You are on page 1of 6

‫التجديد وقانون الكمال‬

‫إن الدارس لفكر حضرة مؤسس الجماعة السلمية الحمدية عليه السلم‪ ،‬قبل أن يأمره ال بتأسيس الجماعة‬
‫وبعدها‪ ،‬ل يملك إل أن يَخْلُص بوضوح إلى القانون الذي بنى عليه فكره‪ ،‬وهذا القانون يمكن أن يطلق عليه‬
‫‪".‬قانون الكمال" الذي آمن به حضرته منذ أول عهده إلى آخر يوم في حياته‬

‫إن هذا القانون‪ ،‬بكل اختصار‪ ،‬قانون نابع من إيمانه العميق بال تعالى وبصدق السلم والرسالة المحمدية التي‬
‫ينبع كمالها من الكمال اللهي‪ .‬فبما أن ال تبارك وتعالى هو الكمال الكامل المتصف بالسماء الحسنى المتكاملة‬
‫غير المتناقضة وهو المنزه عن النقص والعيوب‪ ،‬كذلك فإن كلمته ورسالته وسننه ومظاهر خلقه ل يمكن أن‬
‫يعتريها عيب أو تناقض أو تفاوت أو خطأ‪ .‬وكمال السلم‪ ،‬الذي هو مظهر كمال ال‪ ،‬يرتكز على كمال عناصره‬
‫الثلثة وهي‪ :‬كمال القرآن الكريم ؛ كمال الرسول صلى ال عليه وسلم؛ وكمال المة السلمية التي خصها ال‬
‫بهذه النعمة وهذه البركة‪ .‬هذا هو المحور الذي آمن به حضرته وعمل على توضيحه والتدليل عليه بكل الحجج‬
‫‪.‬والبراهين‬

‫وعندما كان يتعرض السلم إلى أشد الهجمات انبرى حضرته عليه السلم ليقدم الدلة والبراهين على هذا‬
‫القانون الذي آمن به إيمانا عميقا‪ .‬فقام بإعداد المجلد تلو الخر من كتابه "البراهين الحمدية على حقيقة كتاب ال‬
‫القرآن والنبوة المحمدية" بحجج وبراهين دامغةٍ دعا من شاء من المخالفين لنقضها وعرض لمن يستطيع نقض‬
‫خمسها أن يعطيه مبلغ ‪ 20000‬روبية‪ ،‬وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت ويعادل كل ميراثه الذي ورثه عن أبيه من‬
‫عقارات وأملك‪ .‬لقد كان مبعث ذلك ثقته العميقة بال تعالى وبصدق الرسالة السلمية‪ ،‬وطرح هذا التحدي لمن‬
‫شاء من أعداء السلم ومن المشككين بصدق رسالته السمحة الكاملة‪ .‬وقد بدأ هذا المشروع قبل أن يبلغه ال‬
‫ويكلفه بمهامه كإمام مهدي ومسيح موعود‪ .‬كذلك وأثناء مسيرته العطرة التي دافع فيها عن السلم‪ ،‬كتب‬
‫حضرته عليه السلم مجموعة من الكتب سمّى أحدها "مرآةَ كمالت السلم" تأكيدا على هذا المبدأ الذي كان‬
‫‪.‬محور إيمانه وفكره وجهاده‬

‫ولم يكن هذا القانون مجرد فرضية افترضها دون دليل‪ ،‬بل إن الدلة على هذا القانون راسخة ومتصلة عميقا في‬
‫كل أركان اليمان‪ .‬وإن القرآن الكريم قد عبر عن قانون الكمال هذا في مواضع عديدة بشكل مباشر وغير مباشر‪،‬‬
‫بل إن رسالة القرآن حقيقة تعمل على خلق اليمان بهذا القانون عند كل من يُقبل على هذا الكتاب بكل إيمان وحب‬
‫ويقين‪ .‬كذلك فإنه لو تولد هذا القانون فإن النظرة إلى القرآن والنظر فيه سيفتحان أبوابا عظيمة من العلوم الدينية‬
‫التي تفيض وتتموج في هذا الكتاب الكريم‪ .‬لقد كان حضرته محبا للقرآن الكريم وكان يعتبره كعبته التي يطوف‬
‫‪.‬حولها‪ ،‬وكان يردّ كل فضل أنعم ال به عليه وكل علم قد تعلمه من لدنه إلى بركات هذا الكتاب الكامل‬

