Professional Documents
Culture Documents
فإذا كانت "الساطير" التي يريد أن يقلبها هي أساطير مديري الشركات التنفيذيين ،فإن ذلك
يعني أنه سيقدم للقارئ "أساطير" المتظاهرين ضد العولمة ،والعكس بالعكس .وفي كلتا الحالتين
لن يحصل القارئ على الكثير من الجديد الذي يستحق أن يجمع في كتاب.
مثل هذه الخواطر تظل ماثلة حتى بعد أن يعلم القارئ أن الساطير التي يقصدها مؤلف الكتاب
آلن شيبمان ،هي تلك المعادية للعولمة وأن القصد من الكتاب هو تكذيب تلك الساطير .في هذا
الطار يرى الكاتب في الشركات متعددة الجنسيات خير صديق لطفال المكسيك ،قبل أن يشرح
المسوغات والسباب التي يجب أن تدفع الجماهير المسحوقة إلى حب صندوق النقد الدولي.
لكن الكاتب فيما خل ذلك يتخلى عن راديكالية العنوان ليقدم تصورا يرى في العولمة إيجابيات
دون أن يغفل ما فيها من سلبيات ،ومثل هذه المعالجة هي أقرب للتقليدية منها إلى "الجذرية"
التي يوحي بها العنوان في تفكيك أية أساطير .لكن هذا ل يعيب الكتاب ،بل ربما يكون ميزة له
إذ تقربه من التوازن والتأمل.
على العموم ،من السهل ضم آلن شيبمان إلى قائمة كثير من الكتاب والباحثين الذين يتحرشون
بما هو سائد ويجدون في معاكسته طريقا سهلة لجذب النتباه ،خصوصا إذا كانت الفكار
السائدة التي تتم معاكستها تتعلق بالعولمة ،وإذا كان الكتاب الذي يتصدى لها صادرًا عن دار
"آيكون" التي تروج لمطبوعاتها في أوساط أكاديمية معروفة بتحفظاتها على العولمة والمركة
وما تجرانه من تنميط.
لكن شيبمان ليس من ذلك النوع من الراديكاليين المتعصبين على النحو الذي حاول فريق
العلقات العامة المروج للكتاب أن يصوره .فهو راديكالي بطريقة محدودة وذكية ل تبتعد كثيرا
عن المشاعر المناوئة للعولمة .ومما يؤسف له أن الثوب الذي خلع على كتاب شيبمان سوف
يبعد عنه الكثير من القراء المحتملين.
”
العولمة الراهنة هي آخر صيغ سلسلة طويلة من "عولمات" سابقة ابتداء من التكامل الطبيعي
الزلي في النظام الكوني البيئي ومرورا بالمشاريع المبريالية الكبرى
”
لكن ما هي أطروحة كتاب "أسطورة العولمة ،وما هي أسئلته الساسية؟" .ابتداء سنجد أن
العنوان ل ينطبق على الكتاب ،حيث أن اللغط الذي يريد أن يتصدى له المؤلف هو -من وجهة
نظره -سوء فهم للعولمة وليس أسطورة تلفق عنها .ويعتقد شيبمان أن العولمة كانت موجودة
على الدوام على نحو ما ،ابتداء من التكامل الطبيعي الزلي في النظام الكوني البيئي ،ومرورا
بالمشاريع المبريالية الكبرى للسكندر والملكة فيكتوريا وجوزيف ستالين .فقد كانت هناك
الكثير من "العولمات" ،وما العولمة الراهنة التي يكثر الحديث عنها إل آخر صيغ تلك السلسلة
الطويلة.
ومن هنا فإن السطورة التي تخص العولمة ل تتعلق بوجودها نفسه .كما أنها ل تتعلق بالدعاء
الشائع بكون العولمة مضرة لعداد كبيرة من الناس.
فشيبمان يقر أن الشركات متعددة الجنسيات وتلك المدفوعة برغبات ومصالح حملة السهم
مرشحة لستغلل اليدي العاملة الجنبية الرخيصة ،وللستغناء عن أعداد كبيرة من العمال
سواء كانوا من الجانب أو الوطنيين كلما اختلت موازين ربحها .لكنه يبدي تفهما غريبا لهذه
الممارسات ،ول يتوقف لحظة للنظر في وسائل أخرى يمكن أن تخفض الكلفة بطريقة أقل
ضررا مثل تقليل المخصصات السخية التي يتمتع بها مديرو تلك الشركات.
وبينما يتفهم ممارسات الشركات يمتنع شيبمان عن أي تفنيد جدي للكثير من الطروحات
اليسارية بشأن السلوك المؤذي لهذه للشركات .لكنه في الوقت ذاته يناقش ما يراه السطورة
الكبرى وهي العتقاد بأن الشركات متعددة الجنسيات هي مهندسة العولمة التي تعبر عن نفسها
من خلل تلك الشركات.
وهنا تتجلى خصوصية راديكالية شيبمان في ادعائه بأن توسع الشركات إلى ما وراء البحار
ليس محاولة منهجية لخضاع السواق العالمية ،إنما هو محاولة لسناد السواق الداخلية
الوطنية لتلك الشركات.
ويشبه المؤلف الحملت التجارية لتلك الشركات بالحملت العسكرية فيقول "كما يتفق الجنرالت
المتناحرون على القتال فوق أراضي دول أخرى لتفادي تدمير الثروات التي يقتتلون عليها،
كذلك تفعل الشركات المتنافسة حين تنطلق إلى الخارج لكي تجمع لمعركتها الداخلية المزيد من
الرباح والشخاص والفكار النتاجية".
”
تقع على عاتق الحكومات مسؤولية إعادة صياغة العولمة بتنظيمها من خلل منظمات مثل
الثماني الكبار ومنظمة التجارة العالمية
”
وتشترك الشركات متعددة الجنسية مع الميركيين رفاقها في تأييد العولمة ،بأن كليهما كيانات
غير امتدادية نشأت على ثقافة النعزال وراء الحدود البحرية .لكن الحكومات في رأي شيبمان،
هي التي دفعت إلى التوسع الدولي من خلل محاولتها تقليص قوة السوق التي تتمتع بها
الشركات متعددة الجنسيات في الوطن.
وهكذا أرغمت المصالح الشركات الكبرى على البحث عن طرقها الخاصة لحل مشاكل الفائض
في النتاج والتدني في الستهلك التي سببتها السياسات الحكومية .وقد حققت ذلك بأساليب غير
تنافسية وشبه شيوعية عندما وضعت خططها المركزية على أساس تجاوز السواق التي تنوي
العمل فيها ،أو التحكم في توجهات تلك السواق.
وتعود المسؤولية اليوم إلى الحكومات لكي تعيد صياغة العولمة التي خلقتها على نحو يخدم
جميع الطراف ،وعن طريق تنظيم العملية كلها من خلل منظمات مثل الثماني الكبار ومنظمة
التجارة العالمية .ويعتقد شيبمان أن هذه المؤسسات ل تقوض دور الحكومات ،بل هي في الواقع
المل الوحيد الذي تملكه تلك الحكومات للبقاء.
