You are on page 1of 265

‫الفرق بين طغاة الكفار وطغاة‬

‫المسلمين‬

‫الشهاب الثاقب‬

‫(( حقوق الطبع لكل مسلم ))‬

‫‪1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إل يوم الدين‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فهذا كتاب يقارن بي طغاة الكفار وطغاة السلمي ويبي بالدلة الدامغة أن طغاة السلمي شر من‬
‫طغاة الكفار بكثي‬
‫فأبو لب كان عم النب صلى ال عليه وسلم فقد كان أشد خطرا بكثي من أب جهل عدو السلم‬
‫والسلمي‬
‫فأبو جهل ل تنل فيه سورة باسه ولكن أبا لب قد نزلت فيه سورة كاملة باسه تلعنه إل يوم الدين‬
‫والعجيب ف أمر السلمي فإذا جاءهم كافر طاغية غاز لبلدهم نضوا من كبوتم ورفضوا وجوده‬
‫وقاوموه بقوة حت يرجوه صاغرا‬
‫بينما عندما يكمهم طاغية منهم عرب أو غي عرب فإنم ف الغالب يسكتون على باطله وبطشه‬
‫ويستسلمون له‬
‫ويستندون إل حجج سولا لم الشيطان ما أنزل ال با من سلطان‬
‫منها أن هذا الطاغية منهم فكيف يقاتلونه ؟‬
‫ومنها أنه يتستر بالسلم أحيانا كما كان يتستر التتار والغول به‬
‫ومنها أنه يشاركهم ف الناسبات الدينية ونو ذلك من حجج واهية يستندون إليها‬
‫مع أن الواجب ف ذلك أن يكونوا أشد حربا لذا العدو الداخلي الذي قال ال تعال عن أمثالم من‬
‫النافقي‬
‫{إِنّ الْ ُمنَاِف ِقيَ فِي ال ّدرْكِ ا َل ْسفَلِ مِ َن النّارِ وَلَن تَجِدَ َلهُ ْم َنصِيًا} (‪ )145‬سورة النساء‬
‫ولا عرف العدو هذه القيقة رب أناسا تابعي له ث سلمهم بلد السلمي ث خرج فكان هؤلء‬
‫الكام أقدر على البطش بالسلمي وسحق الصحوة السلمية من العدو الباشر بكثي‬
‫وهذا ما حدث ف جيع بلدان السلمي فالحتل الباشر قد خرج وترك متل أشد وأنكى فلو قارنا‬
‫بي الحتلل اليهودي الباشر لغزة مثل وبي الحتلل العرفات لو جدنا الفرق شاسعا جدا جدا‬
‫لو قارنا بي الحتلل الفرنسي للشام وبي الكم ( الوطن كذبا وزرا) لترحنا على الحتلل‬
‫الفرنسي لو قارنا بي الحتلل الباشر لصر من قبل النكليز وبي الكم الوطن ( الزيف) لترضينا‬
‫على فترة الكم النكليزي‬
‫وف الظلل ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫كذلك ل تستقيم حياة البشر إزاء بعضهم البعض بدون استقامة حقيقة اللوهية وحقيقة العبودية ف‬
‫اعتقادهم وتصورهم ‪ ,‬وف حياتم وواقعهم ‪ . .‬إن إنسانية النسان وكرامته وحريته القيقية الكاملة‬
‫ل يكن أن تتحقق ف ظل اعتقاد أو نظام ل يفرد ال سبحانه بالربوبية والقوامة والاكمية ; ول يعل‬
‫له وحده حق اليمنة على حياة الناس ف الدنيا والخرة ‪ ,‬ف السر والعلنية ; ول يعترف له وحده‬
‫بق التشريع والمر والاكمية ف كل جانب من جوانب الياة النسانية ‪. .‬‬
‫والواقع البشري على مدار التاريخ يثبت هذه القيقة ويصدقها ‪ .‬فما من مرة انرف الناس عن‬
‫الدينونة ل وحده ‪ -‬اعتقادا ونظاما ‪ -‬ودانوا لغي ال من العباد ‪ -‬سواء كانت هذه الدينونة ‪,‬‬
‫بالعتقاد والشعائر أم كانت باتباع الحكام والشرائع ‪ -‬إل كانت العاقبة هي فقدانم لنسانيتهم‬
‫وكرامتهم وحريتهم !‬
‫والتفسي السلمي للتاريخ ; يرد ذل الحكومي للطواغيت ‪ ,‬وسيطرة الطواغيت عليهم ‪ ,‬إل عامل‬
‫أساسي هو فسوق الحكومي عن دين اللّه ‪ ,‬الذي يفرد ال سبحانه باللوهية ‪ ,‬ومن ث يفرده‬
‫بالربوبية والسلطان والقوامة والاكمية ‪ .‬فيقول ال سبحانه عن فرعون وقومه‪(:‬ونادى فرعون ف‬
‫قومه قال‪:‬يا قوم أليس ل ملك مصر وهذه النار تري من تت ? أفل تبصرون ? أم أنا خي من هذا‬
‫الذي هو مهي ول يكاد يبي ? فلول ألقي عليه أسورة من ذهب ‪ ,‬أو جاء معه اللئكة مقترني !‬
‫فاستخف قومه فأطاعوه إنم كانوا قوما فاسقي) ‪ . .‬فيد استخفاف فرعون لم إل أنم فاسقون ‪.‬‬
‫فما يستخف الاكم الطاغي قومه وهم مؤمنون بال موحدون ; ل يدينون لسواه بربوبية تزاول‬
‫القوامة والاكمية !‬
‫ولقد حدث أن الذين فسقوا عن الدينونة ل وحده ‪ ,‬فأتاحوا لنفر منهم أن يكموهم بغي شريعته ‪,‬‬
‫قد وقعوا ف النهاية ف شقوة العبودية لغيه ‪ .‬العبودية ‪ ,‬الت تأكل إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم ‪,‬‬
‫مهما اختلفت أشكال النظمة الت تكمهم ; والت ظنوا ف بعضها أنا تكفل لم النسانية والرية‬
‫والكرامة !‬
‫لقد هربت أوربا من ال ‪ -‬ف أثناء هروبا من الكنيسة الطاغية الباغية باسم الدين الزائف ! ‪ -‬وثارت‬
‫على ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ف أثناء ثورتا على تلك الكنيسة الت أهدرت كل القيم النسانية ف عنفوان‬
‫سطوتا الغاشة ! ث ظن الناس هناك أنم يدون إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم ‪ -‬ومصالهم كذلك‬
‫‪ -‬ف ظل النظمة الفردية [ الديقراطية ] وعلقوا كل آمالم على الريات والضمانات الت تكفلها‬
‫لم الدساتي الوضعية ‪ ,‬والوضاع النيابية البلانية ‪ ,‬والريات الصحفية ‪ ,‬والضمانات القضائية‬
‫والتشريعية ‪ ,‬وحكم الغلبية النتخبة ‪ . .‬إل آخر هذه الالت الت أحيطت با تلك النظمة ‪ . .‬ث‬
‫ماذا كانت العاقبة ? كانت العاقبة هي طغيان "الرأسالية " ذلك الطغيان الذي أحال كل تلك‬
‫الضمانات وكل تلك التشكيلت ‪ ,‬إل مرد لفتات ‪ ,‬أو إل مرد خيالت ! ووقعت الكثرية‬

‫‪3‬‬
‫الساحقة ف عبودية ذليلة للقلية الطاغية الت تلك رأس الال ‪ ,‬فتملك معه الغلبية البلانية !‬
‫والدساتي الوضعية ! والريات الصحفية ! وسائر الضمانات الت ظنها الناس هناك كفيلة بضمان‬
‫إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم ‪ ,‬ف معزل عن ال سبحانه !!!‬
‫ث هرب فريق من الناس هناك من النظمة الفردية الت يطغى فيها "رأس الال" و "الطبقة ! " إل‬
‫النظمةالماعية ! فماذا فعلوا ? لقد استبدلوا بالدينونة لطبقة "الرأساليي" الدينونة لطبقة "الصعاليك"‬
‫! أو استبدلوا بالدينونة لصحاب رؤوس الموال والشركات الدينونة للدولة الت تلك الال إل‬
‫جانب السلطان ! فتصبح أخطر من طبقة الرأساليي !‬
‫وف كل حالة وف كل وضع وف كل نظام دان البشر فيه للبشر ‪ ,‬دفعوا من أموالم ومن أرواحهم‬
‫الضريبة الفادحة ‪ .‬دفعوها للرباب التنوعة ف كل حالة !‬
‫إنه ل بد من عبودية ! فإن ل تكن ل وحده ‪ ,‬تكن لغي ال ‪ . .‬والعبودية ل وحده تطلق الناس‬
‫أحرارا كراما شرفاء أعلياء ‪ . .‬والعبودية لغي ال تأكل إنسانية الناس وكرامتهم وحرياتم وفضائلهم‬
‫‪ . .‬ث تأكل أموالم ومصالهم الادية ف النهاية !‬
‫من أجل ذلك كله تنال قضية اللوهية والعبودية كل تلك العناية ف رسالت ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وف‬
‫كتبه ‪ . .‬وهذه السورة نوذج من تلك العناية ‪ . .‬فهي قضية ل تتعلق بعبدة الصنام والوثان ف‬
‫الاهليات الساذجة البعيدة ‪ .‬ولكنها تتعلق بالنسان كله ف كل زمان وف كل مكان ; وتتعلق‬
‫بالاهليات كلها ‪ . .‬جاهليات ما قبل التاريخ ‪ .‬وجاهليات التاريخ ‪ .‬وجاهلية القرن العشرين ‪ .‬وكل‬
‫جاهلية تقوم على أساس من عبادة العباد للعباد !‬
‫ومن أجل ذلك كان جوهر الرسالت والكتب هو تقرير ألوهية ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وربوبيته وحده‬
‫للعباد‪(:‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون) ‪.‬‬
‫وقد قسمته للبواب التالية ‪:‬‬
‫•الباب الول‪ -‬تهيد‬
‫الباب الثان ‪ -‬الفرق بي طغاة الكفار وطغاة السلمي‬ ‫•‬
‫•الباب الثالث‪ -‬ما فعله طغاة السلمي بالسلمي‬
‫•الباب الرابع‪ -‬وجوب قتلهم وقتل من يساعدهم أو يبر وجودهم أو يدافع عنهم‬
‫كائنا من كان‬
‫•الباب الامس ‪ -‬وجوب الروج عليهم وتري طاعتهم لنم ‪:‬‬
‫•الباب السادس ‪ -‬صفاتم صفات النافقي‬
‫•الباب السابع‪ -‬يب قتالم بكل وسيلة مكنة فهم أشد بكثي من أعداء السلم‬
‫الباشرين‬

‫‪4‬‬
‫=============‬
‫فإل الغافلي والنائمي والانعي والستسلمي والتوقفي ف هذه السألة اللل أقدم هذا الكتاب‬
‫عسى أن يكون فيه ما يرجهم من هذا التيه الذي يعيشون به‬
‫قال تعال ‪:‬‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ َك َفرُوا لَن ّن ْؤمِنَ ِبهَذَا اْل ُقرْآ ِن وَلَا بِالّذِي بَيْ َن يَدَْي ِه وََلوْ َترَى ِإذِ الظّالِمُو َن َموْقُوفُو َن عِندَ‬
‫ي(‬ ‫ضعِفُوا ِللّذِينَ ا ْستَكَْبرُوا َلوْلَا أَنتُمْ لَ ُكنّا ُمؤْمِِن َ‬ ‫ض اْل َقوْلَ َيقُولُ الّذِينَ اسُْت ْ‬ ‫ضهُمْ ِإلَى َبعْ ٍ‬ ‫رَّبهِ ْم َيرْجِعُ َب ْع ُ‬
‫ض ِعفُوا َأنَحْ ُن صَ َددْنَاكُ ْم عَ ِن اْلهُدَى َبعْدَ ِإذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم‬ ‫‪ )31‬قَا َل الّذِينَ اسْتَ ْكَبرُوا لِلّذِينَ اسُْت ْ‬
‫ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْتَ ْكَبرُوا بَ ْل مَ ْكرُ اللّيْ ِل وَالّنهَارِ ِإذْ تَ ْأ ُمرُونَنَا أَن نّ ْك ُفرَ بِالّلهِ‬
‫ج ِر ِميَ (‪ )32‬وَقَالَ الّذِي َن اسُْت ْ‬ ‫مّ ْ‬
‫ج َزوْنَ‬
‫ق الّذِينَ َك َفرُوا هَ ْل يُ ْ‬ ‫ب وَ َجعَلْنَا الَْأ ْغلَالَ فِي َأعْنَا ِ‬ ‫جعَلَ َلهُ أَندَادًا وََأ َسرّوا النّدَا َمةَ لَمّا رََأوُا اْلعَذَا َ‬
‫وََن ْ‬
‫ِإلّا مَا كَانُوا َيعْمَلُو َن ( ‪ ) 33‬سورة سبأ }‬
‫***************‬
‫الشهاب الثاقب‬
‫ف ‪ 3‬رمضان ‪ 1425‬هـ الوافق ‪ 17/10/2004‬م‬

‫‪‬‬

‫‪5‬‬
‫الباب الول‬
‫تمهيد‬
‫•تعريف الطغيان ‪:‬‬
‫وف مفردات القرآن ‪:‬‬

‫طغى‬
‫‪ -‬طغوت وطغيت (انظر‪ :‬اللسان (طغا) ؛ وعمدة الفاظ‪ :‬طغا) طغوانا وطغيانا‪ ،‬وأطغاه كذا‪ :‬حله‬
‫[النازعات‪/‬‬ ‫على الطغيان‪ ،‬وذلك تاوز الد ف العصيان‪ .‬قال تعال‪ :‬اذهب إل فرعون إنه طغى‬
‫[العلق‪ ،]6/‬وقال‪ :‬قال ربنا إننا ناف أن يفرط علينا أو أن يطغى‬ ‫إن النسان ليطغى‬ ‫‪،]17‬‬
‫[طه‪ ،]45/‬ول تطغوا فيه فيحل عليكم غضب [طه‪ ،]81/‬وقال تعال‪ :‬فخشينا أن‬
‫يرهقهما طغيانا وكفرا [الكهف‪ ،]80/‬ف طغيانم يعمهون [البقرة‪ ،]15/‬إل طغيانا‬
‫كبيا [السراء‪ ،]60/‬وإن للطاغي لشر مآب [ص‪ ،]55/‬قال قرينه ربنا ما أطغيته‬
‫[الشمس‪ ،]11/‬تنبيها أنم ل‬ ‫[ق‪ ،]27/‬والطغوى السم منه‪ .‬قال تعال‪ :‬كذبت ثود بطغواها‬
‫[النجم‪ ،]52/‬تنبيها أن الطغيان ل‬ ‫يصدقوا إذا خوفوا بعقوبة طغيانم‪ .‬وقوله‪ :‬هم أظلم وأطغى‬
‫[الاقة‪،]11/‬‬ ‫يلص النسان‪ ،‬فقد كان قوم نوح أطغى منهم فأهلكوا‪ .‬وقوله‪ :‬إنا لا طغى الاء‬
‫[الاقة‪ ،]5/‬فإشارة إل الطوفان‬ ‫فاستعي الطغيان فيه لتجاوز الاء الد‪ ،‬وقوله‪ :‬فأهلكوا بالطاغية‬
‫[الاقة‪ ،]11/‬والطاغوت عبارة عن كل معتد‪ ،‬وكل معبود من‬ ‫العب عنه بقوله‪ :‬إنا لا طغى الاء‬
‫دون ال‪ ،‬ويستعمل ف الواحد والمع‪ .‬قال تعال‪ :‬فمن يكفر بالطاغوت [البقرة ‪،]256/‬‬
‫والذين اجتنبوا الطاغوت [الزمر‪ ،]17/‬أولياؤهم الطاغوت [البقرة ‪ ،]257/‬يريدون أن‬
‫يتحاكموا إل الطاغوت [النساء‪ ،]60/‬فعبارة عن كل معتد‪ ،‬ولا تقدم سي الساحر‪ ،‬والكاهن‪،‬‬
‫والارد من الن‪ ،‬والصارف عن طريق الي طاغوتا‪ ،‬ووزنه فيما قيل‪ :‬فعلوت‪ ،‬نو‪ :‬جبوت‬
‫وملكوت‪ ،‬وقيل‪ :‬أصله‪ :‬طغووت‪ ،‬ولكن قلب لم الفعل نو صاعقة وصاقعة‪ ،‬ث قلب الواو ألفا‬
‫لتحركه وانفتاح ما قبله‪.‬‬
‫•من شروط صحة اليان الكفر بالطاغوت ‪:‬‬
‫ل يصح إيان الرء حت يكفر بالطاغوت قال تعال ‪ { :‬لَ إِ ْكرَاهَ فِي الدّي ِن قَد تّبَيّ َن الرّشْ ُد مِنَ اْلغَ ّي‬
‫سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَىَ لَ ان ِفصَامَ َلهَا وَالّلهُ سَمِي ٌع َعلِيمٌ} (‬
‫فَمَنْ يَ ْك ُفرْ بِالطّاغُوتِ وَُي ْؤمِن بِالّلهِ َفقَدِ اسْتَ ْم َ‬
‫‪ )256‬سورة البقرة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫يقول تعال‪ { :‬ل إِ ْكرَاهَ فِي الدّين } أي‪ :‬ل تكرهوا أحدًا على الدخول ف دين السلم فإنه بي‬
‫واضح جلي دلئله وبراهينه ل يتاج إل أن يكره أحد على الدخول فيه‪ ،‬بل من هداه ال للسلم‬
‫وشرح صدره ونور بصيته دخل فيه على بينة‪ ،‬ومن أعمى ال قلبه وختم على سعه وبصره فإنه ل‬
‫يفيده الدخول ف الدين مكرها مقسورًا‪ .‬وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الية ف قوم من النصار‪،‬‬
‫وإن كان حكمها عامّا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أب عدي عن شعبة عن أب بشر‪ ،‬عن سعيد بن جبي عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬كانت الرأة تكون ِمقْلتًا فتجعل على نفسها إن عاش لا ولد أن توده‪ ،‬فلما أجليت‬
‫بنو النضي كان فيهم من أبناء النصار فقالوا‪ :‬ل ندع أبناءنا فأنزل ال عز وجل‪ { :‬ل إِ ْكرَاهَ فِي‬
‫الدّينِ قَدْ َتبَيّ َن الرّشْ ُد مِنَ اْلغَيّ }‬
‫وقد رواه أبو داود والنسائي جيعا عن ُبنْدَار به ومن وجوه أخر عن شعبة به نوه‪ .‬وقد رواه ابن أب‬
‫حات وابن حبان ف صحيحه من حديث شعبة به ‪ ،‬وهكذا ذكر ماهد وسعيد بن جبي والشعب‬
‫والسن البصري وغيهم‪ :‬أنا نزلت ف ذلك‪.‬‬
‫وقال ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد الرشي عن زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد [بن‬
‫جبي] عن ابن عباس قوله‪ { :‬ل إِ ْكرَاهَ فِي الدّينِ } قال‪ :‬نزلت ف رجل من النصار من بن سال بن‬
‫عوف يقال له‪ :‬الصين كان له ابنان نصرانيان‪ ،‬وكان هو رجل مسلمًا فقال للنب صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ :‬أل أستكرههما فإنما قد أبيا إل النصرانية؟ فأنزل ال فيه ذلك‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وروى السدي نو ذلك وزاد‪ :‬وكانا قد تنصرا على يدي تار قدموا من الشام‬
‫يملون زيتًا فلما عزما على الذهاب معهم أراد أبوها أن يستكرههما‪ ،‬وطلب من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يبعث ف آثارها‪ ،‬فنلت هذه الية‪.‬‬
‫وقال ابن أب حات‪ :‬حدثنا أب حدثنا عمرو بن عوف أخبنا شريك عن أب هلل عن أُسَق قال‪:‬‬
‫كنت ف دينهم ملوكًا نصرانيًا لعمر بن الطاب فكان يعرض علي السلم فآب فيقول‪ { :‬ل ِإ ْكرَاهَ‬
‫فِي الدّينِ } ويقول‪ :‬يا ُأسَق لو أسلمت لستعنا بك على بعض أمور السلمي‪.‬‬
‫وقد ذهب طائفة كثية من العلماء أن هذه ممولة على أهل الكتاب ومن دخل ف دينهم قبل النسخ‬
‫والتبديل إذا بذلوا الزية‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يب أن يدعى جيع المم‬
‫إل الدخول ف الدين النيف دين السلم فإن أب أحد منهم الدخول فيه ول ينقد له أو يبذل الزية‪،‬‬
‫قوتل حت يقتل‪ .‬وهذا معن الكراه قال ال تعال‪ { :‬سَتُ ْد َعوْنَ إِلَى َق ْومٍ أُولِي بَ ْأسٍ شَدِيدٍ ُتقَاِتلُوَنهُمْ َأوْ‬
‫يُسِْلمُون } [الفتح‪ ]16:‬وقال تعال‪ { :‬يَاَأّيهَا النّبِ ّي جَاهِدِ اْل ُكفّارَ وَالْمُنَاِف ِقيَ وَا ْغُلظْ َعلَْيهِمْ }‬
‫[التحري‪ ]9:‬وقال تعال‪ { :‬يَاأَّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاِتلُوا الّذِينَ يَلُونَكُ ْم مِنَ الْ ُكفّا ِر وَْليَجِدُوا فِيكُ ْم ِغلْظَةً‬
‫وَاعْلَمُوا أَ ّن الّلهَ مَعَ اْلمُّت ِقيَ } [التوبة‪ ]123:‬وف الصحيح‪" :‬عجب ربك من قوم يقادون إل النة‬

‫‪7‬‬
‫ف السلسل" يعن‪ :‬السارى الذين يقدم بم بلد السلم ف الوثائق والغلل والقيود والكبال ث‬
‫بعد ذلك يسلمون وتصلح أعمالم وسرائرهم فيكونون من أهل النة‪.‬‬
‫فأما الديث الذي رواه المام أحد‪ :‬حدثنا يي عن حيد عن أنس‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال لرجل‪" :‬أسلم" قال‪ :‬إن أجدن كارها‪ .‬قال‪" :‬وإن كنت كارها" فإنه ثلثي صحيح‪،‬‬
‫ولكن ليس من هذا القبيل فإنه ل يكرهه النب صلى ال عليه وسلم على السلم بل دعاه إليه فأخب‬
‫أن نفسه ليست قابلة له بل هي كارهة فقال له‪" :‬أسلم وإن كنت كارهًا فإن ال سيزقك حسن النية‬
‫والخلص"‪.‬‬
‫سكَ بِاْل ُعرْ َوةِ اْل ُوْثقَى ل اْن ِفصَامَ َلهَا وَالّلهُ سَمِيعٌ‬ ‫ت وَُي ْؤمِنْ بِالّلهِ َفقَدِ ا ْستَمْ َ‬‫وقوله‪ { :‬فَ َمنْ يَ ْك ُفرْ بِالطّاغُو ِ‬
‫َعلِيمٌ } أي‪ :‬من خلع النداد والوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون ال‪،‬‬
‫سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى } أي‪ :‬فقد ثبت ف‬ ‫ووحد ال فعبده وحده وشهد أن ل إله إل هو { َفقَدِ اسْتَ ْم َ‬
‫أمره واستقام على الطريقة الثلى والصراط الستقيم‪.‬‬
‫قال أبو القاسم البغوي‪ :‬حدثنا أبو روح البلدي حدثنا أبو الحوص سلم بن سليم‪ ،‬عن أب إسحاق‬
‫عن حسان ‪-‬هو ابن فائد العبسي‪-‬قال‪ :‬قال عمر رضي ال عنه‪ :‬إن الِبت‪ :‬السحر والطاغوت‪:‬‬
‫الشيطان‪ ،‬وإن الشجاعة والب غرائز تكون ف الرجال يقاتل الشجاع عمن ل يعرف ويفر البان من‬
‫أمه‪ ،‬وإن كرم الرجل دينه‪ ،‬وحسبه خلقه‪ ،‬وإن كان فارسيّا أو نبطيا‪ .‬وهكذا رواه ابن جرير وابن أب‬
‫حات من حديث الثوري عن أب إسحاق عن حسان بن فائد العبسي عن عمر فذكره‪.‬‬
‫ومعن قوله ف الطاغوت‪ :‬إنه الشيطان قوي جدّا فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الاهلية‪ ،‬من‬
‫عبادة الوثان والتحاكم إليها والستنصار با‪.‬‬
‫سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى ل اْنفِصَامَ َلهَا } أي‪ :‬فقد استمسك من الدين بأقوى سبب‪،‬‬ ‫وقوله‪َ { :‬فقَدِ اسْتَ ْم َ‬
‫وشبه ذلك بالعروة الوثقى الت ل تنفصم فهي ف نفسها مكمة مبمة قوية وربطها قوي شديد ولذا‬
‫سكَ بِاْل ُع ْروَةِ اْلوُْثقَى ل اْن ِفصَامَ َلهَا وَالّلهُ سَمِي ٌع عَلِي ٌم } ‪.‬‬ ‫قال‪َ { :‬فقَدِ اسْتَمْ َ‬
‫سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى } يعن‪ :‬اليان‪ .‬وقال السدي‪ :‬هو السلم وقال سعيد‬ ‫قال ماهد‪َ { :‬فقَدِ اسْتَ ْم َ‬
‫بن جبي والضحاك‪ :‬يعن ل إله إل ال‪ .‬وعن أنس (‪ )1‬بن مالك‪ { :‬بِاْلعُ ْر َوةِ اْلوُْثقَى } ‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫وعن سال بن أب العد قال‪ :‬هو الب ف ال والبغض ف ال‪.‬‬
‫وكل هذه القوال صحيحة ول تناف بينها‪.‬‬
‫وقال معاذ بن جبل ف قوله‪ { :‬ل اْن ِفصَامَ َلهَا } أي‪ :‬ل انقطاع لا دون دخول النة‪.‬‬
‫سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى ل اْن ِفصَامَ َلهَا } ث قرأ‪ { :‬إِ ّن الّلهَ ل‬ ‫وقال ماهد وسعيد بن جبي‪َ { :‬فقَدِ ا ْستَمْ َ‬
‫سهِمْ } [الرعد‪.]11:‬‬ ‫ُيغَّيرُ مَا ِب َقوْمٍ حَتّى ُيغَّيرُوا مَا بَِأْنفُ ِ‬

‫‪8‬‬
‫وقال المام أحد‪ :‬حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا ابن عون عن ممد عن قيس بن عباد قال‪ :‬كنت‬
‫ف السجد فجاء رجل ف وجهه أثر من خشوع‪ ،‬فدخل فصلى ركعتي أوجز فيهما فقال القوم‪ :‬هذا‬
‫رجل من أهل النة‪ .‬فلما خرج اتبعته حت دخل منله فدخلت معه فحدثته فلما استأنسقلت له‪ :‬إن‬
‫القوم لا دخلت قبل السجد قالوا كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬سبحان ال ما ينبغي لحد أن يقول ما ل يعلم‬
‫وسأحدثك ل‪ :‬إن رأيت رؤيا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقصصتها عليه‪ :‬رأيت كأن‬
‫ف روضة خضراء ‪-‬قال ابن عون‪ :‬فذكر من خضرتا وسعتها‪-‬وسطها عمود حديد أسفله ف الرض‬
‫وأعله ف السماء ف أعله عروة‪ ،‬فقيل ل‪ :‬اصعد عليه فقلت‪ :‬ل أستطيع‪ .‬فجاءن مِْنصَف ‪-‬قال ابن‬
‫عون‪ :‬هو الوصيف ‪-‬فرفع ثياب من خلفي‪ ،‬فقال‪ :‬اصعد‪ .‬فصعدت حت أخذت بالعروة فقال‪:‬‬
‫استمسك بالعروة‪ .‬فاستيقظت وإنا لفي يدي فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقصصتها عليه‪.‬‬
‫فقال‪" :‬أما الروضة فروضة السلم وأما العمود فعمود السلم وأما العروة فهي العروة الوثقى‪ ،‬أنت‬
‫على السلم حت توت" ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو عبد ال بن سلم أخرجاه ف الصحيحي من حديث عبد ال بن عون وأخرجه البخاري‬
‫من وجه آخر‪ ،‬عن ممد بن سيين به ‪.‬‬
‫طريق أخرى وسياق آخر‪ :‬قال المام أحد‪ :‬حدثنا حسن بن موسى وعفان قال حدثنا حاد بن‬
‫لرّ قال‪ :‬قدمت الدينة فجلست إل‬ ‫سلمة‪ ،‬عن عاصم بن بدلة عن السيب بن رافع عن خرشة بن ا ُ‬
‫مشيخة ف مسجد النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬فجاء شيخ يتوكأ على عصًا له فقال القوم‪ :‬من سره أن‬
‫ينظر إل رجل من أهل النة فلينظر إل هذا‪ .‬فقام خلف سارية فصلى ركعتي فقمت إليه‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫قال بعض القوم‪ :‬كذا وكذا‪ .‬فقال‪ :‬النة ل يُدخلها من يشاء وإن رأيت على عهد رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم رؤيا‪ ،‬رأيت كأن رجل أتان فقال‪ :‬انطلق‪ .‬فذهبت معه فسلك ب منهجًا عظيمًا‬
‫فعرضت ل طريق عن يساري‪ ،‬فأردت أن أسلكها‪ .‬فقال‪ :‬إنك لست من أهلها‪ .‬ث عرضت ل طريق‬
‫عن يين فسلكتها حت انتهت إل جبل زلق فأخذ بيدي فزجل فإذا أنا على ذروته‪ ،‬فلم أتقار ول‬
‫أتاسك فإذا عمود حديد ف ذروته حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل حت أخذت بالعروة فقال‪:‬‬
‫استمسك‪ .‬فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة‪ ،‬فقصصتها على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال‪" :‬رأيت خيًا أما النهج العظيم فالحشر ‪ ،‬وأما الطريق الت عرضت عن يسارك‬
‫فطريق أهل النار‪ ،‬ولست من أهلها‪ ،‬وأما الطريق الت عرضت عن يينك فطريق أهل النة‪ ،‬وأما البل‬
‫الزلق فمنل الشهداء‪ ،‬وأما العروة الت استمسكت با فعروة السلم فاستمسك با حت توت"‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإنا أرجو أن أكون من أهل النة‪ .‬قال‪ :‬وإذا هو عبد ال بن سلم ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وهكذا رواه النسائي عن أحد بن سليمان عن عفان‪ ،‬وابن ماجه عن أب بكر بن أب شيبة‪ ،‬عن‬
‫السن بن موسى الشيب كلها عن حاد بن سلمة به نوه ‪ .‬وأخرجه مسلم ف صحيحه من‬
‫لرّ الفزاري به ‪.‬‬
‫سهِر عن خرشة بن ا ُ‬
‫حديث العمش عن سليمان بن مُ ْ‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫إن قضية العقيدة ‪ -‬كما جاء با هذا الدين ‪ -‬قضية اقتناع بعد البيان والدراك ; وليست قضية إكراه‬
‫وغصب وإجبار ‪ .‬ولقد جاء هذا الدين ياطب الدراك البشري بكل قواه وطاقاته ‪ .‬ياطب العقل‬
‫الفكر ‪ ,‬والبداهة الناطقة ‪ ,‬وياطب الوجدان النفعل ‪ ,‬كما ياطب الفطرة الستكنة ‪ .‬ياطب الكيان‬
‫البشري كله ‪ ,‬والدراك البشري بكل جوانبه ; ف غي قهر حت بالارقة الادية الت قد تلجيء‬
‫مشاهدها الاء إل الذعان ‪ ,‬ولكن وعيه ل يتدبرها وإدراكه ل يتعقلها لنا فوق الوعي والدراك ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا الدين ل يواجه الس البشري بالارقة الادية القاهرة ‪ ,‬فهو من باب أول ل يواجهه‬
‫بالقوة والكراه ليعتنق هذا الدين تت تأثي التهديد أو مزاولة الضغط القاهر والكراه بل بيان ول‬
‫إقناع ول اقتناع ‪.‬‬
‫وكانت السيحية ‪ -‬آخر الديانات قبل السلم ‪ -‬قد فرضت فرضا بالديد والنار ووسائل التعذيب‬
‫والقمع الت زاولتها الدولة الرومانية بجرد دخول المباطور قسطنطي ف السيحية ‪ .‬بنفس الوحشية‬
‫والقسوة الت زاولتها الدولة الرومانية من قبل ضد السيحيي القلئل من رعاياها الذين اعتنقوا‬
‫السيحية اقتناعا وحبا ! ول تقتصر وسائل القمع والقهر على الذين ل يدخلوا ف السيحية ; بل إنا‬
‫ظلت تتناول ف ضراوة السيحيي أنفسهم الذين ل يدخلوا ف مذهب الدولة ; وخالفوها ف بعض‬
‫العتقاد بطبيعة السيح !‬
‫فلما جاء السلم عقب ذلك جاء يعلن ‪ -‬ف أول ما يعلن ‪ -‬هذا البدأ العظيم الكبي‪:‬‬
‫(ل إكراه ف الدين ‪ .‬قد تبي الرشد من الغي) ‪. .‬‬
‫وف هذا البدأ يتجلى تكري ال للنسان ; واحترام إرادته وفكره ومشاعره ; وترك أمره لنفسه فيما‬
‫يتص بالدى والضلل ف العتقاد وتميله تبعة عمله وحساب نفسه ‪ . .‬وهذه هي أخص خصائص‬
‫التحرر النسان ‪ . .‬التحرر الذي تنكره على النسان ف القرن العشرين مذاهب معتسفة ونظم مذلة‬
‫; ل تسمح لذا الكائن الذي كرمه ال ‪ -‬باختياره لعقيدته ‪ -‬أن ينطوي ضميه على تصور للحياة‬
‫ونظمها غي ما تليه عليه الدولة بشت أجهزتا التوجيهية ‪ ,‬وما تليه عليه بعد ذلك بقوانينها‬
‫وأوضاعها ; فإما أن يعتنق مذهب الدولة هذا ‪ -‬وهو يرمه من اليان باله للكون يصرف هذا الكون‬
‫‪ -‬وإما أن يتعرض للموت بشت الوسائل والسباب !‬

‫‪10‬‬
‫إن حرية العتقاد هي أول حقوق "النسان" الت يثبت له با وصف "إنسان" ‪ .‬فالذي يسلب إنسانا‬
‫حرية العتقاد ‪ ,‬إنا يسلبه إنسانيته ابتداء ‪ . .‬ومع حرية العتقاد حرية الدعوة للعقيدة ‪ ,‬والمن من‬
‫الذى والفتنة ‪ . .‬وإل فهي حرية بالسم ل مدلول لا ف واقع الياة ‪.‬‬
‫والسلم ‪ -‬وهو أرقى تصور للوجود وللحياة ‪ ,‬وأقوم منهج للمجتمع النسان بل مراء ‪ -‬هو الذي‬
‫ينادي بأن ل إكراه ف الدين ; وهو الذي يبي لصحابه قبل سواهم أنم منوعون من إكراه الناس‬
‫على هذا الدين ‪ . .‬فكيف بالذاهب والنظم الرضية القاصرة العتسفة وهي تفرض فرضا بسلطان‬
‫الدولة ; ول يسمح لن يالفها بالياة ?!‬
‫والتعبي هنا يرد ف صورة النفي الطلق‪( :‬ل إكراه ف الدين) ‪ . .‬نفي النس كما يقول النحويون ‪. .‬‬
‫أي نفي جنس الكراه ‪ .‬نفي كونه ابتداء ‪ .‬فهو يستبعده من عال الوجود والوقوع ‪ .‬وليس مرد ني‬
‫عن مزاولته ‪ .‬والنهي ف صورة النفي ‪ -‬والنفي للجنس ‪ -‬أعمق إيقاعا وآكد دللة ‪.‬‬
‫ول يزيد السياق على أن يلمس الضمي البشري لسة توقظه ‪ ,‬وتشوقه إل الدى ‪ ,‬وتديه إل الطريق‬
‫‪,‬وتبي حقيقة اليان الت اعلن أنا أصبحت واضحة وهو يقول‪:‬‬
‫(قد تبي الرشد من الغي) ‪. .‬‬
‫فاليان هو الرشد الذي ينبغي للنسان أن يتوخاه ويرص عليه ‪ .‬والكفر هو الغي الذي ينبغي‬
‫للنسان أن ينفر منه ويتقي أن يوصم به ‪.‬‬
‫والمر كذلك فعل ‪ .‬فما يتدبر النسان نعمة اليان ‪ ,‬وما تنحه للدراك البشري من تصور ناصع‬
‫واضح ‪ , ,‬وما تنحه للقلب البشري من طمأنينة وسلم ‪ ,‬وما تثيه ف النفس البشرية من اهتمامات‬
‫رفيعة ومشاعر نظيفة ‪ ,‬وما تققه ف الجتمع النسان من نظام سليم قوي دافع إل تنمية الياة وترقية‬
‫الياة ‪ . .‬ما يتدبر النسان نعمة اليان على هذا النحو حت يد فيها الرشد الذي ل يرفضه إل سفيه‬
‫‪ ,‬يترك الرشد إل الغي ‪ ,‬ويدع الدى إل الضلل ‪ ,‬ويؤثر التخبط والقلق والبوط والضآلة على‬
‫الطمأنينة والسلم والرفعة والستعلء !‬
‫ث يزيد حقيقة اليان إيضاحا وتديدا وبيانا‪:‬‬
‫(فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لا) ‪. .‬‬
‫إن الكفر ينبغي أن يوجه إل ما يستحق الكفر ‪ ,‬وهو(الطاغوت) ‪ .‬وإن اليان يب أن يتجه إل من‬
‫يدر اليان به وهو(ال) ‪.‬‬
‫والطاغوت صيغة من الطغيان ‪ ,‬تفيد كل ما يطغى على الوعي ‪ ,‬ويور على الق ‪ ,‬ويتجاوز الدود‬
‫الت رسها ال للعباد ‪ ,‬ول يكون له ضابط من العقيدة ف ال ‪ ,‬ومن الشريعة الت يسنها ال ‪ ,‬ومنه‬
‫كل منهج غي مستمد من ال ‪ ,‬وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد ل يستمد من ال ‪ .‬فمن يكفر‬

‫‪11‬‬
‫بذا كله ف كل صورة من صوره ويؤمن بال وحده ويستمد من ال وحده فقد نا ‪ . .‬وتتمثل ناته‬
‫ف استمساكه بالعروة الوثقى ل انفصام لا ‪.‬‬
‫وهنا ندنا أمام صورة حسية لقيقة شعورية ‪ ,‬ولقيقة معنوية ‪ . .‬إن اليان بال عروة وثيقة ل‬
‫تنفصم أبدا ‪ . .‬إنا متينة ل تنقطع ‪ . .‬ول يضل المسك با طريق النجاة ‪ . .‬إنا موصولة بالك‬
‫اللك والنجاة ‪ . .‬واليان ف حقيقته اهتداء إل القيقة الول الت تقوم با سائر القائق ف هذا‬
‫الوجود ‪ . .‬حقيقة ال ‪ . .‬واهتداء إل حقيقة الناموس الذي سنه ال لذا الوجود ‪ ,‬وقام به هذا‬
‫الوجود ‪ .‬والذي يسك بعروته يضي على هدى إل ربه ; فل يرتطم ول يتخلف ول تتفرق به السبل‬
‫ول يذهب به الشرود والضلل ‪.‬‬
‫(وال سيع عليم) ‪. .‬‬
‫يسمع منطق اللسنة ‪ ,‬ويعلم مكنون القلوب ‪ .‬فالؤمن الوصول به ل يبخس ول يظلم ول ييب ‪.‬‬
‫ث يضي السياق يصور ف مشهد حسي حي متحرك طريق الدى وطريق الضلل ; وكيف يكون‬
‫الدى وكيف يكون الضلل ‪ . .‬يصور كيف يأخذ ال ‪ -‬ول الذين آمنوا ‪ -‬بأيديهم ‪ ,‬فيخرجهم‬
‫من الظلمات إل النور ‪ .‬بينما الطواغيت ‪ -‬أولياء الذين كفروا ‪ -‬تأخذ بأيدهم فتخرجهم من النور‬
‫إل الظلمات !‬
‫إنه مشهد عجيب حي موح ‪ .‬واليال يتبع هؤلء وهؤلء ‪ ,‬جيئة من هنا وذهابا من هناك ‪ .‬بدل من‬
‫التعبي الذهن الجرد ‪ ,‬الذي ل يرك خيال ‪ ,‬ول يلمس حسا ‪ ,‬ول يستجيش وجدانا ‪ ,‬ول ياطب‬
‫إل الذهن بالعان واللفاظ ‪.‬‬
‫فإذا أردنا أن ندرك فضل طريقة التصوير القرآنية ‪ ,‬فلنحاول أن نضع ف مكان هذا الشهد الي تعبيا‬
‫ذهنيا أيا كان ‪ .‬لنقل مثل‪:‬ال ول الذين آمنوا يهديهم إل اليان ‪ .‬والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت‬
‫يقودونم إل الكفران ‪ . .‬إن التعبي يوت بي أيدينا ‪ ,‬ويفقد ما فيه من حرارة وحركة وإيقاع !‬
‫وإل جانب التعبي الصور الي الوحي نلتقي بدقة التعبي عن القيقة‪:‬‬
‫(ال ول الذين آمنوا يرجهم من الظلمات إل النور ‪ .‬والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يرجونم‬
‫من النور إل الظلمات) ‪. .‬‬
‫إن اليان نور ‪ . .‬نور واحد ف طبيعته وحقيقته ‪ . .‬وإن الكفر ظلمات ‪ . .‬ظلمات متعددة متنوعة ‪.‬‬
‫ولكنها كلها ظلمات ‪.‬‬
‫وما من حقيقة أصدق ول أدق من التعبي عن اليان بالنور ‪ ,‬والتعبي عن الكفر بالظلمة ‪.‬‬
‫إن اليان نور يشرق به كيان الؤمن أول ما ينبثق ف ضميه ‪ .‬تشرق به روحه فتشف وتصفو وتشع‬
‫من حولا نورا ووضاءة ووضوحا ‪ . .‬نور يكشف حقائق الشياء وحقائق القيم وحقائق التصورات ‪,‬‬
‫فياها قلب الؤمن واضحة بغي غبش ‪ ,‬بينة بغي لبس ‪ ,‬مستقرة ف مواضعها بغي أرجحة ; فيأخذ‬

‫‪12‬‬
‫منها ما يأخذ ويدع منها ما يدع ف هوادة وطمأنينة وثقة وقرار ل أرجحة فيه ‪ . .‬نور يكشف‬
‫الطريق إل الناموس الكون فيطابق الؤمن بي حركته وحركة الناموس الكون من حوله ومن خلله ;‬
‫ويضي ف طريقه إل ال هينا لينا ل يعتسف ول يصطدم بالنتوءات ‪ ,‬ول يبط هنا وهناك ‪ .‬فالطريق‬
‫ف فطرته مكشوف معروف ‪.‬‬
‫وهو نور واحد يهدي إل طريق واحد ‪ .‬فأما ضلل الكفر فظلمات شت منوعة ‪ . .‬ظلمة الوى‬
‫والشهوة ‪ .‬وظلمة الشرود والتيه ‪ .‬وظلمة الكب والطغيان ‪ .‬وظلمة الضعف والذلة ‪ .‬وظلمة الرياء‬
‫والنفاق ‪ .‬وظلمة الطمع والسعر ‪ .‬وظلمة الشك والقلق ‪ . . .‬وظلمات شت ل يأخذها الصر‬
‫تتجمع كلها عند الشرود عن طريق ال ‪ ,‬والتلقي من غي ال ‪ ,‬والحتكام لغي منهج ال ‪ . .‬وما‬
‫يترك النسان نور ال الواحد الذي ل يتعدد ‪ .‬نور الق الواحد الذي ل يتلبس ‪ .‬حت يدخل ف‬
‫الظلمات من شت النواع وشت الصناف ‪ . .‬وكلها ظلمات ‪! . .‬‬
‫والعاقبة هي اللئقة بأصحاب الظلمات‪:‬‬
‫(أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ‪ . .‬وإذ ل يهتدوا بالنور ‪ ,‬فليخلدوا إذن ف النار !‬
‫إن الق واحد ل يتعدد والضلل ألوان وأناط ‪ . .‬فماذا بعد الق إل الضلل ?‬
‫‪------------‬‬
‫إن بعض الغرضي من أعداء السلم يرمونه بالتناقض ; فيزعمون أنه فرض بالسيف ‪ ,‬ف الوقت الذي‬
‫قرر فيه‪:‬أن ل إكراه ف الدين ‪ . .‬أما بعضهم الخر فيتظاهر بأنه يدفع عن السلم هذه التهمة ; وهو‬
‫ياول ف خبث أن يمد ف حس السلم روح الهاد ; ويهون من شأن هذه الداة ف تاريخ السلم‬
‫وف قيامه وانتشاره ‪ .‬ويوحي إل السلمي ‪ -‬بطريق ملتوية ناعمة ماكرة ‪ -‬أن ل ضرورة اليوم أو‬
‫غدا للستعانة بذه الداة !وذلك كله ف صورة من يدفع التهمة الارحة عن السلم ! ‪. .‬‬
‫وهؤلء وهؤلء كلها من الستشرقي الذين يعملون ف حقل واحد ف حرب السلم ‪ ,‬وتريف‬
‫منهجه ‪ ,‬وقتل إياءاته الوحية ف حس السلمي ‪ ,‬كي يأمنوا انبعاث هذا الروح ‪ ,‬الذي ل يقفوا له‬
‫مرة ف ميدان ! والذي آمنوا واطمأنوا منذ أن خدروه وكبلوه بشت الوسائل ‪ ,‬وكالوا له الضربات‬
‫الساحقة الوحشية ف كل مكان ! وألقوا ف خلد السلمي أن الرب بي الستعمار وبي وطنهم‬
‫ليست حرب عقيدة أبدا تقتضي الهاد ! إنا هي فقط حرب أسواق وخامات ومراكز وقواعد ‪. .‬‬
‫ومن ث فل داعي للجهاد !‬
‫لقد انتضى السلم السيف ‪ ,‬وناضل وجاهد ف تاريه الطويل ‪ .‬ل ليكره أحدا على السلم ولكن‬
‫ليكفل عدة أهداف كلها تقتضي الهاد ‪.‬‬
‫جاهد السلم أول ليدفع عن الؤمني الذى والفتنة الت كانوا يسامونا ; وليكفل لم المن على‬
‫أنفسهم وأموالم وعقيدتم ‪ .‬وقرر ذلك البدأ العظيم الذي سلف تقريره ف هذه السورة ‪ -‬ف الزء‬

‫‪13‬‬
‫الثان ‪( -‬والفتنة أشد من القتل) ‪ . .‬فاعتب العتداء على العقيدة واليذاء بسببها ‪ ,‬وفتنة أهلها عنها‬
‫أشد من العتداء على الياة ذاتا ‪ .‬فالعقيدة أعظم قيمة من الياة وفق هذا البدأ العظيم ‪ .‬وإذا كان‬
‫الؤمن مأذونا ف القتال ليدفع عن حياته وعن ماله ‪ ,‬فهو من باب أول مأذون ف القتال ليدفع عن‬
‫عقيدته ودينه ‪ . .‬وقد كان السلمون يسامون الفتنة عن عقيدتم ويؤذون ‪ ,‬ول يكن لم بد أن‬
‫يدفعوا هذه الفتنة عن أعز ما يلكون ‪ .‬يسامون الفتنة عن عقيدتم ‪ ,‬ويؤذون فيها ف مواطن من‬
‫الرض شت ‪ .‬وقد شهدت الندلس من بشاعة التعذيب الوحشي والتقتيل الماعي لفتنة السلمي‬
‫عن دينهم ‪ ,‬وفتنة أصحاب الذاهب السيحية الخرى ليتدوا إل الكثلكة ‪ ,‬ما ترك أسبانيا اليوم ول‬
‫ظل فيها للسلم ! ول للمذاهب السيحية الخرى ذاتا ! كما شهد بيت القدس وما حوله بشاعة‬
‫الجمات الصليبية الت ل تكن موجهة إل للعقيدة والجهاز عليها ; والت خاضها السلمون ف هذه‬
‫النطقة تت لواء العقيدة وحدها فانتصروا فيها ; وحوا هذه البقعة من مصي الندلس الليم ‪ . .‬وما‬
‫يزال السلمون يسامون الفتنة ف أرجاء الناطق الشيوعية والوثنية والصهيونية والسيحية ف أناء من‬
‫الرض شت ‪ . .‬وما يزال الهاد مفروضا عليهم لرد الفتنة إن كانوا حقا مسلمي !‬
‫وجاهد السلم ثانيا لتقرير حرية الدعوة ‪ -‬بعد تقرير حرية العقيدة ‪ -‬فقد جاء السلم بأكمل‬
‫تصور للوجود والياة ‪ ,‬وبأرقى نظام لتطوير الياة ‪ .‬جاء بذا الي ليهديه إل البشرية كلها ; ويبلغه‬
‫إل أساعها وإل قلوبا ‪ .‬فمن شاء بعد البيان والبلغ فليؤمن ومن شاء فليكفر ‪ .‬ول إكراه ف الدين‬
‫‪ .‬ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلغ هذا الي للناس كافة ; كما جاء من عند‬
‫ال للناس كافة ‪ .‬وأن تزول الواجز الت تنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إل موكب‬
‫الدى إذا أرادوا ‪ .‬ومن هذه الواجز أن تكون هناك نظم طاغية ف الرض تصد الناس عن الستماع‬
‫إل الدى وتفت الهتدين أيضا ‪ .‬فجاهد السلم ليحطم هذه النظم الطاغية ; وليقيم مكانا نظاما‬
‫عادل يكفل حرية الدعوة إل الق ف كل مكان وحرية الدعاة ‪ . .‬وما يزال هذا الدف قائما ‪ ,‬وما‬
‫يزال الهاد مفروضا على السلمي ليبلغوه إن كانوا مسلمي !‬
‫وجاهد السلم ثالثا ليقيم ف الرض نظامه الاص ويقرره ويميه ‪ . .‬وهو وحده النظام الذي يقق‬
‫حرية النسان تاه أخيه النسان ; حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة ل الكبي التعال ; ويلغي من‬
‫الرض عبودية البشر للبشر ف جيع أشكالا وصورها ‪ .‬فليس هنالك فرد ول طبقة ول أمة تشرع‬
‫الحكام للناس ‪ ,‬وتستذلم عن طريق التشريع ‪ .‬إنا هنالك رب واحد للناس جيعا هو الذي يشرع‬
‫لم على السواء ‪ ,‬وإليه وحده يتجهون بالطاعة والضوع ‪ ,‬كما يتجهون إليه وحده باليان والعبادة‬
‫سواء ‪ .‬فل طاعة ف هذا النظام لبشر إل أن يكون منفذا لشريعة ال ‪ ,‬موكل عن الماعة للقيام بذا‬
‫التنفيذ ‪ .‬حيث ل يلك أن يشرع هو ابتداء ‪ ,‬لن التشريع من شأن اللوهية وحدها ‪ ,‬وهو مظهر‬

‫‪14‬‬
‫اللوهية ف حياة البشر ‪ ,‬فل يوز أن يزاوله إنسان فيدعي لنفسه مقام اللوهية وهو واحد من‬
‫العبيد !‬
‫هذه هي قاعدة النظام الربان الذي جاء به السلم ‪ .‬وعلى هذه القاعدة يقوم نظام أخلقي نظيف‬
‫تكفل فيه الرية لكل إنسان ‪ ,‬حت لن ل يعتنق عقيدة السلم ‪ ,‬وتصان فيه حرمات كل أحد حت‬
‫الذين ل يعتنقون السلم ‪ ,‬وتفظ فيه حقوق كل مواطن ف الوطن السلمي أيا كانت عقيدته ‪.‬‬
‫ول يكره فيه أحد على اعتناق عقيدة السلم ‪ ,‬ول إكراه فيه على الدين إنا هو البلغ ‪.‬‬
‫جاهد السلم ليقيم هذا النظام الرفيع ف الرض ويقرره ويميه ‪ .‬وكان من حقه أن ياهد ليحطم‬
‫النظم الباغية الت تقوم على عبودية البشر للبشر ‪ ,‬والت يدعي فيها العبيد مقام اللوهية ويزاولون فيها‬
‫وظيفة اللوهية ‪ -‬بغي حق ‪ -‬ول يكن بد أن تقاومه تلك النظم الباغية ف الرض كلها وتناصبه‬
‫العداء ‪ .‬ول يكن بد كذلك أن يسحقها السلم سحقا ليعلن نظامه الرفيع ف الرض ‪ . .‬ث يدع‬
‫الناس ف ظله أحرارا ف عقائدهم الاصة ‪ .‬ل يلزمهم إل بالطاعة لشرائعه الجتماعية والخلقية‬
‫والقتصادية والدولية ‪ .‬أما عقيدة القلب فهم فيها أحرار ‪ .‬وأما أحوالم الشخصية فهم فيها أحرار ‪,‬‬
‫يزاولونا وفق عقائدهم ; والسلم يقوم عليهم يميهم ويمي حريتهم ف العقيدة ويكفل لم‬
‫حقوقهم ‪ ,‬ويصون لم حرماتم ‪ ,‬ف حدود ذلك النظام ‪.‬‬
‫وما يزال هذا الهاد لقامة هذا النظام الرفيع مفروضا على السلمي‪( :‬حت ل تكون فتنة ويكون‬
‫الدين ل) ‪ . .‬فل تكون هناك ألوهة للعبيد ف الرض ‪ ,‬ول دينونة لغي ال ‪. .‬‬
‫ل يمل السلم السيف إذن ليكره الناس على اعتناقه عقيدة ; ول ينتشر السيف على هذا العن كما‬
‫يريد بعض أعدائه أن يتهموه ! إنا جاهد ليقيم نظاما آمنا يأمن ف ظله أصحاب العقائد جيعا ‪,‬‬
‫ويعيشون ف إطاره خاضعي له وإن ل يعتنقوا عقيدته ‪.‬‬
‫وكانت قوة السلم ضرورية لوجوده وانتشاره واطمئنان أهله على عقيدتم ‪ ,‬واطمئنان من يريدون‬
‫اعتناقه على أنفسهم ‪ .‬وإقامة هذا النظام الصال وحايته ‪ .‬ول يكن الهاد أداة قليلة الهية ‪ ,‬ول‬
‫معدومة الضرورة ف حاضره ومستقبله كما يريد أخبث أعدائه أن يوحوا للمسلمي ! ‪. .‬‬
‫ل بد للسلم من نظام ول بد للسلم من قوة ‪ ,‬ول بد للسلم من جهاد ‪ .‬فهذه طبيعته الت ل‬
‫يقوم بدونا إسلم يعيش ويقود ‪.‬‬
‫(ل إكراه ف الدين) ‪ . .‬نعم ولكن‪( :‬وأعدوا لم ما استطعتم من قوة ومن رباط اليل ترهبون به‬
‫عدو ال وعدوكم ‪ .‬وآخرين من دونم ل تعلمونم ال يعلمهم) ‪. .‬‬
‫وهذا هو قوام المر ف نظر السلم ‪ . . .‬وهكذا ينبغي أن يعرف السلمون حقيقة دينهم ‪ ,‬وحقيقة‬
‫تاريهم ; فل يقفوا بدينهم موقف التهم الذي ياول الدفاع ; إنا يقفون به دائما موقف الطمئن‬
‫الواثق الستعلي على تصورات الرض جيعا ‪ ,‬وعلى نظم الرض جيعا ‪ ,‬وعلى مذاهب الرض جيعا‬

‫‪15‬‬
‫‪ . .‬ول ينخدعوا بن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده ف حسهم من حقه ف الهاد لتأمي أهله ;‬
‫والهاد لكسر شوكة الباطل العتدي ; والهاد لتمتيع البشرية كلها بالي الذي جاء به ; والذي ل‬
‫ين أحد على البشرية جناية من يرمها منه ‪ ,‬ويول بينها وبينه ‪ .‬فهذا هو أعدى أعداء البشرية ‪,‬‬
‫الذي ينبغي أن تطارده البشرية لو رشدت وعقلت ‪ .‬وإل أن ترشد البشرية وتعقل ‪ ,‬يب أن يطارده‬
‫الؤمنون ‪ ,‬الذين اختارهم ال وحباهم بنعمة اليان ‪ ,‬فذلك واجبهم لنفسهم وللبشرية كلها ‪ ,‬وهم‬
‫مطالبون بذا الواجب أمام ال ‪. .‬‬
‫وف الوسيط ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪)473‬‬
‫الكراه معناه ‪ :‬حل الغيعلى قول أو فعل ل يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه ذلك‬
‫‪ .‬والراد بالدين دين الِسلم واللف واللم فيه للعهد ‪.‬‬
‫والرشد ‪ :‬الستقامة على طريق الق مع تصلبه فيه ‪ ،‬مصدر رشيد يرشد ويرشد أي اهتدى ‪ .‬والراد‬
‫هنا ‪ :‬الق والدى ‪.‬‬
‫والغي ضد الرشد ‪ .‬مصدر من غوى يغوي إذا ضل ف معتقد أو رأى ‪ ،‬ويرى بعض العلماء أن نفي‬
‫الِكراه هنا خب ف معن النهي ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تكرهوا أحدا على الدخول ف دين الِسلم فإنه بي واضح‬
‫ف دلئله وبراهينه ‪ ،‬فمن هداه ال له ونور بصيته دخل فيه على بصية ‪ ،‬ومن أضله وأعمى قلبه ل‬
‫يفيده الِكراه على الدخول فيه ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء إن الملة هنا على حالا من البية والعن ‪ :‬ليس ف الدين ‪ -‬الذي هو تصديق‬
‫بالقلب ‪ ،‬وإذعان ف النفس ‪ -‬إكراه وإجبار من ال ‪ -‬تعال ‪ -‬لحد ‪ ،‬لن مبن هذا الدين على‬
‫التمكي والختيار ‪ ،‬وهو مناط الثواب والعقاب ‪ ،‬لول ذلك لا حصل البتلء والختبار ‪ ،‬ولبطل‬
‫المتحان ‪.‬‬
‫أو العن ‪ :‬كما يرى بعضهم ‪ -‬إن من الواجب على العاقل بعد ظهور اليات البينات على أن الِيان‬
‫بدين الِسلم حق ورشد ‪ .‬وعلى أن الكفر به غي وضلل ‪ ،‬أن يدخل عن طواعية واختيار ف دين‬
‫الِسلم الذي ارتضاه ال وأل يكره على ذلك بل يتاره بدون قسر أو تردد ‪.‬‬
‫فالملة الول وهي قوله ‪ -‬تعال ‪ { : -‬لَ إِ ْكرَاهَ فِي الدين } ‪ :‬تنفى الِجبار على الدخول ف الدين‬
‫‪ ،‬لن هذا الجبار ل فائدة من ورائه ‪ ،‬إذ التدين إذعان قلب ‪ ،‬واتاه بالنفس والوارح إل اله رب‬
‫العالي بإرادة حرة متارة فإذا أكره عليه الِنسان إزداد كرها له ونفورا منه ‪ .‬فالِكراه والتدين‬
‫نقيضان ل يتمعان ‪ ،‬ول يكن أن يكون أحدها ثرة للخرة ‪.‬‬
‫والملة الثانية وهي قوله ‪ -‬تعال ‪ { : -‬قَد تَّبيّنَ الرشد مِنَ الغي } بثابة العلة لنفي هذا الكراه على‬
‫الدخول ف الدين ‪ ،‬أي قد ظهر الصبح لذي عيني ‪ ،‬وانكشف الق من الباطل ‪ ،‬والدى من الضلل‬
‫وقامت الدلة الساطعة على دين الِسلم هو الدين الق وغيه من الديان ضلل وكفران وما دام‬

‫‪16‬‬
‫المر كذلك فقد توافرت السباب الت تدعو إل الدخول ف دين الِسلم ‪ ،‬ومن كفر به بعد ذلك‬
‫فليحتمل نتيجة كفره ‪ ،‬وسوء عاقبة أمره ‪.‬‬
‫ث قال ‪ -‬تعال ‪ { : -‬فَ َمنْ يَ ْك ُفرْ بالطاغوت وَْي ْؤمِن بال َفقَدِ استمسك بالعروة الوثقى َل انفصام‬
‫َلهَا } ‪.‬‬
‫الطاغوت ‪ :‬اسم لكل ما يطغى الِنسان ‪ ،‬كالصنام والوثان والشيطان وكل رأس ف الضلل وكل‬
‫ما عبد من دون ال ‪ .‬وهو مأخوذ من طغا يطغى ‪ -‬كسعى يسعى ‪ -‬طغيا وطغيانا ‪ ،‬أو من يطغو‬
‫طغوا طغوانا ‪ ،‬إذا جاوز الد وغل ف الكفر وأسرف ف العاصي والفجور ‪.‬‬
‫والعروة ‪ :‬ف أصل معناها تطلق على ما يتعلق بالشيء من عراه أي من الهة الت يب تعليهقمنها ‪،‬‬
‫وتمع على غرى ‪ .‬والعروة من الدلو والكوز مقبضه ‪ .‬ومن الثوب مدخل زره ‪.‬‬
‫والوثقى ‪ :‬مؤنث الوثق ‪ ،‬وهو الشيء الحكم الوثق ‪ .‬يقال وثق ‪ -‬بالضم ‪ -‬وثاقه أي ‪ :‬قوى وثبت‬
‫فهو وثيق أي ثابت مكم ‪.‬‬
‫والنفصام ‪ :‬النكسار ‪ ،‬والقصم كسر الشيء وقطعة ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬فمن خلع النداد والوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة غي ال ‪ ،‬وآمن بال ‪ -‬تعال ‪-‬‬
‫إيانا حالصا صادقا فقد ثبت أمره واستقام على الطريقة الثلى الت ل انقطاع لا وأمسك من الدين‬
‫بأقوى سبب وأحكم رباط ‪.‬‬
‫والفاء ف قوله ‪َ { :‬فمَنْ يَ ْكفُر } للتفريع ‪ .‬والسي والتاء ف استمسك للتأكيد والطلب ‪ ،‬وقوله ‪:‬‬
‫{ َفقَدِ استمسك بالعروة الوثقى } فيه ‪ -‬كما يقول الزمشري ‪ -‬تثيل للمعلوم بالنظور والستدلل‬
‫بالشاهد الحسوس حت بتصوره السامع كأنا ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به ‪ ،‬وجلة‬
‫{ لَ انفصام َلهَا } استئناف مقرر لا قبله أو حال من " العروة " والعامل " استمسك " ‪.‬‬
‫ث ختم ‪ -‬سبحانه الية بقوله ‪ { :‬وال سَمِي ٌع َعلِيمٌ } أي سيع القوال ‪ ،‬وهسات القلوب ‪،‬‬
‫وخلجات النفوس ‪ ،‬عليم با يسره الناس وما يعلنونه ‪ ،‬وسيجازيهم با يستحقون من ثواب أو عقاب‬
‫قال القرطب ما ملخصه ‪ :‬قيل إن هذه الية منسوخة بقوله ‪ -‬تعال ‪ { : -‬ياأيها النب جَاهِدِ الكفار‬
‫والنافقي } لن النب صلى ال عليه وسلم قد أكره العرب على دين الِسلم وقاتلهم ول يرض منهم‬
‫إل الِسلم ‪ .‬وقيل إناه لسيت بنسوخة وإنا نزلت ف أهل الكتاب خاصة ‪ ،‬وأنم ل يكرهون على‬
‫الِسلم إذا أدوا الزية ‪ . .‬والجة لذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال ‪ :‬سعت عمر بن‬
‫الطاب يقول لعجوز نصرانية ‪ :‬أسلمي أيتها العجوز تسلمي ‪ ،‬إن ال بعث ممدا بالق ‪.‬‬
‫قالت أنا عجوز كبية والوت إل قريب ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬اللهم اشهد وتل ‪ { :‬لَ إِ ْكرَاهَ فِي الدين } ‪.‬‬
‫والذي تسكن إليه النفس أن هذه الية مكمة غي منسوخة ‪ ،‬لن التدين ل يكون مع الِكراه ‪ -‬كما‬
‫أشرنا من قبل ‪ -‬ولن الهاد ما شرع ف الِسلم لِجبار الناس على الدخول ف الِسلم إذ ل إسلم‬

‫‪17‬‬
‫مع إجبار ‪ ،‬وإنا شرع الهاد لدفع الظلم ورد العدوان وإعلء كلمة ال ‪ ،‬والرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ما قاتل العرب ليكرههم على الدخول ف الِسلم وإنا قاتلهم لنم بدأوه بالعدواة ‪.‬‬
‫ولن الروايات ف سبب نزول هذه الية تؤيد أنه ل إكراه ف الدين ‪ ،‬ومن هذه الروايات ما جاء عن‬
‫ابن عباس أنه قال ‪ :‬نزلت ف رجل من النز من بن سال بن عوف يققال له الصي كان له ابنان‬
‫نصرانيان وكان هو مسلما ‪ ،‬فقال للنب صلى ال عليه وسلم أل استكرههما فإنما قد أبيا إل‬
‫النصرانية فأنزل ال هذه الية وف رواية أخرى أنه حاول إكراههما على الدخول ف الِسلم‬
‫فاختصموا إل النب صلى ال عليه وسلم فقال النصاري ‪ :‬يا رسول ال أيدخل بعض النار وأنا أنظر‬
‫إليه فنلة هذه الية ‪.‬‬
‫ولن النسخ ل يصار إليه إل إذا ل يكن التوفيق بي اليتي وهنا يكن التوفيق بأن نقول ‪ :‬إن الية‬
‫الت معنا تنفى إكراه الناس على اعتقاد ما ل يريدون وآية { ياأيها النب جَاهِدِ الكفار والنافقي }‬
‫جاءت لض النب صلى ال عليه وسلم وحض أصحابه على قتال الكفار الذين وقفوا ف طريق دعوته‬
‫‪ ،‬حت يكفوا عن عدوانم وتكون كلمة ال هي العليا ‪.‬‬

‫•التحاكم إل الطاغوت كفر صريح‬


‫ك َومَا أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن‬ ‫قال تعال ‪ { :‬أَلَ ْم َترَ إِلَى الّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُمْ آمَنُوْا بِمَا أُنزِلَ ِإلَْي َ‬
‫ضّلهُمْ ضَلَ ًل َبعِيدًا} (‪)60‬‬ ‫ت وَقَدْ ُأ ِمرُواْ أَن يَ ْك ُفرُواْ ِب ِه وَُيرِي ُد الشّيْطَانُ أَن ُي ِ‬‫يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغُو ِ‬
‫سورة النساء‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫هذا إنكار من ال‪ ،‬عز وجل‪ ،‬على من يدعي اليان با أنزل ال على رسوله وعلى النبياء القدمي‪،‬‬
‫وهو مع ذلك يريد التحاكم ف فصل الصومات إل غي كتاب ال وسنة رسوله‪ ،‬كما ذكر ف سبب‬
‫نزول هذه الية‪ :‬أنا ف رجل من النصار ورجل من اليهود تاصما‪ ،‬فجعل اليهودي يقول‪ :‬بين‬
‫وبينك ممد‪ .‬وذاك يقول‪ :‬بين وبينك كعب بن الشرف‪ .‬وقيل‪ :‬ف جاعة من النافقي‪ ،‬من أظهروا‬
‫السلم‪ ،‬أرادوا أن يتحاكموا إل حكام الاهلية‪ .‬وقيل غي ذلك‪ ،‬والية أعم من ذلك كله‪ ،‬فإنا ذامة‬
‫لن عدل عن الكتاب والسنة‪ ،‬وتاكموا إل ما سواها من الباطل‪ ،‬وهو الراد بالطاغوت هاهنا؛ ولذا‬
‫ت [وَقَدْ ُأ ِمرُوا أَ ْن يَ ْك ُفرُوا ِب ِه وَُيرِيدُ الشّْيطَانُ أَنْ ُيضِّلهُمْ‬
‫قال‪ُ { :‬يرِيدُونَ أَ ْن يَتَحَا َكمُوا إِلَى الطّاغُو ِ‬
‫ضَلل َبعِيدًا ‪ .‬وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا ِإلَى مَا أَنزلَ الّل ُه وَإِلَى الرّسُو ِل رَأَْيتَ الْ ُمنَاِف ِقيَ َيصُدّونَ َعْنكَ‬
‫صُدُودًا } ‪.‬‬
‫ك صُدُودًا } أي‪ :‬يعرضون عنك إعراضا كالستكبين عن ذلك‪ ،‬كما قال‬ ‫وقوله‪َ { :‬يصُدّو َن عَْن َ‬
‫تعال عن الشركي‪ { :‬وَِإذَا قِي َل َلهُمُ اتِّبعُوا مَا أَنزلَ الّلهُ قَالُوا بَ ْل نَتّبِ ُع مَا وَجَ ْدنَا عََلْيهِ آبَاءَنَا } [لقمان‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫‪]21‬هؤلء وهؤلء بلف الؤمني‪ ،‬الذين قال ال فيهم‪ { :‬إِنّمَا كَانَ َقوْ َل الْ ُم ْؤمِِنيَ ِإذَا ُدعُوا إِلَى الّلهِ‬
‫ك هُمُ اْل ُمفْلِحُونَ] } [النور‪.]51 :‬‬ ‫َورَسُوِلهِ لَِيحْكُمَ َبيَْنهُمْ أَنْ َيقُولُوا سَ ِمعْنَا [وَأَ َطعْنَا وَأُولَِئ َ‬
‫{ فَكَيْفَ ِإذَا َأصَابَْتهُ ْم ُمصِيَبةٌ بِمَا قَ ّد َمتْ أَْيدِيهِمْ ثُ ّم جَاءُوكَ يَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا إِل إِ ْحسَانًا َوَتوْفِيقًا‬
‫(‪} )62‬‬
‫ث قال تعال ف ذم النافقي‪َ { :‬فكَيْفَ ِإذَا َأصَاَبْتهُ ْم مُصِيبَ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِ ْم } أي‪ :‬فكيف بم إذا‬
‫ساقتهم القادير إليك ف مصائب تطرقهم بسبب ذنوبم واحتاجوا إليك ف ذلك‪ { ،‬ثُمّ جَاءُوكَ‬
‫يَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا إِل إِ ْحسَانًا َوَتوْفِيقًا } أي‪ :‬يعتذرون إليك ويلفون‪ :‬ما أردنا بذهابنا إل غيك‪،‬‬
‫وتاكمنا إل عداك إل الحسان والتوفيق‪ ،‬أي‪ :‬الداراة والصانعة‪ ،‬ل اعتقادا منا صحة تلك الكومة‪،‬‬
‫كما أخبنا تعال عنهم ف قوله‪َ { :‬فَترَى الّذِي َن فِي ُقلُوِبهِ ْم َم َرضٌ ُيسَا ِرعُونَ فِيهِ ْم َيقُولُونَ َنخْشَى [أَنْ‬
‫سهِمْ‬‫ُتصِيبَنَا دَاِئ َرةٌ َفعَسَى الّلهُ أَنْ يَ ْأتِيَ بِاْلفَتْحِ َأوْ َأ ْمرٍ مِ ْن عِنْ ِدهِ] َفُيصْبِحُوا َعلَى مَا َأ َسرّوا فِي َأْنفُ ِ‬
‫نَا ِدمِيَ } [الائدة‪.]52:‬‬
‫لوْطِيّ‪ ،‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬حدثنا صفوان بن عمر‪،‬‬ ‫وقد قال الطبان‪ :‬حدثنا أبو زيد أحد بن يزيد ا َ‬
‫عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬قال‪ :‬كان أبو َب ْرزَة السلمي كاهنا يقضي بي اليهود فيما يتنافرون فيه‬
‫فتنافر إليه ناس من السلمي فأنزل ال عز وجل‪ { :‬أَلَمْ َترَ إِلَى الّذِينَ َي ْزعُمُونَ أَّنهُ ْم آمَنُوا ِبمَا أُنزلَ‬
‫ك َومَا أُنزلَ مِ ْن قَْبِلكَ [ُيرِيدُونَ أَ ْن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ] } إل قوله‪ { :‬إِنْ َأ َردْنَا إِل ِإحْسَانًا‬ ‫ِإلَْي َ‬
‫وََت ْوفِيقًا }‬
‫ث قال تعال‪ { :‬أُوَلِئكَ الّذِينَ َيعْلَ ُم الّل ُه مَا فِي قُلُوِبهِمْ } [أي] هذا الضرب من الناس هم النافقون‪،‬‬
‫وال يعلم ما ف قلوبم وسيجزيهم على ذلك‪ ،‬فإنه ل تفى عليه خافية‪ ،‬فاكتف به يا ممد فيهم‪ ،‬فإن‬
‫ال عال بظواهرهم وبواطنهم؛ ولذا قال له‪ { :‬فََأ ْع ِرضْ َعْنهُمْ } أي‪ :‬ل تعنفهم على ما ف قلوبم‬
‫سهِمْ‬ ‫{ َوعِ ْظهُ ْم } أي‪ :‬وانهم (‪ )4‬على ما ف قلوبم من النفاق وسرائر الشر { وَقُ ْل َلهُمْ فِي أَْنفُ ِ‬
‫َقوْل بَلِيغًا } أي‪ :‬وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلم بليغ رادع لم‪.‬‬
‫سهُ ْم جَاءُوكَ فَا ْسَتغْ َفرُوا الّلهَ‬ ‫ع بِِإذْنِ الّلهِ وََلوْ َأّنهُمْ ِإذْ َظلَمُوا أَْنفُ َ‬
‫{ َومَا َأرْ َسلْنَا مِ ْن رَسُولٍ إِل ِليُطَا َ‬
‫جرَ‬ ‫حكّمُوكَ فِيمَا شَ َ‬ ‫وَاسَْت ْغ َفرَ َلهُمُ الرّسُولُ َل َوجَدُوا الّلهَ َتوّابًا رَحِيمًا (‪ )64‬فَل َورَّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ َحتّى يُ َ‬
‫سلِيمَا (‪} )65‬‬ ‫سلّمُوا تَ ْ‬‫ت وَيُ َ‬ ‫سهِمْ َحرَجًا مِمّا َقضَْي َ‬ ‫بَيَْنهُ ْم ثُمّ ل يَجِدُوا فِي َأْنفُ ِ‬
‫ع } أي‪ :‬فرضت طاعته على من أرسله إليهم وقوله‪:‬‬ ‫يقول تعال‪َ { :‬ومَا َأرْ َسلْنَا مِ ْن رَسُولٍ إِل ِليُطَا َ‬
‫{ بِِإذْنِ الّلهِ } قال ماهد‪ :‬أي ل يطيع أحد إل بإذن‪ .‬يعن‪ :‬ل يطيعهم إل من وفقته لذلك‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫حسّوَنهُمْ بِِإذِْنهِ } [آل عمران‪ ]52:‬أي‪ :‬عن أمره وقدره ومشيئته‪،‬‬ ‫{ َوَلقَدْ صَدََقكُمُ الّلهُ َوعْ َدهُ ِإذْ تَ ُ‬
‫وتسليطه إياكم عليهم‪.‬‬
‫وف الظلل ‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫إن القرآن حي كان « ينشىء » هذه المة و « ينشئها » ‪ . .‬ويطط ويثبت ملمح السلم الديدة‬
‫‪ ،‬ف الماعة السلمة ‪ -‬الت التقطها من سفح الاهلية ‪ -‬ويطمس ويحو ملمح الاهلية ف حياتا‬
‫ونفوسها ورواسبها ‪ . .‬وينظم متمعها ‪ -‬أو يقيمه ابتداء ‪ -‬على أساس اليلد الديد ‪. .‬‬
‫وحي كان يوض بالماعة السلمة العركة؛ ف مواجهة الاهلية الراسبة ف نفوسها وأوضاعها من‬
‫ملفات البيئة الت التقطها النهج الربان منها؛ وف مواجهة الاهلية الرابضة فيها ومن حولا ‪ -‬مثلة ف‬
‫يهود الدينة ومنافقيها ومشركي مكة وما حولا ‪ -‬والعركتان موصولتان ف الزمان والكان!‬
‫حي كان القرآن يصنع ذلك كله ‪ . .‬كان يبدأ فيقيم للجماعة السلمة تصورها الصحيح ‪ ،‬ببيان‬
‫شرط اليان وح ّد السلم؛ ويربط بذا التصور ‪ -‬ف هذه النقطة بالذات ‪ -‬نظامها الساسي ‪ ،‬الذي‬
‫ييز وجودها من وجود الاهلية حولا؛ ويفردها بصائص المة الت أخرجت للناس ‪ ،‬لتبي للناس ‪،‬‬
‫وتقودهم إل ال ‪ . .‬نظامها الربان ‪. .‬‬
‫وهذا الدرس يتول بيان هذا النظام الساسي ‪ ،‬قائما ومنبثقا من التصور السلمي لشرط اليان‬
‫وح ّد السلم!‬
‫إنه يتول تديد الهة الت تتلقى منها المة السلمة منهج حياتا؛ والطريقة الت تتلقى با؛ والنهج‬
‫الذي تفهم به ما تتلقى ‪ ،‬وترد إليه ما يدّ من مشكلت وأقضية ل يرد فيها نص وتتلف الفهام‬
‫فيها؛ والسلطة الت تطيعها وعلة طاعتها ومصدر سلطانا ‪ . .‬ويقول ‪ :‬إن هذا هو شرط اليان وحدّه‬
‫السلم ‪. .‬‬
‫وعندئذ يلتقي « النظام الساسي » لذه المة؛ بالعقيدة الت تؤمن با ‪ . .‬ف وحدة ل تتجزأ؛ ول‬
‫تفترق عناصرها ‪. .‬‬
‫ل‪.‬‬ ‫وهذا هو الوضوع الطي الذي يلوه هذا الدرس جلء دقيقا كام ً‬
‫‪ .‬وهذه هي القضية الت تبدو ‪ ،‬بعد مطالعة هذا الدرس ‪ ،‬بديهية يعجب النسان كيف يادل «‬
‫مسلم » فيها!‬
‫إنه يقول للمة السلمة ‪ :‬إن الرسل أرسلت لتطاع ‪ -‬بإذن ال ‪ -‬ل لجرد البلغ والقناع ‪:‬‬
‫{ وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال } ‪. .‬‬
‫ويقول لا ‪ :‬إن الناس ل يؤمنون ‪ -‬ابتداء ‪ -‬إل أن يتحاكموا إل منهج ال؛ مثلً ‪ -‬ف حياة الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ف أحكام الرسول ‪ .‬وباقيا بعده ف مصدريه القرآن والسنة بالبداهة؛ ول‬
‫يكفي أن يتحاكموا ‪ -‬إليه ليحسبوا مؤمني ‪ -‬بل ل بد من أن يتلقوا حكمه مسلمي راضي ‪:‬‬
‫{ فل وربك ‪ . .‬ل يومنون ‪ . .‬حت يكموك فيما شجر بينهم ‪ ،‬ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما‬
‫قضيت ويسلموا تسليما } ‪ . .‬فهذا هو شرط اليان وحد السلم ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ويقول لا ‪ :‬إن الذين يريدون أن يتحاكموا إل الطاغوت ‪ -‬أي إل غي شريعة ال ‪ -‬ل يقبل منهم‬
‫زعمهم أنم آمنوا با أنزل إل الرسول وما أنزل من قبله ‪ .‬فهو زعم كاذب ‪ .‬يكذبه أنم يريدون أن‬
‫يتحاكموا إل الطاغوت ‪:‬‬
‫{ أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل اليك وما أنزل من قبلك ‪ ،‬يريدون أن يتحاكموا إل‬
‫الطاغوت ‪ -‬وقد أمروا أن يكفروا به ‪ -‬ويريد الشيطان أن يضلهم ضللً بعيدا } ‪.‬‬
‫ويقول لا ‪ :‬إن علمة النفاق أن يصدوا عن التحاكم إل ما أنزل ال والتحاكم إل رسول ال ‪:‬‬
‫{ وإذا قيل لم ‪ :‬تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ‪ ،‬رأيت النافقي يصدون عنك صدودا } ‪.‬‬
‫ويقول لا ‪ :‬إن منهجها اليان ونظامها الساسي ‪ ،‬أن تطيع ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ف هذا القرآن ‪ -‬وأن‬
‫تطيع رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ف سنته ‪ -‬وأول المر من الؤمني الداخلي ف شرط‬
‫اليان وحد السلم معكم ‪:‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ‪ ،‬وأطيعوا الرسول ‪ .‬وأول المر منكم } ‪. .‬‬
‫ويقول لا ‪ :‬إن الرجع ‪ ،‬فيما تتلف فيه وجهات النظر ف السائل الطارئة التجددة ‪ ،‬والقضية الت ل‬
‫ترد فيها أحكام نصية ‪ . .‬إن الرجع هو ال ورسوله ‪ . .‬أي شريعة ال وسنة رسوله ‪:‬‬
‫{ فإن تنازعتم ف شيء ‪ ،‬فردوه إل ال والرسول } ‪. .‬‬
‫وبذا يبقى النهج الربان مهيمنا على ما يطرأ على الياة من مشكلت وأقضية كذلك ‪ ،‬أبد الدهر ‪،‬‬
‫ف حياة المة السلمة ‪ . .‬وتثل هذه القاعدة نظامها الساسي ‪ ،‬الذي ل تكون مؤمنة إل به ‪ ،‬ول‬
‫تكون مسلمة إل بتحقيقه ‪ . .‬إذ هو يعل الطاعة بشروطها تلك ‪ ،‬ورد السائل الت تد وتتلف فيها‬
‫وجهات النظر إل ال ورسوله ‪ . .‬شرط اليان وحد السلم ‪ . .‬شرطا واضحا ونصا صريا ‪:‬‬
‫{ إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر } ‪. .‬‬
‫ول ننسَ ما سبق بيانه عند قوله تعال ‪ { :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ‪ ،‬ويغفر ما دون ذلك لن يشاء‬
‫}‬
‫من أن اليهود وصموا بالشرك بال ‪ ،‬لنم كانوا يتخذون أحبارهم أربابا من دون ال ‪ -‬ل لنم‬
‫عبدوهم ‪ -‬ولكن لنم قبلوا منهم التحليل والتحري؛ ومنحوهم حق الاكمية والتشريع ‪ -‬ابتداء من‬
‫عند أنفسهم ‪ -‬فجعلوا بذلك مشركي ‪ . .‬الشرك الذي يغفر ال كل ما عداه ‪ .‬حت الكبائر ‪« . .‬‬
‫وإن زن وإن سرق ‪ .‬وإن شرب المر » ‪ . .‬فرد المر كله إل إفراد ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬باللوهية ‪.‬‬
‫ومن ث إفراده بالاكمية ‪ .‬فهي أخص خصائص اللوهية ‪ .‬وداخل هذا النطاق يبقى السلم مسلما‬
‫ويبقى الؤمن مؤمنا ‪ .‬ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره ‪ . .‬أما خارج هذا النطاق فهو الشرك‬
‫الذي ل يغفره ال أبدا ‪ . .‬إذ هو شرط اليان وحد السلم ‪ { .‬إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر‬
‫‪}..‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫ك َومَا أُْنزِ َل مِنْ َقبِْلكَ ُيرِيدُونَ أَنْ َيتَحَاكَمُوا إِلَى‬ ‫{ أَلَمْ َترَ إِلَى الّذِينَ َي ْزعُمُونَ أَّنهُ ْم َآمَنُوا بِمَا ُأْنزِلَ إِلَْي َ‬
‫ت وَقَدْ ُأ ِمرُوا أَنْ يَ ْك ُفرُوا ِب ِه وَُيرِي ُد الشّيْطَانُ أَنْ ُيضِّلهُ ْم ضَلَالًا َبعِيدًا (‪ )60‬وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْا‬‫الطّاغُو ِ‬
‫ِإلَى مَا َأْنزَلَ الّلهُ وَِإلَى الرّسُولِ رََأْيتَ الْ ُمنَاِف ِقيَ َيصُدّونَ َعْنكَ صُدُودًا ( ‪ )61‬فَ َكيْفَ ِإذَا َأصَاَبْتهُمْ ُمصِيَبةٌ‬
‫حِلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا ِإلّا إِ ْحسَانًا وََت ْوفِيقًا (‪ )62‬أُولَِئكَ الّذِي َن َيعْلَمُ الّلهُ‬
‫بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَاءُوكَ يَ ْ‬
‫سهِمْ َقوْلًا َبلِيغًا (‪})63‬‬ ‫مَا فِي قُلُوِبهِمْ فََأ ْع ِرضْ َعْنهُمْ َوعِ ْظهُ ْم وَُقلْ َلهُمْ فِي َأْنفُ ِ‬
‫إن هذا التصوير لذه الجموعة الت تصفها النصوص ‪ ،‬يوحي بأن هذا كان ف أوائل العهد بالجرة ‪.‬‬
‫يوم كان للنفاق صولة؛ وكان لليهود ‪ -‬الذين يتبادلون التعاون مع النافقي ‪ -‬قوة ‪. .‬‬
‫وهؤلء الذين يريدون أن يتحاكموا إل غي شريعة ال ‪ -‬إل الطاغوت ‪ -‬قد يكونون جاعة من‬
‫النافقي ‪ -‬كما صرح بوصفهم ف الية الثانية من هذه الجموعة ‪ -‬وقد يكونون جاعة من اليهود‬
‫الذين كانوا يُد َعوْن ‪ -‬حي ت ّد لم أقضية مع بعضهم البعض أو أهل الدينة ‪ -‬إل التحاكم إل كتاب‬
‫ال فيها ‪ . .‬التوراة أحيانا ‪ ،‬وإل حكم الرسول أحيانا ‪ -‬كما وقع ف بعض القضية ‪ -‬فيفضون‬
‫ويتحاكمون إل العرف الاهلي الذي كان سائدا ‪ . .‬ولكننا نرجح الفرض الول لقوله فيهم ‪:‬‬
‫{ يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك } ‪ . .‬واليهود ل يكونوا يسلمون أو يزعمون‬
‫أنم آمنوا با أنزل إل الرسول ‪ .‬إنا كان النافقون هم الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليه وما أنزل‬
‫من قبله ( كما هو مقتضى العقيدة السلمية من اليان بالرسل كلهم ) ‪.‬‬
‫وهذا ل يكن يقع إل ف السنوات الول للهجرة ‪ .‬قبل أن تضد شوكة اليهود ف بن قريظة وف‬
‫خيب ‪ .‬وقبل أن يتضاءل شأن النافقي بانتهاء شأن اليهود ف الدينة!‬
‫ل دقيقا حاسا لشرط اليان وحد‬ ‫على أية حال نن ند ف هذه الجموعة من اليات ‪ ،‬تديدا كام ً‬
‫السلم ‪ ،‬وند شهادة من ال بعدم إيان الذين { يريدون أن يتحاكموا إل الطاغوت } { وقد‬
‫أمروا أن يكفروا به } كما ند قسما من ال سبحانه ‪ -‬بذاته العلية ‪ -‬أنم ل يدخلون ف اليان؛‬
‫ول يسبون مؤمني حت يكموا الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ف أقضيتهم ‪ .‬ث يطيعوا حكمه ‪،‬‬
‫وينفذوا قضاءه ‪ .‬طاعة الرضى ‪ ،‬وتنفيذ الرتياح القلب؛ الذي هو التسليم ‪ ،‬ل عجزا واضطرارا ‪.‬‬
‫ولكن طمأنينة وارتضاء ‪. .‬‬
‫{ أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ .‬يريدون أن يتحاكموا إل‬
‫الطاغوت ‪ -‬وقد أمروا أن يكفروا به ‪ -‬ويريد الشيطان أن يضلهم ضللً بعيدا } ‪. .‬‬
‫أل تر إل هذا العجب العاجب ‪ . .‬قوم ‪ . .‬يزعمون ‪ . .‬اليان ‪ .‬ث يهدمون هذا الزعم ف آن؟! قوم‬
‫{ يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك } ‪ .‬ث ل يتحاكمون إل ما أنزل إليك وما‬
‫أنزل من قبلك؟ إنا يريدون أن يتحاكموا إل شيء آخر ‪ ،‬وإل منهج آخر ‪ ،‬وإل حكم آخر ‪. .‬‬

‫‪22‬‬
‫يريدون أن يتحاكموا إل ‪ . .‬الطاغوت ‪ . .‬الذي ل يستمد ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ .‬ول‬
‫ضابط له ول ميزان ‪ ،‬ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ . .‬ومن ث فهو ‪ . .‬طاغوت ‪ . .‬طاغوت‬
‫بادعائه خاصية من خواص اللوهية ‪ .‬وطاغوت بأنه ل يقف عند ميزان مضبوط أيضا! وهم ل‬
‫يفعلون هذا عن جهل ‪ ،‬ول عن ظن ‪ . .‬إنا هم يعلمون يقينا ويعرفون تاما ‪ ،‬أن هذا الطاغوت مرم‬
‫التحاكم إليه ‪ { :‬وقد أمروا أن يكفروا به } ‪ . .‬فليس ف المر جهالة ول ظن ‪ .‬بل هو العمد‬
‫والقصد ‪ .‬ومن ث ل يستقيم ذلك الزعم ‪ .‬زعم أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك! إنا هو‬
‫الشيطان الذي يريد بم الضلل الذي ل يرجى منه مآب ‪. .‬‬
‫{ ويريد الشيطان أن يضلهم ضللً بعيدا } ‪. .‬‬
‫فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتم التحاكم إل الطاغوت ‪ .‬وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إل‬
‫الروج من حد اليان وشرطه بإرادتم التحاكم إل الطاغوت! هذا هو الدافع يكشفه لم ‪ .‬لعلهم‬
‫يتنبهون فيجعوا ‪ .‬ويكشفه للجماعة السلمة ‪ ،‬لتعرف من يرك هؤلء ويقف وراءهم كذلك ‪.‬‬
‫ويضي السياق ف وصف حالم إذا ما دعوا إل ما أنزل ال إل الرسول وما أنزل من قبله ‪ . .‬ذلك‬
‫الذي يزعمون أنم آمنوا به ‪:‬‬
‫{ وإذا قيل لم ‪ :‬تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ‪ ،‬رأيت النافقي يصدون عنك صدودا } ‪.‬‬
‫يا سبحان ال! إن النفاق يأب إل أن يكشف نفسه! ويأب إل أن يناقض بديهيات النطق الفطري ‪. .‬‬
‫وإل ما كان نفاقا ‪. .‬‬
‫إن القتضى الفطري البديهي لليان ‪ ،‬أن يتحاكم النسان إل ما آمن به ‪ ،‬وإل من آمن به ‪ .‬فإذا‬
‫زعم أنه آمن بال وما أنزل ‪ ،‬وبالرسول وما أنزل إليه ‪ .‬ث دعي إل هذا الذي آمن ‪ ،‬به ليتحاكم إل‬
‫أمره وشرعه ومنهجه؛ كانت التلبية الكاملة هي البديهية الفطرية ‪ .‬فأما حي يصد ويأب فهو يالف‬
‫البديهية الفطرية ‪ .‬ويكشف عن النفاق ‪ .‬وينبئ عن كذب الزعم الذي زعمه من اليان!‬
‫وإل هذه البديهية الفطرية ياكم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أولئك الذين يزعمون اليان بال ورسوله ‪ .‬ث ل‬
‫يتحاكمون إل منهج ال ورسوله ‪ .‬بل يصدون عن ذلك النهج حي يدعون إليه صدودا!‬
‫ث يعرض مظهرا من مظاهر النفاق ف سلوكهم؛ حي يقعون ف ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم‬
‫للدعوة إل ما أنزل ال وإل الرسول؛ أو بسبب ميلهم إل التحاكم إل الطاغوت ‪.‬‬
‫ومعاذيرهم عند ذلك ‪ .‬وهي معاذير النفاق ‪:‬‬
‫{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة ‪ -‬با قدمت أيديهم ‪ -‬ث جاءوك يلفون بال ‪ :‬إن أردنا إل إحسانا‬
‫وتوفيقا } ‪. .‬‬
‫وهذه الصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم ف وسط الماعة السلمة ‪ -‬يومذاك ‪ -‬حيث‬
‫يصبحون معرضي للنبذ والقاطعة والزدراء ف الوسط السلم ‪ .‬فما يطيق الجتمع السلم أن يرى من‬

‫‪23‬‬
‫بينه ناسا يزعمون أنم آمنوا بال وما أنزل ‪ ،‬وبالرسول وما أنزل إليه؛ ث ييلون إل التحاكم لغي‬
‫شريعة ال؛ أو يصدون حي يدعون إل التحاكم إليها ‪ . .‬إنا يقبل مثل هذا ف متمع ل إسلم له ول‬
‫إيان ‪ .‬وكل ما له من اليان زعم كزعم هؤلء؛ وكل ما له من السلم دعوى وأساء!‬
‫أو قد تصيبهم الصيبة من ظلم يقع بم؛ نتيجة التحاكم إل غي نظام ال العادل؛ ويعودون باليبة‬
‫والندامة من الحتكام إل الطاغوت؛ ف قضية من قضاياهم ‪.‬‬
‫أو قد تصيبهم الصيبة ابتلء من ال لم ‪ .‬لعلهم يتفكرون ويهتدون ‪. .‬‬
‫وأيا ما كان سبب الصيبة؛ فالنص القرآن ‪ ،‬يسأل مستنكرا ‪ :‬فكيف يكون الال حينئذ! كيف‬
‫يعودون إل الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪: -‬‬
‫{ يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا } ‪. .‬‬
‫إنا حال مزية ‪ . .‬حي يعودون شاعرين با فعلوا ‪ . .‬غي قادرين على مواجهة الرسول ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬بقيقة دوافعهم ‪ .‬وف الوقت ذاته يلفون كاذبي ‪ :‬أنم ما أرادوا بالتحاكم إل‬
‫الطاغوت ‪ -‬وقد يكون هنا هو عرف الاهلية ‪ -‬إل رغبة ف الحسان والتوفيق! وهي دائما دعوى‬
‫كل من ييدون عن الحتكام إل منهج ال وشريعته ‪ :‬أنم يريدون اتقاء الشكالت والتاعب‬
‫والصاعب ‪ ،‬الت تنشأ من الحتكام إل شريعة ال! ويريدون التوفيق بي العناصر الختلفة والتاهات‬
‫الختلفة والعقائد الختلفة ‪ . .‬إنا حجة الذين يزعمون اليان ‪ -‬وهم غي مؤمني ‪ -‬وحجة النافقي‬
‫اللتوين ‪ . .‬هي هي دائما وف كل حي!‬
‫وال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يكشف عنهم هذا الرداء الستعار ‪ .‬ويب رسوله ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانهم ‪ .‬ومع هذا يوجهه إل أخذهم بالرفق ‪ ،‬والنصح لم بالكف عن‬
‫هذا اللتواء ‪:‬‬
‫{ أولئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم ‪ .‬فأعرض عنهم وعظهم ‪ ،‬وقل لم ف أنفسهم قولً بليغا } ‪. .‬‬
‫أولئك الذين يفون حقيقة نواياهم وبواعثهم؛ ويتجون بذه الجج ‪ ،‬ويعتذرون بذه العاذير ‪ .‬وال‬
‫يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور ‪ . .‬ولكن السياسة الت كانت متبعة ‪ -‬ف ذلك الوقت ‪ -‬مع‬
‫النافقي كانت هي الغضاء عنهم ‪ ،‬وأخذهم بالرفق ‪ ،‬واطراد الوعظة والتعليم ‪. .‬‬
‫والتعبي العجيب ‪:‬‬
‫{ وقل لم ‪ . .‬ف أنفسهم ‪ ..‬قولً بليغا } ‪.‬‬
‫تعبي مصور ‪ . .‬كأنا القول يودع مباشرة ف النفس ‪ ،‬ويستقر مباشرة ف القلوب ‪.‬‬
‫وف الوسيط ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪)980‬‬
‫روى الفسرون ف سبب نزول قوله ‪ -‬تعال ‪َ { -‬ألَمْ َترَ إِلَى الذين َي ْزعُمُونَ } ‪ . . .‬إل روايات‬
‫متقاربة ف معناها ومن ذلك ما أخرجه الثعلب وابن أب حات من طرق عن ابن عباس أن رجل من‬

‫‪24‬‬
‫النافقي يقال له بشر خاصم يهوديا ‪ ،‬فدعاه اليهودى إل التحاكم إل النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ودعاه النافق إل التحاكم إل كعب بن الشرف ‪ :‬ث إنما احتكما إل النب صلى ال عليه وسلم‬
‫فقضى لليهودى ‪ ،‬فلم يرض النافق ‪ .‬وقال ‪ :‬تعال نتحاكم إل عمر بن الطاب ‪.‬‬
‫فقال اليهودى لعمر ‪ :‬قضى لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يرض بقضائه ‪ .‬فقال عمر للمنافق‬
‫‪ :‬أكذلك؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال عمر ‪ :‬مكانكما حت أخرج إليكما ‪ .‬فدخل عمر فاشتمل على سيفه ث‬
‫خرج فضرب عنق النافق حت برد ‪ -‬أى مات ‪ . -‬ث قال ‪ :‬هكذا أقضى لن ل يرض بقضاء ال ‪-‬‬
‫تعال ‪ -‬وقضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم فنلت ‪.‬‬
‫والستفهام ف قوله { أَلَ ْم َترَ } للتعجيب من حال أولئك النافقي ‪ ،‬وإنكار ما هم عليه من خلق ‪.‬‬
‫ذميم وإعراض عن حكم ال ورسوله إل حكم غيها ‪.‬‬
‫وقوله { َي ْزعُمُونَ } من الزعم ويستعمل غالبا ف القول الذى ل تقق معه ‪ ،‬كما يستعمل ‪ -‬أيضا ‪-‬‬
‫ف الكذب ومنه قوله ‪ -‬تعال ‪ { : -‬وَ َجعَلُوْا لّلهِ مِمّا َذرََأ مِنَ الرث والنعام َنصِيبا َفقَالُوْا هذا لّلهِ‬
‫ِب َزعْ ِمهِمْ } أى بكذبم ‪.‬‬
‫وقد يطلق الزعم على القول الق ‪.‬‬
‫قال اللوسى ‪ :‬وقد أكثر سيبويه ف " الكتاب " من قوله ‪ :‬زعم الليل كذا ‪ -‬ف أشياء يرتضيها ‪.‬‬
‫والراد بالزعم هنا الكذب لن الية الكرية ف النافقي الذين يظهرون خلف ما يبطنون ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬أل ينته علمك يا ممد إل حال هؤلء النافقي الذين يزعمون كذبا وزورا أنم آمنوا با‬
‫أنزل إليك من ربك من قرآن كري ‪ ،‬ومن شريعة عادلة ‪ ،‬ويزعمون كذلك أنم أمنوا با أنزل على‬
‫الرسل من قبلك من كتب ساوية؟ إن كنت ل تعلم حالم أو ل تنظر إليهم فهاك خبهم لتحذرهم‬
‫ولتحذر أمتك من شرورهم ‪.‬‬
‫فالقصود من الستفهام التعجيب من حال هؤلء النافقي ‪ ،‬وحض النب صلى ال عليه وسلم وأمته‬
‫على معرفة مسالكهم البيثة ‪ ،‬حت يأخذوا حذرهم منهم ‪.‬‬
‫وف وصفهم بادعاء الِيان با أنزل على الرسول وبا أنزل على الرسل من قبله تأكيد للتعجيب من‬
‫أحولهم ‪ ،‬وتشديد للتوبيخ والتقبيح من سلوكهم؛ ببيان كمال الباينة بي دعواهم القتضية حتما‬
‫للتحاكم إل الرسول صلى ال عليه وسلم وبي ما صدر عنهم من هرولة إل التحاكم إل غيه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت } بيان لوطن التعجب من أحوالم الغريبة ‪ ،‬وصفاتم‬
‫السيئة ‪.‬‬
‫والراد بالطاغوت هنا ‪ :‬ما سوى شريعة الِسلم من أحاكم باطلة بعيدة عن الق يأخذها النافقون‬
‫عمن يعظمونم وقيل الراد به ‪ :‬كعب بن الشرف؛ لنه هو الذى أراد النافقون التحاكم إليه ‪ ،‬وقد‬
‫ساه ال بذلك لكثرة طغيانه وعداوته للرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫والعن ‪ :‬أن هؤلء النافقي يزعمون الِيان با أنزل إليك ‪ -‬يا ممد ‪ -‬وبا أنزل من قبلك ‪ ،‬ومع هذا‬
‫فهم يريدون ‪ -‬عن مبة واقتناع ‪ -‬التحاكم إل الطاغوت أى إل من يعظمونه ‪ ،‬ويصدرون عن‬
‫قوله ‪ ،‬ويرضون بكمه من دون حكم ال ‪.‬‬
‫وقوله { َوقَدْ أمروا أَن يَ ْك ُفرُواْ ِبهِ } جلة حالية من ضمي يريدون ‪.‬‬
‫أى ‪ :‬يريدون التحاكم إل الطاغوت والال أن ال ‪ -‬تعال ‪ -‬قد أمرهم بالكفر به ‪ ،‬وبالنقياد‬
‫للحكام الت يكم با النب صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقوله { َوُيرِيدُ الشيطان أَن ُيضِّلهُ ْم ضَلَلً َبعِيدا } معطوف على قوله { ُيرِيدُو َن } وداخل ف حكم‬
‫التعجيب ‪ ،‬لن اتباعهم لن يريد إضللم ‪ ،‬وإعراضهم عمن يريد هدايتهم أمر يدعو إل العجب‬
‫الشديد ‪.‬‬
‫والراد بالضلل البعيد ‪ :‬الكفر والبعد عن الق والدى ‪.‬‬
‫ووصفه بالبعد للمبالغة ف شناعة ضللم ‪ ،‬بتنيله على سبيل الجاز منلة جنس ذى مسافة كان هذا‬
‫الفرد منه بالغا غاية السافة ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬هذه الية إنكار من ال ‪ -‬تعال ‪ -‬على من يدعى الِيان با أنزل ال على رسوله‬
‫وعلى النبياء السابقي ‪ .‬وهو مع ذلك ‪ ،‬يريد أن يتحاكم ف فصل الصومات إل غي كتاب ال ‪،‬‬
‫وسنة رسوله ‪.‬‬
‫كما ذكر ف سبب نزول هذه الية أنا ف رجل من النصار ورجل من اليهود تاصما ‪ .‬فجعل‬
‫اليهودى يقول ‪ :‬بين وبينك ممد ‪ .‬وذاك يقول ‪ :‬بين وبينك كعب ابن الشرف ‪ .‬وقيل ‪ :‬ف جاعة‬
‫من النافقي من أظهروا الِسلم أرادوا أن يتحاكموا إل حكام الاهلية ‪ .‬وقيل غي ذلك ‪ .‬والية أعم‬
‫من ذلك كله ‪ ،‬فإنا ذامة لكل من عدل عن الكتاب والسنة وتاكم إل ما سواها من الباطل ‪ .‬وهو‬
‫الراد بالطاغوت هنا ‪.‬‬
‫ث صور ‪ -‬سبحانه ‪ -‬إعراضهم عن الق ‪ ،‬ونفورهم عن شريعة ال ‪ -‬تعال ‪ -‬فقال ‪ { :‬وَِإذَا قِيلَ‬
‫َلهُ ْم َتعَاَلوْاْ إل مَآ أَنزَلَ ال وَإِلَى الرسول رَأَْيتَ النافقي َيصُدّونَ عَنكَ صُدُودا } ‪.‬‬
‫أى ‪ :‬وإذا قيل لؤلء النافقي أقبلوا على حكم ال وحكم رسوله ‪ ،‬فإن الي كل الي فيما شرعه ال‬
‫وقضاه ‪ ،‬إذا ما قيل لم ذلك { رَأَْيتَ النافقي } الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل‬
‫من قبلك ‪ ،‬رأيتم لسوء نواياهم ‪ ،‬ولؤم طواياهم { َيصُدّونَ عَنكَ صُدُودا } أى يعرضون عنك ‪ -‬يا‬
‫ممد ‪ -‬إعراضا شديدا ‪.‬‬
‫وقوله { َتعَاَلوْاْ إل مَآ أَنزَلَ ال وَإِلَى الرسول } إغراء لم بتقبل الق ‪ ،‬وحض لم على المتثال‬
‫لشريعة ال؛ لنا هى الشريعة الت فيها سعادتم ‪ ،‬ولكنهم لرض قلوبم ينفرون من الكم النل من‬
‫السماء إل حكم الطاغوت الباطل ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانك ‪ { -‬رَأَْيتَ النافقي } ول يقل رأيتهم بالِضمار؛ لتسجيل النفاق عليهم ‪ ،‬وذمهم‬
‫به ‪ ،‬وللِشعار بعلة الكم اى ‪ :‬رأيتهم لنفاقهم يصدون عنك صدودا ‪.‬‬
‫وقوله { صُدُودا } مصدر مؤكد بفعله أى ‪ :‬يعرضون عنك إعراضا تاما بيث ل يريدون أن يسمعوا‬
‫منك شيئا ‪ ،‬لن حكمك ل يناسب أهواءهم ‪.‬‬
‫فذكر الصدر هنا للتأكيد والبالغة فكأنه قيل ‪ :‬صدودا أى صدود ‪.‬‬
‫فأنت ترى أن الية الكرية قد ذكرت علمة جلية من علمات النافقي حت يأخذ الؤمنون حذرهم‬
‫منهم ‪ ،‬وهى أنم إذا ما دعوا إل حكم ال الذى يزعمون أنم آمنوا به ‪ ،‬أعرضوا عن هذا الاكم‬
‫إعراضا شديدا ‪ ،‬وظهر بذلك كذبم ونفاقهم ‪.‬‬
‫ث يعرض القرآن بعد ذلك مظهرا آخر من مظاهر نفاقهم عند الشدائد والحن فيقول ‪ { :‬فَكَيْفَ ِإذَآ‬
‫َأصَابَْتهُ ْم ّمصِيبَ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَآءُوكَ َيحِْلفُونَ بال إِنْ َأ َردْنَآ ِإلّ إِحْسَانا وََتوْفِيقا } ‪.‬‬
‫والفاء ف قوله { فَ َكيْفَ } للتفريع ‪ .‬و " كيف " ف مل رفع خب لبتدأ مذوف ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬فكيف يكون حالم إذا نزلت بم النوازل ‪ ،‬وأصابتهم الصائب بسبب تركهم حكم ال ‪،‬‬
‫واتباعهم حكم الطغيان { ثُمّ جَآءُوكَ } معتذرين عما حدث منهم من قبائح ‪ ،‬والال أنم‬
‫حِلفُونَ بال } كذبا وزورا { إِنْ َأ َردْنَآ إِلّ إِ ْحسَانا َوَتوْفِيقا } أى ما أردنا بالتحاكم إل غيك ‪-‬‬ ‫{ يَ ْ‬
‫يا ممد ‪ -‬إل إحسانا إل التخاصمي ‪ ،‬وتوفيقا بينهم حت ل يتسع اللف بينهم ‪ ،‬ول نرد بذلك‬
‫عدم الرضا بكمك ‪ ،‬فل تؤاخذنا با فعلنا ‪.‬‬
‫والستفهام بكيف هنا للتهويل ‪ .‬أى أن حالم عندما تصيبهم الصائب بسبب أفعالم البيثة ‪ ،‬ويأتون‬
‫للرسول صلى ال عليه وسلم معتذرين ‪ ،‬ستكون حال بائسة شنيعة مزية ‪ :‬لنم ل يدون وجها‬
‫مقبول للدفاع عما ارتكبوه من قبائح ‪.‬‬
‫والباء ف { بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ } للسببية ‪ .‬والراد با قدمت أيديهم ما اجترحوه من سيئات من‬
‫أشدها تكمهم إل الطاغوت ‪ .‬وعب عن ذلك بقوله ‪ { :‬بِمَا قَ ّد َمتْ َأيْدِيهِمْ } ‪ :‬لن اليدى مظهر‬
‫من مظاهر الِنسان ‪.‬‬
‫والتعبي ب " ث " ف هذا القام للِشعار بالتباين الشديد بي إعراضهم وصدودهم إذا ما قال لم قائل‬
‫‪ :‬تعالوا إل حكم ال ‪ . . .‬وبي إقبالم بعد ذلك معتذرين ومقسمي باليان الكاذبة أنم ما أرادوا‬
‫با فعلوا إل الِحسان والتوفيق ‪.‬‬
‫وإن ما قاله هؤلء النافقون من أعذار بعد أن أصابتهم الصائب ‪ .‬وانكشف أمرهم بي الؤمني ‪،‬‬
‫وصاروا مل الزدراء والنبذ لتحاكمهم إل الطاغوت ‪ .‬ما قاله هؤلء ‪ -‬كما حكاه القرآن الكري ‪-‬‬
‫ليشبه ما يقوله منافقو اليوم عندما يتهربون من التحاكم إل شريعة ال إل التحاكم إل غيها من‬
‫شرائع الناس ‪ .‬فأنت تراهم إذا ما أحيط بم ‪ ،‬وعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم ‪ ،‬اعتذروا بأنم ما‬

‫‪27‬‬
‫تركوا الاكم بشريعة ال إل غيها ل بقصد الِحسان إل التنازعي ‪ ،‬والتوفيق بي متلف الطوائف‬
‫ف الجتمع حت ل يغضب من ليسوا مسلمي ‪.‬‬
‫ول شك أن هذه العذار لن تغن عنهم من عذاب ال شيئا ‪ ،‬لنه ل عذر لن يهجر شريعة ال ‪،‬‬
‫ويهرع إل التحاكم إل غيها ‪.‬‬
‫ث بي ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أنه ليس غافل عن أعمال أولئك النافقي ‪ ،‬وأرشد نبيه صلى ال عليه وسلم إل‬
‫وسائل معالتهم فقال ‪ -‬تعال ‪ { : -‬أولئك الذين َيعَْلمُ ال مَا فِي قُلُوِبهِمْ فََأ ْع ِرضْ َعْنهُمْ َوعِ ْظهُمْ‬
‫سهِ ْم َقوْلً بَلِيغا } ‪.‬‬
‫وَقُل ّلهُمْ ف أَْنفُ ِ‬
‫أى ‪ :‬أولئك الذين نافقوا ‪ ،‬وأخفوا حقيقة نواياهم السيئة ‪ ،‬وتركوا حكم ال إل حكم الطاغوت ‪. .‬‬
‫‪ { .‬أولئك الذين َيعْلَ ُم ال مَا فِي ُقلُوِبهِمْ } من النفاق واليل إل الكفر ‪ ،‬وإن أظهروا إسلمهم ‪.‬‬
‫وقوله { فََأ ْع ِرضْ عَْنهُ ْم } ‪ . . .‬ال بيان لطرق معالتهم ‪.‬‬
‫أى ‪ :‬فل تلتفت إليهم ‪ ،‬وغض الطرف عن مسالكهم البيثة ‪ ،‬ول تقبل عليهم ‪ ،‬لكى يشعروا‬
‫باستنكارك لعمالم ‪.‬‬
‫وقوله { َوعِ ْظهُمْ } ‪ :‬الوعظ هو التذكي بفعل الي وترك الشر بأسلوب يرقق القلوب ‪ ،‬ويشتمل‬
‫على الترغيب والترهيب ‪.‬‬
‫أى ‪ :‬ذكرهم با ف أعمالم القبيحة من سوء العاقبة لم ‪ ،‬وبا ف تركها من خي جزيل يعود عليهم‬
‫ف دنياهم وآخرتم ‪ ،‬وأخبهم بأن تاكمهم إل غي شريعة ال سيكون فيه هلكهم ‪.‬‬
‫سهِ ْم َقوْلً بَلِيغا } أى قل لم بعد ذلك قول يبلغ أعماق نفوسهم لقوته‬ ‫وقوله { َوقُل ّلهُمْ ف أَْنفُ ِ‬
‫وشدة تأثيه ‪ .‬بأن تورد لم ما تريد أن تاطبهم به بطريقة تعلهم يقبلون على قولك ‪.‬‬
‫وف هذه الملة الكرية ما فيها من التعبي البليغ الؤثر ‪ ،‬حت لكأنا القول الذى يقوله الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم لم ‪ :‬يودع مباشرة ف النفس ‪ ،‬ويستقر رأسا ف القلوب ‪.‬‬
‫سهِمْ } قلت ‪:‬‬ ‫وقد وضح هذا العن صاحب الكشاف فقال ‪ :‬فإن قلت ‪ :‬ب تعلق قوله ‪ { :‬ف أَْنفُ ِ‬
‫بقوله { بَلِيغا } أى ‪ :‬قبل لم قول بليغا ف أنفسهم مؤثرا ف قلوبم يغتمون به اغتماما ‪،‬‬
‫ويستشعرون منه الوف استشعارا ‪ ،‬وهو التوعد بالقتل والستئصال إن نم منهم النفاق ‪ ،‬واطلع‬
‫قرنه ‪ ،‬وأخبهم أن ما ف نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند ال ‪ ،‬وانه ل فرق بينكم وبي‬
‫الشركي ‪ .‬وما هذه الكانة إل لِظهاركم الِيان وإِسراركم الكفر وإضماره ‪ .‬فإن فعلتم ما‬
‫تكشفون به غطاءكم ل يبق إل السيف ‪.‬‬
‫أو يتعلق بقوله { وَقُل ّلهُمْ } ‪ .‬أى ‪ :‬قل لم ف أنفسهم البيثة وقلوبم الطوية على النفاق قول بليغا‬
‫‪ .‬وإن ال يعلم ما ف قلوبكم ‪ .‬ل يفى عليه ‪ .‬فل يغن عنكم إبطانه ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق ‪ .‬وإل أنزل ال بكم ما أنزل بالجاهرين‬
‫بالشرك من انتقامه ‪ ،‬وشرا من ذلك وأغلظ ‪ ،‬أو قل لم ف أنفسهم خاليا بم ‪ ،‬ليس معهم غيهم ‪.‬‬
‫قول بليغا يبلغ منهم ‪ ،‬ويؤثر فيهم ‪.‬‬
‫فأنت ترى أن الية الكرية قد أرشدت النب صلى ال عليه وسلم إل استعمال ثلثة طرق لصرف‬
‫النافقي عن أفعالم القبيحة ‪.‬‬
‫وهذه الطرق هى الِعراض عنهم ‪ ،‬ووعظم با يرغبهم ف الي ويرهبهم من الشر ‪ ،‬وماطبتهم بالقول‬
‫البليغ الؤثر الذى يرك نفوسهم تريكا قويا ‪ ،‬ويعلهم يقبلون وهذه الطرق هى أسى ألوان الدعوة‬
‫إل ال ‪ .‬وأنع الساليب ف جلب الناس إل ما يأخذ بيدهم إل الي والفلح ‪.‬‬
‫وقد أفاض بعض الفسرين عند تفسيه لذه اليات ف بيان سوء حال من يتحاكم إل غي شريعة‬
‫ال ‪ ،‬وساقوا أمثلة متعددة لشدة تسك السلف الصلح بدى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن ذلك قول الفخر الرازى ‪ :‬قال القاضى ‪ :‬يب أن يكون التحاكم إل هذا الطاغوت كالكفر ‪.‬‬
‫وعدم الرضا بكم ممد صلى ال عليه وسلم كفر ويدل عليه وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه ‪ -‬تعال ‪ -‬قال { ُيرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت َوقَدْ أمروا أَن يَ ْك ُفرُواْ ِبهِ } ‪.‬‬
‫فجعل التحاكم إل الطاغوت يكون إيانا به ‪.‬‬
‫ول شك أن الِيان بالطاغوت كفر بال ‪ .‬كما ان الكفر بالطاغوت إيان بال ‪.‬‬
‫ج َر بَيَْنهُ ْم } ‪ . .‬إل قوله‬ ‫ل َورَّبكَ لَ ُي ْؤمِنُونَ حت ُيحَكّمُوكَ فِيمَا شَ َ‬ ‫الثان ‪ :‬قوله تعال ‪ { : -‬فَ َ‬
‫سلّمُواْ َتسْلِيما } ‪ .‬وهذا نصف ف تكفي من ل يرض بكم الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬ ‫{ َويُ َ‬
‫الثالث ‪ :‬قوله ‪ -‬تعال ‪ { -‬فَ ْليَحْ َذرِ الذين يُخَاِلفُو َن عَنْ َأ ْم ِرهِ أَن ُتصِيَبهُمْ فِْتنَةٌ َأ ْو ُيصِيَبهُ ْم عَذَابٌ‬
‫َألِيمٌ } وهذا يدل على أن مالفته معصية عظيمة ‪.‬‬
‫وف هذه اليات دلئل على أن من رد شيئا من أوامر ال أو أوامر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فهو خارج عن الِسلم ‪ .‬سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد ‪ .‬وذلك يوجب صحة ما‬
‫ذهبت الصحابة إليه من الكم بارتداد ما نعى الزكاة وقتلهم وسب ذراريهم ‪.‬‬
‫وقال الشيخ جال الدين القاسى ‪ :‬قال ول ال التبيزى ‪ .‬روى الِمام مسلم ‪ -‬بسنده ‪ -‬عن بلل بن‬
‫عبد ال بن عمر عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ل تنعوا النساء حظوظهن من‬
‫الساجد إذا استأذنكم ‪ :‬فقال بلل ‪ :‬وال لنعنهن ‪ .‬فقال عبد ال ‪ :‬أقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وتقول أنت ‪ :‬لنمنعهن "‬
‫وف رواية سال عن أبيه قال ‪ :‬فأقبل عليه عبد ال فسبه سبا ما سعته سبه مثله قط ‪ .‬وقال ‪ :‬أخبك‬
‫عن رسول ال ‪ ،‬وتقول ‪ :‬وال لنعهن ‪.‬‬
‫وف رواية للِمام أحد أنه ما كلمه حت مات ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫فأنت ترى أن ابن عمر ‪ -‬رضى ال عنه ‪ -‬لشدة تسكه بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم قد‬
‫غضب ل ورسوله ‪ .‬وهجر فلذة كبده ‪ ،‬لتلك الزلة ‪.‬‬
‫وقال الِمام الشافعى ‪ :‬أخبنا أبو حنيفة بن ساك بن الفضل الشهاب قال ‪ :‬حدثن ابن أب ذئب عن‬
‫القبى عن أب شريح الكعب أن النب صلى ال عليه وسلم قال عام الفتح ‪ " :‬من قتل له قتيل فهو‬
‫بي النظرين ‪ .‬إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود " قال أبو حنيفة ‪ :‬فقلت لبن أب ذئب ‪.‬‬
‫أتأخذ بذا يا أبا الارث؟ فضرب صدرى وصاح على صياحا كثيا ونال من وقال ‪ :‬أحدثك عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وتقول أتأخذ به؟ نعم ‪ .‬آخذ به ‪ .‬وذلك الفرض على وعلى من سعه‬
‫‪ .‬إن ال ‪ -‬تعال ‪ -‬قد اختار ممدا صلى ال عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه ‪ .‬واختار‬
‫لم ما اختار له وعلى لسانه ‪ .‬فعلى اللق أن يتبعوه ل مرج لسلم ‪ .‬وما سكت حت تنيت أن‬
‫يسكت ‪.‬‬
‫وقال الِمام ابن القيم ‪ :‬والذى ندين ال به ‪ ،‬ول يسعنا غيه أن الديث إذا صح عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ول يصح عنه حديث آخر ينسخه ‪ ،‬أن الفرض علينا وعلى المة بديث وترك لك ما‬
‫خالفه ‪.‬‬
‫ول نتركه للف أحد من الناس كائنا من كان ‪ .‬ل رواية ول غيه ‪ .‬إذ من المكن أن يسن الراوى‬
‫الديث ول يضره وقت الفتيا ‪ .‬أول يتفطن لدللته على تلك السألة ‪ .‬أو يتأول فيه تأويل مرجوحا‬
‫‪ .‬أو يقوم ف ظنه ما يعارضه ول يكون معارضا ف نفس المر ‪ .‬أو يقلد غيه ف فتواه بلفه لعتقاده‬
‫أنه أعلم منه ‪ ،‬وأنه إنا خالفه لا هو أقوى منه ‪. .‬‬
‫فال ‪ -‬تعال ‪ -‬علق سعادة الدارين بتابعته صلى ال عليه وسلم وجعل شقاوة الدارين ف مالفته ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن السلف الصال كانوا يتمسكون بسنة رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أشد‬
‫التمسك ‪ ،‬ويهجرون كل من خالفها ‪ ،‬ول يقيد نفسه با ‪.‬‬
‫========================‬

‫‪30‬‬
‫الباب الثاني‬
‫الفرق بين طغاة الكفار وطغاة المسلمين‬

‫‪.1‬طغاة الكفار مكشوفون وطغاة السلمي غي مكشوفي نعم إن طغاة الكفار‬


‫مكشوفون لدى السلمي عامة بينما طغاة السلمي غي مكشوفي إل للقلة القليلة الت‬
‫نورال أبصارها والت تنطلق من وحي دينها والت تنظر إل الوهر ل إل الظهر‬
‫الادع الزيف‬
‫‪.2‬طغاة الكفار ل يثق بم السلمون بينما يثقون بطغاة السلمي لنم غي مكشوفي لم‬
‫فمهما وعدنا طغاة الكفار فلن نصدقهم كما فعل نابليون ف مصر لا تظاهر بالسلم‬
‫فلم يصدقه سوى العميان ‪ ،‬بينما طغاة السلمي يثق بم أكثر السلمي لنم ل يعلمون‬
‫حقيقتهم‬
‫‪.3‬طغاة الكفار يسهل حربم بينما طغاة السلمي يصعب نعم من السهل بكان أن نؤلب‬
‫الناس على طغاة الكفار ونلهب شعورهم عليهم لن جرائمهم بادية للعيان كما فعل‬
‫الصليبيون من قبل والتتار والغول ف بغداد والتتار الدد فيها وما فعله ويفعله اليهود‬
‫اليوم ف فلسطي البيبة ‪ ،‬بينما يصعب جدا تأليب الناس على ظغاة السلمي لنم‬
‫يتسترون بالدين وهم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بكلمنا علما أن هؤلء أشد بكثي‬
‫من أولئك الصرحاء‬
‫‪.4‬طغاة الكفارل يرقبون فينا إل ول ذمة ويهلكون الرث والنسل بينما طغاة السلمي‬
‫ف وَإِن يَ ْظ َهرُوا َعلَيْكُمْ َل َيرْقُبُوْا فِيكُمْ ِإلّ‬
‫أشد منهم ف هذا الانب قال تعال ‪{ :‬كَيْ َ‬
‫وَ َل ِذمّةً ُي ْرضُونَكُم بِأَ ْفوَا ِههِ ْم وَتَ ْأبَى ُقلُوُبهُ ْم وَأَكَْث ُرهُمْ فَا ِسقُونَ} (‪ )8‬سورة التوبة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫‪-8‬كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة يرضونكم بأفواههم وتأب قلوبم‬
‫وأكثرهم فاسقون‬
‫يقول تعال مرضا للمؤمني على معاداتم والتبي منهم ومبينا أنم ل يستحقون أن يكون لم‬
‫عهد لشركهم بال تعال وكفرهم برسول ال صلى ال عليه وسلم ولنم لو ظهروا على‬
‫السلمي وأديلوا عليهم ل يبقوا ول يذروا ول راقبوا فيهم إل ول ذمة قال علي بن أب طلحة‬
‫وعكرمة والعوف عن ابن عباس الن القرابة والذمة والعهد وكذا قال الضحاك والسدي كما قال‬
‫تيم بن مقبل‪-‬أفسد الناس خلوف خلفوا قطعوا الل وأعراق الرحم‪-‬وقال حسان بن ثابت رضي‬
‫ال عنه‪-‬وجدناهم كاذبا إلم وذو الل والعهد ل يكذب‪-‬وقال ابن أب نيح عن ماهد ل‬

‫‪31‬‬
‫يرقبون ف مؤمن إل قال الل ال وف رواية ل يرقبون ال ولغيه وقال ابن جرير حدثن يعقوب‬
‫حدثنا ابن علية عن سلمان عن أب ملز ف قوله تعال ( ليرقبون ف مؤمن إل ول ذمة ) ثل قوله‬
‫جبيل ميكائيل إسرافيل كأنه يقول يضيف جب و ميكا و إسراف إل إيل يقول عبد ال ( ل‬
‫يرقبون ف مؤمن إل ) أنه يقول ل يرقبون ال والقول الول أظهر وأشهر وعليه الكثر وعن‬
‫ماهد أيضا الل العهد وقال قتادة الل اللف‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫إن علينا أن نتتبع موقف الشركي ‪ -‬على مدى التاريخ ‪ -‬من الؤمني ‪ .‬ليتكشف لنا الدى القيقي‬
‫لذه النصوص القرآنية ; ولنرى الوقف بكامله على مدار التاريخ‪:‬‬
‫فأما ف الزيرة العربية فلعل ذلك معلوم من أحداث السية الشهورة ‪ .‬ولعل ف هذا الزء من الظلل‬
‫وحده ما يكفي لتصوير مواقف الشركي من هذا الدين وأهله منذ اليام الول للدعوة ف مكة حت‬
‫هذه الفترة الت تواجهها نصوص هذه السورة ‪.‬‬
‫وحقيقة إن العركة الطويلة المد ل تكن بي السلم والشرك بقدر ما كانت بي السلم وأهل‬
‫الكتاب من اليهود والنصارى ‪ .‬ولكن هذا ل ينفي أن موقف الشركي من السلمي كان دائما هو‬
‫الذي تصوره آيات هذا القطع من السورة‪:‬‬
‫كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة ! يرضونكم بأفواههم وتأب قلوبم ‪ ,‬وأكثرهم‬
‫فاسقون ‪ .‬اشتروا بآيات ال ثنا قليل فصدوا عن سبيله ‪ ,‬إنم ساء ما كانوا يعملون ‪ .‬ول يرقبون ف‬
‫مؤمن إل ول ذمة ‪ ,‬وأولئك هم العتدون ‪. .‬‬
‫لقد كان هذا هو الوقف الدائم للمشركي وأهل الكتاب من السلمي ‪ .‬فأما أهل الكتاب فندع‬
‫الديث عنهم إل موعده ف القطع الثان من السورة ; وأما الشركون فقد كان هذا دأبم من‬
‫السلمي على مدار التاريخ ‪. .‬‬
‫وإذا نن اعتبنا أن السلم ل يبدأ برسالة ممد صلى ال عليه وسلم إنا ختم بذه الرسالة ‪ .‬وأنوقف‬
‫الشركي من كل رسول ومن كل رسالة من قبل إنا يثل موقف الشرك من دين ال على الطلق ;‬
‫فإن أبعاد العركة تترامى ; ويتجلى الوقف على حقيقته ; كما تصوره تلك النصوص القرآنية الالدة‬
‫‪ ,‬على مدار التاريخ البشري كله بل استثناء !‬
‫ماذا صنع الشركون مع نوح ‪ ,‬وهود ‪ ,‬وصال ‪ ,‬وإبراهيم ‪ ,‬وشعيب ‪ ,‬وموسى ‪ ,‬وعيسى ‪ ,‬عليهم‬
‫صلوات ال وسلمه والؤمني بم ف زمانم ? ث ماذا صنع الشركون مع ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫والؤمني به كذلك ? ‪ . .‬إنم ل يرقبوا فيهم إل ول ذمة مت ظهروا عليهم وتكنوا منهم ‪. .‬‬

‫‪32‬‬
‫وماذا صنع الشركون بالسلمي أيام الغزو الثان للشرك على أيدي التتار ? ث ما يصنع الشركون‬
‫واللحدون اليوم بعد أربعة عشر قرنا بالسلمي ف كل مكان ? ‪ . . .‬إنم ل يرقبون فيهم إل ول ذمة‬
‫‪ ,‬كما يقرر النص القرآن الصادق الالد ‪. .‬‬
‫عندما ظهر الوثنيون التتار على السلمي ف بغداد وقعت الأساة الدامية الت سجلتها الروايات التاريية‬
‫والت نكتفي فيها بقتطفات سريعة من تاريخ "البداية والنهاية " لبن كثي فيما رواه من أحداث عام‬
‫‪656‬ه‪:‬‬
‫"ومالوا على البلد فقتلوا جيع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والشايخ والكهول‬
‫والشبان ‪ .‬ودخل كثي من الناس ف البار ‪ ,‬وأماكن الشوش ‪ ,‬وقن الوسخ ‪ ,‬وكمنوا كذلك أياما‬
‫ل يظهرون ‪ .‬وكان الماعة من الناس يتمعون إل الانات ‪ ,‬ويغلقون عليهم البواب ‪ ,‬فتفتحها‬
‫التتار ‪ ,‬إما بالكسر وإما بالنار ‪ ,‬ث يدخلون عليهم ‪ ,‬فيهربون منهم إل أعال المكنة ‪ ,‬فيقتلونم‬
‫بالسطحة ‪ ,‬حت تري اليازيب من الدماء ف الزقة ‪ -‬فإنا ل وإنا إليه راجعون ‪ -‬كذلك ف‬
‫الساجد والوامع والربط ‪ .‬ول ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ‬
‫إليهم ‪ ,‬وإل دار الوزير ابن العلقمي الرافضي ‪ ,‬وطائفة من التجار أخذوا أمانا بذلوا عليه أموال جزيلة‬
‫حت سلموا وسلمت أموالم ‪ .‬وعادت بغداد بعد ما كانت آنس الدن كلها كأنا خراب ‪ ,‬ليس فيها‬
‫إل القليل من الناس ‪ ,‬بوقوعه‪:‬وهم ف خوف وجوع وذلة وقلة ‪. .‬‬
‫"وقد اختلف الناس ف كمية من قتل ببغداد من السلمي ف هذه الوقعة ‪ .‬فقيل ثانائة ألف ‪.‬‬
‫وقيل‪:‬ألف ألف ‪ .‬وقيل‪:‬بلغت القتلى ألفي ألف نفس ‪ -‬فإنا ل وإنا إليه راجعون ‪ ,‬ول حول ول قوة‬
‫إل بال العلي العظيم ‪ - .‬وكان دخولم إل بغداد ف أواخر الحرم ‪ .‬وما زال السيف يقتل أهلها‬
‫أربعي يوما ‪ . .‬وكان قتل الليفة الستعصم بال أمي الؤمني يوم الربعاء رابع عشر صفر ‪ ,‬وعفى‬
‫قبه ‪ ,‬وكان عمره يومئذ ستا وأربعي سنة وأربعة أشهر ‪ .‬ومدة خلفته خس عشرة سنة وثانية‬
‫أشهر وأيام ‪ .‬وقتل معه ولده الكب أبو العباس أحد ‪ ,‬وله خس وعشرون سنة ‪ .‬ث قتل ولده‬
‫الوسط أبو الفضل عبدالرحان وله ثلث وعشرون سنة ‪ ,‬وأسر ولده الصغر مبارك وأسرت أخواته‬
‫الثلث فاطمة وخدية ومري ‪. .‬‬
‫"وقتل أستاذ دار اللفة الشيخ ميي الدين يوسف ابن الشيخ أب الفرج ابن الوزي ‪ ,‬وكان عدو‬
‫الوزير ;وقتل أولده الثلثة‪:‬عبدال وعبدالرحن وعبدالكري ‪ ,‬وأكابر الدولة واحدا بعد واحد ‪ .‬منهم‬
‫الدويدار الصغي ماهد الدين أيبك ‪ ,‬وشهاب الدين سليمان شاه ‪ ,‬وجاعة من أمراء السنة وأكابر‬
‫البلد ‪ . .‬وكان الرجل يستدعى به من دار اللفة من بن العباس ‪ ,‬فيخرج بأولده ونسائه ‪ ,‬فيذهب‬
‫إل مقبة اللل ‪ ,‬تاه النظرة ‪ ,‬فيذبح كما تذبح الشاة ‪ ,‬ويؤسر من يتارون من بناته وجواريه ‪. .‬‬

‫‪33‬‬
‫وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الليفة صدر الدين علي ابن النيار ‪ .‬وقتل الطباء والئمة وحلة القرآن ‪.‬‬
‫وتعطلت الساجد والماعات والمعات مدة شهور ببغداد ‪. .‬‬
‫"ولا انقضى المر القدر ‪ ,‬وانقضت الربعون يوما ‪ ,‬بقيت بغداد خاوية على عروشها ‪ ,‬ليس با‬
‫أحد إل الشاذ من الناس ‪ ,‬والقتلى ف الطرقات كأنا التلول ‪ ,‬وقد سقط عليهم الطر ‪ ,‬فتغيت‬
‫صورهم ‪ ,‬وأنتنت من جيفهم البلد ‪ ,‬وتغي الواء ‪ ,‬فحصل بسببه الوباء الشديد حت تعدى وسرى ف‬
‫الواء إل بلد الشام ‪ ,‬فمات خلق كثي من تغي الو وفساد الريح ‪ ,‬فاجتمع على الناس الغلء‬
‫والوباء والفناء والطعن والطاعون ‪ .‬فإنا ل وإنا إليه راجعون ‪. .‬‬
‫"ولا نودي ببغداد بالمان ‪ ,‬خرج من تت الرض من كان بالطامي والقن والقابر كأنم الوتى إذا‬
‫نبشوا من قبورهم ; وقد أنكر بعضهم بعضا ‪ ,‬فل يعرف الوالد ولده ‪ ,‬ول الخ أخاه ‪ ,‬وأخذهم‬
‫الوباء الشديد ‪ .‬فتفانوا وتلحقوا بن سبقهم من القتلى ‪ " . .‬ال ال ‪.‬‬
‫هذه صورة من الواقع التاريي ‪ ,‬حينما ظهر الشركون على السلمي فلم يرقبوا فيهم إل ول ذمة ‪.‬‬
‫فهل كانت صورة تاريية من الاضي البعيد الوغل ف الظلمات ‪ ,‬اختص با التتار ف ذلك الزمان ?‬
‫كل ! إن الواقع التاريي الديث ل تتلف صوره عن هذه الصورة ّ ! ‪ . .‬إن ما وقع من الوثنيي‬
‫النود عند انفصال باكستان ل يقل شناعة ول بشاعة عما وقع من التتار ف ذلك الزمان البعيد ‪ . .‬إن‬
‫ثانية مليي من الهاجرين السلمي من الند ‪ -‬من أفزعتهم الجمات الببرية التوحشة على السلمي‬
‫الباقي ف الند فآثروا الجرة على البقاء ‪ -‬قد وصل منهم إل أطراف باكستان ثلثة مليي فقط !‬
‫أما الليي المسة الباقية فقد قضوا بالطريق ‪ . .‬طلعت عليهم العصابات الندية الوثنية النظمة‬
‫العروفة للدولة الندية جيدا والت يهيمن عليها ناس من الكبار ف الكومة الندية ‪ ,‬فذبتهم‬
‫كالراف على طول الطريق ‪ ,‬وتركت جثثهم نبا للطي والوحش ‪ ,‬بعد التمثيل با ببشاعة منكرة ‪,‬‬
‫ل تقل ‪ -‬إن ل تزد ‪ -‬على ما صنعه التتار بالسلمي من أهل بغداد ! ‪ . . .‬أما الأساة البشعة الروعة‬
‫النظمة فكانت ف ركاب القطار الذي نقل الوظفي السلمي ف أناء الند إل باكستان ‪ ,‬حيث ت‬
‫التفاق على هجرة من يريد الجرة من الوظفي السلمي ف دوائر الند إل باكستان واجتمع ف هذا‬
‫القطار خسون ألف موظف ‪ . .‬ودخل القطار بالمسي ألف موظف ف نفق بي الدود الندية‬
‫الباكستانية يسمى [ مر خيب ] ‪ . .‬وخرج من الناحية الخرى وليس به إل أشلء مزقة متناثرة ف‬
‫القطار ! ‪ . .‬لقد أوقفت العصابات الندية الوثنية الدربة الوجهة ‪ ,‬القطار ف النفق ‪ .‬ول تسمح له‬
‫بالضي ف طريقه إل بعد أن تول المسون ألف موظف إل أشلء ودماء ! ‪ . .‬وصدق قول ال‬
‫سبحانه‪( :‬كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة) ‪ . .‬وما تزال هذه الذابح تتكرر ف‬
‫صور شت ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ث ماذا فعل خلفاء التتار ف الصي الشيوعية وروسيا الشيوعية بالسلمي هناك ? ‪ . . .‬لقد أبادوا من‬
‫السلمي ف خلل ربع قرن ستة وعشرين مليونا ‪ . .‬بعدل مليون ف السنة ‪ . .‬وما تزال عمليات‬
‫البادة ماضية ف الطريق ‪ . .‬ذلك غي وسائل التعذيب الهنمية الت تقشعر لولا البدان ‪ .‬وف هذا‬
‫العام وقع ف القطاع الصينيمن التركستان السلمة ما يغطي على بشاعات التتار ‪ . .‬لقد جيء بأحد‬
‫الزعماء السلمي ‪ ,‬فحفرت له حفرة ف الطريق العام ‪ .‬وكلف السلمون تت وطأة التعذيب‬
‫والرهاب ‪ ,‬أن يأتوا بفضلتم الدمية [ الت تتسلمها الدولة من الهال جيعا لتسخدمها ف السماد‬
‫مقابل ما تصرفه لم من الطعام !!! ] فيلقوها على الزعيم السلم ف حفرته ‪ . .‬وظلت العملية ثلثة‬
‫أيام والرجل يتنق ف الفرة على هذا النحو حت مات !‬
‫كذلك فعلت يوغسلفيا الشيوعية بالسلمي فيها ‪ .‬حت أبادت منهم مليونا منذ الفترة الت صارت‬
‫فيها شيوعية بعد الرب العالية الثانية إل اليوم ‪ .‬وما تزال عمليات البادة والتعذيب الوحشي ‪ -‬الت‬
‫من أمثلتها البشعة إلقاء السلمي رجال ونساء ف "مفارم" اللحوم الت تصنع لوم [ البولوبيف ]‬
‫ليخرجوا من الناحية الخرى عجينة من اللحم والعظام والدماء ‪ -‬ماضية إل الن !!!‬
‫وما يري ف يوغسلفيا يري ف جيع الدول الشيوعية والوثنية ‪ . .‬الن ‪ . .‬ف هذا الزمان ‪. .‬‬
‫ويصدق قول ال سبحانه‪( :‬كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إل ول ذمة ?) ‪(.‬ل يرقبون ف‬
‫مؤمن إل ول ذمة ‪ ,‬وأولئك هم العتدون) ‪. .‬‬
‫إنا ل تكن حالة طارئة ول وقتية ف الزيرة العربية ‪ .‬ول تكن حالة طارئة ول وقتية ف بغداد ‪ . .‬إنا‬
‫الالة الدائمة الطبيعية التمية ; حيثما وجد مؤمنون يدينون بالعبودية ل وحده ; ومشركون أو‬
‫ملحدون يدينون بالعبودية لغي ال ‪ .‬ف كل زمان وف كل مكان ‪.‬‬
‫ومن ث فإن تلك النصوص ‪ -‬وإن كانت قد نزلت لواجهة حالة واقعة ف الزيرة ‪ ,‬وعنت بالفعل‬
‫تقرير أحكام التعامل مع مشركي الزيرة ‪ -‬إل أنا أبعد مدى ف الزمان والكان ‪ .‬لنا تواجه مثل‬
‫هذه الالة دائما ف كل زمان وف كل مكان ‪ .‬والمر ف تنفيذها إنا يتعلق بالقدرة على التنفيذ ف‬
‫مثل الالة الت نفذت فيها ف الزيرة العربية ‪ ,‬ول يتعلق بأصل الكم ول بأصل الوقف الذي ل‬
‫يتبدل على الزمان ‪. .‬‬

‫وقال تعال ‪{ :‬لَ َي ْرقُبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَلَ ِذمّ ًة وَُأوَْلِئكَ هُ ُم الْ ُمعْتَدُونَ} (‪ )10‬سورة التوبة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫** اشَْت َروْاْ بِآيَاتِ الّلهِ ثَمَنا قَلِيلً َفصَدّوْا عَن سَبِيِلهِ ِإّنهُمْ سَآ َء مَا كَانُوْا َيعْمَلُو َن * لَ َيرْقُبُو َن فِي‬
‫لةَ وَآَت ُواْ الزّكَاةَ َفإِ ْخوَانُكُمْ‬
‫ك هُمُ الْ ُمعْتَدُو َن * فَإِن تَابُوْا وَأَقَامُوْا الصّ َ‬
‫ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَلَ ِذمّ ًة وَُأوْلَـِئ َ‬
‫فِي الدّي ِن وَُن َفصّلُ ا َليَاتِ ِل َقوْمٍ َيعْلَمُو َن‬

‫‪35‬‬
‫يقول تعال ذما للمشركي وحثا للمؤمني على قتالم {اشتروا بآيات ال ثنا قليلً} يعن أنم‬
‫اعتاضوا عن اتباع آيات ال با التهوا به من أمور الدنيا السيسة {فصدوا عن سبيله} أي منعوا‬
‫الؤمني من اتباع الق {إنم ساء ما كانوا يعملون * ل يرقبون ف مؤمن إلً ول ذمة} تقدم‬
‫تفسيه وكذا الَية الت بعدها {فإن تابوا وأقاموا الصلة} إل آخرها تقدمت‪ .‬وقال الافظ أبو‬
‫بكر البزار‪ :‬حدثنا ممد بن الثن‪ ,‬حدثنا يي بن أب بكر‪ ,‬حدثنا أبو جعفر الرازي‪ ,‬حدثنا الربيع‬
‫بن أنس قال‪ :‬سعت أنس بن مالك يقول قال رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه‬
‫وسلم‪« :‬من فارق الدنيا على الخلص ل وعبادته ل يشرك به‪ ,‬وأقام الصلة وآتى الزكاة‬
‫فارقها وال عنه راضٍ» وهو دين ال الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربم‪ ,‬قبل هرج‬
‫الحاديث واختلف الهواء وتصديق ذلك ف كتاب ال {فإن تابوا} يقول فإن خلعوا الوثان‬
‫وعبادتا {وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقال ف آية أخرى {فإن تابوا وأقاموا‬
‫الصلة وآتوا الزكاة فإخوانكم ف الدين} ث قال البزار‪ :‬آخر الديث عندي وال أعلم فارقها‬
‫وهو عنه راضٍ وباقيه عندي من كلم الربيع بن أنس‪.‬‬
‫** وَإِن نّ َكُثوَاْ أَيْمَاَنهُم مّن َبعْ ِد َعهْ ِدهِمْ وَ َطعَنُواْ فِي دِينِكُمْ َفقَاتُِلوَاْ َأئِمّ َة الْ ُك ْفرِ إِّنهُمْ لَ أَيْمَانَ َلهُمْ‬
‫َل َعّلهُمْ يَنَتهُونَ‬
‫يقول تعال وإن نكث الشركون الذين عاهدتوهم على مدة معينة أيانم أي عهودهم‬
‫ومواثيقهم {وطعنوا ف دينكم} أي عابوه وانتقصوه‪ ,‬ومن ههنا أخذ قتل من سب الرسول‬
‫صلوات ال وسلمه عليه أو من طعن ف دين السلم أو ذكره بنقص‪ ,‬ولذا قال‪{ :‬فقاتلوا أئمة‬
‫الكفر إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون} أي يرجعون عما هم فيه من الكفر والعناد والضلل‪ .‬وقد‬
‫قال قتادة وغيه‪ :‬أئمة الكفر‪ .‬كأب جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف وعدد رجالً‪ ,‬وعن‬
‫مصعب بن سعد بن أب وقاص قال‪ :‬مر سعد بن أب وقاص برجل من الوارج فقال الارجي‪:‬‬
‫هذا من أئمة الكفر فقال سعد كذبت بل أنا قاتلت أئمة الكفر رواه ابن مردويه‪ ,‬وقال العمش‬
‫عن زيد بن وهب عن حذيفة أنه قال ما قوتل أهل هذه الَية بعد‪ .‬وروي عن علي بن أب طالب‬
‫رضي ال عنه‪ :‬مثله‪ ,‬والصحيح أن الَية عامة وإن كان سبب نزولا مشركي قريش فهي عامة‬
‫لم ولغيهم وال أعلم وقال‪ :‬الوليد بن مسلم‪ :‬حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحن بن جبي‬
‫بن نفي‪ ,‬أنه كان ف عهد أب بكر رضي ال عنه إل الناس حي وجههم إل الشام قال‪ :‬إنكم‬
‫ستجدون قوما موّقة رؤوسهم‪ ,‬فاضربوا معاقد الشيطان منهم بالسيوف‪ ,‬فوال لن أقتل رجلً‬
‫منهم أحب ألّ من أن أقتل سبعي من غيهم وذلك بأن ال يقول‪{ :‬فقاتلوا أئمة الكفر} رواه‬
‫ابن أب حات‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫حبّ‬‫ح ْرثَ وَالنّسْ َل وَالّلهُ َل يُ ِ‬
‫وقال تعال ‪ { :‬وَِإذَا َتوَلّى َسعَى فِي ا َل ْرضِ لُِيفْسِدَ ِفِيهَا وَُيهِْلكَ الْ َ‬
‫الفَسَادَ} (‪ )205‬سورة البقرة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫قال السدي‪ :‬نزلت ف الخنس بن شريق الثقفي‪ ,‬جاء إل رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وأظهر السلم وف باطنه خلف ذلك‪ ,‬وعن ابن عباس‪ ,‬أنا نزلت ف نفر من النافقي‬
‫تكلموا ف خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم‪ ,‬فأنزل ال ف ذم النافقي ومدح خبيب‬
‫وأصحابه {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال} وقيل‪ :‬بل ذلك عام ف النافقي كلهم‬
‫وف الؤمني كلهم‪ ,‬وهذا قول قتادة وماهد والربيع بن أنس وغي واحد‪ ,‬وهو الصحيح‪,‬وقال ابن‬
‫جرير‪ :‬حدثن يونس‪ ,‬أخبنا ابن وهب‪ ,‬أخبن الليث بن سعد عن خالد بن أب هلل‪ ,‬عن القرظي‪,‬‬
‫عن نوف وهوالبكال وكان من يقرأ الكتب‪ ,‬قال‪ :‬إن لجد صفة ناس من هذه المة ف كتاب ال‬
‫النل‪ :‬قوم يتالون على الدنيا بالدين‪ ,‬ألسنتهم أحلى من العسل‪ ,‬وقلوبم أمرّ من الصب‪ ,‬يلبسون‬
‫للناس مسوك الضأن‪ ,‬وقلوبم قلوب الذئاب‪ ,‬يقول ال تعال‪ :‬فعليّ يترئون وب يغترون‪ ,‬حلفت‬
‫بنفسي لبعثن عليهم فتنة تترك الليم فيها حيان‪ ,‬قال القرظي‪ :‬تدبرتا ف القرآن فإذا هم النافقون‬
‫فوجدتا{ ومن الناس من يعجبك قوله ف الياة الدنيا ويشهد ال على ما ف قلبه} الَية‪ ,‬وحدثن‬
‫ممد بن أب معشر‪ :‬أخبن أبو معشر نيح‪ ,‬قال‪ :‬سعت سعيدا القبي يذاكر ممد بن كعب‬
‫القرظي‪ ,‬فقال سعيد‪ :‬إن ف بعض الكتب‪ :‬إن عبادا ألسنتهم أحلى من العسل‪ ,‬وقلوبم أمر من‬
‫الصب‪ ,‬لبسوا للناس مسوك الضأن من اللي‪ ,‬يترئون الدنيا بالدين‪ ,‬قال ال تعال‪ ,‬عليّ تترئون وب‬
‫تغترون ؟ وعزت لبعثن عليهم فتنة تترك الليم منهم حيان‪ ,‬فقال ممد بن كعب هذا ف كتاب ال‪,‬‬
‫فقال سعيد‪ :‬وأين هو من كتاب ال ؟ قال‪ :‬قول ال {ومن الناس من يعجبك قوله ف الياة الدنيا}‬
‫الَية‪ ,‬فقال سعيد‪ :‬قد عرفت فيمن أنزلت هذه الَية ؟ فقال ممد بن كعب‪ ,‬إن الَية تنل ف الرجل‬
‫ث تكون عامة بعد‪ ,‬وهذا الذي قاله القرظي‪ ,‬حسن صحيح‪ ,‬وأما قوله {ويشهد ال على ما ف قلبه}‬
‫فقرأه ابن ميصن {ويشهد ال} بفتح الياء وضم الللة {على ما ف قلبه} ومعناها أن هذا وإن أظهر‬
‫لكم اليل لكن ال يعلم من قلبه القبيح كقوله تعال‪{ :‬إذا جاءك النافقون قالوا نشهد إنك لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وال يعلم إنك لرسوله وال يعلم يشهد إن النافقي لكاذبون} وقراءة‬
‫المهور بضم الياء ونصب الللة‪{ ,‬يشهد ال على ما ف قلبه} ومعناه أنه يظهر للناس السلم‬
‫ويبارز ال با ف قلبه من الكفر والنفاق كقوله تعال‪{ :‬يستخفون من الناس ول يستخفون من ال}‬
‫الَية‪ ,‬هذا معن ما رواه ابن إسحاق عن ممد بن أب ممد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن سعيد بن جبي‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬وقيل‪ :‬معناه أنه إذا أظهر للناس السلم حلف وأشهد ال لم أن الذي ف قلبه موافق للسانه‪,‬‬

‫‪37‬‬
‫وهذا العن صحيح‪ ,‬وقاله عبد الرحن بن زيد بن أسلم‪ ,‬واختاره ابن جرير وعزاه إل ابن عباس‬
‫وحكاه عن ماهد‪ ,‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله {وهو ألد الصام} الَلد ف اللغة العوج {وتنذر به قوما لدا} أي عوجا‪ ,‬وهكذا النافق ف‬
‫حال خصومته‪ ,‬يكذب ويزور عن الق ول يستقيم معه‪ ,‬بل يفتري ويفجر‪ ,‬كما ثبت ف الصحيح‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال «آية النافق ثلث‪ :‬إذا حدث كذب‪ ,‬وإذا عاهد غدر‪,‬‬
‫وإذا خاصم فجر»‪ .‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا قبيصة‪ ,‬حدثنا سفيان عن ابن جريج‪ ,‬عن ابن مليكة عن‬
‫عائشة ترفعه‪ ,‬قال «إن أبغض الرجال إل ال اللد الصم» قال‪ :‬وقال عبد ال بن يزيد‪ :‬حدثنا‬
‫سفيان‪ ,‬حدثنا ابن جريج عن ابن مليكة عن عائشة عن النب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال «إن أبغض‬
‫الرجال إل ال اللد الصم» وهكذا رواه عبد الرزاق عن معمر ف قوله {وهو ألد الصام} عن ابن‬
‫جريج‪ ,‬عن ابن أب مليكة‪ ,‬عن عائشة عن النب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال «إن أبغض الرجال إل ال‬
‫اللد الصم»‪.‬‬
‫وقوله {وإذا تول سعى ف الرض ليفسد فيها ويهلك الرث والنسل وال ل يب الفساد} أي هو‬
‫أعوج القال سيء الفعال‪ ,‬فذلك قوله وهذا فعله‪ ,‬كلمه كذب‪ ,‬واعتقاده فاسد‪ ,‬وأفعاله قبيحة‪,‬‬
‫والسعي ـ ههنا ـ هو القصد‪ ,‬كما قال إخبارا عن فرعون {ث أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا‬
‫ربكم العلى فأخذه ال نكال الَخرة والول‪ ,‬إن ف ذلك لعبة لن يشى} وقال تعال‪{ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم المعة فاسعوا إل ذكر ال} أي اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك‬
‫صلة المعة‪ ,‬فإن السعي السي إل الصلة منهي عنه بالسنة النبوية «إذا أتيتم الصلة فل تأتوها‬
‫وأنتم تسعون‪ ,‬وأتوها وعليكم السكينة والوقار» فهذا النافق ليس له هة إل الفساد ف الرض‬
‫وإهلك الرث‪ ,‬وهومل ناء الزروع والثمار والنسل‪ ,‬وهو نتاج اليوانات الذين ل قوام للناس إل‬
‫بما وقال ماهد‪ :‬إذا سعي ف الرض إفسادا‪ ,‬منع ال القطر فهلك الرث والنسل {وال ل يب‬
‫الفساد} أي ل يب من هذه صفته‪ ,‬ول من يصدر منه ذلك‪.‬‬
‫وقوله {وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالث} أي إذا وعظ هذا الفاجر ف مقاله وفعاله‪ ,‬وقيل له‬
‫اتق ال وانزع عن قولك وفعلك وارجع إل الق‪ ,‬امتنع وأب وأخذته المية والغضب بالث‪ ,‬أي‬
‫بسبب ما اشتمل عليه من الَثام‪ ,‬وهذه الَية شبيهة بقوله تعال‪{ :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف‬
‫ف وجه الذين كفروا النكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا‪ ,‬قل أفأنبئكم بشر من ذلكم‬
‫النار وعدها ال الذين كفروا وبئس الصي} ولذا قال ف هذه الَية {فحسبه جهنم ولبئس الهاد}‬
‫أي هي كافيته عقوبة ف ذلك وقوله {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة ال} لا أخب عن‬
‫النافقي بصفاتم الذميمة‬
‫وف الظلل ‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫(ومن الناس من يعجبك قوله ف الياة الدنيا ‪ ,‬ويشهد ال على ما ف قلبه ‪ ,‬وهو ألد الصام ‪ .‬وإذا‬
‫تول سعى ف الرض ليفسد فيها ويهلك الرث والنسل ‪ ,‬وال ل يب الفساد ‪ .‬وإذا قيل له‪:‬اتق ال‬
‫أخذته العزة بالث ‪ ,‬فحسبه جهنم ولبئس الهاد ‪ . .‬ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال ‪,‬‬
‫وال رؤوف بالعباد) ‪. .‬‬
‫هذه اللمسات العجيبة من الريشة البدعة ف رسم ملمح النفوس ‪ ,‬تشي بذاتا بأن مصدر هذا القول‬
‫العجز ليس مصدرا بشريا على الطلق ‪ .‬فاللمسات البشرية ل تستوعب ‪ -‬ف لسات سريعة كهذه‬
‫‪ -‬أعمق خصائص النماذج النسانية ‪ ,‬بذا الوضوح ‪ ,‬وبذا الشمول ‪.‬‬
‫إن كل كلمة أشبه بط من خطوط الريشة ف رسم اللمح وتديد السمات ‪ . .‬وسرعان ما ينتفض‬
‫النموذج الرسوم كائنا حيا ‪ ,‬ميز الشخصية ‪ .‬حت لتكاد تشي بأصبعك إليه ‪ ,‬وتفرزه من مليي‬
‫الشخاص ‪ ,‬وتقول‪:‬هذا هو الذي أراد إليه القرآن ! ‪ . .‬إنا عملية خلق أشبه بعملية اللق الت ترج‬
‫كل لظة من يد الباريء ف عال الحياء !‬
‫هذا الخلوق الذي يتحدث ‪ ,‬فيصور لك نفسه خلصة من الي ‪ ,‬ومن الخلص ‪ ,‬ومن التجرد ‪,‬‬
‫ومن الب ‪ ,‬ومن الترفع ‪ ,‬ومن الرغبة ف إفاضة الي والب والسعادة والطهارة على الناس ‪ . .‬هذا‬
‫الذي يعجبك حديثه ‪ .‬تعجبك ذلقة لسانه ‪ ,‬وتعجبك نبة صوته ‪ ,‬ويعجبك حديثه عن الي والب‬
‫والصلح ‪( . .‬ويشهد ال على ما ف قلبه) ‪ . .‬زيادة ف التأثي والياء ‪ ,‬وتوكيدا للتجرد والخلص‬
‫‪ ,‬وإظهارا للتقوى وخشية ال ‪( . .‬وهو ألد الصام) ! تزدحم نفسه باللدد والصومة ‪ ,‬فل ظل فيها‬
‫للود والسماحة ‪ ,‬ول موضع فيها للحب والي ‪ ,‬ول مكان فيها للتجمل واليثار ‪.‬‬
‫هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه ‪ ,‬ويتنافر مظهره ومبه ‪ . .‬هذا الذي يتقن الكذب والتمويه‬
‫والدهان ‪. .‬‬
‫حت إذا جاء دور العمل ظهر الخبوء ‪ ,‬وانكشف الستور ‪ ,‬وفضح با فيه من حقيقة الشر والبغي‬
‫والقد والفساد‪:‬‬
‫(وإذا تول سعى ف الرض ليفسد فيها ‪ ,‬ويهلك الرث والنسل ‪ ,‬وال ل يب الفساد) ‪. .‬‬
‫وإذا انصرف إل العمل ‪ ,‬كانت وجهته الشر والفساد ‪ ,‬ف قسوة وجفوة ولدد ‪ ,‬تتمثل ف إهلك كل‬
‫حي من الرث الذي هو موضع الزرع والنبات والثار ‪ ,‬ومن النسل الذي هو امتداد الياة‬
‫بالنسال ‪ . .‬وإهلك الياة على هذا النحو كناية عما يعتمل ف كيان هذا الخلوق النكد من القد‬
‫والشر والغدر والفساد ‪ . .‬ما كان يستره بذلقة اللسان ‪ ,‬ونعومة الدهان ‪ ,‬والتظاهر بالي والب‬
‫والسماحة والصلح ‪( . .‬وال ل يب الفساد) ‪ . .‬ول يب الفسدين الذين ينشئون ف الرض‬
‫الفساد ‪ . .‬وال ل تفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس ; ول يوز عليه الدهان والطلء الذي قد‬

‫‪39‬‬
‫يوز على الناس ف الياة الدنيا ‪ ,‬فل يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تدعهم‬
‫الظواهر وتفى عليهم السرائر ‪.‬‬
‫ويضي السياق يوضح معال الصورة ببعض اللمسات‪:‬‬
‫(وإذا قيل له‪:‬اتق ال أخذته العزة بالث ‪ .‬فحسبه جهنم ولبئس الهاد) ‪. .‬‬
‫إذا تول فقصد إل الفساد ف الرض ; وأهلك الرث والنسل ; ونشر الراب والدمار ; وأخرج ما‬
‫يعتمل ف صدره من القد والضغن والشر والفساد ‪ . .‬إذا فعل هذا كله ث قيل له‪( :‬اتق ال) ‪. .‬‬
‫تذكيا له بشية ال والياء منه والتحرج من غضبه ‪ . .‬أنكر أن يقال له هذا القول ; واستكب أن‬
‫يوجه إل التقوى ; وتعاظم أن يؤخذ عليه خطأ وأن يوجه إل صواب ‪ .‬وأخذته العزة ل بالق ول‬
‫بالعدل ول بالي ولكن(بالث) ‪ . .‬فاستعز بالجرام والذنب والطيئة ‪ ,‬ورفع رأسه ف وجه الق‬
‫الذي يذكر به ‪ ,‬وامام ال بل حياء منه ; وهو الذي كان يشهد ال على ما ف قلبه ; ويتظاهر بالي‬
‫والب والخلص والتجرد والستحياء !‬
‫إنا لسة تكمل ملمح الصورة ‪ ,‬وتزيد ف قسماتا وتييزها بذاتا ‪ . .‬وتدع هذا النموذج حيا يتحرك‬
‫‪ .‬تقول ف غي تردد‪:‬هذا هو ‪ .‬هذا هو الذي عناه القرآن ! وأنت تراه أمامك ماثل ف الرض الن‬
‫وف كل آن !‬
‫وف مواجهة هذا العتزاز بالث ; واللدد ف الصومة ; والقسوة ف الفساد ; والفجور ف الفساد ‪. .‬‬
‫ف مواجهة هذا كله يبهه السياق باللطمة اللئقة بذه البلة النكدة‪:‬‬
‫(فحسبه جهنم ‪ ,‬ولبئس الهاد !) ‪. .‬‬
‫حسبه ! ففيها الكفاية ! جهنم الت وقودها الناس والجارة ‪ .‬جهنم الت يكبكب فيها الغاوون وجنود‬
‫إبليس أجعون ‪ .‬جهنم الطمة الت تطلع على الفئدة ‪ .‬جهنم الت ل تبقي ول تذر ‪ .‬جهنم الت تكاد‬
‫تيز من الغيظ ! حسبه جهنم (ولبئس الهاد !) ويا للسخرية القاصمة ف ذكر(الهاد) هنا ‪ . .‬ويا‬
‫لبؤس من كان مهاده جهنم بعد العتزاز والنفخة والكبياء !‬
‫***********‬
‫وأما طغاة السلمي فأشد من ذلك بكثي ولكن أكثر الناس ل يعلمون‬

‫‪.1‬طغاة الكفار قد يوجد ف أتباعهم من عنده شيء من الرحة بينما‬


‫طغاة السلمي ل يوجد فيهم من عنده شفقة ول رحة‬
‫فمثل كان عند فرعون واحد من أقربائه قد آمن سرا ودافع عن موسى عليه السلم ضد غطرسة‬
‫ع رَّبهُ إِنّي أَخَافُ أَن ُيبَدّ َل دِينَكُمْ َأوْ أَن‬ ‫فرعون قال تعال ‪َ :‬وقَالَ ِف ْر َعوْ ُن َذرُونِي أَ ْقتُ ْل مُوسَى وَلْيَدْ ُ‬
‫يُ ْظ ِهرَ فِي الَْأ ْرضِ اْلفَسَا َد (‪ )26‬وَقَا َل مُوسَى إِنّي عُ ْذتُ ِبرَبّي َو َربّكُم مّن كُ ّل مُتَكَّبرٍ لّا ُي ْؤمِنُ بَِي ْومِ‬

‫‪40‬‬
‫حسَابِ (‪ )27‬وَقَا َل رَجُ ٌل ّم ْؤمِنٌ مّ ْن آلِ ِف ْر َعوْنَ يَكُْتمُ ِإيَاَنهُ َأَتقْتُلُو َن رَ ُجلًا أَن َيقُو َل رَبّ َي الّلهُ وَقَ ْد‬ ‫الْ ِ‬
‫ض الّذِي َيعِدُكُمْ إِنّ‬ ‫جَاءكُم بِاْلبَيّنَاتِ مِن رّبّكُ ْم وَإِن َيكُ كَا ِذبًا َفعََلْيهِ كَ ِذُبهُ وَإِن َيكُ صَادِقًا ُيصِبْكُم َبعْ ُ‬
‫صرُنَا‬ ‫سرِفٌ كَذّابٌ (‪ )28‬يَا َق ْومِ لَكُمُ الْمُ ْلكُ الَْي ْومَ ظَا ِهرِينَ فِي الَْأ ْرضِ فَمَن يَن ُ‬ ‫الّلهَ لَا َيهْدِي مَ ْن ُهوَ مُ ْ‬
‫س الّلهِ إِنْ جَاءنَا قَا َل ِف ْر َعوْنُ مَا ُأرِيكُمْ ِإلّا مَا َأرَى َومَا َأهْدِيكُمْ إِلّا سَبِيلَ الرّشَادِ (‪ )29‬وَقَالَ‬ ‫مِن بَ ْأ ِ‬
‫ح َوعَا ٍد وَثَمُودَ وَالّذِينَ‬ ‫ب (‪ )30‬مِثْ َل دَْأبِ َق ْومِ نُو ٍ‬ ‫ف َعلَيْكُم مّثْ َل َي ْومِ الْأَ ْحزَا ِ‬‫الّذِي آمَنَ يَا َق ْومِ ِإنّي أَخَا ُ‬
‫مِن َبعْ ِدهِ ْم َومَا الّلهُ ُيرِيدُ ظُ ْلمًا لّ ْلعِبَادِ (‪ )31‬وَيَا َق ْومِ ِإنّي أَخَافُ َعلَيْكُ ْم َي ْومَ التّنَا ِد (‪َ )32‬ي ْومَ ُتوَلّونَ‬
‫ف مِن َقبْلُ‬ ‫مُدِْبرِي َن مَا لَكُم مّنَ الّلهِ مِ ْن عَاصِ ٍم َومَن ُيضْلِلِ الّلهُ فَمَا َلهُ مِ ْن هَا ٍد (‪ )33‬وََلقَدْ جَاءكُمْ يُوسُ ُ‬
‫ك مّمّا جَاءكُم ِبهِ حَتّى ِإذَا هََلكَ قُ ْلتُمْ لَن يَْب َعثَ الّلهُ مِن َبعْ ِد ِه رَسُولًا كَذَِلكَ‬ ‫بِالَْبيّنَاتِ َفمَا زِلْتُ ْم فِي َش ّ‬
‫ب (‪ )34‬الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الّلهِ ِبغَْيرِ ُسلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَُب َر مَقْتًا‬ ‫ف ّمرْتَا ٌ‬ ‫سرِ ٌ‬‫ُيضِلّ الّلهُ مَ ْن ُهوَ مُ ْ‬
‫ب مُتَكَّبرٍ َجبّا ٍر (‪ )35‬وَقَا َل ِف ْر َعوْنُ يَا هَامَانُ‬ ‫عِندَ الّلهِ َوعِندَ الّذِي َن آمَنُوا كَذَِلكَ يَ ْطبَعُ الّلهُ َعلَى كُ ّل قَ ْل ِ‬
‫ابْنِ لِي صَرْحًا ّلعَلّي أَْبلُغُ الْأَسْبَابَ (‪َ )36‬أسْبَابَ السّمَاوَاتِ فَأَطّلِعَ إِلَى ِإَلهِ مُوسَى وَإِنّي لَأَظُّنهُ كَاذِبًا‬
‫ك زُيّ َن ِل ِفرْ َعوْنَ سُوءُ عَ َمِلهِ َوصُ ّد عَنِ السّبِي ِل َومَا كَيْدُ ِف ْر َعوْنَ إِلّا فِي َتبَابٍ (‪ )37‬وَقَالَ الّذِي‬ ‫وَكَذَِل َ‬
‫ع وَإِنّ الْآ ِخ َرةَ هِ َي دَارُ‬ ‫حيَاةُ الدّنْيَا مَتَا ٌ‬ ‫آمَنَ يَا َق ْومِ اتِّبعُونِ َأهْدِكُمْ َسبِي َل الرّشَا ِد (‪ )38‬يَا َق ْومِ ِإنّمَا هَ ِذهِ الْ َ‬
‫جزَى إِلّا مِْثَلهَا َومَنْ عَ ِم َل صَالِحًا مّن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َو ُه َو ُمؤْمِنٌ‬ ‫اْل َقرَا ِر (‪ )39‬مَنْ عَ ِملَ سَيّئَ ًة فَلَا يُ ْ‬
‫فَُأوْلَِئكَ يَ ْدخُلُونَ الْجَنّةَ ُي ْرزَقُونَ فِيهَا ِبغَْيرِ حِسَابٍ (‪ )40‬وَيَا َق ْومِ مَا لِي َأ ْدعُوكُمْ إِلَى النّجَا ِة وَتَ ْدعُوَننِي‬
‫ِإلَى النّا ِر ( ‪ )41‬تَ ْدعُوَننِي لِأَ ْك ُفرَ بِالّلهِ وَُأ ْشرِكَ ِبهِ مَا َلْيسَ لِي ِبهِ ِعلْ ٌم وَأَنَا َأ ْدعُوكُمْ إِلَى اْل َعزِيزِ اْل َغفّا ِر (‬
‫‪ )42‬لَا َج َرمَ أَنّمَا تَ ْدعُونَنِي إِلَْيهِ لَْيسَ َل ُه َد ْعوَةٌ فِي الدّنْيَا وَلَا فِي الْآ ِخ َرةِ وَأَ ّن َم َردّنَا إِلَى الّلهِ وَأَنّ‬
‫ستَذْ ُكرُو َن مَا َأقُولُ لَكُ ْم وَأَُف ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى الّلهِ إِ ّن الّلهَ َبصِيٌ‬ ‫س ِرِفيَ هُمْ َأصْحَابُ النّا ِر (‪ )43‬فَ َ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ب (‪ )45‬النّارُ ُي ْع َرضُونَ عََلْيهَا‬ ‫ت مَا مَ َكرُوا َوحَاقَ بِآلِ ِف ْر َعوْنَ سُوءُ اْلعَذَا ِ‬ ‫بِاْلعِبَا ِد (‪َ )44‬فوَقَاهُ الّلهُ َسيّئَا ِ‬
‫غُ ُدوّا َو َعشِيّا وََي ْومَ َتقُومُ السّا َعةُ َأدْخِلُوا آلَ ِف ْر َعوْنَ َأشَدّ اْلعَذَابِ (‪ )46‬سورة غافر‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫** وَقَا َل رَجُ ٌل ّم ْؤمِ ٌن مّنْ آلِ ِف ْر َعوْنَ يَ ْكتُمُ ِإيَاَنهُ أََتقُْتلُو َن رَجُلً أَن َيقُو َل رَبّ َي الّل ُه وَقَدْ جَآءَكُمْ بِاْلبَيّنَاتِ‬
‫ض الّذِي َيعِدُكُمْ إِنّ الّلهَ لَ َيهْدِي مَنْ‬ ‫مِن رّبّكُ ْم وَإِن َيكُ كَاذِبا َفعََلْيهِ كَ ِذُبهُ وَإِن َيكُ صَادِقا ُيصِبْكُمْ َبعْ ُ‬
‫صرُنَا مِن بَ ْأسِ الّلهِ إِن جَآءَنَا‬ ‫ب * َيقَومِ لَكُ ُم الْ ُم ْلكُ الَْي ْومَ ظَا ِهرِي َن فِي ال ْرضِ فَمَن يَن ُ‬ ‫سرِفٌ كَذّا ٌ‬ ‫ُه َو مُ ْ‬
‫قَالَ ِف ْر َعوْ ُن مَآ ُأرِيكُمْ إِ ّل مَآ َأ َرىَ َومَآ َأهْدِيكُمْ ِإلّ سَبِيلَ ال ّرشَادِ‬
‫الشهور أن هذا الرجل الؤمن كان قبطيا من آل فرعون قال السدي‪ :‬كان ابن عم فرعون ويقال‬
‫إنه الذي نا مع موسى عليه الصلة والسلم‪ ,‬واختاره ابن جرير ورد قول من ذهب إل أنه كان‬
‫إسرائيليا لن فرعون انفعل لكلمه واستمعه وكف عن قتل موسى عليه السلم‪ ,‬ولو كان إسرائيليا‬
‫لوشك أن يعاجل بالعقوبة لنه منهم وقال ابن جريج عن ابن عباس رضي ال عنهما ل يؤمن من آل‬

‫‪41‬‬
‫فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون والذي قال‪{ :‬يا موسى إن الل يأترون بك ليقتلوك} رواه‬
‫ابن أب حات وقد كان هذا الرجل يكتم إيانه عن قومه القبط فلم يظهر إل هذا اليوم حي قال فرعون‬
‫{ذرون أقتل موسى} فأخذت الرجل غضبة ل عز وجل‪ .‬وأفضل الهاد كلمة عدل عند سلطان‬
‫جائر كما ثبت بذلك الديث‪ ,‬ول أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله‪{ :‬أتقتلون رجلً أن‬
‫يقول رب ال} اللهم إل ما رواه البخاري ف صحيحه حيث قال حدثنا علي بن عبد ال حدثنا الوليد‬
‫بن مسلم حدثنا الوزاعي حدثن يي بن أب كثي حدثن ممد بن إبراهيم التيمي حدثن عروة بن‬
‫الزبي رضي ال تعال عنهما قال قلت لعبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما أخبن بأشد‬
‫شيء صنعه الشركون برسول ال صلى ال عليه وسلم قال بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي‬
‫بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أب معيط فأخذ بنكب رسول ال صلى ال عليه وسلم ولوى ثوبه ف‬
‫عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر رضي ال عنه فأخذ بنكبه ودفعه عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ث قال‪{ :‬أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟} انفرد به البخاري‬
‫من حديث الوزاعي قال وتابعه ممد بن إسحاق عن يي بن عروة عن أبيه به‪ .‬وقال ابن أب حات‬
‫حدثنا هارون بن إسحاق المدان حدثنا عبدة عن هشام يعن ابن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص‬
‫رضي ال عنه أنه سئل ما أشد ما رأيت قريشا بلغوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال مر‬
‫صلى ال عليه وسلم بم ذات يوم فقالوا له أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ فقال‪« :‬أنا ذاك»‬
‫فقاموا إليه فأخذوا بجامع ثيابه فرأيت أبا بكر رضي ال عنه متضنه من ورائه وهو يصيح بأعلى‬
‫صوته وإن عينيه لتسيلن وهو يقول‪ :‬يا قوم {أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات‬
‫من ربكم} حت فرغ من الَية كلها وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة فجعله من مسند عمرو‬
‫بن العاص رضي ال عنه‪ ,‬وقوله تعال‪{ :‬وقد جاءكم بالبينات من ربكم} أي كيف تقتلون رجلً‬
‫لكونه يقول رب ال وقد أقام لكم البهان على صدق ما جاءكم به من الق ؟ ث تنل معهم ف‬
‫الخاطبة فقال‪{ :‬وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم} يعن إذا ل‬
‫يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل والرأي التام والزم أن تتركوه ونفسه فل تؤذوه فإن يك‬
‫كاذبا فإن ال سبحانه وتعال سيجازيه على كذبه بالعقوبة ف الدنيا والَخرة وإن يكن صادقا وقد‬
‫آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب ف الدنيا والَخرة فمن الائز‬
‫عندكم أن يكون صادقا فينبغي على هذا أن ل تتعرضوا له بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه‪.‬‬
‫وهكذا أخب ال عز وجل عن موسى عليه السلم أنه طلب من فرعون وقومه الوادعة ف قوله‪:‬‬
‫{ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كري * أن أدوا إل عباد ال إن لكم رسول أمي *‬
‫وأن ل تعلوا على ال إن آتيكم بسلطان مبي * وإن عذت برب وربكم أن ترجون * وإن ل تؤمنوا‬
‫ل فاعتزلون} وهكذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقريش أن يتركوه يدعو إل ال تعال عباد‬

‫‪42‬‬
‫ال ول يسوه بسوء ويصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ف ترك أذيته قال ال عز وجل‪{ :‬قل ل أسألكم‬
‫عليه أجرا إل الودة ف القرب} أي أن ل تؤذون فيما بين وبينكم من القرابة فل تؤذون وتتركوا بين‬
‫وبي الناس‪ ,‬وعلى هذا وقعت الدنة يوم الديبية وكان فتحا مبينا‪ ,‬وقوله جل وعل‪{ :‬إن ال ل‬
‫يهدي من هو مسرف كذاب} أي لو كان هذا الذي يزعم أن ال تعال أرسله إليكم كاذبا كما‬
‫تزعمون لكان أمره بينا يظهر لكل أحد ف أقواله وأفعاله فكانت تكون ف غاية الختلف‬
‫والضطراب وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما‪ ,‬ولو كان من السرفي الكذابي لا هداه ال‬
‫وأرشده إل ما ترون من انتظام أمره وفعله‪ ,‬ث قال الؤمن مذرا قومه زوال نعمة ال عنهم وحلول‬
‫نقمة ال بم‪{ :‬يا قوم لكم اللك اليوم ظاهرين ف الرض} أي قد أنعم ال عليكم بذا اللك‬
‫والظهور ف الرض بالكلمة النافذة والاه العريض فراعوا هذه النعمة بشكر ال تعال وتصديق رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم واحذروا نقمة ال إن كذبتم رسوله {فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا} أي ل‬
‫تغن عنكم هذه النود وهذه العساكر ول ترد عنا شيئا من بأس ال إن أرادنا بسوء قال فرعون‬
‫لقومه رادا على ما أشار به هذا الرجل الصال البار الراشد الذي كان أحق باللك من فرعون {ما‬
‫أريكم إل ما أرى} أي ما أقول لكم وأشي عليكم إل ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون فإنه كان‬
‫يتحقق صدق موسى عليه السلم فيما جاء به من الرسالة {قال لقد علمت ما أنزل هؤلء إل رب‬
‫السموات والرض بصائر} وقال ال تعال‪{ :‬وجحدوا با واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فقوله‪:‬‬
‫{ما أريكم إل ما أرى} كذب فيه وافترى وخان ال تبارك وتعال ورسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫ورعيته فغشهم وما نصحهم وكذا قوله‪{ :‬وما أهديكم إل سبيل الرشاد} أي وما أدعوكم إل إل‬
‫طريق الق والصدق والرشد وقد كذب أيضا ف ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه قال ال‬
‫تبارك وتعال‪{ :‬فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد} وقال جلت عظمته‪{ :‬وأضل فرعون قومه‬
‫وما هدى} وف الديث «ما من إمام يوت يوم يوت وهو غاش لرعيته إل ل يرح رائحة النة وإن‬
‫ريها ليوجد من مسية خسمائة عام» وال سبحانه وتعال الوفق للصواب‪.‬‬
‫ب * مِثْ َل دَْأبِ َق ْومِ نُوحٍ َوعَا ٍد وَثَمُودَ‬ ‫ف َعلَيْكُ ْم مّثْ َل َي ْومِ ال ْحزَا ِ‬
‫** وَقَا َل الّ ِذيَ آمَنَ َي َق ْومِ ِإنّيَ أَخَا ُ‬
‫وَالّذِي َن مِن َبعْ ِدهِمْ َومَا الّلهُ ُيرِيدُ ُظلْما ّل ْلعِبَادِ * وََي َق ْومِ إِنّيَ أَخَافُ َعلَيْ ُكمْ َي ْومَ الّتنَا ِد * َي ْومَ ُتوَلّونَ‬
‫ف مِن َقبْلُ‬ ‫مُدِْبرِي َن مَا لَكُ ْم مّنَ الّلهِ مِ ْن عَاصِ ٍم َومَن ُيضْلِلِ الّلهُ فَمَا َلهُ مِ ْن هَا ٍد * وََلقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُ ُ‬
‫ك مّمّا جَآءَكُـمْ ِبهِ َحتّىَ ِإذَا َهَلكَ قُ ْلتُمْ لَن َيْب َعثَ الّل ُه مِن َبعْ ِدهِ رَسُولً‬ ‫بِالَْبيّنَاتِ َفمَا زِلْتُ ْم فِي َش ّ‬
‫ب * الّذِينَ يُجَادِلُو َن فِيَ آيَاتِ الّلهِ ِبغَْيرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ َكُبرَ َمقْتا‬ ‫ف ّمرْتَا ٌ‬ ‫سرِ ٌ‬ ‫كَ َذِلكَ ُيضِلّ الّلهُ مَ ْن ُهوَ مُ ْ‬
‫عِندَ الّلهِ َوعِندَ الّذِي َن آمَنُواْ كَذَِلكَ يَ ْطبَعُ الّلهُ َعلَىَ كُـلّ َق ْلبِ مَُتكَّبرٍ جَبّارٍ‬
‫هذا إخبار من ال عز وجل عن هذا الرجل الصال مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس ال تعال ف‬
‫الدنيا والَخرة فقال‪{ :‬يا قوم إن أخاف عليكم مثل يوم الحزاب} أي الذين كذبوا رسل ال ف‬

‫‪43‬‬
‫قدي الدهر كقوم نوح وعاد وثود والذين من بعدهم من المم الكذبة كيف حل بم بأس ال وما‬
‫رده عنهم راد ول صده عنهم صاد {وما ال يريد ظلما للعباد} أي إنا أهلكهم ال تعال بذنوبم‬
‫وتكذيبهم رسله ومالفتهم أمره فأنفذ فيهم قدره ث قال‪{ :‬ويا قوم إن أخاف عليكم يوم التناد} يعن‬
‫يوم القيامة وسي بذلك‪ ,‬قال بعضهم لا جاء ف حديث الصور أن الرض إذا زلزلت وانشقت من‬
‫قطر إل قطر وماجت وارتت فنظر الناس إل ذلك ذهبوا هاربي ينادي بعضهم بعضا وقال آخرون‬
‫منهم الضحاك بل ذلك إذا جيء بنهم ذهب الناس هرابا منهم فتتلقاهم اللئكة فتردهم إل مقام‬
‫الحشر وهو قوله تعال‪{ :‬واللك على أرجائها} وقوله‪{ :‬يا معشر الن والنس إن استطعتم أن‬
‫تنفذوا من أقطار السموات والرض فانفذوا ل تنفذون إل بسلطان} وقد روي عن ابن عباس رضي‬
‫ال عنه والسن والضحاك أنم قرأوا يوم التناد بتشديد الدال من ند البعي إذا شرد وذهب وقيل لن‬
‫اليزان عنده ملك إذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته أل قد سعد فلن بن فلن سعادة ل‬
‫يشقى بعدها أبدا‪ ,‬وإن خف عمله نادى أل قد شقي فلن بن فلن وقال قتادة‪ :‬ينادي كل قوم‬
‫بأعمالم‪ ,‬ينادي أهل النة أهل النة وأهل النار أهل النار‪ ,‬وقيل سي بذلك لناداة أهل النة أهل‬
‫النار {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدت ما وعد ربكم حقا ؟ قالوا نعم} ومناداة أهل‬
‫النار أهل النة {أن أفيضوا علينا من الاء أو ما رزقكم ال قالوا إن ال حرمهما على الكافرين}‬
‫ولناداة أصحاب العراف أهل النة وأهل النار كما هو مذكور ف سورة العراف‪ ,‬واختار البغوي‬
‫وغيه أنه سي بذلك لجموع ذلك وهو قول حسن جيد‪ ,‬وال أعلم وقوله تعال‪{ :‬يوم تولون‬
‫مدبرين} أي ذاهبي هاربي {كل ل وزر إل برك يومئذ الستقر} ولذا قال عز وجل‪{ :‬ما لكم من‬
‫ال من عاصم} أي ل مانع ينعكم من بأس ال وعذابه {ومن يضلل ال فما له من هاد} أي من‬
‫أضله ال فل هادي له غيه‪ .‬وقوله تبارك وتعال‪{ :‬ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} يعن أهل‬
‫مصر وقد بعث ال فيهم رسولً من قبل موسى عليه الصلة والسلم وهو يوسف عليه الصلة‬
‫والسلم كان عزيز أهل مصر وكان رسولً يدعو إل ال تعال أمته بالقسط فما أطاعوه تلك الطاعة‬
‫إل بجرد الوزارة والاه الدنيوي ولذا قال تعال‪{ :‬فما زلتم ف شك ما جاءكم به حت إذا هلك‬
‫قلتم لن يبعث ال من بعده رسولً} أي يئستم فقلتم طامعي‪{ :‬لن يبعث ال من بعده رسولً}‬
‫وذلك لكفرهم وتكذيبهم {كذلك يضل ال من هو مسرف مرتاب} أي كحالكم هذا يكون حال‬
‫من يضله ال لسرافه ف أفعاله وارتياب قلبه‪ ,‬ث قال عز وجل‪{ :‬الذين يادلون ف آيات ال بغي‬
‫سلطان أتاهم} أي الذين يدفعون الق بالباطل ويادلون بالجج بغي دليل وحجة معهم من ال‬
‫تعال فإن ال عز وجل يقت على ذلك أشد القت ولذا قال تعال‪{ :‬كب مقتا عند ال وعند الذين‬
‫آمنوا} أي والؤمنون أيضا يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته يطبع ال على‬
‫قلبه فل يعرف بعد ذلك معروفا ول ينكر منكرا ولذا قال تبارك وتعال‪{ :‬كذلك يطبع ال على كل‬

