You are on page 1of 206

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫ثم هناك شيء في التاريخ أربك الكتاب من النصارى وحيرهم فنجد هذا‬
‫الرتباك موجودا ً في الناجيل الموجودة الن ‪ ،‬ففي الناجيل المعترف بها عند‬
‫النصارى اليوم يذكرون أن حادثة صلب وقعت ويذكرون في نفس هذه‬
‫الناجيل أن أصحاب سيدنا عيسى رأوا سيدنا عيسى بجسده بعد حادثة‬
‫م إ ِّنا قَت َل َْنا‬ ‫الصلب ثلثة أيام ‪ ،‬بعد حادثة الصلب حي يرزق والله يقول ?وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫م‬‫ه ل َهُ ْ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫صل َُبوه ُ وَل َك ِ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ وَ َ‬‫ل الل ّهِ وَ َ‬‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ما‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ّ‬
‫علم ٍ إ ِل ات َّباعَ الظ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬ ‫َ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬‫ش ّ‬
‫في َ‬ ‫َ‬
‫فوا ِفيهِ ل ِ‬ ‫َ‬
‫خت َل ُ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫قينا?]النساء‪.[157:‬‬ ‫ً‬ ‫قَت َُلوه ُ ي َ ِ‬
‫هناك مخطوطات ظهرت في البحر الميت هذه المخطوطات ظهرت في عام‬
‫‪1945‬م ثم كانت في حوزة الحكومة الردنية وآلت بعد ذلك إلى حوزة الدولة‬
‫اليهودية لكن هناك نسخة منها في الفاتيكان ونسخة منها في ألمانيا ونسخة‬
‫منها في أمريكا وتشترط الدولة اليهودية عدم نشر هذه المخطوطات وهذه‬
‫المخططات اهتم بها البابا يوحنا السادس ‪ ،‬ففاجأ الناس بدعوته لعقد مؤتمر‬
‫بين المسيحيين والمسلمين ولكن اعترض سفير دولة اليهود بالفاتيكان وبعد‬
‫فترة وجد هذا البابا على فراشه ميتًا‪.‬‬
‫البابا الذي جاء بعده كأنه عرف أن المر خطير وأن الدعوة التي دعى ونادى‬
‫البابا السابق لها غير مقبولة ‪ ،‬فقرر أن يعقد مؤتمرا ً للمسيحيين فقط‪ ،‬فعقد‬
‫مؤتمرا ً للمسيحيين استمر أربع سنوات ‪ ،‬وبعد أربع سنوات صدرت القرارات‬
‫عن هذا المؤتمر‪ ،‬ماذا قال المؤتمر؟ يقول المؤتمر‪:‬‬
‫القرار الول ‪:‬‬
‫اعتبار المسلمين فرقة ناجية ‪ ،‬ماذا يعني فرقة ناجية؟!!‬
‫أي أنهم على دين حق ‪ ،‬أي أن القرآن حق ‪ ،‬أي أن الرسول صادق‪..‬‬
‫هذا قرار مؤتمر للمسيحيين وهو مؤتمر قريب في قرننا هذا الذي نحن فيه ‪..‬‬
‫نحن في آخره الن‪ ..‬في الستينات‪..‬‬
‫القرار الثاني ‪:‬‬
‫يمنع التبشير بين المسلمين‪ ..‬لماذا يمنع؟ لن المسلمين على حق وأن‬
‫التبشير هذا سيشوش عليهم‪.‬‬
‫القرار الثالث ‪:‬‬
‫من أراد أن يعرف شخصية المسيح فليسأل المسلمين‪.‬‬
‫تحدثت بهذا إلى الدكتور ‪ /‬عبدالله عمر نصيف أمين عام رابطة العالم‬
‫السلمي‪ ،‬بعد أن نشر هذا في المجلت ‪ ،‬وقرأناه في المجلت فقال لي نعم‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البابا أصدر هذا القرار ونشر هذا وأرسل صور منه إلى الهيئات السلمية إلى‬
‫الزهر وإلى رابطة العالم السلمي وغيرها‪ ،‬ونحن لدينا صورة من هذا القرار‬
‫لهذا المؤتمر المسيحي سبحان الله الحيرة التي تحيرهم في شخصية المسيح‬
‫جوابها لدينا في القرآن يذعن أكابر علماء النصارى إلى ذلك ‪ ،‬فمن علم‬
‫محمدا ً من بين الناس؟! ومن كشف هذه السرار له صلى الله عليه وسلم‬
‫هذا من خبر الغيب‪ ،‬وقد جاءت مخطوطات البحر الميت تؤيد ذلك وتخبر بأن‬
‫هناك نبينا ً آخر سيظهر في الحجاز وأنه سينتصر على أعدائه وأنه سيصحح‬
‫المفهوم الخاطئ الذي يكون عن المسيح عيسى عليه السلم ‪ .‬هذه‬
‫مخطوطات البحث الميت ‪ .‬خبر بالغيب الماضي ‪.‬‬
‫ثم هناك أخبار كانت تتعلق بأحوال الناس في زمن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فيكشفها الله له ‪ ،‬كم أخفى المنافقون في نفوسهم أشياء كم أخفى‬
‫الناس في نفوسهم من أمور وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يظهرون غير ذلك فيخبرهم الرسول بالمر ويقول لهم المر كذا وكذا وكذا‬
‫وكذا‪.‬‬
‫وتقع الحادثة في مكان آخر فيأتي الوحي ويكشفها للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ومن ذلك ما قصه لنا القرآن وما ذكر أيضا ً في الصحاح في قصة‬
‫حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ـ فعن علي رضي الله عنه قال بعثني‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقدام فقال انطلقوا حتى‬
‫تأتوا روضة خاخ – منطقة اسمها روضة خاخ – فإن بها ضغينة معها كتاب –‬
‫والضغينة هي المرأة المسافرة‪ -‬أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بالمكان – وأخبرهم أنكم ستجدون فيها امرأة وهذه المرأة مسافرة وأخبرهم‬
‫أن عندنا كتاب – قال علي رضي الله عنه – فانطلقنا تعدى بنا خيلنا حتى‬
‫وصلنا روضة خاخ‪ ،‬فإذا بنا نجد الضغينة فلما وصلوا ورأوا الضعينة قالوا لها‬
‫قلنا لتخرجن الكتاب‪ ،‬أو لنلقين الثياب( ‪ ،‬واحدة من اثنتين إما تخرجي الكتاب‬
‫وإل تلقى الثياب ونحن نفتش فأحست المرأة بعد أن أنكرت أن معها كتاب‬
‫وقد هذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة وهو ممن شهدوا بدرا ً إلى أناس من‬
‫المشركين في مكة يخبرهم ببعض خبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة وكان الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ل يريد أن تعرف قريش أنه يتجهز لغزوها في عقر دارها حتى ل تستعد‬
‫وحتى ل تكون هناك خسائر عسكرية كثيرة وتورث أحقادا ً وضغائن ‪.‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫كان يريد أن يأخذ مكة بغتة صلى الله عليه وسلم كما حدث بالفعل لكن هذه‬
‫الرسالة كانت من ضمن السباب التي تكشف المر لقريش وتجعلها في‬
‫حالة استعداد فلما اطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا سأل‬
‫حاطب وقال له ‪ :‬سأله عن الذي حمله على ذلك فأخبر حاطب وقال والله ما‬
‫هو رضي بالكفر بعد السلم ولكني كنت امرأ ً ملصقا ً في قريش – يعني‬
‫لست من صميم قريش وإنما أنا ملصق بها ـ والمهاجرون لهم أقارب يحمون‬
‫قرابتهم هناك ـ يعني كل واحد من أخواني المهاجرين الذين هنا له أسرة من‬
‫الكفار تحمي بقية أسرته وأفراد أسرته أما أنا فل يوجد من يحمي أهلي هناك‬
‫‪ ،‬فأردت أن أفعل هذا ـ يدا ً عندهم ـ وأعلم أن هذا لن يضرك وأن الله‬
‫سبحانه وتعالى سينصرك ‪ ،‬وما فعلته لني قد رضيت بالكفر بعد اليمان –‬
‫سيدنا عمر ما عنده هذا الكلم ‪ :‬فقال دعني أضرب عنق هذا المنافق يا‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله ‪ ،‬اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد ‪ ،‬ولكن حاطب أدرك هذا‬
‫الضعف وهو ممن يشهدوا بدرا ً فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قائل ً ‪:‬‬
‫)لعل الله اطلع على من شهد بدرا ً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم(‬
‫ونزل قرآن يخبر بهذا المر ويسجله فجاء في كتاب الله قول الله جل‬
‫م‬‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياَء ت ُل ْ ُ‬
‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫وعل ‪َ? :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة?]الممتحنة‪ [1:‬وتكشفوا لهم بعض أسرار المسلمين‪ ،‬لكن انظروا‬ ‫موَد ّ ِ‬‫ِبال ْ َ‬
‫كيف جاء الخطاب يا أيها الذين آمنوا ما قال يا حاطب من غير المؤمنين – بل‬
‫َ‬
‫ذوا عَد ُّوي‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وصفه باليمان وناداه باليمان ثم قال ?َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬
‫حق ّ ي ُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياَء ت ُل ْ ُ‬
‫وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سو َ‬
‫م?]الممتحنة‪ [1:‬فكيف تلقون إليهم‬ ‫مُنوا ِباللهِ َرب ّك ْ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬‫مأ ْ‬ ‫ل وَإ ِّياك ْ‬ ‫الّر ُ‬
‫بالمودة وهم أخرجوكم بسبب إيمانكم بالله فكانت هذه شهادة من الله‬
‫سبحانه وتعالى لحاطب باليمان وهكذا نجد الرحمة والرفق والسياسة النبوية‬
‫تدرك الضعف البشري وتدرك الدوافع المختلفة ولكنها أيضا ً تضمنت أن الله‬
‫كشف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما وقع من حاطب بن أبي بلتعة‬
‫وكشف له أين المرأة ووجه الرسول رسله إلى المكان االمحدد فوجدوا المر‬
‫كما أخبر عليه الصلة والسلم ‪ ،‬هذا كله من أمر الغيب الذي ل يعرفه إل الله‬
‫‪.‬‬
‫وتعرض الكثير من البتلءات والختبارات فيأتي ناس تحت ظروف معينة‬
‫وتحت ضغوط معينة فيكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون‬
‫شيئا ً ثم يكاد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصدق فينزل الوحي ويكشف‬
‫المر لهم فتنكشف المور‪ ،‬ما قال الناس آمنا بمحمد هكذا صلى الله عليه‬
‫وسلم فكل واحد رأى معجزة ـ كل واحد رأى بينة ـ وجاءت هذه البينات‬
‫تتظافر بعضها فوق بعض‪.‬‬
‫وهناك قصة أخرى من هذا النوع )قصة بني أبيرق( بنو أبيرق هؤلء كانوا ثلثة‬
‫أخوة وكان حالهم من الناحية المادية ضعيفا ً فهجموا على بيت وسرقوا منه‬
‫سلحا ً وطعاما ً وكان هذا البيت الذي سرق بيت عم قتادة بن النعمان فجاء‬
‫إلى ابن أخيه قتادة وأخبره الخبر وقال له لقد سرقنا ويبدوا أن المؤشرات‬
‫كلها تشير إلى بني أبيرق لنهم في تلك الليلة أوقدوا نارا ً وأكلوا وهم ليس‬
‫لهم ذلك وتهامس الناس بهذا‪.‬‬

‫)‪(34 /‬‬

‫اجتمع أصحاب وعشيرة هؤلء بني أبيرق وتدارسوا وقالوا الحل أن نذهب إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشتكي من هؤلء الذين يطعنوننا وهؤلء‬
‫الذين يتهموننا بغير بينة وبغير حجة‪ ،‬ذهب قتادة إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ليخبره بالخبر إل والخبر عند الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫الناس قد نقلوا إليه أن هذه السرة تتهم بريئا ً وترمي أبرياء بسرقة ول بينة‬
‫لهم ول حجة فلما جاء قتادة قال قتادة أتيت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فكلمته فقال عليه الصلة والسلم )عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم‬
‫إسلم وصلح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة( فقتادة قال وددت أني ما‬
‫أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأني خسرت كثيرا ً من مالي وما‬
‫قلت للرسول صلى الله عليه وسلم هذا حتى ل أجد منه هذا الكلم ـ فرجع‬
‫مهموما ً فلما وصل إلى عمه قال له عمه ماذا قال الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ :‬قال لي كذا وكذا وكذا ‪ .‬فقال عمه الله المستعان فأنزل الله‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫ه َول ت َك ُ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما أ ََرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫حقّ ل ِت َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫الجواب ?إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ن‬
‫خائ ِِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫صيمًا?]النساء‪ [105:‬أي ل تدافع عن الخونة ? َول ت َك ُ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫ه?]النساء‪ [106-105:‬واستغفر الله مما قلت لقتادة‬ ‫فرِ الل ّ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫صيما ً َوا ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫د‬ ‫جا‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫حيم‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫فور‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫?‬ ‫‪.‬‬ ‫ولعمه‬
‫ِ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ُ َ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫خوانا ً أ َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫َ َ ْ َْ ِ ِ‬
‫س َول‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثيم‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ِ ّ َ ْ‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫خَتاُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ ِ َ ّ ِ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ما ل ي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَهُوَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ل الل َ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا فَ َ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬ ‫جاد َلت ُ ْ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫م هَ ُ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫حيطا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ل?]النساء‪ . [109-105:‬سبحان‬ ‫كي ً‬ ‫َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ أ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫الله كيف يأتي هذا الجواب القرآني إلى أن قال الله تعالى في هذه اليات ?‬
‫ريئا ً ?]النساء‪ [112:‬لنهم رموا شخصا ً‬ ‫خطيئ َ ً َ‬
‫م ي َْرم ِ ب ِهِ ب َ ِ‬ ‫ة أوْ إ ِْثما ً ث ُ ّ‬ ‫ب َ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫صالحا وقالوا هو السابق لكي يدفعوا عن أنفسهم ذلك فنزل الوحي يكشف‬ ‫ً‬
‫الحقيقة ويكشف اللعيب ويكشف التبيت الذي بيتته هذه المجموعة بفضحها‬
‫على رؤوس الشهاد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫مِبينا وَل ْ‬ ‫ل ب ُهَْتانا وَإ ِْثما ُ‬ ‫م َ‬ ‫حت َ َ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫َ‬
‫ريئا ف َ‬ ‫م ي َْرم ِ ب ِهِ ب َ ِ‬ ‫ة أوْ إ ِْثما ث ُ ّ‬ ‫طيئ َ ً‬ ‫خ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫?وَ َ‬
‫ن إ ِلّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ضلو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ضلوك وَ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬
‫ت طائ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لهَ ّ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ضل اللهِ عَلي ْك وََر ْ‬ ‫ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫يٍء?]النساء‪ [113-112:‬لماذا؟ لنه مؤيد بالوحي‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضّرون َ َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫مؤيد من الله جل وعل يكشف له ما في نفوس الناس ويخبره عما أخفت‬
‫تلك النفوس‪ ،‬من يستطيع أن يعرف ما في قلوب الناس؟ من يعرف؟ ل‬
‫يكون ذلك إل لمن أيده الله بالوحي إل للرسول الصادق صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬الذي أظهر الله لنا معجزاته وبيناته الكثيرة ‪ ،‬وكم أخبر الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بأشياء بعيدة عنه كموت النجاشي رضي الله عنه وعن قوم‬
‫مؤتة واستشهاد جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وهو يخبر الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم بهذه الحداث عن بعد بل صلى على النجاشي وأمر‬
‫المسلمين أن يصلوا عليه ثم جاءت الخبار بعد ذلك أنه قد توفاه الله‪.‬‬
‫من يخبر الرسول بذلك من يعلمه هذه السرار من يأتيه بما يدور في أعماق‬
‫النفوس وما يدور بعيدا ً في هذه الساحات الواسعة الشاسعة إنه الوحي إنه‬
‫التأييد اللهي‪ ،‬إنها المعجزات التي أيد الله بها رسوله ليشهد الناس‬
‫وليستيقنوا أن محمدا ً رسول الله ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ..‬والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫)‪ -(1‬رواه البخاري من حديث أبي هريرة‪،‬باب‪:‬كيف نزل الوحي وأول ما‬
‫نزل ‪،‬رقم‪ ،1905 /4، 4696 :‬ومسلم من حديث أبي هريرة‪ ،‬باب‪ :‬وجوب‬
‫اليمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬رقم‪. 134 /1 ،152:‬‬
‫)‪ -(2‬رواه البخاري في باب‪:‬الجاسوس وقول الله ) ل تتخذوا عدوي وعدوكم‬
‫أولياء (‪،‬رقم‪، 1095 / 3 ،2845:‬ومسلم في باب‪ :‬فضائل أهل بدر‪،‬وقصة‬
‫حاطب بن أبي بلتعة‪،‬رقم‪.1941 / 4 ،2494:‬‬
‫)‪ - (3‬سبق تخريجه ص‪. 7:‬‬
‫)‪ -(4‬أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث قتادة بن النعمان‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪، 427/ 4، 8164‬وقال الحاكم‪:‬حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ‪.‬‬
‫الحلقة العشرون‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪:‬‬

