحاب النة وأصحاب النار .وينادي أصحاب النة أصحاب النار ,وأصحاب النار أصحاب
النة . .فالتنادي واقع ف صور شت .وتسميته (يوم التناد) تلقي عليه ظل التصايح وتناوح
الصوات من هنا ومن هناك ,وتصور يوم زحام وخصام .وتتفق كذلك مع قول الرجل الؤمن:
(يوم تولون مدبرين ما لكم من ال من عاصم) . .وقد يكون ذلك فرارهم عند هول جهنم ,أو
ماولتهم الفرار .ول عاصم يومئذ ولت حي فرار .وصورة الفزع والفرار هي أول الصور هنا
للمستكبين التجبين ف الرض ,أصحاب الاه والسلطان !
(ومن يضلل ال فما له من هاد) . .ولعل فيها إشارة خفية إل قولة فرعون( :وما أهديكم إل سبيل
الرشاد) . .وتلميحا بأن الدى هدى ال .وأن من أضله ال فل هادي له .وال يعلم من حال
الناس وحقيقتهم من يستحق الدى ومن يستحق الضلل .
وأخيا يذكرهم بوقفهم من يوسف ,ومن ذريته كان موسى -عليهما السلم -وكيف وقفوا
موقف الشك من رسالته وما جاءهم به من اليات ,فل يكرروا الوقف من موسى ,وهو يصدق ما
جاءهم به يوسف ,فكانوا منه ف شك وارتياب .ويكذب ما جزموا به من أن ال لن يبعث من
بعده رسو ًل ,وها هو ذا موسى ييء على فترة من يوسف ويكذب هذا القال:
(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ,فما زلتم ف شك ما جاءكم به ,حت إذا هلك قلتم:لن
يبعث ال من بعده رسو ًل .كذلك يضل ال من هو مسرف مرتاب .الذين يادلون ف آيات ال
بغي سلطان أتاهم .كب مقتا عند ال وعند الذين آمنوا .كذلك يطبع ال على كل قلب متكب
جبار) . .
وهذه هي الرة الوحيدة ف القرآن الت يشار فيها إل رسالة يوسف -عليه السلم -للقوم ف مصر .
وقد عرفنا من سورة يوسف ,أنه كان قد وصل إل أن يكون على خزائن الرض ,التصرف فيها .
وأنه أصبح "عزيز مصر" وهو لقب قد يكون لكبي وزراء مصر .وف السورة كذلك ما قد يؤخذ منه
أنه جلس على عرش مصر -وإن ل يكن ذلك مؤكدا -وذلك قوله:
(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال:يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها رب
حقا) . .
وقد يكون العرش الذي رفع عليه أبويه شيئا آخر غي عرش الملكة الصرية الفرعونية .وعلى أية
حال فقد وصل يوسف إل مكان الكم والسلطان .ومن ث نلك أن نتصور الالة الت يشي إليها
الرجل الؤمن .حالة شكهم فيما جاءهم به يوسف من قبل ,مع مصانعة يوسف صاحب السلطان
50
وعدم الهر بتكذيبه وهو ف هذا الكان ! (حت إذا هلك قلتم لن يبعث ال من بعده رسولً) . .
وكأنا استراحوا لوته ,فراحوا يظهرون ارتياحهم ف هذه الصورة ,ورغبتهم عما جاءهم به من
التوحيد الالص ,الذي يبدو ما تكلم به ف سجنه مع صاحب السجن( :أأرباب متفرقون خي أم ال
الواحد القهار) . .فزعموا أن لن ييئهم من بعده رسول ,لن هذه كانت رغبتهم .وكثيا ما
يرغب الرء ف شيء ث يصدق تققه ,لن تققه يلب هذه الرغبة !
والرجل الؤمن يشتد هنا وهو يشي إل هذا الرتياب والسراف ف التكذيب فيقول:
(كذلك يضل ال من هو مسرف مرتاب) . .
فينذرهم بإضلل ال الذي ينتظر كل مسرف مرتاب ف عقيدته وقد جاءته معها البينات .
ث يشتد ف مواجهتهم بقت ال ومقت الؤمني لن يادل ف آيات ال بغي حجة ول برهان .وهم
يفعلون هذا ف أبشع صورة .ويندد بالتكب والتجب ,وينذر بطمس ال لقلوب التكبين التجبين !
(الذين يادلون ف آيات ال بغي سلطان أتاهم كب مقتا عند ال وعند الذين آمنوا .كذلك يطبع ال
على كل قلب متكب جبار) . .
والتعبي على لسان الرجل الؤمن يكاد يكون طبق الصل من التعبي الباشر ف مطالع السورة .القت
للمجادلي ف آيات ال بغي برهان ,والضلل للمتكبين التجبين حت ما يبقى ف قلوبم موضع
للهدى ,ول منفذ للدراك .
وعلى الرغم من هذه الولة الضخمة الت أخذ الرجل الؤمن قلوبم با ; فقد ظل فرعون ف ضلله ,
مصرا على التنكر للحق .ولكنه تظاهر بأنه آخذ ف التحقق من دعوى موسى .ويبدو أن منطق
الرجل الؤمن وحجته كانت من شدة الوقع بيث ل يستطع فرعون ومن معه تاهلها .فاتذ فرعون
لنفسه مهربا جديدا:
(وقال فرعون:يا هامان ابن ل صرحا لعلي أبلغ السباب .أسباب السماوات فأطلع إل إله موسى .
وإن لظنه كاذبا .وكذلك زين لفرعون سوء عمله ,وصد عن السبيل وما كيد فرعون إل ف
تباب) . .
يا هامان ابن ل بناء عاليا لعلي أبلغ به أسباب السماوات ,لنظر وأبث عن إله موسى هناك (وإن
لظنه كاذبا) . .هكذا يوه فرعون الطاغية وياور ويداور ,كي ل يواجه الق جهرة ,ول يعترف
بدعوة الوحدانية الت تز عرشه ,وتدد الساطي الت قام عليها ملكه .وبعيد عن الحتمال أن يكون
هذا فهم فرعون وإدراكه .وبعيد أن يكون جادا ف البحث عن إله موسى على هذا النحو الادي
الساذج .وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور .إنا هو الستهتار والسخرية
من جهة .والتظاهر بالنصاف والتثبت من جهة أخرى .وربا كانت هذه خطة للتراجع أمام
مطارق النطق الؤمن ف حديث الرجل الؤمن ! وكل هذه الفروض تدل على إصراره على ضلله ,
51
وتبجحه ف جحوده( :وكذلك زين لفرعون سوء عمله ,وصد عن السبيل) . .وهو مستحق لن
يصد عن السبيل ,بذا الراء الذي ييل عن الستقامة وينحرف عن السبيل .
ويعقب السياق على هذا الكر والكيد بأنه صائر إل اليبة والدمار:
(وما كيد فرعون إل ف تباب) . .
وأمام هذه الراوغة ,وهذا الستهتار ,وهذا الصرار ألقى الرجل الؤمن كلمته الخية مدوية صرية
,بعدما دعا القوم إل اتباعه ف الطريق إل ال ,وهو طريق الرشاد .وكشف لم عن قيمة هذه
الياة الزائلة ; وشوقهم إل نعيم الياة الباقية وحذرهم عذاب الخرة وبي لم ما ف عقيدة الشرك
من زيف ومن بطلن:
وقال الذي آمن:يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد .يا قوم إنا هذه الياة الدنيا متاع ,وإن الخرة
هي دار القرار .من عمل سيئة فل يزى إل مثلها ,ومن عمل صالا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن
فأولئك يدخلون النة يرزقون فيها بغي حساب .ويا قوم ما ل أدعوكم إل النجاة وتدعونن إل
النار .تدعونن لكفر بال وأشرك به ما ليس ل به علم ,وأنا أدعوكم إل العزيز الغفار .ل جرم أن
ما تدعونن إليه ليس له دعوة ف الدنيا ول ف الخرة ,وأن مردنا إل ال ,وأن السرفي هم
أصحاب النار .فستذكرون ما أقول لكم ,وأفوض أمري إل ال .إن ال بصي بالعباد . .
إنا القائق الت تقررت من قبل ف صدر السورة ,يعود الرجل الؤمن فيقررها ف مواجهة فرعون
وملئه .إنه يقول ف مواجهة فرعون:
(يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) . .
وقد كان فرعون منذ لظات يقول( :وما أهديكم إل سبيل الرشاد) فهو التحدي الصريح الواضح
بكلمة الق ل يشى فيها سلطان فرعون البار ,ول مله التآمرين معه من أمثال هامان وقارون .
وزيري فرعون فيما يقال .
ويكشف لم عن حقيقة الياة الدنيا( :إنا هذه الياة الدنيا متاع) . .متاع زائل ل ثبات له ول دوام
( .وإن الخرة هي دار القرار) . .فهي الصل وإليها النظر والعتبار .
ويقرر لم قاعدة الساب والزاء ف دار القرار:
(من عمل سيئة فل يزى إل مثلها .ومن عمل صالا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ,فأولئك
يدخلون النة يرزقون فيها بغي حساب) . .
فقد اقتضى فضل ال أن تضاعف السنات ول تضاعف السيئات ,رحة من ال بعباده ,وتقديرا
لضعفهم ,وللجواذب والوانع لم ف طريق الي والستقامة ,فضاعف لم السنات ,وجعلها
كفارة للسيئات .فإذا هم وصلوا إل النة بعد الساب ,رزقهم ال فيها بغي حساب .
ويستنكر الرجل الؤمن أن يدعوهم إل النجاة فيدعونه إل النار ,فيهتف بم ف استنكار:
52
(ويا قوم ما ل أدعوكم إل النجاة وتدعونن إل النار ?) . .
وهم ل يدعوه إل النار .إنا دعوه إل الشرك .وما الفرق بي الدعوة إل الشرك والدعوة إل النار ?
إنا قريب من قريب .فهو يبدل الدعوة بالدعوة ف تعبيه ف الية التالية:
(تدعونن لكفر بال وأشرك به ما ليس ل به علم .وأنا أدعوكم إل العزيز الغفار) . .
وشتان بي دعوة ودعوة .إن دعوته لم واضحة مستقيمة .إنه يدعوهم إل العزيز الغفار .يدعوهم
إل إله واحد تشهد آثاره ف الوجود بوحدانيته ,وتنطق بدائع صنعته بقدرته وتقديره .يدعوهم إليه
ليغفر لم وهو القادر على أن يغفر ,الذي تفضل بالغفران( :العزيز الغفار) . .فإل أي شيء
يدعونه ? يدعونه للكفر بال .عن طريق إشراك ما ل علم له به من مدعيات وأوهام وألغاز !
ويقرر من غي شك ول ريبة أن هؤلء الشركاء ليس لم من المر شيء ,وليس لم شأن ل ف دنيا
ول ف آخرة ,وأن الرد ل وحده ,وأن السرفي التجاوزين للحد ف الدعاء سيكونون أهل النار:
ل جرم أن ما تدعونن إليه ليس له دعوة ف الدنيا ول ف الخرة .وأن مردنا إل ال .وأن السرفي
هم أصحاب النار .
وماذا يبقى بعد هذا البيان الواضح الشامل للحقائق الرئيسية ف العقيدة ? وقد جهر با الرجل ف
مواجهة فرعون وملئه بل تردد ول تلعثم ,بعدما كان يكتم إيانه ,فأعلن عنه هذا العلن ? ل يبقى
إل أن يفوض أمره إل ال ,وقد قال كلمة وأراح ضميه ,مهددا إياهم بأنم سيذكرون كلمته هذه
ف موقف ل تنفع فيه الذكرى .والمر كله إل ال:
(فستذكرون ما أقول لكم ,وأفوض أمري إل ال ,إن ال بصي بالعباد) . .
وينتهي الدل والوار .وقد سجل مؤمن آل فرعون كلمته الق خالدة ف ضمي الزمان .
*************
وكذلك عندما حاصرت قريش السلمي ف شعب بن هاشم قام بعض الخيار من الشركي
وحاولوا إيصال بعض الساعدات للمسلمي بل حاولوا نقض تلك الصحيفة الظالة
وف السية :
لا رأت قريش أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا
وأن النجاشى قد منع من لأ إليه منهم وأن عمر قد أسلم فكان هو وحزة مع رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم وجعل السلم ينتشر ف القبائل اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه
على بن هاشم وبن الطلب عل أن ل يناكحوهم ول يبايعوهم ول يالطوهم ول يقبلوا منهم
صلحا أبدا ول تأخذهم بم رأفة حت يسلموا رسول اللّه للقتل أعن أنم اتفقوا وتعهدوا على
مقاطعتهم مقاطعة تامة انتقاما منهم لسلمهم ودفاعهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وكتبوا بذلك صحيفة توكيدا لنفسهم وعلقوها ف جوف الكعبة هلل الحرم سنة سبع من
53
النبوة ( 617م) .وكانت الصحيفة مكتوبة بط منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ف شعبه
مع بن هاشم وخرج أبو لب إل قريش فظاهرهم على بن هاشم وبن الطلب وقطعوا عنهم
الية والادة فكانوا ل يرجون المن موسم إل موسم حت بلغهم الهد وسع أصوات صبيانم
من وراء الشعب .فمن قريش من سره ذلك ومنهم من ساءه وقال انظروا ما أصاب منصور بن
عكرمة ،فأقاموا ف الشعب ثلث سني حت أنفق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ماله وأنفق أبو
طالب ماله وأنفقت خدية مالا وصاروا إل حد الضر والفاقة .ث أطلع اللّه رسوله على أمر
صحيفتهم وأن الرضة قد أكلت ماكان فيها من جور وظلم وبقي ما كان فيها من ذكر اللّه،
فذكر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لب طالب فذكر أبو طالب لخوته وخرجوا إل
السجد .فقال أبو طالب لكفار قريش إن أخي قد أخبن ول يكن يكذبن قط أن اللّه قد سلط
على صحيفتكم الرضة فلحست ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم وبقي فيها كل ما
ذكر اللّه فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم وإن كان كاذبا دفعته اليكم فقتلتموه
أو استحييتموه .قالوا قد أنصفتنا فأرسلوا إل الصحيفة ففتحوها فإذا هي كما قال رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم فسقط ف أيديهم ونكسوا على رءوسهم .فقال أبو طالب علم نبس
ونصر وقد بان المر ،ث دخل هو وأصحابه بي أستار الكعبة والكعبة فقال اللّهم انصرنا من
ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل فيهم مطعم بن عدي وعدي بن قيس وزمعة بن السود وأبو
الَبخْتَري بن هشام وزهي بن أب أمية ولبسوا السلح ث خرجوا إل بن هاشم وبن الطلب
فأمروهم بالروج إل مساكنهم ففعلوا .فلما رأت قريش ذلك سقط ف أيديهم وعرفوا أن لن
يسلموهم وكان خروجهم من الشعب ف السنة العاشرة.
وف سية ابن هشام أنم أقاموا على ذلك سنتي أو ثلثا حت جهدوا ل يصل اليهم شيء ال سرا
مسخفيا به من أراد صلتهم قريش وقد كان أبو جهل بن هشام فيما يذكرون لقى حكيم بن
حزام بن خويلد بن أسد معه غلم يمل قمحا يريد به عمته خدية بنت خويلد وهي عند رسول
اللّه ومعه ف الشعب فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إل بن هاشم واللذه ل تبح أنت وطعامك
حت أفضحك بكة فجاءه أبو البختري وقال :طعام كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أفتمنعه أن
يأتيها بطعامها؟ خلّ سبيل الرجل .فأب أبو جهل حت نال أحدها من صاحبه .فأخذ له أبو
البختري َلحْيَ بعي فضربه به فشجه ووطئه وطئا شديدا وحزة بن عبد الطلب قريب يرى ذلك
وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه فيشمتوا بم ورسول اللّه
على ذلك يدعوا قومه ليل ونارا وسرا وجهارا مباديا بأمر اللّه ل يتقي فيه أحدا من الناس .هذا
ومن الدهش أن مرجوليث يقول أن أبا جهل كان مشهورا بالعقل والذكاء (،)1
54
وهل تدري لاذا أيها القارئ؟ لنه كان معاديا لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم لن أعماله
وصفاته الت ذكرناها ل تدل على أنه كان عاقل ذكيا .إن النب صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو
العرب إل ما فيه خيهم وسعادتم ف دنياهم وأخراهم .كان يدعو إل عبادة اللّه الواحد وإل
نبذ عبادة الجارة ومعن ذلك .أنه كان يعمل على انتشالم من النطاط الدين الذي كانوا
غارقي فيه ورفعهم إل أعلى الراتب وأسى العقائد .وعدا ذلك فقد كان عليه السلم يهذبم
ويعلمهم مكارم الخلق ويبث ف نفوسهم الداب الجتماعية العالية ،فهل يقال عن رجل
أتصف بشدة عداوته لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه عاقل؟ ث أن مرجوليث يظهر حقه
على من أسلموا ولسيما إذا كانوا من البطال الشداء فيميهم بأوصاف ذميمة منفردة.
وكذلك كما حدث ف سجن قوانتناموا وف سجن أبو غريب حيث وجد بعض الحرار الذين
قاموا بتصوير بعض الرائم الت تت فيه
بينما طغاة السلمي ل يكون هذا عندهم لنم يتارون أشد الناس عداوة للسلم السلمي
ليكونوا أدوات طيعة بي أيديهم ولن البطش يصل بم إل الشخص وأهله وأقربائه وبلده
وأصدقائه
.2طغاة الكفار يعملون ف العلن بينما طغاة السلمي يعملون ف السر
وهم أشد وأنكى نعم طغاة الكفار يعملون أمام الل ويقولون
لقومهم ماذا سيفعلون بينما طغاة السلمي يقولون ما ل يفعلون
ويفعلون ما ل يؤمرون به
.3طغاة الكفار يتركون مساحة من الرية لغيهم بينما طغاة السلمي
ل يتركون شيئا إل ما يدم مصالهم ويقق شهواتم الدنيئة وهذا
ف كل بلد السلم فالطاغية ل يسمح إل للمطبلي والطبلت
والناعقي والناعقات أن يسبحوا بمده ليل نار ويتحدثوا عن
عطاءاته وكراماته وحت فسائه وضراطه
.4طغاة الكفار يقبلون النقد وفوقهم قانون بينما طغاة السلمي ل
يقبلون نقدا ول يرجعون إل قانون نعم طغاة الكفار ليسوا معصومي
عن النقد بل ينتقدهم أدن واحد من رعيتهم وفوقهم قانون ل
يستطيعون مالفته وليس لم حصانة ،بينما طغاة السلمي ل
يقبلون نقدا أصل ول يسألون عما يفعلون وهم أشد من فرعون
الذي يقول 000 { :قَا َل ِف ْر َعوْنُ مَا ُأرِي ُكمْ إِلّا مَا َأرَى َومَا َأهْدِيكُمْ ِإلّا
سَبِيلَ الرّشَادِ} ( )29سورة غافر
55
إنن ل أقول لكم إل ما أراه صوابا ,وأعتقده نافعا .وإنه لو الصواب والرشد بل شك ول
جدال ! وهل يرى الطغاة إل الرشد والي والصواب ?! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنم قد
يطئون ?! وهل يوز لحد أن يرى إل جوار رأيهم رأيا ?! وإل فلم كانوا طغاة ?!
جرِي
صرَ َوهَ ِذهِ الَْأْنهَارُ تَ ْ
وقال تعال عنه { :وَنَادَى ِف ْر َعوْنُ فِي َق ْو ِمهِ قَالَ يَا َق ْومِ أََلْيسَ لِي ُم ْلكُ ِم ْ
صرُونَ} ( )51سورة الزخرف مِن َتحْتِي َأفَلَا تُْب ِ
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
يقول تعال مبا عن فرعون وترده وعتوه وكفره وعناده ,أنه جع قومه فنادى فيهم متبجحا
مفتخرا بلك مصر وتصرفه فيها{أليس ل ملك مصر وهذه النار تري من تت} قال قتادة :قد
كانت لم جنات وأنار ماء {أفل تبصرون} أي أفل ترون ما أنا فيه من العظمة واللك ,يعن موسى
وأتباعه فقراء ضعفاء وهذا كقوله تعال{:فحشر فنادى * فقال أنا ربكم العلى * فأخذه ال نكال
الَخرة والول}.
.5طغاة الكفار ل يلتبس أمرهم على الناس بينما طغاة السلمي يلتبس
أمرهم على عامة الناس نعم وهذا واضح جلي فالناس (( لهلهم
تفرق بي الطاغية العرب والطاغية الكافر وإل فما الذي جعل الشعوب
تنع للطاغية كمال أتاتورك وعبد الناصر والسد وغيهم من طغاة
السلمي الموات والحياء
.6طغاة الكفار يهلون كثيا من طبيعة السلمي بينما طغاة السلمي
يعرفون الكثي منها نعم لن طغاة الكفار غريبون عن السلمي وعن
بيئتهم بينما طغاة السلمي هم من أبناء جلدتنا ومن الحسوبي علينا
56
وأعوانم منا ولذا فإن طغاة الكفار يسلمون زمام المور لؤلء الطغاة
الصغار لنم القدر والنسب لكم بلد السلمي
.7طغاة الكفار يسهل حربم بينما طغاة السلمي يصعب
نعم يسهل حرب طغاة الكفار عب التاريخ السلمي كله ما خنع السلمون لم بل
قاوموا باطلهم بكل ما أوتوا من قوة بينما خنعوا واستكانوا لطغاة السلمي وذلك
لغيبة العقيدة السلمية الصحيحة ف نفوسهم وغيبة مفهوم الولء والباء
حبّواْ
وال تعال يقول { :يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ َل تَتّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَِإ ْخوَاَنكُمْ َأوْلِيَاء إَنِ اسْتَ َ
الْ ُك ْفرَ َعلَى ا ِليَانِ َومَن َيَتوَّلهُم مّنكُمْ فَُأوَْلِئكَ هُ ُم الظّالِمُونَ} ( )23سورة التوبة
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
** يَأَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ لَ تَّتخِ ُذوَاْ آبَآءَكُ ْم وَإِ ْخوَانَكُمْ َأوِْليَآءَ إَ ِن ا ْستَحَبّواْ الْ ُك ْف َر عَلَى ا ِليَا ِن َومَن يََتوَّلهُمْ
ك هُمُ الظّالِمُو َن * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُ ْم وَأَْبنَآؤُكُ ْم وَإِ ْخوَانُكُ ْم وََأ ْزوَاجُكُ ْم َوعَشِيَتُ ُكمْ مّن ُكمْ فَُأوْلَـِئ َ
ضوَْنهَآ أَ َحبّ إِلَيْكُ ْم مّ َن الّل ِه َورَسُوِلهِ َو ِجهَادٍ شوْنَ كَسَا َدهَا َومَسَا ِكنُ َت ْر َ وََأ ْموَا ٌل ا ْقَترَفْتُمُوهَا وَِتجَا َرةٌ تَخْ َ
فِي سَبِيِلهِ َفَترَّبصُواْ حَّتىَ يَأِْتيَ الّلهُ بَِأ ْمرِ ِه وَالّلهُ َل َيهْدِي اْل َقوْمَ اْلفَا ِس ِقيَ
يأمر تعال بباينة الكفار به وإن كانوا آباء أو أبناء ,ونى عن موالتم إن استحبوا أي اختاروا الكفر
على اليان ,وتوعد على ذلك كقوله تعال {ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الَخر يوادّون من حادّ
ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانم أو عشيتم أولئك كتب ف قلوبم اليان
وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تري من تتها النار} الَية ,وروى الافظ البيهقي من حديث
عبد ال بن شوذب قال :جعل أبو أب عبيدة بن الراح ينعت له الَلة يوم بدر وجعل أبو عبيدة ييد
عنه فلما أكثر الراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله فأنزل ال فيه هذه الَية {ل تد قوما يؤمنون بال
واليوم الَخر يوادّون من حادّ ال ورسوله} الَية .ث أمر تعال رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته
وعشيته على ال ورسوله وجهاد ف سبيله فقال{ :قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم
وأزواجكم وعشيتكم وأموال اقترفتموها} أي اكتسبتموها وحصلتموها {وتارة تشون كسادها
ومساكن ترضونا} أي تبونا لطيبها وحسنها ,أي إن كانت هذه الشياء {أحب إليكم من ال
ورسوله وجهاد ف سبيله فتربصوا} أي فانتظروا ماذا يل بكم من عقابه ونكاله بكم ولذا قال
{حت يأت ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقي}.
وقال المام أحد :حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن ليعة عن زهرة بن معبد عن جده قال :كنا مع
رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الطاب فقال :وال يا رسول ال لنت أحب
إل من كل شيء إل من نفسي ,فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم« :ل
ل من نفسي ,فقال يؤمن أحدكم حت أكون أحب إليه من نفسه» فقال عمر فأنت الَن وال أحب إ ّ
57
رسول ال صلى ال عليه وسلم «الَن يا عمر» انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن يي بن سليمان
عن ابن وهب عن حيوة بن شريح عن أب عقيل زهرة بن معبد أنه سع جده عبد ال بن هشام عن
النب صلى ال عليه وسلم بذا ,وقد ثبت ف الصحيح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال «والذي نفسي
بيده ل يؤمن أحدكم حت أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجعي» وروى المام أحد وأبو
داود واللفظ له من حديث أب عبد الرحن الراسان عن عطاء الراسان عن نافع عن ابن عمر قال:
سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول «إذا تبايعتم بالعينة وأخذت بأذناب البقر ورضيتم بالزرع
وتركتم الهاد سلط ال عليكم ذلً ل ينعه حت ترجعوا إل دينكم» وروى المام أحد أيضا عن
يزيد بن هارون عن أب جناب عن شهر بن حوشب أنه سع عبد ال بن عمرو عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم بنحو ذلك ,وهذا شاهد للذي قبله وال أعلم.
58
ول يكتفي السياق بتقرير البدأ ,بل يأخذ ف استعراض ألوان الوشائج والطامع واللذائذ ; ليضعها
كلها ف كفة ويضع العقيدة ومقتضياتا ف الكفة الخرى:الباء والبناء والخوان والزواج والعشية
[ وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج ] والموال والتجارة [ مطمع الفطرة ورغبتها ] والساكن
الرية [ متاع الياة ولذتا ] . .وف الكفة الخرى:حب ال ورسوله وحب الهاد ف سبيله .
الهاد بكل مقتضياته وبكل مشقاته .الهاد وما يتبعه من تعب ونصب ,وما يتبعه من تضييق
وحرمان ,وما يتبعه من أل وتضحية ,وما يتبعه من جراح واستشهاد . .وهو -بعد هذا كله -
"الهاد ف سبيل ال" مردا من الصيت والذكر والظهور .مردا من الباهاة ,والفخر واليلء .
مردا من إحساس أهل الرض به وإشارتم إليه وإشادتم بصاحبه .وإل فل أجر عليه ول ثواب . .
(قل:إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيتكم وأموال اقترفتموها ,وتارة تشون
كسادها ,ومساكن ترضونا ,أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد ف سبيله . .فتربصوا حت يأت
ال بأمره ). . .
أل إنا لشاقة .أل وإنا لكبية .ولكنها هي ذاك . .وإل:
(فتربصوا حت يأت ال بأمره) .
وإل فتعرضوا لصي الفاسقي:
(وال ل يهدي القوم الفاسقي) . .
وهذا التجرد ل يطالب به الفرد وحده ,إنا تطالب به الماعة السلمة ,والدولة السلمة .فما يوز
أن يكون هناك اعتبار لعلقة أو مصلحة يرتفع على مقتضيات العقيدة ف ال ومقتضيات الهاد ف
سبيل ال .
وما يكلف ال الفئة الؤمنة هذا التكليف ,إل وهو يعلم أن فطرتا تطيقه -فال ل يكلف نفسا إل
وسعها -وإنه لن رحة ال بعباده أن أودع فطرتم هذه الطاقة العالية من التجرد والحتمال ; وأودع
فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد ل تعدلا لذائذ الرض كلها . .
لذة الشعور بالتصال بال ,ولذة الرجاء ف رضوان ال ,ولذة الستعلء على الضعف والبوط ,
واللص من ثقلة اللحم والدم ,والرتفاع إل الفق الشرق الوضيء .فإذا غلبتها ثقلة الرض ففي
التطلع إل الفق ما يدد الرغبة الطامعة ف اللص والفكاك .
==========================
59
•الباب الثالث
ما فعله طغاة المسلمين بالمسلمين
حكُمُ ِبهَا .1الكم بغي ما أنزل ال قال تعال ِ :إنّا أَنزَْلنَا الّت ْورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَ ْ
حفِظُوْا مِن كِتَابِ الّلهِ النّبِيّونَ الّذِينَ َأسْلَمُواْ لِلّذِي َن هَادُوْا وَالرّبّاِنيّونَ وَالَ ْحبَارُ بِمَا اسُْت ْ
ل َومَن شوْ ِن وَلَ َتشَْترُواْ بِآيَاتِي ثَ َمنًا َقلِي ً شوُْا النّاسَ وَاخْ َوَكَانُوْا عََلْيهِ ُشهَدَاء فَلَ َتخْ َ
لّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَ َل الّلهُ فَُأوْلَـِئكَ هُ ُم الْكَاِفرُونَ ( )44وَكَتَْبنَا عََلْيهِمْ فِيهَا أَ ّن الّنفْسَ
جرُوحَ ف وَا ُلذُنَ بِا ُلذُنِ وَالسّ ّن بِالسّ ّن وَالْ ُ س وَاْلعَيْ َن بِاْلعَيْ ِن وَالَنفَ بِالَن ِ بِالّن ْف ِ
ك هُمُ ِقصَاصٌ فَمَن َتصَدّقَ ِبهِ َف ُهوَ َكفّا َرةٌ ّل ُه َومَن لّ ْم يَحْكُم بِمَا أنزَ َل الّلهُ فَُأوْلَـِئ َ
الظّالِمُونَ ( )45وََقفّيْنَا عَلَى آثَا ِرهِم ِبعَيسَى ابْ ِن َمرْيَ َم ُمصَدّقًا لّمَا بَيْ َن يَدَْي ِه مِنَ
الّت ْورَاةِ وَآتَْينَاهُ الِنِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ َو ُمصَدّقًا لّمَا بَْينَ يَدَْي ِه مِنَ الّت ْورَا ِة َوهُدًى
حكُم بِمَا حكُمْ َأهْلُ الِنِيلِ بِمَا أَنزَلَ الّلهُ فِي ِه َومَن لّمْ يَ ْ َو َم ْوعِظَةً لّلْمُّت ِقيَ ( )46وَلْيَ ْ
أَنزَلَ الّلهُ فَُأوْلَـِئكَ هُ ُم اْلفَا ِسقُو َن ( )47وَأَنزَلْنَا إِلَْيكَ الْكِتَابَ بِالْحَ ّق ُمصَدّقًا لّمَا
بَيْ َن يَدَْي ِه مِنَ الْ ِكتَابِ َو ُمهَيْ ِمنًا عََلْيهِ فَاحْكُم بَيَْنهُم بِمَا أَنزَ َل الّل ُه وَلَ َتتّبِعْ َأ ْهوَاءهُمْ
جعَلَكُمْ ُأمّةً عَمّا جَاءكَ مِ َن الْحَ ّق لِكُلّ َجعَ ْلنَا مِنكُمْ ِش ْر َعةً َومِْنهَاجًا وََلوْ شَاء الّلهُ لَ َ
وَاحِ َد ًة وَلَـكِن لَّيبُْلوَكُ ْم فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَِبقُوا الَْيرَاتِ إِلَى ال َمرْ ِجعُكُمْ جَمِيعًا
فَيَُنبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخَْتِلفُونَ ( )48وَأَ ِن احْكُم َبيَْنهُم بِمَا أَنزَ َل الّل ُه وَلَ تَتّبِعْ
ض مَا أَنزَلَ الّلهُ إِلَْيكَ َفإِن َتوَّلوْْا فَاعْلَمْ َأنّمَا
َأ ْهوَاءهُمْ وَاحْ َذ ْرهُمْ أَن َيفْتِنُو َك عَن َبعْ ِ
ض ذُنُوِبهِ ْم وَإِنّ َكثِيا مّنَ النّاسِ َلفَا ِسقُو َن (َ )49أفَحُكْمَ ُيرِيدُ الّلهُ أَن ُيصِيَبهُم بَِبعْ ِ
الْجَا ِهلِيّةِ يَْبغُو َن َومَنْ أَحْسَ ُن مِ َن الّلهِ حُكْمًا ّل َقوْمٍ يُوِقنُو َن ( )50سورة الائدة
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
-44إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يكم با النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون
والحبار با استحفظوا من كتاب ال وكانوا عليه شهداء فل تشوا الناس واخشون ول تشتروا
بآيات ثنا قليل ومن ل يكم با أنزل ال فأولـئك هم الكافرون
نزلت هذه اليات الكريات ف السارعي ف الكفر الارجي عن طاعة ال ورسوله القدمي
آراءهم وأهواءهم على شرائع ال عز وجل ( من الذين قالوا آمنا بأفواههم ول تؤمن قلوبم ) ي
أظهروا اليان بألسنتهم وقلوبم خراب خاوية منه هؤلء هم النافقون ( من الذين هادوا ) عداء
السلم وأهله وهؤلء كلهم ( ساعون للكذب ) ي مستجيبون له منفعلون عنه ( ساعون لقوم
آخرين يأتوك ) ي يستجيبون لقوام آخرين ل يأتون ملسك ياممد وقيل الراد أنم يتسمعون
60
الكلم وينهونه إل قوم آخرين من ل يضر عندك من أعدائك ( يرفون الكلم من بعد
مواضعه ) ي يتأولونه على غي تأويله ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ( يقولون إن
أوتيتم هذا فخذوه وإن ل تؤتوه فاحذروا ) يل نزلت ف أقوام من اليهود قتلوا قتيل وقالوا تعالوا
حت نتحاكم إل ممد فإن حكم بالدية فاقبلوه وإن حكم بالقصاص فل تسمعوا منه والصحيح
أنا نزلت ف اليهوديي اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب ال الذي بأيديهم من المر برجم من
أحصن منهم فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على اللد مئة جلدة والتحميم والركاب على
حارين مقلوبي فلما وقعت تلك الكائنة بعد الجرة قالوا فيما بينهم تعالوا حت نتحاكم إليه فإن
حكم باللد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبي ال ويكون نب من أنبياء ال قد
حكم بينكم بذلك وإن حكم بالرجم فل تتبعوه ف ذلك ' م ' 1700وقد وردت الحاديث
بذلك فقال مالك ' ' 2/819عن نافع عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما أن اليهود جاؤا إل
رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرا له أن رجل منهم وامرأة زنيا فقال لم رسول ال صلى ال
عليه وسلم ما تدون ف التوراة ف شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويلدون قال عبد ال بن سلم
كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما
بعدها فقال له عبد ال بن سلم إرفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم فقالوا صدق ياممد فيها آية
الرجم فأمر بما رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجا فرأيت الرجل ين على الرأة يقيها
الجارة أخرجاه ' خ 6841م ' 1699وهذا لفظ البخاري وف لفظ له ' ' 7543قال
لليهود ما تصنعون بما قالوا نسخم وجوههما ونزيهما قال ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم
صادقي ) جاؤا فقالوا لرجل منهم من يرضون أعور اقرأ فقرأ حت انتهى إل موضع منها فوضع
يده عليه فقال ارفع يدك فرفع فإذا آية الرجم تلوح قال ياممد إن فيها آية الرجم ولكنا نتكاته
بيننا فأمر بما فرجا وعند مسلم ' ' 1699أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتى بيهودي
ويهودية قد زنيا فانطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم حت جاء يهود فقال ما تدون ف التوراة
على من زنا قالوا نسود وجوههما ونملهما ونالف بي وجوههما ويطاف بما قال ( فأتوا
بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقي ) ال فجاؤا با فقرؤوها حت إذا مر بآية الرجم وضع الفت
الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ مابي يديها وما وراءها فقال له عبد ال بن سلم وهو مع
رسول ال صلى ال عليه وسلم مره فليفع يده فرفع يده فإذا تتها آية الرجم فأمر بما رسول
ال صلى ال عليه وسلم فرجا قال عبد ال بن عمر كنت فيمن رجهما فلقد رأيته يقيها من
الجارة بنفسه وقال أبو داود ' ' 4449حدثنا أحد بن سعيد المدان حدثنا ابن وهب حدثنا
هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال أتى نفر من اليهود فدعوا رسول ال
صلى ال عليه وسلم إل القف فأتاهم ف بيت الدارس فقالوا يا أبا القاسم إن رجل منا زن
61
بامرأة فاحكم قال ووضعوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم وسادة فجلس عليها ث قال ائتون
بالتوراة فأت با فنع الوسادة من تته ووضع التوراة عليها وقال آمنت بك وبن أنزلك ث قال
ائتون بأعلمكم فأت بفت شاب ث ذكر قصة الرجم نو حديث مالك عن نافع وقال الزهري
سعت رجل من مزينة من يتبع العلم ويعيه ونن عند ابن السيب يدث عن أب هريرة قال زن
رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا إل هذا النب فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا
بفتيا دون الرجم قبلنا واحتججنا با عند ال قلنا فتيا نب من أنبيائك قال فأتوا النب صلى ال عليه
وسلم وهو جالس ف السجد ف أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما تقول ف رجل وامرأة منهم زنيا
فلم يكلمهم كلمة حت أتى بيت مدارسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بال الذي أنزل التوراة
على موسى ما تدون ف التوراة على من زن إذا أحصن قالوا يمم ويبه ويلد والتجبيه أن
يمل الزانيان على حار وتقابل أقفيهما ويطاف بما قال وسكت شاب منهم فلما رآه رسول
ال صلى ال عليه وسلم عليه سكت ألظ به رسول ال صلى ال عليه وسلم النشدة فقال اللهم إذ
نشدتنا فأنا ند ف التوراة الرجم فقال النب صلى ال عليه وسلم فما أول ماارتصتم أمر ال فقال
زن ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثزن رجل ف أثره من الناس فأراد رجه
فحال قومه دونه وقالوا ل نرجم صاحبنا حت تئ بصاحبك فترجه فاصطلحوا هذه العقوبة
بينهم فقال النب صلى ال عليه وسلم فإن أحكم با ف التوراة فأمر بما فرجا قال الزهري فبلغنا
أن هذه الية نزلت فيهم ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يكم با النبيون الذين أسلموا ) كان
النب صلى ال عليه وسلم منهم رواه أحد وأبو داود ' ' 4450وهذا لفظه وابن جرير وقال
المام أحد ' ' 4/286حدثنا أبو معاوية حدثنا العمش عن عبد ال بن مرة عن الباء بن
عازب قال مر على رسول ال صلى ال عليه وسلم يهودي ممم ملود فدعاهم فقال أهكذا
تدون حد الزان ف كتابكم فقالوا نعم فدعا رجل من علمائهم فقال أنشدك بالذي أنزل التوراة
على موسى أهكذا تدون حد الزان ف كتابكم فقال ل وال ولو أنك نشدتن بذا ل أخبك ند
حد الزان ف كتابنا الرجم ولكنه كثر ف أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا
الضعيف أقمنا عليه الد فقلنا تعالوا حت نعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على
التحميم واللد فقال النب صلى ال عليه وسلم اللهم إن أول من أحيا أمرك إذا أماتوه قال فأمر
به فرجم قال فأنزل ال عز وجل ( يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ) ل قوله
( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ) ي يقولون ائتوا ممدا فإن أفتاكم بالتحميم واللد فخذوه وإن
أفاتكم بالرجم فاحذروه إل قوله ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال ف
اليهود إل قوله ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون ) ال ف اليهود ( ومن ل يكم
با أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ) ال ف الكفار كلها انفرد بإخراجه مسلم ' ' 1700دون
62
البخاري وأبو داود ' ' 4447والنسائي ' كبى تفة ' 1771وابن ماجة ' ' 2327من غي
وجه عن العمش به وقال المام أبو بكر عبد ال بن الزبي الميدي ف مسنده ' ' 1294
حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا مالد بن سعيد المدان عن الشعب عن جابر بن عبد ال قال زن
رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إل ناس من اليهود بالدينة أن سلوا ممدا عن ذلك فإن
أمركم باللد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فل تأخذوه عنه فسألوه عن ذلك فقال ارسلوا إل
أعلم رجلي فيكم فجاؤا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر فقال لما النب صلى ال عليه
وسلم أنتما أعلم من قبلكما فقال قد دعانا قومنا لذلك فقال النب صلى ال عليه وسلم لما أليس
عندكما التوراة فيها حكم ال قال بلى فقال النب صلى ال عليه وسلم أنشدكم بالذي فلق البحر
لبن إسرائيل وظلل عليكم الغمام وأناكم من آل فرعون وأنزل الن والسلوى على بن إسرائيل
ما تدون ف التوراة ف شأن الرجم فقال أحدها للخر ما نشدت بثله قط ث قال ند ترداد
النظر زنية والعتناق زنية والتقبيل زنية فإذا شهد أربعة أنم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل اليل ف
الكحلة فقد وجب الرجم فقال النب صلى ال عليه وسلم هو ذاك فأمر به فرجم فنلت ( فإن
جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم
بينهم بالقسط إن ال يب القسطي ) رواه أبو داود ' ' 4452وابن ماجة ' ' 2328من
حديث مالد به نوه ولفظ أب داود عن جابر قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال
ائتون بأعلم رجلي منكم فأتوا بابن صوريا فنشدها كيف تدان أمر هذين ف التوراة قال ند
إذا شهد أربعة أنم رأوا ذكره ف فرجها مثل اليل ف الكحلة رجا قال فما ينعكم أن ترجوها
قال ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة
فشهدوا أنم رأوا ذكره مثل اليل ف الكحلة فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم برجهما ث
رواه أبو داود ' ' 4453عن الشعب وإبراهيم النخعي مرسل ول يذكر فيه فدعا بالشهود
فشهدوا فهذه الحاديث دالة على أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حكم بوافقة حكم التوراة
وليس هذا من باب الكرام لم با يعتقدون صحته لنم مأمورون باتباع الشرع الحمدي لمالة
ولكن هذا بوحي خاص من ال عز وجل إليه بذلك وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما
بأيديهم ما تواطؤا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع
علمهم على خلفه بان زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لا يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم
وعدولم إل تكيم الرسول صلى ال عليه وسلم إنا كان عن هوى منهم وشهوة لوافقة آرائهم
ل لعتقادهم صحة ما يكم به ولذا قالوا ( إن أوتيتم هذا ) ي اللد والتحميم فخذوه أي
اقبلوه ( وإن ل تؤتوه فاحذروا ) ي من قبوله واتباعه قال ال تعال ( ومن يرد ال فتنته فلن تلك
له من ال شيئا أولئك الذين ل يرد ال أن يطهر قلوبم لم ف الدنياخزي ولم ف الخرة عذاب
63
عظيم ساعون للكذب ) ي الباطل ( أكالون للسحت ) ي الرام وهو الرشوة كما قاله ابن
مسعود وغي واحد أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر ال قلبه وأن يستجيب له ث قال لنبيه
( فإن جاؤك ) ي يتحاكمون إليك ( فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن
يضروك شيئا ) ي فل عليك أن ل تكم بينهم لنم ل يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الق بل
ما يوافق أهواءهم قال ابن عباس وماهد وعكرمة والسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء
الرسان والسن وغي واحد هي منسوخة بقوله ( وأن احكم بينهم با أنزل ال ) وإن حكمت
فاحكم بينهم بالقسط ) أي بالق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجي عن طريق العدل ( إن ال
يب القسطي ) م قال تعال منكرا عليهم آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة ف تركهم ما
يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنم مأمورن بالتمسك به أبدا ث
خرجوا عن حكمه وعدلوا إل غيه ما يعتقدون ف نفس المر بطلنه وعدم لزومه لم فقال
( وكيف يكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ث يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالؤمني )
م مدح التوراة الت أنزلا على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى
ونور يكم با النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) ي ل يرجون عن حكمها وليبدلونا
وليرفونا ( والربانيون والحبار ) ي وكذلك الربانيون وهم العلماء العباد والحبار وهم
العلماء ( با استحفظوا من كتاب ال ) ي با استودعوا من كتاب ال الذي أمروا أن يظهروه
ويعلموا به ( وكانوا عليه شهداء فل تشوا الناس واخشون ) ي ل تافوا منهم وخافوا من
( ول تشتروا بآيات ثنا قليل ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) يه قولن سيأت
بيانما [ سبب آخر ف نزول هذه اليات الكريات ] وقال المام أحد ' ' 1/246حدثنا
إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحن بن أب الزناد عن أبيه عن عبيد ال بن عبد ال عن ابن
عباس قال إن ال أنزل ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ( فأولئك هم الظالون
) ( فأولئك هم الفاسقون ) ال قال ابن عباس أنزلا ال ف الطائفتي من اليهود وكانت إحداها
قد قهرت الخرى ف الاهلية حت ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قاتلته العزيزة من الذليلة
فديته خسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مئة وسق فكانوا على ذلك حت قدم
النب صلى ال عليه وسلم فقتلت الذليلة من العزيزةقتيل فأرسلت العزيزة إل الذليلة ان ابعثوا لنا
بئة وسق فقالت الذليلة وهل كان ف حيي دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدها واحددية
بعضهم نصف دية إنا أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما إذا قدم ممد فل نعطيكم
فكادت الرب تيج بينهما ث ارتضوا على أن يعلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهم ث
ذكرت العزيزة فقالت وال ماممد بعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ما
أعطونا هذا إل ضيما منا وقهرا لم فدسوا إل ممد من يب لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون
64
حكمتموه وإن ل يعطيكم حذرت فلم تكموه فدسوا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ناسا
من النافقي ليخبوا لم رأي رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما جاؤا رسول ال صلى ال عليه
وسلم أخب رسول ال صلى ال عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا فأنزل ال تعال ( يا أيها
الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ) ل قوله ( الفاسقون ) فيهم وال أنزل وإياهم عن
ال عز وجل ورواه أبو داود ' ' 3576من حديث ابن أب الزناد عن أبيه بنحوه وقال أبو جعفر
بن جرير حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قال حدثنا يونس بن بكي عن ممد بن إسحاق
حدثن داود بن الصي عن عكرمة عن ابن عباس أن اليات الت ف الائدة قوله ( فاحكم عنهم
أو اعرض عنهم ) ل ( القسطي ) نا أنزلت ف الدية ف بن النضي وبن قريظة وذلك أن قتلى
بن النضي كان لم شرف تؤدى الدية كاملة وأن قريظة كان يؤدي لم نصف الدية فتحاكموا
ف ذلك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال ذلك فيهم فحملهم رسول ال صلى ال
عليه وسلم على الق ف ذلك فجعل الدية ف ذلك سواء وال أعلم أي ذلك كان ورواه أحد '
' 1/363وأبو داود ' ' 3591والنسائي ' ' 8/19من حديث ابن إسحاق بنحوه ث قال ابن
جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد ال بن موسى عن علي بن صال عن ساك عن عكرمة عن
ابن عباس قال كانت قريظة والنظي وكان النظي أشرف من قريظة فكان إذا قتل القرظي رجل
من النظي قتل به وإذا قتل النظي رجل من قريظة ودي بئة وسق من تر فلما بعث رسول ال
صلى ال عليه وسلم قتل رجل من النضي رجل من قريظة فقالوا ادفعوا إليه فقالوا بيننا
وبينكمرسول ال صلى ال عليه وسلم فنلت ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) رواه أبو
داود ' ' 4494والنسائي ' ' 8/18وابن حبان ' ' 5057والاكم ف الستدرك ' ' 4/366
من حديث عبد ال بن موسى بنحوه وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حيان وابن زيد وغي واحد
وقد ورى العوف وعلي بن أب طلحة الوالب عن ابن عباس أن هذه اليات نزلت ف اليهوديي
اللذين زنيا كما تقدمت الحاديث بذلك وقد يكون اجتمع هذان السببان ف وقت واحد فنلت
هذه اليات ف ذلك كله وال أعلم ولذا قال بعد ذلك ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
والعي بالعي ) ل آخرها وهذا يقوي أن سبب النول قضية القصاص وال سبحانه وتعال أعلم
وقوله تعال ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال الباء بن عازب وحذيفة بن
اليمان وابن عباس وأبو ملز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد ال بن عبد ال والسن
البصري وغيهم نزلت ف أهل الكتاب زاد السن البصري وهي علينا واجبة وقال عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال نزلت هذه اليات ف بن إسرائيل ورضي ال لذه
المة با رواه ابن جرير وقال ابن جرير أيضا حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخب عبد اللك بن أب
سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنما سأل ابن مسعود عن الرشوة فقال من
65
السحت قال فقال وف الكم قال ذاك الكفر ث تل ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم
الكافرون ) قال السدي ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) قول ومن ل يكم
با أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس
قوله ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال من جحد ما أنزل ال فقد كفر ومن
أقربه فهو ظال فاسق رواه ابن جرير ث اختار أن الية الراد با أهل الكتاب أو من جحد حكم
ال النل ف الكتاب وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعب ومن ل يكم با أنزل
ال قال للمسلمي وقال ابن جرير حدثنا ابن الثن حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن ابن أب
السفر عن الشعب ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال هذا ف السلمي ( ومن
ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون ) ال هذا ف اليهود ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك
هم الفاسقون ) ال هذا ف النصارى وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أب زائدة عن
الشعب وقال عبد الرزاق أيضا أخبنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله
( ومن ل يكم ) لية قال هي به كفر قال ابن طاوس وليس كمن يكفر بال وملئكته وكتبه
ورسله وقال الثوري عن ابن جريح عن عطاء أنه قال كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون
فسق رواه ابن جرير وقال وكيع عن سعيد الكي عن طاوس ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك
هم الكافرون ) ال ليس بكفر ينقل عن اللة وقال ابن أب حات حدثنا ممد بن عبد ال بن يزيد
القرئ حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجي عن طاوس عن ابن عباس ف قوله ( ومن ل
يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ورواه الاكم ف
مستدركه ' ' 2/313من حديث سفيان بن عيينة وقال صحيح على شرط الشيخي ول يرجاه
** وَأَنزَلْنَآ إِلَْيكَ الْكِتَابَ بِالْحَ ّق ُمصَدّقا لّمَا بَيْ َن يَدَْي ِه مِنَ الْ ِكتَابِ َو ُمهَيْمِنا عََلْيهِ فَاحْكُم بَيَْنهُم بِمَآ أَنزَلَ
جعَلَكُمْالّل ُه وَلَ َتتّبِعْ َأ ْهوَآءَهُ ْم عَمّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقّ لِ ُكلّ َجعَلْنَا مِنكُمْ ِش ْرعَ ًة َومِْنهَاجا وََلوْ شَآءَ الّلهُ َل َ
ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وَلَـكِن لَّيبُْلوَكُ ْم فِي مَآ آتَاكُم فَاسَْتِبقُوا الَْيرَاتِ ِإلَىَ ال َمرْ ِجعُكُمْ جَمِيعا فَُينَّبئُكُم بِمَا
ختَِلفُونَ * وَأَنِ احْكُم َبيَْنهُمْ ِبمَآ أَنزَلَ الّل ُه وَلَ تَّتبِعْ َأ ْهوَآ َءهُ ْم وَاحْ َذ ْرهُمْ أَن َيفْتِنُو َك عَن كُنتُ ْم فِيهِ تَ ْ
ض ذُنُوِبهِ ْم وَإِنّ كَثِيا مّنَ النّاسِ ض مَآ أَنزَلَ الّلهُ إِلَْيكَ فَإِن َتوَّلوْاْ فَاعْلَمْ َأنّمَا ُيرِي ُد الّلهُ أَن ُيصِيَبهُم ِبَبعْ َِبعْ ِ
حكْمَ اْلجَاهِِليّةِ َيْبغُونَ َومَنْ أَ ْحسَ ُن مِنَ الّلهِ حُكْما ّل َق ْومٍ يُوقِنُو َن َلفَا ِسقُونَ * أَفَ ُ
لا ذكر تعال التوراة الت أنزلا على موسى كليمه ,ومدحها وأثن عليها وأمر باتباعها حيث كانت
سائغة التباع وذكر النيل ومدحه وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه ,كما تقدم بيانه ,شرع ف ذكر
القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكري ,فقال تعال{ :وأنزلنا إليك الكتاب بالق} أي
بالصدق الذي ل ريب فيه أنه من عند ال {مصدقا لا بي يديه من الكتاب} أي من الكتب التقدمة
التضمنة ذكره ومدحه ,وأنه سينل من عند ال على عبده ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم ,فكان
66
نزوله كما أخبت به ,ما زادها صدقا عند حامليها من ذوي البصائر الذين انقادوا لمر ال ,واتبعوا
شرائع ال ,وصدقوا رسل ال ,كما قال تعال{ :إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يرون
للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لفعولً} أي إن كان ما وعدنا ال على ألسنة
رسله التقدمة من ميء ممد عليه السلم لفعولً ,أي لكائنا ل مالة ول بد.
قوله تعال{ :ومهيمنا عليه} قال سفيان الثوري وغيه ,عن أب إسحاق ,عن التميمي ,عن ابن
عباس :أي مؤتنا عليه .وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس :الهيمن المي ,قال :القرآن أمي
على كل كتاب قبله .ورواه عن عكرمة وسعيد بن جبي وماهد وممد بن كعب وعطية والسن
وقتادة وعطاء الراسان والسدي وابن زيد نو ذلك ,وقال ابن جرير :القرآن أمي على الكتب
التقدمة قبله ,فما وافقه منها فهو حق ,وما خالفه منها فهو باطل ,وعن الوالب عن ابن عباس
{ومهيمنا} أي شهيدا ,وكذا قال ماهد وقتادة والسدي .وقال العوف عن ابن عباس {ومهيمنا}
أي حاكما على ما قبله من الكتب ,وهذه القوال كلها متقاربة العن ,فإن اسم الهيمن يتضمن هذا
كله ,فهو أمي وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله ,جعل ال هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر
الكتب وخاتهاأشلها وأعظمها وأكملها حيث جع فيه ماسن ما قبله ,وزاده من الكمالت ,ماليس
ف غيه ,فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها وتكفل تعال بفظه بنفسه الكرية ,فقال
تعال{ :إنا نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون} فأما ما حكاه ابن أب حات عن عكرمة وسعيد بن جبي
وعطاء الراسان وابن أب نيح عن ماهد ,أنم قالوا ف قوله {ومهيمنا عليه} يعن ممدا صلى ال
عليه وسلم أمي على القرآن فإنه صحيح ف العن ,ولكن ف تفسي هذا بذا نظر ,وف تنيله عليه من
حيث العربية أيضا نظر ,وبالملة فالصحيح الول .وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن
ماهد :وهذا التأويل بعيد من الفهوم ف كلم العرب ,بل هو خطأ ,وذلك أن الهيمن عطف على
الصدق ,فل يكون إل صفة لا كان الصدق صفة له ,قال :ولو كان المر كما قال ماهد لقال:
وأنزلنا إليك الكتاب بالق مصدقا لا بي يديه من الكتاب ,مهيمنا عليه ,يعن من غي عطف.
وقوله تعال{ :فاحكم بينهم با أنزل ال} أي فاحكم يا ممد بي الناس ,عربم وعجمهم ,أميهم
وكتابيهم ,با أنزل ال إليك ف هذا الكتاب العظيم ,وبا قرره لك من حكم من كان قبلك من
النبياء ول ينسخه ف شرعك ,هكذا وجهه ابن جرير بعناه ,قال ابن أب حات :حدثنا ممد بن
عمار ,حدثنا سعيد بن سليمان ,حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسي ,عن الكم ,عن ماهد,
عن ابن عباس ,قال :كان النب صلى ال عليه وسلم ميا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم,
فردهم إل أحكامهم ,فنلت {وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم} فأمر رسول ال صلى
ال عليه وسلم أن يكم بينهم با ف كتابنا.
67
وقوله {ول تتبع أهواءهم} أي آراءهم الت اصطلحوا عليها ,وتركوا بسببها ما أنزل ال على
رسله ,ولذا قال تعال{ :ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق} أي ل تنصرف عن الق الذي
أمرك ال به إل أهواء هؤلء الهلة الشقياء .وقوله تعال{ :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} قال
ابن أب حات :حدثنا أبو سعيد الشج ,حدثنا أبو خالد الحر عن يوسف بن أب إسحاق ,عن أب
إسحاق ,عن التميمي ,عن ابن عباس {لكل جعلنا منكم شرعة} قال :سبيلً .وحدثنا أبو سعيد,
حدثنا وكيع عن سفيان ,عن أب إسحاق ,عن التميمي ,عن ابن عباس {ومنهاجا} قال :وسنة ,كذا
روى العوف عن ابن عباس {شرعة ومنهاجا} سبيلً وسنة ,وكذا روي عن ماهد وعكرمة والسن
البصري وقتادة والضحاك والسدي وأب إسحاق السبيعي ,أنم قالوا ف قوله {شرعة ومنهاجا} أي
ل وسنة ,وعن ابن عباس أيضا وماهد ,أي وعطاء الراسان عكسه {شرعة ومنهاجا} أي سنة سبي ً
وسبيلً ,والول أنسب ,فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي ما يبتدأ فيه إل الشيء ,ومنه يقال:
شرع ف كذا ,أي ابتدأ فيه ,كذا الشريعة وهي ما يشرع فيها إل الاء .أما النهاج فهو الطريق
الواضح السهل ,والسنن الطرائق.
فتفسي قوله{ :شرعة ومنهاجا} بالسبيل والسنة أظهر ف الناسبة من العكس ,وال أعلم .ث هذا
إخبار عن المم الختلفة الديان ,باعتبار ما بعث ال به رسله الكرام من الشرائع الختلفة ف الحكام
التفقة ف التوحيد ,كما ثبت ف صحيح البخاري عن أب هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال «نن معاشر النبياء إخوة لعلت ,ديننا واحد» يعن بذلك التوحيد الذي بعث ال به كل رسول
أرسله وضمنه كل كتاب أنزله ,كما قال تعال {وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل
إله إل أنا فاعبدون} وقال تعال{ :ولقد بعثنا ف كل أمة رسولً أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت}
الَية ,وأما الشرائع فمختلفة ف الوامر والنواهي فقد يكون الشيء ف هذه الشريعة حراما ,ث يل ف
الشريعة الخرى ,وبالعكس ,وخفيفا فيزاد ف الشدة ف هذه دون هذه ,وذلك لا له تعال ف ذلك
من الكمة البالغة ,والجة الدامغة.
ل وسنة,قال سعيد بن أب عروبة عن قتادة :قوله {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} يقول :سبي ً
والسنن متلفة ,هي ف التوراة شريعة ,وف النيل شريعة ,وف الفرقان شريعة ,يل ال فيها ما يشاء
ويرم ما يشاء ,ليعلم من يطيعه من يعصيه ,والدين الذي ل يقبل ال غيه ,التوحيد والخلص ل
الذي جاءت به جيع الرسل عليهم الصلة والسلم ,وقيل :الخاطب بذه الَية هذه المة ومعناه لكل
جعلنا القرآن منكم أيتها المة شرعة ومنهاجا ,أي هو لكم كلكم تقتدون به ,وحذف الضمي
النصوب ف قوله {لكل جعلنا منكم} أي جعلناه ,يعن القرآن ,شرعة ومنهاجا ,أي سبيلً إل
القاصد الصحيحة ,وسنة أي طريقا ومسلكا واضحا بينا ,هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن
ماهد رحه ال ,والصحيح القول الول ,ويدل على ذلك قوله تعال بعده {ولو شاء ال لعلكم أمة
68
واحدة} فلو كان هذا خطابا لذه المة ,لا صح أن يقول {ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة} وهم
أمة واحدة ,ولكن هذا خطاب لميع المم وإخبار عن قدرته تعال العظيمة ,الت لو شاء لمع الناس
كلهم على دين واحد ,وشريعة واحدة ,ل ينسخ شيء منها ,ولكنه تعال شرع لكل رسول شريعة
على حدة ,ث نسخها أو بعضها برسالة الَخر الذي بعده ,حت نسخ الميع با بعث به عبده ورسوله
ممدا صلى ال عليه وسلم ,الذي ابتعثه إل أهل الرض قاطبة ,وجعله خات النبياء كلهم ,ولذا قال
تعال{ :ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} أي أنه تعال شرع الشرائع
متلفة ليختب عباده فيما شرع لم ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته با فعلوه أو عزموا عليه
من ذلك كله .وقال عبد ال بن كثي {فيما آتاكم} يعن من الكتاب.
ث إنه تعال ندبم إل السارعة إل اليات والبادرة إليها ,فقال {فاستبقوا اليات} وهي طاعة ال
واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لا قبله ,والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله ,ث قال
تعال{ :إل ال مرجعكم} أي معادكم أيها الناس ومصيكم إليه يوم القيامة {فينبئكم با كنتم فيه
تتلفون} أي فيخبكم با اختلفتم فيه من الق ,فيجزي الصادقي بصدقهم ,ويعذب الكافرين
الاحدين الكذبي بالق العادلي عنه إل غيه بل دليل ول برهان ,بل هم معاندون للباهي
القاطعة ,والجج البالغة والدلة الدامغة .وقال الضحاك {فاستبقوا اليات} يعن أمة ممد صلى ال
عليه وسلم ,والول أظهر .وقوله {وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم} تأكيد لا تقدم
من المر بذلك والنهي عن خلفه ,ث قال {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك} أي
واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الق فيما ينهونه إليك من أمور ,فل تغتر بم ,فإنم كذبة
كفرة خونة{ ,فإن تولوا} أي عما تكم به بينهم من الق وخالفوا شرع ال{ ,فاعلم أنا يريد ال
أن يصيبهم ببعض ذنوبم} أي فاعلم أن ذلك كائن عن قدر ال وحكمته فيهم أن يصرفهم عن
الدى لا لم من الذنوب السالفة الت اقتضت إضللم ونكالم{ ,وإن كثيا من الناس لفاسقون}
أي إن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربم مالفون للحق ناكبون عنه ,كما قال تعال{ :وما أكثر
الناس ولو حرصت بؤمني} .وقال تعال{ :وإن تطع أكثر من ف الرض يضلوك عن سبيل ال}
الَية.
وقال ممد بن إسحاق حدثن ممد بن أب ممد مول زيد بن ثابت ,حدثن سعيد بن جبي أو
عكرمة .عن ابن عباس قال :قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد ال بن صوريا وشاس بن قيس,
بعضهم لبعض :اذهبوا بنا إل ممد لعلنا نفتنه عن دينه ,فأتوه فقالوا :يا ممد إنك قد عرفت أنا أحبار
يهود ,وأشرافهم ,وساداتم ,وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ول يالفونا ,وإن بيننا وبي قومنا خصومة
فنحاكمهم إليك ,فتقضي لنا عليهم ,ونؤمن لك ونصدقك ,فأب ذلك رسول ال صلى ال عليه
وسلم صلى ال عليه وسلم ,فأنزل ال عز وجل فيهم {وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع
69
أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك} إل قوله {لقوم يوقنون} ,رواه ابن جرير
وابن أب حات.
وقوله تعال{ :أفحكم الاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون} ينكر تعال على من
خرج عن حكم ال الحكم الشتمل على كل خي ,الناهي عن كل شر وعدل إل ما سواه من الَراء
والهواء والصطلحات الت وضعها الرجال بل مستند من شريعة ال ,كما كان أهل الاهلية
يكمون به من الضللت والهالت ما يضعونا بآرائهم وأهوائهم ,وكما يكم به التتار من
السياسات اللكية الأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لم الياسق ,وهو عبارة عن كتاب
مموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شت :من اليهودية والنصرانية واللة السلمية وغيها ,وفيها
كثي من الحكام أخذها من مرد نظره وهواه ,فصارت ف بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الكم
بكتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم ,فمن فعل ذلك منهم فهو
كافر يب قتاله حت يرجع إل حكم ال ورسوله ,فل يكم سواه ف قليل ول كثي ,قال تعال:
{أفحكم الاهلية يبغون} أي يبتغون ويريدون ,وعن حكم ال يعدلون{ ,ومن أحسن من ال حكما
لقوم يوقنون} أي ومن أعدل من ال ف حكمه لن عقل عن ال شرعه ,وآمن به ,وأيقن وعلم أن ال
أحكم الاكمي ,وأرحم بلقه من الوالدة بولدها ,فإنه تعال هو العال بكل شيء ,القادر على كل
شيء ,العادل ف كل شيء.
وقال ابن أب حات :حدثنا أب ,حدثنا هلل بن فياض ,حدثنا أبو عبيدة الناجي قال :سعت السن
يقول :من حكم بغي حكم ال فحكم الاهلية .وأخبنا يونس بن عبد العلى قراءة ,حدثنا سفيان
بن عيينة عن ابن أب نيح ,قال :كان طاوس إذا سأله رجل :أفضل بي ولدي ف النحل ؟ قرأ
{أفحكم الاهلية يبغون} الَية ,وقال الافظ أبو القاسم الطبان :حدثنا أحد بن عبد الوهاب بن
ندة الوطي ,حدثنا أبو اليمان الكم بن نافع ,أخبنا شعيب بن أب حزة ,عن عبد ال بن عبد
الرحن بن أب حسي ,عن نافع بن جبي ,عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
«أبغض الناس إل ال عز وجل ,من يبتغي ف السلم سنة الاهلية ,وطالب دم امرىء بغي حق لييق
دمه» .وروى البخاري عن أب اليمان بإسناده نوه بزيادة.
.2ل قانون
القانون الذي عندهم خليط من السلم والاهلية وهم ل يتحاكمون إليه لنم فوق
القانون فمن الذي سيسألم عما يفعلون ويرتكبون من جرائم ؟؟!!! لنم انتحلوا صفة
اللوهية قال تعال { :لَا يُسَْأ ُل عَمّا َي ْفعَلُ َوهُ ْم يُسْأَلُونَ} ( )23سورة النبياء
70
وقال تعال :
ك َومَا أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن َيتَحَاكَمُواْ أََلمْ َترَ إِلَى الّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُ ْم آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ ِإلَْي َ
ِإلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ ُأ ِمرُواْ أَن َي ْك ُفرُوْا ِبهِ وَُيرِيدُ الشّيْطَانُ أَن ُيضِّلهُ ْم ضَلَلً َبعِيدًا ( )60وَِإذَا قِيلَ
ك صُدُودًا ( )61فَ َكيْفَ ِإذَا َلهُ ْم َتعَاَلوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ الّلهُ وَإِلَى الرّسُو ِل رََأْيتَ الْمُنَاِف ِقيَ َيصُدّونَ عَن َ
َأصَابَْتهُم ّمصِيبَ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَآؤُو َك يَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا إِلّ إِ ْحسَانًا وََت ْوفِيقًا ( )62
سهِمْ َقوْ ًل بَلِيغًا (
ض عَْنهُ ْم َوعِ ْظهُ ْم وَقُل ّلهُ ْم فِي أَنفُ ِك الّذِي َن َيعْلَمُ الّل ُه مَا فِي ُقلُوِبهِمْ فََأ ْع ِر ْ
أُولَـِئ َ
)63النساء
71
من قبلك ) ل قوله ( إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا ) م قال تعال ( أولئك الذي يعلم ال ما ف
قلوبم ) ذا الضرب من الناس هم النافقون وال يعلم ما ف قلوبم وسيجزيهم على ذلك فإنه ل
تفى عليه خافية فاكتف به يا ممد فيهم فإنه عال بظهورهم وبواطنهم ولذا قال له ( فأعرض
عنهم ) ي ل تعنفهم على ما ف قلوبم ( وعظهم ) ي وانهم عما ف قلوبم من النفاق وسرائر
الشر ( وقل لم ف أنفسهم قول بليغا ) ي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلم بليغ رادع لم
وف الظلل :
أل تر إل هذا العجب العاجب . .قوم . .يزعمون . .اليان .ث يهدمون هذا الزعم ف آن ?!
قوم (يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك) .ث ل يتحاكمون إل ما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك ? إنا يريدون أن يتحاكموا إل شيء آخر ,وإل منهج آخر ,وإل حكم آخر . .
يريدون أن يتحاكموا إل . .الطاغوت . .الذي ل يستمد ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك .ول
ضابط له ول ميزان ,ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . .ومن ث فهو . .طاغوت . .طاغوت
بادعائه خاصية من خواص اللوهية .وطاغوت بأنه ل يقف عند ميزان مضبوط أيضا ! وهم ل
يفعلون هذا عن جهل ,ول عن ظن . .إنا هم يعلمون يقينا ويعرفون تاما ,أن هذا الطاغوت مرم
التحاكم إليه( :وقد أمروا أن يكفروا به) . .فليس ف المر جهالة ول ظن .بل هو العمد والقصد .
ومن ث ل يستقيم ذلك الزعم .زعم أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك ! إنا هو الشيطان
الذي يريد بم الضلل الذي ل يرجى منه مآب . .
ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدًا . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتم التحاكم إل الطاغوت .وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إل
الروج من حد اليان وشرطه بإرادتم التحاكم إل الطاغوت ! هذا هو الدافع يكشفه لم .لعلهم
يتنبهون فيجعوا .ويكشفه للجماعة السلمة ,لتعرف من يرك هؤلء ويقف وراءهم كذلك .
ويضي السياق ف وصف حالم إذا ما دعوا إل ما أنزل ال إل الرسول وما أنزل من قبله . .ذلك
الذي يزعمون أنم آمنوا به:
(وإذا قيل لم:تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ,رأيت النافقي يصدون عنك صدودا) .
يا سبحان ال ! إن النفاق يأب إل أن يكشف نفسه ! ويأب إل أن يناقض بديهيات النطق الفطري .
.وإل ما كان نفاقا . . .
إن القتضى الفطري البديهي لليان ,أن يتحاكم النسان إل ما آمن به ,وإل من آمن به .فإذا
زعم أنه آمن بال وما أنزل ,وبالرسول وما أنزل إليه .ث دعي إل هذا الذي آمن به ,ليتحاكم إل
أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التلبيه الكاملة هي البديهية الفطرية .فأما حي يصد ويأب فهو يالف
البديهية الفطرية .ويكشف عن النفاق .وينب ء عن كذب الزعم الذي زعمه من اليان !
72
وإل هذه البديهية الفطرية ياكم ال -سبحانه -أولئك الذين يزعمون اليان بال ورسوله .ث ل
يتحاكمون إل منهج ال ورسوله .بل يصدون عن ذلك النهج حي يدعون إليه صدودا !
ث يعرض مظهرا من مظاهر النفاق ف سلوكهم ; حي يقعون ف ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم
للدعوة إل ما أنزل ال وإل الرسول ; أو بسبب ميلهم إل التحاكم إل الطاغوت .ومعاذيرهم عند
ذلك .وهي معاذير النفاق:
(فكيف إذا أصابتهم مصيبة -با قدمت أيديهم -ث جاؤوك يلفون بال:إن أردنا إل إحسانا
وتوفيقا) . .
وهذه الصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم ف وسط الماعة السلمة -يومذاك -حيث
يصبحون معرضي للنبذ والقاطعة والزدراء ف الوسط السلم .فما يطيق الجتمع السلم أن يرى من
بينه ناسا يزعمون أنم آمنوا بال وما أنزل ,وبالرسول وما أنزل إليه ; ث ييلون إل التحاكم لغي
شريعة ال ; أو يصدون حي يدعون إلىالتحاكم إليها . .إنا يقبل مثل هذا ف متمع ل إسلم له
ول إيان .وكل ما له من اليان زعم كزعم هؤلء ; وكل ما له من السلم دعوى وأساء !
أو قد تصيبهم الصيبة من ظلم يقع بم ; نتيجة التحاكم إل غي نظام ال العادل ; ويعودون باليبة
والندامة من الحتكام إل الطاغوت ; ف قضية من قضاياهم .
أو قد تصيبهم الصيبة ابتلء من ال لم .لعلهم يتفكرون ويهتدون . .
وأياما ما كان سبب الصيبة ; فالنص القرآن ,يسأل مستنكرا:فكيف يكون الال حينئذ ! كيف
يعودون إل الرسول صلى ال عليه وسلم:
(يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا) . . .
إنا حال مزية . .حي يعودون شاعرين با فعلوا . .غي قادرين على مواجهة الرسول صلى ال
عليه وسلم بقيقة دوافعهم .وف الوقت ذاته يلفون كاذبي:أنم ما أرادوا بالتحاكم إل الطاغوت -
وقد يكون هنا هو عرف الاهلية -إل رغبة ف الحسان والتوفيق ! وهي دائما دعوى كل من
ييدون عن الحتكام إل منهج ال وشريعته:أنم يريدون اتقاء الشكالت والتاعب والصاعب ,الت
تنشأ من الحتكام إل شريعة ال ! ويريدون التوفيق بي العناصر الختلفة والتاهات الختلفة
والعقائد الختلفة . .إنا حجة الذين يزعمون اليان -وهم غي مؤمني -وحجة النافقي اللتوين .
.هي هي دائما وف كل حي !
وال -سبحانه -يكشف عنهم هذا الرداء الستعار .ويب رسوله صلى ال عليه وسلم ,أنه يعلم
حقيقة ما تنطوي عليه جوانهم .ومع هذا يوجهه إل أخذهم بالرفق ,والنصح لم بالكف عن هذا
اللتواء:
(أولئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم .فأعرض عنهم وعظهم ,وقل لم ف أنفسهم قول بليغا) . .
73
أولئك الذين يفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويتجون بذه الجج ,ويعتذرون بذه العاذير .وال
يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . .ولكن السياسة الت كانت متبعة -ف ذلك الوقت -مع
النافقي كانت هي الغضاء عنهم ,وأخذهم بالرفق ,واطراد الوعظة والتعليم . .
والتعبي العجيب:
وقل لم . .ف أنفسهم . .قول بليغًا .
تعبي مصور . .كأنا القول يودع مباشرة ف النفس ,ويستقر مباشرة ف القلوب .
وهو يرغبهم ف العودة والتوبة والستقامة والطمئنان إل كنف ال وكنف رسوله . .بعد كل ما بدا
منهم من اليل إل الحتكام إل الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول صلى ال عليه وسلم حي
يدعون إل التحاكم إل ال والرسول . .فالتوبة بابا مفتوح ,والعودة إل ال ل يفت اوانا بعد ;
واستغفارهم ال من الذنب ,واستغفار الرسول لم ,فيه القبول ! ولكنه قبل هذا كله يقرر القاعدة
الساسية:وهي أن ال قد أرسل رسله ليطاعوا -بإذنه -ل ليخالف عن أمرهم .ول ليكونوا مرد
وعاظ ! ومرد مرشدين !
وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال .ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ,فاستغفروا ال ,
واستغفر لم الرسول ,لوجدوا ال توابا رحيمًا . .
وهذه حقيقة لا وزنا . .إن الرسول ليس مرد "واعظ" يلقي كلمته ويضي .لتذهب ف الواء -
بل سلطان -كما يقول الخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين ل يفهمون
مدلول "الدين" .
إن الدين منهج حياة .منهج حياة واقعية .بتشكيلتا وتنظيماتا ,وأوضاعها ,وقيمها ,وأخلقها
وآدابا .وعباداتا وشعائرها كذلك .
وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان .سلطان يقق النهج ,وتضع له النفوس خضوع طاعة
وتنفيذ . .وال أرسل رسله ليطاعوا -بإذنه وف حدود شرعه -ف تقيق منهج الدين .منهج ال
الذي أراده لتصريف هذه الياة .وما من رسول إل أرسله ال ,ليطاع ,بإذن ال .فتكون طاعته
طاعة ل . .ول يرسل الرسل لجرد التأثر الوجدان ,والشعائر التعبدية . .فهذا وهم ف فهم الدين
; ل يستقيم مع حكمة ال من إرسال الرسل .وهي إقامة منهج معي للحياة ,ف واقع الياة . .
وإل فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أن يقف واعظا .ل يعنيه إل أن يقول كلمته ويضي .
يستهتر با الستهترون ,ويبتذلا البتذلون !!!
ومن هنا كان تاريخ السلم كما كان . .كان دعوة وبلغا .ونظام وحكما .وخلفة بعد ذلك
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم تقوم بقوة الشريعة والنظام ,على تنفيذ الشريعة والنظام .لتحقيق
الطاعة الدائمة للرسول .وتقيق إرادة ال من إرسال الرسول .وليست هنالك صورة أخرى يقال
74
لا:السلم .أو يقال لا:الدين .إل أن تكون طاعة للرسول ,مققة ف وضع وف تنظيم .ث تتلف
أشكال هذا الوضع ما تتلف ; ويبقى أصلها الثابت .وحقيقتها الت ل توجد بغيها . .استسلم
لنهج ال ,وتقيق لنهج رسول ال .وتاكم إل شريعة ال .وطاعة للرسول فيما بلغ عن ال ,
وإفراد ل -سبحانه -باللوهية [ شهادة أن ل إله إل ال ] ومن ث إفراده بالاكمية الت تعل
التشريع ابتداء حقا ل ,ل يشاركه فيه سواه .وعدم احتكام إل الطاغوت .ف كثي ول قليل .
والرجوع إل ال والرسول ,فيما ل يرد فيه نص من القضايا الستجدة ,والحوال الطارئه ; حي
تتلف فيه العقول . .
وأمام الذين (ظلموا أنفسهم) بيلهم عن هذا النهج ,الفرصة الت دعا ال النافقي إليها على عهد
رسول ال ,صلى ال عليه وسلم -ورغبهم فيها . .
ولو أنم -إذ ظلموا أنفسهم -جاؤوك ,فاستغفروا ال ,واستغفر لم الرسول ,لوجدوا ال توابا
رحيمًا . .
وال تواب ف كل وقت على من يتوب .وال رحيم ف كل وقت على من يؤوب .وهو -سبحانه
-يصف نفسه بصفته .ويعد العائدين إليه ,الستغفرين من الذنب ,قبول التوبة وإفاضة الرحة . .
والذين يتناولم هذا النص ابتداء ,كان لديهم فرصة استغفار الرسول صلى ال عليه وسلم وقد
انقضت فرصتها .وبقي باب ال مفتوحا ل يغلق .ووعده قائما ل ينقض .فمن أراد فليقدم .ومن
عزم فليتقدم . .
وأخيا ييء ذلك اليقاع الاسم الازم .إذ يقسم ال -سبحانه -بذاته العلية ,أنه ل يؤمن مؤمن
,حت يكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمره كله .ث يضي راضيا بكمه ,مسلما بقضائه .
ليس ف صدره حرج منه ,ول ف نفسه تلجلج ف قبوله:
فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم .ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ,
ويسلموا تسليمًا . .
ومرة أخرى ندنا أمام شرط اليان وحد السلم .يقرره ال سبحانه بنفسه .ويقسم عليه بذاته .
فل يبقى بعد ذلك قول لقائل ف تديد شرط اليان وحد السلم ,ول تأويل لؤول .
اللهم إل ماحكة ل تستحق الحترام . .وهي أن هذا القول مرهون بزمان ,وموقوف على طائفة
من الناس ! وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا ; ول يفقه من التعبي القرآن قليل ول كثيا .
فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم ; جاءت ف صورة قسم مؤكد ; مطلقة من كل قيد . .وليس
هناك مال للوهم أو اليهام بأن تكيم رسول ال صلى ال عليه وسلم هو تكيم شخصه .إنا هو
تكيم شريعته ومنهجه .وإل ل يبق لشريعة ال وسنة رسوله مكان بعد وفاته صلى ال عليه وسلم
وذلك قول أشد الرتدين ارتدادا على عهد أب بكر -رضي ال عنه -وهو الذي قاتلهم عليه قتال
75
الرتدين .بل قاتلهم على ما هو دونه بكثي .وهو مرد عدم الطاعة ل ورسوله ,ف حكم الزكاة ;
وعدم قبول حكم رسول ال فيها ,بعد الوفاة !
وإذا كان يكفي لثبات "السلم" أن يتحاكم الناس إل شريعة ال وحكم رسوله . .فانه ل يكفي
ف "اليان" هذا ,ما ل يصحبه الرضى النفسي ,والقبول القلب ,وإسلم القلب والنان ,ف
اطمئنان !
هذا هو السلم . .وهذا هو اليان . .فلتنظر نفس أين هي من السلم ; وأين هي من اليان !
قبل ادعاء السلم وادعاء اليان !
76
نعم هم يتلون الكفار والفجار ول علقة لم بالسلمي
قال تعال :
ض َومَن يََتوَّلهُم مّنكُمْ يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ َل تَتّخِذُواْ اْلَيهُودَ وَالّنصَارَى َأوِْليَاء َب ْعضُهُمْ َأوِْليَاء َبعْ ٍ
ي (َ )51فَترَى الّذِينَ فِي قُلُوِبهِم مّ َرضٌ يُسَا ِرعُونَ فِيهِمْ فَإِّن ُه مِْنهُمْ إِنّ الّلهَ َل َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِم َ
َيقُولُونَ نَخْشَى أَن ُتصِيبَنَا دَآِئ َرةٌ َفعَسَى الّلهُ أَن يَ ْأتِيَ بِاْلفَتْحِ َأوْ َأ ْمرٍ مّ ْن عِن ِد ِه فَُيصْبِحُواْ َعلَى مَا
سهِمْ نَا ِد ِميَ ( )52وََيقُو ُل الّذِي َن آمَنُواْ َأهَـؤُلء الّذِينَ أَ ْقسَمُواْ بِالّلهِ َجهْدَ أَيْمَاِنهِمْ َأ َسرّواْ فِي َأْنفُ ِ
ِإّنهُمْ لَ َمعَكُمْ حَِب َطتْ َأعْمَاُلهُمْ فََأصْبَحُواْ خَا ِسرِي َن ( )53الائدة
77
وموالتم أنم يشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالسلمي ,فتكون لم أياد عند اليهود
والنصارى ,فينفعهم ذلك .عند ذلك قال ال تعال{ :فعسى ال أن يأت بالفتح} قال السدي :يعن
فتح مكة .وقال غيه :يعن القضاء والفصل{ ,أو أمر من عنده} .قال السدي :يعن ضرب الزية
على اليهود والنصارى{ ,فيصبحوا} يعن الذين والوا اليهود والنصارى من النافقي {على ما أسروا
ف أنفسهم} من الوالة{ ,نادمي} أي على ما كان منهم ما ل يد عنهم شيئا ,ول دفع عنهم
مذورا ,بل كان عي الفسدة ,فإنم فضحوا وأظهر ال أمرهم ف الدنيا لعباده الؤمني بعد أن كانوا
مستورين ,ل يدرى كيف حالم ,فلما انعقدت السباب الفاضحة لم تبي أمرهم لعباد ال الؤمني,
فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنم من الؤمني ,ويلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبم
وافتراؤهم ,ولذا قال تعال{ :ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم
حبطت أعمالم فأصبحوا خاسرين}.
وقد اختلف القرّاء ف هذا الرف فقرأه المهور بإثبات الواو ف قوله {ويقول} ,ث منهم من رفع
ويقول :على البتداء ,ومنهم من نصب عطفا على قوله {فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده}
فتقديره أن يأت وأن يقول وقرأ أهل الدينة {يقول الذين آمنوا} بغي واو ,وكذلك هو ف مصاحفهم
على ما ذكره ابن جرير .قال ابن جرير عن ماهد {فعسى ال يأت بالفتح أو أمر من عنده} تقديره
حينئذ {يقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم حبطت أعمالم فأصبحوا
خاسرين} واختلف الفسرون ف سبب نزول هذه الَيات الكريات ,فذكر السدي أنا نزلت ف
رجلي قال أحدها لصاحبه بعد وقعة أحد :أما أنا فإن ذاهب إل ذلك اليهودي فآوي إليه وأتوّد
معه ,لعله ينفعن إذا وقع أمر أو حدث حادث .وقال الَخر أما أنا فإن ذاهب إل فلن النصران
بالشام فآوي إليه وأتنصر معه ,فأنزل ال {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}
الَيات ,وقال عكرمة :نزلت ف أب لبابة بن عبد النذر حي بعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم إل
بن قريظة فسألوه :ماذا هو صانع بنا ؟ فأشار بيده إل حلقه أي أنه الذبح ,رواه ابن جرير.
وقيل :نزلت ف عبد ال بن أب ابن سلول ,كما قال ابن جرير :حدثنا أبو كريب ,حدثنا ابن
إدريس قال :سعت أب عن عطية بن سعد قال :جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج
إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يارسول ال ,إن ل موال من يهود كثي عددهم ,وإن أبرأ
إل ال ورسوله من وليه يهود ,وأتول ال ورسوله ,فقال عبد ال بن أب :إن رجل أخاف الدوائر ل
أبرأ من ولية موال ,فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب «يا أبا الباب ,ما بلت به
من ولية يهود على عبادة بن الصامت ,فهو لك دونه» قال :قد قبلت ,فأنزل ال عز وجل {يا أيها
الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَيتي.
78
ث قال ابن جرير :حدثنا هناد ,حدثنا يونس بن بكي ,حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن الزهري:
قال :لا انزم أهل بدر ,قال السلمون لوليائهم من اليهود :أسلموا قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم
بدر ,فقال مالك بن الصيف :أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ل علم لم بالقتال ,أما لو أمررنا
العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا ,فقال عبادة بن الصامت :يا رسول ال ,إن
أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيا سلحهم شديدة شوكتهم ,وإن أبرأ إل ال وإل
رسوله من ولية يهود ,ول مول ل إل ال ورسوله ,فقال عبد ال بن أب :لكن ل أبرأ من ولية
يهود ,إن رجل ل بد ل منهم ,فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم «يا أبا الباب ,أرأيت الذي
نفست به من ولية يهود على عبادة بن الصامت ,فهو لك دونه» فقال :إذا أقبل ,قال :فأنزل ال
{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ـ إل قوله تعال ـ وال يعصمك من
الناس}.
وقال :ممد بن إسحاق :فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال
عليه وسلم بنو قينقاع ,فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة قال :فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه
وسلم حت نزلوا على حكمه ,فقام إليه عبد ال بن أب ابن سلول حي أمكنه ال منهم ,فقال :يا
ممد أحسن ف موال وكانوا حلفاء الزرج ,قال :فأبطأ عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى
ال عليه وسلم ,فقال :يا ممد أحسن ف موال ,قال :فأعرض عنه .قال :فأدخل يده ف جيب درع
رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم ,فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم
«أرسلن» ,وغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل ,ث قال «ويك أرسلن»
قال :ل وال ل أرسلك حت تسن ف موال أربعمائة حاسر ,وثلثائة دارع ,قد منعون من الحر
والسود ,تصدن ف غداة واحدة إن امرؤ أخشى الدوائر ,قال :فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم «هم لك» قال ممد بن إسحاق :فحدثن أبو إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة
بن الصامت ,قال :لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد ال بن
أب ,وقام دونم ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف
بن الزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب ,فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم
صلى ال عليه وسلم ,وتبأ إل ال ورسوله من حلفهم ,وقال :يا رسول ال ,أبرأ إل ال وإل رسوله
من حلفهم ,وأتول ال ورسوله والؤمني ,وأبرأ من حلف الكفار ,ووليتهم ,ففيه وف عبد ال بن
أب نزلت الَيات ف الائدة {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم ـ إل
قوله ـ ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون}.
وقال المام أحد :حدثنا قتيبة بن سعيد ,حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة عن ممد بن إسحاق,
عن الزهري ,عن عروة ,عن أسامة بن زيد قال :دخلت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على عبد
79
ال بن أب نعوده ,فقال له النب صلى ال عليه وسلم «قد كنت أناك عن حب يهود» فقال عبد ال:
فقد أبغضهم أسعد بن زراة فمات ,وكذا رواه أبو داود من حديث ممد بن إسحاق.
80
أولياء .واتقوا ال إن كنتم مؤمني .وإذا ناديتم إل الصلة اتذوها هزوا ولعبا ,ذلك بأنم قوم ل
يعقلون) . .
وإذا جاؤوكم قالوا:آمنا .وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ,وال أعلم با كانوا يكتمون .
وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان ,وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ! ( :وقالت
اليهود:يد ال مغلولة ,غلت أيديهم ولعنوا با قالوا .بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء .وليزيدن
كثيًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرًا) . .ومن هذه صفاتم ,ومواقفهم من الماعة
السلمة ,وتألبهم عليها ,واستهزاؤهم بدينها وصلتا ,ل مناص للمسلم من دفعهم وهو مطمئن
الضمي . .
كذلك تقرر النصوص ناية العركة ونتيجتها ,وقيمة اليان ف مصائر الماعات ف هذه الياة الدنيا
قبللزاء ف الياة الخرة(:ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون) ( . .ولو
أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتم ولدخلناهم جنات النعيم .ولو أنم أقاموا التوراة
والنيل ,وما أنزل إليهم من ربم ,لكلوا من فوقهم ومن تت أرجلهم) . .
كما تقرر صفة السلم الذي يتاره ال لدينه ,وينحه هذا الفصل العظيم ف اختياره لذا الدور
الكبي(:يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه ,أذلة على
الؤمني أعزة على الكافرين ,ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم . .ذلك فضل ال يؤتيه
من يشاء وال واسع عليم) . .
وكل هذه التقريرات خطوات ف النهج ,وف صياغة الفرد السلم ,والماعة السلمة على الساس
التي .
(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء .بعضهم أولياء بعض .ومن يتولم منكم
فإنه منهم .إن ال ل يهدي القوم الظالي .فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ,
يقولون:نشى أن تصيبنا دائرة .فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا ف
أنفسهم نادمي:ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت
أعمالم ,فأصبحوا خاسرين) . .
ويسن أن نبي أول معن الولية الت ينهى ال الذين آمنوا أن تكون بينهم وبي اليهود والنصارى . .
إنا تعن التناصر والتحالف معهم .ول تتعلق بعن اتباعهم ف دينهم .فبعيد جدا أن يكون بي
السلمي من ييل إل اتباع اليهود والنصارى ف الدين .إنا هو ولء التحالف والتناصر ,الذي كان
يلتبس على السلمي أمره ,فيحسبون أنه جائز لم ,بكم ما كان واقعا من تشابك الصال
والواصر ,ومن قيام هذا الولء بينهم وبي جاعات من اليهود قبل السلم ,وف أوائل العهد بقيام
81
السلم ف الدينة ,حت ناهم ال عنه وأمر بإبطاله .بعد ما تبي عدم إمكان قيام الولء والتحالف
والتناصر بي السلمي واليهود ف الدينة . .
وهذا العن معروف مدد ف التعبيات القرآنية .وقد جاء ف صدد الكلم عن العلقة بي السلمي ف
الدينة والسلمي الذين ل يهاجروا إل دار السلم:فقال ال سبحانه( :ما لكم من وليتهم من شيء
حت يهاجروا) . .وطبيعي أن القصود هنا ليس الولية ف الدين .فالسلم ول السلم ف الدين على
كل حال .إنا القصود هو ولية التناصر والتعاون .فهي الت ل تقوم بي السلمي ف دار السلم
والسلمي الذين ل يهاجروا إليهم . .وهذا اللون من الولية هو الذي تنع هذه اليات أن يقوم بي
الذين آمنوا وبي اليهود والنصارى بال ,بعد ما كان قائما بينهم أول العهد ف الدينة .
إن ساحة السلم مع أهل الكتاب شيء ,واتاذهم أولياء شيء آخر ,ولكنهما يتلطان على بعض
السلمي ,الذين ل تتضح ف نفوسهم الرؤية الكاملة لقيقة هذا الدين ووظيفته ,بوصفه حركة
منهجية واقعية ,تتجه إل إنشاء واقع ف الرض ,وفق التصور السلمي الذي يتلف ف طبيعته عن
سائر التصورات الت تعرفها البشرية ; وتصطدم -من ث -بالتصورات والوضاع الخالفة ,كما
تصطدم بشهوات الناس وانرافهم وفسوقهم عن منهج ال ,وتدخل ف معركة ل حيلة فيها ,ول بد
منها ,لنشاء ذلك الواقع الديد الذي تريده ,وتتحرك إليه حركة إيابية فاعلة منشئة . .
وهؤلء الذين تتلط عليهم تلك القيقة ينقصهم الس النقي بقيقة العقيدة ,كما ينقصهم الوعي
الذكي لطبيعة العركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها ; ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة
الصرية فيها ,فيخلطون بي دعوة السلم إل السماحة ف معاملة أهل الكتاب والب بم ف الجتمع
السلم الذي يعيشون فيه مكفول القوق ,وبي الولء الذي ل يكون إل ل ورسوله وللجماعة
السلمة .ناسي ما يقرره القرآن الكري من أن أهل الكتاب . .بعضهم أولياء بعض ف حرب
الماعة السلمة . .وأن هذا شأن ثابت لم ,وأنم ينقمون من السلم إسلمه ,وأنم لن يرضوا عن
السلم إل أن يترك دينه ويتبع دينهم .وأنم مصرون على الرب للسلم وللجماعة السلمة .وأنم
قد بدت البغضاء من أفواهم وما تفي صدورهم أكب . .إل آخر هذه التقريرات الاسة .
إن السلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ,ولكنه منهي عن الولء لم بعن التناصر والتحالف
معهم .وإن طريقه لتمكي دينه وتقيق نظامه التفرد ل يكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب ,
ومهما أبدى لم من السماحة والودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتقيق نظامه ,
ولن يكفهم عن موالة بعضه لبعض ف حربه والكيد له . .
وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ,أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكي للدين !
أمام الكفار واللحدين ! فهم مع الكفار واللحدين ,إذا كانت العركة مع السلمي !!!
82
وهذه القائق الواعية يغفل عنها السذج منا ف هذا الزمان وف كل زمان ; حي يفهمون أننا نستطيع
أن نضع أيدينا ف أيدي أهل الكتاب ف الرض للوقوف ف وجه الادية واللاد -بوصفنا جيعا أهل
دين ! -ناسي تعليم القرآن كله ; وناسي تعليم التاريخ كله .فأهل الكتاب هؤلء هم الذين كانوا
يقولون للذين كفروا من الشركي( :هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا) . .وأهل الكتاب هؤلء
هم الذين ألبوا الشركي على الماعة السلمة ف الدينة ,وكانوا لم درعا وردءا .وأهل الكتاب هم
الذين شنوا الروب الصليبية خلل مائت عام ,وهم الذين ارتكبوا فظائع الندلس ,وهم الذي
شردوا العرب السلمي ف فلسطي ,وأحلوا اليهود ملهم ,متعاوني ف هذا مع اللاد والادية !
وأهل الكتاب هؤلء هم الذين يشردون السلمي ف كل مكان . .ف البشة والصومال واريتريا
والزائر ,ويتعاونون ف هذا التشريد مع اللاد والادية والوثنية ,ف يوغسلفيا والصي والتركستان
والند ,وف كل مكان !
ث يظهر بيننا من يظن -ف بعد كامل عن تقريرات القرآن الازمة -أنه يكن أن يقوم بيننا وبي
أهل الكتاب هؤلء ولء وتناصر .ندفع به الادية اللادية عن الدين !
إن هؤلء ل يقرأون القرآن .وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة الت هي طابع السلم ;
فظنوها دعوة الولء الذي يذر منه القرآن .
إن هؤلء ل يعيش السلم ف حسهم ,ل بوصفه عقيدة ل يقبل ال من الناس غيها ,ول بوصفه
حركة إيابية تستهدف إنشاء واقع جديد ف الرض ; تقف ف وجه عداوات أهل الكتاب اليوم ,
كما وقفت له بالمس .الوقف الذي ل يكن تبديله .لنه الوقف الطبيعي الوحيد !
وندع هؤلء ف إغفالم أو غفلتهم عن التوجيه القرآن ,لنعي نن هذا التوجيه القرآن الصريح:
(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض . .ومن يتولم منكم
فإنه منهم .إن ال ل يهدي القوم الظالي) . .
هذا النداء موجه إل الماعة السلمة ف الدينة -ولكنه ف الوقت ذاته موجه لكل جاعة مسلمة تقوم
ف أي ركن من أركان الرض إل يوم القيامة . .موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة :الذين
آمنوا . .
ولقد كانت الناسبة الاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ,أن الفاصلة ل تكن كاملة ول
حاسة بي بعض السلمي ف الدينه وبعض أهل الكتاب -وباصه اليهود -فقد كانت هناك
علقات ولء وحلف ,وعلقات اقتصاد وتعامل ,وعلقات جيه وصحبه . .وكان هذا كله
طبيعيا مع الوضع التاريي والقتصادي والجتماعي ف الدينة قبل السلم ,بي أهل الدينة من
العرب وبي اليهود بصفة خاصة . .وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم ف الكيد لذا
الدين وأهله ; بكل صنوف الكيد الت عددتا وكشفتها النصوص القرآنية الكثية ; والت سبق
83
استعراض بعضها ف الجزاء المسة الاضية من هذه الظلل ; والت يتول هذا الدرس وصف بعضها
كذلك ف هذه النصوص .
ونزل القرآن ليبث الوعي اللزم للمسلم ف العركة الت يوضها بعقيدته ,لتحقيق منهجه الديد ف
واقع الياة .ولينشى ء ف ضمي السلم تلك الفاصلة الكاملة بينه وبي كل من ل ينتمي إل الماعة
السلمة ول يقف تت رايتها الاصة .الفاصلة الت ل تنهي السماحة اللقية .فهذه صفة السلم
دائما .ولكنها تنهي الولء الذي ل يكون ف قلب السلم إل ل ورسوله والذين آمنوا . .الوعي
والفاصلة اللذان ل بد منهما للمسلم ف كل أرض وف كل جيل .
(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض .ومن يتولم منكم
فإنه منهم ,إن ال ل يهدي القوم الظالي) .
بعضهم أولياء بعض . .إنا حقيقة ل علقة لا بالزمن . .لنا حقيقة نابعة من طبيعة الشياء . .
إنم لن يكونوا أولياء للجماعة السلمة ف أي أرض ول ف أي تاريخ . .وقد مضت القرون تلو
القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . .لقد ول بعضهم بعضا ف حرب ممد صلى ال عليه
وسلم والماعة السلمة ف الدينة وول بعضهم بعضا ف كل فجاج الرض ,على مدار التاريخ . .
ول تتل هذه القاعدة مرة واحدة ; ول يقع ف هذه الرض إل ما قرره القرآن الكري ,ف صيغة
الوصف الدائم ,ل الادث الفرد . .واختيار الملة السية على هذا النحو . .بعضهم أولياء بعض
. .ليست مرد تعبي ! إنا هي اختيار مقصود للدللة على الوصف الدائم الصيل !
ث رتب على هذه القيقة الساسية نتائجها . .فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض
فإنه ل يتولهم إل من هو منهم .والفرد الذي يتولهم من الصف السلم ,يلع نفسه من الصف
ويلع عن نفسه صفة هذا الصف "السلم" وينضم إل الصف الخر .لن هذه هي النتيجة الطبيعية
الواقعية:
(ومن يتولم منكم فإنه منهم) . .
وكان ظالا لنفسه ولدين ال وللجماعة السلمة . .وبسبب من ظلمه هذا يدخله ال ف زمرة اليهود
والنصارى الذين أعطاهم ولءه .ول يهديه إل الق ول يرده إل الصف السلم:
(إن ال ل يهدي القوم الظالي) . .
لقد كان هذا تذيرا عنيفا للجماعة السلمة ف الدينة .ولكنه تذير ليس مبالعا فيه .فهو عنيف .
نعم ; ولكنه يثل القيقة الواقعة .فما يكن أن ينح السلم ولءه لليهود والنصارى -وبعضهم أولياء
بعض -ث يبقى له إسلمه وإيانه ,وتبقى له عضويته ف الصف السلم ,الذين يتول ال ورسوله
والذين آمنوا . .فهذا مفرق الطريق . .
84
وما يكن أن يتميع حسم السلم ف الفاصلة الكاملة بينة وبي كل من ينهج غي منهج السلم ; وبينه
وبي كل من يرفع راية غي راية السلم ; ث يكون ف وسعه بعد ذلك أن يعمل عمل ذا قيمة ف
الركة السلميةالضخمة الت تستهدف -أول ما تستهدف -إقامة نظام واقعي ف الرض فريد ;
يتلف عن كل النظمة الخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الخرى . .
إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم ,الذي ل أرجحة فيه ول تردد ,بأن دينه هو الدين الوحيد
الذي يقبله ال من الناس -بعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه ال أن يقيم
الياة عليه ,منهج متفرد ; ل نظي له بي سائر الناهج ; ول يكن الستغناء عنه بنهج آخر ; ول
يكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ول تصلح الياة البشرية ول تستقيم إل أن تقوم على هذا النهج
وحده دون سواه ; ول يعفيه ال ول يغفر له ول يقبله إل إذا هو بذل جهد طاقته ف إقامة هذا النهج
بكل جوانبه:العتقادية والجتماعية ; ل يأل ف ذلك جهدا ,ول يقبل من منهجه بديل -ول ف
جزء منه صغي -ول يلط بينه وبي أي منهج آخر ف تصور اعتقادي ,ول ف نظام اجتماعي ,ول
ف أحكام تشريعية ,إل ما استبقاه ال ف هذا النهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب . .
إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم بذا كله هو -وحده -الذي يدفعه للضطلع بعبء
النهوض بتحقيق منهج ال الذي رضيه للناس ; ف وجه العقبات الشاقة ,والتكاليف الضنية ,
والقاومة العنيدة ,والكيد الناصب ,والل الذي يكاد ياوز الطاقة ف كثي من الحيان . .وإل فما
العناء ف أمر يغن عنه غيه -ما هو قائم ف الرض من جاهلية . .سواء كانت هذه الاهلية مثلة
ف وثنية الشرك ,أو ف انراف أهل الكتاب ,أو ف اللاد السافر . .بل ما العناء ف إقامة النهج
السلمي ,إذا كانت الفوارق بينه وبي مناهج أهل الكتاب أو غيهم قليلة ; يكن اللتقاء عليها
بالصالة والهادنة ?
إن الذين ياولون تييع هذه الفاصلة الاسة ,باسم التسامح والتقريب بي أهل الديان السماوية ,
يطئون فهم معن الديان كما يطئون فهم معن التسامح .فالدين هو الدين الخي وحده عند ال .
والتسامح يكون ف العاملت الشخصية ,ل ف التصور العتقادي ول ف النظام الجتماعي . .إنم
ياولون تييع اليقي الازم ف نفس السلم بأن ال ل يقبل دينا إل السلم ,وبأن عليه أن يقق منهج
ال المثل ف السلم ول يقبل دونه بديل ; ول يقبل فيه تعديل -ولو طفيفا -هذا اليقي الذي
ينشئه القرآن الكري وهو يقرر( :إن الدين عند ال السلم) ( . .ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل
منه) ( . .واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك) ( . .يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم) . .وف القرآن كلمة الفصل .
.ول على السلم من تيع التميعي وتييعهم لذا اليقي !
ويصور السياق القرآن تلك الالة الت كانت واقعة ; والت ينل القرآن من أجلها بذا التحذير:
85
(فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ,يقولون نشى أن تصيبنا دائرة) . .
روى ابن جرير ,قال:حدثنا أبو كريب ,حدثنا إدريس ,قال:سعت أب ,عن عطية بن سعد .
قال:جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
يا رسول ال .إن ل موال من يهود كثي عددهم ; وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود ,
وأتول ال ورسوله .فقال عبد ال بن أب [ رأس النفاق ]:إن رجل أخاف الدوائر .ل أبرأ من ولية
موال .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب ":يا أبا الباب .ما بلت به من ولية
يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه " ! قال:قد قبلت ! فأنزل ال عز وجل( :يا أيها الذين
آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) . . .
وقال ابن جرير " .حدثنا هناد ,حدثنا يونس بن بكي ,حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن الزهري ,
قال:لا انزم أهل بدر قال السلمون لوليائهم من اليهود:أسلموا قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم
بدر .فقال مالك بن الصيف:أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ,ل علم لم بالقتال ? أما لو أصررنا
العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا .فقال عبادة بن الصامت:يا رسول ال إن
أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ,كثيا سلحهم ,شديدة شوكتهم .وإن أبرأ إل ال
ورسوله من ولية يهود ,ول مول ل إل ال ورسوله .فقال عبد ال بن أب:لكن ل أبرأ من ولية
يهود .إن رجل ل بد ل منهم .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":يا أبا الباب أرأيت الذي
نفست به من ولية يهود على عبادة ابن الصامت ? فهو لك دونه ! " فقال:إذن أقبل . .
قال ممد بن إسحق:فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال عليه
وسلم بنو قينقاع .فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة .قال:فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
حت نزلوا على حكمه .فقام إليه عبدال بن أب بن سلول -حي أمكنة ال منهم -فقال:يا ممد
أحسن ف موال -وكانوا حلفاء الزرج -قال:فأبطأ عليه رسول ال -صلى ال عليه وعلى آله
وسلم -فقال:يا ممد أحسن ف موال .قال:فأعرض عنه .قال:فأدخل يده ف جيب درع رسول
ال صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ":أرسلن " وغضب رسول ال صلى
ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل .ث قال ":ويك ! أرسلن " .قال:ل وال ل أرسلك حت
تسن ف موال .أربعمائة حاسر ,وثلثائه دارع ,قد منعون من الحر والسود ,تصدهم ف
غداة واحدة ? إن امرؤ أخشى الدوائر .قال .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":هم لك " . .
قال ممد بن إسحق:فحدثن أب إسحق بن يسار ,عن عبادة ,عن الوليد بن عبادة بن الصامت ,
قال:لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدال بن أب وقام دونم ;
ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف بن الزرج .له
من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وتبأ إل ال
86
ورسوله من حلفهم ,وقال:يا رسول ال أبرأ إل ال ورسوله من حلفهم ,وأتول ال ورسوله
والؤمني ,وأبرأ من حلف الكفار ووليتهم .ففيه وف عبدال بن أب نزلت الية ف الائدة( :يا أيها
الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ,بعضهم أولياء بعض) إل قوله(:ومن يتول ال
ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون) . .
وقال المام أحد:حدثنا قتيبة بن سعيد ,حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة ,عن ممد بن إسحاق ,
عن الزهري ,عن عودة ,عن أسامة بن زيد ,قال":دخلت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على
عبدال بن أب نعوده ,فقال له النب صلى ال عليه وسلم " قد كنت أناك عن حب يهود " فقال
عبدال:فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات [ . .وأخرجه أبو داود من حديث ممد بن إسحق ]
فهذه الخبار ف مموعها تشي إل تلك الالة الت كانت واقعة ف الجتمع السلم ; والتخلفة عن
الوضاع الت كانت قائمة ف الدينة قبل السلم ; وكذلك عن التصورات الت ل تكن قد حسمت
ف قضية العلقات الت يكن أن تقوم بي الماعة السلمة واليهود والت ل يكن أن تقوم . .غي أن
الذي يلفت النظر أنا كلها تتحدث عن اليهود ,ول يى ء ذكر ف الوقائع للنصارى . .ولكن
النص يمل اليهود والنصارى . .ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلقة دائمة وأوضاع دائمة بي
الماعة السلمة وسائر الماعات الخرى ,سواء من أهل الكتاب أو من الشركي [ كما سيجيء
ف سياق هذا الدرس ] . .ومع اختلف مواقف اليهود من السلمي عن مواقف النصارى ف جلتها
ف العهد النبوي ,ومع إشارة القرآن الكري ف موضع آخر من السورة إل هذا الختلف ف قوله
تعال :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ,ولتجدن أقربم مودة للذين
آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى . . .ال . .مع هذا الختلف الذي كان يومذاك ,فإن النص هنا
يسوي بي اليهود والنصارى -كما يسوي النص القادم بينهم جيعا وبي الكفار . .فيما يتص
بقضية الحالفة والولء .ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة .هي:أن ليس للمسلم
ولء ول حلف إل مع السلم ; وليس للمسلم ولء إل ل ولرسوله وللجماعة السلمة . .ويستوي
بعد ذلك كل الفرق ف هذا المر . .مهما اختلفت مواقفهم من السلمي ف بعض الظروف . .
على أن ال -سبحانه -وهو يضع للجماعة السلمة هذه القاعدة العامة الازمة الصارمة ,كان
علمه يتناول الزمان كله ,ل تلك الفترة الاصة من حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وملبساتا
الوقوتة . .وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لذا الدين وللجماعة السلمة ف
معظم بقاع الرض ل يكن أقل من عداء اليهود . .وإذا نن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى
مصر ف حسن استقبال السلم ,فإننا ند الرقعة النصرانية ف الغرب ,قد حلت للسلم ف تاريها
كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن ,وشنت عليه من الرب والكيد ,ما ل يفترق عن
حرب اليهود وكيدهم ف أي زمان ! حت البشة الت أحسن عاهلها استقبال الهاجرين السلمي
87
واستقبال السلم ,عادت فإذا هي أشد حربا على السلم والسلمي من كل أحد ; ل ياريها ف
هذا إل اليهود . .
وكان ال -سبحانه -يعلم المر كله .فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة .بغض النظر عن واقع
الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها وملبساتا الوقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها ف بعض
الحيان هنا وهناك إل آخر الزمان .
وما يزال السلم والذين يتصفون به -ولو أنم ليسوا من السلم ف شيء -يلقون من عنت
الرب الشبوبة عليهم وعلى عقيدتم من اليهود والنصارى ف كل مكان على سطح الرض ,ما
يصدق قول ال تعال:
(بعضهم أولياء بعض) . .وما يتم أن يتدرع السلمون الواعون بنصيحة ربم لم .بل بأمره الازم
,ونيه القاطع ; وقضائه الاسم ف الفاصلة الكاملة بي أولياء ال ورسوله ,وكل معسكر آخر ل
يرفع راية ال ورسوله . .
إن السلم يكلف السلم أن يقيم علقاته بالناس جيعا على أساس العقيدة .فالولء والعداء ل
يكونان ف تصور السلم وف حركته على السواء إل ف العقيدة . .ومن ث ل يكن أن يقوم الولء -
وهو التناصر -بي السلم وغي السلم ; إذ أنما ل يكن أن يتناصرا ف مال العقيدة . .ول حت
أمام اللاد مثل -كما يتصور بعض السذج منا وبعض من ل يقرأون القرآن ! -وكيف يتناصران
وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?
إن بعض من ل يقرأون القرآن ,ول يعرفون حقيقة السلم ; وبعض الخدوعي أيضا . .يتصورون
أن الدين كله دين ! كما أن اللاد كله إلاد ! وأنه يكن إذن أن يقف "التدين" بملته ف وجه
اللاد .لن اللاد ينكر الدين كله ,ويارب التدين على الطلق . .
ولكن المر ليس كذلك ف التصور السلمي ; ول ف حس السلم الذي يتذوق السلم .ول
يتذوقالسلم إل من يأخذه عقيدة ,وحركة بذه العقيدة ,لقامة النظام السلمي .
إن المر ف التصور السلمي وف حس السلم واضح مدد . .الدين هو السلم . .وليس هناك
دين غيه يعترف به السلم . .لن ال -سبحانه -يقول هذا .يقول( :إن الدين عند ال السلم)
. .ويقول( :ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل منه) . .وبعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم ل
يعد هناك دين يرضاه ال ويقبله من أحد إل هذا "السلم" . .ف صورته الت جاء با ممد صلى ال
عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة ممد من النصارى ل يعد الن يقبل .كما أن ما كان يقبل من
اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلم ,ل يعد يقبل منهم بعد بعثته . .
ووجود يهود ونصارى -من أهل الكتاب -بعد بعثه ممد صلى ال عليه وسلم -ليس معناه أن ال
يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لم بأنم على دين إلي . .لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول
88
الخي . .أما بعد بعثته فل دين -ف التصور السلمي وف حس السلم -إل السلم . .وهذا ما
ينص عليه القرآن نصا غي قابل للتأويل . .
إن السلم ل يكرههم على ترك معتقداتم واعتناق السلم . .لنه (ل إكراه ف الدين) ولكن هذا
ليس معناه أنه يعترف با هم عليه "دينا ويراهم على دين" . .
ومن ث فليس هناك جبهه تدين يقف معها السلم ف وجه اللاد ! هناك "دين" هو السلم . .
وهناك "ل دين" هو غي السلم . .ث يكون هذا اللدين . .عقيدة أصلها ساوي ولكنها مرفه ,
أو عقيده أصلها وثن باقيه على وثنيتها .أو إلادا ينكر الديان . .تتلف فيما بينها كلها . .
ولكنها تتلف كلها مع السلم .ول حلف بينها وبي السلم ول ولء . .
والسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم -كما سبق -ما ل يؤذوه
ف الدين ; ويباح له أن يتزوج الحصنات منهن -على خلف فقهي فيمن تعتقد بألوهية السيح أو
بنوته ,وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تل أم مشركة ترم -وحت مع الخذ ببدأ تليل النكاح
عامه . .فإن حسن العامله وجواز النكاح ,ليس معناها الولء والتناصر ف الدين ; وليس معناها
اعتراف السلم بأن دين أهل الكتاب -بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين يقبله ال ;
ويستطيع السلم أن يقف معه ف جبهه واحدة لقاومة اللاد !
إن السلم قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات الشركي والوثنيي
سواء .
ودعاهم إل السلم جيعا ,لن هذا هو "الدين" الذي ل يقبل ال غيه من الناس جيعا .ولا فهم
اليهود أنم غي مدعوين إل السلم ,وكب عليهم أن يدعوا إليه ,جابهم القرآن الكري بأن ال
يدعوهم إل السلم ,فإن تولوا عنه فهم كافرون !
والسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إل السلم ,كما يدعو اللحدين والوثنيي سواء .وهو غي
مأذون ف أن يكره أحدا من هؤلء ول هؤلء على السلم .لن العقائد ل تنشأ ف الضمائر
بالكراه .فالكراه ف الدين فوق أنه منهي عنه ,هو كذلك ل ثره له .
ول يستقيم أن يعترف السلم بأن ما عليه أهل الكتاب -بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين
يقبله ال . .ث يدعوهم مع ذلك إل السلم ! . .إنه ل يكون مكلفا بدعوتم إل السلم إل على
أساس واحد ; هو أنه ل يعترف بأن ما هم عليه دين .وأنه يدعوهم إل الدين .
وإذا تقررت هذه البديهيه ,فإنه ل يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل ف ولء أو تناصر للتمكي
للدين ف الرض ,مع من ل يدين بالسلم .
إن هذه القضيه ف السلم قضيه اعتقاديه إيانيه .كما أنا قضيه تنظيميه حركيه !
89
من ناحيه أنا قضيه إيانيه اعتقاديه نسب أن المر قد صار واضحا بذا البيان اذي أسلفناه ,
وبالرجوع إل النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولء بي السلمي وأهل الكتاب .
ومن ناحية أنا قضية تنظيمية حركية المر واضح كذلك . .فإذا كان سعي الؤمن كله ينبغي أن
يتجه إل إقامة منهج ال ف الياة -وهو النهج الذي ينص عليه السلم كما جاء به ممد صلى ال
عليه وسلم بكل تفصيلت وجوانب هذا النهج ,وهي تشمل كل نشاط النسان ف الياة . .
فكيف يكن إذن أن يتعاون السلم ف هذا السعي مع من ل يؤمن بالسلم دينا ومنهجا ونظاما
وشريعة ; ومن يتجه ف سعيه إل أهداف أخرى -إن ل تكن معادية للسلم وأهدافه فهي على
القل ليست أهداف السلم -إذ السلم ل يعترف بدف ول عمل ل يقوم على أساس العقيدة
مهما بدا ف ذاته صالا ( -والذين كفروا أعمالم كرماد اشتدت به الريح ف يوم عاصف) . .
والسلم يكلف السلم أن يلص سعيه كله للسلم . .ول يتصور إمكان انفصال أية جزئية ف
السعي اليومي ف حياة السلم عن السلم . .ل يتصور إمكان هذا إل من ل يعرف طبيعة السلم
وطبيعة النهج السلمي . .ول يتصور أن هناك جوانب ف الياة خارجة عن هذا النهج يكن
التعاون فيها مع من يعادي السلم ,أو ل يرضى من السلم إل أن يترك إسلمه ,كما نص ال ف
كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من السلم ليضوا عنه ! . .إن هناك استحالة اعتقادية كما أن
هناك استحالة عملية على السواء . .
ولقد كان اعتذار عبدال بن أب بن سلول ,وهو من الذين ف قلوبم مرض ,عن مسارعته واجتهاده
ف الولء ليهود ,والستمساك بلفه معها ,هي قوله:إنن رجل أخشى الدوائر ! إن أخشى أن تدور
علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة ,وأن تنل بنا الضائقة . .وهذه الجة هي علمة مرض القلب
وضعف اليان . .فالول هو ال ; والناصر هو ال ; والستنصار بغيه ضللة ,كما أنه عبث ل ثرة
له . .ولكن حجة ابن سلول ,هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل
منافق مريض القلب ,ل يدرك حقيقة اليان . .وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولء يهود
بعد ما بدا منهم ما بدا .لنه قلب مؤمن فخلع ولء اليهود وقذف به ,حيث تلقاه وضم عليه صدره
وعض عليه بالنواجذ عبدال بن أب بن سلول !
إنما نجان متلفان ,ناشئان عن تصورين متلفي ,وعن شعورين متبايني ,ومثل هذا الختلف
قائم على مدار الزمان بي قلب مؤمن وقلب ل يعرف اليان !
ويهدد القرآن الستنصرين بأعداء دينهم ,التألبي عليهم ,النافقي الذين ل يلصون ل اعتقادهم ول
ولءهم ول اعتمادهم . .يهددهم برجاء الفتح أو أمر ال الذي يفصل ف الوقف ; أو يكشف
الستور من النفاق .
(فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده ,فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي) .
90
وعندئذ -عند الفتح -سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بعن الفصل أو عند ميء أمر ال -
يندم أولئك الذين ف قلوبم مرض ,على السارعة والجتهاد ف ولء اليهود والنصارى وعلى النفاق
الذي انكشف أمره ,وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال النافقي ,ويستنكرون ما كانوا فيه من
النفاق وما صاروا إليه من السران !
(ويقول الذين آمنوا:أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت أعمالم ,فأصبحوا
خاسرين !) . .
ولقد جاء ال بالفتح يوما ,وتكشفت نوايا ,وحبطت أعمال ,وخسرت فئات .ونن على وعد
من ال قائم بأن ييء الفتح ,كلما استمسكنا بعروة ال وحده ; وكلما أخلصنا الولء ل وحده .
وكلما وعينا منهج ال ,وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا .وكلما تركنا ف العركة على هدى ال
وتوجيهه .فلم نتخذ لنا وليا إل ال ورسوله والذين آمنوا . .
91
.10سحق الصحوة السلمية
هذه أهم مهمة لم وهي سحق الصحوة السلمية التنامية أو تجينها وتويلها عن مسارها
الصحيح ببعض الظاهر الكاذبة
.11السماح للمنافقي والطبلي لم فقط
فالنافقون واللحدون والفنانون والساقطون هم عمدتم ف الدفاع عن عروشهم مع بعض
الئمة الضلي
.12السيطرة التامة على كل شيء
ف بلد السلمي يسيطرون على كل شيء حت التنفس مثلهم كمثل فرعون الذي ظن أنه
استحوذ حت على القلوب قال تعال عنه { :قَا َل آمَنتُمْ َلهُ قَْبلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ِإّنهُ َلكَبِيُكُ ُم الّذِي
ف وَلَُأصَلَّبنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْ ِل وََلَتعْلَمُنّ أَيّنَا
حرَ َفلَأُقَ ّطعَنّ َأيْدِيَكُ ْم وََأرْ ُجلَكُم مّنْ ِخلَا ٍَعلّمَكُمُ السّ ْ
َأشَ ّد عَذَابًا وَأَْبقَى} ( )71سورة طـه
سوْفَ َتعَْلمُونَ حرَ َفلَ َ
وقال تعال { :قَا َل آمَنتُمْ َلهُ قَبْلَ أَ ْن آذَنَ لَكُمْ ِإّنهُ لَ َكبِيُكُ ُم الّذِي َعلّمَكُمُ السّ ْ
صلّبَنّكُمْ أَجْ َم ِعيَ} ( )49سورة الشعراء ف وَلَُأ َ
لَُأقَ ّطعَنّ أَيْ ِديَكُ ْم وََأرْ ُجلَكُم مّنْ خِلَا ٍ
ولكن الطواغيت التجبين ل يدركون كيف يتسرب النور إل قلوب البشر ; ول كيف تازجها
بشاشة اليان ; ول كيف تلمسها حرارة اليقي .فهم لطول ما استعبدوا الناس يسبون أنم يلكون
تصريف الرواح وتقليب القلوب -وهي بي إصبعي من أصابع الرحن يقلبها كيف يشاء . . -
ومن ث فوجىء فرعون بذا اليان الفاجىء الذي ل يدرك دبيبه ف القلوب ول يتابع خطاه ف
النفوس ; ول يفطن إل مداخله ف شعاب الضمائر . .ث هزته الفاجأة الطية الت تزلزل العرش من
تته:مفاجأة استسلم السحرة -وهم من كهنة العابد -لرب العالي .رب موسى وهارون .بعد
أن كانوا مموعي لبطال دعوة موسى وهارون إل رب العالي ! . .والعرش والسلطان ها كل
شيء ف حياة الطواغيت . .وكل جرية يكن أن يرتكبوها بل ترج ف سبيل الحافظة على
الطاغوت:
(قال فرعون:آمنتم به قبل أن آذن لكم ! إن هذا لكر مكرتوه ف الدينة لتخرجوا منها أهلها .
فسوف تعلمون .لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ,ث لصلبنكم أجعي) . .
هكذا ( . .آمنتم به قبل أن آذن لكم !) . .كأنا كان عليهم أن يستأذنوه ف أن تنتفض قلوبم للحق
-وهم أنفسهم لسلطان لم عليها -أو يستأذنوه ف أن ترتعش وجداناتم -وهم أنفسهم ل
يلكون من أمرها شيئا -أو يستأذنوه ف أن تشرق أرواحهم -وهم أنفسهم ل يسكون مداخلها .
أو كأنا كان عليهم أن يدفعوا اليقي وهو ينبت من العماق .أو أن يطمسوا اليان وهو يترقرق من
الغوار .أو أن يجبوا النور وهو ينبعث من شعاب اليقي !
92
ولكنه الطاغوت جاهل غب مطموس ; وهو ف الوقت ذاته متعجرف متكب مغرور !
ث إنه الفزع على العرش الهدد والسلطان الهزوز:
(إن هذا لكر مكرتوه ف الدينة لتخرجوا منها أهلها) . .
وف نص آخر( :إنه لكبيكم الذي علمكم السحر) !
والسألة واضحة العال . .إنا دعوة موسى إل (رب العالي) . .هي الت تزعج وتيف . .إنه ل
بقاء ول قرار لكم الطواغيت مع الدعوة إل رب العالي .وهم إنا يقوم ملكهم على تنحية ربوبية
ال للبشر بتنحية شريعته .وإقامة أنفسهم أربابا من دون ال يشرعون للناس ما يشاءون ,ويعبدون
الناس لا يشرعون ! . .إنما منهجان ل يتمعان . . .أو ها دينان ل يتمعان . .أو ها ربان ل
يتمعان . .وفرعون كان يعرف وملؤه كانوا يعرفون . .ولقد فزعوا للدعوة من موسى وهارون إل
رب العالي .فأول أن يفزعوا الن وقد ألقي السحرة ساجدين .قالوا:آمنا برب العالي .رب
موسى وهارون ! والسحرة من كهنة الديانة الوثنية الت تؤله فرعون ,وتكنه من رقاب الناس باسم
الدين !
وهكذا أطلق فرعون ذلك التوعد الوحشي الفظيع:
(فسوف تعلمون .لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ,ث لصلبنكم أجعي) . .
إنه التعذيب والتشوية والتنكيل . .وسيلة الطواغيت ف مواجهة الق ,الذي ل يلكون دفعه بالجة
والبهان . .وعدة الباطل ف وجه الق الصريح . .
ولكن النفس البشرية حي تستعلن فيها حقيقة اليان ; تستعلى على قوة الرض ,وتستهي ببأس
الطغاة ; وتنتصر فيها العقيدة على الياة ,وتتقر الفناء الزائل إل جوار اللود القيم .إنا ل تقف
لتسأل:ماذا ستأخذ وماذا ستدع ? ماذا ستقبض وماذا ستدفع ? ماذا ستخسر وماذا ستكسب ?
وماذا ستلقى ف الطريق من صعاب وأشواك وتضحيات ? . .لن الفق الشرق الوضيء أمامها هناك
,فهي ل تنظر إل شيء ف الطريق (. .قالوا:إنا إل ربنا منقلبون .وما تنقم منا إل أن آمنا بآيات
ربنا لا جاءتنا .ربنا أفرغ علينا صبا ,وتوفنا مسلمي) . .
إنه اليان الذي ل يفزع ول يتزعزع .كما أنه ل يضع أو ينع .اليان الذي يطمئن إل النهاية
فيضاها ,ويستيقن من الرجعة إل ربه فيطمئن إل جواره:
(قالوا:إنا إل ربنا منقلبون) . .
والذي يدرك طبيعة العركة بينه وبي الطاغوت . .وأنا معركة العقيدة ف الصميم . .ل يداهن ول
يناور . .ول يرجو الصفح والعفو من عدو لن يقبل منه إل ترك العقيدة ,لنه إنا ياربه ويطارده
على العقيدة:
(وما تنقم منا إل أن آمنا بآيات ربنا لا جاءتنا) . .
93
والذي يعرف أين يتجه ف العركة ,وإل من يتجه ; ل يطلب من خصمه السلمة والعافية ,إنا
يطلب من ربه الصب على الفتنة والوفاة على السلم:
(ربنا أفرغ علينا صبا وتوفنا مسلمي) . .
ويقف الطغيان عاجزا أمام اليان ,وأمام الوعي ,وأمام الطمئنان . .يقف الطغيان عاجزا أمام
القلوب الت خيل إليه أنه يلك الولية عليها كما يلك الولية على الرقاب ! ويلك التصرف فيها
كما يلك التصرف ف الجسام .فإذا هي مستعصية عليه ,لنا من أمر ال ,ل يلك أمرها إل ال
. .وماذا يلك الطغيان إذارغبت القلوب ف جوار ال ? وماذا يلك البوت إذا اعتصمت القلوب
بال ? وماذا يلك السلطان إذا رغبت القلوب عما يلك السلطان !
إنه موقف من الواقف الاسة ف تاريخ البشرية .هذا الذي كان بي فرعون وملئه ,والؤمني من
السحرة . .السابقي . .
إنه موقف حاسم ف تاريخ البشرية .بانتصار العقيدة على الياة .وانتصار العزية على الل .
وانتصار "النسان" على "الشيطان" !
إنه موقف حاسم ف تاريخ البشرية .بإعلن ميلد الرية القيقية .فما الرية إل الستعلء بالعقيدة
على جبوت التجبين وطغيان الطغاة .والستهانة بالقوة الادية الت تلك أن تتسلط على الجسام
والرقاب وتعجز عن استذلل القلوب والرواح .ومت عجزت القوة الادية عن استذلل القلوب فقد
ولدت الرية القيقية ف هذه القلوب .
إنه موقف حاسم ف تاريخ البشرية بإعلن إفلس الادية ! فهذه القلة الت كانت منذ لظة تسأل
فرعون الجر على الفوز ,وتن بالقرب من السلطان . .هي ذاتا الت تستعلي على فرعون ;
وتستهي بالتهديد والوعيد ,وتُقبل صابرة متسبة على التنكيل والتصليب .وما تغي ف حياتا شيء
,ول تغي من حولا شيء -ف عال الادة -إنا وقعت اللمسة الفية الت تسلك الكوكب الفرد ف
الدورة الكبى .وتمع الذرة التائهة إل الحور الثابت ,وتصل الفرد الفان بقوة الزل والبد . .