المؤلف في جوهره رأسمالي يؤمن بالمكانات العظيمة الخيرة التي يمكن أن تحققها العولمة،
وتميزه يعود للطار الرصين الذي يطرح ضمنه آراءه وحججه بعيدا عن اللغة المنمقة التي
يستخدمها المحافظون الجدد.
وهو يرى أن المؤسسات ما فوق الوطنية إذا ما خضعت لتوجيه الدول الوطنية ،ستكون قادرة
على جعل الشركات متعددة الجنسيات أداة لجلب الرخاء إلى الدول الفقيرة في نفس الوقت الذي
تنقل فيه إلى دولها الثرية أصل المزيد من التحسس بالتنوع العالمي .وهو طرح يعترف بالحاجة
الى التغيير من جانب الشركات ،وضرورة إيقاظ الرادة السياسية لدى الحكومات .ومن شأن
طرح كهذا أن يحظى باحترام الكثير من القراء بمن فيهم أولئك الذين يتخذون موقفا مبدئيا
معارضا للعولمة.
أما نقطة الضعف الكبرى في أطروحة شيبمان فتتمثل في درجة الثقة العالية التي يضعها في
دوافع ونوايا الشركات متعددة الجنسيات .حيث ل يملك حتى أشد اليمينيين تعصبا إل أن يشعر
بالدهشة إزاء إصرار شيبمان على أن جميع الممارسات السيئة التي تصدر عن عالم المصالح
الكبرى مفروضة عليه بفعل الظروف وسوء إدارة الحكومات الوطنية.
لكن كتاب شيبمان رغم هذا النحياز الكامل للرأسمالية ،ل يريد أن يكون اعتذاريا عن الشركات
متعددة الجنسيات .إنما هو في الساس مناظرة كلمية ضد المناوئين للعولمة سعى شيبمان من
خللها إلى تصحيح ما يتداولونه من "أساطير" .وفي مقدمة تلك "الساطير" التي اهتم شيبمان
بتفنيدها الزعم بأن الحكومات باتت خاضعة للشركات متعددة الجنسيات المر الذي جعل منها
ضحية لتلك الشركات أو شريكا متواطئا معها.
”
يحمل هذا الكتاب أفكارا مثيرة وهو إنجاز ليس بالقليل إذا أخذنا بعين العتبار الكم الهائل من
الكلم الذي استنفد موضوع العولمة
”
يمكن اعتبار كتاب "أسطورة العولمة" تعقيبا ذكيا على ما يدور حول هذا الموضوع الساخن من
آراء .ورغم ابتعاده عن الصيغ التي ابتذلتها كثرة الستعمال ،فانه ل يخلو من أصداء العناوين
الصارخة للصحف الصفراء ،والصياغات النفعالية كما في قوله "التركيز على نوع اليمان
الديني الذي تعتنقه ،وتحديد الجهات التي يمكن أن تركن لحيازتها أسلحة الدمار الشامل،
والتفكير بالكيفية التي يمكن أن تحمي بها البيئة ،وغير ذلك من مظاهر النقسام في الراء ...لم
ينطلق إل من غبار برجي التجارة اللذين تقوضا في نيويورك".
ل شك أن القتصاد السياسي الدولي موضوع جاف .وبوسع المحاولت التي يبذلها مؤلفو الكتب
شعبية النتشار لتسويغه أن تحوله إلى مسخرة .لكن كتاب "أسطورة العولمة" بكل ما يحويه من
سخف ،قد جاء أيضا بقسط ل بأس به من الفكار المدروسة والطازجة.
ويصف آلن شيبمان نفسه بأنه نوع طريف من القتصاديين ،وضم كتابه طرحا طريفا للقتصاد
السياسي الدولي .فهو يعبر أحيانا عن تسامح ساذج إزاء جشع المصالح الكبرى ،حين يقول "إن
عملية جني الرباح لم تكن مطلقا الدافع الوحيد للشركات الكبرى".
ولنا أن نفترض أن القارئ كان يمكن أن يبتلع مثل هذا الدعاء المنكر لول كلمة "مطلقا" المثيرة
للستفزاز .لكنه يعود في مواضع أخرى ليؤكد أن "أعداء العولمة يمتلكون كل الحق في اتهام
اقتصاد السوق بالفراط في استنزاف موارد الكوكب والتقتير فيما يقدمونه للناس".
ومن دواعي متعة القارئ أن يتابع الكيفية التي يشق بها شيبمان طريقه الوسط بين هذين
الولءين المتعارضين .قد يكون شيبمان على خطأ ،وقد يصبح هذا الكتاب ومؤلفه نسيا منسيا في
غضون سنوات قليلة .ولكن هناك احتمال آخر بأن يتحول كتاب "أسطورة العولمة" إلى واحد
من الكتب الكلسيكية الباقية .وبغض النظر عن الحتمالين ،فإن القارئ يجد في هذا الكتاب
أفكارا طازجة ومثيرة ،وهو إنجاز ليس بالقليل إذا أخذنا بعين العتبار الكم الهائل من الكلم
الذي استنفد موضوع العولمة.
ل يوجد حتى الن تعريف دقيق لمفاهيم العالمية والعولمة ،وإنما يوجد تعدد آراء وتداخل بين
المفاهيم ،لكن اهتمام المفكرين والباحثين وأصحاب الختصاص يتركز على العولمة بسبب
ل.
انشغال البشرية فيها أكثر ،ومن هذا المنطلق سأبدأ بالحديث عن العولمة أو ً
مفهوم العولمة Globalization
تعرف على أنها مذهب القائلين بأن الرأسمالية هي ديانة النسانية ،وأن النسبية الفكرية
ستكون لها الغلبة على المطلقات اليديولوجية ،وأن مبدأ النسبية الثقافية هو المبدأ المعول عليه،
وليس مبدأ مركزية الثقافات ،وفي رأي القائلين بها إن العالم الن ينتقل من الشمولية والسلطوية
إلى الديمقراطية والتعددية ،من خلل ثورة معلوماتية شاملة تمكن العولمة من إلغاء الحدود
وحرية انتقال الناس والسلع ،بإحلل التفاعل والحوار والمنافسة والمحاكاة.
وتأخذ العولمة في إطار هذا التعريف اتجاهين ،الول إيديولوجي أمريكي يحاول قولبة أنظمة
الحياة في العالم على صورة نظامه بل مراعاة لوجود خصوصيات ثقافية قد ل يلئمها نمط
الحياة المريكي ،او تتعارض قيمها ومثلها الجتماعية مع القيم المريكية .والثاني يرى أن
العولمة هي نوع من أنواع انتخاب وانتقاء المثل النسانية العليا في كل الخبرات الحضارية،
وترقيتها لتصبح نموذجًا عالميًا يتم التعامل معه كنموذج مثالي تستهدفه المجتمعات العالمية،
فتقترب منه بما تسمح به برامج الصلح فيها ،وبقدر ما تحمله موازناتها ،وهذا التعريف ليس
سوى محاولة لتيسير التعامل مع الظاهرة ،لكن الواقع يشير إلى أن السائد هو النموذج الول،
الذي عززه انهيار الكتلة الشتراكية وفتح البواب أمام المهرولين نحو القطب المهيمن ،اتقاًء
لشره ،وذوبانًا في ثقافته فالعولمة أمركة.