‫)‪(35 /‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ‪ :‬تكلمنا عن معجزات رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ومنها أنه أخبر بالغيب الذي مضى وكان يخبر بالغيب الذي‬
‫يقع في عصره ومن الغيب الذي أخبر به في عصره خبر أهل مؤتة الذين‬
‫كانوا يقاتلون‪ ،‬خرجوا لقتال الروم ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم )أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر‬
‫فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد إمرة ففتح له( ‪ ،‬وأمرهم أن‬
‫يضعوا الطعام لهل هؤلء الذين استشهدوا وقال عليه الصلة والسلم‬
‫اصنعوا لل جعفر الطعام ‪.‬‬
‫فهو يبني على هذا الخبر مواقف عملية من أنهم يصنعوا لل جعفر الطعام ـ‬
‫وتأتي الخبار مصدقة كما قال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ومن هذا أنه كان يخبر‬
‫الناس بما يدور في نفوسهم‪ ،‬فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫‪:‬‬
‫أن النصار قال بعضهم لبعض يوم الفتح أن الرسول قد أدركته رغبته في‬
‫قرابته ورأفته بعشيرته )فنزل الوحي( عندما سالم قريشا ً وقال )من دخل‬
‫دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل البيت فهو‬
‫آمن( ‪.‬‬
‫عندما أمن هؤلء فوقع في نفوس النصار أهل المدينة شيء فحدثوا أنفسهم‬
‫بهذا الحديث فنزل الوحي يكشف للنبي صلى الله عليه وسلم ما قاله النصار‬
‫‪ ،‬فواجههم الرسول صلى الله عليه وسلم بما قالوا ـ فأقروا فقال لهم‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم المحيا محياكم والممات مماتكم ‪ ،‬كشف له ما‬
‫في نفوسهم وواجههم به فأقروه ومن يعرف ما في النفوس؟ ل يعرف ذلك‬
‫إل الله سبحانه وتعالى ونتكلم اليوم عن خبر من أخبار الغيب ‪:‬‬
‫تألب الناس حوله وتجمعوا وتحزبوا فكان هناك حزبان حزب أهل السلم‬
‫يقودهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ وحزب أهل الكفر اجتمعوا وراء أبي‬
‫بن خلف هذا الخبر هو أن معركة دارت بين الفرس والروم فهزم الروم‬
‫ففرح أهل الشرك في مكة وقالوا المشركون أمثالنا من الفرس عبدة‬
‫النيران غلبوا أهل الكتاب أمثالكم فحزن المسلمون فأخبر أبو بكر الصديق‬
‫رضي الله عنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بذلك ‪ ،‬فأنزل الله هذا‬
‫الجواب على هؤلء‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ض وَهُ ْ‬‫م ِفي أد َْنى الْر ِ‬ ‫ت الّرو ُ‬ ‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪? :‬ألم غُل ِب َ ِ‬
‫ن?]الروم‪ [4-1:‬أخبر أن الروم غلبت في أدنى‬ ‫سِني َ‬‫ضِع ِ‬ ‫ن ِفي ب ِ ْ‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬ ‫م َ‬ ‫غَل َب ِهِ ْ‬
‫ن ?]الروم‪ [3:‬أي‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ غَلب ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ً‬
‫الرض ثم أعلن خبرا وقال ? وَهُ ْ‬
‫ن?]الروم‪ [4 :‬وحدد المدة في بضع‬ ‫سِني َ‬ ‫ضِع ِ‬ ‫ن ِفي ب ِ ْ‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬ ‫بعد هزيمتهم ? َ‬
‫سنين والبضع هو ما بين الثلث إلى العشر ‪ ،‬فإذا وصل إلى أكثر من ذلك ما‬
‫تقول بضع تقول ثمانون ‪ ،‬ولما سمع أبي ابن خلف بذلك وكان أبو بكر ينادي‬
‫بالسواق بهذا ويتكلم عن هذا فقال ‪) :‬تراهن )هل تراهن يا أبا بكر( ‪ ،‬فوقع‬
‫في هذا ‪ .‬وبعد الرهان احتشد أهل السلم وراء أبي بكر واحتشد أهل الكفر‬
‫وأخذ الناس ينتظرون ماذا سيكون من هذا الخبر وما مرت سبع سنوات إل‬
‫وتحقق وعد الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وتحقق وعد الله ‪ ،‬والله قد أكد ذلك وبينه‬
‫فقال ‪:‬‬
‫ن ب َعْد ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫ن قب ْل وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ن ل ِلهِ ال ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ضِع ِ‬ ‫ن ِفي ب ِ ْ‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْد ِ غلب ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫?وَهُ ْ‬
‫م وَعْد َ الل ِّ‬
‫ه‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ز‬‫زي‬
‫َ ُ َ َ ِ ُ ّ ِ ُ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ص‬
‫ِ َْ ُ ُ َ ْ َ‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬‫ب‬
‫ُ ِ ُ َ َِ ْ ِ‬‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ح‬
‫مئ ِ ٍ َ َ ُ‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫وَي َوْ َ‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ف الل ّه وعْده ول َك َ‬
‫ن ?]الروم‪.[6-3:‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫ُ َ َ ُ َ ِ ّ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ل يُ ْ‬
‫بعد هذا أسلم عدد كبير من الناس ودخلوا في دين الله وقالوا محمد ‪ ،‬عاقل‬
‫ل يمكن أن يغامر بنبوته ويراهن بها على دولة خرجت من المعركة مهزومة‬
‫ويحدد مدة قريبة يشهدها هو في حياته‪ ،‬وهي بضع سنين أقل من عشر‬
‫ن أ َك ْث ََر‬
‫ه وَعْد َه ُ وَل َك ِ ّ‬
‫ف الل ّ ُ‬
‫خل ِ ُ‬‫سنوات ثم يعقب هذا التعقيب ?وَعْد َ الل ّهِ ل ي ُ ْ‬
‫ن ?]الروم‪.[6:‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ي َعْل َ ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫جاء الفرس من جهة العراق واتجهوا فوجدوا أمامهم البحر الميت ونهر‬
‫الردن ووصلوا إلى أغوار نهر الردن ووصلوا إلى أغوار نهر الردن وهي‬
‫أخفض منطقة في العالم ‪.‬‬
‫كنت أتحدث مع البروفيسور المريكي رئيس الجمعية الجيولوجية المريكية‬
‫)السون بالمر( رئيس الجمعية سابقا ً السن بالمر فقلت له يا بروفيسور‬
‫القرآن يخبرنا بأن هذه هي أخفض منطقة في العالم لن الله يقول ‪? :‬ألم‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض ?]الروم‪.[2-1:‬‬ ‫م ِفي أد َْنى الْر ِ‬ ‫ت الّرو ُ‬ ‫غُل ِب َ ِ‬

‫)‪(36 /‬‬

‫ي وقال ل هناك‬ ‫ففي الرض مرتفعات ومنخفضات وهذه أدناها ‪ .‬فرد عل ّ‬


‫منخفضات أكثر فوقع النقاش بيني وبينه فلما رأى موقفي المتشدد راح وجاء‬
‫بـ نموذج مجسم للرض فيه جميع المرتفعات والمنخفضات في العالم وقال‬
‫"أين المنطقة التي تتحدث عنها فقلت له بيت المقدس قال يعني أيش –‬
‫قلت له يعني أورشليم فوضع يده ووجهها إلى المنطقة فما أن وضع يده على‬
‫هذه المنطقة حتى رأى سهما ً خرج من تلك المنطقة مكتوب عليه اخفض‬
‫منطقة في العالم‪ .‬فسبحان الله تتجدد المعجزة وتتجلى ‪.‬‬
‫وهناك أخبار غيبية كثيرة ومن هذه الخبار الغيبية أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم حدث المسلمين وهم في المدينة بأنهم سيطوفون بالبيت الحرام‬
‫محلقين رؤوسهم ومقصرين‪ .‬ثم توجه معتمرا ً إلى مكة وهو في حالة حرب‬
‫مع كفار قريش فقريش لما سمعت بذلك احتشدت وجهزت نفسها –‬
‫استعدت للقتال فتدخل بعض الناس بينهم بالمصالحة وفي النهاية تمت هذه‬
‫المصالحة على أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم من عامة ذلك ثم‬
‫يأتي العام التالي فتأثر المسلمون الذين جاؤوا محرمين وكانوا يظنون أنهم‬
‫سيدخلون في ذلك العام تحقيقا ً لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫حتى أن عمر رضي الله عنه‪ ،‬حاور الرسول صلى الله عليه وسلم وحاور أبا‬
‫بكر الصديق فقال لرسول الله ‪ :‬أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف‬
‫به‪ ،‬قال الرسول صلى الله عليه وسلم بلى ‪ :‬أفأخبرتك أنك تأتي عامك هذا‬
‫قال عمر ‪ :‬ل ‪ .‬قال النبي صلى الله عليه وسلم فإنك آتيه ومطوف به ونزل‬
‫القرآن بعد هذه الحادثة وهي حادثة صلح الحديبية ‪ ،‬فأنزل الله سورة الفتح‬
‫ق?]الفتح‪ .[27:‬يعني رؤيا‬ ‫ح ّ‬ ‫ؤيا ِبال ْ َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه َر ُ‬‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وجاء فيها ?ل َ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬‫ؤيا ِبال ْ َ‬‫ه الّر ْ‬‫سول َ ُ‬‫ه َر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫الرسول حق والله يصدق تلك الرؤيا ? (ل َ َ‬
‫نل‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬
‫ق ّ‬ ‫م َ‬
‫م وَ ُ‬‫سك ُ ْ‬‫ؤو َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫قي َ‬‫حل ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫هآ ِ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬‫م إِ ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫خل ُ ّ‬
‫ل َت َد ْ ُ‬
‫ريبًا?]الفتح‪ [27:‬فكان‬ ‫ك فَْتحا ً قَ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬‫موا فَ َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫ما ل َ ْ‬‫م َ‬ ‫ن فَعَل ِ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫تَ َ‬
‫صلح الحديبية هو الفتح قبل الطواف ونزلت سورة الفتح التي أخبرت أن‬
‫صلح الحديبية فتح وحقا ً كان أكبر فتح‪ ،‬لنه في خلل عامين بعد صلح‬
‫الحديبية تضاعف عدد المسلمين جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لصلح‬
‫الحديبية‪ ،‬ومعه ألف وأربعمائة وبعد عامين توجه لفتح مكة بعد أن خانت‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قريش هذا العهد وغدرت ومعه عشرة آلف فكان فتحا ً عظيمًا‪.‬‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ووعد الله سبحانه رسوله بمغانم في سورة الفتح فقال تعالى ‪? :‬وَعَد َك ُ ُ‬
‫ل ل َك ُم هَذه وك َ ّ َ‬ ‫ْ‬
‫م?]الفتح‪[20:‬‬ ‫س عَن ْك ُ ْ‬ ‫ف أي ْدِيَ الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذون ََها فَعَ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ك َِثيَرة ً ت َأ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫َ‬
‫وأخبرهم في نفس السورة بأنهم عندما يتوجهون للمغانم )وكانت تلك‬
‫المغانم التي أخبرهم بها الله سبحانه وتعالى في الية هي ما وقع لهم في‬
‫خيبر( فأخبرهم بقول المخلفين لهم عند انطلقهم لخذ المغانم‪ ،‬قال‬
‫ْ‬
‫ها ذ َُروَنا ن َت ّب ِعْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ل ِت َأ ُ‬‫مَغان ِ َ‬‫م إ َِلى َ‬ ‫ن إ َِذا ان ْط َل َ ْ‬
‫قت ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫تعالى ‪َ ? :‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يريدو َ‬
‫ن‬
‫قولو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫ل فَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ن ت َت ّب ُِعوَنا ك َذ َل ِك ُ ْ‬ ‫لل ْ‬ ‫م اللهِ قُ ْ‬ ‫كل َ‬ ‫ن ي ُب َد ّلوا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫ل?]الفتح ‪.[15:‬‬ ‫ن إ ِل قَِلي ً‬ ‫ّ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ل ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫دون ََنا ب َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫ومن خلل أشهر فتح المسلمون خيبر ومنع الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫من لم يحضر صلح الحديبية أن يحضر خيبر‪ ،‬فهذه المغانم التي وعد الله من‬
‫كانوا قد حضروا معه في صلح الحديبية‪ ،‬وقد جعل الله ذلك آية للمؤمنين قال‬
‫‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فَرك ْ‬ ‫ن أظ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مك َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ب ِب َط ِ‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَأي ْدِي َك ْ‬ ‫م عَن ْك ْ‬ ‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ذي ك ّ‬ ‫?وَهُوَ ال ِ‬
‫صيرا?]الفتح‪ [24:‬يعني الله سبحانه وتعالى هو‬ ‫ً‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫م وَكا َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫الذي رتب ذلك فكف أيديكم أيها المسلمون عن أن تقتلوا هؤلء الكافرين‬
‫وكف أيديهم من جهة أخرى وكان هذا الصلح الذي كان بعد ذلك سببا ً لفتح‬
‫مكة – وكافأكم الله بمغانم فقال تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ه? أي صلح الحديبية الذي‬ ‫م هَذِ ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ذون ََها فَعَ ّ‬ ‫خ ُ‬‫م ك َِثيَرة ً ت َأ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫?وَعَد َك ُ ُ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ن آي َ ً‬ ‫كو َ‬ ‫م وَل ِت َ ُ‬ ‫س عَن ْك ُ ْ‬ ‫ف أي ْدِيَ الّنا ِ‬ ‫م هَذِهِ وَك َ ّ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫كان سببا ً لفتح مكة ? فَعَ ّ‬
‫قيما?]الفتح‪. [20:‬‬ ‫ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صَراطا ُ‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن وَي َهْدِي َك ُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬

‫)‪(37 /‬‬

‫وكانت هذه هي فتح خيبر والية أن الله صدق رؤيا رسوله صلى الله عليه‬
‫م?]الفتح‪ [27:‬فدخل الصحابة رضوان الله‬ ‫حَرا َ‬‫جد َ ال ْ َ‬‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫خل ُ ّ‬
‫وسلم ? ل َت َد ْ ُ‬
‫عليهم في العام التالي ودخل عمر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وطاف مع سائر المسلمين وكانوا محلقين ومقصرين كما بينت‬
‫الية وكما وعدت بذلك خبر غيبي أحدث رجة في نفوس المسلمين تساءل‬
‫عمر أما كنت تقول لنا قال‪ :‬وهل قلت لك من عامك هذا؟ فيمر الوقت‬
‫سجل ذلك في‬ ‫ويتحقق الوعد كما أخبر به الله سبحانه وتعالى في كتابه فلقد ُ‬
‫كتاب الله والتسجيل في كتاب الله ليس كالتسجيل في أي كتب من كتب‬
‫التاريخ إن الجميع يسمع ما سجل القرآن ويتلو ما سجل القرآن ولو كانوا قد‬
‫وجدوا شيئا ً مما سجله القرآن لم يقع لكان سببا ً لتكذيب الكافرين ولردة‬
‫المسلمين والعياذ بالله‪.‬‬
‫وهناك خبر آخر من أخبار الغيب‪ ،‬أخبر الله رسوله أن الله سيعصمه من‬
‫الناس‪ ،‬وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي ومعه حراسة كان هناك‬
‫من يحرسه لن المتآمرين عليه كثر من أهل الكتاب ومن المشركين ومن‬
‫المنافقين‪ ،‬والخلفاء الثلثة بعده وبعد انتصار السلم سيدنا عمر سيدنا عثمان‬
‫سيدنا علي ثلثة خلفاء في أوج قوة المة السلمية يقتلون فيموتون غيلة ‪،‬‬
‫فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مراحل إقامة هذه الدولة‬
‫ومواجهة كل هذه القوى ‪ ،‬يأتي خبر من الله ويقول يا محمد الله يعصمك كما‬
‫ل فَ َ‬
‫ما‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫قال الله تعالى ‪َ? :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫س?]المائدة‪ [67:‬أي ل تخشى قد‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ب َل ّغْ َ‬
‫ت رِ َ‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عصمتك منهم‪ ،‬خبر ثمنه الحياة‪ ،‬بعد أن نزلت هذه الية‪ ،‬تقول عائشة رضي‬
‫الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت ? َوالل ّ ُ‬
‫ه‬
‫س?]المائدة‪. [67:‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬‫ي َعْ ِ‬
‫فأخرج رأسه من القبة فقال )أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله انصرفوا‬
‫ل أحتاج إليكم قد عصمني الله( ‪ ،‬يقدم حياته ثمنا ً لتصديقه لوعد الله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وكم تآمر عليه الكفار وكم تآمر عليه المنافقون وكم تآمر عليه اليهود‬
‫بعد ذلك‪ .‬ولكن الله كشفهم جميعا ً وعصمه منهم جميعا ً فتحقق وعد الله جل‬
‫وعل وكما أخبر الله سبحانه وتعالى بهذه الغيوب وتحقق منها ما تحقق في‬
‫عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهناك ما أخبر به الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ومما يكون بعده إلى قيام الساعة ولهذه كتب خاصة أفراد لها‬
‫العلماء الكثير من الكتب المتخصصة وفي كتب الحديث أبواب مستقلة‬
‫تتحدث عن هذا المر‪ ،‬وخلصة هذه الخبار أنك تجد من أحاديث النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وفي أحاديث النبي ما يصف بها ما سيكون من الفتوح‪،‬‬
‫ستفتحون أرض كسرى أرض مصر أرض قيصر وسيكون وسيكون وسيكون‪..‬‬
‫ثم يقول وبعد ذلك ستضعفون )وسيعود الدين غريبا ً كما بدأ غريبًا( فيذكر وهو‬
‫في مراحل الضعف أن السلم‪ ،‬سينتصر وسيعزو العالم وسينتشر في الرض‬
‫كلها ثم يعود غريبا ً بعد ذلك ويضعف المسلمون مرة ثانية وهانحن في هذه‬
‫الحوال التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ومما أخبر به القرآن‬
‫و‬
‫ل هُ َ‬ ‫عن أحوال المسلمين وما يكون من أمرهم هذه الية‪ :‬قال تعالى ‪? :‬قُ ْ‬
‫ذابا ً من فَوقك ُم أ َو من تحت أ َرجل ِك ُ َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م أوْ ي َل ْب ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ ْ ْ ِ ْ ْ ِ ْ َ ْ ِ ْ ُ‬ ‫م عَ َ‬‫ث عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬‫قادُِر عََلى أ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫ض ?]النعام‪ [65:‬لما نزلت هذه الية خاف‬ ‫س ب َعْ ٍ‬ ‫م ب َأ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫ذيقَ ب َعْ َ‬ ‫شَيعا وَي ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف المسلمون لنها تهديد ووعيد فلما‬
‫َ‬
‫م?]النعام‪:‬‬ ‫ن فَوْقِك ُ ْ‬ ‫ذابا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ث عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬‫قادُِر عََلى أ ْ‬ ‫ل هُوَ ال ْ َ‬ ‫قال تعالى ?قُ ْ‬
‫‪ [65‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك استعاذ بوجه الله‬
‫من هذا العذاب الذي يكون في الناس – أعوذ بوجهك – ثم قرأ أو من تحت‬
‫أرجلكم قال أعوذ بوجهك‪ ،‬واستعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫العذاب الذي يكون من أعلى ومن تحت أجلنا فلما قرأ عليه جبريل‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض ?]النعام‪ [65:‬قال صلى الله‬ ‫س ب َعْ ٍ‬‫م ب َأ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫ذيقَ ب َعْ َ‬ ‫شَيعا ً وَي ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬‫? أوْ ي َل ْب ِ َ‬
‫عليه وسلم )هذا أهون أو أيسر( ‪.‬‬

