You are on page 1of 40

‫البحث الثاني‬

‫الدللت العلمية لبعض اللفاظ القرآنية‬


‫ملخص بحث الدللت العلمية لبعض اللفاظ القرآنية‬

‫في هذا البحث نقدم نماذج من ألفاظ القرآن الكريم‪ ،‬التي تكشف لنا‪ ،‬دللة علمية ‪ ،‬تتوافق تماما مع ما جاء‬
‫ببه العلم الحديبث‪ .‬وسبيتبين لنبا‪ ،‬إن ال تعالى‪ ،‬لم يأتِب بلفبظ؛ إل ليؤدى ملحظبا بيانيبا معجزا‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫جنببا إلى جنبب‪ ،‬مبع الدللة العلميبة العميقبة‪ ،‬والتبي تتوافبق تمامبا‪ ،‬مبع الحقائق العلميبة الحديثبة‪ ،‬التبي لم‬
‫تكتشف؛ إل منذ عقود قليلة‪.‬‬
‫•المثال الول‪ :‬لقبد ذكبر القران الكريبم إنكدار النجوم‪ ،‬وطمسبها‪ .‬وبيبن النكدار والطمبس فرق‬
‫دقيبق‪ .‬فالنكدار مرحلة فبي الطريبق إلى الطمبس ‪ .‬وكأنبه – سببحانه ‪ -‬يأخبذ بيبد البشريبة‬
‫برفبق؛ ليهديهبم إلى معرفبة الكون‪ ،‬ومبا خلق فيبه مبن شيبء‪ ،‬معرفبة تهديهبم إليبه سببحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫•المثال الثانبي‪ :‬تحبد ث الخببير العليبم عبن طحبو الرض ودحوهبا‪ ،‬وهبو مثال آخبر؛ نببين ببه‬
‫الفرق الدقيق الذي يقودنا إلى فهم دقيق؛ لكيفية خلق الرض‪ ،‬والخطوات التي اخذت ها عملية‬
‫الخلق من كلمة كن‪ ،‬حتى تكون‪.‬‬
‫جعُونَ"‬‫س ْبحَانَ اّلذِي ِب َيدِهِ مََلكُوتُ كُلّ شَيْءٍ وَإَِليْهِ ُت ْر َ‬
‫ن َفيَكُون * فَ ُ‬
‫ش ْيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ ُك ْ‬
‫"ِإ ّنمَا َأ ْمرُهُ ِإذَا َأرَادَ َ‬
‫(‪ 36‬يس‪) 82،83/‬‬
‫ويجب هنا أن نقول شيئا عن معنبى " كن فيكون"‪ .‬هذا التعبير يعنبي عند البشبر انعدام الزمن‪ ،‬عندمبا يريد‬
‫ال سبببحانه وتعالى فعببل شيببء‪ .‬وهذا بالطبببع صببحيح‪ ،‬فال – سبببحانه ‪ -‬قادر علي كببل شيببء ‪ .‬إل أن‬
‫المعنبى الفضبل ‪ ،‬هبو‪ :‬انبه ‪ -‬سببحانه وتعالى ‪ -‬عندمبا يريبد أن يعمبل شيئا‪ ،‬يأمره ؛ بأن يكون فبي الزمان‪،‬‬
‫والمكان‪ ،‬والحال‪ ،‬التي احتواها المر اللهي‪ .‬فال تعالى خلق السموات‪ ،‬والرض‪ ،‬في ستة أيام‪ ،‬بكلمة‬
‫كبن؛ فكانبت فبي الزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬والكيفيبة‪ ،‬التبي أمرهبا (أو أوحبى لهبا) ال‪ ،‬أن تكون عليهبا‪ .‬وال تعالى‬
‫غ ْيرِ ُمخَلّ َقةٍ‬
‫ضغَةٍ ّمخَلّ َقةٍ َو َ‬‫خلقنا نحن البشر بكلمة كن فكنبا‪" :‬من ُترَا بٍ ُثمّ مِن ّنطْفَةٍ ُثمّ مِ نْ عَلَ َقةٍ ُثمّ مِن مّ ْ‬
‫شدّكُ مْ َومِنكُم مّن ُيتَ َوفّى‬ ‫جكُ ْم طِفْلً ُثمّ ِل َتبُْلغُوا َأ ُ‬
‫خ ِر ُ‬
‫سمّى ُثمّ ُن ْ‬
‫لْ ْرحَا مِ مَا َنشَاء إِلَى َأجَلٍ مّ َ‬ ‫ّل ُن َبيّ نَ َلكُ مْ َونُ ِق ّر فِي ا َ‬
‫(‪22‬الحج‪)5/‬‬ ‫َومِنكُم مّن ُي َردّ إِلَى َأ ْرذَلِ ا ْل ُع ُمرِ "‬
‫وأفضل فهم لقول ال الكريم " كن فيكون "‪ ،‬هو إن ذلك مقصود به‪ ،‬التلقائية في الصنع والخلق‪ ،‬وتحول‬
‫القول الى فعببل مادي ملموس‪ .‬فال تعالى " ليببس كمثله شيببء"‪ .‬يأمببر الشيببء بأن يكون؛ فيكون‪ ،‬كيفمببا‬
‫وأينما أراد‪ ،‬وفي الوقت المسمى له‪.‬‬
‫ونبين في المثالين الثالث والرابع‪ ،‬أهمية وكيفية‪ ،‬استخدام القرآن في إبانة مقصده من كلمة محكمة‪ ،‬أو آية‬
‫محكمبة‪ ،‬لتفصبيل بعضبه بعضبا ( تببين لنبا بعبد كتاببة هذا البحبث بوقبت طويبل‪ ،‬أن ذلك هبو أسبلوب القرآن‪،‬‬
‫وبالتالي اسبتنبطنا بعبض ملمبح هذا السبلوب الذي أسبميناه "أسبلوب الحكام والتفصبيل")‪ .‬وفبي المثاليبن‪،‬‬
‫ندرس دللة اللفظبة الواحدة‪ ،‬فبي معاجبم اللغبة‪ ،‬ثبم ندرسبها‪ ،‬فبي مواضعهبا المختلفبة فبي القرآن الكريبم‪،‬‬
‫ونحاول تبين المعنى الذي يقصده ال عز وجل‪ .‬ثم نستعين ب ما لدينا من علوم‪ ،‬والتي تراكمت في العقود‬
‫الخيرة‪ ،‬من عمرالبشرية‪ ،‬ثم نستنبط الدللة العلمية المقصودة في القرآن بالضبط‪.‬‬

‫•المثال الثالث يدرس المعنى العلمي لكلمة الضحى في ( والضحى ‪ .‬والليل اذا سجى )‪.‬‬

‫•المثال الرابببع‪ :‬نحاول الجابببة على سببؤال لم يجببب عليببه المفسببرون‪ :،‬مببا الفرق بيببن متببى‬
‫وأيان‪ ،‬اللتان وردتبا فبي حال السبؤال عبن السباعة ؟ (متبى هذا الوعبد) و (أيان يوم القيامبة)‪.‬‬
‫سبب عدم الجابة عليه أن له مرجعية علمية حديثة‪.‬‬
‫الدللت العلمية لبعض الكلمات القرآنية‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫القرآننن الكريم كتاب معجنز بحق ‪ ،‬وجوه إعجازه كثيرة ومتعددة‪ ،‬وقند شغنل الولون ببيان وجوه إعجازه‬
‫منن ناحينة السنلوب والنظنم‪ ،‬و تاثيره فني القلوب والعقول‪ ،‬والبناء الصنوتي فني اليات القرآنينة الذي يولد‬
‫نشوة للسامع‪ ،‬وإخباره بالغيب وغيرها من وجوه العجاز في ذلك الكتاب المكنون‪.‬‬
‫والعجاز البلغني معروف مننذ أن نزل القرآن الكرينم ‪،‬فلوله منا آمنن بنه العرب الفصنحاء ولتوا بمثله‬
‫بعد ما تحداهم القران أن يأتوا بسوره من مثله‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ ّممّا َنزّلْنَا َعلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَ ٍة مّن مّ ْثلِهِ وَا ْدعُوْا ُشهَدَاءكُم مّن دُو ِن اللّ ِه ِإ ْن كُنْتُ ْم صَادِقِيَ‬
‫(‪2‬البقرة‪)23/‬‬
‫أَ ْم يَقُولُو َن افَْترَا هُ ُقلْ فَأْتُواْ بِ سُورَةٍ مّ ْث ِل هِ وَا ْدعُواْ مَ نِ ا سَْتطَ ْعتُم مّ ن دُو ِن اللّ ِه إِن كُنتُ ْم صَادِقِيَ ‪َ 38‬بلْ كَذّبُوْا بِمَا لَ مْ‬
‫ك كَ ّذبَ الّذِينَ مِن َق ْب ِلهِمْ فَان ُظ ْر كَ ْيفَ كَا َن عَاقَِبةُ الظّاِلمِيَ ‪39‬‬
‫ُيحِيطُوْا بِ ِع ْلمِهِ وََلمّا يَأِْتهِ ْم تَأْوِيلُ ُه كَذَِل َ‬
‫(‪10‬يونس‪)39 ،38/‬‬
‫وعنند ابنن المقفنع( المتوفنى ‪ 142‬هجرينة) ان القول البلينغ يجنب أن يكون سنهل واضحنا‪ ،‬وان ألفاظنه يجنب‬
‫أن تشف عن معانيه‪ ،‬وان تخلو من الغريب الوحشي الذي ليستعمل إل نادرا‪ ،‬والمبتذل العامي‪ ،‬وان يكون‬
‫غزير المعاني موجزا ‪ .‬وقد قال لحد الكتاب ‪ :‬اياك والتتبع لوحشي وغريب الكلم طمعا في نيل البلغة‪،‬‬
‫فان ذلك هو العي الكبر‪ .‬وقال لكاتب أخر‪ :‬عليك بما سهل من اللفاظ مع التجنب للفاظ السفلة‪ .‬وسؤل ابن‬
‫المقفع ما البلغة ؟ فقال ‪ :‬البلغة هي التي اذا سمعها الجاهل ظن انه يحسن مثلها‪) 1 ( .‬‬
‫وقد روي ان الوليد ابن المغيرة عندما سمع من المصطفى ‪ -‬صلي ال عليه وسلم‪ -‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫ب ذِي الطّ ْو ِل لَا إَِل َه إِلّا هُوَ‬
‫ب شَدِيدِ الْ ِعقَا ِ‬
‫حم ‪َ 1‬تنِيلُ اْلكِتَا بِ مِ َن اللّ هِ الْ َعزِيزِ الْ َعلِي ِم ‪ 2‬غَا ِفرِ الذّن بِ َوقَاِبلِ التّوْ ِ‬
‫(‪40‬غافر‪)3-1/‬‬ ‫ي ‪3‬‬ ‫صُ‬‫إَِليْهِ اْلمَ ِ‬
‫قال وال لقد سمعت منه كلما ما هو من كلم النس ول من كلم الجن‪ ،‬وان له لحلوة‪ ،‬وان عليه لطلوة‬
‫(الطلوة بضنم الطاء وفتحهنا ‪ :‬الحسنن)‪ ،‬وان اعله لمثمنر‪ ،‬وان اسنفله لمغدق( مغدق اى غزينر خصنيب)‬
‫وانه ليعلو ول يعلى عليه‪ ،‬وما يقول هذا بشر (‪) 2‬‬

‫وروى عن الصمعي ( ‪ )3‬انه قال‪ :‬سمعت جارية اعرابية تنشد ‪:‬‬


‫قبلت انسان بغير حله‬ ‫استغفر ال لذنبي كله‬
‫انتصف الليل ولم اصله‬ ‫مثل الغزال ناعما في دله‬
‫فقلت‪ :‬قاتلك ال ما افصحك‪ ،‬فقالت العرابية ‪ :‬ويحك أيعد هذا فصاحة؟ مع قول ال تعالي‪:‬‬
‫حزَنِي إِنّ ا رَادّو هُ إِلَيْ كِ َوجَاعِلُو ُه مِ نَ‬
‫ت َعلَيْ هِ فَأَْلقِي هِ فِي الْيَمّ وَلَا َتخَافِي وَلَا َت ْ‬
‫وَأَ ْوحَيْنَا إِلَى أُمّ مُو سَى أَ ْن أَ ْرضِعِي هِ فَِإذَا خِفْ ِ‬
‫(‪28‬القصص‪)7/‬‬ ‫اْل ُم ْر َسلِيَ ‪7‬‬
‫فقد جمع في اية واحدة بين أمرين(أرضعيه وألقيه) ونهيين(لتخافي ولتحزني) وخبرين ( أوحينا وخفت)‬
‫وبشارتين ( رادوه اليك و جاعلوه من المرسلين )‪.‬‬
‫قال الصنمعي ‪ :‬فاعجبنت بفهمهنا وادراكهنا اكثنر ممنا اعجبنت بشعرهنا فهني جارينة بدوينة صنغير ة السنن‪،‬‬
‫ولكنها واسعة الفهم والعلم فانظر – رعاك ال – كيف ادركت هذه البدوية بفطرتها العربية سرا من هذا‬
‫اليجاز والعجاز‪ ،‬وانتتبهت الى ما لم يدركه الصمعي من اسرار القرآن الكريم‪ ،‬فكأن ال ية نظمت فني‬
‫عقد من اللولؤ والمرجان فكانت لئالئها بميزان( ‪.) 4‬‬
‫وحكى الصمعي أيضا‪ :‬قرأت يوما الية الكريمة ‪:‬‬
‫وَالسّا ِرقُ وَالسّارِ َقةُ فَا ْقطَعُوْا أَيْدَِي ُهمَا َجزَاء ِبمَا كَسَبَا َنكَالً مّ َن ال ّلهِ وَاللّ ُه َعزِيزٌ َحكِي ٌم ‪5( 38‬المائدة‪)38/‬‬
‫والى جننبي أعرابني ‪ ،‬فقلت سنهوا ( وال غفور رحينم )‪ :‬فقال العرابني ‪ :‬كلم منن هذا ؟ قلت ‪ :‬كلم ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬لينس هذا بكلم ال ‪ ،‬أعند ‪ .‬فأعند ت وتنبهنت فقلت ( وال عزينز حكينم )‪ ،‬بدل منن غفور رحينم‪ .‬فقال‬
‫نعم هذا كلم ال ‪ .‬فسأ لته‪ :‬أتقرأ القرآن ؟ قال ‪ :‬ل‪ ،‬قلت ‪ :‬فمن أين علمت أنني أخطات ؟ فقال ‪ :‬ياهذا عز‬
‫فحكم فقطع ‪ ،‬ولو غفر ورحم لما قطع(‪.)5‬‬

‫وهذا الذى اقتبسناه هو قليل من كثيرمما كتب عن العجاز البلغي للقرآن الكريم‪ .‬والعجاز ليس فقط في‬
‫اليات والسنور ولكنن ايضنا فني الكلمات القرآنينة ‪ .‬فلقند امتاز القرآن على منا عداه منن اقوال البشنر بان كنل‬
‫كلمنة – بحند ذاتهنا – قند اختيرت بدقنة ووضعنت فني المكان المناسنب بحينث لو اسنتبدلتها باخرى لنقنص‬
‫المعنى او ربما اختل‪.‬‬
‫وبعند منا زادت واتسنعت المعارف النسنانية فني شتنى العلوم زاد ادراك البشنر لنواحني العجاز القرآنني‪،‬‬
‫وجند عليهنا منا يعرف الن بالعجاز العلمني للقرآن الكرينم ‪ .‬والمقصنود بذلك هنو ورود بعنض الحقائق‬
‫العلمينة المكتشفنة حديثنا‪ ،‬او الشارة اليهنا وادراك معناهنا الذي لم يكنن معروفنا قبنل او اثناء نزول القرآن‬
‫الكريم ‪ .‬وفي هذا دليل ل مراء فيه على نسب القرآن الكريم الى خالق الكون العلي المتعالى العليم الخبير‪.‬‬
‫وهذه الدللت العلمية ل يستطيع البشر ان ياتوا بمثلها دون اكتشاف الحقيقة العلمية التي تحتويها او التي‬
‫تدل عليهننا ‪ ،‬وبالتالي فالفاظ القرآن يمكننن ان ترشدنننا أوتهدينننا الي الفهننم الصننحيح لحقائق علمينة اكتشفهننا‬
‫النسان او ما زالت في طور الفرضية العلمية‪.‬‬
‫فلننظر مثل في قول ال تعالى ‪:‬‬
‫شمْسَ ِسرَاجًا ‪16‬‬‫ف َخلَ َق اللّ ُه سَبْ َع َسمَاوَاتٍ طِبَاقًا ‪َ 15‬و َج َعلَ اْل َق َمرَ فِيهِ ّن نُورًا َوجَ َعلَ ال ّ‬
‫أَلَ ْم َترَوْا كَ ْي َ‬
‫(‪71‬نوح‪)15،16/‬‬
‫هذه الية سمعها العرب فبعض هم يفهم من نسقها ان القمر نور والشمس نور‪ ،‬ولكن اختلف اللفظان ليكون‬
‫في ذلك تنويع بليغ‪ .‬ويعلو اخرعن هذه المنزلة فيفهم ان القمر اضعف نورا من الشمس لن هذه عبر عنها‬
‫بالسراج ‪ .‬ولفظ السراج يح ضر في النفس شعاعه المتقد فكانه نور منبعث من نار‪ .‬ويدقق بعض هم فيرى‬
‫ان الغرض هنو التعنبير عنن الشمنس بانهنا تجمنع الى النور الحرارة ‪ ،‬وللشمنس فائدة فني الحياة ‪ ،‬وللقمنر‬
‫فائدة اخرى ‪ .‬والنور نفسه لتكاد تحس فيه الحرارة ‪ ،‬انما تحسة في السراج ووهجه‪ .‬ثم يفهم اهل العلوم‬
‫الحديثة مع كل هذه الوجوه ان المراد من الية اثبا ت ما كشفته هذه العلوم من ان القمر جرم مظلم بذاته‪،‬‬
‫وانمنا يضنئ بمنا ينعكنس علينه منن نور الشمنس التني هني سنراجه‪ ،‬اذ النور ل يكون منن ذات نفسنه ابتداء ‪،‬‬
‫ول بد من مصدر يبعثه ‪ ،‬وذكر السراج بعد النور دليل على ان هذا مصدره ذاك ( ‪.)6‬‬

‫ولعلنا نضيف الى القول اعله ان القرآن الكريم وصف الشمس بالسراج الوهاج‬
‫(‪87‬النبأ‪) 12،13/‬‬ ‫وَبَنَيْنَا َفوْ َقكُ ْم سَبْعًا شِدَادًا ‪َ 12‬وجَ َعلْنَا ِسرَاجًا وَهّاجًا ‪13‬‬
‫والوهاج ‪ :‬الشديد الوهج ‪ ،‬والوهج شدة الحرارة والتقاد‪ ،‬وتوهجت النار والشمس‪ :‬اى توقدت ‪.‬‬
‫وبالتالي فلم يترك القرآن الكرينم شكنا فني الدللة على ان مصندر الضوء هنو الحرارة التني تتوقند داخنل‬
‫الشمنس التني هني سنراج السنماء‪ .‬والقرآن الكرينم كان ول زال وسنيظل يفينض على النسنانية منن علومنه‬
‫وسيأتي كل جيل بفهم يزيد عن الجيل الذى يسبقه حتي يتحقق قول العليم الخبير‪:‬‬
‫ك أَنّ ُه َعلَى ُك ّل َشيْءٍ َشهِيدٌ "‬
‫سهِ ْم حَتّى يَتَبَيّنَ َلهُ ْم أَنّهُ اْلحَ ّق أَوَلَ ْم َي ْكفِ ِبرَّب َ‬
‫" سَُنرِيهِ ْم آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُ ِ‬
‫(‪41‬فصلت‪) 53/‬‬
‫وفي هذا البحث نقدم نماذج من الفاظ القرآن الكريم التي تكشف لنا دللة علم ية تتوافق تماما مع ما جاء به‬
‫العلم الحدينث‪ ،‬وسنيتبين لننا ان ال تعالى لم يات بلفنظ ال ليؤدى معننى بيانينا معجزا‪ ،‬جنبنا الى جننب منع‬
‫المعنى العلمى العميق الذى يتوافق تماما مع الحقائق العلمية الحديثة والتي لم تكتشف ال منذ عقود قليلة‪.‬‬
‫لقد ذكر القران الكريم انكدار النجوم وطمسها‪ ،‬وبين النكدار و الطمس فرق دقيق‪ ،‬فالنكدار مرحلة في‬
‫الطريمق الى الطممس ‪ ،‬وكاننه ‪ -‬سنبحانه‪ -‬ياخنذ بيند البشرينة ليهديهنم الى معرفنة منا خلق‪ ،‬معرفنة تهديهنم‬
‫اليه سبحانه ونعالى ‪.‬‬
‫وتحند ث الخنبير العلينم عنن طحنو الرض ودحيهنا‪ ،‬و هو مثنا ل آخنر ننبين بنه الفرق الدقينق الذى يقودننا الى‬
‫فهم دقيق لكيفية خلق الرض والخطوات التي اخذتها عملية الخلق من كلمة كن حتى تكون‬
‫إِّنمَا أَ ْمرُ ُه ِإذَا أَرَا َد شَيْئًا َأ ْن يَقُولَ َل ُه كُنْ فََيكُو ُن ‪ 82‬فَسُ ْبحَانَ الّذِي ِبيَدِهِ َم َلكُوتُ ُك ّل َشيْءٍ وَِإلَيْ ِه ُت ْرجَعُونَ‬
‫(‪36‬يس‪) 82،83/‬‬
‫ويجب هنا ان نوضح شيئا عن معنى "كن فيكون" ‪ ،‬هذا التعبير يعني عند البشر انعدام الزمن في فعل ال‬
‫سنبحانه وتعالى‪ ،‬وهذا بالطبنع صنحيح‪ ،‬فال ‪ -‬سنبحانه‪ -‬قادر علي كنل شىء ‪ ،‬ال ان المعننى الفضنل هنو‪:‬‬
‫اننه سنبحانه وتعالى عندمنا يريند أن يعمنل شيئا يأمره بأن يكون فني الزمان والمكان والحال التني احتواهنا‬
‫المنر اللهني ‪ .‬فال تعالى خلق السنموات والرض فني سنتة ايام بكلمنة كنن فكنا ننت فني الزمان والمكان‬
‫والكيفية التي امرها ال ان تكون عليها ‪ .‬وال تعالى خلقنا نحن البشر بكلمة كن فكنا‪:‬‬
‫سمّى‬‫خلّ َقةٍ لّنُبَيّ َن َلكُمْ وَُن ِقرّ فِي الْأَ ْرحَامِ مَا نَشَاء إِلَى َأ َجلٍ مّ َ‬
‫خلّ َقةٍ َوغَ ْيرِ ُم َ‬
‫من ُترَابٍ ثُمّ مِن ّنطْ َف ٍة ثُمّ ِم ْن َعلَ َقةٍ ثُمّ مِن مّضْ َغةٍ ّم َ‬
‫(‪22‬الج‪)5/‬‬ ‫خ ِر ُجكُمْ طِ ْفلًا ثُ ّم لِتَ ْبلُغُوا َأشُ ّدكُمْ وَمِنكُم مّن يُتَ َوفّى َومِنكُم مّن ُي َر ّد إِلَى أَ ْر َذلِ الْ ُع ُمرِ‬
‫ثُ ّم ُن ْ‬
‫وافضل فهم لهذا القول الكريم " كن فيكون " ان ذلك مقصود به التلقائية في الصنع والخلق‪ ،‬فال تعالى‬
‫ليس كمثله شئ يأمر الشىء بأن يكون فيكون كيفما وأينما أراد وفي الوقت المسمى له‪.‬‬

‫ونضرب فنى المثالينن الثالث والرابنع التاليينن اهمينة وكيفينة اسنتخدام القرآن لتفسنير بعضنه بعضنا‪ .‬وفني‬
‫المثالينن نتناول اللفظنة الواحدة ونند رس المواضنع التني وردت فيهنا فني القرآن الكرينم ونحدد بعند ذلك‬
‫معناهنا اللغوى بالسنتعانة بمعاجنم اللغنة‪،‬ثنم نسنتعين بالقرآن فندرس كينف اسنتعملها فني المواضع المختلفة ‪،‬‬
‫ثم نستعين بما لدينا من علوم تراكمت في العقودالخيرة من عمرالبشرية لنحدد بالضبط المقصود القرآنى‪.‬‬
‫والمثال الثالث يدرس المعنى العلمي لكلمة الضحى في ( والضحى ‪ .‬والليل اذا سجى )‪.‬‬
‫اما المثال الرابع فيحا ول الجابه على السؤا ل التالى‪:‬‬
‫ما الفرق بين متى وايا ن التي وردتا في معرض السؤال عن الساعة ؟‬

