You are on page 1of 203

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫مما ينافي التوحيد ترك الحكم بما أنزل الله‪ ،‬والحكم بسواه من أنظمة‬
‫ن"‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫البشر‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪" :-‬وَ َ‬
‫جَر‬ ‫ما ش َ‬ ‫َ‬ ‫موك ِفي َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حك ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫)المائدة‪ :‬من الية ‪ ،(44‬وقال‪" :‬فل وََرب ّك ل ي ُؤ ِ‬ ‫َ‬
‫سِليمًا" )النساء‪:‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫موا‬ ‫ّ‬
‫ضي ْ َ َ ُ َ ُ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫كما ً ل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬‫‪ ،(65‬وقال‪" :‬أفَ ُ‬
‫ن" )المائدة‪ ،(50:‬واليات في هذا كثيرة معروفة‪.‬‬ ‫ُيوقُِنو َ‬
‫ً‬
‫وفصل الدين عند الدولة‪ ،‬وإبعاد حكم الله وشرعه أن يكون حاكما على‬
‫الناس هو السائد الن في أغلب بلد المسلمين‪ ،‬حيث يحكمون بشرائع‬
‫وقوانين بشرية ما أنزل الله بها من سلطان‪ ،‬وهناك من يهون من هذا المر‬
‫ويقلل من شأنه مع أنه كفر بواح‪.‬‬
‫قال العلمة عبد الرحمن بن حسن في )فتح المجيد(‪ :‬فمن خالف ما أمر الله‬
‫به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله‪ ،‬أو‬
‫طلب ذلك اتباعا ً لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة السلم واليمان من عنقه‪،‬‬
‫ما‬ ‫وإن زعم أنه مؤمن‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪" :-‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫َْ َ َ ِ‬
‫مُروا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫ت وَقد ْ أ ِ‬ ‫موا إ ِلى الطاغو ِ‬ ‫حاك ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك يَُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ك وَ َ‬
‫ضلل ً ب َِعيدًا" )النساء‪.(60:‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫وهناك أمر آخر ينافي كمال التوحيد‪ ،‬وهو أنه توجد في بعض الدول التي تعلن‬
‫التزامها بالسلم أنظمة مصلحية ل تخالف كتاب الله ول سنة رسوله‪ ،‬كبعض‬
‫التنظيمات الدارية والمالية والمرورية والبلدية‪ ،‬وليست الخطورة في وجود‬
‫هذه التنظيمات‪ ،‬وإنما واقع الناس حيالها‪ ،‬حيث إنهم يعطونها من الحترام ما‬
‫ل يعطونه لمر الله ونهيه‪ ،‬فيعظمون من شأنها ويجرمون مخالفها ويشنعون‬
‫عليه مما ل يفعلون مثله لو خالف أمر الله وحكمه‪ ،‬بل تجدهم تجاه أحكام‬
‫الشرع يبحثون له عن الرخص‪ ،‬ويأخذون بأدلة عامة تذهب ريح أحكام الشرع‬
‫وتقلل من هيبتها‪ ،‬وتهون مخالفتها‪ ،‬فيعظم في نفوس الناس أوامر البشر‬
‫وأحكامهم‪ ،‬ويضعف عندهم وازع الدين وهيبة الشرع‪ ،‬وهذا فيه من منافاة‬
‫كمال التوحيد ما فيه‪ ،‬بل قد يصل إلى الخروج عن التوحيد إلى الكفر‬
‫ن‬‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ريقٌ ِ‬ ‫م إ َِذا فَ ِ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫عوا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫والشرك "وَإ َِذا د ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫خافو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ َ‬ ‫ض أم ِ اْرَتاُبوا أ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن أِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫عِني َ‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫حقّ ي َأُتوا إ ِلي ْهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن قوْل ال ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ه ب َل أولئ ِك هُ ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫معَْنا وَأ َط َعَْنا وَُأول َئ ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مأ ْ‬
‫عوا إَلى الل ّه ورسول ِه ل ِيحك ُم بينه َ‬
‫ِ ََ ُ ِ َ ْ َ ََُْ ْ‬ ‫إ َِذا د ُ ُ ِ‬
‫ن" )النور‪.(51-48:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخلل في فهم التوحيد وقصره على بعض أجزائه‬


‫سبق وأن بينت أن التوحيد ينقسم ثلثة أقسام‪ ،‬توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد‬
‫اللوهية‪ ،‬وتوحيد السماء والصفات‪.‬‬
‫وقد بينت مع كل قسم من أقسام التوحيد لزوم القسمين الخرين وعدم‬
‫كفاية أحدها دون الخرين‪.‬‬
‫وعند التأمل في منهج بعض الدعاة والجماعات السلمية تجد عنايتها بنوع‬
‫واحد من أنواع التوحيد وإهمال غيره‪ ،‬وقد وصل المر ببعضهم إلى إخراج‬
‫بعض أقسام التوحيد من التوحيد وعدم اعتباره‪ ،‬بل قد يخطئون أو يبدعون‬
‫من يعنى بمسائل هي من التوحيد ظنا ً منهم أنها ليست منه‪.‬‬
‫وسبب ذلك هو قصر التوحيد على بعض أنواعه دون اعتبار لسواه‪ ،‬ومن ذلك‬
‫الجهل بعلقة بعض المسائل والقضايا بالتوحيد‪ ،‬فمثل ً هناك من يعد أن‬
‫التوحيد هو توحيد السماء والصفات‪ ،‬وما يتفرع عنه من الحديث عن الفرق‬
‫المنحرفة‪ ،‬ويهمل بقية أنواع التوحيد‪.‬‬
‫وآخرون يعدون التوحيد بعض توحيد اللوهية كالذبح لغير الله‪ ،‬أو دعاء‬
‫الموات والنذر لهم والرياء‪ ،‬والحلف بغير الله‪ ،‬ونحوه أما ما عداه فل يعده‬
‫من التوحيد أو ل يعيره اهتماما‪ ،‬مثل الحكم بما أنزل الله‪ ،‬وما يترتب على‬
‫ترك الحكم بما أنزل الله من عبادة الطاغوت أو الزعماء والعراف ونحوها‪.‬‬
‫وقسم ثالث يرون أن التوحيد هو إفراد الله بالملك ووجوب التحاكم إليه‬
‫وحده‪ ،‬ويحذرون من الطواغيت والرباب من دون الله‪ ،‬ول يعنون ببقية‬
‫أقسام التوحيد من شرك الموات‪ ،‬والحديث عن الفرق الضالة‪ ،‬وانحرافها‬
‫في توحيد السماء والصفات )‪.(1‬‬
‫وأزيد المر إيضاحا ً فأقول‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬نشرت إحدى المجلت مقال تنتقد فيه تدريس الفرق الضالة كالمعتزلة‬
‫والخوارج وتقول إنها قد انتهت ول وجود لها الن‪ ،‬وهذا جهل أو تجاهل‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫في بعض البلد السلمية إذا تحدث أحد أو صنف فيما يتعلق بالبناء على‬
‫القبور‪ ،‬والتبرك بقبور الصالحين‪ ،‬والدعاء عندها‪ ،‬قال بعض الدعاة‪ :‬إن هذا‬
‫يتحدث في أمور ذوقية‪ ،‬فإن تحدث متحدث عن الفرق وضللها‪ ،‬قالوا‪ :‬إنك‬
‫تبث الفرقة والخلف‪.‬‬
‫إما إن تحدث عن وجوب تحكيم شريعة الله ونبذ ما سواها‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا يتكلم‬
‫عن التوحيد‪ ،‬وآخرون‪ :‬يصفون من يتحدث عن السماء والصفات وخطورة‬
‫الفرق على المة بأنه معني بالتوحيد ومنهجه سليم‪.‬‬
‫فإن تحدث آخرون عن وجوب الحكم بما أنزل الله‪ ،‬وطالبوا بذلك قالوا لهم‪:‬‬
‫أنتم تتحدثون في السياسة‪ ،‬أو تثيرون الفتنة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬والخلصة أنك تجد كل‬
‫فريق قد أخذ بقسم من أقسام التوحيد‪ ،‬وقصر التوحيد عليه وفسره به‪،‬‬
‫وأخرج عنه ما عداه‪.‬‬
‫وهؤلء كلهم مخطئون‪ ،‬بعيدون عن الصواب‪ ،‬وذلك أن التوحيد أشمل مما‬
‫ذهب إليه هؤلء‪ ،‬فمن أخل بقسم من أقسام التوحيد فقد أخل بالتوحيد‪.‬‬
‫ولبد من فهم التوحيد فهما ً شامل ً بأقسامه الثلثة ومستلزماتها‪.‬‬
‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫جت َن ُِبوا‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫سول ً أ ِ‬
‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫مةٍ َر ُ‬
‫لأ ّ‬ ‫قال _سبحانه_‪" :‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ت" )النحل‪ :‬من الية ‪.(36‬‬ ‫غو َ‬ ‫ال ّ‬
‫طا ُ‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فْر‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي فَ َ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫شد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن قَد ْ ت َب َي ّ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫وقال _سبحانه_‪":‬ل إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫م ل ََها" )البقرة‪:‬‬ ‫صا َ‬ ‫ف َ‬ ‫قى ل ان ْ ِ‬ ‫ك ِبال ْعُْروَةِ ال ْوُث ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَي ُؤْ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬‫ِبال ّ‬
‫من الية ‪.(256‬‬
‫ن" )الذاريات‪.(56:‬‬ ‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ل‬
‫ِ ّ َ ِْ َ ِ ِ َ ْ ُ ُ ِ‬‫إ‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ما‬
‫َ َ َ‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫_سبحانه_‪:‬‬ ‫وقال‬
‫والعبادة‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من القوال والعمال الظاهرة‬
‫والباطنة‪.‬‬
‫والطاغوت‪ :‬كل ما عبد من دون الله‪ ،‬قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في‬
‫)فتح المجيد(‪ :‬قال ابن القيم‪" :‬الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من‬
‫معبود أو متبوع أو مطاع‪ ،‬فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله‬
‫ورسوله‪ ،‬أو يعبدونه من دون الله‪ ،‬أو يتبعونه على غير بصيرة من الله‪ ،‬أو‬
‫يطيعونه فيما ل يعلمون أنه طاعة لله‪ ،‬فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها‬
‫وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله إلى عبادة‬
‫الطاغوت‪ ،‬ومن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت‬
‫ومتابعته‪.‬‬
‫وقال المام محمد بن عبدالوهاب في كتاب التوحيد‪ :‬واعلم أن النسان ما‬
‫فْر‬‫ن ي َك ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫يصير مؤمنا ً إل بالكفر بالطاغوت‪ ،‬والدليل قوله‪-‬تعالى‪" :-‬فَ َ‬
‫م ل ََها" )البقرة‪:‬‬ ‫صا َ‬ ‫ف َ‬ ‫قى ل ان ْ ِ‬ ‫ك ِبال ْعُْروَةِ ال ْوُث ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَي ُؤْ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬‫ِبال ّ‬
‫من الية ‪.(256‬‬
‫وقال العلمة الشيخ عبدالعزيز بن باز مبينا ً شمول التوحيد في رسالته‬
‫)وجوب التحاكم إلى شرع الله(‪" :‬والعبودية لله وحده‪ ،‬والبراءة من عبادة‬
‫الطاغوت والتحاكم إليه من مقتضى شهادة أن ل إله إل الله وحده ل شريك‬
‫له وأن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬فالله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬هو رب الناس وإلههم‪،‬‬
‫وهو الذي خلقهم‪ ،‬وهو الذي يأمرهم وينهاهم‪ ،‬ويحييهم ويميتيم‪ ،‬ويحاسبهم‬
‫َ‬
‫ويجازيهم‪ ،‬وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪" :-‬أل ل َ ُ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫مُر" )العراف‪ :‬من الية ‪ ،(54‬فكما أنه الخالق وحده‪ ،‬فهو المر‬ ‫خل ْقُ َواْل ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪-‬سبحانه‪ ،-‬والواجب طاعة أمره"‪.‬‬
‫ونخلص من هذا كله أن هناك انحرافا عند بعض الناس في فهم التوحيد‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬
‫قصروا الكل على الجزء وفسروه به‪.‬‬
‫ً‬
‫والذي يجب أن نعلمه أن التوحيد شامل متكامل‪ ،‬يكمل بعضه بعضا‪ ،‬ويأخذ‬
‫بعضه برقاب بعض‪ ،‬فمن أخذ ببعضه وترك البعض فقد آمن ببعض الكتاب‬
‫َ‬
‫ل‬‫فعَ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬
‫ٍ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ب وَت َك ْ ُ‬ ‫ض ال ْك َِتا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وكفر ببعض "أفَت ُؤْ ِ‬
‫ما‬
‫ب وَ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شد ّ ال ْعَ َ‬ ‫ن إ َِلى أ َ َ‬ ‫مةِ ي َُرّدو َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫خْزيٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫م إ ِّل ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن" )البقرة‪ :‬من الية ‪.(85‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫بل إن كلمة التوحيد‪) :‬ل إله إل الله( تشتمل على نفي وإثبات‪ ،‬نفي كل معبود‬
‫سوى الله من بشر أو حجر أو جن أو شيطان أو غيرها‪.‬‬
‫وتثبت أن العبودية الحقة لله وحده‪ ،‬والنفي مقدم على الثبات‪.‬‬
‫وبهذا نخلص إلى أن الحديث عن الفرق وبيان انحرافها وضللها هو من‬
‫التوحيد‪ ،‬والحديث في شرك الموات من الذبح والنذور والدعاء ونحوها هو‬
‫في صميم التوحيد‪ ،‬والدعوة إلى تحكيم شريعة الله‪ ،‬ونبذ شريعة الطاغوت‬
‫وما يتفرع عن ذلك من الحديث عن الكفار والنظمة الوضعية وخطط العداء‬
‫ومؤامراتهم كل ذلك من التوحيد‪.‬‬
‫ولقد كان سلفنا الصالح يفهمون هذا الفهم الشامل المتكامل‪ ،‬وصنفوا في‬
‫كل القسام والنواع‪ ،‬فهذا شيخ السلم ابن تيمية كتبه خير شاهد على ما‬
‫ذكرت من الحديث عن الفرق الضالة‪ ،‬وبيان وجوب التزام منهج السلف في‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السماء والصفات‪ ،‬كما تجد الحديث عن الشرك وأنواعه‪ ،‬وكذلك عن التتار‬


‫والمغول وما جاؤوا به من أنظمة ونحوها‪ ،‬ووجوب تحكيم شريعة الله‬
‫والرجوع إليها ونبذ ما سواها‪.‬‬
‫وهذا ابن القيم يقول في كتابه )مدارج السالكين(‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫العتراض على الله على ثلثة أنواع سارية بين الناس‪:‬‬


‫‪ -1‬العتراض على أسمائه وصفاته بالشبه الباطلة‪.‬‬
‫‪ -2‬العتراض على شرعه وأمره‪.‬‬
‫‪ -3‬العتراض على أفعاله وقضائه وقدره‪.‬‬
‫ثم يبين كيفية هذا العتراض‪ ،‬وكان مما قال تحت القسم الثاني‪:‬‬
‫ومنهم أهل العتراض بالسياسات الجائرة‪ ،‬التي لرباب الوليات التي قدموها‬
‫على حكم الله ورسوله‪ ،‬وحكموا بها بين عباده‪ ،‬وعطلوا لها وبها شرعه‬
‫وعدله وحدوده‪.‬‬
‫وقال أصحاب السياسة‪ :‬إذا تعارضت السياسة والشرع قدمنا السياسة‪.‬‬
‫فجعلت كل طائفة قبالة دين الله وشرعه طاغوتا ً يتحاكمون إليه‪.‬‬
‫ونجد ابن أبي العز الحنفي في )شرح العقيدة الطحاوية( قد بين أنواع‬
‫التوحيد ولم يقتصر على نوع دون الخر‪ ،‬فضل ً عن أن يخطئ من تكلم في‬
‫أنواع التوحيد‪.‬‬
‫وشيخ السلم محمد بن عبدالوهاب عقد أبوابا ً في جميع أنواع التوحيد في‬
‫كتابه الفريد )التوحيد(‪ ،‬ومن رجع إليه وتأمله وجد ذلك جليا ً في كتابه‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬باب تفسير التوحيد وشهادة ل إله إل الله‪.‬‬
‫‪ -2‬باب ما جاء في الذبح لغير الله‪.‬‬
‫‪ -3‬باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا‪ً.‬‬
‫‪ -4‬باب ما جاء في السحر‪.‬‬
‫‪ -5‬باب من جحد شيئا من السماء والصفات‪.‬‬
‫‪ -6‬باب من أطاع العلماء والمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم‬
‫الله فقد اتخذهم أربابا ً من دون الله‪.‬‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ما أن ْزِ َ‬‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬‫ن ي َْزعُ ُ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪ -7‬باب قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬أل َ ْ‬
‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫ك يريدو َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫فُروا‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫حاك َ ُ‬
‫ن ي َت َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ه" )النساء‪ :‬من الية ‪.(60‬‬ ‫بِ ِ‬
‫‪ -8‬باب ما جاء في منكر القدر‪ ،‬إلى غير ذلك من البواب والمسائل التي‬
‫ساقها في كتابه‪.‬‬
‫وكذلك من يرجع إلى فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم‪ ،‬وفتاوى سماحة‬
‫الشيخ عبدالعزيز بن باز‪ ،‬وفتاوى سماحة الشيخ محمد بن عثيمين يجد فيها‬
‫عنايتهم بجميع أنواع التوحيد من خلل فتاواهم ورسائلهم وكتبهم‪.‬‬
‫وبهذا نصل إلى النتيجة التالية‪:‬‬
‫وجوب فهم التوحيد فهما ً شامل متكامل بجميع أنواعه وأقسامه‪ ،‬وعدم قصره‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫على بعض أنواعه وأقسامه‪ ،‬ويستلزم هذا تطبيقه والدعوة إليه وتعليمه‪،‬‬
‫ول يجوز لحد أن يعيب على جماعة أو داعية عني بجانب من جوانب التوحيد‬
‫دون أن يدعي قصر التوحيد على هذا الجانب أو حصره فيه‪ ،‬ول أن يهون من‬
‫شأن ما يقوم به هذا الداعية أو تلك الجماعة‪ ،‬فضل ً عن الوصف بالضلل أو‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النحراف‪ ،‬مادام ملتزما ً بمنهج السلف الصالح داعيا ً إليه‪ ،‬والدعاة يكمل‬
‫بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫ضعف أثر عقيدة التوحيد عند بعض المسلمين‬
‫كل أمر معرفي يجب أن يمر بثلث دوائر‪:‬‬
‫الولى‪ :‬الدائرة العلمية المعرفية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الوجدان والتفاعل‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬العمل والتطبيق‪.‬‬
‫ولنأخذ مثل ً يوضح ذلك‪:‬‬
‫ً‬
‫رجل جاءه خبر بوفاة عزيز لديه‪ ،‬فإنه يتأثر وينفعل ولو داخليا‪ ،‬ثم يقوم بما‬
‫يجب عليه تجاه هذا المر من صلة عليه‪ ،‬وتعزية لهله‪ ،‬والقيام ببعض حقوقه‬
‫إن لزم المر‪.‬‬
‫فعلمه بالوفاة هو الدائرة الولى‪ ،‬وتأثره وتفاعله هو الدائرة الثانية‪ ،‬وقيامه‬
‫بما يجب عليه الدائرة الثالثة‪.‬‬
‫وعلم التوحيد يجب أن يمر بهذه المراحل جميعا‪ً.‬‬
‫ل‪ :‬يجب أن يعلم أن الله شديد العقاب‪ ،‬ثم يتفاعل مع هذا العلم فيخاف‬ ‫فمث ً‬
‫الله‪ ،‬ومن ثم يبتعد عن المعاصي ويأتي بالوامر خوفا ً من عقابه‪.‬‬
‫وعند التأمل في واقع كثير من المسلمين يجد النسان أنه ل ينقصهم العلم‬
‫المعرفي‪ ،‬فقد تجد الكثير منهم يعرف التوحيد بأقسامه وتفصيلته‪ ،‬ولكن‬
‫عندما نبحث في مدى تأثره وجدانيا ً ل نلمس أي أثر لذلك‪ ،‬أو قد نجد أثرا ً‬
‫ضعيفا ً ل يتناسب مع علمه ومعرفته‪.‬‬
‫فإذا انتقلنا إلى مرحلة التطبيق والعمل ندرك الخلل الكبير والفرق بين علمه‬
‫وعمله‪ ،‬وهكذا كان بنو إسرائيل فمعهم علم غزير‪ ،‬ولكنهم لم يتأثروا ولم‬
‫يعملوا‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن خلل ما سبق نستطيع أن نفسر كثيرا من الظواهر السلبية في حياة‬
‫بعض المسلمين‪ ،‬فإنه ل ينقصهم العلم المعرفي‪ ،‬ولكن ينقصهم التفاعل‬
‫والتأثر والعمل‪.‬‬
‫ولنضرب أمثلة من الواقع‪ :‬فلو جئت إلى أحد المسلمين وقلت له‪ :‬من‬
‫يرزقك؟ لجابك‪ :‬إنه الله‪ -‬جل وعل‪.-‬‬
‫ة‬
‫قو ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فإذا سألته‪ :‬وما دليلك؟ أجابك على الفور‪" :‬إ ِ ّ‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي‬ ‫م‬ ‫ما‬
‫َ َ ِ ْ‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫ن" )الذاريات‪ ، (58:‬وقد يزيد دليل ً آخر‪،‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫مِتي ُ‬
‫ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها" )هود‪ :‬من الية ‪.(6‬‬ ‫َْ‬
‫الْر ِ‬
‫ثم تأمل حال هذا النسان‪ :‬يكد ليل ً ونهارا ً وكأنه خلق لهذه الدنيا‪ ،‬فعبادته‬
‫ضعيفة‪ ،‬وحقوق الهل والقارب مقطوعة‪ ،‬بل وحقوق النفس مضيعة‪.‬‬
‫ثم قد يقول لك أو لغيرك‪ :‬إن فلنا ً يريد أن يقطع رزقي‪ ،‬وأخشى أن أموت‬
‫من الجوع‪ ،‬ومن لولدي من بعدي‪ ،‬ونحو هذه العبارات التي تدل على أن‬
‫علمه المعرفي لم يتحول إلى حقيقة يتعامل معها في وجدانه وسلوكه‪ ،‬وإنما‬
‫بقي علما ً معرفيا ً نظريًا‪.‬‬
‫ومثال آخر‪ :‬حب الله ورسوله‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ل تجد مسلما ً إل ويقول لك‪ :‬إنه يحب الله ورسوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم بل‬
‫إن حبهما أغلى لديه من كل محبوب‪.‬‬
‫ولكن انظر إلى تصرفه ومعاملته وحياته ل تجد مصداق ذلك‪ ،‬فهو يقدم‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محبوب نفسه وشهوته على حب الله وأمره‪ ،‬ولذلك جاء قوله ‪-‬تعالى‪ -‬يعالج‬
‫ن‬
‫ل إِ ْ‬ ‫هذه القضية وهذا الخلل بين التصور والسلوك‪ ،‬فقال _سبحانه_‪ " :‬قُ ْ‬
‫ه" )آل عمران‪ :‬من الية ‪ ،(31‬وصور‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬
‫هذه الحقيقة الشافعي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫تعصي الله وأنت تزعم حبه‬
‫لو كان حبك صادقا ً لطعته ‪ ...‬هذا لعمرك في القياس شنيع‬
‫إن المحب لمن يحب مطيع‬
‫وقل مثل ذلك في سائر مسائل العتقاد‪ ،‬وخصوصا لوازم السماء والصفات‪.‬‬ ‫ً‬
‫ومن هنا فإنه يجب على العلماء وطلب العلم العناية بهذه القضية‪ ،‬وخصوصا ً‬
‫من يدرسون التوحيد‪ ،‬فل يكتفون بتدريسها علما ً معرفيا ً نظريًا‪ ،‬وإنما يجب أن‬
‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫يعنوا بأن يتفاعل معها المسلم وجدانيا ً "إ ِن ّ َ‬
‫ن"‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬ ‫مانا ً وَعََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م آَيات ُ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م وَإ َِذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬‫وَ ِ‬
‫)النفال‪.(2:‬‬
‫وكذلك عليهم أن يولوا جانب التطبيق أهمية قصوى؛ لن العمل هو الثمرة‬
‫َ‬
‫ت‬‫مُنوا" )النساء‪ :‬من الية ‪َ" ،(136‬قال َ ِ‬ ‫مُنوا آ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫من العلم‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ُ‬ ‫لي َ‬‫لا ِْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫مَنا وَل َ ّ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫ن ُقوُلوا أ ْ‬ ‫مُنوا وَل َك ِ ْ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫مّنا قُ ْ‬ ‫بآ َ‬ ‫اْل َعَْرا ُ‬
‫شْيئًا" )الحجرات‪ :‬من الية‬ ‫وإن تطيعوا الل ّه ورسول َه ل يل ِتك ُم م َ‬
‫م َ‬ ‫مال ِك ُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫َ ْ ْ ِ ْ‬ ‫َ ََ ُ ُ‬ ‫َِ ْ ُ ِ ُ‬
‫‪.(14‬‬
‫وبهذا يتكامل التوحيد ويؤتي ثماره‪ ،‬وهذا معنى قول أبي عبد الرحمن‬
‫السلمي‪" :‬ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل"‪،‬‬
‫قتا ً‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫ن ك َب َُر َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫مُنوا ل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ولنتأمل قوله ‪-‬تعالى‪َ" :-‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن" )الصف‪.(3 ،2:‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أ ْ‬ ‫ِ‬
‫الغلو في العلماء والتعصب لهم وتقديم أقوالهم‬
‫من المسائل التي تتعلق بالتوحيد هو ما نراه من تعصب لقوال الرجال وغلو‬
‫في العلماء وتقديم أقوالهم على الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وهذه مسألة خطيرة جدًا‪ ،‬ما وجدت في قوم إل أهلكتهم‪ ،‬وهي تنافي كمال‬
‫م أ َْرَبابا ً‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬
‫خ ُ َ‬
‫ذوا أ ْ‬ ‫التوحيد‪ ،‬وقد تصل ببعض الفراد إلى الكفر "ات ّ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حدا" )التوبة‪ :‬من‬ ‫دوا إ ِلها َوا ِ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الية ‪.(31‬‬
‫وقد حذر ابن عباس من عاقبة هذا المر‪ ،‬فقال‪":‬يوشك أن تنزل عليكم‬
‫حجارة من السماء‪ ،‬أقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬وتقولون‪:‬‬
‫قال أبو بكر وعمر" )‪(1‬‬
‫وكذلك نبه المام أحمد لهذه المسألة بقوله‪ :‬عجبت لقوم عرفوا السناد‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬‫وصحته‪ ،‬ويذهبون إلى رأي سفيان‪ ،‬والله ‪-‬تعالى‪ -‬يقول‪ ":‬فَل ْي َ ْ‬
‫م" )النور‪ :‬من الية‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فون عَن أ َمره أ َن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ْ ْ ِ ِ ْ ُ ِ َُ ْ َِْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬ ‫يُ َ‬
‫‪ ،(63‬أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن‪:‬‬
‫والئمة ‪-‬رحمهم الله‪ -‬لم يقصروا في البيان‪ ،‬بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت‬
‫السنة؛ لعلمهم أن من السنة شيئا ً لم يعلموه وقد يبلغ غيرهم‪ ،‬وذلك كثير كما‬
‫ل يخفى على من نظر في أقوال العلماء )‪.(2‬‬
‫والمقصود أن هذه مسألة مهمة يجب أن يوليها العلماء وطلب العلم عناية‬
‫خاصة‪ ،‬وأن يربوا طلبهم على اتباع الدليل ل تقليد )‪ (3‬الشخاص والتعصب‬
‫لهم والنتصار لرائهم‪ ،‬فقد عانت المة من الحزبية والتعصب والغلو‪ ،‬وآثار‬
‫هذا المر غير خافية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغلو باب خطير تلج عن طريقه كثير من الشرور‪ ،‬ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حذر من هذا المر‪ ،‬فقال في الحديث الصحيح‪" :‬ل تطروني كما‬
‫أطرت النصارى ابن مريم‪ ،‬إنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبد الله ورسوله " )‪.(4‬‬
‫وفي حديث أنس عندما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬أنت‬
‫سيدنا وابن سيدنا‪ ،‬قال‪ " :‬قولوا بقولكم أو ببعض قولكم‪ ،‬ول يستهوينكم‬
‫الشيطان" )‪.(5‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪":‬إياكم والغلو‪ ،‬فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"‬
‫)‪ (6‬وتربية الناس على التوحيد والعبودية المطلقة لله هو المخرج من هذه‬
‫المراض والمصائب‪.‬‬
‫معاص أم كفر‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر فتح المجيد ص ‪ 393‬وص ‪.395‬‬
‫)‪ - (2‬فتح المجيد ص ‪.398‬‬
‫)‪ - (3‬التقليد منه جائز ومذموم وليس هذا مكان تفصيل ذلك‪.‬‬
‫)‪ - (4‬أخرجه البخاري )‪.(142 -4‬‬
‫)‪ - (5‬أخرجه أبو داود رقم )‪ (4806‬بلفظ "ول يستجرينكم" وأحمد )‪،153-3‬‬
‫‪ (241‬واللفظ له‪.‬‬
‫)‪ - (6‬أخرجه أحمد )‪ (347 ،215-1‬والنسائي رقم )‪ .(3057‬والحاكم )‪-1‬‬
‫‪ .(466‬وابن ماجة رقم )‪ (3029‬وصحح إسناده على شرط مسلم شيخ‬
‫السلم ابن تيمية في القتضاء ص )‪ (106‬وصححه اللباني كما في السلسلة‬
‫الصحيحة رقم )‪.(1283‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫يتصور كثير من الناس أن المنكرات الموجودة مجرد معاص سواء أكانت من‬
‫الكبائر أم من الصغائر‪ ،‬والقضية ليست بهذه البساطة والسهولة‪ ،‬فقد يبدأ‬
‫المنكر معصية‪ ،‬ثم يتحول مع الزمن إلى كفر‪ ،‬ولست ممن يكفر بالمعصية‬
‫حتى ولو كانت من الكبائر فإن هذا مذهب الخوارج ومن نحا نحوهم‪ ،‬ولكن‬
‫بعض المعاصي يرتكبها بعض الناس وهم يعلمون أنها كبيرة من الكبائر‪ ،‬ثم‬
‫تفشو هذه المعصية حتى تصبح أمرا ً عاديا ً ول يستنكر على مرتكبها وسرعان‬
‫ما تصل الحال بكثير من الناس إلى استحلل هذه الكبيرة‪ ،‬وهذا هو الكفر‬
‫بعينه؛ لن من استحل معلوما ً حرمته من الدين بالضرورة فقد كفر‪.‬‬
‫وقد أجري استطلع في مركز من المراكز وأفاد كثير ممن يرتكب بعض‬
‫المعاصي أنهم يرون عدم حرمة هذه المعصية وأنها حلل‪ ،‬ولو أخذنا الربا‬
‫ل‪ -‬فالملحظ تهافت الناس على التعامل بالربا‪ ،‬وعدم هيبتهم من ذلك‪ ،‬بل‬ ‫‪-‬مث ً‬
‫إن جميع البنوك التي أعلنت زيادة رأسمالها غطت أسهمها بأيام قليلة‪ ،‬بل‬
‫وبعضها وصلت الموال المدفوعة إلى ضعف المطلوب عدة مرات‪ ،‬ووصل‬
‫عدد المساهمين في البنوك إلى عدة مليين‪.‬‬
‫والسؤال هنا‪ :‬هل كل هذه المليين تعتقد حرمة الربا‪ ،‬ولكن غلبت عليهم‬
‫شهواتهم فساهموا فيها؟ إننا ل نتصور وقوع ذلك من جميع هؤلء )‪ (1‬مع أنه‬
‫ل يجوز الحكم على فرد بعينه إل إذا تبينا منه أنه يستحل الربا‪ ،‬حتى ل نكفر‬
‫فردا ً بذنب لم يستحله‪.‬‬
‫ومن هنا فإن من أبرز أسباب انتشار المنكرات وشيوعها ضعف الناس في‬
‫فهم التوحيد‪ ،‬وخطورة استحلل المعصية‪ ،‬ولو علموا ذلك لما رأينا ما نراه‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س تنذر بعاقبة وخيمة‪.‬‬ ‫من منكرات ومآ ٍ‬


‫كيف يكون التوحيد أول؟ً‬
‫ل(‪ ،‬وهنا يأتي‬ ‫لعلنا من خلل ما سبق اتضح لنا وجوب أن يكون )التوحيد أو ً‬
‫ل(؟‬ ‫سؤال يفرض نفسه‪ :‬كيف يكون )التوحيد أو ً‬
‫والجواب على هذا السؤال الكبير سأختصره في عناصر أساسية تسهيل ً لفهم‬
‫المراد ومن ثم العمل بذلك‪.‬‬
‫ل‪ :‬تعلم التوحيد وفهمه وتطبيقه‬ ‫أو ً‬
‫قال البخاري‪" :‬باب العلم قبل القول والعمل"‪.‬‬
‫قال _تعالى_‪َ" :‬فاعْل َ َ‬
‫ك" )محمد‪ :‬من الية‬ ‫فْر ل ِذ َن ْب ِ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫ه َوا ْ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪.(19‬‬
‫ً‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " )‪.(2‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪" :‬الفقه في الدين أفضل من الفقه في العلم"‪.‬‬
‫ومراده من الفقه في الدين‪ :‬التوحيد‪ ،‬وبالعلم‪ :‬الحكام الشرعية في الفروع‪.‬‬
‫ثانيا ً تعليمه والدعوة إليه‪:‬‬
‫وهذه من أهم المسائل التي يجب أن نعنى بها‪ ،‬فل يكفي أن نتعلمه لنفسنا‪،‬‬
‫بل إن من ثمرة العلم العمل‪ ،‬ومن العمل تعليم التوحيد والدعوة إليه‪.‬‬
‫وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته بالدعوة إلى التوحيد‪،‬‬
‫وما بعث الله من نبي إل دعا إلى التوحيد‪ ،‬فنوح وإبراهيم وهود وصالح‬
‫ه"‬‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫وشعيب كلهم دعوا قومهم‪ ،‬فقالوا‪" :‬اعْب ُ ُ‬
‫)العراف‪ :‬من الية ‪.(59‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قد ْ ب َعَث َْنا ِفي ك ُ ّ‬ ‫وقال _تعالى_‪":‬وَل َ َ‬
‫جت َن ُِبوا‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬
‫ت")النحل‪ :‬من الية ‪.(36‬‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ه إ ِّل أ ََنا‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫َ‬
‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ل إ ِّل ُنو ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وقال‪":‬وَ َ‬
‫ن" )النبياء‪.(25:‬‬ ‫دو ِ‬ ‫َفاعْب ُ ُ‬
‫ً‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذا إلى اليمن قال له‪" :‬‬
‫إنك تأتي قوما ً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إله إل‬
‫الله‪(3) " ...‬‬
‫وفي رواية أخرى‪ " :‬إلى أن يوحدوا الله " )‪.(4‬‬
‫وإذا كان هذا هو منهج رسول الله فنحن ملزمون باتباعه واللتزام به‪ ،‬قال‬
‫َ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬
‫ن‬
‫سب ْ َ َ‬
‫حا‬ ‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫_تعالى_‪":‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن" )يوسف‪.(108:‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫الل ّهِ وَ َ‬
‫وتتمثل الدعوة إلى التوحيد بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة الدروس المستمرة في المساجد والبيوت‪.‬‬
‫‪ -2‬وضع المناهج وتكثيفها في جميع المراحل‪.‬‬
‫‪ -3‬الكثار من المحاضرات والندوات‪.‬‬
‫‪ -4‬تربية الهل والولد على تعلم التوحيد‪.‬‬
‫‪ -5‬نشر كتب التوحيد في جميع أنحاء العالم فحاجتهم إليها أشد من حاجتهم‬
‫إلى الطعام والشراب‪.‬‬
‫‪ -6‬استثمار جميع الفرص السانحة لنشر عقيدة أهل السنة والجماعة وسلف‬
‫المة‪.‬‬
‫‪ -7‬الرد على المناوئين لدعوة التوحيد‪ ،‬ولكل مقام ما يناسبه‪ ،‬ولبد من‬
‫ن‬
‫عو َ‬‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬ ‫مراعاة الحكمة في ذلك حتى ل تقع مفسدة أعظم "َول ت َ ُ‬
‫م" )النعام‪ :‬من الية ‪.(108‬‬ ‫دوا ً ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬ ‫سّبوا الل ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ فَي َ ُ‬
‫عل ٍ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ثالثًا‪ :‬محبة أهله والذود عنهم‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫__________‬
‫)‪ - (1‬بل وصل الحال ببعضهم إلى أن قال إن الربا ضرورة من ضرورات هذا‬
‫العصر‪ ،‬وآخر يقول إن البنوك كالدم لجسم النسان‪.‬‬
‫)‪ - (2‬أخرجه البخاري )‪ .(26 -1‬ومسلم رقم )‪.(1037‬‬
‫)‪ - (3‬أخرجه البخاري )‪ .(109 -5‬ومسلم رقم )‪.(19‬‬
‫)‪ - (4‬البخاري )‪.(164 -8‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ل( محبة التوحيد وأهله والذود عن أعراضهم‬ ‫من مستلزمات كون )التوحيد أو ً‬
‫والرد على مخالفيهم‪ ،‬قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن)‪": (1‬من لم يحب‬
‫التوحيد لم يكن موحدًا" ؛لنه هو الدين الذي رضيه الله لعباده‪ ،‬كما قال‬
‫م ِدينًا" )المائدة‪ :‬من الية ‪.(3‬‬ ‫سل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫_تعالى_‪" :‬وََر ِ‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ ":‬من أحب الله أحب دينه‪ ،‬وما ل فل"‪.‬‬
‫ومن علمات حب التوحيد‪ :‬أن يكون هو هم المسلم‪ ،‬يفرح لما يؤدي إلى‬
‫استكماله‪ ،‬ويحزن إذا رأى ما ينافيه‪ ،‬ويسعى جاهدا ً لنصرته والذود عنه‪،‬‬
‫وليس اليمان بالتمني ول بالتحلي‪ ،‬ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل‬
‫ه وَب ِذ َل ِكَ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬‫نل َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫حَيايَ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫صلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫"ق ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن" )النعام‪.(163 ،162:‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ت وَأَنا أوّ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫أ ِ‬
‫رابعًا‪ :‬بغض أعداء التوحيد‪:‬‬
‫وبغضهم يقتضي هجرهم والبراءة منهم وكشف تلبيساتهم وتفنيد دعاواهم‬
‫ن" )النعام‪.(55:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ال ْ ُ‬‫سِبي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َِبي َ‬ ‫ت وَل ِت َ ْ‬ ‫ل اْليا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫"وَك َذ َل ِ َ‬
‫م" )المائدة‪ :‬من‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َت َوَلهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وليحذر من موالتهم أو توليهم "وَ َ‬
‫الية ‪.(51‬‬
‫ر‬
‫خ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ً‬
‫وما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬‫وبغضهم ينافي مودتهم ومحبتهم "ل ت َ ِ‬
‫خوانهم أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬
‫م أوْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه" )المجادلة‪ :‬من‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬‫لي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ب ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫م أولئ ِك كت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫الية ‪.(22‬‬
‫ومخالطتهم ومجالستهم تضعف من بغضهم وعداوتهم إل من أجل دعوتهم‬
‫للسلم‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ربط قضايانا المعاصرة بالتوحيد‪:‬‬
‫من أهم ما يجب أن يعنى به العلماء وطلب العلم والدعاة أن يربطوا قضايانا‬
‫المعاصرة بالتوحيد‪ ،‬ويبينوا حالها من حيث الموافقة أو المخالفة‪.‬‬
‫وبخاصة أن هناك مستجدات تتعلق بالولء والبراء‪ ،‬وأخرى لها صلة بالفرق‬
‫الضالة‪ ،‬كأصحاب المدرسة العقلية‪ ،‬والجماعات التي تكفر المسلمين‪ ،‬أو‬
‫التي تغلو في الصالحين‪.‬‬
‫وكذلك قضايا الحكم بغير ما أنزل الله‪ ،‬ونشر العلمنة في العالم السلمي‪.‬‬
‫ومن ذلك التغريب والتشبه ونحوهما‪ ،‬وكذلك ما نشأ من بدع ومحدثات في‬
‫دين الله‪ ،‬والرسول صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬من أحدث في ديننا هذا ما‬
‫ليس منه فهو رد" )‪.(2‬‬
‫سادسًا‪ :‬جمع المة على أساس التوحيد‪:‬‬
‫من سمات أهل السنة والجماعة أنهم يدعون إلى اجتماع الكلمة ووحدة‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫حب ْ ِ‬‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬
‫الصف ونبذ الفرقة والخلف‪ ،‬والله‪ -‬جل وعل‪ -‬يقول‪َ" :‬واعْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ميعا ً َول ت َ َ‬
‫ن َول‬ ‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫فّرُقوا" )آل عمران‪ :‬من الية ‪ ،(103‬وقال‪" :‬أِقي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه" )الشورى‪ :‬من الية ‪.(13‬‬ ‫فّرُقوا ِفي ِ‬ ‫ت َت َ َ‬


‫ً‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر‪ ،‬فإنه‬
‫من فارق الجماعة شبرا ً فمات ميتة جاهلية" )‪.(3‬‬
‫وقال ابن مسعود‪" :‬الخلف شر"‪.‬‬
‫ومما سبق يتضح أن جمع الكلمة وتأليف القلوب مطلب شرعي وهدف سام‪،‬‬
‫ولكن مما يلحظ في هذا الجانب أن هناك من يذكر أن الجتماع مراد لذاته‪،‬‬
‫بغض النظر عما ينتج منه‪ ،‬وهذا خطأ في الفهم وقصور في التصور؛ لن‬
‫الهدف هو الجتماع على كلمة الحق‪ ،‬والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬وذلك لن‬
‫الجتماع والتفاق إن لم يكن على التقوى والطاعة سيكون على الثم‬
‫َ‬
‫والعدوان‪ ،‬ولذلك أمر الله بالتعاون على البر والتقوى‪ ،‬فقال‪" :‬وَت ََعاوَُنوا عَلى‬
‫ن" )المائدة‪ :‬من الية ‪.(2‬‬ ‫وى َول ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫ق َ‬‫ال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫ه" )آل عمران‪ :‬من الية ‪ ،(103‬فجعل العتصام‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬
‫ص ُ‬
‫وقال‪َ" :‬واعْت َ ِ‬
‫على حبل الله )وهو التوحيد(‪.‬‬
‫والذين جعلوا الجتماع هو الغاية والهدف‪ ،‬تساهلوا في أمر التوحيد‪ ،‬ولم‬
‫يجعلوه من الصول التي يجتمعون عليها‪ ،‬بل تجد بعضهم يمنع أتباعه من‬
‫إثارة قضايا العقيدة‪ ،‬بحجة أن هذا المر سيكون عائقا ً أمام وحدة كلمة‬
‫المسلمين‪ ،‬وتوحيد الصفوف‪ ،‬بل ل يخجل بعضهم أن يقول‪ :‬إن طرح مسائل‬
‫العقيدة تؤدي إلى الفرقة والخلف‪ ،‬فحسبنا الله ونعم الوكيل‪.‬‬
‫يقول الشيخ عبدالعزيز قاري موضحا ً هذه المسألة‪" :‬إننا وجدنا أنفسنا أمام‬
‫طوائف تنتسب إلى العلم والدعوة والتوجيه تخالفنا وتنازعنا في هذا المبدأ‪،‬‬
‫فتقول‪:‬‬
‫إن قضية التوحيد في هذا العصر ليست هي القضية الولى‪ ،‬وإن كانت قضية‬
‫مهمة أساسية‪ ،‬إننا في عصر نحتاج فيه إلى التأليف بين كل من يقول‪ :‬ل إله‬
‫إل الله ؛ لنواجه التحديات والخطار من إلحاد وغير ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر مجموعة التوحيد ‪.51-1‬‬
‫)‪ - (2‬أخرجه البخاري )‪ .(167-3‬ومسلم رقم )‪.(1718‬‬
‫)‪ - (3‬أخرجه البخاري )‪ .(87-8‬ومسلم رقم )‪.(1849‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وآخرون وإن كانوا يتفقون معنا على هذا المبدأ‪ ،‬ولكنك تراهم يناقضونه‬
‫ويضادونه عمليًا‪ ،‬فإذا كشفت عن اعتقاد أحدهم وجدته أحوج ما يكون إلى‬
‫ل‪ ،‬وهذه مصيبة كبرى إذا كانت فيمن يتصدر للتعليم‬ ‫تصحيح اعتقاده هو أو ً‬
‫والدعوة والتوجيه‪ ،‬فكيف يصحح عقائد الناس من هو أحوج منهم إلى تصحيح‬
‫عقيدته" )‪.(1‬‬
‫ول أدري على ماذا يجمعون الناس ولي شيء يوحدون صفوفهم‪ ،‬مع أنه ثبت‬
‫فشل مثل هذه التجمعات التي تضم خليطا ً من العقائد‪ ،‬فعند المحن والشدائد‬
‫يتحول الصدقاء إلى أعداء‪ ،‬والحباب إلى خصماء‪ ،‬وصدق الله العظيم‬
‫ن" )الزخرف‪ ،(67:‬وإن كان هذا‬ ‫قي َ‬ ‫ض عَد ُوّ إ ِّل ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬
‫مئ ِذ ٍ ب َعْ ُ‬ ‫"اْل َ ِ‬
‫خّلُء ي َوْ َ‬
‫واقعا ً في الخرة فإنه يقع أحيانا ً في الدنيا كما رأينا وشاهدنا‪ ،‬ولذلك لبد أن‬
‫تبنى الدعوات والتجمعات على أصول وثوابت منبثقة من عقيدة التوحيد‪،‬‬
‫ملتزمة بمنهج أهل السنة والجماعة‪ ،‬بعيدة عن البدع المحدثة والتنازلت في‬
‫دين الله المخزية‪ ،‬وتمييع قضايا العقيدة‪ ،‬بحجة جمع الكلمة ووحدة الصف‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمصلحة العامة‪ ،‬مما ل يثبت عند التحقيق والتأصيل‪.‬‬


‫ل( وإل فل‪.‬‬ ‫ولذلك فلبد عند التوحيد أن يكون )التوحيد أو ً‬
‫ثمرة التوحيد وآثاره‬
‫للتوحيد ثمار كثيرة ومنافع عظيمة يصعب حصرها وعدها‪ ،‬فإذا كانت بهيمة‬
‫ب أ ََفل‬‫شارِ ُ‬ ‫م َ‬‫مَنافِعُ وَ َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫النعام فيها منافع عظيمة قال الله فيها‪" :‬وَل َهُ ْ‬
‫ة الل ّهِ ل‬ ‫م َ‬‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬‫ن" )ّيس‪ ،(73:‬ويقول _سبحانه_ عن نعمه‪" :‬وَإ ِ ْ‬ ‫شك ُُرو َ‬‫يَ ْ‬
‫م"‬ ‫َ‬
‫مَنافِعَ لهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ها" )النحل‪ :‬من الية ‪ ،(18‬وقال عن الحج‪" :‬ل ِي َ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬‫تُ ْ‬
‫)الحج‪ :‬من الية ‪.(28‬‬
‫إذا كانت هذه النعم يصعب حصر منافعها‪ ،‬ولذلك جاءت كلمة "منافع" في‬
‫اليتين بالتنكير‪ ،‬فكيف نستطيع أن نحصر منافع وثمار التوحيد‪ ،‬وهو أعظم‬
‫نعمة أنعم الله بها على الخليقة‪ ،‬إن ما سواه من منافع ليس إل فرعا ً عنه‬
‫ذاِبي ل َ َ‬ ‫َ‬
‫د" )إبراهيم‪ :‬من‬ ‫دي ٌ‬‫ش ِ‬ ‫ن عَ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬
‫ن كَ َ‬ ‫م َلِزيد َن ّك ُ ْ‬
‫شك َْرت ُ ْ‬
‫ن َ‬‫وأثرا ً منه "ل َئ ِ ْ‬
‫الية ‪.(7‬‬
‫ولذا سأذكر بعض ثمار التوحيد وآثاره العظيمة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪-‬ابن تيمية‪:-‬‬
‫"وليس للقلوب سرور ولذة تامة إل في محبة الله ‪-‬تعالى‪ ،-‬والتقرب إليه بما‬
‫يحبه‪ ،‬ول تتم محبة الله إل بالعراض عن كل محبوب سواه‪ ،‬وهذا حقيقة ل‬
‫إله إل الله ‪ ،‬وهي ملة إبراهيم الخليل ‪-‬عليه الصلة والسلم‪.(2) -‬‬
‫وذكر ابن القيم في )زاد المعاد(‪:‬‬
‫إن توحيد الله أعظم أسباب انشراح الصدر )‪.(3‬‬
‫وقد ذكر الشيخ السعدي في القول السديد فضائل التوحيد فأطال‪،‬وإليك‬
‫مختصر ما ذكر‪:‬‬
‫‪ -1‬أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ول عذاب‪.‬‬
‫‪ -2‬مغفرة الذنوب وتكفيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه السبب العظم لتفريج كربات الدنيا والخرة ودفع عقوبتهما‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يمنع الخلود في النار‪ ،‬إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل‪،‬‬
‫وأنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية‪.‬‬
‫‪ -5‬أنه يحصل لصاحبه الهدى والكمال والمن التام في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -6‬أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه‪ ،‬وأن أسعد الناس بشفاعة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم من قال‪ :‬ل إله إل الله خالصا ً من قلبه‪.‬‬
‫‪ -7‬أن جميع العمال والقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي‬
‫كمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد‪.‬‬
‫‪ -8‬أنه يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات ويسليه عن المصيبات‪.‬‬
‫‪ -9‬إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه اليمان وزينه في قلبه‪ ،‬وكره إليه‬
‫الكفر والفسوق والعصيان‪.‬‬
‫‪ -10‬أنه يخفف عن العبد المكاره ويهون عليه اللم‪.‬‬
‫فبحسب تكميل العبد للتوحيد واليمان وتلقيه المكاره واللم بقلب منشرح‬
‫ونفس مطمئنة وتسليم ورضا بأقدار الله المؤلمة‪.‬‬
‫‪ -11‬أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل‬
‫لجلهم‪ ،‬هذا هو العز الحقيقي والشرف العالي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -12‬أن التوحيد إذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققا كامل بالخلص التام‪،‬‬
‫فإنه يصير القليل من عمله كثيرًا‪ ،‬وتضاعفت أعماله وأقواله بغير حصر ول‬
‫حساب‪ ،‬ورجحت كلمة الخلص في ميزان العبد بحيث ل تقابلها السموات‬
‫والرض‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -13‬أن الله تكفل لهله بالفتح والنصر في الدنيا‪ ،‬والعز والشرف‪ ،‬وحصول‬
‫الهداية والتيسير لليسر‪ ،‬وإصلح الحوال‪ ،‬والتسديد في القوال والفعال‪.‬‬
‫‪ -14‬أن الله يدفع عن الموحدين أهل اليمان شرور الدنيا والخرة‪ ،‬ويمن‬
‫عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه والطمأنينة بذكره‪.‬‬
‫كتب ورسائل في التوحيد‬
‫هذه إشارة سريعة لبعض الكتب والرسائل والبواب في التوحيد التي ل‬
‫يستغني عنها طالب العلم )‪.(4‬‬
‫‪ -1‬كتب التوحيد واليمان في الصحاح والسنن والمسانيد‪.‬‬
‫‪ -2‬كتب التوحيد والسنة واليمان لعدد من علماء السلف كأحمد بن حنبل‪،‬‬
‫وابن مندة‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر رسالة العقيدة أول لو كان يعلمون ص ‪.8‬‬
‫)‪ - (2‬مجموع الفتاوى )‪.(32-28‬‬
‫)‪ - (3‬زاد المعاد )‪.(23 -2‬‬
‫)‪ - (4‬أعظم كتاب في التوحيد هو القرآن الكريم وما سواه يرجع إليه‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪) -3‬أصول معتقد أهل السنة والجماعة( لللكائي‪.‬‬


‫‪ -4‬كتب شيخ السلم ابن تيمية‪.‬‬
‫‪) -5‬شرح العقيدة الطحاوية(‪.‬‬
‫‪ -6‬كتب ورسائل شيخ السلم محمد بن عبدالوهاب‪ ،‬وبخاصة كتاب التوحيد‪.‬‬
‫‪ -7‬كتب ورسائل أئمة الدعوة من أحفاد الشيخ وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -8‬كتب ورسائل علمائنا المعاصرين كابن باز وابن عثيمين وغيرهما‬
‫‪ -9‬الرسائل والكتيبات التي تصدرها بعض دور النشر في منهج أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ،‬وبخاصة سلسلة )دار الوطن(‪.‬‬
‫‪ -10‬الشرطة التي تعنى بشرح التوحيد والدعوة إليه‪.‬‬
‫وختاما ً‬
‫شَرع َ ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫أوصيكم بوصية الله ‪-‬تعالى‪ -‬لعباده على لسان رسله‪ ،‬حيث قال‪َ " :‬‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬
‫ما وَ ّ‬‫ك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬‫صى ب ِهِ ُنوحا ً َوال ّ ِ‬
‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عوهُ ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫فّرقوا ِفيهِ كب َُر عَلى ال ُ‬ ‫ن َول ت َت َ َ‬
‫دي َ‬
‫موا ال ّ‬‫ن أِقي ُ‬‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬‫وَ ِ‬
‫ه" )الشورى‪ :‬من الية ‪ (13‬ثم أوصيكم بوصية شيخ السلم المام المجدد‬ ‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫محمد بن عبدالوهاب‪ ،‬حيث قال‪] :‬مجموعة التوحيد ‪:[141 -1‬‬
‫"فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم‪ ،‬وأوله وآخره ورأسه‪ ،‬ورأسه‪:‬‬
‫شهادة أل إله إل الله‪ ،‬واعرفوا معناها‪ ،‬وأحبوها‪ ،‬وأحبوا أهلها‪ ،‬واجعلوهم‬
‫إخوانكم‪ ،‬ولو كانوا بعيدين‪ ،‬واكفروا بالطواغيت‪ ،‬وعادوهم‪ ،‬وأبغضوهم‪،‬‬
‫وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم‪ ،‬أو لم يكفرهم‪ ،‬أو قال‪ :‬ما علي منهم‪ ،‬أو‬
‫قال‪ :‬ما كلفني الله بهم‪ ،‬فقد كذب هذا على الله وافترى‪ ،‬فقد كلفه الله بهم‪،‬‬
‫وافترض عليه الكفر بهم‪ ،‬والبراءة منهم‪ ،‬ولو كانوا إخوانهم وأولدهم‪ ،‬فالله‬
‫الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقوا ربكم ل تشركون به شيئًا"‪.‬‬
‫اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين" اهـ‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التوحيد في الحاكمية‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫سمعنا كثيرا في السنوات الخيرة عن مصطلح ) توحيد الحاكمية ( فما حقيقة‬ ‫ً‬
‫هذا التوحيد ؟ و ما حكم استعمال هذا المصطلح في الطرح السلمي‬
‫المعاصر ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬
‫ّ‬
‫لفظ ) الحاكمّية ( من اللفاظ المولدة القائمة على غير مثال سابق في اللغة‬
‫العربية ‪ ،‬و أول من استخدمها في خطابه السياسي و الديني هو العلمة‬
‫الهندي الشهير أبو العلى المودودي ‪ ،‬ثم أخذها عنه الستاذ سيد قطب‬
‫معَْلم من معالم العمل السلمي الذي جاد‬ ‫رحمهما الله فبثها في كتاباته ك َ‬
‫بنفسه في الدعوة إليه و التركيز عليه ‪.‬‬
‫ظ في لغة العرب ‪ ،‬و قد أصبحت‬ ‫هذا عن أصل استعمال ) الحاكمية ( كلف ٍ‬
‫مرادفة للحكم في اصطلح كثير من المتأخرين ‪ ،‬و إذا وقف المر عند حد‬
‫إطلق هذا المصطلح على المراد الشرعي منه ‪ ،‬و هو إفراد الله بالتحكيم و‬
‫حة فى الصطلح كما هو مقرر عند‬ ‫التشريع فل بأس في ذلك إذ ل مشا ّ‬
‫الصوليين ‪.‬‬
‫ة وجوب توحيد الله تعالى في التحكيم‬ ‫ما ل خلف فيه بين الموحدين قاطب ً‬ ‫وم ّ‬
‫و الرد إلى شريعته المحكمة المنزلة في كتابه المبين ‪ ،‬و سنة نبّيه خاتم‬
‫المرسلين صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬و ل يشرك‬
‫في حكمه أحدا ً ( و في قراءة ابن عامر ‪ ،‬و هو من القراء السبعة ‪ ) :‬و ل‬
‫ُتشرك في حكمه أحدا ً ( ‪ ،‬و قال سبحانه ‪ ) :‬أل له الخلق و المر ( ‪ ،‬و قال‬
‫أيضا ً ‪ ) :‬إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم و لكن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون ( ‪.‬‬
‫فمن أعطى حق التشريع أو الحكم فيما شجر بين الخلق لغير الخالق أو أقر‬
‫بذلك أو دعا إليه أو انتصر له أو سّلم به دونما إكراهٍ فقد أشرك بالله شركا ً‬
‫أكبر يخرجه من ملة السلم ‪ ،‬و العياذ بالله ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ] في منهاج السّنة النبوّية ‪[ 130 / 5 :‬‬
‫‪ ) :‬و ل ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو‬
‫كافر ‪ ،‬فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدل ً من غير اّتباع لما‬
‫أنزل الله فهو كافر فإنه ما من أمة إل و هي تأمر بالحكم بالعدل ‪ ،‬و قد يكون‬
‫العدل في دينها ما يراه أكابرهم ‪ ...‬فهؤلء إذا عرفوا أنه ل يجوز لهم الحكم‬
‫إل بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلف ما أنزل الله‬
‫منهم كفار ( ‪.‬‬
‫لمة الشنقيطي رحمه الله ] في أضواء البيان ‪: [ 162 / 7 :‬‬ ‫و قال الع ّ‬
‫) الشراك بالله في حكمه و الشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد ل فرق‬
‫بينهما ألبتة ‪ ،‬فالذي يتبع نظاما ً غير نظام الله ‪ ،‬و تشريعا ً غير تشريع الله ‪ ،‬و‬
‫من كان يعبد الصنم ‪ ،‬و يسجد للوثن ل فرق بينهم ألبتة ؛ فهما واحد ‪ ،‬و‬
‫كلهما مشرك بالله ( ‪.‬‬
‫و قال رحمه الله أيضا ً ] في أضواء البيان ‪ ) : [ 169 / 7 :‬لما كان التشريع و‬
‫جميع الحكام ؛ شرعية كانت أو كونية قدرية ‪ ،‬من خصائص الربوبية ‪ ،‬كما‬
‫دلت عليه اليات المذكورة ‪ ،‬كان كل من اتبع تشريعا ً غير تشريع الله قد اتخذ‬
‫ذلك المشّرع ربا ً ‪ ،‬و أشركه مع الله ( ‪.‬‬
‫و خلصة ما بينه رحمه الله تعقيبا ً على اليات البينات التي سقناها آنفا ً يوجزه‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوله ‪ ) :‬إن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله مشركون بالله ( ‪.‬‬
‫و ليس بعيدا ً عنه قول مفتى الديار السعودية في زمنه الشيخ محمد بن‬
‫إبراهيم رحمه الله ‪ ) :‬أما الذي جعل قوانين بترتيب و تخضيع فهذا كفر و إن‬
‫قالوا أخطأنا و حكم الشرع أعدل ؛ فهذا كفر ناقل عن الملة ( ‪.‬‬
‫و للمشائخ المعاصرين حفظ الله حيهم و نفع به و رحم ميتهم و أجزل مثوبته‬
‫من الكلم في وجوب توحيد الله في الحكم و التشريع ‪ ،‬و تسمية العدول عنه‬
‫شركا ً ‪ ،‬و الحكم على صاحبه بالكفر الكبر الناقل عن الملة الشيء الكثير‬
‫مما ل يسمح المقام بتتبعه و سرده مطول ً ‪ ،‬و من أراد التوسع فعليه بفتاوى‬
‫سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله و رسائله ‪ ،‬و بخاصة رسالة نقد‬
‫القومية العربية ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و إذا تقرر وجوب إفراد الله بالتحكيم و أن من الكفر الكبر أن ُيشَركَ‬
‫في حكمه أحد ٌ من خلقه سواًء كان ملكا ً أو رئيسا ً أو سلطانا ً أو زعيما ً أو‬
‫ة مدنية أو عسكرية أو فردا ً من العامة أو الخاصة أو‬ ‫مجلسا ً تشريعيا ً أو سلط ً‬
‫غير ذلك ‪ ،‬و أن ذلك مما أجمعت عليه المة ‪ ،‬و ل يسوغ لحد أن يخالف أو‬
‫يجادل فيه ‪ ،‬فلن يكون للخلف حول إطلق مصطلح ) توحيد الحاكمية ( أو‬
‫عدمه أثر في الواقع ‪ ،‬و ل داعي للنشغال بتقرير هذا التوحيد كقسم ٍ رابع من‬
‫أقسام التوحيد المعروفة ‪ ،‬أو رده إلى القسام الخرى ‪ ،‬و خاصة توحيد‬
‫الربوبية و توحيد اللوهية ‪.‬‬
‫بل يجب أن يبقى المر في دائرة المصطلحات السائغة التي ل مشاحة فيها‬
‫لحد ‪ ،‬مع التسليم بجدوى التقسيم إذا كان فيه مصلحة معتبرة لطالب العلم‬
‫كتسهيل دراسته و تحصيله ‪ ،‬أو لضرورة تنبيه الناس إلى ما غاب عنهم أو‬
‫انشغلوا عنه بغيره من أبواب العلم و العمل ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دع من خالفه‬ ‫فإن أبى من جمد على تقسيم التوحيد إلى ثلثة أقسام إل أن يب ّ‬
‫في هذا التقسيم و يغمز قناته بإطلق لسانه بثلبه أو نبذه بالتحزب و الخروج‬
‫و نحو ذلك ؛ قلنا له ‪ :‬من أين لك أن تقسيم التوحيد إلى قسمين أو ثلثة‬
‫مرده إلى الكتاب أو السنة أو هدي سلف المة ؟‬
‫أما إن اعُترض على توحيد الحاكمية كاصطلح و ليس على مجرد التقسيم‬
‫إلى قسمين أو ثلثة أو أربعة أو أكثر أو أقل ‪ ،‬فيقال للمعترض ‪ :‬إن الدعوة‬
‫إلى إفراد الله و رسوله بالحكم ليس مما ابتدعه المعاصرون بل هو من‬
‫القدم بمكان ‪.‬‬
‫رض‬ ‫قال ابن أبي العّز الحنفي ] في شرح الطحاوّية ‪ ،‬ص ‪ [ 200 :‬في مع ِ‬
‫حده بالتحكيم‬ ‫مة تجاه نبّيها صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬فنو ّ‬
‫ِذكرِ ما يجب على ال ّ‬
‫ل بالعبادة و الخضوع و الذ ّ‬
‫ل‬ ‫س َ‬
‫حد المر ِ‬
‫و التسليم و النقياد و الذعان ‪ ،‬كما نو ّ‬
‫كل ‪ ،‬فهما توحيدان ‪ ،‬ل نجاة للعبد من عذاب الله إل بهما ‪:‬‬ ‫و النابة و التو ّ‬
‫رسل ‪ ،‬و توحيد متابعة الرسول ‪ ،‬فل نحاكم إلى غيره ‪ ،‬و ل نرضى‬ ‫توحيد الم ِ‬
‫حكم غيره ( ‪.‬‬ ‫ب ُ‬
‫فإن شغب علينا من يقول ‪ :‬إن المام الطحاوي رحمه الله ذكر توحيد‬
‫الرسول بالتحكيم و لم يكن حديثه عن توحيد الله ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬البعَد ُ ثكلته أمه !! و هل ثمة فرق بين تحكيم الله و تحكيم رسوله‬
‫الذي ل ينطق عن الهوى ؟‬
‫و إن قيل ‪ :‬إن الكلم عن الطاعة و التسليم و النقياد و ليس عن التحكيم‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمعناه المستخدم عند المعاصرين و هو التحكيم في التشريع !‬


‫قلنا ‪ :‬أوليس رد ّ التشريع إلى الله تعالى من صميم التسليم و النقياد و‬
‫الذعان للشارع الحكيم سبحانه ؟!‬
‫بل هو من أدق مسائل التوحيد في الربوبية التي تثبت لله دون سواه الحق‬
‫في التشريع ‪ ،‬و في الربوبية التي توجب صرف هذا الحق لله تعالى على‬
‫الفراد و التوحيد ؛ كما هو مقرر في كتب أصول الدين ‪ ،‬و الموفق من وفقه‬
‫الله لفهم كلم السلف ‪ ،‬و نهج نهجهم ‪ ،‬و سلوك سبيلهم ‪ ،‬على كان عليه ‪ ،‬ل‬
‫على ما قد يتوهمه بعض الخلف ‪ ،‬و ينسبونه إلى السلف ظنا ً منهم أو زعما ً‬
‫أنه منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ‪.‬‬
‫هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوحيد في الحاكمية‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫التوحيد في الحاكمية‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫سمعنا كثيرا في السنوات الخيرة عن مصطلح ) توحيد الحاكمية ( فما حقيقة‬ ‫ً‬
‫هذا التوحيد ؟ و ما حكم استعمال هذا المصطلح في الطرح السلمي‬
‫المعاصر ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫ّ‬
‫لفظ ) الحاكمّية ( من اللفاظ المولدة القائمة على غير مثال سابق في اللغة‬
‫العربية ‪ ،‬و أول من استخدمها في خطابه السياسي و الديني هو العلمة‬
‫الهندي الشهير أبو العلى المودودي ‪ ،‬ثم أخذها عنه الستاذ سيد قطب‬
‫معَْلم من معالم العمل السلمي الذي جاد‬ ‫رحمهما الله فبثها في كتاباته ك َ‬
‫بنفسه في الدعوة إليه و التركيز عليه ‪.‬‬
‫ظ في لغة العرب ‪ ،‬و قد أصبحت‬ ‫هذا عن أصل استعمال ) الحاكمية ( كلف ٍ‬
‫مرادفة للحكم في اصطلح كثير من المتأخرين ‪ ،‬و إذا وقف المر عند حد‬
‫إطلق هذا المصطلح على المراد الشرعي منه ‪ ،‬و هو إفراد الله بالتحكيم و‬
‫حة فى الصطلح كما هو مقرر عند‬ ‫التشريع فل بأس في ذلك إذ ل مشا ّ‬
‫الصوليين ‪.‬‬
‫ة وجوب توحيد الله تعالى في التحكيم‬ ‫ما ل خلف فيه بين الموحدين قاطب ً‬ ‫وم ّ‬
‫و الرد إلى شريعته المحكمة المنزلة في كتابه المبين ‪ ،‬و سنة نبّيه خاتم‬
‫المرسلين صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬و ل يشرك‬
‫في حكمه أحدا ً ( و في قراءة ابن عامر ‪ ،‬و هو من القراء السبعة ‪ ) :‬و ل‬
‫ُتشرك في حكمه أحدا ً ( ‪ ،‬و قال سبحانه ‪ ) :‬أل له الخلق و المر ( ‪ ،‬و قال‬
‫أيضا ً ‪ ) :‬إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم و لكن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون ( ‪.‬‬
‫فمن أعطى حق التشريع أو الحكم فيما شجر بين الخلق لغير الخالق أو أقر‬
‫بذلك أو دعا إليه أو انتصر له أو سّلم به دونما إكراهٍ فقد أشرك بالله شركا ً‬
‫أكبر يخرجه من ملة السلم ‪ ،‬و العياذ بالله ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ] في منهاج السّنة النبوّية ‪[ 130 / 5 :‬‬
‫‪ ) :‬و ل ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كافر ‪ ،‬فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدل ً من غير اّتباع لما‬
‫أنزل الله فهو كافر فإنه ما من أمة إل و هي تأمر بالحكم بالعدل ‪ ،‬و قد يكون‬
‫العدل في دينها ما يراه أكابرهم ‪ ...‬فهؤلء إذا عرفوا أنه ل يجوز لهم الحكم‬
‫إل بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلف ما أنزل الله‬
‫منهم كفار ( ‪.‬‬
‫لمة الشنقيطي رحمه الله ] في أضواء البيان ‪: [ 162 / 7 :‬‬ ‫و قال الع ّ‬
‫) الشراك بالله في حكمه و الشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد ل فرق‬
‫بينهما ألبتة ‪ ،‬فالذي يتبع نظاما ً غير نظام الله ‪ ،‬و تشريعا ً غير تشريع الله ‪ ،‬و‬
‫من كان يعبد الصنم ‪ ،‬و يسجد للوثن ل فرق بينهم ألبتة ؛ فهما واحد ‪ ،‬و‬
‫كلهما مشرك بالله ( ‪.‬‬
‫و قال رحمه الله أيضا ً ] في أضواء البيان ‪ ) : [ 169 / 7 :‬لما كان التشريع و‬
‫جميع الحكام ؛ شرعية كانت أو كونية قدرية ‪ ،‬من خصائص الربوبية ‪ ،‬كما‬
‫دلت عليه اليات المذكورة ‪ ،‬كان كل من اتبع تشريعا ً غير تشريع الله قد اتخذ‬
‫ذلك المشّرع ربا ً ‪ ،‬و أشركه مع الله ( ‪.‬‬
‫و خلصة ما بينه رحمه الله تعقيبا ً على اليات البينات التي سقناها آنفا ً يوجزه‬
‫قوله ‪ ) :‬إن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله مشركون بالله ( ‪.‬‬
‫و ليس بعيدا ً عنه قول مفتى الديار السعودية في زمنه الشيخ محمد بن‬
‫إبراهيم رحمه الله ‪ ) :‬أما الذي جعل قوانين بترتيب و تخضيع فهذا كفر و إن‬
‫قالوا أخطأنا و حكم الشرع أعدل ؛ فهذا كفر ناقل عن الملة ( ‪.‬‬
‫و للمشائخ المعاصرين حفظ الله حيهم و نفع به و رحم ميتهم و أجزل مثوبته‬
‫من الكلم في وجوب توحيد الله في الحكم و التشريع ‪ ،‬و تسمية العدول عنه‬
‫شركا ً ‪ ،‬و الحكم على صاحبه بالكفر الكبر الناقل عن الملة الشيء الكثير‬
‫مما ل يسمح المقام بتتبعه و سرده مطول ً ‪ ،‬و من أراد التوسع فعليه بفتاوى‬
‫سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله و رسائله ‪ ،‬و بخاصة رسالة نقد‬
‫القومية العربية ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و إذا تقرر وجوب إفراد الله بالتحكيم و أن من الكفر الكبر أن ُيشَركَ‬
‫في حكمه أحد ٌ من خلقه سواًء كان ملكا ً أو رئيسا ً أو سلطانا ً أو زعيما ً أو‬
‫ة مدنية أو عسكرية أو فردا ً من العامة أو الخاصة أو‬ ‫مجلسا ً تشريعيا ً أو سلط ً‬
‫غير ذلك ‪ ،‬و أن ذلك مما أجمعت عليه المة ‪ ،‬و ل يسوغ لحد أن يخالف أو‬
‫يجادل فيه ‪ ،‬فلن يكون للخلف حول إطلق مصطلح ) توحيد الحاكمية ( أو‬
‫عدمه أثر في الواقع ‪ ،‬و ل داعي للنشغال بتقرير هذا التوحيد كقسم ٍ رابع من‬
‫أقسام التوحيد المعروفة ‪ ،‬أو رده إلى القسام الخرى ‪ ،‬و خاصة توحيد‬
‫الربوبية و توحيد اللوهية ‪.‬‬
‫بل يجب أن يبقى المر في دائرة المصطلحات السائغة التي ل مشاحة فيها‬
‫لحد ‪ ،‬مع التسليم بجدوى التقسيم إذا كان فيه مصلحة معتبرة لطالب العلم‬
‫كتسهيل دراسته و تحصيله ‪ ،‬أو لضرورة تنبيه الناس إلى ما غاب عنهم أو‬
‫انشغلوا عنه بغيره من أبواب العلم و العمل ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دع من خالفه‬ ‫فإن أبى من جمد على تقسيم التوحيد إلى ثلثة أقسام إل أن يب ّ‬
‫في هذا التقسيم و يغمز قناته بإطلق لسانه بثلبه أو نبذه بالتحزب و الخروج‬
‫و نحو ذلك ؛ قلنا له ‪ :‬من أين لك أن تقسيم التوحيد إلى قسمين أو ثلثة‬
‫مرده إلى الكتاب أو السنة أو هدي سلف المة ؟‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما إن اعُترض على توحيد الحاكمية كاصطلح و ليس على مجرد التقسيم‬
‫إلى قسمين أو ثلثة أو أربعة أو أكثر أو أقل ‪ ،‬فيقال للمعترض ‪ :‬إن الدعوة‬
‫إلى إفراد الله و رسوله بالحكم ليس مما ابتدعه المعاصرون بل هو من‬
‫القدم بمكان ‪.‬‬
‫رض‬ ‫قال ابن أبي العّز الحنفي ] في شرح الطحاوّية ‪ ،‬ص ‪ [ 200 :‬في مع ِ‬
‫حده بالتحكيم‬ ‫مة تجاه نبّيها صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬فنو ّ‬ ‫ِذكرِ ما يجب على ال ّ‬
‫ل بالعبادة و الخضوع و الذ ّ‬
‫ل‬ ‫س َ‬
‫حد المر ِ‬‫و التسليم و النقياد و الذعان ‪ ،‬كما نو ّ‬
‫كل ‪ ،‬فهما توحيدان ‪ ،‬ل نجاة للعبد من عذاب الله إل بهما ‪:‬‬ ‫و النابة و التو ّ‬
‫رسل ‪ ،‬و توحيد متابعة الرسول ‪ ،‬فل نحاكم إلى غيره ‪ ،‬و ل نرضى‬ ‫توحيد الم ِ‬
‫حكم غيره ( ‪.‬‬ ‫ب ُ‬
‫فإن شغب علينا من يقول ‪ :‬إن المام الطحاوي رحمه الله ذكر توحيد‬
‫الرسول بالتحكيم و لم يكن حديثه عن توحيد الله ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬البعَد ُ ثكلته أمه !! و هل ثمة فرق بين تحكيم الله و تحكيم رسوله‬
‫الذي ل ينطق عن الهوى ؟‬
‫و إن قيل ‪ :‬إن الكلم عن الطاعة و التسليم و النقياد و ليس عن التحكيم‬
‫بمعناه المستخدم عند المعاصرين و هو التحكيم في التشريع !‬
‫قلنا ‪ :‬أوليس رد ّ التشريع إلى الله تعالى من صميم التسليم و النقياد و‬
‫الذعان للشارع الحكيم سبحانه ؟!‬
‫بل هو من أدق مسائل التوحيد في الربوبية التي تثبت لله دون سواه الحق‬
‫في التشريع ‪ ،‬و في الربوبية التي توجب صرف هذا الحق لله تعالى على‬
‫الفراد و التوحيد ؛ كما هو مقرر في كتب أصول الدين ‪ ،‬و الموفق من وفقه‬
‫الله لفهم كلم السلف ‪ ،‬و نهج نهجهم ‪ ،‬و سلوك سبيلهم ‪ ،‬على كان عليه ‪ ،‬ل‬
‫على ما قد يتوهمه بعض الخلف ‪ ،‬و ينسبونه إلى السلف ظنا ً منهم أو زعما ً‬
‫أنه منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ‪.‬‬
‫هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬
‫وكتب‬
‫د ‪ .‬أحمد بن عبد الكريم نجيب‬
‫‪Dr.Ahmad Najeeb‬‬
‫‪alhaisam@msn.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوحيد مسّلمة عقلية د‪ .‬الحبر يوسف نور الدائم*‬


‫لقد سلط القرآن ضوءا ً كاشفا ً على كثير من القضايا الفكرية الجوهرية التي‬
‫ل سبيل إلى تجاوزها أو المّر بها مرا ً سريعا ً مستعجل ً من هذه القضايا التي‬
‫وقف عندها القرآن وقفة طويلة متأنية‪ ,‬يدافع عنها‪ ,‬ويحدد معناها‪ ,‬ويوضح‬
‫أبعادها قضية التوحيد‪ .‬أما أن الله سبحانه موجود فهذه من البديهيات‬
‫المسلمات التي يشير إليها سبحانه إشارة سريعة مكتفيا ً باللمحة الدالة‪ ,‬و‬
‫الشارة العابرة إذ يكفي أن يلفتك لفتة قوية عابرة إلى آثاره ومظاهر عظمته‬
‫وجلله )أفي الله شك فاطر السموات و الرض( )قل انظروا ماذا في‬
‫السموات و الرض( )أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها‬
‫ومالها من فروج ‪ .‬والرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل‬
‫زوج بهيج ‪ .‬تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ‪ .‬ونزلنا من السماء ماءا ً مباركا ً‬
‫فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ‪ .‬والنخل باسقات لها طلع نضيد ‪ .‬رزقا ً للعباد‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأحيينا به بلدة ً ميتا( ‪.‬‬


‫تنزل القرآن الكريم على قلب الرسول الكريم و الناس في تيه وضلل‪ ,‬وزيغ‬
‫وجنف‪ ,‬وميل وحنف‪ ,‬وسفه وطيش‪ .‬قلوب مظلمة‪ ,‬وعقول متحجرة‪ ,‬ورقاب‬
‫غلب وحمية جاهلية‪ .‬فما زال بها يدعوها إلى الخير‪ ,‬ويحثها على التحرر‪,‬‬
‫ويشجعها على النعتاق‪ ...‬يفتح لها البواب‪ ,‬ويهيئ لها المنافذ‪ ,‬ويفتق لها‬
‫الفاق حتى انقشعت عن القلوب الظلمة‪ ,‬وانجلت عن العقول الغشاوة‪ .‬فإذا‬
‫بالقلوب تهش‪ ,‬وإذا بالعقول تتفتح‪ ,‬وإذا بالفكار تنقح‪ ,‬وإذا بالعقائد تصحح‬
‫فتبارك الله أحسن الخالقين‪.‬‬
‫لقد أنبتهم القرآن نباتًا‪ ,‬ونشأهم تنشئة فكانوا خلقا جديدا فتبارك الله رب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العالمين‪ .‬جاء القرآن والناس صنم قد هام في صنم‪ .‬اتخذوا من دون الله‬
‫أندادا ً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا ً لله ‪.‬‬
‫رضوا بآلهة زائفة هي من صنع أيديهم إن هي إل أسماء تسمى‪ ...‬اللت و‬
‫العزى ومناة الثالثة الخرى‪ ....‬هبل وإساف ونائلة وغيرها من أصنام وأوثان‬
‫وأنصاب‪...‬يتجهون اليها بالعبادة‪ ,‬ويتوجهون إليها بالدعاء ينحرون لها الذبائح‪,‬‬
‫ويقربون لها القرابين‪ ,‬ويسألونها الصلح و الفلح‪ ,‬والهداية و الرشد فهم‬
‫أولياؤها وسدنتها وحراسها‪ .‬ومن عجائب ما يروى عنهم أن بعضهم قد أتخذ له‬
‫ربا وأصبح ذات يوم فإذا بثعلب من الثعالب يبول على رأسه فحصبه بحصاة‬
‫وقال قول ً سار مثل ً ‪:‬‬
‫أرب يبول الثعلبان برأسه؟! ** لقد هان من بالت عليه الثعالب‬
‫وهاهو ذا آخر يتخذ صخرة صماء مستطيلة فأقبل عليها بإبل كثيرات لتبارك له‬
‫فيها فلما رأت البل الصخرة فرت في كل وجه‪ ,‬وتفرقت بكل سبيل فقذفها‬
‫بحجر وهو يقول‪:‬‬
‫أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ** ففرقنا سعد فما نحن من سعد‬
‫وهل سعد إل صخرة بتنوفة ** من الرض ل يهدي لغي ول رشد‬
‫كان الرجل منهم إذا خل إلى نفسه متفكرا ً وأقبل عليها متأمل ً أنكر بعض ما‬
‫هو منه ولكن أسر المجتمع من حوله‪ ,‬وربقة التقاليد التي تكتنفه‪ ,‬والولء‬
‫للباء والسلف‪ ...‬كل هذا ربما حال بينه وبين المضي في تفكير قاصد‬
‫مستقل‪ .‬ما كانوا ينكرون وجود الخالق جملة ولكنهم كانوا يتخذون من دونه‬
‫أندادا ً )هذا لله وهذا لشركائنا( )ما نعبدهم إل ليقربونا إلى الله زلفى( وهاهو‬
‫بعضهم يقسم باللت و العزى‪ ,‬ويقسم بالله فيقول‪ ) :‬وبالله إن الله منهن‬
‫أكبر( فلم يكن المر أمر جحود مطلق‪ ,‬وكفران مبين بالخالق ولكنه كان أمر‬
‫شرك متشاكس‪ ....‬ذرائع تتخذ‪ ,‬ووسائط تقرب‪.‬‬
‫ن صنم فأعلنها دعوة توحيد صريح‬ ‫جاء القرآن ولكل قبيلة إله‪ ,‬ولكل بط ٍ‬
‫فصيح ل مواربة فيه ول جمجمة )إن إلهكم لواحد ‪ .‬رب السموات والرض وما‬
‫بينهما ورب المشارق( ) الله ل إله إل هو الحي القيوم( )أن هذه امتكم أمة‬
‫واحدة وأنا ربكم فاعبدون( )إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك‬
‫لمن يشاء( )قل هو الله أحد ‪ .‬الله الصمد( )قل الحمد لله وسلم على عباده‬
‫الذين اصطفى آلله خير أما يشركون( )فاعلم أنه ل إله إل الله( في مثل ذلك‬
‫الوضوح‪ ,‬وفي مثل تلك الصراحة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقوم‬
‫في الناس مبشرا ونذيرا وداعيا ً إلى الله بإذنه وسراجا ً منيرا ً ‪ ,‬فقام رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يدعو كما كان يدعو إخوانه المرسلون من قبل‬
‫)أعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( فلقي ما لقي إخوانه من قبل من عنت‬
‫وتضييق‪ ,‬ورهق وتشريد‪ ,‬وتعذيب واضطهاد‪ .‬فصبر كما صبر أولو العزم منهم‪,‬‬
‫وجاهد كالذي جاهدوا حتى أذن الله لنصره أن يتنزل‪ ,‬ولدعوته أن تنتصر‪,‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولمره أن يسود‪ ,‬ولدينه أن يقود فعم الخير‪ ,‬وشع النور‪ ,‬وساد الهدى‪.‬‬
‫وسار الناس تحت راية التوحيد ينشرون فضيلة قد طويت‪ ,‬ويبشرون بحق قد‬
‫اندثر‪ ,‬ويفيضون على العالم كله خيرا ً وبركة ونعيمًا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد ليقيم عليه البناء‬
‫الفكري للسلم كله )أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير‬
‫من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم( قام صلوات‬ ‫أ ّ‬
‫الله وسلمه عليه يدعو إلى التوحيد فاستجاب بعض من صلحت فطرته‪,‬‬
‫واستقام قلبه‪ ,‬وصح تفكيره‪ ,‬وأعرض عنه من انتكست فطرته‪ ,‬وارتكس‬
‫قلبه‪ ,‬وانقلب تفكيره‪ .‬عجب أقوام لهذه الدعوة التوحيدية الكريمة ودهشوا له‬
‫وقال قائلهم ) أجعل اللهة إلها ً واحدا ً إن هذا لشيء عجاب ‪ .‬وانطلق المل‬
‫منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ‪ .‬ما سمعنا بهذا في‬
‫الملة الخرة إن هذا إل إختلق ( وعند ارتكاس الفطرة‪ ,‬وانطماس البصيرة‬
‫وأنتكاس القلب يصبح الحق مستعجبًا‪ ,‬ويتحول المعروف إلى منكر‪ ,‬و المنكر‬
‫إلى معروف )أجعل اللهة إلها ً واحدا ً ( أي آلهة يا هؤلء؟! إنها ل تسمع ول‬
‫تبصر ول تملك لنفسها نفعا ً ول ضرا ً ول موتا ول نشورا إنها ل تدفع عن نفسها‬
‫فضل عن أن تدفع عن غيرها‪...‬إنها ل تغني عنكم من الله شيئًا‪ .‬وقديما قال‬
‫إبراهيم عليه السلم لبيه ) يا أبت لم تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول يغني عنك‬
‫شيئا ً ‪ .‬يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا‬
‫‪ .‬يا أبت ل تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا‪ .‬يا أبت إني أخاف‬
‫أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ( ‪.‬‬
‫وكانت إجابة والد إبراهيم لهذه الدعوة الهينة اللينة المباركة الميسورة كما‬
‫كانت إجابة اولئك الجفاة الغلظ ) قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن‬
‫لم تنته لرجمنك واهجرني مليا ً ( إنها ذات الجابة التي يواجه بها أولياء الله‬
‫في كل زمان ومكان ) واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالحقاف وقد خلت النذر‬
‫من بين يديه ومن خلفه أل تعبدوا إل الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم‪.‬‬
‫قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين( ذات‬
‫الجابة‪ ,‬وذات الموقف‪ ...‬كفر وجحود‪ ,‬تكذيب وعناد‪ ,‬وتهكم وإستعجال‬
‫بالعذاب ‪ ...‬أولم يقل كفار مكة ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك‬
‫فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( أولم يقولوا ) ربنا عجل‬
‫لنا قطنا قبل يوم الحساب ( والقط هنا بمعنى الحظ و النصيب‪ .‬وهو نحو من‬
‫قوله سبحانه في خواتيم الذاريات ) فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب‬
‫أصحابهم فل يستعجلون( والذنوب بفتح الذال النصيب وهو في الصل الدلو‬
‫العظيم ومنه قول علقمة الفحل‪:‬‬
‫وفي كل حي قد خبطت بنعمة ** فحق لشأس من نداك ذنوب‬
‫قال الممدوح ‪ :‬نعم وأبيك وأذنة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوحيد وأثره في النفوس‬


‫يتناول الدرس عقيدة التوحيد من حيث شمولها لجميع نواحي الحياة وأثر فهم‬
‫هذه الشمولية في سلوك المسلم في شتى جوانب حياته‪ ،‬مع ذكر الفوائد‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي يجنيها الموحد بتوحيده‪ ،‬مع ذكر بعض النماذج التي توضح زعزعة مفاهيم‬
‫العقيدة الصحيحة في نفوس كثير من الناس نتيجة لعدم فهم أن كلمة‬
‫التوحيد منهج حياة ‪.‬‬
‫أعظم سلح يتسلح به المسلم هو سلح العقيدة الصحيحة‪ ،‬المستمدة من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وما عليه سلف هذه المة‪ .‬فأصل ما تزكو به القلوب والرواح‬
‫هو التوحيد‪ ،‬قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪ ':‬ولهذا كان رأس السلم‬
‫'شهادة أن ل إله إل الله' وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه‬
‫وهو السلم العام الذي ل يقبل الله من الولين والخرين دينا سواه '‬
‫]الفتاوى ‪ [10/15‬فل إله إل الله كلمة التوحيد ؛الكلمة التي قامت بها الرض‬
‫والسماوات‪ ،‬وفطر الله عليها جميع المخلوقات‪ ..‬عليها أسست الملة‪،‬‬
‫ونصبت القبلة‪ ،‬وجردت سيوف الجهاد‪ .‬ل إله إل الله هي الكلمة العاصمة‬
‫للدم‪ ،‬والمال‪ ،‬والذرية في هذه الدار‪ ..‬هي المنجية من عذاب القبر‪ ،‬ومن‬
‫عذاب النار‪ ..‬هي المنشور الذي ل يدخل أحد الجنة إل به‪ ..‬والحبل الذي‬
‫ليصل إلى الله من لم يتعلق بصدده‪ ،‬هي كلمة السلم‪ ،‬ومفتاح دار السلم‪..‬‬
‫ينقسم بها الناس إلى شقي وسعيد‪ ..‬انفصلت دار الكفر من دار اليمان‪،‬‬
‫وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان بل إله إل الله‪..‬هي العمود الحامل‬
‫للفرض والسنة ومن كان آخر كلمه من الدنيا ل إله إل الله دخل الجنة‪ .‬وكثير‬
‫من الناس يغفل عن حقيقة التوحيد؛ ويجهل شمولية هذه العقيدة جميع‬
‫جوانب الحياة؛ لذلك ربما تزعزعت عقيدة التوحيد في نفوس كثير من‬
‫المسلمين‪ ،‬فل إله إل الله في كل صغيرة وكبيرة‪..‬في كل حركة وسكنة ‪..‬‬
‫في البيت‪ ..‬في المسجد ‪..‬في الوظيفة ‪..‬في الشارع‪ ،‬وفي كل مكان‪ .‬عند‬
‫ذلك‪ :‬يتبين لنا جميًعا أثر 'ل إله إل الله' على نفوسنا‪.‬‬
‫نماذج من تزعزع العقيدة في النفوس‪:‬‬
‫الحلف بغير الله‪ ،‬والتوسل والستعانة بالمخلوقين دون الله‪.‬‬
‫الحتكام إلى العراف‪ ،‬والعادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬وتقديمها على حكم الله ورسوله‬
‫عند بعض الناس‪.‬‬
‫تقديم القرابين‪ ،‬والنذور‪ ،‬والهدايا للمزارات والقبور‪ ،‬وتعظيمها‪.‬‬
‫التشبه بالكافرين في أخلقهم‪ ،‬وعاداتهم السيئة‪ ،‬وموالتهم ‪.‬‬
‫لجوء الناس‪ ،‬وتعلقهم عند الشدائد بالسباب المادية فقط من دون الله عز‬
‫وجل ‪.‬‬
‫انتشار السحرة‪ ،‬والمشعوذين‪ ،‬والكهان‪ ،‬والعرافين‪ ،‬والتمائم‪ ،‬والرقى غير‬
‫الشرعية ‪.‬‬
‫ادعاء علم الغيب في قراءة الكف‪ ،‬والفنجان‪ ،‬والتنجيم‪ ،‬وعالم البراج التي‬
‫تمل صفحات بعض المجلت اليوم‪ ،‬والذاعات ‪.‬‬
‫الحتفالت بالمناسبات الدينية‪ :‬كالسراء والمعراج‪ ،‬والهجرة النبوية‪ ،‬وبدعة‬
‫المولد وغيرها مما ل أصل له في الشرع ‪.‬‬
‫الستهزاء بالدين‪ ،‬والسخرية بأهله‪ ،‬والستهانة بحرماته‪ ،‬و ادعاء أنه تأخر‬
‫ورجعية‪ ،‬ووصف أهله بالتطرف والتشدد‪.‬‬
‫التمسك بأقوال الرجال‪ ،‬حتى أصبحت تفوق الكتاب والسنة عند كثير من‬
‫الناس وللسف‪.‬‬
‫ضعف اليقين بالله ودخول اليأس والقنوط لقلوب كثير من المسلمين‪.‬‬
‫الخوف والرعب من المخلوقين عند حدوث الفتن والمصائب ‪.‬‬
‫مما ابتلي به المسلمون اليوم نظرة الناس المادية للحياة‪ :‬تحصيل اللذات‬
‫والشهوات‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعليق أهداف المة‪ ،‬واهتماماتها بأشياء ل قيمة لها كاللهو‪ ،‬والغناء والمتعة‬
‫م إ ِل َي َْنا َل‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫الحرام‪ ،‬والله عز وجل يقول‪ {:‬أ َفَحسبت َ‬
‫م عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫ن]‪“} [115‬سورة المؤمنون”‬ ‫جُعو َ‬
‫ت ُْر َ‬
‫هذه بعض مظاهر زعزعة التوحيد في قلوب الناس‪ ،‬وتناقصه؛ ولهذا غفل كثير‬
‫من الناس عن آثار التوحيد‪ ،‬وعن حقيقته‪ ،‬بل جهل كثير من المسلمين هذه‬
‫الثار‪ ،‬فأصبح يردد‪ ':‬ل إله إل الله' في اليوم عشرات المرات لكن ربما ليس‬
‫لـ' ل إله إل الله' أثر في حياته‪ ،‬مع أنه مسلم‪ ،‬ويردد‪ :‬ل إله إل الله ‪.‬‬
‫فيا أمة التوحيد يا أمة التوحيد المراد من هذه الكلمة معناها ل مجرد لفظها؛‬
‫والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو‬
‫إفراد الله بالتعلق‪ ،‬والكفر بما يعبد من دون الله‪ ،‬والبراءة منه؛ فإنه صلى‬
‫ه[ قالوا‪ -‬كما أخبر الحق عز‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫الله عليه وسلم لما قال لهم‪ُ] :‬قوُلوا َل إ ِل َ َ‬
‫ب]‪“} [5‬سورة ص”‬ ‫ذا ل َ َ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ة إ ِل ًَها َوا ِ‬
‫ل اْلل ِهَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫جا ٌ‬ ‫يٌء عُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫دا إ ِ ّ‬
‫ح ً‬ ‫وجل عنهم‪ {:-‬أ َ‬
‫فالعجب ممن هو من أهل السلم‪ ،‬وليعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه‬
‫جهال الكفار؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والناس يتفاوتون في التوحيد ويتفاوتون في فهم معنى هذه الكلمة يقول‬


‫شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪ ':‬فإن المسلمين‪ -‬وإن اشتركوا في القرار‬
‫بها فهم‪ -‬متفاضلون في تحقيقها تفاضل ً ل نقدر أن نضبطه'“ الفتاوى” ويقول‬
‫تلميذه ابن القيم‪ ':‬فالمسلمون كلهم مشتركون في إتيانهم بشهادة أن ل إله‬
‫إل الله‪ ،‬وتفاوتهم في معرفتهم بمضمون هذه الشهادة‪ ،‬وقيامهم بحقها باطنا ً‬
‫وظاهرا ً أمر ل يحصيه إل الله'“ طريق الهجرتين” ‪ .‬ويقول أيضًا‪ ':‬فإن من‬
‫الناس من تكون شهادته ميتة‪ ،‬ومنهم من تكون نائمة إذا نبهت؛ انتبهت‪،‬‬
‫ومنهم من تكون مضطجعة‪ ،‬ومنهم من تكون إلى القيام أقرب‪ ،‬وهي‪ -‬أي‬
‫الشهادة‪ -‬في القلب بمنزلة الروح من البدن‪ ،‬فروح ميتة‪ ،‬وروح مريضة إلى‬
‫الموت أقرب‪ ،‬وروح إلى الحياة أقرب‪ ،‬وروح صحيحة‪ ،‬قائمة بمصالح البدن‪'...‬‬
‫“ الداء والدواء” ‪.‬‬
‫آثار التوحيد وثماره‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬تحقيق معرفة الله سبحانه وتعالى‪ :‬وهي من أعظم الثار‪ ،‬وكيف تعرف‬
‫ذلك؟ قال ابن القيم‪ ':‬ولهذه المعرفة بابان واسعان‪ ،‬الول‪ :‬التفكر والتأمل‬
‫في آيات القرآن كلها ‪ .‬والثاني‪ :‬الفقه في معاني أسمائه الحسنى‪ ،‬وجللها‬
‫وكمالها‪ ،‬وتفرده بذلك‪ “'...‬بتصرف من الفوائد” ‪.‬‬
‫فالفقه في معاني أسماء الله وصفاته ومقتضياتها وآثارها وما تدل عليه من‬
‫الجلل والكمال أقرب طريق لمعرفة الله‪ .‬وكما قيل‪':‬من كان بالله أعرف‬
‫كان لله أخوف'‪ .‬فمن كان بالله وأسمائه وصفاته أعرف‪ ،‬وفيه أرغب وأحب‪،‬‬
‫وله أقرب؛ وجد من حلوة اليمان في قلبه ما ل يمكن التعبير عنه‪ .‬ومتى ذاق‬
‫القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حب غيره‪ ،‬وكلما ازداد له حبًا؛ ازداد له‬
‫عبودية‪ ،‬وذًل‪ ،‬وخضوعا ً ‪ .‬إن علمنا بالله ومعرفتنا به؛ يصلنا بالله‪ ،‬ويزكي‬
‫نفوسنا ويصلحها‪ ،‬وهذا هو الطريق الذي أضاعه الكثير من المسلمين اليوم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬راحة النفس الموحدة واطمئنانها وسعادتها‪ :‬فهي ل تقبل الوامر إل من‬
‫واحد‪ ،‬ول تمتثل للنواهي إل من واحد‪ ،‬ولذلك ترتاح النفس وتطمئن ويسكن‬
‫القلب‪ ،‬ويهدأ‪ .‬قال ابن القيم رحمه الله‪' :‬وكما أن السماوات والرض لو كان‬
‫ه‬‫ة إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ما َءال ِهَ ٌ‬
‫ن ِفيهِ َ‬ ‫فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا كما قال تعالى‪ {:‬ل َوْ َ‬
‫كا َ‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سد ََتا ‪“} [22]...‬سورة النبياء” فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله‬ ‫ف َ‬ ‫لَ َ‬
‫تعالى؛ فسد فسادا ً ل يرجى صلحه إل بأن يخرج ذلك المعبود منه‪ ،‬ويكون‬
‫الله تعالى وحده إلهه ومعبوده‪ ،‬الذي يحبه ويرجوه‪ ،‬ويخافه ويتوكل عليه‪،‬‬
‫وينيب إليه'“ الفوائد”‪.‬‬
‫إذا ً فالموحد ل يحب إل لله‪ ،‬ول يغضب إل لله‪ ،‬ول يكره إل لله‪ .‬وهنا يشعر‬
‫القلب بالراحة والسعادة‪ ،‬فهو مطالب بإرضاء الله ولو غضب عليه أهل‬
‫الرض قاطبة‪ ،‬هذه هي حقيقة التوحيد‪ ،‬بل هذا هو الخلص لله في كل‬
‫ن]‪ [162‬لَ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫حَيايَ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫صَلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫شيء‪ {:‬قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن]‪“} [163‬سورة النعام” وقد‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ت وَأَنا أوّ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫كأ ِ‬ ‫ه وَب ِذ َل ِ َ‬‫ك لَ ُ‬‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ن]‪“} [56‬سورة‬ ‫دو ِ‬ ‫ّ‬
‫س إ ِل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫خلقنا الله لعبادته‪ {:‬وَ َ‬
‫الذاريات”‪.‬‬
‫والعبادة‪ ':‬اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من القوال‪ ،‬والفعال‬
‫الظاهرة والباطنة' فكل فعل‪ ،‬وكل قول‪ ،‬وكل حركة‪ ،‬وكل سكون في حياتك‬
‫هي عبادة لله‪ ،‬بشرط أن يحبها الله ويرضاها‪ ،‬وأن تكون خالصة لله‪ ،‬وكما‬
‫جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬هذا هو هدف المسلم في‬
‫الحياة‪ ،‬فإذا اتضح الهدف للمسلم ارتاح قلبه‪ ،‬واطمأنت نفسه‪ ،‬وشعر‬
‫م‪ ،‬وغاية واضحة‪ ،‬ومبدأ عظيم هو‬ ‫ف سا ٍ‬ ‫بالسعادة؛ لنه يعيش من أجل هد ٍ‬
‫رضا الله‪ .‬وبهذا المفهوم الصحيح للعبادة فكل شيء في الحياة مع النية‬
‫الخالصة لله؛ عبادة يؤجر عليها العبد‪ ،‬ومن المثلة على هذا‪:‬‬
‫ة[ رواه مسلم‪ .‬إذًا‪ :‬وأنت‬ ‫َ‬
‫صد َقَ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫حدِك ُ ْ‬ ‫ضِع أ َ‬ ‫م‪] :‬وَِفي ب ُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫تقضي شهوتك تؤجر عليها‪.‬‬
‫الهم‪..‬المرض‪..‬التعب يؤجر عليها المسلم الموحد الصادق إذا كانت في رضا‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫صي ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الله عز وجل‪ ،‬ألم يقل الحبيب َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فَر‬ ‫َ‬
‫شاكَها إ ِل ك ّ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫شوْكةِ ي ُ َ‬ ‫حّتى ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَل أًذى وَل غَ ّ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫م وََل ُ‬ ‫ب وََل هَ ّ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ب وََل وَ َ‬ ‫ص ٍ‬ ‫نَ َ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد‪'.‬ل إله إل الله'ما‬ ‫خطاَيا ُ‬‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫أحلها في حياتنا قوًل وعمًل ل كما يريد أعداء الله في المسجد فقط‪..‬في‬
‫شهر رمضان‪ ،‬وموسم الحج فقط أما ما عداه فل! ولذلك ربما سمعنا بعض‬
‫خُلوا الدين في كل شيء ‪ .‬ونقول له‪ ،‬ولمثاله‪ :‬نعم الدين‬ ‫المسلمين يقول‪ :‬أ َد ْ َ‬
‫في كل شيء‪ ،‬ونحن مسلمون‪ ،‬والسلم هو الستسلم لله بالتوحيد‪ ،‬والنقياد‬
‫له بالطاعة‪ ،‬والخلوص من الشرك‪ ..‬تسليم واستسلم لله تعالى في كل‬
‫شئون حياتنا لحرية لك إل في حدود الشريعة ل حرية لك بلباسك‪ ،‬ول بقولك‪،‬‬
‫ول ببيعك‪ ،‬ول بشرائك‪ ،‬ول بذهابك‪ ،‬ول بمجيئك إل بهذه الحدود‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثالًثا‪ :‬تواضع النفس الموحدة وخوفها وانكسارها لخالقها وافتقارها‬


‫إليه‪:‬لشعورها أنها في حاجة إليه في كل لحظة؛ فهو مالكها‪ ،‬ومدبرها‪ ،‬وهذا‬
‫مما يزيد العبد افتقارا ً والتجاء إليه عز وجل‪ ،‬ويزيده ترفعا ً عن المخلوقين وما‬
‫في أيديهم‪ ،‬فالمخلوق ضعيف‪ ،‬فقير‪ ،‬عاجز أمام قدرة الحق عز وجل الذي‬
‫إذا أراد شيًئا قال له‪ :‬كن فيكون ‪ .‬هنا يشعر الموحد بأنه يأوي إلى ركن‬
‫شديد‪ ،‬وأنه في سعادة عظيمة‪ ،‬كيف ل؟ وهو يشعر بذله‪ ،‬وانكساره‪،‬‬
‫وافتقاره‪ ،‬وعبوديته لملك الملوك‪ .‬وهذه الثمرة من أعظم ثمرات التوحيد‬
‫مَها الكثير منا‪ .‬فراحة النفس‪ ،‬وسعادة القلب في الذل‪،‬‬ ‫حرِ َ‬
‫على النفوس‪ُ ،‬‬
‫والفتقار إليه‪ ،‬والنكسار بين يديه سبحانه‪ ،‬فلنلجأ إلى الله‪ ..‬لنعلن ضعف‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنفسنا لله‪ ،‬وهنا سيشعر الموحد بالقوة العجيبة وبالصبر والثبات؛ لنه يعلم‬
‫أنه يأوي إلى الذي بيده ملكوت السماوات والرض‪ ،‬الذي يحوطه‪ ،‬ويحفظه‪.‬‬
‫رابعًا‪:‬اليقين والثقة بالله عز وجل‪ :‬فصاحب التوحيد على يقين من ربه‪،‬‬
‫مصدق بآياته‪ ،‬مؤمن بوعده ووعيده كأنه يراه رأي العين‪ ،‬فهو واثق بالله‪،‬‬
‫متوكل عليه‪ ،‬راض بقضائه وقدره‪ ،‬محتسب الجر والثواب منه‪ .‬والنفس‬
‫الموحدة تمتلئ بالطمأنينة والسكينة حتى في أشد المواقف وأصعبها‪ ،‬ألم‬
‫ن‬
‫م ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِظ ُل ْم ٍ ُأول َئ ِ َ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫مُنوا وَل َ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫نقرأ في القرآن‪ {:‬ال ّ ِ‬
‫ن]‪“ }[82‬سورة النعام” يقول ابن تيميه رحمه الله‪':‬والناس وإن‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫صا من قلبه له‬ ‫كانوا يقولون بألسنتهم ل إله إل الله‪ ،‬فقول العبد لها مخل ً‬
‫حقيقة أخرى'‪ .‬ما هذه الحقيقة؟ يخبر تلميذه ابن القيم عن شيخ السلم بتلك‬
‫الحقيقة الذي ذاقها‪ -‬كما نحسبه والله حسيبه‪ -‬فيقول‪':‬وعلم الله ما رأيت‬
‫شا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش‪ ،‬وخلف الرفاهية‬ ‫أحدا ً أطيب عي ً‬
‫والنعيم‪ ،،‬بل ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد‪ ،‬والرهاق‪ ،‬وهو مع ذلك من‬
‫أطيب الناس عيشًا‪ ،‬وأشرحهم صدرًا‪ ،‬وأقواهم قلبًا‪ ،‬وأسرهم نفسًا‪ ،‬تلوح‬
‫نظرة النعيم على وجهه‪ ،‬وكنا إذا اشتد بنا الخوف‪ ،‬وساءت منا الظنون‪،‬‬
‫وضاقت بنا الرض؛ أتيناه فما هو إل أن نراه‪ ،‬ونسمع كلمه؛ فيذهب ذلك كله‪،‬‬
‫وينقلب انشراحا ً وقوة ويقينا ً وطمأنينة‪ ،‬فسبحان من أشهد عباده جنته قبل‬
‫لقائه‪ ،‬وفتح لهم أبوابها في دار العمل؛ فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما‬
‫استفرغ قواهم بطلبها والمسابقة إليها‪ .'..‬هكذا النفس الموحدة مهما أصابها‬
‫في الدنيا‪ ،‬ومهما كانت البتلءات والمتحانات‪ ،‬مهما كانت الشدائد على تلك‬
‫النفس؛ فإنها تعلم أنها قد تجزى بسيئاتها في الدنيا في المصائب التي‬
‫َ‬ ‫تصيبها‪ ،‬ولذلك َقا َ َ‬
‫س‬‫ة‪ {:‬لي ْ َ‬ ‫ح ب َعْد َ هَذِهِ اْلي َ ِ‬ ‫صَل ُ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ل الل ّهِ ك َي ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ر‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ل َأُبو ب َك ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه]‪“ }[123‬سورة‬ ‫جَز ب ِ ِ‬ ‫سوًءا ي ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ي أهْ ِ‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م وََل أ َ‬ ‫مان ِي ّك ُ ْ‬ ‫ب ِأ َ‬
‫م‪] :‬‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه؟ فَ َ‬ ‫زيَنا ب ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫مل َْنا ُ‬ ‫سوٍء عَ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫النساء” فَك ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫س َ‬ ‫ن أل َ ْ‬ ‫حَز ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ب أل َ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ت َن ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ض أل َ ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك َيا أَبا ب َك ْرٍ أل َ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫غَ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه[ إذا فأنت مأجور‪ ،‬والتوحيد‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫ل‪ :‬فَهُوَ َ‬ ‫ل‪ :‬ب َلى َقا َ‬ ‫صيب ُك اللَواُء َقا َ‬ ‫تُ ِ‬
‫يسليك عند المصائب‪ ،‬ويهون عليك اللم وبحسب مقدار ما في القلب من ل‬
‫إله إل الله يكون الصبر والتسليم والرضا بأقدار الله المؤلمة‪،‬واليقين بنصرة‬
‫الله وتحقيق وعده‪ :‬فقد تكفل الله لهل التوحيد بالنصر والعزة والشرف كما‬
‫م ِفي‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى‪ {:‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ضى ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َْر‬
‫دون َِني َل ي ُ ْ‬ ‫خوفه َ‬
‫فَر ب َعْد َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬
‫ن]‪“ }[55‬سورة النور” هذا هو الشرط‪:‬التوحيد{‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ك فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫شي ًْئا }‪.‬‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫َ‬
‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫ي َعْب ُ ُ‬
‫خامسا‪ :‬تفريج الكربات‪ :‬وقصة يونس عليه السلم من الدلة على ذلك‪ ،‬قال‬ ‫ً‬
‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي‬ ‫تعالى‪ {:‬وَذا النون إذ ْ ذ َهَب مَغاضبا فَظ َ َ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ت } بماذا نادى‪ ..‬بماذا استغاث؟ بكلمة التوحيد‬ ‫ما ِ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬

‫)‪(3 /‬‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪}[87‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ك إ ِّني ك ُن ْ ُ‬ ‫حان َ َ‬‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬‫ه إ ِّل أن ْ َ‬
‫ن َل إ ِل َ َ‬
‫تأ ْ‬ ‫{فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬
‫ما ِ‬
‫م وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬‫م َ‬‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ه وَن َ ّ‬ ‫“سورة النبياء” فماذا كانت النتيجة؟ { َفا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫ن]‪“} [88‬سورة النبياء” بل حتى المشركين يعلمون أن في‬ ‫مِني َ‬ ‫جي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ُن ْ ِ‬
‫هّ‬
‫وا الل َ‬ ‫ك د َعَ ُ‬ ‫ْ‬
‫فل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫التوحيد تفريجا للكربات‪ ،‬قال تعالى‪ {:‬فإ َِذا َرك ُِبوا ِفي ال ُ‬ ‫ً‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪“ }[65‬سورة‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م إ َِلى ال ْب َّر إ َِذا هُ ْ‬ ‫جاهُ ْ‬ ‫ما ن َ ّ‬ ‫ن فَل َ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫العنكبوت” قال ابن القيم رحمه الله‪':‬فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد‪،‬‬
‫ولذلك كان دعاء الكرب في التوحيد‪ ،‬ودعوة المؤمن التي ما دعا بها مكروب‬
‫إل فرج الله كربه في التوحيد‪ ،‬فل يلقي في الكرب العظام إل الشرك‪ ،‬ول‬
‫ينجي منها إل التوحيد‪ ،‬فهذا مفزع الخليقة وملجؤها‪ ،‬وحصنها‪ ،‬وبياتها وبالله‬
‫التوفيق…'‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الحزم والجد في المور‪:‬فإن الموحد جاد حازم؛ لنه عرف هدفه‪،‬‬
‫خِلق‪ ،‬وما المطلوب منه‪ ،‬وهو توحيد الله عز وجل والدعوة إليه؛‬ ‫وعرف لماذا ُ‬
‫فلذلك حرص على عمره‪ ،‬فاستغل كل ساعة في عمره‪ ،‬فل يفوت فرصة‬
‫للعمل الصالح‪ ،‬ول يفوت شيًئا فيه رجاء الله‪ ،‬ول يرى موقع الثم إل وابتعد‬
‫عنه خوفا ً من العقاب؛ لنه يعلم أن من أسس التوحيد‪ :‬اليمان بالبعث‬
‫ما‬‫مُلوا وَ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ل د ََر َ‬ ‫والجزاء على العمال‪ ،‬والله عز وجل يقول‪ {:‬وَل ِك ُ ّ‬
‫ن]‪“ }[132‬سورة النعام” وقد حث النبي صلى الله‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م‪] :‬ال ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫عليه وسلم على الحزم والجد والقوة‪ ،‬فَ َ‬
‫َ‬
‫ص عََلى َ‬
‫ما‬ ‫حرِ ْ‬ ‫خي ٌْر ا ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ف وَِفي ك ُ ّ‬ ‫ضِعي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إ َِلى الل ّهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫خي ٌْر وَأ َ‬ ‫قوِيّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل ل َوْ أّني فَعَل ْ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫يٌء فََل ت َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ك َ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫جْز وَإ ِ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وََل ت َعْ َ‬ ‫ست َعِ ْ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫فعُ َ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫ن[ رواه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ح‬
‫ِ ّ ْ َ َ ُ َ َ‬‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫ِ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ر‬
‫َُ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫َ ِ ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫كَ َ َ‬
‫و‬ ‫ذا‬
‫مسلم وابن ماجه وأحمد ‪ .‬فيا أيها الموحد كن جادا ً حازمًا‪ ،‬فأنت صاحب‬
‫عقيدة تحمل همها في الليل والنهار‪ ،‬وفي اليقظة والمنام‪ ،‬وهكذا المسلم إن‬
‫حزن أو ابتسم فلتوحيده‪ ،‬وإن أحب أو أبغض فلعقيدته‪..‬حياته كلها جد وعمل‪،‬‬
‫فهي وقف لله تعالى‪.‬‬
‫سابعًا‪:‬التوحيد هو الذي يحرر النفوس من رق المخلوقين‪ :‬ومن التعلق بهم‪،‬‬
‫وخوفهم ورجائهم‪ ،‬والعمل لجلهم‪ ،‬وهذا والله هو العز الحقيقي‪ ،‬والشرف‬
‫العالي‪ ،‬فيكون بذلك متألهًا‪ ،‬متعبدا ً لله‪ ،‬فما يرجو سواه‪ ،‬ول يخشى غيره‪ ،‬ول‬
‫ينيب إل إليه‪ ،‬ول يتوكل إل عليه‪ ،‬وبذلك يتم فلحه ويتحقق نجاحه‪ .‬قال شيخ‬
‫السلم رحمه الله‪':‬المشرك يخاف المخلوقين ويرجوهم؛ فيحصل له رعب‬
‫ما‬‫كوا ِبالل ّهِ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫فُروا الّرعْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫قي ِفي قُُلو ِ‬ ‫سن ُل ْ ِ‬ ‫كما قال تعالى‪َ {:‬‬
‫طاًنا‪“ }[151] ...‬سورة آل عمران” أما الخالص من الشرك‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ُْ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫مُنوا وَل َ ْ‬ ‫يحصل له المن كما قال تعالى‪ {:‬ال ّ ِ‬
‫م ب ِظلم ٍ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن]‪“ }[82‬سورة النعام” وقد فسر النبي صلى‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫الله عليه وسلم الظلم هنا بالشرك كما في الحديث' ‪ .‬فمن آثار التوحيد إذا ً‬
‫القوة والشجاعة‬
‫ثامنًا‪:‬التوحيد يسهل على النفوس فعل الخيرات وترك المنكرات‪ :‬المخلص‬
‫في توحيده تخف عليه الطاعات؛ لما يرجوه من الثواب ويهون عليه ترك‬
‫المنكرات‪ ،‬وما تهواه نفسه من المعاصي؛ لما يخشى من سخط الله‪ ،‬وأليم‬
‫عقابه ‪ .‬وكلما حقق العبد الخلص في قول‪ ':‬ل إله إل الله' صرف عنه الكثير‬
‫سوَء‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫من الذنوب والمعاصي‪ ،‬ألم يقل الحق عز وجل‪ {:‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ن]‪“} [24‬سورة يوسف” فعلل صرف‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن }ويقول الحق عز وجل‪{:‬‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫السوء والفحشاء عنه بأنه{ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ ََنا ب َ َ‬
‫قاَء‬ ‫جوا ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬‫حد ٌ ف َ َ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل ٌ‬ ‫ُ‬
‫ما إ ِلهُك ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫حى إ ِل ّ‬ ‫م ُيو َ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫دا]‪“} [110‬سورة الكهف”‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حا وَل ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح ً‬ ‫شرِك ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫مل َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫َرب ّهِ فلي َعْ َ‬
‫فالمسلم بقدر ما في نفسه من التوحيد يكون إقدامه وحرصه على فعل‬
‫الخيرات والعكس بالعكس ‪ .‬وأقول لولئك العاجزين‪ ،‬أسرى الذنوب‬
‫والشهوات والمعاصي‪ ،‬الذين إذا ذكروا؛ تعللوا بالمشقة والعجز‪ ،‬فإذا قيل‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لحدهم‪ :‬اترك يا أخي تلك المعصية ‪ .‬قال‪ :‬والله ما استطعت‪ .‬أقول لولئك‬
‫كما يقول ابن القيم رحمه الله‪ ':‬إنما يجد المشقة في ترك المألوفات‬
‫والعوائد من تركها لغير الله أما من تركها صادقا ً مخلصا ً من قلبه لله؛ فإنه ل‬
‫يجد من تركها مشقة إل في أول وهلة؛ ليمتحن أصادق هو في تركها أم‬
‫كاذب؟' ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تاسعًا‪:‬التوحيد ينير القلب‪ :‬ويشرح الصدر ويجعل للحياة معنى وحلوة بل إن'‬
‫ب صادق؛ تقلب الحياة رأسا ً على عقب‪،‬فهذا‬ ‫ل إله إل الله' إذا خرجت من قل ٍ‬
‫بلل عبد حبشي ليس له من المر شيء فأصبح بـ 'ل إله إل الله' المؤذن‬
‫الول‪ ،‬ورجل من أهل الجنة‪ ،‬وسيد من سادات السلم‪ ،‬تهتز له القلوب‪،‬‬
‫سبحان الله! كان مولى من الموالي‪ ،‬فلما آمن بالله؛ وقف في وجه أسياد‬
‫مكة يتحداهم بـ'ل إله إل الله' إنها شمس التوحيد لمست شغاف القلوب‪،‬‬
‫فتجلت بها ظلمات النفس والطبع‪ ،‬وحركت الهمم والعزائم ‪.‬‬
‫عاشرًا‪:‬التوحيد يحفظ هذه النفوس‪ :‬ماحفظت دماؤنا وأعراضنا وأموالنا إل‬
‫ه إ ِّل‬ ‫ل َل إ ِل َ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫بكلمة التوحيد'ل إله إل الله' َقا َ‬
‫ه[ رواه‬ ‫ه عََلى الل ّ ِ‬ ‫ساب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ه وَد َ ُ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حُر َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ي ُعْب َد ُ ِ‬ ‫فَر ب ِ َ‬ ‫ه وَك َ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ل‪ :‬ب َعَث ََنا‬ ‫ن َزي ْد ٍ َقا َ‬ ‫ُ‬
‫ة بْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سا َ‬ ‫نأ َ‬ ‫مسلم وأحمد‪ .‬بل انظر لهذا الموقف العجيب‪ :‬عَ ْ‬
‫ة‬
‫جهَي ْن َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حَرَقا ِ‬ ‫حَنا ال ْ ُ‬ ‫صب ّ ْ‬ ‫سرِي ّةٍ فَ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ك فَذ َك َْرت ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سي ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه فَوَقَعَ ِفي ن َ ْ‬ ‫ه فَط َعَن ْت ُ ُ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ل َل إ ِل َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫جًل فَ َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫فَأد َْرك ْ ُ‬
‫ل َل‬ ‫م‪ ] :‬أ ََقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ِللن ّب ِ ّ‬
‫ل‪] :‬أ َفَلَ‬ ‫سلِح َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫خوًْفا ِ‬ ‫ما َقالَها َ‬ ‫َ‬ ‫ل اللهِ إ ِن ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ْ‬
‫ه[ قُل ُ‬ ‫ْ‬
‫ه وَقَت َلت َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫ت أ َّني‬ ‫من ّي ْ ُ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ها عَل َ ّ‬ ‫ل ي ُك َّرُر َ‬ ‫ما َزا َ‬ ‫م َل[ فَ َ‬
‫َ‬
‫م أَقال ََها أ ْ‬
‫قت عَن قَل ْبه حتى تعل َ َ‬
‫ِ ِ َ ّ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ق ْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ذ‪.‬رواه البخاري ومسلم‪-‬واللفظ له‪ -‬وأبوداود وأحمد‪ .‬فبماذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مئ ِ ٍ‬ ‫ت ي َوْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫أ ْ‬
‫حفظت هذه النفس؟ بتوحيد الله‪ ،‬بـ'ل إله إل الله' ولذلك ترجم النووي لهذا‬
‫الحديث فقال‪ ”:‬باب‪ :‬تحريم قتل الكافر بعد أن قال‪ ':‬ل إله إل الله'‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬النصاف وتربية النفس على العدل‪ :‬فمن أظلم الظلم أن‬
‫يكون الله هو الذي أوجد؛ فأحسن الخلق‪ ،‬وينعم ويحسن النعام‪ ،‬ويتفضل‬
‫م]‪[18‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه ل َغَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ َل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬ ‫سبحانه بكل شيء{ وَإ ِ ْ‬
‫} “سورة النحل” ثم بعد ذلك كله نقابل ذلك بالنكران والجحود‪ ،‬فنجعل له‬
‫ندا ً نمتثل لمره ونحبه من دون الله‪ ،‬بل نخافه من دون الله ونرجوه‪ ،‬بل ربما‬
‫صرف له شيء من العبادة من دون الله أليس هذا هو الظلم العظيم؟ فهل‬
‫جزاء الحسان إل الحسان؟! ولذلك كان أعظم ذنب عصي الله به هو‬
‫م]‪“ }[13‬سورة‬ ‫ظي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ك ل َظ ُل ْ ٌ‬ ‫شْر َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ك ِبالل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ي َل ت ُ ْ‬ ‫الشرك بالله {َياب ُن َ ّ‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫لقمان” وكما قال عز وجل‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫ما]‪“ }[48‬سورة النساء” ‪.‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫قدِ افْت ََرى إ ِث ْ ً‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫الثاني عشر‪ :‬زوال الحيرة والتردد عند النسان‪ :‬فكلما كان النسان موحدا‪ً،‬‬
‫مخلصا ً لله‪ ،‬منيبا ً إليه؛ كان أكثر اطمئنانًا‪ ،‬وراحة‪ ،‬وسعادة‪ .‬وكلما كان النسان‬
‫بعيدا ً عن الله كان أكثر حيرة وضلل ً وترددًا‪ ،‬واقرأ إن شئت قول الحق عز‬
‫قاب َِنا ب َعْد َ إ ِذ ْ‬ ‫ضّرَنا وَن َُرد ّ عََلى أ َع ْ َ‬ ‫فعَُنا وََل ي َ ُ‬ ‫ما َل ي َن ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ل أ َن َد ْ ُ‬ ‫وجل‪ {:‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِلى‬ ‫عون َ ُ‬ ‫ب ي َد ْ ُ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ص َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫نل ُ‬ ‫حي َْرا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفي ُالْر ِ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ست َهْوَت ْ ُ‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫ه كال ِ‬ ‫َ‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬ ‫هَ َ‬
‫ن]‪[71‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ل َِر ّ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫مْرَنا ل ِن ُ ْ‬ ‫دى وَأ ِ‬ ‫ْ‬
‫دى اللهِ هُوَ الهُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ُ‬
‫دى ائت َِنا ق ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْهُ َ‬
‫} “سورة النعام” فأهل التوحيد أكثر الناس طمأنينة وإيمانًا‪ ،‬وأبعدهم عن‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحيرة‪ ،‬والنفراد‪ ،‬والتخبط‪ ،‬والتنافر‪ .‬وليس ذلك إل بتوحيد الله؛ بالتوحيد‬


‫الخالص لله؛ تعرف من أنت؟ من أين أتيت؟ لماذا أتيت؟ ماذا يريد الله منك؟‬
‫ولول الله ما كنت موجودا ً في الوجود ‪.‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬جمع كلمة المسلمين الموحدين وتوحيد صفوفهم ‪ :‬جمع الله‬
‫بالتوحيد القلوب المشتتة‪ ،‬والهواء المتفرقة‪ ،‬فما اتحد المسلمون‪ ،‬وما‬
‫اجتمعت كلمتهم إل بالتوحيد‪..‬وما تفرقوا واختلفوا إل لبعدهم والله عنه؛‬
‫فربهم واحد‪ ،‬ودينهم واحد‪ ،‬ونبيهم واحد‪ ،‬وقبلتهم واحدة‪ ،‬ودعوتهم واحدة‪،‬‬
‫هي‪ ':‬ل إله إل الله' ‪ ..‬أهل التوحيد ل يختلفون في أصول الدين وقواعد‬
‫العتقاد‪ ،‬يرون السمع والطاعة لولة أمورهم بالمعروف مالم يأمروا بمعصية‪،‬‬
‫ول يجوز الخروج عليهم‪ -‬وإن جاروا‪ -‬إل أن يرى منهم كفر بواح‪ ،‬عليه من الله‬
‫برهان‪ ..‬أهل التوحيد تتفق في الغالب وجهات نظرهم‪ ،‬وردود أفعالهم مهما‬
‫تباعدت المصار والثار‪ ،‬فالمصدر واحد‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الرابع عشر‪:‬جود نفوس الموحدين بالمال والنفس في سبيل الله ونصرة‬