‫)‪(38 /‬‬

‫يستحيل أن يصيب المة هذا العذاب من فوق ومن أسفل من تحت أقدامنا‬
‫ما دمنا مستقيمين فهم مع هذه التعويذة النبوية التي استعاذ بها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ولكن بعد أن يستبيح المسلمون يستبيحون دماء‬
‫بعضهم وبعد أن يتجرأ على حدود الله سبحانه وتعالى بعد هذا كله لبد أن يقع‬
‫هذا ولذلك روى أحمد والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي‬
‫وقاص قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية خاف الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬وسألوا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعد أن استعاذ الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فسألوه يا رسول الله أو ذلك كائن أخبرهم بأنها كائنة ولكن على قوم‬
‫آخرين على الذين يعصون الله على الذين ينحرفون ‪ ،‬فقال الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪) :‬أما إنها كائنة لم يأت تأويلها بعد (– يعني وقوعها وتحققها‬
‫ما جاء بعد وإنما سوف تكون في المستقبل‪ -‬وقد احتار كثير من الناس أو‬
‫من المفسرين ما هو هذا العذاب الذي يكون من أعلى والعذاب الذي يكون‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من أسفل تحت الرجل فقال بعضهم الزلزل التي تكون من تحت الرجل‬
‫وذكروا ما قد يكون من أنواع العذاب من أعلى‪.‬‬
‫وبعضهم فساد الرعية وفساد العامة ‪ ،‬هو العذاب من أسفل )السوقان(‬
‫وفساد العظماء والرؤساء هذا هو العذاب من أعلى ‪.‬‬
‫لكن الية تتكلم عن عذاب يأتي من أعلى مباشر وكم قد رأينا الن ما يأتي‬
‫من العذاب من فوق الرؤوس وما تتفجر به اللغام من تحت القدام‪ ،‬خبر‬
‫يعلنه القرآن ونرى كثيرا ً من تفاصيله وصوره ‪ ،‬أما السنة النبوية فهي مملوءة‬
‫بالخبار بالغيب‪ ،‬فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بما هو كائن من‬
‫زمنه إلى أن تقوم الساعة وبعد أن تقوم الساعة أخبر إلى أن يدخل أهل‬
‫الجنة الجنة وأهل النار النار‪ .‬وهناك أحاديث كثيرة ومنها ما جاء في حديث‬
‫جبريل عندما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪):‬أخبرني عن‬
‫الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل‪ ،‬ثم قال له فأخبرني عن‬
‫أماراتها بعلمات ‪ ،‬قال أن تلد المة ربتها وأن ترى الحفاة العراة الحفاة‬
‫العراة – العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان( وهذا كان حالنا في أوائل‬
‫هذا القرآن‪ ،‬أوائل القرآن والمة العربية والسلمية في حالة من الفقر شديد‬
‫حفاة عراة عالة معظم الناس هو هذا فلما جاء آخر هذا القرن إل وقد فجر‬
‫الله هذه الثروات فرأيت من كان بالمس حافي عاري عالة ل يجد طعاما ً‬
‫أصبح يبني البيوت المتطاولة سبحان ربي سبحان ربي ‪ ،‬هل يستطيع الحافي‬
‫الذي ل يملك الحذاء العاري الذي ل يملك الثوب العالة الذي ل يملك الرزق‬
‫أن يبني بيتا ً طويل ً فضل ً عن أن يطاول زملئه وأصحابه ‪ ،‬فهذا يقول أنا بنيت‬
‫بيتا ً أطول وهذا يقول ل ‪ .‬أنا بيتي أطول من بيتك ‪ ،‬هذا شيء غريب ل يمكن‬
‫للناس أن يتخيلوه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بهذا وأنه‬
‫سيأتي زمان وهذه من علمات الساعة أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء‬
‫الشاء يتطاولون في البنان شيء ما كان يفهم من قبل حتى رأينا هذا القرآن‬
‫ومما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال )صنفان من أهل النار‬
‫لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات‬
‫عاريات مميلت مائلت رؤسهن كأسنة البخت المائلة ل يدخلن الجنة ول‬
‫يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ( ‪.‬‬
‫الصنف الول ‪ :‬قوم بيدهم سياط كأذناب البقر ‪ ،‬قال الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم )قوم بيدهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‪ ،‬قال العلماء الذين‬
‫شرحوا هذا الحديث قالوا هي الشرط كأذناب البقر يضرون بها الناس ‪ ،‬قال‬
‫العلماء الذين شرحوا هذا الحديث قالوا هي الشرط في آخر الزمان تضرب‬
‫الناس يعني بغير حق ‪.‬‬

‫)‪(39 /‬‬

‫ثم قال الصنف الثاني ‪ :‬ونساء كاسيات عاريات مائلت مميلت رؤوسهن‬
‫كأسنمة البخت المائلة‪ ،‬هذا الصنف قال عنه كاسية عارية ‪ ،‬كيف تكون‬
‫الكاسية عارية؟ الكاسية ل تكومن عارية لكن رأينا في عصرنا هذا في كثير‬
‫من بلدان المسلمين كاسيات لهن الملبس الكثيرة ولكنها عارية لنها إما أن‬
‫تكون ملبس شفافة أو ملبس ضيقة أو ملبس قصيرة أو تراها كاسية في‬
‫البيوت عارية في شواطئ البحار وفي المراقص كاسيات عاريات ‪ ،‬مائلت‬
‫مميلت ‪ ،‬أما التفنن في المالة والتمايل أصبح فنا ً عند أصحاب الموضات‬
‫وخاصة في صانعي الكعب العالي وقال‪ :‬روؤسهن كأسنمة البخت المائلة‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأسها مثل سنام الجمل المائل ‪ ،‬الجمل المائل السنام يميل هكذا )يمينًا( أو‬
‫ل( أو يميل إلى الخلف‪ .‬وعندما رأينا الباروكة الن وهي‬ ‫يميل هكذا )شما ً‬
‫كسنام الجمل المائل ‪ ،‬فكأن كلم الرسول صلى الله عليه وسلم من أن‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫ه ِ ٌ‬
‫ل‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫المسيح عليه السلم سيأتي بل أخبرنا به القرآن فقال الله تعالى‪? :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ة?]الزخرف‪ [61:‬أي عيسى عليه السلم – وأنه لعلم للساعة وفي‬ ‫ساعَ ِ‬
‫ِلل ّ‬
‫قراءة وإنه لعَلم للساعة ‪ ،‬فعودة سيدنا عيسى هو علم من أعلم الساعة‬
‫والثلثة الديان اليوم كلها تنتظر مجيء المسيح عليه السلم اليهود على أحر‬
‫من الجمر يقولون نحن نريد نقيم دولة إسرائيل الكبرى من أجل أن يأتي‬
‫المسيح وبعض النصارى يقول نساعد اليهود – لقامة دولة إسرائيل الكبرى‬
‫من أجل أن يأتي المسيح وعنده أرض كبيرة واسعة ويجد النصارى ذلك‬
‫موجود في كتبهم أنه سوف يعود عليه السلم ونحن نعلم أنه سيعود – ولكن‬
‫الخلف بين هذه اليات إلى من يعود ‪.‬‬
‫فاليهود يقولون‪ :‬هو يهودي هو من بني إسرائيل فسيعود إلينا‪ ،‬والمسلمون‬
‫يقولون من آمنا به وصدقناه وسيعود إلينا ‪ ،‬ولن يعود إلى الذين كذبوا من‬
‫عند مجيئه الول وهذا من خبر الغيب الذي ينتظرنا والعالم ينتظره‪ ،‬وستحقق‬
‫الخبار التي أخبر بها القرآن وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم وإن‬
‫رسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بما يكون بعد مجيء المسيح عليه‬
‫السلم إلى أن تقوم الساعة وإلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار‬
‫النار ‪ ،‬أفليست هذه معجزة متجددة باقية‪ ،‬من معجزات سيدنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم وهي الخبار بالغيب فيأتي الواقع شاهدا ً ومصدقا ً لخبر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫)‪- (1‬البخاري‪ ،‬باب‪ :‬الرجل ينعى إلى أهل البيت بنفسه‪ ،‬رقم‪، 1188:‬‬
‫‪.1/420‬‬
‫)‪ -(2‬مسلم‪ ،‬عن أبي هريرة‪،‬باب فتح مكة‪،‬رقم‪.1406/،3 1780 :‬‬
‫)‪- (3‬أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن عائشة‪،‬‬
‫تحقيق‪:‬مصطفى عبد القادر عطا‪،‬رقم‪ ،2/342 3221:‬دار الكتب العلمية ـ‬
‫بيروت ـ الطبعة الولى‪1411 :‬هـ ـ ‪1990‬م‪ ،‬وقال الحاكم‪:‬هذا حديث صحيح‬
‫ولم يخرجاه‪ ،‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة برقم‪. 2489 :‬‬
‫)‪ -(4‬جزء من حديث رواه مسلم عن أبي هريرة‪ ،‬باب‪:‬بدأ السلم غريبا ً‬
‫وسيعود غريبا ً ‪ 1،‬قم‪. 130 /145:‬‬
‫)‪ - (5‬رواه البخاري عن جابر بن عبد الله‪،‬باب‪:‬قل هو القادر على أن يبعث‬
‫عليكم عذابا ً من فوقكم أو من تحت أرجلككم‪،‬رقم‪. 1694 /4، 4352:‬‬
‫)‪ - (6‬سنن الترمذي‪،‬باب‪ :‬ومن سورة النعام‪،‬رقم‪. 261 /5 ،3066:‬‬
‫)‪ -(7‬رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه‪ ،‬باب‪:‬بيان اليمان‬
‫والسلم والحسان‪،‬رقم‪. 37/ 1 ،8:‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم من حديث أبي هريرة‪،‬باب‪ :‬النساء الكاسيات العاريات‬
‫المائلت المميلت‪،‬رقم‪.3/1680 ،2128:‬‬
‫تفريغ الشريط التاسع‬
‫الحلقة ‪25‬‬
‫الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وآله وصحبه أجمعين وبعد‪-:‬‬
‫كنا قد تكلمنا عن صفات الله سبحانه وتعالى‪ ،‬والن نتكلم عن أسماء الله‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبحانه‪ ,‬السماء التي تدل على تلك الصفات‪ ,‬السماء التي ننادي الله بها‪،‬‬
‫ومعانيها في أذهاننا ونحن نتوجه إليه‪ ،‬هذه السماء هي موضوع ما سنقوله‬
‫الن ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ناداك أحد باسم حسن فإن ذلك يكون فيه التكريم‪ ،‬وإذا ناداك باسم‬
‫قبيح فإنك تتألم وتغضب‪ ،‬ولذلك كان لبد لنا من أن ُنحسن مخاطبة الله‬
‫تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى‪ ،‬وأن نتجنب كل اسم يدل على عيب أو نقص‬
‫ماء ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عوهُ‬‫سَنى َفاد ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫س َ‬ ‫أو ل يرضاه الله سبحانه وتعالى قال تعالى } وَل ِل ّهِ ال ْ‬
‫َ‬
‫ن { ]العراف‪:‬‬ ‫مُلو َ‬‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬
‫سي ُ ْ‬
‫مآئ ِهِ َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي أ ْ‬
‫دو َ‬ ‫ن ي ُل ْ ِ‬
‫ح ُ‬ ‫ب َِها وَذ َُروا ْ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪ [180‬ولذلك فمعرفة السماء الحسنى من تمام علمنا بالله جل وعل ‪،‬‬
‫ودعائنا له بها من تمام عبادتنا له‪.‬‬

‫)‪(40 /‬‬

‫‪ -‬وقد أمرنا الله سبحانه أن نعلم بحقيقة تلك السماء التي سمى بها نفسه‬
‫َ‬
‫صيٌر { ]البقرة‪[233:‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫سبحانه وتعالى فقال } َواعْل َ ُ‬
‫بصير اسم من أسماء الله وهذا يجعلنا نشعر بمراقبة الله سبحانه‬
‫َ‬
‫م { ]البقرة ‪ [209‬وهذا يجعلنا‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫وتعالى‪،‬وقال } َفاعْل َ ُ‬
‫نستشعر بعزته وقوته التي ل تهاد ول تغلب ونستشعر حكمته التي ل يكون‬
‫َ‬
‫م { ]المائدة‪ [34:‬وهذا‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫معها عبث وقال سبحانه } َفاعْل َ ُ‬
‫يفتح أمامنا أبواب اللجوء إلى الله ‪،‬والنابة وعدم القنوط بسبب الذنوب‬
‫َ‬
‫م { ]البقرة ‪[244:‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫والمعاصي‪ ،‬وقال سبحانه } َواعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫مي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫موا ْ أ ّ‬
‫هذه كلها أسماء الله جل وعل أمرنا أن نعلم بذلك } َواعْل َ ُ‬
‫م { ]البقرة ‪ ، [244:‬وهذا يجعلنا نتجه إليه بالدعاء لقضاء حوائجنا فهو‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫سبحانه سميع مجيب الدعاء‪.‬‬
‫‪ -‬وعلينا أن نتحرى فنحسن في أقوالنا وأفعالنا فهو عليم بجميع أمورنا‪ ،‬وقال‬
‫َ‬
‫م { ]البقرة‪ [235:‬وهذا يعرفنا نسبة حلمه‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫تعالى } َواعْل َ ُ‬
‫على عبادة فل يعجل ول يتعجل في عقاب الكافرين‪ ،‬وفي أخذ المذنبين الذين‬
‫يستحقون‪ ،‬ولكن كذلك في نفس الوقت أن هذا الذي نجده من حلم الله‬
‫سبحانه وتعالى ل يغرينا بالسترسال في المعاصي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫موا أ ّ‬ ‫َ‬
‫ب { ]البقرة‪ } [196:‬فاعْل ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫والله يقول } َواعْل َ ُ‬
‫م { ]المائدة‪ [34:‬هذان هما الجناحان اللذين يطير بهما‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫المؤمن في علقته بربه يعلم أن الله شديد العقاب فيجعله يخاف ويحذر‬
‫ولكن يعلم أن الله غفور رحيم‪ ،‬فيتعلق قلبه بالخوف من ربه ويتعلق بالرجاء‬
‫من ربه سبحانه أن يغفر له كل ذنب‪.‬‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر { ] الطلق‪[12:‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ويقول الله جل وعل } ل ِت َعْل َ ُ‬
‫هذا يجعلنا نثق به ونتوكل عليه فل يعجزه شيء سبحانه وتعالى‪ ،‬وقال تعالى‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب { ]إبراهيم‪ [52:‬وهذا يجعلنا‬ ‫حد ٌ وَل ِي َذ ّك َّر أوُْلوا ْ الل َْبا ِ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ما هُوَ إ ِل َ ٌ‬ ‫موا ْ أن ّ َ‬
‫} وَل ِي َعْل َ ُ‬
‫نخلص لله ‪،‬ونصفي من قلوبنا كل ما يكون لغير الله جل وعل ونتعلق به‪،‬‬
‫وحده فهو الله الواحد الذي يستحق العبادة وحده ‪،‬والتعلق به سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه أسماء أمرنا الله أن نعلمها ‪،‬وهناك أسماء كثيرة وردت في كتاب الله‪،‬‬
‫ووردت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلها أسماء حسنى‪.‬‬
‫ما المقصود من هذه السماء الحسنى؟ أنت عندما تقول هذا حكم فهو اسم‬
‫يدلك على هذه القيمة‪ ،‬وعندما تقول هذا كتاب جئت بمصطلح يدل على هذا‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكتاب‪.‬‬
‫فنفرق بين العلم وبين الكتاب بالسم الذي وضعناه‪،‬فإذا أردنا أن نتكلم عن‬
‫الله فما هي السماء التي نعبر بها للدللة عليه؟ إنها السماء الحسنى التي‬
‫ليست مجرد ألفاظ نستدل بها على الله سبحانه فحسب‪ ،‬وتليق به سبحانه‬
‫فحسب بل هي أسماء حسنى تحمل المعاني العظيمة‪ ،‬والشرف العظيم لله‬
‫جل وعل‪،‬ولو لم تدل هذه السماء على معان عظيمة ما كانت حسنى‪.‬‬
‫‪ -‬وبعض الناس الذين يجادلون في هذا فيقولون هي فقط أسماء وأعلم فقط‬
‫لمجرد العلمية يعني نعرف الله سبحانه وتعالى ول تحمل معاني‪.‬‬
‫‪ -‬وقد رد على هؤلء العلماء فقالوا معنى ذلك كأنك تقول يستوي عندي كل‬
‫السماء لنها ل معنى لها ‪،‬فإذا قلت اللهم يا قوي يا جبار ويا منتقم اغفر لي‬
‫هل يليق ‪،‬وهل يليق بك أن تقول كذلك يا غفور يا ودود يا لطيف يا تواب يا‬
‫رحيم؟ أو تقول اللهم يا رافع اللهم يا جبار اعطني ‪،‬واعطني ليس هكذا ول‬
‫يليق‪.‬‬
‫هذا السماء تدل على معاني ومعاني عظيمة تليق بجلل الله سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫)‪(41 /‬‬