‫***‬

‫الفرق بين طمس النجوم وانكدارها‬

‫ورد فني القرآن فني وصنف حوادث يوم القيامنة اشياء كثيرة وظواهنر عديدة منهنا انكدار النجوم وطمسنها‬
‫واليات هي ‪:‬‬
‫(‪81‬التكوير‪) 3 -1/‬‬ ‫ت ‪2‬‬ ‫ت ‪ 1‬وَِإذَا الّنجُو ُم انكَدَ َر ْ‬
‫س كُوّ َر ْ‬
‫شمْ ُ‬
‫ِإذَا ال ّ‬
‫(‪77‬المرسلت‪) 9 -7/‬‬ ‫سمَاء ُف ِرجَتْ ‪9‬‬
‫ت ‪ 8‬وَِإذَا ال ّ‬
‫إِّنمَا تُوعَدُو َن َلوَاقِ ٌع ‪ 7‬فَِإذَا الّنجُومُ ُطمِسَ ْ‬
‫والكلمات التي نحتاج الى تدقيق معانيها قليله وهي النجوم والنكدار والطمس ‪.‬‬
‫وسوف نعرض معاني الكلما ت في معاجم اللغه ( ‪ ) 7‬ومعاجم لغة القران ( ‪.) 8‬‬
‫النجوم ‪ :‬جمع نجم‪ ،‬واصل النجم الكوكب الطالع وأحد الجرام السماوية‪ .‬والنجم من النبات ما ل ساق له‬
‫وهو المعنى الخر للكلمة وهو ضئيل الستعمال ‪ ،‬أيضا في القرآن‪.‬‬
‫ولقد وردت الكلمنة اربع مرات فني القرآن ( ‪ ) 9‬بصيغة المفرد‪ ،‬يوضح فيهنا سبحانه وتعالى أن النجنم هو‬
‫ذلك الجرم السنماوى المضنئ والذى ياخنذ اماكنن معلومنة فني السنماء تبدو للنسنان ثابتنة فيهتدى بهنا فني‬
‫تحديد التجاهات من شمال وجنوب وشرق وغرب ‪ .‬واليات هي ‪:‬‬
‫ُمن َيهْتَدُون‬
‫ْمن ه ْ‬ ‫َاتن وَبِالّنج ِ‬ ‫ُونن ‪َ 15‬وعَلم ٍ‬ ‫ُمن َتهْتَد َ‬
‫َسنُبلً لّ َع ّلك ْ‬ ‫ُمن وَأَْنهَارًا و ُ‬
‫َاسنيَ أَن َتمِي َد ِبك ْ‬
‫ْضن َرو ِ‬
‫وَأَلْقَى فِي الَر ِ‬
‫(‪16‬النحل‪) 15،16/‬‬ ‫(‬
‫ومعها ( ‪ 53‬النجم ‪ ) 1 /‬و ( ‪ 86‬الطارق‪ )3/‬وكذلك‬
‫(‪55‬الرحمن‪) 5،6/‬‬ ‫سجُدَانِ ‪6‬‬ ‫جرُ يَ ْ‬
‫شَ‬ ‫سبَانٍ ‪ 5‬وَالّنجْمُ وَال ّ‬ ‫شمْسُ وَالْ َق َمرُ ِبحُ ْ‬‫ال ّ‬
‫وفني آينه الرحمان يحتمنل ان يكون ا لنجنم مقصنودا بنة النبات الذى ل سناق له لنهنا جاءت منع الشجنر‪،‬‬
‫وتحتمننل ايضننا المعنننى الغالب وهننو ان النجننم هوذلك الجرم السننماوى الذي يتلل فنني السننماء لنهننا تلت‬
‫الشمس والقمر وهما من الجرام السماوية ‪.‬‬
‫وجاءت الكلمة بصيغة الجمع ( النجوم ) تسع مرات كلها معرفة باللف واللم ( ‪ .) 9‬وكلها تدلل على ان‬
‫النجوم مقصنود بهنا تلك الجسنام المضيئة التني يراهنا البشنر فني السنماء‪ ،‬وتظهنر بوضوح فني اللينل فني‬
‫اماكن تبدو لنا ثابتنة‪ ،‬وب ها نهتدى الى معرفة الطرينق فني البر والبحنر‪ .‬وفني القرآن كثيرا ما تعطنف كلمة‬
‫النجوم على الشمننس والقمننر‪ ،‬وكأنننه ‪ -‬سننبحانه وتعالى ‪ -‬يقول لنننا ان النجوم اجرام سننماوية مثلهننا مثننل‬
‫الشمس والقمر والكواكب‪ ،‬وهي من مكونات البناء السماوى‪ ،‬ولنتأمل اليات التية‪:‬‬
‫ش يُغْشِي اللّ ْيلَ الّنهَارَ َي ْطلُبُ هُ حَثِيثًا‬
‫سمَاوَاتِ وَالَرْ ضَ فِي سِتّ ِة أَيّا مٍ ثُمّ ا سَْتوَى َعلَى الْ َعرْ ِ‬ ‫" إِنّ رَّبكُ مُ الّل هُ الّذِي َخلَ قَ ال ّ‬
‫(‪7‬العراف‪) 54/‬‬ ‫ي"‬
‫خلْقُ وَالَ ْم ُر تَبَارَ َك ال ّلهُ َربّ الْعَاَلمِ َ‬
‫خرَاتٍ بَِأ ْمرِهِ َأ َل َلهُ اْل َ‬
‫سّ‬‫شمْسَ وَالْ َق َمرَ وَالّنجُومَ مُ َ‬
‫وَال ّ‬
‫جرُ وَالدّوَابّ َوكَِثيٌ‬
‫شَ‬‫شمْسُ وَاْل َق َمرُ وَالّنجُومُ وَاْلجِبَالُ وَال ّ‬
‫ض وَال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْ ِ‬
‫سجُ ُد لَهُ مَن فِي ال ّ‬
‫"أَلَ ْم َترَ َأنّ اللّ َه يَ ْ‬
‫ن يَ ْف َعلُ مَنا يَشَاء"‬
‫ن إِنّن اللّه َ‬
‫ن مِنن ّم ْكرِم ٍ‬
‫ن فَمَنا لَه ُ‬
‫ن اللّه ُ‬
‫ن وَمَنن ُيهِن ِ‬
‫ن اْلعَذَاب ُ‬
‫ن َوكَِثيٌ حَقّن َعلَيْه ِ‬
‫ن النّاس ِ‬
‫مّن َ‬
‫(‪ 22‬الج‪)18/‬‬ ‫(‬

‫انكدرت ‪ :‬الكدر ضند الصنفاء ‪ ،‬يقنا ل عينش كدر ‪ ،‬والكدرة فني اللون خاصنة‪ .‬والنكدار تغينر منن انتثار‬
‫الشيء‪ ،‬وانكدر القوم على كذا اذا قصدوا متناثرين عليه ( المفردات للصفهاني )‬
‫والكدرة من اللوان ما نحا نحو السواد والغبرة ( لسان العرب )‬
‫وفني التفاسنير المختلفنه ( ‪ ) 10‬غلب معنىالنكدار على أننه التناثنر والتغيينر‪ .‬ففنى الطنبرى ‪ :‬قوله( واذا‬
‫النجوم انكدرت )‪ ،‬يقول ‪ :‬واذا النجوم تناثرت منن السنماء فتسناقطت ‪ ،‬وأصنل النكدار النصنباب ‪ .‬وعنن‬
‫قتاده ‪ :‬تسناقطت وتهافتنت‪ ،‬وقنا ل آخرون ‪ :‬انكدرت اى تغيرت ‪ ،‬وعنن ابنن عباس انكدرت اى تغيرت ‪.‬‬
‫ويقول الزجاج في معاني القرآن واعرابه ‪ :‬انكدرت ‪ :‬تهافتت وتناثرت‪ .‬وجاء في القرطبي ‪ :‬واذا النجوم‬
‫انكدرت ‪ :‬روى الضحاك عنن ابنن عباس ‪ :‬انكدرت اى تسناقطت‪ ،‬وذلك انهنا قنادينل معلقنة بينن السنماء‬
‫والرض ‪ ،‬ويحتمل ان يكون انكدارها طمس اثارها‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬انكدرت اى تغيرت فلم يبقى لها‬
‫ضوء لزوالها عن اماكنها ‪ ،‬والمعنى متقارب ‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو فسرها السلف بالتناثر والتغير‪.‬‬
‫وفني المنتخنب(‪ )10‬اختاروا معننى النكدار‪ :‬الطمنس‪ ،‬واختاروا للطمنس الذى ذكنر فني آينة المرسنلت‪ :‬فاذا‬
‫النجوم محقت ذواتها‪.‬‬
‫وسوف نرى فى التفسير العلمى كيف أن العلم يشرح لنا كيف يكون التناثر الذى يسبب التغير الذى ي سبب‬
‫عدم الصفاء وهو النكدار‪.‬‬

‫أمنا بالنسنبة للقرآن فكلمنة انكدرت لم تتكرر‪،‬فهني وحيدة المادة وحيدة الصنيغة‪ ،‬وبالتالي فعليننا ان نعتمند‬
‫على المعنى اللغوى في معاجم اللغة ‪ ،‬وما ورد لها من تفسيرات ‪ .‬والتفسير المقارب للمعنى اللغوى هو‬
‫الذى قاله ابنن عباس ‪ :‬معننى انكدرت اى تغيرت ‪ .‬وفني الزجاج والطنبرى انكدرت ‪ :‬تهافتنت وتناثرت‬
‫ويكون المعنى الذى نختاره هو انكدرت أى ‪ :‬انتثرت(في داخلها) فتغيرت( مادتها ) فقل صفاؤها‪.‬‬

‫ومن خبرتنا في تفسير بعض الكلمات القرآنية التي لها دللة علمية‪ ،‬نرى ان عدم ورودها في القرآن ال‬
‫مرة واحدة يعطي ايحاء بان هذه العملية التي تحد ث للنجوم من انكدار وانتثار ليس لها مثيل علي الرض‪.‬‬
‫وهذا ينطبنق على الكثينر منن الكلمات الفريدة فني القرآن سنواء كاننت فريدة المادة والصنيغة‪ ،‬مثنل هذه‬
‫الكلمة‪ ،‬او فريدة في الصيغة فقط ‪ .‬و لقد لحظنا ايضا ان هناك الكثير من الكلمات فريدة الصيغة‪ ،‬ولكن‬
‫تأتني كلمات منن نفنس مادتهنا فني آيات تشرح معنني الكلمنة المرادة‪ ،‬مثلمنا اسنتنبطنا معننى الطمنس للنجوم‬
‫من اليات التي وردت في القرآن وفيها استعملت مشتقات الكلمة استعمالت مختلفة‪.‬‬
‫كما سنرى أيضا كيف يساعدنا العلم الحديث في فهم ما يحدث للنجوم من انكدار أوطمس‪.‬‬
‫الطمس ‪ :‬طمس الطريق ‪ ،‬د رس وأمحي اثره ‪ ،‬وطموس البصر ‪ :‬ذهاب نوره وضوئه‪.‬‬
‫وكذلك طموس الكواكنب ( هكذا وردت فني لسنان العرب والفضنل علمينا ان نقول طموس النجوم كمنا‬
‫فني الينة الكريمنه ولينس الكواكنب لن الكواكنب ل تولد الضوء وانمنا تعكسنة فحسنب ) ذهاب ضوئهنا‪،‬‬
‫وطموس القلب ‪ :‬فساده ‪،‬والطمس ‪ :‬استئصال أثر الشىء وطمس النجم ‪ :‬ذهاب ضوئه ‪.‬‬
‫وفني الطنبرى يقول‪ " :‬فاذا النجوم طمسنت " اى ذهنب ضياؤهنا فلم يكنن لهنا نور ول ضوء ‪ ،‬وبنحنو‬
‫الذى قلنا قال اهل التاويل‪.‬‬
‫ومثل ما قال الطبرى قيل في باقي التفاسير( ‪) 10‬‬

‫معنى الطمس في القران ‪:‬‬

‫وردت الكلمة في خمسة مواضع في القرآن الكريم ( ‪ ) 9‬هي ‪:‬‬


‫شهَ ُد أَ ْر ُج ُلهُ مْ بِمَا كَانُوا َيكْ سِبُو َن * وَلَ ْو نَشَاء َل َطمَ سْنَا َعلَى َأعُْيِنهِ ْم‬
‫‪" -1‬اْليَوْ َم َنخْتِ ُم َعلَى أَ ْفوَا ِههِ مْ وَُت َكلّمُنَا أَيْدِيهِ مْ وَتَ ْ‬
‫(‪36‬يس‪) 67-65/‬‬ ‫صرُونَ "‬
‫صرَاطَ فَأَنّى ُيبْ ِ‬
‫فَاسْتَبَقُوا ال ّ‬

‫ستَ ِقرّ ٌ"‬


‫حهُم ُب ْكرَ ًة عَذَابٌ مّ ْ‬
‫‪" -2‬وَلَقَدْ رَا َودُو ُه عَن ضَيْفِ ِه َف َطمَسْنَا َأعُْيَنهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُ ُذ ِر * وََلقَ ْد صَّب َ‬
‫(‪54‬القمر‪) 37،38/‬‬
‫‪ "-3‬يَا أَيّهَا الّذِي َن أُوتُواْ اْلكِتَا بَ آ ِمنُوْا بِمَا َنزّلْنَا مُ صَدّقًا لّمَا َمعَكُم مّ ن َق ْبلِ أَن ّن ْطمِ سَ ُوجُوهًا َفَن ُردّهَا َعلَى َأدْبَارِهَا أَوْ‬
‫(‪4‬النساء‪) 47/‬‬ ‫صحَابَ السّبْتِ َوكَا َن أَ ْم ُر اللّ ِه مَ ْفعُو ًل "‬
‫َن ْلعََنهُمْ َكمَا لَ َعنّا َأ ْ‬
‫س َعلَى‬
‫ضلّوْا عَن سَبِي ِلكَ رَبّنَا ا ْطمِ ْ‬
‫‪ "-4‬وَقَالَ مُو سَى َربّنَا إِنّ كَ آتَيْ تَ ِف ْرعَوْ نَ َومَل هُ زِينَةً وََأمْوَالً فِي اْلحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لُِي ِ‬
‫(‪10‬يونس‪) 88/‬‬ ‫ل يُ ْؤمِنُواْ حَتّى َيرَوُاْ اْلعَذَابَ الَلِي َم "‬
‫َأمْوَاِلهِمْ وَاشْ ُد ْد َعلَى ُقلُوِبهِمْ َف َ‬
‫(‪77‬المرسلت‪) 8/‬‬ ‫سمَاء ُف ِرجَتْ "‬
‫ت * وَِإذَا ال ّ‬
‫‪ "-5‬إِّنمَا تُوعَدُو َن َلوَاقِ ٌع * فَِإذَا الّنجُومُ ُطمِسَ ْ‬
‫ونلحظ أنه في آية المرسلت يآتي طمس النجوم كعلمة من علمات يوم القيامة‪ ،‬والية معطوفة بالفاء‪،‬‬
‫وذلك يعطى معنى ان يوم القيامة ياتي عقب طمس النجوم فالعطف بالفاء يفيد التعقيب‪.‬‬
‫وعملينة طمنس النجوم هذه ل يعلمهنا البشنر كينف تكون وقنت نزول القرآن‪ ،‬وليعلمون منا الذي يحند ث‬
‫للنجم بالضبط فيمحى اثره‪ .‬ولذا كان من رحمة ال بنا ان يهدينا الى معنى هذا الطمس‪ ،‬فوردت الكلمة‬
‫فننننننننننننننننننننننني مواضنننننننننننننننننننننننع مختلفنننننننننننننننننننننننة تؤدى الى مفهوم الطمنننننننننننننننننننننننس‪.‬‬
‫فاية ياسين تبين ان الطمس علي العيون يفقد القدرة على البصار‪،‬ومنها يمكن ان نفهم ان طمس النجوم‬
‫يفقدها القدره على القيام بوظيفتها‪.‬‬
‫واينة القمنر جاءت بصنيغة ( فطمسننا أعينهنم ) ولينس على أعينهنم‪ ،‬وكأننه‪ -‬سنبحانة ‪ -‬يقول ان الطمنس يقنع‬
‫للشىء نفسننه‪ .‬وهننو نفننس السننلوب الذى اسننتخدم فنني ايننة المرسننلت ‪ ،‬وكمننا أن طمننس العيون يعميهننا‬
‫ويفسندها‪ ،‬كذلك طمنس النجوم يفسندها ويمحنو اثرهنا ويفقدهنا القدرةعلي اشعاع الضوء‪ .‬وفني نفنس الينة‬
‫عطفت ( طمسنا اعينهم ) بالفاء لتدلل على ان العطف بالفاء جاء ليفيد التعقيب والسببية‪ ،‬فبعد ان راودوه‬
‫عن ضيفه طمست اعينهم ‪ ،‬وكأن بعد طمس النجوم تأتي القيامة‪ ،‬مما يدل على قصر الوقت النسبي بين‬
‫الطمس وقيام القيامة ‪ ،‬وذلك على عكس الواو التي لو استخدمت في العطف وقيل‪ :‬واذا النجوم طمست‪،‬‬
‫فان ذلك ل يعطني الدللة علي قصنر الوقنت النسنبي فني تعاقنب الحداث ‪،‬وذلك مختلف عنن النكدار حينث‬
‫يطول الزمن النسبى حتى يطمس اويموت النجم‪.‬‬
‫وفى آية النساء جاء طمس الوجوه الذىيسبب التشوه فى الشكل وضياع معالم الوجه‪ .‬وكذلك الرد على‬
‫الدبار يف يد مع نى عود ال شئ على بدأ مم سوخا ل تراه ك ما كان وكذا ط مس النجوم فتعود سديما ك ما‬
‫كانت في البداية‪.‬‬
‫وتبين آية يونس أن الطمس على الموال‪ ،‬وهى من المادة غير الحية‪ ،‬يضيع أثرها وقدرتهاعلى الفعل‬
‫كذلك النجوم من غير المادة الحية تفقد قدرتهاعلى إنتاج الضوء‪.‬‬
‫من هذا يم كن أن نف هم أن عمل ية ط مس النجوم يذ هب بأثر ها ويفقد ها القدرة على الضاءة ويشوه ها‬
‫ويغير من طبيعتها وبعد الطمس تأتى النهاية‪.‬‬
‫وهذا يبين الفرق بين الطمس والنكدار‪ ،‬فالنكدارهوالتغير من الصفاء الى الكدر ثم يأتى الطمس الذى‬
‫يذهب بالضوء وآثار النجم‪.‬‬
‫ومنها يتبين أيضا لماذا استخدمت الواو للعطف فى حالة النكدار بينما استخدمت الفاء فى حالة الطمس‬
‫وكأن الطمس تاليا للنكدار مباشرة قبل النهاية‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫ت‬
‫وَِإذَا الّنجُو ُم انكَدَ َر ْ‬ ‫‪1‬‬ ‫ت‬
‫س كُوّ َر ْ‬
‫شمْ ُ‬
‫ِإذَا ال ّ‬
‫‪9‬‬ ‫سمَاء ُف ِرجَتْ‬
‫وَِإذَا ال ّ‬ ‫‪8‬‬ ‫ت‬
‫فَِإذَا الّنجُومُ ُطمِسَ ْ‬ ‫‪7‬‬ ‫إِّنمَا تُوعَدُو َن َلوَاقِ ٌع‬
‫ومن هذا التدبر فى آيات ال العظيم يتبين لنا أن القرآن الكريم ليكتفى بذكر الحدث العلمى فحسب‪،‬‬
‫لك نه يبين فى اخت صار مع جز كيف ية ومرا حل حدو ثة‪ .‬فالنجوم تتنا ثر(نتي جة للتفاعلت ال تي تحدث‬
‫داخل ها) وتتغ ير (تنكدر)‪ ،‬ثم ب عد ذلك يأ تى ضياع أثر ها وتشوه ها (طم سها)‪ .‬وعمل ية تنا ثر مادة‬
‫النجم التى نتيجة لها يأتى النكدار سيبينها لنا العلم الحديث‪.‬‬
‫فماذا يقول العلم عن النجوم تكونها وبدء اشعاعها للضوء ثم موتها أو ضياع أثرها ؟‬
‫فنى المراحنل الولى منن خلق الكون كاننت هناك سنحابات ضخمنة منن الغاز الهيدروجيننى وبتقارب‬
‫جزيئات هذا الغاز وزيادة التصنادم بينهنا زادت درجنة حرارتنه‪ ،‬وبزيادة التكاثنف الناتنج عنن قوى‬
‫التجاذب الى الداخل تبدأ التفاعلت النووية الندماجية‪ .‬ذلك معناه ان نويات الهيدروجين تند مج وتكون‬
‫كنل اربنع نويات هيدروجينن نواة عنصنر الهيليوم‪ .‬ومنن مثنل هذا التفاعنل النووى تنطلق الطاقنة فنى‬
‫صورة ضوء وحرارة ويستمر مثل هذا التفا عل وتزداد نسبة الهيليوم بالتدريج‪ .‬ومعظم النجوم الحالية‬
‫بما فيها شمسنا‪،‬والتى تمثل الجيل الثانى أو الثالث فى عمر تكون النجوم (انظر شكل ‪ ،)1‬تحتوى على‬
‫‪ % 70‬من نويات عنصنر الهيدروجينن‪ %27 ،‬منن نويات عنصنرالهيليوم وثلثنة فنى المائة فقنط من‬
‫نويات عناصر اخرى اثقل من الهيليوم مثل الكربون والوكسجين والنيتروجين والحديد‪.‬‬
‫شكل ‪ -1‬الشمس في كامل تألقها الزمن الحالي‬
‫(في وقت ضحاها)‬

‫شكل ‪ -2‬الشمس من الداخل‬


‫وي ستمر تحول الهيدروج ين الى هيليوم‪ ،‬وت ستمر التفاعلت النوو ية ويتحول الهيليوم الىعنا صر اخرى‬
‫اثقل‪ ،‬وبالتدريج يقل صفاء النجم او ينكدر‪ .‬ويستمر النجم فى اطلق الطاقة فى صورة حرارة وضوء‬
‫واشعاعات اخرى ذات مستويات مختلفة‪ .‬وتستمر هذه المرحلة من تألق النجم لمليارات السنين‪ ،‬وتزداد‬
‫فى هذه الثناء نسبة العناصر الثقيلة تدريجيا الى درجة تبدأ فيها التفاعلت النووية فى التوقف‪ ،‬ويزداد‬
‫قلب الن جم جاذب ية ح تى ت صل الى در جة فائ قة فينهار الن جم وتنض غط المادة الى الدا خل (تتكور) وع ند‬
‫هذا الحد يتوقف انبعاث الضوء المرئي وتختفى اثاره عن أعيننا أى ينطمس(‪.)11‬‬
‫شكل ‪ -3‬التيارات الشمسية ‪ ،‬وتناثر المادة‪ ،‬وانكدار( ضد الصفاء) النجم بالتدريج‬
‫بقنى أن نوضنح أننه بعند تحول نويات العناصنر الخفيفنة الى نويات عناصنر اثقنل داخنل النجنم تبدأ‬
‫الجزيئات الجديدة فى التناثر داخل النجم وتتخذ لها موضعا معينا على حسب مستوى طاقتها‪ .‬ومن هنا‬
‫يمكن وصف النكدار بالتناثر الداخلي(شكل ‪ .)3،2‬والكلمة القرآنية "انكدرت" هى الدق حيث تعنى عدم‬
‫الصفاء نتيجة لزيادة نسبة العناصر الثقيلة الى نسبة العنصر الساسى المكون للنجم وهو الهيدروجين‪.‬‬
‫وتستمرعمليةالتحول هذه لمليين السنيين ثم يطمس النجم‪ .‬وشكل ‪ 4‬يبين صورة حقيقية لنجم مطموس‪.‬‬