‫‪44‬‬
‫قلب متكب} أي على اتباع الق {جبار} وروى ابن أب حات عن عكرمة وحكي عن الشعب أنما‬
‫قال‪ :‬ل يكون النسان جبارا حت يقتل نفسي وقال أبو عمران الون وقتادة‪ :‬آية البابرة القتل بغي‬
‫حق‪ ,‬وال تعال أعلم‪.‬‬
‫ب * َأسْبَابَ السّمَاوَاتِ فَأَ ّطلِعَ إِلَىَ ِإلَـهِ‬ ‫صرْحا ّلعَـّليَ أَبُْلغُ ال ْسبَا َ‬ ‫** وَقَا َل َف ْر َعوْنُ َيهَامَا ُن ابْنِ لِي َ‬
‫سبِي ِل َومَا كَـيْ ُد ِف ْر َعوْنَ إِلّ‬‫ك زُيّنَ ِل ِف ْر َعوْنَ ُسوَ ُء عَمَِل ِه َوصُدّ عَ ِن ال ّ‬
‫مُوسَ َى وَإِنّي لظُّنهُ كَاذِبا وَكَـذَِل َ‬
‫فِي َتبَابٍ‬
‫يقول تعال مباعن فرعون وعتوه وترده وافترائه ف تكذيبه موسى عليه الصلة والسلم أنه أمر‬
‫وزيره هامان أن يبن له صرحا وهو القصر العال النيف الشاهق وكان اتاذه من الَجر الضروب من‬
‫الطي الشوي كما قال تعال‪{ :‬فأوقد ل يا هامان على الطي فاجعل ل صرحا} ولذا قال إبراهيم‬
‫النخعي كانوا يكرهون البناء بالَجر وأن يعلوه ف قبورهم رواه ابن أب حات‪ ,‬وقوله {لعلي أبلغ‬
‫السباب أسباب السموات} إل قال سعيد بن جبي وأبو صال أبواب السموات وقيل طرق‬
‫السموات {فأطلع إل إله موسى وإن لظنه كاذبا} وهذا من كفره وترده أنه كذب موسى عليه‬
‫الصلة والسلم ف أن ال عز وجل أرسله إليه قال ال تعال‪{ :‬وكذلك زين لفرعون سوء عمله‬
‫وصد عن السبيل} أي بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل شيئا يتوصل به إل تكذيب‬
‫موسى عليه الصلة والسلم ولذا قال تعال‪{ :‬وما كيد فرعون إل ف تباب} قال ابن عباس وماهد‬
‫يعن إل ف خسار‪.‬‬
‫حيَاةُ ال ّدنْيَا مَتَاعٌ‬
‫** وَقَا َل الّ ِذيَ آمَنَ َي َق ْومِ اّتِبعُونِ َأهْدِكُـمْ َسبِيـلَ ال ّرشَـادِ * َي َق ْومِ ِإنّمَا هَـ ِذهِ الْ َ‬
‫ج َزىَ إِ ّل مِْثَلهَا َومَنْ عَمِـ َل صَالِحا مّن‬ ‫ل يُ ْ‬
‫وَإِ ّن الَ ِخ َرةَ هِ َي دَارُ اْلقَـرَارِ * مَ ْن عَمِـلَ سَـيَّئةً فَ َ‬
‫ب‬
‫جنّةَ ُي ْرزَقُو َن فِيهَا ِبغَْيرِ ِحسَا ٍ‬
‫ذَكَـرٍ َأوْ ُأنْثَ َى َو ُه َو ُمؤْمِنٌ فَُأوْلَـِئكَ يَدْخُلُو َن الْ َ‬
‫يقول الؤمن لقومه من ترد وطغى وآثر الياة الدنيا ونسي البار العلى فقال لم‪{ :‬يا قوم اتبعون‬
‫أهدكم سبيل الرشاد} ل كما كذب فرعون ف قوله‪{ :‬وما أهديكم إل سبيل الرشاد} ث زهدهم ف‬
‫الدنيا الت قد آثروها على الَخرى وصدتم عن التصديق برسول ال صلى ال عليه وسلم موسى عليه‬
‫الصلة والسلم فقال‪{ :‬يا قوم إنا هذه الياة الدنيا متاع} أي قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب‬
‫وتضمحل {وإن الَخرة هي دار القرار} أي الدار الت ل زوال لا ول انتقال منها ول ظعن عنها إل‬
‫غيها بل إما نعيم وإما جحيم ولذا قال جلت عظمته‪{ :‬من عمل سيئة فل يزى إل مثلها} أي‬
‫واحدة مثلها {ومن عمل صالا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون النة يرزقون فيها بغي‬
‫حساب} أي ل يتقدر بزاء بل يثيبه ال عز وجل ثوابا كثيا ل انقضاء له ول نفاد وال تعال الوفق‬
‫للصواب‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫** وََي َق ْومِ مَا لِيَ َأ ْدعُوكُـمْ ِإلَى النّجَا ِة وَتَ ْدعُونَنِيَ إِلَى النّا ِر * تَ ْدعُونَنِي لكْـ ُفرَ بِالّلهِ وَُأ ْشرِكَ ِبهِ مَا‬
‫َلْيسَ لِي ِب ِه عِلْ ٌم وَأَنَاْ َأ ْدعُوكُمْ إِلَى اْل َعزِيزِ اْل َغفّا ِر * َل َج َرمَ َأنّمَا تَ ْدعُوَننِيَ إَِلْيهِ َلْيسَ َل ُه َد ْع َوةٌ فِي ال ّدنْيَا‬
‫ستَذْ ُكرُونَ مَآ َأقُولُ لَكُـمْ‬ ‫سرِِفيَ هُمْ َأصْحَابُ النّارِ * فَ َ‬ ‫وَلَ فِي الَ ِخ َر ِة وَأَ ّن َمرَدّنَآ ِإلَى الّل ِه وَأَنّ الْ ُم ْ‬
‫ق بِآلِ ِف ْر َعوْنَ ُس َوءُ‬ ‫ت مَا مَكَـرُوْا وَحَا َ‬ ‫وَُأَف ّوضُ َأ ْم ِريَ إِلَى الّلهِ إِ ّن الّلهَ َبصِيٌ بِاْلعِبَا ِد * فَوقَاهُ الّلهُ سَّيئَا ِ‬
‫ب*‬ ‫اْلعَذَا ِ‬
‫النّا ُر ُي ْعرَضُونَ َعلَْيهَا غُ ُدوّا َوعَشِيّا وََي ْومَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْ ِخُلوَْا آلَ ِف ْر َعوْنَ َأشَدّ اْلعَذَابِ يقول لم‬
‫الؤمن ما بال أدعوكم إل النجاة وهي عبادة ال وحده ل شريك له وتصديق رسوله ال الذي بعثه‬
‫{وتدعونن إل النار * تدعونن لكفر بال وأشرك به ما ليس ل به علم} أي على جهل بل دليل‬
‫{وأنا أدعوكم إل العزيز الغفار} أي هو ف عزته وكبيائه يغفر ذنب من تاب إليه {ل جرم أنا‬
‫تدعونن إليه} يقول حقا ؟ قال السدي وابن جرير معن قوله {ل جرم} حقا‪ .‬وقال الضحاك {ل‬
‫جرم} ل كذب وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس {ل جرم} يقول‪ :‬بلى إن الذي تدعونن إليه‬
‫من الصنام والنداد {ليس له دعوة ف الدنيا ول ف الَخرة} قال ماهد‪ :‬الوثن ليس له شيء‪ ,‬وقال‬
‫قتادة يعن الوثن ل ينفع ول يضر‪ ,‬وقال السدي‪ :‬ل ييب داعيه ل ف الدنيا ول ف الَخرة‪ ,‬وهذا‬
‫كقوله تبارك وتعال‪{ :‬ومن أضل من يدعو من دون ال من ل يستجيب له إل يوم القيامة وهم عن‬
‫دعائهم غافلون ؟ * وإذا حشر الناس كانوا لم أعداء وكانوا بعبادتم كافرين} {إن تدعوهم ل‬
‫يسمعوا دعاءكم ولو سعوا ما استجابوا لكم} وقوله‪{ :‬وأن مردنا إل ال} أي ف الدار الَخرة‬
‫فيجازي كلً بعمله ولذا قال‪{ :‬وأن السرفي هم أصحاب النار} أي خالدين فيها بإسرافهم وهو‬
‫شركهم بال عز وجل‪{ :‬فستذكرون ما أقول لكم} أي سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونيتكم‬
‫عنه ونصحتكم ووضحت لكم وتتذكرونه وتندمون حيث ل ينفع الندم {وأفوض أمري إل ال} أي‬
‫وأتوكل على ال وأستعينه وأقاطعكم وأباعدكم {إن ال بصي بالعباد} أي هو بصي بم تعال‬
‫وتقدس فيهدي من يستحق الداية ويضل من يستحق الضلل وله الجة البالغة والكمة التامة‬
‫والقدر النافذ‪ .‬وقوله تبارك وتعال‪{ :‬فوقاه ال سيئات ما مكروا} أي ف الدنيا والَخرة‪ ,‬وأما ف‬
‫الدنيا فنجاه ال تعال مع موسى عليه الصلة والسلم وأما ف الَخرة فبالنة {وحاق بآل فرعون‬
‫سوء العذاب} وهو الغرق ف اليم ث النقلة منه إل الحيم‪ ,‬فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا‬
‫ومساء إل قيام الساعة فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم ف النار‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫(وقال فرعون‪:‬ذرون أقتل موسى ‪ ,‬وليدع ربه ‪ ,‬إن أخاف أن يبدل دينكم ‪ ,‬أو أن يظهر ف الرض‬
‫الفساد) ‪. .‬‬

‫‪46‬‬
‫ويبدو من قوله‪( :‬ذرون أقتل موسى) ‪ . .‬أن رأيه هذا كان يد مانعة ومعارضة ‪ -‬من ناحية الرأي ‪-‬‬
‫كأن يقال مثلً‪:‬إن قتل موسى ل ينهي الشكال ‪ .‬فقد يوحي هذا للجماهي بتقديسه واعتباره شهيدا‬
‫‪ ,‬والماسة الشعورية له وللدين الذي جاء به ‪ ,‬وباصة بعد إيان السحرة ف مشهد شعب جامع ‪,‬‬
‫وإعلنم سبب إيانم ‪ ,‬وهم الذين جيء بم ليبطلوا عمله ويناوئوه ‪ . .‬وقد يكون بعض مستشاري‬
‫اللك أحس ف نفسه رهبة أن ينتقم إله موسى له ‪ ,‬ويبطش بم ‪ .‬وليس هذا ببعيد ‪ ,‬فقد كان‬
‫الوثنيون يعتقدون بتعدد اللة ‪ ,‬ويتصورون بسهولة أن يكون لوسى إله ينتقم له من يعتدون عليه !‬
‫ويكون قول فرعون‪( :‬وليدع ربه) ‪ . .‬ردا على هذا التلويح ! وإن كان ل يبعد أن هذه الكلمة‬
‫الفاجرة من فرعون ‪ ,‬كانت تبجحا واستهتارا ‪ ,‬لقي جزاءه ف ناية الطاف كما سيجيء ‪.‬‬
‫ولعله من الطريف أن نقف أمام حجة فرعون ف قتل موسى‪:‬‬
‫(إن أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر ف الرض الفساد) ‪. .‬‬
‫فهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثن ‪ ,‬عن موسى رسول ال ‪ -‬عليه السلم ‪( -‬إن‬
‫أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر ف الرض الفساد) ?!!‬
‫أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح ? أليست هي بعينها كلمة الباطل‬
‫الكال ف وجه الق الميل ? أليست هي بعينها كلمة الداع البيث لثارة الواطر ف وجه اليان‬
‫الادى ء ?‬
‫إنه منطق واحد ‪ ,‬يتكرر كلما التقى الق والباطل ‪ ,‬واليان والكفر ‪ .‬والصلح والطغيان على توال‬
‫الزمان واختلف الكان ‪ .‬والقصة قدية مكررة تعرض بي الي والي ‪.‬‬
‫فأما موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فالتجأ إل الركن الركي والصن الصي ‪ ,‬ولذ بالناب الذي يمي‬
‫اللئذين ‪ ,‬ويي الستجيين‪:‬‬
‫(وقال موسى‪:‬إن عذت برب وربكم من كل متكب ل يؤمن بيوم الساب) ‪. .‬‬
‫قالا ‪ .‬واطمأن ‪ .‬وسلم أمره إل الستعلي على كل متكب ‪ ,‬القاهر لكل متجب ‪ ,‬القادر على حاية‬
‫العائذين به من الستكبين ‪ .‬وأشار إل وحدانية ال ربه وربم ل ينسها أو يتركها أمام التهديد‬
‫والوعيد ‪ .‬كما أشار إل عدم اليان بيوم الساب ‪ .‬فما يتكب متكب وهو يؤمن بيوم الساب ‪ ,‬وهو‬
‫ل ‪ ,‬مردا من كل قوة ‪ ,‬ما له من حيم ول شفيع‬ ‫يتصور موقفه يومئذ حاسرا خاشعا خاضعا ذلي ً‬
‫يطاع ‪.‬‬
‫هنا انتدب رجل من آل فرعون ‪ ,‬وقع الق ف قلبه ‪ ,‬ولكنه كتم إيانه ‪ .‬انتدب يدفع عن موسى ‪,‬‬
‫سرِفٌ كَذّابٌ (‬‫ك صَادِقا ُيصِبْكُم َبعْضُ الّذِي َيعِدُكُمْ إِ ّن الّلهَ لَا َيهْدِي مَ ْن ُه َو مُ ْ‬
‫ويتال كَذُِب ُه وَإِن َي ُ‬
‫‪)28‬‬

‫‪47‬‬
‫لدفع القوم عنه ‪ ,‬ويسلك ف خطابه لفرعون وملئه مسالك شت ‪ ,‬ويتدسس إل قلوبم بالنصيحة‬
‫ويثي حساسيتها بالتخويف والقناع‪:‬‬
‫وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيانه‪:‬أتقتلون رجلً أن يقول‪:‬رب ال ‪ ,‬وقد جاءكم بالبينات‬
‫من ربكم ? وإن يك كاذبا فعليه كذبه ‪ ,‬وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ‪ ,‬إن ال ل‬
‫يهدي من هو مسرف كذاب ‪ .‬يا قوم لكم اللك اليوم ظاهرين ف الرض ‪ ,‬فمن ينصرنا من بأس ال‬
‫إن جاءنا ? قال فرعون‪:‬ما أريكم إل ما أرى ‪ ,‬وما أهديكم إل سبيل الرشاد ‪ .‬وقال الذي آمن‪:‬يا‬
‫قوم إن أخاف عليكم مثل يوم الحزاب ‪ .‬مثل دأب قوم نوح وعاد وثود والذين من بعدهم ‪ ,‬وما‬
‫ال يريد ظلما للعباد ‪ .‬ويا قوم إن أخاف عليكم يوم التناد ‪ .‬يوم تولون مدبرين ما لكم من ال من‬
‫عاصم ‪ ,‬ومن يضلل ال فما له من هاد ‪ .‬ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ; فما زلتم ف شك‬
‫ما جاءكم به ‪ ,‬حت إذا هلك قلتم‪:‬لن يبعث ال من بعده رسولً ‪ .‬كذلك يضل ال من هو مسرف‬
‫مرتاب ‪ .‬الذين يادلون ف آيات ال بغي سلطان أتاهم كب مقتا عند ال وعند الذين آمنوا ‪ ,‬كذلك‬
‫يطبع ال على كل قلب متكب جبار ‪. .‬‬
‫إنا جولة ضخمة هذه الت جالا الرجل الؤمن مع التآمرين من فرعون وملئه ‪ .‬وإنه منطق الفطرة‬
‫الؤمنة ف حذر ومهارة وقوة كذلك ‪.‬‬
‫إنه يبدأ بتفظيع ما هم مقدمون عليه‪( :‬أتقتلون رجلً أن يقول‪:‬رب ال) ‪ . .‬فهل هذه الكلمة البيئة‬
‫التعلقة باعتقاد قلب ‪ ,‬واقتناع نفس ‪ ,‬تستحق القتل ‪ ,‬ويرد عليها بإزهاق روح ? إنا ف هذه الصورة‬
‫فعلة منكرة بشعة ظاهرة القبح والبشاعة ‪.‬‬
‫ث يطو بم خطوة أخرى ‪ .‬فالذي يقول هذه الكلمة البيئة‪ :‬رب ال ‪ . .‬يقولا ومعه حجته ‪ ,‬وف‬
‫يده برهانه‪( :‬وقد جاءكم بالبينات من ربكم) ‪ . .‬يشي إل تلك اليات الت عرضها موسى ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬ورأوها ‪ ,‬وهم ‪ -‬فيما بينهم وبعيدا عن الماهي ‪ -‬يصعب أن ياروا فيها !‬
‫ث يفرض لم أسوأ الفروض ; ويقف معهم موقف النصف أمام القضية ; تشيا مع أقصى فرض يكن‬
‫أن يتخذوه‪( :‬وإن يك كاذبا فعليه كذبه) ‪ . .‬وهو يمل تبعة عمله ‪ ,‬ويلقى جزاءه ‪ ,‬ويتمل جريرته‬
‫‪ .‬وليس هذا بسوغ لم أن يقتلوه على أية حال !‬
‫وهناك الحتمال الخر ‪ ,‬وهو أن يكون صادقا ‪ .‬فيحسن الحتياط لذا الحتمال ‪ ,‬وعدم التعرض‬
‫لنتائجه‪( :‬وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) ‪ . .‬وإصابتهم ببعض الذي يعدهم هو كذلك‬
‫أقل احتمال ف القضية ‪ ,‬فهو ل يطلب إليهم أكثر منه ‪ .‬وهذا منتهى النصاف ف الدل والفحام ‪.‬‬
‫ث يهددهم من طرف خفي ‪ ,‬وهو يقول كلما ينطبق على موسى كما ينطبق عليهم‪( :‬إن ال ل‬
‫يهدي من هو مسرف كذاب) ‪ . .‬فإذا كان موسى فإن ال ل يهديه ول يوفقه ‪ ,‬فدعوه له يلقي منه‬
‫جزاءه ‪ .‬واحذروا أن تكونوا أنتم الذين تكذبون على موسى وربه وتسرفون ‪ ,‬فيصيبكم هذا الآل !‬

‫‪48‬‬
‫وحي يصل بم إل فعل ال بن هو مسرف كذاب ‪ ,‬يهجم عليهم موفا بعقاب ال ‪ ,‬مذرا من بأسه‬
‫الذي ل ينجيهم منه ما هم فيه من ملك وسلطان ‪ ,‬مذكرا إياهم بذه النعمة الت تستحق الشكران ل‬
‫الكفران‪:‬‬
‫(يا قوم لكم اللك اليوم ظاهرين ف الرض ‪ .‬فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ?) ‪. .‬‬
‫إن الرجل يشعر با يشعر به القلب الؤمن ‪ ,‬من أن بأس ال أقرب ما يكون لصحاب اللك‬
‫والسلطان ف الرض ; فهم أحق الناس بأن يذروه ‪ ,‬وأجدر الناس بأن يسوه ويتقوه ‪ ,‬وأن يبيتوا‬
‫منه على وجل ‪ ,‬فهو يتربص بم ف كل لظة من لظات الليل والنهار ‪ .‬ومن ث يذكرهم با هم فيه‬
‫من اللك والسلطان ‪ ,‬وهو يشي إل هذا العن الستقر ف حسه البصي ‪ .‬ث يمل نفسه فيهم وهو‬
‫يذكرهم ببأس ال‪( :‬فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ?) ليشعرهم أن أمرهم يهمه ‪ ,‬فهو واحد‬
‫منهم ‪ ,‬ينتظر مصيه معهم ; وهو إذن ناصح لم مشفق عليهم ‪ ,‬لعل هذا أن يعلهم ينظرون إل‬
‫تذيره باهتمام ‪ ,‬ويأخذونه مأخذ الباءة والخلص ‪ .‬وهو ياول أن يشعرهم أن بأس ال إن جاء‬
‫فل ناصر منه ول مي عليه ‪ ,‬وأنم إزاءه ضعاف ضعاف ‪.‬‬
‫هنا يأخذ فرعون ما يأخذ كل طاغية توجه إليه النصيحة ‪ .‬تأخذه العزة بالث ‪ .‬ويرى ف النصح‬
‫الالص افتياتا على سلطانه ‪ ,‬ونقصا من نفوذه ‪ ,‬ومشاركة له ف النفوذ والسلطان‪:‬‬
‫(قال فرعون‪:‬ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم إل سبيل الرشاد) ‪. .‬‬
‫إنن ل أقول لكم إل ما أراه صوابا ‪ ,‬وأعتقده نافعا ‪ .‬وإنه لو الصواب والرشد بل شك ول جدال !‬
‫وهل يرى الطغاة إل الرشد والي والصواب ?! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنم قد يطئون ?!‬
‫وهل يوز لحد أن يرى إل جوار رأيهم رأيا ?! وإل فلم كانوا طغاة ?!‬
‫ولكن الرجل الؤمن يد من إيانه غي هذا ; ويد أن عليه واجبا أن يذر وينصح ويبدي من الرأي‬
‫ما يراه ‪ .‬ويرى من الواجب عليه أن يقف إل جوار الق الذي يعتقده كائنا ما كان رأي الطغاة ‪ .‬ث‬
‫هو يطرق قلوبم بإيقاع آخر لعلها تس وتستيقظ وترتعش وتلي ‪ .‬يطرق قلوبم بلفتها على مصارع‬
‫الحزاب قبلهم ‪ .‬وهي شاهدة ببأس ال ف أخذ الكذبي والطغاة‪:‬‬
‫(وقال الذي آمن‪:‬يا قوم إن أخاف عليكم مثل يوم الحزاب ‪ .‬مثل دأب قوم نوح وعاد وثود والذين‬
‫من بعدهم ‪ .‬وما ال يريد ظلما للعباد) ‪. .‬‬
‫ولكل حزب كان يوم ‪ .‬ولكن الرجل الؤمن يمعها ف يوم واحد‪( :‬مثل يوم الحزاب) فهو اليوم‬
‫الذي يتجلى فيه بأس ال ‪ .‬وهو يوم واحد ف طبيعته على تفرق الحزاب ‪( . .‬وما ال يريد ظلما‬
‫للعباد) إنا يأخذهم بذنوبم ‪ ,‬ويصلح من حولم ومن بعدهم بأخذهم بأيام ال ‪.‬‬
‫ث يطرق على قلوبم طرقة أخرى ‪ ,‬وهو يذكرهم بيوم آخر من أيام ال ‪ .‬يوم القيامة ‪ .‬يوم التنادي‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫(ويا قوم إن أخاف عليكم يوم التناد ‪ .‬يوم تولون مدبرين ما لكم من ال من عاصم ‪ .‬ومن يضلل ال‬
‫فما له من هاد) ‪. .‬‬
‫وف ذلك اليوم ينادي اللئكة الذين يشرون الناس للموقف ‪ .‬وينادي أصحاب العراف على‬
‫أصحاب النة وأصحاب النار ‪ .‬وينادي أصحاب النة أصحاب النار ‪ ,‬وأصحاب النار أصحاب‬
‫النة ‪ . .‬فالتنادي واقع ف صور شت ‪ .‬وتسميته (يوم التناد) تلقي عليه ظل التصايح وتناوح‬
‫الصوات من هنا ومن هناك ‪ ,‬وتصور يوم زحام وخصام ‪ .‬وتتفق كذلك مع قول الرجل الؤمن‪:‬‬
‫(يوم تولون مدبرين ما لكم من ال من عاصم) ‪ . .‬وقد يكون ذلك فرارهم عند هول جهنم ‪ ,‬أو‬
‫ماولتهم الفرار ‪ .‬ول عاصم يومئذ ولت حي فرار ‪ .‬وصورة الفزع والفرار هي أول الصور هنا‬
‫للمستكبين التجبين ف الرض ‪ ,‬أصحاب الاه والسلطان !‬
‫(ومن يضلل ال فما له من هاد) ‪ . .‬ولعل فيها إشارة خفية إل قولة فرعون‪( :‬وما أهديكم إل سبيل‬
‫الرشاد) ‪ . .‬وتلميحا بأن الدى هدى ال ‪ .‬وأن من أضله ال فل هادي له ‪ .‬وال يعلم من حال‬
‫الناس وحقيقتهم من يستحق الدى ومن يستحق الضلل ‪.‬‬
‫وأخيا يذكرهم بوقفهم من يوسف ‪ ,‬ومن ذريته كان موسى ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬وكيف وقفوا‬
‫موقف الشك من رسالته وما جاءهم به من اليات ‪ ,‬فل يكرروا الوقف من موسى ‪ ,‬وهو يصدق ما‬
‫جاءهم به يوسف ‪ ,‬فكانوا منه ف شك وارتياب ‪ .‬ويكذب ما جزموا به من أن ال لن يبعث من‬
‫بعده رسو ًل ‪ ,‬وها هو ذا موسى ييء على فترة من يوسف ويكذب هذا القال‪:‬‬
‫(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ‪ ,‬فما زلتم ف شك ما جاءكم به ‪ ,‬حت إذا هلك قلتم‪:‬لن‬
‫يبعث ال من بعده رسو ًل ‪ .‬كذلك يضل ال من هو مسرف مرتاب ‪ .‬الذين يادلون ف آيات ال‬
‫بغي سلطان أتاهم ‪ .‬كب مقتا عند ال وعند الذين آمنوا ‪ .‬كذلك يطبع ال على كل قلب متكب‬
‫جبار) ‪. .‬‬
‫وهذه هي الرة الوحيدة ف القرآن الت يشار فيها إل رسالة يوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬للقوم ف مصر ‪.‬‬
‫وقد عرفنا من سورة يوسف ‪ ,‬أنه كان قد وصل إل أن يكون على خزائن الرض ‪ ,‬التصرف فيها ‪.‬‬
‫وأنه أصبح "عزيز مصر" وهو لقب قد يكون لكبي وزراء مصر ‪ .‬وف السورة كذلك ما قد يؤخذ منه‬
‫أنه جلس على عرش مصر ‪ -‬وإن ل يكن ذلك مؤكدا ‪ -‬وذلك قوله‪:‬‬
‫(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال‪:‬يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها رب‬
‫حقا) ‪. .‬‬
‫وقد يكون العرش الذي رفع عليه أبويه شيئا آخر غي عرش الملكة الصرية الفرعونية ‪ .‬وعلى أية‬
‫حال فقد وصل يوسف إل مكان الكم والسلطان ‪ .‬ومن ث نلك أن نتصور الالة الت يشي إليها‬
‫الرجل الؤمن ‪ .‬حالة شكهم فيما جاءهم به يوسف من قبل ‪ ,‬مع مصانعة يوسف صاحب السلطان‬

‫‪50‬‬
‫وعدم الهر بتكذيبه وهو ف هذا الكان ! (حت إذا هلك قلتم لن يبعث ال من بعده رسولً) ‪. .‬‬
‫وكأنا استراحوا لوته ‪ ,‬فراحوا يظهرون ارتياحهم ف هذه الصورة ‪ ,‬ورغبتهم عما جاءهم به من‬
‫التوحيد الالص ‪ ,‬الذي يبدو ما تكلم به ف سجنه مع صاحب السجن‪( :‬أأرباب متفرقون خي أم ال‬
‫الواحد القهار) ‪ . .‬فزعموا أن لن ييئهم من بعده رسول ‪ ,‬لن هذه كانت رغبتهم ‪ .‬وكثيا ما‬
‫يرغب الرء ف شيء ث يصدق تققه ‪ ,‬لن تققه يلب هذه الرغبة !‬
‫والرجل الؤمن يشتد هنا وهو يشي إل هذا الرتياب والسراف ف التكذيب فيقول‪:‬‬
‫(كذلك يضل ال من هو مسرف مرتاب) ‪. .‬‬
‫فينذرهم بإضلل ال الذي ينتظر كل مسرف مرتاب ف عقيدته وقد جاءته معها البينات ‪.‬‬
‫ث يشتد ف مواجهتهم بقت ال ومقت الؤمني لن يادل ف آيات ال بغي حجة ول برهان ‪ .‬وهم‬
‫يفعلون هذا ف أبشع صورة ‪ .‬ويندد بالتكب والتجب ‪ ,‬وينذر بطمس ال لقلوب التكبين التجبين !‬
‫(الذين يادلون ف آيات ال بغي سلطان أتاهم كب مقتا عند ال وعند الذين آمنوا ‪ .‬كذلك يطبع ال‬
‫على كل قلب متكب جبار) ‪. .‬‬
‫والتعبي على لسان الرجل الؤمن يكاد يكون طبق الصل من التعبي الباشر ف مطالع السورة ‪ .‬القت‬
‫للمجادلي ف آيات ال بغي برهان ‪ ,‬والضلل للمتكبين التجبين حت ما يبقى ف قلوبم موضع‬
‫للهدى ‪ ,‬ول منفذ للدراك ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذه الولة الضخمة الت أخذ الرجل الؤمن قلوبم با ; فقد ظل فرعون ف ضلله ‪,‬‬
‫مصرا على التنكر للحق ‪ .‬ولكنه تظاهر بأنه آخذ ف التحقق من دعوى موسى ‪ .‬ويبدو أن منطق‬
‫الرجل الؤمن وحجته كانت من شدة الوقع بيث ل يستطع فرعون ومن معه تاهلها ‪ .‬فاتذ فرعون‬
‫لنفسه مهربا جديدا‪:‬‬
‫(وقال فرعون‪:‬يا هامان ابن ل صرحا لعلي أبلغ السباب ‪ .‬أسباب السماوات فأطلع إل إله موسى ‪.‬‬
‫وإن لظنه كاذبا ‪ .‬وكذلك زين لفرعون سوء عمله ‪ ,‬وصد عن السبيل وما كيد فرعون إل ف‬
‫تباب) ‪. .‬‬
‫يا هامان ابن ل بناء عاليا لعلي أبلغ به أسباب السماوات ‪ ,‬لنظر وأبث عن إله موسى هناك (وإن‬
‫لظنه كاذبا) ‪ . .‬هكذا يوه فرعون الطاغية وياور ويداور ‪ ,‬كي ل يواجه الق جهرة ‪ ,‬ول يعترف‬
‫بدعوة الوحدانية الت تز عرشه ‪ ,‬وتدد الساطي الت قام عليها ملكه ‪ .‬وبعيد عن الحتمال أن يكون‬
‫هذا فهم فرعون وإدراكه ‪ .‬وبعيد أن يكون جادا ف البحث عن إله موسى على هذا النحو الادي‬
‫الساذج ‪ .‬وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور ‪ .‬إنا هو الستهتار والسخرية‬
‫من جهة ‪ .‬والتظاهر بالنصاف والتثبت من جهة أخرى ‪ .‬وربا كانت هذه خطة للتراجع أمام‬
‫مطارق النطق الؤمن ف حديث الرجل الؤمن ! وكل هذه الفروض تدل على إصراره على ضلله ‪,‬‬

‫‪51‬‬
‫وتبجحه ف جحوده‪( :‬وكذلك زين لفرعون سوء عمله ‪ ,‬وصد عن السبيل) ‪ . .‬وهو مستحق لن‬
‫يصد عن السبيل ‪ ,‬بذا الراء الذي ييل عن الستقامة وينحرف عن السبيل ‪.‬‬
‫ويعقب السياق على هذا الكر والكيد بأنه صائر إل اليبة والدمار‪:‬‬
‫(وما كيد فرعون إل ف تباب) ‪. .‬‬
‫وأمام هذه الراوغة ‪ ,‬وهذا الستهتار ‪ ,‬وهذا الصرار ألقى الرجل الؤمن كلمته الخية مدوية صرية‬
‫‪ ,‬بعدما دعا القوم إل اتباعه ف الطريق إل ال ‪ ,‬وهو طريق الرشاد ‪ .‬وكشف لم عن قيمة هذه‬
‫الياة الزائلة ; وشوقهم إل نعيم الياة الباقية وحذرهم عذاب الخرة وبي لم ما ف عقيدة الشرك‬
‫من زيف ومن بطلن‪:‬‬
‫وقال الذي آمن‪:‬يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ‪ .‬يا قوم إنا هذه الياة الدنيا متاع ‪ ,‬وإن الخرة‬
‫هي دار القرار ‪ .‬من عمل سيئة فل يزى إل مثلها ‪ ,‬ومن عمل صالا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن‬
‫فأولئك يدخلون النة يرزقون فيها بغي حساب ‪ .‬ويا قوم ما ل أدعوكم إل النجاة وتدعونن إل‬
‫النار ‪ .‬تدعونن لكفر بال وأشرك به ما ليس ل به علم ‪ ,‬وأنا أدعوكم إل العزيز الغفار ‪ .‬ل جرم أن‬
‫ما تدعونن إليه ليس له دعوة ف الدنيا ول ف الخرة ‪ ,‬وأن مردنا إل ال ‪ ,‬وأن السرفي هم‬
‫أصحاب النار ‪ .‬فستذكرون ما أقول لكم ‪ ,‬وأفوض أمري إل ال ‪ .‬إن ال بصي بالعباد ‪. .‬‬
‫إنا القائق الت تقررت من قبل ف صدر السورة ‪ ,‬يعود الرجل الؤمن فيقررها ف مواجهة فرعون‬
‫وملئه ‪ .‬إنه يقول ف مواجهة فرعون‪:‬‬
‫(يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) ‪. .‬‬
‫وقد كان فرعون منذ لظات يقول‪( :‬وما أهديكم إل سبيل الرشاد) فهو التحدي الصريح الواضح‬
‫بكلمة الق ل يشى فيها سلطان فرعون البار ‪ ,‬ول مله التآمرين معه من أمثال هامان وقارون ‪.‬‬
‫وزيري فرعون فيما يقال ‪.‬‬
‫ويكشف لم عن حقيقة الياة الدنيا‪( :‬إنا هذه الياة الدنيا متاع) ‪ . .‬متاع زائل ل ثبات له ول دوام‬
‫‪( .‬وإن الخرة هي دار القرار) ‪ . .‬فهي الصل وإليها النظر والعتبار ‪.‬‬
‫ويقرر لم قاعدة الساب والزاء ف دار القرار‪:‬‬
‫(من عمل سيئة فل يزى إل مثلها ‪ .‬ومن عمل صالا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ‪ ,‬فأولئك‬
‫يدخلون النة يرزقون فيها بغي حساب) ‪. .‬‬
‫فقد اقتضى فضل ال أن تضاعف السنات ول تضاعف السيئات ‪ ,‬رحة من ال بعباده ‪ ,‬وتقديرا‬
‫لضعفهم ‪ ,‬وللجواذب والوانع لم ف طريق الي والستقامة ‪ ,‬فضاعف لم السنات ‪ ,‬وجعلها‬
‫كفارة للسيئات ‪ .‬فإذا هم وصلوا إل النة بعد الساب ‪ ,‬رزقهم ال فيها بغي حساب ‪.‬‬
‫ويستنكر الرجل الؤمن أن يدعوهم إل النجاة فيدعونه إل النار ‪ ,‬فيهتف بم ف استنكار‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫(ويا قوم ما ل أدعوكم إل النجاة وتدعونن إل النار ?) ‪. .‬‬
‫وهم ل يدعوه إل النار ‪ .‬إنا دعوه إل الشرك ‪ .‬وما الفرق بي الدعوة إل الشرك والدعوة إل النار ?‬
‫إنا قريب من قريب ‪ .‬فهو يبدل الدعوة بالدعوة ف تعبيه ف الية التالية‪:‬‬
‫(تدعونن لكفر بال وأشرك به ما ليس ل به علم ‪ .‬وأنا أدعوكم إل العزيز الغفار) ‪. .‬‬
‫وشتان بي دعوة ودعوة ‪ .‬إن دعوته لم واضحة مستقيمة ‪ .‬إنه يدعوهم إل العزيز الغفار ‪ .‬يدعوهم‬
‫إل إله واحد تشهد آثاره ف الوجود بوحدانيته ‪ ,‬وتنطق بدائع صنعته بقدرته وتقديره ‪ .‬يدعوهم إليه‬
‫ليغفر لم وهو القادر على أن يغفر ‪ ,‬الذي تفضل بالغفران‪( :‬العزيز الغفار) ‪ . .‬فإل أي شيء‬
‫يدعونه ? يدعونه للكفر بال ‪ .‬عن طريق إشراك ما ل علم له به من مدعيات وأوهام وألغاز !‬
‫ويقرر من غي شك ول ريبة أن هؤلء الشركاء ليس لم من المر شيء ‪ ,‬وليس لم شأن ل ف دنيا‬
‫ول ف آخرة ‪ ,‬وأن الرد ل وحده ‪ ,‬وأن السرفي التجاوزين للحد ف الدعاء سيكونون أهل النار‪:‬‬
‫ل جرم أن ما تدعونن إليه ليس له دعوة ف الدنيا ول ف الخرة ‪ .‬وأن مردنا إل ال ‪ .‬وأن السرفي‬
‫هم أصحاب النار ‪.‬‬
‫وماذا يبقى بعد هذا البيان الواضح الشامل للحقائق الرئيسية ف العقيدة ? وقد جهر با الرجل ف‬
‫مواجهة فرعون وملئه بل تردد ول تلعثم ‪ ,‬بعدما كان يكتم إيانه ‪ ,‬فأعلن عنه هذا العلن ? ل يبقى‬
‫إل أن يفوض أمره إل ال ‪ ,‬وقد قال كلمة وأراح ضميه ‪ ,‬مهددا إياهم بأنم سيذكرون كلمته هذه‬
‫ف موقف ل تنفع فيه الذكرى ‪ .‬والمر كله إل ال‪:‬‬
‫(فستذكرون ما أقول لكم ‪ ,‬وأفوض أمري إل ال ‪ ,‬إن ال بصي بالعباد) ‪. .‬‬
‫وينتهي الدل والوار ‪ .‬وقد سجل مؤمن آل فرعون كلمته الق خالدة ف ضمي الزمان ‪.‬‬
‫*************‬
‫وكذلك عندما حاصرت قريش السلمي ف شعب بن هاشم قام بعض الخيار من الشركي‬
‫وحاولوا إيصال بعض الساعدات للمسلمي بل حاولوا نقض تلك الصحيفة الظالة‬
‫وف السية ‪:‬‬
‫لا رأت قريش أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا‬
‫وأن النجاشى قد منع من لأ إليه منهم وأن عمر قد أسلم فكان هو وحزة مع رسول اللّه صلى‬
‫اللّه عليه وسلم وجعل السلم ينتشر ف القبائل اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه‬
‫على بن هاشم وبن الطلب عل أن ل يناكحوهم ول يبايعوهم ول يالطوهم ول يقبلوا منهم‬
‫صلحا أبدا ول تأخذهم بم رأفة حت يسلموا رسول اللّه للقتل أعن أنم اتفقوا وتعهدوا على‬
‫مقاطعتهم مقاطعة تامة انتقاما منهم لسلمهم ودفاعهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‬
‫وكتبوا بذلك صحيفة توكيدا لنفسهم وعلقوها ف جوف الكعبة هلل الحرم سنة سبع من‬

‫‪53‬‬
‫النبوة (‪ 617‬م)‪ .‬وكانت الصحيفة مكتوبة بط منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ف شعبه‬
‫مع بن هاشم وخرج أبو لب إل قريش فظاهرهم على بن هاشم وبن الطلب وقطعوا عنهم‬
‫الية والادة فكانوا ل يرجون المن موسم إل موسم حت بلغهم الهد وسع أصوات صبيانم‬
‫من وراء الشعب‪ .‬فمن قريش من سره ذلك ومنهم من ساءه وقال انظروا ما أصاب منصور بن‬
‫عكرمة‪ ،‬فأقاموا ف الشعب ثلث سني حت أنفق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ماله وأنفق أبو‬
‫طالب ماله وأنفقت خدية مالا وصاروا إل حد الضر والفاقة‪ .‬ث أطلع اللّه رسوله على أمر‬
‫صحيفتهم وأن الرضة قد أكلت ماكان فيها من جور وظلم وبقي ما كان فيها من ذكر اللّه‪،‬‬
‫فذكر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لب طالب فذكر أبو طالب لخوته وخرجوا إل‬
‫السجد‪ .‬فقال أبو طالب لكفار قريش إن أخي قد أخبن ول يكن يكذبن قط أن اللّه قد سلط‬
‫على صحيفتكم الرضة فلحست ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم وبقي فيها كل ما‬
‫ذكر اللّه فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم وإن كان كاذبا دفعته اليكم فقتلتموه‬
‫أو استحييتموه‪ .‬قالوا قد أنصفتنا فأرسلوا إل الصحيفة ففتحوها فإذا هي كما قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم فسقط ف أيديهم ونكسوا على رءوسهم‪ .‬فقال أبو طالب علم نبس‬
‫ونصر وقد بان المر‪ ،‬ث دخل هو وأصحابه بي أستار الكعبة والكعبة فقال اللّهم انصرنا من‬
‫ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل فيهم مطعم بن عدي وعدي بن قيس وزمعة بن السود وأبو‬
‫الَبخْتَري بن هشام وزهي بن أب أمية ولبسوا السلح ث خرجوا إل بن هاشم وبن الطلب‬
‫فأمروهم بالروج إل مساكنهم ففعلوا‪ .‬فلما رأت قريش ذلك سقط ف أيديهم وعرفوا أن لن‬
‫يسلموهم وكان خروجهم من الشعب ف السنة العاشرة‪.‬‬
‫وف سية ابن هشام أنم أقاموا على ذلك سنتي أو ثلثا حت جهدوا ل يصل اليهم شيء ال سرا‬
‫مسخفيا به من أراد صلتهم قريش وقد كان أبو جهل بن هشام فيما يذكرون لقى حكيم بن‬
‫حزام بن خويلد بن أسد معه غلم يمل قمحا يريد به عمته خدية بنت خويلد وهي عند رسول‬
‫اللّه ومعه ف الشعب فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إل بن هاشم واللذه ل تبح أنت وطعامك‬
‫حت أفضحك بكة فجاءه أبو البختري وقال‪ :‬طعام كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أفتمنعه أن‬
‫يأتيها بطعامها؟ خلّ سبيل الرجل‪ .‬فأب أبو جهل حت نال أحدها من صاحبه‪ .‬فأخذ له أبو‬
‫البختري َلحْيَ بعي فضربه به فشجه ووطئه وطئا شديدا وحزة بن عبد الطلب قريب يرى ذلك‬
‫وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه فيشمتوا بم ورسول اللّه‬
‫على ذلك يدعوا قومه ليل ونارا وسرا وجهارا مباديا بأمر اللّه ل يتقي فيه أحدا من الناس‪ .‬هذا‬
‫ومن الدهش أن مرجوليث يقول أن أبا جهل كان مشهورا بالعقل والذكاء (‪،)1‬‬

‫‪54‬‬
‫وهل تدري لاذا أيها القارئ؟ لنه كان معاديا لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم لن أعماله‬
‫وصفاته الت ذكرناها ل تدل على أنه كان عاقل ذكيا‪ .‬إن النب صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو‬
‫العرب إل ما فيه خيهم وسعادتم ف دنياهم وأخراهم‪ .‬كان يدعو إل عبادة اللّه الواحد وإل‬
‫نبذ عبادة الجارة ومعن ذلك‪ .‬أنه كان يعمل على انتشالم من النطاط الدين الذي كانوا‬
‫غارقي فيه ورفعهم إل أعلى الراتب وأسى العقائد‪ .‬وعدا ذلك فقد كان عليه السلم يهذبم‬
‫ويعلمهم مكارم الخلق ويبث ف نفوسهم الداب الجتماعية العالية‪ ،‬فهل يقال عن رجل‬
‫أتصف بشدة عداوته لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه عاقل؟ ث أن مرجوليث يظهر حقه‬
‫على من أسلموا ولسيما إذا كانوا من البطال الشداء فيميهم بأوصاف ذميمة منفردة‪.‬‬
‫وكذلك كما حدث ف سجن قوانتناموا وف سجن أبو غريب حيث وجد بعض الحرار الذين‬
‫قاموا بتصوير بعض الرائم الت تت فيه‬
‫بينما طغاة السلمي ل يكون هذا عندهم لنم يتارون أشد الناس عداوة للسلم السلمي‬
‫ليكونوا أدوات طيعة بي أيديهم ولن البطش يصل بم إل الشخص وأهله وأقربائه وبلده‬
‫وأصدقائه‬
‫‪.2‬طغاة الكفار يعملون ف العلن بينما طغاة السلمي يعملون ف السر‬
‫وهم أشد وأنكى نعم طغاة الكفار يعملون أمام الل ويقولون‬
‫لقومهم ماذا سيفعلون بينما طغاة السلمي يقولون ما ل يفعلون‬
‫ويفعلون ما ل يؤمرون به‬
‫‪.3‬طغاة الكفار يتركون مساحة من الرية لغيهم بينما طغاة السلمي‬
‫ل يتركون شيئا إل ما يدم مصالهم ويقق شهواتم الدنيئة وهذا‬
‫ف كل بلد السلم فالطاغية ل يسمح إل للمطبلي والطبلت‬
‫والناعقي والناعقات أن يسبحوا بمده ليل نار ويتحدثوا عن‬
‫عطاءاته وكراماته وحت فسائه وضراطه‬
‫‪.4‬طغاة الكفار يقبلون النقد وفوقهم قانون بينما طغاة السلمي ل‬
‫يقبلون نقدا ول يرجعون إل قانون نعم طغاة الكفار ليسوا معصومي‬
‫عن النقد بل ينتقدهم أدن واحد من رعيتهم وفوقهم قانون ل‬
‫يستطيعون مالفته وليس لم حصانة ‪ ،‬بينما طغاة السلمي ل‬
‫يقبلون نقدا أصل ول يسألون عما يفعلون وهم أشد من فرعون‬
‫الذي يقول ‪000 { :‬قَا َل ِف ْر َعوْنُ مَا ُأرِي ُكمْ إِلّا مَا َأرَى َومَا َأهْدِيكُمْ ِإلّا‬
‫سَبِيلَ الرّشَادِ} (‪ )29‬سورة غافر‬

‫‪55‬‬
‫إنن ل أقول لكم إل ما أراه صوابا ‪ ,‬وأعتقده نافعا ‪ .‬وإنه لو الصواب والرشد بل شك ول‬
‫جدال ! وهل يرى الطغاة إل الرشد والي والصواب ?! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنم قد‬
‫يطئون ?! وهل يوز لحد أن يرى إل جوار رأيهم رأيا ?! وإل فلم كانوا طغاة ?!‬
‫جرِي‬
‫صرَ َوهَ ِذهِ الَْأْنهَارُ تَ ْ‬
‫وقال تعال عنه ‪ { :‬وَنَادَى ِف ْر َعوْنُ فِي َق ْو ِمهِ قَالَ يَا َق ْومِ أََلْيسَ لِي ُم ْلكُ ِم ْ‬
‫صرُونَ} (‪ )51‬سورة الزخرف‬ ‫مِن َتحْتِي َأفَلَا تُْب ِ‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫يقول تعال مبا عن فرعون وترده وعتوه وكفره وعناده‪ ,‬أنه جع قومه فنادى فيهم متبجحا‬
‫مفتخرا بلك مصر وتصرفه فيها{أليس ل ملك مصر وهذه النار تري من تت} قال قتادة‪ :‬قد‬
‫كانت لم جنات وأنار ماء {أفل تبصرون} أي أفل ترون ما أنا فيه من العظمة واللك‪ ,‬يعن موسى‬
‫وأتباعه فقراء ضعفاء وهذا كقوله تعال‪{:‬فحشر فنادى * فقال أنا ربكم العلى * فأخذه ال نكال‬
‫الَخرة والول}‪.‬‬

‫وف الظلل ‪:‬‬


‫إن ملك مصر وهذه النار الت تري من تت فرعون ‪ ,‬أمر قريب مشهود للجماهي ‪ ,‬يبهرها‬
‫وتستخفها الشارة إليه ‪ .‬فأما ملك السماوات والرض وما بينهما ‪ -‬ومصر ل تساوي هباءة فيه ‪-‬‬
‫فهو أمر يتاج إل قلوب مؤمنة تسه ‪ ,‬وتعقد الوازنة بينه وبي ملك مصر الصغي الزهيد !‬
‫والماهي الستعبدة الستغفلة يغريها البيق الادع القريب من عيونا ; ول تسمو قلوبا ول عقولا‬
‫إل تدبر ذلك اللك الكون العريض البعيد !‬
‫ومن ث عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبيق القريب !‬

‫‪.5‬طغاة الكفار ل يلتبس أمرهم على الناس بينما طغاة السلمي يلتبس‬
‫أمرهم على عامة الناس نعم وهذا واضح جلي فالناس (( لهلهم‬
‫تفرق بي الطاغية العرب والطاغية الكافر وإل فما الذي جعل الشعوب‬
‫تنع للطاغية كمال أتاتورك وعبد الناصر والسد وغيهم من طغاة‬
‫السلمي الموات والحياء‬
‫‪.6‬طغاة الكفار يهلون كثيا من طبيعة السلمي بينما طغاة السلمي‬
‫يعرفون الكثي منها نعم لن طغاة الكفار غريبون عن السلمي وعن‬
‫بيئتهم بينما طغاة السلمي هم من أبناء جلدتنا ومن الحسوبي علينا‬

‫‪56‬‬
‫وأعوانم منا ولذا فإن طغاة الكفار يسلمون زمام المور لؤلء الطغاة‬
‫الصغار لنم القدر والنسب لكم بلد السلمي‬
‫‪.7‬طغاة الكفار يسهل حربم بينما طغاة السلمي يصعب‬
‫نعم يسهل حرب طغاة الكفار عب التاريخ السلمي كله ما خنع السلمون لم بل‬
‫قاوموا باطلهم بكل ما أوتوا من قوة بينما خنعوا واستكانوا لطغاة السلمي وذلك‬
‫لغيبة العقيدة السلمية الصحيحة ف نفوسهم وغيبة مفهوم الولء والباء‬
‫حبّواْ‬
‫وال تعال يقول ‪{ :‬يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ َل تَتّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَِإ ْخوَاَنكُمْ َأوْلِيَاء إَنِ اسْتَ َ‬
‫الْ ُك ْفرَ َعلَى ا ِليَانِ َومَن َيَتوَّلهُم مّنكُمْ فَُأوَْلِئكَ هُ ُم الظّالِمُونَ} (‪ )23‬سورة التوبة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫** يَأَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ لَ تَّتخِ ُذوَاْ آبَآءَكُ ْم وَإِ ْخوَانَكُمْ َأوِْليَآءَ إَ ِن ا ْستَحَبّواْ الْ ُك ْف َر عَلَى ا ِليَا ِن َومَن يََتوَّلهُمْ‬
‫ك هُمُ الظّالِمُو َن * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُ ْم وَأَْبنَآؤُكُ ْم وَإِ ْخوَانُكُ ْم وََأ ْزوَاجُكُ ْم َوعَشِيَتُ ُكمْ‬ ‫مّن ُكمْ فَُأوْلَـِئ َ‬
‫ضوَْنهَآ أَ َحبّ إِلَيْكُ ْم مّ َن الّل ِه َورَسُوِلهِ َو ِجهَادٍ‬ ‫شوْنَ كَسَا َدهَا َومَسَا ِكنُ َت ْر َ‬ ‫وََأ ْموَا ٌل ا ْقَترَفْتُمُوهَا وَِتجَا َرةٌ تَخْ َ‬
‫فِي سَبِيِلهِ َفَترَّبصُواْ حَّتىَ يَأِْتيَ الّلهُ بَِأ ْمرِ ِه وَالّلهُ َل َيهْدِي اْل َقوْمَ اْلفَا ِس ِقيَ‬
‫يأمر تعال بباينة الكفار به وإن كانوا آباء أو أبناء‪ ,‬ونى عن موالتم إن استحبوا أي اختاروا الكفر‬
‫على اليان‪ ,‬وتوعد على ذلك كقوله تعال {ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الَخر يوادّون من حادّ‬
‫ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانم أو عشيتم أولئك كتب ف قلوبم اليان‬
‫وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تري من تتها النار} الَية‪ ,‬وروى الافظ البيهقي من حديث‬
‫عبد ال بن شوذب قال‪ :‬جعل أبو أب عبيدة بن الراح ينعت له الَلة يوم بدر وجعل أبو عبيدة ييد‬
‫عنه فلما أكثر الراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله فأنزل ال فيه هذه الَية {ل تد قوما يؤمنون بال‬
‫واليوم الَخر يوادّون من حادّ ال ورسوله} الَية‪ .‬ث أمر تعال رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته‬
‫وعشيته على ال ورسوله وجهاد ف سبيله فقال‪{ :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم‬
‫وأزواجكم وعشيتكم وأموال اقترفتموها} أي اكتسبتموها وحصلتموها {وتارة تشون كسادها‬
‫ومساكن ترضونا} أي تبونا لطيبها وحسنها‪ ,‬أي إن كانت هذه الشياء {أحب إليكم من ال‬
‫ورسوله وجهاد ف سبيله فتربصوا} أي فانتظروا ماذا يل بكم من عقابه ونكاله بكم ولذا قال‬
‫{حت يأت ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقي}‪.‬‬
‫وقال المام أحد‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن ليعة عن زهرة بن معبد عن جده قال‪ :‬كنا مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الطاب فقال‪ :‬وال يا رسول ال لنت أحب‬
‫إل من كل شيء إل من نفسي‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪« :‬ل‬
‫ل من نفسي‪ ,‬فقال‬ ‫يؤمن أحدكم حت أكون أحب إليه من نفسه» فقال عمر فأنت الَن وال أحب إ ّ‬

‫‪57‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم «الَن يا عمر» انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن يي بن سليمان‬
‫عن ابن وهب عن حيوة بن شريح عن أب عقيل زهرة بن معبد أنه سع جده عبد ال بن هشام عن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم بذا‪ ,‬وقد ثبت ف الصحيح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال «والذي نفسي‬
‫بيده ل يؤمن أحدكم حت أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجعي» وروى المام أحد وأبو‬
‫داود واللفظ له من حديث أب عبد الرحن الراسان عن عطاء الراسان عن نافع عن ابن عمر قال‪:‬‬
‫سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول «إذا تبايعتم بالعينة وأخذت بأذناب البقر ورضيتم بالزرع‬
‫وتركتم الهاد سلط ال عليكم ذلً ل ينعه حت ترجعوا إل دينكم» وروى المام أحد أيضا عن‬
‫يزيد بن هارون عن أب جناب عن شهر بن حوشب أنه سع عبد ال بن عمرو عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بنحو ذلك‪ ,‬وهذا شاهد للذي قبله وال أعلم‪.‬‬

‫وف الظلل ‪:‬‬


‫إن هذه العقيدة ل تتمل لا ف القلب شريكا ; فإما ترد لا ‪ ,‬وإما انسلخ منها ‪ .‬وليس الطلوب أن‬
‫ينقطع السلم عن الهل والعشية والزوج والولد والال والعمل والتاع واللذة ; ول أن يترهب ويزهد‬
‫ف طيبات الياة ‪ . .‬كل إنا تريد هذه العقيدة أن يلص لا القلب ‪ ,‬ويلص لا الب ‪ ,‬وأن تكون‬
‫هي السيطرة والاكمة ‪ ,‬وهي الحركة والدافعة ‪ .‬فإذا ت لا هذا فل حرج عندئذ أن يستمتع السلم‬
‫بكل طيبات الياة ; على أن يكون مستعدا لنبذها كلها ف اللحظة الت تتعارض مع مطالب العقيدة ‪.‬‬
‫ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر التاع ; وأن تكون الكلمة الول للعقيدة أو لعرض‬
‫من أعراض هذه الرض ‪ .‬فإذا اطمأن السلم إل أن قلبه خالص لعقيدته فل عليه بعد هذا أن يستمتع‬
‫بالبناء والخوة وبالزوج والعشية ; ول عليه أن يتخذ الموال والتاجر والساكن ; ول عليه أن‬
‫يستمتع بزينة ال والطيبات من الرزق ‪ -‬ف غي سرف ول ميلة ‪ -‬بل إن التاع با حينئذ لستحب ‪,‬‬
‫باعتباره لونا من ألوان الشكر ل الذي أنعم با ليتمتع با عباده ‪ ,‬وهم يذكرون أنه الرازق النعم‬
‫الوهاب ‪.‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ‪ -‬إن استحبوا الكفر على اليان ‪. . )-‬‬
‫وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب ‪ ,‬إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة ‪ .‬وتبطل ولية القرابة ف‬
‫السرة إذا بطلت ولية القرابة ف ال ‪ .‬فلله الولية الول ‪ ,‬وفيها ترتبط البشرية جيعا ‪ ,‬فإذا ل تكن‬
‫فل ولية بعد ذلك ‪ ,‬والبل مقطوع والعروة منقوضة ‪.‬‬
‫(ومن يتولم منكم فأولئك هم الظالون) ‪. .‬‬
‫و(الظالون) هنا تعن الشركي ‪ .‬فولية الهل والقوم ‪ -‬إن استحبوا الكفر على اليان ‪ -‬شرك ل‬
‫يتفق مع اليان ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ول يكتفي السياق بتقرير البدأ ‪ ,‬بل يأخذ ف استعراض ألوان الوشائج والطامع واللذائذ ; ليضعها‬
‫كلها ف كفة ويضع العقيدة ومقتضياتا ف الكفة الخرى‪:‬الباء والبناء والخوان والزواج والعشية‬
‫[ وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج ] والموال والتجارة [ مطمع الفطرة ورغبتها ] والساكن‬
‫الرية [ متاع الياة ولذتا ] ‪ . .‬وف الكفة الخرى‪:‬حب ال ورسوله وحب الهاد ف سبيله ‪.‬‬
‫الهاد بكل مقتضياته وبكل مشقاته ‪ .‬الهاد وما يتبعه من تعب ونصب ‪ ,‬وما يتبعه من تضييق‬
‫وحرمان ‪ ,‬وما يتبعه من أل وتضحية ‪ ,‬وما يتبعه من جراح واستشهاد ‪ . .‬وهو ‪ -‬بعد هذا كله ‪-‬‬
‫"الهاد ف سبيل ال" مردا من الصيت والذكر والظهور ‪ .‬مردا من الباهاة ‪ ,‬والفخر واليلء ‪.‬‬
‫مردا من إحساس أهل الرض به وإشارتم إليه وإشادتم بصاحبه ‪ .‬وإل فل أجر عليه ول ثواب ‪. .‬‬
‫(قل‪:‬إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيتكم وأموال اقترفتموها ‪ ,‬وتارة تشون‬
‫كسادها ‪ ,‬ومساكن ترضونا ‪ ,‬أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد ف سبيله ‪ . .‬فتربصوا حت يأت‬
‫ال بأمره ‪). . .‬‬
‫أل إنا لشاقة ‪ .‬أل وإنا لكبية ‪ .‬ولكنها هي ذاك ‪ . .‬وإل‪:‬‬
‫(فتربصوا حت يأت ال بأمره) ‪.‬‬
‫وإل فتعرضوا لصي الفاسقي‪:‬‬
‫(وال ل يهدي القوم الفاسقي) ‪. .‬‬
‫وهذا التجرد ل يطالب به الفرد وحده ‪ ,‬إنا تطالب به الماعة السلمة ‪ ,‬والدولة السلمة ‪ .‬فما يوز‬
‫أن يكون هناك اعتبار لعلقة أو مصلحة يرتفع على مقتضيات العقيدة ف ال ومقتضيات الهاد ف‬
‫سبيل ال ‪.‬‬
‫وما يكلف ال الفئة الؤمنة هذا التكليف ‪ ,‬إل وهو يعلم أن فطرتا تطيقه ‪ -‬فال ل يكلف نفسا إل‬
‫وسعها ‪ -‬وإنه لن رحة ال بعباده أن أودع فطرتم هذه الطاقة العالية من التجرد والحتمال ; وأودع‬
‫فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد ل تعدلا لذائذ الرض كلها ‪. .‬‬
‫لذة الشعور بالتصال بال ‪ ,‬ولذة الرجاء ف رضوان ال ‪ ,‬ولذة الستعلء على الضعف والبوط ‪,‬‬
‫واللص من ثقلة اللحم والدم ‪ ,‬والرتفاع إل الفق الشرق الوضيء ‪ .‬فإذا غلبتها ثقلة الرض ففي‬
‫التطلع إل الفق ما يدد الرغبة الطامعة ف اللص والفكاك ‪.‬‬
‫==========================‬

‫‪59‬‬
‫•الباب الثالث‬
‫ما فعله طغاة المسلمين بالمسلمين‬

‫حكُمُ ِبهَا‬ ‫‪.1‬الكم بغي ما أنزل ال قال تعال ‪ِ :‬إنّا أَنزَْلنَا الّت ْورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَ ْ‬
‫حفِظُوْا مِن كِتَابِ الّلهِ‬ ‫النّبِيّونَ الّذِينَ َأسْلَمُواْ لِلّذِي َن هَادُوْا وَالرّبّاِنيّونَ وَالَ ْحبَارُ بِمَا اسُْت ْ‬
‫ل َومَن‬ ‫شوْ ِن وَلَ َتشَْترُواْ بِآيَاتِي ثَ َمنًا َقلِي ً‬ ‫شوُْا النّاسَ وَاخْ َ‬‫وَكَانُوْا عََلْيهِ ُشهَدَاء فَلَ َتخْ َ‬
‫لّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَ َل الّلهُ فَُأوْلَـِئكَ هُ ُم الْكَاِفرُونَ ( ‪ )44‬وَكَتَْبنَا عََلْيهِمْ فِيهَا أَ ّن الّنفْسَ‬
‫جرُوحَ‬ ‫ف وَا ُلذُنَ بِا ُلذُنِ وَالسّ ّن بِالسّ ّن وَالْ ُ‬ ‫س وَاْلعَيْ َن بِاْلعَيْ ِن وَالَنفَ بِالَن ِ‬ ‫بِالّن ْف ِ‬
‫ك هُمُ‬ ‫ِقصَاصٌ فَمَن َتصَدّقَ ِبهِ َف ُهوَ َكفّا َرةٌ ّل ُه َومَن لّ ْم يَحْكُم بِمَا أنزَ َل الّلهُ فَُأوْلَـِئ َ‬
‫الظّالِمُونَ (‪ )45‬وََقفّيْنَا عَلَى آثَا ِرهِم ِبعَيسَى ابْ ِن َمرْيَ َم ُمصَدّقًا لّمَا بَيْ َن يَدَْي ِه مِنَ‬
‫الّت ْورَاةِ وَآتَْينَاهُ الِنِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ َو ُمصَدّقًا لّمَا بَْينَ يَدَْي ِه مِنَ الّت ْورَا ِة َوهُدًى‬
‫حكُم بِمَا‬ ‫حكُمْ َأهْلُ الِنِيلِ بِمَا أَنزَلَ الّلهُ فِي ِه َومَن لّمْ يَ ْ‬ ‫َو َم ْوعِظَةً لّلْمُّت ِقيَ (‪ )46‬وَلْيَ ْ‬
‫أَنزَلَ الّلهُ فَُأوْلَـِئكَ هُ ُم اْلفَا ِسقُو َن ( ‪ )47‬وَأَنزَلْنَا إِلَْيكَ الْكِتَابَ بِالْحَ ّق ُمصَدّقًا لّمَا‬
‫بَيْ َن يَدَْي ِه مِنَ الْ ِكتَابِ َو ُمهَيْ ِمنًا عََلْيهِ فَاحْكُم بَيَْنهُم بِمَا أَنزَ َل الّل ُه وَلَ َتتّبِعْ َأ ْهوَاءهُمْ‬
‫جعَلَكُمْ ُأمّةً‬ ‫عَمّا جَاءكَ مِ َن الْحَ ّق لِكُلّ َجعَ ْلنَا مِنكُمْ ِش ْر َعةً َومِْنهَاجًا وََلوْ شَاء الّلهُ لَ َ‬
‫وَاحِ َد ًة وَلَـكِن لَّيبُْلوَكُ ْم فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَِبقُوا الَْيرَاتِ إِلَى ال َمرْ ِجعُكُمْ جَمِيعًا‬
‫فَيَُنبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخَْتِلفُونَ (‪ )48‬وَأَ ِن احْكُم َبيَْنهُم بِمَا أَنزَ َل الّل ُه وَلَ تَتّبِعْ‬
‫ض مَا أَنزَلَ الّلهُ إِلَْيكَ َفإِن َتوَّلوْْا فَاعْلَمْ َأنّمَا‬
‫َأ ْهوَاءهُمْ وَاحْ َذ ْرهُمْ أَن َيفْتِنُو َك عَن َبعْ ِ‬
‫ض ذُنُوِبهِ ْم وَإِنّ َكثِيا مّنَ النّاسِ َلفَا ِسقُو َن (‪َ )49‬أفَحُكْمَ‬ ‫ُيرِيدُ الّلهُ أَن ُيصِيَبهُم بَِبعْ ِ‬
‫الْجَا ِهلِيّةِ يَْبغُو َن َومَنْ أَحْسَ ُن مِ َن الّلهِ حُكْمًا ّل َقوْمٍ يُوِقنُو َن (‪ )50‬سورة الائدة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫‪-44‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يكم با النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون‬
‫والحبار با استحفظوا من كتاب ال وكانوا عليه شهداء فل تشوا الناس واخشون ول تشتروا‬
‫بآيات ثنا قليل ومن ل يكم با أنزل ال فأولـئك هم الكافرون‬
‫نزلت هذه اليات الكريات ف السارعي ف الكفر الارجي عن طاعة ال ورسوله القدمي‬
‫آراءهم وأهواءهم على شرائع ال عز وجل ( من الذين قالوا آمنا بأفواههم ول تؤمن قلوبم ) ي‬
‫أظهروا اليان بألسنتهم وقلوبم خراب خاوية منه هؤلء هم النافقون ( من الذين هادوا ) عداء‬
‫السلم وأهله وهؤلء كلهم ( ساعون للكذب ) ي مستجيبون له منفعلون عنه ( ساعون لقوم‬
‫آخرين يأتوك ) ي يستجيبون لقوام آخرين ل يأتون ملسك ياممد وقيل الراد أنم يتسمعون‬

‫‪60‬‬
‫الكلم وينهونه إل قوم آخرين من ل يضر عندك من أعدائك ( يرفون الكلم من بعد‬
‫مواضعه ) ي يتأولونه على غي تأويله ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ( يقولون إن‬
‫أوتيتم هذا فخذوه وإن ل تؤتوه فاحذروا ) يل نزلت ف أقوام من اليهود قتلوا قتيل وقالوا تعالوا‬
‫حت نتحاكم إل ممد فإن حكم بالدية فاقبلوه وإن حكم بالقصاص فل تسمعوا منه والصحيح‬
‫أنا نزلت ف اليهوديي اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب ال الذي بأيديهم من المر برجم من‬
‫أحصن منهم فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على اللد مئة جلدة والتحميم والركاب على‬
‫حارين مقلوبي فلما وقعت تلك الكائنة بعد الجرة قالوا فيما بينهم تعالوا حت نتحاكم إليه فإن‬
‫حكم باللد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبي ال ويكون نب من أنبياء ال قد‬
‫حكم بينكم بذلك وإن حكم بالرجم فل تتبعوه ف ذلك ' م ‪ ' 1700‬وقد وردت الحاديث‬
‫بذلك فقال مالك ' ‪ ' 2/819‬عن نافع عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما أن اليهود جاؤا إل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرا له أن رجل منهم وامرأة زنيا فقال لم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ما تدون ف التوراة ف شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويلدون قال عبد ال بن سلم‬
‫كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما‬
‫بعدها فقال له عبد ال بن سلم إرفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم فقالوا صدق ياممد فيها آية‬
‫الرجم فأمر بما رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجا فرأيت الرجل ين على الرأة يقيها‬
‫الجارة أخرجاه ' خ ‪ 6841‬م ‪ ' 1699‬وهذا لفظ البخاري وف لفظ له ' ‪ ' 7543‬قال‬
‫لليهود ما تصنعون بما قالوا نسخم وجوههما ونزيهما قال ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم‬
‫صادقي ) جاؤا فقالوا لرجل منهم من يرضون أعور اقرأ فقرأ حت انتهى إل موضع منها فوضع‬
‫يده عليه فقال ارفع يدك فرفع فإذا آية الرجم تلوح قال ياممد إن فيها آية الرجم ولكنا نتكاته‬
‫بيننا فأمر بما فرجا وعند مسلم ' ‪ ' 1699‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتى بيهودي‬
‫ويهودية قد زنيا فانطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم حت جاء يهود فقال ما تدون ف التوراة‬
‫على من زنا قالوا نسود وجوههما ونملهما ونالف بي وجوههما ويطاف بما قال ( فأتوا‬
‫بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقي ) ال فجاؤا با فقرؤوها حت إذا مر بآية الرجم وضع الفت‬
‫الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ مابي يديها وما وراءها فقال له عبد ال بن سلم وهو مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مره فليفع يده فرفع يده فإذا تتها آية الرجم فأمر بما رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فرجا قال عبد ال بن عمر كنت فيمن رجهما فلقد رأيته يقيها من‬
‫الجارة بنفسه وقال أبو داود ' ‪ ' 4449‬حدثنا أحد بن سعيد المدان حدثنا ابن وهب حدثنا‬
‫هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال أتى نفر من اليهود فدعوا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إل القف فأتاهم ف بيت الدارس فقالوا يا أبا القاسم إن رجل منا زن‬

‫‪61‬‬
‫بامرأة فاحكم قال ووضعوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم وسادة فجلس عليها ث قال ائتون‬
‫بالتوراة فأت با فنع الوسادة من تته ووضع التوراة عليها وقال آمنت بك وبن أنزلك ث قال‬
‫ائتون بأعلمكم فأت بفت شاب ث ذكر قصة الرجم نو حديث مالك عن نافع وقال الزهري‬
‫سعت رجل من مزينة من يتبع العلم ويعيه ونن عند ابن السيب يدث عن أب هريرة قال زن‬
‫رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا إل هذا النب فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا‬
‫بفتيا دون الرجم قبلنا واحتججنا با عند ال قلنا فتيا نب من أنبيائك قال فأتوا النب صلى ال عليه‬
‫وسلم وهو جالس ف السجد ف أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما تقول ف رجل وامرأة منهم زنيا‬
‫فلم يكلمهم كلمة حت أتى بيت مدارسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بال الذي أنزل التوراة‬
‫على موسى ما تدون ف التوراة على من زن إذا أحصن قالوا يمم ويبه ويلد والتجبيه أن‬
‫يمل الزانيان على حار وتقابل أقفيهما ويطاف بما قال وسكت شاب منهم فلما رآه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عليه سكت ألظ به رسول ال صلى ال عليه وسلم النشدة فقال اللهم إذ‬
‫نشدتنا فأنا ند ف التوراة الرجم فقال النب صلى ال عليه وسلم فما أول ماارتصتم أمر ال فقال‬
‫زن ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثزن رجل ف أثره من الناس فأراد رجه‬
‫فحال قومه دونه وقالوا ل نرجم صاحبنا حت تئ بصاحبك فترجه فاصطلحوا هذه العقوبة‬
‫بينهم فقال النب صلى ال عليه وسلم فإن أحكم با ف التوراة فأمر بما فرجا قال الزهري فبلغنا‬
‫أن هذه الية نزلت فيهم ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يكم با النبيون الذين أسلموا ) كان‬
‫النب صلى ال عليه وسلم منهم رواه أحد وأبو داود ' ‪ ' 4450‬وهذا لفظه وابن جرير وقال‬
‫المام أحد ' ‪ ' 4/286‬حدثنا أبو معاوية حدثنا العمش عن عبد ال بن مرة عن الباء بن‬
‫عازب قال مر على رسول ال صلى ال عليه وسلم يهودي ممم ملود فدعاهم فقال أهكذا‬
‫تدون حد الزان ف كتابكم فقالوا نعم فدعا رجل من علمائهم فقال أنشدك بالذي أنزل التوراة‬
‫على موسى أهكذا تدون حد الزان ف كتابكم فقال ل وال ولو أنك نشدتن بذا ل أخبك ند‬
‫حد الزان ف كتابنا الرجم ولكنه كثر ف أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا‬
‫الضعيف أقمنا عليه الد فقلنا تعالوا حت نعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على‬
‫التحميم واللد فقال النب صلى ال عليه وسلم اللهم إن أول من أحيا أمرك إذا أماتوه قال فأمر‬
‫به فرجم قال فأنزل ال عز وجل ( يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ) ل قوله‬
‫( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ) ي يقولون ائتوا ممدا فإن أفتاكم بالتحميم واللد فخذوه وإن‬
‫أفاتكم بالرجم فاحذروه إل قوله ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال ف‬
‫اليهود إل قوله ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون ) ال ف اليهود ( ومن ل يكم‬
‫با أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ) ال ف الكفار كلها انفرد بإخراجه مسلم ' ‪ ' 1700‬دون‬

‫‪62‬‬
‫البخاري وأبو داود ' ‪ ' 4447‬والنسائي ' كبى تفة ‪ ' 1771‬وابن ماجة ' ‪ ' 2327‬من غي‬
‫وجه عن العمش به وقال المام أبو بكر عبد ال بن الزبي الميدي ف مسنده ' ‪' 1294‬‬
‫حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا مالد بن سعيد المدان عن الشعب عن جابر بن عبد ال قال زن‬
‫رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إل ناس من اليهود بالدينة أن سلوا ممدا عن ذلك فإن‬
‫أمركم باللد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فل تأخذوه عنه فسألوه عن ذلك فقال ارسلوا إل‬
‫أعلم رجلي فيكم فجاؤا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر فقال لما النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أنتما أعلم من قبلكما فقال قد دعانا قومنا لذلك فقال النب صلى ال عليه وسلم لما أليس‬
‫عندكما التوراة فيها حكم ال قال بلى فقال النب صلى ال عليه وسلم أنشدكم بالذي فلق البحر‬
‫لبن إسرائيل وظلل عليكم الغمام وأناكم من آل فرعون وأنزل الن والسلوى على بن إسرائيل‬
‫ما تدون ف التوراة ف شأن الرجم فقال أحدها للخر ما نشدت بثله قط ث قال ند ترداد‬
‫النظر زنية والعتناق زنية والتقبيل زنية فإذا شهد أربعة أنم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل اليل ف‬
‫الكحلة فقد وجب الرجم فقال النب صلى ال عليه وسلم هو ذاك فأمر به فرجم فنلت ( فإن‬
‫جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم‬
‫بينهم بالقسط إن ال يب القسطي ) رواه أبو داود ' ‪ ' 4452‬وابن ماجة ' ‪ ' 2328‬من‬
‫حديث مالد به نوه ولفظ أب داود عن جابر قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال‬
‫ائتون بأعلم رجلي منكم فأتوا بابن صوريا فنشدها كيف تدان أمر هذين ف التوراة قال ند‬
‫إذا شهد أربعة أنم رأوا ذكره ف فرجها مثل اليل ف الكحلة رجا قال فما ينعكم أن ترجوها‬
‫قال ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة‬
‫فشهدوا أنم رأوا ذكره مثل اليل ف الكحلة فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم برجهما ث‬
‫رواه أبو داود ' ‪ ' 4453‬عن الشعب وإبراهيم النخعي مرسل ول يذكر فيه فدعا بالشهود‬
‫فشهدوا فهذه الحاديث دالة على أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حكم بوافقة حكم التوراة‬
‫وليس هذا من باب الكرام لم با يعتقدون صحته لنم مأمورون باتباع الشرع الحمدي لمالة‬
‫ولكن هذا بوحي خاص من ال عز وجل إليه بذلك وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما‬
‫بأيديهم ما تواطؤا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع‬
‫علمهم على خلفه بان زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لا يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم‬
‫وعدولم إل تكيم الرسول صلى ال عليه وسلم إنا كان عن هوى منهم وشهوة لوافقة آرائهم‬
‫ل لعتقادهم صحة ما يكم به ولذا قالوا ( إن أوتيتم هذا ) ي اللد والتحميم فخذوه أي‬
‫اقبلوه ( وإن ل تؤتوه فاحذروا ) ي من قبوله واتباعه قال ال تعال ( ومن يرد ال فتنته فلن تلك‬
‫له من ال شيئا أولئك الذين ل يرد ال أن يطهر قلوبم لم ف الدنياخزي ولم ف الخرة عذاب‬

‫‪63‬‬
‫عظيم ساعون للكذب ) ي الباطل ( أكالون للسحت ) ي الرام وهو الرشوة كما قاله ابن‬
‫مسعود وغي واحد أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر ال قلبه وأن يستجيب له ث قال لنبيه‬
‫( فإن جاؤك ) ي يتحاكمون إليك ( فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن‬
‫يضروك شيئا ) ي فل عليك أن ل تكم بينهم لنم ل يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الق بل‬
‫ما يوافق أهواءهم قال ابن عباس وماهد وعكرمة والسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء‬
‫الرسان والسن وغي واحد هي منسوخة بقوله ( وأن احكم بينهم با أنزل ال ) وإن حكمت‬
‫فاحكم بينهم بالقسط ) أي بالق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجي عن طريق العدل ( إن ال‬
‫يب القسطي ) م قال تعال منكرا عليهم آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة ف تركهم ما‬
‫يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنم مأمورن بالتمسك به أبدا ث‬
‫خرجوا عن حكمه وعدلوا إل غيه ما يعتقدون ف نفس المر بطلنه وعدم لزومه لم فقال‬
‫( وكيف يكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ث يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالؤمني )‬
‫م مدح التوراة الت أنزلا على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى‬
‫ونور يكم با النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) ي ل يرجون عن حكمها وليبدلونا‬
‫وليرفونا ( والربانيون والحبار ) ي وكذلك الربانيون وهم العلماء العباد والحبار وهم‬
‫العلماء ( با استحفظوا من كتاب ال ) ي با استودعوا من كتاب ال الذي أمروا أن يظهروه‬
‫ويعلموا به ( وكانوا عليه شهداء فل تشوا الناس واخشون ) ي ل تافوا منهم وخافوا من‬
‫( ول تشتروا بآيات ثنا قليل ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) يه قولن سيأت‬
‫بيانما [ سبب آخر ف نزول هذه اليات الكريات ] وقال المام أحد ' ‪ ' 1/246‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحن بن أب الزناد عن أبيه عن عبيد ال بن عبد ال عن ابن‬
‫عباس قال إن ال أنزل ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ( فأولئك هم الظالون‬
‫) ( فأولئك هم الفاسقون ) ال قال ابن عباس أنزلا ال ف الطائفتي من اليهود وكانت إحداها‬
‫قد قهرت الخرى ف الاهلية حت ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قاتلته العزيزة من الذليلة‬
‫فديته خسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مئة وسق فكانوا على ذلك حت قدم‬
‫النب صلى ال عليه وسلم فقتلت الذليلة من العزيزةقتيل فأرسلت العزيزة إل الذليلة ان ابعثوا لنا‬
‫بئة وسق فقالت الذليلة وهل كان ف حيي دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدها واحددية‬
‫بعضهم نصف دية إنا أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما إذا قدم ممد فل نعطيكم‬
‫فكادت الرب تيج بينهما ث ارتضوا على أن يعلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهم ث‬
‫ذكرت العزيزة فقالت وال ماممد بعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ما‬
‫أعطونا هذا إل ضيما منا وقهرا لم فدسوا إل ممد من يب لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون‬

‫‪64‬‬
‫حكمتموه وإن ل يعطيكم حذرت فلم تكموه فدسوا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ناسا‬
‫من النافقي ليخبوا لم رأي رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما جاؤا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أخب رسول ال صلى ال عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا فأنزل ال تعال ( يا أيها‬
‫الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ) ل قوله ( الفاسقون ) فيهم وال أنزل وإياهم عن‬
‫ال عز وجل ورواه أبو داود ' ‪ ' 3576‬من حديث ابن أب الزناد عن أبيه بنحوه وقال أبو جعفر‬
‫بن جرير حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قال حدثنا يونس بن بكي عن ممد بن إسحاق‬
‫حدثن داود بن الصي عن عكرمة عن ابن عباس أن اليات الت ف الائدة قوله ( فاحكم عنهم‬
‫أو اعرض عنهم ) ل ( القسطي ) نا أنزلت ف الدية ف بن النضي وبن قريظة وذلك أن قتلى‬
‫بن النضي كان لم شرف تؤدى الدية كاملة وأن قريظة كان يؤدي لم نصف الدية فتحاكموا‬
‫ف ذلك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال ذلك فيهم فحملهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم على الق ف ذلك فجعل الدية ف ذلك سواء وال أعلم أي ذلك كان ورواه أحد '‬
‫‪ ' 1/363‬وأبو داود ' ‪ ' 3591‬والنسائي ' ‪ ' 8/19‬من حديث ابن إسحاق بنحوه ث قال ابن‬
‫جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد ال بن موسى عن علي بن صال عن ساك عن عكرمة عن‬
‫ابن عباس قال كانت قريظة والنظي وكان النظي أشرف من قريظة فكان إذا قتل القرظي رجل‬
‫من النظي قتل به وإذا قتل النظي رجل من قريظة ودي بئة وسق من تر فلما بعث رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قتل رجل من النضي رجل من قريظة فقالوا ادفعوا إليه فقالوا بيننا‬
‫وبينكمرسول ال صلى ال عليه وسلم فنلت ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) رواه أبو‬
‫داود ' ‪ ' 4494‬والنسائي ' ‪ ' 8/18‬وابن حبان ' ‪ ' 5057‬والاكم ف الستدرك ' ‪' 4/366‬‬
‫من حديث عبد ال بن موسى بنحوه وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حيان وابن زيد وغي واحد‬
‫وقد ورى العوف وعلي بن أب طلحة الوالب عن ابن عباس أن هذه اليات نزلت ف اليهوديي‬
‫اللذين زنيا كما تقدمت الحاديث بذلك وقد يكون اجتمع هذان السببان ف وقت واحد فنلت‬
‫هذه اليات ف ذلك كله وال أعلم ولذا قال بعد ذلك ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‬
‫والعي بالعي ) ل آخرها وهذا يقوي أن سبب النول قضية القصاص وال سبحانه وتعال أعلم‬
‫وقوله تعال ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال الباء بن عازب وحذيفة بن‬
‫اليمان وابن عباس وأبو ملز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد ال بن عبد ال والسن‬
‫البصري وغيهم نزلت ف أهل الكتاب زاد السن البصري وهي علينا واجبة وقال عبد الرزاق‬
‫عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال نزلت هذه اليات ف بن إسرائيل ورضي ال لذه‬
‫المة با رواه ابن جرير وقال ابن جرير أيضا حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخب عبد اللك بن أب‬
‫سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنما سأل ابن مسعود عن الرشوة فقال من‬

‫‪65‬‬
‫السحت قال فقال وف الكم قال ذاك الكفر ث تل ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم‬
‫الكافرون ) قال السدي ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) قول ومن ل يكم‬
‫با أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس‬
‫قوله ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال من جحد ما أنزل ال فقد كفر ومن‬
‫أقربه فهو ظال فاسق رواه ابن جرير ث اختار أن الية الراد با أهل الكتاب أو من جحد حكم‬
‫ال النل ف الكتاب وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعب ومن ل يكم با أنزل‬
‫ال قال للمسلمي وقال ابن جرير حدثنا ابن الثن حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن ابن أب‬
‫السفر عن الشعب ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال هذا ف السلمي ( ومن‬
‫ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون ) ال هذا ف اليهود ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك‬
‫هم الفاسقون ) ال هذا ف النصارى وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أب زائدة عن‬
‫الشعب وقال عبد الرزاق أيضا أخبنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله‬
‫( ومن ل يكم ) لية قال هي به كفر قال ابن طاوس وليس كمن يكفر بال وملئكته وكتبه‬
‫ورسله وقال الثوري عن ابن جريح عن عطاء أنه قال كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون‬
‫فسق رواه ابن جرير وقال وكيع عن سعيد الكي عن طاوس ( ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك‬
‫هم الكافرون ) ال ليس بكفر ينقل عن اللة وقال ابن أب حات حدثنا ممد بن عبد ال بن يزيد‬
‫القرئ حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجي عن طاوس عن ابن عباس ف قوله ( ومن ل‬
‫يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون ) ال ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ورواه الاكم ف‬
‫مستدركه ' ‪ ' 2/313‬من حديث سفيان بن عيينة وقال صحيح على شرط الشيخي ول يرجاه‬
‫** وَأَنزَلْنَآ إِلَْيكَ الْكِتَابَ بِالْحَ ّق ُمصَدّقا لّمَا بَيْ َن يَدَْي ِه مِنَ الْ ِكتَابِ َو ُمهَيْمِنا عََلْيهِ فَاحْكُم بَيَْنهُم بِمَآ أَنزَلَ‬
‫جعَلَكُمْ‬‫الّل ُه وَلَ َتتّبِعْ َأ ْهوَآءَهُ ْم عَمّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقّ لِ ُكلّ َجعَلْنَا مِنكُمْ ِش ْرعَ ًة َومِْنهَاجا وََلوْ شَآءَ الّلهُ َل َ‬
‫ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وَلَـكِن لَّيبُْلوَكُ ْم فِي مَآ آتَاكُم فَاسَْتِبقُوا الَْيرَاتِ ِإلَىَ ال َمرْ ِجعُكُمْ جَمِيعا فَُينَّبئُكُم بِمَا‬
‫ختَِلفُونَ * وَأَنِ احْكُم َبيَْنهُمْ ِبمَآ أَنزَلَ الّل ُه وَلَ تَّتبِعْ َأ ْهوَآ َءهُ ْم وَاحْ َذ ْرهُمْ أَن َيفْتِنُو َك عَن‬ ‫كُنتُ ْم فِيهِ تَ ْ‬
‫ض ذُنُوِبهِ ْم وَإِنّ كَثِيا مّنَ النّاسِ‬ ‫ض مَآ أَنزَلَ الّلهُ إِلَْيكَ فَإِن َتوَّلوْاْ فَاعْلَمْ َأنّمَا ُيرِي ُد الّلهُ أَن ُيصِيَبهُم ِبَبعْ ِ‬‫َبعْ ِ‬
‫حكْمَ اْلجَاهِِليّةِ َيْبغُونَ َومَنْ أَ ْحسَ ُن مِنَ الّلهِ حُكْما ّل َق ْومٍ يُوقِنُو َن‬ ‫َلفَا ِسقُونَ * أَفَ ُ‬
‫لا ذكر تعال التوراة الت أنزلا على موسى كليمه‪ ,‬ومدحها وأثن عليها وأمر باتباعها حيث كانت‬
‫سائغة التباع وذكر النيل ومدحه وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه‪ ,‬كما تقدم بيانه‪ ,‬شرع ف ذكر‬
‫القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكري‪ ,‬فقال تعال‪{ :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالق} أي‬
‫بالصدق الذي ل ريب فيه أنه من عند ال {مصدقا لا بي يديه من الكتاب} أي من الكتب التقدمة‬
‫التضمنة ذكره ومدحه‪ ,‬وأنه سينل من عند ال على عبده ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فكان‬

‫‪66‬‬
‫نزوله كما أخبت به‪ ,‬ما زادها صدقا عند حامليها من ذوي البصائر الذين انقادوا لمر ال‪ ,‬واتبعوا‬
‫شرائع ال‪ ,‬وصدقوا رسل ال‪ ,‬كما قال تعال‪{ :‬إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يرون‬
‫للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لفعولً} أي إن كان ما وعدنا ال على ألسنة‬
‫رسله التقدمة من ميء ممد عليه السلم لفعولً‪ ,‬أي لكائنا ل مالة ول بد‪.‬‬
‫قوله تعال‪{ :‬ومهيمنا عليه} قال سفيان الثوري وغيه‪ ,‬عن أب إسحاق‪ ,‬عن التميمي‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ :‬أي مؤتنا عليه‪ .‬وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس‪ :‬الهيمن المي‪ ,‬قال‪ :‬القرآن أمي‬
‫على كل كتاب قبله‪ .‬ورواه عن عكرمة وسعيد بن جبي وماهد وممد بن كعب وعطية والسن‬
‫وقتادة وعطاء الراسان والسدي وابن زيد نو ذلك‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬القرآن أمي على الكتب‬
‫التقدمة قبله‪ ,‬فما وافقه منها فهو حق‪ ,‬وما خالفه منها فهو باطل‪ ,‬وعن الوالب عن ابن عباس‬
‫{ومهيمنا} أي شهيدا‪ ,‬وكذا قال ماهد وقتادة والسدي‪ .‬وقال العوف عن ابن عباس {ومهيمنا}‬
‫أي حاكما على ما قبله من الكتب‪ ,‬وهذه القوال كلها متقاربة العن‪ ,‬فإن اسم الهيمن يتضمن هذا‬
‫كله‪ ,‬فهو أمي وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله‪ ,‬جعل ال هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر‬
‫الكتب وخاتهاأشلها وأعظمها وأكملها حيث جع فيه ماسن ما قبله‪ ,‬وزاده من الكمالت‪ ,‬ماليس‬
‫ف غيه‪ ,‬فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها وتكفل تعال بفظه بنفسه الكرية‪ ,‬فقال‬
‫تعال‪{ :‬إنا نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون} فأما ما حكاه ابن أب حات عن عكرمة وسعيد بن جبي‬
‫وعطاء الراسان وابن أب نيح عن ماهد‪ ,‬أنم قالوا ف قوله {ومهيمنا عليه} يعن ممدا صلى ال‬
‫عليه وسلم أمي على القرآن فإنه صحيح ف العن‪ ,‬ولكن ف تفسي هذا بذا نظر‪ ,‬وف تنيله عليه من‬
‫حيث العربية أيضا نظر‪ ,‬وبالملة فالصحيح الول‪ .‬وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن‬
‫ماهد‪ :‬وهذا التأويل بعيد من الفهوم ف كلم العرب‪ ,‬بل هو خطأ‪ ,‬وذلك أن الهيمن عطف على‬
‫الصدق‪ ,‬فل يكون إل صفة لا كان الصدق صفة له‪ ,‬قال‪ :‬ولو كان المر كما قال ماهد لقال‪:‬‬
‫وأنزلنا إليك الكتاب بالق مصدقا لا بي يديه من الكتاب‪ ,‬مهيمنا عليه‪ ,‬يعن من غي عطف‪.‬‬
‫وقوله تعال‪{ :‬فاحكم بينهم با أنزل ال} أي فاحكم يا ممد بي الناس‪ ,‬عربم وعجمهم‪ ,‬أميهم‬
‫وكتابيهم‪ ,‬با أنزل ال إليك ف هذا الكتاب العظيم‪ ,‬وبا قرره لك من حكم من كان قبلك من‬
‫النبياء ول ينسخه ف شرعك‪ ,‬هكذا وجهه ابن جرير بعناه‪ ,‬قال ابن أب حات‪ :‬حدثنا ممد بن‬
‫عمار‪ ,‬حدثنا سعيد بن سليمان‪ ,‬حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسي‪ ,‬عن الكم‪ ,‬عن ماهد‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان النب صلى ال عليه وسلم ميا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم‪,‬‬
‫فردهم إل أحكامهم‪ ,‬فنلت {وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم} فأمر رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يكم بينهم با ف كتابنا‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وقوله {ول تتبع أهواءهم} أي آراءهم الت اصطلحوا عليها‪ ,‬وتركوا بسببها ما أنزل ال على‬
‫رسله‪ ,‬ولذا قال تعال‪{ :‬ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق} أي ل تنصرف عن الق الذي‬
‫أمرك ال به إل أهواء هؤلء الهلة الشقياء‪ .‬وقوله تعال‪{ :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} قال‬
‫ابن أب حات‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج‪ ,‬حدثنا أبو خالد الحر عن يوسف بن أب إسحاق‪ ,‬عن أب‬
‫إسحاق‪ ,‬عن التميمي‪ ,‬عن ابن عباس {لكل جعلنا منكم شرعة} قال‪ :‬سبيلً‪ .‬وحدثنا أبو سعيد‪,‬‬
‫حدثنا وكيع عن سفيان‪ ,‬عن أب إسحاق‪ ,‬عن التميمي‪ ,‬عن ابن عباس {ومنهاجا} قال‪ :‬وسنة‪ ,‬كذا‬
‫روى العوف عن ابن عباس {شرعة ومنهاجا} سبيلً وسنة‪ ,‬وكذا روي عن ماهد وعكرمة والسن‬
‫البصري وقتادة والضحاك والسدي وأب إسحاق السبيعي‪ ,‬أنم قالوا ف قوله {شرعة ومنهاجا} أي‬
‫ل وسنة‪ ,‬وعن ابن عباس أيضا وماهد‪ ,‬أي وعطاء الراسان عكسه {شرعة ومنهاجا} أي سنة‬ ‫سبي ً‬
‫وسبيلً‪ ,‬والول أنسب‪ ,‬فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي ما يبتدأ فيه إل الشيء‪ ,‬ومنه يقال‪:‬‬
‫شرع ف كذا‪ ,‬أي ابتدأ فيه‪ ,‬كذا الشريعة وهي ما يشرع فيها إل الاء‪ .‬أما النهاج فهو الطريق‬
‫الواضح السهل‪ ,‬والسنن الطرائق‪.‬‬
‫فتفسي قوله‪{ :‬شرعة ومنهاجا} بالسبيل والسنة أظهر ف الناسبة من العكس‪ ,‬وال أعلم‪ .‬ث هذا‬
‫إخبار عن المم الختلفة الديان‪ ,‬باعتبار ما بعث ال به رسله الكرام من الشرائع الختلفة ف الحكام‬
‫التفقة ف التوحيد‪ ,‬كما ثبت ف صحيح البخاري عن أب هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال «نن معاشر النبياء إخوة لعلت‪ ,‬ديننا واحد» يعن بذلك التوحيد الذي بعث ال به كل رسول‬
‫أرسله وضمنه كل كتاب أنزله‪ ,‬كما قال تعال {وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل‬
‫إله إل أنا فاعبدون} وقال تعال‪{ :‬ولقد بعثنا ف كل أمة رسولً أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت}‬
‫الَية‪ ,‬وأما الشرائع فمختلفة ف الوامر والنواهي فقد يكون الشيء ف هذه الشريعة حراما‪ ,‬ث يل ف‬
‫الشريعة الخرى‪ ,‬وبالعكس‪ ,‬وخفيفا فيزاد ف الشدة ف هذه دون هذه‪ ,‬وذلك لا له تعال ف ذلك‬
‫من الكمة البالغة‪ ,‬والجة الدامغة‪.‬‬
‫ل وسنة‪,‬‬‫قال سعيد بن أب عروبة عن قتادة‪ :‬قوله {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} يقول‪ :‬سبي ً‬
‫والسنن متلفة‪ ,‬هي ف التوراة شريعة‪ ,‬وف النيل شريعة‪ ,‬وف الفرقان شريعة‪ ,‬يل ال فيها ما يشاء‬
‫ويرم ما يشاء‪ ,‬ليعلم من يطيعه من يعصيه‪ ,‬والدين الذي ل يقبل ال غيه‪ ,‬التوحيد والخلص ل‬
‫الذي جاءت به جيع الرسل عليهم الصلة والسلم‪ ,‬وقيل‪ :‬الخاطب بذه الَية هذه المة ومعناه لكل‬
‫جعلنا القرآن منكم أيتها المة شرعة ومنهاجا‪ ,‬أي هو لكم كلكم تقتدون به‪ ,‬وحذف الضمي‬
‫النصوب ف قوله {لكل جعلنا منكم} أي جعلناه‪ ,‬يعن القرآن‪ ,‬شرعة ومنهاجا‪ ,‬أي سبيلً إل‬
‫القاصد الصحيحة‪ ,‬وسنة أي طريقا ومسلكا واضحا بينا‪ ,‬هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن‬
‫ماهد رحه ال‪ ,‬والصحيح القول الول‪ ,‬ويدل على ذلك قوله تعال بعده {ولو شاء ال لعلكم أمة‬

‫‪68‬‬
‫واحدة} فلو كان هذا خطابا لذه المة‪ ,‬لا صح أن يقول {ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة} وهم‬
‫أمة واحدة‪ ,‬ولكن هذا خطاب لميع المم وإخبار عن قدرته تعال العظيمة‪ ,‬الت لو شاء لمع الناس‬
‫كلهم على دين واحد‪ ,‬وشريعة واحدة‪ ,‬ل ينسخ شيء منها‪ ,‬ولكنه تعال شرع لكل رسول شريعة‬
‫على حدة‪ ,‬ث نسخها أو بعضها برسالة الَخر الذي بعده‪ ,‬حت نسخ الميع با بعث به عبده ورسوله‬
‫ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬الذي ابتعثه إل أهل الرض قاطبة‪ ,‬وجعله خات النبياء كلهم‪ ,‬ولذا قال‬
‫تعال‪{ :‬ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} أي أنه تعال شرع الشرائع‬
‫متلفة ليختب عباده فيما شرع لم ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته با فعلوه أو عزموا عليه‬
‫من ذلك كله‪ .‬وقال عبد ال بن كثي {فيما آتاكم} يعن من الكتاب‪.‬‬
‫ث إنه تعال ندبم إل السارعة إل اليات والبادرة إليها‪ ,‬فقال {فاستبقوا اليات} وهي طاعة ال‬
‫واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لا قبله‪ ,‬والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله‪ ,‬ث قال‬
‫تعال‪{ :‬إل ال مرجعكم} أي معادكم أيها الناس ومصيكم إليه يوم القيامة {فينبئكم با كنتم فيه‬
‫تتلفون} أي فيخبكم با اختلفتم فيه من الق‪ ,‬فيجزي الصادقي بصدقهم‪ ,‬ويعذب الكافرين‬
‫الاحدين الكذبي بالق العادلي عنه إل غيه بل دليل ول برهان‪ ,‬بل هم معاندون للباهي‬
‫القاطعة‪ ,‬والجج البالغة والدلة الدامغة‪ .‬وقال الضحاك {فاستبقوا اليات} يعن أمة ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬والول أظهر‪ .‬وقوله {وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم} تأكيد لا تقدم‬
‫من المر بذلك والنهي عن خلفه‪ ,‬ث قال {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك} أي‬
‫واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الق فيما ينهونه إليك من أمور‪ ,‬فل تغتر بم‪ ,‬فإنم كذبة‬
‫كفرة خونة‪{ ,‬فإن تولوا} أي عما تكم به بينهم من الق وخالفوا شرع ال‪{ ,‬فاعلم أنا يريد ال‬
‫أن يصيبهم ببعض ذنوبم} أي فاعلم أن ذلك كائن عن قدر ال وحكمته فيهم أن يصرفهم عن‬
‫الدى لا لم من الذنوب السالفة الت اقتضت إضللم ونكالم‪{ ,‬وإن كثيا من الناس لفاسقون}‬
‫أي إن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربم مالفون للحق ناكبون عنه‪ ,‬كما قال تعال‪{ :‬وما أكثر‬
‫الناس ولو حرصت بؤمني}‪ .‬وقال تعال‪{ :‬وإن تطع أكثر من ف الرض يضلوك عن سبيل ال}‬
‫الَية‪.‬‬
‫وقال ممد بن إسحاق حدثن ممد بن أب ممد مول زيد بن ثابت‪ ,‬حدثن سعيد بن جبي أو‬
‫عكرمة‪ .‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد ال بن صوريا وشاس بن قيس‪,‬‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬اذهبوا بنا إل ممد لعلنا نفتنه عن دينه‪ ,‬فأتوه فقالوا‪ :‬يا ممد إنك قد عرفت أنا أحبار‬
‫يهود‪ ,‬وأشرافهم‪ ,‬وساداتم‪ ,‬وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ول يالفونا‪ ,‬وإن بيننا وبي قومنا خصومة‬
‫فنحاكمهم إليك‪ ,‬فتقضي لنا عليهم‪ ,‬ونؤمن لك ونصدقك‪ ,‬فأب ذلك رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال عز وجل فيهم {وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع‬

‫‪69‬‬
‫أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك} إل قوله {لقوم يوقنون}‪ ,‬رواه ابن جرير‬
‫وابن أب حات‪.‬‬
‫وقوله تعال‪{ :‬أفحكم الاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون} ينكر تعال على من‬
‫خرج عن حكم ال الحكم الشتمل على كل خي‪ ,‬الناهي عن كل شر وعدل إل ما سواه من الَراء‬
‫والهواء والصطلحات الت وضعها الرجال بل مستند من شريعة ال‪ ,‬كما كان أهل الاهلية‬
‫يكمون به من الضللت والهالت ما يضعونا بآرائهم وأهوائهم‪ ,‬وكما يكم به التتار من‬
‫السياسات اللكية الأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لم الياسق‪ ,‬وهو عبارة عن كتاب‬
‫مموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شت‪ :‬من اليهودية والنصرانية واللة السلمية وغيها‪ ,‬وفيها‬
‫كثي من الحكام أخذها من مرد نظره وهواه‪ ,‬فصارت ف بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الكم‬
‫بكتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فمن فعل ذلك منهم فهو‬
‫كافر يب قتاله حت يرجع إل حكم ال ورسوله‪ ,‬فل يكم سواه ف قليل ول كثي‪ ,‬قال تعال‪:‬‬
‫{أفحكم الاهلية يبغون} أي يبتغون ويريدون‪ ,‬وعن حكم ال يعدلون‪{ ,‬ومن أحسن من ال حكما‬
‫لقوم يوقنون} أي ومن أعدل من ال ف حكمه لن عقل عن ال شرعه‪ ,‬وآمن به‪ ,‬وأيقن وعلم أن ال‬
‫أحكم الاكمي‪ ,‬وأرحم بلقه من الوالدة بولدها‪ ,‬فإنه تعال هو العال بكل شيء‪ ,‬القادر على كل‬
‫شيء‪ ,‬العادل ف كل شيء‪.‬‬
‫وقال ابن أب حات‪ :‬حدثنا أب‪ ,‬حدثنا هلل بن فياض‪ ,‬حدثنا أبو عبيدة الناجي قال‪ :‬سعت السن‬
‫يقول‪ :‬من حكم بغي حكم ال فحكم الاهلية‪ .‬وأخبنا يونس بن عبد العلى قراءة‪ ,‬حدثنا سفيان‬
‫بن عيينة عن ابن أب نيح‪ ,‬قال‪ :‬كان طاوس إذا سأله رجل‪ :‬أفضل بي ولدي ف النحل ؟ قرأ‬
‫{أفحكم الاهلية يبغون} الَية‪ ,‬وقال الافظ أبو القاسم الطبان‪ :‬حدثنا أحد بن عبد الوهاب بن‬
‫ندة الوطي‪ ,‬حدثنا أبو اليمان الكم بن نافع‪ ,‬أخبنا شعيب بن أب حزة‪ ,‬عن عبد ال بن عبد‬
‫الرحن بن أب حسي‪ ,‬عن نافع بن جبي‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫«أبغض الناس إل ال عز وجل‪ ,‬من يبتغي ف السلم سنة الاهلية‪ ,‬وطالب دم امرىء بغي حق لييق‬
‫دمه»‪ .‬وروى البخاري عن أب اليمان بإسناده نوه بزيادة‪.‬‬

‫‪.2‬ل قانون‬
‫القانون الذي عندهم خليط من السلم والاهلية وهم ل يتحاكمون إليه لنم فوق‬
‫القانون فمن الذي سيسألم عما يفعلون ويرتكبون من جرائم ؟؟!!! لنم انتحلوا صفة‬
‫اللوهية قال تعال ‪ { :‬لَا يُسَْأ ُل عَمّا َي ْفعَلُ َوهُ ْم يُسْأَلُونَ} (‪ )23‬سورة النبياء‬

‫‪70‬‬
‫وقال تعال ‪:‬‬
‫ك َومَا أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن َيتَحَاكَمُواْ‬ ‫أََلمْ َترَ إِلَى الّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُ ْم آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ ِإلَْي َ‬
‫ِإلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ ُأ ِمرُواْ أَن َي ْك ُفرُوْا ِبهِ وَُيرِيدُ الشّيْطَانُ أَن ُيضِّلهُ ْم ضَلَلً َبعِيدًا ( ‪ )60‬وَِإذَا قِيلَ‬
‫ك صُدُودًا ( ‪ )61‬فَ َكيْفَ ِإذَا‬ ‫َلهُ ْم َتعَاَلوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ الّلهُ وَإِلَى الرّسُو ِل رََأْيتَ الْمُنَاِف ِقيَ َيصُدّونَ عَن َ‬
‫َأصَابَْتهُم ّمصِيبَ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَآؤُو َك يَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِنْ َأ َردْنَا إِلّ إِ ْحسَانًا وََت ْوفِيقًا ( ‪)62‬‬
‫سهِمْ َقوْ ًل بَلِيغًا (‬
‫ض عَْنهُ ْم َوعِ ْظهُ ْم وَقُل ّلهُ ْم فِي أَنفُ ِ‬‫ك الّذِي َن َيعْلَمُ الّل ُه مَا فِي ُقلُوِبهِمْ فََأ ْع ِر ْ‬
‫أُولَـِئ َ‬
‫‪ )63‬النساء‬

‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬


‫‪-63‬أولـئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم فأعرض عنهم وعظهم وقل لم ف أنفسهم قول بليغا‬
‫هذا إنكار من ال عز وجل على من يدعي اليان با أنزل ال على رسوله وعلى النبياء القدمي‬
‫وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم ف فصل الصومات إل غي كتاب ال وسنة رسوله كما ذكر ف‬
‫سبب نزول هذه الية أنا ف رجل من النصار ورجل من اليهود تاصما فجعل اليهودي يقول‬
‫بين وبينك ممد وذاك يقول بين وبينك كعب بن الشرف وقيل ف جاعة من النافقي من‬
‫أظهروا السلم أرادوا أن يتحاكموا إل حكام الاهلية وقيل غي ذلك والية أعم من ذلك كله‬
‫فإنا ذامة لن عدل عن الكتاب والسنة وتاكموا إل ما سواها من الباطل وهو الراد بالطاغوت‬
‫هنا ولذا قال ( يريدون أن يتحاكموا إل الطاغوت ) ل آخرها وقوله ( ويصدون عنك‬
‫صدودا ) ي يعرضون عنك إعراضا كالستكبين عن ذلك كما قال تعال عن الشركي ( وإذا‬
‫قيل لم اتبعوا ما أنزل ال قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ) هؤلء بلف الؤمني الذي قال‬
‫ال فيهم ( إنا كان قول الؤمني إذا دعوا إل ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سعنا وأطعنا )‬
‫لية ث قال تعال ف ذم النافقي ( فكيف إذا أصابتهم مصيبة با قدمت أيديهم ) ي فكيف بم‬
‫إذا ساقتهم القادير إليك ف مصائب تطرقهم بسبب ذنوبم واحتاجوا إليك ف ذلك ( ث جاؤك‬
‫يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا ) ي يعتذرون إليك ويلفون ما أردنا بذهابنا إل غيك‬
‫وتاكمنا إل أعدائك إل الحسان والتوفيق أي الداراة والصانعة ل إعتقادا منا صحة تلك‬
‫الكومة كما أخب تعال عنهم ف قوله ( فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم يقولون‬
‫نشى ) ل قوله ( فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي ) قد قال الطبان ' ‪' 12045‬‬
‫حدثنا أبو زيد أحد بن يزيد الوطي حدثنا أبواليمان حدثنا صفوان بن عمرو عن عكرمة عن‬
‫ابن عباس قال كان أبو برزة السلمي كاهنا يقضي بي اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس‬
‫من الشركي فأنزل ال عز وجل ( أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل‬

‫‪71‬‬
‫من قبلك ) ل قوله ( إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا ) م قال تعال ( أولئك الذي يعلم ال ما ف‬
‫قلوبم ) ذا الضرب من الناس هم النافقون وال يعلم ما ف قلوبم وسيجزيهم على ذلك فإنه ل‬
‫تفى عليه خافية فاكتف به يا ممد فيهم فإنه عال بظهورهم وبواطنهم ولذا قال له ( فأعرض‬
‫عنهم ) ي ل تعنفهم على ما ف قلوبم ( وعظهم ) ي وانهم عما ف قلوبم من النفاق وسرائر‬
‫الشر ( وقل لم ف أنفسهم قول بليغا ) ي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلم بليغ رادع لم‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫أل تر إل هذا العجب العاجب ‪ . .‬قوم ‪ . .‬يزعمون ‪ . .‬اليان ‪ .‬ث يهدمون هذا الزعم ف آن ?!‬
‫قوم (يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك) ‪ .‬ث ل يتحاكمون إل ما أنزل إليك وما‬
‫أنزل من قبلك ? إنا يريدون أن يتحاكموا إل شيء آخر ‪ ,‬وإل منهج آخر ‪ ,‬وإل حكم آخر ‪. .‬‬
‫يريدون أن يتحاكموا إل ‪ . .‬الطاغوت ‪ . .‬الذي ل يستمد ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ .‬ول‬
‫ضابط له ول ميزان ‪ ,‬ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ . .‬ومن ث فهو ‪ . .‬طاغوت ‪ . .‬طاغوت‬
‫بادعائه خاصية من خواص اللوهية ‪ .‬وطاغوت بأنه ل يقف عند ميزان مضبوط أيضا ! وهم ل‬
‫يفعلون هذا عن جهل ‪ ,‬ول عن ظن ‪ . .‬إنا هم يعلمون يقينا ويعرفون تاما ‪ ,‬أن هذا الطاغوت مرم‬
‫التحاكم إليه‪( :‬وقد أمروا أن يكفروا به) ‪ . .‬فليس ف المر جهالة ول ظن ‪ .‬بل هو العمد والقصد ‪.‬‬
‫ومن ث ل يستقيم ذلك الزعم ‪ .‬زعم أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك ! إنا هو الشيطان‬
‫الذي يريد بم الضلل الذي ل يرجى منه مآب ‪. .‬‬
‫ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدًا ‪. .‬‬
‫فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتم التحاكم إل الطاغوت ‪ .‬وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إل‬
‫الروج من حد اليان وشرطه بإرادتم التحاكم إل الطاغوت ! هذا هو الدافع يكشفه لم ‪ .‬لعلهم‬
‫يتنبهون فيجعوا ‪ .‬ويكشفه للجماعة السلمة ‪ ,‬لتعرف من يرك هؤلء ويقف وراءهم كذلك ‪.‬‬
‫ويضي السياق ف وصف حالم إذا ما دعوا إل ما أنزل ال إل الرسول وما أنزل من قبله ‪ . .‬ذلك‬
‫الذي يزعمون أنم آمنوا به‪:‬‬
‫(وإذا قيل لم‪:‬تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ‪ ,‬رأيت النافقي يصدون عنك صدودا) ‪.‬‬
‫يا سبحان ال ! إن النفاق يأب إل أن يكشف نفسه ! ويأب إل أن يناقض بديهيات النطق الفطري ‪.‬‬
‫‪ .‬وإل ما كان نفاقا ‪. . .‬‬
‫إن القتضى الفطري البديهي لليان ‪ ,‬أن يتحاكم النسان إل ما آمن به ‪ ,‬وإل من آمن به ‪ .‬فإذا‬
‫زعم أنه آمن بال وما أنزل ‪ ,‬وبالرسول وما أنزل إليه ‪ .‬ث دعي إل هذا الذي آمن به ‪ ,‬ليتحاكم إل‬
‫أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التلبيه الكاملة هي البديهية الفطرية ‪ .‬فأما حي يصد ويأب فهو يالف‬
‫البديهية الفطرية ‪ .‬ويكشف عن النفاق ‪ .‬وينب ء عن كذب الزعم الذي زعمه من اليان !‬

‫‪72‬‬
‫وإل هذه البديهية الفطرية ياكم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أولئك الذين يزعمون اليان بال ورسوله ‪ .‬ث ل‬
‫يتحاكمون إل منهج ال ورسوله ‪ .‬بل يصدون عن ذلك النهج حي يدعون إليه صدودا !‬
‫ث يعرض مظهرا من مظاهر النفاق ف سلوكهم ; حي يقعون ف ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم‬
‫للدعوة إل ما أنزل ال وإل الرسول ; أو بسبب ميلهم إل التحاكم إل الطاغوت ‪ .‬ومعاذيرهم عند‬
‫ذلك ‪ .‬وهي معاذير النفاق‪:‬‬
‫(فكيف إذا أصابتهم مصيبة ‪ -‬با قدمت أيديهم ‪ -‬ث جاؤوك يلفون بال‪:‬إن أردنا إل إحسانا‬
‫وتوفيقا) ‪. .‬‬
‫وهذه الصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم ف وسط الماعة السلمة ‪ -‬يومذاك ‪ -‬حيث‬
‫يصبحون معرضي للنبذ والقاطعة والزدراء ف الوسط السلم ‪ .‬فما يطيق الجتمع السلم أن يرى من‬
‫بينه ناسا يزعمون أنم آمنوا بال وما أنزل ‪ ,‬وبالرسول وما أنزل إليه ; ث ييلون إل التحاكم لغي‬
‫شريعة ال ; أو يصدون حي يدعون إلىالتحاكم إليها ‪ . .‬إنا يقبل مثل هذا ف متمع ل إسلم له‬
‫ول إيان ‪ .‬وكل ما له من اليان زعم كزعم هؤلء ; وكل ما له من السلم دعوى وأساء !‬
‫أو قد تصيبهم الصيبة من ظلم يقع بم ; نتيجة التحاكم إل غي نظام ال العادل ; ويعودون باليبة‬
‫والندامة من الحتكام إل الطاغوت ; ف قضية من قضاياهم ‪.‬‬
‫أو قد تصيبهم الصيبة ابتلء من ال لم ‪ .‬لعلهم يتفكرون ويهتدون ‪. .‬‬
‫وأياما ما كان سبب الصيبة ; فالنص القرآن ‪ ,‬يسأل مستنكرا‪:‬فكيف يكون الال حينئذ ! كيف‬
‫يعودون إل الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا) ‪. . .‬‬
‫إنا حال مزية ‪ . .‬حي يعودون شاعرين با فعلوا ‪ . .‬غي قادرين على مواجهة الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم بقيقة دوافعهم ‪ .‬وف الوقت ذاته يلفون كاذبي‪:‬أنم ما أرادوا بالتحاكم إل الطاغوت ‪-‬‬
‫وقد يكون هنا هو عرف الاهلية ‪ -‬إل رغبة ف الحسان والتوفيق ! وهي دائما دعوى كل من‬
‫ييدون عن الحتكام إل منهج ال وشريعته‪:‬أنم يريدون اتقاء الشكالت والتاعب والصاعب ‪ ,‬الت‬
‫تنشأ من الحتكام إل شريعة ال ! ويريدون التوفيق بي العناصر الختلفة والتاهات الختلفة‬
‫والعقائد الختلفة ‪ . .‬إنا حجة الذين يزعمون اليان ‪ -‬وهم غي مؤمني ‪ -‬وحجة النافقي اللتوين ‪.‬‬
‫‪ .‬هي هي دائما وف كل حي !‬
‫وال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يكشف عنهم هذا الرداء الستعار ‪ .‬ويب رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬أنه يعلم‬
‫حقيقة ما تنطوي عليه جوانهم ‪ .‬ومع هذا يوجهه إل أخذهم بالرفق ‪ ,‬والنصح لم بالكف عن هذا‬
‫اللتواء‪:‬‬
‫(أولئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم ‪ .‬فأعرض عنهم وعظهم ‪ ,‬وقل لم ف أنفسهم قول بليغا) ‪. .‬‬

‫‪73‬‬
‫أولئك الذين يفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويتجون بذه الجج ‪ ,‬ويعتذرون بذه العاذير ‪ .‬وال‬
‫يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور ‪ . .‬ولكن السياسة الت كانت متبعة ‪ -‬ف ذلك الوقت ‪ -‬مع‬
‫النافقي كانت هي الغضاء عنهم ‪ ,‬وأخذهم بالرفق ‪ ,‬واطراد الوعظة والتعليم ‪. .‬‬
‫والتعبي العجيب‪:‬‬
‫وقل لم ‪ . .‬ف أنفسهم ‪ . .‬قول بليغًا ‪.‬‬
‫تعبي مصور ‪ . .‬كأنا القول يودع مباشرة ف النفس ‪ ,‬ويستقر مباشرة ف القلوب ‪.‬‬
‫وهو يرغبهم ف العودة والتوبة والستقامة والطمئنان إل كنف ال وكنف رسوله ‪ . .‬بعد كل ما بدا‬
‫منهم من اليل إل الحتكام إل الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول صلى ال عليه وسلم حي‬
‫يدعون إل التحاكم إل ال والرسول ‪ . .‬فالتوبة بابا مفتوح ‪ ,‬والعودة إل ال ل يفت اوانا بعد ;‬
‫واستغفارهم ال من الذنب ‪ ,‬واستغفار الرسول لم ‪ ,‬فيه القبول ! ولكنه قبل هذا كله يقرر القاعدة‬
‫الساسية‪:‬وهي أن ال قد أرسل رسله ليطاعوا ‪ -‬بإذنه ‪ -‬ل ليخالف عن أمرهم ‪ .‬ول ليكونوا مرد‬
‫وعاظ ! ومرد مرشدين !‬
‫وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال ‪ .‬ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ‪ ,‬فاستغفروا ال ‪,‬‬
‫واستغفر لم الرسول ‪ ,‬لوجدوا ال توابا رحيمًا ‪. .‬‬
‫وهذه حقيقة لا وزنا ‪ . .‬إن الرسول ليس مرد "واعظ" يلقي كلمته ويضي ‪ .‬لتذهب ف الواء ‪-‬‬
‫بل سلطان ‪ -‬كما يقول الخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين ل يفهمون‬
‫مدلول "الدين" ‪.‬‬
‫إن الدين منهج حياة ‪ .‬منهج حياة واقعية ‪ .‬بتشكيلتا وتنظيماتا ‪ ,‬وأوضاعها ‪ ,‬وقيمها ‪ ,‬وأخلقها‬
‫وآدابا ‪ .‬وعباداتا وشعائرها كذلك ‪.‬‬
‫وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان ‪ .‬سلطان يقق النهج ‪ ,‬وتضع له النفوس خضوع طاعة‬
‫وتنفيذ ‪ . .‬وال أرسل رسله ليطاعوا ‪ -‬بإذنه وف حدود شرعه ‪ -‬ف تقيق منهج الدين ‪ .‬منهج ال‬
‫الذي أراده لتصريف هذه الياة ‪ .‬وما من رسول إل أرسله ال ‪ ,‬ليطاع ‪ ,‬بإذن ال ‪ .‬فتكون طاعته‬
‫طاعة ل ‪ . .‬ول يرسل الرسل لجرد التأثر الوجدان ‪ ,‬والشعائر التعبدية ‪ . .‬فهذا وهم ف فهم الدين‬
‫; ل يستقيم مع حكمة ال من إرسال الرسل ‪ .‬وهي إقامة منهج معي للحياة ‪ ,‬ف واقع الياة ‪. .‬‬
‫وإل فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أن يقف واعظا ‪ .‬ل يعنيه إل أن يقول كلمته ويضي ‪.‬‬
‫يستهتر با الستهترون ‪ ,‬ويبتذلا البتذلون !!!‬
‫ومن هنا كان تاريخ السلم كما كان ‪ . .‬كان دعوة وبلغا ‪ .‬ونظام وحكما ‪ .‬وخلفة بعد ذلك‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم تقوم بقوة الشريعة والنظام ‪ ,‬على تنفيذ الشريعة والنظام ‪ .‬لتحقيق‬
‫الطاعة الدائمة للرسول ‪ .‬وتقيق إرادة ال من إرسال الرسول ‪ .‬وليست هنالك صورة أخرى يقال‬

‫‪74‬‬
‫لا‪:‬السلم ‪ .‬أو يقال لا‪:‬الدين ‪ .‬إل أن تكون طاعة للرسول ‪ ,‬مققة ف وضع وف تنظيم ‪ .‬ث تتلف‬
‫أشكال هذا الوضع ما تتلف ; ويبقى أصلها الثابت ‪ .‬وحقيقتها الت ل توجد بغيها ‪ . .‬استسلم‬
‫لنهج ال ‪ ,‬وتقيق لنهج رسول ال ‪ .‬وتاكم إل شريعة ال ‪ .‬وطاعة للرسول فيما بلغ عن ال ‪,‬‬
‫وإفراد ل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬باللوهية [ شهادة أن ل إله إل ال ] ومن ث إفراده بالاكمية الت تعل‬
‫التشريع ابتداء حقا ل ‪ ,‬ل يشاركه فيه سواه ‪ .‬وعدم احتكام إل الطاغوت ‪ .‬ف كثي ول قليل ‪.‬‬
‫والرجوع إل ال والرسول ‪ ,‬فيما ل يرد فيه نص من القضايا الستجدة ‪ ,‬والحوال الطارئه ; حي‬
‫تتلف فيه العقول ‪. .‬‬
‫وأمام الذين (ظلموا أنفسهم) بيلهم عن هذا النهج ‪ ,‬الفرصة الت دعا ال النافقي إليها على عهد‬
‫رسول ال ‪ ,‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ورغبهم فيها ‪. .‬‬
‫ولو أنم ‪ -‬إذ ظلموا أنفسهم ‪ -‬جاؤوك ‪ ,‬فاستغفروا ال ‪ ,‬واستغفر لم الرسول ‪ ,‬لوجدوا ال توابا‬
‫رحيمًا ‪. .‬‬
‫وال تواب ف كل وقت على من يتوب ‪ .‬وال رحيم ف كل وقت على من يؤوب ‪ .‬وهو ‪ -‬سبحانه‬
‫‪ -‬يصف نفسه بصفته ‪ .‬ويعد العائدين إليه ‪ ,‬الستغفرين من الذنب ‪ ,‬قبول التوبة وإفاضة الرحة ‪. .‬‬
‫والذين يتناولم هذا النص ابتداء ‪ ,‬كان لديهم فرصة استغفار الرسول صلى ال عليه وسلم وقد‬
‫انقضت فرصتها ‪ .‬وبقي باب ال مفتوحا ل يغلق ‪ .‬ووعده قائما ل ينقض ‪ .‬فمن أراد فليقدم ‪ .‬ومن‬
‫عزم فليتقدم ‪. .‬‬
‫وأخيا ييء ذلك اليقاع الاسم الازم ‪ .‬إذ يقسم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بذاته العلية ‪ ,‬أنه ل يؤمن مؤمن‬
‫‪ ,‬حت يكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمره كله ‪ .‬ث يضي راضيا بكمه ‪ ,‬مسلما بقضائه ‪.‬‬
‫ليس ف صدره حرج منه ‪ ,‬ول ف نفسه تلجلج ف قبوله‪:‬‬
‫فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ‪ .‬ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ‪,‬‬
‫ويسلموا تسليمًا ‪. .‬‬
‫ومرة أخرى ندنا أمام شرط اليان وحد السلم ‪ .‬يقرره ال سبحانه بنفسه ‪ .‬ويقسم عليه بذاته ‪.‬‬
‫فل يبقى بعد ذلك قول لقائل ف تديد شرط اليان وحد السلم ‪ ,‬ول تأويل لؤول ‪.‬‬
‫اللهم إل ماحكة ل تستحق الحترام ‪ . .‬وهي أن هذا القول مرهون بزمان ‪ ,‬وموقوف على طائفة‬
‫من الناس ! وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا ; ول يفقه من التعبي القرآن قليل ول كثيا ‪.‬‬
‫فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم ; جاءت ف صورة قسم مؤكد ; مطلقة من كل قيد ‪ . .‬وليس‬
‫هناك مال للوهم أو اليهام بأن تكيم رسول ال صلى ال عليه وسلم هو تكيم شخصه ‪ .‬إنا هو‬
‫تكيم شريعته ومنهجه ‪ .‬وإل ل يبق لشريعة ال وسنة رسوله مكان بعد وفاته صلى ال عليه وسلم‬
‫وذلك قول أشد الرتدين ارتدادا على عهد أب بكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وهو الذي قاتلهم عليه قتال‬

‫‪75‬‬
‫الرتدين ‪ .‬بل قاتلهم على ما هو دونه بكثي ‪ .‬وهو مرد عدم الطاعة ل ورسوله ‪ ,‬ف حكم الزكاة ;‬
‫وعدم قبول حكم رسول ال فيها ‪ ,‬بعد الوفاة !‬
‫وإذا كان يكفي لثبات "السلم" أن يتحاكم الناس إل شريعة ال وحكم رسوله ‪ . .‬فانه ل يكفي‬
‫ف "اليان" هذا ‪ ,‬ما ل يصحبه الرضى النفسي ‪ ,‬والقبول القلب ‪ ,‬وإسلم القلب والنان ‪ ,‬ف‬
‫اطمئنان !‬
‫هذا هو السلم ‪ . .‬وهذا هو اليان ‪ . .‬فلتنظر نفس أين هي من السلم ; وأين هي من اليان !‬
‫قبل ادعاء السلم وادعاء اليان !‬

‫‪.3‬النهب والسلب وانتهاك الرمات‬


‫فهم ينهبون خيات المة ويتلعبون با ف نوادي القمار واللهو والعبث وينتهكون‬
‫حرمات السلمي ليل نار‬
‫سنِ قَا َل عَا َد عَُبيْدُ الّلهِ بْ ُن زِيَا ٍد َمعْقِلَ ْبنَ‬ ‫ول حسيب ول رقيب وف مسلم عَ ِن الْحَ َ‬
‫ضهِ الّذِى مَاتَ فِيهِ َفقَا َل َم ْعقِلٌ إِنّى مُحَدُّثكَ حَدِيثًا سَ ِمعُْتهُ مِ ْن رَسُولِ‬ ‫يَسَارٍ الْ ُمزَنِىّ فِى َم َر ِ‬
‫ت رَسُولَ الّلهِ‬ ‫الّلهِ ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪َ -‬ل ْو عَِل ْمتُ أَنّ لِى حَيَا ًة مَا حَدّثُْتكَ إِنّى سَ ِمعْ ُ‬
‫ت َو ُهوَ‬ ‫‪-‬صلى ال عليه وسلم‪َ -‬يقُولُ « مَا مِ ْن عَبْدٍ َيسَْت ْرعِيهِ الّلهُ َر ِعيّةً يَمُوتُ َي ْومَ يَمُو ُ‬
‫غَاشّ ِل َرعِيِّتهِ إِلّ َح ّرمَ الّل ُه عَلَْيهِ الْجَنّ َة »‪.‬‬
‫‪.4‬السجون ملوءة بالخيار‬
‫نعم سجونم ملوءة بالخيار من السلمي ف طول البلد وعرضها من طنجة إل جاكرتا وما‬
‫يفعلونه بالساجي من جرائم يندى لا جبي النسانية ‪ ،‬بل يتلذذون بتعذيب السلمي بكل‬
‫ستْ قُلُوبُكُم مّن َبعْدِ‬ ‫الوسائل القميئة ولكن ل عجب ف ذلك فهم كما قال تعال ‪ { :‬ثُمّ َق َ‬
‫شقّقُ‬ ‫ج ُر مِْنهُ الَْنهَا ُر وَإِ ّن مِْنهَا لَمَا يَ ّ‬‫س َوةً وَإِ ّن مِنَ الْحِجَا َرةِ لَمَا يََتفَ ّ‬‫ذَِلكَ َفهِيَ كَالْحِجَا َرةِ َأوْ أَشَدّ َق ْ‬
‫ط مِنْ خَشَْيةِ الّل ِه َومَا الّلهُ ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُو َن } (‪ )74‬سورة‬ ‫ج مِْنهُ الْمَاء وَإِ ّن مِْنهَا لَمَا َيهِْب ُ‬
‫خرُ ُ‬
‫فَيَ ْ‬
‫البقرة‬

‫‪.5‬بيدهم مقدرات المة‬


‫نعم بيدهم كل مقدرات المة يتلعبون با كما يلو لم وكما تلي عليهم أهواؤهم وأسيادهم‬
‫والناس ل يلكون منها شيئا بل كثي من حقول النفط موزعة على العائلة الاكمة وحواشيها‬
‫وللشعوب الفتات‬
‫‪.6‬يتولون الكفار والفجار‬

‫‪76‬‬
‫نعم هم يتلون الكفار والفجار ول علقة لم بالسلمي‬
‫قال تعال ‪:‬‬
‫ض َومَن يََتوَّلهُم مّنكُمْ‬ ‫يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ َل تَتّخِذُواْ اْلَيهُودَ وَالّنصَارَى َأوِْليَاء َب ْعضُهُمْ َأوِْليَاء َبعْ ٍ‬
‫ي (‪َ )51‬فَترَى الّذِينَ فِي قُلُوِبهِم مّ َرضٌ يُسَا ِرعُونَ فِيهِمْ‬ ‫فَإِّن ُه مِْنهُمْ إِنّ الّلهَ َل َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِم َ‬
‫َيقُولُونَ نَخْشَى أَن ُتصِيبَنَا دَآِئ َرةٌ َفعَسَى الّلهُ أَن يَ ْأتِيَ بِاْلفَتْحِ َأوْ َأ ْمرٍ مّ ْن عِن ِد ِه فَُيصْبِحُواْ َعلَى مَا‬
‫سهِمْ نَا ِد ِميَ ( ‪ )52‬وََيقُو ُل الّذِي َن آمَنُواْ َأهَـؤُلء الّذِينَ أَ ْقسَمُواْ بِالّلهِ َجهْدَ أَيْمَاِنهِمْ‬ ‫َأ َسرّواْ فِي َأْنفُ ِ‬
‫ِإّنهُمْ لَ َمعَكُمْ حَِب َطتْ َأعْمَاُلهُمْ فََأصْبَحُواْ خَا ِسرِي َن ( ‪ )53‬الائدة‬

‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬


‫ض َومَن يََتوَّلهُ ْم مّنكُ ْم فَإِّنهُ‬‫** يَـأَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ َل تَتّخِذُواْ اْلَيهُودَ وَالّنصَا َرىَ َأوِْليَآءَ َب ْعضُهُمْ َأوِْليَآءُ َبعْ ٍ‬
‫مِْنهُمْ إِ ّن الّلهَ لَ َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ * َفَترَى الّذِي َن فِي ُقلُوِبهِم ّم َرضٌ ُيسَا ِرعُونَ فِيهِ ْم َيقُولُونَ َنخْشَىَ‬
‫سهِمْ‬
‫أَن ُتصِيبَنَا دَآِئ َرةٌ َفعَسَى الّلهُ أَن يَ ْأتِيَ بِاْلفَتْحِ َأوْ َأ ْمرٍ مّ ْن عِن ِد ِه فَُيصْبِحُواْ َعلَ َى مَآ أَ َسرّوْا فِيَ أَْنفُ ِ‬
‫ي * َوَيقُولُ الّذِي َن آمَنُواْ َأهُـؤُلءِ الّذِينَ أَ ْقسَمُواْ بِالّلهِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِمْ ِإّنهُمْ لَ َمعَكُمْ حَبِ َطتْ َأعْمَاُلهُمْ‬ ‫نَا ِدمِ َ‬
‫فََأصْبَحُوْا خَا ِسرِي َن‬
‫ينهى تبارك وتعال عباده الؤمني عن موالة اليهود والنصارى‪ ,‬الذين هم أعداء السلم وأهله ـ‬
‫قاتلهم ال ـ ث أخب أن بعضهم أولياء بعض‪ ,‬ث تدد وتوعد من يتعاطى ذلك‪ ,‬فقال {ومن يتولم‬
‫منكم فإنه منهم} الَية‪ .‬قال ابن أب حات‪ :‬حدثنا كثي بن شهاب‪ ,‬حدثنا ممد يعن ابن سعيد بن‬
‫سابق‪ ,‬حدثنا عمرو بن أب قيس عن ساك بن حرب‪ ,‬عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الشعري أن‬
‫يرفع إليه ما أخذ وما أعطى ف أدي واحد‪ ,‬وكان له كاتب نصران‪ ,‬فرفع إليه ذلك‪ ,‬فعجب عمر‬
‫وقال‪ :‬إن هذا لفيظ‪ ,‬هل أنت قارىء لنا كتابا ف السجد جاء من الشام ؟ فقال‪ :‬إنه ل يستطيع‪,‬‬
‫فقال عمر‪ :‬أجنب هو ؟ قال‪ :‬ل بل نصران‪ .‬قال‪ :‬فانتهرن وضرب فخذي‪ ,‬ث قال‪ :‬أخرجوه‪ ,‬ث قرأ‬
‫{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَية‪ ,‬ث قال‪ :‬حدثنا ممد بن السن بن‬
‫ممد بن الصباح‪ ,‬حدثنا عثمان بن عمر‪ ,‬أنبأنا ابن عون عن ممد بن سيين‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال بن‬
‫عتبة‪ :‬ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو ل يشعر‪ .‬قال‪ :‬فظنناه يريد هذه الَية {يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَية‪ ,‬وحدثنا أبو سعيد الَشج‪ ,‬حدثنا ابن فضيل عن‬
‫عاصم‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب‪ ,‬فقال‪ :‬كل‪ ,‬قال ال تعال‪:‬‬
‫{ومن يتولم منكم فإنه منهم}‪ ,‬وروي عن أب الزناد نو ذلك‪.‬‬
‫وقوله تعال‪{ :‬فترى الذين ف قلوبم مرض} أي شك وريب ونفاق‪ ,‬يسارعون فيهم‪ ,‬أي يبادرون‬
‫إل موالتم ومودتم ف الباطن والظاهر‪{ ,‬يقولون نشى أن تصيبنا دائرة} أي يتأولون ف مودتم‬

‫‪77‬‬
‫وموالتم أنم يشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالسلمي‪ ,‬فتكون لم أياد عند اليهود‬
‫والنصارى‪ ,‬فينفعهم ذلك‪ .‬عند ذلك قال ال تعال‪{ :‬فعسى ال أن يأت بالفتح} قال السدي‪ :‬يعن‬
‫فتح مكة‪ .‬وقال غيه‪ :‬يعن القضاء والفصل‪{ ,‬أو أمر من عنده}‪ .‬قال السدي‪ :‬يعن ضرب الزية‬
‫على اليهود والنصارى‪{ ,‬فيصبحوا} يعن الذين والوا اليهود والنصارى من النافقي {على ما أسروا‬
‫ف أنفسهم} من الوالة‪{ ,‬نادمي} أي على ما كان منهم ما ل يد عنهم شيئا‪ ,‬ول دفع عنهم‬
‫مذورا‪ ,‬بل كان عي الفسدة‪ ,‬فإنم فضحوا وأظهر ال أمرهم ف الدنيا لعباده الؤمني بعد أن كانوا‬
‫مستورين‪ ,‬ل يدرى كيف حالم‪ ,‬فلما انعقدت السباب الفاضحة لم تبي أمرهم لعباد ال الؤمني‪,‬‬
‫فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنم من الؤمني‪ ,‬ويلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبم‬
‫وافتراؤهم‪ ,‬ولذا قال تعال‪{ :‬ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم‬
‫حبطت أعمالم فأصبحوا خاسرين}‪.‬‬
‫وقد اختلف القرّاء ف هذا الرف فقرأه المهور بإثبات الواو ف قوله {ويقول}‪ ,‬ث منهم من رفع‬
‫ويقول‪ :‬على البتداء‪ ,‬ومنهم من نصب عطفا على قوله {فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده}‬
‫فتقديره أن يأت وأن يقول وقرأ أهل الدينة {يقول الذين آمنوا} بغي واو‪ ,‬وكذلك هو ف مصاحفهم‬
‫على ما ذكره ابن جرير‪ .‬قال ابن جرير عن ماهد {فعسى ال يأت بالفتح أو أمر من عنده} تقديره‬
‫حينئذ {يقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم حبطت أعمالم فأصبحوا‬
‫خاسرين} واختلف الفسرون ف سبب نزول هذه الَيات الكريات‪ ,‬فذكر السدي أنا نزلت ف‬
‫رجلي قال أحدها لصاحبه بعد وقعة أحد‪ :‬أما أنا فإن ذاهب إل ذلك اليهودي فآوي إليه وأتوّد‬
‫معه‪ ,‬لعله ينفعن إذا وقع أمر أو حدث حادث‪ .‬وقال الَخر أما أنا فإن ذاهب إل فلن النصران‬
‫بالشام فآوي إليه وأتنصر معه‪ ,‬فأنزل ال {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}‬
‫الَيات‪ ,‬وقال عكرمة‪ :‬نزلت ف أب لبابة بن عبد النذر حي بعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم إل‬
‫بن قريظة فسألوه‪ :‬ماذا هو صانع بنا ؟ فأشار بيده إل حلقه أي أنه الذبح‪ ,‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نزلت ف عبد ال بن أب ابن سلول‪ ,‬كما قال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا ابن‬
‫إدريس قال‪ :‬سعت أب عن عطية بن سعد قال‪ :‬جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج‬
‫إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يارسول ال‪ ,‬إن ل موال من يهود كثي عددهم‪ ,‬وإن أبرأ‬
‫إل ال ورسوله من وليه يهود‪ ,‬وأتول ال ورسوله‪ ,‬فقال عبد ال بن أب‪ :‬إن رجل أخاف الدوائر ل‬
‫أبرأ من ولية موال‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب «يا أبا الباب‪ ,‬ما بلت به‬
‫من ولية يهود على عبادة بن الصامت‪ ,‬فهو لك دونه» قال‪ :‬قد قبلت‪ ,‬فأنزل ال عز وجل {يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَيتي‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ث قال ابن جرير‪ :‬حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا يونس بن بكي‪ ,‬حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن الزهري‪:‬‬
‫قال‪ :‬لا انزم أهل بدر‪ ,‬قال السلمون لوليائهم من اليهود‪ :‬أسلموا قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم‬
‫بدر‪ ,‬فقال مالك بن الصيف‪ :‬أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ل علم لم بالقتال‪ ,‬أما لو أمررنا‬
‫العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا‪ ,‬فقال عبادة بن الصامت‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إن‬
‫أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيا سلحهم شديدة شوكتهم‪ ,‬وإن أبرأ إل ال وإل‬
‫رسوله من ولية يهود‪ ,‬ول مول ل إل ال ورسوله‪ ,‬فقال عبد ال بن أب‪ :‬لكن ل أبرأ من ولية‬
‫يهود‪ ,‬إن رجل ل بد ل منهم‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم «يا أبا الباب‪ ,‬أرأيت الذي‬
‫نفست به من ولية يهود على عبادة بن الصامت‪ ,‬فهو لك دونه» فقال‪ :‬إذا أقبل‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل ال‬
‫{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ـ إل قوله تعال ـ وال يعصمك من‬
‫الناس}‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ممد بن إسحاق‪ :‬فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بنو قينقاع‪ ,‬فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة قال‪ :‬فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حت نزلوا على حكمه‪ ,‬فقام إليه عبد ال بن أب ابن سلول حي أمكنه ال منهم‪ ,‬فقال‪ :‬يا‬
‫ممد أحسن ف موال وكانوا حلفاء الزرج‪ ,‬قال‪ :‬فأبطأ عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬يا ممد أحسن ف موال‪ ,‬قال‪ :‬فأعرض عنه‪ .‬قال‪ :‬فأدخل يده ف جيب درع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫«أرسلن»‪ ,‬وغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل‪ ,‬ث قال «ويك أرسلن»‬
‫قال‪ :‬ل وال ل أرسلك حت تسن ف موال أربعمائة حاسر‪ ,‬وثلثائة دارع‪ ,‬قد منعون من الحر‬
‫والسود‪ ,‬تصدن ف غداة واحدة إن امرؤ أخشى الدوائر‪ ,‬قال‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم «هم لك» قال ممد بن إسحاق‪ :‬فحدثن أبو إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة‬
‫بن الصامت‪ ,‬قال‪ :‬لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد ال بن‬
‫أب‪ ,‬وقام دونم ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف‬
‫بن الزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب‪ ,‬فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وتبأ إل ال ورسوله من حلفهم‪ ,‬وقال‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬أبرأ إل ال وإل رسوله‬
‫من حلفهم‪ ,‬وأتول ال ورسوله والؤمني‪ ,‬وأبرأ من حلف الكفار‪ ,‬ووليتهم‪ ,‬ففيه وف عبد ال بن‬
‫أب نزلت الَيات ف الائدة {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم ـ إل‬
‫قوله ـ ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون}‪.‬‬
‫وقال المام أحد‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ,‬حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة عن ممد بن إسحاق‪,‬‬
‫عن الزهري‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن أسامة بن زيد قال‪ :‬دخلت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على عبد‬

‫‪79‬‬
‫ال بن أب نعوده‪ ,‬فقال له النب صلى ال عليه وسلم «قد كنت أناك عن حب يهود» فقال عبد ال‪:‬‬
‫فقد أبغضهم أسعد بن زراة فمات‪ ,‬وكذا رواه أبو داود من حديث ممد بن إسحاق‪.‬‬

‫وف الظلل ‪:‬‬


‫وهذا التوجه واضح ف النصوص الكثية ف هذا الدرس‪(:‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬ومن يتولم منكم فإنه منهم ‪ . .‬إن ال ل يهدي القوم‬
‫الظالي) ‪(. .‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه ‪ .‬أذلة‬
‫على الؤمني أعزة على الكافرين ‪ .‬ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم ‪ . .‬ذلك فضل ال‬
‫يؤتيه من يشاء ‪ .‬وال واسع عليم) ‪( . .‬إنا وليكم ال ورسوله والذين آمنوا ‪ ,‬والذين يقيمون الصلة‬
‫ويؤتون الزكاة وهم راكعون ‪ . .‬ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون) ‪. .‬‬
‫ث يرب القرآن وعي السلم بقيقة أعدائه ‪ ,‬وحقيقة العركة الت يوضها معهم ويوضونا معه ‪ .‬إنا‬
‫معركة العقيدة ‪ .‬فالعقيدة هي القضية القائمة بي السلم وكل أعدائه ‪ . .‬وهم يعادونه لعقيدته ودينه ‪,‬‬
‫قبل أي شيء آخر ‪ ,‬وهم يعادونه هذا العداء الذي ل يهدأ لنم هم فاسقون عن دين ال ‪ ,‬ومن ث‬
‫يكرهون كل من يستقيم على دين ال‪(:‬قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال ‪ ,‬وما أنزل‬
‫إلينا ‪ ,‬وما أنزل من قبل ‪ .‬وأن أكثركم فاسقون ? ?) فهذه هي العقدة ; وهذه هي الدوافع الصيلة !‬
‫وقيمة هذا النهج ‪ ,‬وقيمة هذه التوجيهات الساسية فيه ‪ ,‬عظيمة ‪ .‬فإخلص الولء ل ورسوله ودينه‬
‫وللجماعة السلمة القائمة على هذا الساس ‪ ,‬ومعرفة طبيعة العركة وطبيعة العداء فيها ‪ . .‬أمران‬
‫مهمان سواء ف تقيق شرائط اليان أو ف التربية الشخصية للمسلم ‪ ,‬أو ف التنظيم الركي للجماعة‬
‫السلمة ‪ . .‬فالذين يملون راية هذه العقيدة ل يكونون مؤمني با أصل ‪ ,‬ول يكونون ف ذواتم‬
‫شيئا ‪ ,‬ول يققون ف واقع الرض أمرا ما ل تتم ف نفوسهم الفاصلة الكاملة بينهم وبي سائر‬
‫العسكرات الت ل ترفع رايتهم ‪ ,‬وما ل يتمحض ولؤهم ل ورسوله ولقيادتم الاصة الؤمنة به ‪,‬‬
‫وما ل يعرفوا طبيعة أعدائهم وبواعثهم وطبيعة العركة الت يوضونا معهم ‪ ,‬وما ل يستيقنوا أنم‬
‫جيعا إلب عليهم ‪ ,‬وأن بعضهم أولياء بعض ف حرب الماعة السلمة والعقيدة السلمية على‬
‫السواء ‪.‬‬
‫والنصوص ف هذا الدرس ل تقف عند كشف بواعث العركة ف نفوس أعداء الماعة السلمة ‪ .‬بل‬
‫تكشف كذلك طبيعة هؤلء العداء ومدى فسقهم وانرافهم ‪ ,‬ليتبي السلم حقيقة من ياربه ‪,‬‬
‫وليطمئن ضميه إل العركة الت يوضها ‪ ,‬وليقتنع وجدانه بضرورة هذه العركة ‪ ,‬وأنه ل مفر منها‪:‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض) ‪(. .‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تتخذوا الذين اتذوا دينكم هزوا ولعبا ‪ -‬من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار ‪-‬‬

‫‪80‬‬
‫أولياء ‪ .‬واتقوا ال إن كنتم مؤمني ‪ .‬وإذا ناديتم إل الصلة اتذوها هزوا ولعبا ‪ ,‬ذلك بأنم قوم ل‬
‫يعقلون) ‪. .‬‬
‫وإذا جاؤوكم قالوا‪:‬آمنا ‪ .‬وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ‪ ,‬وال أعلم با كانوا يكتمون ‪.‬‬
‫وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان ‪ ,‬وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ! ‪( :‬وقالت‬
‫اليهود‪:‬يد ال مغلولة ‪ ,‬غلت أيديهم ولعنوا با قالوا ‪ .‬بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ‪ .‬وليزيدن‬
‫كثيًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرًا) ‪ . .‬ومن هذه صفاتم ‪ ,‬ومواقفهم من الماعة‬
‫السلمة ‪ ,‬وتألبهم عليها ‪ ,‬واستهزاؤهم بدينها وصلتا ‪ ,‬ل مناص للمسلم من دفعهم وهو مطمئن‬
‫الضمي ‪. .‬‬
‫كذلك تقرر النصوص ناية العركة ونتيجتها ‪ ,‬وقيمة اليان ف مصائر الماعات ف هذه الياة الدنيا‬
‫قبللزاء ف الياة الخرة‪(:‬ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون) ‪( . .‬ولو‬
‫أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتم ولدخلناهم جنات النعيم ‪ .‬ولو أنم أقاموا التوراة‬
‫والنيل ‪ ,‬وما أنزل إليهم من ربم ‪ ,‬لكلوا من فوقهم ومن تت أرجلهم) ‪. .‬‬
‫كما تقرر صفة السلم الذي يتاره ال لدينه ‪ ,‬وينحه هذا الفصل العظيم ف اختياره لذا الدور‬
‫الكبي‪(:‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه ‪ ,‬أذلة على‬
‫الؤمني أعزة على الكافرين ‪ ,‬ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم ‪ . .‬ذلك فضل ال يؤتيه‬
‫من يشاء وال واسع عليم) ‪. .‬‬
‫وكل هذه التقريرات خطوات ف النهج ‪ ,‬وف صياغة الفرد السلم ‪ ,‬والماعة السلمة على الساس‬
‫التي ‪.‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ .‬بعضهم أولياء بعض ‪ .‬ومن يتولم منكم‬
‫فإنه منهم ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الظالي ‪ .‬فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ‪,‬‬
‫يقولون‪:‬نشى أن تصيبنا دائرة ‪ .‬فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا ف‬
‫أنفسهم نادمي‪:‬ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت‬
‫أعمالم ‪ ,‬فأصبحوا خاسرين) ‪. .‬‬
‫ويسن أن نبي أول معن الولية الت ينهى ال الذين آمنوا أن تكون بينهم وبي اليهود والنصارى ‪. .‬‬
‫إنا تعن التناصر والتحالف معهم ‪ .‬ول تتعلق بعن اتباعهم ف دينهم ‪ .‬فبعيد جدا أن يكون بي‬
‫السلمي من ييل إل اتباع اليهود والنصارى ف الدين ‪ .‬إنا هو ولء التحالف والتناصر ‪ ,‬الذي كان‬
‫يلتبس على السلمي أمره ‪ ,‬فيحسبون أنه جائز لم ‪ ,‬بكم ما كان واقعا من تشابك الصال‬
‫والواصر ‪ ,‬ومن قيام هذا الولء بينهم وبي جاعات من اليهود قبل السلم ‪ ,‬وف أوائل العهد بقيام‬

‫‪81‬‬
‫السلم ف الدينة ‪ ,‬حت ناهم ال عنه وأمر بإبطاله ‪ .‬بعد ما تبي عدم إمكان قيام الولء والتحالف‬
‫والتناصر بي السلمي واليهود ف الدينة ‪. .‬‬
‫وهذا العن معروف مدد ف التعبيات القرآنية ‪ .‬وقد جاء ف صدد الكلم عن العلقة بي السلمي ف‬
‫الدينة والسلمي الذين ل يهاجروا إل دار السلم‪:‬فقال ال سبحانه‪( :‬ما لكم من وليتهم من شيء‬
‫حت يهاجروا) ‪ . .‬وطبيعي أن القصود هنا ليس الولية ف الدين ‪ .‬فالسلم ول السلم ف الدين على‬
‫كل حال ‪ .‬إنا القصود هو ولية التناصر والتعاون ‪ .‬فهي الت ل تقوم بي السلمي ف دار السلم‬
‫والسلمي الذين ل يهاجروا إليهم ‪ . .‬وهذا اللون من الولية هو الذي تنع هذه اليات أن يقوم بي‬
‫الذين آمنوا وبي اليهود والنصارى بال ‪ ,‬بعد ما كان قائما بينهم أول العهد ف الدينة ‪.‬‬
‫إن ساحة السلم مع أهل الكتاب شيء ‪ ,‬واتاذهم أولياء شيء آخر ‪ ,‬ولكنهما يتلطان على بعض‬
‫السلمي ‪ ,‬الذين ل تتضح ف نفوسهم الرؤية الكاملة لقيقة هذا الدين ووظيفته ‪ ,‬بوصفه حركة‬
‫منهجية واقعية ‪ ,‬تتجه إل إنشاء واقع ف الرض ‪ ,‬وفق التصور السلمي الذي يتلف ف طبيعته عن‬
‫سائر التصورات الت تعرفها البشرية ; وتصطدم ‪ -‬من ث ‪ -‬بالتصورات والوضاع الخالفة ‪ ,‬كما‬
‫تصطدم بشهوات الناس وانرافهم وفسوقهم عن منهج ال ‪ ,‬وتدخل ف معركة ل حيلة فيها ‪ ,‬ول بد‬
‫منها ‪ ,‬لنشاء ذلك الواقع الديد الذي تريده ‪ ,‬وتتحرك إليه حركة إيابية فاعلة منشئة ‪. .‬‬
‫وهؤلء الذين تتلط عليهم تلك القيقة ينقصهم الس النقي بقيقة العقيدة ‪ ,‬كما ينقصهم الوعي‬
‫الذكي لطبيعة العركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها ; ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة‬
‫الصرية فيها ‪ ,‬فيخلطون بي دعوة السلم إل السماحة ف معاملة أهل الكتاب والب بم ف الجتمع‬
‫السلم الذي يعيشون فيه مكفول القوق ‪ ,‬وبي الولء الذي ل يكون إل ل ورسوله وللجماعة‬
‫السلمة ‪ .‬ناسي ما يقرره القرآن الكري من أن أهل الكتاب ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ف حرب‬
‫الماعة السلمة ‪ . .‬وأن هذا شأن ثابت لم ‪ ,‬وأنم ينقمون من السلم إسلمه ‪ ,‬وأنم لن يرضوا عن‬
‫السلم إل أن يترك دينه ويتبع دينهم ‪ .‬وأنم مصرون على الرب للسلم وللجماعة السلمة ‪ .‬وأنم‬
‫قد بدت البغضاء من أفواهم وما تفي صدورهم أكب ‪ . .‬إل آخر هذه التقريرات الاسة ‪.‬‬
‫إن السلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ‪ ,‬ولكنه منهي عن الولء لم بعن التناصر والتحالف‬
‫معهم ‪ .‬وإن طريقه لتمكي دينه وتقيق نظامه التفرد ل يكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب ‪,‬‬
‫ومهما أبدى لم من السماحة والودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتقيق نظامه ‪,‬‬
‫ولن يكفهم عن موالة بعضه لبعض ف حربه والكيد له ‪. .‬‬
‫وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ‪ ,‬أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكي للدين !‬
‫أمام الكفار واللحدين ! فهم مع الكفار واللحدين ‪ ,‬إذا كانت العركة مع السلمي !!!‬

‫‪82‬‬
‫وهذه القائق الواعية يغفل عنها السذج منا ف هذا الزمان وف كل زمان ; حي يفهمون أننا نستطيع‬
‫أن نضع أيدينا ف أيدي أهل الكتاب ف الرض للوقوف ف وجه الادية واللاد ‪ -‬بوصفنا جيعا أهل‬
‫دين ! ‪ -‬ناسي تعليم القرآن كله ; وناسي تعليم التاريخ كله ‪ .‬فأهل الكتاب هؤلء هم الذين كانوا‬
‫يقولون للذين كفروا من الشركي‪( :‬هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا) ‪ . .‬وأهل الكتاب هؤلء‬
‫هم الذين ألبوا الشركي على الماعة السلمة ف الدينة ‪ ,‬وكانوا لم درعا وردءا ‪ .‬وأهل الكتاب هم‬
‫الذين شنوا الروب الصليبية خلل مائت عام ‪ ,‬وهم الذين ارتكبوا فظائع الندلس ‪ ,‬وهم الذي‬
‫شردوا العرب السلمي ف فلسطي ‪ ,‬وأحلوا اليهود ملهم ‪ ,‬متعاوني ف هذا مع اللاد والادية !‬
‫وأهل الكتاب هؤلء هم الذين يشردون السلمي ف كل مكان ‪ . .‬ف البشة والصومال واريتريا‬
‫والزائر ‪ ,‬ويتعاونون ف هذا التشريد مع اللاد والادية والوثنية ‪ ,‬ف يوغسلفيا والصي والتركستان‬
‫والند ‪ ,‬وف كل مكان !‬
‫ث يظهر بيننا من يظن ‪ -‬ف بعد كامل عن تقريرات القرآن الازمة ‪ -‬أنه يكن أن يقوم بيننا وبي‬
‫أهل الكتاب هؤلء ولء وتناصر ‪ .‬ندفع به الادية اللادية عن الدين !‬
‫إن هؤلء ل يقرأون القرآن ‪ .‬وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة الت هي طابع السلم ;‬
‫فظنوها دعوة الولء الذي يذر منه القرآن ‪.‬‬
‫إن هؤلء ل يعيش السلم ف حسهم ‪ ,‬ل بوصفه عقيدة ل يقبل ال من الناس غيها ‪ ,‬ول بوصفه‬
‫حركة إيابية تستهدف إنشاء واقع جديد ف الرض ; تقف ف وجه عداوات أهل الكتاب اليوم ‪,‬‬
‫كما وقفت له بالمس ‪ .‬الوقف الذي ل يكن تبديله ‪ .‬لنه الوقف الطبيعي الوحيد !‬
‫وندع هؤلء ف إغفالم أو غفلتهم عن التوجيه القرآن ‪ ,‬لنعي نن هذا التوجيه القرآن الصريح‪:‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬ومن يتولم منكم‬
‫فإنه منهم ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الظالي) ‪. .‬‬
‫هذا النداء موجه إل الماعة السلمة ف الدينة ‪ -‬ولكنه ف الوقت ذاته موجه لكل جاعة مسلمة تقوم‬
‫ف أي ركن من أركان الرض إل يوم القيامة ‪ . .‬موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة‪ :‬الذين‬
‫آمنوا ‪. .‬‬
‫ولقد كانت الناسبة الاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ‪ ,‬أن الفاصلة ل تكن كاملة ول‬
‫حاسة بي بعض السلمي ف الدينه وبعض أهل الكتاب ‪ -‬وباصه اليهود ‪ -‬فقد كانت هناك‬
‫علقات ولء وحلف ‪ ,‬وعلقات اقتصاد وتعامل ‪ ,‬وعلقات جيه وصحبه ‪ . .‬وكان هذا كله‬
‫طبيعيا مع الوضع التاريي والقتصادي والجتماعي ف الدينة قبل السلم ‪ ,‬بي أهل الدينة من‬
‫العرب وبي اليهود بصفة خاصة ‪ . .‬وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم ف الكيد لذا‬
‫الدين وأهله ; بكل صنوف الكيد الت عددتا وكشفتها النصوص القرآنية الكثية ; والت سبق‬

‫‪83‬‬
‫استعراض بعضها ف الجزاء المسة الاضية من هذه الظلل ; والت يتول هذا الدرس وصف بعضها‬
‫كذلك ف هذه النصوص ‪.‬‬
‫ونزل القرآن ليبث الوعي اللزم للمسلم ف العركة الت يوضها بعقيدته ‪ ,‬لتحقيق منهجه الديد ف‬
‫واقع الياة ‪ .‬ولينشى ء ف ضمي السلم تلك الفاصلة الكاملة بينه وبي كل من ل ينتمي إل الماعة‬
‫السلمة ول يقف تت رايتها الاصة ‪ .‬الفاصلة الت ل تنهي السماحة اللقية ‪ .‬فهذه صفة السلم‬
‫دائما ‪ .‬ولكنها تنهي الولء الذي ل يكون ف قلب السلم إل ل ورسوله والذين آمنوا ‪ . .‬الوعي‬
‫والفاصلة اللذان ل بد منهما للمسلم ف كل أرض وف كل جيل ‪.‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ .‬ومن يتولم منكم‬
‫فإنه منهم ‪ ,‬إن ال ل يهدي القوم الظالي) ‪.‬‬
‫بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬إنا حقيقة ل علقة لا بالزمن ‪ . .‬لنا حقيقة نابعة من طبيعة الشياء ‪. .‬‬
‫إنم لن يكونوا أولياء للجماعة السلمة ف أي أرض ول ف أي تاريخ ‪ . .‬وقد مضت القرون تلو‬
‫القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة ‪ . .‬لقد ول بعضهم بعضا ف حرب ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم والماعة السلمة ف الدينة وول بعضهم بعضا ف كل فجاج الرض ‪ ,‬على مدار التاريخ ‪. .‬‬
‫ول تتل هذه القاعدة مرة واحدة ; ول يقع ف هذه الرض إل ما قرره القرآن الكري ‪ ,‬ف صيغة‬
‫الوصف الدائم ‪ ,‬ل الادث الفرد ‪ . .‬واختيار الملة السية على هذا النحو ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض‬
‫‪ . .‬ليست مرد تعبي ! إنا هي اختيار مقصود للدللة على الوصف الدائم الصيل !‬
‫ث رتب على هذه القيقة الساسية نتائجها ‪ . .‬فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض‬
‫فإنه ل يتولهم إل من هو منهم ‪ .‬والفرد الذي يتولهم من الصف السلم ‪ ,‬يلع نفسه من الصف‬
‫ويلع عن نفسه صفة هذا الصف "السلم" وينضم إل الصف الخر ‪ .‬لن هذه هي النتيجة الطبيعية‬
‫الواقعية‪:‬‬
‫(ومن يتولم منكم فإنه منهم) ‪. .‬‬
‫وكان ظالا لنفسه ولدين ال وللجماعة السلمة ‪ . .‬وبسبب من ظلمه هذا يدخله ال ف زمرة اليهود‬
‫والنصارى الذين أعطاهم ولءه ‪ .‬ول يهديه إل الق ول يرده إل الصف السلم‪:‬‬
‫(إن ال ل يهدي القوم الظالي) ‪. .‬‬
‫لقد كان هذا تذيرا عنيفا للجماعة السلمة ف الدينة ‪ .‬ولكنه تذير ليس مبالعا فيه ‪ .‬فهو عنيف ‪.‬‬
‫نعم ; ولكنه يثل القيقة الواقعة ‪ .‬فما يكن أن ينح السلم ولءه لليهود والنصارى ‪ -‬وبعضهم أولياء‬
‫بعض ‪ -‬ث يبقى له إسلمه وإيانه ‪ ,‬وتبقى له عضويته ف الصف السلم ‪ ,‬الذين يتول ال ورسوله‬
‫والذين آمنوا ‪ . .‬فهذا مفرق الطريق ‪. .‬‬

‫‪84‬‬
‫وما يكن أن يتميع حسم السلم ف الفاصلة الكاملة بينة وبي كل من ينهج غي منهج السلم ; وبينه‬
‫وبي كل من يرفع راية غي راية السلم ; ث يكون ف وسعه بعد ذلك أن يعمل عمل ذا قيمة ف‬
‫الركة السلميةالضخمة الت تستهدف ‪ -‬أول ما تستهدف ‪ -‬إقامة نظام واقعي ف الرض فريد ;‬
‫يتلف عن كل النظمة الخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الخرى ‪. .‬‬
‫إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم ‪ ,‬الذي ل أرجحة فيه ول تردد ‪ ,‬بأن دينه هو الدين الوحيد‬
‫الذي يقبله ال من الناس ‪ -‬بعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه ال أن يقيم‬
‫الياة عليه ‪ ,‬منهج متفرد ; ل نظي له بي سائر الناهج ; ول يكن الستغناء عنه بنهج آخر ; ول‬
‫يكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ول تصلح الياة البشرية ول تستقيم إل أن تقوم على هذا النهج‬
‫وحده دون سواه ; ول يعفيه ال ول يغفر له ول يقبله إل إذا هو بذل جهد طاقته ف إقامة هذا النهج‬
‫بكل جوانبه‪:‬العتقادية والجتماعية ; ل يأل ف ذلك جهدا ‪ ,‬ول يقبل من منهجه بديل ‪ -‬ول ف‬
‫جزء منه صغي ‪ -‬ول يلط بينه وبي أي منهج آخر ف تصور اعتقادي ‪ ,‬ول ف نظام اجتماعي ‪ ,‬ول‬
‫ف أحكام تشريعية ‪ ,‬إل ما استبقاه ال ف هذا النهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب ‪. .‬‬
‫إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم بذا كله هو ‪ -‬وحده ‪ -‬الذي يدفعه للضطلع بعبء‬
‫النهوض بتحقيق منهج ال الذي رضيه للناس ; ف وجه العقبات الشاقة ‪ ,‬والتكاليف الضنية ‪,‬‬
‫والقاومة العنيدة ‪ ,‬والكيد الناصب ‪ ,‬والل الذي يكاد ياوز الطاقة ف كثي من الحيان ‪ . .‬وإل فما‬
‫العناء ف أمر يغن عنه غيه ‪ -‬ما هو قائم ف الرض من جاهلية ‪ . .‬سواء كانت هذه الاهلية مثلة‬
‫ف وثنية الشرك ‪ ,‬أو ف انراف أهل الكتاب ‪ ,‬أو ف اللاد السافر ‪ . .‬بل ما العناء ف إقامة النهج‬
‫السلمي ‪ ,‬إذا كانت الفوارق بينه وبي مناهج أهل الكتاب أو غيهم قليلة ; يكن اللتقاء عليها‬
‫بالصالة والهادنة ?‬
‫إن الذين ياولون تييع هذه الفاصلة الاسة ‪ ,‬باسم التسامح والتقريب بي أهل الديان السماوية ‪,‬‬
‫يطئون فهم معن الديان كما يطئون فهم معن التسامح ‪ .‬فالدين هو الدين الخي وحده عند ال ‪.‬‬
‫والتسامح يكون ف العاملت الشخصية ‪ ,‬ل ف التصور العتقادي ول ف النظام الجتماعي ‪ . .‬إنم‬
‫ياولون تييع اليقي الازم ف نفس السلم بأن ال ل يقبل دينا إل السلم ‪ ,‬وبأن عليه أن يقق منهج‬
‫ال المثل ف السلم ول يقبل دونه بديل ; ول يقبل فيه تعديل ‪ -‬ولو طفيفا ‪ -‬هذا اليقي الذي‬
‫ينشئه القرآن الكري وهو يقرر‪( :‬إن الدين عند ال السلم) ‪( . .‬ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل‬
‫منه) ‪( . .‬واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك) ‪( . .‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم) ‪ . .‬وف القرآن كلمة الفصل ‪.‬‬
‫‪ .‬ول على السلم من تيع التميعي وتييعهم لذا اليقي !‬
‫ويصور السياق القرآن تلك الالة الت كانت واقعة ; والت ينل القرآن من أجلها بذا التحذير‪:‬‬

‫‪85‬‬
‫(فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ‪ ,‬يقولون نشى أن تصيبنا دائرة) ‪. .‬‬
‫روى ابن جرير ‪ ,‬قال‪:‬حدثنا أبو كريب ‪ ,‬حدثنا إدريس ‪ ,‬قال‪:‬سعت أب ‪ ,‬عن عطية بن سعد ‪.‬‬
‫قال‪:‬جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ .‬إن ل موال من يهود كثي عددهم ; وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود ‪,‬‬
‫وأتول ال ورسوله ‪ .‬فقال عبد ال بن أب [ رأس النفاق ]‪:‬إن رجل أخاف الدوائر ‪ .‬ل أبرأ من ولية‬
‫موال ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب‪ ":‬يا أبا الباب ‪ .‬ما بلت به من ولية‬
‫يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه " ! قال‪:‬قد قبلت ! فأنزل ال عز وجل‪( :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) ‪. . .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪" .‬حدثنا هناد ‪ ,‬حدثنا يونس بن بكي ‪ ,‬حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن الزهري ‪,‬‬
‫قال‪:‬لا انزم أهل بدر قال السلمون لوليائهم من اليهود‪:‬أسلموا قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم‬
‫بدر ‪ .‬فقال مالك بن الصيف‪:‬أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ‪ ,‬ل علم لم بالقتال ? أما لو أصررنا‬
‫العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا ‪ .‬فقال عبادة بن الصامت‪:‬يا رسول ال إن‬
‫أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ‪ ,‬كثيا سلحهم ‪ ,‬شديدة شوكتهم ‪ .‬وإن أبرأ إل ال‬
‫ورسوله من ولية يهود ‪ ,‬ول مول ل إل ال ورسوله ‪ .‬فقال عبد ال بن أب‪:‬لكن ل أبرأ من ولية‬
‫يهود ‪ .‬إن رجل ل بد ل منهم ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬يا أبا الباب أرأيت الذي‬
‫نفست به من ولية يهود على عبادة ابن الصامت ? فهو لك دونه ! " فقال‪:‬إذن أقبل ‪. .‬‬
‫قال ممد بن إسحق‪:‬فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بنو قينقاع ‪ .‬فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة ‪ .‬قال‪:‬فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حت نزلوا على حكمه ‪ .‬فقام إليه عبدال بن أب بن سلول ‪ -‬حي أمكنة ال منهم ‪ -‬فقال‪:‬يا ممد‬
‫أحسن ف موال ‪ -‬وكانوا حلفاء الزرج ‪ -‬قال‪:‬فأبطأ عليه رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وعلى آله‬
‫وسلم ‪ -‬فقال‪:‬يا ممد أحسن ف موال ‪ .‬قال‪:‬فأعرض عنه ‪ .‬قال‪:‬فأدخل يده ف جيب درع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬أرسلن " وغضب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل ‪ .‬ث قال‪ ":‬ويك ! أرسلن " ‪ .‬قال‪:‬ل وال ل أرسلك حت‬
‫تسن ف موال ‪ .‬أربعمائة حاسر ‪ ,‬وثلثائه دارع ‪ ,‬قد منعون من الحر والسود ‪ ,‬تصدهم ف‬
‫غداة واحدة ? إن امرؤ أخشى الدوائر ‪ .‬قال ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬هم لك " ‪. .‬‬
‫قال ممد بن إسحق‪:‬فحدثن أب إسحق بن يسار ‪ ,‬عن عبادة ‪ ,‬عن الوليد بن عبادة بن الصامت ‪,‬‬
‫قال‪:‬لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدال بن أب وقام دونم ;‬
‫ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف بن الزرج ‪ .‬له‬
‫من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وتبأ إل ال‬

‫‪86‬‬
‫ورسوله من حلفهم ‪ ,‬وقال‪:‬يا رسول ال أبرأ إل ال ورسوله من حلفهم ‪ ,‬وأتول ال ورسوله‬
‫والؤمني ‪ ,‬وأبرأ من حلف الكفار ووليتهم ‪ .‬ففيه وف عبدال بن أب نزلت الية ف الائدة‪( :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ ,‬بعضهم أولياء بعض) إل قوله‪(:‬ومن يتول ال‬
‫ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون) ‪. .‬‬
‫وقال المام أحد‪:‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ,‬حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة ‪ ,‬عن ممد بن إسحاق ‪,‬‬
‫عن الزهري ‪ ,‬عن عودة ‪ ,‬عن أسامة بن زيد ‪ ,‬قال‪":‬دخلت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على‬
‫عبدال بن أب نعوده ‪ ,‬فقال له النب صلى ال عليه وسلم " قد كنت أناك عن حب يهود " فقال‬
‫عبدال‪:‬فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات ‪ [ . .‬وأخرجه أبو داود من حديث ممد بن إسحق ]‬
‫فهذه الخبار ف مموعها تشي إل تلك الالة الت كانت واقعة ف الجتمع السلم ; والتخلفة عن‬
‫الوضاع الت كانت قائمة ف الدينة قبل السلم ; وكذلك عن التصورات الت ل تكن قد حسمت‬
‫ف قضية العلقات الت يكن أن تقوم بي الماعة السلمة واليهود والت ل يكن أن تقوم ‪ . .‬غي أن‬
‫الذي يلفت النظر أنا كلها تتحدث عن اليهود ‪ ,‬ول يى ء ذكر ف الوقائع للنصارى ‪ . .‬ولكن‬
‫النص يمل اليهود والنصارى ‪ . .‬ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلقة دائمة وأوضاع دائمة بي‬
‫الماعة السلمة وسائر الماعات الخرى ‪ ,‬سواء من أهل الكتاب أو من الشركي [ كما سيجيء‬
‫ف سياق هذا الدرس ] ‪ . .‬ومع اختلف مواقف اليهود من السلمي عن مواقف النصارى ف جلتها‬
‫ف العهد النبوي ‪ ,‬ومع إشارة القرآن الكري ف موضع آخر من السورة إل هذا الختلف ف قوله‬
‫تعال‪ :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ‪ ,‬ولتجدن أقربم مودة للذين‬
‫آمنوا الذين قالوا‪:‬إنا نصارى ‪ . . .‬ال‪ . .‬مع هذا الختلف الذي كان يومذاك ‪ ,‬فإن النص هنا‬
‫يسوي بي اليهود والنصارى ‪ -‬كما يسوي النص القادم بينهم جيعا وبي الكفار ‪ . .‬فيما يتص‬
‫بقضية الحالفة والولء ‪ .‬ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة ‪ .‬هي‪:‬أن ليس للمسلم‬
‫ولء ول حلف إل مع السلم ; وليس للمسلم ولء إل ل ولرسوله وللجماعة السلمة ‪ . .‬ويستوي‬
‫بعد ذلك كل الفرق ف هذا المر ‪ . .‬مهما اختلفت مواقفهم من السلمي ف بعض الظروف ‪. .‬‬
‫على أن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وهو يضع للجماعة السلمة هذه القاعدة العامة الازمة الصارمة ‪ ,‬كان‬
‫علمه يتناول الزمان كله ‪ ,‬ل تلك الفترة الاصة من حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وملبساتا‬
‫الوقوتة ‪ . .‬وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لذا الدين وللجماعة السلمة ف‬
‫معظم بقاع الرض ل يكن أقل من عداء اليهود ‪ . .‬وإذا نن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى‬
‫مصر ف حسن استقبال السلم ‪ ,‬فإننا ند الرقعة النصرانية ف الغرب ‪ ,‬قد حلت للسلم ف تاريها‬
‫كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن ‪ ,‬وشنت عليه من الرب والكيد ‪ ,‬ما ل يفترق عن‬
‫حرب اليهود وكيدهم ف أي زمان ! حت البشة الت أحسن عاهلها استقبال الهاجرين السلمي‬

‫‪87‬‬
‫واستقبال السلم ‪ ,‬عادت فإذا هي أشد حربا على السلم والسلمي من كل أحد ; ل ياريها ف‬
‫هذا إل اليهود ‪. .‬‬
‫وكان ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يعلم المر كله ‪ .‬فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة ‪ .‬بغض النظر عن واقع‬
‫الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها وملبساتا الوقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها ف بعض‬
‫الحيان هنا وهناك إل آخر الزمان ‪.‬‬
‫وما يزال السلم والذين يتصفون به ‪ -‬ولو أنم ليسوا من السلم ف شيء ‪ -‬يلقون من عنت‬
‫الرب الشبوبة عليهم وعلى عقيدتم من اليهود والنصارى ف كل مكان على سطح الرض ‪ ,‬ما‬
‫يصدق قول ال تعال‪:‬‬
‫(بعضهم أولياء بعض) ‪ . .‬وما يتم أن يتدرع السلمون الواعون بنصيحة ربم لم ‪ .‬بل بأمره الازم‬
‫‪ ,‬ونيه القاطع ; وقضائه الاسم ف الفاصلة الكاملة بي أولياء ال ورسوله ‪ ,‬وكل معسكر آخر ل‬
‫يرفع راية ال ورسوله ‪. .‬‬
‫إن السلم يكلف السلم أن يقيم علقاته بالناس جيعا على أساس العقيدة ‪ .‬فالولء والعداء ل‬
‫يكونان ف تصور السلم وف حركته على السواء إل ف العقيدة ‪ . .‬ومن ث ل يكن أن يقوم الولء ‪-‬‬
‫وهو التناصر ‪ -‬بي السلم وغي السلم ; إذ أنما ل يكن أن يتناصرا ف مال العقيدة ‪ . .‬ول حت‬
‫أمام اللاد مثل ‪ -‬كما يتصور بعض السذج منا وبعض من ل يقرأون القرآن ! ‪ -‬وكيف يتناصران‬
‫وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?‬
‫إن بعض من ل يقرأون القرآن ‪ ,‬ول يعرفون حقيقة السلم ; وبعض الخدوعي أيضا ‪ . .‬يتصورون‬
‫أن الدين كله دين ! كما أن اللاد كله إلاد ! وأنه يكن إذن أن يقف "التدين" بملته ف وجه‬
‫اللاد ‪ .‬لن اللاد ينكر الدين كله ‪ ,‬ويارب التدين على الطلق ‪. .‬‬
‫ولكن المر ليس كذلك ف التصور السلمي ; ول ف حس السلم الذي يتذوق السلم ‪ .‬ول‬
‫يتذوقالسلم إل من يأخذه عقيدة ‪ ,‬وحركة بذه العقيدة ‪ ,‬لقامة النظام السلمي ‪.‬‬
‫إن المر ف التصور السلمي وف حس السلم واضح مدد ‪ . .‬الدين هو السلم ‪ . .‬وليس هناك‬
‫دين غيه يعترف به السلم ‪ . .‬لن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقول هذا ‪ .‬يقول‪( :‬إن الدين عند ال السلم)‬
‫‪ . .‬ويقول‪( :‬ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل منه) ‪ . .‬وبعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم ل‬
‫يعد هناك دين يرضاه ال ويقبله من أحد إل هذا "السلم" ‪ . .‬ف صورته الت جاء با ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة ممد من النصارى ل يعد الن يقبل ‪ .‬كما أن ما كان يقبل من‬
‫اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلم ‪ ,‬ل يعد يقبل منهم بعد بعثته ‪. .‬‬
‫ووجود يهود ونصارى ‪ -‬من أهل الكتاب ‪ -‬بعد بعثه ممد صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ليس معناه أن ال‬
‫يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لم بأنم على دين إلي ‪ . .‬لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول‬

‫‪88‬‬
‫الخي ‪ . .‬أما بعد بعثته فل دين ‪ -‬ف التصور السلمي وف حس السلم ‪ -‬إل السلم ‪ . .‬وهذا ما‬
‫ينص عليه القرآن نصا غي قابل للتأويل ‪. .‬‬
‫إن السلم ل يكرههم على ترك معتقداتم واعتناق السلم ‪ . .‬لنه (ل إكراه ف الدين) ولكن هذا‬
‫ليس معناه أنه يعترف با هم عليه "دينا ويراهم على دين" ‪. .‬‬
‫ومن ث فليس هناك جبهه تدين يقف معها السلم ف وجه اللاد ! هناك "دين" هو السلم ‪. .‬‬
‫وهناك "ل دين" هو غي السلم ‪ . .‬ث يكون هذا اللدين ‪ . .‬عقيدة أصلها ساوي ولكنها مرفه ‪,‬‬
‫أو عقيده أصلها وثن باقيه على وثنيتها ‪ .‬أو إلادا ينكر الديان ‪ . .‬تتلف فيما بينها كلها ‪. .‬‬
‫ولكنها تتلف كلها مع السلم ‪ .‬ول حلف بينها وبي السلم ول ولء ‪. .‬‬
‫والسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم ‪ -‬كما سبق ‪ -‬ما ل يؤذوه‬
‫ف الدين ; ويباح له أن يتزوج الحصنات منهن ‪ -‬على خلف فقهي فيمن تعتقد بألوهية السيح أو‬
‫بنوته ‪ ,‬وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تل أم مشركة ترم ‪ -‬وحت مع الخذ ببدأ تليل النكاح‬
‫عامه ‪ . .‬فإن حسن العامله وجواز النكاح ‪ ,‬ليس معناها الولء والتناصر ف الدين ; وليس معناها‬
‫اعتراف السلم بأن دين أهل الكتاب ‪ -‬بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين يقبله ال ;‬
‫ويستطيع السلم أن يقف معه ف جبهه واحدة لقاومة اللاد !‬
‫إن السلم قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات الشركي والوثنيي‬
‫سواء ‪.‬‬
‫ودعاهم إل السلم جيعا ‪ ,‬لن هذا هو "الدين" الذي ل يقبل ال غيه من الناس جيعا ‪ .‬ولا فهم‬
‫اليهود أنم غي مدعوين إل السلم ‪ ,‬وكب عليهم أن يدعوا إليه ‪ ,‬جابهم القرآن الكري بأن ال‬
‫يدعوهم إل السلم ‪ ,‬فإن تولوا عنه فهم كافرون !‬
‫والسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إل السلم ‪ ,‬كما يدعو اللحدين والوثنيي سواء ‪ .‬وهو غي‬
‫مأذون ف أن يكره أحدا من هؤلء ول هؤلء على السلم ‪ .‬لن العقائد ل تنشأ ف الضمائر‬
‫بالكراه ‪ .‬فالكراه ف الدين فوق أنه منهي عنه ‪ ,‬هو كذلك ل ثره له ‪.‬‬
‫ول يستقيم أن يعترف السلم بأن ما عليه أهل الكتاب ‪ -‬بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين‬
‫يقبله ال ‪ . .‬ث يدعوهم مع ذلك إل السلم ! ‪ . .‬إنه ل يكون مكلفا بدعوتم إل السلم إل على‬
‫أساس واحد ; هو أنه ل يعترف بأن ما هم عليه دين ‪ .‬وأنه يدعوهم إل الدين ‪.‬‬
‫وإذا تقررت هذه البديهيه ‪ ,‬فإنه ل يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل ف ولء أو تناصر للتمكي‬
‫للدين ف الرض ‪ ,‬مع من ل يدين بالسلم ‪.‬‬
‫إن هذه القضيه ف السلم قضيه اعتقاديه إيانيه ‪ .‬كما أنا قضيه تنظيميه حركيه !‬

‫‪89‬‬
‫من ناحيه أنا قضيه إيانيه اعتقاديه نسب أن المر قد صار واضحا بذا البيان اذي أسلفناه ‪,‬‬
‫وبالرجوع إل النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولء بي السلمي وأهل الكتاب ‪.‬‬
‫ومن ناحية أنا قضية تنظيمية حركية المر واضح كذلك ‪ . .‬فإذا كان سعي الؤمن كله ينبغي أن‬
‫يتجه إل إقامة منهج ال ف الياة ‪ -‬وهو النهج الذي ينص عليه السلم كما جاء به ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم بكل تفصيلت وجوانب هذا النهج ‪ ,‬وهي تشمل كل نشاط النسان ف الياة ‪. .‬‬
‫فكيف يكن إذن أن يتعاون السلم ف هذا السعي مع من ل يؤمن بالسلم دينا ومنهجا ونظاما‬
‫وشريعة ; ومن يتجه ف سعيه إل أهداف أخرى ‪ -‬إن ل تكن معادية للسلم وأهدافه فهي على‬
‫القل ليست أهداف السلم ‪ -‬إذ السلم ل يعترف بدف ول عمل ل يقوم على أساس العقيدة‬
‫مهما بدا ف ذاته صالا ‪( -‬والذين كفروا أعمالم كرماد اشتدت به الريح ف يوم عاصف) ‪. .‬‬
‫والسلم يكلف السلم أن يلص سعيه كله للسلم ‪ . .‬ول يتصور إمكان انفصال أية جزئية ف‬
‫السعي اليومي ف حياة السلم عن السلم ‪ . .‬ل يتصور إمكان هذا إل من ل يعرف طبيعة السلم‬
‫وطبيعة النهج السلمي ‪ . .‬ول يتصور أن هناك جوانب ف الياة خارجة عن هذا النهج يكن‬
‫التعاون فيها مع من يعادي السلم ‪ ,‬أو ل يرضى من السلم إل أن يترك إسلمه ‪ ,‬كما نص ال ف‬
‫كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من السلم ليضوا عنه ! ‪ . .‬إن هناك استحالة اعتقادية كما أن‬
‫هناك استحالة عملية على السواء ‪. .‬‬
‫ولقد كان اعتذار عبدال بن أب بن سلول ‪ ,‬وهو من الذين ف قلوبم مرض ‪ ,‬عن مسارعته واجتهاده‬
‫ف الولء ليهود ‪ ,‬والستمساك بلفه معها ‪ ,‬هي قوله‪:‬إنن رجل أخشى الدوائر ! إن أخشى أن تدور‬
‫علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة ‪ ,‬وأن تنل بنا الضائقة ‪ . .‬وهذه الجة هي علمة مرض القلب‬
‫وضعف اليان ‪ . .‬فالول هو ال ; والناصر هو ال ; والستنصار بغيه ضللة ‪ ,‬كما أنه عبث ل ثرة‬
‫له ‪ . .‬ولكن حجة ابن سلول ‪ ,‬هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل‬
‫منافق مريض القلب ‪ ,‬ل يدرك حقيقة اليان ‪ . .‬وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولء يهود‬
‫بعد ما بدا منهم ما بدا ‪ .‬لنه قلب مؤمن فخلع ولء اليهود وقذف به ‪ ,‬حيث تلقاه وضم عليه صدره‬
‫وعض عليه بالنواجذ عبدال بن أب بن سلول !‬
‫إنما نجان متلفان ‪ ,‬ناشئان عن تصورين متلفي ‪ ,‬وعن شعورين متبايني ‪ ,‬ومثل هذا الختلف‬
‫قائم على مدار الزمان بي قلب مؤمن وقلب ل يعرف اليان !‬
‫ويهدد القرآن الستنصرين بأعداء دينهم ‪ ,‬التألبي عليهم ‪ ,‬النافقي الذين ل يلصون ل اعتقادهم ول‬
‫ولءهم ول اعتمادهم ‪ . .‬يهددهم برجاء الفتح أو أمر ال الذي يفصل ف الوقف ; أو يكشف‬
‫الستور من النفاق ‪.‬‬
‫(فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده ‪ ,‬فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي) ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫وعندئذ ‪ -‬عند الفتح ‪ -‬سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بعن الفصل أو عند ميء أمر ال ‪-‬‬
‫يندم أولئك الذين ف قلوبم مرض ‪ ,‬على السارعة والجتهاد ف ولء اليهود والنصارى وعلى النفاق‬
‫الذي انكشف أمره ‪ ,‬وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال النافقي ‪ ,‬ويستنكرون ما كانوا فيه من‬
‫النفاق وما صاروا إليه من السران !‬
‫(ويقول الذين آمنوا‪:‬أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت أعمالم ‪ ,‬فأصبحوا‬
‫خاسرين !) ‪. .‬‬
‫ولقد جاء ال بالفتح يوما ‪ ,‬وتكشفت نوايا ‪ ,‬وحبطت أعمال ‪ ,‬وخسرت فئات ‪ .‬ونن على وعد‬
‫من ال قائم بأن ييء الفتح ‪ ,‬كلما استمسكنا بعروة ال وحده ; وكلما أخلصنا الولء ل وحده ‪.‬‬
‫وكلما وعينا منهج ال ‪ ,‬وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا ‪ .‬وكلما تركنا ف العركة على هدى ال‬
‫وتوجيهه ‪ .‬فلم نتخذ لنا وليا إل ال ورسوله والذين آمنوا ‪. .‬‬