‫‪ -‬وهناك مسألة يبحثها العلماء ‪،‬هل هذه السماء توقيفية؟ يعني ل يسمح أن‬
‫يسمى الله بغيرها أم أنه يجوز أن يسمى الله بأسماء لم ترد في الكتاب‪ ،‬ول‬
‫َ‬
‫ماء‬ ‫س َ‬ ‫في السنة‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يجيب علينا في ذلك فيق } وَل ِل ّهِ ال ْ‬
‫عوه ُ ب َِها‪] { ...‬العراف‪ [180:‬فالسماء الحسنى هي لله وتدعون‬ ‫سَنى َفاد ْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الله جل وعل بهذه السماء‪،‬أنت إذا وقفت عند ملك فإنما تطلق عليه أسماء‬
‫فريدة‪ ،‬وجميلة فنقول يا أيها الملك يا أيها العظيم يا أيها الكريم يا أيها كذا ‪...‬‬
‫فنحن ندعو الله جل وعل بأسمائه الحسنى‪ ،‬ولكن قال العلماء يجوز إذا أردت‬
‫أن تشرح معنى من المعاني اللئقة بالله سبحانه وتعالى‪ ،‬كأن تقول مثل في‬
‫العلوم الحديثة يتكلمون عن الذرة فإذا قال أحدهم‪ :‬الله الذي يجري‬
‫اللكترونات ـ وهي جسيمات صغيرة توجد في الذرة حول النواة في الذرة ـ‬
‫فإذا قال هذا ل مانع‪ ،‬ل باس من هذا الوصف‪ ،‬أو قال الله هو الذي يجعل‬
‫الدماء تجري في أجسامنا ل مانع‪ ،‬صحيح ما ورد النص بهذه اللفاظ أو بهذه‬
‫الكلمات في الكتاب أو في السنة ‪،‬ولكن المعاني صحيحة للدللة أو للشرح‪،‬‬
‫ه أ َِو‬‫عوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫ولكن عندما ننادي الله جل وعل فنناديه بأسمائه الحسنى } قُ ِ‬
‫َ‬ ‫عوا ْ الرحم َ‬
‫ت‬ ‫خافِ ْ‬ ‫ك وَل َ ت ُ َ‬ ‫صل َت ِ َ‬ ‫جهَْر ب ِ َ‬ ‫سَنى وَل َ ت َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماء ال ْ ُ‬ ‫س َ‬‫ه ال ْ‬ ‫عوا ْ فَل َ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن أي ّا ً ّ‬‫ّ ْ َ َ‬ ‫اد ْ ُ‬
‫سِبيل ً { ]السراء ‪ .[110:‬فإذا أردنا أن نناديه أو نخاطبه‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ب َِها َواب ْت َِغ ب َي ْ َ‬
‫فلنخاطبه بالسماء التي عرفنا بها سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وعلى هذا فأسماء الله هي التي يدعى بها‪ ،‬وهي متعددة فمنها ما يدل على‬
‫الذات اللهية‪ ،‬الول الذي ليس قبله شيء‪ ،‬الخر الذي ليس بعده شيء كما‬
‫َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ت‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ض يُ ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫جاء في قوله سبحانه وتعالى‪ } :‬ل َ ُ‬
‫يٍء‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬ ‫خُر َوال ّ‬ ‫ل َواْل ِ‬ ‫ديٌر*هُوَ ال َوّ ُ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬
‫م { ] الحديد‪ [3-2 :‬والظاهر الذي ليس فوقه شيء‪ ،‬والباطن الذي ليس‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫دونه شيء‪ .‬كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم‪ ,‬فقد شرح الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم معنى هذه السماء‪.‬‬
‫‪ -‬ومن السماء المتعلقة بذات الله مثل اسمي )الحي و القيوم( وقد وردت‬
‫ْ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫م{‬ ‫ة وَل َ ن َوْ ٌ‬ ‫سن َ ٌ‬‫خذ ُه ُ ِ‬‫م ل َ ت َأ ُ‬‫قّيو ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬ ‫ه ل َ إ ِل َ َ‬ ‫في قوله تعالى } الل ّ ُ‬
‫]البقرة‪ .[255:‬فهو الحي الذي ل يموت كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم "أنت الحي الذي ل تموت" وحياته ل يهددها موت لن جميع أسباب‬
‫الموت من خلقه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬وهو القيوم القائم على كل شيء‪ ،‬والحافظ لكل شيء‪،‬وبه يقوم الكون‬
‫والوجود‪ ،‬وكذلك ل تأخذه سنة ول نوم ول يأخذه نعاس أو نوم ‪،‬و إل لو أخذه‬
‫نعاس أو نوم ضاع هذا الكون واختلط أمره فهو الحي القيوم سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك أسماء متعلقة بالعلم‪ ،‬مثل العليم وهذا من البديهيات‪ ،‬من البديهيات‬
‫َ‬
‫ف‬
‫طي ُ‬ ‫خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫أن الله عليم بخلقه وقد قال في كتابه } أل ي َعْل َ ُ‬
‫خِبيُر { ]تبارك ‪ .[14 :‬كيف ل يعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير سبحانه‪،‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م { ]البقرة‪[ 231:‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫وقال تعالى } َوات ّ ُ‬
‫ما من صغيرة ول كبيرة في الكون كله ول في دخائل النفوس إل والله عليم‬
‫بها ‪،‬وهذا يدعونا إلى مراقبة الله جل وعل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حذ َُروهُ { ] البقرة‪:‬‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي أن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫‪ -‬وقال تعالى‪َ } :‬واعْل َ ُ‬
‫‪ .[235‬ومن هذه السماء المتعلقة بالعلم مثل السميع والبصير قال تعالى‬
‫صيُر { ] الشورى‪ .[11 :‬ومثل الخبير‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫} ل َي ْ َ‬
‫م ال ْ َ‬
‫خِبيُر {‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫عَبادِهِ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫قاهُِر فَوْقَ ِ‬ ‫اسم الخبير كما قال تعالى } وَهُوَ ال ْ َ‬
‫]النعام‪ [18:‬ومن هذه السماء المتعلقة بعلم الله سبحانه الشهيد قال تعالى‬
‫شِهيد ٌ { ] فصلت‪ .[53:‬هكذا بقية‬ ‫يٍء َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫} أ َول َم يك ْف برب َ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ك أن ّ ُ‬ ‫َ ْ َ ِ َِ ّ‬
‫السماء الدالة على العلم‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك أسماء أخرى تتعلق برحمة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وسعت رحمته جل‬
‫وعل مثل الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء‪ ،‬الرحيم الذي يرحم عباده‬
‫المؤمنين ومثل البر‪ ،‬التواب‪ ،‬الحليم‪ ،‬الرؤوف‪ ،‬العفو‪ ،‬الغفار‪ ،‬اللطيف الودود‪،‬‬
‫كلها أسماء تجمعها معاني الرحمة‪ ،‬وتتعلق بصفة الرحمة‪،‬وهناك أسماء‬
‫متعلقة بالقوة مثل القوي‪ ،‬الجبار‪ ،‬العزيز‪ ،‬القاهر جل وعل‪ ،‬القهار المهيمن‪،‬‬
‫المتين ‪.‬‬
‫وهناك أسماء تتعلق بالمجد مثل المجيد الحميد‪ ،‬وهناك أسماء تتعلق بالكرم‬
‫مثل الكريم الكرم‪ ،‬الرزاق‪ ،‬الغني الفتاح ‪ ،‬المقيت الوهاب‪.‬‬
‫وهناك أسماء تتعلق بالخلق مثل الخالق ‪ ،‬الخلق ‪ ،‬البارئ المصور‪ ،‬الحفيظ‬
‫القيوم‪.‬‬
‫ما ِفي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه َ‬‫حل ُ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫سَنى ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماء ال ُ‬ ‫س َ‬‫ه ال ْ‬ ‫صوُّر ل ُ‬ ‫م َ‬ ‫خال ِقُ الَبارِئ ال ُ‬ ‫ه ال َ‬‫} هُوَ الل ُ‬
‫م { ] الحشر‪.[24:‬‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ز‬ ‫زي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ماَوا ِ َ ْ ِ َ ُ َ َ ِ ُ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ت‬
‫َ ِ ُ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬

‫)‪(42 /‬‬

‫وهناك أسماء متعلقة بالعلو العلي العلى‪ ،‬الظاهر المتعال ‪،‬وهناك أسماء‬
‫متعلقة بالعدل والجزاء الحي الحق ‪ ،‬الخبير الشاكر‪ ،‬الشكور‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫سِبي َ‬
‫حا ِ‬ ‫سَرعُ ال ْ َ‬ ‫م وَهُوَ أ ْ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫حقّ أل َ ل َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫موْل َهُ ُ‬ ‫م ُرّدوا ْ إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫]النعام‪.[62:‬‬
‫ذي ل‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫وهناك أسماء متعلقة بالملك مالك الملك‪ ،‬المليك المهيمن } هُوَ الل ُ‬
‫َ‬ ‫جّباُر ال ْ ُ‬
‫مت َكب ُّر‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫م ُ‬‫مهَي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫سل ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫دو ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫ن { ]الحشر‪.[23 :‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ُ‬
‫وهناك أسماء تتعلق بالتوكل على الله جل وعل مثل اسمي الوكيل ‪ ،‬والولي‬
‫م‬‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬‫مُعوا ْ ل َك ُ ْ‬‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ل { ]آل عمران‪ [173 :‬نعم‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬‫سب َُنا الل ّ ُ‬‫ح ْ‬ ‫مانا ً وََقاُلوا ْ َ‬ ‫فََزاد َهُ ْ‬
‫م ِإي َ‬
‫ي ‪،‬فكيف‬ ‫الوكيل عندما يقول لك أحد الناس‪ ،‬وكل أمرك إلي‪ ،‬كل شيء عل ّ‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عندما يكون وكيلك هو الله جل وعل الذي يقول للشيء كن فيكون‪ ،‬هو الولي‬
‫من‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫الذي يتولى أمرك وحسبك الله و يتولك الله‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬أ َم ِ ات ّ َ‬
‫موَْتى وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر {‬‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫حِيي ال َ‬‫ي وَهُوَ ي ُ ْ‬ ‫ه هُوَ ال ْوَل ِ ّ‬ ‫ُدون ِهِ أوْل َِياء َفالل ّ ُ‬
‫]الشورى‪ .[9:‬هذه السماء العظيمة لله جل وعل هي التي ندعوه بها‪ ،‬ونفهم‬
‫معانيها‪ ،‬ونذكر الله بهذه السماء فتصور ما تحمله من معاني‪ ،‬ولكن هل لها‬
‫عدد محدود؟ ورد حديث هذا الحديث الذي رواه الترمذي‪ ،‬وفي هذا الحديث‬
‫يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬لله تسعة وتسعون اسما مائة إل واحد‬
‫ل يحفظها أحد إل دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر " وفي رواية‪" :‬من أحصاها‬
‫دخل الجنة" وفي بعض الروايات عند الترمذي‪ ،‬وغيره روايات لهذا الحديث‬
‫ذكر فيه السماء التسعة والتسعين لكن المحققين من العلماء قالوا هذه‬
‫السماء التي ذكرت في الحديث ليست من قول الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وإنما أدرجها بعض الرواة استنباطا منهم لسماء الله جل وعل التي‬
‫وردت في القرآن‪.‬‬
‫ـ والمام الغزالي قال راجعت كتاب الله وهذه السماء التي وردت في بعض‬
‫روايات الترمذي ما وجدت من السماء الموجودة في كتاب الله إل ثمانية‬
‫وتسعين اسما في القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬وأما ابن حجر العسقلني فقد قام بشيء لطيف اعتمد العدد الموجود في‬
‫حديث التسعة والتسعين‪ ،‬واعتمد التي موجودة في القرآن ثم بحث هو‬
‫بنفسه عن أسماء الله التي لم يذكرها هذا الحديث فزاد على ذلك من‬
‫السماء سبعة وعشرين اسما حتى اكتمل له العدد ووصل إلى تسعة وتسعين‬
‫اسما كلها من القرآن‪ ،‬وورد في الحديث‪" :‬من أحصاها دخل الجنة" ‪ ,‬ما‬
‫معنى من أحصاها دخل الجنة؟ أحصاها أي أحصى ألفاظها ‪،‬وعدد تلك‬
‫اللفاظ‪ ،‬وفهم معانيها‪ ،‬وما يدل عليه‪ ،‬ودعاء الله بها ثناءا ً عليه سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن هل يمكن أن تحصر هذه السماء؟‬
‫أسماء الله ل حصر لها‪ ،‬أسماء الله تليق بجلل الله وعظمته سبحانه‪،‬‬
‫وعظمته ل نستطيع أن نحيط بها فكيف يمكن أن تكون السماء الدالة عليها‬
‫محدودة‪ ،‬وقد جاء في الحديث عند احمد وابن حبان والطبراني أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دعائه‪" :‬اللهم إني عبدك وابن عبدك‬
‫وابن أمتك ناصيتي بيدك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به‬
‫نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا ً من خلقك أو استأثرت به في علم‬
‫الغيب عندك" كلها تدل على أن هناك أسماء ليست في كتاب الله وليست‬
‫في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بل هناك أسماء استأثر الله‬
‫بعلمها‪ ،‬واختص بها من شاء من عباده سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه السماء هي اللئقة بالله جل وعل‪ ،‬والتي ندعوه بها ‪،‬والتي جاء ذكرها‬
‫في الكتاب أو في السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولكن هناك‬
‫طائفة من الناس يميلون بهذه السماء عن حقيقتها‪ ،‬ويلحدون في أسماء الله‬
‫جل وعل‪ ،‬ولقد هدد الله هؤلء الذي يلحدون في أسمائه وحذرنا أن نكون‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬
‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬
‫سي ُ ْ‬
‫مآئ ِهِ َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ي ُل ْ ِ‬
‫ح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫منهم فقال‪ } :‬وَذ َُروا ْ ال ّ ِ‬
‫]العراف ‪.[180:‬‬
‫‪ -‬فما هو هذا اللحاد في السماء؟‬
‫كفار قريش كانوا من أوائل الذين ألحدوا في أسماء الله‪ ،‬اللوهية جعلوها‬
‫اللت‪ ،‬والعزيز جعلوه العزى‪ ،‬والمنان جعلوه مناة فهي ميل بأسماء الله جل‬
‫وعل عن أسمائه الصحيحة واليهود كذلك نسبوا إلى الله اسماء ل تليق به‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م{‬
‫ديهِ ْ‬ ‫ة غُل ّ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫مغُْلول َ ٌ‬
‫فقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقالوا‪ } :‬ي َد ُ الل ّهِ َ‬
‫ما َقاُلوا ْ { ] المائدة‪ [64:‬فهذا من‬ ‫] المائدة‪ .[64:‬قاتلهم الله } وَل ُعُِنوا ْ ب ِ َ‬
‫وصف الله‪ ،‬ومن اللحاد في أسمائه جل وعل‪ ،‬أما المؤمن فيتجنب هذه‬
‫المنزلقات ويتقرب إلى ربه‪ ،‬ويناديه بأحب السماء إليه‪ ،‬وهي السماء‬
‫الحسنى‪.‬‬

‫)‪(43 /‬‬

‫‪ -‬وقد أمرنا الله أن نتقرب بها في دعائنا فإذا أردت أن تدعو الله فادعوه كما‬
‫ماء ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عوه ُ ب َِها‪] { ...‬العراف‪ [180:‬ادعوه‬ ‫سَنى َفاد ْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫س َ‬ ‫علمك الله } وَل ِل ّهِ ال ْ‬
‫َ‬ ‫عوا ْ الرحم َ‬ ‫ه أ َوِ اد ْ ُ‬
‫ماء‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫عوا ْ فَل َ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن أي ّا ً ّ‬ ‫ّ ْ َ َ‬ ‫عوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫بأسمائه } قُ ِ‬
‫سَنى { ]السراء ‪.[110:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪ -‬وهناك اسم عظيم هو اسم الله العظم فقد جاء في الحديث عن عبد الله‬
‫بن بريده عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع رجل يقول‪" :‬اللهم‬
‫إني أسألك بأني اشهد أنك أنت الله ل اله إل أنت الحد الصمد الذي لم يلد‬
‫ولم يولد ولم يكن له كفوا ً أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد‬
‫سألت الله بالسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب" وهذا الحديث‬
‫إسناده صحيح وأخرجه أبو داود ‪،‬والترمذي‪ ،‬وابن أبي شيبة ‪،‬وابن حبان‪،‬‬
‫والحاكم‪.‬‬
‫‪ -‬وفي حديث لبي أمامه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪ " :‬إن اسم الله العظم في ثلث سور من القرآن في سورة البقرة و‬
‫آل عمران و طه "‬
‫ً‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬فنظرت في هذه السور الثلث فرأيت فيها شيئا ليس في‬
‫ْ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ة وَل َ‬ ‫سن َ ٌ‬‫خذ ُهُ ِ‬ ‫م ل َ ت َأ ُ‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬ ‫ه ل َ إ ِل َ َ‬ ‫القرآن مثله‪ .‬آية الكرسي } الل ّ ُ‬
‫م { ] البقرة‪.[255:‬‬ ‫ن َوْ ٌ‬
‫م { ] ال عمران‪.[2-1:‬‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل هُوَ ال َ‬ ‫َ‬
‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ّ‬
‫وفي آل عمران } الم* الل ُ‬
‫ل ظلما { ] طه‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫قّيوم ِ وَقَد ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫جوه ُ ل ِل َ‬ ‫ت ال ْوُ ُ‬ ‫وفي طه } وَعَن َ ِ‬
‫‪.[111‬‬
‫‪ -‬أما حديث أسماء بنت زيد‪ ،‬وقبل أن تتحدث عن حديث أسماء بنت زيد‪،‬‬
‫فاستنتج من هذا أن اسم الله العظم يكون في قوله تعالى } الحي القيوم {‬
‫] آل عمران‪.[2:‬وان هذا هو اسم الله العظم الذي إذا سئل به أعطى‪ ،‬وإذا‬
‫دعي به أجاب سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬لكن هناك حديث لسماء بنت زيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ه إ ِل ّ‬‫حد ٌ ل ّ إ ِل َ َ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬‫وسلم ‪ ،‬إن اسم الله العظم في هاتين اليتين } وَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫هل‬ ‫م { ] البقرة ‪.[163:‬وفي فاتحة آل عمران } الم* الل ّ ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬
‫هُوَ الّر ْ‬
‫م { ] آل عمران‪.[2-1:‬‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ ال َ‬‫إ ِل َ َ‬
‫‪ -‬قال العلماء هذا حديث ضعيف ‪،‬فهذه هي أسماء الله الحسنى‪.‬‬
‫‪ -‬ولقد قام المام ابن حجر العسقلني‪ ،‬وكما أشرت‪ ،‬وجمع هذه السماء‬
‫واستنبطها من كتاب الله سبحانه وتعالى ‪ ...‬وابن حجر تحرى أن تكون مما‬
‫هي موجود في كتاب الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬ورتبها وسردها كما سأسردها الن‪ ،‬وذلك اجتهاد منه لكي تكون وسيلة‬
‫لحفظها فقال‪ :‬السماء الحسنى التي استنبطها من كتاب الله سواء التي‬
‫وردت في بعض روايات حديث الترمذي أو ما استنبطها هو‪ ،‬هي كما يلي‪-:‬‬
‫الله – الرحمن – الرحيم‪ -‬الملك‪ -‬القدوس‪ -‬السلم‪ -‬المؤمن‪ -‬المهيمن‪-‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العزيز‪-‬الجبار‪ -‬المتكبر‪ -‬الخلق‪-‬البارئ‪ -‬المصور‪-‬الغفار‪ -‬القهار‪ -‬التواب‪-‬‬


