Professional Documents
Culture Documents
أود أول التأكيد أن ما نقصده بالسنة هو السنة العملية القطعية المنقولة بالتواتر إضافة إلى كلم النبي صلى ال
عليه وسلم الثابت بالقطع عنه وليس الحاديث ،وهذا هو تعريف المام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلة
والسلم .ويجدر الذكر هنا أن كل قول أو فعل أو تقرير قام به النبي صلى ال عليه وسلم وثبت عنه بالقطع فهو
مما ل شك فيه عندنا ،بل ل يمكن تصور أن يكون موضع شك عند غيرنا من المسلمين ،وهو متوافق مع القرآن
الكريم حتما .لذلك فإن الصل أن مسألة نسخ السنة للقرآن غير واردة مطلقا ،من باب أن التوافق التام والنسجام
التام هما سمة السنة العملية والكلم الصلي الثابت عن الرسول حتما .ويجب أن نجتهد في إيجاد هذا التوافق
.والتدليل عليه ،وهذا هو منهجنا ومقصدنا في البحث في السنة والحديث معا
أما بالنسبة إلى الحاديث بشكل خاص ،فنحن ننظر إليها جميعا نظرة متساوية ،ولكن تحت سلطة القرآن وهيمنته.
وبسبب أنها لم تثبت بالقطع عن الرسول صلى ال عليه وسلم (إل القليل جدا منها) فل يجوز أن نستند إليها
لوحدها دون الرجوع إلى القرآن الكريم ،مهما كانت مرتبتها وتصنيفها حسب علم مصطلح الحديث .فنحن نلتمس
فيها وجوها تتوافق مع القرآن الكريم ونقبل بتلك الوجوه .أما ما لم نجد له وجها مقبول ،أو ما قد نجد له وجوها
تتعارض مع القرآن وفق فهمنا ،فنتركه ول نرفضه أو نكذبه .وتبقى الحاديث عندنا موضع نظر إلى قيام الساعة،
وما تركناه اليوم قد نعود إليه لحقا إذا تبين لنا اشتماله على وجه مقبول يمكن أن نأخذ به .وهكذا فإن القول بنسخ
.الحاديث للقرآن غير وارد عندنا أيضا ،بل ننظر إلى الحاديث كخادمة للقرآن وكوجوه لتطبيقه وفهمه
ول بد من التأكيد أيضا أن بعثة النبي صلى ال عليه وسلم وسنته العملية وقوله الثابت عنه وأسوته الحسنة هي
كلها ذات أهمية بالغة .ول يمكن القول بأن القرآن وحده كافٍ لفهم كل ما يتعلق بالدين وتحقيق الغاية منه واللتزام
به ،بل إن كل ما يفهم منه بالتدبر هو أمر يحتمل الصواب والخطأ والخذ والرد .لقد أرسل ال سيدنا محمدا صلى
ال عليه وسلم لكي يكون قرآنا يمشي على الرض ،فل غنى للقرآن عن الرسول صلى ال وسلم ول غنى
للرسول عن القرآن .وإن في سنة النبي صلى ال عليه وسلم وسيرته منارات وعلمات لفهم القرآن في الماضي
.والحاضر والمستقبل
ولم تكن بعثة النبي صلى ال عليه وسلم هي فقط لكي يبلغ القرآن للناس ،بل ليعمل على تزكية الناس ولكي يعلمهم
الكتاب والحكمة ولكي يكون مثال عمليا تطبيقيا أمامهم .لذلك فترك السنة والنظر إليها باستخفاف هو زيغ عن
جادة الحق .فكما كان القرآن الكريم هو الكتاب الكامل ،كان كذلك الرسول صلى ال عليه وسلم التطبيق الكمل
للقرآن .وطبيعة الصلة بين القرآن الكريم وبين الرسول صلى ال عليه وسلم هي ليست كعلقة أي إنسان بكتاب.