‫‪:‬لقد أعلن القرآن الكريم عن كمال السلم في قوله تعالى‬

‫"ا ْليَوْمَ َأ ْكمَلْتُ َلكُ ْم دِينَكُمْ وََأ ْتمَمْتُ عََل ْيكُ ْم ِن ْع َمتِي وَرَضِيتُ َلكُمُ الِْسْلَ َم دِينًا"‬

‫إن هذا العلن الذي تضمنته هذه الية الكريمة كان إعلنا عظيما جدا وهاما‪ .‬ويروى أن أحد اليهود عندما سمع‬
‫بهذه الية قال لحد المسلمين‪ " :‬وال لو نزلت علينا آية كمثل هذه الية لجعلنا يوم نزولها عيدا لنا"‪ .‬فلقد كان هذا‬
‫العلن اللهي حُلمَ كل الديان من قبل‪ ،‬لكي تعلن تلك الديان أل ناسخ لها من بعدها‪ ،‬وأنها ستكون الدين الخير‬
‫‪.‬الكامل المتكامل الذي يصلح للبشر في كل الوقات‬

‫ولكن هيهات‪ ،‬فلم تكن تلك الديان إل نقطة في بحر هذا الدين العظيم‪ ،‬ولم تكن سوى مظهر صغير لقصر كبير‬
‫أراد ال تبارك وتعالى أن يضع المصطفى صلى ال عليه وسلم فيه اللبنة الخيرة ويسكنَه ويدخلَه المسلمون معه‬
‫ق لدين محمد صلى ال عليه وسلم أن يسمى ب"السلم" لنه قد ظهر فيه الكمال اللهي وحقق‬
‫بسلم آمنين‪ .‬فح ّ‬
‫‪.‬المقاصد التي أرادها ال من الدين منذ خلق ال الرض ومن عليها‬

‫وبما أن القرآن الكريم هو كلم ال القطعي الذي ل ريب فيه ول شك والذي لم يختلط بقول البشر‪ ،‬والخلق هو فعل‬
‫ال‪ ،‬فل يمكن أن يتناقض قول ال في كتابه القرآن مع فعله في خلقه‪ .‬وعلى العكس تماما‪ ،‬فل بد أن يكون التقان‬
‫الكامل للخلق مظهرا لكلمة ال‪ ،‬كما ل بد لكلمة ال أن تظهر في صور عديدة من الخلق‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد تنبّه حضرته‬
‫عليه السلم إلى هذه الحقيقة وصاغها بكل وضوح‪ ،‬وهي الحقيقة التي عبر عنها القرآن الكريم‪ ،‬حيث قال ال‬
‫‪:‬تعالى‬
‫عمَلً وَهُوَ"‬
‫حيَاةَ ِل َيبْلُ َوكُمْ َأّيكُمْ َأحْسَنُ َ‬
‫ي ٍء َقدِيرٌ (‪ )2‬اّلذِي خَلَقَ ا ْلمَوْتَ وَا ْل َ‬
‫َتبَا َركَ اّلذِي ِب َيدِهِ ا ْلمُ ْلكُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَ ْ‬
‫ل تَرَى مِنْ‬
‫ت فَا ْرجِعِ ا ْلبَصَرَ َه ْ‬
‫ن مِنْ تَفَاوُ ٍ‬
‫حمَ ِ‬
‫خلْقِ الرّ ْ‬
‫طبَاقًا مَا تَرَى فِي َ‬
‫سمَوَاتٍ ِ‬
‫سبْعَ َ‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ (‪ )3‬اّلذِي خَلَقَ َ‬
‫حسِيرٌ (‪5‬‬
‫سئًا وَهُوَ َ‬
‫"(فُطُورٍ (‪ )4‬ثُمّ ارْجِعِ ا ْلبَصَ َر كَ ّر َتيْنِ َينْقَِلبْ إَِل ْيكَ ا ْلبَصَرُ خَا ِ‬