‫الوهاب‪-‬الخالق‪ -‬الرزاق‪ -‬الفتاح‪ -‬العليم‪ -‬الحليم‪-‬العظيم‪ -‬الواسع‪ -‬الحكيم‪-‬‬
‫الحي – القيوم‪ -‬السميع‪ -‬البصير‪ -‬اللطيف الخبير‪ -‬العلي‪ -‬الكبير‪ -‬المحيط‪-‬‬
‫القدير‪ -‬المولى‪ -‬النصير‪ -‬الكريم‪ -‬الرقيب‪ -‬القريب‪ -‬المجيب‪ -‬الوكيل‪ -‬الحبيب‪-‬‬
‫الحفيظ‪ -‬المقيت‪ -‬الودود‪ -‬المجيد‪ -‬الوارث‪ -‬الشهيد‪ -‬الولي‪ -‬الحميد‪ -‬الحق‪-‬‬
‫القوي‪ -‬المتين‪-‬الغني‪ -‬المالك‪-‬الشديد‪ -‬القادر‪ -‬المقتدر‪ -‬القاهر‪ -‬الكافي‪-‬‬
‫الشاكر‪ -‬المستعان‪ -‬الفاطر‪-‬البديع‪ -‬الغافر‪ -‬الول‪ -‬الخر‪ -‬الظاهر‪ -‬الباطن‪-‬‬
‫الكفيل‪ -‬الغالب‪ -‬الحكيم‪ -‬العالم‪ -‬الرفيع‪ -‬الحافظ‪ -‬المنتقم‪ -‬القائم‪ -‬المحيي‪-‬‬
‫الجامع‪ -‬المليك‪ -‬المتعالي‪ -‬النور‪ -‬الهادي‪ -‬الغفور‪ -‬الشكور‪ -‬العفو‪ -‬الرؤوف‪-‬‬
‫الكرم‪ -‬العلى‪ -‬البر‪ -‬الحق‪ -‬الرب‪ -‬الله‪ -‬الواحد‪ -‬الحد‪ -‬الصمد‪ -‬الذي لم يلد‬
‫ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‪.‬‬
‫هذه هي السماء التي جمعها ابن حجر العسقلني‪ ،‬وأوصلها إلى تسعة‬
‫وتسعين مستنبطة من كتاب الله ليكون ذلك سببا ً لدعاء الله ومناداة الله بها‪.‬‬

‫)‪(44 /‬‬

‫‪ -‬ولكن الهم من ذلك هو الخلص لله واللجوء إلى الله‪ ،‬والتعلق به سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬واختيار الوقات المناسبة ‪،‬وعدم إشراك الله في الدعاء‪،‬كما يقع من‬
‫بعض العوام ‪،‬ومن بعض الجهال فإن الله جل وعل جعل الدعاء مخ العبادة‪،‬‬
‫والخلص فيه هو الهم‪ ،‬واللجوء إلى الله لبد أن يكون بإخلص كامل قال‬
‫مَر‬ ‫ق َ‬‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫خَر ال ّ‬ ‫س ّ‬‫ل وَ َ‬ ‫ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ‬ ‫ل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬ ‫تعالى‪ُ } :‬يول ِ ُ‬
‫ما‬‫من ُدون ِهِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك َوال ّ ِ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مى ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ري ل َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫جاُبوا‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م وَلوْ َ‬ ‫عاءك ُ ْ‬ ‫مُعوا د ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ر* ِإن ت َد ْ ُ‬ ‫مي ٍ‬ ‫ْ‬
‫من قِط ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫خِبيرٍ { ]فاطر‪.[14-13 :‬‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َول ي ُن َب ّئ ُ َ‬ ‫شْرك ِك ُ ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫مةِ ي َك ْ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م وَي َوْ َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫سبحان ربي سبحان ربي سمى الدعاء لغير الله جل وعل سماه شركا ً قال‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫من ُدون ِهِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك َوال ّ ِ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫تعالى } ذ َل ِك ُ ُ‬
‫م‬
‫م وَي َوْ َ‬ ‫جاُبوا ل َك ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫م وَل َوْ َ‬ ‫عاءك ُ ْ‬ ‫مُعوا د ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ر* ِإن ت َد ْ ُ‬ ‫مي ٍ‬ ‫قِط ْ ِ‬
‫خِبيرٍ { ]فاطر‪ .[14-13 :‬يكفرون‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫م وََل ي ُن َب ّئ ُ َ‬ ‫شْرك ِك ُ ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫مةِ ي َك ْ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫بشكركم ‪.‬‬
‫ً‬
‫أما إذا دعا من ل يسمع ومن ل يجيب ومن ل يملك شيئا فل شك انه يقع في‬
‫ضلل بعيد‪.‬‬
‫فهذه هي أسماء الله الحسنى دلنا الله عليه‪ ،‬وعرفنا بها لنعرفه سبحانه‪،‬‬
‫ولنعظمه ونسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة‪ ،‬ومن الذين يحسنون التأدب‬
‫مع الله جل وعل ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪،،،‬‬
‫تفريغ‪ :‬محمد البكري مراجعة‪ :‬خالد حسن البعداني‬
‫علي عمر بلعجم‬
‫‪ -‬رواه مسلم في صحيحة في كتاب العلم باب ما يقول عند النوم وأخذ‬
‫المضجع ‪ 4/2081‬برقم ‪.2713‬‬
‫‪ -‬رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والستغفار باب التعوذ من شر‬
‫ما عمل ومن شر ما لم يعمل‪4/2060 :‬رقم الحديث‪. 2717 :‬‬
‫‪ -‬رواه البخاري في كتاب الدعوات باب لله مائة اسم غير واحد ‪5/2354‬برقم‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪. 6047‬‬
‫‪ -‬رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والستغفار باب في أسماء الله‬
‫تعالى وفضل من أحصاها ‪ 4/2060‬رقم الحديث‪. 2677:‬‬
‫‪ -‬سبق تخريجه ص ‪.6‬‬
‫‪ -‬الحديث رواه احمد في المسند ‪ 1/452‬برقم ‪ 4318‬قال شعيب إسناده‬
‫ضعيف ‪ ،‬ورواه ابن حبان في صحيحه ‪ 3/253‬برقم ‪ 972‬قال شعيب‬
‫الرنؤوط ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬رواه احمد في المسند ‪ 5/360‬برقم ‪ 23091‬قال شعيب الرنؤوط ‪:‬‬
‫إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين ‪ ،‬وانظر صحيح ابن حبان في كتاب‬
‫الرقائق باب الدعية ‪ 3/174‬برقم ‪ ،891‬قال شعيب الرنؤوط ‪ :‬إسناده‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬الحديث رواه ابن ماجة في سننه ‪ 2/1267‬برقم ‪ 3856‬قال الشيخ اللباني‬
‫حسن‪ ،‬ورواه الحاكم في المستدرك ‪ 1/684‬برقم )‪. (1861‬‬
‫الحلقة ‪26‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد‪-:‬‬
‫فما هي الحكمة من خلق النسان؟ يسأل ذلك الشاعر‬
‫جئت ل أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت‬
‫وسأبقي سائرا ً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست‬
‫أدري‬
‫ولماذا لست أدري؟ لست أدري‪.‬‬
‫سبحان ربي! تظهر حقيقة هذه الحياة عند الموت فإذا جاء الموت انكشفت‬
‫حقيقتها‪ ،‬ينظر إلى ما مضى من عمره فل يجد لها قيمة‪ ،‬ويعرف عندئذ أن‬
‫الحقيقة الباقية هي التي سيقدم عليها‪ ،‬وعندئذ يتساءل لماذا خلقت في‬
‫الدنيا؟‬
‫يسأل لماذا دخل إلى الدنيا؟ لكن متى يسأل ذلك؟ عند خروجه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وليعلم كل عاقل أننا قد خلقنا لحكمة‬ ‫أي غفلة كان فيها هذا النسان فع ً‬
‫وليس كما يظن الجاهلون أننا خلقنا عبثًا‪ ،‬تأمل إلى كل جزء من أجزاء‬
‫جسمك ستراه محكما‪ ،‬وستر شهادة علماء الطب يعرفونك عن علم وظائف‬
‫العضاء فما من عضو إل وله حكمه؟‪ ،‬وسيحدثك الطباء أن كل عضو من‬
‫أعضاء جسم النسان مرتبط بالكل‪ ،‬فما أحكمت المعدة‪ ،‬ول أحكمت المعاء‬
‫إل من أجل أن توجد جهازا ً كامل هو الجهاز الهضمي‪ ،‬وما أحكم خلق الجهاز‬
‫الهضمي إل ليقوم بوظيفته ضمن هذا النسان‪ ،‬ضمن هذا الكيان بأكمله‪،‬‬
‫وهكذا كل عضو‪ ،‬أفيكون الجزاء محكما ً وله وظيفة ثم يكون الكل بدون‬
‫إحكام وبدون وظيفة سبحان ربي‪.‬‬

‫)‪(45 /‬‬

‫فهناك حكمه لشك في ذلك لن كل شيء من خلقنا محكم‪ ،‬ولكن هذه‬


‫الحكمة غابت عنا لماذا غابت عنا؟ لنها تختفي في نفس الخالق سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬أرأيت لو جئت بجهاز الكتروني معقد غاية التعقيد‪ ،‬وأردت أن تعلم‬
‫الحكمة منه كيف السبيل لكي تعرف الحكمة من هذا الجهاز المعقد الثمين‬
‫الغالي‪ ،‬أن تتصل بالذي صنعه أو بمندوبه الذي أرسله فعندئذ تعلم الحكمة‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من هذا الجهاز‪ ،‬وإل فستفسده والنسان لم يتمكن بعد أن يعرف أسرار‬
‫تركيبه فهو يسأل نفسه هذه الروح ما هي ما حقيقتها؟‪ ,‬العقل ما حقيقته‬
‫كيف أعي كيف أفهم أسرار كثيرة يجهلها من نفسه‪ ،‬فأنى له أن يعرف‬
‫الحكمة من خلقه ووجوده فل سبيل إل أن يتصل بالذي خلقه وأن يعرف‬
‫خالقه‪.‬‬
‫بعض الناس يتعجل ويحدد لنفسه هدفا‪ ،‬هذا يقول أنا أكون زعيما‪ ،‬وهذا يقول‬
‫أنا أكون قائدا عسكريا‪ ،‬وهذا يقول الحكمة من خلقي أني أجمع الموال‪،‬‬
‫وهذا يجعل هدفه في حسبانه أن يكون صاحب درجات عالية في الجامعات‪،‬‬
‫ويكون مشهورا ً ويكون‪ ...‬أحقا هي هكذا الحكمة هي هكذا متعددة ومتنوعة‪،‬‬
‫إن حكمتنا ترتبط بخلقنا وخلقتنا واحدة‪.‬‬
‫جسمك وجسمي وجسم الملك‪ ،‬والزعيم‪ ،‬والوزير ‪،‬والقائد‪ ،‬والطبيب‪،‬‬
‫والضابط تركيب واحد‪ ،‬نفوسنا بسنن واحدة كلنا نحب ونكره‪ ،‬وكلنا نخاف‬
‫‪،‬ونطمع التركيب النفسي والتركيب البدني واحد‪.‬‬
‫فالحكمة يجب أن تكون واحدة‪ ،‬فل ينفع أن نصطنع لها أهدافا‪ ،‬وأن نقضي‬
‫حياتنا من أجل تلك الهداف المصطنعة المزورة غير الحقيقة وإل لماذا‬
‫نموت؟ هذا قد أصبح زعيما ً لماذا يموت؟ وهذا قد أصبح علما من كبار العلماء‬
‫لكن لماذا يموت؟ لو كان خلق من أجل أن يكون عالما ومن أجل أن يكون‬
‫زعيما ومن أجل أن يكون‪ ...‬لماذا؟ لنه حقق حكمة وجوده‪.‬‬
‫‪ -‬إننا قد خلقنا لحكمة ول بد أن تكون هذه الحكمة واحدة من خلق كل إنسان‬
‫على وجه الرض لن التركيب واحد؟‪ ،‬وكذلك ل تتغير هذه الحكمة من جيل‬
‫إلى جيل‪.‬‬
‫فالبشرية كلها تخضع لحكمة واحدة ‪،‬حكمة واحدة الجميع مخلقين لها‪،‬‬
‫خلقتك هي نفس خلقت الذين عاشو قبل مائة سنة‪ ،‬وقبل ألف سنة‪ ،‬وقبل‬ ‫و ِ‬
‫آلف السنين لن التركيب ما تغير ‪،‬والخلقة ما تبدلت لذلك يجب أن تكون‬
‫حكمة واحدة مهما حاول الناس أن يبحثوا فالطريق الوحيد لمعرفة هذه‬
‫الحكمة هي أن يتصلوا بالذي خلقهم‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الحقيقة مع أنها في غاية التعقيد على من يريد أن يبحث عنها في غير‬
‫الطريق الصحيح لمعرفتها‪ ،‬ومع ذلك فهي في غاية البساطة‪ ،‬الحكمة من‬
‫القلم يحددها الذي صنع القلم‪ ،‬الحكمة من السيارة يحددها الذي صنع‬
‫السيارة‪ ،‬من الطائرة من الغواصة من أي شيء من أي آله الحكمة منها من‬
‫الذي يحددها؟ الذي صنعها‪.‬‬
‫‪ -‬والسؤال الثاني‪ :‬وهل تعمل وفق مراد الذي صنعها؟‬
‫إذا الحكمة من القلم أن يعمل على مراد الذي صنعه‪ ،‬ومن السيارة أن تعمل‬
‫على مراد الذي صنعها‪ ،‬ومن الطائرة وهكذا‪.‬‬
‫إذا ً الحكمة من نفسك وخلقك هي أن تعمل أنا وأنت وهو وهم على مراد‬
‫الذي خلقنا وأوجدنا هذه هي الحكمة‪ ،‬معقول يخلقنا لنعمل على مراد غير‬
‫مراده سبحانه الحكمة واضحة‪ ،‬هي أننا خلقنا في هذا الوجود وجئنا إلى هذه‬
‫الدنيا من اجل أن نعمل على مراده جل وعل ‪ ،‬علمنا على مراده اسمه‬
‫ُ‬
‫من‬‫من ُْهم ّ‬
‫ما أِريد ُ ِ‬
‫ن* َ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫لن َ‬‫ن َوا ْ ِ‬
‫ج ّ‬‫ت ال ْ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬‫العبادة قال تعالى } وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن { ] الذاريات‪ [57-56:‬هذه الحكمة غير قالبة‬ ‫مو ِ‬‫ما أِريد ُ أن ي ُط ْعِ ُ‬
‫ق وَ َ‬
‫ّرْز ٍ‬
‫للتعديل غير قابلة للتغيير‪.‬‬
‫تأمل هل يمكن أن تغير الحكمة من عينك؟ أحدهم يقول أنا ما أريد أن تكون‬
‫العين للنظر أنا أريد أن أغير الحكمة منها‪ ،‬نقول له ل تستطيع هي ركبت من‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اجل أن تنظر‪ ،‬ل تستطيع أن تغيرها تجعلها فم تأكل منها‪،‬ول أحد يستطيع أن‬
‫يغير الحكمة من أذنه يقول أنا أغير الحكمة من أذني أريد أن اجعلها أنف‪.‬‬

‫)‪(46 /‬‬

‫يا أخي‪ :‬هي منذ خلقت‪ ،‬خلقت لغاية حددها الذي خلقها‪ ،‬والذي صنعها هكذا‬
‫أنت بأكملك أنت بأكملك خلقت لغاية حددها الذي خلقك ل تستطيع أن تغيرها‬
‫ول تستطيع أن تبدلها‪ ،‬ل تستطيع إل أن تسير فيها‪ ،‬وتحققها وهي أن تعمل‬
‫س إ ِل ّ‬‫لن َ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫على مراده جل وعل وقد بين الله ذلك فقال } وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن { ] الذاريات‪[57-56:‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ما أِريد ُ أن ي ُط ْعِ ُ‬ ‫ق وَ َ‬‫من ّرْز ٍ‬ ‫من ُْهم ّ‬
‫ما أِريد ُ ِ‬ ‫ن* َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫والذين يبلغون لنا أحكام تفاصيل هذه العبادة هم الرسل عليهم الصلة‬
‫والسلم الذين أيدهم الله بالبينات وبالمعجزات‪ ،‬وقد مر بنا بينات رسولنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاته ولذلك نحن نتلقى منه التوجيه‪ ،‬ونحن‬
‫على ثقة واطمئنان بأنه الرسول الذي بعثه الله إلينا‪ ،‬فرسل الله إذا ً هم‬
‫دوا ْ‬ ‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ ّر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫الذين يبلغون ما يريد الله جل وعل } وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ت { ]النحل‪ .[36:‬اجتنبوا الطاغوت ‪،‬كل من يصنع له‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬‫جت َن ُِبوا ْ ال ّ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫فكرة في رأسه تخضع لغير الله جل وعل إنما هو يطغى بفكرته أو يطغى‬
‫بصنمه ووثنه‪ ،‬أو يطغى بمعبوده الجديد لن كل غير الله معبود لله‪ ،‬فإن تعبده‬
‫وتترك عبادة الله فقد رفعت هذا المعبود من مقام العبودية إلى مقام‬
‫اللوهية فهذا طغيان وتجاوز للحد‪ ،‬وهذا طاغوت واليمان الكامل هو أن نكفر‬
‫بالطاغوت وأن نعبد الله جل وعل‪.‬‬
‫كل من أراد أن يعبد من دون الله نكفر به‪ ،‬ونعبد الله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫–هذه الدنيا سننها وقوانينها‪ ،‬أو بلغة المهندسين‪ ،‬قد صممت لتتناسب مع‬
‫وظيفة خلقتنا فيها‪ ،‬وهي أنها دار ابتلء وامتحان لموضوع العبادة ‪.‬‬
‫الن جئنا المطلوب أن نعبد الله ولكن هذه العبادة ما الغاية منها؟ رتب الله‬
‫عليها جزاًء وثوابا‪ ،‬إذا هي دار البتلء ‪ ،‬هذه العبادة سنن الله جل وعل في‬
‫هذه الدنيا قد هيئت لتحقيق وظيفة وجودنا عليها‪ ،‬جئنا إلى هذه الدنيا من‬
‫أجل أن نبتلى ونمتحن فيها؟ في موضوع العبادة فالله يقول إن أطعتموني أو‬
‫أطعتم رسلي وحققتم العبادة أعطيكم الجنة وأثيبكم حياة أبدية‪ ،‬وإن عصيتم‬
‫فإن هناك دار أخرى‪ ،‬وهناك منزلة أخرى هي نار جهنم هي معدة للكافرين‪،‬‬
‫ولكن تفضلوا أدخلوا هذه الدنيا إنها دار ابتلء وامتحان واختبار هل تعبدون أم‬
‫تعصون؟ ثم زين لنا هذه الدنيا وجملها في أنظارنا‪ ،‬وزين لنا الخرة‪ ،‬وجعل‬
‫هناك طرقا للفوز بزينة الدنيا هي دين الله‪ ،‬ولكن الذي ل يريد أن يسلك هذا‬
‫الطريق وتشغله بهارج الدنيا‪ ،‬وشهواتها وزينتها‪ ،‬يريد أن يصل إليها على غير‬
‫مراد الله فالدنيا مزينة ‪،‬والنسان طماع يريد أن يحقق أكبر قدر من ذلك لكن‬
‫الشريعة التي تقول له ل ‪ ،‬خذ وفق هذا الطريق وفق هذا النهج ‪ ،‬ولك الدار‬
‫الخرة‪ ،‬وهي أعظم فزين الله الخرة في أنظار المؤمنين‪ ،‬زين الله الخرة‬
‫في كتابة‪ ،‬والوحي الذي جاء من عنده‪ ،‬وزين الدنيا أمام أعيننا وأنظارنا‪ ،‬وهنا‬
‫البتلء فإن كان اليمان قوي أكثر من ذكر الله جل وعل ‪،‬وأطاع الله وصبر‬
‫على تلك الطاعة‪.‬‬
‫ف‬‫حْر ٍ‬ ‫ه عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫من ي َعْب ُد ُ الل َ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وإن كان اليمان ضعيفا قال تعالى‪ } :‬وَ ِ‬
‫خير اط ْمأ َن به وإ َ‬ ‫فَإ َ‬
‫سَر الد ّن َْيا‬ ‫خ ِ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫ب عَلى وَ ْ‬ ‫َ‬ ‫قل َ‬‫َ‬ ‫ة ان َ‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬‫صاب َت ْ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫َ ّ ِ ِ َِ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن { ]الحج‪.[11:‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬
‫سَرا ُ‬
‫خ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةَ ذ َل ِك هُوَ ال ُ‬ ‫َواْل ِ‬
‫ة ل َّها‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ِزين َ ً‬ ‫ما عَلى الْر ِ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫فهي دار ابتلء وامتحان‪ ،‬قال تعالى } إ ِّنا َ‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ل ِنبل ُوهُم أ َيه َ‬
‫ذي ب ِي َدِهِ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مل ً { ]الكهف ‪ .[7:‬وقال تعالى‪ } :‬ت ََباَر َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ُّ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م أي ّك ْ‬ ‫ُ‬
‫حَياة َ ل ِي َب ْلوَك ْ‬ ‫ت َوال َ‬ ‫موْ َ‬ ‫خلقَ ال َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر* ال ِ‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ك وَهُوَ عَلى كل َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫زيُز ال ْغَ ُ‬ ‫َ‬
‫فوُر { ]الملك‪.[2-1:‬‬ ‫مل ً وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫زين للناس هذا التزيين الذي أشرت إليه قال تعالى‪ُ } :‬زي ّ َ‬
‫ل‬ ‫ضةِ َوال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م َ‬‫قنط ََرةِ ِ‬ ‫م َ‬‫طيرِ ال ْ ُ‬ ‫قَنا ِ‬‫ن َوال ْ َ‬ ‫ساء َوال ْب َِني َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ب{‬ ‫مآ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عند َه ُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ث ذ َل ِ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫مةِ َوالن َْعام ِ َوال ْ َ‬ ‫سو ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫]آل عمران‪[14:‬‬
‫ثم تأمل كيف أن هذه الدنيا جعلت للبتلء والمتحان‪ ،‬عندما ندخل إلى الدنيا‬
‫أنا وأنت‪ ،‬والملوك والرؤساء‪ ،‬والكل ندخل إلى الدنيا عرايا ل نملك شيء‪.‬‬
‫ثم نعطى بعضا ً من المتاع‪ ،‬ومن العلم‪ ،‬ومن الجاه‪ ،‬ومن القوة‪ ،‬واستخلف ما‬
‫شاء الله أن يستخلفنا فإذا ما تصرفنا فيها أربعين‪ ,‬خمسين‪ ,‬سبعين‪ ,‬ثمانين‪,‬‬
‫مائة سنة جاء الوعد‪ ,‬سلم الودائع‪ ,‬أخرج من الدنيا‪ ,‬فنخرج عرايا ل نملك‬
‫موَنا‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬
‫قد ْ ِ‬ ‫شيئا ً كما دخلنا إليها‪ ،‬دخلنا ل نملك شيئا وخرجنا ل نملك شيئا } وَل َ َ‬
‫م { ]النعام‪:‬‬ ‫م وََراء ظ ُُهورِك ُ ْ‬ ‫خوّل َْناك ُ ْ‬‫ما َ‬ ‫مّرةٍ وَت ََرك ُْتم ّ‬ ‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَُراَدى ك َ َ‬
‫‪.[94‬‬
‫إذا ً ينشأ هنا سؤالن‪.‬‬