وقعت اللمسة الت توّل البرة ,فيلتقط القلب إيقاعات القدرة ,ويتسمع الضمي أصداء الداية ,
وتتلقى البصية إشراقات النور . .وقعت اللمسة الت ل تنتظر أي تغيي ف الواقع الادي ; ولكنها هي
تغي الواقع الادي ; وترفع "النسان" ف عال الواقع إل الفاق الت ل يكن يطمح إليها اليال !
ويذهب التهديد . .ويتلشى الوعيد . .ويضي اليان ف طريقه .ل يتلفت ,ول يتردد ,ول ييد
! ويسدل السياق القرآن الستار على الشهد عند هذا الد ول يزيد . .إن روعة الوقف تبلغ ذروتا
; وتنتهي إل غايتها .وعندئذ يتلقى المال الفن ف العرض ; مع الدف النفسي للقصة ,على
طريقة القرآن ف ماطبة الوجدان اليان بلغة المال الفن ,ف تناسق ل يبلغه إل القرآن .
ولكننا نن ف هذه الظلل ينبغي أن نقف وقفة قصية أمام هذا الشهد الباهر الخاذ . . .
94
نقف ابتداء أمام إدراك فرعون وملئه أن إيان السحرة برب العالي ,رب موسى وهارون ,يثل
خطرا على نظام ملكهم وحكمهم ; لتعارض القاعدة الت يقوم عليها هذا اليان ,مع القاعدة الت
يقوم عليها ذلك السلطان . .وقد عرضنا لذا المر من قبل . .ونريد أن نقرر هذه القيقة ونؤكدها
. .إنه ل يتمع ف قلب واحد ,ول ف بلد واحد ,ول ف نظام حكم واحد ,أن يكون ال رب
العالي ,وأن يكون السلطان ف حياة الناس لعبد من العبيد ,يباشره بتشريع من عنده وقواني . .
فهذا دين وذلك دين . .
ونقف بعد ذلك أمام إدراك السحرة -بعد أن أشرق نور اليان ف قلوبم ,وجعل لم فرقانا ف
تصورهم -أن العركة بينهم وبي فرعون وملئه هي معركة العقيدة ; وأنه ل ينقم منهم إل إيانم
برب العالي .فهذا اليان على هذا النحو يهدد عرش فرعون وملكه وسلطانه ; ويهدد مراكز الل
من قومه وسلطانم الستمد من سلطان فرعون . .أو بتعبي آخر مرادف:من ربوبية فرعون ,ويهدد
القيم الت يقوم عليها الجتمع الوثن كله . .وهذا الدراك لطبيعة العركة ضروري لكل من يتصدى
للدعوة إل ربوبية ال وحده .فهو وحده الذي أهل هؤلء الؤمني للستهانة با يلقونه ف سبيله . .
إنم يقدمون على الوت مستهيني ليقينهم بأنم هم الؤمنون برب العالي ; وأن عدوهم على دين
غي دينهم ; لنه بزاولته للسلطان وتعبيد الناس لمره ينكر ربوبية رب العالي . .فهو إذن من
الكافرين . .وما يكن أن يضي الؤمنون ف طريق الدعوة إل رب العالي -على ما ينتظرهم فيها
من التعذيب والتنكيل -إل بثل هذا اليقي بشقيه:أنم هم الؤمنون ,وأن أعداءهم هم الكافرون ,
وأنم إنا ياربونم على الدين ,ول ينقمون منهم إل الدين .
ونقف بعد ذلك أمام الروعة الباهرة لنتصار العقيدة على الياة .وانتصار العزية على الل .
وانتصار "النسان" على الشيطان .وهو مشهد بالغ الروعة . .نعترف أننا نعجز عن القول فيه .
فندعه كما صوره النص القرآن الكري ! (الظلل)
95
قال العوف ف تفسيه عن ابن عباس ف تفسي هذه الَية قال :إن الشركي قالوا :عمارة بيت ال
وقيام على)السقاية خي من آمن وجاهد ,وكانوا يفخرون بالرم ويستكبون به من أجل أنم أهله
وعماره ,فذكر ال استكبارهم وإعراضهم ,فقال لهل الرم من الشركي {قد كانت آيات تتلى
عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبين به سامرا تجرون} يعن أنم كانوا يستكبون
بالرم قال {به سامرا} كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنب صلى ال عليه وسلم فخي ال
اليان والهاد مع النب صلى ال عليه وسلم على عمارة الشركي البيت وقيامهم على السقاية ول
يكن ينفعهم عند ال مع الشرك به ,وإن كانوا يعمرون بيته ويرمون به .قال ال تعال{ :ل يستوون
عند ال وال ل يهدي القوم الظالي} يعن الذين زعموا أنم أهل العمارة فسماهم ال ظالي
بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا.
وقال علي ابن أب طلحة عن ابن عباس ف تفسي هذه الَية قال :قد نزلت ف العباس بن عبد
الطلب حي أسر ببدر قال :لئن كنتم سبقتمونا بالسلم والجرة والهاد لقد كنا نعمر السجد
الرام ونسقي ونفك العان ,قال ال عز وجل{ :أجعلتم سقاية الاج ـ إل قوله ـ وال ل يهدي
القوم الظالي} يعن أن ذلك كله كان ف الشرك ول أقبل ما كان ف الشرك ,وقال الضحاك بن
مزاحم :أقبل السلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيونم بالشرك ,فقال العباس:
أما وال لقد كنا نعمر السجد الرام ونفك العان ونجب البيت ونسقي الاج ,فأنزل ال {أجعلتم
سقاية الاج} الَية.
وقال عبد الرزاق :أخبنا ابن عيينة عن إساعيل عن الشعب :قال :نزلت ف علي والعباس رضي ال
عنهما با تكلما ف ذلك ,وقال ابن جرير :حدثن يونس ,أخبنا ابن وهب ,أخبن ابن ليعة عن أب
صخر قال :سعت ممد بن كعب القرظي يقول افتخر طلحة بن شيبة من بن عبد الدار وعباس بن
عبد الطلب وعلي بن أب طالب فقال طلحة :أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه .وقال
العباس :أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت ف السجد ,فقال علي رضي ال عنه :ما
أدري ما تقولن لقد صليت إل القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الهاد ,فأنزل ال عز وجل
{أجعلتم سقاية الاج ؟} الَية كلها ,وهكذا قال السدي إل أنه قال :افتخر علي والعباس وشيبة بن
عثمان وذكر نوه ,وقال عبد الرزاق :أخبنا معمر عن عمرو عن السن قال :نزلت ف علي وعباس
وعثمان وشيبة تكلموا ف ذلك ,فقال العباس :ما أران إل أن تارك سقايتنا ,فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم «أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيا» ورواه ممد بن ثور :عن معمر عن السن
فذكر نوه ,وقد ورد ف تفسي هذه الَية حديث مرفوع فل بد من ذكره هنا ,قال عبد الرزاق:
ل قال :ما أبال أن لأخبنا معمر عن يي بن أب كثي عن النعمان بن بشي رضي ال عنه أن رج ً
أعمل عملً بعد السلم إل أن أسقي الاج .وقال آخر :ما أبال أن ل أعمل عملً بعد السلم إل
96
أن أعمر السجد الرام .وقال آخر :الهاد ف سبيل ال أفضل ما قلتم .فزجرهم عمر رضي ال عنه
وقال :ل ترفعوا أصواتكم عند منب رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم ,وذلك يوم
المعة ,ولكن إذا صلينا المعة دخلنا على النب صلى ال عليه وسلم فسألناه .فنلت {أجعلتم سقاية
الاج وعمارة السجد الرام ـ إل قوله ـ ل يستوون عند ال}.
(طريق أخرى) قال الوليد بن مسلم حدثن معاوية بن سلم عن جده أب سلم السود عن النعمان
بن بشي النصاري قال :كنت عند منب رسول ال صلى ال عليه وسلم ف نفر من أصحابه فقال
رجل منهم :ما أبال أن ل أعمل ل عملً بعد السلم إل أن أسقي الاج .وقال آخر :بل عمارة
السجد الرام وقال آخر :بل الهاد ف سبيل ال خي ما قلتم فزجرهم عمر بن الطاب رضي ال
عنه .وقال :ل ترفعوا أصواتكم عند منب رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم ,وذلك
يوم المعة ولكن إذا صليت المعة دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم فاستفتيته فيما
اختلفتم فيه .قال ففعل فأنزل ال عز وجل {أجعلتم سقاية الاج وعمارة السجد الرام ـ إل قوله
ـ وال ل يهدي القوم الظالي} ورواه مسلم ف صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه ,وابن
مردويه وابن أب حات ف تفاسيهم وابن حبان ف صحيحه.
وف الظلل :
فما يوز أن يسوى الذين كانوا يعمرون الكعبة ويسقون الجيج ف الاهلية ,وعقيدتم ليست
خالصة ل ,ول نصيب لم من عمل أو جهاد ,ل يوز أن يسوى هؤلء -لجرد عمارتم للبيت
وخدمتهم للحجيج -بالذين آمنوا إيانا صحيحا وجاهدوا ف سبيل ال وإعلء كلمته:
(أجعلتم سقاية الاج وعمارة السجد الرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد ف سبيل ال ?) . .
(ل يستوون عند ال) .
وميزان ال هو اليزان وتقديره هو التقدير .
(وال ل يهدي القوم الظالي) .
الشركي الذين ل يدينون دين الق ,ول يلصون عقيدتم من الشرك ,ولو كانوا يعمرون البيت
ويسقون الجيج .
وينتهي هذا العن بتقرير فضل الؤمني الهاجرين الجاهدين ,وما ينتظرهم من رحة ورضوان ,ومن
نعيم مقيم وأجر عظيم:
(الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ف سبيل ال بأموالم وأنفسهم أعظم درجة عند ال ,وأولئك هم
الفائزون .يبشرهم ربم برحة منه ورضوان وجنات لم فيها نعيم مقيم ,خالدين فيها أبدا إن ال
عنده أجر عظيم) . .
97
وأفعل التفضيل هنا ف قوله( :أعظم درجة عند ال) ليس على وجهه ,فهو ل يعن أن للخرين درجة
أقل ,إنا هو التفضيل الطلق .فالخرون (حبطت أعمالم وف النار هم خالدون) فل مفاضلة بينهم
وبي الؤمني الهاجرين الجاهدين ف درجة ول ف نعيم .
98
كل شيء ) كذا رواه ابن جرير ورواه ابن أب حات من حديث أب جعفر عن الربيع بن أنس عن
أب العالية بنحوه فال أعلم فهذا اختلفهم ف سبب النول وقد اختار ابن جرير ما حكاه السدي
لنه أمس بالسورة وهو مناسب ومعن الية أنه تعال أخب أنه ل يستحي أي ل يستنكف وقيل
ل يشى أن يضرب مثل ما أي مثل كان بأي شيء كان صغيا كان أو كبيا وماههنا للتقليل
وتكون بعوضة منصوبة على البدل كما تقول لضربن ضربا ما فيصدق بأدن شيء أو تكون ما
نكرة موصوفة ببعوضة واختار ابن جرير ان ما موصولة وبعوضة معربة بإعرابا قال وذلك سائغ
ف كلم العرب أنم يعربون صلة ما ومن بإعرابما لنما يكونان معرفة تارة ونكرة اخرى كما
قال حسان بن ثابت-وكفى بنا فضل على من غينا حب النب ممد إيانا-قال ويوز ان تكون
بعوضة منصوبة بذف الار وتقدير الكلم إن ال ل يستحي أن يضرب مثل مابي بعوضة إل
مافوقها وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء وقرأ الضحاك وإبراهيمب عبلة بعوضة بالرفع قال ابن
جن وتكون صلة لا وحذف العائد كما ف قوله ( تاما على الذي أحسن ) ي على الذي هو
أحسن وحكى سيبويه ما أنا بالذي قائل لك شيئا أي بالذي هو قائل لك شيئا وقوله تعال ( فما
فوقها ) يه قولن أحدها فما دونا ف الصغر والقارة كما إذا وصف لك رجل باللؤم والشح
فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك يعن فيما وصفت وهذا قول الكسائي واب عبيد قاله الرازي
واكثر الحققي وف الديث لو أن الدنيا تزن عند ال جناح بعوضة لا سقى كافرا منها شربة ماء
والثان فما فوقها لا هو أكب منها لنه ليس شيء أحقر ول أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة
بن دعامة واختيار ابن جرير فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إل كتب له با درجة وميت عنه
با خطيئة فأخب أنه ل يستصغر شيئا يضرب به مثل ولو كان ف القارة والصغر كالبعوضة كما
ل يستنكف عن خلقها كذلك ل يستنكف من ضرب الثل با كما ضرب الثل بالذباب
والعنكبوت ف قوله ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون ال لن
يلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ل يستنقذوه منه ضعف الطالب
والطلوب ) قال ( مثل الذين اتذوا من دون ال أولياء كمثل العنكبوت اتذت بيتا وإن أوهن
البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) قال تعال ( أل تر كيف ضرب ال مثل كلمة طيبة
كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها ف السماء تؤت أكلها كل حي بإذن ربا ويضرب ال المثال
للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة اجتثت من فوق الرض مالامن قرار يثبت ال
الذين آمنوا بالقول الثابت ف الياة الدنيا وف الخرة ويضل ال الظالي ويفعل ال ما يشاء ) قال
تعال ( ضرب ال مثل عبدا ملوكا ل يقدر على شيء ) لية ث قال ( وضرب ال مثل رجلي
أحدها أبكم ل يقدر على شيء وهو كل على موله أينما يوجهه ل يأت بي هل يستوي هو
99
ومن يأمر بالعدل ) لية كما قال ( ضرب لكم مثل من أنفسكم هل لكم ما ملكت أيانكم من
شركاء فيما رزقناكم ) لية وقال ( ضرب ال مثل رجل فيه شركاء متشاكسون ) لية وقال
( وتلك المثال نضربا للناس وما يعقلها إل العالون ) ف القرآن أمثال كثية قال بعض السلف
اذا سعت الثل ف القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لن ال قال ( وتلك المثال نضربا للناس
وما يعقلها ال العالون ) قال ماهد ف قوله تعال ( إن ال ل يستحي أن يضرب مثل ما بعوضة
فما فوقها ) لمثال صغيها وكبيها يؤمن با الؤمنون ويعلمون أنا الق من ربم ويهديهم ال
با وقال قتادة ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الق من ربم ) ي يعلمون أنه كلم الرحن وأنه
من عند ال وروي عن ماهد والسن والربيع بن أنس نو ذلك وقال أبو العالية ( فأما الذين
آمنوا فيعلمون أنه الق من ربم ) عن هذا الثل ( وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد ال بذا
مثل ) ما قال ف سورة الدثر ( وما جعلنا أصحاب النار إل ملئكة وما جعلنا عدتم إل فتنة
للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيانا ول يرتاب الذين أوتوا الكتاب
والؤمنون وليقول الذين ف قلوبم مرض والكافرون ماذا أراد ال بذا مثل كذلك يضل ال من
يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إل هو ) كذلك قال ههنا ( يضل به كثيا ويهدي
به كثيا وما يضل به ال الفاسقي ) ال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن أب صال عن ابن
عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة يضل به كثيا يعن به النافقي ويهدي به
كثيا يعن به الؤمني فيزيد هؤلء ضللة إل ضللتهم لتكذيبهم با قد علموه حقا يقينا من الثل
الذي ضربه ال با ضرب لم وأنه لا ضرب له موافق فذلك إضلل ال إياهم به ويهدي به يعن
الثل كثيا من أهل اليان والتصديق فيزيدهم هدى إل هداهم وإيانا إل إيانم لتصديقهم با قد
علموه حقا يقينا أنه موافق لا ضربه ال له مثل وإقرارهم به وذلك هداية من ال لم به ( وما
يضل به إل الفاسقي ) ال هم النافقون وقال أبو العالية ( وما يضل به إل الفاسقي ) ال هم أهل
النفاق وكذا قال الربيع بن أنس وقال ابن جرير عن ماهد عن ابن عباس ( وما يضل به إل
الفاسقي ) ال يقول يعرفه الكافرون فيكفرون به وقال قتادة ( وما يضل به إل الفاسقي ) سقوا
فأضلهم ال على فسقهم وقال ابن أب حات حدثت عن إسحاق بن سليمان عن أب سنان عن
عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد ( يضل به كثيا ) عن الوارج وقال شعبة عن
عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال سألت أب فقلت قوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من
بعد ميثاقه ) ل آخر الية فقال هم الرورية وهذا السناد وإن صح عن سعد بن أب وقاص
رضي ال عنه فهو تفسي على العن ل أن الية أريد منها التنصيص على الوارج الذين خرجوا
على علي بالنهروان فإن أولئك ل يكونوا حال نزول الية وإنا هم داخلون بوصفهم فيها مع من
دخل لنم سوا خوارج لروجهم عن طاعة المام والقيام بشرائع السلم والفاسق ف اللغة هو
100
الارج عن الطاعة أيضا وتقول العرب فسقت الرطبة اذا خرجت من قشرتا ولذا يقال للفأرة
فويسقة لروجها عن جحرها للفساد وثبت ف الصحيحي عن عائشة أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال خس فواسق يقتلن ف الل والرم الغراب والدأة والعقرب والفأرة والكلب
العقور فالفاسق يشمل الكافر والعاصي ولكن فسق الكافر أشد وأفحش والراد به من الية
الفاسق الكافر وال أعلم بدليل أنه وصفهم بقوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه
ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف الرض أولئك هم الاسرون ) هذه الصفات
صفات الكفار الباينة لصفات الؤمني كما قال تعال ف سورة الرعد ( أفمن يعلم أنا أنزل اليك
من ربك الق كمن هو أعمى إنا يتذكر أولوا اللباب الذين يوفون بعهد ال ول ينقضون اليثاق
والذين يصلون ما أمر ال به أن يوصل ويشون ربم ويافون سوء الساب ) ليات إل أن قال
( والذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدونفي الرض
أولئك لم اللعنة ولم سوء الدار ) قد اختلف أهل التفسي ف معن العهد الذي وصف هؤلء
الفاسقي بنقضه فقال بعضهم هو وصية ال إل خلقه وأمره إياهم با أمرهم به من طاعته ونيه
إياهم عما ناهم عنه من معصيته ف كتبه وعلى لسان رسله ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به
وقال آخرون بل هي ف كفار أهل الكتاب والنافقي منهم وعهد ال الذي نقضوه هو ما أخذه
ال عليهم ف التوراة من العمل با فيها وأتباع ممد صلى ال عليه وسلم اذا بعث والتصديق به
وبا جاء به من عند ربم ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بقيقته وإنكارهم ذلك
وكتمانم علم ذلك عن الناس بعد إعطائهم ال من أنفسهم اليثاق ليبيننه للناس ول يكتمونه
فأخب تعال أنم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثنا قليل وهذا اختيار ابن جرير رحه ال وهو
قول مقاتل بن حيان وقال آخرون بل عن بذه الية جيع أهل الكفر والشرك والنفاق وعهده إل
جيعهم ف توحيده ماوضع لم من الدلة الدالة على ربوبيته وعهده إليهم ف أمره ونيه ما احتج
به لرسله من العجزات الت ل يقدر أحد من الناس غيهم أن يأت بثله الشاهدة لم على صدقهم
قالوا ونقضهم ذلك تركهم القرار با قد تبينت لم صحته بالدلة وتكذيبهم الرسل والكتب مع
علمهم أن ما أتوا به حق وروي عن مقاتل بن حيان أيضا نو هذا وهو حسن وإليه مال
الزمشري فإنه قال [ فإن قلت ] فما الراد بعهد ال قلت ماركز ف عقولم من الجة على
التوحيد كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم وهو معن قوله تعال ( وأشهدهم على أنفسهم ألست
بربكم قالوا بلى ) ذ أخذ اليثاق عليهم من الكتب النلة عليهم كقوله ( وأوفوا بعهدي أوف
بعهدكم ) قال آخرون العهد الذي ذكره تعال هو العهد الذي أخذه عليهم حي أخرجهم من
صلب آدم الذي وصف ف قوله ( وإذ أخذ ربك من بن آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم
على أنفسهم ألست ربكم قالوا بلى شهدنا ) ليتي ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به وهكذا روي
101
عن مقاتل بن حيان أيضا حكى هذه القوال ابن جرير ف تفسيه وقال أبو جعفر الرازي عن
الربيع بن أنس عن أب العالية ف قوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ) ل قوله
( أولئك هم الاسرون ) ال هي ست خصال من النافقي اذا كانت فيهم الظهرة على الناس
أظهروا هذه الصال اذا حدثوا كذبوا واذا وعدوا أخلفوا واذا اؤتنوا خانوا ونقضوا عهد ال من
بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر ال به أن يوصل وأفسدوا ف الرض واذا كانت الظهرة عليهمأظهروا
الصال الثلث إذا حدثوا كذبوا وإذا وعدوا أخلفوا وإذا اؤتنوا خانوا وكذا قال الربيع بن أنس
أيضا وقال السدي ف تفسيه بإسناده قوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ) ال
هو ماعهد إليهم ف القرآن فأقروا به ث كفروا فنقضوه وقوله ( ويقطعون ما أمر ال به أن
يوصل ) يل الراد به صلة الرحام والقرابات كما فسره قتادة كقوله تعال ( فهل عسيتم إن
توليتم ان تفسدوا ف الرض وتقطعوا أرحامكم ) رجحه ابن جرير وقيل الراد أعم من ذلك
فكل ما أمر ال بوصله وفعله فقطعوه وتركوه وقال مقاتل بن حيان ف قوله تعال ( أولئك هم
الاسرون ) ال ف الخرة وهذا كما قال تعال ( أولئك لم اللعنة ولم سوء الدار ) قال الضحاك
عن ابن عباس كل شيء نسبه ال إل غي أهل السلم من اسم مثل خاسر فإنا يعن به الكفر
وما نسبه إل أهل السلم فإنا يعن به الذنب وقال ابن جرير ف قوله تعال ( أولئك هم
الاسرون ) لاسرون جع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بعصيتهم ال من رحته كما
يسر الرجل ف تارته بأن يوضع من رأس ماله ف بيعه وكذلك النافق والكافر خسر برمان ال
إياه رحته الت خلقها لعباده ف القيامة أحوج ما كانوا إل رحته يقال منه خسر الرجل يسر
خسرا وخسرانا وخسارا كما قال جرير بن عطية-إن سليطا ف السار أنه أولد قوم خلقوا
أقنه-
وف الظلل :
(الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ,ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ,ويفسدون ف الرض .
أولئك هم الاسرون) . .
فأي عهد من عهود ال هو الذي ينقضون ? وأي أمر ما أمر ال به أن يوصل هو الذي يقطعون ?
وأي لون من الفساد ف الرض هو الذي يفسدون ?
لقد جاء السياق هنا بذا الجال لن الجال مال تشخيص طبيعة ,وتصوير ناذج ,ل مال تسجيل
حادثة ,أو تفصيل واقعة . .إن الصورة هنا هي الطلوبة ف عمومها .فكل عهد بي ال وبي هذا
النموذج من اللق فهو منقوض ; وكل ما أمر ال به أن يوصل فهو بينهم مقطوع ; وكل فساد ف
الرض فهو منهم مصنوع . .إن صلة هذا النمط من البشر بال مقطوعة ,وإن فطرتم النحرفة ل
تستقيم على عهد ول تستمسك بعروة ول تتورع عن فساد .إنم كالثمرة الفجة الت انفصلت من
102
شجرة الياة ,فتعفنت وفسدت ونبذتا الياة . .ومن ث يكون ضللم بالثل الذي يهدي الؤمني ;
وتيء غوايتهم بالسبب الذي يهتدي به التقون .
وننظر ف الثار الدامة لذا النمط من البشر الذي كانت الدعوة تواجهه ف الدينة ف صورة اليهود
والنافقي والشركي ; والذي ظلت تواجهه وما تزال تواجهه اليوم ف الرض مع اختلف سطحي
ف الساء والعنوانات !
(الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه) . .
وعهد ال العقود مع البشر يتمثل ف عهود كثية:إنه عهد الفطرة الركوز ف طبيعة كل حي . .أن
يعرف خالقه ,وأن يتجه إليه بالعبادة .وما تزال ف الفطرة هذه الوعة للعتقاد بال ,ولكنها تضل
وتنحرف فتتخذ من دون ال أندادا وشركاء . .وهو عهد الستخلف ف الرض الذي أخذه ال
على آدم -كما سيجيء ( :-فإما يأتينكم من هدى فمن تبع هداي فل خوف عليهم ول هم
يزنون .والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) . .وهو عهوده
الكثية ف الرسالت لكل قوم أن يعبدوا ال وحده ,وأن يكموا ف حياتم منهجه وشريعته . .
وهذه العهود كلها هي الت ينقضها الفاسقون .وإذا نقض عهد ال من بعد ميثاقه ,فكل عهد دون
ال منقوض .فالذي يرؤ على عهد ال ل يترم بعده عهدا من العهود .
(ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل) . .
وال أمر بصلت كثية . .أمر بصلة الرحم والقرب .وأمر بصلة النسانية الكبى .وأمر قبل هذا
كله بصلة العقيدة والخوة اليانية ,الت ل تقوم صلة ول وشيجة إل معها . .وإذا قطع ما أمر ال
به أن يوصل فقد تفككت العرى ,وانلت الروابط ,ووقع الفساد ف الرض ,وعمت الفوضي .
(ويفسدون ف الرض) . .
والفساد ف الرض ألوان شت ,تنبع كلها من الفسوق عن كلمة ال ,ونقض عهد ال ,وقطع ما
أمر ال به أن يوصل .ورأس الفساد ف الرض هو اليدة عن منهجه الذي اختاره ليحكم حياة البشر
ويصرفها .هذا مفرق الطريق الذي ينتهي إل الفساد حتما ,فما يكن أن يصلح أمر هذه الرض ,
ومنهج ال بعيد عن تصريفها ,وشريعة ال مقصاة عن حياتا .وإذا انقطعت العروة بي الناس وربم
على هذا النحو فهو الفساد الشامل للنفوس والحوال ,وللحياة والعاش ; وللرض كلها وما عليها
من ناس وأشياء .
إنه الدم والشر والفساد حصيلة الفسوق عن طريق ال . .ومن ث يستحق أهله أن يضلهم ال با
يهدي به عباده الؤمني .
103
إنم ينقضون عهد ال الأخوذ على الفطرة ف صورة الناموس الزل ; وينقضون من بعده كل عهد ,
فمت نقض العهد الول فكل عهد قائم عليه منقوض من الساس .والذي ل يرعى ال ل يبقى على
عهد ول ميثاق .ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل على وجه العموم والطلق .ويفسدون ف
الرض ف مقابل صب أولئك وإقامتهم للصلة وإنفاقهم سرا وعلنية ودرء السيئة بالسنة .فالفساد
ف الرض يقابل هذا كله ,وترك شيء من هذا كله إنا هو إفساد أو دافع إل الفساد .
(أولئك) . .البعدون الطرودون (لم اللعنة) والطرد ف مقابل التكري هناك (ولم سوء الدار) ول
حاجة إل ذكرها ,فقد عرفت بقابلها هناك !
أولئك فرحوا بالياة الدنيا ومتاعها الزائل فلم يتطلعوا إل الخرة ونعيمها القيم .مع أن ال هو الذي
يقدر الرزق فيوسع فيه أو يضيق فالمر كله إليه ف الول والخرة على السواء .ولو ابتغوا الخرة ما
حرمهم ال متاع الرض ,وهو الذي أعطاهم إياه:
(ال يبسط الرزق لن يشاء ويقدر .وفرحوا بالياة الدنيا وما الياة الدنيا ف الخرة إل متاع) . .
إن حياة الناس ل تصلح إل بأن يتول قيادتا البصرون أولو اللباب الذين يعلمون أن ما أنزل إل
ممد صلى ال عليه وسلم هو الق .ومن ث يوفون بعهد ال على الفطرة ,وبعهد ال على آدم
وذريته ,أن يعبدوه وحده ,فيدينوا له وحده ,ول يتلقوا عن غيه ,ول يتبعوا إل أمره ونيه .ومن
ث يصلون ما أمر ال به أن يوصل ,ويشون ربم فيخافون أن يقع منهم ما نى عنه وما يغضبه ;
ويافون سوء الساب ,فيجعلون الخرة ف حسابم ف كل خالة وكل حركة ; ويصبون على
الستقامة على عهد ال ذاك بكل تكاليف الستقامة ; ويقيمون الصلة ; وينفقون ما رزقهم ال سرا
وعلنية ; ويدفعون السوء والفساد ف الرض بالصلح والحسان
إن حياة الناس ف الرض ل تصلح إل بثل هذه القيادة البصرة ; الت تسي على هدى ال وحده ;
والت تصوغ الياة كلها وفق منهجه وهديه . .إنا ل تصلح بالقيادات الضالة العمياء ,الت ل تعلم
أن ما أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم هو الق وحده ; والت تتبع -من ث -مناهج أخرى غي
منهج ال الذي ارتضاه للصالي من عباده . .إنا ل تصلح بالقطاع والرأسالية ,كما أنا ل تصلح
بالشيوعية والشتراكية العلمية ! . .
إنا كلها من مناهج العمي الذين ل يعلمون أن ما أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم هو وحده
الق ,الذي ل يوز العدول عنه ,ول التعديل فيه . .إنا ل تصلح بالثيوقراطية كما أنا ل تصلح
بالديكتاتورية أو الديقراطية ! فكلها سواء ف كونا من مناهج العمي ,الذين يقيمون من أنفسهم
أربابا من دون ال ,تضعهي مناهج الكم ومناهج الياة ,وتشرع للناس ما ل يأذن به ال ;
وتعبدهم لا تشرع ,فتجعل دينونتهم لغي ال . .
104
وآية هذا الذي نقوله -استمدادا من النص القرآن -هو هذا الفساد الطامي الذي يعم وجه الرض
اليوم ف جاهلية القرن العشرين .وهو هذه الشقوة النكدة الت تعانيها البشرية ف مشارق الرض
ومغاربا . .سواء ف ذلك أوضاع القطاع والرأسالية ,وأوضاع الشيوعية والشتراكية العلمية ! . .
وسواء ف ذلك أشكال الديكتاتورية ف الكم أو الديقراطية ! . .إنا كلها سواء فيما تلقاه البشرية
من خللا من فساد ومن تلل ومن شقاء ومن قلق . .لنا كلها سواء من صنع العمي الذين ل
يعلمون أن ما أنزل على ممد من ربه هو الق وحده ; ول تلتزم -من ث -بعهد ال وشرعه ; ول
تستقيم ف حياتا على منهجه وهديه .
إن السلم يرفض -بكم إيانه بال وعلمه بأن ما أنزل على ممد هو الق -كل منهج للحياة غي
منهج ال ; وكل مذهب اجتماعي أو اقتصادي ; وكل وضع كذلك سياسي ,غي النهج الوحيد ,
والذهب الوحيد ,والشرع الوحيد ,الذي سنه ال وارتضاه للصالي من عباده .
ومرد العتراف بشرعية منهج أو وضع أو حكم من صنع غي ال ,هو بذاته خروج من دائرة
السلم ل ,فالسلم ل هو توحيد الدينونة له دون سواه .
إن هذا العتراف فوق أنه يالف بالضرورة مفهوم السلم الساسي ,فهو ف الوقت ذاته يسلم
اللفة ف هذه الرض للعمي الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ,ويقطعون ما أمر ال به أن
يوصل ويفسدون ف الرض . .فهذا الفساد ف الرض مرتبط كل الرتباط بقيادة العمي ! . .
ولقد شقيت البشرية ف تاريها كله ; وهي تتخبط بي شت الناهج وشت الوضاع وشت الشرائع
بقيادة أولئك العمي ,الذين يلبسون أردية الفلسفة والفكرين والشرعي والسياسيي على مدار
القرون .فلم تسعد قط ; ول ترتفع "إنسانيتها" قط ,ول تكن ف مستوى اللفة عن ال ف الرض
قط ,إل ف ظلل النهج الربان ف الفترات الت فاءت فيها إل ذلك النهج القوي .
هذه بعض العال البارزة ف هذه السورة ,وقفنا عندها هذه الوقفات الت ل تبلغ مداها ,ولكنها
تشي إليها .
والمد ل الذي هدانا لذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال . .
105
من أعلم الساعة وأشراطها أن يصدق الكاذب وأن يكذب الصادق ،يا ابن مسعود! إن من
أعلم الساعة وأشراطها أن يؤتن الائن وأن يون المي ،يا ابن مسعود! إن من أعلم الساعة
وأشراطها أن يواصل الطباق وأن يقاطع الرحام ،يا ابن مسعود! إن من أعلم الساعة وأشراطها
أن يسود كل قبيلة منافقوها وكل سوق فجارها ،يا ابن مسعود! إن من أعلم الساعة وأشراطها
أن يكون الؤمن ف القبيلة أذل من النقد وف حديث وَسَادَ اْلقَبِيَلةَ فَا ِس ُقهُمْ ،وَكَا َن َزعِيمُ اْل َقوْمِ
ت وَا َلعَازِفُ ،وَ ُش ِرَبتِ الْخُمُورُ ،وََلعَنَ آ ِخرُ َأ ْرذََلهُمْ ،وَأُ ْكرِمَ ال ّرجُ ُل مَخَاَفةَ َش ّرهِ ،وَ َظ َه َرتْ القَيْنَا ُ
هَ ِذهِ ا ُل ّمةِ
.16إغراق السواق بالكماليات الستوردة من قبل أعداء السلم
نعم من قبل أشد الناس عداء للسلم والسلمي كل ذلك لنهب أموال السلمي أو للائهم با
ومن ذلك الهتمام بالفن والرياضة والتفاهات وترك الهتمام بقضايا المة الصيية تنفيذا
لوصية أبناء صهيون وهذه بعض هذه البوتوكالت لنرى كيف هم أمناء على تطبيقها
بذافيها مع زيادة
البوتوكول الثالث عشر:
ان الاجة يوميا إل الب ستكره المي Gentilesعلى الدوام اكراها أن يقبضوا ألسنتهم،
ويظلوا خدمنا الذلء .وان اولئك الذين قد نستخدمه ف صحافتنا من المي سيناقشون
بايعازات منا حقائق لن يكون من الرغوب فيه أن نشي إليها باصة ف جريدتنا Gazette
الرسية .وبينما تتخذ كل أساليب الناقشات والناظرات هكذا سنمضي القواني الت سنحتاج
اليها ،وسنضعها أمام المهور على أنا حقائق ناجزة.
ولن يرؤ أحد على طلب استئناف النظر فيما تقر امضاؤه ،فضلً عن طلب استئناف النظر فيما
يظهر حرصنا على مساعدة التقدم .وحينئذ ستحول الصحافة نظر المهور بعيدا بشكلت
جديدة ( ،وأنتم تعرفون بأنفسكم أننا دائما نعلم الشعب أن يبحث عن طوائف جديدة).
وسيسرع الغامرون السياسيون الغبياء إل مناقشة الشكلت الديدة .ومثلهم الرعاع الذين ل
يفهمون ف أيامنا هذه حت ما يتشدقون به.
وان الشكلت السياسية ل يعن با أن تكون مفهومة عند الناس العاديي،ول يستطيع ادراكها
ـ كما قلت من قبل ـ ال الكام الذين قد مارسوا تصريف المور قرونا كثية .ولكم ان
تستخلصوا من كل هذا اننا ـ حي نلجأ إل الرأي العام ـ سنعمل على هذا النحو ،كي نسهل
عمل جهازنا Machinaryكما يكن أن تلحظوا أننا نطلب الوافقة على شت السائل ل
بالفعال ،بل بالقوال .ونن دائما نؤكد ف كل اجراءاتنا اننا مقودون بالمل واليقي لدمة
106
الصلحة العامة .ولكي نذهل الناس الضعضعي عن مناقشة السائل السياسية ـ ندهم بشكلت
جديدة .أي بشكلت الصناعة والتجارة .ولنتركهم يثوروا على هذه السائل كما يشتهون.
انا نوافق الماهي على التخلي والكف عما تظنه نشاطا سياسيا إذا اعطيناها ملهي جديدة ،أي
التجارة الت ناول فنجعلها تعتقد أنا أيضا مسألة سياسية .ونن انفسنا اغرينا الماهي
بالشاركة ف السياسيات ،كي نضمن تأييدها ف معركتنا ضد الكومات المية.
ولكي نبعدها عن أن تكشف بأنفسها أي خط عمل جديد سنلهيها أيضا بأنواع شت من اللهي
واللعاب ومزجيات للفراغ والجامع العامة وهلم جرا.
وسرعان ما سنبدأ العلن ف الصحف داعي الناس إل الدخول ف مباريات شت ف كل انواع
الشروعات :كالفن والرياضة وما اليهما .هذه التع الديدة ستلهي ذهن الشعب حتما عن
السائل الت سنختلف فيها معه ،وحالا يفقد الشعب تدريا نعمة التفكي الستقل بنفسه سيهتف
ل لتقدي
جيعا معنا لسبب واحد :هو أننا سنكون أعضاء الجتمع الوحيدين الذين يكونون أه ً
خطوط تفكي جديدة.
وهذه الطوط سنقدمها متوسلي بتسخي آلتنا وحدها من أمثال الشخاص الذين ل يستطاع
الشك ف تالفهم معنا ،أن دور الثاليي التحررين سينتهي حالا يعترف بكومتنا .وسيؤدون لنا
خدمة طيبة حت يي ذلك الوقت.
ولذا السبب سنحاول ان وجه العقل العام نو كل نوع من النظريات البهرجة fantasticالت
يكن أن تبدو تقدمية أو تررية .لقد نحنا ناحا كاملً بنظرياتنا على التقدم ف تويل رؤوس
الميي الفارغة من العقل نو الشتراكية .ول يوجد عقل واحد بي الميي يستطيع ان يلحظ
انه ف كل حالة وراء كلمة "التقدم" يتفي ضلل وزيغ عن الق ،ما عدا الالت الت تشي فيها
هذه الكلمة إل كشوف مادية أو علمية .إذ ليس هناك ال تعليم حق واحد ،ول مال فيه من
أجل "التقدم" ان التقدم ـ كفكرة زائفة ـ يعمل على تغطية الق ،حت ل يعرف الق أحد
غينا نن شعب ال الختار الذي اصطفاه ليكون قواما على الق.
وحي نستحوذ على السلطة سيناقش خطباؤنا الشكلت الكبى الت كانت تي النسانية ،لكي
ينطوي النوع البشري ف النهاية تت حكمنا البارك ومن الذي سيتاب حينئذ ف اننا الذين كنا
نثي هذه الشكلت وفق خطة Schemeسياسية ل يفهمها إنسان طوال قرون كثرة.
البتوكول التاسع عشر:
اننا سنحرم على الفراد ان يصيوا منغمسي ف السياسة ،ولكننا من جهة أخرى ،سنشجع كل
نوع لتبليغ القتراحات أو عرضها ما دامت تعمل على تسي الياة الجتماعية والقومية كي
توافق عليها الكومة وبذه الوسيلة اذن سنعرف أخطاء حكومتنا والثل العليا لرعايانا ،وسنجيب
107
على هذه القتراحات إما بقبولا ،واما بتقدي حجة قوية ـ إذا ل تكن مقنعة ـ للتدليل على انا
مستحيلة التحقيق ،ومؤسسة على تصوير قصي النظر للمور.
ان الثورة Seditionليس أكثر من نباح كلب على فيل ،ففي الكومة النظمة تنظيما حسنا
من وجهة النظر الجتماعية ل من وجهة النظر إل بوليسها ،ينبح الكلب على الفيل من غي أن
يقق قدرته .وليس على الفيل ال ان يظهر قدرته بثل واحد متقن حت تكف الكلب عن
النباح ،وتشرع ف البصبصة بأذنابا عندما ترى الفيل.
ولكي ننع عن الجرم السياسي تاج شجاعته سنضعه ف مراتب الجرمي الخرين بيث يستوي
مع اللصوص والقتلة والنواع الخرى من الشرار النبوذين الكروهي.
وعندئذ سينظر الرأي العام عقليا إل الرائم السياسية ف الضوء ذاته الذي ينظر فيه إل الرائم
العادية ،وسيصمها وصمة العار والزي الت يصم با الرائم العادية بل تفريق.
وقد بذلنا اقصى جهدنا لصد المي على اختيار هذا النهج الفريد ف معاملة الرائم السياسية.
ولكي نصل إل هذه الغاية ـ استخدمنا الصحافة ،والطابة العامة ،وكتب التاريخ الدرسية
المحصة بهارة ،واوحينا اليهم بفكرة ان القاتل السياسي شهيد ،لنه مات من أجل فكرة
السعادة النسانية .وأن مثل هذا العلن قد ضاعف عدد التمردين ،وانفتحت طبقات وكلئنا
بآلف من الميي:
البوتوكول العشرون:
سأتكلم اليوم ف برنامنا الال الذي تركته إل ناية تقريري .لنه أشد السائل عسرا ،ولنه
يكون القطع النهائي ف خططنا .وقبل أن أناقش هذه النقطة سأذكركم با أشرت من قبل اليه،
وأعن بذلك أن سياستنا العامة متوقفة على مسألة أرقام.
حي نصل إل السلطة فإن حكومتنا الوتوقراطية ـ من أجل مصلحتها الذاتية ـ ستتجنب
فرض ضرائب ثقيلة على المهور .وستتذكر دائما ذلك الدور الذي ينبغي أن تلعبه ،وأعن به
دور الامي البوي.
ولكن ما دام تنظيم الكومة سيتطلب كميات كبية من الال فمن الضروري ان تتهيأ الوسائل
اللزمة للحصول عليه ،ولذلك يب ان ناول برص عظيم بث هذه السألة ،وأن نرى أن
عبء الضرائب موزع بالقسط.
وبيلة وفق القانون ـ سيكون حاكمنا مالكا لكل املك الدولة (وهذا بوضوح موضع التنفيذ
بسهولة) .وسيكون قادرا على زيادة مقادير الال الت ربا تكون ضرورية لتنظيم تداول العملة ف
البلد.
108
ومن هنا سيكون فرض ضرائب تصاعدية على الملك هو خي الوسائل لواجهة التكاليف
الكومية ،وهكذا تدفع الضرائب دون أن ترهق الناس ودون أن يفلسوا،وأن الكمية الت ستفرض
عليها الضريبة ستتوقف على كل ملكية فردية.
ويب أن يفهم الغنياء أن واجبهم هو التخلي للحكومة عن جانب من ثروتم الزائدة .لن
الكومة تضمن لم تأمي حيازة ما يتبقى من أملكهم ،وتنحهم حق كسب الال بوسائل نزيهة
honestوأنا أقول نزيهة ،لن ادارة الملك ستمنع السرقة على اسس قانونية.
هذا الصلح الجتماعي يب أن يكون ف طليعة برنامنا ،كما أنه الضمان الساسي للسلم.
فلن يتمل التأخي لذلك.
ان فرض الضرائب على الفقراء هو اصل كل الثروات ،وهو يعود بسارة كبية على الكومة،
وحي تاول الكومة زيادة الال على الفقراء تفقد فرصة الصول عليه من الغنياء.
ان فرض الضرائب على رؤوس الموال يقلل من زيادة الثروة ف اليدي الاصة الت سحنا لا
بتكديسها ـ مغرضي ـ حت تعمل كمعادل لكومة الميي ومالياتم.
ان الضرائب التصاعدية الفروضة على نصيب الفرد ستجب دخلً أكب من نظام الضرائب
الاضر ( )1901الذي يستوي فيه كل الناس .وهذا النظام ف الوقت الاضر ضروري لنا ،لنه
يلق النقمة والسخط بي الميي .
ان قوة ملكنا ستقوم أساسيا على حقيقة أنه سيكون ضمانا للتوازن الدول ،والسلم الدائم
للعال ،وسيكون على رؤوس الموال ان تتخلى عن ثروتا لتحفظ الكومة ف نشاطها.
ان النفقات الكومية يب أن يدفعها من هم أقدر على دفعها ،ومن يكن ان تزاد عليهم
الموال.
مثل هذا الجراء سيوقف القد من جانب الطبقات الفقية على الغنياء الذين سيعتدون الدعامة
الالية الضرورية للحكومة ،وسترى هذه الطبقات أن الغنياء هم حاة السلم والسعادة العامة،
لن الطبقات الفقية ستفهم أن الغنياء ينفقون على وسائل اعدادها للمنافع الجتماعية.
ولكيل تبالغ الطبقات الذكية ،أي دافعوا الضرائب ،ف الشكوى من نظام الضرائب الديد ـ
سنقدم لم كشوفا تفصيلية توضح طريق انفاق اموالم ،ويستثن منها بالضرورة الانب الذي
ينفق على حاجات اللك الاصة ومطالب الدارة.
ولن يكون للمكل ملك شخصي ،فإن كل شيء ف الدولة سيكون ملكا له ،إذ لو سح للملك
بيازة ملك خاص فسيظهر كما لو كانت كل أملك الدولة غي ملوكة له.
109
وأقارب اللك ـ ال وارثه الذي ستتحمل الكومة نفقاته ـ سيكون عليهم كلهم ان يعملوا
موظفي حكوميي ،أو يعملوا عملً آخر لينالوا حق امتلك الثروة ،ولن يؤهلهم امتيازهم بأنم
من الدم اللكي ،لن يعيشوا عالة على نفقة الدولة.
وستكون هناك ضرائب دمغة تصاعدية على البيعات والشتريات ،مثلها مثل ضرائب التركات
death dutiesوأن أي انتقال للملكية بغي الدمغة الطلوبة سيعد غي قانون .وسيجب الالك
السابق formerعلى أن يدفع عمالة بنسبة مئوية percentageعلى الضريبة من تاريخ
البيع.
ويب أن نسلم مستندات التحويل (للملكية) أسبوعيا إل مراقب الضرائب الحليي local
مصحوبة ببلغ عن السم واللقب surnameلكل من الالكي الديد والسابق ،والعنوان
الثابت لكل منهما أيضا.
وان مثل هذا الجراء سيكون ضروريات من أجل العاملت الالية حيت تزيد على مقدار معي،
أعن حي تزيد على مقدار يعادل متوسط النفقات اليومية الضرورية الولية Primeوسيكون
بيع الشياء الضرورية مدموغا stamedبضريبة دمغة مدودة عادية
ويكفي ان تسبوا أنتم كم ضعفا سيزيد به مقدار هذه الضرائب على دخل حكومات الميي.
ان الدولة لبد لا من ان تتفظ ف الحتياطي بقدار معي من رأس الال ،واذا زاد الدخل من
الضرائب على هذا البلغ الحدود فسترد الدخول الفائضة إل التداول .وهذه البالغ الفائضة
ستنفق على تنظيم أنواع شت من العمال العامة.
وسيوكل توجيه هذه العمال إل هيئة حكومية .وبذلك ستكون مصال الطبقات مرتبطة
ارتباطا وثيقا بصال الكومة ومصال ملكهم ،وسيصد كذلك جزء من الال الفائض
للمكافآت على الختراعات والنتاجات.
ومن ألزم الضروريات عدم السماح للعملة currencyبأن توضع دون نشاط ف بنك الدولة
إذا جاوزت مبلغا معينا ربا يكون القصد منه غرضا خاصا .إذ أن العملة وجدت للتداول .وان
أي تكديس للمال ذو اثر حيوي ف أمور الدولة على الدوام .لن الال يعمل عمل الزيت ف
جهاز الدولة ،فلو صار الزيت عائقا اذن لتوقف عمل الهاز.
وما وقع من جراء استبدال السندات بزء كبي من العملة قد خلق الن تضخما يشبه ما وصفناه
تاما ،ونتائج هذه الواقعة قد صارت واضحة وضوحا كافيا.
وكذلك سننشئ هيئة للمحاسبة .كي تكن اللك من ان يتلقى ف أي وقت حسابا كاملً لرج
Expenditureالكومة ودخلها .وستحفظ كل التقريرات بدقة وحزم إل هذا التاريخ ما
عدا تقريرات الشهر الاري والتقدم.
110
والشخص الوحيد الذي لن تكون له مصلحة ف سرقة بنك الدولة ،سيكون هو مالكه ،وأعن به
اللك ،ولذا السبب ستقف سيطرته كل احتمالت للسراف أو النفقة غي الضرورية .وان
القابلت يليها أدب السلوك ـ وهي مضيعة لوقت اللك الثمي ـ ستكون معدومة ،لكي تتاح
له فرصة عظمى للنظر ف شؤون الدولة .ولن يكون اللك ف حكومتنا موطا بالاشية الذين
يرقصون عادة ف خدمة اللك من أجل البة ،ول يهتمون ال بأمورهم الاصة مبتعدين جانبا
عن العمل لسعادة الدولة
إن الزمات القتصادية الت دبرناها بنجاح باهر ف البلد المية ـ قد انزت عن طريق سحب
العملة من التداول ،فتراكمت ثروات ضخمة ،وسحب الال من الكومة الت اضطرت بدورها
إل الستنجاد بلك هذه الثروات لصدار قروض .ولقد وضعت هذه القروض على الكومات
اعباء ثقيلة اضطرتا إل دفع فوائد الال القترض مكبلة بذلك أيديها.
وان تركز النتاج ف أيدي الرأسالية قد امتص قوة الناس النتاجية حت جفت ،وامتص معها
أيضا ثروة الدولة.
والعملة التداولة ف الوقت الاضر ل تستطيع ان تفي بطالب الطبقات العاملة ،إذ ليست كافية
للحاطة بم وارضائهم جيعا.
ان اصدار العملة يب أن يساير نو السكان ،ويب أن يعد الطفال مستهلكي عملة منذ أول
يوم يولدون فيهز وان تنقيح العملة حينا فحينا مسألة حيوية للعال أجع.
وأظنكم تعرفون ان العملة الذهبية كانت الدمار للدول الت سارت عليها ،لنا ل تستطع ان تفي
بطالب السكان .ولننا فوق ذلك قد بذلنا أقصى جهدنا لتكديسها وسحبها من التداول.
ان حكومتنا ستكون لا عملة قائمة على قوة العمل ف البلد ،وستكون من الورق أو حت من
الشب.
وسنصدر عملة كافية لكل فرد من رعايانا ،مضيفي إل هذا القدار عند ميلد كل طفل،
ومنقصي منه عند وفاة كل شخص.
وستقوم على السابات الكومية حكومات ملية منفصلة ومكاتب إقليمية (ريفية).
ولكيل تدث ماطلت ف دفع الموال الستحقة للحكومة ،سيصدر الاكم نفسه أوامر عن مدة
هذا البالغ ،وبذا ستنتهي الحاباة الت تظهرها احيانا وزارات الالية نو هيئات معينة .
ستحفظ حسابات الدخل والرج معا ،لكي يكن دائما مقارنة كل منهما بالخرى.
والطط الت سنتخذها لصلح الؤسسات الالية للميي ستقوم بأسلوب لن يكن أن يلحظوه.
فسنشي إل ضرورة الصلحات الت تتطلبها الالة الفوضوية الت بلغتها الاليات الميتة .وسنبي
أن السبب الول لذه الالت السيئة للمالية يكمن ف حقيقة أنم يبدأون السنة الالية بعمل
111
تقدير تقريب للميزانية الكومية ،وأن مقدارها يزداد سنة فسنة للسبب التال :وهو أن اليزانية
الكومية السنوية تستمر متأخرة حت ناية نصف السنة ،وعندئذ تقدم ميزانية منقحة ،ينفق مالا
بعامة ف ثلثة اشهر ،وبعد ذلك يصوت اليزانية لسنة واحدة تقوم على جلة النفقة التحصلة ف
السنة السابقة ،وعلى ذلك فهناك عجز ف كل سنة نو خسي من مائة من البلغ السي.
فتتضاعف اليزانية السنوية بعد عشر سنوات ثلثة أضعاف .وبفضل هذا الجراء الذي اتبعته
الكومات المية الغافلة استنفذت اموالم الحتياطية عندما حلت مواعيد الديون ،وفرغت بنوك
دولتهم وجذبتهم إل حافة الفلس.
وسوف تفهمون سريعا أن مثل هذه السياسة للمور الالية الت أغرينا الميي باتباعها ،ل يكن
ان تكون ملئمة لكومتنا.
إن كل فرض ليبهن على ضعف الكومة وخيبتها ف فهم حقوقها الت لا .وكل دين ـ كأنه
سيف داميو كليز Damoclesـ يعلق على رؤوس الاكمي الذين يأتون إل أصحاب
البنوك Bankersمنا ،وقبعاتم ف أيديهم ،بدلً من دفع مبالغ معينة مباشرة عن المة بطريقة
الضرائب الوقتية.
ان القروض الارجية مثل العلق الذي ل يكن فصله من جسم الكومة حت يقع من تلقاء نفسه،
أو حت تتدبر الكومة كي تطرحه عنها ،ولكن حكومات الميي ل ترغب ف أن تطرح عنها
هذا العلق ،بل هي ذلك .فانا تزيد عدده ،وبعد ذلك كتب على دولتهم أن توت قصاصا من
نفسها بفقد الدم .فماذا يكون القرض الارجي ال أنه علقة؟ القرض هو اصدار أوراق حكومية
توجب التزام دفع فائدة تبلغ نسبة مئوية من البلغ الكلي للمال القترض .فإذا كان القرض بفائدة
قدرها خسة من مائة ،ففي عشرين سنة ستكون الكومة قد دفعت بل ضرورة مبلغا يعادل
القرض لكي تغطي النسبة الئوية .وف أربعي سنة ستكون قد دفعت ضعفي ،وف ستي سنة
ثلثة أضعاف القدار ،ولكن القرض سيبقى ثابتا كأنه دين ل يسدد.
ثابت من هذه الحصائية ان هذه القروض تت نظام الضرائب الاضرة ( )1901تستنفذ آخر
الليمات النهائية من دافع الضرائب الفقي ،كي تدفع فوائد للرأساليي الجانب الذين اقترضت
الدولة منهم الال ،بد ًل من جع الكمية الضرورية من المة مردة من الفوائد ف صورة الضرائب.
وقد اكتفى الغنياء ـ طالا كانت القروض داخلية ـ بأن ينقلوا الال من أكياس الفقراء إل
أكياس الغنياء ،ولكن بعد أن رشونا أناسا لزمي لستبدال القروض الارجية بالقروض
الداخلية ـ تدفقت كل ثروة الدول إل خزائننا ،وبدأ كل الميي يدفعون لنا مالً يقل عن
الراج الطلوب.
112
والكام الميون ـ من جراء اهالم ،أو بسبب فساد وزرائهم أو جهلهم ـ قد جروا بلدهم
إل الستدانة من بنوكنا ،حت أنم ل يستطيعون تأدية هذه الديون .ويب أن تدركوا ما كان
يتحتم علينا أن نعانيه من اللم لكي تتهيأ المور على هذه الصورة.
سنحتاط ف حكومتنا حيطة كبية كي ل يدث تضخم مال ،وعلى ذلك لن نكون ف حاجة
إل قروض للدولة ال قرضا واحدا ذا فائدة قدرها واحد من الائة تكون سندات على الزانة.
حت ل يعرض دفع النسبة الئوية البلد لن يتصها العلق.
وستعطي الشركات التجارية حق اصدار السندات استثناء .فإن هذه الشركات لن تد صعوبة
ف دفع النسبة الئوية من ارباحها ،لنا تقترض الال للمشروعات التجارية ،ولكن الكومات ل
تستطيع أن تن فوائد من الال القترض ،لنا انا تقترض دائما لتنفق ما اخذت من القروض .
وستشتري الكومة أيضا اسهما تارية ،فتصي بذا دائنة بدل أن تكون مدينة ومسددة للخراج
Tributeكما هي الن .وان اجراء كهذا سيضع ناية للتراخي والكسل اللذين كانا مفيدين
لنا طالا كان الميي (غي اليهود) مستقلي.
ويكفي للتدليل على فراغ عقول الميي الطلقة البهيمة حقا ،انم حينما اقترضوا الال هنا بفائدة
خابوا ف ادراك أن كل مبلغ مقترض هكذا مضافا إليه فائدة ل مفر من أن يرج من موارد
البلد .وكان أيسر لم لو أنم اخذوا الال من شعبهم مباشرة دون حاجة إل دفع فائدة .وهذا
يبهن على عبقريتنا وعلى حقيقة أننا الشعب الذي اختاره ال .انه من النكة والدربة أننا
نعرض مسألة القروض على الميي ف ضوء يظنون معه انم وجدوا فيه الربح ايضا.
ان تقديراتنا Esimatesالت سنعدها عندما يأت الوقت الناسب ،والت ستكون مستمدة من
تربة قرون ،والت كنا نصها عندما كان الميون يكمون ـ ان تقديراتنا هذه ستكون متلفة
ف وضوحها العجيب عن التقديرات الت صنعها الميي ،وستبهن للعال كيف أن خططنا
الديدة ناجحة ناجعة .ان هذه الطط ستقضي على الساوئ الت صرنا بامثالا سادة الميي.
والت ل يكن أن نسمح با ف حكمنا ،وسنرتب نظام ميزانيتنا الكومية حت لن يكون اللك
نفسه ول أشد الكتبة Clerksخو ًل ف مقام ل يلحظ فيه اختلسه لصغر جزء من الال ،ول
استعماله اياه ف غرض آخر غي الغرض الوضوع له ف التقدير الول (ف اليزانية).
ويستحيل الكم بنجاح ال بطة مكمة احكاما تاما .حت الفرسان والبطال يهلكون إذا هم
اتبعوا طريقا ل يعرفون إل أين يقودهم ،أو إذا بدأوا رحلتهم من غي أن يتأهبوا الهبة الناسبة
لا.
113
ان ملوك الميي الذين ساعدناهم ،كي نغريهم بالتخلي عن واجباتم ف الكومة بوسائل
الوكالت (عن المة ) Entertainments Representionوالولئم والبة واللهي
الخرى ـ هؤلء اللوك ل يكونوا ال حجبا لخفاء مكايدنا ودسائسنا.
وان تقريرات الندوبي الذين اعتيد ارسالم لتمثيل اللك ف واجباته العامة قد صنعت بأيدي
وكلئنا .وقد استعلمت هذه التقريرات ف كل مناسبة كي تبهج عقول اللوك القصية النظر،
مصحوبة ـ كما كانت ـ بشروعات عن القتصاد ف الستقبل "كيف استطاعوا ان يقتصدوا
بضرائب جديدة؟" هذا ما استطاعوا ان يسألوا عنه قراء تقريراتنا الت يكتبونا عن الهام الت
يقومون با.ولكنهم ل يسألوا عنه فعلً.
وأنتم انفسكم تعرفون إل أي مدى من الختلل الال قد بلغوا باهالم الذات .فلقد انتهوا إل
افلس رغم كل الجهودات الشاقة الت يبذلا رعاياهم التعساء.
البتوكول الادي والعشرون:
سأزيد الن على ما اخبتكم به ف اجتماعنا الخي ،وأمدكم بشرح مفصل للقروض الداخلية.
غي أن لن أناقش القروض الارجية بعد الن .لنا قد ملت خزائننا بالموال المية ،وكذلك
لن حكومتنا العالية لن يكون لا جيان أجانب تستطيع ان تقترض منهم مالً.
لقد استغللنا فساد الداريي واهال الاكمي الميي لكي نن ضعفي الال الذي قدمناه قرضا
إل حكوماتم أو نن ثلثة اضعافه ،مع أنا ل تكن ف القيقة باجة إليه قط .فمن الذي
يستطيع ان يفعل هذا معنا ،كما فعلناه معهم؟ولذلك لن أخوض ال ف مسألة القروض الداخلية
فحسب .حي تعلن الكومة اصدار قرض كهذا تفتح اكتتابا لسنداتا .وهي تصدرها مفضة
ذات قيم صغية جدا ،كي يكون ف استطاعة كل إنسان أن يسهم فيها .والكتتبون الوائل
يسمح لم أن يشتروها بأقل من قيمتها السية .وف اليوم التال يرفع سعرها ،كي يظن أن كل
انسان حريص على شرائها.
وف خلل أيام قليلة تتليء خزائن بيت مال الدولة Exchequerالال الذي اكتتب به زيادة
على الد( .فلم الستمرار ف قبول الال لقرض فوق ما هو مكتتب به زيادة على الد؟) .ان
الكتتاب بل ريب يزيد زيادة لا اعتبارها على الال الطلوب ،وف هذا يكمن كل الثر والسر،
فالشعب يثق بالكومة ثقة اكيدة .
ولكن حينما تنتهي الهزلة Comedyتظهر حقيقة الدين الكبي جدا ،وتضطر الكومة ،من
أجل دفع فائدة هذا الدين ،إل اللتجاء إل قرض جديد هو بدوره ل يلغي دين الدولة .بل انا
يضيف إليه دينا آخر .وعندما تنفذ طاقة الكومة على القتراض يتحتم عليها أن تدفع الفائدة عن
القروض بفرض ضرائب جديدة ،وهذه الضرائب ليست ال ديونا مقترضة لتغطية ديون أخرى.
114
ث تأت فترة تويلت الديون ،ولكن هذه التحويلت انا تقلل قيمة الفائدة فحسب ،ول تلغي
الدين ولذلك ل يكن أن تتم ال بوافقة أصحاب الديون.
وحي تعلن هذه التحويلت يعطى الدائنون الق ف قبولا أو ف استرداد اموالم إذا ل يرغبوا ف
قبول التحويلت ،فإذا طالب كل انسان برد ماله فستكون الكومة قد اصطيدت بطعمها الذي
أرادت الصيد به ،ولن تكون ف مقام يكنها من ارجاع الال كله.
ورعاية الكومات المية ـ لسن الظ ـ ل يفهمون كثيا ف الاليات ،وكانوا دائما يفضلون
معاناة البوط قيمة ضماناتم وتأميناتم وانقاص الفوائد بالخاطرة ف عملية مالية أخرى لستثمار
الال من جديد ،وهكذا طالا منحوا حكوماتم الفرصة للتخصص من دين ربا ارتفع إل عدة
مليي.
ان الميي لن يرأوا على فعل شيء كهذا ،عالي حق العلم اننا ـ ف مثل هذا الال ـ
سنطلب كل اموالنا.
بثل هذا العمل ستعترف الكومة اعترافا صريا بافلسها الذات ،ما سيبي للشعب تبيينا واضحا
أن مصاله الذاتية ل تتمشى بعامة مع مصال حكومته .وان أوجه التفاتكم توجيها خاصا إل
هذه القيقة ،كما أوجه كذلك إل ما يلي :ان كل القروض الداخلية موحدة
consolidatedبا يسمى القروض الوقتية :وهي تدعى الديون ذات الجل القصي ،وهذه
الديون تتكون من الال الودع ف بنوك الدولة أو بنوك الدخار.
هذا الال الوضوع تت تصرف الكومة لدة طويلة يستغل ف دفع فوائد القروض العرضية،
وتضع الكومة بدل الال مقدارا مساويا له من ضماناتا الاصة ف هذه البنوك ،وان هذه
الضمانات من الدولة تغطي كل مقادير النقص ف خزائن الدولة عند الميي (غي اليهود).
وحينما يلي ملكنا العرش على العال أجع ستختفي كل هذه العمليات الاكرة ،وسندمر سوق
سندات الديون الكومية العامة ،لننا لن نسمح بأن تتأرجح كرامتنا حسب الصعود والبوط ف
ارصدتنا الت سيقرر القانون قيمتها بالقيمة السية من غي امكان تقلب السعر .فالصعود يسبب
البوط ،ونن قد بدأنا بالصعود لزالة الثقة بسندات الديون الكومية العامة للميي.
وسنستبدل بصافق (بورصات) الوراق الالية Exchangesمنظمات حكومية ضخمة
سيكون من واجبها فرض ضرائب على الشروعات التجارية بسب ما تراه الكومة مناسبا .وان
هذه الؤسسات ستكون ف مقام يكنها من أن تطرح ف السوق ما قيمته مليي من السهم
التجارية ،أو أن تشتريها هي ذاتا ف اليوم نفسه .وهكذا ستكون كل الشروعات التجارية
معتمدة علينا .وانتم تستطيعون أن تتصوروا أي قوة هكذا ستصي عند ذلك.
البوتوكول الثالث والعشرون:
115
يب أن يدرب الناس على الشمة والياء كي يعتادوا الطاعة .ولذلك سنقلل مواد الترف.
وبذه الوسائل أيضا سنفرض الخلق الت أفسدها التنافس الستمر على ميادين الشرف .وسنتبن
"الصناعات القروية "Peasant industriesكي نرب الصانع الاصة.
ان الضروريات من أجل هذه الصلحات ايضا تكمن ف حقيقة أن أصحاب الصانع الاصة
الفخمة كثيا ما يرضون عملهم ضد الكومة ،وربا عن غي وعي.
والشعب أثناء اشتغاله ف الصناعات الحلية ،ل يفهم حالة "خارج العمل" أو "البطالة" وهذا
يمله على العتصام بالنظام القائم .ويغريه بتعضيد الكومة .إن البطالة هي الطر الكب على
الكومة وستكون هذه البطالة قد انزت عملها حالا تبلغنا طريقها السلطة.
ان معاقرة المر ستكون مرمة كأنا جرية ضد النسانية ،وسيعاقب عليها من هذا الوجه:
فالرجل والبهيمة سواء تت الكحول.
ان المم ل يضعون خضوعا أعمى ال للسلطة البارة الستقلة عنهم استقالً مطلقا ،القادرة
على أن تريهم أن سيفا ف يدها يعمل كسلح دفاع ضد الثورات الجتماعية .لاذا يريدون بعد
ذلك أن يكون لليكهم روح ملك؟ انم يب أن يروا فيه القوة والقدرة متجسدتي.
يب أن يظهر اللك الذي سيحل الكومات القائمة الت ظلت تعيش على جهور قد تكنا نن
انفسنا من إفساد اخلقه خلل نيان الفوضى .وان هذا اللك يب أن يبدأ باطفاء هذه النيان
الت تندلع اندلعا مطردا من كل الهات.
ولكي يصل اللك إل هذه النتيجة يب أن يدمر كل اليئات الت قد تكون اصل هذه النيان،
ولو اقتضاه ذلك إل ان يسفك دمه هو ذاته ،ويب عليه ان يكون جيشاَ منظما تنظيما حسنا،
يارب برص وحزم عدوى أي فوضى قد تسمم جسم الكومة.
ان ملكنا سيكون متارا من عند ال ،ومعينا من اعلى ،كي يدمر كل الفكار الت تغري با
الغريزة ل العقل ،والبادئ البهيمية ل النسانية ،إن هذه البادئ تنتشر الن انتشارا ناجحا ف
سرقاتم وطغيانم تت لواء الق والرية.
ان هذه الفكار قد دمرت كل النظم الجتماعية مؤدية بذلك إل حكم ملك إسرائيل
Kingdom
of lsrael
ولكن عملها سيكون قد انتهى حي يبدأ حكم ملكنا .وحينئذ يب علينا أن نكنسها بعيدا حت
ل يبقى أي قذر ف طريق ملكنا.
116
وحينئذ سنكون قادرين على أن نصرخ ف المم "صلوا ل ،واركعوا أمام ذلك (اللك) الذي
يمل آية التقدير الزل للعال .والذي يقود ال ذاته نمه ،فلن يكون أحد آخر ال هو نفسه
Himselfقادرا على أن يعل النسانية حرة من كل خطيئة .
البوتوكول الرابع والعشرون:
والن سأعال السلوب الذي تقوى به دولة Dynastyاللك داود حت تستمر إل اليوم الخر
.
إن أسلوبنا لصيانة الدولة سيشتمل على البادئ ذاتا الت سلمت حكماءنا مقاليد العال ،أي
توجيه النس البشري كله وتعليمه.
وأن أعضاء كثيين من نسل داود Davidسيعدون ويربون اللوك وخلفائهم الذين لن ينتخبوا
بق الوراثة بل بواهبهم الاصة .وهؤلء اللفاء سيفقهون فيما لنا من مكنونات سياسية ،سرية،
وخطط للحكم ،آخذين أشد الذر من أن يصل إليها أي إنسان أخر.
وستكون هذه الجراءات ضرورية ،كي يعرف الميع ان من يستطيعون ان يكموا إنا هم
الذين فقهوا تفقيها ف أسرار الفن السياسي وحدهم ،وهؤلء الرجال وحدهم سيعلمون كيف
يطبقون خططنا تطبيقا عمليا مستغلي تاربنا خلل قرون كثية .انم سيفقهون ف النتائج
الستخلصة من كل ملحظات نظامنا السياسي والقتصادي ،وكل العلوم الجتماعية .وهم،
باياز ،سيعرفون الروح القة للقواني الت وضعتها الطبيعة نفسها لكم النوع البشري.
وسيوضع مكان اللفاء الباشرين للملك غيهم إذا حدث ما يدل على انم مستهترون
بالشهوات ،أو ضعاف العزية خلل تربيتهم ،أو ف حال اظهارهم أي ميل آخر قد يكون مضرا
بسلطتهم ،وربا يردهم عاجزين عن الكم ،ولو كان ف هذا شيء يعرض كرامة التاج للخطر.
ولن يأتن شيوخنا Our eldersعلى أزمة الكم ال الرجال القادرين على أن يكموا حكما
حازما ،ولو كان عنيفا.
واذا مرض ملكنا أو فقد مقدرته على الكم فسيكره على تسليم أزمة الكم إل من اثبتوا
بأنفسهم من أسرته انم اقدر على الكم.
وان خطط اللك العاجلة ـ وأحق منها خططه للمستقبل ـ لن تكون معروفة حت لن سيدعون
مستشاريه القربي .ولن يعرف خطط الستقبل ال الاكم والثلثة Threeالذين دربوه.
وسيى الناس ف شخص اللك الذي سيحكم بارادة ل تتزعزع وسيضبط نفسه ضبطه للنسانية،
ل للقدر نفسه ولكل طرقه النسانية ،ولن يعرف أحد اهداف اللك حي يصدر اوامره ،ومن مث ً
أجل ذلك لن يرؤ أحد على ان يعترض طريقه السري.
117
ويب ضرورة ان يكون للملك رأس قادر على تصريف خططنا ،ولذلك لن يعتلي العرش قبل ان
يتثبت حكماؤنا من قوته العقلية.
ولكي يكون اللك مبوبا ومعظما من كل رعاياه ـ يب أن ياطبهم جهارا مرات كثية.
فمثل هذه الجراءات ستجعل القوتي ف انسجام :اعن قوة الشعب وقوة اللك التي قد فصلنا
بينهما ف البلد المية (غي اليهودية) بابقائنا كلً منهما ف خوف دائم من الخرى.
ولقد كان لزاما علينا أن نبقي كلتا القوتي ف خوف من الخرى ،لنما حي انفصلتا وقعتا
تت نفوذنا.
وعلى ملك إسرائيل ان ل يضع لسلطان اهوائه الاصة ل سيما الشهوانية .وعليه ان ل يسمح
للغرائز البهيمية ان تتمكن من عقله .ان الشهوانية ـ اشد من أي هوى آخر ـ تدمر بل ريب
كل قوى الفكر والتنبؤ بالعواقب ،وهي تصرف عقول الرجال نو أسوأ جانب ف الطبيعة
النسانية.
ان قطب columnالعال ف شخص الاكم العال World rulerالارج من بذرة إسرائيل
ـ ليطرح كل الهواء الشخصية من اجل مصلحة شعبه .ان ملكنا يب ان يكون مثال العزة
والبوت . Erreprochable
وقعة مثلو صهيون من الدرجة الثالثة والثلثي .
118
•الباب الرابع
يجوز قتل من يساعدهم أو يبرر وجودهم أو يدافع
عنهم كائنا من كان
•وجوب مصادرة أموالم النقولة وغي النقولة وردها إل بيت مال السلمي
وكذلك تب مصادرة أموالم النقولة وغي النقولة هم وحواشيهم وردها على أصحابا فإن
ل يكن لا أصحاب فترد لبيت مال السلمي كلها
119
إثبات الولوية والحقية لم ف هذا الوصف ،وأنه ل يتوهم بانتسابم إل السلمي ظاهرا وموالتم
[لم] ومالطتهم إياهم أنم ليسوا بأعدائهم ،بل هم أحق بالعدواة من باينهم ف الدار ،ونصب لم
العداوة وجاهرهم با .فإن ضرر هؤلءِ الخالطي لم العاشرين لم -وهم ف الباطن على خلف
دينهم -أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم ،لن الرب مع أولئك ساعة أو أياما
ث ينقضى ويعقبه النصر والظفر ،وهؤلء معهم ف الديار والنازل صباحا ومساءً ،يدلون العدو على
عوراتم ويتربصون بم الدوائر ول يكنهم مناجزتم ،فهم أحق بالعداوة من الباين الجاهر ،فلهذا
قيل{ :هُمُ اْلعَ ُدوّ فَاحْ َذرْوهُمْ}* [النافقون ،]4 :ل على معن أنه ل عدو لكم سواهم ،بل على معن
أنم أحق بأن يكونوا لكم عدوا من الكفار الجاهرين .ونظي ذلك قول النب صلى ال عليه وسلم:
((ليس السكي الطواف الذى ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ،ولكن السكي الذى ل
يسأل الناس ،ول يفطن له فيتصدق عليه)) ،فليس هذا نفيا لسم السكي عن الطواف ،بل إخبار بأن
هذا القانع الذى ل يسمونه مسكينا أحق بذا السم من الطواف الذى يسمونه مسكينا.
ونظيه قوله صلى ال عليه وسلم(( :ليس الشديد بالصّرعة ،ولكن الذى يلك نفسه عند الغضب))،
ليس نفيا للسم عن الصرعة ،ولكن إخبار بأن من يلك نفسه عند الغضب أحق منه بذا السم.
ونظيه قوله صلى ال عليه وسلم(( :ما تعدون الفلس فيكم))؟ قالوا :من ل درهم له ول متاع .قال:
((الفلس من يأتى يوم القيامة بسنات أمثال البال ،ويأْتى قد لطم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا،
فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته ،فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من سيئاتم
ث طرح عليه فأُلقى ف النار)) ،ونظيه قوله صلى ال عليه وسلم(( :ما تعدون الرقوب فيكم))؟ قالوا:
من ل يولد له؟ قال(( :الرقوب من ل يقدم من ولده شيئا)) ،ومنه عندى قوله صلى ال عليه وسلم:
((الربا ف النسيئة)).
وف لفظ(( :إنا الربا ف النسيئة)) هو إثبات لن هذا النوع هو أحق باسم الربا من ربا الفضل ،وليس
فيه اسم الربا عن ربا الفضل .فتأمله.
والقصود أن هذه الطبقة أشقى الشقياءِ ،ولذا يستهزأُ بم ف الخرة ،وتعطى نورا يتوسطون به على
الصراط ث يطفيء ال نورهم ويقال لم{ :ارْ َجعُوا َورَاءَكُمْ فَالتَ ِمسُوا نُورا}* [الديد،]13 :
ب * يُنَادُوَنهُمْ ويضرب بينهم وبي الؤمنيِ{ :بسُورٍ َلهُ بَابٌ بَاطُِنهُ فِيهِ الرّحْمَ ُة وَظَا ِه ُر ُه مِن قَْبِلهِ اْلعَذَا ُ
َألَمْ نَكُن َمعَكُمْ قَالُوا َبلَى وَلَكِنّكُمْ فََتنْتُمْ َأْنفُسَكُ ْم وََترَّبصْتُ ْم وَارْتَْبتُم َو َغرّتْكُمُ ا َلمَـانِى حَتّى جَاءَ َأ ْمرُ
ل الغرُورِ}* [الديد ،]13 :وهذا أشد ما يكون من السرة والبلءِ أن يفتح للعبد ل وَغرّكُمْ بِا ِاِ
طريق النجاة والفلح ،حت إذا ظن أنه ناج ورأى منازل السعداءِ اقتطع عنهم وضربت عليه الشقوة
ونعوذ بال من غضبه وعقابه.
120
وإنا كانت هذه الطبقة ف الدرك السفل لغلظ كفرهم ،فإنم خالطوا السلمي وعاشروهم ،وباشروا
من أعلم الرسالة وشواهد اليان ما ل يباشره البعداءُ ،ووصل إليهم من معرفته وصحته ما ل يصل
إل النابذين بالعداوة ،فإذا كفروا مع هذه العرفة والعلم كانوا أغلظ كفرا وأخبث قلوبا ،وأشد
عداوة ل ولرسوله وللمؤمني من البعداءِ عنهم ،وإن كان البعداء متصدين لرب السلمي.
ولذا قال تعال [ف النافقي]{ :ذَِلكَ بَِأّنهُ ْم آمَنُوا ثُمّ َك َفرُوا فَ ُطبِ َع عَلَى قُلُوِبهِ ْم َفهُم ل َي ْف َقهُونَ }*
[النافقي ،]3 :وقال تعال فيهم{ :صُم بُكْ ّم عُمِى َفهُمْ ل َي ْعقِلُونَ}* [البقرة ،]18 :وقال تعال ف
الكفار{ :صُم بُكْم عُمْى َفهُمْ ل ي ْر َجعُونَ}* [البقرة ،]171 :فالكافر ل يعقل ،والنافق أبصر ث
عمى وعرف ث تاهل وأقر ث أنكر وآمن ،ث كفر ،ومن كان هكذا كان أشد كفرا وأخبث قلبا
وأعت على ال ورسله ،فاستحق الدرك السفل.
وفيه معن آخر أيضا وهو أن الامل لم على النفاق طلب العز والاه بي الطائفتي فيضوا الؤمني
ليعزوهم ،ويرضوا الكفار ليعزوهم أيضا.
ومن [هاهنا] دخل عليهم البلءُ ،فإنم أرادوا العزتي من الطائفتي ،ول يكن لم غرض ف اليان
والسلم ول طاعة ال ورسوله ،بل كان ميلهم وضعوهم وجهتهم إل الكفار ،فقوبلوا على ذلك
بأعظم الذل وهو أن جعل مستقرهم ف أسفل السافلي تت الكفار ،فما اتصف به النافقون من
مادعة ال ورسوله والذين آمنوا ،والستهزاءِ بأهل اليان والكذب والتلعب بالدين وإظهار أنم
[من الؤمني وأبطنوا قلوبم فتغلظ كفرهم به ،فاستحقوا الدرك السفل] من النار ولذا لا ذكر تعال
أقسام اللق ف أول سورة [البقرة]20-2 :فقسمهم إل مؤمن ظاهرا وباطنا ،وكافر ظاهرا وباطنا،
ومؤمن ف الظاهر كافر ف الباطن وهم النافقون ،وذكر ف حق الؤمني ثلث آيات ،5-3وف حق
الكفار آيتي .7 -6
فلما انتهى إل ذكر النافقي ذكر فيهم بضع عشرة آية 20 -8ذمهم فيها غاية الذم وكشف
عوراتم وقبحهم وفضحهم ،وأخب أنم هم السفهاءُ الفسدون ف الرض الخادعون الستهزئون
الغبونون ف اشترائهم الضللة بالدى ،وأنم صم بكم عمى فهم ل يرجعون ،وأنم مرضى القلوب
وأن ال يزيدهم مرضا إل مرضهم ،فلم يدع ذما ول عيبا إل ذمهم به ،وهذا يدل على شدة مقته
سبحانه لم ،وبغضه إياهم ،وعداوته لم ،وأنم أبغض أعدائه إليه.فظهرت حكمته الباهرة ف تصص
هذه الطبقة بالدرك السفل من النار.
نعوذ بال من مثل حالم ،ونسأله معافاته ورحته .ومن تأمل ما وصف [ال به النافقي ف القرآن من
صفات الذم علم أنم أحق بالدرك السلف فإنه وصفهم بخادعته ومادعة عباده ووصف] قلوبم
بالرض وهو مرض الشبهات والشكوك .ووصفهم بالفساد ف الرض وبالستهزاءِ بدينه وبعباده،
وبالطغيان ،واشتراءِ الضللة بالدى والصمم والبكم والعمى والية والكسل عند عبادته ،والزنا وقلة
121
ذكره ،والتردد -والتذبذب -بي الؤمني والكفار ،فل إل هؤلءِ ول إل هؤلءِ ،واللف باسه تعال
ل وبالكذب وبغاية الب ،وبعدم الفقه ف الدين وبعدم العلم ،وبالبخل ،وبعدم اليان بال كذبا وباط ً
واليوم الخر وبالرب ،وبأنم مضرة على الؤمني ول يصل كلهم بنصيحتهم إل الشر من البال
والسراع بينهم بالشر وإلقاءِ الفتنة ،وكراهتهم لظهور أمر ال ،ومو الق ،وأنم يزنون با يصل
للمؤمني من الي والنصر ،ويفرحون با يصل لم من الحنة والبتلءِ ،وأنم يتربصون الدوائر
بالسلمي وبكراهتهم النفاق ف مرضاة ال وسبيله ،وبعيب [الؤمني ورميهم با ليس فيهم فيلزمون
التصدقي ويعيبون] مزهدهم ،ويرمون [مكثرهم] بالرياءِ إرادة الثناء ف الناس ،وأنم عبيد الدنيا إن
أُعطوا منها رضوا وإن [منعو] سخطوا ،وبأنم يؤذون رسول ال صلى ال عليه وسلم وينسبونه إل
ما برأه ال منه ويعيبونه با هو من كماله وفضله وأنم يقصدون إرضاءَ الخلوقي ول يطلبون إرضاءَ
رب العالي وأنم يسخرون من الؤمني ،وأنم يفرحون إذا تلفوا عن رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،ويكرهون الهاد ف سبيل ال ،وأنم يتحيلون على تعطيل فرائض ال عليهم بأنواع اليل،
وأنم يرضون بالتخلف عن طاعة ال ورسوله[ ،وأنم] مطبوع على قلوبم ،وأنم يتركون ما أوجب
ال عليهم مع قدرتم عليه ،وأنم أحلف الناس بال قد اتذوا أيانم ُجنّة تقيهم من إنكار السلمي
عليهم ،وهذا شأْن النافق أحلف الناس بال كاذبا قد اتذ يينه جنة ووقاية يتقى با إنكار السلمي
عليه ،ووصفهم بأنم رجس -والرجس من كل جنس أخبثه وأقذره -فهم أخبث بن آدم وأقذرهم
وأرذلم وبأنم فاسقون ،وبأنم مضرة على أهل اليان يقصدون التفريق بينهم ،ويؤوون من حاربم
وحارب ال ورسوله ،وأنم يتشبهون بم ويضاهونم ف أعمالم ليتوصلوا منها إل الضرار بم
وتفريق كلمتهم ،وهذا شأن النافقي أبدا وبأنم فتنوا أنفسهم بكفرهم بال ورسوله وتربصوا
بالسلمي دوائر السوء ،وهذه عادتم ف كل زمان ،وارتابوا ف الدين فلم يصدقوا به ،وغرتم المان
الباطلة وغرهم الشيطان ،وأنم أحسن الناس أجساما تعجب الرائى أجسامهم،والسامع منطقهم ،فإذا
جاوزت أجسامهم وقولم رأيت خشبا مسنده ،ول إيان ول فقه ،ول علم ول صدق ،بل خشب قد
كسيت كسوة تروق الناظر ،وليسوا وراءَ ذلك شيئا ،وإذا عرض عليهم التوبة والستغفار أبوها
وزعموا أنم ل حاجة لم إليها ،إما لن ما عندهم من الزندقة والهل الركب مغن عنها وعن
الطاعات جلة -كحال كثي من الزنادقة-وإما احتقارا وازدراءً بن يدعوهم إل ذلك ،ووصفهم
سبحانه بالستهزاءِ به وبآياته وبرسوله وبأنم مرمون وبأنم يأْمرون بالنكر وينهون عن العروف
ويقبضون أيديهم عن النفاق ف مرضاته ،ونسيان ذكره،وبأنم يتولون الكفار ويدعون الؤمني ،وبأن
الشيطان قد استحوذ عليهم وغلب عليهم حت أنساهم ذكر ال فل يذكرونه إل قليلً ،وأنم حزب
الشيطان وأنم يوادون من حاد ال ورسوله وبأنم يتمنون ما يعنت الؤمني ويشق عليهم ،وأن
البغضاءَ تبدو لم من أفواههم وعلى فلتات ألسنتهم ،بأنم يقولون بأفواههم ما ليس ف قلوبم.
122
ومن صفاتم الت وصفهم با رسول ال صلى ال عليه وسلم الكذب ف الديث واليانة ف المانة،
والغدر عند العهد ،والفجور عند الصام ،واللف عند الوعد ،وتأْخي الصلة إل آخر وقتها ،ونقرها
عجلة وإسراعا ،وترك حضورها جاعة وأن أثقل الصلوات عليهم الصبح والعشا ُء .
ومن صفاتم الت وصفهم ال با الشح على الؤمني بالي ،والب عند الوف ،فإذا ذهب الوف
وجاءَ المن سلقوا الؤمني بأَلسنة حداد ،فهم أحد الناس أَلسنة عليهم كما قيل:
ل علينا وجبنا عن عدوكم لبئست اللتان الهل والب جه ً
وإنم عند الخاوف تظهر كمائن صدورهم ومبآتم ،وأما عند المن فيجب ستره ،فإذا لق
السلمي خوف دبت عقارب قلوبم وظهرت الخبآت وبدت السرار.
ومن صفاتم أنم أعذب الناس ألسنة[ ،وأمرهم] قلوبا وأعظم الناس [مالفة] بي أعمالم وأقوالم
ومن صفاتم أنم ل يتمع فيهم حسن صمت وفقه ف دين أبدا ومن صفاتم أن أعمالم تكذب
أقوالم ،وباطنهم يكذب ظاهرهم وسرائرهم تناقض علنيتهم.
ومن صفاتم أن الؤمن ل يثق بم ف شيء فإنم قد أعدوا لكل أَمر مرجا منه ،بق أو بباطل بصدق
أو بكذب ،ولذا سى منافقا أخذا من نافقاءِ اليبوع -وهو بيت يفره ويعل له أسرابا متلفة-
فكلما طلب من سرب خرج من سرب آخر ،فل يتمكن طالبه من حصره ف سرب واحد ،قال
الشاعر:
ويستخرج اليبوع من نافقائه ومن جحره بالشيحة اليتقصع
فأنت منه [كقبض] على الاءِ ،ليس معك منه شيء .ومن صفاتم كثرة التلون ،وسرعة التقلب،
وعدم الثبات على حال واحد :بينا تراه على حال تعجبك من دين أو عبادة أو هدى صال أو صدق،
إذ انقلب إل ضد ذلك كأنه ل يعرف غيه ،فهو أشد الناس تلونا وتقلبا وتنقلً ،جيفة بالليل قطرب
بالنهار.
ومن صفاتم أنك إذا دعوتم عند النازعة للتحاكم إل القرآن والسنة أبوا ذلك وأعرضوا عنه،
ودعوك إل التحاكم إل طواغيتهم ،قال تعال:
{أَلَمْ َترَ إلَى الّذِينَ َي ْزعَمُونَ أَّنهُ ْم آمَنُوا بِمَا أُنزَلَ إَِلْيكَ َومَا أُنزِ َل مِن َقبِْلكَ ُيرِيدُونَ أَ ْن يَتَحا َكمُوا إِلَى
الطاغوت وَقَد أمرُوا أَن يَ ْكفُروا ب ِه وَُيرِي ُد الشّيْطَانُ أن ُيضِّلهُ ْم ضَللً َبعِيدا * وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَالُوا إِلَى
ك صُدُودا * فَ َكيْف ِإذَا َأصَابَْتهُ ْم ُمصِيَبةٌ بِمَا مَا أَنزَ َل الُ وإِلَى الرّسُو ِل رَأَْيتَ ا ُلنَافقِي َيصُدّونَ عَن َ
ل مَا فِى حِلفُونَ بِالِ إِنْ َأ َردْنَا إِل ِإحْسَانا وََتوْفِيقا * أُوَلِئكَ الّذِينَ َيعْلَ ُم ا ُقَ ّد َمتْ أَْيدَِيهِمْ ثُ ّم جَاؤُكَ يَ ْ
سهِ ْم َقوْلً بَلِيغا}* [النساء.]63-60 : قُلُوِبهِ ْم فََأ ْع ِرضْ عَْنهُ ْم َوعِ ْظهُ ْم وَقُ ْل َلهُم فِى أَْنفُ ِ
ومن صفاتم :معارضة ما جاءَ به الرسول صلى ال عليه وسلم بعقول الرجال وآرائهم ،ث تقديها
على ما جاءَ .فهم معرضون عنه معارضون له ،زاعمون أن الدى ف آراءِ الرجال وعقولم ،دون ما
123
جاءَ به فلو أعرضوا عنه وتعوضوا بغيه لكانوا منافقي ،فكيف إذا جعوا مع ذلك معارضته وزعموا
أنه ل يستفاد منه هدى.
ومن صفاتم :كتمان الق ،والتلبيس على أهله ،ورميهم له بأدوائهم :فيمونم -إذا أمروا بالعروف
ونوا عن النكر ودعوا إل ال ورسوله -بأنم أهل فت مفسدون ف الرض.
وقد علم ال ورسوله والؤمنون بأنم أهل الفت الفسدون ف الرض ،وإذا دعا ورثة الرسول إل
كتاب ال وسنة رسوله خالصة غي [مثوبة] رموهم بالبدع والضلل ،وإذا رأوهم زاهدين ف الدنيا
راغبي ف الخرة متمسكي بطاعة ال ورسوله رموهم بالزوكرة ،والتلبيس والحال.
وإذا رأوا معهم حقا ألبسوه لباس الباطل ،وأخرجوه لضعفاءِ العقول ف قالبة شنيع لينفروهم عنه ،وإذا
كان معهم باطل [ألبسوه] لباس الق وأخرجوه ف قالبه ليقبل منهم.
وجلة أمرهم أنم ف السلمي كالزغل ف النقود ،يروج على أكثر الناس لعدم بصيتم بالنقد،
ويعرف حاله الناقد البصي من الناس ،وقليل ما هم ،وليس على الديان أضرّ من هذا الضرب من
الناس ،وإنا تفسد الديان من قبلهم ،ولذا جل ال أمرهم ف القرآن ،وأوضح أوصافهم وبي أحوالم
وكرر ذكرهم ،لشدة الؤنة على الُمة بم وعظم البلية عليهم بوجودهم بي أظهرهم وفرط حاجتهم
إل معرفتهم والتحرز من مشابتهم والصغاء إليهم ،فكم قطعوا على السالكي إل ال طرق الدى
وسلكوا بم سبيل الردى :وعدوهم ومنوهم ،ولكن وعدوهم الغرور ومنوهم الويل والثبور.
فكم من قتيل ،ولكن ف سبيل الشيطان وسليب ولكن للباس التقوى واليان .وأسي ل يرجى له
اللص وفارّ من ال ل إليه ،وهيهات ولت حي مناص .صحبتهم توجب العار والشنار ،ومودتم
تل غضب البار وتوجب دخول النار من [علقت] به كلليب كلبهم وماليب رأْيهم مزقت منه
ثياب الدين واليان وقطعت له مقطعات من البلءِ والذلن ،فهو يسحب من الرمان والشقاوة
أذيالً ،ويشى على عقبيه القهقرى إدبارا منه وهو يسب ذلك إقبالً.
فهم وال قطاع الطريق ،فيا أيها الركب السافرون إل منازل السعداء ،حذار منهم حذار ،هم
الزارون ألسنتهم شفار البليا .ففرارا منهم أيها الغنم فرارا.
ومن البلية أنم العداءُ حقا وليس لنا بد من مصاحبتهم ،وخلطتهم أعظم الداءِ وليس بد من
مالطتهم قد جعلوا على أبواب جهنم دعاة إليها فبعدا للمستجيبي ،ونصبوا شباكهم حواليها على ما
حفت به من الشهوات ،فويل للمغترين .نصبوا الشباك ومدوا الشراك وأذن مؤذنم :يا شياه النعام
حى على اللك ،حى على التباب .فاستبقوا يهرعون إليهم ،فأوردوهم حياض العذاب ،ل الوارد
العذاب.
وساموهم من السف والبلءِ أعظم خطة ،وقالوا :ادخلوا باب الوان صاغرين ول تقولوا حطة،
فليس بيوم حطة[ .فواعجبا] لن نا من شراكهم ل من علق ،وأن ينجو من غلبت عليه شقاوته ولا
124
خلق ،فحقيق بأهل هذه الطبقة أن يلو بالحل الذى أحلهم ال من دار الوان وأن ينلوا ف أردئ
منازل أهل العناد والكفران.
وبسب إيان العبد ومعرفته بكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة ،ولذا اشتد خوف سادة
الُمة وسابقوها على أنفسهم أن يكونوا منهم ،فكان عمر بن الطاب يقول :يا حذيفة ،ناشدتك
ال ،هل سان رسول ال صلى ال عليه وسلم مع القوم؟ فيقول :ل ،ول أُزكى بعدك أحدا.
يعن ل أفتح على هذا الباب ف تزكية الناس ،وليس معناه أنه ل يبأْ من النفاق غيك.
وقال ابن أب مليكة :أدركت ثلثي من أصحاب رسول ال؟ صلى ال عليه وسلم كلهم ياف
النفاق على نفسه ،ما منهم أحد يقول إنه على إيان جبائيل وميكائيل.
========================
•
125
الباب الخامس
وجوب الخروج عليهم وتحريم طاعتهم لنهم :
126
من أجل هذا جاء كل دين من عند ال ليكون منهج حياة .وسواء جاء هذا الدين لقرية من
القرى ,أو لمة من المم ,أو للبشرية كافة ف جيع أجيالا ,فقد جاء ومعه شريعة معينة لكم
واقع الياة ,إل جانب العقيدة الت تنشى ء التصور الصحيح للحياة ,إل جانب الشعائر التعبدية
الت تربط القلوب بال . .وكانت هذه الوانب الثلثة هي قوام دين ال .حيثما جاء دين من
عند ال .لن الياة البشرية ل تصلح ول تستقيم إل حي يكون دين ال هو منهج الياة .
وف القرآن الكري شواهد شت على احتواء الديانات الول ,الت ربا جاءت لقرية من القرى ,
أو لقبيلة من القبائل على هذا التكامل ,ف الصورة الناسبة للمرحلة الت تر با القرية أو القبيلة .
.وهنا يعرض هذا التكامل ف الديانات الثلث الكبى . .اليهودية ,والنصرانية ,والسلم . .
ويبدأ بالتوراة ف هذه اليات الت نن بصددها ف هذه الفقرة:
(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) :
فالتوراة -كما أنزلا ال -كتاب ال الذي جاء لداية بن إسرائيل ,وإنارة طريقهم إل ال .
وطريقهم ف الياة . .وقد جاءت تمل عقيدة التوحيد .وتمل شعائر تعبدية شت .وتمل
كذلك شريعة:
(يكم با النبيون الذين أسلموا ,للذين هادوا ,والربانيون والحبار ,با استحفظوا من كتاب
ال وكانوا عليه شهداء) .
أنزل ال التوراة ل لتكون هدى ونورا للضمائر والقلوب با فيها من عقيدة وعبادات فحسب .
ولكن كذلك لتكون هدى ونورا با فيها من شريعة تكم الياة الواقعية وفق منهج ال ,وتفظ
هذه الياة ف إطار هذا النهج .ويكم با النبيون الذين أسلموا أنفسهم ل ; فليس لم ف
أنفسهم شيء ; إنا هي كلها ل ; وليست لم مشيئة ول سلطة ول دعوى ف خصيصة من
خصائص اللوهية -وهذا هو السلم ف معناه الصيل -يكمون با للذين هادوا -فهي
شريعتهم الاصة نزلت لم ف حدودهم هذه وبصفتهم هذه -كما يكم با لم الربانيون
والحبار ; وهم قضاتم وعلماؤهم .وذلك با أنم قد كلفوا الحافظة على كتاب ال ,وكلفوا
أن يكونوا عليه شهداء ,فيؤدوا له الشهادة ف أنفسهم ,بصياغة حياتم الاصة وفق توجيهاته ,
كما يؤدوا له الشهادة ف قومهم بإقامة شريعته بينهم .
وقبل أن ينتهي السياق من الديث عن التوراة ,يلتفت إل الماعة السلمة ,ليوجهها ف شأن
الكم بكتابال عامة ,وما قد يعترض هذا الكم من شهوات الناس وعنادهم وحربم وكفاحهم
,وواجب كل من استحفظ على كتاب ال ف مثل هذا الوقف ,وجزاء نكوله أو مالفته:
(فل تشوا الناس واخشون ; ول تشتروا بآيات ثنا قليل .ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم
الكافرون) . .
127
ولقد علم ال -سبحانه -أن الكم با أنزل ال ستواجهه -ف كل زمان وف كل أمة -
معارضة من بعض الناس ; ولن تتقبله نفوس هذا البعض بالرضى والقبول والستسلم . .
ستواجهه معارضة الكباء والطغاة وأصحاب السلطان الوروث .ذلك أنه سينع عنهم رداء
اللوهية الذي يدعونه ; ويرد اللوهية ل خالصة ,حي ينع عنهم حق الاكمية والتشريع
والكم با يشرعونه هم للناس ما ل يأذن به ال . .وستواجهة معارضة أصحاب الصال الادية
القائمة على الستغلل والظلم والسحت .ذلك أن شريعة ال العادلة لن تبقي على مصالهم
الظالة . .وستواجهه معارضة ذوي الشهوات والهواء والتاع الفاجر والنلل .ذلك أن دين
ال سيأخذهم بالتطهر منها وسيأخذهم بالعقوبة عليها . .وستواجهه معارضة جهات شت غي
هذه وتيك وتلك ; من ل يرضون أن يسود الي والعدل والصلح ف الرض .
علم ال -سبحانه -أن الكم با أنزل ستواجهه هذه القاومة من شت البهات ; وأنه ل بد
للمستحفظي عليه والشهداء أن يواجهوا هذه القاومة ; وأن يصمدوا لا ,وإن يتملوا تكاليفها
ف النفس والال . .فهو يناديهم:
(فل تشوا الناس واخشون) . .
فل تقف خشيتهم للناس دون تنفيذهم لشريعة ال .سواء من الناس أولئك الطغاة الذين يأبون
الستسلم لشريعة ال ,ويرفضون القرار -من ث -يتفرد ال -سبحانه -باللوهية .أو
أولئك الستغلون الذين تول شريعة ال بينهم وبي الستغلل وقد مردوا عليه .أو تلك الموع
الضللة او النحرفة أو النحلة الت تستثقل أحكام شريعة ال وتشغب عليها . .ل تقف خشيتهم
لؤلء جيعا ولغيهم من الناس دون الضي ف تكيم شريعة ال ف الياة .فال -وحده -هو
الذي يستحق أن يشوة .والشية ل تكون إل ل . .
كذلك علم ال -سبحانه -أن بعض الستحفظي على كتاب ال الستشهدين ; قد تراودهم
أطماع الياة الدنيا ; وهم يدون أصحاب السلطان ,وأصحاب الال ,وأصحاب الشهوات ,
ل يريدون حكم ال فيملقون شهوات هؤلء جيعا ,طمعا ف عرض الياة الدنيا -كما يقع من
رجال الدين الحترفي ف كل زمان وف كل قبيل ; وكما كان ذلك واقعا ف علماء بن إسرائيل
.
فناداهم ال:
(ول تشتروا بآيات ثنا قليلًا) . .
وذلك لقاء السكوت ,أو لقاء التحريف ,أو لقاء الفتاوي الدخولة !
وكل ثن هو ف حقيقته قليل .ولو كان ملك الياة الدنيا . .فكيف وهو ل يزيد على أن يكون
رواتب ووظائف وألقابا ومصال صغية ; يباع با الدين ,وتشترى با جهنم عن يقي ?!
128
إنه ليس أشنع من خيانة الستأمن ; وليس أبشع من تفريط الستحفظ ; وليس أخس من تدليس
الستشهد .والذين يملون عنوان":رجال الدين" يونون ويفرطون ويدلسون ,فيسكتون عن
العمل لتحكيم ما أنزل ال ,ويرفون الكلم عن مواضعه ,لوافأة أهواء ذوي السلطان على
حساب كتاب ال . .
(ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون) . .
بذا السم الصارم الازم .وبذا التعميم الذي تمله(من) الشرطية وجلة الواب .بيث يرج
من حدود اللبسة والزمان والكان ,وينطلق حكما عاما ,على كل من ل يكم با أنزل ال ,
ف أي جيل ,ومن أي قبيل . .
والعلة هي الت أسلفنا . .هي أن الذي ل يكم با أنزل ال ,إنا يرفض ألوهية ال .فاللوهية
من خصائصها ومن مقتضاها الاكمية التشريعية .ومن يكم بغي ما أنزل ال ,يرفض ألوهية
ال وخصائصها ف جانب ,ويدعي لنفسه هو حق اللوهية وخصائصها ف جانب آخر . .وماذا
يكون الكفر إن ل يكن هو هذا وذاك ? وما قيمة دعوى اليان أو السلم باللسان ,والعمل -
وهو أقوى تعبيا من الكلم -ينطق بالكفر أفصح من اللسان ?!
إن الماحكة ف هذا الكم الصارم الازم العام الشامل ,ل تعن إل ماولة التهرب من مواجهة
القيقة .والتأويل والتأول ف مثل هذا الكم ل يعن إل ماولة تريف الكم عن مواضعه . .
وليس لذه الماحكة من قيمة ول أثر ف صرف حكم ال عمن ينطبق عليهم بالنص الصريح
الواضح الكيد .
وبعد بيان هذا الصل القاعدي ف دين ال كله ,يعود السياق ,لعرض ناذج من شريعة التوراة
الت أنزلا ال ليحكم با النبيون والربانيون والحبار للذين هادوا -با استحفظوا من كتاب ال
وكانوا عليه شهداء:
(وكتبنا عليهم فيها:أن النفس بالنفس ,والعي بالعي ,والنف بالنف ,والذن بالذن ,
والسن بالسن ,والروح قصاص) . .
وقد استبقيت هذه الحكام الت نزلت با التوراة ف شريعة السلم ,وأصبحت جزءا من شريعة
السلمي ,الت جاءت لتكون شريعة البشرية كلها إل آخر الزمان .وإن كانت ل تطبق إل ف
دار السلم ,لعتبارات عملية بتة ; حيث ل تلك السلطة السلمة أن تطبقها فيما وراء حدود
دار السلم .وحيثما كان ذلك ف استطاعتها فهي مكلفة تنفيذها وتطبيقها ,بكم أن هذه
الشريعة عامة للناس كافة ,للزمان كافة ,كما أرادها ال .
وقد أضيف إليها ف السلم حكم آخر ف قوله تعال:
(فمن تصدق به فهو كفارة له) . .
129
ول يكن ذلك ف شريعة التوارة .إذ كان القصاص حتما ; ل تنازل فيه ,ول تصدق به ,ومن
ث فل كفارة . .
ويسن أن نقول كلمة عن عقوبات القصاص هذه على قدر السياق ف الظلل .
أول ما تقرره شريعة ال ف القصاص ,هو مبدأ الساواة . .الساواة ف الدماء والساواة ف
العقوبة . .ول تكن شريعة أخرى -غي شريعة ال -تعترف بالساواة بي النفوس ,فتقتص
للنفس بالنفس ,وتقتص للجوارح بثلها ,على اختلف القامات والطبقات والنساب والدماء
والجناس . .
النفس بالنفس .والعي بالعي .والنف بالنف .والذن بالذن .والسن بالسن .والروح
قصاص . .ل تييز .ول عنصرية .ول طبقية .ول حاكم .ول مكوم . .كلهم سواء أمام
شريعة ال .فكلهم من نفس واحدة ف خلقة ال .
إن هذا البدأ العظيم الذي جاءت به شريعة ال هو العلن القيقي الكامل ليلد "النسان"
النسان الذي يستمتع كل فرد فيه بق الساواة . .أول ف التحاكم إل شريعة واحدة وقضاء
واحد .وثانيا ف القاصة على أساس واحد وقيمة واحدة .
وهو أول إعلن . .وقد تلفت شرائع البشر الوضعية عشرات من القرون حت ارتقت إل بعض
مستواه من ناحية النظريات القانونية ,وإن ظلت دون هذا الستوى من ناحية التطبيق العملي .
ولقد انرف اليهود الذين ورد هذا البدأ العظيم ف كتابم -التوراة -عنه ; ل فيما بينهم وبي
الناس فحسب ,حيث كانوا يقولون":ليس علينا ف الميي سبيل بل فيما بينهم هم أنفسهم .
على نو ما رأينا فيما كان بي بن قريظة الذليلة ,وبن النضي العزيزة ; حت جاءهم ممد صلى
ال عليه وسلم فردهم إل شريعة ال -شريعة الساواة . .ورفع جباه الذلء منهم فساواها بباه
العزاء !
والقصاص على هذا الساس العظيم -فوق ما يمله من إعلن ميلد النسان -هو العقاب
الرادع الذي يعل من يتجه إل العتداء على النفس بالقتل ,أو العتداء عليها بالرح والكسر ,
يفكر مرتي ومرات قبل أن يقدم على ما حدثته به نفسه ,وما زينه له اندفاعه ; وهو يعلم أنه
مأخوذ بالقتل إن قتل -دون نظر إل نسبه أو مركزه ,أو طبقته ,أو جنسه -وأنه مأخوذ بثل
ما أحدث من الصابة .إذا قطع يدا أو رجل قطعت يده أو رجله ; وإذا أتلف عينا أو أذنا أو
سنا ,أتلف من جسمه ما يقابل العضو الذي أتلفه . .وليس المر كذلك حي يعلم أن جزاءه
هو السجن -طالت مدة السجن أو قصرت -فالل ف البدن ,والنقص ف الكيان ,والتشويه
ف اللقة شيء آخر غي الم السجن . .على نو ما سبق بيانه ف حد السرقة . .والقصاص
على هذا الساس العظيم -فوق ما يمله من إعلن ميلد النسان -هو القضاء الذي تستريح
130
إليه الفطرة ; والذي يذهب بزازات النفوس ,وجراحات القلوب ,والذي يسكن فورات الثأر
الامة ,الت يقودها الغضب العمى وحية الاهلية . .وقد يقبل بعضهم الدية ف القتل
والتعويض ف الراحات .ولكن بعض النفوس ل يشفيها إل القصاص . .
وشرع ال ف السلم يلحظ الفطرة -كما لظها شرع ال ف التوراة -حت إذا ضمن لا
القصاص الريح . .راح يناشد فيها وجدان السماحة والعفو -عفو القادر على القصاص:
(فمن تصدق به فهو كفارة له)
من تصدق بالقصاص متطوعا . .سواء كان هو ول الدم ف حالة القتل [ والصدقة تكون بأخذ
الدية مكان القصاص ,أو بالتنازل عن الدم والدية معا وهذا من حق الول ,إذ العقوبة والعفو
متروكان له ويبقى للمام تغزيز القاتل با يراه ] أو كان هو صاحب الق ف حالة الروج كلها
,فتنازل عن القصاص . .من تصدق فصدقته هذه كفارة لذنوبه ; يط با ال عنه .
وكثيا ما تستجيش هذه الدعوة إل السماحة والعفو ,وتعليق القلب بعفو ال ومغفرته .نفوسا
ل يغنيها العوض الال ; ول يسليها القصاص ذاته عمن فقدت أو عما فقدت . .فماذا يعود
على ول القتول من قتل القاتل ? أو ماذا يعوضه من مال عمن فقد ? . .إنه غاية ما يستطاع ف
الرض لقامة العدل ,وتأمي الماعة . .ولكن تبقى ف النفس بقية ل يسح عليها إل تعليق
القلوب بالعوض الذي ييء من عند ال . .
روى المام أحد .قال:حدثنا وكيع ,حدثنا يونس بن أب إسحاق ,عن أب السفر ,قال "
كسر رجل من قريش سن رجل من النصار .فاستعدى عليه معاوية .فقال معاوية:سنرضيه . .
فأل النصاري . .فقال معاويه:شأنك بصاحبك ! -وأبو الدرداء جالس -فقال أبو
الدرداء:سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ":ما من مسلم يصاب بشيء من جسده
فيتصدق به إل رفعه ال به درجة ,أو حط به عنه خطيئة " . .فقال النصارى:فإن قد عفوت "
..
وهكذا رضيت نفس الرجل واستراحت با ل ترض من مال معاوية الذي لوح له به التعويض . .
وتلك شريعة ال العليم بلقة ; وبا ييك ف نفوسهم من مشاعر وخواطر ,وبا يتعمق قلوبم
ويرضيها ; ويكسب فيها الطمئنان والسلم من الحكام .
وبعد عرض هذا الطرف من شريعة التوراة ,الت صارت طرفا من شريعة القرآن ,يعقب بالكم
العام:
(ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون) . .
والتعبي عام ,ليس هناك ما يصصه ; ولكن الوصف الديد هنا هو(الظالون) .
131
وهذا الوصف الديد ل يعن أنا حالة أخرى غي الت سبق الوصف فيها بالكفر .وإنا يعن
إضافة صفة أخرى لن ل يكم با أنزل ال .فهو كافر باعتباره رافضا للوهية ال -سبحانه -
واختصاصه بالتشريع لعباده ,وبادعائه هو حق اللوهية بادعائه حق التشريع للناس .وهو ظال
بمل الناس على شريعة غي شريعة ربم ,الصالة الصلحة لحوالم .فوق ظلمه لنفسه بإيرادها
موارد التهلكة ,وتعرضها لعقاب الكفر .وبتعريض حياة الناس -وهو معهم -للفساد .
وهذا ما يقتضيه اتاد السند إليه وفعل الشرط( :ومن ل يكم با أنزل ال) . .فجواب الشرط
الثان يضاف إل جواب الشرط الول ; ويعود كلها على السند إليه ف فعل الشرط وهو(من)
الطلق العام .
ث يضي السياق ف بيان اطراد هذا الكم العام فيما بعد التوراة .
وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مري ,مصدقا لا بي يديه من التوراة .وآتيناه النيل فيه هدى
ونور ,ومصدقا لا بي يديه من التوراة ,وهدى وموعظة للمتقي .وليحكم أهل النيل با
أنزل ال فيه ,ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الفاسقون . .
فقد آتى ال عيسى بن مري النيل ,ليكون منهج حياة ,وشريعة حكم . .ول يتضمن النيل
ف ذاته تشريعا إل تعديلت طفيفة ف شريعة التوراة .وقد جاء مصدقا لا بي يديه من التوراة ,
فاعتمد شريعتها -فيما عدا هذه التعديلت الطفيفة . .وجعل ال فيه هدى ونورا ,وهدى
وموعظة . .ولكن لن ? (. .للمتقي) .فالتقون هم الذين يدون ف كتب ال الدى والنور
والوعظة ,هم الذين تتفتح قلوبم لا ف هذه الكتب من الدى والنور ; وهم الذين تتفتح لم
هذه الكتب عما فيها من الدى والنور . .أما القلوب الاسية الغليظة الصلده ,فل تبلغ إليها
الوعظة ; ول تد ف الكلمات معانيها ; ول تد ف التوجيهات روحها ; ول تد ف العقيدة
مذاقها ; ول تنتفع من هذا الدى ومن هذا النور بداية ول معرفة ول تستجيب . .إن النور
موجود ,ولكن ل تدركه إل البصية الفتوحة ,وإن الدى موجود ,ولكن ل تدركه إل الروح
الستشرفة ,وإن الوعظة موجودة ,ولكن ل يلتقطها ال القلب الواعي .
وقد جعل ال ف النيل هدى ونورا وموعظة للمتقي ,وجعله منهج حياة وشريعة حكم لهل
النيل . .
أي إنه خاص بم ,فليس رسالة عامة للبشر -شأنه ف هذا شأن التوراة وشأن كل كتاب وكل
رسالة وكل رسول ,قبل هذا الدين الخي -ولكن ما طابق من شريعته -الت هي شريعة
التوراة -حكم القرآن فهو من شريعة القرآن .كما مر بنا ف شريعة القصاص .
وأهل النيل كانوا إذن مطالبي أن يتحاكموا إل الشريعة الت أقرها وصدقها النيل من شريعة
التوراة( :وليحكم أهل النيل با أنزل ال فيه) .
132
فالقاعدة هي الكم با أنزل ال دون سواه .وهم واليهود كذلك لن يكونوا على شيء حت
يقيموا التوراة والنيل -قبل السلم -وما أنزل إليهم من ربم -بعد السلم -فكله شريعة
واحدة ,هم ملزمون با ,وشريعة ال الخية هي الشريعة العتمدة:
(ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الفاسقون) . .
والنص هنا كذلك على عمومه وإطلقه . .وصفة الفسق تضاف إل صفت الكفر والظلم من
قبل .وليست تعن قوما جددا ول حالة جديدة منفصلة عن الالة الول .إنا هي صفة زائدة
على الصفتي قبلها ,لصقة بن ل يكم با أنزل ال من أي جيل ,ومن أي قبيل .
الكفر برفض ألوهية ال مثل هذا ف رفض شريعته .والظلم بمل الناس على غي شريعة ال
وإشاعة الفساد ف حياتم .والفسق بالروج عن منهج ال واتباع غي طريقه . .فهي صفات
يتضمنها الفعل الول ,وتنطبق جيعها على الفاعل .ويبوء با جيعا دون تفريق .
وأخيا يصل السياق إل الرسالة الخية ; وإل الشريعة الخية . .إنا الرسالة الت جاءت
تعرض "السلم" ف صورته النهائية الخية ; ليكون دين البشرية كلها ; ولتكون شريعته هي
شريعة الناس جيعا ; ولتهيمن على كل ماكان قبلها وتكون هي الرجع النهائي ; ولتقيم منهج
ال لياة البشرية حت يرث ال الرض ومن عليها .النهج الذي تقوم عليه الياة ف شت شعبها
ونشاطها ; والشريعة الت تعيش الياة ف إطارها وتدور حول مورها ; وتستمد منها تصورها
العتقادي ,ونظامها الجتماعي ,وآداب سلوكها الفردي والماعي . .وقد جاءت كذلك
ليحكم با ,ل لتعرف وتدرس ,وتتحول إل ثقافة ف الكتب والدفاتر ! وقد جاءت لتتبع بكل
دقة ,ول يترك شيء منها ويستبدل به حكم آخر ف صغية من شئون الياة أو كبية . .فإما
هذا وإما فهي الاهلية والوى .ول يشفع ف هذه الخالفة أن يقول أحد إنه يمع بي الناس
بالتساهل ف الدين .فلو شاء ال لعل الناس أمة واحدة .إنا يريد ال أن تكم شريعته ,ث
يكون من أمر الناس ما يكون:
وأنزلنا إليك الكتاب بالق ,مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ,فاحكم بينهم با
أنزل ال ,ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق .لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا .ولو شاء
ال لعلكم أمة واحدة .ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ,فاستبقوا اليات .إل ال مرجعكم جيعا
,فينبئكم با كنتم فيه تتلفون .وأن احكم بينهم با أنزل ال ,ول تتبع أهواءهم .واحذرهم
أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك .فإن تولوا فاعلم أنا يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبم ,
وإن كثيا من الناس لفاسقون .أفحكم الاهلية يبغون ? ومن أحسن من ال حكمًا لقوم يوقنون
..
133
ويقف النسان أمام هذه النصاعة ف التعبي ,وهذا السم ف التقرير ,وهذا الحتياط البالغ لكل
ما قد يهجس ف الاطر من مبرات لترك شيء -ولو قليل -من هذه الشريعة ف بعض
اللبسات والظروف . .
يقف النسان أمام هذا كله ,فيعجب كيف ساغ لسلم -يدعي السلم -أن يترك شريعة ال
كلها ,بدعوى اللبسات والظروف ! وكيف ساغ له أن يظل يدعي السلم بعد هذا الترك
الكلي لشريعة ال ! وكيف ل يزال الناس يسمون أنفسهم "مسلمي" ?! وقد خلعوا ربقة
السلم من رقابم ,وهم يلعون شريعة ال كلها ; ويرفضون القرار له باللوهيه ,ف صورة
رفضهم القرار بشريعته ,وبصلحية هذه الشريعه ف جيع اللبسات والظروف ,وبضرورة
تطبيقها كلها ف جيع اللبسات والظروف !
(وأنزلنا إليك الكتاب بالق) . .
يتمثل الق ف صدوره من جهى اللوهيه ,وهي الهه الت تلك حق تنيل الشرائع ,وفرض
القواني . .ويتمثل الق ف متوياته ,وف كل ما يعرض له من شئون العقيده والشريعه ,وف
كل ما يقصه من خي ,وما يمله من توجيه .
(مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) . .
فهو الصوره الخيه لدين ال ,وهو الرجع الخي ف هذا الشأن ,والرجع الخي ف منهج
الياة وشرائع الناس ,ونظام حياتم ,بل تعديل بعد ذلك ول تبديل .
ومن ث فكل اختلف يب أن يرد إل هذا الكتاب ليفصل فيه .سواء كان هذا الختلف ف
التصور العتقادي بي أصحاب الديانات السماويه ,أو ف الشريعه الت جاء هذا الكتاب
بصورتا الخيه .أو كان هذا الختلف بي السلمي أنفسهم ,فالرجع الذي يعودون إليه
بآرائهم ف شأن الياه كله هو هذا الكتاب .
ول قيمه لراء الرجال ما ل يكن لا أصل تستند إليه من هذا الرجع الخي .
وتترتب على هذه القيقه مقتضياتا الباشره:
(فاحكم بينهم با أنزل ال ,ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق) . .
والمر موجه ابتداء إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما كان فيه من أمر أهل الكتاب الذين
يبحثون إليه متحاكمي .ولكنه ليس خاصا بذا السبب ,بل هو عام . .وإل آخر الزمان . .
طالا أنه ليس هناك رسول جديد ,ول رساله جديده ,لتعديل شيء ما ف هذا الرجع الخي !
لقد كمل هذا الدين ,وتت به نعمة ال على السلمي .ورضيه ال لم منهج حياه للناس
أجعي .ول يعد هنالك من سبيل لتعديل شيء فيه أو تبديله ,ول لترك شيء من حكمه إل
حكم آخر ,ول شيء من شريعته إل شريعة أخرى .وقد علم ال حي رضيه للناس ,أنه يسع
134
الناس جيعا .وعلم ال حي رضيه مرجعا أخيا أنه يقق الي للناس جيعا .وأنه يسع حياة
الناس جيعا ,ال يوم الدين .وأي تعديل ف هذا النهج -ودعك من العدول عنه -هو إنكار
لذا العلوم من الدين بالضروره .يرج صاحبه من هذا الدين .ولو قال باللسان ألف مره:إنه
من السلمي !
وقد علم ال أن معاذير كثيه يكن أن تقوم وأن يبر با العدول عن شيء ما أنزل ال واتباع
أهواء الحكومي التحاكمي . .وأن هواجس قد تتسرب ف ضرورة الكم با أنزل ال كله بل
عدول عن شيء فيه ,ف بعض اللبسات والظروف .فحذر ال نبيه صلى ال عليه وسلم ف
هذه اليات مرتي من اتباع أهواء التحاكمي ,ومن فتنتهم له عن بعض ما أنزل ال إليه . .
وأول هذه الواجس:الرغبة البشرية الفية ف تأليف القلوب بي الطوائف التعددة ,والتاهات
والعقائد التجمعة ف بلد واحد .ومسايرة بعض رغباتم عند ما تصطدم ببعض أحكام الشريعة ,
واليل إل التساهل ف المور الطفيفة ,أو الت يبدو أنا ليست من أساسيات الشريعة !
وقد روى أن اليهود عرضوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يؤمنوا له إذا تصال معهم
على التسامح ف أحكام بعينها منها حكم الرجم .وأن هذا التحذير قد نزل بصوص هذا
العرض . .ولكن المر -كما هو ظاهر -أعم من حالة بعينها وعرض بعينه .فهو أمر يعرض
ف مناسبات شت ,ويتعرض له أصحاب هذه الشريعة ف كل حي . .وقد شاء ال -سبحانه
-أن يسم ف هذا المر ,وأن يقطع الطريق على الرغبة البشرية الفية ف التساهل مراعة
للعتبارات والظروف ,وتأليفا للقلوب حي تتلف الرغبات والهواء .فقال لنبيه:إن ال لو
شاء لعل الناس أمة واحدة ; ولكنه جعل لكل منهم طريقا ومنهاجا ; وجعلهم مبتلي متبين
فيما آتاهم من الدين والشريعة ,وما آتاهم ف الياة كلها من عطايا .وأن كل منهم يسلك
طريقه ; ث يرجعون كلهم إل ال ,فينبئهم بالقيقة ,وياسبهم على ما اتذوا من منهج وطريق
. .وأنه إذن ل يوز أن يفكر ف التساهل ف شيء من الشريعة لتجميع الختلفي ف الشارب
والناهج . .فهم ل يتجمعون( :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ,ولو شاء ال لعلكم أمة
واحدة .ولكن ليبلوكم فيما آتاكم .فاستبقوا اليات .إل ال مرجعكم جيعا فينبئكم با كنتم
فيه تتلفون) .
بذلك أغلق ال -سبحانه -مداخل الشيطان كلها ; وباصة ما يبدو منها خيا وتأليفا للقلوب
وتميعا للصفوف ; بالتساهل ف شيء من شريعة ال ; ف مقابل إرضاء الميع ! أو ف مقابل ما
يسمونه وحدة الصفوف !
إن شريعة ال أبقى وأغلى من أن يضحى بزء منها ف مقابل شيء قدر ال أل يكون ! فالناس قد
خلقوا ولكل منهم استعداد ,ولكل منهم مشرب ,ولكل منهم منهج ,ولكل منهم طريق .
135
ولكمة من حكم ال خلقوا هكذا متلفي .وقد عرض ال عليهم الدى ; وتركهم يستبقون .
وجعل هذا ابتلء لم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه ,وهم إليه راجعون ;
وإنا لتعلة باطلة إذن ,وماولة فاشلة ,أن ياول أحد تميعهم على حساب شريعة ال ,أو
بتعبي آخر على حساب صلح الياة البشرية وفلحها .فالعدول أو التعديل ف شريعة ال ل
يعن شيئا إل الفساد ف الرض ; وإل النراف عن النهج الوحيد القوي ; وإل انتفاء العدالة ف
حياة البشر ; وإل عبودية الناس بعضهم لبعض ,واتاذ بعضهم لبعض أربابا من دون ال . .
وهو شر عظيم وفساد عظيم . .ل يوز ارتكابه ف ماولة عقيمة ل تكون ; لنا غي ما قدره
ال ف طبيعة البشر ; ولنا مضادة للحكمة الت من أجلها قدر ما قدر من اختلف الناهج
والشارع ,والتاهات والشارب . .وهو خالق اللق وصاحب المر الول فيهم والخي .
وإليه الرجع والصي . .
إن ماولة التساهل ف شيء من شريعة ال ,لثل هذا الغرض ,تبدو -ف ظل هذا النص الصادق
الذي يبدو مصداقه ف واقع الياة البشرية ف كل ناحية -ماولة سخيفة ; ل مبر لا من الواقع
; ول سند لا من إرادة ال ; ول قبول لا ف حس السلم ,الذي ل ياول إل تقيق مشيئة ال .
فكيف وبعض من يسمون أنفسهم "مسلمي" يقولون:إنه ل يوز تطبيق الشريعة حت ل نسر
"السائحي" ?!!! أي وال هكذا يقولون !
ويعود السياق فيؤكد هذه القيقة ,ويزيدها وضوحا .فالنص الول( :فاحكم بينهم با أنزل ال
ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق) . .قد يعن النهي عن ترك شريعة ال كلها إل أهوائهم !
فالن يذره من فتنتهم له عن بعض ما أنزل ال إليه:
(وأن احكم بينهم با أنزل ال ,ول تتبع أهواءهم ,واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال
إليك) . .
فالتحذير هنا أشد وأدق ; وهو تصوير للمر على حقيقته . .فهي فتنة يب أن تذر . .والمر
ف هذا الجال ل يعدو أن يكون حكما با أنزل ال كامل ; أو أن يكون اتباعا للهوى وفتنة
يذر ال منها .
ث يستمر السياق ف تتبع الواجس والواطر ; فيهون على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرهم
إذا ل يعجبهم هذا الستمساك الكامل بالصغية قبل الكبية ف هذه الشريعة ,وإذا هم تولوا فلم
يتاروا السلم دينا ; أو تولوا عن الحتكام إل شريعة ال [ ف ذلك الوان حيث كان هناك
تيي قبل أن يصبح هذا حتما ف دار السلم ]:
(فإن تولوا فاعلم أنا يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبم .وإن كثيا من الناس لفاسقون) .
136
فإن تولوا فل عليك منهم ; ول يفتنك هذا عن الستمساك الكامل بكم ال وشريعته .ول
تعل إعراضهم يفت ف عضدك أو يولك عن موقفك . .فإنم إنا يتولون ويعرضون لن ال
يريد أن يزيهم على بعض ذنوبم .فهم الذين سيصيبهم السوء بذا العراض:ل أنت ول شريعة
ال ودينه ; ول الصف السلم الستمسك بدينه . .ث إنا طبيعة البشر( :وإن كثيا من الناس
لفاسقون) فهم يرجون وينحرفون .لنم هكذا ; ول حيلة لك ف هذا المر ,ول ذنب
للشريعة ! ول سبيل لستقامتهم على الطريق !
وبذلك يغلق كل منافذ الشيطان ومداخله إل النفس الؤمنة ; ويأخذ الطريق على كل حجة
وكل ذريعة لترك شيء من أحكام هذه الشريعة ; لغرض من الغراض ; ف ظرف من الظروف .
.
ث يقفهم على مفرق الطريق . .فإنه إما حكم ال ,وإما حكم الاهلية .ول وسط بي الطرفي
ول بديل . .حكم ال يقوم ف الرض ,وشريعة ال تنفذ ف حياة الناس ,ومنهج ال يقود حياة
البشر . .أو أنه حكم الاهلية ,وشريعة الوى ,ومنهج العبودية . .فأيهما يريدون ?
(أفحكم الاهلية يبغون ? ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) . .
إن معن الاهلية يتحدد بذا النص .فالاهلية -كما يصفها ال ويددها قرآنه -هي حكم
البشر للبشر ,لنا هي عبودية البشر للبشر ,والروج من عبودية ال ,ورفض ألوهية ال ,
والعتراف ف مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لم من دون ال . .
إن الاهلية -ف ضوء هذا النص -ليست فترة من الزمان ; ولكنها وضع من الوضاع .هذا
الوضع يوجد بالمس ,ويوجد اليوم ,ويوجد غدا ,فيأخذ صفة الاهلية ,القابلة للسلم ,
والناقضة للسلم .
والناس -ف أي زمان وف أي مكان -إما أنم يكمون بشريعة ال -دون فتنة عن بعض منها
-ويقبلونا ويسلمون با تسليما ,فهم إذن ف دين ال .وإما إنم يكمون بشريعة من صنع
البشر -ف أي صورة من الصور -ويقبلونا فهم إذن ف جاهلية ; وهم ف دين من يكمون
بشريعته ,وليسوا بال ف دين ال .والذي ل يبتغى حكم ال يبتغي حكم الاهلية ; والذي
يرفض شريعة ال يقبل شريعة الاهلية ,ويعيش ف الاهلية .
وهذا مفرق الطريق ,يقف ال الناس عليه .وهم بعد ذلك باليار !
ث يسألم سؤال استنكار لبتغائهم حكم الاهلية ; وسؤال تقرير لفضلية حكم ال .
(ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) . .
وأجل ! فمن أحسن من ال حكما ?
137
ومن ذا الذي يرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس ,ويكم فيهم ,خيا ما يشرع ال لم ويكم
فيهم ? وأية حجة يلك أن يسوقها بي يدي هذا الدعاء العريض ?
أيستطيع أن يقول:إنه أعلم بالناس من خالق الناس ? أيستطيع أن يقول:إنه أرحم بالناس من رب
الناس ? أيستطيع أن يقول:إنه أعرف بصال الناس من إله الناس ? أيستطيع أن يقول:إن ال -
سبحانه -وهو يشرع شريعته الخية ,ويرسل رسوله الخي ; ويعل رسوله خات النبيي ,
ويعل رسالته خاتة الرسالت ,ويعل شريعته شريعة البد . .كان -سبحانه -يهل أن
أحوالًا ستطرأ ,وأن حاجات ستستجد ,وأن ملبسات ستقع ; فلم يسب حسابا ف شريعته
لنا كانت خافية عليه ,حت انكشفت للناس ف آخر الزمان ?!
ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة ال عن حكم الياة ,ويستبدل با شريعة الاهلية ,
وحكم الاهلية ; ويعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب ,أو هوى جيب من أجيال البشر
,فوق حكم ال ,وفوق شريعة ال ?
ما الذي يستطيع أن يقوله . .وباصة إذا كان يدعي أنه من السلمي ?!
الظروف ? اللبسات ? عدم رغبة الناس ? الوف من العداء ? . .أل يكن هذا كله ف علم
ال ; وهو يأمر السلمي أن يقيموا بينهم شريعته ,وأن يسيوا على منهجه ,وأل يفتنوا عن
بعض ما أنزله ?
قصور شريعة ال عن استيعاب الاجات الطارئة ,والوضاع التجددة ,والحوال التغلبة ? أل
يكن ذلك ف علم ال ; وهو يشدد هذا التشديد ,ويذر هذا التحذير ?
يستطيع غي السلم أن يقول مايشاء . .ولكن السلم . .أو من يدعون السلم . .ما الذي
يقولونه من هذا كله ,ث يبقون على شيء من السلم ? أو يبقى لم شيء من السلم ?
إنه مفرق الطريق ,الذي ل معدى عنده من الختيار ; ول فائدة ف الماحكة عنده ول الدال .
.
إما إسلم وإما جاهلية .إما إيان وإما كفر .إما حكم ال وإما حكم الاهلية . .
والذين ل يكمون با أنزل ال هم الكافرون الظالون الفاسقون .والذين ل يقبلون حكم ال من
الحكومي ما هم بؤمني . .
إن هذه القضية يب أن تكون واضحة وحاسة ف ضمي السلم ; وأل يتردد ف تطبيقها على
واقع الناس ف زمانه ; والتسليم بقتضى هذه القيقة ونتيجة هذا التطبيق على العداء
والصدقاء !
وما ل يسم ضمي السلم ف هذه القضية ,فلن يستقيم له ميزان ; ولن يتضح له منهج ,ولن
يفرق ف ضميه بي الق والباطل ; ولن يطو خطوة واحدة ف الطريق الصحيح . .وإذا جاز
138
أن تبقى هذه القضية غامضة أو مائعة ف نفوس الماهي من الناس ; فما يوز أن تبقى غامضة
ول مائعة ف نفوس من يريدون أن يكونوا "السلمي" وأن يققوا لنفسهم هذا الوصف العظيم .
.
.2يتحاكمون إل الطاغوت
ك َومَا أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن
قال تعال {:أَلَ ْم َترَ إِلَى الّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُمْ آمَنُوْا بِمَا أُنزِلَ ِإلَْي َ
ضّلهُمْ ضَلَ ًل َبعِيدًا} ()60 ت وَقَدْ ُأ ِمرُواْ أَن يَ ْك ُفرُواْ ِب ِه وَُيرِي ُد الشّيْطَانُ أَن ُي ِ
يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغُو ِ
سورة النساء
وف الظلل :
أل تر إل هذا العجب العاجب . .قوم . .يزعمون . .اليان .ث يهدمون هذا الزعم ف
آن ?! قوم (يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك) .ث ل يتحاكمون إل ما أنزل
إليك وما أنزل من قبلك ? إنا يريدون أن يتحاكموا إل شيء آخر ,وإل منهج آخر ,وإل
حكم آخر . .يريدون أن يتحاكموا إل . .الطاغوت . .الذي ل يستمد ما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك .ول ضابط له ول ميزان ,ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . .ومن ث فهو . .
طاغوت . .طاغوت بادعائه خاصية من خواص اللوهية .وطاغوت بأنه ل يقف عند ميزان
مضبوط أيضا ! وهم ل يفعلون هذا عن جهل ,ول عن ظن . .إنا هم يعلمون يقينا ويعرفون
تاما ,أن هذا الطاغوت مرم التحاكم إليه( :وقد أمروا أن يكفروا به) . .فليس ف المر جهالة
ول ظن .بل هو العمد والقصد .ومن ث ل يستقيم ذلك الزعم .زعم أنم آمنوا با أنزل إليك
وما أنزل من قبلك ! إنا هو الشيطان الذي يريد بم الضلل الذي ل يرجى منه مآب . .
ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدًا . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتم التحاكم إل الطاغوت .وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إل
الروج من حد اليان وشرطه بإرادتم التحاكم إل الطاغوت ! هذا هو الدافع يكشفه لم .
لعلهم يتنبهون فيجعوا .ويكشفه للجماعة السلمة ,لتعرف من يرك هؤلء ويقف وراءهم
كذلك .
ويضي السياق ف وصف حالم إذا ما دعوا إل ما أنزل ال إل الرسول وما أنزل من قبله . .
ذلك الذي يزعمون أنم آمنوا به:
(وإذا قيل لم:تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ,رأيت النافقي يصدون عنك صدودا) .
يا سبحان ال ! إن النفاق يأب إل أن يكشف نفسه ! ويأب إل أن يناقض بديهيات النطق
الفطري . .وإل ما كان نفاقا . . .
139
إن القتضى الفطري البديهي لليان ,أن يتحاكم النسان إل ما آمن به ,وإل من آمن به .فإذا
زعم أنه آمن بال وما أنزل ,وبالرسول وما أنزل إليه .ث دعي إل هذا الذي آمن به ,ليتحاكم
إل أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التلبيه الكاملة هي البديهية الفطرية .فأما حي يصد ويأب فهو
يالف البديهية الفطرية .ويكشف عن النفاق .وينب ء عن كذب الزعم الذي زعمه من
اليان !
وإل هذه البديهية الفطرية ياكم ال -سبحانه -أولئك الذين يزعمون اليان بال ورسوله .ث
ل يتحاكمون إل منهج ال ورسوله .بل يصدون عن ذلك النهج حي يدعون إليه صدودا !
ث يعرض مظهرا من مظاهر النفاق ف سلوكهم ; حي يقعون ف ورطة أو كارثة بسبب عدم
تلبيتهم للدعوة إل ما أنزل ال وإل الرسول ; أو بسبب ميلهم إل التحاكم إل الطاغوت .
ومعاذيرهم عند ذلك .وهي معاذير النفاق:
(فكيف إذا أصابتهم مصيبة -با قدمت أيديهم -ث جاؤوك يلفون بال:إن أردنا إل إحسانا
وتوفيقا) . .
وهذه الصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم ف وسط الماعة السلمة -يومذاك -حيث
يصبحون معرضي للنبذ والقاطعة والزدراء ف الوسط السلم .فما يطيق الجتمع السلم أن يرى
من بينه ناسا يزعمون أنم آمنوا بال وما أنزل ,وبالرسول وما أنزل إليه ; ث ييلون إل التحاكم
لغي شريعة ال ; أو يصدون حي يدعون إلىالتحاكم إليها . .إنا يقبل مثل هذا ف متمع ل
إسلم له ول إيان .وكل ما له من اليان زعم كزعم هؤلء ; وكل ما له من السلم دعوى
وأساء !
أو قد تصيبهم الصيبة من ظلم يقع بم ; نتيجة التحاكم إل غي نظام ال العادل ; ويعودون
باليبة والندامة من الحتكام إل الطاغوت ; ف قضية من قضاياهم .
أو قد تصيبهم الصيبة ابتلء من ال لم .لعلهم يتفكرون ويهتدون . .
وأياما ما كان سبب الصيبة ; فالنص القرآن ,يسأل مستنكرا:فكيف يكون الال حينئذ ! كيف
يعودون إل الرسول صلى ال عليه وسلم:
(يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا) . . .
إنا حال مزية . .حي يعودون شاعرين با فعلوا . .غي قادرين على مواجهة الرسول صلى ال
عليه وسلم بقيقة دوافعهم .وف الوقت ذاته يلفون كاذبي:أنم ما أرادوا بالتحاكم إل
الطاغوت -وقد يكون هنا هو عرف الاهلية -إل رغبة ف الحسان والتوفيق ! وهي دائما
دعوى كل من ييدون عن الحتكام إل منهج ال وشريعته:أنم يريدون اتقاء الشكالت
والتاعب والصاعب ,الت تنشأ من الحتكام إل شريعة ال ! ويريدون التوفيق بي العناصر
140
الختلفة والتاهات الختلفة والعقائد الختلفة . .إنا حجة الذين يزعمون اليان -وهم غي
مؤمني -وحجة النافقي اللتوين . .هي هي دائما وف كل حي !
وال -سبحانه -يكشف عنهم هذا الرداء الستعار .ويب رسوله صلى ال عليه وسلم ,أنه
يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانهم .ومع هذا يوجهه إل أخذهم بالرفق ,والنصح لم بالكف
عن هذا اللتواء:
(أولئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم .فأعرض عنهم وعظهم ,وقل لم ف أنفسهم قول بليغا) .
.
أولئك الذين يفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويتجون بذه الجج ,ويعتذرون بذه العاذير .
وال يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . .ولكن السياسة الت كانت متبعة -ف ذلك
الوقت -مع النافقي كانت هي الغضاء عنهم ,وأخذهم بالرفق ,واطراد الوعظة والتعليم . .
والتعبي العجيب:
وقل لم . .ف أنفسهم . .قول بليغًا .
تعبي مصور . .كأنا القول يودع مباشرة ف النفس ,ويستقر مباشرة ف القلوب .
وهو يرغبهم ف العودة والتوبة والستقامة والطمئنان إل كنف ال وكنف رسوله . .بعد كل
ما بدا منهم من اليل إل الحتكام إل الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول صلى ال عليه وسلم
حي يدعون إل التحاكم إل ال والرسول . .فالتوبة بابا مفتوح ,والعودة إل ال ل يفت اوانا
بعد ; واستغفارهم ال من الذنب ,واستغفار الرسول لم ,فيه القبول ! ولكنه قبل هذا كله
يقرر القاعدة الساسية:وهي أن ال قد أرسل رسله ليطاعوا -بإذنه -ل ليخالف عن أمرهم .
ول ليكونوا مرد وعاظ ! ومرد مرشدين !
وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال .ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ,فاستغفروا ال ,
واستغفر لم الرسول ,لوجدوا ال توابا رحيمًا . .
وهذه حقيقة لا وزنا . .إن الرسول ليس مرد "واعظ" يلقي كلمته ويضي .لتذهب ف الواء
-بل سلطان -كما يقول الخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين ل
يفهمون مدلول "الدين" .
إن الدين منهج حياة .منهج حياة واقعية .بتشكيلتا وتنظيماتا ,وأوضاعها ,وقيمها ,
وأخلقها وآدابا .وعباداتا وشعائرها كذلك .
وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان .سلطان يقق النهج ,وتضع له النفوس خضوع
طاعة وتنفيذ . .وال أرسل رسله ليطاعوا -بإذنه وف حدود شرعه -ف تقيق منهج الدين .
منهج ال الذي أراده لتصريف هذه الياة .وما من رسول إل أرسله ال ,ليطاع ,بإذن ال .
141
فتكون طاعته طاعة ل . .ول يرسل الرسل لجرد التأثر الوجدان ,والشعائر التعبدية . .فهذا
وهم ف فهم الدين ; ل يستقيم مع حكمة ال من إرسال الرسل .وهي إقامة منهج معي للحياة
,ف واقع الياة . .وإل فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أن يقف واعظا .ل يعنيه إل أن
يقول كلمته ويضي .يستهتر با الستهترون ,ويبتذلا البتذلون !!!
ومن هنا كان تاريخ السلم كما كان . .كان دعوة وبلغا .ونظام وحكما .وخلفة بعد
ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم تقوم بقوة الشريعة والنظام ,على تنفيذ الشريعة والنظام
.لتحقيق الطاعة الدائمة للرسول .وتقيق إرادة ال من إرسال الرسول .وليست هنالك صورة
أخرى يقال لا:السلم .أو يقال لا:الدين .إل أن تكون طاعة للرسول ,مققة ف وضع وف
تنظيم .ث تتلف أشكال هذا الوضع ما تتلف ; ويبقى أصلها الثابت .وحقيقتها الت ل توجد
بغيها . .استسلم لنهج ال ,وتقيق لنهج رسول ال .وتاكم إل شريعة ال .وطاعة
للرسول فيما بلغ عن ال ,وإفراد ل -سبحانه -باللوهية [ شهادة أن ل إله إل ال ] ومن ث
إفراده بالاكمية الت تعل التشريع ابتداء حقا ل ,ل يشاركه فيه سواه .وعدم احتكام إل
الطاغوت .ف كثي ول قليل .والرجوع إل ال والرسول ,فيما ل يرد فيه نص من القضايا
الستجدة ,والحوال الطارئه ; حي تتلف فيه العقول . .
وأمام الذين (ظلموا أنفسهم) بيلهم عن هذا النهج ,الفرصة الت دعا ال النافقي إليها على عهد
رسول ال ,صلى ال عليه وسلم -ورغبهم فيها . .
ولو أنم -إذ ظلموا أنفسهم -جاؤوك ,فاستغفروا ال ,واستغفر لم الرسول ,لوجدوا ال
توابا رحيمًا . .
وال تواب ف كل وقت على من يتوب .وال رحيم ف كل وقت على من يؤوب .وهو -
سبحانه -يصف نفسه بصفته .ويعد العائدين إليه ,الستغفرين من الذنب ,قبول التوبة وإفاضة
الرحة . .والذين يتناولم هذا النص ابتداء ,كان لديهم فرصة استغفار الرسول صلى ال عليه
وسلم وقد انقضت فرصتها .وبقي باب ال مفتوحا ل يغلق .ووعده قائما ل ينقض .فمن أراد
فليقدم .ومن عزم فليتقدم . .
وأخيا ييء ذلك اليقاع الاسم الازم .إذ يقسم ال -سبحانه -بذاته العلية ,أنه ل يؤمن
مؤمن ,حت يكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمره كله .ث يضي راضيا بكمه ,
مسلما بقضائه .ليس ف صدره حرج منه ,ول ف نفسه تلجلج ف قبوله:
فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم .ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ,
ويسلموا تسليمًا . .
142
ومرة أخرى ندنا أمام شرط اليان وحد السلم .يقرره ال سبحانه بنفسه .ويقسم عليه بذاته
.فل يبقى بعد ذلك قول لقائل ف تديد شرط اليان وحد السلم ,ول تأويل لؤول .
اللهم إل ماحكة ل تستحق الحترام . .وهي أن هذا القول مرهون بزمان ,وموقوف على
طائفة من الناس ! وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا ; ول يفقه من التعبي القرآن قليل
ول كثيا .فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم ; جاءت ف صورة قسم مؤكد ; مطلقة من
كل قيد . .وليس هناك مال للوهم أو اليهام بأن تكيم رسول ال صلى ال عليه وسلم هو
تكيم شخصه .إنا هو تكيم شريعته ومنهجه .وإل ل يبق لشريعة ال وسنة رسوله مكان بعد
وفاته صلى ال عليه وسلم وذلك قول أشد الرتدين ارتدادا على عهد أب بكر -رضي ال عنه
-وهو الذي قاتلهم عليه قتال الرتدين .بل قاتلهم على ما هو دونه بكثي .وهو مرد عدم
الطاعة ل ورسوله ,ف حكم الزكاة ; وعدم قبول حكم رسول ال فيها ,بعد الوفاة !
وإذا كان يكفي لثبات "السلم" أن يتحاكم الناس إل شريعة ال وحكم رسوله . .فانه ل
يكفي ف "اليان" هذا ,ما ل يصحبه الرضى النفسي ,والقبول القلب ,وإسلم القلب والنان
,ف اطمئنان !
هذا هو السلم . .وهذا هو اليان . .فلتنظر نفس أين هي من السلم ; وأين هي من اليان
! قبل ادعاء السلم وادعاء اليان !
وكذلك فقد أمرنا ال تعال بوجوب اجتناب الطاغوت قال تعال :
{ َوَلقَدْ َبعَثْنَا فِي كُلّ ُأمّ ٍة رّسُولً أَنِ ا ْعبُدُوْا الّل َه وَاجْتَِنبُوْا الطّاغُوتَ فَمِْنهُم مّ ْن هَدَى الّلهُ َومِْنهُم
ت عَلَْيهِ الضّللَةُ َفسِيُواْ فِي ا َل ْرضِ فَان ُظرُواْ كَيْفَ كَا َن عَاقَِبةُ اْلمُكَذِّبيَ} ( )36سورة مّنْ َح ّق ْ
النحل
وقال ابن كثي :
وبعث ف كل أمة أي ف كل قرن وطائفة رسولً ,وكلهم يدعون إل عبادة ال وينهون عن عبادة ما
سواه {أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت} فلم يزل تعال يرسل إل الناس الرسل بذلك منذ حدث
الشرك ف بن آدم ف قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح ,وكان أول رسول بعثه ال ال أهل الرض إل
أن ختمهم بحمد صلى ال عليه وسلم الذي طبقت دعوته النس والن ف الشارق والغارب,
وكلهم كما قال ال تعال{ :وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا
فاعبدون} ,وقوله تعال{ :واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحن آلة
يعبدون} وقال تعال ف هذه الَية الكرية{ :ولقد بعثنا ف كل أمة رسولً أن اعبدوا ال واجتنبوا
الطاغوت} فيكف يسوغ لحد من الشركي بعد هذا أن يقول{ :لو شاء ال ما عبدنا من دونه من
143
شيء} فمشيئته تعال الشرعية عنهم منتفية ,لنه ناهم عن ذلك على ألسنة رسله ,وأما مشيئته
الكونية وهي تكينهم من ذلك قدرا ,فل حجة لم فيها ,لنه تعال خلق النار وأهلها من الشياطي
والكفرة ,وهو ل يرضى لعباده الكفر ,وله ف ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة.
ث إنه تعال قد أخب أنه أنكر عليهم بالعقوبة ف الدنيا بعد إنذار الرسل ,فلهذا قال{ :فمنهم من
هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيوا ف الرض فانظروا كيف كان عاقبة الكذبي} أي
اسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الق كيف {دمر ال عليهم وللكافرين أمثالا},
فقال{ :ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكي}.
وف الظلل :
(ولقد بعثنا ف كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت) . .
ففريق استجاب( :فمنهم من هدى ال) وفريق شرد ف طريق الضلل (ومنهم من حقت عليه
الضللة) . .وهذا الفريق وذلك كلها ل يرج على مشيئة ال ,وكلها ل يقسره ال قسرا على
هدى أو ضلل ,إنا سلك طريقه الذي شاءت إرادة ال أن تعل إرادته حرة ف سلوكه ,بعد ما
زودته بعال الطريق ف نفسه وف الفاق .
كذلك ينفي القرآن الكري بذا النص وهم الجبار الذي لوح به الشركون ,والذي يستند إليه كثي
من العصاة والنحرفي .والعقيدة السلمية عقيدة ناصعة واضحة ف هذه النقطة .فال يأمر عباده
بالي وينهاهم عن الشر ,ويعاقب الذنبي أحيانا ف الدنيا عقوبات ظاهرة يتضح فيها غضبه عليهم .
فل مال بعد هذا لن يقال:إن إرادة ال تتدخل لترغمهم على النراف ث يعاقبهم عليه ال ! إنا هم
متروكون لختيار طريقهم وهذه هي إرادة ال .وكل ما يصدر عنهم من خي أو شر .من هدى
ومن ضلل .يتم وفق مشيئة ال على هذا العن الذي فصلناه .
ومن ث يعقب على هذا بطاب إل الرسول صلى ال عليه وسلم يقرر سنة ال ف الدى والضلل:
(إن ترص على هداهم فإن ال ل يهدي من يضل وما لم من ناصرين) .
فليس الدى أو الضلل برص الرسول على هدى القوم أو عدم حرصه ,فوظيفته البلغ .أما الدى
أو الضلل فيمضي وفق سنة ال وهذه السنة ل تتخلف ول تتغي عواقبها ,فمن أضله ال لنه
استحق الضلل وفق سنة ال ,فإن ال ليهديه ,لن ل سننا تعطي نتائجها .وهكذا شاء .وال
فعال لا يشاء ( .وما لم من ناصرين) ينصرونم من دون ال .
ش ْر عِبَادِ} (
شرَى فَبَ ّ
وقال تعال { :وَالّذِينَ اجَْتنَبُوا الطّاغُوتَ أَن َيعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا ِإلَى الّلهِ َلهُمُ اْلبُ ْ
)17سورة الزمر
وف الظلل :
144
والطاغوت صياغة من الطغيان ; نو ملكوت وعظموت ورحوت .تفيد البالغة والضخامة .
والطاغوت كل ما طغا وتاوز الد .والذين اجتنبوا عبادتا هم الذين اجتنبوا عبادة غي العبود ف أية
صورة من صور العبادة .وهم الذين أنابوا إل ربم .وعادوا إليه ,ووقفوا ف مقام العبودية له وحده
.
هؤلء (لم البشرى) صادرة إليهم من الل العلى .والرسول صلى ال عليه وسلم يبلغها لم بأمر
ال( :فبشر عباد) . .إنا البشرى العلوية يملها إليهم رسول كري .وهذا وحده نعيم !
هؤلء من صفاتم أنم يستمعون ما يستمعون من القول ,فتلتقط قلوبم أحسنه وتطرد ما عداه ,فل
يلحق با ول يلصق إل الكلم الطيب ,الذي تزكو به النفوس والقلوب . .والنفس الطيبة تتفتح
للقول الطيب فتتلقاه وتستجيب له .والنفس البيثة ل تتفتح إل للخبيث من القول ول تستجيب إل
له .
(أولئك الذين هداهم ال) . .
فقد علم ال ف نفوسهم خيا فهداهم إل استماع أحسن القول والستجابة له .والدى هدى ال
وأولئك هم أولو اللباب . .
فالعقل السليم هو الذي يقود صاحبه إل الزكاة ,وإل النجاة .ومن ل يتبع طريق الزكاة والنجاة
فكأنه مسلوب العقل مروم من هذه النعمة الت أعطاها له ال .
145
آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم} وهذا
تديد شديد ووعيد أكيد وقال تعال{ :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتذوا دينكم هزوا ولعبا
من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا ال إن كنتم مؤمني} وقال تعال{ :يا أيها
الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون الؤمني أتريدون أن تعلوا ل عليكم سلطانا مبينا ؟}
وقال تعال{ :ل يتخذ الؤمنون الكافرين أولياء من دون الؤمني ومن يفعل ذلك فليس من ال ف
شيء إل أن تتقوا منهم تقاة ويذركم ال نفسه} ولذا قبل رسول ال صلى ال عليه وسلم عذر
حاطب ,لا ذكر أنه إنا فعل ذلك مصانعة لقريش لجل ما كان له عندهم من الموال والولد.
ويذكر ههنا الديث الذي رواه المام أحد :حدثنا مصعب بن سلم ,حدثنا الجلح عن قيس بن
أب مسلم عن ربعي بن حراش سعت حذيفة يقول :ضرب لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أمثالً
واحدا وثلثة وخسة وسبعة وتسعة وأحد عشر ,قال فضرب لنا منها مثلً وترك سائرها قال« :إن
قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تب وعداء فأظهر ال أهل الضعف عليهم فعمدوا إل
عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم ,فأسخطوا ال عليهم إل يوم يلقونه» وقوله تعال{ :يرجون
الرسول وإياكم} هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتم وعدم موالتم لنم أخرجوا الرسول
وأصحابه من بي أظهرهم كراهة لا هم عليه من التوحيد وإخلص العبادة ل وحده ,ولذا قال
تعال{ :أن تؤمنوا بال ربكم} أي ل يكن لكم عندهم ذنب إل إيانكم بال رب العالي كقوله
تعال{ :وما نقموا منهم إل أن يؤمنوا بال العزيز الميد} وكقوله تعال{ :الذين أخرجوا من
ديارهم بغي حق إل أن يقولوا ربنا ال}.
س مِنَ الّلهِ فِي شَ ْيءٍ
ي َومَن َي ْفعَلْ ذَِلكَ َفلَْي َ
** لّ َيتّخِذِ الْ ُم ْؤمِنُونَ الْكَاِفرِينَ َأوِْليَآءَ مِن دُونِ الْ ُم ْؤمِِن َ
سهُ وَإِلَ َى الّلهِ الْ َمصِيُ
إِلّ أَن تَّتقُوْا مِْنهُمْ ُتقَا ًة وَيُحَ ّذرْكُ ُم الّلهُ َنفْ َ
نى تبارك وتعال عباده الؤمني أن يوالوا الكافرين ,وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالودة
من دون الؤمني ,ث توعد على ذلك ,فقال تعال{ :ومن يفعل ذلك فليس من ال ف شيء} أي
ومن يرتكب ني ال ف هذا ,فقد بريء من ال ,كما قال تعال{ :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا
عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة ـ إل أن قال ـ :ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء
السبيل} ,وقال تعال{ :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون الؤمني ,أتريدون
أن تعلوا ل عليكم سلطانا مبينا} ,وقال تعال{ :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ,ومن يتولم منكم فإنه منهم} الَية ,وقال تعال بعد ذكر
موالة الؤمني من الهاجرين والنصار والعراب {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه
تكن فتنة ف الرض وفساد كبي} ,وقوله تعال{ :إل أن تتقوا منهم تقاة} أي إل من خاف ف
بعض البلدان أو الوقات من شرهم ,فله أن يتقيهم بظاهره ل بباطنه ونيته ,كما قال البخاري
146
عن أب الدرداء :أنه قال« :إنا لنكشر ف وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم» .وقال الثوري :قال ابن
عباس :ليس التقية بالعمل إنا التقية باللسان ,وكذا رواه العوف عن ابن عباس :إنا التقية باللسان,
وكذا قال أبو العالية وأبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس .ويؤيد ما قالوه قول ال تعال:
{من كفر با ل من بعد إيانه إل من أكره وقلبه مطمئن باليان} الَية .وقال البخاري :قال
السن :التقية إل يوم القيامة ,ث قال تعال{ :ويذركم ال نفسه} أي يذركم نقمته ف مالفته
وسطوته وعذابه لن وال أعداءه ,وعادى أولياءه .ث قال تعال{ :وإل ال الصي} أي إليه
الرجع والنقلب ليجازي كل عامل بعمله .قال ابن أب حات :حدثنا أب ,حدثنا سويد بن سعيد,
حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أب حسي ,عن عبد الرحن بن سابط ,عن عمرو بن ميمون ,قال:
قام فينا معاذ بن جبل ,فقال :يا بن أود ,إن رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم إليكم,
تعلمون أن العاد إل النة أو إل النار.
ض َومَن يََتوَّلهُ ْم مّنكُمْ ضهُمْ َأوِْليَآءُ َبعْ ٍ ** يَـأَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ لَ تَّتخِذُواْ الَْيهُودَ وَالّنصَا َرىَ َأ ْولِيَآءَ َب ْع ُ
فَإِّن ُه مِْنهُمْ إِنّ الّلهَ َل َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ * فََترَى الّذِينَ فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ يُسَا ِرعُونَ فِيهِمْ
َيقُولُونَ نَخْشَىَ أَن ُتصِيبَنَا دَآِئ َرةٌ َفعَسَى الّلهُ أَن يَ ْأتِيَ بِاْلفَتْحِ َأوْ َأ ْمرٍ مّ ْن عِن ِد ِه فَُيصْبِحُواْ َعلَ َى مَآ
سهِمْ نَا ِد ِميَ * وََيقُولُ الّذِي َن آمَنُواْ َأهُـؤُلءِ الّذِينَ َأقْسَمُوْا بِالّلهِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِمْ ِإّنهُمْ َأ َسرّواْ فِيَ َأْنفُ ِ
َل َمعَكُمْ حَبِ َطتْ َأعْمَاُلهُ ْم فََأصْبَحُوْا خَا ِسرِي َن
ينهى تبارك وتعال عباده الؤمني عن موالة اليهود والنصارى ,الذين هم أعداء السلم وأهله
ـ قاتلهم ال ـ ث أخب أن بعضهم أولياء بعض ,ث تدد وتوعد من يتعاطى ذلك ,فقال {ومن
يتولم منكم فإنه منهم} الَية .قال ابن أب حات :حدثنا كثي بن شهاب ,حدثنا ممد يعن ابن
سعيد بن سابق ,حدثنا عمرو بن أب قيس عن ساك بن حرب ,عن عياض أن عمر أمر أبا موسى
الشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى ف أدي واحد ,وكان له كاتب نصران ,فرفع إليه ذلك,
فعجب عمر وقال :إن هذا لفيظ ,هل أنت قارىء لنا كتابا ف السجد جاء من الشام ؟ فقال:
إنه ل يستطيع ,فقال عمر :أجنب هو ؟ قال :ل بل نصران .قال :فانتهرن وضرب فخذي ,ث
قال :أخرجوه ,ث قرأ {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَية ,ث قال:
حدثنا ممد بن السن بن ممد بن الصباح ,حدثنا عثمان بن عمر ,أنبأنا ابن عون عن ممد بن
سيين ,قال :قال عبد ال بن عتبة :ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو ل يشعر .قال:
فظنناه يريد هذه الَية {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَية ,وحدثنا أبو
سعيد الَشج ,حدثنا ابن فضيل عن عاصم ,عن عكرمة ,عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح
نصارى العرب ,فقال :كل ,قال ال تعال{ :ومن يتولم منكم فإنه منهم} ,وروي عن أب الزناد
نو ذلك.
147
وقوله تعال{ :فترى الذين ف قلوبم مرض} أي شك وريب ونفاق ,يسارعون فيهم ,أي
يبادرون إل موالتم ومودتم ف الباطن والظاهر{ ,يقولون نشى أن تصيبنا دائرة} أي يتأولون
ف مودتم وموالتم أنم يشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالسلمي ,فتكون لم أياد عند
اليهود والنصارى ,فينفعهم ذلك .عند ذلك قال ال تعال{ :فعسى ال أن يأت بالفتح} قال
السدي :يعن فتح مكة .وقال غيه :يعن القضاء والفصل{ ,أو أمر من عنده} .قال السدي:
يعن ضرب الزية على اليهود والنصارى{ ,فيصبحوا} يعن الذين والوا اليهود والنصارى من
النافقي {على ما أسروا ف أنفسهم} من الوالة{ ,نادمي} أي على ما كان منهم ما ل يد
عنهم شيئا ,ول دفع عنهم مذورا ,بل كان عي الفسدة ,فإنم فضحوا وأظهر ال أمرهم ف
الدنيا لعباده الؤمني بعد أن كانوا مستورين ,ل يدرى كيف حالم ,فلما انعقدت السباب
الفاضحة لم تبي أمرهم لعباد ال الؤمني ,فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنم من الؤمني,
ويلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبم وافتراؤهم ,ولذا قال تعال{ :ويقول الذين آمنوا
أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم حبطت أعمالم فأصبحوا خاسرين}.
وقد اختلف القرّاء ف هذا الرف فقرأه المهور بإثبات الواو ف قوله {ويقول} ,ث منهم من
رفع ويقول :على البتداء ,ومنهم من نصب عطفا على قوله {فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر
من عنده} فتقديره أن يأت وأن يقول وقرأ أهل الدينة {يقول الذين آمنوا} بغي واو ,وكذلك
هو ف مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير .قال ابن جرير عن ماهد {فعسى ال يأت بالفتح أو
أمر من عنده} تقديره حينئذ {يقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم
لعكم حبطت أعمالم فأصبحوا خاسرين} واختلف الفسرون ف سبب نزول هذه الَيات
الكريات ,فذكر السدي أنا نزلت ف رجلي قال أحدها لصاحبه بعد وقعة أحد :أما أنا فإن
ذاهب إل ذلك اليهودي فآوي إليه وأتوّد معه ,لعله ينفعن إذا وقع أمر أو حدث حادث .وقال
الَخر أما أنا فإن ذاهب إل فلن النصران بالشام فآوي إليه وأتنصر معه ,فأنزل ال {يا أيها
الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَيات ,وقال عكرمة :نزلت ف أب لبابة بن عبد
النذر حي بعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم إل بن قريظة فسألوه :ماذا هو صانع بنا ؟ فأشار
بيده إل حلقه أي أنه الذبح ,رواه ابن جرير.
وقيل :نزلت ف عبد ال بن أب ابن سلول ,كما قال ابن جرير :حدثنا أبو كريب ,حدثنا ابن
إدريس قال :سعت أب عن عطية بن سعد قال :جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن
الزرج إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يارسول ال ,إن ل موال من يهود كثي
عددهم ,وإن أبرأ إل ال ورسوله من وليه يهود ,وأتول ال ورسوله ,فقال عبد ال بن أب :إن
رجل أخاف الدوائر ل أبرأ من ولية موال ,فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب
148
«يا أبا الباب ,ما بلت به من ولية يهود على عبادة بن الصامت ,فهو لك دونه» قال :قد
قبلت ,فأنزل ال عز وجل {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَيتي.
ث قال ابن جرير :حدثنا هناد ,حدثنا يونس بن بكي ,حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن
الزهري :قال :لا انزم أهل بدر ,قال السلمون لوليائهم من اليهود :أسلموا قبل أن يصيبكم ال
بيوم مثل يوم بدر ,فقال مالك بن الصيف :أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ل علم لم
بالقتال ,أما لو أمررنا العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا ,فقال عبادة بن
الصامت :يا رسول ال ,إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيا سلحهم شديدة
شوكتهم ,وإن أبرأ إل ال وإل رسوله من ولية يهود ,ول مول ل إل ال ورسوله ,فقال عبد
ال بن أب :لكن ل أبرأ من ولية يهود ,إن رجل ل بد ل منهم ,فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم «يا أبا الباب ,أرأيت الذي نفست به من ولية يهود على عبادة بن الصامت ,فهو لك
دونه» فقال :إذا أقبل ,قال :فأنزل ال {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ـ
إل قوله تعال ـ وال يعصمك من الناس}.
وقال :ممد بن إسحاق :فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال
عليه وسلم بنو قينقاع ,فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة قال :فحاصرهم رسول ال صلى ال
عليه وسلم حت نزلوا على حكمه ,فقام إليه عبد ال بن أب ابن سلول حي أمكنه ال منهم,
فقال :يا ممد أحسن ف موال وكانوا حلفاء الزرج ,قال :فأبطأ عليه رسول ال صلى ال عليه
وسلم صلى ال عليه وسلم ,فقال :يا ممد أحسن ف موال ,قال :فأعرض عنه .قال :فأدخل يده
ف جيب درع رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم ,فقال له رسول ال صلى ال
عليه وسلم «أرسلن» ,وغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل ,ث قال
«ويك أرسلن» قال :ل وال ل أرسلك حت تسن ف موال أربعمائة حاسر ,وثلثائة دارع,
قد منعون من الحر والسود ,تصدن ف غداة واحدة إن امرؤ أخشى الدوائر ,قال :فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم «هم لك» قال ممد بن إسحاق :فحدثن أبو إسحاق بن يسار
عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ,قال :لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه
وسلم تشبث بأمرهم عبد ال بن أب ,وقام دونم ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى
ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف بن الزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب,
فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم ,وتبأ إل ال ورسوله من
حلفهم ,وقال :يا رسول ال ,أبرأ إل ال وإل رسوله من حلفهم ,وأتول ال ورسوله والؤمني,
وأبرأ من حلف الكفار ,ووليتهم ,ففيه وف عبد ال بن أب نزلت الَيات ف الائدة {يا أيها
149
الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم ـ إل قوله ـ ومن يتول ال ورسوله
والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون}.
وقال المام أحد :حدثنا قتيبة بن سعيد ,حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة عن ممد بن
إسحاق ,عن الزهري ,عن عروة ,عن أسامة بن زيد قال :دخلت مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم على عبد ال بن أب نعوده ,فقال له النب صلى ال عليه وسلم «قد كنت أناك عن حب
يهود» فقال عبد ال :فقد أبغضهم أسعد بن زراة فمات ,وكذا رواه أبو داود من حديث ممد
بن إسحاق.
وف الظلل :
(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء .بعضهم أولياء بعض .ومن يتولم منكم فإنه
منهم .إن ال ل يهدي القوم الظالي .فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ,يقولون:نشى
أن تصيبنا دائرة .فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم
نادمي:ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت أعمالم ,
فأصبحوا خاسرين) . .
ويسن أن نبي أول معن الولية الت ينهى ال الذين آمنوا أن تكون بينهم وبي اليهود والنصارى . .
إنا تعن التناصر والتحالف معهم .ول تتعلق بعن اتباعهم ف دينهم .فبعيد جدا أن يكون بي
السلمي من ييل إل اتباع اليهود والنصارى ف الدين .إنا هو ولء التحالف والتناصر ,الذي كان
يلتبس على السلمي أمره ,فيحسبون أنه جائز لم ,بكم ما كان واقعا من تشابك الصال
والواصر ,ومن قيام هذا الولء بينهم وبي جاعات من اليهود قبل السلم ,وف أوائل العهد بقيام
السلم ف الدينة ,حت ناهم ال عنه وأمر بإبطاله .بعد ما تبي عدم إمكان قيام الولء والتحالف
والتناصر بي السلمي واليهود ف الدينة . .
وهذا العن معروف مدد ف التعبيات القرآنية .وقد جاء ف صدد الكلم عن العلقة بي السلمي ف
الدينة والسلمي الذين ل يهاجروا إل دار السلم:فقال ال سبحانه( :ما لكم من وليتهم من شيء
حت يهاجروا) . .وطبيعي أن القصود هنا ليس الولية ف الدين .فالسلم ول السلم ف الدين على
كل حال .إنا القصود هو ولية التناصر والتعاون .فهي الت ل تقوم بي السلمي ف دار السلم
والسلمي الذين ل يهاجروا إليهم . .وهذا اللون من الولية هو الذي تنع هذه اليات أن يقوم بي
الذين آمنوا وبي اليهود والنصارى بال ,بعد ما كان قائما بينهم أول العهد ف الدينة .
إن ساحة السلم مع أهل الكتاب شيء ,واتاذهم أولياء شيء آخر ,ولكنهما يتلطان على بعض
السلمي ,الذين ل تتضح ف نفوسهم الرؤية الكاملة لقيقة هذا الدين ووظيفته ,بوصفه حركة
منهجية واقعية ,تتجه إل إنشاء واقع ف الرض ,وفق التصور السلمي الذي يتلف ف طبيعته عن
150
سائر التصورات الت تعرفها البشرية ; وتصطدم -من ث -بالتصورات والوضاع الخالفة ,كما
تصطدم بشهوات الناس وانرافهم وفسوقهم عن منهج ال ,وتدخل ف معركة ل حيلة فيها ,ول بد
منها ,لنشاء ذلك الواقع الديد الذي تريده ,وتتحرك إليه حركة إيابية فاعلة منشئة . .
وهؤلء الذين تتلط عليهم تلك القيقة ينقصهم الس النقي بقيقة العقيدة ,كما ينقصهم الوعي
الذكي لطبيعة العركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها ; ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة
الصرية فيها ,فيخلطون بي دعوة السلم إل السماحة ف معاملة أهل الكتاب والب بم ف الجتمع
السلم الذي يعيشون فيه مكفول القوق ,وبي الولء الذي ل يكون إل ل ورسوله وللجماعة
السلمة .ناسي ما يقرره القرآن الكري من أن أهل الكتاب . .بعضهم أولياء بعض ف حرب
الماعة السلمة . .وأن هذا شأن ثابت لم ,وأنم ينقمون من السلم إسلمه ,وأنم لن يرضوا عن
السلم إل أن يترك دينه ويتبع دينهم .وأنم مصرون على الرب للسلم وللجماعة السلمة .وأنم
قد بدت البغضاء من أفواهم وما تفي صدورهم أكب . .إل آخر هذه التقريرات الاسة .
إن السلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ,ولكنه منهي عن الولء لم بعن التناصر والتحالف
معهم .وإن طريقه لتمكي دينه وتقيق نظامه التفرد ل يكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب ,
ومهما أبدى لم من السماحة والودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتقيق نظامه ,
ولن يكفهم عن موالة بعضه لبعض ف حربه والكيد له . .
وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ,أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكي للدين !
أمام الكفار واللحدين ! فهم مع الكفار واللحدين ,إذا كانت العركة مع السلمي !!!
وهذه القائق الواعية يغفل عنها السذج منا ف هذا الزمان وف كل زمان ; حي يفهمون أننا نستطيع
أن نضع أيدينا ف أيدي أهل الكتاب ف الرض للوقوف ف وجه الادية واللاد -بوصفنا جيعا أهل
دين ! -ناسي تعليم القرآن كله ; وناسي تعليم التاريخ كله .فأهل الكتاب هؤلء هم الذين كانوا
يقولون للذين كفروا من الشركي( :هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا) . .وأهل الكتاب هؤلء
هم الذين ألبوا الشركي على الماعة السلمة ف الدينة ,وكانوا لم درعا وردءا .وأهل الكتاب هم
الذين شنوا الروب الصليبية خلل مائت عام ,وهم الذين ارتكبوا فظائع الندلس ,وهم الذي
شردوا العرب السلمي ف فلسطي ,وأحلوا اليهود ملهم ,متعاوني ف هذا مع اللاد والادية !
وأهل الكتاب هؤلء هم الذين يشردون السلمي ف كل مكان . .ف البشة والصومال واريتريا
والزائر ,ويتعاونون ف هذا التشريد مع اللاد والادية والوثنية ,ف يوغسلفيا والصي والتركستان
والند ,وف كل مكان !
ث يظهر بيننا من يظن -ف بعد كامل عن تقريرات القرآن الازمة -أنه يكن أن يقوم بيننا وبي
أهل الكتاب هؤلء ولء وتناصر .ندفع به الادية اللادية عن الدين !
151
إن هؤلء ل يقرأون القرآن .وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة الت هي طابع السلم ;
فظنوها دعوة الولء الذي يذر منه القرآن .
إن هؤلء ل يعيش السلم ف حسهم ,ل بوصفه عقيدة ل يقبل ال من الناس غيها ,ول بوصفه
حركة إيابية تستهدف إنشاء واقع جديد ف الرض ; تقف ف وجه عداوات أهل الكتاب اليوم ,
كما وقفت له بالمس .الوقف الذي ل يكن تبديله .لنه الوقف الطبيعي الوحيد !
وندع هؤلء ف إغفالم أو غفلتهم عن التوجيه القرآن ,لنعي نن هذا التوجيه القرآن الصريح:
(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض . .ومن يتولم منكم
فإنه منهم .إن ال ل يهدي القوم الظالي) . .
هذا النداء موجه إل الماعة السلمة ف الدينة -ولكنه ف الوقت ذاته موجه لكل جاعة مسلمة تقوم
ف أي ركن من أركان الرض إل يوم القيامة . .موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة :الذين
آمنوا . .
ولقد كانت الناسبة الاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ,أن الفاصلة ل تكن كاملة ول
حاسة بي بعض السلمي ف الدينه وبعض أهل الكتاب -وباصه اليهود -فقد كانت هناك
علقات ولء وحلف ,وعلقات اقتصاد وتعامل ,وعلقات جيه وصحبه . .وكان هذا كله
طبيعيا مع الوضع التاريي والقتصادي والجتماعي ف الدينة قبل السلم ,بي أهل الدينة من
العرب وبي اليهود بصفة خاصة . .وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم ف الكيد لذا
الدين وأهله ; بكل صنوف الكيد الت عددتا وكشفتها النصوص القرآنية الكثية ; والت سبق
استعراض بعضها ف الجزاء المسة الاضية من هذه الظلل ; والت يتول هذا الدرس وصف بعضها
كذلك ف هذه النصوص .
ونزل القرآن ليبث الوعي اللزم للمسلم ف العركة الت يوضها بعقيدته ,لتحقيق منهجه الديد ف
واقع الياة .ولينشى ء ف ضمي السلم تلك الفاصلة الكاملة بينه وبي كل من ل ينتمي إل الماعة
السلمة ول يقف تت رايتها الاصة .الفاصلة الت ل تنهي السماحة اللقية .فهذه صفة السلم
دائما .ولكنها تنهي الولء الذي ل يكون ف قلب السلم إل ل ورسوله والذين آمنوا . .الوعي
والفاصلة اللذان ل بد منهما للمسلم ف كل أرض وف كل جيل .
(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض .ومن يتولم منكم
فإنه منهم ,إن ال ل يهدي القوم الظالي) .
بعضهم أولياء بعض . .إنا حقيقة ل علقة لا بالزمن . .لنا حقيقة نابعة من طبيعة الشياء . .
إنم لن يكونوا أولياء للجماعة السلمة ف أي أرض ول ف أي تاريخ . .وقد مضت القرون تلو
القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . .لقد ول بعضهم بعضا ف حرب ممد صلى ال عليه
152
وسلم والماعة السلمة ف الدينة وول بعضهم بعضا ف كل فجاج الرض ,على مدار التاريخ . .
ول تتل هذه القاعدة مرة واحدة ; ول يقع ف هذه الرض إل ما قرره القرآن الكري ,ف صيغة
الوصف الدائم ,ل الادث الفرد . .واختيار الملة السية على هذا النحو . .بعضهم أولياء بعض
. .ليست مرد تعبي ! إنا هي اختيار مقصود للدللة على الوصف الدائم الصيل !
ث رتب على هذه القيقة الساسية نتائجها . .فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض
فإنه ل يتولهم إل من هو منهم .والفرد الذي يتولهم من الصف السلم ,يلع نفسه من الصف
ويلع عن نفسه صفة هذا الصف "السلم" وينضم إل الصف الخر .لن هذه هي النتيجة الطبيعية
الواقعية:
(ومن يتولم منكم فإنه منهم) . .
وكان ظالا لنفسه ولدين ال وللجماعة السلمة . .وبسبب من ظلمه هذا يدخله ال ف زمرة اليهود
والنصارى الذين أعطاهم ولءه .ول يهديه إل الق ول يرده إل الصف السلم:
(إن ال ل يهدي القوم الظالي) . .
لقد كان هذا تذيرا عنيفا للجماعة السلمة ف الدينة .ولكنه تذير ليس مبالعا فيه .فهو عنيف .
نعم ; ولكنه يثل القيقة الواقعة .فما يكن أن ينح السلم ولءه لليهود والنصارى -وبعضهم أولياء
بعض -ث يبقى له إسلمه وإيانه ,وتبقى له عضويته ف الصف السلم ,الذين يتول ال ورسوله
والذين آمنوا . .فهذا مفرق الطريق . .
وما يكن أن يتميع حسم السلم ف الفاصلة الكاملة بينة وبي كل من ينهج غي منهج السلم ; وبينه
وبي كل من يرفع راية غي راية السلم ; ث يكون ف وسعه بعد ذلك أن يعمل عمل ذا قيمة ف
الركة السلميةالضخمة الت تستهدف -أول ما تستهدف -إقامة نظام واقعي ف الرض فريد ;
يتلف عن كل النظمة الخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الخرى . .
إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم ,الذي ل أرجحة فيه ول تردد ,بأن دينه هو الدين الوحيد
الذي يقبله ال من الناس -بعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه ال أن يقيم
الياة عليه ,منهج متفرد ; ل نظي له بي سائر الناهج ; ول يكن الستغناء عنه بنهج آخر ; ول
يكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ول تصلح الياة البشرية ول تستقيم إل أن تقوم على هذا النهج
وحده دون سواه ; ول يعفيه ال ول يغفر له ول يقبله إل إذا هو بذل جهد طاقته ف إقامة هذا النهج
بكل جوانبه:العتقادية والجتماعية ; ل يأل ف ذلك جهدا ,ول يقبل من منهجه بديل -ول ف
جزء منه صغي -ول يلط بينه وبي أي منهج آخر ف تصور اعتقادي ,ول ف نظام اجتماعي ,ول
ف أحكام تشريعية ,إل ما استبقاه ال ف هذا النهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب . .
153
إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم بذا كله هو -وحده -الذي يدفعه للضطلع بعبء
النهوض بتحقيق منهج ال الذي رضيه للناس ; ف وجه العقبات الشاقة ,والتكاليف الضنية ,
والقاومة العنيدة ,والكيد الناصب ,والل الذي يكاد ياوز الطاقة ف كثي من الحيان . .وإل فما
العناء ف أمر يغن عنه غيه -ما هو قائم ف الرض من جاهلية . .سواء كانت هذه الاهلية مثلة
ف وثنية الشرك ,أو ف انراف أهل الكتاب ,أو ف اللاد السافر . .بل ما العناء ف إقامة النهج
السلمي ,إذا كانت الفوارق بينه وبي مناهج أهل الكتاب أو غيهم قليلة ; يكن اللتقاء عليها
بالصالة والهادنة ?
إن الذين ياولون تييع هذه الفاصلة الاسة ,باسم التسامح والتقريب بي أهل الديان السماوية ,
يطئون فهم معن الديان كما يطئون فهم معن التسامح .فالدين هو الدين الخي وحده عند ال .
والتسامح يكون ف العاملت الشخصية ,ل ف التصور العتقادي ول ف النظام الجتماعي . .إنم
ياولون تييع اليقي الازم ف نفس السلم بأن ال ل يقبل دينا إل السلم ,وبأن عليه أن يقق منهج
ال المثل ف السلم ول يقبل دونه بديل ; ول يقبل فيه تعديل -ولو طفيفا -هذا اليقي الذي
ينشئه القرآن الكري وهو يقرر( :إن الدين عند ال السلم) ( . .ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل
منه) ( . .واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك) ( . .يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء . .بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم) . .وف القرآن كلمة الفصل .
.ول على السلم من تيع التميعي وتييعهم لذا اليقي !
ويصور السياق القرآن تلك الالة الت كانت واقعة ; والت ينل القرآن من أجلها بذا التحذير:
(فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ,يقولون نشى أن تصيبنا دائرة) . .
روى ابن جرير ,قال:حدثنا أبو كريب ,حدثنا إدريس ,قال:سعت أب ,عن عطية بن سعد .
قال:جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
يا رسول ال .إن ل موال من يهود كثي عددهم ; وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود ,
وأتول ال ورسوله .فقال عبد ال بن أب [ رأس النفاق ]:إن رجل أخاف الدوائر .ل أبرأ من ولية
موال .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب ":يا أبا الباب .ما بلت به من ولية
يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه " ! قال:قد قبلت ! فأنزل ال عز وجل( :يا أيها الذين
آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) . . .
وقال ابن جرير " .حدثنا هناد ,حدثنا يونس بن بكي ,حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن الزهري ,
قال:لا انزم أهل بدر قال السلمون لوليائهم من اليهود:أسلموا قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم
بدر .فقال مالك بن الصيف:أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ,ل علم لم بالقتال ? أما لو أصررنا
العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا .فقال عبادة بن الصامت:يا رسول ال إن
154
أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ,كثيا سلحهم ,شديدة شوكتهم .وإن أبرأ إل ال
ورسوله من ولية يهود ,ول مول ل إل ال ورسوله .فقال عبد ال بن أب:لكن ل أبرأ من ولية
يهود .إن رجل ل بد ل منهم .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":يا أبا الباب أرأيت الذي
نفست به من ولية يهود على عبادة ابن الصامت ? فهو لك دونه ! " فقال:إذن أقبل . .
قال ممد بن إسحق:فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال عليه
وسلم بنو قينقاع .فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة .قال:فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
حت نزلوا على حكمه .فقام إليه عبدال بن أب بن سلول -حي أمكنة ال منهم -فقال:يا ممد
أحسن ف موال -وكانوا حلفاء الزرج -قال:فأبطأ عليه رسول ال -صلى ال عليه وعلى آله
وسلم -فقال:يا ممد أحسن ف موال .قال:فأعرض عنه .قال:فأدخل يده ف جيب درع رسول
ال صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ":أرسلن " وغضب رسول ال صلى
ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل .ث قال ":ويك ! أرسلن " .قال:ل وال ل أرسلك حت
تسن ف موال .أربعمائة حاسر ,وثلثائه دارع ,قد منعون من الحر والسود ,تصدهم ف
غداة واحدة ? إن امرؤ أخشى الدوائر .قال .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":هم لك " . .
قال ممد بن إسحق:فحدثن أب إسحق بن يسار ,عن عبادة ,عن الوليد بن عبادة بن الصامت ,
قال:لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدال بن أب وقام دونم ;
ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف بن الزرج .له
من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وتبأ إل ال
ورسوله من حلفهم ,وقال:يا رسول ال أبرأ إل ال ورسوله من حلفهم ,وأتول ال ورسوله
والؤمني ,وأبرأ من حلف الكفار ووليتهم .ففيه وف عبدال بن أب نزلت الية ف الائدة( :يا أيها
الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ,بعضهم أولياء بعض) إل قوله(:ومن يتول ال
ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون) . .
وقال المام أحد:حدثنا قتيبة بن سعيد ,حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة ,عن ممد بن إسحاق ,
عن الزهري ,عن عودة ,عن أسامة بن زيد ,قال":دخلت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على
عبدال بن أب نعوده ,فقال له النب صلى ال عليه وسلم " قد كنت أناك عن حب يهود " فقال
عبدال:فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات [ . .وأخرجه أبو داود من حديث ممد بن إسحق ]
فهذه الخبار ف مموعها تشي إل تلك الالة الت كانت واقعة ف الجتمع السلم ; والتخلفة عن
الوضاع الت كانت قائمة ف الدينة قبل السلم ; وكذلك عن التصورات الت ل تكن قد حسمت
ف قضية العلقات الت يكن أن تقوم بي الماعة السلمة واليهود والت ل يكن أن تقوم . .غي أن
الذي يلفت النظر أنا كلها تتحدث عن اليهود ,ول يى ء ذكر ف الوقائع للنصارى . .ولكن
155
النص يمل اليهود والنصارى . .ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلقة دائمة وأوضاع دائمة بي
الماعة السلمة وسائر الماعات الخرى ,سواء من أهل الكتاب أو من الشركي [ كما سيجيء
ف سياق هذا الدرس ] . .ومع اختلف مواقف اليهود من السلمي عن مواقف النصارى ف جلتها
ف العهد النبوي ,ومع إشارة القرآن الكري ف موضع آخر من السورة إل هذا الختلف ف قوله
تعال :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ,ولتجدن أقربم مودة للذين
آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى . . .ال . .مع هذا الختلف الذي كان يومذاك ,فإن النص هنا
يسوي بي اليهود والنصارى -كما يسوي النص القادم بينهم جيعا وبي الكفار . .فيما يتص
بقضية الحالفة والولء .ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة .هي:أن ليس للمسلم
ولء ول حلف إل مع السلم ; وليس للمسلم ولء إل ل ولرسوله وللجماعة السلمة . .ويستوي
بعد ذلك كل الفرق ف هذا المر . .مهما اختلفت مواقفهم من السلمي ف بعض الظروف . .
على أن ال -سبحانه -وهو يضع للجماعة السلمة هذه القاعدة العامة الازمة الصارمة ,كان
علمه يتناول الزمان كله ,ل تلك الفترة الاصة من حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وملبساتا
الوقوتة . .وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لذا الدين وللجماعة السلمة ف
معظم بقاع الرض ل يكن أقل من عداء اليهود . .وإذا نن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى
مصر ف حسن استقبال السلم ,فإننا ند الرقعة النصرانية ف الغرب ,قد حلت للسلم ف تاريها
كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن ,وشنت عليه من الرب والكيد ,ما ل يفترق عن
حرب اليهود وكيدهم ف أي زمان ! حت البشة الت أحسن عاهلها استقبال الهاجرين السلمي
واستقبال السلم ,عادت فإذا هي أشد حربا على السلم والسلمي من كل أحد ; ل ياريها ف
هذا إل اليهود . .
وكان ال -سبحانه -يعلم المر كله .فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة .بغض النظر عن واقع
الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها وملبساتا الوقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها ف بعض
الحيان هنا وهناك إل آخر الزمان .
وما يزال السلم والذين يتصفون به -ولو أنم ليسوا من السلم ف شيء -يلقون من عنت
الرب الشبوبة عليهم وعلى عقيدتم من اليهود والنصارى ف كل مكان على سطح الرض ,ما
يصدق قول ال تعال:
(بعضهم أولياء بعض) . .وما يتم أن يتدرع السلمون الواعون بنصيحة ربم لم .بل بأمره الازم
,ونيه القاطع ; وقضائه الاسم ف الفاصلة الكاملة بي أولياء ال ورسوله ,وكل معسكر آخر ل
يرفع راية ال ورسوله . .
156
إن السلم يكلف السلم أن يقيم علقاته بالناس جيعا على أساس العقيدة .فالولء والعداء ل
يكونان ف تصور السلم وف حركته على السواء إل ف العقيدة . .ومن ث ل يكن أن يقوم الولء -
وهو التناصر -بي السلم وغي السلم ; إذ أنما ل يكن أن يتناصرا ف مال العقيدة . .ول حت
أمام اللاد مثل -كما يتصور بعض السذج منا وبعض من ل يقرأون القرآن ! -وكيف يتناصران
وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?
إن بعض من ل يقرأون القرآن ,ول يعرفون حقيقة السلم ; وبعض الخدوعي أيضا . .يتصورون
أن الدين كله دين ! كما أن اللاد كله إلاد ! وأنه يكن إذن أن يقف "التدين" بملته ف وجه
اللاد .لن اللاد ينكر الدين كله ,ويارب التدين على الطلق . .
ولكن المر ليس كذلك ف التصور السلمي ; ول ف حس السلم الذي يتذوق السلم .ول
يتذوقالسلم إل من يأخذه عقيدة ,وحركة بذه العقيدة ,لقامة النظام السلمي .
إن المر ف التصور السلمي وف حس السلم واضح مدد . .الدين هو السلم . .وليس هناك
دين غيه يعترف به السلم . .لن ال -سبحانه -يقول هذا .يقول( :إن الدين عند ال السلم)
. .ويقول( :ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل منه) . .وبعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم ل
يعد هناك دين يرضاه ال ويقبله من أحد إل هذا "السلم" . .ف صورته الت جاء با ممد صلى ال
عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة ممد من النصارى ل يعد الن يقبل .كما أن ما كان يقبل من
اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلم ,ل يعد يقبل منهم بعد بعثته . .
ووجود يهود ونصارى -من أهل الكتاب -بعد بعثه ممد صلى ال عليه وسلم -ليس معناه أن ال
يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لم بأنم على دين إلي . .لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول
الخي . .أما بعد بعثته فل دين -ف التصور السلمي وف حس السلم -إل السلم . .وهذا ما
ينص عليه القرآن نصا غي قابل للتأويل . .
إن السلم ل يكرههم على ترك معتقداتم واعتناق السلم . .لنه (ل إكراه ف الدين) ولكن هذا
ليس معناه أنه يعترف با هم عليه "دينا ويراهم على دين" . .
ومن ث فليس هناك جبهه تدين يقف معها السلم ف وجه اللاد ! هناك "دين" هو السلم . .
وهناك "ل دين" هو غي السلم . .ث يكون هذا اللدين . .عقيدة أصلها ساوي ولكنها مرفه ,
أو عقيده أصلها وثن باقيه على وثنيتها .أو إلادا ينكر الديان . .تتلف فيما بينها كلها . .
ولكنها تتلف كلها مع السلم .ول حلف بينها وبي السلم ول ولء . .
والسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم -كما سبق -ما ل يؤذوه
ف الدين ; ويباح له أن يتزوج الحصنات منهن -على خلف فقهي فيمن تعتقد بألوهية السيح أو
بنوته ,وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تل أم مشركة ترم -وحت مع الخذ ببدأ تليل النكاح
157
عامه . .فإن حسن العامله وجواز النكاح ,ليس معناها الولء والتناصر ف الدين ; وليس معناها
اعتراف السلم بأن دين أهل الكتاب -بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين يقبله ال ;
ويستطيع السلم أن يقف معه ف جبهه واحدة لقاومة اللاد !
إن السلم قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات الشركي والوثنيي
سواء .
ودعاهم إل السلم جيعا ,لن هذا هو "الدين" الذي ل يقبل ال غيه من الناس جيعا .ولا فهم
اليهود أنم غي مدعوين إل السلم ,وكب عليهم أن يدعوا إليه ,جابهم القرآن الكري بأن ال
يدعوهم إل السلم ,فإن تولوا عنه فهم كافرون !
والسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إل السلم ,كما يدعو اللحدين والوثنيي سواء .وهو غي
مأذون ف أن يكره أحدا من هؤلء ول هؤلء على السلم .لن العقائد ل تنشأ ف الضمائر
بالكراه .فالكراه ف الدين فوق أنه منهي عنه ,هو كذلك ل ثره له .
ول يستقيم أن يعترف السلم بأن ما عليه أهل الكتاب -بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين
يقبله ال . .ث يدعوهم مع ذلك إل السلم ! . .إنه ل يكون مكلفا بدعوتم إل السلم إل على
أساس واحد ; هو أنه ل يعترف بأن ما هم عليه دين .وأنه يدعوهم إل الدين .
وإذا تقررت هذه البديهيه ,فإنه ل يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل ف ولء أو تناصر للتمكي
للدين ف الرض ,مع من ل يدين بالسلم .
إن هذه القضيه ف السلم قضيه اعتقاديه إيانيه .كما أنا قضيه تنظيميه حركيه !
من ناحيه أنا قضيه إيانيه اعتقاديه نسب أن المر قد صار واضحا بذا البيان اذي أسلفناه ,
وبالرجوع إل النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولء بي السلمي وأهل الكتاب .
ومن ناحية أنا قضية تنظيمية حركية المر واضح كذلك . .فإذا كان سعي الؤمن كله ينبغي أن
يتجه إل إقامة منهج ال ف الياة -وهو النهج الذي ينص عليه السلم كما جاء به ممد صلى ال
عليه وسلم بكل تفصيلت وجوانب هذا النهج ,وهي تشمل كل نشاط النسان ف الياة . .
فكيف يكن إذن أن يتعاون السلم ف هذا السعي مع من ل يؤمن بالسلم دينا ومنهجا ونظاما
وشريعة ; ومن يتجه ف سعيه إل أهداف أخرى -إن ل تكن معادية للسلم وأهدافه فهي على
القل ليست أهداف السلم -إذ السلم ل يعترف بدف ول عمل ل يقوم على أساس العقيدة
مهما بدا ف ذاته صالا ( -والذين كفروا أعمالم كرماد اشتدت به الريح ف يوم عاصف) . .
والسلم يكلف السلم أن يلص سعيه كله للسلم . .ول يتصور إمكان انفصال أية جزئية ف
السعي اليومي ف حياة السلم عن السلم . .ل يتصور إمكان هذا إل من ل يعرف طبيعة السلم
وطبيعة النهج السلمي . .ول يتصور أن هناك جوانب ف الياة خارجة عن هذا النهج يكن
158
التعاون فيها مع من يعادي السلم ,أو ل يرضى من السلم إل أن يترك إسلمه ,كما نص ال ف
كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من السلم ليضوا عنه ! . .إن هناك استحالة اعتقادية كما أن
هناك استحالة عملية على السواء . .
ولقد كان اعتذار عبدال بن أب بن سلول ,وهو من الذين ف قلوبم مرض ,عن مسارعته واجتهاده
ف الولء ليهود ,والستمساك بلفه معها ,هي قوله:إنن رجل أخشى الدوائر ! إن أخشى أن تدور
علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة ,وأن تنل بنا الضائقة . .وهذه الجة هي علمة مرض القلب
وضعف اليان . .فالول هو ال ; والناصر هو ال ; والستنصار بغيه ضللة ,كما أنه عبث ل ثرة
له . .ولكن حجة ابن سلول ,هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل
منافق مريض القلب ,ل يدرك حقيقة اليان . .وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولء يهود
بعد ما بدا منهم ما بدا .لنه قلب مؤمن فخلع ولء اليهود وقذف به ,حيث تلقاه وضم عليه صدره
وعض عليه بالنواجذ عبدال بن أب بن سلول !
إنما نجان متلفان ,ناشئان عن تصورين متلفي ,وعن شعورين متبايني ,ومثل هذا الختلف
قائم على مدار الزمان بي قلب مؤمن وقلب ل يعرف اليان !
ويهدد القرآن الستنصرين بأعداء دينهم ,التألبي عليهم ,النافقي الذين ل يلصون ل اعتقادهم ول
ولءهم ول اعتمادهم . .يهددهم برجاء الفتح أو أمر ال الذي يفصل ف الوقف ; أو يكشف
الستور من النفاق .
(فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده ,فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي) .
وعندئذ -عند الفتح -سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بعن الفصل أو عند ميء أمر ال -
يندم أولئك الذين ف قلوبم مرض ,على السارعة والجتهاد ف ولء اليهود والنصارى وعلى النفاق
الذي انكشف أمره ,وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال النافقي ,ويستنكرون ما كانوا فيه من
النفاق وما صاروا إليه من السران !
(ويقول الذين آمنوا:أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت أعمالم ,فأصبحوا
خاسرين !) . .
ولقد جاء ال بالفتح يوما ,وتكشفت نوايا ,وحبطت أعمال ,وخسرت فئات .ونن على وعد
من ال قائم بأن ييء الفتح ,كلما استمسكنا بعروة ال وحده ; وكلما أخلصنا الولء ل وحده .
وكلما وعينا منهج ال ,وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا .وكلما تركنا ف العركة على هدى ال
وتوجيهه .فلم نتخذ لنا وليا إل ال ورسوله والذين آمنوا . .
159
(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتذوا دينكم هزوا ولعبا -من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم
والكفار -أولياء ,واتقوا ال إن كنتم مؤمني .وإذا ناديتم إل الصلة اتذوها هزوا ولعبا .ذلك
بأنم قوم ل يعقلون) . .
وهي ملبسة مثية لكل من له حية الؤمن ; الذي ل يرى لنفسه كرامة إذا أهي دينه ,وأهينت
عبادته ,وأهينت صلته ,واتذ موقفه بي يدي ربه مادة للهزء واللعب . .فكيف يقوم ولء بي
الذين آمنوا وبي أحد من هؤلء الذين يرتكبون هذه الفعلة ; ويرتكبونا لنقص ف عقولم .فما
يستهزى ء بدين ال وعبادة الؤمني به ,إنسان سوي العقل ; فالعقل -حي يصح ويستقيم -يرى
ف كل شيء من حوله موحيات اليان بال .
وحي يتل وينحرف ل يرى هذه الوحيات ,لنه حينئذ تفسد العلقات بينه وبي هذا الوجود كله
.فالوجود كله يوحي بأن له إلا يستحق العبادة والتعظيم .والعقل حي يصح ويستقيم يستشعر
جال العبادة لله الكون وجللا كذلك ,فل يتخذها هزوا ولعبا وهو صحيح مستقيم .
ولقد كان هذا الستهزاء واللعب يقع من الكفار ,كما كان يقع من اليهود خاصة من أهل الكتاب
,ف الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها على قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم للجماعة
السلمة ف ذلك الي .ول نعرف من السية أن هذا كان يقع من النصارى . .ولكن ال -سبحانه
-كان يضع للجماعة السلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتا الدائمة .وكان ال -سبحانه -
يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال السلمي .وها نن أولء رأينا ونرى أن أعداء هذا
الدين وأعداء الماعة السلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا:إنم نصارى كانوا أكثر
عددا من اليهود ومن الكفار متمعي ! فهؤلء -كهؤلء -قد ناصبوا السلم العداء ,وترصدوه
القرون تلو القرون ,وحاربوه حربا ل هوادة فيها منذ أن اصطدم السلم بالدولة الرومانية على عهد
أب بكر وعمر -رضي ال عنهما -حت كانت الروب الصليبية ; ث كانت "السألة الشرقية " الت
تكتلت فيها الدول الصليبية ف أرجاء الرض للجهاز على اللفة ; ث كان الستعمار الذي يفي
الصليبية بي أضلعه فتبدو ف فلتات لسانه ; ث كان التبشي الذي مهد للستعمار وسانده ; ث كانت
وما تزال تلك الرب الشبوبة على كل طلئع البعث السلمي ف أي مكان ف الرض . .وكلها
حلت يشترك فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون . .
وهذا القرآن جاء ليكون كتاب المة السلمة ف حياتا إل يوم القيامة .الكتاب الذي يبن تصورها
العتقادي ,كما يبن نظامها الجتماعي ,كما يبن خطتها الركية . .سواء . .وها هو ذا يعلمها
أل يكون ولؤها إل ل ولرسوله وللمؤمني ; وينهاها أن يكون ولؤها لليهود والنصارى والكافرين
.ويزم ذلك الزم الاسم ف هذه القضية ,ويعرضها هذا العرض النوع الساليب .
160
إن هذا الدين يأمر أهله بالسماحة ,وبسن معاملة أهل الكتاب ; والذين قالوا:إنم نصارى منهم
خاصة . .ولكنه ينهاهم عن الولء لؤلء جيعا . .لن السماحة وحسن العاملة مسألة خلق
وسلوك .أما الولء فمسألة عقيدة ومسألة تنظيم .إن الولء هو النصرة .هو التناصر بي فريق
وفريق ; ول تناصر بي السلمي وأهل الكتاب -كما هو الشأن ف الكفار -لن التناصر ف حياة
السلم هو -كما أسلفنا -تناصر ف الدين ; وف الهاد لقامة منهجه ونظامه ف حياة الناس ; ففيم
يكون التناصر ف هذا بي السلم وغي السلم .وكيف يكون ?!
إنا قضية جازمة حاسة ل تقبل التميع ,ول يقبل ال فيها إل الد الصارم ; الد الذي يليق بالسلم
ف شأن الدين . .
161
قد قبلت فزوجها زيد بن حارثة رضي ال عنه يعن وال أعلم بعد فراقه زينب فسخطت هي
وأخوها وقال إنا أردنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فزوجنا عبده قال فنل القرآن ( وما كان
لؤمن إذا قضى ال ورسوله أمرا ) ل آخر الية قال وجاء أمر أجع من هذا ( النب أول بالؤمني
من أنفسهم ) ال فذاك خاص وهذا أجع وقال المام أحد ' ' 3/136حدثنا عبد الرزاق أخبنا
معمر عن ثابت البنان عن أنس رضي ال عنه قال خطب النب صلى ال عليه وسلم على جليبيب
امرأة من النصار إل أبيها فقال حت أستأمر أمها فقال النب صلى ال عليه وسلم فنعم إذا قال
فانطلق الرجل إل امرأتفذكر ذلك لا فقالت لها ال ذا ما وجد رسول ال صلى ال عليه وعلى
آله وسلم إل جليبيبا وقد منعناها من فلن وفلن قال والارية ف سترها تسمع قال فانطلق
الرجل يريد أن يب رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك فقالت الارية أتريدون أن تردوا على
رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه قال فأنكحها جلت عن
أبويها وقال صدقت فذهب أبوها إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال إن كنت رضيته فقد
رضيناه قال صلى ال عليه وسلم فإن قد رضيته قال فزوجها ث فزع أهل الدينة فركب جليبيب
فوجدوه قد قتل وحوله ناس من الشركي قد قتلهم أنس رضي ال عنه فلقد رأيتها وإنا لن انفق
بيت بالدينة وقال المام أحد ' ' 4/422حدثنا عفان حدثنا حاد يعن ابن سلمة عن ثابت عن
كنانة بن نعيم العدوي عن أب برزة السلمي قال إن جليبيبا كان امرأ يدخل على النساء ير بن
ويلعبهن فقلت لمرأت ل تدخلن عليكن جليبيبا فإنه إن دخل عليكن لفعلن ولفعلن قالت
وكانت النصار إذا كان لحدهم أي ل يزوجها حت يعلم هل للنب صلى ال عليه وسلم فيها
حاجة أم ل فقال النب صلى ال عليه وسلم لرجل من النصار زوجن ابنتك قال نعم وكرامة يا
رسول ال ونعمة عي فقال صلى ال عليه وسلم إن لست أريدها لنفسي قال فلمن يا رسول ال
قال صلى ال عليه وسلم لليبيب فقال يا رسول ال أشاور أمها فأتى أمها فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم يطب ابنتك فقالت نعم ونعمة عي فقال إنه ليسيخطبها لنفسه إنا يطبها
لليبيب قالت أجليبيب ابنه أجليبيب ابنه ل لعمر ال ل نزوجه فلما أراد أن يقوم ليأت رسول ال
صلى ال عليه وسلم فيخبه با قالت أمها قالت الارية من خطبن إليكم فأخبتا أمها قالت
أتردون على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره ادفعون إليه فإنه ل يضيعن فانطلق أبوها إل
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال شأنك با فزوجها جليبيبا قال فخرج رسول ال صلى ال
عليه وسلم ف غزوة له فلما أفاء ال عليه قال لصحابه رضي ال عنهم هل تفقدون من أحد
قالوا نفقد فلنا ونفقد فلنا قال صلى ال عليه وسلم انظروا هل تفقدون من أحد قالوا ل قال
صلى ال عليه وسلم لكنن أفقد جليببيا قال صلى ال عليه وسلم فاطلبوه ف القتلى فطلبوه
فوجدوه إل جنب سبعة قد قتلهم ث قتلوه فقالوا يا رسول ال ها هو ذا جنب سبعة قتلهم ث
162
قتلوه فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقام عليه فقال قتل سبعة وقتلوه هذا من وأنا منه
مرتي أو ثلثة ث وضعه رسول ال صلى ال عليه وسلم على ساعديه وحفر له ماله سرير إل
ساعد النب صلى ال عليه وسلم ث وضعه ف قبه ول يذكر أنه غسله رضي ال عنه قال ثابت
رضي ال عنه فما كان ف النصار أي أنفق منها وحدث إسحاق بن عبد ال بن أب طلحة ثابتا
هل تعلم مادعا لا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال قال اللهم صب عليها صبا ولتعل
عيشها كدا وكذا كان فما كان ف النصار أي أنفق منها هكذا أورده المام أحد بطوله وأخرج
منه مسلم ' ' 2472والنسائي ف الفضائل ' صحابة ' 142قصة قتله وذكر الافظ أبو عمر بن
عبد الب ف الستيعاب ' ' 4/272أن الارية لا قالت ف خذرها أتردون على رسول ال صلى
ال عليه وسلم أمره نزلت هذه الية ( وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن
يكون لم الية من أمرهم ) قال ابن جريج أخبن عامر بن مصعب عن طاوس قال إنه سأل
ابن عباس عن ركعتي بعد العصر فنهاه وقرأ ابن عباس رضي ال عنه ( وما كان لؤمن ول مؤمنة
إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لم الية من أمرهم ) هذه الية عامة ف جيع المور وذلك
أنه إذا حكم ال ورسوله بشيء فليس لحد مالفته ول اختيار لحد ههنا ول رأي ول قول كما
قال تبارك وتعال ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم
حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما ) ف الديث والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حت يكون
هواه تبعا لا جئت به ولذا شددف خلف ذلك فقال ( ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل
مبينا ) قوله تعال ( فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )
وف الظلل :
إن كلمة الق ف العقيدة ل ينبغي أن تمجم ! إنا يب أن تبلغ كاملة فاصلة ; وليقل من شاء من
العارضي لا كيف شاء ; وليفعل من شاء من أعدائها ما يفعل ; فإن كلمة الق ف العقيدة ل تلق
الهواء ; ول تراعي مواقع الرغبات ; إنا تراعي أن تصدع حت تصل إل القلوب ف قوة وف نفاذ .
.
وكلمة الق ف العقيدة حي تصدع تصل إل مكامن القلوب الت يكمن فيها الستعداد للهدى . .
وحي تمجم ل تلي لا القلوب الت ل استعداد فيها لليان ; وهي القلوب الت قد يطمع صاحب
الدعوة ف أن تستجيب له لو داهنها ف بعض القيقة !
(إن ال ل يهدي القوم الكافرين) . .
وإذن فلتكن كلمة الق حاسة فاصلة كاملة شاملة . .والدى والضلل إنا مناطهما استعداد القلوب
وتفتحها ,ل الداهنة ول اللطفة على حساب كلمة الق أو ف كلمة الق !
163
إن القوة والسم ف إلقاء كلمة الق ف العقيدة ,ل يعن الشونة والفظاظة ; فقد أمر ال رسوله
صلى ال عليه وسلم أن يدعو إل سبيل ربه بالكمة والوعظة السنة -وليس هنالك تعارض ول
اختلف بي التوجيهات القرآنية التعددة -والكمة والوعظة السنة ل تافيان السم والفصل ف
بيان كلمة الق .فالوسيلة والطريقة إل التبليغ شيء غي مادة التبليغ وموضوعه .والطلوب هو عدم
الداهنة ف بيان كلمة الق كاملة ف العقيدة ,وعدم اللقاء ف منتصف الطريق ف القيقة ذاتا .
فالقيقة العتقادية ليس فيها أنصاف حلول . .ومنذ اليام الول للدعوة كان الرسول صلى ال
عليه وسلم يدعو بالكمة والوعظة السنة ف طريقة التبليغ ,وكان يفاصل مفاصلة كاملة ف العقيدة
,فكان مأمورا أن يقول( :يا أيها الكافرون:ل أعبد ما تعبدون ). .فيصفهم بصفتهم ; ويفاصلهم ف
المر ,ول يقبل أنصاف اللول الت يعرضونا عليه ,ول يدهن فيدهنون ,كما يودون ! ول يقول
لم:إنه ل يطلب إليهم إل تعديلت خفيفة فيما هم عليه ,بل يقول لم:إنم على الباطل الحض ,
وإنه على الق الكامل . .فيصدع بكلمة الق عالية كاملة فاصلة ,ف أسلوب ل خشونة فيه ول
فظاظة . .
وهذا النداء ,وهذا التكليف ,ف هذه السورة:
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك -وإن ل تفعل فما بلغت رسالته -وال يعصمك من
الناس . .إن ال ل يهدي القوم الكافرين) . .
يبدو من السياق -قبل هذا النداء وبعده -أن القصود به مباشرة هو مواجهة أهل الكتاب بقيقة ما
هم عليه ,وبقيقة صفتهم الت يستحقونا با هم عليه . .ومواجهتهم بأنم ليسوا على شيء . .
ليسوا على شيء من الدين ول العقيدة ول اليان . .ذلك أنم ل يقيمون التوراة والنيل وما أنزل
إليهم من ربم .ومن ث فل شيء ما يدعونه لنفسهم من أنم أهل كتاب وأصحاب عقيدة وأتباع
دين:
(قل:يا أهل الكتاب لستم على شيء حت تقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليكم من ربكم . ). .
وحينما كلف الرسول صلى ال عليه وسلم أن يواجههم بأنم ليسوا على شيء من الدين والعقيدة
واليان . .بل ليسوا على شيء أصل يرتكن عليه ! حينما كلف الرسول صلى ال عليه وسلم
بواجهتهم هذه الواجهة الاسة الفاصلة ,كانوا يتلون كتبهم ; وكانوا يتخذون لنفسهم صفة
اليهودية أو النصرانية ; وكانوا يقولون:إنم مؤمنون . .ولكن التبليغ الذي كلف رسول ال صلى ال
عليه وسلم أن يواجههم به ,ل يعترف لم بشيء أصل ال ما كانوا يزعمون لنفسهم ,لن "الدين"
وليس كلمات تقال باللسان ; وليس كتبا تقرأ وترتل ; وليس صفة تورث وتدعى .إنا الدين منهج
حياة .منهج يشمل العقيدة الستسرة ف الضمي ,والعبادة المثلة ف الشعائر ,والعبادة الت تتمثل ف
إقامة نظام الياة كلها على أساس هذا النهج . .ولا ل يكن أهل الكتاب يقيمون الدين على قواعده
164
هذه ,فقد كلف "الرسول" صلى ال عليه وسلم أن يواجههم بأنم ليسوا على دين ; وليسوا على
شيء أصل من هذا القبيل !
وإقامة التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم ,مقتضاها الول الدخول ف دين ال الذي جاء به
ممد صلى ال عليه وسلم فقد أخذ ال عليهم اليثاق أن يؤمنوا بكل رسول ويعزروه وينصروه .
وصفة ممد وقومه عندهم ف التوراة وعندهم ف النيل -كما أخب ال وهو أصدق القائلي -فهم
ل يقيمون التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم [:سواء كان القصود بقوله( :وما أنزل إليهم من
ربم) هو القرآن -كما يقول بعض الفسرين -أو هو الكتب الخرى الت أنزلت لم كزبور داود ]
. .نقول إنم ل يقيمون التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم إل أن يدخلوا ف الدين الديد ,
الذي يصدق ما بي يديهم ويهيمن عليه . .فهم ليسوا على شيء -بشهادة ال سبحانه -حت
يدخلوا ف الدين الخي . .والرسول صلى ال عليه وسلم قد كلف أن يواجههم بذا القرار اللي ف
شأنم ; وأن يبلغهم حقيقة صفتهم وموقفهم ; وإل فما بلغ رسالة ربه . .ويا له من تديد !
وكان ال -سبحانه -يعلم أن مواجهتهم بذه القيقة الاسة ,وبذه الكلمة الفاصلة ,ستؤدي إل
أن تزيد كثيا منهم طغيانا وكفرا ,وعنادا ولاجا . .ولكن هذا ل ينع من أمر الرسول صلى ال
عليه وسلم أن يواجههم با ; وأل يأسى على ما يصيبهم من الكفر والطغيان والظلل والشرود
بسبب مواجهتهم با ; لن حكمته -سبحانه -تقتضي أن يصدع بكلمة الق ; وأن تترتب عليها
آثارها ف نفوس اللق . .فيهتدي من يهتدي عن بينة ,ويضل من يضل عن بينة ,ويهلك من هلك
عن بينة وييا من حي عن بينة:
وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ,فل تأس على القوم الكافرين . .
وكان ال -سبحانه -يرسم للداعية بذه التوجيهات منهج الدعوة ; ويطلعه على حكمة ال ف هذا
النهج ; ويسلي قلبه عما يصيب الذين ل يهتدون ,إذا هاجتهم كلمة الق فازدادوا طغيانا وكفرا ;
فهم يستحقون هذا الصي البائس ; لن قلوبم ل تطيق كلمة الق ; ول خي ف أعماقها ول صدق .
فمن حكمة ال أن تواجه بكلمة الق ; ليظهر ما كمن فيها وما بطن ; ولتجهر بالطغيان والكفر ;
ولتستحق جزاء الطغاة والكافرين !
ونعود إل قضية الولء والتناصر والتعاون بي السلمي وأهل الكتاب -على ضوء هذا التبليغ الذي
كلفه رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى ضوء نتائجه الت قدر ال أن تكون ف زيادة الكثيين
منهم طغيانا وكفرا . .فماذا ند ? . .
ند أن ال -سبحانه -يقرر أن أهل الكتاب ليسوا على شيء حت يقيموا التوراة والنيل وما أنزل
إليهم من ربم . .وحت يدخلوا ف الدين الخي تبعا لذه القامة كما هو بديهي من دعوتم إل
165
اليان بال والنب ف الواضع الخرى التعددة . .فهم إذن ل يعودوا على "دين ال" ول يعودوا أهل
"دين" يقبله ال .
وند أن مواجهتهم بذه القيقة قد علم ال أنا ستزيد الكثيين منهم طغيانا وكفرا . .ومع هذا فقد
أمر رسوله أن يواجههم با دون مواربة .ودون أسى على ما سيصيب الكثيين منها !
فإذا نن اعتبنا كلمة ال ف هذه القضية هي كلمة الفصل -كما هو الق والواقع -ل يبق هنالك
موضع لعتبار أهل الكتاب . .أهل دين . .يستطيع "السلم" أن يتناصر معهم فيه للوقوف ف وجه
اللاد واللحدين ; كما ينادي بعض الخدوعي وبعض الادعي ! فأهل الكتاب ل يقيموا التوراة
والنيل وما أنزل إليهم من ربم ; حت يعتبهم السلم (على شيء) وليس للمسلم أن يقرر غي ما
قرره ال( :وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لم الية من أمرهم) . .
وكلمة ال باقية ل تغيها اللبسات والظروف !
وإذا نن اعتبنا كلمة ال هي كلمة الفصل -كما هو الق والواقع -ل يكن لنا أن نسب حسابا
لثر الواجهة لهل الكتاب بذه القيقة ,ف هياجهم علينا ,وف اشتداد حربم لنا ,ول يكن لنا أن
ناول كسب مودتم بالعتراف لم بأنم على دين نرضاه منهم ونقرهم عليه ,ونتناصر نن وإياهم
لدفع اللاد عنه -كما ندفع اللاد عن ديننا الذي هو الدين الوحيد الذي يقبلة ال من الناس . .
إن ال -سبحانه -ل يوجهنا هذا التوجيه .ول يقبل منا هذا العتراف .ول يغفر لنا هذا التناصر
,ول التصور الذي ينبعث التناصر منه .لننا حينئذ نقرر لنفسنا غي ما يقرر ; ونتار ف أمرنا غي
ما يتار ; ونعترف بعقائد مرفة أنا "دين إلي ,يتمع معنا ف آصرة الدين اللي . .وال يقول:إنم
ليسوا على شيء ,حت يقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم . .وهم ل يفعلون !
والذين يقولون:إنم مسلمون -ول يقيمون ما أنزل إليهم من ربم -هم كأهل الكتاب هؤلء ,
ليسوا على شيء كذلك .فهذه كلمة ال عن أهل أي كتاب ل يقيمونه ف نفوسهم وف حياتم
سواء .والذي يريد أن يكون مسلما يب عليه -بعد إقامة كتاب ال ف نفسه وف حياته -أن
يواجه الذين ل يقيمونه بأنم ليسوا على شيء حت يقيموه .وأن دعواهم أنم على دين ,يردها
عليهم رب الدين .فالفاصلة ف هذا المر واجبة ; ودعوتم إل "السلم" من جديد هي واجب
"السلم" الذي أقام كتاب ال ف نفسه وف حياته .فدعوى السلم باللسان أو بالوراثة دعوى ل
تفيد إسلما ,ول تقق إيانا ,ول تعطي صاحبها صفة التدين بدين ال ,ف أي ملة ,وف أي زمان
!
وبعد أن يستجيب هؤلء أو أولئك ; ويقيموا كتاب ال ف حياتم ; يلك "السلم" أن يتناصر معهم
ف دفع غائلة اللاد واللحدين ,عن "الدين" وعن "التديني" . .فأما قبل ذلك فهو عبث ; وهو
تييع ,يقوم به خادع أو مدوع !
166
إن دين ال ليس راية ول شعارا ول وراثة ! إن دين ال حقيقة تتمثل ف الضمي وف الياة سواء .
تتمثل ف عقيدة تعمر القلب ,وشعائر تقام للتعبد ,ونظام يصرف الياة . .ول يقوم دين ال إل ف
هذا الكل التكامل ; ول يكون الناس على دين ال إل وهذا الكل التكامل متمثل ف نفوسهم وف
حياتم . .وكل اعتبارغي هذا العتبار تييع للعقيدة ,وخداع للضمي ; ل يقدم عليه "مسلم" نظيف
الضمي !
وعلى "السلم" أن يهر بذه القيقة ; ويفاصل الناس كلهم على أساسها ; ول عليه ما ينشأ عن هذه
الفاصلة .وال هو العاصم .وال ل يهدي القوم الكافرين . .
وصاحب الدعوة ل يكون قد بلغ عن ال ; ول يكون قد أقام الجة ل على الناس ,إل إذا أبلغهم
حقيقة الدعوة كاملة ; ووصف لم ما هم عليه كما هو ف حقيقته ,بل ماملة ول مداهنة . .فهو
قد يؤذيهم إن ل يبي لم أنم ليسوا على شيء ,وأن ما هم عليه باطل كله من أساسه ,وأنه هو
يدعوهم إل شيء آخر تاما غي ما هم عليه . .يدعوهم إل نقلة بعيدة ,ورحلة طويلة ,وتغيي
أساسي ف تصوراتم وف أوضاعهم وف نظامهم وف أخلقهم . .فالناس يب أن يعرفوا من الداعية
أين هم من الق الذي يدعوهم إليه ( . .ليهلك من هلك عن بينة وييا من حي عن بينة) . .
وحي يمجم صاحب الدعوة ويتمتم ول يبي عن الفارق الساسي بي واقع الناس من الباطل وبي
ما يدعوهم إليه من الق ,وعن الفاصل الاسم بي حقه وباطلهم . .حي يفعل صاحب الدعوة
هذا -مراعاة للظروف واللبسات ,وحذرا من مواجهة واقع الناس الذي يل عليهم حياتم
وأفكارهم وتصوراتم -فإنه يكون قد خدعهم وآذاهم ,لنه ل يعرفهم حقيقة الطلوب منهم كله ,
وذلك فوق أنه يكون ل يبلغ ما كلفه ال تبليغه !
إن التلطف ف دعوة الناس إل ال ,ينبغي أن يكون ف السلوب الذي يبلغ به الداعية ,ل ف القيقة
الت يبلغهم إياها . .إن القيقة يب إن تبلغ إليهم كاملة .أما السلوب فيتبع القتضيات القائمة ,
ويرتكز على قاعدة الكمة والوعظة السنة . .
ولقد ينظر بعضنا اليوم -مثل -فيى أن أهل الكتاب هم أصحاب الكثرة العددية وأصحاب القوة
الادية .وينظر فيى أصحاب الوثنيات الختلفة يعدون بئات الليي ف الرض ,وهم أصحاب
كلمة مسموعة ,ف الشئون الدولية .وينظر فيى أصحاب الذاهب الادية أصحاب أعداد ضخمة
وأصحاب قوة مدمرة .وينظر فيى الذين يقولون:إنم مسلمون ليسوا على شيء لنم ل يقيمون
كتاب ال النل إليهم . .فيتعاظمه المر ,ويستكثر أن يواجه هذه البشرية الضالة كلها بكلمة الق
الفاصلة ,ويرى عدم الدوى ف أن يبلغ الميع أنم ليسوا على شيء ! وأن يبي لم "الدين" الق !
وليس هذا هو الطريق . .إن الاهلية هي الاهلية -ولو عمت أهل الرض جيعا -وواقع الناس
كله ليس بشيء ما ل يقم على دين ال الق ,وواجب صاحب الدعوة هو واجبة ل تغيه كثرة
167
الضلل ; ول ضخامة الباطل . .فالباطل ركام . .وكما بدأت الدعوة الول بتبليغ أهل الرض
قاطبة:أنم ليسوا على شيء . .كذلك ينبغي أن تستأنف . .وقد استدار الزمان كهيئة يوم بعث ال
رسوله صلى ال عليه وسلم وناداه:
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك -وإن ل تفعل فما بلغت رسالته -وال يعصمك من
الناس .إن ال ل يهدي القوم الكافرين .قل:يا أهل الكتاب لستم على شيء حت تقيموا التوراة
والنيل وما أنزل إليكم من ربكم) .
(وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لم الية من أمرهم ومن يعص ال
ورسوله فقد ضل ضلل مبينا) . .
روي أن هذه الية نزلت ف زينب بنت جحش -رضي ال عنها -حينما أراد النب صلى ال عليه
وسلم أن يطم الفوارق الطبقية الوروثة ف الماعة السلمة ; فيد الناس سواسية كأسنان الشط .ل
فضل لحد على أحد إل بالتقوى .وكان الوال -وهم الرقيق الحرر -طبقة أدن من طبقة السادة
.ومن هؤلء كان زيد بن حارثة مول رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي تبناه .فأراد رسول ال
صلى ال عليه وسلم أن يقق الساواة الكاملة بتزويه من شريفة من بن هاشم ,قريبته صلى ال عليه
وسلم زينب بنت جحش ; ليسقط تلك الفوارق الطبقية بنفسه ,ف أسرته .وكانت هذه الفوارق
من العمق والعنف بيث ل يطمها إل فعل واقعي من رسول ال صلى ال عليه وسلم تتخذ منه
الماعة السلمة اسوة ,وتسي البشرية كلها على هداه ف هذا الطريق .
روى ابن كثي ف التفسي قال:قال العوف عن ابن عباس -رضي ال عنهما :-قوله تعال( :وما كان
لؤمن ول مؤمنة) .الية .وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن
حارثة -رضي ال عنه -فدخل على زينب بنت جحش السدية -رضي ال عنها -فخطبها ,
فقالت:لست بناكحته ! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":بلى فانكحيه " .قالت:يا رسول ال
.أؤامر ف نفسي ? فبينما ها يتحدثان أنزل ال هذه الية على رسول ال صلى ال عليه وسلم (وما
كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا) . .الية .قالت:قد رضيته ل يا رسول ال
منكحا ? قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":نعم " ! قالت:إذن ل أعصي رسول ال صلى ال
عليه وسلم قد أنكحته نفسي !
وقال ابن ليعة عن أب عمرة عن عكرمة عن ابن عباس -رضي ال عنهما -قال:خطب رسول ال
صلى ال عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة -رضي ال عنه -فاستنكفت منه ,
وقالت:أنا خي منه حسبا -وكانت امرأة فيها حدة -فأنزل ال تعال( :وما كان لؤمن ول مؤمنة .
). .الية كلها .
168
وهكذا قال ماهد وقتادة ومقاتل بن حيان أنا نزلت ف زينب بنت جحش -رضي ال عنها -حي
خطبها رسول ال صلى ال عليه وسلم على موله زيد بن حارثة -رضي ال عنه -فامتنعت ث
أجابت .
وروى ابن كثي ف التفسي كذلك رواية أخرى قال:وقال عبد الرحن بن زيد بن أسلم:نزلت ف أم
كلثوم بنت عقبة بن أب معيط -رضي ال عنها -وكانت أول من هاجر من النساء -يعن بعد
صلح الديبية -فوهبت نفسها للنب صلى ال عليه وسلم فقال ":قد قبلت " .فزوجها زيد بن
حارثة -رضي ال عنه [ -يعن وال أعلم بعد فراقه زينب ] فسخطت هي وأخوها ,وقال:إنا
أردنا رسول ال صلى ال عليه وسلمفزوجنا عبده ! قال:فنل القرآن( :وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا
قضى ال ورسوله أمرا) إل آخر الية .قال:وجاء أمر أجع من هذا( :النب أول بالؤمني من
أنفسهم) قال:فذاك خاص وهذا أجع .
وف رواية ثالثة:قال المام أحد:حدثنا عبد الرزاق ,أخبنا معمر ,عن ثابت البنان ,عن أنس -
رضي ال عنه -قال :خطب النب صلى ال عليه وسلم على جليبيب امرأة من النصار إل أبيها .
فقال:حت أستأمر أمها .فقال النب صلى ال عليه وسلم ":فنعم إذن " .قال:فانطلق الرجل إل امرأته
,فذكر ذلك لا ,فقالت:لها ال ! إذن ما وجد رسول ال صلى ال عليه وسلم إل جليبيبا ,وقد
منعناها من فلن وفلن ? قال:والارية ف سترها تسمع .قال:فانطلق الرجل يريد أن يب رسول ال
صلى ال عليه وسلم بذلك .فقالت الارية:أتريدون أن تردوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم
أمره ? إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه .قال:فكأنا جلت عن أبويها .وقال:صدقت .فذهب
أبوها إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:إن كنت قد رضيته فقد رضيناه .قال صلى ال عليه
وسلم " فإن قد رضيته " .قال:فزوجها . .ث فزع أهل الدينة ,فركب جليبيب ,فوجدوه قد قتل
,وحوله ناس من الشركي قد قتلهم .قال أنس -رضي ال عنه -فلقد رأيتها وإنا لن أنفق بيت
بالدينة . .
فهذه الروايات -إن صحت -تعلق هذه الية بادث زواج زينب من زيد -رضي ال عنهما -أو
زواجه من أم كلثوم بنت عقبة بن أب معيط .
وقد أثبتنا الرواية الثالثة عن جليبيب لنا تدل على منطق البيئة الذي توكل السلم بتحطيمه ,وتول
رسول ال صلى ال عليه وسلم تغييه بفعله وسنته .وهو جزء من إعادة تنظيم الماعة السلمة على
أساس منطق السلم الديد ,وتصوره للقيم ف هذه الرض ,وانطلق النعة التحررية القائمة على
منهج السلم ,الستمدة من روحه العظيم .
ولكن نص الية أعم من أي حادث خاص .وقد تكون له علقة كذلك بإبطال آثار التبن ,وإحلل
مطلقات الدعياء ,وحادث زواج رسول ال صلى ال عليه وسلم من زينب -رضي ال عنها -
169
بعد طلقها من زيد .المر الذي كانت له ضجة عظيمة ف حينه .والذي ما يزال يتخذه بعض
أعداء السلم تكأة للطعن على رسول ال صلى ال عليه وسلم حت اليوم ,ويلفقون حوله
الساطي !
وسواء كان سبب نزول الية ما جاء ف تلك الروايات ,أو كانت بصدد زواج الرسول صلى ال
عليه وسلم من زينب -رضي ال عنها -فإن القاعدة الت تقررها الية أعم وأشل ,وأعمق جدا ف
نفوس السلمي وحياتم وتصورهم الصيل .
فهذا القوم من مقومات العقيدة هو الذي استقر ف قلوب تلك الماعة الول من السلمي استقرارا
حقيقيا ; واستيقنته أنفسهم ,وتكيفت به مشاعرهم . .هذا القوم يتلخص ف أنه ليس لم ف
أنفسهم شيء ; وليس لم من أمرهم شيء .إنا هم وما ملكت أيديهم ل .يصرفهم كيف يشاء ,
ويتار لم ما يريد .وإن هم إل بعض هذا الوجود الذي يسي وفق الناموس العام .وخالق هذا
الوجود ومدبره يركهم مع حركة الوجود العام ; ويقسم لم دورهم ف رواية الوجود الكبية ;
ويقرر حركاتم على مسرح الوجود العظيم .وليس لم أن يتاروا الدور الذي يقومون به ,لنم ل
يعرفون الرواية كاملة ; وليس لم أن يتاروا الركة الت يبونا لن ما يبونه قد ل يستقيم مع الدور
الذي خصص لم ! وهم ليسوا أصحاب الرواية ول السرح ; وإن هم إل أجراء ,لم أجرهم على
العمل ,وليس لم ول عليهم ف النتيجة !
عندئذ أسلموا أنفسهم حقيقة ل .أسلموها بكل ما فيها ; فلم يعد لم منها شيء .وعندئذ
استقامت نفوسهم مع فطرة الكون كله ; واستقامت حركاتم مع دورته العامة ; وساروا ف فلكهم
كما تسي تلك الكواكب والنجوم ف أفلكها ,ل تاول أن ترج عنها ,ول أن تسرع أو تبطئ ف
دورتا التناسقة مع حركة الوجود كله .
وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأت به قدر ال ,لشعورهم الباطن الواصل بأن قدر ال هوالذي
يصرف كل شيء ,وكل أحد ,وكل حادث ,وكل حالة .واستقبلوا قدر ال فيهم بالعرفة الدركة
الرية الواثقة الطمئنة .
وشيئا فشيئا ل يعودوا يسون بالفاجأة لقدر ال حي يصيبهم ,ول بالزع الذي يعال بالتجمل ; أو
بالل الذي يعال بالصب .إنا عادوا يستقبلون قدر ال استقبال العارف النتظر الرتقب لمر مألوف
ف حسه ,معروف ف ضميه ,ول يثي مفاجأة ول رجفة ول غرابة !
ومن ث ل يعودوا يستعجلون دورة الفلك ليقضوا أمرا هم يريدون قضاءه ,ول يعودوا يستبطئون
الحداث لن لم أربا يستعجلون تقيقه ,ولو كان هذا الرب هو نصر دعوتم وتكينها ! إنا
ساروا ف طريقهم مع قدر ال ,ينتهي بم إل حيث ينتهي ,وهم راضون مستروحون ,يبذلون ما
يلكون من أرواح وجهود وأموال ف غي عجلة ول ضيق ,وف غي من ول غرور ,وف غي حسرة
170
ول أسف .وهم على يقي أنم يفعلون ما قدر ال لم أن يفعلوه ; وأن ما يريده ال هو الذي يكون
,وأن كل أمر مرهون بوقته وأجله الرسوم .
إنه الستسلم الطلق ليد ال تقود خطاهم ,وتصرف حركاتم ; وهم مطمئنون لليد الت تقودهم ,
شاعرون معها بالمن والثقة واليقي ,سائرون معها ف بساطة ويسر ولي .
وهم -مع هذا -يعملون ما يقدرون عليه ,ويبذلون ما يلكون كله ,ول يضيعون وقتا ولجهدا ,
ول يتركون حيلة ول وسيلة .ث ل يتكلفون ما ليطيقون ,ول ياولون الروج عن بشريتهم وما
فيها من خصائص ,ومن ضعف وقوة ; ول يدعون ما ل يدونه ف أنفسهم من مشاعر وطاقات ,
ول يبون أن يمدوا با ل يفعلوا ,ول أن يقولوا غي ما يفعلون .
وهذا التوازن بي الستسلم الطلق لقدر ال ,والعمل الاهد بكل ما ف الطاقة ,والوقوف الطمئن
عند ما يستطيعون . .هذا التوازن هو السمة الت طبعت حياة تلك الجموعة الول وميزتا ; وهي
الت أهلتها لمل أمانة هذه العقيدة الضخمة الت تنوء با البال !
واستقرار ذلك القوم الول ف أعماق الضمائر هو الذي كفل لتلك الماعة الول تقيق تلك
الوارق الت حققتها ف حياتا الاصة ,وف حياة الجتمع النسان إذ ذاك .وهو الذي جعل
خطواتا وحركاتا تتناسق مع دورة الفلك ,وخطوات الزمان ,ول تتك با أو تصطدم ,فتتعوق
أو تبطىء نتيجة الحتكاك والصطدام .وهو الذي بارك تلك الهود ,فإذا هي تثمر ذلك الثمر
اللو الكثي العظيم ف فترة قصية من الزمان .
ولقد كان ذلك التحول ف نفوسهم بيث تستقيم حركتها مع حركة الوجود ,وفق قدر ال الصرف
لذا الوجود . .كان هذا التحول ف تلك النفوس هو العجزة الكبى الت ل يقدر عليها بشر ; إنا
تتم بإرادة ال الباشرة الت أنشأت الرض والسماوات ,والكواكب والفلك ; ونسقت بي خطاها
ودوراتا ذلك التنسيق اللي الاص .
وإل هذه القيقة تشي هذه اليات الكثية ف القرآن . .حيث يقول ال تبارك وتعال( :إنك ل
تدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء) . .أو يقول( :ليس عليك هداهم ولكن ال يهدي من
يشاء) . .أو يقول( :إن الدى هدى ال) . .فذلك هوالدى بقيقته الكبية ومعناه الواسع .هدى
النسان إل مكانه ف هيكل هذا الوجود ; وتنسيق خطاه مع حركة هذا الوجود .
ولن يؤت الهد كامل ثاره إل حي يستقيم القلب على هدى ال بعناه ; وتستقيم حركة الفرد مع
دورة الوجود ; ويطمئن الضمي إل قدر ال الشامل الذي ل يكون ف الوجود أمر إل وفق مقتضاه .
ومن هذا البيان ينجلي أن هذا النص القرآن( :وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن
يكون لم الية من أمرهم) . .أشل وأوسع وأبعد مدى من أي حادث خاص يكون قد نزل فيه .
وأنه يقرر كلية أساسية ,أو الكلية الساسية ,ف منهج السلم !
171
.5ل يكمون الرسول صلى ال عليه وسلم ف نزاعاتم
سهِمْ
ج َر بَيَْنهُ ْم ثُمّ لَ يَجِدُواْ فِي أَنفُ ِ
قال تعال َ { :فلَ َو َرّبكَ َل ُي ْؤمِنُونَ حَتّىَ ُيحَكّمُوكَ فِيمَا شَ َ
سلّمُواْ َتسْلِيمًا} ( )65سورة النساء ت وَيُ َ
َحرَجًا مّمّا َقضَْي َ
وف تفسي ابن كثي رحه ال :
-65فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما
قضيت ويسلموا تسليما
يقول تعال ( وما أرسلنا من رسول إل ليطاع ) ي فرضت طاعته على من أرسل إليهم وقوله
( بإذن ال ) ال ماهد أي ل يطيع أحد إل بإذن يعن ل يطيعه إل من وفقته لذلك كقوله ( ولقد
صدقكم ال وعده إذ تسونم بإذنه ) ي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم وقوله (
ولو أنم إذا ظلموا أنفسهم ) لية يرشد تعال العصاة والذنبي إذا وقع منهم الطأ والعصيان أن
يأتوا إل الرسول صلى ال عليه وسلم فيستغفروا ال عنده ويسألوه أن يغفر لم فإنم إذا فعلوا
ذلك تاب ال عليهم ورحهم وغفر لم ولذا قال ( لوجدوا ال توابا رحيما ) قد ذكر جاعة
منهم الشيخ أبو منصور الصباغفي كتابه الشامل الكاية الشهورة عن العتب قال كنت جالسا
عند قب النب صلى ال عليه وسلم فجاء أعراب فقال السلم عليك يا رسول ال سعت ال يقول
( ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا ال واستغفر لم الرسول لوجدوا ال توابا رحيما )
قد جئتك مستغفرا لذنب مستشفعا بك إل رب ث أنشأ يقول-يا خي من دفنت بالقاع أعظمه
فطاب من طيبهن القاع والكم**نفسي الفداء لقب أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الود والكرم-
ث انصرف العراب فغلبتن عين فرأيت النب صلى ال عليه وآله وسلم ف النوم فقال يا عتب إلق
العراب فبشره أن ال قد غفر له وقوله ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم )
قسم تعال بنفسه الكرية القدسة أنه ل يؤمن أحد حت يكم الرسول صلى ال عليه وسلم ف
جيع المور فما حكم به فهو الق الذي يب النقياد له باطنا وظاهرا ولذا قال ( ث ل يدوا
ف أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما ) ي إذا حكموك يطيعونك ف بواطنهم فل يدون
ف أنفهسم حرجا ما حكمت به وينقادون له ف الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من
غي مانعة ول مدافعة ول منازعة كما ورد ف الديث والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حت
يكون هواه تبعا لا جئت به وقال البخاري ' ' 4585حدثنا علي بن عبد ال حدثنا ممد بن
جعفر حدثنا معمر عن الزهري عن عروة قال خاصم الزبي رجل ف شريج الرة فقال النب صلى
ال عليه وسلم اسق يازبي ث أرسل الاء إل جارك فقال النصاري يا رسول ال إن كان ابن
عمتك فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم ث قال اسق يا زبي ث أحبس الاء حت يرجع
172
إل الدر ث أرسل الاء إل جارك فاستوعى النب صلى ال عليه وسلم للزبي حقه ف صريح
الكم حي أحفظه النصاري وكان أشار عليهما صلى ال عليه وسلم بأمر لما فيه سعة قال
الزبي فما أحسب هذه الية إل نزلت ف ذلك ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر
بينهم ) لية هكذا رواه البخاري ههنا أعن ف كتاب التفسي ' ' 4585ف صحيحه من حديث
معمر وف كتاب الشرب ' 2361و ' 2362من حديث ابن جريج ومعمر أيضا وف كتاب
الصلح ' ' 2708من حديث شعيب بن أب حزة ثلثتهم عن الزهري عن عروة فذكره
وصورته صورة الرسال وهو متصل ف العن وقد رواه المام أحد ' ' 3/245من هذا الوجه
فصرح بالرسال فقال حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري أخبن عروة بن الزبي أن
الزبي كان يدث أنه كان ياصم رجل منالنصار قد شهد بدرا إل النب صلى ال عليه وسلم ف
شراج الرة كان يسقيان با كلها فقال النب صلى ال عليه وسلم للزبي اسق ث أرسل إل
جارك فغضب النصاري وقال يا رسول ال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول ال صلى ال
عليه وسلم ث قال اسق يا زبي ث أحبس الاء حت يرجع إل الدر فاستوعى النب صلى ال عليه
وسلم للزبي حقه وكان النب صلى ال عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبي برأي أراد فيه سعة
له وللنصاري فلما أحفظالنصاري رسول ال صلى ال عليه وسلم استوعى النب صلى ال عليه
وسلم للزبي حقه ف صريح الكم ث قال قال عروة فقال الزبي وال ما أحبب هذه الية نزلت
إل ف ذلك ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا
ما قضيت ويسلموا تسليما ) كذا رواه المام أحد وهو منقطع بي عروة وبي أبيه فإنه ل يسمع
منه والذي يقطع به أنه سعه من أخيه عبد ال فإن أبا ممد عبد الرحن بن أب حات رواه كذلك
ف تفسيه فقال حدثنا يونس بن عبد العلى حدثنا ابن وهب أخبن الليث ويونس عن ابن
شهاب أن عروة بن الزبي حدثه أن عبد ال بن الزبي حدثه عن الزبي بن العوام أنه خاصم رجل
من النصار قد شهد بدرا مع النب صلى ال عليه وسلم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ف
شراج ف الرة كانا يسقيان به كلها النخل فقال النصاري سرح الاء ير فأب عليه الزبي فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم اسق يازبي ث أرسل إل جارك فغضب النصاري وقال يا رسول
ال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم ث قال اسق يازبي ث أحبس
الاء حت يرجع إل الدر واستوعى رسول ال صلى ال عليه وسلم للزبي حقه وكان رسول ال
صلى ال عليه وسلم قبل ذلك أشار برأي أراد فيه السعة له وللنصاري فلما أحفظ النصاري
رسول ال صلى ال عليه وسلم استوعى للزبي حقه ف صريح الكم فقال الزبي ما أحسب هذه
الية إل ف ذلك ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم
حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما ) هكذا رواه النسائي ' ' 8/238من حديث ابن وهب به
173
ورواه أحد ' ' 4/4والماعة كلهم ' خ 2359م 2357د 3637ت 1363جه 15س
' 8/245من حديث الليث به وجعله أصحاب الطراف ف مسند عبد ال بن الزبي وكذا ساقه
المام أحد ف مسند عبد ال بن الزبي وال أعلم والعجب لك العجب من الاكم أب عبد ال
النيسابوري ' ' 3/364فإنه روى هذا الديث من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن
عروة عن عبد ال بن الزبي عن الزبي فذكره ث قال صحيح السناد ول يرجاه فإن ل أعلم
أحدا أقام بذا السناد عن الزهري بذكر عبد ال بن الزبي غي ابن أخيه وهو عنه ضعيف وقال
أبو بكر بن مردويه حدثنا ممد بن علي بن دحيم حدثنا أحد بن حازم حدثنا الفضل بن دكي
حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سلمة رجل من آل أب سلمة قال خاصم الزبي رجل إل
النب صلى ال عليه وسلم فقضىللزبي فقال الرجل له إنا قضى له لنابن عمته فنلت ( فل
وربك ل يؤمنون ) لية وقال ابن أب حات حدثنا أب حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبو حيوة
حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن السيب ف قوله ( فل وربك ل يؤمنون )
ال نزلت ف الزبي ابن العوام وحاطب بن أب بلتعة اختصما ف ماء فقضى النب صلى ال عليه
وسلم أن يسقى العلى ث السفل هذا مرسل ولكن فيه فائدة تسمية النصاري وذكر سبب آخر
غريب جدا قال ابن أب حات حدثنا يونس بن عبد العلى قراءة أخبنا ابن وهب أخبن عبد ال
بن ليعة عن أب السود قال اختصم رجلن إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقضى بينهما
فقال القضى عليه ردنا إل عمر بن الطاب فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم نعم إنطلقا إليه
فلما أتيا إليه فقال الرجل يابن الطاب قضى ل رسول ال صلى ال عليه وسلم على هذا فقال
ردنا إل عمر بن الطاب فردنا إليك فقال أكذاك قال نعم فقال عمر مكانكما حت أخرج
إليكما فأقضي بينكما فخرج إليهما مشتمل على سيفه فضرب الذي قال ردنا إل عمر فقتله
وأدبر الخر فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال يا رسول ال قتل عمر وال صاحب ولول
أن أعجزته لقتلن فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما كنت أظن أن يترئ عمر على قتل
مؤمن فأنزل ال ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك ) لية فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر
من قتله فكره ال أن يسن ذلك بعد فأنزل ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا
من دياركم ما فعلوه إل قليل منهم ولو أنم فعلوا ما يوعظون به لكان خيا لم وأشد تثبيتا )
لية وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن ليعة عن أب السود به وهو أثر غريب مرسل ابن ليعة
ضعيف وال أعلم [ طريق أخرى ] قال الافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحن بن إبراهيم بن
دحيم ف تفسيه حدثنا شعيب بن شعيب حدثنا أبو الغية حدثنا عتبة بن ضمرة حدثن أب أن
رجلي اختصما إل النب صلى ال عليه وسلم فقضى للمحق على البطل فقال القضي عليه ل
أرضى فقال صاحبه فما تريد قال أن تذهب إل أب بكر الصديق فذهبا إليه فقال الذي قضى له
174
قد اختصمناه إل النب صلى ال عليه وسلم فقضى ل فقال أبو بكر أنتما على ما قضى به رسول
ال صلى ال عليه وسلم فأب صاحبه أن يرضى فقال نأت عمر بن الطاب فقال القضي له قد
اختصمنا إل النب صلى ال عليه وسلم فقضى ل عليه فأب أن يرضى فسأله عمر بن الطاب
فقال كذلك فدخل عمر منله وخرج والسيف ف يده قد سله فضرب به رأس الذي أب أن
يرضى فقتله فأنزل ال ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ) لية
وف الظلل :
وأخيا ييء ذلك اليقاع الاسم الازم .إذ يقسم ال -سبحانه -بذاته العلية ,أنه ل يؤمن مؤمن
,حت يكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمره كله .ث يضي راضيا بكمه ,مسلما بقضائه .
ليس ف صدره حرج منه ,ول ف نفسه تلجلج ف قبوله:
فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم .ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ,
ويسلموا تسليمًا . .
ومرة أخرى ندنا أمام شرط اليان وحد السلم .يقرره ال سبحانه بنفسه .ويقسم عليه بذاته .
فل يبقى بعد ذلك قول لقائل ف تديد شرط اليان وحد السلم ,ول تأويل لؤول .
اللهم إل ماحكة ل تستحق الحترام . .وهي أن هذا القول مرهون بزمان ,وموقوف على طائفة
من الناس ! وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا ; ول يفقه من التعبي القرآن قليل ول كثيا .
فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم ; جاءت ف صورة قسم مؤكد ; مطلقة من كل قيد . .وليس
هناك مال للوهم أو اليهام بأن تكيم رسول ال صلى ال عليه وسلم هو تكيم شخصه .إنا هو
تكيم شريعته ومنهجه .وإل ل يبق لشريعة ال وسنة رسوله مكان بعد وفاته صلى ال عليه وسلم
وذلك قول أشد الرتدين ارتدادا على عهد أب بكر -رضي ال عنه -وهو الذي قاتلهم عليه قتال
الرتدين .بل قاتلهم على ما هو دونه بكثي .وهو مرد عدم الطاعة ل ورسوله ,ف حكم الزكاة ;
وعدم قبول حكم رسول ال فيها ,بعد الوفاة !
وإذا كان يكفي لثبات "السلم" أن يتحاكم الناس إل شريعة ال وحكم رسوله . .فانه ل يكفي
ف "اليان" هذا ,ما ل يصحبه الرضى النفسي ,والقبول القلب ,وإسلم القلب والنان ,ف
اطمئنان !
هذا هو السلم . .وهذا هو اليان . .فلتنظر نفس أين هي من السلم ; وأين هي من اليان !
قبل ادعاء السلم وادعاء اليان !
(يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ,من الذين قالوا:آمنا بأفواههم ول تؤمن قلوبم
,ومن الذين هادوا . .ساعون للكذب ,ساعون لقوم آخرين ل يأتوك ,يرفون الكلم من بعد
مواضعه ,يقولون:إن أوتيتم هذا فخذوه ,وإن ل تؤتوه فاحذروا .ومن يرد ال فتنته فلن تلك له من
175
ال شيئا .أولئك الذين ل يرد ال أن يطهر قلوبم .لم ف الدنيا خزي ,ولم ف الخره عذاب
عظيم .ساعون للكذب ,أكالون للسحت .فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم .وإن
تعرض عنهم فلن يضروك شيئا .وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط .إن ال يب القسطي .
وكيف يكمونك -وعندهم التوراه فيها حكم ال -ث يتولون من بعد ذلك ? وما أولئك
بالؤمني) . .
هذه اليات تشي بأنا ما نزل ف السنوات الول للهجرة ; حيث كان اليهود ما يزالون بالدينه -
أي قبل غزوة الحزاب على القل وقبل التنكيل ببن قريظه إن ل يكن قبل ذلك ,أيام أن كان هناك
بنو النضي وبنو قينقاع ,وأولها أجليت بعد أحد والثانيه أجليت قبلها -ففي هذه الفترة كان
اليهود يقومون بناوراتم هذه ; وكان النافقون يأرزون إليهم كما تأرز اليه إل الحر! وكان هؤلء
وهؤلء يسارعون ف الكفر ; ولو قال النافقون بأفواههم:آمنا . .وكان فعلهم هذا يزن الرسول
صلى ال عليه وسلم ويؤذيه . .
وال -سبحانه -يعزي رسوله صلى ال عليه وسلم ويواسيه ; ويهون عليه فعال القوم ,ويكشف
للجماعه السلمه حقيقة السارعي ف الكفر من هؤلء وهؤلء ; ويوجه الرسول صلى ال عليه وسلم
إل النهج الذي يسلكه معهم حي يأتون إليه متحاكمي ; بعد ما يكشف له عما تآمروا عليه قبل أن
يأتوا إليه وما بيتوه( :يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ,من الذين قالوا:آمنا ,
بأفواههم ول تؤمن قلوبم ,ومن الذين هادوا . .ساعون للكذب ,ساعون لقوم آخرين ل يأتوك .
يرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون:إن أوتيتم هذا فخذوه ,وإن ل تؤتوه فاحذروا ). . .
روي أن هذه اليات نزلت ف قوم من اليهود ارتكبوا جرائم -تتلف الروايات ف تديدها -منها
الزنا ومنها السرقه . .وهي من جرائم الدود ف التوراة ; ولكن القوم كانوا قد اصطلحوا على
غيها ; لنم ل يريدوا أن يطبقوها على الشرفاء فيهم ف مبدأ المر .ث تاونوا فيها بالقياس إل
الميع ,وأحلوا ملها عقوبات أخرى من عقوبات التعازير [ كما صنع الذين يزعمون أنم مسلمون
ف هذا الزمان! ] . .فلما وقعت منهم هذه الرائم ف عهد الرسول صلى ال عليه وسلم تآمروا على
أن يستفتوه فيها . .فإذا أفت لم بالعقوبات التعزيريه الخففه عملوا با ,وكانت هذه حجه لم عند
ال . .فقد أفتاهم با رسول ! . .وإن حكم فيها بثل ما عندهم ف التوراة ل يأخذوا بكمه . .
فدسوا بعضهم يستفتيه . .ومن هنا حكاية قولم:
(إن أوتيتم هذا فخذوه ,وإن ل تؤتوه فاحذروا) . .
وهكذا بلغ منهم العبث ,وبلغ منهم الستهتار ,وبلغ منهم اللتواء أيضا ف التعامل مع ال والتعامل
مع رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا البلغ . .وهي صورة تثل أهل كل كتاب حي يطول عليهم
المد ,فتقسو قلوبم ; وتبد فيها حرارة العقيده ,وتنطفى ء شعلتها ; ويصبح التفصي من هذه
176
العقيده وشرائعها وتكاليفها هو الدف الذي يبحث له عن الوسائل ; ويبحث له عن "الفتاوي" لعلها
تد مرجا وحيله ; أليس الشأن كذلك اليوم بي الذين يقولون:إنم مسلمون( :من الذين قالوا:آمنا
بأفواههم ول تؤمن قلوبم) !
أليسوا يتلمسون الفتوى للحتيال على الدين ل لتنفيذ الدين ? أليسوا يتمسحون بالدين احيانا لكي
يقر لم أهواءهم ويوقع بالوافقه عليها! فأما إن قال الدين كلمة الق وحكم الق فل حاجة بم إليه
( . .يقولون:إن أوتيتم هذا فخذوه ; وإن ل تؤتوه فاحذروا) ! إنه الال نفسه .ولعله لذا كان ال
-سبحانه _يقص قصة بن إسرائيل بذا السهاب وهذا التفصيل ,لتحذر منها أجيال "السلمي"
وينتبه الواعون منها لزالق الطريق .
وال سبحانه -يقول لرسوله ف شأن هؤلء السارعي بالكفر ,وف شأن هؤلء التآمرين البيتي لذه
اللعيب:ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر .فهم يسلكون سبيل الفتنه ,وهم واقعون فيها ,
وليس لك من المر شيء ,وما أنت بستطيع أن تدفع عنهم الفتنه وقد سلكوا طريقها ولوا فيها:
(ومن يرد ال فتنته فلن تلك له من ال شيئا) . .
وهؤلء دنست قلوبم ,فلم يرد ال أن يطهرها ,وأصحابا يلجون ف الدنس( :أولئك الذين ل يرد
ال أن يطهر قلوبم) . .
وسيجزيهم بالزي ف الدنيا والعذاب العظيم ف الخره( :لم ف الدنيا خزي ,ولم ف الخرة
عذاب عظيم) . .
فل عليك منهم ,ول يزنك كفرهم ,ول تفل بأمرهم .فهو أمر مقضي فيه . .
ث يضي ف بيان حال القوم ,وما انتهوا إليه من فساد ف اللق والسلوك ,قبل أن يبي لرسول ال
صلى ال عليه وسلم كيف يتعامل معهم إذا جاءوا إليه متحاكمي:
(ساعون للكذب ,أكالون للسحت .فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم .وإن تعرض عنهم
فلن يضروك شيئا .وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ,إن ال يب القسطي) . .
كرر أنم ساعون للكذب .ما يشي بأن هذه أصبحت خصله لم . .تش نفوسهم لسماع الكذب
والباطل ,وتنقبض لسماع لق والصدق . .وهذه طبيعة القلوب حي تفسد ,وعادة الرواح حي
تنطمس . .ما أحب كلمة الباطل والزور ف الجتمعات النحرفه ,وما أثقل كلمة الق والصدق ف
هذه الجتمعات . .وما أروج الباطل ف هذه الونه وما أشد بوار الق ف هذه الفترات اللعونه !
وهؤلء:ساعون للكذب .أكالون للسحت . .والسحت كل مال حرام . .والربا والرشوه وثن
الكلمه والفتوى ! ف مقدمة ما كانوا يأكلون ,وف مقدمة ما تأكله الجتمعات الت تنحرف عن
منهج ال ف كل زمان! وسي الرام سحتا لنه يقطع البكه ويحقها .وما اشد أنقطاع البكه
177
وزوالا من الجتمعات النحرفه .كما نرى ذلك بأعيننا ف كل متمع شارد عن منهج ال وشريعة ال
.
ويعل ال المر للرسول باليار ف أمرهم إذا جاءوه يطلبون حكمه -فإن شاء أعرض عنهم -ولن
يضروه شيئا -وإن شاء حكم بينهم .فإذا اختار أن يكم حكم بينهم بالقسط ,غي متأثر بأهوائهم
,وغي متأثر كذلك بسارعتهم ف الكفر ومؤامراتم ومناوراتم . .
(إن ال يب القسطي) . .
والرسول صلى ال عليه وسلم والاكم السلم ,والقاضي السلم ,إنا يتعامل مع ال ف هذا الشأن ;
وإنا يقوم بالقسط ل .لن ال يب القسطي .فإذا ظلم الناس وإذا خانوا ,وإذا انرفوا ,فالعدل
فوق التأثر بكل ما يصدر منهم .لنه ليس عدلً لم ; وإنا هو ل . .وهذا هو الضمان الكيد ف
شرع السلم وقضاء السلم ,ف كل مكان وف كل زمان .
وهذا التخيي ف أمر هؤلء اليهود يدل على نزول هذا الكم ف وقت مبكر .إذ أنه بعد ذلك أصبح
الكم والتقاضي لشريعة السلم حتميا .فدار السلم ل تطبق فيها إل شريعة ال .وأهلها جيعا
ملزمون بالتحاكم إل هذه الشريعه .مع اعتبار البدأ السلمي الاص بأهل الكتاب ف الجتمع
السلم ف دار السلم ; وهوأل يبوا إل على ما هو وارد ف شريعتهم من الحكام ; وعلى ما
يتص بالنظام العام .فيباح لم ما هو مباح ف شرائعهم ,كامتلك النير وأكله ,وتلك المر
وشربه دون بيعه للمسلم .ويرم عليهم التعامل الربوي لنه مرم عندهم .وتوقع عليهم حدود الزنا
والسرقه لنا وارده ف كتابم وهكذا .كما توقع عليهم عقوبات الروج على النظام العام والفساد
ف الرض كالسلمي سواء ,لن هذا ضروري لمن دار السلم وأهلها جيعا:مسلمي وغي
مسلمي .فل يتسامح فيها مع أحد من أهل دار السلم . . .
وف تلك الفتره الت كان الكم فيها على التخيي ,كانوا يأتون ببعض قضاياهم إل رسول ال صلى
ال عليه وسلم ; مثال ذلك ما رواه مالك ,عن نافع ,عن عبدال بن عمر -رضي ال عنهما ":-إن
اليهود جاءوا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكروا له أن رجلً منهم وامرأة زنيا .فقال لم
رسول ال صلى ال عليه وسلم ما تدون ف التوراه ف شأن الرجم ? فقالوا:نفضحهم ويلدون .قال
عبدال بن سلم:كذبتم .إن فيها الرجم .فأتوا بالتوراة فنشروها .فوضع أحدهم يده على آيه
الرجم ,فقرأ ما قبلها وما بعدها .فقال عبدال بن سلم:ارفع يدك .فرفع يده فإذا آية الرجم! .
فقالوا:صدق يا ممد فيها آية الرجم فأمر بما رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجا .فرأيت الرجل
ين على الرأه يقيها الجاره" . .
[ أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري ]
ومثال ذلك ما رواه المام أحد -بإسناده -عن ابن عباس قال:
178
"أنزلا ال ف الطائفتي من اليهود ,وكانت إحداها قد قهرت الخرى ف الاهليه ,حت ارتضوا
واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خسون وسقا ,وكل قتيل قتلته الذليلة من
العزيزة فديته مائة وسق .فكانوا على ذلك حت قدم النب صلى ال عليه وسلم فقتلت الذليلة من
العزيزة قتيل ,فأرسلت العزيزة إل الذليلة أن ابعثوا لنا بائة وسق فقالت الذليلة:وهل كان ف حيي
دينهما واحد ,ونسبهما واحد ,وبلدها واحد ,دية بعضهم نصف دية بعض ? إنا أعطيناكم هذا
ضميا منكم لنا ,وفرقا منكم .فأما إذ قدم ممد فل نعطيكم ! فكادت الرب تيج بينهما .ث
ارتضوا على أن يعلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم حكما بينهم .ث ذكرت العزيزة ,فقالت:وال
ما ممد بعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ,ولقد صدقوا ,ما أعطونا هذا إل ضيما منا وقهرا
لم! فدسوا إل ممد من يب لكم رأيه . .إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه ,وإن ل يعطكم
حذرت فلم تكموه ! فدسوا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ناسا من النافقي ليخبوا لم رأي
رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما جاءوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أخب ال رسوله صلى ال
عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا .فأنزل ال تعال( :يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف
الكفر) ,إل قوله(:الفاسقون) . .ففيهم وال أنزل ,وإياهم عن ال عز وجل [ . .أخرجه أبو داود
من حديث أب الزناد عن أبيه ] . .وف رواية لبن جرير عي فيها "العزيزة " وهي بنو النضي
"والذليلة " وهي بنو قريظة . .ما يدل -كما قلنا -على أن هذه اليات نزلت مبكرة قبل إجلئهم
والتنكيل بم . .
وقد عقب السياق بسؤال استنكاري على موقف يهود -سواء كان ف هذه القضية أو تلك فهو
موقف عام منهم وتصرف مطرد -فقال:
وكيف يكمونك -وعندهم التوراة فيها حكم ال -ث يتولون من بعد ذلك ? . .