‫شكل ‪ 4‬ن نجم ميت (بعد الطمس) يزال أثره ( وهو إنبعاث الضوء)‬
‫من هذه المناق شة ن جد أن القرآن الكر يم يختار الكل مة لي صف ب ها ظاهرة فى الكون الف سيح تدلل على‬
‫مع نى عل مى دق يق ل ن ستطيع ادرا كه إل بم ساعدة البحوث العلم ية‪ ،‬وكل ما زاد علم البشر ية عن الكون‬
‫كلما زاد علمهم أن له خالقا يدبر اموره‪.‬‬
‫وعلى عكس الكتب العلمية التى يكتبها البشر‪ ،‬يتميز القرآن بيسر ل مثيل له‪ ،‬واساليبه سهلة تتناسب مع‬
‫مختلف القدرات الفكر ية لمختلف الب شر‪ ،‬ف كل م ستوا من التفك ير له قدرا محددا من الف هم‪ .‬والقرآن فى‬
‫ن فس الو قت ليض يع الد قة الفائ قة فى اختيار اللفاظ الدالة على الحدث أو الظاهرة العلم ية بدر جة ل‬
‫تضاهيها دقة‪ ،‬ثم يشرح هذه اللفاظ بسهولة ويسر وهنا يكمن العجاز وصدق القول الكريم‪:‬‬
‫خبِيرٍ"‬‫حكِيمٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت مِن ّلدُ ْ‬
‫ت آيَاتُ ُه ُث ّم فُصّلَ ْ‬
‫ح ِكمَ ْ‬‫" الَر ِكتَابٌ ُأ ْ‬
‫ت آيَاتُهُ ُقرْآنًا َعرَبِيّا لّ َقوْمٍ َي ْع َلمُو َن "‬
‫صلَ ْ‬‫" حم * َتنِيلٌ مّ َن ال ّر ْحمَنِ ال ّرحِيمِ *كِتَابٌ فُ ّ‬
‫***‬

‫الفرق بين دحو الرض وطحوها‬


‫يقول العليم الخبير فى كتابه المكنون‪:‬‬
‫ضحَاهَا * وَالْأَرْ ضَ َبعْ َد ذَلِ كَ َدحَاهَا *‬
‫ش لَ ْي َلهَا وََأ ْخرَ جَ ُ‬
‫سوّاهَا * وََأ ْغطَ َ‬
‫سمَاء بَنَاهَا *رَفَ َع َس ْم َكهَا فَ َ‬
‫"أَأَنتُ ْم َأشَدّ َخلْقًا أَ مِ ال ّ‬
‫(‪79‬النازعات‪)31-27/‬‬ ‫َأ ْخرَجَ ِم ْنهَا مَاءهَا َو َم ْرعَاهَا "‬
‫والكلمنة المراد شرحهنا هننا "دحاهنا"‪ .‬ف في هذه اليات الكريمنة يخبرننا ال – سبحانه ‪ -‬أ نه قد دحنى‬
‫الرض بعد بناء وتسوية واغطاش ليل واخراج ضحى السماء‪.‬‬
‫ويقول تعالى فى سوره اخرى‪:‬‬
‫(‪91‬الشمس‪)5،6/‬‬ ‫سمَاء َومَا َبنَاهَا * وَالْأَ ْرضِ وَمَا َطحَاهَا "‬
‫" وَال ّ‬
‫و من هات ين اليت ين الكريمت ين ن ستطيع ان ن ستنبط ان الرض دح يت و طح يت‪ ،‬ف ما هوالفرق ب ين‬
‫الدحو والطحو؟‬
‫هاتان الكلمتان وحيدتنا المادة والصنيغة (‪ ،)9‬لم يتكررا فنى القرآن‪ .‬وبالتالى سنيكون طريقننا لسنتنباط‬
‫المعانى من معاجم اللغة وتفاسير القرآن الكريم‪ ،‬كذلك المعلومات التي أتي بها العلم الحديث‪ ،‬ثم التأمل‬
‫فى مواضع اخرى يكون القرآن قد تحدث فيهاعن أفعال تم فعلها للرض‪ ،‬مثل البسط والمد والفرش‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫أول معني الدحو ‪:‬‬
‫‪ :‬دحو الرض‬
‫الدحو في أصل اللغة ‪ :‬دحرجة الشياء القابلة للدحرجة كالجوز والكرى والحصى ورميها‬
‫من الكون والرؤية العلمية‬
‫الد حو فى ل سان العرب هو الب سط‪ ،‬د حا الرض يدحو ها دحوا أى ب سطها‪ .‬وقال الفراء فى قوله عز‬
‫وجل (والرض بعد ذلك دحاها) اى بسطها‪ .‬والدحوه ‪ :‬مفرخ النعام فى الرمل‪ ،‬وموضع بيضها‪ .‬وفى‬
‫حد يث عن ا بن عمر‪" :‬فدحا السيل ف يه بالبطحاء" أى ر مى وأل قى‪ .‬وفى حد يث عن أبى رافع‪ " :‬ك نت‬
‫ألعب الحسن والحسين بالمداحى"‪ .‬والدحو‪ :‬هو رمى اللعب بالحجر والجوز وغيره‪ .‬والمدحاة‪ :‬لعبة‬
‫يلعب بها اهل مكة‪ .‬ويصفها السدى بقوله‪ :‬هى المداحى والمسادى‪ ،‬وهى احجار مثل القرصة‪ ،‬وقد‬
‫حفروا حفرة بقدر ذلك الحجنر‪ ،‬فيتنحون قليل ثنم يدحون بتلك الحجار الى تلك الحفرة‪ .‬وهنو يدحنو‬
‫وي سدو‪ ،‬اذا دحا ها على الرض الى الحفرة‪ .‬ود حا الفرس يد حو دحوا‪ :‬اذا ر مى بيد يه رم يا ل ير فع‬
‫سنبكه عن الرض كثيرا‪ ،‬ويقال للفرس مر يدحوا دحوا (ل سان العرب)‪ .‬و هو من قول هم د حا الم طر‬
‫الحصى من وجه الرض اى جرفها(الصفهانى في المفردات‪ ،‬عمده الحفاظ‪ ،‬اساس البلغة)‬
‫ثانيا معني الطحو‪:‬‬
‫طحاه طحوا وطحوا‪ :‬ب سطه‪ ،‬وط حا ال شئ يطح يه طح يا‪ :‬ب سطه اي ضا‪ .‬قال الزهرى‪ :‬الط حو كالدّ حو‬
‫و هو الب سط‪ .‬وقال الفراء‪ :‬طحا ها ودحا ها وا حد‪ .‬وق يل‪ :‬دحا ها أى و سعها‪ ،‬والط حو‪ :‬التو سيع‪ .‬وقال‬
‫طحّى يريد مد رجله‪ .‬وطحى البعير الى الرض‪ ،‬إما خلء واما هزال‪ ،‬أى‬
‫الفراء ايضا‪ :‬شرب حتى َ‬
‫لزق بهنا‪ .‬والطاحنى‪ :‬الممتند(لسنان العرب‪،‬اسناس البلغنة‪:)7،‬وضربتنه ضربنة فطحنا منهنا أى امتند‪،‬‬
‫وضربته فطحوته أى مددته على الرض‪ ،‬وطحا بفلن شحمه اذا سمن‪.‬‬
‫الدحو والطحو فى تفاسير القرآن‪:‬‬
‫جاء فى الطبرى‪ :‬وقوله"والرض بعد ذلك دحاها"‪ :‬اختلف اهل التأويل فى معنى قوله (بعد ذلك) فقال‬
‫بعضهم دحيت الرض من بعد خلق السماء‪ .‬ذكر من قال بذلك‪ :‬عن ابن عباس‪ :‬قوله حيث ذكر خلق‬
‫الرض قبل السماء ثم ذكر السماء قبل الرض‪ ،‬وذلك أن ال خلق الرض بأقواتها قبل أن يدحوها قبل‬
‫السنماء‪ ،‬ثنم اسنتوى الى السنماء فسنواهن سنبع سنماوات‪ ،‬ثنم دحنا الرض بعند ذلك‪ ،‬فذلك قوله تعالى‬
‫"والرض بعد ذلك دحاها"‪ .‬ويستطرد الطبرى‪ :‬وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬والرض مع ذلك دحاها‬
‫(أىمع خلق السماء)‪ ،‬وذلك كقول ال عز وجل "عتل بعد ذلك زنيم" بمعنى مع ذلك زَنِيمٍ‪.‬‬
‫وعن مجاهد قال‪ :‬مع ذلك دحاها‪ ،‬وعن مجاهد أيضا‪ :‬والرض عند ذلك دحاها‪.‬‬
‫والقول الذى ذكرناه – ومازلنا ننقل من الطبرى‪ -‬عن ابن عباس من أن ال تعالى خلق الرض‪ ،‬وقدر‬
‫فيها أقواتها‪ ،‬ولم يدحها ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحا الرض بعد ذلك فأخرج‬
‫منها ماء ها ومرعا ها‪ ،‬وأر سى جبالها أش به ب ما دل عليه ظاهر التنز يل‪ .‬ل نه جل ثناؤه قال‪":‬والرض‬
‫ب عد ذلك دحاهنا" والمعروف من معننى (ب عد) أ نه خلف (ق بل) وليسس فىدحسو الرض بعسد تسسويته‬
‫ال سماوات ال سبع‪ ،‬واغطا شه ليل ها‪ ،‬واخرا جه ضحا ها‪ ،‬ما يو جب أن تكون الرض خل قت ب عد خلق‬
‫السماوات‪ ،‬لن الدحو هو البسط والمد فى لغة العرب‪ .‬يقال منه‪ :‬دحا يدحوا دحوا‪ ،‬ودحيت أدحى دحيا‬
‫لغتان‪ .‬وبنحو الذى قلنا فى ذلك قال أهل التأويل‪ .‬وعن قتادة والسدى‪ :‬دحاها أى بسطها‪.‬‬
‫و فى صفوة التفا سير (‪" )10‬والرض ب عد ذلك دحا ها" أى والرض ب عد خلق ال سماء ب سطها ومهد ها‬
‫ل سكنى أهل ها‪ .‬ول ينا فى هذا القول بكرو ية الرض فان ذلك مقطوع به‪ .‬وقال المام الف خر الرازى ما‬
‫نصه "كانت الرض اول كالكرة المجتمعة‪ ،‬ثم ان ال تعالى مدّها وبسطها‪ ،‬وليس معنى (دحاها) مجرد‬
‫الب سط‪ ،‬بل المراد أ نه ب سطها ب سطا مه يأ لنبات القوات‪ ،‬يدل عل يه قوله (أخرج من ها ماء ها ومرعا ها)‬
‫والجسم العظيم يكون ظاهره كالسطح المستوى‪.‬‬
‫الطحو فى التفاسير‪:‬‬
‫يلخنص القرطنبى(‪ )10‬منا قاله اهنل التفسنير فنى معننى قوله تعالى"والرض ومنا طحاهنا" فيقول‪ :‬أى‬
‫وطحو ها‪ .‬وق يل‪ :‬و من طحا ها أى ب سطها‪ ،‬كذا قال عا مة المف سرين‪:‬طحا ها‪ ،‬م ثل دحا ها‪ .‬قال الح سن‬
‫ومجاهد وغيرهما‪ :‬طحاها ودحاها واحد‪ ،‬أى بسطها من كل جانب‪ .‬والطحو‪:‬البسط‪ ،‬طحا يطحو طحوا‪،‬‬
‫طحى يطحى طحيا‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬طحاها‪ :‬قسمها‪ ،‬وقيل خلقها‪.‬‬
‫الدحو والطحو وخلق الرض فى القرآن الكريم‪:‬‬
‫ك ما سبق الذ كر فان الد حو والط حو لم ترد فى القرآن ال مرة واحدة‪ .‬ولذا و جب علي نا درا سة اليات‬
‫التي وردت في القرآن و التأمل فىالفعال التى فعلها ال سبحانه وتعالى فى الرض عند خلقها‪.‬‬
‫وردت كل مة الرض فى القرآن بأعداد كبيرة‪ ،‬فى مو ضع ر فع تكررت ‪ 34‬مرة‪ ،‬و فى مو ضع ن صب‬
‫‪86‬مرة‪ ،‬و في مو ضع جر ‪ 331‬مرة‪ ،‬وجاءت فى صيغ اخرى م ثل‪(:‬أر ضا) مرت ين‪(،‬ارض كم) ثل ثة‬
‫مرات‪( ،‬ارضنا) ثلثة مرات‪( ،‬ارضهم) مرة واحدة‪ ،‬و(ارضى) مرة واحدة (‪.)9‬‬
‫وم ثل هذا الت صنيف ل يعني نا فى م ثل هذا الب حث والذى نه تم به هو قض ية خلق الرض‪ ،‬وعلى هذا‬
‫ال ساس در سنا اليات القرآن ية ال تى وردت في ها كل مة الرض وق سمناها الى ثل ثة أق سام‪ :‬الق سم الول‬
‫خاص بخلق وتكوينن الرض‪ ،‬والقسنم الثاننى خاص بإعداد الرض للنسنان والحياة‪ .‬والقسنم الثالث‬
‫يتحدث عن نهاية الرض استعدادا ليوم القيامة(وبالتالى لن نتحدث عنه هنا)‪.‬‬

‫أما القسم الثانى فورد فيه أن ال تعالى أعد لنا الرض للحياة‪ ،‬وهيأها لنا لتكون مستقرا وقرارا وجعلها‬
‫لنا مهدا ووضعها للنام وجعلها لنا كفاتا(اى تضمنا وتجمعنا) وبساطا وذلول وفراشا وهو الذى مدها‬
‫وسطحها لنا‪ .‬وفى كل هذه اليات تأتى الرض مفعول بها ولنتأمل ‪:‬‬
‫اليات التى ورد فيها اعداد الرض وتهيأتها لحياة البشر‪:‬‬
‫سمَاء مَاء فََأ ْخرَجَ ِبهِ مِ َن الّث َمرَاتِ ِرزْقا ّلكُم (‪2‬البقرة‪)22/‬‬
‫سمَاء بِنَاء وَأَن َزلَ ِمنَ ال ّ‬
‫‪ -1‬الّذِي جَ َع َل َلكُمُ ا َل ْرضَ ِفرَاشا وَال ّ‬
‫(‪2‬البقرة‪)36/‬‬ ‫ض عَدُوّ وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسَْت َقرّ وَ َمتَاعٌ إِلَى حِيٍ‪.‬‬
‫ضكُمْ ِلبَعْ ٍ‬
‫‪-2‬وَ ُقلْنَا اهِْبطُوْا َبعْ ُ‬
‫سمَاء مَاء فََأ ْخ َرجْنَا ِب ِه أَزْوَاجًا مّن نّبَاتٍ شَتّى‪.‬‬
‫‪ -3‬الّذِي جَ َع َل َلكُمُ الْأَ ْرضَ َمهْدًا َو َس َلكَ َلكُمْ فِيهَا سُُبلًا وَأَن َزلَ مِنَ ال ّ‬
‫(‪ 20‬طة ‪)53/‬‬
‫(‪ 40‬غافر‪)64/‬‬ ‫سمَاء ِبنَاء‪.‬‬
‫‪ -4‬اللّهُ الّذِي َج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ َقرَارًا وَال ّ‬
‫(‪43‬الزخرف‪)10/‬‬ ‫‪ -5‬الّذِي جَ َع َل َلكُمُ الْأَ ْرضَ َمهْدًا َوجَ َع َل َلكُمْ فِيهَا سُُبلًا لّ َع ّلكُ ْم َتهْتَدُونَ‬
‫(‪ 50‬ق‪)7/‬‬ ‫ج‬
‫ج َبهِي ٍ‬
‫‪ -6‬وَالْأَ ْرضَ مَ َددْنَاهَا وَأَْلقَيْنَا فِيهَا َروَا ِسيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن ُكلّ زَوْ ٍ‬
‫(‪51‬الذاريات‪)48/‬‬ ‫‪ -7‬وَالْأَ ْرضَ َف َرشْنَاهَا فَِنعْمَ اْلمَاهِدُو َن‬
‫(‪55‬الرحن‪)10/‬‬ ‫‪ -8‬وَالْأَ ْرضَ َوضَ َعهَا ِللْأَنَا ِم‬
‫(‪67‬اللك‪)15/‬‬ ‫ض ذَلُولًا فَامْشُوا فِي َمنَاكِِبهَا َو ُكلُوا مِن رّزْ ِقهِ وَإِلَ ْيهِ النّشُورُ‬
‫‪ -9‬هُوَ الّذِي جَ َعلَ َلكُمُ الْأَ ْر َ‬
‫(‪71‬نوح‪)19،20/‬‬ ‫س ُلكُوا مِ ْنهَا سُُبلًا ِفجَاجًا‬
‫‪ -10‬وَاللّ ُه جَ َع َل َلكُمُ الَْأ ْرضَ بِسَاطًا * ِلتَ ْ‬
‫(‪77‬الرسلت‪)25،26/‬‬ ‫ج َعلِ الَْأ ْرضَ كِفَاتًا * َأحْيَاء وَأَ ْموَاتًا‬
‫‪ -11‬أَلَ ْم َن ْ‬
‫(‪87‬النبأ‪)6،7/‬‬ ‫جبَالَ أَ ْوتَادًا‬
‫ج َعلِ الَْأ ْرضَ ِمهَادًا * وَاْل ِ‬
‫‪ -12‬أَلَ ْم َن ْ‬
‫ت * وَِإلَى اْلجِبَا ِل كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ َكيْفَ‬
‫سمَاء كَيْفَ رُ ِفعَ ْ‬
‫ف ُخلِقَتْ * وَإِلَى ال ّ‬
‫‪ -13‬أَ َفلَا يَن ُظرُو َن إِلَى الْإِِبلِ كَيْ َ‬
‫(‪88‬الغاشية‪)20-17/‬‬ ‫ت‬
‫ُس ِطحَ ْ‬
‫و من درا سة هذه اليات‪ ،‬نرى أن القرآن الكر يم قد و صف اعداد الرض وتهيأت ها ل ستقبال الن سان‬
‫وصفا دقيقا رائعا موجزا‪ .‬ويتبين لنا واضحا جليا ان ما جاء ذكره من أفعال تم فعلها للرض في هذه‬
‫المجموعنة منن اليات منن تمهيند وبسنط وتسنطيح ومند وغيرهنا منن أوصناف أفعال فعلهنا ال تعالى‬
‫للرض لي ست افعال مطل قة ان ما هى أو صاف ن سبية ك ما تبدو ل نا ن حن الب شر ول ي ستطيع ادراكننا‬
‫المحدود ال أن يراها كذلك‪ .‬وبالتالىل يتعارض اطلقا مع القول بكروية الرض‪ ،‬فكبر حجمها بالنسبة‬
‫لحواسنا وادراكنا هو الذى يجعلها تبدو لنا مبسوطة وممدودة ومسطوحة‪.‬‬
‫والقسم التالى هو الذى يعنينا بالدراسة حيث يصف كيفية الخلق‪:‬‬
‫(‪32‬السجدة‪)4/‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَْأ ْرضَ َومَا بَيَْن ُهمَا فِي سِتّ ِة أَيّا ٍم ثُ ّم اسْتَوَى َعلَى الْ َع ْرشِ‬
‫‪ -1‬اللّهُ الّذِي َخلَقَ ال ّ‬
‫(‪65‬الطلق‪)12/‬‬ ‫‪ -2‬اللّهُ الّذِي َخلَ َق سَبْ َع َسمَاوَاتٍ وَ ِمنَ الْأَ ْرضِ مِ ْث َلهُنّ‬
‫(‪41‬فصلت‪)9/‬‬ ‫‪ُ -3‬قلْ أَئِّنكُ ْم لََت ْك ُفرُونَ بِالّذِي َخلَقَ الْأَ ْرضَ فِي يَ ْومَيْنِ‬
‫(‪21‬النبياء‪)44/‬‬ ‫صهَا مِ ْن أَ ْطرَا ِفهَا أَ َفهُمُ الْغَاِلبُونَ‬
‫ض نَن ُق ُ‬
‫‪َ -4‬أ َفلَا َيرَ ْو َن أَنّا نَأْتِي الْأَ ْر َ‬
‫ضحَاهَا ‪29‬‬
‫ج ُ‬
‫ش لَ ْي َلهَا َوَأ ْخرَ َ‬
‫وََأ ْغطَ َ‬ ‫‪28‬‬ ‫سوّاهَا‬
‫‪ 27‬رَ َف َع َسمْ َكهَا فَ َ‬ ‫سمَاء بَنَاهَا‬
‫‪ -5‬أَأَنتُ ْم َأشَ ّد َخلْقًا أَ مِ ال ّ‬
‫(‪79‬النازعات‪)31-27/‬‬ ‫‪31‬‬ ‫َأ ْخرَجَ مِ ْنهَا مَاءهَا َو َم ْرعَاهَا‬ ‫‪30‬‬ ‫وَالْأَ ْرضَ َبعْ َد ذَِلكَ َدحَاهَا‬
‫(‪91‬الشمس‪)5،6/‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وَالْأَ ْرضِ وَمَا َطحَاهَا‬ ‫‪5‬‬ ‫سمَاء وَمَا بَنَاهَا‬
‫‪ -6‬وَال ّ‬
‫وآيات هذا القسم تنقسم بدورها الى جزءين‪ :‬الجزء الول جاءت كلمة الرض معطوفة على السماوات‪.‬‬
‫ويبدومن ظاهر هذه اليات أن القرآن الكريم اتخذ صيغتي "السماوات والرض" و "السماوات والرض‬
‫وما بينهما" ليدلل على الكون كله‪ .‬وبدراسة هذه اليات الستة الكريمة نستطيع أن نستنبط التى‪:‬‬
‫خلق ال "السماوات والرض وما بينهما" فى ستة ايام‪ ،‬وهذه المعلومة وردت فى سبعه آيات(‪ ،)9‬اكتفينا‬
‫بكتابنة آينة واحدة منهنم وهنى آينة السنجدة ‪( 4‬انظنر اعله) ‪ .‬ومنن تلك اليات نرى أن عمليتنى خلق‬
‫ال سماوات والرض متلزمت ين ومتداخلت ين(الرض معطو فة على ال سماوات) وعلى فترات ممتدة( ستة‬
‫ايام)‪ .‬و من ال ية الكري مة فى سورة الطلق نعلم أن ال سماوات سبع وأ نه تعالى قد خلق من الرض‬
‫مثل هن‪ ،‬وجم يع المف سرون متفقون – ونت فق مع هم‪ -‬على أن التماثل فى هذه ال ية هو تما ثل فى العدد‪.‬‬
‫وآية ‪ 9‬من سورة فصلت تخصص خلق الرض فى يومين‪ ،‬أما مباركتها وتقدير أقواتها‪ -‬اى اعدادها‬
‫للحياه وخلق المادة الح ية ال تى تز يد بالتنا سل من نبات وحيوان ‪ -‬ف قد تم فى ارب عة ايام ك ما فى ال ية‬
‫التى تليها فى نفس السورة‪ .‬ويجب هنا ملحظة ان المادة غير الحية لتتكاثر ول تتزايد ول تنمو ولذلك‬
‫ليمكن وصفها بالبركة التى تعنى النماء والزيادة‪.‬‬
‫ثم تخبرنا اليتان الكريمتان من سورة النازعات والشمس أن الرض قد دحيت وطحيت‪ .‬ومن الجدير‬
‫بالذ كر أن نل حظ ان الحد يث عن الرض فى الحالت ين كان تال يا للحد يث عن بناء ال سماء‪ ،‬وهذا يؤ كد‬
‫الستنتاج السابق القائل بأن خلق السماوات والرض متلزم وفى اوقات متداخلة‪.‬‬
‫و ل قد نقل نا عن القر طبى وال طبرى وغيره ما من المف سرين اقوال هم‪ :‬ان الد حو والط حو وا حد‪ ،‬و هو‬
‫البسط‪ .‬فما هو الفرق الدقيق بينهما؟‬
‫الفرق بين الدحو والطحو‪:‬‬
‫نلحظ من حديث الرسول الكريم عن ابن عمر "فدحا السيل فيه بالبطحاء" ‪:‬أي رمى وألقى؛ فالدحو هنا‬
‫الرمى واللقاء للحصى وما شابه‪ .‬كذلك دحا المطر الحصى من وجه الرض‪ :‬اى جرفه فالدحو جمع‬
‫الحصى ورمى وجرف له‪ ،‬وفى الحديث عن أبى رافع ‪":‬كنت ألعب الحسن والحسين بالمداحى" ‪ ،‬وكما‬
‫نقل نا من ل سان العرب اعله نقول‪ :‬ان الد حو هو ر مى الح جر‪ ،‬ود حو الرض رمي ها بالح جر الذى‬
‫يجرف ويلقسى عليهسا‪ ،‬وبذلك تزيند مادة الرض وتتجمنع وتلتحنم وتتنامنى بواسنطة اضافات خارجينة‬
‫(أنظر شكل ‪ 5‬ا‪،‬ب)‪.‬‬
‫شكل ‪5‬ن {ا‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د} نظرية تكون الرض‬