ولقد انتشرت العولمة في كل ما يتصل من تفكير في العلقات الدولية منذ نهاية الحرب
العالمية الثانية وما هو مؤكد أن التوجه الحضاري النساني في العلقات الدولية الحديثة
والمعاصرة كان يعرف قبل ظهور مفهوم العولمة بمسميات أخرى مثل الدولية ،التدويل
المبريالية ،العالمية ،الكونية ،نظام الستعمار المباشر القديم ،نظام الستعمار غير المباشر
الجديد ،وكل هذا سيشكل ظاهرة يستدل منها على مفهوم علقات بين الحكومات أو بين
القوميات ،أو متعددة الطراف ،وهذه العلقات ستكون نتائجها بدون شك للدول الكثر نفوذًا
وتأثيرًا في نظام العولمة هذا ،ومهما تكن العلقات الجارية في مسرح العلقات الدولية
المعاصرة ،والمفاهيم التي تحاول الطاحة بها فهي مصطلحات تفسر نفس الظاهرة ،وتمثل
نزوع الغرب نحو الشمولية والستبداد العالمي أو الدولي ،والقاسم المشترك إلى هذا النزوع هو
السوق الحرة ،وما المصطلحات التي تسوقها الوساط الكاديمية والعلمية الغربية سوى
محض تمويه وخداع وتضليل وأدلجة وتوظيف دعائي سياسي تكتيكي للمفهوم ،وستبقى العولمة
مفهومًا سوسيولوجيًا له أهميته في علم الجتماع العالمي ،أو علم العولمة ،الذي نرغب فيه أن
ل عن أي توظيف أيديولوجي ،وهذا ما نبغي اختياره.
يكون مستق ً
مفهوم العالمية Cosmopolitanism
إذا كانت العولمة ) (1تعني وحدة الجنس البشري ،باعتبار أن العالم وحدة واحدة ،فالعالمية
ضد العولمة ،الول انفتاح على العالم ،وإقرار بتباين الثقافات والحضارات ،والثانية انفتاح على
ثقافة واحدة ،هي الثقافة المريكية ،ورفض لما عداها من ثقافات ،وإذا كانت وسيلة العالمية
النفتاح بين الحضارات؛ فإن وسيلة العولمة الصدام والصراع بين الحضارات ،وإذا كانت
العولمة غزوا ثقافيا ،واختراقا لخصوصيات الثقافات القومية والوطنية؛ فإن العالمية إثراء لهذه
الثقافات ،وتلقحها حضاريًا وعلميًا وتقنيًا.
وتقوم العالمية على المساواة والّندية بين مختلف الثقافات ،بينما تقوم العولمة على التبعية
والهيمنة والتطبيع والغزو والختراق وإفراغ الثقافة من مضمونها وانتزاع هويتها الخاصة
والترابط بين الناس برباط عولمي من اللوطنية واللقومية والل دينية واللدولة.
إن العالمية تخاطب أعمق مشاعر النسان عمومًا ،وأقوى مشاكله ،وأخص هواتفه ،والعالمي
في الدب والفن هو الذي يتصيد ،ما بين البشرية جمعاء ،العواطف المشتركة ،وما في وجدانها
من حقوق موحدة وقيم سامية ومثل عليا على الرغم من اختلف الجناس وتباين الزمان
والوطان ،ويعد الحياة كرامة والحرية حقًا ،والعدالة الجتماعية حتمًا والفضيلة جوهرًا.
فالعالمية نزعة إنسانية توجه التفاعل بين الحضارات ،والتعاون والتساند والتكامل والتعارف
بين مختلف المم والشعوب ،والحضارة العالمية نزوع عالمي يرى التعدد والتنوع والختلف
القاعدة والقانون.
هذا التعريف للعالمية يختلف عن التعريف الغربي في وقتنا الراهن ،إذ أن التعريف الغربي
الن يؤمن بالنزعة المركزية اللصيقة بالنموذج الحضاري الغربي منذ القديم ،ولهذا فإن الجديد
فيه ،هو تصاعد في درجة النزعة المركزية ،ووحدة التطبيق لها .والسبب في ذلك هو التطورات
الجديدة التي طرأت على العالم ،ومن ثم علقة النظام الغربي بالعالم غير الغربي ،والذي يطمح
في صب العالم اقتصاديًا وسياسيًا وقيميًا وثقافيًا وعسكريًا ..الخ ،داخل قوالب غربية.
من هذا المنطلق تتداخل مفاهيم العولمة والعالمية الغربية ،لتمثل مرحلة الطوفان )والذي هو
في مضمون هذه المفاهيم مجموع الدعاوي الغربية( نهاية التاريخ ،بحيث من لم يركب سفينة
نموذجه طوعًا سيركبها مكرهًا.
من هنا نقول إن العولمة والعالمية الن زعامة أمريكية ،توضحها أساليب الليبرالية المريكية
المستخدمة ،والتي نلحظ آثارها في الفروقات القتصادية الهائلة بين دول الشمال والجنوب ،على
الرغم من فروقات الكثافة السكانية الهائلة بين التجاهين ) (2كما يوضحها أيضًا تهميش دور
المنظمات الدولية لحساب مؤسسات الدولة المريكية ،فمجلس المن القومي المريكي يكاد يحل
محل مجلس المن الدولي ،والكونغرس المريكي أصبح يشرع للعالم بأسره ويصدر القوانين
التي تصنف الدول بمارقة وإرهابية ،ومحاصرة وغير محاصرة ،ودول تفرض عليها المقاطعة
والعقاب ،ودول ل تستحق المقاطعة او العقاب ،ودول يستحق إنسانها الحياة والتمتع بحقوق
النسان ،وأخرى ل تستحق ،ويصل التشريع المريكي إلى حد إصدار القوانين ،واعتماد
الميزانيات العلنية لتغيير نظم الحكم ،هذا بالضافة إلى استخدام القوة العسكرية الغاشمة لمن
تسول له نفسه بالتمرد والعصيان ،فمن لم تردعه التحذيرات والعقوبات ،تردعه الصواريخ
والمقاتلت.
النموذج الغربي للعولمة والعالمية:
كل حرب تبدأ من الكلمة .وبالكلمة تنتهي .واليوم ،حتى الصغير ،أصبح يعرف إن :الحرب هي
استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى ...واليكم المثال النموذجي والمعروف جدًا والذي يؤكد
تلك المقولة :الحرب الباردة بدأت منذ أن ألقى تشرشل خطابه في فولتون عام .1946وفورا
"بعد أن انتصرت الوليات المتحدة المريكية وحلفاؤها الغربيون في تلك الحرب الباردة باشر
هؤلء أنفسهم حربا" جديدة ـ من اجل السيطرة الكاملة على العالم .وهذه يمكن تسميتها "حرب
الكلمات" ذلك أنها بدون إراقة دماء وربما من دون طلقة واحدة قادرة على ابادة الجيوش
الوطنية وزعزعة الحدود الدولية والقومية ،وتقويض استقرار شعوب بأكملها .والسلح
الساسي في هذه الحرب ـ العولمة !!
