You are on page 1of 5

‫حقيقة الجنة والجحيم‬

‫"حقيقة الجنة والجحيم" هي فقرة من كتاب "فلسفة تعاليم‬


‫السلم" للمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلم‪ ,‬وأصل‬
‫هذا الكتاب القيم محاضرة من تأليفه ألقاها أحد تلميذه حضرة‬
‫عبد الكريم السيالكوتي (رضي الله عنه) في مؤتمر للديان‬
‫بلهور الهند بتاريخ ‪ 28-26‬ديسمبر ‪.1896‬‬

‫ومما قاله المام المهدي في هذه الفقرة‪:‬‬

‫ن الجنّة السلمية حقيقتها أنها ظ ِ ٌّ‬


‫ل ليمان وأعمال النسان في‬ ‫إ َّ‬
‫الحياة الدنيا‪ ..‬وما هي بشيء جديد يتلقاه النسان من الخارج‪ ,‬بل‬
‫ن جنَّة النسان تنشأ من باطن النسان نفسه‪ ,‬وإن جنَّة المرء‬
‫إ َّ‬
‫إنما هي إيمانه وأعماله الصالحات التي يبدأ في التلذذ بها في‬
‫ن حدائقَ والعما ُ‬
‫ل‬ ‫نفس هذا العالم‪ .‬فيتراءى له في باطنه اليما ُ‬
‫أنهاًرا‪ ..‬ثم في الخرة سيشاهدهما عيانًا‪ .‬إ َّ‬
‫ن كتاب الله الكريم‬
‫يعل ِّمنا أن اليمان الصادق الخالص المستحكم الكامل بالله‬
‫ة نضرة وشجرة مثمرة‪ ,‬وأن العمال الصالحة‬
‫وصفاته وإرادته جن ُ‬
‫أنهار هذه الجنة‪ ..‬كما يقول سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫(إبراهيم‪)26-25:‬‬

‫‪..‬أي أن الكلمة اليمانية الخالية من كل إفراط وتفريط‪ ,‬ونقص‬


‫وخلل‪ ,‬وكذب وهزل‪ ,‬والكاملة من جميع الوجوه‪ ..‬تماثل الشجرة‬
‫الطيبة السليمة من كل العيوب‪ ,‬المتمكنة جذورها في الرض‪..‬‬
‫ما‪ ,‬ول يأتي‬
‫والشامخة فروعها في السماء‪ ,‬والتي تؤتي ثمارها دائ ً‬
‫عليها وقت تخلو فيه أغصانها من الثمر‪.‬‬

‫وبتشبيه الكلمة اليمانية بشجرة دائمة الثمر‪ ..‬ذكر الله هنا ثلث‬
‫علمات لليمان‪:‬‬

‫•العلمة الولى‪ :‬أن يكون أصل اليمان‪ ,‬أي معناه‬


‫الحقيقي‪ ,‬ثابتًا في أرض القلب‪ .‬وذلك يعني أن تكون‬
‫الفطرة النسانية والضمير قد سلّما بحقانيته وأصالته‪.‬‬
‫•العلمة الثانية‪ :‬أن تكون فروعها في السماء‪ ..‬بمعنى أن‬
‫يكون اليمان مقرونًا بالبراهين العقلية بحيث توافقه‬
‫ن السماوية التي هي من أفعال الله تعالى‪ .‬والمراد‬ ‫السن ُ‬
‫أن يكون بإمكاننا التدليل على صحته وأصالته بأدلة‬
‫مستنبَطة من النواميس الطبيعية‪ ,‬وأن تكون تلك الدلة‬
‫من السمو وكأنها في السماء‪ ..‬ول يمكن أن تصل إليها‬
‫يد الشبهات‪.‬‬
‫•العلمة الثالثة‪ :‬أن تكون ثمارها الصالحة للكل دائمة غير‬
‫منقطعة‪ .‬والمراد أن تكون لليمان – بعد العمل به –‬
‫ما أبدًا‪ ,‬وفي كل‬
‫ت محسوسة وبركات مشهودة دائ ً‬ ‫تأثيرا ٌ‬
‫زمن‪ ,‬وليس أن تظهر هذه البركات في زمن معين ثم‬
‫تنقطع‪.‬‬

‫ثم قال تعالى‪:‬‬

‫(إبراهيم‪)27:‬‬

‫‪..‬أي أنها كلمة ل تقبلها الفطرة البشرية‪ ,‬ول تستقيم هي بحال‬


‫من الحوال أبدا‪ ,‬أمام البراهين العقلية أو القوانين الطبيعية‪ ,‬أو‬
‫أمام صوت الضمير‪ ..‬بل إن هي إل روايات وأقاصيص‪.‬‬

‫وكما شبَّه القرآن المجيد أشجاًرا طيبة لليمان بالعناب والُر َّ‬
‫مان‬
‫وغيرهما من الفواكه الطيبة‪ ,‬وأخبر أنها سوف تتمثل في عالم‬
‫الخرة وتتراءى في صور هذه الثمرات‪ ..‬كذلك شبَّه كلم َ‬
‫ة الكفر‬
‫الخبيثة بشجرة الزقوم في الخرة كما قال تعالى‪:‬‬