فلم يكن القرآن الكريم كتابه المرجعي الذي كان يرجع إليه لكي يقرر ما يفعل كذا أو يترك كذا ،بل إن علقته
بالكتاب هي علقة عضوية تجعل كل فعله وقوله منسجما تلقائيا مع الكتاب ومتوافقا معه ..فل يظنن أحد أن
العلقة بين الرسول صلى ال عليه وسلم وبين الوحي من ال هي كعلقة التلميذ بالعلم الذي يتلقاه من أستاذه ،فهذا
قياس خاطئ ،وهو فهم ل ينطبق على مفهوم الوحي أو النبوة .إن الوحي اللهي هو روح تحيا في قلب الرسول
صلى ال عليه وسلم وهو ليس مجموعة من الكلمات أو القواعد التي حفظها الرسول وأخذ يقيس ويجتهد بناءً
.عليها .فسنته العملية هي قرآن عملي وليست اجتهادا أو فهما .وهذه قضية دقيقة ينبغي أل تغيبن عن البال
وقد يُفهم منا خطأ أننا ندعو إلى أخذ القرآن وترك ما دونه ،وأن القرآن وحده يكفي ،وهذا ليس ما نقول ول ما
ندعي .وهذا الفهم إن وجد عند قوم فإنهم يقطعون صلتهم بالنبي تدريجيا ويتركون الحق إلى الباطل ويتكلون على
أفهامهم وأرائهم ويتركون سنة النبي صلى ال وسلم .لقد كان المام المهدي عليه الصلة والسلم مقاتل منافحا
.عن السنة ،وكان حريصا أشد الحرص على تتبع خطوات المصطفى صلى ال عليه وسلم بكل دقه
وأؤكد مرة أخرى أن مبعث ردنا للحديث إلى القرآن للنظر فيه ما هو إل طريقة للبحث عن مقصود النبي صلى
ال عليه وسلم من الحديث (إن كان قد قاله أصل) ومحاولة لتصحيح الحديث والستفادة منه .وهذا مبعثه عدم
الثبوت القطعي للرواية واللفظ عن الرسول صلى ال عليه وسلم .ولو ثبتت الحاديث عندنا قطعيا لما كان هنالك
من حاجة لردها إلى القرآن الكريم لكي نقرر أن نعمل بها أول نعمل ،فهي بل شك متوافقة ،وإن كان هنالك من
باب للتدبر فهو للتعلم والتفكر ل للخذ والرد .فلو كانت قد خرجت من فم النبي المبارك فهي قطعا الحق المبين
دون أدنى شك .ولكن للسف ،لم يتيسر لنا هذا المر ،وكان ل بد من أن نقوم بذلك مكرهين لكي نتلمس طريق
الحق ولكي نخدم دين ال الحق .ونحن هنا نقف على طرف نقيض في مواجهة الذين بنوا دينهم على الحاديث
التي هي في غالبيتها العظمى ظنية الثبوت رواية ولفظا عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ناهيك عمن اعتمدوا على
.القصص والروايات وأقوال صلحائهم وتركوا القرآن والسنة مهجوريْن
وهكذا فإننا نؤسس ديننا على اليقين ل الظن ،ونستفيد من كل الثار والحاديث في فهم أمور تفصيلية وتطبيقية.
كما أننا نستفيد من النباء التي وردت في الحاديث وتحققت في زماننا أو في زمان قبلنا ونتدبر فيها ونرى أوجه
تحققها ،لكي نعلم في أي موضع نحن نقف .ونعلم أن النباء المتحققة هي حق أنبأه ال تعالى إلى رسوله .فالغيب
بيده ول يطلع عليه أحدا إل من ارتضى من رسول .وهكذا فإننا نستفيد من الحاديث إلى أقصى مدى ،ولكن من
خلل ضوابط تجعل الحديث خادما للقرآن الكريم وتابعا له وللسنة العملية ،ول نترك الحاديث تنحرف بنا بعيدا
عن طريق القرآن والسنة العملية .هذا هو منهج المام المهدي عليه الصلة والسلم ،فقد جاء ليعيدنا إلى القواعد
الراسخة اليقينية ويزيل عنا غمامة الظنون والروايات والقصص والراء التي لعبت دورا رئيسا في خلق الفرق
.والملل والمذاهب والنِحَل
إن منهجنا القويم هو تقديم القرآن على ما سواه وليس ترك ما سواه .فل بد أن نستفيد من كل ما سواه من السنة
القطعية أو الحاديث الظنية الثبوت أو حتى كل ما ينفع الناس من العلوم التي تخدم الدين .إننا كمسلمين نؤمن
بالرسول صلى ال عليه وسلم كما نؤمن بالقرآن الكريم ،ول يقتصر إيماننا على التصديق بأنه مجرد المرسَل الذي