لشك إن العولمة ظاهرة متعددة الوجه ومعقدة للغاية .ومن المستحيل الخوض في التفاصيل
من خلل مقال واحد مهما كبر .ولكن سنحاول الوقوف على بعض الجوانب الرئيسية
والمفتاحية ،من وجهة نظرنا ،والتي ستقدم تصورًا كافيًا عن هذه العملية ككل.
مهما بدا ذلك غريبًا فان أفكار العولمة ،حقيقة ،لم تظهر لول مرة ل في نهاية القرن العشرين
ول في أمريكا أو أوروبا الغربية .وإنما يمكن القول أن أول "إنسان عولمي" في تاريخ البشرية
حد
كان ..السيد المسيح! هو بالضبط الذي أعلن ،ومنذ أكثر من ألفي عام أن ما يجب أن يو ّ
البشرية ليس النتماء لعرق أو لشعب أو دولة ما ..وان ما يوحدها هي "فكرة علوية" حول
الخوة والمساواة الكاملة .لكن قطعًا لم يكن السيد المسيح يقصد أن تحكمنا حكومة عالمية ول
حتى قداسة البابا في روما ،والذي لم يرد ذكره على لسان يسوع ،بل ما قصده المخلص هو
الب السماوي.
أفكار العولمة على طريقة " السيد المسيح " كانت تفهم وتطّبق ،في القرون الوسطى ،من قبل
شرين بعقيدتهم وبالتالي بإيديولوجيتهم ،إن رجالت
أقوياء العالم بشكل مباشر ووحيد الجانب :مب ّ
الكنيسة كانوا يضطهدون مخالفيهم في الرأي بالحديد الملتهب وحاولوا تصفية أصحاب "الرأي
الخر" بالحرق أو شنوا الحملت الصليبية ضد "الكافرين“ .وقد مارس الملوك نفس الشيء
وبنفس الساليب ولكن بشكل أوسع ..إذ لم تتوقف الحروب في أوروبا ـ فعلى امتداد ألفي سنة
من التاريخ الحديث لم تعرف أوروبا ما مجموعه أكثر من عشرين سنة هدوءًا وبدون
حروب !!
الملفت للنظر انه مع كل انقلب سياسي جديد نرى المنتصرين يلجأون فقط إلى تغيير الغطاء
اليديولوجي للصلحات الجارية .في حين إن جوهر هذه الخيرة هو هو ذاته :السيطرة "ما
فوق الحكومية" ،و"ما فوق الوطنية" ،والكاملة للقلية الشوفينية على شعب بلد معين ،ومن ثم
على شعوب كل العالم.
كما قال أحد المفكرين إن السياسة هي تكثيف للقتصاد .أما أنا فسأغامر وأضيف لذلك المفكر
وأقول :إن الهرطقة الكلمية لجميع أولئك " الـ ..يين" هي مجرد غطاء تكتيكي للوصول إلى
هدف استراتيجي واحد -أل وهو دومًا السيطرة الكاملة والشاملة ،القتصادية في الدرجة
الولى ،على العالم .إنما اللحظة التاريخية فقط هي التي تفرض من حين لخر التوجهات
ل وأخيرًا.
السياسية اللزمة لتحقيق ذات الهدف أو ً
بخلف الشتراكيين -المميين السابقين ،إن " المميين " )الحاليين ـ العولميون وفي صراعهم
مع اليديولوجيا الشيوعية( ل يجهدون أنفسهم بتقديم أية أدلة على صحة وجهة نظرهم ،ببساطة
هم اعتبروا آباءهم الروحيين والسابقين لهم ،أي الشيوعيين المميين" ،خارجين عن
القانون"؛ وان أفكارهم غبية وهّدامة ،وفي أفضل الحالت هي أفكار خاطئة وانسدادية الفق أي
غير قابلة للتطبيق.
لكن في الواقع فان أوجه القرب أو التشابه بين هذين التيارين من الممية هو أكثر مما يبدو
ل هؤلء وأولئك يعتقدون بإمكانية التحكم
للوهلة الولى .التشابه ينبع من وحدة الهدف .مث ً
بالعالم من خلل القوميسارات أو عملء ّفعالين .فمن اجل الستيلء على بقعة أو بلد ما يتوجب
بداية تأسيس وصياغة ومن ثم زرع الغطاء اليديولوجي اللزم لمثل هكذا "عملية" .بالضبط
لهذا السبب يتم اليوم الستيلء على الصحف وقنوات التلفزة كما كانوا سابقًا يسعون ولو عبر
المعارك والقتال للسيطرة على محطات القطارات ومراكز البريد والهاتف .نظريًا ،أكثر أهمية
فهو أن أية عولمة حالية أو لحقة ل تضع هدفًا لها تحسين مستوى معيشة الغلبية .نظريًا ،في
الشعارات ـ نعم .أما على ارض الواقع ـ هراء .ففي عصر الشتراكية كان يقدم لتلك الغلبية
الحد الدنى للمتوسط الضروري ـ في الحقيقة ليس أكثر من مستوى حافة الفقر حيث فعلً لم
يكن يوجد جائعين بالمعنى الحرفي للكلمة .وبما انه من المستحيل أن نصبح جميعًا أغنياء كفاية
فقد كانت أمام المجتمع مهمة إيديولوجية ترمي لبناء "إنسان واعي فوق العادة“ ،الذي يجب أن
تبقى متطلباته المادية في الحدود الدنيا الممكنة للبقاء .تذّكروا شعار مرحلة الشيوعية المنتصرة:
"من كل حسب استطاعته ،ولكل حسب حاجته" ــ شعار بقدر ما هو رنان بقدر ما هو خيالي.
الحقيقة هي إن متطلبات الفرد ل حدود لها .كلما ازداد تملكه ــ كلما كبرت رغباته وحاجياته.
ولن تكون نهاية لتلك الثنائية .على كل حال طالما أن الكرة الرضية مصابة بداء الستيطان
من قبل بني البشر ؟! .
ذات القضايا والشكاليات كانت قائمة في حينه أمام رجالت الكنيسة .في البداية ،أنكرت
المسيحية على المؤمن الغنى الشخصي واعتبرت الثروة آفة ،بينما صار الفقر يعادل الكبرياء و
بطاقة مرور إلى جنات السماء .خصوصًا لو أصبح المرء فقيرًا بسبب تبرعه بأمواله في سبيل
قضية إيمانية .فقط من يضحي لجل "الهيكل" )أي لجل الفكرة( ،والذي ل يملك سوى "ما هو
ضروري للعيش" ،كان لديه المل في دخول الجنة السماوية .أما المبشرون الرئيسيون لهذه
اليديولوجية ـ باباوات الكنيسة في روما ـ فقد أحاطوا أنفسهم بكل أشكال البذخ والثراء لدرجة
الل معقول.