فهي كبية مستنكرة أن يكموا رسول ال صلى ال عليه وسلم فيحكم بشريعة ال وحكم ال ,
وعندهم -إل جانب هذا -التوراة فيها شريعة ال وحكمه ; فيتطابق حكم رسول ال صلى ال
عليه وسلم وما عندهم ف التوراة ; ما جاء القرآن مصدقا له ومهيمنا عليه . .ث من بعد ذلك يتولون
ويعرضون .سواء كان التول بعدم التزام الكم ; أو بعدم الرضى به . .
ول يكتفي السياق بالستنكار .ولكنه يقرر الكم السلمي ف مثل هذا الوقف:
(وما أولئك بالؤمني) . .
فما يكن أن يتمع اليان ,وعدم تكيم شريعة ال ,أو عدم الرضى بكم هذه الشريعة .والذين
يزعمون لنفسهم أو لغيهم أنم "مؤمنون" ث هم ل يكمون شريعة ال ف حياتم ,أو ل يرضون
حكمها إذا طبق عليهم . .إنا يزعمون دعوى كاذبة ; وإنا يصطدمون بذا النص القاطع( :وما
179
أولئك بالؤمني) .فليس المر ف هذا هو أمر عدم تكيم شريعة ال من الكام فحسب ; بل إنه
كذلك عدم الرضى بكم ال من الحكومي ,يرجهم من دائرة اليان ,مهما ادعوه باللسان .
وهذا النص هنا يطابق النص الخر ,ف سورة النساء(:فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر
بينهم ,ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ,ويسلموا تسليمًا) . .فكلها يتعلق بالحكومي
ل بالكام .وكلها يرج من اليان ,وينفي صفة اليان عمن ل يرضى بكم ال ورسوله ,ومن
يتول عنه ويرفض قبوله .
ومرد المر كما قلنا ف مطلع الديث عن هذا الدرس . .أن القضية هي قضية القرار بألوهية ال -
وحده -وربوبيته وقوامته على البشر .أو رفض هذا القرار .وأن قبول شريعة ال والرضى بكمها
هو مظهر القرار بألوهيته وربوبيته وقوامته ; ورفضها والتول عنها هو مظهر رفض هذا القرار .
180
( ومهيمنا ) ي شهيدا وكذا قال ماهد وقتادة والسدي وقال العوف عن ابن عباس ( ومهيمنا )
ي حاكما على ما قبله من الكتب وهذه القوال كلها متقاربة العن فإن اسم الهيمن يتضمن هذا
كله فهو أمي وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله جعل ال هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر
الكتب وخاتها وأشلها وأعظمها وأكملها حيث جع فيه ماسن ما قبله من الكمالت ماليس ف
غيه فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها وتكفل تعال حفظه بنفسه الكرية فقال تعال
( إنا نن نزلناالذكر وإنا له لافظون ) أما ماحكاه ابن أب حات عن عكرمة وسعيد بن جبي
وعطاء الراسان وابن أب نيح عن ماهد أنم قالوا ف قوله ( ومهيمنا عليه ) عن ممدا صلى
ال عليه وسلم أمي على القرآن فإنه صحيح ف العن ولكن ف تفسيهذا بذا نظر وف تنيله
عليه من حيث العربية أيضا نظر وبالملة فالصحيح الول وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته
له عن ماهد وهذا التأويل بعيد عن الفهوم ف كلم العرب بل هو خطأ وذلك أن الهيمن عطف
على الصدق فل يكون إل صفة لا كان الصدق صفة له ولو كان المر كما قال ماهد لقال
( وأنزلنا إليك الكتاب بالق مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) عن من غي عطف
وقولتعال ( فاحكم بينهم با أنزل ال ) ي فاحكم ياممد بي الناس عربم وعجمهم أميهم
وكتابيهم با أنزل ال إليك من هذا الكتاب العظيم وبا قرره لك من حكم من كان قبلك من
النبياء ول ينسخه ف شرعك هكذا وجهه ابن جرير بعناه قال ابن أب حات حدثنا ممد بن
عمار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسي عن الكم عن ماهد
عن ابن عباس قال كان النب صلى ال عليه وسلم ميا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض
عنهم فردهم إل أحكامهم فنلت ( وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم ) أمر رسول
ال صلى ال عليه وسلم أن يكم بينهم با ف كتابنا وقوله ( ول تتبع أهواءهم ) ي آراءهم الت
اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما أنزل ال على رسله ولذا قال تعال ( ول تتبع أهواءهم عما
جاءك من الق ) ي ل تنصرف عن الق الذي أمرك ال به إل أهواء هؤلء من الهلة الشقياء
وقوله تعال ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ال ابن أب حات حدثنا أبو سعيد الشج حدثنا
أبو خالد الحر عن يوسف بن أب إسحاق عن أبيه عن التميمي عن ابن عباس ( لكل جعلنا
منكم شرعة ) ال سبيل وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان بن أب إسحاق عن التميمي
عن ابن عباس ( ومنهاجا ) ال سنة وكذا روى العوف عن ابن عباس ( شرعة ومنهاجا ) بيل
وسنة وكذا روي عن ماهد وعكرمة والسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وابن إسحاق
السبيعي أنم قالوا ف قوله ( شرعة ومنهاجا ) ي سبيل وسنة وعن ابن عباس أيضا وماهد أي
وعطاء الراسان عكسه شرعة ومنهاجا أي سنة وسبيل والول أنسب فإن الشرعة وهي الشريعة
أيضا هي ما يبتدا فيه إل الشئ ومنه قال شرع ف كذا أي ابتدأ فيه وكذا الشريعة وهي ما يشرع
181
فيها إل الاء أما النهاج فهو الطريق الواضح السهل والسنن والطرائق فتفسي قوله ( شرعة
ومنهاجا ) السبيل والسنة أظهر ف الناسبة من العكس وال أعلم ث هي أخبار عن المم الختلفة
الديان باعتبار مابعث ال به رسله الكرام من الشرائع الختلفة ف الحكام التفقة ف التوحيد كما
ثبت ف صحيح البخاري ' 3442م ' 2365عن أب هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال نن معاشر النبياء أخوة لعلت ديننا واحد يعن بذلك التوحيد الذي بعث ال به كل رسول
أرسله وضمنه كل كتاب أنزله كما قال تعال ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه
أنه ل إله إل أنا فاعبدون ) قال تعال ( ولقد بعثنا ف كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا
الطاغوت ) لية وأما الشرائع فمختلفة ف الوامر والنواهي فقد يكون الشئ ف هذه الشريعة
حراما ث يل ف الشريعة الخرى وبالعكس وخفيفا فيزاد ف الشدة ف هذه دون هذه وذلك لا
له تعال ف ذلك من الكمة البالغة والجة الدامغة قال سعيد بن أب عروبة عن قتادة قوله ( لكل
جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قول سبيل وسنة والسنن متلفة هي ف التوراة شريعة وف النيل
شريعة وف الفرقان شريعة يل ال فيها ما يشاء ويرم ما يشاء ليعلم من يطيعه من يعصيه والدين
الذي ل يقبل ال غيه التوحيد والخلص ل الذي جاءت به جيع الرسل عليهم الصلة والسلم
وقيل الخاطب بذه الية هذه المة ومعناه لكل جعلنا القرآن منكم أيتها المة شرعة ومنهاجا
أي هو لكم كلكم تقتدون به وحذف الضمي النصوب ف قوله ( لكل جعلنا منكم ) ي جعلناه
يعن القرآن شرعة ومنهاجا أي سبيل إل القاصد الصحيحة وسنة أي طريقا ومسلكا واضحا بينا
هذا مضمون ماحكاه ابن جرير عن ماهد رحه ال والصحيح القول الول ويدل على ذلك ف
قوله تعال بعده ( ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة ) لو كان هذا خطابا لذه المة لا صح أن
يقول ( ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة ) هم أمة واحدة ولكن هذا خطاب لميع المم وإخبار
عن قدرته تعال العظيمة الت لو شاء لميع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة ل ينسخ
شيء منها ولكنه تعال شرع لكل رسول شريعة على حدة ث نسخها أو بعضها برسالة الخر
الذي بعده حت نسخ الميع با بعث به عبده ورسوله ممدا صلى ال عليه وسلم الذي ابتعثه إل
أهل الرض قاطبة وجعله خات النبياء كلهم ولذا قال تعال ( ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة
ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ) ي أنه تعال شرع الشرائع متلفة ليخب عباده فيما شرع لم ويثيبهم
أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته با فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله وقال عبد ال بن كثي
( فيما آتاكم ) عن من الكتاب ث إنه تعال ندبم إل السارعة إل اليات والبادرة اليها فقال
( فاستبقوا اليات ) ي طاعة ال واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لا قبله والتصديق بكتابه
القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله ث قال تعال ( ال ال مرجعكم ) ي معادكم أيها الناس
ومصيكم إليه يوم القيامة ( فينبئكم با كنتم فيه تتلفون ) ي فيخبكم با اختلفتم فيه من الق
182
فيجزي الصادقي بصدقهم ويعذب الكافرين الاحدين الكذبي بالق العادلي عنه إل غيه بل
دليل ول برهان بل هم معاندون للباهي القاطعة والجج البالغة والدلة الدامغة وقال الضحاك (
فاستبقوا اليات ) عن أمة ممد صلى ال عليه وسلم والول أظهر وقوله ( وأن احكم بينهم با
أنزل ال ول تتبع أهواءهم ) أكيد لا تقدم من المر بذلك النهي عن خلفه ث قال ( واحذرهم
أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك ) ي واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الق فيما
ينهونه إليك من المور فل تغتر بم فإنم كذبة كفرة خونة ( فإن تولوا ) ي عما تكم بينهم من
الق وخالفوا شرع ال ( فاعلم إنا يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبم ) ي فاعلم أن ذلك كائن
عن قدرة ال وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الدى لا لم من الذنوب السالفة الت اقتضت
إضللم ونكالم ( وإن كثيا من الناس لفاسقون ) ي إن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربم
مالفون للحق ناكبون عنه كما قال تعال ( وما أكثر الناس ولو حرصت بؤمني ) قال تعال
( وإن تطع أكثر من ف الرض يضلوك عن سبيل ال ) لية وقال ممد بن إسحاق حدثن ممد
بن أب ممد مول زيد بن ثابت حدثن سعيد بن جبي أو عكرمة عن ابن عباس قال قال كعب
بن أسد وابن صلوبا وعبد ال بن صوريا وشأس بن قيس بعضهم لبعض اذهبوا بنا إل ممد لعلنا
نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا ياممد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتم وإنا إن
اتبعناك اتبعنا يهود ول يالفونا وإن بيننا وبي قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم
ونؤمن ونصدقك فأب ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال عز وجل فيهم ( وأن
احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك ) ل
قوله ( لقوم يوقنون ) واه ابن جرير وابن أب حات وقوله تعال ( أفحكم الاهلية يبغون ومن
أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ) نكر تعال على من خرج عن حكم ال الحكم الشتمل
على كل خي الناهي عن كل شر وعدل إل ما سواه من الراء والهواء والصطلحات الت
وضعها الرجال بل مستند من شريعة ال كما كان أهل الاهلية يكمون به من
الضللتوالهالت با يضعونا بآرائهم وأهوائهم وكما يكم به التتار من السياسات اللكية
الأخوذة عن ملكهم جنكر خان الذي وضع لم الياسق وهو عبارة عن كتاب مموع من أحكام
قد اقتبسها عن شرائع شت من اليهودية والنصرانية واللة السلمية وغيها وفيها كثي من
الحكام أخذها من مرد نظرة وهواه فصارت ف بنيه شرعا متبعا يقدمونا على الكم بكتاب
ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يب قتاله حت يرجع إل
حكم ال ورسوله فل يكم سواه ف قليل ول كثي قال تعال ( أفحكم الاهلية يبغون ) ي
يبتغون ويريدون وعن حكم ال يعدلون ( ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ) ي ومن
أعدل من ال ف حكمه لن عقل عن ال شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن ال أحكم الاكمي
183
وأرحم بلقه من الوالدة بولدها فإنه تعال هو العال بكل شيء القادر على كل شيء العادل ف
كل شئ وقال ابن أب حات حدثنا أب حدثنا هلل بن فياض حدثنا أبو عبيدة الناجي قال سعت
الكم يقول من حكم بغي حكم ال فحكم الاهلية وأخبنا يونس بن عبد العلى قراءة حدثنا
سفيان بن عيينة عن ابن أب نيح قال كان طاوس إذا سأله رجل أفضل بي ولدي ف النحل قرأ (
أفحكم الاهلية يبغون ) لية وقال الافظ أبو القاسم الطبان ' ' 10/10749حدثنا أحد بن
عبد الوهاب بن ندة الوطي حدثنا أبو اليمان الكم بن نافع أخبنا شعيب بن أب حزة عن
عبد ال بن عبد الرحن بن أب حسي عن نافع بن جبي عن ابن عباس قال قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم أبغض الناس إل ال عز وجل من يبتغي ف السلم سنة الاهلية وطاب دم امرئ
بغي حق لييق دمه وروى البخاري ' ' 6882عن أب اليمان بإسناده نوه بزيادة
وف الظلل :
فإنه إما حكم ال ,وإما حكم الاهلية .ول وسط بي الطرفي ول بديل . .حكم ال يقوم ف
الرض ,وشريعة ال تنفذ ف حياة الناس ,ومنهج ال يقود حياة البشر . .أو أنه حكم الاهلية ,
وشريعة الوى ,ومنهج العبودية . .فأيهما يريدون ?
(أفحكم الاهلية يبغون ? ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) . .
إن معن الاهلية يتحدد بذا النص .فالاهلية -كما يصفها ال ويددها قرآنه -هي حكم البشر
للبشر ,لنا هي عبودية البشر للبشر ,والروج من عبودية ال ,ورفض ألوهية ال ,والعتراف ف
مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لم من دون ال . .
إن الاهلية -ف ضوء هذا النص -ليست فترة من الزمان ; ولكنها وضع من الوضاع .هذا
الوضع يوجد بالمس ,ويوجد اليوم ,ويوجد غدا ,فيأخذ صفة الاهلية ,القابلة للسلم ,
والناقضة للسلم .
والناس -ف أي زمان وف أي مكان -إما أنم يكمون بشريعة ال -دون فتنة عن بعض منها -
ويقبلونا ويسلمون با تسليما ,فهم إذن ف دين ال .وإما إنم يكمون بشريعة من صنع البشر -
ف أي صورة من الصور -ويقبلونا فهم إذن ف جاهلية ; وهم ف دين من يكمون بشريعته ,
وليسوا بال ف دين ال .والذي ل يبتغى حكم ال يبتغي حكم الاهلية ; والذي يرفض شريعة ال
يقبل شريعة الاهلية ,ويعيش ف الاهلية .
وهذا مفرق الطريق ,يقف ال الناس عليه .وهم بعد ذلك باليار !
ث يسألم سؤال استنكار لبتغائهم حكم الاهلية ; وسؤال تقرير لفضلية حكم ال .
(ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) . .
وأجل ! فمن أحسن من ال حكما ?
184
ومن ذا الذي يرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس ,ويكم فيهم ,خيا ما يشرع ال لم ويكم فيهم ?
وأية حجة يلك أن يسوقها بي يدي هذا الدعاء العريض ?
أيستطيع أن يقول:إنه أعلم بالناس من خالق الناس ? أيستطيع أن يقول:إنه أرحم بالناس من رب
الناس ? أيستطيع أن يقول:إنه أعرف بصال الناس من إله الناس ? أيستطيع أن يقول:إن ال -
سبحانه -وهو يشرع شريعته الخية ,ويرسل رسوله الخي ; ويعل رسوله خات النبيي ,ويعل
رسالته خاتة الرسالت ,ويعل شريعته شريعة البد . .كان -سبحانه -يهل أن أحوالًا ستطرأ ,
وأن حاجات ستستجد ,وأن ملبسات ستقع ; فلم يسب حسابا ف شريعته لنا كانت خافية
عليه ,حت انكشفت للناس ف آخر الزمان ?!
ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة ال عن حكم الياة ,ويستبدل با شريعة الاهلية ,
وحكم الاهلية ; ويعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب ,أو هوى جيب من أجيال البشر ,
فوق حكم ال ,وفوق شريعة ال ?
ما الذي يستطيع أن يقوله . .وباصة إذا كان يدعي أنه من السلمي ?!
الظروف ? اللبسات ? عدم رغبة الناس ? الوف من العداء ? . .أل يكن هذا كله ف علم ال ;
وهو يأمر السلمي أن يقيموا بينهم شريعته ,وأن يسيوا على منهجه ,وأل يفتنوا عن بعض ما
أنزله ?
قصور شريعة ال عن استيعاب الاجات الطارئة ,والوضاع التجددة ,والحوال التغلبة ? أل يكن
ذلك ف علم ال ; وهو يشدد هذا التشديد ,ويذر هذا التحذير ?
يستطيع غي السلم أن يقول مايشاء . .ولكن السلم . .أو من يدعون السلم . .ما الذي يقولونه
من هذا كله ,ث يبقون على شيء من السلم ? أو يبقى لم شيء من السلم ?
إنه مفرق الطريق ,الذي ل معدى عنده من الختيار ; ول فائدة ف الماحكة عنده ول الدال . .
إما إسلم وإما جاهلية .إما إيان وإما كفر .إما حكم ال وإما حكم الاهلية . .
والذين ل يكمون با أنزل ال هم الكافرون الظالون الفاسقون .والذين ل يقبلون حكم ال من
الحكومي ما هم بؤمني . .
إن هذه القضية يب أن تكون واضحة وحاسة ف ضمي السلم ; وأل يتردد ف تطبيقها على واقع
الناس ف زمانه ; والتسليم بقتضى هذه القيقة ونتيجة هذا التطبيق على العداء والصدقاء !
وما ل يسم ضمي السلم ف هذه القضية ,فلن يستقيم له ميزان ; ولن يتضح له منهج ,ولن يفرق
ف ضميه بي الق والباطل ; ولن يطو خطوة واحدة ف الطريق الصحيح . .وإذا جاز أن تبقى
هذه القضية غامضة أو مائعة ف نفوس الماهي من الناس ; فما يوز أن تبقى غامضة ول مائعة ف
نفوس من يريدون أن يكونوا "السلمي" وأن يققوا لنفسهم هذا الوصف العظيم . .
185
.7يرتكبون جيع الوبقات والفواحش ما ظهر منها وما بطن
186
اعتبار .وإنم لكذلك ف الدنيا بي الناس ,وإنم لكذلك ف الخرة عند ال .وما يسب الناس
حسابا إل للرجال القوياء الصرحاء ,الذين يهرون بآرائهم ,ويقفون خلف عقائدهم ,ويواجهون
الدنيا بأفكارهم ,وياربون أو يسالون ف وضح النهار .أولئك ينسون الناس ليذكروا إله الناس ,
فل يشون ف الق لومة لئم ,وأولئك يذكرهم ال فيذكرهم الناس ويسبون حسابم .
(إن النافقي هم الفاسقون) . .
فهم خارجون عن اليان ,منحرفون عن الطريق ,وقد وعدهم ال مصيا كمصي الكفار:
وعد ال النافقي والنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها ,هي حسبهم .
وفيها كفايتهم وهي كفاء إجرامهم .
ولعنهم ال . .
فهم مطرودون من رحته . .
(ولم عذاب مقيم) . .
-8يللون ما حرم ال تعال كتحليل الربا وغيه قال تعال :
اتّخَذُواْ أَ ْحبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مّن دُونِ الّل ِه وَاْلمَسِيحَ اْب َن مَرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُواْ إِلّ لَِي ْعبُدُواْ إِلَـهًا
شرِكُونَ [ سورة التوبة ] 31 / وَاحِدًا لّ ِإلَـهَ إِ ّل ُهوَ سُْبحَاَن ُه عَمّا ُي ْ
قال الصاص :
قوله تعال { :قُلْ يَا َأ ْهلَ الْ ِكتَابِ َتعَاَلوْا إلَى كَلِ َمةٍ َسوَاءٍ َبيَْننَا وَبَْينَكُمْ أَلّا َنعْبُدَ إلّا الّلهَ } الْآيَ َة .
قوله تعال َ { :كلِ َمةٍ َسوَاءٍ } َيعْنِي َواَلّلهُ َأ ْعلَ ُم َ :كلِمَ ِة عَدْ ٍل بَيَْننَا وََبيْنَكُ ْم نَتَسَاوَى جَمِيعًا فِيهَا ;
شرِ َك ِبهِ شَيْئًا َولَا يَتّخِذَ س َرهَا ِب َقوِْلهِ َتعَالَى { :أَلّا َنعْبُ َد إلّا الّل َه وَلَا نُ ْ إذْ كُنّا جَمِيعًا عِبَادَ الّلهِ ,ثُمّ َف ّ
شهَدُ اْل ُعقُولُ ِبصِحِّتهَا ; إذْ كَانَ النّاسُ َبعْضُنَا َب ْعضًا َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } َوهَ ِذ ِه هِيَ الْكَلِ َمةُ الّتِي َت ْ
ب عَلَى َأحَ ٍد مِْنهُمْ طَاعَ ُة غَْي ِرهِ إلّا ج ُ ض اْلعِبَا َد َة ,وَلَا يَ ِ
ضهُمْ َعلَى َبعْ ٍ ستَحِقّ َب ْع ُ
ُكّلهُ ْم عَبِي َد الّلهِ لَا يَ ْ
فِيمَا كَانَ طَاعَةً ِلّلهِ َتعَالَى .وََقدْ َشرَطَ الّلهُ َتعَالَى فِي طَاعَ ِة نَبِّيهِ صلى ال عليه وسلم مَا كَا َن مِْنهَا
َم ْعرُوفًا ,وَإِنْ كَا َن الّلهُ َتعَالَى قَ ْد عَلِمَ َأّنهُ لَا يَ ْأ ُمرُ إلّا بِالْ َم ْعرُوفِ ; ِلئَلّا يََترَخّصَ أَحَدٌ فِي إْلزَا ِم غَْي ِرهِ
سهِ إلّا بَِأ ْمرِ الّلهِ َتعَالَى قَالَ الّلهُ َتعَالَى مُخَا ِطبًا لَِنبِّيهِ صلى ال عليه وسلم فِي ِقصّةِ طَا َعةَ َنفْ ِ
ط عََلْيهِنّ َترْ َك ِعصْيَانِ النّبِ ّي صلى ال شرَ َ الْمُبَاِيعَاتِ { :وَلَا َي ْعصِيَنكَ فِي َم ْعرُوفٍ َفبَاِي ْعهُنّ } َف َ
عليه وسلم فِي اْل َمعْرُوفِ الّذِي يَ ْأ ُم ُرهُنّ ِبهِ تَأْكِيدًا ; لَِئلّا ُي ْلزِمَ أَحَدًا طَاعَ َة َغْي ِرهِ إلّا بَِأ ْمرِ الّل ِه َومَا
كَا َن مِْنهُ طَا َعةٌ لِّلهِ َتعَالَى .وقوله تعال { :وَلَا َيتّخِذَ َب ْعضُنَا َبعْضًا َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } َأيْ لَا
ح ِر ِيهِ إلّا فِيمَا حَلَّلهُ الّلهُ َأوْ َح ّر َمهُ َ ,و ُهوَ نَظِيُ قوله تعال { :اتّخَذُوا يَتَْب ْعهُ فِي تَحْلِيلِ شَ ْي ٍء ,وَلَا تَ ْ
َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِي َح ابْ َن َمرْيَمَ } وَقَ ْد َروَى َعبْدُ السّلَامِ بْنُ َح ْربٍ عَنْ
ص َعبِ ْبنِ َسعْ ٍد عَ ْن عَ ِديّ ْبنِ حَاتِ ٍم قَالَ { :أََتْيتُ النّبِيّ صلى ال عليه غُ َطيْفِ بْنِ َأعَْي َن عَ ْن مُ ْ
187
وسلم وَفِي ُعُنقِي صَلِيبٌ مِ ْن َذ َهبٍ َ ,فقَا َل :أَلْ ِق هَذَا اْل َوثَ َن عَنْك ثُمّ َقرَأَ { :اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُ ْم
َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّلهِ } ُقلْت :يَا َرسُولَ الّلهِ مَا كُنّا َنعْبُ ُدهُمْ قَا َل َ :ألَْيسَ كَانُوا يُحِلّونَ
ح ّرمُوَنهُ ؟ قَالَ َ :فتِ ْلكَ ح ّرمُونَ َعلَْيهِ ْم مَا أَحَ ّل الّلهُ َلهُمْ َفيُ َ حلّوَنهُ َويُ َ َلهُ ْم مَا َح ّرمَ الّلهُ َعلَْيهِ ْم فَيُ ِ
ِعبَادَُتهُمْ } ; وَِإنّمَا َوصَ َفهُمْ الّلهُ َتعَالَى بِأَّنهُمْ اتّخَذُوهُمْ َأرْبَابًا ; لَِأّنهُمْ أَْنزَلُوهُ ْم مَْنزِلَ َة َرّبهِمْ
ستَحِقّ َأحَدٌ أَنْ ح ّرمْهُ الّلهُ ,وَلَمْ ُيحَلّ ْلهُ .وَلَا يَ ْ حلِيِلهِ ْم لِمَا لَمْ ُي َ
ح ِر ِيهِ ْم وَتَ ْ
وَخَاِل ِقهِمْ فِي َقبُولِ تَ ْ
يُطَاعَ بِ ِمثِْلهِ إلّا الّلهُ َتعَالَى الّذِي ُهوَ خَاِل ُقهُ ْم ,وَالْمُ َكّلفُونَ ُكّلهُمْ ُمتَسَاوُونَ فِي ُلزُو ِم عِبَا َدةِ الّلهِ
وَاتّبَاعِ َأ ْمرَ ُه وََتوْجِيهِ اْلعِبَا َدةِ إلَْي ِه دُونَ َغْي ِرهِ .
ف َومُحَمّدٌ ب َ ,فقَالَ أَبُو َحنِيفَ َة وَأَبُو يُوسُ َ وَاخَْتلَفَ اْل ُف َقهَاءُ فِيمَ ْن اْنتَحَ َل دِينَ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ مِ ْن اْل َعرَ ِ
ب وَاْلعَجَ ِم فَذَبِيحَُت ُه مُذَكّاةٌ إذَا سَمّى الّل َه عََلْيهَا . صرَانِيّا مِنْ اْل َعرَ ِ َوزَُف ُر ( :مَنْ كَانَ َيهُودِيّا َأوْ َن ْ
ب وَاْلعَجَ ِم فِي ذَِلكَ ) . صرَانِ ّي عََلْيهَا بِاسْمِ اْلمَسِيحِ لَمْ ُتؤْكَ ْل ,وَلَا َفرْقَ َبيْنَ اْل َعرَ ِ وَإِنْ سَمّى الّن ْ
سهِمْ أَ ْك َرهُ أَ ْكَلهُ َ ,ومَا سُمّ َي عََلْيهِ بِاسْ ِم الْمَسِيحِ لَا ُيؤْكَ ُل وَاْل َع َربُ وَقَا َل مَاِلكٌ ( :مَا ذََبحُوهُ لِ َكنَاِئ ِ
وَاْلعَجَمُ فِيهِ َسوَاءٌ ) .وَقَالَ الّث ْو ِريّ ( :إذَا ذُِب َح وَُأهِلّ ِبهِ ِلغَْيرِ الّلهِ َك ِرهُْت ُه ) َ ,و ُهوَ َقوْلُ إْبرَاهِي َم .
وَقَالَ الّث ْو ِريّ َ :وبََلغَنِي عَ ْن عَطَاءٍ َأّنهُ قَا َل ( :قَدْ َأحَلّ الّلهُ مَا ُأهِ ّل ِبهِ ِل َغْيرِ الّلهِ ; لِأَّنهُ قَ ْد عَلِمَ َأّنهُمْ
سََيقُولُونَ هَذَا اْل َقوْلَ ) .وَقَالَ الَْأ ْوزَاعِ ّي ( :إذَا سَ ِمعَْتهُ ُيرْ ِسلُ كَلَْبهُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أُكِ َل ) .وَقَالَ
سهِ ْم وََأعْيَا ِدهِ ْم :كَانَ مَ ْكحُولُ لَا َيرَى ِبهِ بَأْسًا ,وََيقُولُ :هَ ِذهِ فِيمَا ذََبحَ َأهْلُ اْلكِتَابَيْنِ ِلكَنَائِ ِ
حهُ ْم قَبْ َل ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ ثُمّ َأحَّلهَا الّلهُ َتعَالَى فِي ِكتَاِبهِ ; َو ُهوَ َقوْلُ اللّْيثِ ْبنِ َسعْ ٍد . كَاَنتْ َذبَائِ َ
ب ) قَا َل َ ( :ومَنْ دَانَ ب مِنْ بَنِي َتغِْل َ وَقَالَ الرّبِي ُع عَ ْن الشّاِفعِيّ ( :لَا َخْيرَ فِي ذَبَاِئحِ َنصَارَى اْل َعرَ ِ
ج مِنْ ف دِينَ َأهْ ِل الَْأوْثَا ِن قَبْلَ ُنزُو ِل اْل ُقرْآنِ َف ُهوَ خَارِ ٌ دِينَ َأهْلِ الْ ِكتَابِ قَْبلَ ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ وَخَالَ َ
ج ْزيَ ُة َعرَبِيّا كَانَ َأ ْو عَجَمِيّا َ ,ومَنْ دَ َخ َل عَلَْيهِ الْإِ ْسلَامُ وَلَ ْم يَدِنْ بِدِينِ َأهْ ِل الَْأوْثَا ِن َوُتقْبَ ُل مِْنهُ الْ ِ
ي عَنْ جَمَا َع ٍة مِنْ ف ) .قَالَ َأبُو بَ ْك ٍر َ :وقَ ْد ُروِ َ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ فَلَا ُيقْبَ ُل مِْنهُ إلّا الْإِ ْسلَامُ َأوْ السّيْ ُ
ب مِنْ اْل َع َربِ ,لَمْ ُي َفرّقْ أَحَ ٌد مِْنهُمْ فِيهِ بَيْ َن مَ ْن دَا َن بِذَِلكَ قَْبلَ ُنزُولِ السّلَفِ اْل َقوْلُ فِي َأهْلِ الْ ِكتَا ِ
ك, ف وَاْلخَلَفِ ا ْعتََبرَ فِيهِ ْم مَا اعَْتَب َرهُ الشّاِفعِيّ فِي ذَِل َ اْل ُقرْآنِ َأوْ َبعْ َد ُه ,وَلَا َنعْلَمُ أَحَدًا مِنْ السّلَ ِ
ج ِبهَا عَنْ أَقَاوِيلِ َأهْلِ اْل ِعلْ ِم َ .و َروَى َسعِي ُد بْنُ ُجبَْي ٍر عَنْ ابْ ِن عَبّاسٍ َف ُهوَ مُْن َف ِردٌ ِبهَ ِذهِ الْ َمقَاَلةِ خَارِ ٌ
فِي َقوِْل ِه { :لَا إ ْكرَاهَ فِي الدّينِ } قَا َل { :كَاَنتْ الْ َمرَْأ ُة مِنْ الَْأْنصَارِ لَا َيعِيشُ َلهَا وَلَدٌ َفتَحْلِفُ
س مِنْ أَْبنَاءِ الْأَْنصَارِ َفقَاَلتْ الْأَْنصَارُ َلئِ ْن عَاشَ َلهَا وَلَدٌ لَُت َه ّودَّن ُه ,فَلَمّا ُأجِْلَيتْ بَنُو الّنضِيِ إذَا فِيهِمْ نَا ٌ
:يَا رَسُو َل الّلهِ َأبْنَاؤُنَا فَأَْنزَ َل الّل ُه { :لَا إ ْكرَاهَ فِي الدّينِ } } .قَالَ َسعِي ٌد :فَمَنْ شَاءَ َلحِقَ ِبهِمْ
َومَنْ شَا َء دَخَلَ الْإِ ْسلَامَ فَلَ ْم ُي َفرّقْ فِيمَا ذَ َكرَ َبيْ َن مَنْ دَانَ بِاْلَيهُودِيّةِ َقبْلَ ُنزُو ِل اْل ُقرْآ ِن وََبعْ َدهُ َو َروَى
ف بْنِ اْلحَا ِرثِ :أَ ّن عَامِلًا ِلعُ َمرَ بْ ِن الْخَطّابِ َكَتبَ إلَْيهِ أَنّ نَاسًا مِنْ سيّ َعنْ ُغضَيْ ِ ُعبَا َدةُ بْنُ نُ َ
ث ,فَمَا َترَى ؟ َفكََتبَ إلَْي ِه عُ َم ُر " : ت وَلَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْب ْع ِ
سبِتُونَ السّْب َ السّا ِم َرةِ َي ْقرَءُونَ الّت ْورَا َة وَيَ ْ
188
إّنهُمْ طَاِئفَ ٌة مِنْ َأهْ ِل الْكِتَابِ " َ .و َروَى مُحَمّدُ ْبنُ سِيِينَ َعنْ ُعبَيْ َدةَ قَا َل :سََألْت َعلِيّا عَ ْن ذَبَائِحِ
ش ْربِحهُ ْم فَإِّنهُمْ لَ ْم يََتعَّلقُوا مِ ْن دِيِنهِ ْم بِشَ ْيءٍ إلّا بِ َُنصَارَى اْل َع َربِ َ ,فقَا َل ( :لَا تَحِ ّل ذَبَائِ ُ
الْخَ ْم ِر ) َ .و َروَى عَطَاءُ بْ ُن السّاِئبِ عَ ْن عِ ْك ِرمَ َة عَ ْن ابْ ِن َعبّاسٍ قَا َل :كُلُوا مِنْ ذَبَائِ ِح بَنِي َتغِْلبَ
وََت َزوّجُوا مِنْ نِسَاِئهِ ْم َ ,فإِنّ الّلهَ َتعَالَى قَالَ فِي ِكتَاِب ِه َ { :ومَنْ َيَتوَّلهُ ْم مِنْكُمْ َفإِّنهُ ِمْنهُمْ } َفَلوْ لَمْ
يَكُونُوا مِْنهُ ْم إلّا بِاْل ِولَاَيةِ كَانُوا ِمْنهُمْ وََلمْ ُي َفرّقْ َأحَ ٌد مِنْ َهؤُلَاءِ بَيْ َن مَ ْن دَانَ بِ َذِلكَ قَبْ َل ُنزُولِ
ع مِْنهُ ْم .وَيَ ُد ّل عَلَى ُبطْلَا ِن هَ ِذهِ الْ َمقَالَ ِة مِنْ الّت ْفرِقَ ِة بَيْ َن مَ ْن دَا َن بِدِينِ اْل ُقرْآ ِن وََبعْ َد ُه َ ,ف ُهوَ إ ْجمَا ٌ
َأهْ ِل الْ ِكتَابِ قَبْ َل ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ َأوْ َبعْ َدهُ َقوْ ُل الّلهِ َتعَالَى { :يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الَْيهُودَ
ض َومَنْ يََتوَّلهُ ْم مِنْكُ ْم } َ ,وذَِلكَ إنّمَا َيقَ ُع َعلَى الْ ُمسَْتقْبَ ِل , وَالّنصَارَى َأوِْليَاءَ َب ْعضُهُمْ َأوِْليَاءُ َبعْ ٍ
فَأَخَْبرَ َتعَالَى َبعْدَ ُنزُولِ اْلقُرْآنِ أَنّ مَ ْن يََتوَلّاهُ ْم مِنْ اْل َعرَبِ َف ُه َو مِْنهُ ْم َ ,وذَِلكَ َيقَْتضِي أَنْ يَكُونَ
حهُ ْم ,لقوله تعال { :وَ َطعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ب ,وَأَ ْن تَحِ ّل ذَبَائِ ُ ِكتَاِبيّا ; لَِأّنهُمْ َأهْلُ اْلكِتَا ِ
ب هُمْ َبنُو إ ْسرَائِي َل الّذِي َن يَْنتَحِلُو َن الَْيهُودِيّةَس مَنْ َي ْزعُمُ أَنّ َأهْلَ الْكِتَا ِ حِلّ لَكُمْ } َومِنْ النّا ِ
ب وَاْلعَجَ ِم الّذِينَ دَانُوا بِدِيِنهِ ْم ,وَلَ ْم ُيفَرّقُوا فِي ذَِلكَ َبيْ َن مَنْ صرَاِنيّة دُو َن مَنْ ِسوَاهُ ْم مِنْ اْل َعرَ ِ وَالّن ْ
دَا َن بِذَِلكَ َقبْلَ ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ َوَبعْ َدهُ ,وَيَحَْتجّونَ فِي ذَِلكَ ِب َقوِْلهِ { :وََلقَدْ آتَْينَا بَنِي إ ْسرَائِيلَ
الْ ِكتَابَ وَالْحُكْ َم وَالنُّب ّوةَ } ,فََأخَْبرَ أَنّ الّذِينَ آتَاهُ ْم الْ ِكتَابَ هُ ْم بَنُو إ ْسرَائِي َل ; وَبِحَدِيثِ ُعبَيْ َدةَ
السّلْمَاِن ّي عَ ْن عَلِيّ َأّنهُ قَا َل ( :لَا َتحِ ّل ذَبَائِحُ َنصَارَى اْل َع َربِ لَِأّنهُمْ لَمْ َيَتعَّلقُوا مِنْ دِيِنهِمْ ِبشَ ْيءٍ إلّا
ش ْربِ الْخَمْر ) َأمّا الْآيَ ُة فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى َقوِْلهِمْ ; لَِأّنهُ إنّمَا أَ ْخَبرَ َأّنهُ آتَى بَنِي إ ْسرَائِيلَ الْكِتَابَ بِ ُ
حهُ ْم , وَلَ ْم يَنْفِ بِ َذِلكَ أَ ْن يَكُو َن مَنْ اْنتَحَ َل دِيَنهُمْ فِي حُ ْك ِمهِمْ .وَقَ ْد قَالَ ابْ ُن عَبّاسٍ :تَحِ ّل ذَبَائِ ُ
ض َومَنْ يََتوَّلهُ ْم مِنْكُ ْم فَإِّنهُ لقوله تعال { :لَا تَتّخِذُوا اْلَيهُودَ وَالّنصَارَى َأوِْليَاءَ َب ْعضُهُمْ َأوْلِيَاءُ َبعْ ٍ
مِْنهُمْ } َ ,فَلوْ لَمْ يَكُونُوا مِْنهُمْ إلّا بِاْلوِلَايَةِ َلكَانُوا مِْنهُ ْم َوَقوْلُ َعلِيّ رضي ال عنه فِي ذَِلكَ وَحَ ْظرُ
ذَبَائِ ِح َنصَارَى اْل َع َربِ لَْيسَ مِ ْن ِجهَةِ أَّنهُ ْم مِ ْن غَْيرِ َبنِي إ ْسرَائِيلَ ,لَكِ ْن مِ ْن قِبَلِ َأّنهُمْ َغْيرُ مَُتمَسّ ِكيَ
ش ْربِ الْخَ ْم ِر ,وََلمْ َيقُ ْل :لَِأّنهُمْ شرِيعَةِ ; لَِأّنهُ قَا َل :إّنهُمْ لَا َيَتعَّلقُونَ مِ ْن دِيِنهِمْ إلّا ِب ُبِأَحْكَامِ ِت ْلكَ ال ّ
َليْسُوا مِ ْن بَنِي إ ْسرَائِيلَ ; َف َقوْ ُل مَنْ قَالَ إنّ َأهْلَ الْ ِكتَابِ لَا َيكُونُونَ إلّا مِنْ َبنِي إ ْسرَائِي َل وَإِ ْن دَانُوا
بِدِيِنهِمْ َقوْلٌ سَاِقطٌ َم ْردُو ٌد َ .و َروَى هِشَامُ بْنُ حَسّا ٍن عَ ْن مُحَمّ ِد بْنِ سِيِي َن عَنْ أَبِي ُعبَيْ َد َة عَنْ
حُذَْيفَ َة عَ ْن عَ ِديّ بْنِ حَاتِمٍ قَا َل َ { :أتَْينَا النِّبيّ صلى ال عليه وسلم َفقَالَ لِي رَسُو ُل الّلهِ صلى ال
عليه وسلم :يَا عَ ِديّ بْنَ حَاتِمٍ أَ ْسلِمْ َتسْلَ ْم َفقُلْت َلهُ :إنّ لِي دِينًا َ ,فقَالَ :أَنَا َأعْلَمُ ِبدِينِك مِنْك
قُلْت َ :أْنتَ َأ ْعلَمُ بِدِينِي مِنّي ؟ قَا َل َ :نعَمْ َألَسْت رَكُوسِيّا ؟ قَالَ ُ :قلْت بَلَى قَا َل :أَلَسْت َترَْأسُ
َق ْومَك ؟ قَالَ :قُلْت :بَلَى قَا َل :أَلَسْت تَ ْأخُذُ اْل ِمرْبَاعَ ؟ قَالَ ُ :قلْت َ :بلَى قَالَ :فَإِ ّن ذَِلكَ لَا
ضعْت ِبهَا َ } .و َروَى يَحِلّ لَك فِي دِينِك قَالَ :فَكََأنّي رَأَيْت أَ ّن عَلَ ّي ِبهَا َغضَاضَ ًة ,وَكَأَنّي َتوَا َ
صعَبِ بْ ِن َسعْدٍ عَ ْن عَ ِديّ بْ ِن حَاتِ ٍم قَا َل : َعبْدُ السّلَامِ بْ ُن َح ْربٍ عَ ْن غُ َطيْفِ بْنِ َأعْيَ َن عَ ْن ُم ْ
189
{ أَتَيْت النّبِيّ صلى ال عليه وسلم وَفِي عُُنقِي صَلِيبٌ َذ َهبٌ َفقَا َل َ :ألْ َق هَذَا اْلوَثَ َن عَنْك ُثمّ َقرََأ :
{ اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَالَ :قُلْت :يَا رَسُو َل الّل ِه مَا كُنّا َنعْبُ ُدهُمْ
ح ّرمُو َن عََليْكُ ْم مَا أَحَ ّل الّلهُ حلّونَ لَكُ ْم مَا َح ّرمَ الّل ُه َع ّز وَجَلّ َفتُحِلّوَنهُ وَُي َ قَا َل َ :ألَْيسَ كَانُوا يُ ِ
ضرُوبٌ مِ ْن الدّلَالَ ِة عَلَى مَا ذَ َكرْنَا , ح ّرمُوَنهُ ؟ قَا َل :فَِت ْلكَ ِعبَادَُتهُمْ } وَفِي هَ َذيْنِ الْخََبرَْينِ ُ فَتُ َ
سبَ إلَى مُتّخِذِي الَْأحْبَا ِر وَال ّرهْبَانِ َأرْبَابًا َوهُمْ َأحَ ُدهَا :أَ ّن رَسُو َل الّلهِ صلى ال عليه وسلم َن َ
ك عَْنهُ مِنْ َحْيثُ كَا َن َعرَبِيّا ,وَقَا َل فِي اْلحَدِيثِ الَْأوّ ِل " : ف ذَِل َالَْيهُو ُد وَالّنصَارَى ,وَلَ ْم يَنْ ِ
ع َ ,و ُه َو رُبُعُ خرِ ْج ُه عَْنهُمْ بَِأخْ ِذهِمْ اْل ِمرْبَا َ ف مِنْ الّنصَارَى َ ,فلَمْ يُ ْ َألَسْت رَكُوسِيّا " َوهُمْ صِنْ ٌ
ك مِ ْن دِينِ الّنصَارَى ; لِأَنّ فِي دِيِنهِمْ أَ ّن اْلغَنَائِمَ لَا تَحِلّ ; َفهَذَا يَ ُد ّل عَلَى أَنّ اْلغَنِيمَةِ ; وََلْيسَ ذَِل َ
شرِيعَةِ خرِ ُجهُ ْم مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ َأ ْهلِ تِ ْلكَ ال ّ سكِ بِمَا يَنَْتحُِلهُ اْلمُنَْتحِلُونَ ِللَْأدْيَانِ لَا يُ ْ َترْكَ التّمَ ّ
حلُونَ مِ ْن دِينِ َأ ْهلِ الْ ِكتَابِ َوذَِلكَ الدّي ِن َ ,ويَدُ ّل عَلَى أَ ّن اْل َع َربَ وََبنِي إ ْسرَائِيلَ َسوَاءٌ فِيمَا يَْنتَ ِ
ختَِلفِي الْأَحْكَامِ ; وَلَمّا لَمْ َيسْأَْلهُ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم عَمّا انَْتحََل ُه مِنْ دِينِ وََأّنهُمْ َغْيرُ مُ ْ
الّنصَارَى َأكَانَ قَْبلَ ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ َأ ْو َبعْ َدهُ وََنسََبهُ إلَى ِفرَْق ٍة مِْنهُ ْم مِ ْن غَْي ِر مَسْأَلَ ٍة دَ ّل عَلَى أَّنهُ لَا َفرْقَ
ح َل ذَِلكَ قَبْلَ ُنزُو ِل اْل ُقرْآنِ َأوْ َبعْ َدهُ ; وَاَلّلهُ َأ ْعلَ ُم . بَيْ َن مَنْ انْتَ َ
قوله تعال { :اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَمَ } قِي َل :إنّ
حسْنِ الْبَيَانِ َعْنهَا ُ ,يقَالُ فِيهِ َحْبرٌ وَ َحبِيٌ ; وَالرّا ِهبُ حبِيُ الْ َمعَانِي بِ ُ حْبرَ اْلعَالِ ُم الّذِي صِنَاعَُتهُ تَ ْ الْ َ
سَتعْمَلًا فِي مُتَنَسّكِي ب َو ُرهْبَا ٌن َ ,وقَ ْد صَارَ مُ ْ شيَةِ ُ ,يقَا ُل رَا ِه ٌ س الْخَ ْ الْخَاشِي الّذِي َي ْظ َهرُ َعلَْيهِ لِبَا ُ
الّنصَارَى .وََقوُْل ُه َ { :أرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قِي َل :فِيهِ َو ْجهَا ِن :أَ َح ُدهُمَا َ :أّنهُمْ كَانُوا إذَا َح ّرمُوا
َعلَْيهِمْ َشيْئًا َح ّرمُوهُ ,وَِإذَا أَ َحلّوا َلهُ ْم شَيْئًا ا ْستَحَلّو ُه َ ,و ُر ِويَ فِي حَدِيثِ عَ ِديّ بْ ِن حَاتِمٍ لَمّا أَتَى
النّبِيّ قَا َل { :فََتلَا النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم { :اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ
الّلهِ } قَا َل :قُلْت يَا َرسُولَ الّلهِ إّنهُمْ لَمْ يَكُونُوا َيعْبُدُوَنهُمْ قَا َل :أَلَْيسَ كَانُوا إذَا َح ّرمُوا عََلْيهِمْ
ك عِبَادَُتهُ ْم إيّاهُ ْم } . شَيْئًا َح ّرمُو ُه ,وَِإذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا أَ َحلّوهُ ؟ قَا َل ُ :قلْت َ :نعَمْ ,قَالَ َ :فتِ ْل َ
حرِيُ لَا يَجُوزُ إلّا مِنْ ِجهَ ِة اْلعَالِ ِم بِالْ َمصَالِ ِح ثُمّ َقلّدُوا َهؤُلَاءِ أَحْبَا َرهُمْ حلِي ُل وَالتّ ْ وَلَمّا كَانَ التّ ْ
حرِيِ ,وََقبِلُو ُه مِْنهُ ْم ,وََترَكُوا َأ ْمرَ الّلهِ َتعَالَى فِيمَا َح ّر َم وَحَلّ َل ,صَارُوا َو ُرهْبَاَنهُمْ فِي التّحْلِي ِل وَالتّ ْ
ب .وَقِي َل :إ ّن َمعْنَاهُ أَّنهُمْ مُتّخِذِينَ َلهُمْ َأ ْربَابًا ,إذْ َنزّلُوهُمْ فِي قَبُو ِل ذَِلكَ ِمْنهُمْ مَْنزَِلةَ الَْأرْبَا ِ
حقّهُ ب مِنْ الّتعْظِيمِ لَا يَسَْت ِ ضرْ ُجدُونَ َلهُمْ إذَا رََأ ْوهُمْ َ ,وهَذَا ال ّ عَظّمُوهُمْ َكَتعْظِيمِ ال ّربّ لَِأّنهُمْ يَسْ ُ
َغْيرُ الّلهِ َتعَالَى َ ,فلَمّا َفعَلُوا ذَِلكَ َفهُمْ كَانُوا مُتّخِذِينَ َلهُمْ َأرْبَابًا .
شرَ َش ْهرًا } إلَى َقوِْل ِه ُ { :ح ُرمٌ } .لَمّا قَا َل َتعَالَى شهُو ِر عِنْدَ الّلهِ اثْنَا عَ َ قوله تعال { :إ ّن عِ ّد َة ال ّ
حجّ أَ ْش ُهرٌ َمعْلُومَاتٌ } وَقَالَ َ { :يسْأَلُونَك عَنْ الَْأهِلّ ِة قُ ْل هِ َي َموَاقِيتُ فِي َموَاضِعَ ُأ َخرَ { :الْ َ
شهُورَ شهُورِ كَثِيًا مِ ْن مَصَاِلحِ الدّنْيَا وَالدّينِ ,وََبيّنَ فِي هَ ِذهِ الْآَي ِة هَ ِذهِ ال ّ لِلنّاسِ وَالْحَ ّج } َفعَلّ َق بِال ّ
190
ج وَا ِحدٍ لَا ُيقَ ّدمُ الْ ُم َؤ ّخرُ مِْنهَا ,وَلَا ُيؤَ ّخ ُر الْ ُمقَ ّدمُ ,وَقَالَ { :إ ّن عِ ّدةَ جرَى عَلَى مِْنهَا ٍ ,وَإِنّمَا تُ ْ
شهُورَ ,وَسَمّاهَا حتَمِ ُل وَ ْجهَيْ ِن :أَحَ ُدهُمَا :أَنّ الّل َه َوضَعَ هَ ِذهِ ال ّ شهُو ِر عِنْ َد الّلهِ } َوذَِلكَ يَ ْ ال ّ
ك عَلَى أَنِْبيَاِئهِ فِي ُكتُِبهِ ض ,وََأْنزَلَ ذَِل َ ت وَالَْأ ْر َ بِأَسْمَاِئهَا عَلَى مَا رَتَّبهَا َعلَْيهِ َي ْومَ خَ ْلقَ السّ َموَا ِ
ق عَلَى مَا كَاَنتْ َعلَْيهِ لَمْ شهُو ِر عِنْدَ الّلهِ } وَحُكْ ُمهَا بَا ٍ الْمَُنزَّل ِة َ ,و ُه َو َمعْنَى َقوِْل ِه { :إنّ عِ ّد َة ال ّ
شرِكِيَ لِأَ ْسمَاِئهَا وََتقْدِيُ الْ ُمؤَ ّخ ِر وَتَأْخِ ُي الْ ُمقَ ّدمِ فِي الْأَسْمَا ِء مِْنهَا , ُيزِْلهَا عَنْ َترْتِيِبهَا َتغْيِ ُي الْ ُم ْ
شهُورِ ض مَا كَانَ َعلَْيهِ َأ ْمرُ الْجَا ِهلِيّ ِة مِنْ تَأْخِيِ َأسْمَاءِ ال ّ َوذَ َك َر ذَِلكَ َلنَا ِلنَتّبِعَ َأ ْمرَ الّلهِ فِيهَا ,وََنرُْف َ
وََتقْ ِد ِيهَا وََتعْلِيقِ الْأَحْكَا ِم عَلَى الْأَسْمَاءِ الّتِي َرتّبُوهَا عََلْيهَا ,وَلِ َذِلكَ قَالَ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم
ع مَا َروَا ُه ابْ ُن عُ َم َر وَأَبُو بَ ْك َرةَ أَنّ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم قَا َل فِي خُ ْطبَِتهِ بِاْل َعقََبةِ فِي حَجّةِ اْل َودَا ِ
{ :يَا أَّيهَا النّاسُ إنّ ال ّزمَا َن قَدْ ا ْستَدَا َر قَالَ ابْ ُن عُ َم َر َ :ف ُه َو الَْي ْومَ َكهَيَْئِتهِ َي ْومَ َخلَ َق الّلهُ السّ َموَاتِ
شهُورِ ض ,وَإِنّ عِ ّد َة ال ّ ت وَالَْأ ْر َ وَالَْأ ْرضَ َوقَالَ أَبُو بَ ْك َرةَ :قَ ْد اسْتَدَارَ َكهَيَْئِتهِ َي ْومَ َخلَ َق الّلهُ السّ َموَا ِ
ح ّرمُ ,
ت ذُو اْل ِقعْدَ ِة َوذُو الْحِجّ ِة وَاْلمُ َ ث مَُتوَاِليَا ٌ
شرَ َش ْهرًا مِْنهَا َأرَْبعَ ٌة ُح ُرمٌ َثلَا ٌ ِعنْدَ الّلهِ اْثنَا عَ َ
ب ُمضَرَ الّذِي َبيْنَ جُمَادَى وَ َشعْبَا َن ,وَإِ ّن النّسِيءَ ِزيَا َدةٌ فِي الْ ُك ْفرِ } الْآيَةَ .قَا َل ابْ ُن عُ َم َر : َورَ َج ُ
ح ّرمَ عَامًا َحلَالًا َوعَامًا جعَلُونَ الْ ُم َص َفرَ عَامًا َحرَامًا َوعَامًا حَلَالًا ,وََي ْ جعَلُونَ َ َوذَِلكَ أَّنهُمْ كَانُوا َي ْ
َحرَامًا ,وَكَا َن النّسِيءُ مِنْ الشّْيطَا ِن ,فَأَخَْب َر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَنّ ال ّزمَانَ َيعْنِي َزمَانَ
ت وَالَْأ ْرضَ ,وَأَنّ كُلّ َش ْهرٍ قَ ْد عَادَ إلَى الْ َم ْوضِعِ شهُورِ قَ ْد اسْتَدَارَ َكهَيَْئِتهِ َي ْومَ خَلَ َق الّلهُ السّ َموَا ِ ال ّ
ض َعهُ الّلهُ ِب ِه عَلَى َترْتِيِبهِ وَِنظَا ِمهِ َ .وقَ ْد ذَ َكرَ لِي َبعْضُ َأوْلَادِ َبنِي الْمُنَجّمِ أَ ّن جَ ّدهُ َو ُهوَ الّذِي َو َ
سبَ ُشهُورِ الَْأهِلّ ِة مُنْذُ ابْتِدَاءِ َخلْ ِق الّلهِ ب مُحَمّدُ بْ ُن مُوسَى الْمُنَجّمُ الّذِي َينْتَمُونَ إَلْيهِ َح َ س ُ َأحْ َ
السّ َموَاتِ وَالَْأ ْرضَ َفوَجَ َدهَا قَ ْد عَا َدتْ فِي َموْقِ ِع الشّ ْمسِ وَاْلقَ َمرِ إلَى اْلوَ ْقتِ الّذِي ذَ َكرَ النّبِ ّي صلى
ال عليه وسلم أَّنهُ قَ ْد عَادَ إَلْيهِ َي ْومَ النّحْر مِنْ حَجّةِ اْل َودَاعِ ; لِأَ ّن خُطَْبَتهُ هَ ِذهِ كَاَنتْ بِ ِمنًى َي ْومَ
ب ذَِلكَ فِي َثمَانِي سِِنيَ فَكَا َن ذَِلكَ اْلَي ْومَ اْلعَا ِش َر مِ ْن ذِي الْحِجّةِ س َ حرِ ِعنْدَ اْل َعقََبةِ ; وَأَّنهُ حَ َ النّ ْ
س وَاْلقَ َمرُ فِي ذَِلكَ اْلَي ْومِ فِي الْ َم ْوضِعِ الّذِي ذَ َكرَ شهُو ِر ,وَالشّ ْم ُ َعلَى مَا كَا َن عَلَْيهِ َي ْومَ ابْتِدَاءِ ال ّ
النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَ ْد عَادَ ال ّزمَا ُن إلَْيهِ مَ َع النّسِيءِ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ َأهْ ُل الْجَا ِهلِيّةِ ُينْسِئُونَ
شهُو ِر ,وَلِ َذِلكَ َلمْ تَكُ ْن السّنَ ُة الّتِي حَجّ فِيهَا أَبُو بَ ْك ٍر الصّدّي ُق هِ َي اْلوَ ْقتُ الّذِي ,وََتغْيِيُ أَ ْسمَاءِ ال ّ
ب ُمضَرَ َبيْنَ جُمَادَى وَ َشعْبَانَ } دُو َن َرمَضَانَ الّذِي ُيسَمّيهِ ُوضِعَ اْلحَجّ فِيهِ .وَإِنّمَا قَالَ { رَ َج ُ
شهُورِ ِعنْدَ الّلهِ اْثنَا عَشَر َش ْهرًا فِي ب .وََأمّا اْلوَ ْجهُ الْآ ِخرُ فِي َمعْنَى َقوِْل ِه { :إ ّن عِ ّدةَ ال ّ رَبِيعَ ُة رَ َج َ
ج مِنْ جعَلَ ُنزُولَ الشّ ْمسِ فِي كُلّ ُبرْ ٍ شرَ قِسْمًا َ ,ف َ ِكتَابِ الّلهِ } َف ُهوَ أَنّ اللّه قَسَمَ ال ّزمَا َن اْثنَ ْي عَ َ
س ٍة وَسِّتيَ َي ْومًا َورُبْعِ َي ْومٍ شرَ ِقسْمًا مِْنهَا ,فَيَكُونُ َق ْط ُعهَا ِل ْلفََلكِ فِي ثََلثِمِاَئ ٍة وَخَمْ َ ج الِاْثنَ ْي عَ َ
الُْبرُو ِ
سرٍ ,وَقَسّ َم الَْأ ْزمَِنةَ أَْيضًا عَلَى مَسِ ِي اْلقَ َمرِ , َ ,فيَجِيءُ َنصِيبُ كُلّ قِسْ ٍم مِْنهَا بِالَْأيّامِ ثَلَاِثيَ َي ْومًا وَ َك ْ
شرِينَ َي ْومًا وَِنصْفِ َي ْومٍ .وَ َجعَلَ السَّنةَ اْلقَ َمرِيّةَ َثلَثَمِائَةٍ سعَ ٍة َوعِ َْفصَارَ اْلقَ َمرُ َيقْطَعُ اْلفََلكَ فِي تِ ْ
191
ج ُمقَارِبًا ِلقَطْعِ اْلقَ َمرِ ِل ْلفََلكِ كُّل ِه , سيَ َي ْومًا َورُبْعَ َي ْومٍ َ ,فكَانَ قَطْ ُع الشّ ْمسِ ِللُْبرْ ِ وََأرَْب َعةً َوخَمْ ِ
َوهَذَا َمعْنَى قوله تعال { :الشّ ْمسُ وَاْلقَ َمرُ ِبحُسْبَانٍ } وَقَا َل َتعَالَى { :وَ َجعَلْنَا اللّيْ َل وَالّنهَارَ
ضلًا مِنْ َربّكُ ْم وَلَِتعَْلمُوا عَ َددَ السِّنيَ حوْنَا آَيةَ اللّيْ ِل َو َجعَلْنَا آَيةَ الّنهَا ِر مُْبصِ َرةً لَِتبَْتغُوا َف ْ آَيتَيْ ِن فَمَ َ
ش َر وَكَانَج الِاْثنَ ْي عَ َت السّنَ ُة َمقْسُومَ ًة عَلَى ُنزُو ِل الشّ ْمسِ فِي الُْبرُو ِ وَالْحِسَابَ } ; َفلَمّا كَاَن ْ
ش َر وَكَاَنتْ ُشهُو ُرهَا سيّ ُة وَاْلقَ َمرِيّةُ فِي اْلُبرُوجِ الِاثْنَ ْي عَ َشرَ ,وَاخْتََل َفتْ السَّنةُ الشّمْ ِ ُشهُورُهَا اثَْنيْ َع َ
شرَ َي ْومًا سرِ الّذِي َبيَْنهُمَا َ ,و ُهوَ أَحَ َد َع َ سيّ ُة وَاْلقَ َمرِيّةُ فِي الْ َك ْ ش َر ,وَاخَْتَلفَتْ السَّنةُ الشّمْ ِ اْثنَ ْي عَ َ
ع ,وَلَمْ شرْ ِشرِي َن فِيمَا يََتعَلّقُ ِبهَا مِنْ أَحْكَامِ ال ّ سعَ ًة َوعِ ْ ب ,وَكَاَنتْ ُشهُورُ اْلقَ َمرِ ثَلَاِثيَ َوتِ ْ بِالّت ْقرِي ِ
شرِينَ َي ْومًا حُ ْكمٌ َ ,فكَا َن ذَِلكَ ُهوَ اْلقِسْمَ ُة الّتِي سعَ ٍة َوعِ ْيَكُنْ ِلِنصْفِ الَْي ْومِ الّذِي ُهوَ ِزيَا َدةٌ َعلَى ِت ْ
خلْ ِق .ثُ ّم غَّي َرتْ الُْأمَمُ اْلعَادِلَ ُة عَنْ كَِثيٍ مِ ْن َشرَائِعِ قَسَمَ الّلهُ َتعَالَى َعلَْيهَا السّنَةَ فِي اْبتِدَا ِء َوضْعِ الْ َ
شرِينَ ضهَا ثَمَاِنيَ ًة َوعِ ْشرِي َن ,وََب ْع ُضهَا ثَمَاِنيَ ًة َوعِ ْ ب ,فَكَاَنتْ ُشهُورُ الرّومِ َب ْع ُ الْأَْنبِيَا ِء هَذَا الّت ْرتِي َ
شهُورِ فِي ف مَا َأ َمرَ الّلهُ َتعَالَى مِ ْن اعْتِبَارِ ال ّ ك عَلَى ِخلَا ِ ي َ .وذَِل َ ضهَا وَاحِدًا وََثلَاِث َ صفًا َ ,وَبعْ ُ وَِن ْ
ت اْل ُف ْرسُ ُشهُو ُرهَا َثلَاِثيَ إلّا َش ْهرًا وَاحِدًا َ ,و ُهوَ { بادماه } الْأَحْكَامِ الّتِي تََتعَلّقُ ِبهَا .ثُمّ كَاَن ْ
شرِي َن سَنَ ًة َش ْهرًا كَامِلًا فََتصِيُ السَّنةُ ثَلَاثَةَ س ٌة وََثلَاثُو َن ,ثُمّ كَاَنتْ تَكِْبسُ فِي كُ ّل مِاَئ ٍة َوعِ ْ فَإِّنهُ خَمْ َ
شرَ َش ْهرًا لَا ِزيَا َدةَ فِيهَا وَلَا ُن ْقصَا َن َ ,وهِيَ شرَ َأخَْبرَ الّلهُ َتعَالَى أَ ّن عِ ّدةَ ُشهُورِ السّنَ ِة اْثنَا عَ َ عَ َ
ي ,وَِلذَِلكَ قَا َل النّبِيّ شرِي َن ,وَِإمّا أَنْ تَكُونَ َثلَاِث َ سعَ ًة َوعِ ْ شهُورُ اْلقَ َمرِيّةُ الّتِي إمّا أَنْ تَكُو َن تِ ْ ال ّ
ش ْهرُ َثلَاثُو َن } ,وَقَا َل { :صُومُوا ِل ُرؤْيَِتهِ شرُو َن ,وَال ّ ش ْهرُ تِسْ ٌع َوعِ ْ صلى ال عليه وسلم { :ال ّ
ش ْهرَ ِب ُرؤْيَ ِة اْلهِلَا ِل ,فَإِنْ ا ْشتََبهَ ِلغَمَامٍ َأوْ جعَلَ ال ّ ي } ,فَ َ وََأفْ ِطرُوا ِل ُرؤْيَِتهِ فَإِ ْن غُ ّم َعلَيْكُ ْم َفعُدّوا َثلَاِث َ
شرَ َش ْهرًا فِي كِتَابِ الّلهِ َي ْومَ شهُورِ ِعنْدَ اللّه اْثنَا عَ َ قََت َرةٍ فََثلَاثُو َن ; فََأعْلَ َمنَا الّلهُ ِب َقوِْلهِ { :إ ّن عِ ّدةَ ال ّ
شرَ َش ْهرًا لَا زِيَا َد َة عَلَْيهَا ,وَأَبْطَ َل ِبهِ خَلَ َق السّمَاوَاتِ وَالَْأ ْرضَ } َيعْنِي أَ ّن عِ ّدةَ ُشهُورِ السَّنةِ اثْنَا عَ َ
شرَ َش ْهرًا فِي َبعْضِ السَّن ِة ,وَأَ ْخَبرَ النّبِيّ صلى ج َعُلهَا ثَلَاَثةَ َع َ سهَا اْل ُف ْرسُ فَتَ ْ
سةَ الّتِي كَاَنتْ تَكِْب ُ الْ َكبِي َ
شرُو َن َ ,وتَا َرةً ثَلَاثُونَ ; فََأ ْعلَمَنَا سعَ ٌة َوعِ ْشهُورِ ِب ُرؤْيَ ِة اْلهِلَالِ َ ,فتَا َرةً تِ ْ ال عليه وسلم أَنّ اْن ِقضَاءَ ال ّ
شهُو ِر وَالسِّنيَ فِي اْبتِدَاءِ اْلخَلْ ِق .وَأَخَْب َر النّبِيّ صلى ال عليه ك َوضَعَ ال ّ الّلهُ فِي هَ ِذ ِه الْآَيةِ أَّنهُ كَذَِل َ
شهُورِ َونِظَا ِمهَا , شرِكُو َن مِنْ َترْتِيبِ ال ّ وسلم َع ْودَ ال ّزمَانِ إلَى مَا كَا َن عََلْيهِ ,وَأَبْطَ َل مَا غَّي َرهُ الْمُ ْ
ضعَهُ الّلهُ َتعَالَى فِي الَْأصْلِ ِلمَا عَلِمَ شهُو ِر ,وَأَنّ الَْأ ْمرَ قَ ْد ا ْسَت َقرّ عَلَى مَا َو َ َومَا زَادَ ِبهِ فِي السِّنيَ وَال ّ
ي عَلَى هَذَا ش ْه ِر وَالسِّن َ تَبَارَ َك وََتعَالَى مِنْ َتعَلّ ِق َمصَالِحِ النّاسِ فِي ِعبَادَاِتهِمْ َو َشرَاِئ ِعهِمْ بِ َكوْ ِن ال ّ
خرِيفِ وَُأ ْخرَى فِي ف ,وَأُ ْخرَى فِي الْ َ ص ْومُ تَا َرةً فِي الرّبِي ِع ,وَتَا َرةً فِي الصّيْ ِ اْلوَ ْج ِه ,فَيَكُونُ ال ّ
ص ْومَ الّنصَارَى خَبرِ أَنّ َ ك .وَقَ ْد ُروِيَ فِي الْ َ الشّتَاءِ ,وَكَذَِلكَ اْلحَجّ ; ِلعِلْ ِمهِ بِالْ َمصَْلحَةِ فِي ذَِل َ
ض السِّنيَ إلَى الصّيْفِ ا ْجتَ َمعُوا إلَى أَنْ َن َقلُوهُ إلَى َزمَانِ كَانَ َكذَِلكَ َ ,فلَمّا رََأ ْوهُ يَدُورُ فِي َبعْ ِ
الرّبِي ِع َ ,وزَادُوا فِي اْلعَ َد ِد وََترَكُوا مَا َتعَبّدُوا ِب ِه مِنْ اعِْتبَارِ ُشهُورِ اْلقَ َم ِر مُطَْلقَ ًة عَلَى مَا يَّتفِ ُق مِنْ
192
ح ُو ُه مِمّا ذَ ّمهُمْ الّلهُ َتعَالَى ِبهِ ,وَأَخَْبرَ أَّنهُ ْم اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم وُقُو ِعهَا فِي الَْأ ْزمَا ِن َ ,وهَذَا وَنَ ْ
َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّلهِ فِي اتّبَا ِعهِمْ َأوَا ِم َرهُمْ وَا ْعِتقَا ِدهِمْ وُجُوَبهَا دُونَ َأوَامِرِ الّلهِ َتعَالَى َفضَلّوا
وََأضَلّوا .
وف البسوط :
ت عَنْ حوَّل ْ ك ,وَالْ ِملْ ُح ,فَُيصْنَ ُع ُمرَبّى قَا َل :لَا بَ ْأسَ بِ َذِلكَ إذَا تَ َ قُلْت :فَالْخَ ْمرُ ُي ْطرَحُ فِيهَا السّ َم ُ
ج جَاِئ ٌز عِنْ َدنَا َ ,ويَحِلّ َتنَاوُلُ الْخَلّ َبعْدَ خلِي َل الْخَ ْمرِ بِاْلعِلَا ِ
حَالِ الْخَ ْم ِر ,وََأصْلُ اْلمَسْأََلةِ أَنّ تَ ْ
خلِيلُ َحرَامٌ بِإِْلقَاءِ شَ ْيءٍ فِي الْخَ ْم ِر مِنْ ِملْ ٍح َ ,أ ْو خَ ّل ,وَلَا يَحِ ّل ذَِلكَ التّخْلِي ِل َ ,وعِنْ َد الشّاِفعِيّ التّ ْ
الْخَ ّل َقوْلًا وَاحِدًا ,وَالتّخْلِي ُل مِ ْن غَْيرِ إْلقَاءِ شَ ْيءٍ فِيهِ بِالّنقْ ِل مِنْ الظّ ّل إلَى الشّ ْمسِ َ ,أوْ إيقَادِ النّارِ
بِاْل ُق ْربِ مِْنهُ لَا َيحِ ّل عِنْ َدهُ أَْيضًا َ ,ولَكِنْ إذَا َتخَلّلَ َ ,فَلهُ َقوْلَانِ فِي إبَا َحةِ َتنَاوُ ِل ذَِلكَ الْخَ ّل ,
خلِي ِل الْخَ ْم ِر } ,وَفِي وَاحَْتجّ فِي ذَِلكَ بِمَا ُر ِويَ { أَنّ النّبِ ّي عليه الصلة والسلم َنهَى عَنْ تَ ْ
ِروَايَ ٍة { َنهَى أَنْ ُتتّخَذَ الْخَ ْمرُ خَلّا } َ ,وفِي { حَدِيثِ َأبِي طَ ْلحَةَ رضي ال عنه َأّنهُ كَا َن فِي
حرِيُ الْخَ ْم ِر قَا َل مَاذَا َأصْنَعُ ِبهَا يَا رَسُولَ الّل ِه ؟ قَا َل عليه ج ِرهِ خُمُورٌ ِليَتَامَى َ ,فلَمّا َنزَلَ َت ْ حِ ْ
الصلة والسلم َ :أ ْرِقهَا قَا َل :أََفلَا أُ َخلُّلهَا قَا َل :عليه الصلة والسلم لَا } َ ,فقَدْ َأ َمرَهُ بِالِْإرَاَق ِة .
ح فِي حَ ّق الَْيتَامَى ,فَلَمّا سَأََلهُ َعنْ وََلوْ كَا َن التّخَلّ ُل جَاِئزًا لََأرْشَ َدهُ إلَى ذَِلكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِْإصْلَا ِ
ك ,فََلوْ كَا َن جَاِئزًا لَكَانَ الَْأوْلَى أَنْ ُيرَخّصَ فِيهِ فِي خُمُورِ اْليَتَامَى ,وَِإذَا ثََبتَ التّخَلّ ِل َنهَاهُ عَ ْن ذَِل َ
ح ّرمُ َش ْرعًا لَا يَكُو ُن ُمؤَّثرًا فِي اْلحِلّ كَذَْبحِ الشّاةِ فِي خلِيلَ َحرَامٌ ,فَاْلفِعْلُ الْمُ َ ِبهَ ِذهِ الْأَ ْخبَارِ أَنّ التّ ْ
صرّفٌ فِيهَا عَلَى ح ّرمُ الِانِْتفَاعِ ِبهَا مِنْ كُ ّل وَ ْج ٍه ,وَالتّخْلِيلُ َت َ حهَا ; وَلِأَنّ الْخَ ْم َر عَيْ ٌن مُ َ َغْيرِ مَذَْب ِ
شرَاءِ ,وَكَمَا َلوْ أَْلقَى فِي اْلخَ ْمرِ شَْيئًا حُ ْلوًا كَالسّ ّكرِ , َقصْدِ التّ َموّلِ َ ,فيَكُونُ َحرَامًا كَاْلبَيْ ِع ,وَال ّ
ب ,وَفِي التّخْلِيلِ اقِْترَابٌ مِْنهُ وَاْلفَانِيذِ حَتّى صَارَ ُح ْلوًا َ ,وهَذَا ; لِأَ ّن نَجَا َسةَ اْلعَيْنِ تُو ِجبُ الِا ْجتِنَا َ
ف الْخَ ْمرِ ِللِْإرَاَق ِة ,فَإِّنهُ َ ,وذَِلكَ ضِدّ الْمَ ْأمُورِ ِبهِ َنصّا فِي َقوِْلهِ َع ّز وَجَ ّل { ,فَاجَْتنِبُوهُ } ِبخِلَا ِ
جسًا فِي جسٌ بِ ُملَاقَا ِة الْخَ ْمرِ إيّا ُه َ ,ومَا يَكُونُ نَ ِ مُبَاَلغَةٌ فِي الِاجْتِنَابِ عَْن ُه ,ثُ ّم مَا ُي ْلقَى فِي الْخَ ْمرِ نَ ِ
حرْفِ َت ْفصِيلٌ بَْي َن مَا إذَا أُْلقِيَ فِيهِ شَ ْي ٌء َ ,وبَيْ َن مَا سهِ لَا ُيفِيدُ ال ّطهَا َرةَ فِي غَْي ِر ِه َ ,وعَلَى هَذَا الْ َ َنفْ ِ
سهِ ; لِأَّنهُ لَمْ يُوجَ ْد ُهنَاكَ َتنْجِيسُ شَ ْيءٍ خلّلَ بَِنفْ ِ
جعَ ْل فِيهِ شَ ْيءٌ َ ,وهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَ َ إذَا لَمْ يُ ْ
سهِ َحلّ ح َرمِ ِبَنفْ ِ
ج مِنْ الْ َ بِإِْلقَاِئهِ فِيهِ ,وَلَا مُبَا َش َرةُ ِفعْلٍ َحرَامٍ فِي اْلخَ ْمرِ َ ,ف ُهوَ نَ ِظيُ الصّيْدِ إذَا َخرَ َ
ح َر ُم مِنْ حرَ ِم َومَنْ قَتَ َل ُم َورَّثهُ يُ ْب َر ّدهُ إلَى اْل َ
صطِيَا ُد ُه .وََلوْ أَ ْخرَ َجهُ إْنسَانٌ لَمْ َيحِ ّل َ ,ووَ َج َ ا ْ
سهِ ,وَ َحقِيقَ ُة الْ َمعْنَى فِيهِ أَ ّن مِنْ َطبْعِ اْلخَ ْمرِ الْمِيَاثِ بِمُبَا َشرَِتهِ ِفعْلًا َحرَامًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ ِبَنفْ ِ
حوَّلتْ بِ َطْب ِعهَا َ ,وصَارَتْ فِي حُكْمِ شَ ْيءٍ آ َخرَ , ت َ ,فقَدْ تَ َ خلَّل ْخلّلَ بِ ُمضِ ّي ال ّزمَانِ ,فَِإذَا تَ َ أَ ْن يَتَ َ
ع ,وَإِنّمَا الّذِي إلَْيهِ ْم إحْدَاثُ فََأمّا التّخْلِي ُل ,فََلْيسَ ِبَتقْلِيبٍ ِل ْلعَيْنِ ; لِأَّنهُ لَْيسَ لِ ْلعِبَادِ َتقْلِيبُ الطّبَا ِ
خ ْمرِ َ ,و ُهوَ نَظِيُ الْمُجَا َو َرةِ َبيْنَ الَْأشْيَا ِء ,فَيَكُو ُن هَذَا تَْنجِيسًا لِمَا ُي ْلقَى فِي الْخَ ْمرِ لَا َتقْلِيبًا لِطَْبعِ الْ َ
193
الشّابّ َيصِيُ َشيْخًا بِ ُمضِيّ ال ّزمَا ِن ,وَِبتَكْلِي ِفهِ لَا َيصِيُ شَيْخًا ,فَِإذَا لَمْ َيتَبَدّلْ َطْبعُهُ ِبهَذَا التّخْلِيلِ
خلَافِ صفَ ُة الْخَ ْمرِيّةِ فِيهِ ,وَإِنْ كَانَ لَمْ يَ ْط ُهرْ كَمَا إذَا أُْلقِيَ فِيهِ َشيْئًا مِنْ الْحَلَا َوةِ َ ,وهَذَا بِ ِ َبقِيَ ِ
جسَ ِة ,وَالدّبْغُ إزَاَلةٌ لِِت ْلكَ جلْدِ بِمَا اّتصَلَ ِب ِه مِنْ الدّسُومَاتِ النّ ِ جِلْ ِد الْمَْيتَةِ إذَا ُدبِ َغ َ ,فإِنّ نَجَاسَ َة الْ ِ
الدّسُومَ ِة ,وَإِلَى اْلعِبَادِ اْل َفصْ ُل ,وَالتّ ْميِيزُ َبيْنَ الْأَشْيَا ِء ,فَكَا َن ِفعُْلهُ إصْلَاحًا مِنْ َحْيثُ إّنهُ يُمَّيزُ ِبهِ
صفَةُ جسِ ,فََأمّا نَجَا َسةُ اْلخَ ْمرِ َ ,فِلعَيِْنهَا لَا ِلغَْيرٍ اّتصَلَ ِبهَا ,وَإِنّمَا تَْنعَ ِد ُم هَ ِذهِ ال ّ الطّا ِه ُر مِنْ النّ ِ
خلِي ِل فِي ذَِلكَ .وَحُجّتُنَا فِي ذَِلكَ مَا ُر ِويَ أَنّ النّبِيّ عليه الصلة حوِّلهَا بِطَْب ِعهَا ,وَلَا أََثرَ لِلتّ ْ بِتَ َ
خلّ ُل ,فَيَحِ ّل } ,وَلَا ُيقَا ُل َ :قدْ ُر ِويَ ب دُبِ َغ َ ,فقَدْ َط ُهرَ كَاْلخَ ْمرِ يُ َ والسلم قَالَ { َ :أيّمَا إهَا ٍ
خلّ ُل ,فَحَ ّل ; لِأَنّ ال ّروَايََتيْنِ كَاْلخََبرَيْنِ َ ,فُيعْمَلُ ِبهِمَا ,ثُ ّم مَا َروَيْنَاهُ أَ ْق َربُ إلَى الصّحّةِ كَالْخَ ْمرِ تُ َ
خلِيلُ الّذِي جلْدِ ِب ِه ,وَالدّبْ ُغ يَكُونُ ِبصُنْعِ اْلعِبَادِ لَا بِ َطْب ِعهِ َ ,ف َعرَفْنَا أَ ّن الْ ُمرَا َد التّ ْ ; لِأَّنهُ شَّب َه دَبْ َغ الْ ِ
شرْعِ ج ْو َهرٍ فَاسِ ٍد َ ,فيَكُو ُن مِنْ اْلحِكْمَ ِة ,وَال ّ يَكُونُ ِبصُنْعِ اْلعِبَا ِد ,وَالْ َمعْنَى فِيهِ :أَ ّن هَذَا صَلَاحٌ لِ َ
صفَةِصلَا ُحهُ بِِإزَالَ ِة ِأَنْ لَا يَْنهَى عَمّا ُهوَ ِحكْمَ ٌة ,وَبَيَا ُن اْل َوصْفِ أَ ّن الْخَ ْمرَ َج ْو َه ٌر ,فَاسِدٌ ,فَِإ ْ
جلْ ِد ,فَإِنّ صلَاحٌ َل ُه َ ,و ُهوَ كَدَبْ ِغ الْ ِ خ ْمرِيّةِ َ ,ف َعرَفْنَا َأّنهُ إ ْ
صفَةِ الْ َ
خلِيلُ إزَاَلةٌ ِل ِ الْخَ ْمرِيّ ِة عَْن ُه ,وَالتّ ْ
ج ّوزَ جسٌ ,وَِلهَذَا لَا يَجُوزُ َبْيعُ ُه .وََلوْ كَاَنتْ النّجَا َسةُ بِمَا اّتصَلَ ِب ِه مِنْ الدّسُومَاتِ لَ ُ َعيْنَ اْلجِلْ ِد نَ ِ
ث إّنهُ َي ْعصِ ُمهُ عَ ْن النّتْ ِن ,وَاْلفَسَا ِد , س ِة ,وَلَكِ ّن الدّبْ َغ إصْلَاحٌ َل ُه مِنْ حَْي ُ بَْي َعهُ كَالدّسُومَاتِ النّجِ َ
فَكَانَ جَاِئزًا َش ْرعًا ,وَلَا َمعْنَى لِمَا قَالَ إ ّن هَذَا إفْسَادٌ فِي الْحَالِ لِمَا ُي ْلقَى فِيهِ ; لِأَ ّن هَذَا َموْجُودٌ
ب ,وَاْل َقرَظِ َ ,وهَذَا إصْلَاحٌ بِا ْعتِبَا ِر مَآِل ِه , ش ّ جعَلُ فِيهِ مِنْ ال ّ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ ,فَِإّنهُ إفْسَادٌ لِمَا يُ ْ
وَاْلعِْب َرةُ لِلْمَآ ِل لَا لِ ْلحَا ِل ,فَإِنّ إْلقَاءَ اْلبَ ْذرِ فِي الَْأ ْرضِ يَكُونُ إْتلَافًا لِ ْلبَ ْذرِ فِي الْحَا ِل ,وَلَكِّن ُه إصْلَاحٌ
صرّفٍ فِي الْخَ ْم ِر عَلَى َقصْدِ تَ َموّلِ اْلخَ ْمرِ بَ ْل ُهوَ خلِي َل لَْيسَ بَِت َ
بِاعِْتبَارِ مَآِلهِ ,وَِبهَذَا يَتََبيّنُ أَنّ التّ ْ
ف صِفَ ِة الْخَ ْم ِريّ ِة مُنَافَاةٌ ,فَمَا كَانَ الِاقِْترَابُ مِنْ خ ْمرِ ,وَإِْتلَا ِ صفَ ِة الْخَ ْمرِيّ ِة َ ,وبَيْنَ َت َموّلِ الْ َ إتْلَافٌ ِل ِ
سلّمُ صفَ ِة الْخَ ْمرِيّةِ إلّا نَظِيَ الِا ْقِترَابِ ِمْنهَا لِِإرَاقَ ِة اْلعَيْ ِن َ ,وذَِلكَ جَاِئزٌ َش ْرعًا ,وََنحْنُ نُ َ اْلعَيْنِ ِلإِتْلَافِ ِ
ع لَْيسَ إلَى اْلعِبَادِ ,وَإِنّمَا إلَْيهِمْ إ ْحدَاثُ الْ ُمجَا َو َرةِ ,وَلَكِنّ إ ْحدَاثَ الْ ُمجَا َو َرةِ بَيْنَ أَ ّن َتقْلِيبَ الطّبَا ِ
حلّ فِي أَ ْسرَعِ حوِّلهَا إلَى طَْبعِ الْ ِ صفَةِ الْخَ ْمرِيّةِ بَِت َ ف ِ صفَ ِة َي ْقوَى عَلَى إتْلَا ِ الْخَ ّل وَالْخَ ْمرِ ِبهَ ِذهِ ال ّ
خلّ َل ,
جوَا ِز مِنْ اْلِإمْسَا ِك ,وَِإذَا جَازَ اْلِإمْسَاكُ إلَى أَ ْن يَتَ َ ت ,فَكَا َن هَذَا أَ ْق َربُ إلَى الْ َ الَْأوْقَا ِ
صفَةِ
حلَا َو ِة ,فَذَِلكَ لَْيسَ بِِإتْلَافٍ ِل ِ جوَا ِز ,وََأمّا إذَا أَْلقَى فِيهِ شَْيئًا مِنْ الْ َ فَالتّخْلِي ُل َ ,أوْلَى بِاْل َ
الْخَ ْمرِيّةِ ; لَِأّنهُ لَْيسَ مِنْ َطبْعِ اْلخَ ْمرِ أَ ْن َيصِيَ حُ ْلوًا َ ,ف َعرَ ْفنَا أَ ّن َمعْنَى الشّ ّدةِ ,وَاْل َمرَا َرةِ قَائِ ٌم فِي ِه ,
وَإِنْ كَانَ لَا يَ ْظ َهرُ ِلغَلََبةِ الْحَلَا َوةِ عََلْيهِ ,فََأمّا مِنْ طَبْ ِع الْخَ ْمرِ أَنْ َيصِيَ َخلّا ,فَيَكُو ُن التّخْلِيلُ إْتلَافًا
حهُ أَ ّن مِنْ وَ ْج ٍه َ ,فعَلَْيهِ إحْدَاثُ الْ ُمجَا َو َرةِ َ ,ومِنْ وَ ْجهٍ إْتلَافٌ صفَ ِة الْخَ ْمرِيّةِ كَمَا َبيّنّا ُ ,ي َوضّ ُ ِل ِ
صفَ ِة الْخَ ْمرِيّةِ كَمَا ُقلْنَا َ ,فُيوَّفرُ حَ ّظ ُه عَلَْيهِمَا َ ,فَيقُولُ لِاعِْتبَارِ جَاِنبِ إحْدَاثِ الْ ُمجَا َو َرةِ لَا يَحِلّ ِل ِ
صفَةِ اْلخَ ْمرِيّ ِة يَحِ ّل التّخْلِي ُل .فََأمّا مَا ف ِ حلَاوَاتِ فِيهِ ,وَلِاعِْتبَارِ جَاِنبِ إْتلَا ِ بِإِْلقَاءِ شَ ْيءٍ مِ ْن الْ َ
194
ُر ِويَ مِ ْن الّنهْ ِي عَ ْن التّخْلِي ِل ,فَالْ ُمرَادُ أَنْ ُيسَْتعْمَلَ الْخَ ْمرُ ا ْسِتعْمَالَ الْخَلّ بِأَ ْن ُيؤْتَ َدمَ ِب ِه ,وَُيصْطََب َغ
حرِيِ الْحَلَالِ حرَامِ ,وَتَ ْ حلِيلِ الْ َِبهِ َ ,و ُهوَ نَظِ ُي مَا ُر ِويَ { أَنّ النِّبيّ عليه الصلة والسلم َنهَى عَنْ تَ ْ
,وَأَنْ تُتّخَذَ ال ّدوَابّ َكرَاسِ ّي } ,وَاْل ُمرَادُ الِاسِْتعْمَا ُل { ,وَلَمّا َنزَلَ قوله تعال { اتّخَذُوا
َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَا َل عَ ِديّ بْ ُن حَاتِمٍ رضي ال عنه مَا عَبَ ْدنَاهُمْ َقطّ قَالَ
النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أََلْيسَ كَانُوا يَ ْأ ُمرُونَ ,وََيْن َهوْنَ َ ,فيُطِيعُوَنهُمْ ؟ قَالَ َ :نعَ ْم َ ,فقَالَ عليه
ح َة ذَ َكرَ َبعْضُ سرَ الِاتّخَاذَ بِالِا ْسِتعْمَا ِل ,وَفِي حَدِيثِ أَبِي َطلْ َ الصلة والسلم ُ :ه َو ذَا َك } قَدْ َف ّ
خلِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ ي ,فَإِنّمَا َنهَى عَنْ التّ ْ ال ّروَا ِة { ,أَفَلَا أُخَلُّلهَا ؟ قَا َل َنعَمْ } ,وَإِ ْن صَ ّح مَا ُروِ َ
لِلزّ ْج ِر عَنْ اْلعَا َدةِ اْلمَأْلُوَفةِ َ ,فقَدْ كَا َن يَشُ ّق عََلْيهِمْ الِاْنزِجَا ُر عَ ْن اْلعَا َدةِ فِي ُش ْربِ الْخَ ْم ِر ,فََأ َمرَ
خلِي ِل لِذَِلكَ كَمَا َأ َمرَ ِبقَتْلِ اْلكِلَابِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم بِِإرَاَقةِ اْلخُمُورِ ,وََنهَى عَنْ التّ ْ
ب ,ثُمّ كَانَ لَا يَ ْأمَنُ َعلَْيهِمْ أَنْ َي ِعفّوا فِي ِللْمُبَاَلغَةِ فِي الزّ ْج ِر عَنْ اْلعَا َدةِ الْمَأْلُوَفةِ فِي ا ْقتِنَاءِ اْلكِلَا ِ
خُمُورِ الَْيتَامَى إذْ لَمْ َيبْقَ بِأَْيدِيهِمْ شَ ْي ٌء مِنْ اْلخَ ْمرِ ,فََأ َمرَ فِي خُمُو ِر الَْيتَامَى أَْيضًا بِالِْإرَاَقةِ لِلزّ ْجرِ ,
ح مَا فَسَ َد مِْنهُ ( .أَلَا َترَى ) أَنْ شَاةَ ب عَلَى اْل َوصِيّ الْمَنْ ُع مِنْ إ ْفسَا ِد مَالِ اْليَتِيمِ لَا إصْلَا ُ وَاْلوَا ِج ُ
جبُ ب عَلَى اْل َوصِ ّي دَبْغُ ِجلْ ِدهَا ,وَإِنْ كَا َن َلوْ َفعََلهُ جَا َز ,فَكَذَِلكَ لَا َي ِ ج ُ الَْيتِيمِ إذَا مَاَتتْ لَا يَ ِ
خلِيلِ ,فَكَ َذِلكَ َجوَازُ اتّخَاذِ اْل ُمرَبّى َعلَْيهِ التّخْلِي ُل ,وَإِنْ كَانَ َلوْ َفعََلهُ كَانَ جَاِئزًا إذَا َثَبتَ َجوَازُ التّ ْ
خلِي ِل ,وَاَلّذِي مِنْ الْخَ ْمرِ بِِإْلقَاءِ الْمِ ْلحِ ,وَالسّ َمكِ فِيهِ ; لَِأّنهُ إتْلَافٌ ِلصِفَ ِة الْخَ ْم ِريّةِ كَمَا فِي التّ ْ
ضهُ مَا ُر ِويَ أَ ّن ابْ َن عَبّاسٍ رضي ال عنه سُئِلَ ُر ِويَ عَ ْن عُ َمرَ رضي ال عنه َأّنهُ َنهَى عَ ْن ذَِلكَ ُيعَا ِر ُ
س ِبهِ ,ثُمّ تَ ْأوِيلُ حَدِيثِ عُ َم َر رضي ال عنه مِثْ ُل مَا َبيّنّا مِنْ تَ ْأوِيلِ اْلحَدِيثِ ك َ ,فقَالَ لَا بَ ْأ َ عَ ْن ذَِل َ
سلِمِ َبيْعُ اْلخَ ْمرِ ,وَلَا أَكْلُ ك عَلَى َطرِيقِ السّيَاسَةِ لِلزّ ْج ِر ,وَلَا يَحِلّ ِللْمُ ْ الْ َمرْفُوعِ َأّنهُ َنهَى عَ ْن ذَِل َ
ثَمَِنهَا ; لِأَنّ الّلهَ َتعَالَى سَمّاهَا ِرجْسًا ,فََي ْقضِي ذَِلكَ بِنَجَاسَ ِة اْلعَيْ ِن ,وَفَسَا ِد الْمَاِليّ ِة ,وَالّت ْقوِيِ
ب عَْنهَا ,فَاقَْتضَى ذَِلكَ أَ ْن لَا يَجُوزَ كَمَا فِي الْمَْيتَ ِة ,وَال ّد ِم ,وََلحْمِ اْلخِْنزِي ِر َ ,وقَدْ َأ َمرَ بِالِا ْجتِنَا ِ
حدِيثِ { أَنّ أَبَا عَا ِمرٍ كَانَ ُيهْدِي ِلرَسُولِ سلِمِ الِا ْقِترَابُ ِمْنهَا َعلَى ِج َهةِ التّ َموّلِ بِحَا ٍل ,وَفِي الْ َ ِللْمُ ْ
الّلهِ صلى ال عليه وسلم رَاوَِي ًة مِنْ خَ ْمرٍ كُ ّل عَا ٍم ,فََأهْدَى َلهُ فِي اْلعَامِ الّتِي ُح ّرمَتْ فِيهِ َ ,فقَالَ
عليه الصلة والسلم :إنّ الّلهَ قَدْ َح ّرمَ اْلخَ ْمرَ َ ,فلَا حَاجَةَ لِي فِي خَ ْمرِك قَا َل :خُ ْذهَا ,وَِب ْعهَا ,
وَانَْتفِعْ ِبثَمَِنهَا فِي حَاجَتِك َ ,فقَالَ عليه الصلة والسلم يَا أَبَا عَا ِمرٍ إنّ الّذِي َحرّمَ ُشرَْبهَا َح ّرمَ
بَْي َعهَا ,وَأَكْ َل ثَمَِنهَا , { } .وَسُئِ َل ابْ ُن عُ َم َر رضي ال عنه عَنْ َبيْعِ الْخَ ْم ِر ,وَأَكْ ِل ثَمَِنهَا َ ,فقَالَ
:قَاتَلَ الّلهُ اْلَيهُودَ ُح ّر َمتْ َعلَْيهِمْ الشّحُو ُم ,فَجَمَلُوهَا ,وَبَاعُوهَا ,وَأَ َكلُوا ثَمََنهَا ,وَإِنّ الّذِي
ش ْربَ َح ّرمَ َبْي َعهَا ,وَأَكْلَ ثَ َمِنهَا َ ,ومِمّنْ َلعََن ُه رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فِي الْخَ ْمرِ َحرّمَ ال ّ
شَترِيهَا . } . بَاِئ ُعهَا َ ,ومُ ْ
وقال ابن العرب :
195
قوله تعال { اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّل ِه وَالْ َمسِي َح ابْ َن َمرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا
شرِكُونَ } .فِيهَا مَسْأََلتَا ِن :الْمَسَْألَ ُة الْأُولَى : ِلَيعْبُدُوا إَلهًا وَاحِدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ ُسبْحَاَنهُ عَمّا يُ ْ
ب مُحَّب ٌر َ ,أيْ جَمَعَ الزّيَن َة .وَُيقَالُ حسِنُ اْل َقوْلَ وَُينَظّ ُم ُه وَيُْتقُِن ُه َ ,ومِْنهُ َث ْو ٌ حْبرُ ُ :هوَ الّذِي يُ ْ الْ َ
س َ ,فقَا َل :إنّمَا سُمّ َي ِبهِ ِلحَمْلِ الْحِْب ِر َو ُهوَ الْمِدَادُ حهَا ,وَقَ ْد غَِلطَ فِيهِ َبعْضُ النّا ِ سرِ الْحَاءِ َوفَتْ ِ بِكَ ْ
وَالْكِتَابَ ُة .وَالرّا ِهبُ ُه َو مِنْ ال ّرهَْب ِة :الّذِي حَمََلهُ َخوْفُ الّل ِه عَلَى أَ ْن يُخِْلصَ إلَْيهِ النّيّ َة دُونَ النّاسِ
سهُ ِبهِ .الْمَسْأََلةُ الثّاِنيَةُ َ :قوُْل ُه َ { :أرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } : جعَ َل ِزمَامَهُ َل ُه َ ,وعَمََل ُه َمعَ ُه ,وَُأنْ َ ,وَيَ ْ
َروَى الّت ْرمِ ِذيّ َو َغْي ُرهُ عَ ْن عَ ِديّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ َ { :أتَيْت النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َوفِي عُُنقِي
ح عَنْك هَذَا اْلوَثَ َن .وَسَ ِمعْته َي ْقرَأُ فِي سُو َرةِ ي ؟ ا ْطرَ ْ صَلِيبٌ مِ ْن َذ َهبٍ َ ,فقَا َل :مَا هَذَا يَا عَ ِد ّ
َبرَا َءةَ { :اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّلهِ } .قَا َل َ :أمَا إّنهُمْ لَمْ يَكُونُوا َيعُْبدُوَنهُمْ
حلّوهُ ,وَِإذَا َح ّرمُوا عََلْيهِمْ شَْيئًا َح ّرمُوهُ } .وَفِيهِ دَلِيلٌ ,وَلَكِّنهُمْ كَانُوا إذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا اسْتَ َ
ح ّرمُونَ مَا َح ّرمَ الّلهُ َورَسُوُلهُ } ; حلِيلَ ِلّلهِ وَ ْح َدهُ ,هَذَا مِثْ ُل َقوِْلهِ { :وَلَا يُ َ حرِ َي وَالتّ َْعلَى أَنّ التّ ْ
حرِيَ ِلغَْي ِرهِ . . ج َعلُونَ التّ ْبَلْ يَ ْ
وقال ابن تيمية :
سلِ ِميَ ا ْشتَدّ نَكِ ُيهُ ْم َعلَى مَنْ أَكَ َل مِنْ - 12مَسْأََل ٌة :سُئِلَ َشيْ ُخ الْإِ ْسلَا ِم عَنْ جَمَا َع ٍة مِنْ الْمُ ْ
خهِ
صرَانِ ّي مُ ْطَلقًا ,وَلَا َي ْدرِي مَا حَاُلهُ ْم ,هَ ْل دَخَلُوا فِي دِيِنهِمْ قَبْ َل نَسْ ِ حةِ َيهُودِيّ َأوْ َن ْ ذَبِي َ
حُتهُمْ حرِي ِفهِ وََقبْ َل مَْب َعثِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأمْ َبعْدَ ذَِلكَ ,بَلْ َيتَنَاكَحُو َن ,وَُت َق ّر مُنَاكَ َ وََت ْ
ج ْزيَ َة َ ,ولَا ُي ْعرَفُ مَ ْن وَلّاهُ ْم مِنْ آبَاِئهِمْ َ ,فهَلْ ِعنْدَ جَمِي ِع النّاسِ َ ,وهُمْ َأهْ ُل ِذمّةٍ ُي َؤدّونَ الْ ِ
حهِمْ َكسَاِئرِ ِبلَادِ ي َ ,أمْ َلهُمْ الْأَكْ ُل مِ ْن ذَبَاِئ ِ ِللْمُْن ِكرِي َن عََلْيهِ ْم مَْن ُعهُمْ مِنْ الذّبْ ِح لِلْ ُمسْلِ ِم َ
حةِ الَْيهُودِ سلِ ِميَ ؟ َأجَابَ :رضي ال عنه :لَْيسَ لِأَحَدٍ أَنْ ُينْ ِك َر عَلَى َأحَدٍ أَكَ َل مِ ْن ذَبِي َ الْمُ ْ
ي َ ,ومَنْ أَنْ َك َر ذَِلكَ َف ُهوَ جَاهِ ٌل مُخْطِئٌ سلِ ِم َ حهُ ْم لِلْمُ ْح ُرمُ ذَبْ ُوَالّنصَارَى فِي هَذَا ال ّزمَانِ ,وَلَا َي ْ
سلِ ِميَ , شهُورٌ َبيْ َن عُلَمَاءِ الْمُ ْ ع مَ ْ ي ,فَإِنّ َأصْلَ هَ ِذ ِه الْمَسَْألَةِ فِيهَا ِنزَا ٌ ع الْ ُمسْلِ ِم َ
مُخَالِفٌ لِإِجْمَا ِ
ج ّردُ حجّةِ ,لَا الْإِنْكَارُ الْمُ َ ح الْمَ َ سوّغُ فِيهَا اْلإِنْكَارُ إلّا بَِبيَانِ الْحُجّ ِة ,وَإِيضَا ِ َومَسَائِلُ الِاجِْتهَادِ لَا يُ َ
حرِيِ ذَِلكَ فِي جهْ ِل وَالَْأ ْهوَا ِء َ ,كيْفَ وَاْل َقوْلُ بَِت ْ ستَنِ ُد إلَى مَحْضِ الّتقْلِي ِد .فَإِ ّن هَذَا ِفعْلُ َأهْ ِل الْ َ الْمُ ْ
ضعِيفٌ جِدّا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِ َم مِنْ ُسنّ ِة رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم هَذَا ال ّزمَا ِن وََقبَْلهُ َقوْ ٌل َ
ج عَ ْن َقوْلَيْنِ خرُ ُ وَلِمَا ُعلِ َم مِنْ حَالِ َأصْحَاِبهِ وَالتّاِب ِعيَ َلهُ ْم بِإِحْسَانٍ َ .وذَِلكَ لِأَنّ الْ ُمنْ ِكرَ ِلهَذَا لَا يَ ْ
ب مُطَْلقًا ,كَمَا َيقُو ُل ذَِلكَ مَنْ َيقُوُل ُه مِنْ الرّاِفضَ ِة , ح ّر ُم ذَبَاِئحَ َأهْلِ الْكِتَا ِ :إمّا أَنْ يَكُو َن مِمّنْ يُ َ
سلِ ِميَ حهِ ْم َ ,وهَذَا لَْيسَ مِنْ َأ ْقوَالِ أَ َحدٍ مِنْ َأئِمّ ِة الْمُ ْ ح ّرمُونَ نِكَاحَ نِسَاِئهِ ْم وَأَكْ َل ذَبَاِئ ِ َو َهؤُلَاءِ يُ َ
ب وَالسّنّ ِة وَالْإِ ْجمَاعِ اْلقَدِيِ شهُورِي َن بِاْلفُْتيَا ,وَلَا مِنْ َأ ْقوَالِ َأتْبَا ِعهِ ْم َ ,و ُهوَ خَطٌَأ مُخَالِفٌ لِلْ ِكتَا ِ الْمَ ْ
,فَإِ ّن الّلهَ َتعَالَى قَا َل فِي كِتَاِبهِ { :وَ َطعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ حِلّ لَكُ ْم وَ َطعَامُكُمْ حِلّ َلهُمْ
196
ب مِنْ قَْبلِكُمْ } .فَإِنْ قِي َل :هَ ِذ ِه ت مِنْ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَا َ حصَنَا ُ ت مِنْ الْ ُم ْؤمِنَاتِ وَالْمُ ْ حصَنَا ُ وَالْمُ ْ
شرِكَاتِ حَتّى ُي ْؤمِ ّن } .وَِب َقوِْلهِ َتعَالَى { :وَلَا تُ ْمسِكُوا الْآيَ ُة ُمعَارَضَ ٌة ِب َقوِْلهِ { :وَلَا َتنْكِحُوا الْ ُم ْ
شرْ َك الْمُ ْطلَقَ فِي اْل ُقرْآنِ لَا جوَابُ مِنْ َثلَاثَةِ َأوْ ُج ٍه َ .أحَ ُدهَا :أَ ّن ال ّ ِبعِصَمِ الْ َكوَاِفرِ } .قِي َل :الْ َ
شرْ ِك الْ ُمقَيّدِ ,قَا َل الّلهُ َتعَالَى { :لَمْ يَكُ ْن الّذِينَ ب ,وَإِنّمَا يَدْ ُخلُونَ فِي ال ّ يَدْخُ ُل فِيهِ َأهْلُ الْ ِكتَا ِ
ب َ ,وقَالَ َتعَالَى شرِكِيَ ِقسْمًا غَْيرَ َأهْلِ الْكِتَا ِ جعَلَ الْ ُم ْ شرِ ِكيَ } َ .ف َ ب وَاْلمُ ْ َك َفرُوا مِنْ َأهْلِ الْكِتَا ِ
جعََلهُمْ س وَاَلّذِينَ أَ ْشرَكُوا } َ .ف َ { :إنّ الّذِي َن آمَنُوا وََالّذِي َن هَادُوا وَالصّاِبِئيَ وَالّنصَارَى وَالْمَجُو َ
قِسْمًا غَْي َرهُمْ ,فََأمّا دُخُوُلهُمْ فِي الْ ُمقَيّدِ َ ,ففِي قوله تعال { :اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا
مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا لَِيعْبُدُوا إَلهًا وَا ِحدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ سُبْحَاَنهُ عَمّا
ب هَذَا :أَنّ َأصْلَ دِيِنهِمْ الّذِي َأْنزَلَ الّلهُ ِبهِ الْكُُتبَ شرِكُو َن َ .وسََب ُ شرِكُونَ } َ .ف َوصَ َفهُمْ بَِأّنهُمْ مُ ْ يُ ْ
ك مِ ْن رَسُولٍ إلّا نُوحِي وََأرْسَ َل ِبهِ الرّسُلَ َلْيسَ فِيهِ ِشرْ ٌك ,كَمَا قَا َل َتعَالَى َ { :ومَا َأرْ َسلْنَا مِ ْن قَبِْل َ
إلَْيهِ أَّنهُ لَا إَلهَ إلّا َأنَا فَا ْعبُدُونِ } .وَقَالَ َتعَالَى { :وَاسْأَ ْل مَنْ َأرْسَ ْلنَا مِنْ قَْبلِك مِ ْن رُ ُسلِنَا َأ َجعَلْنَا
مِ ْن دُونِ الرّحْ َمنِ آِل َهةً ُيعْبَدُو َن } .وَقَا َل { :وََلقَدْ َبعَْثنَا فِي كُلّ ُأمّةٍ َرسُولًا أَنْ ُا ْعبُدُوا الّلهَ
شرْ ِك مَا لَمْ ُيَنزّلْ ِبهِ الّلهُ سُلْطَانًا , ت } ,وَلَكِّنهُمْ َبدّلُوا َوغَّيرُوا ,فَابْتَ َدعُوا مِ ْن ال ّ وَاجَْتنِبُوا الطّاغُو َ
َفصَارَ فِيهِمْ ِشرْكٌ بِاعْتِبَا ِر مَا ابْتَ َدعُوا ,لَا بِاعِْتبَارِ َأصْلِ الدّي ِن .وقوله تعال { :وَلَا تُمْسِكُوا ِب ِعصَمِ
سلِ ِميَ ,وَأُولَِئكَ كُنّ الْ َكوَاِفرِ } ُهوَ َت ْعرِيفٌ لِلْ َكوَاِفرِ الْ َم ْعرُوفَاتِ اللّاتِي كُ ّن فِي ِعصَمِ الْمُ ْ
شرِكَاتِ ح ِوهَا .اْلوَ ْجهُ الثّانِي :إذَا قُ ّدرَ أَنّ َلفْظَ الْمُ ْ شرِكَاتٍ لَا ِكتَاِبيّاتٍ مِنْ َأهْ ِل مَكّةَ َونَ ْ مُ ْ
ت ,فَآَيةُ الْمَائِ َدةِ خَاصّ ٌة َ ,وهِ َي مُتَأَ ّخ َرةٌ َنزََلتْ َبعْدَ سُو َرةِ الَْب َق َرةِ وَالْمُ ْمتَحَِنةِ وَالْ َكوَاِفرِ َيعُمّ الْ ِكتَاِبيّا ِ
ق اْلعُلَمَا ِء ,كَمَا فِي الْحَدِيثِ { الْمَائِ َدةُ مِنْ آ ِخرِ اْلقُرْآنِ ُنزُولًا فََأحِلّوا حَلَاَلهَا َو َح ّرمُوا بِاّتفَا ِ
ي ,لَ ِكنّ اْلجُ ْمهُورَ سلِ ِم َق ُعلَمَاءِ الْمُ ْ ص الْمُتََأ ّخرُ َيقْضِي عَلَى اْلعَامّ اْلمَُتقَ ّدمِ بِاّتفَا ِ َحرَا َمهَا } وَالْخَا ّ
خصِيصِ َلمْ َت ِردْ بِالّلفْظِ اْلعَا ّم ,وَطَاِئفَةٌ َيقُولُونَ إ ّن ذَِلكَ سرٌ َلهُ َ ,فتَبَيّنَ أَنّ صُو َرةَ التّ ْ َيقُولُونَ إّنهُ ُمفَ ّ
حهُمْ نُسِ َخ َبعْدَ أَ ْن ُشرِعَ .اْلوَ ْجهُ الثّاِلثُ :إذَا َفرَضْنَا الّنصّيْنِ خَاصّيْنِ ,فََأحَدُ الّنصّيْنِ َح ّر َم ذَبَاِئ َ
جبُ َتقْ ِد ُيهُ ِل َو ْجهَيْ ِن :أَحَ ُدهُمَا :أَنّ حلّلُ َلهُمَا هُنَا يَ ِ ص الْمُ َ وَِنكَا َحهُ ْم ,وَالْآ َخرُ َأحَّلهُمَا ,فَالنّ ّ
سُورَةَ الْمَائِ َد ِة هِ َي الْمُتََأ ّخ َرةُ بِاّتفَاقِ اْلعُلَمَا ِء َ ,فتَكُونُ نَاسِخَ ًة لِلنّصّ الْمَُتقَ ّدمِ ,وَلَا ُيقَالُ إنّ هَذَا
حرِيِ لَ ْم يَكُنْ ِبخِطَابٍ َش ْرعِيّ حَلّلَ ذَِلكَ ,بَلْ كَانَ نَسْخٌ ِللْحُكْ ِم َمرَّتيْنِ ; لِأَ ّن ِفعْلَ ذَِلكَ َقبْلَ التّ ْ
حرِيُ الْمُْبتَدَأُ لَا يَكُونُ ك .وَالتّ ْ ح ِو ذَِل َحرِ ِي ,بِمَْنزَِلةِ ُش ْربِ الْخَ ْم ِر ,وَأَكْلِ اْلخِْنزِي ِر وَنَ ْ ِلعَ َدمِ التّ ْ
حرِيُ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم لِكُ ّل ذِي نَابٍ نَسْخًا لِاسِْتصْحَابِ ُحكْمِ اْل ِفعْ ِل ,وَِلهَذَا لَمْ يَ ُكنْ تَ ْ
خَلبٍ مِ ْن الطّْيرِ نَاسِخًا لِمَا دَ ّل عَلَْيهِ َقوُْلهُ َتعَالَى { :قُلْ لَا أَ ِجدُ فِي مَا ع ,وَكُ ّل ذِي مِ ْ مِنْ السّبَا ِ
ح ّرمْ َقبْلَ ُنزُولِ الْآَيةِ إلّا ح ّرمًا َعلَى طَاعِمٍ َي ْطعَمُهُ } الْآَيةَ ; مِنْ أَنّ الّل َه َعزّ وَ َجلّ لَمْ يُ َ أُو ِحيَ إلَ ّي مُ َ
حرِ َي مَا ِسوَى الثّلَاثَة إلَى ِحيِ ُنزُو ِل هَ ِذهِ الْآَي ِة ,وَلَمْ هَ ِذهِ الَْأصْنَافَ الثّلَاثَةَ ,فَإِ ّن هَ ِذ ِه الْآَيةَ َن َفتْ تَ ْ
197
حرِيَ َ ,ك ِفعْلِ ك َع ْفوًا لَا َتحْلِيلَ فِي ِه وَلَا َت ْ ك ,بَلْ كَا َن مَا ِسوَى ذَِل َ يَثُْبتْ َتحْلِي ُل مَا ِسوَى ذَِل َ
حرَا ُم مَا الصّبِ ّي وَالْمَجْنُو ِن ,وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الْ َم ْعرُوفِ { :الْحَلَا ُل مَا حَلَّلهُ الّلهُ فِي كِتَاِبهِ وَالْ َ
ظ ,عَ ْن سَلْمَا َن اْلفَارِسِيّ حفُو ٌ ت عَْنهُ َف ُه َو مِمّا َعفَا َعْنهُ } َ .وهَذَا مَ ْ َحرّ َمهُ الّلهُ فِي كِتَاِبهِ َومَا سَ َك َ
َموْقُوفًا َعلَْي ِه َ ,أ ْو َمرْفُوعًا إلَى النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َ .ويَدُ ّل عَلَى ذَِلكَ أَّنهُ قَالَ فِي سُو َرةِ
الْمَائِ َدةِ { اْلَي ْومَ ُأحِلّ لَكُ ْم الطّيّبَاتُ } ,فَأَ ْخَبرَ َأّنهُ َأحَّلهَا ذَِلكَ اْلَي ْومَ ,وَسُو َرةُ الْمَائِ َدةِ مَ َدنِيّةٌ
حلِي َل الطّيّبَاتِ كَانَ بِالْمَدِينَ ِة لَا بِمَكّ َة , ع َ ,فعُلِمَ أَنّ تَ ْ ع ,وَسُو َرةُ الْأَْنعَامِ مَكّيّةٌ بِالْإِجْمَا ِ بِالِْإجْمَا ِ
وقوله تعال { :يَسْأَلُونَك مَاذَا أُ ِحلّ َلهُمْ قُلْ ُأحِلّ لَكُ ْم الطّيّبَاتُ } إلَى َقوِْلهِ { :وَ َطعَامُ الّذِينَ
ت َ ,وقَبْ َل ذَِلكَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِ ّل لَكُ ْم وَ َطعَامُكُمْ حِلّ َلهُ ْم } ,إلَى آ ِخ ِرهَا َ .فثََبتَ نِكَاحُ الْكِتَابِيّا ِ
خهَا شَ ْيءٌ ح ّرمًا ثُمّ ُنسِ َخ ,يَدُ ّل عََلْيهِ أَنّ آَيةَ الْمَائِ َدةِ لَمْ َينْسَ ْ كَانَ إمّا َع ْفوًا عَلَى الصّحِي ِح ,وَِإمّا مُ َ
.اْل َو ْجهُ الثّانِي َ :أّنهُ قَدْ َثَبتَ حِلّ َطعَامِ َأهْ ِل الْكِتَابِ بِالْ ِكتَابِ وَالسّنّ ِة وَالْإِجْمَاعِ ,وَالْكَلَامُ فِي
حهِ ْم ,فَِإذَا َثَبتَ حِلّ أَحَ ِدهِمَا َ ,ثَبتَ حِلّ الْآ َخ ِر ,وَحِلّ أَ ْطعِ َمِتهِمْ لَْيسَ نِسَاِئهِمْ كَالْ َكلَامِ فِي ذَبَائِ ِ
َل ُه ُمعَا ِرضٌ َأصْلًا .وَيَدُ ّل َعلَى ذَِلكَ أَ ّن حُذَْيفَ َة بْنَ الْيَمَا ِن َت َزوّجَ َيهُودِيّ ًة َ ,ولَمْ يُْن ِكرْ َعلَْيهِ أَحَ ٌد مِنْ
ك .فَإِنْ قِي َل :قوله تعال { :وَ َطعَامُ الصّحَاَب ِة ,فَدَ ّل عَلَى َأّنهُمْ كَانُوا مُجْتَ ِم ِعيَ َعلَى َجوَا ِز ذَِل َ
حبُوبِ .قِي َل :هَذَا خَطَأٌ ِلوُجُو ٍه : الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلّ لَكُ ْم } ,مَحْمُو ٌل عَلَى اْل َفوَا ِك ِه وَالْ ُ
صهَا بَِأهْلِ خصِي ِ شرِ ِكيَ وَالْمَجُوس ,فَلَْيسَ فِي تَ ْ ب وَالْ ُم ْ َأحَ ُدهَا :أَ ّن هَ ِذ ِه مُبَا َح ٌة مِنْ َأهْلِ اْلكِتَا ِ
الْ ِكتَابِ فَائِ َدةٌ .الثّانِي :أَ ّن إضَاَفةَ ال ّطعَامِ إَلْيهِمْ َيقَْتضِي أَّن ُه صَارَ َطعَامًا ِب ِفعِْلهِ ْم َ ,وهَذَا إنّمَا
صرْ يُسَْتحَقّ فِي الذّبَائِ ِح الّتِي صَارَتْ لَحْمًا بِذَكَاِتهِمْ ,فََأمّا اْل َفوَا ِكهُ فَإِنّ الّلهَ َخَل َقهَا مَ ْطعُومَةً لَمْ َت ِ
حلّ النّسَا ِء ,وَأَبَاحَ َطعَامَنَا َلهُ ْم َ ,كمَا أَبَاحَ َطعَامًا ِب ِفعْ ِل آ َدمِ ّي .الثّاِلثُ :أَّنهُ َقرَنَ حِ ّل ال ّطعَامِ بِ ِ
ي ,كَمَا أَبَاحَ َطعَا َمهُمْ شرِ ِك َب دُونَ الْمُ ْ ص بَِأهْلِ اْلكِتَا ِ َطعَا َمهُمْ لَنَا َ ,ومَعْلُومٌ أَنّ حُكْ َم النّسَا ِء مُخْتَ ّ
شرِ ِكيَ ,وَكَذَِلكَ حُكْ ُم ال ّطعَامِ ختَصّ بَِأهْ ِل الْ ِكتَابِ دُونَ الْمُ ْ َلنَا َ ,و َمعْلُومٌ أَنّ حُكْ َم النّسَاءِ مُ ْ
حبّ لَا يَخَْتصّ بَِأهْ ِل الْكِتَابِ .الرّابِ ُع :أَنّ َلفْظَ ال ّطعَامِ عَا ّم َ ,وتَنَاوََلهُ اللّحْمَ وَاْلفَا ِكهَ ِة ,وَالْ َ
جبُ إ ْقرَارُ الّل ْفظِ َعلَى عُمُومِ ِه ,لَا سِيّمَا َوقَدْ َقرَنَ ِبهِ قوله ح َوهُ َأ ْقوَى مِنْ َتنَاوُِلهِ لِ ْلفَا ِكهَةِ َ ,فيَ ِ
وََن ْ
تعال { :وَ َطعَامُكُمْ حِ ّل َلهُمْ } ,وََنحْنُ يَجُوزُ َلنَا أَنْ نُ ْطعِ َمهُمْ كُلّ َأْنوَاعِ َطعَامِنَا ,فَكَذَِلكَ َيحِلّ
سَتفِيضِ أَنّ ح ,بَلْ بِالّنقْلِ الْمُ ْ َلنَا أَنْ نَأْ ُكلَ جَمِيعَ َأْنوَاعِ َطعَا ِمهِ ْم .وَأَْيضًا َفقَ ْد ثََبتَ فِي الصّحَا ِ
شوِيّ ًة ,فَأَكَ َل مِْنهَا ُلقْمَةً ,ثُ ّم قَالَ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأهْ َدتْ َلهُ الَْيهُودِيّ ُة عَامَ خَيَْبرَ شَاةً مَ ْ
حهُمْ َحلَالٌ لَمَا تَنَاوَلَ مِ ْن تِ ْلكَ الشّا ِة .وََثَبتَ خِبرُنِي أَنّ فِيهَا سُمّا } ,وََلوْلَا أَ ّن ذَبَائِ َ { :إ ّن هَ ِذهِ تُ ْ
فِي الصّحِيحِ أَّنهُ ْم لَمّا َغ َزوْا خَْيَبرَ ,أَخَ َذ َبعْضُ الصّحَابَ ِة ِجرَابًا فِيهِ شَحْمٌ ,قَا َل ُ :قلْت لَا أُ ْطعِمُ
حكُ وَلَ ْم يُنْ ِك ْر عََلْيهِ َ ,وهَذَا الَْي ْو َم مِ ْن هَذَا أَحَدًا ,فَاْلَتفَتَ فَِإذَا رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َيضْ َ
ح ْربِ قَبْ َل اْلقِسْمَ ِة . ي مِنْ َطعَامِ َأهْلِ الْ َ مِمّا اسْتَ َدلّ ِبهِ اْلعُلَمَاءُ عَلَى َجوَازِ أَكْ ِل جَْيشِ الْ ُمسْلِ ِم َ
198
ب َد ْع َوةَ َيهُو ِديّ إلَى خُْبزِ َشعِ ٍي وَِإهَاَل ٍة وََأْيضًا { فَإِ ّن رَسُو َل الّلهِ صلى ال عليه وسلم أَجَا َ
ح ِو ِه , ح ِة َومِنْ السّمْ ِن وَنَ ْ خةٍ } َ ,روَاهُ الِْإمَامُ أَحْمَ ُد ,وَالِْإهَالَ ُة مِنْ اْل َودَكِ الّذِي يَكُو ُن مِنْ الذّبِي َ سَنِ َ
ح ّرمَةً لَكَاَنتْ حهُ ْم مُ َت ذَبَائِ ُ
الّذِي يَكُونُ فِي َأ ْو ِعيَِتهِمْ الّتِي َيطْبُخُونَ فِيهَا فِي اْلعَا َدةِ ,وََلوْ كَاَن ْ
ح ِوهِ ْم ,وَقَدْ َثَبتَ عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ َنهَى عَ ْن الْأَكْلِ س وَنَ ْ َأوَانِيهِمْ كََأوَانِي الْمَجُو ِ
فِي َأ ْوعِيَِتهِ ْم حَتّى رَخّصَ أَنْ ُيغْسَ َل .وَأَْيضًا َفقَدْ ا ْسَتفَاضَ أَنّ َأصْحَابَ رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه
ق َو ِمصْرَ كَانُوا يَأْ ُكلُونَ مِ ْن ذَبَائِحِ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ :الَْيهُودِ وَالّنصَارَى وسلم لَمّا فَتَحُوا الشّامَ وَاْل ِعرَا َ
ع مَا ُه َو َمعْرُوفٌ بَيْنَ س َ ,ووَقَ َع فِي جُْبنِ الْ َمجُوسِ مِنْ الّنزَا ِ ,وَإِنّمَا ا ْمتََنعُوا مِ ْن ذَبَائِحِ الْمَجُو ِ
ع َم ْعرُوفٌ بَيْ َن اْلعُلَمَا ِء ,فَأَبُو حةِ الْ َميَْتةِ ِنزَا ٌ
حتَاجُ إلَى الِْإْنفَحَ ِة َ ,وفِي إِْنفَ َ سلِ ِميَ ; لِأَنّ الْجُْبنَ يَ ْ الْمُ ْ
حَنِي َفةَ َيقُولُ بِ َطهَارَِتهَا َ ,ومَاِلكٌ وَالشّاِفعِيّ َيقُولَانِ ِبنَجَا َسِتهَا َ ,وعَنْ أَحْ َمدَ ِروَايَتَا ِن َ .فصْ ٌل :
الْمَأْخَ ُذ الثّانِي :اْلإِنْكَا ُر َعلَى مَنْ يَأْكُ ُل ذَبَائِحَ َأهْ ِل الْكِتَابِ ُهوَ َكوْ ُن َهؤُلَاءِ الْ َموْجُودِي َن لَا ُيعْلَمُ
َأّنهُ ْم مِنْ ُذرّيّ ِة مَنْ َدخَلَ فِي دِيِنهِمْ قَْبلَ النّسْ ِخ وَالتّبْدِي ِل َ ,و ُهوَ الْمَأْخَ ُذ الّذِي دَلّ َعلَْيهِ كَلَامُ السّائِلِ
سلِ ِميَ َأهْ ُل السّنّ ِة وَالْجَمَا َع ِة َ .وهَذَا مَْبنِ ّي عَلَى َأصْلٍ , َ ,و ُهوَ الْمَأْخَ ُذ الّذِي تَنَازَعَ فِي ِه عُلَمَاءُ الْمُ ْ
ت مِنْ حصَنَا ُ َو ُهوَ أَنّ قوله تعال { :وَ َطعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ِحلّ لَكُ ْم وَ َطعَامُكُمْ حِلّ َلهُ ْم وَالْمُ ْ
حصَنَاتُ مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ َقبْلِكُ ْم } .هَ ْل الْ ُمرَادُ ِب ِه مَ ْن ُهوَ َبعْدَ ُنزُولِ ت وَالْ ُم ْ الْ ُم ْؤمِنَا ِ
ب ؟ َأ ْو الْ ُمرَادُ ِب ِه مَنْ كَانَ آبَا ُؤهُ قَ ْد دَخَلُوا فِي دِينِ َأهْلِ الْ ِكتَابِ قَْبلَ اْل ُقرْآ ِن مُتَدَيّنٌ بِدِينِ َأهْلِ اْلكِتَا ِ
ي مِنْ السّلَفِ النّسْ ِخ وَالتّبْدِي ِل ؟ عَلَى َقوْلَيْنِ ِل ْلعُلَمَا ِء :فَاْل َقوْلُ الَْأوّ ُل ُ :هوَ َقوْلُ جُ ْمهُورِ اْلمُسْلِ ِم َ
ك ,وََأحَدُ اْل َقوَْليْنِ فِي مَ ْذ َهبِ أَحْمَ َد ,بَ ْل ُهوَ الْ َمْنصُوصُ خلَفِ َ ,و ُهوَ مَ ْذ َهبُ أَبِي حَنِي َفةَ َومَاِل ٍ وَالْ َ
صرِيًا .وَالثّانِي َ :قوْلُ الشّاِفعِ ّي ,وَطَاِئفَ ٍة مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد .وََأصْلُ هَذَا اْل َقوْ ِل :أَنّ َعلِيّا َعْنهُ َ
حهُمْ وَلَا نِسَا ُؤهُمْ ,فَِإّنهُمْ لَمْ ح ذَبَاِئ ُ
,وَاْب َن عَبّاسٍ َتنَا َزعَا فِي ذَبَائِ ِح بَنِي َت ْغِلبَ َ ,فقَا َل عَِل ّي :لَا تُبَا ُ
شرُوطِ الّتِي ي عَْنهُ َ .ت ُغرّوهُمْ ; لِأَّنهُ ْم لَمْ َيقُومُوا بِال ّ ش ْربِ الْخَ ْم ِر َ ,و ُروِ َ صرَانِيّةِ إلّا بِ ُ
يَتَمَسّكُوا مِنْ الّن ْ
ط َ ,وقَالَ ابْ ُن عَبّاسٍ :بَلْ شرُو ِ ط عََلْيهِمْ أَ ْن لَا َوغَْي ُر ذَِلكَ مِنْ ال ّ َشرَ َطهَا َعلَْيهِ ْم عُثْمَانُ ,فَِإّنهُ َشرَ َ
تُبَاحُ لقوله تعال َ { :ومَنْ يََت َوّلهُمْ مِْنكُمْ فَِإّنهُ مِْنهُ ْم } َ .وعَامّةُ الْمُسِْل ِميَ مِنْ الصّحَابَ ِة َو َغْي ِرهِمْ َلمْ
ف ذَِلكَ إلّا عَ ْن عَلِ ّي وَحْ َد ُه ,وَقَ ْد ُر ِويَ َمعْنَى َقوْ ِل ابْ ِن عَبّاسٍ عَ ْن عُ َمرَ حهُمْ ,وَلَا ُي ْعرَ ُ ح ّرمُوا ذَبَاِئ َيُ َ
س َ ,و ُهوَ َقوْلُ الْجُ ْمهُورِ كَأَبِي َحنِيفَ َة , ب .فَمِنْ اْل ُعلَمَاءِ مَ ْن رَجّحَ َقوْ َل عُ َم َر وَابْ ِن َعبّا ٍ بْنِ اْلخَطّا ِ
حهَا طَاِئفَ ٌة مِنْ َأصْحَاِب ِه ,بَ ْل هِيَ آ ِخرُ َقوْلَْي ِه , ك ,وَأَ ْحمَدَ فِي إ ْحدَى ال ّروَاَيتَيْ ِن عَْن ُه َ ,وصَحّ َ َومَاِل ٍ
سلِ ِميَ مِنْ الصّحَاَبةِ وَالتّاِب ِعيَ وَتَاِبعِيهِ ْم عَلَى هَذَا اْل َقوْلِ .وَقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ الَْأْث َرمُ :مَا بَ ْل عَامّةُ الْمُ ْ
َعلِمْت َأحَدًا مِنْ َأصْحَابِ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َك ِر َههُ إلّا عَِليّا َ ,وهَذَا َقوْلُ جَمَاهِيِ ُف َقهَاءِ
ي َوغَْي ِرهِ ْم , خعِ ّي ,وَال ّز ْهرِ ّي ,كَالْحَسَ ِن ,وَإِْبرَاهِيمَ النّ َ ث وَالرّْأ ِق َ ,وُف َقهَاءِ الْحَدِي ِ الْحِجَازِ وَاْل ِعرَا ِ
َو ُهوَ الّذِي َن َقَلهُ عَنْ أَ ْحمَدَ أَكَْثرُ َأصْحَاِب ِه َ ,وقَالَ إْبرَاهِيمُ ْبنُ الْحَا ِرثِ :كَانَ آ ِخرُ َقوْلِ أَحْمَ َد َعلَى
199
حهِمْ بَأْسًا َ .ومِنْ اْل ُعلَمَاءِ مَ ْن رَجّحَ َقوْ َل عَلِ ّي َ ,و ُهوَ َقوْلُ الشّاِفعِ ّي ,وَأَحْمَدَ فِي َأّنهُ لَا َيرَى بِذَبَائِ ِ
ف اجِْتهَا ُدهُ فِي بَنِي َتغِْلبَ َ ,وهُمْ الّذِينَ َتنَازَعَ فِيهِمْ إحْدَى ال ّروَاَيتَيْ ِن َعْنهُ ,وَأَحْمَدُ إنّمَا ا ْختَلَ َ
خ وََب ْهرَاءَ َ ,وغَْي ِرهِمَا مِنْ اْلَيهُودِ فَلَا الصّحَاَب ُة ,فََأمّا سَاِئ ُر الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى مِنْ اْل َع َربِ ,مِثْلُ َتنُو َ
ي َوغَْي ِرهِمْ مِنْحهِمْ ِنزَاعًا ,وَلَا عَ ْن الصّحَابَ ِة َ ,ولَا عَنْ التّاِب ِع َ ف عَنْ أَحْمَ َد فِي حِ ّل ذَبَائِ ِ َأ ْعرِ ُ
ع بَيَْنهُ ْم فِي َبنِي َتغِْلبَ خَاصّةً ,وَلَكِ ْن مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد مَنْ َجعَلَ ف ,وَإِنّمَا كَانَ الّنزَا ُ السّلَ ِ
ب ,وَالْحِ ّل مَ ْذ َهبُ الْجُ ْمهُورِ كَأَبِي حَنِي َف َة َومَاِلكٍ َ ,ومَا َأ ْعلَمُ ِل َقوْلِ الْآ َخرِ فِيهِ ْم ِروَاَيتَيْنِ َكبَنِي َتغِْل َ
قُ ْد َوةً مِنْ السّلَفِ .ثُ ّم َهؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَدَ [ قَالُوا ] بَِأّنهُ :مَنْ كَانَ أَحَدُ أََب َوْيهِ
حةُ نِسَاِئهِ َ ,وهَذَا مَ ْذ َهبُ الشّاِفعِيّ فِيمَا إذَا كَانَ َغْيرَ ِكتَابِيّ ,بَ ْل مَجُو ِسيّا لَ ْم تَحِ ّل ذَبِيحَُت ُه َومُنَاكَ َ
حُتهُ عِنْدَ
ب مَجُوسِيّا ,وََأمّا الُْأمّ َفَلهُ فِيهَا َقوْلَانِ ,فَإِنْ كَانَ الَْأَبوَا ِن مَجُوسِيّيْنِ َح ُر َمتْ ذَبِي َ الَْأ ُ
ك عَ ْن مَاِلكٍ َ ,وغَاِلبُ ظَنّي أَ ّن هَذَا َغَلطٌ الشّاِفعِ ّي َومَنْ وَاَف َقهُ مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد ,وَحُكِ َي ذَِل َ
خرّجَ ِة عَنْ َأحْمَدَ فِي َعلَى مَاِلكٍ فَإِنّي لَمْ أَجِ ْدهُ فِي ُكُتبِ َأصْحَاِب ِه َ .وهَذَا َت ْفرِي ٌع عَلَى ال ّروَاَيةِ اْلمُ َ
ب َ .وهَذَا مَبْنِ ّي َعلَى إحْدَى ال ّروَايََتيْ ِن عَْنهُ فِي َنصَارَى بَنِي َتغِْلبَ سَاِئرِ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى مِ ْن اْل َعرَ ِ
ب دُونَ َغْي ِرهِمْ مِ ْن اْل َعرَبِ َ ,و ُهوَ ال ّروَاَيةُ الّتِي اخْتَا َرهَا َهؤُلَاءِ ,فََأمّا إذَا َجعَ َل ال ّروَاَيتَيْ ِن فِي َبنِي َتغِْل َ
ع عَا ّم ,وََف ّرعْنَا َعلَى اْل َقوْلِ بِحِ ّل ذَبَائِحِ َبنِي َت ْغِلبَ وَِنسَاِئهِ ْم ,كَمَا ُهوَ َقوْلُ َ ,أوْ قِيلَ إنّ الّنزَا َ
ب ,بَلْ َلوْ كَانَ الْأََبوَا ِن جَمِيعًا مَجُوسِيّيْنِ َأ ْو وَثَِنيّيْنِ س ِ الْأَكَْثرِي َن ,فَإِّن ُه عَلَى هَ ِذهِ ال ّروَاَيةِ لَا عِْب َرةَ بِالنّ َ
صرّحَب ,فَحُكْ ُمهُ حُكْمُ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ َعلَى هَذَا اْل َقوْلِ ِبلَا رَْيبٍ ,كَمَا َ وَاْلوَلَ ُد مِنْ َأهْلِ اْلكِتَا ِ
بِذَِلكَ اْل ُف َقهَاءُ مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد وَأَبِي حَنِيفَ َة َوغَْي ِرهِ ْم .