‫(الصافات‪)66-63:‬‬

‫وكذلك قال‪:‬‬

‫(الدخان‪)50-44:‬‬

‫ما‪ ..‬أرياض الجنة أم شجرة‬ ‫‪..‬بمعنى‪ :‬أيّ الضيافتين خيٌر مقا ً‬


‫الزقوم التي هي بلء للظالمين؟ إنها شجرة تخرج في أصل‬
‫الجحيم‪ ..‬أي أنها تنشأ من الكِبر والَّزهو لنهما جذور جهنم‪ .‬نَوْرها‬
‫كأنه رؤوس الشياطين‪ .‬والشيطان يعني الهالك‪ ,‬وهو مشتق من‬
‫الشيْط‪ ,‬والمقصود من الية أن أكله سوف يسبب الهلك‪.‬‬

‫ثم قال إن شجرة الزقوم طعام الذين يرتكبون السيئات عمدًا‪,‬‬


‫مهل‪ ..‬أي النحاس الذائب‪ ,‬يغلي في البطون كغليان‬
‫وأنه كال ُ‬
‫ل جهنم قائل‪ :‬ذق من هذه الشجرة يا صاحب‬ ‫الماء‪ .‬ثم خاطب نزي َ‬
‫العزة والكرامة! وهذا الخطاب تعبير عن الغضب الشديد‪,‬‬
‫والمراد‪ :‬لو لم تتكبر ولم تُعرض عن الحق بسبب عزتك وكرامتك‬
‫الدنيوية لم تذق اليوم كل هذه المرارات‬

‫وقوله تعالى‪:‬‬
‫"ذُقْ إن َ َ َ‬
‫ضا إلى أن كلمة "الزقوم"‬
‫م "يشير أي ً‬ ‫ت اُلْعَزِيُز اُلْكَرِي ُ‬
‫ك أن َ‬ ‫ِّ‬
‫م"‪ .‬و "أم" مختصر من قوله‬ ‫َ‬ ‫مركبة في الصل من "ذ ُ ْ‬
‫ق" و "أ ْ‬
‫"إن َ َ َ‬
‫م" حيث أخذ الحرف الول من بداية‬ ‫ت اُلْعَزِيُز اُلْكَرِي ُ‬
‫ك أن َ‬ ‫ّ‬
‫الجملة والحرف الخير من الجملة‪ ,‬وتبدل "ذ" إلى "ز" لكثرة‬
‫الستعمال‪.‬‬

‫وخلصة القول إن الله تعالى مثَّل كلمة الكفر التي هي من هذه‬


‫الدنيا بالزقوم واعتبرها شجرة الجحيم‪ ,‬كما مثَّل كلمة اليمان‬
‫التي هي من هذه الدنيا بالجنَّة المثمرة‪ ,‬وهكذا وضح أن‬
‫الفردوس والجحيم إنما ينجم أصلهما في الحياة الدنياة‪ ,‬كما‬
‫وصف سبحانه جهنم في موضع آخر قائل‪:‬‬

‫(الهمزة‪)8-7:‬‬

‫‪..‬أي أن جهنم هي نار منبعها غضب الله وتشتعل بالمعصية‪,‬‬


‫وتتغلب أول على القلب‪ .‬وهذا إشارة إلى أن أصل هذه النار إنما‬
‫هي تلك الهموم والحسرات واللم التي تأخذ بالقلوب‪ ,‬ذلك لن‬
‫كل أنواع العذاب الروحاني تبدأ من القلب أول ً ثم تستولي على‬
‫الجسد كله‪.‬‬

‫وقال في موضع آخر‪:‬‬

‫(البقرة‪)25:‬‬

‫ة على الدوام‬
‫‪..‬أي أن الوقود الذي يُبقي ناَر الجحيم مضطرم ً‬
‫عبارة ُ عن شيئين‪:‬‬

‫•أولهما – الناس الذين نسوا الله الحقيقي وأخذوا يعبدون‬


‫ما سواه من المخلوقات‪ ,‬أو الذين يدعون الخرين أن‬
‫يعبدوهم‪ ..‬كما يقول الله عنهم‪:‬‬
‫(النبياء‪)99:‬‬

‫‪..‬أي سوف تُلقَون في جهنم أنتم وآلهتكم الباطلة الذين‬


‫زعموا أنفسهم آلهة رغم كونهم من البشر‪.‬‬

‫جدت جهنم‬ ‫•والثاني‪ :‬الصنام والنصاب‪ ,‬إذ لولها لما وُ ِ‬


‫أيضا‪.‬‬
‫لقد تبين من جميع هذه اليات أن الجنة والجحيم –‬
‫بحسب كلم الله القدسي – ليستا ماديتين كهذا العالم‬
‫الجسماني‪ ,‬وإنما منشأهما أمور روحانية سوف تُشاهَد‬
‫بأشكال متجسمة في عالم الخرة‪ ,‬ومع ذلك لن تكون‬
‫من هذا العالم المادي‬

You might also like