‫دينه‪ :‬فأمة التوحيد أمة قوية‪ ،‬تبذل كل غال ونفيس من أجل دينها وعقيدتها‬
‫ما‬‫وتثبيت دعائمه‪ ،‬غير مبالية بما يصيبها في سبيل ذلك‪ ،‬يقول عز وجل‪ {:‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫م ي َْرَتاُبوا وَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ل الل ّهِ أول َئ ِ َ‬ ‫وَأ َن ْ ُ‬
‫ن]‪“} [15‬سورة الحجرات”‪ ،‬لم‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬
‫يدخلهم شك‪ ،‬ول خوف‪ ،‬ول يأس‪ ،‬ول قنوط في حقيقة توحيدهم وعقيدتهم‪،‬‬
‫بل في حقيقة نصرة الله لهم‪..‬أيها الموحد‪ ..‬أيتها الموحدة‪ ،‬هل جعلت نفسك‪،‬‬
‫ومالك‪ ،‬وولدك‪ ،‬وكل ما تملك في خدمة هذه العقيدة في سبيل ل إله إل‬
‫الله؟‬
‫ماذا قدمت لدينك‪ ،‬وعقيدتك؟ نعجب ونتحسر يوم أن يضحي الكافر من أجل‬
‫دينه وعقيدته‪ -‬وهو على باطل‪ .-‬ويوم أن يفتر ويهمل ذلك المسلم من أجل‬
‫عقيدته وتوحيده وهو على حق !‬
‫الخامس عشر‪ :‬شعور النفس الموحدة بمعية الله عز وجل‪ :‬قال ابن‬
‫ت‪ :‬بأي شيء أستعين على التجرد من الطمع ومن الفزع؟‬ ‫القيم‪':‬فإن قُل ْ َ‬
‫ت‪ :‬بالتوحيد‪ ،‬والتوكل على الله‪ ،‬والثقة بالله‪ ،‬وعلمك بأنه ل يأتي بالحسنات‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫إل هو‪ ،‬ول يذهب بالسيئات إل هو‪ ،‬وأن المر كله لله ليس لحد مع الله شيء‬
‫ه‪[38] ...‬‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫دافِعُ عَ ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫'“الفوائد” قال عز وجل‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ه‪“} [36]...‬سورة الزمر”‬ ‫ف عَب ْد َ ُ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫س الل ّ ُ‬ ‫الحج” وقال‪ {:‬أل َي ْ َ‬ ‫}“سورة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م]‪[11‬‬ ‫موَْلى ل َهُ ْ‬ ‫ن َل َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُنوا وَأ ّ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موَْلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫وقال‪ {:‬ذ َل ِ َ‬
‫دي َ‬
‫ل‬ ‫خَرةِ َل ت َب ْ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬ ‫} “سورة محمد” وقال‪ {:‬ل َهُ ُ‬
‫م]‪“ }[64‬سورة يونس” وفي الحديث‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ِك َل ِ َ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ب إ ِل ّ‬ ‫قّر َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ِبال َ‬ ‫قد ْ آذ َن ْت ُ ُ‬ ‫عاَدى ِلي وَل ِّيا فَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫القدسي‪ ] :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ب إ ِل ّ‬ ‫قّر ُ‬ ‫دي ي َت َ َ‬ ‫ل عَب ْ ِ‬ ‫ما ي ََزا ُ‬ ‫ت عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ما افْت ََر ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب إ ِل ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء أ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫دي ب ِ َ‬ ‫عَب ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صُر‬‫ذي ي ُب ْ ِ‬ ‫صَرهُ ال ِ‬ ‫معُ َب ِهِ وَب َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ه كن ْ ُ‬ ‫حب َب ْت ُ ُ‬‫ه فَإ َِذا أ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫حّتى أ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وافِ ِ‬ ‫ِبالن ّ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه وَلئ ِ ْ‬ ‫سألِني لعْط ِي َن ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه الِتي ي َ ْ‬ ‫جل ُ‬ ‫ش ب َِها وَرِ ْ‬ ‫ب ِهِ وَي َد َه ُ الِتي ي َب ْط ِ ُ‬
‫ه‪[...‬رواه البخاري‪ .‬فأي فضل يناله صاحب التوحيد! فالله‬ ‫عيذ َن ّ ُ‬ ‫ست ََعاذ َِني َل ُ ِ‬ ‫ا ْ‬
‫ً‬
‫معه يحفظه‪ ،‬وينصره‪ ،‬ويدافع عنه؛ مما يزيده قوة وشجاعة وإقبال على الله‬
‫عز وجل قال ابن رجب في رسالته الجميلة 'الخلص'‪ ':‬من صدق في قول ل‬
‫إله إل الله؛ لم يحب سواه‪ ،‬ولم يرج سواه‪ ،‬ولم يخش أحدا ً إل الله‪ ،‬ولم‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتوكل إل على الله‪ ،‬ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه‪ ،‬ومع هذا فل تظن‬
‫أن المحب مطالب بالعصمة وإنما هو مطالب كلما ذل أن يتلفى تلك‬
‫الوصمة'‪.‬‬
‫السادس عشر‪ :‬العلم والبصيرة‪ :‬فمن عرف التوحيد وحقيقته؛ عرف عكسه‬
‫من الشرك وحقائقه وأباطيله‪ ،‬بل عرف احتيالت أهل الشرك ومكرهم‪،‬‬
‫ل َل‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫فيجزم الموحد بكفرهم‪ ،‬وعداوتهم‪َ .‬قا َ‬
‫ه[‬ ‫ّ‬
‫ه عَلى الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ساب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫م ُ‬‫ه وَد َ ُ‬ ‫ُ‬
‫مال ُ‬ ‫م َ‬‫حُر َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ي ُعْب َد ُ ِ‬‫فَر ب ِ َ‬ ‫ه وَك َ َ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫رواه مسلم وأحمد‪ .‬فل يكفي لعصمة دم المسلم أن يقول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬بل‬
‫ل بد أن يضيف إليها‪ :‬الكفر بما يعبد من دون الله‪ ،‬فإن لم يكفر بما يعبد من‬
‫دون الله؛ لم يحرم دمه وماله‪ ،‬ومن الثار محبة أهل اليمان وموالتهم وبغض‬
‫المشركين ومعاداتهم ‪ .‬وقد يتساءل البعض‪:‬لماذا يأمرنا السلم ببغض‬
‫المشركين؟ فأقول‪ :‬لننا نحن وإياهم على طرفي نقيض‪ ،‬فنحن أهل توحيد‪،‬‬
‫وهم أهل شرك‪ ،‬وبيننا وبينهم عداوة وبغضاء حتى يؤمنوا بالله وحده كما قال‬
‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫م‬
‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬
‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫تعالى‪ {:‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫داوَةُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬
‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫إ ِّنا ب َُرآُء ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‪“ }[4]...‬سورة الممتحنة” ‪ .‬وصلى الله‬ ‫حد َ ُ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫ْ‬
‫حّتى ت ُؤ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ضاُء أب َ ً‬ ‫َوال ْب َغْ َ‬
‫وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫من محاضرة‪ :‬أثر التوحيد في النفوس للشيخ‪ /‬إبراهيم الدويش‬

‫)‪(6 /‬‬

‫التوحيد وأنواعه‬
‫للشيخ محمد بن صالح العثيمين‬
‫سئل فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في المهديين ‪ :‬عن تعريف التوحيد‬
‫وأنواعه ؟‬
‫فأجاب حفظه الله بقوله ‪ :‬التوحيد لغة ‪ " :‬مصدر وحد يوحد‪ ،‬أي جعل الشيء‬
‫حد‪ ،‬وإثباته‬ ‫واحدا ً " وهذا ل يتحقق إل بنفي وإثبات‪ ،‬نفي الحكم عما سوى ال ُ‬
‫مو ّ‬
‫له‪ ،‬فمثل ً نقول ‪ :‬إنه ل يتم للنسان التوحيد حتى يشهد أن ل إله إل الله‬
‫فينفي اللوهية عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده‪ ،‬وذلك أن النفي‬
‫المحض تعطيل محض‪ ،‬والثبات المحض ل يمنع مشاركة الغير في الحكم‪،‬‬
‫ت له القيام لكنك لم توحده به‪ ،‬لنه من‬ ‫فلو قلت مثل ً ‪ " :‬فلن قائم " فهنا أثب ّ‬
‫الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام‪ ،‬ولو قلت ‪ " :‬ل قائم " فقد نفيت‬
‫محضا ً ولم تثبت القيام لحد‪ ،‬فإذا قلت‪" :‬ل قائم إل زيد " فحينئذ تكون وحدت‬
‫زيدا ً بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه‪ ،‬وهذا هو تحقيق التوحيد في‬
‫الواقع‪ ،‬أي إن التوحيد ل يكون توحيدا ً حتى يتضمن نفيا ً وإثباتا ً ‪.‬‬
‫وأنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل تدخل كلها في تعريف عام وهو " إفراد‬
‫الله سبحانه وتعالى بما يختص به " ‪.‬‬
‫وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلثة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬توحيد الربوبية ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬توحيد اللوهية ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬توحيد السماء والصفات ‪.‬‬
‫وعلموا ذلك بالتتبع والستقراء و النظر في اليات والحاديث فوجدوا أن‬
‫التوحيد ل يخرج عن هذه النواع الثلثة فنوعوا التوحيد إلى ثلثة أنواع ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬توحيد الربوبية ‪ :‬وهو " إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق‪ ،‬والملك‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتدبير " وتفصيل ذلك ‪:‬‬


‫ل‪:‬بالنسبة لفراد الله تعالى بالخلق فالله تعالى وحده هو الخالق ل خالق‬ ‫أو ً‬
‫سواه قال الله تعالى ‪:‬‬
‫) هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والرض ل إله إل هو ( ‪.‬‬
‫وقال تعالى مبينا ً بطلن آلهة الكفار ‪ ) :‬أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون‬
‫ه يشمل‬ ‫خل ْ ُ‬
‫ق ُ‬ ‫( ‪ .‬فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديرا ً ‪ ،‬و َ‬
‫ما يقع من مفعولته‪ ،‬وما يقع من مفعولت خلقه أيضًا‪ ،‬ولهذا كان من تمام‬
‫اليمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقٌ لفعال العباد كما قال الله تعالى‬
‫‪ ) :‬والله خلقكم وما تعملون ( ‪.‬‬
‫ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته‪ ،‬والعبد مخلوق لله‪ ،‬وخالق الشيء خالق‬
‫لصفاته‪ ،‬ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة‪ ،‬والرادة‬
‫والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل وخالق السبب التام خالق للمسبب ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬كيف نجمع بين إفراد الله عز وجل بالخلق مع أن الخلق قد يثبت‬
‫لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى ‪ ) :‬فتبارك الله أحسن الخالقين ( ‪.‬‬
‫وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين ‪ " :‬يقال ‪ :‬لهم ‪ :‬أحيوا ما‬
‫خلقتم " ؟‬
‫فالجواب على ذلك ‪ :‬أن غير الله تعالى ل يخلق كخلق الله فل يمكنه إيجاد‬
‫معدوم‪ ،‬ول إحياء ميت‪ ،‬وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل‬
‫الشيء من صفة إلى صفة أخرى وهو مخلوق لله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فالمصور مث ً‬
‫ل‪،‬‬
‫إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئا ً غاية ما هنالك أنه حول شيئا ً إلى شيء‬
‫كما يحول الطين إلى صورة طير أو صورة جمل‪ ،‬وكما يحول بالتلوين الرقعة‬
‫البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد من خلق الله عز وجل‪ ،‬والورقة البيضاء من‬
‫خلق الله عز وجل‪ ،‬هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله‪ ،‬عز وجل‬
‫وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق ‪ .‬وعلى هذا يكون الله سبحانه وتعالى‬
‫منفردا ً بالخلق الذي يختص به ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إفراد الله تعالى بالملك فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله‬
‫تعالى ‪ ) :‬تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ( ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ ) :‬قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول يجار عليه ( ‪.‬‬
‫فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده‪ ،‬ونسبة‬
‫الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله عز وجل لغيره الملك كما في‬
‫قوله تعالى ‪ ) :‬أو ما ملكتم مفاتحه ( ‪ .‬وقوله ) إل على أزواجهم أو ما ملكت‬
‫أيمانهم ( ‪ .‬إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكا ً‬
‫لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل فهو ملك قاصر‪ ،‬وملك مقيد‪ ،‬ملك‬
‫قاصر ل يشمل‪ ،‬فالبيت الذي لزيد ل يملكه عمرو‪ ،‬والبيت الذي لعمرو ل‬
‫يملكه زيد‪ ،‬ثم هذا الملك مقيد بحيث ل يتصرف النسان فيما ملك إل على‬
‫الوجه الذي أذن الله فيه ولهذا نهى النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم عن إضاعة‬
‫المال وقال الله تبارك وتعالى ‪ ) :‬ول تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله‬
‫لكم قياما ً ( ‪ .‬وهذا دليل على أن ملك النسان ملك قاصر وملك مقيد‪ ،‬بخلف‬
‫ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله‬
‫سبحانه وتعالى ما يشاء ول يسأل عما يفعل وهم يسألون ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬التدبير فالله عز وجل منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر‬
‫السماوات والرض كما قال الله سبحانه وتعالى ‪ ) :‬أل له الخلق والمر تبارك‬
‫الله رب العالمين ( ‪ .‬وهذا التدبير شامل ل يحول دونه شيء ول يعارضه‬
‫شيء ‪ .‬والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير النسان أمواله وغلمانه‬
‫وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود‪ ،‬ومقيد غير مطلق فظهر بذلك‬
‫صدق صحة قولنا ‪ :‬إن توحيد الربوبية هو " إفراد الله بالخلق والملك‪ ،‬والتدبير‬
‫"‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬توحيد اللوهية وهو " إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة " بأن ل‬
‫يتخذ النسان مع الله أحدا ً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب‬
‫إليه وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم وأرضهم وديارهم وسبى‬
‫نساءهم وذريتهم‪ ،‬وهو الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب مع أخويه‬
‫توحيدي الربوبية‪ ،‬والسماء والصفات‪ ،‬لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم‬
‫على هذا النوع من التوحيد وهو توحيد اللوهية بحيث ل يصرف النسان شيئا ً‬
‫من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى ل لملك مقرب‪ ،‬ول لنبي مرسل‪ ،‬ول‬
‫لولي صالح‪ ،‬ول لي أحد من المخلوقين‪ ،‬لن العبادة ل تصح إل لله عز وجل‪،‬‬
‫ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية‪ ،‬وبتوحيد‬
‫السماء والصفات ‪ .‬فلو أن رجل ً من الناس يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو‬
‫الخالق المالك المدبر لجميع المور‪ ،‬وأنه سبحانه وتعالى المستحق لما‬
‫يستحقه من السماء والصفات لكنيعبد مع الله غيره لم ينفعه إقراره بتوحيد‬
‫الربوبية والسماء والصفات ‪ .‬فلو فرض أن رجل ً يقر إقرارا ً كامل ً بتوحيد‬
‫الربوبية وتوحيد السماء والصفات لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر‬
‫له قربانا ً يتقرب به إليه فإن هذا مشرك كافر خالد في النار‪ ،‬قال الله تبارك‬
‫وتعالى ‪ ) :‬إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما‬
‫للظالمين من أنصار ( ‪ .‬ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل أن‬
‫المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم‪،‬‬
‫وأموالهم وسبى نساءهم‪ ،‬وذريتهم‪ ،‬وغنم أرضهم كانوا مقرين بأن الله تعالى‬
‫وحده هو الرب الخالق ل يشكون في ذلك‪ ،‬ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره‬
‫صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬توحيد السماء والصفات وهو " إفراد الله سبحانه وتعالى بما‬
‫سمى الله به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف‪ ،‬ول تعطيل‪ ،‬ومن غير‬
‫تكييف‪ ،‬ول تمثيل " ‪ .‬فلبد من اليمان بما سمى الله به نفسه ووصف به‬
‫نفسه على وجه الحقيقة ل المجاز‪ ،‬ولكن من غير تكييف‪ ،‬ول تمثيل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوحيد ‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫‪06-03-2004‬‬
‫التوحيد هو أعظم فريضة فرضها الله عز وجل على عباده ‪ ،‬ومن أجلها بعث‬
‫الله الرسل ‪ ،‬وأنزل الكتب ‪ ،‬وهو مناط النجاة في الدنيا ‪ ،‬والخرة ‪.‬‬
‫والتوحيد لغة ‪ :‬هو جعل الشيء واحدا ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬اليمان بوحدانية الله‬
‫عز وجل في ربوبيته ‪ ،‬وألوهيته ‪ ،‬وأسمائه ‪ ،‬وصفاته ‪ ،‬وتفصيل ذلك بمعرفة‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقسام التوحيد كما بينها العلماء ‪:‬‬


‫أول ‪ :‬توحيد الربوبية ‪ :‬وهو إفراد الله بأفعاله كالخلق ‪ ،‬والملك ‪ ،‬والتدبير ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪ } :‬الحمد لله رب العالمين { ) الفاتحة ‪ ( 1 :‬أي مالكهم ‪ ،‬ومدبر‬
‫شئونهم ‪.‬‬
‫والعتراف بربوبية الله عز وجل مما لم يخالف فيها إل شذاذ البشر من‬
‫الملحدة الدهريين ‪ ،‬أما سائر الكفار فقد كانوا معترفين بربوبيته سبحانه ‪،‬‬
‫وتفرده بالخلق ‪ ،‬والملك ‪ ،‬والتدبير ‪ ،‬وقد حكى الله ذلك عنهم في غير ما‬
‫َ‬
‫خَر‬‫س ّ‬ ‫ض وَ َ‬‫ت والر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫آية ‪،‬منها قوله تعالى ‪ } :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )العنكبوت‪(61:‬‬ ‫كو َ‬ ‫ه فَأّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫قول ُ ّ‬ ‫مَر ل َي َ ُ‬‫ق َ‬‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ّ‬
‫ش ْ‬
‫ثانيا ‪ :‬توحيد اللوهية ‪ :‬وهو إفراده تعالى بالعبادة ‪ ،‬وذلك بأن يكون قصد العبد‬
‫وتوجهه في عبادته هو الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬فل يصرف أي نوع من أنواع‬
‫هّ‬
‫ماِتي ل ِل ِ‬ ‫م َ‬
‫حَيايَ وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬‫صلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫العبادة لغير الله ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن { )النعام‪ (162:‬وقد كان خلف المشركين في هذا النوع من‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قد ْ ب َعَث َْنا ِفي ك ّ‬ ‫َ‬
‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫التوحيد ‪ ،‬لذلك بعث الله إليهم الرسل ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬وَل َ‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬
‫غوت فمنهم من هدى الله ومنهم من‬ ‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫َر ُ‬
‫حقت عليه الضللة { )النحل‪(36 :‬‬
‫ثالثا ‪ :‬توحيد السماء والصفات ‪ :‬وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه ‪ ،‬أو أثبته له‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ‪ ،‬ول تعطيل ‪ ،‬ول تمثيل ‪ ،‬ول‬
‫تكييف ‪ ،‬ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه‬
‫صيُر { )الشورى‪:‬‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬
‫وسلم ‪ ،‬قال تعالى } ليس كمثله شيء وَهُوَ ال ّ‬
‫‪ ، (11‬ولتوضيح هذه القاعدة نورد بعض المثلة التوضيحية ‪ ،‬من ذلك أن الله‬
‫زيُز { )هود‪ (66 :‬فموقف المسلم تجاه ذلك هو‬ ‫قوِيّ ال ْعَ ِ‬ ‫وصف نفسه بأنه } ال ْ َ‬
‫إثبات هذين السمين لله عز وجل كما ورد في الية ‪ ،‬مع اعتقاد اتصاف الله‬
‫عز وجل بهما على وجه الكمال ‪ ،‬فلله عز وجل القوة المطلقة ‪ ،‬والعزة‬
‫المطلقة ‪.‬‬
‫ومثال النفي في الصفات قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إن الله عز وجل ل‬
‫ينام ‪ ،‬ول ينبغي له أن ينام ( رواه مسلم فموقف المسلم من ذلك هو نفي‬
‫صفة النوم عن الله عز وجل ‪ ،‬مع اعتقاد كمال الضد بمعنى ‪ :‬أن انتفاء صفة‬
‫النوم عنه سبحانه دليل على كمال حياته ‪ ،‬وهكذا القول في سائر السماء‬
‫والصفات ‪.‬‬
‫فهذه هي حقيقة التوحيد ‪ ،‬مستمدة من نور الوحي ‪ ،‬وبهاء النبوة ‪ ،‬نسأل الله‬
‫عز وجل أن يجعلنا ممن يوحد الله حق توحيده ‪ ،‬ويعبده حق عبادته ‪ ،‬والله‬
‫الموفق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر‬


‫د‪.‬عبد الله بن حسن السعيدي‬
‫مقدمة البحث‬
‫أن الحمد لله نحمده ونستعينه ‪ ،‬ونستهديه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ومن يضلل‬
‫فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا َ‬
‫عبده ورسوله ‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله ‪ ،‬وصحبه ‪ ،‬وسلم تسليما كثيرا ‪،،،‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن موضع التورق المصرفي المنظم ‪:‬موضوع جديد ‪ ،‬قديم ‪ ،‬هام ‪ .‬فهو جديد‬
‫‪ :‬على صعيد العمل ‪ ،‬والممارسة ‪ ،‬وإن يكن جديدا من وجه ‪ ،‬فإنه امتداد لبيع‬
‫المرابحة للمر بالشراء ‪ ،‬الذي كان مأخذا على البنوك السلمية ‪ ،‬من جهة‬
‫غايته ‪ ،‬حيث غايته الستهلك ‪ ،‬والبنوك السلمية من أهدافها ‪ :‬التنمية‬
‫والستثمار ‪ ،‬وقد أغرقت في المرابحة إغراقا نافى أهدافها المعلنة ‪.‬‬
‫ومن جهة تطبيقية ‪ ،‬حيث ينطوي على مآخذ ‪ ،‬ومخالفات ‪ ،‬تختلف باختلف‬
‫البنوك ‪ ،‬ل تتفق والعمل السلمي ‪ ،‬الذي هو أساس البنوك السلمية من‬
‫جهة رسمية ‪.‬‬
‫موضوع جديد ‪ ،‬قديم ‪ ،‬هام ‪.‬‬
‫فهو جديد ‪ :‬على صعيد العمل ‪ ،‬والممارسة ‪ ،‬وإن يكن جديدا من وجه ‪ ،‬فإنه‬
‫امتداد لبيع المرابحة للمر بالشراء ‪ ،‬الذي كان مأخذا على البنوك السلمية ‪،‬‬
‫من جهة غايته ‪ ،‬حيث غايته الستهلك ‪ ،‬والبنوك السلمية من أهدافها ‪:‬‬
‫التنمية والستثمار ‪ ،‬وقد أغرقت في المرابحة إغراقا نافى أهدافها المعلنة ‪.‬‬
‫وهو قديم ‪ :‬بالنظر إلى أصله ‪ ،‬فإنه يندرج تحت عقود المداينة التي يقصد‬
‫منها تحصيل النقد ‪ ،‬كما سيأتي بيانه في مبحث تخريجه ‪.‬‬
‫وهو هام ‪ :‬بالنسبة للمستهلكين ‪ ،‬حيث إن كثيرا ً منهم قد ولجوا من بابه ‪،‬‬
‫وكثيرين ل زالوا وقوفا عند أعتابه ‪ ،‬ينظرون إذن الدخول ‪ ،‬أو العدول ‪.‬‬
‫هام ‪ :‬بالنسبة إلى الباحثين ‪ ،‬حيث ل يزال موضوعه مادة للبحث والمناقشة ‪،‬‬
‫إذ لم يتخذ فيه قرار واضح حتى الن ‪.‬‬
‫ت خلل عام واحد ‪:‬‬ ‫ث عرضا ٍ‬ ‫رض ثل َ‬ ‫وكان من شأنه أن عُ ِ‬
‫أولها ‪ :‬مؤتمر جامعة الشارقة ‪ ،‬خلل المدة ‪ 24‬ـ ‪1423 /2 / 26‬هـ ‪.‬‬
‫وثانيتها ‪ :‬ندوة البركة الثانية والعشرون بمكة المكرمة ‪ ،‬خلل ‪ 8‬ـ ‪/4 / 9‬‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫وثالتهما ‪ :‬ندوة البركة الثالثة والعشرون بمكة المكرمة ‪ ،‬خلل ‪ 6‬ـ ‪/9 / 7‬‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫ولم تسفر هذه العرضان عن رأي بشأن حكم هذه المعاملة ‪ ،‬سوى التوصية‬
‫بمزيد بحث ‪ ،‬ودراسة ‪.‬‬
‫وهذا يبرر أهمية بحثه باعتباره من مشكلت التطبيق في البنوك السلمية ‪،‬‬
‫وهو عرض لمشكلة منهجية تسير عليها البنوك السلمية ‪ ،‬وهي ‪ " :‬مشكلة‬
‫التمويل " فلعل هذا البحث المتواضع يسهم في شيء مما طلب فيه ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬وإن ما تفضل به سعادة أمين المجمع الفقهي من مسائل ضمّنها خطابه‬
‫‪ ،‬للستئناس بها في الكتابة ‪ ،‬قد انساقت عفوا ً ‪ ،‬فتضمنها البحث في طياته ‪،‬‬
‫وصارت ـ دون تكلف ـ من بين فقراته ‪.‬‬
‫وقد قمت في سبيل إعداد هذا البحث بزيارة ميدانية ‪ ،‬لعدة بنوك ‪ ،‬تمارس‬
‫هذا العمل ‪ ،‬والتقيت ‪ ،‬واتصلت بشخصيات لها صلة بهذا العمل ‪ ،‬وحصلت‬
‫على عقود ‪ ،‬ومطويات ‪ ،‬متعلقة بهذا العمل ‪ ،‬واستخلصت من مجموع ذلك‬
‫مادة هذا البحث دون نشر للعقود ‪ ،‬أو إشارة إلى الجهات ‪ ،‬أو الشخصيات ‪،‬‬
‫محافظة على سرية العمل المصرفي ‪ ،‬الذي حملنيه كل من تعاون معي‬
‫مشكورا ً ‪ ،‬ولم أبح بشيء من ذلك ـ على قلته ـ سوى بعض ما تحتويه‬
‫ث في كل مكان ‪ ،‬فهي مبثوثة في مداخل البنوك ‪ ،‬وفي‬ ‫المطويات التي ت ُب َ ّ‬
‫ً‬
‫غرف مكائن الصرف ‪ ،‬ولم تعد لذلك سّرا ‪.‬‬
‫ومن خلل بحثي الميداني تبين لي أن هذه المعاملة ذات وجهين ‪:‬‬
‫وجه ظاهر ‪ :‬وهو ما يتصل بالسوق الداخلية ‪ ،‬التي أطرافها البنك وعملؤه‬
‫المتورقون ‪ ،‬وما يتبع ذلك من عقود وإجراءات يمكن الطلع عليها ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ووجه باطن‪ :‬وهو ما يتصل بالسوق الدولية ‪ ،‬التي أطرافها البنك ‪ ،‬وما يتعامل‬
‫معه من شركات يبيع عليها ‪ ،‬ويشتري منها ‪ ،‬وما يتبع ذلك من عقود واتفاقات‬
‫ط القتاد ‪ ،‬بل ما هو أشد منه ‪ " :‬سرية العمل‬ ‫خْر ُ‬
‫‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فهذه دونها َ‬
‫المصرفي "‬
‫فإلى ثنايا هذا البحث ‪ ،‬المقيد في مبحثين ‪:‬‬
‫المبحث الول‬
‫" للدراسة التصويرية " ‪ ،‬لتصوير المعاملة ‪ ،‬ومن ثم تصورها ‪ ،‬تمهيدا للحكم‬
‫عليها ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫" للدراسة الفقهية " بعد بيان ما تستند عليه من تصور ‪ ،‬وأدلة ‪ ،‬واعتبارات ‪.‬‬
‫عسى الله أن يجعله لوجهه خالصا ً ‪ ،‬ولعباده نافعا ً وهو المستعان وعليه‬
‫التكلن ‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫الدراسة التصويرية‬
‫مقدمة‬
‫ً‬
‫مقصود هذا المبحث ‪ :‬بيان ما يتم به تصور المعاملة ‪ ،‬تمهيدا للحكم عليها في‬
‫المبحث الثاني ‪ ،‬وفيه من المسائل ما يلي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬في بيان اسمها ‪ ،‬والنظر فيها‬
‫تسمي هذه المعاملة التورق المصرفي ‪ ،‬وتسمي التورق المنظم أيضا ‪ ،‬وهذه‬
‫التسمية قد أطلقها الباحثون ممن بحثوا التورق المنظم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما البنوك ـ مصدر هذه المعاملة ـ فتطلق عليها أسماء خاصة بها ‪ ،‬تختلف‬
‫باختلف البنوك ‪ ،‬فالبنك الهلي يطلق عليها اسم " تيسير " وبنك الجزيرة‬
‫يطلق عليها أسم " دينار " ـ والبنك السعودي المريكي يطلق عليها اسم "‬
‫تورق الخير " ‪ ،‬والبنك السعودي البريطاني يطلق عليها اسم " مال " ‪،‬‬
‫والبنك العربي الوطني يطلق عليها اسم " التورق المبارك " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويمكن أن يطلق اسم " التورق المصرفي المنظم " على هذه‬
‫السماء كلها ‪ ،‬لما له في حقيقتها من نصيب ‪.‬‬
‫أما التورق ‪ ،‬فلما فيها من معنى التورق ‪.‬‬
‫وأما المصرفي ‪ ،‬فلنتساب هذه المعاملة إلى المصارف ‪.‬‬
‫وأما المنظم ‪ ،‬فلما تقوم عليه هذه المعاملة من تنظيم بين أطراف عدة كان‬
‫من شأن هذا التنظيم أن تتم من خلله صناعة التمويل " القراض " ‪ ،‬وكان‬
‫من شأنه أن كان عنصر إشكال فيه عند كثير من الباحثين ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬في بيان تاريخه‬
‫التورق المصرفي ـ وإن بدأ معاملة جديدة ـ إل أنه امتداد ‪ ،‬وتطور للمرابحة‬
‫سلبا ً ‪ ،‬وكانت الريادة فيه للبنك الهلي السلمي ‪ ،‬ثم تلتها البنوك ومعظمها‬
‫فروع ونوافذ إسلمية ‪ ،‬لبنوك تجارية ‪.‬‬
‫فانطلق التورق المصرفي في البنك السعودي البريطاني في أكتوبر‬
‫‪2000‬م ‪.‬‬
‫وفي بنك الجزيرة في آخر عام ‪2002‬م ‪.‬‬
‫وفي البنك السعودي المريكي في آخر عام ‪2002‬م أيضا ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬في بيان الغابة منه‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والغاية منه هي تحصيل السيولة النقدية لدى الفراد ‪ ،‬والشركات ‪ ،‬وقد نصت‬
‫كثيرا من البنوك على هذا ‪ ،‬وضمنته ما يتصل بهذه المعاملة من نماذج ‪،‬‬
‫ومطويات ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫• ) تحقق لك هذه الصيغة الرائدة إمكانية الحصول على سيولة نقدية بسرعة‬
‫فائقة ‪ ،‬لتقضي بها حاجاتك المعيشية ‪ ،‬بالطريقة التي تفضلها ( ‪ " .‬تيسير "‬
‫• ) أحصل في حسابك على السيولة النقدية التي تحتاجها ‪ ،‬وأنعم براحة‬
‫البال مع تمويل التورق المبارك ( ‪.‬‬
‫• ) " آمال " ‪ ...‬يمكنك من الحصول على السيولة النقدية ‪ ،‬لتلبية‬
‫احتياجاتك ‪ ،‬مهما كانت ( ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬في بيان أقسامه‬
‫التورق المنظم ينقسم قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬لتمويل الفراد ‪.‬‬
‫ول الفراد والشركات من‬ ‫الثاني ‪ :‬لتمويل الشركات ومنه تعلم أن البنوك تم ّ‬
‫خلل هذه المعاملة ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬في بيان وصفه ‪ ،‬وإجراءاته‬
‫في برنامج التورق المصرفي المنظم يقوم البنك بشراء كمية من المعادن ‪،‬‬
‫من السوق الدولية وقد يقيم البنك وسيطا ً يقوم مقامه في الشراء ‪ ،‬وتبقى‬
‫السلعة في المخازن الدولية ‪ ،‬وتحرر الشركة " البائعة " للبنك " المشتري "‬
‫شهادة تخزين تفيد مواصفات السلعة ‪ ،‬وكميتها ‪ ،‬ومكان تخزينها ‪ ،‬ورقم‬
‫صنفها ‪ ،‬وامتلك البنك لها ‪.‬‬
‫ثم يقوم البنك بعد امتلكها ببيعها على سبيل التجزئة عن طريق برنامج‬
‫التورق المصرفي ‪ ،‬سالكا ً في البيع ما يلي من إجراءات ‪:‬‬
‫إجراءات البيع ‪:‬‬
‫‪ " .1‬طلب الشراء " يتقدم به العميل إلى البنك من خلل أنموذج يعده البنك‬
‫سلفا ‪.‬‬
‫‪ .2‬اتفاقية يعنون لها بـ " شروط وأحكام البيع بالتقسيط " ‪ ،‬وهي ل تمثل‬
‫إيجابا ً في عقد البيع ‪ ،‬ول قبول ً فيه ‪ ،‬لكنها تحدد العلقة بين الطرفين من‬
‫خلل التفاق على ما فيها من شروط ‪ ،‬وأحكام ينبغي أن يخضع لها عقد البيع‬
‫عند وجوده ‪.‬‬
‫‪" .3‬إشعار عرض البيع " ‪ ،‬وهو يمثل إيجابا من البنك موجها إلى المشتري ‪،‬‬
‫يشير فيه إلى السلعة ‪ ،‬وكميتها ‪ ،‬وقيمتها ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ " .4‬إشعار الموافقة‬
‫ب البيع السابق ‪ .‬وقد تنعكس لدى‬ ‫على الشراء " وهو يمثل قبول العميل إيجا َ‬
‫بعض البنوك فيكون اليجاب من العميل ممثل ً بطلب شراء يتضمن السلعة ‪،‬‬
‫وكميتها ‪ ،‬وقيمتها ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫ك فيه عميله بالموافقة‬ ‫ويكون القبول من البنك بإشعار يتلو ذلك يفيد البن ُ‬
‫على إيجابه السابق‬
‫‪ .5‬إشعار توكيل البنك بالبيع نيابة عن العميل ‪.‬‬
‫وبعض البنوك تختصر الجراءات فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ " .1‬طلب شراء " من قبل العميل من خلل أنموج قد أعده البنك سلفا ‪.‬‬
‫موَقّعٌ من الطرفين يتضمن اتفاق الطرفين على‬ ‫‪ " .2‬عقد بيع بالتقسيط " ُ‬
‫البيع ‪ ،‬وفي الوقت نفسه يتضمن الشروط والحكام التي ينبغي أن يخضع لها‬
‫عقد البيع ‪ ،‬والتي تفردها بعض البنوك بأنموذج ‪ ،‬وإجراء مستقل يسبق‬
‫العقد ‪ ،‬كما تقدم ‪.‬‬
‫‪ .3‬إشعار توكيل البنك بالبيع نيابة عن العميل ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومما يتصف به التورق المصرفي المنظم ‪ :‬أن البائع يتوكل عن المشتري في‬
‫بيع السلعة التي اشتراها منه ‪ ،‬نيابة عنه ‪ ،‬في السوق الدولية ‪ ،‬وهو ما عليه‬
‫العمل ‪ ،‬وقد يكون بعده ‪ ،‬وهذا مختلف باختلف البنوك ‪ ،‬وغالبها يكون‬
‫التوكيل فيه قبل تمام عقد البيع ‪.‬‬
‫وقد يتولي البنك البيع مباشرة في السوق الدولية ‪ ،‬وقد يقيم وسيطا يقوم‬
‫مقامه ‪ ،‬وهو مختلف باختلف البنوك أيضا ‪.‬‬
‫ومما يتصف به أيضا ‪ " :‬التنظيم " من خلل ما يرتبه البنك من اتفاقات‬
‫سابقة على عقد البيع مع كل من الشركة البائعة التي تبيع عليه ‪ ،‬والشركة‬
‫المشترية التي تشتري منه ‪ ،‬وهو اتفاق ـ كما تقول عنه البنوك ـ ينظم‬
‫التعامل المستقبلي مع تلك الشركات من خلل التفاق على إجراءات ‪،‬‬
‫وأحكام معينة ‪ ،‬ومن أجل هذا سمي بـ " التورق المنتظم " ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ميزة التورق المنظم‬


‫إذن يتميز التورق المنظم بثلث‬
‫الولى ‪ :‬أن البنك يشتري السلعة سلفا ‪ ،‬قبل طلب العميل ‪ ،‬على أن بعض‬
‫البنوك ل تشتري إل بعد طلب العميل ‪ ،‬وهذا ل يخرجه عن كونه تورقا عندهم‬
‫لتميزه بالميزتين اللحقتين ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن البنك يرتب تنظيما مع الشركة البائعة ‪ ،‬والشركة المشترية في‬
‫السوق الدولية ‪ ،‬وذلك قبل عقد البيع ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أن البنك يقوم ببيع السلعة التي اشتراها منه عميله ‪ ،‬نيابة عنه ‪.‬‬
‫وهذه أظهر ما يميز التورق المنظم ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬في بيان تعريفه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬في بيان ما سبق أن قيل فيه‬
‫لم أعثر ـ فيما وقفت عليه ـ على تعريف للتورق المصرفي خل تعريف د ‪.‬‬
‫سامي السويلم ‪ ،‬حيث عرفه ) قيام المصرف ‪ ،‬أو المؤسسة المالية بترتيب‬
‫عملية التورق للعميل ‪ ،‬بحيث يبيع المصرف سلعة ـ وهي غالبا معدن من‬
‫كل‬‫المعادن المتوفرة في السواق الدولية ـ على العميل بثمن آجل ‪ ،‬ثم يو ّ‬
‫العميل المصرف ببيع السلعة نقدا لطرف آخر ‪ ،‬ويسلم المصرف الثمن‬
‫النقدي للعميل ) ‪. (1‬‬
‫ثانيا ‪ :‬في بيان رأيي في الموضوع‬
‫وظاهر أن التورق المصرفي المنظم يشتبه بالتورق المعلوم لدي الفقهاء ‪،‬‬
‫ويفترق عنه من جهة ما هو عليه من تنظيم صار وصفا لزما له ‪ ،‬ومؤثرا‬
‫فيه ‪ ،‬لذا سيأخذ من تعريف التورق بطرف بقدر ما يتفقان فيه ‪ ،‬وسيفترق‬
‫عنه بقدر ما يفترقان فيه ‪ ،‬فأرى أن يعرف بأنه ‪ ) :‬تحصيل النقد بشراء سلعة‬
‫من البنك ‪ ،‬وتوكيله في بيعها ‪ ،‬وقيد ثمنها في حساب المشتري ( ‪.‬‬
‫وبهذا المبحث التصويري أحسب أنه قد تم تصور التورق المصرفي المنظم ‪،‬‬
‫وبه تمهد المقام للحكم على التورق المصرفي المنظم ‪ ،‬في المبحث التي ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الدراسة الفقهية‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫مقصود هذه الدراسة الحكم على التورق المصرفي المنظم بعد بيان ما يبنى‬
‫عليه هذا الحكم من اعتبارات ‪ ،‬وفق المطالب التية ‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المطلب الول ‪ :‬في بيان تخريجه‬


‫أول ‪ :‬في بيان ما سبق أن قيل فيه ‪:‬‬
‫لم أعثر ـ فيما وقفت عليه ـ من الدراسات السابقة على تخريج للتورق‬
‫المصرفي المنظم ‪ ،‬حيث أن أنصاره انطلقوا من كونه تورقا ‪ ،‬فأغناهم ذلك‬
‫عن تخريجه ‪.‬‬
‫وبعضهم يكتفي بذكر الفرق بينه وبين التورق المعلوم لدى الفقهاء ‪ ،‬وليس‬
‫ذلك بتخريج ‪.‬‬
‫أما خصومه ‪ :‬فيكتفون بإيراد ما عليه من إشكالت من شأنها أن تقضي بمنعه‬
‫‪ ،‬دون تعّرض لتخريجه ‪.‬‬
‫وبعضهم يكتفي بذكر الفرق بينه ‪ ،‬وبين التورق المعلوم لدي الفقهاء ‪ ،‬وليس‬
‫ذلك بتخريج ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬في بيان رأيي في الموضوع ‪:‬‬
‫في هذا البحث سأعرض لتخريج التورق المصرفي المنظم فأقول ‪:‬‬
‫‪ .1‬التورق المصرفي المنظم غايته تحصيل النقد من المشتري " العميل "‬
‫وهو من هذا الوجه يتفق مع التورق المعلوم عند الفقهاء ‪.‬‬
‫‪ .2‬التورق المصرفي المنظم يتكون من عقدين منفصلين ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬تعاقد البنك " البائع " مع العميل " المشتري " ‪ ،‬والفرض أنه عقد بيع‬
‫صحيح قد استوفي أركانه وشرائطه ‪.‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬تعاقد البنك بالنيابة عن العميل " المشتري " مع طرف آخر "‬
‫مشتر " للسلعة ‪ ،‬غير بائعها الول ‪ ،‬والفرض أنه عقد بيع صحيح ‪ ،‬قد استوفى‬
‫أركانه وشرائطه ‪.‬‬
‫وهو من هذا الوجه يتفق مع التورق المعلوم عند الفقهاء ‪.‬‬
‫وبهذا يظهر أن حقيقة التورق المصرفي المنظم ‪ ،‬هي حقيقة التورق المعلوم‬
‫لدى الفقهاء ‪ ،‬كما أن غايَته غايُته ‪.‬‬
‫بيان الفرق بين التورق والتورق المصرفي‬
‫قد يعترض على هذا ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إن في التورق المصرفي المنظم فروقا ‪ ،‬قد‬
‫أهملتها في العتبار ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫أ ‪ /‬أن البنك يقوم باتفاقات سابقة على البيع ‪ ،‬مع كل من الجهة التي يشتري‬
‫منها ‪ ،‬والجهة التي يبيع عليها ‪ ،‬وهو تواطؤ يقرب المعاملة من العينة ‪.‬‬
‫ب ‪ /‬كما أن البنك يكون وكيل عن العميل " المشتري " في بيع السلعة التي‬
‫اشتراها منه ) ولول وكالة المصرف بالبيع نقدا لما قبل العميل بالشراء منه‬
‫بأجل ابتداًء ‪ ...‬ولو انفصلت الوكالة عن البيع الجل ‪ ،‬لنهار البرنامج ولم يوجد‬
‫التمويل أصل ( ) ‪(2‬‬
‫قلت ‪ :‬ومحصلة هذين ‪ :‬صناعة القرض من خلل التواطؤ ‪ ،‬ويناقش بما يلي ‪:‬‬
‫كل البنك عن العميل‬ ‫النظر في تو ّ‬
‫أما توكل البنك عن المشتري " العميل " فهو غير مشروط في عقد البيع ‪،‬‬
‫والمشتري فيه بالخيار ‪ ،‬وقد اطلعت على نماذج كثيرة ‪ ،‬من عقود البيع ‪،‬‬
‫ليس فيها شرط توكل البنك عن العميل في البيع ‪.‬‬
‫وحتى لو كان مشروطا ‪ ،‬فماذا فيه ‪ ،‬فإنه شرط ل ينافي مقتضي العقد ‪،‬‬
‫وفيه مصلحة لحد طرفيه ‪ ،‬وهو يتكرر في كثير من البيوع دون إشكال ‪" ،‬‬
‫كمن " يشتري حطبا ‪ ،‬ويشترط تكسيره " ‪.‬‬
‫وليست الوكالة من عقود الرفاق المحضة ‪ ،‬التي ل يجوز الجر ‪ ،‬أو العتياض‬
‫عنها ‪ ،‬كي يمنع ضمها إلى عقد معاوضة ‪ ،‬لتهمة اعتبار دخول العتياض عنها‬
‫في مجمل الثمن ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا لمس المشتري في التوكيل مصلحة له ‪ ،‬فماذا فيه إذا كان قد ملك‬
‫السلعة ملكا صحيحا ؟ فلم يكن التوكيل حيلة لتحصيل النقد ‪ ،‬إذ كان البيع‬
‫صورة ‪ ،‬ول سلعة ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ولكن البنك يلتزم للعميل ببيع السلعة بسعر التكلفة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا ليس شرطا بينهما في عقد الوكالة ‪ ،‬وقد اطلعت على عدة‬
‫عقود ‪ ،‬كلها نصت على أن يكون البيع بالسعر السائد وقت البيع بهذه العبارة‬
‫" ) بالسعر السائد وقت البيع ( ‪.‬‬
‫لكن البنك يلتزم بذلك للعميل ‪ ،‬على نحو ل ينزل منزلة الشرط ـ وهو مما‬
‫يحصل واقعا ‪ ،‬ويجري عليه العميل ـ وذلك بحكم خبرته في السوق ‪ ،‬ولقصر‬
‫الوقت الفاصل بين الشراء ‪ ،‬والبيع ‪ ،‬فيؤمن معه تقلب السعار ‪ ،‬ولو حدث‬
‫فهو يسير ‪ ،‬فما المانع منه ؟ فإنه أدخل بالنصح الذي تتطلبه الوكالة ‪ ،‬وفيه‬
‫كل ‪ ،‬دون ضرر على غيره ‪.‬‬ ‫مصلحة المو ّ‬
‫فإن قيل ‪ :‬هذا دال على أن قصد المشتري " العميل " الدراهم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وماذا فيه أيضا ‪ ،‬فإن البضاعة إذا كانت ملكه ‪ ،‬كان له أن ينتفع بها في‬
‫أوجه النتفاع المباحة ‪ ،‬ومنها ‪ :‬النتفاع بثمنها ‪ ،‬وعلى الممانع الدليل ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ ) :‬قصد الشارع من تشريع عقد البيع هو تلبية حاجات المشتري‬
‫إلى السلعة ‪ ،‬والبائع إلى الثمن ‪ ،‬فإذا اشترى المتورق سلعة ل حاجة له‬
‫فيها ‪ ،‬ول في استعمالها ‪ ،‬ول في التجار بها ‪ ،‬وإنما يقصد الحصول على نقد‬
‫حال ‪ ،‬على أن يدفع أكثر منه بعد أجل معين فقد ناقض قصده الشارع في‬
‫تشريع عقد البيع ‪(3).‬‬
‫قلت ‪ :‬الشارع الحكيم شرع البيع لتحقيق مصالح الخلق ‪ ،‬ومن ضمنها النتفاع‬
‫بالسلع ‪ :‬باستعمالها ‪ ،‬أو التجار بها ‪ ،‬أو النتفاع بثمنها ‪ ،‬كما هو الشأن في‬
‫التورق ‪ ،‬وما استدل به على إخراج هذا النتفاع من دليل ‪ ،‬هو ‪ " :‬مناقضة‬
‫قصد الشارع " ل يظهر للخاصة ‪ ،‬فضل عن العامة ‪ ،‬وما كان الله ليحرم شيئا‬
‫‪ ،‬ويخفي دليله إل عن خاصة الناس ‪ ،‬فهذه مشقة تتنزه عنها الشريعة ‪.‬‬
‫هذا فضل عما يعضد التورق ‪ ،‬مما هو به أولى من هذا المنزع ‪ ،‬وهو حديث‬
‫) بع الجمع بالدراهم ‪ ،‬ثم اشتر بالدراهم جنيبا ً ( ‪(4) .‬‬
‫حيث وجه الحديث من امتنع عليه تحصيل شيء من طريق ‪ ،‬أن يسلك طريقا‬
‫آخر مشروعا في تحصيله ‪ ،‬والتورق منه ‪ ،‬وعلى المانع الدليل ‪.‬‬
‫على أن ما ذكر مراعي في باب فضائل المعاملة ‪ ،‬وآدابها ‪ ،‬لكن ل يرقى إلى‬
‫التحريم ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬قد جاء في المدونة ‪ ) :‬ولقد سألت مالكا عن الرجل يبيع السلعة‬
‫بمئة دينار إلى أجل ‪ ،‬فإذا وجب البيع بينهما ‪ ،‬قال المبتاع للبائع ‪ :‬بعها لي من‬
‫رجل بنقد ‪ ،‬فإني ل أبصر البيع ؟ قال ‪ :‬ل خير فيه ‪ ،‬ونهى عنه ( )‪(5‬‬
‫ّ‬
‫قلت ‪ :‬هذا توسع منه _رحمه الله تعالى_ في سعد الذرائع ‪ ،‬فإنه علل نهيه‬
‫عن التوكل في بيعها ‪ ،‬في سؤال ل حق ‪ :‬أنه ليس له أن يشتريها ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وفرق بين أن يشتريها ‪ ،‬وبين أن يبيعها بالوكالة على غيره ‪.‬‬
‫ثم أن توكله في بيعها يحقق للمشتري " العميل " مصلحة كانت ستفوت عند‬
‫عدمه وهي ‪ :‬تقليل الخسارة على المشتري " العميل " وما كان ممنوعا‬
‫للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ولكن المشتري الخير كان على مواطأة مع البنك من خلل اتفاق‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سابق على عقد البيع ‪ ،‬مضمونه أن يشتري منه ما يعرضه عليه من سلع‬
‫دولية ‪ ،‬بسعر التكلفة ‪.‬‬
‫النظر في التفاقات السابقة على عقد البيع‬
‫قلت ‪ :‬عدنا إلى إشكال التفاق السابق على البيع ‪ ،‬مع كل من الشركة‬
‫البائعة ‪ ،‬والمشترية ‪ ،‬وماذا فيه أيضا ‪ ،‬إذا كان هذا التفاق ل يمثل عقدا ً ‪ ،‬ول‬
‫إلزام فيه ‪ ،‬لكن تقتضيه طبيعة التجارة الدولية ‪ ،‬أيا ً كان المعاملة ‪ ،‬وهو من‬
‫الحكام التي ل ينكر تغيرها بتغير الزمان ؟‬
‫فما يبرمه البنك من اتفاق سابق مع الشركة التي يشتري منها ‪ ،‬والخرى‬
‫التي يبيع عليها ‪ ،‬ما دام موضوعه تحديد شروط ‪ ،‬وأحكام ‪ ،‬واعتبارات ‪ ،‬ينبغي‬
‫أن‬
‫لها عقد البيع عند وجوده ‪ :‬ل ما نع منه ‪ ،‬ما دام موضوع هذا التفاق ‪،‬‬
‫ومحتواه مشروعا ً ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ولكن البنك يلزم بموجب هذا التفاق الشركة المشترية بالشراء ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا ممنوع ‪ ،‬وينزل على حكم الوعد الملزم في بيع المرابحة للمر‬
‫بالشراء )‪(6‬‬
‫وهو ل يمنع أن تكون المعاملة تورقا ‪ ،‬لكنه قد يؤدي إلى أن يكون البيع فاسدا‬
‫‪.‬فإن قيل أن البيع بهذا التنظيم يكاد يكون صوريا ‪ ،‬فتؤول المسألة إلى العينة‬
‫‪.‬‬
‫بيان صور وحكم العينة‬
‫قلت ‪ :‬العينة تتدرج من الجواز إلى المنع في صور ‪:‬‬
‫‪ .1‬فأهونها ‪ :‬أن ل يبيع الرجل إل بدين ‪ ،‬وذلك عينه كرهها أحمد ) ‪.(7‬‬
‫‪ .2‬وأشد منها ‪ :‬أن يشتري الدائن سلعة من تاجر ليبيعها على المستقرض "‬
‫المدين " ثم يبيعها المدين على التاجر الذي باعها على الدائن أول ً ‪.‬‬
‫‪ .3‬وأشد منها ‪ :‬أن يبيع الدائن سعلة على المستقرض " المدين " ثم يبيعها‬
‫المدين على ثالث ‪ ،‬ليبيعها على البائع الول " الدائن " ويأخذ منه الثمن ‪،‬‬
‫فيسلمه المستقرض " المدين " وهي ‪ " :‬العينة الثلثية " ‪ ،‬وقد جئ بالثالث‬
‫حيلة على العينة ‪.‬‬
‫‪ .4‬وأشد من هذه الصور كلها ‪ :‬أن يبيع الدائن سلعة على المستقرض "‬
‫المدين " بثمن مؤجل ‪ ،‬ثم يشتريها منه بثمن أقل نقدا ‪ ،‬وهي ‪ :‬العينة الثنائية‬
‫"‪.‬‬
‫ولنسمها ذريعة من " الدرجة الولى " ولهذا يمنعها الفقهاء عدا الشافعية ‪).‬‬
‫‪(8‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وهذه الصور الثلث ـ عدا الولى ـ تلتقي في كونها ذريعة إلى الربا ‪ ،‬والبيع‬
‫حيلة ‪ ،‬لكن الذريعة تتفاوت قوة وضعفا في هذه الصور ‪ ،‬فأقواها ذريعة‬
‫الصورة الرابعة ‪،‬‬
‫ثم تليها الصورة الثالثة ‪ ،‬وهي ممنوعة عند المالكية ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬فلنسمها‬
‫ذريعة من " الدرجة الثانية " )‪(9‬‬
‫ثم تليها الصورة الثانية وهي ممنوعة عند بعض المالكية ‪ ،‬بل أكثرهم ‪،‬‬
‫والمام ابن تيمية ‪ ،‬ولنسمها ذريعة من "الدرجة الثالثة " )‪(10‬‬
‫تنزيل التورق المصرفي على كل من العينة ‪ ،‬والتورق ‪ ،‬بسحب فروضه‬
‫وما نحن فيه يبيع البنك السلعة على شركة ‪ ،‬في السوق الدولية ‪ ،‬على نحو‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكتنفه الغموض ‪ ،‬وهو يؤول إلى الفرضيات التية ‪:‬‬


‫الولى ‪ :‬أنها تؤول إلى الشركة التي باعت السلعة أول على البنك ‪ ،‬وعليه‬
‫فإن العميل لم يكن قد باع السلعة على من اشتراها منه ‪ ،‬وهو " البنك "‬
‫لتكون " عينة ثنائية " ‪ ،‬فإن باعها عليه كانت عينة ثنائية ‪.‬‬
‫ولم يكن قد باعها ثالث يعيد بيعها على من اشتراها العميل منه ‪ ،‬وهو" البنك‬
‫" لتكون "عينة ثلثية " ‪ ،‬فإن باعها على ثالث يعيدها للول ‪ ،‬كانت عينة‬
‫ثلثية ‪.‬‬
‫لكنه قد باعها على الشركة التي اشتراها البائع " الدائن " منها ‪ ،‬فتكون عينة‬
‫أخف من الصورتين السابقتين ‪ ،‬قد رخص فيها الحنفية والشافعية والحنابلة‬
‫وبعض‬
‫المالكية )‪ ،(11‬لن الذريعة فيها إلى الربا ليست بقوة الصورتين السابقتين ‪،‬‬
‫وإن‬
‫كانت الذريعة فيها إلى الربا قائمة على جهة احتمال الصورية في البيع الناتجة‬
‫من التواطؤ بين الطراف الثلثة ‪:‬‬
‫‪ .1‬التاجر " مالك السلعة الول " ‪.‬‬
‫‪ .2‬الدائن " الذي يشتريها منه ليبيعها على العميل "‬
‫‪ .3‬المدين " الذي يشتريها من الدائن ‪ ،‬ثم يعيد بيعها على التاجر بائعها الول‬
‫" فتبرم عقود متلحقة غايتها أن يحصل المستقرض على نقد ‪ ،‬والسلعة ل‬
‫اعتبار لها ‪ ،‬وقد تكون غير موجودة ‪ ،‬أو غير صالحة ‪ ،‬ونحو ذلك ما هو عليه‬
‫معلوم ‪.‬‬
‫فتخريجه على أنه تورق مرهون بهذا العتبار قوة ‪ ،‬وضعفا ‪ ،‬فحيث يكون‬
‫ضعيفا وتكون الذريعة في إلى الربا ضعيفة يستقيم تخريجه على التورق‬
‫والعكس بالعكس ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن تكون شركة مستقلة عن الشركة البائعة أول ‪ ،‬لكنها متفقة معها‬
‫على أن تبيع عليها ما تشتريه من سلع قد باعتها ‪ ،‬بل أنها إنما تشتري ‪ ،‬لتبيع‬
‫على هذه الشركة ‪ ،‬فهي ذريعة أخف من سابقتها ‪ ،‬ولنسمها من "الدرجة‬
‫الرابعة "‬
‫الثالثة ‪ :‬أن تكون شركة مستقلة عن الشركة البائعة أول ‪ ،‬ول اتفاق بينهما ‪،‬‬
‫فهذه ل ذريعة فيها ‪ ،‬ول إشكال ‪ ،‬وتكون المعاملة ‪ " :‬بيع تورق " وبه يظهر‬
‫أن المعاملة دائرة بين التورق ‪ ،‬والعينة في أخف درجاتها ‪ ،‬وتخّرج على هذه‬
‫أو تلك بحسب ظهور مقتضيات التخريج ‪.‬‬
‫على أن التورق لدى الفقهاء ُيعد نوعا من العينة غير الممنوعة ‪ ،‬ولهذا فإنهم‬
‫يوردون صورته ضمن مسائل العينة ‪ ،‬عدا الحنابلة ‪ ،‬حيث يخصونه باسم‬
‫التورق ‪ ،‬وأن كانوا يذكرونه حيث تذكر العينة فإنه آخذ منها بطرف ‪.‬‬
‫وإذ ذاك كذلك فقد ناسب الكلم على كل من العينة ‪ ،‬والتورق بإيجاز ‪،‬‬
‫حسبما يقتضيه المقام ‪:‬‬
‫أما العينة ‪ :‬فقد تقدم بيان صورها ‪ ،‬وحكمها ‪ ،‬إذ اقتضي المقام السابق‬
‫بيانه ‪ ،‬فيغني عن إيراده هاهنا ‪.‬‬
‫الكلم على التورق‬
‫وأما التورق ‪ :‬فالكلم عليه مقيد بالتي ‪:‬‬
‫تعريفه ‪ :‬أما تعريفه فمصادر الحنابلة ـ وهي التي شاع فيها هذا المصطلح ـ‬
‫لم تحفل بتعريفه ‪ ،‬حيث تستغني عنه ببيان صورته ‪ ،‬وتوصيفه ‪ ،‬وإنما حاول‬
‫تعريفه المعاصرون ‪ ،‬وأمثل تعريف وقفت عليه ما جاء في الموسوعة‬
‫الفقهية الكويتية هو ‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) أن يشتري سلعة نسيئة ‪ ،‬ثم يبيعها نقدا ‪ ،‬لغير البائع ‪ ،‬بأقل مما اشتراها به‬
‫ليحصل بذلك على النقد ( )‪(12‬‬
‫وأرى أن يعرف بأنه ‪ ) :‬تحصيل النقد ‪ ،‬بشراء سلعة نسئة ثم بيعها ‪ ،‬من غير‬
‫من اشتراها منه نقدا (‪.‬‬
‫حكمه‬
‫وأما حكمه ‪ :‬فجمهور الفقهاء على كراهته ‪ ،‬حيث كرهه الحنفية والمالكية ‪،‬‬
‫والحنابلة في رواية )‪(13‬‬
‫وقال بجوازه أبو يوسف ‪ ،‬والشافعية والحنابلة في رواية هي المذهب ) ‪. (14‬‬
‫كما نسب تحريمه إلى الحنابلة في رواية ‪ ،‬ونسب اختيارها إلى المام ابن‬
‫تيمية )‪(15‬‬
‫ومنه يظهر أن الجمهور على القول بكراهته ‪ ،‬ل جوازه كما شاع لدي كثير‬
‫من المعاصرين ‪.‬‬
‫والمتأمل الدلة التي سيقت للمنع يظهر له أنها ل تنتج سوى الكراهة ‪ ،‬ومن‬
‫نسب إليه التحريم لم يحتج بها على التحريم ‪ ،‬لكن المعاصرون استدلوا بها‬
‫على التحريم ‪ ،‬ومن أظهرها‪:‬‬
‫‪ " .1‬لما فيه من بيع المضطر " )‪ : (16‬فإن غالبية من يتعاملون بالتورق‬
‫تدفعهم الحاجة لذلك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وبيع المضطر صحيح على الصحيح من المذهب ‪ ،‬وهو اختيار ابن‬
‫تيمية)‪ ، (17‬وهم من نسب إليهم الستدلل به على التحريم ‪.‬‬
‫‪ " .2‬أن المقصود ببيع التورق الدراهم وليست السلعة " )‪ ،(18‬وهذا قد احتج‬
‫به المام ابن تيمية ‪ ،‬لكن دعوى أنه احتج به على التحريم ‪ ،‬فيه نظر ‪ ،‬فإن‬
‫الدليل ل ينتج من التحريم ‪ ،‬وعبارة المام جاءت بلفظ الكراهة ‪ ،‬ل التحريم ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ويجاب عنه ‪ :‬أن السلعة مقصودة بدليل أنه يملكها ملكا صحيحا ‪ ،‬بعقد بيع‬
‫صحيح ‪ ،‬وهل القصد إل هذا ؟ أما كونه ل يرغبها ‪ ،‬فذلك شأن آخر ‪ ،‬وفرق‬
‫ل مكلف سلحا قاتل قصدا ‪ ،‬وضرب‬ ‫م َ‬
‫ح َ‬
‫بين عدم القصد ‪ ،‬وعدم الرغبة ‪ ،‬فلو َ‬
‫به معصوما قصدا ‪ ،‬لعُد ّ قاصدا القتل ‪ ،‬ولم يعذره أنه لم يكن راغبا فيه ‪.‬‬
‫بل لو ادعى عدم قصد القتل ما ُقبل منه ‪ ،‬وقد قصد أسبابه ‪.‬‬
‫والحكام إنما تدار على المقاصد ‪ ،‬وما دامت السلعة مقصودة بعقد بيع‬
‫صحيح ‪ ،‬فماذا في هذا ؟ فإن رغبة النتفاع بثمنها ‪ ،‬ل عينها ‪ ،‬نوع من النتفاع‬
‫المشروع ‪ ،‬فإن قال قائل بمنعه ‪ ،‬فعليه الدليل ‪.‬‬
‫وإن رغبة النتفاع بثمنها ‪ ،‬ل عينها ‪ ،‬ل يصيرها دراهم بدراهم ‪ ،‬وهو عمدة‬
‫المانعين ‪ ،‬فإن تحصيل الدراهم ‪ ،‬ل يخلو من ثلث ‪:‬‬
‫أ ‪ /‬إما أن يكون دراهم بدراهم أكثر منها ‪ ،‬فهذا ربا محرم ‪.‬‬
‫ب ‪ /‬أو أن يكون دراهم بسلعة محللة هي واسطة بين دراهم نقدا ‪ ،‬يقابلها‬
‫دراهم أكثر منها مؤجلة ‪ ،‬وهذه هي العينة الثانية ‪ ،‬وهي من ذرائع الربا‬
‫الممنوعة عند الفقهاء عدا الشافعي ‪ ،‬وقد تقدم ‪.‬‬
‫ج‪ /‬أو أن يكون دراهم بسلعة مقصودة بعقد بيع صحيح ‪ ،‬فيكون ثمنها نوع‬
‫انتفاع بها ‪ ،‬وليس من قبيل دراهم بدراهم ‪ ،‬وهذه التورق ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬في بيان مزاياه ‪ ،‬ومآخذه‬
‫أول ‪ :‬في بيان مزاياه ‪ ،‬والنظر فيها‬
‫أ ‪ ) /‬أن التورق المصرفي بديل شرعي عن عق القرض الربوي ( )‪(19‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب ‪ ) /‬أن التورق المصرفي أداة من أدوات التمويل القصير الجل ‪ ،‬التي‬


‫تحتاج إليها المصارف ( )‪(20‬‬
‫ج ‪ ) /‬أن التورق المصرفي يفتح مجال للمصارف السلمية لتمويل بعض‬
‫المشاريع ذات الخطورة العالية التي ل ترغب المصارف بالدخول فيها ( )‬
‫‪.(21‬‬
‫ويجاب عنها ‪ :‬بأن ذلك متحقق من خلل بيع المرابحة ‪ ،‬وهو آمن طريقا من‬
‫التورق ـ على ما في تطبيقه من مخالفة ـ وأنفع للبلد ‪ ،‬وهو كاف في سد‬
‫حاجة البنوك ‪ ،‬وهل قامت البنوك إل على المرابحة ؟ ومذ متى عرفت البنوك‬
‫التورق المصرفي ؟‬
‫د‪ /‬أن التورق يمثل ) صيغة نافعة ‪ ،‬وقابلة للتطبيق تمكن من توفير تمويل‬
‫المخزون ‪ ،‬للشركات المنتجة ( )‪(22‬‬
‫ويجاب عنه من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن ما عليه العمل يفوق حاجة تمويل المخزون ‪ ،‬فإن بعض البنوك‬
‫تشتري من السلع الدولية ما تجاوز قيمته خمسة مليين دولر يوميا ‪ ،‬وتبيعها‬
‫في نفس اليوم ‪ ،‬وبعضها تشتري ما تجاوز قيمته عشرة مليين دولر يوميا ‪،‬‬
‫وتبيعها في نفس اليوم ‪ ،‬فهو مقصود لتمويل العملء المتورقين ‪.‬‬
‫ول البنوك‬ ‫الثاني ‪ :‬أن ل تلزم بين المخزون ‪ ،‬والتورق المصرفي فل ُْتم ّ‬
‫المخزون من خلل شرائها ما ينتج من مخزون ‪ ،‬ولتبعه على الموزعين ‪،‬‬
‫خاصة وقد ثبت لها بالتجربة‬
‫ـ من خلل التورق ـ أنها سوق رائجة ‪ ،‬فإن ما تشتريه لعملئها المتورقين تعيد‬
‫بيعه أسبوعيا ‪ ،‬وبهذا الطريق يكون التمويل استثماريا ‪ ،‬وهو أولى من‬
‫التمويل الستهلكي الذي تمارسه من خلل التورق المصرفي ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬في بيان مآخذه ‪ ،‬والنظر فيها‬
‫الشكالت الواردة على التورق المصرفي ‪ ،‬تصنف صنفين ‪:‬‬
‫أ ـ صنف متعلق بالمعاملة مباشرة ‪.‬‬
‫ب ـ صنف متعلق بأمر خارج عنها ‪ " ،‬كالمآلت ‪ ،‬والغايات " ‪ ،‬وهذه العتبار‬
‫بها أدخل بالسياسة الشرعية ‪،‬فلنفرد كل صنف على حدة ‪:‬‬
‫الشكالت المتعلقة بالمعاملة مباشرة ‪ ،‬ومن أظهرها‬
‫الول ‪ :‬ما متعلقة العقود المتعاقبة في هذه المعاملة ‪ ،‬وفحواه‬
‫أن التورق المنظم يقوم على عدة عقود ‪ ،‬مرتبطة ببعضها ‪:‬‬
‫‪ .1‬فأولها ‪ :‬اتفاق سابق على عقود البيع ‪ ،‬يكون بين البنك ‪ ،‬وكل من‬
‫الشركتين البائعة عليه ‪ ،‬والمشترية منه )‪.(23‬‬
‫‪ .2‬وثانيها ‪:‬عقد بيع ) بين البنك والشركة التي تبيعه ‪ ،‬وبالقطع فإن البنك لم‬
‫يكن ليشتري ‪ ،‬لول أنه يقصد البيع لعملئه المتورقين ()‪. (24‬‬
‫‪ .3‬وثالثها ‪ :‬عقد بيع ) بين البنك ‪ ،‬والمتورق ‪ ،‬ومن المقطوع به أن المتورق‬
‫لم يدخل ليشتري السلعة لول أن البنك سيبيع هذه السلعة لحسابه ‪ ،‬لتوفير‬
‫النقد المطلوب ( )‪.(25‬‬
‫‪ .4‬ورابعها ‪ :‬عقد وكالة بين البنك ‪ ،‬والمشتري " العميل " ) ولول وكالة‬
‫المصرف بالبيع نقدا ‪ ،‬لما قبل العميل بالشراء منه بأجل ابتداًء ‪ ...‬ولو‬
‫انفصلت الوكالة عن البيع الجل ‪ ،‬لنهار البرنامج ‪ ،‬ولم يوجد التمويل أصل ( )‬
‫‪(26‬‬
‫‪ .5‬وخامسها ‪ ) :‬عقد بيع بين البنك بصفته وكيل عن المتورق إلى شركة‬
‫تشتري )‪(27‬‬
‫المناقشة ‪ :‬لقد تقدمت مناقشة ذلك كله في مبحث التخريج ‪ ،‬باعتباره إشكال‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يرد عليه ‪.‬‬


‫أما قوله ‪ ... ) :‬البنك لم يكن ليشتري لول أنه يقصد البيع ‪ ( ...‬فيجاب عنه ‪:‬‬
‫أ ـ بأن التجار هكذا ‪ ،‬ل يشترون السلع ‪ ،‬لول أنهم يقصدون بيعها ‪.‬‬
‫ب ـ ثم إن البنك قد ملكها بعقد بيع صحيح ‪ ،‬وهل القصد إل هذا ؟! وقد تقدم‬
‫عند الكلم على التورق ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ما متعلقه الوكالة ‪ ،‬ومنه‬
‫أ ـ تولي طرفي العقد من جهة ) أن المصرف ينوب عن العميل في بيع‬
‫السلعة للمشتري ‪ ،‬وينوب عن المشتري في تسليم الثمن ‪ ،‬وهذا جمع بين‬
‫طرفي العقد ( ) ‪. (28‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ويناقش ‪ :‬بأن البنك ل يتولى سوى طرف واحد ‪ ،‬هو طرف البيع ‪ ،‬إذ أنه يبيع‬
‫السلعة بالنيابة عن المشتري " العميل " ‪.‬‬
‫أما الطرف الخر " المشتري الثاني " فليس البنك وكيل عنه ‪ ،‬وكون البنك‬
‫يأخذ الثمن منه ‪ ،‬ليسلمه للمشتري " العميل " ليس ذلك وكالة عن المشتري‬
‫الثاني " ـ وهو موضوع اللبس في هذا الحتجاج ـ لكنه بحكم وكالته في البيع‬
‫عن المشتري " العميل " ‪ ،‬إذ تقتضي وكالته هذه استلم الثمن ‪ ،‬وتسليم‬
‫المثمن ‪.‬‬
‫ب ـ أن البنك " الوكيل " يتصرف في غير مصلحة الصيل " العميل " ‪ ،‬من‬
‫جهة أن ‪ ) :‬المصرف سيبيع السلعة بثمن أقل بالضرورة من الثمن الذي‬
‫اشتري به العميل السلعة من المصرف ‪ ،‬وهنا نسأل ‪ :‬هل هذا البيع يمثل‬
‫ربحا ‪ ،‬أو خسارة للعميل؟‬
‫ل ريب أن البيع بثمن أقل من ثمن الشراء ‪ ،‬يمثل خسارة ‪ ،‬وليس ربحا ‪ ،‬أي‬
‫أن المصرف ينوب عن العميل في البيع بخسارة ‪ ،‬بعد أن يكون المصرف قد‬
‫باعه بربح ‪ ،‬فهل هذه الوكالة لمصلحة الوكيل ؟ ( )‪(29‬‬
‫ّ‬
‫ويناقش ‪ :‬بأن فرقا بين أن يكون العمل الموكل فيه من مصلحة الموكل "‬
‫كل " الصيل " ‪،‬‬‫الصيل " وبين أن يكون عمل الوكيل في مصلحة المو ّ‬
‫فالول ‪ :‬ليس مسئولية الوكيل ‪ ،‬لكن الصيل ‪ ،‬وما دام قد رضيه لنفسه ‪،‬‬
‫وأقام غيره مقامه فيه ‪ ،‬فما الذي يمنعه ؟ ‪ ،‬فإنه ل يشترط في الوكالة كون‬
‫كل " الصيل " ‪ ،‬وإنما يشترط أن يكون المو ّ‬
‫كل‬ ‫الموكل فيه من مصلحة المو ّ‬
‫" الصيل " ه فعله حال الحياة ‪ ،‬فإذا كان كذلك ‪ ،‬فله أن يوكل فيه ‪ .‬أما‬
‫الثاني " وهو تصرف الوكيل " ‪ ،‬فينبغي أن يكون لصالح الصيل ن فإن ذلك‬
‫من النصح المطلوب ديانة ‪ ،‬ويكون بأن يتحرى الوكيل أفضل المور ‪ ،‬وأعدلها‬
‫في تنفيذه الوكالة ـ وإن لم يكن موضوعها في صالح العميل ـ وهذا متحقق‬
‫في وكالة البنك عن العميل في البيع ‪ ،‬فإنه يبيع بخسارة أقل مما لو كان‬
‫البائع هو العميل ‪.‬‬
‫على أن الفعل ‪ ،‬والترك غير منوط بأن يكون خيرا محضا ‪ ،‬أو شرا محضا ‪،‬‬
‫ولو كان كذلك لتعطلت المسالك‬
‫الشكالت المتعلقة بالغايات والمآلت " ومن أظهرها ‪:‬‬
‫‪ .1‬أيلولة التورق المصرفي إلى الربا ‪ ،‬بناء على قاعدة " المدخلت ‪،‬‬
‫والمخرجات " عند المالكية ) ‪ ، (30‬من جهة أن التورق المنظم ‪ ) :‬عبارة عن‬
‫تعامل بين طرفين " العميل ‪ ،‬والمصرف " ونجد السلعة قد دخلت في ملك‬
‫العميل ‪ ،‬ثم خرجت منه فصار وجودها لغوا ‪ ،‬كما يقول الفقهاء ‪ ،‬ويصبح‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صافي العملية هو ‪ :‬نقد حاضر ‪ ،‬بنقد مؤجل ( )‪(31‬‬


‫قلت ‪ :‬بيان هذه القاعدة ‪ :‬أن المالكية في بيوع الجال يعتبرون بما يدخل يد‬
‫البائع ‪ ،‬وما يخرج منها في الخر ‪ ،‬ويلغون ما بينهما من واسطة ‪ ،‬فإن كان ما‬
‫يدخل يده ‪ ،‬وما يخرج منها ‪ ،‬ل تجوز المعاوضة فيه ‪ ،‬حكموا بعدم الجواز ‪،‬‬
‫واعتبروا ما بينهما من واسطة حيلة آلت إلى الربا ‪ ،‬مثال ذلك ‪:‬‬
‫العينة الثنائية ‪ :‬وفيها يبيع زيد سلعة من عمرو بثمن آجل ‪ ،‬ثم يشتريها منه‬
‫بثمن أقل نقدا ‪ ،‬فما دخل يد البائع " زيد " هو الثمن المؤجل ‪ ،‬وما خرج منها‬
‫هو الثمن الحال ‪ ،‬فكأن المعاوضة نقد بنقد أكثر منه مؤجل ‪ ،‬فيمنع للربا ‪.‬‬
‫وفي تقديري ‪ :‬أن هذا الحتجاج ل يستقيم فيما نحن فيه ‪ ،‬فإن ما دخل يد‬
‫البائع " البنك " هو الثمن المؤجل الذي في ذمة المشتري " العميل " ‪ ،‬وما‬
‫خرج منها هو السلعة ‪ ،‬أما ثمنها نقدا فلم يخرج من يد "البنك " ‪ ،‬لكنه خارج‬
‫من يد المشتري الخر ‪ ،‬الذي اشترى السلعة من البنك باعتباره وكيل عن‬
‫المشتري " العميل " ‪ ،‬وسلم له الثمن لهذا العتبار ‪ ،‬والمسألة فيها شيء‬
‫من القبح ظاهرا ‪.‬‬
‫‪ .2‬أيلولته إلى الظلم ‪ ،‬فينبغي منعه ) لن سبب تحريم الربا ‪ ،‬هو الظلم‬
‫الواقع على المدين ‪ ،‬فإذا وجد الظلم نفسه في معاملة أخرى ‪ ،‬وجب القول‬
‫بتحريمها ) ‪(32‬‬
‫يناقش من وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الفرق بين هذه المعاملة ‪ ،‬والربا من جهة ‪ :‬أن الربا كان ظلما ‪ ،‬لن‬
‫الزيادة فيه ل يقابلها شيء سوى الجل ‪ ،‬لن المالين جنس واحد ‪ ،‬ل فرق‬
‫بينهما يستحق الزيادة ‪ ،‬والجل في باب الربويات ممنوعة الزيادة بمقابله ‪،‬‬
‫فكانت الزيادة ظلما ‪ ،‬ل مقابل لها ‪.‬‬
‫أما فيما نحن فيه ‪ ،‬فهو أدخل ببيع الجل ‪ ،‬فالمعاوضة بين الدائن " البنك "‬
‫ومدينه " العميل " العوضان فيهما هما " السلعة "و " الثمن المؤجل " ‪ ،‬وكن‬
‫الثمن مؤجل يكون أكثر منه حال أمر جائز ) ‪ ، (33‬لكون العوضين ليسا‬
‫ربويين ‪ ،‬فلم تتمحض الزيادة للجل ‪ ،‬ولم تكن ظلما ‪ ،‬حيث صار لها ما‬
‫يقابلها ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن الظلم حكمة ‪ ،‬ل عله ‪ ،‬فل يدور مع الحكم أبدا ‪ ،‬وجودا وعدما ‪ ،‬أل‬
‫ترى الفضل بين نوعين من جنس التمر مثل ُيعد ّ ربا ‪ ،‬وإن كان له ما يقابله‬
‫من جودة في النوع ‪ ،‬وفرق في الثمن ؟ !‬
‫‪ .3‬أن العميل ل يقصد السلعة ‪ ،‬وإنا النقود ‪ ،‬فتؤول المعاملة إلى دراهم‬
‫بدراهم ‪ ،‬قد تقدمت مناقشته ‪ ،‬في الكلم في التورق ‪.‬‬
‫‪ .4‬قضاؤه على أهداف البنوك السلمية ‪ ،‬فتفقد مصداقيتها ) ‪ ، (34‬ومنه ‪:‬‬
‫أ ـ محاكاتها للبنوك الربوية ‪ ،‬في تقديم التمويل ‪ ،‬ومنح الئتمان ) ‪(35‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ب ـ الكتفاء به عن صيغ الستثمار الخرى ‪.(36 ).‬وقد تبين لي من خلل‬


‫مساءلة عدد من البنوك أن نسبة التورق المصرفي تجاوز ‪ %60‬من أعمال‬
‫التمويل في البنوك ‪.‬‬
‫ج ـ اللتباس بين البنك الربوي ‪ ،‬والسلمي ) ‪(37‬‬
‫د ـ إهدار الجهود المبذولة لتوجيه البنوك السلمية إلى تمويل في صورة‬
‫استثمار ‪ ،‬عن طريق المشاركة ‪ ،‬والمضاربة والسلم ‪ ،‬ونحوها ‪(38) .‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذه تعليلت وجيهة في منع التورق المصرفي ‪ ،‬بل باجتثاث أساسه "‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سياسة التمويل " كشجرة اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار " ‪ ،‬فإن‬
‫سياسة التمويل التي ل تزال البنوك السلمية تنطلق منها ‪ ،‬هي أساس كل‬
‫خطيئة تقع فيها هي ‪:‬‬
‫" تقليد ‪ ،‬ومحاكاة للبنوك الربوية في المنهج " ‪ ،‬والمتعين على البنك‬
‫السلمي ‪ ،‬ما دام قد جاء ليحارب الربا ‪ ،‬أن ينهج منهج السلم ‪ " :‬التجارة‬
‫"‪،‬أما أن ينهج منهج الربا " التمويل " ‪ ،‬ويدعي أنه يحارب الربا ‪ ،‬فغير‬
‫مستقيم في القياس ‪ ،‬وغير مستقيم في الواقع ‪ ،‬إذ أنه سبب كثير مما يؤخذ‬
‫عليه من إشكالت ‪ ،‬ومخالفات ‪:‬‬
‫أ ـ فمحاذرة التجارة مرجعها سياسة التمويل ‪.‬‬
‫ب ـ ومحاذرة تحويل النقود إلى سلع ومنتجات ـ وإن كانت تستثمر استثمارا‬
‫قصير الجل كما هو الشأن في المرابحة ونحوها ـ مرجعها سياسة التمويل ‪.‬‬
‫ج ـ ووقوعها في محاذير من جهة ‪ :‬تملك السلع ‪ ،‬وقبضها ‪ ،‬ونحو ذلك مرجعة‬
‫سياسة التمويل ‪.‬‬
‫د ـ وطرحها لمنتجات ل تخلو من حيل ن وإشكال ‪ ،‬كالتورق المصرفي‬
‫المنظم ‪ ،‬والجارة المنتهية بالتمليك ‪ ،‬ونحوه مرجعه سياسة التمويل ‪.‬‬
‫هـ ـ والكتفاء بهذه الصيغ التمويلية الستهلكية عن صيغ الستثمار الخرى ‪،‬‬
‫ذات الفائدة الجتماعية ‪ ،‬والجدوى القتصادية ‪ :‬كالسلم ‪ ،‬والمشاركة ونحوها‬
‫مرجعه سياسة التمويل ‪.‬‬
‫و ـ وكان من ذلك ‪ :‬اللتباس بين البنك الربوي ‪ ،‬والسلمي ‪ ،‬وذلك للمشاكلة‬
‫بينهما في المنهج ‪ ،‬لتبعية البنوك السلمية للبنوك الربوية فيه ‪ ،‬وهذا جعل‬
‫من السهل على البنك الربوي أن يمارس ما يمارس البنك السلمي من‬
‫أعمال تمويلية ‪ ،‬يدعى إسلميتها ‪ ،‬لكونها ل تخرج بالبنوك الربوية عن‬
‫سياستها التمويلية ‪.‬‬
‫ز ـ وكان منه ك أن نافست البنوك الربوية البنوك السلمية ‪ ،‬من خلل ما‬
‫أحدثته من نوافذ إسلمية ‪ ،‬تقوم بأعمال التمويل التي تقوم بها البنوك‬
‫السلمية ‪ ،‬وهي على المنافسة أقدر ‪،‬لكونها في التنظيم ‪ ،‬والدارة أجدر ‪،‬‬
‫وصارت البنوك الربوية تسير في خطين متعاكسين غايتهما كسب الربح ‪،‬‬
‫والعملء ‪.‬‬
‫ح ـ وكان منه ‪ :‬أن ألف الناس البنوك الربوية من خلل نوافذها السلمية ‪،‬‬
‫وزالت الوحشة منها ‪ ،‬فكسبت البنوك الربوية بذلك مكاسب ‪ ،‬وخسرت‬
‫البنوك السلمية بذلك خسائر منها ‪.‬‬
‫ط ـ تنازلت البنوك السلمية عن كثير من مبادئها ‪ ،‬وأهدافها ‪ ،‬لتكسب‬
‫المنافسة ‪ ،‬والذي يتأمل خط سيرها يجده في انحدار ‪.‬‬
‫فأول ما قامت كانت المرابحة للمر بالشراء قوامها ‪ ،‬وكان روادها ‪ ،‬ونظارها‬
‫ينظرون إلى المرابحة على أنها حل مؤقت ‪ ،‬حتى يستقيم عودها ويقوى‬
‫كيانها ‪.‬‬
‫ون من شأن المرابحة ‪ ،‬وهو ‪" :‬الجارة المنتهية بالتمليك‬ ‫ثم خرج منتج آخر ه ّ‬
‫"‪.‬‬
‫ثم حدثت محدثات منها ‪:‬‬
‫أ ـ التورق المصرفي المنظم ‪.‬‬
‫ب ـ ضمان رأس مال المضاربة ‪.‬‬
‫ج ـ الدعوة إلى اعتبار الحساب الجاري حسابا استثماريا ‪ ،‬بأثر رجعي ‪.‬‬
‫وصارت هذه المحدثات يرقق بعضها بعضا ‪ ،‬وصار من يستحيون من المرابحة‬
‫بالمس يجاهرون بما هو شر منها اليوم ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلت ‪ :‬ولعل هذا النحدار مظهر من مظاهر انحدار الفكر في العالم السلمي‬
‫بفعل العولمة ‪.‬‬
‫هـ تهجير أموال المسلمين )‪ : (39‬فإن تجارة التورق المصرفي المنظم ‪،‬‬
‫جر بها أموال المسلمين ‪ ،‬ليستفيد منها غير‬‫تكون في السوق الدولية ‪ ،‬فته ّ‬
‫المسلمين ‪ ،‬وكان الولى أن توظف هذه الموال في بلدها ‪ ،‬لتدعم‬
‫اقتصادها ‪ ،‬فهي احق بها ‪ ،‬وذلك من المور المعتبرة ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫في بيان حكمه‬
‫أول ‪ :‬في بيان ما سبق أن قيل في حكمه‬
‫لعلك اطلعت على ما ذكر للتورق المصرفي من سلبيات ‪ ،‬وإيجابيات ‪ ،‬فمن‬
‫قامت لديه السلبيات ‪ ،‬وطغت على اليجابيات ‪ ،‬فهو قائل بمنعه ‪ ،‬ومن قامت‬
‫عنده اليجابيات ‪ ،‬دون السلبيات ‪ ،‬فهو قائل بجوازه ‪ ،‬وهو ما حصل ‪ ،‬فإن‬
‫المعاصرين مختلفون في حكمه ‪ ،‬فمنهم من يجيزه ‪ ،‬ومنهم من يمنعه ‪ ،‬بناء‬
‫على تلك العتبارات‬
‫ثانيا ‪ :‬في بيان رأيي في الموضوع‬
‫بيان المقدمة ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن الشكاليات السابقة المتعلقة بالغايات ‪ ،‬والمآلت متجهة بكل حال ‪،‬‬
‫فهي بمجموعها معتبرة فيما سأقرره من رأي ـ وقد تقدمت فل داعي‬
‫لعادتها‪.‬‬
‫‪ .2‬أن الشكالت السابقة المتعلقة بالمعاملة مباشرة ‪ ،‬والتي أجبت عنها ‪،‬‬
‫وصرفت توجهها في مبحثه ‪ ،‬ل يعني صري لها عدم توجهها مطلقا ‪ ،‬فلذلك‬
‫أمر مختلف باختلف البنوك ‪ ،‬والوسطاء ‪ ،‬والشركات ‪ ،‬فل ينبغي تعميمه‪،‬‬
‫فإن محمول على المعاملة في أفضل وأكمل صورها ‪ ،‬وهو غير‬
‫مطرد واقعا ‪ ،‬وكل شيء بحسبه ‪ ،‬على أن البنوك ل تكتفي بهذه ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ .3‬والشأن أن العمل المصرفي ـ بطبعه ـ ينتظم في سلسلة من الشكالت ‪،‬‬


‫والتجاوزات التي تتضافر ‪ ،‬ويقوي بعضها بعضا ‪ " ،‬والدوية تهلك من‬
‫القطرات " ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪:‬‬
‫أ ـ إشكال يتعلق بالقبض من جهة البنك ‪ :‬فإن البنك ل يقبض السلعة إلى‬
‫قبضا حكميا ‪ ،‬بموجب " شهادة التخزين " التي تعدها البنوك مستندا لها في‬
‫القبض ‪ ،‬وهي تشمل " رقم الصنف " الذي تعده البنوك تعيينا للسلعة ‪ ،‬وقد‬
‫جاء بشأن هذا في " أنموذج عقد البيع لدى البنك الهلي " ‪ ) :‬وحيث إن البنك‬
‫يمتلك هذه السلعة بموجب شهادة التخزين رقم ‪( ...‬‬
‫كما جاء عن موسى آدم ‪ ... ) :‬وأن كمية المعدن المشتري سيتم تعيينها عن‬
‫طريق رقم الصنف للمعدن الذي وقع عليه البيع ‪ ،‬وتحديد مكان تواجده ‪..‬‬
‫وفي نظري أن تحديد رقم الصنف للمعدن المشترى ‪ ،‬وتحديد مكان تواجده‬
‫يمكن اعتبارهما تعيينا للمعدن طالما أن رقم التصنيف يشير إلى كمية محددة‬
‫من المعدن ‪ ،‬بمواصفات معينة ‪ ،‬موجودة في مكان معين ( )‪(40‬‬
‫والشكال في هذا هو ‪ :‬أن القبض الحكمي كما يكون طريقا للتيسير ‪ ،‬فإنه‬
‫يكون طريقا للحتيال ‪ ،‬والتلعب ‪ ،‬وهذا ليس اّدعاءا ‪ ،‬لكنه واقع ‪ ،‬أل تراه‬
‫سببا للتضخم الذي يعد من عيوب القتصاد ‪ :‬فإن تعهدات البنوك من خلل ما‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما تواضع الناس‬ ‫تصدره من أوراق تجارية ‪ :‬كالشيك ‪ ،‬والكمبيالة ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬ل ّ‬
‫على الثقة ‪ ،‬والتعامل بها ‪ ،‬على نحو أغناهم عن قبض النقد ‪ ،‬إذ اعتبروا قبض‬
‫طنت البنوك لذلك ‪ ،‬فصارت تصدر‬ ‫هذه التعهدات في حكم قبض النقد ‪ ،‬ف ِ‬
‫أوراقا تجارية ‪ ،‬ليس لها رصيد سوى ثقة الناس بها ‪ ،‬فتضخم به النقد تضخما‬
‫خبيثا ‪.‬‬
‫وما نحن فيه معاملة تحكمها السوق الدولية ‪ ،‬وتتم برأس مال كبير ‪ ،‬وسرعة‬
‫فائقة ‪ ،‬فاحتمال التلعب فيها وارد ‪ ،‬وبخاصة أن التعامل في أصله مع جهات‬
‫أجنبية تجهل الدين وأحكامه ‪ ،‬بل ل تدين به ‪ ،‬وقد يكون الطرف الخر ممن ل‬
‫يأنف الربا‬
‫أيضا‪،‬وهذا ل يناسبه العتبار بالقبض الحكمي ‪ ،‬أل ترى العلماء يشترطون‬
‫لمشاركة المسلم للذمي ‪ :‬أن يكون إلى المسلم أمر التجارة )‪(41‬‬
‫ثم أل تراهم ـ خاصة المالكية ـ يفرقون أهل العينة عن غيرهم في العتبار ‪،‬‬
‫سع مال في أن أبيع ما‬ ‫ومن ذلك ما جاء في المدونة ‪ ) :‬قلت ‪ :‬ولم و ّ‬
‫اشتريت من الطعام جزافا قبل أن أقبضه من صاحبه الذي ابتعته منه ‪ ،‬أو من‬
‫ما اشترى الطعام جزافا ‪ ،‬فكأنه إنما اشترى سلعة بعينها ‪،‬‬ ‫غيره ‪ ،‬قال ‪ :‬لنه ل ّ‬
‫فل بأس أن يبيع ذلك قبل القبض ‪ ،‬إل أن يكون ذلك البيع ‪ ،‬والشراء من قوم‬
‫من أهل العينة ‪ ،‬فل يجوز ( ‪(42) .‬‬
‫ب ـ إشكال يتعلق في القبض من جهة العميل " المشتري " ‪ :‬فإن العميل "‬
‫المشتري " ل يقبض السلعة ‪ ،‬ولو قبضا حكميا ‪ ،‬ومن ثم فإنه يبيع ما لم‬
‫يقبض ‪ ،‬بل ما لم ُيعين ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬عقد البيع الذي بين البنك‪ ،‬والمشتري " العميل " أل يكون قبضا‬
‫حكميا ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل يكون كذلك ‪ ،‬فإنه ليس فيه تحديد لرقم السلعة ‪ ،‬ول تعيين لها ‪،‬‬
‫وقد اطلعت على عدة عقود‪ ،‬فلم أجد فيها ما ُيعّين السلعة بالرقم ‪ ،‬وكل ما‬
‫فيها هو ‪ :‬تحديد النوع ‪ ،‬والكم ‪ ،‬والوصف ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ولكن ما يبيعه البنك على العميل هو جزء مما يمتلكه البنك ‪ ،‬مما‬
‫هو محدد برقم الصنف ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬رقم الصنف ل يكون للجزاء الصغيرة ‪ ،‬ولكن للوحدة الكبيرة ‪ ،‬التي‬
‫يجزئها البنك ‪ ،‬ويبيعها على العملء أجزاء ‪ ،‬من غير تعيين ‪ ،‬كالصبرة التي‬
‫تجزء ‪ ،‬وتباع قفيزا ‪ ...‬قفيزا ‪ ،‬دون تعيين ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ل داعي للتعيين ‪ ،‬لتماثل أجزاء الوحدة ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬الجواب من وجهين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬لو كان البيع مقصودا ‪ ،‬والسلعة مقصودة ‪ ،‬لكان التعيين داع ‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن في بيع كثير من المتماثلت ‪ ،‬التي تعين بالرقم ‪ ،‬ولم يكن تماثلها‬
‫مغنيا عن تعيينها ‪.‬‬
‫درات " ‪ ،‬والخلف في قبضها أضيق‬ ‫الثاني ‪ :‬أن ما نحن فيه من قبيل " المق ّ‬
‫من الخلف‬
‫درات ‪ ،‬ثم‬ ‫في غيرها ‪ ،‬فإن الخلف في القبض تتسع دائرته فيما عدا المق ّ‬
‫تضيف في المقدرات من غير المطعومات )‪. (43‬‬
‫فإن قيل ‪:‬ل حاجة إلى القبض ‪ ،‬فالعلماء مختلفون في جواز بيع المبيع قبل‬
‫قبضه ‪ ،‬ونحن نسير مع القول القائل بالجواز ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬الجواب من ثلثة وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن القول بجواز البيع قبل القبض مرجوح ‪ ،‬إذ إن فيه عمل ببعض‬
‫الدلة ‪ ،‬دون بعضها ‪ ،‬في حين أن القول بمنعه عمل بالدلة كلها ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫درات " وهو يضيق الخلف فيه ‪ ،‬كما‬ ‫الثاني ‪ :‬أن ما نحن فيه من قبيل " المق ّ‬
‫تقدم آنفا ً ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن هذا بيع ملتبس بالقرض ‪ ،‬مقارف للعينة ‪ ،‬فل يقبل فيه التساهل ‪،‬‬
‫والولى بمقاصد الشريعة لزوم الحذر فيه ‪ ،‬فهو استبراء للدين ‪ ،‬أل ترى‬
‫العلماء يحاذرون معاملة أهل الذمة ‪ ،‬وأهل العينة ‪ ،‬كما تقدم ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ما دام العميل قد وكل البنك في البيع ‪ ،‬فإن البنك سيقوم‬
‫بتعيينها ‪ ،‬وقبضها قبل بيعها ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا ل يحصل ‪ ،‬ولو ُفرض حصوله جدل فإن تفويض البنك فيه بعد من‬
‫مسائل الفرقان التي تفرق بين البيع المقصود حقيقة ‪،‬والبيع المقصود‬
‫صورة ‪ ،‬فيكون المنع أولى ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫هذا وإن التساهل في القبض على نحو يظهر منه عدم قصد السلعة ‪ُ ،‬يصّير‬
‫المعاملة عينية ‪ ،‬تختلف درجاتها باختلف الفروض السابق ذكرها في مبحث‬
‫التخريج ‪.‬‬
‫ج ـ إشكال متعلق بما في العقد بين البنك ‪ ،‬والعميل من تعسف ‪ ،‬منه ‪:‬‬
‫اشتراط البنك على العميل " إسقاط خيار الرد بالعيب " ‪ ،‬كما يظهر في‬
‫عقود البيع ‪ ،‬كقولهم ‪:‬‬
‫) ليس للبنك ‪ ..‬علقة بعد توقيع هذا العقد بالسلعة ( ‪.‬‬
‫وقولهم على لسان العميل ‪ ،‬مخاطبا البنك ‪ ،‬في صياغة قد أعدها البنك ‪:‬‬
‫‪ ، 3/151‬روضة الطالبين ‪ ، 3/506‬وما بعدها ‪ ،‬وانظر ‪ :‬الربا في المعاملت‬
‫المصرفية المعاصرة ‪. 1/511 ،‬‬
‫) ل تتحملون أي التزام ‪ ،‬فيما يتعلق بمواصفاتها ‪ ،‬أو ملءمتها ‪ ،‬أو نوعيتها ‪(...‬‬
‫هذا الشرط ‪ ،‬وإن كان موضع خلف بين العلماء في أصله ‪ ،‬وأحواله )‪(44‬‬
‫إل أنه جار مجرى التعسف ‪ ،‬وفيه من المجاوزة ما فيه ‪ ،‬وهو مبنى على عدم‬
‫ول ‪ ،‬والفرض أن ل علقة له بالسلعة ‪،‬‬ ‫قصد السلعة ‪ ،‬إذ يرى البنك أنه مم ّ‬
‫ولهذا اشترط هذا الشرط ‪.‬‬
‫اشتراط تحميل العميل رسوما إدارية ‪ ،‬تتراوح من ‪ 700‬ـ ‪ 2000‬ريال ‪،‬‬
‫تختلف باختلف البنك ‪ ،‬والمعاملة ‪ ،‬زعموا أنها مقابل ما يتكبده البنك من‬
‫أعباء إدارية ‪ ،‬في سبيل البيع على العميل ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا نهج غير مستقيم ‪ ،‬وهو تبعية للفكر الرأسمالي ‪ ،‬الوافد ‪ ،‬الذي‬
‫يصطنع مداخل كثيرة ‪ ،‬للجباية منها ‪.‬‬
‫فإن ما يتكبده البنك في سبيل البيع على العميل ‪ ،‬لم يذهب سدى ‪ ،‬ذلك أن‬
‫البنك يبيع على العميل بربح ‪ ،‬وما يجنيه من ربح يقابل ما يتكبده من أعباء ‪،‬‬
‫ول يسوغ للبنك أن يأخذ شيئا من العميل ‪ ،‬مما هذا سبيله ‪ ،‬فإنه أكل للمال‬
‫بالباطل‬
‫ثم لو سلمنا جدل بهذا النهج ‪ ،‬فلن تكون مطالبة البنك للعميل بأولى من‬
‫مطالبة العميل للبنك بمصاريف لقاء تردده ‪ ،‬وتكاليف تنقله ‪ ،‬وتعطيل جزء‬
‫من وقته ‪ ،‬وعمله في سبيل إبرام عقد البيع مع البنك ‪ ،‬بل ولقاء اختياره لهذا‬
‫البنك دون غيره من المنافسين ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫ومن عجيب ما يناقض هذا ‪ ،‬وهو الشكال التي ‪:‬‬
‫د ـ أن بعض البنوك التي تأخذ رسما من العميل " المشتري في الداخل "‬
‫تدفع رسما لمن يشتري منها في الخارج ‪،‬إذ تعطيه أجرا بحدود مئة ) ‪(100‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دولر مقابل قيامه بشراء سلع المتورقين بها ‪ ،‬بسعر التكلفة ‪ ،‬وهو أمر يثير‬
‫الريبة ‪.‬‬
‫هـ ـ وثمة إشكال آخر هو ‪ :‬توكيل البنك للعميل في " صورة من صور تورق‬
‫الشركات " بشراء السلعة نيابة عنه ‪ ،‬ثم بيعها على نفسه ‪ ،‬وهذا فيه تولى‬
‫طرفي‬
‫العقد ‪ ،‬وهو ممنوع عند الجمهور من الحنفية ‪ ،‬والشافعية والحنابلة في‬
‫المذهب )‪(45‬‬
‫وهو مشعر بعدم قصد البيع ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن السلعة التي يشتريها البنك غير حاضرة ‪ ،‬وغير مرئية ‪ ،‬وغير مقبوضة ‪،‬‬
‫إل حكما ‪ ،‬وهو مظنة الصورية ‪ ،‬والحتيال ‪ ،‬والمخالفة في البيع ‪.‬‬
‫‪ .5‬إن السلعة التي يشتريها العميل من البنك غير حاضرة ‪ ،‬وغير مرئية وغير‬
‫معينة من وجه ‪ ،‬وغير مقبوضة ‪ ،‬وهو مظنة الصورية ‪ ،‬والحتيال ‪ ،‬والمخالفة‬
‫في البيع ‪.‬‬
‫‪ .6‬أن المعاملة يكتنفها كثير من الغموض في الجانب المتعلق بالسوق‬
‫الدولية ‪ ،‬على نحو ل تكتشفه حتى الهيئات الشرعية في البنك ‪ ،‬والسوق‬
‫الدولية غير مأمونة ‪ ،‬بل وبعض نوافذ البنوك السلمية غير مأمونة ‪ ،‬وهو‬
‫مظنة الصورية ‪ ،‬والحتيال ‪ ،‬والمخالفة في البيع ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن التورق المصرفي المنظم يصنف في البنوك ضمن أعمال المداينات "‬
‫التمويل " وطبيعة هذه تعزف بها عن التجارة ‪ ،‬وما يلزم لها من امتلك السلع‬
‫‪ ،‬وحيازتها كيف ل ‪ ،‬وكثير من البنوك في مسألة المرابحة للمر بالشراء ـ‬
‫وهي من مجموعة التورق ـ ل تشتري السلعة إل بعد طلب ‪ ،‬ووعد بالشراء‬
‫من العميل ‪ ،‬ثم إنها تلزم العميل بالشراء بموجب الوعد السابق ‪ ،‬وُتعد ّ نكوله‬
‫عن الشراء ضررا يحيق بها ‪ ،‬وتستحق عنه التعويض ‪ ،‬ومرجع ذلك كله‬
‫العزوف عن السلعة ‪ ،‬وهو مظنة الصورية ‪ ،‬والحتيال ‪ ،‬والمخالفة في البيع ‪،‬‬
‫فكيف إذا كانت البنوك الممارسة ‪ " :‬نوافذ أسلمية في بنوك ربوية " تمارس‬
‫التورق المصرفي مع عملء ‪ ،‬كما تمارس الربا مع عملء ‪ ،‬فالتهمة تقتضيها‬
‫طبيعة العمل المصرفي الخاضع لسياسة التمويل ‪ ،‬ولو لم يكن الممارس‬
‫نافذة لبنك ربوي ‪ ،‬فكيف إذا كان نافذة ؟‬
‫ومما يتكئ عليه بعض المعاصرين من الحتجاج بما عليه الشافعي ـ رحمه‬
‫الله تعالى ـ من عدم اعتبار بالذرائع ‪ ،‬غير متوجه فيما نحن فيه ‪ ،‬فإن محل‬
‫عدم اعتبار الشافعي حيث ل يظهر قصد ‪ ،‬وليس ذلك مما نحن فيه ‪،‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬الربا أبوابه مشرعة ‪ ،‬فلو كان مقصودا أمكن بل حيلة ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا بالنسبة للعميل ‪ ،‬أما بالنسبة للبنوك ذات النوافذ السلمية ‪ ،‬فهي‬
‫تسلك هذا الطريق بقصد المنافسة ‪ ،‬وكسب العملء ‪ ،‬ولو كانت ل تريد‬
‫الربا ‪ ،‬لما مارسته بشكل ظاهر ‪ ،‬ولما سارت في خطين متعاكسين غايتهما‬
‫كسب الربح ‪ ،‬والعملء ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وإذا كانت البنوك التي تمارس التورق المصرفي من خلل نوافذها‬


‫السلمية ‪ ،‬في الوقت الذي تمارس فيه الربا من خلل أصولها ‪ ،‬ل نوافذها ‪،‬‬
‫هي التي تقوم على هذه المعاملة ‪ ،‬فإنها متهمة ‪ ،‬والتهمة في ذلك ظاهرة ‪.‬‬
‫والناس في حياتهم العملية ‪ ،‬ومصالحهم الشخصية ـ بما فيهم من ينكر‬
‫العتبار بالذرائع ‪ ،‬والتهم ـ يسلكون ذلك ‪ ،‬فل يقبلون ما يكون موضع ريبة ‪ ،‬أو‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى شر ذريعة " أفيجعلون لله ما يكرهون " ؟ !‬


‫‪ .8‬أن التورق المصرفي المنظم ‪ ،‬غير متعين لسد حاجة التمويل لدى‬
‫المستهلكين ‪ ،‬ولسد الحاجة إلى استثمار قصير الجل لدى البنوك ‪ ،‬فإن‬
‫المرابحة للمر بالشراء تسد ذلك كله ‪ ،‬وما عرف التورق المصرفي إل من‬
‫وقت قريب ‪ ،‬وهي ـ أعني المرابحة على ما فيها من مخالفة في التطبيق ـ‬
‫آمن من التورق ‪.‬‬
‫فإن قيل إن في التورق المصرفي مزايا ليست في المرابحة ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫أ ـ قلة التكلفة على العميل ‪.‬‬
‫ب ـ سرعة إنجاز المعاملة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أما التكلفة فيجاب عنها بأن ما يحصل عليه البنك من ربح في التورق‬
‫المصرفي ‪ ،‬فإنه مقارب لما يحصل عليه في المرابحة ـ حسب إفادة البنوك ـ‬
‫وهي نسبة ‪ %6‬تقريبا‪.‬‬
‫بقى الفرق في مسألة ما يخسره العميل عند بيع السلعة في السوق ‪ ،‬حيث‬
‫تباع بسعر التكلفة في التورق المصرفي ‪ ،‬والفرق في هذا يسير ‪ ،‬فإن‬
‫العميل في المرابحة قد يبيع السلعة في السوق بخسارة ‪ 1‬ـ ‪ ، %2‬وهو مبلغ‬
‫يسير ‪.‬‬
‫أما فرق سرعة النجاز فهو يسير أيضا‪ ،‬فإنه يختلف باختلف البنوك ‪ ،‬والفراد‬
‫أو الشركات ‪ ،‬ويتراوح من يوم إلى ثلثة أيام في مسألة التورق ‪ ،‬والمرابحة‬
‫تستغرق وقتا في حدود ثلثة أيام ‪ ،‬فهو فرق يسير أيضا إل إذا كانت البنوك‬
‫تنتظر إلى سرعة الستثمار بالنسبة لها حيث تستثمر من ‪ 5‬ـ ‪10‬مليون ريال‬
‫يوميا ‪ ،‬في التورق المصرفي ‪ ،‬فذلك شأن آخر ‪ ،‬والنظر فيه من قبيل النظر‬
‫م ل الكيف ‪ ،‬والنظر في المصلحة الخاصة ‪ ،‬ل العامة ‪.‬‬ ‫في الك ّ‬
‫فإذا اعتبرنا ما في المرابحة من مزايا ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أ ـ أنها أسلم طريقا ـ على ما في تطبيقها من مخالفة ‪.‬‬
‫جر فيها الموال ‪ ،‬ويستفيد منها أهل‬ ‫ب ـ أنها تتم في السوق الداخلية ‪ ،‬فل ُته ّ‬
‫دعى من‬ ‫دعى من مزايا للتورق المصرفي ‪،‬وهان ما ي ّ‬ ‫البلد ‪ ،‬ذاب بمقابلها ما ي ّ‬
‫خسارة يسيرة على العميل في المرابحة ‪.‬‬
‫بيان النتيجة ‪:‬‬
‫وبمجموع هذا كله يتقرر حكم التورق المصرفي المنظم ـ فيا يظهر لي ‪،‬‬
‫والعلم عند الله تعالى ـ وهو المنع ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ‪ ،،،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه خاتمة للبحث تشتمل ‪ :‬استخلصا ‪ ،‬واستنتاجا ‪،‬وتوصية ‪ ،‬وبيان ذلك‬
‫التي‪:‬‬
‫أول ‪ :‬الستخلص‬
‫م شتات البحث بذكر خلصته ‪ ،‬وخلصة هذا البحث‬ ‫أما الستخلص فغايته ل ّ‬
‫الذي موضوعه دراسة التورق كما تجريه المصارف ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫أنه أشتمل على مبحثين ‪:‬‬
‫الول ‪ " :‬الدراسة التصويرية " وغايتها بيان التورق المصرفي من جهة كونه‬
‫معاملة مصرفية ‪ ،‬وقد تبين به ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن التورق المصرفي عمل من أعمال "التمويل " ـ الذي هو مظهر من‬
‫مظاهر تبعية البنوك السلمية للفلسفة الرأسمالية الربوية ـ والتي تراعي‬
‫فيها المصارف ‪:‬‬
‫أ ـ انخفاض المخاطرة ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب ـ سرعة وسهولة التنفيذ ‪.‬‬


‫ج ـ سرعة العائد " الربح " وهو ما يسمى بالستثمار قصير الجل ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن التورق المصرفي ‪ :‬متاجرة بالدين ‪.‬‬
‫‪ .3‬وطريقه ‪ :‬تحصيل السيولة للفراد ‪ ،‬والمؤسسات من خلل شراء سلع ثم‬
‫بيعها ‪ ،‬للحصول على ثمنها ‪.‬‬
‫‪ .4‬أنه يتم في السوق الدولية ‪ ،‬ويعتمد على القبض الحكمي في مرحلة البيع‬
‫التي طرفاها البنك ‪ ،‬والبائع الجنبي ‪ ،‬كما ل يوجد قبض ‪ ،‬ول تعيين في‬
‫مرحلة البيع التي طرفاها البنك والمشتري " المتورق " ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن البنك " البائع " ينوب عن المشتري " العميل " في بيع السلعة في‬
‫السوق الدولية على طرف آخر غير من اشتريت منه السلعة أول ‪.‬‬
‫‪ .6‬أن مايقوم به البنك من بيع ‪ ،‬وشراء في السوق الدولية قد تقدمه اتفاق‬
‫يحدد الجراءات ‪ ،‬والحكام التي ينبغي أن يخضع لها عقد البيع عند وجوده ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن ما يقوم به البنك من بيع في السوق الدولية يكتنفه شيء من الغموض‬
‫‪ ،‬لكنه ل يخرج عن واحد من الفروض الثلثة المذكورة في مبحث التخريج ‪.‬‬
‫والثاني ‪ " :‬الدراسة الفقهية " وغايتها بيان حكم هذه المعاملة ‪ ،‬وما يستند‬
‫إليه الحكم من أدلة ‪ ،‬واعتبارات ‪ ،‬وقد تبين به ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تخريج التورق المصرفي مختلف باختلف التطبيق ‪ ،‬والممارسة فإن‬
‫قصد البيع ‪ ،‬وما يترتب عليه من امتلك السلعة ‪ ،‬وقبضها ‪ ،‬ونحوه وكان بيعها‬
‫على غير من اشتراها منه ‪ ،‬أو ثالث قد تواطأ معه ‪ ،‬فالمعاملة تورق صحيح ‪.‬‬
‫يتردد حكمه عند الفقهاء بين الجواز بل كراهة ‪ ،‬والجواز مع الكراهة ‪.‬‬
‫وكل ما ظهر من العميل عزوف عن مقتضيات عقد البيع من امتلك السلعة ‪،‬‬
‫وقبضها ‪ ،‬ونحوه ‪ ،‬كان ذلك دال على الحيلة في البيع ‪ ،‬مما يقترب بالمسألة‬
‫من العينة حسب الفروض المذكورة في مبحث التخريج ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن التورق المصرفي تكتنفه إشكالت منها ‪ :‬ما يتعلق بالمعاملة مباشرة ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ومنها ما يتعلق بمآلتها ‪ ،‬وبناء على تقررها ‪ ،‬أو دفعها ‪ ،‬يتقرر الحكم ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الستنتاج‬
‫أما الستنتاج فغايته ذكر أهم ما يستنتج من البحث ‪ ،‬ومنه ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن التورق المصرفي في البنوك السلمية ‪ ،‬يمثل رجوع القهقرى ‪ ،‬إذ‬
‫تراجعت من خلله عن أهدافها ‪ ،‬وسياستها ‪ ،‬التي كانت تنتقد بموجبها‬
‫المرابحة للمر بالشراء وتعتبرها حل مؤقتا حتى يشتد عود البنك السلمي ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد بلغ البنك السلمي الثلثين من عمره ‪ ،‬أو جاوزها ‪ ،‬فإذا لم يشتد‬
‫عوده ‪ ،‬فمتي يشتد ؟ ‪ ،‬وبأي شيء يشتد ؟!‬
‫‪ .2‬أن البنوك توجه أموال طائلة في التمويل من خلل التورق المصرفي ‪،‬‬
‫فبعضها يخصص له ما يفوق الخمسة مليين دولر يوميا ‪ ،‬وبعضها يخصص له‬
‫ما يفوق العشرة مليين دولر يوميا ـ فهي المستفيدة من هذه المعاملة ـ‬
‫فكيف لو وجهت هذه الموال الطائلة للستثمار والتنمية ؟ !‬
‫‪ .3‬إن مبدأ " التيسير " و " القبض الحكمي " هما خير مطية للتورق‬
‫المصرفي المنظم ‪ ،‬وغيره مما يناسب فلسفة البنوك الربوية " التمويل "‬
‫فتحاذر التجارة ‪ ،‬وتحاذر تحويل السيولة إلى سلع ‪ ،‬ومنتجات ‪ ،‬وتتذرع إلى‬
‫ذلك بهذين المبدأين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التوصية‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما التوصية ‪ :‬فغايتها الوصية بما يراه الباحث بإزاء ما تعلق ببحثه من‬
‫مشاكل وقضايا ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫الوصية الولى ‪ :‬بشأن التورق المصرفي المنظم ‪.‬‬
‫أوصي بمنع التورق المصرفي المنظم ‪ ،‬لما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ لما فيه من مخالفة وتجاوز ‪.‬‬
‫ب ـ لما فيه من متاجرة بالدين ‪ ،‬والستهلك وتسويق ‪ ،‬وترويج لهما ‪ ،‬وإغراء‬
‫بهما من خلل الدعاية ‪.‬‬
‫ج ـ لما فيه من تهجير المال ‪ ،‬لتستفيد منه السوق الدولية ‪،‬وتحرم منه‬
‫السوق الداخلية ‪.‬‬
‫د ـ ولنه غير متعين لتحقيق أمثل ما يناط به من غاية ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أن يكون بديل عن القرض الربوي ‪ ،‬لكل من البنك ‪ ،‬والعميل ‪.‬‬
‫أن يكون موردا من موارد البنك ‪ ،‬في الستثمار قصير الجل ‪.‬‬
‫فكل ذلك متحقق في المرابحة ‪ ،‬فهي خير منه ـ على ما في تطبيقاتها من‬
‫مخالفة ينبغي تسديدها ‪.‬‬
‫الوصية الثانية ‪ :‬بشأن التمويل‬
‫أوصي بتوجيه البنوك السلمية إلى العدول عن سياسة " التمويل " التي‬
‫غايتها المتاجرة بالدين ‪ ،‬وهي أساس كل خطيئة تقع فيها ‪ ،‬واستبدالها بما هو‬
‫خير وهي ‪:‬‬
‫" سياسة الستثمار " ليستبدل الدين بالستثمار ‪ ،‬فيحل عقد السلم محل‬
‫التمويل في مسألة تمويل المزارع ‪ ،‬ويحل عقد الستصناع محل التمويل في‬
‫مسألة تمويل المصانع ‪ ،‬كما تحل المشاركة ‪ ،‬والمضاربة ‪ ،‬ونحوها محل‬
‫القروض التمويلية ‪ ،‬إن كانت في صورة التورق المصرفي المنظم ‪ ،‬أو في‬
‫صورة المرابحة للمر بالشراء ‪.‬‬
‫الوصية الثالثة ‪ :‬بشأن مقاصد الشريعة‬
‫أوصي بتطبيق " مقاصد الشريعة " وما يتفرع عنها بفقه يوافق مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬ويؤمن معه تفويت مقاصد الشريعة ‪ ،‬أو ضرب بعضها ببعض ‪،‬‬
‫ومثال ذلك فيما نحن فيه ‪:‬‬
‫مبدأ " التيسير " ‪ ،‬و" القبض الحكمي " فينبغي تطبيقهما بفقه رشيد على‬
‫النحو المذكور ‪.‬‬
‫الوصية الرابعة ‪ :‬بشأن التسمية‬
‫إن لم يؤخذ بوصية منع التورق المصرفي المنظم ‪ ،‬فإن أوصي بتغيير اسمه‬
‫ليكون " التمويل المصرفي المنظم " ‪ ،‬لكيل ُيلّبس على الناس فيه ‪ ،‬فإن‬
‫المعاملة ل تنضبط تورقا مطلقا ‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذا والحمد لله أول ً وآخًرا ‪ ،‬ظاهًرا وباطنا ‪ ،‬وصلى الله وسلم على عبده‬
‫ورسوله نبينا محمد ‪ ،‬وآله ‪ ،‬وصحبه ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬التورق المنظم ـ قراءة نقدية ـ ص ‪.4‬‬
‫)‪ (2‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫)‪ (3‬تعليق حسن حامد حسان ص ‪.5‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري بالفتح ‪ ،‬كتاب البيوع باب إذا أراد بيع تمر بتمر ‪ ،‬خير منه‬
‫‪4/399‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬باب الريا ‪11/12 ،‬‬
‫)‪ (5‬المدونة ‪125 /4‬‬
‫)‪ (6‬واللزام بالوعد في مسألة المرابحة للمر بالشراء اختلف فيه‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعاصرون ‪ ،‬فمنهم من ألزم بتنفيذه ‪ ،‬أو التعويض عن الضرر الواقع بسبب‬


‫عدم الوفاء به ‪ ،‬إذا كان على سبب ‪ ،‬ودخل الموعد بسببه في كلفة ‪ ،‬كما‬
‫عليه قرار مجمع الفقه السلمي قي دورته الخامسة بالكويت ‪.‬‬
‫ومنهم من لم يَر اللزام في البيع ‪ ،‬وفّرق بعد وقوعه بين حالين ‪ :‬الولى ‪ :‬أن‬
‫يبيع البنك السلعة ‪ ،‬فما زاد عن ثمنها المتفق عليه بينهما أعطاه العميل وما‬
‫نقص طالبه به ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن ل يفعل البنك ذلك لكنه يلح على العميل ‪ ،‬ويطالبه بالتعويض‬
‫على نحو يلجئه إلى إبرام عقد البيع ‪ ،‬فاعتبر الولى عقد بيع باطل ‪ ،‬إذ هو من‬
‫قبيل بيع ما ل يملك ‪ ،‬واعتبر‬
‫الثانية من قبيل الكراه على عقد البيع حسب خلف العلماء فيه ‪ ،‬انظر ‪:‬‬
‫الربا في المعاملت المصرفية المعاصرة ‪ ،‬للمؤلف ‪1139 ، 2/1128 ،‬‬
‫)‪ (7‬انظر المغني ‪ ، 6/362‬الشرح الكبير ‪ 11/195‬تهذيب سنن أبي داوود ‪،‬‬
‫‪. 5/109‬‬
‫)‪ (8‬انظر ‪ :‬الهداية ‪ ،‬وشرحيها ‪ ، 6/433 ،‬تبيين الحقائق ‪ ، 4/53‬الدر المختار‬
‫وحاشيته ‪ ، 7/267‬مواهب الجليل ‪ ، 4/392‬شرح الخرشي ‪ ، 5/96‬منح‬
‫الجليل ‪ ، 2/588‬حاشية الدسوقي ‪ ، 3/78‬الم ‪ ، 3/69‬مختصر المنزني‬
‫‪ ، 2/201‬روضة الطالبين ‪ ، 3/417‬المغني ‪ ، 6/261‬شرح الزركشي‬
‫‪ ، 3/601‬الفروع ‪.4/169‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫)‪ (9‬فإنهم يمنعون الحيل ‪ ،‬أل تراهم يقولون بفسخ العقدين في العينة حيث‬
‫قصد بالول الثاني ‪ ،‬وكان حيلة ‪ ،‬انظر ‪ :‬مواهب الجليل ‪ ، 403 / 4‬شرح‬
‫الخرشي ‪ ، 5/104‬منح الجليل ‪ ، 2/603‬الفروع ‪ ، 4/170‬النصاف‬
‫‪ ، 11/192‬شرح منتهى الرادات ‪ . 2/158‬بل قد نص المالكية على منع هذه‬
‫الصورة ‪ ،‬انظر ‪ :‬مواهب الجليل ‪ ، 4/394‬منح الجليل ‪. 2/589‬‬
‫)‪ (10‬انظر ‪ :‬مواهب الجليل ‪ 4/404‬شرح الخرشي ‪ ، 5/105‬منح الجليل ‪/2‬‬
‫‪ ، 604‬الفتاوي ‪ . 441 ، 430 /29‬قلت ‪ :‬ومنعهم لهذه الصورة فيه تنبيه على‬
‫منع سابقتها ‪ ،‬فإنها أشدمنها ‪.‬‬
‫)‪(11‬وترخيص بعض المالكية فيه وكذا الحنابلة ‪ ،‬مع اعتدادهم بالذرائع ‪ ،‬كائن‬
‫لبعد الذريعة فيها ـ رغم احتمالها ـ لكن متى كانت حيلة ‪ ،‬فإنهم قائلون بمنعها‬
‫‪ ،‬طردا لقاعدتهم ‪ " :‬إبطال الحيل‬
‫)‪(12‬الموسوعة الفقهية الكويتية ‪14/147‬‬
‫)‪ (13‬انظر ‪ :‬الهداية بشرحيها ‪ ، 211 /7‬البحر الرائق ‪ ، 256 /6‬مجمع النهر‬
‫‪ ، 2/139‬مواهب الجليل ‪ ، 405 /4‬شرح الخرشي ‪ ، 106 /5‬حاشية‬
‫الدسوقي ‪ ، 98 /3‬الفروع ‪ ، 171 /4‬النصاف ‪. 196 ، 195 /11‬‬
‫)‪ (14‬انظر فتح القدير ‪ ، 212 /7 ،‬رد المحتار ‪ ، 613 / 7 ،‬الم ‪، 69 /3‬‬
‫مختصر المزني بهامش الم ‪ ، 2/201‬روضة الطالبين ‪ ، 417 /3‬النهاية في‬
‫غريب الحديث ‪ ،‬والثر ‪ ، 2/301 ،‬الزاهر في غريب الفاظ الشافعي ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 216‬الفروع ‪ ، 4/171‬النصاف ‪ ، 196 ، 195 /11‬كشف القناع ‪.3/186‬‬
‫)‪ (15‬انظر الفروع ‪ ، 4/171‬النصاف ‪. 196 ، 11/195‬‬
‫)‪ (16‬انظر التطبيقات المصرفية للتورق ‪ ،‬القرى ‪ ،‬ص ‪ ، 3‬بيع التقسيط‬
‫وأحكامه ‪ ،‬ص ‪. 70 ،69‬‬
‫)‪ (17‬انظر ‪ :‬الفروع ‪ ، 4/4‬النصاف ‪11/16‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (18‬انظر ‪ :‬الفتاوى ‪ ، 432 ، 302 ، 30 /29‬وما بعدها ‪.‬‬


‫)‪ (21) ، (20 ) ، (19‬التطبيقات المصرفية للتورق ‪ ،‬الشريف ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫)‪ (22‬التطبيقات المصرفية للتورق ‪ ،‬القرى ‪ ،‬ص ‪10 ،‬‬
‫)‪(23‬انظر تطبيقات التورق ‪ ،‬واستخداماته ‪ ،‬موسى آدم ‪ ،‬ص ‪، 15 ، 12‬‬
‫التطبيقات المصرفية لعقد التورق ‪ ،‬أحمد محي الدين ‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫)‪ (24‬تعليق د‪ .‬حسين حامد حسان على أبحاث مؤتمر جامعة الشارقة ‪ ،‬ص ‪،‬‬
‫‪.6‬‬
‫)‪ (25‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (26‬التورق المنظم ـ قراءة نقدية ـ ص ‪. 9‬‬
‫)‪ (27‬تعليق د ‪ .‬حسين حامد حسان على ابحاث مؤتمر جامعة الشارقة ‪ ،‬ص‬
‫‪.7‬‬
‫)‪ (28‬التورق المنظم ـ قراءة نقدية ـ ص ‪. 8‬‬
‫)‪ (29‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫)‪ (30‬يعبر عنها المالكية بقولهم ‪ " :‬أعتبار ما خرج من اليد ‪ ،‬وما عاد إليها "‬
‫انظر ‪ :‬مواهب الجليل ‪ ، 392 /4‬منح الجليل ‪.2/589‬‬
‫)‪ (31‬التورق المنظم ـ قراءة نقدية ـ ‪ ،‬ص ‪. 5‬‬
‫)‪ (32‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫)‪ (33‬انظر بدائع الصنائع ‪ ، 158 /5 ،‬حاشية الدسوقي ‪ ، 3/165‬معنى‬
‫المحتاج ‪ ,79 /2‬المغني ‪ ، 6/333‬المبدع ‪ ، 4/35‬الفتاوى ‪. 525 ، 499 / 29‬‬
‫)‪ (34‬انظر تعليق د ‪ .‬حسين حامد حسان ‪ ،‬ص ‪ ، 8‬التطبيقات المصرفية‬
‫لعقد التورق ‪ ،‬أحمد محي الدين ‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫)‪ (35‬انظر المرجعين السابقين ‪ ،‬ص ‪ ، 10 ، 9‬ص ‪. 8 ، 7‬‬
‫)‪ (36‬انظر ‪ :‬تعليق د ‪ .‬حسين حامد حسان ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫)‪ (37‬انظر التطبيقات المصرفية للتورق ‪ ،‬أحمد محي الدين ‪ ،‬ص ‪.13 ،8‬‬
‫)‪ (38‬انظر تعليق د ‪ .‬حسين حامد حسان ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫)‪ (39‬انظر تعليق د ‪ .‬حسين حامد حسان ‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫)‪ (40‬تطبيقات التورق واستخداماته ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫)‪ (41‬انظر أحكام أهل الذمة ‪ ،‬ص ‪776‬‬
‫)‪ (42‬المدونة ‪ ، 3/134‬وانظر ‪ :‬المنتقى ‪ ، 4/280‬مواهب الجليل ‪، 393 /4‬‬
‫‪ ، 409‬منح الجليل ‪2/588‬‬
‫)‪ (43‬في بيان حكم البيع قبل القبض انظر ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ،108 /5‬حاشية‬
‫الدسوقي‬
‫)‪ (44‬انظر بدائع الصنائع ‪ ، 5/277‬حاشية الدسوقي ‪ ، 3/123‬مغنى المحتاج‬
‫‪ ، 2/53‬غاية المنتهى ‪27 /2‬‬
‫)‪ (45‬انظر ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ، 6/28‬تبين الحقائق ‪ ،4/270‬تحفة المحتاج ‪5/34‬‬
‫‪ ،‬النصاف ‪. 13/484 ،‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫فهرس المراجع‬
‫أول ‪ :‬المصادر‬
‫‪ .1‬أحكام أهل الذمة ‪ ،‬ابن القيم ـ تحقيق ‪ :‬صبحي الصالح ـ بيروت ‪ :‬دار‬
‫العلم للمليين الطبعة الولى ‪1401 .‬هـ‬
‫‪ .2‬الم " مختصر المزني " ‪ .‬محمد بن إدريس الشافعي ‪ .‬بيروت ‪ :‬دار‬
‫المعرفة للطباعة والنشر ‪.‬‬
‫‪ .3‬النصاف ‪ .‬أبو الحسن المرداوي ‪ .‬تحقيق ‪ :‬عبد الله التركي ‪ .‬مصر ‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مطبعة هجر ‪ .‬الطبعة الولى لعام ‪1415‬هـ ‪.‬‬


‫‪ .4‬بدائع الصنائع ‪ .‬علء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني ‪ .‬بيروت ‪ :‬دار‬
‫الكتاب العربي ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1402 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .5‬البحر الرائق " بهامشه منحة الخالق " ‪ .‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد ‪،‬‬
‫المشهور بابن نجيم ‪ .‬مصر ‪ :‬دار الكتب العربية الكبرى ‪1334 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .6‬بيع التقسيط وأحكامه ‪ ،‬سليمان التركي ‪ .‬الرياض ‪ :‬دار اشبيليا ‪ .‬الطبعة‬
‫الولى ‪1424 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .7‬تبيين الحقائق ‪ .‬عثمان بن على الزيلعي ‪ .‬مصر ‪ :‬مطبعة بولق ‪ .‬الطبعة‬
‫الولى ‪1313 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .8‬تحفة المحتاج ‪ .‬ابن حجر الهيتمي ‪ .‬بيروت ‪ :‬دار صادر ‪.‬‬
‫‪ .9‬تهذيب سنن أبي داوود ‪ .‬شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم‬
‫الجوزية ‪ .‬تحقيق ‪ :‬محمد حامد الفقى ‪ .‬مصر ‪ :‬مطبعة السنة المحمدية ‪.‬‬
‫‪1378‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .10‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ .‬محمد بن عرفة الدسوقي ‪.‬‬
‫مصر ‪ :‬مطبعة عيسى الحلبي ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪ .11‬الدر المختار ‪ .‬محمد علء الدين الحصكفي ‪ .‬تحقيق ‪ :‬عادل عبد الموجود‬
‫‪ ،‬وزميله ‪ .‬بيروت ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ .‬الطبعة الولى ‪1415 .‬هـ‬
‫‪ .12‬رد المحتار على الدر المختار محمد أمين ‪ ،‬المشهور بابن عابدين ‪.‬‬
‫تحقيق عادل عبد الموجود ‪ ،‬وزميله ‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ .‬الطبعة‬
‫الولى ‪1415 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .13‬روضة الطالبين ‪ .‬يحيى بن شرف النووي ‪ .‬بيروت ‪ :‬المكتب السلمي‬
‫الطبعة الثانية ‪1405‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .14‬الربا في المعاملت المصرفية المعاصرة ‪ .‬عبد الله بن محمد السعيدي ‪.‬‬
‫الرياض ‪ :‬دار طيبة ‪ .‬الطبعة الولى ‪1420 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .15‬الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ‪ .‬أبو منصور الزهري ‪ .‬تحقيق ‪ :‬محمد‬
‫جبر اللفي‪.‬‬
‫‪ .16‬شرح الخرشي على مختصر خليل ‪ .‬أبو عبد الله محمد بن عبدالله‬
‫الخرشي ‪ .‬مصر ‪ :‬مطبعة بولق ‪1318 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .17‬شرح الزركشي على مختصر الخرقي شمس الدين محمد بن عبد الله‬
‫الزركشي ‪ .‬تحقيق ‪ :‬عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ‪ .‬الرياض ‪ :‬شركة‬
‫العبيكان للطباعة والنشر ‪ .‬الطبعة الولى ‪.‬‬
‫‪ .18‬شرح صحيح مسلم ‪ .‬محي الدين بن شرف النووي ‪ .‬بيروت ‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫‪ .19‬شرح منتهى الرادات ‪ .‬منصور بن يونس البهوتي ‪ .‬بيروت ‪ :‬عالم‬
‫الكتب ‪.‬‬
‫‪ .20‬الشرح الكبير ‪ .‬شمس الدين ابن قدامة ‪ .‬تحقيق عبد الله التركي ‪ .‬مصر‬
‫‪ :‬مطبعة هجر ‪ .‬الطبعة الولى لعام ‪1415‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .21‬صحيح البخاري " بفتح الباري " ‪ .‬أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن‬
‫المغيرة البخاري الجعفي ‪ .‬تصحيح ‪ :‬محب الدين الخطيب ‪ .‬المطبعة السلفية‬
‫‪.‬‬
‫‪ .22‬العناية شرح الهداية ‪ .‬أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي ‪ .‬مصر ‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مطبعة بولق ‪ .‬الطبعة الولى ‪1317 .‬هـ ‪.‬‬