ض اْلعُلَمَا ِء وَاْلفُ َقرَاءِ إنّ ال ّدعَاءَ مُسَْتجَابٌ ِعنْدَ ُقبُورِ - 18 - 330مَسْأََل ٌة :مَا ُحكْمُ َقوْلِ َبعْ ِ
ك ,وََقْبرِ اْلُب ْرهَانِ اْلبَلْخِ ّي مِنْ ب مَاِل ٍ َأ ْرَبعَ ٍة مِنْ َأصْحَابِ الْأَئِمّةِ الَْأرَْبعَ ِة ,قَْبرِ اْلفَنْدَلَا ِويّ مِنْ َأصْحَا ِ
صرٍ الْ َمقْدِسِ ّي مِنْ َأصْحَابِ الشّاِفعِ ّي َ ,وقَْبرِ الشّْيخِ أَبِي اْل َفرَجِ َأصْحَابِ أَبِي حَنِيفَ َة َ ,وقَْبرِ الشّيْ ِخ َن ْ
مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَدَ رضي ال عنهم َ ,ومَنْ اسَْتقْبَ َل اْلقِبَْل َة عِنْ َد قُبُو ِرهِ ْم َو َدعَا اُسُْتجِيبَ َلهُ .وََقوْلِ
َبعْضِ اْل ُعلَمَاءِ عَ ْن َبعْضِ اْلمَشَاِيخِ يُوصِيهِ إذَا َنزَلَ ِبكَ حَادِثٌ َأوْ َأ ْمرٌ تَخَاُفهُ اسَْتوْ ِحنِي َينْكَشِفْ
َعْنكَ مَا َتجِ ُدهُ مِ ْن الشّ ّدةِ َحيّا كُْنتَ َأ ْو مَيّتًا َ ,ومَنْ َقرَأَ آَيةَ الْ ُكرْسِ ّي وَاسَْتقْبَ َل ِجهَةَ الشّْي ِخ عَبْدِ
سلِي َمةٍ خُ ْط َوةً إلَى قَْب ِرهِ ُقضَِيتْ حَا َجُتهُ َ ,أوْ اْلقَا ِدرِ الْجِيلَانِ ّي وَ َسلّ َم عَلَْيهِ َسبْ َع َمرّاتٍ يَخْطُو مَعَ ُكلّ تَ ْ
جلّيهِ ب وَيُكِْث ُر الّتوَاجُ َد َ .وَقوْلِ اْل ُف َقرَاءِ :إنّ الّلهَ َتعَالَى يَنْ ُظرُ إلَى اْل ُف َقرَاءِ بِتَ َ كَا َن فِي سَمَاعٍ فَإِّنهُ ُيطَّي ُ
ط عِنْ َد قِيَا ِمهِمْ فِي الِاسِْت ْغفَارِ َأ ْو الْمَجَازَاتِ الّتِي بَْيَنهُ ْم , َعلَْيهِمْ فِي ثَلَاثَ ِة َموَاطِ َن ِعنْ َد مَدّ السّمَا ِ
ع َومَا َي ْفعَُلهُ َب ْعضُ الْ ُمَتعَبّدِي َن مِ ْن ال ّدعَا ِء عِنْدَ َقْبرِ زَ َكرِيّا وَقَْب ِر هُودٍ وَالصّلَا ِة عِنْ َدهُمَا , َوعِنْ َد السّمَا ِ
ق الْجَامِ ِع بِبَابِ ال ّطهَا َرةِ بِ ِدمَشْ َق وَال ّدعَا ِء عِنْ َد الْ ُمصْحَفِ اْلعُثْمَانِ ّي . شرِقَ ْي ِروَا ِوَالْ َموْقِفِ َبيْ َن مَ ْ
صغِ ِي , شهَدَاءِ بِبَابِ ال ّ َومِنْ إْلصَاقِ َظ ْه ِرهِ الْ َموْجُوعِ بِاْلعَمُودِ الّذِي ِعنْ َد رَْأسِ قَْب ِر ُمعَاوِيَ َة عِنْ َد ال ّ
200
خصُوصٍ َأوْ مَكَان ُمعَيّ ٍن ِعنْدَ قَْبرِ َنبِيّ َأ ْو وَلِيّ ت مَ ْ َفهَلْ لِل ّدعَاءِ ُخصُوصِيّ ُة قَبُولٍ َأوْ ُس ْرعَ ُة إجَاَبةٍ ِبوَ ْق ٍ
ك ُم َقرّبٍ َأوْ بِ َكلَا ِمهِ َتعَالَى , َ ,أوْ يَجُوزُ أَنْ َيسَْتغِيثَ إلَى الّلهِ َتعَالَى فِي ال ّدعَاءِ بَِنبِ ّي ُمرْسَلٍ َأوْ مََل ٍ
ضرِ َ .وهَلْ يَجُوزُ أَنْ خِ شهُورِ بِا ْحتِيَاطِ قَافٍ َأوْ بِ ُدعَاءِ ُأ ّم دَاوُد َأ ْو الْ َ َأوْ بِالْ َكعَْبةِ َأوْ بِال ّدعَاءِ الْمَ ْ
ح ْرمَةِ ُفلَانٍ بِجَاهِ الْ ُم َقرِّبيَ بِأَ ْق َربِ اْلخَلْقِ َأوْ ُيقْسِمُ سؤَالِ بِحَ ّق فُلَا ٍن بِ ُ ُيقْسَ َم عَلَى الّلهِ َتعَالَى فِي ال ّ
ق َو َز ْع َفرَا ٌن وَ َسرْجٌ لِ َكوِْن ِه رَأَى النّبِيّ صلى بِأَ ْفعَاِلهِ ْم وََأعْمَاِلهِ ْم َ .وهَلْ يَجُوزُ َتعْظِي ُم مَكَان فِيهِ خَلُو ٌ
ق ُمعَّلقَ ٌة َ ,وُيقَا ُل هَ ِذهِ ج َرةٍ يُوجَ ُد فِيهَا ِخرَ ٌ ال عليه وسلم فِي الْ َمنَامِ ِعنْ َدهُ َ ,أوْ يَجُوزُ َتعْظِيمُ شَ َ
جتَمِعُ إَلْيهَا الرّجَالُ الَْأ ْولِيَا ُء َ ,وهَلْ َيجُوزُ َتعْظِيمُ َجبَلٍ َأ ْو زِيَارَُتهُ َأ ْو زِيَا َرةُ مَا فِي ِه مِنْ مُبَارَ َكةٌ يَ ْ
ع وََقْبرِ ف آ َدمَ وَالْآثَا ِر َومَغَا َرةِ الْجُو ِ الْمَشَاهِدِ وَالْآثَا ِر وَال ّدعَاءُ فِيهَا وَالصّلَاةُ كَ َمغَا َرةِ ال ّد ِم وَ َكهْ ِ
س وَ ِحزْقِي َل وَ َشيْبَا َن الرّاعِي وَإِْبرَاهِيمَ ْبنِ َأ ْدهَمَ بِجَْبلَ َة َ ,وعُشّ اْل ُغرَابِ ح وَإِلْيَا َ
ث َوهَابِي َل َونُو ٍ شِي ٍ
شهُورٌ سجِ ِد صَالِحٍ ِبعَكّا َو ُه َو مَ ْ سقَلَانَ َومَ ْ بَِبعَْلَبكّ َو َمغَا َرةِ الَْأرَْب ِعيَ وَحَمّامِ َطَبرِيّ َة َوزِيَا َر ُة عَ ْ
حرّ ال ّدعَا ِء عِنْ َد اْلقُبُو ِر ,وَأَنْ ُتقَبّ َل َ ,أوْ يُوقَ َد عِنْ َدهَا ت َ .وهَلْ َيجُوزُ تَ َ ح ُرمَاتِ وَالّتعْظِي ِم وَالزّيَارَا ِ بِالْ ُ
حصُلُ ِللَْأ ْموَاتِ ِبهَ ِذهِ الْأَ ْفعَا ِل مِ ْن الْأَ ْحيَاءِ مَْن َفعَةٌ َأ ْو َمضَ ّرٌة َ ,وهَلْ ال ّدعَاءُ ج َ ,وهَلْ يَ ْ سرُ ُاْلقَنَادِيلُ وَال ّ
ِعنْدَ اْلقَ َدمِ النَّب ِويّ بِدَا ِر الْحَدِيثِ الْأَ ْش َرفِيّ ِة بِ ِدمَشْ َق َوغَْي ِر ِه .وَقَ َد ِم مُوسَى َو َمهْدِ عِيسَى َو َمقَامِ
ك ُ ,كّلهُ فِي سيْ ِن َوصُهَْيبٍ الرّومِ ّي وَِبلَا ٍل الْحََبشِ ّي وَُأوَْيسٍ اْل َقرَنِ ّي َومَا أَ ْشَبهَ ذَِل َ إْبرَاهِي َم َورَْأسِ الْحُ َ
جوَامِعِ .وَكَذَِلكَ َقوُْلهُمْ ال ّدعَاءُ جبَا ِل وَاْلمَشَاهِ ِد وَالْمَسَا ِجدِ وَالْ َ سوَاحِ ِل وَالْ ِسَاِئرِ الْبِلَادِ وَاْل ُقرَى وَال ّ
شرِْق ّي مُسْتَدِْبرًا َلهُ مَُت َو ّجهًا إلَى اْلقِبَْل ِة , صغِيِ وَال ّ ج بَابِ كَيْسَا َن بَيْ َن بَابَ ْي ال ّ ب عِنْدَ ُبرْ ِ ستَجَا ٌ مُ ْ
وَال ّدعَاءُ ِعنْ َد دَا ِخلِ بَابِ اْل َفرّادِي َن َ ,فهَ ْل ثََبتَ شَ ْيءٌ فِي إجَاَبةِ الَْأ ْد ِعيَةِ فِي هَ ِذ ِه الَْأمَاكِنِ َأمْ لَا ؟
ستّ َنفِيسَةَ َأوْ يَا سَيّدُ َوهَلْ َيجُوزُ أَ ْن يُسَْتغَاثَ ِبغَْي ِر الّلهِ َتعَالَى بِأَنْ َيقُولَ يَا جَاهَ مُحَمّدٍ َأ ْو بِال ّ
سرَ َأوْ َق َف َز مِنْ مَكَان إلَى مَكَان َيقُولُ يَا َعلِيّ َأوْ يَا الشّيْخُ ُفلَانُ َأمْ َأحْمَ ُد َ ,أوْ إذَا َعَثرَ َأحَدًا وََتعَ ّ
شهِيدِ لَا ؟ َوهَلْ َتجُوزُ النّذُورُ ِللْأَْنبِيَاءِ َأوْ لِلْ َمشَاِي ِخ مِثْلِ الشّْيخِ جَاكِيَ َأوْ أَبِي اْل َوفَا َأوْ نُورِ الدّينِ ال ّ
ك هَلْ يَجُوزُ النّذُورُ ِلقُبُورِ أَحَ ٍد مِ ْن آلِ بَْيتِ النُّب ّو ِة َومُ ْدرِكِ ِه وَالَْأئِمّةِ َأ ْو غَْي ِرهِمْ َأمْ لَا ؟ وَكَذَِل َ
ق وَاْلعَجَ ِم َو ِمصْ َر وَاْلحِجَا ِز وَاْليَمَ ِن وَاْلهِنْ ِد وَالْ َم ْغ ِربِ َوجَمِي ِع الَْأ ْرضِ َوجَبَ ِل قَانٍ َومَشَايِخِ اْل ِعرَا ِ
ب عِنْدَ ستَجَا ٌ ب :الْحَمْدُ ِلّلهِ َربّ اْلعَالَ ِميَ َ ,أمّا َقوْلُ اْلقَائِلِ إ ّن ال ّدعَاءَ مُ ْ جوَا ُ َوغَْي ِرهَا َأمْ لَا ؟ اْل َ
قُبُورِ الْ َمشَاِيخِ الَْأ ْرَبعَةِ اْلمَذْكُورِي َن رضي ال عنهم َف ُهوَ مِنْ ِجْنسِ َقوْ ِل غَْي ِرهِ َ :قْبرُ فُلَا ٍن ُهوَ الّترْيَاقُ
ب عِنْ َد قَْبرِ ُفلَا ٍن وَفُلَانٍ , ستَجَا ٌ س مَا َيقُوُلهُ َأمْثَا ُل هَذَا اْلقَائِ ِل مِنْ أَنّ ال ّدعَاءَ مُ ْ ب َ ,ومِنْ جِْن ِ ج ّر ُ الْمُ َ
ض اْلقُبُو ِر ,ثُمّ قَدْ َيكُونُ ذَِلكَ اْلقَْبرُ قَ ْد عُلِمَ َأّنهُ فَإِنّ كَثِيًا مِنْ النّاسِ َيقُو ُل مِثْ َل هَذَا اْل َقوْلِ ِعنْدَ َبعْ ِ
ك اْلقَْبرِ ي َ .وقَدْ يَكُونُ ِنسَْبةُ ذَِل َ ح َقَْب ُر رَجُ ٍل صَالِ ٍح مِ ْن الصّحَاَبةِ َأوْ َأهْلِ اْلبَْيتِ َأ ْو غَْي ِرهِ ْم مِنْ الصّالِ ِ
جهُولُ الْحَا ِل ,مِثْلُ أَكَْث ِر مَا يُذْ َك ُر مِنْ ُقبُورِ الْأَْنبِيَا ِء َ .وقَدْ يَكُو ُن صَحِيحًا إلَى ذَِلكَ كَ ِذبًا َ ,أ ْو مَ ْ
وَالرّجُلُ َلْيسَ ِبصَاِل ٍح ,فَإِ ّن هَ ِذهِ الَْأقْسَا َم َموْجُودَةٌ فِيمَنْ َيقُو ُل مِثْ َل هَذَا اْل َقوْلِ ; َأ ْو مَنْ َيقُولُ إنّ
201
ب عِنْ َد قَْبرٍ ِبعَْيِنهِ ,وَأَّنهُ اُ ْستُجِيبَ َلهُ ال ّدعَاءُ ِعنْ َدهُ ,وَاْلحَالُ أَ ّن ذَاكَ إمّا قَْب ُر مَ ْعرُوفٍ ال ّدعَا َء مُسْتَجَا ٌ
ك َ ,ورَأَْينَا ع ,وَِإمّا قَْبرُ كَاِفرٍ كَمَا رَأَيْنَا مَ ْن َدعَا فَ ُكشِفَ َلهُ حَالُ اْلقُبُورِ فَُب ِهتَ لِذَِل َ بِاْلفِسْ ِق وَالِاْبتِدَا ِ
حيَ مِ ْن ذَِلكَ أَْنوَاعًا .وََأصْ ُل هَذَا أَنّ َقوْ َل اْلقَائِلِ إ ّن ال ّدعَا َء مُسْتَجَابٌ ِعنْدَ قُبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ
َقوْلٌ لَْيسَ َلهُ َأصْ ٌل فِي كِتَابِ الّل ِه ,وَلَا سُنّ ِة رَسُوِلهِ ,وَلَا قَاَلهُ َأحَ ٌد مِنْ الصّحَابَ ِة ,وَلَا التّاِب ِعيَ َلهُمْ
ي, شهُورِينَ بِالِْإمَامَةِ فِي الدّي ِن :كَمَاِلكٍ ,وَالّث ْورِ ّ بِإِحْسَا ٍن ,وَلَا َأحَ ٌد مِنْ َأئِمّ ِة الْ ُمسْلِ ِميَ الْ َم ْ
وَالَْأ ْوزَاعِ ّي ,وَاللّْيثِ بْنِ َسعْ ٍد ,وَأَبِي َحنِيفَ َة ,وَالشّاِفعِ ّي ,وََأحْمَدَ بْ ِن حَنَْب ٍل ,وَإِ ْسحَاقَ بْنِ
ض ,وَإِْبرَاهِيمَ بْنِ خهِمْ الّذِي َن ُيقْتَدَى ِبهِ ْم :كَاْلفُضَيْ ِل بْ ِن عِيَا ٍ رَا ْهوَْيهِ ,وَأَبِي عَُبيْ َد َة .وَلَا مَشَايِ ِ
َأ ْدهَ َم ,وََأبِي ُسلَيْمَا َن الدّارَاِنيّ ,وََأمْثَاِلهِ ْم .وَلَمْ يَ ُكنْ فِي الصّحَاَب ِة وَالتّاِب ِعيَ وَالْأَئِمّ ِة وَالْ َمشَاِيخِ
ي ,وَلَا مُ ْطَلقًا َولَا مُعَيّنًا ,وَلَا ح َ ب عِنْ َد قُبُورِ الَْأنِْبيَاءِ وَالصّالِ ِالْمَُتقَ ّد ِميَ مَ ْن َيقُولُ إ ّن ال ّدعَا َء مُسْتَجَا ٌ
حيَ َأ ْفضَلُ مِ ْن ُدعَاِئهِ فِي َغْيرِ تِ ْلكَ الُْب ْقعَ ِة , فِيهِ ْم مَنْ قَالَ إ ّن ُدعَاءَ اْلإِنْسَا ِن ِعنْدَ ُقبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ
حرّى ال ّدعَاءَ وَلَا ك الُْب ْقعَةِ أَ ْفضَ ُل مِنْ الصّلَاةِ فِي غَْي ِرهَا ,وَلَا فِيهِمْ مَنْ كَا َن يَتَ َ وَلَا أَ ّن الصّلَاةَ فِي تِ ْل َ
خلْ ِق وَ َسيّ ُدهُ ْم ُهوَ رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه وسلم ,وَلَْيسَ الصّلَا َة عِنْ َد هَ ِذهِ اْلقُبُورِ ,بَلْ َأ ْفضَلُ الْ َ
فِي الَْأ ْرضِ َقْبرٌ اّتفَ َق النّاسُ َعلَى أَّنهُ َقْبرُ نَبِ ّي َغْيرُ قَْب ِرهِ ,وَقَ ْد اخَْتَلفُوا فِي قَْبرِ الْخَلِي ِل َوغَْي ِرهِ .وَاّتفَقَ
سلّ ُم عَلَْي ِه عِنْ َد ِزيَارَِتهِ َو َعلَى صَاحَِبْيهِ ,لِمَا فِي السّنَ ِن :عَنْ أَبِي ُهرَْي َر َة رضي ال الْأَئِمّ ُة عَلَى َأّنهُ يُ َ
عنه عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل { :مَا مِ ْن رَجُلٍ ُيسَلّ ُم عََليّ إلّا َردّ الّلهُ َعلَيّ ِبهَا
رُوحِي حَتّى َأ ُر ّد عََلْيهِ السّلَامَ } " َو ُهوَ حَدِيثٌ َجيّ ٌد َ .وقَ ْد َروَى ابْنُ أَبِي شَيَْب َة ,والدارقطن عَْنهُ
ي ,لَ ِكنْ َلهُ { :مَنْ َسلّ َم عَلَ ّي عِنْ َد قَْبرِي سَ ِمعُْتهُ َومَ ْن صَلّى َعلَيّ ثَانِيًا ُأبِْلغُْت ُه } " .وَفِي إسْنَا ِدهِ ِل ٌ
َشوَاهِدُ ثَابَِت ٌة ,فَإِنّ إْبلَاغَ الصّلَاةِ وَالسّلَا ِم عَلَْي ِه مِنْ اْل َعبْدِ قَ ْد َروَاهُ َأهْلُ السَّننِ مِ ْن َغْيرِ وَ ْجهٍ كَمَا فِي
السّنَ ِن َ :عْنهُ صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل { :أَكِْثرُوا عََل ّي مِنْ الصّلَاةِ َي ْومَ الْجُ ُمعَ ِة َ ,ولَيَْلةَ الْجُ ُمعَةِ
ك وَقَ ْد َرمَ ْمتَ َ ,أيْ بَلِيتَ َ .فقَا َل : ,فَإِ ّن صَلَاتَكُ ْم َم ْعرُوضَ ٌة َعلَيّ قَالُوا َ :كيْفَ ُت ْع َرضُ صَلَاتُنَا َعلَْي َ
إ ّن الّلهَ َتعَالَى َح ّرمَ َعلَى الَْأ ْرضِ أَنْ تَ ْأكُلَ لُحُومَ الَْأنِْبيَاءِ } " َ .وفِي النّسَائِ ّي َوغَْي ِر ِه عَْنهُ صلى ال
عليه وسلم َأّنهُ قَا َل { :إنّ الّلهَ وَكّ َل ِبقَْبرِي مَلَائِكَ ًة يَُبّلغُونِي عَنْ ُأمّتِي السّلَامَ } " َ .ومَعَ هَذَا لَمْ
حرّى ال ّدعَاءَ ُمَتوَ ّجهًا إلَى حبّ أَنْ َيتَ َ ب عِنْدَ َقْب ِرهِ ,وَلَا أَّنهُ ُيسْتَ َستَجَا ٌ َيقُلْ َأحَ ٌد مِْنهُمْ إنّ ال ّدعَاءَ مُ ْ
سَتقْبِلَ اْلقَْبرِ َوتَنَا َزعُوا فِيك ؟ وَاّت َفقُوا كُّلهُ ْم عَلَى أَّنهُ لَا يُ ْدعَى مُ ْ ض ذَِل َ قَْب ِرهِ َ ,بلْ َنصّوا عَلَى َنقِي ِ
سلّ ُم عََلْيهِ مُسَْت ْقبِلَ اْلقَْب ِر َ ,و ُهوَ الّذِي ذَ َك َرهُ السّلَا ِم عَلَْيهِ َفقَا َل الْأَكَْثرُونَ كَمَاِلكٍ وَأَحْ َمدَ َو َغْي ِرهِمَا يُ َ
سَتقْبِ َل اْلقِبَْلةِ
َأصْحَابُ الشّاِفعِيّ ,وَأَظُّن ُه مَْنقُولًا عَْنهُ .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَ َة وََأصْحَاُب ُه :بَلْ ُيسَلّ ُم َعلَْيهِ مُ ْ
ف عِنْ َدهُ لِل ّدعَاءِ مُ ْطَلقًا كَمَا ذَ َكرَ ذَِلكَ إسْمَاعِيلُ بْ ُن إسْحَاقَ ,بَ ْل نَصّ أَِئمّةُ السّلَفِ َعلَى أَّنهُ لَا يُوقَ ُ
ف عِنْدَ َقْبرِ النّبِ ّي صلى ال ط َ ,وذَ َك َرهُ اْلقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ مَاِلكٌ لَا َأرَى أَنْ َيقِ َ فِي كِتَابِ الْمَْبسُو ِ
ط " :لَا بَ ْأسَ لِمَنْ َق ِدمَ مِنْ َس َفرٍ سلّ ُم وَيَ ْمضِي َ .وقَالَ أَْيضًا فِي الْ َمبْسُو ِ عليه وسلم وََي ْدعُو وَلَ ِكنْ يُ َ
202
ف عَلَى قَْبرِ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم فَُيصَلّ َي َعلَْي ِه ,وََي ْد ُعوَ َل ُه , ج إلَى َس َفرٍ ,أَنْ َيقِ َ َأوْ َخرَ َ
وَلَِأبِي بَ ْك ٍر َ ,وعُ َمرَ َ .فقِيلَ َل ُه :فَإِنّ نَاسًا مِنْ َأهْلِ الْ َمدِيَنةِ لَا َيقْدَمُو َن مِنْ َس َفرٍ وَلَا ُيرِيدُوَنهُ
ج ُمعَةِ َأوْ اْلَي ْومِ الْ َم ّرةَ وَالْ َمرَّتيْنِ َأوْ أَكَْثرَ
َيفْعَلُو َن ذَِلكَ فِي الَْي ْو ِم َم ّرةً َأوْ أَكَْث َر َ ,ورُبّمَا وََقفُوا فِي الْ ُ
سلّمُو َن وَيَ ْدعُونَ سَاعَةً َ .فقَالَ :لَمْ َيبُْلغْنِي هَذَا عَنْ أَحَ ٍد مِنْ َأهْ ِل اْل ِفقْهِ ِببَلْ َدتِنَا .وَلَا ِعنْدَ اْلقَْبرِ َفيُ َ
ُيصْلِحُ آ ِخ َر هَ ِذهِ الُْأمّةِ إلّا مَا َأصَْلحَ َأوَّلهَا ,وَلَ ْم يَْبُلغْنِي عَنْ َأوّ ِل هَ ِذهِ الُْأمّ ِة َوصَ ْد ِرهَا أَّنهُمْ كَانُوا
َيفْعَلُو َن ذَِلكَ إلّا مَنْ جَا َء مِنْ َس َفرٍ َأوْ َأرَا َدهُ .قَا َل ابْ ُن اْلقَاسِ ِم :رَأَيْت َأهْلَ الْ َمدِيَنةِ إذَا َخرَجُوا مِْنهَا
ك َو ُهوَ َأعْلَمُ َأهْ ِل َزمَاِنهِ َأيْ َزمَنِ ك دَأْبِي َ ,فهَذَا مَاِل ٌ َأ ْو دَ َخلُوهَا أََتوْا اْلقَْب َر وَسَلّمُوا ,قَا َل َ :وذَِل َ
تَابِ ِع التّاِب ِعيَ بِالْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ الّذِينَ كَانَ َأ ْهُلهَا فِي َزمَنِ الصّحَابَ ِة وَالتّاِب ِعيَ وَتَاِبعِيهِمْ َأعْلَ ُم النّاسِ بِمَا
ع عِنْدَ َقْبرِ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم يَ ْك َرهُونَ اْلوُقُوفَ لِل ّدعَاءِ َبعْدَ السّلَا ِم عَلَْي ِه َ ,وبَيّنَ أَنّ شرَ ُ يُ ْ
شرُوعُ مِنْ الصّلَا ِة وَالسّلَا ِم ,وَأَ ّن ذَِلكَ أَْيضًا لَا ب ُهوَ ال ّدعَاءُ َلهُ َوِلصَاحِبَْي ِه َو ُهوَ الْ َم ْ ح ّ ستَ َالْمُ ْ
حيّةٌ َل ُه ,
ت ,بَ ْل عِنْدَ اْلقُدُو ِم مِنْ َس َفرٍ َأوْ إرَادَِتهِ ,لِأَ ّن ذَِلكَ تَ ِ حبّ لَِأ ْهلِ الْمَدِيَنةِ كُ ّل وَ ْق ٍ يُسَْت َ
س َفرِ .وَقَالَ مَاِلكٌ فِي ِروَاَيةِ أَبِي خلَافِ اْلقَادِ ِميَ مِ ْن ال ّ حيِّتهِ بِ ِحيّا لَا ُي ْقصَدُ بَْيُتهُ ُك ّل وَ ْقتٍ لِتَ ِوَالْمُ َ
ب :إذَا سَلّ َم َعلَى النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َيقِفُ وَ ْج ُههُ إلَى اْلقَْبرِ لَا إلَى اْلقِْبلَ ِة ,وَيَدْنُو َو ْه ٍ
وَُيسَلّ ُم وَلَا يَ َمسّ اْلقَْبرَ ِبيَ ِدهِ وَ َك ِر َه مَاِلكٌ أَنْ ُيقَا َل ُزرْنَا َقْبرَ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَالَ اْلقَاضِي
جعَلْ َقْبرِي ِعيَاضٌ َكرَاهَ ُة مَاِلكٍ َلهُ لِِإضَاَفِتهِ إلَى قَْب ِر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِل َقوِْلهِ { :الّلهُمّ لَا تَ ْ
وََثنًا ُيعَْبدُ ا ْشتَ ّد َغضَبُ الّل ِه عَلَى َق ْومٍ اتّخَذُوا قُبُورَ أَْنبِيَاِئهِ ْم مَسَاجِدَ } " َيْنهَى عَ ْن إضَافَ ِة هَذَا الّل ْفظِ
ب .قُلْت :وَالْأَحَادِيثُ الْ َكثِ َيةُ الْ َم ْروِيّةُ شّبهِ ِب ِفعْلِ ذَِلكَ قَ ْطعًا لِل ّذرِيعَ ِة وَ َحسْمًا ِللْبَا ِ إلَى اْلقَْب ِر وَالتّ َ
سنَنِ أَبِي ضعِيفَةٌ ,بَ ْل َم ْوضُوعَةٌ لَمْ َي ْروِ الَْأئِمّ ُة ,وَلَا َأهْ ُل السّنَنِ اْلمُتَّب َعةِ :كَ ُ فِي زِيَا َرةِ قَْب ِرهِ كُّلهَا َ
ث, ظ زِيَا َرةِ اْلقُبُورِ فِي َغْيرِ هَذَا الْحَدِي ِ ح ِوهِمَا ,فِيهَا شَْيئًا وَلَكِ ْن جَاءَ َل ْف ُ دَاوُد ,وَالنّسَاِئيّ ,وَنَ ْ
مِثْلِ َ :قوُْلهُ صلى ال عليه وسلم { :كُْنتُ َنهَْيتُكُ ْم عَ ْن زِيَا َرةِ اْلقُبُورِ َألَا َفزُورُوهَا فَإِّنهَا تُذَ ّكرُكُمْ
الْآ ِخ َر َة } " { .وَكَا َن صلى ال عليه وسلم ُيعَلّمُ َأصْحَاَبهُ إذَا زَارُوا اْلقُبُورَ أَنْ َيقُولَ أَحَ ُدهُ ْم :
ي وَإِنّا إ ْن شَاءَ الّلهُ ِبكُمْ لَا ِحقُو َن َ ,يرْحَمُ الّلهُ ي وَالْ ُمسْلِ ِم َ السّلَا ُم عَلَْيكُمْ َأهْلَ الدّيَا ِر مِنْ الْ ُم ْؤمِِن َ
ي مِنّا َومِنْكُ ْم وَالْمُسْتَ ْأ ِخرِي َن ,نَسْأَ ُل الّلهَ َلنَا وَلَكُ ْم اْلعَافَِي َة } " .وَلَ ِكنْ صَارَ َل ْفظُ ِزيَا َرةِ سَتقْ ِدمِ َالْمُ ْ
ش ْرعِيّ َة وَأَكَْث ُرهُمْ لَا
اْلقُبُورِ فِي ُعرْفِ كَثِ ٍي مِنْ الْمُتَأَ ّخرِينَ َيتَنَاوَ ُل الزّيَا َرةَ اْلبِ ْدعِيّ َة وَالزّيَا َرةَ ال ّ
ش ْرعِيّةُ َفهِيَ ق ,فََأمّا الزّيَا َرةُ ال ّ ش ْرعِ ّي ,فَِلهَذَا ُك ِرهَ هَذَا الْإِ ْطلَا ُ يَسَْتعْ ِملُوَنهَا إلّا بِالْ َمعْنَى الِْب ْدعِيّ لَا ال ّ
مِنْ ِجْنسِ الصّلَا ِة عَلَى الْ َمّيتِ ُيقْصَدُ ِبهَا ال ّدعَاءُ لِلْ َمّيتِ َكمَا ُي ْقصَدُ بِالصّلَا ِة عََلْيهِ .كَمَا قَالَ الّلهُ
فِي حَ ّق الْمُنَاِف ِقيَ { :وَلَا ُتصَ ّل َعلَى أَحَ ٍد مِْنهُ ْم مَاتَ َأبَدًا وَلَا َتقُ ْم عَلَى قَْب ِرهِ } .فَلَمّا ُنهِ َي عَنْ
الصّلَا ِة عَلَى الْ ُمنَاِف ِقيَ وَاْلقِيَا ِم عَلَى قُبُو ِرهِ ْم دَ ّل ذَِلكَ بِ َطرِي ِق َم ْفهُومِ اْلخِطَابِ َو ِعلّ ِة الْحُكْمِ أَ ّن ذَِلكَ
شرُوعٌ فِي حَقّ اْل ُم ْؤمِِنيَ وَاْلقِيَامُ َعلَى َقْب ِرهِ َبعْدَ الدّ ْف ِن مِنْ جِْنسِ الصّلَا ِة َعلَْيهِ قَبْ َل الدّفْنِ ُيرَادُ ِبهِ مَ ْ
203
ح َ
ي ف عِنْ َد زِيَا َرةِ قُبُورِ الَْأنِْبيَاءِ وَالصّالِ ِ ال ّدعَاءُ َلهُ َ .وهَذَا ُهوَ الّذِي َمضَتْ ِبهِ السّنّ ُة ,وَاسَْتحَّبهُ السّلَ ُ
شرْ ِك ,وَال ّذرِيعَةِ إلَْيهِ كَمَا َفعَلَ الَْيهُو ُد وَالّنصَارَى عِنْ َد قُبُورِ ,وََأمّا الزّيَا َرةُ الْبِ ْد ِعيّةُ َفهِ َي مِنْ ِجْنسِ ال ّ
ح, ضةِ َعْنهُ فِي الصّحَا ِ حيَ .قَا َل صلى ال عليه وسلم فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسَْتفِي َ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ
وَالسّنَ ِن ,وَالْمَسَانِيدِ َ { :لعَْنةُ الّلهِ َعلَى الَْيهُودِ وَالّنصَارَى اتّخَذُوا ُقبُورَ َأنِْبيَاِئهِ ْم مَسَاجِدَ } "
يُحَ ّذ ُر مِمّا صََنعُوا .وَقَالَ { :إ ّن مَنْ كَا َن قَبَْلكُمْ كَانُوا يَتّخِذُونَ اْلقُبُو َر مَسَاجِ َد ,أَلَا فَلَا تَتّخِذُوا
س مَنْ تُ ْدرِ ُكهُ ْم السّا َعةُ اْلقُبُو َر مَسَاجِ َد فَإِنّي َأْنهَاكُ ْم عَ ْن ذَِلكَ } " .وَقَالَ { :إ ّن مِنْ ِشرَارِ النّا ِ
َوهُمْ أَ ْحيَاءٌ َواَلّذِينَ يَتّخِذُونَ اْلقُبُو َر مَسَا ِجدَ } .وَقَا َل َ { :لعَنَ الّلهُ َزوّارَاتِ اْلقُبُو ِر ,وَالْمُتّخِذِينَ
حيَ مَسَاجِدَ امَْتنَعَ سرُجَ } " .فَِإذَا كَانَ قَدْ َلعَ َن مَنْ َيتّخِذُ ُقبُورَ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ َعلَْيهَا الْمَسَاجِ َد وَال ّ
حبّ فِيهِ الصّلَاةُ ; ستَ َ حبّ فِيهِ ال ّدعَاءُ يُ ْ ستَ َ
حبّا ; لِأَ ّن الْمَكَانَ الّذِي يُ ْ حرّيهَا لِل ّدعَا ِء مُسْتَ َ أَ ْن يَكُونَ تَ َ
شرِيعَ ِة مَكَانٌ يُْنهَى عَ ْن الصّلَا ِة عِنْ َد ُه مَعَ أَّنهُ لِأَ ّن ال ّدعَا َء َع ِقبَ الصّلَاةِ أَ ْج َوبُ ,وَلَْيسَ فِي ال ّ
خوْفِ ك ُمعَلّلٌ بِ َ ص الْأَئِمّةُ كَالشّاِفعِ ّي َوغَْي ِر ِه عَلَى أَ ّن الّنهْ َي عَ ْن ذَِل َ حبّ ال ّدعَا ُء عِنْ َد ُه .وََقدْ نَ ّ يُسَْت َ
س ِويَةِ س ,وَِلهَذَا كَا َن السّلَفُ يَ ْأ ُمرُونَ بِتَ ْ ج ّردِ َنجَا َسِتهِ كَمَا يَظُ ّن ذَِلكَ َبعْضُ النّا ِ اْلفِتَْنةِ بِاْلقَْبرِ لَا بِ ُم َ
سَترَ اْلقُبُو ِر وََت ْعفِيَ ِة مَا ُيفَْتتَنُ ِب ِه مِْنهَا كَمَا َأ َمرَ عُ َمرُ ْبنُ اْلخَطّابِ بَِت ْعفَِيةِ قَْب ِر " دَاْنيَا َل " لَمّا َظ َهرَ بِتُ ْ
سقُونَ ِبهِ ,فَ َكَتبَ إلَْيهِ فَإِّنهُ كََتبَ إَلْيهِ َأبُو مُوسَى يَذْ ُكرُ أَّنهُ قَدْ َظ َهرَ قَْب ُر " دَانْيَا َل " وََأّنهُمْ كَانُوا يَسَْت ْ
شرَ قَْبرًا ,ثُ ّم يَدْفَِنهُ بِاللّيْلِ فِي وَاحِ ٍد مِْنهَا وَُي َعفَّيهُ لَِئلّا َيفَْتتِنَ ِبهِ ح ِفرَ بِالّنهَارِ ثَلَاثَ َة َع َ
عُ َمرُ يَ ْأ ُم ُرهُ أَ ْن يَ ْ
ف ,كَمَا َروَاهُ َأبُو َيعْلَى النّاسُ ,وَاَلّذِي ذَ َكرْنَا ُه عَ ْن مَاِلكٍ َو َغْي ِرهِ مِنْ الَْأئِمّةِ كَا َن مَ ْعرُوفًا عِنْ َد السّلَ ِ
ختَا ِرهِ ,عَنْ { عَِليّ بْنِ الْ َم ْوصِلِ ّي فِي مُسْنَ ِد ِه َ ,وذَ َك َرهُ الْحَاِفظُ َأبُو عَبْدِ الّلهِ اْل َمقْدِسِيّ فِي مُ ْ
حسَيْنِ ْب ِن عَلِيّ ْبنِ أَبِي طَاِلبٍ الْ َم ْعرُوفِ ِب َزيْنِ اْلعَابِدِي َن :أَّن ُه رَأَى رَ ُجلًا َيجِيءُ إلَى ُفرْ َجةٍ كَاَنتْ الْ ُ
ِعنْدَ قَْب ِر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم فََيدْخُلُ َفيَ ْدعُو فِيهَا فََنهَا ُه َ ,فقَا َل :أَلَا أُحَدُّثكُمْ حَدِيثًا سَ ِمعْته
مِنْ أَبِي ,عَنْ جَدّي ,عَ ْن َرسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَا َل :لَا تَتّخِذُوا َقْبرِي عِيدًا وَلَا
سلِيمَكُ ْم يَْبُلغُنِي أَْينَمَا كُْنتُ ْم } " َ .وهَذَا الْحَدِيثُ فِي ُسنَن أَبِي دَاوُد مِنْ بُيُوتَ ُكمْ قُبُورًا ,فَإِ ّن تَ ْ
جعَلُوا بُيُوتَكُمْ ُقبُورًا وَلَا حَدِيثِ أَبِي ُهرَْي َرةَ قَالَ :قَا َل رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم { :لَا تَ ْ
جعَلُوا قَْبرِي عِيدًا َ ,وصَلّوا عَلَ ّي فَإِ ّن صَلَاتَكُمْ َتبُْلغُنِي حَْيثُ كُْنتُمْ } " .وَفِي ُسنَنِ َسعِي ِد بْنِ تَ ْ
مَْنصُورٍ :حَدّثَنَا َعبْدُ اْل َعزِي ِز مُحَمّ ٌد َ ,أخَْبرَنِي { ُسهَيْ ُل بْنُ أَبِي َسهْلٍ قَا َل :رَآنِي الْحَسَ ُن بْنُ
حسَيْنِ ْب ِن عَلِيّ ْبنِ أَبِي طَاِلبٍ عِْندَ اْلقَْبرِ َفنَادَانِي َو ُهوَ فِي َبْيتِ فَاطِمَ َة يََتعَشّى َفقَالَ َهلُمّ إلَى الْ ُ
ك عِنْ َد اْلقَْب ِر َ .فقُ ْلتُ َ :سلّ ْمتُ َعلَى النّبِيّ صلى ال اْلعَشَا ِء َ .فقُ ْلتُ :لَا ُأرِي ُدهُ َ ,فقَا َل :مَا لِي رَأَيُْت َ
سلّ ْم .ثُمّ قَالَ :إ ّن رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم عليه وسلم َ .فقَا َل :إذَا دَخَ ْلتَ الْمَسْجِ َد فَ َ
قَا َل :لَا َتتّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا ,وَلَا َتتّخِذُوا بُيُوَتكُ ْم مَقَاِبرَ َ ,لعَنَ الّلهُ اْلَيهُودَ اتّخَذُوا قُبُورَ أَْنبِيَاِئهِمْ
صلَاتَكُ ْم تَْبُلغُنِي َحيْثُمَا ُكنْتُ ْم ,مَا َأنْتُ ْم َومَنْ بِالْأَنْدَُلسِ إلّا َسوَاءٌ } " . مَسَاجِ َد َ ,وصَلّوا َعلَيّ َفإِنّ َ
204
شرُوعَ فِي َقْبرِ سَيّ ِد سطَ اْلكَلَا ُم عَلَى هَذَا الَْأصْ ِل فِي غَْي ِر هَذَا الْ َم ْوضِعِ فَِإذَا كَا َن هَذَا ُهوَ الْ َم ْ وََقدْ بُ ِ
وَلَ ِد آ َدمَ خَْيرِ اْلخَلْ ِق وَأَ ْك َر ِمهِمْ َعلَى الّلهِ فَ َكيْفَ ُيقَالُ فِي قَْب ِر غَْي ِر ِه .وَقَ ْد َتوَاَترَ عَ ْن الصّحَاَبةِ أَّنهُمْ
سقَا ِء َوعِنْدَ اْلقِتَا ِل وَالِاسِْتْنصَارِ يَ ْدعُونَ كَانُوا إذَا َنزََلتْ ِبهِمْ الشّدَائِدُ كَحَاِلهِ ْم فِي الْجَ ْدبِ وَالِاسْتِ ْ
الّل َه وََيسَْتغِيثُوَنهُ فِي اْلمَسَاجِ ِد وَالُْبيُوتِ ,وَلَمْ يَكُونُوا َي ْقصِدُوا ال ّدعَاءَ ِعنْدَ قَْب ِر النّبِيّ صلى ال عليه
ي .بَلْ قَ ْد ثََبتَ فِي الصّحِي ِح :أَ ّن عُ َمرَ بْ َن الْخَطّابِ ح َ وسلم وَلَا غَْي ِر ِه مِنْ قُبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ
سقِينَا وَإِنّا َنَتوَسّلُ إَليْك ِبعَمّ نَِبيّنَا فَأَ ْسقِنَا قَا َل " :الّلهُمّ إنّا كُنّا إذَا َأجْدَْبنَا َتوَسّلْنَا إلَيْك ِبنَبِيّنَا َفتُ ْ
س َقوْ َن " َ .فَتوَسّلُوا بِاْلعَبّاسِ َكمَا كَانُوا يََت َوسّلُونَ ِب ِه َ ,و ُهوَ أَّنهُمْ كَانُوا َيَتوَسّلُو َن بِ ُدعَاِئ ِه وَ َشفَاعَِتهِ فَيُ ْ
س وَ َشفَاعَِت ِه وَلَمْ َي ْقصِدُوا ال ّدعَاءَ عِْندَ قَْبرِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم وَلَا َوهَكَذَا َتوَسّلُوا بِ ُدعَاءِ اْلعَبّا ِ
ش ْيءٍ مِ ْن مَخْلُوقَاِتهِ بَلْ َت َوسّلُوا إلَْيهِ بِمَا َش َرعَ ُه مِنْ اْلوَسَائِ ِل َوهِيَ الَْأعْمَالُ َأقْسَمُوا َعلَى الّلهِ بِ َ
ح ُة َو ُدعَاءُ الْ ُم ْؤمِِنيَ كَمَا يََتوَسّ ُل اْلعَبْ ُد إلَى الّلهِ بِالِْإيَا ِن بِنَِبّيهِ َوبِمَحَبِّتهِ َو ُموَالَاِتهِ وَالصّلَا ِة عََلْيهِ الصّالِ َ
خلْقُ فِي الْآ ِخ َرةِ بِ ُدعَاِئهِ وَالسّلَامِ وَكَمَا يََتوَسّلُونَ فِي حَيَاِتهِ ِب ُدعَاِئ ِه وَ َشفَاعَِتهِ َكذَِلكَ يََتوَسّلُ الْ َ
صرُونَ حيَ كَمَا قَالَ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َ { :وهَلْ تُْن َ وَ َشفَا َعِتهِ وََتَتوَسّلُ بِ ُدعَاءِ الصّالِ ِ
ضعَفَائِكُمْ بِ ُدعَاِئهِ ْم َوصَلَاِتهِ ْم وَاسِْت ْغفَا ِرهِمْ } " َ .ومِنْ الْ َمعْلُومِ بِالِاضْ ِطرَارِ أَ ّن ال ّدعَاءَ وَُت ْرزَقُو َن إلّا ِب ُ
ِعنْدَ اْلقُبُورِ َلوْ كَانَ َأ ْفضَلَ مِ ْن ال ّدعَاءِ ِعنْ َد غَْي ِرهَا َو ُهوَ َأ َحبّ إلَى الّل ِه وَأَ ْج َوبُ َلكَانَ السّلَفُ َأ ْعلَمَ
خلْ ِق وَكَانُوا أَ ْسرَعَ إَلْيهِ َفإِّنهُمْ كَانُوا َأعْلَ َم بِمَا ُيحِّبهُ الّلهُ وََي ْرضَا ُه وَأَسَْبقَ إلَى طَاعَِتهِ ك مِنْ الْ َ بِذَِل َ
ك وَُي َر ّغبُ فِيهِ فَِإّنهُ َأ َمرَ بِكُ ّل َم ْعرُوفٍ ,وََنهَى َو ِرضَاهُ وَكَا َن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ُيبَيّ ُن ذَِل َ
جنّةِ إلّا َوقَدْ حَ ّدثَ ُأمَّتهُ ِبهِ ,وَلَا َشيْئًا يُْبعِ ُد عَنْ النّارِ إلّا عَنْ كُ ّل مُْن َكرٍ َومَا َترَكَ َشيْئًا ُي َقرّبُ إلَى الْ َ
وََقدْ حَ ّذرَ ُأمَّتهُ مِْن ُه َ ,وقَدْ َترَكَ ُأمَّت ُه عَلَى الْمَحَجّةِ الْبَْيضَا ِء َ ,ليُْلهَا َكَنهَا ِرهَا ,لَا يَْن َزوِي َعْنهَا َبعْ َدهُ
س ,وَ َحسَ َم مَادَّتهُ بَِنهِْي ِه وََنهِْي ِه عَنْ اتّخَاذِ اْلقُبُورِ ف وَقَ ْد َنهَى َعنْ هَذَا الْجِْن ِ ك َ ,فكَيْ َ إلّا هَاِل ٌ
صلّي لَا َيعُْبدُ الْ َم ْوتَى وَلَا يَ ْدعُوهُمْ كَمَا مَسَاجِ َد ,فََنهَى عَنْ الصّلَاةِ لِّل ِه مُسَْتقِْبلًا َلهَا .وَإِنْ كَانَ الْ ُم َ
س, شرِ ِكيَ لِلشّ ْم ِ َنهَى عَنْ الصّلَاةِ وَ ْقتَ ُطلُوعِ الشّ ْمسِ َووَ ْقتَ اْل ُغرُوبِ لَِأّنهَا وَ ْقتَ سُجُودِ اْلمُ ْ
ح ّق َقتْ الْ َمفْسَ َدةُ بِأَ ْن صَارَ اْلعَبْدُ سجُدُ إلّا ِلّلهِ سَدّا لِل ّذرِيعَةِ ,فَ َكيْفَ إذَا تَ َ وَإِنْ كَا َن الْ ُمصَلّي لَا يَ ْ
ع َووَ ْقتَ س وَ ْقتَ الطّلُو ِ ح ّققَتْ اْل َمفْسَ َدةُ بِالسّجُودِ لِلشّ ْم ِ يَ ْدعُو الْ َمّيتَ ,وَيَ ْدعُو ِبهِ كَمَا إذَا تَ َ
ب ؟ َوقَدْ كَانَ َأصْ ُل عِبَا َدةِ الَْأ ْوثَا ِن مِنْ َتعْظِي ِم اْلقُبُورِ كَمَا قَالَ َتعَالَى { :وَقَالُوا لَا َت َذرُنّ اْل ُغرُو ِ
س َوغَْي ِرهِ : سرًا } .قَا َل السّلَفُ كَاْبنِ َعبّا ٍ آِلهَتَ ُكمْ َولَا تَ َذرُ ّن َودّا وَلَا ُسوَاعًا وَلَا َيغُوثَ َوَيعُوقَ وََن ْ
ص ّورُوا تَمَاثِيَلهُمْ ,ثُمّ حيَ فِي َق ْومِ نُوحٍ َفلَمّا مَاتُوا عَ َكفُوا َعلَى ُقبُو ِرهِمْ ,ثُ ّم َ كَا َن َهؤُلَاءِ َق ْومًا صَالِ ِ
صغِيِ مِنْ الصّحَابَ ِة وَالتّاِب ِعيَ وَتَاِبعِيهِ ْم مَ ْن ُهوَ َأ ْفضَلُ ب ال ّ
َعبَدُوهُمْ ,ثُ ّم مِ ْن الْ َمعْلُومِ أَنّ بِ َمقَاِبرِ بَا ِ
مِ ْن َهؤُلَاءِ الْ َمشَاِيخِ الَْأ ْرَبعَ ِة ,فَكَيْفَ ُي َعيّ ُن َهؤُلَاءِ لِل ّدعَا ِء عِنْدَ ُقبُو ِرهِمْ دُو َن مَ ْن ُهوَ َأ ْفضَ ُل مِْنهُمْ ,ثُمّ
ح ِوهِمْ مَ ْن يُحِّب ُه وَُيعَظّ ُمهُ بِال ّدعَا ِء دُونَ الشّيْ ِخ الْآ َخرِ َ ,فهَلْ َأ َمرَ الّلهُ إنّ ِلكُلّ شَْي ٍخ مِنْ َهؤُلَاءِ وََن ْ
205
شرِكُونَ ِبهِ ْم الّذِي َن ضَا َهوْا الّذِينَ اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم بِال ّدعَا ِء عِنْ َد وَاحِ ٍد دُونَ َغْي ِرهِ كَمَا َيفْعَ ُل الْمُ ْ
َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّل ِه ,وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَ َم َ ,ومَا ُأ ِمرُوا إلّا ِلَيعْبُدُوا إَلهًا وَاحِدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ
ض الْمَشَايِ ِخ مِنْ َقوِْل ِه :إذَا َنزَلَ ِبكَ شرِكُو َن َ .فصْلٌ :وََأمّا مَا ُحكِ َي عَنْ َبعْ ِ سُبْحَاَنهُ عَمّا يُ ْ
ك مِنْ الشّ ّد ِة َ ,حيّا كُْنتُ َأ ْو مَيّتًا َ .فهَذَا اْلكَلَامُ ف مَا ِب َ حَا ِدثٌ َأوْ َأ ْمرٌ تَخَاُفهُ فَاسَْت ْوحِنِي َفيُكْشَ ُ
ح ُوهُ إمّا َيكُونُ َكذِبًا مِنْ النّاقِ ِل َ ,أوْ خَطٌَأ مِ ْن اْلقَائِلِ ,فَِإّنهُ َنقْلٌ لَا ُي ْعرَفُ صِ ْدُقهُ عَنْ قَائِ ٍل غَْيرِ وََن ْ
ق عَنْ قَائِ ٍل غَْيرِ َم ْعصُو ٍم َ ,ومَنْ َترَكَ الّنقْلَ الْ ُمصَدّقَ عَ ْن اْلقَائِ ِل الْ َم ْعصُو ِم ,وَاتّبَعَ َنقْلًا َغْيرَ ُمصَدّ ٍ
ك, ضلَالًا َبعِيدًا َ ,ومِنْ الْ َمعْلُومِ أَنّ الّلهَ لَمْ يَ ْأ ُمرْ بِمِثْ ِل هَذَا ,وَلَا ُرسُُلهُ َأ َمرُوا بِذَِل َ َم ْعصُومٍ َفقَ ْد ضَلّ َ
صبْ ,وَإِلَى رَبّك فَا ْر َغبْ } .وَلَ ْم َيقُلْ ا ْر َغبْ إلَى الْأَنِْبيَاءِ بَلْ قَا َل الّلهُ َتعَالَى { :فَِإذَا َف َرغْتَ فَاْن َ
ض ّر عَنْكُ ْم وَلَا وَالْمَلَائِ َك ِة .وَقَالَ َتعَالَى { :قُ ْل ُا ْدعُوا الّذِي َن َزعَمْتُ ْم مِ ْن دُوِنهِ َفلَا يَ ْملِكُونَ كَشْفَ ال ّ
حوِيلًا أُولَِئكَ الّذِي َن يَ ْدعُونَ يَْبَتغُونَ إلَى َرّبهِمْ اْلوَسِيَلةَ أَّيهُمْ َأ ْق َربُ وََيرْجُو َن رَحْ َمَتهُ وََيخَافُونَ تَ ْ
ف :كَانَ أَ ْقوَامٌ يَ ْدعُو َن اْل ُعزَْيرَ , ب رَبّك كَا َن مَحْذُورًا } .قَاَلتْ طَاِئفَ ٌة مِنْ السّلَ ِ عَذَاَبهُ إ ّن عَذَا َ
وَالْمَسِي َح ,وَالْ َملَائِ َك َة ,فَأَْنزَلَ الّل ُه هَ ِذهِ الْآيَ َة َ ,وهَذَا رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم لَمْ َيقُلْ
س َو ُهوَ لَِأحَ ٍد مِنْ َأصْحَاِبهِ إذَا َنزَ َل ِبكَ حَا ِدثٌ فَاسَْتوْ ِحنِي ,بَلْ { قَالَ لِابْ ِن عَ ّمهِ َعبْدِ الّلهِ بْ ِن عَبّا ٍ
حفَ ْظكَ ,ا ْحفَظْ الّلهَ تَجِ ْدهُ َأمَامَك َ ,ت َعرّفْ إلَى الّلهِ فِي الرّخَاءِ َي ْعرِ ْفكَ فِي يُوصِيهِ :ا ْح َفظْ الّلهَ يَ ْ
ض اْلعَامّ ِة مِنْ أَّنهُ الشّ ّد ِة ,إذَا سَأَْلتَ فَاسْأَلْ الّل َه ,وَِإذَا ا ْسَتعَْنتَ فَا ْسَتعِنْ بِاَلّلهِ } " َ .ومَا َي ْروِيه َبعْ ُ
قَا َل { :إذَا سَأَْلتُمْ الّلهَ فَاسْأَلُوهُ بِجَاهِي فَإِنّ جَاهِي عِْندَ الّلهِ عَظِي ٌم } َ .ف ُهوَ حَدِيثٌ كَ ِذبٌ
َم ْوضُوعٌ ,لَمْ َي ْر ِوهِ أَحَ ٌد مِنْ َأهْلِ اْلعِلْ ِم ,وَلَا ُه َو فِي شَ ْي ٍء مِنْ ُكُتبِ الْ ُمسْلِ ِميَ اْل ُمعْتَمَ َدةِ فِي الدّينِ
.فَإِنْ كَا َن لِلْ َمّيتِ َفضِيَل ٌة َ ,ف َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َأوْلَى بِكُلّ َفضِيلَ ٍة وََأصْحَاُبهُ مِنْ َبعْ ِدهِ
,وَإِنْ كَا َن مَْن َفعَةً لِ ْلحَيّ بِاْلمَّيتِ فََأصْحَاُبهُ أَ َحقّ النّاسِ اْنِتفَاعًا ِبهِ حَيّا َومَيّتًا َ ,فعُلِمَ أَ ّن هَذَا مِنْ
جَتهِدًا
ض الشّيُوخِ قَا َل ذَِلكَ َف ُهوَ خَطٌَأ مِْن ُه َ ,واَلّلهُ َي ْغ ِفرُ َلهُ إنْ كَا َن مُ ْ الضّلَا ِل ,وَإِنْ كَانَ َبعْ ُ
جبُ اتّبَاعُ َقوِْلهِ ,وَلَا َم ْعصُومٌ فِيمَا يَ ْأ ُمرُ ِبهِ وََيْنهَى عَْن ُه ,وَقَ ْد قَالَ الّلهُ س ُهوَ بَِنبِيّ يَ ِ مُخْ ِطئًا وَلَْي َ
َتعَالَى { :فَإِنْ َتنَا َزعْتُ ْم فِي شَ ْيءٍ َف ُردّوهُ إلَى الّلهِ وَالرّسُولِ إنْ كُْنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاَلّل ِه وَاْلَي ْومِ الْآ ِخ ِر } .
َفصْلٌ :وََأمّا َقوْلُ اْلقَائِ ِل :مَ ْن َقرَأَ آَيةَ اْل ُكرْسِ ّي ,وَاسَْتقَْبلَ ِجهَ َة الشّيْ ِخ عَبْ ِد اْلقَا ِدرِ الْجِيلَانِ ّي رضي
خطُو مَعَ كُ ّل تَسْلِيمَ ٍة خُ ْط َوةً إلَى َقْب ِرهِ ُقضَِيتْ حَاجَُتهُ ال عنه وَسَلّ َم َعلَْي ِه ,وَ َخطَا سَبْ َع خُ ُطوَاتٍ يَ ْ
ي .وَلَا ب وَيُ ْكِثرُ َتوَا ُج َدهُ َ ,فهَذَا َأمْرٌ اْل ُقرْبَةُ فِيهِ ِشرْكٌ ِب َربّ اْلعَالَ ِم ََ ,أوْ كَانَ فِي سَمَاعٍ فَِإّنهُ يُطَّي ُ
ب عََلْيهِ , ك عَْنهُ َفقَدْ كَ َذ َ رَْيبَ أَ ّن الشّيْ َخ عَبْ َد اْلقَا ِدرِ َلمْ َيقُ ْل هَذَا ,وَلَا َأ َمرَ ِبهِ َ ,ومَنْ َيقُلْ مِْثلَ ذَِل َ
شرْكِ الْ ُمشَّب ِهيَ لِلّنصَارَى مِنْ َأهْلِ اْلبِدَعِ الرّاِفضَةِ ث مِثْ َل هَ ِذهِ الْبِدَعِ َأهْ ُل اْلغُُل ّو وَال ّ
وَِإنّمَا يُحْ ِد ُ
اْلغَالَِيةِ فِي الَْأئِمّ ِة َ ,ومَنْ َأشَْب َههُ ْم مِنْ اْلغُلَا ِة فِي الْ َمشَاِي ِخ .وَقَ ْد ثََبتَ فِي الصّحِي ِح :عَ ْن النّبِيّ صلى
جلِسُوا َعلَى اْلقُبُورِ ,وَلَا ُتصَلّوا إلَْيهَا } " .فَِإذَا َنهَى عَنْ اسِْتقْبَالِ ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل { :لَا تَ ْ
206
اْلقَْبرِ فِي الصّلَاةِ ِلّلهِ ,فَ َكيْفَ يَجُوزُ الّتوَ ّجهُ إلَْي ِه وَال ّدعَاءُ ِلغَْي ِر الّل ِه مَعَ ُبعْدِ الدّا ِر َ ,وهَ ْل هَذَا إلّا مِنْ
جِْنسِ مَا َيفْعَُلهُ الّنصَارَى ِبعِيسَى وَُأ ّمهِ وَأَ ْحبَا ِرهِ ْم َو ُرهْبَاِنهِمْ فِي اتّخَا ِذهِمْ َأرْبَابًا وَآِل َهةً يَ ْدعُوَنهُمْ
وََيسَْتغِيثُوَنهُمْ فِي مَطَالِِبهِ ْم وَيَسَْألُوَنهُ ْم وَيَسَْألُونَ ِبهِ ْم .
ض اْلعَامّةِ َأوْ ُيعَّلقُونَ ِبهَا ح ُوهَا مِمّا َينْ ِذرُ َلهَا َبعْ ُ َفصْلٌ :وََأمّا الَْأشْجَا ُر ,وَالْأَحْجَارُ ,وَاْلعُيُو ُن ,وَنَ ْ
ح ُو ذَِلكَ َفهَذَا ُكّلهُ ِخرَقًا َأ ْو غَْي َر ذَِلكَ َ ,أوْ يَأْخُذُو َن َورََقهَا يَتََبرّكُونَ ِب ِه َ ,أ ْو ُيصَلّونَ ِعنْ َدهَا َ ,أ ْو نَ ْ
شرْكِ ِباَلّلهِ َتعَالَى { ,وَقَدْ كَانَ ب ال ّ ع الْمُْن َك َرةِ َو ُه َو مِنْ عَمَلِ َأ ْهلِ الْجَاهِلِيّ ِة َومِنْ أَسْبَا ِ مِنْ الْبِدَ ِ
ض النّاسِ :يَا رَسُو َل الّلهِ , ط َفقَالَ َبعْ ُ حَتهُمْ يُسَمّوَنهَا ذَاتَ َأْنوَا ٍ ج َرةٌ ُيعَّلقُونَ ِبهَا أَ ْسلِ َ
شرِ ِكيَ شَ َ ِللْمُ ْ
ا ْجعَلْ لَنَا ذَاتَ َأْنوَاطٍ ,كَمَا َلهُ ْم ذَاتُ َأْنوَاطٍ َ .فقَالَ :الّلهُ أَ ْكَب ُر ُ ,قلْتُمْ َكمَا قَا َل َق ْومُ مُوسَى
ِلمُوسَى ا ْجعَلْ لَنَا إَلهًا َكمَا َلهُمْ آِلهَ ٌة ,إّنهَا السّنَنُ ,لََترْ َكبُنّ َسنَ َن مَنْ كَانَ قَْبلَكُمْ ِشْبرًا ِبشِْبرٍ
ح َر ضَبّ لَ َدخَلُْتمْ ,وَ َحتّى َلوْ أَنّ أَحَ َدهُمْ جَامَعَ ا ْمرََأَتهُ َو ِذرَاعًا بِ ِذرَاعٍ َحتّى َلوْ أَنّ أَحَ َدهُ ْم دَخَ َل جُ ْ
ج َرةِ الّتِي فِي ال ّطرِيقِ َل َفعَلْتُمُو ُه } " .وََقدْ بَلَ َغ عُ َمرُ ْبنُ اْلخَطّابِ أَنّ َق ْومًا َي ْقصِدُونَ الصّلَا َة عِنْدَ الشّ َ
ج َرةِ
حَتهَا ,فََأمَرَ ِبتِ ْلكَ الشّ َ ضوَانِ الّتِي بَايَ َع النّبِيّ صلى ال عليه وسلم تَ ْ حَتهَا بَْيعَ ُة ال ّر ْ
كَاَنتْ تَ ْ
ت ,وََقدْ اّتفَ َق ُعلَمَاءُ الدّي ِن عَلَى أَ ّن مَنْ نَ َذ َر عِبَا َدةً فِي ُب ْقعَ ٍة مِنْ هَ ِذ ِه الِْبقَاعِ لَ ْم يَكُ ْن ذَِلكَ َفقُ ِطعَ ْ
جبُ اْلوَفَاءُ ِب ِه ,وَلَا َمزِيّةَ لِ ْل ِعبَا َدةِ فِيهَا َ .فصْلٌ :وََأصْ ُل هَذَا الْبَابِ أَّنهُ َلْيسَ فِي َشرِيعَةِ نَ ْذرًا َي ِ
ك ,إلّا مَسَاجِدَ حوِ ذَِل َ الْإِ ْسلَامِ ُب ْقعَةٌ ُت ْقصَدُ ِلعِبَا َدةِ الّلهِ فِيهَا بِالصّلَا ِة وَال ّدعَا ِء وَالذّ ْكرِ وَاْل ِقرَا َءةِ وََن ْ
جعَلْ ت مَسَاجِ َد َ ,أوْ لَمْ تُ ْ سلِ ِميَ َ ,ومَشَا ِعرَ اْلحَ ّج ,وََأمّا الْمَشَاهِ ُد الّتِي َعلَى اْلقُبُورِ َسوَاءٌ ُجعَِل ْ الْمُ ْ
ف َ ,أ ْو َغْيرُ ت وَالْ ُكهُو ُ ي َ ,أ ْو الْ َمغَارَا ُ ح َ ض الْأَْنبِيَا ِء َ ,أ ْو الصّالِ َِأ ْو الْ َمقَامَاتُ الّتِي ُتضَافُ إلَى َبعْ ِ
ك مِثْلُ الطّورِ الّذِي كَلّ َم الّلهُ عََلْيهِ مُوسَى َ ,ومِثْ ُل غَارِ ِحرَاءَ الّذِي كَا َن النّبِيّ صلى ال عليه ذَِل َ
وسلم َيتَحَّنثُ فِيهِ قَبْ َل ُنزُولِ اْلوَحْ ِي َعلَْي ِه ,وَاْلغَارُ الّذِي ذَ َكرَهُ الّلهُ فِي َق ْوِلهِ { ثَانِ َي اْثنَيْنِ إ ْذ هُمَا
فِي اْلغَا ِر } .وَاْلغَارُ الّذِي بِجَبَ ِل قَا ِسيُونَ بِ ِدمَشْقَ " الّذِي ُيقَالُ َل ُه " َمغَا َرةُ ال ّذ ّم " وَالْ َمقَامَانِ اللّذَانِ
شرْقِ ّي وَاْل َغرْبِ ّي ُ ,يقَالُ لِأَحَ ِدهِمَا َمقَامُ إْبرَاهِي َم " وَُيقَالُ ِللْآ َخ ِر " َمقَا ُم عِيسَى " َومَا َأشَْبهَ بِجَاِنبَْيهِ ال ّ
س َفرُ إلَْيهَا ِل ِزيَارَِتهَا ,وََل ْو نَ َذرَ ع ال ّ شرَ ُ ض َو َغرِْبهَا َ .فهَ ِذهِ لَا يُ ْ ع وَاْلمَشَاهِدَ فِي َشرْقِ الَْأ ْر ِ هَ ِذهِ الِْبقَا َ
سلِ ِميَ ,بَ ْل قَدْ َثَبتَ فِي الصّحِيحَْينِ ب عََلْيهِ اْلوَفَاءُ ِبنَ ْذ ِرهِ بِاّتفَاقِ َأئِمّ ِة الْمُ ْ
ج ْس َفرَ إلَْيهَا لَمْ يَ ِ
نَا ِذرٌ ال ّ
عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َومِنْ حَدِيثِ أَبِي ُهرَْي َر َة ,وََأبِي َسعِي ٍد َ ,و ُهوَ ُي ْروَى عَ ْن غَْي ِرهِمَا :
حرَا ِم وَالْ َمسْجِ ِد الْأَ ْقصَى َومَسْجِدِي َأّنهُ قَا َل { :لَا ُتشَدّ الرّحَالُ إلّا إلَى َثلَاَث ِة مَسَاجِدَ :الْ َمسْجِدِ الْ َ
ب رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم لَمّا فَتَحُوا هَ ِذ ِه الِْبلَا َد :بِلَادَ الشّامِ هَذَا } " .وَقَدْ كَانَ َأصْحَا ُ
صرَ ,وَ ُخرَاسَا َن ,وَالْ َم ْغ ِربِ َ ,و َغْي َرهَا :لَا َيقْصِدُو َن هَ ِذهِ اْلِبقَاعَ وَلَا َيزُورُوَنهَا وَلَا ق َ ,ومِ ْ ,وَاْل ِعرَا ِ
شرِيعَةِ َنبِّيهِمْ ُيعَ ّمرُونَ الْ َمسَاجِ َد الّتِي قَالَ ستَمْسِ ِكيَ ِب َ َيقْصِدُونَ الصّلَاةَ وَال ّدعَاءَ فِيهَا ,بَلْ كَانُوا مُ ْ
الّلهُ فِيهَا َ { :ومَنْ أَ ْظلَ ُم مِمّنْ َمنَ َع مَسَاجِ َد الّلهِ أَنْ يُذْ َكرَ فِيهَا اسْ ُمهُ } .وَقَالَ { إنّمَا َيعْ ُمرُ
207
خشَ إلّا الّلهَ } .وَقَا َل مَسَاجِدَ الّلهِ مَ ْن آمَنَ بِاَلّلهِ وَالَْي ْومِ الْآ ِخ ِر وَأَقَامَ الصّلَاةَ وَآتَى الزّكَا َة وَلَمْ َي ْ
سطِ وَأُقِيمُوا وُجُوهَكُ ْم ِعنْدَ كُ ّل مَسْجِ ٍد } .وَقَا َل َتعَالَى { :وَأَنّ َتعَالَى { :قُلْ َأ َمرَ َربّي بِاْلقِ ْ
حيْ ِن :عَ ْن النّبِيّ ص وَفِي الصّحِي َ الْمَسَاجِدَ ِلّلهِ فَلَا تَ ْدعُوا مَعَ الّلهِ َأحَدًا } .وََأمْثَا ُل هَ ِذهِ الّنصُو ِ
صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل { :صَلَاةُ الرّ ُجلِ فِي الْمَسْجِ ِد َت ْفضُلُ َعلَى صَلَاِتهِ فِي بَْيِتهِ وَسُوِقهِ
سجِدَ لَا ُيْن ِه ُزهُ إلّا شرِي َن َدرَجَ ًة َوذَِلكَ أَنّ الرّجُلَ إذَا َت َوضّأَ فَأَ ْحسَنَ اْل ُوضُوءَ ثُمّ أَتَى الْمَ ْ بِخَ ْمسٍ َوعِ ْ
حطّ خَطِيئَةً َفِإذَا َجَلسَ َينْتَ ِظ ُر الصّلَاةَ الصّلَاةُ فِيهِ كَاَنتْ خُ ْطوَتَاهُ إ ْحدَاهُمَا َترْفَ ُع َدرَجَ ًة وَالْأُ ْخرَى تَ ُ
كَا َن فِي صَلَا ٍة مَا دَامَ يَْنتَ ِظرُ الصّلَاةَ فَِإذَا َقضَى الصّلَاةَ فَإِ ّن الْ َملَائِ َكةَ ُتصَلّي َعلَى أَحَ ِدهِ ْم مَا دَامَ فِي
ُمصَلّا ُه َ .تقُولُ الّلهُمّ ا ْغ ِفرْ َلهُ الّلهُمّ ا ْرحَ ْمهُ } " َ .وقَدْ َتنَازَعَ الْ ُمتَأَ ّخرُونَ فِيمَنْ سَاَفرَ ِل ِزيَا َرةِ قَْبرِ َنبِيّ
صرُ الصّلَاةَ فِيهِ ح ّققُونَ ِ ,مْنهُمْ قَالُوا :إ ّن هَذَا َس َفرُ َمعْصَِي ٍة وَلَا َي ْق ُ ك مِنْ الْمَشَاهِ ِد وَالْمُ َ حوِ ذَِل َ َأوْ َن ْ
ك ذَ َكرَ َأبُو َعبْدِ الّلهِ بْنُ صرُ فِي َس َفرِ الْ َم ْعصِيَةِ كَمَا ذَ َك َر ذَِلكَ اْب ُن َعقِي ٍل َوغَْي ُرهُ .وَكَذَِل َ كَ َمنْ لَا َي ْق ُ
ع الْمُحْ َدثَ ِة فِي اْلإِسْلَامِ بَلْ َن ْفسُ َقصْدِ هَ ِذهِ الِْبقَاعِ لِلصّلَاةِ فِيهَا وَال ّدعَاءِ , بَطّ َة :أَ ّن هَذَا مِنْ الْبِدَ ِ
ي رضي ال عنهم وََأ ْرضَاهُمْ سلِ ِميَ ,وَلَمْ ُيْنقَلْ عَ ْن السّاِب ِقيَ الَْأوِّل َ َلْيسَ َلهُ َأصْلٌ فِي َشرِيعَةِ الْمُ ْ
ح ّروْنَ هَ ِذهِ اْلِبقَاعَ لِل ّدعَاءِ وَالصّلَا ِة ,بَلْ لَا َي ْقصِدُونَ إلّا مَسَاجِ َد الّلهِ ,بَ ْل الْمَسَاجِدُ َأّنهُمْ كَانُوا يََت َ
ضرَارِ الّذِي قَالَ الّلهُ فِي ِه : سجِدِ ال ّ ش ْرعِيّ لَا َي ْقصِدُوَنهَا أَْيضًا كَمَ ْ الْمَْبنِيّ ُة عَلَى َغْيرِ اْلوَ ْجهِ ال ّ
ي وَِإ ْرصَادًا لِمَنْ حَا َربَ الّل َه َورَسُوَلهُ ضرَارًا وَ ُك ْفرًا وََت ْفرِيقًا بَْينَ الْ ُم ْؤمِِن َ
{ َواَلّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِدًا ِ
جدٌ أُ ّسسَ شهَدُ إّنهُمْ لَكَا ِذبُونَ ,لَا َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْ ِ حسْنَى َواَلّلهُ َي ْ مِنْ َقبْ ُل وَلََيحِْلفُنّ إنْ َأ َردْنَا إلّا الْ ُ
حبّ حبّونَ أَ ْن يَتَ َط ّهرُوا وَاَلّلهُ يُ ِ َعلَى الّت ْقوَى مِنْ َأوّلِ َي ْومٍ َأحَقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُ ِ
حيَ لَا َتجُوزُ الصّلَاةُ فِيهَا وَبِنَا ُؤهَا الْمُ ّط ّهرِي َن } َ .بلْ الْ َمسَاجِ ُد الْمَْبنِيّ ُة عَلَى قُبُورِ الَْأنِْبيَاءِ وَالصّالِ ِ
ص َعلَى ذَِلكَ َغْيرُ وَاحِ ٍد مِنْ الْأَئِمّ ِة ,لِمَا ا ْسَتفَاضَ عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه ح ّرمٌ ,كَمَا قَدْ نَ ّ مُ َ
ح ,وَالسّنَ ِن ,وَالْ َمسَانِي ِد َ ,أّنهُ قَا َل { :إ ّن مَنْ كَانَ قَْبلَكُمْ كَانُوا َيتّخِذُونَ وسلم فِي الصّحَا ِ
ض َموِْتهِ : اْلقُبُو َر مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتّخِذُوا اْلقُبُورَ مَسَاجِدَ فَِإنّي أَْنهَاكُ ْم عَ ْن ذَِلكَ } " َ .وقَالَ فِي َم َر ِ
{ َلعْنَ ُة الّل ِه عَلَى اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى اتّخَذُوا قُبُورَ أَْنبِيَاِئهِ ْم مَسَاجِدَ } " ُيحَ ّذرُ مَا َفعَلُوا .قَاَلتْ
ج َرةُ النّبِيّ صلى ال شةُ :وََلوْلَا ذَِلكَ لَأُْب ِرزَ َقْب ُرهُ ,وَلَكِنْ َك ِرهَ أَنْ يُتّخَ َذ مَسْجِدًا ,وَكَاَنتْ ُح ْ عَائِ َ
سجِ ِدهِ َ ,فلَمّا كَانَ فِي إ ْمرَةِ اْل َولِيدِ ْبنِ َعبْدِ الْمَِلكِ كََتبَ إلَى عُ َمرَ بْنِ عليه وسلم خَارِجَ ًة عَ ْن مَ ْ
ج النّبِيّ صلى ال جرَ َأ ْزوَا ِ
َعبْدِ اْل َعزِي ِز عَامِِل ِه عَلَى الْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ أَنْ َيزِيدَ فِي الْ َمسْجِدِ فَاشَْترَى حُ َ
ج َرةُ إ ْذ ذَاكَ فِي عليه وسلم وَكَاَنتْ َشرْقِيّ الْمَسْجِ ِد ,وَقِْبلََتهُ َفزَا َدهَا فِي الْمَسْجِ ِد فَدَ َخَلتْ الْحُ ْ
خلِيلِ لَمّا ت اْلقِبَْلةِ لَِئلّا َيصِلَ َأحَدٌ إلَْيهَا .وَكَذَِلكَ قَْبرُ إْبرَاهِي َم الْ َ سنّمَ ًة عَنْ سَ ْم ِ سجِ ِد وَبََن ْوهَا مُ َ الْمَ ْ
سلِمُونَ الْبِلَادَ كَانَ َعلَْيهِ السّورُ السّلَْيمَانِ ّي ,وَلَا يَ ْدخُلُ إَلْيهِ أَ َحدٌ َولَا ُيصَلّي َأحَ ٌد عِنْ َد ُه ,بَلْ فَتَ َح الْمُ ْ
خلِي ِل بِمَسْجِ ٍد ُهنَا َك ,وَكَا َن الَْأ ْمرُ َعلَى ذَِلكَ َعلَى َعهْدِ اْلخَُلفَاءِ سلِمُونَ ِب َقرْيَ ِة الْ َ كَا َن ُيصَلّي الْمُ ْ
208
س َو ُر ,ثُمّ ُجعِلَ فِيهِ بَابٌ ,وَُيقَالُ إنّ الّنصَارَى هُمْ الرّاشِدِي َن َومَنْ َبعْ َدهُ ْم ,إلَى أَنْ ُن ِقبَ ذَِلكَ ال ّ
ك مَسْجِدًا .وَِلهَذَا كَانَ س ًة ,ثُمّ لَمّا أَ َخذَ الْ ُمسْلِمُو َن مِْنهُمْ الِْبلَادَ ُجعِلَ ذَِل َ َنقَبُوهُ وَ َج َعلُوهُ َكنِي َ
اْلعُلَمَاءُ الصّالِحُو َن مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ لَا ُيصَلّو َن فِي ذَِلكَ الْمَكَا ِن ,هَذَا إذَا كَانَ اْل َقْبرُ صَحِيحًا ,
ح ,فَإِّنهُ ب ,مِثْلُ :اْل َقْبرِ الّذِي ُيقَالُ إّنهُ َقْبرُ نُو ٍ ف َوعَامّ ُة اْلقُبُورِ الْ َمنْسُوَبةِ إلَى الْأَْنبِيَاءِ كَ ِذ ٌ فَكَيْ َ
سقَلَانُ جهّا ُل مِ ْن مُ ّدةٍ َقرِيَبةٍ وَكَ َذِلكَ قَْب ُر غَْي ِر ِه َ .فصْ ٌل :وََأمّا َع ْ كَ ِذبٌ لَا َرْيبَ فِيهِ ,وَإِنّمَا أَ ْظ َهرَهُ الْ ُ
سلِ ِميَ كَانَ صَالِحُو الْ ُمسْلِ ِميَ ُيقِيمُو َن ِبهَا لِأَجْ ِل الرّبَاطِ فِي َسبِيلِ فَإِّنهَا كَاَنتْ َث ْغرًا مِنْ ُثغُورِ الْمُ ْ
جْنسِ ,مِثْ ُل :جَبَلِ ُلبْنَا َن ,وَاْلإِسْكَْن َدرِيّة َ ,ومِثْلُ الّل ِه َ ,وهَكَذَا سَاِئرُ اْلِبقَاعِ الّتِي مِثْ ُل هَذَا الْ ِ
ح ِوهَا مِنْ الِْبلَادِ الّتِي كَاَنتْ ُثغُورًا َ ,فهَ ِذهِ ق َ ,ومِثْلُ َق ْزوِي َن ,وَنَ ْ ح ِوهَا بَِأ ْرضِ اْل ِعرَا ِ َعبّادَا ِن َ ,ونَ ْ
سلِ ٍم عَنْ كَا َن الصّالِحُو َن َيقْصِدُوَنهَا لَِأجْلِ الرّبَاطِ فِي سَبِيلِ الّل ِه َ ,فإِّنهُ قَدْ َثَبتَ فِي صَحِيحِ مُ ْ
ط َي ْومٍ وََليَْلةٍ فِي َسبِي ِل الّلهِ َخْيرٌ سَلْمَا َن اْلفَارِسِ ّي ,عَنْ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل { :رِبَا ُ
ي عَلَْي ِه عَمَُل ُه وَأُ ْج ِريَ َعلَْي ِه ِرزُْقهُ مِنْ ت مُجَاهِدًا وَأُ ْج ِر َ ت ُمرَابِطًا مَا َ مِ ْن صِيَامِ َش ْه ٍر وَقِيَا ِم ِه َومَنْ مَا َ
جنّ ِة وََأمِنَ اْل َفتّانَ } " .وَفِي سُنَنِ َأبِي دَاوُد َو َغْي ِرهِ َ :عنْ ُعثْمَا َن َ ,عنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم الْ َ
ط َي ْومٍ فِي سَبِيلِ الّلهِ خَْي ٌر مِنْ أَلْفِ َي ْومٍ ِسوَا ُه مِنْ الْمَنَازِ ِل } " َ .وقَالَ أَبُو ُهرَْي َر َة : َأّنهُ قَا َل { :رِبَا ُ
جرِ الْأَ ْس َودِ .وَِلهَذَا قَالَ لَأَنْ ُأرَاِبطَ لَْيلَ ًة فِي سَبِيلِ الّلهِ أَ َحبّ إلَ ّي مِنْ أَنْ أَقُومَ لَْيلَ َة اْلقَ ْد ِر عِنْدَ الْحَ َ
شرِيفَيْنِ ,لِأَنّ اْل ُمرَابَ َط َة مِنْ جِْنسِ ح َرمَيْنِ ال ّاْلعُلَمَا ُء :إ ّن الرّبَاطَ بِالّثغُورِ َأ ْفضَلُ مِ ْن الْمُجَا ِو َرةِ بِالْ َ
ي مِنْ جِْنسِ الْحَ ّج . جهَادِ أَ ْفضَلُ بِاّتفَاقِ الْ ُمسْلِ ِم َ جهَا ِد ,وَالْمُجَا َو َر ُة مِنْ جِْنسِ اْلحَ ّج وَ ِجْنسُ الْ ِ الْ ِ
حرَامِ كَمَ ْن آمَنَ بِاَلّل ِه وَالَْي ْومِ الْآ ِخرِ سجِدِ اْل َ ج َوعِمَا َرةَ الْمَ ْ كَمَا قَا َل َتعَالَى { :أَ َجعَلُْتمْ ِسقَاَيةَ الْحَا ّ
وَجَاهَدَ فِي َسبِي ِل الّلهِ لَا يَسَْتوُو َن عِنْ َد الّلهِ وَاَلّلهُ لَا َيهْدِي اْل َقوْمَ الظّالِ ِميَ الّذِي َن آمَنُوا َوهَا َجرُوا
ش ُرهُمْ ك هُمْ اْلفَاِئزُونَ ُيبَ ّ سهِمْ َأعْظَ ُم َدرَ َجةً ِعنْدَ الّل ِه وَأُولَِئ َ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الّلهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَْنفُ ِ
ضوَانٍ َوجَنّاتٍ َلهُمْ فِيهَا َنعِي ٌم ُمقِيمٌ خَالِدِي َن فِيهَا أََبدًا إنّ الّل َه عِنْ َدهُ أَ ْجرٌ رَّبهُ ْم ِبرَحْمَ ٍة مِْن ُه َو ِر ْ
عَظِي ٌم } َ .فهَذَا ُهوَ الَْأصْلُ فِي َتعْظِي ِم هَ ِذهِ الَْأمْكَِنةِ ثُ ّم مِ ْن هَ ِذهِ الَْأمْكَِن ِة مَا سَ َكَنهُ َبعْ َد ذَِلكَ اْل ُكفّارُ
ع وَاْلفُجُورِ َ ,ومِْنهَا مَا َخ ِربَ َوصَارَ َث ْغرًا غَْي ُر هَ ِذهِ الَْأمْ ِكنَ ِة وَالِْبقَاعِ َتَتغَّيرُ َأحْكَا ُمهَا ِبَتغَّيرِ وََأهْ ُل الْبِدَ ِ
َأ ْحوَالِ َأ ْهِلهَا َ ,فقَدْ َتكُونُ اْلُبقْعَ ُة دَارَ ُك ْفرٍ إذَا كَانَ َأ ْهُلهَا ُكفّارًا ,ثُمّ َتصِ ُي دَارَ إ ْسلَامٍ إذَا أَسَْلمَ
َأ ْهُلهَا كَمَا كَاَنتْ مَكّ ُة َشرَّفهَا الّلهُ فِي َأوّ ِل الَْأ ْمرِ دَارَ ُك ْف ٍر وَ َح ْربٍ ,وَقَا َل الّلهُ فِيهَا { :وَكََأيّنْ
حهَا النّبِيّ صلى ال عليه وسلم مِنْ َق ْريَ ٍة هِيَ أَشَ ّد ُق ّوةً مِنْ َق ْريَِتكَ الّتِي أَ ْخرَ َجْتكَ } .ثُمّ لَمّا َفتَ َ
سهَا ُأمّ اْل ُقرَى وَأَ َحبّ الَْأ ْرضِ إلَى الّل ِه ,وَكَ َذِلكَ الَْأ ْرضُ الْ ُمقَدّ َسةُ صَا َرتْ دَارَ إسْلَامٍ َ ,وهِيَ فِي َنفْ ِ
جبّارُونَ الّذِي َن ذَ َك َرهُمْ الّلهُ َتعَالَى ,كَمَا قَالَ َتعَالَى { :وَِإذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْ ِمهِ يَا َق ْومِ كَا َن فِيهَا الْ َ
ُاذْ ُكرُوا ِنعْمَ َة الّل ِه عََليْكُمْ إذْ َجعَلَ فِيكُمْ أَْنبِيَا َء وَ َجعَلَكُ ْم مُلُوكًا وَآتَا ُكمْ مَا َلمْ ُي ْؤتِ َأحَدًا مِنْ
اْلعَالَ ِميَ يَا َق ْومِ ُا ْدخُلُوا الَْأ ْرضَ الْ ُمقَدّسَةَ الّتِي َكَتبَ الّلهُ لَ ُكمْ َولَا َترْتَدّوا عَلَى َأدْبَارِكُ ْم فََتْنقَلِبُوا
209
خرُجُوا خرُجُوا مِْنهَا فَإِ ْن يَ ْ خَا ِسرِي َن قَالُوا يَا مُوسَى إنّ فِيهَا َق ْومًا جَبّارِي َن وَإِنّا َلنْ نَدْ ُخَلهَا َحتّى يَ ْ
مِْنهَا فَإِنّا دَاخِلُونَ } الْآيَاتِ .وَقَالَ َتعَالَى لَمّا أَنْجَى مُوسَى وََق ْو َمهُ مِ ْن اْل َغرَقِ { :سَُأرِيكُ ْم دَارَ
اْلفَا ِس ِقيَ } .وَكَاَنتْ تِ ْلكَ الدّيَا ُر دِيَارَ اْلفَا ِس ِقيَ لَمّا كَانَ يَسْ ُكُنهَا إ ْذ ذَاكَ اْلفَا ِسقُونَ .ثُمّ لَمّا
جبُ أَ ْن ُي ْعرَفَ ,فَإِ ّن الَْبلَدَ قَ ْد تُحْمَدُ َأوْ ي َ ,وهَذَا َأصْ ٌل يَ ِ ح َ سَكََنهَا الصّالِحُو َن صَا َرتْ دَا َر الصّالِ ِ
ض الَْأوْقَاتِ لِحَالِ َأهِْل ِه ,ثُمّ يََت َغّيرُ حَالُ َأهِْلهِ َفيََتغَّيرُ الْحُكْمُ فِيهِمْ إذْ الْمَ ْدحُ وَال ّذمّ تَ ُذمّ فِي َبعْ ِ
ب عَلَى الِْإيَا ِن وَاْلعَمَلِ الصّاِلحِ َأ ْو عَلَى ضِ ّد ذَِلكَ مِ ْن الْ ُك ْفرِ وَاْلفُسُوقِ وَالّثوَابُ وَاْل ِعقَابُ إنّمَا يََترَّت ُ
وَاْل ِعصْيَا ِن ,قَالَ الّلهُ َتعَالَى { :يََأّيهَا النّاسُ اّتقُوا َربّكُمْ الّذِي َخَلقَكُ ْم مِنْ َن ْفسٍ وَاحِ َدةٍ َوخَلَ َق مِْنهَا
ث مِْنهُمَا رِجَالًا كَثِيًا وَنِسَا ًء وَاّتقُوا الّلهَ الّذِي تَسَاءَلُونَ ِبهِ وَالَْأرْحَامَ } َ .وقَالَ النِّبيّ َزوْ َجهَا وََب ّ
ض عَلَى صلى ال عليه وسلم { :لَا َفضْلَ ِلعَرَِبيّ َعلَى عَجَمِ ّي ,وَلَا ِلعَجَمِ ّي َعلَى َعرَبِ ّي َ ,ولَا لِأَْبيَ َ
َأ ْس َودَ ,وَلَا لِأَ ْس َو َد عَلَى َأبَْيضَ إلّا بِالّت ْقوَى ,النّاسُ َبنُو آ َدمَ ,وَآ َد ُم مِنْ ُترَابٍ } " .وَكََتبَ أَبُو
ال ّد ْردَاءِ إلَى ُسلَيْمَانَ اْلفَارِسِ ّي وَكَا َن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَدْ آخَى بَْيَنهُمَا لَمّا آخَى َبيْنَ
خطّابِ :أَنْ الْ ُمهَا ِجرِي َن وَالَْأْنصَارِ ,وَكَانَ أَبُو ال ّد ْردَاءِ بِالشّامِ وَ َسلْمَانَ بِاْل ِعرَاقِ نَائِبًا ِلعُ َمرَ ْبنِ الْ َ
َهلُمّ إلَى الَْأ ْرضِ الْ ُمقَدّ َسةِ فَ َكَتبَ إلَْيهِ سَلْمَانُ إنّ الَْأ ْرضَ لَا ُتقَ ّدسُ َأحَدًا وَإِنّمَا ُيقَ ّدسُ الرّجُ ُل عَ َمَلهُ .
جوَابُ فِي سَاِئرِ الْ َمسَائِ ِل الْمَذْكُو َرةِ بِأَنّ َقصْدَ الصّلَا ِة وَال ّدعَا ِء عِنْ َدمَا ُيقَا ُل إّنهُ َفصْلٌ :وَقَدْ َتبَيّ ّن الْ َ
قَ َدمُ نَبِ ّي َ ,أوْ أََثرُ َنبِ ّي َ ,أوْ َقْبرُ نَبِ ّي َ ,أوْ َقْبرُ َبعْضِ الصّحَابَ ِة َ ,أوْ َبعْضِ الشّيُوخِ َ ,أوْ َبعْضِ َأهْلِ
ع ذَِلكَ رَسُولُ شرَ ْ ع الْمُحْ َدثَ ِة الْمُْن َك َرةِ فِي الِْإسْلَامِ لَ ْم يَ ْ
ج َ ,أوْ اْلغَْي ِر إّنهُ مِنْ الْبِدَ ِالَْبْيتِ َ ,أوْ الَْأْبرَا ِ
حّبهُالّلهِ صلى ال عليه وسلم وَلَا كَا َن السّاِبقُونَ الَْأوّلُو َن وَالتّاِبعُونَ َلهُمْ ِبإِحْسَا ٍن َي ْفعَلُوَنهُ ,وَلَا اسْتَ َ
ط فِي شرْ ِك َو َذرَائِ ِع الِْإ ْفكِ ,وَاْلكَلَا ُم عَلَى هَذَا مَبْسُو ٌ َأحَ ٌد مِنْ َأئِمّ ِة الْ ُمسْلِ ِميَ بَ ْل ُه َو مِنْ أَسْبَابِ ال ّ
س َة َ ,أوْ يَا ستّ َنفِي َ ب َ .فصْ ٌل :وََأمّا َقوْلُ اْلقَائِ ِل :إذَا َعَثرَ :يَا جَا َه مُحَمّ ٍد ,يَا لَل ّ جوَا ِ َغْيرِ هَذَا اْل َ
ح ّرمَاتِ َو ُه َو مِنْ جِْنسِ ك مِمّا فِيهِ اسِْتعَاَنُتهُ وَ ُسؤَاُلهُ َف ُهوَ مِ ْن الْمُ َ ح ُو ذَِل َ سَيّدِي الشّيْ ُخ فُلَا ٌن َ ,أوْ نَ ْ
سَتغَاثُ ِبهِ لَا ِعنْدَ قَْب ِرهِ شرْكِ ,فَإِ ّن الْمَّيتَ َسوَاءٌ كَا َن نَِبيّا َأوْ َغْيرَ نَبِ ّي لَا يُ ْدعَى ,وَلَا ُيسْأَ ُل ,وَلَا يُ ْ ال ّ
س دِينِ الّنصَارَى الّذِي َن { اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ ,وَلَا مَعَ اْلُبعْدِ مِنْ َقْب ِرهِ ,بَ ْل هَذَا مِنْ جِْن ِ
َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا لَِيعْبُدُوا إَلهًا وَا ِحدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ سُبْحَاَنهُ عَمّا
شرِكُونَ } َ ,ومِنْ ِجْنسِ الّذِي َن قَالَ فِيهِمْ { ُقلْ ُا ْد ُعوَا الّذِي َن َزعَمُْتمْ مِ ْن دُوِنهِ َفلَا يَ ْملِكُونَ كَشْفَ يُ ْ
ب وََيرْجُو َن رَحْمََتهُ حوِيلًا أُولَِئكَ الّذِينَ يَ ْدعُونَ َيبَْتغُونَ إلَى رَّبهِ ْم اْلوَسِيَلةَ أَّيهُمْ أَ ْق َر ُ ضرّ َعنْكُ ْم وَلَا َت ْ ال ّ
شرٍ أَ ْن ُيؤْتَِيهُ الّلهُ ب رَبّك كَا َن مَحْذُورًا } َ .وقَدْ قَا َل َتعَالَى { :مَا كَانَ لَِب َ وََيخَافُو َن عَذَاَبهُ إنّ عَذَا َ
الْ ِكتَابَ وَالْحُكْ َم وَالنُّب ّوةَ ثُمّ َيقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا ِعبَادًا لِي مِ ْن دُونِ الّلهِ وََلكِنْ كُونُوا رَبّانِّييَ بِمَا
ب وَبِمَا ُكنْتُمْ تَ ْد ُرسُونَ ,وَلَا يَ ْأ ُمرَكُمْ أَنْ َتتّخِذُوا الْ َملَائِ َك َة وَالنِّبّييَ َأ ْربَابًا ُكنْتُ ْم ُتعَلّمُونَ الْ ِكتَا َ
ط هَذَا فِي غَْي ِر هَذَا الْ َم ْوضِعِ َ .فصْ ٌل :وَكَذَِلكَ سَ سلِمُونَ } َ .وقَدْ بُ ِ َأيَ ْأ ُمرُكُمْ بِالْ ُك ْفرِ َبعْدَ إذْ َأنْتُ ْم مُ ْ
210
خلِيلِ َأوْ لِلشّيْخِ ُفلَا ٍن َ ,أوْ فُلَا ٍن َ ,أوْ ُفلَا ٍن النّ ْذرُ ِل ْلقُبُورِ َأوْ لِأَحَ ٍد مِنْ َأهْلِ اْلقُبُورِ كَالنّ ْذرِ لِِإْبرَاهِيمَ الْ َ
جبُ اْلوَفَاءُ ِبهِ بِاّتفَاقِ أَئِمّةِ الدّي ِن بَ ْل وَلَا يَجُوزُ َ ,أوْ لَِبعْضِ َأهْ ِل الَْبْيتِ َ ,أ ْو غَْي ِرهِمْ نَ ْذ ُر َمعْصَِيةٍ لَا يَ ِ
اْلوَفَاءُ ِب ِه ,فَإِّنهُ قَ ْد ثََبتَ فِي الصّحِي ِح عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل { :مَ ْن نَ َذرَ أَ ْن يُطِيعَ
صهِ } .وَفِي السّنَ ِن عَْنهُ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل : الّلهَ َفلْيُ ِط ْع ُه َومَنْ نَ َذرَ أَنْ َي ْعصِيَ الّلهَ َفلَا َي ْع ِ
ج } " َ .فقَدْ َلعَ َن رَسُو ُل الّلهِ صلى سرُ َ{ َلعَنَ الّلهُ َزوّارَاتِ اْلقُبُو ِر وَالْ ُمتّخِذِي َن عَلَْيهَا الْ َمسَاجِ َد وَال ّ
ج :كَاْلقَنَادِي ِل ,وَالشّمْ ِع َ ,وغَْيرِ سرُ َسرِجُ فِيهَا ال ّ ال عليه وسلم مَنْ يَْبنِي عَلَى اْلقُبُورِ الْمَسَاجِ َد وَيُ ْ
ك وَِإذَا كَا َن هَذَا َم ْلعُونًا فَاَلّذِي َيضَعُ فِيهَا َقنَادِيلَ ال ّذ َهبِ ,وَاْل ِفضّ ِة ,وَشَ ْمعِدَانَ ال ّذ َهبِ , ذَِل َ
ض ُعهَا ِعنْدَ اْل ُقبُورِ َأوْلَى بِالّلعْنَةِ ,فَمَ ْن نَ َذ َر زَيْتًا َأوْ شَ ْمعًا َ ,أ ْو َذهَبًا َ ,أوْ ِفضّةً َ ,أوْ وَاْل ِفضّةِ ,وََي َ
جعَ َل عِنْدَ َقْبرِ نَِبيّ مِ ْن الْأَْنبِيَا ِء َ ,أ ْو َبعْضِ الصّحَابَ ِة َ ,أوْ اْل َقرَابَ ِة َ ,أوْ الْ َمشَايِخِ سِْترًا َ ,أوْ َغْيرَ ذَِلكَ ِليُ ْ
َ ,ف ُهوَ نَ ْذ ُر َمعْصَِيةٍ لَا َيجُوزُ اْلوَفَاءُ ِب ِه َ ,وهَ ْل َعلَْيهِ َكفّا َرةُ يَ ِميٍ فِيهِ َقوْلَانِ ِل ْلعُلَمَا ِء ,وَإِنْ َتصَدّقَ بِمَا
ي, ح َ ستَحِ ّق مِنْ َأهْلِ َبْيتِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َوغَْي ِرهِ ْم مِنْ اْل ُف َقرَاءِ الصّالِ ِ نَ َذ َرهُ َعلَى مَنْ يَ ْ
جزِي الْ ُمَتصَدِّقيَ كَا َن خَْيرًا َلهُ عِنْ َد الّلهِ وَأَْنفَعَ َل ُه ,فَإِ ّن هَذَا عَمَ ٌل صَاِلحٌ ُيثِيُبهُ الّل ُه عَلَْي ِه ,فَإِنّ الّلهَ يَ ْ
ي ,بَلْ ي .وَالْمَُتصَدّقُ َيَتصَدّقُ ِلوَ ْجهِ الّلهِ وَلَا يَطُْلبُ أَ ْج َر ُه مِنْ الْ َمخْلُوِق َ حسِِن َ ,وَلَا ُيضِيعُ َأ ْجرَ الْمُ ْ
مِنْ الّلهِ َتعَالَى ,كَمَا قَالَ َتعَالَى { :وَ َسيُجَنُّبهَا الَْأْتقَى ,الّذِي ُيؤْتِي مَاَلهُ يََتزَكّى َ ,ومَا لِأَحَ ٍد عِنْ َدهُ
سوْفَ َي ْرضَى } .وَقَا َل َتعَالَى َ { :ومَثَلُ الّذِينَ جزَى ,إلّا اْبِتغَاءَ وَ ْج ِه رَّبهِ الَْأ ْعلَى ,وََل َ مِنْ ِنعْ َمةٍ تُ ْ
سهِمْ كَمَثَ ِل جَنّةٍ ِبرَْب َوةٍ } الْآَي َة .وَقَا َل عَ ْن عِبَا ِدهِ يُْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُ ْم اْبِتغَاءَ َم ْرضَاةِ الّل ِه وَتَْثبِيتًا مِنْ َأْنفُ ِ
ي { :إنّمَا نُ ْطعِمُكُمْ ِلوَ ْجهِ الّلهِ لَا ُنرِي ُد مِنْ ُكمْ َجزَا ًء وَلَا شَكُورًا } .وَِلهَذَا لَا َينَْبغِي لِأَحَدٍ ح َ الصّالِ ِ
أَ ْن يَسْأَلَ ِب َغْيرِ الّل ِه ِ ,مثْلُ الّذِي َيقُولُ َكرَامَ ًة لِأَبِي َب ْكرٍ ,وَِلعَلِ ّي َ ,أوْ لِلشّيْ ِخ فُلَا ٍن َ ,أوْ الشّيْ ِخ فُلَانٍ
بَلْ لَا ُيعْطِي إلّا مَنْ سَأَلَ ِلّلهِ ,وَلَْيسَ لِأَحَدٍ أَ ْن يَسْأَلَ ِلغَْي ِر الّلهِ فَإِ ّن إخْلَاصَ الّذِي ِلّلهِ وَا ِجبٌ فِي
جَمِي ِع اْلعِبَادَاتِ الْبَ َدنِيّ ِة وَالْمَاِليّ ِة :كَالصّلَاةِ ,وَالصّدََق ِة ,وَالصّيَا ِم ,وَالْحَجّ َ ,فلَا َيصُْلحُ الرّكُوعُ
ت الّل ِه ,وَلَا ال ّدعَاءُ إلّا لِّل ِه ,قَالَ َتعَالَى : وَالسّجُودُ إلّا لِّل ِه وَلَا الصّيَامُ إلّا لِّل ِه ,وَلَا اْلحَجّ إلّا إلَى بَْي ِ
{ َوقَاِتلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ ِفتَْن ٌة وَيَكُونَ الدّيْنُ ُكّلهُ لِّلهِ } َ .وقَالَ َتعَالَى { :وَاسْأَ ْل مَنْ َأرْسَ ْلنَا مِنْ
قَْبِلكَ مِ ْن رُ ُسلِنَا أَ َج َعلْنَا مِ ْن دُونِ الرّحْمَنِ آِل َهةً ُيعْبَدُو َن } َ .وقَالَ َتعَالَى { :تَْنزِي ُل الْ ِكتَابِ مِنْ
خِلصًا َلهُ الدّي َن } َ .وهَذَا ُهوَ حقّ فَاعْبُ ْد الّلهَ مُ ْالّلهِ اْل َعزِيزِ الْحَكِي ِم ,إنّا أَْنزَْلنَا إَلْيكَ الْ ِكتَابَ بِالْ َ
ع ,كَمَا قَا َل َتعَالَى : ع ,لَا َنعْبُ ُدهُ بِاْلبِدَ َِأصْ ُل الْإِ ْسلَا ِم َو ُهوَ أَنْ لَا َنعْبُدَ إلّا الّلهَ وَلَا َنعْبُ َدهُ إلّا بِمَا َشرَ َ
شرِكْ ِبعِبَا َد ِة رَّبهِ أَحَدًا } .وَقَالَ َتعَالَى { : { فَمَنْ كَا َن َيرْجُو ِلقَاءَ رَّبهِ َفلَْيعْمَ ْل عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُ ْ
صوَُبهُ .قَالُوا :يَا أَبَا َعلِ ّي مَا صهُ وََأ ْ ِليَْبُلوَكُمْ أَيّكُمْ َأحْسَ ُن عَ َملًا } .قَا َل اْل ُفضَيْلُ بْ ُن ِعيَاضٍ :أَ ْخَل ُ
صوَابًا َولَمْ صوَابًا لَ ْم ُيقْبَ ْل وَِإذَا كَا َن َ صوَُب ُه .قَا َل :إ ّن اْلعَمَلَ إذَا كَا َن خَاِلصًا وَلَمْ يَكُ ْن َ صهُ وََأ ْ َأخَْل ُ
صوَابُ أَنْ يَكُو َن عَلَى صوَابًا وَالْخَاِلصُ أَنْ يَكُونَ ِلّلهِ وَال ّ يَكُنْ خَاِلصًا لَمْ ُيقْبَلْ َحتّى َيكُونَ خَاِلصًا َ
211
ب .هَذَا ُكّلهُ لِأَ ّن الدّي َن دِينُ الّلهِ بَّل َغ ُه عَْنهُ َرسُوُلهُ فَلَا َحرَامَ إلّا مَا َح ّرمَهُ الّل ُه ,وَلَا السّنّ ِة وَالْكِتَا ِ
شرِ ِكيَ ,لَِأّنهُمْ َش َرعُوا فِي الدّينِ مَا َلمْ يَ ْأذَنْ ِبهِ الّلهُ , دِينَ إلّا مَا َش َر َعهُ الّل ُه َ ,واَلّلهُ َتعَالَى ذَمّ الْمُ ْ
ح ّر ْمهَا الّلهُ كَالْبَحِ َي ِة ,وَالسّائَِب ِة ,وَاْل َوصِيَل ِة ,وَالْحَامِي وَ َش َرعُوا دِينًا لَمْ يَ ْأذَنْ ح ّرمُوا أَشْيَاءَ لَ ْم يُ َفَ َ
ِبهِ الّلهُ كَ ُدعَا ِء غَْي ِرهِ َو ِعبَادَِتهِ وَال ّرهْبَانِيّةِ الّتِي ابْتَ َد َعهَا الّنصَارَى .وَالِْإسْلَا ُم دِي ُن الرّسُلِ ُكّلهِمْ َأوُّلهُمْ
ح عليه السلم { :يَا َق ْومِ إنْ كَانَ َكُبرَ َعلَيْكُ ْم َمقَامِي وَآ ِخ ُرهُمْ كُّلهُمْ ُب ِعثُوا بِالْإِ ْسلَامِ َكمَا قَا َل نُو ٌ
وََتذْكِيِي بِآيَاتِ الّلهِ َفعَلَى الّلهِ َتوَكّ ْلتُ فَأَجْ ِمعُوا َأ ْمرَكُ ْم وَ ُشرَكَاءَكُمْ ثُمّ لَا يَكُنْ َأ ْمرُكُ ْم عَلَْيكُمْ
غُمّةً ثُ ّم ا ْقضُوا إلَ ّي وَلَا تُنْ ِظرُونَ فَإِ ْن َتوَلّْيتُمْ فَمَا سَأَلْتُ ُكمْ مِنْ َأ ْجرٍ إنْ َأ ْجرِيَ إلّا َعلَى الّل ِه وَُأمِ ْرتُ أَنْ
سهُ وََلقَدْ ب عَ ْن مِلّةِ إْبرَاهِيمَ إلّا مَنْ َس ِفهَ َنفْ َ سلِ ِميَ } .وَقَا َل َتعَالَى َ { :ومَنْ َي ْرغَ ُ أَكُو َن مِنْ الْمُ ْ
حيَ إذْ قَالَ َلهُ رَّبهُ أَ ْسلِمْ قَالَ أَسَْل ْمتُ ِل َربّ اْلعَالَ ِميَ ص َطفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا وَإِّنهُ فِي الْآ ِخ َرةِ لَ ِمنْ الصّاِل ِ ا ْ
َو َوصّى ِبهَا إْبرَاهِيمُ َبنِي ِه وََي ْعقُوبُ يَا بَنِيّ إ ّن الّلهَ اصْ َطفَى لَ ُكمْ الدّينَ َفلَا تَمُوتُنّ إلّا وَأَْنتُمْ
سلِمُونَ } َ .وقَالَ َتعَالَى { :وَقَا َل مُوسَى يَا َق ْومِ إنْ كُْنتُ ْم آمَنْتُمْ بِاَلّلهِ َفعََلْيهِ َتوَكّلُوا إنْ ُكنْتُمْ مُ ْ
حوَا ِرّييَ أَ ْن آمِنُوا بِي وَِبرَسُولِي قَالُوا آمَنّا وَا ْشهَدْ سلِ ِميَ } .وَقَالَ َتعَالَى { :وَِإذْ َأوْحَيْت إلَى الْ َ مُ ْ
بِأَنّنَا مُسْلِمُو َن } .وَقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِيحَْي ِن :عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل { :إنّا
َمعَا ِشرَ الَْأنِْبيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ } " فَدِينُ الرّسُلِ كُّلهِ ْم دِينٌ وَاحِ ٌد َو ُه َو دِينُ الْإِ ْسلَامِ َ ,و ُهوَ ِعبَا َدةُ الّلهِ
وَحْ َدهُ لَا َشرِيكَ َلهُ بِمَا َأ َمرَ ِبهِ وَ َش َر َع ُه ,كَمَا قَا َل َ { :شرَعَ لَكُ ْم مِنْ الدّي ِن مَا َوصّى ِبهِ نُوحًا
ك َومَا َوصّْينَا ِبهِ إْبرَاهِي َم َومُوسَى َوعِيسَى أَنْ َأقِيمُوا الدّي َن وَلَا َتَت َفرّقُوا فِيهِ َكُبرَ َواَلّذِي َأ ْوحَيْنَا إلَْي َ
ج ,كَمَا قَا َل : ش ْرعَ ُة وَالْمِْنهَا ُ
شرِ ِكيَ مَا تَ ْدعُوهُمْ إَلْيهِ } .وَإِنّمَا يََتَنوّعُ فِي هَذَا الدّينِ ال ّ َعلَى اْلمُ ْ
{ لِكُلّ َجعَ ْلنَا مِنْكُ ْم ِش ْرعَ ًة َومِْنهَاجًا } .كَمَا َيتََنوّعُ َشرِيعَةُ الرّسُو ِل اْلوَاحِ ِد َ .فقَدْ كَانَ الّلهُ َأ َمرَ
ت الْ َمقْ ِدسِ ,ثُمّ َأ َم َرهُ فِي السَّنةِ مُحَمّدًا صلى ال عليه وسلم فِي َأوّ ِل الْإِ ْسلَامِ أَنْ ُيصَلّ َي إلَى بَْي ِ
حرَامِ َ ,وهَذَا فِي َوقِْتهِ كَا َن مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ , ج َرةِ أَنْ ُيصَلّ َي إلَى الْ َكعْبَ ِة الَْبْيتِ الْ َ
الثّانَِي ِة مِنْ اْلهِ ْ
ت مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ ,وَ َشرِيعَ ُة الِْإنْجِيلِ فِي وَ ْقِتهِ كَاَنتْ مِنْ وَكَذَِلكَ َشرِيعَةُ الّت ْورَاةِ فِي وَ ْقِتهَا كَاَن ْ
ج مِ ْن دِي ِن الْإِ ْسلَا ِم ,وَكَانَ كَاِفرًا , دِينِ الِْإسْلَا ِم َ ,ومَ ْن آمَنَ بِالّت ْورَاةِ ثُمّ كَ ّذبَ بِاْلإِنْجِيلِ َخرَ َ
ك مَ ْن آمَنَ بِالْ ِكتَاَبيْنِ الْ ُمَتقَ ّدمَيْ ِن ,وَكَ ّذبَ بِاْل ُقرْآنِ كَانَ كَاِفرًا خَارِجًا مِ ْن دِي ِن الِْإسْلَامِ وَكَذَِل َ
ب وَجَمِي ِع الرّسُ ِل .كَمَا قَالَ َتعَالَى { :قُولُوا آمَنّا بِاَلّلهِ َومَا أُْنزِلَ إَليْنَا يََتضَمّنُ الِْإيَانَ بِجَمِيعِ اْلكُُت ِ
ط َومَا أُوتِ َي مُوسَى َوعِيسَى َومَا أُوِتيَ ق وََي ْعقُوبَ وَالْأَ ْسبَا ِ َومَا أُْنزِلَ إلَى إْبرَاهِي َم وَإِسْمَاعِي َل وَإِسْحَا َ
النّبِيّو َن مِ ْن رَّبهِمْ لَا ُنفَرّقُ َبيْنَ أَحَ ٍد مِْنهُ ْم وََنحْنُ َل ُه مُسْلِمُونَ } الْآَي َة .
وف إعلم الوقعي :
جبُ ح ُرمُ اْل َقوْلُ فِيهِ وَالِْإفْتَاءُ ِب ِه ,وَإِلَى مَا َي ِ
ذِ ْكرُ َت ْفصِيلِ اْل َقوْلِ فِي الّتقْلِيدِ وَاْنقِسَا ِمهِ إلَى مَا يَ ْ
ح ُرمُ اْل َقوْلُ ِب ِه ] فََأمّا الّنوْعُ الَْأوّ ُل َف ُهوَ ع مَا يَ ْ ب [ .أَْنوَا ُ غ مِ ْن غَْيرِ إيَا ٍ الْ َمصِيُ إلَْي ِه ,وَِإلَى مَا يَسُو ُ
212
ع :أَحَ ُدهَا :الِْإ ْعرَاضُ عَمّا َأْنزَلَ الّلهُ َوعَ َدمُ الِالِْتفَاتِ إَلْيهِ اكِْتفَاءً بَِتقْلِيدِ الْآبَا ِء .الثّانِي : ثَلَاثَةُ َأْنوَا ٍ
َتقْلِي ُد مَنْ لَا َيعْلَمُ الْ ُمقَلّدُ أَّنهُ َأهْلٌ لَأَ ْن ُيؤْخَذَ ِب َقوِْلهِ .الثّاِلثُ :الّتقْلِي ُد َبعْدَ قِيَامِ الْحُجّ ِة وَ ُظهُورِ
ع الَْأوّلِ أَنّ الَْأوّ َل قَلّ َد قَبْ َل تَمَكِّن ِه مِنْ ف َقوْلِ الْ ُمقَلّدِ ,وَاْلفَرْقُ َبيْ َن هَذَا َوبَيْ َن الّنوْ ِ الدّلِي ِل عَلَى خِلَا ِ
اْلعِلْ ِم وَالْحُجّ ِة َ ,وهَذَا قَلّ َد َبعْدَ ُظهُورِ الْحُجّةِ َلهُ ; َف ُهوَ َأوْلَى بِال ّذمّ َو َم ْعصِيَةِ الّل ِه َورَسُوِلهِ .وَقَ ْد َذمّ
ع الثّلَاَث َة مِنْ الّتقْلِي ِد فِي غَْي ِر َم ْوضِعٍ مِنْ كِتَاِبهِ َكمَا فِي قوله تعال { وَِإذَا الّلهُ ُسبْحَاَنهُ هَ ِذهِ الَْأْنوَا َ
قِيلَ َلهُ ْم اتِّبعُوا مَا َأْنزَلَ الّلهُ قَالُوا بَلْ َنتّبِ ُع مَا أَْلفَْينَا عََلْيهِ آبَاءَنَا َأ َوَلوْ كَانَ آبَا ُؤهُمْ لَا َي ْعقِلُونَ شَْيئًا وَلَا
ك مَا َأ ْرسَ ْلنَا مِنْ قَْبلِك فِي َقرَْي ٍة مِنْ نَذِيرٍ إلّا قَا َل مُْترَفُوهَا إنّا َيهْتَدُونَ } وَقَالَ َتعَالَى { :وَكَذَِل َ
وَجَ ْدنَا آبَاءَنَا َعلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا َعلَى آثَا ِرهِ ْم ُمقْتَدُونَ قَالَ َأوََلوْ ِجئْتُكُ ْم بَِأهْدَى مِمّا وَجَ ْدتُ ْم عَلَْيهِ آبَاءَكُمْ
سبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَْيهِ } َوقَالَ َتعَالَى { :وَِإذَا قِي َل َلهُمْ َتعَاَلوْا إلَى مَا َأْنزَلَ الّلهُ وَِإلَى الرّسُو ِل قَالُوا حَ ْ
آبَاءَنَا } َوهَذَا فِي اْل ُقرْآنِ َكثِيٌ يَ ُذمّ فِيهِ مَنْ َأ ْع َرضَ عَمّا َأْنزََلهُ َوقَنَعَ ِبَتقْلِيدِ الْآبَاءِ َ .فإِنْ قِيلَ :إنّمَا
َذ ّم مَنْ قَلّ َد الْ ُكفّا َر وَآبَا َءهُ الّذِي َن لَا َي ْعقِلُونَ شَْيئًا وَلَا َي ْهتَدُو َن ,وَلَ ْم يَ ُذمّ مَنْ َقلّدَ اْلعُلَمَاءَ الْ ُم ْهتَدِينَ
سؤَالِ َأهْ ِل الذّ ْك ِر َ ,وهُمْ َأهْ ُل اْلعِلْ ِم َ ,وذَِلكَ َت ْقلِي ُدهُمْ َ ,فقَالَ َتعَالَى { :فَاسْأَلُوا ,بَ ْل قَدْ َأ َمرَ ِب ُ
جوَابُ َأّنهُ ُسبْحَاَنهُ َأهْ َل الذّ ْكرِ إنْ كُْنتُمْ لَا َتعْلَمُونَ } َوهَذَا َأ ْمرٌ لِمَنْ لَا َيعْلَمُ ِبَتقْلِي ِد مَنْ َي ْعلَ ُم .فَالْ َ
ض عَمّا أَْنزََلهُ إلَى َتقْلِي ِد الْآبَاءِ َ ,وهَذَا اْلقَ ْدرُ مِ ْن الّتقْلِي ِد ُهوَ مِمّا اّتفَقَ السّلَفُ وَالْأَئِمّةُ َذ ّم مَنْ َأ ْع َر َ
ع مَا َأْنزَلَ الّلهُ َو َخفِيَ َعلَْيهِ َب ْعضُهُ ح ِر ِيهِ ,وََأمّا َتقْلِي ُد مَ ْن بَذَلَ َجهْ َدهُ فِي اتّبَا ِ الَْأرَْبعَ ُة َعلَى َذمّ ِه وَتَ ْ
َفقَلّدَ فِيهِ مَ ْن ُهوَ َأعْلَ ُم مِْنهُ َفهَذَا مَحْمُو ٌد غَْي ُر مَ ْذمُو ٍم َ ,ومَأْجُو ٌر غَْي ُر مَ ْأزُو ٍر ,كَمَا سَيَ ْأتِي َبيَاُن ُه عِنْدَ
ذِ ْكرِ الّتقْلِيدِ اْلوَا ِجبِ وَالسّائِغِ إنْ شَاءَ الّل ُه .وَقَالَ َتعَالَى { :وَلَا َتقْفُ مَا َلْيسَ لَك ِب ِه عِلْمٌ }
وَالّتقْلِيدُ لَْيسَ ِبعِ ْلمٍ بِاّتفَاقِ َأهْ ِل اْلعِلْمِ كَمَا سَيَ ْأتِي َ ,وقَالَ َتعَالَى { :قُلْ إنّمَا َح ّرمَ رَبّي اْل َفوَا ِحشَ
شرِكُوا بِاَلّلهِ مَا لَ ْم يَُنزّلْ ِبهِ ُسلْطَانًا وَأَنْ مَا َظ َهرَ ِمْنهَا َومَا َبطَ َن وَالِْإثْ َم وَاْلَبغْيَ ِبغَْيرِ الْحَ ّق وَأَنْ تُ ْ
َتقُولُوا عَلَى الّل ِه مَا لَا َت ْعلَمُونَ } وَقَا َل َتعَالَى { :اتِّبعُوا مَا أُْنزِلَ إَليْكُ ْم مِنْ َربّكُ ْم وَلَا َتتِّبعُوا مِنْ
دُوِنهِ َأوْلِيَاءَ } فََأ َمرَ بِاتّبَاعِ الْ ُمَنزّلِ خَاصّ ًة ,وَالْ ُم َقلّدُ لَْيسَ َلهُ ِعلْمٌ أَ ّن هَذَا ُهوَ الْمَُنزّ ُل وَإِنْ كَانَ قَدْ
ع ِلغَْيرِ الْ ُمَنزّلِ ,وَقَالَ تَبَيَّنتْ َلهُ الدّلَالَ ُة فِي خِلَافِ َقوْ ِل مَنْ قَلّ َدهُ َفقَدْ َعلِمَ أَنّ َتقْلِي َدهُ فِي ِخلَاِفهِ اتّبَا ٌ
َتعَالَى { :فَإِنْ َتنَا َزعْتُ ْم فِي شَ ْيءٍ َف َردّوهُ إلَى الّلهِ وَالرّسُولِ إنْ كُْنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاَلّل ِه وَاْلَي ْومِ الْآ ِخرِ
ذَِلكَ َخْيرٌ وَأَ ْحسَنُ تَ ْأوِيلًا } فَمََنعَنَا سُبْحَاَن ُه مِنْ ال ّردّ إلَى غَْي ِر ِه َوغَْيرِ َرسُوِلهِ َ ,وهَذَا ُيبْطِ ُل الّتقْلِي َد .