‫شكل ‪ 5‬أ‪ -‬تكثف مادة الغاز‬


‫شكل ‪ 5‬ب‪ -‬كويكب‪ ،‬بداية تكوين الكوكب ( الرض)‬
‫اما الطحو فمثله مثل طحا بفلن شحمه اذا سمن‪ ،‬وطحى البعير الى الرض إما خلء واما هزال أى‬
‫لزق ب ها‪ ،‬وطح يت الرض معنا ها أن المادة قد لز قت ب ها وتنا مى حجم ها كالش حم بالن سبة للن سان‬
‫وكأن الطحنو نتيجنة للدحنو وتال له(أنظنر شكنل ‪ 5‬ج‪،‬د)‪ .‬والعمليتان تصنفان كيف ية تكون وزيادة حجنم‬
‫الرض م ما ادى الى أن تبدو ل نا منب سطة فكل ما زاد ح جم الكرة كل ما بدت ل نا اك ثر انب ساطا‪ .‬وهاتان‬
‫العمليتان – الد حو والط حو ‪ -‬ه ما بالض بط ما حد ثا فى خلق وتكو ين الرض‪.‬وهذا بالض بط ما يقوله‬
‫العلم الحديث فى نظرية تكون الرض‪.‬‬

‫شكل ‪ 5‬ج – زيادة تكاثف المادة على الكويكب نتيجة للجاذبية‬

‫شكل ‪ 5‬د – الكوكب ( مثل الرض) آخذ في النمو ( الطحو)‬


‫تكون الرض وخلقها فى العلم الحديث‪:‬‬
‫يطلق الفلكيون على نظرينة تكون المجموعنة الشمسنية ‪ -‬والرض التنى نعينش عليهنا هنى احدى‬
‫أعضاءها‪ -‬اسم نظرية التنامى التعاظمى(‪ ،)accretion theory‬وتذهب النظرية الى انه في حين معين‬
‫أثناء خلق الكون‪ ،‬تواجدت سحابة كثي فة من الغاز الكو نى المختل طة ببقا يا ن جم ض خم قد تف جر وترك‬
‫بقاياه من عناصر ثقيلة تكاثفت وبدأت فى النكماش التدريجى وسميت هذه السحابة السديم الشمسي‪ .‬بدأ‬
‫هذا السديم فى النكماش التدريجى تحت ضغط وجذب مادة السديم‪ ،‬ونتيجة لنقصان حجم السديم زادت‬
‫سنرعة دوراننه حتنى تحول الى منا يسنمى بالقرص المتنامنى (‪ )accretion disc‬وفنى مركنز هذا‬
‫القرص تركزت مع ظم أجزاء المادة (‪ )lumps‬المتكاث فة وال تى كو نت نج ما ابتدائ يا نشأت ع نه شم سنا‬
‫المعهودة‪ .‬ا ما المادة المتبق ية من جزيئات الغاز والتراب ف قد تجم عت بب طء الى اجزاء ا كبر وتكاث فت‬
‫وكوننت باقنى الكواكنب ومنهنا الرض‪ .‬ومنع مرور الوقنت كاننت مادة الرض تنبرد ويزداد سنرعة‬
‫دورانها فتجمع اليها المزيد من المادة (الدحو) المتبقية حولها من السديم وتستمر هذه العملية حتى نمت‬
‫(طحيت) وزاد وزنها ونتيجة لدورانها تركزت العناصر الثقيلة بالداخل فى المركز ‪ -‬الذى يتكون من‬
‫الحد يد أ ساسا‪ -‬ثم ال قل ثقل(ان ظر ش كل ‪ .)6‬وم ثل هذا ال سديم يم كن مشاهد ته فى اما كن مختل فة فى‬
‫الفضاء مما يدل على صحة هذه النظرية‪.‬‬
‫شكل ‪ 7‬أعلى وأسفل ‪ -‬نظرية السديم في تكوين المجموعة الشمسية‬

‫وفى البحث عن ترجمة كلمة ‪ accretion‬النجليزية نجد أن معناها هو ازدياد او تعاظم تراكمي عن‬
‫طر يق الن مو العضوي‪ ،‬أو بوا سطة اضافات خارج ية تدريج ية‪ ،‬ومعناه اي ضا اضا فة خارج ية‪ ،‬ومعناه‬
‫اي ضا الن مو اللتحا مي بمع نى التحام عضوان منف صلن (ل حظ المثال فى ل سان العرب ‪ :‬د حى ال سيل‬
‫الحصى‪،‬وطحا بة شحمة)‪.‬‬
‫وهكذا ي تبين د قة الت عبيرالقرآني‪ ،‬ود قة اللفاظ ال تى ت صف ظاهرة علم ية وال تى ي ستحيل على ان سان‬
‫القرون السابقة والحالية واللحقة انتقاؤها من مئات اللف من كلمات لغة غنية مثل العربية؛ مما يؤكد‬
‫نسب القرآن الكريم الى خالق السماوات والرض وما بينهما‪.‬‬
‫" أَ مْ َيقُولُو نَ افَْترَا هُ قُلْ َف ْأتُواْ ِب سُورَةٍ مّثْلِ هِ وَا ْدعُواْ مَ نِ ا ْستَ َطعْتُم مّن دُو نِ اللّ هِ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ *بَلْ َكذّبُواْ ِبمَا لَ مْ‬
‫ُيحِيطُواْ ِبعِ ْل ِمهِ وََلمّا َيأِْت ِهمْ َت ْأوِي ُلهُ َكذَِلكَ َك ّذبَ اّلذِينَ مِن قَبْ ِل ِهمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقَِبةُ الظّاِلمِيَ "‬
‫(‪10‬يونس ‪)38،39‬‬ ‫وصدق ال العظيم‪.‬‬
‫***‬

‫الدللة العلمية للضحى فى القرآن الكريم‬


‫(‪93‬الضحى‪)2، 1/‬‬ ‫ضحَى * وَاللّ ْيلِ ِإذَا َسجَى "‬
‫" وَال ّ‬
‫فى هذه السورة الكريمة يقسم ال تعالى بالضحى‪ ،‬فما هو الضحى؟ ولماذا يقسم به العلي العليم؟‬
‫هذا ماسوف نحاول ان مناقشته‪.‬‬
‫الواو فى أ صل الستعمال اللغوى تكون للقسم عندما تكون فى صدر الكلم‪ ،‬وهى فى هذه الية كذلك‪.‬‬
‫وكأن ال‪-‬سبحانه‪-‬يقول ‪ :‬اقسم بالضحى‪ ،‬واقسم بالليل إذا سجى أني يا محمد ما ودعتك وما قليت‪.‬‬
‫ويج مع المف سرون على أن واو الق سم هذه ت جئ لتعظ يم المقسم به وهذا هو المعهود فى اللغة العرب ية‪.‬‬
‫والمقسنم بنه هننا هنو الضحنا و كذلكاللينل إذا سنجا‪ .‬وبالتالى يبدأ المفسنر فنى ايجاد علة التعظينم‪ ،‬منع‬
‫ملح ظة أن المق سم ه نا هو ال عز و جل‪ ،‬ويقي نا فان ال – سبحانه‪ -‬ليضا هأ عظم ته شيئا‪ ،‬و بالتالي‬
‫اطمئن المف سرون ‪،‬ونطمئن مع هم‪ ،‬أن ال تعالى يقسم ب ما شاء من خل قه‪ ،‬ف كل ما صنعه ‪ ،‬أو خل قه ال‬
‫عظيم‪ .‬ولكن ذلك ل يجيب على السؤال المشروع‪ ،‬لماذا اختار ال أشياءا او ظواهر ليقسم بها دونا عن‬
‫اخرى؟‬
‫ب عض المف سرون المحدثون لم ترق ل هم فكرة التعظ يم هذه وال تى قال ب ها الكثيرون ويت سآلون‪ ،‬ما هو‬
‫وجنه العظمنة فنى الضحنا وفىاللينل إذا سنجا؟؟ تقول الكاتبنة الفاضلة بننت الشاطنئ(‪ :)12‬سنادت هذه‬
‫الفكرة‪ -‬فكرة التعظ يم للمق سم به‪ -‬فألجأت هم الى العت ساف فى بيان و جه التعظ يم فى كل ما أق سم به‬
‫القرآن الكرينم بالواو‪ .....‬والذى اطمأنننت الينه‪-‬تسنتطرد الكاتبنة‪ -‬بعند طول تدبر وتأمنل فنى السنور‬
‫المستهلة بهذه الواو هو أن القسم بها يمكن ان يكون – وال اعلم ‪ -‬قد خرج عن أصل الوضع اللغوى‬
‫فى القسم للتعظيم‪ ،‬الى معنى بيانى لملحظ بلغى‪ .‬فالواو فى هذا السلوب تلفت لفتا قويا الى حسيات‬
‫مدركنة ليسنت موضنع غرابنة او جدل‪ ،‬توطئة ايضاحينة لبيان معنويات او غينبيات ل تدرك بالحنس‪.‬‬
‫فالمقسم به‪-‬تضيف الكاتبة‪ -‬فى آيتى الضحى‪ ،‬صورة مادية وواقع حسي‪ ،‬يشهد به الناس فى كل يوم‬
‫تألق الضوء فى ضحوة النهار‪ ،‬ثم فتور الل يل إذا سجا و سكن‪ .‬دون ان يخ تل نظام الكون أو يكون فى‬
‫توارد الحال ين عل يه ما يب عث على انكار‪ ،‬بل دون ان يخ طر على بال أ حد‪ ،‬أن ال سماء قد تخلت عن‬
‫الرض وأ سلمتها الى الظل مة والوح شة‪ ،‬ب عد تألق الضوء فى ض حى النهار‪ ،‬فأى ع جب فى أن ي جئ‪،‬‬
‫بعد أنس الوحى وتجلى نوره على المصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فترة سكون يفتر فيها الوحى‪ ،‬على‬
‫نحو ما نشهد من الليل الساجى يوافى بعد الضحى المتألق(ص ‪.)26‬‬
‫وت صل الكات بة الفاضلة الى نتي جة أن الق سم بالواو ليق صد به التعظ يم للمق سم به فى اليات القرآن ية‬
‫المبتدأة بواو القسم المعهودة‪ ،‬لكنه يأتى لبيان معنى معنويا مثل الهدى والحق‪ ،‬أو الضلل والباطل بلفت‬
‫انتباه النسان لصورة مادية يلمسها ويراها ويحسها بحواسه واختيار المقسم به تراعى فيه الصفة التى‬
‫تناسب الموقف‪.‬‬
‫ونحن بدورنا نتساءل‪ ،‬أين هى الصورة المعنوية التى يريدها ال تعالى فى آيات مثل‪:‬‬
‫ثُمّ‬ ‫‪َ 3‬لقَ ْد َخلَقْنَا الْإِن سَانَ فِي َأحْ سَ ِن تَقْ ِويٍ ‪4‬‬ ‫وَهَذَا اْلَبلَدِ الَْأمِيِ‬ ‫‪2‬‬ ‫ي‬
‫وَطُو ِر سِينِ َ‬ ‫‪1‬‬ ‫وَالتّيِ وَالزّيْتُو ِن‬
‫(‪95‬التي‪)5-1/‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ي‬
‫َر َددْنَاهُ َأسْ َف َل سَا ِفلِ َ‬
‫فالمقسم به هنا هو ثمرة نعرفها ونأكلها‪ ،‬والمقسم عليه هو أيضا ملموس يمكن أن نراه بسهولة ويسر‬
‫فى واقعنا‪ ،‬فالنسان احسن تقويما من غيره من الخلق على هذه الكرة الرضية والمخلوقات المدركة‪.‬‬
‫ط ّيبَا تِ‬
‫حمَ ْلنَاهُ مْ فِي ا ْل َبرّ وَا ْل َبحْرِ َو َرزَ ْقنَاهُم مّ نَ ال ّ‬
‫أليس هو ال سبحانه الذى يقول " وَلَ َق ْد َك ّرمْنَا َبنِي آدَ مَ َو َ‬
‫ن خَلَ ْقنَا تَ ْفضِيلً " (‪ 17‬السراء‪ ،)70/‬فالنسان فى أحسن تقويم مشاهد ليمار‬
‫َوفَضّ ْلنَاهُ مْ عَلَى َكثِيرٍ ّممّ ْ‬
‫فيه أحد‪.‬‬
‫ختَلِفٍ " (‪51‬الذاريات‪7/‬‬
‫حبُكِ* ِإ ّنكُمْ لَفِي قَوْلٍ ّم ْ‬
‫ت ا ْل ُ‬
‫سمَاء ذَا ِ‬
‫وعلى العكس فعندما يقسم العلى العظيم‪" :‬وَال ّ‬
‫‪ )،8‬فأين هى الحبك التى نراها أو نلمسها او حتى ندركها؟وما هى بالضبط الصورة المعنوية التى يريد‬
‫أن يصورها العلى القدير؟ انه‪-‬سبحانه‪ -‬يتحدث عن اختلف قول عند البشر فى اليمان بيوم القيامة‪.‬‬
‫وفى اليات الكريمة من سورة الشمس‪:‬‬
‫سمَاء َومَا‬
‫وَال ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ 3‬وَاللّ ْي ِل ِإذَا يَغْشَاهَا‬ ‫وَالّنهَا ِر ِإذَا َجلّاهَا‬ ‫‪2‬‬ ‫وَاْل َق َمرِ ِإذَا َتلَاهَا‬ ‫‪1‬‬ ‫ضحَاهَا‬
‫شمْ سِ َو ُ‬
‫وَال ّ‬
‫قَ ْد َأ ْفلَحَ مَن َزكّاهَا‬ ‫فَأَْل َه َمهَا ُفجُو َرهَا وََتقْوَاهَا ‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪ 6‬وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا‬ ‫وَالْأَرْضِ َومَا َطحَاهَا‬ ‫‪5‬‬ ‫َبنَاهَا‬
‫(‪91‬الشمس‪)10 -1/‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪ 9‬وَقَ ْد خَابَ مَن َدسّاهَا‬
‫يقسم ال‪ -‬تعالى‪-‬على ان الفلح لمن زكى نف سه والخيبة ل من د ساها‪ ،‬فأين هى ال صورة المعنوية فى‬
‫هذا؟ واين هو الملموس فى تلو القمر للشمس؟ وبناء السماء‪ ،‬وطحو الرض وتسوية النفس؟‬
‫ويصعب ايضا تصورالصورة المعنوية فىآيات كثيرة فى القرآن من آيات القسم بالواو كما فى‪:‬‬
‫(‪36‬يس‪)3-1/‬‬ ‫‪3‬‬ ‫إِّنكَ َلمِنَ اْل ُم ْر َسلِيَ‬ ‫‪2‬‬ ‫حكِي ِم‬
‫وَالْ ُقرْآنِ اْل َ‬ ‫‪1‬‬ ‫يس‬
‫(‪44‬الدخان‪)3-1/‬‬ ‫‪3‬‬ ‫إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي َل ْيلَةٍ مّبَا َركَ ٍة إِنّا كُنّا مُنذِرِينَ‬ ‫‪2‬‬ ‫ي‬
‫وَاْلكِتَابِ اْلمُبِ ِ‬ ‫‪1‬‬ ‫حم‬
‫وتستطرد الكاتبة الفاضلة لتشرح وتؤكد وجة نظرها عندما تفسر سورة الليل‪:‬‬
‫شتّى"‬
‫‪ِ 3‬إ ّن سَ ْعَيكُمْ لَ َ‬ ‫َومَا َخلَقَ ال ّذ َكرَ وَالْأُنثَى‬ ‫‪2‬‬ ‫جلّى‬
‫وَالّنهَا ِر ِإذَا َت َ‬ ‫‪1‬‬ ‫"وَاللّ ْي ِل ِإذَا يَغْشَى‬
‫(‪92‬الليل‪)4-1/‬‬
‫وتضيف بنت الشاطىء‪" :‬لكن المفسرون لم يلتفتوا الى احتمال أن يكون القسم بالواو هنا وفى نظائرها‬
‫من اليات الم ستهلة بالواو‪ ،‬قد جاء على غ ير ا ستعماله اللغوى الول‪ ،‬لمل حظ بيا ني وإن ما هو عند هم‬
‫جميعاعلى أصله من العظام والتعظيم‪ ،‬ومن ثم شُغلوا بتأول وجه العظمة فى الليل والنهار"‪.‬‬
‫وب عد أن ت ستعرض الكات بة بع ضا م ما قاله بع ضا من المف سرين فى عظ مة الل يل والنهار تقول ‪ :‬وهذا‬
‫الكلم فى المصلحة من تعاقب الليل والنهار‪ ،‬هو من قبيل الحكمة التى تتحقق فى كل ما خلقه ال تعالى‬
‫وما من شئ خلق عبثا‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬بالط بع ما من شئ خلق عب ثا‪ ،‬وإن أ كبر وأع ظم وأو ثق دل يل على وجود ال‪ -‬سبحانه‪ -‬هو‬
‫س ُبهَا جَامِدَ ًة وَهِيَ‬
‫جبَالَ َتحْ َ‬
‫انتفاء العبثية فى خلق الكون‪ ،‬وال تعالى يخبرنا بذلك فيقول سبحانه‪َ " :‬و َترَى ا ْل ِ‬
‫ن إِلَى ا ْلِإبِلِ َكيْ فَ‬
‫ظرُو َ‬
‫شيْءٍ " (‪ 27‬النمل‪ ،)88/‬ويقول‪َ ":‬أفَلَا يَن ُ‬
‫ل َ‬
‫صنْعَ اللّ هِ اّلذِي َأتْ َق نَ كُ ّ‬
‫سحَابِ ُ‬
‫َت ُمرّ َمرّ ال ّ‬
‫طحَتْ "(‪ 88‬الغاشية‪/‬‬
‫سِ‬‫ض َكيْفَ ُ‬
‫صبَتْ‪ .‬وَإِلَى ا ْلَأرْ ِ‬
‫جبَالِ َكيْفَ نُ ِ‬
‫سمَاء َكيْفَ رُ ِفعَتْ‪ .‬وَإِلَى ا ْل ِ‬
‫خُلِقَتْ‪ .‬وَإِلَى ال ّ‬
‫‪ .)20-17‬ويجب علينا نحن البشر أن نعلم أن كل حكمة هى بالضرورة عظيمة وبها عظمة‪ ،‬ولكن فى‬
‫ن فس الو قت ي جب ان نتف كر‪ ،‬ان هناك ملي ين الملي ين من الشياء ال تى خلق ها ال كل ها متق نة ال صنع‬
‫فلماذا خص بالقسم أشياء دون أشياء ؟ لبد وان يكون هناك سبب‪.‬‬
‫وهذا بالضبط ما دعانا الى التفكر فى محاولة فهم لماذا اختار ال سبحانه الضحى ليقسم به؟‬
‫نعود الن لمناقشة ما قالته الكاتبةالفاضلة‪ :‬ان الكلم فى المصلحة من تعاقب الليل والنهار‪-‬المذكور فى‬
‫شتّى‬
‫س ْع َيكُ ْم َل َ‬
‫ل ِإذَا َي ْغشَى (‪ )1‬وَال ّنهَارِ ِإذَا َتجَلّى (‪َ )2‬ومَا خَلَ قَ ال ّذ َكرَ وَا ْلُأ ْنثَى (‪ِ )3‬إنّ َ‬
‫سورة الليل‪" :‬وَالّليْ ِ‬
‫(‪ ")4‬هو من قبيل الحكمة التى تتحقق فى كل ما خلقه ال تعالى‪ ،‬وهى بهذا لتقبل ان يكون القسم هنا‬
‫للتعظيم كما سبق ان ذكرنا‪ ،‬ولهذا يجب توضيح العظمة فى مثل هذا التعاقب‪.‬‬
‫ان تعا قب الل يل والنهار را جع الى دوران الرض حول محور ها أمام الش مس‪ ،‬فك يف يت صور أن كرة‬
‫ضخمة عظيمة وزنها ستة آلف مليون مليون مليون طن(الطن عبارة عن الف كيلو جرام) معلقة فى‬
‫الفضاء تحمل البشر وتدور حول كرة اخرى ملتهبة (الشمس) اثقل من الرض بمليين المرات وينطلق‬
‫من ها طا قة حرار ية وضوئ ية تعادل خم سة ملي ين من الطنان فى الثان ية الواحدة‪ ،‬كل ذلك يحدث فى‬
‫توافق غريب عجيب يدلل على عظمة الخالق والذى خلق‪.‬‬
‫وفى نفس السورة يقسم ال تعالى ب "ماخلق الذكر والنثى" ‪،‬أليست هذه الحكمة مدعاة للتأمل والتدبر ؟‬
‫فأ صل مادة خلق الذ كر والن ثى هى الط ين‪ ،‬إل ان الذ كر والن ثى متشابه ين فى كث ير من ال صفات‪،‬‬
‫ولكنهمنا مختلفينن فنى كثينر منن الصنفات‪.‬وهذا يتكرر أيضنا فنى الحيوان والنبات‪ .‬والحكمنة منن هذا‬
‫التزاوج مازالت لغزا يحير العلماء‪ ،‬وما زالت البشرية تتعجب من اسبابه ول تدرى ماهيته‪.‬‬
‫و ما نطمئن ال يه هو ما ذ هب ال يه جم يع المف سرون‪ ،‬أن الق سم فى القرآن اشارة الى عظ مة المق سم به‬
‫وتأكيد لما يُقسم عليه‪ ،‬وبالطبع يكون العلي القدير قد اختار اساليب القسم هذه حتى يلفتنا بقوة الى اهمية‬
‫ما أقسم به‪ .‬وصريح القرآن يذكر أهمية القسم والمقسم به يقول ‪:‬‬
‫(‪ 98‬الفجر‪)5-1 /‬‬ ‫جرٍ"‬
‫سرِ * َهلْ فِي ذَِلكَ َقسَمٌ لّذِي ِح ْ‬
‫شرٍ * وَالشّفْعِ وَالْوَْترِ * وَاللّ ْي ِل ِإذَا َي ْ‬
‫ج ِر * وََليَالٍ عَ ْ‬
‫"وَالْ َف ْ‬