ظر
لشيء جديد في عالمنا الرضي .فكل ما يجري في أيامنا معروف وواضح .ومهما ن ّ
العولميون ـ المميون الحاليون فان العولمة تسبب فرزًا عميقًا في المجتمع وفق درجة التملك.
أما المجتمع الديموقراطي ،خصوصًا في بلدان الشتراكية سابقًا ،فلم يعد له وجود بعد أن
انقسمت تلك المجتمعات إلى "سوبر أغنياء" ،وفقراء بالمعنى البسيط والدقيق للكلمة .وحتى في
الوليات المتحدة المريكية ـ قلعة العولمة ـ فقد انخفضت أجرة العمل حوالي %10من قيمتها
الفعلية خلل العشر سنوات الخيرة .هذا ما يعلنه صراحة معارضو العولمة في أمريكا ،بينما
ينكرونه ويتسترون عليه خبراء القتصاد ـ العباقرة في روسيا ـ أصحاب التوجه الغربي.
ومن خصوصيات العولمة الحالية هو حصول تبدلت بنيوية في سوق الستهلك في البلدان
الغربية المتطورة اقتصاديًا .ذلك إن البضائع والخدمات التي كانت متوفرة للغنياء فقط في
السابق كانت تدريجيًا تصبح في متناول الطبقة الوسطى .أما الن يجري تناقص فعلي في
الموارد والخدمات ذات الطابع الشعبي الواسع ..بينما النخبة تسبح في سوق السلع الفخمة
خرا في مصاف
والعجائبية .وهذا يحصل أبدًا ليس لن المواطن المريكي قد أصبح مؤ ّ
الثرياء .وهنا قد يتبادر للذهن سؤال عن العلقة بين العولمة وبين انخفاض مستوى معيشة
المريكي أو الروسي أو اللماني ..الجواب بسيط للغاية .عندما يتحول راس المال الوطني ،في
مثالنا المريكي أو الروسي أو اللماني ،إلى راس مال عابر للحدود ،حينها فانه يفقد بقايا ما
يسمى "الوطنية"؛ ذلك أن الشركات الفوق ـ قومية ،المريكية وغيرها ،وبعد أن تتحرر من
انتمائها لية دولة ،تبني مصانعها ومؤسساتها أينما يحلو لها بمجرد أن تتوفر اليد العاملة والمواد
الخام الرخيصة .بالتالي فان المريكيين وغيرهم ،الذين اعتادوا على أجور عمل ممتازة لقاء
أعمالهم الرفيعة ،سيفقدون أماكن العمل وبعدها الجور العالية .كما انه ،وهذا هو الهم ،لن
يعود هناك مفهوم "خيانة الوطن" بالنسبة لذلك "المواطن العولمي“ ،طالما أن مفهوم الوطن
بحدوده المعروفة سابقًا لم يعد له وجود بالنسبة لذاك "المواطن المعولم“ .بل ينشأ لديه مفهوم
جديد هو "البيت" الذي يبنيه أو يشتريه حيث يجد الراحة في لحظة ما .لهذا بالتحديد لجأ من
يعرفون اليوم بـ "الروس الجدد" إلى نقل أموالهم ،وسوف يقومون بنقل كل ما يستطيعون
"تحصيله" في روسيا إلى الخارج .إن تحويل روسيا إلى مجرد مصدر مواد خام تابع للقتصاد
الغربي ـ هو في راس أولويات العولمة الحالية .وقد سبق واعد نفس المصير لبلدنا منذ أكثر
من مائة عام من قبل الشيوعيين ـ المميين .لقد تم في حينه توظيف الطاقات القتصادية
والعسكرية لروسيا من اجل إزالة النظام العالمي المبريالي القديم ذو الخصائص القومية وذلك
من اجل بناء الممية الشيوعية .لكن السلطة الروسية حينذاك تمكنت من قلب المعادلة وبعد أن
تخلصت من أباطيل وأوهام الثورة العالمية قامت بنقل البلد إلى مصاف الدول العظمى في
ضر نفس المصير لروسيا ـ امتداد من الثروات الطبيعية ملحق باقتصاد أوروبا
العالم .الن يح ّ
الغربية وأمريكا الشمالية .ونحن نسير "بنجاح" في هذه الطريق وبسرعة باهرة جديّ .صعد
عدد السكان حتى الـ 50مليون نسمة "المقررة والمسموح لنا بها ،ولذلك نقوم بتهديم كل ما ل
يتعلق بتامين عمل القطاعات المعتمدة على التصدير؛ وهمنا المحافظة على المستوى المطلوب
للغرب من إنتاج النفط والغاز .أما احتياجات القتصاد الروسي فل تهم أحدا "بشكل جدي".
بالنسبة لهم أوروبا الموحدة ،أما نحن " حق القليات والقوميات في تقرير المصير " لدرجة
الفظاعة والنفخ المتزايد في الصراع المفتعل بين ديانتين تاريخيًا متعايشتين في روسيا :المسيحية
والسلم.
خلل شهري حزيران ـ تموز 2001فقط هبطت أسعار النفط والغاز في السواق العالمية
بنسبة %15وبالنسبة للنفط الروسي .%20إن تلك الواقعة يمكن أن تعني بداية النهاية
"للعجيبة القتصادية" التي وكأنها تحققت في عهد النظام الجديد لروسيا ،ذلك أن المقياس لحياة
طبيعية في البلد ـ الميزانية ـ ل تزال تبنى ليس على بعث وزيادة النتاج المحلي ،وإنما فقط
على ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز المصّدر .فإذا ما انخفضت السعار ـ تهتز الميزانية :إن
سياسة العولمة لن تسمح لروسيا أبدًا بالنهوض والوقوف على قدميها .بالطبع طالما إن حكومتنا
الوطنية ستستمر في نهجها الموالي للغرب وبشكل أعمى والذي سيؤدي ل محالة إلى الهلك
كلنا نعرف كلمة العولمة و لكل شخص منا حكم ايجابي أو سلبي أو هما معا عليها ،لكن هل
نعرف حقيقة العولمة وما هي أسباب ظهورها .بسبب ما يسمى بثقافة المنتديات أو اليميل،
أصبح لدى العديد منا حكم و معرفة خاطئة بهذه الظاهرة بسبب أشخاص سيطرت العاطفة على
أحكامهم .قليل هم من حاولوا التكلم عنها بشكل موضوعي لكن في أغلب الحيان كان الحكم
المسبق هو سيد الوضع.