‫فالمتدبر في الخلق سيجد التناسق العجيب ولن يجد فطورا أو تفاوتا‪ .‬كذلك فإن كلم ال ل يمكن أن يتضمن فطورا‬
‫وتفاوتا أيضا‪ .‬كما بين حضرته أن التدبر في الخلق سيفيد في فهم كلمة ال تعالى‪ ،‬كما أن التدبر في كلمة ال‬
‫سيفتح آفاقا عظيمة لفهم قوانين الخلق وكشف أسرار العلوم والقوانين التي من شأنها أن ترتقي بحياة النسان على‬
‫كل الصعد‪ .‬وهذه القاعدة المستمدة من قانون الكمال أصبحت أحد الركان التي بنى عليها منهجه في النظر في‬
‫‪.‬القرآن الكريم وتفسيره وفهم دقائقه‬

‫وهكذا نرى حجم التحدي الذي وضع نفسه فيه وجماعته ‪ ،‬مقابل فكر إسلمي غاب عنه هذا القانون وبرز هذا‬
‫الغياب أكثر فأكثر مع تقدم الزمان‪ .‬بل إن تغييب هذا القانون قد أودى بالفكر السلمي إلى مهاوٍ عميقة‪ ،‬حتى‬
‫أصبح يؤصّلُ النقص وعدم الكمال ويقننُه ويضعُ له قواعد وعلوما تدرس في الجامعات والمعاهد والمدارس‪ .‬إن‬
‫هذا ما جعل السلم الذي بين يدي الناس بعيدا عن روحه الحقيقية‪ ،‬وهذا ما زعزع ثقة المسلمين بدينهم‪ ،‬وما‬
‫جعلهم عرضة للهجوم من أعدائهم بسبب بعض العقائد الركيكة المتناقضة المتضاربة التي ل أصل لها في السلم‬
‫حقيقة‪ .‬وقد كان حضرة مؤسس الجماعة السلمية الحمدية عليه السلم مدافعا عن الكمال وناقضا لكل ما بني‬
‫على تغييبه‪ .‬فإذا كان نقض كل الفكار التي بنيت على غياب قانون الكمال‪ ،‬وعرض كل فكرة أو ظاهرة جديدة‬
‫على هذا القانون لتقرير قبولها أو رفضها يعتبر تجديدا فقد كان مجددا بهذا المعنى‪ .‬أما إن كان القصد إيجاد مبادئ‬
‫‪.‬جديدة أو خلق أمور محدثة في الدين الكامل فهذا ما هو بريء منه ‪ ،‬وما يمكن اعتباره أصوليا في مقابله‬

‫ولشديد السف‪ ،‬فلقد كان القرآن الكريم الضحية الولى لغياب قانون الكمال في الفكر التقليدي‪.‬وإذا حاولنا أن‬
‫ننظر في آثار غيابه فسنجد أنها وخيمة جدا‪ ،‬وقد ألقت بظللها الثقيلة على الفكر السلمي التقليدي عامة‪ .‬وما‬
‫نقصده بالفكر السلمي التقليدي عامة هو الفكر السني الشائع المتفق عليه إلى حد كبير بين أهل السنة‪ .‬ول يتسع‬
‫‪.‬المجال هنا لعرض ما يقول به الفكر الشيعي الذي أسرف في تغييب الكمال بشكل لفت‬