‫‪.7‬ل يثلون شعوبم‬


‫وكيف يثلون شعوبم ؟ بل يثلون من نصبوهم على رقابنا ودربوهم ف القضاء علينا‬
‫ول علقة لم بذه المة فهم ليسوا منها‬

‫‪.8‬جاءوا بالديد والنار‬


‫لقد جاءوا جيعا بالديد والنار وهذا ما أخب عنه الصطفى صلى ال عليه وسلم أول دينكم‬
‫نبوة ورحة‪ ،‬ث خلفة ورحة‪ ،‬ث ملك ورحة‪ ،‬ث ملك وجبية‪ ،‬ث ملك عضوض يستحل فيه‬
‫الر والرير وف رواية أحد عن النعمان بن بشي قال‪ :‬كنا قعودا ف السجد وكان بشي رجلً‬
‫يكف حديثه‪ ،‬فجاء أبو ثعلبة الشن فقال‪ :‬يا بشي بن سعد أتفظ حديث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ف المراء؟ فقال حذيفة‪ :‬أنا أحفظ خطبته فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم "تكون النبوة فيكم ما شاء ال أن تكون‪ ،‬ث يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪،‬‬
‫ث تكون خلفة على منهاج النبوة‪ ،‬فتكون ما شاء ال أن تكون‪ ،‬ث يرفعها إذا شاء [ال] أن‬
‫يرفعها‪ ،‬ث تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء ال أن تكون‪ ،‬ث يرفعها إذا شاء أن يرفعها [ث تكون‬
‫ملكا جبية فتكون ما شاء ال أن تكون ث يرفعها إذا شاء أن يرفعها] ث تكون خلفة على‬
‫منهاج نبوة"‪ .‬ث سكت‪.‬‬
‫ونن اليوم ف الرحلة الرابعة‬
‫‪.9‬ههم التاع الرخيص‬
‫ليس لم من هم إل التاع الرخيص فبيوتم مواخي للفسوق والجون‬

‫‪91‬‬
‫‪.10‬سحق الصحوة السلمية‬
‫هذه أهم مهمة لم وهي سحق الصحوة السلمية التنامية أو تجينها وتويلها عن مسارها‬
‫الصحيح ببعض الظاهر الكاذبة‬
‫‪.11‬السماح للمنافقي والطبلي لم فقط‬
‫فالنافقون واللحدون والفنانون والساقطون هم عمدتم ف الدفاع عن عروشهم مع بعض‬
‫الئمة الضلي‬
‫‪.12‬السيطرة التامة على كل شيء‬
‫ف بلد السلمي يسيطرون على كل شيء حت التنفس مثلهم كمثل فرعون الذي ظن أنه‬
‫استحوذ حت على القلوب قال تعال عنه ‪ { :‬قَا َل آمَنتُمْ َلهُ قَْبلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ِإّنهُ َلكَبِيُكُ ُم الّذِي‬
‫ف وَلَُأصَلَّبنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْ ِل وََلَتعْلَمُنّ أَيّنَا‬
‫حرَ َفلَأُقَ ّطعَنّ َأيْدِيَكُ ْم وََأرْ ُجلَكُم مّنْ ِخلَا ٍ‬‫َعلّمَكُمُ السّ ْ‬
‫َأشَ ّد عَذَابًا وَأَْبقَى} ( ‪ )71‬سورة طـه‬
‫سوْفَ َتعَْلمُونَ‬ ‫حرَ َفلَ َ‬
‫وقال تعال ‪{ :‬قَا َل آمَنتُمْ َلهُ قَبْلَ أَ ْن آذَنَ لَكُمْ ِإّنهُ لَ َكبِيُكُ ُم الّذِي َعلّمَكُمُ السّ ْ‬
‫صلّبَنّكُمْ أَجْ َم ِعيَ} ( ‪ )49‬سورة الشعراء‬ ‫ف وَلَُأ َ‬
‫لَُأقَ ّطعَنّ أَيْ ِديَكُ ْم وََأرْ ُجلَكُم مّنْ خِلَا ٍ‬
‫ولكن الطواغيت التجبين ل يدركون كيف يتسرب النور إل قلوب البشر ; ول كيف تازجها‬
‫بشاشة اليان ; ول كيف تلمسها حرارة اليقي ‪ .‬فهم لطول ما استعبدوا الناس يسبون أنم يلكون‬
‫تصريف الرواح وتقليب القلوب ‪ -‬وهي بي إصبعي من أصابع الرحن يقلبها كيف يشاء ‪. . -‬‬
‫ومن ث فوجىء فرعون بذا اليان الفاجىء الذي ل يدرك دبيبه ف القلوب ول يتابع خطاه ف‬
‫النفوس ; ول يفطن إل مداخله ف شعاب الضمائر ‪ . .‬ث هزته الفاجأة الطية الت تزلزل العرش من‬
‫تته‪:‬مفاجأة استسلم السحرة ‪ -‬وهم من كهنة العابد ‪ -‬لرب العالي ‪ .‬رب موسى وهارون ‪ .‬بعد‬
‫أن كانوا مموعي لبطال دعوة موسى وهارون إل رب العالي ! ‪ . .‬والعرش والسلطان ها كل‬
‫شيء ف حياة الطواغيت ‪ . .‬وكل جرية يكن أن يرتكبوها بل ترج ف سبيل الحافظة على‬
‫الطاغوت‪:‬‬
‫(قال فرعون‪:‬آمنتم به قبل أن آذن لكم ! إن هذا لكر مكرتوه ف الدينة لتخرجوا منها أهلها ‪.‬‬
‫فسوف تعلمون ‪ .‬لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ‪ ,‬ث لصلبنكم أجعي) ‪. .‬‬
‫هكذا ‪( . .‬آمنتم به قبل أن آذن لكم !) ‪ . .‬كأنا كان عليهم أن يستأذنوه ف أن تنتفض قلوبم للحق‬
‫‪ -‬وهم أنفسهم لسلطان لم عليها ‪ -‬أو يستأذنوه ف أن ترتعش وجداناتم ‪ -‬وهم أنفسهم ل‬
‫يلكون من أمرها شيئا ‪ -‬أو يستأذنوه ف أن تشرق أرواحهم ‪ -‬وهم أنفسهم ل يسكون مداخلها ‪.‬‬
‫أو كأنا كان عليهم أن يدفعوا اليقي وهو ينبت من العماق ‪ .‬أو أن يطمسوا اليان وهو يترقرق من‬
‫الغوار ‪ .‬أو أن يجبوا النور وهو ينبعث من شعاب اليقي !‬

‫‪92‬‬
‫ولكنه الطاغوت جاهل غب مطموس ; وهو ف الوقت ذاته متعجرف متكب مغرور !‬
‫ث إنه الفزع على العرش الهدد والسلطان الهزوز‪:‬‬
‫(إن هذا لكر مكرتوه ف الدينة لتخرجوا منها أهلها) ‪. .‬‬
‫وف نص آخر‪( :‬إنه لكبيكم الذي علمكم السحر) !‬
‫والسألة واضحة العال ‪ . .‬إنا دعوة موسى إل (رب العالي) ‪ . .‬هي الت تزعج وتيف ‪ . .‬إنه ل‬
‫بقاء ول قرار لكم الطواغيت مع الدعوة إل رب العالي ‪ .‬وهم إنا يقوم ملكهم على تنحية ربوبية‬
‫ال للبشر بتنحية شريعته ‪ .‬وإقامة أنفسهم أربابا من دون ال يشرعون للناس ما يشاءون ‪ ,‬ويعبدون‬
‫الناس لا يشرعون ! ‪ . .‬إنما منهجان ل يتمعان ‪ . . .‬أو ها دينان ل يتمعان ‪ . .‬أو ها ربان ل‬
‫يتمعان ‪ . .‬وفرعون كان يعرف وملؤه كانوا يعرفون ‪ . .‬ولقد فزعوا للدعوة من موسى وهارون إل‬
‫رب العالي ‪ .‬فأول أن يفزعوا الن وقد ألقي السحرة ساجدين ‪ .‬قالوا‪:‬آمنا برب العالي ‪ .‬رب‬
‫موسى وهارون ! والسحرة من كهنة الديانة الوثنية الت تؤله فرعون ‪ ,‬وتكنه من رقاب الناس باسم‬
‫الدين !‬
‫وهكذا أطلق فرعون ذلك التوعد الوحشي الفظيع‪:‬‬
‫(فسوف تعلمون ‪ .‬لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ‪ ,‬ث لصلبنكم أجعي) ‪. .‬‬
‫إنه التعذيب والتشوية والتنكيل ‪ . .‬وسيلة الطواغيت ف مواجهة الق ‪ ,‬الذي ل يلكون دفعه بالجة‬
‫والبهان ‪ . .‬وعدة الباطل ف وجه الق الصريح ‪. .‬‬
‫ولكن النفس البشرية حي تستعلن فيها حقيقة اليان ; تستعلى على قوة الرض ‪ ,‬وتستهي ببأس‬
‫الطغاة ; وتنتصر فيها العقيدة على الياة ‪ ,‬وتتقر الفناء الزائل إل جوار اللود القيم ‪ .‬إنا ل تقف‬
‫لتسأل‪:‬ماذا ستأخذ وماذا ستدع ? ماذا ستقبض وماذا ستدفع ? ماذا ستخسر وماذا ستكسب ?‬
‫وماذا ستلقى ف الطريق من صعاب وأشواك وتضحيات ? ‪ . .‬لن الفق الشرق الوضيء أمامها هناك‬
‫‪ ,‬فهي ل تنظر إل شيء ف الطريق ‪(. .‬قالوا‪:‬إنا إل ربنا منقلبون ‪ .‬وما تنقم منا إل أن آمنا بآيات‬
‫ربنا لا جاءتنا ‪ .‬ربنا أفرغ علينا صبا ‪ ,‬وتوفنا مسلمي) ‪. .‬‬
‫إنه اليان الذي ل يفزع ول يتزعزع ‪ .‬كما أنه ل يضع أو ينع ‪ .‬اليان الذي يطمئن إل النهاية‬
‫فيضاها ‪ ,‬ويستيقن من الرجعة إل ربه فيطمئن إل جواره‪:‬‬
‫(قالوا‪:‬إنا إل ربنا منقلبون) ‪. .‬‬
‫والذي يدرك طبيعة العركة بينه وبي الطاغوت ‪ . .‬وأنا معركة العقيدة ف الصميم ‪ . .‬ل يداهن ول‬
‫يناور ‪ . .‬ول يرجو الصفح والعفو من عدو لن يقبل منه إل ترك العقيدة ‪ ,‬لنه إنا ياربه ويطارده‬
‫على العقيدة‪:‬‬
‫(وما تنقم منا إل أن آمنا بآيات ربنا لا جاءتنا) ‪. .‬‬

‫‪93‬‬
‫والذي يعرف أين يتجه ف العركة ‪ ,‬وإل من يتجه ; ل يطلب من خصمه السلمة والعافية ‪ ,‬إنا‬
‫يطلب من ربه الصب على الفتنة والوفاة على السلم‪:‬‬
‫(ربنا أفرغ علينا صبا وتوفنا مسلمي) ‪. .‬‬
‫ويقف الطغيان عاجزا أمام اليان ‪ ,‬وأمام الوعي ‪ ,‬وأمام الطمئنان ‪ . .‬يقف الطغيان عاجزا أمام‬
‫القلوب الت خيل إليه أنه يلك الولية عليها كما يلك الولية على الرقاب ! ويلك التصرف فيها‬
‫كما يلك التصرف ف الجسام ‪ .‬فإذا هي مستعصية عليه ‪ ,‬لنا من أمر ال ‪ ,‬ل يلك أمرها إل ال‬
‫‪ . .‬وماذا يلك الطغيان إذارغبت القلوب ف جوار ال ? وماذا يلك البوت إذا اعتصمت القلوب‬
‫بال ? وماذا يلك السلطان إذا رغبت القلوب عما يلك السلطان !‬
‫إنه موقف من الواقف الاسة ف تاريخ البشرية ‪ .‬هذا الذي كان بي فرعون وملئه ‪ ,‬والؤمني من‬
‫السحرة ‪ . .‬السابقي ‪. .‬‬
‫إنه موقف حاسم ف تاريخ البشرية ‪ .‬بانتصار العقيدة على الياة ‪ .‬وانتصار العزية على الل ‪.‬‬
‫وانتصار "النسان" على "الشيطان" !‬
‫إنه موقف حاسم ف تاريخ البشرية ‪ .‬بإعلن ميلد الرية القيقية ‪ .‬فما الرية إل الستعلء بالعقيدة‬
‫على جبوت التجبين وطغيان الطغاة ‪ .‬والستهانة بالقوة الادية الت تلك أن تتسلط على الجسام‬
‫والرقاب وتعجز عن استذلل القلوب والرواح ‪ .‬ومت عجزت القوة الادية عن استذلل القلوب فقد‬
‫ولدت الرية القيقية ف هذه القلوب ‪.‬‬
‫إنه موقف حاسم ف تاريخ البشرية بإعلن إفلس الادية ! فهذه القلة الت كانت منذ لظة تسأل‬
‫فرعون الجر على الفوز ‪ ,‬وتن بالقرب من السلطان ‪ . .‬هي ذاتا الت تستعلي على فرعون ;‬
‫وتستهي بالتهديد والوعيد ‪ ,‬وتُقبل صابرة متسبة على التنكيل والتصليب ‪ .‬وما تغي ف حياتا شيء‬
‫‪ ,‬ول تغي من حولا شيء ‪ -‬ف عال الادة ‪ -‬إنا وقعت اللمسة الفية الت تسلك الكوكب الفرد ف‬
‫الدورة الكبى ‪ .‬وتمع الذرة التائهة إل الحور الثابت ‪ ,‬وتصل الفرد الفان بقوة الزل والبد ‪. .‬‬
‫وقعت اللمسة الت توّل البرة ‪ ,‬فيلتقط القلب إيقاعات القدرة ‪ ,‬ويتسمع الضمي أصداء الداية ‪,‬‬
‫وتتلقى البصية إشراقات النور ‪ . .‬وقعت اللمسة الت ل تنتظر أي تغيي ف الواقع الادي ; ولكنها هي‬
‫تغي الواقع الادي ; وترفع "النسان" ف عال الواقع إل الفاق الت ل يكن يطمح إليها اليال !‬
‫ويذهب التهديد ‪ . .‬ويتلشى الوعيد ‪ . .‬ويضي اليان ف طريقه ‪ .‬ل يتلفت ‪ ,‬ول يتردد ‪ ,‬ول ييد‬
‫! ويسدل السياق القرآن الستار على الشهد عند هذا الد ول يزيد ‪ . .‬إن روعة الوقف تبلغ ذروتا‬
‫; وتنتهي إل غايتها ‪ .‬وعندئذ يتلقى المال الفن ف العرض ; مع الدف النفسي للقصة ‪ ,‬على‬
‫طريقة القرآن ف ماطبة الوجدان اليان بلغة المال الفن ‪ ,‬ف تناسق ل يبلغه إل القرآن ‪.‬‬
‫ولكننا نن ف هذه الظلل ينبغي أن نقف وقفة قصية أمام هذا الشهد الباهر الخاذ ‪. . .‬‬

‫‪94‬‬
‫نقف ابتداء أمام إدراك فرعون وملئه أن إيان السحرة برب العالي ‪ ,‬رب موسى وهارون ‪ ,‬يثل‬
‫خطرا على نظام ملكهم وحكمهم ; لتعارض القاعدة الت يقوم عليها هذا اليان ‪ ,‬مع القاعدة الت‬
‫يقوم عليها ذلك السلطان ‪ . .‬وقد عرضنا لذا المر من قبل ‪ . .‬ونريد أن نقرر هذه القيقة ونؤكدها‬
‫‪ . .‬إنه ل يتمع ف قلب واحد ‪ ,‬ول ف بلد واحد ‪ ,‬ول ف نظام حكم واحد ‪ ,‬أن يكون ال رب‬
‫العالي ‪ ,‬وأن يكون السلطان ف حياة الناس لعبد من العبيد ‪ ,‬يباشره بتشريع من عنده وقواني ‪. .‬‬
‫فهذا دين وذلك دين ‪. .‬‬
‫ونقف بعد ذلك أمام إدراك السحرة ‪ -‬بعد أن أشرق نور اليان ف قلوبم ‪ ,‬وجعل لم فرقانا ف‬
‫تصورهم ‪ -‬أن العركة بينهم وبي فرعون وملئه هي معركة العقيدة ; وأنه ل ينقم منهم إل إيانم‬
‫برب العالي ‪.‬فهذا اليان على هذا النحو يهدد عرش فرعون وملكه وسلطانه ; ويهدد مراكز الل‬
‫من قومه وسلطانم الستمد من سلطان فرعون ‪ . .‬أو بتعبي آخر مرادف‪:‬من ربوبية فرعون ‪ ,‬ويهدد‬
‫القيم الت يقوم عليها الجتمع الوثن كله ‪ . .‬وهذا الدراك لطبيعة العركة ضروري لكل من يتصدى‬
‫للدعوة إل ربوبية ال وحده ‪ .‬فهو وحده الذي أهل هؤلء الؤمني للستهانة با يلقونه ف سبيله ‪. .‬‬
‫إنم يقدمون على الوت مستهيني ليقينهم بأنم هم الؤمنون برب العالي ; وأن عدوهم على دين‬
‫غي دينهم ; لنه بزاولته للسلطان وتعبيد الناس لمره ينكر ربوبية رب العالي ‪ . .‬فهو إذن من‬
‫الكافرين ‪ . .‬وما يكن أن يضي الؤمنون ف طريق الدعوة إل رب العالي ‪ -‬على ما ينتظرهم فيها‬
‫من التعذيب والتنكيل ‪ -‬إل بثل هذا اليقي بشقيه‪:‬أنم هم الؤمنون ‪ ,‬وأن أعداءهم هم الكافرون ‪,‬‬
‫وأنم إنا ياربونم على الدين ‪ ,‬ول ينقمون منهم إل الدين ‪.‬‬
‫ونقف بعد ذلك أمام الروعة الباهرة لنتصار العقيدة على الياة ‪ .‬وانتصار العزية على الل ‪.‬‬
‫وانتصار "النسان" على الشيطان ‪ .‬وهو مشهد بالغ الروعة ‪ . .‬نعترف أننا نعجز عن القول فيه ‪.‬‬
‫فندعه كما صوره النص القرآن الكري ! (الظلل)‬

‫‪.13‬التظاهر الزيف بالسلم ول سيما ف الناسبات الدينية‬


‫نعم ليخدعوا العامة بذلك كبناء بعض الساجد أو ترميمها أو الحتفال بالناسبات الدينية أو‬
‫الكلم على البدع ف بعض البلدان أو السماح للمخرفي والشعوذين باسم الدين أن ينتشروا ف‬
‫طول البلد وعرضها‬
‫حرَامِ كَ َمنْ آمَنَ بِالّل ِه وَاْلَي ْومِ ال ِخ ِر وَجَاهَدَ‬
‫قال تعال ‪َ{ :‬أ َجعَلْتُمْ ِسقَايَ َة الْحَاجّ َوعِمَا َرةَ الْمَسْجِ ِد الْ َ‬
‫سَتوُونَ عِندَ الّل ِه وَالّلهُ َل َيهْدِي اْل َقوْمَ الظّالِ ِميَ} (‪ )19‬سورة التوبة‬ ‫فِي سَبِيلِ الّلهِ لَ يَ ْ‬
‫قال ابن كثي رحه ال ‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫قال العوف ف تفسيه عن ابن عباس ف تفسي هذه الَية قال‪ :‬إن الشركي قالوا‪ :‬عمارة بيت ال‬
‫وقيام على)السقاية خي من آمن وجاهد‪ ,‬وكانوا يفخرون بالرم ويستكبون به من أجل أنم أهله‬
‫وعماره‪ ,‬فذكر ال استكبارهم وإعراضهم‪ ,‬فقال لهل الرم من الشركي {قد كانت آيات تتلى‬
‫عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبين به سامرا تجرون} يعن أنم كانوا يستكبون‬
‫بالرم قال {به سامرا} كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنب صلى ال عليه وسلم فخي ال‬
‫اليان والهاد مع النب صلى ال عليه وسلم على عمارة الشركي البيت وقيامهم على السقاية ول‬
‫يكن ينفعهم عند ال مع الشرك به‪ ,‬وإن كانوا يعمرون بيته ويرمون به‪ .‬قال ال تعال‪{ :‬ل يستوون‬
‫عند ال وال ل يهدي القوم الظالي} يعن الذين زعموا أنم أهل العمارة فسماهم ال ظالي‬
‫بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا‪.‬‬
‫وقال علي ابن أب طلحة عن ابن عباس ف تفسي هذه الَية قال‪ :‬قد نزلت ف العباس بن عبد‬
‫الطلب حي أسر ببدر قال‪ :‬لئن كنتم سبقتمونا بالسلم والجرة والهاد لقد كنا نعمر السجد‬
‫الرام ونسقي ونفك العان‪ ,‬قال ال عز وجل‪{ :‬أجعلتم سقاية الاج ـ إل قوله ـ وال ل يهدي‬
‫القوم الظالي} يعن أن ذلك كله كان ف الشرك ول أقبل ما كان ف الشرك‪ ,‬وقال الضحاك بن‬
‫مزاحم‪ :‬أقبل السلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيونم بالشرك‪ ,‬فقال العباس‪:‬‬
‫أما وال لقد كنا نعمر السجد الرام ونفك العان ونجب البيت ونسقي الاج‪ ,‬فأنزل ال {أجعلتم‬
‫سقاية الاج} الَية‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبنا ابن عيينة عن إساعيل عن الشعب‪ :‬قال‪ :‬نزلت ف علي والعباس رضي ال‬
‫عنهما با تكلما ف ذلك‪ ,‬وقال ابن جرير‪ :‬حدثن يونس‪ ,‬أخبنا ابن وهب‪ ,‬أخبن ابن ليعة عن أب‬
‫صخر قال‪ :‬سعت ممد بن كعب القرظي يقول افتخر طلحة بن شيبة من بن عبد الدار وعباس بن‬
‫عبد الطلب وعلي بن أب طالب فقال طلحة‪ :‬أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه‪ .‬وقال‬
‫العباس‪ :‬أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت ف السجد‪ ,‬فقال علي رضي ال عنه‪ :‬ما‬
‫أدري ما تقولن لقد صليت إل القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الهاد‪ ,‬فأنزل ال عز وجل‬
‫{أجعلتم سقاية الاج ؟} الَية كلها‪ ,‬وهكذا قال السدي إل أنه قال‪ :‬افتخر علي والعباس وشيبة بن‬
‫عثمان وذكر نوه‪ ,‬وقال عبد الرزاق‪ :‬أخبنا معمر عن عمرو عن السن قال‪ :‬نزلت ف علي وعباس‬
‫وعثمان وشيبة تكلموا ف ذلك‪ ,‬فقال العباس‪ :‬ما أران إل أن تارك سقايتنا‪ ,‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم «أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيا» ورواه ممد بن ثور‪ :‬عن معمر عن السن‬
‫فذكر نوه‪ ,‬وقد ورد ف تفسي هذه الَية حديث مرفوع فل بد من ذكره هنا‪ ,‬قال عبد الرزاق‪:‬‬
‫ل قال‪ :‬ما أبال أن ل‬‫أخبنا معمر عن يي بن أب كثي عن النعمان بن بشي رضي ال عنه أن رج ً‬
‫أعمل عملً بعد السلم إل أن أسقي الاج‪ .‬وقال آخر‪ :‬ما أبال أن ل أعمل عملً بعد السلم إل‬

‫‪96‬‬
‫أن أعمر السجد الرام‪ .‬وقال آخر‪ :‬الهاد ف سبيل ال أفضل ما قلتم‪ .‬فزجرهم عمر رضي ال عنه‬
‫وقال‪ :‬ل ترفعوا أصواتكم عند منب رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وذلك يوم‬
‫المعة‪ ,‬ولكن إذا صلينا المعة دخلنا على النب صلى ال عليه وسلم فسألناه‪ .‬فنلت {أجعلتم سقاية‬
‫الاج وعمارة السجد الرام ـ إل قوله ـ ل يستوون عند ال}‪.‬‬
‫(طريق أخرى) قال الوليد بن مسلم حدثن معاوية بن سلم عن جده أب سلم السود عن النعمان‬
‫بن بشي النصاري قال‪ :‬كنت عند منب رسول ال صلى ال عليه وسلم ف نفر من أصحابه فقال‬
‫رجل منهم‪ :‬ما أبال أن ل أعمل ل عملً بعد السلم إل أن أسقي الاج‪ .‬وقال آخر‪ :‬بل عمارة‬
‫السجد الرام وقال آخر‪ :‬بل الهاد ف سبيل ال خي ما قلتم فزجرهم عمر بن الطاب رضي ال‬
‫عنه‪ .‬وقال‪ :‬ل ترفعوا أصواتكم عند منب رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وذلك‬
‫يوم المعة ولكن إذا صليت المعة دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم فاستفتيته فيما‬
‫اختلفتم فيه‪ .‬قال ففعل فأنزل ال عز وجل {أجعلتم سقاية الاج وعمارة السجد الرام ـ إل قوله‬
‫ـ وال ل يهدي القوم الظالي} ورواه مسلم ف صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه‪ ,‬وابن‬
‫مردويه وابن أب حات ف تفاسيهم وابن حبان ف صحيحه‪.‬‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫فما يوز أن يسوى الذين كانوا يعمرون الكعبة ويسقون الجيج ف الاهلية ‪ ,‬وعقيدتم ليست‬
‫خالصة ل ‪ ,‬ول نصيب لم من عمل أو جهاد ‪ ,‬ل يوز أن يسوى هؤلء ‪ -‬لجرد عمارتم للبيت‬
‫وخدمتهم للحجيج ‪ -‬بالذين آمنوا إيانا صحيحا وجاهدوا ف سبيل ال وإعلء كلمته‪:‬‬
‫(أجعلتم سقاية الاج وعمارة السجد الرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد ف سبيل ال ?) ‪. .‬‬
‫(ل يستوون عند ال) ‪.‬‬
‫وميزان ال هو اليزان وتقديره هو التقدير ‪.‬‬
‫(وال ل يهدي القوم الظالي) ‪.‬‬
‫الشركي الذين ل يدينون دين الق ‪ ,‬ول يلصون عقيدتم من الشرك ‪ ,‬ولو كانوا يعمرون البيت‬
‫ويسقون الجيج ‪.‬‬
‫وينتهي هذا العن بتقرير فضل الؤمني الهاجرين الجاهدين ‪ ,‬وما ينتظرهم من رحة ورضوان ‪ ,‬ومن‬
‫نعيم مقيم وأجر عظيم‪:‬‬
‫(الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ف سبيل ال بأموالم وأنفسهم أعظم درجة عند ال ‪ ,‬وأولئك هم‬
‫الفائزون ‪ .‬يبشرهم ربم برحة منه ورضوان وجنات لم فيها نعيم مقيم ‪ ,‬خالدين فيها أبدا إن ال‬
‫عنده أجر عظيم) ‪. .‬‬

‫‪97‬‬
‫وأفعل التفضيل هنا ف قوله‪( :‬أعظم درجة عند ال) ليس على وجهه ‪ ,‬فهو ل يعن أن للخرين درجة‬
‫أقل ‪ ,‬إنا هو التفضيل الطلق ‪ .‬فالخرون (حبطت أعمالم وف النار هم خالدون) فل مفاضلة بينهم‬
‫وبي الؤمني الهاجرين الجاهدين ف درجة ول ف نعيم ‪.‬‬

‫‪.14‬نشر الكفر والفسوق والعصيان‬


‫وهذا ف كل مكان فل حرج منه وغي منوع بالقانون ولكنك إذا تفوهت بكلمة على سلطان‬
‫الزمان فالويل كل الويل لك وأما إذا كفرت بال جهارا فل حرج عليك‬
‫قال تعال عن أمثالم ‪:‬‬
‫{ الّذِينَ يَنقُضُو َن َعهْدَ الّلهِ مِن َبعْ ِد مِيثَاِق ِه وََيقْ َطعُونَ مَا َأ َمرَ الّلهُ ِبهِ أَن يُوصَ َل وَُيفْسِدُونَ فِي‬
‫ك هُمُ الْخَا ِسرُونَ} (‪ )27‬سورة البقرة‬ ‫ا َل ْرضِ أُولَِئ َ‬
‫{ وَالّذِينَ يَن ُقضُونَ َعهْ َد الّل ِه مِن َبعْ ِد مِيثَاِقهِ َوَيقْ َطعُو َن مَآ َأ َمرَ الّلهُ ِبهِ أَن يُوصَ َل وَُيفْسِدُونَ فِي‬
‫ا َل ْرضِ ُأ ْولَِئكَ َلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُ ْم سُوءُ الدّارِ} (‪ )25‬سورة الرعد‬
‫وقال ابن كثي ‪:‬‬
‫‪-27‬الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف‬
‫الرض أولـئك هم الاسرون‬
‫قال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود‬
‫وعن ناس من الصحابة لا ضرب ال هذين الثلي للمنافقي يعن قوله تعال ( مثلهم كمثل الذي‬
‫استوقد نارا ) قوله ( أو كصيب من السماء ) ليات الثلث قال النافقون ال أعلى وأجل من أن‬
‫يضرب هذه المثال فأنزل ال هذه الية إل قوله تعال ( هم الاسرون ) قال عبد الرزاق عن‬
‫معمر عن قتادة لا ذكر ال تعال العنكبوت والذباب قال الشركون ما بال العنكبوت والذباب‬
‫يذكران فأنزل ال ( إن ال ل يستحي أن يضرب مثل ما بعوضة فما فوقها ) قال سعيد عن قتادة‬
‫أي إن ال ل يستحي من الق أن يذكر شيئا ما قل أو كثر وإن ال حي ذكر ف كتابه الذباب‬
‫والعنكبوت قال أهل الضللة ما أراد من ذكر هذا فأنزل ال ( إن ال ل يستحي ان يضرب مثل‬
‫ما بعوضة فما فوقها ) قلت ] العبارة الول عن قتادة فيها إشعار أن هذه الية مكية وليس‬
‫كذلك وعبارة رواية سعيد عن قتادة أقرب وال أعلم وروى ابن جريج عن ماهد نو هذا الثان‬
‫عن قتادة وقال ابن أب حات روي عن السن وإساعيل بن أب خالد نو قول السدي وقتادة‬
‫وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ف هذه الية قال هذا مثل ضربه ال للدنيا إذ البعوضة‬
‫تيا ما جاعت فإذا سنت ماتت وكذلك مثل هؤلء القوم الذين ضرب لم هذا الثل ف القرآن‬
‫إذا امتلوا من الدنيا ريا أخذهم ال عند ذلك ث تل ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب‬

‫‪98‬‬
‫كل شيء ) كذا رواه ابن جرير ورواه ابن أب حات من حديث أب جعفر عن الربيع بن أنس عن‬
‫أب العالية بنحوه فال أعلم فهذا اختلفهم ف سبب النول وقد اختار ابن جرير ما حكاه السدي‬
‫لنه أمس بالسورة وهو مناسب ومعن الية أنه تعال أخب أنه ل يستحي أي ل يستنكف وقيل‬
‫ل يشى أن يضرب مثل ما أي مثل كان بأي شيء كان صغيا كان أو كبيا وماههنا للتقليل‬
‫وتكون بعوضة منصوبة على البدل كما تقول لضربن ضربا ما فيصدق بأدن شيء أو تكون ما‬
‫نكرة موصوفة ببعوضة واختار ابن جرير ان ما موصولة وبعوضة معربة بإعرابا قال وذلك سائغ‬
‫ف كلم العرب أنم يعربون صلة ما ومن بإعرابما لنما يكونان معرفة تارة ونكرة اخرى كما‬
‫قال حسان بن ثابت‪-‬وكفى بنا فضل على من غينا حب النب ممد إيانا‪-‬قال ويوز ان تكون‬
‫بعوضة منصوبة بذف الار وتقدير الكلم إن ال ل يستحي أن يضرب مثل مابي بعوضة إل‬
‫مافوقها وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء وقرأ الضحاك وإبراهيمب عبلة بعوضة بالرفع قال ابن‬
‫جن وتكون صلة لا وحذف العائد كما ف قوله ( تاما على الذي أحسن ) ي على الذي هو‬
‫أحسن وحكى سيبويه ما أنا بالذي قائل لك شيئا أي بالذي هو قائل لك شيئا وقوله تعال ( فما‬
‫فوقها ) يه قولن أحدها فما دونا ف الصغر والقارة كما إذا وصف لك رجل باللؤم والشح‬
‫فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك يعن فيما وصفت وهذا قول الكسائي واب عبيد قاله الرازي‬
‫واكثر الحققي وف الديث لو أن الدنيا تزن عند ال جناح بعوضة لا سقى كافرا منها شربة ماء‬
‫والثان فما فوقها لا هو أكب منها لنه ليس شيء أحقر ول أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة‬
‫بن دعامة واختيار ابن جرير فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إل كتب له با درجة وميت عنه‬
‫با خطيئة فأخب أنه ل يستصغر شيئا يضرب به مثل ولو كان ف القارة والصغر كالبعوضة كما‬
‫ل يستنكف عن خلقها كذلك ل يستنكف من ضرب الثل با كما ضرب الثل بالذباب‬
‫والعنكبوت ف قوله ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون ال لن‬
‫يلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ل يستنقذوه منه ضعف الطالب‬
‫والطلوب ) قال ( مثل الذين اتذوا من دون ال أولياء كمثل العنكبوت اتذت بيتا وإن أوهن‬
‫البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) قال تعال ( أل تر كيف ضرب ال مثل كلمة طيبة‬
‫كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها ف السماء تؤت أكلها كل حي بإذن ربا ويضرب ال المثال‬
‫للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة اجتثت من فوق الرض مالامن قرار يثبت ال‬
‫الذين آمنوا بالقول الثابت ف الياة الدنيا وف الخرة ويضل ال الظالي ويفعل ال ما يشاء ) قال‬
‫تعال ( ضرب ال مثل عبدا ملوكا ل يقدر على شيء ) لية ث قال ( وضرب ال مثل رجلي‬
‫أحدها أبكم ل يقدر على شيء وهو كل على موله أينما يوجهه ل يأت بي هل يستوي هو‬

‫‪99‬‬
‫ومن يأمر بالعدل ) لية كما قال ( ضرب لكم مثل من أنفسكم هل لكم ما ملكت أيانكم من‬
‫شركاء فيما رزقناكم ) لية وقال ( ضرب ال مثل رجل فيه شركاء متشاكسون ) لية وقال‬
‫( وتلك المثال نضربا للناس وما يعقلها إل العالون ) ف القرآن أمثال كثية قال بعض السلف‬
‫اذا سعت الثل ف القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لن ال قال ( وتلك المثال نضربا للناس‬
‫وما يعقلها ال العالون ) قال ماهد ف قوله تعال ( إن ال ل يستحي أن يضرب مثل ما بعوضة‬
‫فما فوقها ) لمثال صغيها وكبيها يؤمن با الؤمنون ويعلمون أنا الق من ربم ويهديهم ال‬
‫با وقال قتادة ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الق من ربم ) ي يعلمون أنه كلم الرحن وأنه‬
‫من عند ال وروي عن ماهد والسن والربيع بن أنس نو ذلك وقال أبو العالية ( فأما الذين‬
‫آمنوا فيعلمون أنه الق من ربم ) عن هذا الثل ( وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد ال بذا‬
‫مثل ) ما قال ف سورة الدثر ( وما جعلنا أصحاب النار إل ملئكة وما جعلنا عدتم إل فتنة‬
‫للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيانا ول يرتاب الذين أوتوا الكتاب‬
‫والؤمنون وليقول الذين ف قلوبم مرض والكافرون ماذا أراد ال بذا مثل كذلك يضل ال من‬
‫يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إل هو ) كذلك قال ههنا ( يضل به كثيا ويهدي‬
‫به كثيا وما يضل به ال الفاسقي ) ال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن أب صال عن ابن‬
‫عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة يضل به كثيا يعن به النافقي ويهدي به‬
‫كثيا يعن به الؤمني فيزيد هؤلء ضللة إل ضللتهم لتكذيبهم با قد علموه حقا يقينا من الثل‬
‫الذي ضربه ال با ضرب لم وأنه لا ضرب له موافق فذلك إضلل ال إياهم به ويهدي به يعن‬
‫الثل كثيا من أهل اليان والتصديق فيزيدهم هدى إل هداهم وإيانا إل إيانم لتصديقهم با قد‬
‫علموه حقا يقينا أنه موافق لا ضربه ال له مثل وإقرارهم به وذلك هداية من ال لم به ( وما‬
‫يضل به إل الفاسقي ) ال هم النافقون وقال أبو العالية ( وما يضل به إل الفاسقي ) ال هم أهل‬
‫النفاق وكذا قال الربيع بن أنس وقال ابن جرير عن ماهد عن ابن عباس ( وما يضل به إل‬
‫الفاسقي ) ال يقول يعرفه الكافرون فيكفرون به وقال قتادة ( وما يضل به إل الفاسقي ) سقوا‬
‫فأضلهم ال على فسقهم وقال ابن أب حات حدثت عن إسحاق بن سليمان عن أب سنان عن‬
‫عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد ( يضل به كثيا ) عن الوارج وقال شعبة عن‬
‫عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال سألت أب فقلت قوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من‬
‫بعد ميثاقه ) ل آخر الية فقال هم الرورية وهذا السناد وإن صح عن سعد بن أب وقاص‬
‫رضي ال عنه فهو تفسي على العن ل أن الية أريد منها التنصيص على الوارج الذين خرجوا‬
‫على علي بالنهروان فإن أولئك ل يكونوا حال نزول الية وإنا هم داخلون بوصفهم فيها مع من‬
‫دخل لنم سوا خوارج لروجهم عن طاعة المام والقيام بشرائع السلم والفاسق ف اللغة هو‬

‫‪100‬‬
‫الارج عن الطاعة أيضا وتقول العرب فسقت الرطبة اذا خرجت من قشرتا ولذا يقال للفأرة‬
‫فويسقة لروجها عن جحرها للفساد وثبت ف الصحيحي عن عائشة أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال خس فواسق يقتلن ف الل والرم الغراب والدأة والعقرب والفأرة والكلب‬
‫العقور فالفاسق يشمل الكافر والعاصي ولكن فسق الكافر أشد وأفحش والراد به من الية‬
‫الفاسق الكافر وال أعلم بدليل أنه وصفهم بقوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه‬
‫ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف الرض أولئك هم الاسرون ) هذه الصفات‬
‫صفات الكفار الباينة لصفات الؤمني كما قال تعال ف سورة الرعد ( أفمن يعلم أنا أنزل اليك‬
‫من ربك الق كمن هو أعمى إنا يتذكر أولوا اللباب الذين يوفون بعهد ال ول ينقضون اليثاق‬
‫والذين يصلون ما أمر ال به أن يوصل ويشون ربم ويافون سوء الساب ) ليات إل أن قال‬
‫( والذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدونفي الرض‬
‫أولئك لم اللعنة ولم سوء الدار ) قد اختلف أهل التفسي ف معن العهد الذي وصف هؤلء‬
‫الفاسقي بنقضه فقال بعضهم هو وصية ال إل خلقه وأمره إياهم با أمرهم به من طاعته ونيه‬
‫إياهم عما ناهم عنه من معصيته ف كتبه وعلى لسان رسله ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به‬
‫وقال آخرون بل هي ف كفار أهل الكتاب والنافقي منهم وعهد ال الذي نقضوه هو ما أخذه‬
‫ال عليهم ف التوراة من العمل با فيها وأتباع ممد صلى ال عليه وسلم اذا بعث والتصديق به‬
‫وبا جاء به من عند ربم ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بقيقته وإنكارهم ذلك‬
‫وكتمانم علم ذلك عن الناس بعد إعطائهم ال من أنفسهم اليثاق ليبيننه للناس ول يكتمونه‬
‫فأخب تعال أنم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثنا قليل وهذا اختيار ابن جرير رحه ال وهو‬
‫قول مقاتل بن حيان وقال آخرون بل عن بذه الية جيع أهل الكفر والشرك والنفاق وعهده إل‬
‫جيعهم ف توحيده ماوضع لم من الدلة الدالة على ربوبيته وعهده إليهم ف أمره ونيه ما احتج‬
‫به لرسله من العجزات الت ل يقدر أحد من الناس غيهم أن يأت بثله الشاهدة لم على صدقهم‬
‫قالوا ونقضهم ذلك تركهم القرار با قد تبينت لم صحته بالدلة وتكذيبهم الرسل والكتب مع‬
‫علمهم أن ما أتوا به حق وروي عن مقاتل بن حيان أيضا نو هذا وهو حسن وإليه مال‬
‫الزمشري فإنه قال [ فإن قلت ] فما الراد بعهد ال قلت ماركز ف عقولم من الجة على‬
‫التوحيد كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم وهو معن قوله تعال ( وأشهدهم على أنفسهم ألست‬
‫بربكم قالوا بلى ) ذ أخذ اليثاق عليهم من الكتب النلة عليهم كقوله ( وأوفوا بعهدي أوف‬
‫بعهدكم ) قال آخرون العهد الذي ذكره تعال هو العهد الذي أخذه عليهم حي أخرجهم من‬
‫صلب آدم الذي وصف ف قوله ( وإذ أخذ ربك من بن آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم‬
‫على أنفسهم ألست ربكم قالوا بلى شهدنا ) ليتي ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به وهكذا روي‬

‫‪101‬‬
‫عن مقاتل بن حيان أيضا حكى هذه القوال ابن جرير ف تفسيه وقال أبو جعفر الرازي عن‬
‫الربيع بن أنس عن أب العالية ف قوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ) ل قوله‬
‫( أولئك هم الاسرون ) ال هي ست خصال من النافقي اذا كانت فيهم الظهرة على الناس‬
‫أظهروا هذه الصال اذا حدثوا كذبوا واذا وعدوا أخلفوا واذا اؤتنوا خانوا ونقضوا عهد ال من‬
‫بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر ال به أن يوصل وأفسدوا ف الرض واذا كانت الظهرة عليهمأظهروا‬
‫الصال الثلث إذا حدثوا كذبوا وإذا وعدوا أخلفوا وإذا اؤتنوا خانوا وكذا قال الربيع بن أنس‬
‫أيضا وقال السدي ف تفسيه بإسناده قوله تعال ( الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ) ال‬
‫هو ماعهد إليهم ف القرآن فأقروا به ث كفروا فنقضوه وقوله ( ويقطعون ما أمر ال به أن‬
‫يوصل ) يل الراد به صلة الرحام والقرابات كما فسره قتادة كقوله تعال ( فهل عسيتم إن‬
‫توليتم ان تفسدوا ف الرض وتقطعوا أرحامكم ) رجحه ابن جرير وقيل الراد أعم من ذلك‬
‫فكل ما أمر ال بوصله وفعله فقطعوه وتركوه وقال مقاتل بن حيان ف قوله تعال ( أولئك هم‬
‫الاسرون ) ال ف الخرة وهذا كما قال تعال ( أولئك لم اللعنة ولم سوء الدار ) قال الضحاك‬
‫عن ابن عباس كل شيء نسبه ال إل غي أهل السلم من اسم مثل خاسر فإنا يعن به الكفر‬
‫وما نسبه إل أهل السلم فإنا يعن به الذنب وقال ابن جرير ف قوله تعال ( أولئك هم‬
‫الاسرون ) لاسرون جع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بعصيتهم ال من رحته كما‬
‫يسر الرجل ف تارته بأن يوضع من رأس ماله ف بيعه وكذلك النافق والكافر خسر برمان ال‬
‫إياه رحته الت خلقها لعباده ف القيامة أحوج ما كانوا إل رحته يقال منه خسر الرجل يسر‬
‫خسرا وخسرانا وخسارا كما قال جرير بن عطية‪-‬إن سليطا ف السار أنه أولد قوم خلقوا‬
‫أقنه‪-‬‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫(الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ‪ ,‬ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ‪ ,‬ويفسدون ف الرض ‪.‬‬
‫أولئك هم الاسرون) ‪. .‬‬
‫فأي عهد من عهود ال هو الذي ينقضون ? وأي أمر ما أمر ال به أن يوصل هو الذي يقطعون ?‬
‫وأي لون من الفساد ف الرض هو الذي يفسدون ?‬
‫لقد جاء السياق هنا بذا الجال لن الجال مال تشخيص طبيعة ‪ ,‬وتصوير ناذج ‪ ,‬ل مال تسجيل‬
‫حادثة ‪ ,‬أو تفصيل واقعة ‪ . .‬إن الصورة هنا هي الطلوبة ف عمومها ‪ .‬فكل عهد بي ال وبي هذا‬
‫النموذج من اللق فهو منقوض ; وكل ما أمر ال به أن يوصل فهو بينهم مقطوع ; وكل فساد ف‬
‫الرض فهو منهم مصنوع ‪ . .‬إن صلة هذا النمط من البشر بال مقطوعة ‪ ,‬وإن فطرتم النحرفة ل‬
‫تستقيم على عهد ول تستمسك بعروة ول تتورع عن فساد ‪ .‬إنم كالثمرة الفجة الت انفصلت من‬

‫‪102‬‬
‫شجرة الياة ‪ ,‬فتعفنت وفسدت ونبذتا الياة ‪ . .‬ومن ث يكون ضللم بالثل الذي يهدي الؤمني ;‬
‫وتيء غوايتهم بالسبب الذي يهتدي به التقون ‪.‬‬
‫وننظر ف الثار الدامة لذا النمط من البشر الذي كانت الدعوة تواجهه ف الدينة ف صورة اليهود‬
‫والنافقي والشركي ; والذي ظلت تواجهه وما تزال تواجهه اليوم ف الرض مع اختلف سطحي‬
‫ف الساء والعنوانات !‬
‫(الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه) ‪. .‬‬
‫وعهد ال العقود مع البشر يتمثل ف عهود كثية‪:‬إنه عهد الفطرة الركوز ف طبيعة كل حي ‪ . .‬أن‬
‫يعرف خالقه ‪ ,‬وأن يتجه إليه بالعبادة ‪ .‬وما تزال ف الفطرة هذه الوعة للعتقاد بال ‪ ,‬ولكنها تضل‬
‫وتنحرف فتتخذ من دون ال أندادا وشركاء ‪ . .‬وهو عهد الستخلف ف الرض الذي أخذه ال‬
‫على آدم ‪ -‬كما سيجيء ‪( :-‬فإما يأتينكم من هدى فمن تبع هداي فل خوف عليهم ول هم‬
‫يزنون ‪ .‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ‪ . .‬وهو عهوده‬
‫الكثية ف الرسالت لكل قوم أن يعبدوا ال وحده ‪ ,‬وأن يكموا ف حياتم منهجه وشريعته ‪. .‬‬
‫وهذه العهود كلها هي الت ينقضها الفاسقون ‪ .‬وإذا نقض عهد ال من بعد ميثاقه ‪ ,‬فكل عهد دون‬
‫ال منقوض ‪ .‬فالذي يرؤ على عهد ال ل يترم بعده عهدا من العهود ‪.‬‬
‫(ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل) ‪. .‬‬
‫وال أمر بصلت كثية ‪ . .‬أمر بصلة الرحم والقرب ‪ .‬وأمر بصلة النسانية الكبى ‪ .‬وأمر قبل هذا‬
‫كله بصلة العقيدة والخوة اليانية ‪ ,‬الت ل تقوم صلة ول وشيجة إل معها ‪ . .‬وإذا قطع ما أمر ال‬
‫به أن يوصل فقد تفككت العرى ‪ ,‬وانلت الروابط ‪ ,‬ووقع الفساد ف الرض ‪ ,‬وعمت الفوضي ‪.‬‬
‫(ويفسدون ف الرض) ‪. .‬‬
‫والفساد ف الرض ألوان شت ‪ ,‬تنبع كلها من الفسوق عن كلمة ال ‪ ,‬ونقض عهد ال ‪ ,‬وقطع ما‬
‫أمر ال به أن يوصل ‪ .‬ورأس الفساد ف الرض هو اليدة عن منهجه الذي اختاره ليحكم حياة البشر‬
‫ويصرفها ‪ .‬هذا مفرق الطريق الذي ينتهي إل الفساد حتما ‪ ,‬فما يكن أن يصلح أمر هذه الرض ‪,‬‬
‫ومنهج ال بعيد عن تصريفها ‪ ,‬وشريعة ال مقصاة عن حياتا ‪ .‬وإذا انقطعت العروة بي الناس وربم‬
‫على هذا النحو فهو الفساد الشامل للنفوس والحوال ‪ ,‬وللحياة والعاش ; وللرض كلها وما عليها‬
‫من ناس وأشياء ‪.‬‬
‫إنه الدم والشر والفساد حصيلة الفسوق عن طريق ال ‪ . .‬ومن ث يستحق أهله أن يضلهم ال با‬
‫يهدي به عباده الؤمني ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫إنم ينقضون عهد ال الأخوذ على الفطرة ف صورة الناموس الزل ; وينقضون من بعده كل عهد ‪,‬‬
‫فمت نقض العهد الول فكل عهد قائم عليه منقوض من الساس ‪ .‬والذي ل يرعى ال ل يبقى على‬
‫عهد ول ميثاق ‪ .‬ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل على وجه العموم والطلق ‪ .‬ويفسدون ف‬
‫الرض ف مقابل صب أولئك وإقامتهم للصلة وإنفاقهم سرا وعلنية ودرء السيئة بالسنة ‪ .‬فالفساد‬
‫ف الرض يقابل هذا كله ‪ ,‬وترك شيء من هذا كله إنا هو إفساد أو دافع إل الفساد ‪.‬‬
‫(أولئك) ‪ . .‬البعدون الطرودون (لم اللعنة) والطرد ف مقابل التكري هناك (ولم سوء الدار) ول‬
‫حاجة إل ذكرها ‪ ,‬فقد عرفت بقابلها هناك !‬
‫أولئك فرحوا بالياة الدنيا ومتاعها الزائل فلم يتطلعوا إل الخرة ونعيمها القيم ‪ .‬مع أن ال هو الذي‬
‫يقدر الرزق فيوسع فيه أو يضيق فالمر كله إليه ف الول والخرة على السواء ‪ .‬ولو ابتغوا الخرة ما‬
‫حرمهم ال متاع الرض ‪ ,‬وهو الذي أعطاهم إياه‪:‬‬
‫(ال يبسط الرزق لن يشاء ويقدر ‪ .‬وفرحوا بالياة الدنيا وما الياة الدنيا ف الخرة إل متاع) ‪. .‬‬
‫إن حياة الناس ل تصلح إل بأن يتول قيادتا البصرون أولو اللباب الذين يعلمون أن ما أنزل إل‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم هو الق ‪ .‬ومن ث يوفون بعهد ال على الفطرة ‪ ,‬وبعهد ال على آدم‬
‫وذريته ‪ ,‬أن يعبدوه وحده ‪ ,‬فيدينوا له وحده ‪ ,‬ول يتلقوا عن غيه ‪ ,‬ول يتبعوا إل أمره ونيه ‪ .‬ومن‬
‫ث يصلون ما أمر ال به أن يوصل ‪ ,‬ويشون ربم فيخافون أن يقع منهم ما نى عنه وما يغضبه ;‬
‫ويافون سوء الساب ‪ ,‬فيجعلون الخرة ف حسابم ف كل خالة وكل حركة ; ويصبون على‬
‫الستقامة على عهد ال ذاك بكل تكاليف الستقامة ; ويقيمون الصلة ; وينفقون ما رزقهم ال سرا‬
‫وعلنية ; ويدفعون السوء والفساد ف الرض بالصلح والحسان‬
‫إن حياة الناس ف الرض ل تصلح إل بثل هذه القيادة البصرة ; الت تسي على هدى ال وحده ;‬
‫والت تصوغ الياة كلها وفق منهجه وهديه ‪ . .‬إنا ل تصلح بالقيادات الضالة العمياء ‪ ,‬الت ل تعلم‬
‫أن ما أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم هو الق وحده ; والت تتبع ‪ -‬من ث ‪ -‬مناهج أخرى غي‬
‫منهج ال الذي ارتضاه للصالي من عباده ‪ . .‬إنا ل تصلح بالقطاع والرأسالية ‪ ,‬كما أنا ل تصلح‬
‫بالشيوعية والشتراكية العلمية ! ‪. .‬‬
‫إنا كلها من مناهج العمي الذين ل يعلمون أن ما أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم هو وحده‬
‫الق ‪ ,‬الذي ل يوز العدول عنه ‪ ,‬ول التعديل فيه ‪ . .‬إنا ل تصلح بالثيوقراطية كما أنا ل تصلح‬
‫بالديكتاتورية أو الديقراطية ! فكلها سواء ف كونا من مناهج العمي ‪ ,‬الذين يقيمون من أنفسهم‬
‫أربابا من دون ال ‪ ,‬تضعهي مناهج الكم ومناهج الياة ‪ ,‬وتشرع للناس ما ل يأذن به ال ;‬
‫وتعبدهم لا تشرع ‪ ,‬فتجعل دينونتهم لغي ال ‪. .‬‬

‫‪104‬‬
‫وآية هذا الذي نقوله ‪ -‬استمدادا من النص القرآن ‪ -‬هو هذا الفساد الطامي الذي يعم وجه الرض‬
‫اليوم ف جاهلية القرن العشرين ‪ .‬وهو هذه الشقوة النكدة الت تعانيها البشرية ف مشارق الرض‬
‫ومغاربا ‪ . .‬سواء ف ذلك أوضاع القطاع والرأسالية ‪ ,‬وأوضاع الشيوعية والشتراكية العلمية ! ‪. .‬‬
‫وسواء ف ذلك أشكال الديكتاتورية ف الكم أو الديقراطية ! ‪ . .‬إنا كلها سواء فيما تلقاه البشرية‬
‫من خللا من فساد ومن تلل ومن شقاء ومن قلق ‪ . .‬لنا كلها سواء من صنع العمي الذين ل‬
‫يعلمون أن ما أنزل على ممد من ربه هو الق وحده ; ول تلتزم ‪ -‬من ث ‪ -‬بعهد ال وشرعه ; ول‬
‫تستقيم ف حياتا على منهجه وهديه ‪.‬‬
‫إن السلم يرفض ‪ -‬بكم إيانه بال وعلمه بأن ما أنزل على ممد هو الق ‪ -‬كل منهج للحياة غي‬
‫منهج ال ; وكل مذهب اجتماعي أو اقتصادي ; وكل وضع كذلك سياسي ‪ ,‬غي النهج الوحيد ‪,‬‬
‫والذهب الوحيد ‪ ,‬والشرع الوحيد ‪ ,‬الذي سنه ال وارتضاه للصالي من عباده ‪.‬‬
‫ومرد العتراف بشرعية منهج أو وضع أو حكم من صنع غي ال ‪ ,‬هو بذاته خروج من دائرة‬
‫السلم ل ‪ ,‬فالسلم ل هو توحيد الدينونة له دون سواه ‪.‬‬
‫إن هذا العتراف فوق أنه يالف بالضرورة مفهوم السلم الساسي ‪ ,‬فهو ف الوقت ذاته يسلم‬
‫اللفة ف هذه الرض للعمي الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ‪ ,‬ويقطعون ما أمر ال به أن‬
‫يوصل ويفسدون ف الرض ‪ . .‬فهذا الفساد ف الرض مرتبط كل الرتباط بقيادة العمي ! ‪. .‬‬
‫ولقد شقيت البشرية ف تاريها كله ; وهي تتخبط بي شت الناهج وشت الوضاع وشت الشرائع‬
‫بقيادة أولئك العمي ‪ ,‬الذين يلبسون أردية الفلسفة والفكرين والشرعي والسياسيي على مدار‬
‫القرون ‪ .‬فلم تسعد قط ; ول ترتفع "إنسانيتها" قط ‪ ,‬ول تكن ف مستوى اللفة عن ال ف الرض‬
‫قط ‪ ,‬إل ف ظلل النهج الربان ف الفترات الت فاءت فيها إل ذلك النهج القوي ‪.‬‬
‫هذه بعض العال البارزة ف هذه السورة ‪ ,‬وقفنا عندها هذه الوقفات الت ل تبلغ مداها ‪ ,‬ولكنها‬
‫تشي إليها ‪.‬‬
‫والمد ل الذي هدانا لذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال ‪. .‬‬

‫‪.15‬فتح البلد أمام الكفار والفجار تت مسميات شت ومنها السياحة‬


‫والتجارة‬
‫فهم يشجعون السياحة والت تنشر من خللا كل الوبقات والنكرات ويشجعون التجارة‬
‫للكفار والفجار ومن ث تد غالب الشركات الكبى هي بيد الكفار والفجار وأعداء السلم‬
‫بل ينهبون أموال المة ويصنعون منها شركات تتص دماء المة بل كل شيء بيد الفجار‬
‫ومثلهم مثل من ذكرهم الديث التال ‪:‬‬

‫‪105‬‬
‫من أعلم الساعة وأشراطها أن يصدق الكاذب وأن يكذب الصادق‪ ،‬يا ابن مسعود! إن من‬
‫أعلم الساعة وأشراطها أن يؤتن الائن وأن يون المي‪ ،‬يا ابن مسعود! إن من أعلم الساعة‬
‫وأشراطها أن يواصل الطباق وأن يقاطع الرحام‪ ،‬يا ابن مسعود! إن من أعلم الساعة وأشراطها‬
‫أن يسود كل قبيلة منافقوها وكل سوق فجارها‪ ،‬يا ابن مسعود! إن من أعلم الساعة وأشراطها‬
‫أن يكون الؤمن ف القبيلة أذل من النقد وف حديث وَسَادَ اْلقَبِيَلةَ فَا ِس ُقهُمْ‪ ،‬وَكَا َن َزعِيمُ اْل َقوْمِ‬
‫ت وَا َلعَازِفُ‪ ،‬وَ ُش ِرَبتِ الْخُمُورُ‪ ،‬وََلعَنَ آ ِخرُ‬ ‫َأ ْرذََلهُمْ‪ ،‬وَأُ ْكرِمَ ال ّرجُ ُل مَخَاَفةَ َش ّرهِ‪ ،‬وَ َظ َه َرتْ القَيْنَا ُ‬
‫هَ ِذهِ ا ُل ّمةِ‬
‫‪.16‬إغراق السواق بالكماليات الستوردة من قبل أعداء السلم‬
‫نعم من قبل أشد الناس عداء للسلم والسلمي كل ذلك لنهب أموال السلمي أو للائهم با‬
‫ومن ذلك الهتمام بالفن والرياضة والتفاهات وترك الهتمام بقضايا المة الصيية تنفيذا‬
‫لوصية أبناء صهيون وهذه بعض هذه البوتوكالت لنرى كيف هم أمناء على تطبيقها‬
‫بذافيها مع زيادة‬
‫البوتوكول الثالث عشر‪:‬‬
‫ان الاجة يوميا إل الب ستكره المي ‪ Gentiles‬على الدوام اكراها أن يقبضوا ألسنتهم‪،‬‬
‫ويظلوا خدمنا الذلء‪ .‬وان اولئك الذين قد نستخدمه ف صحافتنا من المي سيناقشون‬
‫بايعازات منا حقائق لن يكون من الرغوب فيه أن نشي إليها باصة ف جريدتنا ‪Gazette‬‬
‫الرسية‪ .‬وبينما تتخذ كل أساليب الناقشات والناظرات هكذا سنمضي القواني الت سنحتاج‬
‫اليها‪ ،‬وسنضعها أمام المهور على أنا حقائق ناجزة‪.‬‬
‫ولن يرؤ أحد على طلب استئناف النظر فيما تقر امضاؤه‪ ،‬فضلً عن طلب استئناف النظر فيما‬
‫يظهر حرصنا على مساعدة التقدم‪ .‬وحينئذ ستحول الصحافة نظر المهور بعيدا بشكلت‬
‫جديدة ‪( ،‬وأنتم تعرفون بأنفسكم أننا دائما نعلم الشعب أن يبحث عن طوائف جديدة)‪.‬‬
‫وسيسرع الغامرون السياسيون الغبياء إل مناقشة الشكلت الديدة‪ .‬ومثلهم الرعاع الذين ل‬
‫يفهمون ف أيامنا هذه حت ما يتشدقون به‪.‬‬
‫وان الشكلت السياسية ل يعن با أن تكون مفهومة عند الناس العاديي‪،‬ول يستطيع ادراكها‬
‫ـ كما قلت من قبل ـ ال الكام الذين قد مارسوا تصريف المور قرونا كثية ‪ .‬ولكم ان‬
‫تستخلصوا من كل هذا اننا ـ حي نلجأ إل الرأي العام ـ سنعمل على هذا النحو‪ ،‬كي نسهل‬
‫عمل جهازنا ‪ Machinary‬كما يكن أن تلحظوا أننا نطلب الوافقة على شت السائل ل‬
‫بالفعال‪ ،‬بل بالقوال‪ .‬ونن دائما نؤكد ف كل اجراءاتنا اننا مقودون بالمل واليقي لدمة‬

‫‪106‬‬
‫الصلحة العامة‪ .‬ولكي نذهل الناس الضعضعي عن مناقشة السائل السياسية ـ ندهم بشكلت‬
‫جديدة‪ .‬أي بشكلت الصناعة والتجارة‪ .‬ولنتركهم يثوروا على هذه السائل كما يشتهون‪.‬‬
‫انا نوافق الماهي على التخلي والكف عما تظنه نشاطا سياسيا إذا اعطيناها ملهي جديدة‪ ،‬أي‬
‫التجارة الت ناول فنجعلها تعتقد أنا أيضا مسألة سياسية‪ .‬ونن انفسنا اغرينا الماهي‬
‫بالشاركة ف السياسيات‪ ،‬كي نضمن تأييدها ف معركتنا ضد الكومات المية‪.‬‬
‫ولكي نبعدها عن أن تكشف بأنفسها أي خط عمل جديد سنلهيها أيضا بأنواع شت من اللهي‬
‫واللعاب ومزجيات للفراغ والجامع العامة وهلم جرا‪.‬‬
‫وسرعان ما سنبدأ العلن ف الصحف داعي الناس إل الدخول ف مباريات شت ف كل انواع‬
‫الشروعات‪ :‬كالفن والرياضة وما اليهما ‪ .‬هذه التع الديدة ستلهي ذهن الشعب حتما عن‬
‫السائل الت سنختلف فيها معه‪ ،‬وحالا يفقد الشعب تدريا نعمة التفكي الستقل بنفسه سيهتف‬
‫ل لتقدي‬
‫جيعا معنا لسبب واحد‪ :‬هو أننا سنكون أعضاء الجتمع الوحيدين الذين يكونون أه ً‬
‫خطوط تفكي جديدة‪.‬‬
‫وهذه الطوط سنقدمها متوسلي بتسخي آلتنا وحدها من أمثال الشخاص الذين ل يستطاع‬
‫الشك ف تالفهم معنا‪ ،‬أن دور الثاليي التحررين سينتهي حالا يعترف بكومتنا‪ .‬وسيؤدون لنا‬
‫خدمة طيبة حت يي ذلك الوقت‪.‬‬
‫ولذا السبب سنحاول ان وجه العقل العام نو كل نوع من النظريات البهرجة ‪ fantastic‬الت‬
‫يكن أن تبدو تقدمية أو تررية‪ .‬لقد نحنا ناحا كاملً بنظرياتنا على التقدم ف تويل رؤوس‬
‫الميي الفارغة من العقل نو الشتراكية‪ .‬ول يوجد عقل واحد بي الميي يستطيع ان يلحظ‬
‫انه ف كل حالة وراء كلمة "التقدم" يتفي ضلل وزيغ عن الق‪ ،‬ما عدا الالت الت تشي فيها‬
‫هذه الكلمة إل كشوف مادية أو علمية‪ .‬إذ ليس هناك ال تعليم حق واحد‪ ،‬ول مال فيه من‬
‫أجل "التقدم" ان التقدم ـ كفكرة زائفة ـ يعمل على تغطية الق‪ ،‬حت ل يعرف الق أحد‬
‫غينا نن شعب ال الختار الذي اصطفاه ليكون قواما على الق‪.‬‬
‫وحي نستحوذ على السلطة سيناقش خطباؤنا الشكلت الكبى الت كانت تي النسانية‪ ،‬لكي‬
‫ينطوي النوع البشري ف النهاية تت حكمنا البارك ومن الذي سيتاب حينئذ ف اننا الذين كنا‬
‫نثي هذه الشكلت وفق خطة ‪ Scheme‬سياسية ل يفهمها إنسان طوال قرون كثرة‪.‬‬
‫البتوكول التاسع عشر‪:‬‬
‫اننا سنحرم على الفراد ان يصيوا منغمسي ف السياسة‪ ،‬ولكننا من جهة أخرى‪ ،‬سنشجع كل‬
‫نوع لتبليغ القتراحات أو عرضها ما دامت تعمل على تسي الياة الجتماعية والقومية كي‬
‫توافق عليها الكومة وبذه الوسيلة اذن سنعرف أخطاء حكومتنا والثل العليا لرعايانا‪ ،‬وسنجيب‬

‫‪107‬‬
‫على هذه القتراحات إما بقبولا‪ ،‬واما بتقدي حجة قوية ـ إذا ل تكن مقنعة ـ للتدليل على انا‬
‫مستحيلة التحقيق‪ ،‬ومؤسسة على تصوير قصي النظر للمور‪.‬‬
‫ان الثورة ‪ Sedition‬ليس أكثر من نباح كلب على فيل‪ ،‬ففي الكومة النظمة تنظيما حسنا‬
‫من وجهة النظر الجتماعية ل من وجهة النظر إل بوليسها‪ ،‬ينبح الكلب على الفيل من غي أن‬
‫يقق قدرته‪ .‬وليس على الفيل ال ان يظهر قدرته بثل واحد متقن حت تكف الكلب عن‬
‫النباح‪ ،‬وتشرع ف البصبصة بأذنابا عندما ترى الفيل‪.‬‬
‫ولكي ننع عن الجرم السياسي تاج شجاعته سنضعه ف مراتب الجرمي الخرين بيث يستوي‬
‫مع اللصوص والقتلة والنواع الخرى من الشرار النبوذين الكروهي‪.‬‬
‫وعندئذ سينظر الرأي العام عقليا إل الرائم السياسية ف الضوء ذاته الذي ينظر فيه إل الرائم‬
‫العادية‪ ،‬وسيصمها وصمة العار والزي الت يصم با الرائم العادية بل تفريق‪.‬‬
‫وقد بذلنا اقصى جهدنا لصد المي على اختيار هذا النهج الفريد ف معاملة الرائم السياسية‪.‬‬
‫ولكي نصل إل هذه الغاية ـ استخدمنا الصحافة‪ ،‬والطابة العامة‪ ،‬وكتب التاريخ الدرسية‬
‫المحصة بهارة‪ ،‬واوحينا اليهم بفكرة ان القاتل السياسي شهيد‪ ،‬لنه مات من أجل فكرة‬
‫السعادة النسانية‪ .‬وأن مثل هذا العلن قد ضاعف عدد التمردين‪ ،‬وانفتحت طبقات وكلئنا‬
‫بآلف من الميي‪:‬‬
‫البوتوكول العشرون‪:‬‬
‫سأتكلم اليوم ف برنامنا الال الذي تركته إل ناية تقريري‪ .‬لنه أشد السائل عسرا‪ ،‬ولنه‬
‫يكون القطع النهائي ف خططنا‪ .‬وقبل أن أناقش هذه النقطة سأذكركم با أشرت من قبل اليه‪،‬‬
‫وأعن بذلك أن سياستنا العامة متوقفة على مسألة أرقام‪.‬‬
‫حي نصل إل السلطة فإن حكومتنا الوتوقراطية ـ من أجل مصلحتها الذاتية ـ ستتجنب‬
‫فرض ضرائب ثقيلة على المهور‪ .‬وستتذكر دائما ذلك الدور الذي ينبغي أن تلعبه‪ ،‬وأعن به‬
‫دور الامي البوي‪.‬‬
‫ولكن ما دام تنظيم الكومة سيتطلب كميات كبية من الال فمن الضروري ان تتهيأ الوسائل‬
‫اللزمة للحصول عليه‪ ،‬ولذلك يب ان ناول برص عظيم بث هذه السألة‪ ،‬وأن نرى أن‬
‫عبء الضرائب موزع بالقسط‪.‬‬
‫وبيلة وفق القانون ـ سيكون حاكمنا مالكا لكل املك الدولة (وهذا بوضوح موضع التنفيذ‬
‫بسهولة)‪ .‬وسيكون قادرا على زيادة مقادير الال الت ربا تكون ضرورية لتنظيم تداول العملة ف‬
‫البلد‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫ومن هنا سيكون فرض ضرائب تصاعدية على الملك هو خي الوسائل لواجهة التكاليف‬
‫الكومية‪ ،‬وهكذا تدفع الضرائب دون أن ترهق الناس ودون أن يفلسوا‪،‬وأن الكمية الت ستفرض‬
‫عليها الضريبة ستتوقف على كل ملكية فردية‪.‬‬
‫ويب أن يفهم الغنياء أن واجبهم هو التخلي للحكومة عن جانب من ثروتم الزائدة‪ .‬لن‬
‫الكومة تضمن لم تأمي حيازة ما يتبقى من أملكهم‪ ،‬وتنحهم حق كسب الال بوسائل نزيهة‬
‫‪ honest‬وأنا أقول نزيهة‪ ،‬لن ادارة الملك ستمنع السرقة على اسس قانونية‪.‬‬
‫هذا الصلح الجتماعي يب أن يكون ف طليعة برنامنا‪ ،‬كما أنه الضمان الساسي للسلم‪.‬‬
‫فلن يتمل التأخي لذلك‪.‬‬
‫ان فرض الضرائب على الفقراء هو اصل كل الثروات‪ ،‬وهو يعود بسارة كبية على الكومة‪،‬‬
‫وحي تاول الكومة زيادة الال على الفقراء تفقد فرصة الصول عليه من الغنياء‪.‬‬
‫ان فرض الضرائب على رؤوس الموال يقلل من زيادة الثروة ف اليدي الاصة الت سحنا لا‬
‫بتكديسها ـ مغرضي ـ حت تعمل كمعادل لكومة الميي ومالياتم‪.‬‬
‫ان الضرائب التصاعدية الفروضة على نصيب الفرد ستجب دخلً أكب من نظام الضرائب‬
‫الاضر (‪ )1901‬الذي يستوي فيه كل الناس‪ .‬وهذا النظام ف الوقت الاضر ضروري لنا‪ ،‬لنه‬
‫يلق النقمة والسخط بي الميي ‪.‬‬
‫ان قوة ملكنا ستقوم أساسيا على حقيقة أنه سيكون ضمانا للتوازن الدول‪ ،‬والسلم الدائم‬
‫للعال‪ ،‬وسيكون على رؤوس الموال ان تتخلى عن ثروتا لتحفظ الكومة ف نشاطها‪.‬‬
‫ان النفقات الكومية يب أن يدفعها من هم أقدر على دفعها‪ ،‬ومن يكن ان تزاد عليهم‬
‫الموال‪.‬‬
‫مثل هذا الجراء سيوقف القد من جانب الطبقات الفقية على الغنياء الذين سيعتدون الدعامة‬
‫الالية الضرورية للحكومة‪ ،‬وسترى هذه الطبقات أن الغنياء هم حاة السلم والسعادة العامة‪،‬‬
‫لن الطبقات الفقية ستفهم أن الغنياء ينفقون على وسائل اعدادها للمنافع الجتماعية‪.‬‬
‫ولكيل تبالغ الطبقات الذكية‪ ،‬أي دافعوا الضرائب‪ ،‬ف الشكوى من نظام الضرائب الديد ـ‬
‫سنقدم لم كشوفا تفصيلية توضح طريق انفاق اموالم‪ ،‬ويستثن منها بالضرورة الانب الذي‬
‫ينفق على حاجات اللك الاصة ومطالب الدارة‪.‬‬
‫ولن يكون للمكل ملك شخصي‪ ،‬فإن كل شيء ف الدولة سيكون ملكا له‪ ،‬إذ لو سح للملك‬
‫بيازة ملك خاص فسيظهر كما لو كانت كل أملك الدولة غي ملوكة له‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫وأقارب اللك ـ ال وارثه الذي ستتحمل الكومة نفقاته ـ سيكون عليهم كلهم ان يعملوا‬
‫موظفي حكوميي‪ ،‬أو يعملوا عملً آخر لينالوا حق امتلك الثروة‪ ،‬ولن يؤهلهم امتيازهم بأنم‬
‫من الدم اللكي‪ ،‬لن يعيشوا عالة على نفقة الدولة‪.‬‬
‫وستكون هناك ضرائب دمغة تصاعدية على البيعات والشتريات‪ ،‬مثلها مثل ضرائب التركات‬
‫‪ death duties‬وأن أي انتقال للملكية بغي الدمغة الطلوبة سيعد غي قانون‪ .‬وسيجب الالك‬
‫السابق ‪ former‬على أن يدفع عمالة بنسبة مئوية ‪ percentage‬على الضريبة من تاريخ‬
‫البيع‪.‬‬
‫ويب أن نسلم مستندات التحويل (للملكية) أسبوعيا إل مراقب الضرائب الحليي ‪local‬‬
‫مصحوبة ببلغ عن السم واللقب ‪ surname‬لكل من الالكي الديد والسابق‪ ،‬والعنوان‬
‫الثابت لكل منهما أيضا‪.‬‬
‫وان مثل هذا الجراء سيكون ضروريات من أجل العاملت الالية حيت تزيد على مقدار معي‪،‬‬
‫أعن حي تزيد على مقدار يعادل متوسط النفقات اليومية الضرورية الولية ‪ Prime‬وسيكون‬
‫بيع الشياء الضرورية مدموغا‪ stamed‬بضريبة دمغة مدودة عادية‬
‫ويكفي ان تسبوا أنتم كم ضعفا سيزيد به مقدار هذه الضرائب على دخل حكومات الميي‪.‬‬
‫ان الدولة لبد لا من ان تتفظ ف الحتياطي بقدار معي من رأس الال‪ ،‬واذا زاد الدخل من‬
‫الضرائب على هذا البلغ الحدود فسترد الدخول الفائضة إل التداول‪ .‬وهذه البالغ الفائضة‬
‫ستنفق على تنظيم أنواع شت من العمال العامة‪.‬‬
‫وسيوكل توجيه هذه العمال إل هيئة حكومية‪ .‬وبذلك ستكون مصال الطبقات مرتبطة‬
‫ارتباطا وثيقا بصال الكومة ومصال ملكهم‪ ،‬وسيصد كذلك جزء من الال الفائض‬
‫للمكافآت على الختراعات والنتاجات‪.‬‬
‫ومن ألزم الضروريات عدم السماح للعملة ‪ currency‬بأن توضع دون نشاط ف بنك الدولة‬
‫إذا جاوزت مبلغا معينا ربا يكون القصد منه غرضا خاصا‪ .‬إذ أن العملة وجدت للتداول‪ .‬وان‬
‫أي تكديس للمال ذو اثر حيوي ف أمور الدولة على الدوام‪ .‬لن الال يعمل عمل الزيت ف‬
‫جهاز الدولة‪ ،‬فلو صار الزيت عائقا اذن لتوقف عمل الهاز‪.‬‬
‫وما وقع من جراء استبدال السندات بزء كبي من العملة قد خلق الن تضخما يشبه ما وصفناه‬
‫تاما‪ ،‬ونتائج هذه الواقعة قد صارت واضحة وضوحا كافيا‪.‬‬
‫وكذلك سننشئ هيئة للمحاسبة‪ .‬كي تكن اللك من ان يتلقى ف أي وقت حسابا كاملً لرج‬
‫‪ Expenditure‬الكومة ودخلها‪ .‬وستحفظ كل التقريرات بدقة وحزم إل هذا التاريخ ما‬
‫عدا تقريرات الشهر الاري والتقدم‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫والشخص الوحيد الذي لن تكون له مصلحة ف سرقة بنك الدولة‪ ،‬سيكون هو مالكه‪ ،‬وأعن به‬
‫اللك‪ ،‬ولذا السبب ستقف سيطرته كل احتمالت للسراف أو النفقة غي الضرورية‪ .‬وان‬
‫القابلت يليها أدب السلوك ـ وهي مضيعة لوقت اللك الثمي ـ ستكون معدومة‪ ،‬لكي تتاح‬
‫له فرصة عظمى للنظر ف شؤون الدولة‪ .‬ولن يكون اللك ف حكومتنا موطا بالاشية الذين‬
‫يرقصون عادة ف خدمة اللك من أجل البة‪ ،‬ول يهتمون ال بأمورهم الاصة مبتعدين جانبا‬
‫عن العمل لسعادة الدولة‬
‫إن الزمات القتصادية الت دبرناها بنجاح باهر ف البلد المية ـ قد انزت عن طريق سحب‬
‫العملة من التداول‪ ،‬فتراكمت ثروات ضخمة‪ ،‬وسحب الال من الكومة الت اضطرت بدورها‬
‫إل الستنجاد بلك هذه الثروات لصدار قروض‪ .‬ولقد وضعت هذه القروض على الكومات‬
‫اعباء ثقيلة اضطرتا إل دفع فوائد الال القترض مكبلة بذلك أيديها‪.‬‬
‫وان تركز النتاج ف أيدي الرأسالية قد امتص قوة الناس النتاجية حت جفت‪ ،‬وامتص معها‬
‫أيضا ثروة الدولة‪.‬‬
‫والعملة التداولة ف الوقت الاضر ل تستطيع ان تفي بطالب الطبقات العاملة‪ ،‬إذ ليست كافية‬
‫للحاطة بم وارضائهم جيعا‪.‬‬
‫ان اصدار العملة يب أن يساير نو السكان‪ ،‬ويب أن يعد الطفال مستهلكي عملة منذ أول‬
‫يوم يولدون فيهز وان تنقيح العملة حينا فحينا مسألة حيوية للعال أجع‪.‬‬
‫وأظنكم تعرفون ان العملة الذهبية كانت الدمار للدول الت سارت عليها‪ ،‬لنا ل تستطع ان تفي‬
‫بطالب السكان‪ .‬ولننا فوق ذلك قد بذلنا أقصى جهدنا لتكديسها وسحبها من التداول‪.‬‬
‫ان حكومتنا ستكون لا عملة قائمة على قوة العمل ف البلد‪ ،‬وستكون من الورق أو حت من‬
‫الشب‪.‬‬
‫وسنصدر عملة كافية لكل فرد من رعايانا‪ ،‬مضيفي إل هذا القدار عند ميلد كل طفل‪،‬‬
‫ومنقصي منه عند وفاة كل شخص‪.‬‬
‫وستقوم على السابات الكومية حكومات ملية منفصلة ومكاتب إقليمية (ريفية)‪.‬‬
‫ولكيل تدث ماطلت ف دفع الموال الستحقة للحكومة‪ ،‬سيصدر الاكم نفسه أوامر عن مدة‬
‫هذا البالغ‪ ،‬وبذا ستنتهي الحاباة الت تظهرها احيانا وزارات الالية نو هيئات معينة ‪.‬‬
‫ستحفظ حسابات الدخل والرج معا‪ ،‬لكي يكن دائما مقارنة كل منهما بالخرى‪.‬‬
‫والطط الت سنتخذها لصلح الؤسسات الالية للميي ستقوم بأسلوب لن يكن أن يلحظوه‪.‬‬
‫فسنشي إل ضرورة الصلحات الت تتطلبها الالة الفوضوية الت بلغتها الاليات الميتة‪ .‬وسنبي‬
‫أن السبب الول لذه الالت السيئة للمالية يكمن ف حقيقة أنم يبدأون السنة الالية بعمل‬

‫‪111‬‬
‫تقدير تقريب للميزانية الكومية‪ ،‬وأن مقدارها يزداد سنة فسنة للسبب التال‪ :‬وهو أن اليزانية‬
‫الكومية السنوية تستمر متأخرة حت ناية نصف السنة‪ ،‬وعندئذ تقدم ميزانية منقحة‪ ،‬ينفق مالا‬
‫بعامة ف ثلثة اشهر‪ ،‬وبعد ذلك يصوت اليزانية لسنة واحدة تقوم على جلة النفقة التحصلة ف‬
‫السنة السابقة‪ ،‬وعلى ذلك فهناك عجز ف كل سنة نو خسي من مائة من البلغ السي‪.‬‬
‫فتتضاعف اليزانية السنوية بعد عشر سنوات ثلثة أضعاف ‪ .‬وبفضل هذا الجراء الذي اتبعته‬
‫الكومات المية الغافلة استنفذت اموالم الحتياطية عندما حلت مواعيد الديون‪ ،‬وفرغت بنوك‬
‫دولتهم وجذبتهم إل حافة الفلس‪.‬‬
‫وسوف تفهمون سريعا أن مثل هذه السياسة للمور الالية الت أغرينا الميي باتباعها‪ ،‬ل يكن‬
‫ان تكون ملئمة لكومتنا‪.‬‬
‫إن كل فرض ليبهن على ضعف الكومة وخيبتها ف فهم حقوقها الت لا‪ .‬وكل دين ـ كأنه‬
‫سيف داميو كليز ‪ Damocles‬ـ يعلق على رؤوس الاكمي الذين يأتون إل أصحاب‬
‫البنوك ‪ Bankers‬منا‪ ،‬وقبعاتم ف أيديهم‪ ،‬بدلً من دفع مبالغ معينة مباشرة عن المة بطريقة‬
‫الضرائب الوقتية‪.‬‬
‫ان القروض الارجية مثل العلق الذي ل يكن فصله من جسم الكومة حت يقع من تلقاء نفسه‪،‬‬
‫أو حت تتدبر الكومة كي تطرحه عنها‪ ،‬ولكن حكومات الميي ل ترغب ف أن تطرح عنها‬
‫هذا العلق‪ ،‬بل هي ذلك‪ .‬فانا تزيد عدده‪ ،‬وبعد ذلك كتب على دولتهم أن توت قصاصا من‬
‫نفسها بفقد الدم‪ .‬فماذا يكون القرض الارجي ال أنه علقة؟ القرض هو اصدار أوراق حكومية‬
‫توجب التزام دفع فائدة تبلغ نسبة مئوية من البلغ الكلي للمال القترض‪ .‬فإذا كان القرض بفائدة‬
‫قدرها خسة من مائة‪ ،‬ففي عشرين سنة ستكون الكومة قد دفعت بل ضرورة مبلغا يعادل‬
‫القرض لكي تغطي النسبة الئوية‪ .‬وف أربعي سنة ستكون قد دفعت ضعفي‪ ،‬وف ستي سنة‬
‫ثلثة أضعاف القدار‪ ،‬ولكن القرض سيبقى ثابتا كأنه دين ل يسدد‪.‬‬
‫ثابت من هذه الحصائية ان هذه القروض تت نظام الضرائب الاضرة (‪ )1901‬تستنفذ آخر‬
‫الليمات النهائية من دافع الضرائب الفقي‪ ،‬كي تدفع فوائد للرأساليي الجانب الذين اقترضت‬
‫الدولة منهم الال‪ ،‬بد ًل من جع الكمية الضرورية من المة مردة من الفوائد ف صورة الضرائب‪.‬‬
‫وقد اكتفى الغنياء ـ طالا كانت القروض داخلية ـ بأن ينقلوا الال من أكياس الفقراء إل‬
‫أكياس الغنياء‪ ،‬ولكن بعد أن رشونا أناسا لزمي لستبدال القروض الارجية بالقروض‬
‫الداخلية ـ تدفقت كل ثروة الدول إل خزائننا‪ ،‬وبدأ كل الميي يدفعون لنا مالً يقل عن‬
‫الراج الطلوب‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫والكام الميون ـ من جراء اهالم‪ ،‬أو بسبب فساد وزرائهم أو جهلهم ـ قد جروا بلدهم‬
‫إل الستدانة من بنوكنا‪ ،‬حت أنم ل يستطيعون تأدية هذه الديون‪ .‬ويب أن تدركوا ما كان‬
‫يتحتم علينا أن نعانيه من اللم لكي تتهيأ المور على هذه الصورة‪.‬‬
‫سنحتاط ف حكومتنا حيطة كبية كي ل يدث تضخم مال‪ ،‬وعلى ذلك لن نكون ف حاجة‬
‫إل قروض للدولة ال قرضا واحدا ذا فائدة قدرها واحد من الائة تكون سندات على الزانة‪.‬‬
‫حت ل يعرض دفع النسبة الئوية البلد لن يتصها العلق‪.‬‬
‫وستعطي الشركات التجارية حق اصدار السندات استثناء‪ .‬فإن هذه الشركات لن تد صعوبة‬
‫ف دفع النسبة الئوية من ارباحها‪ ،‬لنا تقترض الال للمشروعات التجارية‪ ،‬ولكن الكومات ل‬
‫تستطيع أن تن فوائد من الال القترض‪ ،‬لنا انا تقترض دائما لتنفق ما اخذت من القروض ‪.‬‬
‫وستشتري الكومة أيضا اسهما تارية‪ ،‬فتصي بذا دائنة بدل أن تكون مدينة ومسددة للخراج‬
‫‪ Tribute‬كما هي الن ‪ .‬وان اجراء كهذا سيضع ناية للتراخي والكسل اللذين كانا مفيدين‬
‫لنا طالا كان الميي (غي اليهود) مستقلي‪.‬‬
‫ويكفي للتدليل على فراغ عقول الميي الطلقة البهيمة حقا‪ ،‬انم حينما اقترضوا الال هنا بفائدة‬
‫خابوا ف ادراك أن كل مبلغ مقترض هكذا مضافا إليه فائدة ل مفر من أن يرج من موارد‬
‫البلد‪ .‬وكان أيسر لم لو أنم اخذوا الال من شعبهم مباشرة دون حاجة إل دفع فائدة‪ .‬وهذا‬
‫يبهن على عبقريتنا وعلى حقيقة أننا الشعب الذي اختاره ال‪ .‬انه من النكة والدربة أننا‬
‫نعرض مسألة القروض على الميي ف ضوء يظنون معه انم وجدوا فيه الربح ايضا‪.‬‬
‫ان تقديراتنا ‪ Esimates‬الت سنعدها عندما يأت الوقت الناسب‪ ،‬والت ستكون مستمدة من‬
‫تربة قرون‪ ،‬والت كنا نصها عندما كان الميون يكمون ـ ان تقديراتنا هذه ستكون متلفة‬
‫ف وضوحها العجيب عن التقديرات الت صنعها الميي‪ ،‬وستبهن للعال كيف أن خططنا‬
‫الديدة ناجحة ناجعة‪ .‬ان هذه الطط ستقضي على الساوئ الت صرنا بامثالا سادة الميي‪.‬‬
‫والت ل يكن أن نسمح با ف حكمنا‪ ،‬وسنرتب نظام ميزانيتنا الكومية حت لن يكون اللك‬
‫نفسه ول أشد الكتبة ‪ Clerks‬خو ًل ف مقام ل يلحظ فيه اختلسه لصغر جزء من الال‪ ،‬ول‬
‫استعماله اياه ف غرض آخر غي الغرض الوضوع له ف التقدير الول (ف اليزانية)‪.‬‬
‫ويستحيل الكم بنجاح ال بطة مكمة احكاما تاما‪ .‬حت الفرسان والبطال يهلكون إذا هم‬
‫اتبعوا طريقا ل يعرفون إل أين يقودهم‪ ،‬أو إذا بدأوا رحلتهم من غي أن يتأهبوا الهبة الناسبة‬
‫لا‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫ان ملوك الميي الذين ساعدناهم‪ ،‬كي نغريهم بالتخلي عن واجباتم ف الكومة بوسائل‬
‫الوكالت (عن المة ) ‪ Entertainments Represention‬والولئم والبة واللهي‬
‫الخرى ـ هؤلء اللوك ل يكونوا ال حجبا لخفاء مكايدنا ودسائسنا‪.‬‬
‫وان تقريرات الندوبي الذين اعتيد ارسالم لتمثيل اللك ف واجباته العامة قد صنعت بأيدي‬
‫وكلئنا‪ .‬وقد استعلمت هذه التقريرات ف كل مناسبة كي تبهج عقول اللوك القصية النظر‪،‬‬
‫مصحوبة ـ كما كانت ـ بشروعات عن القتصاد ف الستقبل "كيف استطاعوا ان يقتصدوا‬
‫بضرائب جديدة؟" هذا ما استطاعوا ان يسألوا عنه قراء تقريراتنا الت يكتبونا عن الهام الت‬
‫يقومون با‪.‬ولكنهم ل يسألوا عنه فعلً‪.‬‬
‫وأنتم انفسكم تعرفون إل أي مدى من الختلل الال قد بلغوا باهالم الذات‪ .‬فلقد انتهوا إل‬
‫افلس رغم كل الجهودات الشاقة الت يبذلا رعاياهم التعساء‪.‬‬
‫البتوكول الادي والعشرون‪:‬‬
‫سأزيد الن على ما اخبتكم به ف اجتماعنا الخي‪ ،‬وأمدكم بشرح مفصل للقروض الداخلية‪.‬‬
‫غي أن لن أناقش القروض الارجية بعد الن‪ .‬لنا قد ملت خزائننا بالموال المية‪ ،‬وكذلك‬
‫لن حكومتنا العالية لن يكون لا جيان أجانب تستطيع ان تقترض منهم مالً‪.‬‬
‫لقد استغللنا فساد الداريي واهال الاكمي الميي لكي نن ضعفي الال الذي قدمناه قرضا‬
‫إل حكوماتم أو نن ثلثة اضعافه‪ ،‬مع أنا ل تكن ف القيقة باجة إليه قط‪ .‬فمن الذي‬
‫يستطيع ان يفعل هذا معنا‪ ،‬كما فعلناه معهم؟ولذلك لن أخوض ال ف مسألة القروض الداخلية‬
‫فحسب‪ .‬حي تعلن الكومة اصدار قرض كهذا تفتح اكتتابا لسنداتا‪ .‬وهي تصدرها مفضة‬
‫ذات قيم صغية جدا‪ ،‬كي يكون ف استطاعة كل إنسان أن يسهم فيها‪ .‬والكتتبون الوائل‬
‫يسمح لم أن يشتروها بأقل من قيمتها السية‪ .‬وف اليوم التال يرفع سعرها‪ ،‬كي يظن أن كل‬
‫انسان حريص على شرائها‪.‬‬
‫وف خلل أيام قليلة تتليء خزائن بيت مال الدولة ‪ Exchequer‬الال الذي اكتتب به زيادة‬
‫على الد‪( .‬فلم الستمرار ف قبول الال لقرض فوق ما هو مكتتب به زيادة على الد؟)‪ .‬ان‬
‫الكتتاب بل ريب يزيد زيادة لا اعتبارها على الال الطلوب‪ ،‬وف هذا يكمن كل الثر والسر‪،‬‬
‫فالشعب يثق بالكومة ثقة اكيدة ‪.‬‬
‫ولكن حينما تنتهي الهزلة ‪ Comedy‬تظهر حقيقة الدين الكبي جدا‪ ،‬وتضطر الكومة‪ ،‬من‬
‫أجل دفع فائدة هذا الدين‪ ،‬إل اللتجاء إل قرض جديد هو بدوره ل يلغي دين الدولة‪ .‬بل انا‬
‫يضيف إليه دينا آخر‪ .‬وعندما تنفذ طاقة الكومة على القتراض يتحتم عليها أن تدفع الفائدة عن‬
‫القروض بفرض ضرائب جديدة‪ ،‬وهذه الضرائب ليست ال ديونا مقترضة لتغطية ديون أخرى‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ث تأت فترة تويلت الديون‪ ،‬ولكن هذه التحويلت انا تقلل قيمة الفائدة فحسب‪ ،‬ول تلغي‬
‫الدين ولذلك ل يكن أن تتم ال بوافقة أصحاب الديون‪.‬‬
‫وحي تعلن هذه التحويلت يعطى الدائنون الق ف قبولا أو ف استرداد اموالم إذا ل يرغبوا ف‬
‫قبول التحويلت‪ ،‬فإذا طالب كل انسان برد ماله فستكون الكومة قد اصطيدت بطعمها الذي‬
‫أرادت الصيد به‪ ،‬ولن تكون ف مقام يكنها من ارجاع الال كله‪.‬‬
‫ورعاية الكومات المية ـ لسن الظ ـ ل يفهمون كثيا ف الاليات‪ ،‬وكانوا دائما يفضلون‬
‫معاناة البوط قيمة ضماناتم وتأميناتم وانقاص الفوائد بالخاطرة ف عملية مالية أخرى لستثمار‬
‫الال من جديد‪ ،‬وهكذا طالا منحوا حكوماتم الفرصة للتخصص من دين ربا ارتفع إل عدة‬
‫مليي‪.‬‬
‫ان الميي لن يرأوا على فعل شيء كهذا‪ ،‬عالي حق العلم اننا ـ ف مثل هذا الال ـ‬
‫سنطلب كل اموالنا‪.‬‬
‫بثل هذا العمل ستعترف الكومة اعترافا صريا بافلسها الذات‪ ،‬ما سيبي للشعب تبيينا واضحا‬
‫أن مصاله الذاتية ل تتمشى بعامة مع مصال حكومته‪ .‬وان أوجه التفاتكم توجيها خاصا إل‬
‫هذه القيقة‪ ،‬كما أوجه كذلك إل ما يلي‪ :‬ان كل القروض الداخلية موحدة‬
‫‪ consolidated‬با يسمى القروض الوقتية‪ :‬وهي تدعى الديون ذات الجل القصي‪ ،‬وهذه‬
‫الديون تتكون من الال الودع ف بنوك الدولة أو بنوك الدخار‪.‬‬
‫هذا الال الوضوع تت تصرف الكومة لدة طويلة يستغل ف دفع فوائد القروض العرضية‪،‬‬
‫وتضع الكومة بدل الال مقدارا مساويا له من ضماناتا الاصة ف هذه البنوك‪ ،‬وان هذه‬
‫الضمانات من الدولة تغطي كل مقادير النقص ف خزائن الدولة عند الميي (غي اليهود)‪.‬‬
‫وحينما يلي ملكنا العرش على العال أجع ستختفي كل هذه العمليات الاكرة‪ ،‬وسندمر سوق‬
‫سندات الديون الكومية العامة‪ ،‬لننا لن نسمح بأن تتأرجح كرامتنا حسب الصعود والبوط ف‬
‫ارصدتنا الت سيقرر القانون قيمتها بالقيمة السية من غي امكان تقلب السعر‪ .‬فالصعود يسبب‬
‫البوط‪ ،‬ونن قد بدأنا بالصعود لزالة الثقة بسندات الديون الكومية العامة للميي‪.‬‬
‫وسنستبدل بصافق (بورصات) الوراق الالية ‪ Exchanges‬منظمات حكومية ضخمة‬
‫سيكون من واجبها فرض ضرائب على الشروعات التجارية بسب ما تراه الكومة مناسبا‪ .‬وان‬
‫هذه الؤسسات ستكون ف مقام يكنها من أن تطرح ف السوق ما قيمته مليي من السهم‬
‫التجارية‪ ،‬أو أن تشتريها هي ذاتا ف اليوم نفسه‪ .‬وهكذا ستكون كل الشروعات التجارية‬
‫معتمدة علينا‪ .‬وانتم تستطيعون أن تتصوروا أي قوة هكذا ستصي عند ذلك‪.‬‬
‫البوتوكول الثالث والعشرون‪:‬‬

‫‪115‬‬
‫يب أن يدرب الناس على الشمة والياء كي يعتادوا الطاعة‪ .‬ولذلك سنقلل مواد الترف‪.‬‬
‫وبذه الوسائل أيضا سنفرض الخلق الت أفسدها التنافس الستمر على ميادين الشرف‪ .‬وسنتبن‬
‫"الصناعات القروية ‪ "Peasant industries‬كي نرب الصانع الاصة‪.‬‬
‫ان الضروريات من أجل هذه الصلحات ايضا تكمن ف حقيقة أن أصحاب الصانع الاصة‬
‫الفخمة كثيا ما يرضون عملهم ضد الكومة‪ ،‬وربا عن غي وعي‪.‬‬
‫والشعب أثناء اشتغاله ف الصناعات الحلية‪ ،‬ل يفهم حالة "خارج العمل" أو "البطالة" وهذا‬
‫يمله على العتصام بالنظام القائم‪ .‬ويغريه بتعضيد الكومة‪ .‬إن البطالة هي الطر الكب على‬
‫الكومة وستكون هذه البطالة قد انزت عملها حالا تبلغنا طريقها السلطة‪.‬‬
‫ان معاقرة المر ستكون مرمة كأنا جرية ضد النسانية‪ ،‬وسيعاقب عليها من هذا الوجه‪:‬‬
‫فالرجل والبهيمة سواء تت الكحول‪.‬‬
‫ان المم ل يضعون خضوعا أعمى ال للسلطة البارة الستقلة عنهم استقالً مطلقا‪ ،‬القادرة‬
‫على أن تريهم أن سيفا ف يدها يعمل كسلح دفاع ضد الثورات الجتماعية‪ .‬لاذا يريدون بعد‬
‫ذلك أن يكون لليكهم روح ملك؟ انم يب أن يروا فيه القوة والقدرة متجسدتي‪.‬‬
‫يب أن يظهر اللك الذي سيحل الكومات القائمة الت ظلت تعيش على جهور قد تكنا نن‬
‫انفسنا من إفساد اخلقه خلل نيان الفوضى‪ .‬وان هذا اللك يب أن يبدأ باطفاء هذه النيان‬
‫الت تندلع اندلعا مطردا من كل الهات‪.‬‬
‫ولكي يصل اللك إل هذه النتيجة يب أن يدمر كل اليئات الت قد تكون اصل هذه النيان‪،‬‬
‫ولو اقتضاه ذلك إل ان يسفك دمه هو ذاته‪ ،‬ويب عليه ان يكون جيشاَ منظما تنظيما حسنا‪،‬‬
‫يارب برص وحزم عدوى أي فوضى قد تسمم جسم الكومة‪.‬‬
‫ان ملكنا سيكون متارا من عند ال‪ ،‬ومعينا من اعلى‪ ،‬كي يدمر كل الفكار الت تغري با‬
‫الغريزة ل العقل‪ ،‬والبادئ البهيمية ل النسانية‪ ،‬إن هذه البادئ تنتشر الن انتشارا ناجحا ف‬
‫سرقاتم وطغيانم تت لواء الق والرية‪.‬‬
‫ان هذه الفكار قد دمرت كل النظم الجتماعية مؤدية بذلك إل حكم ملك إسرائيل‬
‫‪Kingdom‬‬
‫‪of lsrael‬‬
‫ولكن عملها سيكون قد انتهى حي يبدأ حكم ملكنا‪ .‬وحينئذ يب علينا أن نكنسها بعيدا حت‬
‫ل يبقى أي قذر ف طريق ملكنا‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫وحينئذ سنكون قادرين على أن نصرخ ف المم "صلوا ل‪ ،‬واركعوا أمام ذلك (اللك) الذي‬
‫يمل آية التقدير الزل للعال‪ .‬والذي يقود ال ذاته نمه‪ ،‬فلن يكون أحد آخر ال هو نفسه‬
‫‪ Himself‬قادرا على أن يعل النسانية حرة من كل خطيئة ‪.‬‬
‫البوتوكول الرابع والعشرون‪:‬‬
‫والن سأعال السلوب الذي تقوى به دولة ‪ Dynasty‬اللك داود حت تستمر إل اليوم الخر‬
‫‪.‬‬
‫إن أسلوبنا لصيانة الدولة سيشتمل على البادئ ذاتا الت سلمت حكماءنا مقاليد العال‪ ،‬أي‬
‫توجيه النس البشري كله وتعليمه‪.‬‬
‫وأن أعضاء كثيين من نسل داود ‪ David‬سيعدون ويربون اللوك وخلفائهم الذين لن ينتخبوا‬
‫بق الوراثة بل بواهبهم الاصة‪ .‬وهؤلء اللفاء سيفقهون فيما لنا من مكنونات سياسية‪ ،‬سرية‪،‬‬
‫وخطط للحكم‪ ،‬آخذين أشد الذر من أن يصل إليها أي إنسان أخر‪.‬‬
‫وستكون هذه الجراءات ضرورية‪ ،‬كي يعرف الميع ان من يستطيعون ان يكموا إنا هم‬
‫الذين فقهوا تفقيها ف أسرار الفن السياسي وحدهم‪ ،‬وهؤلء الرجال وحدهم سيعلمون كيف‬
‫يطبقون خططنا تطبيقا عمليا مستغلي تاربنا خلل قرون كثية‪ .‬انم سيفقهون ف النتائج‬
‫الستخلصة من كل ملحظات نظامنا السياسي والقتصادي‪ ،‬وكل العلوم الجتماعية‪ .‬وهم‪،‬‬
‫باياز‪ ،‬سيعرفون الروح القة للقواني الت وضعتها الطبيعة نفسها لكم النوع البشري‪.‬‬
‫وسيوضع مكان اللفاء الباشرين للملك غيهم إذا حدث ما يدل على انم مستهترون‬
‫بالشهوات‪ ،‬أو ضعاف العزية خلل تربيتهم‪ ،‬أو ف حال اظهارهم أي ميل آخر قد يكون مضرا‬
‫بسلطتهم‪ ،‬وربا يردهم عاجزين عن الكم‪ ،‬ولو كان ف هذا شيء يعرض كرامة التاج للخطر‪.‬‬
‫ولن يأتن شيوخنا ‪ Our elders‬على أزمة الكم ال الرجال القادرين على أن يكموا حكما‬
‫حازما‪ ،‬ولو كان عنيفا‪.‬‬
‫واذا مرض ملكنا أو فقد مقدرته على الكم فسيكره على تسليم أزمة الكم إل من اثبتوا‬
‫بأنفسهم من أسرته انم اقدر على الكم‪.‬‬
‫وان خطط اللك العاجلة ـ وأحق منها خططه للمستقبل ـ لن تكون معروفة حت لن سيدعون‬
‫مستشاريه القربي‪ .‬ولن يعرف خطط الستقبل ال الاكم والثلثة ‪ Three‬الذين دربوه‪.‬‬
‫وسيى الناس ف شخص اللك الذي سيحكم بارادة ل تتزعزع وسيضبط نفسه ضبطه للنسانية‪،‬‬
‫ل للقدر نفسه ولكل طرقه النسانية‪ ،‬ولن يعرف أحد اهداف اللك حي يصدر اوامره‪ ،‬ومن‬ ‫مث ً‬
‫أجل ذلك لن يرؤ أحد على ان يعترض طريقه السري‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ويب ضرورة ان يكون للملك رأس قادر على تصريف خططنا‪ ،‬ولذلك لن يعتلي العرش قبل ان‬
‫يتثبت حكماؤنا من قوته العقلية‪.‬‬
‫ولكي يكون اللك مبوبا ومعظما من كل رعاياه ـ يب أن ياطبهم جهارا مرات كثية‪.‬‬
‫فمثل هذه الجراءات ستجعل القوتي ف انسجام‪ :‬اعن قوة الشعب وقوة اللك التي قد فصلنا‬
‫بينهما ف البلد المية (غي اليهودية) بابقائنا كلً منهما ف خوف دائم من الخرى‪.‬‬
‫ولقد كان لزاما علينا أن نبقي كلتا القوتي ف خوف من الخرى‪ ،‬لنما حي انفصلتا وقعتا‬
‫تت نفوذنا‪.‬‬
‫وعلى ملك إسرائيل ان ل يضع لسلطان اهوائه الاصة ل سيما الشهوانية‪ .‬وعليه ان ل يسمح‬
‫للغرائز البهيمية ان تتمكن من عقله‪ .‬ان الشهوانية ـ اشد من أي هوى آخر ـ تدمر بل ريب‬
‫كل قوى الفكر والتنبؤ بالعواقب‪ ،‬وهي تصرف عقول الرجال نو أسوأ جانب ف الطبيعة‬
‫النسانية‪.‬‬
‫ان قطب ‪ column‬العال ف شخص الاكم العال ‪ World ruler‬الارج من بذرة إسرائيل‬
‫ـ ليطرح كل الهواء الشخصية من اجل مصلحة شعبه‪ .‬ان ملكنا يب ان يكون مثال العزة‬
‫والبوت ‪. Erreprochable‬‬
‫وقعة مثلو صهيون من الدرجة الثالثة والثلثي ‪.‬‬

‫‪.17‬اليوش والمن كلها لماية العروش والكروش وليس لماية البلد‬


‫والعباد‬
‫فالعدو يسيد وييد والفساد ينتشر ف كل مكان والفجور يدخل للبلد من كل النافذ‬
‫والجرمون يزداون كل يوم ول حرج ف ذلك فل يشكل هذا خطرا على العروش‬
‫وإنا اليش والمن لماية الكراسي والتجسس على الشعوب وقمعها‬
‫(أسد علي وف الروب نعامة ‪)00‬‬
‫============================‬

‫‪118‬‬
‫•الباب الرابع‬
‫يجوز قتل من يساعدهم أو يبرر وجودهم أو يدافع‬
‫عنهم كائنا من كان‬

‫ولذا أقول ‪:‬‬


‫يب قتل هؤلء الرتدون الفاكون بل خلف بي أهل العلم وبأية وسيلة مكنة ولي واحد من‬
‫السلمي وعدم استتابة أي واحد منهم لنم شر من الزنادقة‬
‫وهم إن ظهروا علينا فهم كما قال ال تعال فيهم ‪:‬‬
‫{ إِّنهُمْ إِن يَ ْظ َهرُوا َعلَيْكُ ْم َيرْجُمُوكُمْ َأوْ ُيعِيدُوكُمْ فِي مِلِّتهِ ْم وَلَن ُتفْلِحُوا ِإذًا أَبَدًا} (‪ )20‬سورة‬
‫الكهف‬

‫•وجوب مصادرة أموالم النقولة وغي النقولة وردها إل بيت مال السلمي‬
‫وكذلك تب مصادرة أموالم النقولة وغي النقولة هم وحواشيهم وردها على أصحابا فإن‬
‫ل يكن لا أصحاب فترد لبيت مال السلمي كلها‬

‫•ل توز الثقة بم ول بوعودهم أبدا‬


‫لنم كذابون منافقون مفسدون ف الرض ل عهد لم ول ذمة ول خي فيهم‬
‫ف وَإِن يَ ْظ َهرُوا َعلَيْكُمْ َل َيرْقُبُواْ فِيكُمْ إِ ّل وَلَ ِذمّ ًة ُي ْرضُوَنكُم بِأَ ْفوَا ِههِمْ َوتَأْبَى قُلُوُبهُمْ‬
‫قال تعال ‪ :‬كَيْ َ‬
‫وَأَ ْكَث ُرهُمْ فَا ِسقُونَ} (‪ )8‬سورة التوبة‬
‫وأخرج البخاري و غيه عن عبد ال بن عمرو "أن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬أربع من كن‬
‫فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حت يدعها‪ ،‬إذا‬
‫ائتمن خان‪ ،‬وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر" بل فيهم أكثر من ذلك بكثي‬
‫قال ابن القيم رحه ال مبينا صفات هؤلء ف كتابه القيم طريق الجرتي‬
‫الطبقة الامسة عشرة‪ :‬طبقة الزنادقة‪ ،‬وهم قوم أظهروا السلم ومتابعة الرسل‪ ،‬وأبطنوا الكفر‬
‫ومعاداة ال [ورسوله]‪ .‬وهؤلء النافقون‪ ،‬وهم ف الدرك السفل من النار‪ ،‬قال تعال‪{ :‬إِنّ ا ُلنَاِف ِقيَ‬
‫فِى ال ّدرْكِ الَ ْسفَ ِل مِنَ النّارِ‪ ،‬وَلَن تَجِ َد َلهُمْ َنصِيا}* [النساء‪ ،]145 :‬فالكفار الجاهرون بكفرهم‬
‫أخف‪ ،‬وهم فوقهم ف دركات النار‪ .‬لن الطائفتي اشتركتا ف الكفر ومعاداة ال ورسله وزاد‬
‫النافقون عليهم بالكذب والنفاق‪ ،‬وبلية السلمي بم أعظم من بليتهم بالكفار الجاهرين‪ ،‬ولذا قال‬
‫تعال ف حقهم‪ُ { :‬همُ اْلعَ ُدوّ فَاحْ َذ ْرهُمْ}* [النافقون‪ ،]4 :‬ومثل هذا اللفظ يقتضى الصر‪ ،‬أى ل‬
‫عدو إل هم‪ ،‬ولكن ل يرد هاهنا [حصر العداوة فيهم وأنم ل عدو للمسلمي سواهم بل هذا] من‬

‫‪119‬‬
‫إثبات الولوية والحقية لم ف هذا الوصف‪ ،‬وأنه ل يتوهم بانتسابم إل السلمي ظاهرا وموالتم‬
‫[لم] ومالطتهم إياهم أنم ليسوا بأعدائهم‪ ،‬بل هم أحق بالعدواة من باينهم ف الدار‪ ،‬ونصب لم‬
‫العداوة وجاهرهم با‪ .‬فإن ضرر هؤلءِ الخالطي لم العاشرين لم‪ -‬وهم ف الباطن على خلف‬
‫دينهم‪ -‬أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم‪ ،‬لن الرب مع أولئك ساعة أو أياما‬
‫ث ينقضى ويعقبه النصر والظفر‪ ،‬وهؤلء معهم ف الديار والنازل صباحا ومساءً‪ ،‬يدلون العدو على‬
‫عوراتم ويتربصون بم الدوائر ول يكنهم مناجزتم‪ ،‬فهم أحق بالعداوة من الباين الجاهر‪ ،‬فلهذا‬
‫قيل‪{ :‬هُمُ اْلعَ ُدوّ فَاحْ َذرْوهُمْ}* [النافقون‪ ،]4 :‬ل على معن أنه ل عدو لكم سواهم‪ ،‬بل على معن‬
‫أنم أحق بأن يكونوا لكم عدوا من الكفار الجاهرين‪ .‬ونظي ذلك قول النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((ليس السكي الطواف الذى ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان‪ ،‬ولكن السكي الذى ل‬
‫يسأل الناس‪ ،‬ول يفطن له فيتصدق عليه))‪ ،‬فليس هذا نفيا لسم السكي عن الطواف‪ ،‬بل إخبار بأن‬
‫هذا القانع الذى ل يسمونه مسكينا أحق بذا السم من الطواف الذى يسمونه مسكينا‪.‬‬
‫ونظيه قوله صلى ال عليه وسلم‪(( :‬ليس الشديد بالصّرعة‪ ،‬ولكن الذى يلك نفسه عند الغضب))‪،‬‬
‫ليس نفيا للسم عن الصرعة‪ ،‬ولكن إخبار بأن من يلك نفسه عند الغضب أحق منه بذا السم‪.‬‬
‫ونظيه قوله صلى ال عليه وسلم‪(( :‬ما تعدون الفلس فيكم))؟ قالوا‪ :‬من ل درهم له ول متاع‪ .‬قال‪:‬‬
‫((الفلس من يأتى يوم القيامة بسنات أمثال البال‪ ،‬ويأْتى قد لطم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا‪،‬‬
‫فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته‪ ،‬فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من سيئاتم‬
‫ث طرح عليه فأُلقى ف النار))‪ ،‬ونظيه قوله صلى ال عليه وسلم‪(( :‬ما تعدون الرقوب فيكم))؟ قالوا‪:‬‬
‫من ل يولد له؟ قال‪(( :‬الرقوب من ل يقدم من ولده شيئا))‪ ،‬ومنه عندى قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((الربا ف النسيئة))‪.‬‬
‫وف لفظ‪(( :‬إنا الربا ف النسيئة)) هو إثبات لن هذا النوع هو أحق باسم الربا من ربا الفضل‪ ،‬وليس‬
‫فيه اسم الربا عن ربا الفضل‪ .‬فتأمله‪.‬‬
‫والقصود أن هذه الطبقة أشقى الشقياءِ‪ ،‬ولذا يستهزأُ بم ف الخرة‪ ،‬وتعطى نورا يتوسطون به على‬
‫الصراط ث يطفيء ال نورهم ويقال لم‪{ :‬ارْ َجعُوا َورَاءَكُمْ فَالتَ ِمسُوا نُورا}* [الديد‪،]13 :‬‬
‫ب * يُنَادُوَنهُمْ‬ ‫ويضرب بينهم وبي الؤمني‪ِ{ :‬بسُورٍ َلهُ بَابٌ بَاطُِنهُ فِيهِ الرّحْمَ ُة وَظَا ِه ُر ُه مِن قَْبِلهِ اْلعَذَا ُ‬
‫َألَمْ نَكُن َمعَكُمْ قَالُوا َبلَى وَلَكِنّكُمْ فََتنْتُمْ َأْنفُسَكُ ْم وََترَّبصْتُ ْم وَارْتَْبتُم َو َغرّتْكُمُ ا َلمَـانِى حَتّى جَاءَ َأ ْمرُ‬
‫ل الغرُورِ}* [الديد‪ ،]13 :‬وهذا أشد ما يكون من السرة والبلءِ أن يفتح للعبد‬ ‫ل وَغرّكُمْ بِا ِ‬‫اِ‬
‫طريق النجاة والفلح‪ ،‬حت إذا ظن أنه ناج ورأى منازل السعداءِ اقتطع عنهم وضربت عليه الشقوة‬
‫ونعوذ بال من غضبه وعقابه‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫وإنا كانت هذه الطبقة ف الدرك السفل لغلظ كفرهم‪ ،‬فإنم خالطوا السلمي وعاشروهم‪ ،‬وباشروا‬
‫من أعلم الرسالة وشواهد اليان ما ل يباشره البعداءُ‪ ،‬ووصل إليهم من معرفته وصحته ما ل يصل‬
‫إل النابذين بالعداوة‪ ،‬فإذا كفروا مع هذه العرفة والعلم كانوا أغلظ كفرا وأخبث قلوبا‪ ،‬وأشد‬
‫عداوة ل ولرسوله وللمؤمني من البعداءِ عنهم‪ ،‬وإن كان البعداء متصدين لرب السلمي‪.‬‬
‫ولذا قال تعال [ف النافقي]‪{ :‬ذَِلكَ بَِأّنهُ ْم آمَنُوا ثُمّ َك َفرُوا فَ ُطبِ َع عَلَى قُلُوِبهِ ْم َفهُم ل َي ْف َقهُونَ }*‬
‫[النافقي‪ ،]3 :‬وقال تعال فيهم‪{ :‬صُم بُكْ ّم عُمِى َفهُمْ ل َي ْعقِلُونَ}* [البقرة‪ ،]18 :‬وقال تعال ف‬
‫الكفار‪{ :‬صُم بُكْم عُمْى َفهُمْ ل ي ْر َجعُونَ}* [البقرة‪ ،]171 :‬فالكافر ل يعقل‪ ،‬والنافق أبصر ث‬
‫عمى وعرف ث تاهل وأقر ث أنكر وآمن‪ ،‬ث كفر‪ ،‬ومن كان هكذا كان أشد كفرا وأخبث قلبا‬
‫وأعت على ال ورسله‪ ،‬فاستحق الدرك السفل‪.‬‬
‫وفيه معن آخر أيضا وهو أن الامل لم على النفاق طلب العز والاه بي الطائفتي فيضوا الؤمني‬
‫ليعزوهم‪ ،‬ويرضوا الكفار ليعزوهم أيضا‪.‬‬
‫ومن [هاهنا] دخل عليهم البلءُ‪ ،‬فإنم أرادوا العزتي من الطائفتي‪ ،‬ول يكن لم غرض ف اليان‬
‫والسلم ول طاعة ال ورسوله‪ ،‬بل كان ميلهم وضعوهم وجهتهم إل الكفار‪ ،‬فقوبلوا على ذلك‬
‫بأعظم الذل وهو أن جعل مستقرهم ف أسفل السافلي تت الكفار‪ ،‬فما اتصف به النافقون من‬
‫مادعة ال ورسوله والذين آمنوا‪ ،‬والستهزاءِ بأهل اليان والكذب والتلعب بالدين وإظهار أنم‬
‫[من الؤمني وأبطنوا قلوبم فتغلظ كفرهم به‪ ،‬فاستحقوا الدرك السفل] من النار ولذا لا ذكر تعال‬
‫أقسام اللق ف أول سورة [البقرة‪]20-2 :‬فقسمهم إل مؤمن ظاهرا وباطنا‪ ،‬وكافر ظاهرا وباطنا‪،‬‬
‫ومؤمن ف الظاهر كافر ف الباطن وهم النافقون‪ ،‬وذكر ف حق الؤمني ثلث آيات ‪ ،5-3‬وف حق‬
‫الكفار آيتي ‪.7 -6‬‬
‫فلما انتهى إل ذكر النافقي ذكر فيهم بضع عشرة آية ‪ 20 -8‬ذمهم فيها غاية الذم وكشف‬
‫عوراتم وقبحهم وفضحهم‪ ،‬وأخب أنم هم السفهاءُ الفسدون ف الرض الخادعون الستهزئون‬
‫الغبونون ف اشترائهم الضللة بالدى‪ ،‬وأنم صم بكم عمى فهم ل يرجعون‪ ،‬وأنم مرضى القلوب‬
‫وأن ال يزيدهم مرضا إل مرضهم‪ ،‬فلم يدع ذما ول عيبا إل ذمهم به‪ ،‬وهذا يدل على شدة مقته‬
‫سبحانه لم‪ ،‬وبغضه إياهم‪ ،‬وعداوته لم‪ ،‬وأنم أبغض أعدائه إليه‪.‬فظهرت حكمته الباهرة ف تصص‬
‫هذه الطبقة بالدرك السفل من النار‪.‬‬
‫نعوذ بال من مثل حالم‪ ،‬ونسأله معافاته ورحته‪ .‬ومن تأمل ما وصف [ال به النافقي ف القرآن من‬
‫صفات الذم علم أنم أحق بالدرك السلف فإنه وصفهم بخادعته ومادعة عباده ووصف] قلوبم‬
‫بالرض وهو مرض الشبهات والشكوك‪ .‬ووصفهم بالفساد ف الرض وبالستهزاءِ بدينه وبعباده‪،‬‬
‫وبالطغيان‪ ،‬واشتراءِ الضللة بالدى والصمم والبكم والعمى والية والكسل عند عبادته‪ ،‬والزنا وقلة‬

‫‪121‬‬
‫ذكره‪ ،‬والتردد‪ -‬والتذبذب‪ -‬بي الؤمني والكفار‪ ،‬فل إل هؤلءِ ول إل هؤلءِ‪ ،‬واللف باسه تعال‬
‫ل وبالكذب وبغاية الب‪ ،‬وبعدم الفقه ف الدين وبعدم العلم‪ ،‬وبالبخل‪ ،‬وبعدم اليان بال‬ ‫كذبا وباط ً‬
‫واليوم الخر وبالرب‪ ،‬وبأنم مضرة على الؤمني ول يصل كلهم بنصيحتهم إل الشر من البال‬
‫والسراع بينهم بالشر وإلقاءِ الفتنة‪ ،‬وكراهتهم لظهور أمر ال‪ ،‬ومو الق‪ ،‬وأنم يزنون با يصل‬
‫للمؤمني من الي والنصر‪ ،‬ويفرحون با يصل لم من الحنة والبتلءِ‪ ،‬وأنم يتربصون الدوائر‬
‫بالسلمي وبكراهتهم النفاق ف مرضاة ال وسبيله‪ ،‬وبعيب [الؤمني ورميهم با ليس فيهم فيلزمون‬
‫التصدقي ويعيبون] مزهدهم‪ ،‬ويرمون [مكثرهم] بالرياءِ إرادة الثناء ف الناس‪ ،‬وأنم عبيد الدنيا إن‬
‫أُعطوا منها رضوا وإن [منعو] سخطوا‪ ،‬وبأنم يؤذون رسول ال صلى ال عليه وسلم وينسبونه إل‬
‫ما برأه ال منه ويعيبونه با هو من كماله وفضله وأنم يقصدون إرضاءَ الخلوقي ول يطلبون إرضاءَ‬
‫رب العالي وأنم يسخرون من الؤمني‪ ،‬وأنم يفرحون إذا تلفوا عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ويكرهون الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وأنم يتحيلون على تعطيل فرائض ال عليهم بأنواع اليل‪،‬‬
‫وأنم يرضون بالتخلف عن طاعة ال ورسوله‪[ ،‬وأنم] مطبوع على قلوبم‪ ،‬وأنم يتركون ما أوجب‬
‫ال عليهم مع قدرتم عليه‪ ،‬وأنم أحلف الناس بال قد اتذوا أيانم ُجنّة تقيهم من إنكار السلمي‬
‫عليهم‪ ،‬وهذا شأْن النافق أحلف الناس بال كاذبا قد اتذ يينه جنة ووقاية يتقى با إنكار السلمي‬
‫عليه‪ ،‬ووصفهم بأنم رجس‪ -‬والرجس من كل جنس أخبثه وأقذره‪ -‬فهم أخبث بن آدم وأقذرهم‬
‫وأرذلم وبأنم فاسقون‪ ،‬وبأنم مضرة على أهل اليان يقصدون التفريق بينهم‪ ،‬ويؤوون من حاربم‬
‫وحارب ال ورسوله‪ ،‬وأنم يتشبهون بم ويضاهونم ف أعمالم ليتوصلوا منها إل الضرار بم‬
‫وتفريق كلمتهم‪ ،‬وهذا شأن النافقي أبدا وبأنم فتنوا أنفسهم بكفرهم بال ورسوله وتربصوا‬
‫بالسلمي دوائر السوء‪ ،‬وهذه عادتم ف كل زمان‪ ،‬وارتابوا ف الدين فلم يصدقوا به‪ ،‬وغرتم المان‬
‫الباطلة وغرهم الشيطان‪ ،‬وأنم أحسن الناس أجساما تعجب الرائى أجسامهم‪،‬والسامع منطقهم‪ ،‬فإذا‬
‫جاوزت أجسامهم وقولم رأيت خشبا مسنده‪ ،‬ول إيان ول فقه‪ ،‬ول علم ول صدق‪ ،‬بل خشب قد‬
‫كسيت كسوة تروق الناظر‪ ،‬وليسوا وراءَ ذلك شيئا‪ ،‬وإذا عرض عليهم التوبة والستغفار أبوها‬
‫وزعموا أنم ل حاجة لم إليها‪ ،‬إما لن ما عندهم من الزندقة والهل الركب مغن عنها وعن‬
‫الطاعات جلة‪ -‬كحال كثي من الزنادقة‪-‬وإما احتقارا وازدراءً بن يدعوهم إل ذلك‪ ،‬ووصفهم‬
‫سبحانه بالستهزاءِ به وبآياته وبرسوله وبأنم مرمون وبأنم يأْمرون بالنكر وينهون عن العروف‬
‫ويقبضون أيديهم عن النفاق ف مرضاته‪ ،‬ونسيان ذكره‪،‬وبأنم يتولون الكفار ويدعون الؤمني‪ ،‬وبأن‬
‫الشيطان قد استحوذ عليهم وغلب عليهم حت أنساهم ذكر ال فل يذكرونه إل قليلً‪ ،‬وأنم حزب‬
‫الشيطان وأنم يوادون من حاد ال ورسوله وبأنم يتمنون ما يعنت الؤمني ويشق عليهم‪ ،‬وأن‬
‫البغضاءَ تبدو لم من أفواههم وعلى فلتات ألسنتهم‪ ،‬بأنم يقولون بأفواههم ما ليس ف قلوبم‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ومن صفاتم الت وصفهم با رسول ال صلى ال عليه وسلم الكذب ف الديث واليانة ف المانة‪،‬‬
‫والغدر عند العهد‪ ،‬والفجور عند الصام‪ ،‬واللف عند الوعد‪ ،‬وتأْخي الصلة إل آخر وقتها‪ ،‬ونقرها‬
‫عجلة وإسراعا‪ ،‬وترك حضورها جاعة وأن أثقل الصلوات عليهم الصبح والعشا ُء ‪.‬‬
‫ومن صفاتم الت وصفهم ال با الشح على الؤمني بالي‪ ،‬والب عند الوف‪ ،‬فإذا ذهب الوف‬
‫وجاءَ المن سلقوا الؤمني بأَلسنة حداد‪ ،‬فهم أحد الناس أَلسنة عليهم كما قيل‪:‬‬
‫ل علينا وجبنا عن عدوكم لبئست اللتان الهل والب‬ ‫جه ً‬
‫وإنم عند الخاوف تظهر كمائن صدورهم ومبآتم‪ ،‬وأما عند المن فيجب ستره‪ ،‬فإذا لق‬
‫السلمي خوف دبت عقارب قلوبم وظهرت الخبآت وبدت السرار‪.‬‬
‫ومن صفاتم أنم أعذب الناس ألسنة‪[ ،‬وأمرهم] قلوبا وأعظم الناس [مالفة] بي أعمالم وأقوالم‬
‫ومن صفاتم أنم ل يتمع فيهم حسن صمت وفقه ف دين أبدا ومن صفاتم أن أعمالم تكذب‬
‫أقوالم‪ ،‬وباطنهم يكذب ظاهرهم وسرائرهم تناقض علنيتهم‪.‬‬
‫ومن صفاتم أن الؤمن ل يثق بم ف شيء فإنم قد أعدوا لكل أَمر مرجا منه‪ ،‬بق أو بباطل بصدق‬
‫أو بكذب‪ ،‬ولذا سى منافقا أخذا من نافقاءِ اليبوع‪ -‬وهو بيت يفره ويعل له أسرابا متلفة‪-‬‬
‫فكلما طلب من سرب خرج من سرب آخر‪ ،‬فل يتمكن طالبه من حصره ف سرب واحد‪ ،‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ويستخرج اليبوع من نافقائه ومن جحره بالشيحة اليتقصع‬
‫فأنت منه [كقبض] على الاءِ‪ ،‬ليس معك منه شيء‪ .‬ومن صفاتم كثرة التلون‪ ،‬وسرعة التقلب‪،‬‬
‫وعدم الثبات على حال واحد‪ :‬بينا تراه على حال تعجبك من دين أو عبادة أو هدى صال أو صدق‪،‬‬
‫إذ انقلب إل ضد ذلك كأنه ل يعرف غيه‪ ،‬فهو أشد الناس تلونا وتقلبا وتنقلً‪ ،‬جيفة بالليل قطرب‬
‫بالنهار‪.‬‬
‫ومن صفاتم أنك إذا دعوتم عند النازعة للتحاكم إل القرآن والسنة أبوا ذلك وأعرضوا عنه‪،‬‬
‫ودعوك إل التحاكم إل طواغيتهم‪ ،‬قال تعال‪:‬‬
‫{أَلَمْ َترَ إلَى الّذِينَ َي ْزعَمُونَ أَّنهُ ْم آمَنُوا بِمَا أُنزَلَ إَِلْيكَ َومَا أُنزِ َل مِن َقبِْلكَ ُيرِيدُونَ أَ ْن يَتَحا َكمُوا إِلَى‬
‫الطاغوت وَقَد أمرُوا أَن يَ ْكفُروا ب ِه وَُيرِي ُد الشّيْطَانُ أن ُيضِّلهُ ْم ضَللً َبعِيدا * وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَالُوا إِلَى‬
‫ك صُدُودا * فَ َكيْف ِإذَا َأصَابَْتهُ ْم ُمصِيَبةٌ بِمَا‬ ‫مَا أَنزَ َل الُ وإِلَى الرّسُو ِل رَأَْيتَ ا ُلنَافقِي َيصُدّونَ عَن َ‬
‫ل مَا فِى‬ ‫حِلفُونَ بِالِ إِنْ َأ َردْنَا إِل ِإحْسَانا وََتوْفِيقا * أُوَلِئكَ الّذِينَ َيعْلَ ُم ا ُ‬‫قَ ّد َمتْ أَْيدَِيهِمْ ثُ ّم جَاؤُكَ يَ ْ‬
‫سهِ ْم َقوْلً بَلِيغا}* [النساء‪.]63-60 :‬‬ ‫قُلُوِبهِ ْم فََأ ْع ِرضْ عَْنهُ ْم َوعِ ْظهُ ْم وَقُ ْل َلهُم فِى أَْنفُ ِ‬
‫ومن صفاتم‪ :‬معارضة ما جاءَ به الرسول صلى ال عليه وسلم بعقول الرجال وآرائهم‪ ،‬ث تقديها‬
‫على ما جاءَ‪ .‬فهم معرضون عنه معارضون له‪ ،‬زاعمون أن الدى ف آراءِ الرجال وعقولم‪ ،‬دون ما‬

‫‪123‬‬
‫جاءَ به فلو أعرضوا عنه وتعوضوا بغيه لكانوا منافقي‪ ،‬فكيف إذا جعوا مع ذلك معارضته وزعموا‬
‫أنه ل يستفاد منه هدى‪.‬‬
‫ومن صفاتم‪ :‬كتمان الق‪ ،‬والتلبيس على أهله‪ ،‬ورميهم له بأدوائهم‪ :‬فيمونم‪ -‬إذا أمروا بالعروف‬
‫ونوا عن النكر ودعوا إل ال ورسوله‪ -‬بأنم أهل فت مفسدون ف الرض‪.‬‬
‫وقد علم ال ورسوله والؤمنون بأنم أهل الفت الفسدون ف الرض‪ ،‬وإذا دعا ورثة الرسول إل‬
‫كتاب ال وسنة رسوله خالصة غي [مثوبة] رموهم بالبدع والضلل‪ ،‬وإذا رأوهم زاهدين ف الدنيا‬
‫راغبي ف الخرة متمسكي بطاعة ال ورسوله رموهم بالزوكرة‪ ،‬والتلبيس والحال‪.‬‬
‫وإذا رأوا معهم حقا ألبسوه لباس الباطل‪ ،‬وأخرجوه لضعفاءِ العقول ف قالبة شنيع لينفروهم عنه‪ ،‬وإذا‬
‫كان معهم باطل [ألبسوه] لباس الق وأخرجوه ف قالبه ليقبل منهم‪.‬‬
‫وجلة أمرهم أنم ف السلمي كالزغل ف النقود‪ ،‬يروج على أكثر الناس لعدم بصيتم بالنقد‪،‬‬
‫ويعرف حاله الناقد البصي من الناس‪ ،‬وقليل ما هم‪ ،‬وليس على الديان أضرّ من هذا الضرب من‬
‫الناس‪ ،‬وإنا تفسد الديان من قبلهم‪ ،‬ولذا جل ال أمرهم ف القرآن‪ ،‬وأوضح أوصافهم وبي أحوالم‬
‫وكرر ذكرهم‪ ،‬لشدة الؤنة على الُمة بم وعظم البلية عليهم بوجودهم بي أظهرهم وفرط حاجتهم‬
‫إل معرفتهم والتحرز من مشابتهم والصغاء إليهم‪ ،‬فكم قطعوا على السالكي إل ال طرق الدى‬
‫وسلكوا بم سبيل الردى‪ :‬وعدوهم ومنوهم‪ ،‬ولكن وعدوهم الغرور ومنوهم الويل والثبور‪.‬‬
‫فكم من قتيل‪ ،‬ولكن ف سبيل الشيطان وسليب ولكن للباس التقوى واليان‪ .‬وأسي ل يرجى له‬
‫اللص وفارّ من ال ل إليه‪ ،‬وهيهات ولت حي مناص‪ .‬صحبتهم توجب العار والشنار‪ ،‬ومودتم‬
‫تل غضب البار وتوجب دخول النار من [علقت] به كلليب كلبهم وماليب رأْيهم مزقت منه‬
‫ثياب الدين واليان وقطعت له مقطعات من البلءِ والذلن‪ ،‬فهو يسحب من الرمان والشقاوة‬
‫أذيالً‪ ،‬ويشى على عقبيه القهقرى إدبارا منه وهو يسب ذلك إقبالً‪.‬‬
‫فهم وال قطاع الطريق‪ ،‬فيا أيها الركب السافرون إل منازل السعداء‪ ،‬حذار منهم حذار‪ ،‬هم‬
‫الزارون ألسنتهم شفار البليا‪ .‬ففرارا منهم أيها الغنم فرارا‪.‬‬
‫ومن البلية أنم العداءُ حقا وليس لنا بد من مصاحبتهم‪ ،‬وخلطتهم أعظم الداءِ وليس بد من‬
‫مالطتهم قد جعلوا على أبواب جهنم دعاة إليها فبعدا للمستجيبي‪ ،‬ونصبوا شباكهم حواليها على ما‬
‫حفت به من الشهوات‪ ،‬فويل للمغترين‪ .‬نصبوا الشباك ومدوا الشراك وأذن مؤذنم‪ :‬يا شياه النعام‬
‫حى على اللك‪ ،‬حى على التباب‪ .‬فاستبقوا يهرعون إليهم‪ ،‬فأوردوهم حياض العذاب‪ ،‬ل الوارد‬
‫العذاب‪.‬‬
‫وساموهم من السف والبلءِ أعظم خطة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ادخلوا باب الوان صاغرين ول تقولوا حطة‪،‬‬
‫فليس بيوم حطة‪[ .‬فواعجبا] لن نا من شراكهم ل من علق‪ ،‬وأن ينجو من غلبت عليه شقاوته ولا‬

‫‪124‬‬
‫خلق‪ ،‬فحقيق بأهل هذه الطبقة أن يلو بالحل الذى أحلهم ال من دار الوان وأن ينلوا ف أردئ‬
‫منازل أهل العناد والكفران‪.‬‬
‫وبسب إيان العبد ومعرفته بكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة‪ ،‬ولذا اشتد خوف سادة‬
‫الُمة وسابقوها على أنفسهم أن يكونوا منهم‪ ،‬فكان عمر بن الطاب يقول‪ :‬يا حذيفة‪ ،‬ناشدتك‬
‫ال‪ ،‬هل سان رسول ال صلى ال عليه وسلم مع القوم؟ فيقول‪ :‬ل‪ ،‬ول أُزكى بعدك أحدا‪.‬‬
‫يعن ل أفتح على هذا الباب ف تزكية الناس‪ ،‬وليس معناه أنه ل يبأْ من النفاق غيك‪.‬‬
‫وقال ابن أب مليكة‪ :‬أدركت ثلثي من أصحاب رسول ال؟ صلى ال عليه وسلم كلهم ياف‬
‫النفاق على نفسه‪ ،‬ما منهم أحد يقول إنه على إيان جبائيل وميكائيل‪.‬‬
‫========================‬
‫•‬

‫‪125‬‬
‫الباب الخامس‬
‫وجوب الخروج عليهم وتحريم طاعتهم لنهم ‪:‬‬

‫‪.1‬يكمون بغي ما أنزل ال قال تعال ‪:‬‬


‫{{إِنّا أَنزَلْنَا الّت ْورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُ ُم ِبهَا النِّبيّونَ الّذِينَ أَ ْسلَمُواْ ِللّذِي َن هَادُوْا وَالرّبّانِيّونَ‬
‫شوْ ِن وَلَ‬ ‫شوُْا النّاسَ وَاخْ َ‬ ‫حفِظُواْ مِن ِكتَابِ الّلهِ وَكَانُوْا عََلْيهِ ُشهَدَاء فَلَ َتخْ َ‬ ‫وَالَحْبَارُ بِمَا اسْتُ ْ‬
‫ل َومَن لّ ْم يَحْكُم ِبمَا أَنزَلَ الّلهُ فَُأوَْلِئكَ هُ ُم الْكَاِفرُونَ} (‪ )44‬سورة الائدة‬ ‫تَشَْترُوْا بِآيَاتِي َثمَنًا َقلِي ً‬
‫حفِظُوْا مِن كِتَابِ‬ ‫وَنُورٌ َيحْكُمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ َأسْلَمُواْ لِلّذِي َن هَادُوْا وَالرّبّاِنيّونَ وَالَ ْحبَارُ بِمَا اسُْت ْ‬
‫ل َومَن لّمْ يَحْكُم‬ ‫شَترُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِي ً‬
‫شوْ ِن وَلَ تَ ْ‬ ‫س وَاخْ َ‬ ‫شوُاْ النّا َ‬
‫خَ‬‫الّل ِه وَكَانُوْا عََلْيهِ ُشهَدَاء فَلَ تَ ْ‬
‫بِمَا أَنزَ َل الّلهُ فَُأوَْلِئكَ هُ ُم الْكَاِفرُونَ} (‪ )44‬سورة الائدة‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫لقد جاء كل دين من عندال ليكون منهج حياة ‪ .‬منهج حياة واقعية ‪ .‬جاء الدين ليتول قيادة‬
‫الياة البشرية ‪ ,‬وتنظيمها ‪ ,‬وتوجيهها ‪ ,‬وصيانتها ‪ .‬ول ييء دين من عند ال ليكون مرد‬
‫عقيدة ف الضمي ; ول ليكون كذلك مرد شعائر تعبدية تؤدي ف اليكل والحراب ‪ .‬فهذه‬
‫وتلك ‪ -‬على ضرورتما للحياة البشرية وأهيتهما ف تربية الضمي البشري ‪ -‬ل يكفيان وحدها‬
‫لقيادة الياة وتنظيمها وتوجيهها وصيانتها ; ما ل يقم على أساسهما منهج ونظام وشريعة تطبق‬
‫عمليا ف حياة الناس ; ويؤخذ الناس با بكم القانون والسلطان ; ويؤاخذ الناس على مالفتها ‪,‬‬
‫ويؤخذون بالعقوبات ‪.‬‬
‫والياة البشرية ل تستقيم إل إذا تلقت العقيدة والشعائر والشرائع من مصدر واحد ; يلك‬
‫السلطان على الضمائر والسرائر ‪ ,‬كما يلك السلطان على الركة والسلوك ‪ .‬ويزي الناس وفق‬
‫شرائعة ف الياة الدنيا ‪ ,‬كما يزيهم وفق حسابة ف الياة الخرة ‪.‬‬
‫فأما حي تتوزع السلطة ‪ ,‬وتتعدد مصادر التلقي ‪ . .‬حي تكون السلطة ل ف الضمائر والشعائر‬
‫بينما السلطة لغيه ف النظمة والشرائع ‪ . .‬وحي تكون السلطة ل ف جزاء الخرة بينما السلطة‬
‫لغيه ف عقوبات الدنيا ‪ . .‬حينئذ تتمزق النفس البشرية بي سلطتي متلفتي ‪ ,‬وبي اتاهي‬
‫متلفي ‪ ,‬وبي منهجي متلفي ‪ . .‬وحينئذ تفسد الياة البشرية ذلك الفساد الذي تشي إليه‬
‫آيات القرآن ف مناسبات شت‪( :‬لو كان فيهما آلة إل ال لفسدتا) ‪( . .‬ولو اتبع الق أهواءهم‬
‫لفسدت السماوات والرض ومن فيهن) ‪(. .‬ث جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع‬
‫أهواء الذين ل يعلمون) ‪. .‬‬

‫‪126‬‬
‫من أجل هذا جاء كل دين من عند ال ليكون منهج حياة ‪ .‬وسواء جاء هذا الدين لقرية من‬
‫القرى ‪ ,‬أو لمة من المم ‪ ,‬أو للبشرية كافة ف جيع أجيالا ‪ ,‬فقد جاء ومعه شريعة معينة لكم‬
‫واقع الياة ‪ ,‬إل جانب العقيدة الت تنشى ء التصور الصحيح للحياة ‪ ,‬إل جانب الشعائر التعبدية‬
‫الت تربط القلوب بال ‪ . .‬وكانت هذه الوانب الثلثة هي قوام دين ال ‪ .‬حيثما جاء دين من‬
‫عند ال ‪ .‬لن الياة البشرية ل تصلح ول تستقيم إل حي يكون دين ال هو منهج الياة ‪.‬‬
‫وف القرآن الكري شواهد شت على احتواء الديانات الول ‪ ,‬الت ربا جاءت لقرية من القرى ‪,‬‬
‫أو لقبيلة من القبائل على هذا التكامل ‪ ,‬ف الصورة الناسبة للمرحلة الت تر با القرية أو القبيلة ‪.‬‬
‫‪ .‬وهنا يعرض هذا التكامل ف الديانات الثلث الكبى ‪ . .‬اليهودية ‪ ,‬والنصرانية ‪ ,‬والسلم ‪. .‬‬
‫ويبدأ بالتوراة ف هذه اليات الت نن بصددها ف هذه الفقرة‪:‬‬
‫(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) ‪:‬‬
‫فالتوراة ‪ -‬كما أنزلا ال ‪ -‬كتاب ال الذي جاء لداية بن إسرائيل ‪ ,‬وإنارة طريقهم إل ال ‪.‬‬
‫وطريقهم ف الياة ‪ . .‬وقد جاءت تمل عقيدة التوحيد ‪ .‬وتمل شعائر تعبدية شت ‪ .‬وتمل‬
‫كذلك شريعة‪:‬‬
‫(يكم با النبيون الذين أسلموا ‪ ,‬للذين هادوا ‪ ,‬والربانيون والحبار ‪ ,‬با استحفظوا من كتاب‬
‫ال وكانوا عليه شهداء) ‪.‬‬
‫أنزل ال التوراة ل لتكون هدى ونورا للضمائر والقلوب با فيها من عقيدة وعبادات فحسب ‪.‬‬
‫ولكن كذلك لتكون هدى ونورا با فيها من شريعة تكم الياة الواقعية وفق منهج ال ‪ ,‬وتفظ‬
‫هذه الياة ف إطار هذا النهج ‪ .‬ويكم با النبيون الذين أسلموا أنفسهم ل ; فليس لم ف‬
‫أنفسهم شيء ; إنا هي كلها ل ; وليست لم مشيئة ول سلطة ول دعوى ف خصيصة من‬
‫خصائص اللوهية ‪ -‬وهذا هو السلم ف معناه الصيل ‪ -‬يكمون با للذين هادوا ‪ -‬فهي‬
‫شريعتهم الاصة نزلت لم ف حدودهم هذه وبصفتهم هذه ‪ -‬كما يكم با لم الربانيون‬
‫والحبار ; وهم قضاتم وعلماؤهم ‪ .‬وذلك با أنم قد كلفوا الحافظة على كتاب ال ‪ ,‬وكلفوا‬
‫أن يكونوا عليه شهداء ‪ ,‬فيؤدوا له الشهادة ف أنفسهم ‪ ,‬بصياغة حياتم الاصة وفق توجيهاته ‪,‬‬
‫كما يؤدوا له الشهادة ف قومهم بإقامة شريعته بينهم ‪.‬‬
‫وقبل أن ينتهي السياق من الديث عن التوراة ‪ ,‬يلتفت إل الماعة السلمة ‪ ,‬ليوجهها ف شأن‬
‫الكم بكتابال عامة ‪ ,‬وما قد يعترض هذا الكم من شهوات الناس وعنادهم وحربم وكفاحهم‬
‫‪ ,‬وواجب كل من استحفظ على كتاب ال ف مثل هذا الوقف ‪ ,‬وجزاء نكوله أو مالفته‪:‬‬
‫(فل تشوا الناس واخشون ; ول تشتروا بآيات ثنا قليل ‪ .‬ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم‬
‫الكافرون) ‪. .‬‬

‫‪127‬‬
‫ولقد علم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن الكم با أنزل ال ستواجهه ‪ -‬ف كل زمان وف كل أمة ‪-‬‬
‫معارضة من بعض الناس ; ولن تتقبله نفوس هذا البعض بالرضى والقبول والستسلم ‪. .‬‬
‫ستواجهه معارضة الكباء والطغاة وأصحاب السلطان الوروث ‪ .‬ذلك أنه سينع عنهم رداء‬
‫اللوهية الذي يدعونه ; ويرد اللوهية ل خالصة ‪ ,‬حي ينع عنهم حق الاكمية والتشريع‬
‫والكم با يشرعونه هم للناس ما ل يأذن به ال ‪ . .‬وستواجهة معارضة أصحاب الصال الادية‬
‫القائمة على الستغلل والظلم والسحت ‪ .‬ذلك أن شريعة ال العادلة لن تبقي على مصالهم‬
‫الظالة ‪ . .‬وستواجهه معارضة ذوي الشهوات والهواء والتاع الفاجر والنلل ‪ .‬ذلك أن دين‬
‫ال سيأخذهم بالتطهر منها وسيأخذهم بالعقوبة عليها ‪ . .‬وستواجهه معارضة جهات شت غي‬
‫هذه وتيك وتلك ; من ل يرضون أن يسود الي والعدل والصلح ف الرض ‪.‬‬
‫علم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن الكم با أنزل ستواجهه هذه القاومة من شت البهات ; وأنه ل بد‬
‫للمستحفظي عليه والشهداء أن يواجهوا هذه القاومة ; وأن يصمدوا لا ‪ ,‬وإن يتملوا تكاليفها‬
‫ف النفس والال ‪ . .‬فهو يناديهم‪:‬‬
‫(فل تشوا الناس واخشون) ‪. .‬‬
‫فل تقف خشيتهم للناس دون تنفيذهم لشريعة ال ‪ .‬سواء من الناس أولئك الطغاة الذين يأبون‬
‫الستسلم لشريعة ال ‪ ,‬ويرفضون القرار ‪ -‬من ث ‪ -‬يتفرد ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬باللوهية ‪ .‬أو‬
‫أولئك الستغلون الذين تول شريعة ال بينهم وبي الستغلل وقد مردوا عليه ‪ .‬أو تلك الموع‬
‫الضللة او النحرفة أو النحلة الت تستثقل أحكام شريعة ال وتشغب عليها ‪ . .‬ل تقف خشيتهم‬
‫لؤلء جيعا ولغيهم من الناس دون الضي ف تكيم شريعة ال ف الياة ‪ .‬فال ‪ -‬وحده ‪ -‬هو‬
‫الذي يستحق أن يشوة ‪ .‬والشية ل تكون إل ل ‪. .‬‬
‫كذلك علم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن بعض الستحفظي على كتاب ال الستشهدين ; قد تراودهم‬
‫أطماع الياة الدنيا ; وهم يدون أصحاب السلطان ‪ ,‬وأصحاب الال ‪ ,‬وأصحاب الشهوات ‪,‬‬
‫ل يريدون حكم ال فيملقون شهوات هؤلء جيعا ‪ ,‬طمعا ف عرض الياة الدنيا ‪ -‬كما يقع من‬
‫رجال الدين الحترفي ف كل زمان وف كل قبيل ; وكما كان ذلك واقعا ف علماء بن إسرائيل‬
‫‪.‬‬
‫فناداهم ال‪:‬‬
‫(ول تشتروا بآيات ثنا قليلًا) ‪. .‬‬
‫وذلك لقاء السكوت ‪ ,‬أو لقاء التحريف ‪ ,‬أو لقاء الفتاوي الدخولة !‬
‫وكل ثن هو ف حقيقته قليل ‪ .‬ولو كان ملك الياة الدنيا ‪ . .‬فكيف وهو ل يزيد على أن يكون‬
‫رواتب ووظائف وألقابا ومصال صغية ; يباع با الدين ‪ ,‬وتشترى با جهنم عن يقي ?!‬

‫‪128‬‬
‫إنه ليس أشنع من خيانة الستأمن ; وليس أبشع من تفريط الستحفظ ; وليس أخس من تدليس‬
‫الستشهد ‪ .‬والذين يملون عنوان‪":‬رجال الدين" يونون ويفرطون ويدلسون ‪ ,‬فيسكتون عن‬
‫العمل لتحكيم ما أنزل ال ‪ ,‬ويرفون الكلم عن مواضعه ‪ ,‬لوافأة أهواء ذوي السلطان على‬
‫حساب كتاب ال ‪. .‬‬
‫(ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون) ‪. .‬‬
‫بذا السم الصارم الازم ‪ .‬وبذا التعميم الذي تمله(من) الشرطية وجلة الواب ‪ .‬بيث يرج‬
‫من حدود اللبسة والزمان والكان ‪ ,‬وينطلق حكما عاما ‪ ,‬على كل من ل يكم با أنزل ال ‪,‬‬
‫ف أي جيل ‪ ,‬ومن أي قبيل ‪. .‬‬
‫والعلة هي الت أسلفنا ‪ . .‬هي أن الذي ل يكم با أنزل ال ‪ ,‬إنا يرفض ألوهية ال ‪ .‬فاللوهية‬
‫من خصائصها ومن مقتضاها الاكمية التشريعية ‪ .‬ومن يكم بغي ما أنزل ال ‪ ,‬يرفض ألوهية‬
‫ال وخصائصها ف جانب ‪ ,‬ويدعي لنفسه هو حق اللوهية وخصائصها ف جانب آخر ‪ . .‬وماذا‬
‫يكون الكفر إن ل يكن هو هذا وذاك ? وما قيمة دعوى اليان أو السلم باللسان ‪ ,‬والعمل ‪-‬‬
‫وهو أقوى تعبيا من الكلم ‪ -‬ينطق بالكفر أفصح من اللسان ?!‬
‫إن الماحكة ف هذا الكم الصارم الازم العام الشامل ‪ ,‬ل تعن إل ماولة التهرب من مواجهة‬
‫القيقة ‪ .‬والتأويل والتأول ف مثل هذا الكم ل يعن إل ماولة تريف الكم عن مواضعه ‪. .‬‬
‫وليس لذه الماحكة من قيمة ول أثر ف صرف حكم ال عمن ينطبق عليهم بالنص الصريح‬
‫الواضح الكيد ‪.‬‬
‫وبعد بيان هذا الصل القاعدي ف دين ال كله ‪ ,‬يعود السياق ‪ ,‬لعرض ناذج من شريعة التوراة‬
‫الت أنزلا ال ليحكم با النبيون والربانيون والحبار للذين هادوا ‪ -‬با استحفظوا من كتاب ال‬
‫وكانوا عليه شهداء‪:‬‬
‫(وكتبنا عليهم فيها‪:‬أن النفس بالنفس ‪ ,‬والعي بالعي ‪ ,‬والنف بالنف ‪ ,‬والذن بالذن ‪,‬‬
‫والسن بالسن ‪ ,‬والروح قصاص) ‪. .‬‬
‫وقد استبقيت هذه الحكام الت نزلت با التوراة ف شريعة السلم ‪ ,‬وأصبحت جزءا من شريعة‬
‫السلمي ‪ ,‬الت جاءت لتكون شريعة البشرية كلها إل آخر الزمان ‪ .‬وإن كانت ل تطبق إل ف‬
‫دار السلم ‪ ,‬لعتبارات عملية بتة ; حيث ل تلك السلطة السلمة أن تطبقها فيما وراء حدود‬
‫دار السلم ‪ .‬وحيثما كان ذلك ف استطاعتها فهي مكلفة تنفيذها وتطبيقها ‪ ,‬بكم أن هذه‬
‫الشريعة عامة للناس كافة ‪ ,‬للزمان كافة ‪ ,‬كما أرادها ال ‪.‬‬
‫وقد أضيف إليها ف السلم حكم آخر ف قوله تعال‪:‬‬
‫(فمن تصدق به فهو كفارة له) ‪. .‬‬

‫‪129‬‬
‫ول يكن ذلك ف شريعة التوارة ‪ .‬إذ كان القصاص حتما ; ل تنازل فيه ‪ ,‬ول تصدق به ‪ ,‬ومن‬
‫ث فل كفارة ‪. .‬‬
‫ويسن أن نقول كلمة عن عقوبات القصاص هذه على قدر السياق ف الظلل ‪.‬‬
‫أول ما تقرره شريعة ال ف القصاص ‪ ,‬هو مبدأ الساواة ‪ . .‬الساواة ف الدماء والساواة ف‬
‫العقوبة ‪ . .‬ول تكن شريعة أخرى ‪ -‬غي شريعة ال ‪ -‬تعترف بالساواة بي النفوس ‪ ,‬فتقتص‬
‫للنفس بالنفس ‪ ,‬وتقتص للجوارح بثلها ‪ ,‬على اختلف القامات والطبقات والنساب والدماء‬
‫والجناس ‪. .‬‬
‫النفس بالنفس ‪ .‬والعي بالعي ‪ .‬والنف بالنف ‪ .‬والذن بالذن ‪ .‬والسن بالسن ‪ .‬والروح‬
‫قصاص ‪ . .‬ل تييز ‪ .‬ول عنصرية ‪ .‬ول طبقية ‪ .‬ول حاكم ‪ .‬ول مكوم ‪ . .‬كلهم سواء أمام‬
‫شريعة ال ‪ .‬فكلهم من نفس واحدة ف خلقة ال ‪.‬‬
‫إن هذا البدأ العظيم الذي جاءت به شريعة ال هو العلن القيقي الكامل ليلد "النسان"‬
‫النسان الذي يستمتع كل فرد فيه بق الساواة ‪ . .‬أول ف التحاكم إل شريعة واحدة وقضاء‬
‫واحد ‪ .‬وثانيا ف القاصة على أساس واحد وقيمة واحدة ‪.‬‬
‫وهو أول إعلن ‪ . .‬وقد تلفت شرائع البشر الوضعية عشرات من القرون حت ارتقت إل بعض‬
‫مستواه من ناحية النظريات القانونية ‪ ,‬وإن ظلت دون هذا الستوى من ناحية التطبيق العملي ‪.‬‬
‫ولقد انرف اليهود الذين ورد هذا البدأ العظيم ف كتابم ‪ -‬التوراة ‪ -‬عنه ; ل فيما بينهم وبي‬
‫الناس فحسب ‪ ,‬حيث كانوا يقولون‪":‬ليس علينا ف الميي سبيل بل فيما بينهم هم أنفسهم ‪.‬‬
‫على نو ما رأينا فيما كان بي بن قريظة الذليلة ‪ ,‬وبن النضي العزيزة ; حت جاءهم ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم فردهم إل شريعة ال ‪ -‬شريعة الساواة ‪ . .‬ورفع جباه الذلء منهم فساواها بباه‬
‫العزاء !‬
‫والقصاص على هذا الساس العظيم ‪ -‬فوق ما يمله من إعلن ميلد النسان ‪ -‬هو العقاب‬
‫الرادع الذي يعل من يتجه إل العتداء على النفس بالقتل ‪ ,‬أو العتداء عليها بالرح والكسر ‪,‬‬
‫يفكر مرتي ومرات قبل أن يقدم على ما حدثته به نفسه ‪ ,‬وما زينه له اندفاعه ; وهو يعلم أنه‬
‫مأخوذ بالقتل إن قتل ‪ -‬دون نظر إل نسبه أو مركزه ‪ ,‬أو طبقته ‪ ,‬أو جنسه ‪ -‬وأنه مأخوذ بثل‬
‫ما أحدث من الصابة ‪ .‬إذا قطع يدا أو رجل قطعت يده أو رجله ; وإذا أتلف عينا أو أذنا أو‬
‫سنا ‪ ,‬أتلف من جسمه ما يقابل العضو الذي أتلفه ‪ . .‬وليس المر كذلك حي يعلم أن جزاءه‬
‫هو السجن ‪ -‬طالت مدة السجن أو قصرت ‪ -‬فالل ف البدن ‪ ,‬والنقص ف الكيان ‪ ,‬والتشويه‬
‫ف اللقة شيء آخر غي الم السجن ‪ . .‬على نو ما سبق بيانه ف حد السرقة ‪ . .‬والقصاص‬
‫على هذا الساس العظيم ‪ -‬فوق ما يمله من إعلن ميلد النسان ‪ -‬هو القضاء الذي تستريح‬

‫‪130‬‬
‫إليه الفطرة ; والذي يذهب بزازات النفوس ‪ ,‬وجراحات القلوب ‪ ,‬والذي يسكن فورات الثأر‬
‫الامة ‪ ,‬الت يقودها الغضب العمى وحية الاهلية ‪ . .‬وقد يقبل بعضهم الدية ف القتل‬
‫والتعويض ف الراحات ‪ .‬ولكن بعض النفوس ل يشفيها إل القصاص ‪. .‬‬
‫وشرع ال ف السلم يلحظ الفطرة ‪ -‬كما لظها شرع ال ف التوراة ‪ -‬حت إذا ضمن لا‬
‫القصاص الريح ‪ . .‬راح يناشد فيها وجدان السماحة والعفو ‪ -‬عفو القادر على القصاص‪:‬‬
‫(فمن تصدق به فهو كفارة له)‬
‫من تصدق بالقصاص متطوعا ‪ . .‬سواء كان هو ول الدم ف حالة القتل [ والصدقة تكون بأخذ‬
‫الدية مكان القصاص ‪ ,‬أو بالتنازل عن الدم والدية معا وهذا من حق الول ‪ ,‬إذ العقوبة والعفو‬
‫متروكان له ويبقى للمام تغزيز القاتل با يراه ] أو كان هو صاحب الق ف حالة الروج كلها‬
‫‪ ,‬فتنازل عن القصاص ‪ . .‬من تصدق فصدقته هذه كفارة لذنوبه ; يط با ال عنه ‪.‬‬
‫وكثيا ما تستجيش هذه الدعوة إل السماحة والعفو ‪ ,‬وتعليق القلب بعفو ال ومغفرته ‪ .‬نفوسا‬
‫ل يغنيها العوض الال ; ول يسليها القصاص ذاته عمن فقدت أو عما فقدت ‪ . .‬فماذا يعود‬
‫على ول القتول من قتل القاتل ? أو ماذا يعوضه من مال عمن فقد ? ‪ . .‬إنه غاية ما يستطاع ف‬
‫الرض لقامة العدل ‪ ,‬وتأمي الماعة ‪ . .‬ولكن تبقى ف النفس بقية ل يسح عليها إل تعليق‬
‫القلوب بالعوض الذي ييء من عند ال ‪. .‬‬
‫روى المام أحد ‪ .‬قال‪:‬حدثنا وكيع ‪ ,‬حدثنا يونس بن أب إسحاق ‪ ,‬عن أب السفر ‪ ,‬قال "‬
‫كسر رجل من قريش سن رجل من النصار ‪ .‬فاستعدى عليه معاوية ‪ .‬فقال معاوية‪:‬سنرضيه ‪. .‬‬
‫فأل النصاري ‪. .‬فقال معاويه‪:‬شأنك بصاحبك ! ‪ -‬وأبو الدرداء جالس ‪ -‬فقال أبو‬
‫الدرداء‪:‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬ما من مسلم يصاب بشيء من جسده‬
‫فيتصدق به إل رفعه ال به درجة ‪ ,‬أو حط به عنه خطيئة " ‪ . .‬فقال النصارى‪:‬فإن قد عفوت "‬
‫‪..‬‬
‫وهكذا رضيت نفس الرجل واستراحت با ل ترض من مال معاوية الذي لوح له به التعويض ‪. .‬‬
‫وتلك شريعة ال العليم بلقة ; وبا ييك ف نفوسهم من مشاعر وخواطر ‪ ,‬وبا يتعمق قلوبم‬
‫ويرضيها ; ويكسب فيها الطمئنان والسلم من الحكام ‪.‬‬
‫وبعد عرض هذا الطرف من شريعة التوراة ‪ ,‬الت صارت طرفا من شريعة القرآن ‪ ,‬يعقب بالكم‬
‫العام‪:‬‬
‫(ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون) ‪. .‬‬
‫والتعبي عام ‪ ,‬ليس هناك ما يصصه ; ولكن الوصف الديد هنا هو(الظالون) ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وهذا الوصف الديد ل يعن أنا حالة أخرى غي الت سبق الوصف فيها بالكفر ‪ .‬وإنا يعن‬
‫إضافة صفة أخرى لن ل يكم با أنزل ال ‪ .‬فهو كافر باعتباره رافضا للوهية ال ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫واختصاصه بالتشريع لعباده ‪ ,‬وبادعائه هو حق اللوهية بادعائه حق التشريع للناس ‪ .‬وهو ظال‬
‫بمل الناس على شريعة غي شريعة ربم ‪ ,‬الصالة الصلحة لحوالم ‪ .‬فوق ظلمه لنفسه بإيرادها‬
‫موارد التهلكة ‪ ,‬وتعرضها لعقاب الكفر ‪ .‬وبتعريض حياة الناس ‪ -‬وهو معهم ‪ -‬للفساد ‪.‬‬
‫وهذا ما يقتضيه اتاد السند إليه وفعل الشرط‪( :‬ومن ل يكم با أنزل ال) ‪ . .‬فجواب الشرط‬
‫الثان يضاف إل جواب الشرط الول ; ويعود كلها على السند إليه ف فعل الشرط وهو(من)‬
‫الطلق العام ‪.‬‬
‫ث يضي السياق ف بيان اطراد هذا الكم العام فيما بعد التوراة ‪.‬‬
‫وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مري ‪ ,‬مصدقا لا بي يديه من التوراة ‪ .‬وآتيناه النيل فيه هدى‬
‫ونور ‪ ,‬ومصدقا لا بي يديه من التوراة ‪ ,‬وهدى وموعظة للمتقي ‪ .‬وليحكم أهل النيل با‬
‫أنزل ال فيه ‪ ,‬ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ‪. .‬‬
‫فقد آتى ال عيسى بن مري النيل ‪ ,‬ليكون منهج حياة ‪ ,‬وشريعة حكم ‪ . .‬ول يتضمن النيل‬
‫ف ذاته تشريعا إل تعديلت طفيفة ف شريعة التوراة ‪ .‬وقد جاء مصدقا لا بي يديه من التوراة ‪,‬‬
‫فاعتمد شريعتها ‪ -‬فيما عدا هذه التعديلت الطفيفة ‪ . .‬وجعل ال فيه هدى ونورا ‪ ,‬وهدى‬
‫وموعظة ‪ . .‬ولكن لن ? ‪(. .‬للمتقي) ‪ .‬فالتقون هم الذين يدون ف كتب ال الدى والنور‬
‫والوعظة ‪ ,‬هم الذين تتفتح قلوبم لا ف هذه الكتب من الدى والنور ; وهم الذين تتفتح لم‬
‫هذه الكتب عما فيها من الدى والنور ‪ . .‬أما القلوب الاسية الغليظة الصلده ‪ ,‬فل تبلغ إليها‬
‫الوعظة ; ول تد ف الكلمات معانيها ; ول تد ف التوجيهات روحها ; ول تد ف العقيدة‬
‫مذاقها ; ول تنتفع من هذا الدى ومن هذا النور بداية ول معرفة ول تستجيب ‪ . .‬إن النور‬
‫موجود ‪ ,‬ولكن ل تدركه إل البصية الفتوحة ‪ ,‬وإن الدى موجود ‪ ,‬ولكن ل تدركه إل الروح‬
‫الستشرفة ‪ ,‬وإن الوعظة موجودة ‪ ,‬ولكن ل يلتقطها ال القلب الواعي ‪.‬‬
‫وقد جعل ال ف النيل هدى ونورا وموعظة للمتقي ‪ ,‬وجعله منهج حياة وشريعة حكم لهل‬
‫النيل ‪. .‬‬
‫أي إنه خاص بم ‪ ,‬فليس رسالة عامة للبشر ‪ -‬شأنه ف هذا شأن التوراة وشأن كل كتاب وكل‬
‫رسالة وكل رسول ‪ ,‬قبل هذا الدين الخي ‪ -‬ولكن ما طابق من شريعته ‪ -‬الت هي شريعة‬
‫التوراة ‪ -‬حكم القرآن فهو من شريعة القرآن ‪ .‬كما مر بنا ف شريعة القصاص ‪.‬‬
‫وأهل النيل كانوا إذن مطالبي أن يتحاكموا إل الشريعة الت أقرها وصدقها النيل من شريعة‬
‫التوراة‪( :‬وليحكم أهل النيل با أنزل ال فيه) ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫فالقاعدة هي الكم با أنزل ال دون سواه ‪ .‬وهم واليهود كذلك لن يكونوا على شيء حت‬
‫يقيموا التوراة والنيل ‪ -‬قبل السلم ‪ -‬وما أنزل إليهم من ربم ‪ -‬بعد السلم ‪ -‬فكله شريعة‬
‫واحدة ‪ ,‬هم ملزمون با ‪ ,‬وشريعة ال الخية هي الشريعة العتمدة‪:‬‬
‫(ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الفاسقون) ‪. .‬‬
‫والنص هنا كذلك على عمومه وإطلقه ‪ . .‬وصفة الفسق تضاف إل صفت الكفر والظلم من‬
‫قبل ‪ .‬وليست تعن قوما جددا ول حالة جديدة منفصلة عن الالة الول ‪ .‬إنا هي صفة زائدة‬
‫على الصفتي قبلها ‪ ,‬لصقة بن ل يكم با أنزل ال من أي جيل ‪ ,‬ومن أي قبيل ‪.‬‬
‫الكفر برفض ألوهية ال مثل هذا ف رفض شريعته ‪ .‬والظلم بمل الناس على غي شريعة ال‬
‫وإشاعة الفساد ف حياتم ‪ .‬والفسق بالروج عن منهج ال واتباع غي طريقه ‪ . .‬فهي صفات‬
‫يتضمنها الفعل الول ‪ ,‬وتنطبق جيعها على الفاعل ‪ .‬ويبوء با جيعا دون تفريق ‪.‬‬
‫وأخيا يصل السياق إل الرسالة الخية ; وإل الشريعة الخية ‪ . .‬إنا الرسالة الت جاءت‬
‫تعرض "السلم" ف صورته النهائية الخية ; ليكون دين البشرية كلها ; ولتكون شريعته هي‬
‫شريعة الناس جيعا ; ولتهيمن على كل ماكان قبلها وتكون هي الرجع النهائي ; ولتقيم منهج‬
‫ال لياة البشرية حت يرث ال الرض ومن عليها ‪ .‬النهج الذي تقوم عليه الياة ف شت شعبها‬
‫ونشاطها ; والشريعة الت تعيش الياة ف إطارها وتدور حول مورها ; وتستمد منها تصورها‬
‫العتقادي ‪ ,‬ونظامها الجتماعي ‪ ,‬وآداب سلوكها الفردي والماعي ‪ . .‬وقد جاءت كذلك‬
‫ليحكم با ‪ ,‬ل لتعرف وتدرس ‪ ,‬وتتحول إل ثقافة ف الكتب والدفاتر ! وقد جاءت لتتبع بكل‬
‫دقة ‪ ,‬ول يترك شيء منها ويستبدل به حكم آخر ف صغية من شئون الياة أو كبية ‪ . .‬فإما‬
‫هذا وإما فهي الاهلية والوى ‪ .‬ول يشفع ف هذه الخالفة أن يقول أحد إنه يمع بي الناس‬
‫بالتساهل ف الدين ‪ .‬فلو شاء ال لعل الناس أمة واحدة ‪ .‬إنا يريد ال أن تكم شريعته ‪ ,‬ث‬
‫يكون من أمر الناس ما يكون‪:‬‬
‫وأنزلنا إليك الكتاب بالق ‪ ,‬مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ‪ ,‬فاحكم بينهم با‬
‫أنزل ال ‪ ,‬ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق ‪ .‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ‪ .‬ولو شاء‬
‫ال لعلكم أمة واحدة ‪ .‬ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ‪ ,‬فاستبقوا اليات ‪ .‬إل ال مرجعكم جيعا‬
‫‪ ,‬فينبئكم با كنتم فيه تتلفون ‪ .‬وأن احكم بينهم با أنزل ال ‪ ,‬ول تتبع أهواءهم ‪ .‬واحذرهم‬
‫أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك ‪ .‬فإن تولوا فاعلم أنا يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبم ‪,‬‬
‫وإن كثيا من الناس لفاسقون ‪ .‬أفحكم الاهلية يبغون ? ومن أحسن من ال حكمًا لقوم يوقنون‬
‫‪..‬‬

‫‪133‬‬
‫ويقف النسان أمام هذه النصاعة ف التعبي ‪ ,‬وهذا السم ف التقرير ‪ ,‬وهذا الحتياط البالغ لكل‬
‫ما قد يهجس ف الاطر من مبرات لترك شيء ‪ -‬ولو قليل ‪ -‬من هذه الشريعة ف بعض‬
‫اللبسات والظروف ‪. .‬‬
‫يقف النسان أمام هذا كله ‪ ,‬فيعجب كيف ساغ لسلم ‪ -‬يدعي السلم ‪ -‬أن يترك شريعة ال‬
‫كلها ‪ ,‬بدعوى اللبسات والظروف ! وكيف ساغ له أن يظل يدعي السلم بعد هذا الترك‬
‫الكلي لشريعة ال ! وكيف ل يزال الناس يسمون أنفسهم "مسلمي" ?! وقد خلعوا ربقة‬
‫السلم من رقابم ‪ ,‬وهم يلعون شريعة ال كلها ; ويرفضون القرار له باللوهيه ‪ ,‬ف صورة‬
‫رفضهم القرار بشريعته ‪ ,‬وبصلحية هذه الشريعه ف جيع اللبسات والظروف ‪ ,‬وبضرورة‬
‫تطبيقها كلها ف جيع اللبسات والظروف !‬
‫(وأنزلنا إليك الكتاب بالق) ‪. .‬‬
‫يتمثل الق ف صدوره من جهى اللوهيه ‪ ,‬وهي الهه الت تلك حق تنيل الشرائع ‪ ,‬وفرض‬
‫القواني ‪ . .‬ويتمثل الق ف متوياته ‪ ,‬وف كل ما يعرض له من شئون العقيده والشريعه ‪ ,‬وف‬
‫كل ما يقصه من خي ‪ ,‬وما يمله من توجيه ‪.‬‬
‫(مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) ‪. .‬‬
‫فهو الصوره الخيه لدين ال ‪ ,‬وهو الرجع الخي ف هذا الشأن ‪ ,‬والرجع الخي ف منهج‬
‫الياة وشرائع الناس ‪ ,‬ونظام حياتم ‪ ,‬بل تعديل بعد ذلك ول تبديل ‪.‬‬
‫ومن ث فكل اختلف يب أن يرد إل هذا الكتاب ليفصل فيه ‪ .‬سواء كان هذا الختلف ف‬
‫التصور العتقادي بي أصحاب الديانات السماويه ‪ ,‬أو ف الشريعه الت جاء هذا الكتاب‬
‫بصورتا الخيه ‪ .‬أو كان هذا الختلف بي السلمي أنفسهم ‪ ,‬فالرجع الذي يعودون إليه‬
‫بآرائهم ف شأن الياه كله هو هذا الكتاب ‪.‬‬
‫ول قيمه لراء الرجال ما ل يكن لا أصل تستند إليه من هذا الرجع الخي ‪.‬‬
‫وتترتب على هذه القيقه مقتضياتا الباشره‪:‬‬
‫(فاحكم بينهم با أنزل ال ‪ ,‬ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق) ‪. .‬‬
‫والمر موجه ابتداء إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما كان فيه من أمر أهل الكتاب الذين‬
‫يبحثون إليه متحاكمي ‪ .‬ولكنه ليس خاصا بذا السبب ‪ ,‬بل هو عام ‪ . .‬وإل آخر الزمان ‪. .‬‬
‫طالا أنه ليس هناك رسول جديد ‪ ,‬ول رساله جديده ‪ ,‬لتعديل شيء ما ف هذا الرجع الخي !‬
‫لقد كمل هذا الدين ‪ ,‬وتت به نعمة ال على السلمي ‪ .‬ورضيه ال لم منهج حياه للناس‬
‫أجعي ‪ .‬ول يعد هنالك من سبيل لتعديل شيء فيه أو تبديله ‪ ,‬ول لترك شيء من حكمه إل‬
‫حكم آخر ‪ ,‬ول شيء من شريعته إل شريعة أخرى ‪ .‬وقد علم ال حي رضيه للناس ‪ ,‬أنه يسع‬

‫‪134‬‬
‫الناس جيعا ‪ .‬وعلم ال حي رضيه مرجعا أخيا أنه يقق الي للناس جيعا ‪ .‬وأنه يسع حياة‬
‫الناس جيعا ‪ ,‬ال يوم الدين ‪ .‬وأي تعديل ف هذا النهج ‪ -‬ودعك من العدول عنه ‪ -‬هو إنكار‬
‫لذا العلوم من الدين بالضروره ‪ .‬يرج صاحبه من هذا الدين ‪ .‬ولو قال باللسان ألف مره‪:‬إنه‬
‫من السلمي !‬
‫وقد علم ال أن معاذير كثيه يكن أن تقوم وأن يبر با العدول عن شيء ما أنزل ال واتباع‬
‫أهواء الحكومي التحاكمي ‪ . .‬وأن هواجس قد تتسرب ف ضرورة الكم با أنزل ال كله بل‬
‫عدول عن شيء فيه ‪ ,‬ف بعض اللبسات والظروف ‪ .‬فحذر ال نبيه صلى ال عليه وسلم ف‬
‫هذه اليات مرتي من اتباع أهواء التحاكمي ‪ ,‬ومن فتنتهم له عن بعض ما أنزل ال إليه ‪. .‬‬
‫وأول هذه الواجس‪:‬الرغبة البشرية الفية ف تأليف القلوب بي الطوائف التعددة ‪ ,‬والتاهات‬
‫والعقائد التجمعة ف بلد واحد ‪ .‬ومسايرة بعض رغباتم عند ما تصطدم ببعض أحكام الشريعة ‪,‬‬
‫واليل إل التساهل ف المور الطفيفة ‪ ,‬أو الت يبدو أنا ليست من أساسيات الشريعة !‬
‫وقد روى أن اليهود عرضوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يؤمنوا له إذا تصال معهم‬
‫على التسامح ف أحكام بعينها منها حكم الرجم ‪ .‬وأن هذا التحذير قد نزل بصوص هذا‬
‫العرض ‪ . .‬ولكن المر ‪ -‬كما هو ظاهر ‪ -‬أعم من حالة بعينها وعرض بعينه ‪ .‬فهو أمر يعرض‬
‫ف مناسبات شت ‪ ,‬ويتعرض له أصحاب هذه الشريعة ف كل حي ‪ . .‬وقد شاء ال ‪ -‬سبحانه‬
‫‪ -‬أن يسم ف هذا المر ‪ ,‬وأن يقطع الطريق على الرغبة البشرية الفية ف التساهل مراعة‬
‫للعتبارات والظروف ‪ ,‬وتأليفا للقلوب حي تتلف الرغبات والهواء ‪ .‬فقال لنبيه‪:‬إن ال لو‬
‫شاء لعل الناس أمة واحدة ; ولكنه جعل لكل منهم طريقا ومنهاجا ; وجعلهم مبتلي متبين‬
‫فيما آتاهم من الدين والشريعة ‪ ,‬وما آتاهم ف الياة كلها من عطايا ‪ .‬وأن كل منهم يسلك‬
‫طريقه ; ث يرجعون كلهم إل ال ‪ ,‬فينبئهم بالقيقة ‪ ,‬وياسبهم على ما اتذوا من منهج وطريق‬
‫‪ . .‬وأنه إذن ل يوز أن يفكر ف التساهل ف شيء من الشريعة لتجميع الختلفي ف الشارب‬
‫والناهج ‪ . .‬فهم ل يتجمعون‪( :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ‪ ,‬ولو شاء ال لعلكم أمة‬
‫واحدة ‪ .‬ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ‪ .‬فاستبقوا اليات ‪ .‬إل ال مرجعكم جيعا فينبئكم با كنتم‬
‫فيه تتلفون) ‪.‬‬
‫بذلك أغلق ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬مداخل الشيطان كلها ; وباصة ما يبدو منها خيا وتأليفا للقلوب‬
‫وتميعا للصفوف ; بالتساهل ف شيء من شريعة ال ; ف مقابل إرضاء الميع ! أو ف مقابل ما‬
‫يسمونه وحدة الصفوف !‬
‫إن شريعة ال أبقى وأغلى من أن يضحى بزء منها ف مقابل شيء قدر ال أل يكون ! فالناس قد‬
‫خلقوا ولكل منهم استعداد ‪ ,‬ولكل منهم مشرب ‪ ,‬ولكل منهم منهج ‪ ,‬ولكل منهم طريق ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ولكمة من حكم ال خلقوا هكذا متلفي ‪ .‬وقد عرض ال عليهم الدى ; وتركهم يستبقون ‪.‬‬
‫وجعل هذا ابتلء لم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه ‪ ,‬وهم إليه راجعون ;‬
‫وإنا لتعلة باطلة إذن ‪ ,‬وماولة فاشلة ‪ ,‬أن ياول أحد تميعهم على حساب شريعة ال ‪ ,‬أو‬
‫بتعبي آخر على حساب صلح الياة البشرية وفلحها ‪ .‬فالعدول أو التعديل ف شريعة ال ل‬
‫يعن شيئا إل الفساد ف الرض ; وإل النراف عن النهج الوحيد القوي ; وإل انتفاء العدالة ف‬
‫حياة البشر ; وإل عبودية الناس بعضهم لبعض ‪ ,‬واتاذ بعضهم لبعض أربابا من دون ال ‪. .‬‬
‫وهو شر عظيم وفساد عظيم ‪ . .‬ل يوز ارتكابه ف ماولة عقيمة ل تكون ; لنا غي ما قدره‬
‫ال ف طبيعة البشر ; ولنا مضادة للحكمة الت من أجلها قدر ما قدر من اختلف الناهج‬
‫والشارع ‪ ,‬والتاهات والشارب ‪ . .‬وهو خالق اللق وصاحب المر الول فيهم والخي ‪.‬‬
‫وإليه الرجع والصي ‪. .‬‬
‫إن ماولة التساهل ف شيء من شريعة ال ‪ ,‬لثل هذا الغرض ‪ ,‬تبدو ‪ -‬ف ظل هذا النص الصادق‬
‫الذي يبدو مصداقه ف واقع الياة البشرية ف كل ناحية ‪ -‬ماولة سخيفة ; ل مبر لا من الواقع‬
‫; ول سند لا من إرادة ال ; ول قبول لا ف حس السلم ‪ ,‬الذي ل ياول إل تقيق مشيئة ال ‪.‬‬
‫فكيف وبعض من يسمون أنفسهم "مسلمي" يقولون‪:‬إنه ل يوز تطبيق الشريعة حت ل نسر‬
‫"السائحي" ?!!! أي وال هكذا يقولون !‬
‫ويعود السياق فيؤكد هذه القيقة ‪ ,‬ويزيدها وضوحا ‪ .‬فالنص الول‪( :‬فاحكم بينهم با أنزل ال‬
‫ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الق) ‪ . .‬قد يعن النهي عن ترك شريعة ال كلها إل أهوائهم !‬
‫فالن يذره من فتنتهم له عن بعض ما أنزل ال إليه‪:‬‬
‫(وأن احكم بينهم با أنزل ال ‪ ,‬ول تتبع أهواءهم ‪ ,‬واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال‬
‫إليك) ‪. .‬‬
‫فالتحذير هنا أشد وأدق ; وهو تصوير للمر على حقيقته ‪ . .‬فهي فتنة يب أن تذر ‪ . .‬والمر‬
‫ف هذا الجال ل يعدو أن يكون حكما با أنزل ال كامل ; أو أن يكون اتباعا للهوى وفتنة‬
‫يذر ال منها ‪.‬‬
‫ث يستمر السياق ف تتبع الواجس والواطر ; فيهون على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرهم‬
‫إذا ل يعجبهم هذا الستمساك الكامل بالصغية قبل الكبية ف هذه الشريعة ‪ ,‬وإذا هم تولوا فلم‬
‫يتاروا السلم دينا ; أو تولوا عن الحتكام إل شريعة ال [ ف ذلك الوان حيث كان هناك‬
‫تيي قبل أن يصبح هذا حتما ف دار السلم ]‪:‬‬
‫(فإن تولوا فاعلم أنا يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبم ‪ .‬وإن كثيا من الناس لفاسقون) ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫فإن تولوا فل عليك منهم ; ول يفتنك هذا عن الستمساك الكامل بكم ال وشريعته ‪ .‬ول‬
‫تعل إعراضهم يفت ف عضدك أو يولك عن موقفك ‪ . .‬فإنم إنا يتولون ويعرضون لن ال‬
‫يريد أن يزيهم على بعض ذنوبم ‪ .‬فهم الذين سيصيبهم السوء بذا العراض‪:‬ل أنت ول شريعة‬
‫ال ودينه ; ول الصف السلم الستمسك بدينه ‪ . .‬ث إنا طبيعة البشر‪( :‬وإن كثيا من الناس‬
‫لفاسقون) فهم يرجون وينحرفون ‪ .‬لنم هكذا ; ول حيلة لك ف هذا المر ‪ ,‬ول ذنب‬
‫للشريعة ! ول سبيل لستقامتهم على الطريق !‬
‫وبذلك يغلق كل منافذ الشيطان ومداخله إل النفس الؤمنة ; ويأخذ الطريق على كل حجة‬
‫وكل ذريعة لترك شيء من أحكام هذه الشريعة ; لغرض من الغراض ; ف ظرف من الظروف ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ث يقفهم على مفرق الطريق ‪ . .‬فإنه إما حكم ال ‪ ,‬وإما حكم الاهلية ‪ .‬ول وسط بي الطرفي‬
‫ول بديل ‪ . .‬حكم ال يقوم ف الرض ‪ ,‬وشريعة ال تنفذ ف حياة الناس ‪ ,‬ومنهج ال يقود حياة‬
‫البشر ‪ . .‬أو أنه حكم الاهلية ‪ ,‬وشريعة الوى ‪ ,‬ومنهج العبودية ‪ . .‬فأيهما يريدون ?‬
‫(أفحكم الاهلية يبغون ? ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) ‪. .‬‬
‫إن معن الاهلية يتحدد بذا النص ‪ .‬فالاهلية ‪ -‬كما يصفها ال ويددها قرآنه ‪ -‬هي حكم‬
‫البشر للبشر ‪ ,‬لنا هي عبودية البشر للبشر ‪ ,‬والروج من عبودية ال ‪ ,‬ورفض ألوهية ال ‪,‬‬
‫والعتراف ف مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لم من دون ال ‪. .‬‬
‫إن الاهلية ‪ -‬ف ضوء هذا النص ‪ -‬ليست فترة من الزمان ; ولكنها وضع من الوضاع ‪ .‬هذا‬
‫الوضع يوجد بالمس ‪ ,‬ويوجد اليوم ‪ ,‬ويوجد غدا ‪ ,‬فيأخذ صفة الاهلية ‪ ,‬القابلة للسلم ‪,‬‬
‫والناقضة للسلم ‪.‬‬
‫والناس ‪ -‬ف أي زمان وف أي مكان ‪ -‬إما أنم يكمون بشريعة ال ‪ -‬دون فتنة عن بعض منها‬
‫‪ -‬ويقبلونا ويسلمون با تسليما ‪ ,‬فهم إذن ف دين ال ‪ .‬وإما إنم يكمون بشريعة من صنع‬
‫البشر ‪ -‬ف أي صورة من الصور ‪ -‬ويقبلونا فهم إذن ف جاهلية ; وهم ف دين من يكمون‬
‫بشريعته ‪ ,‬وليسوا بال ف دين ال ‪ .‬والذي ل يبتغى حكم ال يبتغي حكم الاهلية ; والذي‬
‫يرفض شريعة ال يقبل شريعة الاهلية ‪ ,‬ويعيش ف الاهلية ‪.‬‬
‫وهذا مفرق الطريق ‪ ,‬يقف ال الناس عليه ‪ .‬وهم بعد ذلك باليار !‬
‫ث يسألم سؤال استنكار لبتغائهم حكم الاهلية ; وسؤال تقرير لفضلية حكم ال ‪.‬‬
‫(ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) ‪. .‬‬
‫وأجل ! فمن أحسن من ال حكما ?‬