‫‪ 77‬فِي كِتَا بٍ ّمكْنُو نٍ‬ ‫إِنّ ُه لَ ُقرْآ ٌن َك ِريٌ‬ ‫‪76‬‬ ‫وَِإنّ هُ َلقَ سَمٌ لّ ْو تَ ْع َلمُو نَ َعظِي ٌم‬ ‫‪75‬‬ ‫فل أُ ْق سِ ُم ِبمَوَا ِق ِع الّنجُو ِم‬
‫(‪65‬الواقعة‪)80-75/‬‬ ‫‪80‬‬ ‫َتنِيلٌ مّن ّربّ اْلعَاَلمِيَ‬ ‫‪79‬‬ ‫لّا َيمَسّ ُه إِلّا اْل ُم َط ّهرُونَ‬ ‫‪78‬‬
‫ولك نى اوا فق الكات بة الفاضلة فى ان ما ساقه المف سرون من و صف لعظ مة الض حى والل يل اذا سجا‬
‫ليستدعى العجب ول يقتضى استحضار العظمة فى النفس (انظر ماقالته الكاتبة فى هذا الشأن صفحة‬
‫‪ 24‬من المرجع المذكور اعله)‪.‬فما الذى يميز هذا الوقت من النهار؟ ولماذا اختار العليم الحكيم‬
‫الضحنا ليقسنم بنه دوننا عنن باقنى أوقات النهار مثنل الصنبح والصنباح والشراق والشروق والبكرة‬
‫والظهيرة والظهر والسحر ؟ أسئلة ليس لها اجابة مقنعة فى التفاسير‪.‬‬
‫الضحى فى معاجم اللغة ‪:‬‬
‫ننقل من لسان العرب مايلى‪:‬‬
‫ضحْوُ والضحوة والضحيةعلى مثال العشية‪ :‬ارتفاع النهار‪ .‬والضحاء ممدود اذا امتد النهار وقرب ان‬
‫ال ّ‬
‫ينتصنف‪ .‬وقينل‪ :‬الضحنى منن طلوع الشمنس الى أن يرتفنع النهار وتنبيض الشمنس جدا ثنم بعند ذلك‬
‫الضحاء الى قر يب من ن صف النهار‪ .‬قال الفراء‪( :‬والش مس وضحا ها) ‪ :‬ضحا ها أى نهار ها‪ ،‬وكذلك‬
‫سجَى " هو النهار كله‪.‬‬
‫ضحَى * وَالّليْلِ ِإذَا َ‬
‫قوله تعالى " وَال ّ‬
‫قال الزجاج‪ :‬والشمس وضحاها اى والشمس وضيائها‪ ،‬والضحى ‪ :‬أى والنهار‪.‬‬
‫وقيل ساعة من ساعات النهار‪ ،‬والضحى هو حين تطلع الشمس فيصفو ضوؤها‪.‬‬
‫والضحاء بالفتح والمد إذا ارتفع النهار واشتد وقع الشمس‪.‬‬
‫وفى حديث بلل" فلقد رأيتهم يتروحون فى الضحاء" ‪ ،‬أى قريبا من منتصف النهار‪ ،‬فأما الضحوة فهى‬
‫ارتفاع أول النهار‪ ،‬والضحى بالضم والقصر‪ :‬فوقه‪ ،‬وبه سميت صلة الضحى‪.‬‬
‫وضحى بالشاة ‪ :‬أى ذبحها وقت الضحى من يوم النحر‪ ،‬وهذا هو أصل الكلمة‪.‬‬
‫ضحُوا وضحيا‪ :‬أى برز للشمس‪ ،‬وأيضا اصابته الشمس‪.‬‬
‫وضحا الرجل ضحوا و ُ‬
‫حرّ الشمس‪.‬‬
‫وعن الليث‪ :‬ضحى الرجل يضحى ضحا إذا أصابه َ‬
‫وقال الفراء‪ :‬لتض حى ( فى ال ية ‪ 119‬من سورة طه) اى لت صيبك ش مس مؤذ ية‪ .‬وقال‪:‬و فى ب عض‬
‫التفسير ولتضحى‪:‬ل تعرق‪ ،‬وهذا قول ابن عباس‪ .‬قال الزهرى‪ :‬والول (اى لتصيبك شمس مؤذية)‬
‫اشبه بالصواب‪.‬‬
‫وضحنا الطرينق يضحنو ضحوا‪ :‬بدا وظهنر وبرز‪ .‬وضاحينة كنل شنئ منا برز مننه ‪ ،‬وضحنا الشنئ‬
‫ضحَى" (‪ 20‬طه‪ )119/‬والضّحيان من كل شئ ‪:‬‬
‫وأضحيته أنا‪ ،‬اى‪ :‬اظهرته‪ " .‬وََأنّ كَ لَا َتظْ َمأُ فِيهَا وَلَا َت ْ‬
‫البارز للشمس‪ .‬والضاحى من كل شئ ‪ :‬البارز الظا هر الذى لي ستره م نك حائط ولغيره‪ .‬وضواحى‬
‫كل شئ ‪ :‬نواحيه البارزة للشمس‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة فى التفاسير ‪:‬‬
‫اختار ال طبرى ان يف سر الض حى بالنهار كله‪ ،‬ون قل عن قتاده ‪( :‬والش مس وضحا ها) قال‪ :‬هذا النهار‪،‬‬
‫ونقل عن مجاهد (والشمس وضحاها) معنى ذلك أى‪:‬والشمس وضوئها‪ ،‬وعن قتاده قال ‪( :‬والضحى)‬
‫ساعة من ساعات النهار‪.‬‬
‫وفى تفسييرها للية الكريمة (والضحى) كتبت بنت الشاطئ(‪ )14‬نقل عن المفسرين‪ ،‬مايلى‪:‬‬
‫فنقرأ فى الطبرى اختلف ا هل التأويل فى الضحى ‪ :‬فهو النهار كله‪ ،‬وهو ساعة من ساعات النهار‪.‬‬
‫والزمخشرى يقول فى الضحى ‪ :‬هو صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقى شعاعها‪ .‬كما نقرأ اختلفهم‬
‫فى الل يل اذا سجا ‪ :‬ف هو الل يل اذا أق بل‪ ،‬أو اذا جاء‪ ،‬و هو الل يل اذا ذ هب و هو الل يل اذا ا ستوى (هذا‬
‫المعنى اخرجه البخارى فى باب التفسير عن مجاهد)‪ ،‬وهو الليل اذا استقر وسكن‪ .‬واختار الطبرى فى‬
‫سجا الليل معنى السكون بأهله‪ ،‬واختار الزمخشرى فى سجا الليل ‪ :‬سكونه وركود ظلمه‪.‬‬
‫وتبدأ ب نت الشاطىء فى تحليل ها لمع نى الض حى فتقول ‪ :‬فلنن ظر في ما اختلف ف يه المف سرون فى مع نى‬
‫الضحنى‪ :‬أهنو النهار كله أم سناعة مننه؟ واللينل إذا سنجا ‪ :‬هنل معناه أقبنل أو أدبر؟ أو اشتند ظلمنه‬
‫وسكن؟ أو سكنت الناس والصوات فيه؟‬
‫وإذا كان الل فظ ل غة يحت مل اك ثر من مع نى على ما ذكروا فى ض حى و سجا‪ ،‬فإن البل غة ل تج يز ال‬
‫معنى واحدا فى المقام الواحد‪ ،‬يقوم فيه لفظ بعينه ليقوم به سواه‪.‬‬
‫وا ستطردت ب نت الشاطىء فى ا ستعراض المع نى اللغوى للض حى و هو مطا بق ل ما نقلناه من ل سان‬
‫العرب‪ ،‬ثم تضيف‪ :‬ودللة الوضوح هى الملحوظة فى كل الستعمالت الحسية للمادة(تقصد مادة كلمة‬
‫الضحى) ‪ :‬فالضاحية هى السماء‪ .‬ومنه قيل لما ظهر وبدا ضاحية‪ ،‬وضحا الطريق ‪ :‬بدا وظهر‪ .‬وقالوا‬
‫ل من يبرز للش مس ض حا ضحوا وضُحوا وضحيا‪ ،‬وقالوا ل من ضرب ته الش مس ض حا كذلك‪ ،‬والضحياء‬
‫الفرس الشهباء‪.‬‬
‫ومن هذا الوضوح والظهور الملحوظين فى الستعمالت الحسية للمادة قيل ‪ :‬فعل فلن كذا ضاحية أى‬
‫علنيه‪ .‬على أن أكثر ما يستعمل الضحى فى الوقت المعين من صدر النهار‪ ،‬فوق ارتفاع النهار حين‬
‫يتم وضوح الشمس‪.‬‬
‫الستعمال القرآنى لمادة الكلمة ‪:‬‬
‫وردت الكلمة بصيغ مختلفة فى عدة آيات‪ ،‬وبالتحديد سبع مواضع فى القرآن كله (‪ .)9‬الصيغة الولى‬
‫حال ت صف حالة آدم وزو جه فى الج نة(لتض حى)(‪ 20‬طة ‪ ،)119/‬والثان ية (ض حى) ظرف زمان اى‬
‫وقنت الضحنى‪ .‬وبهذه الصنيغة جاءت فنى ثلث مواضنع (‪7‬العراف‪ 20( ،)98/‬طنه‪ )59/‬و(‪93‬‬
‫الض حى‪ .)1/‬وجاءت مضا فة الى ال سماء (‪ 79‬النازعات‪ )29/‬ومضا فة الى العش ية فى (‪ 79‬النازعات‪/‬‬
‫‪ )46‬ومضافة الى الشمس فى (‪ 91‬الشمس‪ )1/‬ونص اليات الكريمة هو كما يلى‪:‬‬
‫(‪ 20‬طة‪)119/‬‬ ‫‪119‬‬ ‫ضحَى‬
‫‪ 118‬وَأَّنكَ لَا َت ْظمَأُ فِيهَا وَلَا تَ ْ‬ ‫ك أَلّا َتجُوعَ فِيهَا وَلَا تَ ْعرَى‬
‫‪ِ" -1‬إ ّن َل َ‬
‫ضحًى َوهُ ْم َيلْعَبُونَ‬
‫‪َ 97‬أوَ أَمِ َن َأ ْهلُ اْل ُقرَى أَن يَأْتَِيهُ ْم بَ ْأسُنَا ُ‬ ‫‪َ " -2‬أفَأَمِ َن َأ ْهلُ اْل ُقرَى أَن يَأْتَِيهُ ْم بَ ْأسُنَا بَيَاتا وَهُ ْم نَآِئمُونَ‬
‫(‪7‬العراف‪)98/‬‬ ‫‪98‬‬
‫(‪20‬طة‪)59/‬‬ ‫‪59‬‬ ‫ضحًى‬
‫س ُ‬
‫شرَ النّا ُ‬
‫‪" -3‬قَالَ مَ ْوعِ ُدكُ ْم يَوْ ُم الزّيَنةِ وَأَن ُيحْ َ‬

‫(‪93‬الضحى‪)1/‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وَاللّ ْي ِل ِإذَا َسجَى‬ ‫‪1‬‬ ‫ضحَى‬


‫‪" -4‬وَال ّ‬
‫‪29‬‬ ‫ضحَاهَا‬
‫وََأ ْغطَشَ لَ ْي َلهَا َوَأ ْخرَجَ ُ‬ ‫‪28‬‬ ‫سوّاهَا‬
‫‪ 27‬رَفَ َع َس ْم َكهَا فَ َ‬ ‫سمَاء بَنَاهَا‬
‫‪" -5‬أَأَنتُ ْم َأشَدّ َخلْقًا أَمِ ال ّ‬
‫(‪79‬النازعات‪)29/‬‬
‫(‪79‬النازعات‪)46/‬‬ ‫‪46‬‬ ‫ضحَاهَا‬
‫‪" -6‬كَأَّنهُ ْم يَوْ َم َيرَوَْنهَا لَ ْم َيلْبَثُوا إِلّا عَشِيّ ًة أَ ْو ُ‬
‫(‪91‬الشمس‪)1/‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وَالْ َق َمرِ ِإذَا َتلَاهَا‬ ‫‪1‬‬ ‫ضحَاهَا‬
‫شمْسِ َو ُ‬
‫‪" -7‬وَال ّ‬
‫ونستعرض الن كيف استنبطت بنت الشاطئ المعنى لكلمة الضحى من اليات السابقة‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫وفى الستعمال القرآنى‪ ،‬نرى القرآن الكريم استعمل الضحى مقابل للعشية في آيه النازعات ‪ 46‬ومعها‬
‫ال يه ‪ 29‬من ن فس ال سوره(الض حا مضاف الى ال سماء وبذلك ل يكون مقابل للعش ية فى هذه ال ية‪ ،‬بل‬
‫مقابل لل يل وكأ نه يقول أغ طش ل يل ال سماء وأخرج ض حا ال سماء‪ ،‬وفى القر طبى "وأخرج ضحا ها" أى‬
‫ابرز نهارهنا وضوءهنا وشمسنها‪ ،‬وهذا هنو الصنحيح عندى)‪ ،‬كمنا اسنتعمله ظرف زمان‪ ،‬لهذا الوقنت‬
‫بعينه من النهار فى آية العراف ‪ .97‬وفى آية طه ‪ 59‬نراه عين للموعد يوما هو يوم الزينة‪ ،‬ثم خص‬
‫وقتا منه بالتحد يد هو ضحى (اى ض حى يوم الزي نة) مما يب عد تفسير الضحى بأ نه النهار كله‪ .‬وتبعده‬
‫كذلك آ ية الش مس ال تى أق سم القرآن في ها بالش مس وضحا ها‪ ،‬ح يث لنرى المع نى ي ستقيم‪ ،‬لو ف سرناه‬
‫بالنهار‪ ،‬فقلنا‪ :‬والشمس ونهارها‪ ،‬وإنما هو وقت انبساط الشمس ‪ ،‬كما اطمئن الراغب الصفهانى فى‬
‫المفردات وقال‪ :‬هو صدر النهار حين ترتفع الشمس‪.‬‬
‫وللكاتبة الفاضلة بنت الشاطئ تحليل جيد لمعنى كلمة " تضحى " الموجودة فى آية طه ‪ 119‬ذكرته فى‬
‫كتابها العجاز البيانى للقرآن ومسائل ابن الزرق(‪ )15‬نورده هنا بتصرف يسير‪.‬‬
‫ومسائل ابن الزرق هذه هى دراسة لمعانى بعض الكلمات القرآنية وهى نحو مائتى مسألة فى بعض‬
‫القوال‪ ،‬وفي ها سأل نا فع بن الزرق ع بد ال بن عباس ‪ -‬ر ضى ال عنه ما‪ -‬عن مع نى كلمات من‬
‫القرآن وطلب منه أن يأتى بشاهد شعرى من كلم العرب عن كل مسألة‪.‬‬
‫ظ َمأُ فِيهَا وَلَا َتضْحَى " فقال ابن عباس ‪ :‬لتضحى‬
‫ك لَا َت ْ‬
‫"وسأل ابن الزرق عن معنى قوله تعالى" وََأنّ َ‬
‫اى لتعرق من شدة الحر‪ .‬وسأل ابن الزرق ‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ اجاب بن عباس ‪ :‬نعم‪ ،‬اما‬
‫سمعت الشاعر يقول ‪:‬‬
‫فيضحى ‪ ،‬وأمّا بالعشىّ فَيخصِرُ‬ ‫رأت رجل أمّا إذا الشمس عارضت‬
‫والكلمة ‪ -‬تقول بنت الشاطئ‪ -‬من آية طه ‪ 119‬وحيدة الصيغة فى القرآن الكريم‪.‬‬
‫وجاء " الضحى " فى سورة الضحى الوقت من النهار(والقول الخر النهار كله)‪ .‬وجاء نكرة في آيتى‬
‫طه ‪ ،59‬والعراف ‪ .98‬وجاءت "ضحا ها" ثلث مرات فى آ ية النازعات ‪ ،29،46‬وال ية الولى من‬
‫سوره الشمس(انظر اليات أعله)‪.‬‬
‫وتفسير (لتضحى) ب(لتعرق) من شدة الحر‪ ،‬انما يكون على وجه تقريب ل يفوتنا معه اصل دللة‬
‫الضحى على الوقت بعينه من النهار فوق ارتفاع الشمس‪ .‬ومنها يجئ الستعمال فى كل ما وقع أو فُعِلَ‬
‫فى هذا الوقت‪ ،‬ومشتقات المادة تدور حول هذا المعنى‪ ،‬وقيل لمن ضربته الشمس ضحا‪ .‬ولعله اقرب‬
‫الي معنى الكلمة فى آية طه من العرق من شدة الحر‪ .‬قال الفراء فى معنى الكلمة ‪ :‬لتصيبك شمس‬
‫مؤذية‪،‬وذكرفىبعض التفسير لتعرق والول اشبه بالصواب وذكر الفراء البيت اعله‪.‬‬
‫وفى تأويل الطبرى‪ :‬لتظهر للشمس فيؤذيك حرها‪ ،‬واسند نحوه عن ابن عباس وعدد من أهل التأويل‪.‬‬
‫وتضيف بنت الشاطئ‪ ،‬وقد فسره الراغب الصفهانى بنحو هذا فقال فى المفردات فى معنى تضحى ‪:‬‬
‫أى لك ان تتصون من حر الشمس‪ ،‬وهو ايضا ما يفهم به الشاهد من بيت عمر بن ابى ربيعة‪ ،‬والذى‬
‫اسنتشهد بنه ابنن عباس‪ ،‬على منا قاله الفراء(‪ )16‬وقند فسنره المنبرد (‪ )17‬بقوله‪ :‬يضحنى اى يظهنر‬
‫ضحَى"‪.‬‬
‫للشمس‪ ،‬ويخصرفى ال َبرْدَين أى برد العِشئّ ومابعده وتل اليه الكريمه" وََأ ّنكَ لَا َتظْ َمأُ فِيهَا وَلَا َت ْ‬

‫استنباطنا لمعنى الكلمة من القرآن ودللتها العلمية‪:‬‬


‫بعد هذا النقاش الطويل السابق الذى عرضنا فيه معنى كلمة الضحى ومشتقاتها سواء فى معاجم اللغة‬
‫أو فى التفا سير‪ ،‬سنعرض الن كيف ية استنباط مع نى الكلمة من مواضع ها المختل فة فى القرآن الكر يم‪.‬‬
‫و سنرى ك يف يورد ها القرآن بح يث تو جه ف هم القارئ الى المع نى العل مى‪ .‬وبل جدال فإن تعلم العلوم‬
‫الطبيعية وازدياد فهم البشرية لظواهر الطبيعة سيزيد من فهم البشر للقرآن الكريم‪ ،‬ويثبت فى الوقت‬
‫ذاته اعجاز القرآن العلمى‪ .‬فالكلمة واستخدامها فى القرآن يدل دللة واضحة على أن قائل القرآن عالم‬
‫بظواهر الطبيعة‪ ،‬بل عالم بدقائق أمورها‪ .‬ولن هذه العلوم لم تتكشف للنسان إل حديثا‪ ،‬وبالتحديد فى‬
‫القرن الخير من اللفية الثانية من التقويم الميلدى ‪ ،‬فان ذلك أكبر دليل على أن قائل القرآن هو نفسه‬
‫خالق الكون وصنانعه سنبحانه وتعالى ‪ ،‬والمعروف ان القرآن قند نزل على محمند ‪ -‬علينه الصنلة‬
‫والسلم ‪ -‬منذ أكثر من أربعة عشر قرنا‪.‬‬
‫كما سبق ان ذكرنا أن الكلمة جاءت فى سبع مواضع فى القرآن الكريم‪ ،‬الول فى آية العراف‪:‬‬
‫أَفَأَمِنَ أَ ْهلُ الْ ُقرَى أَن يَأْتَِيهُمْ بَ ْأسُنَا بَيَاتا وَهُ ْم نَآِئمُونَ‬
‫ضحًى وَهُ ْم َي ْلعَبُونَ‬
‫أَوَأَ ِمنَ َأ ْهلُ اْل ُقرَى أَن يَأِْتَيهُمْ بَ ْأسُنَا ُ‬
‫فنى هذا الموقنع تكررت الجملة والغرض منهنا النذار ويسنمى هذا فنى علم البلغنة الطناب (‪ ،5‬ص‬
‫‪ .)466‬ولكنى أرى سببا آخر بالضافة الى ما يراه البلغيون‪ .‬فلو قارنا الجملتين نجد انهما متطابقتان‬
‫إل فى ا ستبدال فاء الع طف فى ال ية الولى بواو ع طف فى ال ية الثان ية‪ ،‬وا ستبدلت بيا تا بض حى‪،‬‬
‫ونائمون بيلعبون‪ ،‬وهذا يجعلننا نطمئن لن نقابنل (بياننا وهنم نائمون) مقابنل (ضحنى وهنم يلعبون)‪.‬‬
‫والبيات هو ما يفعل بالليل‪ ،‬واصل البيت مأوى النسان بالليل‪ ،‬لنه يقال بات اى أقام بالليل (المفردات)‬
‫وتكون مع نى بيا تا أى‪ :‬فى حال بيات هم‪ ،‬و هى فترة تو حى بق مة ال سكون‪ ،‬ويكون مقابل ها ض حى فترة‬
‫توحى بقمة النشاط ويؤكد هذا المعنى (وهم يلعبون) فالنسان اثناء اللعب يكون فى اشد حالت النشاط‬
‫والحيوية والتألق والطاقة العالية‪.‬‬
‫ضحًى "‬ ‫والية الثانية هى آية طه ‪ ": 59‬قَالَ مَ ْوعِ ُدكُمْ يَوْ ُم الزّينَةِ وَأَن ُيحْ َ‬
‫شرَ النّاسُ ُ‬
‫ومنها نفهم ان وقت الضحى هو وقت محدد فى يوم الزينة‪ ،‬ويوم الزينة يوحى بالجمال والتألق‪ ،‬وحشر‬
‫الناس يوحى بالتجمع والتعدد ‪.‬‬
‫ضحَاهَا "‬
‫وتأتى آيه النازعات ‪ " :46‬كَأَّنهُمْ يَوْمَ َيرَوَْنهَا لَمْ َيلْبَثُوا إِلّا عَشِيّ ًة َأوْ ُ‬
‫وفى هذه الية الضحى مضاف الى العشية‪ ،‬فاذا كانت العشية هى الوقت من ميل الشمس حتى تغيب‬
‫(المفردات)‪ ،‬وهذه الفتره تكون فيهنا الشمنس أضعنف منا تكون(تأثيرا عليننا نحنن البشنر)‪ ،‬بالتالى فان‬
‫ضحاها يوحى بأن الشمس فى فترة الضحا تكون أشد ما تكون وهجا وضياء‪.‬‬
‫من هذه الهداية القرآنية نستطيع الن أن نفهم معنى الشمس وضحاها فى آية الشمس‪ ،‬ومعنى اخراج‬
‫ضحا السماء فى آية النازعات ‪ ،29‬ومعنى الضحا الذى يقسم به ال تعالى وهو المقابل لليل اذا سجا‪.‬‬
‫ضحَاهَا " كأنه سبحانه وتعالى يقول ‪:‬اقسم بالشمس واقسم بضحا الشمس‪.‬‬
‫س َو ُ‬ ‫فمعنى آية الشمس " وَال ّ‬
‫شمْ ِ‬
‫ويكون ضحا الشمس هو الفترة التى تتألق(الزينة) فيها الشمس(يوم الزينة) وتصل الى قمة نشاطها(وهم‬
‫يلعبون) فى اطلق الطاقة من الضوء والحرارة‪.‬‬
‫ويتأ كد هذا المع نى اذا علمنا أن الشمس لتغيب‪ ،‬ف هى مسخرة بأمر ال تعمل نهار م ساء‪ ،‬ولكننا ن حن‬
‫الذين ندير لها ظهورنا بدوران أرضنا عنها وغيابنا نحن عنها‪ .‬وإذا علمنا أيضا أن الشمس فى زماننا‬
‫هذا قد وصلت قمة تألقها وقمة نشاطها وقمة اطلقها للطاقة(فى صورة ضوء وحرارة وهذا ما يقوله‬
‫علماء الفلك) يتضح لنا لماذا اقسم العلى القدير بضحى الشمس وكأنه يقول ‪ :‬انى اقسم بضحى الشمس‬
‫لتعلموا أن لها وقتا تصل فيه الى قمة نشاطها وتألقها‪ ،‬وهذا الوقت هو الذى انتم فيه الن ثم بعد ذلك‬
‫سيقل صفاؤها بالتدريج (تنكدر) وفي النهاية تكور وتنطمس‪ ،‬وان ما بقى لها من عمر مثل ما انقضى‪.‬‬
‫الشمس في وقتنا الحالي قد تم كمال تألقها‪ ،‬او وصلت وقت ضحاها‬

‫ضحَاهَا "‬
‫ش لَ ْي َلهَا وََأ ْخرَجَ ُ‬
‫سوّاهَا * وََأ ْغطَ َ‬ ‫اما آية النازعات ‪ " :29‬أَأَنتُ ْم َأشَدّ َخلْقًا أَمِ ال ّ‬
‫سمَاء بَنَاهَا * َرفَ َع َس ْم َكهَا فَ َ‬
‫فالحديث فيهاعن اغطاش ليل السماء‪ ،‬واخراج ضحى السماء‪ ،‬ويكون اخراج الضحى هوابراز واظهار‬
‫ضوء السماء وذلك بأن تبدء النجوم في توليد الضوء والحرارة وتوهجها وتألقها وتأجج حراراتها بعد‬
‫ما كانت السماء مظلمة (وكأنها تجمعت فى يوم الزينه والتألق)‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫وَاللّ ْيلِ ِإذَا َسجَى‬ ‫‪1‬‬ ‫اما آية الضحى‪ :‬وَال ّ‬
‫ضحَى‬
‫وكأنه‪ -‬سبحانه‪ -‬يقول‪ :‬اقسم بوقت انتهاء عصور الكون المظلمة وتألق السماء وظهور الضياء‪ .‬وكذلك‬
‫اقسم بسكون الليل واستوائة وظلم الكون وانطفاء سراج السماء الناتج من انطماس النجوم قبل القيامة‪.‬‬