‫‪ .23‬غاية المنتهى ‪ .‬مرعي بن يوسف الكرمي ‪ .‬تحقيق ‪ :‬زهير الشاويش ‪.‬‬
‫‪ .24‬فتح القدير ‪ .‬محمد بن عبد الواحد ‪ ،‬المشهور بالكامل بن الهمام ‪.‬‬
‫مصر ‪ :‬مطبعة بولق ‪ .‬الطبعة الولى ‪1316 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .25‬الفتاوي ‪ .‬أحمد بن عبد الحليم الحراني ‪ ،‬المشهور بابن تيمية ‪ .‬جمع‬
‫وترتيب ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ‪ .‬القاهرة ‪ :‬مطابع إدارة المساحة‬
‫العسكرية ‪1404‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .26‬الفروع ‪ .‬أبو عبد الله محمد بن مفلح ‪ .‬مراجعة ‪ :‬عبد الستار أحمد‬
‫فراج ‪ .‬دار مصر للطباعة ‪ .‬الطبعة الثانية ‪1381‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .27‬كشاف القناع ‪ .‬منصور بن يوسف البهوتي ‪ .‬مراجعة ‪ :‬هلل مصيلحي ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر ‪1402 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .28‬مغنى المحتاج ‪ .‬محمد بن أحمد الشربيني ‪ .‬مصر ‪ :‬مطبعة مصطفى‬
‫الحلبي ‪1377 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .29‬منح الجليل على مختصر الخليل ‪ .‬أبو عبد الله محمد بن أحمد المالكي ‪،‬‬
‫المشهور بمحمد عليش ‪ .‬مصر ‪ :‬المطبعة الميرية ‪1294 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .30‬مواهب الجليل ‪ .‬أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب ‪.‬‬
‫مطابع دار الكتاب اللبناني ‪.‬‬
‫‪ .31‬المبدع في شرح المقنع ‪ .‬أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح ‪.‬‬
‫المكتب السلمي ‪ :‬الطبعة الولى ‪1397 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .32‬المدونة ‪ .‬مالك بن أنس الصبحي ‪ .‬مصر ‪ :‬مطبعة بولق ‪ 1294 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .33‬المغني ‪ .‬موفق الدين بن قدمة ‪ .‬تحقيق عبد الله التركي ‪ .‬مصر ‪:‬‬
‫مطبعة هجر ‪ .‬الطبعة الولى لعام ‪ 1412‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .34‬الموسوعة الفقهية الكويت ‪ :‬وزارة الوقاف والشئون السلمية ‪ .‬مطابع‬
‫ذات السلسل ‪ .‬الطبعة الثانية ‪1404 .‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .35‬نهاية المحتاج ‪ .‬شمس الدين الرملي ‪ .‬المكتبة السلمية ‪.‬‬
‫‪ .36‬النهاية في غريب الحديث والثر ‪ .‬ابن الثير ‪ .‬مصر ‪ :‬مطبعة عيسى‬
‫الحلبي ‪ .‬الطبعة الولى ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أعمال المؤتمر ‪ ،‬والندوات‬
‫أ ـ مؤتمر دور المؤسسات المصرفية السلمية في الستثمار والتنمية جامعة‬
‫الشارقة خلل ‪ 26‬ـ ‪1423 /2 / 28‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .1‬تطبيقات التورق ‪ ،‬واستخداماته في العمل المصرفي السلمي ‪ .‬موسى‬
‫آدم عيسى ‪.‬‬
‫‪ .2‬التطبيقات المصرفية لعقد التورق ‪ ،‬وآثارها على مسيرة العمل المصرفي‬
‫السلمي ‪ .‬أحمد محي الدين أحمد ‪.‬‬
‫‪ .3‬التورق المنظم "قراءة نقدية " ‪ .‬سامي السويلم ‪.‬‬
‫‪ .4‬تعليق على بحوث التورق ‪ .‬حسين حامد حسان ‪.‬‬
‫ب ـ ندوة البركة المصرفية الثالثة والعشرون ‪ .‬مكة المكرمة ‪ .‬خلل ‪6‬ـ ‪/ 7‬‬
‫‪9/1423‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .1‬التطبيقات المصرفية للتورق ومدى شرعيتها ‪ ،‬ودورها اليجابي ‪.‬محمد عبد‬
‫الغفار الشريف ‪.‬‬
‫‪ .2‬التطبيقات المصرفية للتورق ومدى شرعيتها ودورها اليجابي ‪ .‬محمد‬
‫على القرى ‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التوسل ‪...‬‬
‫الدعاء من أعظم القربات التي تصل العبد بخالقه ‪ ،‬فقد صح عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬الدعاء هو العبادة ( رواه أبو داود ‪ .‬وذلك‬
‫لما يجتمع في الداعي من صفات الذل والخضوع واللتجاء إلى من بيده‬
‫مقاليد المور ‪.‬‬
‫ولما كان الدعاء بهذه المرتبة ‪ ،‬أمر الله عز وجل عباده أن يدعوه في كل‬
‫ن{‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫في َ ً‬ ‫ضّرعا ً وَ ُ‬
‫خ ْ‬ ‫م تَ َ‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫أحوالهم فقال تعالى ‪ } :‬اد ْ ُ‬
‫)لعراف‪ ، (55:‬وبين لهم سبحانه أن من الوسائل التي يكون معها الدعاء‬
‫أرجى للقبول ‪ ،‬الدعاء بأسمائه وصفاته ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬وَل ِل ّهِ السماء‬
‫عوه ُ ب َِها { ) العراف‪. (180:‬‬ ‫سَنى َفاد ْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ُ‬
‫فيشرع للداعي أن يبدأ دعائه متوسل بذكر أسماء الله عز وجل وصفاته التي‬ ‫ً‬
‫تتعلق بذلك الدعاء ‪ ،‬فإذا أراد المسلم الرحمة والمغفرة ‪ ،‬دعا الله باسم‬
‫الرحمن ‪ ،‬الرحيم ‪ ،‬الغفور ‪ ،‬الكريم ‪ ،‬وإذا أراد الرزق دعا ربه باسم الرزاق ‪،‬‬
‫م الداعي بين يدي دعائه ما يناسبه من أسماء‬ ‫المعطي ‪ ،‬الجواد ‪ ،‬وهكذا يقد ّ ُ‬
‫الله ‪ ،‬وصفاته ‪ ،‬فإن ذلك من أسباب قبول الدعاء ‪.‬‬
‫والتوسل بالدعاء على أنواٍع ‪ ،‬فمنه التوسل المشروع ومنه التوسل الممنوع‬
‫فمن أنواع التوسل المشروع ‪ :‬التوسل إلى الله عز وجل بصالح العمال التي‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ ِ‬ ‫مَناِديا ً ي َُناِدي لليمان أ ْ‬ ‫معَْنا ُ‬ ‫س ِ‬ ‫عملها العبد ‪ ،‬قال تعالى ‪َ } :‬رب َّنا إ ِن َّنا َ‬
‫معَ البرار { )آل‬ ‫سي َّئات َِنا وَت َوَفَّنا َ‬ ‫فْر عَّنا َ‬ ‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َ ّ‬
‫مّنا َرب َّنا َفاغْ ِ‬ ‫م َفآ َ‬‫ب َِرب ّك ُ ْ‬
‫عمران‪ (193:‬فتأمل كيف توسل هؤلء بإيمانهم بربهم جل وعل ‪ .‬وقص‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ‪ -‬فيما رواه البخاري ومسلم ‪ -‬قصة‬
‫ثلثة نفر كانوا يمشون فنزل المطر الغزير ‪ ،‬فلجئووا إلى غار في جبل‬
‫يحتمون به ‪ ،‬فسقطت على باب الغار صخرة منعتهم الخروج ‪ ،‬فحاولوا‬
‫إزاحتها فلم يقدروا ‪ ،‬فاجتمع رأيهم على أن يدعوا الله عز وجل بأرجى‬
‫أعمالهم الصالحة التي عملوها ‪ .‬فتوسل أحدهم ببره لوالديه ‪ ،‬وتوسل الخر‬
‫بحسن رعايته واستثماره لمال أجيره ‪ ،‬وتوسل الخر بتركه الزنى بعد تمكنه‬
‫منه ‪ ،‬وكلما دعا أحدهم انفرجت الصخرة عن باب الغار قليل ‪ ،‬إل أنهم لم‬
‫يستطيعوا الخروج ‪ ،‬حتى أكمل ثالثهم دعائه فانفرجت الصخرة عن باب الغار‬
‫فخرجوا يتماشون ‪ .‬فُيشرع للمسلم إذا أراد أن يدعوا الله عز وجل أن‬
‫يتوسل بأحب العمال الصالحة التي يرجو أن تكون خالصة لله ‪.‬‬
‫ومن أنواع التوسل المشروع ‪ :‬طلب الدعاء من الحياء الصالحين ‪ ،‬وذلك أن‬
‫العباد يتفاوتون في الصلح وفي قربهم ومنزلتهم عند الله ‪ ،‬لذلك كان‬
‫الصحابة يحرصون على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لهم رجاء‬
‫القبول والجابة ‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪ ) :‬يدخل الجنة من أمتي زمرة هي سبعون ألفا‬
‫كاشة بن محصن ‪ ...‬قال ‪ :‬ادع الله لي‬ ‫تضيء وجوههم إضاءة القمر ‪ .‬فقام ع ّ‬
‫يا رسول الله أن يجعلني منهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم اجعله منهم ‪ ( ..‬رواه البخاري‬
‫و مسلم ‪.‬‬
‫ومن أنواع التوسل المشروع التوسل بذكر حال السائل وما هو عليه من‬
‫الضعف والحاجة ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬اللهم إني الفقير إليك ‪ ،‬السير بين يديك ‪،‬‬
‫الراجي عفوك ‪ ،‬المتطلع إلى عطائك ‪ ،‬هبني منك رحمة من عندك ‪ .‬والدليل‬
‫ب‬‫ل َر ّ‬ ‫على هذا النوع من التوسل دعاء زكريا عليه السلم ‪ ،‬قال تعالى ‪َ } :‬قا َ‬
‫قي ّا ً )(‬ ‫شيبا ً ول َ َ‬ ‫ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ك َر ّ‬‫عائ ِ َ‬
‫ن ب ِد ُ َ‬ ‫م أك ُ ْ‬ ‫س َ ْ َ ْ‬ ‫ل الّرأ ُ‬ ‫شت َعَ َ‬‫مّني َوا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْعَظ ْ ُ‬ ‫إ ِّني وَهَ َ‬
‫ك وَل ِي ّا ً {‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫قر‬ ‫عا‬ ‫تي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫و‬ ‫رائي‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ت‬
‫ِ ْ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ َ ِ ْ َ ِ‬ ‫َ َ ِ َ ِ ْ ََ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ْ‬
‫وَإ ِّني ِ‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫خي ْرٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬
‫ي ِ‬ ‫ما أن َْزل ْ َ‬
‫ب إ ِّني ل ِ َ‬‫) مريم‪ . ( 5-4 :‬ومنه قول موسى ‪َ } :‬ر ّ‬
‫قيٌر { )القصص‪( 24 :‬‬ ‫فَ ِ‬
‫فهذه بعض أنواع التوسل المشروع ‪،‬التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم ‪،‬‬
‫ويستفتح بها دعائه ‪ ،‬طالبا ً من الله قضاء حاجته ‪.‬‬
‫وهناك أنواع من التوسل يفعلها الناس ‪ -‬منها ما يبلغ حد ّ البدعة ومنها ما يبلغ‬
‫حد الشرك ‪ -‬ظنا ً منهم أنهم يتقربون إلى الله سبحانه بها ‪ ،‬وما علموا أن‬
‫التقرب إليه إنما يكون بما شرع ل بالهواء والبدع ‪.‬‬
‫فمن أنواع التوسل البدعي ‪ :‬طلب الدعاء من الميت ‪ ،‬كمن يأتي إلى ميت‬
‫مقبور ل يملك لنفسه ضرا ً ول نفعا ً ويطلب منه أن يدعو الله له بأمر كشفاء‬
‫مريضه أو كشف كربته ‪ .‬والدليل على بدعية هذا التوسل انتفاء الدليل على‬
‫جوازه ‪ ،‬والعبادة إنما تكون بالتباع ل بالبتداع ‪ ،‬ويدل أيضا على بدعية هذا‬
‫النوع من التوسل ‪ :‬أن الصحابة وهم الكثر علما والشد اقتداء بسيد الخلق‬
‫لم يفعلوا ذلك ولو كان خيرا ً لسبقونا إليه ‪ ،‬حتى إن عمر رضي الله عنه‬
‫م النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫دم العباس ع ّ‬ ‫عندما حصل قحط بالمدينة ق ّ‬
‫ليدعو الله بالسقيا ‪ ،‬ولم يطلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫ما يعلم من عدم جواز ذلك ‪.‬‬
‫قبره ‪ ،‬ل ِ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن أنواع التوسل التي ابتدعها الناس وهي شرك بالله عز وجل طلب كشف‬
‫الكربات وقضاء الحاجات من الموات ‪ ،‬أيا ً كان ذلك الميت رجل ً صالحا ً أو نبيا ً‬
‫مرسل ً ‪ ،‬ذلك أن الدعاء هو العبادة ‪ ،‬والعبادة ل تصرف إل للخالق الرازق‬
‫عوِني‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬ ‫سبحانه ‪ ،‬فدعاء غير الله شرك ومذلة ‪ .‬قال تعالى ‪ } :‬وََقا َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬ ‫عَباد َِتي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م إِ ّ‬‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ج ْ‬‫ست َ ِ‬‫أ ْ‬
‫)غافر‪ (60:‬فطلب سبحانه أن يكون الدعاء له ‪ ،‬ورتب الجابة على ذلك‪.‬‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫جيُبو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ُدون ِهِ ل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫حقّ َوال ّ ِ‬ ‫ه د َعْوَةُ ال ْ َ‬ ‫وقال أيضا ً ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫ن‬‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫عاُء ال ْ َ‬ ‫ما د ُ َ‬ ‫ما هُوَ ب َِبال ِغِهِ وَ َ‬ ‫ماِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ وَ َ‬ ‫في ْهِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ط كَ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫يٍء إل ك ََبا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ما ل‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬
‫ل { ) الرعد ‪ . (14 :‬وقال أيضا ‪َ } :‬ول ت َد ْع ُ ِ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫إل ِفي َ‬
‫ن { )يونس‪. (106:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ت فإ ِن ّك ِإذا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن فعَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّرك فإ ِ ْ‬‫َ‬ ‫ك َول ي َ ُ‬ ‫فعُ َ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫فهذه أنواع التوسل في الدعاء وأحكامه ‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يحرص على‬
‫المشروع منه ‪ ،‬وأن يجتهد في دعاء الله في أحواله كافة ‪ ،‬حتى يعلم الله منه‬
‫صدق افتقاره إليه فيجيبه ويغيثه ‪ ،‬وعلى المسلم أيضا ً أن يجتنب التوسل‬
‫البدعي ‪ ،‬وأن يبتعد كل البعد عن التوسل الشركي ‪ ،‬فإنه الخطر على دين‬
‫المسلم وعقيدته ‪ ،‬نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول‬
‫فيتبعون أحسنه والحمد لله رب العالمي‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوكل على الله‪ :‬فضله و أهميته‬


‫إعداد‪:‬خالد بن عبد الرحمن الشايع‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ,‬و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله‬
‫وصحبه و التابعين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫*فإن للتوكل على الله تعالى منزلة عظيمة في السلم‪ ,‬يلحظها من تأمل‬
‫النصوص الواردة فيه‪ ,‬و كل عبد مضطر إليه‪ ,‬ل يستغني عنه طرفة عين‪ ,‬كما‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنه من أعظم العبادات من جهة توثق صلته بتوحيد الرب سبحانه‪ ،‬يقول‬
‫تعالى‪} :‬وتوكل على الحي الذي ل يموت{ )الفرقان ‪ . (58‬و في هذه الية‬
‫أمر من الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن يتوكل عليه ـ سبحانه و‬
‫تعالى ـ ‪ ،‬و أل يركن إل إليه‪ ،‬لنه الحي الذي ل يموت‪ ،‬و هو القوي القادر‬
‫سبحانه و تعالى ‪ ،‬و من يتوكل عليه جل و عل فهو حسبه‪ ,‬أي كافيه و مؤيده‬
‫و ناصره‪ ,‬و من توكل على غير الله ‪ ,‬فإنما يتوكل على من يموت و يفنى‪ ,‬و‬
‫الضعف و العجز يعتوره من كل جهة‪ ,‬و لجل ذلك فالمتوكل عليه يضيع و‬
‫يزيغ‪ ,‬و كل من اعتمد على غير الله فقد ضل سعيه‪.‬‬
‫* فدل ذلك على فضل التوكل على الله ـ جل و عل ـ و تعليق القلب به‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫* و التوكل معناه‪ :‬صدق اعتماد القلب على الله ـ عز و جل ـ في استجلب‬
‫المصالح و دفع المضار‪ ,‬من أمور الدنيا و الخرة كلها‪ ,‬و أن يكل العبد أموره‬
‫كلها إلى الله ـ جل و عل ـ ‪ ,‬و أن يحقق إيمانه بأنه ل يعطي و ل يمنع و ل‬
‫يضر و ل ينفع سواه عز و جل‪.‬‬
‫* و قد حض الله عباده المؤمنين على التوكل في مواضيع عديدة من الكتاب‬
‫العزيز‪ ،‬و بين سبحانه ثمراته و فائدته‪:‬‬
‫و من ذلك قوله سبحانه‪} :‬و على الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين{ )المائدة‪:‬‬
‫‪ ،(23‬و قوله عز و جل‪} :‬و على الله فليتوكل المؤمنون{ )التوبة‪ ،(51:‬و‬
‫قوله تعالى‪ } :‬و من يتوكل على الله فهو حسبه{ )الطلق‪ ،(3:‬وقوله جل و‬
‫عل‪ }:‬فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين{ )آل عمران‪:‬‬
‫‪ ، (159‬و قال سبحانه و تعالى واصفا ً عباده المؤمنين في معرض الثناء و‬
‫المدح‪}:‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم‬
‫آياته زادتهم إيمانا ً و على ربهم يتوكلون{ )النفال‪ (2:‬و في السنة المطهرة‬
‫تكاثرت النصوص الموضحة لهمية التوكل و الحض عليه‪ ,‬و من ذلك ما رواه‬
‫المام أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة عن عمر بن الخطاب ـ رضي‬
‫الله عنه ـ قال‪ :‬قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ‪:‬‬
‫"لو أنكم توكلون على الله حق توكله ‪ ,‬لرزقكم كما يرزق الطير‪ ,‬تغدو‬
‫خماصًا‪ ,‬و تعود بطانًا‪" .‬‬
‫قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ‪ :‬هذا الحديث أصل في التوكل‪ ,‬و أنه من‬
‫أعظم السباب التي يستجلب بها الرزق‪ ,‬قال الله ـ عز و جل ـ ‪ } :‬و من يتق‬
‫الله يجعل له مخرجًا)‪ (2‬و يرزقه من حيث ل يحتسب و من يتوكل على الله‬
‫فهو حسبه)‪) { (3‬الطلق‪2:‬و ‪(3‬‬
‫و دل حديث عمر المذكور على أن الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل‪,‬‬
‫و وقوفهم مع السباب الظاهرة بقلوبهم‪ ,‬و مساكنتهم لها‪ ,‬فلذلك يتعبون‬
‫أنفسهم في السباب‪ ,‬و يجتهدون فيها غاية الجتهاد ‪ ,‬و ل يأتيهم إل ما قدر‬
‫لهم‪ ,‬فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى‬
‫سبب‪ ,‬كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو و الرواح‪ ,‬و هو نوع من‬
‫الطلب و السعي‪ ,‬لكنه سعي يسير‪ .‬و هذا ما يشير إليه قوله ـ صلى الله عليه‬
‫و سلم ـ ‪":‬لرزقكم كما يرزق الطير‪ , " ....‬و معناها أنها تذهب أول النهار‬
‫خماصًا‪ ,‬أي ضامرة البطون من الجوع‪ ,‬و تتجه إلى غير وجهة محددة‪ ,‬تطير و‬
‫تبحث و تسعى‪ ,‬ثم ترجع آخر النهار بطانًا‪ ,‬أي ممتلئة البطون‪.‬‬
‫و صح عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فيما رواه عنه جابر بن عبد الله ـ‬
‫رضي الله عنه ـ قال‪ " :‬إن نفسا ً لن تموت حتى تستكمل رزقها‪ ,‬فاتقوا الله و‬
‫أجملوا في الطلب‪ ,‬خذوا ما حل و دعوا ما حّرم‪) " .‬رواه ابن ماجة و الحاكم‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و ابن الحبان(‪.‬‬
‫ومما ينبه إليه هنا أن ضعف التوكل لدى النسان إنما ينتج عن ضعف اليمان‬
‫بالقضاء و القدر ‪ ,‬و ذلك لن من وكل أموره إلى الله و رضي بما يقضيه له و‬
‫يختاره ‪ ,‬فقد حقق التوكل عليه ‪ ,‬و أما من وكل أموره لغير الله ‪ ,‬و تعلق‬
‫قلبه به‪ ،‬فهو مخذول غافل عن ربه ـ جل و عل ـ ‪.‬‬
‫روى ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ‬
‫أنه قال‪" :‬من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته‪ ,‬و من أنزلها بالله‬
‫أوشك الله له بالغنى‪" ...‬الحديث رواه أبو داود و غيره‪.‬‬
‫ً‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ‪ " :‬و ما رجا أحد مخلوقا و ل توكل‬
‫عليه إل خاب ظنه فيه‪ ,‬فإنه مشرك‪ ,‬قال تعالى‪}:‬ومن يشرك بالله فكأنما خر‬
‫من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق { )الحج‪:‬‬
‫‪."(31‬‬
‫قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله ‪" :‬‬
‫التوكل قسمان ‪:‬‬
‫*أحدهما ‪ :‬التوكل في المور التي ل يقدر عليها إل الله ‪ ,‬كالذين يتوكلون على‬
‫الموات و الطواغيت في رجاء مطالبهم ‪ ،‬من نصر أو حفظ رزق أو شفاعة‪,‬‬
‫فهذا شرك أكبر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫*والثاني ‪ :‬التوكل في السباب الظاهرة ‪ ,‬كمن يتوكل على أمير أو سلطان‬


‫فيما أقدره الله تعالى عليه من رزق أو دفع أذى و نحو ذلك‪ ،‬فهو نوع من‬
‫شرك أصغر‪.‬‬
‫*و الوكالة الجائزة هي توكيل النسان النسان في فعل ما يقدر عليه نيابة‬
‫عنه‪ ,‬لكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وكل فيه‪ ,‬بل يتوكل على الله‬
‫في تيسير أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه‪ ,‬و ذلك من جملة السباب التي‬
‫يجوز فعلها‪ ,‬ول يعتمد عليها بل يعتمد على المسبب الذي أوجد السبب و‬
‫المسّبب"‪.‬‬
‫و مما يزيد إيضاح تحقيق التوكل و العمل بالسباب مع تعليق القلب بالله‬
‫وحده ما أخبر أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في هجرة النبي ـ صلى الله‬
‫عليه و سلم ـ للمدينة إذ قال‪ :‬نظرت إلى أقدام المشركين و نحن في الغار و‬
‫هم على رؤوسنا ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله ! لو أن أحدهم نظر تحت قدميه‬
‫لبصرنا‪ ,‬فقال‪":‬ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما " متفق عليه‪ .‬و تصديقه‬
‫قوله تعالى‪} :‬إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن الله معنا {‬
‫)التوبة‪(40:‬‬
‫و من توكل على الله فإنه ينال من فضائله و ثمراته بحسب تحقيقه له ما ل‬
‫يخطر له على بال‪ ,‬و ل يحيط به مقال‪ ,‬فهو أشرح الناس صدرًا‪ ,‬و أطيبهم‬
‫عيشا ً ‪ ,‬قال تعالى‪} :‬و من يتوكل على الله فهو حسبه{)الطلق‪(3:‬‬
‫و لهمية هذه المسألة فقد عدها العلماء في أبواب التوحيد و العقائد ‪ ,‬إذ أنها‬
‫ل العبادات و أعظمها‪ ,‬و لذا عقد لها المام المجدد شيخ السلم محمد‬ ‫من أج ّ‬
‫ً‬
‫بن عبد الوهاب بابا في كتابه"كتاب التوحيد" و دلل عليها و بّين أنها من‬
‫الفرائض و من شروط اليمان‪ .‬فالواجب على كل مسلم و مسلمة العناية بها‬
‫و تعاهد قلبه على ذلك‪.‬‬
‫و فقنا الله لهداه‪ ،‬و رزقنا صدق التوكل عليه ‪ ،‬و حسن النابة إليه ‪ ,‬و صلى‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم‪.‬‬


‫‪ http://www.quranway.net‬المصدر ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التي هي أحسن ‪...‬‬


‫‪...‬‬
‫قال تعالى‪}:‬وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن‬
‫الشيطان كان للنسان عدوا ً مبينًا{‬
‫الحمدلله رب العالمين والصلة والسلم على نبيه المين وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫كلم يستحق البدء فيه‪ :‬شرف الكلمة في حسنها‪ ،‬وحسنها في قطعها على‬
‫الشيطان مداخله‪ .‬ومن تأمل هذه الية التى صدر فيها الكلم علم مأتى هذا‬
‫الكلم ومصدره‪ ،‬وأن القول الحسن شرف لصاحبه‪ ،‬به يملك ما ل يملكه‬
‫الخرون‪ ،‬فيغتني به ويحق له ذلك‪ ،‬كيف ل وهو دليل على صقل نفسه‪،‬‬
‫ورفعة قدره‪ ،‬لن الكلم إعراب عما في النفس‪ ،‬وإبانة عما هي عليه‪ ،‬فقبح‬
‫الكلمة قبح لمعدنها ومخرجها‪ ،‬وحسنها حسن لمأتاها ومأخذها‪ ،‬والقوال ليس‬
‫مصدرها اللسان ول هو صاحبها‪ ،‬وليست من لدنه تنشأ‪ ،‬إنما مخرجها النفس‬
‫والقلب‪ ،‬فهما صاحباها‪ ،‬منها تبنى وفي مواطنها تشاد‪ ،‬وليس يبني إل ما كان‬
‫دليل ً عليه معبرا ً عنه‪ ،‬فحسن الكلم حسن لنفس صاحبه‪ ،‬وشرف الكلم‬
‫شرف لمقام قائله‪ ،‬ومالك حسن الكلم أقدر في الوصول إلى هدفه‪ ،‬وأبصر‬
‫من غيره في معالجة حوادث أيامه ونوازل أقداره‪ ،‬فما الناس إل أهل انفعال‬
‫ومقابلة لهذا الكلم الذي هو عنوان إنسانيتهم‪ ،‬يسمعونه فتحمى نفوسهم أو‬
‫تخمل‪ ،‬تجود أو تبخل ‪ ،‬تقدم أو تجبن‪ ،‬فبها يصبغون‪ ،‬وعلى طرازها يتواردون‪،‬‬
‫فمالك حسن الكلم مالك لنفوس الناس وإرادتهم ‪ ،‬بها يقطع عليهم سبل‬
‫الشيطان والهوى‪ ،‬ويعطل منافذه على قلوبهم وأنفسهم‪ ،‬حتى قيل‪}:‬ما‬
‫النسان لول اللسان إل بهيمة مهملة أو صورة ممثلة{‬
‫}وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن{ في معرض ذكره ‪-‬جل في عله‪-‬‬
‫لجملة من الوامر التى يعلمها عباده‪ ،‬مع ما يرافق هذه الوامر من تعظيم‬
‫لشأنه –جل وعز‪ -‬وتنبيه لحال خصوم المر اللهي جاء هذا المر والرشاد‬
‫بهذا المطلع الرحيم الودود الدال على التحبب‪}:‬وقل لعبادي{ ومن تأمل‬
‫كلمة }قل{ في كلم الرب سبحانه علم أنها على وجه يراد منها التنبيه‬
‫والتكرار‪ ،‬أي ذكرى بعد ذكرى‪ ،‬وعظة بعد عظة‪ ،‬وال فما وجه ذكر الواسطة‬
‫هنا ‪-‬وهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقارىء القرآن المتعظ‬
‫به يعلم متكلمه ويعلم واسطة التبليغ له‪ ،‬ثم إفادة العادة والتكرار مرة بعد‬
‫مرة لحاجة الناس له من جهة وسرعة غيابه عنهم من جهة أخرى‪ ،‬فقل يا‬
‫محمد‪} ،‬لعبادي{ ولما كان الموطن موطن شرف ورفعة قدر‪ ،‬ولما كان باب‬
‫هو في المعالي كان هذا الخطاب لهم‪ ،‬والتذكير هم أحق به وأهله‪.‬‬
‫}يقولوا التي هي أحسن{‪ :‬والحسن جمال وتمام ل يقع اسم الحسن إل على‬
‫اجتماعهما‪ ،‬وبتمامها تميل النفس إلى صاحبها‪ ،‬وترتاح له وتبتهج للقياه‪،‬‬
‫والحسن يكون في الخلقة كما يكون في الخلق‪ ،‬كما يكون في القول‪ ،‬وههنا‬
‫أمر بحسن القول‪ ،‬ول يكون القول حسنا إل بفضل النظم ورقة المعنى‬
‫وتجنب البذاءة والقبح‪ ،‬حينها يتغلل إلى نفس المخاطب ويحصل المراد‪،‬‬
‫وتقطع على الشيطان منافذه وسبله‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والقول الحسن هدية كما قالوا‪ :‬نعم الهدية ونم العطية كلمة حكمة تطوي‬
‫عليها ثم تبلغها أخا لك في الله‪ ،‬والتلق بين العبودية لله وبين القول الحسن‬
‫بين ظاهر في هذه اليه‪ ،‬لن خلق العبد ل يتجزأ في وديان متضاربة‪ ،‬فحسن‬
‫العمل مع الله ل يكون مع سوئه مع الخلق "فمن ل يشكر الناس ل يشكر‬
‫الله" ومن االمور التي يجدر التنبيه عليها هي تلك الكلمة العظيمة التي قالها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما وطئت قدمه الشريفة المدينة‬
‫النبوية‪ ،‬وهي أول كلمة قالها لتعبر عن مقومات المجتمع المسلم‪ ،‬فقد قال‬
‫عبدالله بن سلم )السرائيلي (‪ ،‬أبو يوسف حليف بني الخزرج‪ ،‬وقد بشر‬
‫بالجنة كما في البخاي)‪ :(6/623‬قال‪ :‬لما قدم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم المدينة استشرفه الناس )أي رفع الناس أبصارهم يتطلعون إليه(‬
‫فقالوا‪ :‬قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت فيمن خرج فلما رأيت‬
‫وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب‪ ،‬فكان أول ما سمعته يقول "يا أيها‬
‫الناس‪ :‬أفشوا السلم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وصلوا الرحام‪ ،‬وصلوا والناس نيام‪،‬‬
‫تدخلوا الجنة بسلم"‬
‫فانظر رعاك الله كيف جمع حسن العمل مع الله ورعاية العمل مع الخلق‬
‫من إخوانه المسلمين‪.‬‬
‫ومن تفكر في هذا علم عظمة هذا الدين وإحاطته لما يصلح النفس والبشر‪،‬‬
‫وإل فأي دين أعظم من أن يجعل تمام العبودية ل تقوم إل على إحسان المرء‬
‫للفظه وتقويمه للسانه وتثقيفه لمنطقه‪ ،‬وأي خير أعظم من هذا الذي ل‬
‫يطلب من أتباعه الحسن فقط‪ ،‬بل يشدهم إلى الحسن ل ليتم الفضل فقط‪،‬‬
‫بل ليقع التفضيل أيضا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والناس من أهل هذا الدين في هجر وإعراض عن هذا الذي كان عليه أهل‬
‫هذا الدين حقًا‪ ،‬فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها علمها في أسعار العرب ل‬
‫يجهله عارف بسيرتها‪ ،‬وكذا حال طلب الشعر من تلميذ ابن عباس رضي‬
‫الله عنه وكذا رجال الحديث وعنايتهم لجودة ألسنتهم من خلل حسن اللفظ‬
‫من نثر وشعر‪ ،‬وهاهو الشافعي يمدحه عصريه الجاحظ مدحا ً ل يقوم لغيره‬
‫من أهل اللغة‪ ،‬وقد قال الصمعي‪ :‬أخذت شعر الهذليين من فتى في مكة‬
‫يدعى محمد بن أدريس الشافعي‪.‬‬
‫وهذا كله جعل لعلومهم مع ما فيها من جودة الفهم وقوة الستنباط وعمق‬
‫الدراك حسنا ً آخر في صياغتها وأسلوبها‪.‬‬
‫ومقصد الية هو التبيه على حسن القول‪ ،‬وهو دعوة قرآنية في كل باب من‬
‫محادثة ومناظرة كما قال تعالى‪} :‬وجادلوهم باتي هي أحسن{ وكذا في رد‬
‫واعتراض كما قال تعالى }إدفع بالتي هي أحسن{ لن الحسن مطلوب في‬
‫كل باب‪.‬‬
‫}إن الشيطان ينزع بينهم{ هذا الصراع المتجدد والمتعدد‪ ،‬وهو الذي يقف‬
‫عند حد ووقت‪ ،‬بل هو وقوف عند كل سبيل‪ ،‬وامتحان عند كل نفس‪ ،‬إنه‬
‫الصراع بين العبودية لله –عبادي‪ -‬وبين الشيطان‪ ،‬حتى في هذا النوع من‬
‫المواقف هو موقف حرب وابتلء وطعن‪ ،‬كما هو واضح في قوله تعالى }ينزغ‬
‫بينهم{ والنزغ هو الطعن‪ ،‬فتنبه لهذا لتعلم أي خطورة خلقت فيها‪ ،‬وأي شىء‬
‫يراد منك وبك‪.‬‬
‫والية تدل على أن الكلمة القبيحة الرذله هي سلح من أسلحة الشيطان‪،‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي مركب من مراكب حربه للمؤمنين‪ ،‬وهي باب من أبواب ولوجه على‬
‫الخوان ليعمل عمله‪ ،‬فيبيض ويفرح وتنمو ثماره النجسه‪ ،‬فإن قال العبد‬
‫لخيه أو في حديثه ما ليس حسنا ً حضر حينها الشيطان وأعمل عمله‪،‬‬
‫والشيطان عدو‪ ،‬وبئس الرجل الذي يعطي عدوه سلحا يضربه به ويهلكه‪ ،‬بل‬
‫يجب عليه عداؤه ومحاربته‪ ،‬وأعظم ما يضيق على الشيطان ويخضل به هو‬
‫حسن الخاء بين المؤمنين‪ ،‬فقد قال صلى الله عليه وسلم "لقد يئس‬
‫الشيطان أن يعبده المصلون لكنه التحريش بينهم"‪ .‬فتأمل كيف كانت المرتبه‬
‫التي تلي الشرك من مطالب الشيطان هي إحداث العداوات بين المسلمين‪،‬‬
‫وفساد ذات بينهم‪ ،‬وقطع أواصر الخوة والمحبة التي تجمعهم‪.‬‬
‫ولما كان أمر النفس والهوى حاضرا ً في المعصية ومع الشيطان كان أمر‬
‫الكلمة الحسنة شديدا ً على النفس‪ ،‬لنها تحتاج إلى التواضع وخفض الجناح‬
‫وذهاب حظوظ المرء‪ ،‬فنفس المرء تميل وتهوى النتصار على الغير‪ ،‬والكلمة‬
‫الحسنة ل بد فيها من قطع حظوظ النفس والهوى لما فيها من خفض الجناح‬
‫وكسر تطلع النفس من النتصار والغلبة‪.‬‬
‫وفي الية دليل على أن الكلمة الحسنة هي مفتاح الخير بين الخوان‪ ،‬وبها‬
‫تجتمع القلوب وتأتلف فل بد من تحريها والجهد في إصابتها ليقطع على‬
‫الشيطان مراده‪.‬‬
‫وذكر الرب أمر النزغ هنا )وهو الطعن كما تقدم( تنبيه أن الكلمة السيئة هي‬
‫آلة إبليس في حربه بين الخوان وعلى المسلمين‪.‬‬
‫}أن الشيطان كان للنسان عدوا ً مبينًا{‪ ،‬هذا هو علة المر الذي أرشد الله‬
‫تعالى عباده إليه‪ ،‬وهو أن المرء والنسان هو في حالة عداء تام ومتواصل مع‬
‫هذا المخلوق الحقيقي ‪-‬الشيطان‪ -‬وهو من الشطط وهو البعد عن رحمة الله‬
‫تعالى وهدايته وتوفيقه‪.‬‬
‫فالعلة هي هذا العداء الذي فرضه الشيطان على خصمه‪ ،‬وهو النسان‪.‬‬
‫وانظر الى هذه الفاصلة القرآنية حيث جعل العداء مع جنس النسان‪ ،‬مع أن‬
‫الية كان خطابها لعباد الله تعالى‪ ،‬وفي هذا تحريض لجنس النسان أن يتنبه‬
‫الى معيشه‪ ..‬ومجال خصومه وأصحابه‪ ،‬فالشيطان هو عدو النسان وعداؤه‬
‫بين واضح جلي ما لو عقل النسان هذا وصدق خبر العليم الخبير‪.‬‬
‫وعودا ً على أهميتة حسن الخطاب وتحري أحسنه وأجمله الذي أمرنا الله‬
‫تعالى به وحضنا عليه ونبهنا إلى أهميته‪ ،‬وفي ذلك يقول أهل المعرفة بهذا‪:‬‬
‫القتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظه أهل الجهل والمعاصي‬
‫والرذائل واجب‪ ،‬فمن وعظ بالجفاء والكفهرار فقد أخطأ وتعدىطريقته وصار‬
‫في أكثر المور مغريا ً للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجا ً ومردا ً ومغايظة‬
‫للواعظ الجافي‪ ،‬فيكون في وعظه مسيئا ً ل محسنًا‪.‬‬
‫ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما‬
‫يستقبح من الموعوظ فذلك أبلغ وأجع في الموعظة‪ .‬فإن لم يتقبل فلينتقل‬
‫إلى الوعظ بالتحشيم وفي الخلء‪ ،‬فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه‬
‫الموعوظ‪ .‬فهذا أدب الله تعالى في أمره بالقول اللين‪ ،‬وكان صلى الله عليه‬
‫وسلم ل يواجه بالوعظه لكن كان يقول‪ :‬ما بال أقوام يفعلون كذا‪ .‬وقد أثنى‬
‫عليه الصلة والسلم على الرفق وأمر بالتيسير‪ ،‬ونهى عن التنفير‪ ،‬وكان‬
‫يتحول بالوعظة خوف الملل وقال تعالى‪} :‬ولو كنت فظا ً غليظ القلب‬
‫لنفضوا من حولك{‬
‫وهكذا أخي الحبي‪ ،‬إجعل رسولك إلى أخيك كلمة حسن يجمع الله تعالى بها‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين فلبيكما‪ ،‬وإياك ورسل وركائب الشيطان‪ ،‬فإنما هي أسلحته في التحريش‬


‫بين الخوان‪ .‬والله الموفق‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التيار الصلحي والمن المنهجي‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني * ‪15/11/1424‬‬
‫‪07/01/2004‬‬
‫أضحى الحديث عن الصلح شاغل المجالس والمنتديات‪ ،‬ول يخلو حوار بين‬
‫مجموعة من الناس إل والصلح جزء منه خصوصا ً في السابيع الماضية التي‬
‫شهدت بعض مدن المملكة خروج بعض المظاهرات فيها تطالب بالصلح‬
‫والتغيير‪ .‬وأحب أمام هذه النازلة أن أذكر ببعض المسائل والخواطر التي‬
‫سنحت في الذهن من خلل النقاط التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن مسيرة الصلح في أي قطر لبد لها من مواصلة التقدم والسعي‬ ‫أو ً‬
‫الدؤوب لسد احتياجات الفرد وتلبية متطلبات العصر‪ ,‬وأي توقف لها أو‬
‫تعطيل أو حتى ركود قسري يجعلها عرضة لسيل التغيير الجارف‪ ،‬الذي‬
‫يحتطم من بعيد والذي بدأ يسيل بقوة في كل أنحاء المعمورة من خلل‬
‫كم قانون الغالب أو )الغاب(‪ ,‬وحينئذ ل مناص للنجاة من هذا‬ ‫العولمة التي ُتح ّ‬
‫حة‪ ,‬و إل‬ ‫السيل العرم إل بالتمسك بكل حبل إنقاذ يحفظ لنا الضرورات المل ّ‬
‫كان مآلنا النجراف التام فل يجدي حينها العذل والعتاب‪ ,‬ول الخطط‬
‫الموعودة ول البرامج التي في الدراج‪.‬‬
‫حا شامل ً جاّدا‬ ‫ي المطلوب في هذه المرحلة يتطلب إصل ً‬ ‫إن المن المنهج ّ‬
‫يضمن للجميع المشاركة وفق منهجية تنظر لثوابت الدين بعين وتلمح‬
‫بالخرى متغيرات العصر وتستشرف أزماته‪ ,‬ويتحمل أهل الكفاءة والمانة‬
‫عبء التنفيذ وعظيم المسؤولية في جوّ من الثقة المتبادلة والحوار الهادف‪،‬‬
‫وهذا العمل هو الضمان الكيد من كل تآمر طامع يسعى للفتنة في الداخل‪,‬‬
‫أو يخلق أزمة في الخارج‪ ،‬ويضمن برد ّ المنحرف إلى المسيرة المنشودة‬
‫ويصحح كل صورة مغلوطة أو رؤية مغرضة تهدف إلى الفساد أو الفساد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن اليام الماضية والتي شهدت خروج عدد من المواطنين في‬
‫مظاهرات تطالب بالصلح والتغيير لم يكن الباعث فيها رؤية واعية للواقع أو‬
‫نظرة شرعية للوقائع –وهذا من وجهة نظري–‪ ,‬وأرى –والله أعلم– أن‬
‫الدوافع التي أخرجت أكثرهم للتظاهر؛ إما رغبة في الثارة وتسليط الضوء‬
‫العلمي عليهم!‪ ,‬أو حّبا للفضول وسعًيا لمحاكاة بعض المم والشعوب في‬
‫مسيراتهم الحتجاجية مع كثرة الفوارق بيننا والبون الشاسع في الوعي‬
‫بحيثيات المجتمع المدني‪.‬‬
‫إن السكون أمام هذه المظاهرات والوقوف مكتوفي اليدي كي ننتظر تكرار‬
‫تلك المظاهرات من أجل قمعها ووصم الخارجين فيها بالمروق والبتداع‪ ،‬في‬
‫حين ل يزال أكثرهم مقتنًعا بأن هموم الصلح وحل المشكلت إنما هو من‬
‫عدمنا‬ ‫خلل الثير الفضائي أو المنادة البعيدة القادمة من وراء البحار؛ وكأننا ُ‬
‫من الصلح أو جردنا من الصلح‪ .‬ولجل ذلك يلزمنا أن نصارح بعضنا ونقرر‬
‫طوع أنفسنا‪ :‬أن هناك أخطاء وقصوًرا في كثير من مؤسساتنا الهلية‬
‫قا من داخلها‬ ‫والحكومية ‪-‬ول عيب أن نصّرح بذلك‪ -‬على أن يكون علجها منبث ً‬
‫وبأيدي أبنائها‪ ,‬مع ضرورة بناء الوعي الحضاريّ الشامل فيهم قبل بناء‬
‫الجسور والمسلحات‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثا‪ :‬أثارت المظاهرات في الونة الخيرة الحديث عن مدى مشروعية هذه‬


‫الوسيلة للتعبير عن المطالبات والحتجاجات أو الضغط على أصحاب القرار‬
‫والمسؤوليات‪ ،‬ول يخلو تناول هذا الموضوع من تطرف وجنوح مال إليه بعض‬
‫ور وتكييف‬ ‫أهل العلم والباحثين‪ ،‬ولعل مرجع هذا التباين في الراء إلى تص ّ‬
‫هذه النازلة‪ ،‬فمنهم من جعلها من المشروع المطلوب فعله وألحقها بأصول‬
‫عا من المروق والحداث في الدين‪.‬‬ ‫الشرع المعتبرة‪ ,‬ومنهم من جعلها نو ً‬
‫وأعتقد –والله أعلم– أن معتمد الذين أجازوا المظاهرات قد بنوا دليلهم‬
‫الساس على المصلحة‪ .‬ولهذا كانت الحاجة لتأصيل مفهوم )المصلحة(؛‬
‫فالمصالح منها ما هو معتبر مشروع قد نص الشرع على اعتبار المصلحة‬
‫فيها‪ ،‬ومنها ما نص الشرع على عدم اعتبارها‪ ،‬وهي التي تسمى بالمصالح‬
‫الملغاة‪ ,‬ومنها ما سكت الشرع عنه ولم ينص عليه بعينه ل باللغاء ول‬
‫بالعتبار وهي ما تسمى بـ"المصالح المرسلة"‪ ,‬وجمهور الصوليين على‬
‫اعتبار حجيتها )‪ ,(1‬و لكن يبقى تقدير القضايا المستجدة ومدى اعتبار‬
‫المصلحة فيها‪ ,‬إذ المصالح مظنة لدخول الهوى وحظوظ النفس؛ ولذلك رأى‬
‫كثير من الصوليين الحاجة لضبط المصلحة حتى ل تشطط عن العتبار‬
‫والموائمة لصول الشرع ‪ ,‬ومن ضوابط المصلحة التي ينبغي تنزيلها على‬
‫واقع المظاهرات في مجتمعنا )‪ (2‬ما يلي‪:‬‬
‫صا من الكتاب أو السنة أو الجماع‪:‬‬ ‫‪ -1‬أل تخالف المصلحة ن ّ‬
‫وليس هناك من النصوص الشرعية الصريحة ما يمنع أو يدفع القيام‬
‫بالمظاهرات‪ ,‬ولو وجد نص في ذلك لرتفع الخلف في المسألة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تندرج المصلحة ضمن مقاصد الشرع الكلية‪:‬‬
‫وت المحافظة على الدين أو النفس أو النسل والعرض أو‬ ‫فأي مصلحة تف ّ‬
‫العقل والمال؛ ل تعتبر مصلحة شرعية‪ ,‬والواقع يشهد أن كثيًرا من‬
‫وغ لخرين المطالبة بما يخالف السلم‪ ,‬كما يترتب على‬ ‫المظاهرات قد س ّ‬
‫كثير منها اعتداء على النفس بالحبس والضرب‪ ,‬وربما وقع أثناءها اختلط‬
‫وفتن بين الجنسين‪ ,‬كما ل تخلو من تهييج وإثارة تهدر فيها الممتلكات‬
‫والموال المعصومة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬أن تكون المصلحة يقينية أو يغلب على الظن وجودها‪:‬‬


‫بحيث يعلم أن هذه المصلحة متحققة من هذا العمل يقيًنا أو بغلبة الظن‪ ,‬أما‬
‫إذا كان يشك أو يتوهم وجود المصلحة كحال بعض المظاهرات فل يسوغ‬
‫حينئذ القيام بهذا العمل‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تكون المصلحة كلّية‪:‬‬
‫بمعنى ل تقتصر على فئة خاصة وتضر بالخرين‪ ,‬وهذا يحدث في بعض‬
‫المسيرات حيث ل يتعدى منفعتها الخاصة سوى فئة من المحفزين لها‬
‫ويتضرر منها فئات من المستجيبين‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم تفويت المصلحة لمصلحة أهم منها أو مساوية لها‪:‬‬
‫وهذا الضابط معتبر عند تعارض المصالح فل تقدم المصالح التحسينية أو‬
‫الحاجّية على الضروريات القطعّية‪ ,‬ول تقدم المصلحة الخاصة على العامة‪,‬‬
‫ول الظنّية على الكيدة‪ ,‬ول القاصرة على المتعدّية‪ ,‬ول المنقطعة على‬
‫الدائمة‪ ,‬ول المحدودة على الطول نفًعا‪ ..‬إلى غيرها من الضوابط التي ترتب‬
‫سلم الولويات عند تعارض المصالح مع بعضها‪ ,‬أما إذا كان التعارض مع‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المفاسد فيقدم الغلب منهما‪ ,‬أما إذا استويا فدرء المفاسد مقدم على جلب‬
‫المصالح )‪.(3‬‬
‫وبعد هذا العرض الموجز لضوابط المصلحة يتبين لنا حقيقة ما يدرج ضمن‬
‫المصلحة من اجتهادات وأفعال قد ل تتفق مع مراد الشرع ومقاصده الكلّية‪.‬‬
‫ومع أهمية التأكيد أن المصالح طبيعتها متغيرة‪ ,‬فإنه يشترط كذلك النظر إلى‬
‫مآلت الفعال وتبدل الحوال والظروف والزمنة والمكنة‪.‬‬
‫ضا‪ :‬أن حجة القائلين ببدعية المظاهرات‬ ‫ومما يجدر ذكره في هذا المقام أي ً‬
‫وكونها إحداث في الدين ل تخلو من أسئلة و مناقشات؛ لن الحداث في‬
‫الدين هو التقرب إلى الله تعالى بعبادة لم يشرعها‪ ،‬أما الوسائل التي يتوصل‬
‫بها إلى أداء مطلب شرعي لم يأت الشرع بتحديد كيفية أدائه على صورة‬
‫مخصوصة؛ فل تدخل في الحداث في الدين؛ لنها غير مقصودة لذاتها‪ ,‬ول‬
‫يقصد بها التقرب بخصوصها وكونها لم تكن على عهد النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أو السلف فلنها قد ل توجد لعدم وجود المقتضي لفعلها في عهده‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ,-‬ثم إن مجال البتداع حق خاص للشارع ل يمكن‬
‫ة إل من جهة الشرع ل من آراء‬ ‫فا ومكاًنا وزماًنا وهيئ ً‬‫ما وكي ً‬
‫معرفة حقه ك ّ‬
‫العباد)‪.(4‬‬
‫ول يعني ذلك عدم موافقتهم في فتوى عدم الجواز‪ ,‬ولكن ينبغي أن يتناسب‬
‫فا‪ ,‬وهذا المعلم التشريعي من جملة‬ ‫ظا أو تخفي ً‬ ‫الحكم مع مقدار المخالفة تغلي ً‬
‫مقاصد الشريعة الغراء‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إن مسيرة الصلح الشامل التي يأملها كل مسلم وينشدها كل غيور ل‬
‫ينبغي أن تكون معاكسة لما سّنه الله من قوانين عامة أو مجانبة لنواميسه‬
‫الثابتة في الحياة والحياء‪ .‬يقول الله عز وجل‪) :‬سنة الله في الذين خلوا من‬
‫ل( ]الحزاب‪ [62 :‬وقال سبحانه‪) :‬قد خلت من‬ ‫قبل ولن تجد لسنة الله تبدي ً‬
‫قبلكم سنن فسيروا في الرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين* هذا‬
‫بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين( ]آل عمران‪137 :‬ـ ‪.[138‬‬
‫خطب عاطفية تغّبش الرؤى‪,‬‬ ‫فسنن التغيير البّناء ل يمكن أن تحدث من خلل ُ‬
‫صا سحرية تفاجئنا بـ)المدينة‬ ‫أو من خلل مسيرات حاشدة تلهب الجوى‪ ,‬أو بع ً‬
‫الفاضلة( في لمحة بصر!‪ .‬ول شك أن هذا مخالف لما جاء في سير وسنن‬
‫النبياء والمرسلين‪ ،‬إذ هم ‪-‬صلوات الله عليهم وسلمه‪ -‬أول وأفضل من قاد‬
‫مسيرة الصلح الشامل في مجتمعاتهم فلم يتجاوزا قانون " اعقلها وتوكل"؛‬
‫بل سعوا ببذل السباب كلها والتوكل على مسببها مع مراعاة سنة البدء‬
‫والتدرج بتغيير النفس باليمان وتأهيلها بالعمل الجاد المثمر‪ ,‬كما في قوله‬
‫تعالى‪) :‬إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم( ] الرعد‪ [13 :‬وقوله‬
‫تعالى‪) :‬إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا‬
‫نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيًئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين( ]النفال‪:‬‬
‫‪ .[19‬وهذه معّية خاصة تتناسب مع مقدار اليمان وعمقه في النفوس ‪ ..‬إلى‬
‫غيرها من السنن الباهرة الكثيرة التي ُتغفل عند التخطيط وُتغمر حال‬
‫التنفيذ‪ ,‬ويكون في نهاية المطاف مرد ّ المر إليها والعتبار عليها في النهضة‬
‫والتمكين‪ .‬وبهذا المنهج المن تواصل مسيرة الصلح تألقها و تقدمها نحو‬
‫حضارة عالمية مثلى تشهد لها بالخيرية على سائر المم والشعوب‪.‬‬
‫والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين‪ *.‬الستاذ‬
‫بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن‬
‫)‪(1‬انظر ‪ :‬المستصفى ‪ , 1/141‬الحكام للمدي ‪ , 4/32‬البحر المحيط ‪/6‬‬
‫‪, 87‬شرح الكوكب المنير ‪. 4/432‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2‬انظر تفصيل الكلم في الضوابط‪ :‬المستصفى ‪ ,300-1/269‬نهاية السول‬


‫‪ , 90-5/77‬شرح الكوكب المنير ‪4/170‬و ‪ ,171‬حاشية البناني على جمع‬
‫الجوامع ‪584 /2‬و ‪ , 585‬الموافقات ‪ , 632-2/627‬إرشاد الفحول ص ‪, 242‬‬
‫ضوابط المصلحة للبوطي ص ‪.272-115‬‬
‫)‪(3‬انظر في ترتيب المصالح والمفاسد ‪ :‬قواعد الحكام ‪1/56‬و ‪ , 66‬مختصر‬
‫الفوائد لبن عبد السلم ص ‪141‬و ‪ , 142‬الموافقات ‪ , 50-2/44‬مفتاح دار‬
‫السعادة ‪ , 2/14‬ضوابط المصلحة للبوطي ص ‪ 217‬ومابعدها ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)‪(4‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪ , 21/381‬العتصام للشاطبي ‪, 607-2/600‬‬


‫حقيقة البدعة للغامدي ‪.189-187 /2‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫صهيوني للتفتيت ال ّ‬
‫طائفي والعرقي‬ ‫الّتصور ال ّ‬
‫‪-1-‬‬
‫اللواء الركن‪ :‬محمود شيت خطاب‬
‫مستهل‬
‫لم تكن محاولت التفتيت الطائفي والعرقي للعرب جديدة‪ ،‬بل هي قديمة‪،‬‬
‫ما‬ ‫ُ‬
‫ولكّنها استمرت بل هوادة‪ ،‬تتصاعد تارةَ وتشتد‪ ،‬وتخفت أخرى وتمهد‪ ،‬فل ّ‬
‫جاورت اليهود العرب وكانت قريبة منهم في الجوار‪ ،‬تصاعدت تلك المحاولت‬
‫واشتدت ‪ ،‬كما جرى في العراق على أيام البابليين والشوريين‪ ،‬وفي منطقة‬
‫ة بعد ظهور الكيان‬ ‫المدينة المنورة على عهد الرسالة‪ ،‬وفي البلد العربية عام ً‬
‫الصهيوني في الرض العربية المحتلة‪ :‬فلسطين‪.‬‬
‫الصهيونية ظهرت للوجود بشكل رسمي بعد المؤتمر الصهيوني الول سنة‬
‫‪ 1897‬في مدينة بازل السويسرية‪ ،‬والصهيونية هي عبارة عن زج اليهودية‬
‫في السياسة‪ ،‬فكل الذين عملوا في السياسة من يهودهم في الواقع صهاينة‪،‬‬
‫دون التعرض للختلف في الرأي من جراء السماء والمسميات‪ ،‬وزعماء‬
‫الصهيونية هم الذين قالوا‪ :‬إن الصهيونية هي العودة إلى اليهودية في روحها‪،‬‬
‫والصهاينة هم اليهود العاملون في السياسة‪ .‬وقد عمل اليهود في السياسة‬
‫منذ أقدم العصور كما هو معروف‪.‬‬
‫ولم يخف الصهاينة القدامى والجدد‪ ،‬عداوتهم للوحدة العربية‪ ،‬تحت لواء‬
‫السلم على عهد الرسالة‪ ،‬وحتى عصرنا الحاضر‪ ،‬وقد ذكر أنتوني ناثنك‪" :‬أن‬
‫زعماء وزارة الخارجية الصهيونية قالوا له‪ :‬إن حكومتهم ستلجأ إلى كل‬
‫وسيلة ممكنة‪ ،‬من أجل إبقاء جيرانها العرب ممزقين")‪ (1‬لن الصهاينة الجدد‬
‫يعلمون حق العلم‪" :‬أن القضية الفلسطينية لن تحل حل ً نهائيا ً لصالح العرب‪،‬‬
‫إل إذا اتحد العرب")‪ (2‬كما يقول المؤرخ البريطاني توينبي‪.‬‬
‫وتاريخ الحرب العربية الصهيونية منذ سنة ‪ 1948‬حتى اليوم‪ ،‬تثبت أن‬
‫الصهاينة قاتلوا جيوشا ً عربية منفردة وليس جيشا ً عربيا ً واحدًا‪ ،‬وقاتلوا بقيادة‬
‫صهيونية واحدة قيادات عربية شتى‪ ،‬وازدردوا الجيوش العربية على انفراد‬
‫لقمة بعد لقمة‪ ،‬وما كان بمقدورهم ازدراد جيش عربي واحد لقمة واحدة‪،‬‬
‫فلما هاجم الصهاينة لبنان ترك العرب لبنان يقاتل منفردًا‪ ،‬دون أن تمد له‬
‫دولة عربية دعما ً ماديًا‪ ،‬بل كان موقف العرب اتجاه محنة لبنان موقف‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتفرج‪ ،‬كأن أمر لبنان ل يهمهم من قريب ول بعيد‪.‬‬


‫تعالج هذه الدارسة‪ ،‬لمحات من محاولت اليهود الصهاينة في إضعاف العراق‬
‫قديمًا‪ ،‬وفي مصاولة السلم‪ ،‬ومقاومتهم للوحدة العربية بالتفتيت الطائفي‬
‫والعرقي‪ ،‬في محاولة لتشخيص الداء‪ ،‬تمهيدا ً لوصف الدواء‪ ،‬مذكرين )لعل‬
‫الذكرى تنفع المؤمنين(‪.‬‬
‫وسنجد أن اليهود عوملوا بالحسنى من العرب قبل السلم‪ ،‬ومن العرب‬
‫المسلمين بعد السلم‪ ،‬في مختلف أصقاع البلد السلمية شرقا ً وغربًا‪ ،‬وفي‬
‫مختلف العهود والزمنة‪ ،‬ولكنهم قابلوا الحسنى بالغدر والعنف والقسوة‪،‬‬
‫واستولوا على فلسطين وأجزاء أخرى من سوريا ولبنان‪ ،‬وجعلوا من أهلها‬
‫لجئين يطاردونهم بل رحمة في لبنان وفي الرض المحتلة‪ ،‬بأساليب مباشرة‬
‫وغير مباشرة‪ ،‬وهكذا أثبت هؤلء المعتدون أنهم عبيد مصالحهم وحدها‪ ،‬ول‬
‫علقة لهم بالوفاء ول بالمثل التي تميز النسان السوي من غيره من وحوش‬
‫الغاب‪.‬‬
‫محاولة إضعاف العراق القديم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تعتبر الطائفة اليهودية في العراق‪ ،‬من أقدم الطوائف اليهودية في العالم‪ ،‬إذ‬
‫يرجع معظمها إلى أولئك الذين اقتيدوا أسرى إلى بابل)‪ (3‬على يد الملك‬
‫الكلداني الشهير نبوخذ نصر عامي )‪ 597‬ق‪.‬م و ‪ 586‬ق‪.‬م(‪ ،‬وحافظوا على‬
‫وجودهم في العراق على مر العصور‪ ،‬ولم يتعرضوا إلى نفي أو اضطهاد أو‬
‫هجرة إلى الخارج)‪ ،(4‬وهؤلء اليهود هم الذين وقفوا ضد نبوخذ نصر وجيشه‪،‬‬
‫فأسرهم نبوخذ نصر‪ ،‬ورافقتهم عوائلهم إلى العراق‪ ،‬فهم ل يشكلون إل جزءا ً‬
‫من يهود فلسطين)‪ ،(5‬وليس جميع يهود فلسطين كما يرى قسم من‬
‫المحققين‪ ،‬لن في هذا الدعاء مبالغة‪ ،‬إذ ل يمكن أسر جميع يهود المنطقة‬
‫مرة واحدة‪ ،‬ومن المعقول أسر المقاتلين حسب‪ ،‬وغض الطرف عن غير‬
‫المقاتلين)‪ .(6‬إل أن هذا ل يعني البتة أن جميع يهود العراق قد جاءوا قسرا ً‬
‫عن طريق السر البابلي الول سنة ‪ 597‬ق‪.‬م‪ ،‬والثاني سنة ‪ 586‬ق‪.‬م‪ ،‬بل‬
‫إن قسما ً ل يستهان به من الطائفة اليهودية في العراق القديم‪ ،‬جاءوا طوعا ً‬
‫في وقت مبكر إلى العراق‪ ،‬لستغلل مواهبهم والمساهمة في العمل‬
‫للدولتين البابلية والشورية)‪ (7‬والستفادة من خيرات العراق الزراعية‬
‫والتجارية‪ ،‬غير أن احتلل كورش الفارسي للعراق‪ ،‬وإسقاطه للدولة الكلدانية‬
‫سنة ‪ 538‬ق‪.‬م‪ ،‬كان بمثابة الفراج لمن اعتبر نفسه أسيرا ً من يهود‬
‫فلسطين‪ .‬وكان لتعاون اليهود مع كورش في غزو بابل من جهة‪ ،‬وتمهيدهم‬
‫لتفتيت الجبهة الداخلية‪ ،‬بإشعال الفتن وتفريق الصفوف والتأثير في معنويات‬
‫الكلدانيين‪،‬من جهة ثانية ما سهل على كورش التغلب على البابليين في‬
‫ميدان القتال‪ ،‬كما استغل اليهود زوجة كورش اليهودية الجميلة لتحريضه‬
‫على توسيع رقعة الدولة الفارسية على حساب العراق‪ ،‬فلما انتصر كورش‬
‫سمح لليهود بالعودة إلى فلسطين لمن أراد منهم‪ ،‬وهكذا عادت القافلة‬
‫الولى من بابل إلى فلسطين‪ ،‬وتبعهم بعد ذلك جمع غفير)‪ (8‬إل أن العائدين‬
‫لم يكونوا كل اليهود‪ ،‬إذ فضل قسم منهم العيش في العراق‪ ،‬بعد أن تيسر‬
‫رغد العيش فيه‪ .‬وبذا يمكن القول‪ :‬بأن يهود العراق يتألفون من‪ :‬أسرى‪،‬‬
‫ومهاجرين طواعية‪ ،‬ثم أخذ عددهم يزداد حتى بعد العودة على عهد كورش‪،‬‬
‫مع مرور الزمن‪ ،‬ومما ساعد على ازدياد عددهم‪ ،‬ما كانوا يتعرضون له من‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اضطهاد في فلسطين على يد أباطرة الرومان‪ ،‬فكانت بيئة العراق بمثابة‬


‫متنفس لهم‪ ،‬يغدون إليها من وقت إلى آخر فرارا ً من ظلم الرومان‪ ،‬وهكذا‬
‫تكونت جاليتهم وأصبح لهم كيان في العراق)‪.(9‬‬
‫وقد لقي يهود العراق‪ ،‬في العراق القديم‪ ،‬كل رعاية واهتمام‪ ،‬فقد أسكن‬
‫نبوخذ نصر أسراهم في بابل‪ ،‬وكان بإمكانه إسكانهم في الصحراء‪ ،‬ولكنه‬
‫حباهم برعايته الكاملة‪ ،‬ولم يتعرضوا في العراق للنفي أو الضطهاد كما‬
‫تعرض غيرهم في البلد الخرى‪ ،‬وكان إيثار أكثر بقايا السرى منهم البقاء في‬
‫العراق وعدم النزوح منه بعد سقوط بابل‪ ،‬دليل ً قاطعا ً على أنهم كانوا في‬
‫رعاية وعناية كاملتين في هذا البلد المن المطمئن‪ ،‬وحتى الذين عادوا إلى‬
‫فلسطين هاجروا من جديد إلى العراق لنهم افتقدوا بعد عودتهم عدل‬
‫العراق‪ ،‬وتحملوا ظلم الرومان‪ ،‬فآثروا العدل على الظلم‪ .‬ولكن كان جزاء‬
‫العراق وأهله من الذين أحسنوا إليهم وأطعموهم من جوع وآمنوهم من‬
‫خوف‪ ،‬جزاء سنمار‪ ،‬إذ فرقوا صفوف العراقيين‪ ،‬وشتتوا كلمتهم‪ ،‬وأنشبوا‬
‫بينهم الحقد والبغضاء وفتتوا سكان العراق وجعلوا منهم طوائف وفرقًا‪،‬‬
‫تحسبهم جميعا ً وقلوبهم شتى‪ ،‬وزعزعوا معنوياتهم‪ ،‬وحرضوا عدوهم على‬
‫غزوهم‪ ،‬وعاونوا الغازي ماديا ً ومعنويًا‪ ،‬حتى تحققت له الغلبة‪ ،‬فكانوا عملءه‬
‫علنا ً بسقوط بابل‪ ،‬بعد أن كانوا عملءه سرا ً قبل سقوطها‪.‬‬
‫وهكذا كان دأب اليهود الصهاينة القدامى‪ ،‬منذ خمسة وعشرين قرنا ً خلت‪:‬‬
‫تفتيت البلد الذي يعيشون فيه إلى طوائف وعروق‪ ،‬ويعاونون أعداءه عليه‬
‫ويتعاونون عليه‪ ،‬ويحرضون الغزاة على استعبادهم لعله يستفيدون مما جنت‬
‫أيديهم ما يشبع رغبتهم الزلية إلى التخريب والدماء‪.‬‬
‫مصاولة السلم والمسلمين في عهد الرسالة‬
‫‪ - 1‬اختلف المؤرخون في الوقت الذي هاجر فيه اليهود إلى جزيرة العرب‪،‬‬
‫ويرى المحققون أن هجرتهم إليها كانت في القرن الول الميلدي سنة )‬
‫‪70‬م( بعد تنكيل الرومان بهم‪ ،‬ويؤيد هذا الرأي طائفة من مؤرخي اليهود‬
‫والجانب‪ ،‬كما تؤيده المصادر العربية‪ .‬وكانت هجرتهم لسباب اقتصادية‪،‬‬
‫فنزلوا على طريق مكة ‪ -‬الشام التجارية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من مكة المكرمة إلى المدينة‬
‫المنورة في السنة الثالثة عشرة من بعثته أي سنة )‪622‬م(‪ ،‬ومعنى الهجرة‬
‫عسكريًا‪ ،‬اجتماع القائد بجنوده‪ ،‬في قاعدتهم المينة)‪ ،(10‬وكان من جملة ما‬
‫اتخذه الرسول القائد عليه الصلة والسلم من إجراءات لترصين قاعدته‬
‫المنية في المدينة المنورة‪ ،‬عقد )معاهدة( بين المسلمين من جهة وبين‬
‫اليهود والمشركين من جهة أخرى‪ ،‬وادعهم فيها وأقرهم على دينهم‬
‫وأموالهم‪ ،‬وفي هذه المعاهدة نظم الرسول عليه الصلة والسلم الحياة‬
‫الجتماعية والقتصادية والعسكرية لسكان المدينة المنورة من مسلمين‬
‫ومشركين ويهود‪ ..." :‬وإن من تبعنا من اليهود‪ ،‬فإن له النصر والسوة ‪ -‬أي‬
‫المساواة في المعاملة ‪ -‬غير مظلومين ول متناصرين عليهم")‪ (11‬فأصبح بين‬
‫اليهود والمسلمين بموجب هذه المعاهدة ارتباط مصيري يلتزم به الطرفان‬
‫في السلم والحرب‪ ،‬ول يخرجون عن المعاهدة نصا ً وروحًا‪.‬‬
‫ي عليه‬‫ولكن اليهود الصهاينة القدامى‪ ،‬منذ اليام الولى التي ظهر فيها النب ّ‬
‫ورة‪ ،‬نصبوا له العداء‪ .‬وانطلقوا بمكرهم‬ ‫سلم في المدينة المن ّ‬
‫الصلة وال ّ‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبل الكيد له ولرسالته‬ ‫يكذبونه ويؤّلبون عليه العرب‪ ،‬ول يدعون سبيل ً من ُ‬
‫إل ّ ويسلكونه‪ .‬وتطّيروا من قدومه إلى المدينة‪ ،‬وغل الحسد والحقد في‬
‫جسة خائفة‪ ،‬تخشى رسوخ‬ ‫قلوبهم‪ ،‬وأخذوا ينظرون إلى السلم بعيون متو ّ‬
‫قدمه‪ ،‬وانتشار دعوته‪ ،‬واجتماع الوس والخزرج تحت لوائه‪ ،‬بعد ذلك العداء‬
‫الدموي الطويل‪ ،‬الذي كانوا يستغلونه فيحققون به لنفسهم كثيرا ً من‬
‫المصالح والمكاسب والمتيازات القتصادية‪ ،‬ولم يقتصروا على التجارة‬
‫عقد طريق المواصلت التجاري‪ ،‬بين‬ ‫وحدها باعتبارهم يتمركزون في أهم ُ‬
‫مكة التي تتصل باليمن والهند‪ ،‬ويعمل أهلها بالتجارة في رحلة الشتاء‬
‫والصيف‪ ،‬وبين بلد الشام وأرض الروم‪ ،‬وهي من أهم الطرق التجارية‬
‫العالمية في حينه‪ ،‬بل شمل نشاطهم الزراعة أيضًا‪ ،‬فسيطروا على أفضل‬
‫خي َْبر‪ ،‬فتهددت مصالح اليهود‬ ‫مزارع النخيل في المدينة ووادي القرى و َ‬
‫ل في المدينة وشيكًا‪.‬‬ ‫بالسلم الذي ح ّ‬
‫‪ - 2‬وبدأت مكائدهم ت َْترى‪:‬‬
‫ً‬
‫فكانت المكيدة الولى التظاهر بالدخول في السلم نفاقا‪ ،‬ليعملوا على‬
‫تخريبه من الداخل‪ ،‬وليطلعوا على أسرار المسلمين وينقلوها إلى جماعاتهم‬
‫وحلفائهم‪.‬‬
‫م الخروج منه‪ ،‬ليفتنوا‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫السلم‪،‬‬ ‫في‬ ‫الدخول‬ ‫محاولة‬ ‫الثانية‬ ‫المكيدة‬ ‫وكانت‬
‫بعض المسلمين عن دينهم‪ ،‬فيرتدوا مثلهم‪.‬‬
‫سلم بسيل من‬ ‫وكانت مكيدتهم الثالثة في إحراج الرسول عليه الصلة وال ّ‬
‫السئلة المحرجة‪ ،‬التي ُيلبسون فيها الحق بالباطل‪ ،‬لعلهم يوهمون العرب‬
‫صلة والسلم‪.‬‬ ‫أنهم أعلم من الرسول عليه ال ّ‬
‫والمكيدة الرابعة في الحرب الدعائية القائمة على الضغط بالتعيير والتنقيص‬
‫والشتائم لمن شرح الله صدره للسلم‪ ،‬فأسلم‪ ،‬كما جرى بالنسبة لحد‬
‫لم‪ ،‬الذي كان من أكبر أحبارهم‪،‬‬ ‫أحبارهم الذي أسلم‪ .‬وهو عبد الله بن س ّ‬
‫وعالما ً بالتوراة‪ ،‬فنقم عليه اليهود نقمة شديدة بسبب إسلمه‪ ،‬وكالوا له‬
‫التهامات الكاذبة ظلما ً وعدوانًا‪.‬‬
‫أما المكيدة الخامسة فهي الغدر ونقض العهود والمواثيق التي يبرمونها بينهم‬
‫ن نقض‬ ‫وبين المسلمين‪ ،‬كلما اشتدت الزمات على المسلمين‪ ،‬وظنوا أ ّ‬
‫سلم‬ ‫عهودهم والغدر بالمسلمين قد يوقع بالرسول عليه الصلة وال ّ‬
‫وبالمسلمين أذى شديدًا‪.‬‬
‫والمكيدة السادسة في الهزء والسخرية والطعن في السلم‪ ،‬كلما سنحت‬
‫الفرصة لهم بذلك‪ ،‬بغية الصد ّ عن اعتناقه‪ ،‬وإضعاف حماسة المسلمين له‪ ،‬إذ‬
‫يحذُر ضعفاؤهم من هجمات حرب الهزء والسخرية والطعن والتجريح‪.‬‬
‫والمكيدة السابعة في الحرب القتصادية‪ ،‬بإيجاد نوع من الضغط المالي على‬
‫المسلمين‪ ،‬حتى ينفضوا عن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم‪.‬‬
‫والمكيدة الثامنة‪ ،‬هي التفريق بين المسلمين‪ ،‬وتشقيق وحدة جماعتهم‪،‬‬
‫لضرب بعضهم ببعض‪ ،‬وإضعاف قوتهم‪.‬‬
‫والمكيدة التاسعة في فرض ألوان من الحرب بالعلم والقتال‪ ،‬ومحاولة‬
‫اغتيال رسول الله عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫والمكيدة العاشرة في تأليب القبائل العربية التي لم تدخل في السلم‪ ،‬على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه‪ ،‬وتحريضهم على قتالهم‪،‬‬
‫وتوهين أمر المسلمين في نفوسهم‪.‬‬
‫والمكيدة الحادية عشرة هي في التفاقيات السّرية بينهم وبين القبائل‬
‫المعادية للمسلمين التي اشتبكت معهم في معارك حربية‪ ،‬وذلك بالتفاق‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معهم على أن ينصروهم ويغدروا بالمسلمين‪ ،‬بينما كان المسلمون غافلين‬


‫دقين عهودهم ومواثيقهم‪.‬‬ ‫عنهم واثقين بأمانهم‪ ،‬مص ّ‬
‫إلى غير ذلك من مكائد عرف بها يهود في تاريخهم‪ ،‬فهي من خصائصهم‬
‫الخلقية التي ل يستطيعون التخلي عنها‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ - 3‬فمن المثلة على المكيدة الولى‪ :‬التظاهر بالدخول في السلم نفاقًا‪ ،‬ما‬
‫حن َْيف‪ ،‬وزيد‬ ‫تظاهر به بالسلم بعض أحبار يهود من بني قَْينقاع مثل‪ :‬سعد بن ُ‬
‫حَريملة‪ ،‬ورفاعة‬ ‫صْيت‪ ،‬وُنعمان بن أوفى‪ ،‬وعثمان بن أوفى‪ ،‬ورافع بن ُ‬ ‫بن الل ّ َ‬
‫بن زيد بن التابوت‪ ،‬وسلسلة بن برهام‪ ،‬وكنانة بن صورياء‪ ،‬فقد أسلم هؤلء‬
‫س‪ ،‬ولكنهم أخفقوا في محاولتهم وانكشفوا للمسلمين‪ ،‬فافتضح‬ ‫نفاقا ً للد ّ‬
‫أمرهم‪ ،‬وأصبحوا يعرفون بالنفاق‪.‬‬
‫ومن أمثلة المكيدة الثانية‪ :‬الدخول في السلم صباح النهار‪ ،‬والخروج منه‬
‫آخره‪ ،‬ليقّلدهم العرب المسلمون في ذلك‪ ،‬كما فعل عبد الله بن ضيف‪،‬‬
‫عديّ بن زيد من يهود بني قَْينقاع‪ ،‬والحارث بن عوف وهو من يهود بني‬ ‫و َ‬
‫ُقريظة‪ ،‬ولكن محاولتهم انكشفت للمسلمين‪ ،‬فُعرفوا بالنفاق‪ ،‬وحذر منهم‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫حريملة‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫بن‬ ‫رافع‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫والحراج‪،‬‬ ‫نت‬
‫ّ‬ ‫التع‬ ‫أسئلة‬ ‫الثالثة‪:‬‬ ‫المكيدة‬ ‫ومن أمثلة‬
‫حبر من أحبار يهود بني َقينقاع‪ ،‬ووهب بن زيد‪ ،‬وهو حبر من أحبار بني‬
‫مد! ائتنا‬‫ُقريظة‪ ،‬جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪« :‬يا مح ّ‬
‫دقك»‪.‬‬ ‫جر لنا أنهارًا‪ ،‬نتبعك ونص ّ‬
‫بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه‪ ،‬وف ّ‬
‫سؤالن يحملن معنى التعّنت‪ ،‬أراد اليهوديان بهما إحراج الرسول عليه الصلة‬
‫ن هذه‬ ‫والسلم‪ ،‬وزعزعة ثقة المسلمين به في حالة عدم إجابتهما‪ ،‬ولك ّ‬
‫ً‬
‫المحاولة لم تنطل على المؤمنين‪ ،‬فوئدت في مهدها‪ ،‬وأخفقت إخفاقا كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وقد ضربنا مثل ً للمكيدة الرابعة‪ :‬الحرب الدعائية‪ ،‬بما فعلوه بعبد الله بن‬
‫سلم‪ ،‬الذي كان أحد أحبارهم‪ ،‬وأحد علمائهم في التوراة‪.‬‬
‫أما المكيدة الخامسة‪ :‬في الغدر ونقض العهود والمواثيق‪ ،‬فقد كان الغدر‬
‫بالنسبة ليهود هو القاعدة‪ ،‬والوفاء هو الستثناء‪ ،‬ومن أشهر غدرهم غدر بني‬
‫قريظة في غزوة الحزاب)‪ ،(12‬فعاقب النبي صلى الله عليه وسلم بني‬
‫قريظة بعد انسحاب الحزاب‪ ،‬فنالوا حسابهم العادل الذي يستحقونه)‪،(13‬‬
‫وقصة غدر اليهود في غزوة الحزاب )الخندق( مشهورة معروفة‪.‬‬
‫والمكيدة السادسة‪ :‬الهزء والسخرية والطعن في السلم‪ ،‬والمثال على ذلك‬
‫ن‬
‫ما فعله فِْنحاص وهو حبر من أحبار اليهود من يهود بني قينقاع‪ ،‬ولك ّ‬
‫دت عليه وعلى أمثاله بالخزي والعار‪ ،‬لن المسلمين عرفوا أن‬ ‫سخريته ارت ّ‬
‫مصدرها الحقد والضغينة‪.‬‬
‫والمكيدة السابعة‪ :‬الحرب القتصادية‪ ،‬فحاولوا تخزيل المسلمين عامة‬
‫ي بن أخطب‪،‬‬ ‫حي ّ‬‫والنصار خاصة‪ ،‬عن بذل أموالهم في سبيل الله‪ ،‬فطاف ُ‬
‫كرَدم بن قيس حليف كعب بن الشرف‪ ،‬وهما من أحبار يهود بني النضير‪،‬‬ ‫و َ‬
‫وأسامة بن حبيب‪ ،‬ونافع بن نافع وهما من أحبار يهود بني قريظة‪ ،‬وبحر بن‬
‫عمر ورفاعة بن زيد بن التابوت وهما من أحبار يهود بني قينقاع ‪ -‬طافوا‬
‫برجال من النصار‪ ،‬يقولون لهم‪" :‬ل تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر‬
‫في ذهابها‪ ،‬ول تسارعوا في النفقة فإنكم ل تدرون علم يكون"‪ ،‬فأنزل الله‬
‫تعالى فيهم قوله في سورة النساء‪{ :‬الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويكتمون ما آتاهم الله من فضله‪ ،‬وأعتدنا للكافرين عذابا ً مهينًا})‪ (14‬فكان‬


‫رد فعل النصار المبالغة في النفاق‪ ،‬وبذل أموالهم رخيصة في سبيل الله‪.‬‬
‫والمكيدة الثامنة‪ :‬التفريق بين المسلمين وتشقيق وحدة جماعتهم‪ ،‬فمارس‬
‫يهود تفريق وحدة الصف الداخلي للمسلمين‪ ،‬ومحاولة ضرب بعضهم ببعض‪،‬‬
‫فدبروا مكيدة إثارة النعرات الجاهلية التي كانت بين الوس والخزرج‪ ،‬قبل أن‬
‫حد صفهم بالسلم‪ ،‬وذلك بإحياء الخلف القديم بين‬ ‫يؤلف الله بينهم ويو ّ‬
‫الوس والخزرج وتصدى لتنفيذ ذلك حبر من أحبار يهود بني قينقاع اسمه‬
‫شاس بن قيس‪ ،‬وكان شيخا ً موغل ً في عداوة السلم فمّر على نفر من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوس والخزرج‪ ،‬فوجدهم‬
‫مجتمعين يتحدثون‪ ،‬فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلح ذات بينهم‪ ،‬فقال‪" :‬قد‬
‫اجتمع مل بني قَْيلة بهذه البلد ل والله‪ ،‬مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها قرار"‬
‫س معهم‪،‬‬ ‫وأمر شاس شابا ً من يهود كان معه‪ ،‬فقال له‪" :‬اعمد ْ إليهم‪ ،‬فاجل ْ‬
‫ثم اذكْر يوم ُبعاث وما كان قبله‪ ،‬وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من‬
‫الشعار"‪ .‬وكان يوم ُبعاث يوما ً من أيام حروب الجاهلية‪ ،‬اقتتلت فيه الوس‬
‫والخزرج‪ ،‬وكان الظفر فيه يومئذ للوس على الخزرج‪ .‬وفعل الشاب ما أمره‬
‫به شاس‪ ،‬فتنازع الوس والخزرج وتفاخروا‪ ،‬حتى تواثب رجلن من الحّيين‬
‫على الّركب‪ ،‬فتلسنا وتقاول‪ ،‬فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫حّرة وهم‬ ‫فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين‪ ،‬حتى جاءهم في ال َ‬
‫يستعدون للقتال‪ ،‬فقطع دابر الفتنة وأعاد المور إلى نصابها‪.‬‬
‫والمكيدة التاسعة‪ :‬فرض ألوان من الحرب المباشرة‪ ،‬كما جرى في الحرب‬
‫العلمية على ألسنة شعرائهم في هجاء النبي صلى الله عليه وسلم والسلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬كما فعل اليهوديان أبو عفل وكعب بن الشرف‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وبدأ بنو قينقاع بالتجسس على المسلمين لحساب مشركي قريش‪ ،‬كما‬
‫تعرضوا لمرأة مسلمة تبيع حلّيها في سوق بني قينقاع ونكثوا العهد‪،‬‬
‫فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى وادي القرى)‪(15‬‬
‫بعد أن حاصرهم وضّيق عليهم الحصار وانتصر عليهم)‪.(16‬‬
‫وتآمر يهود بني النضير على اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فحاصرهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما انتصر عليهم أجلهم من المدينة المنورة‬
‫إلى خيبر‪ ،‬فخرجوا عن المدينة)‪ .(17‬وحين كان عشرة آلف من الحزاب‪،‬‬
‫يحاصرون المدينة المنورة‪ ،‬نقض بنو قريظة العهد وانضموا إلى الحزاب‪،‬‬
‫فتحّرج موقف المسلمين بشدة وأصبح الخطر محدقا ً بهم من الداخل‬
‫والخارج فلما رحل الحزاب عن المدينة حاصر المسلمون بني قريظة‬
‫لخيانتهم ولنهم حشدوا الحزاب لحصار المدينة‪ ،‬فانتصر المسلمون عليهم‪،‬‬
‫فقتلوا المقاتل وسبوا الذراري‪ ،‬وغنموا أموالهم)‪.(18‬‬
‫س السم للنبي صلى الله عليه وسلم في الطعام‪،‬‬ ‫وحاولت امرأة يهودية د ّ‬
‫فنفذت خطتها بتحريض من أحبار يهود)‪.(19‬‬
‫والمكيدة العاشرة‪ :‬تأليب القبائل العربية التي لم تدخل السلم‪ ،‬فقد قصد‬
‫نفر من يهود قريشا ً في مكة‪ ،‬فيهم سلم بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب‪،‬‬
‫فدعوهم إلى حرب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ووعدوهم أنهم سيكونون‬
‫معهم في قتال المسلمين‪ ،‬ولما وافقت قريش على قتال المسلمين‪ ،‬قصد‬
‫ن وغيَرها من القبائل‪ ،‬وأخبروهم أن قريشا ً معهم‪،‬‬ ‫أولئك النفر من يهود غطفا َ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فوافقت غطفان والقبائل الخرى على حرب المسلمين)‪.(20‬‬


‫وهكذا فقد كثف اليهود القدامى على عهد الرسالة‪ ،‬جهودهم في مصاولة‬
‫السلم والمسلمين‪ ،‬مستهدفين عدم توحيد سكان المدينة المنورة »يثرب«‬
‫من الوس والخزرج‪ ،‬وإبقاء العداوة بينهم قائمة والحرب مستعرة‪ ،‬ليضمنوا‬
‫بقاء أعدائهم ضعفاء‪ ،‬من أجل التحكم فيهم وانتهاب خيراتهم واحتكار‬
‫مواردهم القتصادية‪ ،‬وعدم توحيد العرب في شبه الجزيرة العربية تحت لواء‬
‫السلم‪ ،‬ليبقى التفرق سائدًا‪ ،‬والحرب ناشبة‪ ،‬والضغائن والحقاد متحفزة‪،‬‬
‫تعمل عملها المدمر في حياة العرب وحاضرهم ومستقبلهم‪ ،‬لن اليهود‬
‫يعلمون أن العرب إذا توحدوا تحت لواء السلم‪ ،‬أصبحوا بالوحدة واليمان‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فلم يبق اليهود سادة‬ ‫قوة ضاربة‪ ،‬تجد لها متنفسا ً في الفتوح‪ ،‬كما جرى فع ً‬
‫الموقف‪ ،‬يتحكمون بمصائر المنطقة العربية اقتصاديا ً بخاصة واجتماعيا ً بعامة‪،‬‬
‫بل أصبح العرب المسلمون بالوحدة هم السادة‪ .‬ليس في شبه الجزيرة‬
‫العربية فحسب بل خارجها في بلد فارس وبلد الروم فثلوا بعد سنوات قليلة‬
‫عرش كسرى وزعزعوا عرش قيصر‪ ،‬وأصبح اليهود بالمؤخرة بالنسبة للعرب‬
‫والمسلمين‪ ،‬وهذا ما كانوا يخشونه ويحذرونه‪ :‬الوحدة‪ ،‬واليمان‪ ،‬فأحبط‬
‫المسلمون مكايد اليهود‪ ،‬وانتصر الحق على الباطل وزهق الباطل إن الباطل‬
‫كان زهوقًا‪.‬‬
‫الهوامش‬
‫)‪ (1‬وانظر‪ :‬طريق النصر في معركة الثأر )‪Nuting, Antong: I saw for .(262‬‬
‫‪.my self p.93, London 1958‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ -‬الدر‪ -‬نقول ‪ -‬هكذا ضاعت وهكذا تعود ‪ -‬ص )‪ - (256‬بيروت ‪-‬‬
‫‪.1964‬‬
‫)‪ (3‬مذكرات غروبا ‪ -‬انظر نجدة فتحي صفوة ‪ -‬العراق في مذكرات‬
‫الدبلوماسيين الجانب ‪ -‬ص )‪ (45‬بيروت ‪.1969 -‬‬
‫)‪ (4‬د‪ .‬علي إبراهيم عبدة‪ ،‬وخيرية قاسمية ‪ -‬يهود البلد العربية ‪ -‬ص )‪- (45‬‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية ‪ -‬مركز البحاث ‪ -‬بيروت ‪.1971 -‬‬
‫)‪ (5‬صادق حسن السوداني ‪ -‬النشاط الصهيوني في العراق ‪- 1952 - 1914‬‬
‫دار الشؤون الثقافية العامة ‪ -‬وزارة الثقافة والعلم ‪ -‬بغداد ‪-‬ط ‪.1986 - 2‬‬
‫)‪ (6‬غنيمة ‪ -‬يوسف رزق الله ‪ -‬ص )‪ - (52‬نزهة المشتاق في تاريخ يهود‬
‫العراق ‪ -‬بغداد ‪.1924 -‬‬
‫)‪ (7‬عون ‪ -‬الدكتور حسن ‪ -‬العراق وما توالى عليه من حضارات ‪ -‬السكندرية‬
‫‪ - 1953 -‬ط ‪.2‬‬
‫)‪ (8‬غنيمة ‪ -‬المصدر السابق ‪ -‬ص )‪.(52‬‬
‫)‪ (9‬عون‪ -‬المصدر السابق ‪ -‬ص )‪.(218‬‬
‫)‪ (10‬القاعدة المنية‪ :‬المدينة أو المنطقة الذي يستند عليها الجيش في‬
‫إمداده بالرجال والسلح والمواد‪ ،‬وينطلق منها‪ ،‬ويعود إليها‪.‬‬
‫)‪ (11‬خطاب ‪ -‬محمود شيت ‪ -‬الرسول القائد ‪ -‬انظر نص المعاهدة وشروحها‬
‫‪ -‬ص )‪ (75 - 71‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪- 1974 -‬ط ‪.5‬‬
‫)‪ (12‬الرسول القائد ‪ -‬مصدر سابق ‪ -‬ص )‪.(239 - 201‬‬
‫)‪ (13‬الرسول القائد ‪ -‬مصدر سابق ‪ -‬ص )‪.(247 - 243‬‬
‫)‪ (14‬الية الكريمة من سورة النساء )‪.(37 :4‬‬
‫)‪ (15‬وادي القرى‪ :‬موضع جنوبي خيبر‪ ،‬بين المدينة المنورة وخيبر‪.‬‬
‫)‪ (16‬الرسول القائد ‪ -‬مصدر سابق ص )‪.(155 - 153‬‬
‫)‪ (17‬الرسول القائد ‪ -‬مصدر سابق ‪ -‬ص )‪.(209 - 205‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (18‬الرسول القائد ‪ -‬مصدر سابق ص )‪.(247 - 244‬‬


‫)‪ (19‬حسن حبنكة الميداني ‪ -‬مكايد يهودية ‪ -‬ص )‪ - (143 - 122‬بيروت ‪-‬‬
‫‪.1974‬‬
‫)‪ (20‬الرسول القائد ‪ -‬مصدر سابق ‪ -‬ص )‪.(229‬‬
‫صهيوني‬ ‫الّتصور ال ّ‬
‫طائفي والعرقي‬ ‫للتفتيت ال ّ‬
‫‪-2-‬‬
‫اللواء الركن‪ :‬محمود شيت خطاب‬
‫محاولت اليهود التخريبية على عهد الخلفاء الراشدين‬
‫‪ - 1‬مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬

‫)‪(5 /‬‬

‫روى الطبري)‪ (21‬وابن الثير)‪ (22‬وغيرهما)‪ ،(23‬أن عمر بن الخطاب رضي‬


‫جه يطوف بالسوق‪ ،‬فلقيه أبو لؤلؤة‪،‬‬ ‫الله عنه‪ ،‬خرج يوما ً بعد عوده من ح ّ‬
‫ي خراجا ً‬ ‫دني على المغيرة بن شعبة فإن عل ّ‬ ‫فقال له‪" :‬يا أمير المؤمنين! أعْ ِ‬
‫كثيرًا"‪ .‬قال عمر‪" :‬وكم خراجك؟"‪ ،‬قال‪" :‬درهمان في كل يوم"‪ .‬قال عمر‪:‬‬
‫"وما صناعتك؟" قال‪" :‬نجار‪ ،‬نقاش‪ ،‬حداد"‪ ،‬فقال عمر‪" :‬فما أرى خراجك‬
‫بكثير على ما تصنع من العمال‪ .‬قد بلغني أنك تقول‪" :‬لو أردت أن أعمل‬
‫ى تطحن بالريح فعلت" قال‪" :‬نعم"‪ .‬قال عمر‪" :‬فاعمل لي رحى" قال‪:‬‬ ‫رح ً‬
‫مت لعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب!"‪ ،‬ثم‬ ‫سل ِ ْ‬
‫"لئن َ‬
‫انصرف عنه‪ ،‬فقال عمر‪" :‬لقد توعدني العبد آنفًا!"‪.‬‬
‫ودخل عمر منزله‪ ،‬فلما كان من الغد‪ ،‬جاءه كعب الحبار فقال له‪" :‬يا أمير‬
‫المؤمنين! اعهد ْ فإنك مّيت في ثلثة أيام"‪ ،‬وكان كعب هذا من كبار أحبار‬
‫اليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان يتردد عليه مظهرا ً الميل‬
‫إلى السلم‪ ،‬مرجئا ً إعلن إسلمه حتى يتحقق من كل المارات التي يجدها‬
‫في كتب قومه عن النبي العربي وأصحابه‪ ،‬فلما انتهى أمر الخلفة إلى عثمان‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬أعلن إسلمه‪ .‬وعجب عمر لنذير كعب‪ ،‬فسأله‪" :‬وما‬
‫يدريك؟"‪ ،‬قال‪" :‬أجده في كتاب الله عز وجل‪ ،‬التوراة"‪ .‬ودهش عمر لهذا‬
‫الكلم‪ ،‬فقال‪" :‬الله! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟!"‪ ،‬قال كعب‪:‬‬
‫"ل‪ ،‬ولكني أجد صفتك وحليتك‪ ،‬وأنه قد فني أجلك"‪ .‬وإذ كان عمر ل يحس‬
‫وجعا ً ول ألمًا‪ ،‬فقد زادت دهشته لهذا الحديث‪ ،‬ولم يعره عناية خاصة‪.‬‬
‫فلما كان من الغد‪ ،‬جاءه كعب فقال‪" :‬يا أمير المؤمنين! ذهب يوم وبقي‬
‫يومان"‪ ،‬وفي الغداة من ذلك اليوم قال له‪" :‬ذهب يومان‪ ،‬وبقي يوم وليلة‪،‬‬
‫وهي لك إلى صبيحتها"‪ .‬وفي فجر الغد طعن أبو لؤلؤة عمر طعناته المميتة‪،‬‬
‫فلما دخل الناس على أمير المؤمنين‪ ،‬ودخل كعب معهم ورآه عمر قال‪:‬‬
‫دها وما بي حذار الموت‪ ،‬إني لميت)‪(24‬‬ ‫فأوعدني كعب ثلثا ً أع ّ‬
‫وقد ساق سير وليام ميور قصة كعب هذه في كتابه "الخلفة الولى" وأردفها‬
‫بقوله "يتعذر علينا أن نعرف كيف نشأت هذه القصة العجيبة‪ .‬وربما أنذر‬
‫كعب عمر حين رأى ما بدا على أبي لؤلؤة من مظهر التحدي والوعيد"‪.‬‬
‫والذي نستطيع أن نستخلصه من حديث أبي لؤلؤة مع عمر‪ ،‬ومن قصة كعب‪،‬‬
‫أن الفارسي توعد أمير المؤمنين‪ ،‬وأن اليهودي عين الموعد قبل حدوثه بثلثة‬
‫أيام‪ .‬وما أخال أحدا ً يظن أن الكتب السماوية‪ ،‬تعين الحداث التي تقع للناس‬
‫بمثل هذه الدقة‪ ،‬فهذه الكتب كلها ترجع علم الغيب إلى الله وحده‪ .‬لبد إذا ً‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يكون كعب عرف سر ما كان يجري‪ ،‬فوجه النذير إلى عمر وأغفل عمر‬
‫أمر هذا النذير بعد أن توعده أبو لؤلؤة بما توعده به‪ ،‬فحدث ما حدث‪ .‬ونذير‬
‫كعب وطعنات أبي لؤلؤة تدل على أن في المر سرا ً لم يظهر ساعة ارتكاب‬
‫الجريمة‪ ،‬لكنه ظهر من بعد)‪ (25‬وكان أبناء عمر أشد الناس حرصا ً على‬
‫معرفة الحقيقة‪ ،‬وقد كانوا يستطيعون كشفها والوقوف على جلية أمرها لو‬
‫أن فيروز أبا لؤلؤة لم ينتحر‪ ،‬لكنه انتحر‪ ،‬فذهب بسره إلى القبر معه‪،‬‬
‫وانكشف السر فيما بعد‪ ،‬فقد رأى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه‬
‫السكين التي قتل بها عمر فقال‪« :‬رأيت هذه أمس مع الهرمزان وجفينة‪،‬‬
‫فقلت ما تصنعان بهذه السكين؟ فقال‪ :‬نقطع بها اللحم‪ ،‬فإنا لنمس اللحم"‪.‬‬
‫ورأى السكين أيضا ً معهما عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬فلم يبق إذا ً في المر‬
‫ريبة فهذان شاهدا عدل بل هما من أعدل شهود المسلمين‪ ،‬يشهدان بأن‬
‫الهرمزان وجفينة كان معهما السكين الذي قتل بها عمر ويشهد أحدهما أن‬
‫أبا لؤلؤة كان يأتمر قبل القتل معهما‪ ،‬فلشك أن عمر ذهب ضحية مؤامرة‬
‫كان هؤلء الثلثة أبطالها‪ ،‬وكان كعب على علم بالمؤامرة)‪.(26‬‬
‫لقد كان اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬مؤامرة يهودية‪ ،‬مجوسية‪،‬‬
‫ما في ذلك من شك‪.‬‬
‫‪ - 2‬مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه‬
‫في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬تناقل الناس أنباء‬
‫بوادر شغب ظهرت في الكوفة‪ ،‬وبوادر إخلل في المن في البصرة‪.‬‬
‫أما ما ظهر منها في الكوفة‪ ،‬فبوادر فتنة سياسية‪ ،‬تنكر فضل قريش‪ ،‬التي‬
‫كان زمام الحكم في أيديها يومئذ‪ ،‬فبادر إلى معالجتها ولة عثمان‪ :‬سعيد بن‬
‫العاص والي الكوفة‪ ،‬ثم معاوية بن أبي سفيان والي الشام‪ ،‬بحكمة وسياسة‪،‬‬
‫حتى خفت صوتها وكمنت على غش ودخن‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وأما ما ظهر منها في البصرة‪ ،‬فأعمال عدوانية مخّلة بالمن‪ ،‬تولى كب َْرها‬
‫رجل من بني عبد القيس‪ ،‬أخذ يغير على أرض فارس‪ ،‬ويفسد في الرض‪،‬‬
‫مة)‪ (27‬وأهل القبلة إلى عثمان‪،‬‬ ‫ومعه عصابة من المفسدين‪ ،‬فشكاه أهل الذِ ّ‬
‫من كان مثله‬ ‫فكتب إلى والي البصرة عبد الله بن عامر)‪ :(28‬أن احبسه و َ‬
‫في البصرة‪ ،‬ول تأذن لهم بالخروج‪ ،‬فهدأ عدوان هذا الرجل وعدوان جماعته‪.‬‬
‫وسمع يهود اليمن بهذه النباء‪ ،‬فأسرع رجل يهودي اسمه‪ :‬عبد الله بن سبأ)‬
‫‪ ،(29‬واشتهر بابن السوداء‪ ،‬وسافر من اليمن‪ ،‬وقدم البصرة متظاهرا ً‬
‫بالسلم‪ ،‬واختار أن ينزل عند زعيم عصابة العدوان‪ ،‬وصار يجتمع بعناصر‬
‫الفساد والفتنة والحقد الذين يتوافدون عليه‪ ،‬فيبث فيهم أفكارا ً غامضة‬
‫يتلعب فيها بعقائد الناس‪.‬‬
‫والتف حول هذا اليهودي لفيف من الفاسدين والحاقدين‪ ،‬وأسسوا فرقة‬
‫سياسية سرية مغلفة بقناع ديني‪ ،‬وصار يأمر أفراده بالطعن في المراء‪ ،‬فبلغ‬
‫أمره والي البصرة‪ ،‬فاستدعاه وسأله‪" :‬من أنت؟"‪ ،‬قال‪" :‬رجل من أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬رغب في السلم وفي جوارك"‪ ،‬فقال له‪" :‬ما هذا الذي يبلغني‬
‫عنك؟ اخرج عني"‪ .‬وخرج ابن سبأ من البصرة إلى الكوفة‪ ،‬وهي مركز الفتنة‬
‫الثاني‪ ،‬فأفسد جماعة فيها‪ ،‬فعلم به والي الكوفة‪ ،‬فأخرجه منها‪ ،‬فرحل إلى‬
‫مصر حيث استقر فيها‪ .‬وجعل يكاتب من أفسدهم في البصرة والكوفة‬
‫ويكاتبونه‪ ،‬حتى تفاقمت دعوتهم ثم أخذ في مصر يبث دعوته بين العرب‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذين قدموا مصر منذ عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعده‪ ،‬ويحرك‬
‫فيهم روح الفتنة والشر والتمرد‪ ،‬ويثير الناس على عثمان وعلى ولته‪،‬‬
‫ويختلق عليهم الكاذيب والفتراءات‪ ،‬ويدس الدسائس‪ ،‬ويوقد النار من وراء‬
‫حجب‪ ،‬فانخدع به بعض السذج من المسلمين‪.‬‬
‫وما زال ينشط هو وجماعته ضد عثمان وولته‪ ،‬حتى أوسعوا الرض إذاعة‪،‬‬
‫وكانوا يكتبون الكتب التي تنسب إليهم العيوب الكثيرة وتدس عليهم‬
‫الدسائس‪ ،‬ويرسلونها إلى وجوه الناس في النصار‪ ،‬إعدادا ً للفتنة الكبرى‬
‫المدبرة في رأس ابن سبأ‪ ،‬حتى بلغ أهل المدينة طائفة من رسائلهم‪ ،‬فجاؤوا‬
‫إلى عثمان يسألونه‪ :‬هل أتاه من المصار مثلما أتاهم؟ فقال لهم‪" :‬والله ما‬
‫جاءني إل السلمة"‪ ،‬فأخبروه الخبر‪ ،‬فقال لهم‪" :‬أنتم شركائي وشهود‬
‫المؤمنين فأشيروا علي" فأشاروا عليه أن يرسل أشخاصا ً ممن يثق فيهم إلى‬
‫المصار‪ ،‬ليخبروا أهلها بأنهم لم ينكروا شيئا ً من عثمان‪ ،‬ل أعلمهم ول‬
‫عوامهم‪ ،‬ففعل ذلك عثمان‪ ،‬ثم كتب إلى أهل المصار كتابا ً عاما ً يذكر فيه ما‬
‫بلغه من الذاعات والطعن على المراء‪ ،‬وأنه مستعد لسماع كل شكوى‬
‫وإنصاف صاحبها‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬ويدعو من له شكوى لموافاته‬
‫في موسم الحج‪ ،‬ثم اتخذ تدابير أخرى علم منها أن ما بلغه على عماله‬
‫محض اختلق ودسائس تبث سرًا‪ .‬وكان من مكر السبئيين أنهم ابتدعوا فكرة‬
‫إرسال الكتب المزورة إلى من يريدون تحريضه على عثمان وولته‪ ،‬بأسماء‬
‫طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم الكتب المزورة‬
‫باسم الخليفة نفسه)‪.(30‬‬
‫وانتهت دسائس هذا اليهودي وزمرته إلى إشعال فتنة كبرى‪ ،‬وانطلقت‬
‫جذواتها الثلث من البصرة والكوفة ومصر وهي المصار الثلثة التي أقام فيها‬
‫هذا اليهودي ودس فيها دسائسه وفتنه‪ .‬ثم تحولت الفتنة السبئية إلى ثورة‬
‫مسلحة على عثمان‪ .‬وفي السنة الخامسة والثلثين للهجرة "‪655‬م" وصلت‬
‫الحركة السبئية ذروتها واستكملت عناصرها‪ ،‬فتكاتب السبئيون في مصر‬
‫والكوفة والبصرة‪ ،‬وتواعدوا على أن تخرج كتائب ثورتهم إلى المدينة‪،‬‬
‫ويعسكروا خارجها‪ ،‬فقدموا إليها كما تواعدوا‪ ،‬وعسكروا خارج المدينة معلنين‬
‫ثورتهم على الخليفة عثمان)‪.(31‬‬
‫وانتهت هذه المؤامرة بمقتل عثمان كما هو معروف)‪.(32‬‬
‫‪ - 3‬مكائدهم في عهد علي رضي الله عنه‬
‫ظّلت روح التمّرد وعوامل الفتنة التي أشعلها ابن سبأ‪ ،‬تعتمل في نفوس‬
‫ولى‬‫ما ت ّ‬
‫فان رضي الله عنه‪ .‬ول ّ‬ ‫الذين ثاروا على الخليفة الثالث عثمان بن ع ّ‬
‫شغب‬ ‫ي بن أبي طالب الخلفة‪ :‬أطاعه هؤلء‪ ،‬ولكن روح ال ّ‬ ‫الخليفة الرابع عل ّ‬
‫كانت متغلغلة في أعماقهم‪ ،‬فكانت طاعتهم مظهرية‪ ،‬بينما يبّثون سمومهم‬
‫س الحاجة إلى الضبط والطاعة‬ ‫في صفوف الجند‪ ،‬في وقت كانوا في أم ّ‬
‫والثقة الكاملة بالخليفة‪ ،‬والتفاني في خدمة أهداف السلم والمسلمين‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وة‬‫وأخذ ابن سبأ يبث في السّر دون علم الخليفة رضي الله عنه‪ ،‬دعوى نب ّ‬
‫علي‪ ،‬ثم أسرع فارتقى بدسيسته مرة أخرى ونقلها إلى طور جديد‪ ،‬فصار‬
‫ث بين المنخدعين به ألوهّية علي رضي الله عنه‪ ،‬ونقل فكرة حلول الله‬ ‫يب ّ‬
‫سها بين الجاهلين من أهل الكوفة‪ ،‬فغلوا في علي غلوّا ً‬
‫بالشخاص‪ ،‬ود ّ‬
‫ولت دسائسه‬ ‫فاحشًا‪ ،‬مما ل يرضاه علي رضي الله عنه ول المسلمون‪ .‬وتح ّ‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من همسات في السّر‪ ،‬إلى أقوال صريحة‪ ،‬جعل يرّددها المتأثرون به من‬
‫الغلة‪ ،‬فرفع أمرهم إلى الخليفة‪ ،‬فوجدهم ُيغالون به كما بلغه‪ ،‬وبحث علي‬
‫رضي الله عنه عن صاحب الضللة‪ ،‬وباعث فتنة الّزيغ‪ ،‬فعلم أنه ابن سبأ‪،‬‬
‫فجمعهم ووعظهم ونهاهم ودعاهم إلى السلم‪ ،‬وجادلهم بالتي هي أحسن‪،‬‬
‫ن وساوس ابن سبأ كانت قد أثرت فيهم تأثيرا ً بالغًا‪ ،‬فقّرر‬ ‫فلم يرتدعوا‪ ،‬ل ّ‬
‫كل بهم أشد تنكيل‪ ،‬لرّدتهم عن السلم بمقالتهم الشنعاء‪،‬‬ ‫الخليفة أن ين ّ‬
‫فجمع فريقا ً منهم‪ ،‬وحرقهم بالنار إمعانا في التنكيل بهم‪ ،‬ومن غريب ما‬
‫ً‬
‫سوا بلذع النار قالوا‪ :‬الن قام الدليل على صدق إلهيته‪،‬‬ ‫يروى‪ ،‬أّنهم عندما أح ّ‬
‫ذب بها إل الله‪.‬‬ ‫ن النار ليع ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ن ابن عباس أشار‬ ‫م الخليفة علي رضي الله عنه‪ ،‬أن يقتل ابن سبأ‪ ،‬ولك ّ‬ ‫وه ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫عليه بعدم قتله‪ .‬ولعله لم يجاهر بمقالته أمام علي‪ ،‬وكان يبثها سرا في‬
‫أتباعه‪ ،‬أو لعّله تظاهر بالتوبة ليواصل دسائسه ومكايده‪ ،‬فنفاه إلى ساباط‬
‫المدائن )مدينة شرقي بغداد وقريبة منها(‪.‬‬
‫ث في‬ ‫ث ضللته سرًا‪ ،‬فلما ُقتل علي رضي الله عنه‪ ،‬أخذ ابن سبأ يب ّ‬ ‫ل يب ّ‬‫وظ ّ‬
‫ن عليا رضي الله عنه لم ُيقتل‪ ،‬بل ُرفع إلى السماء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الذين تأثروا بضللته أ ّ‬
‫سلم‪ ،‬وأّنه سينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه‪،‬‬ ‫كما ُرفع إليها عيسى عليه ال ّ‬
‫ن عليا ً يجري‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫لهم‪،‬‬ ‫يوسوس‬ ‫وصار‬ ‫صورته‪.‬‬ ‫في‬ ‫ن الذي ُقتل شيطان تمّثل‬ ‫وأ ّ‬
‫سمه)‪.(33‬‬ ‫ن البرق تب ّ‬ ‫ن الرعد صوته‪ ،‬وأ ّ‬ ‫في السحاب‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل هذه الدسائس والفتن‪ ،‬إل ّ عداؤه للسلم‪،‬‬ ‫ولم يكن الدافع لبن سبأ‪ ،‬إلى ك ّ‬
‫ومكره بالمسلمين‪ ،‬وحقده عليهم‪ ،‬واندفاعه في تنفيذ حلقة من سلسلة‬
‫مكائد يهود على السلم‪ ،‬بل على الديان كّلها وعلى جميع أمم الرض‪ ،‬إل ّ‬
‫اليهودية وبني إسرائيل‪.‬‬
‫ن روح التمّرد في الخوراج‪ ،‬قد كانت بسبب مكائد ابن سبأ‬ ‫وإذا قلنا‪ :‬إ ّ‬
‫ً‬
‫ن مقتل علي رضي الله عنه‪ ،‬قد كان أثرا من‬ ‫ودسائسه‪ ،‬كان لنا أن نقول‪ :‬إ ّ‬
‫آثار هذه الدسائس أيضًا‪ ،‬ومن الجهل بمكان استصغار مقدمات الشر‪،‬‬
‫واحتقار أوائل الفتن‪ ،‬فمعظم أحداث التاريخ الكبرى التي تحول فيها تاريخ‬
‫المم‪ ،‬قد بدأت بنواة صغيرة لم يلق لها الناس بال ً في أول المر‪ ،‬ثم نمت‬
‫فكانت شجرة كبرى ذات جذور متغلغلة‪ ،‬وفروع ممتدة‪ ،‬وآثار عظيمة)‪.(34‬‬
‫ن هدف الغتيالت‪ ،‬وإشاعة الفوضى‪ ،‬والخلل بالضبط‬ ‫وهكذا‪ ،‬فمن الواضح‪ ،‬أ ّ‬
‫والنظام‪ ،‬هي إضعاف القوة الضاربة للمسلمين‪ ،‬التي كانت سيوفها على‬
‫أعدائها‪ ،‬فأصبحت سيوفها على رجالها‪ ،‬وأصبح المسلمون متفرقين‪ ،‬تحسبهم‬
‫فين‪ ،‬ومعارك الخوارج‪،‬‬ ‫جميعا ً وقلوبهم شّتى‪ :‬معركة الجمل‪ ،‬ومعركة ص ّ‬
‫فضعف حكم المسلمين في الصقاع‪ ،‬وتنافست القوات المتقاتلة على‬
‫المصار‪ ،‬حتى طمع قسطنطين بن هرقل باستعادة ما فتحه المسلمون من‬
‫أرض الشام ومصر وشمالي أفريقية‪ ،‬فسار سنة خمس وثلثين الهجرية )‬
‫ن الله سّلم‪.‬‬ ‫‪655‬م( في ألف مركب يريد أرض المسلمين)‪ ،(35‬ولك ّ‬
‫وهكذا أصبح القوي ضعيفًا‪ ،‬والخوة أعداء‪ ،‬والوحدة تفرقة‪ ،‬والصفوف شّتى‪،‬‬
‫وتوقف الفتح من سنة ثلث وثلثين الهجرية )‪653‬م( وهي السنة التي‬
‫ظهرت فيها اضطرابات ابن سبأ للعيان‪.‬‬
‫يهود ُ هذا الزمان قد بلغوا غاية آمالهم وقد ملكوا‬
‫العّز فيهم‪ ،‬والمال عندهم ومنهم المستشار والملك‬
‫ود الفلك)‪(46‬‬ ‫ودوا‪ ،‬قد ته ّ‬ ‫ت لكم ته ّ‬ ‫يا أهل مصر قد نصح ُ‬
‫ج ‪ -‬وكما حصل في مصر‪ ،‬حصل في الندلس‪ ،‬حينما بدأ الحكم العربي‬
‫وة في الندلس‪،‬‬ ‫السلمي فيها ينحدر‪ ،‬إذ أخذ اليهود يتسللون إلى مراكز الق ّ‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن طريق التجارة والصيرفة والربا‪ ،‬وتجارة الخمور والرقيق والجواري‪،‬‬


‫ووسائلهم الخرى المعروفة التي يفسدون بها أخلق المة‪ ،‬ويهدمون بها‬
‫قوتها‪ ،‬ويفرقون صفوفها‪ .‬وفي ظل هذا الوضع المنهار‪ ،‬استطاع يهوديّ يقال‬
‫له‪) :‬ابن نغرالة( أن يحتل كرسي الوزارة‪ ،‬لحد ملوك الطوائف البربر في‬
‫غرناطة‪ ،‬وهو‪ :‬باديس بن حبوس بن ماكسن )‪465 - 428‬هـ( )‪- 1037‬‬
‫‪1073‬م(‪.‬‬
‫وكان لبي العباس كاتب حبوس والدباديس‪ ،‬مساعد من يهود يدعى‪ :‬أبا‬
‫إبراهيم يوسف بن إسماعيل بن نغرالة‪ ،‬فلما توفي أبو العباس‪ ،‬تقدم مكانه‬
‫اليهودي ابن نغرالة‪ .‬ودّبر ابن عم باديس مؤامرة لنتزاع السلطة من باديس‪،‬‬
‫مه إليه‪ ،‬فتظاهر اليهودي بالقبول‪،‬‬‫فلجأ إلى ابن نغرالة‪ ،‬وحاول ومن معه ض ّ‬
‫وأخطر موله باديس‪ ،‬ودبر اجتماع المتآمرين في داره‪ ،‬وحضر باديس ليسمع‬
‫بنفسه مشاوراتهم من مكان معّين‪ ،‬ومن ذلك الوقت غدا اليهودي أثيرا ً عند‬
‫باديس‪ ،‬وصار ناصحه الول‪ ،‬ليبرم أمرا ً دون رأيه‪.‬‬
‫وفّر المتآمرون‪ ،‬وتفرقت عائلة باديس‪ ،‬وأصبحوا أعداء)‪.(47‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وأشعل اليهودي الحرب بين ابن باديس وزهير العامري صاحب المرّية‪،‬‬
‫فدارت معركة بين الجانبين في منطقة قرية الفنت)‪ ،(48‬انتصر فيها باديس‪،‬‬
‫وُقتل زهير في المعركة‪ ،‬وخسر الطرفان كثيرا ً من الشهداء!‪.‬‬
‫وقاتل باديس جند إشبيلية‪ ،‬فانتصر ابن باديس على بني عباد)‪.(49‬‬
‫وكان باديس قد قطع إلى ذلك الحين ثلثين عاما ً في الحكم‪ ،‬قاتل فيها في‬
‫عشرات المعارك الداخلية والخارجية‪ ،‬وكان شاخ وأخلد إلى الراحة‪ ،‬بعد أن‬
‫أنهكته الفتن والحروب‪ ،‬فترك مقاليد الحكم كلها لوزيره يوسف بن نغرالة)‬
‫ل في المنصب مكان أبيه إسماعيل بن نغرالة وزير‬ ‫‪ ،(50‬وكان يوسف قد ح ّ‬
‫حبوس‪ ،‬ثم ابنه باديس‪ ،‬وكان هذا الوزير اليهودي قد استأثر بعطف باديس‬
‫وضه في جميع أموره‪ ،‬وعّين‬ ‫وثقته‪ ،‬فرفعه فوق سائر كتابه ووزرائه‪ ،‬وف ّ‬
‫معظم المتصرفين والعمال من اليهود‪ .‬واستمر ابن نغرالة على مكانته حتى‬
‫توفي‪ ،‬فندب باديس ولده يوسف للضطلع بمنصبه‪ ،‬وكان يوسف فتى جميل‪ً،‬‬
‫غض الهاب‪ ،‬فاستعمل اليهود كذلك على العمال‪ ،‬واجتمعت السلطات شيئا ً‬
‫فشيئا ً بيد هذا اليهودي‪ ،‬حتى غدا كأبيه من قبل‪ ،‬أول رجل في الدولة‪،‬‬
‫وأمضاهم تصرفا ً في شؤونها)‪.(51‬‬
‫وكان ُبلقين ولد باديس الكبر الملقب بسيف الدولة‪ ،‬والمرشح من بعده‬
‫لولية عهده‪ ،‬ينظر إلى استئثار الوزير اليهودي بزمام المور‪ ،‬واستئثار بني‬
‫جنسه بالتصرف في العمال‪ ،‬وسيطرتهم التامة على الدولة‪ :‬ينظر إلى ذلك‬
‫كله بعين السخط والحسد‪ ،‬وكان يجاهر ببغضه لبن نغرالة‪ ،‬وسعيه إلى‬
‫إسقاطه‪ ،‬ويفضي أحيانا ً إلى خاصته برغبته في إزالته وقتله‪ ،‬وكان يشعر أنه‬
‫أحق بالموال التي يتمتع بها اليهود‪ ،‬وأن اليهودي قد أخمله وأخمل سائر‬
‫رجال الدولة بسيطرته عليها)‪.(52‬‬
‫وكان يوسف من جانبه‪ ،‬يضع عيونه وجواسيسه من خاصة باديس في القصر‬
‫و في الحريم‪ ،‬فل يكاد باديس يأتي بحركة أوتصدر كلمة‪ ،‬حتى يقف علىها‬
‫لفوره‪ ،‬وكان في نفس الوقت يحيط بلقين بعيونه‪ ،‬ويتقصى سائر حركاته‬
‫وسكناته‪ ،‬ويقف على نياته نحوه‪ ،‬وكان بلقين مع بغضه ليوسف‪ ،‬يلقي له‬
‫المودة‪ ،‬ويتردد على داره‪ ،‬ويشاطره الشراب‪ ،‬وكان منهمكا ً مدمنًا‪ .‬فاعتزم‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوسف أن يتخلص من بلقين قبل أن يقضي هو عليه‪ ،‬ودعاه ذات يوم مع‬
‫خاصته وصحبه‪ ،‬إلى مجلس شراب حافل‪ ،‬ودس له السم في كأسه‪ ،‬فما كاد‬
‫يغادر مجلسه‪ ،‬حتى ملكه قيء شديد‪ ،‬وما كاد يصل إلى داره‪ ،‬حتى لزم‬
‫فراشه‪،‬ثم توفي بعد يومين‪ ،‬فروع باديس لمهلك ولده‪،‬على هذا النحو‬
‫المفاجئ‪،‬واستطاع يوسف إقناعه باتهام بعض فتيان ولده وجواريه‬
‫وقرابته‪،‬فقتل منهم باديس عدة نفر وفّر الباقون‪،‬وكان مصرع بلقين بن‬
‫باديس في سنة)‪ 456‬هـ‪1064-‬م()‪.(53‬‬
‫وكان هذا الحادث مقدمة لحادث أخطر وأوسع مدى‪ ،‬وهو الذي اتسم به عهد‬
‫باديس قبل كل شيء‪ ،‬ذلك أن باديس ترك المجال لوزيره يوسف‪ ،‬وزاد بفقد‬
‫ولده انطواؤه على نفسه‪ ،‬وزاد يوسف بذلك استئثارا ً وسيطرة على الدولة‪،‬‬
‫وبسط على غرناطة وأعمالها نوعا ً من الطغيان اليهودي المرهق‪ ،‬استسلم‬
‫سائر الوزراء والشيوخ إلى هذا السلطان‪ .‬ولم يكن يناوئ يوسف ويحاول‬
‫مقاومته سوى‪" :‬الناية"‪ ،‬وهو شخصية غامضة‪ ،‬وأصله من عبيد المعتضد بن‬
‫عباد‪ ،‬وكان متهما ً في المؤامرة التي دبرها ضده ولده إسماعيل‪ ،‬ففّر من‬
‫إشبيلية‪ ،‬والتجأ إلى باديس وخدمه وحظي عنده‪ ،‬وعهد إليه ببعض المهام‬
‫الخطيرة‪ ،‬ثم وقع التنافس بينه وبين يوسف‪ ،‬وكان الناية يحّرض على قتله‪،‬‬
‫ويفضي إلى المير بذلك كلما سمحت الفرص‪ .‬وشعر يوسف بتغّير المير‬
‫عليه‪ ،‬وبأن منزلته أخذت بالضعف‪ ،‬ففكّر في التفاهم مع أبي يحيى بن صادح‬
‫صاحب المرية‪ ،‬واستدعائه للستيلء على غرناطة‪ .‬وكانت تربط ابن صادح‬
‫وباديس علئق مودة قديمة‪ ،‬إذ كان باديس قد وقف إلى جانبه حين أراد ابن‬
‫أبي عامر محاربته واسترداد المرية منه‪ ،‬ومهد يوسف لمشروعه بأن عمل‬
‫على تعيين زعماء صنهاجة‪ ،‬الذين يخشى بأسهم‪ ،‬في العمال البعيدة‪،‬‬
‫واستطاع ابن صادح أن ينتزع فعل ً وادي آش‪ ،‬الواقعة شمال شرق غرناطة‬
‫وأن يشحنها برجاله‪ ،‬ومضى يوسف في مفاوضته‪ ،‬وهو محجم متهّيب من‬
‫تنفيذ المشروع‪ .‬كل ذلك وباديس غارق في لهوه منكب على لذاته)‪،(54‬‬
‫وخصوم يوسف في صنهاجة‪ ،‬و سائر أهل غرناطة يضطرمون سخطا ً على‬
‫الطاغية اليهودي ويترقبون الفرصة لسقاطه‪ .‬ولقي سخط الشعب الغرناطي‬
‫على اليهود في تلك الونة متنفسه في الشعر‪ ،‬ونظم الفقيه الورع الزاهد أبو‬
‫إسحق اللبيري)‪ (55‬قصيدته الشهيرة في التحريض على سحق اليهود‬
‫والتخلص من طغيانهم‪ ،‬وإليك بعض ما ورد في تلك القصيدة التي ذاعت‬
‫يومئذ ذيوع النار في الهشيم‪ ،‬وألهبت مشاعر الشعب الغرناطي‪ ،‬وكانت‬
‫كالشرارة التي أضرمت الحريق‪ ،‬وأثارت النفجار‪:‬‬
‫صْنهاجة ‪ii‬أجمعين‬ ‫أل ُقل ل ِ‬
‫دكم ‪ii‬زل ّ ً‬
‫ة‬ ‫ل سي ّ ُ‬ ‫لقد َز ّ‬
‫خّير كات َِبه ‪ii‬كاِفرا ً‬‫تَ َ‬
‫فعّز اليهود به ‪ii‬وانتخوا‬
‫م وحازوا ‪ii‬المدى ‪...‬‬ ‫مناهُ ْ‬ ‫ونالوا ُ‬
‫ُ‬
‫‪ُ ...‬بدور الّزمان وأسد الَعرين‬
‫شامتين‬ ‫تقّر بها َأعُين ‪ii‬ال ّ‬
‫ولو شاَء كان من ‪ii‬المؤمنين‬
‫وتاهوا‪ ،‬وكانوا من الرذلين‬
‫وقد جاز ذاك وما ‪ii‬يشعرون‬
‫ومنها‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫س أنت امرؤ ٌ ‪ii‬حاذِقٌ‬ ‫أبادي ُ‬