اذا تطرقنا للتعريف العلمي لظاهرة العولمة ،نجد أن كلمة عولمة أصلها عالم و العولمة تنص
على توحيد العالم أو العوالم المختلفة لجعلها عالما واحدا .العولمة كمصطلح فهو جديد ويعود
الى التسعينات يحدد اقتصاد عالمي ،تتحرك فيه جميع السلع و البضائع بحرية و دون أي
عائق ،تصبح فيه الدول و الشركات و وحدات النتاج تلحظ تنافسا عالميا و يقاس تطورها و
نموها بمقياس عالمي .فالعولمة هي توحد اقتصادي عالمي ينص على حرية تنقل البضائع و
السلع ،رؤوس الموال و الخدمات بحرية ودون أي عائق في العالم أجمع أي حرية الستيراد و
التصدير دون أي نوع من أنواع الرسوم الجمركية على سبيل المثال.
تاريخيا ،ارتبط مفهوم العولمة بمفهوم معرفة وادراك تواجد الغير .فما ان بداء النسان بادراك
أنه ليس الوحيد في العالم و بداء في تطوير و سائل التصال مع العالم الخارجي بدأت بوادر
العولمة الولى بالظهور ،و لقد ساهم تطور وسائل النقل بالسراع في حدة تكوين علقات تجارية
بين مناطق العالم ،وكان للعرب دور كبير في ذلك.
حاليا ،شبكة النترنت مثلت دور مسرع نفاث لهذه الظاهرة ،لنها لغت المسافات ،واصبح
بالمكان التصال بمناطق بعيدة وتحويل رؤوس أموال ضخمة عن طريق الشبكة في لحظات
قصيرة ودون رقابة وهذا المشكل بالظبط هو ما يهدد مستقبل الستثمارات الخارجية الغير
مباشرة.
العديد منا يتكلم عن العولمة كأنها مؤامرة محبوكة ضد المسلمين و العرب أو دول العالم الثالث
أجمع ،لكن في الحقيقة العولمة حقيقة فرضت نفسها على العالم و مقدر لنا الخوض فيها ،لم
يخترعها أحد و لم تتفق عليها جماعه معينة بل هناك من اتفق معها وهناك من لم يفعل ،
ظهورها أمر محتوم للبشرية ،انما هناك جهات مستفيدة منها وتطمح الى التسريع في وتيرتها
،وجهات متضررة منها تحلم بايقافها و سنتطرق لهذا الموضوع بالتفصيل في موضوع لحق ان
شاء ال.
في الماضي عند بداية استقرار النسان الول و اعتماده على الفلحة عوض الرعي و التجوال
تكون نظام معين عبارة عن قرى أو مدن لها حكمها الذاتي و جيشها الخاص بها و كان النتاج
المحلي لتلك التجمعات يسوق داخلها فقط ،و حتى فائض النتاج رغم قلة حجمه يتم تخزينه ولم
يكن هناك أي طموح قصد التصدير أو تكوين علقات تجارية مع تجمعات و مدن أخرى .وعند
بداية ظهور مفهوم الدولة تقريبا عرفت تلك المدن انفتاح على المناطق الخرى فتكونت علقات
تجارية بينها حيث كانت المدن المنتجة بكثرة مهيمنة على السوق.
حاليا ،يتوجه العالم نفس التوجه انما بشكل أكبر بكثير ،و هذه المرة المنافسة بين الدول.
في النصف الول من القرن العشرين كانت الدول رغم انفتاحها على باقي العالم تتحكم بأسواقها
عن طريق فرض رسوم جمركية و خلق حدود و موانع لتنقل السلع.
بالنسبة للرسوم الجمركيةالمفروضة على وارداتها لم يكن الغرض منها هو اغناء الخزينة العامة
كما هو معروف لكن المقصود هو حماية الصناعة و النتاج المحلي ،كمثال على ذلك نفترض
أن دولة تنتج منتوج معين لكنه غير كافي لتلبية الطلب المحلي ،فتقوم بفتح أسواقها لشركات من
دول أخرى قدرتها النتاجية كبيرة و كافية لتلبية الطلب ،لكن في الغالب ان لم نقل دائما يكون
ثمن المنتوج المستورد أرخص من ثمن المنتوج المحلي ،وهناك نظريات اقتصادية تشرح
لماذا ،ل داعي للتطرق اليها حاليا ،فتقوم الدولة حينذاك بفرض رسوم جمركية على ذلك
المنتوج كي يصبح ثمنه يساوي أو أغلى من ثمن المنتوج المحلي ،فيفضل المستهلكون المنتوج
المحلي لرخص ثمنه ،ويتم بذلك حماية النتاج الوطني.
عرفنا سابقا أن العولمة تنص على تحرك السلع و البضائع بدون أي قيود أو حواجز ،اذن سيتم
الغاء الرسوم الجمركية فستختفي وسيلة حماية النتاج المحلي و يصبح تحت رحمة الشركات
الكبرى المتعددة الجنسيات .هذه واحدة من سلبيات العولمة و سنتطرق الى المزيد منها ومن
اليجابيات كذلك في موضوع قادم ان شاء ال.
ظاهرة العولمة لها وجهان أحدهما سلبي و الخر ايجابي .ل يمكن تجنبها مهما كان المر .هناك
من المحللين و المفكرين من ربط سقوط النظام الشيوعي الشتراكي بظاهرة العولمة لن ذلك
النظام كان رمزا للنغلق.
الفرق بين نحن العرب و الغرب فيما يخص ظاهرة العولمة هو أن الغرب سارعوا الى التأقلم
معها و ال استغللها ،فأصبحوا أسياد العالم الجديد ،لكننا نحن العرب فشلنا في ركب التيار و
صرنا مستهلكين خاضعين للغرب .لننا ركبنا التيار بشكل مقلوب الدول الغربية رأت العولمة
كوسيلة لغزو العالم و نحن العرب رأيناها وسيلة للستهلك العالم و كان هذا من أكبر الخطاء
اللتي ارتكبناها .و أصبحنا بذلك مجتمع استهلكي بامتياز .فالذهب السود الذي طالم اعتبر و
سيلة خلصنا من لقب التخلف أصبح مفتاح دخولنا الى زنزانة التخلف ،لن ريعه وفر كميات
هائلة من النقود مما جعل المواطن العربي و الخليجي خاصة مواطن مدلل بعمل قليل يجني
الكثير ،وتصرف عليه الدولة مما طمس لديه نزعة الختراع و البداع و النتاج لمدة ل بأس
بها.
منذ دخول اللفية الثالثة نلحظ أن دول الخليج بدأت بتدارك المر ولو أنها متاخرة في ذلك،
وبدأت بتشجيع المقاولت الخاصة و أول بوادر صادراتها الى السوق العالمي بمواد غير نفطية
بدأت بالظهور خاصة دولة المارات العربية المتحدة .