حمل إلينا الكتاب بل هو ذلك الشخص الذي كان هو الكتاب التطبيقي العملي .وأي عدم توازن في اليمان بالكتاب
.أو بالرسول صلى ال عليه وسلم سينعكس بشكل خطير على حقيقة اليمان بمجملها
وخير ما نختم به هذا الموضوع كلم المام المهدي عليه السلم نفسه .يقول سيدنا المام المهدي والمسيح
:الموعود عليه السلم ما تعريبه
إن مذهبي هو أن ال أعطاكم لهدايتكم ثلثة أشياء .الول هو القرآن ( ... )1لذلك فكونوا حذرين ول تخطُوا"
خطوةً واحدة خلف تعليم ال وهدْي القرآن .أقول والحق أقول لكم إنه من يعرض عن أصغر أمر من أوامر
القرآن السبعمئة فإنه بيده يسدّ على نفسه باب النجاة .إن القرآن قد فتح سبل النجاة الحقيقية والكاملة ,أما ما سواه
حبّوه حباً جمّا ،حباً ما أحببتموه شيئا ،لن ال قد خاطبني
فلم يكن كله إلّ ظلّ له .لذلك فاقرؤوا القرآن بالتدبر ،وأ ِ
.قائلً" :الخير كله في القرآن" .إِي وربي إنه لحقّ .فوا أسفاً على الذين يقدّمون عليه غيرَه
إنّ مصدرَ فلحكم ونجاتكم كله في القرآن .وما من حاجة من حاجاتكم الدينية ل توجد في القرآن .وإن القرآن َلهُو
المصدّق أو المكذّب ليمانكم يوم القيامة .ول يستطيع كتاب غير القرآن -تحت أديم السماء -أن يهديكم بل واسطة
القرآن .لقد أحسن ال بكم إحساناً عظيمًا إذ أعطاكم كتاباً مثل القرآن .أقول لكم صدقاً وحقاً بأن الكتاب الذي يُتلى
ن هذه النعمة والهداية التي أوتيتموها لو أوتيها اليهود مكان التوراة لما
عليكم لو تُلي على النصارى لما هلكوا ,وإ ّ
كفر بعضُ ِفرَقهم بيوم القيامة .فاقدروا هذه النعمة التي أوتيتموها .إنها لَنعمة غالية للغاية ،وما أعظمها من ثروة!
...فلو لم يأت القرآن لكانت الدنيا بحذافيرها كمضغة قذرة .إن القرآن هو ذلك الكتاب الذي جميع الهدايات
وأما الثانية من ذرائع الهدى فهي السّـنّة أي أعمالُ النبي صلى ال عليه وسلم التي قام بها تفسيرًا لحكام القرآن
ل ل يُعرف من القرآن المجيد بظاهر النظر عدد الركعات للصلوات الخمس ،كَم منها في الصباح وكَم
المجيد .فمث ً
منها في أوقات أخرى ،ولكن السنة فصّلت كل ذاك تفصيلً .ول ينخدعنّ أحد بأن السنّة والحديث شيء واحد ,لن
الحديث ما دُوّن إِل بعد مائة أو مائة وخمسين سنةً ،أما السنة فقد كانت قرينة القرآن المجيد منذ نزوله .وإن للسنة
أكبر المِنن -بعد القرآن -على المسلمين .فقد كان واجب ال ورسوله منحصرًا في أمرين فقط ،وهو أن ينزل ال
ق على مشيئته بكلمه .لقد كان هذا من مقتضى ناموس ال تعالى .أما رسول ال صلى ال
تعالى القرآن فيُطْلِع الخل َ
عليه وسلم فكان من واجبه أن يُرِي الناس كلم ال تعالى بصورة عَملية ويشرحه لهم شرحًا كاملً .فأرى رسول
ل بقدوته -أي بأفعاله على صعيد عملي-
ال صلى ال عليه وسلم الناسَ تلك القوالَ في حيّز العمال وح ّ
ت المور ومشاكل المسائل .ول مَساغ للقول بأن ذاك الحل كان مقتصرًا على الحديث ،ذلك لن السلم
معضل ِ
كان قد استقر أساسه في الرض قبل وجود الحديث .ألم يكن الناس يصلّون ويؤتون الزكوة ويحجّون البيت
ويعرفون الحلل والحرام قبل أن تُدوّنْ الحاديث يا تُرى؟
نعم ،إِن الحديث ذريعة ثالثة للهداية ،لن الحاديث تبين لنا بالتفصيل شيئًا كثيرًا من المور السلمية التاريخية
والخلقية والفقهية ،وعلوة على ذلك فإن أكبر فائدة للحديث هي أنه خادم القرآن وخادم السنة .وإن الذين لم
ح َكمًا على القرآن كما فعل اليهود بأحاديثهم .بيد أننا نعدّ
يُعطَوا حظاً من أدب القرآن فإنهم يعتبرون الحديث َ
الحديث خادمًا للقرآن والسنة .ومن البيّن أن عظَمة السيد إنما تزداد بوجود الخَدم .إن القرآن قولُ ال ،والسن َة فعلُ
حكَم على القرآن ,نعوذ بال من ذلك.