‫فبخصوص متن القرآن الكريم‪ ،‬فقد ابتدع الفكر التقليدي بدعة الناسخ والمنسوخ التي جعلها علما لمعرفة الحكام‬
‫العاملة والحكام المعطلة أو المرفوعة‪ .‬وهكذا فقد افترضت هذه العقيدة أن هذا الكتاب الكريم يحتوي آيات معطلة‬
‫ل يجوز العمل بها بسبب نزول آيات بعدها نسخت حكمها‪ ،‬كما يفترض وجود آيات رفعت محل وبقي حكمها‬
‫الذي ل بد من العمل به مع عدم وجود تلك اليات في القرآن الكريم‪ .‬والخطر من ذلك‪ ،‬أنه ل يوجد تحديد متفق‬
‫عليه لهذه اليات المنسوخة والناسخة‪ .‬إن مبحث الناسخ والمنسوخ هو مبحث طويل جدا ومتشعب‪ ،‬كما أن‬
‫أضراره على الفكر السلمي متشعبة جدا أيضا‪ ،‬أل أننا بكل ثقة يمكن أن نقول أن نقض هذه العقيدة وحدها بكل‬
‫ما يتعلق بها من جزئيات سينهض بالفكر السلمي بشكل كبير‪ .‬وقد قام حضرته عليه السلم بنقض هذه العقيدة‬
‫والتدليل على بطلنها بالدلة القرآنية وغيرها‪ ،‬كما قدمت الجماعة تفسيرا لشهر اليات التي اعتقد الفكر التقليدي‬
‫بنسخها بشكل سهل ومقنع‪ .‬ومن أشهر العقائد التي شوهتها عقيدة الناسخ والمنسوخ هي عقيدة الجهاد‪ .‬فقد افترض‬
‫القائلون بالنسخ أن آية واحدة‪ ،‬وهي آية السيف‪ ،‬قد نسخت ما يزيد على مائة آية أخرى تدعو إلى الحرية الدينية‬
‫والعفو والتسامح‪ .‬ونحتوا مبدأ مرحلية الجهاد الذي ما هو إل قمة النتهازية‪ ،‬كما أن آثاره السيئة قد جعلت من‬
‫‪.‬يؤمن بهذه العقيدة يعاشر الناس بالنفاق ويتحين الفرصة للنقضاض عليهم‬

‫وقد افترض الفكر التقليدي‪ ،‬أن القرآن مجمل وحمال أوجه ول سبيل للستفادة منه بغير الحديث الشريف‪ .‬وأن‬
‫الحديث هو الذي يحكم على القرآن وليس العكس؛ إذ أن الحديث مفصل والقرآن مجمل‪ .‬لقد بين حضرته عليه‬
‫السلم أن القرآن هو كتاب كامل يقيني ل شك فيه ول ريب‪ ،‬بينما الحديث ل يمكن أن يرقى إلى هذه المرتبة بل‬
‫هو في غالبيته العظمى في مرتبة الظن من حيث ثبوت روايته عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكيف يقدم‬
‫الظن على اليقين؟ وقد أكد حضرته أن كلم الرسول صلى ال عليه وسلم في أصله ل يمكن أن يتناقض مع‬
‫القرآن‪ ،‬وأن التناقض أو التعارض – إن لم يكن هنالك من سبيل لزالته – فهو ناتج عن عملية انتقال الحاديث‬
‫إلينا وتدوينها‪ .‬إل أنه ل ينبغي التجرؤ على الحديث ورفضه والنظر إليه بعدم الهتمام‪ ،‬فما لم نستطع إزالة‬
‫التعارض فيه مع القرآن الكريم نتركه ول نكذبه‪ ،‬ولكن الحديث هو خادم للقرآن وشارح له وليس حكما عليه ول‬
‫‪.‬قاضيا فيه‬