‫‪137‬‬
‫ومن ذا الذي يرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس ‪ ,‬ويكم فيهم ‪ ,‬خيا ما يشرع ال لم ويكم‬
‫فيهم ? وأية حجة يلك أن يسوقها بي يدي هذا الدعاء العريض ?‬
‫أيستطيع أن يقول‪:‬إنه أعلم بالناس من خالق الناس ? أيستطيع أن يقول‪:‬إنه أرحم بالناس من رب‬
‫الناس ? أيستطيع أن يقول‪:‬إنه أعرف بصال الناس من إله الناس ? أيستطيع أن يقول‪:‬إن ال ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬وهو يشرع شريعته الخية ‪ ,‬ويرسل رسوله الخي ; ويعل رسوله خات النبيي ‪,‬‬
‫ويعل رسالته خاتة الرسالت ‪ ,‬ويعل شريعته شريعة البد ‪ . .‬كان ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يهل أن‬
‫أحوالًا ستطرأ ‪ ,‬وأن حاجات ستستجد ‪ ,‬وأن ملبسات ستقع ; فلم يسب حسابا ف شريعته‬
‫لنا كانت خافية عليه ‪ ,‬حت انكشفت للناس ف آخر الزمان ?!‬
‫ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة ال عن حكم الياة ‪ ,‬ويستبدل با شريعة الاهلية ‪,‬‬
‫وحكم الاهلية ; ويعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب ‪ ,‬أو هوى جيب من أجيال البشر‬
‫‪ ,‬فوق حكم ال ‪ ,‬وفوق شريعة ال ?‬
‫ما الذي يستطيع أن يقوله ‪ . .‬وباصة إذا كان يدعي أنه من السلمي ?!‬
‫الظروف ? اللبسات ? عدم رغبة الناس ? الوف من العداء ? ‪ . .‬أل يكن هذا كله ف علم‬
‫ال ; وهو يأمر السلمي أن يقيموا بينهم شريعته ‪ ,‬وأن يسيوا على منهجه ‪ ,‬وأل يفتنوا عن‬
‫بعض ما أنزله ?‬
‫قصور شريعة ال عن استيعاب الاجات الطارئة ‪ ,‬والوضاع التجددة ‪ ,‬والحوال التغلبة ? أل‬
‫يكن ذلك ف علم ال ; وهو يشدد هذا التشديد ‪ ,‬ويذر هذا التحذير ?‬
‫يستطيع غي السلم أن يقول مايشاء ‪ . .‬ولكن السلم ‪ . .‬أو من يدعون السلم ‪ . .‬ما الذي‬
‫يقولونه من هذا كله ‪ ,‬ث يبقون على شيء من السلم ? أو يبقى لم شيء من السلم ?‬
‫إنه مفرق الطريق ‪ ,‬الذي ل معدى عنده من الختيار ; ول فائدة ف الماحكة عنده ول الدال ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫إما إسلم وإما جاهلية ‪ .‬إما إيان وإما كفر ‪ .‬إما حكم ال وإما حكم الاهلية ‪. .‬‬
‫والذين ل يكمون با أنزل ال هم الكافرون الظالون الفاسقون ‪ .‬والذين ل يقبلون حكم ال من‬
‫الحكومي ما هم بؤمني ‪. .‬‬
‫إن هذه القضية يب أن تكون واضحة وحاسة ف ضمي السلم ; وأل يتردد ف تطبيقها على‬
‫واقع الناس ف زمانه ; والتسليم بقتضى هذه القيقة ونتيجة هذا التطبيق على العداء‬
‫والصدقاء !‬
‫وما ل يسم ضمي السلم ف هذه القضية ‪ ,‬فلن يستقيم له ميزان ; ولن يتضح له منهج ‪ ,‬ولن‬
‫يفرق ف ضميه بي الق والباطل ; ولن يطو خطوة واحدة ف الطريق الصحيح ‪ . .‬وإذا جاز‬

‫‪138‬‬
‫أن تبقى هذه القضية غامضة أو مائعة ف نفوس الماهي من الناس ; فما يوز أن تبقى غامضة‬
‫ول مائعة ف نفوس من يريدون أن يكونوا "السلمي" وأن يققوا لنفسهم هذا الوصف العظيم ‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪.2‬يتحاكمون إل الطاغوت‬
‫ك َومَا أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن‬
‫قال تعال ‪{:‬أَلَ ْم َترَ إِلَى الّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُمْ آمَنُوْا بِمَا أُنزِلَ ِإلَْي َ‬
‫ضّلهُمْ ضَلَ ًل َبعِيدًا} (‪)60‬‬ ‫ت وَقَدْ ُأ ِمرُواْ أَن يَ ْك ُفرُواْ ِب ِه وَُيرِي ُد الشّيْطَانُ أَن ُي ِ‬
‫يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغُو ِ‬
‫سورة النساء‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫أل تر إل هذا العجب العاجب ‪ . .‬قوم ‪ . .‬يزعمون ‪ . .‬اليان ‪ .‬ث يهدمون هذا الزعم ف‬
‫آن ?! قوم (يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك) ‪ .‬ث ل يتحاكمون إل ما أنزل‬
‫إليك وما أنزل من قبلك ? إنا يريدون أن يتحاكموا إل شيء آخر ‪ ,‬وإل منهج آخر ‪ ,‬وإل‬
‫حكم آخر ‪ . .‬يريدون أن يتحاكموا إل ‪ . .‬الطاغوت ‪ . .‬الذي ل يستمد ما أنزل إليك وما‬
‫أنزل من قبلك ‪ .‬ول ضابط له ول ميزان ‪ ,‬ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ . .‬ومن ث فهو ‪. .‬‬
‫طاغوت ‪ . .‬طاغوت بادعائه خاصية من خواص اللوهية ‪ .‬وطاغوت بأنه ل يقف عند ميزان‬
‫مضبوط أيضا ! وهم ل يفعلون هذا عن جهل ‪ ,‬ول عن ظن ‪ . .‬إنا هم يعلمون يقينا ويعرفون‬
‫تاما ‪ ,‬أن هذا الطاغوت مرم التحاكم إليه‪( :‬وقد أمروا أن يكفروا به) ‪ . .‬فليس ف المر جهالة‬
‫ول ظن ‪ .‬بل هو العمد والقصد ‪ .‬ومن ث ل يستقيم ذلك الزعم ‪ .‬زعم أنم آمنوا با أنزل إليك‬
‫وما أنزل من قبلك ! إنا هو الشيطان الذي يريد بم الضلل الذي ل يرجى منه مآب ‪. .‬‬
‫ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدًا ‪. .‬‬
‫فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتم التحاكم إل الطاغوت ‪ .‬وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إل‬
‫الروج من حد اليان وشرطه بإرادتم التحاكم إل الطاغوت ! هذا هو الدافع يكشفه لم ‪.‬‬
‫لعلهم يتنبهون فيجعوا ‪ .‬ويكشفه للجماعة السلمة ‪ ,‬لتعرف من يرك هؤلء ويقف وراءهم‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫ويضي السياق ف وصف حالم إذا ما دعوا إل ما أنزل ال إل الرسول وما أنزل من قبله ‪. .‬‬
‫ذلك الذي يزعمون أنم آمنوا به‪:‬‬
‫(وإذا قيل لم‪:‬تعالوا إل ما أنزل ال وإل الرسول ‪ ,‬رأيت النافقي يصدون عنك صدودا) ‪.‬‬
‫يا سبحان ال ! إن النفاق يأب إل أن يكشف نفسه ! ويأب إل أن يناقض بديهيات النطق‬
‫الفطري ‪ . .‬وإل ما كان نفاقا ‪. . .‬‬

‫‪139‬‬
‫إن القتضى الفطري البديهي لليان ‪ ,‬أن يتحاكم النسان إل ما آمن به ‪ ,‬وإل من آمن به ‪ .‬فإذا‬
‫زعم أنه آمن بال وما أنزل ‪ ,‬وبالرسول وما أنزل إليه ‪ .‬ث دعي إل هذا الذي آمن به ‪ ,‬ليتحاكم‬
‫إل أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التلبيه الكاملة هي البديهية الفطرية ‪ .‬فأما حي يصد ويأب فهو‬
‫يالف البديهية الفطرية ‪ .‬ويكشف عن النفاق ‪ .‬وينب ء عن كذب الزعم الذي زعمه من‬
‫اليان !‬
‫وإل هذه البديهية الفطرية ياكم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أولئك الذين يزعمون اليان بال ورسوله ‪ .‬ث‬
‫ل يتحاكمون إل منهج ال ورسوله ‪ .‬بل يصدون عن ذلك النهج حي يدعون إليه صدودا !‬
‫ث يعرض مظهرا من مظاهر النفاق ف سلوكهم ; حي يقعون ف ورطة أو كارثة بسبب عدم‬
‫تلبيتهم للدعوة إل ما أنزل ال وإل الرسول ; أو بسبب ميلهم إل التحاكم إل الطاغوت ‪.‬‬
‫ومعاذيرهم عند ذلك ‪ .‬وهي معاذير النفاق‪:‬‬
‫(فكيف إذا أصابتهم مصيبة ‪ -‬با قدمت أيديهم ‪ -‬ث جاؤوك يلفون بال‪:‬إن أردنا إل إحسانا‬
‫وتوفيقا) ‪. .‬‬
‫وهذه الصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم ف وسط الماعة السلمة ‪ -‬يومذاك ‪ -‬حيث‬
‫يصبحون معرضي للنبذ والقاطعة والزدراء ف الوسط السلم ‪ .‬فما يطيق الجتمع السلم أن يرى‬
‫من بينه ناسا يزعمون أنم آمنوا بال وما أنزل ‪ ,‬وبالرسول وما أنزل إليه ; ث ييلون إل التحاكم‬
‫لغي شريعة ال ; أو يصدون حي يدعون إلىالتحاكم إليها ‪ . .‬إنا يقبل مثل هذا ف متمع ل‬
‫إسلم له ول إيان ‪ .‬وكل ما له من اليان زعم كزعم هؤلء ; وكل ما له من السلم دعوى‬
‫وأساء !‬
‫أو قد تصيبهم الصيبة من ظلم يقع بم ; نتيجة التحاكم إل غي نظام ال العادل ; ويعودون‬
‫باليبة والندامة من الحتكام إل الطاغوت ; ف قضية من قضاياهم ‪.‬‬
‫أو قد تصيبهم الصيبة ابتلء من ال لم ‪ .‬لعلهم يتفكرون ويهتدون ‪. .‬‬
‫وأياما ما كان سبب الصيبة ; فالنص القرآن ‪ ,‬يسأل مستنكرا‪:‬فكيف يكون الال حينئذ ! كيف‬
‫يعودون إل الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا) ‪. . .‬‬
‫إنا حال مزية ‪ . .‬حي يعودون شاعرين با فعلوا ‪ . .‬غي قادرين على مواجهة الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم بقيقة دوافعهم ‪ .‬وف الوقت ذاته يلفون كاذبي‪:‬أنم ما أرادوا بالتحاكم إل‬
‫الطاغوت ‪ -‬وقد يكون هنا هو عرف الاهلية ‪ -‬إل رغبة ف الحسان والتوفيق ! وهي دائما‬
‫دعوى كل من ييدون عن الحتكام إل منهج ال وشريعته‪:‬أنم يريدون اتقاء الشكالت‬
‫والتاعب والصاعب ‪ ,‬الت تنشأ من الحتكام إل شريعة ال ! ويريدون التوفيق بي العناصر‬

‫‪140‬‬
‫الختلفة والتاهات الختلفة والعقائد الختلفة ‪ . .‬إنا حجة الذين يزعمون اليان ‪ -‬وهم غي‬
‫مؤمني ‪ -‬وحجة النافقي اللتوين ‪ . .‬هي هي دائما وف كل حي !‬
‫وال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يكشف عنهم هذا الرداء الستعار ‪ .‬ويب رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬أنه‬
‫يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانهم ‪ .‬ومع هذا يوجهه إل أخذهم بالرفق ‪ ,‬والنصح لم بالكف‬
‫عن هذا اللتواء‪:‬‬
‫(أولئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم ‪ .‬فأعرض عنهم وعظهم ‪ ,‬وقل لم ف أنفسهم قول بليغا) ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫أولئك الذين يفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويتجون بذه الجج ‪ ,‬ويعتذرون بذه العاذير ‪.‬‬
‫وال يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور ‪ . .‬ولكن السياسة الت كانت متبعة ‪ -‬ف ذلك‬
‫الوقت ‪ -‬مع النافقي كانت هي الغضاء عنهم ‪ ,‬وأخذهم بالرفق ‪ ,‬واطراد الوعظة والتعليم ‪. .‬‬
‫والتعبي العجيب‪:‬‬
‫وقل لم ‪ . .‬ف أنفسهم ‪ . .‬قول بليغًا ‪.‬‬
‫تعبي مصور ‪ . .‬كأنا القول يودع مباشرة ف النفس ‪ ,‬ويستقر مباشرة ف القلوب ‪.‬‬
‫وهو يرغبهم ف العودة والتوبة والستقامة والطمئنان إل كنف ال وكنف رسوله ‪ . .‬بعد كل‬
‫ما بدا منهم من اليل إل الحتكام إل الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫حي يدعون إل التحاكم إل ال والرسول ‪ . .‬فالتوبة بابا مفتوح ‪ ,‬والعودة إل ال ل يفت اوانا‬
‫بعد ; واستغفارهم ال من الذنب ‪ ,‬واستغفار الرسول لم ‪ ,‬فيه القبول ! ولكنه قبل هذا كله‬
‫يقرر القاعدة الساسية‪:‬وهي أن ال قد أرسل رسله ليطاعوا ‪ -‬بإذنه ‪ -‬ل ليخالف عن أمرهم ‪.‬‬
‫ول ليكونوا مرد وعاظ ! ومرد مرشدين !‬
‫وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال ‪ .‬ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ‪ ,‬فاستغفروا ال ‪,‬‬
‫واستغفر لم الرسول ‪ ,‬لوجدوا ال توابا رحيمًا ‪. .‬‬
‫وهذه حقيقة لا وزنا ‪ . .‬إن الرسول ليس مرد "واعظ" يلقي كلمته ويضي ‪ .‬لتذهب ف الواء‬
‫‪ -‬بل سلطان ‪ -‬كما يقول الخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين ل‬
‫يفهمون مدلول "الدين" ‪.‬‬
‫إن الدين منهج حياة ‪ .‬منهج حياة واقعية ‪ .‬بتشكيلتا وتنظيماتا ‪ ,‬وأوضاعها ‪ ,‬وقيمها ‪,‬‬
‫وأخلقها وآدابا ‪ .‬وعباداتا وشعائرها كذلك ‪.‬‬
‫وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان ‪ .‬سلطان يقق النهج ‪ ,‬وتضع له النفوس خضوع‬
‫طاعة وتنفيذ ‪ . .‬وال أرسل رسله ليطاعوا ‪ -‬بإذنه وف حدود شرعه ‪ -‬ف تقيق منهج الدين ‪.‬‬
‫منهج ال الذي أراده لتصريف هذه الياة ‪ .‬وما من رسول إل أرسله ال ‪ ,‬ليطاع ‪ ,‬بإذن ال ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫فتكون طاعته طاعة ل ‪ . .‬ول يرسل الرسل لجرد التأثر الوجدان ‪ ,‬والشعائر التعبدية ‪ . .‬فهذا‬
‫وهم ف فهم الدين ; ل يستقيم مع حكمة ال من إرسال الرسل ‪ .‬وهي إقامة منهج معي للحياة‬
‫‪ ,‬ف واقع الياة ‪ . .‬وإل فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أن يقف واعظا ‪ .‬ل يعنيه إل أن‬
‫يقول كلمته ويضي ‪ .‬يستهتر با الستهترون ‪ ,‬ويبتذلا البتذلون !!!‬
‫ومن هنا كان تاريخ السلم كما كان ‪ . .‬كان دعوة وبلغا ‪ .‬ونظام وحكما ‪ .‬وخلفة بعد‬
‫ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم تقوم بقوة الشريعة والنظام ‪ ,‬على تنفيذ الشريعة والنظام‬
‫‪ .‬لتحقيق الطاعة الدائمة للرسول ‪ .‬وتقيق إرادة ال من إرسال الرسول ‪ .‬وليست هنالك صورة‬
‫أخرى يقال لا‪:‬السلم ‪ .‬أو يقال لا‪:‬الدين ‪ .‬إل أن تكون طاعة للرسول ‪ ,‬مققة ف وضع وف‬
‫تنظيم ‪ .‬ث تتلف أشكال هذا الوضع ما تتلف ; ويبقى أصلها الثابت ‪ .‬وحقيقتها الت ل توجد‬
‫بغيها ‪ . .‬استسلم لنهج ال ‪ ,‬وتقيق لنهج رسول ال ‪ .‬وتاكم إل شريعة ال ‪ .‬وطاعة‬
‫للرسول فيما بلغ عن ال ‪ ,‬وإفراد ل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬باللوهية [ شهادة أن ل إله إل ال ] ومن ث‬
‫إفراده بالاكمية الت تعل التشريع ابتداء حقا ل ‪ ,‬ل يشاركه فيه سواه ‪ .‬وعدم احتكام إل‬
‫الطاغوت ‪ .‬ف كثي ول قليل ‪ .‬والرجوع إل ال والرسول ‪ ,‬فيما ل يرد فيه نص من القضايا‬
‫الستجدة ‪ ,‬والحوال الطارئه ; حي تتلف فيه العقول ‪. .‬‬
‫وأمام الذين (ظلموا أنفسهم) بيلهم عن هذا النهج ‪ ,‬الفرصة الت دعا ال النافقي إليها على عهد‬
‫رسول ال ‪ ,‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ورغبهم فيها ‪. .‬‬
‫ولو أنم ‪ -‬إذ ظلموا أنفسهم ‪ -‬جاؤوك ‪ ,‬فاستغفروا ال ‪ ,‬واستغفر لم الرسول ‪ ,‬لوجدوا ال‬
‫توابا رحيمًا ‪. .‬‬
‫وال تواب ف كل وقت على من يتوب ‪ .‬وال رحيم ف كل وقت على من يؤوب ‪ .‬وهو ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬يصف نفسه بصفته ‪ .‬ويعد العائدين إليه ‪ ,‬الستغفرين من الذنب ‪ ,‬قبول التوبة وإفاضة‬
‫الرحة ‪ . .‬والذين يتناولم هذا النص ابتداء ‪ ,‬كان لديهم فرصة استغفار الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم وقد انقضت فرصتها ‪ .‬وبقي باب ال مفتوحا ل يغلق ‪ .‬ووعده قائما ل ينقض ‪ .‬فمن أراد‬
‫فليقدم ‪ .‬ومن عزم فليتقدم ‪. .‬‬
‫وأخيا ييء ذلك اليقاع الاسم الازم ‪ .‬إذ يقسم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بذاته العلية ‪ ,‬أنه ل يؤمن‬
‫مؤمن ‪ ,‬حت يكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمره كله ‪ .‬ث يضي راضيا بكمه ‪,‬‬
‫مسلما بقضائه ‪ .‬ليس ف صدره حرج منه ‪ ,‬ول ف نفسه تلجلج ف قبوله‪:‬‬
‫فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ‪ .‬ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ‪,‬‬
‫ويسلموا تسليمًا ‪. .‬‬

‫‪142‬‬
‫ومرة أخرى ندنا أمام شرط اليان وحد السلم ‪ .‬يقرره ال سبحانه بنفسه ‪ .‬ويقسم عليه بذاته‬
‫‪ .‬فل يبقى بعد ذلك قول لقائل ف تديد شرط اليان وحد السلم ‪ ,‬ول تأويل لؤول ‪.‬‬
‫اللهم إل ماحكة ل تستحق الحترام ‪ . .‬وهي أن هذا القول مرهون بزمان ‪ ,‬وموقوف على‬
‫طائفة من الناس ! وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا ; ول يفقه من التعبي القرآن قليل‬
‫ول كثيا ‪ .‬فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم ; جاءت ف صورة قسم مؤكد ; مطلقة من‬
‫كل قيد ‪ . .‬وليس هناك مال للوهم أو اليهام بأن تكيم رسول ال صلى ال عليه وسلم هو‬
‫تكيم شخصه ‪ .‬إنا هو تكيم شريعته ومنهجه ‪ .‬وإل ل يبق لشريعة ال وسنة رسوله مكان بعد‬
‫وفاته صلى ال عليه وسلم وذلك قول أشد الرتدين ارتدادا على عهد أب بكر ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫‪ -‬وهو الذي قاتلهم عليه قتال الرتدين ‪ .‬بل قاتلهم على ما هو دونه بكثي ‪ .‬وهو مرد عدم‬
‫الطاعة ل ورسوله ‪ ,‬ف حكم الزكاة ; وعدم قبول حكم رسول ال فيها ‪ ,‬بعد الوفاة !‬
‫وإذا كان يكفي لثبات "السلم" أن يتحاكم الناس إل شريعة ال وحكم رسوله ‪ . .‬فانه ل‬
‫يكفي ف "اليان" هذا ‪ ,‬ما ل يصحبه الرضى النفسي ‪ ,‬والقبول القلب ‪ ,‬وإسلم القلب والنان‬
‫‪ ,‬ف اطمئنان !‬
‫هذا هو السلم ‪ . .‬وهذا هو اليان ‪ . .‬فلتنظر نفس أين هي من السلم ; وأين هي من اليان‬
‫! قبل ادعاء السلم وادعاء اليان !‬

‫وكذلك فقد أمرنا ال تعال بوجوب اجتناب الطاغوت قال تعال ‪:‬‬
‫{ َوَلقَدْ َبعَثْنَا فِي كُلّ ُأمّ ٍة رّسُولً أَنِ ا ْعبُدُوْا الّل َه وَاجْتَِنبُوْا الطّاغُوتَ فَمِْنهُم مّ ْن هَدَى الّلهُ َومِْنهُم‬
‫ت عَلَْيهِ الضّللَةُ َفسِيُواْ فِي ا َل ْرضِ فَان ُظرُواْ كَيْفَ كَا َن عَاقَِبةُ اْلمُكَذِّبيَ} (‪ )36‬سورة‬ ‫مّنْ َح ّق ْ‬
‫النحل‬
‫وقال ابن كثي ‪:‬‬
‫وبعث ف كل أمة أي ف كل قرن وطائفة رسولً‪ ,‬وكلهم يدعون إل عبادة ال وينهون عن عبادة ما‬
‫سواه {أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت} فلم يزل تعال يرسل إل الناس الرسل بذلك منذ حدث‬
‫الشرك ف بن آدم ف قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح‪ ,‬وكان أول رسول بعثه ال ال أهل الرض إل‬
‫أن ختمهم بحمد صلى ال عليه وسلم الذي طبقت دعوته النس والن ف الشارق والغارب‪,‬‬
‫وكلهم كما قال ال تعال‪{ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا‬
‫فاعبدون}‪ ,‬وقوله تعال‪{ :‬واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحن آلة‬
‫يعبدون} وقال تعال ف هذه الَية الكرية‪{ :‬ولقد بعثنا ف كل أمة رسولً أن اعبدوا ال واجتنبوا‬
‫الطاغوت} فيكف يسوغ لحد من الشركي بعد هذا أن يقول‪{ :‬لو شاء ال ما عبدنا من دونه من‬

‫‪143‬‬
‫شيء} فمشيئته تعال الشرعية عنهم منتفية‪ ,‬لنه ناهم عن ذلك على ألسنة رسله‪ ,‬وأما مشيئته‬
‫الكونية وهي تكينهم من ذلك قدرا‪ ,‬فل حجة لم فيها‪ ,‬لنه تعال خلق النار وأهلها من الشياطي‬
‫والكفرة‪ ,‬وهو ل يرضى لعباده الكفر‪ ,‬وله ف ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة‪.‬‬
‫ث إنه تعال قد أخب أنه أنكر عليهم بالعقوبة ف الدنيا بعد إنذار الرسل‪ ,‬فلهذا قال‪{ :‬فمنهم من‬
‫هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيوا ف الرض فانظروا كيف كان عاقبة الكذبي} أي‬
‫اسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الق كيف {دمر ال عليهم وللكافرين أمثالا}‪,‬‬
‫فقال‪{ :‬ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكي}‪.‬‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫(ولقد بعثنا ف كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت) ‪. .‬‬
‫ففريق استجاب‪( :‬فمنهم من هدى ال) وفريق شرد ف طريق الضلل (ومنهم من حقت عليه‬
‫الضللة) ‪ . .‬وهذا الفريق وذلك كلها ل يرج على مشيئة ال ‪ ,‬وكلها ل يقسره ال قسرا على‬
‫هدى أو ضلل ‪ ,‬إنا سلك طريقه الذي شاءت إرادة ال أن تعل إرادته حرة ف سلوكه ‪ ,‬بعد ما‬
‫زودته بعال الطريق ف نفسه وف الفاق ‪.‬‬
‫كذلك ينفي القرآن الكري بذا النص وهم الجبار الذي لوح به الشركون ‪ ,‬والذي يستند إليه كثي‬
‫من العصاة والنحرفي ‪ .‬والعقيدة السلمية عقيدة ناصعة واضحة ف هذه النقطة ‪ .‬فال يأمر عباده‬
‫بالي وينهاهم عن الشر ‪ ,‬ويعاقب الذنبي أحيانا ف الدنيا عقوبات ظاهرة يتضح فيها غضبه عليهم ‪.‬‬
‫فل مال بعد هذا لن يقال‪:‬إن إرادة ال تتدخل لترغمهم على النراف ث يعاقبهم عليه ال ! إنا هم‬
‫متروكون لختيار طريقهم وهذه هي إرادة ال ‪ .‬وكل ما يصدر عنهم من خي أو شر ‪ .‬من هدى‬
‫ومن ضلل ‪ .‬يتم وفق مشيئة ال على هذا العن الذي فصلناه ‪.‬‬
‫ومن ث يعقب على هذا بطاب إل الرسول صلى ال عليه وسلم يقرر سنة ال ف الدى والضلل‪:‬‬
‫(إن ترص على هداهم فإن ال ل يهدي من يضل وما لم من ناصرين) ‪.‬‬
‫فليس الدى أو الضلل برص الرسول على هدى القوم أو عدم حرصه ‪ ,‬فوظيفته البلغ ‪ .‬أما الدى‬
‫أو الضلل فيمضي وفق سنة ال وهذه السنة ل تتخلف ول تتغي عواقبها ‪ ,‬فمن أضله ال لنه‬
‫استحق الضلل وفق سنة ال ‪ ,‬فإن ال ليهديه ‪ ,‬لن ل سننا تعطي نتائجها ‪ .‬وهكذا شاء ‪ .‬وال‬
‫فعال لا يشاء ‪( .‬وما لم من ناصرين) ينصرونم من دون ال ‪.‬‬
‫ش ْر عِبَادِ} (‬
‫شرَى فَبَ ّ‬
‫وقال تعال ‪ { :‬وَالّذِينَ اجَْتنَبُوا الطّاغُوتَ أَن َيعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا ِإلَى الّلهِ َلهُمُ اْلبُ ْ‬
‫‪ )17‬سورة الزمر‬
‫وف الظلل ‪:‬‬

‫‪144‬‬
‫والطاغوت صياغة من الطغيان ; نو ملكوت وعظموت ورحوت ‪ .‬تفيد البالغة والضخامة ‪.‬‬
‫والطاغوت كل ما طغا وتاوز الد ‪ .‬والذين اجتنبوا عبادتا هم الذين اجتنبوا عبادة غي العبود ف أية‬
‫صورة من صور العبادة ‪ .‬وهم الذين أنابوا إل ربم ‪ .‬وعادوا إليه ‪ ,‬ووقفوا ف مقام العبودية له وحده‬
‫‪.‬‬
‫هؤلء (لم البشرى) صادرة إليهم من الل العلى ‪ .‬والرسول صلى ال عليه وسلم يبلغها لم بأمر‬
‫ال‪( :‬فبشر عباد) ‪ . .‬إنا البشرى العلوية يملها إليهم رسول كري ‪ .‬وهذا وحده نعيم !‬
‫هؤلء من صفاتم أنم يستمعون ما يستمعون من القول ‪ ,‬فتلتقط قلوبم أحسنه وتطرد ما عداه ‪ ,‬فل‬
‫يلحق با ول يلصق إل الكلم الطيب ‪ ,‬الذي تزكو به النفوس والقلوب ‪ . .‬والنفس الطيبة تتفتح‬
‫للقول الطيب فتتلقاه وتستجيب له ‪ .‬والنفس البيثة ل تتفتح إل للخبيث من القول ول تستجيب إل‬
‫له ‪.‬‬
‫(أولئك الذين هداهم ال) ‪. .‬‬
‫فقد علم ال ف نفوسهم خيا فهداهم إل استماع أحسن القول والستجابة له ‪ .‬والدى هدى ال‬
‫وأولئك هم أولو اللباب ‪. .‬‬
‫فالعقل السليم هو الذي يقود صاحبه إل الزكاة ‪ ,‬وإل النجاة ‪ .‬ومن ل يتبع طريق الزكاة والنجاة‬
‫فكأنه مسلوب العقل مروم من هذه النعمة الت أعطاها له ال ‪.‬‬

‫‪.3‬يوالون الكفار من اليهود والنصارى وغيهم‬


‫قال تعال ‪:‬‬
‫ض َومَن يََتوَّلهُم مّنكُمْ‬ ‫ضهُمْ َأوِْليَاء َبعْ ٍ‬ ‫{ يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ لَ تَتّخِذُوْا الَْيهُو َد وَالّنصَارَى َأوْلِيَاء َب ْع ُ‬
‫فَإِّن ُه مِْنهُمْ إِنّ الّلهَ َل َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ} (‪ )51‬سورة الائدة‬
‫وقال تعال ‪:‬‬
‫ب مِن‬
‫{ يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ لَ تَتّخِذُوْا الّذِي َن اتّخَذُوْا دِيَنكُ ْم ُه ُزوًا وََلعِبًا مّنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْ ِكتَا َ‬
‫قَْبلِكُ ْم وَالْ ُكفّارَ َأوِْليَاء وَاّتقُواْ الّلهَ إِن كُنتُم ّمؤْمِِنيَ} (‪ )57‬سورة الائدة‬
‫وقال تعال ‪ { :‬يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُوا لَا تََتوَّلوْا َق ْومًا َغضِبَ الّلهُ َعلَْيهِ ْم قَدْ يَِئسُوا مِنَ الْآ ِخ َرةِ َكمَا‬
‫يَِئسَ الْ ُكفّا ُر مِنْ َأصْحَابِ اْلقُبُورِ} (‪ )13‬سورة المتحنة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫فقوله تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة وقد كفروا‬
‫با جاءكم من الق} يعن الشركي والكفار الذين هم ماربون ل ولرسوله وللمؤمني الذين شرع‬
‫ال عداوتم ومصارمتهم ونى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلء كما قال تعال‪{ :‬يا أيها الذين‬

‫‪145‬‬
‫آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم} وهذا‬
‫تديد شديد ووعيد أكيد وقال تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتذوا دينكم هزوا ولعبا‬
‫من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا ال إن كنتم مؤمني} وقال تعال‪{ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون الؤمني أتريدون أن تعلوا ل عليكم سلطانا مبينا ؟}‬
‫وقال تعال‪{ :‬ل يتخذ الؤمنون الكافرين أولياء من دون الؤمني ومن يفعل ذلك فليس من ال ف‬
‫شيء إل أن تتقوا منهم تقاة ويذركم ال نفسه} ولذا قبل رسول ال صلى ال عليه وسلم عذر‬
‫حاطب‪ ,‬لا ذكر أنه إنا فعل ذلك مصانعة لقريش لجل ما كان له عندهم من الموال والولد‪.‬‬
‫ويذكر ههنا الديث الذي رواه المام أحد‪ :‬حدثنا مصعب بن سلم‪ ,‬حدثنا الجلح عن قيس بن‬
‫أب مسلم عن ربعي بن حراش سعت حذيفة يقول‪ :‬ضرب لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أمثالً‬
‫واحدا وثلثة وخسة وسبعة وتسعة وأحد عشر‪ ,‬قال فضرب لنا منها مثلً وترك سائرها قال‪« :‬إن‬
‫قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تب وعداء فأظهر ال أهل الضعف عليهم فعمدوا إل‬
‫عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم‪ ,‬فأسخطوا ال عليهم إل يوم يلقونه» وقوله تعال‪{ :‬يرجون‬
‫الرسول وإياكم} هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتم وعدم موالتم لنم أخرجوا الرسول‬
‫وأصحابه من بي أظهرهم كراهة لا هم عليه من التوحيد وإخلص العبادة ل وحده‪ ,‬ولذا قال‬
‫تعال‪{ :‬أن تؤمنوا بال ربكم} أي ل يكن لكم عندهم ذنب إل إيانكم بال رب العالي كقوله‬
‫تعال‪{ :‬وما نقموا منهم إل أن يؤمنوا بال العزيز الميد} وكقوله تعال‪{ :‬الذين أخرجوا من‬
‫ديارهم بغي حق إل أن يقولوا ربنا ال}‪.‬‬
‫س مِنَ الّلهِ فِي شَ ْيءٍ‬
‫ي َومَن َي ْفعَلْ ذَِلكَ َفلَْي َ‬
‫** لّ َيتّخِذِ الْ ُم ْؤمِنُونَ الْكَاِفرِينَ َأوِْليَآءَ مِن دُونِ الْ ُم ْؤمِِن َ‬
‫سهُ وَإِلَ َى الّلهِ الْ َمصِيُ‬
‫إِلّ أَن تَّتقُوْا مِْنهُمْ ُتقَا ًة وَيُحَ ّذرْكُ ُم الّلهُ َنفْ َ‬
‫نى تبارك وتعال عباده الؤمني أن يوالوا الكافرين‪ ,‬وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالودة‬
‫من دون الؤمني‪ ,‬ث توعد على ذلك‪ ,‬فقال تعال‪{ :‬ومن يفعل ذلك فليس من ال ف شيء} أي‬
‫ومن يرتكب ني ال ف هذا‪ ,‬فقد بريء من ال‪ ,‬كما قال تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة ـ إل أن قال ـ‪ :‬ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء‬
‫السبيل}‪ ,‬وقال تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون الؤمني‪ ,‬أتريدون‬
‫أن تعلوا ل عليكم سلطانا مبينا}‪ ,‬وقال تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض‪ ,‬ومن يتولم منكم فإنه منهم} الَية‪ ,‬وقال تعال بعد ذكر‬
‫موالة الؤمني من الهاجرين والنصار والعراب {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه‬
‫تكن فتنة ف الرض وفساد كبي} ‪ ,‬وقوله تعال‪{ :‬إل أن تتقوا منهم تقاة} أي إل من خاف ف‬
‫بعض البلدان أو الوقات من شرهم‪ ,‬فله أن يتقيهم بظاهره ل بباطنه ونيته‪ ,‬كما قال البخاري‬

‫‪146‬‬
‫عن أب الدرداء‪ :‬أنه قال‪« :‬إنا لنكشر ف وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم»‪ .‬وقال الثوري‪ :‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬ليس التقية بالعمل إنا التقية باللسان‪ ,‬وكذا رواه العوف عن ابن عباس‪ :‬إنا التقية باللسان‪,‬‬
‫وكذا قال أبو العالية وأبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس‪ .‬ويؤيد ما قالوه قول ال تعال‪:‬‬
‫{من كفر با ل من بعد إيانه إل من أكره وقلبه مطمئن باليان} الَية‪ .‬وقال البخاري‪ :‬قال‬
‫السن‪ :‬التقية إل يوم القيامة‪ ,‬ث قال تعال‪{ :‬ويذركم ال نفسه} أي يذركم نقمته ف مالفته‬
‫وسطوته وعذابه لن وال أعداءه‪ ,‬وعادى أولياءه‪ .‬ث قال تعال‪{ :‬وإل ال الصي} أي إليه‬
‫الرجع والنقلب ليجازي كل عامل بعمله‪ .‬قال ابن أب حات‪ :‬حدثنا أب‪ ,‬حدثنا سويد بن سعيد‪,‬‬
‫حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أب حسي‪ ,‬عن عبد الرحن بن سابط‪ ,‬عن عمرو بن ميمون‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قام فينا معاذ بن جبل‪ ,‬فقال‪ :‬يا بن أود‪ ,‬إن رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم إليكم‪,‬‬
‫تعلمون أن العاد إل النة أو إل النار‪.‬‬
‫ض َومَن يََتوَّلهُ ْم مّنكُمْ‬ ‫ضهُمْ َأوِْليَآءُ َبعْ ٍ‬ ‫** يَـأَّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ لَ تَّتخِذُواْ الَْيهُودَ وَالّنصَا َرىَ َأ ْولِيَآءَ َب ْع ُ‬
‫فَإِّن ُه مِْنهُمْ إِنّ الّلهَ َل َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ * فََترَى الّذِينَ فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ يُسَا ِرعُونَ فِيهِمْ‬
‫َيقُولُونَ نَخْشَىَ أَن ُتصِيبَنَا دَآِئ َرةٌ َفعَسَى الّلهُ أَن يَ ْأتِيَ بِاْلفَتْحِ َأوْ َأ ْمرٍ مّ ْن عِن ِد ِه فَُيصْبِحُواْ َعلَ َى مَآ‬
‫سهِمْ نَا ِد ِميَ * وََيقُولُ الّذِي َن آمَنُواْ َأهُـؤُلءِ الّذِينَ َأقْسَمُوْا بِالّلهِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِمْ ِإّنهُمْ‬ ‫َأ َسرّواْ فِيَ َأْنفُ ِ‬
‫َل َمعَكُمْ حَبِ َطتْ َأعْمَاُلهُ ْم فََأصْبَحُوْا خَا ِسرِي َن‬
‫ينهى تبارك وتعال عباده الؤمني عن موالة اليهود والنصارى‪ ,‬الذين هم أعداء السلم وأهله‬
‫ـ قاتلهم ال ـ ث أخب أن بعضهم أولياء بعض‪ ,‬ث تدد وتوعد من يتعاطى ذلك‪ ,‬فقال {ومن‬
‫يتولم منكم فإنه منهم} الَية‪ .‬قال ابن أب حات‪ :‬حدثنا كثي بن شهاب‪ ,‬حدثنا ممد يعن ابن‬
‫سعيد بن سابق‪ ,‬حدثنا عمرو بن أب قيس عن ساك بن حرب‪ ,‬عن عياض أن عمر أمر أبا موسى‬
‫الشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى ف أدي واحد‪ ,‬وكان له كاتب نصران‪ ,‬فرفع إليه ذلك‪,‬‬
‫فعجب عمر وقال‪ :‬إن هذا لفيظ‪ ,‬هل أنت قارىء لنا كتابا ف السجد جاء من الشام ؟ فقال‪:‬‬
‫إنه ل يستطيع‪ ,‬فقال عمر‪ :‬أجنب هو ؟ قال‪ :‬ل بل نصران‪ .‬قال‪ :‬فانتهرن وضرب فخذي‪ ,‬ث‬
‫قال‪ :‬أخرجوه‪ ,‬ث قرأ {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَية‪ ,‬ث قال‪:‬‬
‫حدثنا ممد بن السن بن ممد بن الصباح‪ ,‬حدثنا عثمان بن عمر‪ ,‬أنبأنا ابن عون عن ممد بن‬
‫سيين‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال بن عتبة‪ :‬ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو ل يشعر‪ .‬قال‪:‬‬
‫فظنناه يريد هذه الَية {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَية‪ ,‬وحدثنا أبو‬
‫سعيد الَشج‪ ,‬حدثنا ابن فضيل عن عاصم‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح‬
‫نصارى العرب‪ ,‬فقال‪ :‬كل‪ ,‬قال ال تعال‪{ :‬ومن يتولم منكم فإنه منهم}‪ ,‬وروي عن أب الزناد‬
‫نو ذلك‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫وقوله تعال‪{ :‬فترى الذين ف قلوبم مرض} أي شك وريب ونفاق‪ ,‬يسارعون فيهم‪ ,‬أي‬
‫يبادرون إل موالتم ومودتم ف الباطن والظاهر‪{ ,‬يقولون نشى أن تصيبنا دائرة} أي يتأولون‬
‫ف مودتم وموالتم أنم يشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالسلمي‪ ,‬فتكون لم أياد عند‬
‫اليهود والنصارى‪ ,‬فينفعهم ذلك‪ .‬عند ذلك قال ال تعال‪{ :‬فعسى ال أن يأت بالفتح} قال‬
‫السدي‪ :‬يعن فتح مكة‪ .‬وقال غيه‪ :‬يعن القضاء والفصل‪{ ,‬أو أمر من عنده}‪ .‬قال السدي‪:‬‬
‫يعن ضرب الزية على اليهود والنصارى‪{ ,‬فيصبحوا} يعن الذين والوا اليهود والنصارى من‬
‫النافقي {على ما أسروا ف أنفسهم} من الوالة‪{ ,‬نادمي} أي على ما كان منهم ما ل يد‬
‫عنهم شيئا‪ ,‬ول دفع عنهم مذورا‪ ,‬بل كان عي الفسدة‪ ,‬فإنم فضحوا وأظهر ال أمرهم ف‬
‫الدنيا لعباده الؤمني بعد أن كانوا مستورين‪ ,‬ل يدرى كيف حالم‪ ,‬فلما انعقدت السباب‬
‫الفاضحة لم تبي أمرهم لعباد ال الؤمني‪ ,‬فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنم من الؤمني‪,‬‬
‫ويلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبم وافتراؤهم‪ ,‬ولذا قال تعال‪{ :‬ويقول الذين آمنوا‬
‫أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم حبطت أعمالم فأصبحوا خاسرين}‪.‬‬
‫وقد اختلف القرّاء ف هذا الرف فقرأه المهور بإثبات الواو ف قوله {ويقول}‪ ,‬ث منهم من‬
‫رفع ويقول‪ :‬على البتداء‪ ,‬ومنهم من نصب عطفا على قوله {فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر‬
‫من عنده} فتقديره أن يأت وأن يقول وقرأ أهل الدينة {يقول الذين آمنوا} بغي واو‪ ,‬وكذلك‬
‫هو ف مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير‪ .‬قال ابن جرير عن ماهد {فعسى ال يأت بالفتح أو‬
‫أمر من عنده} تقديره حينئذ {يقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم‬
‫لعكم حبطت أعمالم فأصبحوا خاسرين} واختلف الفسرون ف سبب نزول هذه الَيات‬
‫الكريات‪ ,‬فذكر السدي أنا نزلت ف رجلي قال أحدها لصاحبه بعد وقعة أحد‪ :‬أما أنا فإن‬
‫ذاهب إل ذلك اليهودي فآوي إليه وأتوّد معه‪ ,‬لعله ينفعن إذا وقع أمر أو حدث حادث‪ .‬وقال‬
‫الَخر أما أنا فإن ذاهب إل فلن النصران بالشام فآوي إليه وأتنصر معه‪ ,‬فأنزل ال {يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَيات‪ ,‬وقال عكرمة‪ :‬نزلت ف أب لبابة بن عبد‬
‫النذر حي بعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم إل بن قريظة فسألوه‪ :‬ماذا هو صانع بنا ؟ فأشار‬
‫بيده إل حلقه أي أنه الذبح‪ ,‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نزلت ف عبد ال بن أب ابن سلول‪ ,‬كما قال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ,‬حدثنا ابن‬
‫إدريس قال‪ :‬سعت أب عن عطية بن سعد قال‪ :‬جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن‬
‫الزرج إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يارسول ال‪ ,‬إن ل موال من يهود كثي‬
‫عددهم‪ ,‬وإن أبرأ إل ال ورسوله من وليه يهود‪ ,‬وأتول ال ورسوله‪ ,‬فقال عبد ال بن أب‪ :‬إن‬
‫رجل أخاف الدوائر ل أبرأ من ولية موال‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب‬

‫‪148‬‬
‫«يا أبا الباب‪ ,‬ما بلت به من ولية يهود على عبادة بن الصامت‪ ,‬فهو لك دونه» قال‪ :‬قد‬
‫قبلت‪ ,‬فأنزل ال عز وجل {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الَيتي‪.‬‬
‫ث قال ابن جرير‪ :‬حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا يونس بن بكي‪ ,‬حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن‬
‫الزهري‪ :‬قال‪ :‬لا انزم أهل بدر‪ ,‬قال السلمون لوليائهم من اليهود‪ :‬أسلموا قبل أن يصيبكم ال‬
‫بيوم مثل يوم بدر‪ ,‬فقال مالك بن الصيف‪ :‬أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ل علم لم‬
‫بالقتال‪ ,‬أما لو أمررنا العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا‪ ,‬فقال عبادة بن‬
‫الصامت‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيا سلحهم شديدة‬
‫شوكتهم‪ ,‬وإن أبرأ إل ال وإل رسوله من ولية يهود‪ ,‬ول مول ل إل ال ورسوله‪ ,‬فقال عبد‬
‫ال بن أب‪ :‬لكن ل أبرأ من ولية يهود‪ ,‬إن رجل ل بد ل منهم‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم «يا أبا الباب‪ ,‬أرأيت الذي نفست به من ولية يهود على عبادة بن الصامت‪ ,‬فهو لك‬
‫دونه» فقال‪ :‬إذا أقبل‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل ال {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ـ‬
‫إل قوله تعال ـ وال يعصمك من الناس}‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ممد بن إسحاق‪ :‬فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بنو قينقاع‪ ,‬فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة قال‪ :‬فحاصرهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حت نزلوا على حكمه‪ ,‬فقام إليه عبد ال بن أب ابن سلول حي أمكنه ال منهم‪,‬‬
‫فقال‪ :‬يا ممد أحسن ف موال وكانوا حلفاء الزرج‪ ,‬قال‪ :‬فأبطأ عليه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬يا ممد أحسن ف موال‪ ,‬قال‪ :‬فأعرض عنه‪ .‬قال‪ :‬فأدخل يده‬
‫ف جيب درع رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم «أرسلن»‪ ,‬وغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل‪ ,‬ث قال‬
‫«ويك أرسلن» قال‪ :‬ل وال ل أرسلك حت تسن ف موال أربعمائة حاسر‪ ,‬وثلثائة دارع‪,‬‬
‫قد منعون من الحر والسود‪ ,‬تصدن ف غداة واحدة إن امرؤ أخشى الدوائر‪ ,‬قال‪ :‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم «هم لك» قال ممد بن إسحاق‪ :‬فحدثن أبو إسحاق بن يسار‬
‫عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت‪ ,‬قال‪ :‬لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم تشبث بأمرهم عبد ال بن أب‪ ,‬وقام دونم ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف بن الزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب‪,‬‬
‫فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وتبأ إل ال ورسوله من‬
‫حلفهم‪ ,‬وقال‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬أبرأ إل ال وإل رسوله من حلفهم‪ ,‬وأتول ال ورسوله والؤمني‪,‬‬
‫وأبرأ من حلف الكفار‪ ,‬ووليتهم‪ ,‬ففيه وف عبد ال بن أب نزلت الَيات ف الائدة {يا أيها‬

‫‪149‬‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم ـ إل قوله ـ ومن يتول ال ورسوله‬
‫والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون}‪.‬‬
‫وقال المام أحد‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ,‬حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة عن ممد بن‬
‫إسحاق‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن أسامة بن زيد قال‪ :‬دخلت مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم على عبد ال بن أب نعوده‪ ,‬فقال له النب صلى ال عليه وسلم «قد كنت أناك عن حب‬
‫يهود» فقال عبد ال‪ :‬فقد أبغضهم أسعد بن زراة فمات‪ ,‬وكذا رواه أبو داود من حديث ممد‬
‫بن إسحاق‪.‬‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ .‬بعضهم أولياء بعض ‪ .‬ومن يتولم منكم فإنه‬
‫منهم ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الظالي ‪ .‬فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ‪ ,‬يقولون‪:‬نشى‬
‫أن تصيبنا دائرة ‪ .‬فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم‬
‫نادمي‪:‬ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت أعمالم ‪,‬‬
‫فأصبحوا خاسرين) ‪. .‬‬
‫ويسن أن نبي أول معن الولية الت ينهى ال الذين آمنوا أن تكون بينهم وبي اليهود والنصارى ‪. .‬‬
‫إنا تعن التناصر والتحالف معهم ‪ .‬ول تتعلق بعن اتباعهم ف دينهم ‪ .‬فبعيد جدا أن يكون بي‬
‫السلمي من ييل إل اتباع اليهود والنصارى ف الدين ‪ .‬إنا هو ولء التحالف والتناصر ‪ ,‬الذي كان‬
‫يلتبس على السلمي أمره ‪ ,‬فيحسبون أنه جائز لم ‪ ,‬بكم ما كان واقعا من تشابك الصال‬
‫والواصر ‪ ,‬ومن قيام هذا الولء بينهم وبي جاعات من اليهود قبل السلم ‪ ,‬وف أوائل العهد بقيام‬
‫السلم ف الدينة ‪ ,‬حت ناهم ال عنه وأمر بإبطاله ‪ .‬بعد ما تبي عدم إمكان قيام الولء والتحالف‬
‫والتناصر بي السلمي واليهود ف الدينة ‪. .‬‬
‫وهذا العن معروف مدد ف التعبيات القرآنية ‪ .‬وقد جاء ف صدد الكلم عن العلقة بي السلمي ف‬
‫الدينة والسلمي الذين ل يهاجروا إل دار السلم‪:‬فقال ال سبحانه‪( :‬ما لكم من وليتهم من شيء‬
‫حت يهاجروا) ‪ . .‬وطبيعي أن القصود هنا ليس الولية ف الدين ‪ .‬فالسلم ول السلم ف الدين على‬
‫كل حال ‪ .‬إنا القصود هو ولية التناصر والتعاون ‪ .‬فهي الت ل تقوم بي السلمي ف دار السلم‬
‫والسلمي الذين ل يهاجروا إليهم ‪ . .‬وهذا اللون من الولية هو الذي تنع هذه اليات أن يقوم بي‬
‫الذين آمنوا وبي اليهود والنصارى بال ‪ ,‬بعد ما كان قائما بينهم أول العهد ف الدينة ‪.‬‬
‫إن ساحة السلم مع أهل الكتاب شيء ‪ ,‬واتاذهم أولياء شيء آخر ‪ ,‬ولكنهما يتلطان على بعض‬
‫السلمي ‪ ,‬الذين ل تتضح ف نفوسهم الرؤية الكاملة لقيقة هذا الدين ووظيفته ‪ ,‬بوصفه حركة‬
‫منهجية واقعية ‪ ,‬تتجه إل إنشاء واقع ف الرض ‪ ,‬وفق التصور السلمي الذي يتلف ف طبيعته عن‬

‫‪150‬‬
‫سائر التصورات الت تعرفها البشرية ; وتصطدم ‪ -‬من ث ‪ -‬بالتصورات والوضاع الخالفة ‪ ,‬كما‬
‫تصطدم بشهوات الناس وانرافهم وفسوقهم عن منهج ال ‪ ,‬وتدخل ف معركة ل حيلة فيها ‪ ,‬ول بد‬
‫منها ‪ ,‬لنشاء ذلك الواقع الديد الذي تريده ‪ ,‬وتتحرك إليه حركة إيابية فاعلة منشئة ‪. .‬‬
‫وهؤلء الذين تتلط عليهم تلك القيقة ينقصهم الس النقي بقيقة العقيدة ‪ ,‬كما ينقصهم الوعي‬
‫الذكي لطبيعة العركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها ; ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة‬
‫الصرية فيها ‪ ,‬فيخلطون بي دعوة السلم إل السماحة ف معاملة أهل الكتاب والب بم ف الجتمع‬
‫السلم الذي يعيشون فيه مكفول القوق ‪ ,‬وبي الولء الذي ل يكون إل ل ورسوله وللجماعة‬
‫السلمة ‪ .‬ناسي ما يقرره القرآن الكري من أن أهل الكتاب ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ف حرب‬
‫الماعة السلمة ‪ . .‬وأن هذا شأن ثابت لم ‪ ,‬وأنم ينقمون من السلم إسلمه ‪ ,‬وأنم لن يرضوا عن‬
‫السلم إل أن يترك دينه ويتبع دينهم ‪ .‬وأنم مصرون على الرب للسلم وللجماعة السلمة ‪ .‬وأنم‬
‫قد بدت البغضاء من أفواهم وما تفي صدورهم أكب ‪ . .‬إل آخر هذه التقريرات الاسة ‪.‬‬
‫إن السلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ‪ ,‬ولكنه منهي عن الولء لم بعن التناصر والتحالف‬
‫معهم ‪ .‬وإن طريقه لتمكي دينه وتقيق نظامه التفرد ل يكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب ‪,‬‬
‫ومهما أبدى لم من السماحة والودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتقيق نظامه ‪,‬‬
‫ولن يكفهم عن موالة بعضه لبعض ف حربه والكيد له ‪. .‬‬
‫وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ‪ ,‬أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكي للدين !‬
‫أمام الكفار واللحدين ! فهم مع الكفار واللحدين ‪ ,‬إذا كانت العركة مع السلمي !!!‬
‫وهذه القائق الواعية يغفل عنها السذج منا ف هذا الزمان وف كل زمان ; حي يفهمون أننا نستطيع‬
‫أن نضع أيدينا ف أيدي أهل الكتاب ف الرض للوقوف ف وجه الادية واللاد ‪ -‬بوصفنا جيعا أهل‬
‫دين ! ‪ -‬ناسي تعليم القرآن كله ; وناسي تعليم التاريخ كله ‪ .‬فأهل الكتاب هؤلء هم الذين كانوا‬
‫يقولون للذين كفروا من الشركي‪( :‬هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا) ‪ . .‬وأهل الكتاب هؤلء‬
‫هم الذين ألبوا الشركي على الماعة السلمة ف الدينة ‪ ,‬وكانوا لم درعا وردءا ‪ .‬وأهل الكتاب هم‬
‫الذين شنوا الروب الصليبية خلل مائت عام ‪ ,‬وهم الذين ارتكبوا فظائع الندلس ‪ ,‬وهم الذي‬
‫شردوا العرب السلمي ف فلسطي ‪ ,‬وأحلوا اليهود ملهم ‪ ,‬متعاوني ف هذا مع اللاد والادية !‬
‫وأهل الكتاب هؤلء هم الذين يشردون السلمي ف كل مكان ‪ . .‬ف البشة والصومال واريتريا‬
‫والزائر ‪ ,‬ويتعاونون ف هذا التشريد مع اللاد والادية والوثنية ‪ ,‬ف يوغسلفيا والصي والتركستان‬
‫والند ‪ ,‬وف كل مكان !‬
‫ث يظهر بيننا من يظن ‪ -‬ف بعد كامل عن تقريرات القرآن الازمة ‪ -‬أنه يكن أن يقوم بيننا وبي‬
‫أهل الكتاب هؤلء ولء وتناصر ‪ .‬ندفع به الادية اللادية عن الدين !‬

‫‪151‬‬
‫إن هؤلء ل يقرأون القرآن ‪ .‬وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة الت هي طابع السلم ;‬
‫فظنوها دعوة الولء الذي يذر منه القرآن ‪.‬‬
‫إن هؤلء ل يعيش السلم ف حسهم ‪ ,‬ل بوصفه عقيدة ل يقبل ال من الناس غيها ‪ ,‬ول بوصفه‬
‫حركة إيابية تستهدف إنشاء واقع جديد ف الرض ; تقف ف وجه عداوات أهل الكتاب اليوم ‪,‬‬
‫كما وقفت له بالمس ‪ .‬الوقف الذي ل يكن تبديله ‪ .‬لنه الوقف الطبيعي الوحيد !‬
‫وندع هؤلء ف إغفالم أو غفلتهم عن التوجيه القرآن ‪ ,‬لنعي نن هذا التوجيه القرآن الصريح‪:‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬ومن يتولم منكم‬
‫فإنه منهم ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الظالي) ‪. .‬‬
‫هذا النداء موجه إل الماعة السلمة ف الدينة ‪ -‬ولكنه ف الوقت ذاته موجه لكل جاعة مسلمة تقوم‬
‫ف أي ركن من أركان الرض إل يوم القيامة ‪ . .‬موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة‪ :‬الذين‬
‫آمنوا ‪. .‬‬
‫ولقد كانت الناسبة الاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ‪ ,‬أن الفاصلة ل تكن كاملة ول‬
‫حاسة بي بعض السلمي ف الدينه وبعض أهل الكتاب ‪ -‬وباصه اليهود ‪ -‬فقد كانت هناك‬
‫علقات ولء وحلف ‪ ,‬وعلقات اقتصاد وتعامل ‪ ,‬وعلقات جيه وصحبه ‪ . .‬وكان هذا كله‬
‫طبيعيا مع الوضع التاريي والقتصادي والجتماعي ف الدينة قبل السلم ‪ ,‬بي أهل الدينة من‬
‫العرب وبي اليهود بصفة خاصة ‪ . .‬وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم ف الكيد لذا‬
‫الدين وأهله ; بكل صنوف الكيد الت عددتا وكشفتها النصوص القرآنية الكثية ; والت سبق‬
‫استعراض بعضها ف الجزاء المسة الاضية من هذه الظلل ; والت يتول هذا الدرس وصف بعضها‬
‫كذلك ف هذه النصوص ‪.‬‬
‫ونزل القرآن ليبث الوعي اللزم للمسلم ف العركة الت يوضها بعقيدته ‪ ,‬لتحقيق منهجه الديد ف‬
‫واقع الياة ‪ .‬ولينشى ء ف ضمي السلم تلك الفاصلة الكاملة بينه وبي كل من ل ينتمي إل الماعة‬
‫السلمة ول يقف تت رايتها الاصة ‪ .‬الفاصلة الت ل تنهي السماحة اللقية ‪ .‬فهذه صفة السلم‬
‫دائما ‪ .‬ولكنها تنهي الولء الذي ل يكون ف قلب السلم إل ل ورسوله والذين آمنوا ‪ . .‬الوعي‬
‫والفاصلة اللذان ل بد منهما للمسلم ف كل أرض وف كل جيل ‪.‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ .‬ومن يتولم منكم‬
‫فإنه منهم ‪ ,‬إن ال ل يهدي القوم الظالي) ‪.‬‬
‫بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬إنا حقيقة ل علقة لا بالزمن ‪ . .‬لنا حقيقة نابعة من طبيعة الشياء ‪. .‬‬
‫إنم لن يكونوا أولياء للجماعة السلمة ف أي أرض ول ف أي تاريخ ‪ . .‬وقد مضت القرون تلو‬
‫القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة ‪ . .‬لقد ول بعضهم بعضا ف حرب ممد صلى ال عليه‬

‫‪152‬‬
‫وسلم والماعة السلمة ف الدينة وول بعضهم بعضا ف كل فجاج الرض ‪ ,‬على مدار التاريخ ‪. .‬‬
‫ول تتل هذه القاعدة مرة واحدة ; ول يقع ف هذه الرض إل ما قرره القرآن الكري ‪ ,‬ف صيغة‬
‫الوصف الدائم ‪ ,‬ل الادث الفرد ‪ . .‬واختيار الملة السية على هذا النحو ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض‬
‫‪ . .‬ليست مرد تعبي ! إنا هي اختيار مقصود للدللة على الوصف الدائم الصيل !‬
‫ث رتب على هذه القيقة الساسية نتائجها ‪ . .‬فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض‬
‫فإنه ل يتولهم إل من هو منهم ‪ .‬والفرد الذي يتولهم من الصف السلم ‪ ,‬يلع نفسه من الصف‬
‫ويلع عن نفسه صفة هذا الصف "السلم" وينضم إل الصف الخر ‪ .‬لن هذه هي النتيجة الطبيعية‬
‫الواقعية‪:‬‬
‫(ومن يتولم منكم فإنه منهم) ‪. .‬‬
‫وكان ظالا لنفسه ولدين ال وللجماعة السلمة ‪ . .‬وبسبب من ظلمه هذا يدخله ال ف زمرة اليهود‬
‫والنصارى الذين أعطاهم ولءه ‪ .‬ول يهديه إل الق ول يرده إل الصف السلم‪:‬‬
‫(إن ال ل يهدي القوم الظالي) ‪. .‬‬
‫لقد كان هذا تذيرا عنيفا للجماعة السلمة ف الدينة ‪ .‬ولكنه تذير ليس مبالعا فيه ‪ .‬فهو عنيف ‪.‬‬
‫نعم ; ولكنه يثل القيقة الواقعة ‪ .‬فما يكن أن ينح السلم ولءه لليهود والنصارى ‪ -‬وبعضهم أولياء‬
‫بعض ‪ -‬ث يبقى له إسلمه وإيانه ‪ ,‬وتبقى له عضويته ف الصف السلم ‪ ,‬الذين يتول ال ورسوله‬
‫والذين آمنوا ‪ . .‬فهذا مفرق الطريق ‪. .‬‬
‫وما يكن أن يتميع حسم السلم ف الفاصلة الكاملة بينة وبي كل من ينهج غي منهج السلم ; وبينه‬
‫وبي كل من يرفع راية غي راية السلم ; ث يكون ف وسعه بعد ذلك أن يعمل عمل ذا قيمة ف‬
‫الركة السلميةالضخمة الت تستهدف ‪ -‬أول ما تستهدف ‪ -‬إقامة نظام واقعي ف الرض فريد ;‬
‫يتلف عن كل النظمة الخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الخرى ‪. .‬‬
‫إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم ‪ ,‬الذي ل أرجحة فيه ول تردد ‪ ,‬بأن دينه هو الدين الوحيد‬
‫الذي يقبله ال من الناس ‪ -‬بعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه ال أن يقيم‬
‫الياة عليه ‪ ,‬منهج متفرد ; ل نظي له بي سائر الناهج ; ول يكن الستغناء عنه بنهج آخر ; ول‬
‫يكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ول تصلح الياة البشرية ول تستقيم إل أن تقوم على هذا النهج‬
‫وحده دون سواه ; ول يعفيه ال ول يغفر له ول يقبله إل إذا هو بذل جهد طاقته ف إقامة هذا النهج‬
‫بكل جوانبه‪:‬العتقادية والجتماعية ; ل يأل ف ذلك جهدا ‪ ,‬ول يقبل من منهجه بديل ‪ -‬ول ف‬
‫جزء منه صغي ‪ -‬ول يلط بينه وبي أي منهج آخر ف تصور اعتقادي ‪ ,‬ول ف نظام اجتماعي ‪ ,‬ول‬
‫ف أحكام تشريعية ‪ ,‬إل ما استبقاه ال ف هذا النهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب ‪. .‬‬

‫‪153‬‬
‫إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم بذا كله هو ‪ -‬وحده ‪ -‬الذي يدفعه للضطلع بعبء‬
‫النهوض بتحقيق منهج ال الذي رضيه للناس ; ف وجه العقبات الشاقة ‪ ,‬والتكاليف الضنية ‪,‬‬
‫والقاومة العنيدة ‪ ,‬والكيد الناصب ‪ ,‬والل الذي يكاد ياوز الطاقة ف كثي من الحيان ‪ . .‬وإل فما‬
‫العناء ف أمر يغن عنه غيه ‪ -‬ما هو قائم ف الرض من جاهلية ‪ . .‬سواء كانت هذه الاهلية مثلة‬
‫ف وثنية الشرك ‪ ,‬أو ف انراف أهل الكتاب ‪ ,‬أو ف اللاد السافر ‪ . .‬بل ما العناء ف إقامة النهج‬
‫السلمي ‪ ,‬إذا كانت الفوارق بينه وبي مناهج أهل الكتاب أو غيهم قليلة ; يكن اللتقاء عليها‬
‫بالصالة والهادنة ?‬
‫إن الذين ياولون تييع هذه الفاصلة الاسة ‪ ,‬باسم التسامح والتقريب بي أهل الديان السماوية ‪,‬‬
‫يطئون فهم معن الديان كما يطئون فهم معن التسامح ‪ .‬فالدين هو الدين الخي وحده عند ال ‪.‬‬
‫والتسامح يكون ف العاملت الشخصية ‪ ,‬ل ف التصور العتقادي ول ف النظام الجتماعي ‪ . .‬إنم‬
‫ياولون تييع اليقي الازم ف نفس السلم بأن ال ل يقبل دينا إل السلم ‪ ,‬وبأن عليه أن يقق منهج‬
‫ال المثل ف السلم ول يقبل دونه بديل ; ول يقبل فيه تعديل ‪ -‬ولو طفيفا ‪ -‬هذا اليقي الذي‬
‫ينشئه القرآن الكري وهو يقرر‪( :‬إن الدين عند ال السلم) ‪( . .‬ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل‬
‫منه) ‪( . .‬واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك) ‪( . .‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم) ‪ . .‬وف القرآن كلمة الفصل ‪.‬‬
‫‪ .‬ول على السلم من تيع التميعي وتييعهم لذا اليقي !‬
‫ويصور السياق القرآن تلك الالة الت كانت واقعة ; والت ينل القرآن من أجلها بذا التحذير‪:‬‬
‫(فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم ‪ ,‬يقولون نشى أن تصيبنا دائرة) ‪. .‬‬
‫روى ابن جرير ‪ ,‬قال‪:‬حدثنا أبو كريب ‪ ,‬حدثنا إدريس ‪ ,‬قال‪:‬سعت أب ‪ ,‬عن عطية بن سعد ‪.‬‬
‫قال‪:‬جاء عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ .‬إن ل موال من يهود كثي عددهم ; وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود ‪,‬‬
‫وأتول ال ورسوله ‪ .‬فقال عبد ال بن أب [ رأس النفاق ]‪:‬إن رجل أخاف الدوائر ‪ .‬ل أبرأ من ولية‬
‫موال ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن أب‪ ":‬يا أبا الباب ‪ .‬ما بلت به من ولية‬
‫يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه " ! قال‪:‬قد قبلت ! فأنزل ال عز وجل‪( :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) ‪. . .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪" .‬حدثنا هناد ‪ ,‬حدثنا يونس بن بكي ‪ ,‬حدثنا عثمان بن عبد الرحن عن الزهري ‪,‬‬
‫قال‪:‬لا انزم أهل بدر قال السلمون لوليائهم من اليهود‪:‬أسلموا قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم‬
‫بدر ‪ .‬فقال مالك بن الصيف‪:‬أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ‪ ,‬ل علم لم بالقتال ? أما لو أصررنا‬
‫العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن تقاتلونا ‪ .‬فقال عبادة بن الصامت‪:‬يا رسول ال إن‬

‫‪154‬‬
‫أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ‪ ,‬كثيا سلحهم ‪ ,‬شديدة شوكتهم ‪ .‬وإن أبرأ إل ال‬
‫ورسوله من ولية يهود ‪ ,‬ول مول ل إل ال ورسوله ‪ .‬فقال عبد ال بن أب‪:‬لكن ل أبرأ من ولية‬
‫يهود ‪ .‬إن رجل ل بد ل منهم ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬يا أبا الباب أرأيت الذي‬
‫نفست به من ولية يهود على عبادة ابن الصامت ? فهو لك دونه ! " فقال‪:‬إذن أقبل ‪. .‬‬
‫قال ممد بن إسحق‪:‬فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بنو قينقاع ‪ .‬فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة ‪ .‬قال‪:‬فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حت نزلوا على حكمه ‪ .‬فقام إليه عبدال بن أب بن سلول ‪ -‬حي أمكنة ال منهم ‪ -‬فقال‪:‬يا ممد‬
‫أحسن ف موال ‪ -‬وكانوا حلفاء الزرج ‪ -‬قال‪:‬فأبطأ عليه رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وعلى آله‬
‫وسلم ‪ -‬فقال‪:‬يا ممد أحسن ف موال ‪ .‬قال‪:‬فأعرض عنه ‪ .‬قال‪:‬فأدخل يده ف جيب درع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬أرسلن " وغضب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم حت رأوا لوجهه ظلل ‪ .‬ث قال‪ ":‬ويك ! أرسلن " ‪ .‬قال‪:‬ل وال ل أرسلك حت‬
‫تسن ف موال ‪ .‬أربعمائة حاسر ‪ ,‬وثلثائه دارع ‪ ,‬قد منعون من الحر والسود ‪ ,‬تصدهم ف‬
‫غداة واحدة ? إن امرؤ أخشى الدوائر ‪ .‬قال ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬هم لك " ‪. .‬‬
‫قال ممد بن إسحق‪:‬فحدثن أب إسحق بن يسار ‪ ,‬عن عبادة ‪ ,‬عن الوليد بن عبادة بن الصامت ‪,‬‬
‫قال‪:‬لا حاربت بنو قينقاع رسول ال صلى ال عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدال بن أب وقام دونم ;‬
‫ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أحد بن عوف بن الزرج ‪ .‬له‬
‫من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب فجعلهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وتبأ إل ال‬
‫ورسوله من حلفهم ‪ ,‬وقال‪:‬يا رسول ال أبرأ إل ال ورسوله من حلفهم ‪ ,‬وأتول ال ورسوله‬
‫والؤمني ‪ ,‬وأبرأ من حلف الكفار ووليتهم ‪ .‬ففيه وف عبدال بن أب نزلت الية ف الائدة‪( :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ ,‬بعضهم أولياء بعض) إل قوله‪(:‬ومن يتول ال‬
‫ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون) ‪. .‬‬
‫وقال المام أحد‪:‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ,‬حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة ‪ ,‬عن ممد بن إسحاق ‪,‬‬
‫عن الزهري ‪ ,‬عن عودة ‪ ,‬عن أسامة بن زيد ‪ ,‬قال‪":‬دخلت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على‬
‫عبدال بن أب نعوده ‪ ,‬فقال له النب صلى ال عليه وسلم " قد كنت أناك عن حب يهود " فقال‬
‫عبدال‪:‬فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات ‪ [ . .‬وأخرجه أبو داود من حديث ممد بن إسحق ]‬
‫فهذه الخبار ف مموعها تشي إل تلك الالة الت كانت واقعة ف الجتمع السلم ; والتخلفة عن‬
‫الوضاع الت كانت قائمة ف الدينة قبل السلم ; وكذلك عن التصورات الت ل تكن قد حسمت‬
‫ف قضية العلقات الت يكن أن تقوم بي الماعة السلمة واليهود والت ل يكن أن تقوم ‪ . .‬غي أن‬
‫الذي يلفت النظر أنا كلها تتحدث عن اليهود ‪ ,‬ول يى ء ذكر ف الوقائع للنصارى ‪ . .‬ولكن‬

‫‪155‬‬
‫النص يمل اليهود والنصارى ‪ . .‬ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلقة دائمة وأوضاع دائمة بي‬
‫الماعة السلمة وسائر الماعات الخرى ‪ ,‬سواء من أهل الكتاب أو من الشركي [ كما سيجيء‬
‫ف سياق هذا الدرس ] ‪ . .‬ومع اختلف مواقف اليهود من السلمي عن مواقف النصارى ف جلتها‬
‫ف العهد النبوي ‪ ,‬ومع إشارة القرآن الكري ف موضع آخر من السورة إل هذا الختلف ف قوله‬
‫تعال‪ :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ‪ ,‬ولتجدن أقربم مودة للذين‬
‫آمنوا الذين قالوا‪:‬إنا نصارى ‪ . . .‬ال‪ . .‬مع هذا الختلف الذي كان يومذاك ‪ ,‬فإن النص هنا‬
‫يسوي بي اليهود والنصارى ‪ -‬كما يسوي النص القادم بينهم جيعا وبي الكفار ‪ . .‬فيما يتص‬
‫بقضية الحالفة والولء ‪ .‬ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة ‪ .‬هي‪:‬أن ليس للمسلم‬
‫ولء ول حلف إل مع السلم ; وليس للمسلم ولء إل ل ولرسوله وللجماعة السلمة ‪ . .‬ويستوي‬
‫بعد ذلك كل الفرق ف هذا المر ‪ . .‬مهما اختلفت مواقفهم من السلمي ف بعض الظروف ‪. .‬‬
‫على أن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وهو يضع للجماعة السلمة هذه القاعدة العامة الازمة الصارمة ‪ ,‬كان‬
‫علمه يتناول الزمان كله ‪ ,‬ل تلك الفترة الاصة من حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وملبساتا‬
‫الوقوتة ‪ . .‬وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لذا الدين وللجماعة السلمة ف‬
‫معظم بقاع الرض ل يكن أقل من عداء اليهود ‪ . .‬وإذا نن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى‬
‫مصر ف حسن استقبال السلم ‪ ,‬فإننا ند الرقعة النصرانية ف الغرب ‪ ,‬قد حلت للسلم ف تاريها‬
‫كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن ‪ ,‬وشنت عليه من الرب والكيد ‪ ,‬ما ل يفترق عن‬
‫حرب اليهود وكيدهم ف أي زمان ! حت البشة الت أحسن عاهلها استقبال الهاجرين السلمي‬
‫واستقبال السلم ‪ ,‬عادت فإذا هي أشد حربا على السلم والسلمي من كل أحد ; ل ياريها ف‬
‫هذا إل اليهود ‪. .‬‬
‫وكان ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يعلم المر كله ‪ .‬فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة ‪ .‬بغض النظر عن واقع‬
‫الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها وملبساتا الوقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها ف بعض‬
‫الحيان هنا وهناك إل آخر الزمان ‪.‬‬
‫وما يزال السلم والذين يتصفون به ‪ -‬ولو أنم ليسوا من السلم ف شيء ‪ -‬يلقون من عنت‬
‫الرب الشبوبة عليهم وعلى عقيدتم من اليهود والنصارى ف كل مكان على سطح الرض ‪ ,‬ما‬
‫يصدق قول ال تعال‪:‬‬
‫(بعضهم أولياء بعض) ‪ . .‬وما يتم أن يتدرع السلمون الواعون بنصيحة ربم لم ‪ .‬بل بأمره الازم‬
‫‪ ,‬ونيه القاطع ; وقضائه الاسم ف الفاصلة الكاملة بي أولياء ال ورسوله ‪ ,‬وكل معسكر آخر ل‬
‫يرفع راية ال ورسوله ‪. .‬‬

‫‪156‬‬
‫إن السلم يكلف السلم أن يقيم علقاته بالناس جيعا على أساس العقيدة ‪ .‬فالولء والعداء ل‬
‫يكونان ف تصور السلم وف حركته على السواء إل ف العقيدة ‪ . .‬ومن ث ل يكن أن يقوم الولء ‪-‬‬
‫وهو التناصر ‪ -‬بي السلم وغي السلم ; إذ أنما ل يكن أن يتناصرا ف مال العقيدة ‪ . .‬ول حت‬
‫أمام اللاد مثل ‪ -‬كما يتصور بعض السذج منا وبعض من ل يقرأون القرآن ! ‪ -‬وكيف يتناصران‬
‫وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?‬
‫إن بعض من ل يقرأون القرآن ‪ ,‬ول يعرفون حقيقة السلم ; وبعض الخدوعي أيضا ‪ . .‬يتصورون‬
‫أن الدين كله دين ! كما أن اللاد كله إلاد ! وأنه يكن إذن أن يقف "التدين" بملته ف وجه‬
‫اللاد ‪ .‬لن اللاد ينكر الدين كله ‪ ,‬ويارب التدين على الطلق ‪. .‬‬
‫ولكن المر ليس كذلك ف التصور السلمي ; ول ف حس السلم الذي يتذوق السلم ‪ .‬ول‬
‫يتذوقالسلم إل من يأخذه عقيدة ‪ ,‬وحركة بذه العقيدة ‪ ,‬لقامة النظام السلمي ‪.‬‬
‫إن المر ف التصور السلمي وف حس السلم واضح مدد ‪ . .‬الدين هو السلم ‪ . .‬وليس هناك‬
‫دين غيه يعترف به السلم ‪ . .‬لن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقول هذا ‪ .‬يقول‪( :‬إن الدين عند ال السلم)‬
‫‪ . .‬ويقول‪( :‬ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل منه) ‪ . .‬وبعد رسالة ممد صلى ال عليه وسلم ل‬
‫يعد هناك دين يرضاه ال ويقبله من أحد إل هذا "السلم" ‪ . .‬ف صورته الت جاء با ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة ممد من النصارى ل يعد الن يقبل ‪ .‬كما أن ما كان يقبل من‬
‫اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلم ‪ ,‬ل يعد يقبل منهم بعد بعثته ‪. .‬‬
‫ووجود يهود ونصارى ‪ -‬من أهل الكتاب ‪ -‬بعد بعثه ممد صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ليس معناه أن ال‬
‫يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لم بأنم على دين إلي ‪ . .‬لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول‬
‫الخي ‪ . .‬أما بعد بعثته فل دين ‪ -‬ف التصور السلمي وف حس السلم ‪ -‬إل السلم ‪ . .‬وهذا ما‬
‫ينص عليه القرآن نصا غي قابل للتأويل ‪. .‬‬
‫إن السلم ل يكرههم على ترك معتقداتم واعتناق السلم ‪ . .‬لنه (ل إكراه ف الدين) ولكن هذا‬
‫ليس معناه أنه يعترف با هم عليه "دينا ويراهم على دين" ‪. .‬‬
‫ومن ث فليس هناك جبهه تدين يقف معها السلم ف وجه اللاد ! هناك "دين" هو السلم ‪. .‬‬
‫وهناك "ل دين" هو غي السلم ‪ . .‬ث يكون هذا اللدين ‪ . .‬عقيدة أصلها ساوي ولكنها مرفه ‪,‬‬
‫أو عقيده أصلها وثن باقيه على وثنيتها ‪ .‬أو إلادا ينكر الديان ‪ . .‬تتلف فيما بينها كلها ‪. .‬‬
‫ولكنها تتلف كلها مع السلم ‪ .‬ول حلف بينها وبي السلم ول ولء ‪. .‬‬
‫والسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم ‪ -‬كما سبق ‪ -‬ما ل يؤذوه‬
‫ف الدين ; ويباح له أن يتزوج الحصنات منهن ‪ -‬على خلف فقهي فيمن تعتقد بألوهية السيح أو‬
‫بنوته ‪ ,‬وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تل أم مشركة ترم ‪ -‬وحت مع الخذ ببدأ تليل النكاح‬

‫‪157‬‬
‫عامه ‪ . .‬فإن حسن العامله وجواز النكاح ‪ ,‬ليس معناها الولء والتناصر ف الدين ; وليس معناها‬
‫اعتراف السلم بأن دين أهل الكتاب ‪ -‬بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين يقبله ال ;‬
‫ويستطيع السلم أن يقف معه ف جبهه واحدة لقاومة اللاد !‬
‫إن السلم قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات الشركي والوثنيي‬
‫سواء ‪.‬‬
‫ودعاهم إل السلم جيعا ‪ ,‬لن هذا هو "الدين" الذي ل يقبل ال غيه من الناس جيعا ‪ .‬ولا فهم‬
‫اليهود أنم غي مدعوين إل السلم ‪ ,‬وكب عليهم أن يدعوا إليه ‪ ,‬جابهم القرآن الكري بأن ال‬
‫يدعوهم إل السلم ‪ ,‬فإن تولوا عنه فهم كافرون !‬
‫والسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إل السلم ‪ ,‬كما يدعو اللحدين والوثنيي سواء ‪ .‬وهو غي‬
‫مأذون ف أن يكره أحدا من هؤلء ول هؤلء على السلم ‪ .‬لن العقائد ل تنشأ ف الضمائر‬
‫بالكراه ‪ .‬فالكراه ف الدين فوق أنه منهي عنه ‪ ,‬هو كذلك ل ثره له ‪.‬‬
‫ول يستقيم أن يعترف السلم بأن ما عليه أهل الكتاب ‪ -‬بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم هو دين‬
‫يقبله ال ‪ . .‬ث يدعوهم مع ذلك إل السلم ! ‪ . .‬إنه ل يكون مكلفا بدعوتم إل السلم إل على‬
‫أساس واحد ; هو أنه ل يعترف بأن ما هم عليه دين ‪ .‬وأنه يدعوهم إل الدين ‪.‬‬
‫وإذا تقررت هذه البديهيه ‪ ,‬فإنه ل يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل ف ولء أو تناصر للتمكي‬
‫للدين ف الرض ‪ ,‬مع من ل يدين بالسلم ‪.‬‬
‫إن هذه القضيه ف السلم قضيه اعتقاديه إيانيه ‪ .‬كما أنا قضيه تنظيميه حركيه !‬
‫من ناحيه أنا قضيه إيانيه اعتقاديه نسب أن المر قد صار واضحا بذا البيان اذي أسلفناه ‪,‬‬
‫وبالرجوع إل النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولء بي السلمي وأهل الكتاب ‪.‬‬
‫ومن ناحية أنا قضية تنظيمية حركية المر واضح كذلك ‪ . .‬فإذا كان سعي الؤمن كله ينبغي أن‬
‫يتجه إل إقامة منهج ال ف الياة ‪ -‬وهو النهج الذي ينص عليه السلم كما جاء به ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم بكل تفصيلت وجوانب هذا النهج ‪ ,‬وهي تشمل كل نشاط النسان ف الياة ‪. .‬‬
‫فكيف يكن إذن أن يتعاون السلم ف هذا السعي مع من ل يؤمن بالسلم دينا ومنهجا ونظاما‬
‫وشريعة ; ومن يتجه ف سعيه إل أهداف أخرى ‪ -‬إن ل تكن معادية للسلم وأهدافه فهي على‬
‫القل ليست أهداف السلم ‪ -‬إذ السلم ل يعترف بدف ول عمل ل يقوم على أساس العقيدة‬
‫مهما بدا ف ذاته صالا ‪( -‬والذين كفروا أعمالم كرماد اشتدت به الريح ف يوم عاصف) ‪. .‬‬
‫والسلم يكلف السلم أن يلص سعيه كله للسلم ‪ . .‬ول يتصور إمكان انفصال أية جزئية ف‬
‫السعي اليومي ف حياة السلم عن السلم ‪ . .‬ل يتصور إمكان هذا إل من ل يعرف طبيعة السلم‬
‫وطبيعة النهج السلمي ‪ . .‬ول يتصور أن هناك جوانب ف الياة خارجة عن هذا النهج يكن‬

‫‪158‬‬
‫التعاون فيها مع من يعادي السلم ‪ ,‬أو ل يرضى من السلم إل أن يترك إسلمه ‪ ,‬كما نص ال ف‬
‫كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من السلم ليضوا عنه ! ‪ . .‬إن هناك استحالة اعتقادية كما أن‬
‫هناك استحالة عملية على السواء ‪. .‬‬
‫ولقد كان اعتذار عبدال بن أب بن سلول ‪ ,‬وهو من الذين ف قلوبم مرض ‪ ,‬عن مسارعته واجتهاده‬
‫ف الولء ليهود ‪ ,‬والستمساك بلفه معها ‪ ,‬هي قوله‪:‬إنن رجل أخشى الدوائر ! إن أخشى أن تدور‬
‫علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة ‪ ,‬وأن تنل بنا الضائقة ‪ . .‬وهذه الجة هي علمة مرض القلب‬
‫وضعف اليان ‪ . .‬فالول هو ال ; والناصر هو ال ; والستنصار بغيه ضللة ‪ ,‬كما أنه عبث ل ثرة‬
‫له ‪ . .‬ولكن حجة ابن سلول ‪ ,‬هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل‬
‫منافق مريض القلب ‪ ,‬ل يدرك حقيقة اليان ‪ . .‬وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولء يهود‬
‫بعد ما بدا منهم ما بدا ‪ .‬لنه قلب مؤمن فخلع ولء اليهود وقذف به ‪ ,‬حيث تلقاه وضم عليه صدره‬
‫وعض عليه بالنواجذ عبدال بن أب بن سلول !‬
‫إنما نجان متلفان ‪ ,‬ناشئان عن تصورين متلفي ‪ ,‬وعن شعورين متبايني ‪ ,‬ومثل هذا الختلف‬
‫قائم على مدار الزمان بي قلب مؤمن وقلب ل يعرف اليان !‬
‫ويهدد القرآن الستنصرين بأعداء دينهم ‪ ,‬التألبي عليهم ‪ ,‬النافقي الذين ل يلصون ل اعتقادهم ول‬
‫ولءهم ول اعتمادهم ‪ . .‬يهددهم برجاء الفتح أو أمر ال الذي يفصل ف الوقف ; أو يكشف‬
‫الستور من النفاق ‪.‬‬
‫(فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده ‪ ,‬فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي) ‪.‬‬
‫وعندئذ ‪ -‬عند الفتح ‪ -‬سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بعن الفصل أو عند ميء أمر ال ‪-‬‬
‫يندم أولئك الذين ف قلوبم مرض ‪ ,‬على السارعة والجتهاد ف ولء اليهود والنصارى وعلى النفاق‬
‫الذي انكشف أمره ‪ ,‬وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال النافقي ‪ ,‬ويستنكرون ما كانوا فيه من‬
‫النفاق وما صاروا إليه من السران !‬
‫(ويقول الذين آمنوا‪:‬أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم ? حبطت أعمالم ‪ ,‬فأصبحوا‬
‫خاسرين !) ‪. .‬‬
‫ولقد جاء ال بالفتح يوما ‪ ,‬وتكشفت نوايا ‪ ,‬وحبطت أعمال ‪ ,‬وخسرت فئات ‪ .‬ونن على وعد‬
‫من ال قائم بأن ييء الفتح ‪ ,‬كلما استمسكنا بعروة ال وحده ; وكلما أخلصنا الولء ل وحده ‪.‬‬
‫وكلما وعينا منهج ال ‪ ,‬وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا ‪ .‬وكلما تركنا ف العركة على هدى ال‬
‫وتوجيهه ‪ .‬فلم نتخذ لنا وليا إل ال ورسوله والذين آمنوا ‪. .‬‬

‫‪159‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتذوا دينكم هزوا ولعبا ‪ -‬من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‬
‫والكفار ‪ -‬أولياء ‪ ,‬واتقوا ال إن كنتم مؤمني ‪ .‬وإذا ناديتم إل الصلة اتذوها هزوا ولعبا ‪ .‬ذلك‬
‫بأنم قوم ل يعقلون) ‪. .‬‬
‫وهي ملبسة مثية لكل من له حية الؤمن ; الذي ل يرى لنفسه كرامة إذا أهي دينه ‪ ,‬وأهينت‬
‫عبادته ‪ ,‬وأهينت صلته ‪ ,‬واتذ موقفه بي يدي ربه مادة للهزء واللعب ‪ . .‬فكيف يقوم ولء بي‬
‫الذين آمنوا وبي أحد من هؤلء الذين يرتكبون هذه الفعلة ; ويرتكبونا لنقص ف عقولم ‪ .‬فما‬
‫يستهزى ء بدين ال وعبادة الؤمني به ‪ ,‬إنسان سوي العقل ; فالعقل ‪ -‬حي يصح ويستقيم ‪ -‬يرى‬
‫ف كل شيء من حوله موحيات اليان بال ‪.‬‬
‫وحي يتل وينحرف ل يرى هذه الوحيات ‪ ,‬لنه حينئذ تفسد العلقات بينه وبي هذا الوجود كله‬
‫‪ .‬فالوجود كله يوحي بأن له إلا يستحق العبادة والتعظيم ‪ .‬والعقل حي يصح ويستقيم يستشعر‬
‫جال العبادة لله الكون وجللا كذلك ‪ ,‬فل يتخذها هزوا ولعبا وهو صحيح مستقيم ‪.‬‬
‫ولقد كان هذا الستهزاء واللعب يقع من الكفار ‪ ,‬كما كان يقع من اليهود خاصة من أهل الكتاب‬
‫‪ ,‬ف الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها على قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم للجماعة‬
‫السلمة ف ذلك الي ‪ .‬ول نعرف من السية أن هذا كان يقع من النصارى ‪ . .‬ولكن ال ‪ -‬سبحانه‬
‫‪ -‬كان يضع للجماعة السلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتا الدائمة ‪ .‬وكان ال ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال السلمي ‪ .‬وها نن أولء رأينا ونرى أن أعداء هذا‬
‫الدين وأعداء الماعة السلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا‪:‬إنم نصارى كانوا أكثر‬
‫عددا من اليهود ومن الكفار متمعي ! فهؤلء ‪ -‬كهؤلء ‪ -‬قد ناصبوا السلم العداء ‪ ,‬وترصدوه‬
‫القرون تلو القرون ‪ ,‬وحاربوه حربا ل هوادة فيها منذ أن اصطدم السلم بالدولة الرومانية على عهد‬
‫أب بكر وعمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬حت كانت الروب الصليبية ; ث كانت "السألة الشرقية " الت‬
‫تكتلت فيها الدول الصليبية ف أرجاء الرض للجهاز على اللفة ; ث كان الستعمار الذي يفي‬
‫الصليبية بي أضلعه فتبدو ف فلتات لسانه ; ث كان التبشي الذي مهد للستعمار وسانده ; ث كانت‬
‫وما تزال تلك الرب الشبوبة على كل طلئع البعث السلمي ف أي مكان ف الرض ‪ . .‬وكلها‬
‫حلت يشترك فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون ‪. .‬‬
‫وهذا القرآن جاء ليكون كتاب المة السلمة ف حياتا إل يوم القيامة ‪ .‬الكتاب الذي يبن تصورها‬
‫العتقادي ‪ ,‬كما يبن نظامها الجتماعي ‪ ,‬كما يبن خطتها الركية ‪ . .‬سواء ‪ . .‬وها هو ذا يعلمها‬
‫أل يكون ولؤها إل ل ولرسوله وللمؤمني ; وينهاها أن يكون ولؤها لليهود والنصارى والكافرين‬
‫‪ .‬ويزم ذلك الزم الاسم ف هذه القضية ‪ ,‬ويعرضها هذا العرض النوع الساليب ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫إن هذا الدين يأمر أهله بالسماحة ‪ ,‬وبسن معاملة أهل الكتاب ; والذين قالوا‪:‬إنم نصارى منهم‬
‫خاصة ‪ . .‬ولكنه ينهاهم عن الولء لؤلء جيعا ‪ . .‬لن السماحة وحسن العاملة مسألة خلق‬
‫وسلوك ‪ .‬أما الولء فمسألة عقيدة ومسألة تنظيم ‪ .‬إن الولء هو النصرة ‪ .‬هو التناصر بي فريق‬
‫وفريق ; ول تناصر بي السلمي وأهل الكتاب ‪ -‬كما هو الشأن ف الكفار ‪ -‬لن التناصر ف حياة‬
‫السلم هو ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬تناصر ف الدين ; وف الهاد لقامة منهجه ونظامه ف حياة الناس ; ففيم‬
‫يكون التناصر ف هذا بي السلم وغي السلم ‪ .‬وكيف يكون ?!‬
‫إنا قضية جازمة حاسة ل تقبل التميع ‪ ,‬ول يقبل ال فيها إل الد الصارم ; الد الذي يليق بالسلم‬
‫ف شأن الدين ‪. .‬‬

‫‪.4‬ل يرضون بكم ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‬


‫خَي َرةُ مِنْ‬
‫قال تعال ‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَلَا ُم ْؤمِنَةٍ ِإذَا َقضَى الّلهُ َورَسُوُلهُ َأ ْمرًا أَن يَكُونَ َلهُ ُم الْ ِ‬
‫َأ ْم ِرهِ ْم َومَن َيعْصِ الّلهَ َورَسُوَلهُ َفقَ ْد ضَ ّل ضَلَالًا مّبِينًا} ( ‪ )36‬سورة الحزاب‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫‪-36‬وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لم الية من أمرهم ومن‬
‫يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا‬
‫قال العوف عن ابن عباس رضي ال عنهما قوله تعال ( وما كان لؤمن ول مؤمنة ) لية وذلك‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة رضي ال عنه فدخل‬
‫على زينب بنت جحش السدية رضي ال عنها فخطبها فقالت لست بناكحته فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بل فانكحيه قال يا رسول ال أؤامر ف نفسي فبينما ها يتحدثان أنزل ال‬
‫هذه الية على رسول ال صلى ال عليه وسلم ( وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله‬
‫أمرا ) لية قالت قد رضيته ل يا رسول ال منكحا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم نعم‬
‫قالت إذا ل أعصي رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أنكحته نفسي وقال ابن ليعة عن أب‬
‫عمرة عن عكرمة عن ابن عباس رضي ال عنهما قال خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي ال عنه فاستنكفت منه وقالت أنا خي منه حسبا‬
‫وكانت امرأة فيها حدة فأنزل ال تعال ( وما كان لؤمن ول مؤمنة ) لية كلها وهكذا قال‬
‫ماهد وقتادة ومقاتل ابن حيان أنا نزلت ف زينب بنت جحش رضي ال عنها حي خطبها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على موله زيد بن حارثة رضي ال عنه فامتنعت ث أجابت وقال‬
‫عبد الرحن بن زيد بن أسلم نزلت ف أم كلثوم بنت عقبة بن أب معيط رضي ال عنه وكانت‬
‫أول من هاجر من النساء يعن بعد صلح الديبية فوهبت نفسها للنب صلى ال عليه وسلم فقال‬

‫‪161‬‬
‫قد قبلت فزوجها زيد بن حارثة رضي ال عنه يعن وال أعلم بعد فراقه زينب فسخطت هي‬
‫وأخوها وقال إنا أردنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فزوجنا عبده قال فنل القرآن ( وما كان‬
‫لؤمن إذا قضى ال ورسوله أمرا ) ل آخر الية قال وجاء أمر أجع من هذا ( النب أول بالؤمني‬
‫من أنفسهم ) ال فذاك خاص وهذا أجع وقال المام أحد ' ‪ ' 3/136‬حدثنا عبد الرزاق أخبنا‬
‫معمر عن ثابت البنان عن أنس رضي ال عنه قال خطب النب صلى ال عليه وسلم على جليبيب‬
‫امرأة من النصار إل أبيها فقال حت أستأمر أمها فقال النب صلى ال عليه وسلم فنعم إذا قال‬
‫فانطلق الرجل إل امرأتفذكر ذلك لا فقالت لها ال ذا ما وجد رسول ال صلى ال عليه وعلى‬
‫آله وسلم إل جليبيبا وقد منعناها من فلن وفلن قال والارية ف سترها تسمع قال فانطلق‬
‫الرجل يريد أن يب رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك فقالت الارية أتريدون أن تردوا على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه قال فأنكحها جلت عن‬
‫أبويها وقال صدقت فذهب أبوها إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال إن كنت رضيته فقد‬
‫رضيناه قال صلى ال عليه وسلم فإن قد رضيته قال فزوجها ث فزع أهل الدينة فركب جليبيب‬
‫فوجدوه قد قتل وحوله ناس من الشركي قد قتلهم أنس رضي ال عنه فلقد رأيتها وإنا لن انفق‬
‫بيت بالدينة وقال المام أحد ' ‪ ' 4/422‬حدثنا عفان حدثنا حاد يعن ابن سلمة عن ثابت عن‬
‫كنانة بن نعيم العدوي عن أب برزة السلمي قال إن جليبيبا كان امرأ يدخل على النساء ير بن‬
‫ويلعبهن فقلت لمرأت ل تدخلن عليكن جليبيبا فإنه إن دخل عليكن لفعلن ولفعلن قالت‬
‫وكانت النصار إذا كان لحدهم أي ل يزوجها حت يعلم هل للنب صلى ال عليه وسلم فيها‬
‫حاجة أم ل فقال النب صلى ال عليه وسلم لرجل من النصار زوجن ابنتك قال نعم وكرامة يا‬
‫رسول ال ونعمة عي فقال صلى ال عليه وسلم إن لست أريدها لنفسي قال فلمن يا رسول ال‬
‫قال صلى ال عليه وسلم لليبيب فقال يا رسول ال أشاور أمها فأتى أمها فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يطب ابنتك فقالت نعم ونعمة عي فقال إنه ليسيخطبها لنفسه إنا يطبها‬
‫لليبيب قالت أجليبيب ابنه أجليبيب ابنه ل لعمر ال ل نزوجه فلما أراد أن يقوم ليأت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فيخبه با قالت أمها قالت الارية من خطبن إليكم فأخبتا أمها قالت‬
‫أتردون على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره ادفعون إليه فإنه ل يضيعن فانطلق أبوها إل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال شأنك با فزوجها جليبيبا قال فخرج رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ف غزوة له فلما أفاء ال عليه قال لصحابه رضي ال عنهم هل تفقدون من أحد‬
‫قالوا نفقد فلنا ونفقد فلنا قال صلى ال عليه وسلم انظروا هل تفقدون من أحد قالوا ل قال‬
‫صلى ال عليه وسلم لكنن أفقد جليببيا قال صلى ال عليه وسلم فاطلبوه ف القتلى فطلبوه‬
‫فوجدوه إل جنب سبعة قد قتلهم ث قتلوه فقالوا يا رسول ال ها هو ذا جنب سبعة قتلهم ث‬

‫‪162‬‬
‫قتلوه فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقام عليه فقال قتل سبعة وقتلوه هذا من وأنا منه‬
‫مرتي أو ثلثة ث وضعه رسول ال صلى ال عليه وسلم على ساعديه وحفر له ماله سرير إل‬
‫ساعد النب صلى ال عليه وسلم ث وضعه ف قبه ول يذكر أنه غسله رضي ال عنه قال ثابت‬
‫رضي ال عنه فما كان ف النصار أي أنفق منها وحدث إسحاق بن عبد ال بن أب طلحة ثابتا‬
‫هل تعلم مادعا لا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال قال اللهم صب عليها صبا ولتعل‬
‫عيشها كدا وكذا كان فما كان ف النصار أي أنفق منها هكذا أورده المام أحد بطوله وأخرج‬
‫منه مسلم ' ‪ ' 2472‬والنسائي ف الفضائل ' صحابة ‪ ' 142‬قصة قتله وذكر الافظ أبو عمر بن‬
‫عبد الب ف الستيعاب ' ‪ ' 4/272‬أن الارية لا قالت ف خذرها أتردون على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أمره نزلت هذه الية ( وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن‬
‫يكون لم الية من أمرهم ) قال ابن جريج أخبن عامر بن مصعب عن طاوس قال إنه سأل‬
‫ابن عباس عن ركعتي بعد العصر فنهاه وقرأ ابن عباس رضي ال عنه ( وما كان لؤمن ول مؤمنة‬
‫إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لم الية من أمرهم ) هذه الية عامة ف جيع المور وذلك‬
‫أنه إذا حكم ال ورسوله بشيء فليس لحد مالفته ول اختيار لحد ههنا ول رأي ول قول كما‬
‫قال تبارك وتعال ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم‬
‫حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما ) ف الديث والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حت يكون‬
‫هواه تبعا لا جئت به ولذا شددف خلف ذلك فقال ( ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل‬
‫مبينا ) قوله تعال ( فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫إن كلمة الق ف العقيدة ل ينبغي أن تمجم ! إنا يب أن تبلغ كاملة فاصلة ; وليقل من شاء من‬
‫العارضي لا كيف شاء ; وليفعل من شاء من أعدائها ما يفعل ; فإن كلمة الق ف العقيدة ل تلق‬
‫الهواء ; ول تراعي مواقع الرغبات ; إنا تراعي أن تصدع حت تصل إل القلوب ف قوة وف نفاذ ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫وكلمة الق ف العقيدة حي تصدع تصل إل مكامن القلوب الت يكمن فيها الستعداد للهدى ‪. .‬‬
‫وحي تمجم ل تلي لا القلوب الت ل استعداد فيها لليان ; وهي القلوب الت قد يطمع صاحب‬
‫الدعوة ف أن تستجيب له لو داهنها ف بعض القيقة !‬
‫(إن ال ل يهدي القوم الكافرين) ‪. .‬‬
‫وإذن فلتكن كلمة الق حاسة فاصلة كاملة شاملة ‪ . .‬والدى والضلل إنا مناطهما استعداد القلوب‬
‫وتفتحها ‪ ,‬ل الداهنة ول اللطفة على حساب كلمة الق أو ف كلمة الق !‬

‫‪163‬‬
‫إن القوة والسم ف إلقاء كلمة الق ف العقيدة ‪ ,‬ل يعن الشونة والفظاظة ; فقد أمر ال رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يدعو إل سبيل ربه بالكمة والوعظة السنة ‪ -‬وليس هنالك تعارض ول‬
‫اختلف بي التوجيهات القرآنية التعددة ‪ -‬والكمة والوعظة السنة ل تافيان السم والفصل ف‬
‫بيان كلمة الق ‪ .‬فالوسيلة والطريقة إل التبليغ شيء غي مادة التبليغ وموضوعه ‪ .‬والطلوب هو عدم‬
‫الداهنة ف بيان كلمة الق كاملة ف العقيدة ‪ ,‬وعدم اللقاء ف منتصف الطريق ف القيقة ذاتا ‪.‬‬
‫فالقيقة العتقادية ليس فيها أنصاف حلول ‪ . .‬ومنذ اليام الول للدعوة كان الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم يدعو بالكمة والوعظة السنة ف طريقة التبليغ ‪ ,‬وكان يفاصل مفاصلة كاملة ف العقيدة‬
‫‪ ,‬فكان مأمورا أن يقول‪( :‬يا أيها الكافرون‪:‬ل أعبد ما تعبدون ‪ ). .‬فيصفهم بصفتهم ; ويفاصلهم ف‬
‫المر ‪ ,‬ول يقبل أنصاف اللول الت يعرضونا عليه ‪ ,‬ول يدهن فيدهنون ‪ ,‬كما يودون ! ول يقول‬
‫لم‪:‬إنه ل يطلب إليهم إل تعديلت خفيفة فيما هم عليه ‪ ,‬بل يقول لم‪:‬إنم على الباطل الحض ‪,‬‬
‫وإنه على الق الكامل ‪ . .‬فيصدع بكلمة الق عالية كاملة فاصلة ‪ ,‬ف أسلوب ل خشونة فيه ول‬
‫فظاظة ‪. .‬‬
‫وهذا النداء ‪ ,‬وهذا التكليف ‪ ,‬ف هذه السورة‪:‬‬
‫(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ‪ -‬وإن ل تفعل فما بلغت رسالته ‪ -‬وال يعصمك من‬
‫الناس ‪ . .‬إن ال ل يهدي القوم الكافرين) ‪. .‬‬
‫يبدو من السياق ‪ -‬قبل هذا النداء وبعده ‪ -‬أن القصود به مباشرة هو مواجهة أهل الكتاب بقيقة ما‬
‫هم عليه ‪ ,‬وبقيقة صفتهم الت يستحقونا با هم عليه ‪ . .‬ومواجهتهم بأنم ليسوا على شيء ‪. .‬‬
‫ليسوا على شيء من الدين ول العقيدة ول اليان ‪ . .‬ذلك أنم ل يقيمون التوراة والنيل وما أنزل‬
‫إليهم من ربم ‪ .‬ومن ث فل شيء ما يدعونه لنفسهم من أنم أهل كتاب وأصحاب عقيدة وأتباع‬
‫دين‪:‬‬
‫(قل‪:‬يا أهل الكتاب لستم على شيء حت تقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليكم من ربكم ‪. ). .‬‬
‫وحينما كلف الرسول صلى ال عليه وسلم أن يواجههم بأنم ليسوا على شيء من الدين والعقيدة‬
‫واليان ‪ . .‬بل ليسوا على شيء أصل يرتكن عليه ! حينما كلف الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫بواجهتهم هذه الواجهة الاسة الفاصلة ‪ ,‬كانوا يتلون كتبهم ; وكانوا يتخذون لنفسهم صفة‬
‫اليهودية أو النصرانية ; وكانوا يقولون‪:‬إنم مؤمنون ‪ . .‬ولكن التبليغ الذي كلف رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أن يواجههم به ‪ ,‬ل يعترف لم بشيء أصل ال ما كانوا يزعمون لنفسهم ‪ ,‬لن "الدين"‬
‫وليس كلمات تقال باللسان ; وليس كتبا تقرأ وترتل ; وليس صفة تورث وتدعى ‪ .‬إنا الدين منهج‬
‫حياة ‪ .‬منهج يشمل العقيدة الستسرة ف الضمي ‪ ,‬والعبادة المثلة ف الشعائر ‪ ,‬والعبادة الت تتمثل ف‬
‫إقامة نظام الياة كلها على أساس هذا النهج ‪ . .‬ولا ل يكن أهل الكتاب يقيمون الدين على قواعده‬

‫‪164‬‬
‫هذه ‪ ,‬فقد كلف "الرسول" صلى ال عليه وسلم أن يواجههم بأنم ليسوا على دين ; وليسوا على‬
‫شيء أصل من هذا القبيل !‬
‫وإقامة التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم ‪ ,‬مقتضاها الول الدخول ف دين ال الذي جاء به‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم فقد أخذ ال عليهم اليثاق أن يؤمنوا بكل رسول ويعزروه وينصروه ‪.‬‬
‫وصفة ممد وقومه عندهم ف التوراة وعندهم ف النيل ‪ -‬كما أخب ال وهو أصدق القائلي ‪ -‬فهم‬
‫ل يقيمون التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم‪ [:‬سواء كان القصود بقوله‪( :‬وما أنزل إليهم من‬
‫ربم) هو القرآن ‪ -‬كما يقول بعض الفسرين ‪ -‬أو هو الكتب الخرى الت أنزلت لم كزبور داود ]‬
‫‪ . .‬نقول إنم ل يقيمون التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم إل أن يدخلوا ف الدين الديد ‪,‬‬
‫الذي يصدق ما بي يديهم ويهيمن عليه ‪ . .‬فهم ليسوا على شيء ‪ -‬بشهادة ال سبحانه ‪ -‬حت‬
‫يدخلوا ف الدين الخي ‪ . .‬والرسول صلى ال عليه وسلم قد كلف أن يواجههم بذا القرار اللي ف‬
‫شأنم ; وأن يبلغهم حقيقة صفتهم وموقفهم ; وإل فما بلغ رسالة ربه ‪ . .‬ويا له من تديد !‬
‫وكان ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يعلم أن مواجهتهم بذه القيقة الاسة ‪ ,‬وبذه الكلمة الفاصلة ‪ ,‬ستؤدي إل‬
‫أن تزيد كثيا منهم طغيانا وكفرا ‪ ,‬وعنادا ولاجا ‪ . .‬ولكن هذا ل ينع من أمر الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم أن يواجههم با ; وأل يأسى على ما يصيبهم من الكفر والطغيان والظلل والشرود‬
‫بسبب مواجهتهم با ; لن حكمته ‪ -‬سبحانه ‪ -‬تقتضي أن يصدع بكلمة الق ; وأن تترتب عليها‬
‫آثارها ف نفوس اللق ‪ . .‬فيهتدي من يهتدي عن بينة ‪ ,‬ويضل من يضل عن بينة ‪ ,‬ويهلك من هلك‬
‫عن بينة وييا من حي عن بينة‪:‬‬
‫وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ‪ ,‬فل تأس على القوم الكافرين ‪. .‬‬
‫وكان ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يرسم للداعية بذه التوجيهات منهج الدعوة ; ويطلعه على حكمة ال ف هذا‬
‫النهج ; ويسلي قلبه عما يصيب الذين ل يهتدون ‪ ,‬إذا هاجتهم كلمة الق فازدادوا طغيانا وكفرا ;‬
‫فهم يستحقون هذا الصي البائس ; لن قلوبم ل تطيق كلمة الق ; ول خي ف أعماقها ول صدق ‪.‬‬
‫فمن حكمة ال أن تواجه بكلمة الق ; ليظهر ما كمن فيها وما بطن ; ولتجهر بالطغيان والكفر ;‬
‫ولتستحق جزاء الطغاة والكافرين !‬
‫ونعود إل قضية الولء والتناصر والتعاون بي السلمي وأهل الكتاب ‪ -‬على ضوء هذا التبليغ الذي‬
‫كلفه رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى ضوء نتائجه الت قدر ال أن تكون ف زيادة الكثيين‬
‫منهم طغيانا وكفرا ‪ . .‬فماذا ند ‪? . .‬‬
‫ند أن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقرر أن أهل الكتاب ليسوا على شيء حت يقيموا التوراة والنيل وما أنزل‬
‫إليهم من ربم ‪ . .‬وحت يدخلوا ف الدين الخي تبعا لذه القامة كما هو بديهي من دعوتم إل‬

‫‪165‬‬
‫اليان بال والنب ف الواضع الخرى التعددة ‪ . .‬فهم إذن ل يعودوا على "دين ال" ول يعودوا أهل‬
‫"دين" يقبله ال ‪.‬‬
‫وند أن مواجهتهم بذه القيقة قد علم ال أنا ستزيد الكثيين منهم طغيانا وكفرا ‪ . .‬ومع هذا فقد‬
‫أمر رسوله أن يواجههم با دون مواربة ‪ .‬ودون أسى على ما سيصيب الكثيين منها !‬
‫فإذا نن اعتبنا كلمة ال ف هذه القضية هي كلمة الفصل ‪ -‬كما هو الق والواقع ‪ -‬ل يبق هنالك‬
‫موضع لعتبار أهل الكتاب ‪ . .‬أهل دين ‪ . .‬يستطيع "السلم" أن يتناصر معهم فيه للوقوف ف وجه‬
‫اللاد واللحدين ; كما ينادي بعض الخدوعي وبعض الادعي ! فأهل الكتاب ل يقيموا التوراة‬
‫والنيل وما أنزل إليهم من ربم ; حت يعتبهم السلم (على شيء) وليس للمسلم أن يقرر غي ما‬
‫قرره ال‪( :‬وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لم الية من أمرهم) ‪. .‬‬
‫وكلمة ال باقية ل تغيها اللبسات والظروف !‬
‫وإذا نن اعتبنا كلمة ال هي كلمة الفصل ‪ -‬كما هو الق والواقع ‪ -‬ل يكن لنا أن نسب حسابا‬
‫لثر الواجهة لهل الكتاب بذه القيقة ‪ ,‬ف هياجهم علينا ‪ ,‬وف اشتداد حربم لنا ‪ ,‬ول يكن لنا أن‬
‫ناول كسب مودتم بالعتراف لم بأنم على دين نرضاه منهم ونقرهم عليه ‪ ,‬ونتناصر نن وإياهم‬
‫لدفع اللاد عنه ‪ -‬كما ندفع اللاد عن ديننا الذي هو الدين الوحيد الذي يقبلة ال من الناس ‪. .‬‬
‫إن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل يوجهنا هذا التوجيه ‪ .‬ول يقبل منا هذا العتراف ‪ .‬ول يغفر لنا هذا التناصر‬
‫‪ ,‬ول التصور الذي ينبعث التناصر منه ‪ .‬لننا حينئذ نقرر لنفسنا غي ما يقرر ; ونتار ف أمرنا غي‬
‫ما يتار ; ونعترف بعقائد مرفة أنا "دين إلي ‪ ,‬يتمع معنا ف آصرة الدين اللي ‪ . .‬وال يقول‪:‬إنم‬
‫ليسوا على شيء ‪ ,‬حت يقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم ‪ . .‬وهم ل يفعلون !‬
‫والذين يقولون‪:‬إنم مسلمون ‪ -‬ول يقيمون ما أنزل إليهم من ربم ‪ -‬هم كأهل الكتاب هؤلء ‪,‬‬
‫ليسوا على شيء كذلك ‪ .‬فهذه كلمة ال عن أهل أي كتاب ل يقيمونه ف نفوسهم وف حياتم‬
‫سواء ‪ .‬والذي يريد أن يكون مسلما يب عليه ‪ -‬بعد إقامة كتاب ال ف نفسه وف حياته ‪ -‬أن‬
‫يواجه الذين ل يقيمونه بأنم ليسوا على شيء حت يقيموه ‪ .‬وأن دعواهم أنم على دين ‪ ,‬يردها‬
‫عليهم رب الدين ‪ .‬فالفاصلة ف هذا المر واجبة ; ودعوتم إل "السلم" من جديد هي واجب‬
‫"السلم" الذي أقام كتاب ال ف نفسه وف حياته ‪ .‬فدعوى السلم باللسان أو بالوراثة دعوى ل‬
‫تفيد إسلما ‪ ,‬ول تقق إيانا ‪ ,‬ول تعطي صاحبها صفة التدين بدين ال ‪ ,‬ف أي ملة ‪ ,‬وف أي زمان‬
‫!‬
‫وبعد أن يستجيب هؤلء أو أولئك ; ويقيموا كتاب ال ف حياتم ; يلك "السلم" أن يتناصر معهم‬
‫ف دفع غائلة اللاد واللحدين ‪ ,‬عن "الدين" وعن "التديني" ‪ . .‬فأما قبل ذلك فهو عبث ; وهو‬
‫تييع ‪ ,‬يقوم به خادع أو مدوع !‬

‫‪166‬‬
‫إن دين ال ليس راية ول شعارا ول وراثة ! إن دين ال حقيقة تتمثل ف الضمي وف الياة سواء ‪.‬‬
‫تتمثل ف عقيدة تعمر القلب ‪ ,‬وشعائر تقام للتعبد ‪ ,‬ونظام يصرف الياة ‪ . .‬ول يقوم دين ال إل ف‬
‫هذا الكل التكامل ; ول يكون الناس على دين ال إل وهذا الكل التكامل متمثل ف نفوسهم وف‬
‫حياتم ‪ . .‬وكل اعتبارغي هذا العتبار تييع للعقيدة ‪ ,‬وخداع للضمي ; ل يقدم عليه "مسلم" نظيف‬
‫الضمي !‬
‫وعلى "السلم" أن يهر بذه القيقة ; ويفاصل الناس كلهم على أساسها ; ول عليه ما ينشأ عن هذه‬
‫الفاصلة ‪ .‬وال هو العاصم ‪ .‬وال ل يهدي القوم الكافرين ‪. .‬‬
‫وصاحب الدعوة ل يكون قد بلغ عن ال ; ول يكون قد أقام الجة ل على الناس ‪ ,‬إل إذا أبلغهم‬
‫حقيقة الدعوة كاملة ; ووصف لم ما هم عليه كما هو ف حقيقته ‪ ,‬بل ماملة ول مداهنة ‪ . .‬فهو‬
‫قد يؤذيهم إن ل يبي لم أنم ليسوا على شيء ‪ ,‬وأن ما هم عليه باطل كله من أساسه ‪ ,‬وأنه هو‬
‫يدعوهم إل شيء آخر تاما غي ما هم عليه ‪ . .‬يدعوهم إل نقلة بعيدة ‪ ,‬ورحلة طويلة ‪ ,‬وتغيي‬
‫أساسي ف تصوراتم وف أوضاعهم وف نظامهم وف أخلقهم ‪ . .‬فالناس يب أن يعرفوا من الداعية‬
‫أين هم من الق الذي يدعوهم إليه ‪( . .‬ليهلك من هلك عن بينة وييا من حي عن بينة) ‪. .‬‬
‫وحي يمجم صاحب الدعوة ويتمتم ول يبي عن الفارق الساسي بي واقع الناس من الباطل وبي‬
‫ما يدعوهم إليه من الق ‪ ,‬وعن الفاصل الاسم بي حقه وباطلهم ‪ . .‬حي يفعل صاحب الدعوة‬
‫هذا ‪ -‬مراعاة للظروف واللبسات ‪ ,‬وحذرا من مواجهة واقع الناس الذي يل عليهم حياتم‬
‫وأفكارهم وتصوراتم ‪ -‬فإنه يكون قد خدعهم وآذاهم ‪ ,‬لنه ل يعرفهم حقيقة الطلوب منهم كله ‪,‬‬
‫وذلك فوق أنه يكون ل يبلغ ما كلفه ال تبليغه !‬
‫إن التلطف ف دعوة الناس إل ال ‪ ,‬ينبغي أن يكون ف السلوب الذي يبلغ به الداعية ‪ ,‬ل ف القيقة‬
‫الت يبلغهم إياها ‪ . .‬إن القيقة يب إن تبلغ إليهم كاملة ‪ .‬أما السلوب فيتبع القتضيات القائمة ‪,‬‬
‫ويرتكز على قاعدة الكمة والوعظة السنة ‪. .‬‬
‫ولقد ينظر بعضنا اليوم ‪ -‬مثل ‪ -‬فيى أن أهل الكتاب هم أصحاب الكثرة العددية وأصحاب القوة‬
‫الادية ‪ .‬وينظر فيى أصحاب الوثنيات الختلفة يعدون بئات الليي ف الرض ‪ ,‬وهم أصحاب‬
‫كلمة مسموعة ‪ ,‬ف الشئون الدولية ‪ .‬وينظر فيى أصحاب الذاهب الادية أصحاب أعداد ضخمة‬
‫وأصحاب قوة مدمرة ‪ .‬وينظر فيى الذين يقولون‪:‬إنم مسلمون ليسوا على شيء لنم ل يقيمون‬
‫كتاب ال النل إليهم ‪ . .‬فيتعاظمه المر ‪ ,‬ويستكثر أن يواجه هذه البشرية الضالة كلها بكلمة الق‬
‫الفاصلة ‪ ,‬ويرى عدم الدوى ف أن يبلغ الميع أنم ليسوا على شيء ! وأن يبي لم "الدين" الق !‬
‫وليس هذا هو الطريق ‪ . .‬إن الاهلية هي الاهلية ‪ -‬ولو عمت أهل الرض جيعا ‪ -‬وواقع الناس‬
‫كله ليس بشيء ما ل يقم على دين ال الق ‪ ,‬وواجب صاحب الدعوة هو واجبة ل تغيه كثرة‬

‫‪167‬‬
‫الضلل ; ول ضخامة الباطل ‪ . .‬فالباطل ركام ‪ . .‬وكما بدأت الدعوة الول بتبليغ أهل الرض‬
‫قاطبة‪:‬أنم ليسوا على شيء ‪ . .‬كذلك ينبغي أن تستأنف ‪ . .‬وقد استدار الزمان كهيئة يوم بعث ال‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم وناداه‪:‬‬
‫(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ‪ -‬وإن ل تفعل فما بلغت رسالته ‪ -‬وال يعصمك من‬
‫الناس ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الكافرين ‪ .‬قل‪:‬يا أهل الكتاب لستم على شيء حت تقيموا التوراة‬
‫والنيل وما أنزل إليكم من ربكم) ‪.‬‬
‫(وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لم الية من أمرهم ومن يعص ال‬
‫ورسوله فقد ضل ضلل مبينا) ‪. .‬‬
‫روي أن هذه الية نزلت ف زينب بنت جحش ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬حينما أراد النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يطم الفوارق الطبقية الوروثة ف الماعة السلمة ; فيد الناس سواسية كأسنان الشط ‪ .‬ل‬
‫فضل لحد على أحد إل بالتقوى ‪ .‬وكان الوال ‪ -‬وهم الرقيق الحرر ‪ -‬طبقة أدن من طبقة السادة‬
‫‪ .‬ومن هؤلء كان زيد بن حارثة مول رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي تبناه ‪ .‬فأراد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يقق الساواة الكاملة بتزويه من شريفة من بن هاشم ‪ ,‬قريبته صلى ال عليه‬
‫وسلم زينب بنت جحش ; ليسقط تلك الفوارق الطبقية بنفسه ‪ ,‬ف أسرته ‪ .‬وكانت هذه الفوارق‬
‫من العمق والعنف بيث ل يطمها إل فعل واقعي من رسول ال صلى ال عليه وسلم تتخذ منه‬
‫الماعة السلمة اسوة ‪ ,‬وتسي البشرية كلها على هداه ف هذا الطريق ‪.‬‬
‫روى ابن كثي ف التفسي قال‪:‬قال العوف عن ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪:-‬قوله تعال‪( :‬وما كان‬
‫لؤمن ول مؤمنة) ‪ .‬الية ‪ .‬وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن‬
‫حارثة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فدخل على زينب بنت جحش السدية ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬فخطبها ‪,‬‬
‫فقالت‪:‬لست بناكحته ! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬بلى فانكحيه " ‪ .‬قالت‪:‬يا رسول ال‬
‫‪ .‬أؤامر ف نفسي ? فبينما ها يتحدثان أنزل ال هذه الية على رسول ال صلى ال عليه وسلم (وما‬
‫كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا) ‪ . .‬الية ‪ .‬قالت‪:‬قد رضيته ل يا رسول ال‬
‫منكحا ? قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬نعم " ! قالت‪:‬إذن ل أعصي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قد أنكحته نفسي !‬
‫وقال ابن ليعة عن أب عمرة عن عكرمة عن ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال‪:‬خطب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فاستنكفت منه ‪,‬‬
‫وقالت‪:‬أنا خي منه حسبا ‪ -‬وكانت امرأة فيها حدة ‪ -‬فأنزل ال تعال‪( :‬وما كان لؤمن ول مؤمنة ‪.‬‬
‫‪ ). .‬الية كلها ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وهكذا قال ماهد وقتادة ومقاتل بن حيان أنا نزلت ف زينب بنت جحش ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬حي‬
‫خطبها رسول ال صلى ال عليه وسلم على موله زيد بن حارثة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فامتنعت ث‬
‫أجابت ‪.‬‬
‫وروى ابن كثي ف التفسي كذلك رواية أخرى قال‪:‬وقال عبد الرحن بن زيد بن أسلم‪:‬نزلت ف أم‬
‫كلثوم بنت عقبة بن أب معيط ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬وكانت أول من هاجر من النساء ‪ -‬يعن بعد‬
‫صلح الديبية ‪ -‬فوهبت نفسها للنب صلى ال عليه وسلم فقال‪ ":‬قد قبلت " ‪ .‬فزوجها زيد بن‬
‫حارثة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ [ -‬يعن وال أعلم بعد فراقه زينب ] فسخطت هي وأخوها ‪ ,‬وقال‪:‬إنا‬
‫أردنا رسول ال صلى ال عليه وسلمفزوجنا عبده ! قال‪:‬فنل القرآن‪( :‬وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا‬
‫قضى ال ورسوله أمرا) إل آخر الية ‪ .‬قال‪:‬وجاء أمر أجع من هذا‪( :‬النب أول بالؤمني من‬
‫أنفسهم) قال‪:‬فذاك خاص وهذا أجع ‪.‬‬
‫وف رواية ثالثة‪:‬قال المام أحد‪:‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ,‬أخبنا معمر ‪ ,‬عن ثابت البنان ‪ ,‬عن أنس ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬خطب النب صلى ال عليه وسلم على جليبيب امرأة من النصار إل أبيها ‪.‬‬
‫فقال‪:‬حت أستأمر أمها ‪ .‬فقال النب صلى ال عليه وسلم‪ ":‬فنعم إذن " ‪ .‬قال‪:‬فانطلق الرجل إل امرأته‬
‫‪ ,‬فذكر ذلك لا ‪ ,‬فقالت‪:‬لها ال ! إذن ما وجد رسول ال صلى ال عليه وسلم إل جليبيبا ‪ ,‬وقد‬
‫منعناها من فلن وفلن ? قال‪:‬والارية ف سترها تسمع ‪ .‬قال‪:‬فانطلق الرجل يريد أن يب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بذلك ‪ .‬فقالت الارية‪:‬أتريدون أن تردوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أمره ? إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه ‪ .‬قال‪:‬فكأنا جلت عن أبويها ‪ .‬وقال‪:‬صدقت ‪ .‬فذهب‬
‫أبوها إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬إن كنت قد رضيته فقد رضيناه ‪ .‬قال صلى ال عليه‬
‫وسلم " فإن قد رضيته " ‪ .‬قال‪:‬فزوجها ‪ . .‬ث فزع أهل الدينة ‪ ,‬فركب جليبيب ‪ ,‬فوجدوه قد قتل‬
‫‪ ,‬وحوله ناس من الشركي قد قتلهم ‪ .‬قال أنس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فلقد رأيتها وإنا لن أنفق بيت‬
‫بالدينة ‪. .‬‬
‫فهذه الروايات ‪ -‬إن صحت ‪ -‬تعلق هذه الية بادث زواج زينب من زيد ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أو‬
‫زواجه من أم كلثوم بنت عقبة بن أب معيط ‪.‬‬
‫وقد أثبتنا الرواية الثالثة عن جليبيب لنا تدل على منطق البيئة الذي توكل السلم بتحطيمه ‪ ,‬وتول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم تغييه بفعله وسنته ‪ .‬وهو جزء من إعادة تنظيم الماعة السلمة على‬
‫أساس منطق السلم الديد ‪ ,‬وتصوره للقيم ف هذه الرض ‪ ,‬وانطلق النعة التحررية القائمة على‬
‫منهج السلم ‪ ,‬الستمدة من روحه العظيم ‪.‬‬
‫ولكن نص الية أعم من أي حادث خاص ‪ .‬وقد تكون له علقة كذلك بإبطال آثار التبن ‪ ,‬وإحلل‬
‫مطلقات الدعياء ‪ ,‬وحادث زواج رسول ال صلى ال عليه وسلم من زينب ‪ -‬رضي ال عنها ‪-‬‬

‫‪169‬‬
‫بعد طلقها من زيد ‪ .‬المر الذي كانت له ضجة عظيمة ف حينه ‪ .‬والذي ما يزال يتخذه بعض‬
‫أعداء السلم تكأة للطعن على رسول ال صلى ال عليه وسلم حت اليوم ‪ ,‬ويلفقون حوله‬
‫الساطي !‬
‫وسواء كان سبب نزول الية ما جاء ف تلك الروايات ‪ ,‬أو كانت بصدد زواج الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم من زينب ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬فإن القاعدة الت تقررها الية أعم وأشل ‪ ,‬وأعمق جدا ف‬
‫نفوس السلمي وحياتم وتصورهم الصيل ‪.‬‬
‫فهذا القوم من مقومات العقيدة هو الذي استقر ف قلوب تلك الماعة الول من السلمي استقرارا‬
‫حقيقيا ; واستيقنته أنفسهم ‪ ,‬وتكيفت به مشاعرهم ‪ . .‬هذا القوم يتلخص ف أنه ليس لم ف‬
‫أنفسهم شيء ; وليس لم من أمرهم شيء ‪ .‬إنا هم وما ملكت أيديهم ل ‪ .‬يصرفهم كيف يشاء ‪,‬‬
‫ويتار لم ما يريد ‪ .‬وإن هم إل بعض هذا الوجود الذي يسي وفق الناموس العام ‪ .‬وخالق هذا‬
‫الوجود ومدبره يركهم مع حركة الوجود العام ; ويقسم لم دورهم ف رواية الوجود الكبية ;‬
‫ويقرر حركاتم على مسرح الوجود العظيم ‪ .‬وليس لم أن يتاروا الدور الذي يقومون به ‪ ,‬لنم ل‬
‫يعرفون الرواية كاملة ; وليس لم أن يتاروا الركة الت يبونا لن ما يبونه قد ل يستقيم مع الدور‬
‫الذي خصص لم ! وهم ليسوا أصحاب الرواية ول السرح ; وإن هم إل أجراء ‪,‬لم أجرهم على‬
‫العمل ‪ ,‬وليس لم ول عليهم ف النتيجة !‬
‫عندئذ أسلموا أنفسهم حقيقة ل ‪ .‬أسلموها بكل ما فيها ; فلم يعد لم منها شيء ‪ .‬وعندئذ‬
‫استقامت نفوسهم مع فطرة الكون كله ; واستقامت حركاتم مع دورته العامة ; وساروا ف فلكهم‬
‫كما تسي تلك الكواكب والنجوم ف أفلكها ‪ ,‬ل تاول أن ترج عنها ‪ ,‬ول أن تسرع أو تبطئ ف‬
‫دورتا التناسقة مع حركة الوجود كله ‪.‬‬
‫وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأت به قدر ال ‪ ,‬لشعورهم الباطن الواصل بأن قدر ال هوالذي‬
‫يصرف كل شيء ‪ ,‬وكل أحد ‪ ,‬وكل حادث ‪ ,‬وكل حالة ‪ .‬واستقبلوا قدر ال فيهم بالعرفة الدركة‬
‫الرية الواثقة الطمئنة ‪.‬‬
‫وشيئا فشيئا ل يعودوا يسون بالفاجأة لقدر ال حي يصيبهم ‪ ,‬ول بالزع الذي يعال بالتجمل ; أو‬
‫بالل الذي يعال بالصب ‪ .‬إنا عادوا يستقبلون قدر ال استقبال العارف النتظر الرتقب لمر مألوف‬
‫ف حسه ‪ ,‬معروف ف ضميه ‪ ,‬ول يثي مفاجأة ول رجفة ول غرابة !‬
‫ومن ث ل يعودوا يستعجلون دورة الفلك ليقضوا أمرا هم يريدون قضاءه ‪ ,‬ول يعودوا يستبطئون‬
‫الحداث لن لم أربا يستعجلون تقيقه ‪ ,‬ولو كان هذا الرب هو نصر دعوتم وتكينها ! إنا‬
‫ساروا ف طريقهم مع قدر ال ‪ ,‬ينتهي بم إل حيث ينتهي ‪ ,‬وهم راضون مستروحون ‪ ,‬يبذلون ما‬
‫يلكون من أرواح وجهود وأموال ف غي عجلة ول ضيق ‪ ,‬وف غي من ول غرور ‪ ,‬وف غي حسرة‬

‫‪170‬‬
‫ول أسف ‪ .‬وهم على يقي أنم يفعلون ما قدر ال لم أن يفعلوه ; وأن ما يريده ال هو الذي يكون‬
‫‪ ,‬وأن كل أمر مرهون بوقته وأجله الرسوم ‪.‬‬
‫إنه الستسلم الطلق ليد ال تقود خطاهم ‪ ,‬وتصرف حركاتم ; وهم مطمئنون لليد الت تقودهم ‪,‬‬
‫شاعرون معها بالمن والثقة واليقي ‪ ,‬سائرون معها ف بساطة ويسر ولي ‪.‬‬
‫وهم ‪ -‬مع هذا ‪ -‬يعملون ما يقدرون عليه ‪ ,‬ويبذلون ما يلكون كله ‪ ,‬ول يضيعون وقتا ولجهدا ‪,‬‬
‫ول يتركون حيلة ول وسيلة ‪ .‬ث ل يتكلفون ما ليطيقون ‪ ,‬ول ياولون الروج عن بشريتهم وما‬
‫فيها من خصائص ‪ ,‬ومن ضعف وقوة ; ول يدعون ما ل يدونه ف أنفسهم من مشاعر وطاقات ‪,‬‬
‫ول يبون أن يمدوا با ل يفعلوا ‪ ,‬ول أن يقولوا غي ما يفعلون ‪.‬‬
‫وهذا التوازن بي الستسلم الطلق لقدر ال ‪ ,‬والعمل الاهد بكل ما ف الطاقة ‪ ,‬والوقوف الطمئن‬
‫عند ما يستطيعون ‪ . .‬هذا التوازن هو السمة الت طبعت حياة تلك الجموعة الول وميزتا ; وهي‬
‫الت أهلتها لمل أمانة هذه العقيدة الضخمة الت تنوء با البال !‬
‫واستقرار ذلك القوم الول ف أعماق الضمائر هو الذي كفل لتلك الماعة الول تقيق تلك‬
‫الوارق الت حققتها ف حياتا الاصة ‪ ,‬وف حياة الجتمع النسان إذ ذاك ‪ .‬وهو الذي جعل‬
‫خطواتا وحركاتا تتناسق مع دورة الفلك ‪ ,‬وخطوات الزمان ‪ ,‬ول تتك با أو تصطدم ‪ ,‬فتتعوق‬
‫أو تبطىء نتيجة الحتكاك والصطدام ‪ .‬وهو الذي بارك تلك الهود ‪ ,‬فإذا هي تثمر ذلك الثمر‬
‫اللو الكثي العظيم ف فترة قصية من الزمان ‪.‬‬
‫ولقد كان ذلك التحول ف نفوسهم بيث تستقيم حركتها مع حركة الوجود ‪ ,‬وفق قدر ال الصرف‬
‫لذا الوجود ‪ . .‬كان هذا التحول ف تلك النفوس هو العجزة الكبى الت ل يقدر عليها بشر ; إنا‬
‫تتم بإرادة ال الباشرة الت أنشأت الرض والسماوات ‪ ,‬والكواكب والفلك ; ونسقت بي خطاها‬
‫ودوراتا ذلك التنسيق اللي الاص ‪.‬‬
‫وإل هذه القيقة تشي هذه اليات الكثية ف القرآن ‪ . .‬حيث يقول ال تبارك وتعال‪( :‬إنك ل‬
‫تدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء) ‪ . .‬أو يقول‪( :‬ليس عليك هداهم ولكن ال يهدي من‬
‫يشاء) ‪ . .‬أو يقول‪( :‬إن الدى هدى ال) ‪ . .‬فذلك هوالدى بقيقته الكبية ومعناه الواسع ‪ .‬هدى‬
‫النسان إل مكانه ف هيكل هذا الوجود ; وتنسيق خطاه مع حركة هذا الوجود ‪.‬‬
‫ولن يؤت الهد كامل ثاره إل حي يستقيم القلب على هدى ال بعناه ; وتستقيم حركة الفرد مع‬
‫دورة الوجود ; ويطمئن الضمي إل قدر ال الشامل الذي ل يكون ف الوجود أمر إل وفق مقتضاه ‪.‬‬
‫ومن هذا البيان ينجلي أن هذا النص القرآن‪( :‬وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن‬
‫يكون لم الية من أمرهم) ‪ . .‬أشل وأوسع وأبعد مدى من أي حادث خاص يكون قد نزل فيه ‪.‬‬
‫وأنه يقرر كلية أساسية ‪ ,‬أو الكلية الساسية ‪ ,‬ف منهج السلم !‬

‫‪171‬‬
‫‪.5‬ل يكمون الرسول صلى ال عليه وسلم ف نزاعاتم‬
‫سهِمْ‬
‫ج َر بَيَْنهُ ْم ثُمّ لَ يَجِدُواْ فِي أَنفُ ِ‬
‫قال تعال ‪َ { :‬فلَ َو َرّبكَ َل ُي ْؤمِنُونَ حَتّىَ ُيحَكّمُوكَ فِيمَا شَ َ‬
‫سلّمُواْ َتسْلِيمًا} (‪ )65‬سورة النساء‬ ‫ت وَيُ َ‬
‫َحرَجًا مّمّا َقضَْي َ‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫‪-65‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما‬
‫قضيت ويسلموا تسليما‬
‫يقول تعال ( وما أرسلنا من رسول إل ليطاع ) ي فرضت طاعته على من أرسل إليهم وقوله‬
‫( بإذن ال ) ال ماهد أي ل يطيع أحد إل بإذن يعن ل يطيعه إل من وفقته لذلك كقوله ( ولقد‬
‫صدقكم ال وعده إذ تسونم بإذنه ) ي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم وقوله (‬
‫ولو أنم إذا ظلموا أنفسهم ) لية يرشد تعال العصاة والذنبي إذا وقع منهم الطأ والعصيان أن‬
‫يأتوا إل الرسول صلى ال عليه وسلم فيستغفروا ال عنده ويسألوه أن يغفر لم فإنم إذا فعلوا‬
‫ذلك تاب ال عليهم ورحهم وغفر لم ولذا قال ( لوجدوا ال توابا رحيما ) قد ذكر جاعة‬
‫منهم الشيخ أبو منصور الصباغفي كتابه الشامل الكاية الشهورة عن العتب قال كنت جالسا‬
‫عند قب النب صلى ال عليه وسلم فجاء أعراب فقال السلم عليك يا رسول ال سعت ال يقول‬
‫( ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا ال واستغفر لم الرسول لوجدوا ال توابا رحيما )‬
‫قد جئتك مستغفرا لذنب مستشفعا بك إل رب ث أنشأ يقول‪-‬يا خي من دفنت بالقاع أعظمه‬
‫فطاب من طيبهن القاع والكم**نفسي الفداء لقب أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الود والكرم‪-‬‬
‫ث انصرف العراب فغلبتن عين فرأيت النب صلى ال عليه وآله وسلم ف النوم فقال يا عتب إلق‬
‫العراب فبشره أن ال قد غفر له وقوله ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم )‬
‫قسم تعال بنفسه الكرية القدسة أنه ل يؤمن أحد حت يكم الرسول صلى ال عليه وسلم ف‬
‫جيع المور فما حكم به فهو الق الذي يب النقياد له باطنا وظاهرا ولذا قال ( ث ل يدوا‬
‫ف أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما ) ي إذا حكموك يطيعونك ف بواطنهم فل يدون‬
‫ف أنفهسم حرجا ما حكمت به وينقادون له ف الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من‬
‫غي مانعة ول مدافعة ول منازعة كما ورد ف الديث والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حت‬
‫يكون هواه تبعا لا جئت به وقال البخاري ' ‪ ' 4585‬حدثنا علي بن عبد ال حدثنا ممد بن‬
‫جعفر حدثنا معمر عن الزهري عن عروة قال خاصم الزبي رجل ف شريج الرة فقال النب صلى‬
‫ال عليه وسلم اسق يازبي ث أرسل الاء إل جارك فقال النصاري يا رسول ال إن كان ابن‬
‫عمتك فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم ث قال اسق يا زبي ث أحبس الاء حت يرجع‬

‫‪172‬‬
‫إل الدر ث أرسل الاء إل جارك فاستوعى النب صلى ال عليه وسلم للزبي حقه ف صريح‬
‫الكم حي أحفظه النصاري وكان أشار عليهما صلى ال عليه وسلم بأمر لما فيه سعة قال‬
‫الزبي فما أحسب هذه الية إل نزلت ف ذلك ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر‬
‫بينهم ) لية هكذا رواه البخاري ههنا أعن ف كتاب التفسي ' ‪ ' 4585‬ف صحيحه من حديث‬
‫معمر وف كتاب الشرب ' ‪2361‬و ‪ ' 2362‬من حديث ابن جريج ومعمر أيضا وف كتاب‬
‫الصلح ' ‪ ' 2708‬من حديث شعيب بن أب حزة ثلثتهم عن الزهري عن عروة فذكره‬
‫وصورته صورة الرسال وهو متصل ف العن وقد رواه المام أحد ' ‪ ' 3/245‬من هذا الوجه‬
‫فصرح بالرسال فقال حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري أخبن عروة بن الزبي أن‬
‫الزبي كان يدث أنه كان ياصم رجل منالنصار قد شهد بدرا إل النب صلى ال عليه وسلم ف‬
‫شراج الرة كان يسقيان با كلها فقال النب صلى ال عليه وسلم للزبي اسق ث أرسل إل‬
‫جارك فغضب النصاري وقال يا رسول ال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ث قال اسق يا زبي ث أحبس الاء حت يرجع إل الدر فاستوعى النب صلى ال عليه‬
‫وسلم للزبي حقه وكان النب صلى ال عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبي برأي أراد فيه سعة‬
‫له وللنصاري فلما أحفظالنصاري رسول ال صلى ال عليه وسلم استوعى النب صلى ال عليه‬
‫وسلم للزبي حقه ف صريح الكم ث قال قال عروة فقال الزبي وال ما أحبب هذه الية نزلت‬
‫إل ف ذلك ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا‬
‫ما قضيت ويسلموا تسليما ) كذا رواه المام أحد وهو منقطع بي عروة وبي أبيه فإنه ل يسمع‬
‫منه والذي يقطع به أنه سعه من أخيه عبد ال فإن أبا ممد عبد الرحن بن أب حات رواه كذلك‬
‫ف تفسيه فقال حدثنا يونس بن عبد العلى حدثنا ابن وهب أخبن الليث ويونس عن ابن‬
‫شهاب أن عروة بن الزبي حدثه أن عبد ال بن الزبي حدثه عن الزبي بن العوام أنه خاصم رجل‬
‫من النصار قد شهد بدرا مع النب صلى ال عليه وسلم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ف‬
‫شراج ف الرة كانا يسقيان به كلها النخل فقال النصاري سرح الاء ير فأب عليه الزبي فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم اسق يازبي ث أرسل إل جارك فغضب النصاري وقال يا رسول‬
‫ال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم ث قال اسق يازبي ث أحبس‬
‫الاء حت يرجع إل الدر واستوعى رسول ال صلى ال عليه وسلم للزبي حقه وكان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قبل ذلك أشار برأي أراد فيه السعة له وللنصاري فلما أحفظ النصاري‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم استوعى للزبي حقه ف صريح الكم فقال الزبي ما أحسب هذه‬
‫الية إل ف ذلك ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم‬
‫حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما ) هكذا رواه النسائي ' ‪ ' 8/238‬من حديث ابن وهب به‬

‫‪173‬‬
‫ورواه أحد ' ‪ ' 4/4‬والماعة كلهم ' خ ‪ 2359‬م ‪ 2357‬د ‪ 3637‬ت ‪ 1363‬جه ‪ 15‬س‬
‫‪ ' 8/245‬من حديث الليث به وجعله أصحاب الطراف ف مسند عبد ال بن الزبي وكذا ساقه‬
‫المام أحد ف مسند عبد ال بن الزبي وال أعلم والعجب لك العجب من الاكم أب عبد ال‬
‫النيسابوري ' ‪ ' 3/364‬فإنه روى هذا الديث من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن‬
‫عروة عن عبد ال بن الزبي عن الزبي فذكره ث قال صحيح السناد ول يرجاه فإن ل أعلم‬
‫أحدا أقام بذا السناد عن الزهري بذكر عبد ال بن الزبي غي ابن أخيه وهو عنه ضعيف وقال‬
‫أبو بكر بن مردويه حدثنا ممد بن علي بن دحيم حدثنا أحد بن حازم حدثنا الفضل بن دكي‬
‫حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سلمة رجل من آل أب سلمة قال خاصم الزبي رجل إل‬
‫النب صلى ال عليه وسلم فقضىللزبي فقال الرجل له إنا قضى له لنابن عمته فنلت ( فل‬
‫وربك ل يؤمنون ) لية وقال ابن أب حات حدثنا أب حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبو حيوة‬
‫حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن السيب ف قوله ( فل وربك ل يؤمنون )‬
‫ال نزلت ف الزبي ابن العوام وحاطب بن أب بلتعة اختصما ف ماء فقضى النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يسقى العلى ث السفل هذا مرسل ولكن فيه فائدة تسمية النصاري وذكر سبب آخر‬
‫غريب جدا قال ابن أب حات حدثنا يونس بن عبد العلى قراءة أخبنا ابن وهب أخبن عبد ال‬
‫بن ليعة عن أب السود قال اختصم رجلن إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقضى بينهما‬
‫فقال القضى عليه ردنا إل عمر بن الطاب فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم نعم إنطلقا إليه‬
‫فلما أتيا إليه فقال الرجل يابن الطاب قضى ل رسول ال صلى ال عليه وسلم على هذا فقال‬
‫ردنا إل عمر بن الطاب فردنا إليك فقال أكذاك قال نعم فقال عمر مكانكما حت أخرج‬
‫إليكما فأقضي بينكما فخرج إليهما مشتمل على سيفه فضرب الذي قال ردنا إل عمر فقتله‬
‫وأدبر الخر فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال يا رسول ال قتل عمر وال صاحب ولول‬
‫أن أعجزته لقتلن فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما كنت أظن أن يترئ عمر على قتل‬
‫مؤمن فأنزل ال ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك ) لية فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر‬
‫من قتله فكره ال أن يسن ذلك بعد فأنزل ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا‬
‫من دياركم ما فعلوه إل قليل منهم ولو أنم فعلوا ما يوعظون به لكان خيا لم وأشد تثبيتا )‬
‫لية وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن ليعة عن أب السود به وهو أثر غريب مرسل ابن ليعة‬
‫ضعيف وال أعلم [ طريق أخرى ] قال الافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحن بن إبراهيم بن‬
‫دحيم ف تفسيه حدثنا شعيب بن شعيب حدثنا أبو الغية حدثنا عتبة بن ضمرة حدثن أب أن‬
‫رجلي اختصما إل النب صلى ال عليه وسلم فقضى للمحق على البطل فقال القضي عليه ل‬
‫أرضى فقال صاحبه فما تريد قال أن تذهب إل أب بكر الصديق فذهبا إليه فقال الذي قضى له‬

‫‪174‬‬
‫قد اختصمناه إل النب صلى ال عليه وسلم فقضى ل فقال أبو بكر أنتما على ما قضى به رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فأب صاحبه أن يرضى فقال نأت عمر بن الطاب فقال القضي له قد‬
‫اختصمنا إل النب صلى ال عليه وسلم فقضى ل عليه فأب أن يرضى فسأله عمر بن الطاب‬
‫فقال كذلك فدخل عمر منله وخرج والسيف ف يده قد سله فضرب به رأس الذي أب أن‬
‫يرضى فقتله فأنزل ال ( فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ) لية‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫وأخيا ييء ذلك اليقاع الاسم الازم ‪ .‬إذ يقسم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بذاته العلية ‪ ,‬أنه ل يؤمن مؤمن‬
‫‪ ,‬حت يكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمره كله ‪ .‬ث يضي راضيا بكمه ‪ ,‬مسلما بقضائه ‪.‬‬
‫ليس ف صدره حرج منه ‪ ,‬ول ف نفسه تلجلج ف قبوله‪:‬‬
‫فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ‪ .‬ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ‪,‬‬
‫ويسلموا تسليمًا ‪. .‬‬
‫ومرة أخرى ندنا أمام شرط اليان وحد السلم ‪ .‬يقرره ال سبحانه بنفسه ‪ .‬ويقسم عليه بذاته ‪.‬‬
‫فل يبقى بعد ذلك قول لقائل ف تديد شرط اليان وحد السلم ‪ ,‬ول تأويل لؤول ‪.‬‬
‫اللهم إل ماحكة ل تستحق الحترام ‪ . .‬وهي أن هذا القول مرهون بزمان ‪ ,‬وموقوف على طائفة‬
‫من الناس ! وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا ; ول يفقه من التعبي القرآن قليل ول كثيا ‪.‬‬
‫فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم ; جاءت ف صورة قسم مؤكد ; مطلقة من كل قيد ‪ . .‬وليس‬
‫هناك مال للوهم أو اليهام بأن تكيم رسول ال صلى ال عليه وسلم هو تكيم شخصه ‪ .‬إنا هو‬
‫تكيم شريعته ومنهجه ‪ .‬وإل ل يبق لشريعة ال وسنة رسوله مكان بعد وفاته صلى ال عليه وسلم‬
‫وذلك قول أشد الرتدين ارتدادا على عهد أب بكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وهو الذي قاتلهم عليه قتال‬
‫الرتدين ‪ .‬بل قاتلهم على ما هو دونه بكثي ‪ .‬وهو مرد عدم الطاعة ل ورسوله ‪ ,‬ف حكم الزكاة ;‬
‫وعدم قبول حكم رسول ال فيها ‪ ,‬بعد الوفاة !‬
‫وإذا كان يكفي لثبات "السلم" أن يتحاكم الناس إل شريعة ال وحكم رسوله ‪ . .‬فانه ل يكفي‬
‫ف "اليان" هذا ‪ ,‬ما ل يصحبه الرضى النفسي ‪ ,‬والقبول القلب ‪ ,‬وإسلم القلب والنان ‪ ,‬ف‬
‫اطمئنان !‬
‫هذا هو السلم ‪ . .‬وهذا هو اليان ‪ . .‬فلتنظر نفس أين هي من السلم ; وأين هي من اليان !‬
‫قبل ادعاء السلم وادعاء اليان !‬
‫(يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ‪ ,‬من الذين قالوا‪:‬آمنا بأفواههم ول تؤمن قلوبم‬
‫‪ ,‬ومن الذين هادوا ‪ . .‬ساعون للكذب ‪ ,‬ساعون لقوم آخرين ل يأتوك ‪ ,‬يرفون الكلم من بعد‬
‫مواضعه ‪ ,‬يقولون‪:‬إن أوتيتم هذا فخذوه ‪ ,‬وإن ل تؤتوه فاحذروا ‪ .‬ومن يرد ال فتنته فلن تلك له من‬

‫‪175‬‬
‫ال شيئا ‪ .‬أولئك الذين ل يرد ال أن يطهر قلوبم ‪ .‬لم ف الدنيا خزي ‪ ,‬ولم ف الخره عذاب‬
‫عظيم ‪ .‬ساعون للكذب ‪ ,‬أكالون للسحت ‪ .‬فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ‪ .‬وإن‬
‫تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ‪ .‬وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ‪ .‬إن ال يب القسطي ‪.‬‬
‫وكيف يكمونك ‪ -‬وعندهم التوراه فيها حكم ال ‪ -‬ث يتولون من بعد ذلك ? وما أولئك‬
‫بالؤمني) ‪. .‬‬
‫هذه اليات تشي بأنا ما نزل ف السنوات الول للهجرة ; حيث كان اليهود ما يزالون بالدينه ‪-‬‬
‫أي قبل غزوة الحزاب على القل وقبل التنكيل ببن قريظه إن ل يكن قبل ذلك ‪ ,‬أيام أن كان هناك‬
‫بنو النضي وبنو قينقاع ‪ ,‬وأولها أجليت بعد أحد والثانيه أجليت قبلها ‪ -‬ففي هذه الفترة كان‬
‫اليهود يقومون بناوراتم هذه ; وكان النافقون يأرزون إليهم كما تأرز اليه إل الحر! وكان هؤلء‬
‫وهؤلء يسارعون ف الكفر ; ولو قال النافقون بأفواههم‪:‬آمنا ‪ . .‬وكان فعلهم هذا يزن الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ويؤذيه ‪. .‬‬
‫وال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يعزي رسوله صلى ال عليه وسلم ويواسيه ; ويهون عليه فعال القوم ‪ ,‬ويكشف‬
‫للجماعه السلمه حقيقة السارعي ف الكفر من هؤلء وهؤلء ; ويوجه الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫إل النهج الذي يسلكه معهم حي يأتون إليه متحاكمي ; بعد ما يكشف له عما تآمروا عليه قبل أن‬
‫يأتوا إليه وما بيتوه‪( :‬يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ‪ ,‬من الذين قالوا‪:‬آمنا ‪,‬‬
‫بأفواههم ول تؤمن قلوبم ‪ ,‬ومن الذين هادوا ‪ . .‬ساعون للكذب ‪ ,‬ساعون لقوم آخرين ل يأتوك ‪.‬‬
‫يرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون‪:‬إن أوتيتم هذا فخذوه ‪ ,‬وإن ل تؤتوه فاحذروا ‪). . .‬‬
‫روي أن هذه اليات نزلت ف قوم من اليهود ارتكبوا جرائم ‪ -‬تتلف الروايات ف تديدها ‪ -‬منها‬
‫الزنا ومنها السرقه ‪ . .‬وهي من جرائم الدود ف التوراة ; ولكن القوم كانوا قد اصطلحوا على‬
‫غيها ; لنم ل يريدوا أن يطبقوها على الشرفاء فيهم ف مبدأ المر ‪ .‬ث تاونوا فيها بالقياس إل‬
‫الميع ‪ ,‬وأحلوا ملها عقوبات أخرى من عقوبات التعازير [ كما صنع الذين يزعمون أنم مسلمون‬
‫ف هذا الزمان! ] ‪ . .‬فلما وقعت منهم هذه الرائم ف عهد الرسول صلى ال عليه وسلم تآمروا على‬
‫أن يستفتوه فيها ‪ . .‬فإذا أفت لم بالعقوبات التعزيريه الخففه عملوا با ‪ ,‬وكانت هذه حجه لم عند‬
‫ال ‪ . .‬فقد أفتاهم با رسول ! ‪ . .‬وإن حكم فيها بثل ما عندهم ف التوراة ل يأخذوا بكمه ‪. .‬‬
‫فدسوا بعضهم يستفتيه ‪ . .‬ومن هنا حكاية قولم‪:‬‬
‫(إن أوتيتم هذا فخذوه ‪ ,‬وإن ل تؤتوه فاحذروا) ‪. .‬‬
‫وهكذا بلغ منهم العبث ‪ ,‬وبلغ منهم الستهتار ‪ ,‬وبلغ منهم اللتواء أيضا ف التعامل مع ال والتعامل‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا البلغ ‪ . .‬وهي صورة تثل أهل كل كتاب حي يطول عليهم‬
‫المد ‪ ,‬فتقسو قلوبم ; وتبد فيها حرارة العقيده ‪ ,‬وتنطفى ء شعلتها ; ويصبح التفصي من هذه‬

‫‪176‬‬
‫العقيده وشرائعها وتكاليفها هو الدف الذي يبحث له عن الوسائل ; ويبحث له عن "الفتاوي" لعلها‬
‫تد مرجا وحيله ; أليس الشأن كذلك اليوم بي الذين يقولون‪:‬إنم مسلمون‪( :‬من الذين قالوا‪:‬آمنا‬
‫بأفواههم ول تؤمن قلوبم) !‬
‫أليسوا يتلمسون الفتوى للحتيال على الدين ل لتنفيذ الدين ? أليسوا يتمسحون بالدين احيانا لكي‬
‫يقر لم أهواءهم ويوقع بالوافقه عليها! فأما إن قال الدين كلمة الق وحكم الق فل حاجة بم إليه‬
‫‪( . .‬يقولون‪:‬إن أوتيتم هذا فخذوه ; وإن ل تؤتوه فاحذروا) ! إنه الال نفسه ‪ .‬ولعله لذا كان ال‬
‫‪ -‬سبحانه _يقص قصة بن إسرائيل بذا السهاب وهذا التفصيل ‪ ,‬لتحذر منها أجيال "السلمي"‬
‫وينتبه الواعون منها لزالق الطريق ‪.‬‬
‫وال سبحانه ‪ -‬يقول لرسوله ف شأن هؤلء السارعي بالكفر ‪ ,‬وف شأن هؤلء التآمرين البيتي لذه‬
‫اللعيب‪:‬ل يزنك الذين يسارعون ف الكفر ‪ .‬فهم يسلكون سبيل الفتنه ‪ ,‬وهم واقعون فيها ‪,‬‬
‫وليس لك من المر شيء ‪ ,‬وما أنت بستطيع أن تدفع عنهم الفتنه وقد سلكوا طريقها ولوا فيها‪:‬‬
‫(ومن يرد ال فتنته فلن تلك له من ال شيئا) ‪. .‬‬
‫وهؤلء دنست قلوبم ‪ ,‬فلم يرد ال أن يطهرها ‪ ,‬وأصحابا يلجون ف الدنس‪( :‬أولئك الذين ل يرد‬
‫ال أن يطهر قلوبم) ‪. .‬‬
‫وسيجزيهم بالزي ف الدنيا والعذاب العظيم ف الخره‪( :‬لم ف الدنيا خزي ‪ ,‬ولم ف الخرة‬
‫عذاب عظيم) ‪. .‬‬
‫فل عليك منهم ‪ ,‬ول يزنك كفرهم ‪ ,‬ول تفل بأمرهم ‪ .‬فهو أمر مقضي فيه ‪. .‬‬
‫ث يضي ف بيان حال القوم ‪ ,‬وما انتهوا إليه من فساد ف اللق والسلوك ‪ ,‬قبل أن يبي لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم كيف يتعامل معهم إذا جاءوا إليه متحاكمي‪:‬‬
‫(ساعون للكذب ‪ ,‬أكالون للسحت ‪ .‬فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ‪ .‬وإن تعرض عنهم‬
‫فلن يضروك شيئا ‪ .‬وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ‪ ,‬إن ال يب القسطي) ‪. .‬‬
‫كرر أنم ساعون للكذب ‪ .‬ما يشي بأن هذه أصبحت خصله لم ‪ . .‬تش نفوسهم لسماع الكذب‬
‫والباطل ‪ ,‬وتنقبض لسماع لق والصدق ‪ . .‬وهذه طبيعة القلوب حي تفسد ‪ ,‬وعادة الرواح حي‬
‫تنطمس ‪ . .‬ما أحب كلمة الباطل والزور ف الجتمعات النحرفه ‪ ,‬وما أثقل كلمة الق والصدق ف‬
‫هذه الجتمعات ‪ . .‬وما أروج الباطل ف هذه الونه وما أشد بوار الق ف هذه الفترات اللعونه !‬
‫وهؤلء‪:‬ساعون للكذب ‪ .‬أكالون للسحت ‪ . .‬والسحت كل مال حرام ‪ . .‬والربا والرشوه وثن‬
‫الكلمه والفتوى ! ف مقدمة ما كانوا يأكلون ‪ ,‬وف مقدمة ما تأكله الجتمعات الت تنحرف عن‬
‫منهج ال ف كل زمان! وسي الرام سحتا لنه يقطع البكه ويحقها ‪ .‬وما اشد أنقطاع البكه‬

‫‪177‬‬
‫وزوالا من الجتمعات النحرفه ‪ .‬كما نرى ذلك بأعيننا ف كل متمع شارد عن منهج ال وشريعة ال‬
‫‪.‬‬
‫ويعل ال المر للرسول باليار ف أمرهم إذا جاءوه يطلبون حكمه ‪ -‬فإن شاء أعرض عنهم ‪ -‬ولن‬
‫يضروه شيئا ‪ -‬وإن شاء حكم بينهم ‪ .‬فإذا اختار أن يكم حكم بينهم بالقسط ‪ ,‬غي متأثر بأهوائهم‬
‫‪ ,‬وغي متأثر كذلك بسارعتهم ف الكفر ومؤامراتم ومناوراتم ‪. .‬‬
‫(إن ال يب القسطي) ‪. .‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم والاكم السلم ‪ ,‬والقاضي السلم ‪ ,‬إنا يتعامل مع ال ف هذا الشأن ;‬
‫وإنا يقوم بالقسط ل ‪ .‬لن ال يب القسطي ‪ .‬فإذا ظلم الناس وإذا خانوا ‪ ,‬وإذا انرفوا ‪ ,‬فالعدل‬
‫فوق التأثر بكل ما يصدر منهم ‪ .‬لنه ليس عدلً لم ; وإنا هو ل ‪ . .‬وهذا هو الضمان الكيد ف‬
‫شرع السلم وقضاء السلم ‪ ,‬ف كل مكان وف كل زمان ‪.‬‬
‫وهذا التخيي ف أمر هؤلء اليهود يدل على نزول هذا الكم ف وقت مبكر ‪ .‬إذ أنه بعد ذلك أصبح‬
‫الكم والتقاضي لشريعة السلم حتميا ‪ .‬فدار السلم ل تطبق فيها إل شريعة ال ‪ .‬وأهلها جيعا‬
‫ملزمون بالتحاكم إل هذه الشريعه ‪ .‬مع اعتبار البدأ السلمي الاص بأهل الكتاب ف الجتمع‬
‫السلم ف دار السلم ; وهوأل يبوا إل على ما هو وارد ف شريعتهم من الحكام ; وعلى ما‬
‫يتص بالنظام العام ‪ .‬فيباح لم ما هو مباح ف شرائعهم ‪ ,‬كامتلك النير وأكله ‪ ,‬وتلك المر‬
‫وشربه دون بيعه للمسلم ‪ .‬ويرم عليهم التعامل الربوي لنه مرم عندهم ‪ .‬وتوقع عليهم حدود الزنا‬
‫والسرقه لنا وارده ف كتابم وهكذا ‪ .‬كما توقع عليهم عقوبات الروج على النظام العام والفساد‬
‫ف الرض كالسلمي سواء ‪ ,‬لن هذا ضروري لمن دار السلم وأهلها جيعا‪:‬مسلمي وغي‬
‫مسلمي ‪ .‬فل يتسامح فيها مع أحد من أهل دار السلم ‪. . .‬‬
‫وف تلك الفتره الت كان الكم فيها على التخيي ‪ ,‬كانوا يأتون ببعض قضاياهم إل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ; مثال ذلك ما رواه مالك ‪ ,‬عن نافع ‪ ,‬عن عبدال بن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪":-‬إن‬
‫اليهود جاءوا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكروا له أن رجلً منهم وامرأة زنيا ‪ .‬فقال لم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ما تدون ف التوراه ف شأن الرجم ? فقالوا‪:‬نفضحهم ويلدون ‪ .‬قال‬
‫عبدال بن سلم‪:‬كذبتم ‪ .‬إن فيها الرجم ‪ .‬فأتوا بالتوراة فنشروها ‪ .‬فوضع أحدهم يده على آيه‬
‫الرجم ‪ ,‬فقرأ ما قبلها وما بعدها ‪ .‬فقال عبدال بن سلم‪:‬ارفع يدك ‪ .‬فرفع يده فإذا آية الرجم! ‪.‬‬
‫فقالوا‪:‬صدق يا ممد فيها آية الرجم فأمر بما رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجا ‪ .‬فرأيت الرجل‬
‫ين على الرأه يقيها الجاره" ‪. .‬‬
‫[ أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري ]‬
‫ومثال ذلك ما رواه المام أحد ‪ -‬بإسناده ‪ -‬عن ابن عباس قال‪:‬‬

‫‪178‬‬
‫"أنزلا ال ف الطائفتي من اليهود ‪ ,‬وكانت إحداها قد قهرت الخرى ف الاهليه ‪ ,‬حت ارتضوا‬
‫واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خسون وسقا ‪ ,‬وكل قتيل قتلته الذليلة من‬
‫العزيزة فديته مائة وسق ‪ .‬فكانوا على ذلك حت قدم النب صلى ال عليه وسلم فقتلت الذليلة من‬
‫العزيزة قتيل ‪ ,‬فأرسلت العزيزة إل الذليلة أن ابعثوا لنا بائة وسق فقالت الذليلة‪:‬وهل كان ف حيي‬
‫دينهما واحد ‪ ,‬ونسبهما واحد ‪ ,‬وبلدها واحد ‪ ,‬دية بعضهم نصف دية بعض ? إنا أعطيناكم هذا‬
‫ضميا منكم لنا ‪ ,‬وفرقا منكم ‪ .‬فأما إذ قدم ممد فل نعطيكم ! فكادت الرب تيج بينهما ‪ .‬ث‬
‫ارتضوا على أن يعلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم حكما بينهم ‪ .‬ث ذكرت العزيزة ‪ ,‬فقالت‪:‬وال‬
‫ما ممد بعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ‪ ,‬ولقد صدقوا ‪ ,‬ما أعطونا هذا إل ضيما منا وقهرا‬
‫لم! فدسوا إل ممد من يب لكم رأيه ‪ . .‬إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه ‪ ,‬وإن ل يعطكم‬
‫حذرت فلم تكموه ! فدسوا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ناسا من النافقي ليخبوا لم رأي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما جاءوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أخب ال رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا ‪ .‬فأنزل ال تعال‪( :‬يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف‬
‫الكفر) ‪ ,‬إل قوله‪(:‬الفاسقون) ‪ . .‬ففيهم وال أنزل ‪ ,‬وإياهم عن ال عز وجل ‪ [ . .‬أخرجه أبو داود‬
‫من حديث أب الزناد عن أبيه ] ‪ . .‬وف رواية لبن جرير عي فيها "العزيزة " وهي بنو النضي‬
‫"والذليلة " وهي بنو قريظة ‪ . .‬ما يدل ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬على أن هذه اليات نزلت مبكرة قبل إجلئهم‬
‫والتنكيل بم ‪. .‬‬
‫وقد عقب السياق بسؤال استنكاري على موقف يهود ‪ -‬سواء كان ف هذه القضية أو تلك فهو‬
‫موقف عام منهم وتصرف مطرد ‪ -‬فقال‪:‬‬
‫وكيف يكمونك ‪ -‬وعندهم التوراة فيها حكم ال ‪ -‬ث يتولون من بعد ذلك ? ‪. .‬‬
‫فهي كبية مستنكرة أن يكموا رسول ال صلى ال عليه وسلم فيحكم بشريعة ال وحكم ال ‪,‬‬
‫وعندهم ‪ -‬إل جانب هذا ‪ -‬التوراة فيها شريعة ال وحكمه ; فيتطابق حكم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وما عندهم ف التوراة ; ما جاء القرآن مصدقا له ومهيمنا عليه ‪ . .‬ث من بعد ذلك يتولون‬
‫ويعرضون ‪ .‬سواء كان التول بعدم التزام الكم ; أو بعدم الرضى به ‪. .‬‬
‫ول يكتفي السياق بالستنكار ‪ .‬ولكنه يقرر الكم السلمي ف مثل هذا الوقف‪:‬‬
‫(وما أولئك بالؤمني) ‪. .‬‬
‫فما يكن أن يتمع اليان ‪ ,‬وعدم تكيم شريعة ال ‪ ,‬أو عدم الرضى بكم هذه الشريعة ‪ .‬والذين‬
‫يزعمون لنفسهم أو لغيهم أنم "مؤمنون" ث هم ل يكمون شريعة ال ف حياتم ‪ ,‬أو ل يرضون‬
‫حكمها إذا طبق عليهم ‪ . .‬إنا يزعمون دعوى كاذبة ; وإنا يصطدمون بذا النص القاطع‪( :‬وما‬

‫‪179‬‬
‫أولئك بالؤمني) ‪ .‬فليس المر ف هذا هو أمر عدم تكيم شريعة ال من الكام فحسب ; بل إنه‬
‫كذلك عدم الرضى بكم ال من الحكومي ‪ ,‬يرجهم من دائرة اليان ‪ ,‬مهما ادعوه باللسان ‪.‬‬
‫وهذا النص هنا يطابق النص الخر ‪ ,‬ف سورة النساء‪(:‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر‬
‫بينهم ‪ ,‬ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ‪ ,‬ويسلموا تسليمًا) ‪ . .‬فكلها يتعلق بالحكومي‬
‫ل بالكام ‪ .‬وكلها يرج من اليان ‪ ,‬وينفي صفة اليان عمن ل يرضى بكم ال ورسوله ‪ ,‬ومن‬
‫يتول عنه ويرفض قبوله ‪.‬‬
‫ومرد المر كما قلنا ف مطلع الديث عن هذا الدرس ‪ . .‬أن القضية هي قضية القرار بألوهية ال ‪-‬‬
‫وحده ‪ -‬وربوبيته وقوامته على البشر ‪ .‬أو رفض هذا القرار ‪ .‬وأن قبول شريعة ال والرضى بكمها‬
‫هو مظهر القرار بألوهيته وربوبيته وقوامته ; ورفضها والتول عنها هو مظهر رفض هذا القرار ‪.‬‬

‫‪.6‬يكمون بشرائع الاهلية‬


‫قال تعال ‪َ { :‬أفَحُكْمَ الْجَا ِهلِيّ ِة يَْبغُو َن َومَنْ َأحْسَ ُن مِنَ الّلهِ حُكْمًا ّل َق ْومٍ يُوِقنُونَ} (‪ )50‬سورة‬
‫الائدة‬
‫وف تفسي ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫‪-50‬أفحكم الاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون‬
‫لا ذكر تعال التوراة الت أنزلا على موسى كليمه ومدحها وأثن عليها وأمر باتباعها حيث‬
‫كانت سائغة التباع وذكر النيل ومدحه وأمر أهله بإقامته واتباع مافيه كما تقدم بيانه شرع‬
‫ف ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكري فقال تعال ( وأنزلنا إليك الكتاب‬
‫بالق ) ي بالصدق الذي لريب فيه أنه من عند ال ( مصدقا لا بي يديه من الكتاب ) ي من‬
‫الكتب التقدمة التضمنة ذكره ومدحه وأنه سينل من عند ال على عبد ورسوله ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم فكان نزوله كما أخبت به ما زادها صدقا عند حامليها من ذزي البصائر الذين‬
‫انقادوا لمر ال واتبعوا شرائع ال وصدقوا رسل ال كما قال تعال ( إن الذين أوتوا العلم من‬
‫قبله إذا يتلى عليهم يرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لفعول ) ي إن‬
‫كان ماوعدنا ال على ألسنة رسله التقدم من مئ ممد عليه السلم لفعول أي لكائنا لمالة ول‬
‫بد وقوله تعال ( ومهيمنا عليه ) ال سفيان الثوري وغيه عن أب إسحاق عن التميمي عن ابن‬
‫عباس أي مؤتنا عليه وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس الهيمن المي قال القرآن أمي على‬
‫كل كتاب قبله ورواه عن عكرمة وسعيد بن جبي وماهد وممد بن كعب وعطية والسن‬
‫وقتادة وعطاء الراسان والسدي وابن زيد نو ذلك وقال ابن جريج القرآن أمي على الكتب‬
‫التقدمة قبله فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل وعن الوالب عن ابن عباس‬

‫‪180‬‬
‫( ومهيمنا ) ي شهيدا وكذا قال ماهد وقتادة والسدي وقال العوف عن ابن عباس ( ومهيمنا )‬
‫ي حاكما على ما قبله من الكتب وهذه القوال كلها متقاربة العن فإن اسم الهيمن يتضمن هذا‬
‫كله فهو أمي وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله جعل ال هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر‬
‫الكتب وخاتها وأشلها وأعظمها وأكملها حيث جع فيه ماسن ما قبله من الكمالت ماليس ف‬
‫غيه فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها وتكفل تعال حفظه بنفسه الكرية فقال تعال‬
‫( إنا نن نزلناالذكر وإنا له لافظون ) أما ماحكاه ابن أب حات عن عكرمة وسعيد بن جبي‬
‫وعطاء الراسان وابن أب نيح عن ماهد أنم قالوا ف قوله ( ومهيمنا عليه ) عن ممدا صلى‬
‫ال عليه وسلم أمي على القرآن فإنه صحيح ف العن ولكن ف تفسيهذا بذا نظر وف تنيله‬
‫عليه من حيث العربية أيضا نظر وبالملة فالصحيح الول وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته‬
‫له عن ماهد وهذا التأويل بعيد عن الفهوم ف كلم العرب بل هو خطأ وذلك أن الهيمن عطف‬
‫على الصدق فل يكون إل صفة لا كان الصدق صفة له ولو كان المر كما قال ماهد لقال‬
‫( وأنزلنا إليك الكتاب بالق مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) عن من غي عطف‬
‫وقولتعال ( فاحكم بينهم با أنزل ال ) ي فاحكم ياممد بي الناس عربم وعجمهم أميهم‬
‫وكتابيهم با أنزل ال إليك من هذا الكتاب العظيم وبا قرره لك من حكم من كان قبلك من‬
‫النبياء ول ينسخه ف شرعك هكذا وجهه ابن جرير بعناه قال ابن أب حات حدثنا ممد بن‬
‫عمار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسي عن الكم عن ماهد‬
‫عن ابن عباس قال كان النب صلى ال عليه وسلم ميا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض‬
‫عنهم فردهم إل أحكامهم فنلت ( وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم ) أمر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أن يكم بينهم با ف كتابنا وقوله ( ول تتبع أهواءهم ) ي آراءهم الت‬
‫اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما أنزل ال على رسله ولذا قال تعال ( ول تتبع أهواءهم عما‬
‫جاءك من الق ) ي ل تنصرف عن الق الذي أمرك ال به إل أهواء هؤلء من الهلة الشقياء‬
‫وقوله تعال ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ال ابن أب حات حدثنا أبو سعيد الشج حدثنا‬
‫أبو خالد الحر عن يوسف بن أب إسحاق عن أبيه عن التميمي عن ابن عباس ( لكل جعلنا‬
‫منكم شرعة ) ال سبيل وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان بن أب إسحاق عن التميمي‬
‫عن ابن عباس ( ومنهاجا ) ال سنة وكذا روى العوف عن ابن عباس ( شرعة ومنهاجا ) بيل‬
‫وسنة وكذا روي عن ماهد وعكرمة والسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وابن إسحاق‬
‫السبيعي أنم قالوا ف قوله ( شرعة ومنهاجا ) ي سبيل وسنة وعن ابن عباس أيضا وماهد أي‬
‫وعطاء الراسان عكسه شرعة ومنهاجا أي سنة وسبيل والول أنسب فإن الشرعة وهي الشريعة‬
‫أيضا هي ما يبتدا فيه إل الشئ ومنه قال شرع ف كذا أي ابتدأ فيه وكذا الشريعة وهي ما يشرع‬

‫‪181‬‬
‫فيها إل الاء أما النهاج فهو الطريق الواضح السهل والسنن والطرائق فتفسي قوله ( شرعة‬
‫ومنهاجا ) السبيل والسنة أظهر ف الناسبة من العكس وال أعلم ث هي أخبار عن المم الختلفة‬
‫الديان باعتبار مابعث ال به رسله الكرام من الشرائع الختلفة ف الحكام التفقة ف التوحيد كما‬
‫ثبت ف صحيح البخاري ' ‪ 3442‬م ‪ ' 2365‬عن أب هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال نن معاشر النبياء أخوة لعلت ديننا واحد يعن بذلك التوحيد الذي بعث ال به كل رسول‬
‫أرسله وضمنه كل كتاب أنزله كما قال تعال ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه‬
‫أنه ل إله إل أنا فاعبدون ) قال تعال ( ولقد بعثنا ف كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا‬
‫الطاغوت ) لية وأما الشرائع فمختلفة ف الوامر والنواهي فقد يكون الشئ ف هذه الشريعة‬
‫حراما ث يل ف الشريعة الخرى وبالعكس وخفيفا فيزاد ف الشدة ف هذه دون هذه وذلك لا‬
‫له تعال ف ذلك من الكمة البالغة والجة الدامغة قال سعيد بن أب عروبة عن قتادة قوله ( لكل‬
‫جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قول سبيل وسنة والسنن متلفة هي ف التوراة شريعة وف النيل‬
‫شريعة وف الفرقان شريعة يل ال فيها ما يشاء ويرم ما يشاء ليعلم من يطيعه من يعصيه والدين‬
‫الذي ل يقبل ال غيه التوحيد والخلص ل الذي جاءت به جيع الرسل عليهم الصلة والسلم‬
‫وقيل الخاطب بذه الية هذه المة ومعناه لكل جعلنا القرآن منكم أيتها المة شرعة ومنهاجا‬
‫أي هو لكم كلكم تقتدون به وحذف الضمي النصوب ف قوله ( لكل جعلنا منكم ) ي جعلناه‬
‫يعن القرآن شرعة ومنهاجا أي سبيل إل القاصد الصحيحة وسنة أي طريقا ومسلكا واضحا بينا‬
‫هذا مضمون ماحكاه ابن جرير عن ماهد رحه ال والصحيح القول الول ويدل على ذلك ف‬
‫قوله تعال بعده ( ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة ) لو كان هذا خطابا لذه المة لا صح أن‬
‫يقول ( ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة ) هم أمة واحدة ولكن هذا خطاب لميع المم وإخبار‬
‫عن قدرته تعال العظيمة الت لو شاء لميع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة ل ينسخ‬
‫شيء منها ولكنه تعال شرع لكل رسول شريعة على حدة ث نسخها أو بعضها برسالة الخر‬
‫الذي بعده حت نسخ الميع با بعث به عبده ورسوله ممدا صلى ال عليه وسلم الذي ابتعثه إل‬
‫أهل الرض قاطبة وجعله خات النبياء كلهم ولذا قال تعال ( ولو شاء ال لعلكم أمة واحدة‬
‫ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ) ي أنه تعال شرع الشرائع متلفة ليخب عباده فيما شرع لم ويثيبهم‬
‫أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته با فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله وقال عبد ال بن كثي‬
‫( فيما آتاكم ) عن من الكتاب ث إنه تعال ندبم إل السارعة إل اليات والبادرة اليها فقال‬
‫( فاستبقوا اليات ) ي طاعة ال واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لا قبله والتصديق بكتابه‬
‫القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله ث قال تعال ( ال ال مرجعكم ) ي معادكم أيها الناس‬
‫ومصيكم إليه يوم القيامة ( فينبئكم با كنتم فيه تتلفون ) ي فيخبكم با اختلفتم فيه من الق‬

‫‪182‬‬
‫فيجزي الصادقي بصدقهم ويعذب الكافرين الاحدين الكذبي بالق العادلي عنه إل غيه بل‬
‫دليل ول برهان بل هم معاندون للباهي القاطعة والجج البالغة والدلة الدامغة وقال الضحاك (‬
‫فاستبقوا اليات ) عن أمة ممد صلى ال عليه وسلم والول أظهر وقوله ( وأن احكم بينهم با‬
‫أنزل ال ول تتبع أهواءهم ) أكيد لا تقدم من المر بذلك النهي عن خلفه ث قال ( واحذرهم‬
‫أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك ) ي واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الق فيما‬
‫ينهونه إليك من المور فل تغتر بم فإنم كذبة كفرة خونة ( فإن تولوا ) ي عما تكم بينهم من‬
‫الق وخالفوا شرع ال ( فاعلم إنا يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبم ) ي فاعلم أن ذلك كائن‬
‫عن قدرة ال وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الدى لا لم من الذنوب السالفة الت اقتضت‬
‫إضللم ونكالم ( وإن كثيا من الناس لفاسقون ) ي إن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربم‬
‫مالفون للحق ناكبون عنه كما قال تعال ( وما أكثر الناس ولو حرصت بؤمني ) قال تعال‬
‫( وإن تطع أكثر من ف الرض يضلوك عن سبيل ال ) لية وقال ممد بن إسحاق حدثن ممد‬
‫بن أب ممد مول زيد بن ثابت حدثن سعيد بن جبي أو عكرمة عن ابن عباس قال قال كعب‬
‫بن أسد وابن صلوبا وعبد ال بن صوريا وشأس بن قيس بعضهم لبعض اذهبوا بنا إل ممد لعلنا‬
‫نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا ياممد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتم وإنا إن‬
‫اتبعناك اتبعنا يهود ول يالفونا وإن بيننا وبي قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم‬
‫ونؤمن ونصدقك فأب ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال عز وجل فيهم ( وأن‬
‫احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك ) ل‬
‫قوله ( لقوم يوقنون ) واه ابن جرير وابن أب حات وقوله تعال ( أفحكم الاهلية يبغون ومن‬
‫أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ) نكر تعال على من خرج عن حكم ال الحكم الشتمل‬
‫على كل خي الناهي عن كل شر وعدل إل ما سواه من الراء والهواء والصطلحات الت‬
‫وضعها الرجال بل مستند من شريعة ال كما كان أهل الاهلية يكمون به من‬
‫الضللتوالهالت با يضعونا بآرائهم وأهوائهم وكما يكم به التتار من السياسات اللكية‬
‫الأخوذة عن ملكهم جنكر خان الذي وضع لم الياسق وهو عبارة عن كتاب مموع من أحكام‬
‫قد اقتبسها عن شرائع شت من اليهودية والنصرانية واللة السلمية وغيها وفيها كثي من‬
‫الحكام أخذها من مرد نظرة وهواه فصارت ف بنيه شرعا متبعا يقدمونا على الكم بكتاب‬
‫ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يب قتاله حت يرجع إل‬
‫حكم ال ورسوله فل يكم سواه ف قليل ول كثي قال تعال ( أفحكم الاهلية يبغون ) ي‬
‫يبتغون ويريدون وعن حكم ال يعدلون ( ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ) ي ومن‬
‫أعدل من ال ف حكمه لن عقل عن ال شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن ال أحكم الاكمي‬

‫‪183‬‬
‫وأرحم بلقه من الوالدة بولدها فإنه تعال هو العال بكل شيء القادر على كل شيء العادل ف‬
‫كل شئ وقال ابن أب حات حدثنا أب حدثنا هلل بن فياض حدثنا أبو عبيدة الناجي قال سعت‬
‫الكم يقول من حكم بغي حكم ال فحكم الاهلية وأخبنا يونس بن عبد العلى قراءة حدثنا‬
‫سفيان بن عيينة عن ابن أب نيح قال كان طاوس إذا سأله رجل أفضل بي ولدي ف النحل قرأ (‬
‫أفحكم الاهلية يبغون ) لية وقال الافظ أبو القاسم الطبان ' ‪ ' 10/10749‬حدثنا أحد بن‬
‫عبد الوهاب بن ندة الوطي حدثنا أبو اليمان الكم بن نافع أخبنا شعيب بن أب حزة عن‬
‫عبد ال بن عبد الرحن بن أب حسي عن نافع بن جبي عن ابن عباس قال قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أبغض الناس إل ال عز وجل من يبتغي ف السلم سنة الاهلية وطاب دم امرئ‬
‫بغي حق لييق دمه وروى البخاري ' ‪ ' 6882‬عن أب اليمان بإسناده نوه بزيادة‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫فإنه إما حكم ال ‪ ,‬وإما حكم الاهلية ‪ .‬ول وسط بي الطرفي ول بديل ‪ . .‬حكم ال يقوم ف‬
‫الرض ‪ ,‬وشريعة ال تنفذ ف حياة الناس ‪ ,‬ومنهج ال يقود حياة البشر ‪ . .‬أو أنه حكم الاهلية ‪,‬‬
‫وشريعة الوى ‪ ,‬ومنهج العبودية ‪ . .‬فأيهما يريدون ?‬
‫(أفحكم الاهلية يبغون ? ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) ‪. .‬‬
‫إن معن الاهلية يتحدد بذا النص ‪ .‬فالاهلية ‪ -‬كما يصفها ال ويددها قرآنه ‪ -‬هي حكم البشر‬
‫للبشر ‪ ,‬لنا هي عبودية البشر للبشر ‪ ,‬والروج من عبودية ال ‪ ,‬ورفض ألوهية ال ‪ ,‬والعتراف ف‬
‫مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لم من دون ال ‪. .‬‬
‫إن الاهلية ‪ -‬ف ضوء هذا النص ‪ -‬ليست فترة من الزمان ; ولكنها وضع من الوضاع ‪ .‬هذا‬
‫الوضع يوجد بالمس ‪ ,‬ويوجد اليوم ‪ ,‬ويوجد غدا ‪ ,‬فيأخذ صفة الاهلية ‪ ,‬القابلة للسلم ‪,‬‬
‫والناقضة للسلم ‪.‬‬
‫والناس ‪ -‬ف أي زمان وف أي مكان ‪ -‬إما أنم يكمون بشريعة ال ‪ -‬دون فتنة عن بعض منها ‪-‬‬
‫ويقبلونا ويسلمون با تسليما ‪ ,‬فهم إذن ف دين ال ‪ .‬وإما إنم يكمون بشريعة من صنع البشر ‪-‬‬
‫ف أي صورة من الصور ‪ -‬ويقبلونا فهم إذن ف جاهلية ; وهم ف دين من يكمون بشريعته ‪,‬‬
‫وليسوا بال ف دين ال ‪ .‬والذي ل يبتغى حكم ال يبتغي حكم الاهلية ; والذي يرفض شريعة ال‬
‫يقبل شريعة الاهلية ‪ ,‬ويعيش ف الاهلية ‪.‬‬
‫وهذا مفرق الطريق ‪ ,‬يقف ال الناس عليه ‪ .‬وهم بعد ذلك باليار !‬
‫ث يسألم سؤال استنكار لبتغائهم حكم الاهلية ; وسؤال تقرير لفضلية حكم ال ‪.‬‬
‫(ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ?) ‪. .‬‬
‫وأجل ! فمن أحسن من ال حكما ?‬