‫ب فراخ ‪ii‬الّزنا‬ ‫فكيف تح ّ‬
‫ق‬‫ت إلى ‪ii‬فاس ٍ‬ ‫وكيف استنم َ‬
‫ه في ‪ii‬وحيه‬ ‫ل الل ُ‬ ‫وقد أنز َ‬
‫م ‪ii‬خادما ً‬ ‫خذ ْ منه ُ‬ ‫فل ت َت ّ ِ‬
‫جت الرض من فسقهم‬ ‫فقد ض ّ‬
‫ت ‪ii‬بتقريبهم‬ ‫وكيف انفرد َ‬
‫ت ‪ii‬بغرناطة‬ ‫وأّنى احتلل ُ‬
‫وقد قسموها ‪ii‬وأعمالها‬
‫وهم يقبضون ‪ii‬جباياتها‬
‫وهم يلبسون رفيع ‪ii‬الكسا‬
‫وهم أمناكم على ‪ii‬سركم‬
‫وقد لبسوكم ‪ii‬بأسحارهم ‪...‬‬
‫‪ ...‬تصيب بظّنك مرمى ‪ii‬اليقين‬
‫ك إلى ‪ii‬العالمين‬ ‫وقد بّغضو َ‬
‫وقارنته‪ ،‬وهو بئس ‪ii‬القرين‬
‫ذر من صحبة الفاسقين‬ ‫ُيح ّ‬
‫م إلى لعنةِ ‪ii‬اللعنين‬ ‫وذ َْرهُ ْ‬
‫وكادت تميد بنا ‪ii‬أجمعين‬
‫مب َْعدين‬ ‫وهم في البلد من ‪ii‬ال ُ‬
‫فكنت أراهم بها ‪ii‬عابثين‬
‫ن ‪ii‬لعين‬ ‫ل مكا ٍ‬ ‫فمنهم بك ّ‬
‫وهم يخصمون وهم ‪ii‬يقصمون‬
‫وأنتم لوضاعها ‪ii‬لبسون‬
‫وكيف يكون أمينا ً خؤون‬
‫فما َتسمعون ول ‪ُii‬تبصرون‬
‫***‬
‫ومنها في التحريض على ابن نغرالة وقومه‪:‬‬
‫فبادر إلى ذبحه قُْرب َ ً‬
‫ة‬
‫ط عن رهطه‬ ‫ول ترفع الضغ َ‬
‫وفَّرقْ عَُراهم)‪ (57‬وخذ ‪ii‬مالهم‬
‫ول تحسبن قتلهم ‪ii‬غدرةً‬
‫فقد نكثوا عهدنا ‪ii‬عندهم‬
‫ض فينا ‪ii‬بأفعالهم‬ ‫فل ت َْر َ‬
‫ب إلهك في ‪ii‬حزبه ‪...‬‬ ‫فراقِ ْ‬
‫مْين‬ ‫س ِ‬ ‫ح به فهو كبش َ‬ ‫ض ّ‬‫‪ ...‬و َ‬
‫ق)‪ (56‬ثمين‬ ‫ْ‬
‫عل ٍ‬ ‫فقد كنزوا كل ِ‬
‫فأنتم أحقّ بما ‪ii‬يجمعون‬
‫بل الغدر في تركهم ‪ii‬يعبثون‬
‫م على ‪ii‬الناكثين؟!‬ ‫فكيف ُتل ُ‬
‫ن بما ‪ii‬يفعلون‬ ‫ت رهي ٌ‬ ‫فأن َ‬
‫ب الله هم المفلحون)‪(58‬‬ ‫فحز ُ‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ووقع النفجار في مساء يوم السبت العاشر من شهر صفر سنة )‪ 459‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 30‬من كانون الول "ديسمبر" ‪1066‬م(‪ ،‬ففي تلك الليلة اجتمع يوسف بن‬
‫نغرالة بالقصبة على الشراب مع طائفة من صحبه الضالعين معه من عبيد‬
‫ن مشروعه لستدعاء ابن صمادح إلى غرناطة كان‬ ‫باديس وخاصته‪ .‬والظاهر أ ّ‬
‫قد نضج‪ ،‬وأن ابن صمادح كان يكمن مع نفر من صحبه في مكان قريب من‬
‫المدينة ينتظر النذير لستدعائه‪ ،‬وكان ثمة في نفس الوقت جماعة من‬
‫صنهاجة‪ ،‬ممن يرتابون في مشاريع يوسف ونياته‪ ،‬وينقمون على أميرهم‬
‫تهاونه وتخاذله‪ ،‬ويرقبون حركات اليهودي وسكناته‪ ،‬فحدث والمتآمرون في‬
‫مجلسهم‪ ،‬أن وقعت مشادة بين عبد من الحضور‪ ،‬وبين حاشية اليهودي‪،‬‬
‫فانطلق العبد إلى خارج القصبة وهو يصيح‪ :‬لقد غدر اليهودي‪ ،‬ودخل ابن‬
‫صمادح البلدة‪ .‬وفي الحال‪ ،‬هرع الناس وهم يتصايحون‪ ،‬وفي مقدمتهم رهط‬
‫صنهاجة المناوئون لليهودي‪ ،‬واقتحم القصبة فاستغاث يوسف لفوره بباديس‪،‬‬
‫وحاول المير عبثا ً أن يهدئ المهاجمين‪ ،‬فهرب يوسف إلى داخل القصر ومن‬
‫كر وقد صبغ‬ ‫ورائه مطاردوه‪ ،‬حتى عثروا به في بعض مخازن الفحم‪ ،‬وقد تن ّ‬
‫وجهه بالسواد‪ ،‬فعرفوه وقتلوه‪ ،‬وأخذوه وصلبوه على باب غرناطة‪ ،‬وكان‬
‫الجند والمدينة بأسرها قد ماجت عندئذ‪ ،‬وتخاطف الناس السلح ونهبوا دار‬
‫صة بالنفائس والذخائر ووجدت له فيما وجد خزانة جليلة من‬ ‫يوسف وكانت غا ّ‬
‫الكتب‪ ،‬أما ابن صمادح فقد عاد أدراجه بخفي حنين‪ ،‬بعد أن انهار مشروعه)‬
‫‪.(59‬‬
‫ن اليهود الذين عملوا بالسياسة‪ ،‬اّتسموا بطابع الجشع في جمع الموال‬ ‫إ ّ‬
‫واكتنازها والتفرقة بين الحاكم وبين ذوي قرباه‪ ،‬وبينه وبين بني شعبه‪،‬‬
‫والعمل على إثارة الحروب لضعاف المسلمين المتحاربين من الجانبين‪،‬‬
‫والقدام على اغتيال من يناصبهم العداء أو إبعاده عن النشاط السياسي‬
‫والجتماعي على القل وإلقاء تبعة الغتيالت على غيره لتفريق الصفوف‬
‫وتفتيت صفوف الشعب للتفرقة بينهم ومحاولة جمع السلطة بأيديهم بشتى‬
‫الوسائل والساليب غير الشريفة والتعامل مع الطامعين لحتلل البلد للتآمر‬
‫معهم وتحريضهم على احتلل البلد‪ ،‬طمعا ً في البقاء على سلطتهم تحت‬
‫ظل الحكم الجديد‪ .‬إنهم كالقنبلة الموقوتة التي ل يعرف غيرهم بموعد‬
‫انفجارها‪.‬‬
‫‪ - 3‬مكيدة استخدام النساء للتأثير في الذين يريدون السيطرة عليه‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ومن وسائل اليهود السياسيين استخدام النساء للوصول إلى صاحب‬
‫السلطان‪ ،‬في البلد التي يعيشون فيها‪ .‬وعندئذ يسعون إلى تقطيع أوصال‬
‫تلك البلد وإفساد الثقة بين المسؤول وأعوانه‪ ،‬حتى يقع الجميع فريسة لهم‪،‬‬
‫لن الثقة المتبادلة إذا قّلت كثر تدبير المكائد‪ ،‬وأصبح الصدقاء مظهرا ً أعداء‬
‫مخبرًا‪.‬‬
‫وعنذئذ يحاول يهود أن ينقلوا إلى من يريدون الظفر به وبسط نفوذهم عن‬
‫طريقه‪ ،‬الخبار التي توغر صدره على من صوروه له أنه خصمه ومنافسه‬
‫وتمل قلبه حنقا ً وضغينة عليه حتى يبطش به وبأنصاره‪ ،‬فيخلو لهم الجو‪ .‬ومن‬
‫المثلة على ذلك‪ ،‬بعض القصص التي ترّددها أسفارهم المعتبرة عندهم ضمن‬
‫الكتب المقدسة‪ ،‬ومنها سفر "أستير" وسفر "يهوديت"‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب ‪ -‬ويحتوي سفر أستير‪ ،‬على قصة امرأة يهودية جميلة اسمها‪ :‬أستير‪ ،‬رآها‬
‫يهود وسيلة مناسبة يصلون بها إلى السلطان في بلد فارس‪ ،‬فعملوا‬
‫ما أصبحت‬ ‫بوسائلهم حتى أدنوها من ملك الفرس‪ ،‬فاستحسنها وتزوجها‪ .‬ول ّ‬
‫زوجة الملك استطاعت أن تملك قلبه بفتنتها ودهائها‪ ،‬وبذلك استطاعت أن‬
‫ما بلغ مردخاي مكان‬ ‫تؤثر فيه‪ ،‬وأن تجعل لبن عمها مردخاي حظوة عنده‪ .‬ول ّ‬
‫الحظوة عند الملك‪ ،‬أخذ يعمل بكل ما أوتي من حيلة ودهاء كي يبسط نفوذ‬
‫كن لهم في بلد الفرس‪ ،‬وعل شأن يهود في بلد فارس‪،‬‬ ‫يهود في فارس‪ ،‬ويم ّ‬
‫ن‬
‫وتنّبه إلى خطرهم وزير الملك ‪" :‬هامان"‪ ،‬فأراد أن يكبح جماحهم‪ ،‬لك ّ‬
‫ن ملكة القصر ابنة عمه‪،‬‬ ‫اليهودي مردخاي لم يعبأ بالوزير الفارسي ل ّ‬
‫وسلطانها على الملك نافذ‪ .‬وأخذ هامان يدّبر خطة لقتل اليهودي مردخاي‬
‫والقضاء على نفوذ يهود فارس‪ ،‬فأوصلت العيون أنباء الخطة إلى مردخاي‪،‬‬
‫فتركها تسير على منهجها المرسوم‪ ،‬دون أن يعمل على إحباطها قبل الوان‪.‬‬
‫وفي هذه الثناء‪ ،‬كان مردخاي يشعر الوزير هامان بعدم علمه بما يجري ضده‬
‫وينقل هو وابنة عمه إلى الملك ما يدبره هامان ويصوران المكيدة أنها ضد ّ‬
‫ن هامان يريد قتله وسلب عرشه منه‪ .‬وإمعانا ً في المكر‪،‬‬ ‫الملك نفسه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد استطاع مردخاي أن يرّتب المور مع الملك ترتيبا دقيقا‪ ،‬ويأخذوا الحيطة‬
‫الكاملة‪ ،‬حتى كان اليوم الذي قّرر فيه الوزير هامان أن يقتل مردخاي شنقا ً‬
‫كل بأنصاره من يهود فارس فخرج جنود الملك وأنصار مردخاي يحملون‬ ‫وين ّ‬
‫المر الملكي بقتل هامان وأنصاره‪ ،‬فقبضوا عليه وشنقوه بالمشنقة التي‬
‫أعدها لمردخاي‪ ،‬وأسرع يهود في ظل هذا الجو المتوتر يقتلون أتباع هامان‬
‫من الفرس‪ ،‬حتى بلغ من قتلهم اليهود منهم خمسة وسبعين ألفًا‪ ،‬وكان ذلك‬
‫في اليوم الثالث عشر من شهر آذار "مارس" ولذلك صار اليوم التالي وهو‬
‫اليوم الرابع عشر من آذار عيدا ً من أعياد يهود حتى اليوم)‪.(60‬‬
‫ج ‪ -‬وينحو سفر‪" :‬يهوديت" نحو سفر أستير‪ ،‬في عرض قصة أخرى مشابهة‬
‫لها‪ ،‬وهما جميعا ً تعلمان اليهود بما يجب عليهم أن يعملوه في كل بلد ينزلون‬
‫فيه‪ ،‬حتى يظفروا بالسلطة السياسية ويبسطوا نفوذهم على البلد‪ ،‬مع‬
‫التأكيد على اتخاذ عنصر النساء ضمن وسائلهم الكبرى التي يصلون بها إلى‬
‫التحكم بذوي السلطة‪ ،‬كما يعطون دروسا ً بالمكر والمخادعة ونشر أخبث‬
‫صور الفساد‪ ،‬واستعمال أشد ّ أنواع العنف عند الظفر بمن يعارض خططهم‬
‫الرامية إلى افتراس ما يريدون من مال أو سلطان‪.‬‬
‫صا ً وروحا ً وزادوا عليها‬ ‫وقد سار يهود عبر تاريخهم في تطبيق هذه التعاليم ن ّ‬
‫ل المم والشعوب‪ ،‬حتى غدا‬ ‫من مبتكراتهم ما يفوق الحصر‪ ،‬وكووا بنارها ك ّ‬
‫تاريخ كل أمة وكل شعب مشحونا ً بمآسي جرائمهم وبقصص مكرهم)‪.(61‬‬
‫وحين كنت في فلسطين مع الجيش العراقي سنة ‪ُ ،1948‬فرضت الهدنة من‬
‫قبل المم المتحدة بين العرب والعدو الصهيوني وحجز بين الجانبين ضباط‬
‫من هولندا وبلجيكا وفرنسا‪ ،‬وكان هؤلء الضباط ممثلو الهدنة على اتصال‬
‫بالجانبين‪ ،‬فكانوا يتحدثون عن نشاط العدو الصهيوني في الترفيه عنهم‬
‫جنسيا ً وماديا ً ومعنويًا‪ ،‬على حين ل يجدون في الجانب العربي غير النوم في‬
‫الخيام‪ ،‬وتناول أبسط الطعام في مطاعم الضباط العرب‪ ،‬وكان العدو‬
‫الصهيوني بوسائله في الترفيه عن ممثلي الهدنة يكسبهم إلى جانبه حتما‪ً،‬‬
‫خر بعضهم ليكونوا له عيونا ً وجواسيس على العرب‪ ،‬مما جعل الضباط‬ ‫فس ّ‬
‫العرب في حذر شديد للغاية في لقاء ممثلي الهدنة الجانب الذين يتنقلون‬
‫بين الجانبين باستمرار‪.‬‬
‫ن تطبيق قصة أستير عمليًا‪ ،‬يعتبر أسلوبا ً مشروعا ً لدى اليهود وإل ما تحدثت‬ ‫إ ّ‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنهم أسفارهم الدينية المعتمدة في التوراة والتلمود‪ ،‬فليكن ذلك نصب أعين‬
‫العرب‪ ،‬دون أن يغتروا بالماني والوهام‪.‬‬
‫‪ - 4‬مع الجمعيات السّرية‬
‫أ ‪ -‬زعم يهود أّنهم شعب الله المختار‪ ،‬وفضل الله منحصر فيهم‪ ،‬فلم يقبلوا‬
‫بسبب أنانيتهم وحدهم اصطفاء الله لعيسى ابن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل‬
‫عليه السلم‪ ،‬نبيا ً ورسول ً كما لم يقبلوا اصطفاء الله لمحمد بن عبد الله فخر‬
‫العرب وخاتم النبياء ورسول الله للناس جميعا ً عليه الصلة والسلم‪ .‬كما لم‬
‫وة قاهرة‪ ،‬فلجؤوا إلى سبل‬ ‫يستطيعوا أن يجعلوا من يهود كثرة كاثرة وق ّ‬
‫الحيلة والمكر سعيا ً لما تصبو إليه أحلمهم من بسط نفوذهم في الرض‪ ،‬ومد ّ‬
‫سلطانهم‪ ،‬فوضعوا نصب أعينهم هدفين رئيسين‪ ،‬كي يستطيعوا بقّلتهم‬
‫القليلة تحقيق هذين الهدفين‪ ،‬الظفر بالكثرة الكاثرة من المم من دونهم‪:‬‬
‫الهدف الول‪ :‬تجزئة أمم الرض‪ ،‬وإغراء بعضها ببعض‪ ،‬وإثارة الحروب فيما‬
‫بينها‪ ،‬وإيقاد الفتن داخل شعوبها‪ ،‬بتفتيت تلك الشعوب طائفيا ً وعرقيًا‪.‬‬
‫والهدف الثاني‪ :‬إفساد عقائد المم وإفساد مفاهيمها وأخلقها ونظمها‪،‬‬
‫وتها ومجدها وتماسكها‬ ‫وإبعادها عن أديانها‪ ،‬حتى تفقد هذه المم عوامل ق ّ‬
‫والنسجام الفكري بين أفرادها وجماعاتها‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ومن حيلهم التي اتخذوها لتجزئة المم وإفسادها‪ ،‬تأسيس الجمعيات السّرية‪،‬‬
‫والجمعيات ذات الهداف السرّية‪ .‬ولعل من أهم هذه الجمعيات‪ ،‬هي الجمعية‬
‫الماسونية‪ ،‬بمختلف أسمائها وانتماءاتها‪.‬‬
‫وأهم المحافل الماسونية بأسمائها المختلفة‪ :‬أبناء العهد )بناي بريث(‪ ،‬أسس‬
‫رسميا ً في ‪ 13‬من تشرين الول ‪ 1834‬في مدينة نيويورك‪.‬‬
‫والتحاد اليهودي العالمي )اليانس إسرائيليت أو نيفرسل( أسس في فرنسا‬
‫سنة ‪.1860‬‬
‫ومحفل لينير أنتر ناشينال‪ ،‬مركزه في أمريكا‪ ،‬ويتبع محفل )بناي بريث( وهو‬
‫يضم جمعية مكافحة التشهير ضد ّ يهود‪ .‬فمحفل الروتاري‪ ،‬وقد أسسها عام‬
‫‪ 1905‬المحامي بول هاريس في شيكاغو في الوليات المتحدة المريكية‪،‬‬
‫وهو منتشر بمصر‪ ،‬وله ناد في القاهرة وآخر في السكندرية)‪.(62‬‬
‫والجمعيات الماسونية جمعيات يهودية تعمل لخدمة أهداف اليهود‪ ،‬وفي‬
‫الفقرات التالية من بروتوكولت حكماء صهيون السرّية‪ ،‬دليل على هذه‬
‫الحقائق‪ ،‬فقد جاء فيها قولهم‪:‬‬
‫"وإلى أن يأتي الوقت الذي نصل فيه إلى السلطة‪ ،‬سنحاول أن ننشئ‬
‫ونضاعف خليا الماسونيين الحرار في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وسنجذب إليها كل‬
‫من يصير أو يكون معروفا ً بأنه ذو روح عامة‪ .‬وهذه الخليا ستكون الماكن‬
‫الرئيسية التي سنحصل منها على ما نريد من أخبار‪ ،‬كما أنها ستكون أفضل‬
‫كز هذه الخليا تحت قيادة واحدة معروفة لنا وحدنا‪،‬‬ ‫مراكز للدعاية‪ .‬وسوف نر ّ‬
‫وستتألف هذه القيادة من علمائنا‪ ،‬وسيكون لهذه الخليا أيضا ً ممثلوها‬
‫الخصوصيون كي نحجب المكان الذي تقيم فيه قيادتنا حقيقة‪ .‬وستكون لهذه‬
‫القيادة وحدها الحق في تعيين من يتكلم‪ ،‬وفي رسم نظام اليوم‪ .‬وفي هذه‬
‫الخليا سنضع الحبائل والمصائد لكل الشتراكيين وطبقات المجتمع الثورية‪،‬‬
‫ن جميع الخطط السياسية السرية معروفة لدينا‪ ،‬وكل الوكلء في البوليس‬ ‫وإ ّ‬
‫ً‬
‫الدولي السّري تقريبا سيكونون أعضاء في هذه الخليا‪ ،‬ولخدمات البوليس‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهمية عظيمة لدينا‪ ،‬لنهم قادرون على أن يلقوا ستارا ً على مشروعاتهم‪ ،‬وأن‬
‫يستنبطوا تفسيرات معقولة للضجر والسخط بين الطوائف‪ ،‬وأن يعاقبوا‬
‫أولئك الذين يرفضون الخضوع لنا‪ ،‬ومعظم الناس الذين يدخلون في‬
‫قوا طريقهم في الحياة بأي كيفية‪ ،‬دون‬ ‫الجمعيات مغامرون‪ ،‬يرغبون أن يش ّ‬
‫جد ّ أو عناء‪ ،‬وبمثل هؤلء الناس سيكون يسيرا ً علينا أن نتابع أغراضنا‪ ،‬وأن‬
‫نجعلهم يدفعون جهازنا إلى الحركة"‪.‬‬
‫وجاء في البروتوكولت أيضا ً قولهم‪:‬‬
‫جه المشروعات الماسونية‪،‬‬ ‫"ومن الطبيعي أننا كّنا الشعب الوحيد الذي يو ّ‬
‫جهها‪ ،‬ونعرف الهدف الخير لكل‬ ‫ونحن الشعب الوحيد الذي يعرف أن يو ّ‬
‫عمل‪ ،‬على حين أن الميين )أي‪ :‬غير اليهود( جاهلون بمعظم الشياء الخاصة‬
‫بالماسونية‪ ،‬ول يستطيعون رؤية النتائج العاجلة لما هم فاعلون‪ .‬والميون‬
‫يكثرون من الترّدد على الخليا الماسونية عن فضول محض‪ ،‬أو على أمل نيل‬
‫نصيبهم من الشياء الطيبة التي تجري فيها‪ ،‬وبعضهم يغشاها أيضا ً لنه قادر‬
‫على الثرثرة بأفكاره الحمقاء أمام المحافل‪ .‬الميون يبحثون عن عواطف‬
‫فظ‪ ،‬ولذا نتركهم‬ ‫النجاح‪ ،‬وتهليلت الستحسان‪ ،‬ونحن نوزعها جزافا ً بل تح ّ‬
‫جه لخدمتنا كل من تتملكهم مشاعر الغرور‪ ،‬ومن‬ ‫يظفرون بنجاحهم‪ ،‬لكي نو ّ‬
‫يتشربون أفكارنا عن غفلة واثقين بصدق عصمتهم الشخصية‪ ،‬وأنتم ل‬
‫تتصورون كيف يسهل دفع أمهر الميين إلى حالة مضحكة من السذاجة‬
‫والغفلة‪ ،‬بإثارة غروره وإعجابه بشخصه‪ ،‬وكيف يسهل من ناحية أخرى تثبيط‬
‫شجاعته وعزيمته بأهون خيبة‪ ،‬ولو بالسكوت ببساطة عن تهليل الستحسان‬
‫له‪ ،‬وبذلك ندفعه إلى خضوع ذليل"‪.‬‬
‫وجاء في البروتوكول الرابع قولهم‪:‬‬
‫من ذا‪ ،‬وماذا‪ ،‬يستطيع أن يخلع قوة خفّية عن عرشها؟ هذا ما عليه حكومتنا‬ ‫" َ‬
‫ل أنحاء العالم‪ ،‬ليعمل في غفلة‬ ‫ن المحفل الماسوني المنتشر في ك ّ‬ ‫الن‪ .‬إ ّ‬
‫كقناع لغراضنا‪ ،‬ولكن الفائدة التي نحن دائبون على تحقيقها من هذه القوة‬
‫في خطة عملنا وفي مركز قيادتنا ما تزال على الدوام غير معروفة للعالم‬
‫كثيرًا"‪.‬‬
‫وجاء في البروتوكول الحادي عشر قولهم‪:‬‬
‫ن الميين )أي‪ :‬غير اليهود( كقطيع من الغنم‪ ،‬وإننا الذئاب‪ ،‬فهل تعلمون ما‬ ‫"إ ّ‬
‫تفعل الغنم حينما تنفذ الذئاب إلى الحظيرة؟ إنها لتغمض عيونها عن كل‬
‫شيء‪ .‬أي سبب أغرانا بابتداع سياستنا‪ ،‬وبتلقين الميين إياها؟ لقد أوحينا إلى‬
‫الميين هذه السياسة دون أن ندعهم يدركون مغزاها الحقيقي‪ ،‬وماذا حفزنا‬
‫وحملنا على هذا الطريق للعمل إل عجزنا‪ ،‬ونحن جنس مشتت‪ ،‬عن الوصول‬
‫إلى أغراضنا بالطرق المستقيمة‪ ،‬بل بالمراوغة فحسب؟ هذا هو السبب‬
‫الصحيح وهو الصل في تنظيماتنا التي ل يفهمها أولئك الخنازير من الميين‪،‬‬
‫ولذلك ل يرتابون في مقاصدنا‪ .‬لقد أوقعناهم في كتلة محافلنا التي ل تبدو‬
‫شيئا ً أكثر من ماسونية‪ ،‬في عيون رفقائهم"‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وأبلغ دليل على علقة الماسونية بالصهيونية العالمية وإعادة بناء هيكل‬
‫جهها ماسونيان‬
‫سليمان على أنقاض المسجد القصى‪ ،‬تلك الرسالة التي و ّ‬
‫أميركيان‪ ،‬هما‪ :‬غرايدي تبري وأودي مورفي إلى السيد روحي الخطيب أمين‬
‫القدس‪ ،‬والتي جاء فيها‪" :‬أنا وزميلي أودي مورفي‪ ،‬عضوان في المحفل‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن هيكل‬ ‫الماسوني‪ :‬قديمان‪ ،‬وحّران‪ ،‬ومعترف بنا ماسونيًا‪ ،‬وأنتم تدركون أ ّ‬


‫سليمان‪ ،‬كان المحفل الماسوني الصلي‪ ،‬والملك سليمان كان رئيس هذا‬
‫مر عام )‪ (70‬بعد المسيح‪ .‬إنني أقيم في المكان‬ ‫ن المحفل د ُ ّ‬
‫المحفل‪ ،‬ولك ّ‬
‫دم عليها أبونا إبراهيم ابنه إسحق قربانا ً‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫التي‬ ‫الصخرة‬ ‫جانب‬ ‫ذاته إلى‬
‫ب‪ ...‬وإنني كمسيحي وعضو في الحركة الماسونية‪ ،‬أرأس جماعة في‬ ‫للر ّ‬
‫أمريكا يحّبون أن يعيدوا بناء هيكل سليمان من جديد‪ ،‬هذا هو اقتراحنا‪ .‬إذا‬
‫أعطى جامع عمر الذن لمؤسستي فسوف نجمع )‪ (200‬مليون دولر في‬
‫أمريكا لهذه الغاية‪ ،‬أو المبلغ اللزم لعادة بناء الهيكل‪ ...‬وعندما ينتهي بناء‬
‫الهيكل‪ ،‬سيكّرس للرب‪ ،‬للملك سليمان والحركة الماسونية في العالم‪...‬‬
‫ص الرسالة في النشرة الدورية التي تصدرها في عمان‬ ‫الخ(‪ ،‬وقد ورد ن ّ‬
‫اللجنة الملكية لشؤون القدس‪ ،‬والتي تحمل الرقم )‪ (67‬تاريخ ‪.1/10/1979‬‬
‫ويبدو أن توقيت إحراق المسجد القصى جاء وليد ذكرى دينية تاريخية عند‬
‫اليهود‪ ،‬فالتاريخ يفيد أن شهر آب )أغسطس(‪ ،‬يعتبر عند اليهود الشهر‬
‫الحزين المهين الذي أقدم تيتوس خلله على هدم الهكيل الثاني‪ ،‬وقد قطعت‬
‫الحاخامية اليهودية بلسان حاخامها الكبر في إسرائيل عهدا ً على نفسها بأن‬
‫يكون شهر آب المناسبة الوحيدة التي تنطلق منها إسرائيل لهدم المسجد‬
‫القصى‪ ،‬وإعادة بناء الهيكل‪ ،‬وفعل ً في شهر آب ‪ 1969‬أقدم الشاب‬
‫السترالي مايكل دينس روهان الذي كان يعيش في إحدى المستعمرات‬
‫الستيطانية اليهودية على جريمة إحراق المسجد القصى‪ ،‬وفي محاكمة‬
‫صورية أطلق سراحه بحجة أنه يعاني من خلل عقلي‪.‬‬
‫وهذه الواقعة‪ ،‬تعطي دليل ً مادي ّا ً على استمرار محاولت اليهود لهدم المسجد‬
‫ن رسالة الماسونيين الميركيين تكشف عن العلقة العضوية‬ ‫القصى‪ ،‬كما أ ّ‬
‫القائمة منذ البدء ما بين الصهيونية اليهودية والماسونية اليهودية)‪.(63‬‬
‫وهذه بعض شهادات قسم من الشخصيات في الماسونية‪ .‬قال الدكتور سيف‬
‫الدين البستاني في كتابه "أوقفوا هذا السرطان" حقيقة الماسونية وأهدافها‪..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫ل هدف الماسونية تمهيد السبيل‬ ‫"الماسونية يهودية شعوبية مغرضة‪ ،‬وك ّ‬
‫لذوبان كل القيم ومحوها قبل انتصار السلطة اليهودية‪ ،‬فإذا مازالت هذه‬
‫جهة‪ ،‬سيطر زعماء اليهود على اقتصاديات‬ ‫العقبات تحت ستار العالمية المو ّ‬
‫العالم ومؤسساته المختلفة بصورة غير مباشرة‪ ،‬ثم انتقلوا إلى فرض‬
‫السيطرة المباشرة")‪.(64‬‬
‫ن اليهود‪ ،‬وقد كانوا مضطهدين في‬ ‫وقال الشيخ محمد أبو زهرة‪" :‬عرفت أ ّ‬
‫أوروبا قبل )‪ (400‬سنة تقريبًا‪ ،‬هم الذين أنشؤوا الماسونية وجعلوا منها‬
‫جمعية سّرية للدفاع عن مصالحهم")‪.(65‬‬
‫وقال محمد كرد على رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق‪" :‬الجمعية‬
‫الماسونية ألعوبة صهيونية صرفة ل يهودية فقط‪ ،‬يسعى اليهود بواسطة‬
‫نفوذها أن يعيدوا مجد صهيون‪ ،‬ومعنى مجد صهيون‪ ،‬نزع فلسطين العربية‬
‫من أيدي العرب‪ ،‬وهي ملك العرب منذ ثلثة عشر قرنا ً ونصف")‪.(66‬‬
‫وقال الشيخ محمد رشيد رضا‪" :‬الماسونية تسّهل عملية بيع الراضي‬
‫الفلسطينية لليهود")‪.(67‬‬
‫فل مجال للشك مطلقا ً بعلقة الماسونية بالصهيونية العالمية وباليهود في‬
‫العالم‪ ،‬وحسنا ً فعل العراق في مكافحة الماسونية وقطع دابرها في البلد‪،‬‬
‫فهل سرطان بدون شك‪ ،‬يصيب البسطاء وغيرهم من الذين تغريهم‬
‫الشعارات‪ ،‬ول يعرفون ماوراءها من أباطيل وضلل بعيد‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب ‪ -‬وقضية محاربة الماسونية للدين‪ ،‬قضية لتحتمل أي جدال أو مناقشة‪،‬‬


‫لنها من المور الكثيرة التي كشفتها تصرفاتهم العملية‪ ،‬واعترافاتهم‬
‫وأقوالهم المنتشرة في كثير من الوثائق الصادرة عنهم من تصريحات وخطب‬
‫وكتابات‪.‬‬
‫ث اللحاد‬ ‫مع الباحثون كثيرا ً من أقوالهم‪ ،‬التي تدينهم بالسعي إلى ب ّ‬‫ولقد ج ّ‬
‫بالله ومحاربة الديان السماوية كلها عدا اليهودية‪ ،‬ومنها بحكم انعزاليتها‬
‫وصيانة أقطاب الماسونية لها‪ ،‬في منأى عن هذه الحرب‪ ،‬وبذلك تظل‬
‫العقيدة اليهودية ثابتة في نفوس اليهود‪ ،‬إل من أراد من اليهود أنفسهم أن‬
‫يقدموهم ضحايا لتحقيق أهدافهم في محاربة الديان‪ .‬وطبيعي أن يتبرأ أعضاء‬
‫الماسونية الرمزية من ذلك‪ ،‬لن معظمهم مضللون تسخرهم اليدي الخفية‬
‫اليهودية لهدافها‪ ،‬دون شعور منهم‪.‬‬
‫فمن أقوال المحفل الماسوني الكبر سنة ‪ " :1912‬سوف نقوي حرية‬
‫الضمير في الفراد بكل ما أوتينا من طاقة‪ ،‬وسوف نعلنها حربا ً شعواء على‬
‫العدو الحقيقي للبشرية الذي هو)الدين(‪ ،‬وهكذا سوف ننتصر على العقائد‬
‫الباطلة وعلى أنصارها"‪ .‬فمن الواضح أنهم يقررون في هذا التصريح‪ ،‬إعلن‬
‫الحرب الشعواء على الدين‪ ،‬ويعتبرونه العدو الحقيقي للبشرية‪ ،‬ومرادهم في‬
‫ذلك طبعا ً جميع الديان غير اليهودية‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫"ويجب أل ننسى أننا نحن الماسونيين أعداء للديان‪ ،‬وعلينا أل نألو جهدا ً في‬
‫القضاء على مظاهرها"‪.‬‬
‫وجاء في مضابط المشرق العظم الماسوني لسنة ‪ 1913‬قولهم‪" :‬سوف‬
‫نتخذ النسانية غاية من دون الله"‪.‬‬
‫وجاء في مضابط المؤتمر العالمي للماسونية لسنة ‪ 1900‬قولهم‪" :‬إننا ل‬
‫نكتفي بالنتصار على المتدينين ومعابدهم‪ ،‬إنما غايتنا الساسية هي إبادتهم‬
‫من الوجود"‪.‬‬
‫وفي مجلة‪) :‬أكاسيا( الماسونية لسنة ‪ 1903‬قولهم‪« :‬إن النضال ضد الديان‬
‫ل يبلغ نهايته إل بعد فصل الدين عن الدولة"‪ .‬ومن أقوالهم‪":‬ستحل الماسونية‬
‫محل الديان‪ ،‬وإن محافلها ستقوم مقام المعابد"‪.‬‬
‫وجاء في مجلة الشرق الكبر التركية الماسونية قولهم‪" :‬ل يعنينا كفر الملحد‬
‫أو ثواب المتدين أو وصف الجنة أو النار‪ ،‬وإذا وجد من يحاول العمل في‬
‫ساحة الدين‪ ،‬فنتركه وشأنه مع الله‪ ،‬وإذا أصر على رأيه‪ ،‬فنرجو منه أن‬
‫يتركنا‪ ،‬وأل يدخلنا بينه وبين الله"‪.‬‬
‫وفي النشرة الرسمية التي أذاعها محفل الشرق العظم في فرنسا في‬
‫شهر تموز سنة ‪ 1856‬قولهم‪" :‬نحن الماسون ل يمكننا أن نتوقف عن‬
‫الحرب بيننا وبين الديان‪ ،‬لنه لمناص من ظفرها أو ظفرنا‪ ،‬ولبد من موتها‬
‫أو موتنا‪ ،‬ولن يرتاح الماسون إل بعد أن يقفلوا جميع المعابد"‪ .‬وقال كوكفيل‬
‫في محفل منفيس بلندن‪" :‬إننا إذا سمحنا لمسلم أو نصراني الدخول في أحد‬
‫هياكلنا‪ ،‬فإنما ذلك قائم على شرط أن الداخل يتجرد من أضاليله ويجحد‬
‫خرافاته وأوهامه التي خدع بها في شبابه"‪.‬‬
‫وفي المحاضرة الرابعة لمحفل السلم الماسوني قولهم‪" :‬إن الماسونية‬
‫تجرد الفكار من الخرافات والنظريات اللهوتية المدسوسة من قبل‬
‫الديان"‪ .‬وفي محاضرات محفل الشرق لعام ‪ 1923‬قولهم‪" :‬إنه يجب أن‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تبقى الماسونية وتصرفاتها المستمرة لملة واحدة‪ ،‬وعليه يجب محو جميع‬
‫الديان ومنتسبيها من الساس"‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومعروف في ترتيبات الماسونية وتصرفاتها المستمرة‪ ،‬أن الملة الواحدة‬
‫المقصودة بالبقاء هي اليهودية‪ ،‬وما عداها يجب بحسب تخطيطهم أن يحكم‬
‫عليهم بالفناء‪.‬‬
‫ونوادي الروتاري والليونيز واجهات للماسونية‪ ،‬وتسألهم عن الروتارية‬
‫والليونيز‪ ،‬فيقولون لك‪ :‬هم بعض كبار الموظفين والصناعيين والفنيين‬
‫فهم‪ ،‬يتصل بعضهم ببعض في اجتماعات عادية ولقاءات‬ ‫فل ّ‬‫والتجار‪ ،‬ومن ل ّ‬
‫شخصية على الغداء أو العشاء يتم خللها التعارف بين الخوان القدامى‬
‫والجدد الذين يتفّهمون ويحّلون مشاكلهم‪.‬‬
‫وإذا قيل لهم‪ :‬فما لكم تصّرون على التصال برجالت الدولة من ح ّ‬
‫كام‬
‫واب‪ ،‬ليكون نشاطهم تحت رعايتهم؟ فيقولون‪ :‬نحن نسعى إلى‬ ‫ووزراء ون ّ‬
‫السلم العالمي والتفاهم بين الشعوب‪ .‬وتسألهم‪ :‬أليس في هذا الكون غير‬
‫العرب واليهود من يحتاج إلى السلم والتفاهم؟‬
‫خل بالسياسة والقتصاد والثقافة‬ ‫من ذلك نفهم أن أندية الروتاري والليونز تتد ّ‬
‫وبكل شيء‪ ،‬ولن نشاطهم يهدم الخلق والنتماء الوطني والديني‪ ،‬فقد صدر‬
‫في ‪ 20‬من كانون الثاني ‪ -‬ديسمبر ‪ 1950‬مرسوم بابوي من المجلس‬
‫العلى المقدس للفاتيكان يدين أندية الروتاري‪ ،‬ونص المرسوم‪" :‬دفاعا ً عن‬
‫العقيدة والفضيلة‪ ،‬تقرر عدم السماح لرجال الدين بالنتساب إلى الهيئة‬
‫المسماة بالروتاري‪ ،‬وعدم الشتراك في اجتماعاتها‪ ،‬وإن غير رجال الدين‬
‫مطالبون بمراعاة المرسوم رقم ‪ 684‬الخاص بالجمعيات السرية المشتبه‬
‫فيها )الماسونية(")‪ ،(68‬وأحرى بالعرب والمسلمين أن يحّرموا هذه النوادي‬
‫على أفرادهم‪ ،‬وجماعاتهم‪ .‬والمتتبع يرى حشدا ً كبيرا ً من القوال التي‬
‫صّرحت بها المحافل والمؤتمرات والمنشورات الماسونية‪ ،‬ونطق بها كبار‬
‫الماسونيين في عصور مختلفة‪ ،‬والتي تبّين الهداف الحقيقية لهذه المؤسسة‬
‫اليهودية الصهيونية العالمية‪ ،‬والتي أصبحت من المور البديهية المعروفة عند‬
‫جميع الباحثين‪ ،‬أل وهي إعادة مجد بني إسرائيل‪ ،‬وتأسيس دولتهم الكبرى‬
‫التي يريدون لها أن تمد ّ سلطانها على العالم أجمع‪ ،‬وأن تهدم جميع الديان‬
‫السماوية والمذاهب الخلقية والجتماعية والقتصادية النافعة في الرض‪،‬‬
‫وأن ترفع لواء اليهودية وحدها‪ .‬وما الدولة الصهيونية في فلسطين إل ّ وليدة‬
‫هذه المخططات اليهودية التي استخدمت الجمعية الماسونية وسيلة من‬
‫وسائلها)‪ ،(69‬ومن المؤسف حقا ً أن ينتمي إلى هذه الجمعية السرية الهدامة‬
‫بأسمائها المختلفة قسم من العرب والمسلمين‪ ،‬وهؤلء عملوا في الماسونية‬
‫في خدمة أهداف الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني‪ ،‬فمثلهم كمثل من‬
‫مه‬ ‫ُ‬
‫دعي أّنه لم يكن يعرف أّنها أ ّ‬ ‫يطعن أمه التي ولدته بخنجر مسموم‪ ،‬ثم ي ّ‬
‫حين طعنها‪ ،‬فمن غير المنطقي ول من المعقول‪ ،‬أن ينتسب المسلم‬
‫ً‬
‫والعربي إلى منظمة تخدم الصهيونية وإسرائيل وهو ل يعرف عنها شيئا‪ ،‬أو‬
‫كان مغشوشا ً بها‪ ،‬أو مضلل ً بأهدافها وشعاراتها‪ ،‬فالماسونية صهيونية‪،‬‬
‫والصهيونية ماسونية‪ ،‬وينبغي أن يكون ذلك معروفا ً لكل إنسان‪.‬‬
‫يتبع إن شاء الله ‪..‬‬
‫الهوامش‪:‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (21‬الطبري ‪ -‬محمد بن جرير الطبري ‪ -‬تاريخ الطبري ‪ -‬تحقيق محمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم ‪ -‬ص)‪ (195 - 4/190‬دار المعارف ‪ -‬القاهرة ‪.1963 -‬‬
‫)‪ (22‬ابن الثير ‪ -‬عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد‬
‫الشيباني ‪ -‬الكامل في التاريخ ‪ -(52 - 3/49) -‬دار صادر ودار بيروت ‪-‬‬
‫بيروت ‪.1965 -‬‬
‫)‪ (23‬ابن كثير ‪ -‬أبو الفدا الحافظ ابن كثير ‪ -‬البداية والنهاية )‪ - (7/138‬مكتبة‬
‫المعارف ببيروت ومكتبة النصر بالرياض ‪ -‬بيروت ‪ - 1966 -‬ط ‪.1‬‬
‫)‪ (24‬الطبري ‪ -‬مصدر سابق ‪.(193 - 4/192) -‬‬
‫)‪ (25‬هيكل ‪ -‬الدكتور محمد حسين هيكل ‪ -‬الفاروق عمر )‪.(310 - 2/309‬‬
‫)‪ (26‬الفاروق عمر )‪ ،(2/323‬وانظر أيضا ً ما جاء حول الموضوع في‪:‬‬
‫الضابط ‪ -‬شاكر صابر ‪ -‬تاريخ المنازعات والحروب بين العراق وإيران ‪ -‬ص )‬
‫‪ - (241 - 236‬منشورات وزارة الثقافة والعلم ‪ -‬بغداد ‪.1984 -‬‬
‫)‪ (27‬أهل الذمة‪ :‬المعاهدون من أهل الكتاب ومن جرى مجراهم‪ ،‬انظر‬
‫التفاصيل في‪ :‬ابن قيم الجوزية ‪ -‬شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر‬
‫‪ -‬أحكام أهل الذمة ‪ -‬تحقيق د‪ .‬صبحي الصالح ‪ - (17 - 1/16) -‬مطبعة‬
‫جامعة دمشق ‪ - 1961 -‬ط ‪.1‬‬
‫)‪ (28‬انظر سيرته في‪ :‬الزركلي ‪ -‬خير الدين ‪ - (4/228) -‬العلم ‪ -‬بيروت ‪-‬‬
‫ط ‪ - 2‬بل تاريخ‪.‬‬
‫)‪ (29‬العلم ‪ -‬مصدر سابق ‪.(4/220) -‬‬
‫)‪ (30‬الطبري ‪ -‬مصدر سابق )‪ 326 - 4/317‬و ‪ (329 - 326‬وابن الثير )‬
‫‪ 3/137‬و ‪.(3/144‬‬
‫)‪ (31‬الطبري )‪ (339 - 4/330‬و )‪ (365 - 4/340‬وابن الثير )‪.(3/147‬‬
‫)‪ (32‬الطبري )‪ (396 - 4/365‬وابن الثير )‪ (180 - 3/167‬وتاريخ أبي الفدا‬
‫)‪ (170 - 1/169‬وانظر مكايد يهودية ‪ -‬مصدر سابق ‪.(166) -‬‬
‫)‪ (33‬ابن عساكر ‪ -‬علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ‪ -‬تهذيب تاريخ‬
‫دمشق الكبير ‪ - 434 - 7/431) -‬هذبه ورتبه الشيخ عبد القادر بدران ‪ -‬دار‬
‫المسيرة ‪ -‬بيروت ‪ - 1979 -‬ط ‪.2‬‬
‫)‪ (34‬الميداني ‪ -‬عبد الرحمن حسن حبنكة ‪ -‬مكايد يهودية عبر التاريخ ‪ -‬دار‬
‫القلم ‪ -‬بيروت ‪.1974 -‬‬
‫)‪ (35‬الطبري ‪ -‬مصدر سابق ‪.(4/441) -‬‬
‫)‪ (36‬السلمية‪ :‬بليدة في ناحية البرّية من أعمال حماة‪ ،‬بينهما مسيرة يومين‪،‬‬
‫وكانت تعد ّ من أعمال حمص‪ ،‬انظر التفاصيل في‪ :‬معجم البلدان )‪- 5/112‬‬
‫‪ - (113‬مطبعة محمد أمين الخانجي ‪ -‬القاهرة ‪ - 1906 -‬ط ‪.1‬‬
‫)‪ (37‬اليماني ‪ -‬محمد بن مالك ‪ -‬كشف أسرار الباطنية ‪ -‬كشف أسرار‬
‫الباطنية وأخبار القرامطة ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ (38‬مكائد يهودية ‪ -‬مصدر سابق ‪.(175 - 174) -‬‬
‫)‪ (39‬انظر التفاصيل في‪ :‬فضائح الباطنية ‪ -‬للغزالي ‪ -‬تحقيق د‪ .‬عبد الرحمن‬
‫بدوي ‪ -‬الدار القومية للطباعة والنشر ‪ -‬القاهرة ‪ 1964، -‬وانظر‪ :‬الملل‬
‫والنحل )‪ (1/175‬الهامش ‪ -‬الشهرستاني‪ ،‬وتاريخ المذاهب السلمية ‪ -‬للشيخ‬
‫أبي زهرة ‪ - (2/545) -‬القاهرة ‪ -‬بل تاريخ‪.‬‬
‫)‪ (40‬القاموس المحيط )‪ (4/15‬وشرح السير الكبير )‪.(1/168‬‬
‫)‪ (41‬كشاف القناع )‪.(1/704‬‬
‫)‪ (42‬خلدون حاجي معروف ‪ -‬القلية اليهودية في العراق ‪.(25) -‬‬
‫)‪ (43‬الفريد ليلنتال ‪ -‬إسرائيل ذلك الدولر الزائف ‪ -‬ص )‪.(63‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (44‬الفريد ليلنتال ‪ -‬ثمن إسرائيل ‪ -‬ص )‪.(146‬‬


‫)‪ (45‬مكائد يهودية عبر التاريخ ‪ -‬مرجع سابق ‪.(209 - 206) -‬‬
‫)‪ (46‬مكائد يهودية عبر التاريخ ‪ -‬مرجع سابق ‪.(210 - 209) -‬‬
‫)‪ (47‬عنان ‪ -‬عبد الله ‪ -‬دول الطوائف ‪ -‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة‬
‫والنشر ‪ - (125) -‬القاهرة ‪ - 1960 -‬ط ‪.1‬‬
‫)‪ (48‬هي بالسبانية )‪ (Daifontes‬وتقع على قيد عشرين كيلو مترا ً من شمالي‬
‫غرناطة‪.‬‬
‫)‪ (49‬دول الطوائف )‪.(130‬‬
‫)‪ (50‬كتاب التبيان أو مذكرات المير عبد الله بن بلقين المنشور بعناية ليفي‬
‫بروفنسال ‪ -‬ص )‪ - (42‬القاهرة ‪.1955 -‬‬
‫)‪ (51‬انظر الراحة في أخبار غرناطة )‪ (447 - 1/446‬لبن الخطيب ‪-‬‬
‫القاهرة ‪ 1904‬و ‪ ،1956‬ودول الطوائف )‪.(131‬‬
‫)‪ (52‬التبيان ‪ -‬مصدر سابق ‪ -‬ص )‪.(39‬‬
‫)‪ (53‬البيان المغرب )‪ (3/265‬والتبيان )‪ (40‬وأعمال العلم لبن الخطيب‬
‫ص )‪.(231‬‬
‫)‪ (54‬انظر كتاب التبيان ص )‪ 47 - 46‬و ‪ - (53 - 50‬مصدر سابق‪.‬‬
‫دثا ً أديبا ً‬
‫ّ‬ ‫مح‬ ‫)‪ (55‬هو إسحق بن مسعود بن سعيد التجيبي اللبيري‪ ،‬كان فقيها ً‬
‫شاعرًا‪ ،‬سعى به الوزير يوسف لمور نقمها منه لدى باديس‪ ،‬فأبعده عن‬
‫غرناطة‪ ،‬فسكن البيرة القريبة منها‪ ،‬وانقطع إلى الزهد والعبادة‪ ،‬ولكنه لبث‬
‫م الفتك‬ ‫يحرض صنهاجة على اليهود في شعره ووعظه‪ ،‬حتى وقع النفجار‪ ،‬وت ّ‬
‫بهم‪ ،‬وتوفي البيري في أواخر سنة ‪459‬هـ بعد أن شهد آثار تحريضه في‬
‫بطش صنهاجة باليهود‪.‬‬
‫ّ‬
‫)‪ (56‬العلق‪ :‬النفيس من كل شيء يتعلق به القلب‪) .‬ج( أعلق‪ ،‬وعلوق‪.‬‬
‫)‪ (57‬الُعرى‪ :‬قادة الجيش‪ ،‬ويريد هنا‪ :‬رؤساءهم وسادتهم‪ ،‬وهي جمع‪ :‬عُْرَوة‪.‬‬
‫)‪ (58‬نشر ابن الخطيب في‪ :‬أعمال العلم هذه القصيدة بأكملها‪ ،‬وهي )‪(43‬‬
‫بيتًا‪ ،‬ص )‪ (233 - 231‬ونشرها دوزي في كتابه‪Recherches, V1, Appxxvi :‬‬
‫)‪ (59‬التبيان )‪ ،(54‬والذخيرة ‪ -‬القسم الول ‪ -‬المجلد الثاني ‪ -‬ص )‪ 271‬و‬
‫‪ ،(272‬والحاطة )‪ ،(448 - 1/447‬وأعمال العلم )‪ ،(233‬والبيان المغرب )‬
‫‪ 3/266‬و ‪.(276 - 275‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫)‪ (60‬انظر تفاصيل القصة في الكتاب المقدس ‪ -‬العهد القديم ‪ -‬سفر أستير‬
‫‪ -‬الصحاح‪ 1 :‬و ‪2‬و ‪ 3‬و ‪ 4‬و ‪ 5‬و ‪ 6‬و ‪ 7‬و ‪ 8‬و ‪ 9‬و ‪ - (543 - 533) - 10‬بيروت‬
‫‪ - 1945 -‬ط ‪.3‬‬
‫)‪ (61‬مكائد يهودية )‪ - (217‬مصدر سابق‪.‬‬
‫)‪ (62‬حسين عمر حمادة ‪ -‬شهادات ماسونية ‪ - (12 - 10) -‬دار قتيبة ‪-‬‬
‫بيروت ‪ -‬ط ‪.1980-1‬‬
‫)‪ (63‬شهادات ماسونية ‪ -‬مرجع سابق ‪.(47 - 42) -‬‬
‫)‪ (64‬البستاني ‪ -‬سيف الدين ‪ -‬أوقفوا هذا السرطان ‪ - (112 - 15) -‬دار‬
‫النهضة العربية ‪ -‬دمشق ‪.1959 -‬‬
‫)‪ (65‬مجلة القوات المسلحة المصرية ‪ -‬رقم ‪ - 412‬أيار ‪ -‬مايو ‪.1964 -‬‬
‫)‪ (66‬محمد كرد علي ‪ -‬المذكرات ‪ - (409 - 408) -‬مطبعة الترقي ‪ -‬دمشق‬
‫‪1367 -‬هـ ‪1948 -‬م‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (67‬رشيد رضا ‪ -‬إبراهيم العدوي )‪ - (261 - 260‬القاهرة ‪.1964 -‬‬


‫)‪ (68‬شهادات ماسونية ‪ -‬مصدر سابق ‪.(123 - 122) -‬‬
‫)‪ (69‬مكائد يهودية ‪ -‬مصدر سابق ‪.(238 - 233) -‬‬
‫صهيوني‬‫الّتصور ال ّ‬
‫طائفي والعرقي‬‫للتفتيت ال ّ‬
‫‪-3-‬‬
‫اللواء الركن‪ :‬محمود شيت خطاب‬
‫مكائد الصهيونية من ُقبيل سنة ‪ 1948‬حتى اليوم‬
‫‪ - 1‬التفتيت الطائفي والعرقي في الفلسطينيين ُقبيل سنة ‪1948‬‬
‫كان الجيش العراقي في سنة ‪ 1948‬ضمن الجيوش العربية في فلسطين‪،‬‬
‫ت أحد ضباط الجيش العراقي مع اللواء الذي يعسكر في منطقة جنين‬ ‫وكن ُ‬
‫الباسلة‪ ،‬وكنت أعمل ضابط ركن اللواء برتبة رائد ركن‪ ،‬وأنوب عن الحاكم‬
‫العسكري لمدينة جنين‪ ،‬كما كان أهل جنين يحبون الجيش العراقي حبا ً جما‪ً،‬‬
‫ويرعون منتسبيه رعاية كاملة‪ ،‬فكانوا بعطفهم القلبي عليهم قد أنسوهم‬
‫أهلهم في العراق‪ ،‬لنهم أصبحوا أهلهم بحق في فلسطين‪ ،‬فكان الختلط‬
‫ل بين ظهرانيهم‬ ‫بين أهل جنين‪ ،‬وبين منتسبي اللواء العراقي الذي يح ّ‬
‫مستمرا ً وثيقًا‪ ،‬كأهل عائلة واحدة تمامًا‪.‬‬
‫وكنت بحكم منصبي )ضابط ركن اللواء( الذي له اتصال مباشر بالفلسطينيين‬
‫وبحكم نيابتي عن الحاكم العسكري مرات عديدة‪ ،‬واختلطي الوثيق بأهل‬
‫طلع على تفاصيل الروابط الجتماعية في منطقة جنين عامة ومدينة‬ ‫جنين أ ّ‬
‫جنين خاصة فعلمت بوضوح أن الصهاينة عملوا على تدمير الروابط‬
‫الجتماعية بين سكان منطقة جنين تدميرا ً شنيعًا‪ ،‬بحيث فّتتوا السكان تفتيتا ً‬
‫ل‪ ،‬حتى أصبح سكان كل قرية أعداء لسكان القرى الخرى‪ ،‬وسكان‬ ‫كام ً‬
‫القرية الواحدة أعداء لبعضهم البعض على مستوى العوائل‪ ،‬فكل عائلة تكون‬
‫وحدة مستقلة‪ ،‬ترى نفسها جديرة بكل خير‪ ،‬وغيرها جدير بكل شر‪ ،‬كما ترى‬
‫نفسها أحسن من غيرها من العوائل قدرا ً وقوة وشرفًا‪ ،‬وأن مظهرها يدل‬
‫خصوم حسب‪ ،‬ولكن الطلع على الدخائل‬ ‫على التصافي والوفاق‪ ،‬أمام ال ُ‬
‫يظهر التمّزق بوضوح‪.‬‬
‫استولى الصهاينة على مدينة جنين‪ ،‬ففرح بنكبتهم أهل قباطية‪ ،‬وقباطية‬
‫جنوبي جنين وعلى بعد ثلثة كيلومترات منها‪ ،‬وسقوط جنين يؤدي حتما ً إلى‬
‫سقوط قباطية‪ .‬وعلمت أن عوائل قباطية تدب على أشجار الزيتون ليل ً‬
‫وتشعل فيها النيران‪ ،‬ثم تعود إلى القرية ليل ً مستفيدة من الظلم‪ ،‬وكان في‬
‫كل يوم تقريبا ً ينشب حريق في أشجار الزيتون وأشجار الحمضيات‪ ،‬فتدخلت‬
‫بصفتي وكيل ً للحاكم العسكري‪ ،‬فقلت للعوائل المتناحرة بعد أن حشدتها في‬
‫صعيد واحد‪ :‬لماذا ل تحرقون أشجار الزيتون والحمضيات التابعة للصهاينة‪،‬‬
‫وهي قريبة منكم؟ والعداوة ناشبة بين العوائل‪ ،‬والشغب بينها قائم على قدم‬
‫وساق‪ ،‬والصهاينة بسلم‪.‬‬
‫كان بريد اللواء يحمل رسائل من الهالي‪ ،‬أكثرها «إخباريات» فيها اتهامات‬
‫خطيرة جدًا‪ ،‬ولكنها خالية من التوقيع‪ ،‬وكان قسم من الهالي يطلبون‬
‫مواجهة آمر اللواء‪ ،‬فل يقولون خيرا ً إل نادرًا‪ .‬وحين نضطر إلى استخدام‬
‫أحدهم في وظيفة من الوظائف‪ ،‬تتناقض أقوال معارفه عنه تناقضا ً كبيرًا‪.‬‬
‫وكانت أكثرية أهل جنين مع المفتي الحاج أمين الحسيني عليه رحمة الله‪،‬‬
‫ولكن القلية ترفضه رفضا ً شرسًا‪ ،‬وكان الفدائيون العرب يدافعون في‬
‫المناطق دفاعا ً واهنًا‪ ،‬وهؤلء بحاجة إلى دعم بالرجال‪ ،‬ولكنك ل تجد من‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يدعمهم عمليا ً من الشباب الفلسطيني بحجج مختلفة‪ :‬قسم يدعون بأنهم ل‬


‫يثقون بهم‪ ،‬وقسم يطالبون بالسلح للقتال بصورة مستقلة‪ ،‬ولكن من يتولى‬
‫قيادتهم منهم؟ هنا تسكب العبرات‪ ،‬فكل عائلة تريد أن تستأثر بالقيادة‪،‬‬
‫وترفض رفضا ً قاطعا ً أن تعمل بإمرة غيرها‪.‬‬
‫وحين نظم الجيش العراقي وحدات من الفلسطينيين بقيادة ضباط عراقيين‪،‬‬
‫أقبل الشباب الفلسطيني على التطوع في هذه الفواج‪ ،‬وكان تقبلهم‬
‫للتدريب ممتازا ً حقًا‪ ،‬ولكن كان الضباط ل ينفكون يحلون المشاكل الداخلية‬
‫الناشبة بينهم‪ ،‬كل واحد منهم يريد أن ينتظم ضمن حظيرة معينة‪ ،‬في فصيل‬
‫معين‪ ،‬في سرية معينة‪ ،‬مع من يحب ويهوى‪ ،‬ل مع من يعادي ويخاصم‪ ،‬حتى‬
‫في مجال التكليف بواجب معين‪ ،‬فلبد أن يراعى النسجام الشخصي‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ل يكاد ينتهي الواجب‪ ،‬إل ويتبعه سيل جارف من التهامات من جهة‬
‫والدعاءات من جهة أخرى‪ :‬إلقاء اتهام التقصير على الخصوم‪ ،‬وادعاء النجاح‬
‫دعون فتضيع الحقائق في ضجيج التهامات والدعاء‪.‬‬ ‫للصدقاء‪ ،‬ثم يتنافس الم ّ‬

‫)‪(16 /‬‬

‫لقد مهد الصهاينة بهذا التفتيت الطريق للتغلب على السكان الفلسطينيين‬
‫بسهولة ويسر‪ ،‬وهذا ما حدث فعل ً بعد إعلن مولد الكيان الصهيوني في‬
‫منتصف عام ‪ 1948‬ونشوب الحرب‪ ،‬إذ لم تكن المقاومة الفلسطينية للعدو‬
‫الصهيوني كما ينبغي‪ ،‬فكان القصف الصهيوني الذي يعقبه هجوم المشاة‬
‫وغ يذكر‪.‬‬
‫الصهاينة‪ ،‬يؤدي إلى نزوح الفلسطينيين عن قراهم دون مس ّ‬
‫ن التفتيت أدىّ إلى الهزيمة المعنوية‪ ،‬ول أهمية للحشود بدون معنويات‬ ‫إ ّ‬
‫عالية‪.‬‬
‫سعي لتحقيق الحلم الصهيونية‬ ‫‪ - 2‬ال ّ‬
‫سْيف‪:‬‬
‫أ ‪ -‬رأي ِ‬
‫يعلم الصهاينة علم اليقين‪ ،‬أنهم ل يستطيعون العيش في فلسطين‪ ،‬والعرب‬
‫ل جانب‪ ،‬وانطلقا ً من هذا الشعور‪ ،‬يرى‬ ‫والمسلمون يحيطون بهم من ك ّ‬
‫قادتهم أنه ل حياة لهم في الرض المحتلة‪ ،‬إل إذا تمكنوا من إقامة دويلت‬
‫ل مكان‪ ،‬وإقامة دويلت‬ ‫طائفية في البلد العربية عامة‪ ،‬لتكون ضعيفة في ك ّ‬
‫طائفية في لبنان‪ ،‬تعزل الكيان الصهيوني عن البلدان التي يشكل فيها العرب‬
‫المسلمون أغلبية مطلقة‪.‬‬
‫إن تمزيق البلد العربية والعالم السلمي‪ ،‬إلى دويلت طائفية وأخرى عرقية‪،‬‬
‫حلم طالما داعب قادة الصهاينة قديما ً وحديثًا‪ ،‬وأصبح الحلم حقيقة‪ ،‬عندما‬
‫تمكن الصهاينة من تأسيس كيانهم في الرض المحتلة واجتياح لبنان سنة ‪،‬‬
‫وة لبنانية موالية لهم علنا ً على حدود الكيان الصهيوني‬
‫‪ 1982‬وتأسيس ق ّ‬
‫الشمالية‪ ،‬تدافع عن الكيان الصهيوني‪ ،‬وتحارب قومها خدمة للصهيونية‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فقد كتب‪ :‬إسرائيل سيف‪ ،‬الذي كان‬ ‫ولم يكن تنفيذ هذه الخطوة مرتج ً‬
‫الذراع اليمنى لحاييم وايزمن مقال ً في مجلة‪" :‬فلسطين" الصادرة يوم ‪17‬‬
‫شباط ‪ -‬فبراير ‪ ،1917‬قال فيه‪" :‬قمت بدراسة مستفيضة للمشكلة‬
‫صلت إلى نتيجة مفادها‪ ،‬أن الحدود‬ ‫السياسية الجغرافية في فلسطين‪ ،‬وقد تو ّ‬
‫ً‬
‫الشمالية لفلسطين‪ ،‬يجب أن تمتد إلى شمال صيدا‪ ،‬ثم تتحّرك بعيدا عن‬
‫البحر‪ ،‬لتضمن حوران وتلل الجولن‪ ،‬ويجب أن تمتد الحدود الشرقية بمحاذاة‬
‫خط الحجاز للسكك الحديد‪ ،‬على أن تكون على مسافة تتراوح بين عشرة‬
‫كيلومترات وعشرين كيلو مترا ً شرق الخط‪ ،‬وبهذا تشمل حدود فلسطين‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفضل مناطق تساقط المطار‪ ،‬والتي اصطلح على تسميتها بعد ذلك باسم‬
‫شرقي الردن‪.‬‬
‫وفي خطاب إلى وايزمان‪ ،‬شرح‪ :‬إسرائيل سيف وجهة نظره‪ ،‬فكان مما قاله‪:‬‬
‫ن فلسطين بدون حوران وخط الحجاز‬ ‫"إنني متأكد أّنك ستوافق على أ ّ‬
‫للسكك الحديد‪ ،‬لن تعنى بالنسبة إلينا ‪-‬نحن اليهود‪ -‬مجّرد فلسطين محدودة‬
‫سع‪ ،‬ولكنها تعني أيضا ً فلسطين مهددة من‬ ‫وضيقة‪ ،‬بدون أيّ أمل في التو ّ‬
‫جانب مجموعة قوية من العرب‪ ،‬ستجعل موقف شرقي الردن دقيقا ً‬
‫باستمرار"‪.‬‬
‫إذن كان الصهاينة اليهود في عام ‪ ،1917‬جاّدين في محاولة إقامة دولة‬
‫يهودّية تضم فلسطين وجنوب لبنان والجولن وحوران ‪-‬أي جنوب سورية‪-‬‬
‫وشرقي الردن)‪ ،(70‬ولم يكن رأيهم هذا جديدًا‪ ،‬وقد نفذوا جزءا ً منه في‬
‫حرب ‪ ،1967‬وجزءا ً منه في حرب ‪ 1982‬في لبنان‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مذكرات بن غوريون‪:‬‬
‫شارك بن غوريون في المؤتمر الذي عقده المجلس العالمي لعمال صهيون‬
‫في زيوريخ بسويسرا سنة ‪ ،1937‬وأدلى خلل المؤتمر بالتقرير التالي‪..." :‬‬
‫ن واحدا ً من المتيازات الساسية التي أراها في مقترحات اللجنة الملكية‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫هي رسم الحدود الشمالية للدولة بمحاذاة لبنان‪ ،‬فإلى جانب القيمة التاريخية‬
‫كل جوار لبنان دعما ً سياسيا ً هائل ً‬‫لجبال الجليل وأهميتها العملية للمة‪ُ ،‬يش ّ‬
‫للدولة اليهودية‪ .‬لبنان هو الحليف الطبيعي لرض إسرائيل اليهودية‪ ،‬فإن‬
‫شعب لبنان المسيحي يواجه مصيرا ً مشابها ً لمصير الشعب اليهودي في هذا‬
‫ي لبنان التزايد بواسطة‬ ‫البلد!! مع فارق واحد‪ ،‬هو أنه ليس بإمكان مسيحي ّ‬
‫الهجرة التية من الخارج‪ ..‬سيقوم جوار لبنان للدولة اليهودية حليفا ً مخلصا ً‬
‫من اليوم الذي ستتأسس فيه‪ ،‬وليس من المستبعد أن تتاح لنا الفرصة‬
‫الولى ‪-‬للتوسع عبر الحدود الشمالية‪ -‬في منطقة جنوب لبنان المتاخمة‬
‫للدولة اليهودية‪ ،‬وذلك بالتفاق الكامل مع جيراننا وبركتهم‪ ،‬لّنهم بحاجة‬
‫إلينا"‪.‬‬
‫ن نقطة الضعف في‬ ‫وجاء في مذكراته المؤرخة في ‪ 21‬مايو ‪ -‬أيار ‪" :1947‬إ ّ‬
‫التآلف العربي هو لبنان‪ ،‬وإن السيطرة السلمية في هذه الدولة مصطنعة‪،‬‬
‫ويمكن الطاحة بها بسهولة‪ ،‬ويجب إنشاء دولة مسيحية هناك‪ ،‬تكون حدودها‬
‫الجنوبية على نهر الليطاني وسوف نوّقع معاهدة تحالف مع هذه الدولة‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫وفي يوم ‪ 27‬شباط ‪ -‬فبراير ‪ 1954‬قال بن غوريون في خطاب عام‪" :‬إنهم‬


‫‪-‬أي المسيحيون اللبنانيون‪ -‬يمثلون الغلبية في لبنان القديم‪ ،‬وهذه الغلبية‬
‫تختلف من ناحية الثقافة والعادات والتقاليد عن سكان بقية الدول العضاء‬
‫في جامعة الدول العربية‪ ،‬وحتى في لبنان بحدوده الواسعة الحالية ‪-‬كان أكبر‬
‫خطأ ارتكبته فرنسا‪ ،‬توسيع نطاق الحدود اللبنانية‪ -‬ل يتمتع المسلمون بحرية‬
‫كلون الكثرية هناك‪ -‬وإني لست واثقا ً‬ ‫أن يفعلوا ما يشاؤون‪ ،‬حتى إذا كانوا يش ّ‬
‫بأيّ حال من الحوال بأنهم يشكلون أغلبية السكان‪ -‬ويرجع عدم تمتعهم‬
‫بالحرية إلى خوفهم من المسيحيين‪ ،‬ولهذه السباب تصبح إقامة دولة‬
‫ن لها جذورا ً تاريخية‪ ،‬كما أنها ستتمتع بتأييد‬
‫مسيحية هناك أمرا ً طبيعيًا‪ ،‬فإ ّ‬
‫دوائر واسعة في العالم المسيحي‪ ،‬الكاثوليكي والبروتستانتي"‪" .‬وفي‬
‫ل‪ ،‬وذلك بسبب افتقار‬ ‫الحوال العادية يكاد يكون تحقيق ذلك أمرا ً مستحي ً‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسيحيين أساسا ً إلى الشجاعة وروح المبادرة‪ .‬ولكن عندما تسود الفوضى‬
‫أو القلقل أو الحرب الهلية‪ ،‬تتخذ المور شكل ً آخر‪ ،‬حتى يعلن الضعيف‬
‫نفسه بط ً‬
‫ل‪.(71)"...‬‬
‫وسادت القلقل والحرب الهلية في لبنان‪ ،‬واتخذت المور شكل ً آخر‪ ،‬وأصبح‬
‫قسم من المسيحيين يجاهرون علنا ً بالدولة المسيحية‪ ،‬مما يدل على أ ّ‬
‫ن‬
‫القلقل والحرب الهلية في لبنان‪ ،‬مصدرها الصهيونية وعملؤها على اختلف‬
‫مللهم ونحلهم مواطنهم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬خنجر إسرائيل‪:‬‬
‫في سنة ‪ ،1958‬أصدر الكاتب الهندي‪" :‬كرانجيا" صاحب مجلة بليتز الهندية‬
‫دتها الركان‬ ‫من الكتاب وثيقة سرّية أع ّ‬ ‫كتابا ً أسماه‪" :‬خنجر إسرائيل" وقد تض ّ‬
‫العامة السرائيلية ننشر فيما يلي بعضا ً مما جاء فيها‪" :‬لتقويض الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬وبث الخلفات الدينية بين العرب‪ ،‬يجب اتخاذ الجراءات منذ اللحظة‬
‫الولى من الحرب‪ ،‬لنشاء دول جديدة في أراضي القطار العربية هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬دولة درزية )تشمل المنطقة الصحراوية وتدمر(‪.‬‬
‫‪ - 2‬دولة شيعية‪ :‬تشمل قسما ً من لبنان في منطقة جبل عامل ونواحيها‪.‬‬
‫‪ - 3‬دولة مارونية‪ :‬تشمل جبل لبنان حتى الحدود الشمالية الحالية للبنان‪.‬‬
‫‪ - 4‬دولة علوية )نصيرّية(‪ :‬تشمل اللذقية حتى الحدود التركية‪.‬‬
‫‪ - 5‬دولة أو منطقة ذات استقلل قبطي‪.‬‬
‫وستوّزع الراضي العربية‪ ،‬بما في ذلك المنطقة الصحراوية بين الدول‬
‫الجديدة‪ .‬أما المناطق العربية التالية‪ ،‬فستبقى على حالها‪ :‬دمشق‪ ،‬جنوب‬
‫العراق‪ ،‬مصر‪ ،‬المنطقة الوسطى والجنوب من العربية السعودية‪ .‬ومن‬
‫المرغوب فيه أن يصار إلى إيجاد ممرات واسعة غير عربية‪ ،‬عبر هذه‬
‫المناطق العربية")‪.(72‬‬
‫وجاء في هذه الوثيقة‪" :‬ويجب خلق الحوال اليلة إلى التعاون مع الشعب‬
‫في سورية ولبنان‪ ،‬وسيتطلب المر أن نظهر الود ّ حيال الدروز والموازنة‪،‬‬
‫وأن نؤيد أمانيهم بإقامة دولتين مستقلتين")‪.(73‬‬
‫وجاء في هذه الوثيقة أيضًا‪" :‬إذكاء نيران الخلفات الداخلية بين الشعوب‬
‫العربية")‪ .(74‬وجاء فيها‪" :‬ل تستطيع الدول العربية أن تجابه إسرائيل‬
‫بمقاومة كبرى‪ ،‬إل إذا كانت متحدة‪ .‬وطالما ليس ثمة قطر عربي أقوى من‬
‫ن بمفرده‬ ‫إسرائيل وحده‪ ،‬وبالتالي طالما ل يستطيع أي قطر عربي أن يش ّ‬
‫حربا ً على إسرائيل‪ ،‬فإن الوحدة العربية في الحرب هي جوهرّية‪ .‬لقد‬
‫استوعب العرب دروس الحرب الفلسطينية‪ ،‬ولذلك فهم ينافحون الن‬
‫للوصول إلى الوحدة السياسية والعسكرية‪.‬‬
‫"وإن معاهدة الضمان الجماعي العربي الحالية‪ ،‬قد تكون بمثابة قاعدة لعمل‬
‫مشترك‪ ،‬تقوم به الجيوش العربية الموقعة على المعاهدة‪ ،‬ولهذا يرتدي‬
‫أعظم الهمية بالنسبة لنجاح عملياتنا الحربية‪ ،‬ذلك العمل السياسي التمهيدي‬
‫الذي يجب أن تقوم به في القطار العربية‪ ،‬بمساعدة الدول الغربية‪ ،‬إن هذا‬
‫العمل السياسي التمهيدي‪ ،‬يرمي إلى بذر بذور الشقاق بين الدول العربية"‪.‬‬
‫ويرى المراقبون تنفيذ هذه المخططات الصهيونية في لبنان‪ ،‬ومعاهدة‬
‫الضمان الجماعي العربي غائبة عن الميدان في سبات عميق‪ ،‬والتفتيت‬
‫الطائفي والعرقي يبدو واضحا ً في لبنان وفي غير لبنان أيضا ً مع السف‬
‫الشديد‪ ،‬وذلك كله لمصلحة العدو الصهيوني ومن وراءه من دول الستعمار‬
‫القديم والحديث‪.‬‬
‫د ‪ -‬الرسائل المتبادلة بين إّده وكيسنجر‪:‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ده بنشاط هائل‪ ،‬زعم أنه من أجل منع تقسيم لبنان‪ ،‬وكان من‬ ‫قام ريمون إ ّ‬
‫أبرز نشاطه زيارته للوليات المتحدة المريكية ومعظم العواصم الوربية‪،‬‬
‫وختم جولته برسالة بعثها إلى وزير خارجية الوليات المتحدة الميركية‪،‬‬
‫وصفه فيها‪ :‬بأنه مهندس الحرب اللبنانية بتكليف من إدارة البيت البيض‪،‬‬
‫ن المخطط يقضي‬ ‫ص تقسيم لبنان من الرسالة‪ ..." :‬إ ّ‬‫وننقل فيما يلي ما يخ ّ‬
‫كار ‪-‬أي المنطقة التي اقتطعت من سورية عام ‪.‬‬ ‫إعطاء البقاع وطرابلس وع ّ‬
‫مت إلى لبنان‪ -‬تكون هذه الراضي بدل ً عن الجولن التي لن تتنازل‬ ‫‪ 192‬وض ّ‬
‫عنها إسرائيل‪ ،‬وما تبقى من لبنان ُيقسم ثلثة أقسام‪:‬‬
‫الول‪ :‬شمال طريق بيروت ‪ -‬شتورة للمسيحيين‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ويقع جنوب الطريق المذكور حتى نهر الليطاني‪ ،‬يعطى للبنانيين‬
‫المسلمين وللفلسطينيين‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫والثالث‪ :‬ويقع بين الليطاني والحدود اللبنانية ‪ -‬السرائيلية‪ ،‬تحتله إسرائيل‬


‫من أجل تأمين المياه اللزمة لها"‪.‬‬
‫ورد ّ كيسنجر برسالة بعث بها إلى إّده جاء فيها‪" :‬إن الزلزل ل تحدث إل في‬
‫الرض المشقوقة‪ ،‬ول أكتمك أن لبنان هو بلد مثالي لتحقيق المؤامرات‪،‬‬
‫ده فقط‪ ،‬وإنما ضد العالم العربي ككل‪ ،‬ومن هنا اكتشفت في‬ ‫ليس ض ّ‬
‫تناقضاته عناصر جديدة لنصب فخ كبير للعرب جميعًا‪ .‬إن التناقضات اللبنانية‬
‫هي التي كانت تؤمن لنا الخطة وسلمتها‪ ،‬مرة واحدة حدث خطأ عربي ‪-‬‬
‫مد حركة العملية‪ ،‬وسارعت بإرسال )براون( وهو مهندس‬ ‫أوروبي‪ ،‬كاد يج ّ‬
‫سياسي اختصاصي بعمليات الشرق الوسط‪ ،‬وقد اكتشف بسرعة موضع‬
‫الخلل‪ ،‬ثم أعاد ضبط الجهاز الكبير الذي يحّرك المور حسب الهداف‬
‫المطلوبة والخطة المرسومة‪ .‬وقد تسأل يامستر إّده عن طبيعة هذه الخطة!‬
‫ل أكتمك أنني بدأت بشيء‪ ،‬ثم انتهيت بشيء آخر‪ .‬كان همي الوحيد أن أبعد‬
‫ل أزمة‬ ‫التحاد السوفياتي عن مجال التدخل والحسم والمشاركة في ح ّ‬
‫الشرق الوسط‪ ،‬كما أسعى إلى تأجيل مؤتمر جنيف والعتراف بمنظمة‬
‫التحرير إلى ما بعد انتخابات الرئاسة‪ ،‬أي مدة سنتين على القل‪ ،‬ثم تشعبت‬
‫مطامحي بعد أن رأيت أن خصوبة الحداث الدامية في لبنان قد أسقطت‬
‫صيغة التعايش المطروحة‪ ،‬وبعد ما بدا لي أن ما كان يحلم به موشي شاريت‬
‫عندما كتب رسالته الشهيرة إلى بن غوريون في ‪ 18/3/1954‬أصبح سهل‬
‫المنال‪.‬‬
‫دث الرجلن السرائيليان يومها عن وجوب تقسيم لبنان إلى دولتين‬ ‫"فقد تح ّ‬
‫طائفيتين‪ ،‬وإنما دعني أستعمل عبارة شاريت حرفيًا‪) :‬ل جدوى ول فائدة من‬
‫محاولة إثارة حركة من الخارج‪ ،‬إذ ا لم يكن لهذه الحركة وجود في الداخل‪،‬‬
‫ومن الممكن تعزيز روح حّية إذا كانت تنبض من تلقاء نفسها‪ ،‬وليس من‬
‫الممكن بعث الروح في جسد ل تبدو عليه دلئل الحياة(‪ ،‬هذا ما قاله شاريت‬
‫حرفيا ً عن لبنان‪ ،‬لذلك أريدك أل تجعلني مسؤول ً عن خطة كانت إسرائيل‬
‫تمّهد لها منذ عام ‪ .1954‬صحيح إنني أفكر بخلق دويلت شبيهة بإسرائيل‪،‬‬
‫بعدما أخفقت في إقناع الدول العربية بفكرة الصلح النفتاحي‪ ،‬وفي قبول‬
‫هذه الدولة ‪-‬أي إسرائيل‪ -‬جزءا ً من المنطقة‪ ،‬ولكن الصحيح أيضا ً أن الحداث‬
‫حدة‪،‬‬‫منت لنا أرضية مثالية لتقسيم النفوس المو ّ‬ ‫الدامية التي افتعلناها أ ّ‬
‫وتدمير صيغة التعايش‪ ،‬وإحداث خلل أساسي في النظام الديمقراطي الوحيد‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في المنطقة")‪.(75‬‬
‫ول مجال للتشكيك في الرسالتين‪ ،‬لن أحداث لبنان تطبيق عملي لرسالة‬
‫كيسنجر‪ ،‬ومن جهة أخرى لم يصدر عن الرجلين أي تكذيب لما نشرته‬
‫الصحف عن الرسالتين‪ ،‬علما ً بأن رسالة كيسنجر فيها تجريح لريمون إّده‪،‬‬
‫ومن مصلحته لو كانت الرسالة غير صحيحة أن يصدر بيانا ً ينكر فيه اطلعه‬
‫على مثل هذه الرسالة‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬المارة الدرزّية‪:‬‬
‫بعد سقوط الجولن بيد العدو الصهيوني‪ ،‬جرت محاولت بين الكيان‬
‫الصهيوني وقسم من رجالت الدروز‪ ،‬في الجولن المحتلة وفي أوروبا‪،‬‬
‫لتشكيل إمارة درزّية‪ .‬وقد انكشفت هذه المحاولت‪ ،‬وأدلى من جرى التصال‬
‫بهم من الدروز بشهاداتهم‪ ،‬فتوقفت المحاولة علنًا‪ ،‬ولم تتوّقف سّرا ً ‪.‬‬
‫حدود الدولة الدرزية‪ :‬تمتد هذه الدولة أو المارة الدرزية‪ ،‬في جبل الدروز‪،‬‬
‫إلى الشاطئ اللبناني محيطة بإسرائيل‪ ،‬وتشمل محافظة القنيطرة‪ ،‬وقضاء‬
‫قطنا‪ ،‬وضواحي دمشق )بعض قرى الغوطة الدرزية(‪ ،‬فقضاءي حاصبيا‬
‫وراشيا‪ ،‬ثم الشوف وقضاء عاليه حتى خلدة‪ ،‬بما في ذلك بلدة الشويفات‪.‬‬
‫عاصمة المارة‪ :‬من المقرر أن تكون السويداء أو بعقلين عاصمة هذه‬
‫المارة‪ ،‬وذلك حسب أيّ من دروز لبنان أو سورية‪ ،‬يكونون أكثر تعاونا ً مع‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫علم الدولة‪ :‬هو العلم ذو اللوان الخمسة الذي وضعته فرنسا للدولة الدرزية‪،‬‬
‫بعد تقسيمها لسورية‪ ،‬على أيام الحتلل الفرنسي‪.‬‬
‫كان‪ :‬يكون المسلمون السنيون والشيعة في لبنان الجنوبي )المشمول‬ ‫الس ّ‬
‫في المارة( وكذلك في حوران والبقاع الغربي‪ ،‬مخّيرين في البقاء كأقلية ل‬
‫شأن لها ضمن المارة الدرزية أو الرحيل‪ .‬أما المسيحّيون‪ ،‬فل ضير من‬
‫بقائهم‪ ،‬ويمكن إشراكهم في الحكم كأقلّية‪.‬‬
‫المقومات القتصادية‪ :‬مضمونة من قبل إسرائيل بتعهدات أمريكية‪ ،‬يصبح‬
‫ميناء صور بعد تطويره الميناء التجاري للمارة‪ ،‬ويبقى ميناء صيدا لتصدير‬
‫النفط‪.‬‬
‫رصدت أمريكا مبلغ ثلثين مليون دولر للبدء بتهيئة الجواء لتنفيذ المخطط)‬
‫‪.(76‬‬
‫وهناك دراسات تشمل طوائف شتى وقوميات مختلفة‪ ،‬معروفة في الوطن‬
‫ن النشاط الصهيوني في‬ ‫العربي‪ ،‬ضربت عنها صفحا ً لنها معروفة‪ ،‬ول ّ‬
‫التفتيت الطائفي والعرقي نشاط مشهود‪ ،‬ل يكاد يخفى على كل ذي عقل‬
‫سليم‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫ل تقتصر الصهيونية على إحباط محاولت العرب للوحدة العربية السياسية‬
‫والعسكرية والقتصادية‪ ،‬بل تحاول جاهدة لتفتيت الوطن العربي إلى دويلت‬
‫قق‬ ‫طائفية وعرقية‪ ،‬ليصبح في كل قرية منبر وعلم وأمير‪ ،‬وبذلك تح ّ‬
‫الصهيونية شعارها الذي رفعته من سنة ‪ 1948‬حتى اليوم‪ ،‬وهو‪ :‬ولدت‬
‫الصهيونية في الرض المحتلة لتبقى‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫وق عليه عدديا ً بنسبة‬


‫وليس بإمكان الكيان الصهيوني أن يبقى في محيط‪ ،‬يتف ّ‬
‫سبعين من العرب على واحد من الصهاينة‪ ،‬وسعة بنسبة أربعين للعرب إلى‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واحد للصهاينة‪ ،‬كما أن الطاقات العربية المادية والمعنوية متفوقة بالنسبة‬


‫للعرب على الصهاينة تفوقا ً ساحقًا‪ ،‬ولكن هذه الطاقات الضخمة غير منظمة‬
‫كما هو الحال في تنظيم الطاقات الصهيونية‪ ،‬فإذا بقيت الطاقات العربية‬
‫ة غير منظمة‪ ،‬فلن تبقى كذلك إلى قيام الساعة‪ ،‬لذلك أنذر الصهاينة‬ ‫ساع ً‬
‫عقلؤهم وحكماؤهم‪ ،‬بأن مصيرهم مظلم على المدى البعيد‪ ،‬وأن تجمعهم‬
‫في موطن واحد‪ ،‬له أفدح العواقب‪ .‬إذ تكون الصهيونية مهددة بالندحار‬
‫وتكبيدهم خسائر فادحة في الموال والرواح‪ .‬وقد صدرت عشرات الكتب‬
‫تنذر الصهاينة بالمصير المظلم كما هو معروف‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫ولكن الصهاينة لم ينصتوا إلى مفكريهم وآراء حكمائهم‪ ،‬فتغلبت الصهيونية‬


‫في اتجاهها السياسي على الحكمة‪ ،‬فكان على الصهاينة أن يعملوا على‬
‫إضعاف جيرانهم بالتفتيت الطائفي والعرقي تارة‪ ،‬وحرمانهم من التفوق‬
‫التقني تارة أخرى‪ ،‬والعمل على سيادة‪ :‬الحضارة العبرّية‪ ،‬بإضعاف نفوذ‬
‫الديانتين السلمية والمسيحية السائدتين في البلد العربية تارة أخرى‪ ،‬ليكون‬
‫بإمكان الصهاينة الستيلء على إسرائيل الكبرى‪ :‬من النيل إلى الفرات)‪،(77‬‬
‫والسبيل إلى نشر الحضارة العبرية‪ :‬هو التعليم العبري من جهة‪ ،‬وتكريه‬
‫العرب بدينهم وقيمهم العليا من جهة أخرى‪ .‬فقد كانت الكتب المقررة‬
‫لدراسة التاريخ في المدارس اليهودية في العراق‪ ،‬ترتكز على موضوعات‬
‫معينة ذات دللت خاصة‪ ،‬مثل‪« :‬أورشليم»‪ ،‬وعلى ما يسمى بالسبي البابلي‬
‫لليهود‪ ،‬ومواقف العرب من اليهود قبل السلم وبعده‪ ،‬وكيف هبت ملوك‬
‫الفرس لمساعدة اليهود وأعانوهم في العودة إلى فلسطين وبناء الهيكل من‬
‫جديد‪ .‬وفي جميع الدراسات التاريخية تشويه مقصود للتاريخ العربي ‪-‬‬
‫السلمي‪ ،‬وإثارة الحقد والضغينة على العرب والمسلمين وتراثهم الحضاري‪،‬‬
‫وإظهار التاريخ اليهودي بمظهر الفاعلية والطاقة السياسية والجتماعية‪ ،‬مما‬
‫يغرس في نفوس الطلب اليهود في العراق منذ نعومة أظفارهم‪ :‬أفكار‬
‫دهم‬ ‫معاداة العرب‪ ،‬ورفض التعايش معهم‪ ،‬ومبادئ الدعاية للصهيونية‪ ،‬ويع ّ‬
‫فكريا ً وسياسيا ً لخدمة أهداف الصهيونية‪ ،‬وفي الوقت الذي كانت جميع‬
‫المدارس اليهودية في العراق تدّرس وبل استثناء‪ ،‬اللغة العبرية‪ ،‬وهي في‬
‫مناهجها ليست لغة دين فقط‪ ،‬وإنما هي أداة لتحقيق الوحدة بين يهود العراق‬
‫ن‬
‫ويهود العالم‪ ،‬وتعميق الشعور بالمصير اليهودي الواحد‪ .‬والكثر أهمية‪ ،‬أ ّ‬
‫دهم جميعا ً‬ ‫طلبة المدارس اليهودية في العراق من البنين والبنات‪ ،‬كانت تش ّ‬
‫الرابطة اليهودية التي توثقت عراها في الحياء اليهودية المغلقة‪ ،‬وفي‬
‫المدارس اليهودية والمعابد الملحقة بها‪ ،‬وفي النشرات والصحف والمجلت‬
‫العبرية التي تقوم بتوزيعها المنظمات الصهيونية في العراق )في حينه(‪ ،‬فقد‬
‫عملت هذه الرابطة على توجيه أبصارهم وقلوبهم إلى فلسطين‪ ،‬قبل قيام‬
‫الكيان الصهيوني‪ ،‬وبعد قيامه عام ‪ 1948،‬فأضعفت ولءهم إلى حد كبير‬
‫للعراق الذي يعيشون على أرضه‪ ،‬وينعمون بخيراته‪ ،‬وينالون العطف‬
‫والتسامح من أهله‪ ،‬وعمقت في نفوسهم الحقد والكره على غير اليهود من‬
‫أبناء الشعب العراقي‪ .‬كما أن المعلمين والمدرسين اليهود الذين قدموا من‬
‫فرنسا وغيرها من القطار الوروبية ومن فلسطين‪ ،‬للتدريس في المدارس‬
‫اليهودية في العراق‪ ،‬كانوا يحملون أفكارا ً معادية للعرب وللغة العربية‬
‫وللتاريخ العربي وتراث العرب الحضاري‪ ،‬ويجهدون من أجل نشرها بين طلبة‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المدارس اليهودية‪ ،‬وبخاصة الطفال منهم في رياض الطفال وفي الصفوف‬


‫الولى للدراسة البتدائية‪" :‬إن الطفل الصغير‪ ،‬يقرأ وهو في سنيه الولى‪،‬‬
‫كتابا ً عبريا ً طبعته له منظمات صهيونية في فلسطين‪ ،‬حاولت من خلله‬
‫تنشئة الطفل نشأة صهيونية محضة‪ ،‬فيتقّزز من منظر عربي وينفر من كل‬
‫ما يسمى وطنا ً عربيًا")‪ .(78‬وكان الحرص على تعّلم اللغات الجنبية‬
‫دث بها بطلقة في المدارس اليهودية‪ ،‬أشد كثيرا ً من الحرص على تعلم‬ ‫والتح ّ‬
‫اللغة العربية‪ ،‬كل ذلك‪ ،‬من أجل قطع رابطة الطالب اليهودي والطالبة‬
‫اليهودية باللغة العربية‪ ،‬أو لتهمل دراستها وإجادة الكتابة بها‪ ،‬فمدير مدرسة‬
‫)الليانس( اليهودية في العمارة على سبيل المثال‪ ،‬كان ُيقاصص كل طالب‬
‫يتكلم اللغة العربية‪ ،‬ويجبرهم على التكلم باللغة الفرنسية")‪ ،(79‬وفي طريق‬
‫جهت‬ ‫تنفيذ المخطط الصهيوني للستيلء على أرض فلسطين العربية‪ ،‬فقد و ّ‬
‫المدارس اليهودية في العراق عناية خاصة جدًا‪ ،‬وبأسلوب دقيق وغير مباشر‪،‬‬
‫ولكن نشيط وفّعال‪ ،‬بالتثقيف العسكري والتجسس‪ .‬وقد أثبتت التحقيقات‬
‫التي قامت بها الجهزة المنية مع العناصر التي عملت في المنظمات‬
‫الصهيونية الرهابية في العراق‪ ،‬أن المدارس اليهودية‪ ،‬كانت من أخطر البؤر‬
‫التي عملت على تجنيد الناشئة اليهود في التشكيلت العسكرية التخريبية‪،‬‬
‫والتدريب على السلحة وصنع القنابل والمتفجرات وكيفية استخدامها)‪(80‬‬
‫وأغلب معلمي ومدرسي المدارس اليهودية في العراق الذين يدّرسون اللغة‬
‫العبرية ‪-‬إن لم نقل جميعهم‪ -‬كانوا من دعاة الصهيونية ومن المتحمسين‬
‫لقامة الكيان الصهيوني ممن يحرصون على غرس المفاهيم الواردة في‬
‫التوراة والتلمود في نفوس التلميذ‪ ،‬وهي أساس المنطلقات الفكرية‬
‫والسياسية للحركة الصهيونية العالمية‪ ،‬كما وردت في بروتوكولت المؤتمر‬
‫الصهيوني العالمي عام ‪ 1897‬والمؤتمرات اللحقة لهذا المؤتمر‪ .‬لقد جاء‬
‫في قرارات المؤتمر الصهيوني الثامن والعشرين المنعقد في القدس في‬
‫عام ‪" :1972‬واجبات الصهيوني تجاه اللغة العبرية والتربية اليهودية‪ :‬إن‬
‫واجب كل صهيوني في تعلم تقاليد الشعب واللمام بها‪ ،‬ويجب أن تكون‬
‫اللغة العبرية اللغة الثانية لكل يهودي في المنفى‪ ،‬وبواسطة العبرية تنمو‬

‫)‪(21 /‬‬

‫ثقافة الشعب‪ ،‬ويتم إغناء حياة اليهود الروحية في الشتات )‪ (EXODOS‬أي‬


‫في القطار عدا فلسطين‪ -‬ويتم إعداد الذين يتعلمونها للهجرة والستيطان‬
‫في البلد )أي في الكيان الصهيوني(»)‪.(81‬‬
‫لقد كانت المدارس اليهودية في العراق‪ ،‬تعمل عملها التخريبي‪ ،‬وهي في‬
‫صا ً وروحًا‪ ،‬وما يقال عن التخريب‬ ‫خدمة الصهيونية العالمية وتحقيق أهدافها ن ّ‬
‫في العراق خدمة للصهيونية‪ ،‬يقال عن البلد العربية الخرى‪ ،‬فقد كان يهود‬
‫البلد العربية يعملون للصهيونية بكل طاقاتهم المادية والمعنوية)‪ ،(82‬لنشر‬
‫الحضارة العبرية في البلد العربية‪ ،‬ولن تنتشر هذه الحضارة إل بإماتة‬
‫الحضارة العربية السلمية وإضعاف أثرها وتأثيرها في عقول وقلوب العرب‬
‫والمسلمين‪ ،‬كما صرح بذلك الصهاينة وبخاصة المستشرقين منهم‪ ،‬ول عتب‬
‫على الصهاينة في دسهم‪ ،‬فهذا هو دأبهم‪ ،‬وهم أعداء على كل حال‪ ،‬والعدو ل‬
‫ينصف عدوه أبدًا‪ ،‬ولكن العتب على أبنائنا من معلمين ومدرسين وأساتذة‪،‬‬
‫الذين ينقلون أفكار الصهاينة المتخذة لبوس البحث العلمي زورا ً وبهتانًا‪ ،‬دون‬
‫تمحيص وتدقيق وبحث واستقصاء‪ ،‬لستكشاف مكامن الزيغ والخطل‪ ،‬ونقل‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الفكار لتسميم عقول تلميذنا وطلبنا في المدارس والمعاهد‬


‫ف لفهم‪،‬‬ ‫والجامعات‪ ،‬فلبد من الحذر من أفكار المستشرقين الصهاينة ومن ل ّ‬
‫س‪ ،‬وانحرافهم واضح للعيان ل يخفى على عاقل‬ ‫فقد تخصصوا بالكذب والد ّ‬
‫سوى العقل من العرب والمسلمين‪ ،‬وحتى من غير العرب والمسلمين‪.‬‬
‫لقد كان ليهود العراق نشاط صهيوني قبل الحرب العالمية الولى‪ ،‬وكان لهم‬
‫نشاط محموم بعد الحرب العالمية الولى‪ ،‬وقد أسسوا منظمات صهيونية في‬
‫العراق‪ ،‬كان لها نشاط تخريبي مشهود‪ ،‬وكان لهذه المنظمات إرهاب موجه‬
‫ضد يهود العراق لجبارهم على الهجرة إلى الرض العربية المحتلة في‬
‫فلسطين‪ ،‬وقد ثبت ذلك في محاكمات عادلة)‪ ،(83‬وما يقال عن نشاط يهود‬
‫العراق‪ ،‬يقال عن نشاط سائر الدول العربية كافة بدون استثناء‪.‬‬
‫ولعل أخطر الفات التي تعرضت وتتعّرض له أمتنا العربية المجاهدة‪ ،‬هي‬
‫محاولة أعدائها‪ ،‬على اختلف ألسنتهم وألوانهم‪ ،‬وتباين مذاهبهم ومعتقداتهم‪،‬‬
‫خلق حالت من الفوضى والضطراب بين المة الواحدة‪ ،‬وتغذية روح التنافر‬
‫والعداء بين أفرادها‪ ،‬واستثارة التفرقة والخلف الديني في صفوفها‪ ،‬كل ذلك‬
‫ل حركة النهوض واليقظة‪ .‬وأخطر الدروس المستفادة من قراءة‬ ‫من أجل ش ّ‬
‫تاريخنا وحركته هو‪ :‬ثبات المرتكزات والمحاور التي اعتمدتها حركات الهدم‬
‫وشبكات التخريب‪ ،‬ماضيا ً وحاضرًا‪ ،‬حتى ليصدق عليها القول‪ ،‬بأن جميعها‬
‫تبدو متماثلة متحدة في أصولها وجذورها ومناهج عملها وخططها‪ ،‬وإن‬
‫صور والشكال الخارجية وفي مفردات مواقفها‬ ‫اختلفت في المصادر وال ّ‬
‫الجزئية‪.‬‬
‫والدارس لهذا البحث‪ ،‬يجد أن الساليب التي اّتبعها يهود العراق القدامى على‬
‫عهد البابليين العراقيين من الخلف‪ ،‬وبيعهم لعدائهم بثمن بخس‪ ،‬وتشجيع‬
‫وغ معقول‪ ،‬ل تختلف كثيرا ً عن أساليب‬ ‫أعدائهم على اكتساحهم دون مس ّ‬
‫يهود العراق من سنة ‪ 1914‬إلى سنة ‪ 1952‬في نشاطهم الصهيوني‬
‫سسي والتخريبي في العراق وخارجه خدمة للصهيونية العالمية‬ ‫والتج ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومخططاتهم قديما وحديثا يمكن إجمالها في‪ :‬تفتيت البلد الذي يعيشون فيه‬
‫إلى طوائف وعروق‪ ،‬وتحريض العداء عليه‪ ،‬والتعاون مع العدو المغتصب‪،‬‬
‫وكشف أسرار البلد‪ ،‬والدعاية السيئة ضده لتشويه سمعته زورا ً وبهتانًا‪،‬‬
‫والغدر ونقض العهود‪ ،‬والسيطرة القتصادية على البلد‪ ،‬والتفريق بيت أبناء‬
‫البلد الواحد‪ ،‬وبين أبناء القطار العربية بالشاعات الكاذبة‪ ،‬ومحاولة تشقيق‬
‫جماعتهم‪ ،‬وإضعاف قوتهم بالفتن والقلقل الداخلية والخارجية وبالحروب‬
‫ض‬
‫وغ لها‪ ،‬وإضعاف الروح المعنوية‪ ،‬وغير ذلك من المكايد التي تق ّ‬ ‫التي ل مس ّ‬
‫كام والمحكومين على حد سواء‪.‬‬ ‫مضاجع الح ّ‬
‫فلبد من أن يحذرهم العرب والمسلمون‪ ،‬فهم أعداء متربصون‪ ،‬وأطماعهم‬
‫التوسعية ل يجهلها أحد‪ ،‬لنها معلنة ل يخفونها‪ ،‬وهي بالنسبة لهم جزء من‬
‫ن مصدرها التوراة والتلمود‪.‬‬ ‫الدين‪ ،‬ل ّ‬
‫ً‬
‫والحمد لله كثيرا‪ ،‬والشكر له على توفيقه‪ ،‬وأدعوه أن يفيد بهذه الدراسة‪،‬‬
‫ويجعلها خالصة لوجهه الكريم‪.‬‬
‫تمت‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪ (70‬مجلة فلسطين ‪ -‬العدد ‪ - 115‬تاريخ ‪ - 3/7/1982‬مقال بيتر مانسفيلد‬
‫الخبير البريطاني في الشؤون العربية‪.‬‬
‫)‪ (71‬النواوي ‪ -‬محمد عبد الغني النواوي ‪ -‬الصراع العربي السرائيلي ‪) -‬‬
‫‪ - (314 - 313‬بيروت ‪ - 1983 -‬ط ‪.1‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (72‬كارانجيا ‪ -‬خنجر إسرائيل ‪ - (91) -‬نقله إلى العربية مروان الجابري ‪-‬‬
‫المكتب التجاري للطباعة ‪ -‬بيروت ‪ - 1967 -‬ط‪ 2،‬وانظر الصراع العربي ‪-‬‬
‫السرائيلي )‪ - (1/315‬مصدر سابق‪.‬‬
‫)‪ (73‬خنجر إسرائيل ‪ -‬مرجع سابق )‪.(90‬‬
‫)‪ (74‬خنجر إسرائيل ‪ -‬مرجع سابق ‪.(41) -‬‬
‫)‪ (75‬رسالة كيسنجر نشرتها أكثر من صحيفة عربية‪ ،‬انظر جريدة الوطن‬
‫الكويتية الصادرة في ‪ 1977،/19/8‬ورسالة ريمون إّده نشرتها جريدة‬
‫السياسة الكويتية الصادرة بتاريخ ‪ 1976،/12/6‬نقل ً عن‪ :‬الصراع العربي‬
‫السرائيلي ‪ -‬مرجع سابق ‪.(319 - 317) -‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫ن الصهاينة إذا بقوا مشردين في أقطار‬‫)‪ (76‬ملخص فكرة تلك الكتب‪ ،‬أ ّ‬
‫الرض‪ .‬كما كانوا عليه قبل مولد الكيان الصهيوني سنة ‪ 1948‬في الرض‬
‫ن‬
‫العربية المحتلة‪ :‬فلسطين‪ ،‬أفضل لهم من تجمعهم في موطن واحد‪ ،‬ل ّ‬
‫تفرقهم يحميهم من البادة الكاملة‪ ،‬حتى إذا اضطهد الصهاينة في قطر ما‪،‬‬
‫ل‪ ،‬يبقى الصهاينة في القطار الخرى سالمين‪ ،‬كما حدث منذ‬ ‫وأبيدوا هناك مث ً‬
‫كانت اليهودية حتى اليوم‪ ،‬أما إذا اجتمعوا في مكان واحد‪ ،‬في وسط من‬
‫الناس يعاديهم ويعادونه‪ ،‬فإن ذلك يؤدي إلى تكبيدهم خسائر عظيمة اليوم أو‬
‫غدًا‪ ،‬هم في غنى عنها‪ ،‬وبعيدون عن أخطارها في حالة تشتتهم‪.‬‬
‫)‪ (77‬خنجر إسرائيل ‪ -‬مصدر سابق ‪ ،(31) -‬وانظر‪ :‬أهداف إسرائيل‬
‫التوسعية في البلد العربية ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪ -‬ط ‪.1971 - 2‬‬
‫)‪ (78‬موسى بن نصير ‪ -‬شذوذ ومآسي الطائفة اليهودية ‪ -‬مطبعة الكرخ ‪-‬‬
‫بغداد ‪1352 -‬هـ ‪ -‬من )‪.(240 - 239‬‬
‫)‪ (79‬شريف يوسف ‪ -‬مدارس التحاد السرائيلي في العراق )الليانس(‬
‫وارتباطاتها بالحركة الصهيونية العالمية ‪ -‬مجلة آفاق عربية ‪ -‬السنة السادسة‬
‫‪ -‬العدد )‪ - (5‬كانون الثاني ‪ - 1981‬ص )‪.(49‬‬
‫)‪ (80‬البراك ‪ -‬د‪ .‬فاضل البراك ‪ -‬المدارس اليهودية واليرانية في العراق ‪) -‬‬
‫‪ - 48 - 47 - 46‬بغداد ‪.(1984 -‬‬
‫)‪ (81‬المؤتمر الصهيوني الثامن والعشرون ‪ - 1972 -‬مترجم عن العبرية‬
‫والنكليزية بإشراف الدكتور إلياس شوفاني ‪ -‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‬
‫‪ -‬بيروت ‪ -‬ومركز الدراسات بجريدة الهرام ‪ -‬بيروت ‪ - 1977 -‬ص )‪.(432‬‬
‫)‪ (82‬أحمد محمد غنيم وأحمد أبو كف ‪ -‬اليهود والحركة الصهيونية في مصر‬
‫)‪ - (1947 - 1897‬كتاب الهلل ‪ -‬العدد )‪ - (219‬القاهرة ‪.1969 -‬‬
‫)‪ (83‬انظر التفاصيل في‪ :‬السوداني ‪ -‬صادق حسن ‪ -‬النشاط الصهيوني في‬
‫العراق ‪ - 1952 - 1914‬وزارة الثقافة والعلم ‪ -‬بغداد ‪.1980 -‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫إبراهيم العدوي‪:‬‬
‫‪ - 1‬رشيد رضا ‪ -‬سلسلة أعلم العرب رقم ‪ - 33‬المؤسسة المصرية للتأليف‬
‫والنشر‪.‬‬
‫القاهرة ‪.1964 -‬‬
‫ابن الثير‪ :‬عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني‬
‫الجزري‪.‬‬
‫‪ - 2‬الكامل في التاريخ ‪ -‬بيروت ‪1385 -‬هـ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابن حزم‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الندلسي‪:‬‬


‫‪ - 3‬الفصل في الملل والنحل ‪ -‬القاهرة ‪.1929 - 1928 -‬‬
‫ابن الخطيب‪ :‬لسان الدين بن الخطيب‪.‬‬
‫‪ - 4‬الحاطة في أخبار غرناطة ‪ -‬القاهرة ‪.1954‬‬
‫‪ - 5‬أعمال العلم ‪ -‬بيروت ‪.1956‬‬
‫ابن خلدون‪ :‬عبد الرحمن بن خلدون المغربي‪.‬‬
‫‪ - 6‬العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ‪ -‬بيروت‬
‫‪.1932‬‬
‫ابن سعد‪ :‬أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري‪.‬‬
‫‪ - 7‬الطبقات الكبرى ‪ -‬بيروت ‪1376 -‬هـ‪.‬‬
‫ابن عبد ربه‪ :‬أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الندلسي‪.‬‬
‫‪ - 8‬العقد الفريد ‪ -‬القاهرة ‪1373 -‬هـ‪.‬‬
‫ابن عساكر‪ :‬أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين‬
‫بن عساكر‪.‬‬
‫‪ - 9‬تهذيب ابن عساكر ‪ -‬دمشق ‪1329 -‬هـ‪.‬‬
‫ابن قتيبة‪ :‬أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪.‬‬
‫‪ - 10‬عيون الخبار ‪ -‬القاهرة ‪1383 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 11‬المعارف ‪ -‬تحقيق ثروة عكاشة ‪.1960 -‬‬
‫ابن القيم‪ :‬شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر‪.‬‬
‫‪ - 12‬أحكام أهل الذمة ‪ -‬تحقيق صبحي الصالح ‪ -‬دمشق ‪1381 -‬هـ‪.‬‬
‫ابن كثير‪ :‬عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن عمر بن كثير‪.‬‬
‫‪ - 13‬البداية والنهاية ‪ -‬بيروت ‪.1966 -‬‬
‫أبو زهرة‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫‪ - 14‬تاريخ المذاهب السلمية ‪ -‬القاهرة‪ .‬بل تاريخ‪.‬‬
‫أبو الفدا‪ :‬عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر‪.‬‬
‫‪ - 15‬المختصر في أخبار البشر ‪ -‬القاهرة ‪ -‬بل تاريخ‪.‬‬
‫البراك‪ :‬د‪ .‬فاضل البراك‪.‬‬
‫‪ - 16‬المدارس اليهودية واليرانية في العراق ‪ -‬بغداد ‪.1984 -‬‬
‫البستاني‪ :‬سيف الدين البستاني‪.‬‬
‫‪ - 17‬أوقفوا هذا السرطان ‪ -‬دار النهضة العربية للتأليف والترجمة والنشر ‪-‬‬
‫دمشق ‪.1959 -‬‬
‫بلقين‪ :‬عبد الله بلقين‪.‬‬
‫‪ - 18‬التبيان أو مذكرات المير عبد الله بن بلقين ‪ -‬القاهرة ‪.1955 -‬‬
‫التل‪ :‬عبد الله التل‪.‬‬
‫‪ - 19‬الفعى اليهودية في معاقل السلم ‪ -‬بيروت ‪.1971 -‬‬
‫‪ - 20‬خطر اليهودية العالمية على السلم والمسيحية ‪ -‬القاهرة ‪.1964 -‬‬
‫التونسي‪ :‬محمد خليفة التونسي‪:‬‬
‫‪ - 21‬الخطر اليهودي )بروتوكولت حكماء صهيون( بيروت ‪ -‬بل تاريخ‪.‬‬
‫توينبي‪ :‬آرنولد توينبي‪.‬‬
‫‪ - 22‬محاضرات ترجمها د‪ .‬فؤاد زكريا ‪ -‬القاهرة ‪.1966 -‬‬
‫حمادة‪ :‬حسين محمد حمادة‪.‬‬
‫‪ - 23‬شهادات ماسونية ‪ -‬بيروت ‪.1980 -‬‬
‫خطاب‪ :‬محمود شيت خطاب‪.‬‬
‫‪ - 24‬أهداف إسرائيل التوسعية في البلد العربية ‪ -‬بيروت ‪ 1971 -‬ط ‪.3‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 25‬الرسول القائد ‪ -‬بيروت ‪ - 1974 -‬ط ‪.5‬‬


‫‪ - 26‬طريق النصر في معركة الثأر ‪ -‬بيروت ‪ - 1972 -‬ط ‪.2‬‬
‫‪ - 27‬الوجيز في العسكرية السرائيلية ‪ -‬بيروت ‪ - 1972 -‬ط ‪.3‬‬
‫الزركلي‪ :‬خير الدين الزركلي‪.‬‬
‫‪ - 28‬العلم ‪ -‬القاهرة ‪1378 - 1373 -‬هـ ‪ -‬ط ‪.2‬‬
‫السوداني‪ :‬صادق حسن السوداني‪.‬‬
‫‪ - 29‬النشاط الصهيوني في العراق ‪ - 1952 - 1914‬بغداد ‪.1980 -‬‬
‫السرخسي‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫‪ - 30‬شرح كتاب السير الكبير ‪ -‬محمد بن الحسن الشيباني ‪ -‬القاهرة ‪-‬‬


‫‪.1958‬‬
‫الضابط‪ :‬شاكر صابر الضابط‪.‬‬
‫‪ - 31‬تاريخ المنازعات والحروب بين العراق وإيران ‪ -‬بغداد ‪.1984 -‬‬
‫الطبري‪ :‬أبو جعفر محمد بن جرير الطبري‪.‬‬
‫‪ - 32‬تاريخ الرسل والملوك ‪ -‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ -‬القاهرة ‪-‬‬
‫‪.1964‬‬
‫طعيمة‪ :‬صابر عبد الرحمن‪.‬‬
‫‪ - 33‬إسرائيل بين المسير والمصير ‪ -‬القاهرة ‪.1973‬‬
‫عنان‪ :‬محمد عبد الله عنان‪.‬‬
‫‪ - 34‬دول الطوائف في الندلس ‪ -‬القاهرة ‪.1960 -‬‬
‫أبو حامد الغزالي‪:‬‬
‫‪ - 35‬فضائح الباطنية ‪ -‬تحقيق عبد الرحمن بدوي ‪ -‬القاهرة ‪.1964 -‬‬
‫غنيمة‪ :‬يوسف رزق الله‪.‬‬
‫‪ - 36‬نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ‪ -‬بغداد ‪.1924 -‬‬
‫كرانجيا‪ :‬ر‪ .‬ك‪ .‬كرانجيا‪:‬‬
‫‪ - 37‬خنجر إسرائيل ‪ -‬بيروت ‪ - 1967 -‬ط ‪.2‬‬
‫كرد علي‪ :‬محمد كرد علي‪.‬‬
‫‪ - 38‬المذكرات ‪ -‬مطبعة الترقي ‪ -‬دمشق ‪.1948 -‬‬
‫ليتنتال‪ :‬ألفريد‪.‬‬
‫‪ - 39‬ثمن إسرائيل ‪ -‬بيروت ‪.1967 -‬‬
‫‪ - 40‬إسرائيل ذلك الدولر الزائف ‪ -‬ترجمة عمر الديراوي ‪ -‬بيروت ‪.1965 -‬‬
‫معروف‪ :‬خلدون ناجي‪.‬‬
‫‪ - 41‬جوانب من التعليم اليهودي ‪ -‬مقالة منشورة في العدد )‪ (17‬من مجلة‬
‫مركز الدراسات‪ .‬لشهري تشرين الول والثاني ‪.1976‬‬
‫منصوربن يونس بن إدريس‪:‬‬
‫كشاف القناع ‪.1394 -‬‬
‫الميداني‪ :‬عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني‪.‬‬
‫‪ - 42‬مكائد يهودية عبر التاريخ ‪ -‬بيروت ‪.1974 -‬‬
‫النواوي‪ :‬محمد بن عبد الغني النواوي‪.‬‬
‫‪ - 43‬الصراع العربي السرائيلي ‪ -‬بيروت ‪.1983 -‬‬
‫ناثنك‪ :‬أنتوني‪.‬‬
‫‪.I saw for my self London -1958 – 44‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نويهض‪ :‬عجاج نويهض‪.‬‬


‫‪ - 45‬بروتوكولت حكماء صهيون ‪ -‬بيروت ‪.1980 -‬‬
‫ياقوت شهاب الدين‪ :‬أبو عبد الله ياقوت الحموي‪.‬‬
‫‪ - 46‬معجم البلدان ‪ -‬القاهرة ‪1323 -‬هـ‪.‬‬
‫اليعقوبي‪ :‬أحمد بن أبي يعقوب بن واضح‪.‬‬
‫‪ - 47‬البلدان ‪ -‬ليدن ‪.1892 -‬‬
‫اليماني‪ :‬محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي اليماني‪.‬‬
‫‪ - 48‬كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة ‪ -‬القاهرة ‪ -‬بل تاريخ‬

‫)‪(24 /‬‬

‫سعودِّيون"‪..‬قراءة هادئة‪...‬‬ ‫"الّتنويرِّيون ال ّ‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني ‪19/5/1425‬‬
‫‪07/07/2004‬‬
‫ً‬
‫عندما كثر الحديث عن الغلو والرهاب في الونة الخيرة خصوصا خلل‬
‫العامين الماضيين ؛ برزت على السطح كثير من الفكار التصحيحّية‬
‫طرا ً عدة للخروج من مأزق التكفير والتطّرف‪ ،‬وُتهم الجمود‬ ‫والصلحّية‪ ،‬وأ ُ ُ‬
‫ي المعاصر‪ .‬فكانت‬ ‫ي الذي وجه للخطاب السلم ّ‬ ‫الفكريّ والنغلق الفقه ّ‬
‫فرصة مهمة للمراجعة وإعادة النظر في كثير من الولوّيات وتراتيب العمل‬
‫ما‪.‬‬
‫ي عمو ً‬ ‫ي والصلح ّ‬ ‫السلم ّ‬
‫ون المقام منصّبا نحو التطّرف والغلوّ كأساس للمراجعات؛ كان لبد ّ‬ ‫ونظرا ً لك ْ‬
‫ن يغري البعض بأفكار متطرفة في المقابل‪ ،‬قد تتفق أو‬ ‫لهذا التطرف أ ْ‬
‫تختلف من حيث القوة ولكنها تعاكسه من حيث التجاه‪.‬‬
‫هج النفتاح العلمي العولمي‪-‬‬ ‫فظهرت على الساحة الفكرية – متزامنة مع وَ َ‬
‫أطياف متعددة لرؤى تجديدية كان بعضها شديد القابلية لسر اللحظة‬
‫ت بجديد بقدر ما هو‬ ‫الحاضرة والمعطيات الجاهزة والبيئة المحيطة‪ .‬فلم تأ ِ‬
‫إسماع بالتجديد‪ .‬وبرزت تيارات فكرية ُبعثت من جديد في وطننا بعد ركود‬
‫ي في بعض القطار السلمّية ‪.‬‬ ‫دام عقوًدا من الزمن عاشت عصرها الذهب ّ‬
‫كان من أبرزها حضورا ً في الزمة الراهنة " التيار التنويري " أو " العقلني "‬
‫ي طليعة من المثقفين‬ ‫ذو الّثقافة والفلسفة السلمية‪ .‬وقد حمل إرثه الصلح ّ‬
‫السعوديين ‪ ،‬برز منهم على الساحة العلمية بعض الشباب المثقف‬
‫صدام‪ ،‬والمستعد لخوض معارك البقاء‪ ،‬والمنعتق من‬ ‫ضا‪ -‬لل ّ‬‫والمتحمس –أي ً‬
‫سجالت ومعارك إقصائّية‬ ‫قيد اليدلوجيات التقليدّية أو الحركّية‪ ،‬مما أّدى إلى ِ‬
‫شهدتها ساحات النترنت وبعض صحفنا اليومية وسط مناخات فكرية قاسية‪،‬‬
‫وثقافات كانت تحّرم هذا الطرح جملة وتفصي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ن شيوع استخدام مصطلح " التنوير" في وصف هذا الفكر الناشئ من ِقبل‬ ‫إ ّ‬
‫ي والفكريّ للفلسفة‬ ‫أصحابه وغيرهم ‪ ،‬يدعونا لدراسة المتداد التاريخ ّ‬
‫التنويرّية التي نشأت في أوائل القرن السابع عشر الميلدي ‪ ،‬والتي يحلم‬
‫ربة رائدة يمكن تكرارها في المجتمعات المماثلة ‪..‬‬ ‫البعض بمحاكاتها كتج ِ‬
‫حيث انطلقت بداية التنوير العقلي والتحرر من القيود الدينّية والسلطوّية‬
‫بشكل واضح مع الثورة النجليزّية عام ‪1688‬م ‪ ،‬كتب أثناءها )جون لوك(‬
‫مقالته "حول التسامح "‪ ،‬ثم مقالته في "الفهم النساني"؛ والتي أّدت إلى‬
‫ي منع الستبداد الكاثوليكي وسمح للبروتستانت وغيرهم‬ ‫ي وسياس ّ‬ ‫حراك ثقاف ّ‬ ‫ِ‬
‫بحرّية العبادة والتعليم‪ ،‬وقد صدر قانون " التسامح" ‪1689‬م ليجعل إنجلترا‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في تلك الحقبة أكثر دول أوروبا حرية وليبرالّية ‪.‬‬


‫خلل القرنين السابع عشر والثامن عشر برز النتاج الفكري والعلمي لفلسفة‬
‫التنوير والذي أطاح بجانب كبير من العقيدة المسيحّية‪ ،‬وجعل العقل آلة‬
‫ي‪،‬‬‫ّ‬ ‫غيب‬ ‫الفهم للطبيعة والكون والحياة ‪ ،‬وُأسقط كل ما هو خارق للطبيعة أو‬
‫وبدأ النقد اللذع لسلطة الكنيسة وهيمنتها القطاعّية الستبدادّية على الفكر‬
‫والسياسة والمجتمع‪ ..‬من خلل تبطين النقد في بعض الّروايات الدرامّية‬
‫الفلسفّية؛ كان أشهرها "إيلويز الجديدة " لجان جاك روسو ‪ ،‬و"رسائل‬
‫فارسية " لمنتسكيو ‪ ،‬و "كانديرا" لفولتير ‪ ،‬و" جاك القدري " لديدرو‪ ،‬وغيرها‬
‫من الروايات والمقالت ‪ ،‬والتي أثارت الكنيسة وأتباعها؛ فحّرمت قراءتها‬
‫وتداولها في وقت انتشرت الصالونات الدبّية في كثير من المدن الوربّية كان‬
‫أشهرها الصالونات الباريسية المحمومة بالنقد واللحاد الذي بدأ يظهر على‬
‫بعض الفلسفة التنويريين‪.‬‬
‫في تلك الونة برز النتاج العقلي الثائر على السلطة الكهنوتية التي جسدت‬
‫القدر اللهي المرسوم الذي ل يحيد عنه إل هالك ‪ ،‬وانتهى احتكار الرهبان‬
‫والقساوسة للفلسفة والعلم ‪ .‬حينها توالدت النظرّيات الفلسفّية العقلنّية‬
‫متها‬
‫الصارخة على يد "هيلفتيوس" و" ديكارت " و "سبنيوزا"‪ ،‬وبلغت ق ّ‬
‫ورها على يدي "هيجل" الذي ُتعد ّ فلسفته العمق في الفكر الوربي‬ ‫وتط ّ‬
‫الحديث ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم خرجت النظريات الجتماعّية التنويرّية فاّتسق نظامها المعرفي في‬


‫مشروع "كانت" و "فيكو" ‪ .‬كما برزت النظريات القتصادية من خلل "آدم‬
‫سميث" و"ماركس" ‪ ،‬ويعتبر "ميكافيلي" أول فيلسوف سياسي تنويري يضع‬
‫مشروع الدولة المركزّية الُبرجوازّية؛ وبدأ المنهج التجريبي العلمي يتبلور‬
‫حراك‬ ‫على يدي "فرانسيس بيكون" و " نيوتن" و " غاليليو"‪ ،..‬حينها تصاعد ال ِ‬
‫ي هّيج الجماهير الفقيرة‬ ‫ي وسياس ّ‬‫حراك اجتماع ّ‬ ‫الفكري والثقافي إلى ِ‬
‫المقهورة في فرنسا وبقية الدول الوروبية‪ ،‬وحتى أمريكا إلى انتهاج الثورة‬
‫على الدولة والكنيسة‪(1).‬امتد ّ الثر الفكري للثورة الفرنسية مع امتدادها‬
‫العسكري‪ ،‬وكذلك من خلل التصال الغربي بالمشرق السلمي‪ ،‬وقد أوجد‬
‫طوباوّية إلى تأثر بعض المثقفين المسلمين‬ ‫ي ذو النزعة ال ّ‬‫هذا التصال الثقاف ّ‬
‫بمبادئ التنوير الفلسفي والعقلني؛ "كالطهطاوي" و"الفغاني" و"خير الدين‬
‫التونسي" و"الكواكبي" وغيرهم ‪ ،‬وانتشرت مؤلفاتهم وأفكارهم الصلحّية‬
‫في عموم البلد السلمّية حتى جاء الجيل الكثر وعيا ً بالفكر التنويري‬
‫الغربي؛ كزكي نجيب محمود و العشماوي وحسن حنفي وجمال البنا‬
‫والجابري وأركون ‪ ...‬فحاولوا تأطير الفكر‪ ،‬والمزاوجة بينه وبين الفلسفة‬
‫السلمّية بنفض الغبار عن فكر ابن رشد‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬والفارابي‪ ،‬وعموم‬
‫وهة بقيت حبيسة أسوار "‬ ‫الفكر العتزالي‪ ،‬والباطني مما وّلد أجنة مش ّ‬
‫دياته‬
‫المدينة الفاضلة "‪ ،‬ول أدري عن مدى صمودها لتغّيرات العصر وتح ّ‬
‫القادمة إذا تجسدت في أرض الواقع!‬
‫ومازالت هذه الجيال التنويرية تتوارث الفكار‪ ،‬والرؤى القديمة نفسها التي‬
‫وضعها جيل التأسيس الّول‪ ،‬مع كثرة حديثهم عن ا لتحرر و التجديد والنعتاق‬
‫من التسلط الديني التقليدي والموروثات القديمة! بينما ل نجد نقدا ً موضوعّيا‬
‫للفكر التنويري الغربي يوازي نقدهم الشديد لـ" الّتراث الديني" و " العقل‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العربي" كما فعل "الجابري" ‪ ،‬أو "الفكر السلمي" كما فعل "أركون"‬
‫و"حنفي" وغيرهم ‪ ،‬في حين كانت هناك مدارس بدأت تنشأ في الغرب لنقد‬
‫دامية من كبار الفلسفة كما فعل "ماركس" في نقد‬ ‫فلسفة التنوير وثورته ال ّ‬
‫"برجوازية الثورة" و "فرويد" و "نتشه" في الثورة على العقل‪ ،‬والتأكيد على‬
‫دور النفسي والغريزي من أجل النفاذ إلى ما وراء الواجهة العقلنية ‪(2) ...‬‬ ‫ال ّ‬
‫مى )التنوير(‬ ‫مس ّ‬ ‫وهنا أسأل إخواننا التنويريين السعوديين‪:‬هل يعني هذا ال ُ‬
‫المتداد التاريخي والفكري لمن سبق من فلسفة التنوير‪ ،‬أم أنها ظاهرة‬
‫منبِهر جاءت في لحظة عنادٍ مع الواقع؟‬ ‫إعجاب ُ‬
‫ن نعرف‪ :‬هل هناك ملمح فكرّية عامة تجمع أطياف هذا التيار الناشئ؟‬ ‫بقي أ ْ‬
‫سماتهم المنهجّية‪،‬‬ ‫الحقيقة أنني لم أطلع على رسم واضح يعّبرون فيه عن ِ‬
‫ن لهذا مبرراته‪ :‬الزمانّية‪ ،‬والمكانّية‪،‬‬ ‫ومعالمهم الفكرية بصراحة‪ ،‬وأعتقد أ ّ‬
‫جلى‬‫والردود القصائّية المتوقعة‪ ،‬ولكني سأحاول جمع بعض الّرؤى العَ ْ‬
‫كمحاولة ُأولى لفتح باب المزيد من الدراسات العلمّية و الموضوعّية‬
‫خصها فيما يلي ‪:‬‬ ‫للدارسين و الباحثين في هذا الموضوع؛ أل ّ‬
‫دا لجيل الشباب‪ ،‬ومعالمه مازالت لم تهضمها‬ ‫ن هذا الفكر مازال جدي ً‬ ‫‪ -1‬إ ّ‬
‫دة حماسهم لطروحاته الّتجديدّية‪،‬‬ ‫ي السابق‪ ،‬مع ش ّ‬ ‫ثقافتهم وبناؤهم المعرف ّ‬
‫وليس من المتوقع إمكانية تنظيم ملفاتهم وأوراقهم المبعثرة في الفترة‬
‫مراهقة‬ ‫القادمة؛ لختلف طبائعهم‪ ،‬وموروثاتهم السابقة‪ ،‬ومرور بعضهم ب ُ‬
‫فكرّية حادة قد تبطل كل مشروعاتهم الصلحّية!‬
‫‪ -2‬الغلو في نقد المدرسة السلفّية التقليدية‪ ،‬وإظهار جمودها وانغلقها على‬
‫موا إلى‬ ‫ن ينض ّ‬ ‫الواقع المعاصر؛ مما حدا بكل الناقمين عليها والمخالفين لها أ ْ‬
‫خندق هذا التيار مع تباين أطيافهم وانتماءاتهم الفكرّية‪ .‬وأعتقد أّنه لول‬
‫قميص النقد للسلفّية‪ ،‬وردة الفعل من المقابل لما اجتمعوا على هذا التيار‬
‫في خندق واحد‪ ،‬ليثأروا لبعضهم ويتناَدوا في منتدياتهم " الّتحاوُرِّية" أو في‬
‫دس ‪ ..‬أو من خلل مقالتهم في صحفنا اليومّية ‪.‬‬ ‫الوادي المق ّ‬
‫‪ -3‬العتماد في تفسير النصوص الشرعّية والحكام الثابتة على العقل‬
‫المجرد‪ ،‬والمصلحة الذوقّية‪ ،‬وتأويلها وتنزيلها على الواقع من خلل هذه‬
‫الّرؤية؛ باعتبارها الوفق لحياة الناس المعاصرة ‪ ،‬ونقد الكثير من القواعد‬
‫مباح والعفو في الشريعة السلمّية ‪.‬‬ ‫الصولّية بحجة تضييقها لمساحة ال ُ‬
‫‪ -4‬الدعوة لتجديد الفكر السلمي وتأطيره من جديد ‪ ،‬ورْبط الّنهضة‬
‫ي المعاصر ‪.‬‬ ‫داث ّ‬‫ح َ‬ ‫بالمشروع الحضارِيّ الشامل بالمفهوم ال َ‬
‫‪ -5‬نقد التيارات السلمّية الحركّية من غير تمييز‪ ،‬واتهامها في مقاصدها‬
‫صمها بالنتهازِّية‪ ،‬وربطها‪ -‬أحياًنا‪ -‬بالعمالة لدول‬ ‫دين لصالحها‪ ،‬ووَ ْ‬ ‫سييس ال ّ‬ ‫بت َ ْ‬
‫أجنبّية ‪.‬‬
‫‪ -6‬التأكيد المستمر على خيار الديمقراطّية في الصلح ‪ ،‬والعمل على إقامة‬
‫منظار‬ ‫دني" من خلل ال ِ‬ ‫م َ‬‫دولة المؤسسات وتحقيق مفهوم "المجتمع ال َ‬
‫"الّليبرالي التق ّ‬
‫دمي" ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -7‬الدعوة لـ" السلم المستنير" كمخرج من الجمود والتقليد الذي تعيشه‬


‫بعض المجتمعات السلمّية الخليجّية ‪ ،‬وكمفهوم للدين يتوافق مع ديمقراطّية‬
‫ي‬
‫الغرب ومبادئ المجتمع المدني ‪ ،‬كما تبرز أهميته في قابليته للتشكل ل ّ‬
‫مي" ‪ ،‬وهذا ما جعل التيار الليبرالي‬
‫قي َ ِ‬
‫صياغة ليبرالّية يستدعيها موقفهم "ال ِ‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتبناهم ويفسح المجال لهم في كثير من منابره الثقافّية والعلمّية ‪.‬‬