‫وقد فرق حضرته بين الحديث وبين السنة النبوية التي هي فعل الرسول وتقريره التي انتقلت إلينا بطريق يقيني ل‬
‫ريب في نسبته للرسول صلى ال عليه وسلم‪ .‬وهذه الفعال ما هي إل التطبيق الدقيق للقرآن الذي تجلى في أبهى‬
‫صوره في حياة المصطفى صلى ال عليه وسلم‪ .‬لقد ساق من الدلة‪ ،‬من ضمن ما ساقه حول مكانة الحديث‪ ،‬قوله‬
‫أن الحديث لم يكن مدونا ومجموعا في أبرز وأهم عصور السلم وهي مرحلة الصحابة وأول مرحلة التابعين‪،‬‬
‫!فهل يصح أن نقول أن مصدرا من مصادر الشريعة كان غائبا آنئذ‬

‫كذلك فقد بين حضرته الخطأ الذي وقع فيه المفسرون من خلل إقحام السرائيليات من القصص في تفسير القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وبين أن القصص الموجودة في القرآن الكريم‪ ،‬وإن تشابهت مع القصص السرائيلية‪ ،‬إل أنه من الخطأ‬
‫أخذ تفصيلتها من هناك والتحكم بالتفسير وحصره‪ .‬فهذه القصص كما قدمها القرآن الكريم تذكر الجزء المفيد من‬
‫كل قصة والذي يتضمن أنبا ًء غيبية تتعلق بالمسلمين‪ .‬وهكذا فبدل من أخذ العبرة من تلك القصص وفهم النباء‬
‫الغيبية الواردة فيها‪ ،‬فقد حوّل الفكر التقليدي القرآن الكريم إلى كتاب قصص مفرقة غير مكتملة وغير مرتبه‬
‫‪.‬ترتيبا زمنيا مع ترتيب القرآن الكريم‬

‫وفي مقابل عدم تيقن الفكر التقليدي من أهمية الترتيب عامة وترتيب سور القرآن وآياته خاصة؛ فقد أكد حضرته‬
‫عليه السلم أن القرآن الكريم مرتب ترتيبا حكيما محكما بحيث أن كل كلمة أو آية أو سورة هي في موضعها‪،‬‬
‫وسياقُها يرسم صورة متكاملة لرسالة القرآن الكريم وتفسيره ومعانيه‪ .‬فمن خلل النتباه إلى هذه الحقيقة يمكن‬
‫الستفادة في التفسير بحيث أن كل ما شذ عن هذا الحكام ل بد وأن يكون من خطأ المفسر‪ .‬وقد أمعن حضرته في‬
‫ل عليها بعدها مباشرة‪،‬‬
‫تبيان كمالت القرآن الكريم‪ ،‬فأثبت مثل أن القرآن الكريم لم يقدم حجة إل وساق الدلي َ‬
‫‪.‬وأضاف هذه القاعدة إلى قواعد التفسير العظيمة في فكر الجماعة السلمية الحمدية‬

‫وهكذا فمن خلل إصلح العقيدة في القرآن الكريم وما يتبعها من إصلح كل العقائد الساسية المرتكزة على‬
‫‪.‬القرآن‪ ،‬فقد عمل حضرته على إصلح العقيدة والذبّ عنها بكل قواه‬

‫وفيما يخص الشريعة فلم يغفل حضرته عن الكمال الذي في الشريعة السلمية أيضا‪ .‬لقد بين حضرته عليه‬
‫السلم أن الشريعة لزمة لنشوء الحالة الروحانية في النسان‪ ،‬وهي ليست مجرد أمور شكلية ل قيمة لها‪ .‬لقد تفرد‬
‫حضرته بتبيان أثر السلوك والطعمة والشربة على الحالة الخلقية للنسان‪ ،‬كما بين أثر الحالة الخلقية على‬
‫الحالة الروحانية‪ .‬وبين أن إصلح السلوك والعادات الذي تتضمنه الشريعة سيؤدي إلى إصلح الخلق‪،‬‬
‫وإصلح الخلق سيفتح الطريق لنشوء الحالة الروحانية‪ .‬وقد كتب حضرته عليه السلم كتابا عظيما بعنوان‬
‫"فلسفة تعاليم السلم" بين من خلله الفلسفة وراء كل الوامر والنواهي السلمية‪ .‬كما بين أن الحالة الروحانية‬
‫‪.‬ل تنشأ فجأة وتختفي فجأة بل هي عملية خلق تحتاج إلى كثير من المثابرة والمحافظة‬