لقد رأينا أن العولمة ظاهرة ل يمكن اجتنابها ،وتنص على خلق عالم موحد تتحرك فيه السلع و
البضائع ،رؤوس الموال ،الخدمات ،الثقافات ...الخ .بشكل حر ودون أي عائق ،لكن ماهو
تأثيرها على الدول في طور النمو و الدول المتقدمة؟
و ل تزال العولمة تفعل فعلها اليوم وتثير خلفات عديدة ،سواء في العالم الغربي حيث نشأت،
أو في بقية بلدان العالم الخرى حيث كثرت النقاشات والراء المتضاربة حولها .وتثير النقاشات
حول العولمة في الساحة الثقافية العربية تحديدات غالبًا ما تفتقر إلى تناول العولمة كمفهوم له
مركباته ومستوياته وامتداداته ،كما تفتقر إلى تناول العولمة من حيث هي ذاتها ،إذ تنتقل إلى
تناول آثارها ونتائجها ،بناء على موقف إيديولوجي معارض أو متحمس للعولمة ،وفي كلتا
الحالتين غالبًا ما يتم قسر النقاش في جانب أو مستوى وحيد ،دون أخذ الظاهرة في مجمل
تجلياتها المختلفة .وفي معرض تناول العولمة والتحولت المصاحبة لها تحاول مقالت هذا
الكتاب رصد وفهم بعض التحولت التي تجري في سياق العولمة ،وسبل صناعة القوة الذاتية.
وقد برزت في العالم معطيات كبيرة على المستوى التكنولوجي مع التحول الذي ظهر في
التسعينيات من القرن العشرين وتجلى في النتقال من التكنولوجيا الصلبة ) (Hardwareإلى
التكنولوجيا الرخوة ) ،(Softwareوأدى ذلك إلى ثورة في التصالت والمعلومات
والختراعات ،حيث تدفقت المعلومات والصور عبر القاليم الجغرافية والقارات ،وازدحم
الفضاء بالمركبات وبآلف القمار الصطناعية ،فأرست بهذا التكنولوجيا سيرورة مطردة ل
يمكن إيقافها أو حدها بحد معين ،ونجم عنها اتصالية على مختلف الصعد ،كان لها أثرها الفعال
في النتاج والستثمار والتسويق والستهلك .ول يزال هذا البعد وتموضعاته بعيدًا عن النقاش
المحتدم في المستويات الخرى ،خصوصًا في المستويين القتصادي والثقافي للعولمة ،رغم أن
التحكم في تكنولوجيا المعلومات يحيل إلى تعزيز المصالح الجيوسياسية لقوى الهيمنة العولمية،
ويتحكم في مسار العولمة.
وإن كانت العولمة ،كظاهرة حضارية ،لها تجلياها المتعددة ،التكنولوجية والقتصادية والسياسية
والجتماعية والثقافية وغيرها ،ولها تأثيراتها الواسعة حتى على مستوى النظمة الفردية
والفرعية في المجتمعات ،مثل العائلة والحياة الخاصة لكل فرد ،فإن المؤلف يرى أن العالم اليوم
يمتلئ باليقينيات على مختلف الصعد ،كما يمتلئ بأسئلة الشك على مختلف المستويات .لكن مع
ذلك تغير العولمة مشهد العالم اليوم قصد توحيده بقدر ما تغير العلقة بالشياء والفكار ،حيث
يتشكل واقع جديد ،ل مجال الن لرسم حدوده الحاضرة أو المستقبلية بصورة نهائية وحاسمة.
وبالتالي فإن ما يجري اليوم ،حسبما يقول المؤلف ،من أحداث وتطورات مليئة بالدروس
والعبر ،لكن المجتمع الذي ل يعتني العناية الفائقة بأسئلة حاضره وراهنه ،فإنه حتمًا سيمنع عن
نفسه الستفادة من هذه الدروس بما يخدم واقعه ومستقبله .فل نستطيع مواكبة العصر ،إل
بالتواصل الفعال مع أسئلة الواقع ،والتفكير في بلورة إجابات عليها .فالعولمة تنطوي على
عمليات واسعة ،تكرس الل مساواة بين الدول وعدم الستقرار في كثير من المواقع.
وعلى المستوى الثقافي برزت مسألة جديدة تمثلت في تحول الثقافة إلى اقتصاد ،إذ يتم تحويل
الثقافة إلى سلعة للستهلك من خلل الصور والعلن والنماذج السلوكية ،كما تجري عمليات
تذويب الفكار والرؤى الخاصة بكل ثقافة ،وتختزل اللغات إلى مجرد رموز وأرقام صناعية.
وحيث يتحول المجتمع إلى مجتمع المشهد ـ الصورة ،فإن العلن يلعب بشكل متزايد دور
الوسيط بين السلعة والسوق ،بل ودورًا مثيرًا في توجيه فعاليات الثقافة المتعددة والشركات أو
المؤسسات الراعية لها .وهكذا تصرف مليين الدولرات على العلنات لفيلم أو مسلسل
هوليودي بغية تسويقهما ،وتوظف الرساميل الكبيرة في العلن كي يلعب دور الوسيط الكامل
بين الثقافة والقتصاد .ول شك أن الحديث اليوم عن تسليع المشاعر والفكار وأنماط السلوك
الشخصية أخذ يكتسب صحة ومصداقية أكثر من أي يوم مضى ،وأخذت تلقي صناعة النجم
الثقافي والفني والتجاري رواجًا كبيرًا في عالم اليوم .ويعتقد المؤلف أن شرط النجاح في
مشروع العولمة ،هو خلخلة البنية الثقافية الذاتية وغرس مفاهيم وقيم ومعايير الثقافة الغربية في
جسد الشعوب والمجتمعات ،لذلك يطرح مقولة المن الثقافي للتحرر من المؤثرات »الخارجية
الوافدة« ،معتبرًا إياه أعلى مظاهر استرداد الهوية ،وبالتالي يطالب بالمقاومة الثقافية الذاتية
لمشروعات الختراق ،وهذا يبين مدى خوفه من تأثيرات العولمة على الصعيد الثقافي.
ويثير المستوى القتصادي للعولمة مسائل عديدة ،بوصفه الموجه الرئيس لسيرورة العولمة،
ويتجلى في ظواهر مختلفة ،يتداخل فيها بروز الشركات العملقة العابرة للقارات والمتعالية على
الدول والقوميات مع التوسع الكبير لسواق المال ،وارتباط القتصاد النتاجي باقتصاد طفيلي
يستفيد من المضاربات ومن قوانين التشجيع على الستثمار .وتتعقد المسألة القتصادية في
البلدان السيوية والفريقية ذات القتصاديات الضعيفة والتي تشجع الستثمار ،حيث أصبحت
هذه الدول مرتعًا لرأسمال استثماري ،يحتمي فيها من دفع الضرائب ،ويستفيد من المتيازات
التي تمنحها هذه الدول ،وتمتّد تدخلته لتطال القرار السياسي للدولة .وينظر المؤلف إلى هذا
المستوى من زاوية تأثيره على العالمين العربي والسلمي ،حيث يطالب رجال العمال
بالتفكير في تحويل بعض المؤسسات القتصادية والتجارية إلى شركات مساهمة ،ولكن ل أعتقد
ل عن أن قوى الهيمنة تحاول فرض شروط
ل للتخفيف من تحديات العولمة ،فض ً
أن في هذا سبي ً
اقتصاد السوق الحر على مختلف الدول ،ويلعب في هذا المجال رجال العمال أينما كانوا دورًا
مميزًا يخدم مصالحهم .وقد أظهرت مؤخرًا قوى المال المصرفي والستثماري قدرة كبيرة في
التحكم بالقرار السياسي لبعض الدول ،بل وحتى في مصير تلك الدول واستقرارها السياسي
ل ،النمور السيوية بين ليلة وصباحها إلى نمور من ورق نتيجة
والجتماعي ،فقد تحولت ،مث ً
تحويلت فورية لرأس المال العولمي.