‫)‪(47 /‬‬

‫لماذا أعطانا الله جل وعل ؟وهو سيأخذها منا‪ ،‬وما قصد أن يمكنا تمكينا أبديا‬
‫أعطانا لتمليك مؤقت لنه سيأخذها بعد ذلك‪ ،‬ثم لماذا أخذها منا وقد أعطانا؟‬
‫الجواب واحد فقط هو أعطاك يبتليك كيف تتصرف عندما يعطيك وليس‬
‫القصد العطاء والتمليك ويسلب منك‪ ،‬وليس القصد إظهار القوة لنه أصل ما‬
‫كان معك شيء ‪،‬وهو الذي أعطاك فهو أعطاك ول يقصد التمليك‪ ،‬وسلب‬
‫منك ول يقصد السلب فالمقصود منه البتلء والمتحان ‪ ،‬ترى أن الطالب‬
‫يدخل المتحان وخاصة في الكليات العملية فيعطى الجهزة‪ ،‬ويعطى الوراق‬
‫ويعطى كذلك‪ ،..‬وهو يتصرف ثم يضع كل ما معه‪ ،‬ويمشي هكذا هي الدنيا‪،‬‬
‫ولكي يتحقق هذا البتلء والمتحان الله يقلب القلوب على أحوال متعددة‬
‫لتكشف حقائقها فيبتلينا في الخير والشر‪ ،‬فمن الناس من يثبت عند الشدائد‬
‫لنه عنده‪ ،‬شكيمة وبطولة وحمية لكن من الناس من ل يثبت‪ ،‬إذا تبدلت هذه‬
‫الشدائد إلى رخاء ومال وصحة وقوة وشهوات وأهواء فكذلك الله سبحانه‬
‫ن‬
‫م َ‬‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫وتعالى ولله المثل العلى يبتلي الناس بالشدائد } وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ف َوال ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل َوالن ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ق ٍ‬ ‫جوِع وَن َ ْ‬ ‫خو ْ‬
‫منك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫]البقرة‪ .[155:‬ثم يبدل الله فيمكنه ويستخلف } وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫من قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫فن ُّهم ِفي اْل َْر‬ ‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫منا { ]النور‪:‬‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫م وَلي ُب َد ّلن ُّهم ّ‬ ‫ضى لهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫وَل َي ُ َ‬
‫مك ّن َ ّ‬
‫‪.[55‬‬
‫ن { ]النبياء‪:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫ة وَإ ِلي َْنا ت ُْر َ‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫ْ‬
‫شّر َوال َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والى هذا تشير الية } وَن َب ْلوكم ِبال ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫صيرا { ]الفرقان‪:‬‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ب َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن وَكا َ‬ ‫صب ُِرو َ‬ ‫ة أت َ ْ‬ ‫ض فِت ْن َ ً‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ب َعْ َ‬ ‫‪ } .[35‬وَ َ‬
‫‪ .[20‬هذا أضعف من هذا ‪،‬وهذا أقوى من هذا أنت تحتاج لهذا وأنت تحتاج‬
‫إليه‪.‬‬
‫وللبتلء سنن ‪ ،‬الحياة كلها من أجل تحقيق ذلك البتلء‪ ،‬ثم هذا البتلء أخذ‬
‫صور استخلف وتمكين في هذه الرض‪ ،‬وترى هذا النسان يتصرف وكأنه‬
‫سيد وكأنه المالك وكأن كل شيء بيده‪ ،‬ولكن في الحقيقة ليس هو المالك‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحقيقي هل تملك شحما أو لحما أو عظما أو دمًا؟ هل تملك سمعك‬


‫وبصرك؟ هل تملك أولدك؟ هل أنت أوجدت ماءك وهواك أو أرضك‬
‫وسماءك؟ أنت ل تملك شيئا ولكنك تتصرف وكأنك المالك إذن مثالك كمثل‬
‫صاحب عمل في مصنع أو مزرعة أو في متجر‪ ،‬وليس المالك لهذا المتجر‬
‫وليس المالك لهذا المصنع ولكنه يتصرف وكأنه المالك يأتي يبرم‬
‫التفاقيات‪،‬ويبيع ويشتري ويصدر الوامر للعمال نسأله هل أنت المالك قال‬
‫ل‪ :‬لكنك تتصرف كما تريد معنى ذلك أنت مستخلف من قبل المالك‬
‫الحقيقي‪.‬‬

‫)‪(48 /‬‬

‫هذا النسان يتصرف وكأنه سيد على هذه الدنيا إذن هو مستخلف لنه ليس‬
‫المالك‪ ،‬لنه ليس هو الذي أوجد هذه الشياء فهو إذن مستخلف في هذه‬
‫الدنيا ‪،‬ولكن هل المستخلف يتصرف كما يشاء في نفسه ل ‪ ،‬مدير المصنع‬
‫مدير المزرعة مدير المتجر له الحق أن يتصرف فيما وضع تحت يده لكن هو‬
‫يخضع لوامر الذي استخلفه‪ ،‬وكذلك هذا النسان يتصرف في هذا الملكوت‬
‫وكأنه السيد فيما بين يديه‪ ،‬وهو يجب أن يخضع لوامر الذي استخلفه ومكنه‬
‫فل ْ َ‬ ‫ض َوال ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫خَر ل َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري‬ ‫ج ِ‬‫ك تَ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫س ّ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫يقول الله جل وعل } أل َ ْ‬
‫َْ‬ ‫ماء َأن ت َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ه ِبالّنا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ض إ ِّل ب ِإ ِذ ْن ِهِ إ ِ ّ‬ ‫قعَ عَلى الْر ِ‬
‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬‫مرِهِ وَي ُ ْ‬ ‫حرِ ب ِأ ْ‬‫ِفي ال ْب َ ْ‬
‫ما ِفي‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫خَر ل َ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م { ]الحج‪ .[65:‬ويقول‪ } :‬وَ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ل ََر ُ‬
‫ن { ]الجاثية‪ .[13:‬منه‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ميعا ً ّ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َْر‬
‫ض فََينظ َُر ك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫سبحانه وتعالى لماذا قال تعالى‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ن { ]العراف‪ .[129:‬هو يستخلفكم لينظر كيف تعملون هذه هي‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫الحقيقة ثم يأتي الموت تفضل اخرج‪ ،‬أنا رئيس أخرج أنا ملك أخرج‪ ،‬نحن‬
‫شعب عندنا الصناعات عندنا كذا فجرنا الذرة غزونا‪ ،‬وصلنا المريخ أخرج أنت‬
‫َ‬ ‫حل ْ ُ‬
‫م‬‫م* وَأنت ُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ول إ َِذا ب َل َغَ ِ‬ ‫عبد أنت تقضي فترة امتحان واختبار أجب‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫ن* فَل َوَْل ِإن ُ‬ ‫حينئ ِذ تنظ ُرون* ونح َ‬
‫م غَي َْر‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫كن ّل ت ُب ْ ِ‬ ‫م وَل َ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ن أقَْر ُ‬ ‫ِ َ ٍ َ ُ َ ََ ْ ُ‬
‫ن { ] الواقعة‪ .[87-83:‬فلول إن كنتم غير‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جُعون ََها ِإن كنت ُ ْ‬ ‫ن* ت َْر ِ‬ ‫ديِني َ‬ ‫م ِ‬‫َ‬
‫مدينين‪ ،‬أي إذا كنتم لن تحاسبوا ‪،‬ولن تسألوا على ما أعطيتم من‬
‫مسؤوليات‪ ،‬لن الستخلف وراءه مسئولية لكنك أعطيت صلحيات لزم‬
‫تسأل إذا كنت ل تدان ول تسأل عن ذلك بالله ل تموت أمنع ل تموت‪ ،‬امنع‬
‫ن{‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫جُعون ََها ِإن ُ‬ ‫ن* ت َْر ِ‬ ‫ديِني َ‬ ‫م ِ‬ ‫م غَي َْر َ‬ ‫ول ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫عن نفسك الموت } فَل َ ْ‬
‫] الواقعة‪ [87-86:‬ياالله ياالله ارجع إلى هذه الدنيا أن كنت صادق‪ ،‬أمنع عن‬
‫نفسك الموت أنت عبد دخلت إلى الدنيا بدون إرادتك‪ ،‬وبقيت فيها بدون‬
‫إرادتك فأنت تنمو من ضعف إلى قوة إلى ضعف مرة ثانية‪ ،‬وتنام وتخاف‬
‫وتعطش وتحتاج الهواء‪ ،‬وتحتاج الضروريات التي هي محكوم عليك بها فل‬
‫تملك إل أن تستسلم غير ممتلك ثم تخرج متى ما شاء ربك سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫ول تملك أن تتأخر عن شيء من ذلك إلى أين؟ تفضل عملت فما بقي إل‬
‫الحساب‪،‬هذه الدنيا الغاية فيها العمل‪ ،‬وإل كل شيء يفنى إل العمل أنظر لو‬
‫أنك أسأت إلى شخص قبل خمس سنوات ولقيته اليوم‪ ،‬وقال لك يا أخي أنت‬
‫أسأت إلي قبل خمس سنوات‪،‬تقول له يا أخي تغير كل شيء من خمس‬
‫سنوات‪،‬نعم تغير كل شيء لكن العمل ما ضاع الحسان وكذلك الساءة ل‬
‫تضيع‪ ،‬هذا صحيح كم أجيال راحت لكن العمل ما ضاع‪ ،‬فهذه الدنيا يبقى فيها‬
‫العمل لنها مركبة ومصممة وسننها قائمة على أن يعمل فيها النسان‪ ،‬ثم‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخروج منها الستعداد لدار الجزاء والتوجه لكي يجد النسان حسابه وجزاءه‬
‫ة ال ْموت وإنما توفّو ُ‬
‫ن‬ ‫ح عَ ِ‬ ‫حزِ َ‬ ‫من ُز ْ‬ ‫مةِ فَ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫جوَرك ُ ْ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ق ُ َ ْ ِ َ ِّ َ ُ َ ْ َ‬ ‫س َذآئ ِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫} كُ ّ‬
‫مَتاعُ ال ْغُُرورِ { ]آل عمران ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫حَياةُ الد ّن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫قد ْ َفاَز َوما ال ْ َ‬ ‫ة فَ َ‬‫جن ّ َ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫الّنارِ وَأد ْ ِ‬
‫‪ .[185‬حقيرة ل تكتشف أنها غرتك إل عندما تنتهي انظر إلى عمرك الذي‬
‫مضى إلى الن؟ سل نفسك الن؟ عمرك الذي مضى ما قيمته لديك؟ هكذا‬
‫قيمة الحياة كلها عند الموت متاع الغرور فل تنخدع‪ ،‬ثم إلى أين؟ لن تترك‬
‫سدى‪ ،‬إن كل شيء محكم في هذا الوجود من الذرة إلى المجرة‪،‬إن خلقك‬
‫محكم من أصغر جزء فيك إلى أكبر جزء إليك بأكملك‪ ،‬كيانك بأجمعه والعقلء‬
‫ل يعبثون إن العبث من أمر المجانين‪ ،‬فكيف بمن خلق العقلء والحكماء‬
‫فكيف بمن أحكم خلق الرض والسماء إذن ل يمكن أن يكون الموت عبثا ً‬
‫َ‬ ‫ن َأن ي ُت َْر َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م يَ ُ‬ ‫دى* أل َ ْ‬ ‫س ً‬ ‫ك ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫با ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫‪،‬وأن تذهب سدى يقول تعالى } أي َ ْ‬
‫ن الذ ّك ََر‬ ‫جي ْ ِ‬‫ه الّزوْ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وى* فَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫خل َقَ فَ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫مَنى* ث ُ ّ‬ ‫ي يُ ْ‬ ‫من ِ ّ‬
‫من ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ً‬ ‫ن ُط ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫موَْتى { ] القيامة‪ .[40-36:‬يعني‬ ‫ي ال ْ َ‬‫حي ِ َ‬ ‫قادِرٍ عََلى أن ي ُ ْ‬ ‫ك بِ َ‬‫س ذ َل ِ َ‬ ‫َوالنَثى* أل َي ْ َ‬
‫لو أني أردت أن أضيعه أضيعه وهو نطفة‪ ،‬إذا سألت الطباء بداية خلقنا ما‬
‫هو؟ الجواب نطفة صغيرة زيجوت‪ -‬المشاج‪ -‬هذه المشاج إذا أردت أن تراها‬
‫بعينيك ل تراها بالعين المجردة‪ ،‬إذا أردت أن ترى الملك في أول نطفة يكون‬
‫فيها ل ترى الملك ول ترى الزعيم‪ ،‬ول ترى أحد هذه بدايتك وبدايتي‪ ،‬فلو أردا‬
‫أن يضيعك سدى يضيعك وأنت نطفة‪ ،‬يضيعك وأنت علقة يحفظك في أصغر‬
‫شيء ل يرى بالعين ثم يضيعك بعد كمال عمل وسعي وتصرف ل والله‬
‫ك ن ُط ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َأن ي ُت َْر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫مَنى* ث ُ ّ‬ ‫ي يُ ْ‬‫من ِ ّ‬‫من ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ً‬ ‫م يَ ُ‬ ‫دى* أل َ ْ‬ ‫س ً‬
‫ك ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫با ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫} أي َ ْ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬ ‫عَل َ َ‬