‫‪ -8‬تجِلية التاريخ السلمي‪ -‬بدأ من عهد الخلفاء الراشدين –بدراسة سلبياته‬
‫وإيجابياته وأسباب انحرافاته السياسّية والفكرّية‪ ،‬وتمجيد الفكار والحركات‬
‫ي‪ ،‬والنهوض‬ ‫فكريّ العقلن ّ‬‫الباطنّية والعتزالّية والفلسفّية كنوع من التحّرر ال ِ‬
‫الثوريّ في وجه الرجعّية الّتراثّية ‪.‬‬
‫ن كانت مشتركة عند الكثر‪ ،‬إل أّنها قد تزيد أو تنقص عند‬ ‫ن هذه الملمح وإ ْ‬ ‫إ ّ‬
‫أفرادهم حسب ميولهم الثقافّية‪ ،‬وحاجة الوسط الذي يعيشون فيه لتغليب‬
‫نوع معين من جوانب الصلح التنويري ‪ .‬والحقيقة أ ّ هذا الفكر مع كل‬
‫ؤى تجديدّية واقعّية‪ ،‬وغنّية‬ ‫مثارة عليه قد حمل معه صوابا ً وُر ً‬ ‫الشكالّيات ال ُ‬
‫بالمعرفة وبالوعي الحضاري لبعض المشكلت و القضايا السلمّية المعاصرة‬
‫والمستقبلّية ‪.‬‬
‫ن رموز التيار التنويري السعودي لهم شهرتهم في الوسط الفكري المحلي‬ ‫إ ّ‬
‫مدت عدم ذكرهم بأعيانهم في مقالي ؛ لن أكثرهم لم‬ ‫والعربي ‪ ،‬ولكني تع ّ‬
‫ضج ولم‬ ‫ربة الفكرّية ‪ ،‬وفكره الصلحي لم ين َ‬ ‫يخرج بعد من مخاض هذه التج ِ‬
‫ب الثارة والبحث عن الشهرة‬ ‫زمام ح ّ‬ ‫ً‬
‫ن البعض مازال ممسكا ب ِ‬ ‫يستقّر ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫الثقافّية والصعود فوق أيّ ُركام ٍ كان!‬
‫ل الظروف المتوّترة التي تمّر بها المملكة اليوم من جّراء أعمال التفجير‬ ‫ولع ّ‬
‫ي يدعو الجميع لتجاوز‬ ‫ضغط والتهام الخارج ّ‬ ‫ي‪،‬أو من خلل ال ّ‬ ‫والتخريب الرهاب ّ‬
‫مرحلة الحتقان الحاصل بين هذا الّتيار التنويري وغيره من التّيارات‬
‫و‬
‫متباَدلة بالوقوف خلف الُغل ّ‬ ‫وة التي حفرتها الّتهامات ال ُ‬ ‫المحافظة ‪ ،‬ويرُدم اله ّ‬
‫فقه الولوّيات والموازنات‪ ،‬وحتمّية المرحلة‪ ،‬و‬ ‫والّتكفير ‪ .‬وبإعمال بسيط ل ِ‬
‫ن عوامل الّتفاق قد تتجاوز نقاط الفتراق وبشكل كبير ‪،‬‬ ‫طبيعة المواجهة فإ ّ‬
‫إذا وعَْينا حجم المتغّيرات السياسّية والجتماعّية القادمة ‪.‬‬
‫ن الغرب في أزمته الراهنة في الشرق الوسط بدأ يراهن من أجل إعادة‬ ‫إ ّ‬
‫ي‪ ،‬لصلحاته الديمقراطّية على ما‬ ‫مْنطقة‪ ،‬و كسب التأييد الشعب ّ‬ ‫تشكيل ال ِ‬
‫أسماهم بـ"السلميين الليبراليين " وقد وعد أكثر من مسؤول أمريكي‬
‫بالدعم الماديّ لفكرة " التسامح الديني" و " السلم المستنير " في‬
‫ي في الزمة الّراهنة ؟‬ ‫مْنطقة )‪ ،(3‬فهل يعي التيار التنويري موقعه الحال ّ‬ ‫ال ِ‬
‫سعودي‬ ‫ن تكون قراءتي الموجزة للفكر التنويري ال ّ‬ ‫وفي الختام ‪ ..‬أتمّنى أ ْ‬
‫ن نتعامل معها كظاهرة صحّية‬ ‫ْ‬ ‫وأ‬ ‫‪..‬‬ ‫ؤية‬‫ْ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫بش‬ ‫ضجيج وغَ َ‬ ‫هادئة رغم ال ّ‬
‫تستوجب الّنقد والّتقويم‪ ،‬ول أبّرئ نفسي‪ ،‬و زلت قلمي من التجاُوز‬
‫مة للّتحاُور المثمر الجاد ّ والتثاُقف المستمّر؛ حتى لو‬ ‫والخلل ‪ ..‬ولكنها دعوة عا ّ‬
‫دنا أدواته‪ ،‬وضي ّْعنا أدبّياته ‪.‬‬ ‫فق ْ‬
‫________________________________________‬
‫‪ -1‬انظر‪:‬كتاب) التنوير ( ‪ .‬تاليف ‪ :‬لويد سبنسر واندريه كراوز )مترجم( ؛‬
‫وكتاب )الفلسفة والنسان ( تأليف‪ :‬د‪ .‬فيصل عباس ‪..‬‬
‫‪ -2‬انظر ‪ :‬كتاب )تاريخ الثورة الفرنسية( تأليف ‪ :‬البير سوبول‪ ،‬القسم الثاني‬
‫من الكتاب لتلحظ عظم البشاعة والظلمية التي قام بها الثوار ؛ كتاب‬
‫)التاريخ الوروبي الحديث والمعاصر ( تاليف ‪ :‬د‪ .‬عبد الرحيم عبد الرحمن ‪-‬‬
‫الفصل التاسع ؛ كتاب )الفلسفة والنسان( تأليف ‪ :‬د‪ .‬فيصل عباس من ص‬
‫‪. 276-249‬‬
‫‪ -3‬انظر ‪ :‬مقال )بعد تفجيرات بالي ‪ ..‬أمريكا تدعم السلم اللطيف( للكاتب‬
‫الصحفي صهيب جاسم ‪ ,‬نشر في موقع اسلم أون لين في ‪28/12/2002‬م‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫؛ ومقال )الستراتيجّية المريكّية الجديدة تجاه العالم العربي و السلمي (‬


‫للكاتب كمال السعيد ‪ ,‬جريدة الشعب ‪8/2/2002‬م ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الّتعليم باللغة العربية في الّتعليم الجامعي‬


‫أ‪.‬د‪ .‬عباس محجوب*‬
‫الّتعليم باللغة العربية في الّتعليم الجامعي باعتبارها لغة القرآن والرث‬
‫المشترك بين الشعوب السلمية‬
‫‪ /1‬المقدمة ‪:‬‬
‫لم تكن اللغة العربية للعرب وسيلة تخاطب يومي بل كانت صورة حياتهم‬
‫الفكرية والعقلية التي مثلت مجدهم وثقافتهم و صورتهم ورسالتهم إلى‬
‫غيرهم ‪ .‬وقد اكتسبت العربية مكانتها من غزارة كلماتها وتعدد أساليبها و‬
‫وقوة أدائها وسعة صدرها وقابليتها للنماء والزيادة والتطور والّرقي ‪ ،‬ثم زاد‬
‫من شرفها و خلودها و رسوخها نزول القرآن الكريم بها ‪ ،‬وتكريم الله لها‬
‫دون اللغات الخرى ‪ ،‬فأضاف إليها القرآن أبعادا ً جديدة ومصطلحات‬
‫مستحدثة وجعلها أوسع أفقا و أغزر عطاء وأقدر على استيعاب معطيات‬
‫الحضارة كما منحها إظهار قدرتها في حمل الفكار والمبادئ والنظريات‬
‫السامية في الحياة‪.‬‬
‫وبفضل القرآن أصبحت اللغة العربية رمز الوحدة الثقافية والجتماعية لمة‬
‫تحتل مساحة ما بين الخليج العربي شرقا ً والمحيط الطلسي غربا ً و من آسيا‬
‫الصغرى والبحر المتوسط شمال إلى أواسط إفريقيا والمحيط الهندي جنوبا ً‬
‫بل أبعد من ذلك حيثما كان للمسلمين وجود]‪. [1‬‬
‫يقول القلقشندي]‪ " : [2‬أما فضلها فقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده إلى أمير‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ‪ :‬تعلموا اللحن والفرائض فإنه‬
‫من دينكم‪ ،‬قال يزيد بن هارون ‪ " :‬اللحن هو اللغة " و لخفاء أنها أمتن‬
‫اللغات وأوضحها بيانا ‪ ،‬وأذلقها لسانا ً وأمدها رواقا وأعذبها مذاقا و من ثم‬
‫اختارها الله تعالى لشرف رسله وخاتم أنبيائه وخيرته من خلقه وصفوته من‬
‫برّيته ‪ ،‬وجعلها لغة أهل سمائه وسكان جنته وأنزل بها كتابه المبين الذي ل‬
‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه "‪.‬‬
‫برهنت اللغة العربية بنزول القرآن بها على قدرتها الواسعة ومرونتها الذاتية‬
‫على النتقال بالعربية من لغة تواصل وتخاطب وخطابة وشعر إلى لغة تشريع‬
‫و علوم واستطاعت في القرنين الثاني والثالث ترجمة العلوم النسانية‬
‫وهضمها وتمثلها والضافة إليها وأصبحت بحق لغة العلم والحضارة التي‬
‫تتطور بأساليبها الذاتية وقدراتها البداعية وإمكاناتها الشتقاقية الواسعة‬
‫والعوامل التي جعلت من العربية لغة العلوم والتعّلم هي التي تمنحها القدرة‬
‫على أن تكون لغة العلوم والتعليم في الجامعات السلمية في عصرنا ‪.‬‬
‫كانت إرادة الخالق عز وجل أن تبقى العربية معزولة في أنحاء الجزيرة‬
‫العربية محافظة على أبنيتها وتراكيبها ومعانيها ل تتأثر بغيرها إل في حدود‬
‫ضيقة مرتبطة بالحجيج والتجار الذين يفدون إلى" مكة " بلهجاتهم وفي رحلة‬
‫الشتاء والصيف حيث تضاف بعض التعابير الجديدة إلى اللغة ‪ ،‬وعندما بعث‬
‫الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالسلم ‪ ،‬وكّرم هذه اللغة بجعلها لغة‬
‫الدين الجديد أحدث ثورة لغوية في لغة العرب حيث وجد العرب في لغة‬
‫القرآن الكريم ما لم يعهدوه في استعمالتهم اللغوية ولغة خطبائهم‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وشعرائهم حيث الجديد في اللفاظ والعبارات ‪ ،‬والجديد في المعاني‬


‫والدللت ‪ ،‬فأصبحت العربية بفضل القرآن الكريم لغة متطورة تتوسع فيها‬
‫الدائرة الدللية لللفاظ ‪ ،‬وتكتسب اللفاظ من السعة الدللية والمرونة‬
‫اللفظية ما يجعلها قادرة على التعبير عن كل جديد في الحياة وكل إبداع‬
‫ومستحدث في العلم والحضارة وذلك عن طريق المعاني الدللية الجديدة‬
‫التي اكتسبتها ألفاظ العربية واستعمال اللفاظ في معان مختلفة ذات‬
‫مصطلحات استطاعت العربية هضمها وتمثلها والتعامل خلل فترة وجيزة‬
‫جعلتها قادرة بعد قرن من السلم وسيلة نقل العلوم المختلفة وظهور طبقة‬
‫من المترجمين ثم بعدهم المؤلفين الذين استفادوا من حركة الترجمة في‬
‫الضافة إلى علوم الحضارة والعلم ‪.‬‬
‫استوعبت العربية العلوم النسانية كلها حفظا ونقل ثم أضافت إليها إبداعا‬
‫وابتكارا وأصبحت لغة العلوم حتى القرن السابع عشر وكان كل من أراد أن‬
‫يكتب علما يقرؤه الناس لجأ إلى اللغة العربية ‪ .‬فكتب بها وألف وظلت كتبهم‬
‫في العلوم الطبيعية المراجع المعتمدة في جامعات أوربا حتى أواخر القرن‬
‫السابع عشر إلى أن ترجمت إلى اللتينية ]‪. [3‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والقرون الوسطى التي مثلت عهود الظلم في أوربا كانت منارات العلم عند‬
‫المسلمين حيث كان لهم علم عربي تعهدوه قرونا بلغة قوية متينة ويمكننا أن‬
‫نقرر أن هذه اللغة كانت في ذلك التاريخ لغة العلم الوحيدة في العالم بأسره‬
‫فيما بين القرنين الثامن والثالث عشر الميلدي‪ ،‬ثم انضمت إليها اللتينية بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬أخذت عن العربية ‪ ،‬وأفادت منها فترجم اللتين قدرا من كيمياء جابر‬
‫بن حيان وأبي بكر الرازي ‪ ،‬وعنوا برياضيات الخوارزمي وبصريات ابن الهيثم‬
‫وفلك الميتاني واليتروجي وطب ابن زهر وعلي بن رضوان ‪ ،‬شغلوا بالترجمة‬
‫عن العربية نحو قرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلدي واستعاروا بعض‬
‫اللفاظ العربية كما استعار المسلمون من قبل بعض اللفاظ الجنبية ول‬
‫تزال اللفاظ العربية المستعارة باقية إلى اليوم في اللتينية ومن بعدها في‬
‫بعض اللغات الوربية المعاصرة فأدت العربية رسالتها نحو العلم في الماضي‬
‫‪ ،‬ول يعّز عليها أن تؤديها في الحاضر وهي متهيأة لذلك تهيؤ اللغات العالمية‬
‫الكبرى ]‪.[4‬‬
‫وكما يقول د‪ .‬محي الدين صابر فان اللغة العربية أصبحت " لعدة قرون في‬
‫التاريخ الوسيط هي اللغة العالمية الولى لغة الفكر والعلم والقتصاد ‪ ،‬وحّرر‬
‫الحرف العربي عشرات اللغات غير المكتوبة وأدخلها عالم التدوين ‪،‬‬
‫وتعايشت الثقافة العربية السلمية مع ثقافات الشعوب التي ارتبطت معها‬
‫بالعقيدة ولم تحاول طمسها أو استلبها ‪ ،‬ولكنها تعاملت معها أخذا وعطاء‬
‫فأغنتها واعتنت بها وقبلت دون تحّيز ول تمييز من استطاع أن يضيف الي‬
‫قدرتها بل إنها كرمت ذلك وشجعت عليه " ]‪.[5‬‬
‫و منذ قرن أو يزيد بدأت محاولت تعريب التعليم تمثل هاجسا للبلد العربية‬
‫تأكيدا لشخصية المة وإبرازا لهويتها الحضارية التي تجعل التعريب في حياتها‬
‫وسيلة معرفية ومشاركة في حلبة السباق الحضاري مع المم التي هضمت‬
‫معطيات الحضارة وأضافت إليها ثم شاركت بها في هذا العطاء النساني‬
‫والتعريب ضرورة علمية ل تستجيب لسيطرة المادية لغيرنا ‪ ،‬ول تنطوي على‬
‫ضعف سياسي أو استبداد ثقافي يفرضه علينا الخرون الذين سعوا لحلل‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ألسنتهم محل لساننا وفكرهم مكان فكرنا والمر متعلق بعملية التعارض‬
‫الحضاري بين المم جميعا كما فعلت أوربا عندما اقترضت معطيات الحضارة‬
‫السلمية قبل أن تكون لها حضارة مميزة‪ .‬وقد أثارت هذه القضية جدل‬
‫واسعا ل زالت أصداؤه حتى اليوم بين مؤيد مؤمن به دون قيد ‪ ،‬ومعارض‬
‫متشكك فيه ‪ ،‬ومتوسط يؤيد في جوانب ويعرض في جوانب ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولما كانت الغاية التي تسعى إليها الجامعات تتمثل في إيجاد الفرد النافع‬
‫لنفسه ومجتمعه ووطنه و دينه فان التفاعل بين هذه الشخصية التي تعدها‬
‫الجامعة لخدمة مجتمعه النساني وبين المجتمع الذي تعد له هذه الشخصية –‬
‫إنما يتم إذا كانت اللغة التي يتعلم بها تلك الشخصية هي اللغة التي يتعامل‬
‫بها ذلك المجتمع ويفكر بها ويقدم نفسه للعالم على أساسها وهذا يفرض‬
‫علينا أن نهتم بالبعد الجتماعي في مشاكل التعريب فالمة العربية متعددة‬
‫الوطان متمايزة الكيانات والنظم السياسية مترامية الطراف تعاني‬
‫مشكلت المية العلمية والحضارية على غير ما كانت عليه في الماضي‬
‫فالمصطلح الواحد ينطلق من بغداد ثم ينتشر في القاهرة و دمشق وقرطبة‬
‫بخلف ما هو عليه الن فالتعريب عند المشارقة هو " صياغة المصطلح‬
‫الجنبي على المقاييس الصرفية العربية بحيث يصبح قابل للتعريف وأخذ‬
‫السم منه والفعل واسم الفاعل واسم المفعول واسم اللة " ‪ ،‬وعند‬
‫المغاربة " إحلل اللغة العربية في التعليم محل اللغات الجنبية وتوسيع اللغة‬
‫العربية والعمل على أن تكون لغة التخاطب العربية وحدها والدعاية لها‬
‫ومقاومة كل الذين يناهضون لغتهم للتفاهم فيما بينهم بلغة أجنبية وبالجملة‬
‫فإن التعريب هو الذي جعل اللغة العربية أداة صالحة للتعبير عن كل ما يقع‬
‫تحت الحس من العواطف والفكار والمعاني التي تختلج في ضمير النسان‬
‫الذي يعيش عصر الذرة و الصواريخ " فهذا التعريف الثقافي الشامل أملته‬
‫الظروف الجتماعية والسياسية والمنافحة عن هوية المة وخصوصيتها‬
‫الحضارية والثقافية في ظل مواجهة الثقافة الجنبية التي سيطرت فترة‬
‫طويلة على بلد المغرب العربي وهذا تعريف يتجاوز المفهوم الفني الذي‬
‫ساد في المجامع العلمية واللغوية فترة من الزمن ‪ ،‬وفي هذا الموضوع يقول‬
‫الدكتور "محي الدين صابر " المدير السابق للمنظمة العربية للثقافة والعلوم‬
‫‪ " :‬التعريب ليس قضية لغة بل هي قضية حضارية أساسية تواجهنا حاليا‬
‫اللغة ليست ألفاظا بل فكرا وبالتالي لبد من تطوير المجتمع العربي‬
‫واستيعاب حضارة العصر وذلك ل يتم إل عبر اللغة كوسيلة وكأداة ‪ ،‬اليابان –‬
‫مثل – وهو مثل تقليدي أوجدت شخصيتها عبر لغتها الخاصة وقد أضحت اللغة‬
‫اليابانية لغة تكنولوجيا حديثة ‪ ،‬أي لغة لها عمق تاريخي وتراث ضخم ‪ ،‬من‬
‫حقها أن تكون مثل اللغات الخرى‪ .‬بالنسبة للغة العربية ارتبطت كثيرا‬
‫بالتراث خاصة التراث السلمي ‪ ،‬هذا العامل أغرى الغرب على محاربة اللغة‬
‫العربية ‪ ،‬الستعمار حين أسس المدارس الحديثة حرص على إبعاد اللغة‬
‫العربية وقد أقصيت عن المجالت الدارية والقتصادية والتقنية وبالتالي‬
‫أصبحت معرفة اللغة العربية ل تجدي نفعا في المجتمع العربي ‪ ،‬وهذا وضع‬
‫شاذ ‪ ،‬لقد حوربت اللغة العربية في عقر دارها ‪ ،‬أساتذة اللغات في الغرب‬
‫هم أفضل الساتذة ول أود أن أتحدث عن وضع أستاذ اللغة العربية في‬
‫المدارس العربية ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغرب أراد أن يدفعنا لحتقار الذات ‪ ،‬لننا للسف احتقرنا لغتنا وكما ترى فإن‬
‫قضية التعريب مرتبطة بمجموع الكبرياء القومي " ]‪ ، [6‬وعن هذا الجانب‬
‫يقول " د‪ .‬عبد الصبور شاهين " ‪ " :‬إن للفرد في المجتمع العربي ول سيما‬
‫المثقف محليا أو خارجيا جهتا ولء متعددة ومصادر ثقافية شتى مع فقر‬
‫الوعي الجتماعي الذي يعكس الوعي الحضاري ويشد الفرد إلى الفرد بحبل‬
‫المواطنة وهي هنا مواطنة على مستوى المة العربية ذات اللسان الواحد‬
‫فإذا أضفنا إلى ذلك تفشي المية في نسبة كبيرة من المجموع العربي غيرا‬
‫لمتحضر وتغير الحياة القتصادية إلى جانب القطاعات الجاهلة مما يهون‬
‫لديها قيمة اللغة وأهمية العلم وأثره في تقرير مصير الفرد كل ذلك يقصي‬
‫قضية اللغة الواحدة ويحرمها من الثراء الحضاري ويباعد بينها وبين هموم‬
‫الفرد المثقف الممزق الولء الشديد التعصب حتى ولو كان أعمى لرأيه‬
‫ونوازعه والغة ل تتطور إل على أيدي عاشقيها ول توسع مقاييسها إل طبقا‬
‫لحاجات مجتمع يطالبها بهذا التوسيع "]‪. [7‬‬
‫‪ /2‬المصطلح العلمي ‪:‬‬
‫إن المصطلح العلمي كلمة – كغيرها من الكلمات اللغوية – تشير الى شيء‬
‫حسي و معنوي لبد من إيضاح مفهومه أول مرة ‪ ،‬حتى لبن اللغة نفسه لكي‬
‫يدرك ذلك المفهوم ‪.‬‬
‫وأّية كلمة – مهما كانت – هي كلمة علمية ‪ ،‬فان لم تدخل تحت هذا العلم ‪،‬‬
‫دخلت تحت علم آخر ‪ .‬فالبحث عن المصطلحات العلمية معناه – في الحقيقة‬
‫– بحث في اللغة وإمكاناتها في التعبير عن المستحدثات العصرية ‪.‬‬
‫والصطلحات من المور الوصفية العتبارية ‪ ،‬إذ الكلمات المصطلح عليها في‬
‫المعاني العلمية ‪ ،‬ل تدل على تلك المعاني – من حيث اللغة – دللة تامة ‪ ،‬إل‬
‫في بعض الحوال الستثنائية ‪ ،‬فلذلك ليس من الضروري أن تترجم الكلمة‬
‫عنها ترجمة حرفية ‪ ،‬بل من الوفق أن نتحرى الكلمة التي يمكنها أن تدل‬
‫على المعنى المطلوب على أحسن الصور وأوضحها ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولما كان يتعسر علينا – في معظم الحوال – أن توجد الكلمة العربية التي‬
‫تدل على المعنى المطلوب دللة تامة – تحتم علينا أن نبحث عن أقرب‬
‫صصها به ‪ ،‬وإن كان معناها اللغوي‬ ‫الكلمات من المعنى المطلوب وأن نخ ّ‬
‫الصلي أعم أو أخص من هذا المعنى ‪.‬‬
‫والمصطلحات وليدة الحتياجات ‪ ،‬فإنها ل تكون إل عندما يشعر الناس‬
‫بالحاجة إليها ‪ ،‬ول يشعر أحد بالحاجة إليها إل عندما يفكر في مدلولتها ‪.‬‬
‫واحتياج أمتنا العربية إلى المصطلحات العصرية اللغوية كاحتياجها إلى جميع‬
‫وسائل التقدم الحضاري ‪ ،‬بل إن حاجتها لتلك المصطلحات تأتي في المقام‬
‫الول ‪ ،‬لنها مرتبطة بأسباب وجودها ‪ ،‬إذ ما عسى أن يكون مستقبل أمة‬
‫ليست لها لغة تستوعب موجودات الحياة ومعطياتها ‪.‬‬
‫فالمصطلحات العلمية هي الرافد الساسي للمعاجم والنهوض باللغة على‬
‫وجه العموم وهي تشمل ألفاظ الحضارة الحديثة وشتى فروعها في المعرفة‬
‫النظرية ‪ ،‬وفي التطبيقات العملية ‪ .‬ولهمية المصطلح العلمي العربي أوصى‬
‫مؤتمر التعريب السابع – الذي عقد "بالخرطوم" عام ‪1994‬م – بضرورة‬
‫تدريس علم المصطلح في الكليات والمعاهد العليا ‪ ،‬إذ إن أهمية المصطلح‬
‫العربي تكمن في أنه الوسيلة المباشرة للتعريب ‪ ،‬الذي أصبح في بلدنا‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سياسة واقعة مطّبقة في جميع مراحل التعليم ‪ ،‬ول سيما التعليم العالي ‪،‬‬
‫ذلك لن التعريب قضية حضارية و ضرورة قومية و دعوة للعتماد على الذات‬
‫لما فيه من استنهاض للمة ‪ ،‬وترسيخ لهويتها وتأصيل لنتمائها الحضاري ‪.‬‬
‫هذا بالضافة إلى فوائد التعريب الخرى ‪ ،‬التي تتمثل في التيسير والتسهيل‬
‫على الطلبة والدارسين ‪ ،‬وتمكينهم من تلقي العلوم ومتابعة المحاضرات‬
‫بطريقة أوفى ‪ ،‬حيث إن قدرتهم على الستيعاب باللغة العربية تفوق ما هي‬
‫عليه باللغات الجنبية الخرى ‪ .‬وتتمثل في إتاحة العلوم الطبيعية والمعارف‬
‫النسانية في جميع مجالتها باللغة العربية ‪ ،‬لتكون في متناول الدارسين‬
‫والمواطنين كافة ‪ ،‬مما يمكنهم من المشاركة الفاعلة في النهوض ببلدهم ‪.‬‬
‫وتتمثل –أيضا – في توثيق الروابط بين المشتغلين بالعلوم والبحوث‬
‫والدراسات ‪ ،‬في المجالت التي تهم الوطن والمواطنين ‪.‬‬
‫ولهمية التعريب بالنسبة للمة العربية جمعاء جاء في التوصية الثالثة ‪ ،‬من‬
‫التوصيات المهمة لمؤتمر التعريب السابع ما يلي ‪ " :‬وبناء على ما تقدم يرى‬
‫المؤتمر انه على الرغم مما حققته مسيرة التعريب حتى الن من تقدم في‬
‫الوطن العربي ‪ ،‬وتقديره لما أسهم به العلماء والمتخصصون والمؤسسات‬
‫اللغوية والتعليمية ‪ ،‬فإنه لبد من أن نخطو خطوة أبعد ‪ ،‬لكي تؤتي هذه‬
‫الجهود ثمارها ‪ ،‬وهي أن تتخذ المة العربية قرارها – على أعلى المستويات‬
‫المسؤولة – بإلزام جميع الهيئات التعليمية ‪ ،‬من جامعات ومعاهد عليا وسواها‬
‫‪ ،‬باستعمال اللغة العربية تأليفا وبحثا ً و تدريسا ً في جميع المراحل ‪ .‬كما‬
‫ينبغي إلزام المؤسسات العلمية في الوطن العربي ‪ ،‬باستعمال اللغة‬
‫العربية الفصيحة ‪ ،‬في وسائل العلم المكتوبة والمسموعة والمرئية ‪ .‬وجاء‬
‫في الفقرة الحادية عشرة من نتائج أعمال تطوير منهجية وضع المصطلح‬
‫العربي وبحث سبل نشر للمصطلح الموحد وإشاعته المنعقدة في عمان سنة‬
‫‪1993‬م – ما يلي‪-:‬‬
‫" تفيد التجربة السورية والتجربة السودانية في تعريب التعليم في الكليات‬
‫العلمية والتطبيقية ‪ ،‬على أساس التدرج سنة بسنة – نجاح هذا السلوب ‪.‬‬
‫وهذا مثال واضح على أن متطلبات التطبيق مواتية ‪ ،‬والمر يحتاج إلى حسم‬
‫والبدء في التطبيق تدريجيا ‪ ،‬ول سيما بالعتماد على كل ما وضعته المجامع‬
‫والمؤسسات العربية المتخصصة من مصطلحات تعد الركيزة الساسية‬
‫لتطبيق التعريب " ‪.‬‬
‫‪ /3‬مسيرة وضع المصطلح العربي ‪:‬‬
‫ليس التعريب أمرا جديدا أو نزعة حديثة ‪ ،‬فقد عرف العرب التعريب منذ‬
‫العصر الجاهلي ‪ ،‬حيث وجدت في لغتهم ألفاظ كثيرة ‪ ،‬استعيرت من اللغات‬
‫المجاورة ‪ .‬وقد وردت هذه اللفاظ المعربة في أشعارهم كما وردت في‬
‫القرآن الكريم ‪.‬‬
‫وقد عرفوا وضع المصطلح ‪ ،‬عندما بدأت حركة الترجمة ]‪ ،[8‬في أواخر‬
‫العصر الموي وازدهرت في العصر العباسي ‪ ،‬حيث قام العلماء بوضع كثير‬
‫من اللفاظ بطرق الشتقاق والمجاز والتعريب وترجموا تعابير دقيقة ‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت اللغة العربية لغة العلم والحضارة إذ ذاك ‪ .‬كل ذلك يعني أننا ل نقف‬
‫–الن – أمام تجربة نخشى عليها الفشل ‪ ،‬فقد مرت اللغة العربية بهذه‬
‫التجربة ‪ ،‬وبرهنت على حيويتها وقدرتها المتجددة على الستيعاب ‪.‬‬
‫فمن القدماء الذين عنوا بتسجيل المصطلحات نذكر " الخوارزمي " صاحب‬
‫كتاب)مفاتيح العلوم ( و " الجرجاني " صاحب كتاب ) التعريفات ( و "‬
‫الجواليقي " صاحب كتاب ) المعرب العجمي في لغة العرب ( و " الخفاجي‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" المصري جامع كتاب " شفاء الغليل فيما في كلم العرب من الدخيل ( و "‬
‫النهاوندي " صاحب كتاب " كشف اصطلحات الفنون والعلوم ( ‪ ...‬هذا ‪ ،‬وما‬
‫أثبت في الكتب العربية الخرى من أسماء المصطلحات أكثر مما ورد في‬
‫هذا الكتب ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومنذ مطلع القرن العشرين بذل بعض الباحثين مجهودهم في اختيار‬


‫مصطلحات مفيدة ‪ .‬ول شك أن للمجامع اللغوية التي أنشئت في القاهرة و‬
‫دمشق و العراق – أثرها الفاعل في دفع تأصيل وضع المصطلح العربي ‪ ،‬وقد‬
‫قامت بجهود وإنجازات مهمة في هذا الحقل ‪.‬‬
‫ويطلع – الن – بمهمة تأصيل المصطلح العربي وتوحيده مكتب تنسيق‬
‫التعريب بالرباط التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ‪ .‬وقد أنشئ‬
‫هذا المكتب بالرباط عام ‪1961‬م ‪ .‬وفي مايو ‪ 1972‬تم إلحاق هذا المكتب‬
‫بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ‪ .‬وترتكز وظيفته أساسا على ‪:‬‬
‫‪ .1‬تنسيق الجهود العربية في إيجاد المقابل العربي للمصطلح الحديث في‬
‫مختلف فروع المعرفة وتحقيق توحيده ‪.‬‬
‫‪ .2‬تكريس استخدام العربية وإحللها المكانة اللئقة والمشرفة في المناهج‬
‫والتلقين ‪ ،‬بمختلف أقسام و حقول وشعب التكوين العلمي والتقني‬
‫والمهني ‪.‬‬
‫‪ .3‬السهام في النشر والتعريب بجهود الباحثين –لغويين و مصطلحيين – في‬
‫تحديث اللغة العربية علميا و حضاريا و تأكيد حضورها المتطور ‪.‬‬
‫ويعني المكتب بإصدار مجلة " اللسان العربي" وهي مجلة سنوية تعنى بنشر‬
‫البحاث اللغوية وقضايا الترجمة والتعريب ‪ ،‬كما يعني المكتب بإصدار‬
‫المعاجم الموحدة والمصادق على مصطلحاتها في مؤتمرات التعريب ‪.‬‬
‫ونتيجة لستمرار الجهود في ترقية المصطلح العلمي العربي وتنفيذه تم‬
‫إنشاء الهيئة العليا للتعريب في السودان ‪ ،‬استجابة لتوصية الندوة القومية‬
‫المنعقدة حول تدريس المواد العلمية باللغة العربية في المدة من ‪ 22‬يوليو‬
‫إلى ‪ 26‬منه سنة ‪1990‬م ‪.‬‬
‫وقد خطت الهيئة لعملها سياسات عامة نذكر منها فيما يلي ]‪-:[9‬‬
‫‪ .1‬وضع خطة التعريب وسياساته العامة ومتابعتها ‪.‬‬
‫‪ .2‬دعم الجامعات فيما يختص بإنجاز سياسات التعريب ‪ ،‬وتأمين الكتاب‬
‫العلمي العربي للمواد الدراسية ‪.‬‬
‫‪ .3‬العمل على عقد ندوات للمصطلحات العلمية ‪ ،‬في المواد المتخصصة في‬
‫الجامعات على أن تتولى الجامعة هذا العمل بالتنسيق مع الهيئة ‪.‬‬
‫‪ .4‬عقد ندوات متخصصة في علم اللغة العربية وفقهها ‪ ،‬بما يعين المختص‬
‫على التأليف والترجمة والتدريس ‪.‬‬
‫‪ .5‬العمل على إقامة معارض الكتاب العلمي العربي بمشاركة دور النشر‬
‫المتخصصة ‪.‬‬
‫‪ .6‬إنشاء علقات مع مكاتب تنسيق التعريب والمجامع اللغوية في البلد‬
‫العربية و غيرها ‪.‬‬
‫‪ .7‬وضع ضوابط للتأليف والترجمة والنشر العلمي ‪.‬‬
‫‪ .8‬جلب أهم المراجع الساسية والجنبية التي تخدم التعريب ‪.‬‬
‫‪ .9‬إدخال قسم خاص بالحاسوب ‪ ،‬ووضع برامج لمصطلحات للتنسيق‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتصحيح وتسهيل استخراج المصطلح العلمي للباحثين والدارسين ‪.‬‬


‫‪ .10‬تأكيد جودة المادة العلمية وسلمة اللغة العربية في الكتب المترجمة‬
‫والمؤلفة قبل إجازتها للنشر ‪.‬‬
‫وتضم مكتبة الهيئة ما يقارب عشرة آلف عنوان ‪ .‬وما زالت تتلقى إضافات‬
‫عديدة من الكتب العلمية ‪ ،‬لتلبي حاجة المؤلفين والمترجمين في‬
‫التخصصات العلمية المختلفة ‪ .‬وتشمل عناوين المكتبة المجالت التالية ‪:‬‬
‫‪-1‬المعاجم والموسوعات العلمية والفهارس ‪.‬‬
‫‪ -2‬كتب الساس في اللغة وعلومها ‪.‬‬
‫‪ -3‬الكتب العلمية العربية وتشمل ‪-:‬‬
‫أ ‪ -‬الكتب المنهجية الدراسية ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الكتب المترجمة ‪.‬‬
‫ت ‪ -‬الدوريات ‪.‬‬
‫‪ -4‬كتب التراث العلمي العربي ‪.‬‬
‫وتقوم وحدة توحيد المصطلح بالهيئة بمتابعة مشاريع المعاجم العلمية لتوحيد‬
‫المصطلح العلمي‪ ،‬وذلك بالتنسيق مع الجامعات وجميع أهل التخصص‬
‫العلمي ‪ ،‬والمؤسسات الخرى ذات الصلة ‪ .‬ولتحقيق ذلك تتبع الوحدة منهجا‬
‫يضمن اشتراك أكبر عدد من أهل الختصاص في إعداد المعجم حيث تنعقد‬
‫لكل تخصص ندوة علمية تنظر في حصر مفردات المعجم الخاص به و‬
‫تعريبها و توحيده ثم تعمل على نشره ‪.‬‬
‫ولقد صدرت مشاريع المعاجم التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬معجم الفيزياء الموحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬المعجم الهندسي الموحد ‪.‬‬
‫‪ -3‬معجم الكيمياء الموحد ‪.‬‬
‫‪ -4‬معجم المصطلحات الرياضية الموحد ‪.‬‬
‫ويتواصل برنامج إعداد مشاريع المعاجم المتخصصة في العلوم الخرى ‪ ،‬مثل‬
‫‪ :‬علوم الحاسوب ‪ ،‬وطبقات الرض ‪ ،‬والثار ‪ ،‬وغيرها ‪ .‬وقد روعي في‬
‫سلسلة مشاريع المعاجم العلمية الموحدة أن تكون متوافقة مع ما أجمعت‬
‫عليه المعاجم الخرى ‪ ،‬الصادرة من مجامع اللغة العربية بالوطن العربي ‪.‬‬
‫وتعمل وحدة التأليف والترجمة على إصدار الكتاب العلمي المعّرب عن‬
‫طريق التأليف أو الترجمة ‪ .‬وتضع لئحة للتأليف والترجمة والنشر تتضمن‬
‫البنود الرئيسية لخطة هذا العمل ‪.‬‬
‫وتتأكد الوحدة من التزام المتعاملين معها – من المؤلفين والمترجمين –‬
‫بالمصطلحات العلمية الواردة في المعاجم الموحدة كل في تخصصه ‪.‬‬
‫وكذلك مراعاة نظم الكتابة العلمية العربية المجازة لهذا الغرض ‪.‬‬
‫هذا وتتعاون هيئة التعريب العليا بالسودان مع الجهات التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق التابع‬
‫للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ‪.‬‬
‫‪ -2‬لجنة إنجاز الكتاب الجامعي في الجمهورية العربية السورية ‪.‬‬
‫‪ -3‬منظمة الصحة العالمية ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -4‬المكتب القليمي للعلوم والتكنولوجيا للدول العربية ‪.‬‬


‫‪ -5‬معهد الترجمة السلمي بالخرطوم ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -6‬المعهد العالي للفكر السلمي بواشنطون ‪.‬‬


‫‪ -7‬مجمع اللغة العربية في السودان ‪.‬‬
‫‪ -8‬مجامع اللغة العربية في الوطن العربي ‪.‬‬
‫‪ -9‬مكتب تنسيق التعريب بالرباط ‪.‬‬
‫‪ /4‬طرق وضع المصطلح ‪:‬‬
‫يكاد الباحثون في المصطلح العربي يجمعون على أن المصطلحات ينقب‬
‫عنها أول في كتب اللغة القديمة فإذا وجدت اعتمدت وإذا لم توجد لجيء إلى‬
‫واحد مما يلي ‪ :‬الشتقاق ‪ ،‬أو المجاز ‪ ،‬أو النحت ‪ ،‬أو التعريب ‪.‬‬
‫ضح هذه الطرق فيما يلي ‪:‬‬ ‫ويمكن أن نو ّ‬
‫أ‪ /‬الشتقاق ‪:‬‬
‫إن كثيرا من المصطلحات العلمية وجدت المعنى المطابق لها تماما سواء‬
‫بلفظ قديم وضع للغرض نفسه أو لقريب منه ‪ .‬وإذا لم يوجد للكلمة العجمية‬
‫مقابل في اللغة العربية فأمامنا طرق أخرى – كما ذكرنا – أهمها وأولها‬
‫الشتقاق ‪ ،‬وهو أخذ كلمة من أخرى مع تناسب بينهما في المعنى وتغيير في‬
‫اللفظ ‪.‬‬
‫والشتقاق قياسي في لغة العرب قال احمد بن فارس ‪ " :‬أجمع أهل اللغة –‬
‫إل من شذ منهم – أن للغة العرب قياسا ‪ ،‬وأن العرب تشتق بعض الكلم من‬
‫بعض ‪،‬والصل فيه أن يكون من المصادر ‪ ،‬ويقل من أسماء الجناس‬
‫والجامدة ‪ : ،‬كأورقت الشجار ‪ ،‬وأسبعت الرض ‪ ،‬وفلفلت الطعام ‪،‬‬
‫ونرجست الدواء ‪ .‬من الورق والسبع والفلفل والنرجس ‪.‬‬
‫وقد وقف كثير من اللغويين بالشتقاق من أسماء الجناس عند حد السماع ‪.‬‬
‫ول شك أن القياس في هذا الباب يفتح المجال واسعا أمام اللغة ‪ ،‬في‬
‫استيعاب معاني الكلمات الحضارية الحديثة ‪ ،‬التي تدخل في حياة النسان‬
‫بالعشرات والمئات كل يوم ‪ .‬فالشتقاق من أسماء الجناس ضروري ل بد‬
‫منه ‪ ،‬ول يجوز أن يكون عدم السماع حجة في منع قياسه و اطراده‪.‬‬
‫وبالرغم من أن القدمين جروا على الشتقاق من السم المعّرب فقالوا ‪:‬‬
‫دق ‪ ،‬وجرى العصريون على اشتقاق كهرب و كهربائية من‬ ‫خن ْ َ‬
‫هم و َ‬‫س و د َْر َ‬
‫هَن ْد َ َ‬
‫الكهرباء ‪ ،‬ومغنط ومغناطيسية من المغناطيس ‪ ،‬واشتقاق أكسد من المعرب‬
‫أكسيد ‪ ،‬نقول ‪ :‬بالرغم من ذلك قد وجد في العصر الحديث من يمنع إعطاء‬
‫ما عّربته العرب حكم كلمها فيشتق ويشتق منه ‪ ،‬وهذا مفهوم خاطئ فضل‬
‫عن جموده و إعاقته لحيوية اللغة ‪ ،‬إذ العرب كانوا يتناولون اللفظ العجمي‬
‫فيصقلونه ويهذبونه على حسب أوزان لغتهم ومنطق لسانهم فيخرج من‬
‫ألسنتهم كأنه عربي صميم ‪ ،‬وهكذا فإن هذه اللفاظ تعد فصيحة فكيف يمكن‬
‫بعد ذلك أن تعد ّ لغات مستقلة ؟! الواقع أنها ألفاظ عربية تخضع لقواعد اللغة‬
‫العربية و نحوها و صرفها دون أي تمييز إل ما حكم به الذوق السليم في‬
‫عذوبة الجرس وسهولة اللفظ ‪.‬‬
‫فهم قد اشتقوا من لفظ " هندسة " المعرب عن الفارسية ‪ :‬اسم الفاعل‬
‫) مهندس ( والفعل )هندس ( والمنسوب )هندسي ( كما فعلوا في معنى "‬
‫الصفر " فاشتقوا منه الجمع )أصفار( والفعل )صفر ( والمصدر )تصفير (‬
‫وهذه هي الفكرة الساس التي يمكن أن نستوفيها ويمكن أن تهتدي بها‬
‫خطانا اليوم ‪.‬‬
‫فعبقرية اللغة العربية متأتية من توالدها بالشتقاق وكل لكمة تلد فيها بطونا‬
‫والمولودة بدورها تلد بطونا أخرى ‪ ،‬فحياتها منبثقة من داخلها ‪ ,‬وهذا التوالد‬
‫يجري بحسب قوانين وصيغ وأوزان وقوالب هي غاية في السهولة ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن من المصطلحات ما يكون جامدا من حيث المعنى فل يحتاج إلى مشتقات‬


‫‪ ،‬في حين أن منها ما يكون متصرفا من حيث المعنى فيحتاج إلى عدد قليل‬
‫أو كثير من المشتقات ‪ .‬فعلينا أن نلحظ هذه النقطة ‪ ،‬فل نختار مقابل‬
‫المصطلحات التي هي من الصنف الثاني إل ما يقبل التصريف ‪.‬‬
‫ومن المشتقات اسم اللة ‪ ،‬وهو اسم مصوغ من مصدر الفعل الثلثي‬
‫المتعدي ‪ ،‬لما وقع الفعل بواسطته ‪ .‬وتقول كتب الصرف ‪ :‬إن له ثلثة أوزان‬
‫فَعلة كمكنسة ‪.‬‬
‫م ْ‬‫فَعال ‪ ،‬كمنشار و ِ‬
‫م ْ‬
‫فَعل ‪ ،‬كمبرد ‪ ،‬و ِ‬‫م ْ‬
‫هي ‪ِ :‬‬
‫والرأي عندي أن نسير على القول الراجح القاضي بقياسية اسم اللة في‬
‫هذه الصيغ الثلث لستفاضتها في الستعمال وشهرتها ول سيما ونحن في‬
‫أوج معركة التعريب ‪.‬‬
‫والملحظ أن جميع أجهزة القياس التي كانت معروفة قد انحصرت في وزن‬
‫فَعال " مثل ‪ :‬ميزان و مكيال ومثقال ومعيار و مسبار و‪...‬الخ ‪ .‬لذلك‬ ‫م ْ‬
‫" ِ‬
‫ْ‬
‫مطياف‬ ‫يجدر بنا أن نخصص هذا الوزن للجهاز الذي ينفع للقياس ‪ ،‬فنقول ‪ِ :‬‬
‫ضغاط لقياس الضغط ‪..‬الخ ‪.‬‬ ‫م ْ‬‫مطار لقياس المطر و ِ‬ ‫م ْ‬
‫لمقياس الطيف ‪ ،‬و ِ‬
‫وغير ذلك ‪ ،‬حيث يكون هذا الوزن لجهزة القياس كافة و نحصرها فيه ‪.‬‬
‫ونترك الكلمات القديمة التي على هذا الوزن ‪ ،‬دون أن نتعرض لها حتى ولو‬
‫فتاح ومنشار و سواهما ‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫لم تعن وظيفة القياس ‪ ،‬مثل ‪ِ :‬‬
‫فَعال " يتيسر لنا‬‫م ْ‬
‫و من هذا نرى أنه بمجرد تعرفنا القصد من وضع صيغة " ِ‬
‫إيجاد تسميات كثيرة دون تردد أو التباس ‪ .‬وقد ترك لنا الباب مفتوحا لدخال‬
‫مسميات جديدة قد ل تكون في وقتنا الحاضر لكن المكان لها ممّهد سلفا‬
‫لتحتله في المستقبل ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فَعل " مثل ‪ :‬مبرد و مسرد و‬ ‫م ْ‬‫وإذا استعرضنا أسماء اللة التي على وزن " ِ‬
‫مثقب و منقش ومبضع و محجم وغير هذا ‪ ،‬نجد أنها أدوات تقوم بعمل‬
‫مباشر فنتركها لمثل هذه الوظيفة ‪.‬‬
‫فَعلة " مثل ‪ :‬محبرة و ومكنسة‬ ‫م ْ‬‫أما إذا استعرضنا الوزان التي على وزن " ِ‬
‫و ملعقة و مطرقة ‪ ،‬وغيرها فنجد أنها تقوم بعمل غير مباشر ‪ ،‬فهي بالحرى‬
‫وسيلة ‪ ،‬فالمحبرة وسيلة لحفظ الحبر وليست هي التي تصنع الحبر‬
‫والمغسلة وسيلة للغسل ‪ ...‬وهكذا ‪ .‬بهذا نرى أن مصفاة و مشواة ومطواة‬
‫قد خضعت للقاعدة وعبرت عن وظيفتها ‪.‬‬
‫فالوزن – كما يتراءى لنا – هو العامل المسيطر في التعبير عن الوظيفة ‪،‬‬
‫قبل الخذ بأية اعتبارات أخرى ‪ .‬ولدينا وزن آخر جدير بالعناية وقلما يذكر في‬
‫اسم اللة ‪ ،‬هو وزن " فَِعال " الذي يأتي على وزنه أسماء كثيرة لللة ‪ ،‬مثل ‪:‬‬
‫حزام ‪ ،‬ولجام ‪ ،‬وزحام ‪ ،‬و خطام ‪ ،‬و زناد ‪ ،‬وغيرها ‪ :‬وهذه الدوات تقوم‬
‫فَعل " لكن هناك – مع ذلك –‬ ‫بعمل مباشر أيضا ً ‪،‬كالدوات التي على وزن " ِ‬
‫م ْ‬
‫فَعل " ل يزول أثره فالمبرد يبقى‬ ‫م ْ‬‫فارقا بين المجموعتين‪ ،‬فما كان على " ِ‬
‫أثره بعد البرد ‪ ،‬وكذلك المبضع والمنقر وغيرها ‪ .‬أما ما كان على وزن "‬
‫فَِعال " فل يبقى أثره ‪ ،‬مثل حزام ولجام ‪.‬‬
‫وفي لغتنا أوزان أخرى حملها المحدثون معنى اسم اللة ‪ ،‬فأدته بكل يسر‬
‫وسهولة مثل ‪:‬‬
‫فاعل وفاعلة كنا بض و باخرة ‪.‬‬
‫و فَّعال وفَّعالة كجّرار و طّيارة ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و مفعل و مفعلة كمحرض و منوبة ‪.‬‬


‫وقد جاء اسم اللة جامدا على غير هذه الوزان ‪ :‬كالبرة والقلم والسكين‬
‫والفأس والناي والقدوم والهراوة و الّرمح والسيف و غير ذلك ‪.‬‬
‫و من الشتقاق الزيادة في الكلمة ‪ ،‬فنقل المجرد إلى أوزان المزيد ‪ ،‬يغطي‬
‫أغراضا كثيرة ومختلفة ‪ ،‬كالتعدية و التكثير والسلب والمشاركة والصيرورة و‬
‫المطاوعة و الطلب والنتساب و غيرها ‪ .‬فالمشتقات من المصدر والوزان‬
‫الخرى يجب أل تبقى محدودة العطاء ‪ ،‬إذ قد نفتش أحيانا عن جملة لترجمة‬
‫مصطلح ‪ ،‬مع أن وزنا مجهول ل يمكن أن يؤدي المعنى بدقة ‪.‬‬
‫ولنضرب مثل لتعدد الوزان بالزيادة في المادة الواحدة ‪ ،‬فـ " الصبغ" هو‬
‫المجّرد وهو الصل‪ ،‬وفوق ذلك نجد ‪ :‬الصباغة " و هي الحرفة ‪ ،‬و" الصّباغ "‬
‫صَبغ " وهو الجهاز في اللة )إن وجد ( الذي‬ ‫م ْ‬‫وهو محترف الصباغة و " ال ِ‬
‫صَباغ " وهو الجهاز الذي تقاس به دقة‬ ‫م ْ‬
‫يطبع اللون على النسيج ‪ ،‬و" ال ِ‬
‫صب َّغة " مكان الصبغ ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫الصباغة ‪ ،‬و" ال ِ‬
‫وإذا كان الشتقاق هو أهم وسائل وضع المصطلح ‪ ،‬إل أنه ل يكفي وحده‬
‫لتوليد الكلمات التي يحتاج إليها التفكير البشري ‪ ،‬لن عمله مقصور على‬
‫أوزان وقوالب معّينة ‪ .‬وهذه الوزان والقوالب – مهما كانت كثيرة و ولودة –‬
‫ل تستطيع أن تستوعب جميع المعاني العقلية ‪ ،‬فل بد إذن من الستعانة‬
‫بطرق أخرى أبرزها النحت والتعريب ‪.‬‬
‫ب‪ /‬الّنحت ‪:‬‬
‫النحت نوع من الختصار والتركيب‪ ،‬يمزج فيه لفظان أو عدة ألفاظ أو أهم‬
‫حروفها ‪ ،‬فيتولد عنها لفظ واحد جديد ‪ .‬ومعناه في أصل اللغة البري ‪ .‬وهو‬
‫ليس اشتقاقا بالفعل وإنما من قبيلة ‪ ،‬لن الشتقاق أن تنزع كلمة من كلمة ‪.‬‬
‫والنحت أن تنزع كلمة من كلمتين أو أكثر ‪.‬‬
‫ويرى البعض أن النحت والتركيب أمر واحد ‪ .‬وكان القدماء يطلقون التركيب‬
‫على النحت كما هو رأي الخليل ‪ .‬وجاء في كتاب الصاحبي ‪ " :‬العرب تنحت‬
‫من الكلمتين كلمة واحدة ‪ .‬وهو جنس من الختصار ‪ :‬كعبشمي منسوب إلى‬
‫اسمين ‪ ،‬أنشد الخليل ‪:‬‬
‫أقول لها ودمع العين جار***********ألم تحزنك حيعلة المنادي‬
‫من قوله ‪ " :‬حي على "‬
‫وأقّر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في جلسته المؤرخة بالحادي والعشرين‬
‫من فبراير سنة ‪ 1948‬مبدأ العمل بالنحت إذا اقتضى المر ذلك ‪ .‬وهو بذلك‬
‫يجدد ما قام به النقلة في العصر العباسي ‪ ،‬خاصة في ميدان الطب‬
‫والدوية ‪.‬‬
‫وقال جرجي زيدان ‪ ":‬النحت ناموس فاعل على اللفاظ ‪ ،‬وغاية ما يفعله‬
‫فيها إنما هو الختصار في نطقها تسهيل ً للفظها‪ ،‬واقتصارا ً في الوقت بقدر‬
‫المكان "]‪. [10‬‬
‫ن اللغة العربية أحسن‬ ‫وقال محمد شكري اللوسي ‪ " :‬مما يدل على أ ّ‬
‫اللغات صيغة وأساليب ‪ ...‬وأكملها نسقا ً وتأليفا ً ‪ ،‬تسويغ استعمال النحت عند‬
‫اقتضاء الضرورة ‪ ،‬ولو أن العرب شاهدوا البواخر وسكك الحديد ‪ ...‬الخ ‪،‬‬
‫لوضعوا لذلك أسماء خاصة ناصعة ‪،‬فهم على ذلك عير ملومين ‪ ،‬وإنما اللوم‬
‫علينا حالة كوننا قد ورثنا لغتهم وشاهدنا هذه المور ‪ ،‬ولم نتنبه لوضع أسماء‬
‫على النسق الذي ألفه العرب وهو الختصار‪.‬‬
‫وقد خصص الشيخ عبد القادر المغربي بحثا وافيا للنحت في كتابه " الشتقاق‬
‫و التعريب" ‪ .‬واستفاد السابقون من النحت في تكوين المصطلحات العلمية‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عند الضرورة حتى إنهم اقترحوا _ أحيانا _ بصراحة ‪ .‬ونحن نعتقد أن‬
‫الضرورة ماسة لذلك ‪ ،‬حيث إننا نعبر عن كثير من المعاني العلمية بتراكيب‬
‫متنوعة ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ومن المعلوم أن " ل " النافية أعطتنا كثيرا ً من الصطلحات العلمية الرشيقة‬
‫‪ ،‬فقد استعمل المتقدمون ‪ " :‬ل متناهي" و "ل ضروري" و "ل دائمي" و"‬
‫لإرادية " وقد استفاد العصريون ‪ -‬أيضا – من هذه الصيغة مثل " لسلكي" و‬
‫" ل مركزية" و"ل شعوري" و "ل إرادي" ‪.‬‬
‫إننا نرى استعمال النحت لجل الصطلحات العلمية ‪ ،‬وهذه الصطلحات‬
‫محدودة بطبيعة الحال‪ ،‬فل تصعب مراعاة التناسق في تكوينها ‪ ،‬ول يمكن‬
‫نشر العلم بالتراكيب المطولة فإذا لم نقبل النحت فسنضطر إلى استعمال‬
‫الصطلحات الفرنجية نفسها ‪ .‬كما أن المصطلحات العلمية المركبة من‬
‫عدة كلمات ثقيلة الستعمال ‪ ،‬وتتجه جميع اللغات الحية إلى جعلها قصيرة‬
‫مستساغة]‪. [11‬‬
‫ج‪ /‬التعريب ]‪:[12‬‬
‫ً‬
‫ونذكر في النهاية طريقة هي الخيرة – في رأينا‪ -‬وضعا واعتبارا ‪ ،‬وهي‬
‫طريقة التعريب ‪ ،‬أي نقل المفردات الجنبية بلحمها ودمها ‪ .‬والمعرب ما‬
‫استعملته العرب من اللفاظ الموضوعة لمعان من غير لغتها ‪ .‬وفي اللغة‬
‫العربية من اللغات ‪ :‬اليونانية ‪ ،‬والفارسية ‪ ،‬و السريانية‪ ،‬والرومانية‪،‬‬
‫والحبشية‪ ،‬والعبرانية‪ ،‬والهندية‪ -‬الشيء الكثير‪ .‬وقد أجاز مجمع اللغة العربية‬
‫بالقاهرة اللتجاء إلى هذه الطريقة‪ ،‬إذا دعت إلى ذلك الحاجة الماسة ‪ ،‬بأن ل‬
‫يوجد لفظ متداول في اللغة أو مهجور ‪ ،‬يؤدي بدقة المعنى المصطلح عليه‪.‬‬
‫والتعريب ضروري لحياة العلم ‪ ،‬ول خوف معه على كيان اللغة ‪ ،‬إذ يكون أخر‬
‫ما يلجأ إليه في النقل ‪ ،‬عندما ل توجد كلمة عربية تترجم لها الكلمة الجنبية ‪،‬‬
‫أو يشتق منها اسم أو فعل أو يتجوز منها مجازا ً ‪ ،‬أو ينحت لفظ ‪.‬‬
‫واللفظ المعّرب يتبع قواعد التعريب في بنائه وتركيبه ‪ ،‬سواء أشبه العربي‬
‫من كل وجه ‪ ،‬أو حافظ على ما يدل على أعجميته ‪ .‬وهناك فريقان في أمر‬
‫التعريب ‪ ،‬ففريق يذهب الى وجوب اتباع الكلمة المعّربة وزنا عربيا ‪ ،‬فليس‬
‫يكفي أن نتكلم باللفظة العجمية حتى تغدو معربة ‪ .‬وفريق آخر – فيه‬
‫سيبويه و جمهور أهل اللغة – يذهب إلى أن التعريب أن تتكلم العرب بالكلمة‬
‫العجمية مطلقا ‪ ،‬يلحقونها بأبنية كلمهم حينا ‪ ،‬وحينا ل يلحقونها ‪ .‬بل قد ذهب‬
‫بعضهم إلى ‪ :‬إذا عربت اللفاظ العجمية وتمكنت لدى العرب صرفها العرب‬
‫واشتقوا منها ‪ ،‬مثل ‪ :‬ديباج ‪ ،‬فرند ‪ ،‬زنجبيل ‪ ،‬لجام ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫و نحن نرى ألفاظا كثيرة عربت وشاع استعمالها مع وجود نظيرها في اللغة ‪،‬‬
‫مما يدل على مرونة هذه اللغة ‪ ،‬وقدرتها على الستيعاب والنقل من اللغات‬
‫الخرى دون حرج ‪ ،‬فلم يصبها الفساد ‪ ،‬ولم تفقد هويتها ‪ ،‬بل على الضد من‬
‫ذلك ‪ ،‬ازدادت غنى وخصوبة ‪ ،‬وأصبحت لغة عالمية للحضارة والفكر لمدة‬
‫طويلة ‪.‬‬
‫إن العلوم التطبيقية الحديثة وما تضيفه في كل يوم من الدوات والمخترعات‬
‫الجديدة ‪ ،‬تتطلب ألفاظا كثيرة لهذه الدوات و اللت ‪ .‬كما أن طبيعة بعض‬
‫العلوم مثل الكيمياء والفيزياء الحديثة وبما تتميز به مصطلحاتها من حيث‬
‫ارتباط ألفاظها بعضها ببعض ‪ ،‬كل ذلك يبرر لنا اللجوء إلى تعريب اللفاظ ‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإل اختلط المر علينا وضاع الهدف ‪ ،‬وبقينا متخلفين عن اللحاق بالركب‬
‫المتقدم ‪ ،‬والبدء في سلم المشاركة والبداع ‪.‬‬
‫فالتعريب يغني اللغة بذخيرة من الكلمات التي تعّبر عن كل ظلل المعاني‬
‫النسانية ‪ ،‬كما أنه يمدنا بفيض من المصطلحات العلمية الحديثة ‪ ،‬التي ل‬
‫نستغني عنها في نهضتنا العلمية ‪ .‬فل بد من إباحة التعريب بأوجهه المختلفة ‪،‬‬
‫ونقل السماء العجمية إلى اللغة العربية بحروفها وذلك مثل أسماء العلم‬
‫العجمية ‪ ،‬واللباس والطعام و الشراب و الثاث والعقاقير الطبية و أسماء‬
‫الحيوانات و النبات ‪ ،‬مما لم يعرفه العرب وليست في بلدهم ‪.‬‬
‫ولعل من الواجب أن تتعاون جميع المؤسسات اللغوية على أصول يمكن‬
‫اتخاذها قواعد للتعريب ‪ ،‬يقاس عليها ويجري على نسقها ‪ ،‬لكي تتوحد‬
‫م نشره في جميع القطار العربية ‪.‬‬ ‫المصطلحات ‪ ،‬فيسهل العلم ويع ّ‬
‫د‪ /‬النقل المجازي ‪:‬‬
‫وهو طريقة في التوسع اللغوي ‪ ،‬إذ قد يستعمل لفظ في معنى على سبيل‬
‫المجاز ‪ ،‬حتى يصير المجازي هو الذي ينصرف إليه الذهن عند الطلق ‪ .‬و‬
‫من هنا يمكن بعث الكلمات القديمة للدللة على معان حديثة بطرق النقل‬
‫المجازي ‪ .‬ول يلبث اللفظ – لكثرة استعمال المجازي – أل يفهم منه إل هذا‬
‫المعنى المجازي ‪.‬‬
‫‪ /5‬لماذا التعليم باللغة العربية ‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫تعمل الجامعات في العالم العربي والسلمي لعداد القدرات الفكرية‬


‫والعلمية للحاجة المتزايدة لذلك وهذا يقتضي أن تهدف الجامعات و مراكز‬
‫البحوث العلمية إلى استنبات القدرات الذاتية وتكوين الباحثين العلميين ‪،‬‬
‫وإيجاد التجانس الفكري تحقيقا لمتطلبات التنمية ‪ ،‬وتأصيل للقيم الحياتية‬
‫ولما كان معظم أعضاء الهيئات التدريسية قد تلقت تأهيلها في الجامعات‬
‫الجنبية فقد نتج عن ذلك تعدد المدارس الفكرية والتجاهات المنهجية التي‬
‫أورثت الطالب الجامعي بلبلة فكرية ‪ ،‬وتنازعا نفسيا وتعددا في الرؤى و‬
‫التجاهات مما جعل تعريب التعليم الجامعي والدراسات العليا أمرا ضروريا‬
‫نادت به المنظمات العربية وقادة التعليم والفكر لن تكوين القيادات في‬
‫مجالت الحياة المختلفة ل تتم إل بتأصيل العلم والتقنية في اللغة العربية في‬
‫مجال التعليم والبحث والنتاج العلمي وذلك بتنمية اللغة العربية باعتبارها لغة‬
‫عالمية معاصرة وتنميتها تكون بتطوير أساليب تعليمها ‪ ،‬وتحسين قدراتها‬
‫وتجديد طاقاتها وإبراز عبقريتها البداعية ‪.‬‬
‫إن أبرز مقومات الشخصية السلمية بجانب قيمها النسانية والروحية نظامها‬
‫اللغوي فحول اللغة تقوم الحضارة وباللغة تبلغ المة رسالتها الخاتمة وتنشر‬
‫ثقافتها وتراثها الذي لم تبلغه أمة في التاريخ النساني نوعا وحجما وكما‬
‫وكيفا وانفعال وتفاعل وتأثرا وتأثيرا في المعرفة النسانية ‪.‬‬
‫اللغة إبداع إنساني يلبي الحاجات الطبيعية والروحية والجتماعية وهي قابلة‬
‫ور لننا نفكر بلغتنا التي‬
‫دائما لستيعاب الجديد وهي منهج فكر وأسلوب تص ّ‬
‫تعبر عن هويتنا وحكتنا وتجارب حياتنا وفلسفتنا وتراثنا وبصيرتنا مما يؤكد‬
‫قدرتها على مواصلة دورها الحضاري واستيعابها للمعرفة البشرية في كل‬
‫زمان‪.‬‬
‫والذي جعل العربية لغة العلم والتكنولوجيا في الماضي وقابليتها لذلك في‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل أن تتوفر في لغة أخرى‬ ‫المستقبل ما تنفرد به من إمكانات وسمات ق ّ‬


‫منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬مرونة اللغة العربية وقدرتها على التفاعل مع غيرها حيث استوعبت‬
‫العلوم النسانية كلها ترجمة ثم حفظا وإضافة وابتكارا ‪ ،‬وعندما نزل القرآن‬
‫الكريم كان سببا في توسيع دائرة اللفاظ ومدلولتها واكتسبت اللفاظ‬
‫مرونة كبيرة وصلحيات واسعة لتعبر عن المعاني الجديدة والحياة الجديدة ثم‬
‫تستوعب بعد ذلك كل مستحدث في العلم أو جديد في الفكر وأصبحت اللغة‬
‫العربية تحمل المعاني اللغوية التي كانت عليها والمعاني الصطلحية التي‬
‫طرأت عليها وثبتت فيها فكان القران بذلك إضافة ضخمة و ثروة هائلة أثرت‬
‫العربية كما أن اللغة النبوية والبلغة المحمدية في أحاديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عززت المصطلحات الجديدة والمعاني المستحدثة لللفاظ‬
‫والتراكيب العربية ‪.‬‬
‫وتتمثل هذه المرونة في بروز ظاهرتي اللغة الدبية واللغة العلمية فالعربية‬
‫عاشت لغة أدبية برز فيها الخطباء والشعراء حيث كان الشعر ديوان العرب‬
‫وإن قواعدها أسست على مستوى اللغة الدبية واستمرت طرائق التعبير‬
‫معتمدة على المقاييس الدبية المتعارفة بين الشعراء والكّتاب والتي ظلت‬
‫عن طريق الرواية حتى نهاية القرن الثالث الهجري حيث بدأت اللغة العلمية‬
‫تبرز باعتبارها مستوى خاصا في التعبير عن وصف الشياء لتعيين ماهيتها‬
‫على اعتبار أن يراد بـ " الشياء كل ما يدخل في نطاق الحواس النسانية من‬
‫مخلوقات ويراد بالوصف كل جهد يأخذ شكل التقرير أو التحليل أو التركيب‬
‫العلمي " ]‪.[13‬‬
‫وإذا كان السلوب الدبي يتميز بالذوق والجمال فإن السلوب العلمي ل يخلو‬
‫من جانب جمالي ل يطغى على تميزه بالدقة في استعمال الكلمات والجمل‬
‫والرحابة والمرونة وتجنب الصور البلغية والمحسنات البديعية ‪.‬‬
‫‪ -2‬قدرة اللغة على البتكار والتوسع في المصطلحات العلمية فلغة العلم في‬
‫السلم تطورت عبر أزمنة حيث كان القرن الول عصر المصطلحات الفقهية‬
‫والتشريعية ومصطلحات علوم التفسير والحديث وعلم الكلم ثم جاء القرن‬
‫الثاني ليكون عصر المصطلحات اللغوية والدبية والتاريخية والسياسية ثم‬
‫استكملت العلوم لغتها ومصطلحاتها التي عمت العالم السلمي ونمت في‬
‫القرن الرابع الهجري وظهرت المصطلحات في معاجم " واستعان‬
‫المسلمون على وضع هذه المصطلحات بوسيلتين هامتين ‪ :‬أولهما )النقل (‬
‫وهو منهج مألوف في اللغات جميعها فتنقل الكلمة من مدلولها الصلي إلى‬
‫مدلول جديد له به صلة وتستقر فيه بحيث تصبح حقيقة عرفية وقد ينسى‬
‫المدلول القديم ويحل محله المدلول الجديد وحده ‪ ،‬والمثلة على ذلك كثيرة‬
‫نذكر من بينها الصلة والصيام والزكاة في الفقه ‪ ،‬والتمييز والستثناء في‬
‫النحو والجامد والمشتق في علم الصرف ‪ .‬والفرق بين الدللة اللفظية‬
‫والدللة الصطلحية لهذه الكلمات واضح و معروف ‪.‬‬
‫والوسيلة الثانية من وسائل تكوين المصطلح العلمي هي الوضع ‪ ،‬ويراد به‬
‫خلق لفظ جديد لداء معنى خاص بالنحت والختراع أو التركيب والجمع‬
‫وأوضح صوره الشتقاق والعربية ول شك لغة اشتقاقية "]‪. [14‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -3‬التعليم الجامعي باللغة العربية يتناسب مع القدرات المعرفية وطاقات‬


‫الدراك لدى الطالب الجامعي لنها اللغة التي يتعامل بها في حياته اليومية‬
‫ويعبر بها عن حاجاته و مشاعره وهي قبل ذلك مرتبطة بدينه وعقيدته‬
‫والقناعة العقلية والنفسية بأهمية التعليم باللغة العربية يحقق عملية التفاعل‬
‫بين الطالب والستاذ ويسهل عملية الفهم والفهام " لن من أهم مقومات‬
‫النجاح وأعمقها قبول التعريب نفسيا من المجتمع والطالب والستاذ وخلق‬
‫الستعداد النفسي والجتماعي في تقبل الدراسة باللغة العربية ضرورة من‬
‫ضرورات البداع وخلق الثقة بقابلية العرب في استيعاب العلوم الحديثة‬
‫وهضم الحضارة الجديدة لتكون وحدة روحية تزرع الثقة العميقة بأصالة‬
‫العربية والعتداد بالتراث السلمي وبالتالي إعادة الثقة بقابلية الطالب‬
‫العربي والعتداد بالمستوى العلمي للستاذ "]‪. [15‬‬
‫وبما أن اللغة – كما ذكرنا – هي أداة التواصل النساني فإن البعد النفسي‬
‫للتدريس بالعربية يساعد على البداع والصالة العلمية والقضاء على الحواجز‬
‫النفسية التي تنشأ عن التعلم بلغة أجنبية لن التعليم بها يفقد الطالب البعد‬
‫النفسي المطلوب في العملية التعليمية ويضيع الحساس بهوية الطالب‬
‫وذاتيته المعززين بلغة دينه وأمته ‪ ،‬كما أن التعليم باللغة الجنبية يعمق لدى‬
‫الطالب الحساس بالتبعية الفكرية ‪ ،‬والدونية بل إنه يعمم هذا الحساس‬
‫على أساتذته الذي يتعاملون معه بلغة غريبة على مجتمعه و دينه وهويته‬
‫المر الذي قد تكون له آثاره السالبة في مجالت التفكير والبداع ‪.‬‬
‫وعندما ننظر إلى المم المعاصرة كاليابان و كوريا وغيرهما ممن حققوا‬
‫وجودا لهم في الحياة العلمية المعاصرة فإننا نجد أن سّر نهضتها أنها نقلت‬
‫العلوم والتكنولوجيا إلى لغاتها التي بها استوعبت وتمثلت وأنتجت في‬
‫الحضارة النسانية المعاصرة ‪ ،‬وما بنى المسلمون حضارتهم التي أسست‬
‫الحضارة المعاصرة إل باللغة العربية ‪.‬‬
‫واليهود أحيوا لغتهم العبرية و جعلوها لغة التعليم الجامعي منذ أن أنشئوا‬
‫الجامعة العبرية عام ‪1918‬م ولم ينتظروا حتى تكتمل الجامعة وتنمو بل‬
‫جعلوا العبرية لغة التدريس في الطب والهندسة والعلوم وغيرها وقد ذكر‬
‫الستاذ اسحق موسى الحسيني تفاصيل ذلك في بحثه الذي قدمه لمجمع‬
‫اللغة العربية في القاهرة عام ‪1985‬م حيث ذكر أن الجامعات التي أنشئت‬
‫في إسرائيل كلها مع مراكز البحوث العلمية والتاريخية تتخذ العبرية لغة‬
‫للتدريس ليس للطلبة اليهود فحسب بل حتى للعرب الذين يدرسون فيها‬
‫ور في مجال العلوم والفنون والداب بلغته التي يراها لغة العلم‬ ‫فاليهودي يتط ّ‬
‫والتقنية والداب بينما يظن بعض العرب والمسلمين أنهم لن يتطوروا‬
‫بالعربية التي فرضوا حضارتهم بها وأثبتوا بها وجودهم في العالم القديم ‪.‬‬
‫فاليهود خططوا لحياء لغتهم بفكر ديني ربط بين البعث الحضاري اليهودي‬
‫والوسيلة التي يعتمد عليها وهي اللغة العبرية التي نظروا إليها باعتبارها أداة‬
‫بعث و عنوان نهضة لليهودية العالمية وليست مجرد أداة تواصل إنساني‬
‫ً‬
‫لغوي بين الناس بل اعتبروها ضرورة دينية ذات تأثير مباشر على المة أول و‬
‫الخرين ثانيا ‪ ،‬فاليهود بعد شتاتهم وفقدان هويتهم أوجدوا هويتهم وبعثوا‬
‫وجودهم باللغة العبرية التي أصبحت لغة التعليم في المراحل المختلفة ولغة‬
‫المنتديات والنشطة الثقافية والجتماعية ‪.‬‬
‫إنهم كما خططوا لنشاء دولتهم خططوا لحياء لغتهم لتكون لغة قومية تعبر‬
‫عن دولتهم وكيانهم السياسي فشجعوا الحديث بها في بيوتهم وكتبوا بها‬
‫صحفهم ونشراتهم وجعلوها لغة منتدياتهم وتجمعاتهم ووصفوا معجمهم‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللغوي العبري كل ذلك قبل قيام دولتهم التي وجدتهم جاهزين بلغتهم‪.‬‬
‫‪ -5‬تعمل التربية السلمية ليجاد النسان الصالح المتعلم الحاصل على‬
‫معرفة منظمة والقادر على تطوير مهاراته الفكرية وبصيرته و ذوقه الحسي‬
‫والجمالي ووسيلة التربية في تحقيق تلك الهداف هي اللغة السهلة التي‬
‫يفهمها الطالب العربي المسلم وهذه ل تتوافر إل في اللغة العربية التي‬
‫كّرمها الله سبحانه وتعالى بالقران الكريم الذي جعل علقة المسلم بها علقة‬
‫تعبدية إيمانية تجعل العالم المسلم يتعامل مع العلوم الطبيعية والنسانية‬
‫باعتبارها من علوم الدين الستدللية وأن تعليم العلوم باللغة العربية من‬
‫فروض الكفاية التي قد ترقى لفروض العين أحيانا ً لن الطالب عندما يتعلم‬
‫بلغته والمعلم عندما يعّلم بلغته يتحقق لهما معا التواؤم النفسي والديني‬
‫لنهما يتعاملن بلغة القرآن الكريم الذي حقق بها المسلمون مشروعهم‬
‫الحضاري السلمي في الماضي وبها يستطيعون تقديم مشروعهم للعالم‬
‫المعاصر‪ ،‬ولرتباط العربية بالدين قال ابن سيرين ‪ " :‬إن العلم دين فانظروا‬
‫عمن تأخذون دينكم " ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ولما كانت اللغة هي أداة التواصل والوصل بين الستاذ والطالب فإن ثقتهما‬
‫وتعاملهما باللغة التي يعرفانها ويعتزان بها ستقضي على كل جوانب القصور‬
‫والضعف في عملية التواصل والتفاعل بينهما ‪ ،‬بالضافة إلى تحقيق الصالة‬
‫العلمية وتذويب الفارق النفسي والعقلي عند التعامل بلغة غير العربية لن "‬
‫أهم مقومات النجاح وأعمقها قبول التعريب نفسيا من المجتمع والطالب‬
‫والستاذ وخلق الستعداد النفسي والجتماعي في تقبل الدراسة باللغة‬
‫العربية ضرورة من ضرورات البداع وخلق الثقة بقابلية العربية في استيعاب‬
‫العلوم الحديثة وهضم الحضارة الجديدة لتكون وحدة روحية تزرع الثقة‬
‫العميقة بأصالة العربية والعتداد بالتراث السلمي وبالتالي إعادة الثقة‬
‫بقابلية الطالب العربي والعتداد بالمستوى العلمي للستاذ " ]‪. [16‬‬
‫‪ -13‬إن تطوير الداء للستاذ الجامعي يتطلب أول إجادته للغته العربية وإيمانه‬
‫به دينا وقناعته وحرصا على التعليم بها لنها الوسيلة الوحيدة لحداث التفاعل‬
‫بينه وبين طلبه " لنه ل سبيل لقيام حركة علمية حقيقية في بلد إل إن‬
‫اعتمدت على اللغة الوطنية وبوّدنا أن يعرب العلم والتكنولوجيا في الدرس‬
‫والمحاضرة في قاعة البحث والمعمل في المصنع والمزرعة " ]‪ ،[17‬والذي‬
‫يحقق ذلك هو الستعداد النفسي لدى الستاذ باليمان بالتدريس بالعربية‬
‫واليمان بقدرتها على تسهيل عملية الستيعاب لدى الطلب وإسقاط الحاجز‬
‫العقلي والنفسي واللغوي بينه وبين طلبه عندما يدرسهم باللغة التي درسوا‬
‫بها في المراحل الدراسية السابقة ‪ ،‬والتدريس بالعربية وسيلة أيضا إلى‬
‫البداع العلمي ورفع المستوى الثقافي والعلمي للمة وتقوية الصلة بين‬
‫التفكير والتعبير وتقوية الصلة أيضا بين الجامعة والمجتمع وذلك مع مضاعفة‬
‫الهتمام باللغات الجنبية لنها وسيلتنا لتواصل العلمي والتفاعل الحضاري ‪.‬‬
‫إن العربية استوعبت – كما ذكرنا – ثقافات الشعوب كلها عن طريق الترجمة‬
‫وتمثلتها و هضمتها ثم تجاوزتها فأضافت إليها وأبدعت فأصبحت لغة العلوم‬
‫الحيوية " فالقضية المثارة حول تعريب التعليم الجامعي والبحوث العلمية‬
‫اليوم كانت مثارة في أوربا قبل ثلثة قرون بصورة عكسية فقد كانت كتب‬
‫الطب العربية هي التي تدرس في الجامعات الوربية وكان هناك من العلماء‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوربيين من يرى أنه ل يمكن دراسة العلوم والرياضيات والفلك والطب إل‬
‫باللغة العربية لنها لغة العلوم وكانوا يطلبون ذلك في الجامعات العربية في‬
‫غرناطة و قرطبة وسالرنو كما يحدث اليوم بالنسبة إلى العرب الذين يطلبون‬
‫العلم في الخارج وهم الذين يرون استحالة دراسة العلوم باللغة العربية لنهم‬
‫تعلموا في بلد أخرى ولقنوا ما لقنوا بلغة أجنبية "]‪.[18‬‬
‫‪ /6‬تجربة تعريب التعليم العالي ‪:‬‬
‫قضية تعريب التعليم الجامعي من القضايا التي شغلت العلماء والباحثين في‬
‫العالم العربي والسلمي حيث عقدت مؤتمرات و ندوات متعددة حول‬
‫التعريب وأهميته بدءا من مؤتمر بغداد عام ‪ 1978‬حيث ركزت البحوث على‬
‫أهمية تعريب التعليم الجامعي وحيث أثبتت التجارب في الجامعات العربية أن‬
‫التدريس باللغة العربية أكثر نفعا وأعم فائدة للطلبة والساتذة في استيعاب‬
‫العلوم وتعليمها ‪ .‬وكانت الدعوة لتعريب التعليم مرتبطة بالتحرر من العقلية‬
‫الستعمارية التي روجت لعجز العربية أن تكون لغة علم وحضارة وبحيث رّوج‬
‫الكثيرون لهذه الفكرة الكثيرون ممن رفضوا التعريب وحاربوه والمعروف أن‬
‫اللغة التي يتعلم بها المرء يفكر بها والتعليم الجامعي بغير اللغة الم فصل‬
‫بين التفكير واللسان وتعزيز للتبعية الثقافية والسياسية وتكريس للتخلف‬
‫والعزلة بين أبناء المة ولغتهم وحضارتهم وتاريخهم ‪ .‬وقد أوضحت نتائج‬
‫الستفتاء المتعددة لمكتب تنسيق التعريب أن اللغة العربية هي الداة‬
‫الطبيعية للتعليم الجامعي في مختلف المواد ضرورة قومية و دعامة لوحدة‬
‫المة‪.‬‬
‫اليمان بحتمية التعريب للتعليم العالي جعل التفكير منصبا على تذليل‬
‫المشكلت التي تحول دون تحقيقه من حيث المصطلح العربي الموحد‬
‫والكتاب الجامعي المترجم أو المؤلف والستاذ المؤهل القادر على التدريس‬
‫بالعربية ‪ .‬ومع ذلك فقد كان رأي اتحاد الجامعات العربية في مؤتمرهم الرابع‬
‫في مايو ‪1982‬م " أن تعريب التعليم الجامعي قد تأخر كثيرا من القطار‬
‫العربية ولبد من قرار سياسي و خطوة حازمة تتجاوز عوامل التردد والقصور‬
‫" ]‪. [19‬‬
‫وعن أهمية تعريب التعليم الجامعي في مواكبة العصر ومواجهة سيل‬
‫المعلومات المتسارع يقول الستاذ نبيل علي " يصعب تصور إمكان لحاقنا‬
‫بعصر المعلومات ‪ ..‬عصر انفجار المعرفة دون ترسيخ العلم في وجدان‬
‫النسان العربي وعقله وهو هدف دون تحقيقه تقاعسنا في تعريب العلوم‬
‫والحجة القائلة بأن تعريب العلوم يقطع صلة طلبتنا بالمراجع الصلية لهذه‬
‫العلوم يتعارض مع تعدد مصادر المعرفة في عصر المعلومات "]‪. [20‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫والمعروف تاريخيا أن أول كلية طب أنشأها محمد علي باشا في مصر عام‬
‫‪ 1826‬كان التدريس فيها باللغة العربية واستمرت على ذلك حتى خضوع‬
‫الحكومة المصرية للضغوط السياسية من المحتلين حيث غيرت لغة التعليم‬
‫إلى النجليزية عام ‪ 1887‬بعد أن كانت حركة التعريب للعلوم المختلفة قد‬
‫سارت بخطى ثابتة حيث ألف عدد من العلماء في مجال النبات والحيوان‬
‫والفيزياء والجيولوجيا والرياضيات والصيدلة والنجوم والفلك ]‪. [21‬‬
‫أ‪ -‬التجربة السورية ‪:‬‬
‫تعتبر الجامعات السورية صاحبة الريادة في تعريب التعليم الجامعي حيث تم‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تطبيق التعريب في كلية الطب بجامعة دمشق عام ‪1919‬م حيث اشترطوا‬
‫على عضو هيئة التدريس إتقان اللغة العربية لللتحاق بها ونتيجة للدروس‬
‫الخاصة في اللغة استطاع عدد كبير منهم إتقان اللغة واستخدامها بدل من‬
‫اللغة التركية وتواصلت عملية التعريب في الكليات الخرى كالصيدلة‬
‫والهندسة والزراعة و غيرها وتبع ذلك حركة تأليف وترجمة لمصادر وتصنيف‬
‫عدد كبير من المصطلحات وتأهيل الساتذة في مجال التعريب حيث ظلت‬
‫حركة التعريب مستمرة وأّلفت كمية كبيرة من المصادر التي تعتمد عليها‬
‫بعض الجامعات اليوم ‪.‬‬
‫وفي رسالة دكتوراه مقدمة لجامعة القرآن الكريم والعلوم السلمية بعنوان‬
‫)تعريب الكليات العلمية في جامعات الدول العربية ( للباحثة "رجاء محمود‬
‫أبو بكر" أجرت مقارنة بين الجامعات السورية والسودانية من خلل استبانة‬
‫تناولت عددا من السئلة وجهت إلى ‪ 208‬من الطلبة السودانيين الذين‬
‫استجابوا للفحص وعدد ‪ 1023‬طالبا سوريا ثم ‪ 57‬أستاذا سودانيا في مقابلة‬
‫‪ 62‬أستاذا سوريا فكانت النتائج في خلصتها كالتي ‪:‬‬
‫المؤيدون للتعريب‬
‫أساتذة سودانيون ‪% 75.3‬‬
‫أساتذة سوريون ‪% 100‬‬
‫أسباب المعارضة ل ترجع إلى عدم كفاءة اللغة العربية ول صعوبة التدريس‬
‫بها وانما ترجع إلى عدم وجود المراجع العربية ‪ % 91.3‬عدم وجود الكتاب‬
‫الدراسي المعرب ‪ %49.1‬عدم توافر المصطلح العربي ‪ % 24.6‬أما بالنسبة‬
‫للغة التي يفضل الطالب إن يدرس بها فان النسبة كاملة لدى السوريين بينما‬
‫هي ‪ %70.1‬لدى السودانيين والسبب في نزول تلك النسبة أن بعض الطلب‬
‫ممن درسوا في المدارس الجنبية وبعضهم من أبناء الجنوب لذلك يفضلون‬
‫النجليزية التي درسوا بها على العربية ‪.‬‬
‫وإذا كان التعريب في سوريا يتم وفق ضوابط و معايير لغوية صرفية استعانة‬
‫بالقواميس ومعاجم اللغة العربية فان التعريب في السودان يعتمد على‬
‫المصطلح والكتاب المعرب في البلد العربية الخرى ‪.‬‬
‫أما أوضح السلبيات في واقع التعريب فتتمثل في أن الملخصات و المذكرات‬
‫في الجامعات السودانية تكتب باللغة العربية الفصحى المتيسرة مع بعض‬
‫المصطلحات الجنبية بنسبة ‪ %.93‬بينما بالعربية الفصحى المتيسرة هي‬
‫بنسبة ‪ %100‬في الجامعات السورية ‪.‬‬
‫وبينما تجاوزت الجامعات السورية الصعوبات في مجال التعريب فان التعريب‬
‫في السودان يواجه ضعف العتمادات المالية المتعلقة بتوفير الموسوعات‬
‫والمصادر والمعاجم العربية والحوافز المشجعة للعمل ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للفرضية القائلة بضرورة التعريب في التعليم الجامعي فيؤكد ذلك‬
‫أن نسبة ‪ %96‬من السوريين و ‪ %94‬من السودانيين قد تلقوا تعليمهم في‬
‫المرحلة الثانوية في بلدهم باللغة العربية ويعّزز هذه الفرضية الجابة عن‬
‫كيفية استيعاب للمواد باللغة العربية إجماع الطلب في القطرين على أنها‬
‫جيدة أو جيدة جدا ‪.‬‬
‫واهم السلبيات التي تواجه التعريب في السودان دون سوريا تتمثل في عدم‬
‫توافر المراجع العلمية العربية بصورة مرضية بالضافة إلى عدم توافر الكتاب‬
‫الجامعي لرتباطه بالسلبية السابقة ولقصور أساليب التعريب وضعف القتناع‬
‫بالتعريب وبخاصة في وضع المصطلح فحين يجد قلة من الطلب السوريين‬
‫‪ %0.3‬صعوبة في حفظ المصطلح العربي نجد أن ‪ %96.6‬السودانيين‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجدون صعوبة في ذلك ولعل ذلك راجع إلى أن الساتذة ل يذكرون‬


‫المصطلح بالعربية إل ّ نادرا و مع المصطلح النجليزي وبالنسبة للغة التي‬
‫يفضلها لدراسة المصطلح بالعربية ‪ 1005‬بالنسبة للسوريين في حين يفضل‬
‫‪ %92‬من الطلبة السودانيين دراسة المصطلح باللغة النجليزية وهذه من‬
‫سلبيات واقع التعريب في الجامعات السودانية لن الطالب السوداني يجد أن‬
‫المصطلح الجنبي أكثر دقة وأيسر فهما وان المصطلح العربي معقد لعدم‬
‫توافر المراجع بالعربية وسهولة الحصول عليها باللغة النجليزية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التجربة السودانية ‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫المعروف أن الحتلل البريطاني قد فرض لغته على التعليم العام والجامعي‬


‫بحيث يدرس الطالب العلوم كلها في المرحلة الثانوية باللغة النجليزية حيث‬
‫كانت امتحانات الثانوية مرتبطة بجامعتي "كمبردج و أكسفورد" حيث تصحح‬
‫المتحانات هناك ثم ظهرت الدعوة إلى جعل اللغة العربية لغة التعليم بعد‬
‫الستقلل حيث انتهى تعريب التعليم الثانوي في عام ‪1970‬م غير أن المر‬
‫كان متعسرا في التعليم الجامعي حيث ل زالت بعض المواد في كليات الطب‬
‫والهندسة تدرس باللغة النجليزية التي تعلم بها أساتذة الجامعات الذين ل‬
‫زال البعض يناهض عملية التعريب ول يؤمن بها ‪.‬‬
‫وقد انعكست آراء الساتذة على الطلب الذين يفضلون الدراسة باللغة‬
‫النجليزية لنها الوسيلة للنفتاح على العالم الخارجي وأن التعريب قد يقف‬
‫دون ذلك زيادة على أنهم يعتبرون اللغة العربية لغتهم الصلية التي يعرفونها‬
‫ويجيدونها وأن التعريب يعيقه ندرة الكتاب الدراسي والمصطلح العلمي‬
‫العربي مع اعترافهم بأن العربية هي لغة القرآن الكريم واللغة القومية‬
‫الممثلة لهويتهم وذاتيتهم ‪.‬‬
‫ولن الساتذة السودانيين تلقوا تعليمهم الجامعي والعالي باللغة النجليزية‬
‫فإنهم يعتمدون على المراجع الجنبية ول يطلبون العربية إل بنسبة ‪%20‬‬
‫بينما يطلب ‪ %83‬من الساتذة السوريين المراجع العربية من المكتبات ‪.‬‬
‫ومن السلبيات التي تشكل ضعفا في أساليب التعريب أن الجامعات‬
‫السودانية والسورية ل تستخدم أجهزة الحاسوب وبنوك المصطلحات بصورة‬
‫واسعة ومفيدة مع توافرها بكثرة في الجامعات حيث تستغل في تصنيف‬
‫الكتب وبرامج الختبارات وفي أقسام التخصص في الحاسوب وكلية الهندسة‬
‫أحيانا وفي الغالب تقوم هذه الجامعات بتعريف طلبها بالحاسوب‬
‫واستخداماته دون تفعيله في معرفة المصطلحات العلمية المعربة‬
‫والمعلومات المعينة على ذلك فهناك قصور في الستفادة من معطيات‬
‫التقانة الحديثة في التعريب وخلفه ‪.‬‬
‫كانت المشكلة الولى في طريق التعريب هو الستاذ الجامعي الذي درس‬
‫بالنجليزية واعتمد علي المصادر الجنبية غير إن هذه الظاهرة بدأت تتلشى‬
‫بعد عشر سنوات من التجربة التي اعتمدت في البداية منهجا سهل يقوم‬
‫على التدريس باللغة الفصحى الميسرة ودراسة بعض المواد بالنجليزية‬
‫والبقاء على الرموز والصيغ الرياضية في صورتها الجنبية وقد اكتمل‬
‫التعريب في عدد من المواد في العلوم الطبية والرياضيات والفيزياء‬
‫والكيمياء وعلم الحياء والهندسة وغيرها ول زالت اللجان تعمل على‬
‫المستوى القومي ومستوى الجامعات وتأخذ التجربة طريقها في تحقيق‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهداف التعريب ‪.‬‬


‫ج ‪ -‬التجربة الليبية ‪:‬‬
‫في بحث للدكتور "نوفل الحمد" الستاذ في جامعة تشرين السورية قدم‬
‫تجربة في الجامعات الليبية تستحق الدراسة والستفادة منها في تعريب‬
‫التدريس في الجامعات ‪ ،‬نشرة مجلة " التعريب " العد السادس كانون أول‬
‫ديسمبر ‪1993‬م وبعد أن وصف المراحل التي مرت بها التجربة حتى مرحلة‬
‫التعريب الشامل يقول ‪ " :‬لقد ظهرت بوادر الرتياح والنفراج على الطالب‬
‫وأصبحت ثقته بنفسه كبيرة وتفاؤله بالمستقبل كبيرا ً ‪ ،‬لنه بدأ يستوعب‬
‫المحاضرات ويناقش بها ويشعر بتحسن مستواه العلمي ‪ ،‬ومن الجدير بالذكر‬
‫أن التغير كان فجائيا ً أي أن الطالب الذي كان يتلقى علومه باللغة النجليزية‬
‫في الفصل الماضي أصبح الن يتلقاها باللغة العربية وقد أجرينا استبانة آراء‬
‫الطلبة حول هذه العملية فطرحنا عليهم أسئلة كانت كما يلي ‪:‬‬
‫س ‪ :1‬هل ازداد حجم المعلومات أثناء المحاضرة أكثر مما كان عليه باللغة‬
‫النجليزية ؟‬
‫الجواب‪ %88 :‬نعم ‪ % 12 ،‬ل ‪.‬‬
‫س ‪ : 2‬هل أصبح الستيعاب والفهم أكثر مما كان عليه ؟‬
‫الجواب ‪ % 85 :‬نعم ‪ % 15 ،‬ل ‪.‬‬
‫س ‪ : 3‬هل ازدادت مشاركة الطلب في عمليات التدريس من خلل‬
‫المناقشة ؟‬
‫الجواب ‪ % 80 :‬نعم ‪ %20 ،‬ل ‪.‬‬
‫س ‪ : 4‬هل قلت زيارتك للمكتبة ؟‬
‫الجواب ‪ %65 :‬نعم ‪ %35‬ل ‪.‬‬
‫وطلب في نهاية الستبانة أن يكتب كل طالب رأيه حول التعريب وملحظاته‬
‫واقتراحاته التي من شأنها دفع عملية التعريب إلى المام وأخذت )‪(100‬‬
‫ورقة عشوائية فكانت القتراحات كما يلي ‪:‬‬
‫‪ % 70‬يطالبون بتعميق هذه الخطوة القومية والستمرار بها ‪.‬‬
‫‪ % 33‬يطالبون بالمراجع العلمية المعّربة ‪.‬‬
‫‪ 20%‬يطالبون بتوفير المصطلحات واعطائها أثناء المحاضرة ‪.‬‬
‫‪ 18%‬يطالبون بتوفير الكتاب العلمي العربي ‪.‬‬
‫‪ % 8‬يطالبون بالستاذ الجامعي الكفي ‪.‬‬
‫‪ % 7‬يطالبون بتنفيذ التعريب على مراحل ‪.‬‬
‫‪ % 5‬يطالبون بإلقاء المحاضرات باللغة العربية و كتابتها باللغة النجليزية ‪.‬‬
‫‪ % 4‬خائفون من الصعوبات التي سوف تعترضهم عند اللتحاق بالشركات‬
‫لن هذه الشركات معظمها أجنبية ‪.‬‬
‫‪ % 3‬مشككون بالتعريب و ل يحبذونه ويطالبون بالرجوع إلى النجليزية]‬
‫‪. [22‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫أما في مصر فالتجارب كثيرة نذكر منها تجربة الدكتور "عبد الملك أبو عوف"‬
‫الستاذ بكلية الصيدلة والذي انتدب للتدريس في جامعة دمشق إذ يقول ‪" :‬‬
‫وما أحب أن أركز عليه هو حسن النتائج التي أحرزها الطلب بالنسبة لنتائج‬
‫أقرانهم طلب كلية الصيدلة بالقاهرة وكثافة التحصيل وحسن الستيعاب‬
‫الذي توصلوا إليه لن نفهم الطالب للغة المحاضرة وشرحها كان يعفيه من‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بذل مجهود مضاعف ينصرف نصفه لفهم اللغة والتعّرف على المفردات‬
‫الصعبة في اللغة الجنبية التي يدرس بها وينصرف النصف الخر من الجهد‬
‫لستيعاب المادة العلمية نفسها فضل عما يعتور ذهن الطالب أحيانا من‬
‫غموض في المعنى أو نقص فيه يختل معه بناء المعلومات أو تنتقل إليه بغير‬
‫الصورة المقصودة من المحاضرة " ]‪.[23‬‬
‫‪ /7‬اللغة العربية في الدول السلمية الناطقة بغيرها‬
‫الحرب التي وجهت للغة العربية و عدم صلحيتها لستيعاب علوم العصر‬
‫كانت معركة موجهة للسلم وللمم الفريقية والسيوية التي تتطلع للكتابة‬
‫بالحروف العربية حتى تبتعد هذه المم عن عقيدتها واللغة التي تمثلها وهي‬
‫لغة القرآن الكريم وإيهامهم بان العربية عاجزة عن أن تكون لغة علم وثقافة‬
‫تستوعب معطيات العصر ومستجدات العلوم ‪ .‬وحمل لواء هذه الدعوات‬
‫كتاب عرب نصارى ومسلمون رأوا أن البديل هو التوجه نحو الغرب بلغته‬
‫وثقافته و جعل العربية لغة شعائر دينية وليست لغة فكر وعلوم لن كثيرا من‬
‫المم لها لغتها التي تفكر بها ولغتها الدينية التي تتعبد بها وتقرأ بها كتابها‬
‫دس كاللتينية واليونانية والقبطية والسوريانية ‪ .‬وتذكر الدراسات أن‬ ‫المق ّ‬
‫ستين لغة آسيوية وأفريقية لمم إسلمية كانت تكتب بالحرف العربي حتى‬
‫جاء الحتلل وأنهاها " إن الحرف العربي الذي نكتب به لغة إسلمية من شانه‬
‫أن يكون حلقة الوصل بينهم وبين القرآن الكريم المكتوب بالحرف ذاته ‪ ،‬وهو‬
‫مدخل سهل لتعلم القرآن ولغته ‪ ،‬فالذي يتعلم كيف يكتب لغته بالحرف‬
‫العربي يستطيع قراءة القرآن بأقل جهد ‪ ،‬أما إذا كتبت اللغة بالحرف غير‬
‫عربي انقطعت الصلة بين متكلميها ‪ ،‬وبين قراءة القرآن " ]‪.[24‬‬
‫و قد حارب المحتل اللغة السواحيلية التي يتكلم بها شعوب شرقي إفريقيا‬
‫ولغة الهوسا التي يتكلم بها شعوب غرب إفريقيا ومع ذلك انتشرت العربية‬
‫في هذه البلد ويتقنها معظم المتعلمين الذين درسوا في الجامعات العربية‬
‫في الزهر والسودان والسعودية وغيرها وهم الذين يدعون للعودة بالكتابة‬
‫بالحرف العربي الذي" كريم توري " الهدف من الكتابة به في النقاط التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المحافظة على التراث الحضاري في إفريقيا واستمراره ‪.‬‬
‫‪ -2‬التعبير عن أغراض الحياة المعاصرة التعليمية والدينية و الثقافية وأغراض‬
‫الحياة اليومية ‪.‬‬
‫‪ -3‬التصال بمصادر الحضارة العربية السلمية ‪.‬‬
‫‪ -4‬محو المية الحضارية والمساعدة على التنمية المحلية ‪.‬‬
‫و مع الحرب التي وجهت للحرف العربي إل أن اللغة العربية تمثل اللغة‬
‫الثانية في البلد السلمية ‪ ،‬وإذا كان العالم كله يتعلم النجليزية والفرنسية‬
‫وغيرهما ويجعلنهما لغة تعلم وثقافة فيمكن للبلد السلمية أن تجعل العربية‬
‫لغة دينها وثقافتها وتعليمها في ظل الجهود المبذولة لتسهيل تعلم العربية‬
‫وتحديث الساليب والطرق والستفادة من معطيات التقنية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪ /8‬و أخيرا ً ‪..‬‬
‫لقد أصبح التعريب في عدد من الجامعات واقعا معيشا يتطور ويتكّيف مع‬
‫المستجدات ويستجيب للحاجات وأصبحت لهذه التجربة نتائج تشجع على‬
‫تعميمها والعمل بها في الجامعات السلمية والعربية وأبرز هذه النتائج تتمثل‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬اللغة هي وسيلة التأصيل للمة ‪ ،‬تأصيل فكرها وروح البداع فيها‬
‫ووسيلتها لتمكين هويتها والمحافظة على شخصيتها ومقومات وجودها ثم هي‬
‫وسيلة المة في توحيد أفرادها وتسهيل التواصل بين الماضي والحاضر وبها‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تتحقق عملية التقدم والّرقي فإذا كانت اللغة العربية قد سايرت النهضة‬
‫العلمية العالمية التي قادها المسلمون في العصور الوسطى فهي في‬
‫طريقها لعادة ذلك الدور اهتماما بالعلم وعناية بالبحث وحمل لمفاهيم‬
‫الحضارة والتعبير عنها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أصبح المستوى العلمي للطلب في تقدم مستمر لن التدريس بالعربية‬
‫ربطهم بأصولهم اللغوية وسهل لهم المادة التي يتعلمونها وأصبحت ثقتهم في‬
‫أنفسهم ولغتهم قوية فهم يتقنون المادة التي يتعلمونها واللغة التي بها‬
‫يتعلمون ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التعليم باللغة العربية جعل ارتباطهم بدينهم ووطنهم أقوى وأعمق لن‬
‫قرار التعريب قرار سياسي تربوي يحقق مصلحة المة ويدعم وجودها‬
‫ويجعلها أكثر استشرافا للمستقبل ‪ ،‬وتطلعا إلى الحسن والفضل واعتزازا‬
‫بالنفس ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬أصبح استيعاب الطالب للمادة العلمية مرضيا من حيث الكم والكيف‬
‫لنه يتلقى المادة بلغته التي يفهمها ومن أستاذه العربي الذي يمثل حضارته‬
‫ول يضيع وقته في معالجة مفردات اللغة الجنبية التي يتعلم بها ‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬أحس الطالب بأنه متحرر من التبعية الثقافية والهيمنة الفكرية التي‬
‫يحس بها من يتلقى تعليما بلغة أجنبية فهو مستعل بإيمانه ولغته و حضارته‬
‫وليس مستجديا لحضارة غيره ولغة غيره مما يعمق إحساسه بالدونية أمام‬
‫استعلء الخرين بحضارتهم ولغتهم ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬التعريب وسيلة المة لتنمية الشخصية المبدعة المتميزة القادرة عن‬
‫طريق اللغة – على التفاعل والمشاركة والوفاء بمطالب التواصل الحضاري‬
‫والبداع العلمي والّرقي الجتماعي – لن اللغة العربية تحمل الخصائص‬
‫البداعية من خلل طرائق نموها المتمثلة في القياس اللغوي و مجالته‬
‫والشتقاق وأنواعه وطريقة صوغ المصطلح العلمي عن طريق اللصاق‬
‫المعتمد على السوابق واللواحق والدواخل الى جانب طرائق النحت‬
‫والتركيب والختصار ثم المعّرب والمولد والمحدث وغير ذلك ‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬لم يعد المصطلح العلمي مشكلة ‪ ،‬حيث توافرت المعاجم وتنوعت‬
‫وارتبطت بحركة التنسيق والختبار وأصبح الكتاب العلمي الجامعي‬
‫والمصطلح العلمي ملبيا لمطلوبات العلوم والتقنية ووجدت الحلول لكثير من‬
‫المشكلت التي كانت تعوق مسيرة التعريب عن طريق المجامع اللغوية‬
‫والجهود العلمية في الجامعات العربية والمنظمة العربية للتربية والعلوم‬
‫ومكتب تنسيق التعريب ‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬الستاذ الجامعي لم يعد عائقا بل أصبح فاعل مفيدا باعتباره العنصر‬
‫الذي يحقق نجاح التجربة أو فشلها فقد أصبح كثير من الساتذة الذي تلقوا‬
‫دراستهم وكتبوا بحوثهم في جامعات الغرب يقدمون أعمال مفيدة في مجال‬
‫التعريب حيث تغلبوا على كثير من الصعوبات بقناعتهم وارادتهم القوية‬
‫وإيمانهم بدورهم الريادي والقيادي في هذا المجال ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬الكتاب الجامعي لم يعد مشكلة بعد أن شجعت وزارة التعليم العالي‬
‫تأليف الكتاب الجامعي بدل الكتاب الجنبي بالتشجيع المادي والمعنوي سواء‬
‫أكان التأليف جماعيا أو فرديا وإن كان التأليف الجماعي أكثر فائدة وأشمل‬
‫لمفردات المنهج ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عاشرا ً ‪ :‬لم يكن من أهداف التعريب إهمال اللغات العالمية التي بها يحقق‬
‫الطالب عملية التواصل النساني والنفتاح على العلوم والثقافات لدى المم‬
‫المتقدمة في مجال التطور العلمي والتقني واللغات الجنبية هي التي تساعد‬
‫على مواكبة التسارع الرهيب في مجال المعلومات لذلك تهتم الجامعات بأن‬
‫يتقن الطالب لغة من اللغات العالمية ‪.‬‬
‫المراجع ‪:‬‬
‫‪ -1‬د‪ .‬إبراهيم مدكور‪-‬مجلة مجمع اللغة العربية – ج ‪ – 33‬مايو ‪1974‬م ‪.‬‬
‫‪ -2‬المير مصطفى الشهابي – المصطلحات العلمية في اللغة العربية –‬
‫دمشق ‪1988‬م ‪.‬‬
‫‪ -3‬رجاء محمود أبو بكر – تعريب الكليات العلمية في جامعات الدول العربية‬
‫" رسالة دكتوراه " ‪1997‬م ‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬السيد احمد فرج – تعريب التعليم الجامعي فريضة علمية و إسلمية –‬
‫دار الصحوة القاهرة ‪1993‬م ‪.‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬عبد الحليم منتصر – أثر العرب والسلم في النهضة الوربية ‪.‬‬
‫‪ -6‬د‪ .‬عبد الصبور شاهين – العربية لغة العلوم والتقنية – دار العتصام‬
‫القاهرة – ط ‪1986– 2‬م ‪.‬‬
‫‪ -7‬احمد بن علي القلقشندي – صبح العشى في صناعة النشاء –دار الكتب‬
‫العلمية –بيروت ‪ – 1987‬طبعة أولى ‪.‬‬
‫‪ -8‬د‪ .‬عبد النبي محمد علي و د‪ .‬عباس محجوب – المهارات اللغوية – طبعة‬
‫أولى –الخرطوم ‪1995‬م ‪.‬‬
‫‪ -9‬د‪ .‬عباس محجوب – مشكلت تعليم اللغة العربية – قطر ‪1986‬م – دار‬
‫الثقافة ‪.‬‬
‫‪ -10‬مجلة اللسان العربي – العد ‪1982 – 20‬م ‪.‬‬
‫‪ -11‬نبيل علي – العرب وعصر المعلومات – سلسلة عالم المعرفة – الكويت‬
‫‪1994‬م ‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪ .‬نوفل احمد – مجلة التعريب – العدد الثامن – ديسمبر ‪1999‬م ‪.‬‬
‫]‪ [1‬د‪ .‬عباس محجوب – مشكلت تعليم اللغة العربية – ص ‪ – 11‬قطر ‪،‬‬
‫الدوحة ‪ -1986‬دار الثقافة ‪.‬‬
‫]‪ [2‬القلقشندي – صبح العشى ص ‪– 183‬ج ‪ – 1‬دار الكتب العلمية –بيروت‬
‫– ‪ – 1987‬طبعة أولى ‪.‬‬
‫]‪ [3‬د‪ .‬عبد الحليم منتصر – أثر العرب والسلم في النهضة الوربية – ص‬
‫‪. 195‬‬
‫]‪ [4‬د‪ .‬إبراهيم مدكور – مجلة مجمع اللغة العربية –ص ‪ – 20-19‬ج ‪ 33‬مايو‬
‫‪. 1974‬‬
‫]‪ [5‬د‪ .‬محي الدين صابر – من قضايا الثقافة العربية المعاصرة – ص ‪– 30‬‬
‫المكتبة العصرية ‪– 1987‬ط ثانية – بيروت ‪.‬‬
‫]‪ [6‬نقل عن د‪ .‬عبد الصبور شاهين – العربية لغة العلوم والتقنية ص ‪-328‬‬
‫‪. 329‬‬
‫]‪ [7‬المصدر السابق – ص ‪. 329‬‬
‫]‪ [8‬راجع مجلة " لسان العرب " المجلد الثاني عشر ص ‪. 55-54‬‬
‫]‪ [9‬راجع الكتيب بعنوان " الهيئة العليا للتعريب " يناير ‪1994‬م ‪.‬‬
‫]‪ [10‬نقل عن كتاب )المهارات اللغوية ( د‪ .‬عبد النبي محمد علي و د‪ .‬عباس‬
‫محجوب – ص ‪. 219-216‬‬
‫]‪ [11‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫راجع مجلة " لسان العرب " المجلد الثاني عشر ص ‪[12]. 58-57‬‬
‫]‪ [13‬د‪ .‬عبد الصبور شاهين‪-‬العربية لغة العلوم والتقنية – ص ‪ – 78‬دار‬
‫العتصام ‪.‬‬
‫]‪ [14‬د‪ .‬إبراهيم مدكور –مجلة مجمع اللغة العربية – ص ‪-17‬ج ‪ 33‬مايو‬
‫‪. 1974‬‬
‫]‪ [15‬د‪ .‬يوسف عز الدين – الثر النفسي والجتماعي من تعريب التعليم –‬
‫مجلة مجمع اللغة العربية – ص ‪-147-146‬ج ‪. 51‬‬
‫]‪ [16‬د‪ .‬يوسف عز الدين – مجلة مجمع اللغة العربية ص ‪ -147-146‬ج ‪. 51‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫]‪ [17‬د‪ .‬إبراهيم مدكور – مجلة مجمع اللغة العربية – ص ‪ 20‬ج ‪ – 33‬مايو‬
‫‪1974‬م ‪.‬‬
‫]‪ [18‬د‪ .‬محي الدين صابر – من قضايا الثقافة العربية المعاصرة – ص ‪. 67‬‬
‫]‪ [19‬مجلة اللسان العربي ص ‪ 205‬العدد ‪1982 20‬م ‪.‬‬
‫]‪ [20‬العرب وعصر المعلومات – ص ‪ 292‬سلسلة عالم المعرفة الكويت‬
‫‪1994‬م ‪.‬‬
‫]‪ [21‬راجع المير مصطفى الشهابي – المصطلحات العلمية في اللغة العربية‬
‫– ص ‪ – 63‬دمشق ‪1988‬م ‪.‬‬
‫]‪ [22‬التعريب – العدد السادس – ديسمبر ‪ 1993‬ص ‪. 25– 24‬‬
‫]‪ [23‬نقل عن د‪ .‬السيد احمد فرج – تعريب التعليم الجامعي ضرورة علمية‬
‫وإسلمية – ص ‪. 82‬‬
‫]‪ [24‬د‪ .‬يوسف الخليفة أبوبكر –الحرف العربي واللغات الفريقية ‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫الثابت والمتغير من أحكام السرة في الشريعة السلمية )‪(1/2‬‬


‫‪ ...‬بقلم‪ :‬الدكتور مسعود فلوسي‬
‫هناك حقيقتان مهمتان ل ينبغي أن نغفل عنهما ونحن نتحدث عن أي نوع من‬
‫أنواع الحكام الشرعية في الشريعة السلمية‪:‬‬
‫ل متكام ٌ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫أما الحقيقة الولى فمفادها؛ أن أحكام الشريعة السلمية ك ّ‬
‫فاِريقَ أو أجزاء منفصلة عن بعضها البعض‪ .‬ولذلك فإن أي تناول لي‬ ‫وليست ت َ َ‬
‫قسم من هذه الحكام‪ ،‬ينبغي أن يكون في إطار رؤية شاملة للمنظومة‬
‫العامة للتشريع‪ ،‬في أبعادها كلها؛ العقدية والخلقية والتشريعية‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫المصالح والمفاسد ليست كلها على درجة واحدة من الثبات؛ فهناك مسالك‬
‫أو تصرفات تصدر عن المكلفين ترتبط بمصالح أو مفاسد ثابتة ل تتغير بتغير‬
‫الزمان والمكان وأحوال الفراد والمجتمعات‪ ،‬وهو ما يقتضي أن يهيئ لها‬
‫الشارع أحكاما ثابتة تتكفل بجلب ما كان منها مصلحة ودفع ما كان منها‬
‫مفسدة‪..‬‬
‫________________________________________‬
‫من َّزَلة من الحكيم الخبير‪ ،‬الذي هو الله‬
‫وهذه المنظومة العامة للتشريع ُ‬
‫شّرع سواه‪ ،‬وهو عز وجل‬ ‫م َ‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬الخالق الرازق المشرع‪ ،‬الذي ل ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قد ارتضى لعباده هذه المنظومة التشريعية وأمرهم أن يلتزموا بها كلها‪ ،‬ولم‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ل منهم اللتزام بغيرها‪ ،‬قال سبحانه وتعالى‪} :‬ال ْيو َ‬
‫م‬‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫قب َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِديًنا{)‪ .(1‬وقال عز وجل‪} :‬وَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت لك ْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫وَأت ْ َ‬
‫ن{)‪ .(2‬كما‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫قب َل ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ ِديًنا فل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي َب ْت َِغ غي َْر ال ِ ْ‬
‫لم يقبل منهم أن يتمسكوا ببعضها ويتركوا البعض الخر‪ ،‬فقال عز من قائل‪:‬‬
‫َ‬
‫م إ ِل ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ك ِ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬‫فُرو َ‬ ‫ب وَت َك ْ ُ‬ ‫ض ال ْك َِتا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫}أفَت ُؤْ ِ‬
‫ل‬‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شد ّ ال ْعَ َ‬‫ن إ َِلى أ َ َ‬ ‫مةِ ي َُرّدو َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫خْزيٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ن{)‪.(3‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫عَ ّ‬
‫وأما الحقيقة الثانية؛ فإنه من المعلوم قطعا أن أحكام الشريعة السلمية إنما‬
‫جاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد‪ ،‬فكل ما هو مصلحة أو‬
‫سبب إلى مصلحة فقد تواردت الدلة على طلبه والحث على فعله‪ ،‬وكل ما‬
‫هو مفسدة أو سبب إلى مفسدة فقد تواردت الدلة على طلب تركه والنهي‬
‫عن فعله‪.‬‬
‫لكن المصالح والمفاسد‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬ليست كلها على درجة واحدة من‬
‫الثبات؛ فهناك مسالك أو تصرفات تصدر عن المكلفين ترتبط بمصالح أو‬
‫مفاسد ثابتة ل تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال الفراد والمجتمعات‪ ،‬وهو‬
‫ما يقتضي أن يهيئ لها الشارع أحكاما ثابتة تتكفل بجلب ما كان منها مصلحة‬
‫ودفع ما كان منها مفسدة‪ ..‬وفي هذا الطار يندرج تحريم الشرك والنفاق‬
‫والسحر وشرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير والسرقة وأكل الربا‬
‫واقتراف فاحشة الزنا وقتل النفس والحقد والحسد والغيبة والنميمة وقطع‬
‫الرحام وما إلى ذلك من رذائل لنها مفاسد محققة وثابتة‪ ..‬وفي الطار‬
‫نفسه كذلك يندرج المر بالصلة والزكاة والصوم والحج وبر الوالدين وصلة‬
‫الرحام والوفاء بالعهد وجهاد الكفار المعتدين وإكرام الضيف والصدق والصبر‬
‫والمانة والعفة والحياء وغير ذلك مما هو مصالح محققة وثابتة‪.‬‬
‫هذا النوع من المصالح‪ ،‬والحكام التي جاءت لتحقيقها؛ يمثل كليات الدين‬
‫وقواعده وأسسه التي ل يجوز التنكر لها أو استبدالها بغيرها‪ ،‬لنها كما قال‬
‫ضَعت عليها الدنيا‪ ،‬وبها قامت مصالحها في‬ ‫المام الشاطبي "كلية أبدية‪ ،‬وُ ِ‬
‫الخلق‪ ،‬حسبما بين ذلك الستقراء‪ ،‬وعلى وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضا‪،‬‬
‫ق إلى أن يرث الله الرض ومن عليها")‪.(4‬‬ ‫فذلك الحكم الكلي با ٍ‬
‫وإلى جانب هذه المصالح والمفاسد الثابتة‪ ،‬هناك مصالح ومفاسد متغيرة‪ ،‬أي‬
‫أن الفعل أو التصرف قد يكون في وقت ما أو حال معينة مفسدة‪ ،‬ولكنه في‬
‫حال أخرى أو في زمن مختلف أو في مجتمع آخر مصلحة‪ .‬بمعنى أن السلوك‬
‫قد يكون له أثر نافع في ظل ملبسات معينة‪ ،‬وفي ظل ملبسات مختلفة‬
‫يتحول أثره إلى ضار‪ .‬ولذلك فإن الشارع لم يأت بأحكام ثابتة تحكم مثل هذه‬
‫المسالك والتصرفات‪ ،‬وإنما اكتفى بوضع مبادئ تشريعية عامة تتكفل بجلب‬
‫كل ما هو مصلحة أو سبب إلى مصلحة‪ ،‬ودفع كل ما هو مفسدة أو سبب إلى‬
‫مُر‬ ‫مفسدة‪ .‬والمبدأ العام الذي يحكم هذا ك ُّله هو قوُله تعالى‪} :‬إن الل ّ ْ‬
‫ه ي َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ْ‬
‫منك َرِ َوالب َغْ ِ‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬‫ن ال ْ َ‬
‫قْرَبى وَي َن َْهى عَ ْ‬ ‫ن وَِإيَتاِء ِذي ال ْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوال ِ ْ‬ ‫ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫ن{)‪.(5‬‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ي َعِظ ُك ُ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد ترك الشارع الحكيم للمجتهدين من المة أمر تقدير هذه التصرفات‬
‫والحكم عليها بالصلح والفساد تبعا للواقع وظروف الناس وعاداتهم‪ .‬وقد‬
‫استخرج العلماء من جملة أدلة الشرع عددا من المناهج التشريعية الكفيلة‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بإيجاد الحلول لهذا النوع من المسائل المتغيرة في حياة المكلفين‪ ،‬كمبدأ‬


‫القياس والستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعمل بالستصحاب‪.‬‬
‫كما استخلصوا أيضا جملة من القواعد الكفيلة بمتابعة هذه المسائل بالحلول‬
‫الناجعة لها في الواقع‪ ،‬ومنها‪ :‬درء المفسدة يقدم على جلب المصلحة‪،‬‬
‫التصرف على الرعية منوط بالمصلحة‪ ،‬الضرر ُيزال‪ ،‬الضرر ل ُيزال بالضرر‪،‬‬
‫مل الضرر الخاص لدفع الضرر العام‪ ،‬الضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬ما‬ ‫ي ُت َ َ‬
‫ح ّ‬
‫در بقدرها‪ ،‬المشقة تجلب التيسير‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫ق ّ‬
‫أبيح للضرورة ي ُ َ‬
‫أحكام السرة المسلمة في ضوء هاتين الحقيقتين‬
‫في ضوء هاتين الحقيقتين ينبغي أن ننظر إلى أحكام السرة في الشريعة‬
‫السلمية‪ ،‬فهي أحكام تمثل جزءا من المنظومة العامة للتشريع السلمي‬
‫طها عقيدة جامعة‬ ‫حو ُ‬ ‫ض الله عز وجل للناس دينا غيره‪ ،‬إذ ت َ ُ‬ ‫الذي لم يرت ِ‬
‫وتمتزج بها أخلق ربانية سامية وترتبط بها أحكام متعلقة بالشؤون الخرى‬
‫من الحياة‪ .‬والمسلم في إطار هذه الحكام كلها إنما يحكمه مبدأ واحد‪ ،‬وهو‬
‫مك َّلف بأن يمتثل لوامره سبحانه وتعالى وينتهي عما‬ ‫أنه عبد ٌ لله عز وجل ُ‬
‫نهاه عنه‪ ،‬ول يملك أن يقبل حكم الله عز وجل في مجال ما من مجالت‬
‫الحياة ويرفض حكما آخر صادرا عنه سبحانه وتعالى في مجال آخر‪ .‬كما ل‬
‫شّرعَ لنفسه أحكاما تناقض ما شرعه الله عز وجل له‪ .‬ذلك أن‬ ‫يملك أن ي ُ َ‬
‫موقف النسان من ربه عز وجل هو موقف العبودية‪ ،‬وهذه العبودية تقتضي‬
‫أن يلتزم النسان بكل ما يأتيه من ربه على سبيل التشريع‪ ،‬وذلك بعض ما‬
‫دوِني{)‪.(6‬‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ن َوال ِن ْ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬
‫يفيده قول الله سبحانه وتعالى‪} :‬وَ َ‬
‫وكذلك المر بالنسبة للحقيقة الثانية‪ ،‬فالمسائل المتعلقة بالسرة منها ما هي‬
‫متعلقة بمصالح أو مفاسد ثابتة ارتبطت بالسرة منذ وجودها فهي ل تنفك‬
‫عنها ول تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال الناس وعادات الفراد‬
‫والمجتمعات‪ ،‬ولذلك وضع لها الشارع الحكيم سبحانه وتعالى أحكاما تتكفل‬
‫بجلب ما كان منها مصلحة ثابتة ودفع ما كان منها مفسدة ثابتة‪ .‬أما المسائل‬
‫الخرى التي قد تكون في بعض الحيان مصالح بالنسبة للسرة أو أسبابا‬
‫لمصالح‪ ،‬وفي أحيان أخرى تتحول إلى مفاسد أو أسبابا لمفاسد‪ ،‬فإن الشارع‬
‫تكفل بوضع المبادئ العامة التي تضمن جلب ما هو مصلحة ودفع ما هو‬
‫مفسدة تبعا لملبسات الواقع وتبدل سلوكات الناس وعاداتهم وأعرافهم‪.‬‬
‫في أي نوعي الحكام يجوز الجتهاد؟‬
‫إن الذي ينبغي تقريره هنا؛ أن اجتهاد المكلفين في الحكام الشرعية ينبغي‬
‫أن ينضبط بهاتين الحقيقتين ول يخرج عنهما‪.‬‬
‫فبالنسبة للحكام الثابتة ل يجوز أن ُيوضع شيء منها موضع اجتهاد أو نقاش‪.‬‬
‫إل ما كان من اجتهاد في كيفية تطبيقها ومراعاة أوفق السبل لتحقيق‬
‫مقصود الشارع من تشريعها‪.‬‬
‫وبالنسبة للحكام المتغيرة‪ ،‬ينبغي أن يكون هناك متابعة مستمرة من قبل‬
‫المجتهدين لفعال المكلفين وتصرفاتهم في إطار المسائل المتغيرة حتى يتم‬
‫ملحظة ما يطرأ عليها من تغيرات ليتم متابعتها بالجتهادات الكفيلة بجلب ما‬
‫كان منها مصلحة ودفع ما أصبح منها مفسدة‪.‬‬
‫يقول المام ابن القيم رحمه الله‪:‬‬
‫"الحكام نوعان‪ :‬نوع ل يتغير عن حالة واحدة مر عليها‪ ،‬ل بحسب الزمنة ول‬
‫المكنة‪ ،‬ول اجتهاد الئمة‪ ،‬كوجوب الواجبات‪ ،‬وتحريم المحرمات‪ ،‬والحدود‬
‫المقدرة بالشرع على الجرائم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذا ل يتطرق إليه تغيير‪ ،‬ول‬
‫اجتهاد يخالف ما وضع عليه‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنوع الثاني‪ :‬ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحال‪،‬‬
‫كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها‪ ،‬فإن الشارع ينوع فيها حسب‬
‫المصلحة")‪.(7‬‬
‫ولبد من التأكيد هنا على مسألة ذات أهمية بالغة‪ ،‬وتتمثل في أن الحكام‬
‫الثابتة في مسائل السرة أكثر بكثير من المسائل ذات الطبيعة المتغيرة‪،‬‬
‫فالشارع الحكيم قد أحاط السرة بالكثير من الحكام التفصيلية التي من‬
‫شأنها أن تسد الباب أمام أي اجتهاد بشري فيها‪ .‬وما ذلك إل لن السرة‬
‫ككيان اجتماعي يعتبر اللبنة الولى في قيام المجتمع‪ ،‬فإذا ما صلح حال‬
‫السرة صُلح حال المجتمع‪ ،‬وإذا ما فسد حال السرة فسد حال المجتمع‪،‬‬
‫ولذلك اقتضى المر أن يحيط الشارع هذا الكيان بكل أسباب الصحة والعافية‬
‫المتمثلة في التشريعات التفصيلية‪ ،‬ويمنع من إجراء التجارب التشريعية‬
‫المختلفة عليه تبعا لتبدل الظروف والحوال وتباين ثقافات الناس ونزواتهم‪.‬‬
‫في ضوء ما سبق كله‪ ،‬نود في هذا البحث أن نؤشر على بعض مسائل‬
‫السرة التي لها صفة الثبات‪ ،‬والتي أحاطها الشارع الحكيم بأحكام ثابتة ل‬
‫تتبدل ول تتغير‪ .‬ثم نتبعها بذكر مسائل أخرى ليست لها صفة الثبات‬
‫والديمومة‪:‬‬
‫نماذج من الحكام الثابتة في نطاق السرة‬
‫‪ .1‬بطلن نكاح المحرمات‬

