Professional Documents
Culture Documents
قال لي أحدهم في حوار :أتدافع عن الشيعة وهم القائلون بتحريف القرآن؟ قلت :أين قالوا ذلك؟ قال :أل تعلم أنهم
يقولون إن سورة الحزاب كانت تعادل سورة البقرة؟ قلت :مِن أهل السنة مَن يؤمن بذلك ،وهم بالتالي من يقولون
بتحريف القرآن .قال :هذا غير ممكن ،أين قرأت مثل هذا الحديث؟ قلت :في مسند أحمد .وفي صحيح مسلم حديث
ن آدَمَ
ت مِنـها :لَ ْو كَانَ لبْ ِ
حفِظْ ُ
غيْرَ َأنّي َقدْ َ
شدّ ِة بِبَرَاءَ ٍة َفُأنْسِيتـها َ
يقولُ ( :كنّا َنقْرَأُ سُورَ ًة ُكنّا نُشَبـههَا فِي الطّولِ وَال ّ
ن آدَمَ إِل التّرَابُ) .قال :هذا من باب نسخ التلوة ،وال تعالى
ف ابْ ِ
ل ل ْب َتغَى وَا ِديًا ثَاِلثًا وَل َيمْلُ جَوْ َ
ن مَا ٍ
ن مِ ْ
وَادِيَا ِ
هو الذي أراد ذلك ،وهو قد تعهد بحفظ ما هو موجود الن فقط ،أما ما قرر نسخه تلوة ،فلم يتعهد بحفظه .قلت:
لكنك اتهمت الشيعة بأنهم يقولون بتحريف القرآن بناء على هذه الرواية ،فلماذا ل تتهم أهل السنة بالتهام نفسه؟
ولماذا أسميته نسخ تلوة ،ولم تسمّه عند الشيعة كذلك؟
هذه القصة تتكرر يوميا ،ول نكاد نجد إنسانا موضوعيا .كثير من الروايات أقرأها على بعض المشايخ كتجربة،
فيستنكرونها بشدة ،ويظنونها من وضع أعداء السلم ،فإذا أري ُتهُم أنها من صحيح مسلم انقلبوا مدافعين عنها أشد
الدفاع ،وكأنهم لم يستنكروها قُبيل دقائق! وكأن ال تعالى قد تعهد بحفظ صحيح مسلم! ولو َوجَد هذه الرواية عند
مذهب آخر ولم يجدها في مذهبه ،لمل العالم ضجيجا بانتقاد القائلين بها .فهل هذا منهج يرضى عنه ال؟ وهل هذه
!شهادة الحق؟
هل أصبحت المذهبية قبليّة جديدة؟ ألم تصبح عُزوةً وجاهًا وحاميةً؟ أفل يمكن اعتبار أولئك المدافعين بشدة عن
أحزابهم ومذاهبهم مدافعين عن قبيلتهم التي إليها يتعصبون وينصرونها ظالمة أم مظلومة؟
وهل مهاجمةُ السنيّ الشيعةَ نابع ٌة من غيرته على الدين أم من غيرته على (قبليته المذهبية)؟ وهل انتقادُ المسيحيّ
السل َم مبنيّ على قناعة راسخة وغيرة إيمانية ،أم مبعثها تعصب دينيّ كالتعصب القبليّ؟
على مهاجمي الخرين أن يتنبهوا جيدا لذلك ،وأن ل يحترفوا النتقادَ والهجوم .بل عليهم أن يشهدوا شهادةَ الحقّ.
شهادةُ الحق أن تشهدَ مع الفكرة الصحيحة حتى لو كان صاحبها عدوك ،وأن تشهد ضد الشيء الباطل حتى لو
كان صاحبه أخاك .وهذا هو معنى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ل ولو على أنفسكم
أو الوالدين والقربين) .من يتمعن جيدا في هذه الية فإنه يتأنى كثيرا قبل أن ينطق كلمة ضد أحد ،بل يسأل نفسه
مرارا عن حقيقة نواياه قبل التلفظ بأي كلمة ،وعن دقة ما يقول ،وعن احتمالية أن تكون الهواء والنوازع
.الشخصية هي الباعث الحقيقي وراء ما يقول
وعندما يسمع بعض الحزبيين فكرةً فإنه ينتظر قبل نقدها ،ل ليزنها بميزان الحق ،بل بميزان حزبه ،من خلل
.سماع رأي (المين العام) .ثم يبدأ بالنعيق
وما يؤكد أن تعصب الناس عندنا لجماعاتهم ليس إل تعصبا َقبَِليّا أنك ترى غالبية أفراد العائلة منتمين إلى حركة
.واحدة
ل يجوز انتقاد الخرين قبل سماع حججهم بدقة أولً ،ول يصحّ إقحام كرههم في الحكم عليهم في هذه المسألة ،بل
يجب أن تكون هناك موضوعيّة وحياديّة تامّتان
2005/7/18