‫ضحى الكون وضحى الشمس فى العلم الحديث (‪:)11‬‬


‫قبل أن يصبح للزمن معنى‪ ،‬كان الكون كله(السماوات والرض وما بينهما بالتعبير القرآنى) يتكون من‬
‫كرة ملتهبة(رتقا) من فوتونات الطاقة‪ ،‬والتى تحتوى على كل نوع ممكن من الطاقة فى الكون الحالى‪.‬‬
‫وسميت هذه الكرة بالبيضة الكونية(انظر شكل ‪.)8‬‬
‫شكل ‪ - 8‬البيضة الكونية قبل النفجار العظيم‬
‫هذه البيضة الكونية (أو كرة النار) يتميز ما بداخلها من مادة انها فى درجة حرارة وطاقة وكثافة هائلة‬
‫فائقة عظيمة ل مثيل لها مما نعلمه علي الرض‪ .‬هذه الطاقة تدفع الى الخارج تريد أن تفلت من قوى‬
‫التجاذب الهائلة العظيمة التى تمسك بها‪ ،‬وهكذا نستطيع ان نقول أن هذا الجسم (أو هذا الرتق) كان فى‬
‫حاله اتزان‪.‬‬
‫عندئذ وم نذ مليارات ال سنين حدث ش يئ ما وأخ تل التوازن ( رب ما يكون "ن فخ فى ال صور" هو الت عبير‬
‫القرآنى لهذه اللحظة) وانفجرت (وفتقت) تلك البيضة الكونية واندفعت الطاقة فى الفراغ‪ ،‬وبدأت درجة‬
‫الحرارة تقنل نتيجنة لهذا التمدد‪ ،‬وبدأت الطاقنة تتكاثنف وتتحول الى جسنيمات مشحوننة‪ ،‬سنميت‬
‫باللكترونات والبروتونات وجزيئات اخرى غير مشحونة سميت بالنيوترونات‪ ،‬هذه الجزئيات المستقرة‬
‫كا نت هى احجار البناء ل كل المادة( ل حظ الت عبير القرآ نى"وال سماء بناءا") الموجودة حال يا فى الكون‬
‫الحالى‪ .‬وتتواصل مراحل التغيير والتكوين (فى سته أيام) للجسام الكونية الخرى‪ .‬ويستمر تكاثف هذا‬
‫الغبار السناخن ليكون الذرات‪ ،‬وكاننت مادة الكون مكوننة منن ‪ %75‬منن نويات عنصنر الهيدروجينن‪،‬‬
‫وحوالى ‪ %25‬منن نويات عنصنر الهيليوم‪ ،‬ونسنبة ضئيلة منن الديوتيريوم أو منا يسنمى بالهيدروجينن‬
‫الثقيل‪.‬‬
‫ا ستمر هذا التكا ثف وبدأت المادة تتفا عل مع بعض ها بب طء وكو نت سحابات (دخان) هائلة الضخا مة‪،‬‬
‫واستمر التكاثف حتى كونت سحابات أقل حرارة وأكثر كثافة ومازال حتى هذه اللحظة الكون مظلما‬
‫( تسمى هذه الفترة من عمر الكون العصور المظلمة‪ .) dark ages-‬وانقسمت هذه السحابات وتكاثفت‬
‫المادة بش كل ا كبر‪ ،‬وكو نت هذه ال سحابات المجرات‪ .‬والمجرات تع تبر وحدات بناء الكون وال تى حوت‬
‫بداخلها مختلف انواع الجسام السماوية‪ ،‬بما فيها النجوم والكواكب‪ ،‬والطاقات الكونية‪.‬‬
‫انقسمت هذه السحابات الضخمة الى سحابات أخرى أصغر‪ ،‬وبمرور مليين السنيين تكاثفت كل سحابة‬
‫لتكون النجوم الخاصنة بتلك المجرة‪ ،‬وبدأ الكون فنى الظهور بولدة الضوء‪ ،‬وازدادت شدة الضوء و‬
‫ازداد تألق النجوم وانتهت عصور الكون المظلمة (ضحي الكون ‪ ،‬ضحى السماء)(أنظرشكل ‪.)9،10‬‬

‫شكل ‪ -9‬مراحل تكون الكون‬

‫شكل ‪ -01‬نسبة المادة في الكون‬

‫وفى احدى هذه المجرات كانت سحابة مهمة لنا نحن البشر‪ ،‬لن منها تكونت شمسنا المعهودة‪ ،‬وبدأت‬
‫فى اشعاع الضوء والحرارة اللزمين لمداد الحياة بالطاقة اللزمة‪ .‬ولقد تكونت الشمس بنفس الطريقة‬
‫الموصوفة في شكل ‪ : 7‬تكاثف للدخان الكونى فى المجرة‪ ،‬وتضاغط الى الداخل وزيادة الحرارة حتي‬
‫الوصول الى درجة هائلة من الحرارة‪ ،‬و هنالك تبدأ التفاعلت النووية التي منها تتولد الطاقة الضوئية‬
‫والحرارية‪ .‬وتزيد –هذه الطاقة‪ -‬بدورها من الحرارة‪ ،‬وتزيد من التفاعلت النووية‪ ،‬وهكذا حتى بدأت‬
‫الشمس‪ -‬وكذلك النجوم‪ -‬فى الشعاع والظهور‪.‬‬
‫و في التفاعلت النوو ية في الشموس (النجوم) تند مج نويت ين من نويات عن صر الهيدروج ين الى نو ية‬
‫عنصرهيليوم‪ ،‬ثم يتحول الهيليوم الي عناصر اثقل (النكدار)‪ .‬واستمرت هذه التفاعلت اكثر من اربعة‬
‫مليارات من ال سنين ح تى و صلت الش مس الى أق صى تألق ها (أنظرش كل ‪ ،)1‬وظهور ها‪،‬وق مة اشعاع ها‬
‫للحرارة والضوء‪،‬و هي الفترة ال تي ت مر ب ها الش مس الن(والش مس وضحا ها)‪.‬ويتوقبع علماء الفلك ان‬
‫تستمر الشمس في اشعاع الضوء والحراره لنحو خمسة مليارات اخرى من السنين حتى تلف وتتضاغط‬
‫الى الداخل( تتكور) ويمحي وينقطع اثارها (تطمس) وتأتي النهاية(‪.) 11‬‬

‫هنبا يتضبح لنبا معنبى الضحبى فبي اليات المختلفبة‪ .‬وكلهبا كانبت تتحدث عبن وقبت ارتفاع الشمبس وشدتهبا‬
‫وتألقها‪ .‬ورأينا كيف كانت كلمه واحدة ‪ ،‬ذكرت سبع مرات فقط في القرآن‪ ،‬تعطي دللت علمية عظيمة‪.‬‬
‫فض حى اليوم والليلة هو وقت ارتفاع الشمس وشدتها (عشية اوضحاها)‪ .‬وضحى الشمس هو الفترة التي‬
‫وصلت الى قمة الشدة في انتاج الضوء والحرارة‪ .‬ومن ذلك نستطيع استنباط معلومة مهمة أخرى‪ ،‬وهى‬
‫أن عمر الشمس الن قد وصل الى المنتصف‪ .‬وبذلك يتبقى لها مثل ما سبق من عمر ها حتى تموت‪ ،‬أو‬
‫بدقة تعبير القرآن تتكور وتطمس‪.‬‬
‫ومن هذا يتبين لماذا أقسم العليم الخبير بالضحى ‪ ،‬وبالشمس وضحاها‪ ،‬وباخراج ضحى السماء‪ ،‬فكل هذه‬
‫الحداث عظيمة الشأن لها من الدللت العلمية ما اوضحه العلم الحديث‪.‬‬
‫معني تضحى‪:‬‬
‫الي الن لم نذكبر معنبي (تضحبا)‪ ،‬الواردة فبي آيبة طبه‪ .‬و لم نذكبر العلقبة بيبن الضحبى والجوع والعري‬
‫والظمأ؟ ولماذا فسرها ابن عباس ‪ -‬ترجمان القرآن رضي ال تعالى عنه‪ -‬بالعرق من شدة الحر؟‬
‫هذه الكلمة‪ ،‬بحق‪ ،‬من أصعب الكلمات تفسيرا‪ ،‬ول غرابة في أن يسأل عن معناها ابن الزرق‪.‬‬
‫ولكي نفهم لماذا فسرها ابن عباس بالعرق من شدة الحر علينا ان نستعرض اليات الكريمة التي وردت‬
‫بها‪ ،‬فتفسير ابن عباس يحتاج الى تفسير وتوضيح‪.‬‬
‫اليات التي وردت فيها الكلمة هي‪:‬‬
‫س أَبَى * َف ُقلْنَا‬
‫سجَدُوا إِلّا إِْبلِي َ‬
‫سيَ وَلَمْ َنجِ ْد َل ُه َعزْمًا * وَِإذْ ُقلْنَا ِل ْل َملَاِئكَ ِة ا ْسجُدُوا لِآدَمَ فَ َ‬
‫"وََلقَدْ َعهِدْنَا إِلَى آدَ مَ مِن قَ ْبلُ فََن ِ‬
‫ك لَا َت ْظمَأُ‬
‫شقَى * ِإنّ لَ كَ أَلّا َتجُو عَ فِيهَا وَلَا تَ ْعرَى * وَأَنّ َ‬
‫خرِجَّن ُكمَا مِ نَ اْلجَنّةِ فَتَ ْ‬
‫يَا آدَ مُ ِإنّ هَذَا عَدُ ّو لّ كَ وَِلزَ ْوجِ كَ َفلَا ُي ْ‬
‫خلْدِ وَ ُملْ كٍ لّا يَ ْبلَى* فََأ َكلَا ِم ْنهَا فَبَدَ تْ َل ُهمَا‬
‫س إِلَ ْي هِ الشّ ْيطَا نُ قَا َل يَا آدَ مُ َهلْ َأدُلّ كَ َعلَى َشجَرَةِ اْل ُ‬
‫ضحَى * فَوَ سْوَ َ‬
‫فِيهَا وَلَا تَ ْ‬
‫ب َعلَيْ هِ وَهَدَى * قَالَ اهِْبطَا‬
‫صفَانِ َعلَ ْي ِهمَا مِن َورَ قِ اْلجَنّةِ َوعَ صَى آدَ مُ رَبّ هُ َفغَوَى * ثُمّ ا ْجتَبَا هُ َربّ هُ فَتَا َ‬
‫سَوْآُتهُمَا وَ َطفِقَا َيخْ ِ‬
‫شقَى" (‪20‬طة ‪) 123 -115 /‬‬
‫ضلّ وَلَايَ ْ‬
‫ض عَدُوّ فَإِمّا يَأْتَِيّنكُم مّنّي هُدًى َفمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ َفلَا يَ ِ‬
‫ضكُ ْم لَِبعْ ٍ‬
‫مِ ْنهَا َجمِيعًا بَعْ ُ‬

‫واليات الكريمة – أعلة‪ -‬من سورة طه تحتاج الى تكامل وتوضيح من سورة العراف‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫جرَةَ َفَتكُونَا ِم نَ الظّاِلمِيَ ‪19‬‬
‫شَ‬‫ث شِئْتُمَا َو َل تَ ْقرَبَا هَ نذِ ِه ال ّ‬
‫َ"يَا آدَ مُ ا ْسكُنْ أَن تَ َوزَ ْوجُ كَ اْلجَنّةَ َف ُكلَ مِ ْن حَيْ ُ‬
‫جرَةِ ِإ ّل أَن َتكُونَا‬
‫شَ‬‫ي عَ ْن ُهمَا مِن سَوْءَاِت ِهمَا وَقَالَ مَا َنهَا ُكمَا َرّب ُكمَا عَنْ هَنذِهِ ال ّ‬
‫ي َل ُهمَا مَا وُو ِر َ‬
‫س َل ُهمَا الشّ ْيطَا ُن لُِيبْدِ َ‬
‫فَوَسْ َو َ‬
‫جرَةَ‬
‫شَ‬‫‪ 21‬فَ َدلّ ُهمَا بِ ُغرُورٍ َف َلمّا ذَاقَا ال ّ‬ ‫صحِيَ‬
‫وَقَا َسمَ ُهمَا ِإنّي َل ُكمَا َلمِ نَ النّا ِ‬ ‫‪20‬‬ ‫َم َلكَيْ ِن َأوْ َتكُونَا ِم نَ اْلخَالِدِي َن‬
‫جرَةِ وَأَقُل ّل ُكمَا ِإنّ‬
‫شَ‬‫بَ َدتْ َل ُهمَا سَوْءَاُت ُهمَا َوطَ ِفقَا َيخْصِفَا ِن َعلَ ْي ِهمَا مِن وَ َرقِ اْلجَنّةِ وَنَادَا ُهمَا رَّب ُهمَا أَلَ ْم أَْن َه ُكمَا عَن ِت ْل ُكمَا ال ّ‬
‫‪ 23‬قَالَ‬ ‫سنَا وَإِن لّ ْم تَ ْغ ِف ْر لَنَا َوَت ْرحَمْنَا َلَنكُونَنّ مِ نَ اْلخَا ِسرِي َن‬
‫‪ 22‬قَالَ رَبّنَا َظ َلمْنَا أَنفُ َ‬ ‫الشّ ْيطَا َن َل ُكمَا عَدُوّ مّبِيٌ‬
‫ع إِلَى حِيٍ ‪ 24‬قَالَ فِيهَا َتحْيَوْ نَ وَفِيهَا َتمُوتُو نَ َومِنْهَا‬
‫ض عَدُوّ وََلكُ مْ فِي الَرْ ضِ مُ سَْت َقرّ وَ َمتَا ٌ‬
‫ضكُ ْم لَِبعْ ٍ‬
‫اهِْبطُوْا َبعْ ُ‬
‫‪25‬‬ ‫خ َرجُو َن‬
‫ُت ْ‬

‫ولقد ذكرت قصة ادم بتفصيل نسبي في ثلث مواضع في القرآن الكريم‪ .‬واحده في سورة البقرة من اية‬
‫‪ 30‬الى ان صببدر المببر بالهبوط الى الرض فببي ايببة ‪ . 38‬وفببي آيات البقرة لم يذكرمببا يسبباعدنا فببي‬
‫تشخيص حالة آدم وزوجه في الجنة وحالته الخلقية التي – يقينا ‪ -‬قد تغيرت بعد ان اكل من الشجرة ‪ .‬لذا‬
‫عرضنا هنا فقط اليات في الموضعين الخرين وهما ايات سورة العراف وسورة طه اعله ‪.‬‬

‫مبن هذه اليات الكريمبه نسبتطيع ان نسببتنبط حالة ادم وزوجبه فبي الجنبة فقبد وري (أى سبتر وغطبى)‬
‫عنهما سوءاتهما‪ ،‬وايضا ل يجوعان ول يعريان و ل يظمأن ول يضحيان‪ ،‬وهذه الحالة ليست هي الحالة‬
‫النسانية الرض ية الطينية المتجسدة التى يمكن ان تدركها البصار والتي نحن‪ -‬البشر‪ -‬عليها الن‪ .‬وقد‬
‫تغيرت حال ادم وزوجببه بعببد أن أكل مببن الشجرة ( بدت لهمببا سببوءاتهما)‪ ،‬وبالتالي امروا بالهبوط الى‬
‫الرض حيث تكون لهم مستقر ومتاع الى حين‪.‬‬
‫ووريبت عنهمبا سبوءاتهما اي اخفيبت وسبترت فلم يكونوا يرونهبا او يحسبون بهبا ‪ .‬والسبوءة كنبي بهبا عبن‬
‫الفرج للرجبل أوالمرأة ‪ .‬ويبدو مبن اليات التبي وردت فبي قصبة ادم وزوجبه ان السبوءة تعنبي الجسبد كله‬
‫بما فيه من اعضاء التناسل‪ .‬وهذا الستخدام ليس غريبا على القرآن‪ ،‬واليات التاليه توضح ذلك‪:‬‬
‫ك خَ ْيرٌ ذَلِ كَ مِ ْن آيَا تِ الّل هِ لَ َع ّلهُ مْ يَ ّذ ّكرُو نَ‬
‫س التّ ْق َوىَ ذَلِ َ‬
‫" يا بَنِي آدَ مَ قَ ْد أَنزَْلنَا َعلَ ْيكُ ْم لِبَا سًا يُوَارِي سَوْءَاِتكُمْ َورِيشًا وَلِبَا ُ‬
‫ع عَ ْنهُمَا ِلبَا َس ُهمَا لُِيرَِي ُهمَا َسوْءَاِت ِهمَا إِنّ ُه َيرَاكُ مْ ُهوَ‬
‫* َ يا بَنِي آدَ َم لَ َيفْتِنَّنكُ مُ الشّ ْيطَا نُ َكمَا َأ ْخرَ جَ أََبوَيْكُم مّ نَ اْلجَنّ ِة َينِ ُ‬
‫ي َأوْلِيَاء ِللّذِي َن لَ يُؤْ ِمنُونَ" (‪7‬العراف‪)26،27/‬‬
‫ث َل َترَوَْنهُمْ إِنّا َج َعلْنَا الشّيَاطِ َ‬
‫وَقَبِي ُلهُ مِ ْن حَيْ ُ‬
‫ف يُوَارِي‬
‫ض لُِيرِيَ ُه كَيْ َ‬
‫ث الّل ُه ُغرَابًا يَ ْبحَ ثُ فِي الَرْ ِ‬
‫‪ 30‬فَبَعَ َ‬ ‫" َفطَ ّوعَ تْ لَ ُه نَ ْف سُهُ قَ ْت َل َأخِي هِ فَقََت َل هُ فَأَ صَْبحَ مِ نَ اْلخَا ِسرِي َن‬
‫ي سَوْء َة َأخِي فََأصَْبحَ ِمنَ النّادِمِيَ"‬
‫سَوْء َة َأخِيهِ قَالَ يَا وَْيلَتَا َأ َعجَ ْزتُ َأ ْن َأكُونَ مِ ْثلَ هَنذَا اْل ُغرَابِ فَُأوَا ِر َ‬
‫(‪5‬الائدة‪)30،31/‬‬
‫وواضح من اية العراف ان اللباس يستر ويخفي العورة او السوءة‪ ،‬ونزع اللباس يبين ويظهر العورة او‬
‫السوءة‪ ،‬ونحن مأمورون‪ -‬وبدرجة أكبر النساء ‪ -‬بتغطية اجزاء كبيرة من الجسد والتي تعتبر سوءة‪.‬‬
‫واية المائدة ترجح هذا المعنى فسوءة اخيه بعد قتله هي جسده كله وليس اعضائه التناسلية فحسب‪.‬‬
‫ومن هنا نطمئن لفهمنا لقصة ادم وزوجه ‪ :‬سوءاتهما هي جسدهما‪ ،‬كانا مستترين في الجنة قبل الكل من‬
‫الشجرة‪ .‬وبعبارة اخرى نسبتطيع القول انهمبا كانبا فبي حالة مبن الشفافيبة والطبيعبة المختلفبة‪ ،‬بحيبث ان ادم‬
‫(وزوجببه) ل يجوع ول يعرى وانببه ل يظمببأ ول يضحببى قبببل الكببل مببن الشجرة‪ .‬ثببم اصبببحا جسببدين‬
‫تدركهما البصار‪ ،‬وتحولت الشفافيبة الى مادة كثيفة بعد الكل من الشجرة ‪ .‬وهذا السبتنباط هو بالضبط‬
‫مبا قاله اببن عباس فبي تفسبير ايبة العراف (انظبر القرطببي جزء ‪ , 8‬صبفحه ‪ ) 175‬قال‪ :‬تقلص النور‬
‫الذي كان لباسبهما‪ ،‬فصبار اظفارا فبي اليدي والرجبل‪.‬اذا هبو نور وشفافيبة تحول الى مادة كثيفبة تدركهبا‬
‫العين فتظهبر ‪ .‬و ما قاله ابن عباس لبن الزرق عندما سأله‪ :‬ما معنبي ل تضحى؟ قال‪ :‬اي لتعرق من‬
‫شدة الحر‪،‬وهذة هي صفات الجسم البشري المادي الكثيف الذي يحس بالجوع والظمأ‪ ،‬ويحتاج الى الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬وبعبد الهضبم يحتاج الجسبم لخراج الفضلت ومبا نتبج مبن هذه العمليبة الفسبيولوجية‪ .‬ومبن هذه‬
‫الفضلت العرق الذي يخرج عند التعرض للحر‪.‬‬
‫ولقد صاغ ال تعالى ايتي سورة طه باسلوب يسهل لنا مثل هذا الفهم فعندما نتأمل قوله تعالى‪:‬‬
‫ان لك أ( ل تجوع فيها و ل تعرى )‬
‫وانك ( ل تظمأ فيها و ل تضحى)‬
‫نجبد ان القرآن الكريبم جمبع بيبن الجوع والعري فبي ايبة‪ ،‬والظمبأ والضحبى فبي ايبة تليهبا ‪ .‬والبلغيون‬
‫يعتبرون هذا النظم القرآني الذي يرعى الفواصل هو لتحسين الكلم وتزيينه لتصل الى ما تريده من ايقاع‬
‫فريبد وبلغبة عليبا ‪ .‬وهذا يقينبا صبحيح نحسبه فبي النظبم القرآنبي عببر القران كله‪ .‬ال ان المعجبز ان هذا‬
‫النظبم ل يكون على حسباب المعنبى ‪ .‬وفبي الحقيقبه فانبه ل يراعبي المعنبى فحسبب‪ ،‬لكنبه فبي كثيبر مبن‬
‫الحيان تكون الصبياغة بهذه الطريقبة التبي نجدهبا فبي ايتبي طبه لتسباعدنا على اسبتنباط معنبى عميبق لكلمبة‬
‫اريد بها التورية وهي التي اسماها القرآن متشابهة ‪.‬‬
‫حكَمَا تٌ هُنّ أُمّ اْلكِتَا بِ وَُأ َخرُ ُمتَشَاِبهَا تٌ فََأمّا الّذِي َن ف ُقلُوِبهِ مْ زَْي غٌ فَيَتّبِعُو َن مَا‬
‫ي أَن َزلَ َعلَيْ كَ اْلكِتَا بَ ِمنْ ُه آيَا تٌ ّم ْ‬
‫هُوَ الّذِ َ‬
‫تَشَاَب َه مِنْ هُ ابِْتغَاء الْفِ ْتنَةِ وَاْبتِغَاء تَأْوِي ِل هِ َومَا َي ْعلَ ُم تَأْوِي َل ُه ِإ ّل اللّ هُ وَالرّا ِسخُونَ فِي الْ ِعلْ مِ َيقُولُو َن آمَنّا ِب ِه ُكلّ مّ ْن عِندِ رَبّنَا وَمَا‬
‫(‪3‬آل عمران‪)7/‬‬ ‫ب ‪7‬‬ ‫يَ ّذ ّك ُر ِإلّ أُوْلُوْا اللْبَا ِ‬
‫وهذاالتشابه هو من التورية ‪ ،‬حتى يتجنب صدم القاريء بمفاهيم جديدة عليه لم يألفها من قبل‪ ،‬وتتصادم‬
‫مع مفاهيم ربما تكون خاطئة ‪ ،‬ولكنها تراكمت واصبحت عقيدة تتوارث من جيل الي جيل ‪.‬‬
‫وايتببي سببورة طببه مببن هذا النوع‪ ،‬فهذا النظببم يسبباعدنا على اس بتنباط معنببى ل تضحببى المراد‪ .‬فالجوع‬
‫يلزمبه دائمبا العطبش‪ ،‬فمجيبء الجوع فبي اليبة الولى والعطبش فبي اليبة التبي تليهبا‪ ،‬يجعلنبا نفهبم بان‬
‫العري فبي اليبة الولى يقابله الضحبو فبي اليبة التبي تليهبا ‪ .‬ومعنبى الضحبو معروف فبي اللغبة العربيبة‪،‬‬
‫فالضاحي من كل شيء هو البارز الظاهر الواضح الذي ل يستره منك حائط ول غيره ‪.‬‬
‫وهكذا تغيرت ماهيتببة ادم وزوجببه بعببد اكله مببن الشجرة (آدم الذي يجببب أن يهبببط إلى الرض)؛ فبببرز‬
‫ووضبح وتجسبد فأصببح يحبس بالجوع والعطبش والحرارة(التبي تسببب العرق)‪ ،‬فصبدر أمرهبوطبه الى‬
‫الرض المناسبة لهذه الصورة الجسدية‪ ،‬والحالة الطينية‪ ،‬بعدما فقدا الشفافية التي قدرها له ال تعالى في‬
‫الجنة(وان شاء ال سنعود اليها في الخرة) واصبح يجوع ويعري ويظمأ ويضحى في الحياة الدنيا ‪.‬‬