‫‪184‬‬
‫ومن ذا الذي يرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس ‪ ,‬ويكم فيهم ‪ ,‬خيا ما يشرع ال لم ويكم فيهم ?‬
‫وأية حجة يلك أن يسوقها بي يدي هذا الدعاء العريض ?‬
‫أيستطيع أن يقول‪:‬إنه أعلم بالناس من خالق الناس ? أيستطيع أن يقول‪:‬إنه أرحم بالناس من رب‬
‫الناس ? أيستطيع أن يقول‪:‬إنه أعرف بصال الناس من إله الناس ? أيستطيع أن يقول‪:‬إن ال ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬وهو يشرع شريعته الخية ‪ ,‬ويرسل رسوله الخي ; ويعل رسوله خات النبيي ‪ ,‬ويعل‬
‫رسالته خاتة الرسالت ‪ ,‬ويعل شريعته شريعة البد ‪ . .‬كان ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يهل أن أحوالًا ستطرأ ‪,‬‬
‫وأن حاجات ستستجد ‪ ,‬وأن ملبسات ستقع ; فلم يسب حسابا ف شريعته لنا كانت خافية‬
‫عليه ‪ ,‬حت انكشفت للناس ف آخر الزمان ?!‬
‫ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة ال عن حكم الياة ‪ ,‬ويستبدل با شريعة الاهلية ‪,‬‬
‫وحكم الاهلية ; ويعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب ‪ ,‬أو هوى جيب من أجيال البشر ‪,‬‬
‫فوق حكم ال ‪ ,‬وفوق شريعة ال ?‬
‫ما الذي يستطيع أن يقوله ‪ . .‬وباصة إذا كان يدعي أنه من السلمي ?!‬
‫الظروف ? اللبسات ? عدم رغبة الناس ? الوف من العداء ? ‪ . .‬أل يكن هذا كله ف علم ال ;‬
‫وهو يأمر السلمي أن يقيموا بينهم شريعته ‪ ,‬وأن يسيوا على منهجه ‪ ,‬وأل يفتنوا عن بعض ما‬
‫أنزله ?‬
‫قصور شريعة ال عن استيعاب الاجات الطارئة ‪ ,‬والوضاع التجددة ‪ ,‬والحوال التغلبة ? أل يكن‬
‫ذلك ف علم ال ; وهو يشدد هذا التشديد ‪ ,‬ويذر هذا التحذير ?‬
‫يستطيع غي السلم أن يقول مايشاء ‪ . .‬ولكن السلم ‪ . .‬أو من يدعون السلم ‪ . .‬ما الذي يقولونه‬
‫من هذا كله ‪ ,‬ث يبقون على شيء من السلم ? أو يبقى لم شيء من السلم ?‬
‫إنه مفرق الطريق ‪ ,‬الذي ل معدى عنده من الختيار ; ول فائدة ف الماحكة عنده ول الدال ‪. .‬‬
‫إما إسلم وإما جاهلية ‪ .‬إما إيان وإما كفر ‪ .‬إما حكم ال وإما حكم الاهلية ‪. .‬‬
‫والذين ل يكمون با أنزل ال هم الكافرون الظالون الفاسقون ‪ .‬والذين ل يقبلون حكم ال من‬
‫الحكومي ما هم بؤمني ‪. .‬‬
‫إن هذه القضية يب أن تكون واضحة وحاسة ف ضمي السلم ; وأل يتردد ف تطبيقها على واقع‬
‫الناس ف زمانه ; والتسليم بقتضى هذه القيقة ونتيجة هذا التطبيق على العداء والصدقاء !‬
‫وما ل يسم ضمي السلم ف هذه القضية ‪ ,‬فلن يستقيم له ميزان ; ولن يتضح له منهج ‪ ,‬ولن يفرق‬
‫ف ضميه بي الق والباطل ; ولن يطو خطوة واحدة ف الطريق الصحيح ‪ . .‬وإذا جاز أن تبقى‬
‫هذه القضية غامضة أو مائعة ف نفوس الماهي من الناس ; فما يوز أن تبقى غامضة ول مائعة ف‬
‫نفوس من يريدون أن يكونوا "السلمي" وأن يققوا لنفسهم هذا الوصف العظيم ‪. .‬‬

‫‪185‬‬
‫‪.7‬يرتكبون جيع الوبقات والفواحش ما ظهر منها وما بطن‬

‫ض يَ ْأمُرُونَ بِالْمُن َك ِر وََيْن َهوْنَ عَ ِن الْ َم ْعرُوفِ‬


‫قال تعال ‪{ :‬الْمُنَاِفقُونَ وَالْمُنَاِفقَاتُ َب ْعضُهُم مّن َبعْ ٍ‬
‫ي هُمُ اْلفَا ِسقُونَ} (‪ )67‬سورة التوبة‬ ‫وََي ْقِبضُونَ أَيْ ِدَيهُمْ نَسُواْ الّلهَ فََنسَِيهُمْ إِنّ الْمُنَاِفقِ َ‬

‫يقول ابن كثي رحه ال ‪:‬‬


‫ف وََيقِْبضُونَ َأيْدَِيهُمْ‬
‫ضهُمْ مّن َبعْضٍ يَ ْأ ُمرُونَ بِالْمُن َكرِ َويَْن َهوْ َن عَنِ الْ َم ْعرُو ِ‬ ‫** الْ ُمنَاِفقُو َن وَاْلمُنَاِفقَاتُ َب ْع ُ‬
‫ت وَاْل ُكفّارَ نَارَ َجهَنّمَ‬
‫ي وَالْ ُمنَاِفقَا ِ‬
‫سَيهُمْ إِ ّن الْ ُمنَاِف ِقيَ هُ ُم اْلفَا ِسقُو َن * َوعَ َد ال اْلمُنَاِفقِ َ‬ ‫نَسُوْا الّلهَ َفنَ ِ‬
‫ب ّمقِي ٌم‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا هِ َي حَسُْبهُ ْم وََلعََنهُ ُم الّل ُه وََلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫يقول تعال منكرا على النافقي الذين هم على خلف صفات الؤمني‪ ,‬ولا كان الؤمنون يأمرون‬
‫بالعروف وينهون عن النكر‪ ,‬كان هؤلء {يأمرون بالنكر وينهون عن العروف ويقبضون أيديهم}‬
‫أي عن النفاق ف سبيل ال‪{ ,‬نسوا ال} أي نسوا ذكر ال {فنسيهم} أي عاملهم معاملة من‬
‫نسيهم كقوله تعال‪{ :‬وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا} {إن النافقي هم‬
‫الفاسقون} أي الارجون عن طريق الق الداخلون ف طريق الضللة‪ ,‬وقوله‪{ :‬وعد ال النافقي‬
‫والنافقات والكفار نار جهنم} أي على هذا الصنيع الذي ذكر عنهم {خالدين فيها} أي ماكثي‬
‫فيها ملدين هم والكفار {هي حسبهم} أي كفايتهم ف العذاب {ولعنهم ال} أي طردهم وأبعدهم‬
‫{ولم عذاب مقيم}‪.‬‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫(النافقون والنافقات بعضهم من بعض ‪ ,‬يأمرون بالنكر وينهون عن العروف ‪ ,‬ويقبضون أيديهم ‪.‬‬
‫نسوا اللّه فنسيهم ‪ .‬إن النافقي هم الفاسقون ‪ .‬وعد اللّه النافقي والنافقات والكفار نار جهنم‬
‫خالدين فيها ; هي حسبهم ‪ ,‬ولعنهم اللّه ‪ ,‬ولم عذاب مقيم) ‪.‬‬
‫النافقون والنافقات من طينة واحدة ‪ ,‬وطبيعة واحدة ‪ .‬النافقون ف كل زمان وف كل مكان ‪.‬‬
‫تتلف أفعالم وأقوالم ‪ ,‬ولكنها ترجع إل طبع واحد ‪ ,‬وتنبع من معي واحد ‪ .‬سوء الطوية ولؤم‬
‫السريرة ‪ ,‬والغمز والدس ‪ ,‬والضعف عن الواجهة ‪ ,‬والب عن الصارحة ‪ .‬تلك ساتم الصيلة ‪ .‬أما‬
‫سلوكهم فهو المر بالنكر والنهي عن العروف ‪ ,‬والبخل بالال إل أن يبذلوه رئاء الناس ‪ .‬وهم حي‬
‫يأمرون بالنكر وينهون عن العروف يستخفون بما ‪ ,‬ويفعلون ذلك دسا وهسا ‪ ,‬وغمزا ولزا ‪,‬‬
‫لنم ل يرؤون على الهر إل حي يأمنون ‪ .‬إنم (نسوا ال) فل يسبون إل حساب الناس وحساب‬
‫الصلحة ‪ ,‬ول يشون إل القوياء من الناس يذلون لم ويدارونم(فنسيهم) ال فل وزن لم ول‬

‫‪186‬‬
‫اعتبار ‪ .‬وإنم لكذلك ف الدنيا بي الناس ‪ ,‬وإنم لكذلك ف الخرة عند ال ‪ .‬وما يسب الناس‬
‫حسابا إل للرجال القوياء الصرحاء ‪ ,‬الذين يهرون بآرائهم ‪ ,‬ويقفون خلف عقائدهم ‪ ,‬ويواجهون‬
‫الدنيا بأفكارهم ‪ ,‬وياربون أو يسالون ف وضح النهار ‪ .‬أولئك ينسون الناس ليذكروا إله الناس ‪,‬‬
‫فل يشون ف الق لومة لئم ‪ ,‬وأولئك يذكرهم ال فيذكرهم الناس ويسبون حسابم ‪.‬‬
‫(إن النافقي هم الفاسقون) ‪. .‬‬
‫فهم خارجون عن اليان ‪ ,‬منحرفون عن الطريق ‪ ,‬وقد وعدهم ال مصيا كمصي الكفار‪:‬‬
‫وعد ال النافقي والنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها ‪ ,‬هي حسبهم ‪.‬‬
‫وفيها كفايتهم وهي كفاء إجرامهم ‪.‬‬
‫ولعنهم ال ‪. .‬‬
‫فهم مطرودون من رحته ‪. .‬‬
‫(ولم عذاب مقيم) ‪. .‬‬
‫‪ -8‬يللون ما حرم ال تعال كتحليل الربا وغيه قال تعال ‪:‬‬
‫اتّخَذُواْ أَ ْحبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مّن دُونِ الّل ِه وَاْلمَسِيحَ اْب َن مَرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُواْ إِلّ لَِي ْعبُدُواْ إِلَـهًا‬
‫شرِكُونَ ‪ [ ‬سورة التوبة ‪] 31 /‬‬ ‫وَاحِدًا لّ ِإلَـهَ إِ ّل ُهوَ سُْبحَاَن ُه عَمّا ُي ْ‬
‫قال الصاص ‪:‬‬
‫قوله تعال ‪ { :‬قُلْ يَا َأ ْهلَ الْ ِكتَابِ َتعَاَلوْا إلَى كَلِ َمةٍ َسوَاءٍ َبيَْننَا وَبَْينَكُمْ أَلّا َنعْبُدَ إلّا الّلهَ } الْآيَ َة ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ { :‬كلِ َمةٍ َسوَاءٍ } َيعْنِي َواَلّلهُ َأ ْعلَ ُم ‪َ :‬كلِمَ ِة عَدْ ٍل بَيَْننَا وََبيْنَكُ ْم نَتَسَاوَى جَمِيعًا فِيهَا ;‬
‫شرِ َك ِبهِ شَيْئًا َولَا يَتّخِذَ‬ ‫س َرهَا ِب َقوِْلهِ َتعَالَى ‪ { :‬أَلّا َنعْبُ َد إلّا الّل َه وَلَا نُ ْ‬ ‫إذْ كُنّا جَمِيعًا عِبَادَ الّلهِ ‪ ,‬ثُمّ َف ّ‬
‫شهَدُ اْل ُعقُولُ ِبصِحِّتهَا ; إذْ كَانَ النّاسُ‬ ‫َبعْضُنَا َب ْعضًا َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } َوهَ ِذ ِه هِيَ الْكَلِ َمةُ الّتِي َت ْ‬
‫ب عَلَى َأحَ ٍد مِْنهُمْ طَاعَ ُة غَْي ِرهِ إلّا‬ ‫ج ُ‬ ‫ض اْلعِبَا َد َة ‪ ,‬وَلَا يَ ِ‬
‫ضهُمْ َعلَى َبعْ ٍ‬ ‫ستَحِقّ َب ْع ُ‬
‫ُكّلهُ ْم عَبِي َد الّلهِ لَا يَ ْ‬
‫فِيمَا كَانَ طَاعَةً ِلّلهِ َتعَالَى ‪ .‬وََقدْ َشرَطَ الّلهُ َتعَالَى فِي طَاعَ ِة نَبِّيهِ صلى ال عليه وسلم مَا كَا َن مِْنهَا‬
‫َم ْعرُوفًا ‪ ,‬وَإِنْ كَا َن الّلهُ َتعَالَى قَ ْد عَلِمَ َأّنهُ لَا يَ ْأ ُمرُ إلّا بِالْ َم ْعرُوفِ ; ِلئَلّا يََترَخّصَ أَحَدٌ فِي إْلزَا ِم غَْي ِرهِ‬
‫سهِ إلّا بَِأ ْمرِ الّلهِ َتعَالَى قَالَ الّلهُ َتعَالَى مُخَا ِطبًا لَِنبِّيهِ صلى ال عليه وسلم فِي ِقصّةِ‬ ‫طَا َعةَ َنفْ ِ‬
‫ط عََلْيهِنّ َترْ َك ِعصْيَانِ النّبِ ّي صلى ال‬ ‫شرَ َ‬ ‫الْمُبَاِيعَاتِ ‪ { :‬وَلَا َي ْعصِيَنكَ فِي َم ْعرُوفٍ َفبَاِي ْعهُنّ } َف َ‬
‫عليه وسلم فِي اْل َمعْرُوفِ الّذِي يَ ْأ ُم ُرهُنّ ِبهِ تَأْكِيدًا ; لَِئلّا ُي ْلزِمَ أَحَدًا طَاعَ َة َغْي ِرهِ إلّا بَِأ ْمرِ الّل ِه َومَا‬
‫كَا َن مِْنهُ طَا َعةٌ لِّلهِ َتعَالَى ‪ .‬وقوله تعال ‪ { :‬وَلَا َيتّخِذَ َب ْعضُنَا َبعْضًا َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } َأيْ لَا‬
‫ح ِر ِيهِ إلّا فِيمَا حَلَّلهُ الّلهُ َأوْ َح ّر َمهُ ‪َ ,‬و ُهوَ نَظِيُ قوله تعال ‪ { :‬اتّخَذُوا‬ ‫يَتَْب ْعهُ فِي تَحْلِيلِ شَ ْي ٍء ‪ ,‬وَلَا تَ ْ‬
‫َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِي َح ابْ َن َمرْيَمَ } وَقَ ْد َروَى َعبْدُ السّلَامِ بْنُ َح ْربٍ عَنْ‬
‫ص َعبِ ْبنِ َسعْ ٍد عَ ْن عَ ِديّ ْبنِ حَاتِ ٍم قَالَ ‪ { :‬أََتْيتُ النّبِيّ صلى ال عليه‬ ‫غُ َطيْفِ بْنِ َأعَْي َن عَ ْن مُ ْ‬

‫‪187‬‬
‫وسلم وَفِي ُعُنقِي صَلِيبٌ مِ ْن َذ َهبٍ ‪َ ,‬فقَا َل ‪ :‬أَلْ ِق هَذَا اْل َوثَ َن عَنْك ثُمّ َقرَأَ ‪ { :‬اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُ ْم‬
‫َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّلهِ } ُقلْت ‪ :‬يَا َرسُولَ الّلهِ مَا كُنّا َنعْبُ ُدهُمْ قَا َل ‪َ :‬ألَْيسَ كَانُوا يُحِلّونَ‬
‫ح ّرمُوَنهُ ؟ قَالَ ‪َ :‬فتِ ْلكَ‬ ‫ح ّرمُونَ َعلَْيهِ ْم مَا أَحَ ّل الّلهُ َلهُمْ َفيُ َ‬ ‫حلّوَنهُ َويُ َ‬ ‫َلهُ ْم مَا َح ّرمَ الّلهُ َعلَْيهِ ْم فَيُ ِ‬
‫ِعبَادَُتهُمْ } ; وَِإنّمَا َوصَ َفهُمْ الّلهُ َتعَالَى بِأَّنهُمْ اتّخَذُوهُمْ َأرْبَابًا ; لَِأّنهُمْ أَْنزَلُوهُ ْم مَْنزِلَ َة َرّبهِمْ‬
‫ستَحِقّ َأحَدٌ أَنْ‬ ‫ح ّرمْهُ الّلهُ ‪ ,‬وَلَمْ ُيحَلّ ْلهُ ‪ .‬وَلَا يَ ْ‬ ‫حلِيِلهِ ْم لِمَا لَمْ ُي َ‬
‫ح ِر ِيهِ ْم وَتَ ْ‬
‫وَخَاِل ِقهِمْ فِي َقبُولِ تَ ْ‬
‫يُطَاعَ بِ ِمثِْلهِ إلّا الّلهُ َتعَالَى الّذِي ُهوَ خَاِل ُقهُ ْم ‪ ,‬وَالْمُ َكّلفُونَ ُكّلهُمْ ُمتَسَاوُونَ فِي ُلزُو ِم عِبَا َدةِ الّلهِ‬
‫وَاتّبَاعِ َأ ْمرَ ُه وََتوْجِيهِ اْلعِبَا َدةِ إلَْي ِه دُونَ َغْي ِرهِ ‪.‬‬
‫ف َومُحَمّدٌ‬ ‫ب ‪َ ,‬فقَالَ أَبُو َحنِيفَ َة وَأَبُو يُوسُ َ‬ ‫وَاخَْتلَفَ اْل ُف َقهَاءُ فِيمَ ْن اْنتَحَ َل دِينَ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ مِ ْن اْل َعرَ ِ‬
‫ب وَاْلعَجَ ِم فَذَبِيحَُت ُه مُذَكّاةٌ إذَا سَمّى الّل َه عََلْيهَا ‪.‬‬ ‫صرَانِيّا مِنْ اْل َعرَ ِ‬ ‫َوزَُف ُر ‪ ( :‬مَنْ كَانَ َيهُودِيّا َأوْ َن ْ‬
‫ب وَاْلعَجَ ِم فِي ذَِلكَ ) ‪.‬‬ ‫صرَانِ ّي عََلْيهَا بِاسْمِ اْلمَسِيحِ لَمْ ُتؤْكَ ْل ‪ ,‬وَلَا َفرْقَ َبيْنَ اْل َعرَ ِ‬ ‫وَإِنْ سَمّى الّن ْ‬
‫سهِمْ أَ ْك َرهُ أَ ْكَلهُ ‪َ ,‬ومَا سُمّ َي عََلْيهِ بِاسْ ِم الْمَسِيحِ لَا ُيؤْكَ ُل وَاْل َع َربُ‬ ‫وَقَا َل مَاِلكٌ ‪ ( :‬مَا ذََبحُوهُ لِ َكنَاِئ ِ‬
‫وَاْلعَجَمُ فِيهِ َسوَاءٌ ) ‪ .‬وَقَالَ الّث ْو ِريّ ‪ ( :‬إذَا ذُِب َح وَُأهِلّ ِبهِ ِلغَْيرِ الّلهِ َك ِرهُْت ُه ) ‪َ ,‬و ُهوَ َقوْلُ إْبرَاهِي َم ‪.‬‬
‫وَقَالَ الّث ْو ِريّ ‪َ :‬وبََلغَنِي عَ ْن عَطَاءٍ َأّنهُ قَا َل ‪ ( :‬قَدْ َأحَلّ الّلهُ مَا ُأهِ ّل ِبهِ ِل َغْيرِ الّلهِ ; لِأَّنهُ قَ ْد عَلِمَ َأّنهُمْ‬
‫سََيقُولُونَ هَذَا اْل َقوْلَ ) ‪ .‬وَقَالَ الَْأ ْوزَاعِ ّي ‪ ( :‬إذَا سَ ِمعَْتهُ ُيرْ ِسلُ كَلَْبهُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أُكِ َل ) ‪ .‬وَقَالَ‬
‫سهِ ْم وََأعْيَا ِدهِ ْم ‪ :‬كَانَ مَ ْكحُولُ لَا َيرَى ِبهِ بَأْسًا ‪ ,‬وََيقُولُ ‪ :‬هَ ِذهِ‬ ‫فِيمَا ذََبحَ َأهْلُ اْلكِتَابَيْنِ ِلكَنَائِ ِ‬
‫حهُ ْم قَبْ َل ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ ثُمّ َأحَّلهَا الّلهُ َتعَالَى فِي ِكتَاِبهِ ; َو ُهوَ َقوْلُ اللّْيثِ ْبنِ َسعْ ٍد ‪.‬‬ ‫كَاَنتْ َذبَائِ َ‬
‫ب ) قَا َل ‪َ ( :‬ومَنْ دَانَ‬ ‫ب مِنْ بَنِي َتغِْل َ‬ ‫وَقَالَ الرّبِي ُع عَ ْن الشّاِفعِيّ ‪ ( :‬لَا َخْيرَ فِي ذَبَاِئحِ َنصَارَى اْل َعرَ ِ‬
‫ج مِنْ‬ ‫ف دِينَ َأهْ ِل الَْأوْثَا ِن قَبْلَ ُنزُو ِل اْل ُقرْآنِ َف ُهوَ خَارِ ٌ‬ ‫دِينَ َأهْلِ الْ ِكتَابِ قَْبلَ ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ وَخَالَ َ‬
‫ج ْزيَ ُة َعرَبِيّا كَانَ َأ ْو عَجَمِيّا ‪َ ,‬ومَنْ دَ َخ َل عَلَْيهِ الْإِ ْسلَامُ وَلَ ْم يَدِنْ بِدِينِ‬ ‫َأهْ ِل الَْأوْثَا ِن َوُتقْبَ ُل مِْنهُ الْ ِ‬
‫ي عَنْ جَمَا َع ٍة مِنْ‬ ‫ف ) ‪ .‬قَالَ َأبُو بَ ْك ٍر ‪َ :‬وقَ ْد ُروِ َ‬ ‫َأهْ ِل الْ ِكتَابِ فَلَا ُيقْبَ ُل مِْنهُ إلّا الْإِ ْسلَامُ َأوْ السّيْ ُ‬
‫ب مِنْ اْل َع َربِ ‪ ,‬لَمْ ُي َفرّقْ أَحَ ٌد مِْنهُمْ فِيهِ بَيْ َن مَ ْن دَا َن بِذَِلكَ قَْبلَ ُنزُولِ‬ ‫السّلَفِ اْل َقوْلُ فِي َأهْلِ الْ ِكتَا ِ‬
‫ك‪,‬‬ ‫ف وَاْلخَلَفِ ا ْعتََبرَ فِيهِ ْم مَا اعَْتَب َرهُ الشّاِفعِيّ فِي ذَِل َ‬ ‫اْل ُقرْآنِ َأوْ َبعْ َد ُه ‪ ,‬وَلَا َنعْلَمُ أَحَدًا مِنْ السّلَ ِ‬
‫ج ِبهَا عَنْ أَقَاوِيلِ َأهْلِ اْل ِعلْ ِم ‪َ .‬و َروَى َسعِي ُد بْنُ ُجبَْي ٍر عَنْ ابْ ِن عَبّاسٍ‬ ‫َف ُهوَ مُْن َف ِردٌ ِبهَ ِذهِ الْ َمقَاَلةِ خَارِ ٌ‬
‫فِي َقوِْل ِه ‪ { :‬لَا إ ْكرَاهَ فِي الدّينِ } قَا َل ‪ { :‬كَاَنتْ الْ َمرَْأ ُة مِنْ الَْأْنصَارِ لَا َيعِيشُ َلهَا وَلَدٌ َفتَحْلِفُ‬
‫س مِنْ أَْبنَاءِ الْأَْنصَارِ َفقَاَلتْ الْأَْنصَارُ‬ ‫َلئِ ْن عَاشَ َلهَا وَلَدٌ لَُت َه ّودَّن ُه ‪ ,‬فَلَمّا ُأجِْلَيتْ بَنُو الّنضِيِ إذَا فِيهِمْ نَا ٌ‬
‫‪ :‬يَا رَسُو َل الّلهِ َأبْنَاؤُنَا فَأَْنزَ َل الّل ُه ‪ { :‬لَا إ ْكرَاهَ فِي الدّينِ } } ‪ .‬قَالَ َسعِي ٌد ‪ :‬فَمَنْ شَاءَ َلحِقَ ِبهِمْ‬
‫َومَنْ شَا َء دَخَلَ الْإِ ْسلَامَ فَلَ ْم ُي َفرّقْ فِيمَا ذَ َكرَ َبيْ َن مَنْ دَانَ بِاْلَيهُودِيّةِ َقبْلَ ُنزُو ِل اْل ُقرْآ ِن وََبعْ َدهُ َو َروَى‬
‫ف بْنِ اْلحَا ِرثِ ‪ :‬أَ ّن عَامِلًا ِلعُ َمرَ بْ ِن الْخَطّابِ َكَتبَ إلَْيهِ أَنّ نَاسًا مِنْ‬ ‫سيّ َعنْ ُغضَيْ ِ‬ ‫ُعبَا َدةُ بْنُ نُ َ‬
‫ث ‪ ,‬فَمَا َترَى ؟ َفكََتبَ إلَْي ِه عُ َم ُر ‪" :‬‬ ‫ت وَلَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْب ْع ِ‬
‫سبِتُونَ السّْب َ‬ ‫السّا ِم َرةِ َي ْقرَءُونَ الّت ْورَا َة وَيَ ْ‬

‫‪188‬‬
‫إّنهُمْ طَاِئفَ ٌة مِنْ َأهْ ِل الْكِتَابِ " ‪َ .‬و َروَى مُحَمّدُ ْبنُ سِيِينَ َعنْ ُعبَيْ َدةَ قَا َل ‪ :‬سََألْت َعلِيّا عَ ْن ذَبَائِحِ‬
‫ش ْربِ‬‫حهُ ْم فَإِّنهُمْ لَ ْم يََتعَّلقُوا مِ ْن دِيِنهِ ْم بِشَ ْيءٍ إلّا بِ ُ‬‫َنصَارَى اْل َع َربِ ‪َ ,‬فقَا َل ‪ ( :‬لَا تَحِ ّل ذَبَائِ ُ‬
‫الْخَ ْم ِر ) ‪َ .‬و َروَى عَطَاءُ بْ ُن السّاِئبِ عَ ْن عِ ْك ِرمَ َة عَ ْن ابْ ِن َعبّاسٍ قَا َل ‪ :‬كُلُوا مِنْ ذَبَائِ ِح بَنِي َتغِْلبَ‬
‫وََت َزوّجُوا مِنْ نِسَاِئهِ ْم ‪َ ,‬فإِنّ الّلهَ َتعَالَى قَالَ فِي ِكتَاِب ِه ‪َ { :‬ومَنْ َيَتوَّلهُ ْم مِنْكُمْ َفإِّنهُ ِمْنهُمْ } َفَلوْ لَمْ‬
‫يَكُونُوا مِْنهُ ْم إلّا بِاْل ِولَاَيةِ كَانُوا ِمْنهُمْ وََلمْ ُي َفرّقْ َأحَ ٌد مِنْ َهؤُلَاءِ بَيْ َن مَ ْن دَانَ بِ َذِلكَ قَبْ َل ُنزُولِ‬
‫ع مِْنهُ ْم ‪ .‬وَيَ ُد ّل عَلَى ُبطْلَا ِن هَ ِذهِ الْ َمقَالَ ِة مِنْ الّت ْفرِقَ ِة بَيْ َن مَ ْن دَا َن بِدِينِ‬ ‫اْل ُقرْآ ِن وََبعْ َد ُه ‪َ ,‬ف ُهوَ إ ْجمَا ٌ‬
‫َأهْ ِل الْ ِكتَابِ قَبْ َل ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ َأوْ َبعْ َدهُ َقوْ ُل الّلهِ َتعَالَى ‪ { :‬يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الَْيهُودَ‬
‫ض َومَنْ يََتوَّلهُ ْم مِنْكُ ْم } ‪َ ,‬وذَِلكَ إنّمَا َيقَ ُع َعلَى الْ ُمسَْتقْبَ ِل ‪,‬‬ ‫وَالّنصَارَى َأوِْليَاءَ َب ْعضُهُمْ َأوِْليَاءُ َبعْ ٍ‬
‫فَأَخَْبرَ َتعَالَى َبعْدَ ُنزُولِ اْلقُرْآنِ أَنّ مَ ْن يََتوَلّاهُ ْم مِنْ اْل َعرَبِ َف ُه َو مِْنهُ ْم ‪َ ,‬وذَِلكَ َيقَْتضِي أَنْ يَكُونَ‬
‫حهُ ْم ‪ ,‬لقوله تعال ‪ { :‬وَ َطعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ‬ ‫ب ‪ ,‬وَأَ ْن تَحِ ّل ذَبَائِ ُ‬ ‫ِكتَاِبيّا ; لَِأّنهُمْ َأهْلُ اْلكِتَا ِ‬
‫ب هُمْ َبنُو إ ْسرَائِي َل الّذِي َن يَْنتَحِلُو َن الَْيهُودِيّةَ‬‫س مَنْ َي ْزعُمُ أَنّ َأهْلَ الْكِتَا ِ‬ ‫حِلّ لَكُمْ } َومِنْ النّا ِ‬
‫ب وَاْلعَجَ ِم الّذِينَ دَانُوا بِدِيِنهِ ْم ‪ ,‬وَلَ ْم ُيفَرّقُوا فِي ذَِلكَ َبيْ َن مَنْ‬ ‫صرَاِنيّة دُو َن مَنْ ِسوَاهُ ْم مِنْ اْل َعرَ ِ‬ ‫وَالّن ْ‬
‫دَا َن بِذَِلكَ َقبْلَ ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ َوَبعْ َدهُ ‪ ,‬وَيَحَْتجّونَ فِي ذَِلكَ ِب َقوِْلهِ ‪ { :‬وََلقَدْ آتَْينَا بَنِي إ ْسرَائِيلَ‬
‫الْ ِكتَابَ وَالْحُكْ َم وَالنُّب ّوةَ } ‪ ,‬فََأخَْبرَ أَنّ الّذِينَ آتَاهُ ْم الْ ِكتَابَ هُ ْم بَنُو إ ْسرَائِي َل ; وَبِحَدِيثِ ُعبَيْ َدةَ‬
‫السّلْمَاِن ّي عَ ْن عَلِيّ َأّنهُ قَا َل ‪ ( :‬لَا َتحِ ّل ذَبَائِحُ َنصَارَى اْل َع َربِ لَِأّنهُمْ لَمْ َيَتعَّلقُوا مِنْ دِيِنهِمْ ِبشَ ْيءٍ إلّا‬
‫ش ْربِ الْخَمْر ) َأمّا الْآيَ ُة فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى َقوِْلهِمْ ; لَِأّنهُ إنّمَا أَ ْخَبرَ َأّنهُ آتَى بَنِي إ ْسرَائِيلَ الْكِتَابَ‬ ‫بِ ُ‬
‫حهُ ْم ‪,‬‬ ‫وَلَ ْم يَنْفِ بِ َذِلكَ أَ ْن يَكُو َن مَنْ اْنتَحَ َل دِيَنهُمْ فِي حُ ْك ِمهِمْ ‪ .‬وَقَ ْد قَالَ ابْ ُن عَبّاسٍ ‪ :‬تَحِ ّل ذَبَائِ ُ‬
‫ض َومَنْ يََتوَّلهُ ْم مِنْكُ ْم فَإِّنهُ‬ ‫لقوله تعال ‪ { :‬لَا تَتّخِذُوا اْلَيهُودَ وَالّنصَارَى َأوِْليَاءَ َب ْعضُهُمْ َأوْلِيَاءُ َبعْ ٍ‬
‫مِْنهُمْ } ‪َ ,‬فَلوْ لَمْ يَكُونُوا مِْنهُمْ إلّا بِاْلوِلَايَةِ َلكَانُوا مِْنهُ ْم َوَقوْلُ َعلِيّ رضي ال عنه فِي ذَِلكَ وَحَ ْظرُ‬
‫ذَبَائِ ِح َنصَارَى اْل َع َربِ لَْيسَ مِ ْن ِجهَةِ أَّنهُ ْم مِ ْن غَْيرِ َبنِي إ ْسرَائِيلَ ‪ ,‬لَكِ ْن مِ ْن قِبَلِ َأّنهُمْ َغْيرُ مَُتمَسّ ِكيَ‬
‫ش ْربِ الْخَ ْم ِر ‪ ,‬وََلمْ َيقُ ْل ‪ :‬لَِأّنهُمْ‬ ‫شرِيعَةِ ; لَِأّنهُ قَا َل ‪ :‬إّنهُمْ لَا َيَتعَّلقُونَ مِ ْن دِيِنهِمْ إلّا ِب ُ‬‫بِأَحْكَامِ ِت ْلكَ ال ّ‬
‫َليْسُوا مِ ْن بَنِي إ ْسرَائِيلَ ; َف َقوْ ُل مَنْ قَالَ إنّ َأهْلَ الْ ِكتَابِ لَا َيكُونُونَ إلّا مِنْ َبنِي إ ْسرَائِي َل وَإِ ْن دَانُوا‬
‫بِدِيِنهِمْ َقوْلٌ سَاِقطٌ َم ْردُو ٌد ‪َ .‬و َروَى هِشَامُ بْنُ حَسّا ٍن عَ ْن مُحَمّ ِد بْنِ سِيِي َن عَنْ أَبِي ُعبَيْ َد َة عَنْ‬
‫حُذَْيفَ َة عَ ْن عَ ِديّ بْنِ حَاتِمٍ قَا َل ‪َ { :‬أتَْينَا النِّبيّ صلى ال عليه وسلم َفقَالَ لِي رَسُو ُل الّلهِ صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬يَا عَ ِديّ بْنَ حَاتِمٍ أَ ْسلِمْ َتسْلَ ْم َفقُلْت َلهُ ‪ :‬إنّ لِي دِينًا ‪َ ,‬فقَالَ ‪ :‬أَنَا َأعْلَمُ ِبدِينِك مِنْك‬
‫قُلْت ‪َ :‬أْنتَ َأ ْعلَمُ بِدِينِي مِنّي ؟ قَا َل ‪َ :‬نعَمْ َألَسْت رَكُوسِيّا ؟ قَالَ ‪ُ :‬قلْت بَلَى قَا َل ‪ :‬أَلَسْت َترَْأسُ‬
‫َق ْومَك ؟ قَالَ ‪ :‬قُلْت ‪ :‬بَلَى قَا َل ‪ :‬أَلَسْت تَ ْأخُذُ اْل ِمرْبَاعَ ؟ قَالَ ‪ُ :‬قلْت ‪َ :‬بلَى قَالَ ‪ :‬فَإِ ّن ذَِلكَ لَا‬
‫ضعْت ِبهَا ‪َ } .‬و َروَى‬ ‫يَحِلّ لَك فِي دِينِك قَالَ ‪ :‬فَكََأنّي رَأَيْت أَ ّن عَلَ ّي ِبهَا َغضَاضَ ًة ‪ ,‬وَكَأَنّي َتوَا َ‬
‫صعَبِ بْ ِن َسعْدٍ عَ ْن عَ ِديّ بْ ِن حَاتِ ٍم قَا َل ‪:‬‬ ‫َعبْدُ السّلَامِ بْ ُن َح ْربٍ عَ ْن غُ َطيْفِ بْنِ َأعْيَ َن عَ ْن ُم ْ‬

‫‪189‬‬
‫{ أَتَيْت النّبِيّ صلى ال عليه وسلم وَفِي عُُنقِي صَلِيبٌ َذ َهبٌ َفقَا َل ‪َ :‬ألْ َق هَذَا اْلوَثَ َن عَنْك ُثمّ َقرََأ ‪:‬‬
‫{ اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَالَ ‪ :‬قُلْت ‪ :‬يَا رَسُو َل الّل ِه مَا كُنّا َنعْبُ ُدهُمْ‬
‫ح ّرمُو َن عََليْكُ ْم مَا أَحَ ّل الّلهُ‬ ‫حلّونَ لَكُ ْم مَا َح ّرمَ الّل ُه َع ّز وَجَلّ َفتُحِلّوَنهُ وَُي َ‬ ‫قَا َل ‪َ :‬ألَْيسَ كَانُوا يُ ِ‬
‫ضرُوبٌ مِ ْن الدّلَالَ ِة عَلَى مَا ذَ َكرْنَا ‪,‬‬ ‫ح ّرمُوَنهُ ؟ قَا َل ‪ :‬فَِت ْلكَ ِعبَادَُتهُمْ } وَفِي هَ َذيْنِ الْخََبرَْينِ ُ‬ ‫فَتُ َ‬
‫سبَ إلَى مُتّخِذِي الَْأحْبَا ِر وَال ّرهْبَانِ َأرْبَابًا َوهُمْ‬ ‫َأحَ ُدهَا ‪ :‬أَ ّن رَسُو َل الّلهِ صلى ال عليه وسلم َن َ‬
‫ك عَْنهُ مِنْ َحْيثُ كَا َن َعرَبِيّا ‪ ,‬وَقَا َل فِي اْلحَدِيثِ الَْأوّ ِل ‪" :‬‬ ‫ف ذَِل َ‬‫الَْيهُو ُد وَالّنصَارَى ‪ ,‬وَلَ ْم يَنْ ِ‬
‫ع ‪َ ,‬و ُه َو رُبُعُ‬ ‫خرِ ْج ُه عَْنهُمْ بَِأخْ ِذهِمْ اْل ِمرْبَا َ‬ ‫ف مِنْ الّنصَارَى ‪َ ,‬فلَمْ يُ ْ‬ ‫َألَسْت رَكُوسِيّا " َوهُمْ صِنْ ٌ‬
‫ك مِ ْن دِينِ الّنصَارَى ; لِأَنّ فِي دِيِنهِمْ أَ ّن اْلغَنَائِمَ لَا تَحِلّ ; َفهَذَا يَ ُد ّل عَلَى أَنّ‬ ‫اْلغَنِيمَةِ ; وََلْيسَ ذَِل َ‬
‫شرِيعَةِ‬ ‫خرِ ُجهُ ْم مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ َأ ْهلِ تِ ْلكَ ال ّ‬ ‫سكِ بِمَا يَنَْتحُِلهُ اْلمُنَْتحِلُونَ ِللَْأدْيَانِ لَا يُ ْ‬ ‫َترْكَ التّمَ ّ‬
‫حلُونَ مِ ْن دِينِ َأ ْهلِ الْ ِكتَابِ‬ ‫َوذَِلكَ الدّي ِن ‪َ ,‬ويَدُ ّل عَلَى أَ ّن اْل َع َربَ وََبنِي إ ْسرَائِيلَ َسوَاءٌ فِيمَا يَْنتَ ِ‬
‫ختَِلفِي الْأَحْكَامِ ; وَلَمّا لَمْ َيسْأَْلهُ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم عَمّا انَْتحََل ُه مِنْ دِينِ‬ ‫وََأّنهُمْ َغْيرُ مُ ْ‬
‫الّنصَارَى َأكَانَ قَْبلَ ُنزُولِ اْل ُقرْآنِ َأ ْو َبعْ َدهُ وََنسََبهُ إلَى ِفرَْق ٍة مِْنهُ ْم مِ ْن غَْي ِر مَسْأَلَ ٍة دَ ّل عَلَى أَّنهُ لَا َفرْقَ‬
‫ح َل ذَِلكَ قَبْلَ ُنزُو ِل اْل ُقرْآنِ َأوْ َبعْ َدهُ ; وَاَلّلهُ َأ ْعلَ ُم ‪.‬‬ ‫بَيْ َن مَنْ انْتَ َ‬
‫قوله تعال ‪ { :‬اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَمَ } قِي َل ‪ :‬إنّ‬
‫حسْنِ الْبَيَانِ َعْنهَا ‪ُ ,‬يقَالُ فِيهِ َحْبرٌ وَ َحبِيٌ ; وَالرّا ِهبُ‬ ‫حبِيُ الْ َمعَانِي بِ ُ‬ ‫حْبرَ اْلعَالِ ُم الّذِي صِنَاعَُتهُ تَ ْ‬ ‫الْ َ‬
‫سَتعْمَلًا فِي مُتَنَسّكِي‬ ‫ب َو ُرهْبَا ٌن ‪َ ,‬وقَ ْد صَارَ مُ ْ‬ ‫شيَةِ ‪ُ ,‬يقَا ُل رَا ِه ٌ‬ ‫س الْخَ ْ‬ ‫الْخَاشِي الّذِي َي ْظ َهرُ َعلَْيهِ لِبَا ُ‬
‫الّنصَارَى ‪ .‬وََقوُْل ُه ‪َ { :‬أرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قِي َل ‪ :‬فِيهِ َو ْجهَا ِن ‪ :‬أَ َح ُدهُمَا ‪َ :‬أّنهُمْ كَانُوا إذَا َح ّرمُوا‬
‫َعلَْيهِمْ َشيْئًا َح ّرمُوهُ ‪ ,‬وَِإذَا أَ َحلّوا َلهُ ْم شَيْئًا ا ْستَحَلّو ُه ‪َ ,‬و ُر ِويَ فِي حَدِيثِ عَ ِديّ بْ ِن حَاتِمٍ لَمّا أَتَى‬
‫النّبِيّ قَا َل ‪ { :‬فََتلَا النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ‬
‫الّلهِ } قَا َل ‪ :‬قُلْت يَا َرسُولَ الّلهِ إّنهُمْ لَمْ يَكُونُوا َيعْبُدُوَنهُمْ قَا َل ‪ :‬أَلَْيسَ كَانُوا إذَا َح ّرمُوا عََلْيهِمْ‬
‫ك عِبَادَُتهُ ْم إيّاهُ ْم ‪} .‬‬ ‫شَيْئًا َح ّرمُو ُه ‪ ,‬وَِإذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا أَ َحلّوهُ ؟ قَا َل ‪ُ :‬قلْت ‪َ :‬نعَمْ ‪ ,‬قَالَ ‪َ :‬فتِ ْل َ‬
‫حرِيُ لَا يَجُوزُ إلّا مِنْ ِجهَ ِة اْلعَالِ ِم بِالْ َمصَالِ ِح ثُمّ َقلّدُوا َهؤُلَاءِ أَحْبَا َرهُمْ‬ ‫حلِي ُل وَالتّ ْ‬ ‫وَلَمّا كَانَ التّ ْ‬
‫حرِيِ ‪ ,‬وََقبِلُو ُه مِْنهُ ْم ‪ ,‬وََترَكُوا َأ ْمرَ الّلهِ َتعَالَى فِيمَا َح ّر َم وَحَلّ َل ‪ ,‬صَارُوا‬ ‫َو ُرهْبَاَنهُمْ فِي التّحْلِي ِل وَالتّ ْ‬
‫ب ‪ .‬وَقِي َل ‪ :‬إ ّن َمعْنَاهُ أَّنهُمْ‬ ‫مُتّخِذِينَ َلهُمْ َأ ْربَابًا ‪ ,‬إذْ َنزّلُوهُمْ فِي قَبُو ِل ذَِلكَ ِمْنهُمْ مَْنزَِلةَ الَْأرْبَا ِ‬
‫حقّهُ‬ ‫ب مِنْ الّتعْظِيمِ لَا يَسَْت ِ‬ ‫ضرْ ُ‬‫جدُونَ َلهُمْ إذَا رََأ ْوهُمْ ‪َ ,‬وهَذَا ال ّ‬ ‫عَظّمُوهُمْ َكَتعْظِيمِ ال ّربّ لَِأّنهُمْ يَسْ ُ‬
‫َغْيرُ الّلهِ َتعَالَى ‪َ ,‬فلَمّا َفعَلُوا ذَِلكَ َفهُمْ كَانُوا مُتّخِذِينَ َلهُمْ َأرْبَابًا ‪.‬‬
‫شرَ َش ْهرًا } إلَى َقوِْل ِه ‪ُ { :‬ح ُرمٌ } ‪ .‬لَمّا قَا َل َتعَالَى‬ ‫شهُو ِر عِنْدَ الّلهِ اثْنَا عَ َ‬ ‫قوله تعال ‪ { :‬إ ّن عِ ّد َة ال ّ‬
‫حجّ أَ ْش ُهرٌ َمعْلُومَاتٌ } وَقَالَ ‪َ { :‬يسْأَلُونَك عَنْ الَْأهِلّ ِة قُ ْل هِ َي َموَاقِيتُ‬ ‫فِي َموَاضِعَ ُأ َخرَ ‪ { :‬الْ َ‬
‫شهُورَ‬ ‫شهُورِ كَثِيًا مِ ْن مَصَاِلحِ الدّنْيَا وَالدّينِ ‪ ,‬وََبيّنَ فِي هَ ِذهِ الْآَي ِة هَ ِذهِ ال ّ‬ ‫لِلنّاسِ وَالْحَ ّج } َفعَلّ َق بِال ّ‬

‫‪190‬‬
‫ج وَا ِحدٍ لَا ُيقَ ّدمُ الْ ُم َؤ ّخرُ مِْنهَا ‪ ,‬وَلَا ُيؤَ ّخ ُر الْ ُمقَ ّدمُ ‪ ,‬وَقَالَ ‪ { :‬إ ّن عِ ّدةَ‬ ‫جرَى عَلَى مِْنهَا ٍ‬ ‫‪ ,‬وَإِنّمَا تُ ْ‬
‫شهُورَ ‪ ,‬وَسَمّاهَا‬ ‫حتَمِ ُل وَ ْجهَيْ ِن ‪ :‬أَحَ ُدهُمَا ‪ :‬أَنّ الّل َه َوضَعَ هَ ِذهِ ال ّ‬ ‫شهُو ِر عِنْ َد الّلهِ } َوذَِلكَ يَ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ك عَلَى أَنِْبيَاِئهِ فِي ُكتُِبهِ‬ ‫ض ‪ ,‬وََأْنزَلَ ذَِل َ‬ ‫ت وَالَْأ ْر َ‬ ‫بِأَسْمَاِئهَا عَلَى مَا رَتَّبهَا َعلَْيهِ َي ْومَ خَ ْلقَ السّ َموَا ِ‬
‫ق عَلَى مَا كَاَنتْ َعلَْيهِ لَمْ‬ ‫شهُو ِر عِنْدَ الّلهِ } وَحُكْ ُمهَا بَا ٍ‬ ‫الْمَُنزَّل ِة ‪َ ,‬و ُه َو َمعْنَى َقوِْل ِه ‪ { :‬إنّ عِ ّد َة ال ّ‬
‫شرِكِيَ لِأَ ْسمَاِئهَا وََتقْدِيُ الْ ُمؤَ ّخ ِر وَتَأْخِ ُي الْ ُمقَ ّدمِ فِي الْأَسْمَا ِء مِْنهَا ‪,‬‬ ‫ُيزِْلهَا عَنْ َترْتِيِبهَا َتغْيِ ُي الْ ُم ْ‬
‫شهُورِ‬ ‫ض مَا كَانَ َعلَْيهِ َأ ْمرُ الْجَا ِهلِيّ ِة مِنْ تَأْخِيِ َأسْمَاءِ ال ّ‬ ‫َوذَ َك َر ذَِلكَ َلنَا ِلنَتّبِعَ َأ ْمرَ الّلهِ فِيهَا ‪ ,‬وََنرُْف َ‬
‫وََتقْ ِد ِيهَا وََتعْلِيقِ الْأَحْكَا ِم عَلَى الْأَسْمَاءِ الّتِي َرتّبُوهَا عََلْيهَا ‪ ,‬وَلِ َذِلكَ قَالَ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ع مَا َروَا ُه ابْ ُن عُ َم َر وَأَبُو بَ ْك َرةَ أَنّ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم قَا َل فِي خُ ْطبَِتهِ بِاْل َعقََبةِ‬ ‫فِي حَجّةِ اْل َودَا ِ‬
‫‪ { :‬يَا أَّيهَا النّاسُ إنّ ال ّزمَا َن قَدْ ا ْستَدَا َر قَالَ ابْ ُن عُ َم َر ‪َ :‬ف ُه َو الَْي ْومَ َكهَيَْئِتهِ َي ْومَ َخلَ َق الّلهُ السّ َموَاتِ‬
‫شهُورِ‬ ‫ض ‪ ,‬وَإِنّ عِ ّد َة ال ّ‬ ‫ت وَالَْأ ْر َ‬ ‫وَالَْأ ْرضَ َوقَالَ أَبُو بَ ْك َرةَ ‪ :‬قَ ْد اسْتَدَارَ َكهَيَْئِتهِ َي ْومَ َخلَ َق الّلهُ السّ َموَا ِ‬
‫ح ّرمُ ‪,‬‬
‫ت ذُو اْل ِقعْدَ ِة َوذُو الْحِجّ ِة وَاْلمُ َ‬ ‫ث مَُتوَاِليَا ٌ‬
‫شرَ َش ْهرًا مِْنهَا َأرَْبعَ ٌة ُح ُرمٌ َثلَا ٌ‬ ‫ِعنْدَ الّلهِ اْثنَا عَ َ‬
‫ب ُمضَرَ الّذِي َبيْنَ جُمَادَى وَ َشعْبَا َن ‪ ,‬وَإِ ّن النّسِيءَ ِزيَا َدةٌ فِي الْ ُك ْفرِ } الْآيَةَ ‪ .‬قَا َل ابْ ُن عُ َم َر ‪:‬‬ ‫َورَ َج ُ‬
‫ح ّرمَ عَامًا َحلَالًا َوعَامًا‬ ‫جعَلُونَ الْ ُم َ‬‫ص َفرَ عَامًا َحرَامًا َوعَامًا حَلَالًا ‪ ,‬وََي ْ‬ ‫جعَلُونَ َ‬ ‫َوذَِلكَ أَّنهُمْ كَانُوا َي ْ‬
‫َحرَامًا ‪ ,‬وَكَا َن النّسِيءُ مِنْ الشّْيطَا ِن ‪ ,‬فَأَخَْب َر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَنّ ال ّزمَانَ َيعْنِي َزمَانَ‬
‫ت وَالَْأ ْرضَ ‪ ,‬وَأَنّ كُلّ َش ْهرٍ قَ ْد عَادَ إلَى الْ َم ْوضِعِ‬ ‫شهُورِ قَ ْد اسْتَدَارَ َكهَيَْئِتهِ َي ْومَ خَلَ َق الّلهُ السّ َموَا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ض َعهُ الّلهُ ِب ِه عَلَى َترْتِيِبهِ وَِنظَا ِمهِ ‪َ .‬وقَ ْد ذَ َكرَ لِي َبعْضُ َأوْلَادِ َبنِي الْمُنَجّمِ أَ ّن جَ ّدهُ َو ُهوَ‬ ‫الّذِي َو َ‬
‫سبَ ُشهُورِ الَْأهِلّ ِة مُنْذُ ابْتِدَاءِ َخلْ ِق الّلهِ‬ ‫ب مُحَمّدُ بْ ُن مُوسَى الْمُنَجّمُ الّذِي َينْتَمُونَ إَلْيهِ َح َ‬ ‫س ُ‬ ‫َأحْ َ‬
‫السّ َموَاتِ وَالَْأ ْرضَ َفوَجَ َدهَا قَ ْد عَا َدتْ فِي َموْقِ ِع الشّ ْمسِ وَاْلقَ َمرِ إلَى اْلوَ ْقتِ الّذِي ذَ َكرَ النّبِ ّي صلى‬
‫ال عليه وسلم أَّنهُ قَ ْد عَادَ إَلْيهِ َي ْومَ النّحْر مِنْ حَجّةِ اْل َودَاعِ ; لِأَ ّن خُطَْبَتهُ هَ ِذهِ كَاَنتْ بِ ِمنًى َي ْومَ‬
‫ب ذَِلكَ فِي َثمَانِي سِِنيَ فَكَا َن ذَِلكَ اْلَي ْومَ اْلعَا ِش َر مِ ْن ذِي الْحِجّةِ‬ ‫س َ‬ ‫حرِ ِعنْدَ اْل َعقََبةِ ; وَأَّنهُ حَ َ‬ ‫النّ ْ‬
‫س وَاْلقَ َمرُ فِي ذَِلكَ اْلَي ْومِ فِي الْ َم ْوضِعِ الّذِي ذَ َكرَ‬ ‫شهُو ِر ‪ ,‬وَالشّ ْم ُ‬ ‫َعلَى مَا كَا َن عَلَْيهِ َي ْومَ ابْتِدَاءِ ال ّ‬
‫النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَ ْد عَادَ ال ّزمَا ُن إلَْيهِ مَ َع النّسِيءِ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ َأهْ ُل الْجَا ِهلِيّةِ ُينْسِئُونَ‬
‫شهُو ِر ‪ ,‬وَلِ َذِلكَ َلمْ تَكُ ْن السّنَ ُة الّتِي حَجّ فِيهَا أَبُو بَ ْك ٍر الصّدّي ُق هِ َي اْلوَ ْقتُ الّذِي‬ ‫‪ ,‬وََتغْيِيُ أَ ْسمَاءِ ال ّ‬
‫ب ُمضَرَ َبيْنَ جُمَادَى وَ َشعْبَانَ } دُو َن َرمَضَانَ الّذِي ُيسَمّيهِ‬ ‫ُوضِعَ اْلحَجّ فِيهِ ‪ .‬وَإِنّمَا قَالَ { رَ َج ُ‬
‫شهُورِ ِعنْدَ الّلهِ اْثنَا عَشَر َش ْهرًا فِي‬ ‫ب ‪ .‬وََأمّا اْلوَ ْجهُ الْآ ِخرُ فِي َمعْنَى َقوِْل ِه ‪ { :‬إ ّن عِ ّدةَ ال ّ‬ ‫رَبِيعَ ُة رَ َج َ‬
‫ج مِنْ‬ ‫جعَلَ ُنزُولَ الشّ ْمسِ فِي كُلّ ُبرْ ٍ‬ ‫شرَ قِسْمًا ‪َ ,‬ف َ‬ ‫ِكتَابِ الّلهِ } َف ُهوَ أَنّ اللّه قَسَمَ ال ّزمَا َن اْثنَ ْي عَ َ‬
‫س ٍة وَسِّتيَ َي ْومًا َورُبْعِ َي ْومٍ‬ ‫شرَ ِقسْمًا مِْنهَا ‪ ,‬فَيَكُونُ َق ْط ُعهَا ِل ْلفََلكِ فِي ثََلثِمِاَئ ٍة وَخَمْ َ‬ ‫ج الِاْثنَ ْي عَ َ‬
‫الُْبرُو ِ‬
‫سرٍ ‪ ,‬وَقَسّ َم الَْأ ْزمَِنةَ أَْيضًا عَلَى مَسِ ِي اْلقَ َمرِ ‪,‬‬ ‫‪َ ,‬فيَجِيءُ َنصِيبُ كُلّ قِسْ ٍم مِْنهَا بِالَْأيّامِ ثَلَاِثيَ َي ْومًا وَ َك ْ‬
‫شرِينَ َي ْومًا وَِنصْفِ َي ْومٍ ‪ .‬وَ َجعَلَ السَّنةَ اْلقَ َمرِيّةَ َثلَثَمِائَةٍ‬ ‫سعَ ٍة َوعِ ْ‬‫َفصَارَ اْلقَ َمرُ َيقْطَعُ اْلفََلكَ فِي تِ ْ‬

‫‪191‬‬
‫ج ُمقَارِبًا ِلقَطْعِ اْلقَ َمرِ ِل ْلفََلكِ كُّل ِه ‪,‬‬ ‫سيَ َي ْومًا َورُبْعَ َي ْومٍ ‪َ ,‬فكَانَ قَطْ ُع الشّ ْمسِ ِللُْبرْ ِ‬ ‫وََأرَْب َعةً َوخَمْ ِ‬
‫َوهَذَا َمعْنَى قوله تعال ‪ { :‬الشّ ْمسُ وَاْلقَ َمرُ ِبحُسْبَانٍ } وَقَا َل َتعَالَى ‪ { :‬وَ َجعَلْنَا اللّيْ َل وَالّنهَارَ‬
‫ضلًا مِنْ َربّكُ ْم وَلَِتعَْلمُوا عَ َددَ السِّنيَ‬ ‫حوْنَا آَيةَ اللّيْ ِل َو َجعَلْنَا آَيةَ الّنهَا ِر مُْبصِ َرةً لَِتبَْتغُوا َف ْ‬ ‫آَيتَيْ ِن فَمَ َ‬
‫ش َر وَكَانَ‬‫ج الِاْثنَ ْي عَ َ‬‫ت السّنَ ُة َمقْسُومَ ًة عَلَى ُنزُو ِل الشّ ْمسِ فِي الُْبرُو ِ‬ ‫وَالْحِسَابَ } ; َفلَمّا كَاَن ْ‬
‫ش َر وَكَاَنتْ ُشهُو ُرهَا‬ ‫سيّ ُة وَاْلقَ َمرِيّةُ فِي اْلُبرُوجِ الِاثْنَ ْي عَ َ‬‫شرَ ‪ ,‬وَاخْتََل َفتْ السَّنةُ الشّمْ ِ‬ ‫ُشهُورُهَا اثَْنيْ َع َ‬
‫شرَ َي ْومًا‬ ‫سرِ الّذِي َبيَْنهُمَا ‪َ ,‬و ُهوَ أَحَ َد َع َ‬ ‫سيّ ُة وَاْلقَ َمرِيّةُ فِي الْ َك ْ‬ ‫ش َر ‪ ,‬وَاخَْتَلفَتْ السَّنةُ الشّمْ ِ‬ ‫اْثنَ ْي عَ َ‬
‫ع ‪ ,‬وَلَمْ‬ ‫شرْ ِ‬‫شرِي َن فِيمَا يََتعَلّقُ ِبهَا مِنْ أَحْكَامِ ال ّ‬ ‫سعَ ًة َوعِ ْ‬ ‫ب ‪ ,‬وَكَاَنتْ ُشهُورُ اْلقَ َمرِ ثَلَاِثيَ َوتِ ْ‬ ‫بِالّت ْقرِي ِ‬
‫شرِينَ َي ْومًا حُ ْكمٌ ‪َ ,‬فكَا َن ذَِلكَ ُهوَ اْلقِسْمَ ُة الّتِي‬ ‫سعَ ٍة َوعِ ْ‬‫يَكُنْ ِلِنصْفِ الَْي ْومِ الّذِي ُهوَ ِزيَا َدةٌ َعلَى ِت ْ‬
‫خلْ ِق ‪ .‬ثُ ّم غَّي َرتْ الُْأمَمُ اْلعَادِلَ ُة عَنْ كَِثيٍ مِ ْن َشرَائِعِ‬ ‫قَسَمَ الّلهُ َتعَالَى َعلَْيهَا السّنَةَ فِي اْبتِدَا ِء َوضْعِ الْ َ‬
‫شرِينَ‬ ‫ضهَا ثَمَاِنيَ ًة َوعِ ْ‬‫شرِي َن ‪ ,‬وََب ْع ُ‬‫ضهَا ثَمَاِنيَ ًة َوعِ ْ‬ ‫ب ‪ ,‬فَكَاَنتْ ُشهُورُ الرّومِ َب ْع ُ‬ ‫الْأَْنبِيَا ِء هَذَا الّت ْرتِي َ‬
‫شهُورِ فِي‬ ‫ف مَا َأ َمرَ الّلهُ َتعَالَى مِ ْن اعْتِبَارِ ال ّ‬ ‫ك عَلَى ِخلَا ِ‬ ‫ي ‪َ .‬وذَِل َ‬ ‫ضهَا وَاحِدًا وََثلَاِث َ‬ ‫صفًا ‪َ ,‬وَبعْ ُ‬ ‫وَِن ْ‬
‫ت اْل ُف ْرسُ ُشهُو ُرهَا َثلَاِثيَ إلّا َش ْهرًا وَاحِدًا ‪َ ,‬و ُهوَ { بادماه }‬ ‫الْأَحْكَامِ الّتِي تََتعَلّقُ ِبهَا ‪ .‬ثُمّ كَاَن ْ‬
‫شرِي َن سَنَ ًة َش ْهرًا كَامِلًا فََتصِيُ السَّنةُ ثَلَاثَةَ‬ ‫س ٌة وََثلَاثُو َن ‪ ,‬ثُمّ كَاَنتْ تَكِْبسُ فِي كُ ّل مِاَئ ٍة َوعِ ْ‬ ‫فَإِّنهُ خَمْ َ‬
‫شرَ َش ْهرًا لَا ِزيَا َدةَ فِيهَا وَلَا ُن ْقصَا َن ‪َ ,‬وهِيَ‬ ‫شرَ َأخَْبرَ الّلهُ َتعَالَى أَ ّن عِ ّدةَ ُشهُورِ السّنَ ِة اْثنَا عَ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ي ‪ ,‬وَِلذَِلكَ قَا َل النّبِيّ‬ ‫شرِي َن ‪ ,‬وَِإمّا أَنْ تَكُونَ َثلَاِث َ‬ ‫سعَ ًة َوعِ ْ‬ ‫شهُورُ اْلقَ َمرِيّةُ الّتِي إمّا أَنْ تَكُو َن تِ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ش ْهرُ َثلَاثُو َن } ‪ ,‬وَقَا َل ‪ { :‬صُومُوا ِل ُرؤْيَِتهِ‬ ‫شرُو َن ‪ ,‬وَال ّ‬ ‫ش ْهرُ تِسْ ٌع َوعِ ْ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ال ّ‬
‫ش ْهرَ ِب ُرؤْيَ ِة اْلهِلَا ِل ‪ ,‬فَإِنْ ا ْشتََبهَ ِلغَمَامٍ َأوْ‬ ‫جعَلَ ال ّ‬ ‫ي } ‪ ,‬فَ َ‬ ‫وََأفْ ِطرُوا ِل ُرؤْيَِتهِ فَإِ ْن غُ ّم َعلَيْكُ ْم َفعُدّوا َثلَاِث َ‬
‫شرَ َش ْهرًا فِي كِتَابِ الّلهِ َي ْومَ‬ ‫شهُورِ ِعنْدَ اللّه اْثنَا عَ َ‬ ‫قََت َرةٍ فََثلَاثُو َن ; فََأعْلَ َمنَا الّلهُ ِب َقوِْلهِ ‪ { :‬إ ّن عِ ّدةَ ال ّ‬
‫شرَ َش ْهرًا لَا زِيَا َد َة عَلَْيهَا ‪ ,‬وَأَبْطَ َل ِبهِ‬ ‫خَلَ َق السّمَاوَاتِ وَالَْأ ْرضَ } َيعْنِي أَ ّن عِ ّدةَ ُشهُورِ السَّنةِ اثْنَا عَ َ‬
‫شرَ َش ْهرًا فِي َبعْضِ السَّن ِة ‪ ,‬وَأَ ْخَبرَ النّبِيّ صلى‬ ‫ج َعُلهَا ثَلَاَثةَ َع َ‬ ‫سهَا اْل ُف ْرسُ فَتَ ْ‬
‫سةَ الّتِي كَاَنتْ تَكِْب ُ‬ ‫الْ َكبِي َ‬
‫شرُو َن ‪َ ,‬وتَا َرةً ثَلَاثُونَ ; فََأ ْعلَمَنَا‬ ‫سعَ ٌة َوعِ ْ‬‫شهُورِ ِب ُرؤْيَ ِة اْلهِلَالِ ‪َ ,‬فتَا َرةً تِ ْ‬ ‫ال عليه وسلم أَنّ اْن ِقضَاءَ ال ّ‬
‫شهُو ِر وَالسِّنيَ فِي اْبتِدَاءِ اْلخَلْ ِق ‪ .‬وَأَخَْب َر النّبِيّ صلى ال عليه‬ ‫ك َوضَعَ ال ّ‬ ‫الّلهُ فِي هَ ِذ ِه الْآَيةِ أَّنهُ كَذَِل َ‬
‫شهُورِ َونِظَا ِمهَا ‪,‬‬ ‫شرِكُو َن مِنْ َترْتِيبِ ال ّ‬ ‫وسلم َع ْودَ ال ّزمَانِ إلَى مَا كَا َن عََلْيهِ ‪ ,‬وَأَبْطَ َل مَا غَّي َرهُ الْمُ ْ‬
‫ضعَهُ الّلهُ َتعَالَى فِي الَْأصْلِ ِلمَا عَلِمَ‬ ‫شهُو ِر ‪ ,‬وَأَنّ الَْأ ْمرَ قَ ْد ا ْسَت َقرّ عَلَى مَا َو َ‬ ‫َومَا زَادَ ِبهِ فِي السِّنيَ وَال ّ‬
‫ي عَلَى هَذَا‬ ‫ش ْه ِر وَالسِّن َ‬ ‫تَبَارَ َك وََتعَالَى مِنْ َتعَلّ ِق َمصَالِحِ النّاسِ فِي ِعبَادَاِتهِمْ َو َشرَاِئ ِعهِمْ بِ َكوْ ِن ال ّ‬
‫خرِيفِ وَُأ ْخرَى فِي‬ ‫ف ‪ ,‬وَأُ ْخرَى فِي الْ َ‬ ‫ص ْومُ تَا َرةً فِي الرّبِي ِع ‪ ,‬وَتَا َرةً فِي الصّيْ ِ‬ ‫اْلوَ ْج ِه ‪ ,‬فَيَكُونُ ال ّ‬
‫ص ْومَ الّنصَارَى‬ ‫خَبرِ أَنّ َ‬ ‫ك ‪ .‬وَقَ ْد ُروِيَ فِي الْ َ‬ ‫الشّتَاءِ ‪ ,‬وَكَذَِلكَ اْلحَجّ ; ِلعِلْ ِمهِ بِالْ َمصَْلحَةِ فِي ذَِل َ‬
‫ض السِّنيَ إلَى الصّيْفِ ا ْجتَ َمعُوا إلَى أَنْ َن َقلُوهُ إلَى َزمَانِ‬ ‫كَانَ َكذَِلكَ ‪َ ,‬فلَمّا رََأ ْوهُ يَدُورُ فِي َبعْ ِ‬
‫الرّبِي ِع ‪َ ,‬وزَادُوا فِي اْلعَ َد ِد وََترَكُوا مَا َتعَبّدُوا ِب ِه مِنْ اعِْتبَارِ ُشهُورِ اْلقَ َم ِر مُطَْلقَ ًة عَلَى مَا يَّتفِ ُق مِنْ‬

‫‪192‬‬
‫ح ُو ُه مِمّا ذَ ّمهُمْ الّلهُ َتعَالَى ِبهِ ‪ ,‬وَأَخَْبرَ أَّنهُ ْم اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم‬ ‫وُقُو ِعهَا فِي الَْأ ْزمَا ِن ‪َ ,‬وهَذَا وَنَ ْ‬
‫َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّلهِ فِي اتّبَا ِعهِمْ َأوَا ِم َرهُمْ وَا ْعِتقَا ِدهِمْ وُجُوَبهَا دُونَ َأوَامِرِ الّلهِ َتعَالَى َفضَلّوا‬
‫وََأضَلّوا ‪.‬‬
‫وف البسوط ‪:‬‬
‫ت عَنْ‬ ‫حوَّل ْ‬ ‫ك ‪ ,‬وَالْ ِملْ ُح ‪ ,‬فَُيصْنَ ُع ُمرَبّى قَا َل ‪ :‬لَا بَ ْأسَ بِ َذِلكَ إذَا تَ َ‬ ‫قُلْت ‪ :‬فَالْخَ ْمرُ ُي ْطرَحُ فِيهَا السّ َم ُ‬
‫ج جَاِئ ٌز عِنْ َدنَا ‪َ ,‬ويَحِلّ َتنَاوُلُ الْخَلّ َبعْدَ‬ ‫خلِي َل الْخَ ْمرِ بِاْلعِلَا ِ‬
‫حَالِ الْخَ ْم ِر ‪ ,‬وََأصْلُ اْلمَسْأََلةِ أَنّ تَ ْ‬
‫خلِيلُ َحرَامٌ بِإِْلقَاءِ شَ ْيءٍ فِي الْخَ ْم ِر مِنْ ِملْ ٍح ‪َ ,‬أ ْو خَ ّل ‪ ,‬وَلَا يَحِ ّل ذَِلكَ‬ ‫التّخْلِي ِل ‪َ ,‬وعِنْ َد الشّاِفعِيّ التّ ْ‬
‫الْخَ ّل َقوْلًا وَاحِدًا ‪ ,‬وَالتّخْلِي ُل مِ ْن غَْيرِ إْلقَاءِ شَ ْيءٍ فِيهِ بِالّنقْ ِل مِنْ الظّ ّل إلَى الشّ ْمسِ ‪َ ,‬أوْ إيقَادِ النّارِ‬
‫بِاْل ُق ْربِ مِْنهُ لَا َيحِ ّل عِنْ َدهُ أَْيضًا ‪َ ,‬ولَكِنْ إذَا َتخَلّلَ ‪َ ,‬فَلهُ َقوْلَانِ فِي إبَا َحةِ َتنَاوُ ِل ذَِلكَ الْخَ ّل ‪,‬‬
‫خلِي ِل الْخَ ْم ِر } ‪ ,‬وَفِي‬ ‫وَاحَْتجّ فِي ذَِلكَ بِمَا ُر ِويَ { أَنّ النّبِ ّي عليه الصلة والسلم َنهَى عَنْ تَ ْ‬
‫ِروَايَ ٍة { َنهَى أَنْ ُتتّخَذَ الْخَ ْمرُ خَلّا } ‪َ ,‬وفِي { حَدِيثِ َأبِي طَ ْلحَةَ رضي ال عنه َأّنهُ كَا َن فِي‬
‫حرِيُ الْخَ ْم ِر قَا َل مَاذَا َأصْنَعُ ِبهَا يَا رَسُولَ الّل ِه ؟ قَا َل عليه‬ ‫ج ِرهِ خُمُورٌ ِليَتَامَى ‪َ ,‬فلَمّا َنزَلَ َت ْ‬ ‫حِ ْ‬
‫الصلة والسلم ‪َ :‬أ ْرِقهَا قَا َل ‪ :‬أََفلَا أُ َخلُّلهَا قَا َل ‪ :‬عليه الصلة والسلم لَا } ‪َ ,‬فقَدْ َأ َمرَهُ بِالِْإرَاَق ِة ‪.‬‬
‫ح فِي حَ ّق الَْيتَامَى ‪ ,‬فَلَمّا سَأََلهُ َعنْ‬ ‫وََلوْ كَا َن التّخَلّ ُل جَاِئزًا لََأرْشَ َدهُ إلَى ذَِلكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِْإصْلَا ِ‬
‫ك ‪ ,‬فََلوْ كَا َن جَاِئزًا لَكَانَ الَْأوْلَى أَنْ ُيرَخّصَ فِيهِ فِي خُمُورِ اْليَتَامَى ‪ ,‬وَِإذَا ثََبتَ‬ ‫التّخَلّ ِل َنهَاهُ عَ ْن ذَِل َ‬
‫ح ّرمُ َش ْرعًا لَا يَكُو ُن ُمؤَّثرًا فِي اْلحِلّ كَذَْبحِ الشّاةِ فِي‬ ‫خلِيلَ َحرَامٌ ‪ ,‬فَاْلفِعْلُ الْمُ َ‬ ‫ِبهَ ِذهِ الْأَ ْخبَارِ أَنّ التّ ْ‬
‫صرّفٌ فِيهَا عَلَى‬ ‫ح ّرمُ الِانِْتفَاعِ ِبهَا مِنْ كُ ّل وَ ْج ٍه ‪ ,‬وَالتّخْلِيلُ َت َ‬ ‫حهَا ; وَلِأَنّ الْخَ ْم َر عَيْ ٌن مُ َ‬ ‫َغْيرِ مَذَْب ِ‬
‫شرَاءِ ‪ ,‬وَكَمَا َلوْ أَْلقَى فِي اْلخَ ْمرِ شَْيئًا حُ ْلوًا كَالسّ ّكرِ ‪,‬‬ ‫َقصْدِ التّ َموّلِ ‪َ ,‬فيَكُونُ َحرَامًا كَاْلبَيْ ِع ‪ ,‬وَال ّ‬
‫ب ‪ ,‬وَفِي التّخْلِيلِ اقِْترَابٌ مِْنهُ‬ ‫وَاْلفَانِيذِ حَتّى صَارَ ُح ْلوًا ‪َ ,‬وهَذَا ; لِأَ ّن نَجَا َسةَ اْلعَيْنِ تُو ِجبُ الِا ْجتِنَا َ‬
‫ف الْخَ ْمرِ ِللِْإرَاَق ِة ‪ ,‬فَإِّنهُ‬ ‫‪َ ,‬وذَِلكَ ضِدّ الْمَ ْأمُورِ ِبهِ َنصّا فِي َقوِْلهِ َع ّز وَجَ ّل { ‪ ,‬فَاجَْتنِبُوهُ } ِبخِلَا ِ‬
‫جسًا فِي‬ ‫جسٌ بِ ُملَاقَا ِة الْخَ ْمرِ إيّا ُه ‪َ ,‬ومَا يَكُونُ نَ ِ‬ ‫مُبَاَلغَةٌ فِي الِاجْتِنَابِ عَْن ُه ‪ ,‬ثُ ّم مَا ُي ْلقَى فِي الْخَ ْمرِ نَ ِ‬
‫حرْفِ َت ْفصِيلٌ بَْي َن مَا إذَا أُْلقِيَ فِيهِ شَ ْي ٌء ‪َ ,‬وبَيْ َن مَا‬ ‫سهِ لَا ُيفِيدُ ال ّطهَا َرةَ فِي غَْي ِر ِه ‪َ ,‬وعَلَى هَذَا الْ َ‬ ‫َنفْ ِ‬
‫سهِ ; لِأَّنهُ لَمْ يُوجَ ْد ُهنَاكَ َتنْجِيسُ شَ ْيءٍ‬ ‫خلّلَ بَِنفْ ِ‬
‫جعَ ْل فِيهِ شَ ْيءٌ ‪َ ,‬وهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَ َ‬ ‫إذَا لَمْ يُ ْ‬
‫سهِ َحلّ‬ ‫ح َرمِ ِبَنفْ ِ‬
‫ج مِنْ الْ َ‬ ‫بِإِْلقَاِئهِ فِيهِ ‪ ,‬وَلَا مُبَا َش َرةُ ِفعْلٍ َحرَامٍ فِي اْلخَ ْمرِ ‪َ ,‬ف ُهوَ نَ ِظيُ الصّيْدِ إذَا َخرَ َ‬
‫ح َر ُم مِنْ‬ ‫حرَ ِم َومَنْ قَتَ َل ُم َورَّثهُ يُ ْ‬‫ب َر ّدهُ إلَى اْل َ‬
‫صطِيَا ُد ُه ‪ .‬وََلوْ أَ ْخرَ َجهُ إْنسَانٌ لَمْ َيحِ ّل ‪َ ,‬ووَ َج َ‬ ‫ا ْ‬
‫سهِ ‪ ,‬وَ َحقِيقَ ُة الْ َمعْنَى فِيهِ أَ ّن مِنْ َطبْعِ اْلخَ ْمرِ‬ ‫الْمِيَاثِ بِمُبَا َشرَِتهِ ِفعْلًا َحرَامًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ ِبَنفْ ِ‬
‫حوَّلتْ بِ َطْب ِعهَا ‪َ ,‬وصَارَتْ فِي حُكْمِ شَ ْيءٍ آ َخرَ ‪,‬‬ ‫ت ‪َ ,‬فقَدْ تَ َ‬ ‫خلَّل ْ‬‫خلّلَ بِ ُمضِ ّي ال ّزمَانِ ‪ ,‬فَِإذَا تَ َ‬ ‫أَ ْن يَتَ َ‬
‫ع ‪ ,‬وَإِنّمَا الّذِي إلَْيهِ ْم إحْدَاثُ‬ ‫فََأمّا التّخْلِي ُل ‪ ,‬فََلْيسَ ِبَتقْلِيبٍ ِل ْلعَيْنِ ; لِأَّنهُ لَْيسَ لِ ْلعِبَادِ َتقْلِيبُ الطّبَا ِ‬
‫خ ْمرِ ‪َ ,‬و ُهوَ نَظِيُ‬ ‫الْمُجَا َو َرةِ َبيْنَ الَْأشْيَا ِء ‪ ,‬فَيَكُو ُن هَذَا تَْنجِيسًا لِمَا ُي ْلقَى فِي الْخَ ْمرِ لَا َتقْلِيبًا لِطَْبعِ الْ َ‬

‫‪193‬‬
‫الشّابّ َيصِيُ َشيْخًا بِ ُمضِيّ ال ّزمَا ِن ‪ ,‬وَِبتَكْلِي ِفهِ لَا َيصِيُ شَيْخًا ‪ ,‬فَِإذَا لَمْ َيتَبَدّلْ َطْبعُهُ ِبهَذَا التّخْلِيلِ‬
‫خلَافِ‬ ‫صفَ ُة الْخَ ْمرِيّةِ فِيهِ ‪ ,‬وَإِنْ كَانَ لَمْ يَ ْط ُهرْ كَمَا إذَا أُْلقِيَ فِيهِ َشيْئًا مِنْ الْحَلَا َوةِ ‪َ ,‬وهَذَا بِ ِ‬ ‫َبقِيَ ِ‬
‫جسَ ِة ‪ ,‬وَالدّبْغُ إزَاَلةٌ لِِت ْلكَ‬ ‫جلْدِ بِمَا اّتصَلَ ِب ِه مِنْ الدّسُومَاتِ النّ ِ‬ ‫جِلْ ِد الْمَْيتَةِ إذَا ُدبِ َغ ‪َ ,‬فإِنّ نَجَاسَ َة الْ ِ‬
‫الدّسُومَ ِة ‪ ,‬وَإِلَى اْلعِبَادِ اْل َفصْ ُل ‪ ,‬وَالتّ ْميِيزُ َبيْنَ الْأَشْيَا ِء ‪ ,‬فَكَا َن ِفعُْلهُ إصْلَاحًا مِنْ َحْيثُ إّنهُ يُمَّيزُ ِبهِ‬
‫صفَةُ‬ ‫جسِ ‪ ,‬فََأمّا نَجَا َسةُ اْلخَ ْمرِ ‪َ ,‬فِلعَيِْنهَا لَا ِلغَْيرٍ اّتصَلَ ِبهَا ‪ ,‬وَإِنّمَا تَْنعَ ِد ُم هَ ِذهِ ال ّ‬ ‫الطّا ِه ُر مِنْ النّ ِ‬
‫خلِي ِل فِي ذَِلكَ ‪ .‬وَحُجّتُنَا فِي ذَِلكَ مَا ُر ِويَ أَنّ النّبِيّ عليه الصلة‬ ‫حوِّلهَا بِطَْب ِعهَا ‪ ,‬وَلَا أََثرَ لِلتّ ْ‬ ‫بِتَ َ‬
‫خلّ ُل ‪ ,‬فَيَحِ ّل } ‪ ,‬وَلَا ُيقَا ُل ‪َ :‬قدْ ُر ِويَ‬ ‫ب دُبِ َغ ‪َ ,‬فقَدْ َط ُهرَ كَاْلخَ ْمرِ يُ َ‬ ‫والسلم قَالَ { ‪َ :‬أيّمَا إهَا ٍ‬
‫خلّ ُل ‪ ,‬فَحَ ّل ; لِأَنّ ال ّروَايََتيْنِ كَاْلخََبرَيْنِ ‪َ ,‬فُيعْمَلُ ِبهِمَا ‪ ,‬ثُ ّم مَا َروَيْنَاهُ أَ ْق َربُ إلَى الصّحّةِ‬ ‫كَالْخَ ْمرِ تُ َ‬
‫خلِيلُ الّذِي‬ ‫جلْدِ ِب ِه ‪ ,‬وَالدّبْ ُغ يَكُونُ ِبصُنْعِ اْلعِبَادِ لَا بِ َطْب ِعهِ ‪َ ,‬ف َعرَفْنَا أَ ّن الْ ُمرَا َد التّ ْ‬ ‫; لِأَّنهُ شَّب َه دَبْ َغ الْ ِ‬
‫شرْعِ‬ ‫ج ْو َهرٍ فَاسِ ٍد ‪َ ,‬فيَكُو ُن مِنْ اْلحِكْمَ ِة ‪ ,‬وَال ّ‬ ‫يَكُونُ ِبصُنْعِ اْلعِبَا ِد ‪ ,‬وَالْ َمعْنَى فِيهِ ‪ :‬أَ ّن هَذَا صَلَاحٌ لِ َ‬
‫صفَةِ‬‫صلَا ُحهُ بِِإزَالَ ِة ِ‬‫أَنْ لَا يَْنهَى عَمّا ُهوَ ِحكْمَ ٌة ‪ ,‬وَبَيَا ُن اْل َوصْفِ أَ ّن الْخَ ْمرَ َج ْو َه ٌر ‪ ,‬فَاسِدٌ ‪ ,‬فَِإ ْ‬
‫جلْ ِد ‪ ,‬فَإِنّ‬ ‫صلَاحٌ َل ُه ‪َ ,‬و ُهوَ كَدَبْ ِغ الْ ِ‬ ‫خ ْمرِيّةِ ‪َ ,‬ف َعرَفْنَا َأّنهُ إ ْ‬
‫صفَةِ الْ َ‬
‫خلِيلُ إزَاَلةٌ ِل ِ‬ ‫الْخَ ْمرِيّ ِة عَْن ُه ‪ ,‬وَالتّ ْ‬
‫ج ّوزَ‬ ‫جسٌ ‪ ,‬وَِلهَذَا لَا يَجُوزُ َبْيعُ ُه ‪ .‬وََلوْ كَاَنتْ النّجَا َسةُ بِمَا اّتصَلَ ِب ِه مِنْ الدّسُومَاتِ لَ ُ‬ ‫َعيْنَ اْلجِلْ ِد نَ ِ‬
‫ث إّنهُ َي ْعصِ ُمهُ عَ ْن النّتْ ِن ‪ ,‬وَاْلفَسَا ِد ‪,‬‬ ‫س ِة ‪ ,‬وَلَكِ ّن الدّبْ َغ إصْلَاحٌ َل ُه مِنْ حَْي ُ‬ ‫بَْي َعهُ كَالدّسُومَاتِ النّجِ َ‬
‫فَكَانَ جَاِئزًا َش ْرعًا ‪ ,‬وَلَا َمعْنَى لِمَا قَالَ إ ّن هَذَا إفْسَادٌ فِي الْحَالِ لِمَا ُي ْلقَى فِيهِ ; لِأَ ّن هَذَا َموْجُودٌ‬
‫ب ‪ ,‬وَاْل َقرَظِ ‪َ ,‬وهَذَا إصْلَاحٌ بِا ْعتِبَا ِر مَآِل ِه ‪,‬‬ ‫ش ّ‬ ‫جعَلُ فِيهِ مِنْ ال ّ‬ ‫فِي دَبْغِ الْجِلْدِ ‪ ,‬فَِإّنهُ إفْسَادٌ لِمَا يُ ْ‬
‫وَاْلعِْب َرةُ لِلْمَآ ِل لَا لِ ْلحَا ِل ‪ ,‬فَإِنّ إْلقَاءَ اْلبَ ْذرِ فِي الَْأ ْرضِ يَكُونُ إْتلَافًا لِ ْلبَ ْذرِ فِي الْحَا ِل ‪ ,‬وَلَكِّن ُه إصْلَاحٌ‬
‫صرّفٍ فِي الْخَ ْم ِر عَلَى َقصْدِ تَ َموّلِ اْلخَ ْمرِ بَ ْل ُهوَ‬ ‫خلِي َل لَْيسَ بَِت َ‬
‫بِاعِْتبَارِ مَآِلهِ ‪ ,‬وَِبهَذَا يَتََبيّنُ أَنّ التّ ْ‬
‫ف صِفَ ِة الْخَ ْم ِريّ ِة مُنَافَاةٌ ‪ ,‬فَمَا كَانَ الِاقِْترَابُ مِنْ‬ ‫خ ْمرِ ‪ ,‬وَإِْتلَا ِ‬ ‫صفَ ِة الْخَ ْمرِيّ ِة ‪َ ,‬وبَيْنَ َت َموّلِ الْ َ‬ ‫إتْلَافٌ ِل ِ‬
‫سلّمُ‬ ‫صفَ ِة الْخَ ْمرِيّةِ إلّا نَظِيَ الِا ْقِترَابِ ِمْنهَا لِِإرَاقَ ِة اْلعَيْ ِن ‪َ ,‬وذَِلكَ جَاِئزٌ َش ْرعًا ‪ ,‬وََنحْنُ نُ َ‬ ‫اْلعَيْنِ ِلإِتْلَافِ ِ‬
‫ع لَْيسَ إلَى اْلعِبَادِ ‪ ,‬وَإِنّمَا إلَْيهِمْ إ ْحدَاثُ الْ ُمجَا َو َرةِ ‪ ,‬وَلَكِنّ إ ْحدَاثَ الْ ُمجَا َو َرةِ بَيْنَ‬ ‫أَ ّن َتقْلِيبَ الطّبَا ِ‬
‫حلّ فِي أَ ْسرَعِ‬ ‫حوِّلهَا إلَى طَْبعِ الْ ِ‬ ‫صفَةِ الْخَ ْمرِيّةِ بَِت َ‬ ‫ف ِ‬ ‫صفَ ِة َي ْقوَى عَلَى إتْلَا ِ‬ ‫الْخَ ّل وَالْخَ ْمرِ ِبهَ ِذهِ ال ّ‬
‫خلّ َل ‪,‬‬
‫جوَا ِز مِنْ اْلِإمْسَا ِك ‪ ,‬وَِإذَا جَازَ اْلِإمْسَاكُ إلَى أَ ْن يَتَ َ‬ ‫ت ‪ ,‬فَكَا َن هَذَا أَ ْق َربُ إلَى الْ َ‬ ‫الَْأوْقَا ِ‬
‫صفَةِ‬
‫حلَا َو ِة ‪ ,‬فَذَِلكَ لَْيسَ بِِإتْلَافٍ ِل ِ‬ ‫جوَا ِز ‪ ,‬وََأمّا إذَا أَْلقَى فِيهِ شَْيئًا مِنْ الْ َ‬ ‫فَالتّخْلِي ُل ‪َ ,‬أوْلَى بِاْل َ‬
‫الْخَ ْمرِيّةِ ; لَِأّنهُ لَْيسَ مِنْ َطبْعِ اْلخَ ْمرِ أَ ْن َيصِيَ حُ ْلوًا ‪َ ,‬ف َعرَ ْفنَا أَ ّن َمعْنَى الشّ ّدةِ ‪ ,‬وَاْل َمرَا َرةِ قَائِ ٌم فِي ِه ‪,‬‬
‫وَإِنْ كَانَ لَا يَ ْظ َهرُ ِلغَلََبةِ الْحَلَا َوةِ عََلْيهِ ‪ ,‬فََأمّا مِنْ طَبْ ِع الْخَ ْمرِ أَنْ َيصِيَ َخلّا ‪ ,‬فَيَكُو ُن التّخْلِيلُ إْتلَافًا‬
‫حهُ أَ ّن مِنْ وَ ْج ٍه ‪َ ,‬فعَلَْيهِ إحْدَاثُ الْ ُمجَا َو َرةِ ‪َ ,‬ومِنْ وَ ْجهٍ إْتلَافٌ‬ ‫صفَ ِة الْخَ ْمرِيّةِ كَمَا َبيّنّا ‪ُ ,‬ي َوضّ ُ‬ ‫ِل ِ‬
‫صفَ ِة الْخَ ْمرِيّةِ كَمَا ُقلْنَا ‪َ ,‬فُيوَّفرُ حَ ّظ ُه عَلَْيهِمَا ‪َ ,‬فَيقُولُ لِاعِْتبَارِ جَاِنبِ إحْدَاثِ الْ ُمجَا َو َرةِ لَا يَحِلّ‬ ‫ِل ِ‬
‫صفَةِ اْلخَ ْمرِيّ ِة يَحِ ّل التّخْلِي ُل ‪ .‬فََأمّا مَا‬ ‫ف ِ‬ ‫حلَاوَاتِ فِيهِ ‪ ,‬وَلِاعِْتبَارِ جَاِنبِ إْتلَا ِ‬ ‫بِإِْلقَاءِ شَ ْيءٍ مِ ْن الْ َ‬

‫‪194‬‬
‫ُر ِويَ مِ ْن الّنهْ ِي عَ ْن التّخْلِي ِل ‪ ,‬فَالْ ُمرَادُ أَنْ ُيسَْتعْمَلَ الْخَ ْمرُ ا ْسِتعْمَالَ الْخَلّ بِأَ ْن ُيؤْتَ َدمَ ِب ِه ‪ ,‬وَُيصْطََب َغ‬
‫حرِيِ الْحَلَالِ‬ ‫حرَامِ ‪ ,‬وَتَ ْ‬ ‫حلِيلِ الْ َ‬‫ِبهِ ‪َ ,‬و ُهوَ نَظِ ُي مَا ُر ِويَ { أَنّ النِّبيّ عليه الصلة والسلم َنهَى عَنْ تَ ْ‬
‫‪ ,‬وَأَنْ تُتّخَذَ ال ّدوَابّ َكرَاسِ ّي } ‪ ,‬وَاْل ُمرَادُ الِاسِْتعْمَا ُل { ‪ ,‬وَلَمّا َنزَلَ قوله تعال { اتّخَذُوا‬
‫َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَا َل عَ ِديّ بْ ُن حَاتِمٍ رضي ال عنه مَا عَبَ ْدنَاهُمْ َقطّ قَالَ‬
‫النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أََلْيسَ كَانُوا يَ ْأ ُمرُونَ ‪ ,‬وََيْن َهوْنَ ‪َ ,‬فيُطِيعُوَنهُمْ ؟ قَالَ ‪َ :‬نعَ ْم ‪َ ,‬فقَالَ عليه‬
‫ح َة ذَ َكرَ َبعْضُ‬ ‫سرَ الِاتّخَاذَ بِالِا ْسِتعْمَا ِل ‪ ,‬وَفِي حَدِيثِ أَبِي َطلْ َ‬ ‫الصلة والسلم ‪ُ :‬ه َو ذَا َك } قَدْ َف ّ‬
‫خلِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ‬ ‫ي ‪ ,‬فَإِنّمَا َنهَى عَنْ التّ ْ‬ ‫ال ّروَا ِة ‪ { ,‬أَفَلَا أُخَلُّلهَا ؟ قَا َل َنعَمْ } ‪ ,‬وَإِ ْن صَ ّح مَا ُروِ َ‬
‫لِلزّ ْج ِر عَنْ اْلعَا َدةِ اْلمَأْلُوَفةِ ‪َ ,‬فقَدْ كَا َن يَشُ ّق عََلْيهِمْ الِاْنزِجَا ُر عَ ْن اْلعَا َدةِ فِي ُش ْربِ الْخَ ْم ِر ‪ ,‬فََأ َمرَ‬
‫خلِي ِل لِذَِلكَ كَمَا َأ َمرَ ِبقَتْلِ اْلكِلَابِ‬ ‫النّبِيّ صلى ال عليه وسلم بِِإرَاَقةِ اْلخُمُورِ ‪ ,‬وََنهَى عَنْ التّ ْ‬
‫ب ‪ ,‬ثُمّ كَانَ لَا يَ ْأمَنُ َعلَْيهِمْ أَنْ َي ِعفّوا فِي‬ ‫ِللْمُبَاَلغَةِ فِي الزّ ْج ِر عَنْ اْلعَا َدةِ الْمَأْلُوَفةِ فِي ا ْقتِنَاءِ اْلكِلَا ِ‬
‫خُمُورِ الَْيتَامَى إذْ لَمْ َيبْقَ بِأَْيدِيهِمْ شَ ْي ٌء مِنْ اْلخَ ْمرِ ‪ ,‬فََأ َمرَ فِي خُمُو ِر الَْيتَامَى أَْيضًا بِالِْإرَاَقةِ لِلزّ ْجرِ ‪,‬‬
‫ح مَا فَسَ َد مِْنهُ ‪ ( .‬أَلَا َترَى ) أَنْ شَاةَ‬ ‫ب عَلَى اْل َوصِيّ الْمَنْ ُع مِنْ إ ْفسَا ِد مَالِ اْليَتِيمِ لَا إصْلَا ُ‬ ‫وَاْلوَا ِج ُ‬
‫جبُ‬ ‫ب عَلَى اْل َوصِ ّي دَبْغُ ِجلْ ِدهَا ‪ ,‬وَإِنْ كَا َن َلوْ َفعََلهُ جَا َز ‪ ,‬فَكَذَِلكَ لَا َي ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫الَْيتِيمِ إذَا مَاَتتْ لَا يَ ِ‬
‫خلِيلِ ‪ ,‬فَكَ َذِلكَ َجوَازُ اتّخَاذِ اْل ُمرَبّى‬ ‫َعلَْيهِ التّخْلِي ُل ‪ ,‬وَإِنْ كَانَ َلوْ َفعََلهُ كَانَ جَاِئزًا إذَا َثَبتَ َجوَازُ التّ ْ‬
‫خلِي ِل ‪ ,‬وَاَلّذِي‬ ‫مِنْ الْخَ ْمرِ بِِإْلقَاءِ الْمِ ْلحِ ‪ ,‬وَالسّ َمكِ فِيهِ ; لَِأّنهُ إتْلَافٌ ِلصِفَ ِة الْخَ ْم ِريّةِ كَمَا فِي التّ ْ‬
‫ضهُ مَا ُر ِويَ أَ ّن ابْ َن عَبّاسٍ رضي ال عنه سُئِلَ‬ ‫ُر ِويَ عَ ْن عُ َمرَ رضي ال عنه َأّنهُ َنهَى عَ ْن ذَِلكَ ُيعَا ِر ُ‬
‫س ِبهِ ‪ ,‬ثُمّ تَ ْأوِيلُ حَدِيثِ عُ َم َر رضي ال عنه مِثْ ُل مَا َبيّنّا مِنْ تَ ْأوِيلِ اْلحَدِيثِ‬ ‫ك ‪َ ,‬فقَالَ لَا بَ ْأ َ‬ ‫عَ ْن ذَِل َ‬
‫سلِمِ َبيْعُ اْلخَ ْمرِ ‪ ,‬وَلَا أَكْلُ‬ ‫ك عَلَى َطرِيقِ السّيَاسَةِ لِلزّ ْج ِر ‪ ,‬وَلَا يَحِلّ ِللْمُ ْ‬ ‫الْ َمرْفُوعِ َأّنهُ َنهَى عَ ْن ذَِل َ‬
‫ثَمَِنهَا ; لِأَنّ الّلهَ َتعَالَى سَمّاهَا ِرجْسًا ‪ ,‬فََي ْقضِي ذَِلكَ بِنَجَاسَ ِة اْلعَيْ ِن ‪ ,‬وَفَسَا ِد الْمَاِليّ ِة ‪ ,‬وَالّت ْقوِيِ‬
‫ب عَْنهَا ‪ ,‬فَاقَْتضَى ذَِلكَ أَ ْن لَا يَجُوزَ‬ ‫كَمَا فِي الْمَْيتَ ِة ‪ ,‬وَال ّد ِم ‪ ,‬وََلحْمِ اْلخِْنزِي ِر ‪َ ,‬وقَدْ َأ َمرَ بِالِا ْجتِنَا ِ‬
‫حدِيثِ { أَنّ أَبَا عَا ِمرٍ كَانَ ُيهْدِي ِلرَسُولِ‬ ‫سلِمِ الِا ْقِترَابُ ِمْنهَا َعلَى ِج َهةِ التّ َموّلِ بِحَا ٍل ‪ ,‬وَفِي الْ َ‬ ‫ِللْمُ ْ‬
‫الّلهِ صلى ال عليه وسلم رَاوَِي ًة مِنْ خَ ْمرٍ كُ ّل عَا ٍم ‪ ,‬فََأهْدَى َلهُ فِي اْلعَامِ الّتِي ُح ّرمَتْ فِيهِ ‪َ ,‬فقَالَ‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ :‬إنّ الّلهَ قَدْ َح ّرمَ اْلخَ ْمرَ ‪َ ,‬فلَا حَاجَةَ لِي فِي خَ ْمرِك قَا َل ‪ :‬خُ ْذهَا ‪ ,‬وَِب ْعهَا ‪,‬‬
‫وَانَْتفِعْ ِبثَمَِنهَا فِي حَاجَتِك ‪َ ,‬فقَالَ عليه الصلة والسلم يَا أَبَا عَا ِمرٍ إنّ الّذِي َحرّمَ ُشرَْبهَا َح ّرمَ‬
‫بَْي َعهَا ‪ ,‬وَأَكْ َل ثَمَِنهَا ‪ , { } .‬وَسُئِ َل ابْ ُن عُ َم َر رضي ال عنه عَنْ َبيْعِ الْخَ ْم ِر ‪ ,‬وَأَكْ ِل ثَمَِنهَا ‪َ ,‬فقَالَ‬
‫‪ :‬قَاتَلَ الّلهُ اْلَيهُودَ ُح ّر َمتْ َعلَْيهِمْ الشّحُو ُم ‪ ,‬فَجَمَلُوهَا ‪ ,‬وَبَاعُوهَا ‪ ,‬وَأَ َكلُوا ثَمََنهَا ‪ ,‬وَإِنّ الّذِي‬
‫ش ْربَ َح ّرمَ َبْي َعهَا ‪ ,‬وَأَكْلَ ثَ َمِنهَا ‪َ ,‬ومِمّنْ َلعََن ُه رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فِي الْخَ ْمرِ‬ ‫َحرّمَ ال ّ‬
‫شَترِيهَا ‪. } .‬‬ ‫بَاِئ ُعهَا ‪َ ,‬ومُ ْ‬
‫وقال ابن العرب ‪:‬‬

‫‪195‬‬
‫قوله تعال { اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّل ِه وَالْ َمسِي َح ابْ َن َمرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا‬
‫شرِكُونَ } ‪ .‬فِيهَا مَسْأََلتَا ِن ‪ :‬الْمَسَْألَ ُة الْأُولَى ‪:‬‬ ‫ِلَيعْبُدُوا إَلهًا وَاحِدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ ُسبْحَاَنهُ عَمّا يُ ْ‬
‫ب مُحَّب ٌر ‪َ ,‬أيْ جَمَعَ الزّيَن َة ‪ .‬وَُيقَالُ‬ ‫حسِنُ اْل َقوْلَ وَُينَظّ ُم ُه وَيُْتقُِن ُه ‪َ ,‬ومِْنهُ َث ْو ٌ‬ ‫حْبرُ ‪ُ :‬هوَ الّذِي يُ ْ‬ ‫الْ َ‬
‫س ‪َ ,‬فقَا َل ‪ :‬إنّمَا سُمّ َي ِبهِ ِلحَمْلِ الْحِْب ِر َو ُهوَ الْمِدَادُ‬ ‫حهَا ‪ ,‬وَقَ ْد غَِلطَ فِيهِ َبعْضُ النّا ِ‬ ‫سرِ الْحَاءِ َوفَتْ ِ‬ ‫بِكَ ْ‬
‫وَالْكِتَابَ ُة ‪ .‬وَالرّا ِهبُ ُه َو مِنْ ال ّرهَْب ِة ‪ :‬الّذِي حَمََلهُ َخوْفُ الّل ِه عَلَى أَ ْن يُخِْلصَ إلَْيهِ النّيّ َة دُونَ النّاسِ‬
‫سهُ ِبهِ ‪ .‬الْمَسْأََلةُ الثّاِنيَةُ ‪َ :‬قوُْل ُه ‪َ { :‬أرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } ‪:‬‬ ‫جعَ َل ِزمَامَهُ َل ُه ‪َ ,‬وعَمََل ُه َمعَ ُه ‪ ,‬وَُأنْ َ‬ ‫‪ ,‬وَيَ ْ‬
‫َروَى الّت ْرمِ ِذيّ َو َغْي ُرهُ عَ ْن عَ ِديّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ ‪َ { :‬أتَيْت النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َوفِي عُُنقِي‬
‫ح عَنْك هَذَا اْلوَثَ َن ‪ .‬وَسَ ِمعْته َي ْقرَأُ فِي سُو َرةِ‬ ‫ي ؟ ا ْطرَ ْ‬ ‫صَلِيبٌ مِ ْن َذ َهبٍ ‪َ ,‬فقَا َل ‪ :‬مَا هَذَا يَا عَ ِد ّ‬
‫َبرَا َءةَ ‪ { :‬اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّلهِ } ‪ .‬قَا َل ‪َ :‬أمَا إّنهُمْ لَمْ يَكُونُوا َيعُْبدُوَنهُمْ‬
‫حلّوهُ ‪ ,‬وَِإذَا َح ّرمُوا عََلْيهِمْ شَْيئًا َح ّرمُوهُ } ‪ .‬وَفِيهِ دَلِيلٌ‬ ‫‪ ,‬وَلَكِّنهُمْ كَانُوا إذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا اسْتَ َ‬
‫ح ّرمُونَ مَا َح ّرمَ الّلهُ َورَسُوُلهُ } ;‬ ‫حلِيلَ ِلّلهِ وَ ْح َدهُ ‪ ,‬هَذَا مِثْ ُل َقوِْلهِ ‪ { :‬وَلَا يُ َ‬ ‫حرِ َي وَالتّ ْ‬‫َعلَى أَنّ التّ ْ‬
‫حرِيَ ِلغَْي ِرهِ ‪. .‬‬ ‫ج َعلُونَ التّ ْ‬‫بَلْ يَ ْ‬
‫وقال ابن تيمية ‪:‬‬
‫سلِ ِميَ ا ْشتَدّ نَكِ ُيهُ ْم َعلَى مَنْ أَكَ َل مِنْ‬ ‫‪ - 12‬مَسْأََل ٌة ‪ :‬سُئِلَ َشيْ ُخ الْإِ ْسلَا ِم عَنْ جَمَا َع ٍة مِنْ الْمُ ْ‬
‫خهِ‬
‫صرَانِ ّي مُ ْطَلقًا ‪ ,‬وَلَا َي ْدرِي مَا حَاُلهُ ْم ‪ ,‬هَ ْل دَخَلُوا فِي دِيِنهِمْ قَبْ َل نَسْ ِ‬ ‫حةِ َيهُودِيّ َأوْ َن ْ‬ ‫ذَبِي َ‬
‫حُتهُمْ‬ ‫حرِي ِفهِ وََقبْ َل مَْب َعثِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأمْ َبعْدَ ذَِلكَ ‪ ,‬بَلْ َيتَنَاكَحُو َن ‪ ,‬وَُت َق ّر مُنَاكَ َ‬ ‫وََت ْ‬
‫ج ْزيَ َة ‪َ ,‬ولَا ُي ْعرَفُ مَ ْن وَلّاهُ ْم مِنْ آبَاِئهِمْ ‪َ ,‬فهَلْ‬ ‫ِعنْدَ جَمِي ِع النّاسِ ‪َ ,‬وهُمْ َأهْ ُل ِذمّةٍ ُي َؤدّونَ الْ ِ‬
‫حهِمْ َكسَاِئرِ ِبلَادِ‬ ‫ي ‪َ ,‬أمْ َلهُمْ الْأَكْ ُل مِ ْن ذَبَاِئ ِ‬ ‫ِللْمُْن ِكرِي َن عََلْيهِ ْم مَْن ُعهُمْ مِنْ الذّبْ ِح لِلْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫حةِ الَْيهُودِ‬ ‫سلِ ِميَ ؟ َأجَابَ ‪ :‬رضي ال عنه ‪ :‬لَْيسَ لِأَحَدٍ أَنْ ُينْ ِك َر عَلَى َأحَدٍ أَكَ َل مِ ْن ذَبِي َ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ي ‪َ ,‬ومَنْ أَنْ َك َر ذَِلكَ َف ُهوَ جَاهِ ٌل مُخْطِئٌ‬ ‫سلِ ِم َ‬ ‫حهُ ْم لِلْمُ ْ‬‫ح ُرمُ ذَبْ ُ‬‫وَالّنصَارَى فِي هَذَا ال ّزمَانِ ‪ ,‬وَلَا َي ْ‬
‫سلِ ِميَ ‪,‬‬ ‫شهُورٌ َبيْ َن عُلَمَاءِ الْمُ ْ‬ ‫ع مَ ْ‬ ‫ي ‪ ,‬فَإِنّ َأصْلَ هَ ِذ ِه الْمَسَْألَةِ فِيهَا ِنزَا ٌ‬ ‫ع الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫مُخَالِفٌ لِإِجْمَا ِ‬
‫ج ّردُ‬ ‫حجّةِ ‪ ,‬لَا الْإِنْكَارُ الْمُ َ‬ ‫ح الْمَ َ‬ ‫سوّغُ فِيهَا اْلإِنْكَارُ إلّا بَِبيَانِ الْحُجّ ِة ‪ ,‬وَإِيضَا ِ‬ ‫َومَسَائِلُ الِاجِْتهَادِ لَا يُ َ‬
‫حرِيِ ذَِلكَ فِي‬ ‫جهْ ِل وَالَْأ ْهوَا ِء ‪َ ,‬كيْفَ وَاْل َقوْلُ بَِت ْ‬ ‫ستَنِ ُد إلَى مَحْضِ الّتقْلِي ِد ‪ .‬فَإِ ّن هَذَا ِفعْلُ َأهْ ِل الْ َ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ضعِيفٌ جِدّا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِ َم مِنْ ُسنّ ِة رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم‬ ‫هَذَا ال ّزمَا ِن وََقبَْلهُ َقوْ ٌل َ‬
‫ج عَ ْن َقوْلَيْنِ‬ ‫خرُ ُ‬ ‫وَلِمَا ُعلِ َم مِنْ حَالِ َأصْحَاِبهِ وَالتّاِب ِعيَ َلهُ ْم بِإِحْسَانٍ ‪َ .‬وذَِلكَ لِأَنّ الْ ُمنْ ِكرَ ِلهَذَا لَا يَ ْ‬
‫ب مُطَْلقًا ‪ ,‬كَمَا َيقُو ُل ذَِلكَ مَنْ َيقُوُل ُه مِنْ الرّاِفضَ ِة ‪,‬‬ ‫ح ّر ُم ذَبَاِئحَ َأهْلِ الْكِتَا ِ‬ ‫‪ :‬إمّا أَنْ يَكُو َن مِمّنْ يُ َ‬
‫سلِ ِميَ‬ ‫حهِ ْم ‪َ ,‬وهَذَا لَْيسَ مِنْ َأ ْقوَالِ أَ َحدٍ مِنْ َأئِمّ ِة الْمُ ْ‬ ‫ح ّرمُونَ نِكَاحَ نِسَاِئهِ ْم وَأَكْ َل ذَبَاِئ ِ‬ ‫َو َهؤُلَاءِ يُ َ‬
‫ب وَالسّنّ ِة وَالْإِ ْجمَاعِ اْلقَدِيِ‬ ‫شهُورِي َن بِاْلفُْتيَا ‪ ,‬وَلَا مِنْ َأ ْقوَالِ َأتْبَا ِعهِ ْم ‪َ ,‬و ُهوَ خَطٌَأ مُخَالِفٌ لِلْ ِكتَا ِ‬ ‫الْمَ ْ‬
‫‪ ,‬فَإِ ّن الّلهَ َتعَالَى قَا َل فِي كِتَاِبهِ ‪ { :‬وَ َطعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ حِلّ لَكُ ْم وَ َطعَامُكُمْ حِلّ َلهُمْ‬

‫‪196‬‬
‫ب مِنْ قَْبلِكُمْ } ‪ .‬فَإِنْ قِي َل ‪ :‬هَ ِذ ِه‬ ‫ت مِنْ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَا َ‬ ‫حصَنَا ُ‬ ‫ت مِنْ الْ ُم ْؤمِنَاتِ وَالْمُ ْ‬ ‫حصَنَا ُ‬ ‫وَالْمُ ْ‬
‫شرِكَاتِ حَتّى ُي ْؤمِ ّن } ‪ .‬وَِب َقوِْلهِ َتعَالَى ‪ { :‬وَلَا تُ ْمسِكُوا‬ ‫الْآيَ ُة ُمعَارَضَ ٌة ِب َقوِْلهِ ‪ { :‬وَلَا َتنْكِحُوا الْ ُم ْ‬
‫شرْ َك الْمُ ْطلَقَ فِي اْل ُقرْآنِ لَا‬ ‫جوَابُ مِنْ َثلَاثَةِ َأوْ ُج ٍه ‪َ .‬أحَ ُدهَا ‪ :‬أَ ّن ال ّ‬ ‫ِبعِصَمِ الْ َكوَاِفرِ } ‪ .‬قِي َل ‪ :‬الْ َ‬
‫شرْ ِك الْ ُمقَيّدِ ‪ ,‬قَا َل الّلهُ َتعَالَى ‪ { :‬لَمْ يَكُ ْن الّذِينَ‬ ‫ب ‪ ,‬وَإِنّمَا يَدْ ُخلُونَ فِي ال ّ‬ ‫يَدْخُ ُل فِيهِ َأهْلُ الْ ِكتَا ِ‬
‫ب ‪َ ,‬وقَالَ َتعَالَى‬ ‫شرِكِيَ ِقسْمًا غَْيرَ َأهْلِ الْكِتَا ِ‬ ‫جعَلَ الْ ُم ْ‬ ‫شرِ ِكيَ } ‪َ .‬ف َ‬ ‫ب وَاْلمُ ْ‬ ‫َك َفرُوا مِنْ َأهْلِ الْكِتَا ِ‬
‫جعََلهُمْ‬ ‫س وَاَلّذِينَ أَ ْشرَكُوا } ‪َ .‬ف َ‬ ‫‪ { :‬إنّ الّذِي َن آمَنُوا وََالّذِي َن هَادُوا وَالصّاِبِئيَ وَالّنصَارَى وَالْمَجُو َ‬
‫قِسْمًا غَْي َرهُمْ ‪ ,‬فََأمّا دُخُوُلهُمْ فِي الْ ُمقَيّدِ ‪َ ,‬ففِي قوله تعال ‪ { :‬اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا‬
‫مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا لَِيعْبُدُوا إَلهًا وَا ِحدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ سُبْحَاَنهُ عَمّا‬
‫ب هَذَا ‪ :‬أَنّ َأصْلَ دِيِنهِمْ الّذِي َأْنزَلَ الّلهُ ِبهِ الْكُُتبَ‬ ‫شرِكُو َن ‪َ .‬وسََب ُ‬ ‫شرِكُونَ } ‪َ .‬ف َوصَ َفهُمْ بَِأّنهُمْ مُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ك مِ ْن رَسُولٍ إلّا نُوحِي‬ ‫وََأرْسَ َل ِبهِ الرّسُلَ َلْيسَ فِيهِ ِشرْ ٌك ‪ ,‬كَمَا قَا َل َتعَالَى ‪َ { :‬ومَا َأرْ َسلْنَا مِ ْن قَبِْل َ‬
‫إلَْيهِ أَّنهُ لَا إَلهَ إلّا َأنَا فَا ْعبُدُونِ } ‪ .‬وَقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَاسْأَ ْل مَنْ َأرْسَ ْلنَا مِنْ قَْبلِك مِ ْن رُ ُسلِنَا َأ َجعَلْنَا‬
‫مِ ْن دُونِ الرّحْ َمنِ آِل َهةً ُيعْبَدُو َن } ‪ .‬وَقَا َل ‪ { :‬وََلقَدْ َبعَْثنَا فِي كُلّ ُأمّةٍ َرسُولًا أَنْ ُا ْعبُدُوا الّلهَ‬
‫شرْ ِك مَا لَمْ ُيَنزّلْ ِبهِ الّلهُ سُلْطَانًا ‪,‬‬ ‫ت } ‪ ,‬وَلَكِّنهُمْ َبدّلُوا َوغَّيرُوا ‪ ,‬فَابْتَ َدعُوا مِ ْن ال ّ‬ ‫وَاجَْتنِبُوا الطّاغُو َ‬
‫َفصَارَ فِيهِمْ ِشرْكٌ بِاعْتِبَا ِر مَا ابْتَ َدعُوا ‪ ,‬لَا بِاعِْتبَارِ َأصْلِ الدّي ِن ‪ .‬وقوله تعال ‪ { :‬وَلَا تُمْسِكُوا ِب ِعصَمِ‬
‫سلِ ِميَ ‪ ,‬وَأُولَِئكَ كُنّ‬ ‫الْ َكوَاِفرِ } ُهوَ َت ْعرِيفٌ لِلْ َكوَاِفرِ الْ َم ْعرُوفَاتِ اللّاتِي كُ ّن فِي ِعصَمِ الْمُ ْ‬
‫شرِكَاتِ‬ ‫ح ِوهَا ‪ .‬اْلوَ ْجهُ الثّانِي ‪ :‬إذَا قُ ّدرَ أَنّ َلفْظَ الْمُ ْ‬ ‫شرِكَاتٍ لَا ِكتَاِبيّاتٍ مِنْ َأهْ ِل مَكّةَ َونَ ْ‬ ‫مُ ْ‬
‫ت ‪ ,‬فَآَيةُ الْمَائِ َدةِ خَاصّ ٌة ‪َ ,‬وهِ َي مُتَأَ ّخ َرةٌ َنزََلتْ َبعْدَ سُو َرةِ الَْب َق َرةِ وَالْمُ ْمتَحَِنةِ‬ ‫وَالْ َكوَاِفرِ َيعُمّ الْ ِكتَاِبيّا ِ‬
‫ق اْلعُلَمَا ِء ‪ ,‬كَمَا فِي الْحَدِيثِ { الْمَائِ َدةُ مِنْ آ ِخرِ اْلقُرْآنِ ُنزُولًا فََأحِلّوا حَلَاَلهَا َو َح ّرمُوا‬ ‫بِاّتفَا ِ‬
‫ي ‪ ,‬لَ ِكنّ اْلجُ ْمهُورَ‬ ‫سلِ ِم َ‬‫ق ُعلَمَاءِ الْمُ ْ‬ ‫ص الْمُتََأ ّخرُ َيقْضِي عَلَى اْلعَامّ اْلمَُتقَ ّدمِ بِاّتفَا ِ‬ ‫َحرَا َمهَا } وَالْخَا ّ‬
‫خصِيصِ َلمْ َت ِردْ بِالّلفْظِ اْلعَا ّم ‪ ,‬وَطَاِئفَةٌ َيقُولُونَ إ ّن ذَِلكَ‬ ‫سرٌ َلهُ ‪َ ,‬فتَبَيّنَ أَنّ صُو َرةَ التّ ْ‬ ‫َيقُولُونَ إّنهُ ُمفَ ّ‬
‫حهُمْ‬ ‫نُسِ َخ َبعْدَ أَ ْن ُشرِعَ ‪ .‬اْلوَ ْجهُ الثّاِلثُ ‪ :‬إذَا َفرَضْنَا الّنصّيْنِ خَاصّيْنِ ‪ ,‬فََأحَدُ الّنصّيْنِ َح ّر َم ذَبَاِئ َ‬
‫جبُ َتقْ ِد ُيهُ ِل َو ْجهَيْ ِن ‪ :‬أَحَ ُدهُمَا ‪ :‬أَنّ‬ ‫حلّلُ َلهُمَا هُنَا يَ ِ‬ ‫ص الْمُ َ‬ ‫وَِنكَا َحهُ ْم ‪ ,‬وَالْآ َخرُ َأحَّلهُمَا ‪ ,‬فَالنّ ّ‬
‫سُورَةَ الْمَائِ َد ِة هِ َي الْمُتََأ ّخ َرةُ بِاّتفَاقِ اْلعُلَمَا ِء ‪َ ,‬فتَكُونُ نَاسِخَ ًة لِلنّصّ الْمَُتقَ ّدمِ ‪ ,‬وَلَا ُيقَالُ إنّ هَذَا‬
‫حرِيِ لَ ْم يَكُنْ ِبخِطَابٍ َش ْرعِيّ حَلّلَ ذَِلكَ ‪ ,‬بَلْ كَانَ‬ ‫نَسْخٌ ِللْحُكْ ِم َمرَّتيْنِ ; لِأَ ّن ِفعْلَ ذَِلكَ َقبْلَ التّ ْ‬
‫حرِيُ الْمُْبتَدَأُ لَا يَكُونُ‬ ‫ك ‪ .‬وَالتّ ْ‬ ‫ح ِو ذَِل َ‬‫حرِ ِي ‪ ,‬بِمَْنزَِلةِ ُش ْربِ الْخَ ْم ِر ‪ ,‬وَأَكْلِ اْلخِْنزِي ِر وَنَ ْ‬ ‫ِلعَ َدمِ التّ ْ‬
‫حرِيُ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم لِكُ ّل ذِي نَابٍ‬ ‫نَسْخًا لِاسِْتصْحَابِ ُحكْمِ اْل ِفعْ ِل ‪ ,‬وَِلهَذَا لَمْ يَ ُكنْ تَ ْ‬
‫خَلبٍ مِ ْن الطّْيرِ نَاسِخًا لِمَا دَ ّل عَلَْيهِ َقوُْلهُ َتعَالَى ‪ { :‬قُلْ لَا أَ ِجدُ فِي مَا‬ ‫ع ‪ ,‬وَكُ ّل ذِي مِ ْ‬ ‫مِنْ السّبَا ِ‬
‫ح ّرمْ َقبْلَ ُنزُولِ الْآَيةِ إلّا‬ ‫ح ّرمًا َعلَى طَاعِمٍ َي ْطعَمُهُ } الْآَيةَ ; مِنْ أَنّ الّل َه َعزّ وَ َجلّ لَمْ يُ َ‬ ‫أُو ِحيَ إلَ ّي مُ َ‬
‫حرِ َي مَا ِسوَى الثّلَاثَة إلَى ِحيِ ُنزُو ِل هَ ِذهِ الْآَي ِة ‪ ,‬وَلَمْ‬ ‫هَ ِذهِ الَْأصْنَافَ الثّلَاثَةَ ‪ ,‬فَإِ ّن هَ ِذ ِه الْآَيةَ َن َفتْ تَ ْ‬

‫‪197‬‬
‫حرِيَ ‪َ ,‬ك ِفعْلِ‬ ‫ك َع ْفوًا لَا َتحْلِيلَ فِي ِه وَلَا َت ْ‬ ‫ك ‪ ,‬بَلْ كَا َن مَا ِسوَى ذَِل َ‬ ‫يَثُْبتْ َتحْلِي ُل مَا ِسوَى ذَِل َ‬
‫حرَا ُم مَا‬ ‫الصّبِ ّي وَالْمَجْنُو ِن ‪ ,‬وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الْ َم ْعرُوفِ ‪ { :‬الْحَلَا ُل مَا حَلَّلهُ الّلهُ فِي كِتَاِبهِ وَالْ َ‬
‫ظ ‪ ,‬عَ ْن سَلْمَا َن اْلفَارِسِيّ‬ ‫حفُو ٌ‬ ‫ت عَْنهُ َف ُه َو مِمّا َعفَا َعْنهُ } ‪َ .‬وهَذَا مَ ْ‬ ‫َحرّ َمهُ الّلهُ فِي كِتَاِبهِ َومَا سَ َك َ‬
‫َموْقُوفًا َعلَْي ِه ‪َ ,‬أ ْو َمرْفُوعًا إلَى النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ‪َ .‬ويَدُ ّل عَلَى ذَِلكَ أَّنهُ قَالَ فِي سُو َرةِ‬
‫الْمَائِ َدةِ { اْلَي ْومَ ُأحِلّ لَكُ ْم الطّيّبَاتُ } ‪ ,‬فَأَ ْخَبرَ َأّنهُ َأحَّلهَا ذَِلكَ اْلَي ْومَ ‪ ,‬وَسُو َرةُ الْمَائِ َدةِ مَ َدنِيّةٌ‬
‫حلِي َل الطّيّبَاتِ كَانَ بِالْمَدِينَ ِة لَا بِمَكّ َة ‪,‬‬ ‫ع ‪َ ,‬فعُلِمَ أَنّ تَ ْ‬ ‫ع ‪ ,‬وَسُو َرةُ الْأَْنعَامِ مَكّيّةٌ بِالْإِجْمَا ِ‬ ‫بِالِْإجْمَا ِ‬
‫وقوله تعال ‪ { :‬يَسْأَلُونَك مَاذَا أُ ِحلّ َلهُمْ قُلْ ُأحِلّ لَكُ ْم الطّيّبَاتُ } إلَى َقوِْلهِ ‪ { :‬وَ َطعَامُ الّذِينَ‬
‫ت ‪َ ,‬وقَبْ َل ذَِلكَ‬ ‫أُوتُوا الْكِتَابَ حِ ّل لَكُ ْم وَ َطعَامُكُمْ حِلّ َلهُ ْم } ‪ ,‬إلَى آ ِخ ِرهَا ‪َ .‬فثََبتَ نِكَاحُ الْكِتَابِيّا ِ‬
‫خهَا شَ ْيءٌ‬ ‫ح ّرمًا ثُمّ ُنسِ َخ ‪ ,‬يَدُ ّل عََلْيهِ أَنّ آَيةَ الْمَائِ َدةِ لَمْ َينْسَ ْ‬ ‫كَانَ إمّا َع ْفوًا عَلَى الصّحِي ِح ‪ ,‬وَِإمّا مُ َ‬
‫‪ .‬اْل َو ْجهُ الثّانِي ‪َ :‬أّنهُ قَدْ َثَبتَ حِلّ َطعَامِ َأهْ ِل الْكِتَابِ بِالْ ِكتَابِ وَالسّنّ ِة وَالْإِجْمَاعِ ‪ ,‬وَالْكَلَامُ فِي‬
‫حهِ ْم ‪ ,‬فَِإذَا َثَبتَ حِلّ أَحَ ِدهِمَا ‪َ ,‬ثَبتَ حِلّ الْآ َخ ِر ‪ ,‬وَحِلّ أَ ْطعِ َمِتهِمْ لَْيسَ‬ ‫نِسَاِئهِمْ كَالْ َكلَامِ فِي ذَبَائِ ِ‬
‫َل ُه ُمعَا ِرضٌ َأصْلًا ‪ .‬وَيَدُ ّل َعلَى ذَِلكَ أَ ّن حُذَْيفَ َة بْنَ الْيَمَا ِن َت َزوّجَ َيهُودِيّ ًة ‪َ ,‬ولَمْ يُْن ِكرْ َعلَْيهِ أَحَ ٌد مِنْ‬
‫ك ‪ .‬فَإِنْ قِي َل ‪ :‬قوله تعال ‪ { :‬وَ َطعَامُ‬ ‫الصّحَاَب ِة ‪ ,‬فَدَ ّل عَلَى َأّنهُمْ كَانُوا مُجْتَ ِم ِعيَ َعلَى َجوَا ِز ذَِل َ‬
‫حبُوبِ ‪ .‬قِي َل ‪ :‬هَذَا خَطَأٌ ِلوُجُو ٍه ‪:‬‬ ‫الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلّ لَكُ ْم } ‪ ,‬مَحْمُو ٌل عَلَى اْل َفوَا ِك ِه وَالْ ُ‬
‫صهَا بَِأهْلِ‬ ‫خصِي ِ‬ ‫شرِ ِكيَ وَالْمَجُوس ‪ ,‬فَلَْيسَ فِي تَ ْ‬ ‫ب وَالْ ُم ْ‬ ‫َأحَ ُدهَا ‪ :‬أَ ّن هَ ِذ ِه مُبَا َح ٌة مِنْ َأهْلِ اْلكِتَا ِ‬
‫الْ ِكتَابِ فَائِ َدةٌ ‪ .‬الثّانِي ‪ :‬أَ ّن إضَاَفةَ ال ّطعَامِ إَلْيهِمْ َيقَْتضِي أَّن ُه صَارَ َطعَامًا ِب ِفعِْلهِ ْم ‪َ ,‬وهَذَا إنّمَا‬
‫صرْ‬ ‫يُسَْتحَقّ فِي الذّبَائِ ِح الّتِي صَارَتْ لَحْمًا بِذَكَاِتهِمْ ‪ ,‬فََأمّا اْل َفوَا ِكهُ فَإِنّ الّلهَ َخَل َقهَا مَ ْطعُومَةً لَمْ َت ِ‬
‫حلّ النّسَا ِء ‪ ,‬وَأَبَاحَ َطعَامَنَا َلهُ ْم ‪َ ,‬كمَا أَبَاحَ‬ ‫َطعَامًا ِب ِفعْ ِل آ َدمِ ّي ‪ .‬الثّاِلثُ ‪ :‬أَّنهُ َقرَنَ حِ ّل ال ّطعَامِ بِ ِ‬
‫ي ‪ ,‬كَمَا أَبَاحَ َطعَا َمهُمْ‬ ‫شرِ ِك َ‬‫ب دُونَ الْمُ ْ‬ ‫ص بَِأهْلِ اْلكِتَا ِ‬ ‫َطعَا َمهُمْ لَنَا ‪َ ,‬ومَعْلُومٌ أَنّ حُكْ َم النّسَا ِء مُخْتَ ّ‬
‫شرِ ِكيَ ‪ ,‬وَكَذَِلكَ حُكْ ُم ال ّطعَامِ‬ ‫ختَصّ بَِأهْ ِل الْ ِكتَابِ دُونَ الْمُ ْ‬ ‫َلنَا ‪َ ,‬و َمعْلُومٌ أَنّ حُكْ َم النّسَاءِ مُ ْ‬
‫حبّ لَا يَخَْتصّ بَِأهْ ِل الْكِتَابِ ‪ .‬الرّابِ ُع ‪ :‬أَنّ َلفْظَ ال ّطعَامِ عَا ّم ‪َ ,‬وتَنَاوََلهُ اللّحْمَ‬ ‫وَاْلفَا ِكهَ ِة ‪ ,‬وَالْ َ‬
‫جبُ إ ْقرَارُ الّل ْفظِ َعلَى عُمُومِ ِه ‪ ,‬لَا سِيّمَا َوقَدْ َقرَنَ ِبهِ قوله‬ ‫ح َوهُ َأ ْقوَى مِنْ َتنَاوُِلهِ لِ ْلفَا ِكهَةِ ‪َ ,‬فيَ ِ‬
‫وََن ْ‬
‫تعال ‪ { :‬وَ َطعَامُكُمْ حِ ّل َلهُمْ } ‪ ,‬وََنحْنُ يَجُوزُ َلنَا أَنْ نُ ْطعِ َمهُمْ كُلّ َأْنوَاعِ َطعَامِنَا ‪ ,‬فَكَذَِلكَ َيحِلّ‬
‫سَتفِيضِ أَنّ‬ ‫ح ‪ ,‬بَلْ بِالّنقْلِ الْمُ ْ‬ ‫َلنَا أَنْ نَأْ ُكلَ جَمِيعَ َأْنوَاعِ َطعَا ِمهِ ْم ‪ .‬وَأَْيضًا َفقَ ْد ثََبتَ فِي الصّحَا ِ‬
‫شوِيّ ًة ‪ ,‬فَأَكَ َل مِْنهَا ُلقْمَةً ‪ ,‬ثُ ّم قَالَ‬ ‫النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأهْ َدتْ َلهُ الَْيهُودِيّ ُة عَامَ خَيَْبرَ شَاةً مَ ْ‬
‫حهُمْ َحلَالٌ لَمَا تَنَاوَلَ مِ ْن تِ ْلكَ الشّا ِة ‪ .‬وََثَبتَ‬ ‫خِبرُنِي أَنّ فِيهَا سُمّا } ‪ ,‬وََلوْلَا أَ ّن ذَبَائِ َ‬ ‫‪ { :‬إ ّن هَ ِذهِ تُ ْ‬
‫فِي الصّحِيحِ أَّنهُ ْم لَمّا َغ َزوْا خَْيَبرَ ‪ ,‬أَخَ َذ َبعْضُ الصّحَابَ ِة ِجرَابًا فِيهِ شَحْمٌ ‪ ,‬قَا َل ‪ُ :‬قلْت لَا أُ ْطعِمُ‬
‫حكُ وَلَ ْم يُنْ ِك ْر عََلْيهِ ‪َ ,‬وهَذَا‬ ‫الَْي ْو َم مِ ْن هَذَا أَحَدًا ‪ ,‬فَاْلَتفَتَ فَِإذَا رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َيضْ َ‬
‫ح ْربِ قَبْ َل اْلقِسْمَ ِة ‪.‬‬ ‫ي مِنْ َطعَامِ َأهْلِ الْ َ‬ ‫مِمّا اسْتَ َدلّ ِبهِ اْلعُلَمَاءُ عَلَى َجوَازِ أَكْ ِل جَْيشِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬

‫‪198‬‬
‫ب َد ْع َوةَ َيهُو ِديّ إلَى خُْبزِ َشعِ ٍي وَِإهَاَل ٍة‬ ‫وََأْيضًا { فَإِ ّن رَسُو َل الّلهِ صلى ال عليه وسلم أَجَا َ‬
‫ح ِو ِه ‪,‬‬ ‫ح ِة َومِنْ السّمْ ِن وَنَ ْ‬ ‫خةٍ } ‪َ ,‬روَاهُ الِْإمَامُ أَحْمَ ُد ‪ ,‬وَالِْإهَالَ ُة مِنْ اْل َودَكِ الّذِي يَكُو ُن مِنْ الذّبِي َ‬ ‫سَنِ َ‬
‫ح ّرمَةً لَكَاَنتْ‬ ‫حهُ ْم مُ َ‬‫ت ذَبَائِ ُ‬
‫الّذِي يَكُونُ فِي َأ ْو ِعيَِتهِمْ الّتِي َيطْبُخُونَ فِيهَا فِي اْلعَا َدةِ ‪ ,‬وََلوْ كَاَن ْ‬
‫ح ِوهِ ْم ‪ ,‬وَقَدْ َثَبتَ عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ َنهَى عَ ْن الْأَكْلِ‬ ‫س وَنَ ْ‬ ‫َأوَانِيهِمْ كََأوَانِي الْمَجُو ِ‬
‫فِي َأ ْوعِيَِتهِ ْم حَتّى رَخّصَ أَنْ ُيغْسَ َل ‪ .‬وَأَْيضًا َفقَدْ ا ْسَتفَاضَ أَنّ َأصْحَابَ رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه‬
‫ق َو ِمصْرَ كَانُوا يَأْ ُكلُونَ مِ ْن ذَبَائِحِ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ ‪ :‬الَْيهُودِ وَالّنصَارَى‬ ‫وسلم لَمّا فَتَحُوا الشّامَ وَاْل ِعرَا َ‬
‫ع مَا ُه َو َمعْرُوفٌ بَيْنَ‬ ‫س ‪َ ,‬ووَقَ َع فِي جُْبنِ الْ َمجُوسِ مِنْ الّنزَا ِ‬ ‫‪ ,‬وَإِنّمَا ا ْمتََنعُوا مِ ْن ذَبَائِحِ الْمَجُو ِ‬
‫ع َم ْعرُوفٌ بَيْ َن اْلعُلَمَا ِء ‪ ,‬فَأَبُو‬ ‫حةِ الْ َميَْتةِ ِنزَا ٌ‬
‫حتَاجُ إلَى الِْإْنفَحَ ِة ‪َ ,‬وفِي إِْنفَ َ‬ ‫سلِ ِميَ ; لِأَنّ الْجُْبنَ يَ ْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫حَنِي َفةَ َيقُولُ بِ َطهَارَِتهَا ‪َ ,‬ومَاِلكٌ وَالشّاِفعِيّ َيقُولَانِ ِبنَجَا َسِتهَا ‪َ ,‬وعَنْ أَحْ َمدَ ِروَايَتَا ِن ‪َ .‬فصْ ٌل ‪:‬‬
‫الْمَأْخَ ُذ الثّانِي ‪ :‬اْلإِنْكَا ُر َعلَى مَنْ يَأْكُ ُل ذَبَائِحَ َأهْ ِل الْكِتَابِ ُهوَ َكوْ ُن َهؤُلَاءِ الْ َموْجُودِي َن لَا ُيعْلَمُ‬
‫َأّنهُ ْم مِنْ ُذرّيّ ِة مَنْ َدخَلَ فِي دِيِنهِمْ قَْبلَ النّسْ ِخ وَالتّبْدِي ِل ‪َ ,‬و ُهوَ الْمَأْخَ ُذ الّذِي دَلّ َعلَْيهِ كَلَامُ السّائِلِ‬
‫سلِ ِميَ َأهْ ُل السّنّ ِة وَالْجَمَا َع ِة ‪َ .‬وهَذَا مَْبنِ ّي عَلَى َأصْلٍ ‪,‬‬ ‫‪َ ,‬و ُهوَ الْمَأْخَ ُذ الّذِي تَنَازَعَ فِي ِه عُلَمَاءُ الْمُ ْ‬
‫ت مِنْ‬ ‫حصَنَا ُ‬ ‫َو ُهوَ أَنّ قوله تعال ‪ { :‬وَ َطعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ِحلّ لَكُ ْم وَ َطعَامُكُمْ حِلّ َلهُ ْم وَالْمُ ْ‬
‫حصَنَاتُ مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ َقبْلِكُ ْم } ‪ .‬هَ ْل الْ ُمرَادُ ِب ِه مَ ْن ُهوَ َبعْدَ ُنزُولِ‬ ‫ت وَالْ ُم ْ‬ ‫الْ ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫ب ؟ َأ ْو الْ ُمرَادُ ِب ِه مَنْ كَانَ آبَا ُؤهُ قَ ْد دَخَلُوا فِي دِينِ َأهْلِ الْ ِكتَابِ قَْبلَ‬ ‫اْل ُقرْآ ِن مُتَدَيّنٌ بِدِينِ َأهْلِ اْلكِتَا ِ‬
‫ي مِنْ السّلَفِ‬ ‫النّسْ ِخ وَالتّبْدِي ِل ؟ عَلَى َقوْلَيْنِ ِل ْلعُلَمَا ِء ‪ :‬فَاْل َقوْلُ الَْأوّ ُل ‪ُ :‬هوَ َقوْلُ جُ ْمهُورِ اْلمُسْلِ ِم َ‬
‫ك ‪ ,‬وََأحَدُ اْل َقوَْليْنِ فِي مَ ْذ َهبِ أَحْمَ َد ‪ ,‬بَ ْل ُهوَ الْ َمْنصُوصُ‬ ‫خلَفِ ‪َ ,‬و ُهوَ مَ ْذ َهبُ أَبِي حَنِي َفةَ َومَاِل ٍ‬ ‫وَالْ َ‬
‫صرِيًا ‪ .‬وَالثّانِي ‪َ :‬قوْلُ الشّاِفعِ ّي ‪ ,‬وَطَاِئفَ ٍة مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد ‪ .‬وََأصْلُ هَذَا اْل َقوْ ِل ‪ :‬أَنّ َعلِيّا‬ ‫َعْنهُ َ‬
‫حهُمْ وَلَا نِسَا ُؤهُمْ ‪ ,‬فَِإّنهُمْ لَمْ‬ ‫ح ذَبَاِئ ُ‬
‫‪ ,‬وَاْب َن عَبّاسٍ َتنَا َزعَا فِي ذَبَائِ ِح بَنِي َت ْغِلبَ ‪َ ,‬فقَا َل عَِل ّي ‪ :‬لَا تُبَا ُ‬
‫شرُوطِ الّتِي‬ ‫ي عَْنهُ ‪َ .‬ت ُغرّوهُمْ ; لِأَّنهُ ْم لَمْ َيقُومُوا بِال ّ‬ ‫ش ْربِ الْخَ ْم ِر ‪َ ,‬و ُروِ َ‬ ‫صرَانِيّةِ إلّا بِ ُ‬
‫يَتَمَسّكُوا مِنْ الّن ْ‬
‫ط ‪َ ,‬وقَالَ ابْ ُن عَبّاسٍ ‪ :‬بَلْ‬ ‫شرُو ِ‬ ‫ط عََلْيهِمْ أَ ْن لَا َوغَْي ُر ذَِلكَ مِنْ ال ّ‬ ‫َشرَ َطهَا َعلَْيهِ ْم عُثْمَانُ ‪ ,‬فَِإّنهُ َشرَ َ‬
‫تُبَاحُ لقوله تعال ‪َ { :‬ومَنْ يََت َوّلهُمْ مِْنكُمْ فَِإّنهُ مِْنهُ ْم } ‪َ .‬وعَامّةُ الْمُسِْل ِميَ مِنْ الصّحَابَ ِة َو َغْي ِرهِمْ َلمْ‬
‫ف ذَِلكَ إلّا عَ ْن عَلِ ّي وَحْ َد ُه ‪ ,‬وَقَ ْد ُر ِويَ َمعْنَى َقوْ ِل ابْ ِن عَبّاسٍ عَ ْن عُ َمرَ‬ ‫حهُمْ ‪ ,‬وَلَا ُي ْعرَ ُ‬ ‫ح ّرمُوا ذَبَاِئ َ‬‫يُ َ‬
‫س ‪َ ,‬و ُهوَ َقوْلُ الْجُ ْمهُورِ كَأَبِي َحنِيفَ َة ‪,‬‬ ‫ب ‪ .‬فَمِنْ اْل ُعلَمَاءِ مَ ْن رَجّحَ َقوْ َل عُ َم َر وَابْ ِن َعبّا ٍ‬ ‫بْنِ اْلخَطّا ِ‬
‫حهَا طَاِئفَ ٌة مِنْ َأصْحَاِب ِه ‪ ,‬بَ ْل هِيَ آ ِخرُ َقوْلَْي ِه ‪,‬‬ ‫ك ‪ ,‬وَأَ ْحمَدَ فِي إ ْحدَى ال ّروَاَيتَيْ ِن عَْن ُه ‪َ ,‬وصَحّ َ‬ ‫َومَاِل ٍ‬
‫سلِ ِميَ مِنْ الصّحَاَبةِ وَالتّاِب ِعيَ وَتَاِبعِيهِ ْم عَلَى هَذَا اْل َقوْلِ ‪ .‬وَقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ الَْأْث َرمُ ‪ :‬مَا‬ ‫بَ ْل عَامّةُ الْمُ ْ‬
‫َعلِمْت َأحَدًا مِنْ َأصْحَابِ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َك ِر َههُ إلّا عَِليّا ‪َ ,‬وهَذَا َقوْلُ جَمَاهِيِ ُف َقهَاءِ‬
‫ي َوغَْي ِرهِ ْم ‪,‬‬ ‫خعِ ّي ‪ ,‬وَال ّز ْهرِ ّ‬‫ي ‪ ,‬كَالْحَسَ ِن ‪ ,‬وَإِْبرَاهِيمَ النّ َ‬ ‫ث وَالرّْأ ِ‬‫ق ‪َ ,‬وُف َقهَاءِ الْحَدِي ِ‬ ‫الْحِجَازِ وَاْل ِعرَا ِ‬
‫َو ُهوَ الّذِي َن َقَلهُ عَنْ أَ ْحمَدَ أَكَْثرُ َأصْحَاِب ِه ‪َ ,‬وقَالَ إْبرَاهِيمُ ْبنُ الْحَا ِرثِ ‪ :‬كَانَ آ ِخرُ َقوْلِ أَحْمَ َد َعلَى‬

‫‪199‬‬
‫حهِمْ بَأْسًا ‪َ .‬ومِنْ اْل ُعلَمَاءِ مَ ْن رَجّحَ َقوْ َل عَلِ ّي ‪َ ,‬و ُهوَ َقوْلُ الشّاِفعِ ّي ‪ ,‬وَأَحْمَدَ فِي‬ ‫َأّنهُ لَا َيرَى بِذَبَائِ ِ‬
‫ف اجِْتهَا ُدهُ فِي بَنِي َتغِْلبَ ‪َ ,‬وهُمْ الّذِينَ َتنَازَعَ فِيهِمْ‬ ‫إحْدَى ال ّروَاَيتَيْ ِن َعْنهُ ‪ ,‬وَأَحْمَدُ إنّمَا ا ْختَلَ َ‬
‫خ وََب ْهرَاءَ ‪َ ,‬وغَْي ِرهِمَا مِنْ اْلَيهُودِ فَلَا‬ ‫الصّحَاَب ُة ‪ ,‬فََأمّا سَاِئ ُر الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى مِنْ اْل َع َربِ ‪ ,‬مِثْلُ َتنُو َ‬
‫ي َوغَْي ِرهِمْ مِنْ‬‫حهِمْ ِنزَاعًا ‪ ,‬وَلَا عَ ْن الصّحَابَ ِة ‪َ ,‬ولَا عَنْ التّاِب ِع َ‬ ‫ف عَنْ أَحْمَ َد فِي حِ ّل ذَبَائِ ِ‬ ‫َأ ْعرِ ُ‬
‫ع بَيَْنهُ ْم فِي َبنِي َتغِْلبَ خَاصّةً ‪ ,‬وَلَكِ ْن مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد مَنْ َجعَلَ‬ ‫ف ‪ ,‬وَإِنّمَا كَانَ الّنزَا ُ‬ ‫السّلَ ِ‬
‫ب ‪ ,‬وَالْحِ ّل مَ ْذ َهبُ الْجُ ْمهُورِ كَأَبِي حَنِي َف َة َومَاِلكٍ ‪َ ,‬ومَا َأ ْعلَمُ ِل َقوْلِ الْآ َخرِ‬ ‫فِيهِ ْم ِروَاَيتَيْنِ َكبَنِي َتغِْل َ‬
‫قُ ْد َوةً مِنْ السّلَفِ ‪ .‬ثُ ّم َهؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَدَ [ قَالُوا ] بَِأّنهُ ‪ :‬مَنْ كَانَ أَحَدُ أََب َوْيهِ‬
‫حةُ نِسَاِئهِ ‪َ ,‬وهَذَا مَ ْذ َهبُ الشّاِفعِيّ فِيمَا إذَا كَانَ‬ ‫َغْيرَ ِكتَابِيّ ‪ ,‬بَ ْل مَجُو ِسيّا لَ ْم تَحِ ّل ذَبِيحَُت ُه َومُنَاكَ َ‬
‫حُتهُ عِنْدَ‬
‫ب مَجُوسِيّا ‪ ,‬وََأمّا الُْأمّ َفَلهُ فِيهَا َقوْلَانِ ‪ ,‬فَإِنْ كَانَ الَْأَبوَا ِن مَجُوسِيّيْنِ َح ُر َمتْ ذَبِي َ‬ ‫الَْأ ُ‬
‫ك عَ ْن مَاِلكٍ ‪َ ,‬وغَاِلبُ ظَنّي أَ ّن هَذَا َغَلطٌ‬ ‫الشّاِفعِ ّي َومَنْ وَاَف َقهُ مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد ‪ ,‬وَحُكِ َي ذَِل َ‬
‫خرّجَ ِة عَنْ َأحْمَدَ فِي‬ ‫َعلَى مَاِلكٍ فَإِنّي لَمْ أَجِ ْدهُ فِي ُكُتبِ َأصْحَاِب ِه ‪َ .‬وهَذَا َت ْفرِي ٌع عَلَى ال ّروَاَيةِ اْلمُ َ‬
‫ب ‪َ .‬وهَذَا مَبْنِ ّي َعلَى إحْدَى ال ّروَايََتيْ ِن عَْنهُ فِي َنصَارَى بَنِي َتغِْلبَ‬ ‫سَاِئرِ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى مِ ْن اْل َعرَ ِ‬
‫ب دُونَ َغْي ِرهِمْ مِ ْن اْل َعرَبِ‬ ‫‪َ ,‬و ُهوَ ال ّروَاَيةُ الّتِي اخْتَا َرهَا َهؤُلَاءِ ‪ ,‬فََأمّا إذَا َجعَ َل ال ّروَاَيتَيْ ِن فِي َبنِي َتغِْل َ‬
‫ع عَا ّم ‪ ,‬وََف ّرعْنَا َعلَى اْل َقوْلِ بِحِ ّل ذَبَائِحِ َبنِي َت ْغِلبَ وَِنسَاِئهِ ْم ‪ ,‬كَمَا ُهوَ َقوْلُ‬ ‫‪َ ,‬أوْ قِيلَ إنّ الّنزَا َ‬
‫ب ‪ ,‬بَلْ َلوْ كَانَ الْأََبوَا ِن جَمِيعًا مَجُوسِيّيْنِ َأ ْو وَثَِنيّيْنِ‬ ‫س ِ‬ ‫الْأَكَْثرِي َن ‪ ,‬فَإِّن ُه عَلَى هَ ِذهِ ال ّروَاَيةِ لَا عِْب َرةَ بِالنّ َ‬
‫صرّحَ‬‫ب ‪ ,‬فَحُكْ ُمهُ حُكْمُ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ َعلَى هَذَا اْل َقوْلِ ِبلَا رَْيبٍ ‪ ,‬كَمَا َ‬ ‫وَاْلوَلَ ُد مِنْ َأهْلِ اْلكِتَا ِ‬
‫بِذَِلكَ اْل ُف َقهَاءُ مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَ َد وَأَبِي حَنِيفَ َة َوغَْي ِرهِ ْم ‪.‬‬
‫ض اْلعُلَمَا ِء وَاْلفُ َقرَاءِ إنّ ال ّدعَاءَ مُسَْتجَابٌ ِعنْدَ ُقبُورِ‬ ‫‪ - 18 - 330‬مَسْأََل ٌة ‪ :‬مَا ُحكْمُ َقوْلِ َبعْ ِ‬
‫ك ‪ ,‬وََقْبرِ اْلُب ْرهَانِ اْلبَلْخِ ّي مِنْ‬ ‫ب مَاِل ٍ‬ ‫َأ ْرَبعَ ٍة مِنْ َأصْحَابِ الْأَئِمّةِ الَْأرَْبعَ ِة ‪ ,‬قَْبرِ اْلفَنْدَلَا ِويّ مِنْ َأصْحَا ِ‬
‫صرٍ الْ َمقْدِسِ ّي مِنْ َأصْحَابِ الشّاِفعِ ّي ‪َ ,‬وقَْبرِ الشّْيخِ أَبِي اْل َفرَجِ‬ ‫َأصْحَابِ أَبِي حَنِيفَ َة ‪َ ,‬وقَْبرِ الشّيْ ِخ َن ْ‬
‫مِنْ َأصْحَابِ أَحْمَدَ رضي ال عنهم ‪َ ,‬ومَنْ اسَْتقْبَ َل اْلقِبَْل َة عِنْ َد قُبُو ِرهِ ْم َو َدعَا اُسُْتجِيبَ َلهُ ‪ .‬وََقوْلِ‬
‫َبعْضِ اْل ُعلَمَاءِ عَ ْن َبعْضِ اْلمَشَاِيخِ يُوصِيهِ إذَا َنزَلَ ِبكَ حَادِثٌ َأوْ َأ ْمرٌ تَخَاُفهُ اسَْتوْ ِحنِي َينْكَشِفْ‬
‫َعْنكَ مَا َتجِ ُدهُ مِ ْن الشّ ّدةِ َحيّا كُْنتَ َأ ْو مَيّتًا ‪َ ,‬ومَنْ َقرَأَ آَيةَ الْ ُكرْسِ ّي وَاسَْتقْبَ َل ِجهَةَ الشّْي ِخ عَبْدِ‬
‫سلِي َمةٍ خُ ْط َوةً إلَى قَْب ِرهِ ُقضَِيتْ حَا َجُتهُ ‪َ ,‬أوْ‬ ‫اْلقَا ِدرِ الْجِيلَانِ ّي وَ َسلّ َم عَلَْيهِ َسبْ َع َمرّاتٍ يَخْطُو مَعَ ُكلّ تَ ْ‬
‫جلّيهِ‬ ‫ب وَيُكِْث ُر الّتوَاجُ َد ‪َ .‬وَقوْلِ اْل ُف َقرَاءِ ‪ :‬إنّ الّلهَ َتعَالَى يَنْ ُظرُ إلَى اْل ُف َقرَاءِ بِتَ َ‬ ‫كَا َن فِي سَمَاعٍ فَإِّنهُ ُيطَّي ُ‬
‫ط عِنْ َد قِيَا ِمهِمْ فِي الِاسِْت ْغفَارِ َأ ْو الْمَجَازَاتِ الّتِي بَْيَنهُ ْم ‪,‬‬ ‫َعلَْيهِمْ فِي ثَلَاثَ ِة َموَاطِ َن ِعنْ َد مَدّ السّمَا ِ‬
‫ع َومَا َي ْفعَُلهُ َب ْعضُ الْ ُمَتعَبّدِي َن مِ ْن ال ّدعَا ِء عِنْدَ َقْبرِ زَ َكرِيّا وَقَْب ِر هُودٍ وَالصّلَا ِة عِنْ َدهُمَا ‪,‬‬ ‫َوعِنْ َد السّمَا ِ‬
‫ق الْجَامِ ِع بِبَابِ ال ّطهَا َرةِ بِ ِدمَشْ َق وَال ّدعَا ِء عِنْ َد الْ ُمصْحَفِ اْلعُثْمَانِ ّي ‪.‬‬ ‫شرِقَ ْي ِروَا ِ‬‫وَالْ َموْقِفِ َبيْ َن مَ ْ‬
‫صغِ ِي ‪,‬‬ ‫شهَدَاءِ بِبَابِ ال ّ‬ ‫َومِنْ إْلصَاقِ َظ ْه ِرهِ الْ َموْجُوعِ بِاْلعَمُودِ الّذِي ِعنْ َد رَْأسِ قَْب ِر ُمعَاوِيَ َة عِنْ َد ال ّ‬

‫‪200‬‬
‫خصُوصٍ َأوْ مَكَان ُمعَيّ ٍن ِعنْدَ قَْبرِ َنبِيّ َأ ْو وَلِيّ‬ ‫ت مَ ْ‬ ‫َفهَلْ لِل ّدعَاءِ ُخصُوصِيّ ُة قَبُولٍ َأوْ ُس ْرعَ ُة إجَاَبةٍ ِبوَ ْق ٍ‬
‫ك ُم َقرّبٍ َأوْ بِ َكلَا ِمهِ َتعَالَى ‪,‬‬ ‫‪َ ,‬أوْ يَجُوزُ أَنْ َيسَْتغِيثَ إلَى الّلهِ َتعَالَى فِي ال ّدعَاءِ بَِنبِ ّي ُمرْسَلٍ َأوْ مََل ٍ‬
‫ضرِ ‪َ .‬وهَلْ يَجُوزُ أَنْ‬ ‫خِ‬ ‫شهُورِ بِا ْحتِيَاطِ قَافٍ َأوْ بِ ُدعَاءِ ُأ ّم دَاوُد َأ ْو الْ َ‬ ‫َأوْ بِالْ َكعَْبةِ َأوْ بِال ّدعَاءِ الْمَ ْ‬
‫ح ْرمَةِ ُفلَانٍ بِجَاهِ الْ ُم َقرِّبيَ بِأَ ْق َربِ اْلخَلْقِ َأوْ ُيقْسِمُ‬ ‫سؤَالِ بِحَ ّق فُلَا ٍن بِ ُ‬ ‫ُيقْسَ َم عَلَى الّلهِ َتعَالَى فِي ال ّ‬
‫ق َو َز ْع َفرَا ٌن وَ َسرْجٌ لِ َكوِْن ِه رَأَى النّبِيّ صلى‬ ‫بِأَ ْفعَاِلهِ ْم وََأعْمَاِلهِ ْم ‪َ .‬وهَلْ يَجُوزُ َتعْظِي ُم مَكَان فِيهِ خَلُو ٌ‬
‫ق ُمعَّلقَ ٌة ‪َ ,‬وُيقَا ُل هَ ِذهِ‬ ‫ج َرةٍ يُوجَ ُد فِيهَا ِخرَ ٌ‬ ‫ال عليه وسلم فِي الْ َمنَامِ ِعنْ َدهُ ‪َ ,‬أوْ يَجُوزُ َتعْظِيمُ شَ َ‬
‫جتَمِعُ إَلْيهَا الرّجَالُ الَْأ ْولِيَا ُء ‪َ ,‬وهَلْ َيجُوزُ َتعْظِيمُ َجبَلٍ َأ ْو زِيَارَُتهُ َأ ْو زِيَا َرةُ مَا فِي ِه مِنْ‬ ‫مُبَارَ َكةٌ يَ ْ‬
‫ع وََقْبرِ‬ ‫ف آ َدمَ وَالْآثَا ِر َومَغَا َرةِ الْجُو ِ‬ ‫الْمَشَاهِدِ وَالْآثَا ِر وَال ّدعَاءُ فِيهَا وَالصّلَاةُ كَ َمغَا َرةِ ال ّد ِم وَ َكهْ ِ‬
‫س وَ ِحزْقِي َل وَ َشيْبَا َن الرّاعِي وَإِْبرَاهِيمَ ْبنِ َأ ْدهَمَ بِجَْبلَ َة ‪َ ,‬وعُشّ اْل ُغرَابِ‬ ‫ح وَإِلْيَا َ‬
‫ث َوهَابِي َل َونُو ٍ‬ ‫شِي ٍ‬
‫شهُورٌ‬ ‫سجِ ِد صَالِحٍ ِبعَكّا َو ُه َو مَ ْ‬ ‫سقَلَانَ َومَ ْ‬ ‫بَِبعَْلَبكّ َو َمغَا َرةِ الَْأرَْب ِعيَ وَحَمّامِ َطَبرِيّ َة َوزِيَا َر ُة عَ ْ‬
‫حرّ ال ّدعَا ِء عِنْ َد اْلقُبُو ِر ‪ ,‬وَأَنْ ُتقَبّ َل ‪َ ,‬أوْ يُوقَ َد عِنْ َدهَا‬ ‫ت ‪َ .‬وهَلْ َيجُوزُ تَ َ‬ ‫ح ُرمَاتِ وَالّتعْظِي ِم وَالزّيَارَا ِ‬ ‫بِالْ ُ‬
‫حصُلُ ِللَْأ ْموَاتِ ِبهَ ِذهِ الْأَ ْفعَا ِل مِ ْن الْأَ ْحيَاءِ مَْن َفعَةٌ َأ ْو َمضَ ّرٌة ‪َ ,‬وهَلْ ال ّدعَاءُ‬ ‫ج ‪َ ,‬وهَلْ يَ ْ‬ ‫سرُ ُ‬‫اْلقَنَادِيلُ وَال ّ‬
‫ِعنْدَ اْلقَ َدمِ النَّب ِويّ بِدَا ِر الْحَدِيثِ الْأَ ْش َرفِيّ ِة بِ ِدمَشْ َق َوغَْي ِر ِه ‪ .‬وَقَ َد ِم مُوسَى َو َمهْدِ عِيسَى َو َمقَامِ‬
‫ك ‪ُ ,‬كّلهُ فِي‬ ‫سيْ ِن َوصُهَْيبٍ الرّومِ ّي وَِبلَا ٍل الْحََبشِ ّي وَُأوَْيسٍ اْل َقرَنِ ّي َومَا أَ ْشَبهَ ذَِل َ‬ ‫إْبرَاهِي َم َورَْأسِ الْحُ َ‬
‫جوَامِعِ ‪ .‬وَكَذَِلكَ َقوُْلهُمْ ال ّدعَاءُ‬ ‫جبَا ِل وَاْلمَشَاهِ ِد وَالْمَسَا ِجدِ وَالْ َ‬ ‫سوَاحِ ِل وَالْ ِ‬‫سَاِئرِ الْبِلَادِ وَاْل ُقرَى وَال ّ‬
‫شرِْق ّي مُسْتَدِْبرًا َلهُ مَُت َو ّجهًا إلَى اْلقِبَْل ِة ‪,‬‬ ‫صغِيِ وَال ّ‬ ‫ج بَابِ كَيْسَا َن بَيْ َن بَابَ ْي ال ّ‬ ‫ب عِنْدَ ُبرْ ِ‬ ‫ستَجَا ٌ‬ ‫مُ ْ‬
‫وَال ّدعَاءُ ِعنْ َد دَا ِخلِ بَابِ اْل َفرّادِي َن ‪َ ,‬فهَ ْل ثََبتَ شَ ْيءٌ فِي إجَاَبةِ الَْأ ْد ِعيَةِ فِي هَ ِذ ِه الَْأمَاكِنِ َأمْ لَا ؟‬
‫ستّ َنفِيسَةَ َأوْ يَا سَيّدُ‬ ‫َوهَلْ َيجُوزُ أَ ْن يُسَْتغَاثَ ِبغَْي ِر الّلهِ َتعَالَى بِأَنْ َيقُولَ يَا جَاهَ مُحَمّدٍ َأ ْو بِال ّ‬
‫سرَ َأوْ َق َف َز مِنْ مَكَان إلَى مَكَان َيقُولُ يَا َعلِيّ َأوْ يَا الشّيْخُ ُفلَانُ َأمْ‬ ‫َأحْمَ ُد ‪َ ,‬أوْ إذَا َعَثرَ َأحَدًا وََتعَ ّ‬
‫شهِيدِ‬ ‫لَا ؟ َوهَلْ َتجُوزُ النّذُورُ ِللْأَْنبِيَاءِ َأوْ لِلْ َمشَاِي ِخ مِثْلِ الشّْيخِ جَاكِيَ َأوْ أَبِي اْل َوفَا َأوْ نُورِ الدّينِ ال ّ‬
‫ك هَلْ يَجُوزُ النّذُورُ ِلقُبُورِ أَحَ ٍد مِ ْن آلِ بَْيتِ النُّب ّو ِة َومُ ْدرِكِ ِه وَالَْأئِمّةِ‬ ‫َأ ْو غَْي ِرهِمْ َأمْ لَا ؟ وَكَذَِل َ‬
‫ق وَاْلعَجَ ِم َو ِمصْ َر وَاْلحِجَا ِز وَاْليَمَ ِن وَاْلهِنْ ِد وَالْ َم ْغ ِربِ َوجَمِي ِع الَْأ ْرضِ َوجَبَ ِل قَانٍ‬ ‫َومَشَايِخِ اْل ِعرَا ِ‬
‫ب عِنْدَ‬ ‫ستَجَا ٌ‬ ‫ب ‪ :‬الْحَمْدُ ِلّلهِ َربّ اْلعَالَ ِميَ ‪َ ,‬أمّا َقوْلُ اْلقَائِلِ إ ّن ال ّدعَاءَ مُ ْ‬ ‫جوَا ُ‬ ‫َوغَْي ِرهَا َأمْ لَا ؟ اْل َ‬
‫قُبُورِ الْ َمشَاِيخِ الَْأ ْرَبعَةِ اْلمَذْكُورِي َن رضي ال عنهم َف ُهوَ مِنْ ِجْنسِ َقوْ ِل غَْي ِرهِ ‪َ :‬قْبرُ فُلَا ٍن ُهوَ الّترْيَاقُ‬
‫ب عِنْ َد قَْبرِ ُفلَا ٍن وَفُلَانٍ ‪,‬‬ ‫ستَجَا ٌ‬ ‫س مَا َيقُوُلهُ َأمْثَا ُل هَذَا اْلقَائِ ِل مِنْ أَنّ ال ّدعَاءَ مُ ْ‬ ‫ب ‪َ ,‬ومِنْ جِْن ِ‬ ‫ج ّر ُ‬ ‫الْمُ َ‬
‫ض اْلقُبُو ِر ‪ ,‬ثُمّ قَدْ َيكُونُ ذَِلكَ اْلقَْبرُ قَ ْد عُلِمَ َأّنهُ‬ ‫فَإِنّ كَثِيًا مِنْ النّاسِ َيقُو ُل مِثْ َل هَذَا اْل َقوْلِ ِعنْدَ َبعْ ِ‬
‫ك اْلقَْبرِ‬ ‫ي ‪َ .‬وقَدْ يَكُونُ ِنسَْبةُ ذَِل َ‬ ‫ح َ‬‫قَْب ُر رَجُ ٍل صَالِ ٍح مِ ْن الصّحَاَبةِ َأوْ َأهْلِ اْلبَْيتِ َأ ْو غَْي ِرهِ ْم مِنْ الصّالِ ِ‬
‫جهُولُ الْحَا ِل ‪ ,‬مِثْلُ أَكَْث ِر مَا يُذْ َك ُر مِنْ ُقبُورِ الْأَْنبِيَا ِء ‪َ .‬وقَدْ يَكُو ُن صَحِيحًا‬ ‫إلَى ذَِلكَ كَ ِذبًا ‪َ ,‬أ ْو مَ ْ‬
‫وَالرّجُلُ َلْيسَ ِبصَاِل ٍح ‪ ,‬فَإِ ّن هَ ِذهِ الَْأقْسَا َم َموْجُودَةٌ فِيمَنْ َيقُو ُل مِثْ َل هَذَا اْل َقوْلِ ; َأ ْو مَنْ َيقُولُ إنّ‬

‫‪201‬‬
‫ب عِنْ َد قَْبرٍ ِبعَْيِنهِ ‪ ,‬وَأَّنهُ اُ ْستُجِيبَ َلهُ ال ّدعَاءُ ِعنْ َدهُ ‪ ,‬وَاْلحَالُ أَ ّن ذَاكَ إمّا قَْب ُر مَ ْعرُوفٍ‬ ‫ال ّدعَا َء مُسْتَجَا ٌ‬
‫ك ‪َ ,‬ورَأَْينَا‬ ‫ع ‪ ,‬وَِإمّا قَْبرُ كَاِفرٍ كَمَا رَأَيْنَا مَ ْن َدعَا فَ ُكشِفَ َلهُ حَالُ اْلقُبُورِ فَُب ِهتَ لِذَِل َ‬ ‫بِاْلفِسْ ِق وَالِاْبتِدَا ِ‬
‫حيَ‬ ‫مِ ْن ذَِلكَ أَْنوَاعًا ‪ .‬وََأصْ ُل هَذَا أَنّ َقوْ َل اْلقَائِلِ إ ّن ال ّدعَا َء مُسْتَجَابٌ ِعنْدَ قُبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ‬
‫َقوْلٌ لَْيسَ َلهُ َأصْ ٌل فِي كِتَابِ الّل ِه ‪ ,‬وَلَا سُنّ ِة رَسُوِلهِ ‪ ,‬وَلَا قَاَلهُ َأحَ ٌد مِنْ الصّحَابَ ِة ‪ ,‬وَلَا التّاِب ِعيَ َلهُمْ‬
‫ي‪,‬‬ ‫شهُورِينَ بِالِْإمَامَةِ فِي الدّي ِن ‪ :‬كَمَاِلكٍ ‪ ,‬وَالّث ْورِ ّ‬ ‫بِإِحْسَا ٍن ‪ ,‬وَلَا َأحَ ٌد مِنْ َأئِمّ ِة الْ ُمسْلِ ِميَ الْ َم ْ‬
‫وَالَْأ ْوزَاعِ ّي ‪ ,‬وَاللّْيثِ بْنِ َسعْ ٍد ‪ ,‬وَأَبِي َحنِيفَ َة ‪ ,‬وَالشّاِفعِ ّي ‪ ,‬وََأحْمَدَ بْ ِن حَنَْب ٍل ‪ ,‬وَإِ ْسحَاقَ بْنِ‬
‫ض ‪ ,‬وَإِْبرَاهِيمَ بْنِ‬ ‫خهِمْ الّذِي َن ُيقْتَدَى ِبهِ ْم ‪ :‬كَاْلفُضَيْ ِل بْ ِن عِيَا ٍ‬ ‫رَا ْهوَْيهِ ‪ ,‬وَأَبِي عَُبيْ َد َة ‪ .‬وَلَا مَشَايِ ِ‬
‫َأ ْدهَ َم ‪ ,‬وََأبِي ُسلَيْمَا َن الدّارَاِنيّ ‪ ,‬وََأمْثَاِلهِ ْم ‪ .‬وَلَمْ يَ ُكنْ فِي الصّحَاَب ِة وَالتّاِب ِعيَ وَالْأَئِمّ ِة وَالْ َمشَاِيخِ‬
‫ي ‪ ,‬وَلَا مُ ْطَلقًا َولَا مُعَيّنًا ‪ ,‬وَلَا‬ ‫ح َ‬ ‫ب عِنْ َد قُبُورِ الَْأنِْبيَاءِ وَالصّالِ ِ‬‫الْمَُتقَ ّد ِميَ مَ ْن َيقُولُ إ ّن ال ّدعَا َء مُسْتَجَا ٌ‬
‫حيَ َأ ْفضَلُ مِ ْن ُدعَاِئهِ فِي َغْيرِ تِ ْلكَ الُْب ْقعَ ِة ‪,‬‬ ‫فِيهِ ْم مَنْ قَالَ إ ّن ُدعَاءَ اْلإِنْسَا ِن ِعنْدَ ُقبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ‬
‫حرّى ال ّدعَاءَ وَلَا‬ ‫ك الُْب ْقعَةِ أَ ْفضَ ُل مِنْ الصّلَاةِ فِي غَْي ِرهَا ‪ ,‬وَلَا فِيهِمْ مَنْ كَا َن يَتَ َ‬ ‫وَلَا أَ ّن الصّلَاةَ فِي تِ ْل َ‬
‫خلْ ِق وَ َسيّ ُدهُ ْم ُهوَ رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬وَلَْيسَ‬ ‫الصّلَا َة عِنْ َد هَ ِذهِ اْلقُبُورِ ‪ ,‬بَلْ َأ ْفضَلُ الْ َ‬
‫فِي الَْأ ْرضِ َقْبرٌ اّتفَ َق النّاسُ َعلَى أَّنهُ َقْبرُ نَبِ ّي َغْيرُ قَْب ِرهِ ‪ ,‬وَقَ ْد اخَْتَلفُوا فِي قَْبرِ الْخَلِي ِل َوغَْي ِرهِ ‪ .‬وَاّتفَقَ‬
‫سلّ ُم عَلَْي ِه عِنْ َد ِزيَارَِتهِ َو َعلَى صَاحَِبْيهِ ‪ ,‬لِمَا فِي السّنَ ِن ‪ :‬عَنْ أَبِي ُهرَْي َر َة رضي ال‬ ‫الْأَئِمّ ُة عَلَى َأّنهُ يُ َ‬
‫عنه عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪ { :‬مَا مِ ْن رَجُلٍ ُيسَلّ ُم عََليّ إلّا َردّ الّلهُ َعلَيّ ِبهَا‬
‫رُوحِي حَتّى َأ ُر ّد عََلْيهِ السّلَامَ } " َو ُهوَ حَدِيثٌ َجيّ ٌد ‪َ .‬وقَ ْد َروَى ابْنُ أَبِي شَيَْب َة ‪ ,‬والدارقطن عَْنهُ‬
‫ي ‪ ,‬لَ ِكنْ َلهُ‬ ‫‪ { :‬مَنْ َسلّ َم عَلَ ّي عِنْ َد قَْبرِي سَ ِمعُْتهُ َومَ ْن صَلّى َعلَيّ ثَانِيًا ُأبِْلغُْت ُه } " ‪ .‬وَفِي إسْنَا ِدهِ ِل ٌ‬
‫َشوَاهِدُ ثَابَِت ٌة ‪ ,‬فَإِنّ إْبلَاغَ الصّلَاةِ وَالسّلَا ِم عَلَْي ِه مِنْ اْل َعبْدِ قَ ْد َروَاهُ َأهْلُ السَّننِ مِ ْن َغْيرِ وَ ْجهٍ كَمَا فِي‬
‫السّنَ ِن ‪َ :‬عْنهُ صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل ‪ { :‬أَكِْثرُوا عََل ّي مِنْ الصّلَاةِ َي ْومَ الْجُ ُمعَ ِة ‪َ ,‬ولَيَْلةَ الْجُ ُمعَةِ‬
‫ك وَقَ ْد َرمَ ْمتَ ‪َ ,‬أيْ بَلِيتَ ‪َ .‬فقَا َل ‪:‬‬ ‫‪ ,‬فَإِ ّن صَلَاتَكُ ْم َم ْعرُوضَ ٌة َعلَيّ قَالُوا ‪َ :‬كيْفَ ُت ْع َرضُ صَلَاتُنَا َعلَْي َ‬
‫إ ّن الّلهَ َتعَالَى َح ّرمَ َعلَى الَْأ ْرضِ أَنْ تَ ْأكُلَ لُحُومَ الَْأنِْبيَاءِ } " ‪َ .‬وفِي النّسَائِ ّي َوغَْي ِر ِه عَْنهُ صلى ال‬
‫عليه وسلم َأّنهُ قَا َل ‪ { :‬إنّ الّلهَ وَكّ َل ِبقَْبرِي مَلَائِكَ ًة يَُبّلغُونِي عَنْ ُأمّتِي السّلَامَ } " ‪َ .‬ومَعَ هَذَا لَمْ‬
‫حرّى ال ّدعَاءَ ُمَتوَ ّجهًا إلَى‬ ‫حبّ أَنْ َيتَ َ‬ ‫ب عِنْدَ َقْب ِرهِ ‪ ,‬وَلَا أَّنهُ ُيسْتَ َ‬‫ستَجَا ٌ‬ ‫َيقُلْ َأحَ ٌد مِْنهُمْ إنّ ال ّدعَاءَ مُ ْ‬
‫سَتقْبِلَ اْلقَْبرِ َوتَنَا َزعُوا فِي‬‫ك ؟ وَاّت َفقُوا كُّلهُ ْم عَلَى أَّنهُ لَا يُ ْدعَى مُ ْ‬ ‫ض ذَِل َ‬ ‫قَْب ِرهِ ‪َ ,‬بلْ َنصّوا عَلَى َنقِي ِ‬
‫سلّ ُم عََلْيهِ مُسَْت ْقبِلَ اْلقَْب ِر ‪َ ,‬و ُهوَ الّذِي ذَ َك َرهُ‬ ‫السّلَا ِم عَلَْيهِ َفقَا َل الْأَكَْثرُونَ كَمَاِلكٍ وَأَحْ َمدَ َو َغْي ِرهِمَا يُ َ‬
‫سَتقْبِ َل اْلقِبَْلةِ‬
‫َأصْحَابُ الشّاِفعِيّ ‪ ,‬وَأَظُّن ُه مَْنقُولًا عَْنهُ ‪ .‬وَقَالَ أَبُو حَنِيفَ َة وََأصْحَاُب ُه ‪ :‬بَلْ ُيسَلّ ُم َعلَْيهِ مُ ْ‬
‫ف عِنْ َدهُ لِل ّدعَاءِ مُ ْطَلقًا كَمَا ذَ َكرَ ذَِلكَ إسْمَاعِيلُ بْ ُن إسْحَاقَ‬ ‫‪ ,‬بَ ْل نَصّ أَِئمّةُ السّلَفِ َعلَى أَّنهُ لَا يُوقَ ُ‬
‫ف عِنْدَ َقْبرِ النّبِ ّي صلى ال‬ ‫ط ‪َ ,‬وذَ َك َرهُ اْلقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ مَاِلكٌ لَا َأرَى أَنْ َيقِ َ‬ ‫فِي كِتَابِ الْمَْبسُو ِ‬
‫ط " ‪ :‬لَا بَ ْأسَ لِمَنْ َق ِدمَ مِنْ َس َفرٍ‬ ‫سلّ ُم وَيَ ْمضِي ‪َ .‬وقَالَ أَْيضًا فِي الْ َمبْسُو ِ‬ ‫عليه وسلم وََي ْدعُو وَلَ ِكنْ يُ َ‬

‫‪202‬‬
‫ف عَلَى قَْبرِ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم فَُيصَلّ َي َعلَْي ِه ‪ ,‬وََي ْد ُعوَ َل ُه ‪,‬‬ ‫ج إلَى َس َفرٍ ‪ ,‬أَنْ َيقِ َ‬ ‫َأوْ َخرَ َ‬
‫وَلَِأبِي بَ ْك ٍر ‪َ ,‬وعُ َمرَ ‪َ .‬فقِيلَ َل ُه ‪ :‬فَإِنّ نَاسًا مِنْ َأهْلِ الْ َمدِيَنةِ لَا َيقْدَمُو َن مِنْ َس َفرٍ وَلَا ُيرِيدُوَنهُ‬
‫ج ُمعَةِ َأوْ اْلَي ْومِ الْ َم ّرةَ وَالْ َمرَّتيْنِ َأوْ أَكَْثرَ‬
‫َيفْعَلُو َن ذَِلكَ فِي الَْي ْو ِم َم ّرةً َأوْ أَكَْث َر ‪َ ,‬ورُبّمَا وََقفُوا فِي الْ ُ‬
‫سلّمُو َن وَيَ ْدعُونَ سَاعَةً ‪َ .‬فقَالَ ‪ :‬لَمْ َيبُْلغْنِي هَذَا عَنْ أَحَ ٍد مِنْ َأهْ ِل اْل ِفقْهِ ِببَلْ َدتِنَا ‪ .‬وَلَا‬ ‫ِعنْدَ اْلقَْبرِ َفيُ َ‬
‫ُيصْلِحُ آ ِخ َر هَ ِذهِ الُْأمّةِ إلّا مَا َأصَْلحَ َأوَّلهَا ‪ ,‬وَلَ ْم يَْبُلغْنِي عَنْ َأوّ ِل هَ ِذهِ الُْأمّ ِة َوصَ ْد ِرهَا أَّنهُمْ كَانُوا‬
‫َيفْعَلُو َن ذَِلكَ إلّا مَنْ جَا َء مِنْ َس َفرٍ َأوْ َأرَا َدهُ ‪ .‬قَا َل ابْ ُن اْلقَاسِ ِم ‪ :‬رَأَيْت َأهْلَ الْ َمدِيَنةِ إذَا َخرَجُوا مِْنهَا‬
‫ك َو ُهوَ َأعْلَمُ َأهْ ِل َزمَاِنهِ َأيْ َزمَنِ‬ ‫ك دَأْبِي ‪َ ,‬فهَذَا مَاِل ٌ‬ ‫َأ ْو دَ َخلُوهَا أََتوْا اْلقَْب َر وَسَلّمُوا ‪ ,‬قَا َل ‪َ :‬وذَِل َ‬
‫تَابِ ِع التّاِب ِعيَ بِالْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ الّذِينَ كَانَ َأ ْهُلهَا فِي َزمَنِ الصّحَابَ ِة وَالتّاِب ِعيَ وَتَاِبعِيهِمْ َأعْلَ ُم النّاسِ بِمَا‬
‫ع عِنْدَ َقْبرِ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم يَ ْك َرهُونَ اْلوُقُوفَ لِل ّدعَاءِ َبعْدَ السّلَا ِم عَلَْي ِه ‪َ ,‬وبَيّنَ أَنّ‬ ‫شرَ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫شرُوعُ مِنْ الصّلَا ِة وَالسّلَا ِم ‪ ,‬وَأَ ّن ذَِلكَ أَْيضًا لَا‬ ‫ب ُهوَ ال ّدعَاءُ َلهُ َوِلصَاحِبَْي ِه َو ُهوَ الْ َم ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ستَ َ‬‫الْمُ ْ‬
‫حيّةٌ َل ُه ‪,‬‬
‫ت ‪ ,‬بَ ْل عِنْدَ اْلقُدُو ِم مِنْ َس َفرٍ َأوْ إرَادَِتهِ ‪ ,‬لِأَ ّن ذَِلكَ تَ ِ‬ ‫حبّ لَِأ ْهلِ الْمَدِيَنةِ كُ ّل وَ ْق ٍ‬ ‫يُسَْت َ‬
‫س َفرِ ‪ .‬وَقَالَ مَاِلكٌ فِي ِروَاَيةِ أَبِي‬ ‫خلَافِ اْلقَادِ ِميَ مِ ْن ال ّ‬ ‫حيِّتهِ بِ ِ‬‫حيّا لَا ُي ْقصَدُ بَْيُتهُ ُك ّل وَ ْقتٍ لِتَ ِ‬‫وَالْمُ َ‬
‫ب ‪ :‬إذَا سَلّ َم َعلَى النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َيقِفُ وَ ْج ُههُ إلَى اْلقَْبرِ لَا إلَى اْلقِْبلَ ِة ‪ ,‬وَيَدْنُو‬ ‫َو ْه ٍ‬
‫وَُيسَلّ ُم وَلَا يَ َمسّ اْلقَْبرَ ِبيَ ِدهِ وَ َك ِر َه مَاِلكٌ أَنْ ُيقَا َل ُزرْنَا َقْبرَ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَالَ اْلقَاضِي‬
‫جعَلْ َقْبرِي‬ ‫ِعيَاضٌ َكرَاهَ ُة مَاِلكٍ َلهُ لِِإضَاَفِتهِ إلَى قَْب ِر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِل َقوِْلهِ ‪ { :‬الّلهُمّ لَا تَ ْ‬
‫وََثنًا ُيعَْبدُ ا ْشتَ ّد َغضَبُ الّل ِه عَلَى َق ْومٍ اتّخَذُوا قُبُورَ أَْنبِيَاِئهِ ْم مَسَاجِدَ } " َيْنهَى عَ ْن إضَافَ ِة هَذَا الّل ْفظِ‬
‫ب ‪ .‬قُلْت ‪ :‬وَالْأَحَادِيثُ الْ َكثِ َيةُ الْ َم ْروِيّةُ‬ ‫شّبهِ ِب ِفعْلِ ذَِلكَ قَ ْطعًا لِل ّذرِيعَ ِة وَ َحسْمًا ِللْبَا ِ‬ ‫إلَى اْلقَْب ِر وَالتّ َ‬
‫سنَنِ أَبِي‬ ‫ضعِيفَةٌ ‪ ,‬بَ ْل َم ْوضُوعَةٌ لَمْ َي ْروِ الَْأئِمّ ُة ‪ ,‬وَلَا َأهْ ُل السّنَنِ اْلمُتَّب َعةِ ‪ :‬كَ ُ‬ ‫فِي زِيَا َرةِ قَْب ِرهِ كُّلهَا َ‬
‫ث‪,‬‬ ‫ظ زِيَا َرةِ اْلقُبُورِ فِي َغْيرِ هَذَا الْحَدِي ِ‬ ‫ح ِوهِمَا ‪ ,‬فِيهَا شَْيئًا وَلَكِ ْن جَاءَ َل ْف ُ‬ ‫دَاوُد ‪ ,‬وَالنّسَاِئيّ ‪ ,‬وَنَ ْ‬
‫مِثْلِ ‪َ :‬قوُْلهُ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬كُْنتُ َنهَْيتُكُ ْم عَ ْن زِيَا َرةِ اْلقُبُورِ َألَا َفزُورُوهَا فَإِّنهَا تُذَ ّكرُكُمْ‬
‫الْآ ِخ َر َة } " ‪ { .‬وَكَا َن صلى ال عليه وسلم ُيعَلّمُ َأصْحَاَبهُ إذَا زَارُوا اْلقُبُورَ أَنْ َيقُولَ أَحَ ُدهُ ْم ‪:‬‬
‫ي وَإِنّا إ ْن شَاءَ الّلهُ ِبكُمْ لَا ِحقُو َن ‪َ ,‬يرْحَمُ الّلهُ‬ ‫ي وَالْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫السّلَا ُم عَلَْيكُمْ َأهْلَ الدّيَا ِر مِنْ الْ ُم ْؤمِِن َ‬
‫ي مِنّا َومِنْكُ ْم وَالْمُسْتَ ْأ ِخرِي َن ‪ ,‬نَسْأَ ُل الّلهَ َلنَا وَلَكُ ْم اْلعَافَِي َة } " ‪ .‬وَلَ ِكنْ صَارَ َل ْفظُ ِزيَا َرةِ‬ ‫سَتقْ ِدمِ َ‬‫الْمُ ْ‬
‫ش ْرعِيّ َة وَأَكَْث ُرهُمْ لَا‬
‫اْلقُبُورِ فِي ُعرْفِ كَثِ ٍي مِنْ الْمُتَأَ ّخرِينَ َيتَنَاوَ ُل الزّيَا َرةَ اْلبِ ْدعِيّ َة وَالزّيَا َرةَ ال ّ‬
‫ش ْرعِيّةُ َفهِيَ‬ ‫ق ‪ ,‬فََأمّا الزّيَا َرةُ ال ّ‬ ‫ش ْرعِ ّي ‪ ,‬فَِلهَذَا ُك ِرهَ هَذَا الْإِ ْطلَا ُ‬ ‫يَسَْتعْ ِملُوَنهَا إلّا بِالْ َمعْنَى الِْب ْدعِيّ لَا ال ّ‬
‫مِنْ ِجْنسِ الصّلَا ِة عَلَى الْ َمّيتِ ُيقْصَدُ ِبهَا ال ّدعَاءُ لِلْ َمّيتِ َكمَا ُي ْقصَدُ بِالصّلَا ِة عََلْيهِ ‪ .‬كَمَا قَالَ الّلهُ‬
‫فِي حَ ّق الْمُنَاِف ِقيَ ‪ { :‬وَلَا ُتصَ ّل َعلَى أَحَ ٍد مِْنهُ ْم مَاتَ َأبَدًا وَلَا َتقُ ْم عَلَى قَْب ِرهِ } ‪ .‬فَلَمّا ُنهِ َي عَنْ‬
‫الصّلَا ِة عَلَى الْ ُمنَاِف ِقيَ وَاْلقِيَا ِم عَلَى قُبُو ِرهِ ْم دَ ّل ذَِلكَ بِ َطرِي ِق َم ْفهُومِ اْلخِطَابِ َو ِعلّ ِة الْحُكْمِ أَ ّن ذَِلكَ‬
‫شرُوعٌ فِي حَقّ اْل ُم ْؤمِِنيَ وَاْلقِيَامُ َعلَى َقْب ِرهِ َبعْدَ الدّ ْف ِن مِنْ جِْنسِ الصّلَا ِة َعلَْيهِ قَبْ َل الدّفْنِ ُيرَادُ ِبهِ‬ ‫مَ ْ‬