‫)‪(49 /‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫حي ِ َ‬‫قادِرٍ عََلى أن ي ُ ْ‬ ‫س ذ َل ِ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ن الذ ّك ََر َواْلنَثى* أل َي ْ َ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫ه الّزوْ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وى* فَ َ‬ ‫س ّ‬‫فَ َ‬
‫موَْتى { ] القيامة‪ .[40-36:‬يعني إنه على كل شيء قدير سبحانه‪ ،‬إذن ما‬ ‫ال ْ َ‬
‫خلقنا عبث ول نموت فنذهب سدى وهذه الحياة الغاية منها هي أن تعبد الله‪،‬‬
‫وهي موضوع المتحان على هذه الدنيا فما هي العبادة؟ العبادة قال بعض‬
‫العلماء هي‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ‪،‬والعبادة باختصار أن تعمل‬
‫وفق ما أراد لك هذه الخلصة‪ ,‬خلقت لماذا؟‬
‫الجواب‪ :‬لتعمل وفق ما أراد الذي خلقك بيديه ‪،‬من البديهيات جميع‬
‫المصنوعات تعمل وفق مراد صانعها وأنت يا أخي تعمل وفق مراد الذي‬
‫خلقك وأوجدك إنك ما خلقت نفسك إذن لك خالق‪ ،‬إذن حكمة ربك أن تعمل‬
‫وفق مراده‪ ،‬وهناك أمور خاصة بك يجب أن تسلم أمرك لخالقك في كل‬
‫ضى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫من َةٍ إ َِذا قَ َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن وََل ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫شؤونك الخاصة يقول الله تعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫مرا ً َأن ي َ ُ‬ ‫ورسول ُ َ‬
‫م { ]الحزاب‪ .[36:‬وكذلك في‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫المر العام‪ ،‬وديننا دين السلم هو الدين الكامل الشامل الذي ما ترك جانبا ً‬
‫جهه في كل شؤون الحياة‪ ،‬في السياسة في‬ ‫ظمه وو ّ‬ ‫من جوانب الحياة إل ون ّ‬
‫القتصاد‪ ،‬في الدارة ‪،‬في الجتماع ‪،‬في الخلق في العلقات الدولية‪ ،‬في‬
‫َ‬ ‫القضايا الشخصية في كل صغيرة وكبيرة } ال ْيو َ‬
‫ت‬‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ف‬
‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫صةٍ غَي َْر ُ‬ ‫م َ‬‫خ َ‬‫م ْ‬ ‫ضطّر ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِدينا ً فَ َ‬‫سل َ َ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬
‫م { ]المائدة‪ [3:‬وكما أنه يجب على الفرد أن يطيع‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ّل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬
‫يجب على المة أن تطيع الله جل وعل ‪،‬وأن تخضع لمره وأن تحقق عبادتها‬
‫له ‪،‬في هذا الزمان حدث فيه تطور حدث فيه تقدم‪ ،‬والشريعة السلمية التي‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نزلت قبل ‪ 1400‬عام ل تتناسب مع هذا الزمان‪ ،‬قالها لي أحد سفراء بعض‬
‫الدول الغربية في صنعاء قال الدين كامل اكتمل قلت نعم قال الحياة اكتملت‬
‫قلت ل قال كيف تقول إن الذي اكتمل كيف يستجيب لمتطلبات الحياة التي‬
‫لم تكتمل؟! قلت له الحكمة من عينك هي نفس الحكمة من عين الذي كان‬
‫يعيش في زمن المسيح وفي زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال‬
‫نعم حكمة واحدة قلت النف والذن والقلب واليدين والكبد والرجل والبدن‬
‫بأكمله قال نعم تركيب واحد ما تغير قلت له‪ ،‬والتركيب النفسي أنت تحب‬
‫وتكره وهم كانوا يحبون ويكرهون‪ ،‬قال نعم تراكيب نفس واحدة‪ ،‬إذن نحن‬
‫أمام شخصية بشرية تركيبها واحد‪ ،‬التركيب البدني واحد والتركيب النفسي‬
‫واحد ما تغيرت ما تبدلت قلت‪ ،‬إذا ً الدين جاء من أجل هذه الفطرة التي لم‬
‫تتبدل ولم تتغير وهو كامل لن الفطرة اكتملت أيضا خلقها فطرة كاملة‪،‬‬
‫والدين كامل والدين جاء وفق هذه الفطرة‪ ،‬أضرب لك مثال الن هذه سيارة‬
‫تصنع‪ ،‬هذه السيارة التي تصنع وفق خطة هندسية سيارة يرسمها مهندس‬
‫ويبين كيف تعمل هذه السيارة وهذه اسمها الكتالوج فإذا كان عندنا مليون‬
‫سيارة من نفس الطقم والموديل ووزعناها في الرض‪ ،‬وأخرجناها على‬
‫فترات زمنية مختلفة فإن الكتالوج ل يزال صالح لها جميعها مهما كان الموقع‬
‫الجغرافي‪ ،‬ومهما كان وقتها الزمني لن التركيب في هذه السيارة ما تغير‬
‫وما تبدل‪ ،‬كذلك أنت أيها النسان خلقتك وفطرتك ما تبدلت وما تغيرت‪،‬‬
‫ولذلك الذي أصلح الناس في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو‬
‫الذي يصلحهم اليوم‪ ،‬وسيصلحهم غدا ً لن الفطرة ما تغيرت ولن فطرتنا‬
‫َ‬
‫حِنيفا ً فِط َْرةَ الل ِ‬
‫هّ‬ ‫ن َ‬
‫ِ‬ ‫دي‬
‫ك ِلل ّ‬ ‫جهَ َ‬ ‫جاءت وفق هذا الدين كما قال تعالى‪ } :‬فَأقِ ْ‬
‫م وَ ْ‬
‫قيم ول َك َ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫س‬ ‫ن ال ْ َ ّ ُ َ ِ ّ‬
‫دي ُ‬‫ك ال ّ‬‫ق الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫س عَل َي َْها َل ت َب ْ ِ‬
‫دي َ‬ ‫ال ِّتي فَط ََر الّنا َ‬
‫ن { ]الروم‪ [30:‬ففطرتي وفطرتك واحدة‪ ،‬وغايتي وغايتك هي أن‬ ‫مو َ‬‫ل ي َعْل َ ُ‬
‫نعبد الله سبحانه وتعالى فنفوز ‪،‬ونكون من الفائزين‪ ،‬أسأل الله أن يجعلنا‬
‫وإياكم من الفائزين‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫تفريغ‪ :‬محمد البكري مراجعة‪ :‬خالد حسن البعداني‬
‫علي عمر بلعجم‬
‫) ‪ -‬بداية الجهة الثانية من الشريط ‪ ،‬يظهر حصول سقط من المصدر ‪.‬‬

‫)‪(50 /‬‬

‫برجسيات التربية اللكترونية‪..‬‬


‫عبدالفتاح الشهاري‬
‫لم تعد مصادر التربية وزرع الخلق محصورة على فئة معينة تنحصر في الب‬
‫والم والمعلم‪ ،‬بل أنه وفي هذا العصر تحديدا ً لعبت التكنولوجيا دورا ً كبيرا ً‬
‫وهاما ً في هذا الباب‪ ،‬وأضيف إلى تلك الفئات مصادر تربوية أخرى تتمثل في‬
‫الفضائيات والفلم والمسلسلت فكان لها الثر الكبر في التوجيه التربوي‬
‫للناشئة‪ ،‬ثم تتابعت العوامل الخارجية التي زاحمت ليكون لها دور في هذا‬
‫التوجيه فكان أن وجدت ثورة التصالت وما تبعه من إفرازات جبارة وهائلة‬
‫تمثلت في النترنت وسهولة التصال المباشر الحر والمفتوح مع أي شريحة‬
‫من المجتمع كانت مهما كان التباين في العمار أو في الجناس حتى اختلط‬
‫الحابل بالنابل‪ ،‬وتداخلت الثقافات‪ ،‬وامتزجت المبادئ حسنها مع سيئها‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجميلها مع قبيحها‪ ،‬فأصبح الباب مشرعا ً على مصراعيه أمام الجميع ليأخذوا‬
‫من بعضهم ما شاءوا‪ ،‬فُيستدرج الصغير إلى ثقافات الكبير‪ ،‬وتتلقى المراهقة‬
‫حكايات المطلقة‪ ،‬وترتفع شعارات المحادثات بمسمى الحب العفيف‬
‫والصداقة البريئة‪ ،‬ثم ما لبث أن توغلت التكنولوجيا بقوة لتداهم البيوت وعبر‬
‫النترنت ببرامج وتقنيات جديدة تتابعت وتسارعت كتسارع النار في الهشيم‬
‫حيث تجاوزت غرف الحوار عبر النترنت مسألة الحوارات المكتوبة بين‬
‫الطراف إلى إمكانية ظهور صورة أحدهم للخر‪ ،‬ثم تفاقم الحال لتدخل‬
‫ن‬‫وسيلة )الكاميرا الرقمية( ثم انتشار وسيلة )البالتوك( لتمثل وتجسد ما ك ّ‬
‫عليه بغايا الجاهلية ممن يعرفن بصاحبات الرايات الحمر‪ ،‬فأصبحت غرف‬
‫)البالتوك( مواخير لفعل الفاحشة‪ ،‬وحظيرة لتعليم الزنا والعياذ بالله حيث‬
‫أتاح من خلل الصوت والصورة والحركة أن تقوم الفتاة بتجريد جسمها من‬
‫الثياب تماما ً يصاحب ذلك تشجيع وتصفيق من باقي زوار تلك الحانات حتى‬
‫تستمر في غيها وظللها مستلذة بعبارات العجاب‪ ،‬والطراء‪ ،‬والثناء الكاذب‪:‬‬
‫ن الثناء‬
‫خدعوها بقولهم حسنآء ‪ .....‬والغواني يغّرهُ ّ‬
‫وفي الخط الموازي لهذه التطورات اللكترونية عبر النترنت يصاحب ذلك‬
‫وفي الجهة المقابلة تسارع مرعب لتكنولوجيا التصالت الحديثة عبر أجهزة‬
‫فا تحمل تقنية التصوير الفوتوغرافي‬ ‫الهواتف المحمولة؛ حتى أنتجت لنا هوات ً‬
‫والفيديو إلى مدة تصل إلى الثلث ساعات أي بمعدل شريط فيديو كامل‪..‬‬
‫هذا الحال المزري الذي يتعامل به شبابنا مع الصدارات اللكترونية كان أحد‬
‫البوابات الرئيسية والعملقة التي ساهمت في تدهور القيم‪ ،‬وانفلت الخلق‪،‬‬
‫كما أنها أيضا ً أصبحت تمثل سببا ً قويا ً لسباب انهدام السر وانهيار وتفكك‬
‫بيوت المسلمين‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا الستعمال السيء لتلك التقنيات جعلها مدخل ً جديدا من مداخل‬
‫ول بها لكثيرٍ من ضحايا التربية اللكترونية الخاطئة أن‬ ‫الشيطان والتي س ّ‬
‫ً‬
‫يسيئوا استخدامها بشكل تكون عاقبته وخيمة على الضحية عاجل وعلى‬
‫ل‪ ..‬وراح شرها يستشري في المجتمع فلم تعد تخلو مدارس أو‬ ‫المستخدم آج ً‬
‫جامعات أو أسواق أو حفلت زفاف من وجود متربصين عابثين وعابثات ممن‬
‫يمتلكون هذه الجهزة لكي يقوموا بتصوير المحارم والفتيات والنساء في‬
‫أوضاع مختلفة تنبئ عن عدم تنبه الضحية إلى أن هناك من يتربص بها؛ ثم‬
‫تكون الفاجعة عندما تلتقي فنون هذه التقنيات سوّيا ويتم تفريغ هذا المشهد‬
‫من جهاز التصال الهاتفي إلى جهاز التصال اللكتروني ثم القيام بنشره عبر‬
‫الطريقين‪ :‬رسائل الهاتف المحمول‪ ،‬وشبكة النترنت حتى تجد الضحية‬
‫نفسها أمام آلف بل مليين المتصفحين‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هذه الصورة المأساوية سيجد المتصفح للنترنت مثيلها بعشرات بل مئات‬


‫القصص التي يندى لها الجبين‪ ،‬وما أثير مؤخرا ً في السعودية عن قضية )فتاة‬
‫الباندا( نسبة إلى السم الذي يطلق على ذلك النوع من الهواتف النقالة التي‬
‫توجد بها ميزة التصوير الفيديو لهو خير شاهد على عبث التربية اللكترونية‬
‫وما أفرزته لنا من أخلق جديدة على مجتمعاتنا‪ ،‬وهي جديدة بكل ما تعنيه‬
‫الكلمة؛ فنحن أمام جريمة اغتصاب ليس كأي اغتصاب بشري شهواني‬
‫ف سماعه‪ ،‬وإنما هي جريمة هتك عرض‪ ،‬بغرض الذلل ‪،‬‬ ‫معروف ومألو ٌ‬
‫وبغرض التشويه‪ ،‬إنها جريمة اغتصاب ليس لذات الغتصاب‪ ،‬فالمغتصب‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والذي يدعى )برجس( ‪ -‬كما ظهر من مناداة الفتاة له واستنجادها به ‪ -‬لم‬