‫ولكن ما صلة هذا بالعلم والفلك والعلوم الحديثة؟‬


‫نعبم ل توجبد حقيقبة علميبة الن نسبتطيع ان نقول انهبا تتوافبق مبع هذا القول مبن تغيبر آدم مبن الشفافيبة الى‬
‫الماديبة ‪ ،‬ومبن النفبس الحرة الطليقبة الى الجسبد المقيبد الكثيبف‪ .‬ولكبن العلم ‪ -‬كمبا سببق ان قلنبا فبي شرح‬
‫ضحبى السبماء ‪ -‬يتحدث عبن فترة فبي مراحبل خلق الكون كانبت شفافبة ) (‪،transparency period‬‬
‫تتكون مادة الكون مبن الطاقبة التبي ظلت تتكاثبف وتتغيبر الى الحالة الذريبة (‪)atoms‬ثبم تفاعلت الذرات‬
‫مبع بعضهبا البعبض لتتحول الى الجزئيات (‪ )molecules‬ثبم الى المادة الحيبة‪ ،‬واصببح الكون على مبا‬
‫نراه الن مادة تدركهببا البصببار‪.‬وحتببي الن فان مادة الكون ليسببت كلهببا مرئيببة‪ .‬فعلماء الفلك يقولون ان‬
‫المادة المرئية (الذرات و الجزئيات) ل تزيد نسبتها في الكون عن ‪ %4‬من المجموع الكلى لمادة الكون‪.‬‬

‫مراحل تكون الكون وتغير مادته ( شكل ‪:)11‬‬


‫•الولى ‪ :‬النفجار العظيم( (‪ ،Big Bang‬استغرق ومضة أقل بكثير من‬
‫جزء من المليارات من الثانية‪.‬‬
‫•الثانية ‪:‬الغاز المتأين(مشحون)‪ ،‬هذه الفترة إمتدت حوالي ‪ 300‬سنة‪.‬‬
‫•الثالثة ‪ :‬بدأ تكون المجرات‪ ،‬فترة استغرقت حوالي ‪ 500‬مليون سنة‬
‫•الرابعة ‪:‬نهاية فترة الظلمة‪ ،‬حوالي ‪ 1000‬مليون سنة (واحد مليار سنة)‬
‫•الخامسة ‪ :‬مرة أخرى يعود إلى الشفافية‪ ،‬بعد حوالي ‪ 9‬مليار سنة‬
‫•السادسة ‪ :‬ولدة المجرات والنظام الشمسي‪ ،‬وقتنا الحالي‪ ،‬ويقدر عمر الكون بحوالي ‪13.7‬‬
‫مليار سنة‬
‫شكل ‪ :11‬يبين مراحل تغير مادة الكون البداية من أعلى (مثل الشكل رقم ‪)9‬‬

‫فليس غريبا ان ياتي يوما يؤكد فيه العلم ما قاله القران منذ اربعة عشر قرنا أو تزيد ‪.‬‬
‫"بَلْ َك ّذبُواْ بِمَا لَمْب ُيحِيطُواْ ِبعِ ْلمِهِب وََلمّاب َي ْأ ِتهِمْب َتأْوِيلُهُب َكذَلِكَب َكذّبَب اّلذِينَب مِن َقبِْلهِمْب فَانظُرْ َكيْفَب كَانَب عَاقِبَةُ‬
‫(‪10‬يونس‪)39/‬‬ ‫الظّاِلمِينَ"‬
‫شهِيدٌ "‬‫شيْءٍ َ‬ ‫حقّ َأوََلمْ َيكْفِ ِب َر ّبكَ َأنّهُ عَلَى كُلّ َ‬
‫حتّى َي َت َبيّنَ َل ُهمْ َأنّهُ ا ْل َ‬
‫س ِهمْ َ‬
‫لفَاقِ َوفِي أَن ُف ِ‬
‫سنُرِي ِهمْ آيَا ِتنَا فِي ا ْ‬
‫"َ‬
‫(‪41‬فصلت‪)53/‬‬
‫***‬

‫الدللة العلمية للسؤال عن القيامة بأيان‬


‫مقدمة‬
‫مبا هبي حقيقبة لغبة القرآن؟ هبل هبي اللغبة المعهودة عنبد العرب قببل نزول القرآن؟ او هبي لغبة متميزة‬
‫عن لغتهم ؟ احسب ان كثيرا من الناس سيبادر بالجواب من فوره‪ :‬بل هي لغتهم المعهودة ‪ ،‬لن حروف‬
‫لغبة القرآن هبي حروف لغبة العرب‪ ،‬ومعانبي كلماتبه هبي معانبي كلمات لغبة العرب‪ ،‬وقواعبد القران هبي‬
‫قواعبد لغبة العرب ‪ .‬فاذا كانبت لغبة العرب وسبيلة التخاطبب بيبن ابنائهبا ‪ ،‬فان لغبة القرآن الكريبم وسبيلة‬
‫التخاطببب بيببن افراد البشببر كلهببم وبيببن المولى سبببحانه وتعالى‪ .‬ولهذا فان لغببة القرآن تختلف مببن حيببث‬
‫اسلوبها وطريقة تركيبها ‪ .‬وحقا فان حقيقة لغة القرآن ليست كحقيقة لغة العرب‪.‬‬
‫اذا فلغة القرآن خاصة من خصائص القرآن الكريم (‪) 18‬‬
‫فالقرآن الكريبم اختيرت الفاظبه لتكون قمبة فبي البلغبة والحببك‪ .‬ودللتهبا العلميبة تهدي البشبر الى معرفبة‬
‫خالقهببم سبببحانه وتعالى ‪ .‬وقببد خببص القرآن نفسببه باسببتخدام بعببض اللفاظ التببي لهببا نفببس المعنببى فببي‬
‫الستعمال العربي وقت نزول القرآن واستخدمها كمصطلحات في حالت مختلفة ‪ .‬ولنضرب لذلك مثل‪،‬‬
‫فالنسان هو البشر‪ ،‬ول فرق بين هاتين الكلمتين في الستخدام النساني العربي‪ .‬فل فرق بين ان نقول‪:‬‬
‫خلق ال البشبر‪ ،‬وبيبن خلق ال النسبان‪ .‬انهمبا متطابقتان مترادفتان؛ فكلهمبا يعنبي شيئا واحدا؛ وهبو بنبي‬
‫آدم ‪ .‬وبني ادم هم البشر‪ ،‬وهم النسان‪ ،‬وهم النس‪ ،‬وهم الناس‪ .‬لكن القرآن يأ بي ال ان يتميز‪ ،‬فالقرآن‬
‫خصبص اسبتعماله لللفاظ المختلفبة‪ ،‬فكبل لفبظ له مكانبه المعيبن فبي البيان‪ .‬فاببن ادم انسبان عندمبا يكون‬
‫ظلوما‪ ،‬جهول‪ ،‬كفارا‪ ،‬هلوعا‪ ،‬جزوعا‪ ،‬عجول‪ ،‬ضعيفا‪ ،‬يؤوسا‪ ،‬قتورا‪ ،‬كنودا‪ .‬ويكون بشرا عندما يكون‬
‫بشرا رسول‪ ،‬اي في حالته السامية المتعالية والخلق العالية‪ ،‬فروح ال جاء الى مريم ‪ -‬عليهما السلم‪-‬‬
‫فتمثل لها بشرا سويا‪ ،‬ويوسف بشر كملك كريم‪ ،‬ومحمد سيد الخلق ما كان ال بشرا رسول ‪.‬‬
‫ويفرق ال تعالى في القرآن الكريم بين الق طع‪ ،‬والشق‪ ،‬والقد‪ ،‬والقط ‪ ،‬والفطر‪ ،‬والفلق‪ ،‬والفجر‪ ،‬والخلق‪.‬‬
‫وكلها متقاربة المعنى‪ ،‬ال ان القرآن يتفرد باستخدامه المتباين لهذه اللفاظ ‪.‬‬
‫وهناك الكثيبر مبن المثلة ‪ -‬يجدهبا الراغبب فبي الزدياد‪ -‬فبي كتبب العجاز البيانبي للقرآن الكريبم‪ ،‬وكتاب‬
‫فروق اللغة(‪ )7‬يوضح الفروق بين استعمالت الكلمات المختلفة رسما المتقاربة معنا‪.‬‬

‫ومن هذه اللفاظ متى وايان ‪ .‬فمتى تستخدم للسؤال عن الزمان واستخدمها القرآن بهذا المعنى ول ريب ‪.‬‬
‫امبا ايان فقبد عرفهبا العرب بمعنبى متبى‪ ،‬لكبن القرآن أببى ال ان يضيبف الى وجوه اعجازه وجهبا اخبر‪،‬‬
‫فخصص متى للسؤال عن الزمان‪ ،‬واين للسؤال عن المكان‪ ،‬وأيان للسؤال عن الزمان والمكان معا‪.‬‬
‫فكما استخدم القران الكريم أنى بمعنى من اين؟ استخدمها بمعنى كيف‪ ،‬في مثل (قال يا مريم انى لك هذا؟‬
‫قالت هو من عند ال)‪ .‬وكأنه سأل من اين لك هذا؟ وتفهم ايضا كيف حصلت على هذا؟‪ .‬وكذلك في قوله‬
‫تعالى‪ ( :‬قالت رب انببي يكون لي ولد ولم يمسببسني بشببر) وكأنهببا سببألت‪ :‬مببن ايببن يكون لي ولد دون ان‬
‫يمسسني بشر؟ وتفهم كذلك وكأنها سألت كيف يكون لي ولد دون ان يقربني بشر‪.‬‬
‫واسبتخدام ايان لغرض السبؤال عبن الزمان والمكان فبي آن واحبد له دللة علميبة يوضحهبا العلم الحديبث‬
‫كما سنرى‪ .‬وفيما يلى استنباط ذلك‪.‬‬
‫ايان في معاجم اللغه‪:‬‬
‫مادة اين‪ :‬ايان معناه اي حين؟ وهو سؤال عن زمان مثل متى‪ ،‬وهي ظرف للزمن المستقبل‪ ،‬وهي عبارة‬
‫عبن وقبت الشيبء‪ ،‬ويقارب معنبى متبى مبن قولهبم اي‪ ،‬وقيبل اصبله‪ :‬أي وان؟ (بمعنبي اي وقبت؟) ثبم جعبل‬
‫الواو ياء فادغم فصار ايان‪ .‬انظر(‪) 7،8‬‬

‫متى واين وايان في القرآن الكريم ‪:‬‬


‫وردت متى في تسع مواضع في القران الكريم ‪،‬ووردت ايان في ستة مواضع (‪ )9‬نكتبها كلها كما يلي‪:‬‬

‫اول اليات التي احتوت كلمة متى في القرآن‬


‫ضرّاء وَزُْلزِلُوْا حَتّى َيقُو َل الرّ سُولُ‬
‫أَ ْم حَ سِبْتُ ْم أَن تَ ْد ُخلُواْ اْلجَنّةَ وََلمّا يَأِْتكُم مَّثلُ الّذِي َن َخلَوْْا مِن قَ ْب ِلكُم مّ سّ ْتهُمُ الْبَأْ سَاء وَال ّ‬
‫(‪2‬البقرة‪)214/‬‬ ‫‪214‬‬ ‫ب‬
‫ص َر اللّهِ َقرِي ٌ‬
‫ص ُر اللّ ِه أَل ِإ ّن نَ ْ‬
‫وَالّذِي َن آمَنُواْ مَ َع ُه مَتَى نَ ْ‬
‫ضرّا َولَ َنفْعًا ِإلّ مَا شَاء اللّ ُه ِل ُكلّ ُأمّ ٍة َأ َجلٌ ِإذَا‬
‫ك لِنَفْسِي َ‬
‫‪ 48‬قُل ّل أَ ْملِ ُ‬ ‫ي‬
‫وَيَقُولُو َن مَتَى هَنذَا الْ َوعْ ُد إِن كُنتُ ْم صَادِقِ َ‬
‫(‪10‬يونس‪)48/‬‬ ‫‪49‬‬ ‫ل يَسْتَ ْأ ِخرُو َن سَاعَةً َو َل يَسْتَقْ ِدمُو َن‬
‫جَاء َأ َج ُلهُمْ َف َ‬
‫سيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ُقلِ الّذِي َف َط َركُ ْم أَ ّولَ َمرّةٍ‬
‫‪ 50‬أَ ْو َخلْقًا ّممّ ا َيكُْبرُ فِي صُدُو ِركُمْ فَ َ‬ ‫قُل كُونُوْا ِحجَارَ ًة أَ ْو حَدِيدًا‬
‫(‪17‬السراء‪)51/‬‬ ‫‪51‬‬ ‫فَسَيُ ْنغِضُو َن إِلَ ْيكَ ُرؤُو َسهُمْ وَيَقُولُو َن مَتَى ُهوَ ُقلْ عَسَى أَن َيكُونَ َقرِيبًا‬
‫‪38‬‬ ‫ي‬
‫وََيقُولُونَ مَتَى هَذَا الْ َوعْ ُد إِن كُنتُ ْم صَادِقِ َ‬ ‫‪37‬‬ ‫جلُو ِن‬
‫جلٍ سَُأرِيكُمْ آيَاتِي َفلَا َتسْتَ ْع ِ‬
‫ُخلِقَ الْإِنسَانُ ِمنْ َع َ‬
‫(‪ 21‬النبياء‪)38/‬‬ ‫‪39‬‬ ‫صرُو َن‬
‫ي لَا َيكُفّونَ عَن ُوجُو ِههِمُ النّا َر وَلَا عَن ُظهُورِهِ ْم وَلَا هُ ْم يُن َ‬
‫َلوْ يَ ْعلَمُ الّذِي َن كَ َفرُوا حِ َ‬
‫(‪27‬النمل‪)71،72/‬‬ ‫‪ُ 71‬قلْ عَسَى أَن َيكُو َن َردِفَ َلكُم‬ ‫ي‬
‫وَيَقُولُو َن مَتَى هَذَا اْل َوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِ َ‬
‫(‪ 32‬السجدة‪)28/‬‬ ‫ُقلْ َيوْمَ الْ َف ْتحِ لَا يَنفَعُ الّذِينَ َك َفرُوا إِيَاُنهُ ْم‬ ‫‪28‬‬ ‫ي‬
‫ح إِن كُنتُ ْم صَادِقِ َ‬
‫وَيَقُولُو َن مَتَى هَذَا اْلفَ ْت ُ‬
‫َسنتَقْ ِدمُونَ‬
‫ْهن سنَاعَةً وَلَا ت ْ‬
‫َسنتَ ْأ ِخرُو َن عَن ُ‬
‫ْمن لّا ت ْ‬
‫‪ 29‬قُل لّكُم مّيعَا ُد يَو ٍ‬ ‫ي‬
‫ُمن صنَادِقِ َ‬
‫ُونن مَتَى هَذَا اْل َوعْدُ إِن كُنت ْ‬
‫وَيَقُول َ‬
‫(‪43‬سبأ‪)29/‬‬ ‫(‬
‫‪49‬‬ ‫صمُو َن‬
‫حةً وَاحِدَ ًة تَ ْأخُذُهُمْ وَهُ ْم َيخِ ّ‬
‫‪ 48‬مَا يَن ُظرُو َن إِلّا صَ ْي َ‬ ‫ي‬
‫وَيَقُولُو َن مَتَى هَذَا اْل َوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِ َ‬
‫(‪36‬يس‪)48/‬‬ ‫‪50‬‬ ‫سَتطِيعُونَ تَ ْوصَِيةً وَلَا إِلَى َأ ْه ِلهِمْ َي ْرجِعُونَ‬
‫َفلَا يَ ْ‬
‫(‪67‬الملك‪)25/‬‬ ‫ي ‪ُ 25‬ق ْل إِّنمَا الْ ِعلْ ُم عِن َد اللّ ِه‬
‫وَيَقُولُو َن مَتَى هَذَا اْل َوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِ َ‬
‫والعجيب ان متى وردت في ستة ايات بنفس الصيغة وهي‪ " :‬ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين"‪.‬‬
‫وهذا هبو نفبس عدد اليات التبي وردت فيهبا كلمبة ايان‪ ،‬فلقبد وردت فبى سبت مواضبع أيضبا‪ .‬واليات‬
‫الكريمة التى استخدمت فيها متى جاء ت كلها للسؤال عن الزمان‪ ،‬وهي( متى نصر ال؟ ال ان نصر ال‬
‫قريبب) ‪ (،‬ومتبى هذا الوعبد؟ لكبل امبة اجبل ل يسبتئخرون سباعة ول يسبتقدمون) ‪(،‬عسبى ان يكون ردف‬
‫لكبم) ‪ (،‬لكبم ميعاد ل تسبتئخرون عنبه سباعة ول تسبتقدمون )‪ (،‬مبا ينظرون ال صبيحة واحدة تأخذهبم )‪،‬‬
‫(حين ل يكفون عن وجوههم النار‪ ،‬بل تأتيهم بغتة )‪ (،‬قل انما العلم عند ال ) ‪(،‬متى هذا الفتح؟ يوم الفتح‬
‫ل ينفبع الذيبن كفروا ايمانهبم)‪ .‬ونلحبظ ان القرآن اجاب عبن السبؤال بمتبى بذكبر كلمات كلهبا تعببر عبن‬
‫الزمان‪ :‬قريب‪ ،‬أجل ‪ ،‬ساعة‪ ،‬ردف لكم (بمعنى دنا وقرب منكم)‪ ،‬ميعاد‪ ،‬صيحة واحدة‪ ،‬حين‪ ،‬بغتة‪ ،‬يوم‪.‬‬
‫اذا فمتى في اللغة ظرف زمان وأداة للسؤال عن الزمان فحسب‪ ،‬وهكذا نجدها في القرآن الكريم‪.‬‬

‫ثانيا اين في القرآن الكريم‬


‫جاءت ايبن فبي القرآن الكريبم مفردة‪ ،‬فبي سببعة مواضبع‪ .‬واسبتخدمت كأداة للسبتفهام عبن المكان ‪ :‬ايبن‬
‫شركاؤكبم؟(النعام ‪ ،)22/‬ايبن شركائي؟(‪16‬النحبل ‪ ،)47/‬وكذا فبي (‪28‬القصبص‪ 28( ،)62/‬القصبص‪/‬‬
‫‪ 41(،)74‬فصلت‪ .)47/‬وجاءت للسؤال عن مكان المفر(ويقول النسان يومئذ اين المفر) (‪ 75‬القيامه ‪/‬‬
‫‪ ،)10‬واخيرا جاءت في سورة التكوير (فاين تذهبون ) ( ‪ 18‬التكوير ‪.)27 /‬‬
‫ويتضح من ذلك ان اين في القرآن استخدمت كما تستخدم في لغة العرب للسؤال عن المكان‪ .‬أين ؟‪ :‬أى‬
‫في اي مكان؟‬

‫ثالثا ايان في القرآن‬


‫وردت أيان فبي القران الكريبم فبي سبتة مواضبع‪ ،‬وفبي المواضبع السبتة اسبتخدمت ايان للسبتفهام عبن‪:‬‬
‫الساعه‪ ،‬يوم القيامة ‪ ،‬البعث ‪ ،‬يوم الدين ‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالَرْضِ لَ‬


‫جلّيهَا ِلوَقِْتهَا ِإلّ هُ َو َث ُقلَتْ فِي ال ّ‬
‫ك عَ نِ السّاعَ ِة أَيّانَ ُمرْسَاهَا ُق ْل إِّنمَا ِعلْ ُمهَا عِن َد رَبّي َل ُي َ‬
‫‪ -1‬يَسْأَلُوَن َ‬
‫‪187‬‬ ‫س َل يَ ْع َلمُو َن‬
‫تَأْتِيكُمْ ِإ ّل بَ ْغتَ ًة يَسْأَلُوَنكَ كَأَّنكَ َح ِفيّ عَ ْنهَا ُق ْل إِّنمَا ِع ْل ُمهَا عِن َد اللّ ِه وَلَنكِ ّن َأكَْثرَ النّا ِ‬
‫(‪7‬العراف‪)187/‬‬
‫ت غَ ْيرُ َأحْيَاء َومَا يَشْ ُعرُو َن أَيّانَ يُ ْبعَثُو َن‬
‫‪َ 20‬أمْوا ٌ‬ ‫خلَقُونَ‬
‫خلُقُونَ شَ ْيئًا وَهُ ْم ُي ْ‬
‫‪ -2‬وَالّذِي َن يَ ْدعُونَ مِن دُو ِن ال ّل ِه لَ َي ْ‬
‫(‪16‬النحل‪)21/‬‬ ‫‪21‬‬
‫ي‬
‫سمَاء وَالْأَ ْرضِ أَإَِلهٌ مّ َع اللّهِ ُقلْ هَاتُوا ُبرْهَاَنكُ ْم إِن كُنتُ ْم صَادِقِ َ‬
‫خلْ َق ثُ ّم ُيعِيدُهُ وَمَن َيرْزُ ُقكُم مّ َن ال ّ‬
‫‪َ -3‬أمّن يَبْدَأُ اْل َ‬
‫(‪27‬النمل‪)65/‬‬ ‫‪65‬‬ ‫ش ُعرُو َن أَيّانَ يُبْ َعثُو َن‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ الْ َغيْبَ إِلّا اللّهُ َومَا يَ ْ‬
‫‪ 64‬قُل لّا يَ ْعلَ ُم مَن فِي ال ّ‬
‫جلُونَ‬
‫ستَ ْع ِ‬
‫ذُوقُوا فِ ْتنََتكُ مْ هَذَا الّذِي كُنتُم بِ ِه تَ ْ‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ 12‬يَوْ مَ هُ ْم َعلَى النّا ِر يُ ْفتَنُو َن‬ ‫‪ -4‬يَ سْأَلُو َن أَيّا نَ يَوْ مُ الدّي ِن‬
‫(‪51‬الذاريات‪)12/‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪ِ 14‬إنّ اْلمُتّقِيَ فِي جَنّاتٍ َوعُيُونٍ‬
‫‪9‬‬ ‫شمْ سُ وَالْ َق َم ُر‬
‫َو ُجمِ عَ ال ّ‬ ‫‪8‬‬ ‫سفَ الْ َق َم ُر‬
‫َوخَ َ‬ ‫‪7‬‬ ‫صرُ‬
‫فَِإذَا َبرِ قَ الْبَ َ‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ -5‬يَ سَْألُ أَيّا نَ يَوْ مُ اْلقِيَامَ ِة‬
‫(‪75‬القيامة‪)6/‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ستَ َق ّر‬
‫إِلَى رَّبكَ َيوْمَئِذٍ اْلمُ ْ‬ ‫‪11‬‬ ‫‪َ 10‬كلّا لَا َوزَ َر‬ ‫َيقُولُ الْإِنسَا ُن يَ ْومَئِ ٍذ أَيْنَ اْلمَ َف ّر‬
‫إِلَى‬ ‫‪43‬‬ ‫فِي َم أَن تَ مِن ِذ ْكرَاهَا‬ ‫‪42‬‬ ‫يَ سْأَلُوَنكَ عَ نِ ال سّاعَ ِة أَيّا نَ ُمرْ سَاهَا‬ ‫‪41‬‬ ‫‪ -6‬فَِإنّ اْلجَنّ َة هِ يَ اْلمَأْوَى‬
‫(‪79‬النازعات‪)42/‬‬ ‫رَّبكَ مُنَتهَاهَا ‪44‬‬
‫شرح ايان في التفاسير المختلفة‬
‫في تفسير آية الذاريات ‪ ،‬ينقل الطبري عن مجاهد‪ :‬يقولون متى يوم الدين؟ او متى يكون يوم الدين ‪.‬‬
‫وفبي الكشاف يقول الزمخشري‪ :‬ايان يوم الديبن؟ اي متبى يوم الجزاء؟ فان سبأ لت كيبف وقبع أيان ظرفبا‬
‫لليوم؟ انمبا يقبع الحيبن ظرفبا للحدث‪ ،‬قلت‪ :‬معناه ايان وقوع يوم الديبن‪ ،‬فان قلت‪ :‬فيبم نصببت كلمبة اليوم‬
‫الواقع في فالجواب؟ قلت ‪ :‬بفعل مضمر دل عليه السؤال‪ ،‬بمعنى يقع الجزاء يوم هم على النار يفتنون‪.‬‬
‫ومثل هذا الكلم نجده ايضا تفسيرا لية القيامة‪.‬‬
‫وفي تفسير اية العراف يقول الطبري‪ :‬ومعنى ايان‪ :‬متى في كلم العرب‪ ،‬ومرساها بمعنى ارساؤها‪ ،‬او‬
‫وقبت ارسبائها ‪ ،‬اي ثباتهبا واقرارهبا ‪ .‬وكبل شيبء ثقيبل رسبوه أى ثباتبة واسبتقراره‪ ،‬ومنبه رسبي الجببل‬
‫وارسبى السبفينة‪ .‬ويذكبر الزجاج فبي معانبي القران واعراببه‪ :‬متبى وقوعهبا وكونهبا؟ وقيبل مرسباها اي‬
‫منتهاهبا عبن اببن عباس‪ ،‬وقيبل عبن قتادة‪ :‬مرسباها اي قيامهبا‪ .‬وفبي تفسبير ايبة النازعات‪ ،‬وهبي تشببة ايبة‬
‫العراف‪ ،‬يقول الطببري‪ :‬يقول ال‪ ،‬تعالى ذكره‪ ،‬لنببيه ‪ -‬عليبه الصبلة والسبلم‪ :‬يسبألك يبا محمبد هؤلء‬
‫المكذبون بالبعبث عبن السباعة التبي تبعبث فيهبا الموتبى مبن قبورهبم ايان مرسباها؟ متبى قيامهبا وظهورهبا‪.‬‬
‫وكان الفراء يقول‪ :‬ان قال قائل انما الرسباء للسفينة والجبال الراسبية وما اشبههبن‪ ،‬فكيف وصفت السباعة‬
‫بالرسبباء؟ قلت‪ -‬اي الفراء‪ -‬هببي بمنزلة السببفينة اذا كانببت جاريببة فرسببت‪ ،‬ورسببوها (أي رسببو القيامببة)‬
‫قيامها‪ .‬وليس قيامها كقيام القائم ‪ ،‬انما هي كقولك قد قام العدل‪ ،‬وقام الحق اي ظهر وثبت ‪.‬‬
‫وفببي الكشاف للزمخشري ايان مرسبباها؟ متببى ارسبباؤها؟ اي اقامتهببا ‪ .‬أرادوا متببى يقيمهببا ال ويثبتهببا‬
‫ويكونها؟ وقيل‪ :‬ايان منتهاها ومستقرها‪ ،‬كما ان مرسى السفينة مستقرها حيث تنتهي اليه‪.‬‬
‫ونقبل القرطببي عبن اببن عباس قوله‪ :‬ايان مرسبباها ؟ اي حيههث تنتهههي ‪ .‬وعبن اببو عببيدة‪ :‬اي منتهاهبا‪،‬‬
‫ومرسى السفينة حيث تنتهي‪.‬‬
‫وفي آيتي النمل (‪ )21‬والنمل (‪ )65‬فسرت (ايان يبعثون؟) بمتى يبعثون؟ دون خلف ‪.‬‬