سبْتُمْ أَ ْن تَدْ ُخلُوا الْجَنّ َة وَلَمّا َيعَْلمْ الّلهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِْنكُ ْم وَلَمْ يَتّخِذُوا مِنْ وَقَالَ َتعَالَى َ { :أمْ حَ ِ
جةَ َأعْظَ ُم مِمّنْ َجعَ َل رَجُلًا ِبعَيِْن ِه مُخْتَارًا عَلَى ي وَلِيجَةً } وَلَا وَلِي َ دُونِ الّلهِ َولَا رَسُوِلهِ وَلَا الْ ُم ْؤمِِن َ
َكلَامِ الّلهِ وَ َكلَامِ َرسُوِلهِ وَ َكلَامِ سَاِئرِ الُْأمّ ِة ُ ,يقَ ّدمُ ُه عَلَى ذَِلكَ كُّل ِه َ ,وَيعْ ِرضُ كِتَابَ الّل ِه وَسُنّةَ
رَسُوِل ِه وَإِجْمَاعَ الُْأمّ ِة َعلَى َقوِْلهِ فَمَا وَاَف َقهُ مِْنهَا قَِبَلهُ لِ ُموَاَفقَِتهِ ِل َقوِْلهِ َومَا خَاَلفَ ُه مِْنهَا َتلَطّفَ فِي َر ّدهِ
ج ُة َ ,وقَالَ َتعَالَى َ { :ي ْومَ حيَ ِل ,فَإِنْ لَمْ تَ ُك ْن هَ ِذهِ وَلِيجَ ًة فَلَا نَ ْدرِي مَا اْلوَلِي َ وََتطَّلبَ َلهُ ُوجُوهَ الْ ِ
213
ُتقَّلبُ ُوجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا َليَْتنَا أَ َطعْنَا الّل َه وَأَ َطعْنَا الرّسُولَا وَقَالُوا رَبّنَا إنّا أَ َطعْنَا سَادَتَنَا
وَ ُكَبرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيلَا } َوهَذَا َنصّ فِي ُبطْلَا ِن الّت ْقلِي ِد .فَإِنْ قِي َل :إنّمَا فِيهِ َذ ّم مَنْ قَلّ َد مَنْ َأضَّلهُ
سؤَا ِل , سؤَالِ فِي َن ْفسِ ال ّ ب هَذَا ال ّ السّبِي َل َ ,أمّا مَنْ هُدَاهُ السّبِيلَ فَأَيْ َن َذمّ الّلهُ َتقْلِي َدهُ ؟ قِي َل َ :جوَا ُ
ف مَا فَإِنْ لَا َيكُونَ اْلعَبْ ُد ُمهْتَ ِديًا حَتّى يَْتبَ َع مَا أَْنزَلَ الّل ُه عَلَى رَسُوِلهِ ; َفهَذَا الْ ُمقَلّدُ إنْ كَا َن َيعْرِ ُ
ف مَا أَْنزَلَ الّل ُه عَلَى رَسُوِلهِ َأْنزَلَ الّلهُ َعلَى رَسُوِلهِ َف ُه َو ُمهْتَدٍ ,وَلَْيسَ بِ ُمقَلّدٍ ,وَإِنْ كَانَ لَ ْم َي ْعرِ ْ
س ِه ,فَمِنْ أَْينَ َي ْعرِفُ َأّنهُ َعلَى هُدًى فِي َتقْلِي ِدهِ ؟ َوهَذَا َجوَابُ َف ُهوَ جَاهِ ٌل ضَالّ بِِإ ْقرَا ِرهِ َعلَى َنفْ ِ
ب وَأَّنهُ ْم [ إنْ كَانُوا ] إنّمَا ُيقَلّدُونَ َأهْ َل اْلهُدَى َفهُمْ فِي َت ْقلِي ِدهِمْ كُ ّل ُسؤَا ٍل يُورِدُوَنهُ فِي هَذَا اْلبَا ِ
َعلَى هُدًى .فَإِ ْن قِيلَ :فَأَْنتُمْ ُت ِقرّونَ أَ ّن الَْأئِمّ َة الْ ُمقَلّدِينَ فِي الدّينِ َعلَى هُدًى ,فَ ُم َقلّدُوهُمْ َعلَى
هُدًى قَ ْطعًا ; لِأَّنهُمْ سَالِكُونَ خَ ْل َفهُ ْم .قِي َل ُ :سلُو ُكهُمْ خَ ْل َفهُ ْم مُبْطِلٌ ِلَتقْلِي ِدهِمْ َلهُ ْم قَ ْطعًا ; َفإِنّ
ع الْحُجّ ِة وَالّنهْ ِي عَنْ َتقْلِي ِدهِمْ كَمَا َسنَذْ ُك ُرهُ َعْنهُمْ إ ْن شَاءَ الّلهُ ,فَمَ ْن َترَكَ َطرِيقََتهُمْ كَاَنتْ اتّبَا َ
س عَلَى َطرِيقَِتهِ ْم َو ُه َو مِنْ الْحُجّ َة وَارَْت َكبَ مَا َن َهوْا َعْنهُ َوَنهَى الّلهُ َورَسُوُل ُه عَْنهُ قَْبَلهُمْ َفلَْي َ
الْمُخَاِلفِيَ َلهُ ْم .وَِإنّمَا َيكُونُ َعلَى َطرِيقَِتهِ ْم مَنْ اتّبَعَ الْحُجّ َة ,وَاْنقَادَ لِلدّلِي ِل َ ,ولَمْ يَتّخِ ْذ رَجُلًا
ضهُمَا عَلَى َقوِْلهِ ب وَالسّنّ ِة َي ْعرِ ُختَارًا عَلَى الْ ِكتَا ِ جعَُلهُ مُ ْ ِبعَيِْنهِ ِسوَى الرّسُولِ صلى ال عليه وسلم َي ْ
ع. سهُ ,بَ ْل ُه َو مُخَالِفٌ ِللْإِْتبَا ِ .وَِبهَذَا يَ ْظ َهرُ بُطْلَانُ َفهْ ِم مَنْ َجعَلَ الّتقْلِي َد اتّبَاعًا ,وَإِيهَامَ ُه وََتلْبِي َ
حقَائِقُ َبيَْنهُمَا ,فَإِ ّن الِاتّبَاعَ ُسلُوكُ َطرِيقِ وََقدْ َفرّقَ الّلهُ َورَسُوُل ُه وََأهْلُ اْلعِلْمِ َبيَْنهُمَا كَمَا َفرَّقتْ الْ َ
ع وَالّتقْلِي ِد ] .قَالَ َأبُو عُ َمرَ فِي الْجَامِ ِع :بَابُ الْمُتّبِ ِع وَاْلإِتْيَانِ بِمِْث ِل مَا َأتَى ِب ِه [ .اْل َفرْقُ بَيْ َن الِاتّبَا ِ
فَسَادِ الّتقْلِي ِد وََنفِْيهِ ,وَاْل َفرْقُ َبيَْن ُه وَبَيْ َن الِْإتْبَاعِ َ ,قوْلُ َأبُو عُ َمرَ :قَ ْد َذمّ الّلهُ َتبَارَ َك وََتعَالَى الّتقْلِيدَ
ي عَنْ خذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } } ُر ِو َ فِي غَْي ِر َموْضِ ٍع مِنْ كِتَاِبهِ َفقَا َل { :اتّ َ
حُذَْيفَ َة َوغَْي ِرهِ قَالَ :لَ ْم َيعْبُدُوهُمْ مِ ْن دُونِ الّلهِ ,وَلَ ِكّنهُمْ أَحَلّوا َلهُ ْم وَ َح ّرمُوا عَلَْيهِ ْم فَاتَّبعُوهُمْ .
ب َ ,فقَا َل { :يَا وَقَا َل عَ ِديّ بْنُ حَاتِ ٍم َ :أتَيْت رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َوفِي عُُنقِي صَلِي ٌ
عَ ِديّ أَلْ ِق هَذَا اْلوََث َن مِنْ ُعُنقِك ,وَاْنَتهَيْت إلَْي ِه َو ُهوَ َيقْرَأُ سُو َرةَ َبرَا َءةَ حَتّى َأتَى عَلَى هَ ِذ ِه الْآَي ِة :
خ ْذهُمْ { اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَالَ َ :فقُلْت :يَا رَسُولَ الّلهِ إنّا لَ ْم نَتّ ِ
ح ّرمُونَ َعلَيْكُ ْم مَا أُ ِحلّ لَكُمْ حلّوَن ُه وَيُ َ
حلّونَ لَكُ ْم مَا ُح ّرمَ َعلَيْكُ ْم فَتَ ِ َأ ْربَابًا ,قَالَ َ :بلَى َ ,ألَْيسَ يُ ِ
سنَ ِد وَالّت ْرمِذِيّ ح ّرمُوَنهُ ؟ َفقُلْت َ :بلَى ,قَا َل :فَِت ْلكَ ِعبَادَُتهُمْ } ُ .قلْت :اْلحَدِيثُ فِي الْمُ ْ فَتُ َ
مُ َطوّلًا .وَقَالَ َأبُو اْلبَخَْت ِريّ فِي َقوِْل ِه َع ّز وَجَ ّل { :اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ
جعَلُوا الّلهِ } َأمّا إّنهُمْ َلوْ َأ َمرُوهُمْ أَنْ َيعْبُدُوهُ ْم مِ ْن دُونِ الّل ِه مَا أَطَاعُوهُ ْم ,وَلَ ِكّنهُمْ َأ َمرُوهُمْ َف َ
حَلَا َل الّلهِ َحرَامَ ُه وَ َحرَا َمهُ حَلَاَلهُ فَأَطَاعُوهُمْ فَكَاَنتْ تِ ْلكَ الرَّبوِيّ ُة .وَقَا َل وَكِي ٌع :ثنا ُسفْيَانُ
حذَْيفَةَ فِي خَت ِريّ قَا َل :قِيلَ لِ ُ وَالَْأعْ َمشُ جَمِيعًا عَنْ َحبِيبِ بْنِ َأبِي ثَاِبتٍ عَنْ َأبِي ثَاِبتٍ عَنْ َأبِي الْبَ ْ
قوله تعال { :اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } :أَكَانُوا َيعْبُدُوَنهُمْ ؟ َفقَالَ :لَا ,
214
ح ّرمُوَنهُ َ .وقَالَ َتعَالَى : ح ّرمُونَ َعلَْيهِمْ الْحَلَالَ َفيُ َحلّوَن ُه وَيُ َحرَامَ فَيَ ِ
حلّونَ َلهُمْ الْ َ وَلَ ِكنْ كَانُوا يَ ِ
{ وَكَ َذِلكَ مَا َأرْ َسلْنَا مِنْ َقبْلِك فِي َقرَْيةٍ مِ ْن نَذِيرٍ إلّا قَا َل مُْترَفُوهَا إنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَِإنّا
َعلَى آثَا ِرهِ ْم مُقْتَدُو َن قَالَ َأوََلوْ ِجئْتُكُ ْم بَِأهْدَى مِمّا وَجَدُْتمْ َعلَْيهِ آبَاءَكُمْ } فَ َمَن َعهُمْ الِاقْتِدَاءَ بِآبَاِئهِمْ
مِنْ َقبُولِ الِاهْتِدَاءِ َ ,فقَالُوا :إنّا بِمَا ُأرْ ِسلْتُ ْم ِبهِ كَاِفرُونَ ,وَفِي َهؤُلَا ِء َومِثِْلهِمْ قَالَ الّلهُ َع ّز وَجَ ّل :
{ إ ْذ تََبرّأَ الّذِي َن اتَّبعُوا مِ ْن الّذِينَ اُتِّبعُوا َورََأوْا اْلعَذَابَ َوَتقَ ّطعَتْ ِبهِمْ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الّذِينَ اتَّبعُوا َلوْ
ت عَلَْيهِ ْم } وَقَالَ َتعَالَى سرَا ٍ أَنّ َلنَا َك ّرةً فََنتََبرَّأ مِْنهُمْ كَمَا َتَب ّرءُوا ِمنّا كَذَِلكَ ُيرِيهِ ْم الّلهُ َأعْمَاَلهُمْ َح َ
ُمعَاِتبًا لَِأهْلِ الْ ُك ْفرِ َوذَامّا َلهُ ْم { :مَا هَ ِذهِ التّمَاثِيلُ الّتِي أَْنتُمْ َلهَا عَا ِكفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا َلهَا
عَابِدِي َن } وَقَالَ { َوقَالُوا رَبّنَا إنّا أَ َطعْنَا سَادََتنَا وَكَُبرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيلَا } َومِثْ ُل هَذَا فِي اْل ُقرْآنِ
َكثِ ٌي مِنْ َذمّ َتقْلِيدِ الْآبَا ِء وَال ّرؤَسَا ِء َ ,وقَدْ احْتَ ّج اْلعُلَمَاءُ ِبهَ ِذهِ الْآيَاتِ فِي إبْطَا ِل الّتقْلِي ِد وَلَ ْم يَمَْن ْعهُمْ
شبِيهَ لَمْ َيقَ ْع مِنْ ِجهَةِ ُك ْفرِ أَحَ ِدهِمَا وَِإيَانِ الْآ َخ ِر ,وَِإنّمَا ك مِنْ الِاحْتِجَاجِ ِبهَا ; لِأَنّ التّ ْ ُك ْفرُ أُولَِئ َ
ب وََقلّدَ وََقعَ التّشْبِيهُ بَيْ َن الْ ُمقَلّدِينَ ِبغَْيرِ ُحجّةٍ ِللْ ُمقَلّ ِد ,كَمَا َلوْ َقلّ َد رَجُلًا فَ َك َفرَ َوقَلّدَ آ َخرَ فََأذَْن َ
آ َخرَ فِي مَسَْألَةٍ فََأخْطََأ وَ ْج َههَا كَانَ كُ ّل وَاحِ ٍد مَلُومًا َعلَى الّتقْلِيدِ ِبغَْيرِ حُجّةٍ ; لِأَنّ ُك ّل ذَِلكَ َتقْلِيدٌ
ضهُ َب ْعضًا وَإِنْ ا ْختََل َفتْ الْآثَامُ فِيهِ ,وَقَا َل الّل ُه َعزّ َوجَ ّل َ { :ومَا كَا َن الّلهُ ِلُيضِلّ َق ْومًا َبعْدَ يُشِْبهُ َب ْع ُ
سلِيمُ إ ْذ هَدَاهُ ْم حَتّى يُبَيّنَ َلهُ ْم مَا يَّتقُونَ } .قَالَ :فَِإذَا بَطَلَ الّتقْلِيدُ بِكُ ّل مَا ذَ َكرْنَا وَ َجبَ التّ ْ
ب وَالسّنّ ُة َومَا كَانَ فِي َمعْنَاهُمَا ِبدَلِي ٍل جَامِعٍ ,ثُمّ ب التّسْلِيمُ َلهَا َ ,وهِيَ الْكِتَا ُ ج ُ ِللُْأصُولِ الّتِي يَ ِ
ف عَنْ أَبِيهِ عَ ْن جَ ّدهِ قَا َل :سَ ِمعْت رَسُو َل الّلهِ ق مِنْ َطرِيقِ كَثِ ِي بْ ِن عَبْ ِد الّلهِ بْ ِن عَ ْمرِو بْ ِن َعوْ ٍ سَا َ
ف َعلَى ُأمّتِي مِنْ َبعْدِي إلّا مِنْ َأعْمَالِ َثلَاَث ٍة ,قَالُوا : صلى ال عليه وسلم َيقُولُ { :إنّي لَا أَخَا ُ
َومَا هِيَ يَا رَسُو َل الّلهِ ؟ قَالَ :أَخَافُ َعلَْيهِ ْم زَلّةَ اْلعَالِ ِم َ ,ومِنْ حُكْمٍ جَاِئ ٍر َ ,ومِ ْن َهوًى مُتّبَ ٍع }
وَِبهَذَا الْإِسْنَادِ عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل َ { :ترَكْت فِيكُمْ َأ ْمرَيْنِ َلنْ َتضِلّوا مَا
تَمَسّ ْكتُمْ ِبهِمَا :كِتَابَ الّل ِه ,وَ ُسنّ َة رَسُوِلهِ صلى ال عليه وسلم } " .
حهُ اْلوَ ْجهُ الرّابِ ُع :أَنّ اْلبَيَا َن مِنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم [ َبيَانُ الرّسُو ِل عَلَى َأْنوَاعٍ ] ُي َوضّ ُ
َأقْسَامٌ ; َأحَ ُدهَا :بَيَانُ َن ْفسِ اْلوَ ْحيِ بِ ُظهُو ِرهِ َعلَى لِسَاِنهِ َبعْدَ أَنْ كَانَ َخفِيّا .الثّانِي َ :بيَا ُن َمعْنَاهُ
ج إلَى ذَِلكَ كَمَا بَيّنَ أَ ّن الظّلْمَ الْمَذْكُورَ فِي َقوِْل ِه { :وَلَمْ َيلْبِسُوا إيَاَنهُمْ بِ ُظلْمٍ س ُيهُ ِلمَنْ ا ْحتَا َ وََتفْ ِ
ض وَالَْأ ْس َودَ هُمَا بَيَاضُ الّنهَارِ ض ,وَأَنّ الْخَْيطَ الَْأبَْي َ حسَابَ اْليَسِ َي ُهوَ اْل َع ْر ُ شرْ ُك ,وَأَنّ الْ ِ } ُه َو ال ّ
سرَ َقوَْل ُه َ { :أوْ وَ َسوَادُ اللّيْ ِل ,وَأَنّ الّذِي رَآهُ َنزَْلةً أُ ْخرَى ِعنْدَ سِ ْد َرةِ الْ ُمنَْتهَى ُهوَ جِْبرِي ُل ,كَمَا فَ ّ
سرَ َقوَْل ُه { :مَثَلًا َكلِ َمةً َطيَّبةً يَأْتِ َي َبعْضُ آيَاتِ َربّك } َأّنهُ ُطلُوعُ الشّ ْمسِ مِ ْن َم ْغرِِبهَا وَكَمَا فَ ّ
سرَ َقوَْل ُه { :يَُثّبتُ الّلهُ الّذِي َن آمَنُوا بِاْل َقوْلِ الثّاِبتِ فِي ج َرةٍ َطيَّبةٍ } بَِأّنهَا النّخَْل ُة ,وَكَمَا فَ ّ َكشَ َ
س َر ال ّرعْدَ حيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ } أَنّ ذَِلكَ فِي اْلقَْبرِ ِحيَ ُيسْأَ ُل مَنْ َربّك َومَا دِينُك ,وَكَمَا فَ ّ الْ َ
سرَ اتّخَاذَ َأ ْهلِ الْ ِكتَابِ أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ بِأَّن ُه مََلكٌ مِ ْن الْمَلَائِ َك ِة ُموَكّلٌ بِالسّحَابِ ,وَكَمَا َف ّ
215
حلَا ِل , حرِيِ مَا َحرّمُوهُ مِ ْن الْ َ حرَامِ َوتَ ْ
َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ بِأَ ّن ذَِلكَ بِاسِْتحْلَالِ مَا َأحَلّوهُ َلهُ ْم مِنْ الْ َ
سرَ َقوَْلهُ { :مَنْ َيعْمَلْ سُوءًا سرَ اْل ُق ّوةَ الّتِي َأ َمرَ الّلهُ أَنْ ُنعِ ّدهَا لَِأعْدَاِئهِ بِال ّرمْيِ ,وَكَمَا َف ّ
وَكَمَا فَ ّ
سرَ ف وَاللّ ْأوَا ِء ,وَكَمَا فَ ّ خوْ ِ ب وَاْلهَ ّم وَالْ َ جزَى ِبهِ اْلعَبْ ُد فِي الدّْنيَا مِنْ الّنصَ ِ جزَ ِبهِ } بَِأّنهُ مَا يُ ْ يُ ْ
سرَ ال ّدعَاءَ فِي َقوِْل ِه { { :وَقَا َل َربّكُمْ ُا ْدعُونِي الزّيَا َدةَ بَِأّنهَا النّ َظرُ إلَى وَ ْجهِ الّلهِ الْ َكرِ ِي ,وَكَمَا فَ ّ
ج ِر ,وََأدْبَا َر السّجُودِ سرَ َأ ْدبَارَ النّجُومِ بِأَّنهُ الرّ ْكعَتَا ِن قَبْ َل اْلفَ ْجبْ لَكُ ْم } بِأَّنهُ اْلعِبَا َدةُ ,وَكَمَا َف ّ َأسْتَ ِ
ث :بَيَاُنهُ بِاْل ِفعْلِ كَمَا َبيّنَ َأوْقَاتِ الصّلَاةِ لِلسّائِلِ بِالرّ ْكعَتَْينِ َبعْدَ الْ َم ْغ ِربِ ,وَنَظَاِئ ُر ذَِلكَ .الثّاِل ُ
ستْ فِي اْلقُرْآنِ فََنزَ َل اْل ُقرْآنُ ِببَيَاِنهَا ,كَمَا ِبفِعِْل ِه .الرّابِ ُع :بَيَا ُن مَا ُسئِ َل عَْن ُه مِنْ الَْأحْكَامِ الّتِي لَْي َ
س :بَيَا ُن مَا ُسئِ َل عَْنهُ بِاْل َوحْ ِي وَإِنْ سُئِ َل عَنْ َقذْفِ ال ّزوْ َجةِ فَجَاءَ اْلقُرْآنُ بِالّلعَا ِن وَنَظَاِئ ِرهِ .الْخَامِ ُ
َلمْ يَكُ ْن ُقرْآنًا ,كَمَا ُسئِ َل عَ ْن رَجُلٍ َأ ْح َرمَ فِي جُبّةٍ َبعْ َدمَا َتضَمّخَ بِالْخَلُوقِ ,فَجَاءَ اْلوَحْ ُي بِأَنْ
س َ :بيَاُنهُ ِللْأَحْكَامِ بِالسّنّةِ ابْتِدَاءً مِ ْن غَْيرِ ُسؤَا ٍل َ ,كمَا ع عَْنهُ اْلجُبّةَ َوَيغْسِلَ أََثرَ الْخَلُوقِ .السّا ِد ُ يَْنزِ َ
ح الْ َمرَْأ ِة عَلَى عَمِّتهَا َوخَالَِتهَا وََأمْثَا َل ذَِلكَ . ح ُمرِ وَالْمُْتعَ َة َوصَيْ َد الْمَدِيَنةِ َونِكَا َ
َحرّ َم عََلْيهِمْ لُحُومَ الْ ُ
السّابِ ُع :بَيَاُنهُ لِلُْأمّةِ َجوَازَ الشّ ْيءِ ِب ِفعِْلهِ ُهوَ َلهُ َوعَ َدمِ َن ْهِيهِمْ عَ ْن التّأَسّي ِب ِه .الثّامِنُ َ :بيَاُنهُ َجوَازَ
الشّ ْيءِ ِبإِ ْقرَا ِرهِ َلهُ ْم عَلَى ِفعِْلهِ َو ُهوَ ُيشَاهِ ُدهُ َأوْ ُيعَلّ ُمهُمْ َي ْفعَلُوَن ُه .التّاسِ ُع :بَيَاُنهُ إبَا َحةَ الشّ ْي ِء َعفْوًا
ح ِر ِيهِ ح ِريِ ِه وَإِنْ لَمْ يَ ْأذَنْ فِيهِ نُ ْطقًا .اْلعَا ِش ُر :أَنْ َيحْكُمَ اْل ُقرْآنُ بِإِيَابِ شَ ْيءٍ َأوْ تَ ْ بِالسّكُوتِ عَنْ َت ْ
ف, خصُوصَ ٌة وَأَ ْحوَا ٌل وََأوْصَا ٌ ط َو َموَانِ ُع َوقُيُو ٌد وََأوْقَاتٌ مَ ْ َأ ْو إبَاحَِت ِه َ ,ويَكُونُ لِذَِلكَ الْحُكْمِ ُشرُو ٌ
فَيُحِيلُ ال ّربّ ُسبْحَاَن ُه وََتعَالَى َعلَى رَسُوِلهِ فِي بَيَاِنهَا َك َقوْلِهِ َتعَالَى { :وَأُ ِحلّ لَكُ ْم مَا َورَاءَ ذَلِ ُكمْ }
ح وَانِْتقَا ِء َموَاِن ِعهِ َو ُحضُو ِر وَقِْت ِه وََأهِْليّ ِة الْمَحَلّ ,فَِإذَا جَا َءتْ ف عَلَى ُشرُوطِ النّكَا ِ فَالْحِ ّل َموْقُو ٌ
السّنّ ُة بِبَيَانِ ذَِلكَ ُكّلهِ لَ ْم يَكُ ْن الشّ ْي ُء مِْنهُ زَائِدًا عَلَى النّصّ فََيكُونُ نَسْخًا َلهُ ,وَإِنْ كَا َن رَ ْفعًا
ِلظَا ِهرِ إ ْطلَاِقهِ َ .فهَكَذَا كُلّ حُكْ ٍم مِْنهُ صلى ال عليه وسلم زَائِ ٍد َعلَى اْل ُقرْآ ِن ,هَذَا سَبِيُلهُ َسوَاءٌ
سوَا ٍء َ ,وقَدْ قَا َل َتعَالَى { :يُوصِيكُ ْم الّلهُ فِي َأوْلَادِكُمْ لِلذّ َك ِر مِثْ ُل َحظّ الْأُْنثَيَْينِ } ثُمّ جَاءَتْ بِ َ
ث ,وََلمْ يَكُ ْن نَسْخًا ِل ْل ُقرْآ ِن مَعَ أَّن ُه زَائِ ٌد َعلَْيهِ قَ ْطعًا َ ,أعْنِي السّنّ ُة بِأَنّ اْلقَاِت َل وَالْكَاِف َر وَالرّقِيقَ لَا َيرِ ُ
فِي مُوجِبَاتِ اْلمِيَاثِ ; َفإِنّ اْل ُقرْآنَ َأوْ َجَبهُ بِاْلوِلَا َد ِة وَحْ َدهَا َ ,فزَا َدتْ السّنّ ُة مَعَ َوصْفِ اْلوِلَا َدةِ
سخًا وَاْل ُقرْآنُ لَا اتّحَادَ الدّي ِن َوعَ َدمَ الرّقّ وَاْلقَتْلِ َ ,فهَلّا قُ ْلتُ ْم :إ ّن هَ ِذ ِه زِيَا َدٌة عَلَى النّصّ َفيَكُونُ نَ ْ
سخُ بِالسّنّ ِة ؟ كَمَا قُ ْلتُ ْم ذَِلكَ فِي كُ ّل َم ْوضِعٍ َترَكْتُمْ فِيهِ الْحَدِيثَ ; لِأَّن ُه زَائِ ٌد عَلَى اْل ُقرْآ ِن . يُنْ َ
س :أَ ّن تَسْ ِميَتَكُمْ لِلزّيَا َدةِ اْلمَذْكُو َرةِ َنسْخًا لَا تُو ِجبُ بَلْ لَا تَجُو ُز مُخَاَلفَُتهَا ,فَإِنّ اْلوَ ْجهُ اْلخَامِ ُ
ب رَفْعَ ح مِنْكُ ْم ,وَالْأَسْمَاءُ الْمَُتوَاضَعُ َعلَْيهَا التّاِبعَةُ ِللِاصْطِلَاحِ لَا تُو ِج ُ تَسْمَِي َة ذَِلكَ نَسْخًا اصْطِلَا ٌ
ص ,فََأيْنَ سَمّى الّلهُ َورَسُوَل ُه ذَِلكَ نَسْخًا ؟ وَأَْينَ قَا َل رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه َأحْكَامِ الّنصُو ِ
سخًا لِكِتَابِ وسلم إذَا جَاءَكُمْ حَدِيثِي زَائِدًا عَلَى مَا فِي كِتَابِ الّلهِ َف ُردّوهُ وَلَا َتقْبَلُوهُ فَِإّنهُ يَكُونُ نَ ْ
الّل ِه ؟ وَأَيْنَ قَالَ الّلهُ :إذَا قَا َل رَسُولِي َقوْلًا زَائِدًا عَلَى اْل ُقرْآنِ فَلَا َتقْبَلُو ُه وَلَا َتعْ َملُوا ِب ِه َو ُردّو ُه ؟ ,
216
غ َردّ سُنَ ِن رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم ِب َقوَاعِ َد َقعّدْتُمُوهَا أَْنتُ ْم وَآبَاؤُكُ ْم مَا أَْنزَ َل وَ َكيْفَ يَسُو ُ
الّلهُ ِبهَا مِنْ ُسلْطَا ٍن ؟ [ الْ ُمرَادُ بِالنّسْخِ فِي السّنّةِ الزّائِ َد ِة عَلَى اْل ُقرْآ ِن ] :اْلوَ ْجهُ السّا ِدسُ :أَنْ ُيقَالَ
سخِ الّذِي َتضَمَّنْتهُ الزّيَا َدةُ ِب َزعْمِكُمْ ؟ أََتعْنُونَ أَنّ ُحكْمَ الْ َمزِي ِد عَلَْي ِه مِنْ اْلإِيَابِ :مَا َتعْنُونَ بِالنّ ْ
حرِ ِي وَالْإِبَاحَ ِة بَطَلَ بِالْكُلّيّ ِة َ ,أمْ َتعْنُونَ ِبهِ َتغَّي َر َوصْ ِفهِ ِبزِيَا َدةِ شَ ْي ٍء عَلَْي ِه مِنْ َشرْطٍ َأوْ َقيْدٍ َأوْ وَالتّ ْ
حَالٍ َأ ْو مَانِعٍ َأ ْو مَا ُهوَ َأعَ ّم مِ ْن ذَِلكَ ؟ فَإِ ْن عَنَْيتُمْ الَْأوّلَ فَلَا َرْيبَ أَ ّن الزّيَا َدةَ لَا تََتضَمّ ُن ذَِلكَ فَلَا
تَكُونُ نَا ِسخَ ًة ,وَإِنْ َعنَْيتُمْ الثّاِنيَ َف ُهوَ حَ ّق ,وََلكِنْ لَا َي ْل َزمُ مِْنهَا بُطْلَانُ حُكْمِ الْ َمزِي ِد عََلْيهِ وَلَا َر ْفعُهُ
صصَاتِ ,وَشَ ْي ٌء مِنْ خّ ط وَالْ َموَانِ ِع وَاْلقُيُودِ وَالْمُ َ شرُو ِ وَلَا ُمعَا َرضَُتهُ ,بَ ْل غَايَُتهَا مَعَ الْ َمزِي ِد عََلْيهِ كَال ّ
ذَِلكَ لَا يَكُونُ نَسْخًا يُو ِجبُ إبْطَالَ الَْأوّ ِل َورَ ْف َعهُ رَْأسًا ,وَإِنْ كَا َن نَسْخًا بِالْ َمعْنَى اْلعَامّ الّذِي
خصِيصٍ َأ ْو َتقْيِيدٍ َأوْ َشرْطٍ َأ ْو مَانِ ٍع ; َفهَذَا َكثِ ٌي مِنْ يُسَمّيه السّلَفُ نَسْخًا َو ُه َو رَفْ ُع الظّا ِهرِ ِبتَ ْ
السّلَفِ يُسَمّيه نَسْخًا َ .حتّى سَمّى الِاسْتِْثنَاءَ نَسْخًا َ ,فإِنْ َأ َردْتُ ْم هَذَا الْ َمعْنَى َفلَا مُشَاحّةَ فِي الِاسْمِ
غ َردّ السّنَنِ النّا ِسخَةِ ِل ْل ُقرْآنِ ِبهَذَا الْ َمعْنَى ,وَلَا ُينْ ِكرُ أَحَ ٌد نَسْ َخ اْل ُقرْآنِ سوّ ُ ,وَلَكِ ْن ذَِلكَ لَا ُي َ
سخَ خهِ بِالسّنّةِ النّ ْ بِالسّنّ ِة ِبهَذَا الْ َمعْنَى َبلْ ُه َو مُّتفَ ٌق عََلْيهِ بَيْ َن النّاسِ ,وَإِنّمَا تَنَا َزعُوا فِي َجوَا ِز نَسْ ِ
شرَعْ أَلَْبتّ َة ,وَإِنْ َأ َردْتُمْ حْيثُ يَْبقَى بِ َمْنزِلَ ِة مَا لَ ْم يُ ْ الْخَاصّ الّذِي ُه َو رَفْعُ َأصْلِ الْحُكْ ِم وَجُ ْملَِتهِ بِ َ
ص عَا ّمهِ خصِي ِ بِالنّسْ ِخ مَا ُهوَ َأعَمّ مِ ْن اْلقِسْمَْينِ َ -و ُهوَ رَفْ ُع الْحُ ْكمِ بِجُ ْملَِتهِ تَا َر ًة وََتقْيِيدُ مُ ْطَل ِقهِ وَتَ ْ
َوزِيَا َدةِ َشرْطٍ َأ ْو مَانِ ٍع تَا َرةً ُ -كنْتُ ْم قَدْ َأ ْدرَجْتُ ْم فِي كَلَامِكُ ْم قِسْمَْي ِن مَقْبُولًا َو َم ْردُودًا كَمَا َتبَيّنَ ;
فََلْيسَ الشّأْنُ فِي الْأَْلفَاظِ فَسَمّوا الزّيَا َدةَ مَا ِشئْتُمْ ,فَِإبْطَالُ السَّننِ ِبهَذَا الِاسْ ِم مِمّا لَا سَبِيلَ إَلْيهِ .
خةً لَمَا جَازَ ا ْقِترَاُنهَا بِالْ َمزِيدِ ; لِأَنّ النّاسِخَ لَا ُي َوضّحُهُ اْلوَ ْجهُ السّابِ ُع :أَنّ الزّيَا َدةَ َلوْ كَاَنتْ نَاسِ َ
خصِيصًا َ ,فهَلّا كَانَ حُكْ ُمهَا خ َ ,وقَدْ َج ّوزْتُمْ اقِْترَاَنهَا ِب ِه َ ,وقُلُْتمْ َ :تكُونُ بَيَانًا َأوْ تَ ْ ُيقَارِنُ الْمَْنسُو َ
جبُ اقِْترَاُنهُ بِالْمَُبيّ ِن ,بَلْ َيجُوزُ تَأْخِ ُيهُ إلَى وَ ْقتِ ُحضُورِ اْلعَمَ ِل ؟ ك ,وَاْلبَيَانُ لَا يَ ِ مَعَ التّأَ ّخرِ كَذَِل َ
جوَازِ بَ ْل وُجُوبِ تَ ْأخِيِ النّا ِسخِ َوعَ َدمِ حقّ َف ُهوَ ُمنَْتقِضٌ ِب َ َومَا ذَ َكرْتُمُوهُ مِ ْن إيهَامِ اعِْتقَادِ خِلَافِ الْ َ
ت مَا َيرَْف ُعهُ َأوْ َي ْرفَعُ ظَا ِه َرهُ ص مَا لَمْ يَ ْأ ِ خ ُه ,وَلَا مَحْذُورَ فِي اعِْتقَا ِد مُو ِجبِ النّ ّ الْإِ ْشعَارِ بَِأّنهُ سََينْسَ ُ
; فَحِينَِئذٍ ُيعَْتقَ ُد مُوجُِبهُ َكذَِلكَ ,فَكَانَ كُ ّل مِنْ الِا ْعِتقَادَيْنِ فِي َوقِْتهِ ُه َو الْمَ ْأمُورُ ِبهِ ; إذْ لَا يُ َكلّفُ
ف إنّمَا َيعَْتقِ ُد ُه عَلَى إ ْطلَاِق ِه َوعُمُومِ ِه ُمقَيّدًا الّلهُ َنفْسًا إلّا وُ ْس َعهَا ُ .ي َوضّحُهُ اْلوَ ْجهُ الثّامِنُ :أَنّ الْمُكَلّ َ
ِبعَ َدمِ ُورُودِ مَا َيرَْفعُ ظَا ِه َرهُ ,كَمَا َيعَْتقِدُ الْمَنْسُوخَ ُمؤَبّدًا ا ْعِتقَادًا ُمقَيّدًا ِبعَ َد ِم ُورُو ِد مَا يُْبطُِل ُه ,
ط الْمُ ْلحَقِ بِاْلعِبَا َدةِ شرْ ِ َوهَذَا ُه َو اْلوَا ِجبُ َعلَْيهِ الّذِي لَا ُيمْكُِنهُ ِسوَا ُه .اْلوَ ْجهُ التّاسِ ُع :أَنّ إيَابَ ال ّ
صرّحَ بِ َذِلكَ َبعْضُ َأصْحَابِ ُكمْ َو ُهوَ َبعْ َدهَا لَا يَكُونُ َنسْخًا وَإِنْ َتضَمّ َن رَفْ َع الِْإ ْجزَاءِ بِدُوِن ِه ,كَمَا َ
شرْطِ َيرَْفعُ إ ْجزَاءَ الْحَ ّق ; فَكَ َذِلكَ إيَابُ كُ ّل زِيَا َدةٍ ,بَلْ َأوْلَى أَ ْن لَا تَكُونَ َنسْخًا ; فَإِنّ إيَابَ ال ّ
سهِ خَاصّ ًة . سهِ َوعَ ْن غَْي ِر ِه ,وَإِيَابُ الزّيَا َدةِ إنّمَا َيرْفَعُ إ ْجزَاءَ الْ َمزِي ِد عَنْ َنفْ ِ ط عَ ْن َنفْ ِشرُو ِ الْمَ ْ
سخًا َ ,وذَِلكَ سَتقِلّ ٍة َبعْدَ الثّاِنيَةِ لَا يَكُونُ نَ ْ س مُّت ِفقُونَ عَلَى أَنّ إيَابَ ِعبَا َدةٍ مُ ْ اْلوَ ْجهُ اْلعَا ِشرُ :أَنّ النّا َ
217
شرَعْ جُ ْملَ ًة وَاحِ َد ًة ,وَِإنّمَا َش َر َعهَا أَحْكُ ُم الْحَا ِك ِميَ َشيْئًا َبعْدَ شَ ْيءٍ ,وَكُ ّل مِْنهَا أَ ّن الْأَحْكَامَ َلمْ تُ ْ
صرَ َعلَْي ِه َ ,وبِالزّيَا َدةِ ط عَمّنْ اقَْت َ ب ,وَالِْإثْ ُم مَحْطُو ٌ زَائِ ٌد عَلَى مَا قَْبَلهُ ,وَكَا َن مَا قَْبَلهُ َجمِيعُ اْلوَا ِج ِ
صرَ َعلَْي ِه َ ,ومَعَ حطّ الِْإثْ ُم عَمّنْ اقَْت َ ب ,وَلَ ْم يُ َ َتغَّيرَ هَذَانِ الْحُكْمَا ِن ; فَلَ ْم يَبْ َق الَْأوّلُ جَمِيعَ اْلوَا ِج ِ
ب َوغَْي ِرهِ بَاقٍ ; َفهَ ِذهِ الزّيَا َدةُ الْمَُتعَّلقَةُ ذَِلكَ َفلَْيسَ الزّائِدُ نَاسِخًا ِللْ َمزِي ِد َعلَْيهِ ; إذْ حُكْ ُم ُه مِنْ اْلوُجُو ِ
ق عَلَى حُكْ ِم ِه وَقَ ْد ضُمّ إلَْي ِه غَْي ُرهُ بِالْ َمزِي ِد لَا تَكُونُ نَاسِخًا َل ُه ,حَْيثُ لَمْ َت ْرفَعْ حُكْ َم ُه ,بَ ْل ُهوَ بَا ٍ
ش َر :أَنّ الزّيَا َدةَ إ ْن رََف َعتْ حُكْمًا خِطَاِبيّا كَاَنتْ َنسْخًا َ ,وزِيَا َدةُ حهُ اْلوَ ْجهُ الْحَا ِديَ عَ َ ُ .ي َوضّ ُ
ب ,وَإِ ْن رُفِ َع حُكْمُ الِاسِْتصْحَابِ ب وَ ُشرُوطُ الْحُكْ ِم َو َموَاِن ِعهِ َو َجزَا ُؤهُ لَا َترْفَ ُع حُكْمَ اْلخِطَا ِ الّت ْغرِي ِ
جزِئًا وَحْ َدهُ ب وَ َكوِْن ِه مُ ْ ش َر :أَ ّن مَا ذَ َكرُو ُه مِنْ َكوْنِ الَْأوّلِ َجمِيعَ اْلوَا ِج ِ حهُ اْلوَ ْجهُ الثّانِي عَ َ ُ .ي َوضّ ُ
وَ َكوْنِ الْإِثْ ِم مَحْطُوطًا عَمّ ْن ا ْقَتصَ َر عََلْيهِ إنّمَا ُه َو مِنْ َأحْكَامِ اْلَبرَا َءةِ الَْأصِْليّةِ ; َف ُهوَ حُكْمٌ
ج ِزئَةً أَنّ اسِْتصْحَابِيّ لَ ْم نَسَْتفِ ْد ُه مِنْ َلفْظِ الَْأ ْمرِ الَْأوّ ِل ,وَلَا ُأرِيدَ ِبهِ ; فَإِ ّن َمعْنَى َكوْ ِن اْلعِبَا َدةِ مُ ْ
ح ُقهُ
ال ّذمّ َة َبرِيَئةٌ َبعْدَ اْلإِتْيَانِ ِبهَا ,وَ َحطّ ال ّذمّ عَ ْن فَاعِِلهَا َمعْنَاهُ أَّنهُ قَ ْد َخرَجَ مِ ْن ُعهْ َدةِ الَْأ ْمرِ َفلَا َيلْ َ
ت هَ ِذهِ الْأَ ْحكَامَ لَمْ َترْفَ ْع حُكْمًا دَ ّل عََلْيهِ َل ْفظُ الْ َمزِي ِد . َذ ّم ,وَالزّيَا َدةُ وَإِ ْن رََف َع ْ
وف الوسوعة الفقهية :
شرْكُ بُِأمُورٍ يََتَنوّعُ ا ْس ُمهُ ِبحَسَِبهَا إلَى مَا يَأْتِي :أ ِ -شرْكُ شرْ ُك - 3 :يَكُونُ ال ّ مَا َيكُونُ ِبهِ ال ّ
شرْكِ الثَّنوِيّ ِة َ ,أوْ أَكَْث َر مِنْ إَلهَيْ ِن .ب ِ -شرْكُ التّْبعِيضِ الِا ْسِتقْلَا ِل َ ,و ُهوَ إثْبَاتُ إَل َهيْ ِن مُسَْتقِلّيْنِ كَ ِ
شرْكِ الّنصَارَى اْلقَاِئِليَ بِالْأَقَانِي ِم الثّلَاثَ ِة وَ ِشرْكِ الَْبرَاهِ َمةِ َ ,و ُهوَ اعِْتقَادُ أَنّ الِْإَلهَ ُمرَ ّكبٌ مِنْ آِلهَ ٍة ,كَ ِ
شرْ ِك مَُتقَ ّدمِي الْجَا ِهلِيّ ِة .د ب َ ,و ُه َو عِبَا َد ُة غَْيرِ الّلهِ لُِي َق ّربَ إلَى الّلهِ زُْلفًى ,كَ ِ .ج ِ -شرْ ُك الّت ْقرِي ِ
شرْ ِك مُتََأ ّخرِي الْجَاهِِليّ ِة .هـ - ِ -شرْكُ الّتقْلِي ِد َ ,و ُهوَ عِبَا َدةُ غَْي ِر الّلهِ َتعَالَى تََبعًا ِل ْلغَْيرِ ,كَ ِ
ك :لقوله تعال { :اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا الْحُكْ ُم ِبغَْي ِر مَا َأْنزَلَ الّلهُ مَ َع اسِْتحْلَا ِل ذَِل َ
مِ ْن دُونِ الّلهِ } َوقَ ْد َو َردَ { َأمَا إّنهُمْ لَمْ يَكُونُوا َيعْبُدُوَنهُمْ َولَكِّنهُمْ كَانُوا إذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا
اسَْتحَلّو ُه ,وَِإذَا َح ّرمُوا َعلَْيهِمْ َشيْئًا َحرّمُوهُ } َفهُمْ لَ ْم َيعْبُدُوهُ ْم وَلَكِنْ َش َرعُوا َلهُ ْم مَا لَ ْم يَ ْأذَنْ ِبهِ
ب َ :و ُهوَ إسْنَادُ التّ ْأثِيِ ض َ :و ُهوَ اْلعَمَلُ ِلغَْيرِ الّلهِ َتعَالَى .ز ِ -شرْكُ الْأَ ْسبَا ِ الّل ُه َ .و ِشرْكُ الَْأ ْغرَا ِ
ِللْأَ ْسبَابِ اْلعَادِيّ ِة .
الْأَحْكَامُ الْمَُت َعّلقَةُ بِالطّاعَ ِة :
ف .قَالَ َتعَالَى { يَا َأّيهَا ض عَلَى ُكلّ مُ َكلّ ٍ أ -طَا َعةُ الّلهِ َع ّز وَجَ ّل - 5 :طَاعَ ُة الّل ِه َعزّ جَلّ َف ْر ٌ
الّذِي َن آمَنُوا أَطِيعُوا الّل َه وَأَطِيعُوا الرّسُو َل وَلَا ُتبْطِلُوا َأعْمَالَكُ ْم } َ .ومِنْ حَقّ الْبَارِي -جَلّ َثنَا ُؤهُ -
َعلَى مَنْ أَبْ َد َعهُ أَنْ يَكُونَ َأ ْم ُرهُ عََلْيهِ نَافِذًا ,وَطَا َعُتهُ َلهُ لَا ِزمَةً .قَا َل الطَّبرِيّ فِي تَ ْأوِيلِ قوله تعال {
اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّل ِه وَاْلمَسِيحَ اْب َن مَرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا ِلَيعْبُدُوا إَلهًا
شرِكُونَ } َ :يعْنِي َومَا ُأ ِمرَ َهؤُلَاءِ الَْيهُو ُد وَالّنصَارَى -الّذِينَ وَاحِدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ سُْبحَاَن ُه عَمّا ُي ْ
218
اتّخَذُوا الَْأحْبَا َر وَال ّرهْبَا َن وَاْلمَسِيحَ َأرْبَابًا -إلّا أَنْ َيعُْبدُوا َمعْبُودًا وَاحِدًا ,وَأَنْ لَا يُطِيعُوا إلّا رَبّا
ستَحِ ّق عَلَى وَاحِدًا ,دُونَ َأ ْربَابٍ شَتّى َ ,و ُهوَ الّلهُ الّذِي َلهُ عِبَا َدةُ كُلّ َش ْيءٍ وَطَا َعةُ كُلّ خَ ْل ٍق ,الْمُ ْ
جَمِيعِ َخ ْل ِقهِ الدّْينُونَ َة َلهُ بِاْلوَحْدَاِنيّ ِة وَالرّبُوبِيّةِ لَا إَلهَ إلّا ُه َو :وَلَا َتنَْبغِي الُْألُوهِيّ ُة إلّا ِلوَاحِ ٍد َ ,و ُهوَ
شرِكُو َن َ .وقَدْ بَيّنَ النّبِ ّي صلى الّذِي َأمَرَ الْخَ ْلقَ ِبعِبَادَِت ِه وََل ِزمَتْ جَمِيعَ اْل ِعبَادِ طَاعَُتهُ سُبْحَاَنهُ عَمّا يُ ْ
ال عليه وسلم كَْيفِيّةَ اتّخَاذِ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى الْأَ ْحبَا َر وَال ّرهْبَانَ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّل ِه َ ,وذَِلكَ فِيمَا
ُر ِويَ { عَ ْن عَ ِديّ ْبنِ حَاتِمٍ َأّنهُ سَمِ َع رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َي ْقرَأُ فِي سُو َرةِ َبرَا َءةٍ
{ اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَا َل َ :أمَا إّنهُمْ لَمْ َيكُونُوا َي ْعبُدُوَنهُ ْم ,وَلَ ِكنْ
حلّوهُ ,وَِإذَا َح ّرمُوا عََلْيهِمْ شَْيئًا َح ّرمُوهُ } قَالَ ابْ ُن عَبّاسٍ :لَمْ كَانُوا إذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا اسْتَ َ
يَ ْأ ُمرُوهُمْ أَنْ َيسْجُدُوا َلهُ ْم ,وَلَكِنْ َأ َمرُوهُمْ بِ َم ْعصِيَةِ الّلهِ فَأَطَاعُوهُ ْم ,فَسَمّاهُ ْم الّلهُ ِبذَِلكَ َأ ْربَابًا ,
وَقَالَ اْلحَسَنُ :اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا فِي الطّاعَ ِة .
وقال شيخ السلم ابن تيمية" :والنسان مت حلّل الرام الجمع عليه أو حرّم اللل الجمع
عليه أو بدّل الشرع الجمع عليه كان كافرا باتّفاق الفقهاء".
وقال ابن كثي رحه اللـه تعال « :فمن ترك الشرع الحكم النل على ممّد بن عبد اللـه
خات النبياء وتاكم إل غيه من الشرائع النسوخة كفر»
وقال الشيخ ممّد حامد الفقي« :الذي يُستخلص من كلم السلف : ..أ ّن الطاغوت ك ّل ما
صرف العبد وصدّه عن عبادة اللـه وإخلص الدين والطاعة للـه ولرسوله ،سواء ف ذلك
الشيطان من ال ّن الشياطي والنس والشجار والحجار وغيها ،ويدخل ف ذلك بل شكّ:
الكم بالقواني الجنبيّة عن السلم وشرائعه وغيها من ك ّل ما وضعه النسان ليحكم به ف
الدماء والفروج والموال ،وليبطل با شرائع اللـه ،من إقامة الدود وتري الربا والزنا والمر
ونو ذلك مّا أخذت هذه القواني تلّلها وتميها بنفوذها ومنفّذيها ،والقواني نفسها طواغيت،
وواضعوها ومروّجوها طواغيت»
وقال الشيخ عبد اللـه بن حيد رحه ال « :ومن أصدر تشريعا عامّا ملزما للناس يتعارض مع
حكم اللـه فهذا يرج من اللّة كافرا» .
ح الشمس ،هي كفرٌ ويقول الشيخ أحد شاكر« :إ ّن المر ف هذه القواني الوضعيّة واض ٌح وضو َ
بواحٌ ل خفاء فيه ول مداراة ،ول عذرَ لحدٍ من ينتسب للسلم كائنا من كان ف العمل با أو
الضوع لا أو إقرارها ،فليحذر امرؤٌ لنفسه ،وكلّ امرئ حسيب نفسه»
وقال الشيخ حود العقل :فتبي من الية الكرية من حديث عدي بن حات أن التحليل والتحري
والتشريع من خصائصه سبحانه وتعال ،فمن حلّل أو حرّم أو شرع ما يالف شرع ال فهو
شريكٌ ل ف خصائصه .
219
وما تقدم من اليات الكرية وتعليقنا عليها يتبي أ ّن مَنْ حكم بغي ما أنزل ال وأعرضَ عن شرعِ
ال وحكمِه أنه كاف ٌر بال العظيم خارجٌ من السلم ،وكذلك مثلُه مَ ْن وضع للناس تشريعاتٍ
وضعيةً ،لنه لول يرض با لا حكم با ،فإن الواقع يكذبه ،فالكثي من الكّام لديه من
الصلحيات ف تأجيل الكم ،وتغيي الدستور والذف وغيها .
وإن تنـزلنا وقلنا إنم ل يضعوها ويشرعوها لشعوبم فمن الذي ألزم الرعية بالعمل با ومعاقبة
من خالفها ؟
وما حالم وحال التتار الذي نقل اب ُن تيمية وابنُ كثي رحهما ال الجاعَ على كفرهم ببعيد ،
فإن التتار ل يضعوا ول يشرعوا ( الياسق ) ،بل الذي وضعه أحد حكامهم الوائل ويسمى
( جنكز خان ) ،فصورة هؤلء كحال أولئك ) .
=========================
220
الباب السادس
صفاتهم صفات المنافقين
وقال تعال َ :ومِنَ النّاسِ مَن َيقُولُ آمَنّا بِالّل ِه وَبِاْلَي ْومِ ال ِخ ِر َومَا هُم بِ ُم ْؤمِِنيَ ( )8يُخَا ِدعُونَ الّلهَ
ش ُعرُونَ ( )9فِي ُقلُوِبهِم ّمرَضٌ َفزَا َدهُمُ الّل ُه َمرَضا وََلهُم سهُم َومَا يَ ْ وَالّذِي َن آمَنُوا َومَا َيخْ َدعُونَ إِلّ أَنفُ َ
عَذَابٌ َألِيمٌ ِبمَا كَانُوا يَكْ ِذبُونَ ( )10وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ َل ُتفْسِدُواْ فِي ا َل ْرضِ قَالُواْ إِنّمَا نَحْ ُن ُمصْلِحُو َن (
ش ُعرُو َن ( )12وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النّاسُ قَالُواْ )11أَل إِّنهُ ْم هُ ُم الْ ُمفْسِدُو َن وَلَـكِن لّ يَ ْ
س َفهَاء وَلَـكِن لّ َيعْلَمُو َن ( )13وَِإذَا َلقُواْ الّذِي َن آمَنُواْ قَالُواْ س َفهَاء أَل ِإّنهُ ْم هُمُ ال ّ َأُن ْؤمِنُ كَمَا آمَنَ ال ّ
سَت ْهزِئُ ِبهِ ْم وَيَمُ ّدهُمْ
آمَنّا وَِإذَا َخَلوْاْ إِلَى شَيَاطِيِنهِ ْم قَالُواْ ِإنّا َمعَكْمْ ِإنّمَا َنحْ ُن مُسَْت ْهزِئُو َن ( )14الّلهُ يَ ْ
ك الّذِي َن ا ْشَت ُروُاْ الضّلََلةَ بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَت تّجَا َرُتهُمْ َومَا كَانُواْ فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ (ُ )15أوْلَـِئ َ
ُمهْتَدِي َن ( )16البقرة
يقول ابن كثي رحه ال :
** َومِنَ النّاسِ مَن َيقُو ُل آمَنّا بِالّل ِه وَبِاْلَي ْومِ الَ ِخ ِر َومَا هُم بِ ُم ْؤمِِنيَ * يُخَا ِدعُونَ الّل َه وَالّذِي َن آمَنُوا َومَا
ش ُعرُو َنسهُم َومَا يَ ْ يَخْ َدعُونَ إِلّ أَْنفُ َ
النفاق هو إظهار الي وإسرار الشر ,وهو أنواع :اعتقادي ,وهو الذي يلد صاحبه ف النار.
وعملي وهو من أكب الذنوب كما سيأت تفصيله ف موضعه إن شاء ال تعال ,وهذا كما قال ابن
جريج :النافق يالف قوله فعله ,وسره علنيته ,ومدخله مرجه ,ومشهده مغيبه ,وإنا نزلت صفات
النافقي ف السور الدنية لن مكة ل يكن فيها نفاق بل كان خلفه من الناس من كان يظهر الكفر
مستكرها وهو ف الباطن مؤمن ,فلما هاجر رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الدينة وكان با
النصار من الوس والزرج وكانوا ف جاهليتهم يعبدون الصنام على طريقة مشركي العرب ,وبا
اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلفهم وكانوا ثلث قبائل بنو قينقاع حلفاء الزرج بنوالنضي
وبنو قريظة حلفاء الوس فلما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم الدينة وأسلم من أسلم من
النصار من قبيلت الوس والزرج وقلّ من أسلم من اليهود إل عبد ال بن سلم رضي ال عنه ول
يكن إذ ذاك نفاق أيضا لنه ل يكن للمسلمي بعد شوكة تاف ,بل قد كان عليه الصلة والسلم
وادع اليهود وقبائل كثية من أحياء العرب حوال الدينة فلما كانت وقعة بدر وأظهر ال كلمته
وأعز السلم وأهله قال عبد ال بن أب بن سلول وكان رأساف الدينة وهو من الزرج وكان سيد
الطائفتي ف الاهلية ,وكانوا قد عزموا على أن يلكوه عليهم فجاءهم الي وأسلموا واشتغلوا عنه
فبقي ف نفسه من السلم وأهله ,فلما كانت وقعت بدر قال :هذا .أمر ال قد توجه فأظهر الدخول
ف السلم ودخل معه طوائف من هو على طريقته ونلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ث وجد
221
النفاق ف أهل الدينة ومن حولا من العراب فأما الهاجرون فلم يكن فيهم أحد نافق لنه ل يكن
أحد يهاجر مكرها بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند ال ف الدار الَخرة .قال ممد
بن إسحاق حدثن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس {ومن الناس من
يقول آمنا بال وباليوم الَخر وما هم بؤمني} يعن النافقي من الوس والزرج ومن كان على
أمرهم وكذا فسرها بالنافقي من الوس والزرج أبو العالية والسن وقتادة والسدي ولذا نبه ال
سبحانه على صفات النافقي لئل يغتر بظاهر أمرهم الؤمنون فيقع بذلك فساد عريض من عدم
الحتراز منهم ومن اعتقاد إيانم وهم كفار ف نفس المر وهذا من الحذورات الكبار أن يظن بأهل
الفجور خي فقال تعال{ :ومن الناس من يقول آمنا بال وباليوم الَخر وما هم بؤمني} أي يقولون
ذلك قو ًل ليس وراءه شيء آخر كما قال تعال{ :إذا جاءك النافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال
صلى ال عليه وسلم وال يعلم إنك لرسوله} أي إنا يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط ل ف نفس
المر ,ولذا يؤكدون ف الشهادة بإن ولم التأكيد ف خبها .أكدوا أمرهم قالوا :آمنا بال وباليوم
الَخر وليس المر كذلك كما كذبم ال ف شهادتم وف خبهم هذا بالنسبة إل اعتقادهم بقوله
تعال{ :وال يشهد إن النافقي لكاذبون} وبقوله{ :وما هم بؤمني}.
وقوله تعال{ :يادعون ال والذين آمنوا} أي بإظهارهم ما أظهروه من اليان مع إسرارهم الكفر
يعتقدون بهلهم أنم يدعون ال بذلك ,وأن ذلك نافعهم عنده ,وأنه يروج عليه كما قد يروج على
بعض الؤمني كما قال تعال{ :يوم يبعثهم ال جيعا فيحلفون له كما يلفون لكم ويسبون أنم
على شيء أل أنم هم الكاذبون} ولذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله{ :وما يادعون إل أنفسهم
وما يشعرون} يقول وما يغرون بصنيعهم هذا ول يدعون إل أنفسهم وما يشعرون بذلك من
أنفسهم كما قال تعال{ :إن النافقي يادعون ال وهو خادعهم} ومن القراء من قرأ {وما يدعون
إل أنفسهم} وكل القراءتي ترجع إل معن واحد وقال ابن جرير فإن قال قائل :كيف يكون النافق
ل وللمؤمني مادعا وهو ل يظهر بلسانه خلف ما هو له معتقد إل تقية ؟ قيل :ل تتنع العرب أن
تسمي من أعطى بلسانه غي الذي ف ضميه تقية لينجو ما هو له خائف مادعا ,فكذلك النافق سي
مادعا ل وللمؤمني بإظهاره ما ظهر بلسانه تقية با يلص به من القتل والسب والعذاب العاجل وهو
لغي ما أظهره مستبطن وذلك من فعله وإن كان خداعا للمؤمني ف عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك
من فعله خادع ,لنه يظهر لا بفعله ذلك با أنه يعطيها أمنيتها ويسقيها كأس سرورها ,وهو موردها
حياض عطبها ,ومرعها به كأس عذابا ,ومذيقها من غضب ال وأليم عقابه ما ل قبل لا به ,فذلك
خديعته نفسه ظنا منه مع إساءته إليها ف أمر معادها أنه إليها مسن كما قال تعال{ :وما يدعون
إل أنفسهم وما يشعرون} إعلما منه عباده الؤمني أن النافقي بإساءتم إل أنفسهم ف إسخاطهم
عليها ربم يكفرهم وشكهم وتكذيبهم غي شاعرين ول دارين ,ولكنهم على عمى أمرهم مقيمي.
222
وقال ابن أب حات :أنبأنا علي بن البارك فيما كتب إلّ حدثنا زيد بن البارك حدثنا ممد بن ثور عن
ابن جريج ف قوله تعال يادعون ال قال :يظهرون ل إله إل ال يريدون أن يرزوا بذلك دماءهم
وأموالم وف أنفسهم غي ذلك .وقال سعيد عن قتادة {ومن الناس من يقول آمنا بال وباليوم الَخر
وما هم بؤمني * يادعون ال والذين آمنوا وما يدعون إل أنفسهم وما يشعرون} نعت النافق عند
كثي :خنع الخلق يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويالف بعمله ويصبح على حال ويسي على غيه,
ويسي على حال ويصبح على غيه ,ويتكفأ تكفؤَ السفينة كلما هبت ريح هبت معها.
** فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ َفزَا َدهُمُ الّلهُ َمرَضا وََلهُم عَذَابٌ أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا يَكْ ِذبُو َن
قال السدي عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة المدان عن ابن مسعود وعن
أناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ف هذه الَية {ف قلوبم مرض} قال شك فزادهم
ال مرضا قال شكا .وقال ابن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن
عباس ف قلوبم مرض قال :شكا .وكذلك قال ماهد وعكرمة والسن البصري وأبو العالية والربيع
بن أنس وقتادة .وعن عكرمة وطاوس ف قلوبم مرض يعن الرياء .وقال الضحاك عن ابن عباس ف
قلوبم مرض قال :نفاق فزادهم ال مرضا قال :مرضا وهذا كالول .وقال عبد الرحن بن زيد بن
أسلم ف قلوبم مرض قال :هذا مرض ف الدين وليس مرضا ف الجساد وهم النافقون والرض
الشك الذي دخلهم ف السلم فزادهم ال مرضا قال :زادهم رجسا ,وقرأ {فأما الذين آمنوا فزادتم
إيانا وهم يستبشرون * وأما الذين ف قلوبم مرض فزادتم رجسا إل رجسهم} .قال شرا إل
شرهم وضللة إل ضللتهم ,وهذا الذي قاله عبد الرحن رحه ال حسن وهو الزاء من جنس العمل
وكذلك قاله الولون وهو نظي قوله تعال أيضا {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} وقوله
{با كانوا يكذبون} وقرى يكذّبون ,وقد كانوا متصفي بذا وهذا فإنم كانوا كذبة ويكذبون
بالغيب يمعون بي هذا وهذا ,وقد سئل القرطب وغيه من الفسرين عن حكمة كفه عليه الصلة
والسلم عن قتل النافقي مع علمه بأعيان بعضهم وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت ف
الصحيحي أنه صلى ال عليه وسلم قال لعمر رضي ال عنه «أكره أن يتحدث العرب أن ممدا يقتل
أصحابه» ومعن هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغي لكثي من العراب عن الدخول ف السلم ول
يعلمون حكمة قتله لم وأن قتله إياهم إنا هو على الكفر فإنم إنا يأخذونه بجرد ما يظهر لم
فيقولون :إن ممدا يقتل أصحابه ,قال القرطب وهذا قول علمائنا وغيهم كما كان يعطي الؤلفة مع
علمه بسوء اعتقادهم ,قال ابن عطية :وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه ممد بن الهم والقاضي
إساعيل والبري وعن ابن الاجشون .ومنها :ما قال مالك إنا كف رسول ال صلى ال عليه وسلم
عن النافقي ليبي لمته أن الاكم ل يكم بعلمه قال القرطب :وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على
أن القاضي ل يقتل بعلمه وإن اختلفوا ف سائر الحكام ,قال :ومنها ما قال الشافعي إنا مَنعَ رسول
223
ال صلى ال عليه وسلم من قتل النافقي ما كانوا يظهرونه من السلم مع العلم بنفاقهم لن ما
يظهرونه يب ما قبله .ويؤيد هذا قوله عليه الصلة والسلم ف الديث الجمع على صحته ف
الصحيحي وغيها «أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوها عصموا من دماءهم
وأموالم إل بقها وحسابم على ال عز وجل» ومعن هذا أن من قالا جرت عليه أحكام السلم
ظاهرا فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك ف الدار الَخرة وإن ل يعتقدها ل ينفعه جريان الكم عليه
ف الدنيا وكونه كان خليط أهل اليان {ينادوهم أل نكن معكم ؟ قالوا بلى ,ولكنكم فتنتم أنفسكم
وتربصتم ,وارتبتم وغّرتكم المان حت جاء أمر ال} الَية ,فهم يالطونم ف بعض الحشر فإذا
حقت الحقوقية تيزوا منهم وتلفوا بعدهم {وحيل بينهم وبي ما يشتهون} ول يكنهم أن يسجدوا
معهم كما نطقت بذلك الحاديث ومنها ما قاله بعضهم أنه إنا ل يقتلهم لنه ل ياف من شرهم
مع وجوده صلى ال عليه وسلم بي أظهرهم يتلو عليهم آيات مبينات فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا
النفاق وعلمه السلمون ,قال مالك :النافق ف عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم هو الزنديق اليوم
(قلت) وقد اختلف العلماء ف قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم ل أو يفرق بي أن يكون
داعية أم ل ,أو يتكرر منه ارتداده أم ل ,أو يكون إسلمه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر
عليه ؟ على أقوال متعددة موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الحكام.
(تنبيه) قول من قال كان عليه الصلة والسلم يعلم أعيان بعض النافقي إنا مستنده حديث حذيفة
بن اليمان ف تسمية أولئك الربعة عشر منافقا ف غزوة تبوك الذين هوا أن يفتكوا برسول ال صلى
ال عليه وسلم ف ظلماء الليل عند عقبة هناك ,عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها ,فأوحى
ال إليه أمرهم ,فأطلع على ذلك حذيفة ولعل الكف عن قتلهم كان لدرك من هذه الدارك أو لغيها
وال أعلم.
فأما غي هؤلء فقد قال ال تعال{ :ومن حولكم من العراب منافقون ومن أهل الدينة مردوا على
النفاق ل تعلمهم نن نعلمهم} الَية ,وقال تعال{ :لئن ل ينته النافقون والذين ف قلوبم مرض
ل * ملعوني أينما ثقفوا أخذوا وقتلواوالرجفون ف الدينة لنغرينك بم ث ل ياورنك فيها إل قلي ً
تقتيلً} ففيها دليل على أنه ل يغر بم ول يدرك على أعيانم وإنا كان تذكر له صفاتم فيتوسها ف
بعضهم كما قال تعال {ولو نشاء لريناكم فلعرفتهم بسيماهم * ولتعرفنهم ف لن القول} وقد
كان من أشهرهم بالنفاق عبد ال بن أب بن سلول ,وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلم الذي
سبق ف صفات النافقي ومع هذا لا مات صلى ال عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية السلمي
وقد عاتبه عمر بن الطاب رضي ال عنه فيه فقال« :إن أكره أن تتحدث العرب أن ممدا يقتل
أصحابه» وف رواية ف الصحيح «إن خيت فاخترت» وف رواية «لو أعلم أن لو زدت على
السبعي يغفر له لزدت».
224
** وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ لَ ُتفْسِدُواْ فِي ال ْرضِ قَاُلوَاْ ِإنّمَا َنحْ ُن مُصِْلحُونَ * أَل ِإّنهُمْ هُ ُم الْ ُمفْسِدُو َن وَلَـكِن
ش ُعرُونَّل يَ ْ
قال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة الطيب المدان عن
ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض
قالوا إنا نن مصلحون} قال :هم النافقون أما ل تفسدوا ف الرض قال الفساد هو الكفر والعمل
بالعصية وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أب العالية ف قوله تعال {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف
الرض} قال يعن ل تعصوا ف الرض وكان فسادهم ذلك معصية ال لنه من عصى ال ف الرض
أو أمر بعصيته فقد أفسد ف الرض لن صلح الرض والسماء بالطاعة وهكذا قال الربيع بن أنس
وقتادة وقال ابن جريج عن ماهد {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض} قال :إذا ركبوا معصية ال
فقيل لم ل تفعلوا كذا وكذا قالوا إنا نن على الدى مصلحون ,وقال وكيع وعيسى بن يونس
وعثان بن علي عن العمش عن النهال بن عمرو عن عباد بن عبد ال الزدي عن سلمان الفارسي
{وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض قالوا إنا نن مصلحون} قال سلمان ل يى أهل هذه الَية بعد.
وقال ابن جرير حدثن أحد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحن بن شريك حدثن أب عن
العمش عن زيد بن وهب وغيه عن سلمان الفارسي ف هذه الَية قال :ما جاء هؤلء ؟ قال ابن
جرير :يتمل أن سلمان رضي ال عنه أراد بذا أن الذين يأتون بذه الصفة أعظم فسادا من الذين
كانوا ف زمن النب صلى ال عليه وسلم ل أنه عن أنه ل يض من تلك صفته أحد ,قال ابن جرير:
فأهل النفاق مفسدون ف الرض بعصيتهم فيها ربم وركوبم فيها ما ناهم عن ركوبه وتضييعهم
فرائضه وشكهم ف دينه الذي ل يقبل من أحد عمل إل بالتصديق به واليقان بقيقته وكذبم
الؤمني بدعواهم غي ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ومظاهرتم أهل التكذيب بال وكتبه
ل فذلك إفساد النافقي ف الرض ,وهم يسبون أنم ورسله على أولياء ال إذا وجدوا إل ذلك سبي ً
بفعلهم ذلك مصلحون فيها .وهذا الذي قاله حسن ,فإن من الفساد ف الرض اتاذ الؤمني
الكافرين أولياء كما قال تعال {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه تكن فتنة ف الرض
وفساد كبي} فقطع ال الوالة بي الؤمني والكافرين كما قال تعال {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا
الكافرين أولياء من دون الؤمني أتريدون أن تعلوا ل عليكم سلطانا مبينا} ث قال {إن النافقي ف
الدرك السفل من النار ولن تد لم نصيا} فالنافق لا كان ظاهره اليان اشتبه أمره على الؤمني
فكأن الفساد من جهة النافق حاصل لنه هو الذي غر الؤمني بقوله الذي ل حقيقة له ووال
الكافرين على الؤمني ولو أنه استمر على حاله الول لكان شره أخف ,ولو أخلص العمل ل وتطابق
قوله وعمله لفلح ونح ,ولذا قال تعال {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض قالوا إنا نن
مصلحون} أي نريد أن نداري الفريقي من الؤمني والكافرين ونصطلح مع هؤلء وهؤلء كما قال
225
ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس {وإذا قيل لم ل
تفسدوا ف الرض قالوا إنا نن مصلحون} أي إنا نريد الصلح بي الفريقي من الؤمني وأهل
الكتاب يقول ال {أل إنم هم الفسدون ولكن ل يشعرون} يقول أل إن هذا الذي يعتمدونه
ويزعمون أنه إصلح هو عي الفساد ولكن من جهلهم ل يشعرون بكونه فسادا.
س َفهَآ ُء وَلَـكِن س َفهَآءُ أَل ِإّنهُ ْم هُمُ ال ّ** وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ النّاسُ قَاُلوَاْ َأُن ْؤمِنُ كَمَآ آمَ َن ال ّ
ّل َيعْلَمُو َن
يقول تعال وإذا قيل للمنافقي آمنوا كما آمن الناس أي كإيان الناس بال وملئكته وكتبه ورسله
والبعث بعد الوت والنة والنار وغي ذلك ما أخب الؤمني به وعنه ,وأطيعوا ال ورسوله ف امتثال
الوامر وترك الزواجر {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} يعنون ـ لعنهم ال ـ أصحاب رسول ال
صلى ال عليه وسلم رضي ال عنهم ,قاله أبو العالية والسدي ف تفسيه بسنده عن ابن عباس وابن
مسعود وغي واحد من الصحابة ,وبه يقول الربيع بن أنس وعبد الرحن بن زيد بن أسلم ,وغيهم
يقولون :أنصي نن وهؤلء بنلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء ؟ والسفهاء جع سفيه كما
أن الكماء جع حكيم واللماء جع حليم ,والسفيه هو الاهل الضعيف الرأي القليل العرفة بواضع
الصال والضار ,ولذا سى ال النساء والصبيان سفهاء ف قوله تعال {ول تؤتوا السفهاء أموالكم الت
جعل ال لكم قياما} قال عامة علماء التفسي هم النساء والصبيان وقد تول ال سبحانه جوابم ف
هذه الواطن كلها فقال {أل أنم هم السفهاء} فأكد وحصر السفهاة فيهم {ولكن ل يعلمون} يعن
ومن تام جهلهم أنم ل يعلمون بالم ف الضللة والهل وذلك أردى لم وأبلغ ف العمى والبعد
عن الدى.
** وَِإذَا َلقُواْ الّذِي َن آمَنُوْا قَاُلوَا آمَنّا وَِإذَا َخَلوْاْ إَِلىَ شَيَاطِيِنهِ ْم قَاُلوَاْ ِإنّا َمعَكْمْ ِإنّمَا َنحْ ُن مُسَْت ْهزِئُو َن *
الّلهُ َيسَْت ْهزِىءُ ِبهِ ْم وَيَمُ ّدهُ ْم فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ
يقول تعال وإذا لقي هؤلء النافقون الؤمني قالوا :آمنا وأظهروا لم اليان والوالة والصافاة
غرورا منهم للمؤمني ونفاقا ومصانعة وتقية وليشركوهم فيما أصابوا من خي ومغنم {وإذا خلوا إل
شياطينهم} يعن إذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إل شياطينهم فضمن خلوا معن انصرفوا لتعديته بإل
ليدل على الفعل الضمر والفعل اللفوظ به ومنهم من قال «إل» هنا بعن «مع» والول أحسن,
وعليه يدور كلم ابن جرير وقال السدي عن أب مالك :خلوا يعن مضوا ,وشياطينهم سادتم
وكباؤهم من أحبار اليهود ورؤوس الشركي والنافقي قال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن
أب صال عن ابن عباس وعن مرة المدان عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النب صلى ال عليه
وسلم {وإذا خلوا إل شياطينهم} :يعن هم رؤساءهم ف الكفر .وقال الضحاك عن ابن عباس :وإذا
خلوا إل أصحابم وهم شياطينهم وقال ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد
226
بن جبي عن ابن عباس {وإذا خلوا إل شياطينهم} من يهود الذين يأمرونم بالتكذيب وخلف ما
جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم وقال ماهد{ :وإذا خلوا إل شياطينهم} إل أصحابم من
النافقي والشركي .وقال قتادة {وإذا خلوا إل شياطينهم} قال إل رؤوسهم وقادتم ف الشرك
والشر وبنحو ذلك فسره أبو مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس .قال ابن جرير :وشياطي
كل شيء مردته ,ويكون الشيطان من النس والن كما قال تعال{ :وكذلك جعلنا لكل نبّي عدوا
شياطي من النس والن يوحي بعضهم إل بعض زخرف القول غرورا} وف السند عن أب ذر قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم «نعوذ بال من شياطي النس والن» فقلت يا رسول أوَ للنس
شياطي ؟ قال «نعم» وقوله {قالوا إنا معكم} قال ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن
عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنا نن مستهزئون} أي إنا
نن نستهزى بالقوم ونلعب بم وقال الضحاك عن ابن عباس قالوا إنا نن مستهزئون ساخرون
بأصحاب ممد صلى ال عليه وسلم ,وكذلك قال الربيع بن أنس وقتادة .وقوله تعال جوابا ومقابلة
على صنيعهم {ال يستهزىء بم ويدهم ف طغيانم يعمهون} وقال ابن جرير أخب تعال أنه فاعل
بم ذلك يوم القيامة ف قوله تعال {يوم يقول النافقون والنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من
نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحة وظاهره من
قبله العذاب} الَية ,وقوله تعال {ول يسب الذي كفروا أنا نلي لم خي لنفسهم إنا نلي لم
ليزدادوا إثا} الَية ,قال فهذا وما أشبهه من استهزاء ال تعال ذكره وسخريته ومكره وخديعته
للمنافقي وأهل الشرك به عند قائل هذا القول ومتأول هذا التأويل قال :وقال آخرون بل استهزاؤه
بم توبيخه إياهم ولومه لم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به .قال :وقال آخرون هذا وأمثاله
على سبيل الواب كقول الرجل لن يدعه إذا ظفر به أنا الذي خدعتك .ول يكن منه خديعة ولكن
قال ذلك إذا صار المر إليه قالوا وكذلك قوله تعال {ومكروا ومكر ال وال خي الاكرين} و
{ ال يستهزىء بم} على الواب ,وال ل يكون منه الكر ول الزء .والعن أن الكر والزء حاق
بم ,وقال آخرون قوله تعال {إنا نن مستهزئون * ال يستهزىء بم} وقوله {يادعون ال وهو
خادعهم} وقوله {فيسخرون منهم سخر ال منهم} و {نسوا ال فنسيهم} وما أشبه ذلك إخبار من
ال تعال أنه مازيهم جزاء الستهزاء ومعاقبهم عقوبة الداع فأخرج خبه عن جزائه إياهم وعقابه
لم مرج خبه عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب ف اللفظ وإن اختلف العنيان كما قال تعال
{وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على ال} وقوله تعال {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا
عليه} فالول ظلم والثان عدل فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناها ,قال وإل هذا العن
وجهوا كل ما ف القرآن من نظائر ذلك .قال :وقال آخرون إن معن ذلك أن ال أخب عن النافقي
أنم إذا دخلوا إل مردتم قالوا إنا معكم على دينكم ف تكذيب ممد صلى ال عليه وسلم وما جاء
227
به ,وإنا نن با نظهر لم من قولنا لم مستهزئون ,فأخب تعال أنه يستهزى بم فيظهر لم من
أحكامه ف الدنيا يعن من عصمة دماءهم وأموالم خلف الذي عنده ف الَخرة يعن من العذاب
والنكال .ث شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره لن الكر والداع والسخرية على وجه اللعب
والعبث منتف عن ال عز وجل بالجاع وأما على وجه النتقام والقابلة بالعدل والجازاة فل يتنع
ذلك .قال وبنحو ما قلنا فيه روي الب عن ابن عباس حدثنا أبو كريب حدثنا أبو عثمان حدثنا بشر
بن أب روق عن الضحاك عن ابن عباس ف قوله { ال يستهزى بم} قال يسخر بم للنقمة منهم,
وقوله تعال {ويدهم ف طغيانم يعمهون} قال السدي عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس
وعن مرة المدان عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم :يدهم يلي لم
وقال ماهد يزيدهم ,وقال تعال{ :أيسبون إنا ندهم به من مال وبني نسارع لم ف اليات ؟ بل
ل يشعرون} وقال{ :سنستدرجهم من حيث ل يعلمون} قال بعضهم كلما أحدثوا ذنبا أحدث لم
نعمة وهي ف القيقة نقمة وقال تعال{ :فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حت
إذا فرحوا با أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والمد ل رب
العالي} قال ابن جرير والصواب نزيدهم على وجه الملء والترك لم ف عتوهم وتردهم كما قال
تعال {ونقلب أفئدتم وأبصارهم كما ل يؤمنوا به أول مرة ونذرهم ف طغيانم يعمهون} والطغيان:
هو الجاوزة ف الشيء كما قال تعال{ :إنا لا طغى الاء حلناكم ف الارية} وقال الضاحك عن ابن
عباس ف طغيانم يعمهون ف كفرهم يترددون ,وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة وبه يقول أبو
العالية وقتادة والربيع بن أنس وماهد وأبو مالك وعبد الرحن بن زيد ف كفرهم وضللتهم .قال ابن
جرير :والعمه :الضلل .يقال عمه فلن يعمه عمها وعموها إذا ضل ,قال وقوله ف طغيانم يعمهون
ف ضللتهم ,وكفرهم الذي غمرهم دنسه وعلهم رجسه يترددون حيارى ضللً ل يدون إل
الخرج منه سبيلً لن ال قد طبع على قلوبم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الدى وأغشاها فل
يبصرون رشدا ول يهتدون سبيلً .وقال بعضهم :العمى ف العي والعمه ف القلب ,وقد يستعمل
العمى ف القلب أيضا قال تعال{ :فإنا ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب الت ف الصدور}
وتقول عمه الرجل يعمه عموها فهو عمه وعامه وجعه عمه ,وذهبت إبله العمهاء إذا ل يدر أين
ذهبت.
حتْ ّتجَارَُتهُ ْم َومَا كَانُوْا ُمهْتَدِي َن
** ُأوْلَـِئكَ الّذِينَ اشَْترُوْا الضّلَلَ َة بِاْلهُ َدىَ فَمَا رَبِ َ
قال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن
ناس من الصحابة {أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى} قال أخذوا الضللة وتركوا الدى ,وقال
ابن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس {أولئك الذين اشتروا
الضللة بالدى} أي الكفر باليان ,وقال ماهد آمنوا ث كفروا وقال قتادة :استحبوا الضللة على
228
الدى ,وهذا الذي قاله قتادة يشبهه ف العن قوله تعال ف ثود {فأما ثود فهديناهم فاستحبوا العمى
على الدى} وحاصل قول الفسرين فيما تقدم أن النافقي عدلوا عن الدى إل الضلل واعتاضوا
عن الدى بالضللة وهو معن قوله تعال {أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى} أي بذلوا الدى ثنا
للضللة وسواء ف ذلك من كان منهم قد حصل له اليان ث رجع عنه إل الكفر كما قال تعال فيهم
{ذلك بأنم آمنوا ث كفروا فطبع على قلوبم} أو أنم استحبوا الضللة على الدى كما يكون حال
فريق آخر منهم فإنم أنواع وأقسام ولذا قال تعال {فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين} أي ما
ربت صفقتهم ف هذه البيعة وما كانوا مهتدين أي راشدين ف صنيعهم ذلك ,وقال ابن جرير حدثنا
بشي حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة {فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين} قد وال رأيتموهم
خرجوا من الدى إل الضللة ومن الماعة إل الفرقة ومن المن إل الوف ومن السنة إل البدعة,
وهكذا رواه ابن أب حات من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بثله سواء.
وف الظلل :
لقد كانت هذه صورة واقعة ف الدينة ; ولكننا حي نتجاوز نطاق الزمان والكان ندها نوذجا
مكرورا ف أجيال البشرية جيعا .ند هذا النوع من النافقي من علية الناس الذين ل يدون ف
أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الق باليان الصريح ,أو يدون ف نفوسهم الرأة ليواجهوا الق
بالنكار الصريح .وهم ف الوقت ذاته يتخذون لنفسهم مكان الترفع على جاهي الناس ,وعلى
تصورهم للمور ! ومن ث نيل إل مواجهة هذه النصوص كما لو كانت مطلقة من مناسبتها التاريية
,موجهة إل هذا الفريق من النافقي ف كل جيل .وإل صميم النفس النسانية الثابت ف كل جيل
إنم يدعون اليان بال واليوم الخر .وهم ف القيقة ليسوا بؤمني .إنا هم منافقون ل يرؤون
على النكار والتصريح بقيقة شعورهم ف مواجهة الؤمني .
وهم يظنون ف أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة على خداع هؤلء البسطاء ; ولكن القرآن يصف
حقيقة فعلتهم ,فهم ل يادعون الؤمني ,إنا يادعون ال كذلك أو ياولون:
(يادعون ال والذين آمنوا) . .
وف هذا النص وأمثاله نقف أمام حقيقة كبية ,وأمام تفضل من ال كري . .تلك القيقة هي الت
يؤكدها القرآن دائما ويقررها ,وهي حقيقة الصلة بي ال والؤمني .إنه يعل صفهم صفه ,
وأمرهم أمره .وشأنم شأنه .يضمهم سبحانه إليه ,ويأخذهم ف كنفه ,ويعل عدوهم عدوه ,
وما يوجه إليهم من مكر موجها إليه -سبحانه -وهذا هو التفضل العلوي الكري . .التفضل الذي
يرفع مقام الؤمني وحقيقتهم إل هذا الستوى السامق ; والذي يوحي بأن حقيقة اليان ف هذا
الوجود هي أكب وأكرم القائق ,والذي يسكب ف قلب الؤمن طمأنينة ل حد لا ,وهو يرى ال
229
-جل شأنه -يعل قضيته هي قضيته ,ومعركته هي معركته ,وعدوه هو عدوه ,ويأخذه ف صفة
,ويرفعه إل جواره الكري . .فماذا يكون العبيد وكيدهم وخداعهم وأذاهم الصغي ?!
وهو ف ذات الوقت تديد رعيب للذين ياولون خداع الؤمني والكر بم ,وإيصال الذى إليهم .
تديد لم بأن معركتهم ليست مع الؤمني وحدهم إنا هي مع ال القوي البار القهار .وأنم إنا
ياربون ال حي ياربون أولياءه ,وإنا يتصدون لنقمة ال حي ياولون هذه الحاولة اللئيمة .
وهذه القيقة من جانبيها جديرة بأن يتدبرها الؤمنون ليطمئنوا ويثبتوا ويضوا ف طريقهم ل يبالون
كيد الكائدين ,ول خداع الادعي ,ول أذى الشريرين .ويتدبرها أعداء الؤمني فيفزعوا ويرتاعوا
ويعرفوا من الذي ياربونه ويتصدون لنقمته حي يتصدون للمؤمني . .
ونعود إل هؤلء الذين يادعون ال والذين آمنوا بقولم:آمنا بال وباليوم الخر .ظاني ف أنفسهم
الذكاء والدهاء . .ولكن يا للسخرية ! يا للسخرية الت تنصب عليهم قبل أن تكتمل الية:
(وما يدعون إل أنفسهم ,وما يشعرون) . .
إنم من الغفلة بيث ل يدعون إل أنفسهم ف غي شعور ! إن ال بداعهم عليم ; والؤمنون ف
كنف ال فهو حافظهم من هذا الداع اللئيم .أما أولئك الغفال فهم يدعون أنفسهم ويغشونا .
يدعونا حي يظنون أنم أربوها وأكسبوها بذا النفاق ,ووقوها مغبة الصارحة بالكفر بي الؤمني
.وهم ف الوقت ذاته يوردونا موارد التهلكة بالكفر الذي يضمرونه ,والنفاق الذي يظهرونه .
وينتهون با إل شر مصي !
ولكن لاذا ياول النافقون هذه الحاولة ? ولاذا يادعون هذا الداع
(ف قلوبم مرض) . .
ف طبيعتهم آفة .ف قلوبم علة .وهذا ما ييد بم عن الطريق الواضح الستقيم .ويعلهم يستحقون
من ال أن يزيدهم ما هم فيه:
(فزادهم ال مرضا) . .
فالرض ينشىء الرض ,والنراف يبدأ يسيا ,ث تنفرج الزاوية ف كل خطوة وتزداد .سنة ل
تتخلف .سنة ال ف الشياء والوضاع ,وف الشاعر والسلوك .فهم صائرون إذن إل مصي معلوم
.الصي الذي يستحقه من يادعون ال والؤمني:
(ولم عذاب أليم با كانوا يكذبون) .
وصفة أخرى من صفاتم -وباصة الكباء منهم الذين كان لم ف أول العهد بالجرة مقام ف
قومهم ورياسة وسلطان كعبد ال بن أب بن سلول -صفة العناد وتبير ما يأتون من الفساد ,
والتبجح حي يأمنون أن يؤخذوا با يفعلون:
230
(وإذا قيل لم:ل تفسدوا ف الرض ,قالوا:إنا نن مصلحون .أل إنم هم الفسدون ,ولكن ل
يشعرون) . .
إنم ل يقفون عند حد الكذب والداع ,بل يضيفون اليهما السفه والدعاء( :وإذا قيل لم ل
تفسدوا ف الرض) . .ل يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الفساد ,بل تاوزوه إل التبجح والتبير:
(قالوا:إنا نن مصلحون) . .
والذين يفسدون أشنع الفساد ,ويقولون:إنم مصلحون ,كثيون جدا ف كل زمان .يقولونا لن
الوازين متلة ف أيديهم .ومت اختل ميزان الخلص والتجرد ف النفس اختلت سائر الوازين والقيم
.والذين ل يلصون سريرتم ل يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالم ,لن ميزان الي والشر والصلح
والفساد ف نفوسهم يتأرجح مع الهواء الذاتية ,ول يثوب إل قاعدة ربانية . .
ومن ث ييء التعقيب الاسم والتقرير الصادق:
(أل إنم هم الفسدون ,ولكن ل يشعرون) . .
ومن صفتهم كذلك التطاول والتعال على عامة الناس ,ليكسبوا لنفسهم مقاما زائفا ف أعي الناس:
(وإذا قيل لم:آمنوا كما آمن الناس ,قالوا:أنؤمن كما آمن السفهاء ? أل إنم هم السفهاء ,ولكن
ل يعلمون) . .
وواضح أن الدعوة الت كانت موجهة إليهم ف الدينة هي أن يؤمنوا اليان الالص الستقيم التجرد
من الهواء .إيان الخلصي الذين دخلوا ف السلم كافة ,وأسلموا وجوههم ل ,وفتحوا صدورهم
لرسول ال صلى ال عليه وسلم يوجههم فيستجيبون بكليتهم ملصي متجردين . .هؤلء هم الناس
الذين كان النافقون يدعون ليؤمنوا مثلهم هذا اليان الالص الواضح الستقيم . .
وواضح أنم كانوا يأنفون من هذا الستسلم للرسول صلى ال عليه وسلم ويرونه خاصا بفقراء
الناس غي لئق بالعلية ذوي القام ! ومن ث قالوا قولتهم هذه( :أنؤمن كما آمن السفهاء ?) . .ومن
ث جاءهم الرد الاسم ,والتقرير الازم:
(أل إنم هم السفهاء ,ولكن ل يعلمون) . .
ومت علم السفيه أنه سفيه ? ومت استشعر النحرف أنه بعيد عن السلك القوي ?!
ث تيء السمة الخية الت تكشف عن مدى الرتباط بي النافقي ف الدينة واليهود الانقي . .
إنم ل يقفون عند حد الكذب والداع ,والسفه والدعاء ,إنا يضيفون إليها الضعف واللؤم
والتآمر ف الظلم:
(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا ,وإذا خلوا إل شياطينهم قالوا:إنا معكم ,إنا نن مستهزؤون) . .
وبعض الناس يسب اللؤم قوة ,والكر السيء براعة .وهو ف حقيقته ضعف وخسة .فالقوي ليس
لئيما ول خبيثا ,ول خادعا ول متآمرا ول غمازا ف الفاء لازا .وهؤلء النافقون الذين كانوا
231
يبنون عن الواجهة ,ويتظاهرون باليان عند لقاء الؤمني ,ليتقوا الذى ,وليتخذوا هذا الستار
وسيلة للذى . .هؤلء كانوا إذا خلوا إل شياطينهم -وهم غالبا -اليهود الذين كانوا يدون ف
هؤلء النافقي أداة لتمزيق الصف السلمي وتفتيته ,كما أن هؤلء كانوا يدون ف اليهود سندا
وملذا . .هؤلء النافقون كانوا (إذا خلوا إل شياطينهم قالوا:إنا معكم إنا نن مستهزئون) -أي
بالؤمني -با نظهره من اليان والتصديق !
وما يكاد القرآن يكي فعلتهم هذه وقولتهم ,حت يصب عليهم من التهديد ما يهد الرواسي:
(ال يستهزئ بم ,ويدهم ف طغيانم يعمهون) . .
وما أبأس من يستهزيء به جبار السماوات والرض وما أشقاه !! وإن اليال ليمتد إل مشهد مفزع
رعيب .وإل مصي تقشعر من هوله القلوب .
وهو يقرأ(:ال يستهزئ بم ,ويدهم ف طغيانم يعمهون) . .فيدعهم يبطون على غي هدى ف
طريق ل يعرفون غايته ,واليد البارة تتلقفهم ف نايته ,كالفئران الزيلة تتواثب ف الفخ ,غافلة عن
القبض الكي . .وهذا هو الستهزاء الرعيب ,ل كاستهزائهم الزيل الصغي .
وهنا كذلك تبدو تلك القيقة الت أشرنا من قبل إليها .حقيقة تول ال -سبحانه -للمعركة الت
يراد با الؤمنون .وما وراء هذا التول من طمأنينة كاملة لولياء ال ,ومصي رعيب بشع لعداء ال
الغافلي ,التركي ف عماهم يبطون ,الخدوعي بد ال لم ف طغيانم ,وإمهالم بعض الوقت ف
عدوانم ,والصي الرعيب ينتظرهم هنالك ,وهم غافلون يعمهون !
والكلمة الخية الت تصور حقيقة حالم ,ومدى خسرانم:
(أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى ,فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين) . .فلقد كانوا يلكون
الدى لو أرادوا .كان الدى مبذول لم .وكان ف أيديهم .وكلنهم (اشتروا الضللة بالدى) ,
كأغفل ما يكون التجرون( :فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين) .
===========================
232
الباب السابع
يجب قتالهم بكل وسيلة ممكنة فهم أشد بكثير من
أعداء السلم المباشرين
يقول شيخ السلم مبينا السلم ابن تيمية رحه ال وجوب قتال أمثال هؤلء الذين يشبهون التتار
والغول
ب عََلْيهِ ؟ َومَنْ اعَْت َذرَ ِب َقوِْلهِ ُ { :أ ِمرْت ج ُ 11 - 95مَسْأََل ٌة :عَمّ ْن ُي ْؤ َمرُ بِالصّلَاةِ َفيَمْتَِنعُ َ ,ومَاذَا يَ ِ
أَنْ ُأقَاتِ َل النّاسَ حَتّى َيقُولُوا لَا إَلهَ إلّا الّلهُ } هَ ْل يَكُونُ َلهُ عُ ْذ ٌر فِي أَّنهُ لَا ُيعَاَقبُ َعلَى َترْكِ الصّلَا ِة َ ,أمْ
حتَ أَيْدِيهِمْ إذَا َترَكُوا الصّلَا َة ؟ َوهَلْ قِيَا ُمهُمْ جبُ َعلَى الُْأمَرَا ِء َووُلَاةِ الُْأمُورِ فِي حَ ّق مَنْ تَ ْ لَا ؟ َومَاذَا َي ِ
جهَا ِد وَأَكَْبرِ أَْبوَابِ اْلِبرّ ؟ فِي ذَِلكَ مِنْ َأعْظَ ِم الْ ِ
جوَابُ :اْلحَمْدُ لِّل ِه ,مَ ْن يَمْتَِنعُ َعنْ الصّلَا ِة الْ َم ْفرُوضَ ِة فَإِّنهُ َيسْتَحِ ّق اْل ُعقُوبَةَ اْلغَلِي َظةَ بِاّتفَاقِ أَئِمّةِ الْ َ
ب ,فَإِنْ ب عِنْدَ جُ ْمهُورِ الُْأمّ ِة :كَمَاِلكٍ ,وَالشّاِفعِ ّي ,وَأَحْمَ َد َ ,و َغْي ِرهِمْ أَ ْن يُسَْتتَا َ ج ُ سلِ ِميَ َ ,بلْ يَ ِ الْمُ ْ
شةِ . ق وَالزّانِي َ ,وشَا ِربِ الْخَ ْم ِر ,وَآكِلِ الْحَشِي َ تَابَ وَِإلّا قُِت َل َ .بلْ تَارِ ُك الصّلَاةِ َش ّر مِنْ السّارِ ِ
صغَارَ الّذِينَ لَ ْم يَْبُلغُوا ,قَالَ النّبِ ّي صلى جبُ َعلَى كُ ّل مُطَاعٍ أَنْ يَ ْأ ُم َر مَنْ يُطِي ُعهُ بِالصّلَاةِ َ ,حتّى ال ّ وََي ِ
ش ٍر ,وََفرّقُوا بَْيَنهُمْ فِي الْ َمضَاجِ ِع } . ضرِبُوهُمْ َعلَْيهَا ِلعَ ْ سبْ ٍع وَا ْ
ال عليه وسلم ُ { :مرُوهُمْ بِالصّلَاةِ لِ َ
صغِيَ , صغِيٌ مَ ْملُوكٌ َأوْ يَتِيمٌ َأوْ َولَدٌ فََلمْ يَ ْأ ُم ْرهُ بِالصّلَاةِ فَِإّنهُ ُيعَاَقبُ الْ َكبِيُ إذَا لَ ْم يَ ْأ ُمرْ ال ّ َومَنْ كَا َن عِنْ َد ُه َ
وَُي َع ّزرُ اْلكَبِ ُي عَلَى ذَِلكَ َت ْعزِيرًا بَلِيغًا ; لَِأّنهُ َعصَى الّلهَ َورَسُوَل ُه ,وَكَ َذِلكَ مَ ْن عِنْ َد ُه مَمَالِيكُ ِكبَا ٌر َ ,أوْ
ب َ ,أوْ خَ َد ٌم َ ,أوْ َزوْ َج ٌة , ِغلْمَانُ الْخَيْ ِل وَالْجِمَالِ وَالُْبزَاةِ َ ,أوْ َفرّاشُونَ َأوْ بَاِبيّ ٌة َيغْسِلُونَ الْأَبْدَانَ وَالثّيَا َ
َأوْ ُسرّيّ ٌة َ ,أوْ إمَا ٌء َ ,فعَلَْيهِ أَنْ يَ ْأ ُمرَ جَمِي َع َهؤُلَاءِ بِالصّلَا ِة ,فَإِنْ لَمْ َي ْفعَلْ كَا َن عَاصِيًا ِلّلهِ َورَسُوِلهِ ,وَلَمْ
شهَادََتيْ ِن , سلِ ِميَ ,بَ ْل مِنْ ُجنْدِ التّتَارِ .فَإِ ّن التّتَارَ َيتَكَلّمُونَ بِال ّ يَسَْتحِ ّق هَذَا أَ ْن يَكُونَ مِ ْن جُنْدِ الْمُ ْ
ي .وَكَذَِلكَ كُلّ طَاِئفَ ٍة مُمْتَِنعَ ٍة عَ ْن َشرِيعَ ٍة وَاحِ َدةٍ مِنْ سلِ ِم َع الْمُ ْ َومَ َع هَذَا َفقِتَاُلهُ ْم وَا ِجبٌ بِإِجْمَا ِ
شهَ ُد وَلَا ُنصَلّي قُوتِلُوا جبُ ِقتَاُلهَا ,فََل ْو قَالُوا :نَ ْ َشرَائِ ِع الْإِ ْسلَامِ الظّا ِه َرةِ َ ,أوْ اْلبَاطَِنةِ الْ َم ْعلُومَ ِة َ ,فإِّنهُ يَ ِ
حجّ صلّوا ,وََل ْو قَالُوا ُ :نصَلّي وَلَا ُنزَكّي قُوِتلُوا حَتّى ُيزَكّوا ,وََلوْ قَالُوا ُ :نزَكّي وَلَا َنصُومُ وَلَا نَ ُ حَتّى ُي َ
ع الرّبَا ,وَلَا ت .وََلوْ قَالُوا َ :ن ْفعَلُ هَذَا لَكِنْ لَا نَدَ ُ ,قُوِتلُوا َحتّى َيصُومُوا َرمَضَا َن َ .ويَحُجّوا اْلبَْي َ
جزْيَ َة َعلَى الَْيهُودِ وَالّنصَارَى ضرِبُ اْل ِ ش ,وَلَا نُجَاهِ ُد فِي سَبِيلِ الّل ِه ,وَلَا َن ْ ُشرْبَ الْخَ ْم ِر ,وَلَا اْل َفوَا ِح َ
ك ,قُوتِلُوا حَتّى َي ْفعَلُوا ذَِلكَ .كَمَا قَالَ َتعَالَى { :وَقَاتِلُوهُ ْم حَتّى لَا تَكُونَ ِفتْنَ ٌة َويَكُونَ ح ِو ذَِل َ
,وَنَ ْ
الدّينُ لِّل ِه } .وَقَدْ قَالَ َتعَالَى { :يَا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُوا اّتقُوا الّل َه َوذَرُوا مَا َبقِ َي مِنْ الرّبَا إنْ كُْنتُمْ
ب مِنْ الّلهِ َورَسُوِل ِه } .وَالرّبَا آ ِخرُ مَا َح ّرمَ الّلهُ ,وَكَانَ َأهْلُ حرْ ٍ ُم ْؤمِِنيَ ,فَإِ ْن لَمْ َت ْفعَلُوا فَ ْأ َذنُوا ِب َ
الطّائِفِ قَدْ أَ ْسلَمُوا َوصَّلوْا َوجَاهَدُوا ,فََبيّنَ الّلهُ أَّنهُمْ إذَا َلمْ يَْنَتهُوا عَنْ الرّبَا ,كَانُوا مِمّنْ حَا َربَ الّلهَ
َورَسُوَل ُه َ .وفِي الصّحِيحَيْنِ َأّنهُ لَمّا ُتوُفّ َي رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم وَ َك َف َر مَنْ َك َف َر مِنْ اْل َع َربِ ,
233
س ؟ وَقَ ْد قَالَ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم ُ { :أ ِمرْت أَنْ ُأقَاتِلَ قَا َل عُ َمرُ لِأَبِي بَ ْك ٍر َ :كيْفَ ُتقَاتِ ُل النّا َ
ك َعصَمُوا مِنّي ِدمَا َءهُمْ شهَدُوا أَنْ لَا إَلهَ إلّا الّلهُ .وَأَنّي رَسُو ُل الّلهِ .فَِإذَا َفعَلُوا ذَِل َ النّاسَ حَتّى يَ ْ
ح ّقهَا ,وَاَلّلهِ َل ْو مََنعُونِي ِعقَالًا كَانُوا ُي َؤدّوَنهُ ح ّقهَا } َ .فقَالَ أَبُو بَ ْكرٍ :أَلَ ْم َيقُلْ :إلّا بِ َ وََأ ْموَاَلهُ ْم إلّا بِ َ
إلَى رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلقَاتَلْته ْم عَلَْي ِه .قَا َل عُ َم ُر َ :فوَاَلّلهِ مَا ُهوَ إلّا أَ ْن رَأَيْت الّلهَ قَدْ
َشرَحَ صَ ْدرَ أَبِي بَ ْكرٍ ِل ْلقِتَا ِل َ ,فعَلِمْت أَّنهُ اْلحَ ّق .وَفِي الصّحِيحِ أَنّ { النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ذَ َكرَ
ح ِقرُ َأحَدُكُ ْم صَلَاَتهُ مَ َع صَلَاِتهِمْ َ ,وصِيَا َمهُ مَ َع صِيَا ِمهِ ْم ,وَِقرَاءََتهُ مَعَ ِقرَاءَِتهِ ْم , خوَارِجَ َفقَا َل :يَ ْ الْ َ
سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّ ِة َ ,أيْنَمَا َلقِيتُمُوهُمْ َي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ َحنَا ِج َرهُمْ يَ ْمرُقُو َن مِنْ الْإِ ْسلَامِ َكمَا يَ ْمرُقُ ال ّ
فَا ْقتُلُوهُ ْم ,فَإِنّ فِي قَْتِلهِمْ أَ ْجرًا عِْندَ الّلهِ ِلمَنْ قََتَلهُمْ َي ْومَ اْلقِيَامَ ِة } .فَِإذَا كَا َن الّذِينَ َيقُومُونَ اللّيْ َل ,
وََيصُومُونَ الّنهَا َر ,وََي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ َ ,أ َمرَ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِبقِتَاِلهِمْ ; لَِأّنهُمْ فَارَقُوا السّنّةَ
ق مُلُو ِكهِ ْم . وَالْجَمَا َع َة ,فَكَيْفَ بِال ّطوَائِفِ الّذِينَ لَا يَ ْلَتزِمُونَ َشرَائِعَ اْلإِسْلَامِ ,وَإِنّمَا َيعْمَلُونَ بِبَاسَا ِ
ك .وَاَلّلهُ َأ ْعلَ ُم . وََأمْثَالِ ذَِل َ
َفصْلٌ وََأمّا ُسؤَالُ اْلقَائِ ِل " إّنهُمْ َأصْحَابُ اْلعِلْ ِم الْبَاطِ ِن " فَ َد ْعوَاهُمْ الّتِي ا ّدعُوهَا مِنْ اْلعِلْمِ الْبَاطِ ِن ُهوَ
َأعْظَ ُم حُجّ ٍة َودَلِي ٍل عَلَى َأّنهُ ْم زَنَادَِق ٌة مُنَاِفقُونَ ; لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاَلّلهِ ,وَلَا ِبرَسُوِل ِه َ ,ولَا بِاْلَي ْومِ الْآ ِخرِ ,فَإِنّ
شرِ ِكيَ عَلَى هَذَا اْل ِعلْمَ اْلبَاطِنَ الّذِي ا ّدعُو ُه ُهوَ ُك ْفرٌ بِاّتفَاقِ الْمُسِْل ِميَ وَالَْيهُودِ وَالّنصَارَى ; بَلْ أَ ْكَثرُ الْ ُم ْ
ف الْ َمعْلُو َم عِنْدَ الْ ُم ْؤمِِنيَ فِي الَْأوَا ِمرِ , َأّنهُ ُك ْفرٌ أَْيضًا ; فَإِ ّن مَضْمُوَنهُ أَنّ لِ ْلكُُتبِ اْلإَِلهِيّةِ َبوَاطِ َن تُخَالِ ُ
وَالّنوَاهِي ,وَالْأَخْبَارِ َ .أمّا " الَْأوَا ِمرُ " َفإِنّ النّاسَ َيعْلَمُونَ بِالِاضْ ِطرَا ِر مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ أَ ّن مُحَمّدًا َأ َم َرهُمْ
ت الْمَكْتُوبَ ِة ,وَالزّكَاةِ الْ َم ْفرُوضَ ِة َ ,وصِيَامِ َش ْهرِ َر َمضَانَ ,وَحَ ّج الَْبْيتِ اْلعَتِي ِق .وََأمّا " بِالصَّلوَا ِ
ش مَا َظ َهرَ مِْنهَا َومَا بَطَ َن وَالْأَثِ َم ,وَاْلَبغْيَ ِبغَْيرِ الْحَ ّق , الّنوَاهِي " فَإِنّ الّلهَ َتعَالَى َح ّر َم عََلْيهِمْ اْل َفوَا ِح َ
شرِكُوا بِاَلّل ِه مَا لَمْ ُيَنزّلْ ِبهِ سُلْطَانًا ,وَأَ ْن َيقُولُوا عَلَى الّل ِه مَا لَا َي ْعلَمُونَ ,كَمَا َحرّمَ الْخَ ْم َر , وَأَنْ ُي ْ
ك َ .ف َزعَمَ َهؤُلَاءِ أَّنهُ َلْيسَ الْ ُمرَادُ ِبهَذَا مَا َي ْعرُِفهُ س َر َ ,وغَْي َر ذَِل َ ح َذوَاتِ الْ َمحَا ِرمِ ,وَالرّبَا وَالْ َميْ ِ وَِنكَا َ
سلِمُو َن ,وَلَ ِكنْ ِلهَذَا بَاطِنٌ َيعْلَ ُم ُه َهؤُلَاءِ الَْأئِمّ ُة الِْإسْمَاعِيلِيّة ,الّذِي َن اْنتَسَبُوا إلَى مُحَمّدِ ْبنِ إسْمَاعِيلَ الْمُ ْ
بْنِ َج ْع َفرٍ ,الّذِينَ َيقُولُو َن :إّنهُ ْم مَ ْعصُومُو َن ,وََأّنهُمْ َأصْحَابُ اْلعِلْ ِم الْبَا ِط ِن َ ,ك َقوِْلهِ ْم " :الصّلَاةُ "
ت الرّكُوعِ وَالسّجُودِ وَاْل ِقرَاءَ ِة " .وَالصّيَامُ " كِتْمَانُ َأ ْسرَارِنَا لَْيسَ َم ْعرِفَةُ َأ ْسرَارِنَا ; لَا هَ ِذهِ الصَّلوَاتُ ذَا ُ
ح " .وَاْلحَ ّج " ِزيَا َرةُ شُيُو ِخنَا الْ ُمقَدّ ِسيَ .وََأمْثَا ُل ذَِلكَ . ش ْربِ وَالنّكَا ِ ُهوَ الِْإمْسَا ُك عَ ْن الْأَكْ ِل وَال ّ
حلّونَح ّرمَاتِ ; بَلْ َيسْتَ ِ ح ّرمُونَ هَ ِذهِ الْمُ ََو َهؤُلَاءِ اْلمُ ّدعُونَ لِلْبَاطِنِ لَا يُوجِبُو َن هَ ِذهِ اْلعِبَادَاتِ وَلَا يُ َ
ت َ ,و َمعْلُومٌ أَنّ ك مِنْ الْ ُمنْ َكرَا ِ ت َ ,وغَْي َر ذَِل َ
ش مَا َظ َه َر مِْنهَا َومَا بَطَ َن ,وَنِكَاحَ الُْأ ّمهَاتِ وَالَْبنَا ِ اْل َفوَا ِح َ
َهؤُلَاءِ أَ ْك َفرُ مِ ْن الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى ,فَمَنْ يَكُو ُن هَكَذَا كَيْفَ َيكُونُ َم ْعصُومًا ؟ , ,وََأمّا " الَْأخْبَا ُر "
ب وَاْل ِعقَابِ فَإِّنهُمْ لَا ُي ِقرّونَ ِبقِيَامِ النّاسِ مِنْ ُقبُو ِرهِمْ ِل َربّ اْلعَالَ ِميَ ; وَلَا بِمَا َوعَدَ الّلهُ ِب ِه عِبَا َد ُه مِنْ الّثوَا ِ
; بَ ْل وَلَا بِمَا أَ ْخَب َرتْ ِبهِ الرّسُ ُل مِنْ الْ َملَاِئكَةِ ; بَ ْل وَلَا ِبمَا ذَ َكرَْتهُ مِنْ أَسْمَاءِ الّل ِه َوصِفَاِتهِ ,بَلْ أَ ْخبَا ُرهُمْ
234
سفَةِ الْمَشّاِئيَ التّاِب ِعيَ لَِأرِ ْسطُو ,وَُيرِيدُونَ أَ ْن يَجْ َمعُوا َبيْ َن مَا أَخَْبرَ ِبهِ الرّسُلُ ع الْمَُتفَ ْل ِ
الّتِي يَتِّبعُوَنهَا اتّبَا َ
ي, صفَا " َوهُ ْم َعلَى َطرِيقَ ِة َهؤُلَاءِ اْلعَُبيْدِّي َ ب " رَسَائِ ِل إ ْخوَانِ ال ّ َومَا َيقُوُلهُ َهؤُلَاءِ ,كَمَا َفعَلَ َأصْحَا ُ
سلِ ِميَ َ ,أوْ اْلَيهُودِ َ ,أوْ ف دِينَ الْمُ ْ ح " َ .فهَ ْل يُنْ ِكرُ أَحَ ٌد مِمّنْ َي ْعرِ ُ ُذرّيّ ِة " عَْبدِ الّلهِ بْ ِن مَيْمُونٍ اْلقَدّا ِ
ث وَإِنْ كَانَ فِي ذَِلكَ صفَا " مُخَالِفٌ ِللْمِلَ ِل الثّلَا ِ ب " رَسَائِ ِل إ ْخوَا ِن ال ّ الّنصَارَى :أَ ّن مَا َيقُوُلهُ َأصْحَا ُ
ق ,وَالسّيَاسَ ِة ,وَالْ َمْنزِلِ ض الْمَْن ِطقِيّ ِة ,وَالِْإَلهِيّ ِة َ ,وعُلُومِ الَْأخْلَا ِ
مِنْ اْلعُلُومِ الرّيَاضِيّ ِة ,وَالطّبِيعِيّةِ ,وََبعْ ِ
:مَا لَا ُينْ َكرُ ; فَإِ ّن فِي ذَِلكَ مِ ْن مُخَاَل َفةِ الرّ ُسلِ فِيمَا أَخَْب َرتْ ِب ِه وََأمَ َرتْ ِبهِ ,وَالتّكْذِيبِ بِكَثِ ٍي مِمّا
خفَى َعلَى عَارِفٍ بِمِلّ ٍة مِنْ الْ ِملَلِ َ .ف َهؤُلَاءِ خَارِجُونَ جَاءَتْ ِب ِه َ ,وتَبْدِيلِ َشرَائِعِ الرّ ُسلِ كُّلهِمْ بِمَا لَا يَ ْ
ث َ .ومِنْ أَكَاذِيِبهِ ْم َو َزعْ ِمهِمْ :أَ ّن هَ ِذ ِه " الرّسَاِئ َل " مِنْ كَلَامِ َج ْع َفرِ بْ ِن مُحَمّدِ الصّادِقِ عَ ْن الْ ِملَلِ الثّلَا ِ
ض ُعهَا فِيهَا مَا .وَاْلعَُلمَاءُ َيعْلَمُونَ أَّنهَا إنّمَا ُوضِ َعتْ َبعْدَ الْمِائَ ِة الثّالَِث ِة َزمَانَ بِنَاءِ اْلقَا ِهرَ ِة َ ,وقَ ْد ذَ َكرَ وَا ِ
حوَا ِدثِ الّتِي حَدََثتْ ك مِنْ الْ َ ح َو ذَِل َحَ َدثَ فِي اْلإِسْلَامِ مِنْ اسْتِيلَاءِ الّنصَارَى عَلَى َسوَا ِحلِ الشّامِ ,وَنَ ْ
ي َومِائَةٍ ,قَْبلَ بِنَاءِ َبعْدَ الْمِائَ ِة الثّالَِث ِة ,وَ َج ْع َفرُ بْ ُن مُحَمّ ٍد -رضي ال عنه ُ -توُفّيَ سََنةَ ثَمَا ٍن وََأرَْب ِع َ
اْلقَا ِه َرةِ بِأَكَْث َر مِنْ مِائَتَ ْي سَنَ ٍة ; إذْ اْلقَا ِه َرةُ بُِنَيتْ َحوْلَ السّّتيَ َوثَلَاثِمِاَئ ٍة َ ,كمَا فِي تَارِي ِخ الْجَامِ ِع الَْأ ْز َهرِ
سيَ ,وَأَّنهُ فِي سََنةِ اْثنَيْ ِن وَ ِسّتيَ قَ ِدمَ " َمعْدُ بْنُ تَمِي ٍم " " .وَُيقَالُ :إنّ ابْتِدَاءَ بِنَاِئهَا سََنةَ ثَمَا ٍن َوخَمْ ِ
سفَةَ الّذِي َن ُيعْلَمُ ُخرُو ُجهُ ْم مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ كَانُوا ب وَا ْسَتوْطََنهَا َ .ومِمّا يُبَيّ ُن هَذَا أَنّ الْمَُتفَ ْل ِ مِنْ الْ َم ْغرِ ِ
ش ِر بْنِ فَاِتكٍ َأحَدِ ُأ َمرَاِئهِ ْم ,وََأبِي عَلِ ّي بْنِ اْلهَيْثَ ِم اللّذَيْنِ كَانَا فِي َدوَْلةِ اْلحَاكِمِ نَازَِليْنِ ع مُبَ ّ مِنْ أَْتبَا ِ
َقرِيبًا مِ ْن الْجَامِعِ الَْأ ْز َهرِ .وَابْ ُن سِينَا وَاْبُنهُ وََأخُوهُ كَانُوا مِنْ أَْتبَا ِعهِمَا :قَالَ ابْنُ سِينَا :وََقرَأْت مِنْ
س " ,وَكَا َن وُجُو ُدهُ َعلَى َعهْدِ اْلحَاكِمِ س َف ِة ,وَكُنْت أَسْ َمعُ أَبِي وَأَخِي يَذْ ُكرَانِ " اْل َعقْ َل " " وَالّنفْ َ اْلفَلْ َ
س إلَى ,وَقَ ْد عَلِ َم النّاسُ مِ ْن سِ َيةِ الْحَاكِ ِم مَا َعلِمُوهُ َ ,ومَا َفعََلهُ هشتكي ال ّد ْرزِيّ بَِأ ْم ِرهِ مِ ْن َد ْع َوةِ النّا ِ
صرَ عَلَى ذَِلكَ ,ثُ ّم َذهَاُبهُ إلَى الشّامِ َحتّى َأضَ ّل وَادِي التّيْمِ بْ ِن َثعْلََب َة . ِعبَادَِتهِ َ ,و ُمقَاتََلِتهِ َأهْ َل ِم ْ
وَالزّنْدََق ُة وَالّنفَاقُ فِيهِمْ إلَى الَْي ْومِ َ ,وعِنْ َدهُمْ ُكُتبُ الْحَاكِ ِم ,وَقَدْ َأخَ ْذتَا مِْنهُ ْم ,وََقرَأْت مَا فِيهَا مِنْ
سلِ ِميَ ِعبَادَِتهِمْ اْلحَاكِمَ ; وَِإ ْسقَاطِ ِه عَْنهُ ْم الصّلَا َة ,وَالزّكَاةَ ,وَالصّيَامَ ,وَاْلحَ ّج َ ,وتَسْمَِيةِ الْمُ ْ
ك مِنْ أَْنوَاعِ ش ِويّةِ .إلَى َأمْثَا ِل ذَِل َ ح ّرمِيَ لِمَا َح ّرمَ الّلهُ َورَسُوُلهُ بِالْحَ ْ الْمُو ِجِبيَ ِلهَ ِذهِ اْلوَا ِجبَاتِ الْ ُم َ
حصَى .وَبِالْجُ ْملَ ِة " َفعِلْ ُم الْبَا ِطنِ " الّذِي يَ ّدعُونَ َمضْمُوُنهُ الْ ُك ْفرُ بِاَلّل ِه َ ,ومَلَائِكَِتهِ ق الّتِي لَا تَكَادُ تُ ْ الّنفَا ِ
وَ ُكتُِبهِ َورُ ُسِلهِ وَالَْي ْومِ الْآ ِخرِ ; بَ ْل ُهوَ جَامِعٌ لِكُلّ ُك ْفرٍ ,لَ ِكّنهُمْ فِي ِه عَلَى َدرَجَاتٍ َفلَْيسُوا مُسَْتوِينَ فِي
سبِ ُبعْ ِدهِ ْم مِنْ س بِحَ َ الْ ُك ْفرِ ; إ ْذ ُهوَ ِعنْ َدهُمْ سَبْعُ َطَبقَاتٍ ,كُلّ طََبقَ ٍة يُخَا ِطبُونَ ِبهَا طَاِئفَ ًة مِ ْن النّا ِ
ت رَكّبُوهَا مِنْ مَ ْذ َهبِ اْلمَجُوسِ ,وَاْل َفلَا ِسفَ ِة ,وَالرّاِفضَ ِة مِثْلُ ب وََترْتِيبَا ٌ الدّي ِن وَُقرِْبهِ ْم مِْنهُ .وََلهُمْ أَْلقَا ٌ
س " َكاَلّذِي يَذْ ُك ُرهُ اْلفَلَا ِسفَ ُة , َقوِْلهِ ْم " :السّابِ ُق " " وَالتّالِي " َجعَلُوهُمَا بِِإزَاءِ ,اْل َعقْ ِل " " وَالّنفْ ِ
س َ .وهُمْ َينْتَمُونَ إلَى مُحَمّ ِد بْنِ إسْمَاعِيلَ ْبنِ َج ْعفَ ٍر , وَِبِإزَاءِ النّورِ وَالظّ ْلمَةِ كَاَلّذِي يَ ْذ ُك ُرهُ الْمَجُو ُ
حجّ ِة ,وَالْبَابِ َ ,وغَْي ِر ذَِلكَ مِمّا َيطُولُ س ,وَالْ ُ وََي ّدعُونَ َأّنهُ ُهوَ السّابِ ُع وَيَتَ َكلّمُونَ فِي الْبَاطِ ِن .وَالْأَسَا ِ
235
ي مِنْ " غ الَْأعْظَ ِم " أَّنهُمْ يَ ْدخُلُو َن عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ ص ُفهُمْ َ .ومِنْ َوصَايَاهُمْ فِي " النّامُوسِ الْأَكَْب ِر ,وَالَْبلَا ِ َو ْ
ف ,وََأضْ َع ِفهَا َعقْلًا َوعِلْمًا ,وََأْبعَ ِدهَا عَنْ بَابِ التّشَيّ ِع " َوذَِلكَ ِل ِعلْ ِمهِمْ بِأَنّ الشّي َعةَ مِنْ َأ ْجهَلِ ال ّطوَائِ ِ
شّيعَةِ قَ ِديًا وَحَدِيثًا ,كَمَا ت الزّنَادَِق ُة عَلَى الْإِ ْسلَا ِم مِنْ بَابِ الْ ُمتَ َ دِينِ الِْإسْلَا ِم عِلْمًا َوعَمَلًا َ ,وِلهَذَا دَخََل ْ
دَخَ َل الْ ُكفّارُ الْمُحَارِبُو َن مَدَائِنَ الْإِ ْسلَامِ َبغْدَادَ بِ ُمعَاوََنةِ الشّيعَ ِة ,كَمَا َجرَى َلهُمْ فِي َدوْلَ ِة الّترْك الْ ُكفّارِ
شيّعَ ي مَعَ الّنصَارَى َو َغْي ِرهِمْ َ ,فهُمْ ُي ْظ ِهرُونَ التّ َ بَِبغْدَاد وَ َحَلبَ َوغَْي ِرهِمَا ; بَلْ كَمَا َجرَى ِبَتغَّيرِ الْ ُمسْلِ ِم َ
ِلمَنْ يَ ْدعُوَن ُه ,وَِإذَا ا ْستَجَابَ َلهُمْ َنقَلُوهُ إلَى الرّ ْفضِ وَاْلقَدْحِ فِي الصّحَابَةِ ,فَإِ ْن رََأ ْوهُ قَاِبلًا َن َقلُوهُ إلَى
ال ّطعْنِ فِي َعلِ ّي َوغَْي ِرهِ ثُمّ َنقَلُوهُ إلَى اْلقَدْحِ فِي نَِبيّنَا وَسَاِئرِ الَْأنِْبيَاءِ ,وَقَالُوا :إ ّن الْأَْنبِيَاءَ َلهُمْ َبوَاطِنُ
ضعُو ُه مِنْ ضهِمْ الدّْنَيوِيّ ِة بِمَا َو َ وَأَ ْسرَارٌ تُخَالِفُ مَا َعلَْيهِ ُأمُّتهُمْ ,وَكَانُوا َق ْومًا َأذْكِيَاءَ ُفضَلَاءَ قَالُوا بَِأ ْغرَا ِ
ضعِيفَ الرّْأيِ حَْيثُ ش ْرعِيّ ِة ,ثُمّ قَ َدحُوا فِي الْمَسِي ِح وََنسَبُوهُ إلَى يُوسُفَ النّجّا ِر ,وَ َج َعلُوهُ َ الّنوَامِيسِ ال ّ
ح مِنْ الْ َمسِي ِح ; لَكِ ْن هُمْ َش ّر مِنْ اْلَيهُودِ .فَِإّنهُمْ تَمَكّ َن عَ ُد ّوهُ ِمْنهُ َحتّى صَلََبهُ َفُيوَاِفقُونَ الَْيهُودَ فِي اْلقَدْ ِ
َيقْدَحُونَ فِي الْأَْنبِيَا ِء .وََأمّا مُوسَى َومُحَمّدٌ فَُيعَظّمُونَ َأ ْم َرهُمَا ِ ,لتَمَكِّنهِمَا َوَق ْهرِ عَ ُد ّوهِمَا ; َويَ ّدعُونَ
َأّنهُمَا أَ ْظ َهرَا مَا أَ ْظ َهرَا مِنْ الْ ِكتَابِ لِ َذبّ اْلعَامّ ِة ,وَأَنّ لِذَِلكَ أَ ْسرَارًا بَاطَِن ًة مَ ْن َعرََفهَا صَارَ مِنْ الْكُمّلِ
س بِكُلّ الْبَاِل ِغيَ َ .وَيقُولُونَ :إنّ الّلهَ أَحَلّ كُ ّل مَا َنشَْتهِي ِه مِنْ اْل َفوَا ِحشِ وَالْمُنْ َكرَاتِ ,وَأَخْذِ َأ ْموَا ِل النّا ِ
ب عَلَى اْلعَامّ ِة :مِ ْن صَلَا ٍة َ ,وزَكَا ٍة َوصِيَا ٍم َوغَْي ِر ذَِلكَ ; إذْ ج ُ جبْ َعلَيْنَا شَ ْيءٌ مِمّا يَ ِ َطرِيقٍ ; وَلَمْ َي ِ
ب وَلَا ِعقَابَ .وَفِي " إْثبَاتِ وَا ِجبِ اْل ُوجُودِ " الْبَالِ ُغ عِنْ َدهُ ْم قَ ْد َعرَفَ َأّنهُ لَا جَنّ َة وَلَا نَارَ ; وَلَا َثوَا َ
الْمُْبدِعِ لِ ْلعَالَ ِم َعلَى َقوَْليْنِ لَِأئِمِّتهِمْ ُتنْ ِك ُرهُ َوَت ْزعُمُ أَ ّن الْمَشّاِئيَ مِ ْن اْلفَلَا ِسفَةِ فِي ِنزَاعٍ إلّا فِي وَا ِجبِ
اْلوُجُودِ ; وََيسَْتهِينُونَ بِذِ ْكرِ الّلهِ وَاسْ ِمهِ حَتّى يَكُْتبَ أَ َح ُدهُمْ اسْ َم الّلهِ وَاسْ َم رَسُوِلهِ فِي أَ ْس َفِلهِ ; وََأمْثَالُ
شهُو َرةً ; وَالْإِ ْسمَاعِيلِيّة الّذِينَ كَانُوا عَلَى هَذَا ت مَ ْ ك مِنْ ُك ْفرِهِمْ كَِثيٌ َ .و َذوُو ال ّد ْع َوةِ الّتِي كَاَن ْ ذَِل َ
ك :كَانُوا ت َوغَْي ِرهَا فِي بِلَادِ ُخرَاسَانَ ; َوبَِأ ْرضِ الْيَ َم ِن وَجِبَا ِل الشّامِ ; َوغَْيرِ ذَِل َ ع الْأَلْمُو ِ الْمَ ْذ َهبِ ِبقِلَا ِ
ح الّذِي كَا َن رَْأسُ الْإِ ْسمَاعِيلِيّة ; وَكَانَ اْل َغزَالِيّ سئُو ِل عَْنهُمْ ; وَابْ ُن الصّبّا ِ َعلَى مَ ْذ َهبِ اْلعُبَيْ ِدّييَ الْمَ ْ
صرِ ,وَكَانَ أَ ْطوَُلهُمْ مُ ّدةً ; وََتَلقّى عَْنهُ أَ ْسرَا َرهُمْ صرَ فِي َدوَْلةِ اْلمُسَْتْن ِ يُنَا ِظرُ َأصْحَاَبهُ لَمّا كَانَ قَ ِدمَ إلَى ِم ْ
ي وََأرَْبعِمِاَئةٍ لَمّا جَاهَدَ س َسةِ سََنةَ خَمْ ِ صرِ كَاَنتْ ِفتَْنةُ اْلبَسَا ِس ِريّ فِي الْمِائَةِ الْخَامِ َ ستَْن ِ
.وَفِي َدوْلَ ِة الْمُ ْ
صرِ اْلعَُبيْ ِديّ َو َذ َهبَ ستَْن ِ الَْبسَا ِس ِريّ خَارِجًا عَنْ طَا َعةِ اْلخَلِيفَةِ اْلقَائِمِ بَِأ ْمرِ الّلهِ اْلعَبّا ِس ّي ,وَاّتفَ َق مَعَ الْمُ ْ
ق ,وَأَ ْظ َهرُوا فِي ِبلَادِ الشّامِ وَاْل ِعرَاقِ ِشعَارَ الرّاِفضَةِ كَمَا كَانُوا قَدْ أَ ْظ َهرُوهَا بَِأ ْرضِ شرُ إلَى اْل ِعرَا ِيَحْ ُ
ي وَشُيُو ِخهِمْ َكمَا كَانَ َسَل ُفهُمْ قَتَلُوا َقبْ َل ذَِلكَ بِالْ َم ْغ ِربِ ف مِنْ ُعلَمَاءِ الْ ُمسْلِ ِم َ صرَ ,وَقََتلُوا َطوَائِ َ ِم ْ
ف ,وََأذّنُوا عَلَى الْمَنَاِب ِر " :حَ ّي عَلَى خَْيرِ اْلعَمَ ِل " َحتّى جَاءَ الّترْكُ السّلَا ِجقَةُ " الّذِينَ كَانُوا َطوَائِ َ
شهِيدُ نُورُ الدّي ِن مَحْمُو ٌد " صرَ ,وَكَا َن مِنْ َأوَا ِخ ِرهِمْ " ال ّ سلِ ِميَ َف َه َزمُوهُ ْم وَ َط َردُوهُمْ إلَى ِم ْ مُلُو َك الْمُ ْ
صرَ لَمّا اسَْتنْجَدُوهُ الّذِي فََتحَ أَكَْثرَ الشّا ِم ,وَاسَْتْنقَ َذهُ مِنْ أَيْدِي الّنصَارَى ; ثُمّ َب َعثَ َعسْ َك َرهُ إلَى مِ ْ
ح الدّينِ الّذِي َفتَ َح ِمصْرَ ; فََأزَا َل عَْنهَا َد ْع َوةَ َعلَى اْلإِ ْفرِْنجِ ,وَتَ َك ّر َر دُخُولُ اْلعَسْ َكرِ إلَْيهَا مَ َع صَلَا ِ
236
اْلعُبَْيدِّييَ مِ ْن اْل َقرَامِطَ ِة الْبَا ِطنِيّ ِة ,وَأَ ْظ َهرَ فِيهَا َشرَائِ َع الِْإسْلَا ِم ,حَتّى سَكََنهَا مِنْ حِينَئِ ٍذ مَنْ أَ ْظ َهرَ ِبهَا
صرَ أَنْ َي ْروِيَ حَدِيثًا عَ ْن رَسُو ِل الّلهِ َفُيقْتَ ُل , ف السّاكِنُ بِ ِم ْ دِينَ الِْإسْلَا ِم .وَكَانَ فِي أَْثنَا ِء َدوْلَِتهِمْ يَخَا ُ
ب عَبْدِ اْلغَنِيّ بْ ِن َسعِي ٍد ,وَامْتَنَ َع مِ ْن ِروَاَيةِ الْحَدِيثِ حبّا ُل صَا ِح ُ كَمَا حَكَى ذَِلكَ إْبرَاهِيمُ بْ ُن َسعْدٍ الْ َ
ب .وَكَا َن بِالْجَامِعِ َخوْفًا أَنْ َيقُْتلُوهُ ,وَكَانُوا يُنَادُونَ بَيْ َن اْل َقصْرَيْ ِن :مَنْ َلعَ َن وَ َسبّ َ ,فَلهُ دِينَا ٌر وَِإ ْردَ ّ
صرِي ِح ,وَكَانَ َلهُ ْم مَ ْدرَ َسةٌ ِب ُق ْربِ الَْأ ْز َهرِ عِ ّد ُة َمقَاصِيَ يُ ْلعَنُ فِيهَا الصّحَابَ ُة ; بَلْ ُيقْ ِط ُعهُمْ فِيهَا بِاْل ُكفْرِ ال ّ
حسَيْ ُن ,وَلَا شَ ْي ٌء مِْنهُ :بِاّتفَاقِ اْل ُعلَمَاءِ . سبُوهُ إلَى اْلحُسَْي ِن وَلَْيسَ ,فِيهِ الْ ُ شهَ ِد " الّذِي بََن ْو ُه وَنَ َ " اْلمَ ْ
ك مِنْ ح َو ذَِل َ سلِ ِميَ ; بَ ْل الْ َمنْطِ َق ,وَالطّبِيعَ َة ,وَالْإَِلهِ ّي ,وَنَ ْ وَكَانُوا لَا يُ َدرّسُونَ فِي مَ ْدرَ َسِتهِمْ ُعلُومَ الْمُ ْ
َمقَالَاتِ اْل َفلَا ِسفَ ِة .وَبََنوْا َأ ْرصَادًا عَلَى الْجِبَا ِل َوغَْيرِ اْلجِبَالِ َ ,ي ْرصُدُونَ فِيهَا الْ َكوَا ِكبَ َ ,يعْبُدُوَنهَا ,
شرِ ِكيَ الْ ُكفّا ِر ,كَشَيَا ِطيِ وَُيسَبّحُوَنهَا ,وََيسَْتْنزِلُونَ رُوحَانِيّاِتهَا الّتِي هِيَ َشيَا ِطيُ تََتَنزّ ُل عَلَى الْمُ ْ
ك َ ,فصَنّفَ ح ِو ذَِلكَ " .وَالْ ُم ِعزّ بْنُ تَمِيمِ بْ ِن َمعْدٍ " َأوّ ُل مَ ْن دَخَلَ اْلقَا ِهرَ َة مِْنهُمْ فِي ذَِل َ الَْأصْنَا ِم َ ,ونَ ْ
سلِمًا مِنْ َأهْلِ السّنّ ِة , َكلَامًا َمعْرُوفًا عِْندَ أَتْبَا ِعهِ ; وََلْيسَ هَذَا " الْ ُم ِعزّ بْنُ بَادِيسَ " فَإِ ّن ذَاكَ كَانَ مُ ْ
وَكَا َن رَ ُجلًا مِ ْن مُلُوكِ الْ َم ْغرِبِ ; َوهَذَا َبعْدَ ذَاكَ بِمُ ّد ٍة .وَلَِأجْ ِل مَا كَانُوا عَلَْي ِه مِنْ الزّنْدََقةِ وَالِْب ْدعَةِ
ح َو مِائََتيْ سََنةٍ قَ ْد انْ َطفَأَ نُورُ اْلإِسْلَامِ وَالِْإيَا ِن ,حَتّى قَاَلتْ فِيهَا َبقَِيتْ الِْبلَادُ الْ ِمصْرِيّ ُة مُ ّدةَ َدوْلَِتهِ ْم نَ ْ
ب .وَاْل َقرَامِطَةِ " اْلخَارِ ِجيَ بَِأ ْرضِ اْل ِعرَاقِ سيْلِ َمةَ اْلكَذّا ِ ت دَا َر ِر ّدةٍ َوِنفَاقٍ ,كَدَارِ مُ َ اْلعُلَمَا ُء :إّنهَا كَاَن ْ
صرَ ; ب ,ثُمّ جَاءُوا مِنْ الْ َم ْغرِبِ إلَى ِم ْ الّذِينَ كَانُوا سََلفًا ِل َهؤُلَاءِ اْل َقرَامِطَ ِة َذهَبُوا مِنْ اْل ِعرَاقِ إلَى الْ َم ْغرِ ِ
ع مُسَْيلِ َمةَ فَإِنّ ُك ْفرَ َهؤُلَا ِء َو ِردَّتهُمْ مِنْ َأعْظَ ِم الْ ُك ْف ِر وَال ّر ّدةِ َ ,وهُمْ َأعْظَمُ ُك ْفرًا َو ِردّ ًة مِنْ ُك ْفرِ أَْتبَا ِ
شرَائِ ِع مَا قَاَلهُ أَِئمّ ُة َهؤُلَاءِ ح ُوهُ مِ ْن الْكَذّاِبيَ ; فَإِنّ أُوَلِئكَ لَمْ َيقُولُوا فِي اْلإَِلهِيّةِ وَالرّبُوِبيّ ِة وَال ّ الْكَذّابِ َونَ ْ
سلِ ِميَ وَالْ ُكفّارِ فَإِ ّن قُبُو َرهُمْ ي ,كَمَا يُمَّيزُ َبيْنَ ُقبُورِ الْمُ ْ سلِ ِم َ
.وَِلهَذَا يُمَّيزُ َبيْنَ قُبُو ِرهِ ْم وَُقبُورِ الْمُ ْ
ُموَ ّجهَ ٌة إلَى غَْيرِ اْل ِقبَْلةِ .وَِإذَا َأصَابَ اْلخَيْلُ َأ ْرصَ َدهُ َأَتوْا ِبهَا إلَى ُقبُو ِرهِمْ ,كَمَا يَ ْأتُونَ ِبهَا إلَى قُبُورِ
خيْ َل َمغَلٌ َذهَبُوا ِبهَا إلَى قُبُورِ الّنصَارَى بِ ِدمَشْ َق , الْ ُكفّا ِر َ ,وهَ ِذ ِه عَا َدةٌ َم ْعرُوفَةٌ ِللْخَْيلِ إذَا َأصَابَ الْ َ
صرَ ح ِوهِمَا َ ,ذهَبُوا ِبهَا إلَى ُقبُو ِرهِمْ ,وَإِنْ كَانُوا بِ ِم ْ وَإِنْ كَانُوا بِ َمسَاكِ ِن الْإِسْمَاعِيِليّة وَالّنصَْيرِيّ ِة وَنَ ْ
ف ,وََليْسُوا مِنْ َذهَبُوا ِبهَا إلَى قُبُورِ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى َ ,أوْ ِل َهؤُلَاءِ اْلعَُبيْدِّييَ الّذِينَ قَ ْد يََتسَ ّموْنَ بِالَْأ ْشرَا ِ
حيَ ; وَلَا إلَى ُقبُورِ عُمُومِ الْمُسِْل ِميَ َوهَذَا َأ ْمرٌ الْأَ ْشرَافِ ,وَلَا َي ْذهَبُونَ بِاْلخَيْ ِل إلَى قُبُو ِر الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ
ب ذَِلكَ :أَنّ الْ ُكفّارَ ُيعَاَقبُونَ فِي ُقبُو ِرهِمْ َ ,فتَسْمَعُ جنْ ِد َوعُلَمَاِئهِ ْم .وَقَ ْد ذُ ِكرَ سََب ُ ج ّر ٌد مَعْلُو ٌم عِنْ َد الْ ُ
مُ َ
صوَاَتهُمْ اْلَبهَائِ ُم ,كَمَا أَ ْخَبرَ النّبِيّ ِبذَِلكَ أَ ّن الْ ُكفّارَ ُيعَذّبُو َن فِي ُقبُو ِرهِمْ َ ,ففِي الصّحِيحَْي ِن عَنْ النّبِ ّي : َأ ْ
صوَاتُ َيهُودٍ ُتعَ ّذبُ { أَّنهُ كَا َن رَاكِبًا عَلَى َب ْغلَِت ِه َ ,ف َمرّ ِبقُبُورٍ فَحَا َدتْ ِبهِ كَا َدتْ ُت ْلقِيهِ َ ,فقَا َل :هَ ِذهِ َأ ْ
حرَا َر ِة مَا يُ ْذ ِهبُ الْ َمغَلَ } ص ْوتَ الْمُنْ َكرَ َأوْ َجبَ َلهَا مِنْ الْ َ ت ذَِلكَ ال ّ فِي ُقبُو ِرهَا ,فَإِ ّن الَْبهَائِمَ إذَا سَ ِم َع ْ
خيْ ِل عِنْدَ ُقبُورِ َهؤُلَاءِ لِدِيِنهِ ْم وََفضِْلهِمْ َ ,فلَمّا َتبَيّنَ َلهُمْ َأّنهُمْ شيَ َة الْ َ
جهّالُ يَ ُظنّونَ أَنّ تَمْ ِ ,وَكَانَ اْل ُ
حيَ َ ,وذَ َكرَ ح ِوهِمْ دُونَ ُقبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ يُمَشّوَنهَا ِعنْدَ قُبُورِ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى وَالّنصَْي ِريّ ِة وََن ْ
237
صرَ وَالشّا ِم َوغَْي ِرهَا ; إنّمَا يُمَشّوَنهَا عِنْدَ ُقبُورِ اْلعُلَمَاءُ أَّنهُمْ لَا يُمَشّوَنهَا عِنْدَ َقْبرِ مَ ْن ُيعْرَفُ بِالدّي ِن بِ ِم ْ
شتَِبهًا َ .ومَ ْن عَِلمَ َحوَا ِدثَ الِْإسْلَا ِم َ ,ومَا َجرَى فِيهِ َبيْنَ َأوْلِيَاِئهِ اْلفُجّا ِر وَاْل ُكفّارِ :تََبيّنَ بِ َذِلكَ مَا كَا َن مُ ْ
ي َ :علِمَ أَ ّن عَدَا َو َة َهؤُلَاءِ الْ ُمعْتَدِينَ ِللْإِ ْسلَامِ الّذِينَ َب َعثَ الّلهُ ِبهِ رَسُوَلهُ َأعْظَمُ وََأعْدَاِئهِ الْ ُكفّا ِر وَالْمُنَاِفقِ َ
مِ ْن عَدَا َوةِ التّتَارِ ,وَأَ ّن عِلْ َم الْبَاطِنِ الّذِي كَانُوا يَ ّدعُونَ َحقِيقََت ُه ُهوَ إبْطَالُ الرّسَالَ ِة الّتِي َب َعثَ الّلهُ ِبهَا
مُحَمّدًا ; َبلْ إبْطَالُ جَمِي ِع الْ ُمرْ َسِليَ ; وَأَّنهُمْ لَا ُي ِقرّوهُ بِمَا جَاءَ ِبهِ الرّسُو ُل عَنْ الّلهِ ,وَلَا مِنْ َخَب ِرهِ ,
ع َعْثرَِتهِ . وَلَا مِنْ َأ ْم ِرهِ ; وَأَنّ َلهُمْ َقصْدًا ُمؤَكّدًا فِي إبْطَا ِل َد ْعوَِتهِ وَإِ ْفسَادِ ِملِّت ِه ,وََقتْلِ خَاصِّت ِه وَاتّبَا ِ
وََأّنهُمْ فِي ُمعَادَاةِ الِْإسْلَامِ ; بَ ْل وَسَاِئ ِر الْمَِللِ َ :أعْظَ ُم مِنْ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى ; فَإِ ّن الَْيهُو َد وَالّنصَارَى
شرَائِ ِع ,وَالَْي ْومِ الْآ ِخ ِر , ُي ِقرّونَ بَِأصْلِ الْجُمَ ِل الّتِي جَا َءتْ ِبهَا الرّسُ ُل :كَإِْثبَاتِ الصّانِ ِع ,وَالرّسُلِ ; وَال ّ
ب وَالرّ ُسلِ ,كَمَا قَالَ الّلهُ سُْبحَاَن ُه { :إنّ الّذِينَ يَ ْك ُفرُونَ بِاَلّلهِ َورُ ُسِلهِ وَلَ ِكنْ يُكَذّبُونَ َبعْضَ الْكُُت ِ
ض وَُيرِيدُونَ أَنْ َيتّخِذُوا بَيْ َن ذَِلكَ ض وََن ْك ُفرُ ِبَبعْ ٍ وَُيرِيدُونَ أَنْ ُي َفرّقُوا َبيْنَ الّل ِه َورُسُِل ِه وََيقُولُونَ ُن ْؤمِنُ بَِبعْ ٍ
سَبِيلًا أُوَلِئكَ هُ ْم الْكَاِفرُونَ َحقّا وََأعْتَ ْدنَا ِللْكَاِفرِي َن عَذَابًا ُمهِينًا } .وََأمّا َهؤُلَاءِ اْل َقرَامِطَ ُة فَإِّنهُمْ فِي
ك وَيَ ْكتُمُوَنهُ َعنْ َغْيرِ مَ ْن يَِثقُونَ ِبهِ ; لَا ُي ْظ ِهرُوَنهُ , خفُونَ ذَِل َ ب وَالرّسُ ِل ,يُ ْ جمِيعِ الْكُُت ِ الْبَاطِنِ كَاِفرُونَ بِ َ
سلِ ِميَ ب دِيَنهُمْ ,لِأَّنهُمْ َلوْ أَ ْظ َهرُوهُ َلَن َفرَ َعْنهُمْ جَمَاهِيُ َأهْلِ الَْأ ْرضِ مِ ْن الْمُ ْ كَمَا يُ ْظ ِهرُ َأهْلُ اْلكِتَا ِ
َوغَْي ِرهِ ْم َ ,وهُمْ ُي َفرّقُونَ بَيْ َن َمقَالَِتهِ ْم َو َمقَالَ ِة الْجُ ْمهُورِ ; َبلْ الرّاِفضَةُ الّذِي َن لَيْسُوا زَنَادَِقةً ُكفّارًا ُي َفرّقُونَ
بَيْ َن َمقَالَِتهَا َو َمقَالَ ِة الْجُ ْمهُو ِر ,وََي َروْنَ كِْتمَا َن مَ ْذهَِبهِ ْم ,وَاسِْتعْمَا َل الّتقِيّ ِة َ ,وقَدْ لَا يَكُو ُن مِنْ الرّاِفضَةِ
ب صَحِي ٌح مُسْلِمًا فِي الْبَاطِ ِن وَلَا يَكُو ُن زِنْدِيقًا ; لَكِنْ َيكُونُ جَاهِلًا مُْبتَ ِدعًا .وَِإذَا كَانَ س ٌ مَنْ َلهُ نَ َ
َهؤُلَا ِء مَ َع صِحّةِ َنسَِبهِ ْم وَإِ ْسلَا ِمهِمْ يَكْتُمُو َن مَا هُ ْم عََلْيهِ مِنْ الْبِ ْد َعةِ وَاْل َهوَى َلكِنّ جُ ْمهُورَ النّاسِ
سلِ ِميَ وَالَْيهُودِ يُخَاِلفُوَنهُمْ :فَ َكيْفَ بِاْل َقرَامِطَ ِة اْلبَاطِِنيّةِ الّذِي َن يُ َك ّف ُرهُمْ َأهْ ُل الْ ِملَلِ كُّلهَا مِنْ الْمُ ْ
ب مِْنهُ ْم " اْلفَلَا ِس َفةُ الْ َمشّاءُونَ َأصْحَابُ َأرِسْطُو " فَإِ ّن بَيَْنهُ ْم وََبيْنَ اْل َقرَامِطَةِ وَالّنصَارَى .وَإِنّمَا َي ْقرَ ُ
سفَ ٌة َ :كسِنَا ٍن الّذِي كَانَ بِالشّا ِم , ُمقَارَبَةً َكبِ َي ًة .وَِلهَذَا يُوجَ ُد ُفضَلَاءُ اْل َقرَامِطَ ِة فِي اْلبَاطِ ِن مَُتفَ ْل ِ
ف " َشرْحَ ت ُ ,ثمّ صَا َر مُنَجّمًا ِل َهؤُلَاءِ َومَِلكَ الْ ُكفّارِ َ ,وصَنّ َ وَالطّوسِ ّي الّذِي كَا َن َوزِيرًا َلهُمْ بِالْأَلْمُو ِ
الْإِشَارَاتِ لِاْبنِ سِينَا " َو ُهوَ الّذِي أَشَارَ َعلَى مَِلكِ الْ ُكفّارِ ِب َقتْلِ اْلخَلِيفَ ِة َوصَارَ عِنْ َد الْ ُكفّارِ الّترْ ِك ُهوَ
الْ ُمقَ ّدمُ َعلَى الّذِي َن يُسَمّوَنهُمْ " الداسيدية " َف َهؤُلَاءِ وََأمْثَاُلهُ ْم َيعْلَمُونَ أَ ّن مَا يُ ْظ ِه ُرهُ اْل َقرَامِطَ ُة مِنْ الدّينِ
سفًا ,وَيَدْخُ ُل َم َعهُمْ لِ ُموَاَفقَِتهِمْ َلهُ َعلَى مَا ح ِو ذَِلكَ أَّنهُ بَاطِ ٌل ; لَكِنْ َيكُونُ َأحَ ُدهُ ْم مَُتفَلْ ِ ت وَنَ ْ وَالْ َكرَامَا ِ
شرَائِعِ فِي الظّا ِه ِر ,وَتَ ْأوِي ُل ذَِلكَ بُِأمُورٍ َيعْلَمُ بِالِاضْ ِطرَارِ أَّنهَا مُخَاِلفَةٌ لِمَا ُهوَ فِيهِ مِنْ الْإِ ْقرَارِ بِالرّسُ ِل وَال ّ
سفَ َة " مُتََأوّلُونَ مَا َأخَْب َرتْ ِبهِ الرّسُ ُل مِنْ ُأمُورِ الِْإيَانِ ِباَلّل ِه وَاْلَي ْومِ الْآ ِخرِ جَاءَتْ ِبهِ الرّسُ ُل .فَإِ ّن " الْمَُت َفلْ ِ
شرَائِعُ اْلعَمَلِيّةُ َفلَا َيْنفُوَنهَا َكمَا يَْنفِيهَا اْل َقرَامِطَ ُة ; بَلْ بِالّنفْ ِي وَالّتعْطِيلِ الّذِي ُيوَافِ ُق مَ ْذهََبهُ ْم ,وََأمّا ال ّ
ك َ .وَيقُولُونَ :إنّ الرّ ُسلَ يُوجِبُوَنهَا َعلَى اْلعَامّةِ ; وَيُو ِجبُونَ َب ْعضَهَا عَلَى اْلخَاصّ ِة َ ,أوْ لَا يُوجِبُو َن ذَِل َ
حقَائِقِ الُْأمُورِ ; وَلَ ِكنْ أََتوْا بَِأ ْمرٍ فِيهِ صَلَاحُ اْلعَامّةِ ,وَإِنْ كَا َن ُهوَ فِيمَا َأخَْبرُوا ِب ِه وََأ َمرُوا ِبهِ لَمْ يَ ْأتُوا بِ َ
238
ح اْلعَامّ ِة ,كَمَا َفعَلَ ابْ ُن حقِي َق ِة .وَِلهَذَا ا ْختَارَ كُ ّل مُبْطِلٍ أَ ْن يَأْتِيَ ِبمَخَارِي َق ِلقَصْ ِد صَلَا ِ كَ ِذبًا فِي الْ َ
صفَاتِ مَ ْذ َهبُ اْلفَلَا ِسفَةِ لَِأّنهُ كَا َن مِْثَلهَا فِي الْجُ ْملَ ِة ,وَلَمْ التّو َم ْرتِ الْ ُمَلقّبُ بِالْ َمهْ ِديّ َ ,ومَ ْذهَُبهُ فِي ال ّ
شرِيعَةِ اْلعَمَلِيّةِ بَا ِطنًا يُخَالِفُ ظَا ِه َرهَا ; بَلْ كَانَ جعَلُ لِل ّشرَاِئعِ ,وَلَا يَ ْ يَكُ ْن مُنَاِفقًا مُكَذّبًا لِلرّسُ ِل مُعَطّلًا لِل ّ
ج الّذِينَ َي َروْنَ السّيْفَ خوَارِ ِ ع مِ ْن رَْأيِ الْ َ جهْمِيّةِ الْ ُموَافِ ِق ِلرَأْيِ اْلفَلَا ِسفَ ِة ,وََنوْ ٌ ع مِ ْن رَأْيِ الْ َ فِيهِ َنوْ ٌ
حقِيقَةِ أَ ْك َفرُ مِ ْن الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى وََأمّا فِي ب َ .ف َهؤُلَاءِ " اْل َقرَامِ َط ُة " هُمْ فِي اْلبَاطِ ِن وَاْل َ وَُي َك ّفرُونَ بِالذّْن ِ
سبِ إلَى اْلعِْت َرةِ النَّبوِيّ ِة َ ,وعِلْ َم اْلبَاطِنِ الّذِي لَا يُوجَ ُد عِنْ َد الْأَْنبِيَاءِ الظّا ِهرِ َفيَ ّدعُونَ الِْإسْلَامَ َبلْ وَإِيصَالَ النّ َ
حقَائِقِ الِْإيَا ِن وَفِي الْبَاطِنِ س َد ْعوَى ِب َ وَالَْأوْلِيَا ِء ,وَأَنّ إمَا َمهُ ْم َمعْصُومٌ َ .فهُمْ فِي الظّا ِه ِر مِنْ َأعْظَمِ النّا ِ
مِنْ أَ ْك َفرِ النّاسِ بِالرّ ْحمَنِ بِ َمْنزِلَ ِة مَنْ ا ّدعَى النُّب ّوةَ مِنْ الْكَذّاِبيَ قَالَ َتعَالَى َ { :ومَنْ أَظْلَ ُم مِمّ ْن ا ْفَترَى
َعلَى الّلهِ كَذِبًا َأوْ قَالَ أُوحِيَ إلَ ّي وََلمْ يُوحَ إَلْيهِ َش ْيءٌ َومَنْ قَا َل سَأُْنزِ ُل مِثْ َل مَا أَْنزَ َل الّلهُ } َو َهؤُلَاءِ قَدْ
يَ ّدعُونَ هَذَا َوهَذَا َفإِنّ الّذِي ُيضَاهِي الرّسُولَ الصّادِقَ لَا يَخْلُو إمّا أَنْ َي ّدعِ َي مِثْ َل َد ْعوَِتهِ فََيقُو ُل :إنّ
ب عَلَى الّلهِ َأوْ َي ّدعِيَ أَّنهُ يُوحَى إلَْيهِ َولَا يُسَمّ َي مُوحَِيهُ كَمَا َيقُولُ قِيلَ الّلهَ َأرْ َسلَنِي وََأْنزَلَ َعلَ ّي ,وَكَ َذ َ
ف اْلفَاعِلَ َأوْ لَا يَ ّدعِي وَاحِدًا ح َو ذَِلكَ وََيكُونَ كَاذِبًا ,فَيَكُو ُن هَذَا قَدْ حَذَ َ لِي وَنُودِيت َوخُوطِبْت َونَ ْ
مِنْ الَْأ ْمرَيْنِ لَكِّنهُ يَ ّدعِي أَّنهُ يُمْ ِكُنهُ أَنْ يَ ْأتِيَ بِمَا أَتَى ِبهِ الرّسُو ُل َووَ ْجهُ اْلقِسْ َمةِ أَ ّن مَا يَ ّدعِيهِ فِي ُمضَاهَاةِ
سهِ َأوْ لَا ُيضِي َفهُ إلَى أَحَ ٍد َف َهؤُلَاءِ فِي َد ْعوَاهُ ْم مِثْلَ الرّسُو ِل هُمْ الرّسُولِ إمّا أَنْ ُيضِي َفهُ إلَى الّلهِ َأوْ إلَى َنفْ ِ
سيْلِ َم ُة وَأَلْحَدُوا أَ ْك َف ُر مِنْ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى َفكَيْفَ بِاْل َقرَامِطَةِ الّذِي َن يَكْذِبُو َن عَلَى الّلهِ َأعْظَ َم مِمّا َفعَلَ مُ َ
سطُ سيْلِ َم ُة َ ,وبَ ْفِي أَسْمَاءِ الّل ِه وَآيَاِتهِ َأعْظَ َم مِمّا َفعَ َل مُسَْيلِمَ ُة وَحَا َربُوا الّل َه َورَسُوَلهُ َأعْ َظمَ مِمّا َفعَلَ مُ َ
سعُ أَكَْث َر مِنْ هَذَا َ .وهَذَا الّذِي ذَ َكرْته حَالُ أَِئمِّتهِ ْم وَقَادَِتهِمْ ق لَا تَ َ حَاِلهِمْ يَطُو ُل لَكِ ّن هَ ِذهِ الَْأ ْورَا َ
حقِي َقةِ َقوِْلهِ ْم ,وَلَا َرْيبَ َأّنهُ قَدْ اْنضَمّ إلَْيهِ ْم مِنْ الشّيعَة وَالرّاِفضَة مَنْ لَا يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ اْلعَالِ ِميَ بِ َ
ك ,فَيَكُو ُن مِنْ أَْتبَاعِ الزّنَادَِقةِ الْ ُم ْرتَدّي َن الْ َموَالِي َلهُمْ حقِي َقةِ بَا ِطِنهِمْ وَلَا ُموَاِفقًا َلهُ ْم عَلَى ذَِل َ عَالَمًا بِ َ
صرُوَنهُ ْم ,وَلَا َي ْعرِفُونَ َحقِيقَةَ النّاصِرِ َلهُمْ ; بِمَْنزَِلةِ أَْتبَاعِ الِاتّحَا ِديّ ِة الّذِي َن ُيوَالُوَنهُمْ َوُيعَظّمُوَنهُ ْم وَيَْن ُ
سلِمًا فِي اْلبَاطِ ِن َو ُهوَ جَاهِ ٌل ُمعَظّمٌ َقوِْلهِمْ فِي وَحْ َدةِ اْلوُجُودِ ; وَأَنّ اْلخَالِ َق ُهوَ اْلمَخْلُوقُ .فَمَنْ كَا َن مُ ْ
ِل َقوْ ِل ابْ ِن َعرَبِ ّي وَابْنِ َسْب ِعيَ وَابْنِ اْلفَا ِرضِ وََأمْثَاِلهِ ْم مِنْ َأهْ ِل الِاتّحَادِ َف ُهوَ ِمْنهُمْ ,وَكَذَا مَنْ كَانَ
سبَةِ أُوَلِئكَ إلَى الرّاِفضَةِ جهْمِيّةِ كَنِ ْ ُمعَظّمًا ِل ْلقَائَِليْنِ بِمَ ْذ َهبِ الْحُلُو ِل وَالِاتّحَادِ فَإِ ّن نِسَْب َة َهؤُلَاءِ إلَى الْ َ
جهْمِيّ ِة ,وََلكِنّ اْل َقرَامِ َطةَ أَ ْك َفرُ مِنْ الِاتّحَادِيّةِ ِبكَثِيٍ ; وَِلهَذَا كَانَ أَ ْحسَنُ حَا ِل َعوَا ّمهِمْ أَ ْن يَكُونُوا وَالْ َ
رَاِفضَةً َجهْ ِميّ ًة .وََأمّا الِاتّحَادِيّةُ َففِي َعوَا ّمهِمْ مَنْ َلْيسَ ِبرَاِفضِ ّي وَلَا َجهْمِ ّي صَرِيحٍ ; وَلَكِ ْن لَا َي ْفهَمُ
جوَابِ َل ُه َموَاضِعُ َغْيرُ هَذَا , ط هَذَا الْ َ سُ ح ّق ِقيَ .وَبَ َْكلَا َمهُمْ ; وََيعَْتقِدُ أَنّ كَلَا َمهُمْ َكلَامُ الَْأوِْليَاءِ الْمُ َ
َواَلّلهُ َأعْلَ ُم .