‫‪203‬‬
‫ح َ‬
‫ي‬ ‫ف عِنْ َد زِيَا َرةِ قُبُورِ الَْأنِْبيَاءِ وَالصّالِ ِ‬ ‫ال ّدعَاءُ َلهُ ‪َ .‬وهَذَا ُهوَ الّذِي َمضَتْ ِبهِ السّنّ ُة ‪ ,‬وَاسَْتحَّبهُ السّلَ ُ‬
‫شرْ ِك ‪ ,‬وَال ّذرِيعَةِ إلَْيهِ كَمَا َفعَلَ الَْيهُو ُد وَالّنصَارَى عِنْ َد قُبُورِ‬ ‫‪ ,‬وََأمّا الزّيَا َرةُ الْبِ ْد ِعيّةُ َفهِ َي مِنْ ِجْنسِ ال ّ‬
‫ح‪,‬‬ ‫ضةِ َعْنهُ فِي الصّحَا ِ‬ ‫حيَ ‪ .‬قَا َل صلى ال عليه وسلم فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسَْتفِي َ‬ ‫الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ‬
‫وَالسّنَ ِن ‪ ,‬وَالْمَسَانِيدِ ‪َ { :‬لعَْنةُ الّلهِ َعلَى الَْيهُودِ وَالّنصَارَى اتّخَذُوا ُقبُورَ َأنِْبيَاِئهِ ْم مَسَاجِدَ } "‬
‫يُحَ ّذ ُر مِمّا صََنعُوا ‪ .‬وَقَالَ ‪ { :‬إ ّن مَنْ كَا َن قَبَْلكُمْ كَانُوا يَتّخِذُونَ اْلقُبُو َر مَسَاجِ َد ‪ ,‬أَلَا فَلَا تَتّخِذُوا‬
‫س مَنْ تُ ْدرِ ُكهُ ْم السّا َعةُ‬ ‫اْلقُبُو َر مَسَاجِ َد فَإِنّي َأْنهَاكُ ْم عَ ْن ذَِلكَ } " ‪ .‬وَقَالَ ‪ { :‬إ ّن مِنْ ِشرَارِ النّا ِ‬
‫َوهُمْ أَ ْحيَاءٌ َواَلّذِينَ يَتّخِذُونَ اْلقُبُو َر مَسَا ِجدَ } ‪ .‬وَقَا َل ‪َ { :‬لعَنَ الّلهُ َزوّارَاتِ اْلقُبُو ِر ‪ ,‬وَالْمُتّخِذِينَ‬
‫حيَ مَسَاجِدَ امَْتنَعَ‬ ‫سرُجَ } " ‪ .‬فَِإذَا كَانَ قَدْ َلعَ َن مَنْ َيتّخِذُ ُقبُورَ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ‬ ‫َعلَْيهَا الْمَسَاجِ َد وَال ّ‬
‫حبّ فِيهِ الصّلَاةُ ;‬ ‫ستَ َ‬ ‫حبّ فِيهِ ال ّدعَاءُ يُ ْ‬ ‫ستَ َ‬
‫حبّا ; لِأَ ّن الْمَكَانَ الّذِي يُ ْ‬ ‫حرّيهَا لِل ّدعَا ِء مُسْتَ َ‬ ‫أَ ْن يَكُونَ تَ َ‬
‫شرِيعَ ِة مَكَانٌ يُْنهَى عَ ْن الصّلَا ِة عِنْ َد ُه مَعَ أَّنهُ‬ ‫لِأَ ّن ال ّدعَا َء َع ِقبَ الصّلَاةِ أَ ْج َوبُ ‪ ,‬وَلَْيسَ فِي ال ّ‬
‫خوْفِ‬ ‫ك ُمعَلّلٌ بِ َ‬ ‫ص الْأَئِمّةُ كَالشّاِفعِ ّي َوغَْي ِر ِه عَلَى أَ ّن الّنهْ َي عَ ْن ذَِل َ‬ ‫حبّ ال ّدعَا ُء عِنْ َد ُه ‪ .‬وََقدْ نَ ّ‬ ‫يُسَْت َ‬
‫س ِويَةِ‬ ‫س ‪ ,‬وَِلهَذَا كَا َن السّلَفُ يَ ْأ ُمرُونَ بِتَ ْ‬ ‫ج ّردِ َنجَا َسِتهِ كَمَا يَظُ ّن ذَِلكَ َبعْضُ النّا ِ‬ ‫اْلفِتَْنةِ بِاْلقَْبرِ لَا بِ ُم َ‬
‫سَترَ‬ ‫اْلقُبُو ِر وََت ْعفِيَ ِة مَا ُيفَْتتَنُ ِب ِه مِْنهَا كَمَا َأ َمرَ عُ َمرُ ْبنُ اْلخَطّابِ بَِت ْعفَِيةِ قَْب ِر " دَاْنيَا َل " لَمّا َظ َهرَ بِتُ ْ‬
‫سقُونَ ِبهِ ‪ ,‬فَ َكَتبَ إلَْيهِ‬ ‫فَإِّنهُ كََتبَ إَلْيهِ َأبُو مُوسَى يَذْ ُكرُ أَّنهُ قَدْ َظ َهرَ قَْب ُر " دَانْيَا َل " وََأّنهُمْ كَانُوا يَسَْت ْ‬
‫شرَ قَْبرًا ‪ ,‬ثُ ّم يَدْفَِنهُ بِاللّيْلِ فِي وَاحِ ٍد مِْنهَا وَُي َعفَّيهُ لَِئلّا َيفَْتتِنَ ِبهِ‬ ‫ح ِفرَ بِالّنهَارِ ثَلَاثَ َة َع َ‬
‫عُ َمرُ يَ ْأ ُم ُرهُ أَ ْن يَ ْ‬
‫ف ‪ ,‬كَمَا َروَاهُ َأبُو َيعْلَى‬ ‫النّاسُ ‪ ,‬وَاَلّذِي ذَ َكرْنَا ُه عَ ْن مَاِلكٍ َو َغْي ِرهِ مِنْ الَْأئِمّةِ كَا َن مَ ْعرُوفًا عِنْ َد السّلَ ِ‬
‫ختَا ِرهِ ‪ ,‬عَنْ { عَِليّ بْنِ‬ ‫الْ َم ْوصِلِ ّي فِي مُسْنَ ِد ِه ‪َ ,‬وذَ َك َرهُ الْحَاِفظُ َأبُو عَبْدِ الّلهِ اْل َمقْدِسِيّ فِي مُ ْ‬
‫حسَيْنِ ْب ِن عَلِيّ ْبنِ أَبِي طَاِلبٍ الْ َم ْعرُوفِ ِب َزيْنِ اْلعَابِدِي َن ‪ :‬أَّن ُه رَأَى رَ ُجلًا َيجِيءُ إلَى ُفرْ َجةٍ كَاَنتْ‬ ‫الْ ُ‬
‫ِعنْدَ قَْب ِر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم فََيدْخُلُ َفيَ ْدعُو فِيهَا فََنهَا ُه ‪َ ,‬فقَا َل ‪ :‬أَلَا أُحَدُّثكُمْ حَدِيثًا سَ ِمعْته‬
‫مِنْ أَبِي ‪ ,‬عَنْ جَدّي ‪ ,‬عَ ْن َرسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَا َل ‪ :‬لَا تَتّخِذُوا َقْبرِي عِيدًا وَلَا‬
‫سلِيمَكُ ْم يَْبُلغُنِي أَْينَمَا كُْنتُ ْم } " ‪َ .‬وهَذَا الْحَدِيثُ فِي ُسنَن أَبِي دَاوُد مِنْ‬ ‫بُيُوتَ ُكمْ قُبُورًا ‪ ,‬فَإِ ّن تَ ْ‬
‫جعَلُوا بُيُوتَكُمْ ُقبُورًا وَلَا‬ ‫حَدِيثِ أَبِي ُهرَْي َرةَ قَالَ ‪ :‬قَا َل رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لَا تَ ْ‬
‫جعَلُوا قَْبرِي عِيدًا ‪َ ,‬وصَلّوا عَلَ ّي فَإِ ّن صَلَاتَكُمْ َتبُْلغُنِي حَْيثُ كُْنتُمْ } " ‪ .‬وَفِي ُسنَنِ َسعِي ِد بْنِ‬ ‫تَ ْ‬
‫مَْنصُورٍ ‪ :‬حَدّثَنَا َعبْدُ اْل َعزِي ِز مُحَمّ ٌد ‪َ ,‬أخَْبرَنِي { ُسهَيْ ُل بْنُ أَبِي َسهْلٍ قَا َل ‪ :‬رَآنِي الْحَسَ ُن بْنُ‬
‫حسَيْنِ ْب ِن عَلِيّ ْبنِ أَبِي طَاِلبٍ عِْندَ اْلقَْبرِ َفنَادَانِي َو ُهوَ فِي َبْيتِ فَاطِمَ َة يََتعَشّى َفقَالَ َهلُمّ إلَى‬ ‫الْ ُ‬
‫ك عِنْ َد اْلقَْب ِر ‪َ .‬فقُ ْلتُ ‪َ :‬سلّ ْمتُ َعلَى النّبِيّ صلى ال‬ ‫اْلعَشَا ِء ‪َ .‬فقُ ْلتُ ‪ :‬لَا ُأرِي ُدهُ ‪َ ,‬فقَا َل ‪ :‬مَا لِي رَأَيُْت َ‬
‫سلّ ْم ‪ .‬ثُمّ قَالَ ‪ :‬إ ّن رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم‬ ‫عليه وسلم ‪َ .‬فقَا َل ‪ :‬إذَا دَخَ ْلتَ الْمَسْجِ َد فَ َ‬
‫قَا َل ‪ :‬لَا َتتّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا ‪ ,‬وَلَا َتتّخِذُوا بُيُوَتكُ ْم مَقَاِبرَ ‪َ ,‬لعَنَ الّلهُ اْلَيهُودَ اتّخَذُوا قُبُورَ أَْنبِيَاِئهِمْ‬
‫صلَاتَكُ ْم تَْبُلغُنِي َحيْثُمَا ُكنْتُ ْم ‪ ,‬مَا َأنْتُ ْم َومَنْ بِالْأَنْدَُلسِ إلّا َسوَاءٌ } " ‪.‬‬ ‫مَسَاجِ َد ‪َ ,‬وصَلّوا َعلَيّ َفإِنّ َ‬

‫‪204‬‬
‫شرُوعَ فِي َقْبرِ سَيّ ِد‬ ‫سطَ اْلكَلَا ُم عَلَى هَذَا الَْأصْ ِل فِي غَْي ِر هَذَا الْ َم ْوضِعِ فَِإذَا كَا َن هَذَا ُهوَ الْ َم ْ‬ ‫وََقدْ بُ ِ‬
‫وَلَ ِد آ َدمَ خَْيرِ اْلخَلْ ِق وَأَ ْك َر ِمهِمْ َعلَى الّلهِ فَ َكيْفَ ُيقَالُ فِي قَْب ِر غَْي ِر ِه ‪ .‬وَقَ ْد َتوَاَترَ عَ ْن الصّحَاَبةِ أَّنهُمْ‬
‫سقَا ِء َوعِنْدَ اْلقِتَا ِل وَالِاسِْتْنصَارِ يَ ْدعُونَ‬ ‫كَانُوا إذَا َنزََلتْ ِبهِمْ الشّدَائِدُ كَحَاِلهِ ْم فِي الْجَ ْدبِ وَالِاسْتِ ْ‬
‫الّل َه وََيسَْتغِيثُوَنهُ فِي اْلمَسَاجِ ِد وَالُْبيُوتِ ‪ ,‬وَلَمْ يَكُونُوا َي ْقصِدُوا ال ّدعَاءَ ِعنْدَ قَْب ِر النّبِيّ صلى ال عليه‬
‫ي ‪ .‬بَلْ قَ ْد ثََبتَ فِي الصّحِي ِح ‪ :‬أَ ّن عُ َمرَ بْ َن الْخَطّابِ‬ ‫ح َ‬ ‫وسلم وَلَا غَْي ِر ِه مِنْ قُبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ‬
‫سقِينَا وَإِنّا َنَتوَسّلُ إَليْك ِبعَمّ نَِبيّنَا فَأَ ْسقِنَا‬ ‫قَا َل ‪ " :‬الّلهُمّ إنّا كُنّا إذَا َأجْدَْبنَا َتوَسّلْنَا إلَيْك ِبنَبِيّنَا َفتُ ْ‬
‫س َقوْ َن " ‪َ .‬فَتوَسّلُوا بِاْلعَبّاسِ َكمَا كَانُوا يََت َوسّلُونَ ِب ِه ‪َ ,‬و ُهوَ أَّنهُمْ كَانُوا َيَتوَسّلُو َن بِ ُدعَاِئ ِه وَ َشفَاعَِتهِ‬ ‫فَيُ ْ‬
‫س وَ َشفَاعَِت ِه وَلَمْ َي ْقصِدُوا ال ّدعَاءَ عِْندَ قَْبرِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم وَلَا‬ ‫َوهَكَذَا َتوَسّلُوا بِ ُدعَاءِ اْلعَبّا ِ‬
‫ش ْيءٍ مِ ْن مَخْلُوقَاِتهِ بَلْ َت َوسّلُوا إلَْيهِ بِمَا َش َرعَ ُه مِنْ اْلوَسَائِ ِل َوهِيَ الَْأعْمَالُ‬ ‫َأقْسَمُوا َعلَى الّلهِ بِ َ‬
‫ح ُة َو ُدعَاءُ الْ ُم ْؤمِِنيَ كَمَا يََتوَسّ ُل اْلعَبْ ُد إلَى الّلهِ بِالِْإيَا ِن بِنَِبّيهِ َوبِمَحَبِّتهِ َو ُموَالَاِتهِ وَالصّلَا ِة عََلْيهِ‬ ‫الصّالِ َ‬
‫خلْقُ فِي الْآ ِخ َرةِ بِ ُدعَاِئهِ‬ ‫وَالسّلَامِ وَكَمَا يََتوَسّلُونَ فِي حَيَاِتهِ ِب ُدعَاِئ ِه وَ َشفَاعَِتهِ َكذَِلكَ يََتوَسّلُ الْ َ‬
‫صرُونَ‬ ‫حيَ كَمَا قَالَ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬وهَلْ تُْن َ‬ ‫وَ َشفَا َعِتهِ وََتَتوَسّلُ بِ ُدعَاءِ الصّالِ ِ‬
‫ضعَفَائِكُمْ بِ ُدعَاِئهِ ْم َوصَلَاِتهِ ْم وَاسِْت ْغفَا ِرهِمْ } " ‪َ .‬ومِنْ الْ َمعْلُومِ بِالِاضْ ِطرَارِ أَ ّن ال ّدعَاءَ‬ ‫وَُت ْرزَقُو َن إلّا ِب ُ‬
‫ِعنْدَ اْلقُبُورِ َلوْ كَانَ َأ ْفضَلَ مِ ْن ال ّدعَاءِ ِعنْ َد غَْي ِرهَا َو ُهوَ َأ َحبّ إلَى الّل ِه وَأَ ْج َوبُ َلكَانَ السّلَفُ َأ ْعلَمَ‬
‫خلْ ِق وَكَانُوا أَ ْسرَعَ إَلْيهِ َفإِّنهُمْ كَانُوا َأعْلَ َم بِمَا ُيحِّبهُ الّلهُ وََي ْرضَا ُه وَأَسَْبقَ إلَى طَاعَِتهِ‬ ‫ك مِنْ الْ َ‬ ‫بِذَِل َ‬
‫ك وَُي َر ّغبُ فِيهِ فَِإّنهُ َأ َمرَ بِكُ ّل َم ْعرُوفٍ ‪ ,‬وََنهَى‬ ‫َو ِرضَاهُ وَكَا َن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ُيبَيّ ُن ذَِل َ‬
‫جنّةِ إلّا َوقَدْ حَ ّدثَ ُأمَّتهُ ِبهِ ‪ ,‬وَلَا َشيْئًا يُْبعِ ُد عَنْ النّارِ إلّا‬ ‫عَنْ كُ ّل مُْن َكرٍ َومَا َترَكَ َشيْئًا ُي َقرّبُ إلَى الْ َ‬
‫وََقدْ حَ ّذرَ ُأمَّتهُ مِْن ُه ‪َ ,‬وقَدْ َترَكَ ُأمَّت ُه عَلَى الْمَحَجّةِ الْبَْيضَا ِء ‪َ ,‬ليُْلهَا َكَنهَا ِرهَا ‪ ,‬لَا يَْن َزوِي َعْنهَا َبعْ َدهُ‬
‫س ‪ ,‬وَ َحسَ َم مَادَّتهُ بَِنهِْي ِه وََنهِْي ِه عَنْ اتّخَاذِ اْلقُبُورِ‬ ‫ف وَقَ ْد َنهَى َعنْ هَذَا الْجِْن ِ‬ ‫ك ‪َ ,‬فكَيْ َ‬ ‫إلّا هَاِل ٌ‬
‫صلّي لَا َيعُْبدُ الْ َم ْوتَى وَلَا يَ ْدعُوهُمْ كَمَا‬ ‫مَسَاجِ َد ‪ ,‬فََنهَى عَنْ الصّلَاةِ لِّل ِه مُسَْتقِْبلًا َلهَا ‪ .‬وَإِنْ كَانَ الْ ُم َ‬
‫س‪,‬‬ ‫شرِ ِكيَ لِلشّ ْم ِ‬ ‫َنهَى عَنْ الصّلَاةِ وَ ْقتَ ُطلُوعِ الشّ ْمسِ َووَ ْقتَ اْل ُغرُوبِ لَِأّنهَا وَ ْقتَ سُجُودِ اْلمُ ْ‬
‫ح ّق َقتْ الْ َمفْسَ َدةُ بِأَ ْن صَارَ اْلعَبْدُ‬ ‫سجُدُ إلّا ِلّلهِ سَدّا لِل ّذرِيعَةِ ‪ ,‬فَ َكيْفَ إذَا تَ َ‬ ‫وَإِنْ كَا َن الْ ُمصَلّي لَا يَ ْ‬
‫ع َووَ ْقتَ‬ ‫س وَ ْقتَ الطّلُو ِ‬ ‫ح ّققَتْ اْل َمفْسَ َدةُ بِالسّجُودِ لِلشّ ْم ِ‬ ‫يَ ْدعُو الْ َمّيتَ ‪ ,‬وَيَ ْدعُو ِبهِ كَمَا إذَا تَ َ‬
‫ب ؟ َوقَدْ كَانَ َأصْ ُل عِبَا َدةِ الَْأ ْوثَا ِن مِنْ َتعْظِي ِم اْلقُبُورِ كَمَا قَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَقَالُوا لَا َت َذرُنّ‬ ‫اْل ُغرُو ِ‬
‫س َوغَْي ِرهِ ‪:‬‬ ‫سرًا } ‪ .‬قَا َل السّلَفُ كَاْبنِ َعبّا ٍ‬ ‫آِلهَتَ ُكمْ َولَا تَ َذرُ ّن َودّا وَلَا ُسوَاعًا وَلَا َيغُوثَ َوَيعُوقَ وََن ْ‬
‫ص ّورُوا تَمَاثِيَلهُمْ ‪ ,‬ثُمّ‬ ‫حيَ فِي َق ْومِ نُوحٍ َفلَمّا مَاتُوا عَ َكفُوا َعلَى ُقبُو ِرهِمْ ‪ ,‬ثُ ّم َ‬ ‫كَا َن َهؤُلَاءِ َق ْومًا صَالِ ِ‬
‫صغِيِ مِنْ الصّحَابَ ِة وَالتّاِب ِعيَ وَتَاِبعِيهِ ْم مَ ْن ُهوَ َأ ْفضَلُ‬ ‫ب ال ّ‬
‫َعبَدُوهُمْ ‪ ,‬ثُ ّم مِ ْن الْ َمعْلُومِ أَنّ بِ َمقَاِبرِ بَا ِ‬
‫مِ ْن َهؤُلَاءِ الْ َمشَاِيخِ الَْأ ْرَبعَ ِة ‪ ,‬فَكَيْفَ ُي َعيّ ُن َهؤُلَاءِ لِل ّدعَا ِء عِنْدَ ُقبُو ِرهِمْ دُو َن مَ ْن ُهوَ َأ ْفضَ ُل مِْنهُمْ ‪ ,‬ثُمّ‬
‫ح ِوهِمْ مَ ْن يُحِّب ُه وَُيعَظّ ُمهُ بِال ّدعَا ِء دُونَ الشّيْ ِخ الْآ َخرِ ‪َ ,‬فهَلْ َأ َمرَ الّلهُ‬ ‫إنّ ِلكُلّ شَْي ٍخ مِنْ َهؤُلَاءِ وََن ْ‬

‫‪205‬‬
‫شرِكُونَ ِبهِ ْم الّذِي َن ضَا َهوْا الّذِينَ اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم‬ ‫بِال ّدعَا ِء عِنْ َد وَاحِ ٍد دُونَ َغْي ِرهِ كَمَا َيفْعَ ُل الْمُ ْ‬
‫َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّل ِه ‪ ,‬وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَ َم ‪َ ,‬ومَا ُأ ِمرُوا إلّا ِلَيعْبُدُوا إَلهًا وَاحِدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ‬
‫ض الْمَشَايِ ِخ مِنْ َقوِْل ِه ‪ :‬إذَا َنزَلَ ِبكَ‬ ‫شرِكُو َن ‪َ .‬فصْلٌ ‪ :‬وََأمّا مَا ُحكِ َي عَنْ َبعْ ِ‬ ‫سُبْحَاَنهُ عَمّا يُ ْ‬
‫ك مِنْ الشّ ّد ِة ‪َ ,‬حيّا كُْنتُ َأ ْو مَيّتًا ‪َ .‬فهَذَا اْلكَلَامُ‬ ‫ف مَا ِب َ‬ ‫حَا ِدثٌ َأوْ َأ ْمرٌ تَخَاُفهُ فَاسَْت ْوحِنِي َفيُكْشَ ُ‬
‫ح ُوهُ إمّا َيكُونُ َكذِبًا مِنْ النّاقِ ِل ‪َ ,‬أوْ خَطٌَأ مِ ْن اْلقَائِلِ ‪ ,‬فَِإّنهُ َنقْلٌ لَا ُي ْعرَفُ صِ ْدُقهُ عَنْ قَائِ ٍل غَْيرِ‬ ‫وََن ْ‬
‫ق عَنْ قَائِ ٍل غَْيرِ‬ ‫َم ْعصُو ٍم ‪َ ,‬ومَنْ َترَكَ الّنقْلَ الْ ُمصَدّقَ عَ ْن اْلقَائِ ِل الْ َم ْعصُو ِم ‪ ,‬وَاتّبَعَ َنقْلًا َغْيرَ ُمصَدّ ٍ‬
‫ك‪,‬‬ ‫ضلَالًا َبعِيدًا ‪َ ,‬ومِنْ الْ َمعْلُومِ أَنّ الّلهَ لَمْ يَ ْأ ُمرْ بِمِثْ ِل هَذَا ‪ ,‬وَلَا ُرسُُلهُ َأ َمرُوا بِذَِل َ‬ ‫َم ْعصُومٍ َفقَ ْد ضَلّ َ‬
‫صبْ ‪ ,‬وَإِلَى رَبّك فَا ْر َغبْ } ‪ .‬وَلَ ْم َيقُلْ ا ْر َغبْ إلَى الْأَنِْبيَاءِ‬ ‫بَلْ قَا َل الّلهُ َتعَالَى ‪ { :‬فَِإذَا َف َرغْتَ فَاْن َ‬
‫ض ّر عَنْكُ ْم وَلَا‬ ‫وَالْمَلَائِ َك ِة ‪ .‬وَقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬قُ ْل ُا ْدعُوا الّذِي َن َزعَمْتُ ْم مِ ْن دُوِنهِ َفلَا يَ ْملِكُونَ كَشْفَ ال ّ‬
‫حوِيلًا أُولَِئكَ الّذِي َن يَ ْدعُونَ يَْبَتغُونَ إلَى َرّبهِمْ اْلوَسِيَلةَ أَّيهُمْ َأ ْق َربُ وََيرْجُو َن رَحْ َمَتهُ وََيخَافُونَ‬ ‫تَ ْ‬
‫ف ‪ :‬كَانَ أَ ْقوَامٌ يَ ْدعُو َن اْل ُعزَْيرَ ‪,‬‬ ‫ب رَبّك كَا َن مَحْذُورًا } ‪ .‬قَاَلتْ طَاِئفَ ٌة مِنْ السّلَ ِ‬ ‫عَذَاَبهُ إ ّن عَذَا َ‬
‫وَالْمَسِي َح ‪ ,‬وَالْ َملَائِ َك َة ‪ ,‬فَأَْنزَلَ الّل ُه هَ ِذهِ الْآيَ َة ‪َ ,‬وهَذَا رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم لَمْ َيقُلْ‬
‫س َو ُهوَ‬ ‫لَِأحَ ٍد مِنْ َأصْحَاِبهِ إذَا َنزَ َل ِبكَ حَا ِدثٌ فَاسَْتوْ ِحنِي ‪ ,‬بَلْ { قَالَ لِابْ ِن عَ ّمهِ َعبْدِ الّلهِ بْ ِن عَبّا ٍ‬
‫حفَ ْظكَ ‪ ,‬ا ْحفَظْ الّلهَ تَجِ ْدهُ َأمَامَك ‪َ ,‬ت َعرّفْ إلَى الّلهِ فِي الرّخَاءِ َي ْعرِ ْفكَ فِي‬ ‫يُوصِيهِ ‪ :‬ا ْح َفظْ الّلهَ يَ ْ‬
‫ض اْلعَامّ ِة مِنْ أَّنهُ‬ ‫الشّ ّد ِة ‪ ,‬إذَا سَأَْلتَ فَاسْأَلْ الّل َه ‪ ,‬وَِإذَا ا ْسَتعَْنتَ فَا ْسَتعِنْ بِاَلّلهِ } " ‪َ .‬ومَا َي ْروِيه َبعْ ُ‬
‫قَا َل ‪ { :‬إذَا سَأَْلتُمْ الّلهَ فَاسْأَلُوهُ بِجَاهِي فَإِنّ جَاهِي عِْندَ الّلهِ عَظِي ٌم } ‪َ .‬ف ُهوَ حَدِيثٌ كَ ِذبٌ‬
‫َم ْوضُوعٌ ‪ ,‬لَمْ َي ْر ِوهِ أَحَ ٌد مِنْ َأهْلِ اْلعِلْ ِم ‪ ,‬وَلَا ُه َو فِي شَ ْي ٍء مِنْ ُكُتبِ الْ ُمسْلِ ِميَ اْل ُمعْتَمَ َدةِ فِي الدّينِ‬
‫‪ .‬فَإِنْ كَا َن لِلْ َمّيتِ َفضِيَل ٌة ‪َ ,‬ف َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َأوْلَى بِكُلّ َفضِيلَ ٍة وََأصْحَاُبهُ مِنْ َبعْ ِدهِ‬
‫‪ ,‬وَإِنْ كَا َن مَْن َفعَةً لِ ْلحَيّ بِاْلمَّيتِ فََأصْحَاُبهُ أَ َحقّ النّاسِ اْنِتفَاعًا ِبهِ حَيّا َومَيّتًا ‪َ ,‬فعُلِمَ أَ ّن هَذَا مِنْ‬
‫جَتهِدًا‬
‫ض الشّيُوخِ قَا َل ذَِلكَ َف ُهوَ خَطٌَأ مِْن ُه ‪َ ,‬واَلّلهُ َي ْغ ِفرُ َلهُ إنْ كَا َن مُ ْ‬ ‫الضّلَا ِل ‪ ,‬وَإِنْ كَانَ َبعْ ُ‬
‫جبُ اتّبَاعُ َقوِْلهِ ‪ ,‬وَلَا َم ْعصُومٌ فِيمَا يَ ْأ ُمرُ ِبهِ وََيْنهَى عَْن ُه ‪ ,‬وَقَ ْد قَالَ الّلهُ‬ ‫س ُهوَ بَِنبِيّ يَ ِ‬ ‫مُخْ ِطئًا وَلَْي َ‬
‫َتعَالَى ‪ { :‬فَإِنْ َتنَا َزعْتُ ْم فِي شَ ْيءٍ َف ُردّوهُ إلَى الّلهِ وَالرّسُولِ إنْ كُْنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاَلّل ِه وَاْلَي ْومِ الْآ ِخ ِر } ‪.‬‬
‫َفصْلٌ ‪ :‬وََأمّا َقوْلُ اْلقَائِ ِل ‪ :‬مَ ْن َقرَأَ آَيةَ اْل ُكرْسِ ّي ‪ ,‬وَاسَْتقَْبلَ ِجهَ َة الشّيْ ِخ عَبْ ِد اْلقَا ِدرِ الْجِيلَانِ ّي رضي‬
‫خطُو مَعَ كُ ّل تَسْلِيمَ ٍة خُ ْط َوةً إلَى َقْب ِرهِ ُقضَِيتْ حَاجَُتهُ‬ ‫ال عنه وَسَلّ َم َعلَْي ِه ‪ ,‬وَ َخطَا سَبْ َع خُ ُطوَاتٍ يَ ْ‬
‫ي ‪ .‬وَلَا‬ ‫ب وَيُ ْكِثرُ َتوَا ُج َدهُ ‪َ ,‬فهَذَا َأمْرٌ اْل ُقرْبَةُ فِيهِ ِشرْكٌ ِب َربّ اْلعَالَ ِم َ‬‫‪َ ,‬أوْ كَانَ فِي سَمَاعٍ فَِإّنهُ يُطَّي ُ‬
‫ب عََلْيهِ ‪,‬‬ ‫ك عَْنهُ َفقَدْ كَ َذ َ‬ ‫رَْيبَ أَ ّن الشّيْ َخ عَبْ َد اْلقَا ِدرِ َلمْ َيقُ ْل هَذَا ‪ ,‬وَلَا َأ َمرَ ِبهِ ‪َ ,‬ومَنْ َيقُلْ مِْثلَ ذَِل َ‬
‫شرْكِ الْ ُمشَّب ِهيَ لِلّنصَارَى مِنْ َأهْلِ اْلبِدَعِ الرّاِفضَةِ‬ ‫ث مِثْ َل هَ ِذهِ الْبِدَعِ َأهْ ُل اْلغُُل ّو وَال ّ‬
‫وَِإنّمَا يُحْ ِد ُ‬
‫اْلغَالَِيةِ فِي الَْأئِمّ ِة ‪َ ,‬ومَنْ َأشَْب َههُ ْم مِنْ اْلغُلَا ِة فِي الْ َمشَاِي ِخ ‪ .‬وَقَ ْد ثََبتَ فِي الصّحِي ِح ‪ :‬عَ ْن النّبِيّ صلى‬
‫جلِسُوا َعلَى اْلقُبُورِ ‪ ,‬وَلَا ُتصَلّوا إلَْيهَا } " ‪ .‬فَِإذَا َنهَى عَنْ اسِْتقْبَالِ‬ ‫ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪ { :‬لَا تَ ْ‬

‫‪206‬‬
‫اْلقَْبرِ فِي الصّلَاةِ ِلّلهِ ‪ ,‬فَ َكيْفَ يَجُوزُ الّتوَ ّجهُ إلَْي ِه وَال ّدعَاءُ ِلغَْي ِر الّل ِه مَعَ ُبعْدِ الدّا ِر ‪َ ,‬وهَ ْل هَذَا إلّا مِنْ‬
‫جِْنسِ مَا َيفْعَُلهُ الّنصَارَى ِبعِيسَى وَُأ ّمهِ وَأَ ْحبَا ِرهِ ْم َو ُرهْبَاِنهِمْ فِي اتّخَا ِذهِمْ َأرْبَابًا وَآِل َهةً يَ ْدعُوَنهُمْ‬
‫وََيسَْتغِيثُوَنهُمْ فِي مَطَالِِبهِ ْم وَيَسَْألُوَنهُ ْم وَيَسَْألُونَ ِبهِ ْم ‪.‬‬
‫ض اْلعَامّةِ َأوْ ُيعَّلقُونَ ِبهَا‬ ‫ح ُوهَا مِمّا َينْ ِذرُ َلهَا َبعْ ُ‬ ‫َفصْلٌ ‪ :‬وََأمّا الَْأشْجَا ُر ‪ ,‬وَالْأَحْجَارُ ‪ ,‬وَاْلعُيُو ُن ‪ ,‬وَنَ ْ‬
‫ح ُو ذَِلكَ َفهَذَا ُكّلهُ‬ ‫ِخرَقًا َأ ْو غَْي َر ذَِلكَ ‪َ ,‬أوْ يَأْخُذُو َن َورََقهَا يَتََبرّكُونَ ِب ِه ‪َ ,‬أ ْو ُيصَلّونَ ِعنْ َدهَا ‪َ ,‬أ ْو نَ ْ‬
‫شرْكِ ِباَلّلهِ َتعَالَى ‪ { ,‬وَقَدْ كَانَ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ع الْمُْن َك َرةِ َو ُه َو مِنْ عَمَلِ َأ ْهلِ الْجَاهِلِيّ ِة َومِنْ أَسْبَا ِ‬ ‫مِنْ الْبِدَ ِ‬
‫ض النّاسِ ‪ :‬يَا رَسُو َل الّلهِ ‪,‬‬ ‫ط َفقَالَ َبعْ ُ‬ ‫حَتهُمْ يُسَمّوَنهَا ذَاتَ َأْنوَا ٍ‬ ‫ج َرةٌ ُيعَّلقُونَ ِبهَا أَ ْسلِ َ‬
‫شرِ ِكيَ شَ َ‬ ‫ِللْمُ ْ‬
‫ا ْجعَلْ لَنَا ذَاتَ َأْنوَاطٍ ‪ ,‬كَمَا َلهُ ْم ذَاتُ َأْنوَاطٍ ‪َ .‬فقَالَ ‪ :‬الّلهُ أَ ْكَب ُر ‪ُ ,‬قلْتُمْ َكمَا قَا َل َق ْومُ مُوسَى‬
‫ِلمُوسَى ا ْجعَلْ لَنَا إَلهًا َكمَا َلهُمْ آِلهَ ٌة ‪ ,‬إّنهَا السّنَنُ ‪ ,‬لََترْ َكبُنّ َسنَ َن مَنْ كَانَ قَْبلَكُمْ ِشْبرًا ِبشِْبرٍ‬
‫ح َر ضَبّ لَ َدخَلُْتمْ ‪ ,‬وَ َحتّى َلوْ أَنّ أَحَ َدهُمْ جَامَعَ ا ْمرََأَتهُ‬ ‫َو ِذرَاعًا بِ ِذرَاعٍ َحتّى َلوْ أَنّ أَحَ َدهُ ْم دَخَ َل جُ ْ‬
‫ج َرةِ الّتِي‬ ‫فِي ال ّطرِيقِ َل َفعَلْتُمُو ُه } " ‪ .‬وََقدْ بَلَ َغ عُ َمرُ ْبنُ اْلخَطّابِ أَنّ َق ْومًا َي ْقصِدُونَ الصّلَا َة عِنْدَ الشّ َ‬
‫ج َرةِ‬
‫حَتهَا ‪ ,‬فََأمَرَ ِبتِ ْلكَ الشّ َ‬ ‫ضوَانِ الّتِي بَايَ َع النّبِيّ صلى ال عليه وسلم تَ ْ‬ ‫حَتهَا بَْيعَ ُة ال ّر ْ‬
‫كَاَنتْ تَ ْ‬
‫ت ‪ ,‬وََقدْ اّتفَ َق ُعلَمَاءُ الدّي ِن عَلَى أَ ّن مَنْ نَ َذ َر عِبَا َدةً فِي ُب ْقعَ ٍة مِنْ هَ ِذ ِه الِْبقَاعِ لَ ْم يَكُ ْن ذَِلكَ‬ ‫َفقُ ِطعَ ْ‬
‫جبُ اْلوَفَاءُ ِب ِه ‪ ,‬وَلَا َمزِيّةَ لِ ْل ِعبَا َدةِ فِيهَا ‪َ .‬فصْلٌ ‪ :‬وََأصْ ُل هَذَا الْبَابِ أَّنهُ َلْيسَ فِي َشرِيعَةِ‬ ‫نَ ْذرًا َي ِ‬
‫ك ‪ ,‬إلّا مَسَاجِدَ‬ ‫حوِ ذَِل َ‬ ‫الْإِ ْسلَامِ ُب ْقعَةٌ ُت ْقصَدُ ِلعِبَا َدةِ الّلهِ فِيهَا بِالصّلَا ِة وَال ّدعَا ِء وَالذّ ْكرِ وَاْل ِقرَا َءةِ وََن ْ‬
‫جعَلْ‬ ‫ت مَسَاجِ َد ‪َ ,‬أوْ لَمْ تُ ْ‬ ‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬ومَشَا ِعرَ اْلحَ ّج ‪ ,‬وََأمّا الْمَشَاهِ ُد الّتِي َعلَى اْلقُبُورِ َسوَاءٌ ُجعَِل ْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ف ‪َ ,‬أ ْو َغْيرُ‬ ‫ت وَالْ ُكهُو ُ‬ ‫ي ‪َ ,‬أ ْو الْ َمغَارَا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ض الْأَْنبِيَا ِء ‪َ ,‬أ ْو الصّالِ ِ‬‫َأ ْو الْ َمقَامَاتُ الّتِي ُتضَافُ إلَى َبعْ ِ‬
‫ك مِثْلُ الطّورِ الّذِي كَلّ َم الّلهُ عََلْيهِ مُوسَى ‪َ ,‬ومِثْ ُل غَارِ ِحرَاءَ الّذِي كَا َن النّبِيّ صلى ال عليه‬ ‫ذَِل َ‬
‫وسلم َيتَحَّنثُ فِيهِ قَبْ َل ُنزُولِ اْلوَحْ ِي َعلَْي ِه ‪ ,‬وَاْلغَارُ الّذِي ذَ َكرَهُ الّلهُ فِي َق ْوِلهِ { ثَانِ َي اْثنَيْنِ إ ْذ هُمَا‬
‫فِي اْلغَا ِر } ‪ .‬وَاْلغَارُ الّذِي بِجَبَ ِل قَا ِسيُونَ بِ ِدمَشْقَ " الّذِي ُيقَالُ َل ُه " َمغَا َرةُ ال ّذ ّم " وَالْ َمقَامَانِ اللّذَانِ‬
‫شرْقِ ّي وَاْل َغرْبِ ّي ‪ُ ,‬يقَالُ لِأَحَ ِدهِمَا َمقَامُ إْبرَاهِي َم " وَُيقَالُ ِللْآ َخ ِر " َمقَا ُم عِيسَى " َومَا َأشَْبهَ‬ ‫بِجَاِنبَْيهِ ال ّ‬
‫س َفرُ إلَْيهَا ِل ِزيَارَِتهَا ‪ ,‬وََل ْو نَ َذرَ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫شرَ ُ‬ ‫ض َو َغرِْبهَا ‪َ .‬فهَ ِذهِ لَا يُ ْ‬ ‫ع وَاْلمَشَاهِدَ فِي َشرْقِ الَْأ ْر ِ‬ ‫هَ ِذهِ الِْبقَا َ‬
‫سلِ ِميَ ‪ ,‬بَ ْل قَدْ َثَبتَ فِي الصّحِيحَْينِ‬ ‫ب عََلْيهِ اْلوَفَاءُ ِبنَ ْذ ِرهِ بِاّتفَاقِ َأئِمّ ِة الْمُ ْ‬
‫ج ْ‬‫س َفرَ إلَْيهَا لَمْ يَ ِ‬
‫نَا ِذرٌ ال ّ‬
‫عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َومِنْ حَدِيثِ أَبِي ُهرَْي َر َة ‪ ,‬وََأبِي َسعِي ٍد ‪َ ,‬و ُهوَ ُي ْروَى عَ ْن غَْي ِرهِمَا ‪:‬‬
‫حرَا ِم وَالْ َمسْجِ ِد الْأَ ْقصَى َومَسْجِدِي‬ ‫َأّنهُ قَا َل ‪ { :‬لَا ُتشَدّ الرّحَالُ إلّا إلَى َثلَاَث ِة مَسَاجِدَ ‪ :‬الْ َمسْجِدِ الْ َ‬
‫ب رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم لَمّا فَتَحُوا هَ ِذ ِه الِْبلَا َد ‪ :‬بِلَادَ الشّامِ‬ ‫هَذَا } " ‪ .‬وَقَدْ كَانَ َأصْحَا ُ‬
‫صرَ ‪ ,‬وَ ُخرَاسَا َن ‪ ,‬وَالْ َم ْغ ِربِ ‪َ ,‬و َغْي َرهَا ‪ :‬لَا َيقْصِدُو َن هَ ِذهِ اْلِبقَاعَ وَلَا َيزُورُوَنهَا وَلَا‬ ‫ق ‪َ ,‬ومِ ْ‬ ‫‪ ,‬وَاْل ِعرَا ِ‬
‫شرِيعَةِ َنبِّيهِمْ ُيعَ ّمرُونَ الْ َمسَاجِ َد الّتِي قَالَ‬ ‫ستَمْسِ ِكيَ ِب َ‬ ‫َيقْصِدُونَ الصّلَاةَ وَال ّدعَاءَ فِيهَا ‪ ,‬بَلْ كَانُوا مُ ْ‬
‫الّلهُ فِيهَا ‪َ { :‬ومَنْ أَ ْظلَ ُم مِمّنْ َمنَ َع مَسَاجِ َد الّلهِ أَنْ يُذْ َكرَ فِيهَا اسْ ُمهُ } ‪ .‬وَقَالَ { إنّمَا َيعْ ُمرُ‬

‫‪207‬‬
‫خشَ إلّا الّلهَ } ‪ .‬وَقَا َل‬ ‫مَسَاجِدَ الّلهِ مَ ْن آمَنَ بِاَلّلهِ وَالَْي ْومِ الْآ ِخ ِر وَأَقَامَ الصّلَاةَ وَآتَى الزّكَا َة وَلَمْ َي ْ‬
‫سطِ وَأُقِيمُوا وُجُوهَكُ ْم ِعنْدَ كُ ّل مَسْجِ ٍد } ‪ .‬وَقَا َل َتعَالَى ‪ { :‬وَأَنّ‬ ‫َتعَالَى ‪ { :‬قُلْ َأ َمرَ َربّي بِاْلقِ ْ‬
‫حيْ ِن ‪ :‬عَ ْن النّبِيّ‬ ‫ص وَفِي الصّحِي َ‬ ‫الْمَسَاجِدَ ِلّلهِ فَلَا تَ ْدعُوا مَعَ الّلهِ َأحَدًا } ‪ .‬وََأمْثَا ُل هَ ِذهِ الّنصُو ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل ‪ { :‬صَلَاةُ الرّ ُجلِ فِي الْمَسْجِ ِد َت ْفضُلُ َعلَى صَلَاِتهِ فِي بَْيِتهِ وَسُوِقهِ‬
‫سجِدَ لَا ُيْن ِه ُزهُ إلّا‬ ‫شرِي َن َدرَجَ ًة َوذَِلكَ أَنّ الرّجُلَ إذَا َت َوضّأَ فَأَ ْحسَنَ اْل ُوضُوءَ ثُمّ أَتَى الْمَ ْ‬ ‫بِخَ ْمسٍ َوعِ ْ‬
‫حطّ خَطِيئَةً َفِإذَا َجَلسَ َينْتَ ِظ ُر الصّلَاةَ‬ ‫الصّلَاةُ فِيهِ كَاَنتْ خُ ْطوَتَاهُ إ ْحدَاهُمَا َترْفَ ُع َدرَجَ ًة وَالْأُ ْخرَى تَ ُ‬
‫كَا َن فِي صَلَا ٍة مَا دَامَ يَْنتَ ِظرُ الصّلَاةَ فَِإذَا َقضَى الصّلَاةَ فَإِ ّن الْ َملَائِ َكةَ ُتصَلّي َعلَى أَحَ ِدهِ ْم مَا دَامَ فِي‬
‫ُمصَلّا ُه ‪َ .‬تقُولُ الّلهُمّ ا ْغ ِفرْ َلهُ الّلهُمّ ا ْرحَ ْمهُ } " ‪َ .‬وقَدْ َتنَازَعَ الْ ُمتَأَ ّخرُونَ فِيمَنْ سَاَفرَ ِل ِزيَا َرةِ قَْبرِ َنبِيّ‬
‫صرُ الصّلَاةَ فِيهِ‬ ‫ح ّققُونَ ‪ِ ,‬مْنهُمْ قَالُوا ‪ :‬إ ّن هَذَا َس َفرُ َمعْصَِي ٍة وَلَا َي ْق ُ‬ ‫ك مِنْ الْمَشَاهِ ِد وَالْمُ َ‬ ‫حوِ ذَِل َ‬ ‫َأوْ َن ْ‬
‫ك ذَ َكرَ َأبُو َعبْدِ الّلهِ بْنُ‬ ‫صرُ فِي َس َفرِ الْ َم ْعصِيَةِ كَمَا ذَ َك َر ذَِلكَ اْب ُن َعقِي ٍل َوغَْي ُرهُ ‪ .‬وَكَذَِل َ‬ ‫كَ َمنْ لَا َي ْق ُ‬
‫ع الْمُحْ َدثَ ِة فِي اْلإِسْلَامِ بَلْ َن ْفسُ َقصْدِ هَ ِذهِ الِْبقَاعِ لِلصّلَاةِ فِيهَا وَال ّدعَاءِ ‪,‬‬ ‫بَطّ َة ‪ :‬أَ ّن هَذَا مِنْ الْبِدَ ِ‬
‫ي رضي ال عنهم وََأ ْرضَاهُمْ‬ ‫سلِ ِميَ ‪ ,‬وَلَمْ ُيْنقَلْ عَ ْن السّاِب ِقيَ الَْأوِّل َ‬ ‫َلْيسَ َلهُ َأصْلٌ فِي َشرِيعَةِ الْمُ ْ‬
‫ح ّروْنَ هَ ِذهِ اْلِبقَاعَ لِل ّدعَاءِ وَالصّلَا ِة ‪ ,‬بَلْ لَا َي ْقصِدُونَ إلّا مَسَاجِ َد الّلهِ ‪ ,‬بَ ْل الْمَسَاجِدُ‬ ‫َأّنهُمْ كَانُوا يََت َ‬
‫ضرَارِ الّذِي قَالَ الّلهُ فِي ِه ‪:‬‬ ‫سجِدِ ال ّ‬ ‫ش ْرعِيّ لَا َي ْقصِدُوَنهَا أَْيضًا كَمَ ْ‬ ‫الْمَْبنِيّ ُة عَلَى َغْيرِ اْلوَ ْجهِ ال ّ‬
‫ي وَِإ ْرصَادًا لِمَنْ حَا َربَ الّل َه َورَسُوَلهُ‬ ‫ضرَارًا وَ ُك ْفرًا وََت ْفرِيقًا بَْينَ الْ ُم ْؤمِِن َ‬
‫{ َواَلّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِدًا ِ‬
‫جدٌ أُ ّسسَ‬ ‫شهَدُ إّنهُمْ لَكَا ِذبُونَ ‪ ,‬لَا َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْ ِ‬ ‫حسْنَى َواَلّلهُ َي ْ‬ ‫مِنْ َقبْ ُل وَلََيحِْلفُنّ إنْ َأ َردْنَا إلّا الْ ُ‬
‫حبّ‬ ‫حبّونَ أَ ْن يَتَ َط ّهرُوا وَاَلّلهُ يُ ِ‬ ‫َعلَى الّت ْقوَى مِنْ َأوّلِ َي ْومٍ َأحَقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُ ِ‬
‫حيَ لَا َتجُوزُ الصّلَاةُ فِيهَا وَبِنَا ُؤهَا‬ ‫الْمُ ّط ّهرِي َن } ‪َ .‬بلْ الْ َمسَاجِ ُد الْمَْبنِيّ ُة عَلَى قُبُورِ الَْأنِْبيَاءِ وَالصّالِ ِ‬
‫ص َعلَى ذَِلكَ َغْيرُ وَاحِ ٍد مِنْ الْأَئِمّ ِة ‪ ,‬لِمَا ا ْسَتفَاضَ عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه‬ ‫ح ّرمٌ ‪ ,‬كَمَا قَدْ نَ ّ‬ ‫مُ َ‬
‫ح ‪ ,‬وَالسّنَ ِن ‪ ,‬وَالْ َمسَانِي ِد ‪َ ,‬أّنهُ قَا َل ‪ { :‬إ ّن مَنْ كَانَ قَْبلَكُمْ كَانُوا َيتّخِذُونَ‬ ‫وسلم فِي الصّحَا ِ‬
‫ض َموِْتهِ ‪:‬‬ ‫اْلقُبُو َر مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتّخِذُوا اْلقُبُورَ مَسَاجِدَ فَِإنّي أَْنهَاكُ ْم عَ ْن ذَِلكَ } " ‪َ .‬وقَالَ فِي َم َر ِ‬
‫{ َلعْنَ ُة الّل ِه عَلَى اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى اتّخَذُوا قُبُورَ أَْنبِيَاِئهِ ْم مَسَاجِدَ } " ُيحَ ّذرُ مَا َفعَلُوا ‪ .‬قَاَلتْ‬
‫ج َرةُ النّبِيّ صلى ال‬ ‫شةُ ‪ :‬وََلوْلَا ذَِلكَ لَأُْب ِرزَ َقْب ُرهُ ‪ ,‬وَلَكِنْ َك ِرهَ أَنْ يُتّخَ َذ مَسْجِدًا ‪ ,‬وَكَاَنتْ ُح ْ‬ ‫عَائِ َ‬
‫سجِ ِدهِ ‪َ ,‬فلَمّا كَانَ فِي إ ْمرَةِ اْل َولِيدِ ْبنِ َعبْدِ الْمَِلكِ كََتبَ إلَى عُ َمرَ بْنِ‬ ‫عليه وسلم خَارِجَ ًة عَ ْن مَ ْ‬
‫ج النّبِيّ صلى ال‬ ‫جرَ َأ ْزوَا ِ‬
‫َعبْدِ اْل َعزِي ِز عَامِِل ِه عَلَى الْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ أَنْ َيزِيدَ فِي الْ َمسْجِدِ فَاشَْترَى حُ َ‬
‫ج َرةُ إ ْذ ذَاكَ فِي‬ ‫عليه وسلم وَكَاَنتْ َشرْقِيّ الْمَسْجِ ِد ‪ ,‬وَقِْبلََتهُ َفزَا َدهَا فِي الْمَسْجِ ِد فَدَ َخَلتْ الْحُ ْ‬
‫خلِيلِ لَمّا‬ ‫ت اْلقِبَْلةِ لَِئلّا َيصِلَ َأحَدٌ إلَْيهَا ‪ .‬وَكَذَِلكَ قَْبرُ إْبرَاهِي َم الْ َ‬ ‫سنّمَ ًة عَنْ سَ ْم ِ‬ ‫سجِ ِد وَبََن ْوهَا مُ َ‬ ‫الْمَ ْ‬
‫سلِمُونَ الْبِلَادَ كَانَ َعلَْيهِ السّورُ السّلَْيمَانِ ّي ‪ ,‬وَلَا يَ ْدخُلُ إَلْيهِ أَ َحدٌ َولَا ُيصَلّي َأحَ ٌد عِنْ َد ُه ‪ ,‬بَلْ‬ ‫فَتَ َح الْمُ ْ‬
‫خلِي ِل بِمَسْجِ ٍد ُهنَا َك ‪ ,‬وَكَا َن الَْأ ْمرُ َعلَى ذَِلكَ َعلَى َعهْدِ اْلخَُلفَاءِ‬ ‫سلِمُونَ ِب َقرْيَ ِة الْ َ‬ ‫كَا َن ُيصَلّي الْمُ ْ‬

‫‪208‬‬
‫س َو ُر ‪ ,‬ثُمّ ُجعِلَ فِيهِ بَابٌ ‪ ,‬وَُيقَالُ إنّ الّنصَارَى هُمْ‬ ‫الرّاشِدِي َن َومَنْ َبعْ َدهُ ْم ‪ ,‬إلَى أَنْ ُن ِقبَ ذَِلكَ ال ّ‬
‫ك مَسْجِدًا ‪ .‬وَِلهَذَا كَانَ‬ ‫س ًة ‪ ,‬ثُمّ لَمّا أَ َخذَ الْ ُمسْلِمُو َن مِْنهُمْ الِْبلَادَ ُجعِلَ ذَِل َ‬ ‫َنقَبُوهُ وَ َج َعلُوهُ َكنِي َ‬
‫اْلعُلَمَاءُ الصّالِحُو َن مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ لَا ُيصَلّو َن فِي ذَِلكَ الْمَكَا ِن ‪ ,‬هَذَا إذَا كَانَ اْل َقْبرُ صَحِيحًا ‪,‬‬
‫ح ‪ ,‬فَإِّنهُ‬ ‫ب ‪ ,‬مِثْلُ ‪ :‬اْل َقْبرِ الّذِي ُيقَالُ إّنهُ َقْبرُ نُو ٍ‬ ‫ف َوعَامّ ُة اْلقُبُورِ الْ َمنْسُوَبةِ إلَى الْأَْنبِيَاءِ كَ ِذ ٌ‬ ‫فَكَيْ َ‬
‫سقَلَانُ‬ ‫جهّا ُل مِ ْن مُ ّدةٍ َقرِيَبةٍ وَكَ َذِلكَ قَْب ُر غَْي ِر ِه ‪َ .‬فصْ ٌل ‪ :‬وََأمّا َع ْ‬ ‫كَ ِذبٌ لَا َرْيبَ فِيهِ ‪ ,‬وَإِنّمَا أَ ْظ َهرَهُ الْ ُ‬
‫سلِ ِميَ كَانَ صَالِحُو الْ ُمسْلِ ِميَ ُيقِيمُو َن ِبهَا لِأَجْ ِل الرّبَاطِ فِي َسبِيلِ‬ ‫فَإِّنهَا كَاَنتْ َث ْغرًا مِنْ ُثغُورِ الْمُ ْ‬
‫جْنسِ ‪ ,‬مِثْ ُل ‪ :‬جَبَلِ ُلبْنَا َن ‪ ,‬وَاْلإِسْكَْن َدرِيّة ‪َ ,‬ومِثْلُ‬ ‫الّل ِه ‪َ ,‬وهَكَذَا سَاِئرُ اْلِبقَاعِ الّتِي مِثْ ُل هَذَا الْ ِ‬
‫ح ِوهَا مِنْ الِْبلَادِ الّتِي كَاَنتْ ُثغُورًا ‪َ ,‬فهَ ِذهِ‬ ‫ق ‪َ ,‬ومِثْلُ َق ْزوِي َن ‪ ,‬وَنَ ْ‬ ‫ح ِوهَا بَِأ ْرضِ اْل ِعرَا ِ‬ ‫َعبّادَا ِن ‪َ ,‬ونَ ْ‬
‫سلِ ٍم عَنْ‬ ‫كَا َن الصّالِحُو َن َيقْصِدُوَنهَا لَِأجْلِ الرّبَاطِ فِي سَبِيلِ الّل ِه ‪َ ,‬فإِّنهُ قَدْ َثَبتَ فِي صَحِيحِ مُ ْ‬
‫ط َي ْومٍ وََليَْلةٍ فِي َسبِي ِل الّلهِ َخْيرٌ‬ ‫سَلْمَا َن اْلفَارِسِ ّي ‪ ,‬عَنْ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل ‪ { :‬رِبَا ُ‬
‫ي عَلَْي ِه عَمَُل ُه وَأُ ْج ِريَ َعلَْي ِه ِرزُْقهُ مِنْ‬ ‫ت مُجَاهِدًا وَأُ ْج ِر َ‬ ‫ت ُمرَابِطًا مَا َ‬ ‫مِ ْن صِيَامِ َش ْه ٍر وَقِيَا ِم ِه َومَنْ مَا َ‬
‫جنّ ِة وََأمِنَ اْل َفتّانَ } " ‪ .‬وَفِي سُنَنِ َأبِي دَاوُد َو َغْي ِرهِ ‪َ :‬عنْ ُعثْمَا َن ‪َ ,‬عنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫الْ َ‬
‫ط َي ْومٍ فِي سَبِيلِ الّلهِ خَْي ٌر مِنْ أَلْفِ َي ْومٍ ِسوَا ُه مِنْ الْمَنَازِ ِل } " ‪َ .‬وقَالَ أَبُو ُهرَْي َر َة ‪:‬‬ ‫َأّنهُ قَا َل ‪ { :‬رِبَا ُ‬
‫جرِ الْأَ ْس َودِ ‪ .‬وَِلهَذَا قَالَ‬ ‫لَأَنْ ُأرَاِبطَ لَْيلَ ًة فِي سَبِيلِ الّلهِ أَ َحبّ إلَ ّي مِنْ أَنْ أَقُومَ لَْيلَ َة اْلقَ ْد ِر عِنْدَ الْحَ َ‬
‫شرِيفَيْنِ ‪ ,‬لِأَنّ اْل ُمرَابَ َط َة مِنْ جِْنسِ‬ ‫ح َرمَيْنِ ال ّ‬‫اْلعُلَمَا ُء ‪ :‬إ ّن الرّبَاطَ بِالّثغُورِ َأ ْفضَلُ مِ ْن الْمُجَا ِو َرةِ بِالْ َ‬
‫ي مِنْ جِْنسِ الْحَ ّج ‪.‬‬ ‫جهَادِ أَ ْفضَلُ بِاّتفَاقِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫جهَا ِد ‪ ,‬وَالْمُجَا َو َر ُة مِنْ جِْنسِ اْلحَ ّج وَ ِجْنسُ الْ ِ‬ ‫الْ ِ‬
‫حرَامِ كَمَ ْن آمَنَ بِاَلّل ِه وَالَْي ْومِ الْآ ِخرِ‬ ‫سجِدِ اْل َ‬ ‫ج َوعِمَا َرةَ الْمَ ْ‬ ‫كَمَا قَا َل َتعَالَى ‪ { :‬أَ َجعَلُْتمْ ِسقَاَيةَ الْحَا ّ‬
‫وَجَاهَدَ فِي َسبِي ِل الّلهِ لَا يَسَْتوُو َن عِنْ َد الّلهِ وَاَلّلهُ لَا َيهْدِي اْل َقوْمَ الظّالِ ِميَ الّذِي َن آمَنُوا َوهَا َجرُوا‬
‫ش ُرهُمْ‬ ‫ك هُمْ اْلفَاِئزُونَ ُيبَ ّ‬ ‫سهِمْ َأعْظَ ُم َدرَ َجةً ِعنْدَ الّل ِه وَأُولَِئ َ‬ ‫وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الّلهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَْنفُ ِ‬
‫ضوَانٍ َوجَنّاتٍ َلهُمْ فِيهَا َنعِي ٌم ُمقِيمٌ خَالِدِي َن فِيهَا أََبدًا إنّ الّل َه عِنْ َدهُ أَ ْجرٌ‬ ‫رَّبهُ ْم ِبرَحْمَ ٍة مِْن ُه َو ِر ْ‬
‫عَظِي ٌم } ‪َ .‬فهَذَا ُهوَ الَْأصْلُ فِي َتعْظِي ِم هَ ِذهِ الَْأمْكَِنةِ ثُ ّم مِ ْن هَ ِذهِ الَْأمْكَِن ِة مَا سَ َكَنهُ َبعْ َد ذَِلكَ اْل ُكفّارُ‬
‫ع وَاْلفُجُورِ ‪َ ,‬ومِْنهَا مَا َخ ِربَ َوصَارَ َث ْغرًا غَْي ُر هَ ِذهِ الَْأمْ ِكنَ ِة وَالِْبقَاعِ َتَتغَّيرُ َأحْكَا ُمهَا ِبَتغَّيرِ‬ ‫وََأهْ ُل الْبِدَ ِ‬
‫َأ ْحوَالِ َأ ْهِلهَا ‪َ ,‬فقَدْ َتكُونُ اْلُبقْعَ ُة دَارَ ُك ْفرٍ إذَا كَانَ َأ ْهُلهَا ُكفّارًا ‪ ,‬ثُمّ َتصِ ُي دَارَ إ ْسلَامٍ إذَا أَسَْلمَ‬
‫َأ ْهُلهَا كَمَا كَاَنتْ مَكّ ُة َشرَّفهَا الّلهُ فِي َأوّ ِل الَْأ ْمرِ دَارَ ُك ْف ٍر وَ َح ْربٍ ‪ ,‬وَقَا َل الّلهُ فِيهَا ‪ { :‬وَكََأيّنْ‬
‫حهَا النّبِيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫مِنْ َق ْريَ ٍة هِيَ أَشَ ّد ُق ّوةً مِنْ َق ْريَِتكَ الّتِي أَ ْخرَ َجْتكَ } ‪ .‬ثُمّ لَمّا َفتَ َ‬
‫سهَا ُأمّ اْل ُقرَى وَأَ َحبّ الَْأ ْرضِ إلَى الّل ِه ‪ ,‬وَكَ َذِلكَ الَْأ ْرضُ الْ ُمقَدّ َسةُ‬ ‫صَا َرتْ دَارَ إسْلَامٍ ‪َ ,‬وهِيَ فِي َنفْ ِ‬
‫جبّارُونَ الّذِي َن ذَ َك َرهُمْ الّلهُ َتعَالَى ‪ ,‬كَمَا قَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَِإذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْ ِمهِ يَا َق ْومِ‬ ‫كَا َن فِيهَا الْ َ‬
‫ُاذْ ُكرُوا ِنعْمَ َة الّل ِه عََليْكُمْ إذْ َجعَلَ فِيكُمْ أَْنبِيَا َء وَ َجعَلَكُ ْم مُلُوكًا وَآتَا ُكمْ مَا َلمْ ُي ْؤتِ َأحَدًا مِنْ‬
‫اْلعَالَ ِميَ يَا َق ْومِ ُا ْدخُلُوا الَْأ ْرضَ الْ ُمقَدّسَةَ الّتِي َكَتبَ الّلهُ لَ ُكمْ َولَا َترْتَدّوا عَلَى َأدْبَارِكُ ْم فََتْنقَلِبُوا‬

‫‪209‬‬
‫خرُجُوا‬ ‫خرُجُوا مِْنهَا فَإِ ْن يَ ْ‬ ‫خَا ِسرِي َن قَالُوا يَا مُوسَى إنّ فِيهَا َق ْومًا جَبّارِي َن وَإِنّا َلنْ نَدْ ُخَلهَا َحتّى يَ ْ‬
‫مِْنهَا فَإِنّا دَاخِلُونَ } الْآيَاتِ ‪ .‬وَقَالَ َتعَالَى لَمّا أَنْجَى مُوسَى وََق ْو َمهُ مِ ْن اْل َغرَقِ ‪ { :‬سَُأرِيكُ ْم دَارَ‬
‫اْلفَا ِس ِقيَ } ‪ .‬وَكَاَنتْ تِ ْلكَ الدّيَا ُر دِيَارَ اْلفَا ِس ِقيَ لَمّا كَانَ يَسْ ُكُنهَا إ ْذ ذَاكَ اْلفَا ِسقُونَ ‪ .‬ثُمّ لَمّا‬
‫جبُ أَ ْن ُي ْعرَفَ ‪ ,‬فَإِ ّن الَْبلَدَ قَ ْد تُحْمَدُ َأوْ‬ ‫ي ‪َ ,‬وهَذَا َأصْ ٌل يَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سَكََنهَا الصّالِحُو َن صَا َرتْ دَا َر الصّالِ ِ‬
‫ض الَْأوْقَاتِ لِحَالِ َأهِْل ِه ‪ ,‬ثُمّ يََت َغّيرُ حَالُ َأهِْلهِ َفيََتغَّيرُ الْحُكْمُ فِيهِمْ إذْ الْمَ ْدحُ وَال ّذمّ‬ ‫تَ ُذمّ فِي َبعْ ِ‬
‫ب عَلَى الِْإيَا ِن وَاْلعَمَلِ الصّاِلحِ َأ ْو عَلَى ضِ ّد ذَِلكَ مِ ْن الْ ُك ْفرِ وَاْلفُسُوقِ‬ ‫وَالّثوَابُ وَاْل ِعقَابُ إنّمَا يََترَّت ُ‬
‫وَاْل ِعصْيَا ِن ‪ ,‬قَالَ الّلهُ َتعَالَى ‪ { :‬يََأّيهَا النّاسُ اّتقُوا َربّكُمْ الّذِي َخَلقَكُ ْم مِنْ َن ْفسٍ وَاحِ َدةٍ َوخَلَ َق مِْنهَا‬
‫ث مِْنهُمَا رِجَالًا كَثِيًا وَنِسَا ًء وَاّتقُوا الّلهَ الّذِي تَسَاءَلُونَ ِبهِ وَالَْأرْحَامَ } ‪َ .‬وقَالَ النِّبيّ‬ ‫َزوْ َجهَا وََب ّ‬
‫ض عَلَى‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لَا َفضْلَ ِلعَرَِبيّ َعلَى عَجَمِ ّي ‪ ,‬وَلَا ِلعَجَمِ ّي َعلَى َعرَبِ ّي ‪َ ,‬ولَا لِأَْبيَ َ‬
‫َأ ْس َودَ ‪ ,‬وَلَا لِأَ ْس َو َد عَلَى َأبَْيضَ إلّا بِالّت ْقوَى ‪ ,‬النّاسُ َبنُو آ َدمَ ‪ ,‬وَآ َد ُم مِنْ ُترَابٍ } " ‪ .‬وَكََتبَ أَبُو‬
‫ال ّد ْردَاءِ إلَى ُسلَيْمَانَ اْلفَارِسِ ّي وَكَا َن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَدْ آخَى بَْيَنهُمَا لَمّا آخَى َبيْنَ‬
‫خطّابِ ‪ :‬أَنْ‬ ‫الْ ُمهَا ِجرِي َن وَالَْأْنصَارِ ‪ ,‬وَكَانَ أَبُو ال ّد ْردَاءِ بِالشّامِ وَ َسلْمَانَ بِاْل ِعرَاقِ نَائِبًا ِلعُ َمرَ ْبنِ الْ َ‬
‫َهلُمّ إلَى الَْأ ْرضِ الْ ُمقَدّ َسةِ فَ َكَتبَ إلَْيهِ سَلْمَانُ إنّ الَْأ ْرضَ لَا ُتقَ ّدسُ َأحَدًا وَإِنّمَا ُيقَ ّدسُ الرّجُ ُل عَ َمَلهُ ‪.‬‬
‫جوَابُ فِي سَاِئرِ الْ َمسَائِ ِل الْمَذْكُو َرةِ بِأَنّ َقصْدَ الصّلَا ِة وَال ّدعَا ِء عِنْ َدمَا ُيقَا ُل إّنهُ‬ ‫َفصْلٌ ‪ :‬وَقَدْ َتبَيّ ّن الْ َ‬
‫قَ َدمُ نَبِ ّي ‪َ ,‬أوْ أََثرُ َنبِ ّي ‪َ ,‬أوْ َقْبرُ نَبِ ّي ‪َ ,‬أوْ َقْبرُ َبعْضِ الصّحَابَ ِة ‪َ ,‬أوْ َبعْضِ الشّيُوخِ ‪َ ,‬أوْ َبعْضِ َأهْلِ‬
‫ع ذَِلكَ رَسُولُ‬ ‫شرَ ْ‬ ‫ع الْمُحْ َدثَ ِة الْمُْن َك َرةِ فِي الِْإسْلَامِ لَ ْم يَ ْ‬
‫ج ‪َ ,‬أوْ اْلغَْي ِر إّنهُ مِنْ الْبِدَ ِ‬‫الَْبْيتِ ‪َ ,‬أوْ الَْأْبرَا ِ‬
‫حّبهُ‬‫الّلهِ صلى ال عليه وسلم وَلَا كَا َن السّاِبقُونَ الَْأوّلُو َن وَالتّاِبعُونَ َلهُمْ ِبإِحْسَا ٍن َي ْفعَلُوَنهُ ‪ ,‬وَلَا اسْتَ َ‬
‫ط فِي‬ ‫شرْ ِك َو َذرَائِ ِع الِْإ ْفكِ ‪ ,‬وَاْلكَلَا ُم عَلَى هَذَا مَبْسُو ٌ‬ ‫َأحَ ٌد مِنْ َأئِمّ ِة الْ ُمسْلِ ِميَ بَ ْل ُه َو مِنْ أَسْبَابِ ال ّ‬
‫س َة ‪َ ,‬أوْ يَا‬ ‫ستّ َنفِي َ‬ ‫ب ‪َ .‬فصْ ٌل ‪ :‬وََأمّا َقوْلُ اْلقَائِ ِل ‪ :‬إذَا َعَثرَ ‪ :‬يَا جَا َه مُحَمّ ٍد ‪ ,‬يَا لَل ّ‬ ‫جوَا ِ‬ ‫َغْيرِ هَذَا اْل َ‬
‫ح ّرمَاتِ َو ُه َو مِنْ جِْنسِ‬ ‫ك مِمّا فِيهِ اسِْتعَاَنُتهُ وَ ُسؤَاُلهُ َف ُهوَ مِ ْن الْمُ َ‬ ‫ح ُو ذَِل َ‬ ‫سَيّدِي الشّيْ ُخ فُلَا ٌن ‪َ ,‬أوْ نَ ْ‬
‫سَتغَاثُ ِبهِ لَا ِعنْدَ قَْب ِرهِ‬ ‫شرْكِ ‪ ,‬فَإِ ّن الْمَّيتَ َسوَاءٌ كَا َن نَِبيّا َأوْ َغْيرَ نَبِ ّي لَا يُ ْدعَى ‪ ,‬وَلَا ُيسْأَ ُل ‪ ,‬وَلَا يُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫س دِينِ الّنصَارَى الّذِي َن { اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ‬ ‫‪ ,‬وَلَا مَعَ اْلُبعْدِ مِنْ َقْب ِرهِ ‪ ,‬بَ ْل هَذَا مِنْ جِْن ِ‬
‫َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ وَالْمَسِيحَ ابْ َن َمرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا لَِيعْبُدُوا إَلهًا وَا ِحدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ سُبْحَاَنهُ عَمّا‬
‫شرِكُونَ } ‪َ ,‬ومِنْ ِجْنسِ الّذِي َن قَالَ فِيهِمْ { ُقلْ ُا ْد ُعوَا الّذِي َن َزعَمُْتمْ مِ ْن دُوِنهِ َفلَا يَ ْملِكُونَ كَشْفَ‬ ‫يُ ْ‬
‫ب وََيرْجُو َن رَحْمََتهُ‬ ‫حوِيلًا أُولَِئكَ الّذِينَ يَ ْدعُونَ َيبَْتغُونَ إلَى رَّبهِ ْم اْلوَسِيَلةَ أَّيهُمْ أَ ْق َر ُ‬ ‫ضرّ َعنْكُ ْم وَلَا َت ْ‬ ‫ال ّ‬
‫شرٍ أَ ْن ُيؤْتَِيهُ الّلهُ‬ ‫ب رَبّك كَا َن مَحْذُورًا } ‪َ .‬وقَدْ قَا َل َتعَالَى ‪ { :‬مَا كَانَ لَِب َ‬ ‫وََيخَافُو َن عَذَاَبهُ إنّ عَذَا َ‬
‫الْ ِكتَابَ وَالْحُكْ َم وَالنُّب ّوةَ ثُمّ َيقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا ِعبَادًا لِي مِ ْن دُونِ الّلهِ وََلكِنْ كُونُوا رَبّانِّييَ بِمَا‬
‫ب وَبِمَا ُكنْتُمْ تَ ْد ُرسُونَ ‪ ,‬وَلَا يَ ْأ ُمرَكُمْ أَنْ َتتّخِذُوا الْ َملَائِ َك َة وَالنِّبّييَ َأ ْربَابًا‬ ‫ُكنْتُ ْم ُتعَلّمُونَ الْ ِكتَا َ‬
‫ط هَذَا فِي غَْي ِر هَذَا الْ َم ْوضِعِ ‪َ .‬فصْ ٌل ‪ :‬وَكَذَِلكَ‬ ‫سَ‬ ‫سلِمُونَ } ‪َ .‬وقَدْ بُ ِ‬ ‫َأيَ ْأ ُمرُكُمْ بِالْ ُك ْفرِ َبعْدَ إذْ َأنْتُ ْم مُ ْ‬

‫‪210‬‬
‫خلِيلِ َأوْ لِلشّيْخِ ُفلَا ٍن ‪َ ,‬أوْ فُلَا ٍن ‪َ ,‬أوْ ُفلَا ٍن‬ ‫النّ ْذرُ ِل ْلقُبُورِ َأوْ لِأَحَ ٍد مِنْ َأهْلِ اْلقُبُورِ كَالنّ ْذرِ لِِإْبرَاهِيمَ الْ َ‬
‫جبُ اْلوَفَاءُ ِبهِ بِاّتفَاقِ أَئِمّةِ الدّي ِن بَ ْل وَلَا يَجُوزُ‬ ‫‪َ ,‬أوْ لَِبعْضِ َأهْ ِل الَْبْيتِ ‪َ ,‬أ ْو غَْي ِرهِمْ نَ ْذ ُر َمعْصَِيةٍ لَا يَ ِ‬
‫اْلوَفَاءُ ِب ِه ‪ ,‬فَإِّنهُ قَ ْد ثََبتَ فِي الصّحِي ِح عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪ { :‬مَ ْن نَ َذرَ أَ ْن يُطِيعَ‬
‫صهِ } ‪ .‬وَفِي السّنَ ِن عَْنهُ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪:‬‬ ‫الّلهَ َفلْيُ ِط ْع ُه َومَنْ نَ َذرَ أَنْ َي ْعصِيَ الّلهَ َفلَا َي ْع ِ‬
‫ج } " ‪َ .‬فقَدْ َلعَ َن رَسُو ُل الّلهِ صلى‬ ‫سرُ َ‬‫{ َلعَنَ الّلهُ َزوّارَاتِ اْلقُبُو ِر وَالْ ُمتّخِذِي َن عَلَْيهَا الْ َمسَاجِ َد وَال ّ‬
‫ج ‪ :‬كَاْلقَنَادِي ِل ‪ ,‬وَالشّمْ ِع ‪َ ,‬وغَْيرِ‬ ‫سرُ َ‬‫سرِجُ فِيهَا ال ّ‬ ‫ال عليه وسلم مَنْ يَْبنِي عَلَى اْلقُبُورِ الْمَسَاجِ َد وَيُ ْ‬
‫ك وَِإذَا كَا َن هَذَا َم ْلعُونًا فَاَلّذِي َيضَعُ فِيهَا َقنَادِيلَ ال ّذ َهبِ ‪ ,‬وَاْل ِفضّ ِة ‪ ,‬وَشَ ْمعِدَانَ ال ّذ َهبِ ‪,‬‬ ‫ذَِل َ‬
‫ض ُعهَا ِعنْدَ اْل ُقبُورِ َأوْلَى بِالّلعْنَةِ ‪ ,‬فَمَ ْن نَ َذ َر زَيْتًا َأوْ شَ ْمعًا ‪َ ,‬أ ْو َذهَبًا ‪َ ,‬أوْ ِفضّةً ‪َ ,‬أوْ‬ ‫وَاْل ِفضّةِ ‪ ,‬وََي َ‬
‫جعَ َل عِنْدَ َقْبرِ نَِبيّ مِ ْن الْأَْنبِيَا ِء ‪َ ,‬أ ْو َبعْضِ الصّحَابَ ِة ‪َ ,‬أوْ اْل َقرَابَ ِة ‪َ ,‬أوْ الْ َمشَايِخِ‬ ‫سِْترًا ‪َ ,‬أوْ َغْيرَ ذَِلكَ ِليُ ْ‬
‫‪َ ,‬ف ُهوَ نَ ْذ ُر َمعْصَِيةٍ لَا َيجُوزُ اْلوَفَاءُ ِب ِه ‪َ ,‬وهَ ْل َعلَْيهِ َكفّا َرةُ يَ ِميٍ فِيهِ َقوْلَانِ ِل ْلعُلَمَا ِء ‪ ,‬وَإِنْ َتصَدّقَ بِمَا‬
‫ي‪,‬‬ ‫ح َ‬ ‫ستَحِ ّق مِنْ َأهْلِ َبْيتِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َوغَْي ِرهِ ْم مِنْ اْل ُف َقرَاءِ الصّالِ ِ‬ ‫نَ َذ َرهُ َعلَى مَنْ يَ ْ‬
‫جزِي الْ ُمَتصَدِّقيَ‬ ‫كَا َن خَْيرًا َلهُ عِنْ َد الّلهِ وَأَْنفَعَ َل ُه ‪ ,‬فَإِ ّن هَذَا عَمَ ٌل صَاِلحٌ ُيثِيُبهُ الّل ُه عَلَْي ِه ‪ ,‬فَإِنّ الّلهَ يَ ْ‬
‫ي ‪ ,‬بَلْ‬ ‫ي ‪ .‬وَالْمَُتصَدّقُ َيَتصَدّقُ ِلوَ ْجهِ الّلهِ وَلَا يَطُْلبُ أَ ْج َر ُه مِنْ الْ َمخْلُوِق َ‬ ‫حسِِن َ‬ ‫‪ ,‬وَلَا ُيضِيعُ َأ ْجرَ الْمُ ْ‬
‫مِنْ الّلهِ َتعَالَى ‪ ,‬كَمَا قَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَ َسيُجَنُّبهَا الَْأْتقَى ‪ ,‬الّذِي ُيؤْتِي مَاَلهُ يََتزَكّى ‪َ ,‬ومَا لِأَحَ ٍد عِنْ َدهُ‬
‫سوْفَ َي ْرضَى } ‪ .‬وَقَا َل َتعَالَى ‪َ { :‬ومَثَلُ الّذِينَ‬ ‫جزَى ‪ ,‬إلّا اْبِتغَاءَ وَ ْج ِه رَّبهِ الَْأ ْعلَى ‪ ,‬وََل َ‬ ‫مِنْ ِنعْ َمةٍ تُ ْ‬
‫سهِمْ كَمَثَ ِل جَنّةٍ ِبرَْب َوةٍ } الْآَي َة ‪ .‬وَقَا َل عَ ْن عِبَا ِدهِ‬ ‫يُْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُ ْم اْبِتغَاءَ َم ْرضَاةِ الّل ِه وَتَْثبِيتًا مِنْ َأْنفُ ِ‬
‫ي ‪ { :‬إنّمَا نُ ْطعِمُكُمْ ِلوَ ْجهِ الّلهِ لَا ُنرِي ُد مِنْ ُكمْ َجزَا ًء وَلَا شَكُورًا } ‪ .‬وَِلهَذَا لَا َينَْبغِي لِأَحَدٍ‬ ‫ح َ‬ ‫الصّالِ ِ‬
‫أَ ْن يَسْأَلَ ِب َغْيرِ الّل ِه ‪ِ ,‬مثْلُ الّذِي َيقُولُ َكرَامَ ًة لِأَبِي َب ْكرٍ ‪ ,‬وَِلعَلِ ّي ‪َ ,‬أوْ لِلشّيْ ِخ فُلَا ٍن ‪َ ,‬أوْ الشّيْ ِخ فُلَانٍ‬
‫بَلْ لَا ُيعْطِي إلّا مَنْ سَأَلَ ِلّلهِ ‪ ,‬وَلَْيسَ لِأَحَدٍ أَ ْن يَسْأَلَ ِلغَْي ِر الّلهِ فَإِ ّن إخْلَاصَ الّذِي ِلّلهِ وَا ِجبٌ فِي‬
‫جَمِي ِع اْلعِبَادَاتِ الْبَ َدنِيّ ِة وَالْمَاِليّ ِة ‪ :‬كَالصّلَاةِ ‪ ,‬وَالصّدََق ِة ‪ ,‬وَالصّيَا ِم ‪ ,‬وَالْحَجّ ‪َ ,‬فلَا َيصُْلحُ الرّكُوعُ‬
‫ت الّل ِه ‪ ,‬وَلَا ال ّدعَاءُ إلّا لِّل ِه ‪ ,‬قَالَ َتعَالَى ‪:‬‬ ‫وَالسّجُودُ إلّا لِّل ِه وَلَا الصّيَامُ إلّا لِّل ِه ‪ ,‬وَلَا اْلحَجّ إلّا إلَى بَْي ِ‬
‫{ َوقَاِتلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ ِفتَْن ٌة وَيَكُونَ الدّيْنُ ُكّلهُ لِّلهِ } ‪َ .‬وقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَاسْأَ ْل مَنْ َأرْسَ ْلنَا مِنْ‬
‫قَْبِلكَ مِ ْن رُ ُسلِنَا أَ َج َعلْنَا مِ ْن دُونِ الرّحْمَنِ آِل َهةً ُيعْبَدُو َن } ‪َ .‬وقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬تَْنزِي ُل الْ ِكتَابِ مِنْ‬
‫خِلصًا َلهُ الدّي َن } ‪َ .‬وهَذَا ُهوَ‬ ‫حقّ فَاعْبُ ْد الّلهَ مُ ْ‬‫الّلهِ اْل َعزِيزِ الْحَكِي ِم ‪ ,‬إنّا أَْنزَْلنَا إَلْيكَ الْ ِكتَابَ بِالْ َ‬
‫ع ‪ ,‬كَمَا قَا َل َتعَالَى ‪:‬‬ ‫ع ‪ ,‬لَا َنعْبُ ُدهُ بِاْلبِدَ ِ‬‫َأصْ ُل الْإِ ْسلَا ِم َو ُهوَ أَنْ لَا َنعْبُدَ إلّا الّلهَ وَلَا َنعْبُ َدهُ إلّا بِمَا َشرَ َ‬
‫شرِكْ ِبعِبَا َد ِة رَّبهِ أَحَدًا } ‪ .‬وَقَالَ َتعَالَى ‪{ :‬‬ ‫{ فَمَنْ كَا َن َيرْجُو ِلقَاءَ رَّبهِ َفلَْيعْمَ ْل عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُ ْ‬
‫صوَُبهُ ‪ .‬قَالُوا ‪ :‬يَا أَبَا َعلِ ّي مَا‬ ‫صهُ وََأ ْ‬ ‫ِليَْبُلوَكُمْ أَيّكُمْ َأحْسَ ُن عَ َملًا } ‪ .‬قَا َل اْل ُفضَيْلُ بْ ُن ِعيَاضٍ ‪ :‬أَ ْخَل ُ‬
‫صوَابًا َولَمْ‬ ‫صوَابًا لَ ْم ُيقْبَ ْل وَِإذَا كَا َن َ‬ ‫صوَُب ُه ‪ .‬قَا َل ‪ :‬إ ّن اْلعَمَلَ إذَا كَا َن خَاِلصًا وَلَمْ يَكُ ْن َ‬ ‫صهُ وََأ ْ‬ ‫َأخَْل ُ‬
‫صوَابُ أَنْ يَكُو َن عَلَى‬ ‫صوَابًا وَالْخَاِلصُ أَنْ يَكُونَ ِلّلهِ وَال ّ‬ ‫يَكُنْ خَاِلصًا لَمْ ُيقْبَلْ َحتّى َيكُونَ خَاِلصًا َ‬

‫‪211‬‬
‫ب ‪ .‬هَذَا ُكّلهُ لِأَ ّن الدّي َن دِينُ الّلهِ بَّل َغ ُه عَْنهُ َرسُوُلهُ فَلَا َحرَامَ إلّا مَا َح ّرمَهُ الّل ُه ‪ ,‬وَلَا‬ ‫السّنّ ِة وَالْكِتَا ِ‬
‫شرِ ِكيَ ‪ ,‬لَِأّنهُمْ َش َرعُوا فِي الدّينِ مَا َلمْ يَ ْأذَنْ ِبهِ الّلهُ ‪,‬‬ ‫دِينَ إلّا مَا َش َر َعهُ الّل ُه ‪َ ,‬واَلّلهُ َتعَالَى ذَمّ الْمُ ْ‬
‫ح ّر ْمهَا الّلهُ كَالْبَحِ َي ِة ‪ ,‬وَالسّائَِب ِة ‪ ,‬وَاْل َوصِيَل ِة ‪ ,‬وَالْحَامِي وَ َش َرعُوا دِينًا لَمْ يَ ْأذَنْ‬ ‫ح ّرمُوا أَشْيَاءَ لَ ْم يُ َ‬‫فَ َ‬
‫ِبهِ الّلهُ كَ ُدعَا ِء غَْي ِرهِ َو ِعبَادَِتهِ وَال ّرهْبَانِيّةِ الّتِي ابْتَ َد َعهَا الّنصَارَى ‪ .‬وَالِْإسْلَا ُم دِي ُن الرّسُلِ ُكّلهِمْ َأوُّلهُمْ‬
‫ح عليه السلم ‪ { :‬يَا َق ْومِ إنْ كَانَ َكُبرَ َعلَيْكُ ْم َمقَامِي‬ ‫وَآ ِخ ُرهُمْ كُّلهُمْ ُب ِعثُوا بِالْإِ ْسلَامِ َكمَا قَا َل نُو ٌ‬
‫وََتذْكِيِي بِآيَاتِ الّلهِ َفعَلَى الّلهِ َتوَكّ ْلتُ فَأَجْ ِمعُوا َأ ْمرَكُ ْم وَ ُشرَكَاءَكُمْ ثُمّ لَا يَكُنْ َأ ْمرُكُ ْم عَلَْيكُمْ‬
‫غُمّةً ثُ ّم ا ْقضُوا إلَ ّي وَلَا تُنْ ِظرُونَ فَإِ ْن َتوَلّْيتُمْ فَمَا سَأَلْتُ ُكمْ مِنْ َأ ْجرٍ إنْ َأ ْجرِيَ إلّا َعلَى الّل ِه وَُأمِ ْرتُ أَنْ‬
‫سهُ وََلقَدْ‬ ‫ب عَ ْن مِلّةِ إْبرَاهِيمَ إلّا مَنْ َس ِفهَ َنفْ َ‬ ‫سلِ ِميَ } ‪ .‬وَقَا َل َتعَالَى ‪َ { :‬ومَنْ َي ْرغَ ُ‬ ‫أَكُو َن مِنْ الْمُ ْ‬
‫حيَ إذْ قَالَ َلهُ رَّبهُ أَ ْسلِمْ قَالَ أَسَْل ْمتُ ِل َربّ اْلعَالَ ِميَ‬ ‫ص َطفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا وَإِّنهُ فِي الْآ ِخ َرةِ لَ ِمنْ الصّاِل ِ‬ ‫ا ْ‬
‫َو َوصّى ِبهَا إْبرَاهِيمُ َبنِي ِه وََي ْعقُوبُ يَا بَنِيّ إ ّن الّلهَ اصْ َطفَى لَ ُكمْ الدّينَ َفلَا تَمُوتُنّ إلّا وَأَْنتُمْ‬
‫سلِمُونَ } ‪َ .‬وقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَقَا َل مُوسَى يَا َق ْومِ إنْ كُْنتُ ْم آمَنْتُمْ بِاَلّلهِ َفعََلْيهِ َتوَكّلُوا إنْ ُكنْتُمْ‬ ‫مُ ْ‬
‫حوَا ِرّييَ أَ ْن آمِنُوا بِي وَِبرَسُولِي قَالُوا آمَنّا وَا ْشهَدْ‬ ‫سلِ ِميَ } ‪ .‬وَقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَِإذْ َأوْحَيْت إلَى الْ َ‬ ‫مُ ْ‬
‫بِأَنّنَا مُسْلِمُو َن } ‪ .‬وَقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِيحَْي ِن ‪ :‬عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪ { :‬إنّا‬
‫َمعَا ِشرَ الَْأنِْبيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ } " فَدِينُ الرّسُلِ كُّلهِ ْم دِينٌ وَاحِ ٌد َو ُه َو دِينُ الْإِ ْسلَامِ ‪َ ,‬و ُهوَ ِعبَا َدةُ الّلهِ‬
‫وَحْ َدهُ لَا َشرِيكَ َلهُ بِمَا َأ َمرَ ِبهِ وَ َش َر َع ُه ‪ ,‬كَمَا قَا َل ‪َ { :‬شرَعَ لَكُ ْم مِنْ الدّي ِن مَا َوصّى ِبهِ نُوحًا‬
‫ك َومَا َوصّْينَا ِبهِ إْبرَاهِي َم َومُوسَى َوعِيسَى أَنْ َأقِيمُوا الدّي َن وَلَا َتَت َفرّقُوا فِيهِ َكُبرَ‬ ‫َواَلّذِي َأ ْوحَيْنَا إلَْي َ‬
‫ج ‪ ,‬كَمَا قَا َل ‪:‬‬ ‫ش ْرعَ ُة وَالْمِْنهَا ُ‬
‫شرِ ِكيَ مَا تَ ْدعُوهُمْ إَلْيهِ } ‪ .‬وَإِنّمَا يََتَنوّعُ فِي هَذَا الدّينِ ال ّ‬ ‫َعلَى اْلمُ ْ‬
‫{ لِكُلّ َجعَ ْلنَا مِنْكُ ْم ِش ْرعَ ًة َومِْنهَاجًا } ‪ .‬كَمَا َيتََنوّعُ َشرِيعَةُ الرّسُو ِل اْلوَاحِ ِد ‪َ .‬فقَدْ كَانَ الّلهُ َأ َمرَ‬
‫ت الْ َمقْ ِدسِ ‪ ,‬ثُمّ َأ َم َرهُ فِي السَّنةِ‬ ‫مُحَمّدًا صلى ال عليه وسلم فِي َأوّ ِل الْإِ ْسلَامِ أَنْ ُيصَلّ َي إلَى بَْي ِ‬
‫حرَامِ ‪َ ,‬وهَذَا فِي َوقِْتهِ كَا َن مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ ‪,‬‬ ‫ج َرةِ أَنْ ُيصَلّ َي إلَى الْ َكعْبَ ِة الَْبْيتِ الْ َ‬
‫الثّانَِي ِة مِنْ اْلهِ ْ‬
‫ت مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ ‪ ,‬وَ َشرِيعَ ُة الِْإنْجِيلِ فِي وَ ْقِتهِ كَاَنتْ مِنْ‬ ‫وَكَذَِلكَ َشرِيعَةُ الّت ْورَاةِ فِي وَ ْقِتهَا كَاَن ْ‬
‫ج مِ ْن دِي ِن الْإِ ْسلَا ِم ‪ ,‬وَكَانَ كَاِفرًا ‪,‬‬ ‫دِينِ الِْإسْلَا ِم ‪َ ,‬ومَ ْن آمَنَ بِالّت ْورَاةِ ثُمّ كَ ّذبَ بِاْلإِنْجِيلِ َخرَ َ‬
‫ك مَ ْن آمَنَ بِالْ ِكتَاَبيْنِ الْ ُمَتقَ ّدمَيْ ِن ‪ ,‬وَكَ ّذبَ بِاْل ُقرْآنِ كَانَ كَاِفرًا خَارِجًا مِ ْن دِي ِن الِْإسْلَامِ‬ ‫وَكَذَِل َ‬
‫ب وَجَمِي ِع الرّسُ ِل ‪ .‬كَمَا قَالَ َتعَالَى ‪ { :‬قُولُوا آمَنّا بِاَلّلهِ َومَا أُْنزِلَ إَليْنَا‬ ‫يََتضَمّنُ الِْإيَانَ بِجَمِيعِ اْلكُُت ِ‬
‫ط َومَا أُوتِ َي مُوسَى َوعِيسَى َومَا أُوِتيَ‬ ‫ق وََي ْعقُوبَ وَالْأَ ْسبَا ِ‬ ‫َومَا أُْنزِلَ إلَى إْبرَاهِي َم وَإِسْمَاعِي َل وَإِسْحَا َ‬
‫النّبِيّو َن مِ ْن رَّبهِمْ لَا ُنفَرّقُ َبيْنَ أَحَ ٍد مِْنهُ ْم وََنحْنُ َل ُه مُسْلِمُونَ } الْآَي َة ‪.‬‬
‫وف إعلم الوقعي ‪:‬‬
‫جبُ‬ ‫ح ُرمُ اْل َقوْلُ فِيهِ وَالِْإفْتَاءُ ِب ِه ‪ ,‬وَإِلَى مَا َي ِ‬
‫ذِ ْكرُ َت ْفصِيلِ اْل َقوْلِ فِي الّتقْلِيدِ وَاْنقِسَا ِمهِ إلَى مَا يَ ْ‬
‫ح ُرمُ اْل َقوْلُ ِب ِه ] فََأمّا الّنوْعُ الَْأوّ ُل َف ُهوَ‬ ‫ع مَا يَ ْ‬ ‫ب ‪ [ .‬أَْنوَا ُ‬ ‫غ مِ ْن غَْيرِ إيَا ٍ‬ ‫الْ َمصِيُ إلَْي ِه ‪ ,‬وَِإلَى مَا يَسُو ُ‬

‫‪212‬‬
‫ع ‪ :‬أَحَ ُدهَا ‪ :‬الِْإ ْعرَاضُ عَمّا َأْنزَلَ الّلهُ َوعَ َدمُ الِالِْتفَاتِ إَلْيهِ اكِْتفَاءً بَِتقْلِيدِ الْآبَا ِء ‪ .‬الثّانِي ‪:‬‬ ‫ثَلَاثَةُ َأْنوَا ٍ‬
‫َتقْلِي ُد مَنْ لَا َيعْلَمُ الْ ُمقَلّدُ أَّنهُ َأهْلٌ لَأَ ْن ُيؤْخَذَ ِب َقوِْلهِ ‪ .‬الثّاِلثُ ‪ :‬الّتقْلِي ُد َبعْدَ قِيَامِ الْحُجّ ِة وَ ُظهُورِ‬
‫ع الَْأوّلِ أَنّ الَْأوّ َل قَلّ َد قَبْ َل تَمَكِّن ِه مِنْ‬ ‫ف َقوْلِ الْ ُمقَلّدِ ‪ ,‬وَاْلفَرْقُ َبيْ َن هَذَا َوبَيْ َن الّنوْ ِ‬ ‫الدّلِي ِل عَلَى خِلَا ِ‬
‫اْلعِلْ ِم وَالْحُجّ ِة ‪َ ,‬وهَذَا قَلّ َد َبعْدَ ُظهُورِ الْحُجّةِ َلهُ ; َف ُهوَ َأوْلَى بِال ّذمّ َو َم ْعصِيَةِ الّل ِه َورَسُوِلهِ ‪ .‬وَقَ ْد َذمّ‬
‫ع الثّلَاَث َة مِنْ الّتقْلِي ِد فِي غَْي ِر َم ْوضِعٍ مِنْ كِتَاِبهِ َكمَا فِي قوله تعال { وَِإذَا‬ ‫الّلهُ ُسبْحَاَنهُ هَ ِذهِ الَْأْنوَا َ‬
‫قِيلَ َلهُ ْم اتِّبعُوا مَا َأْنزَلَ الّلهُ قَالُوا بَلْ َنتّبِ ُع مَا أَْلفَْينَا عََلْيهِ آبَاءَنَا َأ َوَلوْ كَانَ آبَا ُؤهُمْ لَا َي ْعقِلُونَ شَْيئًا وَلَا‬
‫ك مَا َأ ْرسَ ْلنَا مِنْ قَْبلِك فِي َقرَْي ٍة مِنْ نَذِيرٍ إلّا قَا َل مُْترَفُوهَا إنّا‬ ‫َيهْتَدُونَ } وَقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَكَذَِل َ‬
‫وَجَ ْدنَا آبَاءَنَا َعلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا َعلَى آثَا ِرهِ ْم ُمقْتَدُونَ قَالَ َأوََلوْ ِجئْتُكُ ْم بَِأهْدَى مِمّا وَجَ ْدتُ ْم عَلَْيهِ آبَاءَكُمْ‬
‫سبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَْيهِ‬ ‫} َوقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَِإذَا قِي َل َلهُمْ َتعَاَلوْا إلَى مَا َأْنزَلَ الّلهُ وَِإلَى الرّسُو ِل قَالُوا حَ ْ‬
‫آبَاءَنَا } َوهَذَا فِي اْل ُقرْآنِ َكثِيٌ يَ ُذمّ فِيهِ مَنْ َأ ْع َرضَ عَمّا َأْنزََلهُ َوقَنَعَ ِبَتقْلِيدِ الْآبَاءِ ‪َ .‬فإِنْ قِيلَ ‪ :‬إنّمَا‬
‫َذ ّم مَنْ قَلّ َد الْ ُكفّا َر وَآبَا َءهُ الّذِي َن لَا َي ْعقِلُونَ شَْيئًا وَلَا َي ْهتَدُو َن ‪ ,‬وَلَ ْم يَ ُذمّ مَنْ َقلّدَ اْلعُلَمَاءَ الْ ُم ْهتَدِينَ‬
‫سؤَالِ َأهْ ِل الذّ ْك ِر ‪َ ,‬وهُمْ َأهْ ُل اْلعِلْ ِم ‪َ ,‬وذَِلكَ َت ْقلِي ُدهُمْ ‪َ ,‬فقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬فَاسْأَلُوا‬ ‫‪ ,‬بَ ْل قَدْ َأ َمرَ ِب ُ‬
‫جوَابُ َأّنهُ ُسبْحَاَنهُ‬ ‫َأهْ َل الذّ ْكرِ إنْ كُْنتُمْ لَا َتعْلَمُونَ } َوهَذَا َأ ْمرٌ لِمَنْ لَا َيعْلَمُ ِبَتقْلِي ِد مَنْ َي ْعلَ ُم ‪ .‬فَالْ َ‬
‫ض عَمّا أَْنزََلهُ إلَى َتقْلِي ِد الْآبَاءِ ‪َ ,‬وهَذَا اْلقَ ْدرُ مِ ْن الّتقْلِي ِد ُهوَ مِمّا اّتفَقَ السّلَفُ وَالْأَئِمّةُ‬ ‫َذ ّم مَنْ َأ ْع َر َ‬
‫ع مَا َأْنزَلَ الّلهُ َو َخفِيَ َعلَْيهِ َب ْعضُهُ‬ ‫ح ِر ِيهِ ‪ ,‬وََأمّا َتقْلِي ُد مَ ْن بَذَلَ َجهْ َدهُ فِي اتّبَا ِ‬ ‫الَْأرَْبعَ ُة َعلَى َذمّ ِه وَتَ ْ‬
‫َفقَلّدَ فِيهِ مَ ْن ُهوَ َأعْلَ ُم مِْنهُ َفهَذَا مَحْمُو ٌد غَْي ُر مَ ْذمُو ٍم ‪َ ,‬ومَأْجُو ٌر غَْي ُر مَ ْأزُو ٍر ‪ ,‬كَمَا سَيَ ْأتِي َبيَاُن ُه عِنْدَ‬
‫ذِ ْكرِ الّتقْلِيدِ اْلوَا ِجبِ وَالسّائِغِ إنْ شَاءَ الّل ُه ‪ .‬وَقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَلَا َتقْفُ مَا َلْيسَ لَك ِب ِه عِلْمٌ }‬
‫وَالّتقْلِيدُ لَْيسَ ِبعِ ْلمٍ بِاّتفَاقِ َأهْ ِل اْلعِلْمِ كَمَا سَيَ ْأتِي ‪َ ,‬وقَالَ َتعَالَى ‪ { :‬قُلْ إنّمَا َح ّرمَ رَبّي اْل َفوَا ِحشَ‬
‫شرِكُوا بِاَلّلهِ مَا لَ ْم يَُنزّلْ ِبهِ ُسلْطَانًا وَأَنْ‬ ‫مَا َظ َهرَ ِمْنهَا َومَا َبطَ َن وَالِْإثْ َم وَاْلَبغْيَ ِبغَْيرِ الْحَ ّق وَأَنْ تُ ْ‬
‫َتقُولُوا عَلَى الّل ِه مَا لَا َت ْعلَمُونَ } وَقَا َل َتعَالَى ‪ { :‬اتِّبعُوا مَا أُْنزِلَ إَليْكُ ْم مِنْ َربّكُ ْم وَلَا َتتِّبعُوا مِنْ‬
‫دُوِنهِ َأوْلِيَاءَ } فََأ َمرَ بِاتّبَاعِ الْ ُمَنزّلِ خَاصّ ًة ‪ ,‬وَالْ ُم َقلّدُ لَْيسَ َلهُ ِعلْمٌ أَ ّن هَذَا ُهوَ الْمَُنزّ ُل وَإِنْ كَانَ قَدْ‬
‫ع ِلغَْيرِ الْ ُمَنزّلِ ‪ ,‬وَقَالَ‬ ‫تَبَيَّنتْ َلهُ الدّلَالَ ُة فِي خِلَافِ َقوْ ِل مَنْ قَلّ َدهُ َفقَدْ َعلِمَ أَنّ َتقْلِي َدهُ فِي ِخلَاِفهِ اتّبَا ٌ‬
‫َتعَالَى ‪ { :‬فَإِنْ َتنَا َزعْتُ ْم فِي شَ ْيءٍ َف َردّوهُ إلَى الّلهِ وَالرّسُولِ إنْ كُْنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاَلّل ِه وَاْلَي ْومِ الْآ ِخرِ‬
‫ذَِلكَ َخْيرٌ وَأَ ْحسَنُ تَ ْأوِيلًا } فَمََنعَنَا سُبْحَاَن ُه مِنْ ال ّردّ إلَى غَْي ِر ِه َوغَْيرِ َرسُوِلهِ ‪َ ,‬وهَذَا ُيبْطِ ُل الّتقْلِي َد ‪.‬‬
‫سبْتُمْ أَ ْن تَدْ ُخلُوا الْجَنّ َة وَلَمّا َيعَْلمْ الّلهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِْنكُ ْم وَلَمْ يَتّخِذُوا مِنْ‬ ‫وَقَالَ َتعَالَى ‪َ { :‬أمْ حَ ِ‬
‫جةَ َأعْظَ ُم مِمّنْ َجعَ َل رَجُلًا ِبعَيِْن ِه مُخْتَارًا عَلَى‬ ‫ي وَلِيجَةً } وَلَا وَلِي َ‬ ‫دُونِ الّلهِ َولَا رَسُوِلهِ وَلَا الْ ُم ْؤمِِن َ‬
‫َكلَامِ الّلهِ وَ َكلَامِ َرسُوِلهِ وَ َكلَامِ سَاِئرِ الُْأمّ ِة ‪ُ ,‬يقَ ّدمُ ُه عَلَى ذَِلكَ كُّل ِه ‪َ ,‬وَيعْ ِرضُ كِتَابَ الّل ِه وَسُنّةَ‬
‫رَسُوِل ِه وَإِجْمَاعَ الُْأمّ ِة َعلَى َقوِْلهِ فَمَا وَاَف َقهُ مِْنهَا قَِبَلهُ لِ ُموَاَفقَِتهِ ِل َقوِْلهِ َومَا خَاَلفَ ُه مِْنهَا َتلَطّفَ فِي َر ّدهِ‬
‫ج ُة ‪َ ,‬وقَالَ َتعَالَى ‪َ { :‬ي ْومَ‬ ‫حيَ ِل ‪ ,‬فَإِنْ لَمْ تَ ُك ْن هَ ِذهِ وَلِيجَ ًة فَلَا نَ ْدرِي مَا اْلوَلِي َ‬ ‫وََتطَّلبَ َلهُ ُوجُوهَ الْ ِ‬

‫‪213‬‬
‫ُتقَّلبُ ُوجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا َليَْتنَا أَ َطعْنَا الّل َه وَأَ َطعْنَا الرّسُولَا وَقَالُوا رَبّنَا إنّا أَ َطعْنَا سَادَتَنَا‬
‫وَ ُكَبرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيلَا } َوهَذَا َنصّ فِي ُبطْلَا ِن الّت ْقلِي ِد ‪ .‬فَإِنْ قِي َل ‪ :‬إنّمَا فِيهِ َذ ّم مَنْ قَلّ َد مَنْ َأضَّلهُ‬
‫سؤَا ِل ‪,‬‬ ‫سؤَالِ فِي َن ْفسِ ال ّ‬ ‫ب هَذَا ال ّ‬ ‫السّبِي َل ‪َ ,‬أمّا مَنْ هُدَاهُ السّبِيلَ فَأَيْ َن َذمّ الّلهُ َتقْلِي َدهُ ؟ قِي َل ‪َ :‬جوَا ُ‬
‫ف مَا‬ ‫فَإِنْ لَا َيكُونَ اْلعَبْ ُد ُمهْتَ ِديًا حَتّى يَْتبَ َع مَا أَْنزَلَ الّل ُه عَلَى رَسُوِلهِ ; َفهَذَا الْ ُمقَلّدُ إنْ كَا َن َيعْرِ ُ‬
‫ف مَا أَْنزَلَ الّل ُه عَلَى رَسُوِلهِ‬ ‫َأْنزَلَ الّلهُ َعلَى رَسُوِلهِ َف ُه َو ُمهْتَدٍ ‪ ,‬وَلَْيسَ بِ ُمقَلّدٍ ‪ ,‬وَإِنْ كَانَ لَ ْم َي ْعرِ ْ‬
‫س ِه ‪ ,‬فَمِنْ أَْينَ َي ْعرِفُ َأّنهُ َعلَى هُدًى فِي َتقْلِي ِدهِ ؟ َوهَذَا َجوَابُ‬ ‫َف ُهوَ جَاهِ ٌل ضَالّ بِِإ ْقرَا ِرهِ َعلَى َنفْ ِ‬
‫ب وَأَّنهُ ْم [ إنْ كَانُوا ] إنّمَا ُيقَلّدُونَ َأهْ َل اْلهُدَى َفهُمْ فِي َت ْقلِي ِدهِمْ‬ ‫كُ ّل ُسؤَا ٍل يُورِدُوَنهُ فِي هَذَا اْلبَا ِ‬
‫َعلَى هُدًى ‪ .‬فَإِ ْن قِيلَ ‪ :‬فَأَْنتُمْ ُت ِقرّونَ أَ ّن الَْأئِمّ َة الْ ُمقَلّدِينَ فِي الدّينِ َعلَى هُدًى ‪ ,‬فَ ُم َقلّدُوهُمْ َعلَى‬
‫هُدًى قَ ْطعًا ; لِأَّنهُمْ سَالِكُونَ خَ ْل َفهُ ْم ‪ .‬قِي َل ‪ُ :‬سلُو ُكهُمْ خَ ْل َفهُ ْم مُبْطِلٌ ِلَتقْلِي ِدهِمْ َلهُ ْم قَ ْطعًا ; َفإِنّ‬
‫ع الْحُجّ ِة وَالّنهْ ِي عَنْ َتقْلِي ِدهِمْ كَمَا َسنَذْ ُك ُرهُ َعْنهُمْ إ ْن شَاءَ الّلهُ ‪ ,‬فَمَ ْن َترَكَ‬ ‫َطرِيقََتهُمْ كَاَنتْ اتّبَا َ‬
‫س عَلَى َطرِيقَِتهِ ْم َو ُه َو مِنْ‬ ‫الْحُجّ َة وَارَْت َكبَ مَا َن َهوْا َعْنهُ َوَنهَى الّلهُ َورَسُوُل ُه عَْنهُ قَْبَلهُمْ َفلَْي َ‬
‫الْمُخَاِلفِيَ َلهُ ْم ‪ .‬وَِإنّمَا َيكُونُ َعلَى َطرِيقَِتهِ ْم مَنْ اتّبَعَ الْحُجّ َة ‪ ,‬وَاْنقَادَ لِلدّلِي ِل ‪َ ,‬ولَمْ يَتّخِ ْذ رَجُلًا‬
‫ضهُمَا عَلَى َقوِْلهِ‬ ‫ب وَالسّنّ ِة َي ْعرِ ُ‬‫ختَارًا عَلَى الْ ِكتَا ِ‬ ‫جعَُلهُ مُ ْ‬ ‫ِبعَيِْنهِ ِسوَى الرّسُولِ صلى ال عليه وسلم َي ْ‬
‫ع‪.‬‬ ‫سهُ ‪ ,‬بَ ْل ُه َو مُخَالِفٌ ِللْإِْتبَا ِ‬ ‫‪ .‬وَِبهَذَا يَ ْظ َهرُ بُطْلَانُ َفهْ ِم مَنْ َجعَلَ الّتقْلِي َد اتّبَاعًا ‪ ,‬وَإِيهَامَ ُه وََتلْبِي َ‬
‫حقَائِقُ َبيَْنهُمَا ‪ ,‬فَإِ ّن الِاتّبَاعَ ُسلُوكُ َطرِيقِ‬ ‫وََقدْ َفرّقَ الّلهُ َورَسُوُل ُه وََأهْلُ اْلعِلْمِ َبيَْنهُمَا كَمَا َفرَّقتْ الْ َ‬
‫ع وَالّتقْلِي ِد ] ‪ .‬قَالَ َأبُو عُ َمرَ فِي الْجَامِ ِع ‪ :‬بَابُ‬ ‫الْمُتّبِ ِع وَاْلإِتْيَانِ بِمِْث ِل مَا َأتَى ِب ِه ‪ [ .‬اْل َفرْقُ بَيْ َن الِاتّبَا ِ‬
‫فَسَادِ الّتقْلِي ِد وََنفِْيهِ ‪ ,‬وَاْل َفرْقُ َبيَْن ُه وَبَيْ َن الِْإتْبَاعِ ‪َ ,‬قوْلُ َأبُو عُ َمرَ ‪ :‬قَ ْد َذمّ الّلهُ َتبَارَ َك وََتعَالَى الّتقْلِيدَ‬
‫ي عَنْ‬ ‫خذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } } ُر ِو َ‬ ‫فِي غَْي ِر َموْضِ ٍع مِنْ كِتَاِبهِ َفقَا َل ‪ { :‬اتّ َ‬
‫حُذَْيفَ َة َوغَْي ِرهِ قَالَ ‪ :‬لَ ْم َيعْبُدُوهُمْ مِ ْن دُونِ الّلهِ ‪ ,‬وَلَ ِكّنهُمْ أَحَلّوا َلهُ ْم وَ َح ّرمُوا عَلَْيهِ ْم فَاتَّبعُوهُمْ ‪.‬‬
‫ب ‪َ ,‬فقَا َل ‪ { :‬يَا‬ ‫وَقَا َل عَ ِديّ بْنُ حَاتِ ٍم ‪َ :‬أتَيْت رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َوفِي عُُنقِي صَلِي ٌ‬
‫عَ ِديّ أَلْ ِق هَذَا اْلوََث َن مِنْ ُعُنقِك ‪ ,‬وَاْنَتهَيْت إلَْي ِه َو ُهوَ َيقْرَأُ سُو َرةَ َبرَا َءةَ حَتّى َأتَى عَلَى هَ ِذ ِه الْآَي ِة ‪:‬‬
‫خ ْذهُمْ‬ ‫{ اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَالَ ‪َ :‬فقُلْت ‪ :‬يَا رَسُولَ الّلهِ إنّا لَ ْم نَتّ ِ‬
‫ح ّرمُونَ َعلَيْكُ ْم مَا أُ ِحلّ لَكُمْ‬ ‫حلّوَن ُه وَيُ َ‬
‫حلّونَ لَكُ ْم مَا ُح ّرمَ َعلَيْكُ ْم فَتَ ِ‬ ‫َأ ْربَابًا ‪ ,‬قَالَ ‪َ :‬بلَى ‪َ ,‬ألَْيسَ يُ ِ‬
‫سنَ ِد وَالّت ْرمِذِيّ‬ ‫ح ّرمُوَنهُ ؟ َفقُلْت ‪َ :‬بلَى ‪ ,‬قَا َل ‪ :‬فَِت ْلكَ ِعبَادَُتهُمْ } ‪ُ .‬قلْت ‪ :‬اْلحَدِيثُ فِي الْمُ ْ‬ ‫فَتُ َ‬
‫مُ َطوّلًا ‪ .‬وَقَالَ َأبُو اْلبَخَْت ِريّ فِي َقوِْل ِه َع ّز وَجَ ّل ‪ { :‬اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ‬
‫جعَلُوا‬ ‫الّلهِ } َأمّا إّنهُمْ َلوْ َأ َمرُوهُمْ أَنْ َيعْبُدُوهُ ْم مِ ْن دُونِ الّل ِه مَا أَطَاعُوهُ ْم ‪ ,‬وَلَ ِكّنهُمْ َأ َمرُوهُمْ َف َ‬
‫حَلَا َل الّلهِ َحرَامَ ُه وَ َحرَا َمهُ حَلَاَلهُ فَأَطَاعُوهُمْ فَكَاَنتْ تِ ْلكَ الرَّبوِيّ ُة ‪ .‬وَقَا َل وَكِي ٌع ‪ :‬ثنا ُسفْيَانُ‬
‫حذَْيفَةَ فِي‬ ‫خَت ِريّ قَا َل ‪ :‬قِيلَ لِ ُ‬ ‫وَالَْأعْ َمشُ جَمِيعًا عَنْ َحبِيبِ بْنِ َأبِي ثَاِبتٍ عَنْ َأبِي ثَاِبتٍ عَنْ َأبِي الْبَ ْ‬
‫قوله تعال ‪ { :‬اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } ‪ :‬أَكَانُوا َيعْبُدُوَنهُمْ ؟ َفقَالَ ‪ :‬لَا ‪,‬‬

‫‪214‬‬
‫ح ّرمُوَنهُ ‪َ .‬وقَالَ َتعَالَى ‪:‬‬ ‫ح ّرمُونَ َعلَْيهِمْ الْحَلَالَ َفيُ َ‬‫حلّوَن ُه وَيُ َ‬‫حرَامَ فَيَ ِ‬
‫حلّونَ َلهُمْ الْ َ‬ ‫وَلَ ِكنْ كَانُوا يَ ِ‬
‫{ وَكَ َذِلكَ مَا َأرْ َسلْنَا مِنْ َقبْلِك فِي َقرَْيةٍ مِ ْن نَذِيرٍ إلّا قَا َل مُْترَفُوهَا إنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَِإنّا‬
‫َعلَى آثَا ِرهِ ْم مُقْتَدُو َن قَالَ َأوََلوْ ِجئْتُكُ ْم بَِأهْدَى مِمّا وَجَدُْتمْ َعلَْيهِ آبَاءَكُمْ } فَ َمَن َعهُمْ الِاقْتِدَاءَ بِآبَاِئهِمْ‬
‫مِنْ َقبُولِ الِاهْتِدَاءِ ‪َ ,‬فقَالُوا ‪ :‬إنّا بِمَا ُأرْ ِسلْتُ ْم ِبهِ كَاِفرُونَ ‪ ,‬وَفِي َهؤُلَا ِء َومِثِْلهِمْ قَالَ الّلهُ َع ّز وَجَ ّل ‪:‬‬
‫{ إ ْذ تََبرّأَ الّذِي َن اتَّبعُوا مِ ْن الّذِينَ اُتِّبعُوا َورََأوْا اْلعَذَابَ َوَتقَ ّطعَتْ ِبهِمْ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الّذِينَ اتَّبعُوا َلوْ‬
‫ت عَلَْيهِ ْم } وَقَالَ َتعَالَى‬ ‫سرَا ٍ‬ ‫أَنّ َلنَا َك ّرةً فََنتََبرَّأ مِْنهُمْ كَمَا َتَب ّرءُوا ِمنّا كَذَِلكَ ُيرِيهِ ْم الّلهُ َأعْمَاَلهُمْ َح َ‬
‫ُمعَاِتبًا لَِأهْلِ الْ ُك ْفرِ َوذَامّا َلهُ ْم ‪ { :‬مَا هَ ِذهِ التّمَاثِيلُ الّتِي أَْنتُمْ َلهَا عَا ِكفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا َلهَا‬
‫عَابِدِي َن } وَقَالَ { َوقَالُوا رَبّنَا إنّا أَ َطعْنَا سَادََتنَا وَكَُبرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيلَا } َومِثْ ُل هَذَا فِي اْل ُقرْآنِ‬
‫َكثِ ٌي مِنْ َذمّ َتقْلِيدِ الْآبَا ِء وَال ّرؤَسَا ِء ‪َ ,‬وقَدْ احْتَ ّج اْلعُلَمَاءُ ِبهَ ِذهِ الْآيَاتِ فِي إبْطَا ِل الّتقْلِي ِد وَلَ ْم يَمَْن ْعهُمْ‬
‫شبِيهَ لَمْ َيقَ ْع مِنْ ِجهَةِ ُك ْفرِ أَحَ ِدهِمَا وَِإيَانِ الْآ َخ ِر ‪ ,‬وَِإنّمَا‬ ‫ك مِنْ الِاحْتِجَاجِ ِبهَا ; لِأَنّ التّ ْ‬ ‫ُك ْفرُ أُولَِئ َ‬
‫ب وََقلّدَ‬ ‫وََقعَ التّشْبِيهُ بَيْ َن الْ ُمقَلّدِينَ ِبغَْيرِ ُحجّةٍ ِللْ ُمقَلّ ِد ‪ ,‬كَمَا َلوْ َقلّ َد رَجُلًا فَ َك َفرَ َوقَلّدَ آ َخرَ فََأذَْن َ‬
‫آ َخرَ فِي مَسَْألَةٍ فََأخْطََأ وَ ْج َههَا كَانَ كُ ّل وَاحِ ٍد مَلُومًا َعلَى الّتقْلِيدِ ِبغَْيرِ حُجّةٍ ; لِأَنّ ُك ّل ذَِلكَ َتقْلِيدٌ‬
‫ضهُ َب ْعضًا وَإِنْ ا ْختََل َفتْ الْآثَامُ فِيهِ ‪ ,‬وَقَا َل الّل ُه َعزّ َوجَ ّل ‪َ { :‬ومَا كَا َن الّلهُ ِلُيضِلّ َق ْومًا َبعْدَ‬ ‫يُشِْبهُ َب ْع ُ‬
‫سلِيمُ‬ ‫إ ْذ هَدَاهُ ْم حَتّى يُبَيّنَ َلهُ ْم مَا يَّتقُونَ } ‪ .‬قَالَ ‪ :‬فَِإذَا بَطَلَ الّتقْلِيدُ بِكُ ّل مَا ذَ َكرْنَا وَ َجبَ التّ ْ‬
‫ب وَالسّنّ ُة َومَا كَانَ فِي َمعْنَاهُمَا ِبدَلِي ٍل جَامِعٍ ‪ ,‬ثُمّ‬ ‫ب التّسْلِيمُ َلهَا ‪َ ,‬وهِيَ الْكِتَا ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ِللُْأصُولِ الّتِي يَ ِ‬
‫ف عَنْ أَبِيهِ عَ ْن جَ ّدهِ قَا َل ‪ :‬سَ ِمعْت رَسُو َل الّلهِ‬ ‫ق مِنْ َطرِيقِ كَثِ ِي بْ ِن عَبْ ِد الّلهِ بْ ِن عَ ْمرِو بْ ِن َعوْ ٍ‬ ‫سَا َ‬
‫ف َعلَى ُأمّتِي مِنْ َبعْدِي إلّا مِنْ َأعْمَالِ َثلَاَث ٍة ‪ ,‬قَالُوا ‪:‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم َيقُولُ ‪ { :‬إنّي لَا أَخَا ُ‬
‫َومَا هِيَ يَا رَسُو َل الّلهِ ؟ قَالَ ‪ :‬أَخَافُ َعلَْيهِ ْم زَلّةَ اْلعَالِ ِم ‪َ ,‬ومِنْ حُكْمٍ جَاِئ ٍر ‪َ ,‬ومِ ْن َهوًى مُتّبَ ٍع }‬
‫وَِبهَذَا الْإِسْنَادِ عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪َ { :‬ترَكْت فِيكُمْ َأ ْمرَيْنِ َلنْ َتضِلّوا مَا‬
‫تَمَسّ ْكتُمْ ِبهِمَا ‪ :‬كِتَابَ الّل ِه ‪ ,‬وَ ُسنّ َة رَسُوِلهِ صلى ال عليه وسلم } " ‪.‬‬
‫حهُ اْلوَ ْجهُ الرّابِ ُع ‪ :‬أَنّ اْلبَيَا َن مِنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫[ َبيَانُ الرّسُو ِل عَلَى َأْنوَاعٍ ] ُي َوضّ ُ‬
‫َأقْسَامٌ ; َأحَ ُدهَا ‪ :‬بَيَانُ َن ْفسِ اْلوَ ْحيِ بِ ُظهُو ِرهِ َعلَى لِسَاِنهِ َبعْدَ أَنْ كَانَ َخفِيّا ‪ .‬الثّانِي ‪َ :‬بيَا ُن َمعْنَاهُ‬
‫ج إلَى ذَِلكَ كَمَا بَيّنَ أَ ّن الظّلْمَ الْمَذْكُورَ فِي َقوِْل ِه ‪ { :‬وَلَمْ َيلْبِسُوا إيَاَنهُمْ بِ ُظلْمٍ‬ ‫س ُيهُ ِلمَنْ ا ْحتَا َ‬ ‫وََتفْ ِ‬
‫ض وَالَْأ ْس َودَ هُمَا بَيَاضُ الّنهَارِ‬ ‫ض ‪ ,‬وَأَنّ الْخَْيطَ الَْأبَْي َ‬ ‫حسَابَ اْليَسِ َي ُهوَ اْل َع ْر ُ‬ ‫شرْ ُك ‪ ,‬وَأَنّ الْ ِ‬ ‫} ُه َو ال ّ‬
‫سرَ َقوَْل ُه ‪َ { :‬أوْ‬ ‫وَ َسوَادُ اللّيْ ِل ‪ ,‬وَأَنّ الّذِي رَآهُ َنزَْلةً أُ ْخرَى ِعنْدَ سِ ْد َرةِ الْ ُمنَْتهَى ُهوَ جِْبرِي ُل ‪ ,‬كَمَا فَ ّ‬
‫سرَ َقوَْل ُه ‪ { :‬مَثَلًا َكلِ َمةً َطيَّبةً‬ ‫يَأْتِ َي َبعْضُ آيَاتِ َربّك } َأّنهُ ُطلُوعُ الشّ ْمسِ مِ ْن َم ْغرِِبهَا وَكَمَا فَ ّ‬
‫سرَ َقوَْل ُه ‪ { :‬يَُثّبتُ الّلهُ الّذِي َن آمَنُوا بِاْل َقوْلِ الثّاِبتِ فِي‬ ‫ج َرةٍ َطيَّبةٍ } بَِأّنهَا النّخَْل ُة ‪ ,‬وَكَمَا فَ ّ‬ ‫َكشَ َ‬
‫س َر ال ّرعْدَ‬ ‫حيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ } أَنّ ذَِلكَ فِي اْلقَْبرِ ِحيَ ُيسْأَ ُل مَنْ َربّك َومَا دِينُك ‪ ,‬وَكَمَا فَ ّ‬ ‫الْ َ‬
‫سرَ اتّخَاذَ َأ ْهلِ الْ ِكتَابِ أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ‬ ‫بِأَّن ُه مََلكٌ مِ ْن الْمَلَائِ َك ِة ُموَكّلٌ بِالسّحَابِ ‪ ,‬وَكَمَا َف ّ‬

‫‪215‬‬
‫حلَا ِل ‪,‬‬ ‫حرِيِ مَا َحرّمُوهُ مِ ْن الْ َ‬ ‫حرَامِ َوتَ ْ‬
‫َأ ْربَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ بِأَ ّن ذَِلكَ بِاسِْتحْلَالِ مَا َأحَلّوهُ َلهُ ْم مِنْ الْ َ‬
‫سرَ َقوَْلهُ ‪ { :‬مَنْ َيعْمَلْ سُوءًا‬ ‫سرَ اْل ُق ّوةَ الّتِي َأ َمرَ الّلهُ أَنْ ُنعِ ّدهَا لَِأعْدَاِئهِ بِال ّرمْيِ ‪ ,‬وَكَمَا َف ّ‬
‫وَكَمَا فَ ّ‬
‫سرَ‬ ‫ف وَاللّ ْأوَا ِء ‪ ,‬وَكَمَا فَ ّ‬ ‫خوْ ِ‬ ‫ب وَاْلهَ ّم وَالْ َ‬ ‫جزَى ِبهِ اْلعَبْ ُد فِي الدّْنيَا مِنْ الّنصَ ِ‬ ‫جزَ ِبهِ } بَِأّنهُ مَا يُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫سرَ ال ّدعَاءَ فِي َقوِْل ِه ‪ { { :‬وَقَا َل َربّكُمْ ُا ْدعُونِي‬ ‫الزّيَا َدةَ بَِأّنهَا النّ َظرُ إلَى وَ ْجهِ الّلهِ الْ َكرِ ِي ‪ ,‬وَكَمَا فَ ّ‬
‫ج ِر ‪ ,‬وََأدْبَا َر السّجُودِ‬ ‫سرَ َأ ْدبَارَ النّجُومِ بِأَّنهُ الرّ ْكعَتَا ِن قَبْ َل اْلفَ ْ‬‫جبْ لَكُ ْم } بِأَّنهُ اْلعِبَا َدةُ ‪ ,‬وَكَمَا َف ّ‬ ‫َأسْتَ ِ‬
‫ث ‪ :‬بَيَاُنهُ بِاْل ِفعْلِ كَمَا َبيّنَ َأوْقَاتِ الصّلَاةِ لِلسّائِلِ‬ ‫بِالرّ ْكعَتَْينِ َبعْدَ الْ َم ْغ ِربِ ‪ ,‬وَنَظَاِئ ُر ذَِلكَ ‪ .‬الثّاِل ُ‬
‫ستْ فِي اْلقُرْآنِ فََنزَ َل اْل ُقرْآنُ ِببَيَاِنهَا ‪ ,‬كَمَا‬ ‫ِبفِعِْل ِه ‪ .‬الرّابِ ُع ‪ :‬بَيَا ُن مَا ُسئِ َل عَْن ُه مِنْ الَْأحْكَامِ الّتِي لَْي َ‬
‫س ‪ :‬بَيَا ُن مَا ُسئِ َل عَْنهُ بِاْل َوحْ ِي وَإِنْ‬ ‫سُئِ َل عَنْ َقذْفِ ال ّزوْ َجةِ فَجَاءَ اْلقُرْآنُ بِالّلعَا ِن وَنَظَاِئ ِرهِ ‪ .‬الْخَامِ ُ‬
‫َلمْ يَكُ ْن ُقرْآنًا ‪ ,‬كَمَا ُسئِ َل عَ ْن رَجُلٍ َأ ْح َرمَ فِي جُبّةٍ َبعْ َدمَا َتضَمّخَ بِالْخَلُوقِ ‪ ,‬فَجَاءَ اْلوَحْ ُي بِأَنْ‬
‫س ‪َ :‬بيَاُنهُ ِللْأَحْكَامِ بِالسّنّةِ ابْتِدَاءً مِ ْن غَْيرِ ُسؤَا ٍل ‪َ ,‬كمَا‬ ‫ع عَْنهُ اْلجُبّةَ َوَيغْسِلَ أََثرَ الْخَلُوقِ ‪ .‬السّا ِد ُ‬ ‫يَْنزِ َ‬
‫ح الْ َمرَْأ ِة عَلَى عَمِّتهَا َوخَالَِتهَا وََأمْثَا َل ذَِلكَ ‪.‬‬ ‫ح ُمرِ وَالْمُْتعَ َة َوصَيْ َد الْمَدِيَنةِ َونِكَا َ‬
‫َحرّ َم عََلْيهِمْ لُحُومَ الْ ُ‬
‫السّابِ ُع ‪ :‬بَيَاُنهُ لِلُْأمّةِ َجوَازَ الشّ ْيءِ ِب ِفعِْلهِ ُهوَ َلهُ َوعَ َدمِ َن ْهِيهِمْ عَ ْن التّأَسّي ِب ِه ‪ .‬الثّامِنُ ‪َ :‬بيَاُنهُ َجوَازَ‬
‫الشّ ْيءِ ِبإِ ْقرَا ِرهِ َلهُ ْم عَلَى ِفعِْلهِ َو ُهوَ ُيشَاهِ ُدهُ َأوْ ُيعَلّ ُمهُمْ َي ْفعَلُوَن ُه ‪ .‬التّاسِ ُع ‪ :‬بَيَاُنهُ إبَا َحةَ الشّ ْي ِء َعفْوًا‬
‫ح ِر ِيهِ‬ ‫ح ِريِ ِه وَإِنْ لَمْ يَ ْأذَنْ فِيهِ نُ ْطقًا ‪ .‬اْلعَا ِش ُر ‪ :‬أَنْ َيحْكُمَ اْل ُقرْآنُ بِإِيَابِ شَ ْيءٍ َأوْ تَ ْ‬ ‫بِالسّكُوتِ عَنْ َت ْ‬
‫ف‪,‬‬ ‫خصُوصَ ٌة وَأَ ْحوَا ٌل وََأوْصَا ٌ‬ ‫ط َو َموَانِ ُع َوقُيُو ٌد وََأوْقَاتٌ مَ ْ‬ ‫َأ ْو إبَاحَِت ِه ‪َ ,‬ويَكُونُ لِذَِلكَ الْحُكْمِ ُشرُو ٌ‬
‫فَيُحِيلُ ال ّربّ ُسبْحَاَن ُه وََتعَالَى َعلَى رَسُوِلهِ فِي بَيَاِنهَا َك َقوْلِهِ َتعَالَى ‪ { :‬وَأُ ِحلّ لَكُ ْم مَا َورَاءَ ذَلِ ُكمْ }‬
‫ح وَانِْتقَا ِء َموَاِن ِعهِ َو ُحضُو ِر وَقِْت ِه وََأهِْليّ ِة الْمَحَلّ ‪ ,‬فَِإذَا جَا َءتْ‬ ‫ف عَلَى ُشرُوطِ النّكَا ِ‬ ‫فَالْحِ ّل َموْقُو ٌ‬
‫السّنّ ُة بِبَيَانِ ذَِلكَ ُكّلهِ لَ ْم يَكُ ْن الشّ ْي ُء مِْنهُ زَائِدًا عَلَى النّصّ فََيكُونُ نَسْخًا َلهُ ‪ ,‬وَإِنْ كَا َن رَ ْفعًا‬
‫ِلظَا ِهرِ إ ْطلَاِقهِ ‪َ .‬فهَكَذَا كُلّ حُكْ ٍم مِْنهُ صلى ال عليه وسلم زَائِ ٍد َعلَى اْل ُقرْآ ِن ‪ ,‬هَذَا سَبِيُلهُ َسوَاءٌ‬
‫سوَا ٍء ‪َ ,‬وقَدْ قَا َل َتعَالَى ‪ { :‬يُوصِيكُ ْم الّلهُ فِي َأوْلَادِكُمْ لِلذّ َك ِر مِثْ ُل َحظّ الْأُْنثَيَْينِ } ثُمّ جَاءَتْ‬ ‫بِ َ‬
‫ث ‪ ,‬وََلمْ يَكُ ْن نَسْخًا ِل ْل ُقرْآ ِن مَعَ أَّن ُه زَائِ ٌد َعلَْيهِ قَ ْطعًا ‪َ ,‬أعْنِي‬ ‫السّنّ ُة بِأَنّ اْلقَاِت َل وَالْكَاِف َر وَالرّقِيقَ لَا َيرِ ُ‬
‫فِي مُوجِبَاتِ اْلمِيَاثِ ; َفإِنّ اْل ُقرْآنَ َأوْ َجَبهُ بِاْلوِلَا َد ِة وَحْ َدهَا ‪َ ,‬فزَا َدتْ السّنّ ُة مَعَ َوصْفِ اْلوِلَا َدةِ‬
‫سخًا وَاْل ُقرْآنُ لَا‬ ‫اتّحَادَ الدّي ِن َوعَ َدمَ الرّقّ وَاْلقَتْلِ ‪َ ,‬فهَلّا قُ ْلتُ ْم ‪ :‬إ ّن هَ ِذ ِه زِيَا َدٌة عَلَى النّصّ َفيَكُونُ نَ ْ‬
‫سخُ بِالسّنّ ِة ؟ كَمَا قُ ْلتُ ْم ذَِلكَ فِي كُ ّل َم ْوضِعٍ َترَكْتُمْ فِيهِ الْحَدِيثَ ; لِأَّن ُه زَائِ ٌد عَلَى اْل ُقرْآ ِن ‪.‬‬ ‫يُنْ َ‬
‫س ‪ :‬أَ ّن تَسْ ِميَتَكُمْ لِلزّيَا َدةِ اْلمَذْكُو َرةِ َنسْخًا لَا تُو ِجبُ بَلْ لَا تَجُو ُز مُخَاَلفَُتهَا ‪ ,‬فَإِنّ‬ ‫اْلوَ ْجهُ اْلخَامِ ُ‬
‫ب رَفْعَ‬ ‫ح مِنْكُ ْم ‪ ,‬وَالْأَسْمَاءُ الْمَُتوَاضَعُ َعلَْيهَا التّاِبعَةُ ِللِاصْطِلَاحِ لَا تُو ِج ُ‬ ‫تَسْمَِي َة ذَِلكَ نَسْخًا اصْطِلَا ٌ‬
‫ص ‪ ,‬فََأيْنَ سَمّى الّلهُ َورَسُوَل ُه ذَِلكَ نَسْخًا ؟ وَأَْينَ قَا َل رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه‬ ‫َأحْكَامِ الّنصُو ِ‬
‫سخًا لِكِتَابِ‬ ‫وسلم إذَا جَاءَكُمْ حَدِيثِي زَائِدًا عَلَى مَا فِي كِتَابِ الّلهِ َف ُردّوهُ وَلَا َتقْبَلُوهُ فَِإّنهُ يَكُونُ نَ ْ‬
‫الّل ِه ؟ وَأَيْنَ قَالَ الّلهُ ‪ :‬إذَا قَا َل رَسُولِي َقوْلًا زَائِدًا عَلَى اْل ُقرْآنِ فَلَا َتقْبَلُو ُه وَلَا َتعْ َملُوا ِب ِه َو ُردّو ُه ؟ ‪,‬‬

‫‪216‬‬
‫غ َردّ سُنَ ِن رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم ِب َقوَاعِ َد َقعّدْتُمُوهَا أَْنتُ ْم وَآبَاؤُكُ ْم مَا أَْنزَ َل‬ ‫وَ َكيْفَ يَسُو ُ‬
‫الّلهُ ِبهَا مِنْ ُسلْطَا ٍن ؟ [ الْ ُمرَادُ بِالنّسْخِ فِي السّنّةِ الزّائِ َد ِة عَلَى اْل ُقرْآ ِن ] ‪ :‬اْلوَ ْجهُ السّا ِدسُ ‪ :‬أَنْ ُيقَالَ‬
‫سخِ الّذِي َتضَمَّنْتهُ الزّيَا َدةُ ِب َزعْمِكُمْ ؟ أََتعْنُونَ أَنّ ُحكْمَ الْ َمزِي ِد عَلَْي ِه مِنْ اْلإِيَابِ‬ ‫‪ :‬مَا َتعْنُونَ بِالنّ ْ‬
‫حرِ ِي وَالْإِبَاحَ ِة بَطَلَ بِالْكُلّيّ ِة ‪َ ,‬أمْ َتعْنُونَ ِبهِ َتغَّي َر َوصْ ِفهِ ِبزِيَا َدةِ شَ ْي ٍء عَلَْي ِه مِنْ َشرْطٍ َأوْ َقيْدٍ َأوْ‬ ‫وَالتّ ْ‬
‫حَالٍ َأ ْو مَانِعٍ َأ ْو مَا ُهوَ َأعَ ّم مِ ْن ذَِلكَ ؟ فَإِ ْن عَنَْيتُمْ الَْأوّلَ فَلَا َرْيبَ أَ ّن الزّيَا َدةَ لَا تََتضَمّ ُن ذَِلكَ فَلَا‬
‫تَكُونُ نَا ِسخَ ًة ‪ ,‬وَإِنْ َعنَْيتُمْ الثّاِنيَ َف ُهوَ حَ ّق ‪ ,‬وََلكِنْ لَا َي ْل َزمُ مِْنهَا بُطْلَانُ حُكْمِ الْ َمزِي ِد عََلْيهِ وَلَا َر ْفعُهُ‬
‫صصَاتِ ‪ ,‬وَشَ ْي ٌء مِنْ‬ ‫خّ‬ ‫ط وَالْ َموَانِ ِع وَاْلقُيُودِ وَالْمُ َ‬ ‫شرُو ِ‬ ‫وَلَا ُمعَا َرضَُتهُ ‪ ,‬بَ ْل غَايَُتهَا مَعَ الْ َمزِي ِد عََلْيهِ كَال ّ‬
‫ذَِلكَ لَا يَكُونُ نَسْخًا يُو ِجبُ إبْطَالَ الَْأوّ ِل َورَ ْف َعهُ رَْأسًا ‪ ,‬وَإِنْ كَا َن نَسْخًا بِالْ َمعْنَى اْلعَامّ الّذِي‬
‫خصِيصٍ َأ ْو َتقْيِيدٍ َأوْ َشرْطٍ َأ ْو مَانِ ٍع ; َفهَذَا َكثِ ٌي مِنْ‬ ‫يُسَمّيه السّلَفُ نَسْخًا َو ُه َو رَفْ ُع الظّا ِهرِ ِبتَ ْ‬
‫السّلَفِ يُسَمّيه نَسْخًا ‪َ .‬حتّى سَمّى الِاسْتِْثنَاءَ نَسْخًا ‪َ ,‬فإِنْ َأ َردْتُ ْم هَذَا الْ َمعْنَى َفلَا مُشَاحّةَ فِي الِاسْمِ‬
‫غ َردّ السّنَنِ النّا ِسخَةِ ِل ْل ُقرْآنِ ِبهَذَا الْ َمعْنَى ‪ ,‬وَلَا ُينْ ِكرُ أَحَ ٌد نَسْ َخ اْل ُقرْآنِ‬ ‫سوّ ُ‬‫‪ ,‬وَلَكِ ْن ذَِلكَ لَا ُي َ‬
‫سخَ‬ ‫خهِ بِالسّنّةِ النّ ْ‬ ‫بِالسّنّ ِة ِبهَذَا الْ َمعْنَى َبلْ ُه َو مُّتفَ ٌق عََلْيهِ بَيْ َن النّاسِ ‪ ,‬وَإِنّمَا تَنَا َزعُوا فِي َجوَا ِز نَسْ ِ‬
‫شرَعْ أَلَْبتّ َة ‪ ,‬وَإِنْ َأ َردْتُمْ‬ ‫حْيثُ يَْبقَى بِ َمْنزِلَ ِة مَا لَ ْم يُ ْ‬ ‫الْخَاصّ الّذِي ُه َو رَفْعُ َأصْلِ الْحُكْ ِم وَجُ ْملَِتهِ بِ َ‬
‫ص عَا ّمهِ‬ ‫خصِي ِ‬ ‫بِالنّسْ ِخ مَا ُهوَ َأعَمّ مِ ْن اْلقِسْمَْينِ ‪َ -‬و ُهوَ رَفْ ُع الْحُ ْكمِ بِجُ ْملَِتهِ تَا َر ًة وََتقْيِيدُ مُ ْطَل ِقهِ وَتَ ْ‬
‫َوزِيَا َدةِ َشرْطٍ َأ ْو مَانِ ٍع تَا َرةً ‪ُ -‬كنْتُ ْم قَدْ َأ ْدرَجْتُ ْم فِي كَلَامِكُ ْم قِسْمَْي ِن مَقْبُولًا َو َم ْردُودًا كَمَا َتبَيّنَ ;‬
‫فََلْيسَ الشّأْنُ فِي الْأَْلفَاظِ فَسَمّوا الزّيَا َدةَ مَا ِشئْتُمْ ‪ ,‬فَِإبْطَالُ السَّننِ ِبهَذَا الِاسْ ِم مِمّا لَا سَبِيلَ إَلْيهِ ‪.‬‬
‫خةً لَمَا جَازَ ا ْقِترَاُنهَا بِالْ َمزِيدِ ; لِأَنّ النّاسِخَ لَا‬ ‫ُي َوضّحُهُ اْلوَ ْجهُ السّابِ ُع ‪ :‬أَنّ الزّيَا َدةَ َلوْ كَاَنتْ نَاسِ َ‬
‫خصِيصًا ‪َ ,‬فهَلّا كَانَ حُكْ ُمهَا‬ ‫خ ‪َ ,‬وقَدْ َج ّوزْتُمْ اقِْترَاَنهَا ِب ِه ‪َ ,‬وقُلُْتمْ ‪َ :‬تكُونُ بَيَانًا َأوْ تَ ْ‬ ‫ُيقَارِنُ الْمَْنسُو َ‬
‫جبُ اقِْترَاُنهُ بِالْمَُبيّ ِن ‪ ,‬بَلْ َيجُوزُ تَأْخِ ُيهُ إلَى وَ ْقتِ ُحضُورِ اْلعَمَ ِل ؟‬ ‫ك ‪ ,‬وَاْلبَيَانُ لَا يَ ِ‬ ‫مَعَ التّأَ ّخرِ كَذَِل َ‬
‫جوَازِ بَ ْل وُجُوبِ تَ ْأخِيِ النّا ِسخِ َوعَ َدمِ‬ ‫حقّ َف ُهوَ ُمنَْتقِضٌ ِب َ‬ ‫َومَا ذَ َكرْتُمُوهُ مِ ْن إيهَامِ اعِْتقَادِ خِلَافِ الْ َ‬
‫ت مَا َيرَْف ُعهُ َأوْ َي ْرفَعُ ظَا ِه َرهُ‬ ‫ص مَا لَمْ يَ ْأ ِ‬ ‫خ ُه ‪ ,‬وَلَا مَحْذُورَ فِي اعِْتقَا ِد مُو ِجبِ النّ ّ‬ ‫الْإِ ْشعَارِ بَِأّنهُ سََينْسَ ُ‬
‫; فَحِينَِئذٍ ُيعَْتقَ ُد مُوجُِبهُ َكذَِلكَ ‪ ,‬فَكَانَ كُ ّل مِنْ الِا ْعِتقَادَيْنِ فِي َوقِْتهِ ُه َو الْمَ ْأمُورُ ِبهِ ; إذْ لَا يُ َكلّفُ‬
‫ف إنّمَا َيعَْتقِ ُد ُه عَلَى إ ْطلَاِق ِه َوعُمُومِ ِه ُمقَيّدًا‬ ‫الّلهُ َنفْسًا إلّا وُ ْس َعهَا ‪ُ .‬ي َوضّحُهُ اْلوَ ْجهُ الثّامِنُ ‪ :‬أَنّ الْمُكَلّ َ‬
‫ِبعَ َدمِ ُورُودِ مَا َيرَْفعُ ظَا ِه َرهُ ‪ ,‬كَمَا َيعَْتقِدُ الْمَنْسُوخَ ُمؤَبّدًا ا ْعِتقَادًا ُمقَيّدًا ِبعَ َد ِم ُورُو ِد مَا يُْبطُِل ُه ‪,‬‬
‫ط الْمُ ْلحَقِ بِاْلعِبَا َدةِ‬ ‫شرْ ِ‬ ‫َوهَذَا ُه َو اْلوَا ِجبُ َعلَْيهِ الّذِي لَا ُيمْكُِنهُ ِسوَا ُه ‪ .‬اْلوَ ْجهُ التّاسِ ُع ‪ :‬أَنّ إيَابَ ال ّ‬
‫صرّحَ بِ َذِلكَ َبعْضُ َأصْحَابِ ُكمْ َو ُهوَ‬ ‫َبعْ َدهَا لَا يَكُونُ َنسْخًا وَإِنْ َتضَمّ َن رَفْ َع الِْإ ْجزَاءِ بِدُوِن ِه ‪ ,‬كَمَا َ‬
‫شرْطِ َيرَْفعُ إ ْجزَاءَ‬ ‫الْحَ ّق ; فَكَ َذِلكَ إيَابُ كُ ّل زِيَا َدةٍ ‪ ,‬بَلْ َأوْلَى أَ ْن لَا تَكُونَ َنسْخًا ; فَإِنّ إيَابَ ال ّ‬
‫سهِ خَاصّ ًة ‪.‬‬ ‫سهِ َوعَ ْن غَْي ِر ِه ‪ ,‬وَإِيَابُ الزّيَا َدةِ إنّمَا َيرْفَعُ إ ْجزَاءَ الْ َمزِي ِد عَنْ َنفْ ِ‬ ‫ط عَ ْن َنفْ ِ‬‫شرُو ِ‬ ‫الْمَ ْ‬
‫سخًا ‪َ ,‬وذَِلكَ‬ ‫سَتقِلّ ٍة َبعْدَ الثّاِنيَةِ لَا يَكُونُ نَ ْ‬ ‫س مُّت ِفقُونَ عَلَى أَنّ إيَابَ ِعبَا َدةٍ مُ ْ‬ ‫اْلوَ ْجهُ اْلعَا ِشرُ ‪ :‬أَنّ النّا َ‬

‫‪217‬‬
‫شرَعْ جُ ْملَ ًة وَاحِ َد ًة ‪ ,‬وَِإنّمَا َش َر َعهَا أَحْكُ ُم الْحَا ِك ِميَ َشيْئًا َبعْدَ شَ ْيءٍ ‪ ,‬وَكُ ّل مِْنهَا‬ ‫أَ ّن الْأَحْكَامَ َلمْ تُ ْ‬
‫صرَ َعلَْي ِه ‪َ ,‬وبِالزّيَا َدةِ‬ ‫ط عَمّنْ اقَْت َ‬ ‫ب ‪ ,‬وَالِْإثْ ُم مَحْطُو ٌ‬ ‫زَائِ ٌد عَلَى مَا قَْبَلهُ ‪ ,‬وَكَا َن مَا قَْبَلهُ َجمِيعُ اْلوَا ِج ِ‬
‫صرَ َعلَْي ِه ‪َ ,‬ومَعَ‬ ‫حطّ الِْإثْ ُم عَمّنْ اقَْت َ‬ ‫ب ‪ ,‬وَلَ ْم يُ َ‬ ‫َتغَّيرَ هَذَانِ الْحُكْمَا ِن ; فَلَ ْم يَبْ َق الَْأوّلُ جَمِيعَ اْلوَا ِج ِ‬
‫ب َوغَْي ِرهِ بَاقٍ ; َفهَ ِذهِ الزّيَا َدةُ الْمَُتعَّلقَةُ‬ ‫ذَِلكَ َفلَْيسَ الزّائِدُ نَاسِخًا ِللْ َمزِي ِد َعلَْيهِ ; إذْ حُكْ ُم ُه مِنْ اْلوُجُو ِ‬
‫ق عَلَى حُكْ ِم ِه وَقَ ْد ضُمّ إلَْي ِه غَْي ُرهُ‬ ‫بِالْ َمزِي ِد لَا تَكُونُ نَاسِخًا َل ُه ‪ ,‬حَْيثُ لَمْ َت ْرفَعْ حُكْ َم ُه ‪ ,‬بَ ْل ُهوَ بَا ٍ‬
‫ش َر ‪ :‬أَنّ الزّيَا َدةَ إ ْن رََف َعتْ حُكْمًا خِطَاِبيّا كَاَنتْ َنسْخًا ‪َ ,‬وزِيَا َدةُ‬ ‫حهُ اْلوَ ْجهُ الْحَا ِديَ عَ َ‬ ‫‪ُ .‬ي َوضّ ُ‬
‫ب ‪ ,‬وَإِ ْن رُفِ َع حُكْمُ الِاسِْتصْحَابِ‬ ‫ب وَ ُشرُوطُ الْحُكْ ِم َو َموَاِن ِعهِ َو َجزَا ُؤهُ لَا َترْفَ ُع حُكْمَ اْلخِطَا ِ‬ ‫الّت ْغرِي ِ‬
‫جزِئًا وَحْ َدهُ‬ ‫ب وَ َكوِْن ِه مُ ْ‬ ‫ش َر ‪ :‬أَ ّن مَا ذَ َكرُو ُه مِنْ َكوْنِ الَْأوّلِ َجمِيعَ اْلوَا ِج ِ‬ ‫حهُ اْلوَ ْجهُ الثّانِي عَ َ‬ ‫‪ُ .‬ي َوضّ ُ‬
‫وَ َكوْنِ الْإِثْ ِم مَحْطُوطًا عَمّ ْن ا ْقَتصَ َر عََلْيهِ إنّمَا ُه َو مِنْ َأحْكَامِ اْلَبرَا َءةِ الَْأصِْليّةِ ; َف ُهوَ حُكْمٌ‬
‫ج ِزئَةً أَنّ‬ ‫اسِْتصْحَابِيّ لَ ْم نَسَْتفِ ْد ُه مِنْ َلفْظِ الَْأ ْمرِ الَْأوّ ِل ‪ ,‬وَلَا ُأرِيدَ ِبهِ ; فَإِ ّن َمعْنَى َكوْ ِن اْلعِبَا َدةِ مُ ْ‬
‫ح ُقهُ‬
‫ال ّذمّ َة َبرِيَئةٌ َبعْدَ اْلإِتْيَانِ ِبهَا ‪ ,‬وَ َحطّ ال ّذمّ عَ ْن فَاعِِلهَا َمعْنَاهُ أَّنهُ قَ ْد َخرَجَ مِ ْن ُعهْ َدةِ الَْأ ْمرِ َفلَا َيلْ َ‬
‫ت هَ ِذهِ الْأَ ْحكَامَ لَمْ َترْفَ ْع حُكْمًا دَ ّل عََلْيهِ َل ْفظُ الْ َمزِي ِد ‪.‬‬ ‫َذ ّم ‪ ,‬وَالزّيَا َدةُ وَإِ ْن رََف َع ْ‬
‫وف الوسوعة الفقهية ‪:‬‬
‫شرْكُ بُِأمُورٍ يََتَنوّعُ ا ْس ُمهُ ِبحَسَِبهَا إلَى مَا يَأْتِي ‪ :‬أ ‪ِ -‬شرْكُ‬ ‫شرْ ُك ‪ - 3 :‬يَكُونُ ال ّ‬ ‫مَا َيكُونُ ِبهِ ال ّ‬
‫شرْكِ الثَّنوِيّ ِة ‪َ ,‬أوْ أَكَْث َر مِنْ إَلهَيْ ِن ‪ .‬ب ‪ِ -‬شرْكُ التّْبعِيضِ‬ ‫الِا ْسِتقْلَا ِل ‪َ ,‬و ُهوَ إثْبَاتُ إَل َهيْ ِن مُسَْتقِلّيْنِ كَ ِ‬
‫شرْكِ الّنصَارَى اْلقَاِئِليَ بِالْأَقَانِي ِم الثّلَاثَ ِة وَ ِشرْكِ الَْبرَاهِ َمةِ‬ ‫‪َ ,‬و ُهوَ اعِْتقَادُ أَنّ الِْإَلهَ ُمرَ ّكبٌ مِنْ آِلهَ ٍة ‪ ,‬كَ ِ‬
‫شرْ ِك مَُتقَ ّدمِي الْجَا ِهلِيّ ِة ‪ .‬د‬ ‫ب ‪َ ,‬و ُه َو عِبَا َد ُة غَْيرِ الّلهِ لُِي َق ّربَ إلَى الّلهِ زُْلفًى ‪ ,‬كَ ِ‬ ‫‪ .‬ج ‪ِ -‬شرْ ُك الّت ْقرِي ِ‬
‫شرْ ِك مُتََأ ّخرِي الْجَاهِِليّ ِة ‪ .‬هـ ‪-‬‬ ‫‪ِ -‬شرْكُ الّتقْلِي ِد ‪َ ,‬و ُهوَ عِبَا َدةُ غَْي ِر الّلهِ َتعَالَى تََبعًا ِل ْلغَْيرِ ‪ ,‬كَ ِ‬
‫ك ‪ :‬لقوله تعال ‪ { :‬اتّخَذُوا أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا‬ ‫الْحُكْ ُم ِبغَْي ِر مَا َأْنزَلَ الّلهُ مَ َع اسِْتحْلَا ِل ذَِل َ‬
‫مِ ْن دُونِ الّلهِ } َوقَ ْد َو َردَ { َأمَا إّنهُمْ لَمْ يَكُونُوا َيعْبُدُوَنهُمْ َولَكِّنهُمْ كَانُوا إذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا‬
‫اسَْتحَلّو ُه ‪ ,‬وَِإذَا َح ّرمُوا َعلَْيهِمْ َشيْئًا َحرّمُوهُ } َفهُمْ لَ ْم َيعْبُدُوهُ ْم وَلَكِنْ َش َرعُوا َلهُ ْم مَا لَ ْم يَ ْأذَنْ ِبهِ‬
‫ب ‪َ :‬و ُهوَ إسْنَادُ التّ ْأثِيِ‬ ‫ض ‪َ :‬و ُهوَ اْلعَمَلُ ِلغَْيرِ الّلهِ َتعَالَى ‪ .‬ز ‪ِ -‬شرْكُ الْأَ ْسبَا ِ‬ ‫الّل ُه ‪َ .‬و ِشرْكُ الَْأ ْغرَا ِ‬
‫ِللْأَ ْسبَابِ اْلعَادِيّ ِة ‪.‬‬
‫الْأَحْكَامُ الْمَُت َعّلقَةُ بِالطّاعَ ِة ‪:‬‬
‫ف ‪ .‬قَالَ َتعَالَى { يَا َأّيهَا‬ ‫ض عَلَى ُكلّ مُ َكلّ ٍ‬ ‫أ ‪ -‬طَا َعةُ الّلهِ َع ّز وَجَ ّل ‪ - 5 :‬طَاعَ ُة الّل ِه َعزّ جَلّ َف ْر ٌ‬
‫الّذِي َن آمَنُوا أَطِيعُوا الّل َه وَأَطِيعُوا الرّسُو َل وَلَا ُتبْطِلُوا َأعْمَالَكُ ْم } ‪َ .‬ومِنْ حَقّ الْبَارِي ‪ -‬جَلّ َثنَا ُؤهُ ‪-‬‬
‫َعلَى مَنْ أَبْ َد َعهُ أَنْ يَكُونَ َأ ْم ُرهُ عََلْيهِ نَافِذًا ‪ ,‬وَطَا َعُتهُ َلهُ لَا ِزمَةً ‪ .‬قَا َل الطَّبرِيّ فِي تَ ْأوِيلِ قوله تعال {‬
‫اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّل ِه وَاْلمَسِيحَ اْب َن مَرْيَ َم َومَا ُأ ِمرُوا إلّا ِلَيعْبُدُوا إَلهًا‬
‫شرِكُونَ } ‪َ :‬يعْنِي َومَا ُأ ِمرَ َهؤُلَاءِ الَْيهُو ُد وَالّنصَارَى ‪ -‬الّذِينَ‬ ‫وَاحِدًا لَا إَلهَ إلّا ُهوَ سُْبحَاَن ُه عَمّا ُي ْ‬

‫‪218‬‬
‫اتّخَذُوا الَْأحْبَا َر وَال ّرهْبَا َن وَاْلمَسِيحَ َأرْبَابًا ‪ -‬إلّا أَنْ َيعُْبدُوا َمعْبُودًا وَاحِدًا ‪ ,‬وَأَنْ لَا يُطِيعُوا إلّا رَبّا‬
‫ستَحِ ّق عَلَى‬ ‫وَاحِدًا ‪ ,‬دُونَ َأ ْربَابٍ شَتّى ‪َ ,‬و ُهوَ الّلهُ الّذِي َلهُ عِبَا َدةُ كُلّ َش ْيءٍ وَطَا َعةُ كُلّ خَ ْل ٍق ‪ ,‬الْمُ ْ‬
‫جَمِيعِ َخ ْل ِقهِ الدّْينُونَ َة َلهُ بِاْلوَحْدَاِنيّ ِة وَالرّبُوبِيّةِ لَا إَلهَ إلّا ُه َو ‪ :‬وَلَا َتنَْبغِي الُْألُوهِيّ ُة إلّا ِلوَاحِ ٍد ‪َ ,‬و ُهوَ‬
‫شرِكُو َن ‪َ .‬وقَدْ بَيّنَ النّبِ ّي صلى‬ ‫الّذِي َأمَرَ الْخَ ْلقَ ِبعِبَادَِت ِه وََل ِزمَتْ جَمِيعَ اْل ِعبَادِ طَاعَُتهُ سُبْحَاَنهُ عَمّا يُ ْ‬
‫ال عليه وسلم كَْيفِيّةَ اتّخَاذِ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى الْأَ ْحبَا َر وَال ّرهْبَانَ َأرْبَابًا مِنْ دُونِ الّل ِه ‪َ ,‬وذَِلكَ فِيمَا‬
‫ُر ِويَ { عَ ْن عَ ِديّ ْبنِ حَاتِمٍ َأّنهُ سَمِ َع رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َي ْقرَأُ فِي سُو َرةِ َبرَا َءةٍ‬
‫{ اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابًا مِ ْن دُونِ الّلهِ } قَا َل ‪َ :‬أمَا إّنهُمْ لَمْ َيكُونُوا َي ْعبُدُوَنهُ ْم ‪ ,‬وَلَ ِكنْ‬
‫حلّوهُ ‪ ,‬وَِإذَا َح ّرمُوا عََلْيهِمْ شَْيئًا َح ّرمُوهُ } قَالَ ابْ ُن عَبّاسٍ ‪ :‬لَمْ‬ ‫كَانُوا إذَا َأحَلّوا َلهُمْ شَْيئًا اسْتَ َ‬
‫يَ ْأ ُمرُوهُمْ أَنْ َيسْجُدُوا َلهُ ْم ‪ ,‬وَلَكِنْ َأ َمرُوهُمْ بِ َم ْعصِيَةِ الّلهِ فَأَطَاعُوهُ ْم ‪ ,‬فَسَمّاهُ ْم الّلهُ ِبذَِلكَ َأ ْربَابًا ‪,‬‬
‫وَقَالَ اْلحَسَنُ ‪ :‬اتّخَذُوا َأحْبَا َرهُ ْم َو ُرهْبَاَنهُمْ َأ ْربَابًا فِي الطّاعَ ِة ‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬والنسان مت حلّل الرام الجمع عليه أو حرّم اللل الجمع‬
‫عليه أو بدّل الشرع الجمع عليه كان كافرا باتّفاق الفقهاء"‪.‬‬
‫وقال ابن كثي رحه اللـه تعال‪ « :‬فمن ترك الشرع الحكم النل على ممّد بن عبد اللـه‬
‫خات النبياء وتاكم إل غيه من الشرائع النسوخة كفر»‬
‫وقال الشيخ ممّد حامد الفقي‪« :‬الذي يُستخلص من كلم السلف‪ : ..‬أ ّن الطاغوت ك ّل ما‬
‫صرف العبد وصدّه عن عبادة اللـه وإخلص الدين والطاعة للـه ولرسوله‪ ،‬سواء ف ذلك‬
‫الشيطان من ال ّن الشياطي والنس والشجار والحجار وغيها‪ ،‬ويدخل ف ذلك بل شكّ‪:‬‬
‫الكم بالقواني الجنبيّة عن السلم وشرائعه وغيها من ك ّل ما وضعه النسان ليحكم به ف‬
‫الدماء والفروج والموال‪ ،‬وليبطل با شرائع اللـه‪ ،‬من إقامة الدود وتري الربا والزنا والمر‬
‫ونو ذلك مّا أخذت هذه القواني تلّلها وتميها بنفوذها ومنفّذيها‪ ،‬والقواني نفسها طواغيت‪،‬‬
‫وواضعوها ومروّجوها طواغيت»‬
‫وقال الشيخ عبد اللـه بن حيد رحه ال ‪« :‬ومن أصدر تشريعا عامّا ملزما للناس يتعارض مع‬
‫حكم اللـه فهذا يرج من اللّة كافرا» ‪.‬‬
‫ح الشمس‪ ،‬هي كفرٌ‬ ‫ويقول الشيخ أحد شاكر‪« :‬إ ّن المر ف هذه القواني الوضعيّة واض ٌح وضو َ‬
‫بواحٌ ل خفاء فيه ول مداراة‪ ،‬ول عذرَ لحدٍ من ينتسب للسلم كائنا من كان ف العمل با أو‬
‫الضوع لا أو إقرارها‪ ،‬فليحذر امرؤٌ لنفسه‪ ،‬وكلّ امرئ حسيب نفسه»‬
‫وقال الشيخ حود العقل ‪ :‬فتبي من الية الكرية من حديث عدي بن حات أن التحليل والتحري‬
‫والتشريع من خصائصه سبحانه وتعال ‪ ،‬فمن حلّل أو حرّم أو شرع ما يالف شرع ال فهو‬
‫شريكٌ ل ف خصائصه ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫وما تقدم من اليات الكرية وتعليقنا عليها يتبي أ ّن مَنْ حكم بغي ما أنزل ال وأعرضَ عن شرعِ‬
‫ال وحكمِه أنه كاف ٌر بال العظيم خارجٌ من السلم ‪ ،‬وكذلك مثلُه مَ ْن وضع للناس تشريعاتٍ‬
‫وضعيةً ‪ ،‬لنه لول يرض با لا حكم با ‪ ،‬فإن الواقع يكذبه ‪ ،‬فالكثي من الكّام لديه من‬
‫الصلحيات ف تأجيل الكم ‪ ،‬وتغيي الدستور والذف وغيها ‪.‬‬
‫وإن تنـزلنا وقلنا إنم ل يضعوها ويشرعوها لشعوبم فمن الذي ألزم الرعية بالعمل با ومعاقبة‬
‫من خالفها ؟‬
‫وما حالم وحال التتار الذي نقل اب ُن تيمية وابنُ كثي رحهما ال الجاعَ على كفرهم ببعيد ‪،‬‬
‫فإن التتار ل يضعوا ول يشرعوا ( الياسق ) ‪ ،‬بل الذي وضعه أحد حكامهم الوائل ويسمى‬
‫( جنكز خان ) ‪ ،‬فصورة هؤلء كحال أولئك ) ‪.‬‬
‫=========================‬

‫‪220‬‬
‫الباب السادس‬
‫صفاتهم صفات المنافقين‬

‫وقال تعال ‪َ :‬ومِنَ النّاسِ مَن َيقُولُ آمَنّا بِالّل ِه وَبِاْلَي ْومِ ال ِخ ِر َومَا هُم بِ ُم ْؤمِِنيَ (‪ )8‬يُخَا ِدعُونَ الّلهَ‬
‫ش ُعرُونَ (‪ )9‬فِي ُقلُوِبهِم ّمرَضٌ َفزَا َدهُمُ الّل ُه َمرَضا وََلهُم‬ ‫سهُم َومَا يَ ْ‬ ‫وَالّذِي َن آمَنُوا َومَا َيخْ َدعُونَ إِلّ أَنفُ َ‬
‫عَذَابٌ َألِيمٌ ِبمَا كَانُوا يَكْ ِذبُونَ (‪ )10‬وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ َل ُتفْسِدُواْ فِي ا َل ْرضِ قَالُواْ إِنّمَا نَحْ ُن ُمصْلِحُو َن (‬
‫ش ُعرُو َن (‪ )12‬وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النّاسُ قَالُواْ‬ ‫‪ )11‬أَل إِّنهُ ْم هُ ُم الْ ُمفْسِدُو َن وَلَـكِن لّ يَ ْ‬
‫س َفهَاء وَلَـكِن لّ َيعْلَمُو َن ( ‪ )13‬وَِإذَا َلقُواْ الّذِي َن آمَنُواْ قَالُواْ‬ ‫س َفهَاء أَل ِإّنهُ ْم هُمُ ال ّ‬ ‫َأُن ْؤمِنُ كَمَا آمَنَ ال ّ‬
‫سَت ْهزِئُ ِبهِ ْم وَيَمُ ّدهُمْ‬
‫آمَنّا وَِإذَا َخَلوْاْ إِلَى شَيَاطِيِنهِ ْم قَالُواْ ِإنّا َمعَكْمْ ِإنّمَا َنحْ ُن مُسَْت ْهزِئُو َن (‪ )14‬الّلهُ يَ ْ‬
‫ك الّذِي َن ا ْشَت ُروُاْ الضّلََلةَ بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَت تّجَا َرُتهُمْ َومَا كَانُواْ‬ ‫فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪ُ )15‬أوْلَـِئ َ‬
‫ُمهْتَدِي َن (‪ )16‬البقرة‬
‫يقول ابن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫** َومِنَ النّاسِ مَن َيقُو ُل آمَنّا بِالّل ِه وَبِاْلَي ْومِ الَ ِخ ِر َومَا هُم بِ ُم ْؤمِِنيَ * يُخَا ِدعُونَ الّل َه وَالّذِي َن آمَنُوا َومَا‬
‫ش ُعرُو َن‬‫سهُم َومَا يَ ْ‬ ‫يَخْ َدعُونَ إِلّ أَْنفُ َ‬
‫النفاق هو إظهار الي وإسرار الشر‪ ,‬وهو أنواع‪ :‬اعتقادي‪ ,‬وهو الذي يلد صاحبه ف النار‪.‬‬
‫وعملي وهو من أكب الذنوب كما سيأت تفصيله ف موضعه إن شاء ال تعال‪ ,‬وهذا كما قال ابن‬
‫جريج‪ :‬النافق يالف قوله فعله‪ ,‬وسره علنيته‪ ,‬ومدخله مرجه‪ ,‬ومشهده مغيبه‪ ,‬وإنا نزلت صفات‬
‫النافقي ف السور الدنية لن مكة ل يكن فيها نفاق بل كان خلفه من الناس من كان يظهر الكفر‬
‫مستكرها وهو ف الباطن مؤمن‪ ,‬فلما هاجر رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الدينة وكان با‬
‫النصار من الوس والزرج وكانوا ف جاهليتهم يعبدون الصنام على طريقة مشركي العرب‪ ,‬وبا‬
‫اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلفهم وكانوا ثلث قبائل بنو قينقاع حلفاء الزرج بنوالنضي‬
‫وبنو قريظة حلفاء الوس فلما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم الدينة وأسلم من أسلم من‬
‫النصار من قبيلت الوس والزرج وقلّ من أسلم من اليهود إل عبد ال بن سلم رضي ال عنه ول‬
‫يكن إذ ذاك نفاق أيضا لنه ل يكن للمسلمي بعد شوكة تاف‪ ,‬بل قد كان عليه الصلة والسلم‬
‫وادع اليهود وقبائل كثية من أحياء العرب حوال الدينة فلما كانت وقعة بدر وأظهر ال كلمته‬
‫وأعز السلم وأهله قال عبد ال بن أب بن سلول وكان رأساف الدينة وهو من الزرج وكان سيد‬
‫الطائفتي ف الاهلية‪ ,‬وكانوا قد عزموا على أن يلكوه عليهم فجاءهم الي وأسلموا واشتغلوا عنه‬
‫فبقي ف نفسه من السلم وأهله‪ ,‬فلما كانت وقعت بدر قال‪ :‬هذا‪ .‬أمر ال قد توجه فأظهر الدخول‬
‫ف السلم ودخل معه طوائف من هو على طريقته ونلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ث وجد‬

‫‪221‬‬
‫النفاق ف أهل الدينة ومن حولا من العراب فأما الهاجرون فلم يكن فيهم أحد نافق لنه ل يكن‬
‫أحد يهاجر مكرها بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند ال ف الدار الَخرة‪ .‬قال ممد‬
‫بن إسحاق حدثن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس {ومن الناس من‬
‫يقول آمنا بال وباليوم الَخر وما هم بؤمني} يعن النافقي من الوس والزرج ومن كان على‬
‫أمرهم وكذا فسرها بالنافقي من الوس والزرج أبو العالية والسن وقتادة والسدي ولذا نبه ال‬
‫سبحانه على صفات النافقي لئل يغتر بظاهر أمرهم الؤمنون فيقع بذلك فساد عريض من عدم‬
‫الحتراز منهم ومن اعتقاد إيانم وهم كفار ف نفس المر وهذا من الحذورات الكبار أن يظن بأهل‬
‫الفجور خي فقال تعال‪{ :‬ومن الناس من يقول آمنا بال وباليوم الَخر وما هم بؤمني} أي يقولون‬
‫ذلك قو ًل ليس وراءه شيء آخر كما قال تعال‪{ :‬إذا جاءك النافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وال يعلم إنك لرسوله} أي إنا يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط ل ف نفس‬
‫المر‪ ,‬ولذا يؤكدون ف الشهادة بإن ولم التأكيد ف خبها‪ .‬أكدوا أمرهم قالوا‪ :‬آمنا بال وباليوم‬
‫الَخر وليس المر كذلك كما كذبم ال ف شهادتم وف خبهم هذا بالنسبة إل اعتقادهم بقوله‬
‫تعال‪{ :‬وال يشهد إن النافقي لكاذبون} وبقوله‪{ :‬وما هم بؤمني}‪.‬‬
‫وقوله تعال‪{ :‬يادعون ال والذين آمنوا} أي بإظهارهم ما أظهروه من اليان مع إسرارهم الكفر‬
‫يعتقدون بهلهم أنم يدعون ال بذلك‪ ,‬وأن ذلك نافعهم عنده‪ ,‬وأنه يروج عليه كما قد يروج على‬
‫بعض الؤمني كما قال تعال‪{ :‬يوم يبعثهم ال جيعا فيحلفون له كما يلفون لكم ويسبون أنم‬
‫على شيء أل أنم هم الكاذبون} ولذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله‪{ :‬وما يادعون إل أنفسهم‬
‫وما يشعرون} يقول وما يغرون بصنيعهم هذا ول يدعون إل أنفسهم وما يشعرون بذلك من‬
‫أنفسهم كما قال تعال‪{ :‬إن النافقي يادعون ال وهو خادعهم} ومن القراء من قرأ {وما يدعون‬
‫إل أنفسهم} وكل القراءتي ترجع إل معن واحد وقال ابن جرير فإن قال قائل‪ :‬كيف يكون النافق‬
‫ل وللمؤمني مادعا وهو ل يظهر بلسانه خلف ما هو له معتقد إل تقية ؟ قيل‪ :‬ل تتنع العرب أن‬
‫تسمي من أعطى بلسانه غي الذي ف ضميه تقية لينجو ما هو له خائف مادعا‪ ,‬فكذلك النافق سي‬
‫مادعا ل وللمؤمني بإظهاره ما ظهر بلسانه تقية با يلص به من القتل والسب والعذاب العاجل وهو‬
‫لغي ما أظهره مستبطن وذلك من فعله وإن كان خداعا للمؤمني ف عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك‬
‫من فعله خادع‪ ,‬لنه يظهر لا بفعله ذلك با أنه يعطيها أمنيتها ويسقيها كأس سرورها‪ ,‬وهو موردها‬
‫حياض عطبها‪ ,‬ومرعها به كأس عذابا‪ ,‬ومذيقها من غضب ال وأليم عقابه ما ل قبل لا به‪ ,‬فذلك‬
‫خديعته نفسه ظنا منه مع إساءته إليها ف أمر معادها أنه إليها مسن كما قال تعال‪{ :‬وما يدعون‬
‫إل أنفسهم وما يشعرون} إعلما منه عباده الؤمني أن النافقي بإساءتم إل أنفسهم ف إسخاطهم‬
‫عليها ربم يكفرهم وشكهم وتكذيبهم غي شاعرين ول دارين‪ ,‬ولكنهم على عمى أمرهم مقيمي‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫وقال ابن أب حات‪ :‬أنبأنا علي بن البارك فيما كتب إلّ حدثنا زيد بن البارك حدثنا ممد بن ثور عن‬
‫ابن جريج ف قوله تعال يادعون ال قال‪ :‬يظهرون ل إله إل ال يريدون أن يرزوا بذلك دماءهم‬
‫وأموالم وف أنفسهم غي ذلك‪ .‬وقال سعيد عن قتادة {ومن الناس من يقول آمنا بال وباليوم الَخر‬
‫وما هم بؤمني * يادعون ال والذين آمنوا وما يدعون إل أنفسهم وما يشعرون} نعت النافق عند‬
‫كثي‪ :‬خنع الخلق يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويالف بعمله ويصبح على حال ويسي على غيه‪,‬‬
‫ويسي على حال ويصبح على غيه‪ ,‬ويتكفأ تكفؤَ السفينة كلما هبت ريح هبت معها‪.‬‬
‫** فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ َفزَا َدهُمُ الّلهُ َمرَضا وََلهُم عَذَابٌ أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا يَكْ ِذبُو َن‬
‫قال السدي عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة المدان عن ابن مسعود وعن‬
‫أناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ف هذه الَية {ف قلوبم مرض} قال شك فزادهم‬
‫ال مرضا قال شكا‪ .‬وقال ابن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن‬
‫عباس ف قلوبم مرض قال‪ :‬شكا‪ .‬وكذلك قال ماهد وعكرمة والسن البصري وأبو العالية والربيع‬
‫بن أنس وقتادة‪ .‬وعن عكرمة وطاوس ف قلوبم مرض يعن الرياء‪ .‬وقال الضحاك عن ابن عباس ف‬
‫قلوبم مرض قال‪ :‬نفاق فزادهم ال مرضا قال‪ :‬مرضا وهذا كالول‪ .‬وقال عبد الرحن بن زيد بن‬
‫أسلم ف قلوبم مرض قال‪ :‬هذا مرض ف الدين وليس مرضا ف الجساد وهم النافقون والرض‬
‫الشك الذي دخلهم ف السلم فزادهم ال مرضا قال‪ :‬زادهم رجسا‪ ,‬وقرأ {فأما الذين آمنوا فزادتم‬
‫إيانا وهم يستبشرون * وأما الذين ف قلوبم مرض فزادتم رجسا إل رجسهم}‪ .‬قال شرا إل‬
‫شرهم وضللة إل ضللتهم‪ ,‬وهذا الذي قاله عبد الرحن رحه ال حسن وهو الزاء من جنس العمل‬
‫وكذلك قاله الولون وهو نظي قوله تعال أيضا {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} وقوله‬
‫{با كانوا يكذبون} وقرى يكذّبون‪ ,‬وقد كانوا متصفي بذا وهذا فإنم كانوا كذبة ويكذبون‬
‫بالغيب يمعون بي هذا وهذا‪ ,‬وقد سئل القرطب وغيه من الفسرين عن حكمة كفه عليه الصلة‬
‫والسلم عن قتل النافقي مع علمه بأعيان بعضهم وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت ف‬
‫الصحيحي أنه صلى ال عليه وسلم قال لعمر رضي ال عنه «أكره أن يتحدث العرب أن ممدا يقتل‬
‫أصحابه» ومعن هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغي لكثي من العراب عن الدخول ف السلم ول‬
‫يعلمون حكمة قتله لم وأن قتله إياهم إنا هو على الكفر فإنم إنا يأخذونه بجرد ما يظهر لم‬
‫فيقولون‪ :‬إن ممدا يقتل أصحابه‪ ,‬قال القرطب وهذا قول علمائنا وغيهم كما كان يعطي الؤلفة مع‬
‫علمه بسوء اعتقادهم‪ ,‬قال ابن عطية‪ :‬وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه ممد بن الهم والقاضي‬
‫إساعيل والبري وعن ابن الاجشون‪ .‬ومنها‪ :‬ما قال مالك إنا كف رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن النافقي ليبي لمته أن الاكم ل يكم بعلمه قال القرطب‪ :‬وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على‬
‫أن القاضي ل يقتل بعلمه وإن اختلفوا ف سائر الحكام‪ ,‬قال‪ :‬ومنها ما قال الشافعي إنا مَنعَ رسول‬

‫‪223‬‬
‫ال صلى ال عليه وسلم من قتل النافقي ما كانوا يظهرونه من السلم مع العلم بنفاقهم لن ما‬
‫يظهرونه يب ما قبله‪ .‬ويؤيد هذا قوله عليه الصلة والسلم ف الديث الجمع على صحته ف‬
‫الصحيحي وغيها «أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوها عصموا من دماءهم‬
‫وأموالم إل بقها وحسابم على ال عز وجل» ومعن هذا أن من قالا جرت عليه أحكام السلم‬
‫ظاهرا فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك ف الدار الَخرة وإن ل يعتقدها ل ينفعه جريان الكم عليه‬
‫ف الدنيا وكونه كان خليط أهل اليان {ينادوهم أل نكن معكم ؟ قالوا بلى‪ ,‬ولكنكم فتنتم أنفسكم‬
‫وتربصتم‪ ,‬وارتبتم وغّرتكم المان حت جاء أمر ال} الَية‪ ,‬فهم يالطونم ف بعض الحشر فإذا‬
‫حقت الحقوقية تيزوا منهم وتلفوا بعدهم {وحيل بينهم وبي ما يشتهون} ول يكنهم أن يسجدوا‬
‫معهم كما نطقت بذلك الحاديث ومنها ما قاله بعضهم أنه إنا ل يقتلهم لنه ل ياف من شرهم‬
‫مع وجوده صلى ال عليه وسلم بي أظهرهم يتلو عليهم آيات مبينات فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا‬
‫النفاق وعلمه السلمون‪ ,‬قال مالك‪ :‬النافق ف عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم هو الزنديق اليوم‬
‫(قلت) وقد اختلف العلماء ف قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم ل أو يفرق بي أن يكون‬
‫داعية أم ل‪ ,‬أو يتكرر منه ارتداده أم ل‪ ,‬أو يكون إسلمه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر‬
‫عليه ؟ على أقوال متعددة موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الحكام‪.‬‬
‫(تنبيه) قول من قال كان عليه الصلة والسلم يعلم أعيان بعض النافقي إنا مستنده حديث حذيفة‬
‫بن اليمان ف تسمية أولئك الربعة عشر منافقا ف غزوة تبوك الذين هوا أن يفتكوا برسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ف ظلماء الليل عند عقبة هناك‪ ,‬عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها‪ ,‬فأوحى‬
‫ال إليه أمرهم‪ ,‬فأطلع على ذلك حذيفة ولعل الكف عن قتلهم كان لدرك من هذه الدارك أو لغيها‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫فأما غي هؤلء فقد قال ال تعال‪{ :‬ومن حولكم من العراب منافقون ومن أهل الدينة مردوا على‬
‫النفاق ل تعلمهم نن نعلمهم} الَية‪ ,‬وقال تعال‪{ :‬لئن ل ينته النافقون والذين ف قلوبم مرض‬
‫ل * ملعوني أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا‬‫والرجفون ف الدينة لنغرينك بم ث ل ياورنك فيها إل قلي ً‬
‫تقتيلً} ففيها دليل على أنه ل يغر بم ول يدرك على أعيانم وإنا كان تذكر له صفاتم فيتوسها ف‬
‫بعضهم كما قال تعال {ولو نشاء لريناكم فلعرفتهم بسيماهم * ولتعرفنهم ف لن القول} وقد‬
‫كان من أشهرهم بالنفاق عبد ال بن أب بن سلول‪ ,‬وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلم الذي‬
‫سبق ف صفات النافقي ومع هذا لا مات صلى ال عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية السلمي‬
‫وقد عاتبه عمر بن الطاب رضي ال عنه فيه فقال‪« :‬إن أكره أن تتحدث العرب أن ممدا يقتل‬
‫أصحابه» وف رواية ف الصحيح «إن خيت فاخترت» وف رواية «لو أعلم أن لو زدت على‬
‫السبعي يغفر له لزدت»‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫** وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ لَ ُتفْسِدُواْ فِي ال ْرضِ قَاُلوَاْ ِإنّمَا َنحْ ُن مُصِْلحُونَ * أَل ِإّنهُمْ هُ ُم الْ ُمفْسِدُو َن وَلَـكِن‬
‫ش ُعرُونَ‬‫ّل يَ ْ‬
‫قال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة الطيب المدان عن‬
‫ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض‬
‫قالوا إنا نن مصلحون} قال‪ :‬هم النافقون أما ل تفسدوا ف الرض قال الفساد هو الكفر والعمل‬
‫بالعصية وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أب العالية ف قوله تعال {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف‬
‫الرض} قال يعن ل تعصوا ف الرض وكان فسادهم ذلك معصية ال لنه من عصى ال ف الرض‬
‫أو أمر بعصيته فقد أفسد ف الرض لن صلح الرض والسماء بالطاعة وهكذا قال الربيع بن أنس‬
‫وقتادة وقال ابن جريج عن ماهد {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض} قال‪ :‬إذا ركبوا معصية ال‬
‫فقيل لم ل تفعلوا كذا وكذا قالوا إنا نن على الدى مصلحون‪ ,‬وقال وكيع وعيسى بن يونس‬
‫وعثان بن علي عن العمش عن النهال بن عمرو عن عباد بن عبد ال الزدي عن سلمان الفارسي‬
‫{وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض قالوا إنا نن مصلحون} قال سلمان ل يى أهل هذه الَية بعد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير حدثن أحد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحن بن شريك حدثن أب عن‬
‫العمش عن زيد بن وهب وغيه عن سلمان الفارسي ف هذه الَية قال‪ :‬ما جاء هؤلء ؟ قال ابن‬
‫جرير‪ :‬يتمل أن سلمان رضي ال عنه أراد بذا أن الذين يأتون بذه الصفة أعظم فسادا من الذين‬
‫كانوا ف زمن النب صلى ال عليه وسلم ل أنه عن أنه ل يض من تلك صفته أحد‪ ,‬قال ابن جرير‪:‬‬
‫فأهل النفاق مفسدون ف الرض بعصيتهم فيها ربم وركوبم فيها ما ناهم عن ركوبه وتضييعهم‬
‫فرائضه وشكهم ف دينه الذي ل يقبل من أحد عمل إل بالتصديق به واليقان بقيقته وكذبم‬
‫الؤمني بدعواهم غي ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ومظاهرتم أهل التكذيب بال وكتبه‬
‫ل فذلك إفساد النافقي ف الرض‪ ,‬وهم يسبون أنم‬ ‫ورسله على أولياء ال إذا وجدوا إل ذلك سبي ً‬
‫بفعلهم ذلك مصلحون فيها‪ .‬وهذا الذي قاله حسن‪ ,‬فإن من الفساد ف الرض اتاذ الؤمني‬
‫الكافرين أولياء كما قال تعال {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه تكن فتنة ف الرض‬
‫وفساد كبي} فقطع ال الوالة بي الؤمني والكافرين كما قال تعال {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫الكافرين أولياء من دون الؤمني أتريدون أن تعلوا ل عليكم سلطانا مبينا} ث قال {إن النافقي ف‬
‫الدرك السفل من النار ولن تد لم نصيا} فالنافق لا كان ظاهره اليان اشتبه أمره على الؤمني‬
‫فكأن الفساد من جهة النافق حاصل لنه هو الذي غر الؤمني بقوله الذي ل حقيقة له ووال‬
‫الكافرين على الؤمني ولو أنه استمر على حاله الول لكان شره أخف‪ ,‬ولو أخلص العمل ل وتطابق‬
‫قوله وعمله لفلح ونح‪ ,‬ولذا قال تعال {وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض قالوا إنا نن‬
‫مصلحون} أي نريد أن نداري الفريقي من الؤمني والكافرين ونصطلح مع هؤلء وهؤلء كما قال‬

‫‪225‬‬
‫ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس {وإذا قيل لم ل‬
‫تفسدوا ف الرض قالوا إنا نن مصلحون} أي إنا نريد الصلح بي الفريقي من الؤمني وأهل‬
‫الكتاب يقول ال {أل إنم هم الفسدون ولكن ل يشعرون} يقول أل إن هذا الذي يعتمدونه‬
‫ويزعمون أنه إصلح هو عي الفساد ولكن من جهلهم ل يشعرون بكونه فسادا‪.‬‬
‫س َفهَآ ُء وَلَـكِن‬ ‫س َفهَآءُ أَل ِإّنهُ ْم هُمُ ال ّ‬‫** وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ النّاسُ قَاُلوَاْ َأُن ْؤمِنُ كَمَآ آمَ َن ال ّ‬
‫ّل َيعْلَمُو َن‬
‫يقول تعال وإذا قيل للمنافقي آمنوا كما آمن الناس أي كإيان الناس بال وملئكته وكتبه ورسله‬
‫والبعث بعد الوت والنة والنار وغي ذلك ما أخب الؤمني به وعنه‪ ,‬وأطيعوا ال ورسوله ف امتثال‬
‫الوامر وترك الزواجر {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} يعنون ـ لعنهم ال ـ أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم رضي ال عنهم‪ ,‬قاله أبو العالية والسدي ف تفسيه بسنده عن ابن عباس وابن‬
‫مسعود وغي واحد من الصحابة‪ ,‬وبه يقول الربيع بن أنس وعبد الرحن بن زيد بن أسلم‪ ,‬وغيهم‬
‫يقولون‪ :‬أنصي نن وهؤلء بنلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء ؟ والسفهاء جع سفيه كما‬
‫أن الكماء جع حكيم واللماء جع حليم‪ ,‬والسفيه هو الاهل الضعيف الرأي القليل العرفة بواضع‬
‫الصال والضار‪ ,‬ولذا سى ال النساء والصبيان سفهاء ف قوله تعال {ول تؤتوا السفهاء أموالكم الت‬
‫جعل ال لكم قياما} قال عامة علماء التفسي هم النساء والصبيان وقد تول ال سبحانه جوابم ف‬
‫هذه الواطن كلها فقال {أل أنم هم السفهاء} فأكد وحصر السفهاة فيهم {ولكن ل يعلمون} يعن‬
‫ومن تام جهلهم أنم ل يعلمون بالم ف الضللة والهل وذلك أردى لم وأبلغ ف العمى والبعد‬
‫عن الدى‪.‬‬
‫** وَِإذَا َلقُواْ الّذِي َن آمَنُوْا قَاُلوَا آمَنّا وَِإذَا َخَلوْاْ إَِلىَ شَيَاطِيِنهِ ْم قَاُلوَاْ ِإنّا َمعَكْمْ ِإنّمَا َنحْ ُن مُسَْت ْهزِئُو َن *‬
‫الّلهُ َيسَْت ْهزِىءُ ِبهِ ْم وَيَمُ ّدهُ ْم فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ‬
‫يقول تعال وإذا لقي هؤلء النافقون الؤمني قالوا‪ :‬آمنا وأظهروا لم اليان والوالة والصافاة‬
‫غرورا منهم للمؤمني ونفاقا ومصانعة وتقية وليشركوهم فيما أصابوا من خي ومغنم {وإذا خلوا إل‬
‫شياطينهم} يعن إذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إل شياطينهم فضمن خلوا معن انصرفوا لتعديته بإل‬
‫ليدل على الفعل الضمر والفعل اللفوظ به ومنهم من قال «إل» هنا بعن «مع» والول أحسن‪,‬‬
‫وعليه يدور كلم ابن جرير وقال السدي عن أب مالك‪ :‬خلوا يعن مضوا‪ ,‬وشياطينهم سادتم‬
‫وكباؤهم من أحبار اليهود ورؤوس الشركي والنافقي قال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن‬
‫أب صال عن ابن عباس وعن مرة المدان عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النب صلى ال عليه‬
‫وسلم {وإذا خلوا إل شياطينهم}‪ :‬يعن هم رؤساءهم ف الكفر‪ .‬وقال الضحاك عن ابن عباس‪ :‬وإذا‬
‫خلوا إل أصحابم وهم شياطينهم وقال ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد‬