‫)‪(2 /‬‬

‫حرم الشارع الحكيم على الرجل أن يتزوج من محارمه من النساء‪ ،‬كما حرم‬
‫على المرأة أن تتزوج من محارمها من الرجال‪ .‬ذلك أن بقاء الرابطة التي‬
‫ة‬
‫تربط بين الرجل ومحارمه من النساء والمرأة ومحارمها من الرجال رابط ً‬
‫مقدسة تعلو فوق الشهوات أمٌر مقصود ٌ شرعا وفيه من المصالح ما ل يخفى‬
‫على أي عاقل‪.‬‬
‫ولذلك جاء التشريع الحكيم واضحا بتحريم هذا النوع من الزواج على سبيل‬
‫م‬‫مات ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ّ‬ ‫وات ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَأ َ َ‬ ‫م وَب ََنات ُك ُ ْ‬ ‫مَهات ُك ُ ْ‬
‫التأبيد‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬حرمت عَل َيك ُ ُ‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ ّ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫وات ُك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ضعْن َك ْ‬ ‫م اللِتي أْر َ‬ ‫ّ‬ ‫مَهات ُك ْ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ال ْ‬ ‫ت الِخ وَب ََنا ُ‬ ‫م وَب ََنا ُ‬ ‫خال َت ُك ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ّ‬
‫م اللِتي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سائ ِك ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جورِك ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م اللِتي ِفي ُ‬ ‫م وََرَبائ ِب ُك ْ‬ ‫سائ ِك ْ‬ ‫ت نِ َ‬ ‫مَها ُ‬ ‫ضاعَةِ وَأ ّ‬ ‫الّر َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫حلئ ِل أب َْنائ ِك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫ح عَلي ْك ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫َ‬
‫ن فل ُ‬ ‫َ‬ ‫م ب ِهِ ّ‬ ‫خلت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م ت َكوُنوا د َ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬
‫ن فإ ِ ْ‬ ‫م ب ِهِ ّ‬ ‫خل ْت ُ ْ‬ ‫دَ َ‬
‫فوًرا‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ِ ّ‬ ‫ْ َْ ِ ِ َ‬ ‫م ْ ْ ِ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َْ َ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫عوا‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫ما{)‪.(8‬‬ ‫َر ِ ً‬
‫حي‬
‫وإضافة إلى هؤلء النساء المحارم‪ ،‬حرم الشارع أصنافا أخرى من النساء‬
‫لسباب أخرى‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫المسائل المتعلقة بالسرة منها ما هي متعلقة بمصالح أو مفاسد ثابتة‬
‫ارتبطت بالسرة منذ وجودها فهي ل تنفك عنها ول تتغير بتغير الزمان‬
‫والمكان وأحوال الناس وعادات الفراد والمجتمعات‪ ،‬ولذلك وضع لها الشارع‬
‫الحكيم سبحانه وتعالى أحكاما تتكفل بجلب ما كان منها مصلحة ثابتة ودفع ما‬
‫كان منها مفسدة ثابتة‬
‫________________________________________‬
‫وقد عدد المالكية أصناف النساء اللئي يحرم على الرجل الزواج منهن‪ ،‬وهن‬
‫ثمان وأربعون امرأة‪ :‬خمس وعشرون منها على سبيل التأبيد‪ :‬سبع من‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النسب‪ :‬الم والبنت والخت والعمة والخالة وبنت الخ وبنت الخت‪ .‬ومثلهن‬
‫من الرضاع‪ .‬وأربع بالمصاهرة‪ :‬أم الزوجة وبنت الزوجة المدخول بها وزوجة‬
‫الب وزوجة البن‪ .‬ومثلهن من الرضاع‪ .‬ونساء النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫والملعنة‪ ،‬والمنكوحة في عدة من زوج سابق‪.‬‬
‫وأما المحرمات ل على سبيل التأبيد‪ ،‬فثلث وعشرون امرأة‪ :‬المرتدة‪ ،‬وغير‬
‫الكتابية‪ ،‬والزوجة الخامسة‪ ،‬والمتزوجة‪ ،‬والمعتدة‪ ،‬والمستبرئة‪ ،‬والحامل‪،‬‬
‫مة المسلمة للقادر على‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شت ََر َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مة الكافرة‪ ،‬وال َ‬
‫كة‪ ،‬وال َ‬ ‫مة ال ُ‬ ‫والمبتوتة‪ ،‬وال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رمة بالحج‪،‬‬ ‫مح ِ‬
‫مة نفسه‪ ،‬وسيدته‪ ،‬وأم سيده‪ ،‬وال ُ‬ ‫مة البن‪ ،‬وأ َ‬ ‫ول الحرة‪ ،‬وأ َ‬ ‫طَ ْ‬
‫والمريضة‪ ،‬وأخت الزوجة‪ ،‬وخالتها‪ ،‬وعمتها‪ ،‬إذ ل يجوز الجمع بينهما‪،‬‬
‫والمنكوحة يوم الجمعة عند الزوال‪ ،‬والمخطوبة بعد الركون للغير‪ ،‬واليتيمة‬
‫غير البالغة)‪.(9‬‬
‫فأي علقة زواج تنشأ بين الرجل وأي صنف كمن هؤلء النساء‪ ،‬هي علقة‬
‫باطلة‪ ،‬وأي عقد يبرم هو عقد باطل يجب فسخه ول يترتب عليه أثر شرعي‪.‬‬
‫وهذا حكم ثابت ل يقبل التبديل والتغيير‪ ،‬إل في حالة النساء المحرمات على‬
‫سبيل التأقيت‪ ،‬إذا ذهب سبب التحريم‪ ،‬فيجوز حينئذ العقد والزواج‪.‬‬
‫والحكمة من تحريم هذه الصناف من النساء‪ ،‬سواء ما كان منهن على سبيل‬
‫التأبيد أو على سبيل التوقيت‪ ،‬ظاهرة؛ وهي الحفاظ على قداسة الروابط‬
‫الجتماعية وجعلها بمنأى عن اتباع الشهوات والخضوع للنزوات وكل ما من‬
‫شأنه أن يفضي إلى اختلل العلقات النسانية في المجتمع‪.‬‬
‫‪ .2‬ولية الرجل على المرأة في الزواج‬
‫مسألة ولية الرجل على المرأة في الزواج مما أثار الكثير من الجدل‬
‫والنقاش‪ ،‬وخاصة في عصرنا هذا الذي صار فيه بعض الناس يستنكرون أن‬
‫تخضع المرأة لولية أبيها أو أخيها أو من هو ولي لها في الزواج‪ ،‬خاصة المرأة‬
‫المتعلمة والمثقفة‪.‬‬
‫والحق أن ولية الرجل ثابتة على المرأة في الشرع‪ ،‬ليس لنها لم تكن‬
‫متعلمة ول مثقفة‪ ،‬وإنما لنها امرأة وكفى‪ ،‬بغض النظر عن مستواها‬
‫التعليمي‪ ،‬أو منصبها الجتماعي‪.‬‬
‫فالمرأة التي لم يسبق لها الزواج‪ ،‬وإن تقدمت في السن‪ ،‬وإن بلغت ما بلغت‬
‫من الثقافة والعلم‪ ،‬فهي تظل عديمة المعرفة بطبائع الرجال وأخلقهم‬
‫وأصولهم الجتماعية وسوابقهم الخلقية‪ .‬إضافة إلى أن المرأة بطبيعتها‬
‫سريعة التأثر بالمغريات والكلم المعسول‪ ،‬وقد تنساق وراء من تتصوره‬
‫فارس الحلم وزوج المستقبل ثم ل يلبث أن يظهر على حقيقته وتنكشف‬
‫سيرته‪ ،‬ولكن بعد فوات الوان‪.‬‬
‫لجل ذلك شرع الشارع الحكيم حكم الولية‪ ،‬بأن رفض عقد المرأة زواجها‬
‫بنفسها‪ ،‬مشترطا موافقة وليها وإمضاءه العقد نيابة عنها‪ ،‬وذلك حماية للمرأة‬
‫من النخداع بمن يتقدم إليها من الرجال أول‪ ،‬وحماية لها من نفسها التي قد‬
‫تنساق للنخداع ثانيا‪ ،‬لن الولي عادة حريص على مصلحة موليته‪ ،‬مجتهد في‬
‫معرفة أصول الرجل الذي يتقدم للزواج منها وتربيته وأخلقه وسيرته خلل‬
‫حياته السابقة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫صّلى‬ ‫ش َ َ‬
‫ل الل ّهِ َ‬
‫سو َ‬‫ن َر ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عُْروَة َ عَ ْ‬ ‫ن الّزهْرِيّ عَ ْ‬ ‫أخرج الترمذي وغيره عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طلٌ‪،‬‬ ‫حَها َبا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَل ِي َّها فن ِكا ُ‬‫ت ب ِغَي ْرِ إ ِذ ْ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫مَرأةٍ ن َك َ‬
‫ما ا ْ‬
‫ل‪» :‬أي ّ َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫م َقا َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ّ ُ‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ح ّ‬‫ست َ َ‬‫ما ا ْ‬‫مهُْر ب ِ َ‬ ‫ل ب َِها فَل ََها ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫طلٌ‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫حَها َبا ِ‬ ‫كا ُ‬‫طلٌ‪ ،‬فَن ِ َ‬ ‫حَها َبا ِ‬ ‫كا ُ‬ ‫فَن ِ َ‬
‫ه«)‪.(10‬‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ن ل َ وَل ِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫طا ُ‬‫سل ْ َ‬ ‫جُروا َفال ّ‬ ‫نا ْ‬
‫شت َ َ‬ ‫جَها‪ ،‬فَإ ِ ْ‬‫فَْر ِ‬
‫ول مجال لما يبديه الرافضون لمبدأ الولية‪ ،‬من أن الولي ربما استغل حقه‬
‫في الولية في الضرار بموليته ومنعها من الزواج ممن ترضى حتى ولو لم‬
‫يكن فيه ما ُيعاب‪ ،‬بل قد يستغلها هذا الولي في تزويجها ممن يريد هو حتى‬
‫وإن كان فيه الكثير مما ُيعاب‪ .‬إن هذا العتراض ربما كان صحيحا ومقبول لو‬
‫أن المرأة لم يكن أمامها أي سبيل لرفع الغبن الواقع عليها من وليها‪ ،‬لكن‬
‫الحديث صريح في أن المرأة من حقها أن ترفع أمرها إلى القاضي إذا رأت‬
‫أن وليها يريد أن يحرمها من الزواج من رجل دون مبرر مقبول‪» :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن‬
‫ه«‪.‬‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ن ل َ وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ي َ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫سل ْ َ‬‫جُروا َفال ّ‬ ‫شت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫فالولية هي ولية توجيه وتسديد وصيانة‪ ،‬وليست ولية استبداد وإجبار‬
‫واستغلل‪.‬‬
‫والذي أراه ـ والله أعلم ـ أن حكم الولية من الحكام الثابتة التي ل تقبل‬
‫التغيير والتبديل‪ ،‬لن طبيعة المرأة ثابتة ل تتغير‪ ،‬وحاجتها الفطرية إلى الزواج‬
‫قد تدفعها إلى التسرع في إبرام عقد الزواج مع من يتقدم إليها لمجرد‬
‫إعجابها بمظهره وما يصف به نفسه‪ .‬ولذلك فإن الوسيلة الوحيدة لحمايتها‬
‫من الوقوع في أخطاء فادحة تعود على حياتها بأوخم العواقب؛ هي إثبات‬
‫الولية عليها‪.‬‬
‫‪ .3‬قوامة الرجل على المرأة ونفقته عليها‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬ ‫ه ب َعْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما فَ ّ‬ ‫ساِء ب ِ َ‬ ‫ن عََلى الن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫وا ُ‬ ‫ل قَ ّ‬ ‫جا ُ‬ ‫يقرر القرآن الكريم أن }الّر َ‬
‫م{)‪.(11‬‬ ‫قوا م َ‬ ‫ما َأن َ‬ ‫َ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ض وَب ِ َ‬‫عَلى ب َعْ ٍ‬
‫وهذا حكم ثابت ل يتبدل بتبدل الظروف والحوال ول يتغير بتغير حياة الناس‬
‫والتطور الذي يطرأ عليها‪.‬‬
‫فالية الكريمة جعلت أمر القوامة ثابتا للرجل على المرأة‪ ،‬لعتبارين اثنين‪:‬‬
‫َ‬
‫م عَلى‬ ‫ضهُ ْ‬‫ه ب َعْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما فَ ّ‬
‫ض َ‬ ‫الول‪ :‬التكوين الطبيعي لكل من الرجل والمرأة }ب ِ َ‬
‫ض{‪.‬‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫م{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما أن َ‬ ‫والثاني‪ :‬التزام الرجل بالنفقة }وَب ِ َ‬
‫فالعتبار الول يضع في حسابه أن سرعة انفعال المرأة تجعلها أقل تحمل ً‬
‫من الرجل‪ ،‬وأسرع تصدعا ً حينما تواجه الشدائد والمسؤوليات الكبيرة‪ ،‬كما‬
‫أن طبيعتها العاطفية تسبب في الغالب افتقارها للموضوعية في مواقفها من‬
‫الحداث والمشكلت‪ .‬في حين أن الرجل أقوم منها في الجسم‪ ،‬وأقدر على‬
‫الكسب والدفاع عن بيته وعرضه‪ ،‬ل شك في ذلك‪ ،‬وهو أقدر منها على‬
‫معالجة المور‪ ،‬وحل معضلت الحياة بالمنطق والحكمة وتحكيم العقل‬
‫والتحكم بعواطفه‪ ،‬ل شك في ذلك أيضا‪.‬‬
‫ً‬
‫والسبب الثاني للقوامة؛ هو التزام الرجل بالنفقة على أسرته التزاما ل يرفعه‬
‫غنى الزوجة ول اكتسابها المالي بعمل‪ ،‬فالرجل في جميع هذه الحوال يجب‬
‫عليه النفقة على زوجته وأولده‪ ،‬وهي غير مطالبة أن تنفق على السرة أي‬
‫ل أو ك َث َُر‪ .‬وطبيعي أن يسهم التزام الرجل بالنفقة‬ ‫شيء من مالها الشخصي قَ ّ‬
‫في إحقاق القوامة له‪ ،‬لن من يتكلف النفاق على مشروع ما يكون أحق من‬ ‫ّ‬
‫غيره بالشراف عليه‪.‬‬
‫وهكذا يتضح أن قوامة الرجل على المرأة قوامة ثابتة ثبوت الحياة‪ ،‬ل يلغيها‬
‫خروجها للعمل ول أي تغير في أوضاعنا الحضارية)‪.(12‬‬
‫ثم إن هذا المبرر الذي ُيثار في الكثير من الحيان كسبب ُيراد به رفع قوامة‬
‫الرجل عن المرأة‪ ،‬والذي هو عمل المرأة وخروجها من البيت واكتسابها‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للمال مثلها مثل الرجل‪ ،‬مما يجعلها في غير حاجة إلى قوامته عليها‪ ،‬بل‬
‫يجعل أمر القوامة نوعا من إعطاء السيطرة للرجل على المرأة دون مبرر‪.‬‬
‫هذا المبرر أو العتراض ل قيمة له من الناحية الشرعية‪ ،‬لنه قبل أن نقول‬
‫بأن عمل المرأة واكتسابها للمال يبرر رفع قوامة الرجل عنها‪ ،‬ينبغي أول أن‬
‫نتساءل عن حكم هذا العمل نفسه‪ ،‬وهل هو مباح شرعا)‪(13‬؟‬
‫________________________________________‬
‫شرع الشارع الحكيم حكم الولية‪ ،‬وذلك حماية للمرأة من النخداع بمن‬
‫يتقدم إليها من الرجال أول‪ ،‬وحماية لها من نفسها التي قد تنساق للنخداع‬
‫ثانيا‪ ،‬لن الولي عادة حريص على مصلحة موليته‪ ،‬مجتهد في معرفة أصول‬
‫الرجل الذي يتقدم للزواج منها وتربيته وأخلقه وسيرته خلل حياته السابقة‬
‫________________________________________‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ل شك أن الثابت شرعا هو أن أصل وظيفة المرأة في السلم أن تكون في‬


‫البيت إل لضرورة‪ ،‬ولذا كفل لها السلم النفقة والرعاية‪ ،‬وأسقط عنها بعض‬
‫الواجبات الدينية التي تحتاج في أدائها إلى الخروج من البيت‪ ،‬إمعانا ً منه في‬
‫ن وَل َ‬ ‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬ ‫قرارها في بيتها‪ .‬امتثال لمر الحق سبحانه وتعالى‪} :‬وَقَْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن الّز َ‬
‫كاة َ وَأط ِعْ َ‬ ‫صل َة َ َوآِتي َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جاهِل ِي ّةِ الوَلى وَأقِ ْ‬
‫ج ال ْ َ‬
‫ن ت َب َّر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت َب َّر ْ‬
‫ه{)‪.(14‬‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫لذا فإن خروجها من البيت‪ ،‬ل لضرورة ولكن لجل أن تعمل كما يعمل الرجل‬
‫حتى يكون لها دخل مثله‪ ،‬يعتبر خروجا ً على أوامر الدين‪ ،‬وتمردا ً على تعاليمه‬
‫ة‬
‫شْرعَ ٍ‬ ‫ل يقره السلم ول يرضاه‪ ،‬فل يصلح لن يكون سببا ً في إسقاط ِ‬
‫ساِء{‪.‬‬‫ن عََلى الن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل قَ ّ‬
‫وا ُ‬ ‫جا ُ‬
‫عها الله وأقامها‪} :‬الّر َ‬ ‫شَر َ‬
‫وحتى لو فرضنا وسلمنا بأنها صارت شريكة له في النفاق على البيت‪ ،‬فإن‬
‫وامة على البيت‪ ،‬لنها بطبيعتها ل‬ ‫هذه المشاركة ل تؤهلها لن تكون الق ّ‬
‫تستطيع مواصلة القيام بأعمال القوامة في كل الوقات‪ ،‬لن ما يطرأ عليها‬
‫من موانع فطرية كالحمل‪ ،‬والولدة‪ ،‬والحيض‪ ،‬تعطل قيامها جسميا ً وعقليا ً‬
‫بما تتطلبه القوامة من أعمال‪.‬‬
‫وفي النهاية‪ ،‬ليس هناك إطلقا ما يبرر الثورة على مبدأ القوامة‪ ،‬لنه في‬
‫الواقع ليس نوعا من السيطرة والستبداد يفرضهما الرجل على المرأة‪ ،‬وإنما‬
‫هي قيادة كلف الله عز وجل بها الرجل نظرا إلى خصائصه الفطرية التي‬
‫تؤهله للقيام بها‪ ،‬وهي وظيفة تقوم أساسا على الشورى والتفاهم حول أمور‬
‫البيت والسرة‪) .‬يتبع(‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬سورة المائدة‪ ،‬من الية‪.3 :‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.85 :‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة‪ ،‬من الية‪.85 :‬‬
‫)‪ (4‬الموافقات‪ ،‬شرح وتحقيق الشيخ عبد الله دراز‪ ،‬دار المعرفةـ بيروت‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪ ،‬ج‪ ،2 :‬ص‪.298 :‬‬
‫)‪ (5‬سورة النحل‪ ،‬الية‪.90 :‬‬
‫)‪ (6‬سورة النحل‪ ،‬الية‪.90 :‬‬
‫)‪ (7‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان‪ ،‬ج‪ ،1 :‬ص‪ 346 :‬ـ ‪.349‬‬
‫)‪ (8‬سورة النحل‪ ،‬الية‪.90 :‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (9‬الفقه السلمي وأدلته‪ ،‬للدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر ـ دمشق‪ ،‬ط‪:‬‬
‫‪ 1418 ،4‬هـ‪ 1997 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،9 :‬ص‪.6625 :‬‬
‫)‪ (10‬سنن الترمذي‪ ،‬كتاب النكاح عن رسول الله‪ ،‬باب ما جاء ل نكاح إل‬
‫بولي‪ ،‬رقم‪ .1021 :‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫)‪ (11‬سورة النساء‪ ،‬من الية‪.34 :‬‬
‫)‪ (12‬من مقال للستاذة خديجة عبد الهادي المحيميد‪ ،‬بعنوان )القوامة‬
‫وحقيقتها الشرعية(‪ .‬مصدره‪ :‬حركة تغريب المرأة الكويتية‪ .‬انظره على‬
‫الشبكة العنكبوتية العالمية )النترنت(‪.‬‬
‫)‪ (13‬راجع في هذا الموضوع‪ :‬عمل المرأة واختلطها ودورها في بناء‬
‫المجتمع‪ ،‬للدكتور نور الدين عتر‪ ،‬دار البحوث للدراسات السلمية وإحياء‬
‫التراث ـ دبي‪ ،‬ط‪ 1422 ،1 :‬هـ‪2001 ،‬م‪ .‬قوامة الرجل وخروج المرأة للعمل‬
‫)العلقة والتأثير(‪ ،‬للدكتور محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود‪ ،‬دار‬
‫البحوث للدراسات السلمية وإحياء التراث ـ دبي‪ ،‬ط‪ 1422 ،1 :‬هـ‪،‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫)‪ (14‬سورة الحزاب‪ ،‬من الية‪.33 :‬‬
‫الثابت والمتغير من أحكام السرة في الشريعة السلمية )‪(2/2‬‬
‫‪ ...‬بقلم‪ :‬الدكتور مسعود فلوسي‬
‫على خلف ما قد يبدو للكثير من الناس‪ ،‬فإن تعدد الزوجات هو وسيلة من‬
‫وسائل حماية المجتمع وصيانة أفراده من النحراف والتشرد والضياع‪ .‬يدل‬
‫ب‬
‫طا َ‬ ‫ما َ‬ ‫حوا َ‬ ‫مى َفانك ِ ُ‬ ‫طوا ِفي ال ْي ََتا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬‫م أ َل ّ ت ُ ْ‬
‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬‫على هذا قوُله تعالى‪} :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫مل ك َ ْ‬ ‫ما َ‬‫حد َة ً أوْ َ‬ ‫م أل ّ ت َعْدِلوا فَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ث وَُرَباع َ فَإ ِ ْ‬ ‫مث َْنى وَث ُل َ َ‬
‫ساِء َ‬
‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ك أ َد َْنى أ َل ّ ت َُعوُلوا{)‪.(1‬‬ ‫م ذ َل ِ َ‬‫مان ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫أي ْ َ‬
‫إن القارئ لهذا النص القرآني الكريم‪ ،‬ل شك أنه سيتساءل عن العلقة بين‬
‫القساط في اليتامى ـ أي العدل فيهم بإعطائهم حقوقهم ـ وتعدد الزوجات؟‬
‫وكيف يكون تشريع تعدد الزوجات مقتضيا ً وموجبا ً للعدل في اليتامى؟‬
‫________________________________________‬
‫إن تعدد الزوجات مباح إذا توفرت شروطه‪ ،‬والواقع العملي يؤكد أن قليلين‬
‫من الرجال هم الذين يلجؤون إلى التعدد‪ ،‬فهو أمر نادر واستثنائي‪ .‬وقد أثبتت‬
‫آخر الحصائيات التي أجرتها الجامعة العربية أن نسبة تعدد الزوجات في‬
‫البلد العربية ل تزيد على ‪ 7‬إلى ‪ 10‬في اللف‬
‫________________________________________‬
‫والجواب‪ :‬أن لليتيم حاجات تتجاوز حاجة الجسم من الكل واللباس والمأوى؛‬
‫ل في أهميتها عن الحاجات الجسمية‪،‬‬ ‫حاجات عاطفية ونفسية وتربوية ل تق ّ‬
‫ن هذه الحاجات في‬ ‫والواقع العملي وأحكام الشرع )السلمي( تظهر أ ّ‬
‫م اليتيم فيكون لليتيم في هذه الحالة أب بديل‬ ‫الغالب ُتلّبى عندما تتزوج أ ّ‬
‫وجوّ أسريّ بديل وإخوة وأخوات من أمه‪ ،‬وتكون علقة زوج الم بربيبه أو‬
‫ربيبته )أولد الم من الزوج السابق( مشابهة في الغالب لعلقته بأولده‬
‫لصلبه‪ ،‬حتى إنه يحّرم عليه شرعا ً الزواج بربيبته‪ ،‬كما يحرم عليه الزواج من‬
‫ابنته‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫م اليتام في الغالب ل تتزّوج إل في مجتمع يكون فيه‬


‫نأ ّ‬
‫والواقع ُيظهر أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الطلب على النساء كثيرا والعرض قليل‪ ،‬وهذا الوضع ل يتحقق عادة إل في‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات‪ .‬في مثل هذا المجتمع وحده ُتتاح فرصة‬
‫الزواج لكل امرأة مهما كان لديها من موانع الرغبة فيها كزوجة؛ مثل أن‬
‫ن المجتمعات التي ل يشيع‬ ‫تكون أرملة مصبية‪ ،‬أي ذات أولد‪ .‬وبالعكس فإ ّ‬
‫فيها تعدد الزوجات‪ ،‬تتحدد فيها فرصة الرامل في الزواج‪ ،‬حتى إّنه مع مرور‬
‫الوقت يصبح زواج الرملة عيبا ً أو محّرما ً بحكم التقليد‪.‬‬
‫ن شيوع تعدد الزوجات في مجتمع ما‪ ،‬يجعل الطلب على‬ ‫دم أ ّ‬ ‫معنى ما تق ّ‬
‫النساء في ذلك المجتمع كبيرا‪ ،‬فحتى الرملة ذات اليتام سوف تجد الرجل‬ ‫ً‬
‫ل الب البديل على‬ ‫المناسب الذي يرغب في زواجها‪ ،‬فإذا تزّوجت فاء ظ ّ‬
‫أولدها اليتامى ونعموا بالجوّ السري كأيّ أطفال عاديين لم ُيصابوا بفقد‬
‫أبيهم‪ ،‬وبذلك يتحقق في هذا المجتمع الوفاء لليتيم بحقوقه‪ ،‬أو كما جاء في‬
‫الية الكريمة )القساط فيه(‪.‬‬
‫دم يشير إلى معنى أوسع للحكمة من تشريع تعدد الزوجات‪ ،‬فكما‬ ‫وما تق ّ‬
‫ن المجتمع الذي يشيع فيه تعدد الزوجات يعمل فيه قانون العرض‬ ‫شاهدنا‪ ،‬فإ ّ‬
‫والطلب )وهو قانون طبيعي( عمله في أي مجال آخر‪ ،‬فتتاح فيه الفرصة‬
‫للزواج لكل امرأة‪ ،‬فل يبقى فيه عوانس ول مطلقات ول أرامل فقدن المل‬
‫في الزواج بعد فقد أزواجهن‪ .‬وسيعمل هذا القانون الطبيعي ـ ول بد ّ ـ عمله‪،‬‬
‫فيؤثر إيجابيا ً وبصورة ظاهرة على قيمة المرأة في المجتمع‪ ،‬وبالتالي على‬
‫حريتها‪ ،‬واستيفائها حقوقها‪ ،‬وأن تؤتى ما كتب الله لها‪ ،‬وأن تعامل من قبل‬
‫ك أ َد َْنى أ َل ّ‬‫ل هذا ما تشير له الية الكريمة }ذ َل ِ َ‬ ‫الرجل والمجتمع بالعدل‪ .‬ولع ّ‬
‫ت َُعوُلوا{‪ ،‬فتعدد الزوجات ـ في النظر المتعمق ـ يحمي المرأة من الظلم‬
‫وانتقاص الحق)‪.(2‬‬
‫ثم إن التعدد لم تتم إباحته بإطلق لكل من يريده‪ ،‬وإنما اشترط الشارع‬
‫لباحة التعدد شرطين جوهريين هما‪:‬‬
‫الول‪ :‬توفير العدل بين الزوجات‪ ،‬أي العدل الذي يستطيعه النسان ويقدر‬
‫عليه‪ ،‬وهو التسوية بين الزوجات في النفقة وحسن المعاشرة والمبيت‪،‬‬
‫ك أ َد َْنى أ َل ّ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫مل َك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫حد َة ً أوْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫فت َ‬
‫م أل ّ ت َعْدُِلوا فَ َ‬
‫خ ْ ُ ْ‬ ‫لقوله تعالى‪} :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ت َُعوُلوا{‪ ،‬فإنه تعالى أمر بالقتصار على واحدة إذا خاف النسان الجور‬
‫ومجافاة العدل بين الزوجات‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬القدرة على النفاق)‪.(3‬‬
‫هذا إضافة إلى أن التعدد ليس أمرا ُيفرض على المرأة‪ ،‬وإنما هي التي‬
‫ترضى به أساسا‪ ،‬فهو بالنسبة للزوجة الجديدة تعدد برضاها‪ .‬أما بالنسبة‬
‫للزوجة الولى‪ ،‬فإن السلم يعطيها الحق في أن تشترط على زوجها حق‬
‫الطلق إن هو تزوج عليها بدون موافقتها)‪.(4‬‬
‫إن تعدد الزوجات مباح إذا توفرت شروطه‪ ،‬والواقع العملي يؤكد أن قليلين‬
‫من الرجال هم الذين يلجؤون إلى التعدد‪ ،‬فهو أمر نادر واستثنائي‪ .‬وقد أثبتت‬
‫آخر الحصائيات التي أجرتها الجامعة العربية أن نسبة تعدد الزوجات في‬
‫البلد العربية ل تزيد على ‪ 7‬إلى ‪ 10‬في اللف‪ .‬ولذلك ل داعي للخوف الذي‬
‫يبديه الثائرون على إباحة تعدد الزوجات حين يدعون أن التعدد من شأنه أن‬
‫يدمر المجتمع ويساهم في انتشار الفساد وتشرد الطفال‪.‬‬
‫‪ .5‬إباحة الطلق مع اعتباره أبغض الحلل‬
‫من الحكام الثابتة في الشريعة السلمية؛ إباحة الطلق‪ ،‬واعتباره أبغض‬
‫الحلل إلى الله‪.‬‬
‫صحيح أن السلم قد أحاط عقد الزواج بكل الشروط والضمانات التي من‬
‫شأنها أن تجعله عقد الحياة الذي يربط على سبيل التأبيد بين رجل وامرأة‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير أن السلم وهو يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبدا ً يعلم أنه قد يحدث بين‬
‫الزوجين من السباب والدواعي‪ ،‬ما يجعل الطلق ضرورة لزمة‪ ،‬ووسيلة‬
‫متعينة لتحقيق الخير والستقرار العائلي والجتماعي لكل منهما‪ ،‬وأمرا ً ل بد‬
‫منه للخلص من رابطة الزواج التي أصبحت ل تحقق المقصود منها‪ ،‬والتي لو‬
‫ألزم الزوجان بالبقاء عليها‪ ،‬لصبح ذلك سببا لكثير من الشرور والمفاسد‪،‬‬
‫شرع الطلق وسيلة للقضاء على تلك المفاسد‪ ،‬وللتخلص من تلك‬ ‫لهذا ُ‬
‫ً‬
‫الشرور‪ ،‬وليستبدل كل منهما بزوجه زوجا آخر‪ ،‬قد يجد معه ما افتقده مع‬
‫ن‬ ‫سعَت ِهِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ك ُل ّ ِ‬ ‫فّرَقا ي ُغْ ِ‬‫ن ي َت َ َ‬
‫الول‪ ،‬فيتحقق قول الله تعالى‪} :‬وَإ ِ ْ‬
‫ما{)‪.(5‬‬‫كي ً‬
‫ح ِ‬
‫سًعا َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه َوا ِ‬
‫________________________________________‬
‫المؤسف أن المسلمين قد تخلوا عن هذا الحكم الثابت وعصوا الله عز وجل‬
‫فيه‪ ،‬وصاروا ل يعرفون من الطلق إل أنه عودة الزوجة إلى بيت أبيها‬
‫وانقطاع صلة ما بينها وبين زوجها‬
‫________________________________________‬

‫)‪(6 /‬‬

‫والسلم عندما أباح الطلق‪ ،‬لم يغفل عما يترتب على وقوعه من الضرار‬
‫التي تصيب السرة‪ ،‬خصوصا ً الطفال‪ ،‬إل أنه لحظ أن هذا أقل خطرًا‪ ،‬إذا‬
‫قورن بالضرر الكبر‪ ،‬الذي ُتصاب به السرة والمجتمع كله إذا أبقى على‬
‫الزوجية المضطربة‪ ،‬والعلئق الواهية التي تربط بين الزوجين على كره‬
‫منهما‪ ،‬فآثر أخف الضررين‪ ،‬وأهون الشرين‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬شرع من التشريعات ما يكون علجا لثاره ونتائجه‪ ،‬فأثبت‬
‫للم حضانة أولدها الصغار‪ ،‬ولقريباتها من بعدها‪ ،‬حتى يكبروا‪ ،‬وأوجب على‬
‫الب نفقة أولده‪ ،‬وأجور حضانتهم ورضاعتهم‪ ،‬ولو كانت الم هي التي تقوم‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ومن الحكام الثابتة المتعلقة بالطلق كذلك؛ أن الطلق بيد الرجل ل بيد‬
‫المرأة‪ ،‬لن فصم رابطة الزوجية أمر خطير‪ ،‬يترتب عليه آثار بعيدة المدى‬
‫في حياة السرة والفرد والمجتمع‪ ،‬فمن الحكمة والعدل أل ُتعطى صلحية‬
‫البت في ذلك‪ ،‬وإنهاء الرابطة تلك‪ ،‬إل لمن يدرك خطورته‪ ،‬ويقدر العواقب‬
‫التي تترب عليه حق قدرها‪ ،‬ويزن المور بميزان العقل‪ ،‬قبل أن يقدم على‬
‫النفاذ‪ ،‬بعيدا ً عن النزوات الطائشة‪ ،‬والعواطف المندفعة‪ ،‬والرغبة الطارئة‪.‬‬
‫والثابت الذي ل شك فيه أن الرجل أكثر إدراكا ً وتقديرا ً لعواقب هذا المر‪،‬‬
‫وأقدر على ضبط أعصابه‪ ،‬وكبح جماح عاطفته حال الغضب والثورة‪ ،‬وذلك‬
‫لن المرأة خلقت بطباع وغرائز تجعلها أشد تأثرًا‪ ،‬وأسرع انقيادا ً لحكم‬
‫العاطفة من الرجل‪ ،‬لن وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك‪ ،‬فهي إذا أحبت‬
‫أو كرهت‪ ،‬وإذا رغبت أو غضبت اندفعت وراء العاطفة‪ ،‬ل تبالي بما ينجم عن‬
‫هذا الندفاع من نتائج ول تتدبر عاقبة ما تفعل‪ ،‬فلو جعل الطلق بيدها‪،‬‬
‫لقدمت على فصم عرى الزوجية لتفه السباب‪ ،‬وأقل المنازعات التي ل‬
‫تخلو منها الحياة الزوجية‪ ،‬وبذلك تصبح السرة مهددة بالنهيار بين لحظة‬
‫وأخرى‪.‬‬
‫ثم إن إيقاع الطلق يترتب عليه تبعات مالية‪ُ ،‬يلزم بها الزواج‪ :‬فبه يحل‬
‫المؤجل من الصداق إن وجد‪ ،‬وتجب النفقة للمطلقة مدة العدة‪ ،‬وتجب‬
‫المتعة لمن تجب لها من المطلقات‪ ،‬كما يضيع على الزوج ما دفعه من‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المهر‪ ،‬وما أنفقه من مال في سبيل إتمام الزواج‪ ،‬وهو يحتاج إلى مال جديد‬
‫لنشاء زوجية جديدة‪ ،‬ول شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على‬
‫الطلق‪ ،‬من شأنها أن تحمل الزواج على التروي‪ ،‬وضبط النفس‪ ،‬وتدبر المر‬
‫قبل القدام على إيقاع الطلق‪ ،‬فل يقدم عليه إل إذا رأى أنه أمر ل بد منه ول‬
‫مندوحة عنه‪ .‬أما الزوجة فإنه ل يصيبها من مغارم الطلق المالية شيء‪ ،‬حتى‬
‫يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه‪ ،‬إن استطاعت‪ .‬لذلك كان من الخير‬
‫للحياة الزوجية‪ ،‬وللزوجة نفسها أن يكون البت في مصير الحياة الزوجية في‬
‫يد من هو أحرص عليها وأضن بها‪.‬‬
‫والشريعة لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلق‪ ،‬فقد منحتها الحق في‬
‫الطلق‪ ،‬إذا كانت قد اشترطت في عقد الزواج شرطا ً صحيحًا‪ ،‬ولم يف‬
‫الزوج به‪ .‬كما أباحت لها الشريعة الطلق بالتفاق بينها وبين زوجها‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫في الغالب بأن تتنازل للزوج أو تعطيه شيئا ً من المال‪ ،‬يتراضيان عليه‪،‬‬
‫ويسمى هذا بالخلع أو الطلق على مال‪ ،‬ويحدث هذا عندما ترى الزوجة تعذر‬
‫الحياة معه‪ ،‬وتخشى إن بقيت معه أن تقصر في حقوقه‪ ،‬وهذا ما بينه الله‬
‫َ‬
‫ن وَل َ‬‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ح ب ِإ ِ ْ‬
‫ري ٌ‬‫س ِ‬ ‫ف أوْ ت َ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ك بِ َ‬‫سا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن َفإ ْ‬ ‫مّرَتا ِ‬ ‫تعالى في قوله‪} :‬الط ّل َقُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬
‫ن‬‫دود َ الل ّهِ فَإ ِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫قي َ‬ ‫خاَفا أل ّ ي ُ ِ‬ ‫ن يَ َ‬‫شي ًْئا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ُ‬ ‫م ّ‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫ن ت َأ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫يَ ِ‬
‫دود ُ الل ّهِ فَل َ‬ ‫ح‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫في‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ح‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬‫دو‬ ‫ح‬ ‫ما‬ ‫قي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ ْ ِ ِ ِ‬ ‫ُ َ َ َ ِْ َ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ َ ُ ُ َ‬ ‫خ ُ ْ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬
‫ن{)‪.(6‬‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫ِ ُ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ّ ُ ُ َ‬
‫د‬ ‫دو‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫دو‬ ‫ت‬ ‫ع‬
‫ولها طلب التفريق بينها وبينه‪ ،‬إذا أعسر ولم يقدر على النفاق عليها‪ ،‬وكذا لو‬ ‫ُ‬
‫وجدت بالزوج عيبًا‪ ،‬يفوت معه أغراض الزوجية‪ ،‬ول يمكن المقام معه مع‬
‫وجوده‪ ،‬إل بضرر يلحق الزوجة‪ ،‬ول يمكن البرء منه‪ ،‬أو يمكن بعد زمن طويل‪،‬‬
‫وكذلك إذا أساء الزوج عشرتها‪ ،‬وآذاها بما ل يليق بأمثالها‪ ،‬أو إذا غاب عنها‬
‫غيبة طويلة‪.‬‬
‫كل تلك المور وغيرها‪ ،‬تعطي الزوجة الحق في أن تطلب التفريق بينها وبين‬
‫زوجها‪ ،‬صيانة لها أن تقع في المحظور‪ ،‬وضنا ً بالحياة الزوجية من أن تتعطل‬
‫مقاصدها‪ ،‬وحماية للمرأة من أن تكون عرضة للتعسف والظلم)‪.(7‬‬
‫دة‬‫‪ .6‬أنواع العِ ّ‬
‫من الحكام الثابتة في الشريعة السلمية في باب السرة أيضا؛ أصناف‬
‫العدة المتعلقة بكل امرأة تنفصل عن زوجها بوفاة أو طلق‪.‬‬
‫هذه الصناف من العدة ل يدخلها التبديل والتغيير تحت أي مبرر كان‪.‬‬
‫وتفصيلها كما يلي‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أ‪ .‬العتداد بثلثة أشهر‪ ،‬بالنسبة للمرأة التي لم تحض لصغر‪ ،‬أو التي انقطع‬
‫عنها دم الحيض لكبر‪ .‬فهذه عدتها إذا انفصلت عن زوجها بالطلق هي ثلثة‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ض ِ‬ ‫حي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫س َ‬‫أشهر قمرية كاملة‪ ،‬عمل بقوله تعالى‪َ} :‬والل ِّئي ي َئ ِ ْ‬
‫ن{)‪.(8‬‬ ‫ض َ‬‫ح ْ‬‫م يَ ِ‬ ‫ة أَ ْ‬
‫شهُرٍ َوالل ِّئي ل َ ْ‬ ‫ن ث َل َث َ ُ‬
‫م فَعِد ّت ُهُ ّ‬ ‫ن اْرت َب ْت ُ ْ‬‫م إِ ْ‬ ‫سائ ِك ُ ْ‬
‫نِ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما ِ‬
‫ح َ‬
‫ت ال ْ‬ ‫ب‪ .‬وضع الحمل بالنسبة للمرأة الحامل‪ ،‬عمل بقوله تعالى‪} :‬وَأوْل ُ‬
‫أ َجل ُه َ‬
‫ن{)‪.(9‬‬ ‫مل َهُ ّ‬ ‫ح ْ‬‫ن َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ُ ّ‬
‫ج‪ .‬العتداد بثلثة قروء‪ ،‬حيضات أو أطهار‪ ،‬بالنسبة للمرأة المنفصلة عن‬
‫ت‬
‫قا ُ‬‫مط َل ّ َ‬‫زوجها بالطلق والتي من عادتها أن تحيض‪ .‬عمل بقوله تعالى‪َ} :‬وال ْ ُ‬
‫ة قُُروٍء{)‪.(10‬‬ ‫ن ث َل َث َ َ‬‫سهِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ب َِأن ُ‬‫ص َ‬ ‫ي َت ََرب ّ ْ‬
‫د‪ .‬العتداد بأربعة أشهر وعشرا بالنسبة للمرأة المتوفى عنها زوجها‪ ،‬عمل‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن أ َْرب َعَ َ‬
‫ة‬ ‫سهِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ب َِأن ُ‬ ‫ص َ‬‫جا ي َت ََرب ّ ْ‬‫ن أْزَوا ً‬
‫بقوله تعالى‪} :‬وال ّذين يتوفّون منك ُم ويذ َرو َ‬
‫َ ِ َ َُ َ ْ َ ِ ْ ْ ََ ُ َ‬
‫شًرا{)‪.(11‬‬ ‫شهُرٍ وَعَ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫هذه النواع من العدة ثابتة ومستمرة‪ ،‬والمصلحة من إنفاذها ثابتة ومستمرة‬
‫كذلك‪ ،‬كما أن المفسدة المتوقعة من عدم مراعاتها محققة أيضا‪ .‬ولذلك لم‬
‫يترك الشارع أمر تقدير العدة للمكلفين‪ ،‬وإنما فصل القول فيها وأغلق باب‬
‫الجتهاد‪.‬‬
‫‪ .7‬اعتداد المطلقة في بيت الزوجية‬
‫من الحكام الشرعية الثابتة‪ ،‬والتي تخلى الناس عنها كلية‪ ،‬ولم يعد لها وجود‬
‫في حياتهم؛ وجوب قضاء المرأة المطلقة عدتها في بيت الزوجية‪ ،‬وعدم‬
‫خروجها منه إلى بيت أهلها‪ .‬وذلك ما يدل عليه صراحة قول الله سبحانه‬
‫وتعالى‪:‬‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ساَء فَطل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ي إ َِذا طل ْ‬ ‫َ‬
‫قوا الل َ‬ ‫صوا العِد ّة َ َوات ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَأ ْ‬ ‫ن ل ِعِد ّت ِهِ ّْ‬ ‫قوهُ ّ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫}َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫مب َي ّن َةٍ وَت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫شةٍ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬‫ن بِ َ‬ ‫ن ي َأِتي َ‬‫ن إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ن وَل َ ي َ ْ‬‫ن ب ُُيوت ِهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫جوهُ ّ‬‫خرِ ُ‬ ‫م ل َ تُ ْ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ث ب َعْد َ‬ ‫حد ِ ُ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫ه ل َ ت َد ِْري ل َعَ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬‫م نَ ْ‬‫قد ْ ظ َل َ َ‬ ‫دود َ الل ّهِ فَ َ‬ ‫ح ُ‬‫ن ي َت َعَد ّ ُ‬
‫م ْ‬ ‫دود ُ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ح ُ‬‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مًرا{)‪.(12‬‬ ‫ذ َل ِك أ ْ‬
‫فالطلق الرجعي‪ ،‬وإن كان حل مؤقتا للرابطة الزوجية‪ ،‬إل أنه ُيرجى أن تكون‬
‫ل من الزوجين لعادة النظر في علقته بالخر‪ ،‬وكلما‬ ‫دة فرصة لك ُ ّ‬ ‫مدة العِ ّ‬
‫كانا متقاربين في المكان كلما كانت عودة المودة بينهما أمرا مرجوا‪ ،‬لكن‬
‫حين يبتعد كل منهما عن الخر‪ ،‬ويتعرض كل منهما لما يزهده في الخر‪ ،‬فإن‬
‫أسباب المراجعة تنقطع‪ .‬ولذلك أكد الله عز وجل ضرورة أل تخرج المرأة‬
‫المطلقة من بيت الزوجية وأن تقضي فيه مدة العدة‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫ليس بالضرورة أن تكون النثى مستحقة لنصف نصيب الذكر‪ ،‬فهناك أربع‬
‫حالت فقط ترث فيها المرأة نصيبا على النصف من نصيب الرجل‪ ،‬في حين‬
‫أن هناك أكثر من عشر حالت ترث فيها المرأة مثل ميراث الرجل تماما‪ ،‬بل‬
‫إن هناك حالت كثيرة أخرى ترث فيها المرأة نصيبا أكبر من نصيب الرجل‬
‫________________________________________‬
‫وهذا حكم ثابت مصلحته ظاهرة‪ ،‬وليس فيه مفسدة مطلقا‪ ،‬لن مراجعة‬
‫الرجل لزوجته أمر مطلوب شرعا‪ ،‬واتصاله بها في أثناء العدة يعتبر مراجعة‬
‫تثبت بها عودة العلقة الزوجية بينهما من جديد‪.‬‬
‫لكن المؤسف أن المسلمين قد تخلوا عن هذا الحكم الثابت وعصوا الله عز‬
‫وجل فيه‪ ،‬وصاروا ل يعرفون من الطلق إل أنه عودة الزوجة إلى بيت أبيها‬
‫وانقطاع صلة ما بينها وبين زوجها‪.‬‬
‫‪ .8‬أنصبة الورثة في الميراث‬
‫ن الشارع الحكيم في عدد من آيات التنزيل وفي جملة من أحاديث السنة‬ ‫ب َي ّ َ‬
‫النبوية الشريفة‪ ،‬أصناف الورثة الذين يستحقون أن يرثوا من تركة المتوفى‪،‬‬
‫ن ما يستحقه كل صنف من الورثة من نصيب في التركة‪ ،‬سواء كان‬ ‫كما ب َي ّ َ‬
‫من أصحاب الفروض أو ممن يرثون بالتعصيب‪.‬‬
‫وتجري كثير من قوانين الحوال الشخصية في الدول السلمية على توزيع‬
‫تركة المتوفى بحسب ما نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة‪.‬‬
‫ولم ي ُث ِْر أيّ من هذه الحكام أيّ جدل أو نقاش‪ ،‬إل ما كان من حكم استحقاق‬
‫النثى نصف نصيب أخيها الذكر في حال وفاة أحد والديهما‪.‬‬
‫دعون به أن السلم قد‬ ‫لقد اتخذ بعض المغرضين من هذا الحكم شاهد إدانة ي ّ‬
‫أهان المرأة وجعلها دون الرجل في القيمة والمكانة الجتماعية‪ ،‬وهذا ـ على‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زعمهم ـ مما يتعارض وحقوق النسان‪.‬‬


‫وهذا في الحقيقة فيه الكثير من التجني‪ ،‬وهو ينطوي على جهل كبير بأحكام‬
‫الشريعة السلمية عامة وأحكام المواريث خاصة‪ ،‬فكثير من الناس يتصورون‬
‫أن المرأة على النصف من الذكر في الميراث‪ ،‬دائما وفي كل الحالت‪،‬‬
‫صيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫غافلين عن منطوق الية الكريمة التي يقول الله عز وجل فيها‪ُ} :‬يو ِ‬
‫ل َ ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن{)‪.(13‬‬‫حظ النث َي َي ْ ِ‬ ‫م ِللذ ّك َرِ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ِفي أوْل َدِك ُ ْ‬
‫فالنثى على النصف من الذكر في حال وفاة أحد البوين وتركه أولدا‪ ،‬فهؤلء‬
‫يرثون للذكر مثل حظ النثيين‪ .‬وهذا حكم ثابت ومقطوع به ل يتبدل ول يتغير‬
‫فيما يتعلق بالولد‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫لكن في أحكام أخرى من أحكام المواريث ليس بالضرورة أن تكون النثى‬


‫مستحقة لنصف نصيب الذكر‪ ،‬فهناك أربع حالت فقط ترث فيها المرأة نصيبا‬
‫على النصف من نصيب الرجل‪ ،‬في حين أن هناك أكثر من عشر حالت ترث‬
‫فيها المرأة مثل ميراث الرجل تماما‪ ،‬بل إن هناك حالت كثيرة أخرى ترث‬
‫فيها المرأة نصيبا أكبر من نصيب الرجل)‪.(14‬‬
‫إن أحكام المواريث التي فصلها الشارع ولم يتركها لجتهاد المجتهدين‪ ،‬هي‬
‫أحكام ثابتة ل تقبل التغيير والتعديل‪ .‬والسبيل الوحيد إلى الحفاظ على حقوق‬
‫الورثة والعدل بينهم في توزيعها‪ ،‬هو سبيل تقسيم التركة على مقتضى ما‬
‫نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬وأي تغيير أو تعديل فيها‬
‫بدعوى المساواة والمماثلة هو ظلم وتجن وتعد لحدود الله عز وجل‪ ،‬لن فيه‬
‫دعوى معرفة مصلحة المكلفين أكثر مما يعرفها الخالق الحكيم الذي خلق‬
‫هؤلء المكلفين ثم لم يعرف كيف يعدل بينهم‪ ،‬تعالى الله عز وجل عن ذلك‬
‫علوا كبيرا‪.‬‬
‫نماذج من المسائل المتغيرة الحكام في نطاق السرة‬
‫إن المسائل المذكورة سابقا التي تتميز بصفة الديمومة والثبات مما اقتضى‬
‫أن يحيطها الشارع بأحكام ثابتة‪ ،‬هي بعض النماذج فقط مما أحاطه الشارع‬
‫بأحكام ثابتة في مسائل السرة‪ ،‬ذلك أن أغلب مسائل السرة فصلها القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية المشرفة ولم يتركها لجتهاد المجتهدين‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫المسائل المتغيرة في نطاق السرة قليلة ونادرة‪ ،‬إل ما كان من وسائل‬
‫تطبيق تلك الحكام الثابتة فهي متغيرة حقا‪ ،‬أما أصول المسائل فهي ثابتة‪.‬‬
‫وقد لحظ أحد الباحثين انعدام "منطقة الفراغ التشريعي في ميدان السرة‪،‬‬
‫دفعا لذريعة التقنين فيها أو تسريب امتيازات أو استطراق مصلحة معينة من‬
‫خلل التشريع البشري الوضعي‪ ،‬مدعاة التغيير المستمر في المستقبل الذي‬
‫تحتمه متطلبات الظروف ونوازع النفس متى رق فيها الوازع والرادع")‪،(15‬‬
‫كما عبر‪ .‬ولذلك نكتفي هنا بذكر مثالين للمسائل المتغيرة‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ .1‬مقدار النفقة‬
‫إن النفقة واجبة على الرجل تجاه زوجته وأولده ووالديه في حالة عجزهما‬
‫عن النفقة على نفسيهما‪.‬‬
‫ووجوب النفقة على الزوجة والولد أمر ثابت ل يتبدل ول يتغير‪ ،‬ولكن مقدار‬
‫النفقة أمر لم يحدده الشارع‪ ،‬وإنما "جعل الواجب هو تلبية حاجة المرأة‬
‫بالمعروف‪ .‬والحاجة تختلف من عصر لخر‪ ،‬ومن بيئة لخرى‪ ،‬ومن وسط‬
‫لخر‪ ،‬ومن رجل لخر‪ .‬فالمدنية غير الريفية‪ ،‬والحضرية غير البدوية‪ ،‬والناشئة‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في بحبوحة النعيم غير الناشئة في خشونة الشظف‪ ،‬وزوجة الثري غير زوجة‬
‫فقْ‬
‫المتوسط‪ ،‬غير زوجة الفقير")‪ .(16‬وقد بين الله عز وجل ذلك بقوله‪} :‬ل ُِين ِ‬
‫ه‬‫ف الل ّ ُ‬
‫ه ل َ ي ُك َل ّ ُ‬
‫ما آَتاهُ الل ّ ُ‬
‫م ّ‬ ‫ه فَل ُْين ِ‬
‫فق ْ ِ‬ ‫ن قُدَِر عَل َي ْهِ رِْزقُ ُ‬ ‫م ْ‬
‫سعَت ِهِ وَ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سعَةٍ ِ‬ ‫ُذو َ‬
‫سًرا{)‪.(17‬‬ ‫سرٍ ي ُ ْ‬‫ه ب َعْد َ عُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫جعَ ُ‬‫سي َ ْ‬
‫ها َ‬ ‫سا إ ِل ّ َ‬
‫ما آَتا َ‬ ‫ف ً‬
‫نَ ْ‬
‫وأمر تقدير النفقة متروك للقاضي يفصل فيه عند التنازع‪ ،‬بالنظر إلى حال‬
‫الزوج وظروفه وطبيعة وظيفته ومقدار دخله‪ .‬وهذا يتغير بتغير الزمنة‬
‫والمكنة والحوال‪ ،‬ول يمكن أن تكون النفقة التي يحكم بها القاضي ثابتة‬
‫وواحدة في كل الحالت التي ُتعرض عليه‪ ،‬وإل صار هناك ظلم قد يحيق‬
‫ببعض النساء والطفال‪ ،‬لن الرجل الغني الذي عَوّد َ زوجته وأولده على نمط‬
‫رفاهي معين من العيش ثم حدث الطلق بينه وبين زوجته‪ ،‬ل يجوز أن ُيحكم‬
‫ود زوجَته وأولَده‬ ‫عليه بالنفقة بنفس المقدار الذي ُيحكم به على فقير لم ي ُعَ ّ‬
‫إل على الضروري من العيش‪.‬‬
‫‪ .2‬الشروط في عقد الزواج‬
‫من حق كل واحد من الزوجين عند إبرام العقد؛ أن يشترط شروطا إضافية‬
‫يراها كفيلة بالمحافظة على حقوقه‪ ،‬سواء في أثناء استمرار علقته مع‬
‫زوجه‪ ،‬أو عند وقوع النفصال بينهما‪ .‬وهي شروط يلزم القاضي كل واحد‬
‫منهما بالوفاء بها‪ ،‬إذا ما وقع التنازع وُرِفع المر إليه‪.‬‬
‫لكن هذه الشروط ل يجوز أن تتعدى الغرض المقصود منها وهو حماية حقوق‬
‫كل طرف‪ ،‬فتتحول إلى وسيلة لضرار أحد الزوجين بالخر‪.‬‬
‫وذلك مثل أن تشترط المرأة على زوجها أن يدفع لها مبلغا ضخما من المال‬
‫في حال وقوع الطلق بينهما‪ ،‬أو تشترط عليه أل يتزوج عليها مهما كان مبرر‬
‫الزواج معقول ومشروعا‪ ،‬أو يشترط الرجل على زوجته أن تتنازل عن حقها‬
‫في حضانة الولد إذا وقع الطلق بينهما‪ .‬فمثل هذه الشروط الضرار فيها‬
‫مقصود وواضح‪ ،‬وهو أمر ل يقبله الشرع ول يرتضي حصوله‪ ،‬ولذلك فينبغي‬
‫كرت في العقد فل‬ ‫عدم إبرام عقد زواج متضمن لمثل هذه الشروط‪ ،‬وإن ذ ُ ِ‬
‫ينبغي للقاضي أن يلتفت إليها إذا ما وقع النزاع وانتهى إلى النفصال‪ ،‬لنها‬
‫شروط تذهب بمقتضى العقد‪.‬‬
‫موقفنا من دعوات تغيير قانون السرة‬
‫في ضوء ما سبق يمكن وزن الصيحات الكثيرة الصاخبة الداعية إلى تغيير‬
‫قانون السرة الجزائري‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ل شك أن الداعين إلى تغيير قانون السرة لهم الكثير من الحق‪ ،‬وخاصة‬


‫المتخصصين المخلصين منهم‪ ،‬وذلك حين لحظوا فراغا تشريعيا في المسائل‬
‫الجرائية المتعلقة بتنفيذ الحكام القضائية في مسائل الزواج والطلق‬
‫والنفقة والحضانة وما إلى ذلك‪ .‬إن هذه الدعوات نثمنها ونرى ضرورة وضعها‬
‫في الحسبان لوضع قانون جديد يأخذ بعين العتبار ملحظات القضاة‬
‫والمحامين الذين يتعاملون بصفة يومية مع مشكلت الناس وقضاياهم‬
‫وتواجههم الفراغات التشريعية في الكثير من المسائل المتغيرة الحكام)‬
‫‪.(18‬‬
‫________________________________________‬
‫ل شك أن الداعين إلى تغيير قانون السرة لهم الكثير من الحق‪ ،‬وخاصة‬
‫المتخصصين المخلصين منهم‪ ،‬وذلك حين لحظوا فراغا تشريعيا في المسائل‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجرائية المتعلقة بتنفيذ الحكام القضائية في مسائل الزواج والطلق‬


‫والنفقة والحضانة وما إلى ذلك‪ .‬إن هذه الدعوات نثمنها ونرى ضرورة وضعها‬
‫في الحسبان لوضع قانون جديد يأخذ بعين العتبار ملحظات القضاة‬
‫والمحامين الذين يتعاملون بصفة يومية مع مشكلت الناس وقضاياهم‬
‫وتواجههم الفراغات التشريعية في الكثير من المسائل المتغيرة الحكام‬
‫________________________________________‬
‫أما الدعوات الخرى التي ل تصدر عن متخصصين في الميدان‪ ،‬وإنما عن‬
‫أناس ل يخفون ضيقهم بأحكام قانون السرة ل لشيء إل لنها مستمدة من‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬أو أناس يريدون هدم المجتمع وتقويض العلقات السرية‬
‫ول سبيل لهم إلى ذلك إل بإلغاء بعض أحكام السرة التي لها صفة الثبات‬
‫والديمومة في الشريعة السلمية‪ .‬هذه الدعوات ل ينبغي النصات لها أو‬
‫أخذها بعين العتبار لنها ل تهدف إلى تحقيق مصلحة المجتمع أو رفع الغبن‬
‫عن المرأة كما تدعي وإنما هدفها قطع آخر الصلت التي تربط مجتمعنا‬
‫الجزائري بدينه السلمي الحنيف‪.‬‬
‫وإذا كان هؤلء يتمسكون بتغير واقع الحياة وتطور أساليب التفكير وبضرورة‬
‫مسايرة هذا التطور وهذا التغير‪ ،‬فإن الواجب هو السؤال عن مدى توافق هذا‬
‫التطور والتغير مع المراد اللهي‪ ،‬وهل هذا التطور والتغير هو إلى الحسن‬
‫في ضوء مقاصد الشارع الحكيم‪ ،‬أم إلى السوأ بالنظر إلى تلك المقاصد؟‬
‫ل شك أن المتأمل في الكثير مما سمي بالتطور والتغير الذي أنتجه واقع‬
‫العصر‪ ،‬سيلحظ أنه إذا كان هناك تطور إلى الحسن في المجالت المادية‬
‫من الحياة‪ ،‬فإن هناك تطورا إلى السوأ في الكثير من المجالت الخرى‪،‬‬
‫وخاصة مجال الخلق والروابط السرية والعلقات الجتماعية مما ينذر بأوخم‬
‫العواقب على الفرد والمجتمع‪ ،‬فكيف نراعي هذا التطور السيئ ونغير في‬
‫ضوئه الحكام اللهية الثابتة التي من شأنها المحافظة على مصالح المكلفين‬
‫ودفع المفاسد عنهم؟‬
‫إننا إذا ما سايرنا هذه الدعوات وانصاع القائمون على سن القوانين لرغبات‬
‫أصحابها‪ ،‬فل شك أنه سيأتي علينا يوم نسمع فيه من يدعو إلى إباحة زواج‬
‫المحارم‪ ،‬وإباحة الزواج بين الرجل والرجل‪ ،‬والمرأة والمرأة‪ ،‬وما إلى ذلك‬
‫مما هو موجود اليوم في الغرب‪ ،‬كل ذلك بدعوى التطور والتغير المزعوم‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء‪ ،‬من الية‪.3 :‬‬
‫)‪ (2‬من دراسة للشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين‪ ،‬بعنوان‪) :‬تعدد‬
‫الزوجات وحقوق النسان(‪ .‬انظرها على شبكة النترنت‪.‬‬
‫)‪ (3‬الفقه السلمي وأدلته‪ ،‬للدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬ج‪ ،9 :‬ص‪ 6669 :‬ـ‬
‫‪.6670‬‬
‫)‪ (4‬انظر‪ :‬المرأة في السلم‪ ،‬للدكتور محمد معروف الدواليبي‪ ،‬دار النفائس‬
‫ـ بيروت‪ ،‬ط‪ 1409 ،1 :‬هـ‪1999 ،‬م‪ ،‬ص‪ 77 :‬ـ ‪.78‬‬
‫)‪ (5‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.130 :‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.229 :‬‬
‫)‪ (7‬من دراسة بعنوان )لماذا شرع السلم الطلق؟(‪ ،‬مأخوذة من الشبكة‬
‫العنكبوتية العالمية "النترنت" موقع‪ .(www.islamunveiled.com) :‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (8‬سورة الطلق‪ ،‬من الية‪.4 :‬‬
‫)‪ (9‬سورة الطلق‪ ،‬من الية‪.4 :‬‬
‫)‪ (10‬سورة البقرة‪ ،‬من الية‪.228 :‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (11‬سورة البقرة‪ ،‬من الية‪.234 :‬‬


‫)‪ (12‬سورة الطلق‪ ،‬الية‪.1 :‬‬
‫)‪ (13‬سورة النساء‪ ،‬من الية‪.11 :‬‬
‫)‪ (14‬انظر في هذه الحالت‪ ،‬ما كتبه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‬
‫في كتابه )المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني(‪ ،‬دار‬
‫الفكر ـ دمشق‪ ،‬ط‪ 1417 ،1 :‬هـ‪ 1996 ،‬م‪ ،‬ص‪ 106 :‬ـ ‪ .107‬وانظر كذلك‬
‫دراسة بعنوان )الميراث بين الرجل والمرأة في السلم(‪ ،‬بقلم الخ أبو بكر‪،‬‬
‫على الشبكة العنكبوتية العالمية "النترنت"‪.‬‬
‫)‪ (15‬من بحث بعنوان )مقاصد التنزيل من تشريعات السرة السلمية(‪،‬‬
‫للدكتور محمد البشير الهاشمي مغلي‪ ،‬مجلة المجلس السلمي العلى‪،‬‬
‫العدد الثالث‪ 1420 ،‬هـ‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.175 :‬‬
‫)‪ (16‬فتاوى معاصرة‪ ،‬للدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬المكتب السلمي ـ بيروت‪،‬‬
‫ط‪ 1421 ،1 :‬هـ‪2000 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1 :‬ص‪.570 :‬‬
‫)‪ (17‬سورة الطلق‪ ،‬الية‪.7 :‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫)‪ (18‬راجع في هذا الصدد‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬بحث الدكتور نصر الدين‬
‫ماروك‪)) :‬قانون السرة الجزائري بين النظرية والتطبيق((‪ ،‬مجلة المجلس‬
‫السلمي العلى‪ ،‬العدد الثالث‪ 1420 ،‬هـ‪ 2000 /‬م‪ .‬ص‪ 263 :‬ـ ‪.320‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫الثقافة السلمية في عصرالعولمة)‪(2-1‬‬


‫ماد ‪3/9/1424‬‬‫سهيلة زين العابدين ح ّ‬
‫‪28/10/2003‬‬
‫ن الموضوع الذي نحن بصدده جد خطير وهام؛ إذ لبد من هذه الوقفة مع‬ ‫إ ّ‬
‫واقع الثقافة في عالمنا السلمي الذي يواجه الن كل تحديات أنواع العولمة‬
‫)الدينية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬والجتماعية‪ ،‬والدبية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬والفكرية‪،‬‬
‫والثقافية(‪.‬‬
‫ن هذه المجالت جميعها تكون عقيدة وفكر وثقافة المة‬ ‫ومما لشك فيه أ ّ‬
‫التي من خللها يتحدد سلوك أفرادها‪ ،‬وقرارات قاداتها‪.‬‬
‫وقراءة منا لواقع الثقافة في عالمنا السلمي‪ ،‬وحال مثقفيها نجد أّننا ‪-‬للسف‬
‫الشديد‪ -‬مهيئين تماما ً لقبول العولمة‪ ،‬بل والذوبان في الخر‪ ،‬وهذه ليست‬
‫نظرة تشاؤمية‪ ،‬ولكن حاضرنا الثقافي هو الذي يشهد بهذا‪ ،‬فنحن منذ ظهور‬
‫السلم حتى وقتنا الراهن كنا فريسة لمخططات الغرب التي أوصلتنا إلى‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬ولبد لنا أن نكون صريحين وواقعين حتى لنخدع أنفسنا‬
‫ونوهمها بحسن نية الخر تجاهنا‪ ،‬وحتى ل نعطي للخر حجما ً أكبر من حجمه‪،‬‬
‫أو نستهين بما يخططه ضدنا للتظاهر بأننا لسنا من ذوي نظرية التآمر التي‬
‫نجح الغرب في أن يجعل عدًدا كبيًرا من مثقفينا يعتنقها ليخطط ويحقق‬
‫أهدافه دون أن توجه إليه أصابع التهام‪ ،‬ولنتقبل ما يخطط لنا دون إدراك‬
‫أبعاد وخطورة هذه المخططات كما هو حاصل الن‪ ،‬علينا أن نقرأ التاريخ‪،‬‬
‫ونتعرف على حقيقة علقة الشرق بالغرب‪ ،‬وأبعاد هذه العلقة وأهدافها‪،‬‬
‫ونتوقف عند علقة الغرب بالسلم وموقفه منه‪ ،‬ومخططاته لمواجهته‪،‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونظرته للمسلمين عامة وللعرب بصورة خاصة‪ ،‬وما يفعله الن معنا‪.‬‬
‫ن ما يحدث ليس وليد التسعينيات من القرن العشرين ولكنه حصيلة قرون‬ ‫إ ّ‬
‫عديدة تصل إلى ما قبل عصور التاريخ‪ ،‬ومما ينبغي علينا أن نحذر من الغرب؛‬
‫لنه يريد طمس هويتنا ومسخ شخصيتنا واقتلعنا من جذورنا وإحلل ثقافته‬
‫ودينه وعقيدته وأمراضه وانحلله محل ديننا وثقافتنا وقيمنا وأخلقياتنا‪ ،‬مع‬
‫فرض هيمنته السياسية والقتصادية والعسكرية علينا‪ ،‬وحرماننا من حق‬
‫المعارضة وإبداء الرأي‪ ،‬والدفاع عن حقوقنا الشرعية‪ .‬وجعلوا منا من أصبح‬
‫يناهض كل ما هو إسلمي‪ ،‬ويطالب بإلغاء ثوابت السلم‪ ،‬وإسقاط السلم‬
‫من دساتير الدول السلمية‪ ،‬وقصره على العبادات‪ ،‬ومنا من فقدوا ثقتهم‬
‫في العقلية السلمية‪ ،‬وشككوا في قدرات المسلمين‪ ،‬ونسبة إنجازات‬
‫المسلمين للغرب‪ ،‬ووصفوا السلميين بسرقة أفكار الغربيين ونسبتها إليهم‪،‬‬
‫بل نجد اللغة النجليزية قد أصبحت هي الساسية في الدراسات الجامعية في‬
‫جامعاتنا‪ ،‬ليس في العلوم التجريبية فقط‪ ،‬بل أصبحت لغة دراسة القتصاد‬
‫والدارة أيضًا‪.‬‬
‫كما نجد الغرب قد نجح في نسبة الرهاب إلى السلم بشرائه لمجموعة من‬
‫الفاكين مستغلين حبهم للمال وحاجتهم إليه للقيام بأعمال إرهابية‪ ،‬ونسبتها‬
‫إلى جماعات إسلمية‪ ،‬هم في الغالب وراء إيجادها وتكوينها‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫الحكومات السلمية تخشى من كل ما هو إسلمي‪.‬‬
‫أليس هذا هو واقعنا الن؟‬
‫قد يقول قائل‪ :‬الخطأ خطؤنا ونحن أوصلنا أنفسنا إلى ما نحن عليه الن‪ ،‬وأنا‬
‫أتفق مع هذا القائل‪ ،‬ولكن لكي نكون واقعيين لبد لنا أن نضع أيدينا على‬
‫السباب التي أوصلتنا إلى الحال هذه‪ ،‬ومن وراءها؛ عّلنا نستطيع تلفيها‪ .‬وهنا‬
‫يتطلب منا أن نطرح هذه السئلة‪:‬‬
‫متى تّعرف الغرب إلى الشرق؟ وماذا كانت طبيعة هذه العلقة؟ وما أهدافها‬
‫وغاياتها؟ وكيف كانت نظرة الغرب إلى الشرق؟ وما هو تأثيرها على الثقافة‬
‫العربية والسلمية؟‬
‫وسأبدأ بالجابة عن السؤال الول‪:‬‬
‫متى تعّرف الغرب إلى الشرق‪:‬‬
‫لقد تعّرف الغرب إلى الشرق عبر قرون طويلة‪ ،‬وعن طريق عدد كبير من‬
‫الكّتاب والّرحالة والجغرافيين والمؤرخين‪ ،‬وقد اختلفت وسائل اتصال أوربا‬
‫بالشرق باختلف أهدافها وبواعثها من وراء هذا التصال‪ ،‬وقد بدأت بعلقات‬
‫م تلتها علقات حرب واحتلل في زمن‬ ‫تجارية ترجع إلى أيام الكنعانيين‪ ،‬ث ّ‬
‫السكندر الكبر في أواخر القرن الرابع قبل الميلد الذي وقف علماؤه‬
‫لدراسة الشرق ليتمكن من غزوه‪ .‬وهذه تعد البداية الحقيقية للستشراق‪.‬‬
‫صورة السلم في أوربا من خلل الكنسية وكتابات المستشرقين‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مد‬‫وعندما ظهر السلم كّثفت الكنيسة جهودها لمهاجمة السلم والنبي مح ّ‬


‫‪-‬صلى الله عليه وسّلم‪ ،-‬ولقد ظهرت آراء ومواقف فظة ومشوبة بالعصبية‬
‫في العقيدة السلمية‪ ،‬وقد أوضح المستشرق البريطاني ريتشارد سوذرن‬
‫في كتابه "صورة السلم في أوربا في العصور الوسطى"‪ ،‬وكذلك نظيره‬
‫نورمان دانيال في كتابه "العرب وأوربا في العصور الوسطى" تلك المواقف‬
‫مد صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫الفظة المشوبة بالعصبية ضد السلم ونبيه ‪-‬مح ّ‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإلحاق فعال وصفات به هو منزه عنها‪ ،‬ول تمت إلى الحقيقة والواقع بصلة‪،‬‬
‫فقط ليشوهوا صورته وليصرفوا الناس عن اليمان برسالته وبنبوته‪ ،‬وليفرغوا‬
‫ل‪ ،‬ولكن يبين لنا هذا‬‫حقدهم عليه‪ ،‬والمجال ل يتسع لذكر ما نسبوه إليه باط ً‬
‫أنهم في تعاملهم معنا يخرجون عن جميع مبادئ وأسس الحوار العلمي‬
‫الموضوعي المنطقي الذي يتظاهر به الغرب في نقاشه وحواره معنا‪.‬‬
‫قد يقول قائل إن طريقتهم اختلفت مع مشارف القرن العشرين‪ ،‬ول سيما‬
‫في العقود الخيرة منه‪ ،‬وأقول هنا من خلل دراستي للستشراق‪ ،‬ولبعض‬
‫المدارس الستشراقية ‪-‬وأهمها المدرسة البريطانية والفرنسية واللمانية‪،‬‬
‫وغيرها‪ -‬وموقفها من السيرة النبوية؛ وجدتها لم تخرج عن الطار الذي رسمه‬
‫المستشرقون الوائل الذين كان معظمهم من رجال الكنيسة‪ ،‬وعند دراستي‬
‫لمصادرهم وجدت أن كتابات أولئك المستشرقين هي مصادرهم الساسية‪،‬‬
‫ما المصادر السلمية فما هي إل ّ مجرد إطار لوضع الصورة التي رسمها‬ ‫أ ّ‬
‫المستشرقون الوائل مع تخفيف حدة الهجوم المباشر بتغليفه بغلف يوحي‬
‫بالمنهجية العلمية والموضوعية‪ ،‬ولكن عندما تتفحص في المحصلة والنتيجة‬
‫تجد أنها ل تخرج عن الصورة التي رسمها أولئك المتعصبون الحاقدون على‬
‫السلم ونبيه عليه أفضل الصلة والتسليم‪ ،‬وتؤكد ما أقوله أهداف الدراسات‬
‫الستشراقية ونتائجها‪.‬‬
‫أهداف الستشراق ونتائجه‪:‬‬
‫نتيجة لكشف بعض الباحثين العرب‪ -‬في مقدمتهم الدكتور إدوارد سعيد‪،‬‬
‫والستاذ عبد النبي أصطيف‪ ،‬والدكتور أنور عبد الملك‪ -‬أمام الرأي العام‬
‫العالمي أهداف ومناهج المستشرقين مبينين مثالبه وعيوبه فلقد تخلى‬
‫المستشرقون رسميا ً عن مصطلح "مستشرق" في المؤتمر الدولي التاسع‬
‫والعشرين للمستشرقين الذي عقد في باريس صيف عام ‪1973‬م‪ ،‬وقال‬
‫المستشرق الصهيوني البريطاني المريكي برنارد لويس‪" :‬فلنلق بمصطلح‬
‫مستشرق في مزبلة الّتاريخ"‪ ،‬لكنهم لم يتخلوا عن مناهجهم‪ ،‬وقد أعلنوا هذا‬
‫في ذات المؤتمر‪ ،‬واتخذوا من مراكز المعلومات مصطلحا ً جديدا ً للستشراق‬
‫الذي تتزعمه الوليات المتحدة المريكية لتمارس من خلله على الشرق‬
‫ولسيما الشرق السلمي ودول العالم الثالث نوعا ً جديدا ً من الستعمار‪ ،‬وهو‬
‫أخطر أنواع الستعمار ولم يسبق للبشرية أن رأت مثيل ً له‪ ،‬وهذا الستعمار‬
‫هو "العولمة"‪.‬‬
‫هذا وللستشراق أهداف دينية وتنصيرية‪ ،‬وأهداف سياسية‪ ،‬وأهداف‬
‫دا‪،‬‬‫استعمارية عسكرية‪ ،‬وأهداف علمية‪ ،‬والحديث عن هذه الهداف طويلة ج ً‬
‫لذا سأوجز الحديث عنها في الحلقتين القادمتين إن شاء الله‪.‬‬
‫الثقافة السلميةفي عصرالعولمة)‪(2/2‬‬
‫ماد ‪10/9/1424‬‬ ‫سهيلة زين العابدين ح ّ‬
‫‪04/11/2003‬‬
‫ت في الحلقة الولى من هذه المقالة عند أهداف الستشراق التي‬ ‫توقف ُ‬
‫سوف أوجزها في التي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الهداف الدينية والنتصيرية‪:‬‬‫أو ً‬
‫‪ -1‬لقد أسهمت الدراسات الستشراقية في إيجاد الرضية في كثير من بلد‬
‫المسلمين للدعوة التنصيرية‪ ،‬وقد كتب بعض المستشرقين ون ّ‬
‫ظروا لكيفية‬
‫صر القس صموئيل‬ ‫من ّ‬
‫الّتنصير مع المسلمين‪ ،‬مثل ما قام به المستشرق ال ُ‬
‫زويمر في معهده الذي أنشأه باسمه من قبل المؤتمر الّتنفيذي ليكون مركزا ً‬
‫للبحاث مهمته إعداد البحاث وتدريب العاملين في صفوف المسلمين لتعزيز‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قضية تنصير المسلمين‪ ،‬وكذلك المستشرق البريطاني وليم موير‪ ،‬ويشهد‬


‫على ذلك كتابه " شهادة القرآن على الكتب اليهودية والمسيحية " فهو كتاب‬
‫تنصيري في المقام الول‪ .‬ومسلسل التنصير لم ينته بعد فلقد أعلن البابا في‬
‫المجمع المسكوني الثاني الذي عقد عام ‪1965‬م خطته لتنصير العالم‬
‫واقتلع السلم مع قدوم اللفية الثالثة بحيث يتم استقبالها بل إسلم‪ ،‬ولعل‬
‫حملت التنصير المكثفة التي شهدتها إندونيسيا تعطينا مؤشرا ً لذلك‪ ،‬بل‬
‫الخطر من هذا وجود بعض المدارس التنصيرية في بعض دول الخليج‬
‫العربي‪ ،‬ولعل كتاب " الغزو التبشيري النصراني في الكويت" لحمد النجدي‬
‫الدوسري يكشف أبعاد هذا المخطط‪ ،‬أيضا ً النشاط التنصيري المكثف في‬
‫الجنوب السوداني ليجاد دولة مسيحية سودانية تمهيدا ً لقتلع السلم من‬
‫السودان‪ ،‬وقد شرعوا بالفعل لتنفيذ هذا المخطط‪ ،‬كما نجحوا في تفتيت‬
‫حدوا‬ ‫سموا تيمور إلى شرقية وغربية‪ ،‬بينما نجدهم و ّ‬‫وحدة إندونيسيا‪ ،‬وق ّ‬
‫برلين الشرقية والغربية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن مخطط تجزئة الدول السلمية وشطرها إلى شطرين‪ :‬مسيحي وإسلمي‪،‬‬ ‫إ ّ‬


‫أو تقسيمها على أساس مذهبي أو عرقي كما هو مخطط للعراق‪ ،‬وغيرها من‬
‫ن هدف الغرب القضاء على السلم‪ ،‬وأن‬ ‫دول المنطقة‪ ،‬كل هذا يؤكد أ ّ‬
‫أساس الصراع بيننا وبين الغرب هو الدين السلمي في المقام الول ويظهر‬
‫هذا بوضوح في الحروب الصليبية‪ ،‬إذ خشي الغرب من المد السلمي‪،‬‬
‫وعندما فشلت هذه الحملت‪ ،‬ولم تحقق أهدافها نشأ الستشراق الذي ر ّ‬
‫كز‬
‫هجومه على القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه السلمي والسيرة النبوية‪،‬‬
‫والتاريخ السلمي‪ ،‬واللغة العربية لنها لغة القرآن الكريم‪ ،‬وكذلك دراسة‬
‫الدب العربي‪ ،‬والعمل على إحياء الفرق المنحرفة في تاريخ المسلمين‬
‫كالباطنية‪ ،‬وقضوا السنوات في إخراج كتب ليؤثروا في المفاهيم الساسية‬
‫للسلم‪ ،‬وذلك بثنائهم على البهائية والقاديانية‪ ،‬وقد أوجد الستعمار‬
‫البريطاني القاديانية‪ ،‬إذ أشاد بها لنها –كما زعم‪ -‬جاءت بآراء حرة مستقلة‬
‫ووصفها بالعقلنية‪ ،‬والستنارة والتجديد ليخدع بها بعض المسلمين‪ ،‬وليشوه‬
‫تعاليم السلم‪ ،‬وللسف هناك أقلية من المسلمين تأثرت بفكر هذه الفرق‬
‫المنحرفة واعتنقت عقائدها‪.‬‬
‫كما أسهم المستشرقون بقدر كبير في إحياء القوميات في العالم العربي‬
‫خاصة في النصف الول من القرن العشرين‪ ،‬فقد نّبش المستشرقون في‬
‫الحضارات الجاهلية القديمة؛ لحياء معارفها من ذلك‪ :‬بعث الفرعونية في‬
‫مصر‪ ،‬والفينيقية في سوريا‪ ،‬والشورية في العراق‪ ،‬والفارسية في إيران‪،‬‬
‫سابقين‪،‬‬
‫ما الجزيرة العربية فلقد بحثوا في آثار ال ّ‬‫والطورانية في تركيا‪ ،‬أ ّ‬
‫وأسموا دراستهم " التاريخ الحضاري للعرب قبل السلم "‪ ،‬وتعمدوا بذلك‬
‫ن السلم ليس وحده هو‬ ‫إظهار الحضارات القديمة ليطفئوا نور السلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫دم الحضارة النسانية‪ ،‬وترتب على مثل هذه الدراسات التي‪:‬‬ ‫الذي ق ّ‬
‫ا‪-‬تحسين سمعة الجاهلية القديمة‪ ،‬وتمجيد رجالها‪.‬‬
‫ب‪-‬بث النعرات النفصالية في المة السلمية‪.‬‬
‫ج‪-‬محاولة قطع صلة المة السلمية بماضيها الحقيقي الذي بدء بظهور‬
‫السلم‪.‬‬
‫د‪ -‬تهيئة بعض المسلمين لتقبل قيام حضارة لهم غير مهتدية بهدي السلم‪،‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما نشأت في تلك الحضارات القديمة‪.‬‬


‫‪ -‬كما سعى المستشرقون في نشر بعض اليدلوجيات الجنبية في الراضي‬
‫السلمية كالشيوعية‪ ،‬فلقد أشاد المستشرق " بندلي جوزي" بالقرامطة‪،‬‬
‫وأدعى أّنهم والسماعيلية الشيوعيين الولون في السلم‪ ،‬وذلك في كتابه‬
‫"من تاريخ الحركات الفكرية في السلم "‪ ،‬كما زعم المستشرق الفرنسي‬
‫شبه بين السلم والشيوعية من حيث‬ ‫ن هناك بعض ال ّ‬ ‫"جاك أوستري" أ ّ‬
‫دولة‬ ‫عالميتها وتساميها على القوميات والعنصريات‪ ،‬وقد شّبه كذلك نظام ال ّ‬
‫دولة في الّنظام الشيوعي‪ ،‬وقد تأثر بهذه الكتابات بعض‬ ‫في السلم بنظام ال ّ‬
‫الكتاب المسلمين‪ ،‬وعملوا على نشرها مثل الكاتب الكبير "توفيق الحكيم"‬
‫في سلسلة مقالته التي نشرت في الهرام "دفتر الجيب"‪ ،‬وذلك في الفترة‬
‫ن‬
‫من ‪21‬إبريل حتى ‪15‬سبتمبرعام ‪1981‬م‪ ،‬وقد قّرر في هذه المقالت أ ّ‬
‫الشيوعية تسير على مبدأ السلم في قوله تعالى )وفي أموالهم حق معلوم*‬
‫ن المادة قد طغت على السلم عند‬ ‫للسائل والمحروم(‪ ،‬وأراد أن يثبت أ ّ‬
‫تطبيقه لنظمه؛ ليجعل السلم ل يختلف عن الشيوعية من ناحية طغيان‬
‫المادة‪ ،‬واتخذ من السلم وسيلة للدعوة لتطبيق الشتراكية‪ ،‬والخذ‬
‫ن‬
‫بالشيوعية‪ ،‬بل قال في كتابه شجرة الحكم السياسي صفحة ‪ " :507‬أ ّ‬
‫مد صلى الله عليه وسّلم كان يساريا ً هو وسائر النبياء " ‪،‬‬ ‫الرسول مح ّ‬
‫ونسمع الن عن السلم اليساري الذي يتزعم دعوته الستاذ حسن حنفي‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫جع الستشراق على نشر الليبرالية الغربية وتبعيتها في بلد‬ ‫‪ -‬كما ش ّ‬


‫المسلمين‪ ،‬وقد حاول بعض المستشرقين أن يخدعوا بعض المسلمين‪ ،‬بأنهم‬
‫إذا أرادوا التقدم واللحاق بركب المم الصناعية ما عليهم إل ّ أن يتبنوا المنهج‬
‫رض بعد نقض كتب العهد القديم والعهد الجديد " ‪ ،‬وهي‬ ‫الوربي الذي قام وفُ ِ‬
‫أقدس كتب لديهم وهم بهذا يريدون من المسلمين التجرؤ على كتاب الله‬
‫ونقده‪ ،‬وللسف فقد تأثر بعض الساتذة المسلمين بهذه الدعوة في مقدمتهم‬
‫الستاذ الدكتور طه حسين‪ ،‬إذ دعا طلبته في كلية الداب إلى نقد القرآن‬
‫ن‬‫الكريم بوصفه كتابا ً أدبيًا‪ ،‬وأثار الشبهات حول كلمة كتاب وقرآن‪ ،‬وقال إ ّ‬
‫ن القرآن صورة‬ ‫الكتاب غير القرآن‪ ،‬وأّنه كان موجودا ً قبل نزول القرآن‪ ،‬وإ ّ‬
‫ن هناك قرآنا ً مكيا ً‬ ‫عربية منه‪ ،‬وأّنه أخذ صورا ً من الكتب التي قبله‪ ،‬ويقول‪" :‬إ ّ‬
‫ن القسم المكي يمتاز بالهروب‬ ‫له أسلوب‪ ،‬وقرآنا مدنيا ً له أسلوب آخر‪ ،‬وإ ّ‬
‫ما القسم المدني فيمتاز بمناقشة‬ ‫من المناقشة والخلو من المنطق‪ ،‬أ ّ‬
‫الخصوم بالحجة الهادئة‪ ،‬وهذا القول هو ما يردده المستشرقون‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتهم المستشرق اليهودي البريطاني دافيد صموئيل مرجليوث في كتابه‬
‫"مقدمة الشعر الجاهلي" الذي ترجمه الدكتور طه حسين ونسبه إلى نفسه‪،‬‬
‫م تراجع عن‬ ‫مسميا ً كتابه " الشعر الجاهلي"‪ ،‬والذي قال فيه بخلق القرآن‪ ،‬ث ّ‬
‫ذلك عندما وجد اعتراضا ً على ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬قيام بعض المستشرقين برصد الحركات السلمية المعاصرة‪ ،‬ودراسة‬
‫أحوالها وأوضاعها ليمكنوا صناع القرار في البلد الغربية من مكافحتها‪ ،‬وبذل‬
‫كافة الوسائل لطفاء نورها‪ ،‬وهناك عدد من المستشرقين مثل‪" :‬هاملتون‬
‫جيب"‪ ،‬و"ميشيل ريتشارد"‪ ،‬و"ألفريد سميث" وغيرهم كتبوا عدة دراسات‬
‫عن هذه الحركات‪ ،‬ومن أحدث الدراسات عن هذه الحركات أعدها‬
‫المستشرق المريكي جون سبوزيتو عن ظاهرة الصحوة السلمية في العالم‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي‪ ،‬وهي على صلة وثيقة بالبيت البيض المريكي‪.‬‬


‫ن رجال الحكم الغربيين والعلميين حريصون على معرفة الحركات‬ ‫إ ّ‬
‫وزعمائها‪ ،‬وفي شهر مايو سنة ‪1992‬م صّرح نائب الرئيس المريكي في‬
‫حفل الكاديمية البحرية بولية ماريلند "بأنهم في هذا القرن أي القرن‬
‫العشرين قد أخيفوا بثلث تيارات‪ :‬الشيوعية‪ ،‬والّنازية‪ ،‬والصولية السلمية‪،‬‬
‫وقد سقطت الشيوعية والّنازية ولم يبق أمامهم سوى الصولية السلمية"‪،‬‬
‫فمن أخطر دراسات المستشرقين عن السلم وأهله الدراسات التي تحذر‬
‫الغرب من قدرات السلم الكامنة‪ ،‬وتنبيه الغربيين إلى ثروات المسلمين‬
‫الهائلة ليخطط الغرب مواصلة سيطرته على بلد المسلمين‪ ،‬ومن أخطر‬
‫الدراسات الستشراقية تلك التي أعدها المستشرق اللماني "باول شمتز"‬
‫باسم "السلم قوة الغد العالمية"‪.‬‬
‫ن مقولة نائب الرئيس المريكي عن السلم في التسعينيات من القرن‬ ‫إ ّ‬
‫العشرين تعيد إلى أذهاننا مقولة رئيس الوزراء البريطاني "جلد ستون" في‬
‫أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬أي قبل حوالي قرن من الزمان؛ إذ أعلن رئيس‬
‫الوزراء البريطاني في مجلس العموم البريطاني وقد أمسك بيمينه كتاب الله‬
‫ن العقبة الكؤود أمام استقرارنا‬ ‫عّز وجل‪ ،‬وصاح في أعضاء البرلمان وقال‪" :‬إ ّ‬
‫بمستعمراتنا في بلد المسلمين هي شيئان‪ ،‬ولبد من القضاء عليهما مهما‬
‫ل‪ ،‬بينما أشار بيده اليسرى نحو‬ ‫كلفنا المر‪ ،‬أولهما هذا الكتاب‪ ،‬وسكت قلي ً‬
‫الشرق وقال‪ :‬هذه الكعبة "‪.‬‬
‫ن الغرب لم ولن يغير موقفه من السلم‬ ‫أليس هذا أكبر دليل على أ ّ‬
‫والمسلمين؟‬
‫ن دور المستشرقين لم يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬إذ نجدهم مهدوا وساعدوا‬ ‫إ ّ‬
‫على الستعمار منذ عصر السكندر الكبر‪ ،‬ونابليون بونابرت‪ ،‬حتى أواخر‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬والقرن العشرين‪ ،‬سواء كانوا رحالة أو قناصل أو‬
‫صرين‪.‬‬‫جواسيس‪ ،‬أو من ّ‬
‫ثانيًا‪ :‬الهداف السياسية والستعمارية والعسكرية‪:‬‬
‫ن نشاط المستشرقين والخبراء‬ ‫ما ينبغي التوقف عنده والتأكيد عليه أ ّ‬ ‫م ّ‬
‫ً‬
‫المريكيين بشؤون الشرق الوسط يشكل جزًءا رئيسا من نظام التخطيط‬
‫للعمل السرائيلي والمريكي في المنطقة العربية‪ ،‬وهذا ينبهنا إلى حقيقة‬
‫ن الستشراق يقوم في عصرنا الراهن على مخطط تحدده‬ ‫هامة‪ ،‬وهي أ ّ‬
‫المصالح المريكية والصهيونية في الشرق الوسط‪ ،‬كما لعب الستشراق‬
‫الوربي من قبل‪ ،‬والستعمار النجليزي بدور في خدمة الهداف الصهيونية‬
‫بإنشاء صندوق اكتشاف فلسطين‪ ،‬وإعلء شأن اليهود مع التقليل من شأن‬
‫العرب المسلمين‪ ،‬والذي سّهل للصهيونية تحقيق أهدافها من خلل‬
‫الستشراق وجود أكثر من أربعين يهودي في المدارس الستشراقية الوربية‬
‫والمريكية‪ ،‬ومن أكبر مستشرقيها مثل‪ :‬جولد تسهير‪ ،‬وشاخت‪ ،‬وكارل‬
‫بروكلمان‪ ،‬ولويس ماسينون‪ ،‬ومكسيم ردونسون‪ ،‬ومرجليوث‪ ،‬وبرنارد لويس‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ن بعض المستشرقين أوجدوا النظرية العرقية ليبرروا الستعمار‪،‬‬ ‫ول ننسى أ ّ‬


‫ووصفوا العقلية العربية بأّنها عقلية ذرية غير قادرة على التجميع والقيادة‪،‬‬
‫وممن قالوا بهذا القول المستشرق البريطاني هاملتون جيب‪ ،‬وملف‬
‫الستشراق حافل بهذه المواقف التي تدين الحركة الستشراقية‪ ،‬والتي‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسببها أصبح مصطلح الستشراق مشبوهًا‪ ،‬وأعلن المستشرقون تخلصهم‬


‫منه ورميه في مزبلة التاريخ‪ ،‬واستبداله بمراكز المعلومات التي تقوم بنفس‬
‫دور الستشراق القديم‪ ،‬ولكن في ثوب جديد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الهداف العلمية والتمهيد للعولمة الثقافية‪:‬‬
‫ومما ينبغي لفت النتباه إليه أن الستشراق قام بدور كبير في التمهيد‬
‫للعولمة الثقافية باحتواء كثير من المسلمين ثقافيا ً عن طريق خدمة‬
‫المستشرقين للتراث وتحقيقه ونشره وفهرسته‪ ،‬وما إلى ذلك حيث أصبح كل‬
‫باحث مسلم ل يستغني عن بعض جهودهم في أبحاثه ومكتباته‪ ،‬فيعتمد عليها‬
‫أو يتناولها بالدراسة‪ ،‬وتأثر بها شعر أو لم يشعر‪ ،‬ويرجع هذا إلى نجاح‬
‫الستشراق في السيطرة على مصادر التراث العربي السلمي‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من أن بعض الدراسات كانت تقترب من صفة النزاهة والحياد إل ّ أنها في‬
‫النهاية‪ ،‬وبكل المقاييس تبقى مظهرا ً من مظاهر الحتواء الّثقافي‪ ،‬وقد نجم‬
‫عن هذا الحتواء التي‪:‬‬
‫أ‪-‬شعور كثير من المسلمين بضعفهم‪ ،‬ونقص إمكاناتهم‪ ،‬وتأخرهم عن غيرهم‬
‫في العصر الحديث‪ ،‬ونسبة كل اليجابيات إلى الغرب‪.‬‬
‫ب‪-‬تبعية كثير من الكّتاب والباحثين فكريا ً لهم‪ ،‬ودفاعهم عن مبادئهم‬
‫ومناهجهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬وضع أسس لمنهج البحث والتفكير المادي‪ ،‬فكتبوا وبحثوا ونقدوا في ضوء‬
‫هذا المنهج‪ ،‬كما نجدهم قد طّبقوا المناهج الفكرية المادية على كثير من‬
‫علومنا السلمية سواًء في التفسير المادي للتاريخ‪ ،‬أو في كتاباتهم عن‬
‫دعموا شهادتهم في هذه‬ ‫القرآن الكريم والرسول ‪-‬صلى الله عليه وسّلم‪ -‬ف ّ‬
‫ما أدى إلى رواجها واستسلم كثير‬ ‫الجوانب الفكرية باسم المنهج العلمي‪ ،‬م ّ‬
‫من الكتاب لها ودفاع بعض المسلمين عنها‪.‬‬
‫دروه إلى عالمنا السلمي‬ ‫سخ المستشرقون مبدأ العلمانية وص ّ‬ ‫د‪ -‬لقد ر ّ‬
‫سواء في الجانب الفكري والسياسي‪ ،‬فأصبح من المسلمين من تبنوا مبدأ‬
‫العلمانية‪ ،‬بل نجد هناك بعض الدول السلمية قد تبنت العلمانية‪ ،‬وأعلنت أّنها‬
‫دولة علمانية‪ ،‬أو هناك من المسلمين من ينادي بعلمانية السياسة‪ ،‬ونحن لو‬
‫ن المستشرقين ممن رّوجوا لها‬ ‫رجعنا إلى أصل نشأة هذه الدعوة نجد أ ّ‬
‫سياسية‪ ،‬وتجريد‬ ‫ودعوا إليها‪ ،‬ول ننسى أثر ميكافلي في ترسيخ العلمانية ال ّ‬
‫دين والخلق وتبرير الوسائل باسم الغايات‪.‬‬ ‫السياسة من معاني ال ّ‬
‫ه‪-‬دعوة المستشرقين إلى الحرية الفكرية المزعومة التي دعوا إليها‪ ،‬ولم‬
‫يلتزموا بها في بحوثهم وكتاباتهم؛ إذ نجدهم صوروا المفكرين السلميين‬
‫مجرد نقلة للتراث اليوناني الفلسفي بناًء على نظرتهم العنصرية المقسمة‬
‫للشعوب إلى‪ :‬ساميين‪ ،‬وآريين‪ .‬فالساميون ومنهم العرب ل قدرة لهم على‬
‫التفكير الفلسفي‪ ،‬وتناول المور المجردة بخلف الشعوب الرية‪ ،‬كما صّرح‬
‫بذلك رينان في كتابه " تاريخ اللغات السامية "‪ ،‬وكذلك "جوتيه" في كتابه "‬
‫المدخل لدراسة الفلسفة السلمية "‪.‬‬
‫و‪-‬كان الستشراق وراء طرح ونشر مصطلحات متعددة في الجانبين الدبي‬
‫والنقدي مثل "الحداثة" و " البنيوية" و "البستولوجيا المعرفية" و‬
‫"والوجودية" و "النثرية" في مجالت الدب‪ ،‬ولقد كشفت الباحثة البريطانية‬
‫فرانسيس ستونور سوندرز في كتابها "بعنوان "التكاليف؟ ‪-‬الصادر في يوليو‬
‫عام ‪1999‬م‪ -‬قيام الحكومة المريكية عبر وكالة المخابرات المركزية ليجاد‬
‫مدارس وتيارات ثقافية كاملة ومنها تيار الحداثة‪ ،‬ودعم مجلة الحوار العربية‬
‫وغيرها‪ ،‬فتجرأ بعض الدباء والشعراء على الذات اللهية‪ ،‬فأدونيس كتب‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قصائد بعنوان " الله العمى‪ ،‬و " الله الميت "‪ ،‬ويقول في هذه القصيدة‪" :‬‬
‫وبدلت إله الحجر العمى وإله اليام السبعة بإله ميت "‬
‫)‪ ، (1‬وأعلن كرهه لله‪ ،‬بل ادعى اللوهية في قصيدة " الخيانة "‬
‫وأنا ذاك الله‬
‫الله الذي سيبارك أرض الجريمة‬
‫وصلح عبد الصبور قال في شعره " الشيطان خالقنا ليجرح قدرة الله‬
‫العظيم "‬
‫)‪ ، (2‬وقال في قصيدة " الله الصغير" ‪:‬‬
‫ورقصنا وإلهي للضحى خدًا…لخد‬
‫م نمنا وإلهي بين أمواج وورد‬ ‫ث ّ‬
‫ويقول ذات الشاعر في قصيدة " الناس في بلدي "‪:‬‬
‫كم أنت قاس موحش يا أيها الله‬
‫جد الشيطان فقال في قصيدة له ‪:‬‬ ‫)‪(3‬وأمل دنقل م ّ‬
‫المجد للشيطان ……معبود الرياح‬
‫من قال " ل " في وجه من قالوا " نعم "‬
‫من عّلم النسان تمزيق العدم‬
‫من قال " ل " فلم يمت‬
‫ل روحا ً أبدية اللم‪.‬‬
‫وظ ّ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والمثلة كثيرة ل حصر لها‪ ،‬ولكن ما ذكرته يبين لنا سمة الشعر الحداثي‪،‬‬
‫ومقومات الحداثة القائمة على فصل العقيدة عن الفكر والدب آخذة بمذهب‬
‫" الفن للفن‪ ،‬متبنية مذاهب فكرية ل تمت للدين السلمي بصلة‪ ،‬بل تدعو‬
‫إلى اللحاد وإلغاء العقل‪ ،‬وإحياء فكر الفرق الباطنية من دعاة الحلولية‬
‫والتناسخ‪ ،‬كما أوجد المستشرقون في الساحة مصطلح "الصولية " و "‬
‫السلفية " لتغييب اسم السلم‪.‬‬
‫ز‪-‬لم يقتصر المستشرقون في بحوثهم على علم واحد‪ ،‬وإّنما تناولوا مختلف‬
‫العلوم‪ ،‬وللسف لم يلتزموا بالحيدة والموضوعية في أغلب بحوثهم‪ ،‬إذ‬
‫نجدهم سلكوا سبل التحريف والتشويه في دراساتهم عن القرآن الكريم‬
‫والطعن في مصدره‪ ،‬وكذلك الطعن والتشكيك في السنة المطهرة وصحتها‪،‬‬
‫مد ‪-‬صلى الله عليه وسّلم‪ ،-‬وحسبنا قول‬ ‫وامتد التشويه إلى نبي السلم مح ّ‬
‫مد والقرآن هي أكثر العداء‬ ‫ن سيف مح ّ‬‫المستشرق البريطاني وليم موير‪" :‬إ ّ‬
‫الذين عرفهم العالم حتى الن عنادا ً ضد الحضارة والحرية الحقيقية " ‪.‬‬
‫ح‪-‬تأليف الكتب والمراجع والموسوعات العلمية في موضوعات مختلفة عن‬
‫السلم ونظمه مع التحريف الخفي‪ ،‬والتزييف المتعمد في الوقائع التاريخية‪،‬‬
‫وفي نقل النصوص من القرآن والسنة‪ ،‬وبيان سيرة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسّلم‪ ،‬وإصدار النشرات الدورية والمجلت العلمية الخاصة ببحوثهم عن‬
‫السلم والمسلمين‪ ،‬وإلقاء المحاضرات والخطب في الجمعيات العلمية‪،‬‬
‫وفي كل مكان‪ ،‬ونشر مقالت وبحوث في الصحف والمجلت الواسعة‬
‫النتشار‪ ،‬وخاصة في أوساط المثقفين‪ ،‬وترجمة كتبهم ومراجعهم‬
‫ن هناك وأقسام عديدة‬ ‫وموسوعاتهم إلى اللغة العربية‪ ،‬ويكفي أن نعرف أ ّ‬
‫ن في‬‫مستقلة للدراسات الشرقية في الجامعات العلمية في الغرب كله‪ ،‬وأ ّ‬
‫القارة المريكية وحدها حوالي تسعة آلف مركز للبحوث والدراسات‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرقية عامة‪ ،‬ومنها حوالي خمسين مركزا ً خاصا ً بالعالم السلمي‪ ،‬وأّنه منذ‬
‫مئة وخمسين عامًا‪ ،‬وحتى الن يصدر في أوربا بلغاتها المختلفة كتاب كل يوم‬
‫عن السلم‪ ،‬فقد صدر ستون ألف كتاب بين سنة ‪1950-1800‬م‪.‬أي عبر‬
‫قرن ونصف‪ ،‬ويصدر المستشرقون الن ثلثمائة مجلة متنوعة بمختلف‬
‫ن المستشرقين عقدوا خلل قرن واحد ثلثين‬ ‫اللغات في تراث السلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫م تسعمائة عالم‪.‬‬ ‫مؤتمرا ً مثل‪ :‬مؤتمر"أكسفورد" الذي ض ّ‬
‫وما هذا إل ّ خطة لتهيئة الرأي العام لقبول الغزو العسكري والقتصادي‬
‫والثقافي الغربي لبلد السلم من جهة‪ ،‬ولدراسة أحوال العالم السلمي‪،‬‬
‫وكل ما يتعلق بشؤونه ليساعدهم ذلك على السيطرة وبسط النفوذ من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كل هذا كان إعدادا وتمهيدا لتقبلنا لما هو آت‪ ،‬وهو " العولمة " ‪ ،‬بل لخضوعنا‬
‫لما تفرضه علينا العولمة‪ ،‬وعدم إعطائنا فرصة للقبول أو الرفض‪ ،‬فنحن ما‬
‫بين عشية وضحاها وجدنا أنفسنا أمام العولمة الدينية ‪-‬من خلل فرض الحوار‬
‫السلمي المسيحي‪ -‬والسياسية والقتصادية والجتماعية والثقافية والتقنية‬
‫في آن واحد‪ ،‬ووجدنا أنفسنا قد فقدنا القدرة حتى على شجب ما تتعرض له‬
‫المة السلمية من عدوان ومحاولت إبادة‪ ،‬بعدما فقدنا القدرة عن‬
‫المشاركة في القتال للدفاع عن ما يتعرض له المسلمون من غزو‪ ،‬فلقد‬
‫شوهوا مفهوم الجهاد في السلم‪ ،‬فصوروا الجهاد في سبيل الله ومقاومة‬
‫الحتلل والعدوان إرهابًا‪ ،‬وقتلوا روح الجهاد في نفوس المسلمين بعد اتفاقية‬
‫كامب ديفيد‪ ،‬وخداعنا بأسطورة السلم مع الذين ل يعرفون السلم‪ ،‬ول‬
‫يحترمون العهود والمواثيق‪ ،‬ول يلتزمون بها‪.‬‬
‫أخطار العولمة السياسية‬
‫طامة الكبرى أن "العولمة" السياسية سوف تلغي دور الدولة والحكومة‪،‬‬ ‫وال ّ‬
‫ن النظام القتصادي العالمي الجديد المفروض علينا سوف يجعل البلد‬ ‫وأ ّ‬
‫النامية التي نصنف نحن ضمنها مراكز للتلوث الصناعي‪ ،‬إذ يخطط الكبار نقل‬
‫مصانعهم إلى بلدنا لحماية بيئاتهم من التلوث الصناعي‪ ،‬مع استغلل العمالة‬
‫في هذه البلد لرخصها‪ ،‬ولكن دون أن تنقل لنا تقنية الصناعة أو جعلها في‬
‫ن النظام‬ ‫دهم لتنفيذه‪ ،‬كما أ ّ‬
‫أيدينا‪ ،‬وهذا ما تدرسه الن بريطانيا لطلبتها وتعِ ّ‬
‫المالي الجديد سيتيح المجال أمام المضاربين لضرب اقتصادنا كما حصل في‬
‫ن النظام القتصادي الجديد سوف يفتح باب‬ ‫إندونيسيا وماليزيا‪ ،‬كما أ ّ‬
‫الستثمار على مصراعيه‪ ،‬وهذا يعني أن الصهاينة سيدخلون أسواقنا‬
‫ويتحكمون في اقتصادنا كما دخلوا بيوتنا من خلل التمويل الجنبي للجمعيات‬
‫النسائية الهلية‪ ،‬والتفاقيات الدولية ‪-‬كاتفاقية إزالة أشكال التمييز ضد المرأة‬
‫التي وقع عليها عدد من الدول السلمية‪ ،-‬ومؤتمرات المرأة العالمية‪،‬‬
‫وأصبحوا يفرضوا علينا الخروج عن ثوابت السلم مع توعدهم لعلماء الدين‬
‫إن اعترضوا على ما يفرض علينا من توصيات مؤتمرات المرأة العالمية بسن‬
‫قوانين دولية تطبق على الجميع‪ ،‬وخاصة القوانين التي تسمح بالنفلت‬
‫الجنسي تحت مسمى " الصحة الجسدية " أو " الصحة الجنسية"‪ ،‬والتي‬
‫تتضمن إقرار الجهاض كوسيلة من وسائل منع الحمل إلى جانب الحرية‬
‫الجنسية النفلتية‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬ديوان أدونيس ‪ :‬المجلد الول‪،‬ص ‪. 346‬‬


‫‪ -2‬ديوان صلح عبد الصبور‪:‬قصيدة الحزين‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -3‬قصيدة كلمات سبارتكوس لمل دنقل‪.‬‬
‫الفكر السلمي في زمن العولمة ‪1/2‬‬
‫معالم الصراع الفكري في العالم العربي‬
‫محمد سليمان أبورمان ‪4/9/1424‬‬
‫‪29/10/2003‬‬
‫يعد سؤال الهوية من السئلة المحورية في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬وقد شغل‬
‫هذا السؤال كثيًرا من مداولت وسجالت المفكرين العرب‪ ،‬وأدخلهم إلى‬
‫سمهم إلى فئات متنازعة حول الصول الفكرية‬ ‫ميادين الصراع الفكري‪ ،‬وق ّ‬
‫والمعرفية التي ينبغي أن تحكم مسيرة النهضة والتنمية‪ ،‬والخروج من كهف‬
‫التخلف ومن ظلمات التيه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخذ الصراع الفكري أشكال متعددة ‪ ،‬ومر بمراحل مختلفة في العالم‬
‫العربي في فترة العصور الحديثة ‪ ،‬لكنه وصل اليوم مع العولمة إلى مرحلة‬
‫دا تمتاز بوجود أمريكي مهيمن على العالم‪ ،‬وحداثة غربية تنتقل‬ ‫متقدمة ج ً‬
‫وتسود بشكل كبير ‪ -‬مع تطور ثورة النفوميديا ‪.-‬‬
‫و يجد الفكر السلمي اليوم نفسه أمام تحديات كبيرة في عدة مستويات‪:‬‬
‫مستوى نقد الحداثة الغربية‪ ،‬ومستوى مواجهة ظواهر التشدد والنغلق‬
‫والجمود الفكري في الداخل‪ ،‬ومستوى صوغ استراتيجية فكرية تدفع‬
‫بالنسان والمؤسسات في العالم العربي إلى المضي بفعالية و قوة في‬
‫مشروع النهضة والتنمية وتجاوز مرحلة النكشاف الحضاري السافر الذي‬
‫وصلنا إليه أمام الخر‪ ،‬والخروج من الفجوة الكبيرة بين حالتنا الحضارية‬
‫ورصيدنا الحضاري الكبير‪..‬‬
‫المدرسة الصلحية‪:‬‬
‫بدأت أولى الجدالت حول مسألة الصالة والمعاصرة ‪ ،‬ودور الفكر السلمي‬
‫في مواجهة التحديات الكبرى مع الحملة الفرنسية على مصر ‪ ،‬وعودة‬
‫الطلب العرب الدارسين في الغرب ‪ ،‬وجاءت أبرز المساهمات الرائدة في‬
‫جل ملحظاته ورؤيته و‬ ‫هذا المجال مع رحلة رفاعة الطهطاوي والذي س ّ‬
‫استنتاجاته حول الحضارة الغربية في كتابه " تخليص البريز في تلخيص باريز‬
‫"‪.‬‬
‫م كانت أبرز المحاولت الفكرية في مواجهة التحدي الحضاري الغربي ‪ -‬و ما‬ ‫ث ّ‬
‫وصل إليه من فلسفة وعلوم ومعرفة وما صاحب ذلك من تقدم وتطور‬
‫تكنولوجي ‪ -‬من قبل ما عرف بالمدرسة الصلحية ) جمال الدين الفغاني‪،‬‬
‫عبد الرحمن الكواكبي ‪ ،‬محمد عبده ‪ ،‬رشيد رضا ‪ ،‬علل الفاسي ‪ ،‬ابن‬
‫عاشور ‪ ،‬ابن باديس ( ‪ ،‬وقد تمركزت مجهودات هذه المدرسة في ‪:‬‬
‫‪ -‬الطلع على المعرفة والثقافة الغربية‪ ،‬وهضم أصولها‪ ،‬ودراستها دراسة‬
‫نقدية‪.‬‬
‫‪ -‬رصد الجوانب اليجابية في المعرفة والثقافة الغربية‪ ،‬والعمل على الفادة‬
‫منها في المشروع النهضوي السلمي‪.‬‬
‫‪ -‬رصد جوانب الخلل في المفاهيم الحاكمة في هذه الحضارة‪ ،‬وتنبيه‬
‫المسلمين إليها‪ ،‬وإلى خطورة الوقوع فيها‪ ،‬خاصة الفلسفة المادية في النظر‬
‫إلى الوجود والحياة‪.‬‬
‫‪ -‬إعادة تفسير السلم ومصادره المعرفية وفق أسس جديدة تتناسق مع‬
‫الصول الفكرية والمقاصد الشرعية للسلم‪ ،‬وتكون قادرة على الدخول إلى‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصر بروح إسلمية متقدمة ومتجددة‪.‬‬


‫‪ -‬تجديد الفعالية الحضارية و النهضوية السلمية ‪ ،‬والعمل على استنهاض‬
‫الشعوب للمساهمة والمشاركة في عملية التنمية والتحديث في العالم‬
‫السلمي‪.‬‬
‫وكان للمفكر الجزائري مالك بن نبي مقاربة متميزة في فهم شروط النهضة‬
‫و أسس التنمية المطلوبة‪ ،‬وكذلك في فقه الصراع الفكري في العالم‬
‫العربي‪ ،‬خاصة في كتابه " الصراع الفكري في البلد المستعمرة"‪ ،‬ولعل أبرز‬
‫دمه ابن نبي ‪-‬بالضافة إلى نظريته في شروط النهضة ‪ -‬هو مفهوم "‬ ‫ما ق ّ‬
‫القابلية للستعمار " ؛ والذي يقوم على فرضية أن الستعمار هو محصلة‬
‫ونتيجة منطقية للحالة الثقافية والفكرية وليس سبًبا لها ‪ ،‬والمشكلة هي في‬
‫جمودنا وكسلنا وغياب الفعالية الحضارية‪ ،‬وليس الستعمار والغرب‪.‬‬
‫الفكر الحيائي‬
‫وتل المدرسة الصلحية والمحاولت المبكرة في هضم الثقافة الغربية‪،‬‬
‫وتجديد الخطاب السلمي‪ ،‬مرحلة جديدة ظهر فيها النقسام الفكري على‬
‫أشده‪ ،‬وجاء أغلب النتاج الفكري والمعرفي لهذا الصراع الفكري قبيل‬
‫الستعمار‪ ،‬وفي المرحلة المبكرة من الستقلل السياسي وظهور النظمة‬
‫العلمانية في العالم العربي‪ ،‬وبدأ مع هذه المرحلة حالة الستنزاف الشديد‬
‫للفكر العربي في هذا الصراع والجدال الحاد حول هوية الدولة والمجتمع‪،‬‬
‫وأّثر ذلك على مناهج الثقافة والتعليم والفن والدب ‪.‬‬
‫واجه الفكر السلمي هذا التحدي والصراع الجديد من خلل مجهودات ركزت‬
‫على نقد السس الفكرية والمعرفية للحداثة الغربية وتصوراتها العامة في‬
‫كافة مجالت الحياة‪ ،‬وبرزت في هذا السياق مساهمات أبي العلى‬
‫ضا الشهيد سيد قطب ‪ ،‬وأخيه الستاذ محمد‬ ‫المودودي في أغلب كتبه‪ ،‬وأي ً‬
‫قطب خاصة كتبه ‪ " :‬مذاهب فكرية معاصرة " ‪ " ،‬النسان بين المادية‬
‫كتب يوسف القرضاوي ومنها "‬ ‫والسلم " ‪ " ،‬جاهلية القرن العشرين " ‪ ،‬و ُ‬
‫كتب الشيخ محمد الغزالي ‪.‬‬ ‫الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا " ‪ ،‬و ُ‬
‫كد الفكر السلمي في هذا النتاج المعرفي والفكري على عدة قضايا‪:‬‬ ‫وقد أ ّ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ -‬التمييز في الحضارة والفلسفة الغربية بين البعد الفلسفي والبعد التقني‬


‫والعلمي المحض‪ ،‬والدعوة إلى تجاوز الفلسفة اللحادية والفادة من‬
‫التطورات العلمية التطبيقية‪.‬‬
‫‪ -‬نقد السس المادية للحداثة الغربية‪ ،‬ولمناهجها العلمية والنسانية‪،‬‬
‫ومفاهيمها الحاكمة‪ ،‬ورصد آثارها المدمرة على المن الجتماعي المبني على‬
‫سيادة القيم والحفاظ على رأس المال الجتماعي‪ ،‬الذي يستند على الدين‬
‫الناظم لكل القيم الروحية والخلقية التي تحمي النسان من الفساد‬
‫والنحطاط‪.‬‬
‫‪ -‬عرض الفلسفة السلمية المقابلة للفلسفة الغربية‪ ،‬وبيان حالة التفوق‬
‫الكبير للسلم في تجاوز الخبرة الغربية أثناء التجربة المسيحية‪ ،‬وحالة‬
‫الصدام بين العلم والدين والستبداد الديني لرجال الكنيسة‪ ،‬وفساد‬
‫التصورات المعرفية الكونية والجتماعية للكنيسة‪.‬‬
‫وأغلب ما يميز المدرسة الصلحية ‪ /‬النهضوية السابقة عن المدرسة الحيائية‬
‫ن المدرسة الصلحية لم تشهد صعود التيار‬ ‫في مواجهة النظم العلمانية؛ أ ّ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلماني بشكله الفض والرافض للقبول بالمنطلقات السلمية في السياسة‬


‫والمجتمع و المعرفة والثقافة‪ ،‬وكذلك لم يشهد الفكر الصلحي الصراعات‬
‫السياسية الحادة على هوية الدولة بين الحركات السلمية والنظم السياسية‬
‫ور إلى معارك دموية وحالة أمنية متعسرة واضطراب‬ ‫القائمة‪ ،‬المر الذي تط ّ‬
‫سياسي شديد‪ ،‬مما جعل الفكر الحيائي أكثر تشدًدا في مسألة النفتاح‪ ،‬و‬
‫صا على التجديد والتفاعل مع الحضارة الغربية‪ ،‬ودفع بالبعد‬ ‫أقل حر ً‬
‫اليدلوجي ـ السياسي إلى المام‪ ،‬على حساب البعد المعرفي في محاولة‬
‫الجابة عن سؤال النهضة في الفكر و معضلة التخلف في الواقع العربي‬
‫الحديث والمعاصر‪.‬‬
‫العولمة و النكشاف الحضاري‬
‫مع انتهاء الحرب الباردة و أفول نجم التحاد السوفيتي و تضعضع مكانة‬
‫ومصداقية المذهب الشيوعي؛ تأثر الفكر العربي بشكل كبير‪ ،‬وضعف بالتبعية‬
‫الفكر الشتراكي العربي‪ ،‬وأخذ عدد كبير من فلول المفكرين اليساريين‬
‫يبحثون عن أيدلوجيا جديدة يتدثرون غطاءها بعد انكشاف عورتهم الفكرية و‬
‫الفلسفية التي كانوا يجادلون عنها سنين طويلة‪ ،‬و لبس عدد كبير منهم ثوب‬
‫الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق النسان عندما وجدوه بضاعة رائجة‬
‫في سوق المعونات والرشوة المريكية للمثقف العربي والمسلم‪ ،‬كما يرصد‬
‫ذلك بموضوعية عزمي بشارة في كتابه " المجتمع المدني "‪.‬‬
‫كما صدرت قراءات مستقبلية حول المرحلة القادمة من الصراع الفكري‬
‫العالمي ‪ ،‬كان أبرزها كتاب فوكوياما " نهاية التاريخ " والذي يزعم فيه أن‬
‫التاريخ البشري قد وصل إلى نهاية كدحه الطويل؛ بحًثا عن الفلسفة الفكرية‬
‫التي تحقق سعادة النسان و تكون القول الفصل في الجدال النساني‬
‫قا لفوكوياما فإن الليبرالية والديمقراطية‬ ‫الطويل في الفكر والفلسفة‪ ،‬وطب ً‬
‫خلصه وسعادته‪.‬‬ ‫الغربية هي ذروة الفكر النساني ومحور َ‬
‫أما القراءة الثانية؛ فقد كانت للمفكر السياسي المعروف صموئيل هانتنجتون‬
‫في كتابه "صدام الحضارات"‪ ،‬والذي يرى فيه أن المرحلة القادمة من‬
‫الصراع العالمي ستكون مرحلة صراع ثقافي‪ ،‬وبالتحديد بين الثقافتين‬
‫السلمية والغربية‪ ،‬وجوهر كل منهما المتركز حول الدين‪.‬‬
‫ما كبيًرا في العالم‪ ،‬وكان لهما صدى واسع‬ ‫لقيت القراءتان السابقتان اهتما ً‬
‫في العالم العربي‪ ،‬و أثارتا جدال ً كبيًرا‪ ،‬بيد أن المهم في الموضوع أن الفكر‬
‫السلمي وجد نفسه أمام تحد واضح وكبير مرة أخرى‪ ،‬وهو مواجهة الحداثة‬
‫دا‬
‫الغربية‪ ،‬وقد جاءت هذه المرحلة بقوة وغزارة شديدة ترتدي ثوًبا جدي ً‬
‫يطلق عليه "العولمة"‪.‬‬
‫مل ومثقل‬ ‫دا؛ بل هو مفهوم مح ّ‬ ‫مفهوم " العولمة " ‪ -‬إًذا ‪ -‬ليس مفهو ً‬
‫ما محاي ً‬
‫بالمضامين المعرفية والحضارية للحداثة الغربية‪ ،‬وخطورة العولمة أنها وسيلة‬
‫دا ومتطورة لنقل الحداثة والمشروع الغربي إلى أنحاء العالم‪ ،‬كما أنها‬ ‫قوية ج ً‬
‫قا يقدمها في إطار من الغراء الشديد للدخول‬ ‫عا تجميلًيا فائ ً‬
‫تحمل ِقنا ً‬
‫والولوج إليها‪ ،‬وتصل محاولة تجنب التفاعل مع العولمة إلى درجة الستحالة‬
‫فا من الكهوف‪ ،‬وتعزل‬ ‫الحقيقية‪ ،‬إل ّ إذا اختارت أمة أو مجموعة أن تدخل كه ً‬
‫نفسها عن العالم وصول ً إلى الخلص الروحي!‪.‬‬
‫ومما يزيد من صعوبة وخطورة تحدي العولمة أمام الفكر السلمي المواجهة‬
‫جرت‬ ‫العسكرية والسياسية بين العالم السلمي والوليات المتحدة ‪ ،‬والتي تف ّ‬
‫بشكل كبير مع أحداث ‪ 11‬أيلول وما تلها من تحديات ‪ ،‬وظهور التيار‬
‫الجهادي ‪ ،‬مما يجعل من مهام الفكر السلمي ‪ -‬بالضافة إلى التحاور مع‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العولمة‪ -‬مواجهة حالة الحباط والتشدد الذي تنتاب كثيًرا من أبناء المة‬
‫السلمية في غضبهم الشديد‪ ،‬وحنقهم على الحالة السياسية الحرجة التي‬
‫آلت إليها المور من تسلط وهيمنة خارجية أمريكية وتدفعهم إلى الغلو في‬
‫صا على التأكيد على الهوية‬ ‫رفض الخر‪ ،‬والميل إلى النغلق الفكري حر ً‬
‫والذات أمام روح التبعية والهزيمة التي تنتاب فئات كبيرة من المفكرين‬
‫والساسة‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ومن دواعي استنفار الفكر السلمي ‪ -‬في هذه المرحلة ‪ -‬انكشاف الحالة‬
‫الحضارية للعرب والمسلمين عن درجة عالية من الفشل في المشاريع‬
‫التنموية‪ ،‬وعن فساد كبير في الممارسة السياسية العربية‪ ،‬وحالة متقدمة من‬
‫خطورة الوضاع القتصادية والثقافية في العالم السلمي‪ ،‬وما يرتبط بذلك‬
‫من فقر شديد و بطالة ونسب مرتفعة من الحرمان‪ ،‬و المية وغياب النتاج‬
‫العلمي ‪ ،‬وضعف تدفق المعلومات ‪ ،‬وإهدار كبير للثروات ‪ ،‬ناهيك عن‬
‫الوضاع السياسية البائسة المرتبطة بالديمقراطية وحقوق النسان والحريات‬
‫العامة‪.‬‬
‫ويمكن الشارة إلى جزء من هذه الحقائق المخيفة التي تكشف الحالة‬
‫دا عن تحفظات كبيرة حوله ‪، -‬‬ ‫الحضارية في تقرير التنمية النسانية – بعي ً‬
‫وفكرة مبادرة الشراكة المريكية ـ الوسطية ‪ ،‬وكل هذا وذاك من الرقام‬
‫والوقائع والحصائيات يؤكد الفجوة الكبيرة بين الرصيد الحضاري الكبير و بين‬
‫الحالة الحضارية الحالية‪.‬‬
‫إن الملحظات السابقة تضع أمام الفكر السلمي العديد من المسؤوليات‬
‫والمهام في هذه المرحلة‪ ،‬أبرزها‪:‬‬
‫‪ -‬مجهود التعامل مع العولمة وما تستبطنه من قيم و معرفة‪ ،‬وبناء الخطاب‬
‫ضا من أسس ومفاهيم وقيم تميزه عن‬ ‫الحضاري السلمي بما يستبطنه أي ً‬
‫الخطاب الغربي‪ ،‬والتي تستند على العتراف بالوحي كأحد أبرز وأهم مصادر‬
‫التنظير السلمي‪.‬‬
‫‪ -‬مواجهة التفلت الفكري في الداخل سواء اتجاهات الغلو العلماني‬
‫والنجراف الفكري أم جماعات الغلو الفكري والتشدد الديني‪ ،‬وبناء الرؤية‬
‫الحضارية السلمية في الفقه العام للتدين‪ ،‬ودور الدين في الممارسة‬
‫السياسية‪ ،‬و العلقة بين الشعب والسلطة‪..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -‬بناء الرؤية الجتهادية السلمية في التعامل الواقعي مع المشاكل والقضايا‬
‫الداخلية التي تعاني منها الشعوب العربية‪ ،‬ومنها‪ :‬الفقر والبطالة والفساد‬
‫السياسي والتخلف العلمي والمية وفشل المشاريع التنموية وإهدار الثروات‬
‫والمعضلت القتصادية ‪..‬إ‬
‫الفكر السلمي في زمن العولمة ‪2/2‬‬
‫خواء الذات‪ :‬الدمغة المستعمرة‬
‫محمد سليمان أبورمان ‪11/9/1424‬‬
‫‪05/11/2003‬‬
‫يأتي في إطار مهام الفكر السلمي اليوم تحد ٍ رئيس‪ ،‬وهو مواجهة العولمة‬
‫التي تستند إلى الحداثة الغربية وتقوم عليها‪ ،‬وتوظف ما وصلت إليه التقنيات‬
‫البشرية خاصة ثورة النفوميديا في هذا المجال بشكل فاعل وكبير‪.‬‬
‫ومواجهة الحداثة أو فرضية تفوق الحضارة والعلوم والقيم الغربية تتطلب‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قراءة معرفية عميقة للحداثة الغربية ورصد مساحات الخلل وكشف‬


‫الفجوات الكبيرة في بنيتها المفاهيمية الحاكمة‪ ،‬وتقديم السس الفلسفية‬
‫والفكرية للخطاب الحضاري السلمي في مواجهة ذلك‪ ،‬وبيان أدوات ومناهج‬
‫التعامل مع العولمة ومعطياتها وفيضانها الكبير على العالم الذي وصل إلى‬
‫درجة كما يصفها هوفمان "إن أزمة القيم الغربية تحظى حاليا بالقلق داخل‬
‫ن الثقافة في وقتنا الحالي ليست ثقافة مكان بعينه‪ ،‬بل هي‬ ‫بقية العالم؛ ل ّ‬
‫ثقافة وقت بعين "‪.‬‬
‫في هذا السياق من مهام الفكر السلمي يأتي كتاب مراد هوفمان المفكر‬
‫اللماني المسلم‪ ،‬الذي كتب قبل هذا الكتاب عدة كتب تبين أسباب دخوله‬
‫السلم وتحاول تقديم الصول الفكرية للرؤية السلمية التي تتجاوز‬
‫التناقضات والفراغات المعرفية الكبيرة في الفلسفة والثقافة الغربية‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫دا للفكر الغربي المستند‬ ‫وليس كتاب هوفمان ببدع من الكتب التي تقدم نق ً‬
‫على معطيات الحداثة‪ ،‬أو تتحدث عن الفات المترتبة على النزعة المادية‬
‫ضا بالفلسفة الفردية الليبرالية الحديثة‪ ،‬فهناك على سبيل‬
‫والمرتبطة أي ً‬
‫المثال كتاب الفوضى لحد أبرز المنظرين المريكان بريجنسكي‪ ،‬لكن الجديد‬
‫في كتاب هوفمان أنه ينقد الخبرة المعرفية والفلسفية الغربية الحديثة في‬
‫شتى العلوم والمجالت الحيوية من خلل فكره السلمي الذي يصدر عن‬
‫فهم يصل إلى قاع النظرية المعرفية السلمية التي تقوم على العتراف‬
‫بمصادر المعرفة وحدود كل منها‪ :‬الوحي و العقل والحس‪ ،‬أو الموائمة بين‬
‫العقل المؤيد والعقل المسدد – على حد تعبير المام محمد عبده رحمه الله‬
‫ـ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫يحمل كتاب هوفمان عنوان "خواء الذات‪ :‬العقول المستعمرة" ) دار الشروق‬
‫الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،(2002 ،‬ويأخذ جزًءا من العنوان من عبارة للدكتورة نادية‬
‫مصطفى – أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة – إذ تقول‪" :‬عملية‬
‫الختراق المسماة بالعولمة ‪ ،‬ل تتعلق باختراق حدود جغرافية ‪ ،‬ولكن‬
‫بالسيطرة على العقول" ‪ ،‬فاستعمار العقول الذي تشير إليه مصطفى من‬
‫أكبر التهديدات والحروب التي تشن على المسلمين اليوم وهي حروب من‬
‫نوع جديد ‪ -‬كما يصفها محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب من نوع جديد"‪،-‬‬
‫وبما أنها تستهدف العقل والوعي و تدفع إلى الهزيمة الفكرية والنفسية؛ فهي‬
‫إًذا أخطر من الحروب العسكرية والهيمنة السياسية‪ .‬وهذه الملحظة يشير‬
‫دث عن‬ ‫لها الخبير المريكي جوزيف ناي في كتابه مفارقة القوة عندما يتح ّ‬
‫القوة الناعمة والمرتبطة بالنموذج الثقافي الستهلكي المريكي الذي تسعى‬
‫الوليات المتحدة إلى تعميمه على العالم‪.‬‬
‫ما يريد هوفمان إًذا قوله في هذا الكتاب هو‪ :‬أن الحداثة الغربية ‪ -‬التي تستند‬
‫عليها العولمة كمضمون فكري وثقافي ومعرفي يجري تسويقه وكأنه العلم‬
‫بعينه‪ ،‬و أنه آخر ما وصل له العقل البشري من إبداع‪ ،‬وأنه النتاج المعرفي‬
‫والثقافي الذي يحقق الخير والسعادة للنسانية ‪ ،-‬أنها ‪ -‬أي الحداثة ‪ -‬مليئة‬
‫بالثغرات والتناقضات‪ ،‬وقد وصلت إلى أزمة حقيقية اليوم أنتجت ما يسمى‬
‫بمدرسة " ما بعد الحداثة "‪.‬‬
‫وبالتالي على العقل المسلم أن يتحرر من التبعية الخطيرة للفكر الغربي‪،‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأن يشق طريقه في المعرفة والعلم والتفكير انطلًقا من الرؤية السلمية‬