109 - 755مَسْأََل ٌة :مَا َتقُو ُل السّا َدةُ اْل ُعلَمَاءُ َأئِمّ ُة الدّي ِن رضي ال عنهم أجعي ,وََأعَاَنهُ ْم عَلَى
ي :فِي " الّنصَْيرِيّ ِة " اْلقَاِئِليَ بِا ْستِحْلَالِ اْلخَ ْمرِ ,وََتنَاسُخِ ي ,وَِإخْمَادِ َش َغبِ الْمُْبطِِل َ إ ْظهَا ِر الْحَ ّق الْمُِب ِ
239
ث وَالنّشُو ِر وَاْلجَنّةِ وَالنّارِ فِي غَْيرِ الْحَيَا ِة الدّْنيَا َ ,وبِأَ ّن " الصَّلوَاتِ ح ,وَقِ َدمِ اْلعَالَ ِم ,وَإِْنكَارِ اْلَبعْ ِالَْأ ْروَا ِ
س " ِعبَا َرةٌ عَ ْن خَمْسَةِ َأسْمَا ٍء َ ,وهِ َي َ :علِ ّي َ ,وحَسَ ٌن َ ,وحُسَْينٌ َ ,ومُحْسِ ٍن ,وَفَاطِ َم ٌة َ .فذَ َكرَ الْخَ ْم َ
جنَاَب ِة ,وَاْل ُوضُو ِء وََبقِيّةِ ُشرُوطِ الصَّلوَاتِ جزِيهِ ْم عَنْ اْلغُسْ ِل مِنْ الْ َ س َة عَلَى رَأِْيهِ ْم يُ ْهَ ِذهِ الْأَسْمَاءَ اْلخَمْ َ
ي رَجُلًا ,وَاسْمُ َثلَاِثيَ ا ْمرََأةً , الْخَ ْمسَ ِة َووَاجِبَاِتهَا .وَبِأَنّ " الصّيَامَ " عِنْ َدهُ ْم عِبَا َرٌة عَنْ اسْمِ َثلَاِث َ
ت وَالَْأ ْرضَ ُيعِدّوَنهُمْ فِي كُُتِبهِ ْم ,وََيضِي ُق هَذَا الْ َم ْوضِعُ عَ ْن إْبرَا ِزهِمْ ; وَبِأَ ّن إَل َههُمْ الّذِي خََلقَ السّ َموَا ِ
ض ,فَكَاَنتْ ُه َو عَلِ ّي بْنُ أَبِي طَاِلبٍ رضي ال عنه َ :ف ُه َو عِنْ َدهُ ْم الِْإَلهُ فِي السّمَاءِ ,وَاْلِإمَامُ فِي الَْأ ْر ِ
الْحِكْ َمةُ فِي ُظهُورِ اللّاهُوتِ ِبهَذَا النّاسُوتِ َعلَى رَأِْيهِمْ أَنْ ُي َؤّنسَ َخ ْل َقهُ َوعَبِي َدهُ ; لُِي َعلّ َمهُمْ كَيْفَ
شرَبُو َن َمعَهُ الْخَ ْم َر , َي ْعرِفُوَنهُ وََي ْعبُدُوَنهُ .وَبِأَ ّن الّنصَْي ِريّ ِعنْ َدهُمْ لَا َيصِيُ ُنصَْي ِريّا ُم ْؤمِنًا يُجَالِسُوَن ُه َ ,ويَ ْ
ب عِنْ َدهُمْ أَنْ وَُيطِْلعُوَن ُه عَلَى أَ ْسرَا ِرهِمْ ,وَُي َزوّجُوَن ُه مِنْ نِسَاِئهِ ْم :حَتّى يُخَاطَِب ُه ُمعَلّ ُمهُ .وَ َحقِيقَ ُة الْخِطَا ِ
سلِمًا وَلَا َغْي َرهُ خهِ ,وَأَكَاِبرِ َأهْ ِل مَ ْذهَِبهِ ; َوعَلَى أَنْ لَا َيْنصَحَ مُ ْ يُحَّلفُو ُه عَلَى ِكتْمَا ِن دِيِن ِه َ ,و َم ْعرِفَ ِة مَشَايِ ِ
إلّا مَنْ كَا َن مِنْ َأهْ ِل دِيِنهِ َ ,وعَلَى أَ ْن َي ْعرِفَ رَّب ُه وَِإمَامَهُ بِ ُظهُو ِرهِ فِي أَْنوَا ِرهِ وََأ ْدوَا ِر ِه ,فَُي َعرَّفهُ اْنِتقَالَ
ث ,وَالِاسْمُ س آدَ َم وَاْل َمعْنَى ُهوَ شِي ٌ ي َو َزمَانٍ .فَالِاسْ ُم عِنْ َدهُ ْم فِي َأوّلِ النّا ِ الِا ْسمِ وَالْ َمعْنَى فِي كُلّ ِح ٍ
ف َ .ويَسْتَ ِدلّونَ َعلَى هَ ِذهِ الصّو َرةِ كَمَا َي ْزعُمُونَ بِمَا فِي اْل ُقرْآنِ اْلعَظِيمِ َيعْقُوبُ ,وَاْل َمعْنَى ُهوَ يُوسُ ُ
ب وَيُوسُفَ -عليهما الصلة والسلم -فََيقُولُو َن َ :أمّا َي ْعقُوبُ فَإِّنهُ كَا َن الِاسْ َم , حِكَاَي ًة عَنْ َي ْعقُو َ
فَمَا قَ َدرَ أَنْ َيَتعَدّى مَْنزَِلَتهُ َفقَالَ َ { :سوْفَ َأسَْت ْغ ِفرُ لَكُ ْم َربّي } وََأمّا يُوسُفُ َفكَانَ اْل َمعْنَى اْلمَطْلُوبَ
جعَلُونَ ف ,وََي ْ صرّ ُ َفقَا َل { :لَا تَْثرِيبَ َعلَيْكُ ْم الَْي ْومَ } َفلَمْ ُي َعلّقْ الَْأ ْمرَ ِبغَْي ِرهِ ; لَِأّنهُ َعلِمَ أَّنهُ الِْإَلهُ الْمَُت َ
مُوسَى ُهوَ الِاسْ ُم ,وَيُوشَ ُع ُهوَ الْ َم ْعنَى وََيقُولُونَ :يُو َشعُ ُر ّدتْ َلهُ الشّ ْمسُ لَمّا َأ َم َرهَا فَأَطَا َعتْ َأ ْم َرهُ ;
ف ُهوَ الْ َمعْنَى اْلقَا ِدرُ الْ ُمقْتَ ِد ُر . جعَلُونَ ُسلَيْمَا َن ُهوَ الِاسْ ُم ,وَآصَ ُ َوهَلْ َت ُردّ الشّ ْمسُ إلّا ِلرَّبهَا ؟ َ ,ويَ ْ
ج َز عَنْ إ ْحضَا ِر َعرْشِ ِب ْلقِيسَ ,وَقَ َد َر عََلْيهِ آصَفُ لِأَ ّن سَُليْمَانَ كَانَ الصّو َر َة , وََيقُولُو َن :سَُليْمَا َن عَ َ
ف يُوشَ ُع آصَفُ شَ ْمعُونُ وَآصَفُ كَا َن الْ َمعْنَى اْلقَا ِدرَ الْ ُمقْتَ ِد َر ,وَقَدْ قَالَ قَائُِلهُ ْم :هَابِي ُل شِيثٌ يُوسُ ُ
صفَا حَيْ َد ُر وََيعُدّونَ الَْأنِْبيَاءَ وَالْ ُمرْ َسِليَ وَاحِدًا وَاحِدًا َعلَى هَذَا النّ َمطِ إلَى َزمَ ِن رَسُو ِل الّلهِ صلى ال ال ّ
عليه وسلم فََيقُولُو َن :مُحَمّ ٌد ُهوَ الِاسْ ُم َ ,و َعلِ ّي ُهوَ الْ َمعْنَى ,وَُي َوصّلُونَ اْلعَ َددَ َعلَى هَذَا الّترْتِيبِ فِي
كُ ّل َزمَانٍ إلَى َوقْتِنَا هَذَا .فَمِنْ َحقِي َقةِ اْلخِطَابِ فِي الدّي ِن ِعنْ َدهُمْ أَ ّن عَلِيّا ُهوَ ال ّربّ ,وَأَ ّن مُحَمّدًا ُهوَ
سهِ فِي ُشهُورِ السَّنةِ الْحِجَابُ ,وَأَنّ سَلْمَا َن ُهوَ الْبَابُ ,وَأَنْشَ َد َبعْضُ أَكَاِب ِر ُرؤَسَاِئهِ ْم وَُفضَلَاِئهِ ْم لَِنفْ ِ
ب عََلْيهِ إلّا مُحَمّدٌ الصّادِقُ الَْأمِيُ سَبْ َع مِاَئةٍ َفقَا َل :أَ ْشهَدُ أَنْ لَا إَلهَ إلّا حَيْ َد َرةُ الَْأْنزَعُ اْلبَ ِطيُ وَلَا حِجَا َ
وَلَا َطرِيقَ إلَْيهِ إلّا سَلْمَا ُن ذُو اْل ُقوّةِ اْلمَِتيُ َوَيقُولُونَ :إ ّن ذَِلكَ َعلَى هَذَا الّت ْرتِيبِ لَمْ َيزَ ْل وَلَا َيزَا ُل ,
شهُو َرةٌ ِعنْ َدهُ ْم َ ,و َمعْلُومَ ٌة مِنْ ُكتُِبهِمْ شرَ َنقِيبًا ,وَأَسْمَا ُؤهُ ْم مَ ْ سةُ الْأَيْتَامُ ,وَالِاثْنَا َع َ
ك الْخَمْ َوَكَذَِل َ
ب وَالْبَابِ فِي ُكلّ َك ْورٍ َو َد ْورٍ َأبَدًا َس ْرمَدًا عَلَى خبِيَث ِة ,وََأّنهُمْ لَا َيزَالُونَ يَ ْظ َهرُونَ مَ َع ال ّربّ وَالْحِجَا ِ الْ َ
سةِ ُه َو عُ َمرُ بْ ُن الْخَطّابِ -رضي ال عنه َ -ويَلِيهِ فِي ال ّدوَا ِم وَالِاسِْت ْمرَا ِر ,وََيقُولُو َن :إ ّن إبْلِيسَ الْأَبَالِ َ
240
رُْتبَ ِة الِْإبْلِيسِيّةِ أَبُو َب ْكرٍ رضي ال عنه ; ثُ ّم عُثْمَا ُن -رضي ال عنهم أجعي وَ َشرَّفهُ ْم وََأعْلَى ُرتََبهُ ْم عَنْ
َأ ْقوَا ِل الْمُ ْلحِدِي َن وَانِْتحَالِ أَْنوَاعِ الضّاّليَ وَالْ ُمفْسِدِينَ -فَلَا َيزَالُو َن َموْجُودِينَ فِي ُك ّل وَ ْقتٍ دَائِمًا
ب وََتفَاصِيلُ َترْ ِجعُ إلَى هَ ِذهِ الُْأصُولِ الْمَذْكُو َرةِ . ب .وَلِمَذَا ِهِبهِمْ اْلفَاسِ َدةِ ُش َع ٌ حَسْبَمَا ذَ َك َر مِنْ الّترْتِي ِ
شهُورُونَ ت عَلَى جَاِنبٍ كَبِ ٍي مِ ْن بِلَادِ الشّا ِم [ َوهُ ْم ] َمعْرُوفُو َن مَ ْ َوهَ ِذهِ الطّاِئفَ ُة الْ َم ْلعُونَةُ اسَْتوَْل ْ
مُتَظَا ِهرُونَ ِبهَذَا الْمَ ْذ َهبِ ,وَقَدْ َحقّقَ أَ ْحوَاَلهُمْ كُ ّل مَنْ خَالَ َطهُ ْم َو َعرََفهُمْ مِ ْن ُعقَلَاءِ الْمُسِْل ِميَ
ستُورَ ًة عَنْ أَكَْث ِر النّاسِ َوعَُلمَاِئهِ ْم َ ,ومِ ْن عَامّ ِة النّاسِ َأْيضًا فِي هَذَا ال ّزمَانِ ; لِأَنّ أَ ْحوَاَلهُمْ كَاَنتْ مَ ْ
ت اسْتِيلَاءِ الْإِ ْفرِْنجِ الْ َمخْذُوِليَ َعلَى الِْبلَادِ السّاحِِليّ ِة ; َفلَمّا جَا َءتْ َأيّامُ اْلإِسْلَامِ انْ َكشَفَ حَاُلهُ ْم وَ َظ َهرَ وَ ْق َ
ج مِْنهُ ْم ؟ َوهَ ْل يَحِلّ سلِمٍ أَنْ ُي َزوّ َجهُ ْم َ ,أ ْو يََت َزوّ َ
ضَلَاُلهُ ْم .وَالِاْبتِلَاءُ ِبهِمْ َكثِيٌ جِدّا َ .فهَ ْل يَجُوزُ لِمُ ْ
حِتهِ ْم َومَا ُحكْمُ َأوَانِيهِمْ حةِ َذبِي َ حهِ ْم وَالْحَالَ ُة هَ ِذ ِه َ ,أمْ لَا ؟ َومَا حُكْمُ الْجُبْ ِن الْ َمعْمُو ِل مِنْ إِْنفَ َ أَ ْكلُ َذبَائِ ِ
سلِ ِميَ َ ,أمْ لَا َوهَلْ يَجُوزُ اسْتِخْدَا ُمهُمْ فِي ُثغُورِ الْ ُمسْلِ ِميَ سهِ ْم ؟ َوهَلْ يَجُو ُز دَفُْنهُ ْم بَيْ َن الْمُ ْ َومَلَابِ ِ
ب عَلَى وَِليّ الَْأ ْمرِ قَ ْط ُعهُ ْم وَا ْستِخْدَامُ َغْي ِرهِمْ مِ ْن رِجَا ِل الْ ُمسْلِ ِميَ اْل ُكفَاةِ , ج ُ وََتسْلِي ِمهَا إلَْيهِمْ ؟ َأمْ يَ ِ
ك ؟ وَِإذَا ا ْستَخْ َد َمهُ ْم وَأَقْ َط َعهُمْ َأوْ َوهَلْ يَ ْأثَمُ إذَا َأ ّخرَ َط ْر َدهُ ْم ؟ َأمْ َيجُوزُ َلهُ التّ َمهّ ُل مَعَ أَنّ فِي َع ْز ِمهِ ذَِل َ
ضهِمْ َبقِيّ ٌة مِنْ
صرََفهَا وَتََأ ّخرَ لَِب ْع ِت الْمَا ِل َعلَْيهِ ْم ,وَِإذَا َ صرْفُ َأ ْموَالِ بَْي ِ َلمْ ُيقْ ِط ْعهُمْ هَ ْل يَجُوزُ َلهُ َ
ح ّقيَ َ ,أوْ َأ ْرصَدَهُ ستَ ِ
سلِ ِميَ َأ ْو الْمُ ْ صرََفهُ َعلَى غَْي ِرهِ مِ ْن الْمُ َْمعْلُو ِمهِ الْمُسَمّى ; فَأَ ّخ َر ُه وَلِ ّي الَْأ ْمرِ عَْن ُه َو َ
جبُ َعلَْي ِه ؟ َوهَ ْل ِدمَاءُ الّنصَْيرِيّةِ الْمَذْكُورِي َن مُبَاحَةٌ ص َو ِر ؟ َأمْ َي ِ ِلذَِلكَ .هَلْ َيجُوزُ َلهُ ِفعْ ُل هَ ِذهِ ال ّ
وََأ ْموَاُلهُ ْم حَلَا ٌل َ ,أمْ لَا ؟ وَِإذَا جَاهَ َدهُ ْم وَلِ ّي الَْأ ْمرِ َأيّ َدهُ الّلهُ َتعَالَى بِِإخْمَادِ بَا ِطِلهِ ْم ,وَقَ َط َعهُ ْم مِنْ
ص ْومِ وَالصّلَاةِ حهِ ْم ,وَأَْل َز َمهُمْ بِال ّ سلِ ِميَ ,وَحَ ّذرَ َأهْلَ اْلإِسْلَامِ مِ ْن مُنَا َكحَِتهِ ْم ,وَأَكْ ِل َذبَائِ ِ ُحصُونِ الْمُ ْ
َ ,ومََن َعهُمْ مِنْ إ ْظهَا ِر دِيِنهِ ْم الْبَا ِط ِل َوهُمْ الّذِينَ َيلُوَنهُ مِ ْن الْ ُكفّارِ ; هَ ْل ذَِلكَ أَ ْفضَ ُل وَأَكَْثرُ أَ ْجرًا مِنْ
الّتصَدّي وَالّت َرصّدِ ِلقِتَالِ التّتَارِ فِي بِلَا ِدهِمْ َوهَ ْدمِ ِبلَادِ سَْيَبسٍ َودِيَارِ الْإِ ْفرِْن ِج عَلَى َأ ْهِلهَا ؟ َأ ْم هَذَا َأ ْفضَلُ
حرِمِنْ َكوِْنهِ يُجَاهِدُ الّنصَْيرِيّ َة الْمَذْكُورِينَ ُمرَابِطًا ,وَيَكُونُ أَ ْج ُر مَ ْن رَاَبطَ فِي الّثغُو ِر عَلَى سَاحِ ِل الْبَ ْ
ب عَلَى مَ ْن َعرَفَ اْلمَذْكُورِي َن َومَذَاهَِبهُمْ أَنْ ج ُخَشَْيةَ َقصْدِ اْل ِفرِْنجِ أَكَْب َر َ ,أ ْم هَذَا َأكَْبرُ أَ ْجرًا ؟ َوهَلْ يَ ِ
ش ِهرَ َأمْ َرهُ ْم وَيُسَاعِ َد عَلَى إبْطَالِ بَاطِِلهِ ْم وَإِ ْظهَارِ الِْإسْلَامِ َبيَْنهُمْ َ ,فَلعَلّ الّلهَ َتعَالَى أَنْ َيهْ ِديَ َب ْعضَهُمْ يُ ْ
سلِ ِميَ َبعْدَ ُخرُو ِجهِمْ مِ ْن ذَِلكَ الْ ُك ْفرِ اْلعَظِيمِ َأمْ يَجُوزُ جعَلَ مِ ْن ُذرّيِّتهِمْ وََأوْلَا ِدهِمْ مُ ْ إلَى اْلإِسْلَامِ وَأَنْ َي ْ
ك ,وَالْمُجَاهِ ِد فِي ِه ,وَالْ ُمرَاِبطِ َل ُه وَالْ ُملَا ِزمِ َعلَْي ِه ؟ جَتهِ ِد عَلَى ذَِل َالّتغَافُ ُل عَْنهُ ْم وَاْلِإهْمَا ُل ؟ َومَا قَ ْدرُ الْمُ ْ
سطُوا اْل َقوْلَ فِي ذَِلكَ مُثَاِبيَ مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ الّلهُ َتعَالَى إّن ُه عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ قَدِيرٌ ; وَحَسُْبنَا الّلهُ وَْلتَبْ ُ
وَِنعْ َم اْلوَكِيلُ .فََأجَابَ شَيْ ُخ الِْإسْلَامِ َتقِيّ الدّينِ َأبُو اْلعَبّاسِ َأحْمَدُ بْ ُن تَيْ ِميّةَ :اْلحَمْدُ لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِميَ
صنَافِ اْل َقرَامِ َطةِ اْلبَاطِِنيّةِ أَ ْك َف ُر مِنْ الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى ; َ .هؤُلَاءِ اْل َق ْومُ الْمُسَ ّموْ َن بِالّنصَْي ِريّ ِة هُ ْم وَسَاِئرُ َأ ْ
ض َررِ ي َوضَ َر ُرهُ ْم عَلَى ُأمّ ِة مُحَمّ ٍد صلى ال عليه وسلم َأعْظَ ُم مِ ْن َ شرِ ِك َ بَ ْل وَأَ ْك َفرُ مِنْ كَثِ ٍي مِ ْن الْمُ ْ
ي مِثْلُ ُكفّارِ التّتَا ِر وَاْل ِفرِنْ ِج َوغَْي ِرهِمْ ; فَإِ ّن َهؤُلَاءِ َيتَظَا َهرُو َن عِنْدَ ُجهّا ِل الْ ُمسْلِ ِميَ الْ ُكفّارِ اْلمُحَارِِب َ
241
حقِيقَةِ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاَلّلهِ ,وَلَا ِبرَسُوِل ِه وَلَا ِبكِتَاِبهِ ,وَلَا بَِأ ْم ٍر ت َ ,وهُ ْم فِي اْل َ بِالتّشَيّ ِع َ ,و ُموَالَاةِ َأهْلِ اْلبَْي ِ
ب وَلَا ِعقَابٍ ,وَلَا َجنّ ٍة وَلَا نَا ٍر وَلَا بِأَ َحدٍ مِ ْن الْ ُمرْ َسِليَ قَبْ َل مُحَمّدٍ صلى ال عليه وَلَا َنهْ ٍي ,وَلَا َثوَا ٍ
ف عِنْ َد ُعلَمَاءِ الْ ُمسْلِ ِميَ وسلم وَلَا ِبمِلّةٍ مِ ْن الْ ِملَلِ السّاِلفَ ِة بَلْ يَأْ ُخذُونَ َكلَامَ الّلهِ َورَسُوِلهِ الْ َم ْعرُو ِ
يَتََأوّلُوَن ُه عَلَى ُأمُورٍ َيفَْترُوَنهَا ; يَ ّدعُونَ أَّنهَا عِ ْلمُ اْلبَاطِنِ ; مِنْ ِجْنسِ مَا ذُ ِكرَ مِ ْن السّائِ ِل َ ,ومَا غَْي ُر هَذَا
حرِيفِ جْنسِ ,فَِإّنهُ َلْيسَ َلهُ ْم حَ ّد مَحْدُودٌ فِيمَا َي ّدعُوَنهُ مِنْ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ الّلهِ َتعَالَى وَآيَاِتهِ ,وَتَ ْ الْ ِ
ض ِعهِ ; إذْ َم ْقصُو ُدهُمْ إنْكَارُ الِْإيَا ِن وَ َشرَائِعِ الْإِ ْسلَامِ بِكُلّ َطرِي ٍق مَعَ َكلَامِ الّلهِ َتعَالَى َورَسُوِلهِ َعنْ َموَا ِ
التّظَا ُهرِ بِأَنّ ِلهَ ِذهِ الُْأمُورِ َحقَائِ َق َيعْرِفُوَنهَا مِنْ جِْنسِ مَا ذَ َكرَ السّاِئلُ َ ,ومِنْ جِْنسِ َقوِْلهِ ْم :أَ ّن "
الصَّلوَاتِ الْخَ ْمسَ " َم ْعرِفَةُ أَ ْسرَا ِرهِمْ " ,وَالصّيَامَ الْ َم ْفرُوضَ " كِتَابُ َأ ْسرَا ِرهِ ْم " وَ َحجّ اْلبَْيتِ اْل َعتِي ِق "
زِيَا َرةُ ُشيُو ِخهِ ْم ,وَأَ ّن { يَدَا َأبِي َل َهبٍ } هُمَا أَبُو بَ ْكرٍ َوعُ َم ُر ,وَأَ ّن الِْبنَاءَ اْلعَظِي َم وَالِْإمَامَ اْلمُِبيَ ُهوَ
شهُو َرةٌ وَ ُكُتبٌ ُمصَّنفَةٌ ,فَِإذَا كَاَنتْ َلهُمْ ب :وََلهُ ْم فِي ُمعَادَا ِة الْإِ ْسلَا ِم وََأهِْلهِ َوقَائِ ُع مَ ْ َعلِيّ بْنُ َأبِي طَاِل ٍ
جرَ مُكَْنةٌ َسفَكُوا ِدمَاءَ الْ ُمسْلِ ِميَ ; كَمَا قََتلُوا َمرّةً الْحُجّاجَ وََأْل َق ْوهُمْ فِي بِْئ ِر َز ْمزَ َم ,وََأخَذُوا َم ّرةً الْحَ َ
حصِي عَ َد َدهُ إلّا الّلهُ َتعَالَى خهِ ْم مَا لَا يُ ْ ي َومَشَايِ ِ الْأَ ْس َو َد وََبقِ َي عِنْ َدهُ ْم مُ ّد ًة ,وََقتَلُوا مِ ْن ُعلَمَاءِ الْ ُمسْلِ ِم َ
سلِ ِميَ ُكتُبًا فِي كَشْفِ َأ ْسرَا ِرهِمْ ف عُلَمَاءُ الْمُ ْ َوصَّنفُوا ُكتُبًا َكثِ َيةً مِمّا ذَ َك َرهُ السّائِ ُل َوغَْي ُر ُه َ ,وصَنّ َ
َوهَْتكِ أَ ْستَا ِرهِمْ ; وََبيّنُوا فِيهَا مَا هُ ْم عََلْيهِ مِنْ الْ ُك ْفرِ وَالزّنْدََق ِة وَاْلإِلْحَا ِد ,الّذِي هُمْ ِبهِ أَ ْك َفرُ مِنْ اْلَيهُودِ
ص ِفهِمْ قَلِي ٌل مِنْ الْ َكثِيِ وَالّنصَارَى َ ,ومِنْ َبرَاهِمَ ِة اْلهِنْ ِد الّذِينَ َيعْبُدُو َن الَْأصْنَا َم َ .ومَا ذَ َك َرهُ السّائِلُ فِي َو ْ
سوَاحِلَ الشّامِيّ َة إنّمَا اسَْتوْلَى َعلَْيهَا ص ِفهِمْ َ .ومِنْ الْ َمعْلُو ِم عِنْ َدنَا أَنّ ال ّ الّذِي َي ْعرُِفهُ اْلعُلَمَاءُ فِي َو ْ
ي َومِنْ سلِ ِميَ ; َفهُ ْم مَعَ الّنصَارَى عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ الّنصَارَى مِنْ ِج َهِتهِ ْم َ ,وهُ ْم دَاِئمًا مَعَ ُكلّ عَ ُدوّ ِللْمُ ْ
سوَا ِحلِ ,وَاْن ِقهَارِ الّنصَارَى ; بَ ْل َومِنْ َأعْظَمِ الْ َمصَاِئبِ ب عِنْ َدهُ ْم فَتْ ُح الْ ُمسْلِ ِميَ لِل ّ َأعْظَ ِم الْ َمصَاِئ ِ
ي عَلَى التّتَا ِر َ .ومِنْ َأعْظَمِ َأعْيَا ِدهِمْ إذَا ا ْسَتوْلَى -وَاْلعِيَاذُ بِاَلّلهِ َتعَالَى - ِعنْ َدهُمْ اْنِتصَارُ الْ ُمسْلِ ِم َ
سلِ ِميَ ,حَتّى َجزِي َرةُ قُْبرُصَ ي مَا زَاَلتْ بِأَيْدِي الْمُ ْ ي ,فَإِنّ ُثغُورَ الْ ُمسْلِ ِم َ الّنصَارَى َعلَى ُثغُورِ الْ ُمسْلِ ِم َ
ي " ُعثْمَانَ بْ ِن َعفّا َن " رضي ال سلِمُونَ فِي ِخلَاَفةِ َأمِيِ الْ ُم ْؤمِِن َ حهَا الْمُ ْ ب ,وََفتَ َ حهَا عَ ْن َقرِي ٍ سرَ الّلهُ فَتْ َ يَ ّ
حهَا " ُمعَاوِيَ ُة بْنُ أَبِي ُسفْيَا َن " إلَى أَْثنَاءِ الْمِائَ ِة الرّاِبعَ ِة َ .ف َهؤُلَاءِ الْمُحَادّونَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ كَُثرُوا عنه ,فََت َ
شرِيفِ سوَاحِ ِل َوغَْي ِرهَا فَاسَْتوْلَى الّنصَارَى َعلَى السّا ِحلِ ; ثُ ّم بِسََبِبهِمْ ا ْسَتوَْلوْا َعلَى اْلقُ ْدسِ ال ّ حِيَنئِذٍ بِال ّ
سلِ ِميَ
ت مِنْ َأعْظَمِ الَْأسْبَابِ فِي ذَِلكَ ; ثُمّ لَمّا َأقَامَ الّلهُ مُلُو َك الْمُ ْ َوغَْي ِرهِ ; فَإِنّ أَ ْحوَاَلهُمْ كَاَن ْ
ح الدّينِ " وَأَْتبَا ِعهِمَا ; وََفتَحُوا شهِي ِد َ ,وصَلَا ِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الّلهِ َتعَالَى " كَنُورِ الدّينِ ال ّ
صرَ ; فَإِّنهُمْ كَانُوا مُسَْت ْوِليَ ض ِم ْ سوَاحِ َل مِنْ الّنصَارَى َ ,ومِمّنْ كَا َن ِبهَا مِْنهُ ْم ,وََفتَحُوا َأْيضًا َأ ْر َ ال ّ
سلِمُونَ َحتّى فََتحُوا الِْبلَادَ َ ,ومِ ْن ذَِلكَ حوَ مِائَتَيْ َسنَ ٍة ,وَاّتفَقُوا هُ ْم وَالّنصَارَى ,فَجَاهَ َدهُ ْم الْمُ ْ َعلَْيهَا َن ْ
صرِيّ ِة وَالشّامِيّ ِة ُ .ثمّ إنّ التّتَا َر مَا دَخَلُوا بِلَادَ الِْإسْلَا ِم وَقََتلُوا ش َرتْ َد ْع َوةُ الْإِ ْسلَامِ بِالدّيَارِ الْ ِم ْ التّارِي ِخ انَْت َ
سلِ ِميَ لَا بِ ُمعَاوََنِتهِ ْم َو ُمؤَا َزرَِتهِمْ ; فَإِ ّن مَُنجّ َم هُولَاكُو الّذِي كَانَ خَلِي َفةَ َبغْدَا َد َوغَْي َرهُ مِ ْن مُلُو ِك الْمُ ْ
242
ت َ ,و ُهوَ الّذِي َأ َمرَ ِبقَتْلِ الْخَلِيفَ ِة وَِبوِلَايَ ِة َوزِي َرهُ ْم َو ُهوَ " الّنصَْيرُ الطّوسِ ّي " كَا َن َوزِيرًا َلهُمْ بِالْأَلْمُو ِ
سلِ ِميَ تَا َرةً يُسَ ّموْنَ " الْ َملَاحِ َد َة " وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ " اْل َقرَامِ َطةَ ب " َم ْعرُوَف ٌة عِنْ َد الْمُ ْ َهؤُلَا ِء .وََلهُ ْم " أَْلقَا ٌ
س ّموْنَ " الْإِسْمَاعِيِليّة " َوتَا َرةً يُسَ ّموْ َن " الّنصَْيرِيّ َة " وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ " وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ " اْلبَاطِِنيّ َة " وَتَا َرةً يُ َ
ص َبعْضَ ح ّرمَةَ " َوهَ ِذهِ الَْأسْمَاءُ مِْنهَا مَا َيعُ ّمهُ ْم َ ,ومِْنهَا مَا يَخُ ّ " الرمية " ,وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ " الْ ُم َ
ب, ب ,وَِإمّا لِمَ ْذ َه ٍ س ٍ صهُ إمّا ِلنَ َخّ ضهِمْ اسْ ٌم يَ ُ ي وَلَِب ْع َِأصْنَاِفهِ ْم ,كَمَا أَنّ الِْإسْلَا َم وَالِْإيَانَ َيعُمّ اْلمُسْلِ ِم َ
ح َمقَاصِ ِدهِمْ يَطُو ُل َ ,وهُمْ كَمَا قَا َل اْلعُلَمَاءُ فِيهِ ْم :ظَا ِه ُر مَ ْذهَِبهِمْ ك .وَ َشرْ ُ وَِإمّا ِلبَلَ ٍد ,وَِإمّا ِل َغْيرِ ذَِل َ
ض َ .و َحقِيقَةُ َأ ْم ِرهِمْ َأّنهُمْ لَا ُي ْؤمِنُونَ ِبنَبِ ّي مِ ْن الْأَْنبِيَا ِء وَالْ ُمرْ َسِليَ ; لَا الرّ ْفضُ ,وَبَا ِطُنهُ الْ ُك ْفرُ الْ َمحْ ُ
ح ,وَلَا إْبرَاهِي َم ,وَلَا مُوسَى ,وَلَا عِيسَى وَلَا مُحَمّدٍ صلوات ال وسلمه عليهم أجعي ,وَلَا بِنُو ٍ
بِشَ ْي ٍء مِنْ ُكُتبِ الّلهِ الْمَُنزَّل ِة ,لَا الّت ْورَا ِة ,وَلَا الِْإنْجِيلِ ,وَلَا اْل ُقرْآ ِن .وَلَا ُي ِقرّونَ بِأَ ّن لِ ْلعَالَ ِم خَاِلقًا
جزِي النّاسَ فِيهَا عَلَى َأعْمَاِلهِ ْم عَلَى هَ ِذ ِه الدّا ِر َ .وهُمْ خََل َقهُ وَلَا بِأَنّ َلهُ دِينًا َأ َمرَ ِبهِ ,وَلَا أَنّ َل ُه دَارًا يَ ْ
تَا َرةً يَْبنُونَ َقوَْلهُ ْم عَلَى مَذَا ِهبِ اْلفَلَا ِسفَ ِة الطّبِيعِّييَ َأوْ الِْإَلهِّييَ ,وَتَا َرةً َيبْنُوَن ُه عَلَى َقوْلِ اْلمَجُوسِ الّذِينَ
ت :إمّا ِب َقوْلٍ مَكْذُوبٍ ض .وََيحْتَجّونَ لِ َذِلكَ مِنْ َكلَامِ النُّبوّا ِ َيعْبُدُونَ النّورَ ,وََيضُمّونَ إلَى ذَِلكَ الرّ ْف َ
يَْنقُلُوَن ُه ,كَمَا َيْنقُلُونَ َعنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل َ { :أوّلُ مَا خَلَ َق الّلهُ اْلعَقْلَ } وَالْحَدِيثُ
َ .موْضُوعٌ بِاّتفَاقِ َأهْلِ اْل ِعلْمِ بِاْلحَدِيثِ ; وََلفْ ُظهُ { إنّ الّلهَ لَمّا َخلَقَ اْلعَقْ َل َ ,فقَالَ َل ُه َ :أقْبِلْ ,فَأَ ْقبَ َل .
حرّفُونَ َلفْ َظهُ فََيقُولُونَ { َأوّ ُل مَا خََلقَ الّلهُ اْل َعقْلَ } ِ ,لُيوَاِفقُوا َقوْلَ َفقَالَ َلهُ َ :أدِْب ْر ,فََأدَْبرَ } َفيُ َ
ت عَ ْن وَا ِجبِ اْلوُجُو ِد ُهوَ اْل َعقْلُ .وَِإمّا ِبَلفْظٍ ثَاِبتٍ عَنْ سفَةِ َأتْبَاعِ َأرِ ْسطُو فِي أَنّ َأوّلَ الصّا ِدرَا ِ الْمَُت َفلْ ِ
صفَا " ب " رَسَائِلِ إ ْخوَانِ ال ّ ضعِ ِه ,كَمَا َيصْنَعُ َأصْحَا ُ حرّفُوَن ُه عَ ْن َموَا ِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َفيُ َ
ج َعلَْيهِمْ سلِ ِميَ َ ,ورَا َ ح ُوهُمْ َ ,فإِّنهُ ْم مِنْ أَئِمِّتهِمْ .وَقَ ْد دَخَلَ َكثِ ٌي مِنْ بَا ِطِلهِمْ َعلَى كَِثيٍ مِ ْن الْمُ ْ وََن ْ
سِبيَ إلَى اْلعِلْ ِم وَالدّينِ ; وَإِنْ كَانُوا لَا ُيوَاِفقُوَنهُ ْم عَلَى َأصْلِ حَتّى صَا َر ذَِلكَ فِي كُُتبِ َطوَائِفَ مِ ْن الْمُْنتَ ِ
ُك ْف ِرهِمْ ; َفإِنّ َهؤُلَاءِ َلهُ ْم فِي إ ْظهَا ِر َد ْعوَِتهِمْ الْ َم ْلعُونَةِ الّتِي يُسَمّوَنهَا " ال ّد ْع َوةَ اْلهَادِيَ َة " َدرَجَاتٌ
مَُتعَ ّد َدةٌ ,وَُيسَمّونَ الّنهَايَةَ " الَْبلَاغَ الَْأكَْب َر ,وَالنّامُوسَ الَْأعْظَ َم " َومَضْمُونُ الْبَلَاغِ الْأَ ْكَبرِ جَحْ ُد الْخَالِقِ
َتعَالَى ; وَالِا ْسِت ْهزَاءُ ِبهِ ,وَبِمَنْ ُي ِقرّ ِب ِه ,حَتّى َقدْ يَكُْتبُ أَ َح ُدهُمْ اسْ َم الّلهِ فِي أَ ْسفَ ِل رِجِْل ِه َ ,وفِيهِ أَْيضًا
سهِمْ طَالِِبيَ لِلرّئَاسَةِ ,فَ ِمْنهُ ْم مَنْ جَحْدُ َشرَاِئ ِعهِ َودِيِن ِه َومَا جَاءَ ِبهِ الَْأنْبِيَاءُ َ ,و َدعْوَى َأّنهُمْ كَانُوا مِنْ جِنْ ِ
جعَلُونَ مُحَمّدًا َومُوسَى مِنْ اْلقِسْ ِم الَْأوّلِ َأحْسَنَ فِي طَلَِبهَا َ ,ومِْنهُ ْم مَنْ َأسَاءَ فِي طََلِبهَا َحتّى قُِت َل ,وََي ْ
ح ّج َومِنْ ص ْومِ ,وَالْ َ سمِ الثّانِي .وَفِي ِه مِنْ الِاسِْت ْهزَاءِ بِالصّلَا ِة ,وَالزّكَاةِ وَال ّ جعَلُو َن الْمَسِي َح مِنْ اْلقِ ْ ,وَيَ ْ
ت َومُخَاطَبَاتٌ ص ُفهُ َ .وَلهُمْ إشَارَا ٌ ش :مَا يَطُو ُل َو ْ ح َذوَاتِ الْ َمحَا ِرمِ ,وَسَاِئ ِر اْل َفوَا ِح ِ تَحْلِيلِ نِكَا ِ
خ َفوْنَ سلِ ِميَ الّتِي يَ ْكُثرُ فِيهَا َأهْ ُل الِْإيَانِ َفقَدْ َي ْ ضهُمْ َب ْعضًا َ .وهُمْ إذَا كَانُوا فِي بِلَا ِد الْمُ ْ َي ْعرِفُ ِبهَا َبعْ ُ
َعلَى مَنْ لَا َي ْعرُِفهُ ْم ,وََأمّا إذَا َكُثرُوا فَِإّنهُ َي ْعرُِفهُمْ عَامّةُ النّاسِ َفضْلًا عَ ْن خَاصِّتهِ ْم .وَقَ ْد اّتفَ َق عَُلمَاءُ
سلِ ِميَ َعلَى أَ ّن َهؤُلَاءِ لَا َتجُوزُ مُنَاكَحَُتهُمْ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ َينْكِ َح الرّجُ ُل َموْلَاَت ُه مِْنهُ ْم ,وَلَا يََت َزوّجُ الْمُ ْ
243
شهُورَانِ ِل ْلعُلَمَاءِ , حهُمْ .وََأمّا اْلجُبْ ُن الْ َمعْمُولُ بِِإْنفَحَِتهِ ْم " َففِيهِ َقوْلَا ِن مَ ْ ح ذَبَاِئ ُ مِْنهُمْ ا ْمرََأ ًة ,وَلَا تُبَا ُ
حةِ اْل ِفرِْنجِ الّذِينَ ُيقَا ُل عَْنهُمْ :إّنهُمْ لَا يُذَكّونَ س َ .وذَبِي َ حةِ اْلمَيَْت ِة ,وَكَِإْنفَحَ ِة ذَبِيحَ ِة الْمَجُو ِ َكسَاِئرِ إِْنفَ َ
حةَ الْ َميَْتةِ
الذّبَائِحَ .فَمَ ْذ َهبُ أَبِي حَنِيفَ َة وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى ال ّروَايََتيْنِ أَّنهُ يَحِ ّل هَذَا الْجُبْ ُن ; لِأَنّ إِْنفَ َ
جسِ فِي اْلبَاطِنِ لَا طَا ِه َرٌة عَلَى هَذَا اْل َقوْلِ ; لِأَنّ الِْإْنفَحَةَ لَا تَمُوتُ بِ َم ْوتِ الَْبهِيمَ ِة َ ,ومُلَاقَا ُة اْل ِوعَاءِ النّ ِ
ح َة عِنْدَ جسٌ لِأَ ّن الْإِْنفَ َ جبْنَ َن ِك وَالشّاِفعِ ّي وَأَ ْحمَدَ فِي ال ّروَاَيةِ الُْأ ْخرَى أَ ّن هَذَا الْ ُ س َ .ومَ ْذ َهبُ مَاِل ٍ ج ُ يَنْ َ
حُتهُ فَذَبِيحَُتهُ كَالْ َميَْت ِة .وَكُلّ س َ .ومَنْ لَا ُتؤْ َكلُ َذبِي َ ج ٌ َهؤُلَاءِ َنجِسَ ٌة ; لِأَنّ لََبنَ الْ َميَْت ِة وَإِْنفَحََتهَا ِعنْ َدهُمْ نَ ِ
حتَجّ بِآثَارٍ َيْنقُُلهَا عَنْ الصّحَاَبةِ فََأصْحَابُ اْل َقوْلِ الَْأوّلِ َنقَلُوا َأّنهُمْ أَكَلُوا جُْبنَ مِنْ َأصْحَابِ اْل َقوَْليْنِ يَ ْ
س .وََأصْحَابُ اْل َقوْلِ الثّانِي َنقَلُوا أَّنهُمْ أَ َكلُوا مَا كَانُوا يَ ُظنّونَ أَّن ُه مِنْ جُبْ ِن الّنصَارَى َ .فهَ ِذهِ الْمَجُو ِ
مَسْأََلةُ اجِْتهَادٍ ; ِللْ ُمقَلّدِ أَ ْن ُيقَلّ َد مَنْ ُيفْتِي بَِأحَدِ اْل َقوْلَيْ ِن .
سلِ ِميَ ثُمّ َن َهبَ الْ ُمسْلِمُونَ - 4 - 775مَسْأََل ٌة :إذَا دَخَلَ التّتَا ُر الشّا َم وََن َهبُوا َأ ْموَالَ الّنصَارَى وَالْمُ ْ
ب ُ :ك ّل مَا ُأخِ َذ مِنْ جوَا ُ التّتَا َر وَسََلبُوا اْلقَتْلَى ِمْنهُمْ َفهَلْ اْلمَأْخُوذُ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم وَ َسلِْبهِ ْم حَلَالٌ َأمْ لَا ؟ الْ َ
س وَُيبَاحُ الِاْنِتفَاعُ ِبهِ . التّتَارِ يُخَ ّم ُ
- 6 - 777مَسْأََل ٌة :مَا َتقُو ُل السّا َدةُ اْل ُعلَمَاءُ َأئِمّ ُة الدّي ِن رضي ال عنهم أجعي ,وََأعَاَنهُ ْم عَلَى
ف غَ َمرَاتِ الْجَاهِِليَ وَالزّاِئغِيَ فِي َ :هؤُلَاءِ التّتَا ِر الّذِي َن َيقْ ُدمُونَ إلَى الشّامِ ي ,وَ َكشْ ِ بَيَا ِن الْحَ ّق الْمُِب ِ
شهَادََتيْ ِن ,وَاْنتَسَبُوا إلَى الْإِ ْسلَا ِم وَلَمْ يُْبقُوا َعلَى الْ ُك ْفرِ الّذِي كَانُوا َعلَْيهِ َم ّرةً َبعْدَ َم ّرةٍ َوقَدْ تَ َكلّمُوا بِال ّ
ك ؟ َومَا جبُ قِتَاُلهُمْ َأمْ لَا ؟ َومَا اْلحُجّ ُة َعلَى ِقتَاِلهِ ْم َ ,ومَا مَذَا ِهبُ اْلعُلَمَاءِ فِي ذَِل َ فِي َأوّلِ الَْأ ْمرِ َفهَ ْل يَ ِ
حُكْ ُم مَنْ كَا َن مَ َعهُ ْم مِمّنْ َي ِفرّ إلَْيهِ ْم مِ ْن عَسْ َكرِ الْمُسِْل ِميَ الُْأ َمرَاءِ َوغَْي ِرهِ ْم ؟ َومَا حُكْ ُم مَنْ قَدْ
سِبيَ إلَى اْل ِعلْ ِم ,وَاْلفِ ْقهِ ,وَاْلفَ ْقرِ َأ ْخرَجُوهُ َم َعهُمْ مُ ْك َرهًا ؟ َومَا حُكْ ُم مَنْ يَكُو ُن مَعَ َعسْ َك ِرهِ ْم مِنْ الْ ُمنْتَ ِ
سلِمُو َن وَالْ ُمقَاتِلُونَ َلهُ ْم مُسِْلمُونَ وَ ِكلَاهُمَا ك َ .ومَا ُيقَا ُل فِيمَ ْن َزعَمَ َأّنهُمْ مُ ْ حوِ ذَِل َ ص ,وََن ْ ,وَالّنصُو ِ
ظَالِ ٌم ,فَلَا ُيقَاتِ ُل مَعَ أَحَ ِدهِمَا .وَفِي َقوْ ِل مَ ْن َزعَمَ أَّنهُ ْم ُيقَاتَلُونَ كَمَا ُتقَاتَ ُل الُْبغَاةُ اْلمُتََأوّلُو َن َ ,ومَا
ي مِنْ َأهْلِ اْل ِعلْ ِم وَالدّي ِن وََأهْلِ اْل ِقتَا ِل وََأهْلِ الَْأ ْموَالِ فِي َأ ْم ِرهِمْ .أَ ْفتُونَا اْلوَا ِجبُ َعلَى جَمَا َعةِ الْ ُمسْلِ ِم َ
ي ,بَ ْل عَلَى أَ ْكَث ِرهِمْ فِي ذَِلكَ بِأَ ْجوَِب ٍة مَبْسُوطَ ٍة شَاِفيَةٍ ,فَإِنّ َأ ْم َرهُمْ قَدْ أَ ْشكَ َل عَلَى َكثِ ٍي مِنْ الْ ُمسْلِ ِم َ
تَا َرةً ِلعَدَمِ اْلعِلْمِ بَِأ ْحوَاِلهِ ْم َ ,وتَا َرةً ِلعَ َدمِ اْلعِلْمِ ِبحُكْمِ الّلهِ َتعَالَى َورَسُوِلهِ صلى ال عليه وسلم فِي مِْثِلهِمْ
سرُ لِكُلّ َخْيرٍ ِبقُ ْدرَِتهِ َورَحْ َمِتهِ إّنهُ َعلَى كُلّ َش ْيءٍ َقدِي ٌر َو ُهوَ َحسُْبنَا وَِنعْمَ اْلوَكِي ُل ؟ ,وَاَلّلهُ الْ ُميَ ّ
ب الّل ِه ,وَ ُسنّ ِة رَسُوِلهِ ,وَاّتفَاقِ َأئِمّةِ جبُ قِتَا ُل َهؤُلَاءِ بِكِتَا ِ ي َ ,نعَمْ يَ ِجوَابُ :اْلحَمْدُ لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِم َ الْ َ
صلَيْ ِن :أَحَ ُدهُمَا :الْ َم ْعرَِفةُ بِحَاِلهِ ْم .وَالثّانِي َ :م ْعرِفَ ُة حُكْمِ الّلهِ فِي سلِ ِميَ َ ,وهَذَا مَْبنِ ّي عَلَى َأ ْ الْمُ ْ
مِْثِلهِ ْم .فََأمّا الَْأوّ ُل :فَكُ ّل مَنْ بَا َشرَ اْل َق ْومَ ِبعِلْمِ حَاِلهِمْ َ ,ومَنْ لَمْ ُيبَا ِش ْرهُمْ َيعْلَ ُم ذَِلكَ بِمَا بََل َغ ُه مِنْ
الْأَ ْخبَارِ الْ ُمَتوَاِت َرةِ ,وَأَخْبَا ِر الصّادِِقيَ ,وَنَحْ ُن نَذْ ُكرُ جُلّ ُأمُو ِرهِمْ َبعْدَ أَنْ نَُبيّنَ الَْأصْلَ الْآ َخرَ الّذِي
شرِيعَ ِة الِْإسْلَامِيّةِ َفَنقُولُ :كُلّ طَاِئ َفةٍ َخرَ َجتْ َعنْ َشرِيعَ ٍة مِنْ َشرَائِعِ يَخَْتصّ بِ َم ْعرِفَِتهِ َأهْلُ اْلعِلْمِ بِال ّ
244
شهَادَتَْينِ َ ,فِإذَا ي ,وَإِنْ تَ َكلّ َمتْ بِال ّ سلِ ِم َجبُ قِتَاُلهَا بِاّتفَاقِ َأئِمّ ِة الْمُ ْ الْإِ ْسلَامِ الظّا ِه َرةِ الْمَُتوَاِت َرةِ فَِإّنهُ َي ِ
س ,وَ َجبَ ِقتَاُلهُمْ َحتّى ُيصَلّوا ,وَإِنْ امَْتَنعُوا عَنْ الزّكَاةِ ت الْخَ ْم ِ شهَادَتَْي ِن وَامْتََنعُوا عَ ْن الصَّلوَا ِ َأَقرّوا بِال ّ
,وَ َجبَ قِتَاُلهُمْ حَتّى ُي َؤدّوا الزّكَا َة ,وَكَذَِلكَ إ ْن امْتََنعُوا عَ ْن صِيَامِ َش ْه ِر َر َمضَانَ َ ,أوْ حَ ّج الَْبْيتِ
ك مِنْ س ِر َ ,أوْ الْخَ ْم ِر َ ,أ ْو غَْي ِر ذَِل َ ش َ ,أوْ الزّنَا َ ,أوْ الْ َميْ ِ حرِ ِي اْل َفوَا ِح ِ اْلعَتِي ِق ,وَكَذَِلكَ إنْ امَْتَنعُوا عَنْ تَ ْ
ع, ض ,وَالْأَْبضَا ِ حكْمِ فِي ال ّدمَاءِ ,وَالَْأ ْموَا ِل وَالَْأ ْعرَا ِ شرِيعَ ِة وَكَذَِلكَ إنْ امْتََنعُوا عَ ْن الْ ُ ح ّرمَاتِ ال ّ مُ َ
ف وَالّنهْيِ َعنْ الْ ُمنْ َك ِر , ح ِوهَا بِحُكْ ِم الْ ِكتَابِ وَالسّنّ ِة ,وَكَذَِلكَ إنْ امَْتَنعُوا َعنْ الَْأ ْمرِ بِالْ َم ْعرُو ِ وََن ْ
جزْيَ َة عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَا ِغرُو َن .وَكَذَِلكَ إنْ أَ ْظ َهرُوا الْبِدَعَ وَ ِجهَا ِد الْ ُكفّارِ إلَى أَنْ ُيسْلِمُوا وَُي َؤدّوا اْل ِ
ف الُْأمّ ِة وَأَئِمِّتهَا مِثْ ُل :أَ ْن يُ ْظ ِهرُوا الْإِلْحَادَ فِي أَسْمَاءِ الّلهِ وَآيَاِتهِ ب وَالسّنّ ِة ,وَاتّبَاعِ سَلَ ِ الْمُخَاِلفَةَ ِللْكِتَا ِ
صفَاِتهِ َ ,أوْ التّكْذِيبَ ِبقَ َدرِ ِه وََقضَاِئهِ َأوْ التّكْذِيبَ ِبمَا كَا َن عََلْيهِ َجمَاعَةُ َ ,أوْ التّكْذِيبَ بَِأسْمَاءِ الّلهِ َو ِ
سلِ ِميَ َعلَى َعهْدِ اْلخَُلفَاءِ الرّاشِدِينَ َ ,أوْ ال ّطعْنَ فِي السّاِبقِيَ الَْأوِّليَ مِنْ الْ ُمهَا ِجرِي َن وَالْأَْنصَارِ الْمُ ْ
ج عَنْ خرُو َ ب الْ ُسلِ ِميَ حَتّى يَدْ ُخلُوا فِي طَا َعِتهِمْ الّتِي تُو ِج ُ َواَلّذِي َن اتَّبعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ َأوْ ُمقَاَتلَ ِة الْمُ ْ
َشرِيعَةِ الْإِ ْسلَامِ وََأمْثَا ِل هَ ِذهِ الُْأمُورِ قَالَ الّلهُ َتعَالَى { :وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى لَا تَكُونَ فِْتنَ ٌة وََيكُونَ الدّينُ كُّلهُ
ض الدّي ِن لِّل ِه وََب ْعضُهُ ِلغَْيرِ الّلهِ َو َجبَ اْلقِتَا ُل حَتّى َيكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ .وَقَالَ َتعَالَى ِلّلهِ } فَِإذَا كَانَ َبعْ ُ
{ :يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُوا اّتقُوا الّل َه َو َذرُوا مَا َبقِيَ مِ ْن الرّبَا إنْ ُكنْتُ ْم ُم ْؤمِِنيَ ,فَإِنْ لَ ْم َت ْفعَلُوا فَ ْأذَنُوا
ف ,وَكَانُوا قَدْ َأسْلَمُوا َوصَّلوْا َوصَامُوا , ح ْربٍ مِنْ الّل ِه َورَسُوِلهِ } َوهَ ِذهِ الْآَيةُ َنزََلتْ فِي َأهْ ِل الطّائِ ِ بِ َ
َلكِنْ كَانُوا يََتعَامَلُو َن بِالرّبَا ,فََأْنزَلَ الّلهُ هَ ِذهِ الْآَي َة وََأمَرَ الْ ُم ْؤمِِنيَ فِيهَا ِبَترْ ِك مَا َبقِيَ مِ ْن الرّبَا ,وَقَا َل :
ب مِنْ الّلهِ َورَسُوِلهِ } وَقَ ْد ُقرِئَ { فَُأ ِذنُوا } َو { آذَنُوا } وَ ِكلَا الْ َمعْنََييْنِ ح ْر ٍ{ فَإِنْ لَ ْم َتفْعَلُوا فَ ْأذَنُوا بِ َ
ح ّرمَاتِ فِي اْل ُقرْآنِ َ ,و ُهوَ مَا يُو َجدُ بَِترَاضِي الْ ُمَتعَامِِليَ ,فَِإذَا كَانَ مَنْ َلمْ يَْنَتهِ صَحِي ٌح ,وَالرّبَا آ ِخرُ اْلمُ َ
ح ِريًا وََأعْظَمُ ح ّرمَاتِ الّتِي هِيَ أَ ْسبَقُ تَ ْ ف بِمَنْ لَمْ َينَْت ِه عَ ْن غَْي ِرهِ مِ ْن الْمُ َ َعْنهُ مُحَارِبًا لِّل ِه َورَسُوِلهِ فَكَيْ َ
ج َ ,وهِ َي مَُتوَاِت َرةٌ ِعنْدَ خوَارِ ِض عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم الَْأحَادِيثُ ِبقِتَا ِل الْ َ ح ِريًا .وَقَ ْد اسَْتفَا َ تَ ْ
ش َرةِ َأوْ ُج ٍه َ ,وقَ ْد َروَاهَا ج مِنْ َع َ خوَارِ ِ َأهْ ِل اْلعِلْ ِم بِالْحَدِيثِ .قَالَ الِْإمَامُ أَحْمَ ُد :صَحّ الْحَدِيثُ فِي الْ َ
ي مِْنهَا ثَلَاَثةَ َأوْ ُجهٍ :حَدِيثَ َعلِ ّي ,وَأَبِي َسعِيدٍ الْخُ ْد ِريّ ,وَ َسهْلِ حهِ َ ,و َروَى اْلبُخَا ِر ّ سلِمٌ فِي صَحِي ِ مُ ْ
ف ,وَفِي السّنَ ِن ,وَالْ َمسَانِيدِ ُطرُقٌ ُأ َخرُ ُمَتعَ ّددَ ٌة .وََقدْ قَالَ صلى ال عليه وسلم فِي صِفَِتهِ ْم : بْنِ حَُنيْ ٍ
ح ِقرُ أَحَدُكُ ْم صَلَاَتهُ مَ َع صَلَاِتهِ ْم َ ,وصِيَا َمهُ مَ َع صِيَا ِمهِ ْم ,وَِقرَاءََتهُ مَعَ ِقرَاءَِتهِمْ َ ,ي ْق َرءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا { يَ ْ
سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّ ِة َ ,أيْنَمَا َلقِيتُمُوهُمْ فَاقُْتلُوهُ ْم ,فَإِنّ ق ال ّ يُجَا ِوزُ حَنَا ِج َرهُ ْم َ ,ي ْمرُقُونَ مِ ْن الْإِ ْسلَامِ كَمَا يَ ْمرُ ُ
فِي َقتِْلهِمْ أَ ْجرًا ِعنْدَ الّلهِ لِمَنْ َقتََلهُ ْم َي ْومَ اْلقِيَامَةِ ,لَئِنْ َأ ْدرَكْته ْم لَأَقُْتلَّنهُ ْم قَتْ َل عَا ٍد } َ .و َهؤُلَاءِ قَاَتَلهُمْ
ف الُْأمّ ِة ,وَأَئِمُّتهَا لَمْ َأمِيُ الْ ُم ْؤمِِنيَ َعلِيّ بْنُ َأبِي طَاِلبٍ بِمَ ْن َم َعهُ مِنْ الصّحَاَب ِة وَاّتفَ َق عَلَى قِتَاِلهِمْ سَلَ ُ
ي ,فَإِنّ الصّحَابَةَ كَانُوا فِي ِقتَالِ اْلفِتَْنةِ صفّ َ يَتَنَا َزعُوا فِي قِتَاِلهِمْ كَمَا تَنَا َزعُوا فِي اْلقِتَالِ َي ْومَ الْجَمَ ِل َو ِ
ثَلَاثَةُ َأصْنَافٍ َ :ق ْومٌ قَاتَلُوا مَ َع عَِل ّي رضي ال عنه ,وََق ْومٌ قَاتَلُوا مَعَ مَنْ قَاتَ َل ,وََق ْومٌ َقعَدُوا عَنْ اْلقِتَالِ
245
ج فَلَ ْم يَكُنْ فِيهِمْ أَحَ ٌد مِنْ الصّحَابَ ِة وَلَا َنهَى عَنْ ِقتَاِلهِمْ خوَارِ َُلمْ ُيقَاِتلُوا اْلوَاحِ َد َة مِنْ الطّاِئفََتيْ ِن .وََأمّا الْ َ
َأحَ ٌد مِنْ الصّحَابَ ِة َ .وفِي الصّحِي ِح َ :عنْ أَبِي َسعِيدٍ أَنّ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَا َل { :تَ ْمرُقُ
ظ َ { :أدْنَى الطّاِئفََتيْنِ مَارَِق ٌة عَلَى ِحيِ ُف ْرقَ ٍة مِنْ الْمُسِْل ِميَ َت ْقتُُلهُمْ َأوْلَى الطّاِئفَتَيْ ِن بِالْحَ ّق } .وَفِي َلفْ ٍ
حقّ مِ ْن ُمعَاوِيَةَ إلَى اْلحَ ّق } .فَِبهَذَا اْلحَدِيثِ الصّحِيحِ َثَبتَ أَ ّن َعلِيّا وََأصْحَاَبهُ كَانُوا َأ ْق َربَ إلَى الْ َ
وََأصْحَاِبهِ ,وَأَنّ تِ ْلكَ الْمَارَِقةَ الّتِي َمرََقتْ مِ ْن الْإِ ْسلَامِ لَْيسَ حُكْ ُمهَا ُحكْمَ إحْدَى الطّاِئفََتيْ ِن ,بَلْ َأ َمرَ
النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِبقِتَا ِل هَ ِذهِ الْمَارَِق ِة ,وَأَكّ َد الَْأ ْمرَ ِبقِتَاِلهَا ,وَلَمْ يَ ْأ ُمرْ ِبقِتَا ِل إحْدَى الطّاِئفَتَيْنِ
س ِن { :إنّ ت عَْنهُ فِي الصّحِي ِح :مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَ ْك َرةَ أَّنهُ قَالَ ِللْحَ َ ,كَمَا َأ َمرَ ِبقِتَا ِل هَ ِذ ِه ,بَلْ قَ ْد ثََب َ
حسَ َن وَأَْثنَى عََلْيهِ اْبنِي هَذَا َسيّ ٌد وَسَُيصِْلحُ الّلهُ ِبهِ بَيْنَ طَاِئفَتَْينِ َعظِيمََتيْ ِن مِنْ اْلمُسْلِ ِميَ } .فَمَ َدحَ الْ َ
بِمَا َأصْلَ َح الّلهُ ِبهِ َبيْنَ الطّاِئفََتيْ ِن ِ ,حيَ َترَكَ اْلقِتَا َل وَقَدْ بُويِعَ َلهُ وَاخْتَارَ الَْأصْ َل وَ َحقَنَ ال ّدمَا َء مَعَ ُنزُوِلهِ
سنَ َويُْثنِي عَلَْيهِ ِبَترْ ِك مَا َأ َمرَ الّلهُ ِبهِ َوِفعْلِ مَا َنهَى ح الْحَ َ عَ ْن الَْأ ْمرِ َ ,فَلوْ كَانَ اْلقِتَا ُل مَ ْأمُورًا ِبهِ لَ ْم يَمْدَ ْ
الّل ُه عَْن ُه .
وَاْلعُلَمَاءُ َلهُمْ فِي قِتَا ِل مَ ْن يَسَْتحِقّ اْلقِتَا َل مِنْ َأهْلِ اْلقِْبلَةِ َطرِيقَا ِن :مِْنهُ ْم مَنْ َيرَى ِقتَا َل عَِليّ َي ْومَ
جعَلُ ِقتَالَ أَبِي بَ ْكرٍ َحرُورَا َء َ ,وَي ْومَ الْجَمَ ِل َ ,وصِ ّفيَ ُ ,كّلهُ مِنْ بَابِ ِقتَالِ َأهْ ِل الَْبغْ ِي ,وَكَذَِلكَ يَ ْ
ِلمَاِنعِي الزّكَاةِ ,وَكَذَِلكَ قِتَالُ سَاِئرِ مَنْ قُوتِ َل مِنْ الْ ُمنَْتسِِبيَ إلَى اْلقِبَْل ِة ,كَمَا ذَ َك َر ذَِلكَ مَ ْن ذَ َك َرهُ مِنْ
َأصْحَابِ أَبِي حَنِيفَ َة ,وَالشّاِفعِ ّي َ ,ومَ ْن وَاَف َقهُ ْم مِنْ َأصْحَابِ َأحْمَ َد َوغَْي ِرهِ ْم َ ,وهُ ْم مُّت ِفقُونَ َعلَى أَنّ
خطِئُونَ خَطَأَ الصّحَاَبةَ لَْيسُوا ُفسّاقًا بَ ْل هُ ْم عُدُو ٌل َ .فقَالُوا :إنّ َأهْلَ اْلَبغْ ِي عُدُولٌ مَ َع قِتَاِلهِ ْم َ ,وهُمْ مُ ْ
ع ,وَخَاَل َفتْ فِي ذَِلكَ طَاِئفَةٌ كَاْبنِ َعقِي ٍل َوغَْي ِرهِ .فَ َذهَبُوا إلَى َتفْسِيقِ َأهْ ِل الَْبغْيِ جَتهِدِي َن فِي اْل ُفرُو ِ الْمُ ْ
َ ,و َهؤُلَاءِ نَ َظرُوا إلَى مَ ْن عَ ُد ّوهُ مِنْ َأهْ ِل الَْبغْ ِي فِي َزمَِنهِمْ َ ,فرََأ ْوهُمْ ُفسّاقًا ,وَلَا رَْيبَ أَّنهُمْ لَا يُدْ ِخلُونَ
ح ِوهِمْ ,كَمَا ُي َك ّفرُهُمْ ك ,وَِإنّمَا ُيفَسّ ُق الصّحَابَةَ َبعْضُ َأ ْهلِ الَْأ ْهوَا ِء مِنْ اْل ُمعَْتزِلَ ِة وََن ْ الصّحَاَبةَ فِي ذَِل َ
س ذَِلكَ مِ ْن مَ ْذ َهبِ الْأَئِمّ ِة وَاْل ُف َقهَاءِ َأهْ ِل السّنّةِ ض وَلَْي َج وَال ّروَاِف ِ خوَارِ ِ َبعْضُ َأهْلِ الَْأ ْهوَاءِ مِنْ الْ َ
وَالْجَمَا َع ِة ,وَلَا َيقُولُونَ :إنّ َأ ْموَاَلهُ ْم َمعْصُومَةٌ كَمَا كَاَنتْ َ ,ومَا كَانَ ثَاِبتًا ِبعَْيِنهِ ُردّ إلَى صَا ِحِبهِ َ ,ومَا
ُأتْلِفَ فِي حَا ِل اْلقِتَالِ َلمْ ُيضْمَ ْن َ ,حتّى إنّ جُ ْمهُورَ اْلعُلَمَاءِ َيقُولُونَ :لَا َيضْمَنُ لَا َهؤُلَاءِ وَلَا َهؤُلَاءِ .
ب رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم مَُتوَاِفرُونَ ,فَأَجْ َمعُوا أَنّ ي :وََق َعتْ اْل ِفتْنَ ُة وََأصْحَا ُ كَمَا قَا َل ال ّز ْهرِ ّ
كُ ّل مَالٍ َأ ْو َدمٍ ُأصِيبَ بِتَ ْأوِي ِل اْل ُقرْآنِ َفإِّن ُه هَ َدرٌ َ ,وهَلْ يَجُوزُ أَنْ ُيسَْتعَانَ ِبسِلَا ِحهِمْ فِي َحرِْبهِمْ إذَا لَمْ
ضرُو َرٌة عَلَى وَ ْج َهيْنِ فِي مَ ْذ َهبِ َأحْمَدَ َيجُوزُ وَالْمَنْ ُع َقوْلُ الشّاِفعِ ّي وَالرّ ْخصَةُ َقوْلُ أَبِي ك َ يَكُنْ إلَى ذَِل َ
جئُونَ ف عَلَى َجرِ ِيهِمْ إذَا كَانَ َلهُمْ ِفئَ ٌة يَلْ َ ع مُدِْب ِرهِ ْم وَالتّ ْذفِي ِحَنِي َفةَ ,وَاخَْتَلفُوا فِي َقتْلِ أُ َس ِرهِ ْم وَاتّبَا ِ
شهُورُ فِي مَ ْذ َهبِ أَ ْحمَ َد وَفِي مَ ْذهَِبهِ َو ْجهٌ ج ّو َز ذَِلكَ َأبُو حَنِيفَ َة َ ,ومََن َعهُ الشّاِفعِ ّي َ ,و ُهوَ اْلمَ ْ إلَْيهَا ,فَ َ
ف عَلَى َجرِي ٍح , َأّنهُ يُتَّبعُ مُ ْدِب ُرهُمْ مِنْ َأوّ ِل اْلقِتَا ِل ,وََأمّا إذَا لَمْ يَ ُكنْ َلهُمْ فَِئ ٌة ,فَلَا ُيقْتَلُ أَسِ ٌي ,وَلَا يُ َذفّ ُ
خ َ ,لعَّلهُ َي ْومَ الْجَمَلِ ,لَا ُيقْتَلَ ّن مُدِْب ٌر , ج صَارِ ٌ حكَمِ قَا َل َ :خرَ َ كَمَا َروَاهُ َسعِي ٌد َوغَْي ُرهُ عَ ْن َم ْروَانَ ْبنِ الْ َ
246
ف َعلَى َجرِي ٍح َومَنْ َأغَْلقَ بَاَبهُ َف ُه َو آمِنٌ َ ,ومَنْ أَْلقَى السّلَاحَ َف ُهوَ آمِ ٌن .فَمَنْ َسَلكَ هَ ِذهِ وَلَا يُذَفّ ُ
ي وَيَحْ ُكمُ فِيهِ ْم بِمِثْ ِل هَ ِذهِ الْأَحْكَا ِم ,كَمَا ال ّطرِيقَ َة َفقَدْ يََت َوهّمُ أَ ّن َهؤُلَاءِ التّتَا َر مِنْ َأهْ ِل الَْبغْيِ الْمُتََأوِّل َ
ج وَ َسنَُبيّنُ فَسَادَ هَذَا الّت َوهّمِ إنْ شَاءَ الّلهُ َتعَالَى خوَارِ َ حكْ ِم مَاِنعِي الزّكَا ِة وَالْ َ َأدْ َخلَ مَنْ ُأدْ ِخلَ فِي هَذَا الْ ُ
.
ي, صفّ َ ح ِوهِ ْم َ :لْيسَ َكقِتَالِ َأهْلِ الْجَمَ ِل َو ِ ج َ ,ونَ ْ خوَارِ ِ وَال ّطرِيقَ ُة الثّانَِيةُ أَنّ ِقتَا َل مَاِنعِي الزّكَاةِ ,وَاْل َ
ي َو ُهوَ الّذِي يَذْ ُكرُوَنهُ فِي اعِْتقَادِ َأهْلِ السّنّةِ ص عَ ْن جُ ْمهُورِ الْأَئِمّةِ اْلمَُتقَ ّدمِ َ َوهَذَا ُه َو الْمَْنصُو ُ
حدِيثِ كَأَحْمَ َد َوغَْي ِر ِه , ك َ ,وغَْي ِر ِه َ ,ومَ ْذ َهبُ أَئِمّةِ الْ َ وَالْجَمَا َع ِة َ ,و ُه َو مَ ْذهَبُ َأهْلِ الْمَدِينَ ِة :كَمَاِل ٍ
ح غَنِيمَةَ َأ ْموَالِ وََقدْ َنصّوا عَلَى اْل َفرْقِ بَيْ َن هَذَا َوهَذَا فِي َغْيرِ َم ْوضِعٍ حَتّى فِي الَْأ ْموَالِ فَإِ ّن مِْنهُ ْم مَنْ أَبَا َ
خرَجُوا ُيقَاِتلُونَ ج .وَقَ ْد نَصّ أَ ْحمَدُ فِي ِروَايَةِ َأبِي طَاِلبٍ فِي َحرُورِيّةَ كَانَ َلهُمْ َسهْ ٌم فِي َقرَْيةٍ فَ َ خوَارِ ِ الْ َ
سهُ َعلَى خَ ْمسَ ٍة وََأرَْبعَةُ َأخْمَا ِسهِ ي ,فَُيقَسّ ُم خُمُ ُ ضهُمْ فَ ْيءٌ لِلْ ُمسْلِ ِم َ سلِمُونَ فََأ ْر ُسلِ ِميَ َفقَتََلهُ ْم الْمُ ْالْمُ ْ
ي ,وَلَا ُيقَسّ ُم مِثْ َل مَا أَخَ َذ عُ َمرُ سلِ ِم َج عَلَى الْمُ ْ خرَا َِللّذِينَ قَاتَلُوا ُيقَسّمُ َبيَْنهُ ْم َ ,أ ْو يَحْمِلُ الَْأمِيُ الْ َ
خوَاِرجِ إذَا غُنِ َمتْ بِ َمْنزِلَ ِة مَا غُنِ َم مِنْ جعَلَ أَ ْحمَدُ الَْأ ْرضَ الّتِي ِللْ َ سوَادَ َعْن َوةً َ ,ووََقفَ ُه عَلَى الْ ُمسْلِ ِميَ فَ َ ال ّ
ص وَالْإِ ْجمَاعَ َفرّقَ َبيْنَ ع ِبهِ ; فَإِنّ النّ ّ صوَابُ الْ َمقْطُو ُ َأ ْموَا ِل الْ ُكفّا ِر َ ,وبِالْجُ ْملَ ِة َفهَ ِذهِ ال ّطرِيقَ ُة هِ َي ال ّ
ص رَسُولِ الّلهِ خوَارِجَ ِبنَ ّ هَذَا َوهَذَا َ ,وسِ َيةُ َعلِ ّي رضي ال عنه ُت َفرّقُ َبيْ َن هَذَا َوهَذَا ,فَِإّنهُ قَاتَ َل الْ َ
ك ,وَلَ ْم يُنَا ِز ْعهُ فِيهِ أَحَ ٌد مِنْ الصّحَاَب ِة ,وََأمّا اْل ِقتَالُ َي ْو َم صِ ّفيَ َفقَدْ ح بِذَِل َصلى ال عليه وسلم وََفرِ َ
َظ َه َر مِْنهُ مِنْ َكرَا َهِتهِ وَال ّذمّ َعلَْي ِه مَا َظ َهرَ ,وَقَا َل مِنْ َأهْلِ الْجَمَ ِل َوغَْي ِرهِ ْم :إ ْخوَانُنَا َب َغوْا َعلَْينَا ُط ْه ُرهُمْ
خوَارِجُ َففِي الصّحِيحَْي ِن :عَ ْن عَِليّ بْنِ َأبِي طَاِلبٍ قَالَ ف َ ,وصَلّى َعلَى قَْتلَى الطّاِئفَتَيْ ِن .وََأمّا الْ َ السّيْ ُ
خرُجُ َق ْومٌ فِي آ ِخرِ ال ّزمَانِ حِدَاثُ الَْأسْنَا ِن , :سَ ِمعْت َرسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ َ { :ستَ ْ
ُس َفهَاءُ الَْأحْلَامِ َ ,يقُولُونَ مِ ْن خَْيرِ َقوْلِ الَْبرِيّةِ لَا ُيجَا ِوزُ إيَاُنهُمْ حَنَا ِج َرهُ ْم ,يَ ْمرُقُو َن مِنْ الدّينِ كَمَا
سهْمُ مِ ْن ال ّرمِيّةِ ,فَأَْينَمَا َلقِيتُمُوهُمْ فَاقُْتلُوهُمْ ,فَإِ ّن فِي َقتِْلهِمْ أَ ْجرًا لِمَنْ َقتََلهُ ْم َي ْومَ اْلقِيَامَ ِة } . يَ ْمرُقُ ال ّ
سلِ ٍم :عَ ْن زَيْ ِد بْ ِن َو ْهبٍ َأّنهُ كَا َن فِي الْجَْيشِ الّذِي كَانُوا مَ َع عَلِ ّي الّذِي َن سَارُوا إلَى وَفِي صَحِي ِح مُ ْ
خرُجُ َق ْومٌ خوَارِجِ َفقَا َل عَلِ ّي :أَّيهَا النّاسُ إنّي سَ ِمعْت رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ { :يَ ْ الْ َ
مِنْ ُأمّتِي َي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ ,لَْيسَ ِقرَاءَتُ ُكمْ إلَى ِقرَاءَِتهِمْ بِشَ ْيءٍ ; وَلَا صَلَاتُكُ ْم إلَى صَلَاِتهِ ْم بِشَ ْي ٍء ,وَلَا
صلَاُتهُمْ سبُونَ َأّنهُ َلهُمْ َ ,و ُهوَ َعلَْيهِمْ ,لَا ُتجَا ِوزُ َ صِيَامُكُ ْم إلّا صِيَا ِمهِمْ بِشَ ْي ٍء َ ,ي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ يَحْ ِ
جْيشُ الّذِينَ ُيصِيبُوَنهُ ْم مَا ُقضِيَ سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّةِ َلوْ َيعَْلمُ الْ َ ق ال ّ َترَاِقَيهُ ْم َ ,ي ْمرُقُونَ مِ ْن الْإِ ْسلَامِ كَمَا يَ ْمرُ ُ
ع عَلَى َلهُ ْم َعلَى لِسَانِ مُحَمّدٍ نَِبّيهِمْ لَنَ َكلُوا عَ ْن اْلعَمَ ِل ,وَآَيةُ ذَِلكَ أَنّ فِيهِ ْم رَجُلًا َلهُ َعضُدٌ لَْيسَ َل ُه ِذرَا ٌ
ي َ ,علَْيهِ َش َعرَاتٌ بِيضٌ قَالَ :فََي ْذهَبُونَ إلَى ُمعَاوِيَ َة وََأهْ ِل الشّا ِم وََيْترُكُونَ َهؤُلَاءِ َعضُ ِدهِ ِمثْلُ حََلمَةِ الثّ ْد ِ
يَخُْلفُونَ ُكمْ فِي َذرَارِيّ ُكمْ وََأ ْموَالِكُ ْم َ ,واَلّلهِ إنّي لََأرْجُو أَنْ يَكُونُوا َهؤُلَاءِ اْل َق ْومَ فَإِّنهُمْ َقدْ َسفَكُوا ال ّدمَ
خوَارِجِ ح النّاسِ َ ,فسِيُوا عَلَى اسْ ِم الّلهِ } .قَا َل َ :فلَمّا الَْتقَْينَا َوعَلَى الْ َ حرَا َم ,وََأغَارُوا فِي َسرْ ِ الْ َ
247
ح ,وَسُلّوا سُيُوفَكُ ْم مِنْ ُحقُوِقهَا ,فَإِنّي َي ْومَئِ ٍذ عَبْدُ الّلهِ بْ ُن َو ْهبٍ َرئِيسًا َفقَالَ َلهُ ْم :أَْلقُوا ال ّرمَا َ
ح َرهُمْ ف َ ,وسَ َ ُأنَاشِدُكُمْ َكمَا نَاشَدُوكُمْ َي ْومَ َحرُورَاءَ َ ,فرَ َجعُوا َف َوحّشُوا ِب ِرمَا ِحهِمْ ,وَ َسلّوا السّيُو َ
ض َ ,ومَا ُأصِيبَ مِنْ النّاسِ َي ْومَئِ ٍذ إلّا رَجُلَا ِن َ :فقَالَ ضهُمْ َعلَى َبعْ ٍ النّاسُ ِب ِرمَا ِحهِمْ .قَا َل :وَأَ ْقبَلَ َب ْع ُ
ضهُمْ ع .فَالْتَ َمسُوهُ َ ,فلَمْ يَجِدُوهُ َفقَا َم عَلَى سَْي ِفهِ َحتّى أَتَى نَاسًا قَدْ أَ ْقبَلَ َب ْع ُ خدَ َ َعلِ ّي :الْتَ َمسُوا فِيهِ الْمَ ْ
ق الّل ُه َ ,وبَلّ َغ رَسُوُل ُه .قَالَ َعلَى َبعْضٍ .قَا َل :أَ ّخرُوهُمْ َفوَجَدُو ُه مِمّا َيلِي الَْأ ْرضَ َفكَّبرَ ثُ ّم قَا َل :صَدَ َ
َ :فقَامَ إلَْي ِه عَُبيْ َدةُ السّلْمَانِيّ َفقَا َل :يَا َأمِيَ اْل ُم ْؤمِِنيَ الّلهُ الّذِي لَا إَلهَ إلّا ُهوَ َأسَ ِمعْت هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ
حلِفُ َلهُ حَلفَهُ َثلَاثًا َو ُهوَ يَ ْ
رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَا َل :إي وَاَلّلهِ الّذِي لَا إَلهَ إلّا ُهوَ حَتّى ا ْستَ ْ
ج وََتضْلِيِلهِ ْم ,وَإِنّمَا تَنَا َزعُوا فِي تَ ْكفِ ِيهِمْ ,عَلَى تَ ْكفِ ِيهِمْ خوَارِ ِ َأْيضًا .فَإِ ّن الُْأمّ َة مُّت ِفقُونَ َعلَى َذمّ الْ َ
ب مَاِلكٍ ,وَأَحْمَ َد ,وَفِي مَ ْذ َهبِ الشّاِفعِيّ أَْيضًا ِنزَاعٌ فِي ُك ْف ِرهِمْ , شهُورَيْ ِن مِنْ مَ ْذ َه ِ َعلَى َقوَْليْ ِن مَ ْ
وَِلهَذَا كَانَ فِيهِمْ َو ْجهَانِ فِي مَ ْذ َهبِ َأحْمَ َد َوغَْي ِرهِ َعلَى ال ّطرِيقَ ِة الْأُولَى :أَحَ ُدهُمَا :أَّنهُمْ ُبغَا ٌة .
ع مُدِْب ِرهِ ْم َومَنْ قُ ِد َر عَلَْيهِوَالثّانِي َ :أّنهُمْ ُكفّارٌ كَالْ ُمرْتَدّينَ يَجُوزُ َقتُْلهُ ْم ابِْتدَا ًء وَقَتْلُ َأمِ ِيهِ ْم ,وَاتّبَا ُ
ب وَإِلّا ُقتِ َل َ ,كمَا أَ ّن مَ ْذهََبهُ فِي مَاِنعِي الزّكَاةِ إذَا قَاَتلُوا الِْإمَامَ َعلَْيهَا , مِْنهُ ْم اُسُْتتِيبَ كَالْ ُم ْرتَ ّد َ ,فإِنْ تَا َ
هَ ْل يَ ْك ُفرُونَ مَعَ اْلإِ ْقرَارِ ِب ُوجُوِبهَا عَلَى ِروَايََتيْ ِن َ ,وهَذَا كُّل ُه مِمّا يَُبيّنُ أَنّ ِقتَالَ الصّدّيقِ لِمَاِنعِي الزّكَا ِة ,
خوَارِجِ َيقَْتضِي خوَارِجَ َلْيسَ مِثْ َل اْلقِتَا ِل َي ْومَ الْجَمَ ِل َ ,وصِ ّفيَ َ ,فكَلَا ُم عَلِ ّي َوغَْي ِرهِ فِي الْ َ وَِقتَا َل َعلِيّ اْل َ
ص عَ ْن الْأَئِمّةِ كَأَحْمَ َد َوغَْي ِر ِه , َأّنهُمْ لَْيسُوا ُكفّارًا كَاْل ُمرْتَدّي َن عَنْ َأصْ ِل الْإِ ْسلَا ِم َ .وهَذَا ُه َو الْمَْنصُو ُ
ث َوهَذَا َأصَحّ الْأَ ْقوَالِ الثّلَاثَةِ ع ثَاِل ٌ وََليْسُوا مَ َع ذَِلكَ حُكْ ُمهُمْ كَحُ ْكمِ َأهْلِ اْلجَمَ ِل َوصِ ّفيَ ,بَ ْل ُهوَ َنوْ ٌ
ك مَاِنعُوا الزّكَاةِ ,كَمَا فِي شهَادََتيْ ِن ,وَالصّلَا ِة َ ,و َغْيرِ ذَِل َ فِيهِ ْم َ ,ومِمّنْ قَاَتَلهُمْ الصّحَابَ ُة مَعَ إ ْقرَا ِرهِ ْم ال ّ
ف ُتقَاتِلُ حيْ ِن َ :عنْ أَبِي ُهرَْي َرةَ أَ ّن عُ َمرَ بْنَ اْلخَطّابِ قَا َل لِأَبِي َب ْكرٍ :يَا خَلِيفَ َة رَسُولِ الّلهِ ,كَيْ َ الصّحِي َ
شهَدُوا أَ ْن لَا إَلهَ النّاسَ ,وَقَدْ قَا َل رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ُ { :أ ِمرْت أَنْ ُأقَاِتلَ النّاسَ حَتّى يَ ْ
ح ّقهَا َ } .فقَالَ َلهُ أَبُو بَ ْكرٍ إلّا الّلهُ وََأنّي رَسُولُ الّل ِه ,فَِإذَا قَالُوهَا َعصَمُوا مِنّي دِمَا َءهُ ْم وََأ ْموَاَلهُ ْم ,إلّا بِ َ
ح ّقهَا } فَإِنّ الزّكَا َة مِنْ َح ّقهَا َ ,واَلّلهِ َل ْو مََنعُونِي عِنَاقًا كَانُوا ُي َؤدّوَنهَا إلَى َرسُولِ :أَلَمْ َيقُلْ لَك { إلّا بِ َ
ح صَ ْدرَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلقَاَتلْته ْم َعلَى مَْن ِعهَا قَا َل عُ َم ُر َ :فمَا ُهوَ إلّا أَ ْن رَأَيْت أَنّ الّلهَ قَدْ َشرَ َ
حقّ .وَقَ ْد اّتفَقَ الصّحَاَبةُ وَالْأَِئمّةُ َبعْ َدهُ ْم عَلَى قِتَا ِل مَاِنعِي الزّكَا ِة وَإِنْ َأبِي بَ ْكرٍ ِل ْلقِتَا ِل َفعَلِمْت َأّنهُ الْ َ
س وََيصُومُونَ َش ْه َر َرمَضَا َن َو َهؤُلَاءِ لَمْ يَكُ ْن َلهُمْ شُْب َهةٌ سَاِئ َغةٌ َ ,فِلهَذَا كَانُوا كَانُوا ُيصَلّونَ الْخَ ْم َ
ُمرْتَدّي َن َوهُمْ ُيقَاِتلُونَ َعلَى مَْن ِعهَا ,وَإِنْ أََقرّوا بِاْلوُجُوبِ كَمَا َأ َمرَ الّلهُ .وَقَدْ حُ ِكيَ َعْنهُمْ أَّنهُمْ قَالُوا :
سقُطُ بِ َم ْوِتهِ .وَكَذَِلكَ { َأ َمرَ إ ّن الّلهَ َأ َمرَ نَِبّيهُ بِأَخْذِ الزّكَاةِ ِب َقوِْلهِ { :خُ ْذ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَدََقةً } وَقَدْ َت ْ
النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِبقِتَالِ الّذِينَ لَا يَنَْتهُو َن عَنْ ُش ْربِ اْلخَ ْمرِ } .وََأمّا الَْأصْلُ الْآ َخرُ َو ُه َو َمعْرَِفةُ
س ِعيَ ,وََأعْ َطوْا سعَ ٍة وَتِ َْأ ْحوَاِلهِمْ َ :فقَ ْد عُلِمَ أَ ّن َهؤُلَاءِ اْل َق ْومَ جَارُوا َعلَى الشّامِ فِي الْ َم ّرةِ الْأُولَى عَامَ ِت ْ
ي ,مَا ُيقَالُ :إّنهُ النّاسَ الَْأمَا َن وََق َرءُو ُه عَلَى الْ ِمنَْبرِ بِ ِدمَشْ َق َ ,ومَعَ هَذَا َفقَدْ َسلَبُوا مِ ْن َذرَا ِريّ الْ ُمسْلِ ِم َ
248
ص َ ,ودَارِيّا , حيّ ِة َ ,ونَاُبُلسَ ,وَحِمْ َ س ,وَِبجَبَ ِل الصّالِ ِ ف َ ,أوْ َيزِي ُد عََلْيهِ ,وََفعَلُوا بَِبْيتِ الْ َمقْ ِد ِ مِاَئةُ أَلْ ٍ
سلِ ِميَ َقرِيبًا مِ ْن مِاَئةِ ك مِنْ اْلقَتْ ِل وَالسّبْ ِي مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّلهُ َحتّى ُيقَالَ :إّنهُمْ َسَبوْا مِنْ الْمُ ْ َوغَْي ِر ذَِل َ
سلِ ِميَ فِي الْمَسَاجِ ِد َوغَْي ِرهَا :كَالْمَسْجِ ِد الْأَ ْقصَى ,وَالُْأ َم ِويّ , خيَارِ ِنسَاءِ الْمُ ْجرُونَ بِ ِ َألْفٍ َو َجعَلُوا َيفْ ُ
َوغَْي ِر ِه ,وَ َج َعلُوا الْجَامِعَ الّذِي بِاْل ُعقَيْبَ ِة دَكّا ,وَقَدْ شَاهَدْنَا عَسْ َك َر اْل َق ْومِ َفرََأيْنَا ُج ْمهُورَهُمْ لَا ُيصَلّو َن ,
سلِ ِميَ َو َذرَارِّيهِ ْم ,وَ َخرّبُوا مِنْ وَلَ ْم َنرَ فِي عَسْ َك ِرهِ ْم ُم َؤذّنًا وَلَا إمَامًا .وَقَدْ َأخَذُوا مِنْ َأ ْموَالِ الْمُ ْ
خلْ ِق ,إمّا زِْندِي ٌق مُنَافِقٌ لَا دِيَا ِرهِمْ مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّل ُه وَلَمْ يَ ُكنْ َم َعهُمْ فِي َدوْلَِتهِ ْم إلّا مَنْ كَا َن مِنْ َشرّ الْ َ
جهْمِيّةِ وَالِاتّحَادِيّة َيعَْتقِدُ دِينَ اْلإِسْلَامِ فِي اْلبَاطِ ِن ,وَِإمّا مَ ْن ُه َو مِنْ َشرّ َأ ْهلِ اْلبِدَعِ كَالرّاِفضَ ِة وَاْل َ
س ُقهُ ْم َ ,وهُمْ فِي بِلَا ِدهِمْ مَعَ تَ َمكِّنهِمْ لَا يَحُجّونَ الْبَْيتَ اْلعَتِيقَ س وَأَفْ َ
جرُ النّا ِ ح ِوهِمْ .وَِإمّا مَنْ ُهوَ َأفْ َ وََن ْ
ب عَلَْيهِ ْم إقَامَ الصّلَاةِ وَلَا إيتَاءَ الزّكَاةِ َ ,وهُمْ ُيقَاِتلُونَ ,وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَ ْن ُيصَلّي وََيصُومُ ,فََلْيسَ اْلغَاِل ُ
ج عَنْ َعلَى مُ ْلكِ جِنْكِيزْ خَا ْن ,فَمَ ْن دَخَ َل فِي طَاعَِتهِمْ َجعَلُو ُه وَلِيّا َلهُ ْم ,وَإِنْ كَانَ كَاِفرًا َومَنْ َخرَ َ
جزَْي َة , ضعُونَ الْ ِ سلِ ِميَ وَلَا ُيقَاِتلُونَ َعلَى الْإِ ْسلَامِ وَلَا َي َ ذَِلكَ َجعَلُو ُه عَ ُدوّا َلهُ ْم ,وَإِنْ كَا َن مِنْ خِيَا ِر الْمُ ْ
سلِ ُم عِنْ َدهُ ْم , سلِ ِميَ مِْنهُ ْم مِنْ أَكَاِبرِ ُأمَرَاِئهِ ْم َو ُو َزرَاِئهِمْ أَنْ يَكُو َن الْمُ ْصغَارَ ,بَ ْل غَاَيةُ كَثِ ٍي مِ ْن الْمُ ْ وَال ّ
ي مِنْ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى .كَمَا قَالَ أَكَْب ُر ُمقَدّمِيهِ ْم الّذِي َن قَ ِدمُوا إلَى الشّامِ شرِ ِك َ كَ َمنْ ُيعَظّمُوَن ُه مِنْ الْمُ ْ
سلِ ِميَ ,وَيََت َق ّربُ إلَْيهِمْ بَِأنّا مُسْلِمُو َن َفقَالَ :هَذَانِ آَيتَا ِن عَظِي َمتَانِ جَاءَا مِنْ ب رُسُلَ الْمُ ْ َ ,و ُهوَ يُخَا ِط ُ
س ّويَ سلِ ِميَ أَنْ يُ َ ِعنْدِ الّلهِ :مُحَمّ ٌد ,وَ ِجنْكِيزْ خَا ْن َ ,فهَذَا غَاَي ُة مَا يََت َق ّربُ ِبهِ أَ ْكَبرُ ُمقَ ّدمِيهِمْ إلَى الْمُ ْ
شرِ ٍك مِنْ ي ,وََبيْ َن مَِلكٍ كَاِف ٍر مُ ْ خلْ ِق عََلْيهِ ,وَسَيّدِ َولَ ِد آ َدمَ ,وَخَاتَمِ اْل ُمرْسَِل َ بَيْ َن رَسُو ِل الّلهِ أَ ْك َرمِ الْ َ
ص َر وََأمْثَاِل ِه َ .وذَِلكَ أَنّ اعِْتقَا َد َهؤُلَاءِ التّتَارِ ختِ َن ّ ي ُ ,ك ْفرًا َوفَسَادًا َوعُ ْدوَانًا مِنْ جِْنسِ بُ ْ شرِكِ َ َأعْظَ ِم الْ ُم ْ
كَا َن فِي ِجنْكِيزْ خَا ْن عَظِيمًا َفإِّنهُمْ َيعَْتقِدُونَ أَّنهُ ابْنُ الّل ِه مِنْ جِْنسِ مَا َيعَْتقِ ُدهُ الّنصَارَى فِي الْمَسِي ِح ,
خيْمَ ِة فَدَخََلتْ س مِنْ ُك ّوةِ الْ َ وََيقُولُو َن :إنّ الشّ ْمسَ َحبَّلتْ ُأ ّمهُ ,وَأَّنهَا كَاَنتْ فِي خَيْ َمةٍ َفَنزََلتْ الشّ ْم ُ
ت َ ,و َمعْلُومٌ ِعنْدَ كُ ّل ذِي دِينٍ أَ ّن هَذَا كَ ِذبٌ َ .وهَذَا دَلِي ٌل عَلَى َأّنهُ وَلَ ُد زِنًا ,وَأَنّ ُأ ّمهُ فِيهَا َحتّى َحبَِل ْ
جعَلُوَنهُ َأعْظَ َم َرسُولٍ ت زِنَاهَا ,وَأَ ْخ َفتْ هَذَا حَتّى تَدْفَ َع َعْنهَا مَ َع ّرةَ الزّنَا َ ,وهُ ْم مَعَ هَذَا يَ ْ زََنتْ َفكَتَ َم ْ
ِعنْدَ الّلهِ فِي َتعْظِيمِ مَا سَّنهُ َلهُ ْم ,وَ َش َر َعهُ بِظَّن ِه َ ,و ُهوَ َحتّى َيقُولُوا لِمَا عِنْ َدهُ ْم مِنْ الْمَا ِل هَذَا ِرزْقُ
حلّونَ قَتْ َل مَ ْن عَادَى مَا َسّنهُ َلهُمْ هَذَا جِنْكِيزْ خَا ْن ,وََيشْ ُكرُوَنهُ َعلَى أَ ْكِلهِمْ َو ُشرِْبهِ ْم َ ,وهُمْ َيسْتَ ِ
الْكَاِفرُ الْ َم ْلعُونُ الْ ُمعَادِي ِلّلهِ وَلَِأنِْبيَاِئ ِه َورَسُوِلهِ َوعِبَا ِدهِ الْ ُم ْؤمِِنيَ َ .فهَذَا وََأمْثَاُلهُ مِ ْن ُمقَ ّدمِيهِمْ كَا َن غَاَيُتهُ
سيْلِ َمةَ
جعَ َل مُحَمّدًا صلى ال عليه وسلم بِ َمْنزِلَ ِة هَذَا الْ َم ْلعُونِ َ ,ومَعْلُومٌ أَ ّن " مُ َ َبعْدَ الِْإسْلَامِ أَنْ يَ ْ
ك مُحَمّدٍ فِي الرّسَالَ ِة َ ,وِبهَذَا ي مِ ْن هَذَا ,وَا ّدعَى أَّنهُ َشرِي ُ الْكَذّابَ " كَانَ أََق ّل ضَ َررًا َعلَى اْلمُسْلِ ِم َ
جعَلُ اسَْتحَلّ الصّحَابَ ُة قِتَاَلهُ ,وَقِتَالَ َأصْحَاِبهِ الْ ُم ْرتَدّينَ ,فَ َكيْفَ بِمَنْ كَا َن فِيمَا يُ ْظ ِه ُرهُ مِنْ الْإِ ْسلَامِ يَ ْ
مُحَمّدًا كَجِْنكِيزْ خَا ْن ,وَإِلّا َفهُ ْم مَعَ إ ْظهَا ِرهِمْ لِ ْلإِسْلَامِ ُيعَظّمُونَ َأ ْم َر " ِجنْكِيزْ خَا ْن " عَلَى الْ ُمسْلِ ِميَ
شرِيعَةِ اْلقُرْآنِ َولَا ُيقَاِتلُونَ أُولَِئكَ اْلمُتِّب ِعيَ لِمَا َسّنهُ " جِْنكِيزْ خَا ْن " كَمَا ُيقَاتِلُونَ الْمُسِْل ِميَ الْمُتِّبعَةِ ِل َ
249
بَلْ َأعْظَ َم .أُوَلِئكَ الْ ُكفّارُ َيبْذُلُونَ َلهُ الطّاعَ َة وَالِاْنقِيَا َد ,وَيَحْ ِملُونَ إلَْيهِ الَْأ ْموَا َل ,وَُي ِقرّونَ َلهُ بِالنّيَاَب ِة ,
سلِ ِميَ ج عَنْ طَا َعةِ الِْإمَامِ ِللِْإمَامِ َ ,وهُمْ يُحَا ِربُونَ الْمُ ْ وَلَا يُخَاِلفُو َن مَا يَ ْأ ُم ُرهُمْ ِبهِ إلّا كَمَا ُيخَالِفُ الْخَارِ ُ
ض َعهُ َلهُ ْم , وَُيعَادُوَنهُمْ َأعْظَ َم ُمعَادَا ٍة وَيَ ْطلُبُو َن مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ الطّاعَةَ َلهُ ْم َوبَذْلَ الَْأ ْموَا ِل وَالدّخُولَ فِيمَا َو َ
ح ِوهِمَا .بَ ْل ُهوَ َأعْظَمُ َفسَادًا فِي الَْأ ْرضِ شرِكُ الْمُشَاِبهُ ِل ِف ْر َعوْنَ َأوْ النّ ْمرُو ِد وَنَ ْ ذَِلكَ الْمَِلكُ اْلكَاِفرُ الْمُ ْ
سَتضْعِفُ طَاِئ َفةً ِمْنهُمْ يُذَبّحُ ض وَ َجعَلَ َأهَْلهَا ِشَيعًا يَ ْ مِْنهُمَا .قَالَ الّلهُ َتعَالَى { :إنّ ِف ْر َعوْنَ َعلَا فِي الَْأ ْر ِ
ضعِفُ َأهْلَ ستَحْيِي نِسَا َءهُمْ إّنهُ كَا َن مِنْ الْ ُمفْسِدِي َن } َ .وهَذَا الْكَاِفرُ َعلَا فِي الَْأ ْرضِ َيسَْت ْ َأبْنَا َءهُ ْم وَيَ ْ
شرِ ِكيَ ِبقَتْلِ الرّجَا ِل ,وَ َسبْيِ الْ ِملَلِ كُّلهُ ْم مِنْ الْمُسِْل ِميَ ,وَاْلَيهُو ِد ,وَالّنصَارَى َومَنْ خَاَلفَ ُه مِنْ الْ ُم ْ
س عَمّا كَانُوا حبّ اْلفَسَادَ ,وََي ُردّ النّا َ ح ْرثَ ,وَالنّسْ َل ,وَاَلّلهُ لَا يُ ِ حرِ ِي َ ,ويَأْخُذُ الَْأ ْموَا َل وَُيهِْلكُ الْ َ الْ َ
َعلَْي ِه مِنْ سِ ْلكِ الَْأنِْبيَاءِ وَالْ ُمرْ َسِليَ إلَى أَنْ يَدْ ُخلُوا فِيمَا ابَْت َد َعهُ مِنْ سُنِّتهِ الْجَاهِلِيّ ِة وَ َشرِيعَِتهِ اْل ُك ْفرِيّ ِة ,
سلِ ِميَ وَُيطِيعُوَنهُ ْم وَُيوَالُوَنهُمْ َفهُمْ يَ ّدعُو َن دِينَ الْإِ ْسلَامِ َوُيعَظّمُونَ دِينَ أُولَِئكَ اْل ُكفّارِ َعلَى دِينِ الْمُ ْ
جرَ َبيْنَ أَكَاِب ِرهِمْ بِحُكْمِ حكْمُ فِيمَا شَ َ ي وَالْ َُأعْظَ َم بِكَثِ ٍي مِنْ طَا َعةِ الّلهِ َورَسُوِل ِه َ ,و ُموَالَاةِ الْ ُم ْؤمِِن َ
جعَلُونَ دِينَ اْلإِسْلَامِ كَدِينِ الْجَا ِهلِيّ ِة ,لَا بِحُكْ ِم الّلهِ َورَسُوِل ِه .وَكَذَِلكَ الْأَكَاِب ُر مِ ْن ُو َزرَاِئهِ ْم َوغَْي ِرهِمْ َي ْ
ي ُ ,ثمّ ِمْنهُمْ مَنْ سلِ ِم َ
الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى وَأَ ّن هَ ِذهِ ُكّلهَا ُطرُقٌ إلَى الّلهِ بِ َمْنزِلَةِ الْمَذَا ِهبِ الَْأرَْبعَ ِة عِنْ َد الْمُ ْ
سلِ ِميَ َ .وهَذَا اْل َقوْلُ فَاشٍ غَاِلبٌ فِيهِمْ ُيرَجّ ُح دِي َن الَْيهُودِ َأ ْو دِينَ الّنصَارَى َ ,ومِْنهُ ْم مَنْ ُيرَجّ ُح دِينَ الْمُ ْ
ح ِوهِ ْم ,فَإِّن ُه غََلَبتْ َعلَْيهِمْ جهْمِيّ ُة مِ ْن الِاتّحَادِيّةِ اْل ِف ْر َعوْنِيّ ِة وَنَ ْ
حَتّى فِي ُف َقهَاِئهِ ْم َوعُبّا ِدهِ ْم ,لَا سِيّمَا اْل َ
سفَةِ َأوْ أَ ْكَث ِرهِمْ َوعَلَى هَذَا كَِثيٌ مِ ْن الّنصَارَى َأوْ أَ ْكَث ُرهُمْ وَ َكثِيٌ س َف ُة َوهَذَا مَ ْذ َهبُ َكثِ ٍي مِنْ الْ ُمَتفَلْ ِ اْلفَلْ َ
مِنْ الَْيهُودِ أَْيضًا .بَلْ َلوْ قَا َل اْلقَائِلُ :إ ْن غَابَ َخوَاصّ اْل ُعلَمَاءِ مِْنهُ ْم وَاْلعُبّا ُد عَلَى هَذَا الْ َم ْذ َهبِ لَمَا
ُأْبعِدَ .وَقَ ْد رَأَيْت مِ ْن ذَِلكَ َوسَ ِمعْت مَا لَا َيتّسِعُ َل ُه هَذَا الْ َم ْوضِ ُع َ ,و َمعْلُومٌ بِالِاضْ ِطرَا ِر مِ ْن دِينِ
ع غَْي ِر دِينِ الْإِ ْسلَامِ َأ ْو اتّبَاعِ َشرِيعَ ٍة َغْيرِ َشرِيعَةِ غ اتّبَا َسلِ ِميَ أَ ّن مَنْ َسوّ َ سلِ ِميَ َوبِاّتفَاقِ َجمِيعِ الْمُ ْ الْمُ ْ
ض الْكِتَابِ , ب وَ َك َفرَ بَِبعْ ِ مُحَمّ ٍد صلى ال عليه وسلم َف ُهوَ كَاِفرٌ َ ,و ُهوَ كَ ُك ْفرِ مَ ْن آمَنَ بَِبعْضِ الْكِتَا ِ
كَمَا قَا َل َتعَالَى { :إنّ الّذِينَ يَ ْك ُفرُونَ بِاَلّلهِ َورُ ُسِلهِ َوُيرِيدُونَ أَنْ ُي َفرّقُوا بَيْ َن الّل ِه َورُسُِل ِه وََيقُولُونَ ُن ْؤمِنُ
ك هُمْ اْلكَاِفرُونَ َحقّا وََأعْتَدْنَا لِلْكَاِفرِينَ ض وَُيرِيدُونَ أَنْ َيتّخِذُوا بَيْ َن ذَِلكَ َسبِيلًا أُولَِئ َ ض وَنَ ْك ُفرُ ِبَبعْ ٍ
بَِبعْ ٍ
ض وَيَ ْك ُفرُونَ سفَةُ ُي ْؤمِنُونَ ِبَبعْ ٍ ك ,وَكَذَِلكَ الْمَُتفَ ْل ِ عَذَابًا ُمهِينًا } .وَالَْيهُو ُد وَالّنصَارَى دَا ِخلُونَ فِي ذَِل َ
ف مِنْ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى يَْبقَى ُك ْفرُ ُه مِ ْن وَ ْجهَيْ ِن َ .و َهؤُلَاءِ أَ ْكَثرُ ُو َزرَاِئهِمْ الّذِينَ ض َ ,ومَنْ َتفَلْسَ َ بَِبعْ ٍ
سبَ إلَى الْإِ ْسلَامِ سفًا ثُمّ اْنتَ َ ض ْربِ ,فَِإّنهُ كَانَ َيهُودِيّا مَُتفَلْ ِ َيصْ ُدرُو َن عَ ْن رَأِْي ِه غَاَيُتهُ أَ ْن يَكُونَ مِ ْن هَذَا ال ّ
مَ َع مَا فِي ِه مِنْ اْلَيهُودِيّ ِة وَالّتفَ ْلسُفِ َ ,وضَمّ إلَى ذَِلكَ الرّ ْفضَ َفهَذَا ُهوَ َأعْظَ ُم مَ ْن عِنْ َدهُ ْم مِ ْن َذوِي الْأَ ْقلَامِ
ق َوزَنْ َدقَةٍ َوذَاكَ َأ ْعظَ ُم مَنْ كَانَ ِعنْ َدهُ ْم مِ ْن َذوِي السّيْفِ َفلَْيعَْتِبرْ الْ ُم ْؤمِنُ ِبهَذَا .وَبِالْجُ ْملَ ِة :فَمَا مِنْ ِنفَا ٍ
ع التّتَارِ ; لَِأّنهُ ْم مِنْ َأ ْجهَلِ اْلخَلْ ِق وََأقَّلهِ ْم َمعْرَِفةً بِالدّي ِن وََأْبعَ ِدهِمْ عَنْ وَإِْلحَادٍ إلّا َوهِ َي دَا ِخلَ ٌة فِي اتّبَا ِ
س .وَقَ ْد قَسّمُوا النّاسَ َأرَْبعَةَ أَ ْقسَامٍ يال رُبَاع وداشند خلْقِ اتّبَاعًا لِلظّ ّن َومَا َت ْهوَى الْأَْن ُف ُ اتّبَا ِعهِ وََأعْظَ ِم الْ َ
250
وطاط َ ,أيْ صَدِي ُقهُمْ َوعَ ُد ّوهُ ْم وَاْلعَالِ ُم وَاْلعَامّ ّي َ ,فمَ ْن دَخَلَ فِي طَا َعِتهِمْ اْلجَاهِِليّ ِة وَ ُسنِّتهِمْ الْ ُك ْفرِيّةِ
كَا َن صَدِي َقهُمْ َ ,ومَنْ خَاَل َفهُمْ كَا َن عَ ُد ّوهُمْ .وََلوْ كَا َن مِنْ أَنِْبيَاءِ الّلهِ َورُ ُسِلهِ وََأوِْليَاِئ ِه ,وَكُ ّل مَنْ
ب َ ,ودَنَانِ اْلَيهُودِ , سبَ إلَى عِلْمٍ َأ ْو دِي ٍن سَ ّم ْوهُ " داشند " كَاْل َفقِيهِ ,وَالزّاهِ ِد ,وَاْلقِسّيسِ ,وَالرّا ِه ِ اْنتَ َ
ب ,فَيُ ْدرِجُونَ سَادِ َن الَْأصْنَامِ َفيُ ْدرِجُونَ فِي ب ,وَالْكَاِتبِ ,وَاْلحَا ِس ِ وَالْمَُنجّ ِم ,وَالسّا ِح ِر ,وَالطّبِي ِ
جعَلُونَ َأهْلَ اْلعِلْ ِم وَاْلِإيَانِ ع مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّل ُه َ ,ويَ ْب ,وََأهْ ِل الِْبدَ ِ ي وََأهْلِ الْكِتَا ِ شرِكِ َ هَذَا مِنْ الْ ُم ْ
جعَلُو َن اْل َقرَامِطَ َة الْمَلَاحِ َدةَ اْلبَاطِِنيّ َة الزّنَا ِدقَةَ الْمُنَاِف ِقيَ كَالطّوسِ ّي وََأمْثَاِل ِه ,هُمْ َن ْوعًا وَاحِدًا ,بَلْ يَ ْ
ك َوزِي ُرهُمْ سلِ ِميَ وَالَْيهُو ِد وَالّنصَارَى .وَكَذَِل َ سبَ إلَى عِلْمٍ َأ ْو دِي ٍن مِ ْن الْمُ ْ الْحُكّامُ َعلَى جَمِيعِ مَ ْن اْنتَ َ
سلِ ِميَ كَالرّاِفضَ ِة وَالْ َملَاحِ َدةِ ف وَُيقَ ّدمُ ِشرَارَ الْمُ ْ سفِيهُ الْمَُل ّقبُ بِالرّشِي ِد ,يَحْكُ ُم َعلَى هَ ِذهِ الَْأصْنَا ِ ال ّ
َعلَى خِيَارِ الْ ُمسْلِ ِميَ َأهْلِ اْل ِعلْ ِم وَالِْإيَا ِن ,حَتّى َتوَلّى َقضَاءَ اْلقُضَا ِة مَنْ كَانَ أَ ْق َربَ إلَى الزّنْدََقةِ
وَالْإِلْحَادِ وَالْ ُك ْفرِ بِاَلّلهِ َورَسُوِل ِه ,بِحَْيثُ َتكُونُ ُموَاِفقَةً ِللْ ُكفّارِ وَالْمُنَاِف ِقيَ مِنْ الَْيهُودِ وَاْل َقرَامِطَ ِة ,
وَالْمَلَاحِ َد ِة ,وَالرّاِفضَ ِة َعلَى مَا ُيرِيدُوَنهُ َأعْظَ َم مِ ْن غَْي ِر ِه وَيََتظَا َهرُ مِنْ َشرِيعَةِ اْلإِسْلَامِ بِمَا لَا ُبدّ َلهُ مِْنهُ
ف ُمصَّنفًا َمضْمُوُنهُ خبِيثَ الْ ُملْحِ َد الْمُنَافِ َق صَنّ َ سلِ ِميَ حَتّى إ ّن َوزِي َرهُ ْم هَذَا الْ َ لَِأجْ ِل مَ ْن هُنَا َك مِنْ الْمُ ْ
أَ ّن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َرضِيَ بِدِي ِن اْلَيهُو ِد وَالّنصَارَى ,وََأّنهُ لَا يُْن ِكرُ َعلَْيهِ ْم وَلَا َي ُذمّونَ َ ,ولَا
يَْن َهوْ َن دِيَنهُ ْم ,وَلَا ُي ْؤ َمرُونَ بِالِانِْتقَالِ إلَى الِْإسْلَا ِم وَا ْستَدَ ّل الْخَبِيثُ الْجَاهِلُ ِب َقوِْلهِ ُ { :قلْ يَا َأّيهَا
الْكَاِفرُونَ لَا َأعْبُ ُد مَا َتعْبُدُو َن وَلَا َأنْتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُ ُد وَلَا أَنَا عَابِ ٌد مَا عَبَدُْتمْ َولَا أَْنتُ ْم عَابِدُو َن مَا َأعْبُدُ
َلكُ ْم دِينُكُ ْم وَِل َي دِي ٌن } َ .و َزعَمَ أَ ّن هَ ِذهِ الْآَيةَ َتقَْتضِي أَّنهُ َي ْرضَى دِيَنهُ ْم ,وَقَا َل َ :وهَ ِذهِ الْآَي ُة مُحْكَمَةٌ
ب ذَِلكَ ُأمُورٌ َ ,ومِنْ الْ َم ْعلُومِ أَ ّن هَذَا َجهْ ٌل مِْنهُ ,فَإِ ّن َقوَْلهُ َلكُ ْم دِينُكُمْ ت مَنْسُو َخ ًة ,وَ َج َرتْ ِبسََب ِ س ْ َليْ َ
وَلِ َي دِينٌ لَْيسَ فِيهِ مَا َيقَْتضِي أَنْ َيكُونَ دِينُ الْ ُكفّارِ َحقّا وَلَا َم ْرضِيّا َل ُه ,وَإِنّمَا يَدُ ّل َعلَى َتْبرِئَ ٍة مِنْ
شرْكِ كَمَا قَالَ فِي الْآَيةِ دِيِنهِ ْم ,وَِلهَذَا قَا َل صلى ال عليه وسلم فِي هَ ِذهِ السّو َرةِ إّنهَا َبرَا َءةٌ مِنْ ال ّ
الْأُ ْخرَى { :وَإِنْ كَذّبُوك َفقُلْ لِي عَ َملِي وَلَكُ ْم عَمَُلكُمْ أَنُْتمْ َبرِيئُو َن مِمّا َأعْمَ ُل وََأنَا َبرِي ٌء مِمّا
َتعْمَلُونَ } َ .ف َقوُْلهُ { :لَكُ ْم دِينُكُ ْم وَلِ َي دِي ٌن } َك َقوِْلهِ َلنَا َأعْمَاُلنَا وَلَكُمْ َأعْمَاُلكُ ْم .وَقَ ْد اتّبَ َع ذَِلكَ
بِمُوجِِب ِه َومُقَْتضَاهُ َحْيثُ قَا َل َ :أنْتُ ْم َبرِيئُو َن مِمّا َأعْمَ ُل ,وََأنَا َبرِيءٌ مِمّا َتعْ َملُونَ ,وََلوْ قُ ّدرَ أَنّ فِي هَ ِذهِ
السّو َر ِة مَا َيقَْتضِي أَّنهُمْ لَ ْم ُي ْؤمَرُوا ِبَترْ ِك دِيِنهِ ْم َفقَدْ ُعلِمَ بِالِاضْ ِطرَارِ مِ ْن دِينِ الِْإسْلَامِ بِالّنصُوصِ
ك وَأَخَْبرَ شرِ ِكيَ وََأهْ ِل الْ ِكتَابِ بِالِْإيَا ِن ِبهِ ,وَأَّنهُ جَا َءهُمْ َعلَى ذَِل َ الْمَُتوَاِت َر ِة وَبِإِجْمَاعِ الُْأمّةِ أَّنهُ َأمَرَ الْمُ ْ
خَلفَاءَ الرّا ِشدِينَ ض َومََنعُوا أَنْ َنذْ ُكرَ َعلَى الْمَنَاِبرِ الْ ُ خلُدُونَ فِي النّارِ .وَقَدْ أَ ْظ َهرُوا الرّفْ َ َأّنهُمْ كَاِفرُونَ يَ ْ
ش َر الّذِي َن َت ْزعُمُ الرّاِفضَةُ أَّنهُمْ َأئِمّ ٌة َم ْعصُومُونَ وَأَنّ َأبَا بَ ْك ٍر , َ ,وذَ َكرُوا َعلِيّا وَأَ ْظ َهرُوا ال ّد ْع َوةَ لِلِاثْنَ ْي عَ َ
َوعُ َم َر َ ,وعُثْمَا َن ُ :كفّا ٌر ,وَُفجّا ٌر ,ظَالِمُونَ لَا ِخلَاَفةَ َلهُ ْم ,وَلَا لِمَنْ َبعْ َدهُ ْم .