‫‪226‬‬
‫بن جبي عن ابن عباس {وإذا خلوا إل شياطينهم} من يهود الذين يأمرونم بالتكذيب وخلف ما‬
‫جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم وقال ماهد‪{ :‬وإذا خلوا إل شياطينهم} إل أصحابم من‬
‫النافقي والشركي‪ .‬وقال قتادة {وإذا خلوا إل شياطينهم} قال إل رؤوسهم وقادتم ف الشرك‬
‫والشر وبنحو ذلك فسره أبو مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وشياطي‬
‫كل شيء مردته‪ ,‬ويكون الشيطان من النس والن كما قال تعال‪{ :‬وكذلك جعلنا لكل نبّي عدوا‬
‫شياطي من النس والن يوحي بعضهم إل بعض زخرف القول غرورا} وف السند عن أب ذر قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم «نعوذ بال من شياطي النس والن» فقلت يا رسول أوَ للنس‬
‫شياطي ؟ قال «نعم» وقوله {قالوا إنا معكم} قال ممد بن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن‬
‫عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنا نن مستهزئون} أي إنا‬
‫نن نستهزى بالقوم ونلعب بم وقال الضحاك عن ابن عباس قالوا إنا نن مستهزئون ساخرون‬
‫بأصحاب ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكذلك قال الربيع بن أنس وقتادة‪ .‬وقوله تعال جوابا ومقابلة‬
‫على صنيعهم {ال يستهزىء بم ويدهم ف طغيانم يعمهون} وقال ابن جرير أخب تعال أنه فاعل‬
‫بم ذلك يوم القيامة ف قوله تعال {يوم يقول النافقون والنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من‬
‫نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحة وظاهره من‬
‫قبله العذاب} الَية‪ ,‬وقوله تعال {ول يسب الذي كفروا أنا نلي لم خي لنفسهم إنا نلي لم‬
‫ليزدادوا إثا} الَية‪ ,‬قال فهذا وما أشبهه من استهزاء ال تعال ذكره وسخريته ومكره وخديعته‬
‫للمنافقي وأهل الشرك به عند قائل هذا القول ومتأول هذا التأويل قال‪ :‬وقال آخرون بل استهزاؤه‬
‫بم توبيخه إياهم ولومه لم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به‪ .‬قال‪ :‬وقال آخرون هذا وأمثاله‬
‫على سبيل الواب كقول الرجل لن يدعه إذا ظفر به أنا الذي خدعتك‪ .‬ول يكن منه خديعة ولكن‬
‫قال ذلك إذا صار المر إليه قالوا وكذلك قوله تعال {ومكروا ومكر ال وال خي الاكرين} و‬
‫{ ال يستهزىء بم} على الواب‪ ,‬وال ل يكون منه الكر ول الزء‪ .‬والعن أن الكر والزء حاق‬
‫بم‪ ,‬وقال آخرون قوله تعال {إنا نن مستهزئون * ال يستهزىء بم} وقوله {يادعون ال وهو‬
‫خادعهم} وقوله {فيسخرون منهم سخر ال منهم} و {نسوا ال فنسيهم} وما أشبه ذلك إخبار من‬
‫ال تعال أنه مازيهم جزاء الستهزاء ومعاقبهم عقوبة الداع فأخرج خبه عن جزائه إياهم وعقابه‬
‫لم مرج خبه عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب ف اللفظ وإن اختلف العنيان كما قال تعال‬
‫{وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على ال} وقوله تعال {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا‬
‫عليه} فالول ظلم والثان عدل فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناها‪ ,‬قال وإل هذا العن‬
‫وجهوا كل ما ف القرآن من نظائر ذلك‪ .‬قال‪ :‬وقال آخرون إن معن ذلك أن ال أخب عن النافقي‬
‫أنم إذا دخلوا إل مردتم قالوا إنا معكم على دينكم ف تكذيب ممد صلى ال عليه وسلم وما جاء‬

‫‪227‬‬
‫به‪ ,‬وإنا نن با نظهر لم من قولنا لم مستهزئون‪ ,‬فأخب تعال أنه يستهزى بم فيظهر لم من‬
‫أحكامه ف الدنيا يعن من عصمة دماءهم وأموالم خلف الذي عنده ف الَخرة يعن من العذاب‬
‫والنكال‪ .‬ث شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره لن الكر والداع والسخرية على وجه اللعب‬
‫والعبث منتف عن ال عز وجل بالجاع وأما على وجه النتقام والقابلة بالعدل والجازاة فل يتنع‬
‫ذلك‪ .‬قال وبنحو ما قلنا فيه روي الب عن ابن عباس حدثنا أبو كريب حدثنا أبو عثمان حدثنا بشر‬
‫بن أب روق عن الضحاك عن ابن عباس ف قوله { ال يستهزى بم} قال يسخر بم للنقمة منهم‪,‬‬
‫وقوله تعال {ويدهم ف طغيانم يعمهون} قال السدي عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس‬
‫وعن مرة المدان عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬يدهم يلي لم‬
‫وقال ماهد يزيدهم‪ ,‬وقال تعال‪{ :‬أيسبون إنا ندهم به من مال وبني نسارع لم ف اليات ؟ بل‬
‫ل يشعرون} وقال‪{ :‬سنستدرجهم من حيث ل يعلمون} قال بعضهم كلما أحدثوا ذنبا أحدث لم‬
‫نعمة وهي ف القيقة نقمة وقال تعال‪{ :‬فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حت‬
‫إذا فرحوا با أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والمد ل رب‬
‫العالي} قال ابن جرير والصواب نزيدهم على وجه الملء والترك لم ف عتوهم وتردهم كما قال‬
‫تعال {ونقلب أفئدتم وأبصارهم كما ل يؤمنوا به أول مرة ونذرهم ف طغيانم يعمهون} والطغيان‪:‬‬
‫هو الجاوزة ف الشيء كما قال تعال‪{ :‬إنا لا طغى الاء حلناكم ف الارية} وقال الضاحك عن ابن‬
‫عباس ف طغيانم يعمهون ف كفرهم يترددون‪ ,‬وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة وبه يقول أبو‬
‫العالية وقتادة والربيع بن أنس وماهد وأبو مالك وعبد الرحن بن زيد ف كفرهم وضللتهم‪ .‬قال ابن‬
‫جرير‪ :‬والعمه‪ :‬الضلل‪ .‬يقال عمه فلن يعمه عمها وعموها إذا ضل‪ ,‬قال وقوله ف طغيانم يعمهون‬
‫ف ضللتهم‪ ,‬وكفرهم الذي غمرهم دنسه وعلهم رجسه يترددون حيارى ضللً ل يدون إل‬
‫الخرج منه سبيلً لن ال قد طبع على قلوبم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الدى وأغشاها فل‬
‫يبصرون رشدا ول يهتدون سبيلً‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬العمى ف العي والعمه ف القلب‪ ,‬وقد يستعمل‬
‫العمى ف القلب أيضا قال تعال‪{ :‬فإنا ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب الت ف الصدور}‬
‫وتقول عمه الرجل يعمه عموها فهو عمه وعامه وجعه عمه‪ ,‬وذهبت إبله العمهاء إذا ل يدر أين‬
‫ذهبت‪.‬‬
‫حتْ ّتجَارَُتهُ ْم َومَا كَانُوْا ُمهْتَدِي َن‬
‫** ُأوْلَـِئكَ الّذِينَ اشَْترُوْا الضّلَلَ َة بِاْلهُ َدىَ فَمَا رَبِ َ‬
‫قال السدي ف تفسيه عن أب مالك وعن أب صال عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن‬
‫ناس من الصحابة {أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى} قال أخذوا الضللة وتركوا الدى‪ ,‬وقال‬
‫ابن إسحاق عن ممد بن أب ممد عن عكرمة أو سعيد بن جبي عن ابن عباس {أولئك الذين اشتروا‬
‫الضللة بالدى} أي الكفر باليان‪ ,‬وقال ماهد آمنوا ث كفروا وقال قتادة‪ :‬استحبوا الضللة على‬

‫‪228‬‬
‫الدى‪ ,‬وهذا الذي قاله قتادة يشبهه ف العن قوله تعال ف ثود {فأما ثود فهديناهم فاستحبوا العمى‬
‫على الدى} وحاصل قول الفسرين فيما تقدم أن النافقي عدلوا عن الدى إل الضلل واعتاضوا‬
‫عن الدى بالضللة وهو معن قوله تعال {أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى} أي بذلوا الدى ثنا‬
‫للضللة وسواء ف ذلك من كان منهم قد حصل له اليان ث رجع عنه إل الكفر كما قال تعال فيهم‬
‫{ذلك بأنم آمنوا ث كفروا فطبع على قلوبم} أو أنم استحبوا الضللة على الدى كما يكون حال‬
‫فريق آخر منهم فإنم أنواع وأقسام ولذا قال تعال {فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين} أي ما‬
‫ربت صفقتهم ف هذه البيعة وما كانوا مهتدين أي راشدين ف صنيعهم ذلك‪ ,‬وقال ابن جرير حدثنا‬
‫بشي حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة {فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين} قد وال رأيتموهم‬
‫خرجوا من الدى إل الضللة ومن الماعة إل الفرقة ومن المن إل الوف ومن السنة إل البدعة‪,‬‬
‫وهكذا رواه ابن أب حات من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بثله سواء‪.‬‬
‫وف الظلل ‪:‬‬
‫لقد كانت هذه صورة واقعة ف الدينة ; ولكننا حي نتجاوز نطاق الزمان والكان ندها نوذجا‬
‫مكرورا ف أجيال البشرية جيعا ‪ .‬ند هذا النوع من النافقي من علية الناس الذين ل يدون ف‬
‫أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الق باليان الصريح ‪ ,‬أو يدون ف نفوسهم الرأة ليواجهوا الق‬
‫بالنكار الصريح ‪ .‬وهم ف الوقت ذاته يتخذون لنفسهم مكان الترفع على جاهي الناس ‪ ,‬وعلى‬
‫تصورهم للمور ! ومن ث نيل إل مواجهة هذه النصوص كما لو كانت مطلقة من مناسبتها التاريية‬
‫‪ ,‬موجهة إل هذا الفريق من النافقي ف كل جيل ‪ .‬وإل صميم النفس النسانية الثابت ف كل جيل‬
‫إنم يدعون اليان بال واليوم الخر ‪ .‬وهم ف القيقة ليسوا بؤمني ‪ .‬إنا هم منافقون ل يرؤون‬
‫على النكار والتصريح بقيقة شعورهم ف مواجهة الؤمني ‪.‬‬
‫وهم يظنون ف أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة على خداع هؤلء البسطاء ; ولكن القرآن يصف‬
‫حقيقة فعلتهم ‪ ,‬فهم ل يادعون الؤمني ‪ ,‬إنا يادعون ال كذلك أو ياولون‪:‬‬
‫(يادعون ال والذين آمنوا) ‪. .‬‬
‫وف هذا النص وأمثاله نقف أمام حقيقة كبية ‪ ,‬وأمام تفضل من ال كري ‪ . .‬تلك القيقة هي الت‬
‫يؤكدها القرآن دائما ويقررها ‪ ,‬وهي حقيقة الصلة بي ال والؤمني ‪ .‬إنه يعل صفهم صفه ‪,‬‬
‫وأمرهم أمره ‪ .‬وشأنم شأنه ‪ .‬يضمهم سبحانه إليه ‪ ,‬ويأخذهم ف كنفه ‪ ,‬ويعل عدوهم عدوه ‪,‬‬
‫وما يوجه إليهم من مكر موجها إليه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وهذا هو التفضل العلوي الكري ‪ . .‬التفضل الذي‬
‫يرفع مقام الؤمني وحقيقتهم إل هذا الستوى السامق ; والذي يوحي بأن حقيقة اليان ف هذا‬
‫الوجود هي أكب وأكرم القائق ‪ ,‬والذي يسكب ف قلب الؤمن طمأنينة ل حد لا ‪ ,‬وهو يرى ال‬

‫‪229‬‬
‫‪ -‬جل شأنه ‪ -‬يعل قضيته هي قضيته ‪ ,‬ومعركته هي معركته ‪ ,‬وعدوه هو عدوه ‪ ,‬ويأخذه ف صفة‬
‫‪ ,‬ويرفعه إل جواره الكري ‪ . .‬فماذا يكون العبيد وكيدهم وخداعهم وأذاهم الصغي ?!‬
‫وهو ف ذات الوقت تديد رعيب للذين ياولون خداع الؤمني والكر بم ‪ ,‬وإيصال الذى إليهم ‪.‬‬
‫تديد لم بأن معركتهم ليست مع الؤمني وحدهم إنا هي مع ال القوي البار القهار ‪ .‬وأنم إنا‬
‫ياربون ال حي ياربون أولياءه ‪ ,‬وإنا يتصدون لنقمة ال حي ياولون هذه الحاولة اللئيمة ‪.‬‬
‫وهذه القيقة من جانبيها جديرة بأن يتدبرها الؤمنون ليطمئنوا ويثبتوا ويضوا ف طريقهم ل يبالون‬
‫كيد الكائدين ‪ ,‬ول خداع الادعي ‪ ,‬ول أذى الشريرين ‪ .‬ويتدبرها أعداء الؤمني فيفزعوا ويرتاعوا‬
‫ويعرفوا من الذي ياربونه ويتصدون لنقمته حي يتصدون للمؤمني ‪. .‬‬
‫ونعود إل هؤلء الذين يادعون ال والذين آمنوا بقولم‪:‬آمنا بال وباليوم الخر ‪ .‬ظاني ف أنفسهم‬
‫الذكاء والدهاء ‪ . .‬ولكن يا للسخرية ! يا للسخرية الت تنصب عليهم قبل أن تكتمل الية‪:‬‬
‫(وما يدعون إل أنفسهم ‪ ,‬وما يشعرون) ‪. .‬‬
‫إنم من الغفلة بيث ل يدعون إل أنفسهم ف غي شعور ! إن ال بداعهم عليم ; والؤمنون ف‬
‫كنف ال فهو حافظهم من هذا الداع اللئيم ‪ .‬أما أولئك الغفال فهم يدعون أنفسهم ويغشونا ‪.‬‬
‫يدعونا حي يظنون أنم أربوها وأكسبوها بذا النفاق ‪ ,‬ووقوها مغبة الصارحة بالكفر بي الؤمني‬
‫‪ .‬وهم ف الوقت ذاته يوردونا موارد التهلكة بالكفر الذي يضمرونه ‪ ,‬والنفاق الذي يظهرونه ‪.‬‬
‫وينتهون با إل شر مصي !‬
‫ولكن لاذا ياول النافقون هذه الحاولة ? ولاذا يادعون هذا الداع‬
‫(ف قلوبم مرض) ‪. .‬‬
‫ف طبيعتهم آفة ‪ .‬ف قلوبم علة ‪ .‬وهذا ما ييد بم عن الطريق الواضح الستقيم ‪ .‬ويعلهم يستحقون‬
‫من ال أن يزيدهم ما هم فيه‪:‬‬
‫(فزادهم ال مرضا) ‪. .‬‬
‫فالرض ينشىء الرض ‪ ,‬والنراف يبدأ يسيا ‪ ,‬ث تنفرج الزاوية ف كل خطوة وتزداد ‪ .‬سنة ل‬
‫تتخلف ‪ .‬سنة ال ف الشياء والوضاع ‪ ,‬وف الشاعر والسلوك ‪ .‬فهم صائرون إذن إل مصي معلوم‬
‫‪ .‬الصي الذي يستحقه من يادعون ال والؤمني‪:‬‬
‫(ولم عذاب أليم با كانوا يكذبون) ‪.‬‬
‫وصفة أخرى من صفاتم ‪ -‬وباصة الكباء منهم الذين كان لم ف أول العهد بالجرة مقام ف‬
‫قومهم ورياسة وسلطان كعبد ال بن أب بن سلول ‪ -‬صفة العناد وتبير ما يأتون من الفساد ‪,‬‬
‫والتبجح حي يأمنون أن يؤخذوا با يفعلون‪:‬‬

‫‪230‬‬
‫(وإذا قيل لم‪:‬ل تفسدوا ف الرض ‪ ,‬قالوا‪:‬إنا نن مصلحون ‪ .‬أل إنم هم الفسدون ‪ ,‬ولكن ل‬
‫يشعرون) ‪. .‬‬
‫إنم ل يقفون عند حد الكذب والداع ‪ ,‬بل يضيفون اليهما السفه والدعاء‪( :‬وإذا قيل لم ل‬
‫تفسدوا ف الرض) ‪ . .‬ل يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الفساد ‪ ,‬بل تاوزوه إل التبجح والتبير‪:‬‬
‫(قالوا‪:‬إنا نن مصلحون) ‪. .‬‬
‫والذين يفسدون أشنع الفساد ‪ ,‬ويقولون‪:‬إنم مصلحون ‪ ,‬كثيون جدا ف كل زمان ‪ .‬يقولونا لن‬
‫الوازين متلة ف أيديهم ‪ .‬ومت اختل ميزان الخلص والتجرد ف النفس اختلت سائر الوازين والقيم‬
‫‪ .‬والذين ل يلصون سريرتم ل يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالم ‪ ,‬لن ميزان الي والشر والصلح‬
‫والفساد ف نفوسهم يتأرجح مع الهواء الذاتية ‪ ,‬ول يثوب إل قاعدة ربانية ‪. .‬‬
‫ومن ث ييء التعقيب الاسم والتقرير الصادق‪:‬‬
‫(أل إنم هم الفسدون ‪ ,‬ولكن ل يشعرون) ‪. .‬‬
‫ومن صفتهم كذلك التطاول والتعال على عامة الناس ‪ ,‬ليكسبوا لنفسهم مقاما زائفا ف أعي الناس‪:‬‬
‫(وإذا قيل لم‪:‬آمنوا كما آمن الناس ‪ ,‬قالوا‪:‬أنؤمن كما آمن السفهاء ? أل إنم هم السفهاء ‪ ,‬ولكن‬
‫ل يعلمون) ‪. .‬‬
‫وواضح أن الدعوة الت كانت موجهة إليهم ف الدينة هي أن يؤمنوا اليان الالص الستقيم التجرد‬
‫من الهواء ‪ .‬إيان الخلصي الذين دخلوا ف السلم كافة ‪ ,‬وأسلموا وجوههم ل ‪ ,‬وفتحوا صدورهم‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم يوجههم فيستجيبون بكليتهم ملصي متجردين ‪ . .‬هؤلء هم الناس‬
‫الذين كان النافقون يدعون ليؤمنوا مثلهم هذا اليان الالص الواضح الستقيم ‪. .‬‬
‫وواضح أنم كانوا يأنفون من هذا الستسلم للرسول صلى ال عليه وسلم ويرونه خاصا بفقراء‬
‫الناس غي لئق بالعلية ذوي القام ! ومن ث قالوا قولتهم هذه‪( :‬أنؤمن كما آمن السفهاء ?) ‪ . .‬ومن‬
‫ث جاءهم الرد الاسم ‪ ,‬والتقرير الازم‪:‬‬
‫(أل إنم هم السفهاء ‪ ,‬ولكن ل يعلمون) ‪. .‬‬
‫ومت علم السفيه أنه سفيه ? ومت استشعر النحرف أنه بعيد عن السلك القوي ?!‬
‫ث تيء السمة الخية الت تكشف عن مدى الرتباط بي النافقي ف الدينة واليهود الانقي ‪. .‬‬
‫إنم ل يقفون عند حد الكذب والداع ‪ ,‬والسفه والدعاء ‪ ,‬إنا يضيفون إليها الضعف واللؤم‬
‫والتآمر ف الظلم‪:‬‬
‫(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا‪:‬آمنا ‪ ,‬وإذا خلوا إل شياطينهم قالوا‪:‬إنا معكم ‪ ,‬إنا نن مستهزؤون) ‪. .‬‬
‫وبعض الناس يسب اللؤم قوة ‪ ,‬والكر السيء براعة ‪ .‬وهو ف حقيقته ضعف وخسة ‪ .‬فالقوي ليس‬
‫لئيما ول خبيثا ‪ ,‬ول خادعا ول متآمرا ول غمازا ف الفاء لازا ‪ .‬وهؤلء النافقون الذين كانوا‬

‫‪231‬‬
‫يبنون عن الواجهة ‪ ,‬ويتظاهرون باليان عند لقاء الؤمني ‪ ,‬ليتقوا الذى ‪ ,‬وليتخذوا هذا الستار‬
‫وسيلة للذى ‪ . .‬هؤلء كانوا إذا خلوا إل شياطينهم ‪ -‬وهم غالبا ‪ -‬اليهود الذين كانوا يدون ف‬
‫هؤلء النافقي أداة لتمزيق الصف السلمي وتفتيته ‪ ,‬كما أن هؤلء كانوا يدون ف اليهود سندا‬
‫وملذا ‪ . .‬هؤلء النافقون كانوا (إذا خلوا إل شياطينهم قالوا‪:‬إنا معكم إنا نن مستهزئون) ‪ -‬أي‬
‫بالؤمني ‪ -‬با نظهره من اليان والتصديق !‬
‫وما يكاد القرآن يكي فعلتهم هذه وقولتهم ‪ ,‬حت يصب عليهم من التهديد ما يهد الرواسي‪:‬‬
‫(ال يستهزئ بم ‪ ,‬ويدهم ف طغيانم يعمهون) ‪. .‬‬
‫وما أبأس من يستهزيء به جبار السماوات والرض وما أشقاه !! وإن اليال ليمتد إل مشهد مفزع‬
‫رعيب ‪ .‬وإل مصي تقشعر من هوله القلوب ‪.‬‬
‫وهو يقرأ‪(:‬ال يستهزئ بم ‪ ,‬ويدهم ف طغيانم يعمهون) ‪ . .‬فيدعهم يبطون على غي هدى ف‬
‫طريق ل يعرفون غايته ‪ ,‬واليد البارة تتلقفهم ف نايته ‪ ,‬كالفئران الزيلة تتواثب ف الفخ ‪ ,‬غافلة عن‬
‫القبض الكي ‪ . .‬وهذا هو الستهزاء الرعيب ‪ ,‬ل كاستهزائهم الزيل الصغي ‪.‬‬
‫وهنا كذلك تبدو تلك القيقة الت أشرنا من قبل إليها ‪ .‬حقيقة تول ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬للمعركة الت‬
‫يراد با الؤمنون ‪ .‬وما وراء هذا التول من طمأنينة كاملة لولياء ال ‪ ,‬ومصي رعيب بشع لعداء ال‬
‫الغافلي ‪ ,‬التركي ف عماهم يبطون ‪ ,‬الخدوعي بد ال لم ف طغيانم ‪ ,‬وإمهالم بعض الوقت ف‬
‫عدوانم ‪ ,‬والصي الرعيب ينتظرهم هنالك ‪ ,‬وهم غافلون يعمهون !‬
‫والكلمة الخية الت تصور حقيقة حالم ‪ ,‬ومدى خسرانم‪:‬‬
‫(أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى ‪ ,‬فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين) ‪ . .‬فلقد كانوا يلكون‬
‫الدى لو أرادوا ‪ .‬كان الدى مبذول لم ‪ .‬وكان ف أيديهم ‪ .‬وكلنهم (اشتروا الضللة بالدى) ‪,‬‬
‫كأغفل ما يكون التجرون‪( :‬فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين) ‪.‬‬
‫===========================‬

‫‪232‬‬
‫الباب السابع‬
‫يجب قتالهم بكل وسيلة ممكنة فهم أشد بكثير من‬
‫أعداء السلم المباشرين‬

‫يقول شيخ السلم مبينا السلم ابن تيمية رحه ال وجوب قتال أمثال هؤلء الذين يشبهون التتار‬
‫والغول‬
‫ب عََلْيهِ ؟ َومَنْ اعَْت َذرَ ِب َقوِْلهِ ‪ُ { :‬أ ِمرْت‬ ‫ج ُ‬ ‫‪ 11 - 95‬مَسْأََل ٌة ‪ :‬عَمّ ْن ُي ْؤ َمرُ بِالصّلَاةِ َفيَمْتَِنعُ ‪َ ,‬ومَاذَا يَ ِ‬
‫أَنْ ُأقَاتِ َل النّاسَ حَتّى َيقُولُوا لَا إَلهَ إلّا الّلهُ } هَ ْل يَكُونُ َلهُ عُ ْذ ٌر فِي أَّنهُ لَا ُيعَاَقبُ َعلَى َترْكِ الصّلَا ِة ‪َ ,‬أمْ‬
‫حتَ أَيْدِيهِمْ إذَا َترَكُوا الصّلَا َة ؟ َوهَلْ قِيَا ُمهُمْ‬ ‫جبُ َعلَى الُْأمَرَا ِء َووُلَاةِ الُْأمُورِ فِي حَ ّق مَنْ تَ ْ‬ ‫لَا ؟ َومَاذَا َي ِ‬
‫جهَا ِد وَأَكَْبرِ أَْبوَابِ اْلِبرّ ؟‬ ‫فِي ذَِلكَ مِنْ َأعْظَ ِم الْ ِ‬
‫جوَابُ ‪ :‬اْلحَمْدُ لِّل ِه ‪ ,‬مَ ْن يَمْتَِنعُ َعنْ الصّلَا ِة الْ َم ْفرُوضَ ِة فَإِّنهُ َيسْتَحِ ّق اْل ُعقُوبَةَ اْلغَلِي َظةَ بِاّتفَاقِ أَئِمّةِ‬ ‫الْ َ‬
‫ب ‪ ,‬فَإِنْ‬ ‫ب عِنْدَ جُ ْمهُورِ الُْأمّ ِة ‪ :‬كَمَاِلكٍ ‪ ,‬وَالشّاِفعِ ّي ‪ ,‬وَأَحْمَ َد ‪َ ,‬و َغْي ِرهِمْ أَ ْن يُسَْتتَا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬بلْ يَ ِ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫شةِ ‪.‬‬ ‫ق وَالزّانِي ‪َ ,‬وشَا ِربِ الْخَ ْم ِر ‪ ,‬وَآكِلِ الْحَشِي َ‬ ‫تَابَ وَِإلّا قُِت َل ‪َ .‬بلْ تَارِ ُك الصّلَاةِ َش ّر مِنْ السّارِ ِ‬
‫صغَارَ الّذِينَ لَ ْم يَْبُلغُوا ‪ ,‬قَالَ النّبِ ّي صلى‬ ‫جبُ َعلَى كُ ّل مُطَاعٍ أَنْ يَ ْأ ُم َر مَنْ يُطِي ُعهُ بِالصّلَاةِ ‪َ ,‬حتّى ال ّ‬ ‫وََي ِ‬
‫ش ٍر ‪ ,‬وََفرّقُوا بَْيَنهُمْ فِي الْ َمضَاجِ ِع } ‪.‬‬ ‫ضرِبُوهُمْ َعلَْيهَا ِلعَ ْ‬ ‫سبْ ٍع وَا ْ‬
‫ال عليه وسلم ‪ُ { :‬مرُوهُمْ بِالصّلَاةِ لِ َ‬
‫صغِيَ ‪,‬‬ ‫صغِيٌ مَ ْملُوكٌ َأوْ يَتِيمٌ َأوْ َولَدٌ فََلمْ يَ ْأ ُم ْرهُ بِالصّلَاةِ فَِإّنهُ ُيعَاَقبُ الْ َكبِيُ إذَا لَ ْم يَ ْأ ُمرْ ال ّ‬ ‫َومَنْ كَا َن عِنْ َد ُه َ‬
‫وَُي َع ّزرُ اْلكَبِ ُي عَلَى ذَِلكَ َت ْعزِيرًا بَلِيغًا ; لَِأّنهُ َعصَى الّلهَ َورَسُوَل ُه ‪ ,‬وَكَ َذِلكَ مَ ْن عِنْ َد ُه مَمَالِيكُ ِكبَا ٌر ‪َ ,‬أوْ‬
‫ب ‪َ ,‬أوْ خَ َد ٌم ‪َ ,‬أوْ َزوْ َج ٌة ‪,‬‬ ‫ِغلْمَانُ الْخَيْ ِل وَالْجِمَالِ وَالُْبزَاةِ ‪َ ,‬أوْ َفرّاشُونَ َأوْ بَاِبيّ ٌة َيغْسِلُونَ الْأَبْدَانَ وَالثّيَا َ‬
‫َأوْ ُسرّيّ ٌة ‪َ ,‬أوْ إمَا ٌء ‪َ ,‬فعَلَْيهِ أَنْ يَ ْأ ُمرَ جَمِي َع َهؤُلَاءِ بِالصّلَا ِة ‪ ,‬فَإِنْ لَمْ َي ْفعَلْ كَا َن عَاصِيًا ِلّلهِ َورَسُوِلهِ ‪ ,‬وَلَمْ‬
‫شهَادََتيْ ِن ‪,‬‬ ‫سلِ ِميَ ‪ ,‬بَ ْل مِنْ ُجنْدِ التّتَارِ ‪ .‬فَإِ ّن التّتَارَ َيتَكَلّمُونَ بِال ّ‬ ‫يَسَْتحِ ّق هَذَا أَ ْن يَكُونَ مِ ْن جُنْدِ الْمُ ْ‬
‫ي ‪ .‬وَكَذَِلكَ كُلّ طَاِئفَ ٍة مُمْتَِنعَ ٍة عَ ْن َشرِيعَ ٍة وَاحِ َدةٍ مِنْ‬ ‫سلِ ِم َ‬‫ع الْمُ ْ‬ ‫َومَ َع هَذَا َفقِتَاُلهُ ْم وَا ِجبٌ بِإِجْمَا ِ‬
‫شهَ ُد وَلَا ُنصَلّي قُوتِلُوا‬ ‫جبُ ِقتَاُلهَا ‪ ,‬فََل ْو قَالُوا ‪ :‬نَ ْ‬ ‫َشرَائِ ِع الْإِ ْسلَامِ الظّا ِه َرةِ ‪َ ,‬أوْ اْلبَاطَِنةِ الْ َم ْعلُومَ ِة ‪َ ,‬فإِّنهُ يَ ِ‬
‫حجّ‬ ‫صلّوا ‪ ,‬وََل ْو قَالُوا ‪ُ :‬نصَلّي وَلَا ُنزَكّي قُوِتلُوا حَتّى ُيزَكّوا ‪ ,‬وََلوْ قَالُوا ‪ُ :‬نزَكّي وَلَا َنصُومُ وَلَا نَ ُ‬ ‫حَتّى ُي َ‬
‫ع الرّبَا ‪ ,‬وَلَا‬ ‫ت ‪ .‬وََلوْ قَالُوا ‪َ :‬ن ْفعَلُ هَذَا لَكِنْ لَا نَدَ ُ‬ ‫‪ ,‬قُوِتلُوا َحتّى َيصُومُوا َرمَضَا َن ‪َ .‬ويَحُجّوا اْلبَْي َ‬
‫جزْيَ َة َعلَى الَْيهُودِ وَالّنصَارَى‬ ‫ضرِبُ اْل ِ‬ ‫ش ‪ ,‬وَلَا نُجَاهِ ُد فِي سَبِيلِ الّل ِه ‪ ,‬وَلَا َن ْ‬ ‫ُشرْبَ الْخَ ْم ِر ‪ ,‬وَلَا اْل َفوَا ِح َ‬
‫ك ‪ ,‬قُوتِلُوا حَتّى َي ْفعَلُوا ذَِلكَ ‪ .‬كَمَا قَالَ َتعَالَى ‪ { :‬وَقَاتِلُوهُ ْم حَتّى لَا تَكُونَ ِفتْنَ ٌة َويَكُونَ‬ ‫ح ِو ذَِل َ‬
‫‪ ,‬وَنَ ْ‬
‫الدّينُ لِّل ِه } ‪ .‬وَقَدْ قَالَ َتعَالَى ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُوا اّتقُوا الّل َه َوذَرُوا مَا َبقِ َي مِنْ الرّبَا إنْ كُْنتُمْ‬
‫ب مِنْ الّلهِ َورَسُوِل ِه } ‪ .‬وَالرّبَا آ ِخرُ مَا َح ّرمَ الّلهُ ‪ ,‬وَكَانَ َأهْلُ‬ ‫حرْ ٍ‬ ‫ُم ْؤمِِنيَ ‪ ,‬فَإِ ْن لَمْ َت ْفعَلُوا فَ ْأ َذنُوا ِب َ‬
‫الطّائِفِ قَدْ أَ ْسلَمُوا َوصَّلوْا َوجَاهَدُوا ‪ ,‬فََبيّنَ الّلهُ أَّنهُمْ إذَا َلمْ يَْنَتهُوا عَنْ الرّبَا ‪ ,‬كَانُوا مِمّنْ حَا َربَ الّلهَ‬
‫َورَسُوَل ُه ‪َ .‬وفِي الصّحِيحَيْنِ َأّنهُ لَمّا ُتوُفّ َي رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم وَ َك َف َر مَنْ َك َف َر مِنْ اْل َع َربِ ‪,‬‬

‫‪233‬‬
‫س ؟ وَقَ ْد قَالَ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ُ { :‬أ ِمرْت أَنْ ُأقَاتِلَ‬ ‫قَا َل عُ َمرُ لِأَبِي بَ ْك ٍر ‪َ :‬كيْفَ ُتقَاتِ ُل النّا َ‬
‫ك َعصَمُوا مِنّي ِدمَا َءهُمْ‬ ‫شهَدُوا أَنْ لَا إَلهَ إلّا الّلهُ ‪ .‬وَأَنّي رَسُو ُل الّلهِ ‪ .‬فَِإذَا َفعَلُوا ذَِل َ‬ ‫النّاسَ حَتّى يَ ْ‬
‫ح ّقهَا ‪ ,‬وَاَلّلهِ َل ْو مََنعُونِي ِعقَالًا كَانُوا ُي َؤدّوَنهُ‬ ‫ح ّقهَا } ‪َ .‬فقَالَ أَبُو بَ ْكرٍ ‪ :‬أَلَ ْم َيقُلْ ‪ :‬إلّا بِ َ‬ ‫وََأ ْموَاَلهُ ْم إلّا بِ َ‬
‫إلَى رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلقَاتَلْته ْم عَلَْي ِه ‪ .‬قَا َل عُ َم ُر ‪َ :‬فوَاَلّلهِ مَا ُهوَ إلّا أَ ْن رَأَيْت الّلهَ قَدْ‬
‫َشرَحَ صَ ْدرَ أَبِي بَ ْكرٍ ِل ْلقِتَا ِل ‪َ ,‬فعَلِمْت أَّنهُ اْلحَ ّق ‪ .‬وَفِي الصّحِيحِ أَنّ { النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ذَ َكرَ‬
‫ح ِقرُ َأحَدُكُ ْم صَلَاَتهُ مَ َع صَلَاِتهِمْ ‪َ ,‬وصِيَا َمهُ مَ َع صِيَا ِمهِ ْم ‪ ,‬وَِقرَاءََتهُ مَعَ ِقرَاءَِتهِ ْم ‪,‬‬ ‫خوَارِجَ َفقَا َل ‪ :‬يَ ْ‬ ‫الْ َ‬
‫سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّ ِة ‪َ ,‬أيْنَمَا َلقِيتُمُوهُمْ‬ ‫َي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ َحنَا ِج َرهُمْ يَ ْمرُقُو َن مِنْ الْإِ ْسلَامِ َكمَا يَ ْمرُقُ ال ّ‬
‫فَا ْقتُلُوهُ ْم ‪ ,‬فَإِنّ فِي قَْتِلهِمْ أَ ْجرًا عِْندَ الّلهِ ِلمَنْ قََتَلهُمْ َي ْومَ اْلقِيَامَ ِة } ‪ .‬فَِإذَا كَا َن الّذِينَ َيقُومُونَ اللّيْ َل ‪,‬‬
‫وََيصُومُونَ الّنهَا َر ‪ ,‬وََي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ ‪َ ,‬أ َمرَ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِبقِتَاِلهِمْ ; لَِأّنهُمْ فَارَقُوا السّنّةَ‬
‫ق مُلُو ِكهِ ْم ‪.‬‬ ‫وَالْجَمَا َع َة ‪ ,‬فَكَيْفَ بِال ّطوَائِفِ الّذِينَ لَا يَ ْلَتزِمُونَ َشرَائِعَ اْلإِسْلَامِ ‪ ,‬وَإِنّمَا َيعْمَلُونَ بِبَاسَا ِ‬
‫ك ‪ .‬وَاَلّلهُ َأ ْعلَ ُم ‪.‬‬ ‫وََأمْثَالِ ذَِل َ‬
‫َفصْلٌ وََأمّا ُسؤَالُ اْلقَائِ ِل " إّنهُمْ َأصْحَابُ اْلعِلْ ِم الْبَاطِ ِن " فَ َد ْعوَاهُمْ الّتِي ا ّدعُوهَا مِنْ اْلعِلْمِ الْبَاطِ ِن ُهوَ‬
‫َأعْظَ ُم حُجّ ٍة َودَلِي ٍل عَلَى َأّنهُ ْم زَنَادَِق ٌة مُنَاِفقُونَ ; لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاَلّلهِ ‪ ,‬وَلَا ِبرَسُوِل ِه ‪َ ,‬ولَا بِاْلَي ْومِ الْآ ِخرِ ‪ ,‬فَإِنّ‬
‫شرِ ِكيَ عَلَى‬ ‫هَذَا اْل ِعلْمَ اْلبَاطِنَ الّذِي ا ّدعُو ُه ُهوَ ُك ْفرٌ بِاّتفَاقِ الْمُسِْل ِميَ وَالَْيهُودِ وَالّنصَارَى ; بَلْ أَ ْكَثرُ الْ ُم ْ‬
‫ف الْ َمعْلُو َم عِنْدَ الْ ُم ْؤمِِنيَ فِي الَْأوَا ِمرِ ‪,‬‬ ‫َأّنهُ ُك ْفرٌ أَْيضًا ; فَإِ ّن مَضْمُوَنهُ أَنّ لِ ْلكُُتبِ اْلإَِلهِيّةِ َبوَاطِ َن تُخَالِ ُ‬
‫وَالّنوَاهِي ‪ ,‬وَالْأَخْبَارِ ‪َ .‬أمّا " الَْأوَا ِمرُ " َفإِنّ النّاسَ َيعْلَمُونَ بِالِاضْ ِطرَا ِر مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ أَ ّن مُحَمّدًا َأ َم َرهُمْ‬
‫ت الْمَكْتُوبَ ِة ‪ ,‬وَالزّكَاةِ الْ َم ْفرُوضَ ِة ‪َ ,‬وصِيَامِ َش ْهرِ َر َمضَانَ ‪ ,‬وَحَ ّج الَْبْيتِ اْلعَتِي ِق ‪ .‬وََأمّا "‬ ‫بِالصَّلوَا ِ‬
‫ش مَا َظ َهرَ مِْنهَا َومَا بَطَ َن وَالْأَثِ َم ‪ ,‬وَاْلَبغْيَ ِبغَْيرِ الْحَ ّق ‪,‬‬ ‫الّنوَاهِي " فَإِنّ الّلهَ َتعَالَى َح ّر َم عََلْيهِمْ اْل َفوَا ِح َ‬
‫شرِكُوا بِاَلّل ِه مَا لَمْ ُيَنزّلْ ِبهِ سُلْطَانًا ‪ ,‬وَأَ ْن َيقُولُوا عَلَى الّل ِه مَا لَا َي ْعلَمُونَ ‪ ,‬كَمَا َحرّمَ الْخَ ْم َر ‪,‬‬ ‫وَأَنْ ُي ْ‬
‫ك ‪َ .‬ف َزعَمَ َهؤُلَاءِ أَّنهُ َلْيسَ الْ ُمرَادُ ِبهَذَا مَا َي ْعرُِفهُ‬ ‫س َر ‪َ ,‬وغَْي َر ذَِل َ‬ ‫ح َذوَاتِ الْ َمحَا ِرمِ ‪ ,‬وَالرّبَا وَالْ َميْ ِ‬ ‫وَِنكَا َ‬
‫سلِمُو َن ‪ ,‬وَلَ ِكنْ ِلهَذَا بَاطِنٌ َيعْلَ ُم ُه َهؤُلَاءِ الَْأئِمّ ُة الِْإسْمَاعِيلِيّة ‪ ,‬الّذِي َن اْنتَسَبُوا إلَى مُحَمّدِ ْبنِ إسْمَاعِيلَ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫بْنِ َج ْع َفرٍ ‪ ,‬الّذِينَ َيقُولُو َن ‪ :‬إّنهُ ْم مَ ْعصُومُو َن ‪ ,‬وََأّنهُمْ َأصْحَابُ اْلعِلْ ِم الْبَا ِط ِن ‪َ ,‬ك َقوِْلهِ ْم ‪ " :‬الصّلَاةُ "‬
‫ت الرّكُوعِ وَالسّجُودِ وَاْل ِقرَاءَ ِة ‪ " .‬وَالصّيَامُ " كِتْمَانُ َأ ْسرَارِنَا لَْيسَ‬ ‫َم ْعرِفَةُ َأ ْسرَارِنَا ; لَا هَ ِذهِ الصَّلوَاتُ ذَا ُ‬
‫ح ‪ " .‬وَاْلحَ ّج " ِزيَا َرةُ شُيُو ِخنَا الْ ُمقَدّ ِسيَ ‪ .‬وََأمْثَا ُل ذَِلكَ ‪.‬‬ ‫ش ْربِ وَالنّكَا ِ‬ ‫ُهوَ الِْإمْسَا ُك عَ ْن الْأَكْ ِل وَال ّ‬
‫حلّونَ‬‫ح ّرمَاتِ ; بَلْ َيسْتَ ِ‬ ‫ح ّرمُونَ هَ ِذهِ الْمُ َ‬‫َو َهؤُلَاءِ اْلمُ ّدعُونَ لِلْبَاطِنِ لَا يُوجِبُو َن هَ ِذهِ اْلعِبَادَاتِ وَلَا يُ َ‬
‫ت ‪َ ,‬و َمعْلُومٌ أَنّ‬ ‫ك مِنْ الْ ُمنْ َكرَا ِ‬ ‫ت ‪َ ,‬وغَْي َر ذَِل َ‬
‫ش مَا َظ َه َر مِْنهَا َومَا بَطَ َن ‪ ,‬وَنِكَاحَ الُْأ ّمهَاتِ وَالَْبنَا ِ‬ ‫اْل َفوَا ِح َ‬
‫َهؤُلَاءِ أَ ْك َفرُ مِ ْن الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى ‪ ,‬فَمَنْ يَكُو ُن هَكَذَا كَيْفَ َيكُونُ َم ْعصُومًا ؟ ‪ , ,‬وََأمّا " الَْأخْبَا ُر "‬
‫ب وَاْل ِعقَابِ‬ ‫فَإِّنهُمْ لَا ُي ِقرّونَ ِبقِيَامِ النّاسِ مِنْ ُقبُو ِرهِمْ ِل َربّ اْلعَالَ ِميَ ; وَلَا بِمَا َوعَدَ الّلهُ ِب ِه عِبَا َد ُه مِنْ الّثوَا ِ‬
‫; بَ ْل وَلَا بِمَا أَ ْخَب َرتْ ِبهِ الرّسُ ُل مِنْ الْ َملَاِئكَةِ ; بَ ْل وَلَا ِبمَا ذَ َكرَْتهُ مِنْ أَسْمَاءِ الّل ِه َوصِفَاِتهِ ‪ ,‬بَلْ أَ ْخبَا ُرهُمْ‬

‫‪234‬‬
‫سفَةِ الْمَشّاِئيَ التّاِب ِعيَ لَِأرِ ْسطُو ‪ ,‬وَُيرِيدُونَ أَ ْن يَجْ َمعُوا َبيْ َن مَا أَخَْبرَ ِبهِ الرّسُلُ‬ ‫ع الْمَُتفَ ْل ِ‬
‫الّتِي يَتِّبعُوَنهَا اتّبَا َ‬
‫ي‪,‬‬ ‫صفَا " َوهُ ْم َعلَى َطرِيقَ ِة َهؤُلَاءِ اْلعَُبيْدِّي َ‬ ‫ب " رَسَائِ ِل إ ْخوَانِ ال ّ‬ ‫َومَا َيقُوُلهُ َهؤُلَاءِ ‪ ,‬كَمَا َفعَلَ َأصْحَا ُ‬
‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬أوْ اْلَيهُودِ ‪َ ,‬أوْ‬ ‫ف دِينَ الْمُ ْ‬ ‫ح " ‪َ .‬فهَ ْل يُنْ ِكرُ أَحَ ٌد مِمّنْ َي ْعرِ ُ‬ ‫ُذرّيّ ِة " عَْبدِ الّلهِ بْ ِن مَيْمُونٍ اْلقَدّا ِ‬
‫ث وَإِنْ كَانَ فِي ذَِلكَ‬ ‫صفَا " مُخَالِفٌ ِللْمِلَ ِل الثّلَا ِ‬ ‫ب " رَسَائِ ِل إ ْخوَا ِن ال ّ‬ ‫الّنصَارَى ‪ :‬أَ ّن مَا َيقُوُلهُ َأصْحَا ُ‬
‫ق ‪ ,‬وَالسّيَاسَ ِة ‪ ,‬وَالْ َمْنزِلِ‬ ‫ض الْمَْن ِطقِيّ ِة ‪ ,‬وَالِْإَلهِيّ ِة ‪َ ,‬وعُلُومِ الَْأخْلَا ِ‬
‫مِنْ اْلعُلُومِ الرّيَاضِيّ ِة ‪ ,‬وَالطّبِيعِيّةِ ‪ ,‬وََبعْ ِ‬
‫‪ :‬مَا لَا ُينْ َكرُ ; فَإِ ّن فِي ذَِلكَ مِ ْن مُخَاَل َفةِ الرّ ُسلِ فِيمَا أَخَْب َرتْ ِب ِه وََأمَ َرتْ ِبهِ ‪ ,‬وَالتّكْذِيبِ بِكَثِ ٍي مِمّا‬
‫خفَى َعلَى عَارِفٍ بِمِلّ ٍة مِنْ الْ ِملَلِ ‪َ .‬ف َهؤُلَاءِ خَارِجُونَ‬ ‫جَاءَتْ ِب ِه ‪َ ,‬وتَبْدِيلِ َشرَائِعِ الرّ ُسلِ كُّلهِمْ بِمَا لَا يَ ْ‬
‫ث ‪َ .‬ومِنْ أَكَاذِيِبهِ ْم َو َزعْ ِمهِمْ ‪ :‬أَ ّن هَ ِذ ِه " الرّسَاِئ َل " مِنْ كَلَامِ َج ْع َفرِ بْ ِن مُحَمّدِ الصّادِقِ‬ ‫عَ ْن الْ ِملَلِ الثّلَا ِ‬
‫ض ُعهَا فِيهَا مَا‬ ‫‪ .‬وَاْلعَُلمَاءُ َيعْلَمُونَ أَّنهَا إنّمَا ُوضِ َعتْ َبعْدَ الْمِائَ ِة الثّالَِث ِة َزمَانَ بِنَاءِ اْلقَا ِهرَ ِة ‪َ ,‬وقَ ْد ذَ َكرَ وَا ِ‬
‫حوَا ِدثِ الّتِي حَدََثتْ‬ ‫ك مِنْ الْ َ‬ ‫ح َو ذَِل َ‬‫حَ َدثَ فِي اْلإِسْلَامِ مِنْ اسْتِيلَاءِ الّنصَارَى عَلَى َسوَا ِحلِ الشّامِ ‪ ,‬وَنَ ْ‬
‫ي َومِائَةٍ ‪ ,‬قَْبلَ بِنَاءِ‬ ‫َبعْدَ الْمِائَ ِة الثّالَِث ِة ‪ ,‬وَ َج ْع َفرُ بْ ُن مُحَمّ ٍد ‪ -‬رضي ال عنه ‪ُ -‬توُفّيَ سََنةَ ثَمَا ٍن وََأرَْب ِع َ‬
‫اْلقَا ِه َرةِ بِأَكَْث َر مِنْ مِائَتَ ْي سَنَ ٍة ; إذْ اْلقَا ِه َرةُ بُِنَيتْ َحوْلَ السّّتيَ َوثَلَاثِمِاَئ ٍة ‪َ ,‬كمَا فِي تَارِي ِخ الْجَامِ ِع الَْأ ْز َهرِ‬
‫سيَ ‪ ,‬وَأَّنهُ فِي سََنةِ اْثنَيْ ِن وَ ِسّتيَ قَ ِدمَ " َمعْدُ بْنُ تَمِي ٍم "‬ ‫" ‪ .‬وَُيقَالُ ‪ :‬إنّ ابْتِدَاءَ بِنَاِئهَا سََنةَ ثَمَا ٍن َوخَمْ ِ‬
‫سفَةَ الّذِي َن ُيعْلَمُ ُخرُو ُجهُ ْم مِ ْن دِينِ الْإِ ْسلَامِ كَانُوا‬ ‫ب وَا ْسَتوْطََنهَا ‪َ .‬ومِمّا يُبَيّ ُن هَذَا أَنّ الْمَُتفَ ْل ِ‬ ‫مِنْ الْ َم ْغرِ ِ‬
‫ش ِر بْنِ فَاِتكٍ َأحَدِ ُأ َمرَاِئهِ ْم ‪ ,‬وََأبِي عَلِ ّي بْنِ اْلهَيْثَ ِم اللّذَيْنِ كَانَا فِي َدوَْلةِ اْلحَاكِمِ نَازَِليْنِ‬ ‫ع مُبَ ّ‬ ‫مِنْ أَْتبَا ِ‬
‫َقرِيبًا مِ ْن الْجَامِعِ الَْأ ْز َهرِ ‪ .‬وَابْ ُن سِينَا وَاْبُنهُ وََأخُوهُ كَانُوا مِنْ أَْتبَا ِعهِمَا ‪ :‬قَالَ ابْنُ سِينَا ‪ :‬وََقرَأْت مِنْ‬
‫س " ‪ ,‬وَكَا َن وُجُو ُدهُ َعلَى َعهْدِ اْلحَاكِمِ‬ ‫س َف ِة ‪ ,‬وَكُنْت أَسْ َمعُ أَبِي وَأَخِي يَذْ ُكرَانِ " اْل َعقْ َل " " وَالّنفْ َ‬ ‫اْلفَلْ َ‬
‫س إلَى‬ ‫‪ ,‬وَقَ ْد عَلِ َم النّاسُ مِ ْن سِ َيةِ الْحَاكِ ِم مَا َعلِمُوهُ ‪َ ,‬ومَا َفعََلهُ هشتكي ال ّد ْرزِيّ بَِأ ْم ِرهِ مِ ْن َد ْع َوةِ النّا ِ‬
‫صرَ عَلَى ذَِلكَ ‪ ,‬ثُ ّم َذهَاُبهُ إلَى الشّامِ َحتّى َأضَ ّل وَادِي التّيْمِ بْ ِن َثعْلََب َة ‪.‬‬ ‫ِعبَادَِتهِ ‪َ ,‬و ُمقَاتََلِتهِ َأهْ َل ِم ْ‬
‫وَالزّنْدََق ُة وَالّنفَاقُ فِيهِمْ إلَى الَْي ْومِ ‪َ ,‬وعِنْ َدهُمْ ُكُتبُ الْحَاكِ ِم ‪ ,‬وَقَدْ َأخَ ْذتَا مِْنهُ ْم ‪ ,‬وََقرَأْت مَا فِيهَا مِنْ‬
‫سلِ ِميَ‬ ‫ِعبَادَِتهِمْ اْلحَاكِمَ ; وَِإ ْسقَاطِ ِه عَْنهُ ْم الصّلَا َة ‪ ,‬وَالزّكَاةَ ‪ ,‬وَالصّيَامَ ‪ ,‬وَاْلحَ ّج ‪َ ,‬وتَسْمَِيةِ الْمُ ْ‬
‫ك مِنْ أَْنوَاعِ‬ ‫ش ِويّةِ ‪ .‬إلَى َأمْثَا ِل ذَِل َ‬ ‫ح ّرمِيَ لِمَا َح ّرمَ الّلهُ َورَسُوُلهُ بِالْحَ ْ‬ ‫الْمُو ِجِبيَ ِلهَ ِذهِ اْلوَا ِجبَاتِ الْ ُم َ‬
‫حصَى ‪ .‬وَبِالْجُ ْملَ ِة " َفعِلْ ُم الْبَا ِطنِ " الّذِي يَ ّدعُونَ َمضْمُوُنهُ الْ ُك ْفرُ بِاَلّل ِه ‪َ ,‬ومَلَائِكَِتهِ‬ ‫ق الّتِي لَا تَكَادُ تُ ْ‬ ‫الّنفَا ِ‬
‫وَ ُكتُِبهِ َورُ ُسِلهِ وَالَْي ْومِ الْآ ِخرِ ; بَ ْل ُهوَ جَامِعٌ لِكُلّ ُك ْفرٍ ‪ ,‬لَ ِكّنهُمْ فِي ِه عَلَى َدرَجَاتٍ َفلَْيسُوا مُسَْتوِينَ فِي‬
‫سبِ ُبعْ ِدهِ ْم مِنْ‬ ‫س بِحَ َ‬ ‫الْ ُك ْفرِ ; إ ْذ ُهوَ ِعنْ َدهُمْ سَبْعُ َطَبقَاتٍ ‪ ,‬كُلّ طََبقَ ٍة يُخَا ِطبُونَ ِبهَا طَاِئفَ ًة مِ ْن النّا ِ‬
‫ت رَكّبُوهَا مِنْ مَ ْذ َهبِ اْلمَجُوسِ ‪ ,‬وَاْل َفلَا ِسفَ ِة ‪ ,‬وَالرّاِفضَ ِة مِثْلُ‬ ‫ب وََترْتِيبَا ٌ‬ ‫الدّي ِن وَُقرِْبهِ ْم مِْنهُ ‪ .‬وََلهُمْ أَْلقَا ٌ‬
‫س " َكاَلّذِي يَذْ ُك ُرهُ اْلفَلَا ِسفَ ُة ‪,‬‬ ‫َقوِْلهِ ْم ‪ " :‬السّابِ ُق " " وَالتّالِي " َجعَلُوهُمَا بِِإزَاءِ ‪ ,‬اْل َعقْ ِل " " وَالّنفْ ِ‬
‫س ‪َ .‬وهُمْ َينْتَمُونَ إلَى مُحَمّ ِد بْنِ إسْمَاعِيلَ ْبنِ َج ْعفَ ٍر ‪,‬‬ ‫وَِبِإزَاءِ النّورِ وَالظّ ْلمَةِ كَاَلّذِي يَ ْذ ُك ُرهُ الْمَجُو ُ‬
‫حجّ ِة ‪ ,‬وَالْبَابِ ‪َ ,‬وغَْي ِر ذَِلكَ مِمّا َيطُولُ‬ ‫س ‪ ,‬وَالْ ُ‬ ‫وََي ّدعُونَ َأّنهُ ُهوَ السّابِ ُع وَيَتَ َكلّمُونَ فِي الْبَاطِ ِن ‪ .‬وَالْأَسَا ِ‬

‫‪235‬‬
‫ي مِنْ "‬ ‫غ الَْأعْظَ ِم " أَّنهُمْ يَ ْدخُلُو َن عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫ص ُفهُمْ ‪َ .‬ومِنْ َوصَايَاهُمْ فِي " النّامُوسِ الْأَكَْب ِر ‪ ,‬وَالَْبلَا ِ‬ ‫َو ْ‬
‫ف ‪ ,‬وََأضْ َع ِفهَا َعقْلًا َوعِلْمًا ‪ ,‬وََأْبعَ ِدهَا عَنْ‬ ‫بَابِ التّشَيّ ِع " َوذَِلكَ ِل ِعلْ ِمهِمْ بِأَنّ الشّي َعةَ مِنْ َأ ْجهَلِ ال ّطوَائِ ِ‬
‫شّيعَةِ قَ ِديًا وَحَدِيثًا ‪ ,‬كَمَا‬ ‫ت الزّنَادَِق ُة عَلَى الْإِ ْسلَا ِم مِنْ بَابِ الْ ُمتَ َ‬ ‫دِينِ الِْإسْلَا ِم عِلْمًا َوعَمَلًا ‪َ ,‬وِلهَذَا دَخََل ْ‬
‫دَخَ َل الْ ُكفّارُ الْمُحَارِبُو َن مَدَائِنَ الْإِ ْسلَامِ َبغْدَادَ بِ ُمعَاوََنةِ الشّيعَ ِة ‪ ,‬كَمَا َجرَى َلهُمْ فِي َدوْلَ ِة الّترْك الْ ُكفّارِ‬
‫شيّعَ‬ ‫ي مَعَ الّنصَارَى َو َغْي ِرهِمْ ‪َ ,‬فهُمْ ُي ْظ ِهرُونَ التّ َ‬ ‫بَِبغْدَاد وَ َحَلبَ َوغَْي ِرهِمَا ; بَلْ كَمَا َجرَى ِبَتغَّيرِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫ِلمَنْ يَ ْدعُوَن ُه ‪ ,‬وَِإذَا ا ْستَجَابَ َلهُمْ َنقَلُوهُ إلَى الرّ ْفضِ وَاْلقَدْحِ فِي الصّحَابَةِ ‪ ,‬فَإِ ْن رََأ ْوهُ قَاِبلًا َن َقلُوهُ إلَى‬
‫ال ّطعْنِ فِي َعلِ ّي َوغَْي ِرهِ ثُمّ َنقَلُوهُ إلَى اْلقَدْحِ فِي نَِبيّنَا وَسَاِئرِ الَْأنِْبيَاءِ ‪ ,‬وَقَالُوا ‪ :‬إ ّن الْأَْنبِيَاءَ َلهُمْ َبوَاطِنُ‬
‫ضعُو ُه مِنْ‬ ‫ضهِمْ الدّْنَيوِيّ ِة بِمَا َو َ‬ ‫وَأَ ْسرَارٌ تُخَالِفُ مَا َعلَْيهِ ُأمُّتهُمْ ‪ ,‬وَكَانُوا َق ْومًا َأذْكِيَاءَ ُفضَلَاءَ قَالُوا بَِأ ْغرَا ِ‬
‫ضعِيفَ الرّْأيِ حَْيثُ‬ ‫ش ْرعِيّ ِة ‪ ,‬ثُمّ قَ َدحُوا فِي الْمَسِي ِح وََنسَبُوهُ إلَى يُوسُفَ النّجّا ِر ‪ ,‬وَ َج َعلُوهُ َ‬ ‫الّنوَامِيسِ ال ّ‬
‫ح مِنْ الْ َمسِي ِح ; لَكِ ْن هُمْ َش ّر مِنْ اْلَيهُودِ ‪ .‬فَِإّنهُمْ‬ ‫تَمَكّ َن عَ ُد ّوهُ ِمْنهُ َحتّى صَلََبهُ َفُيوَاِفقُونَ الَْيهُودَ فِي اْلقَدْ ِ‬
‫َيقْدَحُونَ فِي الْأَْنبِيَا ِء ‪ .‬وََأمّا مُوسَى َومُحَمّدٌ فَُيعَظّمُونَ َأ ْم َرهُمَا ‪ِ ,‬لتَمَكِّنهِمَا َوَق ْهرِ عَ ُد ّوهِمَا ; َويَ ّدعُونَ‬
‫َأّنهُمَا أَ ْظ َهرَا مَا أَ ْظ َهرَا مِنْ الْ ِكتَابِ لِ َذبّ اْلعَامّ ِة ‪ ,‬وَأَنّ لِذَِلكَ أَ ْسرَارًا بَاطَِن ًة مَ ْن َعرََفهَا صَارَ مِنْ الْكُمّلِ‬
‫س بِكُلّ‬ ‫الْبَاِل ِغيَ ‪َ .‬وَيقُولُونَ ‪ :‬إنّ الّلهَ أَحَلّ كُ ّل مَا َنشَْتهِي ِه مِنْ اْل َفوَا ِحشِ وَالْمُنْ َكرَاتِ ‪ ,‬وَأَخْذِ َأ ْموَا ِل النّا ِ‬
‫ب عَلَى اْلعَامّ ِة ‪ :‬مِ ْن صَلَا ٍة ‪َ ,‬وزَكَا ٍة َوصِيَا ٍم َوغَْي ِر ذَِلكَ ; إذْ‬ ‫ج ُ‬ ‫جبْ َعلَيْنَا شَ ْيءٌ مِمّا يَ ِ‬ ‫َطرِيقٍ ; وَلَمْ َي ِ‬
‫ب وَلَا ِعقَابَ ‪ .‬وَفِي " إْثبَاتِ وَا ِجبِ اْل ُوجُودِ "‬ ‫الْبَالِ ُغ عِنْ َدهُ ْم قَ ْد َعرَفَ َأّنهُ لَا جَنّ َة وَلَا نَارَ ; وَلَا َثوَا َ‬
‫الْمُْبدِعِ لِ ْلعَالَ ِم َعلَى َقوَْليْنِ لَِأئِمِّتهِمْ ُتنْ ِك ُرهُ َوَت ْزعُمُ أَ ّن الْمَشّاِئيَ مِ ْن اْلفَلَا ِسفَةِ فِي ِنزَاعٍ إلّا فِي وَا ِجبِ‬
‫اْلوُجُودِ ; وََيسَْتهِينُونَ بِذِ ْكرِ الّلهِ وَاسْ ِمهِ حَتّى يَكُْتبَ أَ َح ُدهُمْ اسْ َم الّلهِ وَاسْ َم رَسُوِلهِ فِي أَ ْس َفِلهِ ; وََأمْثَالُ‬
‫شهُو َرةً ; وَالْإِ ْسمَاعِيلِيّة الّذِينَ كَانُوا عَلَى هَذَا‬ ‫ت مَ ْ‬ ‫ك مِنْ ُك ْفرِهِمْ كَِثيٌ ‪َ .‬و َذوُو ال ّد ْع َوةِ الّتِي كَاَن ْ‬ ‫ذَِل َ‬
‫ك ‪ :‬كَانُوا‬ ‫ت َوغَْي ِرهَا فِي بِلَادِ ُخرَاسَانَ ; َوبَِأ ْرضِ الْيَ َم ِن وَجِبَا ِل الشّامِ ; َوغَْيرِ ذَِل َ‬ ‫ع الْأَلْمُو ِ‬ ‫الْمَ ْذ َهبِ ِبقِلَا ِ‬
‫ح الّذِي كَا َن رَْأسُ الْإِ ْسمَاعِيلِيّة ; وَكَانَ اْل َغزَالِيّ‬ ‫سئُو ِل عَْنهُمْ ; وَابْ ُن الصّبّا ِ‬ ‫َعلَى مَ ْذ َهبِ اْلعُبَيْ ِدّييَ الْمَ ْ‬
‫صرِ ‪ ,‬وَكَانَ أَ ْطوَُلهُمْ مُ ّدةً ; وََتَلقّى عَْنهُ أَ ْسرَا َرهُمْ‬ ‫صرَ فِي َدوَْلةِ اْلمُسَْتْن ِ‬ ‫يُنَا ِظرُ َأصْحَاَبهُ لَمّا كَانَ قَ ِدمَ إلَى ِم ْ‬
‫ي وََأرَْبعِمِاَئةٍ لَمّا جَاهَدَ‬ ‫س َ‬‫سةِ سََنةَ خَمْ ِ‬ ‫صرِ كَاَنتْ ِفتَْنةُ اْلبَسَا ِس ِريّ فِي الْمِائَةِ الْخَامِ َ‬ ‫ستَْن ِ‬
‫‪ .‬وَفِي َدوْلَ ِة الْمُ ْ‬
‫صرِ اْلعَُبيْ ِديّ َو َذ َهبَ‬ ‫ستَْن ِ‬ ‫الَْبسَا ِس ِريّ خَارِجًا عَنْ طَا َعةِ اْلخَلِيفَةِ اْلقَائِمِ بَِأ ْمرِ الّلهِ اْلعَبّا ِس ّي ‪ ,‬وَاّتفَ َق مَعَ الْمُ ْ‬
‫ق ‪ ,‬وَأَ ْظ َهرُوا فِي ِبلَادِ الشّامِ وَاْل ِعرَاقِ ِشعَارَ الرّاِفضَةِ كَمَا كَانُوا قَدْ أَ ْظ َهرُوهَا بَِأ ْرضِ‬ ‫شرُ إلَى اْل ِعرَا ِ‬‫يَحْ ُ‬
‫ي وَشُيُو ِخهِمْ َكمَا كَانَ َسَل ُفهُمْ قَتَلُوا َقبْ َل ذَِلكَ بِالْ َم ْغ ِربِ‬ ‫ف مِنْ ُعلَمَاءِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫صرَ ‪ ,‬وَقََتلُوا َطوَائِ َ‬ ‫ِم ْ‬
‫ف ‪ ,‬وََأذّنُوا عَلَى الْمَنَاِب ِر ‪ " :‬حَ ّي عَلَى خَْيرِ اْلعَمَ ِل " َحتّى جَاءَ الّترْكُ السّلَا ِجقَةُ " الّذِينَ كَانُوا‬ ‫َطوَائِ َ‬
‫شهِيدُ نُورُ الدّي ِن مَحْمُو ٌد "‬ ‫صرَ ‪ ,‬وَكَا َن مِنْ َأوَا ِخ ِرهِمْ " ال ّ‬ ‫سلِ ِميَ َف َه َزمُوهُ ْم وَ َط َردُوهُمْ إلَى ِم ْ‬ ‫مُلُو َك الْمُ ْ‬
‫صرَ لَمّا اسَْتنْجَدُوهُ‬ ‫الّذِي فََتحَ أَكَْثرَ الشّا ِم ‪ ,‬وَاسَْتْنقَ َذهُ مِنْ أَيْدِي الّنصَارَى ; ثُمّ َب َعثَ َعسْ َك َرهُ إلَى مِ ْ‬
‫ح الدّينِ الّذِي َفتَ َح ِمصْرَ ; فََأزَا َل عَْنهَا َد ْع َوةَ‬ ‫َعلَى اْلإِ ْفرِْنجِ ‪ ,‬وَتَ َك ّر َر دُخُولُ اْلعَسْ َكرِ إلَْيهَا مَ َع صَلَا ِ‬

‫‪236‬‬
‫اْلعُبَْيدِّييَ مِ ْن اْل َقرَامِطَ ِة الْبَا ِطنِيّ ِة ‪ ,‬وَأَ ْظ َهرَ فِيهَا َشرَائِ َع الِْإسْلَا ِم ‪ ,‬حَتّى سَكََنهَا مِنْ حِينَئِ ٍذ مَنْ أَ ْظ َهرَ ِبهَا‬
‫صرَ أَنْ َي ْروِيَ حَدِيثًا عَ ْن رَسُو ِل الّلهِ َفُيقْتَ ُل ‪,‬‬ ‫ف السّاكِنُ بِ ِم ْ‬ ‫دِينَ الِْإسْلَا ِم ‪ .‬وَكَانَ فِي أَْثنَا ِء َدوْلَِتهِمْ يَخَا ُ‬
‫ب عَبْدِ اْلغَنِيّ بْ ِن َسعِي ٍد ‪ ,‬وَامْتَنَ َع مِ ْن ِروَاَيةِ الْحَدِيثِ‬ ‫حبّا ُل صَا ِح ُ‬ ‫كَمَا حَكَى ذَِلكَ إْبرَاهِيمُ بْ ُن َسعْدٍ الْ َ‬
‫ب ‪ .‬وَكَا َن بِالْجَامِعِ‬ ‫َخوْفًا أَنْ َيقُْتلُوهُ ‪ ,‬وَكَانُوا يُنَادُونَ بَيْ َن اْل َقصْرَيْ ِن ‪ :‬مَنْ َلعَ َن وَ َسبّ ‪َ ,‬فَلهُ دِينَا ٌر وَِإ ْردَ ّ‬
‫صرِي ِح ‪ ,‬وَكَانَ َلهُ ْم مَ ْدرَ َسةٌ ِب ُق ْربِ‬ ‫الَْأ ْز َهرِ عِ ّد ُة َمقَاصِيَ يُ ْلعَنُ فِيهَا الصّحَابَ ُة ; بَلْ ُيقْ ِط ُعهُمْ فِيهَا بِاْل ُكفْرِ ال ّ‬
‫حسَيْ ُن ‪ ,‬وَلَا شَ ْي ٌء مِْنهُ ‪ :‬بِاّتفَاقِ اْل ُعلَمَاءِ ‪.‬‬ ‫سبُوهُ إلَى اْلحُسَْي ِن وَلَْيسَ ‪ ,‬فِيهِ الْ ُ‬ ‫شهَ ِد " الّذِي بََن ْو ُه وَنَ َ‬ ‫" اْلمَ ْ‬
‫ك مِنْ‬ ‫ح َو ذَِل َ‬ ‫سلِ ِميَ ; بَ ْل الْ َمنْطِ َق ‪ ,‬وَالطّبِيعَ َة ‪ ,‬وَالْإَِلهِ ّي ‪ ,‬وَنَ ْ‬ ‫وَكَانُوا لَا يُ َدرّسُونَ فِي مَ ْدرَ َسِتهِمْ ُعلُومَ الْمُ ْ‬
‫َمقَالَاتِ اْل َفلَا ِسفَ ِة ‪ .‬وَبََنوْا َأ ْرصَادًا عَلَى الْجِبَا ِل َوغَْيرِ اْلجِبَالِ ‪َ ,‬ي ْرصُدُونَ فِيهَا الْ َكوَا ِكبَ ‪َ ,‬يعْبُدُوَنهَا ‪,‬‬
‫شرِ ِكيَ الْ ُكفّا ِر ‪ ,‬كَشَيَا ِطيِ‬ ‫وَُيسَبّحُوَنهَا ‪ ,‬وََيسَْتْنزِلُونَ رُوحَانِيّاِتهَا الّتِي هِيَ َشيَا ِطيُ تََتَنزّ ُل عَلَى الْمُ ْ‬
‫ك ‪َ ,‬فصَنّفَ‬ ‫ح ِو ذَِلكَ ‪ " .‬وَالْ ُم ِعزّ بْنُ تَمِيمِ بْ ِن َمعْدٍ " َأوّ ُل مَ ْن دَخَلَ اْلقَا ِهرَ َة مِْنهُمْ فِي ذَِل َ‬ ‫الَْأصْنَا ِم ‪َ ,‬ونَ ْ‬
‫سلِمًا مِنْ َأهْلِ السّنّ ِة ‪,‬‬ ‫َكلَامًا َمعْرُوفًا عِْندَ أَتْبَا ِعهِ ; وََلْيسَ هَذَا " الْ ُم ِعزّ بْنُ بَادِيسَ " فَإِ ّن ذَاكَ كَانَ مُ ْ‬
‫وَكَا َن رَ ُجلًا مِ ْن مُلُوكِ الْ َم ْغرِبِ ; َوهَذَا َبعْدَ ذَاكَ بِمُ ّد ٍة ‪ .‬وَلَِأجْ ِل مَا كَانُوا عَلَْي ِه مِنْ الزّنْدََقةِ وَالِْب ْدعَةِ‬
‫ح َو مِائََتيْ سََنةٍ قَ ْد انْ َطفَأَ نُورُ اْلإِسْلَامِ وَالِْإيَا ِن ‪ ,‬حَتّى قَاَلتْ فِيهَا‬ ‫َبقَِيتْ الِْبلَادُ الْ ِمصْرِيّ ُة مُ ّدةَ َدوْلَِتهِ ْم نَ ْ‬
‫ب ‪ .‬وَاْل َقرَامِطَةِ " اْلخَارِ ِجيَ بَِأ ْرضِ اْل ِعرَاقِ‬ ‫سيْلِ َمةَ اْلكَذّا ِ‬ ‫ت دَا َر ِر ّدةٍ َوِنفَاقٍ ‪ ,‬كَدَارِ مُ َ‬ ‫اْلعُلَمَا ُء ‪ :‬إّنهَا كَاَن ْ‬
‫صرَ ;‬ ‫ب ‪ ,‬ثُمّ جَاءُوا مِنْ الْ َم ْغرِبِ إلَى ِم ْ‬ ‫الّذِينَ كَانُوا سََلفًا ِل َهؤُلَاءِ اْل َقرَامِطَ ِة َذهَبُوا مِنْ اْل ِعرَاقِ إلَى الْ َم ْغرِ ِ‬
‫ع مُسَْيلِ َمةَ‬ ‫فَإِنّ ُك ْفرَ َهؤُلَا ِء َو ِردَّتهُمْ مِنْ َأعْظَ ِم الْ ُك ْف ِر وَال ّر ّدةِ ‪َ ,‬وهُمْ َأعْظَمُ ُك ْفرًا َو ِردّ ًة مِنْ ُك ْفرِ أَْتبَا ِ‬
‫شرَائِ ِع مَا قَاَلهُ أَِئمّ ُة َهؤُلَاءِ‬ ‫ح ُوهُ مِ ْن الْكَذّاِبيَ ; فَإِنّ أُوَلِئكَ لَمْ َيقُولُوا فِي اْلإَِلهِيّةِ وَالرّبُوِبيّ ِة وَال ّ‬ ‫الْكَذّابِ َونَ ْ‬
‫سلِ ِميَ وَالْ ُكفّارِ فَإِ ّن قُبُو َرهُمْ‬ ‫ي ‪ ,‬كَمَا يُمَّيزُ َبيْنَ ُقبُورِ الْمُ ْ‬ ‫سلِ ِم َ‬
‫‪ .‬وَِلهَذَا يُمَّيزُ َبيْنَ قُبُو ِرهِ ْم وَُقبُورِ الْمُ ْ‬
‫ُموَ ّجهَ ٌة إلَى غَْيرِ اْل ِقبَْلةِ ‪ .‬وَِإذَا َأصَابَ اْلخَيْلُ َأ ْرصَ َدهُ َأَتوْا ِبهَا إلَى ُقبُو ِرهِمْ ‪ ,‬كَمَا يَ ْأتُونَ ِبهَا إلَى قُبُورِ‬
‫خيْ َل َمغَلٌ َذهَبُوا ِبهَا إلَى قُبُورِ الّنصَارَى بِ ِدمَشْ َق ‪,‬‬ ‫الْ ُكفّا ِر ‪َ ,‬وهَ ِذ ِه عَا َدةٌ َم ْعرُوفَةٌ ِللْخَْيلِ إذَا َأصَابَ الْ َ‬
‫صرَ‬ ‫ح ِوهِمَا ‪َ ,‬ذهَبُوا ِبهَا إلَى ُقبُو ِرهِمْ ‪ ,‬وَإِنْ كَانُوا بِ ِم ْ‬ ‫وَإِنْ كَانُوا بِ َمسَاكِ ِن الْإِسْمَاعِيِليّة وَالّنصَْيرِيّ ِة وَنَ ْ‬
‫ف ‪ ,‬وََليْسُوا مِنْ‬ ‫َذهَبُوا ِبهَا إلَى قُبُورِ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى ‪َ ,‬أوْ ِل َهؤُلَاءِ اْلعَُبيْدِّييَ الّذِينَ قَ ْد يََتسَ ّموْنَ بِالَْأ ْشرَا ِ‬
‫حيَ ; وَلَا إلَى ُقبُورِ عُمُومِ الْمُسِْل ِميَ َوهَذَا َأ ْمرٌ‬ ‫الْأَ ْشرَافِ ‪ ,‬وَلَا َي ْذهَبُونَ بِاْلخَيْ ِل إلَى قُبُو ِر الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ‬
‫ب ذَِلكَ ‪ :‬أَنّ الْ ُكفّارَ ُيعَاَقبُونَ فِي ُقبُو ِرهِمْ ‪َ ,‬فتَسْمَعُ‬ ‫جنْ ِد َوعُلَمَاِئهِ ْم ‪ .‬وَقَ ْد ذُ ِكرَ سََب ُ‬ ‫ج ّر ٌد مَعْلُو ٌم عِنْ َد الْ ُ‬
‫مُ َ‬
‫صوَاَتهُمْ اْلَبهَائِ ُم ‪ ,‬كَمَا أَ ْخَبرَ النّبِيّ ِبذَِلكَ أَ ّن الْ ُكفّارَ ُيعَذّبُو َن فِي ُقبُو ِرهِمْ ‪َ ,‬ففِي الصّحِيحَْي ِن عَنْ النّبِ ّي ‪:‬‬ ‫َأ ْ‬
‫صوَاتُ َيهُودٍ ُتعَ ّذبُ‬ ‫{ أَّنهُ كَا َن رَاكِبًا عَلَى َب ْغلَِت ِه ‪َ ,‬ف َمرّ ِبقُبُورٍ فَحَا َدتْ ِبهِ كَا َدتْ ُت ْلقِيهِ ‪َ ,‬فقَا َل ‪ :‬هَ ِذهِ َأ ْ‬
‫حرَا َر ِة مَا يُ ْذ ِهبُ الْ َمغَلَ }‬ ‫ص ْوتَ الْمُنْ َكرَ َأوْ َجبَ َلهَا مِنْ الْ َ‬ ‫ت ذَِلكَ ال ّ‬ ‫فِي ُقبُو ِرهَا ‪ ,‬فَإِ ّن الَْبهَائِمَ إذَا سَ ِم َع ْ‬
‫خيْ ِل عِنْدَ ُقبُورِ َهؤُلَاءِ لِدِيِنهِ ْم وََفضِْلهِمْ ‪َ ,‬فلَمّا َتبَيّنَ َلهُمْ َأّنهُمْ‬ ‫شيَ َة الْ َ‬
‫جهّالُ يَ ُظنّونَ أَنّ تَمْ ِ‬ ‫‪ ,‬وَكَانَ اْل ُ‬
‫حيَ ‪َ ,‬وذَ َكرَ‬ ‫ح ِوهِمْ دُونَ ُقبُورِ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّاِل ِ‬ ‫يُمَشّوَنهَا ِعنْدَ قُبُورِ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى وَالّنصَْي ِريّ ِة وََن ْ‬

‫‪237‬‬
‫صرَ وَالشّا ِم َوغَْي ِرهَا ; إنّمَا يُمَشّوَنهَا عِنْدَ ُقبُورِ‬ ‫اْلعُلَمَاءُ أَّنهُمْ لَا يُمَشّوَنهَا عِنْدَ َقْبرِ مَ ْن ُيعْرَفُ بِالدّي ِن بِ ِم ْ‬
‫شتَِبهًا ‪َ .‬ومَ ْن عَِلمَ َحوَا ِدثَ الِْإسْلَا ِم ‪َ ,‬ومَا َجرَى فِيهِ َبيْنَ َأوْلِيَاِئهِ‬ ‫اْلفُجّا ِر وَاْل ُكفّارِ ‪ :‬تََبيّنَ بِ َذِلكَ مَا كَا َن مُ ْ‬
‫ي ‪َ :‬علِمَ أَ ّن عَدَا َو َة َهؤُلَاءِ الْ ُمعْتَدِينَ ِللْإِ ْسلَامِ الّذِينَ َب َعثَ الّلهُ ِبهِ رَسُوَلهُ َأعْظَمُ‬ ‫وََأعْدَاِئهِ الْ ُكفّا ِر وَالْمُنَاِفقِ َ‬
‫مِ ْن عَدَا َوةِ التّتَارِ ‪ ,‬وَأَ ّن عِلْ َم الْبَاطِنِ الّذِي كَانُوا يَ ّدعُونَ َحقِيقََت ُه ُهوَ إبْطَالُ الرّسَالَ ِة الّتِي َب َعثَ الّلهُ ِبهَا‬
‫مُحَمّدًا ; َبلْ إبْطَالُ جَمِي ِع الْ ُمرْ َسِليَ ; وَأَّنهُمْ لَا ُي ِقرّوهُ بِمَا جَاءَ ِبهِ الرّسُو ُل عَنْ الّلهِ ‪ ,‬وَلَا مِنْ َخَب ِرهِ ‪,‬‬
‫ع َعْثرَِتهِ ‪.‬‬ ‫وَلَا مِنْ َأ ْم ِرهِ ; وَأَنّ َلهُمْ َقصْدًا ُمؤَكّدًا فِي إبْطَا ِل َد ْعوَِتهِ وَإِ ْفسَادِ ِملِّت ِه ‪ ,‬وََقتْلِ خَاصِّت ِه وَاتّبَا ِ‬
‫وََأّنهُمْ فِي ُمعَادَاةِ الِْإسْلَامِ ; بَ ْل وَسَاِئ ِر الْمَِللِ ‪َ :‬أعْظَ ُم مِنْ الَْيهُودِ وَالّنصَارَى ; فَإِ ّن الَْيهُو َد وَالّنصَارَى‬
‫شرَائِ ِع ‪ ,‬وَالَْي ْومِ الْآ ِخ ِر ‪,‬‬ ‫ُي ِقرّونَ بَِأصْلِ الْجُمَ ِل الّتِي جَا َءتْ ِبهَا الرّسُ ُل ‪ :‬كَإِْثبَاتِ الصّانِ ِع ‪ ,‬وَالرّسُلِ ; وَال ّ‬
‫ب وَالرّ ُسلِ ‪ ,‬كَمَا قَالَ الّلهُ سُْبحَاَن ُه ‪ { :‬إنّ الّذِينَ يَ ْك ُفرُونَ بِاَلّلهِ َورُ ُسِلهِ‬ ‫وَلَ ِكنْ يُكَذّبُونَ َبعْضَ الْكُُت ِ‬
‫ض وَُيرِيدُونَ أَنْ َيتّخِذُوا بَيْ َن ذَِلكَ‬ ‫ض وََن ْك ُفرُ ِبَبعْ ٍ‬ ‫وَُيرِيدُونَ أَنْ ُي َفرّقُوا َبيْنَ الّل ِه َورُسُِل ِه وََيقُولُونَ ُن ْؤمِنُ بَِبعْ ٍ‬
‫سَبِيلًا أُوَلِئكَ هُ ْم الْكَاِفرُونَ َحقّا وََأعْتَ ْدنَا ِللْكَاِفرِي َن عَذَابًا ُمهِينًا } ‪ .‬وََأمّا َهؤُلَاءِ اْل َقرَامِطَ ُة فَإِّنهُمْ فِي‬
‫ك وَيَ ْكتُمُوَنهُ َعنْ َغْيرِ مَ ْن يَِثقُونَ ِبهِ ; لَا ُي ْظ ِهرُوَنهُ ‪,‬‬ ‫خفُونَ ذَِل َ‬ ‫ب وَالرّسُ ِل ‪ ,‬يُ ْ‬ ‫جمِيعِ الْكُُت ِ‬ ‫الْبَاطِنِ كَاِفرُونَ بِ َ‬
‫سلِ ِميَ‬ ‫ب دِيَنهُمْ ‪ ,‬لِأَّنهُمْ َلوْ أَ ْظ َهرُوهُ َلَن َفرَ َعْنهُمْ جَمَاهِيُ َأهْلِ الَْأ ْرضِ مِ ْن الْمُ ْ‬ ‫كَمَا يُ ْظ ِهرُ َأهْلُ اْلكِتَا ِ‬
‫َوغَْي ِرهِ ْم ‪َ ,‬وهُمْ ُي َفرّقُونَ بَيْ َن َمقَالَِتهِ ْم َو َمقَالَ ِة الْجُ ْمهُورِ ; َبلْ الرّاِفضَةُ الّذِي َن لَيْسُوا زَنَادَِقةً ُكفّارًا ُي َفرّقُونَ‬
‫بَيْ َن َمقَالَِتهَا َو َمقَالَ ِة الْجُ ْمهُو ِر ‪ ,‬وََي َروْنَ كِْتمَا َن مَ ْذهَِبهِ ْم ‪ ,‬وَاسِْتعْمَا َل الّتقِيّ ِة ‪َ ,‬وقَدْ لَا يَكُو ُن مِنْ الرّاِفضَةِ‬
‫ب صَحِي ٌح مُسْلِمًا فِي الْبَاطِ ِن وَلَا يَكُو ُن زِنْدِيقًا ; لَكِنْ َيكُونُ جَاهِلًا مُْبتَ ِدعًا ‪ .‬وَِإذَا كَانَ‬ ‫س ٌ‬ ‫مَنْ َلهُ نَ َ‬
‫َهؤُلَا ِء مَ َع صِحّةِ َنسَِبهِ ْم وَإِ ْسلَا ِمهِمْ يَكْتُمُو َن مَا هُ ْم عََلْيهِ مِنْ الْبِ ْد َعةِ وَاْل َهوَى َلكِنّ جُ ْمهُورَ النّاسِ‬
‫سلِ ِميَ وَالَْيهُودِ‬ ‫يُخَاِلفُوَنهُمْ ‪ :‬فَ َكيْفَ بِاْل َقرَامِطَ ِة اْلبَاطِِنيّةِ الّذِي َن يُ َك ّف ُرهُمْ َأهْ ُل الْ ِملَلِ كُّلهَا مِنْ الْمُ ْ‬
‫ب مِْنهُ ْم " اْلفَلَا ِس َفةُ الْ َمشّاءُونَ َأصْحَابُ َأرِسْطُو " فَإِ ّن بَيَْنهُ ْم وََبيْنَ اْل َقرَامِطَةِ‬ ‫وَالّنصَارَى ‪ .‬وَإِنّمَا َي ْقرَ ُ‬
‫سفَ ٌة ‪َ :‬كسِنَا ٍن الّذِي كَانَ بِالشّا ِم ‪,‬‬ ‫ُمقَارَبَةً َكبِ َي ًة ‪ .‬وَِلهَذَا يُوجَ ُد ُفضَلَاءُ اْل َقرَامِطَ ِة فِي اْلبَاطِ ِن مَُتفَ ْل ِ‬
‫ف " َشرْحَ‬ ‫ت ‪ُ ,‬ثمّ صَا َر مُنَجّمًا ِل َهؤُلَاءِ َومَِلكَ الْ ُكفّارِ ‪َ ,‬وصَنّ َ‬ ‫وَالطّوسِ ّي الّذِي كَا َن َوزِيرًا َلهُمْ بِالْأَلْمُو ِ‬
‫الْإِشَارَاتِ لِاْبنِ سِينَا " َو ُهوَ الّذِي أَشَارَ َعلَى مَِلكِ الْ ُكفّارِ ِب َقتْلِ اْلخَلِيفَ ِة َوصَارَ عِنْ َد الْ ُكفّارِ الّترْ ِك ُهوَ‬
‫الْ ُمقَ ّدمُ َعلَى الّذِي َن يُسَمّوَنهُمْ " الداسيدية " َف َهؤُلَاءِ وََأمْثَاُلهُ ْم َيعْلَمُونَ أَ ّن مَا يُ ْظ ِه ُرهُ اْل َقرَامِطَ ُة مِنْ الدّينِ‬
‫سفًا ‪ ,‬وَيَدْخُ ُل َم َعهُمْ لِ ُموَاَفقَِتهِمْ َلهُ َعلَى مَا‬ ‫ح ِو ذَِلكَ أَّنهُ بَاطِ ٌل ; لَكِنْ َيكُونُ َأحَ ُدهُ ْم مَُتفَلْ ِ‬ ‫ت وَنَ ْ‬ ‫وَالْ َكرَامَا ِ‬
‫شرَائِعِ فِي الظّا ِه ِر ‪ ,‬وَتَ ْأوِي ُل ذَِلكَ بُِأمُورٍ َيعْلَمُ بِالِاضْ ِطرَارِ أَّنهَا مُخَاِلفَةٌ لِمَا‬ ‫ُهوَ فِيهِ مِنْ الْإِ ْقرَارِ بِالرّسُ ِل وَال ّ‬
‫سفَ َة " مُتََأوّلُونَ مَا َأخَْب َرتْ ِبهِ الرّسُ ُل مِنْ ُأمُورِ الِْإيَانِ ِباَلّل ِه وَاْلَي ْومِ الْآ ِخرِ‬ ‫جَاءَتْ ِبهِ الرّسُ ُل ‪ .‬فَإِ ّن " الْمَُت َفلْ ِ‬
‫شرَائِعُ اْلعَمَلِيّةُ َفلَا َيْنفُوَنهَا َكمَا يَْنفِيهَا اْل َقرَامِطَ ُة ; بَلْ‬ ‫بِالّنفْ ِي وَالّتعْطِيلِ الّذِي ُيوَافِ ُق مَ ْذهََبهُ ْم ‪ ,‬وََأمّا ال ّ‬
‫ك ‪َ .‬وَيقُولُونَ ‪ :‬إنّ الرّ ُسلَ‬ ‫يُوجِبُوَنهَا َعلَى اْلعَامّةِ ; وَيُو ِجبُونَ َب ْعضَهَا عَلَى اْلخَاصّ ِة ‪َ ,‬أوْ لَا يُوجِبُو َن ذَِل َ‬
‫حقَائِقِ الُْأمُورِ ; وَلَ ِكنْ أََتوْا بَِأ ْمرٍ فِيهِ صَلَاحُ اْلعَامّةِ ‪ ,‬وَإِنْ كَا َن ُهوَ‬ ‫فِيمَا َأخَْبرُوا ِب ِه وََأ َمرُوا ِبهِ لَمْ يَ ْأتُوا بِ َ‬

‫‪238‬‬
‫ح اْلعَامّ ِة ‪ ,‬كَمَا َفعَلَ ابْ ُن‬ ‫حقِي َق ِة ‪ .‬وَِلهَذَا ا ْختَارَ كُ ّل مُبْطِلٍ أَ ْن يَأْتِيَ ِبمَخَارِي َق ِلقَصْ ِد صَلَا ِ‬ ‫كَ ِذبًا فِي الْ َ‬
‫صفَاتِ مَ ْذ َهبُ اْلفَلَا ِسفَةِ لَِأّنهُ كَا َن مِْثَلهَا فِي الْجُ ْملَ ِة ‪ ,‬وَلَمْ‬ ‫التّو َم ْرتِ الْ ُمَلقّبُ بِالْ َمهْ ِديّ ‪َ ,‬ومَ ْذهَُبهُ فِي ال ّ‬
‫شرِيعَةِ اْلعَمَلِيّةِ بَا ِطنًا يُخَالِفُ ظَا ِه َرهَا ; بَلْ كَانَ‬ ‫جعَلُ لِل ّ‬‫شرَاِئعِ ‪ ,‬وَلَا يَ ْ‬ ‫يَكُ ْن مُنَاِفقًا مُكَذّبًا لِلرّسُ ِل مُعَطّلًا لِل ّ‬
‫ج الّذِينَ َي َروْنَ السّيْفَ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫ع مِ ْن رَْأيِ الْ َ‬ ‫جهْمِيّةِ الْ ُموَافِ ِق ِلرَأْيِ اْلفَلَا ِسفَ ِة ‪ ,‬وََنوْ ٌ‬ ‫ع مِ ْن رَأْيِ الْ َ‬ ‫فِيهِ َنوْ ٌ‬
‫حقِيقَةِ أَ ْك َفرُ مِ ْن الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى وََأمّا فِي‬ ‫ب ‪َ .‬ف َهؤُلَاءِ " اْل َقرَامِ َط ُة " هُمْ فِي اْلبَاطِ ِن وَاْل َ‬ ‫وَُي َك ّفرُونَ بِالذّْن ِ‬
‫سبِ إلَى اْلعِْت َرةِ النَّبوِيّ ِة ‪َ ,‬وعِلْ َم اْلبَاطِنِ الّذِي لَا يُوجَ ُد عِنْ َد الْأَْنبِيَاءِ‬ ‫الظّا ِهرِ َفيَ ّدعُونَ الِْإسْلَامَ َبلْ وَإِيصَالَ النّ َ‬
‫حقَائِقِ الِْإيَا ِن وَفِي الْبَاطِنِ‬ ‫س َد ْعوَى ِب َ‬ ‫وَالَْأوْلِيَا ِء ‪ ,‬وَأَنّ إمَا َمهُ ْم َمعْصُومٌ ‪َ .‬فهُمْ فِي الظّا ِه ِر مِنْ َأعْظَمِ النّا ِ‬
‫مِنْ أَ ْك َفرِ النّاسِ بِالرّ ْحمَنِ بِ َمْنزِلَ ِة مَنْ ا ّدعَى النُّب ّوةَ مِنْ الْكَذّاِبيَ قَالَ َتعَالَى ‪َ { :‬ومَنْ أَظْلَ ُم مِمّ ْن ا ْفَترَى‬
‫َعلَى الّلهِ كَذِبًا َأوْ قَالَ أُوحِيَ إلَ ّي وََلمْ يُوحَ إَلْيهِ َش ْيءٌ َومَنْ قَا َل سَأُْنزِ ُل مِثْ َل مَا أَْنزَ َل الّلهُ } َو َهؤُلَاءِ قَدْ‬
‫يَ ّدعُونَ هَذَا َوهَذَا َفإِنّ الّذِي ُيضَاهِي الرّسُولَ الصّادِقَ لَا يَخْلُو إمّا أَنْ َي ّدعِ َي مِثْ َل َد ْعوَِتهِ فََيقُو ُل ‪ :‬إنّ‬
‫ب عَلَى الّلهِ َأوْ َي ّدعِيَ أَّنهُ يُوحَى إلَْيهِ َولَا يُسَمّ َي مُوحَِيهُ كَمَا َيقُولُ قِيلَ‬ ‫الّلهَ َأرْ َسلَنِي وََأْنزَلَ َعلَ ّي ‪ ,‬وَكَ َذ َ‬
‫ف اْلفَاعِلَ َأوْ لَا يَ ّدعِي وَاحِدًا‬ ‫ح َو ذَِلكَ وََيكُونَ كَاذِبًا ‪ ,‬فَيَكُو ُن هَذَا قَدْ حَذَ َ‬ ‫لِي وَنُودِيت َوخُوطِبْت َونَ ْ‬
‫مِنْ الَْأ ْمرَيْنِ لَكِّنهُ يَ ّدعِي أَّنهُ يُمْ ِكُنهُ أَنْ يَ ْأتِيَ بِمَا أَتَى ِبهِ الرّسُو ُل َووَ ْجهُ اْلقِسْ َمةِ أَ ّن مَا يَ ّدعِيهِ فِي ُمضَاهَاةِ‬
‫سهِ َأوْ لَا ُيضِي َفهُ إلَى أَحَ ٍد َف َهؤُلَاءِ فِي َد ْعوَاهُ ْم مِثْلَ الرّسُو ِل هُمْ‬ ‫الرّسُولِ إمّا أَنْ ُيضِي َفهُ إلَى الّلهِ َأوْ إلَى َنفْ ِ‬
‫سيْلِ َم ُة وَأَلْحَدُوا‬ ‫أَ ْك َف ُر مِنْ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى َفكَيْفَ بِاْل َقرَامِطَةِ الّذِي َن يَكْذِبُو َن عَلَى الّلهِ َأعْظَ َم مِمّا َفعَلَ مُ َ‬
‫سطُ‬ ‫سيْلِ َم ُة ‪َ ,‬وبَ ْ‬‫فِي أَسْمَاءِ الّل ِه وَآيَاِتهِ َأعْظَ َم مِمّا َفعَ َل مُسَْيلِمَ ُة وَحَا َربُوا الّل َه َورَسُوَلهُ َأعْ َظمَ مِمّا َفعَلَ مُ َ‬
‫سعُ أَكَْث َر مِنْ هَذَا ‪َ .‬وهَذَا الّذِي ذَ َكرْته حَالُ أَِئمِّتهِ ْم وَقَادَِتهِمْ‬ ‫ق لَا تَ َ‬ ‫حَاِلهِمْ يَطُو ُل لَكِ ّن هَ ِذهِ الَْأ ْورَا َ‬
‫حقِي َقةِ َقوِْلهِ ْم ‪ ,‬وَلَا َرْيبَ َأّنهُ قَدْ اْنضَمّ إلَْيهِ ْم مِنْ الشّيعَة وَالرّاِفضَة مَنْ لَا يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ‬ ‫اْلعَالِ ِميَ بِ َ‬
‫ك ‪ ,‬فَيَكُو ُن مِنْ أَْتبَاعِ الزّنَادَِقةِ الْ ُم ْرتَدّي َن الْ َموَالِي َلهُمْ‬ ‫حقِي َقةِ بَا ِطِنهِمْ وَلَا ُموَاِفقًا َلهُ ْم عَلَى ذَِل َ‬ ‫عَالَمًا بِ َ‬
‫صرُوَنهُ ْم ‪ ,‬وَلَا َي ْعرِفُونَ َحقِيقَةَ‬ ‫النّاصِرِ َلهُمْ ; بِمَْنزَِلةِ أَْتبَاعِ الِاتّحَا ِديّ ِة الّذِي َن ُيوَالُوَنهُمْ َوُيعَظّمُوَنهُ ْم وَيَْن ُ‬
‫سلِمًا فِي اْلبَاطِ ِن َو ُهوَ جَاهِ ٌل ُمعَظّمٌ‬ ‫َقوِْلهِمْ فِي وَحْ َدةِ اْلوُجُودِ ; وَأَنّ اْلخَالِ َق ُهوَ اْلمَخْلُوقُ ‪ .‬فَمَنْ كَا َن مُ ْ‬
‫ِل َقوْ ِل ابْ ِن َعرَبِ ّي وَابْنِ َسْب ِعيَ وَابْنِ اْلفَا ِرضِ وََأمْثَاِلهِ ْم مِنْ َأهْ ِل الِاتّحَادِ َف ُهوَ ِمْنهُمْ ‪ ,‬وَكَذَا مَنْ كَانَ‬
‫سبَةِ أُوَلِئكَ إلَى الرّاِفضَةِ‬ ‫جهْمِيّةِ كَنِ ْ‬ ‫ُمعَظّمًا ِل ْلقَائَِليْنِ بِمَ ْذ َهبِ الْحُلُو ِل وَالِاتّحَادِ فَإِ ّن نِسَْب َة َهؤُلَاءِ إلَى الْ َ‬
‫جهْمِيّ ِة ‪ ,‬وََلكِنّ اْل َقرَامِ َطةَ أَ ْك َفرُ مِنْ الِاتّحَادِيّةِ ِبكَثِيٍ ; وَِلهَذَا كَانَ أَ ْحسَنُ حَا ِل َعوَا ّمهِمْ أَ ْن يَكُونُوا‬ ‫وَالْ َ‬
‫رَاِفضَةً َجهْ ِميّ ًة ‪ .‬وََأمّا الِاتّحَادِيّةُ َففِي َعوَا ّمهِمْ مَنْ َلْيسَ ِبرَاِفضِ ّي وَلَا َجهْمِ ّي صَرِيحٍ ; وَلَكِ ْن لَا َي ْفهَمُ‬
‫جوَابِ َل ُه َموَاضِعُ َغْيرُ هَذَا ‪,‬‬ ‫ط هَذَا الْ َ‬ ‫سُ‬ ‫ح ّق ِقيَ ‪ .‬وَبَ ْ‬‫َكلَا َمهُمْ ; وََيعَْتقِدُ أَنّ كَلَا َمهُمْ َكلَامُ الَْأوِْليَاءِ الْمُ َ‬
‫َواَلّلهُ َأعْلَ ُم ‪.‬‬
‫‪ 109 - 755‬مَسْأََل ٌة ‪ :‬مَا َتقُو ُل السّا َدةُ اْل ُعلَمَاءُ َأئِمّ ُة الدّي ِن رضي ال عنهم أجعي ‪ ,‬وََأعَاَنهُ ْم عَلَى‬
‫ي ‪ :‬فِي " الّنصَْيرِيّ ِة " اْلقَاِئِليَ بِا ْستِحْلَالِ اْلخَ ْمرِ ‪ ,‬وََتنَاسُخِ‬ ‫ي ‪ ,‬وَِإخْمَادِ َش َغبِ الْمُْبطِِل َ‬ ‫إ ْظهَا ِر الْحَ ّق الْمُِب ِ‬

‫‪239‬‬
‫ث وَالنّشُو ِر وَاْلجَنّةِ وَالنّارِ فِي غَْيرِ الْحَيَا ِة الدّْنيَا ‪َ ,‬وبِأَ ّن " الصَّلوَاتِ‬ ‫ح ‪ ,‬وَقِ َدمِ اْلعَالَ ِم ‪ ,‬وَإِْنكَارِ اْلَبعْ ِ‬‫الَْأ ْروَا ِ‬
‫س " ِعبَا َرةٌ عَ ْن خَمْسَةِ َأسْمَا ٍء ‪َ ,‬وهِ َي ‪َ :‬علِ ّي ‪َ ,‬وحَسَ ٌن ‪َ ,‬وحُسَْينٌ ‪َ ,‬ومُحْسِ ٍن ‪ ,‬وَفَاطِ َم ٌة ‪َ .‬فذَ َكرَ‬ ‫الْخَ ْم َ‬
‫جنَاَب ِة ‪ ,‬وَاْل ُوضُو ِء وََبقِيّةِ ُشرُوطِ الصَّلوَاتِ‬ ‫جزِيهِ ْم عَنْ اْلغُسْ ِل مِنْ الْ َ‬ ‫س َة عَلَى رَأِْيهِ ْم يُ ْ‬‫هَ ِذهِ الْأَسْمَاءَ اْلخَمْ َ‬
‫ي رَجُلًا ‪ ,‬وَاسْمُ َثلَاِثيَ ا ْمرََأةً ‪,‬‬ ‫الْخَ ْمسَ ِة َووَاجِبَاِتهَا ‪ .‬وَبِأَنّ " الصّيَامَ " عِنْ َدهُ ْم عِبَا َرٌة عَنْ اسْمِ َثلَاِث َ‬
‫ت وَالَْأ ْرضَ‬ ‫ُيعِدّوَنهُمْ فِي كُُتِبهِ ْم ‪ ,‬وََيضِي ُق هَذَا الْ َم ْوضِعُ عَ ْن إْبرَا ِزهِمْ ; وَبِأَ ّن إَل َههُمْ الّذِي خََلقَ السّ َموَا ِ‬
‫ض ‪ ,‬فَكَاَنتْ‬ ‫ُه َو عَلِ ّي بْنُ أَبِي طَاِلبٍ رضي ال عنه ‪َ :‬ف ُه َو عِنْ َدهُ ْم الِْإَلهُ فِي السّمَاءِ ‪ ,‬وَاْلِإمَامُ فِي الَْأ ْر ِ‬
‫الْحِكْ َمةُ فِي ُظهُورِ اللّاهُوتِ ِبهَذَا النّاسُوتِ َعلَى رَأِْيهِمْ أَنْ ُي َؤّنسَ َخ ْل َقهُ َوعَبِي َدهُ ; لُِي َعلّ َمهُمْ كَيْفَ‬
‫شرَبُو َن َمعَهُ الْخَ ْم َر ‪,‬‬ ‫َي ْعرِفُوَنهُ وََي ْعبُدُوَنهُ ‪ .‬وَبِأَ ّن الّنصَْي ِريّ ِعنْ َدهُمْ لَا َيصِيُ ُنصَْي ِريّا ُم ْؤمِنًا يُجَالِسُوَن ُه ‪َ ,‬ويَ ْ‬
‫ب عِنْ َدهُمْ أَنْ‬ ‫وَُيطِْلعُوَن ُه عَلَى أَ ْسرَا ِرهِمْ ‪ ,‬وَُي َزوّجُوَن ُه مِنْ نِسَاِئهِ ْم ‪ :‬حَتّى يُخَاطَِب ُه ُمعَلّ ُمهُ ‪ .‬وَ َحقِيقَ ُة الْخِطَا ِ‬
‫سلِمًا وَلَا َغْي َرهُ‬ ‫خهِ ‪ ,‬وَأَكَاِبرِ َأهْ ِل مَ ْذهَِبهِ ; َوعَلَى أَنْ لَا َيْنصَحَ مُ ْ‬ ‫يُحَّلفُو ُه عَلَى ِكتْمَا ِن دِيِن ِه ‪َ ,‬و َم ْعرِفَ ِة مَشَايِ ِ‬
‫إلّا مَنْ كَا َن مِنْ َأهْ ِل دِيِنهِ ‪َ ,‬وعَلَى أَ ْن َي ْعرِفَ رَّب ُه وَِإمَامَهُ بِ ُظهُو ِرهِ فِي أَْنوَا ِرهِ وََأ ْدوَا ِر ِه ‪ ,‬فَُي َعرَّفهُ اْنِتقَالَ‬
‫ث ‪ ,‬وَالِاسْمُ‬ ‫س آدَ َم وَاْل َمعْنَى ُهوَ شِي ٌ‬ ‫ي َو َزمَانٍ ‪ .‬فَالِاسْ ُم عِنْ َدهُ ْم فِي َأوّلِ النّا ِ‬ ‫الِا ْسمِ وَالْ َمعْنَى فِي كُلّ ِح ٍ‬
‫ف ‪َ .‬ويَسْتَ ِدلّونَ َعلَى هَ ِذهِ الصّو َرةِ كَمَا َي ْزعُمُونَ بِمَا فِي اْل ُقرْآنِ اْلعَظِيمِ‬ ‫َيعْقُوبُ ‪ ,‬وَاْل َمعْنَى ُهوَ يُوسُ ُ‬
‫ب وَيُوسُفَ ‪ -‬عليهما الصلة والسلم ‪ -‬فََيقُولُو َن ‪َ :‬أمّا َي ْعقُوبُ فَإِّنهُ كَا َن الِاسْ َم ‪,‬‬ ‫حِكَاَي ًة عَنْ َي ْعقُو َ‬
‫فَمَا قَ َدرَ أَنْ َيَتعَدّى مَْنزَِلَتهُ َفقَالَ ‪َ { :‬سوْفَ َأسَْت ْغ ِفرُ لَكُ ْم َربّي } وََأمّا يُوسُفُ َفكَانَ اْل َمعْنَى اْلمَطْلُوبَ‬
‫جعَلُونَ‬ ‫ف ‪ ,‬وََي ْ‬ ‫صرّ ُ‬ ‫َفقَا َل ‪ { :‬لَا تَْثرِيبَ َعلَيْكُ ْم الَْي ْومَ } َفلَمْ ُي َعلّقْ الَْأ ْمرَ ِبغَْي ِرهِ ; لَِأّنهُ َعلِمَ أَّنهُ الِْإَلهُ الْمَُت َ‬
‫مُوسَى ُهوَ الِاسْ ُم ‪ ,‬وَيُوشَ ُع ُهوَ الْ َم ْعنَى وََيقُولُونَ ‪ :‬يُو َشعُ ُر ّدتْ َلهُ الشّ ْمسُ لَمّا َأ َم َرهَا فَأَطَا َعتْ َأ ْم َرهُ ;‬
‫ف ُهوَ الْ َمعْنَى اْلقَا ِدرُ الْ ُمقْتَ ِد ُر ‪.‬‬ ‫جعَلُونَ ُسلَيْمَا َن ُهوَ الِاسْ ُم ‪ ,‬وَآصَ ُ‬ ‫َوهَلْ َت ُردّ الشّ ْمسُ إلّا ِلرَّبهَا ؟ ‪َ ,‬ويَ ْ‬
‫ج َز عَنْ إ ْحضَا ِر َعرْشِ ِب ْلقِيسَ ‪ ,‬وَقَ َد َر عََلْيهِ آصَفُ لِأَ ّن سَُليْمَانَ كَانَ الصّو َر َة ‪,‬‬ ‫وََيقُولُو َن ‪ :‬سَُليْمَا َن عَ َ‬
‫ف يُوشَ ُع آصَفُ شَ ْمعُونُ‬ ‫وَآصَفُ كَا َن الْ َمعْنَى اْلقَا ِدرَ الْ ُمقْتَ ِد َر ‪ ,‬وَقَدْ قَالَ قَائُِلهُ ْم ‪ :‬هَابِي ُل شِيثٌ يُوسُ ُ‬
‫صفَا حَيْ َد ُر وََيعُدّونَ الَْأنِْبيَاءَ وَالْ ُمرْ َسِليَ وَاحِدًا وَاحِدًا َعلَى هَذَا النّ َمطِ إلَى َزمَ ِن رَسُو ِل الّلهِ صلى ال‬ ‫ال ّ‬
‫عليه وسلم فََيقُولُو َن ‪ :‬مُحَمّ ٌد ُهوَ الِاسْ ُم ‪َ ,‬و َعلِ ّي ُهوَ الْ َمعْنَى ‪ ,‬وَُي َوصّلُونَ اْلعَ َددَ َعلَى هَذَا الّترْتِيبِ فِي‬
‫كُ ّل َزمَانٍ إلَى َوقْتِنَا هَذَا ‪ .‬فَمِنْ َحقِي َقةِ اْلخِطَابِ فِي الدّي ِن ِعنْ َدهُمْ أَ ّن عَلِيّا ُهوَ ال ّربّ ‪ ,‬وَأَ ّن مُحَمّدًا ُهوَ‬
‫سهِ فِي ُشهُورِ السَّنةِ‬ ‫الْحِجَابُ ‪ ,‬وَأَنّ سَلْمَا َن ُهوَ الْبَابُ ‪ ,‬وَأَنْشَ َد َبعْضُ أَكَاِب ِر ُرؤَسَاِئهِ ْم وَُفضَلَاِئهِ ْم لَِنفْ ِ‬
‫ب عََلْيهِ إلّا مُحَمّدٌ الصّادِقُ الَْأمِيُ‬ ‫سَبْ َع مِاَئةٍ َفقَا َل ‪ :‬أَ ْشهَدُ أَنْ لَا إَلهَ إلّا حَيْ َد َرةُ الَْأْنزَعُ اْلبَ ِطيُ وَلَا حِجَا َ‬
‫وَلَا َطرِيقَ إلَْيهِ إلّا سَلْمَا ُن ذُو اْل ُقوّةِ اْلمَِتيُ َوَيقُولُونَ ‪ :‬إ ّن ذَِلكَ َعلَى هَذَا الّت ْرتِيبِ لَمْ َيزَ ْل وَلَا َيزَا ُل ‪,‬‬
‫شهُو َرةٌ ِعنْ َدهُ ْم ‪َ ,‬و َمعْلُومَ ٌة مِنْ ُكتُِبهِمْ‬ ‫شرَ َنقِيبًا ‪ ,‬وَأَسْمَا ُؤهُ ْم مَ ْ‬ ‫سةُ الْأَيْتَامُ ‪ ,‬وَالِاثْنَا َع َ‬
‫ك الْخَمْ َ‬‫وَكَذَِل َ‬
‫ب وَالْبَابِ فِي ُكلّ َك ْورٍ َو َد ْورٍ َأبَدًا َس ْرمَدًا عَلَى‬ ‫خبِيَث ِة ‪ ,‬وََأّنهُمْ لَا َيزَالُونَ يَ ْظ َهرُونَ مَ َع ال ّربّ وَالْحِجَا ِ‬ ‫الْ َ‬
‫سةِ ُه َو عُ َمرُ بْ ُن الْخَطّابِ ‪ -‬رضي ال عنه ‪َ -‬ويَلِيهِ فِي‬ ‫ال ّدوَا ِم وَالِاسِْت ْمرَا ِر ‪ ,‬وََيقُولُو َن ‪ :‬إ ّن إبْلِيسَ الْأَبَالِ َ‬

‫‪240‬‬
‫رُْتبَ ِة الِْإبْلِيسِيّةِ أَبُو َب ْكرٍ رضي ال عنه ; ثُ ّم عُثْمَا ُن ‪ -‬رضي ال عنهم أجعي وَ َشرَّفهُ ْم وََأعْلَى ُرتََبهُ ْم عَنْ‬
‫َأ ْقوَا ِل الْمُ ْلحِدِي َن وَانِْتحَالِ أَْنوَاعِ الضّاّليَ وَالْ ُمفْسِدِينَ ‪ -‬فَلَا َيزَالُو َن َموْجُودِينَ فِي ُك ّل وَ ْقتٍ دَائِمًا‬
‫ب وََتفَاصِيلُ َترْ ِجعُ إلَى هَ ِذهِ الُْأصُولِ الْمَذْكُو َرةِ ‪.‬‬ ‫ب ‪ .‬وَلِمَذَا ِهِبهِمْ اْلفَاسِ َدةِ ُش َع ٌ‬ ‫حَسْبَمَا ذَ َك َر مِنْ الّترْتِي ِ‬
‫شهُورُونَ‬ ‫ت عَلَى جَاِنبٍ كَبِ ٍي مِ ْن بِلَادِ الشّا ِم [ َوهُ ْم ] َمعْرُوفُو َن مَ ْ‬ ‫َوهَ ِذهِ الطّاِئفَ ُة الْ َم ْلعُونَةُ اسَْتوَْل ْ‬
‫مُتَظَا ِهرُونَ ِبهَذَا الْمَ ْذ َهبِ ‪ ,‬وَقَدْ َحقّقَ أَ ْحوَاَلهُمْ كُ ّل مَنْ خَالَ َطهُ ْم َو َعرََفهُمْ مِ ْن ُعقَلَاءِ الْمُسِْل ِميَ‬
‫ستُورَ ًة عَنْ أَكَْث ِر النّاسِ‬ ‫َوعَُلمَاِئهِ ْم ‪َ ,‬ومِ ْن عَامّ ِة النّاسِ َأْيضًا فِي هَذَا ال ّزمَانِ ; لِأَنّ أَ ْحوَاَلهُمْ كَاَنتْ مَ ْ‬
‫ت اسْتِيلَاءِ الْإِ ْفرِْنجِ الْ َمخْذُوِليَ َعلَى الِْبلَادِ السّاحِِليّ ِة ; َفلَمّا جَا َءتْ َأيّامُ اْلإِسْلَامِ انْ َكشَفَ حَاُلهُ ْم وَ َظ َهرَ‬ ‫وَ ْق َ‬
‫ج مِْنهُ ْم ؟ َوهَ ْل يَحِلّ‬ ‫سلِمٍ أَنْ ُي َزوّ َجهُ ْم ‪َ ,‬أ ْو يََت َزوّ َ‬
‫ضَلَاُلهُ ْم ‪ .‬وَالِاْبتِلَاءُ ِبهِمْ َكثِيٌ جِدّا ‪َ .‬فهَ ْل يَجُوزُ لِمُ ْ‬
‫حِتهِ ْم َومَا ُحكْمُ َأوَانِيهِمْ‬ ‫حةِ َذبِي َ‬ ‫حهِ ْم وَالْحَالَ ُة هَ ِذ ِه ‪َ ,‬أمْ لَا ؟ َومَا حُكْمُ الْجُبْ ِن الْ َمعْمُو ِل مِنْ إِْنفَ َ‬ ‫أَ ْكلُ َذبَائِ ِ‬
‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬أمْ لَا َوهَلْ يَجُوزُ اسْتِخْدَا ُمهُمْ فِي ُثغُورِ الْ ُمسْلِ ِميَ‬ ‫سهِ ْم ؟ َوهَلْ يَجُو ُز دَفُْنهُ ْم بَيْ َن الْمُ ْ‬ ‫َومَلَابِ ِ‬
‫ب عَلَى وَِليّ الَْأ ْمرِ قَ ْط ُعهُ ْم وَا ْستِخْدَامُ َغْي ِرهِمْ مِ ْن رِجَا ِل الْ ُمسْلِ ِميَ اْل ُكفَاةِ ‪,‬‬ ‫ج ُ‬ ‫وََتسْلِي ِمهَا إلَْيهِمْ ؟ َأمْ يَ ِ‬
‫ك ؟ وَِإذَا ا ْستَخْ َد َمهُ ْم وَأَقْ َط َعهُمْ َأوْ‬ ‫َوهَلْ يَ ْأثَمُ إذَا َأ ّخرَ َط ْر َدهُ ْم ؟ َأمْ َيجُوزُ َلهُ التّ َمهّ ُل مَعَ أَنّ فِي َع ْز ِمهِ ذَِل َ‬
‫ضهِمْ َبقِيّ ٌة مِنْ‬
‫صرََفهَا وَتََأ ّخرَ لَِب ْع ِ‬‫ت الْمَا ِل َعلَْيهِ ْم ‪ ,‬وَِإذَا َ‬ ‫صرْفُ َأ ْموَالِ بَْي ِ‬ ‫َلمْ ُيقْ ِط ْعهُمْ هَ ْل يَجُوزُ َلهُ َ‬
‫ح ّقيَ ‪َ ,‬أوْ َأ ْرصَدَهُ‬ ‫ستَ ِ‬
‫سلِ ِميَ َأ ْو الْمُ ْ‬ ‫صرََفهُ َعلَى غَْي ِرهِ مِ ْن الْمُ ْ‬‫َمعْلُو ِمهِ الْمُسَمّى ; فَأَ ّخ َر ُه وَلِ ّي الَْأ ْمرِ عَْن ُه َو َ‬
‫جبُ َعلَْي ِه ؟ َوهَ ْل ِدمَاءُ الّنصَْيرِيّةِ الْمَذْكُورِي َن مُبَاحَةٌ‬ ‫ص َو ِر ؟ َأمْ َي ِ‬ ‫ِلذَِلكَ ‪ .‬هَلْ َيجُوزُ َلهُ ِفعْ ُل هَ ِذهِ ال ّ‬
‫وََأ ْموَاُلهُ ْم حَلَا ٌل ‪َ ,‬أمْ لَا ؟ وَِإذَا جَاهَ َدهُ ْم وَلِ ّي الَْأ ْمرِ َأيّ َدهُ الّلهُ َتعَالَى بِِإخْمَادِ بَا ِطِلهِ ْم ‪ ,‬وَقَ َط َعهُ ْم مِنْ‬
‫ص ْومِ وَالصّلَاةِ‬ ‫حهِ ْم ‪ ,‬وَأَْل َز َمهُمْ بِال ّ‬ ‫سلِ ِميَ ‪ ,‬وَحَ ّذرَ َأهْلَ اْلإِسْلَامِ مِ ْن مُنَا َكحَِتهِ ْم ‪ ,‬وَأَكْ ِل َذبَائِ ِ‬ ‫ُحصُونِ الْمُ ْ‬
‫‪َ ,‬ومََن َعهُمْ مِنْ إ ْظهَا ِر دِيِنهِ ْم الْبَا ِط ِل َوهُمْ الّذِينَ َيلُوَنهُ مِ ْن الْ ُكفّارِ ; هَ ْل ذَِلكَ أَ ْفضَ ُل وَأَكَْثرُ أَ ْجرًا مِنْ‬
‫الّتصَدّي وَالّت َرصّدِ ِلقِتَالِ التّتَارِ فِي بِلَا ِدهِمْ َوهَ ْدمِ ِبلَادِ سَْيَبسٍ َودِيَارِ الْإِ ْفرِْن ِج عَلَى َأ ْهِلهَا ؟ َأ ْم هَذَا َأ ْفضَلُ‬
‫حرِ‬‫مِنْ َكوِْنهِ يُجَاهِدُ الّنصَْيرِيّ َة الْمَذْكُورِينَ ُمرَابِطًا ‪ ,‬وَيَكُونُ أَ ْج ُر مَ ْن رَاَبطَ فِي الّثغُو ِر عَلَى سَاحِ ِل الْبَ ْ‬
‫ب عَلَى مَ ْن َعرَفَ اْلمَذْكُورِي َن َومَذَاهَِبهُمْ أَنْ‬ ‫ج ُ‬‫خَشَْيةَ َقصْدِ اْل ِفرِْنجِ أَكَْب َر ‪َ ,‬أ ْم هَذَا َأكَْبرُ أَ ْجرًا ؟ َوهَلْ يَ ِ‬
‫ش ِهرَ َأمْ َرهُ ْم وَيُسَاعِ َد عَلَى إبْطَالِ بَاطِِلهِ ْم وَإِ ْظهَارِ الِْإسْلَامِ َبيَْنهُمْ ‪َ ,‬فَلعَلّ الّلهَ َتعَالَى أَنْ َيهْ ِديَ َب ْعضَهُمْ‬ ‫يُ ْ‬
‫سلِ ِميَ َبعْدَ ُخرُو ِجهِمْ مِ ْن ذَِلكَ الْ ُك ْفرِ اْلعَظِيمِ َأمْ يَجُوزُ‬ ‫جعَلَ مِ ْن ُذرّيِّتهِمْ وََأوْلَا ِدهِمْ مُ ْ‬ ‫إلَى اْلإِسْلَامِ وَأَنْ َي ْ‬
‫ك ‪ ,‬وَالْمُجَاهِ ِد فِي ِه ‪ ,‬وَالْ ُمرَاِبطِ َل ُه وَالْ ُملَا ِزمِ َعلَْي ِه ؟‬ ‫جَتهِ ِد عَلَى ذَِل َ‬‫الّتغَافُ ُل عَْنهُ ْم وَاْلِإهْمَا ُل ؟ َومَا قَ ْدرُ الْمُ ْ‬
‫سطُوا اْل َقوْلَ فِي ذَِلكَ مُثَاِبيَ مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ الّلهُ َتعَالَى إّن ُه عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ قَدِيرٌ ; وَحَسُْبنَا الّلهُ‬ ‫وَْلتَبْ ُ‬
‫وَِنعْ َم اْلوَكِيلُ ‪ .‬فََأجَابَ شَيْ ُخ الِْإسْلَامِ َتقِيّ الدّينِ َأبُو اْلعَبّاسِ َأحْمَدُ بْ ُن تَيْ ِميّةَ ‪ :‬اْلحَمْدُ لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِميَ‬
‫صنَافِ اْل َقرَامِ َطةِ اْلبَاطِِنيّةِ أَ ْك َف ُر مِنْ الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى ;‬ ‫‪َ .‬هؤُلَاءِ اْل َق ْومُ الْمُسَ ّموْ َن بِالّنصَْي ِريّ ِة هُ ْم وَسَاِئرُ َأ ْ‬
‫ض َررِ‬ ‫ي َوضَ َر ُرهُ ْم عَلَى ُأمّ ِة مُحَمّ ٍد صلى ال عليه وسلم َأعْظَ ُم مِ ْن َ‬ ‫شرِ ِك َ‬ ‫بَ ْل وَأَ ْك َفرُ مِنْ كَثِ ٍي مِ ْن الْمُ ْ‬
‫ي مِثْلُ ُكفّارِ التّتَا ِر وَاْل ِفرِنْ ِج َوغَْي ِرهِمْ ; فَإِ ّن َهؤُلَاءِ َيتَظَا َهرُو َن عِنْدَ ُجهّا ِل الْ ُمسْلِ ِميَ‬ ‫الْ ُكفّارِ اْلمُحَارِِب َ‬

‫‪241‬‬
‫حقِيقَةِ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاَلّلهِ ‪ ,‬وَلَا ِبرَسُوِل ِه وَلَا ِبكِتَاِبهِ ‪ ,‬وَلَا بَِأ ْم ٍر‬ ‫ت ‪َ ,‬وهُ ْم فِي اْل َ‬ ‫بِالتّشَيّ ِع ‪َ ,‬و ُموَالَاةِ َأهْلِ اْلبَْي ِ‬
‫ب وَلَا ِعقَابٍ ‪ ,‬وَلَا َجنّ ٍة وَلَا نَا ٍر وَلَا بِأَ َحدٍ مِ ْن الْ ُمرْ َسِليَ قَبْ َل مُحَمّدٍ صلى ال عليه‬ ‫وَلَا َنهْ ٍي ‪ ,‬وَلَا َثوَا ٍ‬
‫ف عِنْ َد ُعلَمَاءِ الْ ُمسْلِ ِميَ‬ ‫وسلم وَلَا ِبمِلّةٍ مِ ْن الْ ِملَلِ السّاِلفَ ِة بَلْ يَأْ ُخذُونَ َكلَامَ الّلهِ َورَسُوِلهِ الْ َم ْعرُو ِ‬
‫يَتََأوّلُوَن ُه عَلَى ُأمُورٍ َيفَْترُوَنهَا ; يَ ّدعُونَ أَّنهَا عِ ْلمُ اْلبَاطِنِ ; مِنْ ِجْنسِ مَا ذُ ِكرَ مِ ْن السّائِ ِل ‪َ ,‬ومَا غَْي ُر هَذَا‬
‫حرِيفِ‬ ‫جْنسِ ‪ ,‬فَِإّنهُ َلْيسَ َلهُ ْم حَ ّد مَحْدُودٌ فِيمَا َي ّدعُوَنهُ مِنْ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ الّلهِ َتعَالَى وَآيَاِتهِ ‪ ,‬وَتَ ْ‬ ‫الْ ِ‬
‫ض ِعهِ ; إذْ َم ْقصُو ُدهُمْ إنْكَارُ الِْإيَا ِن وَ َشرَائِعِ الْإِ ْسلَامِ بِكُلّ َطرِي ٍق مَعَ‬ ‫َكلَامِ الّلهِ َتعَالَى َورَسُوِلهِ َعنْ َموَا ِ‬
‫التّظَا ُهرِ بِأَنّ ِلهَ ِذهِ الُْأمُورِ َحقَائِ َق َيعْرِفُوَنهَا مِنْ جِْنسِ مَا ذَ َكرَ السّاِئلُ ‪َ ,‬ومِنْ جِْنسِ َقوِْلهِ ْم ‪ :‬أَ ّن "‬
‫الصَّلوَاتِ الْخَ ْمسَ " َم ْعرِفَةُ أَ ْسرَا ِرهِمْ ‪ " ,‬وَالصّيَامَ الْ َم ْفرُوضَ " كِتَابُ َأ ْسرَا ِرهِ ْم " وَ َحجّ اْلبَْيتِ اْل َعتِي ِق "‬
‫زِيَا َرةُ ُشيُو ِخهِ ْم ‪ ,‬وَأَ ّن { يَدَا َأبِي َل َهبٍ } هُمَا أَبُو بَ ْكرٍ َوعُ َم ُر ‪ ,‬وَأَ ّن الِْبنَاءَ اْلعَظِي َم وَالِْإمَامَ اْلمُِبيَ ُهوَ‬
‫شهُو َرةٌ وَ ُكُتبٌ ُمصَّنفَةٌ ‪ ,‬فَِإذَا كَاَنتْ َلهُمْ‬ ‫ب ‪ :‬وََلهُ ْم فِي ُمعَادَا ِة الْإِ ْسلَا ِم وََأهِْلهِ َوقَائِ ُع مَ ْ‬ ‫َعلِيّ بْنُ َأبِي طَاِل ٍ‬
‫جرَ‬ ‫مُكَْنةٌ َسفَكُوا ِدمَاءَ الْ ُمسْلِ ِميَ ; كَمَا قََتلُوا َمرّةً الْحُجّاجَ وََأْل َق ْوهُمْ فِي بِْئ ِر َز ْمزَ َم ‪ ,‬وََأخَذُوا َم ّرةً الْحَ َ‬
‫حصِي عَ َد َدهُ إلّا الّلهُ َتعَالَى‬ ‫خهِ ْم مَا لَا يُ ْ‬ ‫ي َومَشَايِ ِ‬ ‫الْأَ ْس َو َد وََبقِ َي عِنْ َدهُ ْم مُ ّد ًة ‪ ,‬وََقتَلُوا مِ ْن ُعلَمَاءِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫سلِ ِميَ ُكتُبًا فِي كَشْفِ َأ ْسرَا ِرهِمْ‬ ‫ف عُلَمَاءُ الْمُ ْ‬ ‫َوصَّنفُوا ُكتُبًا َكثِ َيةً مِمّا ذَ َك َرهُ السّائِ ُل َوغَْي ُر ُه ‪َ ,‬وصَنّ َ‬
‫َوهَْتكِ أَ ْستَا ِرهِمْ ; وََبيّنُوا فِيهَا مَا هُ ْم عََلْيهِ مِنْ الْ ُك ْفرِ وَالزّنْدََق ِة وَاْلإِلْحَا ِد ‪ ,‬الّذِي هُمْ ِبهِ أَ ْك َفرُ مِنْ اْلَيهُودِ‬
‫ص ِفهِمْ قَلِي ٌل مِنْ الْ َكثِيِ‬ ‫وَالّنصَارَى ‪َ ,‬ومِنْ َبرَاهِمَ ِة اْلهِنْ ِد الّذِينَ َيعْبُدُو َن الَْأصْنَا َم ‪َ .‬ومَا ذَ َك َرهُ السّائِلُ فِي َو ْ‬
‫سوَاحِلَ الشّامِيّ َة إنّمَا اسَْتوْلَى َعلَْيهَا‬ ‫ص ِفهِمْ ‪َ .‬ومِنْ الْ َمعْلُو ِم عِنْ َدنَا أَنّ ال ّ‬ ‫الّذِي َي ْعرُِفهُ اْلعُلَمَاءُ فِي َو ْ‬
‫ي َومِنْ‬ ‫سلِ ِميَ ; َفهُ ْم مَعَ الّنصَارَى عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫الّنصَارَى مِنْ ِج َهِتهِ ْم ‪َ ,‬وهُ ْم دَاِئمًا مَعَ ُكلّ عَ ُدوّ ِللْمُ ْ‬
‫سوَا ِحلِ ‪ ,‬وَاْن ِقهَارِ الّنصَارَى ; بَ ْل َومِنْ َأعْظَمِ الْ َمصَاِئبِ‬ ‫ب عِنْ َدهُ ْم فَتْ ُح الْ ُمسْلِ ِميَ لِل ّ‬ ‫َأعْظَ ِم الْ َمصَاِئ ِ‬
‫ي عَلَى التّتَا ِر ‪َ .‬ومِنْ َأعْظَمِ َأعْيَا ِدهِمْ إذَا ا ْسَتوْلَى ‪ -‬وَاْلعِيَاذُ بِاَلّلهِ َتعَالَى ‪-‬‬ ‫ِعنْ َدهُمْ اْنِتصَارُ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫سلِ ِميَ ‪ ,‬حَتّى َجزِي َرةُ قُْبرُصَ‬ ‫ي مَا زَاَلتْ بِأَيْدِي الْمُ ْ‬ ‫ي ‪ ,‬فَإِنّ ُثغُورَ الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫الّنصَارَى َعلَى ُثغُورِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫ي " ُعثْمَانَ بْ ِن َعفّا َن " رضي ال‬ ‫سلِمُونَ فِي ِخلَاَفةِ َأمِيِ الْ ُم ْؤمِِن َ‬ ‫حهَا الْمُ ْ‬ ‫ب ‪ ,‬وََفتَ َ‬ ‫حهَا عَ ْن َقرِي ٍ‬ ‫سرَ الّلهُ فَتْ َ‬ ‫يَ ّ‬
‫حهَا " ُمعَاوِيَ ُة بْنُ أَبِي ُسفْيَا َن " إلَى أَْثنَاءِ الْمِائَ ِة الرّاِبعَ ِة ‪َ .‬ف َهؤُلَاءِ الْمُحَادّونَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ كَُثرُوا‬ ‫عنه ‪ ,‬فََت َ‬
‫شرِيفِ‬ ‫سوَاحِ ِل َوغَْي ِرهَا فَاسَْتوْلَى الّنصَارَى َعلَى السّا ِحلِ ; ثُ ّم بِسََبِبهِمْ ا ْسَتوَْلوْا َعلَى اْلقُ ْدسِ ال ّ‬ ‫حِيَنئِذٍ بِال ّ‬
‫سلِ ِميَ‬
‫ت مِنْ َأعْظَمِ الَْأسْبَابِ فِي ذَِلكَ ; ثُمّ لَمّا َأقَامَ الّلهُ مُلُو َك الْمُ ْ‬ ‫َوغَْي ِرهِ ; فَإِنّ أَ ْحوَاَلهُمْ كَاَن ْ‬
‫ح الدّينِ " وَأَْتبَا ِعهِمَا ; وََفتَحُوا‬ ‫شهِي ِد ‪َ ,‬وصَلَا ِ‬ ‫الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الّلهِ َتعَالَى " كَنُورِ الدّينِ ال ّ‬
‫صرَ ; فَإِّنهُمْ كَانُوا مُسَْت ْوِليَ‬ ‫ض ِم ْ‬ ‫سوَاحِ َل مِنْ الّنصَارَى ‪َ ,‬ومِمّنْ كَا َن ِبهَا مِْنهُ ْم ‪ ,‬وََفتَحُوا َأْيضًا َأ ْر َ‬ ‫ال ّ‬
‫سلِمُونَ َحتّى فََتحُوا الِْبلَادَ ‪َ ,‬ومِ ْن ذَِلكَ‬ ‫حوَ مِائَتَيْ َسنَ ٍة ‪ ,‬وَاّتفَقُوا هُ ْم وَالّنصَارَى ‪ ,‬فَجَاهَ َدهُ ْم الْمُ ْ‬ ‫َعلَْيهَا َن ْ‬
‫صرِيّ ِة وَالشّامِيّ ِة ‪ُ .‬ثمّ إنّ التّتَا َر مَا دَخَلُوا بِلَادَ الِْإسْلَا ِم وَقََتلُوا‬ ‫ش َرتْ َد ْع َوةُ الْإِ ْسلَامِ بِالدّيَارِ الْ ِم ْ‬ ‫التّارِي ِخ انَْت َ‬
‫سلِ ِميَ لَا بِ ُمعَاوََنِتهِ ْم َو ُمؤَا َزرَِتهِمْ ; فَإِ ّن مَُنجّ َم هُولَاكُو الّذِي كَانَ‬ ‫خَلِي َفةَ َبغْدَا َد َوغَْي َرهُ مِ ْن مُلُو ِك الْمُ ْ‬

‫‪242‬‬
‫ت ‪َ ,‬و ُهوَ الّذِي َأ َمرَ ِبقَتْلِ الْخَلِيفَ ِة وَِبوِلَايَ ِة‬ ‫َوزِي َرهُ ْم َو ُهوَ " الّنصَْيرُ الطّوسِ ّي " كَا َن َوزِيرًا َلهُمْ بِالْأَلْمُو ِ‬
‫سلِ ِميَ تَا َرةً يُسَ ّموْنَ " الْ َملَاحِ َد َة " وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ " اْل َقرَامِ َطةَ‬ ‫ب " َم ْعرُوَف ٌة عِنْ َد الْمُ ْ‬ ‫َهؤُلَا ِء ‪ .‬وََلهُ ْم " أَْلقَا ٌ‬
‫س ّموْنَ " الْإِسْمَاعِيِليّة " َوتَا َرةً يُسَ ّموْ َن " الّنصَْيرِيّ َة " وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ‬ ‫" وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ " اْلبَاطِِنيّ َة " وَتَا َرةً يُ َ‬
‫ص َبعْضَ‬ ‫ح ّرمَةَ " َوهَ ِذهِ الَْأسْمَاءُ مِْنهَا مَا َيعُ ّمهُ ْم ‪َ ,‬ومِْنهَا مَا يَخُ ّ‬ ‫" الرمية " ‪ ,‬وَتَا َرةً يُسَ ّموْنَ " الْ ُم َ‬
‫ب‪,‬‬ ‫ب ‪ ,‬وَِإمّا لِمَ ْذ َه ٍ‬ ‫س ٍ‬ ‫صهُ إمّا ِلنَ َ‬‫خّ‬ ‫ضهِمْ اسْ ٌم يَ ُ‬ ‫ي وَلَِب ْع ِ‬‫َأصْنَاِفهِ ْم ‪ ,‬كَمَا أَنّ الِْإسْلَا َم وَالِْإيَانَ َيعُمّ اْلمُسْلِ ِم َ‬
‫ح َمقَاصِ ِدهِمْ يَطُو ُل ‪َ ,‬وهُمْ كَمَا قَا َل اْلعُلَمَاءُ فِيهِ ْم ‪ :‬ظَا ِه ُر مَ ْذهَِبهِمْ‬ ‫ك ‪ .‬وَ َشرْ ُ‬ ‫وَِإمّا ِلبَلَ ٍد ‪ ,‬وَِإمّا ِل َغْيرِ ذَِل َ‬
‫ض ‪َ .‬و َحقِيقَةُ َأ ْم ِرهِمْ َأّنهُمْ لَا ُي ْؤمِنُونَ ِبنَبِ ّي مِ ْن الْأَْنبِيَا ِء وَالْ ُمرْ َسِليَ ; لَا‬ ‫الرّ ْفضُ ‪ ,‬وَبَا ِطُنهُ الْ ُك ْفرُ الْ َمحْ ُ‬
‫ح ‪ ,‬وَلَا إْبرَاهِي َم ‪ ,‬وَلَا مُوسَى ‪ ,‬وَلَا عِيسَى وَلَا مُحَمّدٍ صلوات ال وسلمه عليهم أجعي ‪ ,‬وَلَا‬ ‫بِنُو ٍ‬
‫بِشَ ْي ٍء مِنْ ُكُتبِ الّلهِ الْمَُنزَّل ِة ‪ ,‬لَا الّت ْورَا ِة ‪ ,‬وَلَا الِْإنْجِيلِ ‪ ,‬وَلَا اْل ُقرْآ ِن ‪ .‬وَلَا ُي ِقرّونَ بِأَ ّن لِ ْلعَالَ ِم خَاِلقًا‬
‫جزِي النّاسَ فِيهَا عَلَى َأعْمَاِلهِ ْم عَلَى هَ ِذ ِه الدّا ِر ‪َ .‬وهُمْ‬ ‫خََل َقهُ وَلَا بِأَنّ َلهُ دِينًا َأ َمرَ ِبهِ ‪ ,‬وَلَا أَنّ َل ُه دَارًا يَ ْ‬
‫تَا َرةً يَْبنُونَ َقوَْلهُ ْم عَلَى مَذَا ِهبِ اْلفَلَا ِسفَ ِة الطّبِيعِّييَ َأوْ الِْإَلهِّييَ ‪ ,‬وَتَا َرةً َيبْنُوَن ُه عَلَى َقوْلِ اْلمَجُوسِ الّذِينَ‬
‫ت ‪ :‬إمّا ِب َقوْلٍ مَكْذُوبٍ‬ ‫ض ‪ .‬وََيحْتَجّونَ لِ َذِلكَ مِنْ َكلَامِ النُّبوّا ِ‬ ‫َيعْبُدُونَ النّورَ ‪ ,‬وََيضُمّونَ إلَى ذَِلكَ الرّ ْف َ‬
‫يَْنقُلُوَن ُه ‪ ,‬كَمَا َيْنقُلُونَ َعنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل ‪َ { :‬أوّلُ مَا خَلَ َق الّلهُ اْلعَقْلَ } وَالْحَدِيثُ‬
‫‪َ .‬موْضُوعٌ بِاّتفَاقِ َأهْلِ اْل ِعلْمِ بِاْلحَدِيثِ ; وََلفْ ُظهُ { إنّ الّلهَ لَمّا َخلَقَ اْلعَقْ َل ‪َ ,‬فقَالَ َل ُه ‪َ :‬أقْبِلْ ‪ ,‬فَأَ ْقبَ َل ‪.‬‬
‫حرّفُونَ َلفْ َظهُ فََيقُولُونَ { َأوّ ُل مَا خََلقَ الّلهُ اْل َعقْلَ } ‪ِ ,‬لُيوَاِفقُوا َقوْلَ‬ ‫َفقَالَ َلهُ ‪َ :‬أدِْب ْر ‪ ,‬فََأدَْبرَ } َفيُ َ‬
‫ت عَ ْن وَا ِجبِ اْلوُجُو ِد ُهوَ اْل َعقْلُ ‪ .‬وَِإمّا ِبَلفْظٍ ثَاِبتٍ عَنْ‬ ‫سفَةِ َأتْبَاعِ َأرِ ْسطُو فِي أَنّ َأوّلَ الصّا ِدرَا ِ‬ ‫الْمَُت َفلْ ِ‬
‫صفَا "‬ ‫ب " رَسَائِلِ إ ْخوَانِ ال ّ‬ ‫ضعِ ِه ‪ ,‬كَمَا َيصْنَعُ َأصْحَا ُ‬ ‫حرّفُوَن ُه عَ ْن َموَا ِ‬ ‫النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َفيُ َ‬
‫ج َعلَْيهِمْ‬ ‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬ورَا َ‬ ‫ح ُوهُمْ ‪َ ,‬فإِّنهُ ْم مِنْ أَئِمِّتهِمْ ‪ .‬وَقَ ْد دَخَلَ َكثِ ٌي مِنْ بَا ِطِلهِمْ َعلَى كَِثيٍ مِ ْن الْمُ ْ‬ ‫وََن ْ‬
‫سِبيَ إلَى اْلعِلْ ِم وَالدّينِ ; وَإِنْ كَانُوا لَا ُيوَاِفقُوَنهُ ْم عَلَى َأصْلِ‬ ‫حَتّى صَا َر ذَِلكَ فِي كُُتبِ َطوَائِفَ مِ ْن الْمُْنتَ ِ‬
‫ُك ْف ِرهِمْ ; َفإِنّ َهؤُلَاءِ َلهُ ْم فِي إ ْظهَا ِر َد ْعوَِتهِمْ الْ َم ْلعُونَةِ الّتِي يُسَمّوَنهَا " ال ّد ْع َوةَ اْلهَادِيَ َة " َدرَجَاتٌ‬
‫مَُتعَ ّد َدةٌ ‪ ,‬وَُيسَمّونَ الّنهَايَةَ " الَْبلَاغَ الَْأكَْب َر ‪ ,‬وَالنّامُوسَ الَْأعْظَ َم " َومَضْمُونُ الْبَلَاغِ الْأَ ْكَبرِ جَحْ ُد الْخَالِقِ‬
‫َتعَالَى ; وَالِا ْسِت ْهزَاءُ ِبهِ ‪ ,‬وَبِمَنْ ُي ِقرّ ِب ِه ‪ ,‬حَتّى َقدْ يَكُْتبُ أَ َح ُدهُمْ اسْ َم الّلهِ فِي أَ ْسفَ ِل رِجِْل ِه ‪َ ,‬وفِيهِ أَْيضًا‬
‫سهِمْ طَالِِبيَ لِلرّئَاسَةِ ‪ ,‬فَ ِمْنهُ ْم مَنْ‬ ‫جَحْدُ َشرَاِئ ِعهِ َودِيِن ِه َومَا جَاءَ ِبهِ الَْأنْبِيَاءُ ‪َ ,‬و َدعْوَى َأّنهُمْ كَانُوا مِنْ جِنْ ِ‬
‫جعَلُونَ مُحَمّدًا َومُوسَى مِنْ اْلقِسْ ِم الَْأوّلِ‬ ‫َأحْسَنَ فِي طَلَِبهَا ‪َ ,‬ومِْنهُ ْم مَنْ َأسَاءَ فِي طََلِبهَا َحتّى قُِت َل ‪ ,‬وََي ْ‬
‫ح ّج َومِنْ‬ ‫ص ْومِ ‪ ,‬وَالْ َ‬ ‫سمِ الثّانِي ‪ .‬وَفِي ِه مِنْ الِاسِْت ْهزَاءِ بِالصّلَا ِة ‪ ,‬وَالزّكَاةِ وَال ّ‬ ‫جعَلُو َن الْمَسِي َح مِنْ اْلقِ ْ‬ ‫‪ ,‬وَيَ ْ‬
‫ت َومُخَاطَبَاتٌ‬ ‫ص ُفهُ ‪َ .‬وَلهُمْ إشَارَا ٌ‬ ‫ش ‪ :‬مَا يَطُو ُل َو ْ‬ ‫ح َذوَاتِ الْ َمحَا ِرمِ ‪ ,‬وَسَاِئ ِر اْل َفوَا ِح ِ‬ ‫تَحْلِيلِ نِكَا ِ‬
‫خ َفوْنَ‬ ‫سلِ ِميَ الّتِي يَ ْكُثرُ فِيهَا َأهْ ُل الِْإيَانِ َفقَدْ َي ْ‬ ‫ضهُمْ َب ْعضًا ‪َ .‬وهُمْ إذَا كَانُوا فِي بِلَا ِد الْمُ ْ‬ ‫َي ْعرِفُ ِبهَا َبعْ ُ‬
‫َعلَى مَنْ لَا َي ْعرُِفهُ ْم ‪ ,‬وََأمّا إذَا َكُثرُوا فَِإّنهُ َي ْعرُِفهُمْ عَامّةُ النّاسِ َفضْلًا عَ ْن خَاصِّتهِ ْم ‪ .‬وَقَ ْد اّتفَ َق عَُلمَاءُ‬
‫سلِ ِميَ َعلَى أَ ّن َهؤُلَاءِ لَا َتجُوزُ مُنَاكَحَُتهُمْ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ َينْكِ َح الرّجُ ُل َموْلَاَت ُه مِْنهُ ْم ‪ ,‬وَلَا يََت َزوّجُ‬ ‫الْمُ ْ‬

‫‪243‬‬
‫شهُورَانِ ِل ْلعُلَمَاءِ ‪,‬‬ ‫حهُمْ ‪ .‬وََأمّا اْلجُبْ ُن الْ َمعْمُولُ بِِإْنفَحَِتهِ ْم " َففِيهِ َقوْلَا ِن مَ ْ‬ ‫ح ذَبَاِئ ُ‬ ‫مِْنهُمْ ا ْمرََأ ًة ‪ ,‬وَلَا تُبَا ُ‬
‫حةِ اْل ِفرِْنجِ الّذِينَ ُيقَا ُل عَْنهُمْ ‪ :‬إّنهُمْ لَا يُذَكّونَ‬ ‫س ‪َ .‬وذَبِي َ‬ ‫حةِ اْلمَيَْت ِة ‪ ,‬وَكَِإْنفَحَ ِة ذَبِيحَ ِة الْمَجُو ِ‬ ‫َكسَاِئرِ إِْنفَ َ‬
‫حةَ الْ َميَْتةِ‬
‫الذّبَائِحَ ‪ .‬فَمَ ْذ َهبُ أَبِي حَنِيفَ َة وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى ال ّروَايََتيْنِ أَّنهُ يَحِ ّل هَذَا الْجُبْ ُن ; لِأَنّ إِْنفَ َ‬
‫جسِ فِي اْلبَاطِنِ لَا‬ ‫طَا ِه َرٌة عَلَى هَذَا اْل َقوْلِ ; لِأَنّ الِْإْنفَحَةَ لَا تَمُوتُ بِ َم ْوتِ الَْبهِيمَ ِة ‪َ ,‬ومُلَاقَا ُة اْل ِوعَاءِ النّ ِ‬
‫ح َة عِنْدَ‬ ‫جسٌ لِأَ ّن الْإِْنفَ َ‬ ‫جبْنَ َن ِ‬‫ك وَالشّاِفعِ ّي وَأَ ْحمَدَ فِي ال ّروَاَيةِ الُْأ ْخرَى أَ ّن هَذَا الْ ُ‬ ‫س ‪َ .‬ومَ ْذ َهبُ مَاِل ٍ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَنْ َ‬
‫حُتهُ فَذَبِيحَُتهُ كَالْ َميَْت ِة ‪ .‬وَكُلّ‬ ‫س ‪َ .‬ومَنْ لَا ُتؤْ َكلُ َذبِي َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َهؤُلَاءِ َنجِسَ ٌة ; لِأَنّ لََبنَ الْ َميَْت ِة وَإِْنفَحََتهَا ِعنْ َدهُمْ نَ ِ‬
‫حتَجّ بِآثَارٍ َيْنقُُلهَا عَنْ الصّحَاَبةِ فََأصْحَابُ اْل َقوْلِ الَْأوّلِ َنقَلُوا َأّنهُمْ أَكَلُوا جُْبنَ‬ ‫مِنْ َأصْحَابِ اْل َقوَْليْنِ يَ ْ‬
‫س ‪ .‬وََأصْحَابُ اْل َقوْلِ الثّانِي َنقَلُوا أَّنهُمْ أَ َكلُوا مَا كَانُوا يَ ُظنّونَ أَّن ُه مِنْ جُبْ ِن الّنصَارَى ‪َ .‬فهَ ِذهِ‬ ‫الْمَجُو ِ‬
‫مَسْأََلةُ اجِْتهَادٍ ; ِللْ ُمقَلّدِ أَ ْن ُيقَلّ َد مَنْ ُيفْتِي بَِأحَدِ اْل َقوْلَيْ ِن ‪.‬‬
‫سلِ ِميَ ثُمّ َن َهبَ الْ ُمسْلِمُونَ‬ ‫‪ - 4 - 775‬مَسْأََل ٌة ‪ :‬إذَا دَخَلَ التّتَا ُر الشّا َم وََن َهبُوا َأ ْموَالَ الّنصَارَى وَالْمُ ْ‬
‫ب ‪ُ :‬ك ّل مَا ُأخِ َذ مِنْ‬ ‫جوَا ُ‬ ‫التّتَا َر وَسََلبُوا اْلقَتْلَى ِمْنهُمْ َفهَلْ اْلمَأْخُوذُ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم وَ َسلِْبهِ ْم حَلَالٌ َأمْ لَا ؟ الْ َ‬
‫س وَُيبَاحُ الِاْنِتفَاعُ ِبهِ ‪.‬‬ ‫التّتَارِ يُخَ ّم ُ‬
‫‪ - 6 - 777‬مَسْأََل ٌة ‪ :‬مَا َتقُو ُل السّا َدةُ اْل ُعلَمَاءُ َأئِمّ ُة الدّي ِن رضي ال عنهم أجعي ‪ ,‬وََأعَاَنهُ ْم عَلَى‬
‫ف غَ َمرَاتِ الْجَاهِِليَ وَالزّاِئغِيَ فِي ‪َ :‬هؤُلَاءِ التّتَا ِر الّذِي َن َيقْ ُدمُونَ إلَى الشّامِ‬ ‫ي ‪ ,‬وَ َكشْ ِ‬ ‫بَيَا ِن الْحَ ّق الْمُِب ِ‬
‫شهَادََتيْ ِن ‪ ,‬وَاْنتَسَبُوا إلَى الْإِ ْسلَا ِم وَلَمْ يُْبقُوا َعلَى الْ ُك ْفرِ الّذِي كَانُوا َعلَْيهِ‬ ‫َم ّرةً َبعْدَ َم ّرةٍ َوقَدْ تَ َكلّمُوا بِال ّ‬
‫ك ؟ َومَا‬ ‫جبُ قِتَاُلهُمْ َأمْ لَا ؟ َومَا اْلحُجّ ُة َعلَى ِقتَاِلهِ ْم ‪َ ,‬ومَا مَذَا ِهبُ اْلعُلَمَاءِ فِي ذَِل َ‬ ‫فِي َأوّلِ الَْأ ْمرِ َفهَ ْل يَ ِ‬
‫حُكْ ُم مَنْ كَا َن مَ َعهُ ْم مِمّنْ َي ِفرّ إلَْيهِ ْم مِ ْن عَسْ َكرِ الْمُسِْل ِميَ الُْأ َمرَاءِ َوغَْي ِرهِ ْم ؟ َومَا حُكْ ُم مَنْ قَدْ‬
‫سِبيَ إلَى اْل ِعلْ ِم ‪ ,‬وَاْلفِ ْقهِ ‪ ,‬وَاْلفَ ْقرِ‬ ‫َأ ْخرَجُوهُ َم َعهُمْ مُ ْك َرهًا ؟ َومَا حُكْ ُم مَنْ يَكُو ُن مَعَ َعسْ َك ِرهِ ْم مِنْ الْ ُمنْتَ ِ‬
‫سلِمُو َن وَالْ ُمقَاتِلُونَ َلهُ ْم مُسِْلمُونَ وَ ِكلَاهُمَا‬ ‫ك ‪َ .‬ومَا ُيقَا ُل فِيمَ ْن َزعَمَ َأّنهُمْ مُ ْ‬ ‫حوِ ذَِل َ‬ ‫ص ‪ ,‬وََن ْ‬ ‫‪ ,‬وَالّنصُو ِ‬
‫ظَالِ ٌم ‪ ,‬فَلَا ُيقَاتِ ُل مَعَ أَحَ ِدهِمَا ‪ .‬وَفِي َقوْ ِل مَ ْن َزعَمَ أَّنهُ ْم ُيقَاتَلُونَ كَمَا ُتقَاتَ ُل الُْبغَاةُ اْلمُتََأوّلُو َن ‪َ ,‬ومَا‬
‫ي مِنْ َأهْلِ اْل ِعلْ ِم وَالدّي ِن وََأهْلِ اْل ِقتَا ِل وََأهْلِ الَْأ ْموَالِ فِي َأ ْم ِرهِمْ ‪ .‬أَ ْفتُونَا‬ ‫اْلوَا ِجبُ َعلَى جَمَا َعةِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫ي ‪ ,‬بَ ْل عَلَى أَ ْكَث ِرهِمْ‬ ‫فِي ذَِلكَ بِأَ ْجوَِب ٍة مَبْسُوطَ ٍة شَاِفيَةٍ ‪ ,‬فَإِنّ َأ ْم َرهُمْ قَدْ أَ ْشكَ َل عَلَى َكثِ ٍي مِنْ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫تَا َرةً ِلعَدَمِ اْلعِلْمِ بَِأ ْحوَاِلهِ ْم ‪َ ,‬وتَا َرةً ِلعَ َدمِ اْلعِلْمِ ِبحُكْمِ الّلهِ َتعَالَى َورَسُوِلهِ صلى ال عليه وسلم فِي مِْثِلهِمْ‬
‫سرُ لِكُلّ َخْيرٍ ِبقُ ْدرَِتهِ َورَحْ َمِتهِ إّنهُ َعلَى كُلّ َش ْيءٍ َقدِي ٌر َو ُهوَ َحسُْبنَا وَِنعْمَ اْلوَكِي ُل ؟‬ ‫‪ ,‬وَاَلّلهُ الْ ُميَ ّ‬
‫ب الّل ِه ‪ ,‬وَ ُسنّ ِة رَسُوِلهِ ‪ ,‬وَاّتفَاقِ َأئِمّةِ‬ ‫جبُ قِتَا ُل َهؤُلَاءِ بِكِتَا ِ‬ ‫ي ‪َ ,‬نعَمْ يَ ِ‬‫جوَابُ ‪ :‬اْلحَمْدُ لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِم َ‬ ‫الْ َ‬
‫صلَيْ ِن ‪ :‬أَحَ ُدهُمَا ‪ :‬الْ َم ْعرَِفةُ بِحَاِلهِ ْم ‪ .‬وَالثّانِي ‪َ :‬م ْعرِفَ ُة حُكْمِ الّلهِ فِي‬ ‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬وهَذَا مَْبنِ ّي عَلَى َأ ْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫مِْثِلهِ ْم ‪ .‬فََأمّا الَْأوّ ُل ‪ :‬فَكُ ّل مَنْ بَا َشرَ اْل َق ْومَ ِبعِلْمِ حَاِلهِمْ ‪َ ,‬ومَنْ لَمْ ُيبَا ِش ْرهُمْ َيعْلَ ُم ذَِلكَ بِمَا بََل َغ ُه مِنْ‬
‫الْأَ ْخبَارِ الْ ُمَتوَاِت َرةِ ‪ ,‬وَأَخْبَا ِر الصّادِِقيَ ‪ ,‬وَنَحْ ُن نَذْ ُكرُ جُلّ ُأمُو ِرهِمْ َبعْدَ أَنْ نَُبيّنَ الَْأصْلَ الْآ َخرَ الّذِي‬
‫شرِيعَ ِة الِْإسْلَامِيّةِ َفَنقُولُ ‪ :‬كُلّ طَاِئ َفةٍ َخرَ َجتْ َعنْ َشرِيعَ ٍة مِنْ َشرَائِعِ‬ ‫يَخَْتصّ بِ َم ْعرِفَِتهِ َأهْلُ اْلعِلْمِ بِال ّ‬

‫‪244‬‬
‫شهَادَتَْينِ ‪َ ,‬فِإذَا‬ ‫ي ‪ ,‬وَإِنْ تَ َكلّ َمتْ بِال ّ‬ ‫سلِ ِم َ‬‫جبُ قِتَاُلهَا بِاّتفَاقِ َأئِمّ ِة الْمُ ْ‬ ‫الْإِ ْسلَامِ الظّا ِه َرةِ الْمَُتوَاِت َرةِ فَِإّنهُ َي ِ‬
‫س ‪ ,‬وَ َجبَ ِقتَاُلهُمْ َحتّى ُيصَلّوا ‪ ,‬وَإِنْ امَْتَنعُوا عَنْ الزّكَاةِ‬ ‫ت الْخَ ْم ِ‬ ‫شهَادَتَْي ِن وَامْتََنعُوا عَ ْن الصَّلوَا ِ‬ ‫َأَقرّوا بِال ّ‬
‫‪ ,‬وَ َجبَ قِتَاُلهُمْ حَتّى ُي َؤدّوا الزّكَا َة ‪ ,‬وَكَذَِلكَ إ ْن امْتََنعُوا عَ ْن صِيَامِ َش ْه ِر َر َمضَانَ ‪َ ,‬أوْ حَ ّج الَْبْيتِ‬
‫ك مِنْ‬ ‫س ِر ‪َ ,‬أوْ الْخَ ْم ِر ‪َ ,‬أ ْو غَْي ِر ذَِل َ‬ ‫ش ‪َ ,‬أوْ الزّنَا ‪َ ,‬أوْ الْ َميْ ِ‬ ‫حرِ ِي اْل َفوَا ِح ِ‬ ‫اْلعَتِي ِق ‪ ,‬وَكَذَِلكَ إنْ امَْتَنعُوا عَنْ تَ ْ‬
‫ع‪,‬‬ ‫ض ‪ ,‬وَالْأَْبضَا ِ‬ ‫حكْمِ فِي ال ّدمَاءِ ‪ ,‬وَالَْأ ْموَا ِل وَالَْأ ْعرَا ِ‬ ‫شرِيعَ ِة وَكَذَِلكَ إنْ امْتََنعُوا عَ ْن الْ ُ‬ ‫ح ّرمَاتِ ال ّ‬ ‫مُ َ‬
‫ف وَالّنهْيِ َعنْ الْ ُمنْ َك ِر ‪,‬‬ ‫ح ِوهَا بِحُكْ ِم الْ ِكتَابِ وَالسّنّ ِة ‪ ,‬وَكَذَِلكَ إنْ امَْتَنعُوا َعنْ الَْأ ْمرِ بِالْ َم ْعرُو ِ‬ ‫وََن ْ‬
‫جزْيَ َة عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَا ِغرُو َن ‪ .‬وَكَذَِلكَ إنْ أَ ْظ َهرُوا الْبِدَعَ‬ ‫وَ ِجهَا ِد الْ ُكفّارِ إلَى أَنْ ُيسْلِمُوا وَُي َؤدّوا اْل ِ‬
‫ف الُْأمّ ِة وَأَئِمِّتهَا مِثْ ُل ‪ :‬أَ ْن يُ ْظ ِهرُوا الْإِلْحَادَ فِي أَسْمَاءِ الّلهِ وَآيَاِتهِ‬ ‫ب وَالسّنّ ِة ‪ ,‬وَاتّبَاعِ سَلَ ِ‬ ‫الْمُخَاِلفَةَ ِللْكِتَا ِ‬
‫صفَاِتهِ ‪َ ,‬أوْ التّكْذِيبَ ِبقَ َدرِ ِه وََقضَاِئهِ َأوْ التّكْذِيبَ ِبمَا كَا َن عََلْيهِ َجمَاعَةُ‬ ‫‪َ ,‬أوْ التّكْذِيبَ بَِأسْمَاءِ الّلهِ َو ِ‬
‫سلِ ِميَ َعلَى َعهْدِ اْلخَُلفَاءِ الرّاشِدِينَ ‪َ ,‬أوْ ال ّطعْنَ فِي السّاِبقِيَ الَْأوِّليَ مِنْ الْ ُمهَا ِجرِي َن وَالْأَْنصَارِ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ج عَنْ‬ ‫خرُو َ‬ ‫ب الْ ُ‬‫سلِ ِميَ حَتّى يَدْ ُخلُوا فِي طَا َعِتهِمْ الّتِي تُو ِج ُ‬ ‫َواَلّذِي َن اتَّبعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ َأوْ ُمقَاَتلَ ِة الْمُ ْ‬
‫َشرِيعَةِ الْإِ ْسلَامِ وََأمْثَا ِل هَ ِذهِ الُْأمُورِ قَالَ الّلهُ َتعَالَى ‪ { :‬وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى لَا تَكُونَ فِْتنَ ٌة وََيكُونَ الدّينُ كُّلهُ‬
‫ض الدّي ِن لِّل ِه وََب ْعضُهُ ِلغَْيرِ الّلهِ َو َجبَ اْلقِتَا ُل حَتّى َيكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ ‪ .‬وَقَالَ َتعَالَى‬ ‫ِلّلهِ } فَِإذَا كَانَ َبعْ ُ‬
‫‪ { :‬يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُوا اّتقُوا الّل َه َو َذرُوا مَا َبقِيَ مِ ْن الرّبَا إنْ ُكنْتُ ْم ُم ْؤمِِنيَ ‪ ,‬فَإِنْ لَ ْم َت ْفعَلُوا فَ ْأذَنُوا‬
‫ف ‪ ,‬وَكَانُوا قَدْ َأسْلَمُوا َوصَّلوْا َوصَامُوا ‪,‬‬ ‫ح ْربٍ مِنْ الّل ِه َورَسُوِلهِ } َوهَ ِذهِ الْآَيةُ َنزََلتْ فِي َأهْ ِل الطّائِ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َلكِنْ كَانُوا يََتعَامَلُو َن بِالرّبَا ‪ ,‬فََأْنزَلَ الّلهُ هَ ِذهِ الْآَي َة وََأمَرَ الْ ُم ْؤمِِنيَ فِيهَا ِبَترْ ِك مَا َبقِيَ مِ ْن الرّبَا ‪ ,‬وَقَا َل ‪:‬‬
‫ب مِنْ الّلهِ َورَسُوِلهِ } وَقَ ْد ُقرِئَ { فَُأ ِذنُوا } َو { آذَنُوا } وَ ِكلَا الْ َمعْنََييْنِ‬ ‫ح ْر ٍ‬‫{ فَإِنْ لَ ْم َتفْعَلُوا فَ ْأذَنُوا بِ َ‬
‫ح ّرمَاتِ فِي اْل ُقرْآنِ ‪َ ,‬و ُهوَ مَا يُو َجدُ بَِترَاضِي الْ ُمَتعَامِِليَ ‪ ,‬فَِإذَا كَانَ مَنْ َلمْ يَْنَتهِ‬ ‫صَحِي ٌح ‪ ,‬وَالرّبَا آ ِخرُ اْلمُ َ‬
‫ح ِريًا وََأعْظَمُ‬ ‫ح ّرمَاتِ الّتِي هِيَ أَ ْسبَقُ تَ ْ‬ ‫ف بِمَنْ لَمْ َينَْت ِه عَ ْن غَْي ِرهِ مِ ْن الْمُ َ‬ ‫َعْنهُ مُحَارِبًا لِّل ِه َورَسُوِلهِ فَكَيْ َ‬
‫ج ‪َ ,‬وهِ َي مَُتوَاِت َرةٌ ِعنْدَ‬ ‫خوَارِ ِ‬‫ض عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم الَْأحَادِيثُ ِبقِتَا ِل الْ َ‬ ‫ح ِريًا ‪ .‬وَقَ ْد اسَْتفَا َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ش َرةِ َأوْ ُج ٍه ‪َ ,‬وقَ ْد َروَاهَا‬ ‫ج مِنْ َع َ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫َأهْ ِل اْلعِلْ ِم بِالْحَدِيثِ ‪ .‬قَالَ الِْإمَامُ أَحْمَ ُد ‪ :‬صَحّ الْحَدِيثُ فِي الْ َ‬
‫ي مِْنهَا ثَلَاَثةَ َأوْ ُجهٍ ‪ :‬حَدِيثَ َعلِ ّي ‪ ,‬وَأَبِي َسعِيدٍ الْخُ ْد ِريّ ‪ ,‬وَ َسهْلِ‬ ‫حهِ ‪َ ,‬و َروَى اْلبُخَا ِر ّ‬ ‫سلِمٌ فِي صَحِي ِ‬ ‫مُ ْ‬
‫ف ‪ ,‬وَفِي السّنَ ِن ‪ ,‬وَالْ َمسَانِيدِ ُطرُقٌ ُأ َخرُ ُمَتعَ ّددَ ٌة ‪ .‬وََقدْ قَالَ صلى ال عليه وسلم فِي صِفَِتهِ ْم ‪:‬‬ ‫بْنِ حَُنيْ ٍ‬
‫ح ِقرُ أَحَدُكُ ْم صَلَاَتهُ مَ َع صَلَاِتهِ ْم ‪َ ,‬وصِيَا َمهُ مَ َع صِيَا ِمهِ ْم ‪ ,‬وَِقرَاءََتهُ مَعَ ِقرَاءَِتهِمْ ‪َ ,‬ي ْق َرءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا‬ ‫{ يَ ْ‬
‫سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّ ِة ‪َ ,‬أيْنَمَا َلقِيتُمُوهُمْ فَاقُْتلُوهُ ْم ‪ ,‬فَإِنّ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫يُجَا ِوزُ حَنَا ِج َرهُ ْم ‪َ ,‬ي ْمرُقُونَ مِ ْن الْإِ ْسلَامِ كَمَا يَ ْمرُ ُ‬
‫فِي َقتِْلهِمْ أَ ْجرًا ِعنْدَ الّلهِ لِمَنْ َقتََلهُ ْم َي ْومَ اْلقِيَامَةِ ‪ ,‬لَئِنْ َأ ْدرَكْته ْم لَأَقُْتلَّنهُ ْم قَتْ َل عَا ٍد } ‪َ .‬و َهؤُلَاءِ قَاَتَلهُمْ‬
‫ف الُْأمّ ِة ‪ ,‬وَأَئِمُّتهَا لَمْ‬ ‫َأمِيُ الْ ُم ْؤمِِنيَ َعلِيّ بْنُ َأبِي طَاِلبٍ بِمَ ْن َم َعهُ مِنْ الصّحَاَب ِة وَاّتفَ َق عَلَى قِتَاِلهِمْ سَلَ ُ‬
‫ي ‪ ,‬فَإِنّ الصّحَابَةَ كَانُوا فِي ِقتَالِ اْلفِتَْنةِ‬ ‫صفّ َ‬ ‫يَتَنَا َزعُوا فِي قِتَاِلهِمْ كَمَا تَنَا َزعُوا فِي اْلقِتَالِ َي ْومَ الْجَمَ ِل َو ِ‬
‫ثَلَاثَةُ َأصْنَافٍ ‪َ :‬ق ْومٌ قَاتَلُوا مَ َع عَِل ّي رضي ال عنه ‪ ,‬وََق ْومٌ قَاتَلُوا مَعَ مَنْ قَاتَ َل ‪ ,‬وََق ْومٌ َقعَدُوا عَنْ اْلقِتَالِ‬

‫‪245‬‬
‫ج فَلَ ْم يَكُنْ فِيهِمْ أَحَ ٌد مِنْ الصّحَابَ ِة وَلَا َنهَى عَنْ ِقتَاِلهِمْ‬ ‫خوَارِ ُ‬‫َلمْ ُيقَاِتلُوا اْلوَاحِ َد َة مِنْ الطّاِئفََتيْ ِن ‪ .‬وََأمّا الْ َ‬
‫َأحَ ٌد مِنْ الصّحَابَ ِة ‪َ .‬وفِي الصّحِي ِح ‪َ :‬عنْ أَبِي َسعِيدٍ أَنّ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَا َل ‪ { :‬تَ ْمرُقُ‬
‫ظ ‪َ { :‬أدْنَى الطّاِئفََتيْنِ‬ ‫مَارَِق ٌة عَلَى ِحيِ ُف ْرقَ ٍة مِنْ الْمُسِْل ِميَ َت ْقتُُلهُمْ َأوْلَى الطّاِئفَتَيْ ِن بِالْحَ ّق } ‪ .‬وَفِي َلفْ ٍ‬
‫حقّ مِ ْن ُمعَاوِيَةَ‬ ‫إلَى اْلحَ ّق } ‪ .‬فَِبهَذَا اْلحَدِيثِ الصّحِيحِ َثَبتَ أَ ّن َعلِيّا وََأصْحَاَبهُ كَانُوا َأ ْق َربَ إلَى الْ َ‬
‫وََأصْحَاِبهِ ‪ ,‬وَأَنّ تِ ْلكَ الْمَارَِقةَ الّتِي َمرََقتْ مِ ْن الْإِ ْسلَامِ لَْيسَ حُكْ ُمهَا ُحكْمَ إحْدَى الطّاِئفََتيْ ِن ‪ ,‬بَلْ َأ َمرَ‬
‫النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِبقِتَا ِل هَ ِذهِ الْمَارَِق ِة ‪ ,‬وَأَكّ َد الَْأ ْمرَ ِبقِتَاِلهَا ‪ ,‬وَلَمْ يَ ْأ ُمرْ ِبقِتَا ِل إحْدَى الطّاِئفَتَيْنِ‬
‫س ِن ‪ { :‬إنّ‬ ‫ت عَْنهُ فِي الصّحِي ِح ‪ :‬مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَ ْك َرةَ أَّنهُ قَالَ ِللْحَ َ‬ ‫‪ ,‬كَمَا َأ َمرَ ِبقِتَا ِل هَ ِذ ِه ‪ ,‬بَلْ قَ ْد ثََب َ‬
‫حسَ َن وَأَْثنَى عََلْيهِ‬ ‫اْبنِي هَذَا َسيّ ٌد وَسَُيصِْلحُ الّلهُ ِبهِ بَيْنَ طَاِئفَتَْينِ َعظِيمََتيْ ِن مِنْ اْلمُسْلِ ِميَ } ‪ .‬فَمَ َدحَ الْ َ‬
‫بِمَا َأصْلَ َح الّلهُ ِبهِ َبيْنَ الطّاِئفََتيْ ِن ‪ِ ,‬حيَ َترَكَ اْلقِتَا َل وَقَدْ بُويِعَ َلهُ وَاخْتَارَ الَْأصْ َل وَ َحقَنَ ال ّدمَا َء مَعَ ُنزُوِلهِ‬
‫سنَ َويُْثنِي عَلَْيهِ ِبَترْ ِك مَا َأ َمرَ الّلهُ ِبهِ َوِفعْلِ مَا َنهَى‬ ‫ح الْحَ َ‬ ‫عَ ْن الَْأ ْمرِ ‪َ ,‬فَلوْ كَانَ اْلقِتَا ُل مَ ْأمُورًا ِبهِ لَ ْم يَمْدَ ْ‬
‫الّل ُه عَْن ُه ‪.‬‬
‫وَاْلعُلَمَاءُ َلهُمْ فِي قِتَا ِل مَ ْن يَسَْتحِقّ اْلقِتَا َل مِنْ َأهْلِ اْلقِْبلَةِ َطرِيقَا ِن ‪ :‬مِْنهُ ْم مَنْ َيرَى ِقتَا َل عَِليّ َي ْومَ‬
‫جعَلُ ِقتَالَ أَبِي بَ ْكرٍ‬ ‫َحرُورَا َء ‪َ ,‬وَي ْومَ الْجَمَ ِل ‪َ ,‬وصِ ّفيَ ‪ُ ,‬كّلهُ مِنْ بَابِ ِقتَالِ َأهْ ِل الَْبغْ ِي ‪ ,‬وَكَذَِلكَ يَ ْ‬
‫ِلمَاِنعِي الزّكَاةِ ‪ ,‬وَكَذَِلكَ قِتَالُ سَاِئرِ مَنْ قُوتِ َل مِنْ الْ ُمنَْتسِِبيَ إلَى اْلقِبَْل ِة ‪ ,‬كَمَا ذَ َك َر ذَِلكَ مَ ْن ذَ َك َرهُ مِنْ‬
‫َأصْحَابِ أَبِي حَنِيفَ َة ‪ ,‬وَالشّاِفعِ ّي ‪َ ,‬ومَ ْن وَاَف َقهُ ْم مِنْ َأصْحَابِ َأحْمَ َد َوغَْي ِرهِ ْم ‪َ ,‬وهُ ْم مُّت ِفقُونَ َعلَى أَنّ‬
‫خطِئُونَ خَطَأَ‬ ‫الصّحَاَبةَ لَْيسُوا ُفسّاقًا بَ ْل هُ ْم عُدُو ٌل ‪َ .‬فقَالُوا ‪ :‬إنّ َأهْلَ اْلَبغْ ِي عُدُولٌ مَ َع قِتَاِلهِ ْم ‪َ ,‬وهُمْ مُ ْ‬
‫ع ‪ ,‬وَخَاَل َفتْ فِي ذَِلكَ طَاِئفَةٌ كَاْبنِ َعقِي ٍل َوغَْي ِرهِ ‪ .‬فَ َذهَبُوا إلَى َتفْسِيقِ َأهْ ِل الَْبغْيِ‬ ‫جَتهِدِي َن فِي اْل ُفرُو ِ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫‪َ ,‬و َهؤُلَاءِ نَ َظرُوا إلَى مَ ْن عَ ُد ّوهُ مِنْ َأهْ ِل الَْبغْ ِي فِي َزمَِنهِمْ ‪َ ,‬فرََأ ْوهُمْ ُفسّاقًا ‪ ,‬وَلَا رَْيبَ أَّنهُمْ لَا يُدْ ِخلُونَ‬
‫ح ِوهِمْ ‪ ,‬كَمَا ُي َك ّفرُهُمْ‬ ‫ك ‪ ,‬وَِإنّمَا ُيفَسّ ُق الصّحَابَةَ َبعْضُ َأ ْهلِ الَْأ ْهوَا ِء مِنْ اْل ُمعَْتزِلَ ِة وََن ْ‬ ‫الصّحَاَبةَ فِي ذَِل َ‬
‫س ذَِلكَ مِ ْن مَ ْذ َهبِ الْأَئِمّ ِة وَاْل ُف َقهَاءِ َأهْ ِل السّنّةِ‬ ‫ض وَلَْي َ‬‫ج وَال ّروَاِف ِ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫َبعْضُ َأهْلِ الَْأ ْهوَاءِ مِنْ الْ َ‬
‫وَالْجَمَا َع ِة ‪ ,‬وَلَا َيقُولُونَ ‪ :‬إنّ َأ ْموَاَلهُ ْم َمعْصُومَةٌ كَمَا كَاَنتْ ‪َ ,‬ومَا كَانَ ثَاِبتًا ِبعَْيِنهِ ُردّ إلَى صَا ِحِبهِ ‪َ ,‬ومَا‬
‫ُأتْلِفَ فِي حَا ِل اْلقِتَالِ َلمْ ُيضْمَ ْن ‪َ ,‬حتّى إنّ جُ ْمهُورَ اْلعُلَمَاءِ َيقُولُونَ ‪ :‬لَا َيضْمَنُ لَا َهؤُلَاءِ وَلَا َهؤُلَاءِ ‪.‬‬
‫ب رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم مَُتوَاِفرُونَ ‪ ,‬فَأَجْ َمعُوا أَنّ‬ ‫ي ‪ :‬وََق َعتْ اْل ِفتْنَ ُة وََأصْحَا ُ‬ ‫كَمَا قَا َل ال ّز ْهرِ ّ‬
‫كُ ّل مَالٍ َأ ْو َدمٍ ُأصِيبَ بِتَ ْأوِي ِل اْل ُقرْآنِ َفإِّن ُه هَ َدرٌ ‪َ ,‬وهَلْ يَجُوزُ أَنْ ُيسَْتعَانَ ِبسِلَا ِحهِمْ فِي َحرِْبهِمْ إذَا لَمْ‬
‫ضرُو َرٌة عَلَى وَ ْج َهيْنِ فِي مَ ْذ َهبِ َأحْمَدَ َيجُوزُ وَالْمَنْ ُع َقوْلُ الشّاِفعِ ّي وَالرّ ْخصَةُ َقوْلُ أَبِي‬ ‫ك َ‬ ‫يَكُنْ إلَى ذَِل َ‬
‫جئُونَ‬ ‫ف عَلَى َجرِ ِيهِمْ إذَا كَانَ َلهُمْ ِفئَ ٌة يَلْ َ‬ ‫ع مُدِْب ِرهِ ْم وَالتّ ْذفِي ِ‬‫حَنِي َفةَ ‪ ,‬وَاخَْتَلفُوا فِي َقتْلِ أُ َس ِرهِ ْم وَاتّبَا ِ‬
‫شهُورُ فِي مَ ْذ َهبِ أَ ْحمَ َد وَفِي مَ ْذهَِبهِ َو ْجهٌ‬ ‫ج ّو َز ذَِلكَ َأبُو حَنِيفَ َة ‪َ ,‬ومََن َعهُ الشّاِفعِ ّي ‪َ ,‬و ُهوَ اْلمَ ْ‬ ‫إلَْيهَا ‪ ,‬فَ َ‬
‫ف عَلَى َجرِي ٍح ‪,‬‬ ‫َأّنهُ يُتَّبعُ مُ ْدِب ُرهُمْ مِنْ َأوّ ِل اْلقِتَا ِل ‪ ,‬وََأمّا إذَا لَمْ يَ ُكنْ َلهُمْ فَِئ ٌة ‪ ,‬فَلَا ُيقْتَلُ أَسِ ٌي ‪ ,‬وَلَا يُ َذفّ ُ‬
‫خ ‪َ ,‬لعَّلهُ َي ْومَ الْجَمَلِ ‪ ,‬لَا ُيقْتَلَ ّن مُدِْب ٌر ‪,‬‬ ‫ج صَارِ ٌ‬ ‫حكَمِ قَا َل ‪َ :‬خرَ َ‬ ‫كَمَا َروَاهُ َسعِي ٌد َوغَْي ُرهُ عَ ْن َم ْروَانَ ْبنِ الْ َ‬

‫‪246‬‬
‫ف َعلَى َجرِي ٍح َومَنْ َأغَْلقَ بَاَبهُ َف ُه َو آمِنٌ ‪َ ,‬ومَنْ أَْلقَى السّلَاحَ َف ُهوَ آمِ ٌن ‪ .‬فَمَنْ َسَلكَ هَ ِذهِ‬ ‫وَلَا يُذَفّ ُ‬
‫ي وَيَحْ ُكمُ فِيهِ ْم بِمِثْ ِل هَ ِذهِ الْأَحْكَا ِم ‪ ,‬كَمَا‬ ‫ال ّطرِيقَ َة َفقَدْ يََت َوهّمُ أَ ّن َهؤُلَاءِ التّتَا َر مِنْ َأهْ ِل الَْبغْيِ الْمُتََأوِّل َ‬
‫ج وَ َسنَُبيّنُ فَسَادَ هَذَا الّت َوهّمِ إنْ شَاءَ الّلهُ َتعَالَى‬ ‫خوَارِ َ‬ ‫حكْ ِم مَاِنعِي الزّكَا ِة وَالْ َ‬ ‫َأدْ َخلَ مَنْ ُأدْ ِخلَ فِي هَذَا الْ ُ‬
‫‪.‬‬
‫ي‪,‬‬ ‫صفّ َ‬ ‫ح ِوهِ ْم ‪َ :‬لْيسَ َكقِتَالِ َأهْلِ الْجَمَ ِل َو ِ‬ ‫ج ‪َ ,‬ونَ ْ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫وَال ّطرِيقَ ُة الثّانَِيةُ أَنّ ِقتَا َل مَاِنعِي الزّكَاةِ ‪ ,‬وَاْل َ‬
‫ي َو ُهوَ الّذِي يَذْ ُكرُوَنهُ فِي اعِْتقَادِ َأهْلِ السّنّةِ‬ ‫ص عَ ْن جُ ْمهُورِ الْأَئِمّةِ اْلمَُتقَ ّدمِ َ‬ ‫َوهَذَا ُه َو الْمَْنصُو ُ‬
‫حدِيثِ كَأَحْمَ َد َوغَْي ِر ِه ‪,‬‬ ‫ك ‪َ ,‬وغَْي ِر ِه ‪َ ,‬ومَ ْذ َهبُ أَئِمّةِ الْ َ‬ ‫وَالْجَمَا َع ِة ‪َ ,‬و ُه َو مَ ْذهَبُ َأهْلِ الْمَدِينَ ِة ‪ :‬كَمَاِل ٍ‬
‫ح غَنِيمَةَ َأ ْموَالِ‬ ‫وََقدْ َنصّوا عَلَى اْل َفرْقِ بَيْ َن هَذَا َوهَذَا فِي َغْيرِ َم ْوضِعٍ حَتّى فِي الَْأ ْموَالِ فَإِ ّن مِْنهُ ْم مَنْ أَبَا َ‬
‫خرَجُوا ُيقَاِتلُونَ‬ ‫ج ‪ .‬وَقَ ْد نَصّ أَ ْحمَدُ فِي ِروَايَةِ َأبِي طَاِلبٍ فِي َحرُورِيّةَ كَانَ َلهُمْ َسهْ ٌم فِي َقرَْيةٍ فَ َ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫الْ َ‬
‫سهُ َعلَى خَ ْمسَ ٍة وََأرَْبعَةُ َأخْمَا ِسهِ‬ ‫ي ‪ ,‬فَُيقَسّ ُم خُمُ ُ‬ ‫ضهُمْ فَ ْيءٌ لِلْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫سلِمُونَ فََأ ْر ُ‬‫سلِ ِميَ َفقَتََلهُ ْم الْمُ ْ‬‫الْمُ ْ‬
‫ي ‪ ,‬وَلَا ُيقَسّ ُم مِثْ َل مَا أَخَ َذ عُ َمرُ‬ ‫سلِ ِم َ‬‫ج عَلَى الْمُ ْ‬ ‫خرَا َ‬‫ِللّذِينَ قَاتَلُوا ُيقَسّمُ َبيَْنهُ ْم ‪َ ,‬أ ْو يَحْمِلُ الَْأمِيُ الْ َ‬
‫خوَاِرجِ إذَا غُنِ َمتْ بِ َمْنزِلَ ِة مَا غُنِ َم مِنْ‬ ‫جعَلَ أَ ْحمَدُ الَْأ ْرضَ الّتِي ِللْ َ‬ ‫سوَادَ َعْن َوةً ‪َ ,‬ووََقفَ ُه عَلَى الْ ُمسْلِ ِميَ فَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ص وَالْإِ ْجمَاعَ َفرّقَ َبيْنَ‬ ‫ع ِبهِ ; فَإِنّ النّ ّ‬ ‫صوَابُ الْ َمقْطُو ُ‬ ‫َأ ْموَا ِل الْ ُكفّا ِر ‪َ ,‬وبِالْجُ ْملَ ِة َفهَ ِذهِ ال ّطرِيقَ ُة هِ َي ال ّ‬
‫ص رَسُولِ الّلهِ‬ ‫خوَارِجَ ِبنَ ّ‬ ‫هَذَا َوهَذَا ‪َ ,‬وسِ َيةُ َعلِ ّي رضي ال عنه ُت َفرّقُ َبيْ َن هَذَا َوهَذَا ‪ ,‬فَِإّنهُ قَاتَ َل الْ َ‬
‫ك ‪ ,‬وَلَ ْم يُنَا ِز ْعهُ فِيهِ أَحَ ٌد مِنْ الصّحَاَب ِة ‪ ,‬وََأمّا اْل ِقتَالُ َي ْو َم صِ ّفيَ َفقَدْ‬ ‫ح بِذَِل َ‬‫صلى ال عليه وسلم وََفرِ َ‬
‫َظ َه َر مِْنهُ مِنْ َكرَا َهِتهِ وَال ّذمّ َعلَْي ِه مَا َظ َهرَ ‪ ,‬وَقَا َل مِنْ َأهْلِ الْجَمَ ِل َوغَْي ِرهِ ْم ‪ :‬إ ْخوَانُنَا َب َغوْا َعلَْينَا ُط ْه ُرهُمْ‬
‫خوَارِجُ َففِي الصّحِيحَْي ِن ‪ :‬عَ ْن عَِليّ بْنِ َأبِي طَاِلبٍ قَالَ‬ ‫ف ‪َ ,‬وصَلّى َعلَى قَْتلَى الطّاِئفَتَيْ ِن ‪ .‬وََأمّا الْ َ‬ ‫السّيْ ُ‬
‫خرُجُ َق ْومٌ فِي آ ِخرِ ال ّزمَانِ حِدَاثُ الَْأسْنَا ِن ‪,‬‬ ‫‪ :‬سَ ِمعْت َرسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ ‪َ { :‬ستَ ْ‬
‫ُس َفهَاءُ الَْأحْلَامِ ‪َ ,‬يقُولُونَ مِ ْن خَْيرِ َقوْلِ الَْبرِيّةِ لَا ُيجَا ِوزُ إيَاُنهُمْ حَنَا ِج َرهُ ْم ‪ ,‬يَ ْمرُقُو َن مِنْ الدّينِ كَمَا‬
‫سهْمُ مِ ْن ال ّرمِيّةِ ‪ ,‬فَأَْينَمَا َلقِيتُمُوهُمْ فَاقُْتلُوهُمْ ‪ ,‬فَإِ ّن فِي َقتِْلهِمْ أَ ْجرًا لِمَنْ َقتََلهُ ْم َي ْومَ اْلقِيَامَ ِة } ‪.‬‬ ‫يَ ْمرُقُ ال ّ‬
‫سلِ ٍم ‪ :‬عَ ْن زَيْ ِد بْ ِن َو ْهبٍ َأّنهُ كَا َن فِي الْجَْيشِ الّذِي كَانُوا مَ َع عَلِ ّي الّذِي َن سَارُوا إلَى‬ ‫وَفِي صَحِي ِح مُ ْ‬
‫خرُجُ َق ْومٌ‬ ‫خوَارِجِ َفقَا َل عَلِ ّي ‪ :‬أَّيهَا النّاسُ إنّي سَ ِمعْت رَسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ ‪ { :‬يَ ْ‬ ‫الْ َ‬
‫مِنْ ُأمّتِي َي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ ‪ ,‬لَْيسَ ِقرَاءَتُ ُكمْ إلَى ِقرَاءَِتهِمْ بِشَ ْيءٍ ; وَلَا صَلَاتُكُ ْم إلَى صَلَاِتهِ ْم بِشَ ْي ٍء ‪ ,‬وَلَا‬
‫صلَاُتهُمْ‬ ‫سبُونَ َأّنهُ َلهُمْ ‪َ ,‬و ُهوَ َعلَْيهِمْ ‪ ,‬لَا ُتجَا ِوزُ َ‬ ‫صِيَامُكُ ْم إلّا صِيَا ِمهِمْ بِشَ ْي ٍء ‪َ ,‬ي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ يَحْ ِ‬
‫جْيشُ الّذِينَ ُيصِيبُوَنهُ ْم مَا ُقضِيَ‬ ‫سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّةِ َلوْ َيعَْلمُ الْ َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫َترَاِقَيهُ ْم ‪َ ,‬ي ْمرُقُونَ مِ ْن الْإِ ْسلَامِ كَمَا يَ ْمرُ ُ‬
‫ع عَلَى‬ ‫َلهُ ْم َعلَى لِسَانِ مُحَمّدٍ نَِبّيهِمْ لَنَ َكلُوا عَ ْن اْلعَمَ ِل ‪ ,‬وَآَيةُ ذَِلكَ أَنّ فِيهِ ْم رَجُلًا َلهُ َعضُدٌ لَْيسَ َل ُه ِذرَا ٌ‬
‫ي ‪َ ,‬علَْيهِ َش َعرَاتٌ بِيضٌ قَالَ ‪ :‬فََي ْذهَبُونَ إلَى ُمعَاوِيَ َة وََأهْ ِل الشّا ِم وََيْترُكُونَ َهؤُلَاءِ‬ ‫َعضُ ِدهِ ِمثْلُ حََلمَةِ الثّ ْد ِ‬
‫يَخُْلفُونَ ُكمْ فِي َذرَارِيّ ُكمْ وََأ ْموَالِكُ ْم ‪َ ,‬واَلّلهِ إنّي لََأرْجُو أَنْ يَكُونُوا َهؤُلَاءِ اْل َق ْومَ فَإِّنهُمْ َقدْ َسفَكُوا ال ّدمَ‬
‫خوَارِجِ‬ ‫ح النّاسِ ‪َ ,‬فسِيُوا عَلَى اسْ ِم الّلهِ } ‪ .‬قَا َل ‪َ :‬فلَمّا الَْتقَْينَا َوعَلَى الْ َ‬ ‫حرَا َم ‪ ,‬وََأغَارُوا فِي َسرْ ِ‬ ‫الْ َ‬