رسول ال ،بينما الحديث شاهد مؤيّد للسنة .وإن من الخطأ القول إنّ الحديث َ
حكَما على
حكَمٌ للقرآن فهو القرآن نفسه ،ول يمكن أن يكون الحديث الذي هو على مرتبة ظنية َ
إذا كان ثمة َ
القرآن ,إنما هو كشاهد مؤيّد ل غير .لقد أنجز القرآن والسنة العملَ الواجبَ كله ،وليس الحديث إل شاهد مؤيّد.
حكَم
وأنّى للحديث أن يكون حَكمًا على القرآن .لقد كان القرآن والسنة يهديان الخلقَ في زمن لم يكن لهذا ال َ
حكَمٌ على القرآن بل قولوا إنه شاهد مؤيّد للقرآن والسنة
...المصطنع أثر .ل تقولوا إن الحديث َ
وإن الحديث ،وإن كان أكثره على مرتبة الظن ،لجدير بالتمسك به بشرط أن ل يعارض القرآنَ والسنة ,وإنه لمؤيدٌ
للقرآن والسنة ويحتوي على ذخيرة كبيرة من المسائل السلمية ،وعدم أخذ الحديث يعني بتْرَ عض ٍو من أعضاء
.اللسلم
بيد أنه إذا كان ثمة حديث يناقض القرآن والسنة بالضافة إلى معارضته لحديث يوافق القرآن ،أو كان هناك،
مثل ،حديث يخالف صحيحَ البخاري ( ،)2فإن ذلك الحديث غير جدير بالقبول ،وذلك لن قبـوله يستلزم رفضَ
القرآن وجميعِ الحاديث التي توافق القرآنَ .وأعلم أن أحدًا من المتقين لن يجسر على أن يثق بحديثٍ يخالف
القرآن والسنة وينافي الحاديث التي هي موافقةٌ للقرآن .فاقدروا الحاديث حق قدرها واستفيدوا منها ,فإنها
.منسوبةٌ إلى حضرته صلى ال عليه وسلم ول تكذّبوها ما دام القرآن والسنة ل يكذّبانها
ينبغي أن تتمسكوا بالحاديث النبوية تمسّكا بحيث ل يصدر منكم شيء من حركة أو سكون أو فعل أو ترك فعل
ل ويكون لديكم حديثٌ ما في تأييده .ولكن إذا كان هناك حديث يعارض قِصَصًا مبيّنة في القرآن معارضة
إّ
صريحة ،فعليكم أن تحاولوا المطابقة والتوفيق ،فلعل التعارض مِن خـطئكم .وإن لم يزُل ذلك التعارض ,فانبذوا
مثل هذا الحديث ,فإنه ليس من رسول ال صلى ال عليه وسلم .وإن كان ثمة حديث ضعيف يوافق ،على ضعفه،
القرآنَ فاقبلوه ,فإن القرآن مصدّقه .وإن كان هناك حديث يشتمل على نبوءة ما لكنه ضعيف عند المحدثين ،ثم
عدّوا هؤلء المحدّثين والرُواةَ
تحققت تلك النبوءة الواردة فيه في عصركم أو قبلكم ،فاعتبروا ذلك الحديث حقًا ،و ُ
".الذين وصفوه ضعيفًا وموضوعًا مخطئين كاذبين
(سفينة نوح ،الخزائن الروحانية ج 19ص )63-61 ،27-26
الذريعة الثانية للهداية هي السنة ,أعني تلك السوة المقدسة التي أراها حضرته صلى ال عليه وسلم بأفعاله وأقواله ,مثلً صلّى *)1(:
الصلة وأرانا بأنه هكذا ينبغي أن تكون الصلة ,وهدانا بصومه أنه هكذا ينبغي أن يكون الصوم .فهذا اسمه السنة ,ومعناها سلوك النبي
ل يُري قول ال في صورة الفعل .والذريعة الثالثة للهداية هي الحديث ,وهو أقوال الرسول المجموعة بعده ,والحديث دون القرآن الذي ظ ّ
(والسنة رتبة ,وذلك لن أكثر الحاديث ظّنيّة ,وإن اقترنت به السنة فستحوله إلى اليقين(.من المؤلف
علما أن حضرته عليه السلم يعني بقوله هذا صحة معظم ما ورد في صحيح البخاري وليس كل ما ورد فيه ،فإنه عليه السلم قد *)2(:
.رفض في كتبه بعض الروايات الواردة في صحيح البخاري التي تتعارض مع صريح القرآن