ج غَايَُتهُمْ تَ ْكفِ ُي عُْثمَا َن َ ,وعَِليّ , خوَارِ َ ي ,فَإِنّ الْ َ ج الْمَارِِق َخوَارِ ِ َومَ ْذ َهبُ الرّاِفضَةِ َش ّر مِنْ مَ ْذ َهبِ اْل َ
ي َ ,وتَجْحَ ُد مِنْ وَشِيعَِتهِمَا ,وَالرّاِفضَةَ تَ ْكفِيُ أَبِي بَ ْك ٍر َ ,وعُ َم َر َ ,وعُثْمَا َن ,وَجُ ْمهُورِ السّاِب ِقيَ الَْأوِّل َ
251
ج َ ,وفِيهِ ْم مِنْ اْلكَ ِذبِ وَالِا ْفِترَا ِء خوَارِ ُ سُنّ ِة َرسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َأعْظَ َم مِمّا َجحَدَ ِبهِ اْل َ
خوَارِجِ ي مَا لَْيسَ مِ ْن الْ َ خوَا ِرجِ ,وَفِيهِمْ مِ ْن ُمعَاوَنَ ِة الْ ُكفّا ِر عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ وَاْلغُُل ّو وَالِْإلْحَا ِد مَا لَْيسَ فِي الْ َ
شرِ ِكيَ سلِ ِميَ وَالرّاِفضَ ُة هُ ْم مُعَاوِنُونَ ِللْمُ ْ حصُ ُل بِ َدوْلَ ِة الْمُ ْ حبّ التّتَا َر َو َدوْلََتهُمْ لِأَّنهُ يَ ْ ,وَالرّاِفضَةِ ُت ِ
سلِ ِميَ َ ,وهُمْ كَانُوا مِنْ َأعْ َظمِ الَْأسْبَابِ فِي دُخُو ِل التّتَارِ َقبْلَ وَالَْيهُو ِد وَالّنصَارَى عَلَى ِقتَا ِل الْمُ ْ
س ُمعَاوَنَةً َلهُ ْم عَلَى ق ,وَالشّامِ ,وَكَا َن مِنْ َأعْظَمِ النّا ِ خرَاسَا َن ,وَاْل ِعرَا ِ شرِقِ بِ ُ إسْلَا ِمهِمْ إلَى َأ ْرضِ الْمَ ْ
سلِ ِميَ وَ َسبْيِ َح ِر ِيهِمْ ,وََقضِيّةُ ابْنِ اْل َع ْلقَمِيّ وََأمْثَاِلهِ مَعَ الْخَلِيفَةِ َأخْ ِذهِمْ لِِبلَادِ اْلإِسْلَامِ وََقتْلِ الْمُ ْ
حرُوبِ الّتِي بَْينَ شهُو َرةٌ َي ْعرُِفهَا عُمُومُ النّاسِ .وَكَذَِلكَ فِي الْ ُ ب مَعَ صَا ِحبِ َحَلبَ مَ ْ وََقضِيُّتهُمْ فِي حََل َ
سوَاحِلِ الشّامِ قَ ْد َعرَفَ َأهْلُ اْلخِْب َرةِ أَنّ الرّاِفضَةَ َتكُونُ مَعَ الّنصَارَى َعلَى سلِ ِميَ َوبَيْ َن الّنصَارَى بِ َ الْمُ ْ
سلِ ِميَ ,وَأَّنهُ ْم عَاوَنُوهُ ْم َعلَى أَخْ ِذ الِْبلَادِ لَمّا جَاءَ التّتَا ُر َو َعزّ عَلَى الرّاِفضَةِ َفتْ ُح عَكّا َوغَْي ِرهَا مِنْ الْمُ ْ
شرِ ِكيَ كَا َن ذَِلكَ ُغصّ ًة ِعنْدَ الرّاِفضَ ِة ,وَِإذَا غََلبَ سوَاحِ ِل ,وَِإذَا غََلبَ الْ ُمسْلِمُو َن الّنصَارَى وَالْمُ ْ ال ّ
س ّر ًة عِنْدَ الرّاِفضَ ِة َ ,ودَخَلَ فِي الرّاِفضَةِ َأهْلُ ك عِيدًا َ ,ومَ َ سلِ ِميَ كَا َن ذَِل َ شرِكُو َن وَالّنصَارَى الْمُ ْ الْمُ ْ
الزّنْ َدقَ ِة وَالْإِلْحَا ِد مِنْ الّنصَْيرِيّ ِة ,وَالْإِسْمَاعِيِليّة ,وََأمْثَاِلهِ ْم مِنْ الْ َملَا ِح َدةِ اْل َقرَامِطَ ِة َوغَْي ِرهِ ْم مِمّنْ كَانَ
ب وَالْبِدَعِ ك ,وَالرّاِفضَ ُة َجهْمِيّةٌ قَ َدرِيّ ٌة ,وَفِيهِ ْم مِنْ الْكَ ِذ ِ ق ,وَالشّا ِم َ ,وغَْي ِر ذَِل َ خرَاسَا َن ,وَاْل ِعرَا ِ بِ ُ
ي عَلِ ّي وَسَاِئرُ ج الْمَارِِقيَ الّذِي َن قَاَتَلهُمْ َأمِيُ الْ ُم ْؤمِِن َ خوَارِ ِ وَالِا ْفِترَا ِء عَلَى الّل ِه َورَسُوِلهِ َأ ْعظَ ُم مِمّا فِي الْ َ
الصّحَاَبةِ بَِأ ْم ِر رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم بَلْ فِيهِمْ مِ ْن ال ّر ّدةِ عَنْ َشرَائِ ِع الدّينِ َأعْظَ ُم مِمّا فِي
مَاِنعِي الزّكَاةِ الّذِينَ قَاتََلهُمْ َأبُو بَ ْكرٍ الصّدّي ُق وَالصّحَابَ ُة َ ,ومِنْ َأعْظَ ِم مَا َذمّ ِبهِ النّبِيّ صلى ال عليه
ج َقوُْلهُ َ { :فهُ ْم َيقْتُلُونَ َأهْ َل الْإِ ْسلَا ِم وَيَ َدعُونَ َأهْلَ الَْأ ْديَانِ } َ .كمَا أُ ْخرِجَ فِي خوَارِ َ وسلم الْ َ
ث عَلِيّ إلَى النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِب ُذهَيَْبةٍ َفقَسّ َمهَا بَيْنَ حيْ ِن َ :عنْ أَبِي َسعِيدٍ قَالَ َ { :ب َع َ الصّحِي َ
ش وَالَْأْنصَارُ قَالُوا ُ :يعْطِي صَنَادِيدَ َأهْلِ نَجْ ٍد َويَ َدعُنَا ,قَا َل : َأ ْرَبعَةٍ َيعْنِي مِنْ ُأ َمرَاءِ نَجْ ٍد َفغَضَِبتْ ُقرَْي ٌ
جِبيِ َ ,كثّ اللّحَْي ِة مَحْلُوقٌ َ ,فقَا َل : شرِفُ اْلوَجَْنتَيْ ِن نَاِتئُ الْ َ إنّمَا أَتََأّل ُفهُمْ فَأَقَْبلَ َرجُ ٌل غَاِئرُ اْلعَيَْنيْ ِن مُ ْ
ض وَلَا تَ ْأمَنُونِي َفسَأََلهُ يَا مُحَمّدُ اتّقِ الّلهِ ; َفقَا َل :مَنْ يُطِي ُع الّلهَ إذَا َعصَيْته َأيَ ْأمَنُنِي الّلهُ عَلَى َأهْلِ الَْأ ْر ِ
ب هَذَا َق ْومًا َيقْ َرءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ رَ ُجلٌ قَْتَلهُ فَمََن َعهُ َ ,فلَمّا وَلّى قَا َل :إ ّن مِ ْن ضِْئضِ ِئ هَذَا َأوْ فِي َعقِ ِ
سهْ ِم مِنْ ال ّرمِيّ ِة َ ,ي ْقتُلُونَ َأهْلَ الْإِ ْسلَامِ ,وَيَ َدعُونَ َأهْلَ الَْأوْثَا ِن , حَنَا ِج َرهُ ْم يَ ْمرُقُو َن مِنْ الدّي ِن ُمرُوقَ ال ّ
حيْ ِن عَنْ { أَبِي َسعِيدٍ قَا َل َ :بيْنَمَا نَحْ ُن ِعنْدَ َلئِنْ َأ ْدرَكْتهمْ لََأقُْتلَنهُمْ َقتْ َل عَادٍ } وَفِي َل ْفظٍ فِي الصّحِي َ
صرَ ِة َ ,و ُه َو رَجُ ٌل مِنْ َبنِي تَمِي ٍم . خوَْي ِ
رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم َو ُهوَ ُيقَسّمُ َقسْمًا أَتَا ُه ذُو اْل ُ
سرْت إنْ َلمْ أَكُنْ َفقَا َل :يَا رَسُولَ الّلهِ ,اعْ ِدلْ َ .فقَا َل :وَْيلَك فَمَنْ َيعْدِلُ إذَا َلمْ َأعْدِلْ قَدْ ِخبْت َوخَ ِ
حقِرُ ض ِربُ عُُن َقهُ َ .فقَا َل َ :د ْعهُ َفإِنّ َلهُ َأصْحَابًا َي ْ َأعْدِ ُل َفقَا َل عُ َمرُ :يَا َرسُولَ الّلهِ ,أَتَ ْأذَنُ لِي فِيهِ فََأ ْ
َأحَدُكُ ْم صَلَاَتهُ مَ َع صَلَاِتهِ ْم َوصِيَا َم ُه مَعَ صِيَا ِمهِمْ َي ْق َرءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ َترَاقَِيهُ ْم ,يَ ْمرُقُو َن مِنْ الدّينِ
سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّةِ َ ,ينْ ُظرُ إلَى َنصِْلهِ َفلَا يُوجَدُ فِيهِ شَ ْي ٌء ,ثُمّ َينْ ُظرُ إلَى ِرصَاِفهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ كَمَا يَ ْمرُقُ ال ّ
252
شَ ْيءٌ ,ثُ ّم يَنْ ُظرُ إلَى َنضِّيهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ َش ْيءٌ ُثمّ يَنْ ُظرُ إلَى قُ َذ ِذهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَ ْيءٌ قَدْ َسبَقَ اْل َف ْرثَ
خرُجُو َن عَلَى ِحيِ ُفرْقَةٍ ضعَةِ يَ ْ وَال ّدمَ ,آيَُتهُ ْم رَ ُجلٌ أَ ْس َودُ إحْدَى َعضُدَْي ِه مِثْلُ ثَ ْديِ الْ َمرَْأةِ َ ,أ ْو مِثْلُ اْلَب ْ
ث مِ ْن رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم مِنْ النّاسِ } .قَالَ أَبُو َسعِيدٍ :فَأَ ْشهَدُ َأنّي سَ ِمعْت هَذَا الْحَدِي َ
أَ ّن َعلِيّ بْنَ َأبِي طَاِلبٍ قَاتََلهُ ْم ,وَأَ ْشهَدُ أَ ّن عَلِ ّي بْنَ أَبِي طَاِلبٍ قَاَتَلهُ ْم وَأَنَا َمعَ ُه ,فََأ َمرَ بِذَِلكَ الرّجُ ِل ,
فَالُْت ِمسَ فَُأتِيَ ِبهِ َحتّى نَ َظرْت إلَْي ِه عَلَى َن ْعتِ رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم الّذِي َنعََت ُه َ ,ف َهؤُلَاءِ
خوَارِجُ الْمَارِقُو َن مِنْ َأعْ َظمِ مَا َذ ّمهُمْ ِبهِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ ْم َيقْتُلُونَ َأهْ َل الْإِ ْسلَا ِم وَيَ َدعُونَ الْ َ
ج مَ َع هَذَا لَمْ يَكُونُوا ُيعَاوِنُونَ خوَارِ ُس وَالْ َ خرُجُو َن عَلَى ِحيِ ُفرْقَ ٍة مِ ْن النّا ِ َأهْ َل الَْأوْثَا ِن َ ,وذَ َكرَ َأّنهُمْ يَ ْ
ي ,فَلَ ْم يَ ْك ِفهِمْ َأّنهُمْ لَاي ,وَالرّاِفضَ ُة ُيعَاوِنُونَ الْ ُكفّا َر عَلَى قِتَالِ الْ ُمسْلِ ِم َ سلِ ِم َ
الْ ُكفّا َر عَلَى قِتَا ِل الْمُ ْ
سلِ ِميَ مَ َع الْ ُكفّا ِر َ ,فكَانُوا َأعْظَ َم ُمرُوقًا عَ ْن الدّي ِن مِنْ سلِ ِميَ حَتّى قَاَتلُوا الْمُ ْ ُيقَاتِلُو َن الْ ُكفّا َر مَعَ الْمُ ْ
ح ِوهِ ْم , ض َونَ ْ ج وَال ّروَافِ ِ خوَارِ ِ سلِمُونَ َعلَى وُجُوبِ قِتَالِ اْل َ أُوَلِئكَ الْمَا ِرِقيَ بِكَثِيٍ َكثِ ٍي .وَقَدْ َأجْمَعَ الْمُ ْ
ك مِنْ ي ,كَمَا قَاَتَلهُ ْم عَلِيّ رضي ال عنه ,فَ َكيْفَ إذَا ضَمّوا إلَى ذَِل َ إذَا فَارَقُوا جَمَاعَ َة الْ ُمسْلِ ِم َ
شرِ ِكيَ مَا ُهوَ مِنْ َأعْظَ ِم الْ ُمضَا ّدةِ لِدِي ِن الْإِ ْسلَا ِم , شرِ ِكيَ َكنَائِسًا وَجِنْكِيزْ خَا ْن مَِلكَ الْ ُم ْ َأحْكَامِ الْ ُم ْ
وَكُ ّل مَنْ َق َفزَ إلَْيهِ ْم مِنْ ُأ َمرَاءَ فَحُكْ ُمهُ حُ ْك ُمهُمْ َوفِيهِ ْم مِنْ ال ّر ّد ِة عَنْ َشرَائِعِ الِْإسْلَامِ ِ ,بقَ ْدرِ مَا ارْتَ ّد عَْنهُ
مِنْ َشرَائِعِ الْإِ ْسلَامِ .وَِإذَا كَا َن السّلَفُ قَدْ سَ ّموْا مَاِنعِي الزّكَا ِة ُمرْتَدّي َن مَعَ َك ْوِنهِمْ َيصُومُو َن وَُيصَلّو َن ,
سلِ ِميَ مَعَ ف مِمّ ْن صَارَ مَعَ َأعْدَاءِ الّل ِه َورَسُوِلهِ قَاِتلًا ِللْمُ ْ سلِ ِميَ َ ,فكَيْ َ وَلَ ْم يَكُونُوا ُيقَاِتلُونَ جَمَاعَ َة الْمُ ْ
َأّنهُ وَاْلعِيَاذُ بِاَلّلهِ َلوْ ا ْسَتوْلَى َهؤُلَاءِ الْ ُمحَارِبُونَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ اْلمُحَادّونَ لِّل ِه َورَسُوِلهِ الْ ُمعَادُونَ لِّل ِه َورَسُوِلهِ
صرَ .فِي ِمثْ ِل هَذَا اْلوَ ْقتِ لَأَ ْفضَى ذَِلكَ إلَى َزوَا ِل دِينِ الِْإسْلَا ِم َو ُدرُوسِ َشرَاِئ ِعهِ . ,عَلَى َأ ْرضِ الشّا ِم َومِ ْ
ح ِوهِمَا َفهُمْ فِي هَذَا اْلوَ ْقتِ الْ ُمقَاتِلُو َن عَ ْن دِي ِن الْإِ ْسلَا ِم َ ,وهُ ْم مِنْ أَحَقّ صرَ َونَ َْأمّا الطّاِئفَةُ بِالشّا ِم َومِ ْ
النّاسِ دُخُولًا فِي الطّاِئفَةِ الْ َمْنصُورَةِ الّتِي ذَ َك َرهَا النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم ِب َقوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ
حةِ الْمُسَْتفِيضَ ِة عَْنهُ { :لَا َتزَالُ طَاِئفَ ٌة مِنْ ُأمّتِي ظَا ِهرِي َن َعلَى اْلحَقّ لَا َيضُ ّرهُ ْم مَنْ خَاَل َفهُ ْم وَلَا الصّحِي َ
سلِ ٍم { :لَا َيزَالُ َأهْلُ اْل َغ ْربِ } .وَالنِّبيّ صلى ال مَنْ خَ َذَلهُمْ حَتّى َتقُومَ السّاعَ ُة } .وَفِي ِروَاَيةٍ لِمُ ْ
ق عَْنهَا ,فَإِنّ شرُ ُ عليه وسلم تَكَلّ َم ِبهَذَا الْكَلَامِ بِمَدِينَِتهِ النَّبوِيّ ِة َ ,ف َغرُْبهُ مَا َي ْغ ُربُ َعْنهَا ,وَ َشرُْق ُه مَا يَ ْ
ق َو َغ ْربٌ ,وَِلهَذَا إذَا قَ ِدمَ الرّجُ ُل إلَى شرِي َق وَالّت ْغرِيبَ مِ ْن الُْأمُورِ النّسْبِيّ ِة ,إذْ كُ ّل بَلَدٍ َلهُ َشرْ ٌ التّ ْ
ق ,وَكَانَ َأهْ ُل الْمَدِينَ ِة يُسَمّونَ َأهْلَ الشّامِ َأهْلَ شرْ ِ الْإِ ْسكَنْ َدرِيّة مِنْ اْل َغ ْربِ َيقُولُونَ :سَاَفرَ إلَى ال ّ
ق ,كَمَا فِي حَدِيثِ ابْ ِن عُ َمرَ قَالَ :قَ ِد َم رَجُلَا ِن مِنْ شرْ ِ اْل َغ ْربِ َ ,ويُسَمّونَ َأهْلَ َنجْ ٍد وَاْل ِعرَاقِ َأهَ َل ال ّ
ق فَخَطَبَا .وَفِي ِروَايَ ٍة { :مِنْ َأهْلِ َنجْدٍ } .وَِلهَذَا قَالَ أَحْمَدُ ْبنُ حَْنبَ ٍل َ :أهْ ُل اْل َغ ْربِ شرِ َِأهْ ِل الْمَ ْ
شرُقُ َعْنهَا َف ُهوَ ق ,وَكُ ّل مَا َي ْ شرْ ِهُمْ َأهْ ُل الشّامِ َ .يعْنِي هُمْ َأهْ ُل اْل َغرْبِ كَمَا أَنّ َنجْدًا وَاْل ِعرَاقِ َأوّلُ ال ّ
ب َ .وفِي الصّحِيحَيْ ِن : صرَ َوغَْي ِرهَا َف ُه َو دَا ِخلٌ فِي اْل َغرْ ِ ق ,وَكُ ّل مَا َي ْغ ُربُ َعنْ الشّامِ مِ ْن ِم ْ شرْ ِ مِنْ ال ّ
أَ ّن ُمعَاذَ بْنَ َجبَلٍ قَا َل فِي الطّاِئ َفةِ الْ َمْنصُو َر ِة َ ,وهُمْ بِالشّامِ فَِإّنهَا َأصْلُ الْ َم ْغ ِربِ َ ,وهُمْ فََتحُوا سَاِئرَ
253
صرِ ,وَاْلقَْي َروَا ِن ,وَالَْأنْدَُلسِ َ ,وغَْي ِر ذَِلكَ ,وَِإذَا كَا َن َغ ْربُ الْمَدِيَنةِ النَّبوِيّ ِة مَا َي ْقرُ ُ
ب الْ َم ْغ ِربِ :كَ ِم ْ
ح َوهَا َعلَى مُسَامَتَةِ ح ُوهَا عَلَى مُسَامَتَ ِة الْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ كَمَا أَنّ َحرّا َن وَالرّقّةَ وسنصاط وَنَ ْ َعْنهَا فَالنّّي َر ُة وَنَ ْ
مَكّةَ ,فَمَا َي ْغ ُربُ عَنْ النّّي َرةِ َف ُه َو مِنْ اْل َغ ْربِ الّذِي َن َوعَ َدهُمْ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم لِمَا َتقَ ّدمَ .وَقَدْ
صفَةِ الطّاِئ َفةِ الْ َمْنصُورَةِ أَّنهُمْ بَِأكْنَافِ الَْبْيتِ الْ ُمقَ ّدسِ َ ,وهَ ِذهِ الطّاِئفَ ُة هِيَ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آ َخرَ فِي ِ
الّتِي بِأَكْنَافِ اْلبَْيتِ الْ ُمقَ ّدسِ الَْي ْومَ َومَنْ َيدّّبرُ أَ ْحوَالَ اْلعَالَ ِم فِي هَذَا اْلوَ ْقتِ َفعَلِمَ أَ ّن هَ ِذ ِه الطّاِئفَ َة هِيَ
ض َو َغرِْبهَا ,فَإِّنهُ ْم هُمْ الّذِي َن ُيقَاتِلُونَ َأ ْق َومُ ال ّطوَائِفِ بِدِينِ اْلإِسْلَامِ ِعلْمًا َوعَمَلًا وَ ِجهَادًا َعنْ َشرْقِ الَْأ ْر ِ
شرِ ِكيَ مِنْ ب َ ,و َمغَازِيهِ ْم مَعَ الّنصَارَى َ ,ومَعَ اْلمُ ْ شرِ ِكيَ ,وََأهْلِ الْكِتَا ِ شوْ َكةِ اْلعَظِيمَ ِة مِنْ الْمُ ْ َأهْ َل ال ّ
ح ِوهِ ْم مِنْ
ي مِنْ الدّا ِخِليَ فِي الرّاِفضَ ِة َوغَْي ِرهِ ْم :كَالِْإسْمَاعِيلِيّةِ ,وَنَ ْ الّترْ ِك َ ,ومَعَ الزّنَادَِقةِ الْمُنَاِفقِ َ
اْل َقرَامِطَ ِة ,مَ ْعرُوفَ ٌة َمعْلُومَ ٌة قَ ِديًا َوحَدِيثًا وَاْل ِعزّ الّذِي ِللْمُسِْل ِميَ ِبمَشَارِقِ الَْأ ْرضِ َو َمغَارِِبهَا ُهوَ ِب ِع ّزهِمْ
س ِعيَ وَ ِستّمِائَ ٍة دَخَ َل َعلَى َأهْلِ اْلإِسْلَامِ مِنْ الذّ ّل وَاْل ُمصِيبَ ِة بِمَشَارِقِ وَِلهَذَا لَمّا ُه ِزمُوا سََنةَ ِتسْ ٍع وَتِ ْ
س هَذَا َم ْوضِ َعهَا َ ,وذَِلكَ أَنّ ض َومَغَارِِبهَا مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّلهُ ,وَالْحِكَايَاتُ فِي ذَِلكَ َكثِ َيةٌ لَْي َ الَْأ ْر ِ
جهَادِ َأوْ ُمضَّيعُونَ َلهُ َ ,وهُمْ مُطِيعُونَ لِ َم ْن مََلكَ ف عَا ِجزُو َن عَنْ الْ ِ ت ضِعَا ٌ سُكّانَ الْيَمَ ِن فِي هَذَا اْلوَ ْق ِ
شرِ ِكيَ لَمّا جَاءَ إلَى َحَلبَ هَ ِذهِ الِْبلَادَ حَتّى ذَ َكرُوا َأّنهُمْ َأ ْرسَلُوا بِالسّمْ ِع وَالطّاعَةِ ِل َهؤُلَا ِء َ ,ومَِلكُ الْمُ ْ
شرِي َعةِ , َجرَى ِبهَا مِنْ اْلقَتْ ِل مَا َجرَى .وََأمّا ُسكّانُ اْلحِجَازِ فَأَ ْكَث ُرهُمْ َأوْ َكثِ ٌي مِْنهُمْ خَارِجُو َن عَ ْن ال ّ
سَتضْ َعفُونَع وَالضّلَا ِل وَاْلفُجُو ِر مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّلهُ ,وََأهْلُ الِْإيَا ِن وَالدّينِ فِيهِ ْم مُ ْ وَفِيهِ ْم مِنْ اْلبِدَ ِ
عَا ِجزُونَ ,وَإِنّمَا تَكُونُ َلهُمْ اْل ُق ّوةُ وَاْل ِع ّزةُ فِي هَذَا اْلوَ ْقتِ ِلغَْيرِ َأهْلِ اْلإِسْلَامِ ِبهَ ِذهِ الِْبلَا ِد ,فََل ْو ذَّلتْ هَ ِذهِ
ض, الطّاِئفَ ُة وَاْلعِيَاذُ بِاَلّلهِ َتعَالَى لَكَا َن الْ ُم ْؤمِنُونَ بِالْحِجَا ِز مِنْ َأذَلّ النّاسِ لَا ِسيّمَا وَقَ ْد َغَلبَ فِيهِمْ الرّفْ ُ
ك َهؤُلَاءِ التّتَارُ الْمُحَارِبُونَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ الْآ َن َمرْفُوضُونَ َفَل ْو غَلَبُوا َلفَسَدَ الْحِجَا ُز بِالْ ُكلّيّةِ .وََأمّا َومََل َ
جهَا ِد وَاْل َغزْ ِو .وََأمّا
حقّونَ لِلْ ِستَ ِ
خلْقِ بَ ْل هُ ْم مُ ْ بِلَادُ إ ْفرِيقِيّ َة فََأ ْعرَاُبهَا غَاِلبُو َن عَلَْيهَا َ ,وهُ ْم مِنْ َشرّ الْ َ
جهَادِ الّنصَارَى الّذِي َن هُنَاكَ بَلْ فِي اْل َغ ْربُ الْأَ ْقصَى فَمَ َع ا ْستِيلَاءِ الْإِ ْف ِرنْ ِج عَلَى َأكَْثرِ ِبلَا ِدهِمْ لَا َيقُومُونَ ِب ِ
س َك ِرهِمْ مِ ْن الّنصَارَى الّذِينَ يَحْ ِملُونَ الصّ ْلبَانَ َخلْ ٌق عَظِي ٌم َلوْ ا ْسَتوْلَى التّتَا ُر َعلَى هَ ِذهِ اْلبِلَادِ لَكَانَ عَ ْ
َأهْ ُل الْ َم ْغ ِربِ َم َعهُمْ مِنْ َأذَلّ النّاسِ لَا سِيّمَا وَالّنصَارَى تَدْخُ ُل مَعَ التّتَارِ فََيصِيُونَ ِحزْبًا َعلَى َأهْلِ
صرَ فِي هَذَا اْل َو ْقتِ هُمْ َكتِيَبةُ الْإِ ْسلَامِ , الْ َم ْغ ِربِ َ ,فهَذَا َوغَْي ُر ُه مِمّا ُيبَيّنُ أَ ّن هَ ِذهِ اْل ِعصَاَبةَ الّتِي بِالشّا ِم َومِ ْ
َو ِع ّزهُ ْم ِعزّ الْإِ ْسلَا ِم َ ,وذُّلهُ ْم ذُلّ اْلإِسْلَامِ َ ,فَلوْ ا ْسَتوْلَى عََلْيهِمْ التّتَارُ لَ ْم يَبْقَ ِللْإِ ْسلَا ِم ِعزّ وَلَا َكلِ َمةٌ عَالَِيةٌ
,وَلَا طَاِئ َفةٌ ظَا ِه َرةٌ عَاِليَ ٌة يَخَاُفهَا َأ ْهلُ الَْأ ْرضِ ُتقَاِت ُل عَْنهُ ,فَ َمنْ َق َفزَ َعْنهُمْ إلَى التّتَارِ كَانَ أَحَقّ بِاْلقِتَالِ
مِنْ كَِثيٍ مِ ْن التّتَا ِر ,فَإِنّ التّتَا َر فِيهِمْ الْمُ ْك َرهُ َوغَْي ُر الْمُ ْك َر ِه .
وََقدْ ا ْسَت َقرّتْ السّنّةُ بِأَ ّن ُعقُوبَ َة الْ ُمرْتَدّ َأعْظَ ُم مِ ْن ُعقُوبَ ِة الْكَاِفرِ الَْأصِْل ّي مِنْ وُجُو ٍه مَُتعَ ّد َدةٍ :مِْنهَا :أَنّ
صلِ ّي َ .ومِْنهَا : ض َربُ عََلْيهِ ِجزْيَ ٌة ,وَلَا ُت ْعقَدُ َلهُ ِذمّ ٌة بِخِلَافِ الْكَاِفرِ الَْأ ْ الْ ُمرْتَ ّد ُيقْتَلُ بِ ُكلّ حَا ٍل ,وَلَا ُي ْ
خلَافِ اْلكَاِفرِ الَْأصْلِيّ الّذِي َلْيسَ ُه َو مِنْ َأهْلِ اْلقِتَالِ فَِإّنهُ أَ ّن الْ ُمرْتَ ّد ُيقْتَ ُل وَإِنْ كَا َن عَا ِجزًا عَ ْن اْلقِتَالِ بِ ِ
254
لَا ُيقْتَ ُل عِْندَ أَكَْثرِ اْل ُعلَمَاءِ كََأبِي َحنِيفَة َ ,ومَاِلكٍ ,وَأَحْمَ َد .وَِلهَذَا كَا َن مَ ْذ َهبُ الْجُ ْمهُورِ أَنّ الْ ُمرْتَدّ
ث ,وَلَا يُنَا َك ُح ,وَلَا ك ,وَالشّاِفعِيّ ,وَأَحْمَ َد َ .ومِْنهَا أَنّ الْ ُم ْرتَدّ لَا َي ِر ُ ُيقْتَلُ كَمَا ُه َو مَ ْذ َهبُ مَاِل ٍ
ك مِنْ الَْأحْكَامِ ,وَِإذَا كَاَنتْ ال ّر ّدةُ عَنْ َأصْلِ ف الْكَاِفرِ الَْأصْلِيّ ,إلَى غَْي ِر ذَِل َ حُتهُ ِ ,بخِلَا ُِتؤْكَ ُل ذَبِي َ
ج الَْأصْلِ ّي عَنْ َشرَاِئ ِعهِ الدّينِ َأعْظَ َم مِنْ الْ ُك ْفرِ بَِأصْلِ الدّينِ ,فَال ّردّ ُة عَنْ َشرَاِئعِهِ َأعْظَ ُم مِنْ ُخرُوجِ الْخَارِ ِ
,وَِلهَذَا كَانَ ُكلّ ُم ْؤمِنٍ َي ْعرِفُ َأ ْحوَا َل التّتَا ِر وََيعْلَمُ أَ ّن الْ ُمرْتَدّينَ الّذِينَ فِيهِ ْم مِنْ اْل ُف ْرسِ وَاْل َع َربِ
شهَادََتيْ ِن مَعَ َترْ ِكهِمْ ح ِوهِ ْم َ ,وهُمْ َبعْدَ أَنْ تَ َكلّمُوا بِال ّ َوغَْي ِرهِمْ َش ّر مِنْ الْ ُكفّارِ الَْأصِْلّييَ مِنْ الّترْ ِك وَنَ ْ
س وَاْل َع َربِ َوغَْي ِرهِ ْم َ .وِبهَذَا َيتََبيّنُ أَ ّن مَنْ كَا َن َمعَهُمْ ِلكَثِ ٍي مِنْ َشرَائِعِ الدّينِ َخْي ٌر مِنْ الْ ُمرْتَدّي َن مِنْ اْل ُف ْر ِ
صلِيّ إذَا ا ْرتَ ّد عَنْ َبعْضِ سلِمَ الَْأ ْ
سلِمَ الَْأصْ ِل ُهوَ َش ّر مِنْ الّترْكِ الّذِينَ كَانُوا ُكفّارًا ,فَإِ ّن الْمُ ْ مِمّنْ كَا َن مُ ْ
شرَاِئعِ ِمثْ ُل :مَاِنعِي الزّكَا ِة وََأمْثَاِلهِ ْم مِمّنْ قَاتََلهُمْ َشرَاِئ ِعهِ كَانَ أَ ْسوَأَ حَالًا مِمّنْ لَمْ يَ ْدخُلْ َبعْدُ فِي تِ ْلكَ ال ّ
صوّفًا َأ ْو تَا ِجرًا َ ,أوْ كَاِتبًا َ ,أ ْو غَْي َر ذَِلكَ شرَائِ ِع مَُت َفقّهًا َ ,أوْ مَُت َ
الصّدّي ُق .وَإِنْ كَانَ الْ ُم ْرتَ ّد عَنْ َبعْضِ ال ّ
سلِمُونَ صرّوا َعلَى الْإِ ْسلَامِ ,وَِلهَذَا يَجِ ُد الْمُ ْ شرَائِ ِع وََأ َ
َف َهؤُلَاءِ َشرّ مِنْ الّترْكِ الّذِي َن لَمْ يَدْ ُخلُوا فِي ِت ْلكَ ال ّ
ض َررِ أُوَلِئكَ ,وَيَْنقَادُونَ ِللْإِ ْسلَامِ وَ َشرَاِئ ِعهِ وَطَا َعةِ الّلهِ ض َررِ َهؤُلَا ِء عَلَى الدّي ِن مَا لَا يَجِدُوَنهُ مِ ْن َ مِ ْن َ
ض الدّي ِن َونَاَفقُوا فِي َب ْعضِ ِه ,وَإِ ْن تَظَا َهرُوا َورَسُوِلهِ َأعْظَ َم مِنْ اْنقِيَا ِد َهؤُلَاءِ الّذِينَ ارْتَدّوا عَنْ َبعْ ِ
بِالِانْتِسَابِ إلَى اْلعِ ْلمِ وَالدّي ِن َ ,وغَاَي ُة مَا يُوجَ ُد مِ ْن َهؤُلَاءِ يَكُو ُن مُلْحِدًا ُنصَْيرِيّا َ ,أوْ إسْمَاعِيِليّا َ ,أوْ
ح َو ُه ,فَإِّنهُ لَا َيْنضَمّ إلَْيهِمْ َط ْوعًا مِنْ الْ ُم ْظ ِهرِينَ لِ ْلإِسْلَامِ رَاِفضِيّا ,وَخِيَا ُرهُمْ َيكُونُ َجهْمِيّا اتّحَا ِديّا َأوْ نَ ْ
ث عَلَى نِيِّتهِ ,وَنَحْنُ إلّا مُنَافِ ٌق َ ,أ ْو زِنْدِي ٌق َ ,أوْ فَاسِقٌ فَا ِجرٌ َ ,ومَنْ أَ ْخرَجُو ُه مَ َعهُ ْم مُ ْك َرهًا فَإِّنهُ ُيْبعَ ُ
َعلَيْنَا أَنْ ُنقَاتِ َل اْلعَسْ َكرَ جَمِيعَهُ إذْ لَا َيتَمَّيزُ الْمُ ْك َرهُ مِ ْن غَْي ِر ِه َ .وقَدْ ثََبتَ فِي الصّحِي ِح :عَ ْن النّبِيّ صلى
ش مِنْ النّاسِ َ ,فبَْينَمَا هُمْ ِببَيْدَاءَ مِنْ الَْأ ْرضِ إذْ ُخسِفَ ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل َ { :ي ْغزُو هَذَا الَْبْيتَ جَْي ٌ
ث مُسَْتفِيضٌ ِبهِمْ َفقِيلَ :يَا رَسُو َل الّل ِه ,إ ّن فِيهِ ْم الْمُ ْك َرهَ َ .فقَالَ ُ :يْبعَثُونَ َعلَى ِنيّاِتهِ ْم } .وَالْحَدِي ُ
عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم مِ ْن وُجُوهٍ مَُتعَ ّد َدةٍ أَ ْخرَ َجهُ َأرْبَابُ الصّحِي ِح عَ ْن عَاِئشَ َة ,وَ َحفْصَ َة ,وَُأمّ
سَلَ َم َة َ .ففِي صَحِي ِح مُسْلِ ٍم :عَنْ ُأمّ سَلَ َمةَ قَاَلتْ { :قَا َل رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َ :يعُوذُ
عَائِذٌ بِالْبَْيتِ َفيُْب َعثُ إلَْيهِ َب ْعثٌ فَِإذَا كَانُوا ِببَيْدَاءَ مِ ْن الَْأ ْرضِ خُسِفَ ِبهِ ْم َفقُلْت :يَا َرسُولَ الّلهِ ,فَ َكيْفَ
خسَفُ ِبهِ َم َعهُ ْم وَلَكِّنهُ ُيْبعَثُ َي ْومَ اْل ِقيَامَ ِة عَلَى نِيِّتهِ } َوفِي الصّحِيحَيْ ِن : بِمَنْ كَانَ كَا ِرهًا .قَالَ :يُ ْ
ث رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فِي مَنَا ِمهِ َفقُلْنَا :يَا رَسُو َل الّلهِ ,صََنعْت ت { :عََب َ شةَ قَاَل ْ
عَ ْن عَائِ َ
جبُ أَنّ نَاسًا مِنْ ُأمّتِي َي ُؤمّونَ هَذَا الْبَْيتَ ِبرَ ُج ٍل مِنْ ُقرَْيشٍ شَيْئًا فِي مَنَامِك لَمْ تَكُ ْن َت ْفعَُلهُ َ .فقَا َل :اْلعَ َ
ف ِبهِمْ َ .ف ُقلْنَا :يَا رَسُو َل الّل ِه ,إ ّن ال ّطرِيقَ قَدْ ,وَقَدْ لَجََأ إلَى الْبَْيتِ َحتّى إذَا كَانُوا بِالَْبيْدَاءِ خُسِ َ
جنُونُ وَابْ ُن السّبِي ِل فََيهْلِكُو َن َمهْلَكًا وَاحِدًا وََيصْ ُدرُونَ صرُ وَالْمَ ْ ستَْن ِ
يَجْمَعُ النّاسَ .قَالَ َ :نعَ ْم ,فِيهِمْ الْمُ ْ
َمصَا ِدرَ َشتّى ,يَْبعَُثهُ ْم الّل ُه َع ّز وَجَ ّل عَلَى نِيّاِتهِمْ } وَفِي َل ْفظٍ لِ ْلبُخَا ِريّ :عَ ْن عَاِئشَةَ قَاَلتْ { :قَالَ
خسَفُ بَِأوِّلهِمْ رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه وسلم َ :ي ْغزُو َجْيشٌ الْ َكعَْبةِ فَِإذَا كَانُوا بَِبيْدَا َء مِنْ الَْأ ْرضِ يُ ْ
255
ت ُ :قلْت :يَا رَسُولَ الّلهِ ُ ,يخْسَفُ بَِأوِّلهِ ْم وَآ ِخ ِرهِمْ ,وَفِيهِمْ أَ ْسوَاُقهُمْ َومَنْ َلْيسَ مِْنهُمْ وَآ ِخ ِرهِ ْم .قَاَل ْ
.قَالَ ُ :يخْسَفُ بَِأوِّلهِ ْم وَآ ِخ ِرهِمْ ثُمّ ُيْبعَثُو َن عَلَى ِنيّاِتهِ ْم } .وَفِي صَحِي ِح مُسِْلمٍ :عَنْ َح ْفصَةَ { أَنّ
ستْ َلهُمْ َمَنعَ ٌة وَلَا رَسُو َل الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَا َل َ :سَيعُوذُ ِبهَذَا الْبَْيتِ َ -يعْنِي الْ َك ْعبَةَ َ -ق ْومٌ لَْي َ
ف ِبهِمْ } .قَالَ عَ َد ٌد وَلَا عُ ّد ٌة ,يُْب َعثُ إلَْيهِمْ َجْيشٌ َي ْومَئِ ٍذ حَتّى إذَا كَانُوا بَِبيْدَا َء مِنْ الَْأ ْرضِ خُسِ َ
ص ْفوَا َن َ :أمَا وَاَلّل ِه مَا ُهوَ يُوسُفُ بْ ُن مَا َهكَ :وََأهْلُ الشّامِ َي ْومَئِذٍ َيسِيُونَ إلَى مَكّ َة َفقَا َل عَبْدُ الّلهِ بْ ُن َ
جْيشَ الّذِي َأرَادَ أَنْ يَْنَت ِهكَ ُح ُرمَاِتهِ الْمُ ْك َرهَ فِيهِ ْم َوغَْيرَ الْمُ ْك َرهِ .مَعَ ِبهَذَا الْجَْيشِ فَاَلّلهُ َتعَالَى َأ ْهَلكَ الْ َ
ب عَلَى الْ ُم ْؤمِِنيَ الْمُجَاهِدِينَ أَنْ ج ُ ف يَ ِقُ ْدرَِتهِ َعلَى التّ ْميِيزِ َبيَْنهُ ْم مَعَ أَّنهُ يَْبعَُثهُ ْم َعلَى ِنيّاِتهِ ْم .فَكَيْ َ
ج مُ ْك َرهًا لَمْ َيْنفَ ْعهُ ذَِلكَ يُمَّيزُوا بَيْ َن الْمُ ْك َرهِ َو َغْي ِرهِ َوهُمْ لَا َيعْلَمُو َن ذَِلكَ بَلْ َلوْ ا ّدعَى مُدّعٍ أَّنهُ َخرَ َ
ج ّردِ َد ْعوَا ُه .كَمَا ُروِيَ { أَ ّن اْلعَبّاسَ بْ َن َعبْدِ اْلمُطِّلبِ قَالَ لِلنّبِيّ صلى ال عليه وسلم لَمّا أَ َس َرهُ بِمُ َ
سلِمُونَ َي ْومَ بَ ْد ٍر :يَا رَسُولَ الّل ِه ,إنّي ُ ,كنْت مُ ْك َرهًا َ .فقَا َل َ :أمّا ظَا ِهرُك َفكَا َن عَلَْينَا وََأمّا الْمُ ْ
س وَلَمْ يُمْ ِكنْ قِتَاُلهُمْ إلّا ِبقَْتلِ َسرِيرَتُك فَإِلَى الّلهِ } .بَ ْل َلوْ كَانَ فِيهِ ْم َق ْومٌ صَالِحُو َن مِنْ ِخيَارِ النّا ِ
ف عَلَى الْ ُمسْلِ ِميَ إذَا ي وَخِي َ سلِ ِم ََهؤُلَاءِ َلقُِتلُوا أَْيضًا فَإِنّ الَْأئِمّ َة مُّت ِفقُونَ َعلَى أَنّ الْ ُكفّارَ َلوْ تََترّسُوا بِمُ ْ
سلِ ِميَ جَا َز َوهِيَ أُولَِئكَ ف عَلَى الْمُ ْ َلمْ ُيقَاِتلُوا فَِإّنهُ يَجُوزُ أَنْ َن ْرمَِيهُ ْم وََن ْقصِدَ الْ ُكفّا َر ,وََلوْ لَ ْم نَخَ ْ
جهَا ِد الّذِي َأ َمرَ الّلهُ ِبهِ َورَسُوُلهُ ُهوَ فِي سلِ ِميَ أَْيضًا فِي َأحَدِ َقوْلَ ْي اْلعُلَمَا ِء َ .ومَنْ ُقتِلَ لِأَ ْجلِ الْ ِ الْمُ ْ
ث عَلَى نِيِّت ِه ,وََلمْ يَكُ ْن قَتُْلهُ َأعْظَ َم فَسَادًا مِنْ َقتْ ِل مَنْ ُيقْتَ ُل مِنْ الْبَاطِ ِن مَظْلُومٌ كَانَ َشهِيدًا ,وَُب ِع َ
ي مَا شَاءَ الّلهُ َفقِي َل مَنْ ُيقْتَلُ فِي سلِ ِم َجهَا ُد وَا ِجبًا وَإِنْ قُِت َل مِنْ الْمُ ْ الْ ُم ْؤمِِنيَ الْ ُمجَاهِدِي َن ,وَِإذَا كَانَ الْ ِ
جهَادِ لَْيسَ َأعْظَ َم مِنْ هَذَا ,بَلْ قَدْ َأ َمرَ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم سلِ ِميَ لِحَا َجةِ الْ ِ ص ّفهِمْ مِ ْن الْمُ ْ َ
سرِ سَْي ِفهِ وََلْيسَ َلهُ أَنْ ُيقَاتِ َل ,وَإِ ْن قُتِ َل ,كَمَا فِي صَحِي ِح مُسْلِ ٍم عَنْ َأبِي الْمُ ْك َرهَ فِي قِتَا ِل اْلفِتَْنةِ بِ َك ْ
بَ ْك َرةَ { قَا َل رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه وسلم :إّنهَا َستَكُونُ فِتَنٌ َألَا ثُ ّم تَكُونُ فَِتنٌ أَلَا ثُ ّم تَكُونُ فَِتنٌ
اْلقَاعِدُ فِيهَا خَْي ٌر مِنْ الْمَاشِي ,وَالْمَاشِي فِيهَا خَْي ٌر مِنْ السّاعِي ,أَلَا فَِإذَا َنزََلتْ َأوْ َوَق َعتْ فَ َمنْ كَانَ َلهُ
ضهِ ,قَا َل : حقْ بَِأ ْر ِ حقْ ِبغَنَ ِم ِه َ ,ومَنْ كَاَنتْ َلهُ َأ ْرضٌ فَ ْليَلْ َ إبِلٌ َفلَْيلْحَقْ ِبإِبِِل ِه َ ,ومَنْ كَاَنتْ َلهُ غَنَ ٌم فَ ْليَلْ َ
َفقَا َل رَجُلٌ يَا رَسُو َل الّلهِ َ ,أرَأَيْت مَنْ لَمْ يَكُ ْن َلهُ إبِ ٌل ,وَلَا َغنَ ٌم ,وَلَا َأ ْرضٌ قَا َل َ :يعْمِدُ إلَى سَْي ِفهِ
ع النّجَاةَ .الّلهُ ّم هَلْ َبّلغْت ,الّلهُ ّم هَلْ َبّلغْت الّلهُ ّم هَلْ جرٍ ,ثُمّ ِليَْنجُ إنْ ا ْستَطَا َ حَ ق َعلَى حَ ّدهِ بِ َ فَيَدُ ّ
صفّيْنِ َأوْ إحْدَى بَّلغْت َ .فقَا َل رَ ُجلٌ :يَا َرسُولَ الّلهِ َ ,أرَأَيْت إنْ أُ ْك ِرهْت حَتّى ُينْ َطلَقَ بِي إلَى إحْدَى ال ّ
سهْ ِمهِ فََي ْقتُلَنِي .قَا َل :يَبُوءُ بِإِثْ ِم ِه وَإِثْمِك َ ,ويَكُو ُن مِنْ َأصْحَابِ ضرِبُنِي رَجُ ٌل بِسَْي ِفهِ َأوْ بِ َ اْلفِئََتيْنِ َفَي ْ
النّارِ } َ .ففِي هَذَا اْلحَدِيثِ أَّنهُ َنهَى عَ ْن اْلقِتَا ِل فِي اْلفِْتنَ ِة بَلْ َأ َمرَ بِمَا َيَتعَ ّذرُ َم َعهُ اْلقِتَا ُل مِنْ الِاعِْتزَالِ َأوْ
إفْسَادِ السّلَاحِ الّذِي ُيقَاتِلُ ِب ِه .وََقدْ َدخَلَ فِي ذَِلكَ اْلمُ ْك َرهُ َوغَْي ُرهُ ثُ ّم بَيّنَ أَ ّن الْمُ ْك َرهَ إذَا ُقتِلَ ظُلْمًا
كَا َن اْلقَاِتلُ قَدْ بَاءَ ِبإِثْ ِم ِه وَإِثْمِ الْ َمقْتُولِ كَمَا قَالَ َتعَالَى فِي ِقصّ ِة ابَْن ْي آ َدمَ َعنْ الْمَ ْظلُومِ { إنّي ُأرِيدُ أَنْ
تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِك فََتكُونَ مِنْ َأصْحَابِ النّا ِر َوذَِلكَ َجزَاءُ الظّالِ ِميَ } َومَعْلُومٌ أَنّ اْلإِنْسَانَ إذَا صَالَ
256
جبُ َعلَْيهِ الدّفْعُ بِاْلقِتَا ِل عَلَى ع وَإِنّمَا َتنَا َزعُوا هَلْ َي ِ سهِ جَازَ َلهُ الدّفْ ُع بِالسّنّ ِة وَالْإِجْمَا ِ صَاِئ ٌل عَلَى َنفْ ِ
ف .وَالثّانَِيةُ : ضرْ الصّ ّ حُ سهِ وََلوْ َلمْ يَ ْ جبُ الدّ ْفعُ َعنْ َنفْ ِ َقوْلَيْ ِن هُمَا ِروَايَتَا ِن عَنْ َأحْمَ َد :إحْدَاهُمَا َ :ي ِ
ب ,وَالْ َم ْقصُودُ أَّنهُ إذَا كَانَ سهِ .وََأمّا الِابْتِدَاءُ بِاْلقِتَالِ فِي اْلفِتَْنةِ َفلَا يَجُوزُ ِبلَا رَْي ٍ يَجُوزُ َلهُ الدّ ْفعُ َعنْ َنفْ ِ
الْمُ ْك َر ُه عَلَى اْلقِتَا ِل فِي اْل ِفتْنَ ِة لَْيسَ َلهُ أَ ْن ُيقَاتِ َل ,بَ ْل عََلْيهِ إفْسَادُ ِسلَا ِح ِه ,وَأَ ْن َيصِْبرَ حَتّى ُي ْقتَ َل مَظْلُومًا
سلِ ِميَ مَ َع الطّاِئفَةِ اْلخَارِجَ ِة عَ ْن َشرَائِ ِع الِْإسْلَا ِم َ :كمَاِنعِي الزّكَاةِ , فَكَيْفَ بِالْمُ ْك َر ِه عَلَى ِقتَا ِل الْمُ ْ
حضُورِ أَنْ لَا ُيقَاتِ َل وَإِ ْن قَتََلهُ جبُ َعلَْيهِ إذَا أُ ْك ِر َه عَلَى الْ ُ ح ِوهِمْ َ ,فلَا رَْيبَ أَ ّن هَذَا يَ ِ وَالْ ُمرْتَدّي َن ,وََن ْ
سلِ ِميَ ,وَكَمَا َلوْ أَ ْك َرهَ رَ ُج ٌل رَجُلًا صفّهِمْ ِلُيقَاتِلَ الْمُ ْ سلِمُونَ كَمَا َلوْ أَ ْك َر َههُ الْ ُكفّا ُر عَلَى ُحضُو ِر َ الْمُ ْ
سلِ ِميَ ,وَإِنْ أَ ْك َرهَهُ بِاْلقَتْلِ فَِإّنهُ لَْيسَ ِحفْظُ َعلَى َقتْ ِل مُسْلِ ٍم َم ْعصُومٍ فَإِّنهُ لَا يَجُوزُ َلهُ قَْتُلهُ بِاّتفَاقِ الْمُ ْ
س ,فََلْيسَ َلهُ أَنْ يَ ْظلِ َم غَْي َرهُ فََي ْقتَُل ُه ِ ,لئَلّا ُيقْتَ َل ُه َو َ ,بلْ إذَاسهِ ِبقَتْ ِل ذَِلكَ الْ َم ْعصُومِ َأوْلَى مِنْ اْلعَكْ ِ َنفْ ِ
ك ,وَالشّاِفعِ ّي ,فِي أَحَدِ َفعَلَ ذَِلكَ كَا َن اْل َق َودُ عَلَى الْ ُم ْك ِرهِ جَمِيعًا عِنْدَ أَكَْث ِر اْلعُلَمَا ِء :كََأحْمَ َد َ ,ومَاِل ٍ
جبُ اْل َق َودُ عَلَى الْ ُم ْك ِرهِ َف َقطْ َك َقوْلِ :أَبِي حَنِي َفةَ َ ,ومُحَمّ ٍد َ ,وقِيلَ :اْل َق َودُ َقوْلَْي ِه ,وَفِي الْآ َخرِ َ :ي ِ
ب الضّمَانَ بِالدّيَ ِة بَدَلَ اْل َقوَ ِد وَلَمْ ي ذَِلكَ َعنْ ُزَفرَ ,وَأَبُو يُوسُفَ :يُو ِج ُ َعلَى اْلمُ ْك َرهِ الْمُبَا ِشرِ كَمَا ُروِ َ
ح ِه :عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِقصّةَ َأصْحَابِ الْأُخْدُو ِد وَفِيهَا يُوجِْب ُه .وََقدْ َروَى مُسْلِمٌ فِي صَحِي ِ
سلِمُ حةِ ُظهُورِ الدّي ِن ,وَِلهَذَا َج ّوزَ الَْأئِمّ ُة الَْأرَْبعَةُ أَ ْن يَْنغَ ِمسَ الْمُ ْ سهِ لِأَ ْجلِ َمصْلَ َ أَ ّن اْلغُلَامَ َأ َمرَ ِبقَتْلِ َنفْ ِ
سلِ ِميَ .وَقَدْ َبسَطْنَا ك مَصَْلحَةٌ ِللْمُ ْ ب عَلَى ظَّنهِ أَّنهُ ْم َيقْتُلُوَنهُ إذَا كَانَ فِي ذَِل َ فِي صَفّ الْ ُكفّا ِر وَإِ ْن غََل َ
حةِ اْل َقوْلَ فِي هَ ِذهِ اْلمَسْأََلةِ فِي َم ْوضِعٍ آ َخ َر ,فَِإذَا كَا َن الرّجُ ُل َيفْعَ ُل مَا َيعَْتقِدُ أَّنهُ ُيقَْتلُ ِبهِ لِأَجْ ِل َمصْلَ َ
حةِ الدّينِ الّتِي لَا سهُ َأعْ َظمُ مِ ْن قَْتِلهِ ِلغَْي ِرهِ كَا َن مَا ُي ْفضِي إلَى َقتْ ِل غَْي ِرهِ لِأَجْ ِل َمصْلَ َ جهَا ِد مَعَ أَنّ قَْتَلهُ َنفْ َ الْ ِ
ض َررِ اْلعَ ُدوّ اْل ُمفْسِدِ لِلدّي ِن وَالدّنْيَا ,الّذِي لَا يَنْ َدفِعُ إلّا بِذَِلكَ َأوْلَى وَِإذَا كَاَنتْ حصُلُ إلّا بِ َذِلكَ َودَفْ ِع َ تَ ْ
صوُْلهُ إلّا بِاْلقَتْلِ ُقتِ َل وَإِنْ كَانَ الْمَالُ سلِمَ إذَا لَمْ َينْدَفِ ْع َ
السّنّ ُة وَالْإِجْمَاعُ ُمّتفِقَيْ ِن َعلَى أَنّ الصّائِلَ الْمُ ْ
الّذِي يَأْخُ ُذهُ قِيَاطًا مِ ْن دِينَارٍ ,كَمَا قَالَ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصّحِي ِح { :مَنْ قُِتلَ
دُو َن مَاِلهِ َف ُهوَ َشهِي ٌد َ ,ومَنْ ُقتِ َل دُونَ َد ِمهِ َف ُهوَ َشهِي ٌد َ ,ومَنْ ُقتِ َل دُونَ َح َرمِهِ َف ُهوَ َشهِي ٌد } َ .فكَيْفَ
صوُْلهُ ْم وََبغُْيهُمْ أََقلّ مَا فِيهِ ْم , ِبقِتَا ِل َهؤُلَاءِ اْلخَارِ ِجيَ َعنْ َشرَاِئعِ الِْإسْلَامِ الْمُحَارِِبيَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ الّذِي َن َ
ع َ ,و َهؤُلَاءِ ُمعْتَدُو َن صَائِلُو َن َعلَى اْلمُسْلِ ِميَ فِي فَإِنّ ِقتَالَ الْ ُمعْتَدِي َن الصّاِئِليَ ثَاِبتٌ بِالسّنّ ِة وَاْلإِجْمَا ِ
سهِ ْم ,وََأ ْموَاِلهِ ْم ,وَ ُح َرمِهِ ْم َ ,ودِيِنهِ ْم ,وَكُ ّل مِ ْن هَ ِذهِ يُبِي ُح قِتَا َل الصّائِ ِل َعلَْيهَا َ ,ومَنْ ُقتِ َل دُوَنهَا َأْنفُ ِ
ي ,لَكِ ْن مَ ْن َزعَمَ أَّنهُمْ ف بِمَنْ قَاتَ َل عََلْيهَا كُّلهَا َوهُ ْم مِنْ َشرّ اْلُبغَاةِ الْمُتََأوِّليَ الظّالِ ِم َ َف ُهوَ َشهِي ٌد ,فَكَيْ َ
ُيقَاتَلُونَ كَمَا ُتقَاتَ ُل الُْبغَاةُ اْلمُتََأوّلُونَ َفقَدْ أَخْطََأ خَطَأً َقبِيحًا َوضَ ّل ضَلَالًا َبعِيدًا فَإِنّ َأقَ ّل مَا فِي الُْبغَاةِ
الْمُتََأوِّليَ أَنْ َيكُونَ َلهُمْ تَ ْأوِي ٌل سَائِغٌ َخ َرجُوا ِب ِه .وَِلهَذَا قَالُوا :إ ّن الِْإمَامَ ُيرَاسَُلهُ ْم ,فَإِ ْن ذَ َكرُوا شُْب َهةً
بَيَّنهَا ,وَإِ ْن ذَ َكرُوا مَظْلِمَةً َأزَاَلهَا ,فََأيّ شُْبهَ ٍة ِل َهؤُلَاءِ الْمُحَا ِرِبيَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ السّا ِعيَ فِي الَْأ ْرضِ فَسَادًا
,وَاْلخَارِ ِجيَ عَ ْن َشرَائِ ِع الدّي ِن وَلَا رَْيبَ أَّنهُمْ لَا َيقُولُونَ َأّنهُمْ أَ ْق َومُ بِدِينِ الِْإسْلَا ِم عِ ْلمًا َوعَمَلًا مِ ْن هَ ِذهِ
257
الطّاِئفَةِ بَ ْل ُه َو مَ َع َد ْعوَاهُمْ الِْإسْلَامَ َي ْعلَمُونَ أَنّ هَ ِذ ِه الطّاِئفَةَ َأعْلَ ُمهُ ْم بِإِ ْسلَامٍ مِْنهُ ْم ,وَأَتَْبعُ َلهُ مِْنهُ ْم ,
سلِ ِميَ بِاْلقِتَا ِل , حتَ َأدِيِ السّمَا ِء مِ ْن مُسْلِ ٍم وَكَاِفرٍ َيعْلَ ُم ذَِلكَ َوهُ ْم مَ َع ذَِلكَ يُنْ ِذرُونَ الْمُ ْ وَكُ ّل مَنْ َت ْ
ف َوهُمْ قَ ْد سََبوْا غَاِلبَ َحرِ ِي ال ّرعِيّةِ ستَحِلّونَ ِبهَا قِتَالَ الْ ُمسْلِ ِميَ كَيْ َ فَامْتَنَعَ أَ ْن تَكُونَ َلهُمْ شُْب َهةٌ َبيّنَ ٌة يَ ْ
الّذِينَ لَمْ ُيقَاِتلُوهُ ْم ؟ حَتّى إ ّن النّاسَ قَ ْد رََأ ْوهُمْ ُيعَظّمُونَ اْلُبقْعَ َة َويَأْخُذُو َن مَا فِيهَا مِ ْن الَْأ ْموَا ِل ,
ب ,وََيسْبُونَ َح ِر َيهُ وَُيعَاقِبُوَنهُ بَِأْنوَاعِ وَُيعَظّمُو َن الرّجُ َل وََيتََبرّكُونَ ِب ِه ,وََيسُْلبُوَنهُ مَا َعلَْيهِ مِ ْن الثّيَا ِ
ج ُرهُ ْم ,وَالْمُتََأوّ ُل تَ ْأوِيلًا دِيِنيّا لَا ُيعَاِقبُ إلّا مَنْ َيرَاهُ س وَأَفْ َ
اْل ُعقُوبَاتِ الّتِي لَا ُيعَاَقبُ ِبهَا إلّا أَظَْلمُ النّا ِ
عَاصِيًا لِلدّي ِن َ ,وهُمْ ُيعَظّمُو َن مَنْ ُيعَاقِبُوَنهُ فِي الدّي ِن ,وََيقُولُو َن :إّنهُ أَ ْطوَعُ ِلّلهِ ِمْنهُمْ ,فََأيّ تَ ْأوِيلٍ
ج َومَاِنعِي الزّكَاةِ َأوْ َجهُ خوَارِ ِ َبقِيَ َلهُمْ ,ثُ ّم َلوْ قُ ّدرَ أَّنهُ ْم مُتََأوّلُونَ لَ ْم يَكُنْ تَ ْأوِيُلهُمْ سَاِئغًا َ ,بلْ تَ ْأوِي ُل الْ َ
ع اْل ُقرْآنِ ,وَأَنّ مَا خَاَل َفهُ مِنْ السّنّةِ لَا َيجُوزُ اْلعَمَلُ ِب ِه . خوَارِجُ فَِإّنهُمْ ا ّد َعوْا اتّبَا َ مِنْ تَ ْأوِيِلهِ ْم َ ,أمّا الْ َ
وََأمّا مَاِنعُوا الزّكَاةِ َفقَ ْد ذَ َكرُوا َأّنهُمْ قَالُوا :إ ّن الّلهَ قَالَ لَِنبِّي ِه :خُ ْذ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ صَ َدقَ ًة َوهَذَا خِطَابٌ
خوَارِجُ خرِجُوَنهَا َل ُه ,وَالْ َ ِلنَِبّيهِ َفقَطْ َفلَْيسَ َعلَْينَا أَنْ نَ ْدَف َعهَا ِلغَْي ِرهِ َفلَمْ َيكُونُوا َيدَْفعُوَنهَا لِأَبِي بَ ْك ٍر وَلَا ُي ْ
جهْمِيّ ِة ,وََأمّا َهؤُلَاءِ فَلَا يُنَا َظرُونَ َلهُ ْم ِعلْ ٌم َوعِبَا َدةٌ َولِ ْلعُلَمَا ِء َم َعهُمْ مُنَا َظرَاتٌ كَ ُمنَا َظرَِتهِ ْم مَعَ الرّاِفضَ ِة وَالْ َ
ضهُمْ َعلَى ِقتَالِ الْمُسِْل ِميَ ,فََلوْ كَانُوا مُتََأوِّليَ لَمْ َيكُنْ َلهُمْ تَ ْأوِيلٌ َيقُوُلهُ ذُو َعقْلٍ ,وَقَدْ خَاطَبَنِي َب ْع ُ
ك ابْ ُن مَِلكٍ إلَى سَْبعَةِ أَ ْجدَا ٍد َ ,ومَلِ ُككُمْ اْب ُن َموْلًى َفقُلْت َ :ل ُه :آبَاءُ بِأَنْ قَا َل :مَلِكُنَا مِِلكٌ ابْ ُن مَِل ٍ
خرَ بِالْكَاِفرِ ,بَ ْل الْمَمْلُو ُك الْ ُمسْلِمُ َخْيرٌ مِ ْن الْ َمِلكِ الْكَاِفرِ ,قَالَ الّلهُ ذَِلكَ الْمَِلكِ كُّلهُمْ ُكفّا ٌر ,وَلَا فَ ْ
جهُ ْم َ ,و َمعْلُومٌ أَ ّن مَنْ شرِكٍ َوَلوْ َأ ْعجَبَكُمْ } َ .فهَ ِذ ِه وََأمْثَاُلهَا ُحجَ ُ َتعَالَى { وََلعَبْ ٌد ُم ْؤمِنٌ خَْي ٌر مِ ْن مُ ْ
سلِ َم وََلوْ كَا َن عَبْدًا وَلَا يُطِيعُ الْكَاِف َر َ .وقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِي ِح : ب عََلْيهِ أَ ْن يُطِي َع الْمُ ْ سلِمًا وَ َج َ كَا َن مُ ْ
عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَالَ { :اسْ َمعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ ُأ ّم َر عَلَْيكُ ْم عَبْدٌ َحبَشِيّ كَأَ ّن رَأْ َسهُ
زَبِيَب ٌة مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ الّل ِه } َ .ودِينُ الِْإسْلَا ِم إنّمَا ُي َفضّلُ الِْإنْسَا َن بِِإيَاِن ِه وََت ْقوَاهُ لَا بِآبَاِئ ِه َ ,وَلوْ
كَانُوا مِنْ َبنِي هَاشِمٍ َأهْ ِل بَْيتِ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم فَإِّنهُ َخلَقَ اْلجَنّةَ لِمَنْ أَطَا َع ُه وَإِنْ كَا َن عَبْدًا
شيّا ,وَ َخلَ َق النّارَ لِ َم ْن َعصَا ُه وََلوْ كَانَ َشرِيفًا ُقرَشِيّا .وَقَدْ قَالَ َتعَالَى { :يَا َأّيهَا النّاسُ إنّا حَبَ ِ
خََلقْنَاكُ ْم مِ ْن ذَ َك ٍر وَأُنْثَى َو َجعَلْنَا ُكمْ ُشعُوبًا وَقَبَائِلَ ِلَتعَارَفُوا إنّ أَ ْك َرمَكُ ْم عِنْ َد الّلهِ أَْتقَاكُ ْم } وَفِي السَّننِ
َعْنهُ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل { " :لَا َفضْلَ ِلعَرَِبيّ َعلَى عَجَمِ ّي ,وَلَا ِلعَجَمِ ّي َعلَى َعرَبِ ّي َ ,ولَا
س مِنْ آ َدمَ وَآ َدمُ مِنْ ُترَابٍ } .وَفِي ض َعلَى أَ ْس َودَ إلّا بِالّت ْقوَى ,النّا ُ ض ,وَلَا لِأَْبيَ َ لَِأ ْس َودَ َعلَى أَْبيَ َ
حيْ ِن َ :عْنهُ َأّنهُ قَالَ ِلقَبِيَلةٍ َقرِيبَ ٍة مِْن ُه { :إ ّن آلَ َأبِي ُفلَانٍ لَْيسُوا بَِأوِْليَائِي إنّمَا وَِليّي الّلهُ َوصَاِلحُ الصّحِي َ
سبِ ,بَلْ بِالِْإيَانِ ستْ بِاْل َقرَابَ ِة وَالنّ َ الْ ُم ْؤمِِنيَ } .فَأَخَْب َر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَ ّن ُموَالَاَتهُ َليْ َ
شرِ ِك ,وَقَدْ أَ ْجمَعَ وَالّت ْقوَى ,فَِإذَا كَا َن هَذَا فِي َقرَابَةِ الرّسُولِ فَ َكيْفَ ِب َقرَاَبةِ جِْنكِيزْ خَا ْن الْكَاِفرِ الْمُ ْ
سلِمُو َن عَلَى أَ ّن مَنْ كَانَ َأعْظَمَ إيَانًا وََت ْقوًى كَانَ َأ ْفضَلَ مِمّ ْن ُه َو دُوَنهُ فِي الِْإيَا ِن وَالّت ْقوَى ,وَإِنْ الْمُ ْ
كَا َن الَْأوّلُ أَ ْس َودَ َحبَشِيّا وَالثّانِي َعَلوِيّا َأ ْو عَبّاسِيّا .
258
ج مُ ْك َرهًا خرُ ُ - 7 - 778مَسْأََل ٌة :فِي أَ ْجنَادٍ يَمَْتِنعُونَ عَ ْن قِتَا ِل التّتَا ِر َ ,وَيقُولُونَ :إنّ فِيهِ ْم مَنْ َي ْ
ي .قِتَا ُل التّتَارِ الّذِينَ َق ِدمُوا حمْدُ لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِم َ ب :الْ َ جوَا ُ َم َعهُمْ وَِإذَا َه َربَ أَحَ ُدهُ ْم هَ ْل يُتّبَعُ َأمْ لَا ؟ الْ َ
ب وَالسّنّةِ ,فَإِ ّن الّلهَ َيقُولُ فِي اْل ُقرْآنِ { وَقَاِتلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُو َن فِتَْنةٌ إلَى ِبلَادِ الشّامِ وَا ِجبٌ بِالْ ِكتَا ِ
ضهُ ِلغَْيرِ الّل ِه وَ َجبَ اْلقِتَالُ ض الدّينِ لِّل ِه وََب ْع ُ وََيكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ } وَالدّينُ ُه َو الطّا َع ُة َ ,فِإذَا كَانَ َبعْ ُ
حَتّى َيكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ ,وَِلهَذَا قَالَ الّلهُ َتعَالَى { :يَا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُوا اّتقُوا الّلهَ َو َذرُوا مَا َبقِ َي مِنْ
ب مِنْ الّلهِ َورَسُوِل ِه } َ .وهَ ِذهِ الْآَيةُ َنزََلتْ فِي َأ ْهلِ ح ْر ٍ الرّبَا إنْ ُكنْتُ ْم ُم ْؤمِِنيَ ,فَإِنْ َلمْ َت ْفعَلُوا فَ ْأ َذنُوا بِ َ
الطّائِفِ لَمّا دَ َخلُوا فِي الِْإسْلَا ِم وَاْلَت َزمُوا الصّلَا َة وَالصّيَامَ ,لَ ِكنْ امْتََنعُوا مِ ْن َترْكِ الرّبَا فََبيّنَ الّلهُ أَّنهُمْ
مُحَا ِربُونَ َلهُ وَِلرَسُوِلهِ إذَا لَ ْم يَْنَتهُوا عَنْ الرّبَا ,وَالرّبَا ُهوَ آ ِخرُ مَا َح ّر َمهُ الّل ُه َ ,و ُه َو مَالٌ ُيؤْ َخذُ ِب ِرضَا
جبُ ِجهَا ُدهُمْ ,فَ َكيْفَ بِمَ ْن يَْترُكُ كَثِيًا مِنْ َشرَائِعِ صَا ِحِبهِ ,فَِإذَا كَا َن َهؤُلَاءِ مُحَا ِرِبيَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ َي ِ
ي عَلَى أَنّ الطّاِئفَ َة الْمُمَْتِنعَةَ إذَا ا ْمتََن َعتْ عَ ْن َبعْضِ الْإِ ْسلَامِ َأوْ أَكَْث َرهَا كَالتّتَا ِر .وَقَدْ اّتفَ َق عُلَمَاءُ اْلمُسْلِ ِم َ
شهَادَتَيْ ِن ,وَامَْتَنعُوا عَنْ الصّلَاةِ , جبُ قِتَاُلهَا إذَا َتكَلّمُوا بِال ّ ت الْإِ ْسلَامِ الظّا ِه َرةِ الْمَُتوَاِت َرةِ ,فَِإّنهُ يَ ِوَاجِبَا ِ
ب وَالسّنّ ِة َ ,أوْ حكْمِ بَْيَنهُمْ بِاْلكِتَا ِ وَالزّكَاةِ َ ,أ ْو صِيَامِ َش ْهرِ َر َمضَا َن َ ,أوْ َحجّ اْلبَْيتِ اْل َعتِي ِق َ ,أوْ عَ ْن الْ ُ
س وَالَْأ ْموَا ِل ِبغَْيرِ ت الْمَحَا ِر ِم َ ,أ ْو عَ ْن اسِْتحْلَا ِل الّنفُو ِ ح َذوَا ِ حرِيِ اْل َفوَا ِحشِ َ ,أوْ الْخَ ْم ِر َ ,أوْ نِكَا ِ عَ ْن تَ ْ
حوِ جزَْي َة عَلَى َأهْ ِل الْ ِكتَابِ ,وَنَ ْ ضرِْبهِ ْم الْ ِجهَادِ لِلْ ُكفّا ِر َ ,أوْ عَ ْن َ س ِر َ ,أوْ الْ ِ حَ ّق َ ,أوْ الرّبَا َ ,أوْ الْ َميْ ِ
ك مِنْ َشرَائِعِ الِْإسْلَامِ ,فَِإّنهُمْ ُيقَاَتلُونَ َعلَْيهَا َحتّى يَكُو َن الدّينُ كُّلهُ لِّل ِه َ .وقَدْ ثََبتَ فِي الصّحِيحَيْ ِن : ذَِل َ
حقُوقَ الّتِي أَ ّن عُ َمرَ لَمّا نَا َظرَ أَبَا بَ ْكرٍ فِي مَاِنعِي الزّكَاةِ قَالَ َلهُ أَبُو َب ْكرٍ :كَيْفَ لَا ُأقَاِت ُل مَنْ َترَكَ اْل ُ
َأوْ َجَبهَا الّل ُه َورَسُوُلهُ ,وَإِنْ كَانَ قَدْ أَ ْسلَمَ كَالزّكَا ِة .وَقَالَ َل ُه :فَإِنّ الزّكَاةَ مِنْ َح ّقهَا وَاَلّلهِ َل ْو مََنعُونِي
َعنَاقًا كَانُوا ُي َؤدّوَنهَا إلَى رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلقَاتَلْته ْم عَلَى مَْن ِعهَا ,قَا َل عُ َم ُر ,فَمَا ُهوَ إلّا
أَ ْن رََأيْت قَدْ َشرَحَ الّل ُه صَ ْدرَ َأبِي بَ ْكرٍ ِل ْلقِتَالِ َف َعلِمْت َأّنهُ الْحَ ّق .وَقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِي ِح مِ ْن غَْي ِر وَ ْجهٍ
ح ِقرُ أَ َحدُكُ ْم صَلَاَت ُه مَ َع صَلَاِتهِمْ ج وَقَا َل فِيهِ ْم َ { " :ي ْ خوَارِ َ أَ ّن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ذَ َكرَ الْ َ
َوصِيَا َمهُ مَ َع صِيَا ِمهِ ْم وَِقرَاءََت ُه مَعَ ِقرَاءَِتهِمْ َ ,ي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ َحنَا ِج َرهُمْ ,يَ ْمرُقُو َن مِنْ اْلإِسْلَامِ
سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّةِ َأيْنَمَا َلقِيتُمُوهُمْ فَاقُْتلُوهُ ْم ,فَإِنّ فِي قَْتِلهِمْ َأ ْجرًا عِنْ َد الّلهِ لِ َمنْ قََتَلهُمْ َي ْومَ كَمَا يَ ْمرُقُ ال ّ
ف وَالَْأئِمّ ُة َعلَى قِتَا ِل َهؤُلَاءِ ,وََأوّ ُل مَنْ اْلقِيَامَ ِة لَئِنْ َأ ْدرَكُْتهُمْ لََأقُْتلَّنهُمْ َقتْ َل عَادٍ } َ .وقَدْ اّتفَ َق السّلَ ُ
ي عَلِيّ ْبنُ أَبِي طَاِلبٍ رضي ال عنه َ ,ومَا زَالَ اْلمُسْلِمُو َن ُيقَاتِلُو َن فِي صَ ْدرِ ِخلَافَةِ قَاَتَلهُمْ َأمِيُ الْ ُم ْؤمِِن َ
ج وَُنوّاُبهُ مِمّ ْن ُيقَاتِلُوَنهُمْ َ ,فكُلّ أَئِمّةِ حجّا ُ س مَعَ الُْأ َمرَاءِ وَإِنْ كَانُوا ظَلَ َم ًة ,وَكَا َن الْ َ بَنِي ُأمَيّ َة وَبَنِي اْلعَبّا ِ
سلِ ِميَ يَ ْأ ُمرُونَ ِب ِقتَاِلهِ ْم وَالتّتَا ُر وَأَ ْشبَا ُههُمْ َأعْظَمُ ُخرُوجًا عَ ْن َشرِيعَةِ الْإِ ْسلَامِ مِ ْن مَاِنعِي الزّكَاةِ الْمُ ْ
ج مِنْ َأهْ ِل الطّائِفِ الّذِينَ امَْتَنعُوا عَنْ َترْ ِك الرّبَا ,فَمَنْ َشكّ فِي قِتَاِلهِمْ َف ُهوَ أَ ْجهَلُ النّاسِ ِبدِينِ خوَارِ ِوَالْ َ
ي ,كَمَا { قَالَ اْلعَبّاسُ الْإِ ْسلَا ِم ,وَ َحْيثُ َو َجبَ قِتَاُلهُ ْم قُوتِلُوا وَإِنْ كَانَ فِيهِ ْم الْمُ ْك َرهُ بِاّتفَاقِ الْ ُمسْلِ ِم َ
َلمّا أُ ِسرَ َي ْومَ بَ ْد ٍر :يَا رَسُولَ الّل ِه ,إنّي َخرَجْت مُ ْك َرهًا َ ,فقَا َل النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َ :أمّا
259
ظَا ِهرُك فَكَا َن عََليْنَا وََأمّا َسرِيرَتُك َفإِلَى الّل ِه } َ .وقَدْ اّتفَقَ اْلعُلَمَاءُ عَلَى أَنّ جَْيشَ اْل ُكفّارِ إذَا تََترّسُوا
ض َررُ إذَا لَ ْم ُيقَاتَلُوا ,وَإِنْ أَ ْفضَى ذَِلكَ إلَى ف َعلَى الْ ُمسْلِ ِميَ ال ّ ي وَخِي َ بِمَ ْن عِنْ َدهُ ْم مِنْ أَ ْسرَى الْ ُمسْلِ ِم َ
ف َعلَى اْلمُسْلِ ِميَ َففِي َجوَازِ اْلقِتَالِ الْ ُم ْفضِي إلَى قَتْلِ سلِ ِميَ الّذِينَ َتَترّسُوا ِبهِ ْم ,وَإِنْ لَمْ يُخَ ْ قَتْ ِل الْمُ ْ
جهَادُ سلِمُونَ إذَا ُقتِلُوا كَانُوا ُشهَدَا َء وَلَا ُيْترَكُ اْل ِ شهُورَانِ لِ ْل ُعلَمَاءِ َ ,و َهؤُلَاءِ الْمُ ْ سلِ ِميَ َقوْلَا ِن مَ ْ َهؤُلَاءِ الْمُ ْ
سلِ ِميَ يَكُونُ َشهِيدًا سلِ ِميَ إذَا قَاتَلُوا الْ ُكفّارَ َفمَنْ قُِت َل مِنْ الْمُ ْ اْلوَا ِجبُ لَِأجْ ِل مَنْ ُيقْتَ ُل َشهِيدًا ,فَإِ ّن الْمُ ْ
حةِ الِْإسْلَامِ كَانَ َشهِيدًا .وَقَدْ َثَبتَ فِي حقّ اْلقَتْ َل لِأَجْ ِل َمصْلَ َ َ ,ومَنْ قُتِ َل َو ُهوَ فِي الْبَاطِنِ لَا َيسْتَ ِ
س فَبَْينَمَا هُمْ حيْ ِن َ :عنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل َ { " :ي ْغزُو هَذَا الَْبْيتَ َجْيشٌ مِ ْن النّا ِ الصّحِي َ
بِبَْيدَا َء مِنْ الَْأ ْرضِ إذْ خُسِفَ ِبهِمْ َ .فقِيلَ :يَا رَسُو َل الّلهِ ,وَفِيهِمْ الْمُ ْك َرهُ َفقَا َل :يُْبعَثُو َن عَلَى
جْيشِ الّذِي َي ْغزُو الْمُسِْل ِميَ ُيْنزُِلهُ بِالْمُ ْك َر ِه ,فَكَيْفَ نِيّاِتهِمْ } .فَِإذَا كَا َن اْلعَذَابُ الّذِي ُيْنزُِلهُ الّلهُ بِالْ َ
بِاْلعَذَابِ الّذِي ُيعَذُّبهُمْ الّلهُ ِبهِ َأوْ بَِأيْدِي الْ ُم ْؤمِِنيَ كَمَا قَالَ َتعَالَى { قُ ْل هَلْ َترَّبصُونَ ِبنَا إلّا إحْدَى
حنُ نََترَبّصُ بِكُمْ أَ ْن ُيصِيبَكُ ْم الّلهُ ِبعَذَابٍ مِ ْن عِْن ِدهِ َأوْ بَِأيْدِينَا } .وَنَحْنُ لَا َنعْلَ ُم الْمُ ْك َرهَ حسْنََييْ ِن وَنَ ْالْ ُ
وَلَا َنقْ ِدرُ َعلَى التّمْيِيزِ فَِإذَا قََتلْنَاهُ ْم بَِأمْرِ الّلهِ كُنّا فِي ذَِلكَ مَأْجُورِينَ َو َمعْذُورِي َن وَكَانُوا هُ ْم عَلَى ِنيّاِتهِمْ
ش ُر عَلَى نِيِّتهِ َي ْومَ اْلقِيَامَةِ ,فَِإذَا قُتِلَ لَِأجْلِ ِقيَامِ الدّينِ لَمْ ستَطِي ُع الِامِْتنَاعَ فَِإّنهُ يُحْ َ ,فَمَنْ كَانَ مُ ْك َرهًا لَا يَ ْ
يَكُ ْن ذَِلكَ بَِأعْظَ َم مِنْ َقتْ ِل مَنْ ُيقْتَ ُل مِ ْن عَسْ َكرِ الْمُسِْل ِميَ .وََأمّا إذَا َه َربَ أَحَ ُدهُ ْم فَإِ ّن مِنْ النّاسِ مَنْ
ي َ ,و َهؤُلَاءِ إذَا كَانَ َلهُمْ طَاِئفَ ٌة مُمْتَِن َعةٌ َفهَلْ يَجُو ُز اتّبَاعُ جعَلُ قِتَاَلهُمْ بِ َمْنزِلَةِ ِقتَا ِل الُْبغَاةِ الْمُتََأوِّل َيَ ْ
شهُورَيْنِ َ ,فقِيلَ :لَا ُيفْعَ ُل ذَِلكَ مُدِْب ِرهِ ْم وََقتْلُ أَسِ ِيهِ ْم وَالْإِ ْجهَا ُز عَلَى َجرِ ِيهِ ْم ,عَلَى َقوْلَْينِ لِ ْلعَُلمَاءِ مَ ْ
ج َهزُ َعلَى َجرِيحٍ ,وَلَا ُيقْتَلُ ; لِأَ ّن مُنَا ِديَ َعلِيّ بْنِ َأبِي طَاِلبٍ نَادَى َي ْومَ الْجَ َملِ :لَا يُْتبَ ُع مُدِْبرٌ ,وَلَا ُي ْ
َأسِ ٌي ,وَقِي َل :بَلْ ُي ْفعَ ُل ذَِلكَ لِأَّنهُ َي ْومَ الْجَ َملِ لَمْ يَكُ ْن َلهُمْ طَاِئفَ ٌة مُمَْتِنعَ ٌة وَكَانَ الْ َمقْصُودُ مِ ْن اْلقِتَالِ
ص ّفيَ دَ ْف َعهُ ْم ,فَلَمّا انْ َدَفعُوا لَمْ َيكُنْ إلَى ذَِلكَ حَاجَةٌ بِ َمْنزِلَ ِة دَ ْفعِ الصّاِئلِ .وَقَ ْد ُر ِويَ َأّنهُ َي ْومَ الْجَمَ ِل َو ِ
صوَابُ ك َ ,فمَنْ َجعََلهُمْ بِ َمْنزِلَ ِة الُْبغَاةِ الْمُتََأوِّليَ َجعَلَ فِيهِ ْم هَذَيْ ِن اْل َقوْلَيْ ِن .وَال ّ ف ذَِل َ خلَا ِ كَانَ َأ ْم ُرهُمْ بِ ِ
أَ ّن َهؤُلَاءِ َليْسُوا مِنْ الُْبغَاةِ الْ ُمتََأوِّليَ ,فَإِ ّن َهؤُلَاءِ َلْيسَ َلهُ ْم تَ ْأوِيلٌ سَائِغٌ َأصْلًا ,وَإِنّمَا هُ ْم مِنْ ِجْنسِ
ح ِوهِ ْم مِمّنْ قُوتِلُوا َعلَى مَا ح َرمِيّ ِة ,وَنَ ْف ,وَالْ َ خوَارِجِ الْمَارِِقيَ َ ,ومَاِنعِي الزّكَا ِة ,وََأهْلِ الطّائِ ِ الْ َ
س مِنْ اْل ُف َقهَاءِ الْ ُمصَّن ِفيَ فِي َخرَجُوا عَْن ُه مِنْ َشرَاِئعِ الِْإسْلَا ِم َ ,وهَذَا َموْضِعٌ اشَْتَبهَ عَلَى كَثِ ٍي مِنْ النّا ِ
ج ,وَقِتَا َل عَلِيّ لَِأ ْهلِ اْلَبصْ َر ِة ,وَِقتَاَلهُ خوَارِ ِ قِتَالِ َأهْ ِل اْلَبغْيِ َجعَلُوا ِقتَا َل مَاِنعِي الزّكَا ِة ,وَِقتَالَ الْ َ
ِل ُمعَاوِيَ َة وَأَْتبَا ِعهِ مِ ْن قِتَالِ َأهْ ِل الَْبغْ ِي َوذَِلكَ كُّل ُه مَ ْأمُورٌ ِب ِه ,وََف ّرعُوا مَسَائِ َل ذَِلكَ َت ْفرِي َع مَنْ َيرَى ذَِلكَ
ث ,وَالسّنّ ِة ,وََأهْ ِل الْمَدِيَنةِ النَّبوِيّ ِة , صوَابُ مَا َعلَْيهِ أَئِمّةُ اْلحَدِي ِ س ,وَقَ ْد غَلِطُوا بَ ْل ال ّ بَيْ َن النّا ِ
كَالَْأ ْوزَاعِ ّي ,وَالّث ْو ِريّ َ ,ومَاِلكٍ ,وَأَحْمَ َد بْنِ َحنْبَ ٍل َ ,وغَْي ِرهِمْ ,أَّنهُ ُي َفرّقُ َبيْ َن هَذَا َوهَذَا َ ,فقِتَا ُل عَلِيّ
سلِ ِميَ .وََأمّا اْلقِتَالُ َي ْومَ ق الْمُ ْ صرِيَ ِة عَنْ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم بِاّتفَا ِ ص ال ّ خ َواِرجِ ثَاِبتٌ بِالّنصُو ِ ِللْ َ
ص, ح ِوهِ َفلَمْ َيّتفِ ْق عَلَْيهِ الصّحَاَبةُ َ ,بلْ صَ ّد عَْنهُ أَكَاِبرُ الصّحَابَ ِة مِثْلُ َسعْ ِد بْنِ أَبِي وَقّا ٍ ص ّفيَ وََن ْ ِ
260
َومُحَمّدِ ْب ِن مَسْلَمَة ,وَأُسَا َمةَ بْ ِن زَيْ ٍد َ ,وعَبْدِ الّلهِ بْ ِن عُ َم َر َ ,و َغْي ِرهِمْ .وَلَمْ يَ ُكنْ َبعْ َد عَلِيّ ْبنِ أَبِي
ص ,وَالْأَحَادِيثُ الصّحِيحَ ُة عَنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم س َكرَيْ ِن مِثْلُ َسعْدِ ْبنِ أَبِي وَقّا ٍ طَاِلبٍ فِي اْلعَ ْ
ت عَْنهُ فِي صَحِيحِ ح بَيْ َن تَيِْنكَ الطّاِئ َفتَيْنِ ,لَا الِا ْقتِتَا ُل بَْيَنهُمَا .كَمَا ثََب َ جبُ الِْإصْلَا ُ َتقَْتضِي َأّنهُ كَانَ يَ ِ
صلِحُ الّلهُ ِبهِ بَيْنَ طَاِئفَتَْينِ س وَاْلجَْيشُ َم َعهُ َفقَا َل { :إ ّن اْبنِي هَذَا َسيّ ٌد وَسَُي ْ الُْبخَا ِريّ :أَّنهُ خَ َطبَ النّا َ
جعَلَ النِّبيّ صلى ال عليه حسَنِ َبيْنَ َأهْلِ اْلعِرَاقِ وََأهْ ِل الشّامِ } فَ َ عَظِيمََتيْ ِن مِنْ الْ ُم ْؤمِِنيَ فََأصَْلحَ الّلهُ بِالْ َ
حسَنَ َنزَ َل عَنْ الَْأ ْمرِ وَ َسلّمَ الَْأ ْمرَ إلَى ُمعَاوِيَةَ َ ,فَلوْ ح ِبهِ مِنْ َفضَائِلِ اْلحَسَ ِن ,مَعَ أَ ّن الْ َ وسلم الِْإصْلَا َ
ح ِة مُعَاوَِيةَ لَمْ يَ ْمدَ ْحهُ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم كَا َن اْلقِتَالُ ُه َو الْمَ ْأمُورُ ِبهِ دُونَ َترْكِ الْخِلَافَ ِة َو ُمصَالَ َ
َعلَى َترْ ِك مَا ُأ ِمرَ ِبهِ ,وَِفعْ ِل مَا لَمْ ُي ْؤ َمرْ ِبهِ وَلَا مَدَ َح ُه عَلَى َترْكِ الَْأوْلَى َوِفعْلِ الَْأدْنَى َ ,ف ُعلِمَ أَنّ الّذِي
حّبهُ الّلهُ َورَسُوُلهُ لَا اْلقِتَا ُل .وَقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِي ِح :أَنّ النّبِ ّي صلى ال حسَ ُن ُهوَ الّذِي كَانَ يُ ِ َفعََلهُ الْ َ
ضعُ ُه وَأُسَامَ َة عَلَى فَخِ َذْيهِ وََيقُولُ { :الّلهُمّ إنّي أُحِّبهُ ْم فَأَحِّبهُمَا وََأ ِحبّ مَنْ عليه وسلم كَا َن َي َ
يُحِّبهُمَا } .وَقَدْ َظ َهرَ أََث ُر مَحَبّ ِة رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلهُمَا بِ َكرَاهَِتهِمَا اْلقِتَالَ فِي اْلفِْتنَ ِة ,
فَإِنّ أُسَامَ َة امْتَنَ َع عَ ْن اْلقِتَالِ مَ َع وَاحِ َد ٍة مِنْ الطّاِئفَتَيْ ِن ,وَكَذَِلكَ اْلحَسَنُ كَا َن دَائِمًا يُشِ ُي عَلَى َعلِيّ بَِأّنهُ
ت عَْنهُ لَا ُيقَاتِ ُل وَلَمّا صَارَ الَْأ ْمرُ إلَْيهِ َفعَ َل مَا كَانَ يُشِ ُي ِبهِ َعلَى أَبِيهِ رضي ال عنهم أجعي .وَقَ ْد ثََب َ
ق مَارَِق ٌة عَلَى ِحيِ ُفرَْق ٍة مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ َتقُْتُلهُمْ صلى ال عليه وسلم فِي الصّحِيحِ أَّنهُ قَا َل { " :تَ ْمرُ ُ
ب َ ,وهَذَا ُيصَدُّقهُ ج ,وَقَاتََلهُ ْم عَِليّ بْنُ َأبِي طَاِل ٍ خوَارِ ُ َأوْلَى الطّاِئفَتَْينِ بِاْلحَ ّق } َ .فهَ ِذهِ الْمَا ِرقَ ُة هُ ْم الْ َ
ج ,وَتَُبيّنُ أَنّ َقتَْلهُ ْم مِمّا ُيحِّبهُ الّلهُ َورَسُوُل ُه .وَأَ ّن الّذِينَ خوَارِ َِبقِيّ ُة الْأَحَادِيثِ الّتِي فِيهَا الَْأ ْمرُ ِبقِتَالِ الْ َ
قَاَتلُوهُمْ مَ َع َعلِيّ َأوْلَى بِالْحَ ّق مِ ْن ُمعَاوِيَ َة وََأصْحَاِب ِه ,مَعَ َكوِْنهِمْ َأوْلَى بِاْلحَ ّق ,فَلَمْ يَ ْأ ُمرْ النِّبيّ صلى
ح الِْإصْلَاحَ بَْيَنهُمَا . خوَارِجِ ,بَ ْل مَدَ َ ال عليه وسلم بِاْلقِتَالِ ِلوَاحِ َد ٍة مِنْ الطّاِئفَتَْينِ كَمَا َأ َمرَ ِبقِتَالِ الْ َ
ت عَنْ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم مِنْ َكرَاهَةِ اْلقِتَالِ فِي اْلفِتَ ِن وَالتّحْذِي ِر مِْنهَا مِنْ الَْأحَادِيثِ وََقدْ ثََب َ
س هَذَا َم ْوضِ ُعهُ َك َقوْلِ ِه { :سَتَكُو ُن فِتَْنةٌ اْلقَاعِدُ فِيهَا َخْي ٌر مِنْ اْلقَائِ ِم ,وَاْلقَائِمُ فِيهَا خَْيرٌ ح ِة مَا لَْي َالصّحِي َ
مِنْ الْمَاشِي ,وَاْلمَاشِي َخْي ٌر مِنْ السّاعِي } وَقَا َل { يُو ِشكُ أَنْ يَكُونَ َخْيرُ مَا ِل الْ ُمسْلِ ِم غَنَ ٌم يَتّبِعُ ِبهَا
حرُوبِ الّتِي تَكُونُ بَْي َن مُلُوكِ َشعَفَ الْجِبَا ِل َو َموَاقِعَ اْلقَ ْطرِ َ ,ي ِفرّ بِدِيِنهِ مِ ْن اْلفِتَنِ } .فَاْلفِتَ ُن مِثْلُ الْ ُ
شرَائِ ِع الِْإسْلَا ِم مِثْ ُل مَا كَانَ سلِ ِميَ ,مَعَ أَنّ ُكلّ وَاحِ َد ٍة مِنْ الطّاِئفََتيْ ِن مُلَْت ِزمَةٌ ِل َ سلِ ِميَ وَ َطوَائِفِ الْمُ ْ الْمُ ْ
ج َومَاِنعِي الزّكَا ِة وََأهْلِ خوَارِ ِ ت .وََأمّا ِقتَالُ الْ َ ص ّفيَ وَإِنّمَا اقْتََتلُوا ِلشَُب ٍه وَُأمُو ٍر َع َرضَ ْ َأهْ ُل الْجَ َملِ َو ِ
شرَائِعِ الثّاِبتَ ِة عَ ْن النّبِيّ صلى ح ّرمُونَ الرّبَا َف َهؤُلَاءِ ُيقَاتَلُونَ َحتّى يَ ْدخُلُوا فِي ال ّ الطّائِفِ الّذِينَ لَ ْم يَكُونُوا يُ َ
ع مُدِْب ِرهِمْال عليه وسلم َو َهؤُلَاءِ إذَا كَانَ َلهُمْ طَاِئ َف ٌة مُمْتَِنعَ ٌة فَلَا رَْيبَ َأّنهُ َيجُوزُ قَتْلُ َأسِ ِيهِ ْم وَاتّبَا ُ
جبُ َعلَى وَالْإِ ْجهَا ُز عَلَى َجرِ ِيهِ ْم َ ,فإِ ّن َهؤُلَاءِ إذَا كَانُوا ُمقِي ِميَ ِببِلَا ِدهِ ْم عَلَى مَا هُ ْم عََلْيهِ فَإِّنهُ َي ِ
سلِ ِميَ أَنْ َي ْقصِدُوهُمْ فِي بِلَا ِدهِمْ ِل ِقتَاِلهِمْ َحتّى يَكُونَ الدّينُ ُكّلهُ لِّل ِه ,فَإِ ّن َهؤُلَاءِ التّتَارَ لَا ُيقَاتِلُونَ الْمُ ْ
َعلَى دِينِ الْإِ ْسلَامِ بَلْ ُيقَاتِلُونَ النّاسَ َحتّى يَ ْدخُلُوا فِي طَاعَِتهِمْ ,فَمَ ْن دَ َخلَ فِي طَاعَِتهِمْ َكفّوا َعْنهُ .
261
حيَ صرَانِيّا َأوْ َيهُودِيّا َومَنْ لَ ْم يَدْخُلْ كَا َن عَ ُدوّا َلهُ ْم وَإِنْ كَا َن مِنْ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ شرِكًا َأوْ َن ْ وَإِنْ كَا َن مُ ْ
ي مِنْ ب عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ ج ُ ي ,فَيَ ِ وََقدْ َأمَرَ الّلهُ الْ ُمسْلِ ِميَ أَنْ ُيقَاتِلُوا َأعْدَا َءهُ الْ ُكفّا َر وَُيوَالُوا عِبَا َدهُ الْ ُم ْؤمِِن َ
ضهِمْ ص َر وَاْليَمَ ِن وَالْ َم ْغ ِربِ جَمِي ِعهِمْ أَنْ يَكُونُوا مَُتعَاوِِنيَ َعلَى ِقتَا ِل الْ ُكفّا ِر ,وََلْيسَ ِلَبعْ ِ جُنْدِ الشّا ِم َومِ ْ
جبُ َعلَْيهِمْ أَنْ ُيقَاِتلُوا مَنْ َيلِيهِ ْم مِنْ ج ّردِ الرّيَا َس ِة وَالَْأ ْهوَاءِ َف َهؤُلَاءِ التّتَارُ أَقَ ّل مَا َي ِ
أَ ْن ُيقَاتِلَ َب ْعضًا بِمُ َ
ي َ ,ويََتعَاوَنُو َن هُ ْم َوهُمْ َعلَى ِقتَا ِل الْ ُكفّا ِر . الْكَاِفرِي َن ,وَأَ ْن يَ ُكفّوا عَنْ ِقتَا ِل مَنْ َيلِيهِ ْم مِنْ الْ ُمسْلِ ِم َ
ع َ ,أوْ ِزنْدِي ٌق ,كَالْ َملَاحِ َد ِة اْل َقرَامِطَ ِة وَالْبَا ِطنِيّ ِة , وََأْيضًا لَا ُيقَاتِ ُل َم َعهُمْ َغْيرُ مُ ْك َرهٍ إلّا فَاسِ ٌق َ ,أوْ ُمبْتَدِ ٌ
سِبيَ إلَى جهْمِيّةِ الْ ُمعَطّلَ ِة مِنْ الّنفَاةِ اْلحُلُوِليّ ِة َ ,و َم َعهُمْ مِمّ ْن ُيقَلّدُوَن ُه مِنْ الْ ُمنْتَ ِ وَكَالرّاِفضَ ِة السّبّاَب ِة ,وَكَالْ َ
سنُونَ ِبهِ الظّ ّن َ ,وهُمْ ِلضَلَاِلهِمْ اْلعِلْ ِم وَالدّي ِن مَ ْن ُهوَ َش ّر مِْنهُ ْم ,فَإِنّ التّتَارَ ُجهّالٌ ُيقَلّدُونَ الّذِي َن يُحْ ِ
ح ّرمُو َن مَا َوغَّيهِ ْم يَتِّبعُوَنهُ فِي الضّلَالِ الّذِي يَكْ ِذبُونَ ِبهِ َعلَى الّل ِه َورَسُوِلهِ ,وَيَُبدّلُو َن دِينَ الّل ِه وَلَا يُ َ
خطَابُ . ت مَا َأعْلَ ُم ُه مِنْ ُأمُو ِرهِمْ لَطَالَ الْ ِ صفْ ُ َحرّمَ الّل ُه َورَسُوُلهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ اْلحَ ّق ,وََل ْو َو َ
حنِيفِيّ الّذِي ُب ِعثَ وَبِالْجُ ْملَةِ :فَمَ ْذ َهُبهُمْ َودِينُ الِْإسْلَامِ لَا يَجْتَ ِمعَا ِن ,وََلوْ أَ ْظ َهرُوا دِينَ اْلإِسْلَامِ الْ َ
ت عَْنهُ َأّنهُ الرّسُولُ ِبهِ لَا ْهتَ َدوْا وَأَطَاعُوا مِثْ ُل الطّاِئفَةِ الْمَْنصُو َرةِ .فَإِ ّن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَ ْد ثََب َ
ض ّرهُمْ مَنْ خَاَل َفهُمْ وَلَا مَ ْن خَذََلهُمْ حَتّى َتقُومَ قَا َل { :لَا َيزَالُ طَاِئفَ ٌة مِنْ ُأمّتِي ظَا ِهرِي َن عَلَى الْحَ ّق لَا َي ُ
ب مَا يُسَا ِمتُ ت عَْنهُ فِي الصّحِيحِ َأّنهُ قَالَ { :لَا َيزَالُ َأهْلُ اْل َغرْبِ ظَا ِهرِي َن وََأوّلُ اْل َغرْ ِ السّا َع ُة } .وَثََب َ
ح َوهَا } .فَإِنّ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم تَكَلّمَ ِبهَذَا الْ َكلَامِ َو ُهوَ بِالْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ ,فَمَا َي ْغرُبُ النّْث َرةَ وََن ْ
ف يُسَمّونَ ق وَكَانَ السّلَ ُ جزِي َرةِ وَاْل ِعرَا ِق عَْنهَا َف ُهوَ َشرْقٌ كَالْ َ صرَ َومَا َشرّ َ َعْنهَا َف ُهوَ َغ ْربٌ كَالشّامِ َو ِم ْ
ق َ .وهَ ِذهِ اْلجُمَْلةُ الّتِي ذَ َك ْرتَا فِيهَا مِنْ شرِ ِ َأهْ َل الشّامِ َأهْ َل الْ َم ْغ ِربِ ,وَيُسَمّونَ َأهْ َل اْل ِعرَاقِ َأهْلَ الْمَ ْ
ش ْرعِيّةِ فِيهَا مَا ُهوَ مَذْكُورٌ فِي غَْي ِر هَذَا الْ َم ْوضِ ِع َ ,واَلّلهُ َأعَْلمُ . الْآثَارِ وَالَْأدِلّةِ ال ّ
ج ابِْتدَاءً َأوْخوَارِ ِ َفصْلٌ وَالْأَ ْفضَلُ َترْ ُك قِتَالِ َأهْ ِل اْلَبغْيِ حَتّى يَبْدََأ الِْإمَامُ َوقَاَل ُه مَاِلكٌ وََلهُ َقتْلُ َأهْلِ الْ َ
ف عَنْ الصّحَابَةِ ج وَاْلُبغَاةِ الْ ُمتََأوِّليَ َو ُهوَ الْ َم ْعرُو ُ خوَارِ ِ خرِ َيهُمْ وَجُ ْمهُورُ اْلعُلَمَاءِ ُي َفرّقُونَ بَْينَ الْ َ مُتَمّ َمةً َت ْ
شهُورُ وَأَ ْكَثرِ الْ ُمصَّن ِفيَ ِلقِتَالِ َأهْلِ الَْبغْيِ َيرَى اْلقِتَا َل مِنْ نَا ِحيَ ِة عَِل ّي َومِْنهُمْ مَنْ َيرَى اْلِإمْسَا َك َو ُهوَ الْمَ ْ
ح ِوهِمْ حرُورِيّةِ َونَ ْ شرِي َعةِ كَالْ َ ج عَ ْن ال ّ ث مَعَ ُرؤَْيِتهِمْ ِلقِتَا ِل مَنْ َخرَ َ حدِي ِ مِنْ َقوْلِ َأهْ ِل الْمَدِيَن ِة وََأهْلِ الْ َ
جبُ ,وَالَْأخْبَارُ ُتوَافِ ُق هَذَا فَاتِّبعُوا النّصّ الصّحِي َح وَاْلقِيَاسَ الْ ُمسَْتقِي َم َ ,وعَلِيّ كَانَ َأ ْقرَبَ إلَى وََأّنهُ َي ِ
سقُطُ بَِت ْوبَِتهِ حَ ّق الّلهِ ح ِوهِ َي ْع وَنَ ْحلّ َأذَى مَنْ َأ َمرَ ُه وََنهَاهُ بِتَ ْأوِيلٍ فَكَالْمُْبتَدِ ِ صوَابِ مِ ْن ُمعَاوِيَ َة َومَنْ اسْتَ َ ال ّ
جبُ الْأَ ْج ُر فِيهِ جهَادِ الّذِي يَ ِ َتعَالَى وَحَ ّق اْلعَبْ ِد .وَاحَْتجّ أَبُو اْلعَبّاسِ لِذَِلكَ بِمَا أَتَْل َفهُ اْلُبغَاةُ لِأَّنهُ مِ ْن الْ ِ
سلِ ِميَ ُهوَ ِقتَا ُل الصّدّيقِ رضي ال عنه مَاِنعِي الزّكَاةِ َويَأْخُذُ َعلَى الّلهِ َتعَالَى وَِقتَالُ التّتَارِ َوَلوْ كَانُوا مُ ْ
شهّدَ مَاَلهُ ْم َو ُذرّيَّتهُ ْم وَكَذَا الْ َم ْق َفزُ إلَْيهِ ْم وََلوْ ا ّدعَى إ ْكرَاهًا َ ,ومَنْ أَ ْج َه َز عَلَى َجرِيحٍ لَمْ يَ ْأثَ ْم وََلوْ تَ َ
خرُجُ جبَِليّةُ َيجُوزُ َأخْذُ َأ ْموَاِلهِ ْم وَسَْبيُ َح ِر ِيهِمْ يَ ْ ضةُ وَالْ َ َومَنْ أَخَ َذ مِْنهُمْ َشيْئًا خُ ّمسَ وََب ِقيُّتهُ َلهُ وَالرّاِف َ
ب رِئَاسَةٍ َفهُمَا ظَالِمَتَا ِن ضَامَِنتَانِ َعلَى تَ ْكفِ ِيهِمْ قَالَ َأصْحَاُبنَا وَإِنْ ا ْقتََتَلتْ طَاِئفَتَانِ ِل َعصَبِيّةٍ َأوْ طََل ِ
262
ف وَإِنْ َتقَاَتلَا َتقَاصّا لِأَنّ الْمُبَا َش َرةَ ع الطّاِئفَ ِة وَإِنْ لَمْ ُي ْعلَ ْم عَيْنُ الْمُْتلِ ِ
فََأوْجَبُوا الضّمَا َن عَلَى مَجْمُو ِ
وَالْ ُمعَيّنَ َسوَاءٌ ِعنْدَ اْلجُ ْمهُورِ وَإِنْ ُجهِ َل قَ ْدرُ مَا َنهََبهُ ُكلّ طَاِئفَ ٍة مِنْ الْأُ ْخرَى تَسَاوَيَا َكمَنْ َجهِلَ قَ ْدرَ
جهِلَ قَاِتُلهُ ضَ ِمَنهُ ف وَاْلبَاقِي َل ُه َومَ ْن دَخَلَ ِلصُلْ ٍح َفقُتِلَ َف ُ خرِجُ الّنصْ َ ختََلطِ بِمَاِلهِ فَِإّنهُ يُ ْ
حرَا ِم الْمُ ْ
الْ َ
جبُ الطّاِئفَتَا ِن ,وََأجْمَعَ اْل ُعلَمَاءُ َعلَى أَنّ كُلّ طَاِئفَ ٍة مُمْتَِنعَ ٍة عَ ْن َشرِيعَ ِة مَُتوَاِت َرةٍ مِنْ َشرَائِعِ الْإِ ْسلَامِ فَإِّنهُ َي ِ
ي وََأوْلَى . قِتَاُلهَا حَتّى يَكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ كَالْمُحَارِِب َ
وف الفروع :
سلِ ِميَ َكقِتَالِ الصّدّي ِق رضي ال عنه مَاِنعِي الزّكَا ِة ,وَُيؤْخَذُ قَالَ َشيْخُنَا ِ :قتَالُ التّتَارِ َوَلوْ كَانُوا مُ ْ
مَاُلهُ ْم َو ُذرّيُّتهُ ْم وَالْ َم ْقفَزُ إَلْيهِمْ َوَلوْ ا ّدعَى إ ْكرَاهًا .
وف البداية والنهاية لبن كثي رحه ال :
جنكيز خان
السلطان العظم عند التتار والد ملوكهم اليوم ،ينتسبون إليه ومن عظم القان إنا يريد هذا اللك وهو
الذي وضع لم السياسة الت يتحاكمون إليها ،ويكمون با ،وأكثرها مالف لشرائع ال تعال وكتبه،
وهو شيء اقترحه من عند نفسه ،وتبعوه ف ذلك ،وكانت تزعم أمه أنا حلته من شعاع الشمس،
فلهذا ل يعرف له أب والظاهر أنه مهول النسب.
وقد رأيت ملدا جعه الوزير ببغداد علء الدين الوين ف ترجته فذكر فيه سيته ،وما كان يشتمل
عليه من العقل السياسي والكرم والشجاعة والتدبي اليد للملك والرعايا ،والروب.
فذكر أنه كان ف ابتداء أمره خصيصا عند اللك أزبك خان ،وكان إذ ذاك شابا حسنا وكان اسه
أولً ترجي ،ث لا عظم سى نفسه جنكيزخان.
وكان هذا اللك قد قربه وأدناه فحسده عظماء اللك ووشوا به إليه حت أخرجوه عليه ،ول يقتله ول
يد له طريقا ف ذنب يتسلط عليه به ،فهو ف ذلك إذ تغضب اللك على ملوكي صغيين فهربا منه
ولآ إل جنكيزخان فأكرمهما وأحسن إليهما فأخباه با يضمره اللك أزبك خان من قتله ،فأخذ
حذره وتيز بدولة واتبعه طوائف من التتار وصار كثي من أصحاب أزبك خان ينفرون إليه ويفدون
عليه فيكرمهم ويعطيهم حت قويت شوكته وكثرت جنوده.
ث حارب بعد ذلك أزبك خان فظفر به وقتله واستحوز على ملكته وملكه ،وانضاف إليه عَدده
وعُدده وعظم أمره.
وبعد صيته وخضعت له قبائل الترك ببلد طمعاج كلها حت صار يركب ف نو ثان مائة ألف
مقاتل ،وأكثر القبائل قبيلته الت هو منها يقال لم :قيان.
ث أقرب القبائل إليه بعدهم قبيلتان كبيتا العدد وها أزان وقنقوران وكان يصطاد من السنة ثلثة
أشهر والباقي للحرب والكم.
263
قال الوين :وكان يضرب اللقة يكون ما بي طرفيها ثلثة أشهر ث تتضايق فيجتمع فيها من أنواع
اليوانات شيء كثي ل يد كثرة ،ث نشبت الرب بينه وبي اللك علء الدين خوارزم شاه صاحب
بلد خراسان والعراق وأذربيجان وغي ذلك والقاليم واللك ،فقهره جنكيزخان وكسره وغلبه
وسلبه ،واستحوذ على سائر بلده بنفسه وبأولده ف أيسر مدة كما ذكرنا ذلك ف الوادث.
وكان ابتداء ملك جنكزخان سنة تسع وتسعي وخسمائة ،وكان قتاله لوارزم شاه ف حدود سنة
ست عشرة وستمائة ،ومات خوارزم شاه ف سنة سبع عشرة كما ذكرنا ،فاستحوذ حينئذ على
المالك بل منازع ول مانع( .ج/ص)13/139 :
وكانت وفاته ف سنة أربع وعشرين وستمائة ،فجعلوه ف تابوت من حديد وربطوه بسلسل وعلقوه
بي جبلي هنالك.
وأما كتابه (الياسا) فإنه يكتب ف ملدين بط غليظ ،ويمل على بعي عندهم ،وقد ذكر بعضهم أنه
كان يصعد جبلً ث ينل ث يصعد ث ينل مرارا حت يعي ويقع مغشيا عليه ،ويأمر من عنده أن
يكتب ما يلقي على لسانه حينئذ ،فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه با
فيها.
وذكر الوين :أن بعض عبادهم كان يصعد البال ف البد الشديد للعبادة فسمع قائلً يقول له :إنا
قد ملكنا جنكيزخان وذريته وجه الرض ،قال الوين :فمشايخ الغول يصدقون بذا ويأخذونه
مسلما.
ث ذكر الوين نتفا من (الياسا) من ذلك :أنه من زنا قتل مصنا كان أو غي مصن ،وكذلك من
لط قتل ،ومن تعمد الكذب قتل ،ومن سحر قتل ،ومن تسس قتل ،ومن دخل بي اثني يتصمان
فأعان أحدها قتل ،ومن بال ف الاء الواقف قتل ،ومن انغمس فيه قتل ،ومن أطعم أسيا أو سقاه أو
كساه بغي إذن أهله قتل ،ومن وجد هاربا ول يرده قتل ،ومن أطعم أسيا أو رمى إل أحد شيئا من
الأكول قتل ،بل يناوله من يده إل يده ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه أولً ولو كان الطعوم أميا
ل أسيا ،ومن أكل ول يطعم من عنده قتل.
ومن ذبح حيوانا ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولً.
وف ذلك كله مالفة لشرائع ال النلة على عباده النبياء عليهم الصلة والسلم ،فمن ترك الشرع
الحكم النل على ممد بن عبد ال خات النبياء ،وتاكم إل غيه من الشرائع النسوخة كفر،
فكيف بن تاكم إل (الياسا) وقدمها عليه ؟
من فعل ذلك كفر بإجاع السلمي .قال ال تعالَ{ :أفَحُكْ َم الْجَا ِهلِيّةِ َيْبغُونَ َومَنْ أَحْسَ ُن مِ َن الّلهِ
حُكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ}[ .الائدة]50 :
264
سهِمْ َحرَجا
جرَ َبيَْنهُ ْم ثُمّ لَا َيجِدُوا فِي َأْنفُ ِ
وقال تعالَ{ :فلَا َورَّبكَ لَا ُي ْؤمِنُونَ َحتّى ُيحَكّمُوكَ فِيمَا شَ َ
سلِيما} صدق ال العظيم[ ،النساء.]65 : ت وَُيسَلّمُوا تَ ْ
مِمّا َقضَْي َ
ومن آدابم :الطاعة للسلطان غاية الستطاعة ،وأن يعرضوا عليه أبكارهم السان ليختار لنفسه ،ومن
شاء من حاشيته ،ما شاء منهن ،ومن شأنم أن ياطبوا اللك باسه ،ومن مر بقوم يأكلون فله أن
يأكل معهم من غي استئذان ،ول يتخطى موقد النار ،ول طبق الطعام ،ول يقف على أسكفه الركاه
ول يغسلون ثيابم حت يبدو وسخها ،ول يكلفون العلماء من كل ما ذكر شيئا من النايات ،ول
يتعرضون لال ميت.
وقد ذكر علء الدين الوين :طرفا كبيا من أخبار جنكيزخان ومكارم كان يفعلها لسجيته وما أداه
إليه عقله ،وإن كان مشركا بال كان يعبد معه غيه ،وقد قتل من اللئق ما ل يعلم عددهم إل
الذي خلقهم ،ولكن كان البداءة من خوارزم شاه ،فإنه لا أرسل جنكيزخان تارا من جهته معهم
بضائع كثية من بلده فانتهوا إل إيران فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه ،وهو والد زوجة كشلي
خان ،وأخذ جيع ما كان معهم ،فأرسل جنكيزخان إل خوارزم شاه يستعمله هل وقع هذا المر عن
رضى منه ،أو أنه ل يعلم به ،فأنكره ،وقال له فيما أرسل إليه:
(ج/ص )13/140 :من العهود من اللوك أن التجار ل يقتلون لنم عمارة القاليم ،وهم الذين
يملون إل اللوك ما فيه التحف والشياء النفيسة ،ث إن هؤلء التجار كانوا على دينك فقتلهم
نائبك ،فإن كان أمرا أمرت به طلبنا بدمائهم ،وإل فأنت تنكره وتقتص من نائبك.
فلما سع خوارزم شاه ذلك من رسول جنكيز خان ل يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه
فأساء التدبي ،وقد كان خرف وكبت سنه ،وقد ورد الديث(( :اتركوا الترك ما تركوكم)) ،فلما
بلغ ذلك جنكيز خان تهز لقتاله وأخذ بلده ،فكان بقدر ال تعال ما كان من المور الت ل يسمع
بأغرب منها ول أبشع.
****************
وما ذكره شيخ السلم ابن تيمية رحه ال وتلميذه ابن كثي رحه ال ينطبق انطباقا تاما على فراعنة
السلمي وطغاتم والكم واحد بالتمام والكمال
نسأل ال تعال أن يردنا إل ديننا ردا جيل وأن يعصمنا من الفت ما ظهر منها وما بطن
فهرس الكتاب
طغى6..............................................................................................................................
265