‫إن الهدف السمى للدين بل ولخلق النسان بداية هي العبودية ل تعالى وحده‪ .‬وهكذا فإن كل العقائد نابعة أصل‬
‫من عقيدة التوحيد كما أنها تؤول إليها وتخدمها‪ .‬كذلك فإن الشريعة هي النظام الذي يضع النسان على طريق‬
‫العبودية ويكفل أن يكون سلوكه موجهًا نحو العبودية ل تعالى‪ .‬ومن خلل العقائد الراسخة في النفوس والشريعة‬
‫التي تظهر على الجوارح يصبح المؤمن مؤمنا عابدا موحدا ل تعالى‪ .‬وهكذا فقد أراد ال تعالى أل يكون حضرته‬
‫مجرد مصلح أو مجدد ينادي بتقويم العقائد وبأهمية الشريعة‪ ،‬بل أراد ال تعالى أن يكلفه بدعوى تتضمن في‬
‫‪.‬طياتها إصلحا للعقائد والسلوك بطريقة عجيبة هي في حقيقتها آية من آيات صدقه‬

‫إن دعواه من ناحية فكرية تستند على ثلثة مواضيع‪ :‬وهي حياة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلم ووفاته‪،‬‬
‫ونزول عيسى عليه السلم في آخر الزمان وقتله الدجال‪ ،‬والمفهوم الحقيقي لخاتم النبيين‪ ،‬لقب حضرة سيده‬
‫‪.‬وسيدنا محمد المصطفى صلى ال عليه وسلم‬
‫لقد أعلن حضرته أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلم قد توفي كغيره من النبياء ول حقيقة لرفعه إلى السماء‬
‫بجسده وحياته فيها حتى هذا الوقت‪ ،‬وقدم الدلة والبراهين الواضحة على هذا المر من القرآن الكريم والحديث‬
‫الشريف ومن الكتاب المقدس وغيره من المصادر التاريخية والطبية‪ .‬كما بين حضرته عليه السلم المقصود‬
‫بنزوله في آخر الزمان ما هو إل قدوم شخص يشابهه في صفاته وفي ظروف بعثته من المة السلمية‪ .‬أما‬
‫مفهوم خاتم النبيين فقد بين حضرته أن المقصود به هو الفضلية المطلقة للرسول صلى ال عليه وسلم على‬
‫النبياء والمرسلين‪ ،‬وأن الفهم التقليدي لهذا الموضوع لم يصن مقام المصطفى صلى ال عليه وسلم وأفضليته‬
‫‪.‬وخاتميته‬

‫إن هذه المواضيع الثلثة تعتبر تطبيقا عظيما لقانون الكمال‪ .‬فالفهم الصحيح لموضوع حياة المسيح عليه السلم‬
‫ووفاته يقوم عقيدة التوحيد وينقيها‪ ،‬كما ُيقوّم النظرة إلى النصوص القرآنية ويجلّي كمال القرآن ودقة تعابيره‬
‫وعدم وجود التناقض في آياته‪ .‬أما النزول في آخر الزمان لمواجهة الدجال فيعمل على تقويم النظرة إلى الحديث‬
‫الشريف وإلى أنبائه‪ ،‬كما يقدم مثال على الطريقة الصحيحة للتعامل معه والستفادة منه‪ .‬أما موضوع خاتم‬
‫النبيين‪ ،‬فهو يعمل على إبراز كمال الرسول صلى ال عليه وسلم وكمال أمته بشكل خاص‪ ،‬إضافة إلى أن‬
‫‪.‬المواضيع الثلثة مع بعضها البعض تبرز كل عناصر الكمال في السلم‬