‫الناصعة التي تنظر إلى الكون والوجود والحياة بشكل شمولي متكامل ول‬
‫تختزل أي جزء لحساب الخر‪ ،‬كما هو الحال في الفكر الغربي والذي يختزل‬
‫الحياة في بعدها الفيزيقي المادي المحسوس‪ ،‬المر الذي يصيب النسان‬
‫باضطراب شديد في مسيرته الحديثة‪ ،‬كما يوضح ذلك كتاب هوفمان وكما‬
‫يشرح المر بشكل مفصل للغاية محمد مزريان في كتابه القيم " البحث‬
‫الجتماعي بين الوضعية والمعيارية"‪.‬‬
‫وإذا كان كتاب هوفمان يتآلف بشكل رئيس من ثلثة أجزاء‪ ،‬فإن الجزء المهم‬
‫و المساهمة الفكرية الرئيسة في الكتاب هو ما يرتبط بنقد الحداثة الغربية‪،‬‬
‫ضا تقسيم صفحات الكتاب؛ إذ يشمل الجزء‬ ‫ويدل على هذه الملحظة أي ً‬
‫المتعلق بنقد الحداثة تقريبا ‪ 60‬صفحة من صفحات الكتاب البالغة ‪111‬‬
‫صفحة‪ ،‬بينما يقع الجزء الول المرتبط بالشيوعية في ‪ 15‬صفحة تقريًبا‪ ،‬أما‬
‫الجزء الثالث حول الرؤية السلمية فيقع في ‪ 25‬صفحة‪.‬‬
‫زيف الحداثة‬
‫يتتبع هوفمان المادية العلمية التي صبغت البحث العلمي في شتى حقول‬
‫المعرفة النسانية في مدرسة الحداثة؛ ليصل إلى نتيجة أن العلم لم يصل‬
‫ما مصدر اهتمامه‬ ‫إلى إرواء غليل النسان في القضايا الكبرى التي تشكل دو ً‬
‫و محور تفكيره‪ :‬الوجود و العدم‪ ،‬الله والكون‪ ،‬غائية الحياة‪ ،..‬بل صار العلم‬
‫اليوم أكثر استعداًدا لتقبل فكرة صياغة أسئلة ل يستطيع النسان الجابة‬
‫عنها؛ لنها تقع خارج قدرة المعارف النسانية‪.‬‬
‫وساهمت أزمة الحداثة الغربية في ظهور مدرسة ما بعد الحداثة التي تعبر‬
‫عن ذروة التخبط في العلم الحديث‪ ،‬و تعيد نبش المطلقات الفلسفية‬
‫والمعرفية التي انطلقت منها الخبرة العلمية المعاصرة‪ ،‬التي بنيت على‬
‫فرضية التناقض مع الدين‪ ،‬وفرضية أن العقل البشري قادر على الوصول إلى‬
‫المعرفة المطلقة بمفرده دون أية وصاية خارجية‪.‬‬
‫ما في العلوم‪ ،‬وأن النظريات العلمية تنقد‬ ‫ن هناك تطوًرا دائ ً‬ ‫بدا واضحا اليوم أ ّ‬
‫دا‪ ،‬كما أن هناك فرضيات أساسية‬ ‫بعضها‪ ،‬وأن ما يثبته العلم اليوم ينفيه غ ً‬
‫دا في حقول علمية شتى ثبت اليوم عدم صحتها‪ ،‬المر‬ ‫جا سائ ً‬‫شكلت نموذ ً‬
‫الذي يصل ببول فييرانبد إلى القول ‪ -‬في كتابه ترجمتي ‪" : -‬لقد وصلت إلى‬
‫القتناع أن المر كله ليس إل ّ فوضى مجنونة"‪ ،‬وأصبح علماء النسنة أقرب‬
‫إلى الشعراء منهم إلى العلماء إذ يقولون‪ " :‬لماذا نتباحث اليوم فيما سوف‬
‫دا على أي الحوال؟!"‪.‬‬ ‫يتغير غ ً‬
‫هذا القلق و الضطراب في عدم القدرة على الوصول إلى الحقيقة من خلل‬
‫مناهج البحث الحداثية أنتج محاولت عديدة للخروج من هذا النفق‪ ،‬وبات عدد‬
‫كبير من العلماء يشعر بالحاجة إلى الحكمة الشرقية و فلسفة الروح لنقاذ‬
‫العلم من متاهته المعاصرة‪ ،‬المر الذي حدث فعل ً مع فريتوف كابرا – أحد‬
‫أفراد مدرسة ما بعد الحداثة – الذي قام في كتابه بالدمج بين الفيزياء‬
‫والتصوف الشرقي‪ ،‬وكما في التصوف يتوقع كابرا أن ترفع فيزياء العصر‬
‫الحديث – ما بعد الحداثة ‪ -‬كل المتناقضات‪ ،‬وتصل إلى نقطة يندمج فيها‬
‫حظ في وحدة واحدة‪ :‬وحدة صوفية تتجاوز الفيزياء الحديثة‪.‬‬ ‫حظ والمل َ‬ ‫المل ِ‬
‫الله أو الدمار‬
‫يمكن استعارة عنوان كتاب المفكر السلمي سعد جمعة " الله أو الدمار"‬
‫في قراءة نقاش هوفمان لخطار وآفات الحداثة على الخبرة الغربية الحديثة‬
‫والمعاصرة في شتى مجالت الحياة‪..‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ -1‬العلم والخلق‪ :‬حاول العديد من المفكرين والعلماء وضع أساس جديد‬


‫للخلق بدل ً ؛ إل ّ أنهم فشلوا في ذلك فشل ً ذريًعا‪ ،‬وأدى العلم إلى مشكلة‬
‫أخلقية حقيقية في الغرب؛ إذ لم يتظاهر العلم فقط بوجود برنامج دون‬
‫مبرمج‪ ،‬لكنه تصرف و كأن العلم وحده هو المعول عليه‪ .‬وأصبح الغرب وفقا‬
‫لفاسلف هافيل أول حضارة ملحدة في التاريخ أي تنكر دور الدين ابتداًء‪.‬‬
‫‪ -2‬العلم والحضارة‪ :‬الميراث من العلم‪ ،‬والعلم الزائف في القرن التاسع‬
‫عشر والقرن العشرين بدأ يثمر مجتمًعا ل إدارًيا‪ ،‬نفعًيا‪ ،‬استهلكًيا‪ ،‬موغل ً في‬
‫الفردية‪ ،‬وليبرالًيا‪ ،‬بما يعني حضارة تنشد المتعة حتى النخاع‪.‬‬
‫‪ -3‬اللذة كأسلوب للحياة‪ :‬كان جينو – المفكر الفرنسي المسلم – ذا إدراك‬
‫عظيم عندما حدد أن المفهوم الجوهري للحركة النسانية الذي صيغ خلل‬
‫ما البرنامج الذي ستأتي به الحضارة‬ ‫فترة النهضة الوروبية‪ ،‬يلخص مقد ً‬
‫المعاصرة‪ ،‬كل شيء سوف يختزل إلى المستوى البشري‪ ،‬وإلى المقاييس‬
‫البشرية‪ ،‬لذلك كان من الممكن التنبؤ أن الحضارة المعاصرة سوف تصل في‬
‫النهاية إلى الغوص مرحلة تلو الخرى‪ ،‬إلى مستوى أدنى الرغبات البشرية‪.‬‬
‫دا عن‬ ‫‪ -4‬دين ما بعد الحداثة‪ :‬أقام الغرب بنيانه الجتماعي المعاصر بعي ً‬
‫الدين‪ ،‬وعلى الرغم من حضور الدين في المناسبات العامة‪ ،‬فهو ل يعدو أن‬
‫دا عارًيا عن القوة‪.‬‬
‫يكون فلكلوًرا أو تقلي ً‬
‫لكن المشكلة هي أن الدين الذي خرج من الباب المامي في المجتمعات‬
‫الغربية عاد من الباب الخلفي من خلل القبال الشديد للشباب ولفئات من‬
‫المجتمع على أديان جديدة وغريبة؛ كجماعات العهد الجديد التي تتعبد داخل‬
‫الهرامات‪ ،‬والنبعاثيون الذين يعيدون عبادة إخناتون للشمس‪ ،‬وبالتساوي في‬
‫مكان الصدارة إلى الن أديان عبادة القمر‪ ،‬العلموية والتنجيم‪ ،‬والملئكة‪،‬‬
‫والشيطان‪.‬‬
‫هذه الموجة الجديدة من التدين تستمد قوتها من الحنين إلى التوحد العضوي‪،‬‬
‫والبحث عن المعنى‪ ،‬الغائبين بشدة في الحياة المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -5‬ثورة القيم‪ :‬اعتبر الغربيون أن الخروج على الدين و على قيم العصور‬
‫الوسطى التقليدية ثورة في القيم‪ ،‬واستبدلوها بالقيم الرأسمالية العملية‪.‬‬
‫قا لتحليل عالم الجتماع دانييل بيل في كتابه " التناقضات الثقافية‬ ‫لكن طب ً‬
‫للرأسمالية"؛ فإن المشكلة في العالم الغربي تكمن في أن نجاحه القتصادي‬
‫يدفع إلى تدمير القيم الجوهرية التي قام عليها‪.‬‬
‫وداخل المسار الجديد للعلم والقيم العملية النفعية أصبح الناس غير معتادين‬
‫على حقائق الحياة كالحوادث والمصائب الشخصية والمرض والكهولة‬
‫والموت‪ ،‬إلى حد أنهم أصبحوا غير قادرين على التواؤم مع هذه الحوادث من‬
‫غير مساعدة مستشاري الحزان‪.‬‬
‫‪ -6‬السلم الخيالي‪ :‬لم يقدم عوًنا لحلل مدرسة ما بعد الحداثة محل الحداثة‬
‫مثلما فعلت ل عقلنية الحروب المتواصلة داخل ما يفترض أنه العالم‬
‫المستنير‪ ،‬وقد تنبأ بذلك تولستوي في رواية الحرب والسلم أن الحياة‬
‫مستحيلة في اللحظة التي يظن فيها النسان أنه يستطيع أن يقودها‬
‫ويمارسها وفقا لتوجيهات العقل الخالص‪.‬‬
‫ولم يعد المجتمع الغربي ينعم بالسلم حتى على المستوى الداخلي‪ ،‬فقد‬
‫دا مرعًبا‪ ،‬وهذا ل يمثل‬ ‫وصل مستوى العنف في المدارس المريكية الثانوية ح ً‬
‫سوى قمة جبل الجليد الغاطس؛ إذ يتغذى العنف كل يوم من كمية العنف‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير المعقولة التي تشاهد يومًيا في التلفاز‪ ،‬وقد وصلت إلى ألعاب الكمبيوتر‬
‫بشكل كبير‪.‬‬
‫‪ -7‬حافز الربح‪ :‬أعادت الفلسفة الرأسمالية السائدة في الغرب إنتاج جملة‬
‫المفاهيم الحاكمة في الحياة الجتماعية والسياسية والثقافية في الغرب‪ ،‬و‬
‫تعدلت كثيًرا من المفاهيم لتلئم هذه الفلسفة‪ ،‬فالخير هو النافع والفعال في‬
‫الحصول على أقصى درجات السعادة عن طريق إنتاج أقصى كمية من‬
‫البضائع لكبر عدد من الناس‪.‬‬
‫في الواقع‪ ،‬النفعية هي التي قادت إلى الغلو الذي أنجب الماركسية‪ ،‬وأدت‬
‫كذلك إلى تفاوت كبير في دخول الفراد والدول‪.‬‬
‫ويصل ريتشارد فولك إلى القول‪ :‬لم يعد الغرب حيًزا جغرافًيا‪ ،‬بل ظاهرة‬
‫كونية تدار العولمة بمؤسسات ل تحصى‪ ،‬بالغة الضخامة‪ ،‬ومتعددة الجنسيات‪،‬‬
‫ووصل المر إلى الحد الذي تدار به السياسة برأس المال‪ ،‬المر الذي يهدد‬
‫الديمقراطية الجتماعية بصورتها المعروفة في ألمانيا والدول السكندنافية‪.‬‬
‫‪ -8‬العلم والتسلية )المعلوتسلية(‪ :‬النسان الغربي يعاني اليوم من الكم‬
‫الهائل من المخترعات والجهزة التي تحرمه من الهدوء والسترخاء والتأمل‬
‫أو التفكير بعمق‪ ،‬أو الصلة بخشوع‪ .‬في الواقع يجب على الدوام إثارة غرائز‬
‫النسان المعاصر‪ ،‬حتى عطلته ينبغي تحويلها إلى مغامرات يشرف عليها‬
‫محترفون بالتسلية‪.‬‬
‫ضا مجلت إل ّ أن‬ ‫وعلى الرغم من وجود برامج تلفازيه ذات مستوى رفيع‪ ،‬وأي ً‬
‫العملة الرديئة تطرد الجيدة من السوق‪ ،‬والمنتجات العلمية الهابطة تستحوذ‬
‫على النصيب الوفر من المشاهدين‪ ،‬وكل هذا يعمل بشكل كبير على إفقار‬
‫روحي للمجتمع وتنمية النرجسية والبعد عن العلقات الجتماعية‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫في نفس الوقت تجاوزت وسائل العلم المعاصر كل الحواجز الموضوعة‬


‫لحماية الدول ذات اليدلوجية المغلقة من تأثيرات النباء والثقافات الخرى‪،‬‬
‫ضا تغيير استراتيجيتها لحماية تراثها‬
‫وهنا ينبغي على الدول السلمية أي ً‬
‫السلمي من خلل تحصين الناس بالعلم النافع لمواجهة الفكار الضارة‪،‬‬
‫وليس من خلل عزلهم المادي عن التعرض لها‪.‬‬
‫ما في المعالم العامة للتعليم‬ ‫‪ -9‬التعليم كأيدلوجيا‪ :‬تلعب العلمانية دوًرا حاس ً‬
‫الغربي‪ ،‬من خلل إبعاد الدين عن المناهج الدراسية وعن صياغة أخلق‬
‫الطلب‪ ،‬ويدّرس اللحاد بشكل سافر في المدارس من خلل نظريات‬
‫الحداثة أسسها اللدينية‪.‬‬
‫‪ -10‬الثورة الجنسية‪ :‬ضمن كثير من الثورات التي مرت بالنسان الغربي في‬
‫العقدين الماضيين؛ فإن أكثرها ثراًء وأطولها بقاًء هي على الرجح الثورة‬
‫الجنسية‪ ،‬وبدا الجنس للوهلة الولى كأنه البديل القوى للدين مكتمل ً بأنبيائه‬
‫الذين يبشرون بالحرية الجنسية‪.‬‬
‫الن فإن العادة السرية‪ ،‬والجنس ما قبل الزواج ‪ ،‬تبادل الزوجات ‪ ،‬الجنس‬
‫في الشرج ‪ ،‬والجنس المثلي ‪ ،‬ومشاهدة العري ‪ ،‬والدعارة ؛ أصبحت كلها‬
‫مقبولة ‪ ،‬وتتكرر كموضوعات رئيسة من خلل تبادل الحديث ‪ ،‬كما تجتذب‬
‫ما ‪ .‬ووصل المر‬ ‫العلم ‪ ،‬الجنس مع الطفال هو الوحيد الذي مازال محر ً‬
‫إلى السماح لمحترفات البغاء بتكوين نقابات ببعض الدول على أنهن "عاملت‬
‫جنس"‪ ،‬وفي ألمانيا منذ عام ‪2001‬؛ فإن الزواج الشواذ يحصلون على‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التسجيل المدني‪.‬‬
‫‪ -11‬انحطاط السرة‪ :‬الضحية المباشرة للثورة الجنسية ‪ ،‬والتي هي الكثر‬
‫استحقاًقا للسى هي السرة ‪ ،‬انهيار السرة الناتج عن الثورة الجنسية هو‬
‫عنوان الشؤم على قرب انهيار الحضارة الغربية‪.‬‬
‫ويعرض التلفاز كل ليلة كم هي عالية درجة الجمال في الرجال الخرين‬
‫والنساء الخريات‪ ،‬ويحض الزوجات داخل بيوتهم على الدخول في منافسة‬
‫دا‪ ،‬ول يمكنهم ببساطة الفوز بها‪،‬‬ ‫مع جميلت التلفاز‪ ،‬وهي منافسة صعبة ج ً‬
‫فعندما يصبح الجنس بضاعة تعرض في السوق‪ ،‬فسوف تتحلل السرة‪ ،‬وذلك‬
‫ما يحدث بمعدلت مخيفة‪ ،‬وأرقام الطلق تتصاعد في كل مكان‪ ،‬والسوأ من‬
‫قا منذ البداية‪.‬‬ ‫ذلك المزيد والمزيد من الشباب يقررون عدم الزواج مطل ً‬
‫‪ -12‬العدوان على الحياة والدمان البنيوي‪ :‬ومن آفات الحداثة إباحة الجهاض‬
‫وقتل الجنين غير المرغوب فيه‪ ،‬ومن أثارها الدمان والكحول و المخدرات‪،‬‬
‫طا بالمخدرات والخمر‪ ،‬وإنما يصل إلى الدمان على‬ ‫والدمان ليس مرتب ً‬
‫التكنولوجيا والستهلك وشراء الحديث‪ ،‬بما يذكرنا بكتاب هربرت ماركوز‬
‫المتميز " النسان ذو البعد الواحد"‪.‬‬
‫يقول هوفمان‪" :‬يطغى ضجيج الدمان على صوت الضمير الذي قد يذكر‬
‫النسان المعاصر بمصيره الحق‪ ،‬وهو معرفة الله‪ ،‬والدخول تحت عباءة‬
‫فا للحياة‪ ،‬وتبدو على هيئة حلول‪،‬‬ ‫الخضوع له‪ .‬تعطي أنواع الدمان معنى زائ ً‬
‫بينما هي في الحقيقة تمثل المشكلة الجوهرية‪ ..‬إنها تحرم النسان من‬
‫الصمت الوجودي والتركيز الذي يحتاج إليه من أجل إقامة الروابط السامية"‪.‬‬
‫الفكر السلمي و العولمة‬
‫في حوار سابق مع زكي ميلد حول أحداث أيلول وأثارها على الفكر‬
‫السلمي‪ ،‬قال‪ :‬إن على الفكر السلمي اليوم أن يعيد بناء رؤيته الشمولية‬
‫للكون وللمفاهيم الكبرى‪ ،‬ويصوغ من جديد استراتيجية الخروج من النفق‬
‫الحضاري الذي وصلنا إليه‪.‬‬
‫و يرى الفضل شلق في مقالة له – في مجلة الجتهاد – أن الهوية الحضارية‬
‫ليست دوراًنا حول الذات‪ ،‬وإنما عملية دؤوبة نحو تحقيق الذات من خلل‬
‫النمو والتنمية‪ ،‬وعندها ستصبح الهوية الحضارية منجزا ً وليس عائ ً‬
‫قا‪.‬‬
‫وبالتالي؛ فإن الفكر السلمي في عصر العولمة مسؤول مسؤولية مباشرة‬
‫عن طرح الرؤية الجتهادية السلمية في التنمية والنهضة والتقدم‪ ،‬وإدارة‬
‫كا ومفعل ً لطاقات المة وليس كاب ً‬
‫حا لها‪.‬‬ ‫الصراع الفكري ليكون جدل ً محر ً‬
‫والسؤال الذي يجب على الفكر السلمي أن يجيب عنه‪ :‬كيف نسير في‬
‫مساق التنمية‪ ،‬وننهض انطلًقا من روح السلم ومقاصده العامة؟‪ ،‬كيف نفقه‬
‫ما يمتلك‬ ‫حا متقد ً‬‫حا تنويرًيا منفت ً‬‫المشروع الحضاري السلمي؛ ليكون طر ً‬
‫أدوات الموائمة والتوفيق بين مصادر التنظير السلمي الوحي و العقل‬
‫والحس؟‬

‫)‪(12 /‬‬

‫الثقافة السلمية وعولمة الثقافة ‪17/10/1424‬‬


‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫العلقة بين الثقافة السلمية والعولمة‪:‬‬
‫إن الله هو رب العالمين‪ ،‬والدين الذي ارتضاه للعالم هو السلم "ومن يبتغ‬
‫غير السلم دينا ً فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين" )‪ ،(1‬وقد بعث‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله محمدا ً _صلى الله عليه وسلم_ رحمة للعالمين‪ ،‬فأدى الرسول الكريم‬
‫رسالة ربه‪ ،‬فخاطب العرب والعجم‪ ،‬بل دعا الثقلين‪ ،‬ثم أخبر من لينطق عن‬
‫الهوى بأن دين هذه المة ظاهر‪ ،‬وأنه أكثر النبياء تبعًا‪.‬‬
‫فأمة السلم مبعوثة لتنقل ركنا ً ركينا ً من أركان الثقافة إلى البشرية بل إلى‬
‫العالم‪ ،‬فقد قال الله _تعالى_ عن نبيه محمدا ً _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬وما‬
‫علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إل ّ ذكر وقرآن مبين ~ لينذر من كان حيا ً‬
‫ويحق القول على الكافرين" )‪ (2‬ومما قيل في معناها‪" :‬لينذر بهذا القرآن‬
‫المبين كل حي على وجه الرض")‪.(3‬‬
‫وقال _سبحانه_‪" :‬قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ~ إن‬
‫هو إل ّ ذكر للعالمين" )‪" ،(4‬وما تسألهم عليه من أجر إن هو إل ّ ذكر‬
‫للعالمين" )‪ " ،(5‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين" )‪ ،(6‬وقال _سبحانه_‪" :‬‬
‫تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا" )‪ " ،(7‬وما‬
‫أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ً ونذيرا ً ولكن أكثر الناس ل يعلمون" )‪.(8‬‬
‫وفي حديث الصحيحين‪" :‬أعطيت خمسا ً لم يعطهن نبي قبلي" قال _صلى‬
‫الله عليه وسلم_‪" :‬كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة"‬
‫)‪.(9‬‬
‫فاستجاب نبينا _صلى الله عليه وسلم_ لمر ربه وبدأ بدعوة قومه‪ ،‬فاستجاب‬
‫له قلة وجمع من الضعفاء على استخفاء‪ ،‬أما القوياء والكبراء فقد فرحوا بما‬
‫عندهم من العلم‪" ،‬وقالوا نحن أكثر أموال ً وأولدا ً وما نحن بمعذبين" )‪(10‬‬
‫فجاهروا بصريح العداء‪ ،‬وزعموا أن ما جاء به محمد _صلى الله عليه وسلم_‬
‫معتقدات )راديكالية( بالية‪ ،‬لها جذور قديمة‪ ،‬ل أساس لها من الصحة "إن هذا‬
‫إل ّ خلق الولين" )‪" ،(11‬وقالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة‬
‫ل" )‪.(12‬‬ ‫وأصي ً‬
‫ولكن سنة الله في المم تمضي فما هي إل سنوات قلئل حتى تغيرت الحال‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ومما امتن الله به على عباده المؤمنين‪" :‬واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون‬
‫في الرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من‬
‫الطيبات لعلكم تشكرون" )‪.(13‬‬
‫وتنفيذا ً لمر الله لم يكتف _صلى الله عليه وسلم_ بدعوة من بدأ بهم من‬
‫عشيرته القربين‪ ،‬فدعى قومه ثم سائر العرب‪ ،‬بل خاطب المم والشعوب‬
‫ممثلة في عظمائها‪ ،‬وكان من ثمرات ذلك إسلم بعضهم كالنجاشي بأرض‬
‫الحبشة‪ ،‬وإقامة جسور للدعوة بأرض مصر عن طريق التصال بمقوقسها‪،‬‬
‫أما كسرى فمزق رسالة محمد _صلى الله عليه وسلم_ فمزق الله ملكه‪،‬‬
‫وعظيم الروم آثر اتباع الهوى من بعد ما تبين له الحق‪.‬‬
‫ولنه _صلى الله عليه وسلم_ رحمة للعالمين لم يكتف بدعوة البشر‪ ،‬بل دعا‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ الجن أيضا ً فانقسموا "فمن أسلم فؤلئك تحروا‬
‫رشدًا" )‪" ،(14‬قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا ً‬
‫صَرفَْنا‬ ‫عجبا ً ~ يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا" )‪" ،(15‬وَإ ِذ ْ َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬‫ما قُ ِ‬ ‫صُتوا فَل َ ّ‬ ‫ضُروهُ َقاُلوا أن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن فَل َ ّ‬ ‫قْرآ َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فًرا ّ‬ ‫ك نَ َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ُ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫من ب َعْد ِ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫معَْنا ك َِتاًبا أنزِ َ‬ ‫س ِ‬
‫مَنا إ ِّنا َ‬ ‫ن ~ َقاُلوا َيا قَوْ َ‬ ‫منذِِري َ‬ ‫مِهم ّ‬ ‫وا إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫وَل ّ ْ‬
‫َ‬
‫جيُبوا‬ ‫مَنا أ ِ‬ ‫قيم ٍ ~ َيا قَوْ َ‬
‫َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ري ٍ‬ ‫حقّ وَإ َِلى ط َ ِ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ي َهْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫من لّ‬ ‫ب أِليم ٍ ~ وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جْركم ّ‬‫ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫من ذ ُُنوب ِك ْ‬ ‫ُ‬
‫فْر لكم ّ‬‫َ‬ ‫مُنوا ب ِهِ ي َغْ ِ‬ ‫ي اللهِ َوآ ِ‬‫ّ‬ ‫ع َ‬ ‫َدا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫من ُدون ِهِ أول َِياء أوْلئ ِك ِفي‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه ِ‬ ‫سل ُ‬ ‫ض وَلي ْ َ‬ ‫جزٍ ِفي الْر ِ‬ ‫معْ ِ‬
‫س بِ ُ‬ ‫ي اللهِ فلي ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ب َدا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن" )‪.(16‬‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫َ‬
‫وقد تكفل الله بنشر دعوة السلم‪ ،‬فعن ثوبان _رضي الله عنه_‪ ،‬قال‪ :‬قال‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬إن الله زوى لي الرض فرأيت‬
‫مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها")‪ ،(17‬فهذا‬
‫وعد بقبول دعوة السلم وعالميتها‪ ،‬وفي حديث ابن عباس‪ :‬خرج علينا النبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_ يومًا‪ ،‬فقال‪" :‬عرضت علي المم فجعل يمر النبي‬
‫معه الرجل‪ ،‬والنبي معه الرجلن‪ ،‬والنبي معه الرهط‪ ،‬والنبي ليس معه أحد‪،‬‬
‫ورأيت سوادا ً كثيرا ً سد ّ الفق فرجوت أن يكون أمتي‪ ،‬فقيل‪ :‬هذا موسى‬
‫وقومه‪ ،‬ثم قيل لي‪ :‬انظر فرأيت سوادا ً كثيرا ً سد ّ الفق‪ ،‬فقيل لي‪ :‬انظر‬
‫هكذا وهكذا فرأيت سوادا ً كثيرا ً سد ّ الفق‪ ،‬فقيل‪ :‬هؤلء أمتك ومع هؤلء‬
‫سبعون ألفا ً يدخلون الجنة بغير حساب" )‪.(18‬‬
‫إن هذا النتشار الواسع لمة جاءت في ختام المم‪ ،‬لدليل يبين أن لديها من‬
‫الخصائص والمميزات ما ل يوجد في سواها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما أن لسيادتها وظهورها في عصرها الول عندما قام أهلها بها حق القيام‪،‬‬
‫لدليل على صدق الوعد بظهورها في الخرين على سائر الملل‪.‬‬
‫فإذا سرنا على نفس الطريق تحقق الوعد اللهي بظهور هذه الدعوة وقبولها‬
‫على نطاق واسع‪ ،‬وإذا تأخرنا تأخر‪ ،‬وبشائر الحاضر _بحمد الله_ حاضرة‬
‫شاهدة‪ ،‬فعجلة الدعوة رغم النكوص والعراقيل والحواجز والسدود لم تتوقف‬
‫وإن تباطأت‪ ،‬فدعوة السلم –بحمد الله‪ -‬في اطراد مستمر‪ ،‬والناس يدخلون‬
‫في دين الله يوما ً بعد يوم‪ ،‬رغم ضعف اللة العلمية والمقومات المادية‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ومتى رجع المسلمون لسابق عهدهم وترسموا خطى سلفهم‪ ،‬ازدادت قوة‬
‫دعوتهم‪ ،‬وانتشرت ثقافتهم واكتسحت‪ ،‬كما ظهر الصدر الول وعل في‬
‫سنوات قلئل‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن البشائر أيضا أنه ليس ثمة مكان ‪-‬بحمد الله‪ -‬في أرض الله يخلو من‬
‫مسلم‪ ،‬وهذا يدل على مواءمة دعوة السلم وثقافته لكافة المجتمعات‪،‬‬
‫وعلجها لظروف أي زمان ومكان‪ ،‬وليس هذا تنظيرا ً علميا ً بل هو واقع‬
‫عملي‪.‬‬
‫وليس معنى هذا أن دعوة السلم خاضعة للتشكل كالطين أو العجين‪ ،‬يلعب‬
‫به الصبيان فيصورونه كيف شاؤوا‪ ،‬ولكن المراد بيان أن في شريعة الله‬
‫علجا ً لكافة أوضاع البشر أين كانوا وأيان وجدوا‪ ،‬وأن من تمسك بها فهو‬
‫موعود بالحياة الطيبة‪ ،‬وكل المطلوب ممن أرادها هو أن ينهل من المعين‬
‫الصافي الذي نهل منه الصدر الول‪ ،‬دون أن يحاول تغيير مجراه‪ ،‬أو تحسين‬
‫محتواه‪ ،‬فالذي وضعه عليم خبير‪ ،‬والذي أداه حريص أمين‪.‬‬
‫فالواجب أن نؤدي ما علينا من تبليغ دعوة الله‪ ،‬فنأخذ بالسباب المادية‪،‬‬
‫ونضع الخطط والبرامج الستراتيجية‪ ،‬والله قد كفل القبول والعالمية‪.‬‬
‫أما ما يرد إلينا من علوم وثقافات وافدة‪ ،‬فإن فيها حقا ً وخيرًا‪ ،‬وهذا يقبل‬
‫ممن جاء به‪ ،‬كما أن فيها باطل ً وشرًا‪ ،‬وهذا يرد على من جاء به‪ ،‬وهو غالب‬
‫ما يرد‪ ،‬والمطلوب أل نخضع شريعتنا ونلويها حتى توافق ما وفد‪ ،‬وإنما‬
‫كمها فيما يرد‪ ،‬ونرضى بحكمها‪ ،‬ثم ل نجد حرجا ً فيما قضت‪ ،‬ونوقن بأنه‬ ‫ُنح ّ‬
‫الخير والحق‪.‬‬
‫ً‬
‫إن في سنة نبينا _صلى الله عليه وسلم_ وفي عمل الصدر الول تقريرا لهذا‬
‫المنهج‪ ،‬فقد نقل أهل السير لنا استفادته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من ثقافة‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفرس يوم حفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي _رضي الله عنه_‪ ،‬وقد‬
‫لبس ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬جبة من صوف رومية‪ ،‬وعرف الستبرق وأصله‬
‫أعجمي‪ ،‬وأطلقوا على الجمال طويلة العنق ما كان يطلقه العجم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫بختي وبختية‪ ،‬ورمى الصحابة بالمنجنيق وهي فارسية‪ ،‬واستعملوا سيوف‬
‫الهند‪ ،‬وعرفوا الصولجان‪ ،‬وقرؤوا المجال ‪-‬مفرد مجلة‪ -‬وهي وافدة‪ ،‬وأقر نبينا‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الدركلة ضرب من لعب الحبشة حتى جاء في الثر‪:‬‬
‫"خدوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة" )‪.(19‬‬
‫وبالمقابل نبذ الصدر الول ثقافات وعادات وافدة‪ ،‬ومنها‪ :‬اللعب )بالسبرنج(‬
‫وهي الفرس التي في الشطرنج‪ ،‬وعرفوا الشطرنج وما فيه من بياذق‬
‫أوبيادق وكلها فارسية‪ ،‬وجاء في الثر‪" :‬من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده‬
‫در ‪-‬نوع من القمار‪ -‬وأنكروها‪،‬‬ ‫س ّ‬
‫في لحم خنزير ودمه" )‪ ،(20‬وعرفوا لعبة ال ّ‬
‫وعرفوا السمسرة من فارس وتكلموا فيها‪،‬‬
‫و لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله _صلى الله عليه‬
‫وسلم_ فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬يا رسول‬
‫الله قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فأردت أن أفعل‬
‫ذلك بك‪.‬‬
‫قال‪" :‬فل تفعل" )‪.(21‬‬
‫بل أكثر من ذلك كان عندهم نوع استقراء وتحليل للثقافة الوافدة‪ ،‬فقد‬
‫تصوروا بعضها‪ ،‬وحكموا عليها –حكما ً خاصًا‪ -‬قبل أن تفد‪ ،‬ومن ذلك ما جاء‬
‫في البخاري‪ :‬عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت‪ :‬لما اشتكى النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها‪:‬‬
‫مارية‪ ،‬وكانت أم سلمة وأم حبيبة ‪ -‬رضي الله عنهما‪ -‬أتتا أرض الحبشة‬
‫فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها‪ ،‬فرفع رأسه فقال‪":‬أولئك إذا مات منهم‬
‫الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ً ثم صوروا فيه تلك الصور‪ ،‬أولئك شرار‬
‫الخلق عند الله" )‪.(22‬‬
‫فينبغي للمسلمين أن يعدوا الدراسات ويقيموا الثقافات من حولهم‪ ،‬حتى‬
‫يميزوا بين حقها وباطلها وفقا ً لضوابط الشرع‪ ،‬فيقبلوا ما فيها من خير‪،‬‬
‫ويحصنوا المجتمعات ضد ما فيها من شر‪ ،‬وأول ذلك يكون بتقرير الثقافة‬
‫السلمية في نفوس ذويها‪ ،‬وترسيخ مفاهيمها وبيان محاسنها قبل دعوة‬
‫الخرين إليها‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ 1‬سورة آل عمران‪.85 :‬‬
‫‪ 2‬سورة يس‪.71-70 :‬‬
‫‪ 3‬تفسير ابن كثير ‪.3/581‬‬
‫‪ 4‬سورة ص‪.87 :‬‬
‫‪ 5‬سورة يوسف‪.104 :‬‬
‫‪ 6‬سورة النبياء‪.107 :‬‬
‫‪ 7‬سورة الفرقان‪.1 :‬‬
‫‪ 8‬سورة سبأ‪.28 :‬‬
‫‪ 9‬حديث جابر رواه البخاري ‪ ،1/128‬ومسلم ‪.1/370‬‬
‫‪ 10‬سورة سبأ‪.35 :‬‬
‫‪ 11‬سورة الشعراء‪.137 :‬‬
‫‪ 12‬سورة الفرقان‪.5 :‬‬
‫‪ 13‬سورة النفال‪.26 :‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سورة الجن‪.14 :‬‬ ‫‪14‬‬


‫سورة الجن‪.2-1 :‬‬ ‫‪15‬‬
‫سورة الحقاف ‪.32-29‬‬ ‫‪16‬‬
‫صحيح مسلم ‪.4/2215‬‬ ‫‪17‬‬
‫صحيح البخاري ‪.5/2170‬‬ ‫‪18‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ 19‬انظر زوائد الهيثمي‪ ،‬مسند الحارث ‪ ،2/826‬والصحيحة ‪ 4/443‬رقم )‬


‫‪ ،(1829‬وقد أعلها أبو حاتم كما في العلل لبن أبي حاتم ‪ ،2/297‬ولكن جاء‬
‫بمعناه عند المام أحمد ‪ :6/116‬قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‬
‫يومئذ‪" :‬لتعلم زفر أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنيفية سمحة"‪ ،‬قال ابن‬
‫كثير )التفسير ‪ " :(2/199‬أصل الحديث مخرج في الصحيحين والزيادة لها‬
‫شواهد من طرق عدة"‪.‬‬
‫‪ 20‬حديث بريدة ابن الحصيب في صحيح مسلم ‪ ،4/1770‬ورواه غيره‪.‬‬
‫‪ 21‬رواه ابن حبان في صحيحه ‪ ،9/479‬والحاكم في مستدركه ‪،4/190‬‬
‫وروى نحوه أبو داود في السنن ‪ ،2/244‬وابن ماجة ‪ ،1/595‬ومسند أحمد‬
‫‪ ،4/381‬ورواه غيرهم وقد صححه اللباني في الرواء ‪ 56-7/55‬وأدب‬
‫الزفاف ‪ 178‬والصحيحة ‪ 1203‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ 22‬صحيح البخاري ‪ ،1/450‬ومسلم ‪ ،1/376‬ورواه غيرهما‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الثقافة الجنسية الجامعية ‪ :‬دعوة للتأمل‬


‫د‪.‬محمد سالم سعد الله‬
‫أستاذ الفلسفة والمنطق والفقه الحضاري ‪ /‬جامعة الموصل‬
‫تنهض البنية المؤسساتية الجامعية على مقومات وأسس تقليدية هدفها‬
‫الحفاظ على سلوكيات النخبة المثقفة ‪ ،‬وتكوين المعرفة العلمية التي توصف‬
‫بميزتها للتحول والتطور والتفاعل مع المستجدات العالمية ‪ ،‬ثم ضخ هذه‬
‫المعرفة في مسيرة المجتمع المتطلع إلى الطمئنان على بناء دفاعاته تجاه‬
‫الجهل والفوضى ‪ ،‬والمندفع نحو تحصين الذات الكاديمية من المعوقات‬
‫والفكار الوافدة المفتقرة إلى خصيصة التحول من الظاهرة إلى الخبرة‬
‫بسبب تغير البيئة مكانا ً وزمانا ً ‪.‬‬
‫ن التحول من الظاهرة إلى الخبرة يتطلب أنساقا ً منهجية تتسم بالخصوصية‬ ‫إ ّ‬
‫ن المسافة الزمنية التي يستغرقها تخضع للنسبية‬ ‫ل بيئة تنتمي إليها ‪ ،‬وإ ّ‬‫في ك ّ‬
‫ن انتقال المادة العلمية من بيئة إلى أخرى دون مراعاة الحاجة‬ ‫‪ ،‬لذا فإ ّ‬
‫الجتماعية والستعداد النفسي للتلقي ‪ ،‬تقود حتما ً إلى انعطافات في التوجه‬
‫الفكري ‪ ،‬وتغيرات في القناعات المتحصلة لدى الفرد ‪ ،‬فضل ً عن ظهور‬
‫نماذج تدين بالولء للوافد الجديد من غير معرفة بالخلفيات الفكرية المنطلق‬
‫منها ‪.‬‬
‫ن فعل التكوين المعرفي الجامعي قائم على أساس‬ ‫ومن الجدير بالذكر أ ّ‬
‫فعل الهدم والبناء ‪ ،‬فلجل بناء الهرم الواعي المنتظم بسلسلة ل نهائية من‬
‫التنوعات العلمية لبد من هدم أو خلخلة الترتيب التقليدي ‪ ،‬ومن أجل إيجاد‬
‫الطرق الفاعلة في تطوير النهج الجامعي ونقله من السكون إلى الحركة ‪،‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن الخمول إلى النشاط ‪ ،‬لبد من إعلن البراءة من سلوكيات الجهل ‪،‬‬
‫وكشف عيوب التوجه الكلسيكي ‪ ،‬ووضع الصبع على موضع اللم ‪ ،‬والنتقال‬
‫خلق‬‫إلى الفكر الحّر ضمن سياقات تدور في فلك العقيدة السليمة ‪ ،‬وال ُ‬
‫المتزن القويم ‪.‬‬
‫ن الجامعة بوصفها مؤسسة‬ ‫ن المقدمة السابقة ستغدو عقلنية إذا علمنا أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫تربوية أول ً ‪ ،‬وعلمية معرفية ثانيا ً ‪ ،‬تتعرض الن إلى حملة منظمة تتسم‬
‫بالهدوء ‪ ،‬وشعارات التغيير والصلح الذي غدا سمة مميزة للدول الجانحة‬
‫نحو الديموقراطية ‪ ،‬وإرساء دعائم حرية الفرد الغائب الحاضر ‪ :‬غائب بوصفه‬
‫مواطنا ً ‪ ،‬وحاضر بوصفه جسدا ً ‪ ،‬وتهدف هذه الحملة إلى فتح الباب أمام ك ّ‬
‫ل‬
‫التوجهات المتعلقة بالعاطفة النسانية ‪ ،‬بدعوة مساعدة الفرد الملتف‬
‫بعباءات المجتمع وتقاليده ‪ ،‬ومحاولة تخفيف الكبت المسيطر عليه ‪،‬‬
‫وتشجيعه للحديث عن موضوعات باتت إلى وقت قريب عنوانات ل يجرؤ‬
‫المرء الحديث عنها ‪ ،‬بسبب الحياء ـ ربما ـ أو بدافع التدين ‪ ،‬أو اللتزام بالنهج‬
‫العرفي الذي يمنع فتح قنوات الحديث هذه ‪.‬‬
‫ن السعي وراء تطوير العلم ‪ ،‬وتكوين المعرفة المعاصرة ل يعني بشكل من‬ ‫إ ّ‬
‫الشكال التدمير النفسي للمتلقي ‪ ،‬والجنوح نحو أفكار تحمل في مضمونها‬
‫فلسفة هدامة ‪ ،‬ومدركات تجعل الفرد في حالة شك ودهشة مستمرين ‪ ،‬لذا‬
‫توجب على المعنيين ـ الموكل إليهم وضع مناهج التعليم ـ تمحيص الخطط‬
‫الموضوعة ضمن جدول العمال ‪ ،‬ودراسة المناهج المحددة في المراحل‬
‫الدراسية كافة الولية منها والعليا ‪ ،‬لن التهاون في تمحيصها هو دعوة لتمرير‬
‫المناهج التي ل تنتمي لبيئتنا ول تناسب طبيعة مجتمعاتنا ‪ ،‬ل سيما ونحن نرزح‬
‫تحت احتلل يهدف إلى زعزعة التزام الفرد ‪ ،‬ونزع قيم انتمائه لبلده ووطنه ‪،‬‬
‫وإفراغ قيم التدين والخلق القويم التي ما زال جمهور من المجتمع يتمتع بها‬
‫ويفاخر بأصالتها ‪.‬‬
‫تتعرض جامعاتنا اليوم إلى دعوة متسارعة الفكر متريثة الخطى ‪ ،‬هدفها‬
‫تأسيس طبقة مثقفة تدعم مشروع إيجاد مادة ) الثقافة الجنسية ( بوصفها‬
‫مادة علمية حضارية تفتقر إليها الجامعة في مناهجها !! ‪ ،‬ويحتاجها الطالب‬
‫في حياته العلمية والجتماعية والنفسية ‪ ،‬والغرض تصحيح الفكر الموروث‬
‫عن الجنس ‪ ،‬وفتح الذهان وتنويرها في هذا الجانب ! ‪ ،‬وتدخل هذه الدعوة‬
‫الن أروقة المثقفين العرب ‪ ،‬وتشغل ميدان محاوراتهم بين مشجع ومناقش‬
‫ن ومعارض ‪ ،‬وحسبنا في هذا المقام بيان اليجابيات والسلبيات المرافقة‬ ‫ومتب ٍ‬
‫لدعوة إيجاد مادة الثقافة الجنسية الجامعية وتعميمها ‪ ،‬والسبل الكفيلة‬
‫المتوجهة نحو محاورة هذه الدعوة توافقا ومخالفة‪.‬‬
‫ن مادة الثقافة‬ ‫وقبل الدخول في تفاصيل مناقشة الدعوة ‪ ،‬يمكن القول ‪ :‬أ ّ‬
‫الجنسية الجامعية هي من المفردات المهمة في المدارس الثانوية الغربية ـ‬
‫الوربية منها والمريكية ـ وتعطى هذه المادة بشقيها النظري والعملي ‪،‬‬
‫النظري من خلل دراسة الفكار وأبرز النظريات والكشوفات العلمية‬
‫المستجدة ‪ ،‬والعملي من خلل الحديث عن تجارب الطلبة وخبرتهم في هذا‬
‫الميدان ‪ ،‬وللبيئة الغربية دافع مهم في إعطاء هذه المادة ‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫طبيعة الحياة المنفتحة ‪ ،‬التي ل تخضع لمعايير دينية أو عرفية أول ً ‪ ،‬وبسبب‬
‫غياب الواعز الفردي الذي ينهي عن هذه التمثلت ثانيا ً ‪ ،‬ولحاجة الفرد‬
‫ن السلوك العام يشجع هذه‬ ‫الغربي لشباع غريزته الهائجة ثالثا ً ‪ ،‬فضل ً عن أ ّ‬
‫المسألة ويحث عليها ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما في البيئة العربية والسلمية المحاطة بخطوط حمراء كثيرة ‪ ،‬وبحواجز‬


‫ينتمي بعضها إلى الدافع الديني ‪ ،‬وبعضها ينطلق من التوجه العرفي أو‬
‫خلق وتمدحه ‪ ،‬وتقيد‬ ‫الجتماعي ‪ ،‬وبطبيعة حياتية معيشية تروم حفظ ال ُ‬
‫النحلل وتمقته ‪ ،‬وتتسم بمعايير سلوكية تزدان بالترغيب حينا ً وبالترهيب حينا ً‬
‫ن الفرد العربي قد ل يكون في‬ ‫آخر بوصفهما أسلوبين مؤثرين بالفراد ‪ ،‬فإ ّ‬
‫حاجة مّلحة لدراسة الجنس ـ بوصفه مادة روحية وعملية ـ بميادين عامة‬
‫ومعرفية كالجامعة ‪ ،‬بل قد ل يتفهم الهدف الحقيقي من وراء إقحام هذه‬
‫ي العام‬ ‫ن النهج السلوك ّ‬‫المادة المفترضة في المناهج الكاديمية ‪ ،‬فضل ً عن أ ّ‬
‫ل يشجع على بسط الحديث في هذه الجوانب إل في ميادين ضيقة جدا ً ‪،‬‬
‫ن التعامل المتوقع من الطلبة تجاه ذلك سيسير باتجاهين مختلفين ‪:‬‬ ‫وعليه فإ ّ‬
‫) الول ‪ :‬المقاطع ‪ ،‬إذ سيتجه بعض الطلبة إلى مقاطعة هذه المادة ونعتها‬
‫بالسلبية ‪ ،‬وبناء موقف معاد ٍ للستاذ الذي سيقوم بتدريسها ‪ ،‬وستغدو مادة‬
‫ثقيلة بائسة يهرب منها الطلبة ويأسفون لوجودها ‪ ،‬والثاني ‪ :‬المشجع ‪ ،‬إذ‬
‫سيقوم بعض الطلبة بتشجيع إعطاء هذه المادة والحديث عن أهميتها ‪،‬‬
‫ودورها في تنوير الذهان ‪ ،‬وتوسيع مدارات الخيال ‪ ،‬ومقت دوائر الجهل التي‬
‫تخيم على المسائل المتعلقة بموضوعات الجنس ‪ ،‬وستغدو هذه المادة‬
‫بالنسبة للطرف الثاني من أروع المواد الدراسية وأجملها ‪ ،‬وسيحرص الطلبة‬
‫على عدم تفويت أي دقيقة من ساعاتها المقررة ‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن الجوانب اليجابية المفترضة لمادة الثقافة الجنسية‬
‫الجامعية بالنقاط التية ‪:‬‬
‫‪ .1‬قد تنجح مادة الثقافة الجنسية الجامعية في إعطاء مادة علمية للطالب‬
‫ي ‪ ،‬على صعيد سلوكيات ممارسة الجنس ‪ ،‬وبيان مواضعه وطرقه‬ ‫الجامع ّ‬
‫وأصنافه ‪ ،‬ومحاولة اجتناب مزالقه المؤدية إلى بعض المراض كالزهري‬
‫والسيلن واليدز ونحو ذلك ‪.‬‬
‫‪ .2‬قد تمنح هذه المادة متلقيها نصائح مهمة تتعلق بكيفية الهتمام بالعضاء‬
‫ل المظاهر والسلوكيات المضّرة في هذا‬ ‫التناسلية ‪ ،‬ومحاولة البتعاد عن ك ّ‬
‫الطار ‪.‬‬
‫‪ .3‬قد تعطي هذه المادة تعليلت مناسبة لبعض السئلة التي تدور في فلك‬
‫يـ‬ ‫التغيرات الفسلجية الحاصلة عند المراهقين ‪ ،‬وتعليل ذلك بشكل علم ّ‬
‫ربما ـ ‪.‬‬
‫‪ .4‬قد تقدم هذه المادة للطالب فرصة إنعاش الجواء الكاديمية ‪ ،‬بسبب‬
‫تفاعله معها كونها مادة غير تقليدية ‪.‬‬
‫‪ .5‬قد تترك مساحة مهمة للحوار والحديث عن مسائل تتسم بالخصوصية‬
‫ل مناسبة ‪.‬‬ ‫الفردية ‪ ،‬مما يمكنها من تقديم فرص ليجاد حلو ٍ‬
‫ي من تجهيز عوامل‬ ‫‪ .6‬قد تساعد الطلبة المقبلين على الرتباط الشرع ّ‬
‫ي لمشكلة اختيار الشريك الخر ‪.‬‬ ‫الطمئنان ‪ ،‬وإعادة التوازن النفس ّ‬
‫أما الجوانب السلبية المفترضة فيمكننا الحديث عنها بالنقاط التية ‪:‬‬
‫‪ .1‬تعمد هذه المادة إلى تحريك مشاعر الطلبة وأحاسيسهم المكبوتة ‪،‬‬
‫فتجرهم نحو عدم الستقرار النفسي ‪.‬‬
‫‪ .2‬تولد ميول ً جنسية لدى الطلبة ‪ ،‬مما تسبب عادة تفكيرا ً مضطربا ً ‪ ،‬وتوجها ً‬
‫غير محمود ‪.‬‬
‫‪ .3‬قد يلجأ بعض الطلبة ـ بعد دراستهم الجانب النظري ـ إلى البحث عن‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي ‪ ،‬وهنا تبدأ المتاعب وتتنوع المزالق ‪.‬‬‫الجانب التطبيق ّ‬


‫ي بين الطلبة المختلفين‬ ‫‪ .4‬تسهم في خلق أجواء التوتر النفسي السلب ّ‬
‫جنسا ً ‪ ،‬وتبدأ نظرات العجاب غير البريء بين الفريقين ‪.‬‬
‫‪ .5‬ستسهم هذه المادة بنزع الحياء الذي يزدان به طلبتنا ‪ ،‬وستعمل على‬
‫إيجاد فرص الجرأة في الحديث والستفسار والسؤال ‪.‬‬
‫‪ .6‬أما إذا توفر بين الطلبة من حمل بذور الشذوذ الجنسي أو اتصف به ‪ ،‬فإن‬
‫هذه المادة ستشكل فرصة ذهبية لهذا النوع من ممارسة أفكاره بشكل غير‬
‫سويّ ‪.‬‬
‫‪ .7‬قد تسهم هذه المادة بتحويل الميدان الجامعي من ميدان معرفي ثقافي ‪،‬‬
‫ي‪،‬‬‫ي والعلم ّ‬
‫يزود الجيل الناشىء بالعلم والمعرفة المتنوعة بشقيها النسان ّ‬
‫إلى بيئة يخشى الباء المحافظون إرسال أبنائهم إليها خوفا ً عليهم من‬
‫النحدار نحو الهاوية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وبعد تقديم افتراضات حول ايجابيات مادة الثقافة الجامعية وسلبياتها ـ حال‬
‫ن هناك طرفين مهمين‬ ‫كونها مادة منهجية مقررة في الجامعة ـ يمكن القول أ ّ‬
‫في التعامل مع هذا المنهج ـ ومع غيره ـ هما ‪ :‬الستاذ والطالب ‪ ،‬فإن كان‬
‫الستاذ الواقع على عاتقه تدريس هذه المادة متزنا ً متدينا ً غيورا ً على الجيل‬
‫ل ‪ ،‬قائما ً بأحكامه مجتنبا ً نواهيه ‪ ،‬فإنه‬ ‫الناشىء ‪ ،‬عارفا ً حقوق الله عّز وج ّ‬
‫سيقوم بتدريس هذه المادة وفقا ً للسياق القرآني في عرض المشاهد‬
‫ت‬‫هي َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب وَقال ْ‬ ‫وا َ‬‫ت الب َ‬ ‫سه وَغَّلق ِ‬ ‫عن َنف ِ‬ ‫هو في بيِتها َ‬‫الجنسية ‪ " :‬وََراودْته التي ُ‬
‫ه‬
‫تب ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َولقد ه ّ‬ ‫َ‬
‫ح الظالمو َ‬ ‫ه ل ُيفل ُ‬ ‫مثوايَ إن ّ ُ‬‫ن َ‬‫ه َرّبي أحس َ‬‫معاذ َ اللهِ إن ّ ُ‬ ‫َلك قا َ‬
‫ل َ‬
‫م بَها " ) سورة يوسف ‪ ،‬الية ‪ ، ( 24-23 :‬ووفقا للنهج النبويّ في تعليم‬ ‫وه ّ‬
‫ك ( ‪ ،‬ووفقا ً‬ ‫عسيلت َ‬ ‫عسيلَتها ولتذقْ ُ‬ ‫المسلمين الجنس وأحكامه ) فلتذقْ ُ‬
‫ي ذي حدود دقيقة عن طريق التلميح ل التصريح ‪ ،‬والشارة ل‬ ‫لسياق علم ّ‬
‫التجريح ‪ ،‬وفي مقابل ذلك طالب متزن يدرك أهمية الحكام من خلل منظار‬
‫زن القوال والفعال من حيث‬ ‫ث من السمين ‪ ،‬وي ِ‬ ‫شرعي ‪ ،‬ويعرف الغ ّ‬
‫ن الجنس‬ ‫موافقتها أو عدم موافقتها لوامر الله سبحانه ‪ ،‬هذا الطالب يعي أ ّ‬
‫هو طريق لمواصلة الحياة ودفع عجلتها إذا ُرسم بإطار شرعي ‪ ،‬وهو وسيلة‬
‫ن على الفرد ممارسة الجنس بوصفه‬ ‫ل غاية ‪ ،‬ونعمة من الله ل نقمة ‪ ،‬وأ ّ‬
‫منطلقا ً للتأسيس والتكوين والبناء السري ‪ ،‬ل بوصفه مبدءا ً للغريزة والشباع‬
‫ومشاعية العلقات ‪ ،‬وعند توفر هذه المعاني سيكون التلقي للمادة ايجابيا ً ‪،‬‬
‫لكن يبقى السؤال قائما ً ‪ :‬هل يمكن ضمان توفر هذين النموذجين ؟! ‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك إذا كان الستاذ منفتحا ً غير متدين ‪ ،‬ل يفقه من الدين‬
‫وأحكامه إل ّ ما تبثه وسائل العلم غير البريئة ‪ ،‬ذو علقات وتصرفات تثير‬
‫علمات استفهام عدة ‪ ،‬فإنه سيتصرف بإعطاء هذه المادة بحرية كبيرة‬
‫متخطيا حواجز الدين والعرف والحياء والبيئة الكاديمية ‪ ،‬منطلقا ً من بيان‬
‫أهمية الجنس ‪ ،‬معرجا ً على أصنافه في التواصل ‪ ،‬منتهيا ً بالحديث عن مشاهد‬
‫تطبيقية ـ ربما ـ أو على القل قد يحفز الطلبة على الدخول في ميدانه ‪،‬‬
‫وإلى جانب هذا الستاذ قد يكون هناك بعض الطلبة من تعجبهم طريقة‬
‫ً‬
‫م طرقا معينة‬ ‫العرض هذه ‪،‬إذ ُيقدم لهم العرض الثقافي للمادة ‪ ،‬ليجدوا من ث َ ّ‬
‫لتطبيق ما تعلموه ‪.‬‬
‫ن وضع المناهج العلمية الكاديمية يتطلب حاجة‬ ‫وفي الختام يمكن القول ‪ :‬أ ّ‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اجتماعية ‪ ،‬ومسوغات معرفية تسهم في بلورة فلسفة الفرد المتعلم تجاه‬


‫ن نسقية اقتراح المناهج الجديدة تمر بعملية‬‫الحياة ومتطلباتها ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫م هذا فهو‬‫اكتشاف البديل المناسب للرفض القائم للمنهج السابق ‪ ،‬فإن ت ّ‬
‫تحقيق لوظيفة المنهج وخصيصته في تقديم النهج الفضل للمتعلم ‪ ،‬وإن لم‬
‫ن النتائج ستكون عكسية على صعيد الذات أول ً ‪ ،‬وعلى صعيد المجتمع‬ ‫يكن فإ ّ‬
‫ثانيا ً ‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإننا نعمد إلى إطلق صرخة عقلنية تتوجه بتكوين‬
‫رؤية فاحصة وثاقبة للمقترحات التي ستوضع على أجندة المواد الدراسية في‬
‫الجامعات العراقية ‪ ،‬التي نتمنى أن ل تخضع لضغوطات البنيات الثقافية‬
‫القادمة مع المحتل بل استئذان ‪ ،‬بدعوى مجاراة العولمة أو بدافع المعاصرة‬
‫التي ل تمتلك من الدللة إل ّ الدعاء ‪ ،‬ول تتقن من الجراء إل ّ الستهلك‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الثقافة العربية والقرن الحادي والعشرون‬


‫د‪ .‬قيصر موسى الزين*‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا البحث يمثل مسحا عاما لبعض المؤشرات والمحددات والفكار المتعلقة‬
‫بمعالجة احتمالت تطور اتجاه) الثقافة السلمية( وهي تعبر القرن العشرين‬
‫نحو القرن الحادي والعشرين‪ .‬وإسهامها الساسي يتركز في النواحي‬
‫المنهجية والمفهومية‪ ،‬وليس في مجال المعلومات التفصيلية‪ .‬وموضوع‬
‫المعلومات التفصيلية المهمة لتحليل معطيات الحاضر للقاء الضواء على‬
‫احتمالت المستقبل‪ ،‬ليس مجال ورقة بحثية واحدة‪ ،‬ولكنه موضوع مشروع‬
‫بحثي متكامل‪ ،‬وقد ل تستوعبه إل المجلدات العديدة‪ ،‬ويحتاج إلى فرق من‬
‫الباحثين‪ .‬غير أن مثل هذا المشروع البحثي الكبير لن يكون ممكنا ً بدون‬
‫بلورة المسائل المفهومية والمنهجية‪ ،‬وتطوير حوار علمي بين الدارسين‪ ،‬من‬
‫تخصصات مختلفة ذات صلة بالموضوع‪.‬‬
‫لقد حاولت الدراسة البحث عن صلت بين ما نطلق عليه كلمة) ثقافة‬
‫إنسانية ( و)ثقافة إسلمية(‪ ،‬وتوضيح ما يكتنف هذه التعبيرات من غموض‬
‫أحيانا‪ ،‬وما يتصل بها من استخدامات ذات مرام ٍ غير علمية‪ ،‬أيدلوجية أو‬
‫دعائية‪ .‬أشارت كذلك الدراسة إلى صعوبة تحديد حدود قاطعة لمفهوم‬
‫)الثقافة السلمية( في مجال الزمان والمكان‪.‬‬
‫وقد اختارت تركيزها المكاني على ما يعرف بـ)العالم العربي(‪ ،‬لعتباره أكثر‬
‫وحدات العالم السلمي مركزية فيما يخص مفهوم الثقافة السلمية‪ ،‬فهو‬
‫موطن السلم التاريخي‪ ،‬ومحور أهم التطورات المتعلقة به ماضيا ً وحاضرًا‪،‬‬
‫وكذلك باعتباره مصدر اللغة المقدسة الخاصة بهذا الدين‪ .‬وقد اختارت‬
‫الدراسة معيارا ً إجرائيا ً بحتا ً لتحديد هذا "العالم العربي" وهو معيار أساسي‬
‫يحدده النطاق الجغرافي لدول منظمة الجامعة العربية‪ .‬وهذا المعيار أكثر‬
‫قطعا ً في تحديده للمنطقة من المعايير الثقافية‪ ،‬ولكنه ل يختلف معها كثيرا‪ً،‬‬
‫فيمكن القول أيضا ً بأن العالم العربي هو المنطقة التي يغلب فيها استخدام‬
‫اللغة العربية كلغة أم وكلغة التخاطب العامة الساسية‪ .‬و ل يمكن بحال‬
‫اعتبار أن هذا العالم كامل التجانس الثقافي‪ ،‬أو أن حدوده في مناطقه‬
‫المختلفة منبتة الجذور عن الثقافات غير العربية التي ساهمت في الماضي‬
‫وتساهم في الحاضرفي تشكيل الهوية الثقافية لكل قطر‪ ،‬وأحيانا للقاليم‬
‫الداخليةالصغيرة في إطار كل قطر‪ ،‬مثل البربرية والنوبية السريانية‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفينيقية والفرعونية‪ ...‬الخ(‪.‬‬


‫والثقافة ــ كما يوضح الشكل المرفق ـــ معنى معقد‪ ،‬يقوم علىالكلية‬
‫والتشابك‪ ،‬فهي ذات طبيعة نسيجية شبكية‪ .‬غير أن كل خيط من خيوط هذه‬
‫الشبكة ل يوجد إل في الواقع‪ ،‬ول يلمس إل من خلل أجزاء متحركة متفرقة‬
‫عديدة‪ ،‬وتتداخل في هذه الحركة الشياء المادية والفضاء الفيزيائي‬
‫) المادي(‪ ،‬والفكار والمفاهيم والمشاعر والنظم الثقافية الدينية والقيمية‪،‬‬
‫والمؤسسات والتيارات والنشاطات المرتبطة بها من سياسية واقتصادية‬
‫وإبداعية‪...‬الخ ‪ ...‬وهذه الخيوط المكونة من نقاط عديدة تتلقى في النهاية‬
‫لتحديد محصلة الحركة الجتماعية ذات الطبيعة التيارية‪ ،‬ويمكن تشبيهها‬
‫بالنهر الذي يجري في الزمن من مراحل الماضي عبر الحاضر إلى‬
‫المستقبل‪ .‬إذا كانت التيارات الفرعية‪ ،‬الخيوط‪ ،‬والنقاط أو الجزئيات‬
‫المشكلة لها ذات طبيعة زمانية يظهر عليها التغيير بوضوح فإن )الكل( أو‬
‫الثقافة تمثل جوهرا يبقى ثابتا بالمعنى النسبي‪ ،‬وإن عبرت عنه في حيز‬
‫الواقع المفردا ت المتغيرة‪ .‬لذلك يمكن أن نقول عن الثقافة إنها )فوق‬
‫الزمن(‪ ،‬ولكن بالمعنى النسبي فقط‪ ،‬فهي تتغير ببطء شديد‪ ،‬وهي ليست‬
‫من ) المطلق( بأية حال‪ .‬وخيوط المفردات التي تتلقى ــ والتعبير هنا مجازيا ً‬
‫ــ لتشكيل المحصلة أو اتجاه نهر الزمن‪ ،‬تخرج من الثقافة وتعود إليها دون‬
‫أن تفقد اتجاه الحركة‪ ،‬فالحركة العامة حلزونية أي تصاعدية ـــ دائرية‪،‬‬
‫وليست دائرية فقط‪ .‬غير أن الرسم البياني المرفق ل يستطيع أن يوضح هذه‬
‫الناحية الخيرة‪ .‬والخيوط السبعة المشار إليها بالرقام في الرسم ل ترد‬
‫علىسبيل الحصر‪ ،‬فكل خيط مكون من خيوط رفيعة ل تحصى‪ ،‬وكذلك فإن‬
‫عدد الخيوط الكلي ليس نهائيًا‪ ،‬وقد تم اختيار السبعة محاور التي تتابعها‬
‫الدراسة بالثبات هنا‪ .‬وهذا الختيار اصطناعي فني بحت ذو طبيعة إجرائية‬
‫تصل بتنظيم فقرات الدراسة وخطة سرد أفكارها الساسية‪) .‬انظر الشكل‬
‫والمفتاح والملحظات المرفقة(‪.‬‬
‫ملحوظات‪:‬‬
‫أـ التظليل الشبكي للكتلة في مستوى فوق الزمن يعبر عن بعض صفات‬
‫مفهوم الثقافة‪ ،‬ومعنى )فوق الزمن( يعني اللتاريخية‪ ،‬وهو معنى نسبي‬
‫فقط‪.‬‬
‫ب ـــ السهمان أسفل الرسم باتجاه العلى والسفل يشيران إلى المسار‬
‫الحلزوني للحركة الجتماعية الزمنية‪ .‬فهي تخرج من ) الثقافة( وتعود إليها‪،‬‬
‫ولكن في اتجاه أمامي دائمًا‪.‬‬
‫ج ــ اتصال الخط يعني الماضي والحاضر‪ .‬أما النقاط ‪ .....‬فهي تشير إلى‬
‫مسار لم يبدأ بعد وهو المستقبل‪ ،‬ومع أنه لم يبدأ ولكن من السهولة التنبؤ‬
‫بأنه سيشكل إلى حد كبير نوعا من الستمرار للخط المتصل من الماضي‬
‫إلى الحاضر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دـ يمكن أن ترسم بدائل ل نهائية العدد لمحتوى الحركة واتجاهاتها‪ ،‬وهدف‬
‫هذا الرسم محاولة التقريب وتقديم نموذج توضيحي بسيط فقط‪ ،‬ول يمكنه‬
‫إل اليماء إلى حقيقة التعقيد في حركة الثقافية في اتجاه الزمن‪ ،‬وعلقات‬
‫)اللتاريخي(بـ)التاريخي( أو )الفرق زمني(بـ )الزمني(‪.‬‬
‫مدخل‪:‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يراد بتعبير " الثقافة"]‪ [1‬جملة من معاني الشمول‪ .‬وهي بنية يصعب تحديد‬
‫المفردات الداخلة في تكوينها على سبيل الحصر والدقة‪ .‬قد يقال إنها "‬
‫الروح" التي تميز مجموعات إنسانية عن غيرها في طرق أدائها لمختلف‬
‫النشاطات الحياتية‪ .‬وقد قيل أنها ذلك الكل المعقدالذي يحوى العادات‬
‫والتقاليد والداب والفنون والعلوم والنشاطات القتصادية إلى آخر النشاطات‬
‫والنجازات النسانية‪ .‬وقد يقال عنها غير ذلك‪ ،‬حتى القول بأنها تستعصي‬
‫على "التعريف"]‪ .[2‬لكن من مهما يقال ل يمكن إسقاط المصطلح أو حقيقة‬
‫أنه يدل على ظاهرة من ظواهر هامة أصبح من غير الممكن التناول العلمي‬
‫لتطور المجتمعات النسانية دون استخدامه‪ .‬ويختلف مصطلح الثقافة عن‬
‫مصطح" الحضارة" مع التصال الوثيق بين الثنين‪ .‬فالحضارة‪ ،‬أحيانا ً " المدنية‬
‫"‪ ،‬هي إنجاز إنساني ضخم يقاس زمانا ً بالقرون‪ ،‬ومكانا ً بالقارات ‪ .‬وهي تنفذ‬
‫من المحلية للعالمية‪ .‬ومع ذلك فالحضارة أو المدنية مثل" الثقافة" تتصف‬
‫بالشمول‪ ،‬وبأنها " روح" تتجلى في شتى مظاهر النشاط النساني ‪ .‬وإذا‬
‫وصفنا كل من الحضارة والثقافة بأنه ) إنجاز(‪ ،‬فإن كل منهما يمثل أيضا ً‬
‫) نظام( ‪،‬فهو )منتج( بقدرما هو إنتاج‪ ،‬أي أنه فاعل بقدر ماهو مفعول به‪.‬‬
‫والصلة بين الثقافة أو الحضارة ومجتمعاتها صلة معقدة ‪،‬فقد يرى الرائى أن‬
‫المجتمع ينتج الثقافة‪ .‬ويرى آخر ت أو نفس الرائي ـ من زاوية أخرى ان‬
‫الثقافة هي التي تنتج المجتمع ‪.‬والواقع أن ) المجتمع( يختلف من كونه واقعا ً‬
‫آنيا ً يشكله أفراد محدودون‪ ،‬وينتهي بزوالهم من الحياة الرضية‪ ،‬إلى كونه‬
‫تواصل ًً عبر الجيال والزمنة والمكنة ‪ .‬وذلك شكل من اختلف ) التاريخي(‬
‫من ) اللتاريخي( ‪ .‬وقد اعتقد البعض أنه ل يوجد إل الفراد المحددون‪،‬‬
‫واعتقد آخرون أن وجود هؤلء المحددين ما هو إل انعكاس لبنية مترابطة‬
‫ومستمرة قبل وبعد وجود هؤلء المحدودين ‪ .‬وهو اختلف فلسفي ومعرفي‪،‬‬
‫لأمل في حسمه‪ ،‬ويدخل دون شك في تحديد معالجات المنهجية في‬
‫الدراسةالجتماعية‪.‬‬
‫الثقافة السلمية والثقافة النسانية]‪:[3‬‬
‫هذا المدخل الموجز يدل على إشكالية تحديد المصطلح المحوري في هذه‬
‫الدراسة وهو ) الثقافة السلمية( ‪ .‬وقد تنسب الحضارة أو الثقافة إلى‬
‫العرق‪ ،‬فيقال الحضارة الوربية ‪ .‬أو إلى اللغة‪ ،‬فيقال الثقافة العبرية أو‬
‫السواحيلية ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكثيرا ً ما تنسب إلى الدين‪ ،‬ومن هنا جاء تعبير " الحضارة السلمية " و"‬
‫الثقافة السلمية"‪ ،‬والنسبة هنا تقوم على تغليب عنصر في المكون الثقافي‬
‫للوحدة المعنية على بقية العناصر‪ ،‬باعتبار أهمته وهيمنته ‪ .‬وأحيانا ً للدلله‬
‫على حدود في المكان أو الزمان ل يمكن أن تصل إليها الثقافة المعنية أو‬
‫تقصر عن بلوغها ـ دون وجود العنصر الذي نسبت إليه هذه الثقافة تجاوز‬
‫لغيرـ غير أن تحديد عنوان ثقافة أو حضارة يخضع عادة للمرامي اليدولوجية‬
‫وما تتضمنه من ترميز ‪ .‬فما نحن بصدده من حديث عن ثقافة إسلمية يمكن‬
‫أن يراه البعض " ثقافة عربية" إذا لم تجاوز الحديث العالم العربي‪ ،‬وحدوده‬
‫النهائية غير متفق عليها رغم التفاق على حدوده المركزية ‪ .‬ويمكن نسبة‬
‫ثقافة المجتمع في باكستان مثل ً إلى شبه القارة الهندية‪ ،‬فبينها وبين‬
‫الهندوسية ـ رغم السلم ـ نسب وصلة قوية‪ ،‬كما يمكن نسبة إيران إلى‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحضارة الهندوأوربيه ‪ .‬وبالتاكيد فإن لغتها القومية‪ ،‬وهي الفارسية ـ ) هندو ـ‬


‫أوربية( تعزلها عن العالم السلمي ـ مثل الوطن العربي ـ الذي يجمعها معه‬
‫السلم‪ .‬وهكذا يمكن القول بوجه عام أن تعبير الحضارة السلمية‪ ،‬الدين‬
‫الغالب في تأثيره عليها هو السلم ‪ .‬والسلم يمثل في استخداماتنا الفكرية‬
‫أكثر من كونه مجموعة نصوص مقدسة‪ ،‬فهو خلق تاريخي مستمر‪ ،‬قديم‬
‫ومتجدد على مستوى المة والشعوب ‪ .‬يتجاوز المستوى المعرفي العقائدي‬
‫إلى الجوانب الطقوسية والمؤسسية والقيمية والقانونية ‪..‬الخ ولكل منها‬
‫جذور في سياق المكان المحدد‪ ،‬حية ونامية ومتفاعلة‪ ،‬ربما تعود بقدر كبير‬
‫إلى مرحلة ما قبل السلم في ذلك المكان ‪ .‬غير أن كل ذلك ينسب إلى "‬
‫الثقافة السلمية"‪.‬وإذا كان للثقافة السلمية معناها وبعدها المحلي والنسبي‬
‫في كل إقليم قاري أو قطري‪ ،‬أو حتى كل مدينة أو قرية‪ ،‬فإن لها بعدها‬
‫التجريدي العالمي واللتاريخي‪ .‬وهذا يقودنا إلى ارتباط هذه " الثقافة‬
‫السلمية بمفهوم " الثقافة النسانية"وكذلك بمفهوم" الثقافة العالمية"‪ .‬وقد‬
‫ل يجوز أ ن نقول " الحضارة العالمية"‪ ،‬ويبدو تناقضا منطقيا في التعبير‬
‫بين"ثقافة" و "عالمية"‪ ،‬فالثقافة تقوم على " الفروقات" التي تحجب‬
‫العالمية وتكرس الخصوصية‪ ،‬ولكن أحيانا نغض الطرف عن ذلك تماشيا مع‬
‫التجاوزات اللغوية‪.‬‬
‫إن فكرة "العالمية" تقوم على الظن بوجود مجرى رئيسي في الحاضر‪ ،‬كما‬
‫في الماضي والمستقبل‪ ،‬تصب فيه تجارب الحضارات والثقافات‪ ،‬ويصبح هذا‬
‫المجرى جارفا يجذب التيارات الفرعية ويجعلها تخضع لتجاهه‪ ،‬ويلونها‬
‫بألوانه‪ .‬له إذن صفة التذويب والتمثيل‪ ،‬وبالتالي الهيمنة الحضارية تعتمد عادة‬
‫على هيمنة سياسية واقتصادية مكنت بعض القوى المحلية من أن تصبح‬
‫عالية في تأثيرها ونفوذها‪ .‬لذا فإن الحضارة التي نصفها بعالمية قد ل تعدو أن‬
‫تكون حضارة شعوب أو مجموعة شعوب‪ ،‬محدودة العدد ومحصورة المكان‪،‬‬
‫تتمكن مؤقتا من المساك بمفاتيح القوة والثروة ومخارج ومداخل الحركة‬
‫عبر البحار والقارات وبعض نقاط العصب الحساس في جسم العالم ــ إذا‬
‫جاز التعبير ــ لذلك فإن مثل هذه الحضارة العالمية تكون عادة حضارة‬
‫مفترسة‪ ،‬تلتهم غيرها من الثقافات‪ ،‬وتعمل على امتصاصها وتمثلها في‬
‫خلياها وتصبغ عليها روحها‪ .‬هذا بالطبع على سبيل المجازفي التعبير اللغوي‪،‬‬
‫ولبد من هذا القول حتى ل نقع في وهم التشخيص البيولوجي للحضارة‪،‬‬
‫مثلما مافعل إشبلنجر مثل‪ ،‬فنقول أنها كائن حي‪.‬‬
‫أما "الثقافة النسانية" فهي قد تعنى ما هو خالد ومستمر من القاسم‬
‫المشترك العظم‪ ،‬بين كل الثقافات التي أنتجتها وتنتجها المجموعات‬
‫النسانية المختلفة‪.‬‬
‫و" الثقافة النسانية " هي من إرث القرون وتواصل الجيال‪ ،‬لذلك يمكن أن‬
‫أقول بأنها "ملك مشاع"‪ ،‬وهو مفهوم يعمل عادة على"تلين " الحواجز‬
‫الحضارية والجدران التي تتمترس بها الثقافات في حالة المواجهة والعداء‪،‬‬
‫وليس من المبالغة القول بأن أية حضارة مهما تكن عظيمة فإنها تنبع وتصب‬
‫من وفي" الثقافة أو الحضارة النسانية" ‪ .‬وفي حال تميز هذه الحضارى‬
‫وقوتها فإنها ترتبط بوشائج تكوينية وصلت دينامية مع غيرها من الحضارات‬
‫المتزامنة معها‪ ،‬بحيث يبدو للرائي المبتعد عن " المجال الرضي"بأن الجميع‬
‫يمثل كل واحد‪ .‬غير أن هذا الفهم يوصل في جانب من تطوراته إلى أيدولوجيا‬
‫خاصة على فكرة أو مذهب " النسانية"‪ ،‬وهو رغم إنسانيته في نهاية‬
‫المطاف"مذهب"‪ ،‬وهذا المذهب يتصل بيوتوبيا وأحلم ذات صلة بالحباط‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي يخلقه واقع التجزؤ والنشطار والصراع على هذه الرض‪ .‬وإذا كانت‬
‫الثقافات والوجهات الحضارية تستخدم في معارك التوسع والهيمنة‪ ،‬فهي‬
‫أيضا ً يمكن أن تكون درعا ً دفاعية‪ ،‬تقاوم محاولت الخضاع والمتصاص‬
‫والتمثل التي تتم أحيانا ً باسم "العالمية" أو النسانية‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هذه الفكار المجردة والنظرية الواردة سلفا ربما تساعد على فهم الوضع‬
‫الراهن الحرج لما يمكن أن نسميه بـ" الثقافة السلمية"‪ ،‬وهي تعبر إلى‬
‫القرن الحادي والعشرين‪ .‬وهي تقع بين المطرقة والسندان‪ :‬التقوقع أو‬
‫الذوبان‪،‬ول شك أن المخرج هنا يمتثل في التكيف الناجح مع المتغيرات‬
‫والقوى الفاعلة في عالم اليوم والغد‪ .‬ومثل هذا التكيف الناجح يعتمد على‬
‫شروط عدة من بينها إمكانات التكيف والوعي والتخطيط والراداة‪ ،‬ويمكن‬
‫إجمال هذه الشروط في كلمتين‪ :‬المعرفة والقدرة‪.‬‬
‫ً‬
‫المعرفة وعلم المستقبل ‪ :‬علم المستقبل ليس ضربا من ضروب الكهانة ‪.‬‬
‫ول يمكن الجمع بين كلمة علم اجتماعي)‪ (social science‬وبين ادعاء معرفة‬
‫الغيب ‪ .‬وعلم المستقبل يتعلق بتحليل معطيات واقعية يمثلها تراكم التجارب‬
‫عبر الزمان الماضي والحاضر‪ ،‬لن المستقبل هو وليد الثنين ‪ .‬ومثل هذا‬
‫التحليل ل يمكن أن يتجاوز معرفة المؤشرات وتحديد المعايير‪،‬ذلك مبني على‬
‫فكرة وجود أنماط )‪ ( patterns‬للحركة التاريخية والنية‪ ،‬يمكن اكتشافها‪،‬‬
‫والحديث عن إمكانة تجدد ظهورها‪ ،‬ليس تكرارها؛ فالتاريخ أكثر يسرا ً وأكثر‬
‫جدوي حين يتعلق المر بالثقافات والحضارات بالمقارنة بتطورات الثقافي‬
‫السياسية السريعة‪ .‬وذلك بحكم بطء الحركة التاريخية وقيامها على أسس‬
‫قاعدية ومؤسسية راسخة مرتبطة بالمستوى الشعبي في حالة التطور‬
‫الثقافي والحضاري‪ ،‬يضاف إلى ذلك أنه يتم هنا رؤيتها المناسب أن يتجه‬
‫الحديث الن نحو منهجية التناول وتأسيس قواعد النقاش نظريا ً ‪ .‬ولنبدأ‬
‫بالمؤشرات والمعابير ‪.‬‬
‫المؤشرات والمعايير‪:‬‬
‫ً‬
‫هنالك متغيرات عديدة لبد من رسم اتجاه حركتها بيانا على مقياس القرن‪:‬‬
‫مثل المعارك العسكرية‪ ،‬الثورات السياسية‪ ،‬النقلبات التكنولوجية‪ ،‬التقلبات‬
‫في السياسية الدولية‪ ،‬انتقال مراكز الثقل القليمية والعالمية‪ ،‬النهيارات‬
‫الجتماعية بجوانبها السلوكية والتركبية‪ ،‬حركة التجارة واتجاهات التراكمات‬
‫المالية‪ ،‬تطور أنماط التعبير والتأثيرات العلمية‪ ،‬نحو المدن وانكماشها‪،‬‬
‫المتغيرات الديموغرافية‪ ،‬نقاط التحول في تطور القيم‪...‬ألخ‪ ..‬والقائمة‬
‫طويلة يصعب الوقف عند نهاية لها‪ ،‬وكل ذلك من مفردات قابلة للتجزؤ‬
‫والتركيب اصطناعا فقط‪ ،‬وهي في حالتها الدينامية تيارات متداخلة متحركة‬
‫ومتغيرة باطراد منطقي في سياق الستمرارية‪ ،‬كل ذلك يمثل أوزانا مختلفة‬
‫في حركة الدفع ما تجاه المستقبل‪.‬‬
‫إن القراءة الصحيحة للمحصلة النهائية ل تجاه هذه المتغيرات هي التي‬
‫يتمخض عنها رؤية المؤشرات الصحيحة باتجاه المستقبل ‪ ,‬والتحليل المتعلق‬
‫يستطيع إعادة الصناف المختلفة للمتغيرات هنا) سياسة‪ ،‬ديموغرافية‪ ،‬تنقية‪،‬‬
‫سلوكية فنية‪...‬الخ‪ ( ..‬إلى جذور والشتات الظاهرتين الذي يبدو ومتناثرا‪ ،‬وقد‬
‫تبدو الحركة الدائرية بالنسبة للبعض ‪ .‬غير إنه يصعب الدعاء هنا‬
‫أن) الثقافة ( تنفي غيرها‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما المعايير فهي تتعلق بالتحديد المرن لوزان دفع المتغيرات باتجاه‬
‫المستقبل وبتحديد نسبة كل مفردة منها ــ كعنصر شتات ـــ إلى الجذر‬
‫الثقافي ‪ :‬المنبع والمصب بالمنظور الخاص ‪ .‬والمعطيات التي يتم استخلص‬
‫المعايير منها تعود إلى مرجعية توثيقية‪ ،‬تعني بالكم الهائل للتفاصيل الجزئية‬
‫التاريخية والنية‪ ،‬واستخلص المعايير ‪ .‬أي التحديد المرن لوزان دفع‬
‫المتغيرات باتجاه المستقبل ‪ .‬ول يمكن بالطبع هنا الوصول إلى اختزال‬
‫رياضي بسيط حتى في مرحلة النتائج ‪ .‬ما هو ممكن هو تطويرلغة علمية‬
‫محدثة‪ ،‬وتوفير نظريات تحليلية في شكل )مؤشرات( و) معايير( تقرب‬
‫الدارسين من الحساس بتحولت التجاهات المنثبقة من حركة الثقافة نحو‬
‫المستقبل‪ ،‬وبالتالي تعين على توفير أحد ركني النجاح في التكيف المطلوب‪،‬‬
‫وهو المعرفة‪ ،‬التي عليها ينبني التخطيط الستراتيجي‪ ،‬وكذلك التجاوب‬
‫المرحلي والتكتيكي مع المؤشرات والحداث ‪ .‬ومحاولة مشروع بحثي ضخم‪،‬‬
‫وليس من شأن هذا البحث المحدود إل الشارة إليه ومحاولة بيان هذه‬
‫الشارة بمزيد من التناول المحدد للثقافة السلمية في مقياس الزمن الكبير‬
‫‪ .‬أول ً عن طريق الحديث عن إرث القرون‪ ،‬ثم القرن العشرين‪ ،‬وأخيرا ً‬
‫التجاه نحو القرن الحادي والعشرين ‪ .‬لكن قبل ذلك لبد من توضيح إطار‬
‫المكان ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إطار المكان كل من المكان والزمان بعد في آخر‪ ،‬ول يتحدد أحدهما دون‬
‫تحديد الخر‪ ،‬وهما بعدان في ) الثقافة( ـ أية ثقافةـ ل تحدد بدونهما‪ .‬أما‬
‫داخلة في معادلة الحركة الدينامية وهي اجتماعية طبيعية ‪ .‬والطار المكاني‬
‫للثقافة السلمية هو الموطن أو المسرح الجغرافي للشعوب المسلمة‪ ،‬ومن‬
‫أهمها تلك التي تقطن في العالم العربي‪ ،‬تركيا‪ ،‬إيران‪ ،‬أفغانستان‪،‬‬
‫آسياالوسطى‪ ،‬الباكستان‪ ،‬بنغلديش‪ ،‬الهند‪ ،‬ومناطق آخرى ‪ .‬ولسباب‬
‫تاريخية‪, ،‬أخرى تتعلق بالوضع الخاص للغة العربية في الحضارة السلمية‪،‬‬
‫وذلك ل يعني " العالم العربي" هو دائرة المكانية المركزية للثقافة السلمية‪،‬‬
‫وذلك ل يعني تجاهل الوحدة الثقافية الفضفاضة للعالم السلمي‪ ،‬أو‬
‫ارتباطات " العالم العربي " بذلك السلمي ‪ .‬و" العالم العربي" هنا يمثل‬
‫مصطلحا ً ثقافيا ً سياسيا ً يدل على المكان الجغرافي‪ ،‬ومن أيسر معايير تحديد‬
‫هو المعيار القطري ـ السياسي الذي تنسب إليه أراضى كل الدول المنضوية‬
‫حديثا ً تحت راية جامعة الدول العربية ‪.‬‬
‫وهذة واحدة من وسائل التحديد ـليس أكثر ‪ .‬وتركيز هذا البحث هو على "‬
‫العالم العربي بهذا المفهوم ‪ .‬وهو بدوره مقسم لوحدات مكانية داخلية‪:‬‬
‫القطار‪ ،‬والوحدات القليمية مثل الشام‪ ،‬المغرب العربي‪ ،‬وشبه الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬ووادي النيل‪ ،‬وفي كل من هذه الوحدات نجد الثقافات غير العربية‪،‬‬
‫مثل البربرية في شمال إفريقيا‪ ،‬والنوبة في مصر والسودان‪ ،‬والزنجية في‬
‫السودان وموريتانيا والفارسية في شرق شبه الجزيرة العربية‪ ،‬والكردية في‬
‫العراق وسوريا‪....‬الخ ونجد هذه الثقافات إما في التكوين الثقافي العربي لي‬
‫قطر في حالة التكامل أو التعايش‪ ،‬وأما متميزة ومناوبة لذلك التكوين في‬
‫حالة المواجهة‪ ،‬وفي كل الحوال تملك الثقافات ـ غير العربيةـ دورا مهما في‬
‫دينامية التطور الجتماعي السياسي‪.‬‬
‫محاور المعالجة ‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لبد من البحث عن مدخل تصنيفي لتحديد محاورالمعالجة التي نهتم هنا‬


‫بمتابعتها عبر وحدات كبرى ثلثة هي‪ :‬الماضي ) ماقبل القرن العشرين(‪،‬‬
‫الحاضر )القرن العشرين(‪ ،‬المستقبل ) القرن الحادي والعشرين‪ ،‬ويمكن‬
‫إدراج الظواهر هنا في صيغة أصناف‪ :‬الول والثاني متصلن بالسياسة‪،‬‬
‫والثالث بالدين‪ ،‬والرابع بالعدل والتوازن الجتماعي‪ ،‬والخامس بالمعرفة‬
‫والبداع‪ ،‬والسادس بالتقنية والرفاهية‪ ،‬والسابع بالديموغرافيا والعائلة‪ .‬وهذا‬
‫الترحيب يخضع لعتبارات الفاعلية وقوة الدفع في دينامية الحركة‪ ،‬ويعكس‬
‫هذا الترحيب التناغم بين أكثر المجاور قاعدية‪ ،‬وهو المحور السابع‪ ،‬وأكثرها‬
‫حركة وفوقية‪ ،‬وهما المحوران الول والثاني‪ ،‬وكل محور يشمل جملة من‬
‫أصناف المفردات‪ ،‬ويمكن إيراد ذلك على سبيل المثال وليس الحصر كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫المحور الول‪ :‬الهزيمة‪ ،‬النتصار‪ ،‬الهوية‪ ،‬المة‪ ،‬التراث‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬العالم في المنظور‪ ،‬العولمة‪ ،‬النفتاح‪ ،‬وصراع الشمال‬
‫والجنوب‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬الدين‪ ،‬المعبد‪ ،‬الصولية‪ ،‬الصوفية والباطنية‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬حقوق النسان‪ ،‬المساواة‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬العمل النساني‪ ،‬العد‬
‫الجتماعي‪ ،‬الحب والسلم‪ ،‬الصحة والتغذية‪.‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬مغزى الحياة‪ ،‬الوقت‪ ،‬العلوم‪ ،‬الفنون‪ ،‬التعليم‪،‬‬
‫العلم‪،‬الكتاب التنوير‪.‬‬
‫المحور السادس‪ :‬التقنية‪ ،‬المعلومات‪ ،‬النتاج‪.‬‬
‫المحور السابع‪ :‬السكان‪ ،‬السرة‪ ،‬المرأة‪ ،‬الطفل‪ ،‬الجنس‪.‬‬
‫ويلحظ على صياغة مفردات المحاور طغيان لغة القرن العشرين وما أبرزته‬
‫من مستجدات على صعيد الجندة الثقافية ومتعلقاتها السياسية‪ .‬ول شك أن‬
‫الصراع الثلثي ما بين اتجاهات الحضارة الغربية والثقافة السلمية والثقافة‬
‫المحلية ـــ غير السلمية أو الموازية لها ــ يبدو أساسيا في معظم المفردات‬
‫التي انتظمت في المحاور السبعة‪.‬‬
‫متابعة المحاور عبر الوحدات الزمانية الكبرى‪:‬‬
‫المحور الول‪ :‬السياسة والثقافة‪ ،‬الداخل‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫شكلت الروح البدوية عقلية العربي منذ )الجاهلية( بما غرست في تكوينه من‬
‫روح الفروسية بما تنطوي علية من إباء وشعور بالكرامة ونزوع إلى الغزو‬
‫وإبداء الفخر والتباهي‪ .‬وقد وصف السلم ـــ متمثل في دولته الولى‬
‫المتجددة ــ هذه الخصال في مشروع غزو وفتح العالم القديم‪ ،‬وذلك بعدأن‬
‫أعاد تأسيسها في القوالب الدينية‪ ،‬وأطرها في قوالب اليدلوجية السلمية‬
‫المستندة على مصادر شتى‪ ،‬من أهمها القرآن‪ .‬وقد حفظ القرآن هذه‬
‫الموجهات ونقلها من المستوى التاريخي المؤقت إلى المستوى اللتاريخي‬
‫المستمر‪ .‬وقد تطور هذا الرث باتجاهات شتى مع تطور أشكال النظم‬
‫والدول التي تعاقبت على المنطقة خلل القرون منذ أيام دولة المدينة‪ ،‬ومنذ‬
‫أيام الراشدين استوعب الجندي العراقي والجندي الشامي التقاليد والتقنيات‬
‫العسكرية عند المبراطوريتين الفارسية والرومانية على التوالي؟ وفي فترة‬
‫هيمنة القطاع العالمية‪ ،‬في العالمين االسلمي والوروبي خلل العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬برز نظام الفروسية القائم على القطاع العثماني‪ ،‬وتطور بتأثير‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثقافة هي أقرب إلى ثقافة الرعاة المتحضرين حديثا ً في سهول آسيا‬


‫الوسطى‪ .‬كذلك الحال في الندلس السلمية‪ ،‬إذ تطور نظام الفروسية فيها‬
‫تحت ظل الحتكاك بالتحدي الوربي السباني‪ .‬وكان من آثار ذلك الحتكاك‬
‫تلقيح نظام الفرسان النبلء في أسبانيا بكثير من القيم النسانية التي ترفع‬
‫الحرب إلى مرتبة الشرف والقيم الرفيعة‪ ،‬وتربط بين إقدام الفارس وجرأته‬
‫وشدة فتكه‪ ،‬وبين إعجاب النساء ــ ليس في سياق البدوية الرعوية الساذجة‬
‫ولكن في سياق المجتمع الحضري وفي دائرة مراكزة الصفوية ــ ويمكن أن‬
‫نرة هذا مثل مرتبطا بالزدهار الحضاري في فترة التفكك السياسي في‬
‫المشرق العربي‪ ،‬وبالتحديد في الشام والعراق أيام سيف الدولة‪ ،‬الذي لم‬
‫يعرف إل بالشاعر العملق أبو الطيب المتنبي‪ .‬والذي كان واحد من أهم‬
‫المبشرين بقيم الفروسية العربية القحة في ثوبها الحضاري السلمي‪،‬‬
‫والمثلة الكثيرة التي تمكن أن ترد في هذا السياق تدل على جانب مهم مما‬
‫أسماه بعض الباحثين بـ) العقل العربي(]‪ ،[4‬وحاولت بعض التحليلت‬
‫المنحازة ضد العرب القول بأن اللسان العربي أطول بكثير من السيف‬
‫العربي‪ ،‬أو بكلمات أخرى أن العربي يقول ما ل يفعل]‪ ،[5‬غير أن ذلك يجافي‬
‫حقيقة مهمة هي أن الروح العربية السلمية كانت اهم القوى الفاعلة في‬
‫الحضارة العالمية المرتكزة على الشرق الوسط منذ القرن السابع الميلدي‬
‫وحتى القرن السابع عشر‪ ،‬حين أخدت شمس العثمانيين في الفول‪ ،‬وأخذت‬
‫القوى الوربية الصاعدة في الستيلء على مقاليد المور عسكريا ً وسياسيا ً‬
‫وحضاريا ً في العالم القديم والجديد معا ً ‪ .‬هذه الفاعلية الحضارية كانت كاملة‬
‫الركان تقوم على التفوق العسكري والداري والقتصادي والبداعي‪ ،‬تجمع‬
‫بين قوة التأمل وقوة الفعل والقدرة على التجدد والتكيف المستمر إزاء‬
‫التحديات والمستجدات ‪ .‬غير أن تلك الحضارة العصر ـــ أوسطية عانت منذ‬
‫بداية قوتها وحتى تصدعها قبل قرنين أو ثلثة من نقاط ضعف داخلية عديدة‬
‫ومزمنة وخطيرة‪ .‬وقد وجدت فيها مشاكل الضطهاد والهيمنة العرقية‬
‫والطبقة وطغيان المجموعات الحاكمة والمفارقات بين القيم العليا للحضارة‪،‬‬
‫وهذه الشكالت الجتماعية وجدت ترجمتهما السياسية في شكل اضطرابات‬
‫كانت تقوى مع التراجع المضطرد للمركزية السياسة والدارية في نظام‬
‫الدولة السلمية العالمية ‪ .‬وكان ذلك مدخل الشعوب المعنية إلى عهود‬
‫النحدار والجمود الحضاري وما ذلك مدخل سياسي وعجز تقني وعسكري قد‬
‫خلق على حد تعبير المفكرالجزائري مالك بن نبي حالة القابيلة للستعمار]‬
‫‪ ،[6‬فكانت الهزائم العسكرية والحتلل‪ ،‬أو الوصاية على القل‪ ،‬في كل أرجاء‬
‫العالم العربي‪ ،‬منذ الحملة الفرنسية عند أفول شمس القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫وخلل القرن التاسع عشر‪ .‬واستمرت ذيول ذلك طوال القرن العشرين‪ ،‬رغم‬
‫النجاحات الوطنية هنا وهناك‪ ،‬والتي كان من ثمارها استقلل الدول القطرية‬
‫في العالم العربي‪ .‬وقد نجحت الدول القطرية إلى حد ما في تحقيق قدر من‬
‫التنمية والتطور التقني‪ ،‬غير أن آليات الهيمنة القتصادية والسياسية أفلحت‬
‫في بسط السيطرة الغربية‪ ،‬بطريقة أو بأخرى على العالم العربي‪ ،‬ووقعت‬
‫هزائم فادحة في الحروب العربية والسرائيلية ــ خاصة في ‪1948‬و ‪.1967‬‬
‫وكذلك خسر جميع العرب في حرب الخليج الثانية التي ظللت آثارها العقد‬
‫الخير من القرن الماضي‪ .‬ويكفي أن من نتائجها مصادرة جانب أساسي من‬
‫الرصدة المالية العربية‪ ،‬وتقييد التطور التقني‪ ،‬ووضع أسس جديدة إضافة‬
‫للنقسام القليمي والقطري في أكثر من مكان‪ .‬وقد تم ذلك باستخدام آليات‬
‫مستحدثة ومعقدة‪ ،‬تضمنت التغلغل الغربي داخل الكيانات الغربية السياسية‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المختلفة‪ ،‬واستخدام أسلحة التقنية العلمية‪ ،‬والحذق في إرادة لعبة التوازن‪،‬‬


‫وتحريك التناقضات الداخلية في العالم العربي‪ ،‬ذلك بحانب استخدام العمل‬
‫العسكري والوسائل الدبلوماسية والقانون‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الدولي دون التورط في احتلل العالم العربي مرة أخرى‪ ،‬كما فعلت‬
‫الساليب الستعمارية البدائية في القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫كان طبيعيا لمسلسللت الهزيمة والخفاق أن تظهر على المرآة الثقافية‬
‫العربية‪ ،‬فكانت مرحلة الغضب والنفعال بجروح الكرامة وردود الفعال غير‬
‫الحكيمة والمبارزات الكلمية‪ ،‬تغطي معظم هذا القرن‪ ،‬وإن اختفت حينا ً في‬
‫مصر مثل ً ظهرت أحيانا ً في العراق‪ .‬أما الستجابة الكثر تنظيما ً فقد تأثرت‬
‫أيضا ً بالنفعال والرومانسيات‪ ،‬وتأرجحت بين دعوات وحركت راديكالية ثورية‪،‬‬
‫عربية قومية‪،‬وماركسية‪ ،‬وإسلمية أصولية‪ ،‬وبين اتجاهات إصلحية هادئة‬
‫تحّلقت حول حلم النهضة]‪ .[7‬ولكن من مداخل شتى]‪ .[8‬غير أن الواقع كان‬
‫يثمر دائما هيمنة المحافظين المعتدلين ـــ حتى ولو بدوا ثوريين في بعض‬
‫الحيان ــ شريطة انسجام هؤلء مع صيغ التوازن الدولي]‪ .[9‬أما إعادة بناء‬
‫النظم السياسية على أساس النسجام مع المرامي المبدئية ــ الثقافية بعيدة‬
‫المدى‪ ،‬وعلى أساس تفعيل العلقة بين السلطة والقاعدة الشعبية‪ ،‬وتحرير‬
‫طاقاتها الكامنة‪ ،‬والقيادة الصائبة لحركة التطور قوميا ً أو قطريًا‪ .‬فإن ذلك لم‬
‫يتم‪ .‬وأكثر من ذلك أن النخبة المفكرة لم فلح في تطوير تصور واضح‬
‫ومقبول على نطاق واسع داخلها حول هذا الموضوع‪ .‬بل إن البلبلة الفكرية‬
‫ـــ التي هي موجودة أصل ولكن يؤجج نارها المغامرون السياسيون والفرقاء‬
‫وش على هذه النخبة وتمنعها من التفاق حتى على‬ ‫الجانب ــ ل زالت تش ّ‬
‫المرجعية]‪ [10‬للحكم على الفكار‪:‬‬
‫أهي عقلنية محضة أم دينية؟ أم معادية للدين باسم العلمانية ؟ وأم علمانية‬
‫أصيلة ؟ أم برغماتية محضة ؟ أم تراثية المرتكز ؟ أم تراثيةالسلم ؛ أم قبل‬
‫السلمي]‪ [11‬؟أم هي عصرية محضة]‪ [12‬؟ وإذا كانت كذلك فكيف تفعل‬
‫مع التراث ؟ وكيف يفسر في كل الحوال]‪ [13‬؟ وهل هو تراث أم‬
‫شيءآخر ؟؟ والمفقود هنا هو تناغم اليجابات بتنويعها حول هذه السئلة‪،‬‬
‫وأصدارذلك في محيط الحركة الفكرية والسياسية والجتماعية في في‬
‫المنطقة العربية ‪ .‬وهذا التناغم المفقود كان يمكن أن يثمر عن طريق خلقه‬
‫لحالة وعي راسخة وسط القاعدة الصوفيةـ التي ترتكز عليها أنظمة الحكم‬
‫السياسية ـ محاولت أكثر نجاحا وفاعلية لحل الزمة السياسية في المنطقة ‪.‬‬
‫وذلك عن طريق النظمة الصحية بين المفكر المكتمل التكوين‪ ،‬وبين‬
‫السياسي الذي تضبط حركته اتجاهات الوعي العام الراسخ في الوسط الذي‬
‫يتحرك فيه‪.‬‬
‫غير أن الصور هنا باتجاه نهاية القرن العشرين هي انحسارالرغبة العامة إبداع‬
‫نظم جديد وانتشار التفكير البرغماتي والمحافظ‪ ،‬مقابل انكسار]‪ [14‬وتراجع‬
‫بأحلم وهمية ‪ .‬وهو يتمثل بصورة واضحة في سياسات أنظمة ) الوضع‬
‫الراهن ( في معظم الدول العربية ‪ .‬غير أن النظمة الراديكالية الرومانسة ل‬
‫زالت في حالة من الخوف والتخفي‪ ،‬ول زال التيار الراديكالي موجودًا‪ ،‬وقد‬
‫ينفجر بصورة قوية في هذا القرن بأشكال جديدة‪ ،‬قد تستبدل الواجهات‬
‫اليسارية بواجهات"أصولية" إسلمية]‪ ،[15‬ولذلك مخاطره]‪ [16‬كما أن له‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إيجابيات تحت شروط كثيرة من أهمها توفير شروط العقلنية والعتماد على‬
‫التأييد الطوعي للغلبية السكانية القائمة على تحالف وتواصل الشعبي‬
‫والصوفي‪ ،‬والواقعية‪ ،‬والتماسك في كيان ) المة ( العام‪ ،‬وتحقيق النسجام‬
‫بين مكونات ومنطقات الثقافية التاريخية‪ ،‬وضرورات النطلق على خطوط‬
‫التطور العقلي والجتماعي والتقني والقتصادي والسياسي دون كبير قيود ؛‬
‫وتحقيق النسجام مع العالم ـــ إن لم يكن في إطار فلسفة السلم فليكن‬
‫في إطار تجنب دور الضحية بفعل القوة الغاشمة وهو الدور المألوف خلل‬
‫القرنين الخيرين للتيارات الراديكالية‪ ،‬التي تنجح في تحقيق دور قيادي لهذا‬
‫العالم ـــ سواء أكانت دينية أم علمانية المتركز]‪. [17‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫إن قضية الهوية ــ المة التراث تلحق بما سبق من معالجة ‪ .‬وهي قضايا‬
‫تدخل في صلب الزمة السياسية في العالم العربي مع جذورها الثقافية ‪.‬‬
‫وليس من قبيل الصدفة أن نجد في كل قطر عربي‪ ،‬في النصف الثاني من‬
‫هذا القرن‪ ،‬انقسام القوى السياسية بين تيار قومي قطري ــــ وأحيانا ً‬
‫إقليمي جهوي أوقلبي قطري ـ وتيار عروبي وتيار إسلمي وتيار أممي‬
‫ماركسي‪ .‬وقد نجد تمثيل هذه التجاهات أكبر في المستوى الفكري‪ ،‬مهما‬
‫تكن صفويته‪ ،‬يظلل التطور السياسي ويؤثر عليه ‪.‬وكثيرا ً ما تصارع الفرقاء‬
‫السياسيون في أكثر من دولة عربية حول توجه المة القطرية‪ ،‬وهل يكون‬
‫نحو الخارج إلى المة العربية ؟ أم باتجاه النقسام بسياج الكيان القطري‬
‫الوليد ؟ أم إلى الداخل والتمترس على هذا الكيان؟ وقد شكل هذا الجدل‬
‫المنعكس عن صراع واقعي‪ ،‬جزءا ً من قضية ما عرف بالهوية ‪ :‬من نحن ؟‬
‫وما هي أمتنا؟ وماهي طبيعتها وحدودها ؟ أما الجزء الخر من قضية الهوية‪،‬‬
‫فقد شكله سؤال الجذور‪ ،‬وهو النتماء في التاريخ ‪ .‬فيقال في السودان مثل‬
‫هل يبدأ تاريخنا الحقيقي ببدايات الحضارة النوبية قبل وصول التأثيرالفرعوني‬
‫إليها أم بالسلم ؟ وماذا يمكن أن نعتبر كعناصر تراثية من الدرجة الولى‪،‬‬
‫إهرامات النوبية مثل ام ترث الخلفاء الراشدين ؟‪ ...‬الخ ‪ .‬ولو أمكن الجمع‬
‫بين الثنين فلمن الولوية ؟ ومن هم أسلفنا ــ ايضا ً من الدرجة الولى ـــ‬
‫المسلمون الفاتحون عندما اشتبكوا بقيادة عبد الله بن أبي السرح مع دولة‬
‫النوبة في الشمال في منتصف القرن السابع الميلدي ؟ أم خصومهم من‬
‫النوبة الذين أرغموا على قبول تسليم ‪360‬عبد سوداني سنويا ً لهؤلء‬
‫المسلمين ثمنا ً للسلم معهم]‪ [18‬؟‪ ...‬هذا مجرد مثال لنوع السئلة التي‬
‫تكشف علقة القراءات المختلفة للتاريخ والتراث بتحديد النتماء الجتماعي ــ‬
‫السياسي لهويات‪ ،‬هي في حقيقتها واجهات فكرية أو أيدلوجية لمجموعت‬
‫متصارعة‪ ،‬تمثل انقسامات في جسم الدولة القطرية العربية ‪ .‬ونفس هذه‬
‫السئلة ــ أو اخرى شبيهة بها ــ يمكن تطبيقها على حالت مثل مورتانيا‪،‬‬
‫العراق‪ ،‬لبنان ‪ ..‬الخ غيرأن سؤال الهوية المرتكزة على الفكر القومي‬
‫العربي‪ ،‬أو السلمي الصولي‪ ،‬او القطري النغلقي‪ ،‬أو الجهوي‪ ،‬أو الطائفي‬
‫الديني‪ ،‬تؤدي بتبايناتها إلى أشكال صراعية وانقسامية في معظم أرجاء‬
‫العالم العربي‪ .‬والتوفيق الحالي بينها؛ أو تجاهل التناقض الصارخ بين‬
‫اتجاهاتها هو سبيل أنظمة ) الوضع الرهن( الحاكمة في تحقيق قدر كبير من‬
‫الوحدة القطرية‪ .‬وهذا الحل يمثل حل سياسيا‪ ،‬لذلك فهو مؤقت‪ .‬ول يمثل‬
‫حل ثقافيا يصلح على المدة البعيد في حل إشكالية النقسام والصراع‪ .‬وربما‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان الحل الثقافي‪ ،‬بمنظور التفاؤل فقط‪ ،‬ما هو من مشاريع القرن الحادي‬
‫والعشرين‪ ،‬وذلك إذا التقى الفكر الوحدوي العصري والواقع السياسي على‬
‫أرضية والحدة من التجانس والتكامل في إطار مشروع شامل لعادة البناء‬
‫الثقافي وتعديل الوضاع العلمية للنظم والمؤسسات الوظيفية القائمة عليه‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬السياسة والثقافة‪ /‬نحو الخارج‪:‬‬
‫يستند الموقف إزاء )الخر( على رؤية ثقافية‪ ،‬وهي تلون عادة المراقف‬
‫السياسية‪ .‬وقد طورت الحضارة السالمية تاريخيا ً قواعدها وإمكاناتها‬
‫اقتصاديا ً وعسكريا ً وثقافيا ً على أساس المواجهة مع )الخر(‪ ،‬والتمدد على‬
‫حسابه واستيعابه في إطارها ‪ ،‬وتوظيفها في اتجاهاتها‪ .‬ومع انتقال مركز‬
‫الثقل الحضاري إلى الغرب الوربي ــ المريكي أخذ العالم السلمي يخضع‬
‫لتأثير اتجاه معاكس لعملية التوسع والستيعاب من قبل الحضارة الغربية‪.‬‬
‫وفي البداية عندما نزلت الجحافل الستعمارية على السواحل السلمية‪ ،‬كان‬
‫تصور المسلمين للجغرافية السياسية والثقافةي لعالم القرن التاسع مشوشا ً‬
‫بالوهام بحيث يمكن الخلط بين أبي جهل ونابليون‪ ،‬والعتقاد بأن نابليون‬
‫يمكن هزيمته بنفس الطريقة التي هزم بها أبو جهل‪ .‬ولقد لعبت اللغة دورا ً‬
‫هاما ً في هذا التمويه‪ ،‬إذا وضعنا الوربيون في خانة )الكفار(‪ ،‬وتم اختزال‬
‫خصائصهم الخرى داخل هذه الكلمة‪ ،‬وكانت النتيجة مسلسل الهزائم الذي‬
‫سبق ذكره‪ .‬ويبدو أن المر قد تغير كثيرا ً خلل القرن العشرين‪ .‬وبالرغم من‬
‫النجاح المظهري للخطاب الواقعي العقلني الذي يحاول أن يرى الشياء كما‬
‫هي في الواقع دون كبير أوهام‪ ،‬تاريخية أو غير تاريخية‪ ،‬فإن هناك استعدادا ً‬
‫كببيرا ً لبعث الرؤية العصر‪ /‬أو سطية لعالم القرن العشرين وسط كل‬
‫الشعوب العربية حالما تدق طبول الحرب وتظهر السيوف والخيول‪ ،‬حتى لو‬
‫استبدلت بالطائرات والمدفعية‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫من ناحية أخرى فقد لعب الفكر السلمي الدعائي في تصوير الغرب ‪ ،‬كل‬
‫الغرب بمظهر الشيطان في أذهان كثير من الشباب‪ .‬وتلعب هذه الصورة‬
‫دورا ً مزدوجا ً يتمثل في العتقاد بأن الطرف العربي أو أيا كانت تسميته؛ هو‬
‫صاحب الحق المطلق‪ ،‬وذلك يمنح كل أفعاله صفة الصحة المطلقة‪ .‬وفي‬
‫العتقاد أيضا ً بحتمية تلقائية هزيمة الطرف الخر‪ ،‬باعتبار حتمية هزيمة‬
‫الشيطان‪ .‬وحتى تكتمل صورة الشيطان فقد تم في الذهنية العربية المسلمة‬
‫رد كل العداء إلى أصل واحد هو اليهودي ــ الشرير بحكم تكوينة‪ ،‬والملعون‬
‫بنص القرآن‪ .‬ول تأتي معركة إل وتذكر )بدر( و)أحد( ‪ ..‬الخ ‪ ..‬حسب الحال‬
‫من نصر أو هزيمة‪ .‬وقد أدت النتائج المؤلمة لنظام التفاعل هذا مع العدوان‬
‫على العالم العربي إلى ردود أفعال متمردة خطيرة‪ ،‬فذكر مثل في أعقاب‬
‫الهزيمة الساحقة في يونية ‪1967‬في سوريا أن السبب الحقيقي خلف‬
‫الهزيمة هو التراث السلمي‪ ،‬وعلى رأس ذلك القرآن‪ .‬وظهرت كتابات مثل‬
‫)نقد القكر الديني( لجلل صادق العظم]‪ ،[19‬وفي المقابل ظهر سيل من‬
‫الكتابات المضادة مثل سلسلة )الغزو الفكري( التي أصدرهامحمد جلل‬
‫كشك‪ ،‬الصحفي المصري‪ .‬وقد اتجهت هذه الكتابات المضادة لتيار التنويريين‬
‫المستغربين]‪ [20‬نحو تكريس أسطورة اليهودي الشيطان‪ ،‬واستحضرت‬
‫خيالت الحروب الصليبية‪ .‬وعموما ً فقد غمست الواقع في بحر من الصور‬
‫والخيالت التاريخية‪ .‬ولكن ذلك لم يؤد إلى زحف إسلمي مقدس‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضد) الصليبية(‪ ،‬أو )الصهيونية(‪ ،‬إذا أن أنظمة ) الواقع الراهن( كانت تتجه‬
‫بثبات نحو التصالح مع الدول الواقعية‪ ،‬حتى إسرائيل نفسها ما سلفت‬
‫الشارة‪ .‬وقد خرجت )الدولة القطرية( في معركة الفعال وردود الفعال هذه‬
‫أقوى مما كانت في صراعها مع التيارات الوحدوية والصولية غير أن‬
‫تيار) الدولة القطرية( الراسخ كان منقسما على نفسه في العالم العربي‬
‫فهنال من يريد الكتقاء بالطار القطري دون أى اكنراث لي مستقبل‪ .‬بينما‬
‫يحاول آخرون تحقيق انقلب على واقع النظام الدولي عن طريق إقامة‬
‫نموذج )الدولة العظمى(قطريا؛ ثم توسيعةإقليميا‪ ،‬كما حاول العراق ذات يوم‬
‫والتجاهات البرغماتية المحافظة الحاكمة في معظم العالم العربي ل تقول‬
‫صراحة في مواجهة القوى التاريخية الراديكالية المعارضة لها أنها تريد أن‬
‫تجتث أو تلغي الحلم التاريخي بهزيمة أعداء المسلمين التاريخيين‪ ،‬وإقامة‬
‫دولى السلم أو العروبة العظمى على أنقاض إمبراطورياتهم‪ .‬إنها تقول‬
‫فقط إن أكثر ما يعنيها هو ما تحت قدميها‪ ،‬وإن سبيلها هو البناءالواقعي]‪،[21‬‬
‫وهو طريق يعني الحفاظ على واقع التجزئة‪ .‬وهذا الخط يقوم في الحقيقة‬
‫على أساس تغلغل أيدلوجية الدولة القوميةـ القطرية وأسسها الفلسفية‬
‫والعقائدية في النظام الثقافي العربي خلل القرن العشرين‪ .‬ويبدو أن ما‬
‫يسمى بالحركات الصولية السلمية‪ ،‬منذ حركة " الخوان المسلمين"‬
‫المصرية في عشرينيات القرن العشرين وحتى اليوم‪ ،‬لم تستطع أن تلغي‬
‫بصورة واضحة أساس هذه اليدولوحية القومية القطرية‪ .‬ويمكن القول‬
‫كخلصة هنا أن القرن العشرين اختلف عن التاسع عشر في العالم العربي‬
‫بقدرة القيادات البرغماتية فيه على كبح جماح تيارات التفكير العصر أو‬
‫سطي التي تؤمن بضرورة وإمكانية الجتياح العسكري للعالم باستخدام‬
‫الرايات الدينية ‪ ،‬ولكن دون أن تتمكن من استئصال هذه القكرة الشعبية‪.‬‬
‫وتشهد نهايات القون العشرين تزايد قوة التيارات التي تعمل على الحاطة‬
‫بالدولة القطرية وفلسفتها البرغمايتة ـــ مع تفاوت كبير في طبيعة وعي‬
‫ضا‬
‫ومرامي هذه التيارات ونجد كذلك أن نهاية القرن العشرين تعطي تناق ً‬
‫واضحا ً تمثله ثنائية التعايش والرفض للقيم النسانية ــ العالمية التي تمثلها‬
‫اليوم على الصعيدالثقافي منظمة المم المتحدة‪ ،‬وفي حقيقتها من صنع‬
‫الحضارة الغربية‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬الدين ـــ المعبد ــ الصولية ــ الصوفية‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫يمثل الحديث هنا انتقال من معالجة الجانب السياسي للمسألة الثقافية إلى‬
‫معالجة جانب آخر ل يمكن فصله في الواقع عن ذلك الجانب السياسي‪ ،‬وهو‬
‫الدين ــ رغم استقلله وتميزه ــ إن العناصر الدينية الفاعلة تتأثر بإعادة‬
‫الصياغة والتوجيه والتلوين‪ ،‬مما تقوم به مؤسسات الدولة بأجهزتها العلمية‬
‫والتربوية‪ ،‬وكذلك بما تقوم به غير الرسمية مثل الحزاب السياسية وغيرها‪.‬‬
‫وتعبير المعبد هنا يرمز للمؤسسة الكهنوتية في كل الديان‪ ،‬ومن أشكالها‬
‫المؤسسات السلمية التقليدية المعترف بها رسميا ً وشعبيا ً كحارس وراعي‬
‫ومفسرلكل ما يعتبر من صلب الوعي والتفكير والسلوك والممارسات‬
‫الدينية‪ .‬وتتكون هذه المؤسسات من عدد ل يمكن تحديده من الهيئات‬
‫الرسمية وغيرالرسمية‪ ،‬بعضها يمثل مؤسسات الفتوى في كل قطر‪ ،‬وبعضها‬
‫عبارة عن مساجد ومدارس دينية‪ ،‬وبعضها طرق صوفية ‪...‬الخ‪ ...‬وهي هيئات‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذات جذور عصرـ أو سطية‪ .‬وظهرت في العصر الحديث ــ في القرن‬


‫العشرين ـــ الحركات التنظيمات الصوفية‪ ،‬مثل حركات " الخوان المسلمين‬
‫" بأشكالها المختلفة من قطر إلى آخر ‪ ،‬والتي تسمى أحيانا ً ) الحركة الحديثة‬
‫( ‪ .‬وبالرغم من ا لصراع والنقسام بين التيارات والحركات المختلفة التي‬
‫تشكل المؤسسة الدينية ‪ ،‬وخضوع بعضها للدولة ‪ ،‬وتمرد البعض الخر عليها‪،‬‬
‫وسلفية بعضها‪ ،‬وعصرية البعض الخر؛ إل أنها جميعا ً تستند على قاعدة‬
‫فكرية ومصلحية مشتركة في تحدي إعدائها على نحو واحد‪ ،‬فهم أهل "‬
‫اللحاد والباحة " باختلف مسمياتهم‪ ..‬وقد شهد القرن العشرون تطور هذه‬
‫المؤسسة باتجاهاتها المختلفة‪ ،‬واستمرار دورها في الحفاظ على النظام‬
‫الطبقي‪ ،‬أو البطاء بالتغير فيه ودورها في تشكيل نظم القيم ‪ .‬وقد‬
‫ااستطاعت بتنويعها بسط نفوذها في كل من المستوى الشعبي والمستوى‬
‫الصوفي ‪ ،‬وتمكنت من الحد من تأثير بهذا) الغزو( بوعي أو دون وعي]‪. [22‬‬
‫وهي تتجه عموما ً ببطء أو بسرعة نسبية نحو إعادة تفسير النصوص الدينية ‪،‬‬
‫وإعادة صياغة القوانين السلمية ‪ ،‬وتطوير صياغات فكرية محدثة بخصوص‬
‫المرأة‪ ،‬وحقوق النسان‪ ،‬مجتمع الرفاهية والعدل ‪ ،‬وذلك تحت تأثير قوي من‬
‫تيار) الثقافة النسانية( التي تستمر في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬وستتأثر‬
‫بالمصير العام الذي ستؤل إأليه أمور الكل الذي اصطلحنا على تسمية‬
‫ب) الثقافة السلمية( ‪.‬‬
‫المحور الرابع ‪ /‬العدل والتوازن الجتماعي ) حقوق النسان ‪ ،‬المساواة‪،‬‬
‫الديمقراطية‪ ،‬العمل النساني ‪ ،‬العدل الجتماعي الحب والسلم ‪ ،‬الصحة‬
‫والتغذية‪.‬الخ(‬
‫يتعلق هذا المحور بناحيتين‬
‫القيم وتصويب الممارسة الوقعية ‪ .‬وتعكسه المفردات االمختارة كأمثلة هنا‬
‫الضغوط الثقافية التي تمارسها الحضارةالغربية الممثلة للعصر على ثقافة‬
‫السلمية باتجاه القرن الحادي والعشرين ‪ .‬قد وقعت كل الدول السلمية‬
‫تقريبا ً على مواثيق حقوق النسان الصادرة عن المم المتحدة ‪ .‬واقتضت‬
‫الحركة السلمية للقول بأن السلم هو المصدر لحقوق النسان ‪ ،‬وهي‬
‫صيغة نفسية لقبول الفكرة الغربية الشكل على القل ‪ .‬وقد تفرغ من ذلك‬
‫نمو اتجاهات العمل النساني تحت لفتات عامة وإسلمية مثل حقوق‬
‫المرأة ‪ ،‬حقوق الطفل ‪ ،‬حقوق السجين ‪...‬الخ ‪ .‬أما موضوع التغذية والصحة‬
‫فتعكس اشتراكا بين مفهوم حقوق النسان ومفهوم دولة الرفاهية ‪ ،‬وهي من‬
‫فكرة دولة الخدمات التي تحولت فيها العلقة بين الحاكم والمحكوم من‬
‫شكل الراعي والرعية إلى شكل ممثل الشعب الحاكم والمواطن ‪ ،‬وذلك منذ‬
‫الثورة الفرنسية في الغرب]‪. [23‬‬
‫والتغذية والصحة للجميع هو من أهم الهتمامات المعلنة للدولة القومية‬
‫وكثيرا ً ما يوضع الشعاركمقابل مضاد لشعار الحرب والمجد ‪ ،‬وفي ذلك تعبير‬
‫عن " ايدلوجيا النسانية " التي تصل قمتها إعلن النصياع الكامل لهيمنة‬
‫شعارات الحب والسلم ‪ ،‬أما المساواة والديمقراطية فقد تأرجحت التيارات‬
‫في العالم العربي السلمي بين المفاهيم الليبرلية والشتراكية حولهما‪ ،‬وهي‬
‫مفاهيم غربية المنشأ ‪ .‬وظهر كمعادل لذلك القول بالخصوصية السلمية أو‬
‫الوطنية حول هذه المسائل ‪ .‬وخضعت كل هذه الشعارات لعتبارات الصراع‬
‫السياسي الداخلي ‪ ،‬أو الداخلي أو الخارجي وتسيست بذلك المفاهيم‬
‫النسانية والجتماعية بنفس القدر الذي وظفت فيه هذه المفاهيم السياسية‬
‫الغربية بعرض هذه القيم على عالم الحضارة السلمية ‪ ،‬وفي نفس الوقت‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تشهد مزيدا ً من المرونة لقبول استيعاب هذه المفهيم في العالم العربي‬


‫والسلمي في جسم ) الثقافة السلمية( المتجددة باتجاه القرن الحادي‬
‫والعشرون ‪ .‬وتصاحب هذه المرونة اتجاهات للمقاومة ‪ ،‬على أساس أن‬
‫مرحلة التطور الخاصة بالمجتمع العربي ل تسمح بقدر كبير من الستجابة‬
‫الفعلية لقيم حقوق النسان ‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬المساواة‪... ،‬الخ ‪ ..‬وفقا لما تراه‬
‫مفاهيم الحضارة الغربية‪.‬‬
‫المحور الخامس ‪ /‬المعرفة والبداع ) مغزى الحياة‪ ،‬الوقت‪ :‬العلوم‪ ،‬الفنون‪،‬‬
‫التعليم‪ ،‬العلم ‪ ،‬الكتاب ‪ ،‬التنوير(‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ما هي الغايات السمى للفعل النساني التي يجب أن تستغرق الوقت ‪،‬‬
‫ووحدته الساسية هي العلوم‪ ،‬الشهر ‪ ،‬السنة ‪ ،‬العقد الجيل ‪ ،‬القرن‪... ،‬الخ‬
‫هذاسؤال مفتاحي في البحث عن فلسفة أية حضارة إنسانية ‪ .‬حول الجابة‬
‫عليه تبرز التناقضات المعاصرة في ) الثقافة السلمية( ‪ .‬وتتصارع هنا‬
‫إجابات الليبرالي المتطرف‪ ،‬والعلماني القح‪ ،‬والسلمي الصولي‪ ،‬التقليدي‬
‫العشائري والمحافظة أو الثوري ‪ ..‬الخ ‪ ,‬ولكن رغم تنوع هذه التجاهات‬
‫تغطي ثنائية المرجعية السلمية ‪ /‬الغربية ‪ ،‬التي تنطوي على تيارات شتى‬
‫وجانب كبيرمن المفردات المذكورة يخضع لهيمنة الدولة وما تؤديه من‬
‫مؤسسات ل تربط بها مباشرة ‪ ،‬وكذلك فإن هذه المفرادت توظف في إطار‬
‫دولة ) الواقع الراهن ( لخدمة التجاه الجتماعي والسياسي ‪ ،‬ويقصد‬
‫والسياسي ‪ ،‬ويقصدبالتالي في التغيير ‪ ،‬غير أنه في نهاية المطاف العلوم‬
‫الحديثة ‪ ،‬ويوظف لذلك التعليم والعلن والكتاب؛ لكنه يحتفظ كثيرا ً حول‬
‫نشر حول الفنون بأشكالها العديدة ‪ ,‬من سمعية وبصرية ‪ ،‬تشكلية ــ دراميةـ‬
‫موسيقي وغناء ــ أدب ‪ ،‬قصصي وشعري ‪ ،‬رقص ‪...‬الخ ‪ ..‬وذلك خطر الفنون‬
‫‪ ،‬الثقافية الغربية ‪ ،‬وهي مطية للتمرد الجتماعي والسياسي الذي يتصدره‬
‫متفردون رافضون لعقلية القطيع ‪ ،‬مثل الفانون ‪ .‬وبعض النظمة العربية‬
‫الرايكالية حاولت خلل فترة محددة من الزمن توظيف الفنون لتحقيق هدف‬
‫معلن هو ترقية الحياة النسانية ‪ ،‬وإخر غير معلن ‪ ،‬هو استخدامه كأداة‬
‫للتحرير النفسي والجتماعي ‪ ،‬وفض قيود المجتمع ‪ .‬غير أن ذلك التجاه‬
‫تراجع هو والدولة الراديكالية في وجه القوى المحافطة اجتماعياوثقافيا‪.‬‬
‫إن ثورة التصالت عند نهاية هذا القرن ‪ ،‬لبد أن تحدث في القرن القادم‬
‫تراجعات كبيرة في مواقف إعلم الدولة القطرية المحافظ ‪ ،‬في موقفه من‬
‫الفنون ونزعها المتمرد على الواقع‪.‬‬
‫المحور السادس ‪ :‬التقنية والرفاهية) التقنين ــ المعلومات ـ النتاج ‪ ...‬ألخ ‪(..‬‬
‫ليس هنالك كبير اعتراض من الناحية النظرية على الندفاع نحو نشر التنقية‬
‫بأشكالها المختلفة ‪ ،‬وتوظيفها لزيادة النتاج القتصادي ‪ ،‬وتحقيق مجتمع‬
‫الرفاهية الذي يتطور من مستوى تحقيق حاجات المعيشة إلى مستوى الترف‬
‫ونا فيه من تنعم ولهو ‪ ..‬الخ‪ ...‬ويبدأ التحفظ النظري على النقطة الخيرة‪،‬‬
‫فالثقافة السائدة ل تقبل اللهو والمتعة دون حدود‪ .‬وأكثر من ذلك فهناك تيار‬
‫قوي يرى توحيه التقنية والنجاح القتصادي نحو العسكرية والحرب‪ ،‬وذلك‬
‫يعيدناإلىالدائرة السياسية الثقافية الولى‪ .‬وهذا من الناحية النظرية‪ ،‬أما من‬
‫الناحية العلمية‪ ،‬فإن تحول المجتمع من مستوى تقنية العصور الوسطة وبداية‬
‫العصرالحديث ل يتحقق بالرغبات أو حتى بالمحاولت التي ل تستوفي شروط‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التغيير]‪[24‬الثقافي والجتماعي ــالذي يتمخض عنه مجتمع الصنيع ونظمه‬