‫لماذا ايان وليس متى؟‬


‫مبن اسبتعراض آيات القرآن التبي وردت بهبا متبى‪ ،‬نجبد انهبا اسبتخدمت للسبؤال عبن المكان‪ ،‬فلماذااسبتخدم‬
‫ال تعالى كلمبة آيان للسبؤال عبن يوم القيامبة‪ ،‬والسباعة‪ ،‬ويوم الديبن‪ ،‬والبعبث؟ واذا كان السبؤال عبن زمان‬
‫ووقوع القيامة فلماذا لم يستخدم متى؟ سؤال مشروع‪ ،‬بل واجب وضروري ‪.‬‬
‫والحقيقببة ان الجابببة على هذا السببؤال ليسببت صببعبة‪،‬اذا مببا تزودنببا ببعببض علوم الكون فببي علم الفلك‬
‫وعلمنا تساؤلت العلماء عن مصيرالكون‪ ،‬ثم تدبرنا اليات التي سأل ال عز وجل عن يوم القيامة بأيان‪.‬‬
‫ماذا يقول العلم عن مستقبل الكون؟‬
‫لقد سبق ان ذكرنا ان نظريات في علم الفلك تخبرنا بان هناك نقطة بداية فيها بدأت عملية الخلق ‪ .‬واكثر‬
‫هذة النظريات قبول هبي مبا سبميت بنظريبة النفجار العظيبم ) ‪ .)Big Bang Theory‬وملخصبها ان‬
‫الكون الذي نراه الن بدأ خلقه من نقطة واحدة (‪ .)Perimeval Atom or Singularity‬هذه النقطة‬
‫لها صفات ل يعرف العلماء عنها شيئا‪ ،‬فقط تبين الحسابات أنها يجب ان تكون ذو حرارة وكثافة هائلين‪.‬‬
‫وبعبد النفجار تحول جزء صبغير مبن الطاقبة المنطلقبة الى مادة تكونبت منهبا الجرام السبماوية المختلفبة‪،‬‬
‫بما فيها مجرتنا وبها المجموعة الشمسية التي نعيش على احد توابعها‪ ،‬وهو الرض‪ ،‬التي جعلت للنسان‬
‫مستقرا ومتاعا الى حين‪ .‬ومجرتنا ليست هي الوحيدة في الكون ولكنها احد المجرات مثل المليارات من‬
‫المجرات الخرى المنتشرة فبي الكون الفسبيح ‪ .‬تلك المجرات أثببت العلم الحديبث أنهبا تتباعبد عبن بعضهبا‬
‫البعض حتى يومنا هذا‪ ،‬والكون آخذ في التوسع ‪.‬‬
‫اما مستقبل الكون فلقد وضعت ثلث فرضيات هي (انظر الشكل التوضيحي رقم ‪: )12‬‬
‫الفرضيبة الولى ‪ :‬ان الكون بعبد هذا التوسبع سبتأتي لحظبة تتغلب فيهبا قوى الجاذبيبة وتعيبد وحدات البناء‬
‫هذه مبن المجرات ‪،‬الى الندماج مرة اخرى فيمبا يعرف بنظريبة النسبحاق العظيبم ) ‪( Big Crunch‬‬
‫وهذا ما يطلق عليه الفلكيون اسم فرضية الكون المغلق) ‪.( Closed Univers‬‬

‫الفرضيبة الثانيبة ‪ :‬ان وحدات الكون سبتستمر فبي التباعبد الى مبا ل نهايبة‪ ،‬ويوصبف الكون فبي هذه الحالة‬
‫بالكون المفتوح ) ‪ ( Open univers or unbounded‬وتستلزم هذه النظرية‪ ،‬لكي تكون صحيحة‪،‬‬
‫خلق دائم للمادة التي يجب ان تمل الفراغ الناتج عن التمدد ‪.‬‬

‫الفرضيبة الثالثبة‪ :‬ان وحدات الكون سبتصل الى نقطبة معينبة مبن التمدد‪ ،‬ثبم يتوقبف هذا التمدد وينهار‪ ،‬ثبم‬
‫يعود فينفجبببر ويتمدد مبببن جديبببد‪ .‬ويسبببمى الفلكيون مثبببل هذا الكون بالكون المتذببببذ ب((‪Pulsating‬‬
‫‪Univers‬‬

‫شكل ‪ -12‬فرضيات مستقبل الكون‬

‫والفرضيبه الولى هبي الكثبر شيوعبا وقبول بيبن الفلكييبن‪ ،‬لن هناك الكثيبر مبن الشواهبد التبي تدعمهبا‪،‬‬
‫(الحاصلون على جائزة نوبل للفيزياء عن عام ‪ 2006‬ميلدية هم ممن كانت بحوثهم تدعم هذه النظرية)‬
‫ولكن وبغض النظر عن اي الفرضيات هو الصحيح‪،‬ال ان الثابت علميا ان وحدات الكون في حالة حركة‬
‫دائمة‪ .‬وان نهاية العالم ايضا ستكون ديناميكية‪ .‬بمعنى انها ستكون في حالة حركة وليست استاتيكية ثابتة‬
‫لن يتغيرالمكان فيهببا بتغيرالزمان‪ .‬فالمكان والزمان فببي حالة تغيببر‪ ،‬وبالتالي فعندمببا نسببأل عببن السبباعة‬
‫والقيامة وجب ان نسأل عن زمان حدوثها ومكان وقوعها‪ ،‬فهذا يمثل الدقة العلمية فى السؤال‪.‬‬
‫والقرآن الكريم يؤكد ان الكون سيكون في حالة حركة ( ديناميكية يوم القيامة) كما في‪:‬‬
‫ب َكمَا بَدَأْنَا أَ ّولَ َخلْ ٍق نّعِيدُهُ َوعْدًا َعلَيْنَا إِنّا كُنّا فَا ِعلِيَ" (‪ 21‬النبياء ‪) 104 /‬‬
‫جلّ ِل ْلكُتُ ِ‬
‫سِ‬‫سمَاء َك َطيّ ال ّ‬
‫"َيوْمَ َنطْوِي ال ّ‬
‫ُسنتِ‬
‫وَب ّ‬ ‫ْضن َرجّان ‪4‬‬
‫ّتن الَْأر ُ‬
‫‪ِ 3‬إذَا ُرج ِ‬ ‫خَافِضَةٌ رّافِ َع ٌة‬ ‫‪2‬‬ ‫ْسن لِوَ ْقعَتِهَا كَاذِبَ ٌة‬
‫لَي َ‬ ‫‪1‬‬ ‫َتن الْوَا ِقعَ ُة‬
‫ِإذَا َوقَع ِ‬
‫َفكَانَتْ هَبَاء مّنبَثّا" (‪ 56‬الواقعة ‪)6 -1 /‬‬ ‫‪5‬‬ ‫اْلجِبَا ُل بَسّا‬
‫ج َرتْ ‪ 3‬وَِإذَا اْلقُبُورُبُ ْعِث َرتْ"‬
‫ت ‪ 2‬وَِإذَا الِْبحَارُ ُف ّ‬ ‫ت ‪ 1‬وَِإذَا اْلكَوَاكِبُ انتََث َر ْ‬ ‫سمَاء ان َف َط َر ْ‬
‫ِإذَا ال ّ‬
‫(‪ 82‬النفطار ‪) 4 -1 /‬‬
‫جبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَاحِدَةً ‪َ 14‬فيَوْ َمئِذٍ وَ َقعَ تِ‬‫فَِإذَا ُنفِ خَ فِي ال صّو ِر َن ْفخَةٌ وَاحِدَ ٌة ‪َ 13‬و ُح ِملَ تِ الَْأرْ ضُ وَاْل ِ‬
‫(‪ 69‬الحاقة ‪) 18 - 13 /‬‬ ‫سمَاء َف ِهيَ يَ ْومَئِذٍ وَاهِيَ ٌة "‬
‫شقّتِ ال ّ‬ ‫اْلوَا ِقعَ ُة ‪ 15‬وَان َ‬
‫وغيرها في القرآن كثير كثير‪ ،‬مما يؤكد ان يوم القيامة يوم عظيم كثير الحداث‪ .‬والسؤال عن زمنه‬
‫فحسبب ل يكون كافيبا وافيبا للدللة عليبه‪ .‬وبذلك يكون اكثبر ملئمبة ودقبة والكثروجوببا مبن الناحيبة‬
‫العلميببة‪ ،‬ان نسببأل ايضببا عببن مكان رسببو السبباعة (القيامببة) ‪ ،‬ومكان حشرالبشببر‪ ،‬ومكان الديببن‬
‫(الحسباب)‪ ،‬ومتبى تسبتقر‪ ،‬وايبن تسبتقر‪ .‬فالسبؤال اذا بايان هبو المناسبب وهبو الذي يأتبي ببه القرآن‬
‫خروجا على اسبتعمالت العرب ليان‪ ،‬فيضيف اليها استعمال جديدا يدل دللة علميبة عظيمبة الشأن‪،‬‬
‫وهي ان‪ :‬فى يوم القيامة سيكون الكون ديناميكيا متحركا‪.‬‬
‫والسؤال الن وهل يصدق هذا في اليات التي استخدم فيها القرآن ايان بدل من متى؟‬
‫الجابة هي‪ :‬نعم يقينا فعل‪ ،‬ويدل على ذلك اليات‪ ،‬وما علينا ال تدبرها‪.‬‬
‫وعودة سريعة الى اليات الكريمة التي اتت فيها كلمة ايان نجد ان المفسرين قد توقفوا عند ايان مرساها‬
‫محاولين تبرير تفسيرايان بمتى ‪ .‬يقول الفراء ان الساعة بمنزلة السفينة اذا كانت جارية فرست‪ ،‬ورسوها‬
‫قيامها‪ ،‬وقيامها ليس كقيام القائم‪ ،‬انما هي كقولك قد قام العدل‪ ،‬وقام الحق اي ظهر وثبت ‪ .‬وقد اعتبرها‬
‫الفراء على سبيل المجاز‪ ،‬وهى ليست مجازا وانما هي علي سبيل الحقيقة‪ .‬فالقيامة لها زمان ومكان‬
‫يعلمهما الواحد القهار‪.‬‬
‫ش ِركُونَ"‬
‫ضتُ ُه يَوْمَ اْلقِيَامَةِ وَالسّماوَاتُ َمطْوِيّاتٌ ِبَيمِينِ ِه سُ ْبحَاَنهُ وَتَعَالَى َعمّا يُ ْ‬
‫ض َجمِيعًا قَبْ َ‬ ‫"وَمَا قَ َدرُوا اللّ َه حَقّ قَ ْدرِهِ وَالْأَ ْر ُ‬
‫(‪39‬الزمر ‪) 67 /‬‬
‫واية العراف ‪،‬عندما تجيب السائلين عن الساعة‪ ،‬تأتي الجابة (ل يجليها لوقتها) حديث عن الزمان ثم‬
‫يأتي (ثقلت في السماوات والرض ) حديث عن حال تتغير فيه السماوات والرض‪ .‬واية النازعات(‪)44‬‬
‫يأتي الجواب عن مكان الساعة الى "ربك منتهاها"‪ .‬ومثلها في اية القيامة "الى ربك يومئذ المستقر" واية‬
‫الذاريات "ايان يوم الديببن" و يكون الجواب "يوم هببم على النار يفتنون"‪ ،‬والفتنببة على النارحدث فببي يوم‬
‫الحساب والدين يكون بالطبع له زمان ومكان ‪ -‬يعلمهما ال تعالى ‪ -‬تتأجج فيه النار‪ .‬وفي اية سورة النحل‬
‫وكذلك النمل "وما يشعرون ايان يبعثون " ‪ ،‬فصحيح ان نقول وما يشعرون متى يبعثون؟ وصحيح ايضا‬
‫ان نقول وما يشعرون اين يبعثون؟ فجاءت ايان لتغني عن تكرار السؤال وتحوي المعنيين ‪.‬‬

‫ومبن هنبا نسبتطيع ان نلخبص القول فنقول‪ :‬ان القرآن الكريبم اسبتخدم متبى عندمبا اراد السبؤال عبن الزمان‬
‫فحسب‪ :‬متى هذا الوعد؟‪ ،‬أي في اي زمان يقع ويحدث‪ .‬واستخدم اين للسؤال عن المكان‪ :‬اين المفر؟ أين‬
‫تذهبون؟ ‪ .‬وعندمبا اراد ان يسبأل عبن الزمان والمكان معبا ‪ :‬فبي اي زمان؟ وفبي اي مكان؟ كان الختيار‬
‫لكلمببة ايان ‪ .‬وهذا السببتعمال خاص بالقرآن‪ ،‬وبببه يعلم البشري بة ويلفببت نظرهببم الى ان الكون فببي حالة‬
‫حركة دائمة" كل يوم هو في شأن" سواء في بداية خلقه او في نهايتها ‪.‬‬

‫من المثلة السابقة نستطيع ان نستنتج الحقائق التالية ‪:‬‬


‫‪ -1‬ان القرآن يختار الفاظبه بحيبث تؤدي معنبا علميبا محددا ول تصبلح اي كلمبة اخرى مترادفبة فبي اداء‬
‫معناها العلمي الدقيق ‪.‬‬
‫‪ -2‬ان القران ل يكتفي بالشارة الى الحقيقة العلمية فحسب لكنه ايضا يدلل على كيفية حدوثها ‪.‬‬
‫‪ -3‬ان القران ل يكتفبي باسبتعمالت العرب للكلمات‪ ،‬ولكنبه يزيبد عليهبا ويسبتخدمها بطريقتبه الفريدة التبي‬
‫يستحيل على البشر مضاهاتها لدقتها و عمق ما فيها من علوم‪.‬‬
‫‪ -4‬ان القران قبد صباغ الحقائق العلميبة المختلفبه فبي اسبلوب ادببي رائع وتبسبيط وتيسبير بحيبث ينهبل مبن‬
‫نهر معرفته الجميع‪.‬‬
‫ولقبد كان القرآن ومبا زال وسبيظل مرجعبا‪ ،‬ونبراسبا للعلم لهدايبة البشريبة علمائهبا قببل بسبطاءها‪ ،‬وسبيظل‬
‫هو السراج الوهاج الذي يمد النفس بنور هدايتة‪.‬‬
‫ج ْل بِالْ ُقرْآنِ مِن قَ ْب ِل أَن يُ ْقضَى إَِل ْيكَ َوحُْيهُ وَقُل ّربّ ِزدْنِي ِعلْمًا" (‪ 20‬طه ‪)114 /‬‬
‫"فَتَعَالَى اللّهُ اْل َم ِلكُ اْلحَقّ وَلَا تَ ْع َ‬
‫*******‬

‫مراجع البحث‬

‫‪ -1‬لباب المعاني‪،‬د‪.‬محمد شرشر‪،‬دارالطباعة المحمدية‪،‬القاهرة‪ 1405 ،‬هجرية ‪ 1985‬م ‪ ،‬القسم الول‪.‬‬


‫‪ -2‬قبس من البيان القراني‪،‬د‪.‬محمد شرشر‪،‬دارالطباعه المحمدية القاهرة‪1403،‬هجري‪،1983-‬ص‪.12‬‬
‫‪ -3‬الصبمعي هو عببد الملك ببن قريبب ابو سبعيد ‪،‬صباحب اللغبة والنحبو والغريبب والخبار والملح‪ ،‬توفبي‬
‫‪ 216‬هجري وقيل غير ذلك ‪ ،‬انباء الرواة ‪ - 2/197‬الفروق اللغوية ص ‪148‬‬
‫‪ -4‬قبس من البيان القرآني صفحة ‪34‬‬
‫‪ -5‬صفوة التفاسير ‪ ،‬د‪ .‬محمد علي الصابوني ‪ ،‬دار الصابوني ‪ ،‬المجلد الول ص ‪ ،342‬نقلت عن زاد‬
‫المسير لبن الجوزي ‪2/354‬‬
‫‪ -6‬قبس من البيان القرآ ني ص ‪ 30‬نقلها عن اعجاز القران والبلغة النبوية ص ‪ 236‬مصطفى صادق‬
‫الرافعي ‪ ،‬المكتبه التجاريه الكبرى ‪ ،‬مصر ط ‪ 1381 ، 7‬هجري ‪ 1961 -‬م‬
‫‪ -7‬معاجم اللغة التي استخدمت هنا عديدة هي ‪:‬‬
‫‪ -‬لسان العرب من موقع الوراق في الشبكة العنكبوتية المسماة النترنت‪.‬‬
‫‪ -‬القاموس المحيط للفيروز ابادي ‪ .‬الهيئة العامة للكتاب ‪ 1397‬هجري ‪ 1977 -‬م ‪ ،‬نسخة مصورة‪.‬‬
‫‪ -‬مختار الصحاح للمام الرازي ‪ ،‬دار التنوير العربي ‪ 1404 ،‬هجري ‪ 1984 -‬م ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬اساس البلغة للمام الزمخشري ‪ ،‬دار التنوير العربي ‪ 1404 ،‬هجري ‪ 1984 -‬م ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم الوجيز ‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ -‬مصر ‪ 1410 ،‬هجري ‪ 1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفروق اللغويبة‪ ،‬اببو هلل العسبكري وضبع حواشيبه وعلق عليبه محمبد باسبل عيون السبود‪ ،‬دار الكتبب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الولى ‪ 14221‬هجري ‪ 2000 -‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬معاجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم‬
‫‪ -‬معجم مفردات الفاظ القرآن ‪ ،‬الراغب الصفهاني ‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬عمدة الحفاظ فبي تفسبير اشرف اللفاظ ‪ ،‬السبمين الحلببي تحقيبق محمبد باسبل عيون السبود ‪ ،‬دار الكتبب‬
‫العلمية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الولى ‪ 1417‬هجري ‪ 1996 -‬م ‪ ،‬في اربعة اجزاء‪.‬‬
‫‪ -‬معجم الفاظ القرآن الكريم ‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ -‬مصر ‪ 1409 ،‬هجري ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬المعجم المفهرس للفاظ القران الكريم ‪ ،‬وضع محمد فؤاد عبد الباقي ‪ ،‬كتاب الشعب ‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -10‬التفاسببير التببي اسببتخدمت فببي البحببث كثيرة وهببي ‪ :‬الطبببري ‪ ،‬الطبرسببي ‪ ،‬الزمخشري ‪ ،‬الرازي‬
‫وغيرهما من موقع التفسير من النترنت ‪www.tafsir.com‬‬
‫‪ -‬الجامع لحكام القران ‪ ،‬القرطبي ‪ ،‬دار الحديث ‪ -‬القاهرة ‪ 1416 ،‬هجري‪ 1996 -‬م الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬معاني القران واعرابه ‪ ،‬الزجاج ‪ ،‬دار الحديث ‪ -‬القاهرة ‪ 1424 ،‬هجري ‪ 2004 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المنتخب ‪ ،‬المجلس العلى للشؤون السلمية‪ -‬القاهرة ‪ 1403 ،‬هجري ‪ 1983 -‬م الطبعة التاسعة‪.‬‬
‫‪ -‬صفوة التفاسير ‪ ،‬د‪ .‬محمد على الصابوني ‪ ،‬دار الصابوني القاهرة‪.‬‬
‫‪ -11‬المعلومات الفلكيبة يمكبن مراجعتهبا بالتفصبيل فبي كبل كتبب مباديبء علم الفلك الحديبث تحبت عنوان‬
‫تكون النجوم والكون‪ ،‬وسنكتب فقط هنا اثنين وهما سهل القراءة نسبيا ‪ ،‬احدهما مترجم الى العربية‬
‫‪Berg ,Fredrick, “Descriptive Astronomy”, D.Van Nostrand, 1978, New‬‬
‫‪.York‬‬
‫&‪Frank Close ,”End: cosmic catstrophe and fate of the univers, Simon‬‬
‫‪.Schuster,England, 1988‬‬
‫هذا الكتاب الخيبر مترجبم الى العربيبة فبي سبلسلة عالم المعرفبة المجلس الوطنبي للثقافبة – الكويبت‪ ،‬رقبم‬
‫‪ 191‬بعنوان النهاية ‪ :‬الكوارث الكونية واثرها في مسار الكون‪.‬‬
‫‪ -12‬التفسير البياني للقران الكريم ‪ ،‬دكتورة عائشة عبد الرحمن ‪ -‬بنت الشاطيء ‪ ،‬دار المعارف بمصر‬
‫ج‪ 1‬الطبعة الرابعة ‪ ،‬جزء ‪ 2‬الطبعه الثانية ‪.1974 ،‬‬
‫‪ -13‬التفسير البياني جزء ‪ 2‬صفحة ‪.100‬‬
‫‪ -14‬التفسير البياني جزء ‪ 1‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 15‬العجاز البيانببي للقران ومسببائل ابببن الزرق ‪ ،‬بنببت الشاطيببء ‪ ،‬دار المعارف القاهرة ‪،1987 ،‬‬
‫المسألة رقم ‪ 16‬ص ‪. 231‬‬
‫‪ -16‬الفراء هبو يحيبى ببن زياد ببن عببد ال ببن منظور الديلمبي ‪ ،‬اببو زكرياء ‪ ،‬امام الكوفييبن واعلمهبم‬
‫بالنحو واللغه ‪ ،‬كان يقال للفراء امير المؤمنين في النحو ‪ ،‬وقال عنه ثعلب ‪ :‬لول الفراء ما كانت اللغه ‪،‬‬
‫توفي ‪ 207‬هجري‬
‫‪ - 17‬المببرد هبو محمبد ببن يزيبد ببن عببد الكثبر الثمالي الزدي ‪ ،‬اببو العباس المعروف بالمببرد ‪ ،‬امام‬
‫العربية في بغداد بزمنه ‪ ،‬واحد ائمة الدب والخبار ‪ ،‬وله كتب كثيرة منها الكامل توفي ‪ 286‬هجري‬
‫‪ -18‬خصائص القران الكريم ‪ ،‬د‪ .‬فهد بن سليمان الرو مي ‪ ،‬قسم الدراسات القرانيه كلية اعداد المعلمين‬
‫‪ -‬الرياض ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ 1409 ،‬هجري من ص ‪14 – 13‬‬

You might also like