‫إن هذه المواضيع الثلثة ل تقوم العقائد فقط وإنما تعمل على خلق آلية لفهم العقائد والتعامل مع النصوص‪ .‬ومن‬
‫العجيب جدا أن يكون النظر فيها الخطوة الولى التي بحسمها يفتح الطريق أمام كل من يسمع بدعوى المام‬
‫المهدي والمسيح الموعود عليه السلم‪ .‬و المتدبر سيجد أن هذه المور الثلثة كانت تشكّل في طياتها ثالوثا يختزل‬
‫كل عناصر فساد الفهم التقليدي من خلل أمثلة مركزة شاملة‪ ،‬وتدمير هذا الثالوث يؤدي إلى إصلح هذا الفساد‬
‫من جذوره‪ .‬ويمكن القول أن الفهم الصحيح أصبح يشكل ثالوثا جديدا لليمان والتوحيد في مقابل ثالوث الفساد في‬
‫العقائد عند عامة المسلمين‪ .‬كما أن ثالوث التوحيد هذا يحطم ثالوث الشرك النصراني بشكل حاسم ودقيق‬
‫‪.‬ومختصر‪ ،‬ويحقق النبأ الخاص بكسر الصليب في آخر الزمان على يد المسيح الموعود‬

‫أما بعد تجاوز هذه المور واضمحلل أثرها على السلم‪ ،‬فإن مسيرة التجديد في الجماعة السلمية الحمدية‬
‫ستبقى مستمرة إلى البد إن شاء ال تعالى‪ .‬إن ما يميز فكر الجماعة السلمية الحمدية الذي اختط قواعده‬
‫الصلية حضرة المؤسس عليه السلم هو أنه فكر متجدد غير جامد قادر على التصدي لكل ما يستجد من أمور‪.‬‬
‫فالقانون الساس التي بقوم عليها كما أسلفنا هو قانون الكمال‪ ،‬مما يجعل كل مسألة مستجدة أو فرعية يجب أن‬
‫تخضع لهذا القانون لكي يتقرر القبول بها أو رفضها‪ .‬إن هذا القانون وإن كان بسيطا في عرضه وفي مضمونه‬
‫إل أنه يتطلب عرض كل الدلة المتعلقة بأي مسألة ودفع أي تناقض ظاهر بين هذه الدلة تحت هيمنته‪ .‬وهذا‬
‫يجعل الدلة شاملة متكاملة ويجعل النتائج المستخلص َة نتائج أقرب إلى الكمال‪ .‬أما إذا لم تكن الدلة خاضعة لهذا‬
‫القانون‪ ،‬فقد تنحرف بعيدا بصاحبها وتورث بعض الخطاء العقدية القاتلة التي تترك أثرا مدمرا في الحاضر أو‬
‫‪.‬في المستقبل أحيانا‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن التجديد في الجماعة السلمية الحمدية هو أصولية قانون الكمال وثباته وحركية التعامل مع كل ما‬
‫يستجد من مسائل فهمت خطأ في الماضي وبرزت في هذا الوقت‪ ،‬أو برزت في هذا الوقت وفهمت خطأ‪ ،‬أو ما‬
‫يمكن التنبه له من أفكار قد تكون برزت في الماضي والحاضر وستترك أثرا سيئا متوقعا في المستقبل‪ .‬فقد آمنا‬
‫كما آمن حضرة المؤسس عليه السلم بهذا الكمال المتكامل ل تعالى ورسالة السلم وكتابه ونبيه سيدنا محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعقدنا العزم على الجهاد في ال ورأينا أن ال تبارك وتعالى قد هدانا سبله‪ .‬فحمدنا ال‬
‫تعالى على هذه النعمة التي أنعم بها علينا‪ .‬فالحمد ل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال‪ ،‬والصلة‬
‫والسلم على نبينا وإمامنا وحبيبنا ومعلمنا حضرة سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪.‬وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين‬
‫المهندس تميم أبو دقة‬
‫‪2005/8/5‬‬

You might also like