ويثير المستوى السياسي للعولمة مسألة المركة ،أو محاولة الوليات المتحدة الميركية فرض
هيمنتها على المم ـ الدول الخرى ،عبر محاولة تخليق المم ـ الدول حسب مقتضيات
استراتيجية تبعيتها للمنطق الميركي المالك للقوة العسكرية النووية المدمرة .ويصور هذا
المنطق أميركا بوصفها المالك للحق في إنتاج وبيع أسلحة الدمار الشامل دون سواها ،ويعتبر
مصالحها القومية مصالح كونية وشمولية ،كما يسوغ النمط الميركي في الديمقراطية الليبرالية
ل عن محاولة فرض معيارية حقوق النسان التي يتبجح بها الخطاب
بوصفه النمط المثال ،فض ً
السياسي الميركي .وهكذا فإن استقللية الدولة ـ المة ليس لها مصير ،في ظل العولمة ،غير
المزيد من الضمحلل والزوال ،حيث تتناقص قدرة الدولة على ممارسة سيادتها في ضبط
عمليات التدفق المتواصل للمعلومات والفكار والموال والسلع والصور عبر حدودها ،وحّدت
ثورة التصالت والعلم من أهمية الحدود الجغرافية والقليمية .لكن المستوى السياسي
للعولمة ليس هذا فقط ،بل يقترن بانتشار الديمقراطية على المستوى الدولي شيئًا فشيئًا ،لكن كل
الحتمالت تبقى مفتوحة نحو سلم عالمي أو نحو استراحة ما بين مرحلتين من الحروب التي
كثرت في زماننا.
كما يؤسس هذا المستوى لمعارضات مختلفة بين الخصائص والتمايزات القومية ،وهو ما يفسر
بروز النزعات القومية والثنية الجديدة وإحيائها في ظل العولمة ،وقاد العديد من الباحثين إلى
اعتبار العولمة ليس مجرد عالمًا أحاديًا ،بل متنوعًا من خلل ظهور أقطاب عديدة ،مثل اليابان،
والتحاد الوربي ،والنمور السيوية والصين وسواها .من هنا يمكن فهم تأكيد المؤلف على
الثقافة الوطنية ومسألة الهوية ،رغم أن هذا التأكيد ل يجد تحققه إل في المجالين العربي
والسلمي لديه ،فنراه يطالب بالبحث عن أطر مجتمعية لتفعليها وجعلها حاضرة في الحركة
اليومية .كما يعتقد أن استيعاب التقنيات الحديثة ومكاسب العولمة ،يشكل الخطوة الولى لتحريك
عناصر الثقافة الوطنية ،وتنشيط أطرها المجتمعية.
إن الهم الذي يؤرق المؤلف هو بالدرجة الولى ثقافي ،من منطلق الحفاظ على الهوية ،وهذا
السؤال ل يزال ينير عتمة الكتابات العربية منذ عصر النهضة إلى يومنا هذا ،لكنه بقي سؤا ً
ل
بفعل التسمية ،يستجر مشاريع فاشلة في التحرر والنهوض ،ويستدعي كل دعوة تأصيلية.
وظلت إشكالية التنمية التي يعلن عنها العنوان الفرعي للكتاب بعيدة عن التناول الفعلي ،فليس
المهم الدخول في التاريخ العالمي ،والمشاركة الفعالة في الحضارة النسانية ،بل المهم في منطق
تفكير المؤلف هو التأصيل لمختلف المفاهيم والمعارف الحديثة ،مع أنه ل يفهم التأصيل في
البحث عن دليل شرعي عن واقعة أو ظاهرة اجتماعية ،إنما بوصفه جهدًا نظريًا يروم بلورة
نظرية معرفية متكاملة.
لكن كيف يمكن بلورة ذلك؟ ل يجيب المؤلف عن سؤال كهذا ،بل يذهب إلى التعميم والختزال،
حيث يكفي القول بأن المثاقفة والتواصل المعرفي الجاد مع منجزات النسان الحديث ومكتشفاته
الجديدة ،يشكل جزءًا من مفهومه لعملية التأصيل في العلوم الجتماعية .هكذا يفهم المؤلف
تحديات العولمة ،وينظر إلى الواقع العربي والسلمي وفق تعميمات ل تقدم ول تؤخر شيئًا في
»الخطار الكبرى التي تواجهنا في العالمين العربي والسلمي« ،مع أن هذا الجمع بين هذا
العالمين يشكل بحّد ذاته جمعًا بين بلدان ومجتمعات ل تشترك بذات الهموم والشكاليات إل في
نطاق تجريدها وعمومياتها ،فمجتمع مثل ماليزيا أو تركيا ،ل يواجه ذات المشاكل والهموم التي
يواجهها بلد مثل السعودية أو سوريا أو غيرهما من البلدان العربية والسلمية ،لكن في هذا
التعميم يمكن الكلم عن أي شيء ،وهو إجراء يحاول عدد من الكتاب اللجوء إليه وفق منطق
التعميم ،فما يصلح لهذا البلد يصلح للخر ،وهكذا يبدأ فعل التسمية فعله ،دون التكلف بتسمية
الشياء بمسمياتها الفعلية.
إن مستويات العولمة وفضاءاتها تكشف عن إيهامات عالم أثيري .عالم متحرك ومتعال وفوق
واقعي ،يحمل بين طياته نماذج لتعبيرات القوة المختلفة المظاهر ،فيها من التشابه والتطابق بقدر
ما فيها من السطوة والقسر والختزال ،وليست تأثيرات عمليات العولمة ذاتها لمختلف بلدان
العالم ،بل تختلف من بلد لخر .ولن يذوب الختلف فيها أو يقصى لصالح تكنولوجيا النمذجة
والتصّنع وإيديولوجيا الهيمنة القائمة على تراتبية القوة وتجسيداتها ،وعليه فإن هذا المر
يستدعي قراءة معطيات الحاضر لكل بلد قراءة جديدة ،وضرورة تشكيل استراتيجيات لمواجهة
سلطة إيديولوجيا الهيمنة وتراتبية القوة التي تتحكم في مسار العولمة ومستوياتها ،وتبني ثقافة
منفتحة تقوم الحوار والتفاعل والتواصل بين مختلف الثقافات والحضارات العالمية مقابل الثقافة
المنغلقة الحادية والمهيمنة ،وكان بودنا أن نقرأ في هذا الكتاب ما وعد به المؤلف في إضاءة
بعض المور المتعلقة بالتحولت والتطورات التي تجري في بلد معين في سياق عمليات
العولمة المتسارعة.