‫القيمية المتشابكة‪.‬أما مظاهر استجلب المصنوعات والسلع]‪ [25‬من أجهزة‬
‫الكترونية وسيارات‪ ،‬وحتى مصانع مستوردة‪ ،‬وإنشاء للعمارات الحديثة‪،‬‬
‫وانتشار لستخدامات الطاقة الكهربائية وربما الذرية‪...‬الخ ‪ ..‬في إطار‬
‫استمرار بنية المجتمع التقليدي بنظمه العشائرية وعقليته العصر أو سطية‪،‬‬
‫فل يعني شيئا ً كثيرا طالما أن التقنية ل تنتج ذاتيا بواسطة آلية داخلية‬
‫للمجتمع العربي‪ .‬وهذا يعني أن قدرا من التحديث التقني الزائف يحدث في‬
‫هذا المجتمع العربي‪ ،‬وهو يعكس بعض العلقات التجارية‪ ،‬خاصة حقول‬
‫النفط‪ ،‬الرابح الحقيقي فيها اقتصاديا وسياسيا هو الطرف الخر الذي يضخ‬
‫التقنية والمعلومات لهذا الجزء من )العالم الثالث( حسب رغبته وحساباته‪.‬‬
‫وفي هذا الطار تنشأ مثل الجامعات في العالم العربي‪ ،‬ول تكون جامعات‬
‫بالمعنى الحقيقي في الغرب إل من حيث المظهر‪ ،‬المباني‪ ،‬الساتذة‪،‬‬
‫الطلب‪ ،‬الدروس‪ ،‬الدخول‪ ،‬الخروج‪ ..‬الخ ‪ ..‬أما المعرفة المتقدمة فيتم‬
‫إنتاجها في الغرب‪ ،‬ويتم تصديرها إلى هذه الجامعات؛ وهذا مجرد مثال ‪ .‬ربما‬
‫كان هناك نوع من المبالغة في هذه الصور‪ ،‬غير أنها دون شك تنطوى على‬
‫قدر كبير من الحقيقة‪ .‬وليس من مؤشر واضح يدل على اتجاه للتغيير‪ ،‬غلى‬
‫القل في بدايات القرن الحادي والعشرين في هذا الخصوص‪.‬‬
‫المحور السابع‪ /‬الديموغرافيا والعائلة )السكان‪ ،‬المرأة‪ ،‬الطفل‪ ،‬الجنس‪،‬‬
‫التحضير(‪:‬‬
‫يمثل هذا المحور أكثر المحاور قاعدية لقوة التصال بين الجانب البيولوجي‬
‫والجتماعي فيه‪ ،‬ولنه يشكل الجانب الحياتي الذي تقوم عليه الظواهر‬
‫الجتماعية‪ .‬وهو قوى التأثر بالجوانب الثقافية‪.‬وحوله تدور أقوى المعارك بين‬
‫قيم الحضارتين الغربية والسلمية‪ .‬وهو صراع متصل بالمرامي السياسية‪،‬‬
‫لنه يتعلق مباشرة بمصادر القوة‪ ،‬باعتبار أن الثرةذوة البشرية هي من أهم‬
‫مكوناتها‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫والمسألة الديموغرافية هنا ليست فقط مسالة)كم( زيادة عدد السكان‪ ،‬ام‬
‫إنقاصهم للتوازن مع الموارد؟ وإنما تتضمن نوع السكان‪ ،‬كم من المتعلمين؟‬
‫وما نوع ذلك التعليم ودرجته؟ كم فيهم من المرضى والصحاء؟ وما هي‬
‫درجات الصحاء؟ كم منهم من الطفال والشبان والشيوخ؟ وهل يؤدي‬
‫تقسميهم إلى ذكور وإناث إلى تفرقة في العداد والفعالية القتصتادية‬
‫والجتماعية‪..‬الخ‪.‬‬
‫وقد أظهرت مؤتمرات السكان في بكين والقاهرة مدى الصراع والنقسام‬
‫بين قيم وتوجهات الغرب والعالم السلمي‪ .‬وفي الحقيقة نجد أن الصراع‬
‫الذي يبرز في المؤتمرات العالمية الموسمية يعكس صراعا ً يوميا ً في أجهزة‬
‫ومؤسسات التخطيط الجتماعي في كل من القطار العربية‪ .‬وتعمل هنا‬
‫منظمات المم المتحدة والتكنو قراط المتأثرون بالفكار الغربية وغيرهم جنبا ً‬
‫إلى جنب في تحقيق التوجهات الغربية‪ ،‬ولكن على أساس الحذر والتحفظ‬
‫باعتبار أن ما يجري يتم بإذن ورقابة سلطة الدولة القطرية ذات النزعة‬
‫المحافظة والتقليدية‪ ،‬ول شك أن تطويرمفاهيم وقناعات حول التخطيط‬
‫السكاني والسري‪ ،‬ومواضيع لتربية الجنسية وتنظييم النسل ‪ ..‬الخ‪ ..‬يتأثر‬
‫بالتأرجح بين المحافظة والراديكالية في منظور الدولة القطرية‪ .‬ومن‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتوقع أن تخطو القطار العربية المختلفة بسرعات متفاوتة في اتجاه‬


‫تطبيق القيم العالمية الحالية‪ ،‬الغربية المنشأ على واقع مجتمعاتها‪ .‬وربما قاد‬
‫التطبيق المتسرع أو المتعسف إل تنشيط النزعات المحافظة اجتماعيًا‪،‬‬
‫والتي تنحو سياسيا ُ منحى ثوريًا‪ .‬واقتران الثورية السياسية بالمحافظة‬
‫الجتماعية والسلفية هو من سمات التطور الجتماعي السياسي في‬
‫القطارالعربية حاليًا‪ .‬من ناحية آخرى من المتوقع أن يتصاعداتجاه التحضر‬
‫وتقلص الرياف في القطار العربية‪ .‬وفي ظل المعادلت الحالية فإن هذا‬
‫التجاه يؤدي إلى توسيع شريحة فقراء المدن‪ ،‬مما يؤدي إلى ضغوط تؤدي‬
‫بدولها إلى المزيد من التفكك السري‪ :‬وظهور نظام السرة وحيدة العائل ــ‬
‫غالبا ما يكون الم ــ جنبا ً إلى جنب مع الشكال المعتادة من السرة خلل‬
‫هذا القرن‪ .‬وسيؤثر هذا التطور على تنشئة الطقال‪ ،‬الذين سيكون حظهم‬
‫من رعاية الموين المباشرة والسرة الممتدة أقل مما هو الحال بالنسبة‬
‫لطفال اليوم‪ .‬ربما كانت سرعة هذه التطورات السلبية أكبر إذا بدأ نضوب‬
‫النفط في القرن القادم وربما كانت سرعة هذه التطورات قد تخلق بدورها‬
‫بعض التكيفات الناجحة‪ ،‬والتي من شأن بعضها تقوية النسيج الجتماعي‬
‫والسهام في البطاء بتيارات التفكك]‪ [26‬ـ عموما فمن المتوقع أن تؤدي‬
‫التغييرات الكبيرة في شكل النظام السري التقليدي والخروج المتزايد‬
‫للنساء للعمل إلى تغييرات في نظم القيم الجتماعية؛ خاصة في المراكز‬
‫الحضرية‪ .‬وإزاء هذه التطورات‪ ،‬والتأثيرات المتصاعدة لتسرب القيم الغربية‬
‫إل جسم الثقافة السلمية‪ ،‬فمن المتوقع أن يتطور المزيد من إعادة تفسير‬
‫التراث الديني‪ ،‬وتقديم صيغات فكرية جديدة‪ ،‬وتشريعات مستحدثة تحقق‬
‫المزيد من التوفيق بين الواقع الجتماعي المتغير والنظم الثقافية القيمية‬
‫التقليدية‪ .‬ويمكننا الن ملحظة بعض البوادر في النصف الخير من القرن‬
‫العشرين في التجاه نحو تعديل قوانين الحوال الشخصية بواسطة علماء‬
‫الشريعة أنفسهم‪ ،‬لتسمح بالمزيد من المرونة في منح المرأة حق العمل‬
‫والطلق واختيار الزوج‪.‬‬
‫خاتمة‪ /‬المعطيات والتوجه المستقبلي‪:‬‬
‫تحدد الثقافة غايات الحركة الجتماعية‪ ،‬وبالتالي قإن ما يتحقق بالفعل في‬
‫المستقبل يكون جزئيا ً من نتائج تأثيرها وإيماءاتها‪ ،‬ويمكن أن يرد إليها النجاح‬
‫أو القصور في تحقيق ما يهدف إلى تحقيقه المصلحون والقادة الجتماعيون‬
‫والسياسيون والقتصاديون ‪..‬الخ‪ ..‬ويمكن القول مثلأن الذهنية الثقافية في‬
‫العالم الغربي في القرن التاسع عشر كانت من بين أهم من ساهم في‬
‫تحقيق واقع هذا العالم في القرن العشرين‪ .‬وليس من المبالغة اتهام‬
‫الناقدين لها بأنهاقد لعبت دورا ً في قصور القوى الجتماعية والسياسية في‬
‫بلوغ ما كانت ترمي إليه من أهداف تنموية وتحريرية‪ ،‬ومن تقدم علمي‬
‫وتحقيق للتماسك الجتماعي والسياسي‪ ،‬وتوفير القوة اللزمة لتحقيق المن‬
‫والنتصار في المعارك العسكرية مع القوى المناوئة للعالم العربي‪ ،‬وتحقيق‬
‫واقع التسامي والعدالة مع المجموعات ذات الثقافات عير العربية الداخلة‬
‫في التكوين الثقافي والسياسي لهذا العالم العربي‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وما ذكر هنا عن واقع القرن العشرين يمكن أن ينطبق على اتجاه التطور في‬
‫القرن الحادي والعشرين ‪ .‬وإذا كان منظور التفاؤل ‪ ،‬إصلحيا ً كان أم ثوريا ً ‪،‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسعى وِيؤمن بإمكانية تحقيق عدد من الجندة في المستقبل مثل إقامة قيم‬
‫الخيروالجمال في الواقع وتحقيق الوحدة في إطار كل قطر وإيقاف الحروب‬
‫الهلية ‪ ،‬وأشكال الجتماعي السياسي بين القوميات المختلفة داخل العالم‬
‫العربي بين الوحدات القليمة الكبيرة ‪ ،‬مثل وادي النيل‪ ،‬المغرب العربي‪،‬‬
‫الشام ‪ ،‬الخليج وشبه الجزيرة العربية ‪،‬وكذلك الوحدة بين هذه القاليم‬
‫والقطار الداخلية فيها‪ ،‬وإلى المن والحماية من عدوان الدول الكبرى‬
‫وإسرائيل‪ ،‬وحتى بعض الدول السلمية إيران وتركياـ التي تهدد جاراتها‬
‫العربيات‪ ،‬وتحقيق التقدم التقني والعلمي ‪ ،‬وتنيمة المعارف والفنون‪،‬‬
‫والساهة في البداع النساني‪ ،‬ورفع المستوى المعيشي والصحي‪ ،‬وذيادة‬
‫دخلهم وخلق الحياة الروحية والذهنية الراقية ‪ ..‬الخ ‪ ..‬غير أن منظور التشاؤم‬
‫تسنده مؤشرات في واقع نهاية القرن العشرين‪ ،‬يمكن أن يرى وجود‬
‫إحتمالت قوية لتحقيق العكس ‪ .‬المزيد من التجزئ والفقر والحروب‬
‫الداخلية وازدياد قبضة القيم السلبية التعصب الديني والطائفي والعرقي‪،‬‬
‫وأزدياد مساحات الحرمان والضياع‪ ،‬وتحقيق المزيد من النجاح للمشاريع‬
‫الستعمارية التي تهدف إلى السيطرة على الموارد والثروات والتجارة‪،‬‬
‫وكذلك المزيد من النجاح للمشروع الصهيوني وترسيخه في فلسطين وتنامي‬
‫سيطرتهم السياسية والقتصادية في القطار العربية المختلفة‪ .‬كذلك أن‬
‫يؤدي زوال أنظمة) الواقع الراهن( المستقرة نسبيا ً إلى مزيد من النفراط‬
‫والنفلت السياسي والجتماعي ــ وهكذا‪.‬‬
‫ل شك أن قدرا ً من رؤية المنظور المتفائل‪ ،‬بجانب قدر من رؤية المنظور‬
‫المتشائم سوف يتحققان في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬أما رجحان كفة هذا‬
‫أم ذاك فتعتمد على شكل المتغيرات المختلفة التي تتطور الن ومستقبل‪،‬‬
‫ومن أهمها توفير شرطي المعرفة والقدرة‪ ،‬وتتعلقان بالهتداء إلى الطرق‬
‫الصحيحة‪ ،‬وبوجود الرادة لتحقيق الفعل الصائب‪ .‬وفي هذا الطار يمكن‬
‫للمفكر العربي وللمخطط الجتماعي والثقافي العربي أن يقودا خطي‬
‫السياسي العربي لتقليص دائرة التشاؤم في واقع الغد‪ ،‬وتوسيع دائرة‬
‫التفاؤل في ذلك الواقع‪ .‬وهذا يقتضي تطوير دراسات المستقبل وربطها بآلية‬
‫للتخطيط والتنفيذ الجتماعي والسياسي‪ .‬وذلك هو الطريق الوحيد لتعجيل‬
‫الشروط الثقافية وتوجيهها على المدى البعيد في اتجاه المساهمة في تحقيق‬
‫الهداف اليجابية‪ .‬ول بد من النتباه هنا إلى أن التغيير الثقافي الشامل غير‬
‫ممكن‪ ،‬والممكن هو التأثير على اتجاه بعض المفردات الثقافية‪ ،‬واستخدام‬
‫بعض المفردات الثقافية اليجابية الموجودة اليوم لحقيق أفضل شروط‬
‫التقدم على الجبهات المختلفة ‪ ،‬ومثل هذا العمل يقتضي بداية أن يتم توسيع‬
‫دائرة التفاق وسط النخبة الرائدة بتياراتها المختلفة حول المرامي والهداف‬
‫المختارة‪ ،‬لتتجه حركة المجتمعات نحوها‪ ،‬وعلى معايير التنوير‪ ،‬وبنفس القدر‬
‫معايير الظلم والظلمية‪ .‬وعلى أساس مثل التفاق ــ الذي لن يكون إجماعا ً‬
‫أو حتى قريبا ً من الجماع ــــ يمكن للجهد القومي الجماعي أن يعيد صياغة‬
‫محتوى ووسائل التعليم والعلم وغيرهما من أدوات التوجيه‪ ،‬وكل ذلك يتصل‬
‫بصورة قوية بتفسير السلم كدين موجه‪ ،‬أهو دين أرضي التوجه؟ أم اخروي‬
‫التوجه]‪ . [27‬وفي الحالتين كيف يمكن أن يوظف لعمار الرض دون أن‬
‫نحاول تقويض اركانه كدين مستقل الوجود يتسامى على أغراض التوظيف‪.‬‬
‫وهذا يقودنا إلى نقطة أخيرة نختم بها هذا التحليل‪ ،‬وهي ما هو السلم الذي‬
‫تنسب إليه " الثقافة السلمية"‪ .‬ونقول إنها الثقافية المهيمنة على مجتمعات‬
‫العالم العربي؟ هذا السؤال الذي يبدو للبعض أوليا‪ ،‬أو بسيطًا‪ ،‬أو أن الجابة‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه من البديهيات‪ ،‬هو من أصعب السئلة‪ ،‬لن الجابة عليه تقتضي استخدام‬
‫مرجعيات معقدة ومتصارعة‪ ،‬تمثلها المؤسسات الدينية والتيارات العلمانية‬
‫وغيرها‪ .‬كما أن الجابة عليه تقتضي استخلص الرسالة العامة من نص عميق‬
‫ــ هو )القرآن الكريم( ــ ‪ .‬وهذه الصعوبة في تطوير فهم موحد لهم‬
‫المصطلحات هنا‪ ،‬وهو السلم‪ ،‬تمثل في الواقع مصدرا ً من أهم مصادر‬
‫الدينامية الجتماعية التي تخلقها الفكرة السلمية في محاولتها للتأثير على‬
‫مسارات الحركة الجتماعية‪ ،‬والتي يمثل هو جزئيا ــ واحدا ً من انعكاساتها‬
‫المعقدة‪ ،‬وتمثل هذه الحركة الجتماعية جزئية أيضا ً ــ واحدة من تأثيرات هذا‬
‫الفكر الذي يبدأ وينتهي بالقول المأثور أن ‪:‬السلم هو دين التوحيد الذي يأمر‬
‫بعبادة رب واحد منزه على الشبيه والمثال ) ليس كمثله شيء(]‪ [28‬وهو‬
‫الكمال المطلق‪ ،‬له تسع وتسعون اسمًا‪ ،‬كلها صفات إل اسم الجللة‪ ،‬الله‬
‫سبحانه وتعالى]‪.[29‬‬
‫المصادر والمراجع‪ :‬قائمةمختارة‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪ .1‬أحمد الياس ـــ صلح عبد الله بن أبي السرح مع مملكة نوباتيا ــ مجلة‬
‫حروف‪ :‬عدد )‪ (38‬ــ دار جامعة الخرطوم للنشر ــ ‪.1991‬‬
‫‪ .2‬أحمد ثابت ــ العولمة والعرب ــ خيارات اقتصادية مرة بين التعميش‬
‫والقتصاد ــ مجلة الجتهاد‪ :‬عدد ‪ 38‬ـــ شتاء ‪.1998‬‬
‫‪ .3‬آرون ريمون ــ المجتمع الصناعي‪:‬ــ ترجمة فكتور باسيل ــمنشورات‬
‫عويدات ــ بيروت باريس ــ ‪.1983‬‬
‫‪ .4‬السيد وليد أباه ــ أزمة التنوير في المشروع الثقافي العربي المعاصر ــ‬
‫مجلة المستقبل العربي‪ :‬العدد ‪145‬ــ مارس ‪.1991‬‬
‫‪ .5‬حسن الترابي ــ أولويات التيار السلمي لثلثة عقود قادمات‪ :‬نشر بيت‬
‫المعرفة للنتاج الثقافي ــ الخرطوم ــ ‪.1991‬‬
‫‪ .6‬حسين مروة ــ النزاعات المادية في الفكر السلمي‪ :‬بيروت )ج ‪ 1‬ــج ‪.(2‬‬
‫‪ .7‬رمزي زكي ــ تناقضات حاكمة لمستقبل العولمة ــ مجلة الجتهاد‪ :‬عدد‬
‫شتاء ‪.1998‬‬
‫‪ .8‬سمير أمين ــ شروط إنعاش التنمية ــ مجلة المستقبل العربي‪ :‬عدد‬
‫‪191‬ــ يناير ‪.1995‬‬
‫‪ .9‬عبد الله بلقزيز ــ مستقبل العمل الوطني في الووطن العربي في ضوء‬
‫التحولت الدولية الجارية ــ مجلة المستقبل العربي ــ عدد ‪ 135‬ــ مارس‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ .10‬عبد اللطيف الحمد ــ رؤية مستقبلية للقتصاد والمجتمع العربي ــ مجلة‬
‫الجتهاد‪ :‬عدد ‪38‬ــ شتاء ‪.1998‬‬
‫‪ .11‬قيصر موسى الزين ــ الحركة التاريخية‪/‬المدينة والدين في أفريقيا‬
‫الشمالية والشرقية )‪1945‬ــ ‪ (1990‬ــ رسالة دكتورا غير منشورة ــ جامعة‬
‫الخرطوم ‪.1991‬‬
‫‪ .12‬كمال فريدتك ــ السلم والرتقاء الجتماعي والتطور القتصادي ــ مجلة‬
‫الجتهادـ عدد ‪38‬ــ شتاء ‪.1998‬‬
‫‪ .13‬لتنويل رالف ‪/‬الصول الحضارية للشخصية ــ ترجمة د‪ .‬عبد الرحمن‬
‫اللبان ــ مؤسسة فرنكلين ــ بيروت ‪.1964‬‬
‫‪ .14‬مالك بن نبي ــ شروط النهضة ــ الكويت‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .15‬محمد بريش ــ حاجتنا إلى علوم المستقبل ــ مجلة المستقبل العربي ‪:‬‬
‫العدد ‪144‬ــ فبراير ‪.1991‬‬
‫‪ .16‬محمد عمر بشيرـ التنوع والقليمية ــ ترجمة سلوى مكاوي ــ بدون‬
‫تاريخ ‪.‬‬
‫‪ .17‬مصطفى النشار ــ العقلية العربية بين النتاج العلم واستيدار الثقافة ــ‬
‫مجلة المستقبل العربي‪ :‬العدد ‪200‬ــ اكتوبر ‪.1995‬‬
‫محمود حيدر ــ المم المتحدة بين زمنين ‪ ،‬من الحرب البادرة إلى الفوضي‬
‫الباردة ــ مجلة الشاهد ــ عدد ‪153‬ــ مايو ‪.199‬‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬حول مفهوم الثقافة والجدل الكاديمي والفكري حولها‪ ،‬يمكن مراجعة‬
‫العديد من الكتابات‪ ،‬مثل‪ :‬هارس‪ ،‬قيرتز‪ ،‬بينديكت‪ ،‬هول‪ ،‬بيكلي‪ ،‬قولدنيز‪،‬‬
‫لنتون‪.‬‬
‫]‪ [2‬انظر بروفيسور محمد بشير عمر ــ التنوع والقليمية‪ ،‬ص ‪ 1‬وما بعدها‪.‬‬
‫]‪ [3‬عن دراسات المستقبل‪ ،‬أهميتها وتطبيقها في الواقع العربي‪ ،‬يمكن‬
‫مراجعة‪ :‬عبد اللطيف الحمد)رؤية مستقبلية للقتصاد والمجتمع العربي(‪.‬‬
‫]‪ [4‬انظر‪ :‬قيصر موسىالزين ــ الحركة التاريخية‪ :‬المدينة والدين‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه غير منشورة ــ جامعة الخرطوم ‪1992‬م‪ ،‬وذلك حول مفهو م‬
‫مستويات الحركة التاريخية واختلف درجات سرعتها‪.‬‬
‫]‪ [5‬انظر في المرجع ‪.patal‬‬
‫]‪ [6‬المصدر السابق‪.‬‬
‫]‪ [7‬يمكن الشارة هناإلى كتاب مالك بن نبي ــ شروط النهضة كنموذج‬
‫لفكرة بهذا الخصوص‪.‬‬
‫]‪ [8‬راجع مثل كتابات سلمة موسى وهو يمثل التجاه الليبرالي المتحرر‪،‬‬
‫وردود الفعال المعاكسة التي أثرها‪ .‬ومن قبله كتابات لطفي السيد‪ .‬ومن‬
‫قبلهما الشيخ محمد عبده والفغاني‪.‬‬
‫]‪ [9‬التعارض هنا أساسا بين السلفيين والليبراليين والماركسيين العرب ‪،‬‬
‫وهي تيارات تكاد تكون موجودة في كل قطر عربي‪.‬‬
‫]‪ [10‬الشارة هنا إلى الدول التي اعتبرت نفسها تقدمية وثورية في مصر‬
‫وسوريا والعراق واليمن والجزائرفي حقبة الستينيات‪ ،‬وقد كانت إلى حد كبير‬
‫دول محافظة في سياساتها الجتماعية والثقافية‪ ،‬وكانت بعض الدول‬
‫المحافظة مثل تونس ــ برقيبة أكثر جرأة منها في سياسات التغيير‬
‫الجتماعي‪.‬‬
‫]‪ [11‬سؤال الرجعية هنا يتصل بالمنطقات واختلفاتها بين السلمية بأشكالها‬
‫المختلفة ــ والليبرالية والماركسية ‪..‬الخ‪..‬‬
‫]‪ [12‬يكاد يكون التراث السلمي في كل قطر عربي ممتزجا بتراث محلي‬
‫يتصل باستمرار عناصر ثقافية من تاريخ هذا القطر السابق للسلم ‪.‬‬
‫]‪ [13‬عادة ما يتنكر اتجاه العصرية للتراث ‪ ،‬ولكن ذلك نسبي ‪ .‬فنجد أن‬
‫العصرية تجد مثل من سلفة بعض التيارات السلمية الصولية‪.‬‬
‫]‪ [14‬نلحظ تطور تفسيرات مبتكرة للنصوص السلمية خاصة القرآنية ‪ ،‬منذ‬
‫أيام الشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا ‪ ،‬خاصة حول المسائل الجتماعية‪.‬‬
‫]‪ [15‬يمكن هنا الشارة إلى الختلف بين مصر عبد الناصر ومصر بعد ذلك ‪.‬‬
‫]‪ [16‬تلعب التيارات السلمية النامية دور التيارات اليسارية خلل الستينيات‬
‫فيما يتعلق بالتطرف السياسي في مخاصمة الدول الغربية‪ ،‬بخاصة الوليات‬
‫المتحدة ‪ ،‬خاصة في حقبة الثمانينيات والتسعينيات ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [17‬أهم المخاطر هنا تعميق النقسام الداخلي في المجتمعات العربية حول‬
‫توجهات هذه الحركات السلمية الصولية ‪ ،‬مع إقحام بعض الدول العربية‬
‫في معارك خاسرة بسبب عدم التكافؤ في القوة مع الغرب‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫]‪ [18‬لعبت المهدية مثل في السودان دور الضحية في نهاية القرن التاسع‬
‫عشر ‪.‬ولعبت هذا الدور العراق في نهاية القرن العشرين ‪.‬وغيرهما‪ ...‬المثلة‬
‫كثيرا ً ‪.‬‬
‫]‪. [19‬راجع مقالة أحمد إلياس عن اتفاقية البقط في مجلة حروف ــ عدد‬
‫مزدوج ‪2‬ــ ‪ )1991 ،3‬مجلة دار النشر بجامة الخرطوم( ‪.‬‬
‫]‪ [20‬يمكن الشارة كذلك إلى الحملة الصحفية الواسعة في مصر في‬
‫أعقاب هزيمة يونيو ‪ ،1967‬والتي كانت ترددمقولة ضرورة خلق مجتمع‬
‫عصري لتجنب المزيد من الهزائم‪.‬‬
‫]‪ [21‬يتجلى ذلك بوضوح منذ كامب ديفيد وزيارات السادات للقدس عام‬
‫‪ ،1978‬ليس في حالة مصر فقط ولكن في حالة دول أخرى مثل الردن‬
‫وسوريا وحركة فتح الفلسطينية‪.‬‬
‫]‪ [22‬توجد ايضا حركات أخرى مهمة مثل الجماعات السلفية ‪ ،‬وجماعة‬
‫الجهاد والتفكير‪.‬‬
‫]‪ [23‬يمكن رصد التحولت الفكرية الكبيرة حول بعض القضايا الجتماعية ‪،‬‬
‫مثل المرأة والجتهاد في حركات إسلميةكالتيار الرئيسي ل) الخوان‬
‫المسلمين( في السودان وتونس ‪ .‬ويمكن مراجعة فكر الترابي والغنوشي‪.‬‬
‫]‪ [24‬هذا ل يعني إسقاط ما طورته الحارة السلمية عن حقوق المحكومين‬
‫وتجلى بصورة واضحة في فقه السياسة الشرعية وبعض الممارسات‬
‫الحميدة للخلفاء‪.‬‬
‫]‪ [25‬انظر مثل سمير أمن‪ ،‬شروط إنعاش التنمية ــ مجلة المستقبل العربي‬
‫ــ عدد ‪191‬يناير ‪.1995‬‬
‫]‪ [26‬انظر مصطفى النشار ــ العقلية العربية بين إنتاج العلم واستيراد‬
‫التقانة ــ مجلة المستقبل العربي ــ عدد ‪ 200‬ــ أكتوبر ‪ 1995‬وكذلك آرون ــ‬
‫المجتمع الصناعي‪.‬‬
‫]‪ [27‬الشارة هنا إلى نظرية ماكس فيبر في تصنيفه للديان بين أخروية‬
‫التوجه‪ ،‬مثل الهندوسية‪ ،‬ودنيوية التوجه مثل البروتستانية المسيحية‪ .‬ويتهم‬
‫عالدة التيار الوصفي بالدعوة للنسحاب من واقع الحياة الرضية وقبول‬
‫الظلم والبؤس إما على أساس فكرة التعويض في عالم ذهني بديل‪ ،‬أو على‬
‫أساس التعويض الخروي للمظلومين‪ ،‬ويمكن النظر إلى ذلك باعتبار اتهاما ً‬
‫تختلف حوله الراء‪.‬‬
‫]‪ [28‬القرآن الكريم ــ سورى الشورى ــ الية ‪.11‬‬
‫]‪ [29‬ومع ذلك فهناك من يعتقد بأن اسم الجللة مشتق وليس جامدا‪ ،‬وفي‬
‫رأيهم أنه من )الوله(‪ ،‬إلى الحب الشديد‪ ،‬وهو المعبود بحب‪.‬‬
‫* جامعة الخرطوم ــ معهد الدراسات الفريقية والسيوية‬

‫)‪(15 /‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقافة مفهوم ذاتي متجدد ‪...‬‬


‫د‪.‬نصر عارف ـ إسلم أون لين ‪...‬‬
‫على الرغم من سيادة لفظ "ثقافة" كمرادف للفظ النجليزي "‪ ،"Culture‬إل‬
‫أن ذلك ل يمنع وجود اختلف كبير في الدللت الصلية بين المفهومين‪،‬‬
‫"الثقافة" في اللغة العربية من "ثقف" أي حذق وفهم وضبط ما يحويه وقام‬
‫به‪ ،‬وكذلك تعني‪ :‬فطن ذكي ثابت المعرفة بما يحتاج إليه‪ ،‬وتعني‪ :‬تهذيب‬
‫وتشذيب وتسوية من بعد اعوجاج‪ ،‬وفي القرآن‪ :‬بمعنى أدركه وظفر به كما‬
‫ل" )الحزاب‪.(61:‬‬ ‫ذوا وَقُت ُّلوا ت َ ْ‬
‫قِتي ً‬ ‫خ ُ‬‫فوا أ ُ ِ‬
‫ما ث ُقِ ُ‬ ‫في قوله تعالى‪ " :‬مل ْعوِني َ‬
‫ن أي ْن َ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ومن خلل هذه الدللت يمكن تحديد أبعاد المفهوم‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن مفهوم "الثقافة" في اللغة العربية ينبع من الذات النسانية ول ُيغرس‬
‫فيها من الخارج‪ .‬ويعني ذلك أن الثقافة تتفق مع الفطرة‪ ،‬وأن ما يخالف‬
‫ما‪ -‬تنعت‬
‫الفطرة يجب تهذيبه‪ ،‬فالمر ليس مرده أن يحمل النسان قي ً‬
‫بالثقافة‪ -‬بل مرده أن يتفق مضمون هذه القيم مع الفطرة البشرية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن مفهوم "الثقافة" في اللغة العربية يعني البحث والتنقيب والظفر‬
‫بمعاني الحق والخير والعدل‪ ،‬وكل القيم التي ُتصلح الوجود النساني‪ ،‬ول‬
‫يدخل فيه تلك المعارف التي تفسد وجود النسان‪ ،‬وبالتالي ليست أي قيم‬
‫ما ل تنتمي لجذور ثقافته الحقيقية‬ ‫وإنما القيم الفاضلة‪ .‬أي أن من يحمل قي ً‬
‫فهذه ليست بثقافة وإنما استعمار وتماهٍ في قيم الخر‪.‬‬
‫قا لظروف بيئته‬ ‫‪ - 3‬أنه يركز في المعرفة على ما يحتاج النسان إليه طب ً‬
‫ومجتمعه‪ ،‬وليس على مطلق أنواع المعارف والعلوم‪ ،‬ويبرز الختلف الواضح‬
‫بين مفهوم الثقافة في اللغة العربية ومفهوم "‪ "Culture‬في اللغة النجليزية‪،‬‬
‫حيث يربط المفهوم العربي النسان بالنمط المجتمعي المعاش‪ ،‬وليس بأي‬
‫سا على ثقافة معينة مثل المفهوم النجليزي‬ ‫مقياس آخر يقيس الثقافات قيا ً‬
‫القائم على الغرس والنقل‪.‬‬
‫وبذلك فإنه في حين أن الثقافة في الفكر العربي تتأسس على الذات‬
‫والفطرة والقيم اليجابية‪ ،‬فإنها في الوقت ذاته تحترم خصوصية ثقافات‬
‫المجتمعات‪ ،‬وقد أثبت السلم ذلك حين فتح المسلمون بلًدا مختلفة فنشروا‬
‫القيم السلمية المتسقة مع الفطرة واحترموا القيم الجتماعية اليجابية‪.‬‬
‫دا‪ ،‬وبذلك تنفي تحصيل مجتمع ما‬ ‫ما ل تنتهي أب ً‬ ‫‪ - 4‬أنها عملية متجددة دائ ً‬
‫العلوم التي تجعله على قمة السلم الثقافي؛ فكل المجتمعات إذا استوفت‬
‫مجموعة من القيم اليجابية التي تحترم النسان والمجتمع‪ ،‬فهي ذات ثقافة‬
‫تستحق الحفاظ عليها أّيا كانت درجة تطورها في السلم القتصادي فل يجب‬
‫النظر للمجتمعات الزراعية نظرة دونية‪ ،‬وأن ُتحترم ثقافتها وعاداتها‪ .‬إن‬
‫الثقافة يجب أن تنظر نظرة أفقية تركيبية وليست نظرة رأسية اختزالية؛‬
‫تقدم وفق المعيار القتصادي ‪-‬وحده‪ -‬مجتمع على آخر أو تجعل مجتمع ما‬
‫نتيجة لتطوره المادي على رأس سلم الحضارة‪.‬‬
‫وقد أدت علمنة مفهوم الثقافة بنقل مضمون والمحتوى الغربي وفصله عن‬
‫الجذر العربي والقرآني إلى تفريغ مفهوم الثقافة من الدين وفك الرتباط‬
‫بينهما‪.‬‬
‫وفي الستخدام الحديث صار المثقف هو الشخص الذي يمتلك المعارف‬
‫الحديثة ويطالع أدب وفكر وفلسفة الخر‪ ،‬ول يجذر فكره بالضرورة في‬
‫ما‪.‬‬‫عقيدته السلمية إن لم يكن العكس تما ً‬
‫ووضع المثقف كرمز "تنويري" بالفهم الغربي في مواجهة الفقيه‪ ،‬ففي حين‬
‫ينظر للخير بأنه يرتبط بالماضي والتراث والنص المقدس‪ ،‬ينظر للول ‪-‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المثقف‪ -‬بأنه هو الذي ينظر للمستقبل ويتابع متغيرات الواقع ويحمل رسالة‬
‫النهضة‪ ،‬وبذلك تم توظيف المفهوم كأداة لتكريس الفكر العلماني بمفاهيم‬
‫تبدوا إيجابية‪ ،‬ونعت الفكر الديني ‪ -‬ضمًنا‪ -‬بالعكس‪.‬‬
‫حا في استخدام كلمة الثقافة الشائع في المجال الفكري‬ ‫وهو ما نراه واض ً‬
‫والدبي في بلدنا العربية والسلمية؛ وهو ما يتوافق مع نظرة علم الجتماع‬
‫وعلم الجتماع الديني وعلم النثروبولوجيا إلى الدين باعتباره صناعة إنسانية‬
‫ل‪ ،‬وأنه مع التطور النساني والتنوير سيتم تجاوز‬‫وليس وحيا منز ً‬
‫الدين‪..‬والخرافة!!‬
‫م بأصولها وتراثها‪ .‬وعبر‬
‫مل ّ‬
‫أما في المنظور السلمي فمثقف المة هو ال ُ‬
‫التاريخ حمل لواء الثقافة فقهاء المة وكان مثقفوها فقهاء‪ ..‬وهو ما يستلزم‬
‫تحرير المفهوم مما تم تلبيسه به من منظور يمكن فيه معاداة الدين أو على‬
‫أقل تقدير النظر إليه بتوجس كي تعود الثقافة في الستخدام قرينة التنوير‬
‫السلمي الحقيقي‪ ،‬وليس تنوير الغرب المعادي للله‪ ،‬والذي أعلن على‬
‫لسان نيتشه موت الله فأدى فيما بعد الحداثة إلى موت المطلق وتشيؤ‬
‫النسان‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫اتجاهات ترجمة المفهوم للعربية‪:‬‬
‫مع بداية التصال الفكري والمعرفي بين المجتمع العربي والمجتمعات‬
‫الوروبية انتقل مفهوم "‪ "Culture‬إلى القاموس العربي واتخذت الترجمة‬
‫اتجاهين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اتجاه ترجمة مفهوم "‪ "Culture‬إلى اللفظ العربي "ثقافة"‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فكان سلمة موسى ‪-‬في مصر‪-‬أول من أفشى لفظ ثقافة مقابل "‪-"Culture‬‬
‫وقد تأثر في ذلك بالمدرسة اللمانية في تعريف ربط الثقافة بالمور الذهنية‪،‬‬
‫حيث عّرف الثقافة بأنها هي المعارف والعلوم والداب والفنون التي يتعّلمها‬
‫الناس ويتثقفون بها‪ ،‬ومّيز بين الثقافة "‪ "Culture‬المتعلقة بالمور الذهنية‬
‫والحضارة "‪ "Civilization‬التي تتعلق بالمور المادية‪.‬‬
‫ولقد عرفت اللفظة العربية بنفس المضمون الوروبي للمفهوم‪ ،‬مما شجع‬
‫الدعوة إلى النقل والحلل للقيم الغربية محل القيم العربية والسلمية‬
‫انطلًقا من مسلمات النتشار الثقافي والمثاقفة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اتجاه ترجمة "‪ "Culture‬إلى اللفظ العربي "حضارة"‪:‬‬
‫وهو اتجاه محدود برز في كتابات علماء الجتماع والنثروبولوجيا العرب في‬
‫ترجماتهم للمؤلفات الوروبية في هذين الحقلين‪ ،‬وفي المقابل ترجموا لفظ‬
‫"‪ "Civilization‬باللفظ العربي "مدنية" ‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الثقة بالله تعالى وأثرها في العمل السلمي‬


‫يتناول الدرس مدى ثقة الدعاة بالله وتأثير ذلك على سلوكهم ومدى ثقة‬
‫الصحابة بنبينا صلى الله عليه وسلم وكيف أثمرت هذه الثقة حتى دانت لهم‬
‫كسرى وقيصر‪ .‬ثم يتحدث عن مظاهر الثقة بالمؤسسة الدعوية مع تطبيقات‬
‫عملية على الواقع ويختم بخلصة تبين ثمار الثقة بالله إن أحسن الداعية‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلم الظن بالله ‪.‬‬


‫م لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَرفوا عَلى أن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ِ‬ ‫مقدمة ‪ :‬يقول الله تعالى‪ {:‬قل َيا ِ‬
‫زي‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫م ل يُ ْ‬ ‫مةِ الل ّهِ ]‪] }[53‬سورة الزمر[ ويقول سبحانه‪ {:‬ي َوْ َ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬
‫ُ َ ْ ِ‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫التحريم[‬ ‫]سورة‬ ‫[}‬ ‫‪8‬‬ ‫]‬ ‫ه‬ ‫ع‬
‫َ َ ُ‬‫م‬ ‫نوا‬ ‫َ ُ‬‫م‬ ‫ءا‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ال ُ ّ ِ ّ َ ِ َ‬
‫ذي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫َ‬
‫ن[رواه مسلم وأبوداود وابن‬ ‫ن ِبالل ّهِ الظ ّ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م إ ِّل وَهُوَ ي ُ ْ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫موت َ ّ‬ ‫م‪َ] :‬ل ي َ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫عن ْد َ ظ َ ّ‬ ‫ل أَنا ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م‪َ ] :‬قا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ماجه وأحمد‪ ..‬وََقا َ‬
‫شاَء[ رواه أحمد والدارمي‪ .‬هذه الشواهد القرآنية‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫دي ِبي فَل ْي َظ ُ ّ‬ ‫عَب ْ ِ‬
‫والحاديث النبوية تؤكد على حسن الثقة بالله‪ ،‬وعدم اليأس والقنوط من‬
‫رحمته؛ فهو سبحانه يؤيد بنصره رسله وأتباعهم على مر العصور والدهور‪،‬‬
‫فلنثق ولنطمئن إلى علو المسلم وهيمنته على أعدائه مادام مع الله‪ ،‬وقد‬
‫عير الله قوما فقال تعالى‪ {:‬وذ َل ِك ُم ظ َنك ُم ال ّذي ظ َننتم بربك ُ َ‬
‫م ‪[23]...‬‬ ‫م أْرَداك ُ ْ‬ ‫َُْ ْ َِ ّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫}]سورة فصلت[‪ .‬فل نظن بالله إل خيًرا‪ ،‬وليكن ما عند الله أوثق مما في‬
‫أيدينا من متاع زائل‪.‬‬
‫والمتتبع لهذا البحث يجد أنه مقسم إلى ثلثة أقسام رئيسة‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬يختص بالثقة بالله ومدى تأثيرها على سلوك الدعاة‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬يختص بالثقة بأسوتنا‪ :‬محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ومدى ثقة صحابته به ‪ ..‬وكيف تمثلت هذه الثقة بسلوك واقعي أدان لها ملك‬
‫كسرى وقيصر‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬مظاهر الثقة بمؤسسة الدعوة السلمية مع تطبيقات عملية‬
‫على واقع الدعوة والحياة وأهمية هذه الثقة التي تتوقف عليها استمرارية‬
‫الدعوة إلى الله في إطار الدعوة‪.‬‬
‫ثم ُيختم البحث بخلصة تبين ثمار الثقة بالله إن أحسن الداعية المسلم الظن‬
‫بالله‪.‬‬
‫مدخل‪:‬‬
‫إن الثقة بالله تعالى موقف ينشأ عما يقوم بنفس المؤمن من أن الله حق‬
‫وما خله باطل‪ ،‬وأن هدى الله هو الهدى ليس بعده إل الضلل‪ ،‬فإذا استقر‬
‫ما بأن الله هو‬ ‫ما حاس ً‬ ‫هذا العلم بالنفس وصار ديدن المؤمن‪ ،‬واعتقاًدا جاز ً‬
‫الناصر ‪ ..‬هو المؤيد بنصره من يشاء ‪ ..‬أورث المؤمن حالة من الثقة‬
‫المطلقة بصحة الطريق الذي يسلكه مقبل ً على ربه وعامل ً في سبيله‪ ،‬وذلك‬
‫يدعوه للقدام بثبات نحو الغاية المنصوبة أمامه على صراطها المستقيم‪.‬‬
‫وثقة المؤمن في الله وفي شرعه ثقة وطيدة ل تزعزها الشكوك‪ ،‬فهو إنما‬
‫يوجه لعلى ما يصبو إليه البشر‪ ،‬وأكمل ما يقصدون‪ -‬لله الكبير المتعال‪ -‬بينما‬
‫ينحط أهل الشرك ويتخذون من دون الله آلهة ما هم إل بعض خلقه‪ ،‬ل‬
‫يماثلونه في شيء ‪ .‬والمؤمن إنما يجعل ولءه لله الواحد القهار‪ ،‬الذي‬
‫يصرف أسباب الحياة‪ ..‬يجلب الخير ويكشف الضر ‪ ..‬والذي ينفرد بالملك يوم‬
‫الدين ل عاصم من أمره ول يملك أحد ٌ معه شيًئا ‪ ..‬والمؤمن إذ يهتدي بهدى‬
‫الله‪ ،‬ويتبع شريعته؛ يثق أنه على طريق سديد ‪ ..‬وهكذا يتم للمؤمن اليقين‬
‫القاطع بأنه يأوي إلى ركن شديد‪ ،‬ويسير على طريق سديد‪ ،‬ويصح اعتماده‬
‫ن]‪“ }[79‬سورة النمل”‬ ‫مِبي ِ‬ ‫حقّ ال ْ ُ‬ ‫ك عََلى ال ْ َ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ َ‬ ‫على ربه‪ {:‬فَت َوَك ّ ْ‬
‫ه‬‫م الل ّ ُ‬ ‫صْرك ُ ُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫ن]‪[159‬إ ِ ْ‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫{فَإ َِذا عََز ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِهِ وَعَلى الل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫صُرك ْ‬ ‫ذي ي َن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن َذا ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مف َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫خذ ُلك ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ب لك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫فََل َ‬
‫ب‬‫ما ك َت َ َ‬ ‫صيب ََنا إ ِّل َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ن]‪“ }[160‬سورة آل عمران” {قُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬
‫ن]‪“}[51‬سورة التوبة”‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫موَْلَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫ه ل ََنا هُوَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫نقلة لطيفة‪ :‬ننتقل بها لنتعرف على جانب آخر‪ -‬وأقصد بذلك‪ :‬الجانب‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫'الحركي'‪ -‬من جوانب الثقة‪:‬بعد أن نظرنا إلى الثقة بمنظار إيماني تهفو إليه‬
‫القلوب بأجنحتها‪ ،‬دعنا أخي الداعية نفتح ثغرة ننظر من خللها إلى ماضينا‬
‫السلمي التليد‪ ،‬ونتحسس أخبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ذلك 'الجيل القرآني الفريد' ننظر إليهم بمنظار الثقة بالله ‪ ..‬وكيف حولوا‬
‫ذلك المفهوم إلى 'حركة ' شهد لها التاريخ على مر العصور‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫َ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫صارِيّ ل ّ‬ ‫مام ِ اْلن ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مي ُْر ب ْ ُ‬ ‫فهذا عُ َ‬
‫ض[ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ َ‬
‫ل‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ضَها ال ّ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫موا إ ِلى َ‬ ‫م ب َد ٍْر‪ُ ] :‬قو ُ‬ ‫حاب ِهِ َيو َ‬ ‫ص َ‬ ‫لل ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫م[‬ ‫ض َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ْ‬
‫ل‪ ] :‬ن َعَ ْ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ضَها ال ّ‬ ‫ة عَْر ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫م‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫مي ُْر ب ْ ُ‬ ‫عُ َ‬
‫ك‬ ‫ك عَلى قَوْل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫مل َ‬ ‫ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪ :‬ب ٍَخ ب ٍَخ فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل‪ ] :‬فَإ ِن ّكَ‬ ‫ن أهْل َِها َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب ٍَخ ب ٍَخ[ َقا َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫جاَءةَ أ ْ‬
‫ْ‬
‫ل اللهِ إ ِل َر َ‬ ‫ل‪ :‬ل َواللهِ َيا َر ُ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫ن أ َهْل َِها” فَأ ْ‬
‫ت‬‫حِيي ُ‬ ‫ن أَنا َ‬ ‫ل‪ ] :‬لئ ِ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ي َأك ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن قََرن ِهِ فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مَرا ٍ‬ ‫ج تَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫مرِ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫ن الت ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ما كا َ‬ ‫َ‬ ‫مى ب ِ َ‬ ‫ة فََر َ‬ ‫ويل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياة ٌ ط ِ‬ ‫َ‬
‫مَراِتي هَذِهِ إ ِن َّها ل َ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫ُ‬
‫حّتى آك َ‬ ‫َ‬
‫ل[ رواه مسلم وأحمد‪.‬ما أحوجنا نحن الدعاة إلى صيحة عمير‬ ‫حّتى قت ِ َ‬‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫َقات َلهُ ْ‬
‫هذه ‪ ..‬نقتبس منها جذوة تنير طريق الدعاة المظلم؛ لترسم له معالم‬
‫الطريق ‪ ..‬بالثقة بالله في كل حركة ‪ ..‬وفي كل سكنة‪ ،‬نعم هذه صيحة من‬
‫العماق ‪] !!..‬هذه نماذج من ذلك الجيل السامق الذي تربى بالقرآن في‬
‫حجر محمد صلى الله عليه وسلم في ظلل التوجيه الرباني الكريم‪ {:‬قُ ِ‬
‫ل‬
‫ب‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ن وَل ِي ّ َ‬ ‫ن]‪[195‬إ ِ ّ‬ ‫ن فََل ت ُن ْظ ُِرو ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫عوا ُ‬ ‫اد ْ ُ‬
‫ن]‪“} [196‬سورة العراف”‪..‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ‬
‫ثم ماذا كان بعد هذا الذى الذي احتملوه من كيد المشركين‪ ،‬وهذا العتصام‬
‫بالله الذي نّزل الكتاب وهو يتولى الصالحين؟ كانت الغلبة‪ ،‬والعزة‪ ،‬والتمكين‬
‫لولياء الله‪ ،‬وكانت الهزيمة‪ ،‬والهوان‪ ،‬والدثور للطواغيت الذين قتلوا‬
‫الصالحين‪ ،‬وكانت التبعية ممن بقي منهم ممن شرح الله صدره للسلم‬
‫لهؤلء السابقين الذين احتملوا الذى بثقة في الله ل تزعزع‪ ،‬وبعزيمة في الله‬
‫ل تلين‪..‬‬
‫ً‬
‫ن صاحب الدعوة إلى الله في كل زمان وفي كل مكان لن يبلغ شيئا إل‬ ‫إ ّ‬
‫بمثل هذه الثقة‪ ،‬وإل بمثل هذه العزيمة‪ ،‬وإل بمثل ذلك اليقين ‪ ..‬ومهما أسفر‬
‫الباطل من تعد ٍ وأطلق على الدعاة تهديده‪ ،‬وبقى في وجه كلمة الحق‬
‫الهادئة‪ ،‬وعربد في التعبير والتفكير ‪ ..‬ينبغي على الدعاة أن يمضوا في‬
‫الطريق‪ ،‬وأن يحملوا الواجب الملقى على عاتقهم[”طريق الدعوة في ظلل‬
‫القرآن”‪.‬‬
‫مصادر الثقة بالله‪:‬‬
‫‪ - 1‬ضعف ل يتسرب إلى نفسك ‪] :‬وهذا هو كتاب الله ينطق بيننا‪ ،‬محذًرا من‬
‫أن يتسرب الضعف إلى نفوس التباع‪ ،‬فتحن قلوبهم إلى الستسلم‪ ،‬لن الله‬
‫القدير مؤيدهم وناصرهم‪ ،‬وآخذ بأيديهم‪ ،‬وموهن كيد أعدائهم ‪ {...‬وََل ت َهُِنوا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ن وَت َْر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َأل َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َأل َ ُ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َأل َ ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫قوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫ِفي اب ْت َِغاِء ال ْ َ‬
‫ما]‪“ }[104‬سورة النساء”‪.‬ويقول تعالى‪{:‬‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬‫ما َ‬ ‫ه عَِلي ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ما َل ي َْر ُ‬ ‫َ‬
‫م]‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فَل ت َهُِنوا وَت َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مالك ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ن ي َت َِرك ْ‬ ‫م وَل ْ‬ ‫معَك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َوالل ُ‬ ‫م العْلوْ َ‬ ‫سلم ِ وَأن ْت ُ ُ‬ ‫عوا إ ِلى ال ّ‬
‫‪“ }[35‬سورة محمد” ‪.‬‬
‫ويبث القرآن الثقة في المجاهدين بأنفسهم معلًنا أن النصر بيد الله وحده‪،‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫وأن القلة مع تأييد الله لبد من أن تغلب الكثرة مهما بلغت من قوة‪...{:‬ك ْ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪“}[249‬سورة‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬


‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ة ك َِثيَرة ً ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ت فِئ َ ً‬‫ن فِئ َةٍ قَِليل َةٍ غَل َب َ ْ‬‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫مائت َي ْ ِ‬
‫ن ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َك ْ‬ ‫البقرة” ويقول تعالى‪ {:‬إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ة ي َغْل ُِبوا أ َل ْ ً‬
‫ن]‪[65‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م قوْ ٌ‬ ‫فُروا ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬‫فا ِ‬ ‫مائ َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫} “سورة النفال”‬
‫ويقوي القرآن في نفوس المجاهدين الثقة بالنصر؛ لنهم إنما يجاهدون في‬
‫سبيل الحق وحده‪ ،‬ولن وراء الحق قوًيا ينصر أهل الحق‪ ،‬وهو يملك وحده‬
‫ن لَ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫جنود السموات والرض‪ {:‬ذ َل َ َ‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫مُنوا وَأ ّ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موَْلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫م]‪“ }[11‬سورة محمد”[” التربية في القرآن لمحمد عبد الله‬ ‫موَْلى ل َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫السمان” ‪.‬‬
‫يقول سيد قطب‪-‬رحمة الله عليه‪ -‬في 'الظلل' في تفسير هذه الية‪] :‬ومن‬
‫كان الله موله وناصره فحسبه‪ ،‬وفيه الكفاية والغناء‪ ،‬وكل ما قد يصيبه إنما‬
‫فا لوعد الله‬ ‫هو ابتلء وراءه الخير‪ ،‬ل تخلًيا من الله عن وليته له‪ ،‬ول تخل ً‬
‫بنصر من يتولهم من عباده‪ ،‬ومن لم يكن الله موله؛ فل مولى له‪ ،‬ولو‬
‫تجمعت له كل أسباب الحماية وكل أسباب القوة التي تجعله يعرفه الناس‬
‫بها[”في ظلل القرآن”‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ما أدرك تمام الدراك الثقة بالله‬ ‫وهذا داعية آخر يخاطبنا بكلمات من نور ل ّ‬
‫وبنصره لدعوته‪ ،‬وأن الله لن يخذل عصبة السلم ‪ ..‬ولن يترك لراية الخير‬
‫أن تتناولها أيدي الطغاة ‪ ..‬كلمات الستاذ عبد القادر عودة رحمه الله عندما‬
‫قالنها دعوة الله وليست دعوة أشخاص‪ ،‬وإن الله عّلم المسلمين أن الدعوة‬
‫ترتبط به ول ترتبط بالدعاة إليها‪ ،‬وأن حظ الشخاص منها من عمل بها أكرمه‬
‫الله بعمله‪ ،‬ومن ترك العمل بها‪ ،‬فقد أبعد الخير عن نفسه‪ ،‬وما يضير الدعوة‬
‫شيًئا[”العوائق‪ ،‬للراشد” ‪.‬‬
‫‪ - 2‬رجعة إلى الله والصلة به عز وجل ‪ :‬يقول أحد الدعاة‪] :‬ادعوا المسلمين‬
‫صا ‪ ..‬ادعوهم إلى رجعة حقيقية‪-‬ل رجعة كلمية لفظية‪ -‬إلى الله عز‬ ‫خصو ً‬
‫وجل ‪ ..‬ادعوهم إلى توثيق الصلة به‪ ،‬وصدق العبودية له‪ ،‬وربط القلب بالفكر‬
‫‪ ..‬إنكم يا شباب إذا رجعتم إلى الله هذه الرجعة الصادقة؛ كنتم العلون‪،‬‬
‫وكنتم قدًرا من قدر الله الذي ل يرد ‪ ..‬إذا أردتم الخرة؛ هانت عليكم الدنيا‪،‬‬
‫فتحررتم من إسار الدنيا‪ ،‬وإذا عرفتم الله صغر عندكم من سواه وما سواه‪،‬‬
‫بل ذاب في أعينكم‪ ،‬وفني في قلوبكم كل ما عداه‪ ،‬ولم يعد يستأهل الطلب‬
‫والنصب إل قربه ورضاه‪ ،‬وإذا استشعرتم رابطتكم بربكم وعونه لكم‪ ،‬وأيقنتم‬
‫أنه معكم؛ رأيتم أنفسكم أقوى من كل قوى الشيطان والطغيان ‪ !!..‬وهكذا‬
‫يولد المسلم ولدة جديدة من عقيدته ل من رحم أمه‪ ،‬وينبعث بمعرفته بالله‬
‫وحرارة إيمانه به ‪ ..‬ولقد أحسن جند الله المؤمنون المخلصون‪ ،‬الذين فرغوا‬
‫من أنفسهم‪ ،‬ووهبوا حياتهم‪-‬كل حياتهم‪ -‬لربهم‪ ،‬فلم يتحركوا‪ ،‬ولم يقفوا‪ ،‬ولم‬
‫يعطوا‪ ،‬ولم يمنعوا‪ ،‬ولم يحبوا‪ ،‬ولم يبغضوا‪ ،‬ولم يحاربوا‪ ،‬ولم يسالموا إل به‬
‫لب ل تصده‬ ‫وفيه ومن أجله عز وجل ‪ ..‬لقد أحسوا أنهم قدر من قدر الله الغ ّ‬
‫ول ترده قوة في الرض إل أن يشاء الله ‪”[..‬أزمة روحية‪ ،‬عصام العطار”‪.‬‬
‫قا به في‬ ‫‪ - 3‬مع الله في كل حال‪] :‬أن أكون مع الله في كل حال ‪ ..‬واث ً‬
‫قدرته على نصري إن أنا بذلت السباب‪ .‬وإن لم أستطع جني الثمار فإنها‬
‫دا في الملتقى[ ‪!!..‬‬
‫ستنتظرني عند ربي ‪ ..‬غ ً‬
‫أن أكون مع الله في سبحات الفكر ‪ ..‬أن أكون مع الله في لمحات البصر ‪..‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قا لهذا الخلق ومدبًرا لهذا الكون ‪ ..‬وأن‬ ‫أرى بديع صنعه فأوقن بأن هناك خال ً‬
‫أكون مع الله حال احتدام الخطر ‪ ..‬موقًنا بأن الله ل يخذل عند وقع الذى‬
‫وتصاعد الصراع‪ ،‬موقًنا بأن فوق عسر المحن يسرا ربانيًا‪ ،‬يستجلبه بوحدة‬
‫يحرص عليها مع إخوانه المؤمنين‪ ،‬يرغم الشيطان بها عند اختلف الجتهاد‬
‫وتزييفات النفراد ‪ ..‬أن أكون مع الله في حب أهل التقى‪ ،‬وكره من قد‬
‫فجر ‪ ..‬فلذلك يكون في كل حال ‪ ..‬مع الله[”العوائق‪،‬للراشد”‪.‬‬
‫]‪ ..‬وأن أكون متصل ً برباط وثيق مع الله متوكل ً عليه في جميع أموري متيقًنا‬
‫بأن الله تعالى هو المنفرد بالخلق‪ ،‬والتدبير‪ ،‬والضرر والنفع‪ ،‬والمنع والعطاء‪،‬‬
‫وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأن الله تعالى يكفي من يتوكل‬
‫عليه‪ ،‬ويفوض المور إليه ‪ ..‬ل سيما من يتوكل عليه في أمور الدعوة إلى الله‬
‫ونصره وإعلء كلمته وجهاد أعدائه‪ ،‬قال تعالى حكاية عن موسى وهارون‪{:‬‬
‫ل َل ت َ َ‬ ‫ن ي َط َْغى]‪َ[45‬قا َ‬ ‫َ َ‬ ‫خا ُ َ‬
‫ما‬ ‫معَك ُ َ‬ ‫خاَفا إ ِن ِّني َ‬ ‫ط عَل َي َْنا أوْ أ ْ‬ ‫فُر َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫َقاَل َرب َّنا إ ِن َّنا ن َ َ‬
‫معُ وَأ ََرى]‪“ }[46‬سورة طه”‪ .‬وهذه المعية‪ -‬معية النصر والتأييد‪ -‬غير‬ ‫س َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫مقصورة على أنبيائه ورسله المتوكلين عليه في تبليغ رسالته‪ ،‬وإنما هي‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شاملة لعباده المؤمنين المتقين‪-‬لسيما الدعاة منهم إلى دينه‪ {-‬إ ِ ّ‬
‫ن]‪“ }[128‬سورة النحل”‪.‬‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وا َوال ّ ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫عدة الداعي‪:‬‬
‫إن للثقة بالله تعالى متطلبات وعدة ‪ ..‬ولبد للداعية من عدة قوية من 'الفهم‬
‫الدقيق' و'اليمان العميق' و'التصال الوثيق' بالله تعالى ‪ ..‬هذه هي مقومات‬
‫عدة الداعي وأركانها‪ ،‬وإذا فقدها لم يغن عنها شيء آخر‪ ،‬وإذا ضعفت معانيها‬
‫دا‬
‫في نفسه فعليه أن يقويها‪.‬والتصال الوثيق بالرب جل جلله ضروري ج ً‬
‫للداعي المسلم ‪ ..‬فبه تهون عليه الصعاب‪ ،‬وتخفف اللم‪ ،‬وتنتزع من قلبه‬
‫مُعوا ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج َ‬‫س قَد ْ َ‬‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الخشية من الناس‪{ :‬ال ّ ِ‬
‫ل]‪“}[173‬سورة آل‬ ‫كي ُ‬‫م ال ْوَ ِ‬
‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬‫ح ْ‬ ‫ماًنا وََقاُلوا َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عمران” ويحس بعزة اليمان؛ لنه موصول بالقوي العزيز‪{ :‬وَل ِلهِ العِّزةُ‬
‫ن]‪“}[8‬سورة المنافقون”‪ .‬فل‬ ‫مو َ‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫ن وَل َك ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬ ‫وَل َِر ُ‬
‫يعظم في عينه باطل ول مبطل؛ لن الباطل وأهله من التافه الحقير‪ ،‬فل‬
‫يمكن أن يعظم في أعين المؤمنين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قا بأن ما معه هو الشيء‬ ‫فالداعية يثق في ميدان الدعوة‪ ،‬ويوقن إيقاًنا عمي ً‬
‫م ل وجود له ‪ ..‬ولك أن توازن‬ ‫الوحيد المثمر‪ ،‬وأن ما عداه لثمر له؛ لنه وَهْ ٌ‬
‫بين شعور زارع يبذر بذوًرا سليمة‪ ،‬وآخر يبذر بذوًرا عفنة وهو يدرك أنها عفنة‬
‫‪ ..‬بل لك أن توازن بين هذين‪:‬أحدهما يبذر بذوًرا سليمة‪ ،‬والخر ليس في يده‬
‫شيء ‪ ..‬إل أنه يقبض قبضته ثم يبسطها في الجو‪ ،‬لينشر على الرض ل شيء‬
‫‪ !!..‬محاكًيا فعل الرجل الول ‪ ..‬فأي العملين حق‪ ،‬وأيهما باطل؟!‬
‫العوامل التي تقوي الثقة في الله ‪:‬‬
‫‪ - 1‬معرفة الله سبحانه وتعالى عن طريق اليمان بأسمائه وصفاته الكاملة ‪:‬‬
‫خا؛ لنه قد‬ ‫فلها أثر كبير في نفس المسلم‪ ،‬حيث إنها تجعل إيمانه قوًيا راس ً‬
‫عرف خالقه حق المعرفة‪ ،‬وقد تبينت له صفاته من قوة ورحمة‪ ،‬وبطش‬
‫وعفو‪ ،‬وجلل وقدرة‪ ،‬وعزة وكرامة‪ ،‬وأنه هو الول ول شيء قبله‪ ،‬والخر ول‬
‫م]‪[3‬‬
‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬
‫ن وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫خُر َوال ّ‬ ‫شيء بعده‪{ :‬هُوَ اْل َوّ ُ‬
‫ل َواْل ِ‬
‫}“سورة الحديد” وهو عليم وخبير بكل شيء‪ ..‬هذه المعرفة وغيرها تجعل‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ب ِذِك ْرِ الل ّهِ‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مُنوا وَت َط ْ َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫للمؤمن طمأنينة وراحة في النفس‪ { :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ َر ِ‬ ‫ب]‪“ }[28‬سورة الرعد” وَعَ ْ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫أَل ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ‬
‫الل ّه عَن َ‬
‫ن‬
‫سِعي َ‬ ‫ة وَت ِ ْ‬ ‫سعَ ً‬ ‫ن ل ِل ّهِ ت ِ ْ‬ ‫ل‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫ة[رواه البخاري ومسلم والترمذي‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫صا‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫ما ً ِ َ ِ ً َ ْ ْ َ َ َ َ‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫دا‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ئ‬
‫َ ّ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س ً‬ ‫ا ْ‬
‫وابن ماجه وأحمد‪.‬‬
‫والذي يؤمن بالله وبصفاته ويصدقها‪ ،‬ل يتسرب إليه اليأس ول ينفطر في‬
‫حال من الحوال؛ فإنه يؤمن بالذي له خزائن السموات والرض‪ ،‬فهذا اليمان‬
‫يفيض على قلبه طمأنينة غير عادية‪ ،‬ويملؤه سكينة وأمل ً وثقة‪،‬ولو أهين في‬
‫الدنيا وطرد عن كل باب من أبوابها‪ ،‬وضاقت عليه سبل العيش وانقطعت‬
‫عنه السباب‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بملئكة الله‪ :‬أن نؤمن بوجود الملئكة‪ ،‬وأنهم يطيعون الله تعالى‬
‫خرهم في ملكه‪ ،‬وهم يقومون بأوامره حق‬ ‫ول يعصون له أمًرا‪ ،‬والله تعالى س ّ‬
‫شا؛ مسخرين للعمل لوامر الله عز‬ ‫القيام‪ ،‬وقد أعطى الله الملئكة قوة وبط ً‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫وجل‪ ،‬وأخبر الله عز وجل عنهم وعن شدتهم في نار جهنم‪َ {:‬ياأي َّها ال ِ‬
‫ة ِغَلظٌ‬ ‫مَلئ ِك َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ُقوا أ َن ْ ُ‬
‫جاَرةُ عَل َي َْها َ‬ ‫ح َ‬‫س َوال ْ ِ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫م َناًرا وَُقود ُ َ‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َءا َ‬
‫ن]‪“ }[6‬سورة التحريم”‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صو َ‬ ‫داد ٌ ل ي َعْ ُ‬ ‫ش َ‬‫ِ‬
‫وهذه المعرفة بالملئكة تجعل للمؤمن ثقة بالله؛ حيث إن الله تعالى أخبر‬
‫مَلئ ِك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ك إ َِلى ال ْ َ‬ ‫حي َرب ّ َ‬ ‫بأنه ينزل الملئكة لمساعدة عباده الصالحين‪{ :‬إ ِذ ْ ُيو ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا ]‪“}[12‬سورة النفال”‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م فَث َب ُّتوا ال ّ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫أّني َ‬
‫قا بالله ؟‬ ‫كيف تكون واث ً‬
‫هناك من يتساءل في شوق ولهفة‪ :‬كيف أثق بالله ؟! وكيف أحصل على هذه‬
‫الثقة؟ وما هو طريقها؟‬
‫ونجيب على هذا التساؤل بأن هناك طريقين يمكن الحصول بهما على الثقة‬
‫بالله تعالى‪:‬‬
‫ل‪ :‬اليمان باليوم الخر ‪ :‬إن عقيدة اليمان باليوم الخر‪ -‬البعث والحساب‪-‬‬ ‫أو ً‬
‫هي قضية كبرى‪ ،‬تقوم عليها العقيدة السلمية‪ ،‬ويقوم عليها كذلك التصور‬
‫الكلي لمقتضيات هذه العقيدة الواضحة؛ فالمسلم مطالب بأن يؤمن بها‪ ،‬لنه‬
‫مكلف أن يقوم على الحق ليدفع الباطل‪ ،‬وأن يفيض بالخير ليقضي على‬
‫الشر‪ ،‬فلبد إذن من عالم آخر ُيبعث فيه الناس للحساب والجزاء‪..‬وكذلك إن‬
‫هذا اليمان بهذا اليوم نعمة ‪ ..‬يضفيها اليمان على القلب‪ ،‬ويهبها الله تعالى‬
‫للفرد الفاني الضعيف‪.‬‬
‫ومن آثار هذه النعمة‪ :‬أنها تبعث الطمأنينة والثقة التامة بالله عز وجل‪ ،‬فنجد‬
‫المؤمن الذي يشعر بهذه النعمة سباًقا إلى الجهاد‪ ،‬وبقدر ما تكون هذه‬
‫النعمة واضحة ومتمكنة من القلب؛ بقدر ما تجد النسان مندفًعا إلى العمل‬
‫والصلح‪ ..‬فنجده قد باع نفسه لله عز وجل‪.‬‬
‫حا في قصص الرسل عليهم‬ ‫وقد صور القرآن لنا هذه الثقة وهذا اليمان واض ً‬
‫السلم‪ :‬فنجدهم قد اتضح لهم مشهد الخرة‪ ،‬فكأنهم يرون الجنة والنار‪،‬‬
‫ويرون المجرمين يتهاوون في النار‪ ،‬ويرون الصالحين ينعمون بالجنة‪ .‬كما‬
‫ن]‪[62‬‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ك َّل إ ِ ّ‬ ‫قال موسى عليه السلم لصحابه‪َ {:‬قا َ‬
‫} “سورة الشعراء” فهو واثق بنصر الله عز وجل ووعده‪ .‬ويتكرر هذا‬
‫ي لَ‬ ‫َ‬
‫المشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬في غزوة حنين قال‪ ] :‬أَنا الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ب[رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫مط ّل ِ ْ‬ ‫ن عَب ْدِ ال ْ ُ‬ ‫ب أَنا اب ْ ُ‬ ‫ك َذِ ْ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصور لنا موقف الذين استقر اليمان في قلوبهم‪ :‬فاستعلوا على جميع‬
‫الضغوط والتهديد والعذاب؛ لنهم علموا ما هناك‪ ،‬نعم إنها قصة الستعلء‬
‫َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫ه قَب ْ َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ل َءا َ‬ ‫اليماني كما يصورها الله تعالى في القرآن الكريم‪َ {:‬قا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن أي ْدِي َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َلقَط ّعَ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫حَر فَل َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ه ل َك َِبيُرك ُ ُ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫َءاذ َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ضي َْر إ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ُ‬ ‫ن]‪َ[49‬قاُلوا َل َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫صل ّب َن ّك ُ ْ‬ ‫ف وََل َ‬ ‫خَل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جل َك ُ ْ‬ ‫وَأْر ُ‬
‫ن]‪“} [51‬سورة‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن ك ُّنا أ َوّ َ‬ ‫طاَياَنا أ ْ‬
‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫فَر ل ََنا َرب َّنا َ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مع ُ أ ْ‬
‫َ‬
‫‪[50‬إ ِّنا ن َط ْ َ‬
‫الشعراء”‪ .‬وقد كان قدوتنا من النبياء‪ ،‬والصحابة‪ ،‬والسلف الصالح عنواًنا لنا‬
‫في ثقتنا بالله‪.‬‬
‫نماذج رائعة للثقة بالله‪:‬‬
‫‪ -1‬ثقة النبياء بالله‪ :‬أما ثقة النبياء بالله‪ ،‬فهي ثقة كبيرة‪ ،‬وتوجد قصص‬
‫كثيرة لهم ومواقف تدل على ثقتهم الكبيرة بالله‪:‬‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫ُ‬
‫صُروا َءال ِهَت َك ْ‬ ‫حّرُقوه ُ َوان ْ ُ‬ ‫قصة إبراهيم عليه السلم‪:‬قال عزوجل‪َ {:‬قاُلوا َ‬
‫م]‪“ }[69‬سورة‬ ‫هي َ‬ ‫ما عََلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سَل ً‬ ‫كوِني ب َْرًدا وَ َ‬ ‫ن]‪[68‬قُل َْنا َياَناُر ُ‬ ‫عِلي َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫النبياء” وسبب غضب المشركين هو محاجة إبراهيم لهم‪ ،‬وترى عند قراءة‬
‫اليات الذاكرة للحجيج التي أقامها عليهم مدى قوة النبي وثقته حين يجادلهم؛‬
‫يسفه أصنامهم‪ ،‬وكذلك يكسرها حتى ل يبقي إل على كبيرها‪ ،‬وفوق ذلك‬
‫يتهكم عليهم‪ ،‬فكل هذا يدل على الثقة الكبيرة القوية بالله؛ فنصره الله‪،‬‬
‫ول النار الحارقة إلى باردة‪.‬‬ ‫وح ّ‬
‫َ‬
‫ما ت ََراَءى‬ ‫ن]‪[60‬فَل َ ّ‬ ‫شرِِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫قصة موسىعليه السلم‪ :‬قال عزوجل‪{ :‬فَأت ْب َُعوهُ ْ‬
‫ال ْجمعان َقا َ َ‬
‫ي َرّبي‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ك َّل إ ِ ّ‬ ‫ن]‪َ[61‬قا َ‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫سى إ ِّنا ل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫لأَ ْ‬ ‫َ ْ َ ِ‬
‫فل َقَ فَ َ‬ ‫سيهدين]‪[62‬فَأوحينا إَلى موسى أ َ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫كا َ‬ ‫حَر َفان ْ َ‬ ‫ك ال ْب َ ْ‬ ‫صا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ ِ ِ‬
‫م]‪“ }[63‬سورة الشعراء”‪.‬وهذه اليات تدل دللة واضحة‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ق َ‬
‫ظي ِ‬ ‫كالطوْدِ العَ ِ‬ ‫فِْر ٍ‬
‫على هذه الثقة الكبيرة‪ ،‬فقد كان موسى عليه السلم ومن معه من بني‬
‫إسرائيل في موقف صعب‪ ،‬فالبحر من أمامهم‪ ،‬وفرعون وجنوده من خلفهم‪،‬‬
‫ن الذين آمنوا مع موسى ظنوا أنهم هالكون ويئسوا من النجاة‪ ،‬ولكن‬ ‫حتى إ ّ‬
‫ثقة موسى بربه في النجاة كانت أكبر من هذا الموقف‪ ،‬فطمأن من معه‪ ،‬ثم‬
‫فلق البحر وعبر وأغرق الله فرعون وجنوده‪.‬‬
‫ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه‪ :‬نوضحها بذكر قصتين من القصص‬
‫العديدة للرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬تدل دللة قاطعة على هذه الثقة‬
‫بالله‪:‬‬
‫عن ْد َ‬ ‫صّلي ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ل‪ ] :‬ب َي ْن َ َ‬ ‫سُعودٍ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫جهْ ٍ‬ ‫ل أُبو َ‬ ‫قا َ‬ ‫س فَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫جُزوٌر ِباْل ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَقَد ْ ن ُ ِ‬ ‫جُلو ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ص َ‬ ‫ل وَأ ْ‬ ‫جهْ ٍ‬ ‫ت وَأُبو َ‬ ‫ال ْب َي ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫جد َ‬ ‫س َ‬ ‫مدٍ إ َِذا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه ِفي ك َت ِ َ‬ ‫ضعُ ُ‬ ‫خذ ُه ُ فَي َ َ‬ ‫ن فَي َأ ُ‬ ‫زورِ ب َِني فَُل ٍ‬ ‫َ‬
‫ج ُ‬ ‫سَل َ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫أي ّك ُ ْ‬
‫ن‬
‫ه ب َي ْ َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جد َ الن ّب ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫خذ َه ُ فَل َ ّ‬ ‫قوْم ِ فَأ َ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ث أَ ْ‬ ‫َفان ْب َعَ َ‬
‫م أن ْظُر لوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك َت ِ َ‬
‫ت ِلي‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ض وَأَنا َقائ ِ ٌ‬ ‫ل عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫مي ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫كوا وَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫في ْهِ َفا ْ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫م َوالن ّب ِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن ظهْرِ َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫حت ُ ُ‬ ‫ة طَر ْ‬ ‫َ‬ ‫من َعَ ٌ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫سا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ ْ‬‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صّلى‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ضى‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ة فَط َرحته عَنه ث ُم أ َ‬ ‫ي‬
‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ي َ ِ‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫ُ‬ ‫وَهِ َ‬
‫عا ث َلًثا وَإ َِذا‬ ‫َ‬ ‫عا د َ َ‬ ‫ن إ َِذا د َ َ‬ ‫م وَكا َ‬ ‫َ‬ ‫عا عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م دَ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫صوْت َ ُ‬ ‫ه َرفَعَ َ‬ ‫صلت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫سأ َ َ‬
‫ه‬
‫صوْت َ ُ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ت فَل َ ّ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ش[ ث ََل َ‬ ‫ٍ‬ ‫قَري ْ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫م عَل َي ْ َ‬ ‫ل‪ ] :‬الل ّهُ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ل ث ََلًثا ث ُ ّ‬ ‫سأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م قا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شام ٍ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫جهْ ِ‬ ‫م عَلي ْك ب ِأِبي َ‬ ‫ل‪ ] :‬اللهُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫خافوا د َعْوَت َ ُ‬ ‫حك و َ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب عَن ْهُ ْ‬ ‫ذ َهَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة وَ َ‬
‫ة بْ ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ف وَعُ ْ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ة وَأ َ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ة َوالوَِليد ِ ب ْ ِ‬ ‫ن َرِبيعَ َ‬
‫َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫شي ْب َ َ‬ ‫ن َرِبيعَ َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫وَعُت ْب َ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دا َ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ث ُ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫وال ِ‬ ‫ّ‬ ‫هف َ‬ ‫َ‬ ‫فظ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ‬
‫ساب ِعَ وَل ْ‬ ‫ط[ وَذكَر ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَي ْ ٍ‬ ‫أِبي ُ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حُبوا إ َِلى ال ْ َ‬ ‫َ‬


‫ب‬
‫قِلي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ب َد ْرٍ ث ُ ّ‬
‫م ُ‬ ‫عى ي َوْ َ‬
‫صْر َ‬
‫مى َ‬
‫س ّ‬
‫ن َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حق ّ ل َ َ‬
‫قد ْ َرأي ْ ُ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫ب ب َد ْرٍ [رواه البخاري ومسلم والنسائي‪-‬مختصرا‪ -‬وأحمد‪.‬‬ ‫قَِلي ِ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أما القصة الثانية‪ :‬فهي عند ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف‬
‫لعله يجد من يسمع لدعوته بعد أن آذاه أهل مكة‪ ،‬فلم يجد في أهل الطائف‬
‫ما كان يأمل‪ ،‬بل ردوه ‪ ،‬وأغلظوا له الجواب ومكث عشرة أيام يتردد على‬
‫منازلهم دون جدوى‪ .‬ورغم ذلك فقد كانت ثقته بالله أكبر من هذا‪ ،‬وبقي‬
‫يدعوهم إلى أن طردوه من الطائف‪ ،‬ووقفوا له صفين يرمونه بالحجارة‪،‬‬
‫وزيد بن حارثة يحاول أن يرد عنه الحجارة‪ ،‬حتى شجوا رأسه وأدموا أقدامه‬
‫إلى أن ألجؤوه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة‪،‬فجاءه ملك الجبال وقال‬
‫َ‬ ‫ك إل َي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫شئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫مرِ َ‬ ‫مَرِني ب ِأ ْ‬ ‫ك ل ِت َأ ُ‬ ‫ل وَقَد ْ ب َعَث َِني َرب ّ َ ِ ْ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ك ال ْ ِ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫له‪ ] :‬أَنا َ‬
‫م اْل َ ْ‬ ‫أَ ُ‬
‫م‪ ] :‬ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن[ فَ َ‬ ‫شب َي ْ َ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أط ْب ِقَ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫شي ًْئا[رواه‬ ‫شرِك ب ِهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حد َه ُ ل ي ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَ ْ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫صلب ِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج الل ُ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫أْر ُ‬
‫البخاري ومسلم ‪ .‬فبعد كل هذه المتاعب‪ ،‬واليذاء الذي أصابه من أهل مكة‬
‫حد الله‪ ،‬فهل بعد‬ ‫وأهل ثقيف يدعو الله عز وجل أن يخرج من أصلبهم من يو ّ‬
‫هذه الثقة ثقة؟! وهو ثابت على الحق‪ ..‬ثابت على دعوته ل يلين ول ييأس؛‬
‫لنه يثق ثقة كاملة بأن نصر الله آت‪ ،‬وأن إظهار الله لهذا الدين لبد منه ولو‬
‫بعد حين‪ ،‬فأيد الله رسوله الكريم عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأظهر هذا الدين‬
‫السلمي الحنيف‪.‬‬
‫‪ - 2‬ثقة الصحابة بالله وبرسوله ‪ :‬أما بالنسبة لثقة الصحابة بربهم وبرسوله‬
‫َ‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫مَرَنا َر ُ‬ ‫ل‪ ] :‬أ َ‬ ‫ب َقا َ‬ ‫عازِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬فتتمثل فيما رواه ال ْب ََراُء ب ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خَرة ٌ ِفي َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ض ل ََنا َ‬ ‫ل وَعََر َ‬ ‫ق َقا َ‬ ‫خن ْد َ ِ‬ ‫فرِ ال ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ها إ َِلى َر ُ‬ ‫شك َوْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫مَعاوِ ُ‬ ‫خذ ُ ِفيَها ال ْ َ‬ ‫ق َل ت َأ ُ‬ ‫خن ْد َ ِ‬ ‫ال َ‬
‫ه َقا َ‬ ‫َ‬ ‫م ‪َ-‬قا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ضعَ ث َوْب َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل‪ -:‬وَ َ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ف‪ :‬وَأ ْ‬ ‫ل عَوْ ٌ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَر‬ ‫ة فَك َ‬ ‫ضْرب َ ً‬ ‫ب َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ه[ فَ َ‬ ‫سم ِ الل ِ‬ ‫ل ]ب ِ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫معْوَ َ‬ ‫خذ َ ال ِ‬ ‫خَرةِ فَأ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫م هَب َط إ ِلى ال ّ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ث ُل ُ َ‬
‫ها‬ ‫صوَر َ‬ ‫صُر قُ ُ‬ ‫شام ِ َواللهِ إ ِّني لب ْ ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فاِتي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ه أكب َُر أعْ ِ‬ ‫ل‪ ] :‬الل ُ‬ ‫جرِ وََقا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ث ال َ‬
‫ُ‬
‫ر‬
‫ج ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ث ال ْ َ‬ ‫سَر ث ُل ُ َ‬ ‫خَرى فَك َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫م َقالَ‪] :‬ب ِ ْ‬ ‫ذا [ث ُ ّ‬ ‫كاِني هَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَر ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫صَر َ‬ ‫صُر قَ ْ‬ ‫ن وَأب ْ ِ‬ ‫دائ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫صُر ال ْ َ‬ ‫س َوالل ّهِ إ ِّني َلب ْ ِ‬ ‫ح َفارِ َ‬ ‫فاِتي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ه أك ْب َُر أعْ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫قي ّ َ‬ ‫قل َعَ ب َ ِ‬ ‫خَرى فَ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ضْرب َ ً‬ ‫ب َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ه[ وَ َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬ ‫ل‪] :‬ب ِ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ذا [ث ُ ّ‬ ‫كاِني هَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫اْلب ْي َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صن َْعاَء‬ ‫ب َ‬ ‫وا َ‬ ‫صُر أب ْ َ‬ ‫ن َوالل ّهِ إ ِّني َلب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ال ْي َ َ‬ ‫فاِتي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ه أك ْب َُر أعْ ِ‬ ‫قالَ‪] :‬الل ّ ُ‬ ‫جرِ فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ذا [ رواه أحمد‪ .‬نرى في هذه القصة‪ ،‬وقد كان الصحابة يحفرون‬ ‫كاِني هَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل‪ ،‬وكذلك الماء‪ ،‬وكان يعلم الصحابة‬ ‫الخندق وقد كان الجو بارًدا‪ ،‬والطعام قلي ً‬
‫ما سيقبل عليهم من الحصار الشديد الذي سيلزمهم‪ ،‬ورغم ذلك لم يصدهم‬
‫عن الحفر أي سبب من هذه السباب‪ ،‬وعندما عرضت لهم هذه الصخرة‪،‬‬
‫وكسرها الرسول صلى الله عليه وسلم كان الرسول يبشرهم بمغانم كثيرة‪،‬‬
‫وبقصور الشام الحمر‪ ،‬وقصر المدائن بفارس‪ ،‬وبأبواب صنعاء في اليمن‪ ،‬ما‬
‫هذه الثقة العظيمة؟ ثقة الصحابة بقول الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫وبربهم‪ ،‬لو كان بينهم من هو ضعيف اليمان لقال‪ :‬أيبشرنا الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بهذه الغنائم التي تحتاج منا إلى الخروج إليها‪ ،‬ونحن مقبلون على‬
‫حرب مع قريش وعرب الجزيرة العربية‪ ،‬وقد ل يبقى منا أحد؟! ولكن هؤلء‬
‫الصحابة الذين رباهم الرسول عليه الصلة والسلم وعلمهم معنى الثقة‬
‫بالله‪ ،‬والذين عندما بشرهم بذلك زاد من حماسهم في الحفر‪ ،‬وأذهب عنهم‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التعب‪ ،‬والجوع والعطش حتى نصرهم الله على عدوهم بدون قتال‪ ،‬كما قال‬
‫سل َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُنود ٌ فَأْر َ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِذ ْ َ‬ ‫مُنوا اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬‫تعالى‪َ { :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫صيًرا]‪“} [9‬سورة‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ها وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬‫جُنوًدا ل َ ْ‬ ‫حا وَ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِري ً‬
‫الحزاب”‪.‬‬
‫نقول في ختام هذا الفصل‪] :‬إن صاحب الدعوة إلى الله في كل زمان ومكان‬
‫لن يبلغ شيًئا إل بمثل هذه الثقة‪ ،‬وإل بمثل هذه العزيمة وإل بمثل هذا‬
‫ن]‪[196‬‬ ‫حي َ‬ ‫ب وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬
‫ذي ن َّز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ي الل ّ ُ‬‫ن وَل ِي ّ َ‬ ‫اليقين‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫} “سورة العراف” ومهما أسفر الباطل عن غشمه وأطلق على الدعاة‬
‫تهديده‪ ،‬وبغى في وجه كلمة الحق الهادئة‪ ،‬وعربد‪ ..‬ينبغي على الدعاة أن‬
‫يمضوا في الطريق وأن يحملوا الواجب الملقى على عاتقهم[”طريق الدعوة‬
‫في ظلل القرآن”‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ - 3‬ثقة السلف بالله ‪ :‬أريد أن أروي في هذا الفصل قصة إحدى النساء‬
‫الصالحات أل وهي زوجة أبي النبياء ـ إبراهيم عليه السلم ـ السيدة هاجر ـ‬
‫عي َ‬ ‫خذ َ النساُء ال ْمنط َق من قب ُ‬ ‫س‪ ] :‬أ َوّ َ‬ ‫َقا َ‬
‫خذ َ ْ‬
‫ت‬ ‫ل ات ّ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ ِ ْ ِ َ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ل اب ْ ُ‬
‫َ‬
‫ي‬‫ل وَهِ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَِباب ْن َِها إ ِ ْ‬ ‫هي ُ‬ ‫جاَء ب َِها إ ِب َْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ساَرة َ ث ُ ّ‬ ‫ها عََلى َ‬ ‫ي أث ََر َ‬ ‫ف َ‬ ‫قا ل َت ُعَ ّ‬ ‫من ْط َ ً‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫تى‬
‫َ ْ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ َ ِ ْ َ َْ ِ ِ ْ َ َ ْ َ ٍ ْ َ َ ْ َ َ ِ‬ ‫تُ ْ ِ ُ ُ َ ّ‬
‫ح‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫ر‬
‫َ‬
‫جَراًبا‬ ‫ما ِ‬ ‫عن ْد َهُ َ‬ ‫ضع َ ِ‬ ‫ك وَوَ َ‬ ‫ما هَُنال ِ َ‬ ‫ضعَهُ َ‬ ‫ماٌء فَوَ َ‬ ‫س ب َِها َ‬ ‫حد ٌ وَل َي ْ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ أ َ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫وَل َي ْ َ‬
‫ُ‬
‫ت َيا‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫هأ ّ‬ ‫قا فَت َب ِعَت ْ ُ‬ ‫من ْط َل ِ ً‬ ‫م ُ‬ ‫هي ُ‬ ‫فى إ ِب َْرا ِ‬ ‫م قَ ّ‬ ‫ماٌء ث ُ ّ‬ ‫قاًء ِفيهِ َ‬ ‫س َ‬‫مٌر وَ ِ‬ ‫ِفيهِ ت َ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬‫قال َ ْ‬ ‫يٌء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫س وََل َ‬ ‫س ِفيهِ إ ِن ْ ٌ‬ ‫ذي ل َي ْ َ‬ ‫واِدي ال ّ ِ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫ب وَت َت ُْرك َُنا ب ِهَ َ‬ ‫ن ت َذ ْهَ ُ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫هي ُ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل ن َعَ ْ‬ ‫ذا َقا َ‬ ‫ك ب ِهَ َ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذي أ َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ه آلل ُ‬ ‫تل ُ‬ ‫قال ْ‬ ‫ت إ ِلي َْها فَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل ل ي َلت َ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مَراًرا وَ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ت‪[...‬رواه البخاري وأحمد‪.‬‬ ‫جعَ ْ‬ ‫م َر َ‬ ‫ضي ّعَُنا ث ُ ّ‬ ‫ن َل ي ُ َ‬ ‫ت إ ِذ َ ْ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫من هذا نرى مدى إيمان وثقة وتوكل هذه المرأة على الله‪ ،‬وأن الله لن‬
‫يضيعها‪ ،‬فلم يضيعها الله كما وثقت‪ ،‬وكفى بهذه القصة دليل ً على هذه الثقة‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫سك َن ْ ُ‬ ‫يقول تعالى على لسان نبينا إبراهيم عليه السلم‪َ{:‬رب َّنا إ ِّني أ ْ‬
‫ل أ َفْئ ِد َةً‬ ‫جعَ ْ‬ ‫صَلة َ َفا ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫حّرم ِ َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬ ‫م َ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫عن ْد َ ب َي ْت ِ َ‬ ‫واد ٍ غَي ْرِ ِذي َزْرٍع ِ‬ ‫ذ ُّري ِّتي ب ِ َ‬
‫ن]‪“ }[37‬سورة‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ت لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫م َواْرُزقهُ ْ‬ ‫َ‬
‫وي إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫س ت َهْ ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫إبراهيم” ‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الثقة بالرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬على الداعية أن يثق برسوله‬
‫المين ‪ ..‬موقًنا بأن دعوته هي دعوة الحق التي جاء بها إلى البشرية؛‬
‫ليخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة الرحمن‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدالة‬
‫السلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة الخرة ‪ ..‬على الداعية أن يثق بأسوته‪،‬‬
‫سا يهتدي به في دياجير الليالي‪ ،‬يقول فيه أحد المفكرين‬ ‫ويجعله نبرا ً‬
‫السلميين المبرزين‪] :‬إذا كان هناك إنسان استوعب جوانب دعوته كل‬
‫الستيعاب ووثق بها وبمصيرها كل الثقة‪ ،‬وعرف مضمونها كل المعرفة‪،‬‬
‫وعرف بداياتها ونهاياتها‪ ،‬وأولها وآخرها‪ ،‬ومقدمتها ونتائجها‪ ،‬ولم يتزحزح عن‬
‫جزء منها‪ ،‬بل الخطوة الثانية تأتي مكملة للخطوة الولى وممهدة للخطوة‬
‫التالية‪ ،‬فذلك هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فالرسول عليه‬
‫ما لديه أن منطلق دعوته هو أن الحكم الحقيقي ل‬ ‫حا تما ً‬ ‫السلم كان واض ً‬
‫يجوز أن يكون لغير الله‪ ،‬وأن خضوع البشر لغير سلطان الله وحاكميته‬
‫شرك‪ ،‬وأن التغيير السياسي الساسي الذي ينبغي أن يتم في العالم هو نقل‬
‫البشر من خضوع بعضهم لحاكمية بعض‪ ،‬إلى خضوع الكل لله الواحد القهار‪،‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأن المة التي تحمل هذه القضية بكل متطلباتها‪ ،‬هي التي سيكون بيدها‬
‫ما معها يقوم‬‫مفاتيح الحياة البشرية‪ ،‬ولها قياداتها‪ ،‬ومن هذه البداية وانسجا ً‬
‫ل‪ ،‬ولننظر وضوح‬ ‫كل شيء في حياة البشرية ثانًيا‪ ،‬وحياة المة التي تحمله أو ً‬
‫هذه الجوانب عنده صلى الله عليه وسلم في بداية المر ونهايته[”الرسول ج‬
‫‪ ،1‬سعيد حوى”‪.‬‬
‫مواقف الثقة بالرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫]‪ ..‬وفي جواب الرسول صلى الله عليه وسلم لبي بكر ـ في غار حراء ـ‬
‫َ‬
‫ما[رواه البخاري‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه َثال ِث ُهُ َ‬ ‫ما ظ َن ّ َ‬
‫ك َيا أَبا ب َك ْرٍ ِباث ْن َي ْ ِ‬ ‫تطميًنا لقلبه‪ ،‬فَ َ‬
‫قا َ‬
‫ل‪َ ]:‬‬
‫ومسلم والترمذي وأحمد‪ .‬مثل من أمثلة الصدق في الثقة بالله‪ ،‬والطمئنان‬
‫إلى نصره والتكال عليه عند الشدائد‪ ،‬وهو دليل واضح على صدق الرسول‬
‫جا ومع ذلك‬‫صلى الله عليه وسلم في دعوته بالنبوة‪ ،‬فهو في أشد المآزق حر ً‬
‫تبدو عليه أمارات الطمئنان؛ لن الله بعثه هدى ورحمة للناس‪ ،‬ولن يتخلى‬
‫عنه في تلك الساعات ‪ ..‬وذلك هو قمة الثقة التي كان يتمتع بها رسولنا‬
‫السوة فهل ترى مثل هذا الطمئنان والثقة بالله يصدر عن مدعي‬
‫النبوة؟[”السيرة دروس وعبر‪ ،‬لمصطفى السباعي”‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ش عََلى َر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ن قَُري ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَل ُ ِ‬ ‫مّر ال ْ َ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫سُعودٍ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ب ِهَؤَُلِء ِ‬ ‫ضي َ‬ ‫مد ُ أَر ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫قاُلوا‪َ:‬يا ُ‬ ‫ماٌر فَ َ‬ ‫ل وَعَ ّ‬ ‫ب وَب َِل ٌ‬ ‫صهَي ْ ٌ‬ ‫ب وَ ُ‬ ‫خّبا ٌ‬ ‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫م عَن ْ َ‬ ‫م؟ اط ُْرد ْهُ ْ‬ ‫ن الله عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلِء ال َ ِ‬ ‫ؤلِء؟ أهَ ُ‬ ‫ن ت َب ًَعا ل ِهَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك؟ أفَن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قَوْ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن‪ { :‬وَأن ْذِْر ب ِهِ ال ّ ِ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ل ِفيهِ ْ‬ ‫ك‪ ،‬قال‪ :‬فَن ََز َ‬ ‫م ات َب َعَْنا َ‬ ‫ن ط ََردت َهُ ْ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫فَل َعَل َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‬
‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫فيعٌ لعَلهُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ي وَل َ‬ ‫ن ُدون ِهِ وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫س لهُ ْ‬ ‫م لي ْ َ‬ ‫شُروا إ ِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫يَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما عَلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ي يُ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ْ‬
‫داةِ َوالعَ ِ‬ ‫م ِبالغَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪[51‬وَل ت َطُردِ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫م فَت َكو َ‬ ‫يٍء فَت َطُرد َهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ساب ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫يٍء وَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ساب ِهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ن]‪“} [52‬سورة النعام”[رواه أحمد‪ -‬مختصرا‪ -‬والطبري‪ ،‬وأصله في‬ ‫مي َ‬ ‫الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫في يوم العقبة حيث تم اللقاء بين الرسول صلى الله عليه وسلم والوفد‬
‫الثاني للنصار‪ ،‬كان من أمرهم كما قال العباس بن عبادة‪] :‬يا معشر الخزرج‬
‫هل تدرون علم تبايعون هذا الرجل؟ قالوا‪ :‬نعم! قال‪ :‬إنكم تبايعونه على‬
‫حرب الحمر والسود من الناس‪ .‬فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم‬
‫مصيبة‪ ،‬وأشرافكم قتل ً أسلمتموه؟ فمن الن‪ ،‬فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الموال‬
‫وقتل الشراف فخذوه‪ ،‬فهو والله خير الدنيا والخرة‪ .‬قالوا‪ :‬فإنا نأخذه على‬
‫مصيبة الموال وقتل الشراف[‪.‬‬
‫وهذه مبايعة أخرى من صحابي امتل قلبه ثقة برسول الله صلى الله عليه‬
‫من َعَن ّ َ‬
‫ك‬ ‫حقّ ل َن َ ْ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫ذي ب َعَث َ َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫ل له‪] :‬ن َعَ ْ‬ ‫معُْرورٍ حيث َقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وسلم وهو ال ْب ََراُء ب ْ ُ‬
‫ن أ َهْ ُ‬
‫ل‬ ‫ح ُ‬ ‫م فَن َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ه أُزَرَنا فََباي ِعَْنا َيا َر ُ‬
‫مما نمنع من ُ‬
‫ِ ّ َ ْ َ ُ ِ ْ ُ‬
‫ن كاب ِرٍ [رواه أحمد ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ها كاب ًِرا عَ ْ‬ ‫َ‬ ‫قةِ وَرِث َْنا َ‬ ‫حل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫ب وَأ َهْ ُ‬ ‫حُرو ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل الل ّهِ ن َُباي ِعُ َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ] :‬ت َُباي ُِعوِني‬ ‫ك َقا َ‬ ‫سو َ‬ ‫صار‪َ -‬يا َر ُ‬ ‫قل َْنا‪ -‬أي اْلن ْ َ‬ ‫وهذه مبايعة أخرى‪ ':‬فَ ُ‬
‫َ‬
‫سرِ وَعَلى‬ ‫ْ‬
‫سرِ َوالي ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫قةِ ِفي العُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ط َوالك َ‬ ‫ْ‬ ‫شا ِ‬ ‫طاعَةِ ِفي الن ّ َ‬ ‫مع َوال ّ‬ ‫عََلى ال ّ‬
‫َ‬ ‫س ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫خاُفو َ‬ ‫قوُلوا ِفي الل ّهِ َل ت َ َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَأ ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫ف ََوالن ّهْ ِ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مرِ ِبال ْ َ‬ ‫اْل ْ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫من َُعو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫من َُعوِني إ َِذا قَدِ ْ‬ ‫صُروِني فَت َ ْ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫ة َلئ ِم ٍ وَعََلى أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنا إ ِل َي ْهِ فََباي َعَْناه ُ وَأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫سعَد ُ‬ ‫خذ َ ب ِي َدِهِ أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ة[ فَ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫م وَأب َْناَءك ُ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫م وَأْزَوا َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫دا َيا أ َهْ َ‬ ‫بن زرارة َ وهُو م َ‬
‫ب أك َْباد َ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب فَإ ِّنا ل َ ْ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬ ‫ل ُروَي ْ ً‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫صغَرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ُ ُ َ َ َ َ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه الي َوْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَرا َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ن ن َعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل إ ِّل وَن َ ْ‬ ‫اْل ِب ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫م‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ف فَإ ِ ّ‬ ‫سُيو ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ت َعَ ّ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫خَيارِك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة وَقَت ْ ُ‬ ‫كافّ ً‬ ‫ب َ‬ ‫ة ال ْعََر ِ‬ ‫فاَرقَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫سك ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫خا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ِ َِ ّ ُْ ْ ْ ٌ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ ْ ُ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫تَ ْ ِ ُ َ َ‬
‫ع‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ب‬ ‫ص‬
‫َ ِ ْ ْ ِ‬
‫والل ّهِ َل ن َد َعُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سعَد ُ فَ َ‬ ‫ط عَّنا َيا أ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َقاُلوا أ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ك فَهُوَ عُذ ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫ة فَب َي ُّنوا ذ َل ِ َ‬ ‫جِبين َ ً‬ ‫َ‬
‫شَر َ‬ ‫خذ َ عَل َي َْنا وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫مَنا إ ِل َي ْهِ فََباي َعَْناه ُ فَأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫دا‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ها‬
‫َ ً َ َ ْ َُ َ ً‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫دا‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫هَ ِ ِ َ ْ َ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ذ‬
‫ة [ رواه أحمد‪ ،‬وقال الحافظ ابن حجر‪:‬بإسناد حسن‪.‬‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ْ‬ ‫طيَنا عَلى ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫وَي ُعْ ِ‬
‫]من هذه النصوص يشعر النسان بمقدار الثقة التي كانت تمل قلوب هذا‬
‫الرعيل الول مع معرفتهم بما سيترتب على هذه البيعة من آثار مخيفة[‬
‫“الرسول ج ‪ ،1‬سعيد حوى”‪.‬‬
‫ثمار الثقة بالله‪:‬‬
‫ه‪“ }[6]...‬سورة‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫جاهِد ُ ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫جاهَد َ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول المولى القدير‪ {:‬وَ َ‬
‫العنكبوت”‪.‬إن ثمار الثقة بالله تعالى كثيرة ل تحصى لن الله يجازي المحسن‬
‫إحساًنا‪ ،‬ومن هذه الثمار‪:‬‬
‫الثمار الدنيوية ‪:‬‬
‫م‪] :‬‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الرضا بقضاء الله تعالى وقدره‪ :‬كما قال َر ُ‬
‫ك ِل َحد إّل ل ِل ْمؤْمن إن أ َ‬ ‫عَجبا ِل َمر ال ْمؤْمن إ َ‬
‫ه‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫صا‬
‫ُ ِ ِ ِ ْ َ َْ ُ‬ ‫َ ٍ ِ‬ ‫َ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫س‬‫خي ٌْر وَل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مَرهُ ك ُل ّ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ُ ِ ِ ّ‬ ‫َ ً‬
‫ه[رواه مسلم‬ ‫خي ًْرا ل َُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫ض‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫خ ِيرا ل َه وإن أ َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫را‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ َِ ْ َ َْ ُ َ ّ‬ ‫َ ًْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫والدارمي وأحمد‪ .‬فهو يعيش قرير العين‪ ،‬راضًيا بقضاء الله العادل؛ لن الله‬
‫يحفظه ويعينه‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫اطمئنان النفس وسكينتها بتعرفها على خالقها وهدايته لها‪ :‬فهو مطمئن‬
‫النفس؛ لنه يعرف كيف جاء‪ ،‬وإلى أين يصير؟ وما هو دوره في هذه الحياة‪:‬‬
‫ن]‪“ }[56‬سورة‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫فهو يعيش لهدف‪ {:‬وَ َ‬
‫الذاريات”‪ .‬وهو يقوم بهذا الدور وهو سيعود إلى ربه‪ ،‬فيجازيه على ما‬
‫َ‬
‫ن إ ِلى‬ ‫م ت َُرّدو َ‬ ‫ت ]‪“ }[185‬سورة آل عمران” {ث ُ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫س َذائ ِ َ‬ ‫قدم ‪ {:‬ك ُ ّ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫ن]‪“ }[8‬سورة الجمعة”‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫عدم الندم على ما فات من الدنيا‪ :‬فهو يعلم أن ما عند الله خير وأبقى‪ ،‬وأنه‬
‫دا‪{:‬‬ ‫مهما قدم من عمل صالح؛ فهو سيجده في ميزانه‪ ،‬ول يظلم ربك أح ً‬
‫ه]‪“ }[7‬سورة الزلزلة” وهناك ثمار أخرى‬ ‫خي ًْرا ي ََر ُ‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫أما الثمار الخروية ‪ :‬وهي الثمار الحقيقية‪ ،‬أل وهي جنات النعيم‪ ،‬وفيها ما ل‬
‫عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر‪ ..‬واسمع إلى قول الله‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ُِلوا ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫تعالى يبين جزاء من وثق بوعده ونصره‪ {:‬وََل ت َ ْ‬
‫الل ّه أ َمواتا ب ْ َ‬
‫ضل ِهِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ما َءاَتاهُ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن]‪[169‬فَرِ ِ‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ َ ً َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م وَل هُ ْ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م أل َ‬ ‫فهِ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قوا ب ِهِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ي َل َ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ِبال ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫وَي َ ْ‬
‫ن]‪“ }[170‬سورة آل عمران”‪.‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫أخي المسلم نذكرك في الختام أنه علينا أن نحسن الظن بالله تعالى‪،‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ ظ ّ‬ ‫ل أ ََنا ِ‬‫ج ّ‬‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ل ‪َ ] :‬قا َ‬ ‫م قَد ْ َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫فالرسول َ‬
‫شاَء[رواه أحمد والدارمي‪.‬فهذه الثقة بالله تعالى‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫دي ِبي فَل ْي َظ ّ‬
‫ُ‬ ‫عَب ْ ِ‬
‫تذهب اليأس والقنوط‪ ،‬وتثبت أقدامنا على الطريق الصحيح‪ ،‬وتدفعنا نحو‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغاية ‪.‬‬
‫تمت‬
‫من سلسلة رسائل فتيان الدعوة ‪':‬الثقة بالله تعالى وأثرها في العمل‬
‫السلمي' بإشراف‪ :‬الشيخ‪ /‬جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين‪ ..‬الشيخ‪/‬‬
‫أحمد بن عبد العزيز القطان‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الثقة والطمئنان بالله‪ ..‬من أين تنبع؟‬


‫* محمد مهدي الصفي‬
‫ليس من شك أن القيم التي يؤمن بها النسان في حياته‪ ،‬والتي تتحول أحيانا ً‬
‫إلى رسالة في حياة النسان يضحي في سبيلها‪ ..‬تلهم النسان كثيرا ً من‬
‫العزم والقوة والتضحية‪ ،‬كما أن اليمان بالله يلهم النسان هذا العزم والقوة‪.‬‬
‫وتنبع هذه العزيمة والقوة من نفس النسان‪ ،‬حيث يتحول هذا اليمان‬
‫والعقيدة إلى اتجاه وهدف وقوة في كلتا الحالتين‪:‬‬
‫لكن الفرق بين الحالة الولى والحالة الثانية‪ ،‬أي اليمان بالقيم واليمان بالله‪،‬‬
‫أن النسان في الحالة الولى يتعامل مع أصنام من المفاهيم الميتة ل تملك‬
‫حول ً ول قوة‪ ،‬ول يؤمن النسان في هذه الحالة أنها تمده بقوة أو سلطان‪ ،‬ول‬
‫يثق بأمداده وتعزيزه‪ ،‬خلل المعترك الطويل الذي يخوضه في سبيل العقيدة‪.‬‬
‫بينما يعتقد النسان المؤمن بالله أنه يعبد إلهًا‪ ،‬حيًا‪ ،‬قديرًا‪ ،‬قويًا‪ ،‬رحيمًا‪ ،‬ل حد‬
‫لقدرته وقوته وسلطانه ورحمته‪ ،‬ويثق بامداده وتعزيزه للمؤمنين به خلل‬
‫معترك الحياة‪ ،‬ويؤمن خلل أزمات المعركة ومتاعب الحياة أنه مرتبط بمعين‬
‫ل ينضب من الرحمة وقوة وسلطان ل يقهر‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا الشعور يخلق لدى النسان المؤمن كثيرا من الثقة والطمئنان‪ ،‬ويسنده‬
‫ويربط على قلبه حتى في أحرج الوقات وأشدها‪ ،‬ويوحي إليه أن من ورائه‬
‫دعما ً وتأييدا ً إلهيا ً قويًا‪ ،‬ل يقاومه العدو‪.‬‬
‫وهذا الشعور‪ ،‬في حد نفسه‪ ،‬من أهم مقومات النصر‪ ،‬كما أن فقدان هذا‬
‫الشعور يعتبر من أهم أسباب التخاذل والهزيمة‪.‬‬
‫ول يختلف المر في ساحات الحياة ومعترك الحياة الكبير عن ساحات الحرب‬
‫والقتال‪ .‬فلكي يقاوم النسان عوامل الفشل وأسباب الهزيمة النفسية في‬
‫خضم مسائل الحياة‪ ..‬لبد أن يتمتع بقدرٍ كبيرٍ من الثقة واليمان بالمدد‬
‫الغيبي‪.‬‬
‫وفي غير هذه الحالة يعود النسان في كثير من الحيان مهزوما ً أمام مشاكل‬
‫دته المادية ل تكفي لمواجهة هذه‬ ‫الحياة ومتاعبها الكثيرة‪ ،‬عندما يجد أن ع ّ‬
‫المشاكل‪.‬‬
‫وليس من العسير علينا أن نجد في التاريخ رجال ً أشداء معروفين بقوة‬
‫الشخصية وبالعتداد بالنفس التجأوا إلى النتحار حينما وجدوا أن امكاناتهم‬
‫المادية قاصرة عن مواجهة تحديات المعركة‪.‬‬
‫ول نريد بالطبع أن نقول هنا أن التوكل على الله والعتماد على المدد الغيبي‬
‫يكفي لكسب المعركة في ميادين الوغى والحياة‪ ،‬دون أن يعد النسان‬
‫المؤمن للمعركة عدتها اللزمة والتخطيط الكافي لمواجهة تحديات المعركة‪.‬‬
‫فليس من شك أن العتماد على المدد الغيبي فقط دون العداد لخوض‬
‫المعركة ل يكفي لحراز النصر‪.‬‬
‫ولكن الذي يهمنا في هذا الصدد أن اليمان بهذا المدد الغيبي والثقة بالله يمد‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النسان في ساحات المعركة بكثير من القوة والعزم والصلبة‪ ،‬التي تعتبر‬


‫من دون ريب‪ ،‬من أهم العوامل النفسية لحراز النصر‪ ،‬إلى جانب العوامل‬
‫المادية الخرى لخوض المعركة والخروج منها بالنصر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الثناء المنضبط وسيلة تربوية‬


‫نشعر كثيرا ً في تربيتنا وتوجيهنا أننا نحتاج لبيان الخطاء والنتقاد‪ ،‬وربما اللوم‬
‫والعتاب‪ ،‬وقد يتطور المر للعقوبة‪ ،‬وكل ذلك –حين يكون في إطاره‬
‫الطبيعي‪ -‬ليس مجال ً للنقاش‪.‬‬
‫ومنشأ الشكال إنما هو في اتساع مساحة النتقاد واللوم على حساب غيره‪،‬‬
‫فالنفس تحتاج للثناء والتشجيع‪ ،‬وتحتاج للشعور بالنجاح والنجاز كما أنها‬
‫تحتاج للنقد والتسديد‪ ،‬لكن ما يأخذه النقد واللوم من واقعنا أكثر بكثير مما‬
‫يأخذه الجانب الخر‪.‬‬
‫ومن يتأمل هدي النبي صلى الله عليه و سلم يجد أنه يثني على أصحابه في‬
‫مواقف عدة ومنها‪ ،‬قوله صلى الله عليه و سلم لشج عبد القيس ‪«:‬إن فيك‬
‫لخصلتين يحبهما الله الحلم والناة»)]‪ ،([1‬وقوله لبي هريرة –رضي الله‬
‫عنه‪«: -‬لقد ظننت يا أبا هريرة أن ل يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك‬
‫لما رأيت من حرصك على الحديث…» )]‪ .([2‬وقال أيضا ً ‪«:‬كان خير فرساننا‬
‫اليوم أبو قتادة‪ ،‬وخير رجالتنا سلمة» )]‪ .([3‬وقال لبن مسعود –رضي الله‬
‫عنه‪«: -‬إنك غلم معلم» ‪ ([4]).‬ومن نظر في أبواب المناقب رأى الكثير في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫إن الثناء ُيشِعر الشخص بالرضا والنجاز‪ ،‬ويزيد من ثقته بنفسه‪ ،‬والمربون‬
‫اليوم أحوج مايكونون إلى غرس الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على النجاز‬
‫في ظل جيل يعاني من الحباط‪ ،‬وتسبق هواجس الفشل تفكيره في أي‬
‫خطوة يخطوها‪ ،‬أو مشروع يقدمه‪.‬‬
‫في حين أن النقد واللوم يسهم في تكريس الشعور بالفشل والحباط ونموه‬
‫في النفس‪ ،‬ويضيفه صاحبه إلى تجاربه الفاشلة‪.‬‬
‫والثناء وسيلة غير مباشرة لثارة تطلع الخرين وحماستهم للتأسي بالمثنى‬
‫عليه والقتداء به‪ ،‬وإبرازه مثل ً حيا ً مشاهدا ً أمامهم‪ ،‬لذا فحين قدم طائفة من‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم محتاجين للنفقة‪ ،‬ودعا النبي صلى الله‬
‫صّرة كادت يده أن تعجز عنها‪،‬‬ ‫عليه و سلم أصحابه لذلك‪ ،‬فتصدق رجل ب ُ‬
‫فتتابع الناس بعد ذلك‪ ،‬حينها قال صلى الله عليه و سلم ‪ ”:‬من سن في‬
‫السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من‬
‫أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من‬
‫عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»)]‪.([5‬‬
‫وحتى يؤدي الثناء دوره دون إفراط فلبد من العتدال‪ ،‬فالمبالغة فيه تفقده‬
‫قيمته‪ ،‬وتشعر من يسمعه بأنه ثناء غير صادق ولجاّد‪.‬‬
‫وهو مذموم حين يوجه لمن ليستحقه‪ ،‬أو لمن يخشى عليه العجب والغرور‪،‬‬
‫بل يستحق من يطلقه حينئذ أن يحثى التراب في وجهه‪ ،‬كما قال صلى الله‬
‫عليه و سلم ‪ «:‬إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب» )]‪.([6‬ولهذا‬
‫امتنع صلى الله عليه و سلم عن بيان بعض منزلة قريش‪ ،‬فعن عائشة –رضي‬
‫الله عنها‪ -‬أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها فقال‪ «:‬لول أن تبطر‬
‫قريش لخبرتها بما لها عند الله عز وجل»)]‪.([7‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه مسلم )‪(18‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه البخاري )‪(99‬‬
‫)]‪ ([3‬رواه مسلم )‪(1807‬‬
‫)]‪ ([4‬رواه أحمد )‪(3587‬‬
‫)]‪ ([5‬رواه مسلم )‪(1017‬‬
‫)]‪ ([6‬رواه مسلم )‪(3002‬‬
‫)]‪ ([7‬رواه أحمد )‪(24721‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪...‬‬
‫الثوابت الساسية في السلم‬
‫رئيسي ‪:‬المنهج ‪:‬‬
‫يتناول الدرس الصول أو الثوابت التي بني عليها السلم موضحا أدلة هذه‬
‫الثوابت وأهميتها من القرآن والسنة وأقوال العلماء وموضحا الواجبات التي‬
‫تتفرع عن هذه الصول ويبين موقف المسلم منها‪ .‬ثم يذكر عقب كل أصل‬
‫الفرق التي خالفت هذا الصل ومدى ونوعية المخالفة لهذا الصل حتى يحذر‬
‫منها المسلم والداعية إلى الله‪.‬‬
‫الصل الول ‪ :‬القرآن الكريم ‪ :‬القرآن الكريم كتاب الله المنزل على رسوله‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله إلى أهل الرض‪ ،‬وهو الذي تحدى‬
‫الله به العرب البلغاء أن يأتوا بسورة من مثل سوره‪ ،‬فعجزوا‪ ،‬وكان ذلك من‬
‫أكبر الدلة على أنه من عند الله‪ ،‬وليس من عند البشر؛ لن البشر ل يعجز‬
‫بعضهم أن يأتي بما يأتي به بعضهم‪ ،‬فما من شاعر إل وعورض بمثله وأشعر‬
‫منه‪ ،‬ول من خطيب إل وجاء من هو أخطب منه‪ ،‬ول عالم إل قد جاء من‬
‫يفوقه‪ .‬وكذلك الشأن في كل ما يحسنه البشر يستحيل أن يأتي أحد منهم بما‬
‫يعجز البشر كلهم في كل عصورهم‪ ،‬قال الله تعالى متحديا ً المكذبين برسالة‬
‫رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ْ‬
‫عوا‬‫مث ْل ِهِ َواد ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سوَرةٍ ِ‬ ‫ما ن َّزل َْنا عََلى عَب ْدَِنا فأُتوا ب ِ ُ‬
‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ِفي َري ْ ٍ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫{ وَإ ِ ْ‬
‫قوا‬ ‫َ‬
‫فعَلوا فات ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫َ‬
‫فعَلوا وَل ْ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪[23‬فإ ِ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن اللهِ إ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫داَءك ْ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن]‪' }[24‬سورة البقرة' ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ري َ‬ ‫ت ل ِلكافِ ِ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫جاَرة ُ أ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫س َوال ِ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫الّناَر الِتي وَقود ُ َ‬
‫?وهذا الكتاب الكريم مع بيان الرسول صلى الله عليه وسلم هما مصدرا‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫يٍء وَهُ ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ت ِب َْياًنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫التشريع‪ ،‬قال الله تعالى‪ {:‬وَن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ن]‪' }[89‬سورة النحل' وقال فيه أيضًا‪ُ {:‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شَرى ل ِل ْ ُ‬ ‫وَب ُ ْ‬
‫ُ‬
‫موُْقوذ َةُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خن ِ َ‬ ‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِهِ َوال ْ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫ما أهِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ْ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوالد ّ ُ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ب وَأ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ح عَلى الن ّ ُ‬ ‫ما ذ ُب ِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما ذ َك ّي ْت ُ ْ‬ ‫سب ُعُ إ ِل َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما أك َ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫طي َ‬ ‫ة َوالن ّ ِ‬ ‫مت ََرد ّي َ ُ‬ ‫َوال ُ‬
‫م فَلَ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ِ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫سقٌ الي َوْ َ‬ ‫م فِ ْ‬ ‫موا ِبالْزلم ِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫س ُ‬‫ق ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬ ‫خ َ‬
‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ْ‬ ‫ت لك ْ‬ ‫مل ُ‬ ‫م أك َ‬ ‫ن الي َوْ َ‬ ‫شو ْ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ف ِل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬ ‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫صةٍ غَي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضطّر ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِديًنا فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل َك ُ‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬
‫م]‪' }[3‬سورة المائدة' ‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫?وهذا الكتاب الكريم أنزله الله موضحا ومبينا به السبيل إليه‪ ،‬فهو بصيرة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وفرقان‪ ،‬يفرق بين الشرك والتوحيد‪ ،‬والحق والباطل‪ ،‬وما أحله الله وما‬
‫حّرمه‪ ،‬وما يرضاه الله وما يسخطه‪ ،‬وفرق الله به أيضا ً بين أوليائه وأعدائه‪،‬‬
‫وأوضح سبيل كل فريق منهم‪ ،‬وقد جعله الله ميسرا ً سهل ً للتذكر والعتبار‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ر]‬ ‫مد ّك ِ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرَءا َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬


‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫والتعلم‪ ،‬فقال سبحانه وتعالى‪ {:‬وَل َ َ‬
‫‪' }[17‬سورة القمر'‪.‬‬
‫ب]‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَباَرك ل ِي َد ّب ُّروا َءاَيات ِهِ وَل ِي َت َذكَر أولو اللَبا ِ‬ ‫ب أن َْزلَناهُ إ ِلي ْك ُ‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬ك َِتا ٌ‬
‫‪' }[29‬سورة ص' ‪.‬‬
‫فال َُها]‪' }[24‬سورة‬ ‫ب أ َقْ َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬
‫قرَءا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ ُ ْ‬
‫َ‬
‫وقال تعالى‪ {:‬أفََل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫دوا ِفي ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫عن ْد ِ غَي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ن وَل َوْ َ‬ ‫قْرَءا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫محمد'‪ .‬وقال‪ {:‬أفََل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫خت َِلًفا ك َِثيًرا]‪' }[82‬سورة النساء' ‪.‬‬ ‫ا ْ‬
‫ص‬
‫ق ّ‬ ‫ك نَ ُ‬ ‫?وقد حذر الله سبحانه وتعالى من العراض عنه‪ ،‬قال تعالى‪ {:‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ك من ل َدنا ذك ْرا]‪[99‬م َ‬ ‫كم َ‬
‫ه فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض عَن ْ ُ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ ْ‬ ‫سب َقَ وَقَد ْ َءات َي َْنا َ ِ ْ ُ ّ ِ ً‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫ن أن َْباِء َ‬ ‫عَل َي ْ َ ِ ْ‬
‫مًل]‪}[101‬‬ ‫ح ْ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫ساَء ل َهُ ْ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫مةِ وِْزًرا]‪َ [100‬‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ُ‬
‫ل ي َوْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫م‬‫ل لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫'سورة طه' وقال تعالى في شأن إعراض المنافقين عنه‪{:‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫دوًدا]‬ ‫ص ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن عَن ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫ن يَ ُ‬‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ َِلى الّر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫وا إ َِلى َ‬‫ت ََعال َ ْ‬
‫‪' }[61‬سورة النساء' ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫?وقد أمر الله نبيه الكريم أن يحكم كتاب الله في الصغير والكبير‪ ،‬قال‬
‫مًنا‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫تعالى‪ {:‬وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل‬ ‫حقّ ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ َفا ْ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫حد َة ً وَل َك ِ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫جا وَل َوْ َ‬ ‫من َْها ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫َُّ ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫عا‬ ‫مي‬ ‫ج‬
‫ِ َ ْ ِ ُ ْ َ ِ ً‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ت‬‫َْ ِ‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ب‬
‫ْ َِ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫م‬‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تا‬ ‫ءا‬ ‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ل الل ّه وَل تتبع أ َ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫فون]‪[48‬وأ َن احك ُم بينهم ِ بما أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ِ ْ ْ َْ ُ ْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ه إ ِلي ْ َ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فت ُِنو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫وا َفاعْل ْ‬ ‫ن ت َوَل ْ‬ ‫ك فَإ ِ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫أهْ َ‬
‫س لَ َ‬ ‫أ َنما يريد الل ّ َ‬
‫ن]‪[49‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م ب ِب َعْ ِ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ ُ ِ ُ‬
‫} 'سورة المائدة'‬
‫ولما كان القرآن الكريم بهذه المثابة والمنزلة؛ فإن الله سبحانه وتعالى أتم‬
‫نعمته على أمة السلم بأن كفل له الحفظ والرفعة والمجد‪ ،‬فل تناله يد‬
‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل ُ‬
‫هَ‬ ‫ح ُ‬ ‫بتحريف‪ ،‬أو تبديل‪ ،‬أو نقص‪ ،‬أو زيادة‪ ،‬قال تعالى‪ {:‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫م‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِبالذ ّكرِ ل ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن]‪' }[9‬سورة الحجر' ‪ .‬وقال‪ {:‬إ ِ ّ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬ ‫فهِ ت َن ْ ِ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وََل ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫زيٌز]‪َ[41‬ل ي َأِتيهِ ال َْباط ِ ُ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ه ل َك َِتا ٌ‬ ‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫د]‪' }[42‬سورة الحجر' ‪.‬‬ ‫مي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬‫كتاب ممتنع على التغيير والتبديل‪ ...‬وفي الحديث الصحيح‪...':‬وأ َ‬ ‫فهو‬
‫َ َْ ُ‬
‫ماُء‪ '...‬رواه مسلم وأحمد‪ .‬فلو اجتمعت بحار الرض‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫سل ُ ُ‬ ‫ك ك َِتاًبا َل ي َغْ ِ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫على محو القرآن من الرض لما حصل ذلك‪ ،‬ولو اجتمع كل جبابرة الرض‬
‫وكفارها وفجارها على أن يبدلوا القرآن ما استطاعوا ذلك‪.‬‬
‫وهذه القضية أعني حفظ القرآن وبقاءه‪ ،‬وأنه مصدر الحكم والتشريع؛ هي‬
‫قضية السلم الولى والكبرى‪.‬‬
‫الصل الثاني‪ :‬السنة النبوية‪:‬‬
‫سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي‪ :‬ما أِثر ونقل من أقواله‪ ،‬وأفعاله‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وتقريراته‪ ،‬وصفته صلى الله عليه وسلم‪ .‬وما نقل إلينا ً نقل ً صحيحا ً منها يجب‬
‫علينا تصديقه واعتقاده‪ ،‬والعمل به؛ لن القرآن أمرنا بذلك‪ ،‬وقد تواتر عن‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ما َءاَتاك ُ‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب العمل بسنته‪ ،‬قال تعالى‪ {:‬وَ َ‬
‫ه َفان ْت َُهوا]‪'} [7‬سورة الحشر'‪ .‬وقال تعالى‪{:‬‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫مث ّ‬ ‫ُ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫موك ِفي َ‬ ‫ّ‬
‫حك ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫فََل وََرب ّك ل ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما]‪'} [65‬سورة النساء'‪ .‬وقال تعالى‪َ {:‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫َ‬
‫حذ َِر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه]‪'} [80‬سورة النساء' ‪ .‬وقال تعالى‪ {:‬فلي َ ْ‬ ‫قد ْ أطاعَ الل َ‬ ‫سول ف َ‬ ‫ي ُط ِِع الّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م]‪'} [63‬سورة‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫م عَذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫النور' ‪ ..‬واليات في هذا المعنى كثيرة جدًا‪.‬‬
‫?والسنة‪ -‬في جانب منها‪ -‬تفسير وبيان لكتاب الله تعالى‪ ،‬كما قال جل‬
‫ن]‪[44‬‬ ‫فك ُّرو َ‬‫م ي َت َ َ‬‫م وَل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ن ُّز َ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِللّنا‬ ‫ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫وعل‪ {:‬وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ْ‬
‫ه]‪[17‬فَإ َِذا قََرأَناه ُ َفات ّب ِ ْ‬
‫ع‬ ‫ه وَقُْرَءان َ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ج ْ‬‫ن عَل َي َْنا َ‬ ‫}'سورة النحل' ‪ .‬وقال تعالى‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫ه]‪'} [19‬سورة القيامة' أي‪ :‬إن الله سبحانه‬ ‫ن عَل َي َْنا ب ََيان َ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه]‪[18‬ث ُ ّ‬ ‫قُْرَءان َ ُ‬
‫وتعالى تكفل أن يجمع القرآن في صدر الرسول صلى الله عليه وسلم فل‬
‫ه‪...‬‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫سى]‪[6‬إ ِّل َ‬
‫ما َ‬ ‫ك فََل ت َن ْ َ‬ ‫قرِئ ُ َ‬ ‫سن ُ ْ‬‫ينسى منه إل ما شاء الله أن ينسيه‪َ {:‬‬
‫]‪' } [7‬سورة العلى' ثم إن على الله أن يبينه لرسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ليعمل به‪ ،‬ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم بّين للناس كما أمره الله‬
‫ن هُوَ إ ِلّ‬ ‫وى]‪[3‬إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ‬ ‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد أثنى الله عليه فقال‪ {:‬وَ َ‬
‫حى]‪'} [4‬سورة النجم' ‪.‬‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫وَ ْ‬
‫فالسنة في نهاية المر عائدة إلى الله؛ لنه سبحانه هو الذي أوحى بها‬
‫لرسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأرشده إلى ما قال‪ ،‬وهداه فيما فعل‪ {:‬إ ِّنا‬
‫ه]‪'} [105‬سورة‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما أ ََرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬‫حك ُ َ‬ ‫حقّ ل ِت َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫النساء' ‪.‬‬
‫?وكل أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم هي في مجال التأسي والقدوة؛‬
‫فإن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فجميع ما فعله الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في طعامه وشرابه ولباسه‪ ،‬ونومه وقيامه‪ ،‬وصحبته‪،‬‬
‫ومعاشرته‪ ،‬وطرائق حياته ومعيشته‪ ،‬كل ذلك كان على أتم الهدى وأسمى ما‬
‫يتأدب به المتأدبون‪ ،‬ويفعله الحكماء العالمون‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪203‬‬

You might also like