‫‪247‬‬
‫ح ‪ ,‬وَسُلّوا سُيُوفَكُ ْم مِنْ ُحقُوِقهَا ‪ ,‬فَإِنّي‬ ‫َي ْومَئِ ٍذ عَبْدُ الّلهِ بْ ُن َو ْهبٍ َرئِيسًا َفقَالَ َلهُ ْم ‪ :‬أَْلقُوا ال ّرمَا َ‬
‫ح َرهُمْ‬ ‫ف ‪َ ,‬وسَ َ‬ ‫ُأنَاشِدُكُمْ َكمَا نَاشَدُوكُمْ َي ْومَ َحرُورَاءَ ‪َ ,‬فرَ َجعُوا َف َوحّشُوا ِب ِرمَا ِحهِمْ ‪ ,‬وَ َسلّوا السّيُو َ‬
‫ض ‪َ ,‬ومَا ُأصِيبَ مِنْ النّاسِ َي ْومَئِ ٍذ إلّا رَجُلَا ِن ‪َ :‬فقَالَ‬ ‫ضهُمْ َعلَى َبعْ ٍ‬ ‫النّاسُ ِب ِرمَا ِحهِمْ ‪ .‬قَا َل ‪ :‬وَأَ ْقبَلَ َب ْع ُ‬
‫ضهُمْ‬ ‫ع ‪ .‬فَالْتَ َمسُوهُ ‪َ ,‬فلَمْ يَجِدُوهُ َفقَا َم عَلَى سَْي ِفهِ َحتّى أَتَى نَاسًا قَدْ أَ ْقبَلَ َب ْع ُ‬ ‫خدَ َ‬ ‫َعلِ ّي ‪ :‬الْتَ َمسُوا فِيهِ الْمَ ْ‬
‫ق الّل ُه ‪َ ,‬وبَلّ َغ رَسُوُل ُه ‪ .‬قَالَ‬ ‫َعلَى َبعْضٍ ‪ .‬قَا َل ‪ :‬أَ ّخرُوهُمْ َفوَجَدُو ُه مِمّا َيلِي الَْأ ْرضَ َفكَّبرَ ثُ ّم قَا َل ‪ :‬صَدَ َ‬
‫‪َ :‬فقَامَ إلَْي ِه عَُبيْ َدةُ السّلْمَانِيّ َفقَا َل ‪ :‬يَا َأمِيَ اْل ُم ْؤمِِنيَ الّلهُ الّذِي لَا إَلهَ إلّا ُهوَ َأسَ ِمعْت هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ‬
‫حلِفُ َلهُ‬ ‫حَلفَهُ َثلَاثًا َو ُهوَ يَ ْ‬
‫رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَا َل ‪ :‬إي وَاَلّلهِ الّذِي لَا إَلهَ إلّا ُهوَ حَتّى ا ْستَ ْ‬
‫ج وََتضْلِيِلهِ ْم ‪ ,‬وَإِنّمَا تَنَا َزعُوا فِي تَ ْكفِ ِيهِمْ ‪ ,‬عَلَى تَ ْكفِ ِيهِمْ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫َأْيضًا ‪ .‬فَإِ ّن الُْأمّ َة مُّت ِفقُونَ َعلَى َذمّ الْ َ‬
‫ب مَاِلكٍ ‪ ,‬وَأَحْمَ َد ‪ ,‬وَفِي مَ ْذ َهبِ الشّاِفعِيّ أَْيضًا ِنزَاعٌ فِي ُك ْف ِرهِمْ ‪,‬‬ ‫شهُورَيْ ِن مِنْ مَ ْذ َه ِ‬ ‫َعلَى َقوَْليْ ِن مَ ْ‬
‫وَِلهَذَا كَانَ فِيهِمْ َو ْجهَانِ فِي مَ ْذ َهبِ َأحْمَ َد َوغَْي ِرهِ َعلَى ال ّطرِيقَ ِة الْأُولَى ‪ :‬أَحَ ُدهُمَا ‪ :‬أَّنهُمْ ُبغَا ٌة ‪.‬‬
‫ع مُدِْب ِرهِ ْم َومَنْ قُ ِد َر عَلَْيهِ‬‫وَالثّانِي ‪َ :‬أّنهُمْ ُكفّارٌ كَالْ ُمرْتَدّينَ يَجُوزُ َقتُْلهُ ْم ابِْتدَا ًء وَقَتْلُ َأمِ ِيهِ ْم ‪ ,‬وَاتّبَا ُ‬
‫ب وَإِلّا ُقتِ َل ‪َ ,‬كمَا أَ ّن مَ ْذهََبهُ فِي مَاِنعِي الزّكَاةِ إذَا قَاَتلُوا الِْإمَامَ َعلَْيهَا ‪,‬‬ ‫مِْنهُ ْم اُسُْتتِيبَ كَالْ ُم ْرتَ ّد ‪َ ,‬فإِنْ تَا َ‬
‫هَ ْل يَ ْك ُفرُونَ مَعَ اْلإِ ْقرَارِ ِب ُوجُوِبهَا عَلَى ِروَايََتيْ ِن ‪َ ,‬وهَذَا كُّل ُه مِمّا يَُبيّنُ أَنّ ِقتَالَ الصّدّيقِ لِمَاِنعِي الزّكَا ِة ‪,‬‬
‫خوَارِجِ َيقَْتضِي‬ ‫خوَارِجَ َلْيسَ مِثْ َل اْلقِتَا ِل َي ْومَ الْجَمَ ِل ‪َ ,‬وصِ ّفيَ ‪َ ,‬فكَلَا ُم عَلِ ّي َوغَْي ِرهِ فِي الْ َ‬ ‫وَِقتَا َل َعلِيّ اْل َ‬
‫ص عَ ْن الْأَئِمّةِ كَأَحْمَ َد َوغَْي ِر ِه ‪,‬‬ ‫َأّنهُمْ لَْيسُوا ُكفّارًا كَاْل ُمرْتَدّي َن عَنْ َأصْ ِل الْإِ ْسلَا ِم ‪َ .‬وهَذَا ُه َو الْمَْنصُو ُ‬
‫ث َوهَذَا َأصَحّ الْأَ ْقوَالِ الثّلَاثَةِ‬ ‫ع ثَاِل ٌ‬ ‫وََليْسُوا مَ َع ذَِلكَ حُكْ ُمهُمْ كَحُ ْكمِ َأهْلِ اْلجَمَ ِل َوصِ ّفيَ ‪ ,‬بَ ْل ُهوَ َنوْ ٌ‬
‫ك مَاِنعُوا الزّكَاةِ ‪ ,‬كَمَا فِي‬ ‫شهَادََتيْ ِن ‪ ,‬وَالصّلَا ِة ‪َ ,‬و َغْيرِ ذَِل َ‬ ‫فِيهِ ْم ‪َ ,‬ومِمّنْ قَاَتَلهُمْ الصّحَابَ ُة مَعَ إ ْقرَا ِرهِ ْم ال ّ‬
‫ف ُتقَاتِلُ‬ ‫حيْ ِن ‪َ :‬عنْ أَبِي ُهرَْي َرةَ أَ ّن عُ َمرَ بْنَ اْلخَطّابِ قَا َل لِأَبِي َب ْكرٍ ‪ :‬يَا خَلِيفَ َة رَسُولِ الّلهِ ‪ ,‬كَيْ َ‬ ‫الصّحِي َ‬
‫شهَدُوا أَ ْن لَا إَلهَ‬ ‫النّاسَ ‪ ,‬وَقَدْ قَا َل رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪ُ { :‬أ ِمرْت أَنْ ُأقَاِتلَ النّاسَ حَتّى يَ ْ‬
‫ح ّقهَا ‪َ } .‬فقَالَ َلهُ أَبُو بَ ْكرٍ‬ ‫إلّا الّلهُ وََأنّي رَسُولُ الّل ِه ‪ ,‬فَِإذَا قَالُوهَا َعصَمُوا مِنّي دِمَا َءهُ ْم وََأ ْموَاَلهُ ْم ‪ ,‬إلّا بِ َ‬
‫ح ّقهَا } فَإِنّ الزّكَا َة مِنْ َح ّقهَا ‪َ ,‬واَلّلهِ َل ْو مََنعُونِي عِنَاقًا كَانُوا ُي َؤدّوَنهَا إلَى َرسُولِ‬ ‫‪ :‬أَلَمْ َيقُلْ لَك { إلّا بِ َ‬
‫ح صَ ْدرَ‬ ‫الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلقَاَتلْته ْم َعلَى مَْن ِعهَا قَا َل عُ َم ُر ‪َ :‬فمَا ُهوَ إلّا أَ ْن رَأَيْت أَنّ الّلهَ قَدْ َشرَ َ‬
‫حقّ ‪ .‬وَقَ ْد اّتفَقَ الصّحَاَبةُ وَالْأَِئمّةُ َبعْ َدهُ ْم عَلَى قِتَا ِل مَاِنعِي الزّكَا ِة وَإِنْ‬ ‫َأبِي بَ ْكرٍ ِل ْلقِتَا ِل َفعَلِمْت َأّنهُ الْ َ‬
‫س وََيصُومُونَ َش ْه َر َرمَضَا َن َو َهؤُلَاءِ لَمْ يَكُ ْن َلهُمْ شُْب َهةٌ سَاِئ َغةٌ ‪َ ,‬فِلهَذَا كَانُوا‬ ‫كَانُوا ُيصَلّونَ الْخَ ْم َ‬
‫ُمرْتَدّي َن َوهُمْ ُيقَاِتلُونَ َعلَى مَْن ِعهَا ‪ ,‬وَإِنْ أََقرّوا بِاْلوُجُوبِ كَمَا َأ َمرَ الّلهُ ‪ .‬وَقَدْ حُ ِكيَ َعْنهُمْ أَّنهُمْ قَالُوا ‪:‬‬
‫سقُطُ بِ َم ْوِتهِ ‪ .‬وَكَذَِلكَ { َأ َمرَ‬ ‫إ ّن الّلهَ َأ َمرَ نَِبّيهُ بِأَخْذِ الزّكَاةِ ِب َقوِْلهِ ‪ { :‬خُ ْذ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَدََقةً } وَقَدْ َت ْ‬
‫النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِبقِتَالِ الّذِينَ لَا يَنَْتهُو َن عَنْ ُش ْربِ اْلخَ ْمرِ } ‪ .‬وََأمّا الَْأصْلُ الْآ َخرُ َو ُه َو َمعْرَِفةُ‬
‫س ِعيَ ‪ ,‬وََأعْ َطوْا‬ ‫سعَ ٍة وَتِ ْ‬‫َأ ْحوَاِلهِمْ ‪َ :‬فقَ ْد عُلِمَ أَ ّن َهؤُلَاءِ اْل َق ْومَ جَارُوا َعلَى الشّامِ فِي الْ َم ّرةِ الْأُولَى عَامَ ِت ْ‬
‫ي ‪ ,‬مَا ُيقَالُ ‪ :‬إّنهُ‬ ‫النّاسَ الَْأمَا َن وََق َرءُو ُه عَلَى الْ ِمنَْبرِ بِ ِدمَشْ َق ‪َ ,‬ومَعَ هَذَا َفقَدْ َسلَبُوا مِ ْن َذرَا ِريّ الْ ُمسْلِ ِم َ‬

‫‪248‬‬
‫ص ‪َ ,‬ودَارِيّا ‪,‬‬ ‫حيّ ِة ‪َ ,‬ونَاُبُلسَ ‪ ,‬وَحِمْ َ‬ ‫س ‪ ,‬وَِبجَبَ ِل الصّالِ ِ‬ ‫ف ‪َ ,‬أوْ َيزِي ُد عََلْيهِ ‪ ,‬وََفعَلُوا بَِبْيتِ الْ َمقْ ِد ِ‬ ‫مِاَئةُ أَلْ ٍ‬
‫سلِ ِميَ َقرِيبًا مِ ْن مِاَئةِ‬ ‫ك مِنْ اْلقَتْ ِل وَالسّبْ ِي مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّلهُ َحتّى ُيقَالَ ‪ :‬إّنهُمْ َسَبوْا مِنْ الْمُ ْ‬ ‫َوغَْي ِر ذَِل َ‬
‫سلِ ِميَ فِي الْمَسَاجِ ِد َوغَْي ِرهَا ‪ :‬كَالْمَسْجِ ِد الْأَ ْقصَى ‪ ,‬وَالُْأ َم ِويّ ‪,‬‬ ‫خيَارِ ِنسَاءِ الْمُ ْ‬‫جرُونَ بِ ِ‬ ‫َألْفٍ َو َجعَلُوا َيفْ ُ‬
‫َوغَْي ِر ِه ‪ ,‬وَ َج َعلُوا الْجَامِعَ الّذِي بِاْل ُعقَيْبَ ِة دَكّا ‪ ,‬وَقَدْ شَاهَدْنَا عَسْ َك َر اْل َق ْومِ َفرََأيْنَا ُج ْمهُورَهُمْ لَا ُيصَلّو َن ‪,‬‬
‫سلِ ِميَ َو َذرَارِّيهِ ْم ‪ ,‬وَ َخرّبُوا مِنْ‬ ‫وَلَ ْم َنرَ فِي عَسْ َك ِرهِ ْم ُم َؤذّنًا وَلَا إمَامًا ‪ .‬وَقَدْ َأخَذُوا مِنْ َأ ْموَالِ الْمُ ْ‬
‫خلْ ِق ‪ ,‬إمّا زِْندِي ٌق مُنَافِقٌ لَا‬ ‫دِيَا ِرهِمْ مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّل ُه وَلَمْ يَ ُكنْ َم َعهُمْ فِي َدوْلَِتهِ ْم إلّا مَنْ كَا َن مِنْ َشرّ الْ َ‬
‫جهْمِيّةِ وَالِاتّحَادِيّة‬ ‫َيعَْتقِدُ دِينَ اْلإِسْلَامِ فِي اْلبَاطِ ِن ‪ ,‬وَِإمّا مَ ْن ُه َو مِنْ َشرّ َأ ْهلِ اْلبِدَعِ كَالرّاِفضَ ِة وَاْل َ‬
‫س ُقهُ ْم ‪َ ,‬وهُمْ فِي بِلَا ِدهِمْ مَعَ تَ َمكِّنهِمْ لَا يَحُجّونَ الْبَْيتَ اْلعَتِيقَ‬ ‫س وَأَفْ َ‬
‫جرُ النّا ِ‬ ‫ح ِوهِمْ ‪ .‬وَِإمّا مَنْ ُهوَ َأفْ َ‬ ‫وََن ْ‬
‫ب عَلَْيهِ ْم إقَامَ الصّلَاةِ وَلَا إيتَاءَ الزّكَاةِ ‪َ ,‬وهُمْ ُيقَاِتلُونَ‬ ‫‪ ,‬وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَ ْن ُيصَلّي وََيصُومُ ‪ ,‬فََلْيسَ اْلغَاِل ُ‬
‫ج عَنْ‬ ‫َعلَى مُ ْلكِ جِنْكِيزْ خَا ْن ‪ ,‬فَمَ ْن دَخَ َل فِي طَاعَِتهِمْ َجعَلُو ُه وَلِيّا َلهُ ْم ‪ ,‬وَإِنْ كَانَ كَاِفرًا َومَنْ َخرَ َ‬
‫جزَْي َة ‪,‬‬ ‫ضعُونَ الْ ِ‬ ‫سلِ ِميَ وَلَا ُيقَاِتلُونَ َعلَى الْإِ ْسلَامِ وَلَا َي َ‬ ‫ذَِلكَ َجعَلُو ُه عَ ُدوّا َلهُ ْم ‪ ,‬وَإِنْ كَا َن مِنْ خِيَا ِر الْمُ ْ‬
‫سلِ ُم عِنْ َدهُ ْم ‪,‬‬ ‫سلِ ِميَ مِْنهُ ْم مِنْ أَكَاِبرِ ُأمَرَاِئهِ ْم َو ُو َزرَاِئهِمْ أَنْ يَكُو َن الْمُ ْ‬‫صغَارَ ‪ ,‬بَ ْل غَاَيةُ كَثِ ٍي مِ ْن الْمُ ْ‬ ‫وَال ّ‬
‫ي مِنْ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى ‪ .‬كَمَا قَالَ أَكَْب ُر ُمقَدّمِيهِ ْم الّذِي َن قَ ِدمُوا إلَى الشّامِ‬ ‫شرِ ِك َ‬ ‫كَ َمنْ ُيعَظّمُوَن ُه مِنْ الْمُ ْ‬
‫سلِ ِميَ ‪ ,‬وَيََت َق ّربُ إلَْيهِمْ بَِأنّا مُسْلِمُو َن َفقَالَ ‪ :‬هَذَانِ آَيتَا ِن عَظِي َمتَانِ جَاءَا مِنْ‬ ‫ب رُسُلَ الْمُ ْ‬ ‫‪َ ,‬و ُهوَ يُخَا ِط ُ‬
‫س ّويَ‬ ‫سلِ ِميَ أَنْ يُ َ‬ ‫ِعنْدِ الّلهِ ‪ :‬مُحَمّ ٌد ‪ ,‬وَ ِجنْكِيزْ خَا ْن ‪َ ,‬فهَذَا غَاَي ُة مَا يََت َق ّربُ ِبهِ أَ ْكَبرُ ُمقَ ّدمِيهِمْ إلَى الْمُ ْ‬
‫شرِ ٍك مِنْ‬ ‫ي ‪ ,‬وََبيْ َن مَِلكٍ كَاِف ٍر مُ ْ‬ ‫خلْ ِق عََلْيهِ ‪ ,‬وَسَيّدِ َولَ ِد آ َدمَ ‪ ,‬وَخَاتَمِ اْل ُمرْسَِل َ‬ ‫بَيْ َن رَسُو ِل الّلهِ أَ ْك َرمِ الْ َ‬
‫ص َر وََأمْثَاِل ِه ‪َ .‬وذَِلكَ أَنّ اعِْتقَا َد َهؤُلَاءِ التّتَارِ‬ ‫ختِ َن ّ‬ ‫ي ‪ُ ,‬ك ْفرًا َوفَسَادًا َوعُ ْدوَانًا مِنْ جِْنسِ بُ ْ‬ ‫شرِكِ َ‬ ‫َأعْظَ ِم الْ ُم ْ‬
‫كَا َن فِي ِجنْكِيزْ خَا ْن عَظِيمًا َفإِّنهُمْ َيعَْتقِدُونَ أَّنهُ ابْنُ الّل ِه مِنْ جِْنسِ مَا َيعَْتقِ ُدهُ الّنصَارَى فِي الْمَسِي ِح ‪,‬‬
‫خيْمَ ِة فَدَخََلتْ‬ ‫س مِنْ ُك ّوةِ الْ َ‬ ‫وََيقُولُو َن ‪ :‬إنّ الشّ ْمسَ َحبَّلتْ ُأ ّمهُ ‪ ,‬وَأَّنهَا كَاَنتْ فِي خَيْ َمةٍ َفَنزََلتْ الشّ ْم ُ‬
‫ت ‪َ ,‬و َمعْلُومٌ ِعنْدَ كُ ّل ذِي دِينٍ أَ ّن هَذَا كَ ِذبٌ ‪َ .‬وهَذَا دَلِي ٌل عَلَى َأّنهُ وَلَ ُد زِنًا ‪ ,‬وَأَنّ ُأ ّمهُ‬ ‫فِيهَا َحتّى َحبَِل ْ‬
‫جعَلُوَنهُ َأعْظَ َم َرسُولٍ‬ ‫ت زِنَاهَا ‪ ,‬وَأَ ْخ َفتْ هَذَا حَتّى تَدْفَ َع َعْنهَا مَ َع ّرةَ الزّنَا ‪َ ,‬وهُ ْم مَعَ هَذَا يَ ْ‬ ‫زََنتْ َفكَتَ َم ْ‬
‫ِعنْدَ الّلهِ فِي َتعْظِيمِ مَا سَّنهُ َلهُ ْم ‪ ,‬وَ َش َر َعهُ بِظَّن ِه ‪َ ,‬و ُهوَ َحتّى َيقُولُوا لِمَا عِنْ َدهُ ْم مِنْ الْمَا ِل هَذَا ِرزْقُ‬
‫حلّونَ قَتْ َل مَ ْن عَادَى مَا َسّنهُ َلهُمْ هَذَا‬ ‫جِنْكِيزْ خَا ْن ‪ ,‬وََيشْ ُكرُوَنهُ َعلَى أَ ْكِلهِمْ َو ُشرِْبهِ ْم ‪َ ,‬وهُمْ َيسْتَ ِ‬
‫الْكَاِفرُ الْ َم ْلعُونُ الْ ُمعَادِي ِلّلهِ وَلَِأنِْبيَاِئ ِه َورَسُوِلهِ َوعِبَا ِدهِ الْ ُم ْؤمِِنيَ ‪َ .‬فهَذَا وََأمْثَاُلهُ مِ ْن ُمقَ ّدمِيهِمْ كَا َن غَاَيُتهُ‬
‫سيْلِ َمةَ‬
‫جعَ َل مُحَمّدًا صلى ال عليه وسلم بِ َمْنزِلَ ِة هَذَا الْ َم ْلعُونِ ‪َ ,‬ومَعْلُومٌ أَ ّن " مُ َ‬ ‫َبعْدَ الِْإسْلَامِ أَنْ يَ ْ‬
‫ك مُحَمّدٍ فِي الرّسَالَ ِة ‪َ ,‬وِبهَذَا‬ ‫ي مِ ْن هَذَا ‪ ,‬وَا ّدعَى أَّنهُ َشرِي ُ‬ ‫الْكَذّابَ " كَانَ أََق ّل ضَ َررًا َعلَى اْلمُسْلِ ِم َ‬
‫جعَلُ‬ ‫اسَْتحَلّ الصّحَابَ ُة قِتَاَلهُ ‪ ,‬وَقِتَالَ َأصْحَاِبهِ الْ ُم ْرتَدّينَ ‪ ,‬فَ َكيْفَ بِمَنْ كَا َن فِيمَا يُ ْظ ِه ُرهُ مِنْ الْإِ ْسلَامِ يَ ْ‬
‫مُحَمّدًا كَجِْنكِيزْ خَا ْن ‪ ,‬وَإِلّا َفهُ ْم مَعَ إ ْظهَا ِرهِمْ لِ ْلإِسْلَامِ ُيعَظّمُونَ َأ ْم َر " ِجنْكِيزْ خَا ْن " عَلَى الْ ُمسْلِ ِميَ‬
‫شرِيعَةِ اْلقُرْآنِ َولَا ُيقَاِتلُونَ أُولَِئكَ اْلمُتِّب ِعيَ لِمَا َسّنهُ " جِْنكِيزْ خَا ْن " كَمَا ُيقَاتِلُونَ الْمُسِْل ِميَ‬ ‫الْمُتِّبعَةِ ِل َ‬

‫‪249‬‬
‫بَلْ َأعْظَ َم ‪ .‬أُوَلِئكَ الْ ُكفّارُ َيبْذُلُونَ َلهُ الطّاعَ َة وَالِاْنقِيَا َد ‪ ,‬وَيَحْ ِملُونَ إلَْيهِ الَْأ ْموَا َل ‪ ,‬وَُي ِقرّونَ َلهُ بِالنّيَاَب ِة ‪,‬‬
‫سلِ ِميَ‬ ‫ج عَنْ طَا َعةِ الِْإمَامِ ِللِْإمَامِ ‪َ ,‬وهُمْ يُحَا ِربُونَ الْمُ ْ‬ ‫وَلَا يُخَاِلفُو َن مَا يَ ْأ ُم ُرهُمْ ِبهِ إلّا كَمَا ُيخَالِفُ الْخَارِ ُ‬
‫ض َعهُ َلهُ ْم ‪,‬‬ ‫وَُيعَادُوَنهُمْ َأعْظَ َم ُمعَادَا ٍة وَيَ ْطلُبُو َن مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ الطّاعَةَ َلهُ ْم َوبَذْلَ الَْأ ْموَا ِل وَالدّخُولَ فِيمَا َو َ‬
‫ح ِوهِمَا ‪ .‬بَ ْل ُهوَ َأعْظَمُ َفسَادًا فِي الَْأ ْرضِ‬ ‫شرِكُ الْمُشَاِبهُ ِل ِف ْر َعوْنَ َأوْ النّ ْمرُو ِد وَنَ ْ‬ ‫ذَِلكَ الْمَِلكُ اْلكَاِفرُ الْمُ ْ‬
‫سَتضْعِفُ طَاِئ َفةً ِمْنهُمْ يُذَبّحُ‬ ‫ض وَ َجعَلَ َأهَْلهَا ِشَيعًا يَ ْ‬ ‫مِْنهُمَا ‪ .‬قَالَ الّلهُ َتعَالَى ‪ { :‬إنّ ِف ْر َعوْنَ َعلَا فِي الَْأ ْر ِ‬
‫ضعِفُ َأهْلَ‬ ‫ستَحْيِي نِسَا َءهُمْ إّنهُ كَا َن مِنْ الْ ُمفْسِدِي َن } ‪َ .‬وهَذَا الْكَاِفرُ َعلَا فِي الَْأ ْرضِ َيسَْت ْ‬ ‫َأبْنَا َءهُ ْم وَيَ ْ‬
‫شرِ ِكيَ ِبقَتْلِ الرّجَا ِل ‪ ,‬وَ َسبْيِ‬ ‫الْ ِملَلِ كُّلهُ ْم مِنْ الْمُسِْل ِميَ ‪ ,‬وَاْلَيهُو ِد ‪ ,‬وَالّنصَارَى َومَنْ خَاَلفَ ُه مِنْ الْ ُم ْ‬
‫س عَمّا كَانُوا‬ ‫حبّ اْلفَسَادَ ‪ ,‬وََي ُردّ النّا َ‬ ‫ح ْرثَ ‪ ,‬وَالنّسْ َل ‪ ,‬وَاَلّلهُ لَا يُ ِ‬ ‫حرِ ِي ‪َ ,‬ويَأْخُذُ الَْأ ْموَا َل وَُيهِْلكُ الْ َ‬ ‫الْ َ‬
‫َعلَْي ِه مِنْ سِ ْلكِ الَْأنِْبيَاءِ وَالْ ُمرْ َسِليَ إلَى أَنْ يَدْ ُخلُوا فِيمَا ابَْت َد َعهُ مِنْ سُنِّتهِ الْجَاهِلِيّ ِة وَ َشرِيعَِتهِ اْل ُك ْفرِيّ ِة ‪,‬‬
‫سلِ ِميَ وَُيطِيعُوَنهُ ْم وَُيوَالُوَنهُمْ‬ ‫َفهُمْ يَ ّدعُو َن دِينَ الْإِ ْسلَامِ َوُيعَظّمُونَ دِينَ أُولَِئكَ اْل ُكفّارِ َعلَى دِينِ الْمُ ْ‬
‫جرَ َبيْنَ أَكَاِب ِرهِمْ بِحُكْمِ‬ ‫حكْمُ فِيمَا شَ َ‬ ‫ي وَالْ ُ‬‫َأعْظَ َم بِكَثِ ٍي مِنْ طَا َعةِ الّلهِ َورَسُوِل ِه ‪َ ,‬و ُموَالَاةِ الْ ُم ْؤمِِن َ‬
‫جعَلُونَ دِينَ اْلإِسْلَامِ كَدِينِ‬ ‫الْجَا ِهلِيّ ِة ‪ ,‬لَا بِحُكْ ِم الّلهِ َورَسُوِل ِه ‪ .‬وَكَذَِلكَ الْأَكَاِب ُر مِ ْن ُو َزرَاِئهِ ْم َوغَْي ِرهِمْ َي ْ‬
‫ي ‪ُ ,‬ثمّ ِمْنهُمْ مَنْ‬ ‫سلِ ِم َ‬
‫الَْيهُو ِد وَالّنصَارَى وَأَ ّن هَ ِذهِ ُكّلهَا ُطرُقٌ إلَى الّلهِ بِ َمْنزِلَةِ الْمَذَا ِهبِ الَْأرَْبعَ ِة عِنْ َد الْمُ ْ‬
‫سلِ ِميَ ‪َ .‬وهَذَا اْل َقوْلُ فَاشٍ غَاِلبٌ فِيهِمْ‬ ‫ُيرَجّ ُح دِي َن الَْيهُودِ َأ ْو دِينَ الّنصَارَى ‪َ ,‬ومِْنهُ ْم مَنْ ُيرَجّ ُح دِينَ الْمُ ْ‬
‫ح ِوهِ ْم ‪ ,‬فَإِّن ُه غََلَبتْ َعلَْيهِمْ‬ ‫جهْمِيّ ُة مِ ْن الِاتّحَادِيّةِ اْل ِف ْر َعوْنِيّ ِة وَنَ ْ‬
‫حَتّى فِي ُف َقهَاِئهِ ْم َوعُبّا ِدهِ ْم ‪ ,‬لَا سِيّمَا اْل َ‬
‫سفَةِ َأوْ أَ ْكَث ِرهِمْ َوعَلَى هَذَا كَِثيٌ مِ ْن الّنصَارَى َأوْ أَ ْكَث ُرهُمْ وَ َكثِيٌ‬ ‫س َف ُة َوهَذَا مَ ْذ َهبُ َكثِ ٍي مِنْ الْ ُمَتفَلْ ِ‬ ‫اْلفَلْ َ‬
‫مِنْ الَْيهُودِ أَْيضًا ‪ .‬بَلْ َلوْ قَا َل اْلقَائِلُ ‪ :‬إ ْن غَابَ َخوَاصّ اْل ُعلَمَاءِ مِْنهُ ْم وَاْلعُبّا ُد عَلَى هَذَا الْ َم ْذ َهبِ لَمَا‬
‫ُأْبعِدَ ‪ .‬وَقَ ْد رَأَيْت مِ ْن ذَِلكَ َوسَ ِمعْت مَا لَا َيتّسِعُ َل ُه هَذَا الْ َم ْوضِ ُع ‪َ ,‬و َمعْلُومٌ بِالِاضْ ِطرَا ِر مِ ْن دِينِ‬
‫ع غَْي ِر دِينِ الْإِ ْسلَامِ َأ ْو اتّبَاعِ َشرِيعَ ٍة َغْيرِ َشرِيعَةِ‬ ‫غ اتّبَا َ‬‫سلِ ِميَ أَ ّن مَنْ َسوّ َ‬ ‫سلِ ِميَ َوبِاّتفَاقِ َجمِيعِ الْمُ ْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ض الْكِتَابِ ‪,‬‬ ‫ب وَ َك َفرَ بَِبعْ ِ‬ ‫مُحَمّ ٍد صلى ال عليه وسلم َف ُهوَ كَاِفرٌ ‪َ ,‬و ُهوَ كَ ُك ْفرِ مَ ْن آمَنَ بَِبعْضِ الْكِتَا ِ‬
‫كَمَا قَا َل َتعَالَى ‪ { :‬إنّ الّذِينَ يَ ْك ُفرُونَ بِاَلّلهِ َورُ ُسِلهِ َوُيرِيدُونَ أَنْ ُي َفرّقُوا بَيْ َن الّل ِه َورُسُِل ِه وََيقُولُونَ ُن ْؤمِنُ‬
‫ك هُمْ اْلكَاِفرُونَ َحقّا وََأعْتَدْنَا لِلْكَاِفرِينَ‬ ‫ض وَُيرِيدُونَ أَنْ َيتّخِذُوا بَيْ َن ذَِلكَ َسبِيلًا أُولَِئ َ‬ ‫ض وَنَ ْك ُفرُ ِبَبعْ ٍ‬
‫بَِبعْ ٍ‬
‫ض وَيَ ْك ُفرُونَ‬ ‫سفَةُ ُي ْؤمِنُونَ ِبَبعْ ٍ‬ ‫ك ‪ ,‬وَكَذَِلكَ الْمَُتفَ ْل ِ‬ ‫عَذَابًا ُمهِينًا } ‪ .‬وَالَْيهُو ُد وَالّنصَارَى دَا ِخلُونَ فِي ذَِل َ‬
‫ف مِنْ اْلَيهُودِ وَالّنصَارَى يَْبقَى ُك ْفرُ ُه مِ ْن وَ ْجهَيْ ِن ‪َ .‬و َهؤُلَاءِ أَ ْكَثرُ ُو َزرَاِئهِمْ الّذِينَ‬ ‫ض ‪َ ,‬ومَنْ َتفَلْسَ َ‬ ‫بَِبعْ ٍ‬
‫سبَ إلَى الْإِ ْسلَامِ‬ ‫سفًا ثُمّ اْنتَ َ‬ ‫ض ْربِ ‪ ,‬فَِإّنهُ كَانَ َيهُودِيّا مَُتفَلْ ِ‬ ‫َيصْ ُدرُو َن عَ ْن رَأِْي ِه غَاَيُتهُ أَ ْن يَكُونَ مِ ْن هَذَا ال ّ‬
‫مَ َع مَا فِي ِه مِنْ اْلَيهُودِيّ ِة وَالّتفَ ْلسُفِ ‪َ ,‬وضَمّ إلَى ذَِلكَ الرّ ْفضَ َفهَذَا ُهوَ َأعْظَ ُم مَ ْن عِنْ َدهُ ْم مِ ْن َذوِي الْأَ ْقلَامِ‬
‫ق َوزَنْ َدقَةٍ‬ ‫َوذَاكَ َأ ْعظَ ُم مَنْ كَانَ ِعنْ َدهُ ْم مِ ْن َذوِي السّيْفِ َفلَْيعَْتِبرْ الْ ُم ْؤمِنُ ِبهَذَا ‪ .‬وَبِالْجُ ْملَ ِة ‪ :‬فَمَا مِنْ ِنفَا ٍ‬
‫ع التّتَارِ ; لَِأّنهُ ْم مِنْ َأ ْجهَلِ اْلخَلْ ِق وََأقَّلهِ ْم َمعْرَِفةً بِالدّي ِن وََأْبعَ ِدهِمْ عَنْ‬ ‫وَإِْلحَادٍ إلّا َوهِ َي دَا ِخلَ ٌة فِي اتّبَا ِ‬
‫س ‪ .‬وَقَ ْد قَسّمُوا النّاسَ َأرَْبعَةَ أَ ْقسَامٍ يال رُبَاع وداشند‬ ‫خلْقِ اتّبَاعًا لِلظّ ّن َومَا َت ْهوَى الْأَْن ُف ُ‬ ‫اتّبَا ِعهِ وََأعْظَ ِم الْ َ‬

‫‪250‬‬
‫وطاط ‪َ ,‬أيْ صَدِي ُقهُمْ َوعَ ُد ّوهُ ْم وَاْلعَالِ ُم وَاْلعَامّ ّي ‪َ ,‬فمَ ْن دَخَلَ فِي طَا َعِتهِمْ اْلجَاهِِليّ ِة وَ ُسنِّتهِمْ الْ ُك ْفرِيّةِ‬
‫كَا َن صَدِي َقهُمْ ‪َ ,‬ومَنْ خَاَل َفهُمْ كَا َن عَ ُد ّوهُمْ ‪ .‬وََلوْ كَا َن مِنْ أَنِْبيَاءِ الّلهِ َورُ ُسِلهِ وََأوِْليَاِئ ِه ‪ ,‬وَكُ ّل مَنْ‬
‫ب ‪َ ,‬ودَنَانِ اْلَيهُودِ ‪,‬‬ ‫سبَ إلَى عِلْمٍ َأ ْو دِي ٍن سَ ّم ْوهُ " داشند " كَاْل َفقِيهِ ‪ ,‬وَالزّاهِ ِد ‪ ,‬وَاْلقِسّيسِ ‪ ,‬وَالرّا ِه ِ‬ ‫اْنتَ َ‬
‫ب ‪ ,‬فَيُ ْدرِجُونَ سَادِ َن الَْأصْنَامِ َفيُ ْدرِجُونَ فِي‬ ‫ب ‪ ,‬وَالْكَاِتبِ ‪ ,‬وَاْلحَا ِس ِ‬ ‫وَالْمَُنجّ ِم ‪ ,‬وَالسّا ِح ِر ‪ ,‬وَالطّبِي ِ‬
‫جعَلُونَ َأهْلَ اْلعِلْ ِم وَاْلِإيَانِ‬ ‫ع مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّل ُه ‪َ ,‬ويَ ْ‬‫ب ‪ ,‬وََأهْ ِل الِْبدَ ِ‬ ‫ي وََأهْلِ الْكِتَا ِ‬ ‫شرِكِ َ‬ ‫هَذَا مِنْ الْ ُم ْ‬
‫جعَلُو َن اْل َقرَامِطَ َة الْمَلَاحِ َدةَ اْلبَاطِِنيّ َة الزّنَا ِدقَةَ الْمُنَاِف ِقيَ كَالطّوسِ ّي وََأمْثَاِل ِه ‪ ,‬هُمْ‬ ‫َن ْوعًا وَاحِدًا ‪ ,‬بَلْ يَ ْ‬
‫ك َوزِي ُرهُمْ‬ ‫سلِ ِميَ وَالَْيهُو ِد وَالّنصَارَى ‪ .‬وَكَذَِل َ‬ ‫سبَ إلَى عِلْمٍ َأ ْو دِي ٍن مِ ْن الْمُ ْ‬ ‫الْحُكّامُ َعلَى جَمِيعِ مَ ْن اْنتَ َ‬
‫سلِ ِميَ كَالرّاِفضَ ِة وَالْ َملَاحِ َدةِ‬ ‫ف وَُيقَ ّدمُ ِشرَارَ الْمُ ْ‬ ‫سفِيهُ الْمَُل ّقبُ بِالرّشِي ِد ‪ ,‬يَحْكُ ُم َعلَى هَ ِذهِ الَْأصْنَا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َعلَى خِيَارِ الْ ُمسْلِ ِميَ َأهْلِ اْل ِعلْ ِم وَالِْإيَا ِن ‪ ,‬حَتّى َتوَلّى َقضَاءَ اْلقُضَا ِة مَنْ كَانَ أَ ْق َربَ إلَى الزّنْدََقةِ‬
‫وَالْإِلْحَادِ وَالْ ُك ْفرِ بِاَلّلهِ َورَسُوِل ِه ‪ ,‬بِحَْيثُ َتكُونُ ُموَاِفقَةً ِللْ ُكفّارِ وَالْمُنَاِف ِقيَ مِنْ الَْيهُودِ وَاْل َقرَامِطَ ِة ‪,‬‬
‫وَالْمَلَاحِ َد ِة ‪ ,‬وَالرّاِفضَ ِة َعلَى مَا ُيرِيدُوَنهُ َأعْظَ َم مِ ْن غَْي ِر ِه وَيََتظَا َهرُ مِنْ َشرِيعَةِ اْلإِسْلَامِ بِمَا لَا ُبدّ َلهُ مِْنهُ‬
‫ف ُمصَّنفًا َمضْمُوُنهُ‬ ‫خبِيثَ الْ ُملْحِ َد الْمُنَافِ َق صَنّ َ‬ ‫سلِ ِميَ حَتّى إ ّن َوزِي َرهُ ْم هَذَا الْ َ‬ ‫لَِأجْ ِل مَ ْن هُنَا َك مِنْ الْمُ ْ‬
‫أَ ّن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َرضِيَ بِدِي ِن اْلَيهُو ِد وَالّنصَارَى ‪ ,‬وََأّنهُ لَا يُْن ِكرُ َعلَْيهِ ْم وَلَا َي ُذمّونَ ‪َ ,‬ولَا‬
‫يَْن َهوْ َن دِيَنهُ ْم ‪ ,‬وَلَا ُي ْؤ َمرُونَ بِالِانِْتقَالِ إلَى الِْإسْلَا ِم وَا ْستَدَ ّل الْخَبِيثُ الْجَاهِلُ ِب َقوِْلهِ ‪ُ { :‬قلْ يَا َأّيهَا‬
‫الْكَاِفرُونَ لَا َأعْبُ ُد مَا َتعْبُدُو َن وَلَا َأنْتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُ ُد وَلَا أَنَا عَابِ ٌد مَا عَبَدُْتمْ َولَا أَْنتُ ْم عَابِدُو َن مَا َأعْبُدُ‬
‫َلكُ ْم دِينُكُ ْم وَِل َي دِي ٌن } ‪َ .‬و َزعَمَ أَ ّن هَ ِذهِ الْآَيةَ َتقَْتضِي أَّنهُ َي ْرضَى دِيَنهُ ْم ‪ ,‬وَقَا َل ‪َ :‬وهَ ِذهِ الْآَي ُة مُحْكَمَةٌ‬
‫ب ذَِلكَ ُأمُورٌ ‪َ ,‬ومِنْ الْ َم ْعلُومِ أَ ّن هَذَا َجهْ ٌل مِْنهُ ‪ ,‬فَإِ ّن َقوَْلهُ َلكُ ْم دِينُكُمْ‬ ‫ت مَنْسُو َخ ًة ‪ ,‬وَ َج َرتْ ِبسََب ِ‬ ‫س ْ‬ ‫َليْ َ‬
‫وَلِ َي دِينٌ لَْيسَ فِيهِ مَا َيقَْتضِي أَنْ َيكُونَ دِينُ الْ ُكفّارِ َحقّا وَلَا َم ْرضِيّا َل ُه ‪ ,‬وَإِنّمَا يَدُ ّل َعلَى َتْبرِئَ ٍة مِنْ‬
‫شرْكِ كَمَا قَالَ فِي الْآَيةِ‬ ‫دِيِنهِ ْم ‪ ,‬وَِلهَذَا قَا َل صلى ال عليه وسلم فِي هَ ِذهِ السّو َرةِ إّنهَا َبرَا َءةٌ مِنْ ال ّ‬
‫الْأُ ْخرَى ‪ { :‬وَإِنْ كَذّبُوك َفقُلْ لِي عَ َملِي وَلَكُ ْم عَمَُلكُمْ أَنُْتمْ َبرِيئُو َن مِمّا َأعْمَ ُل وََأنَا َبرِي ٌء مِمّا‬
‫َتعْمَلُونَ } ‪َ .‬ف َقوُْلهُ ‪ { :‬لَكُ ْم دِينُكُ ْم وَلِ َي دِي ٌن } َك َقوِْلهِ َلنَا َأعْمَاُلنَا وَلَكُمْ َأعْمَاُلكُ ْم ‪ .‬وَقَ ْد اتّبَ َع ذَِلكَ‬
‫بِمُوجِِب ِه َومُقَْتضَاهُ َحْيثُ قَا َل ‪َ :‬أنْتُ ْم َبرِيئُو َن مِمّا َأعْمَ ُل ‪ ,‬وََأنَا َبرِيءٌ مِمّا َتعْ َملُونَ ‪ ,‬وََلوْ قُ ّدرَ أَنّ فِي هَ ِذهِ‬
‫السّو َر ِة مَا َيقَْتضِي أَّنهُمْ لَ ْم ُي ْؤمَرُوا ِبَترْ ِك دِيِنهِ ْم َفقَدْ ُعلِمَ بِالِاضْ ِطرَارِ مِ ْن دِينِ الِْإسْلَامِ بِالّنصُوصِ‬
‫ك وَأَخَْبرَ‬ ‫شرِ ِكيَ وََأهْ ِل الْ ِكتَابِ بِالِْإيَا ِن ِبهِ ‪ ,‬وَأَّنهُ جَا َءهُمْ َعلَى ذَِل َ‬ ‫الْمَُتوَاِت َر ِة وَبِإِجْمَاعِ الُْأمّةِ أَّنهُ َأمَرَ الْمُ ْ‬
‫خَلفَاءَ الرّا ِشدِينَ‬ ‫ض َومََنعُوا أَنْ َنذْ ُكرَ َعلَى الْمَنَاِبرِ الْ ُ‬ ‫خلُدُونَ فِي النّارِ ‪ .‬وَقَدْ أَ ْظ َهرُوا الرّفْ َ‬ ‫َأّنهُمْ كَاِفرُونَ يَ ْ‬
‫ش َر الّذِي َن َت ْزعُمُ الرّاِفضَةُ أَّنهُمْ َأئِمّ ٌة َم ْعصُومُونَ وَأَنّ َأبَا بَ ْك ٍر ‪,‬‬ ‫‪َ ,‬وذَ َكرُوا َعلِيّا وَأَ ْظ َهرُوا ال ّد ْع َوةَ لِلِاثْنَ ْي عَ َ‬
‫َوعُ َم َر ‪َ ,‬وعُثْمَا َن ‪ُ :‬كفّا ٌر ‪ ,‬وَُفجّا ٌر ‪ ,‬ظَالِمُونَ لَا ِخلَاَفةَ َلهُ ْم ‪ ,‬وَلَا لِمَنْ َبعْ َدهُ ْم ‪.‬‬
‫ج غَايَُتهُمْ تَ ْكفِ ُي عُْثمَا َن ‪َ ,‬وعَِليّ ‪,‬‬ ‫خوَارِ َ‬ ‫ي ‪ ,‬فَإِنّ الْ َ‬ ‫ج الْمَارِِق َ‬‫خوَارِ ِ‬ ‫َومَ ْذ َهبُ الرّاِفضَةِ َش ّر مِنْ مَ ْذ َهبِ اْل َ‬
‫ي ‪َ ,‬وتَجْحَ ُد مِنْ‬ ‫وَشِيعَِتهِمَا ‪ ,‬وَالرّاِفضَةَ تَ ْكفِيُ أَبِي بَ ْك ٍر ‪َ ,‬وعُ َم َر ‪َ ,‬وعُثْمَا َن ‪ ,‬وَجُ ْمهُورِ السّاِب ِقيَ الَْأوِّل َ‬

‫‪251‬‬
‫ج ‪َ ,‬وفِيهِ ْم مِنْ اْلكَ ِذبِ وَالِا ْفِترَا ِء‬ ‫خوَارِ ُ‬ ‫سُنّ ِة َرسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َأعْظَ َم مِمّا َجحَدَ ِبهِ اْل َ‬
‫خوَارِجِ‬ ‫ي مَا لَْيسَ مِ ْن الْ َ‬ ‫خوَا ِرجِ ‪ ,‬وَفِيهِمْ مِ ْن ُمعَاوَنَ ِة الْ ُكفّا ِر عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫وَاْلغُُل ّو وَالِْإلْحَا ِد مَا لَْيسَ فِي الْ َ‬
‫شرِ ِكيَ‬ ‫سلِ ِميَ وَالرّاِفضَ ُة هُ ْم مُعَاوِنُونَ ِللْمُ ْ‬ ‫حصُ ُل بِ َدوْلَ ِة الْمُ ْ‬ ‫حبّ التّتَا َر َو َدوْلََتهُمْ لِأَّنهُ يَ ْ‬ ‫‪ ,‬وَالرّاِفضَةِ ُت ِ‬
‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬وهُمْ كَانُوا مِنْ َأعْ َظمِ الَْأسْبَابِ فِي دُخُو ِل التّتَارِ َقبْلَ‬ ‫وَالَْيهُو ِد وَالّنصَارَى عَلَى ِقتَا ِل الْمُ ْ‬
‫س ُمعَاوَنَةً َلهُ ْم عَلَى‬ ‫ق ‪ ,‬وَالشّامِ ‪ ,‬وَكَا َن مِنْ َأعْظَمِ النّا ِ‬ ‫خرَاسَا َن ‪ ,‬وَاْل ِعرَا ِ‬ ‫شرِقِ بِ ُ‬ ‫إسْلَا ِمهِمْ إلَى َأ ْرضِ الْمَ ْ‬
‫سلِ ِميَ وَ َسبْيِ َح ِر ِيهِمْ ‪ ,‬وََقضِيّةُ ابْنِ اْل َع ْلقَمِيّ وََأمْثَاِلهِ مَعَ الْخَلِيفَةِ‬ ‫َأخْ ِذهِمْ لِِبلَادِ اْلإِسْلَامِ وََقتْلِ الْمُ ْ‬
‫حرُوبِ الّتِي بَْينَ‬ ‫شهُو َرةٌ َي ْعرُِفهَا عُمُومُ النّاسِ ‪ .‬وَكَذَِلكَ فِي الْ ُ‬ ‫ب مَعَ صَا ِحبِ َحَلبَ مَ ْ‬ ‫وََقضِيُّتهُمْ فِي حََل َ‬
‫سوَاحِلِ الشّامِ قَ ْد َعرَفَ َأهْلُ اْلخِْب َرةِ أَنّ الرّاِفضَةَ َتكُونُ مَعَ الّنصَارَى َعلَى‬ ‫سلِ ِميَ َوبَيْ َن الّنصَارَى بِ َ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫سلِ ِميَ ‪ ,‬وَأَّنهُ ْم عَاوَنُوهُ ْم َعلَى أَخْ ِذ الِْبلَادِ لَمّا جَاءَ التّتَا ُر َو َعزّ عَلَى الرّاِفضَةِ َفتْ ُح عَكّا َوغَْي ِرهَا مِنْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫شرِ ِكيَ كَا َن ذَِلكَ ُغصّ ًة ِعنْدَ الرّاِفضَ ِة ‪ ,‬وَِإذَا غََلبَ‬ ‫سوَاحِ ِل ‪ ,‬وَِإذَا غََلبَ الْ ُمسْلِمُو َن الّنصَارَى وَالْمُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫س ّر ًة عِنْدَ الرّاِفضَ ِة ‪َ ,‬ودَخَلَ فِي الرّاِفضَةِ َأهْلُ‬ ‫ك عِيدًا ‪َ ,‬ومَ َ‬ ‫سلِ ِميَ كَا َن ذَِل َ‬ ‫شرِكُو َن وَالّنصَارَى الْمُ ْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫الزّنْ َدقَ ِة وَالْإِلْحَا ِد مِنْ الّنصَْيرِيّ ِة ‪ ,‬وَالْإِسْمَاعِيِليّة ‪ ,‬وََأمْثَاِلهِ ْم مِنْ الْ َملَا ِح َدةِ اْل َقرَامِطَ ِة َوغَْي ِرهِ ْم مِمّنْ كَانَ‬
‫ب وَالْبِدَعِ‬ ‫ك ‪ ,‬وَالرّاِفضَ ُة َجهْمِيّةٌ قَ َدرِيّ ٌة ‪ ,‬وَفِيهِ ْم مِنْ الْكَ ِذ ِ‬ ‫ق ‪ ,‬وَالشّا ِم ‪َ ,‬وغَْي ِر ذَِل َ‬ ‫خرَاسَا َن ‪ ,‬وَاْل ِعرَا ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫ي عَلِ ّي وَسَاِئرُ‬ ‫ج الْمَارِِقيَ الّذِي َن قَاَتَلهُمْ َأمِيُ الْ ُم ْؤمِِن َ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫وَالِا ْفِترَا ِء عَلَى الّل ِه َورَسُوِلهِ َأ ْعظَ ُم مِمّا فِي الْ َ‬
‫الصّحَاَبةِ بَِأ ْم ِر رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم بَلْ فِيهِمْ مِ ْن ال ّر ّدةِ عَنْ َشرَائِ ِع الدّينِ َأعْظَ ُم مِمّا فِي‬
‫مَاِنعِي الزّكَاةِ الّذِينَ قَاتََلهُمْ َأبُو بَ ْكرٍ الصّدّي ُق وَالصّحَابَ ُة ‪َ ,‬ومِنْ َأعْظَ ِم مَا َذمّ ِبهِ النّبِيّ صلى ال عليه‬
‫ج َقوُْلهُ ‪َ { :‬فهُ ْم َيقْتُلُونَ َأهْ َل الْإِ ْسلَا ِم وَيَ َدعُونَ َأهْلَ الَْأ ْديَانِ } ‪َ .‬كمَا أُ ْخرِجَ فِي‬ ‫خوَارِ َ‬ ‫وسلم الْ َ‬
‫ث عَلِيّ إلَى النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِب ُذهَيَْبةٍ َفقَسّ َمهَا بَيْنَ‬ ‫حيْ ِن ‪َ :‬عنْ أَبِي َسعِيدٍ قَالَ ‪َ { :‬ب َع َ‬ ‫الصّحِي َ‬
‫ش وَالَْأْنصَارُ قَالُوا ‪ُ :‬يعْطِي صَنَادِيدَ َأهْلِ نَجْ ٍد َويَ َدعُنَا ‪ ,‬قَا َل ‪:‬‬ ‫َأ ْرَبعَةٍ َيعْنِي مِنْ ُأ َمرَاءِ نَجْ ٍد َفغَضَِبتْ ُقرَْي ٌ‬
‫جِبيِ ‪َ ,‬كثّ اللّحَْي ِة مَحْلُوقٌ ‪َ ,‬فقَا َل ‪:‬‬ ‫شرِفُ اْلوَجَْنتَيْ ِن نَاِتئُ الْ َ‬ ‫إنّمَا أَتََأّل ُفهُمْ فَأَقَْبلَ َرجُ ٌل غَاِئرُ اْلعَيَْنيْ ِن مُ ْ‬
‫ض وَلَا تَ ْأمَنُونِي َفسَأََلهُ‬ ‫يَا مُحَمّدُ اتّقِ الّلهِ ; َفقَا َل ‪ :‬مَنْ يُطِي ُع الّلهَ إذَا َعصَيْته َأيَ ْأمَنُنِي الّلهُ عَلَى َأهْلِ الَْأ ْر ِ‬
‫ب هَذَا َق ْومًا َيقْ َرءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ‬ ‫رَ ُجلٌ قَْتَلهُ فَمََن َعهُ ‪َ ,‬فلَمّا وَلّى قَا َل ‪ :‬إ ّن مِ ْن ضِْئضِ ِئ هَذَا َأوْ فِي َعقِ ِ‬
‫سهْ ِم مِنْ ال ّرمِيّ ِة ‪َ ,‬ي ْقتُلُونَ َأهْلَ الْإِ ْسلَامِ ‪ ,‬وَيَ َدعُونَ َأهْلَ الَْأوْثَا ِن ‪,‬‬ ‫حَنَا ِج َرهُ ْم يَ ْمرُقُو َن مِنْ الدّي ِن ُمرُوقَ ال ّ‬
‫حيْ ِن عَنْ { أَبِي َسعِيدٍ قَا َل ‪َ :‬بيْنَمَا نَحْ ُن ِعنْدَ‬ ‫َلئِنْ َأ ْدرَكْتهمْ لََأقُْتلَنهُمْ َقتْ َل عَادٍ } وَفِي َل ْفظٍ فِي الصّحِي َ‬
‫صرَ ِة ‪َ ,‬و ُه َو رَجُ ٌل مِنْ َبنِي تَمِي ٍم ‪.‬‬ ‫خوَْي ِ‬
‫رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم َو ُهوَ ُيقَسّمُ َقسْمًا أَتَا ُه ذُو اْل ُ‬
‫سرْت إنْ َلمْ أَكُنْ‬ ‫َفقَا َل ‪ :‬يَا رَسُولَ الّلهِ ‪ ,‬اعْ ِدلْ ‪َ .‬فقَا َل ‪ :‬وَْيلَك فَمَنْ َيعْدِلُ إذَا َلمْ َأعْدِلْ قَدْ ِخبْت َوخَ ِ‬
‫حقِرُ‬ ‫ض ِربُ عُُن َقهُ ‪َ .‬فقَا َل ‪َ :‬د ْعهُ َفإِنّ َلهُ َأصْحَابًا َي ْ‬ ‫َأعْدِ ُل َفقَا َل عُ َمرُ ‪ :‬يَا َرسُولَ الّلهِ ‪ ,‬أَتَ ْأذَنُ لِي فِيهِ فََأ ْ‬
‫َأحَدُكُ ْم صَلَاَتهُ مَ َع صَلَاِتهِ ْم َوصِيَا َم ُه مَعَ صِيَا ِمهِمْ َي ْق َرءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ َترَاقَِيهُ ْم ‪ ,‬يَ ْمرُقُو َن مِنْ الدّينِ‬
‫سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّةِ ‪َ ,‬ينْ ُظرُ إلَى َنصِْلهِ َفلَا يُوجَدُ فِيهِ شَ ْي ٌء ‪ ,‬ثُمّ َينْ ُظرُ إلَى ِرصَاِفهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ‬ ‫كَمَا يَ ْمرُقُ ال ّ‬

‫‪252‬‬
‫شَ ْيءٌ ‪ ,‬ثُ ّم يَنْ ُظرُ إلَى َنضِّيهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ َش ْيءٌ ُثمّ يَنْ ُظرُ إلَى قُ َذ ِذهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَ ْيءٌ قَدْ َسبَقَ اْل َف ْرثَ‬
‫خرُجُو َن عَلَى ِحيِ ُفرْقَةٍ‬ ‫ضعَةِ يَ ْ‬ ‫وَال ّدمَ ‪ ,‬آيَُتهُ ْم رَ ُجلٌ أَ ْس َودُ إحْدَى َعضُدَْي ِه مِثْلُ ثَ ْديِ الْ َمرَْأةِ ‪َ ,‬أ ْو مِثْلُ اْلَب ْ‬
‫ث مِ ْن رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم‬ ‫مِنْ النّاسِ } ‪ .‬قَالَ أَبُو َسعِيدٍ ‪ :‬فَأَ ْشهَدُ َأنّي سَ ِمعْت هَذَا الْحَدِي َ‬
‫أَ ّن َعلِيّ بْنَ َأبِي طَاِلبٍ قَاتََلهُ ْم ‪ ,‬وَأَ ْشهَدُ أَ ّن عَلِ ّي بْنَ أَبِي طَاِلبٍ قَاَتَلهُ ْم وَأَنَا َمعَ ُه ‪ ,‬فََأ َمرَ بِذَِلكَ الرّجُ ِل ‪,‬‬
‫فَالُْت ِمسَ فَُأتِيَ ِبهِ َحتّى نَ َظرْت إلَْي ِه عَلَى َن ْعتِ رَسُو ِل الّلهِ صلى ال عليه وسلم الّذِي َنعََت ُه ‪َ ,‬ف َهؤُلَاءِ‬
‫خوَارِجُ الْمَارِقُو َن مِنْ َأعْ َظمِ مَا َذ ّمهُمْ ِبهِ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ ْم َيقْتُلُونَ َأهْ َل الْإِ ْسلَا ِم وَيَ َدعُونَ‬ ‫الْ َ‬
‫ج مَ َع هَذَا لَمْ يَكُونُوا ُيعَاوِنُونَ‬ ‫خوَارِ ُ‬‫س وَالْ َ‬ ‫خرُجُو َن عَلَى ِحيِ ُفرْقَ ٍة مِ ْن النّا ِ‬ ‫َأهْ َل الَْأوْثَا ِن ‪َ ,‬وذَ َكرَ َأّنهُمْ يَ ْ‬
‫ي ‪ ,‬فَلَ ْم يَ ْك ِفهِمْ َأّنهُمْ لَا‬‫ي ‪ ,‬وَالرّاِفضَ ُة ُيعَاوِنُونَ الْ ُكفّا َر عَلَى قِتَالِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫سلِ ِم َ‬
‫الْ ُكفّا َر عَلَى قِتَا ِل الْمُ ْ‬
‫سلِ ِميَ مَ َع الْ ُكفّا ِر ‪َ ,‬فكَانُوا َأعْظَ َم ُمرُوقًا عَ ْن الدّي ِن مِنْ‬ ‫سلِ ِميَ حَتّى قَاَتلُوا الْمُ ْ‬ ‫ُيقَاتِلُو َن الْ ُكفّا َر مَعَ الْمُ ْ‬
‫ح ِوهِ ْم ‪,‬‬ ‫ض َونَ ْ‬ ‫ج وَال ّروَافِ ِ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫سلِمُونَ َعلَى وُجُوبِ قِتَالِ اْل َ‬ ‫أُوَلِئكَ الْمَا ِرِقيَ بِكَثِيٍ َكثِ ٍي ‪ .‬وَقَدْ َأجْمَعَ الْمُ ْ‬
‫ك مِنْ‬ ‫ي ‪ ,‬كَمَا قَاَتَلهُ ْم عَلِيّ رضي ال عنه ‪ ,‬فَ َكيْفَ إذَا ضَمّوا إلَى ذَِل َ‬ ‫إذَا فَارَقُوا جَمَاعَ َة الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫شرِ ِكيَ مَا ُهوَ مِنْ َأعْظَ ِم الْ ُمضَا ّدةِ لِدِي ِن الْإِ ْسلَا ِم ‪,‬‬ ‫شرِ ِكيَ َكنَائِسًا وَجِنْكِيزْ خَا ْن مَِلكَ الْ ُم ْ‬ ‫َأحْكَامِ الْ ُم ْ‬
‫وَكُ ّل مَنْ َق َفزَ إلَْيهِ ْم مِنْ ُأ َمرَاءَ فَحُكْ ُمهُ حُ ْك ُمهُمْ َوفِيهِ ْم مِنْ ال ّر ّد ِة عَنْ َشرَائِعِ الِْإسْلَامِ ‪ِ ,‬بقَ ْدرِ مَا ارْتَ ّد عَْنهُ‬
‫مِنْ َشرَائِعِ الْإِ ْسلَامِ ‪ .‬وَِإذَا كَا َن السّلَفُ قَدْ سَ ّموْا مَاِنعِي الزّكَا ِة ُمرْتَدّي َن مَعَ َك ْوِنهِمْ َيصُومُو َن وَُيصَلّو َن ‪,‬‬
‫سلِ ِميَ مَعَ‬ ‫ف مِمّ ْن صَارَ مَعَ َأعْدَاءِ الّل ِه َورَسُوِلهِ قَاِتلًا ِللْمُ ْ‬ ‫سلِ ِميَ ‪َ ,‬فكَيْ َ‬ ‫وَلَ ْم يَكُونُوا ُيقَاِتلُونَ جَمَاعَ َة الْمُ ْ‬
‫َأّنهُ وَاْلعِيَاذُ بِاَلّلهِ َلوْ ا ْسَتوْلَى َهؤُلَاءِ الْ ُمحَارِبُونَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ اْلمُحَادّونَ لِّل ِه َورَسُوِلهِ الْ ُمعَادُونَ لِّل ِه َورَسُوِلهِ‬
‫صرَ ‪ .‬فِي ِمثْ ِل هَذَا اْلوَ ْقتِ لَأَ ْفضَى ذَِلكَ إلَى َزوَا ِل دِينِ الِْإسْلَا ِم َو ُدرُوسِ َشرَاِئ ِعهِ ‪.‬‬ ‫‪ ,‬عَلَى َأ ْرضِ الشّا ِم َومِ ْ‬
‫ح ِوهِمَا َفهُمْ فِي هَذَا اْلوَ ْقتِ الْ ُمقَاتِلُو َن عَ ْن دِي ِن الْإِ ْسلَا ِم ‪َ ,‬وهُ ْم مِنْ أَحَقّ‬ ‫صرَ َونَ ْ‬‫َأمّا الطّاِئفَةُ بِالشّا ِم َومِ ْ‬
‫النّاسِ دُخُولًا فِي الطّاِئفَةِ الْ َمْنصُورَةِ الّتِي ذَ َك َرهَا النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم ِب َقوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ‬
‫حةِ الْمُسَْتفِيضَ ِة عَْنهُ ‪ { :‬لَا َتزَالُ طَاِئفَ ٌة مِنْ ُأمّتِي ظَا ِهرِي َن َعلَى اْلحَقّ لَا َيضُ ّرهُ ْم مَنْ خَاَل َفهُ ْم وَلَا‬ ‫الصّحِي َ‬
‫سلِ ٍم ‪ { :‬لَا َيزَالُ َأهْلُ اْل َغ ْربِ } ‪ .‬وَالنِّبيّ صلى ال‬ ‫مَنْ خَ َذَلهُمْ حَتّى َتقُومَ السّاعَ ُة } ‪ .‬وَفِي ِروَاَيةٍ لِمُ ْ‬
‫ق عَْنهَا ‪ ,‬فَإِنّ‬ ‫شرُ ُ‬ ‫عليه وسلم تَكَلّ َم ِبهَذَا الْكَلَامِ بِمَدِينَِتهِ النَّبوِيّ ِة ‪َ ,‬ف َغرُْبهُ مَا َي ْغ ُربُ َعْنهَا ‪ ,‬وَ َشرُْق ُه مَا يَ ْ‬
‫ق َو َغ ْربٌ ‪ ,‬وَِلهَذَا إذَا قَ ِدمَ الرّجُ ُل إلَى‬ ‫شرِي َق وَالّت ْغرِيبَ مِ ْن الُْأمُورِ النّسْبِيّ ِة ‪ ,‬إذْ كُ ّل بَلَدٍ َلهُ َشرْ ٌ‬ ‫التّ ْ‬
‫ق ‪ ,‬وَكَانَ َأهْ ُل الْمَدِينَ ِة يُسَمّونَ َأهْلَ الشّامِ َأهْلَ‬ ‫شرْ ِ‬ ‫الْإِ ْسكَنْ َدرِيّة مِنْ اْل َغ ْربِ َيقُولُونَ ‪ :‬سَاَفرَ إلَى ال ّ‬
‫ق ‪ ,‬كَمَا فِي حَدِيثِ ابْ ِن عُ َمرَ قَالَ ‪ :‬قَ ِد َم رَجُلَا ِن مِنْ‬ ‫شرْ ِ‬ ‫اْل َغ ْربِ ‪َ ,‬ويُسَمّونَ َأهْلَ َنجْ ٍد وَاْل ِعرَاقِ َأهَ َل ال ّ‬
‫ق فَخَطَبَا ‪ .‬وَفِي ِروَايَ ٍة ‪ { :‬مِنْ َأهْلِ َنجْدٍ } ‪ .‬وَِلهَذَا قَالَ أَحْمَدُ ْبنُ حَْنبَ ٍل ‪َ :‬أهْ ُل اْل َغ ْربِ‬ ‫شرِ ِ‬‫َأهْ ِل الْمَ ْ‬
‫شرُقُ َعْنهَا َف ُهوَ‬ ‫ق ‪ ,‬وَكُ ّل مَا َي ْ‬ ‫شرْ ِ‬‫هُمْ َأهْ ُل الشّامِ ‪َ .‬يعْنِي هُمْ َأهْ ُل اْل َغرْبِ كَمَا أَنّ َنجْدًا وَاْل ِعرَاقِ َأوّلُ ال ّ‬
‫ب ‪َ .‬وفِي الصّحِيحَيْ ِن ‪:‬‬ ‫صرَ َوغَْي ِرهَا َف ُه َو دَا ِخلٌ فِي اْل َغرْ ِ‬ ‫ق ‪ ,‬وَكُ ّل مَا َي ْغ ُربُ َعنْ الشّامِ مِ ْن ِم ْ‬ ‫شرْ ِ‬ ‫مِنْ ال ّ‬
‫أَ ّن ُمعَاذَ بْنَ َجبَلٍ قَا َل فِي الطّاِئ َفةِ الْ َمْنصُو َر ِة ‪َ ,‬وهُمْ بِالشّامِ فَِإّنهَا َأصْلُ الْ َم ْغ ِربِ ‪َ ,‬وهُمْ فََتحُوا سَاِئرَ‬

‫‪253‬‬
‫صرِ ‪ ,‬وَاْلقَْي َروَا ِن ‪ ,‬وَالَْأنْدَُلسِ ‪َ ,‬وغَْي ِر ذَِلكَ ‪ ,‬وَِإذَا كَا َن َغ ْربُ الْمَدِيَنةِ النَّبوِيّ ِة مَا َي ْقرُ ُ‬
‫ب‬ ‫الْ َم ْغ ِربِ ‪ :‬كَ ِم ْ‬
‫ح َوهَا َعلَى مُسَامَتَةِ‬ ‫ح ُوهَا عَلَى مُسَامَتَ ِة الْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ كَمَا أَنّ َحرّا َن وَالرّقّةَ وسنصاط وَنَ ْ‬ ‫َعْنهَا فَالنّّي َر ُة وَنَ ْ‬
‫مَكّةَ ‪ ,‬فَمَا َي ْغ ُربُ عَنْ النّّي َرةِ َف ُه َو مِنْ اْل َغ ْربِ الّذِي َن َوعَ َدهُمْ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم لِمَا َتقَ ّدمَ ‪ .‬وَقَدْ‬
‫صفَةِ الطّاِئ َفةِ الْ َمْنصُورَةِ أَّنهُمْ بَِأكْنَافِ الَْبْيتِ الْ ُمقَ ّدسِ ‪َ ,‬وهَ ِذهِ الطّاِئفَ ُة هِيَ‬ ‫جَاءَ فِي حَدِيثٍ آ َخرَ فِي ِ‬
‫الّتِي بِأَكْنَافِ اْلبَْيتِ الْ ُمقَ ّدسِ الَْي ْومَ َومَنْ َيدّّبرُ أَ ْحوَالَ اْلعَالَ ِم فِي هَذَا اْلوَ ْقتِ َفعَلِمَ أَ ّن هَ ِذ ِه الطّاِئفَ َة هِيَ‬
‫ض َو َغرِْبهَا ‪ ,‬فَإِّنهُ ْم هُمْ الّذِي َن ُيقَاتِلُونَ‬ ‫َأ ْق َومُ ال ّطوَائِفِ بِدِينِ اْلإِسْلَامِ ِعلْمًا َوعَمَلًا وَ ِجهَادًا َعنْ َشرْقِ الَْأ ْر ِ‬
‫شرِ ِكيَ مِنْ‬ ‫ب ‪َ ,‬و َمغَازِيهِ ْم مَعَ الّنصَارَى ‪َ ,‬ومَعَ اْلمُ ْ‬ ‫شرِ ِكيَ ‪ ,‬وََأهْلِ الْكِتَا ِ‬ ‫شوْ َكةِ اْلعَظِيمَ ِة مِنْ الْمُ ْ‬ ‫َأهْ َل ال ّ‬
‫ح ِوهِ ْم مِنْ‬
‫ي مِنْ الدّا ِخِليَ فِي الرّاِفضَ ِة َوغَْي ِرهِ ْم ‪ :‬كَالِْإسْمَاعِيلِيّةِ ‪ ,‬وَنَ ْ‬ ‫الّترْ ِك ‪َ ,‬ومَعَ الزّنَادَِقةِ الْمُنَاِفقِ َ‬
‫اْل َقرَامِطَ ِة ‪ ,‬مَ ْعرُوفَ ٌة َمعْلُومَ ٌة قَ ِديًا َوحَدِيثًا وَاْل ِعزّ الّذِي ِللْمُسِْل ِميَ ِبمَشَارِقِ الَْأ ْرضِ َو َمغَارِِبهَا ُهوَ ِب ِع ّزهِمْ‬
‫س ِعيَ وَ ِستّمِائَ ٍة دَخَ َل َعلَى َأهْلِ اْلإِسْلَامِ مِنْ الذّ ّل وَاْل ُمصِيبَ ِة بِمَشَارِقِ‬ ‫وَِلهَذَا لَمّا ُه ِزمُوا سََنةَ ِتسْ ٍع وَتِ ْ‬
‫س هَذَا َم ْوضِ َعهَا ‪َ ,‬وذَِلكَ أَنّ‬ ‫ض َومَغَارِِبهَا مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّلهُ ‪ ,‬وَالْحِكَايَاتُ فِي ذَِلكَ َكثِ َيةٌ لَْي َ‬ ‫الَْأ ْر ِ‬
‫جهَادِ َأوْ ُمضَّيعُونَ َلهُ ‪َ ,‬وهُمْ مُطِيعُونَ لِ َم ْن مََلكَ‬ ‫ف عَا ِجزُو َن عَنْ الْ ِ‬ ‫ت ضِعَا ٌ‬ ‫سُكّانَ الْيَمَ ِن فِي هَذَا اْلوَ ْق ِ‬
‫شرِ ِكيَ لَمّا جَاءَ إلَى َحَلبَ‬ ‫هَ ِذهِ الِْبلَادَ حَتّى ذَ َكرُوا َأّنهُمْ َأ ْرسَلُوا بِالسّمْ ِع وَالطّاعَةِ ِل َهؤُلَا ِء ‪َ ,‬ومَِلكُ الْمُ ْ‬
‫شرِي َعةِ ‪,‬‬ ‫َجرَى ِبهَا مِنْ اْلقَتْ ِل مَا َجرَى ‪ .‬وََأمّا ُسكّانُ اْلحِجَازِ فَأَ ْكَث ُرهُمْ َأوْ َكثِ ٌي مِْنهُمْ خَارِجُو َن عَ ْن ال ّ‬
‫سَتضْ َعفُونَ‬‫ع وَالضّلَا ِل وَاْلفُجُو ِر مَا لَا َيعْلَ ُمهُ إلّا الّلهُ ‪ ,‬وََأهْلُ الِْإيَا ِن وَالدّينِ فِيهِ ْم مُ ْ‬ ‫وَفِيهِ ْم مِنْ اْلبِدَ ِ‬
‫عَا ِجزُونَ ‪ ,‬وَإِنّمَا تَكُونُ َلهُمْ اْل ُق ّوةُ وَاْل ِع ّزةُ فِي هَذَا اْلوَ ْقتِ ِلغَْيرِ َأهْلِ اْلإِسْلَامِ ِبهَ ِذهِ الِْبلَا ِد ‪ ,‬فََل ْو ذَّلتْ هَ ِذهِ‬
‫ض‪,‬‬ ‫الطّاِئفَ ُة وَاْلعِيَاذُ بِاَلّلهِ َتعَالَى لَكَا َن الْ ُم ْؤمِنُونَ بِالْحِجَا ِز مِنْ َأذَلّ النّاسِ لَا ِسيّمَا وَقَ ْد َغَلبَ فِيهِمْ الرّفْ ُ‬
‫ك َهؤُلَاءِ التّتَارُ الْمُحَارِبُونَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ الْآ َن َمرْفُوضُونَ َفَل ْو غَلَبُوا َلفَسَدَ الْحِجَا ُز بِالْ ُكلّيّةِ ‪ .‬وََأمّا‬ ‫َومََل َ‬
‫جهَا ِد وَاْل َغزْ ِو ‪ .‬وََأمّا‬
‫حقّونَ لِلْ ِ‬‫ستَ ِ‬
‫خلْقِ بَ ْل هُ ْم مُ ْ‬ ‫بِلَادُ إ ْفرِيقِيّ َة فََأ ْعرَاُبهَا غَاِلبُو َن عَلَْيهَا ‪َ ,‬وهُ ْم مِنْ َشرّ الْ َ‬
‫جهَادِ الّنصَارَى الّذِي َن هُنَاكَ بَلْ فِي‬ ‫اْل َغ ْربُ الْأَ ْقصَى فَمَ َع ا ْستِيلَاءِ الْإِ ْف ِرنْ ِج عَلَى َأكَْثرِ ِبلَا ِدهِمْ لَا َيقُومُونَ ِب ِ‬
‫س َك ِرهِمْ مِ ْن الّنصَارَى الّذِينَ يَحْ ِملُونَ الصّ ْلبَانَ َخلْ ٌق عَظِي ٌم َلوْ ا ْسَتوْلَى التّتَا ُر َعلَى هَ ِذهِ اْلبِلَادِ لَكَانَ‬ ‫عَ ْ‬
‫َأهْ ُل الْ َم ْغ ِربِ َم َعهُمْ مِنْ َأذَلّ النّاسِ لَا سِيّمَا وَالّنصَارَى تَدْخُ ُل مَعَ التّتَارِ فََيصِيُونَ ِحزْبًا َعلَى َأهْلِ‬
‫صرَ فِي هَذَا اْل َو ْقتِ هُمْ َكتِيَبةُ الْإِ ْسلَامِ ‪,‬‬ ‫الْ َم ْغ ِربِ ‪َ ,‬فهَذَا َوغَْي ُر ُه مِمّا ُيبَيّنُ أَ ّن هَ ِذهِ اْل ِعصَاَبةَ الّتِي بِالشّا ِم َومِ ْ‬
‫َو ِع ّزهُ ْم ِعزّ الْإِ ْسلَا ِم ‪َ ,‬وذُّلهُ ْم ذُلّ اْلإِسْلَامِ ‪َ ,‬فَلوْ ا ْسَتوْلَى عََلْيهِمْ التّتَارُ لَ ْم يَبْقَ ِللْإِ ْسلَا ِم ِعزّ وَلَا َكلِ َمةٌ عَالَِيةٌ‬
‫‪ ,‬وَلَا طَاِئ َفةٌ ظَا ِه َرةٌ عَاِليَ ٌة يَخَاُفهَا َأ ْهلُ الَْأ ْرضِ ُتقَاِت ُل عَْنهُ ‪ ,‬فَ َمنْ َق َفزَ َعْنهُمْ إلَى التّتَارِ كَانَ أَحَقّ بِاْلقِتَالِ‬
‫مِنْ كَِثيٍ مِ ْن التّتَا ِر ‪ ,‬فَإِنّ التّتَا َر فِيهِمْ الْمُ ْك َرهُ َوغَْي ُر الْمُ ْك َر ِه ‪.‬‬
‫وََقدْ ا ْسَت َقرّتْ السّنّةُ بِأَ ّن ُعقُوبَ َة الْ ُمرْتَدّ َأعْظَ ُم مِ ْن ُعقُوبَ ِة الْكَاِفرِ الَْأصِْل ّي مِنْ وُجُو ٍه مَُتعَ ّد َدةٍ ‪ :‬مِْنهَا ‪ :‬أَنّ‬
‫صلِ ّي ‪َ .‬ومِْنهَا ‪:‬‬ ‫ض َربُ عََلْيهِ ِجزْيَ ٌة ‪ ,‬وَلَا ُت ْعقَدُ َلهُ ِذمّ ٌة بِخِلَافِ الْكَاِفرِ الَْأ ْ‬ ‫الْ ُمرْتَ ّد ُيقْتَلُ بِ ُكلّ حَا ٍل ‪ ,‬وَلَا ُي ْ‬
‫خلَافِ اْلكَاِفرِ الَْأصْلِيّ الّذِي َلْيسَ ُه َو مِنْ َأهْلِ اْلقِتَالِ فَِإّنهُ‬ ‫أَ ّن الْ ُمرْتَ ّد ُيقْتَ ُل وَإِنْ كَا َن عَا ِجزًا عَ ْن اْلقِتَالِ بِ ِ‬

‫‪254‬‬
‫لَا ُيقْتَ ُل عِْندَ أَكَْثرِ اْل ُعلَمَاءِ كََأبِي َحنِيفَة ‪َ ,‬ومَاِلكٍ ‪ ,‬وَأَحْمَ َد ‪ .‬وَِلهَذَا كَا َن مَ ْذ َهبُ الْجُ ْمهُورِ أَنّ الْ ُمرْتَدّ‬
‫ث ‪ ,‬وَلَا يُنَا َك ُح ‪ ,‬وَلَا‬ ‫ك ‪ ,‬وَالشّاِفعِيّ ‪ ,‬وَأَحْمَ َد ‪َ .‬ومِْنهَا أَنّ الْ ُم ْرتَدّ لَا َي ِر ُ‬ ‫ُيقْتَلُ كَمَا ُه َو مَ ْذ َهبُ مَاِل ٍ‬
‫ك مِنْ الَْأحْكَامِ ‪ ,‬وَِإذَا كَاَنتْ ال ّر ّدةُ عَنْ َأصْلِ‬ ‫ف الْكَاِفرِ الَْأصْلِيّ ‪ ,‬إلَى غَْي ِر ذَِل َ‬ ‫حُتهُ ‪ِ ,‬بخِلَا ِ‬‫ُتؤْكَ ُل ذَبِي َ‬
‫ج الَْأصْلِ ّي عَنْ َشرَاِئ ِعهِ‬ ‫الدّينِ َأعْظَ َم مِنْ الْ ُك ْفرِ بَِأصْلِ الدّينِ ‪ ,‬فَال ّردّ ُة عَنْ َشرَاِئعِهِ َأعْظَ ُم مِنْ ُخرُوجِ الْخَارِ ِ‬
‫‪ ,‬وَِلهَذَا كَانَ ُكلّ ُم ْؤمِنٍ َي ْعرِفُ َأ ْحوَا َل التّتَا ِر وََيعْلَمُ أَ ّن الْ ُمرْتَدّينَ الّذِينَ فِيهِ ْم مِنْ اْل ُف ْرسِ وَاْل َع َربِ‬
‫شهَادََتيْ ِن مَعَ َترْ ِكهِمْ‬ ‫ح ِوهِ ْم ‪َ ,‬وهُمْ َبعْدَ أَنْ تَ َكلّمُوا بِال ّ‬ ‫َوغَْي ِرهِمْ َش ّر مِنْ الْ ُكفّارِ الَْأصِْلّييَ مِنْ الّترْ ِك وَنَ ْ‬
‫س وَاْل َع َربِ َوغَْي ِرهِ ْم ‪َ .‬وِبهَذَا َيتََبيّنُ أَ ّن مَنْ كَا َن َمعَهُمْ‬ ‫ِلكَثِ ٍي مِنْ َشرَائِعِ الدّينِ َخْي ٌر مِنْ الْ ُمرْتَدّي َن مِنْ اْل ُف ْر ِ‬
‫صلِيّ إذَا ا ْرتَ ّد عَنْ َبعْضِ‬ ‫سلِمَ الَْأ ْ‬
‫سلِمَ الَْأصْ ِل ُهوَ َش ّر مِنْ الّترْكِ الّذِينَ كَانُوا ُكفّارًا ‪ ,‬فَإِ ّن الْمُ ْ‬ ‫مِمّنْ كَا َن مُ ْ‬
‫شرَاِئعِ ِمثْ ُل ‪ :‬مَاِنعِي الزّكَا ِة وََأمْثَاِلهِ ْم مِمّنْ قَاتََلهُمْ‬ ‫َشرَاِئ ِعهِ كَانَ أَ ْسوَأَ حَالًا مِمّنْ لَمْ يَ ْدخُلْ َبعْدُ فِي تِ ْلكَ ال ّ‬
‫صوّفًا َأ ْو تَا ِجرًا ‪َ ,‬أوْ كَاِتبًا ‪َ ,‬أ ْو غَْي َر ذَِلكَ‬ ‫شرَائِ ِع مَُت َفقّهًا ‪َ ,‬أوْ مَُت َ‬
‫الصّدّي ُق ‪ .‬وَإِنْ كَانَ الْ ُم ْرتَ ّد عَنْ َبعْضِ ال ّ‬
‫سلِمُونَ‬ ‫صرّوا َعلَى الْإِ ْسلَامِ ‪ ,‬وَِلهَذَا يَجِ ُد الْمُ ْ‬ ‫شرَائِ ِع وََأ َ‬
‫َف َهؤُلَاءِ َشرّ مِنْ الّترْكِ الّذِي َن لَمْ يَدْ ُخلُوا فِي ِت ْلكَ ال ّ‬
‫ض َررِ أُوَلِئكَ ‪ ,‬وَيَْنقَادُونَ ِللْإِ ْسلَامِ وَ َشرَاِئ ِعهِ وَطَا َعةِ الّلهِ‬ ‫ض َررِ َهؤُلَا ِء عَلَى الدّي ِن مَا لَا يَجِدُوَنهُ مِ ْن َ‬ ‫مِ ْن َ‬
‫ض الدّي ِن َونَاَفقُوا فِي َب ْعضِ ِه ‪ ,‬وَإِ ْن تَظَا َهرُوا‬ ‫َورَسُوِلهِ َأعْظَ َم مِنْ اْنقِيَا ِد َهؤُلَاءِ الّذِينَ ارْتَدّوا عَنْ َبعْ ِ‬
‫بِالِانْتِسَابِ إلَى اْلعِ ْلمِ وَالدّي ِن ‪َ ,‬وغَاَي ُة مَا يُوجَ ُد مِ ْن َهؤُلَاءِ يَكُو ُن مُلْحِدًا ُنصَْيرِيّا ‪َ ,‬أوْ إسْمَاعِيِليّا ‪َ ,‬أوْ‬
‫ح َو ُه ‪ ,‬فَإِّنهُ لَا َيْنضَمّ إلَْيهِمْ َط ْوعًا مِنْ الْ ُم ْظ ِهرِينَ لِ ْلإِسْلَامِ‬ ‫رَاِفضِيّا ‪ ,‬وَخِيَا ُرهُمْ َيكُونُ َجهْمِيّا اتّحَا ِديّا َأوْ نَ ْ‬
‫ث عَلَى نِيِّتهِ ‪ ,‬وَنَحْنُ‬ ‫إلّا مُنَافِ ٌق ‪َ ,‬أ ْو زِنْدِي ٌق ‪َ ,‬أوْ فَاسِقٌ فَا ِجرٌ ‪َ ,‬ومَنْ أَ ْخرَجُو ُه مَ َعهُ ْم مُ ْك َرهًا فَإِّنهُ ُيْبعَ ُ‬
‫َعلَيْنَا أَنْ ُنقَاتِ َل اْلعَسْ َكرَ جَمِيعَهُ إذْ لَا َيتَمَّيزُ الْمُ ْك َرهُ مِ ْن غَْي ِر ِه ‪َ .‬وقَدْ ثََبتَ فِي الصّحِي ِح ‪ :‬عَ ْن النّبِيّ صلى‬
‫ش مِنْ النّاسِ ‪َ ,‬فبَْينَمَا هُمْ ِببَيْدَاءَ مِنْ الَْأ ْرضِ إذْ ُخسِفَ‬ ‫ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪َ { :‬ي ْغزُو هَذَا الَْبْيتَ جَْي ٌ‬
‫ث مُسَْتفِيضٌ‬ ‫ِبهِمْ َفقِيلَ ‪ :‬يَا رَسُو َل الّل ِه ‪ ,‬إ ّن فِيهِ ْم الْمُ ْك َرهَ ‪َ .‬فقَالَ ‪ُ :‬يْبعَثُونَ َعلَى ِنيّاِتهِ ْم } ‪ .‬وَالْحَدِي ُ‬
‫عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم مِ ْن وُجُوهٍ مَُتعَ ّد َدةٍ أَ ْخرَ َجهُ َأرْبَابُ الصّحِي ِح عَ ْن عَاِئشَ َة ‪ ,‬وَ َحفْصَ َة ‪ ,‬وَُأمّ‬
‫سَلَ َم َة ‪َ .‬ففِي صَحِي ِح مُسْلِ ٍم ‪ :‬عَنْ ُأمّ سَلَ َمةَ قَاَلتْ ‪ { :‬قَا َل رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪َ :‬يعُوذُ‬
‫عَائِذٌ بِالْبَْيتِ َفيُْب َعثُ إلَْيهِ َب ْعثٌ فَِإذَا كَانُوا ِببَيْدَاءَ مِ ْن الَْأ ْرضِ خُسِفَ ِبهِ ْم َفقُلْت ‪ :‬يَا َرسُولَ الّلهِ ‪ ,‬فَ َكيْفَ‬
‫خسَفُ ِبهِ َم َعهُ ْم وَلَكِّنهُ ُيْبعَثُ َي ْومَ اْل ِقيَامَ ِة عَلَى نِيِّتهِ } َوفِي الصّحِيحَيْ ِن ‪:‬‬ ‫بِمَنْ كَانَ كَا ِرهًا ‪ .‬قَالَ ‪ :‬يُ ْ‬
‫ث رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فِي مَنَا ِمهِ َفقُلْنَا ‪ :‬يَا رَسُو َل الّلهِ ‪ ,‬صََنعْت‬ ‫ت ‪ { :‬عََب َ‬ ‫شةَ قَاَل ْ‬
‫عَ ْن عَائِ َ‬
‫جبُ أَنّ نَاسًا مِنْ ُأمّتِي َي ُؤمّونَ هَذَا الْبَْيتَ ِبرَ ُج ٍل مِنْ ُقرَْيشٍ‬ ‫شَيْئًا فِي مَنَامِك لَمْ تَكُ ْن َت ْفعَُلهُ ‪َ .‬فقَا َل ‪ :‬اْلعَ َ‬
‫ف ِبهِمْ ‪َ .‬ف ُقلْنَا ‪ :‬يَا رَسُو َل الّل ِه ‪ ,‬إ ّن ال ّطرِيقَ قَدْ‬ ‫‪ ,‬وَقَدْ لَجََأ إلَى الْبَْيتِ َحتّى إذَا كَانُوا بِالَْبيْدَاءِ خُسِ َ‬
‫جنُونُ وَابْ ُن السّبِي ِل فََيهْلِكُو َن َمهْلَكًا وَاحِدًا وََيصْ ُدرُونَ‬ ‫صرُ وَالْمَ ْ‬ ‫ستَْن ِ‬
‫يَجْمَعُ النّاسَ ‪ .‬قَالَ ‪َ :‬نعَ ْم ‪ ,‬فِيهِمْ الْمُ ْ‬
‫َمصَا ِدرَ َشتّى ‪ ,‬يَْبعَُثهُ ْم الّل ُه َع ّز وَجَ ّل عَلَى نِيّاِتهِمْ } وَفِي َل ْفظٍ لِ ْلبُخَا ِريّ ‪ :‬عَ ْن عَاِئشَةَ قَاَلتْ ‪ { :‬قَالَ‬
‫خسَفُ بَِأوِّلهِمْ‬ ‫رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪َ :‬ي ْغزُو َجْيشٌ الْ َكعَْبةِ فَِإذَا كَانُوا بَِبيْدَا َء مِنْ الَْأ ْرضِ يُ ْ‬

‫‪255‬‬
‫ت ‪ُ :‬قلْت ‪ :‬يَا رَسُولَ الّلهِ ‪ُ ,‬يخْسَفُ بَِأوِّلهِ ْم وَآ ِخ ِرهِمْ ‪ ,‬وَفِيهِمْ أَ ْسوَاُقهُمْ َومَنْ َلْيسَ مِْنهُمْ‬ ‫وَآ ِخ ِرهِ ْم ‪ .‬قَاَل ْ‬
‫‪ .‬قَالَ ‪ُ :‬يخْسَفُ بَِأوِّلهِ ْم وَآ ِخ ِرهِمْ ثُمّ ُيْبعَثُو َن عَلَى ِنيّاِتهِ ْم } ‪ .‬وَفِي صَحِي ِح مُسِْلمٍ ‪ :‬عَنْ َح ْفصَةَ { أَنّ‬
‫ستْ َلهُمْ َمَنعَ ٌة وَلَا‬ ‫رَسُو َل الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَا َل ‪َ :‬سَيعُوذُ ِبهَذَا الْبَْيتِ ‪َ -‬يعْنِي الْ َك ْعبَةَ ‪َ -‬ق ْومٌ لَْي َ‬
‫ف ِبهِمْ } ‪ .‬قَالَ‬ ‫عَ َد ٌد وَلَا عُ ّد ٌة ‪ ,‬يُْب َعثُ إلَْيهِمْ َجْيشٌ َي ْومَئِ ٍذ حَتّى إذَا كَانُوا بَِبيْدَا َء مِنْ الَْأ ْرضِ خُسِ َ‬
‫ص ْفوَا َن ‪َ :‬أمَا وَاَلّل ِه مَا ُهوَ‬ ‫يُوسُفُ بْ ُن مَا َهكَ ‪ :‬وََأهْلُ الشّامِ َي ْومَئِذٍ َيسِيُونَ إلَى مَكّ َة َفقَا َل عَبْدُ الّلهِ بْ ُن َ‬
‫جْيشَ الّذِي َأرَادَ أَنْ يَْنَت ِهكَ ُح ُرمَاِتهِ الْمُ ْك َرهَ فِيهِ ْم َوغَْيرَ الْمُ ْك َرهِ ‪ .‬مَعَ‬ ‫ِبهَذَا الْجَْيشِ فَاَلّلهُ َتعَالَى َأ ْهَلكَ الْ َ‬
‫ب عَلَى الْ ُم ْؤمِِنيَ الْمُجَاهِدِينَ أَنْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ف يَ ِ‬‫قُ ْدرَِتهِ َعلَى التّ ْميِيزِ َبيَْنهُ ْم مَعَ أَّنهُ يَْبعَُثهُ ْم َعلَى ِنيّاِتهِ ْم ‪ .‬فَكَيْ َ‬
‫ج مُ ْك َرهًا لَمْ َيْنفَ ْعهُ ذَِلكَ‬ ‫يُمَّيزُوا بَيْ َن الْمُ ْك َرهِ َو َغْي ِرهِ َوهُمْ لَا َيعْلَمُو َن ذَِلكَ بَلْ َلوْ ا ّدعَى مُدّعٍ أَّنهُ َخرَ َ‬
‫ج ّردِ َد ْعوَا ُه ‪ .‬كَمَا ُروِيَ { أَ ّن اْلعَبّاسَ بْ َن َعبْدِ اْلمُطِّلبِ قَالَ لِلنّبِيّ صلى ال عليه وسلم لَمّا أَ َس َرهُ‬ ‫بِمُ َ‬
‫سلِمُونَ َي ْومَ بَ ْد ٍر ‪ :‬يَا رَسُولَ الّل ِه ‪ ,‬إنّي ‪ُ ,‬كنْت مُ ْك َرهًا ‪َ .‬فقَا َل ‪َ :‬أمّا ظَا ِهرُك َفكَا َن عَلَْينَا وََأمّا‬ ‫الْمُ ْ‬
‫س وَلَمْ يُمْ ِكنْ قِتَاُلهُمْ إلّا ِبقَْتلِ‬ ‫َسرِيرَتُك فَإِلَى الّلهِ } ‪ .‬بَ ْل َلوْ كَانَ فِيهِ ْم َق ْومٌ صَالِحُو َن مِنْ ِخيَارِ النّا ِ‬
‫ف عَلَى الْ ُمسْلِ ِميَ إذَا‬ ‫ي وَخِي َ‬ ‫سلِ ِم َ‬‫َهؤُلَاءِ َلقُِتلُوا أَْيضًا فَإِنّ الَْأئِمّ َة مُّت ِفقُونَ َعلَى أَنّ الْ ُكفّارَ َلوْ تََترّسُوا بِمُ ْ‬
‫سلِ ِميَ جَا َز َوهِيَ أُولَِئكَ‬ ‫ف عَلَى الْمُ ْ‬ ‫َلمْ ُيقَاِتلُوا فَِإّنهُ يَجُوزُ أَنْ َن ْرمَِيهُ ْم وََن ْقصِدَ الْ ُكفّا َر ‪ ,‬وََلوْ لَ ْم نَخَ ْ‬
‫جهَا ِد الّذِي َأ َمرَ الّلهُ ِبهِ َورَسُوُلهُ ُهوَ فِي‬ ‫سلِ ِميَ أَْيضًا فِي َأحَدِ َقوْلَ ْي اْلعُلَمَا ِء ‪َ .‬ومَنْ ُقتِلَ لِأَ ْجلِ الْ ِ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ث عَلَى نِيِّت ِه ‪ ,‬وََلمْ يَكُ ْن قَتُْلهُ َأعْظَ َم فَسَادًا مِنْ َقتْ ِل مَنْ ُيقْتَ ُل مِنْ‬ ‫الْبَاطِ ِن مَظْلُومٌ كَانَ َشهِيدًا ‪ ,‬وَُب ِع َ‬
‫ي مَا شَاءَ الّلهُ َفقِي َل مَنْ ُيقْتَلُ فِي‬ ‫سلِ ِم َ‬‫جهَا ُد وَا ِجبًا وَإِنْ قُِت َل مِنْ الْمُ ْ‬ ‫الْ ُم ْؤمِِنيَ الْ ُمجَاهِدِي َن ‪ ,‬وَِإذَا كَانَ الْ ِ‬
‫جهَادِ لَْيسَ َأعْظَ َم مِنْ هَذَا ‪ ,‬بَلْ قَدْ َأ َمرَ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم‬ ‫سلِ ِميَ لِحَا َجةِ الْ ِ‬ ‫ص ّفهِمْ مِ ْن الْمُ ْ‬ ‫َ‬
‫سرِ سَْي ِفهِ وََلْيسَ َلهُ أَنْ ُيقَاتِ َل ‪ ,‬وَإِ ْن قُتِ َل ‪ ,‬كَمَا فِي صَحِي ِح مُسْلِ ٍم عَنْ َأبِي‬ ‫الْمُ ْك َرهَ فِي قِتَا ِل اْلفِتَْنةِ بِ َك ْ‬
‫بَ ْك َرةَ { قَا َل رَسُو ُل الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إّنهَا َستَكُونُ فِتَنٌ َألَا ثُ ّم تَكُونُ فَِتنٌ أَلَا ثُ ّم تَكُونُ فَِتنٌ‬
‫اْلقَاعِدُ فِيهَا خَْي ٌر مِنْ الْمَاشِي ‪ ,‬وَالْمَاشِي فِيهَا خَْي ٌر مِنْ السّاعِي ‪ ,‬أَلَا فَِإذَا َنزََلتْ َأوْ َوَق َعتْ فَ َمنْ كَانَ َلهُ‬
‫ضهِ ‪ ,‬قَا َل ‪:‬‬ ‫حقْ بَِأ ْر ِ‬ ‫حقْ ِبغَنَ ِم ِه ‪َ ,‬ومَنْ كَاَنتْ َلهُ َأ ْرضٌ فَ ْليَلْ َ‬ ‫إبِلٌ َفلَْيلْحَقْ ِبإِبِِل ِه ‪َ ,‬ومَنْ كَاَنتْ َلهُ غَنَ ٌم فَ ْليَلْ َ‬
‫َفقَا َل رَجُلٌ يَا رَسُو َل الّلهِ ‪َ ,‬أرَأَيْت مَنْ لَمْ يَكُ ْن َلهُ إبِ ٌل ‪ ,‬وَلَا َغنَ ٌم ‪ ,‬وَلَا َأ ْرضٌ قَا َل ‪َ :‬يعْمِدُ إلَى سَْي ِفهِ‬
‫ع النّجَاةَ ‪ .‬الّلهُ ّم هَلْ َبّلغْت ‪ ,‬الّلهُ ّم هَلْ َبّلغْت الّلهُ ّم هَلْ‬ ‫جرٍ ‪ ,‬ثُمّ ِليَْنجُ إنْ ا ْستَطَا َ‬ ‫حَ‬ ‫ق َعلَى حَ ّدهِ بِ َ‬ ‫فَيَدُ ّ‬
‫صفّيْنِ َأوْ إحْدَى‬ ‫بَّلغْت ‪َ .‬فقَا َل رَ ُجلٌ ‪ :‬يَا َرسُولَ الّلهِ ‪َ ,‬أرَأَيْت إنْ أُ ْك ِرهْت حَتّى ُينْ َطلَقَ بِي إلَى إحْدَى ال ّ‬
‫سهْ ِمهِ فََي ْقتُلَنِي ‪ .‬قَا َل ‪ :‬يَبُوءُ بِإِثْ ِم ِه وَإِثْمِك ‪َ ,‬ويَكُو ُن مِنْ َأصْحَابِ‬ ‫ضرِبُنِي رَجُ ٌل بِسَْي ِفهِ َأوْ بِ َ‬ ‫اْلفِئََتيْنِ َفَي ْ‬
‫النّارِ } ‪َ .‬ففِي هَذَا اْلحَدِيثِ أَّنهُ َنهَى عَ ْن اْلقِتَا ِل فِي اْلفِْتنَ ِة بَلْ َأ َمرَ بِمَا َيَتعَ ّذرُ َم َعهُ اْلقِتَا ُل مِنْ الِاعِْتزَالِ َأوْ‬
‫إفْسَادِ السّلَاحِ الّذِي ُيقَاتِلُ ِب ِه ‪ .‬وََقدْ َدخَلَ فِي ذَِلكَ اْلمُ ْك َرهُ َوغَْي ُرهُ ثُ ّم بَيّنَ أَ ّن الْمُ ْك َرهَ إذَا ُقتِلَ ظُلْمًا‬
‫كَا َن اْلقَاِتلُ قَدْ بَاءَ ِبإِثْ ِم ِه وَإِثْمِ الْ َمقْتُولِ كَمَا قَالَ َتعَالَى فِي ِقصّ ِة ابَْن ْي آ َدمَ َعنْ الْمَ ْظلُومِ { إنّي ُأرِيدُ أَنْ‬
‫تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِك فََتكُونَ مِنْ َأصْحَابِ النّا ِر َوذَِلكَ َجزَاءُ الظّالِ ِميَ } َومَعْلُومٌ أَنّ اْلإِنْسَانَ إذَا صَالَ‬

‫‪256‬‬
‫جبُ َعلَْيهِ الدّفْعُ بِاْلقِتَا ِل عَلَى‬ ‫ع وَإِنّمَا َتنَا َزعُوا هَلْ َي ِ‬ ‫سهِ جَازَ َلهُ الدّفْ ُع بِالسّنّ ِة وَالْإِجْمَا ِ‬ ‫صَاِئ ٌل عَلَى َنفْ ِ‬
‫ف ‪ .‬وَالثّانَِيةُ ‪:‬‬ ‫ضرْ الصّ ّ‬ ‫حُ‬ ‫سهِ وََلوْ َلمْ يَ ْ‬ ‫جبُ الدّ ْفعُ َعنْ َنفْ ِ‬ ‫َقوْلَيْ ِن هُمَا ِروَايَتَا ِن عَنْ َأحْمَ َد ‪ :‬إحْدَاهُمَا ‪َ :‬ي ِ‬
‫ب ‪ ,‬وَالْ َم ْقصُودُ أَّنهُ إذَا كَانَ‬ ‫سهِ ‪ .‬وََأمّا الِابْتِدَاءُ بِاْلقِتَالِ فِي اْلفِتَْنةِ َفلَا يَجُوزُ ِبلَا رَْي ٍ‬ ‫يَجُوزُ َلهُ الدّ ْفعُ َعنْ َنفْ ِ‬
‫الْمُ ْك َر ُه عَلَى اْلقِتَا ِل فِي اْل ِفتْنَ ِة لَْيسَ َلهُ أَ ْن ُيقَاتِ َل ‪ ,‬بَ ْل عََلْيهِ إفْسَادُ ِسلَا ِح ِه ‪ ,‬وَأَ ْن َيصِْبرَ حَتّى ُي ْقتَ َل مَظْلُومًا‬
‫سلِ ِميَ مَ َع الطّاِئفَةِ اْلخَارِجَ ِة عَ ْن َشرَائِ ِع الِْإسْلَا ِم ‪َ :‬كمَاِنعِي الزّكَاةِ ‪,‬‬ ‫فَكَيْفَ بِالْمُ ْك َر ِه عَلَى ِقتَا ِل الْمُ ْ‬
‫حضُورِ أَنْ لَا ُيقَاتِ َل وَإِ ْن قَتََلهُ‬ ‫جبُ َعلَْيهِ إذَا أُ ْك ِر َه عَلَى الْ ُ‬ ‫ح ِوهِمْ ‪َ ,‬فلَا رَْيبَ أَ ّن هَذَا يَ ِ‬ ‫وَالْ ُمرْتَدّي َن ‪ ,‬وََن ْ‬
‫سلِ ِميَ ‪ ,‬وَكَمَا َلوْ أَ ْك َرهَ رَ ُج ٌل رَجُلًا‬ ‫صفّهِمْ ِلُيقَاتِلَ الْمُ ْ‬ ‫سلِمُونَ كَمَا َلوْ أَ ْك َر َههُ الْ ُكفّا ُر عَلَى ُحضُو ِر َ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫سلِ ِميَ ‪ ,‬وَإِنْ أَ ْك َرهَهُ بِاْلقَتْلِ فَِإّنهُ لَْيسَ ِحفْظُ‬ ‫َعلَى َقتْ ِل مُسْلِ ٍم َم ْعصُومٍ فَإِّنهُ لَا يَجُوزُ َلهُ قَْتُلهُ بِاّتفَاقِ الْمُ ْ‬
‫س ‪ ,‬فََلْيسَ َلهُ أَنْ يَ ْظلِ َم غَْي َرهُ فََي ْقتَُل ُه ‪ِ ,‬لئَلّا ُيقْتَ َل ُه َو ‪َ ,‬بلْ إذَا‬‫سهِ ِبقَتْ ِل ذَِلكَ الْ َم ْعصُومِ َأوْلَى مِنْ اْلعَكْ ِ‬ ‫َنفْ ِ‬
‫ك ‪ ,‬وَالشّاِفعِ ّي ‪ ,‬فِي أَحَدِ‬ ‫َفعَلَ ذَِلكَ كَا َن اْل َق َودُ عَلَى الْ ُم ْك ِرهِ جَمِيعًا عِنْدَ أَكَْث ِر اْلعُلَمَا ِء ‪ :‬كََأحْمَ َد ‪َ ,‬ومَاِل ٍ‬
‫جبُ اْل َق َودُ عَلَى الْ ُم ْك ِرهِ َف َقطْ َك َقوْلِ ‪ :‬أَبِي حَنِي َفةَ ‪َ ,‬ومُحَمّ ٍد ‪َ ,‬وقِيلَ ‪ :‬اْل َق َودُ‬ ‫َقوْلَْي ِه ‪ ,‬وَفِي الْآ َخرِ ‪َ :‬ي ِ‬
‫ب الضّمَانَ بِالدّيَ ِة بَدَلَ اْل َقوَ ِد وَلَمْ‬ ‫ي ذَِلكَ َعنْ ُزَفرَ ‪ ,‬وَأَبُو يُوسُفَ ‪ :‬يُو ِج ُ‬ ‫َعلَى اْلمُ ْك َرهِ الْمُبَا ِشرِ كَمَا ُروِ َ‬
‫ح ِه ‪ :‬عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ِقصّةَ َأصْحَابِ الْأُخْدُو ِد وَفِيهَا‬ ‫يُوجِْب ُه ‪ .‬وََقدْ َروَى مُسْلِمٌ فِي صَحِي ِ‬
‫سلِمُ‬ ‫حةِ ُظهُورِ الدّي ِن ‪ ,‬وَِلهَذَا َج ّوزَ الَْأئِمّ ُة الَْأرَْبعَةُ أَ ْن يَْنغَ ِمسَ الْمُ ْ‬ ‫سهِ لِأَ ْجلِ َمصْلَ َ‬ ‫أَ ّن اْلغُلَامَ َأ َمرَ ِبقَتْلِ َنفْ ِ‬
‫سلِ ِميَ ‪ .‬وَقَدْ َبسَطْنَا‬ ‫ك مَصَْلحَةٌ ِللْمُ ْ‬ ‫ب عَلَى ظَّنهِ أَّنهُ ْم َيقْتُلُوَنهُ إذَا كَانَ فِي ذَِل َ‬ ‫فِي صَفّ الْ ُكفّا ِر وَإِ ْن غََل َ‬
‫حةِ‬ ‫اْل َقوْلَ فِي هَ ِذهِ اْلمَسْأََلةِ فِي َم ْوضِعٍ آ َخ َر ‪ ,‬فَِإذَا كَا َن الرّجُ ُل َيفْعَ ُل مَا َيعَْتقِدُ أَّنهُ ُيقَْتلُ ِبهِ لِأَجْ ِل َمصْلَ َ‬
‫حةِ الدّينِ الّتِي لَا‬ ‫سهُ َأعْ َظمُ مِ ْن قَْتِلهِ ِلغَْي ِرهِ كَا َن مَا ُي ْفضِي إلَى َقتْ ِل غَْي ِرهِ لِأَجْ ِل َمصْلَ َ‬ ‫جهَا ِد مَعَ أَنّ قَْتَلهُ َنفْ َ‬ ‫الْ ِ‬
‫ض َررِ اْلعَ ُدوّ اْل ُمفْسِدِ لِلدّي ِن وَالدّنْيَا ‪ ,‬الّذِي لَا يَنْ َدفِعُ إلّا بِذَِلكَ َأوْلَى وَِإذَا كَاَنتْ‬ ‫حصُلُ إلّا بِ َذِلكَ َودَفْ ِع َ‬ ‫تَ ْ‬
‫صوُْلهُ إلّا بِاْلقَتْلِ ُقتِ َل وَإِنْ كَانَ الْمَالُ‬ ‫سلِمَ إذَا لَمْ َينْدَفِ ْع َ‬
‫السّنّ ُة وَالْإِجْمَاعُ ُمّتفِقَيْ ِن َعلَى أَنّ الصّائِلَ الْمُ ْ‬
‫الّذِي يَأْخُ ُذهُ قِيَاطًا مِ ْن دِينَارٍ ‪ ,‬كَمَا قَالَ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصّحِي ِح ‪ { :‬مَنْ قُِتلَ‬
‫دُو َن مَاِلهِ َف ُهوَ َشهِي ٌد ‪َ ,‬ومَنْ ُقتِ َل دُونَ َد ِمهِ َف ُهوَ َشهِي ٌد ‪َ ,‬ومَنْ ُقتِ َل دُونَ َح َرمِهِ َف ُهوَ َشهِي ٌد } ‪َ .‬فكَيْفَ‬
‫صوُْلهُ ْم وََبغُْيهُمْ أََقلّ مَا فِيهِ ْم ‪,‬‬ ‫ِبقِتَا ِل َهؤُلَاءِ اْلخَارِ ِجيَ َعنْ َشرَاِئعِ الِْإسْلَامِ الْمُحَارِِبيَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ الّذِي َن َ‬
‫ع ‪َ ,‬و َهؤُلَاءِ ُمعْتَدُو َن صَائِلُو َن َعلَى اْلمُسْلِ ِميَ فِي‬ ‫فَإِنّ ِقتَالَ الْ ُمعْتَدِي َن الصّاِئِليَ ثَاِبتٌ بِالسّنّ ِة وَاْلإِجْمَا ِ‬
‫سهِ ْم ‪ ,‬وََأ ْموَاِلهِ ْم ‪ ,‬وَ ُح َرمِهِ ْم ‪َ ,‬ودِيِنهِ ْم ‪ ,‬وَكُ ّل مِ ْن هَ ِذهِ يُبِي ُح قِتَا َل الصّائِ ِل َعلَْيهَا ‪َ ,‬ومَنْ ُقتِ َل دُوَنهَا‬ ‫َأْنفُ ِ‬
‫ي ‪ ,‬لَكِ ْن مَ ْن َزعَمَ أَّنهُمْ‬ ‫ف بِمَنْ قَاتَ َل عََلْيهَا كُّلهَا َوهُ ْم مِنْ َشرّ اْلُبغَاةِ الْمُتََأوِّليَ الظّالِ ِم َ‬ ‫َف ُهوَ َشهِي ٌد ‪ ,‬فَكَيْ َ‬
‫ُيقَاتَلُونَ كَمَا ُتقَاتَ ُل الُْبغَاةُ اْلمُتََأوّلُونَ َفقَدْ أَخْطََأ خَطَأً َقبِيحًا َوضَ ّل ضَلَالًا َبعِيدًا فَإِنّ َأقَ ّل مَا فِي الُْبغَاةِ‬
‫الْمُتََأوِّليَ أَنْ َيكُونَ َلهُمْ تَ ْأوِي ٌل سَائِغٌ َخ َرجُوا ِب ِه ‪ .‬وَِلهَذَا قَالُوا ‪ :‬إ ّن الِْإمَامَ ُيرَاسَُلهُ ْم ‪ ,‬فَإِ ْن ذَ َكرُوا شُْب َهةً‬
‫بَيَّنهَا ‪ ,‬وَإِ ْن ذَ َكرُوا مَظْلِمَةً َأزَاَلهَا ‪ ,‬فََأيّ شُْبهَ ٍة ِل َهؤُلَاءِ الْمُحَا ِرِبيَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ السّا ِعيَ فِي الَْأ ْرضِ فَسَادًا‬
‫‪ ,‬وَاْلخَارِ ِجيَ عَ ْن َشرَائِ ِع الدّي ِن وَلَا رَْيبَ أَّنهُمْ لَا َيقُولُونَ َأّنهُمْ أَ ْق َومُ بِدِينِ الِْإسْلَا ِم عِ ْلمًا َوعَمَلًا مِ ْن هَ ِذهِ‬

‫‪257‬‬
‫الطّاِئفَةِ بَ ْل ُه َو مَ َع َد ْعوَاهُمْ الِْإسْلَامَ َي ْعلَمُونَ أَنّ هَ ِذ ِه الطّاِئفَةَ َأعْلَ ُمهُ ْم بِإِ ْسلَامٍ مِْنهُ ْم ‪ ,‬وَأَتَْبعُ َلهُ مِْنهُ ْم ‪,‬‬
‫سلِ ِميَ بِاْلقِتَا ِل ‪,‬‬ ‫حتَ َأدِيِ السّمَا ِء مِ ْن مُسْلِ ٍم وَكَاِفرٍ َيعْلَ ُم ذَِلكَ َوهُ ْم مَ َع ذَِلكَ يُنْ ِذرُونَ الْمُ ْ‬ ‫وَكُ ّل مَنْ َت ْ‬
‫ف َوهُمْ قَ ْد سََبوْا غَاِلبَ َحرِ ِي ال ّرعِيّةِ‬ ‫ستَحِلّونَ ِبهَا قِتَالَ الْ ُمسْلِ ِميَ كَيْ َ‬ ‫فَامْتَنَعَ أَ ْن تَكُونَ َلهُمْ شُْب َهةٌ َبيّنَ ٌة يَ ْ‬
‫الّذِينَ لَمْ ُيقَاِتلُوهُ ْم ؟ حَتّى إ ّن النّاسَ قَ ْد رََأ ْوهُمْ ُيعَظّمُونَ اْلُبقْعَ َة َويَأْخُذُو َن مَا فِيهَا مِ ْن الَْأ ْموَا ِل ‪,‬‬
‫ب ‪ ,‬وََيسْبُونَ َح ِر َيهُ وَُيعَاقِبُوَنهُ بَِأْنوَاعِ‬ ‫وَُيعَظّمُو َن الرّجُ َل وََيتََبرّكُونَ ِب ِه ‪ ,‬وََيسُْلبُوَنهُ مَا َعلَْيهِ مِ ْن الثّيَا ِ‬
‫ج ُرهُ ْم ‪ ,‬وَالْمُتََأوّ ُل تَ ْأوِيلًا دِيِنيّا لَا ُيعَاِقبُ إلّا مَنْ َيرَاهُ‬ ‫س وَأَفْ َ‬
‫اْل ُعقُوبَاتِ الّتِي لَا ُيعَاَقبُ ِبهَا إلّا أَظَْلمُ النّا ِ‬
‫عَاصِيًا لِلدّي ِن ‪َ ,‬وهُمْ ُيعَظّمُو َن مَنْ ُيعَاقِبُوَنهُ فِي الدّي ِن ‪ ,‬وََيقُولُو َن ‪ :‬إّنهُ أَ ْطوَعُ ِلّلهِ ِمْنهُمْ ‪ ,‬فََأيّ تَ ْأوِيلٍ‬
‫ج َومَاِنعِي الزّكَاةِ َأوْ َجهُ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫َبقِيَ َلهُمْ ‪ ,‬ثُ ّم َلوْ قُ ّدرَ أَّنهُ ْم مُتََأوّلُونَ لَ ْم يَكُنْ تَ ْأوِيُلهُمْ سَاِئغًا ‪َ ,‬بلْ تَ ْأوِي ُل الْ َ‬
‫ع اْل ُقرْآنِ ‪ ,‬وَأَنّ مَا خَاَل َفهُ مِنْ السّنّةِ لَا َيجُوزُ اْلعَمَلُ ِب ِه ‪.‬‬ ‫خوَارِجُ فَِإّنهُمْ ا ّد َعوْا اتّبَا َ‬ ‫مِنْ تَ ْأوِيِلهِ ْم ‪َ ,‬أمّا الْ َ‬
‫وََأمّا مَاِنعُوا الزّكَاةِ َفقَ ْد ذَ َكرُوا َأّنهُمْ قَالُوا ‪ :‬إ ّن الّلهَ قَالَ لَِنبِّي ِه ‪ :‬خُ ْذ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ صَ َدقَ ًة َوهَذَا خِطَابٌ‬
‫خوَارِجُ‬ ‫خرِجُوَنهَا َل ُه ‪ ,‬وَالْ َ‬ ‫ِلنَِبّيهِ َفقَطْ َفلَْيسَ َعلَْينَا أَنْ نَ ْدَف َعهَا ِلغَْي ِرهِ َفلَمْ َيكُونُوا َيدَْفعُوَنهَا لِأَبِي بَ ْك ٍر وَلَا ُي ْ‬
‫جهْمِيّ ِة ‪ ,‬وََأمّا َهؤُلَاءِ فَلَا يُنَا َظرُونَ‬ ‫َلهُ ْم ِعلْ ٌم َوعِبَا َدةٌ َولِ ْلعُلَمَا ِء َم َعهُمْ مُنَا َظرَاتٌ كَ ُمنَا َظرَِتهِ ْم مَعَ الرّاِفضَ ِة وَالْ َ‬
‫ضهُمْ‬ ‫َعلَى ِقتَالِ الْمُسِْل ِميَ ‪ ,‬فََلوْ كَانُوا مُتََأوِّليَ لَمْ َيكُنْ َلهُمْ تَ ْأوِيلٌ َيقُوُلهُ ذُو َعقْلٍ ‪ ,‬وَقَدْ خَاطَبَنِي َب ْع ُ‬
‫ك ابْ ُن مَِلكٍ إلَى سَْبعَةِ أَ ْجدَا ٍد ‪َ ,‬ومَلِ ُككُمْ اْب ُن َموْلًى َفقُلْت ‪َ :‬ل ُه ‪ :‬آبَاءُ‬ ‫بِأَنْ قَا َل ‪ :‬مَلِكُنَا مِِلكٌ ابْ ُن مَِل ٍ‬
‫خرَ بِالْكَاِفرِ ‪ ,‬بَ ْل الْمَمْلُو ُك الْ ُمسْلِمُ َخْيرٌ مِ ْن الْ َمِلكِ الْكَاِفرِ ‪ ,‬قَالَ الّلهُ‬ ‫ذَِلكَ الْمَِلكِ كُّلهُمْ ُكفّا ٌر ‪ ,‬وَلَا فَ ْ‬
‫جهُ ْم ‪َ ,‬و َمعْلُومٌ أَ ّن مَنْ‬ ‫شرِكٍ َوَلوْ َأ ْعجَبَكُمْ } ‪َ .‬فهَ ِذ ِه وََأمْثَاُلهَا ُحجَ ُ‬ ‫َتعَالَى { وََلعَبْ ٌد ُم ْؤمِنٌ خَْي ٌر مِ ْن مُ ْ‬
‫سلِ َم وََلوْ كَا َن عَبْدًا وَلَا يُطِيعُ الْكَاِف َر ‪َ .‬وقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِي ِح ‪:‬‬ ‫ب عََلْيهِ أَ ْن يُطِي َع الْمُ ْ‬ ‫سلِمًا وَ َج َ‬ ‫كَا َن مُ ْ‬
‫عَ ْن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَالَ ‪ { :‬اسْ َمعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ ُأ ّم َر عَلَْيكُ ْم عَبْدٌ َحبَشِيّ كَأَ ّن رَأْ َسهُ‬
‫زَبِيَب ٌة مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ الّل ِه } ‪َ .‬ودِينُ الِْإسْلَا ِم إنّمَا ُي َفضّلُ الِْإنْسَا َن بِِإيَاِن ِه وََت ْقوَاهُ لَا بِآبَاِئ ِه ‪َ ,‬وَلوْ‬
‫كَانُوا مِنْ َبنِي هَاشِمٍ َأهْ ِل بَْيتِ النّبِ ّي صلى ال عليه وسلم فَإِّنهُ َخلَقَ اْلجَنّةَ لِمَنْ أَطَا َع ُه وَإِنْ كَا َن عَبْدًا‬
‫شيّا ‪ ,‬وَ َخلَ َق النّارَ لِ َم ْن َعصَا ُه وََلوْ كَانَ َشرِيفًا ُقرَشِيّا ‪ .‬وَقَدْ قَالَ َتعَالَى ‪ { :‬يَا َأّيهَا النّاسُ إنّا‬ ‫حَبَ ِ‬
‫خََلقْنَاكُ ْم مِ ْن ذَ َك ٍر وَأُنْثَى َو َجعَلْنَا ُكمْ ُشعُوبًا وَقَبَائِلَ ِلَتعَارَفُوا إنّ أَ ْك َرمَكُ ْم عِنْ َد الّلهِ أَْتقَاكُ ْم } وَفِي السَّننِ‬
‫َعْنهُ صلى ال عليه وسلم أَّنهُ قَا َل ‪ { " :‬لَا َفضْلَ ِلعَرَِبيّ َعلَى عَجَمِ ّي ‪ ,‬وَلَا ِلعَجَمِ ّي َعلَى َعرَبِ ّي ‪َ ,‬ولَا‬
‫س مِنْ آ َدمَ وَآ َدمُ مِنْ ُترَابٍ } ‪ .‬وَفِي‬ ‫ض َعلَى أَ ْس َودَ إلّا بِالّت ْقوَى ‪ ,‬النّا ُ‬ ‫ض ‪ ,‬وَلَا لِأَْبيَ َ‬ ‫لَِأ ْس َودَ َعلَى أَْبيَ َ‬
‫حيْ ِن ‪َ :‬عْنهُ َأّنهُ قَالَ ِلقَبِيَلةٍ َقرِيبَ ٍة مِْن ُه ‪ { :‬إ ّن آلَ َأبِي ُفلَانٍ لَْيسُوا بَِأوِْليَائِي إنّمَا وَِليّي الّلهُ َوصَاِلحُ‬ ‫الصّحِي َ‬
‫سبِ ‪ ,‬بَلْ بِالِْإيَانِ‬ ‫ستْ بِاْل َقرَابَ ِة وَالنّ َ‬ ‫الْ ُم ْؤمِِنيَ } ‪ .‬فَأَخَْب َر النّبِيّ صلى ال عليه وسلم أَ ّن ُموَالَاَتهُ َليْ َ‬
‫شرِ ِك ‪ ,‬وَقَدْ أَ ْجمَعَ‬ ‫وَالّت ْقوَى ‪ ,‬فَِإذَا كَا َن هَذَا فِي َقرَابَةِ الرّسُولِ فَ َكيْفَ ِب َقرَاَبةِ جِْنكِيزْ خَا ْن الْكَاِفرِ الْمُ ْ‬
‫سلِمُو َن عَلَى أَ ّن مَنْ كَانَ َأعْظَمَ إيَانًا وََت ْقوًى كَانَ َأ ْفضَلَ مِمّ ْن ُه َو دُوَنهُ فِي الِْإيَا ِن وَالّت ْقوَى ‪ ,‬وَإِنْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫كَا َن الَْأوّلُ أَ ْس َودَ َحبَشِيّا وَالثّانِي َعَلوِيّا َأ ْو عَبّاسِيّا ‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫ج مُ ْك َرهًا‬ ‫خرُ ُ‬ ‫‪ - 7 - 778‬مَسْأََل ٌة ‪ :‬فِي أَ ْجنَادٍ يَمَْتِنعُونَ عَ ْن قِتَا ِل التّتَا ِر ‪َ ,‬وَيقُولُونَ ‪ :‬إنّ فِيهِ ْم مَنْ َي ْ‬
‫ي ‪ .‬قِتَا ُل التّتَارِ الّذِينَ َق ِدمُوا‬ ‫حمْدُ لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِم َ‬ ‫ب ‪ :‬الْ َ‬ ‫جوَا ُ‬ ‫َم َعهُمْ وَِإذَا َه َربَ أَحَ ُدهُ ْم هَ ْل يُتّبَعُ َأمْ لَا ؟ الْ َ‬
‫ب وَالسّنّةِ ‪ ,‬فَإِ ّن الّلهَ َيقُولُ فِي اْل ُقرْآنِ { وَقَاِتلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُو َن فِتَْنةٌ‬ ‫إلَى ِبلَادِ الشّامِ وَا ِجبٌ بِالْ ِكتَا ِ‬
‫ضهُ ِلغَْيرِ الّل ِه وَ َجبَ اْلقِتَالُ‬ ‫ض الدّينِ لِّل ِه وََب ْع ُ‬ ‫وََيكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ } وَالدّينُ ُه َو الطّا َع ُة ‪َ ,‬فِإذَا كَانَ َبعْ ُ‬
‫حَتّى َيكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ ‪ ,‬وَِلهَذَا قَالَ الّلهُ َتعَالَى ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُوا اّتقُوا الّلهَ َو َذرُوا مَا َبقِ َي مِنْ‬
‫ب مِنْ الّلهِ َورَسُوِل ِه } ‪َ .‬وهَ ِذهِ الْآَيةُ َنزََلتْ فِي َأ ْهلِ‬ ‫ح ْر ٍ‬ ‫الرّبَا إنْ ُكنْتُ ْم ُم ْؤمِِنيَ ‪ ,‬فَإِنْ َلمْ َت ْفعَلُوا فَ ْأ َذنُوا بِ َ‬
‫الطّائِفِ لَمّا دَ َخلُوا فِي الِْإسْلَا ِم وَاْلَت َزمُوا الصّلَا َة وَالصّيَامَ ‪ ,‬لَ ِكنْ امْتََنعُوا مِ ْن َترْكِ الرّبَا فََبيّنَ الّلهُ أَّنهُمْ‬
‫مُحَا ِربُونَ َلهُ وَِلرَسُوِلهِ إذَا لَ ْم يَْنَتهُوا عَنْ الرّبَا ‪ ,‬وَالرّبَا ُهوَ آ ِخرُ مَا َح ّر َمهُ الّل ُه ‪َ ,‬و ُه َو مَالٌ ُيؤْ َخذُ ِب ِرضَا‬
‫جبُ ِجهَا ُدهُمْ ‪ ,‬فَ َكيْفَ بِمَ ْن يَْترُكُ كَثِيًا مِنْ َشرَائِعِ‬ ‫صَا ِحِبهِ ‪ ,‬فَِإذَا كَا َن َهؤُلَاءِ مُحَا ِرِبيَ ِلّلهِ َورَسُوِلهِ َي ِ‬
‫ي عَلَى أَنّ الطّاِئفَ َة الْمُمَْتِنعَةَ إذَا ا ْمتََن َعتْ عَ ْن َبعْضِ‬ ‫الْإِ ْسلَامِ َأوْ أَكَْث َرهَا كَالتّتَا ِر ‪ .‬وَقَدْ اّتفَ َق عُلَمَاءُ اْلمُسْلِ ِم َ‬
‫شهَادَتَيْ ِن ‪ ,‬وَامَْتَنعُوا عَنْ الصّلَاةِ ‪,‬‬ ‫جبُ قِتَاُلهَا إذَا َتكَلّمُوا بِال ّ‬ ‫ت الْإِ ْسلَامِ الظّا ِه َرةِ الْمَُتوَاِت َرةِ ‪ ,‬فَِإّنهُ يَ ِ‬‫وَاجِبَا ِ‬
‫ب وَالسّنّ ِة ‪َ ,‬أوْ‬ ‫حكْمِ بَْيَنهُمْ بِاْلكِتَا ِ‬ ‫وَالزّكَاةِ ‪َ ,‬أ ْو صِيَامِ َش ْهرِ َر َمضَا َن ‪َ ,‬أوْ َحجّ اْلبَْيتِ اْل َعتِي ِق ‪َ ,‬أوْ عَ ْن الْ ُ‬
‫س وَالَْأ ْموَا ِل ِبغَْيرِ‬ ‫ت الْمَحَا ِر ِم ‪َ ,‬أ ْو عَ ْن اسِْتحْلَا ِل الّنفُو ِ‬ ‫ح َذوَا ِ‬ ‫حرِيِ اْل َفوَا ِحشِ ‪َ ,‬أوْ الْخَ ْم ِر ‪َ ,‬أوْ نِكَا ِ‬ ‫عَ ْن تَ ْ‬
‫حوِ‬ ‫جزَْي َة عَلَى َأهْ ِل الْ ِكتَابِ ‪ ,‬وَنَ ْ‬ ‫ضرِْبهِ ْم الْ ِ‬‫جهَادِ لِلْ ُكفّا ِر ‪َ ,‬أوْ عَ ْن َ‬ ‫س ِر ‪َ ,‬أوْ الْ ِ‬ ‫حَ ّق ‪َ ,‬أوْ الرّبَا ‪َ ,‬أوْ الْ َميْ ِ‬
‫ك مِنْ َشرَائِعِ الِْإسْلَامِ ‪ ,‬فَِإّنهُمْ ُيقَاَتلُونَ َعلَْيهَا َحتّى يَكُو َن الدّينُ كُّلهُ لِّل ِه ‪َ .‬وقَدْ ثََبتَ فِي الصّحِيحَيْ ِن ‪:‬‬ ‫ذَِل َ‬
‫حقُوقَ الّتِي‬ ‫أَ ّن عُ َمرَ لَمّا نَا َظرَ أَبَا بَ ْكرٍ فِي مَاِنعِي الزّكَاةِ قَالَ َلهُ أَبُو َب ْكرٍ ‪ :‬كَيْفَ لَا ُأقَاِت ُل مَنْ َترَكَ اْل ُ‬
‫َأوْ َجَبهَا الّل ُه َورَسُوُلهُ ‪ ,‬وَإِنْ كَانَ قَدْ أَ ْسلَمَ كَالزّكَا ِة ‪ .‬وَقَالَ َل ُه ‪ :‬فَإِنّ الزّكَاةَ مِنْ َح ّقهَا وَاَلّلهِ َل ْو مََنعُونِي‬
‫َعنَاقًا كَانُوا ُي َؤدّوَنهَا إلَى رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلقَاتَلْته ْم عَلَى مَْن ِعهَا ‪ ,‬قَا َل عُ َم ُر ‪ ,‬فَمَا ُهوَ إلّا‬
‫أَ ْن رََأيْت قَدْ َشرَحَ الّل ُه صَ ْدرَ َأبِي بَ ْكرٍ ِل ْلقِتَالِ َف َعلِمْت َأّنهُ الْحَ ّق ‪ .‬وَقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِي ِح مِ ْن غَْي ِر وَ ْجهٍ‬
‫ح ِقرُ أَ َحدُكُ ْم صَلَاَت ُه مَ َع صَلَاِتهِمْ‬ ‫ج وَقَا َل فِيهِ ْم ‪َ { " :‬ي ْ‬ ‫خوَارِ َ‬ ‫أَ ّن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ذَ َكرَ الْ َ‬
‫َوصِيَا َمهُ مَ َع صِيَا ِمهِ ْم وَِقرَاءََت ُه مَعَ ِقرَاءَِتهِمْ ‪َ ,‬ي ْقرَءُونَ اْل ُقرْآنَ لَا يُجَا ِوزُ َحنَا ِج َرهُمْ ‪ ,‬يَ ْمرُقُو َن مِنْ اْلإِسْلَامِ‬
‫سهْ ُم مِنْ ال ّرمِيّةِ َأيْنَمَا َلقِيتُمُوهُمْ فَاقُْتلُوهُ ْم ‪ ,‬فَإِنّ فِي قَْتِلهِمْ َأ ْجرًا عِنْ َد الّلهِ لِ َمنْ قََتَلهُمْ َي ْومَ‬ ‫كَمَا يَ ْمرُقُ ال ّ‬
‫ف وَالَْأئِمّ ُة َعلَى قِتَا ِل َهؤُلَاءِ ‪ ,‬وََأوّ ُل مَنْ‬ ‫اْلقِيَامَ ِة لَئِنْ َأ ْدرَكُْتهُمْ لََأقُْتلَّنهُمْ َقتْ َل عَادٍ } ‪َ .‬وقَدْ اّتفَ َق السّلَ ُ‬
‫ي عَلِيّ ْبنُ أَبِي طَاِلبٍ رضي ال عنه ‪َ ,‬ومَا زَالَ اْلمُسْلِمُو َن ُيقَاتِلُو َن فِي صَ ْدرِ ِخلَافَةِ‬ ‫قَاَتَلهُمْ َأمِيُ الْ ُم ْؤمِِن َ‬
‫ج وَُنوّاُبهُ مِمّ ْن ُيقَاتِلُوَنهُمْ ‪َ ,‬فكُلّ أَئِمّةِ‬ ‫حجّا ُ‬ ‫س مَعَ الُْأ َمرَاءِ وَإِنْ كَانُوا ظَلَ َم ًة ‪ ,‬وَكَا َن الْ َ‬ ‫بَنِي ُأمَيّ َة وَبَنِي اْلعَبّا ِ‬
‫سلِ ِميَ يَ ْأ ُمرُونَ ِب ِقتَاِلهِ ْم وَالتّتَا ُر وَأَ ْشبَا ُههُمْ َأعْظَمُ ُخرُوجًا عَ ْن َشرِيعَةِ الْإِ ْسلَامِ مِ ْن مَاِنعِي الزّكَاةِ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ج مِنْ َأهْ ِل الطّائِفِ الّذِينَ امَْتَنعُوا عَنْ َترْ ِك الرّبَا ‪ ,‬فَمَنْ َشكّ فِي قِتَاِلهِمْ َف ُهوَ أَ ْجهَلُ النّاسِ ِبدِينِ‬ ‫خوَارِ ِ‬‫وَالْ َ‬
‫ي ‪ ,‬كَمَا { قَالَ اْلعَبّاسُ‬ ‫الْإِ ْسلَا ِم ‪ ,‬وَ َحْيثُ َو َجبَ قِتَاُلهُ ْم قُوتِلُوا وَإِنْ كَانَ فِيهِ ْم الْمُ ْك َرهُ بِاّتفَاقِ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫َلمّا أُ ِسرَ َي ْومَ بَ ْد ٍر ‪ :‬يَا رَسُولَ الّل ِه ‪ ,‬إنّي َخرَجْت مُ ْك َرهًا ‪َ ,‬فقَا َل النّبِيّ صلى ال عليه وسلم ‪َ :‬أمّا‬

‫‪259‬‬
‫ظَا ِهرُك فَكَا َن عََليْنَا وََأمّا َسرِيرَتُك َفإِلَى الّل ِه } ‪َ .‬وقَدْ اّتفَقَ اْلعُلَمَاءُ عَلَى أَنّ جَْيشَ اْل ُكفّارِ إذَا تََترّسُوا‬
‫ض َررُ إذَا لَ ْم ُيقَاتَلُوا ‪ ,‬وَإِنْ أَ ْفضَى ذَِلكَ إلَى‬ ‫ف َعلَى الْ ُمسْلِ ِميَ ال ّ‬ ‫ي وَخِي َ‬ ‫بِمَ ْن عِنْ َدهُ ْم مِنْ أَ ْسرَى الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫ف َعلَى اْلمُسْلِ ِميَ َففِي َجوَازِ اْلقِتَالِ الْ ُم ْفضِي إلَى قَتْلِ‬ ‫سلِ ِميَ الّذِينَ َتَترّسُوا ِبهِ ْم ‪ ,‬وَإِنْ لَمْ يُخَ ْ‬ ‫قَتْ ِل الْمُ ْ‬
‫جهَادُ‬ ‫سلِمُونَ إذَا ُقتِلُوا كَانُوا ُشهَدَا َء وَلَا ُيْترَكُ اْل ِ‬ ‫شهُورَانِ لِ ْل ُعلَمَاءِ ‪َ ,‬و َهؤُلَاءِ الْمُ ْ‬ ‫سلِ ِميَ َقوْلَا ِن مَ ْ‬ ‫َهؤُلَاءِ الْمُ ْ‬
‫سلِ ِميَ يَكُونُ َشهِيدًا‬ ‫سلِ ِميَ إذَا قَاتَلُوا الْ ُكفّارَ َفمَنْ قُِت َل مِنْ الْمُ ْ‬ ‫اْلوَا ِجبُ لَِأجْ ِل مَنْ ُيقْتَ ُل َشهِيدًا ‪ ,‬فَإِ ّن الْمُ ْ‬
‫حةِ الِْإسْلَامِ كَانَ َشهِيدًا ‪ .‬وَقَدْ َثَبتَ فِي‬ ‫حقّ اْلقَتْ َل لِأَجْ ِل َمصْلَ َ‬ ‫‪َ ,‬ومَنْ قُتِ َل َو ُهوَ فِي الْبَاطِنِ لَا َيسْتَ ِ‬
‫س فَبَْينَمَا هُمْ‬ ‫حيْ ِن ‪َ :‬عنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم َأّنهُ قَا َل ‪َ { " :‬ي ْغزُو هَذَا الَْبْيتَ َجْيشٌ مِ ْن النّا ِ‬ ‫الصّحِي َ‬
‫بِبَْيدَا َء مِنْ الَْأ ْرضِ إذْ خُسِفَ ِبهِمْ ‪َ .‬فقِيلَ ‪ :‬يَا رَسُو َل الّلهِ ‪ ,‬وَفِيهِمْ الْمُ ْك َرهُ َفقَا َل ‪ :‬يُْبعَثُو َن عَلَى‬
‫جْيشِ الّذِي َي ْغزُو الْمُسِْل ِميَ ُيْنزُِلهُ بِالْمُ ْك َر ِه ‪ ,‬فَكَيْفَ‬ ‫نِيّاِتهِمْ } ‪ .‬فَِإذَا كَا َن اْلعَذَابُ الّذِي ُيْنزُِلهُ الّلهُ بِالْ َ‬
‫بِاْلعَذَابِ الّذِي ُيعَذُّبهُمْ الّلهُ ِبهِ َأوْ بَِأيْدِي الْ ُم ْؤمِِنيَ كَمَا قَالَ َتعَالَى { قُ ْل هَلْ َترَّبصُونَ ِبنَا إلّا إحْدَى‬
‫حنُ نََترَبّصُ بِكُمْ أَ ْن ُيصِيبَكُ ْم الّلهُ ِبعَذَابٍ مِ ْن عِْن ِدهِ َأوْ بَِأيْدِينَا } ‪ .‬وَنَحْنُ لَا َنعْلَ ُم الْمُ ْك َرهَ‬ ‫حسْنََييْ ِن وَنَ ْ‬‫الْ ُ‬
‫وَلَا َنقْ ِدرُ َعلَى التّمْيِيزِ فَِإذَا قََتلْنَاهُ ْم بَِأمْرِ الّلهِ كُنّا فِي ذَِلكَ مَأْجُورِينَ َو َمعْذُورِي َن وَكَانُوا هُ ْم عَلَى ِنيّاِتهِمْ‬
‫ش ُر عَلَى نِيِّتهِ َي ْومَ اْلقِيَامَةِ ‪ ,‬فَِإذَا قُتِلَ لَِأجْلِ ِقيَامِ الدّينِ لَمْ‬ ‫ستَطِي ُع الِامِْتنَاعَ فَِإّنهُ يُحْ َ‬ ‫‪ ,‬فَمَنْ كَانَ مُ ْك َرهًا لَا يَ ْ‬
‫يَكُ ْن ذَِلكَ بَِأعْظَ َم مِنْ َقتْ ِل مَنْ ُيقْتَ ُل مِ ْن عَسْ َكرِ الْمُسِْل ِميَ ‪ .‬وََأمّا إذَا َه َربَ أَحَ ُدهُ ْم فَإِ ّن مِنْ النّاسِ مَنْ‬
‫ي ‪َ ,‬و َهؤُلَاءِ إذَا كَانَ َلهُمْ طَاِئفَ ٌة مُمْتَِن َعةٌ َفهَلْ يَجُو ُز اتّبَاعُ‬ ‫جعَلُ قِتَاَلهُمْ بِ َمْنزِلَةِ ِقتَا ِل الُْبغَاةِ الْمُتََأوِّل َ‬‫يَ ْ‬
‫شهُورَيْنِ ‪َ ,‬فقِيلَ ‪ :‬لَا ُيفْعَ ُل ذَِلكَ‬ ‫مُدِْب ِرهِ ْم وََقتْلُ أَسِ ِيهِ ْم وَالْإِ ْجهَا ُز عَلَى َجرِ ِيهِ ْم ‪ ,‬عَلَى َقوْلَْينِ لِ ْلعَُلمَاءِ مَ ْ‬
‫ج َهزُ َعلَى َجرِيحٍ ‪ ,‬وَلَا ُيقْتَلُ‬ ‫; لِأَ ّن مُنَا ِديَ َعلِيّ بْنِ َأبِي طَاِلبٍ نَادَى َي ْومَ الْجَ َملِ ‪ :‬لَا يُْتبَ ُع مُدِْبرٌ ‪ ,‬وَلَا ُي ْ‬
‫َأسِ ٌي ‪ ,‬وَقِي َل ‪ :‬بَلْ ُي ْفعَ ُل ذَِلكَ لِأَّنهُ َي ْومَ الْجَ َملِ لَمْ يَكُ ْن َلهُمْ طَاِئفَ ٌة مُمَْتِنعَ ٌة وَكَانَ الْ َمقْصُودُ مِ ْن اْلقِتَالِ‬
‫ص ّفيَ‬ ‫دَ ْف َعهُ ْم ‪ ,‬فَلَمّا انْ َدَفعُوا لَمْ َيكُنْ إلَى ذَِلكَ حَاجَةٌ بِ َمْنزِلَ ِة دَ ْفعِ الصّاِئلِ ‪ .‬وَقَ ْد ُر ِويَ َأّنهُ َي ْومَ الْجَمَ ِل َو ِ‬
‫صوَابُ‬ ‫ك ‪َ ,‬فمَنْ َجعََلهُمْ بِ َمْنزِلَ ِة الُْبغَاةِ الْمُتََأوِّليَ َجعَلَ فِيهِ ْم هَذَيْ ِن اْل َقوْلَيْ ِن ‪ .‬وَال ّ‬ ‫ف ذَِل َ‬ ‫خلَا ِ‬ ‫كَانَ َأ ْم ُرهُمْ بِ ِ‬
‫أَ ّن َهؤُلَاءِ َليْسُوا مِنْ الُْبغَاةِ الْ ُمتََأوِّليَ ‪ ,‬فَإِ ّن َهؤُلَاءِ َلْيسَ َلهُ ْم تَ ْأوِيلٌ سَائِغٌ َأصْلًا ‪ ,‬وَإِنّمَا هُ ْم مِنْ ِجْنسِ‬
‫ح ِوهِ ْم مِمّنْ قُوتِلُوا َعلَى مَا‬ ‫ح َرمِيّ ِة ‪ ,‬وَنَ ْ‬‫ف ‪ ,‬وَالْ َ‬ ‫خوَارِجِ الْمَارِِقيَ ‪َ ,‬ومَاِنعِي الزّكَا ِة ‪ ,‬وََأهْلِ الطّائِ ِ‬ ‫الْ َ‬
‫س مِنْ اْل ُف َقهَاءِ الْ ُمصَّن ِفيَ فِي‬ ‫َخرَجُوا عَْن ُه مِنْ َشرَاِئعِ الِْإسْلَا ِم ‪َ ,‬وهَذَا َموْضِعٌ اشَْتَبهَ عَلَى كَثِ ٍي مِنْ النّا ِ‬
‫ج ‪ ,‬وَقِتَا َل عَلِيّ لَِأ ْهلِ اْلَبصْ َر ِة ‪ ,‬وَِقتَاَلهُ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫قِتَالِ َأهْ ِل اْلَبغْيِ َجعَلُوا ِقتَا َل مَاِنعِي الزّكَا ِة ‪ ,‬وَِقتَالَ الْ َ‬
‫ِل ُمعَاوِيَ َة وَأَْتبَا ِعهِ مِ ْن قِتَالِ َأهْ ِل الَْبغْ ِي َوذَِلكَ كُّل ُه مَ ْأمُورٌ ِب ِه ‪ ,‬وََف ّرعُوا مَسَائِ َل ذَِلكَ َت ْفرِي َع مَنْ َيرَى ذَِلكَ‬
‫ث ‪ ,‬وَالسّنّ ِة ‪ ,‬وََأهْ ِل الْمَدِيَنةِ النَّبوِيّ ِة ‪,‬‬ ‫صوَابُ مَا َعلَْيهِ أَئِمّةُ اْلحَدِي ِ‬ ‫س ‪ ,‬وَقَ ْد غَلِطُوا بَ ْل ال ّ‬ ‫بَيْ َن النّا ِ‬
‫كَالَْأ ْوزَاعِ ّي ‪ ,‬وَالّث ْو ِريّ ‪َ ,‬ومَاِلكٍ ‪ ,‬وَأَحْمَ َد بْنِ َحنْبَ ٍل ‪َ ,‬وغَْي ِرهِمْ ‪ ,‬أَّنهُ ُي َفرّقُ َبيْ َن هَذَا َوهَذَا ‪َ ,‬فقِتَا ُل عَلِيّ‬
‫سلِ ِميَ ‪ .‬وََأمّا اْلقِتَالُ َي ْومَ‬ ‫ق الْمُ ْ‬ ‫صرِيَ ِة عَنْ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم بِاّتفَا ِ‬ ‫ص ال ّ‬ ‫خ َواِرجِ ثَاِبتٌ بِالّنصُو ِ‬ ‫ِللْ َ‬
‫ص‪,‬‬ ‫ح ِوهِ َفلَمْ َيّتفِ ْق عَلَْيهِ الصّحَاَبةُ ‪َ ,‬بلْ صَ ّد عَْنهُ أَكَاِبرُ الصّحَابَ ِة مِثْلُ َسعْ ِد بْنِ أَبِي وَقّا ٍ‬ ‫ص ّفيَ وََن ْ‬ ‫ِ‬

‫‪260‬‬
‫َومُحَمّدِ ْب ِن مَسْلَمَة ‪ ,‬وَأُسَا َمةَ بْ ِن زَيْ ٍد ‪َ ,‬وعَبْدِ الّلهِ بْ ِن عُ َم َر ‪َ ,‬و َغْي ِرهِمْ ‪ .‬وَلَمْ يَ ُكنْ َبعْ َد عَلِيّ ْبنِ أَبِي‬
‫ص ‪ ,‬وَالْأَحَادِيثُ الصّحِيحَ ُة عَنْ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫س َكرَيْ ِن مِثْلُ َسعْدِ ْبنِ أَبِي وَقّا ٍ‬ ‫طَاِلبٍ فِي اْلعَ ْ‬
‫ت عَْنهُ فِي صَحِيحِ‬ ‫ح بَيْ َن تَيِْنكَ الطّاِئ َفتَيْنِ ‪ ,‬لَا الِا ْقتِتَا ُل بَْيَنهُمَا ‪ .‬كَمَا ثََب َ‬ ‫جبُ الِْإصْلَا ُ‬ ‫َتقَْتضِي َأّنهُ كَانَ يَ ِ‬
‫صلِحُ الّلهُ ِبهِ بَيْنَ طَاِئفَتَْينِ‬ ‫س وَاْلجَْيشُ َم َعهُ َفقَا َل ‪ { :‬إ ّن اْبنِي هَذَا َسيّ ٌد وَسَُي ْ‬ ‫الُْبخَا ِريّ ‪ :‬أَّنهُ خَ َطبَ النّا َ‬
‫جعَلَ النِّبيّ صلى ال عليه‬ ‫حسَنِ َبيْنَ َأهْلِ اْلعِرَاقِ وََأهْ ِل الشّامِ } فَ َ‬ ‫عَظِيمََتيْ ِن مِنْ الْ ُم ْؤمِِنيَ فََأصَْلحَ الّلهُ بِالْ َ‬
‫حسَنَ َنزَ َل عَنْ الَْأ ْمرِ وَ َسلّمَ الَْأ ْمرَ إلَى ُمعَاوِيَةَ ‪َ ,‬فَلوْ‬ ‫ح ِبهِ مِنْ َفضَائِلِ اْلحَسَ ِن ‪ ,‬مَعَ أَ ّن الْ َ‬ ‫وسلم الِْإصْلَا َ‬
‫ح ِة مُعَاوَِيةَ لَمْ يَ ْمدَ ْحهُ النّبِيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫كَا َن اْلقِتَالُ ُه َو الْمَ ْأمُورُ ِبهِ دُونَ َترْكِ الْخِلَافَ ِة َو ُمصَالَ َ‬
‫َعلَى َترْ ِك مَا ُأ ِمرَ ِبهِ ‪ ,‬وَِفعْ ِل مَا لَمْ ُي ْؤ َمرْ ِبهِ وَلَا مَدَ َح ُه عَلَى َترْكِ الَْأوْلَى َوِفعْلِ الَْأدْنَى ‪َ ,‬ف ُعلِمَ أَنّ الّذِي‬
‫حّبهُ الّلهُ َورَسُوُلهُ لَا اْلقِتَا ُل ‪ .‬وَقَدْ َثَبتَ فِي الصّحِي ِح ‪ :‬أَنّ النّبِ ّي صلى ال‬ ‫حسَ ُن ُهوَ الّذِي كَانَ يُ ِ‬ ‫َفعََلهُ الْ َ‬
‫ضعُ ُه وَأُسَامَ َة عَلَى فَخِ َذْيهِ وََيقُولُ ‪ { :‬الّلهُمّ إنّي أُحِّبهُ ْم فَأَحِّبهُمَا وََأ ِحبّ مَنْ‬ ‫عليه وسلم كَا َن َي َ‬
‫يُحِّبهُمَا } ‪ .‬وَقَدْ َظ َهرَ أََث ُر مَحَبّ ِة رَسُولِ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َلهُمَا بِ َكرَاهَِتهِمَا اْلقِتَالَ فِي اْلفِْتنَ ِة ‪,‬‬
‫فَإِنّ أُسَامَ َة امْتَنَ َع عَ ْن اْلقِتَالِ مَ َع وَاحِ َد ٍة مِنْ الطّاِئفَتَيْ ِن ‪ ,‬وَكَذَِلكَ اْلحَسَنُ كَا َن دَائِمًا يُشِ ُي عَلَى َعلِيّ بَِأّنهُ‬
‫ت عَْنهُ‬ ‫لَا ُيقَاتِ ُل وَلَمّا صَارَ الَْأ ْمرُ إلَْيهِ َفعَ َل مَا كَانَ يُشِ ُي ِبهِ َعلَى أَبِيهِ رضي ال عنهم أجعي ‪ .‬وَقَ ْد ثََب َ‬
‫ق مَارَِق ٌة عَلَى ِحيِ ُفرَْق ٍة مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ َتقُْتُلهُمْ‬ ‫صلى ال عليه وسلم فِي الصّحِيحِ أَّنهُ قَا َل ‪ { " :‬تَ ْمرُ ُ‬
‫ب ‪َ ,‬وهَذَا ُيصَدُّقهُ‬ ‫ج ‪ ,‬وَقَاتََلهُ ْم عَِليّ بْنُ َأبِي طَاِل ٍ‬ ‫خوَارِ ُ‬ ‫َأوْلَى الطّاِئفَتَْينِ بِاْلحَ ّق } ‪َ .‬فهَ ِذهِ الْمَا ِرقَ ُة هُ ْم الْ َ‬
‫ج ‪ ,‬وَتَُبيّنُ أَنّ َقتَْلهُ ْم مِمّا ُيحِّبهُ الّلهُ َورَسُوُل ُه ‪ .‬وَأَ ّن الّذِينَ‬ ‫خوَارِ ِ‬‫َبقِيّ ُة الْأَحَادِيثِ الّتِي فِيهَا الَْأ ْمرُ ِبقِتَالِ الْ َ‬
‫قَاَتلُوهُمْ مَ َع َعلِيّ َأوْلَى بِالْحَ ّق مِ ْن ُمعَاوِيَ َة وََأصْحَاِب ِه ‪ ,‬مَعَ َكوِْنهِمْ َأوْلَى بِاْلحَ ّق ‪ ,‬فَلَمْ يَ ْأ ُمرْ النِّبيّ صلى‬
‫ح الِْإصْلَاحَ بَْيَنهُمَا ‪.‬‬ ‫خوَارِجِ ‪ ,‬بَ ْل مَدَ َ‬ ‫ال عليه وسلم بِاْلقِتَالِ ِلوَاحِ َد ٍة مِنْ الطّاِئفَتَْينِ كَمَا َأ َمرَ ِبقِتَالِ الْ َ‬
‫ت عَنْ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم مِنْ َكرَاهَةِ اْلقِتَالِ فِي اْلفِتَ ِن وَالتّحْذِي ِر مِْنهَا مِنْ الَْأحَادِيثِ‬ ‫وََقدْ ثََب َ‬
‫س هَذَا َم ْوضِ ُعهُ َك َقوْلِ ِه ‪ { :‬سَتَكُو ُن فِتَْنةٌ اْلقَاعِدُ فِيهَا َخْي ٌر مِنْ اْلقَائِ ِم ‪ ,‬وَاْلقَائِمُ فِيهَا خَْيرٌ‬ ‫ح ِة مَا لَْي َ‬‫الصّحِي َ‬
‫مِنْ الْمَاشِي ‪ ,‬وَاْلمَاشِي َخْي ٌر مِنْ السّاعِي } وَقَا َل { يُو ِشكُ أَنْ يَكُونَ َخْيرُ مَا ِل الْ ُمسْلِ ِم غَنَ ٌم يَتّبِعُ ِبهَا‬
‫حرُوبِ الّتِي تَكُونُ بَْي َن مُلُوكِ‬ ‫َشعَفَ الْجِبَا ِل َو َموَاقِعَ اْلقَ ْطرِ ‪َ ,‬ي ِفرّ بِدِيِنهِ مِ ْن اْلفِتَنِ } ‪ .‬فَاْلفِتَ ُن مِثْلُ الْ ُ‬
‫شرَائِ ِع الِْإسْلَا ِم مِثْ ُل مَا كَانَ‬ ‫سلِ ِميَ ‪ ,‬مَعَ أَنّ ُكلّ وَاحِ َد ٍة مِنْ الطّاِئفََتيْ ِن مُلَْت ِزمَةٌ ِل َ‬ ‫سلِ ِميَ وَ َطوَائِفِ الْمُ ْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ج َومَاِنعِي الزّكَا ِة وََأهْلِ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫ت ‪ .‬وََأمّا ِقتَالُ الْ َ‬ ‫ص ّفيَ وَإِنّمَا اقْتََتلُوا ِلشَُب ٍه وَُأمُو ٍر َع َرضَ ْ‬ ‫َأهْ ُل الْجَ َملِ َو ِ‬
‫شرَائِعِ الثّاِبتَ ِة عَ ْن النّبِيّ صلى‬ ‫ح ّرمُونَ الرّبَا َف َهؤُلَاءِ ُيقَاتَلُونَ َحتّى يَ ْدخُلُوا فِي ال ّ‬ ‫الطّائِفِ الّذِينَ لَ ْم يَكُونُوا يُ َ‬
‫ع مُدِْب ِرهِمْ‬‫ال عليه وسلم َو َهؤُلَاءِ إذَا كَانَ َلهُمْ طَاِئ َف ٌة مُمْتَِنعَ ٌة فَلَا رَْيبَ َأّنهُ َيجُوزُ قَتْلُ َأسِ ِيهِ ْم وَاتّبَا ُ‬
‫جبُ َعلَى‬ ‫وَالْإِ ْجهَا ُز عَلَى َجرِ ِيهِ ْم ‪َ ,‬فإِ ّن َهؤُلَاءِ إذَا كَانُوا ُمقِي ِميَ ِببِلَا ِدهِ ْم عَلَى مَا هُ ْم عََلْيهِ فَإِّنهُ َي ِ‬
‫سلِ ِميَ أَنْ َي ْقصِدُوهُمْ فِي بِلَا ِدهِمْ ِل ِقتَاِلهِمْ َحتّى يَكُونَ الدّينُ ُكّلهُ لِّل ِه ‪ ,‬فَإِ ّن َهؤُلَاءِ التّتَارَ لَا ُيقَاتِلُونَ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫َعلَى دِينِ الْإِ ْسلَامِ بَلْ ُيقَاتِلُونَ النّاسَ َحتّى يَ ْدخُلُوا فِي طَاعَِتهِمْ ‪ ,‬فَمَ ْن دَ َخلَ فِي طَاعَِتهِمْ َكفّوا َعْنهُ ‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫حيَ‬ ‫صرَانِيّا َأوْ َيهُودِيّا َومَنْ لَ ْم يَدْخُلْ كَا َن عَ ُدوّا َلهُ ْم وَإِنْ كَا َن مِنْ الْأَْنبِيَا ِء وَالصّالِ ِ‬ ‫شرِكًا َأوْ َن ْ‬ ‫وَإِنْ كَا َن مُ ْ‬
‫ي مِنْ‬ ‫ب عَلَى الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ي ‪ ,‬فَيَ ِ‬ ‫وََقدْ َأمَرَ الّلهُ الْ ُمسْلِ ِميَ أَنْ ُيقَاتِلُوا َأعْدَا َءهُ الْ ُكفّا َر وَُيوَالُوا عِبَا َدهُ الْ ُم ْؤمِِن َ‬
‫ضهِمْ‬ ‫ص َر وَاْليَمَ ِن وَالْ َم ْغ ِربِ جَمِي ِعهِمْ أَنْ يَكُونُوا مَُتعَاوِِنيَ َعلَى ِقتَا ِل الْ ُكفّا ِر ‪ ,‬وََلْيسَ ِلَبعْ ِ‬ ‫جُنْدِ الشّا ِم َومِ ْ‬
‫جبُ َعلَْيهِمْ أَنْ ُيقَاِتلُوا مَنْ َيلِيهِ ْم مِنْ‬ ‫ج ّردِ الرّيَا َس ِة وَالَْأ ْهوَاءِ َف َهؤُلَاءِ التّتَارُ أَقَ ّل مَا َي ِ‬
‫أَ ْن ُيقَاتِلَ َب ْعضًا بِمُ َ‬
‫ي ‪َ ,‬ويََتعَاوَنُو َن هُ ْم َوهُمْ َعلَى ِقتَا ِل الْ ُكفّا ِر ‪.‬‬ ‫الْكَاِفرِي َن ‪ ,‬وَأَ ْن يَ ُكفّوا عَنْ ِقتَا ِل مَنْ َيلِيهِ ْم مِنْ الْ ُمسْلِ ِم َ‬
‫ع ‪َ ,‬أوْ ِزنْدِي ٌق ‪ ,‬كَالْ َملَاحِ َد ِة اْل َقرَامِطَ ِة وَالْبَا ِطنِيّ ِة ‪,‬‬ ‫وََأْيضًا لَا ُيقَاتِ ُل َم َعهُمْ َغْيرُ مُ ْك َرهٍ إلّا فَاسِ ٌق ‪َ ,‬أوْ ُمبْتَدِ ٌ‬
‫سِبيَ إلَى‬ ‫جهْمِيّةِ الْ ُمعَطّلَ ِة مِنْ الّنفَاةِ اْلحُلُوِليّ ِة ‪َ ,‬و َم َعهُمْ مِمّ ْن ُيقَلّدُوَن ُه مِنْ الْ ُمنْتَ ِ‬ ‫وَكَالرّاِفضَ ِة السّبّاَب ِة ‪ ,‬وَكَالْ َ‬
‫سنُونَ ِبهِ الظّ ّن ‪َ ,‬وهُمْ ِلضَلَاِلهِمْ‬ ‫اْلعِلْ ِم وَالدّي ِن مَ ْن ُهوَ َش ّر مِْنهُ ْم ‪ ,‬فَإِنّ التّتَارَ ُجهّالٌ ُيقَلّدُونَ الّذِي َن يُحْ ِ‬
‫ح ّرمُو َن مَا‬ ‫َوغَّيهِ ْم يَتِّبعُوَنهُ فِي الضّلَالِ الّذِي يَكْ ِذبُونَ ِبهِ َعلَى الّل ِه َورَسُوِلهِ ‪ ,‬وَيَُبدّلُو َن دِينَ الّل ِه وَلَا يُ َ‬
‫خطَابُ ‪.‬‬ ‫ت مَا َأعْلَ ُم ُه مِنْ ُأمُو ِرهِمْ لَطَالَ الْ ِ‬ ‫صفْ ُ‬ ‫َحرّمَ الّل ُه َورَسُوُلهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ اْلحَ ّق ‪ ,‬وََل ْو َو َ‬
‫حنِيفِيّ الّذِي ُب ِعثَ‬ ‫وَبِالْجُ ْملَةِ ‪ :‬فَمَ ْذ َهُبهُمْ َودِينُ الِْإسْلَامِ لَا يَجْتَ ِمعَا ِن ‪ ,‬وََلوْ أَ ْظ َهرُوا دِينَ اْلإِسْلَامِ الْ َ‬
‫ت عَْنهُ َأّنهُ‬ ‫الرّسُولُ ِبهِ لَا ْهتَ َدوْا وَأَطَاعُوا مِثْ ُل الطّاِئفَةِ الْمَْنصُو َرةِ ‪ .‬فَإِ ّن النّبِيّ صلى ال عليه وسلم قَ ْد ثََب َ‬
‫ض ّرهُمْ مَنْ خَاَل َفهُمْ وَلَا مَ ْن خَذََلهُمْ حَتّى َتقُومَ‬ ‫قَا َل ‪ { :‬لَا َيزَالُ طَاِئفَ ٌة مِنْ ُأمّتِي ظَا ِهرِي َن عَلَى الْحَ ّق لَا َي ُ‬
‫ب مَا يُسَا ِمتُ‬ ‫ت عَْنهُ فِي الصّحِيحِ َأّنهُ قَالَ ‪ { :‬لَا َيزَالُ َأهْلُ اْل َغرْبِ ظَا ِهرِي َن وََأوّلُ اْل َغرْ ِ‬ ‫السّا َع ُة } ‪ .‬وَثََب َ‬
‫ح َوهَا } ‪ .‬فَإِنّ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم تَكَلّمَ ِبهَذَا الْ َكلَامِ َو ُهوَ بِالْمَدِينَ ِة النَّبوِيّةِ ‪ ,‬فَمَا َي ْغرُبُ‬ ‫النّْث َرةَ وََن ْ‬
‫ف يُسَمّونَ‬ ‫ق وَكَانَ السّلَ ُ‬ ‫جزِي َرةِ وَاْل ِعرَا ِ‬‫ق عَْنهَا َف ُهوَ َشرْقٌ كَالْ َ‬ ‫صرَ َومَا َشرّ َ‬ ‫َعْنهَا َف ُهوَ َغ ْربٌ كَالشّامِ َو ِم ْ‬
‫ق ‪َ .‬وهَ ِذهِ اْلجُمَْلةُ الّتِي ذَ َك ْرتَا فِيهَا مِنْ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫َأهْ َل الشّامِ َأهْ َل الْ َم ْغ ِربِ ‪ ,‬وَيُسَمّونَ َأهْ َل اْل ِعرَاقِ َأهْلَ الْمَ ْ‬
‫ش ْرعِيّةِ فِيهَا مَا ُهوَ مَذْكُورٌ فِي غَْي ِر هَذَا الْ َم ْوضِ ِع ‪َ ,‬واَلّلهُ َأعَْلمُ ‪.‬‬ ‫الْآثَارِ وَالَْأدِلّةِ ال ّ‬
‫ج ابِْتدَاءً َأوْ‬‫خوَارِ ِ‬ ‫َفصْلٌ وَالْأَ ْفضَلُ َترْ ُك قِتَالِ َأهْ ِل اْلَبغْيِ حَتّى يَبْدََأ الِْإمَامُ َوقَاَل ُه مَاِلكٌ وََلهُ َقتْلُ َأهْلِ الْ َ‬
‫ف عَنْ الصّحَابَةِ‬ ‫ج وَاْلُبغَاةِ الْ ُمتََأوِّليَ َو ُهوَ الْ َم ْعرُو ُ‬ ‫خوَارِ ِ‬ ‫خرِ َيهُمْ وَجُ ْمهُورُ اْلعُلَمَاءِ ُي َفرّقُونَ بَْينَ الْ َ‬ ‫مُتَمّ َمةً َت ْ‬
‫شهُورُ‬ ‫وَأَ ْكَثرِ الْ ُمصَّن ِفيَ ِلقِتَالِ َأهْلِ الَْبغْيِ َيرَى اْلقِتَا َل مِنْ نَا ِحيَ ِة عَِل ّي َومِْنهُمْ مَنْ َيرَى اْلِإمْسَا َك َو ُهوَ الْمَ ْ‬
‫ح ِوهِمْ‬ ‫حرُورِيّةِ َونَ ْ‬ ‫شرِي َعةِ كَالْ َ‬ ‫ج عَ ْن ال ّ‬ ‫ث مَعَ ُرؤَْيِتهِمْ ِلقِتَا ِل مَنْ َخرَ َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫مِنْ َقوْلِ َأهْ ِل الْمَدِيَن ِة وََأهْلِ الْ َ‬
‫جبُ ‪ ,‬وَالَْأخْبَارُ ُتوَافِ ُق هَذَا فَاتِّبعُوا النّصّ الصّحِي َح وَاْلقِيَاسَ الْ ُمسَْتقِي َم ‪َ ,‬وعَلِيّ كَانَ َأ ْقرَبَ إلَى‬ ‫وََأّنهُ َي ِ‬
‫سقُطُ بَِت ْوبَِتهِ حَ ّق الّلهِ‬ ‫ح ِوهِ َي ْ‬‫ع وَنَ ْ‬‫حلّ َأذَى مَنْ َأ َمرَ ُه وََنهَاهُ بِتَ ْأوِيلٍ فَكَالْمُْبتَدِ ِ‬ ‫صوَابِ مِ ْن ُمعَاوِيَ َة َومَنْ اسْتَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫جبُ الْأَ ْج ُر فِيهِ‬ ‫جهَادِ الّذِي يَ ِ‬ ‫َتعَالَى وَحَ ّق اْلعَبْ ِد ‪ .‬وَاحَْتجّ أَبُو اْلعَبّاسِ لِذَِلكَ بِمَا أَتَْل َفهُ اْلُبغَاةُ لِأَّنهُ مِ ْن الْ ِ‬
‫سلِ ِميَ ُهوَ ِقتَا ُل الصّدّيقِ رضي ال عنه مَاِنعِي الزّكَاةِ َويَأْخُذُ‬ ‫َعلَى الّلهِ َتعَالَى وَِقتَالُ التّتَارِ َوَلوْ كَانُوا مُ ْ‬
‫شهّدَ‬ ‫مَاَلهُ ْم َو ُذرّيَّتهُ ْم وَكَذَا الْ َم ْق َفزُ إلَْيهِ ْم وََلوْ ا ّدعَى إ ْكرَاهًا ‪َ ,‬ومَنْ أَ ْج َه َز عَلَى َجرِيحٍ لَمْ يَ ْأثَ ْم وََلوْ تَ َ‬
‫خرُجُ‬ ‫جبَِليّةُ َيجُوزُ َأخْذُ َأ ْموَاِلهِ ْم وَسَْبيُ َح ِر ِيهِمْ يَ ْ‬ ‫ضةُ وَالْ َ‬ ‫َومَنْ أَخَ َذ مِْنهُمْ َشيْئًا خُ ّمسَ وََب ِقيُّتهُ َلهُ وَالرّاِف َ‬
‫ب رِئَاسَةٍ َفهُمَا ظَالِمَتَا ِن ضَامَِنتَانِ‬ ‫َعلَى تَ ْكفِ ِيهِمْ قَالَ َأصْحَاُبنَا وَإِنْ ا ْقتََتَلتْ طَاِئفَتَانِ ِل َعصَبِيّةٍ َأوْ طََل ِ‬

‫‪262‬‬
‫ف وَإِنْ َتقَاَتلَا َتقَاصّا لِأَنّ الْمُبَا َش َرةَ‬ ‫ع الطّاِئفَ ِة وَإِنْ لَمْ ُي ْعلَ ْم عَيْنُ الْمُْتلِ ِ‬
‫فََأوْجَبُوا الضّمَا َن عَلَى مَجْمُو ِ‬
‫وَالْ ُمعَيّنَ َسوَاءٌ ِعنْدَ اْلجُ ْمهُورِ وَإِنْ ُجهِ َل قَ ْدرُ مَا َنهََبهُ ُكلّ طَاِئفَ ٍة مِنْ الْأُ ْخرَى تَسَاوَيَا َكمَنْ َجهِلَ قَ ْدرَ‬
‫جهِلَ قَاِتُلهُ ضَ ِمَنهُ‬ ‫ف وَاْلبَاقِي َل ُه َومَ ْن دَخَلَ ِلصُلْ ٍح َفقُتِلَ َف ُ‬ ‫خرِجُ الّنصْ َ‬ ‫ختََلطِ بِمَاِلهِ فَِإّنهُ يُ ْ‬
‫حرَا ِم الْمُ ْ‬
‫الْ َ‬
‫جبُ‬ ‫الطّاِئفَتَا ِن ‪ ,‬وََأجْمَعَ اْل ُعلَمَاءُ َعلَى أَنّ كُلّ طَاِئفَ ٍة مُمْتَِنعَ ٍة عَ ْن َشرِيعَ ِة مَُتوَاِت َرةٍ مِنْ َشرَائِعِ الْإِ ْسلَامِ فَإِّنهُ َي ِ‬
‫ي وََأوْلَى ‪.‬‬ ‫قِتَاُلهَا حَتّى يَكُونَ الدّينُ كُّلهُ ِلّلهِ كَالْمُحَارِِب َ‬
‫وف الفروع ‪:‬‬
‫سلِ ِميَ َكقِتَالِ الصّدّي ِق رضي ال عنه مَاِنعِي الزّكَا ِة ‪ ,‬وَُيؤْخَذُ‬ ‫قَالَ َشيْخُنَا ‪ِ :‬قتَالُ التّتَارِ َوَلوْ كَانُوا مُ ْ‬
‫مَاُلهُ ْم َو ُذرّيُّتهُ ْم وَالْ َم ْقفَزُ إَلْيهِمْ َوَلوْ ا ّدعَى إ ْكرَاهًا ‪.‬‬
‫وف البداية والنهاية لبن كثي رحه ال ‪:‬‬
‫جنكيز خان‬
‫السلطان العظم عند التتار والد ملوكهم اليوم‪ ،‬ينتسبون إليه ومن عظم القان إنا يريد هذا اللك وهو‬
‫الذي وضع لم السياسة الت يتحاكمون إليها‪ ،‬ويكمون با‪ ،‬وأكثرها مالف لشرائع ال تعال وكتبه‪،‬‬
‫وهو شيء اقترحه من عند نفسه‪ ،‬وتبعوه ف ذلك‪ ،‬وكانت تزعم أمه أنا حلته من شعاع الشمس‪،‬‬
‫فلهذا ل يعرف له أب والظاهر أنه مهول النسب‪.‬‬
‫وقد رأيت ملدا جعه الوزير ببغداد علء الدين الوين ف ترجته فذكر فيه سيته‪ ،‬وما كان يشتمل‬
‫عليه من العقل السياسي والكرم والشجاعة والتدبي اليد للملك والرعايا‪ ،‬والروب‪.‬‬
‫فذكر أنه كان ف ابتداء أمره خصيصا عند اللك أزبك خان‪ ،‬وكان إذ ذاك شابا حسنا وكان اسه‬
‫أولً ترجي‪ ،‬ث لا عظم سى نفسه جنكيزخان‪.‬‬
‫وكان هذا اللك قد قربه وأدناه فحسده عظماء اللك ووشوا به إليه حت أخرجوه عليه‪ ،‬ول يقتله ول‬
‫يد له طريقا ف ذنب يتسلط عليه به‪ ،‬فهو ف ذلك إذ تغضب اللك على ملوكي صغيين فهربا منه‬
‫ولآ إل جنكيزخان فأكرمهما وأحسن إليهما فأخباه با يضمره اللك أزبك خان من قتله‪ ،‬فأخذ‬
‫حذره وتيز بدولة واتبعه طوائف من التتار وصار كثي من أصحاب أزبك خان ينفرون إليه ويفدون‬
‫عليه فيكرمهم ويعطيهم حت قويت شوكته وكثرت جنوده‪.‬‬
‫ث حارب بعد ذلك أزبك خان فظفر به وقتله واستحوز على ملكته وملكه‪ ،‬وانضاف إليه عَدده‬
‫وعُدده وعظم أمره‪.‬‬
‫وبعد صيته وخضعت له قبائل الترك ببلد طمعاج كلها حت صار يركب ف نو ثان مائة ألف‬
‫مقاتل‪ ،‬وأكثر القبائل قبيلته الت هو منها يقال لم‪ :‬قيان‪.‬‬
‫ث أقرب القبائل إليه بعدهم قبيلتان كبيتا العدد وها أزان وقنقوران وكان يصطاد من السنة ثلثة‬
‫أشهر والباقي للحرب والكم‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫قال الوين‪ :‬وكان يضرب اللقة يكون ما بي طرفيها ثلثة أشهر ث تتضايق فيجتمع فيها من أنواع‬
‫اليوانات شيء كثي ل يد كثرة‪ ،‬ث نشبت الرب بينه وبي اللك علء الدين خوارزم شاه صاحب‬
‫بلد خراسان والعراق وأذربيجان وغي ذلك والقاليم واللك‪ ،‬فقهره جنكيزخان وكسره وغلبه‬
‫وسلبه‪ ،‬واستحوذ على سائر بلده بنفسه وبأولده ف أيسر مدة كما ذكرنا ذلك ف الوادث‪.‬‬
‫وكان ابتداء ملك جنكزخان سنة تسع وتسعي وخسمائة‪ ،‬وكان قتاله لوارزم شاه ف حدود سنة‬
‫ست عشرة وستمائة‪ ،‬ومات خوارزم شاه ف سنة سبع عشرة كما ذكرنا‪ ،‬فاستحوذ حينئذ على‬
‫المالك بل منازع ول مانع‪( .‬ج‪/‬ص‪)13/139 :‬‬
‫وكانت وفاته ف سنة أربع وعشرين وستمائة‪ ،‬فجعلوه ف تابوت من حديد وربطوه بسلسل وعلقوه‬
‫بي جبلي هنالك‪.‬‬
‫وأما كتابه (الياسا) فإنه يكتب ف ملدين بط غليظ‪ ،‬ويمل على بعي عندهم‪ ،‬وقد ذكر بعضهم أنه‬
‫كان يصعد جبلً ث ينل ث يصعد ث ينل مرارا حت يعي ويقع مغشيا عليه‪ ،‬ويأمر من عنده أن‬
‫يكتب ما يلقي على لسانه حينئذ‪ ،‬فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه با‬
‫فيها‪.‬‬
‫وذكر الوين‪ :‬أن بعض عبادهم كان يصعد البال ف البد الشديد للعبادة فسمع قائلً يقول له‪ :‬إنا‬
‫قد ملكنا جنكيزخان وذريته وجه الرض‪ ،‬قال الوين‪ :‬فمشايخ الغول يصدقون بذا ويأخذونه‬
‫مسلما‪.‬‬
‫ث ذكر الوين نتفا من (الياسا) من ذلك‪ :‬أنه من زنا قتل مصنا كان أو غي مصن‪ ،‬وكذلك من‬
‫لط قتل‪ ،‬ومن تعمد الكذب قتل‪ ،‬ومن سحر قتل‪ ،‬ومن تسس قتل‪ ،‬ومن دخل بي اثني يتصمان‬
‫فأعان أحدها قتل‪ ،‬ومن بال ف الاء الواقف قتل‪ ،‬ومن انغمس فيه قتل‪ ،‬ومن أطعم أسيا أو سقاه أو‬
‫كساه بغي إذن أهله قتل‪ ،‬ومن وجد هاربا ول يرده قتل‪ ،‬ومن أطعم أسيا أو رمى إل أحد شيئا من‬
‫الأكول قتل‪ ،‬بل يناوله من يده إل يده ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه أولً ولو كان الطعوم أميا‬
‫ل أسيا‪ ،‬ومن أكل ول يطعم من عنده قتل‪.‬‬
‫ومن ذبح حيوانا ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولً‪.‬‬
‫وف ذلك كله مالفة لشرائع ال النلة على عباده النبياء عليهم الصلة والسلم‪ ،‬فمن ترك الشرع‬
‫الحكم النل على ممد بن عبد ال خات النبياء‪ ،‬وتاكم إل غيه من الشرائع النسوخة كفر‪،‬‬
‫فكيف بن تاكم إل (الياسا) وقدمها عليه ؟‬
‫من فعل ذلك كفر بإجاع السلمي‪ .‬قال ال تعال‪َ{ :‬أفَحُكْ َم الْجَا ِهلِيّةِ َيْبغُونَ َومَنْ أَحْسَ ُن مِ َن الّلهِ‬
‫حُكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ}‪[ .‬الائدة‪]50 :‬‬

‫‪264‬‬
‫سهِمْ َحرَجا‬
‫جرَ َبيَْنهُ ْم ثُمّ لَا َيجِدُوا فِي َأْنفُ ِ‬
‫وقال تعال‪َ{ :‬فلَا َورَّبكَ لَا ُي ْؤمِنُونَ َحتّى ُيحَكّمُوكَ فِيمَا شَ َ‬
‫سلِيما} صدق ال العظيم‪[ ،‬النساء‪.]65 :‬‬ ‫ت وَُيسَلّمُوا تَ ْ‬
‫مِمّا َقضَْي َ‬
‫ومن آدابم‪ :‬الطاعة للسلطان غاية الستطاعة‪ ،‬وأن يعرضوا عليه أبكارهم السان ليختار لنفسه‪ ،‬ومن‬
‫شاء من حاشيته‪ ،‬ما شاء منهن‪ ،‬ومن شأنم أن ياطبوا اللك باسه‪ ،‬ومن مر بقوم يأكلون فله أن‬
‫يأكل معهم من غي استئذان‪ ،‬ول يتخطى موقد النار‪ ،‬ول طبق الطعام‪ ،‬ول يقف على أسكفه الركاه‬
‫ول يغسلون ثيابم حت يبدو وسخها‪ ،‬ول يكلفون العلماء من كل ما ذكر شيئا من النايات‪ ،‬ول‬
‫يتعرضون لال ميت‪.‬‬
‫وقد ذكر علء الدين الوين‪ :‬طرفا كبيا من أخبار جنكيزخان ومكارم كان يفعلها لسجيته وما أداه‬
‫إليه عقله‪ ،‬وإن كان مشركا بال كان يعبد معه غيه‪ ،‬وقد قتل من اللئق ما ل يعلم عددهم إل‬
‫الذي خلقهم‪ ،‬ولكن كان البداءة من خوارزم شاه‪ ،‬فإنه لا أرسل جنكيزخان تارا من جهته معهم‬
‫بضائع كثية من بلده فانتهوا إل إيران فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه‪ ،‬وهو والد زوجة كشلي‬
‫خان‪ ،‬وأخذ جيع ما كان معهم‪ ،‬فأرسل جنكيزخان إل خوارزم شاه يستعمله هل وقع هذا المر عن‬
‫رضى منه‪ ،‬أو أنه ل يعلم به‪ ،‬فأنكره‪ ،‬وقال له فيما أرسل إليه‪:‬‬
‫(ج‪/‬ص‪ )13/140 :‬من العهود من اللوك أن التجار ل يقتلون لنم عمارة القاليم‪ ،‬وهم الذين‬
‫يملون إل اللوك ما فيه التحف والشياء النفيسة‪ ،‬ث إن هؤلء التجار كانوا على دينك فقتلهم‬
‫نائبك‪ ،‬فإن كان أمرا أمرت به طلبنا بدمائهم‪ ،‬وإل فأنت تنكره وتقتص من نائبك‪.‬‬
‫فلما سع خوارزم شاه ذلك من رسول جنكيز خان ل يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه‬
‫فأساء التدبي‪ ،‬وقد كان خرف وكبت سنه‪ ،‬وقد ورد الديث‪(( :‬اتركوا الترك ما تركوكم))‪ ،‬فلما‬
‫بلغ ذلك جنكيز خان تهز لقتاله وأخذ بلده‪ ،‬فكان بقدر ال تعال ما كان من المور الت ل يسمع‬
‫بأغرب منها ول أبشع‪.‬‬
‫****************‬
‫وما ذكره شيخ السلم ابن تيمية رحه ال وتلميذه ابن كثي رحه ال ينطبق انطباقا تاما على فراعنة‬
‫السلمي وطغاتم والكم واحد بالتمام والكمال‬
‫نسأل ال تعال أن يردنا إل ديننا ردا جيل وأن يعصمنا من الفت ما ظهر منها وما بطن‬
‫فهرس الكتاب‬

‫طغى‪6..............................................................................................................................‬‬

‫‪265‬‬

You might also like