‫كل بها عبد ٌ أسود ليقوم بتجريدها وانتهاك‬ ‫يقارب الفتاة أو يلمسها وإنما و ّ‬
‫ور‪ ،‬فهل كان لهذا السيناريو أن يتم لول‬ ‫عفتها وشرفها ويقوم هو بدور المص ّ‬
‫ث كهذا بأنه مرض‬ ‫ٍ‬ ‫حاد‬ ‫أمام‬ ‫يقال‬ ‫أن‬ ‫ً‬
‫ذا‬ ‫وجود هذه التقنيات‪ ،‬فإن من الخطأ إ‬
‫موجود في مجتمعاتنا العربية أصل ً وأن التقنية هي التي ساعدت على ظهوره‬
‫ن هذا الرأي سيكون صحيحا ً إذا ما كان التصوير للقاء عاشقين‬ ‫بهذا الحجم‪ ،‬إ ّ‬
‫تم تصويرهما دون علمهما‪ ،‬أو تصوير موعدٍ غرامي بين طرفين دون أن يدركا‬
‫الفخ الذي نصب لهما‪ ،‬أو تصوير أحد المشاهير في وضع غير لئق فهنا يمكن‬
‫ض موجود في المجتمع ساعد على ظهوره‬ ‫أن نقول عن ذلك المر بأنه مر ٌ‬
‫التقنية‪ ،‬ولكن ما حدث )لفتاة الباندا( أمر خارج عن المألوف وهو سابقة‬
‫فا خارًقا للعادة لمجتمعاتنا السلمية إذ أنه‬ ‫خطيرة ستمثل تهديدا ً جادًا‪ ،‬ومنعط ً‬
‫وسيلة هدامة ل تهدم السرة فحسب؛ بل تهدم المجتمع بأكمله إذا ما‬
‫أصبحت ديدن المنحرفين ومريضي النفوس والشواذ من المة ممن انسلخوا‬
‫عن المبادئ والخلق‪ ،‬حتى وإن تعاطف الكثير مع تلك الفتاة وتقدموا‬
‫لخطبتها سترا ً لها؛ إذ أن المر قد فتح بوابة أخرى من الصراع الجتماعي‬
‫كلت جماعة تبنت لها موقعا ً‬ ‫ليس بأقل خطًرا مما قام به )برجس( حيث ش ّ‬
‫على النترنت أطلقت على نفسها )جماعة سيوف العراض( تنادي بجملة‬
‫واحدة تقول‪" :‬لن نرضى بأقل من رأس برجس وأعوانه" فإن كانت هذه‬
‫سا سوف تفرزه لنا‬ ‫الجماعة قد نشأت مطالبة برأس )برجس( فكم برج ً‬
‫التربية اللكترونية الخاطئة وهل ستكون جماعة سيوف العراض نواة‬
‫لمنظمة كبرى توازي في مهامها مهام جماعة التوحيد والجهاد في العراق‪ ،‬أو‬
‫جماعة أنصار السلم في جزيرة العرب‪ ،‬أو جماعة الشباب المؤمن في‬
‫اليمن‪ ،‬أو جماعة التكفير والهجرة في مصر‪ ،‬لتصبح جميع قضايانا السلمية‬
‫والتربوية تحل بواسطة جماعات متخصصة في معالجة كل عّلة تنبت في‬
‫بلدنا؟!! _ مع الفارق طبعا ً في توجه كل جماعة ومدى صدقها _ ‪..‬‬
‫قضية برجس التي تناقلها في يوم ٍ واحد فقط بحسب إحصائية غير رسمية ما‬
‫يقرب من نصف مليون شخص وإن مثلت الجريمة الولى من نوعها تتمثل‬
‫ق سيء بذيء‪ ،‬إل أنها ليست وحدها ما‬ ‫خل ٍ‬‫ف سيء لولدة ُ‬ ‫في ظهور منعط ٍ‬
‫نشر في المواقع اللكترونية وفي رسائل الهواتف المحمولة‪ ،‬فإن ما تزخر به‬
‫تلك التقنيات من تصويرٍ لبنات وأعراض المسلمين بغرض اللهو والعبث أمر‬
‫يفوق التصور الطبيعي للعقل‪ ،‬فلم تعد الرذيلة أمٌر صعب المنال‪ ،‬ويحتاج‬
‫ما وليالي‪ ،‬بل هي ساعات ودقائق‬ ‫الوصول إليه وقطع المسافات إليه أيا ً‬
‫ولحظات حتى يتكفل أحدهم بأن يهدي أخاه أو صديقه رسالة عبر الهاتف ل‬
‫س من النقود‪..‬‬‫ن بخ ٍ‬ ‫يستغرق انتقالها سوى لحظات من الثانية‪ ،‬وثم ٍ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫وقضية )برجس( تضعنا أمام هالة من التساؤلت حول خطر هذه الخلق‬
‫الوليدة في مجتمعاتنا نتيجة ولدة هذه المبتكرات وتضعنا أمام تفكير جاد‬
‫حول انعكاسات ونتائج التربية اللكترونية الحديثة‪ ،‬والتي كان أثرها المباشر‬
‫نابع من ذلك العالم المجهول الذي اقتحمت مجتمعاتنا أسواره بغتة دون‬
‫ب دون آخر‪ ،‬ولن يردعها‬‫صا بجان ٍ‬
‫سابق إنذار أو تهيئة‪ ..‬ولن يكون علجها مخت ً‬
‫ف يمتلك خاصية التصوير‬ ‫فتوى شرعية‪ ،‬بل إن فتوىً عاجلة تحّرم اقتناء هات ٍ‬
‫ليس هو العلج الصائب‪ ،‬وليست كهذه الفتاوى العاجلة هي ما ينتظرها‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب طائش‪ ،‬كما أن لغة التحريم المطلق دائما ً ما توقع‬ ‫مراهق عابث‪ ،‬أو شا ٌ‬
‫مصداقية العالم أو المفتي في حرج‪ ،‬عندما يكتشف جوانب الصلح والفائدة‬
‫في تلك التقنية فيصدر فتوى استدراكية عن جواز اقتناء ذلك الجهاز بضوابط‬
‫معينة‪ ،‬كما أنه وفي ظل عصرٍ بات العالم فيه قرية صغيرة‪ ،‬نكون قد أعلنا‬
‫على أنفسنا الحكم بالتوقف عن مجاراة الحياة إن أعلنا عصياننا على كل‬
‫مخترعات أو تقنيات تصل إلينا‪ ،‬ونكون قد رفعنا بأنفسنا راية الستسلم على‬
‫ما سيكون أشد وأنكل‪ ،‬وإن كل تقنية أو‬ ‫مواكبة هذا العصر؛ لن القادم حت ً‬
‫مخترع تم اكتشافه ل يمكن إل وأن يجمع جوانب الخير والشر‪ ،‬وهذه حكمة‬
‫الله في الحياة حتى في من قام بصنعه الله عزوجل وهو النسان نفسه‪ ،‬فهو‬
‫سا شريرة‪ ،‬كما وليس من العقل أيضا ً أن‬ ‫سا خّيرة‪ ،‬ونف ً‬ ‫أيضا ً وعاء يحمل نف ً‬
‫نتوقع بأن العلج يكمن في عقارٍ كيميائي ووصفة سحرية بها سيتوقف‬
‫مسلسل العبث بأعراض الناس‪ ،‬وتصيد عوراتهم‪ ،‬لن سنة الله في الكون‬
‫تأبى إل أن يبقى الصراع بين الحق والباطل مادامت الحياة‪ ،‬وأن تستمر‬
‫المعركة بين النسان والشيطان ما بقيت السماوات والرض‪ ،‬فنكون قد‬
‫تعدينا حدود العقل والنقل والمنطق إن أردنا أن نبحث عن علج جذري لهذه‬
‫الظاهرة لكي نجتثها ونستأصلها لن حكمة الله عز وجل اقتضت أن ل تنشأ‬
‫مجتمعات الطهر والنقاء إل في الجنة‪ ،‬أما في الدنيا فهي ساحة صراع ل‬
‫ينتهي إل بانتهاء الدنيا‪..‬‬
‫ولهذا ‪ ..‬فإننا أمام ما يحصل الن من فوضى أخلقية أنتجتها التربية‬
‫اللكترونية يجب علينا أن ننظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس لنرى بأن ما‬
‫حدث سيكون محّركا ً ودافعا ً لتمسك السرة المسلمة بعفتها‪ ،‬والحتراز على‬
‫حياتها من مداخل الشيطان‪ ،‬فإن الله إن أراد بعبده خيرا ً أدخله الجنة رغم‬
‫ث عابرٍ يتطاير‬ ‫ب حد ٍ‬‫أنفه‪ ،‬وهيأ له أسباب دخولها‪ ،‬وهكذا بنات المسلمين ر ّ‬
‫خبره ومأساته ليدخل كل بيت حتى يحّرك في فتاتنا ما لم تستطع تحريكه‬
‫مئات الندوات الجتماعية‪ ،‬أو المؤتمرات التربوية‪..‬‬
‫كاميرا الجوال ‪ ..‬تحقيقات ‪ -‬رسائل ‪ -‬فتاوى ‪ -‬قصص‬
‫‪http://www.saaid.net/Minute/97.htm‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بركة المؤمنين‬
‫ن ي َهْدِ الل ُّ‬ ‫شرور أ َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫سنا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ُ ِ ْ ِ‬‫ف‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ن‬
‫ِ ِ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫عو‬ ‫ست َ ِ ُ ُ َ َ ْ َ ْ ِ ُ ُ َ َ ُ‬
‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫عي‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ل َفل هادِيَ ل َ ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ض ّ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ٍ َ َ ٍ َ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ْ ِ ْ َ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ّ ُ‬‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫ّ ُ ّ‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫ْ ُ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫تسا‬ ‫َ‬ ‫الذي‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نسا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫هما‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ث‬‫ّ‬ ‫جها‪ ،‬وَ َ‬
‫ب‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫م َرِقيبا?] النساء‪? .[1:‬يا أي َّها الذي َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫والْرحا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها الذين‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ ِل ّ وأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫حقّ ُتقات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ُ‬
‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬‫َ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫ُ‬
‫عمالك ْ‬ ‫َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ح لك ْ‬ ‫َ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫قوا الله وَُقولوا قَوْل ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ظيما? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قد ْ َفاَز فَوَْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ذيرا ?]الفرقان‪ [1:‬و?‬ ‫ً‬ ‫ن نَ ِ‬
‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِلَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن عَلى عَب ْدِهِ ل ِي َكو َ‬ ‫َ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫? ت ََباَرك ال ِ‬
‫ديٌر ?]الملك‪ [1:‬يثني الرب‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ملك وَهُوَ عَلى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ذي ب ِي َدِهِ ال ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ت ََباَر َ‬
‫تبارك وتعالى على نفسه في هذه اليات بأنه عظم خيره وعمت بركته‬
‫المخلوقات كلها‪ ،‬والبركة كلها لله تعالى‪ ،‬هو سبحانه الذي بيده الخير كله‬
‫يختص برحمته وبركته من يشاء من خلقه‪ ،‬فيمنحهم من الخير والفضل‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والبركة ما ل حد له‪ ،‬والقرآن كلم الله ووحيه إلى نبيه جعل الله فيه الخير‬
‫َ‬
‫قوا ْ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ك َفات ّب ُِعوه ُ َوات ّ ُ‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫ب أنَزل َْناهُ ُ‬ ‫والبركة فقال عن كتابه‪ ? :‬وَهَ َ‬
‫ذا ك َِتا ٌ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مل ُ‬ ‫مَباَرك أنَزلَناه ُ أفأنت ُ ْ‬ ‫ن ? ]النعام‪[155 :‬وقال‪ ? :‬وَهَذا ذِكٌر ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫ت ُْر َ‬
‫ن?]النبياء‪ [50:‬فسمى الله كتابه بأنه مبارك وذلك لكثرة خيره‬ ‫منك ِ ُ َ‬
‫رو‬ ‫ُ‬
‫ومنافعه ووجوه البركة فيه‪ ،‬فهو مبارك في أصله‪ ،‬باركه الله وهو ينزله من‬
‫عنده‪ ،‬ومبارك في محله‪ ،‬الذي علم الله أنه له أهل‪ ،‬وهو قلب محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ومبارك في حجمه ومحتواه‪ ،‬فالقرآن الكريم يحوي من‬
‫المدلولت واليحاءات والمؤشرات والتوجيهات في كل لفظة وفقرة منه مال‬
‫يوجد في سواه‪ .‬والقرآن مبارك في أثره يخاطب الفطرة البشرية بجملتها‬
‫خطابا ً مباشرا ً عجيبا ً لطيف المدخل‪ ،‬فيفعل فيها ما ل يفعله أي قول‬
‫زي ٌ‬
‫ل‬ ‫فهِ َتن ِ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وََل ِ‬‫من ب َي ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫زيٌز َل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬ ‫ه ل َك َِتا ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫آخر‪ ...? .‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫د?]فصلت‪ [42-41:‬من تمسك به واتبع هداه حلت عليه‬ ‫مي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫البركات والخيرات في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن أعرض عنه نزلت به التعاسة‬
‫ل‬ ‫دايَ فََل ي َ ِ‬
‫ض ّ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫والشقاء والخزي في الدارين كما قال الله تعالى‪ ? :‬فَ َ‬
‫ضنكا ً ‪]? ...‬طه‪-123:‬‬ ‫قى وم َ‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫عن ذِك ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ش َ‬‫وََل ي َ ْ‬
‫‪ . [124‬والناس اليوم على كثرتهم ل يعانون من شيء كما يعانون من الضنك‬
‫والشقاء وما ذلك إل لبعدهم عن بركات الله المتمثلة في كتابه ورسوله‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم الذي باركه الله وجعله أفضل النبياء وسيد‬
‫الولين والخرين‪ ،‬ومن أعظم بركاته صلوات الله وسلمه عليه هذا الدين‬
‫الذي بعثه الله به‪ ،‬من قبله سعد في الدنيا والخرة ومن أعرض عنه ورده‬
‫خسر الدنيا والخرة‪ ،‬فالقرآن كتاب الله المبارك على رسوله المبارك‬
‫وشريعة مباركة على أمة مباركة‪ .‬وإن أعظم الناس بركة هم أتباع محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم المتمسكون بهديه السائرون على طريقته الداعون إلى‬
‫دينه وشريعته الصابرون على كيد وتوهين من خذلهم وخالف أمرهم ‪ ،‬إن‬
‫أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الصادقون‪ ،‬هم أولياء الله عز وجل وفي‬
‫مقدمة هؤلء العلماء العاملون والدعاة المخلصون‪ .‬هؤلء هم الصفوة‬
‫المستقيمون في جميع أحوالهم‪ ،‬المطيعون لربهم في سائر أوقاتهم‪،‬أخلقهم‬
‫حسنة‪ ،‬ونفوسهم طيبة إنهم بركة على أنفسهم وعلى غيرهم‪ ،‬إنهم بركة على‬
‫المجتمع الذي يكونون فيه‪ ،‬ومن أوجه البركة أنهم الدعاة بين الناس إلى‬
‫الخير ‪ ،‬هم المرون بالمعروف والناهون عن المنكر‪ ،‬هم الذين يقومون‬
‫بواجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم وكل هذا‬
‫بركة وأي بركة على الناس أعظم منها لو كانوا يعلمون‪.‬‬
‫ومن ذلك أن ورثة محمد صلى الله عليه وسلم من العلماء والدعاة يقومون‬
‫بتعريف الناس بدينهم وبأحكامه وشريعته وآدابه وهم مع ذلك يدعون للناس‬
‫جميعا ً بالهداية والستقامة على الصراط المستقيم ومن كان هذا حاله فهو‬
‫مبارك حيثما حل أو ارتحل‪ ،‬كما قال أحد العلماء رحمه الله ‪ :‬النافع هو‬
‫المبارك‪ ،‬وأنفع الشياء أبركها‪ ،‬والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ُينتفع‬
‫به حيث حل‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن وجود العلماء الربانيين والدعاة المصلحين في المة أمنة لها من عذاب‬
‫الله تعالى فهم بركة على مجتمعاتهم‪ ،‬وما يدريك أن الله يدفع عنا ألوانا ً من‬
‫الشرور والنقم والعذاب بسبب هؤلء وبركتهم وصلحهم ودعائهم ‪ ،‬كما قال‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن ?]هود‪.[117:‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫قَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الناس إذا رأوا المنكر فلم‬
‫يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه" وفي رواية‪" :‬إن الناس إذا رأوا الظالم‬
‫فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" والحديث واضح في‬
‫دللته‪ ،‬وهو أن من أسباب رفع العقاب عن الناس الخذ على يد الظالم‬
‫وتغيير المنكر ‪ ..‬وإذا ما نظرنا إلى الواقع فإننا سنجد أن الذي يقاوم‬
‫المنكرات ويأخذ على يد الظالم إنما هم المؤمنون الصادقون من العلماء‬
‫والدعاة ممن ل يريدون علوا ً في الرض ول فسادًا‪ .‬إن رفع العذاب عن‬
‫الناس ببركة هؤلء قد يشمل حتى الكفار إذا كانوا بين أظهر المؤمنين كما‬
‫م‬
‫ؤوهُ ْ‬ ‫م َأن ت َط َ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ت لّ ْ‬‫مَنا ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساء ّ‬ ‫ن وَن ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ّ‬ ‫جا ٌ‬ ‫قال تعالى‪ ? :‬وَل َوَْل رِ َ‬
‫شاُء ل َوْ ت ََزي ُّلوا‬ ‫من ي َ َ‬ ‫مت ِهِ َ‬ ‫ح َ‬‫ه ِفي َر ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫عل ْم ٍ ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫معَّرة ٌ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫صيب َ ُ‬
‫فَت ُ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ذابا أِليما ?]الفتح‪ [25:‬فلول الضعفاء من المؤمنين‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ل َعَذ ّب َْنا ال ِ‬
‫ّ‬
‫الذين كانوا بمكة بين ظهراني الكفار لعذب الله الكفار عذابا ً أليمًا‪.‬‬
‫فعلى المسلمين أن يدركوا جيدا ً أن وجود العلماء الصادقين والدعاة إلى الله‬
‫المخلصين ومن يتأثر بهم من عباد الله الصالحين وجود هؤلء صمام أمان‬
‫للمة من عذاب الله وعقوبته‪ ،‬إنهم أهل لبركات الله وخيراته ورحمته‪،‬‬
‫فببركتهم ودعوتهم ونصحهم سينصر الله هذه المة كما جاء في الحديث‬
‫الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬هل تنصرون وترزقون إل‬
‫بضعفائكم" وعند النسائي "إنما ينصر الله هذه المة بضعيفها وبدعوتهم‬
‫وصلتهم وإخلصهم" قال العلماء سبب تخصيص الضعفاء لنهم أشد إخلصا ً‬
‫لله في الدعاء وأكثر خشوعا ً في العبادة لخلء قلوبهم عن التعلق بزخارف‬
‫الدنيا وزينتها‪.‬‬
‫إن الله تعالى قد اختار من الملئكة ومن الناس رسل ً وجعلهم مباركين‬
‫وأجرى من خيره وبركاته على عباده بواسطتهم الشيء الكثير واختار من‬
‫الزمنة أوقاتا ً جعلها مباركة كيوم الجمعة وشهر رمضان وليلة القدر‪ ،‬واليام‬
‫العشر من ذي الحجة وغيرها من الوقات المباركة واختار من البقاع أماكن‬
‫ذي ب ِب َك ّ َ‬
‫ة‬ ‫س ل َل ّ ِ‬ ‫ضعَ ِللّنا ِ‬ ‫ت وُ ِ‬ ‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫ن أ َوّ َ‬ ‫بارك فيها كمكة والبيت العتيق بها ? إ ِ ّ‬
‫ً‬
‫ن ?]آل عمران‪ [ 96:‬واختار المدينة مهجرا لرسول الله‬ ‫مي َ‬ ‫دى ل ّل َْعال َ ِ‬ ‫مَباَركا ً وَهُ ً‬ ‫ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم وجعل فيها البركة والخير وزادت بركاتها بعد أن دعا‬
‫في ما‬ ‫ضعْ َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فقال‪" :‬اللهم اجعل بالمدينة ِ‬
‫جعلت بمكة من البركة"‬
‫ومن البقاع التي اختارها الله وبارك فيها أرض الشام أرض فلسطين وما‬
‫حولها أرض الرباط والجهاد الرض المباركة قال الله جل شأنه ممتنا ً على‬
‫بني إسرائيل في النتقال إليها بعد الذل والهوان والتيه الذي عاشوه سنين‬
‫مَغارِب ََها ال ِّتي‬ ‫ض وَ َ‬
‫َ‬
‫شارِقَ الْر ِ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫كاُنوا ْ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫قو ْ َ‬‫ل‪ ? :‬وَأ َوَْرث َْنا ال ْ َ‬ ‫طوا ً‬
‫َباَرك َْنا ِفيَها‪]? ...‬العراف‪ [137:‬وقال مخبرا عن هجرة أنبيائه إبراهيم ولوط‬ ‫ً‬
‫ن?‬ ‫ض ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫َْ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ‬
‫مي َ‬ ‫جي َْناه ُ وَلوطا إ ِلى الْر ِ‬ ‫عليهما السلم إليها ? وَن َ ّ‬
‫]النبياء‪ .[71:‬فأرض الشام أرض مباركة هي أرض الرباط والجهاد كما جاء‬
‫عن الرسول صلى الله عليه وسلم وستظل قاعدة لنطلق السلم ولها عبرة‬
‫في الفترة الحالية من عمر الزمن‪ ،‬سواء أكان فيمن يحكمها أو من يعيش‬
‫فيها أو حتى وجود دولة لليهود على ترابها الطاهر فكل هذه فترة مؤقتة‬
‫ستزول بإذن الله‪.‬‬
‫ومن الراضي التي حظيت بالخير والبركة أرض اليمن التي دعا لها ولهلها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "اللهم بارك لنا في يمننا"‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال في أهل اليمن حين جاءوا إليه مسلمين مؤمنين "أتاكم أهل اليمن ‪ ،‬هم‬
‫أرق أفئدة‪ ،‬وألين قلوبًا‪ ،‬اليمان يمان والحكمة يمانية" إلى غير ذلك من‬
‫الحاديث وستظل هذه البلد وأهلها أوفياء لدينهم مباركين صالحين مصلحين‪،‬‬
‫على الرغم من الحالة الستثنائية التي تمر بها المة في كل أصقاعها من ترد‬
‫وشذوذ إل أن الله ل يخلف وعده‪ ،‬وسيعيد عافيته وبركته لكل الرض التي‬
‫بارك فيها ويعم فيها السلم والخير والصلح وسيخرج الله من هذه المة‬
‫المباركة من يقيم العدل ويعمل لعلء كلمة الحق ويعيده إلى نصابه رغم‬
‫ن ?]الصف‪.[8:‬‬ ‫م ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫مت ِ ّ‬ ‫أنوف الكافرين ?‪َ ...‬والل ّ ُ‬
‫ه ُ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫البركة التي ذكرنا بعض معانيها عظيمة ومنحة ربانية يهبها الله لمن يشاء من‬
‫عباده‪ ،‬ويسلبها عمن يشاء ويحرمه منها‪ .‬إن العبرة ليست بما تملك من‬
‫مقومات المادة‪ ،‬وليست العبرة بما تملك من طاقات وقدرات‪ ،‬إذا سلبت‬
‫البركة من كل ذلك وبقليل من القدرات والطاقات والمكانات مع بركة الله‬
‫تكون فيها الخير والسعادة‪.‬‬
‫قد نجد إنسانا ً أعطي من الموال الكثير الكثير فتنزع منه البركة‪ ،‬فيكون‬
‫المال سببا ً لشقاء صاحبه في الدنيا قبل الخرة قد يملك آلف المليين ولكنه‬
‫ل ينتفع بها لن البركة منزوعة منها ‪ ،‬ونجد إنسانا ً ل يملك إل مرتبه الذي ل‬
‫يوصله إلى آخر الشهر ولكن الله يبارك له في هذا القليل‪ ،‬فيعيش حياة طيبة‬
‫سعيدة هو وأسرته‪.‬‬
‫قد نجد رجل ً له عشرة من الولد فتنزع البركة فل ينفعون بشيء‪ ،‬بل يكونون‬
‫مصدرا ً للعقوق والمتاعب‪ ،‬قد يمرض هذا الب ويعجز فل يسأل عنه أحد‬
‫منهم ول يلتفت إليه إنهم عشرة ولكن بدون بركة‪.‬‬
‫ونجد آخر ليس لديه سوى بنت واحدة يضع الله فيها البركة فتكون قرة عين‬
‫لوالدها في الدنيا‪ ،‬تقوم بحقهما‪ ،‬وترعى شئونهما قد تكون متزوجة ولها بيتها‬
‫وأطفالها ومسئولياتها ومع ذلك تكون على صلة مستمرة بوالديها يوميًا‪ ،‬إنها‬
‫في أقل أحوالها ل تنام حتى ترفع سماعة الهاتف لكي تطمئن عليهما إنها‬
‫المنحة اللهية التي ل تشترى بالمال‪ ،‬ول يجلبها الملك والسلطان وإنما هي‬
‫بيد من بيده ملكوت كل شيء‪.‬‬
‫وفي باب العلم قد نجد إنسانا ً محسوبا ً من كبار العلماء يشار له بالبنان له‬
‫مكانة اجتماعية وعلمية‪ ،‬وقد يعمر العمر الطويل‪ ،‬ولكنه منزوع البركة لم‬
‫يستفد منه أحد ل أثر له‪ ،‬وكأنه ل وجود له في الوسط الذي يعيش فيه‪ ،‬إن‬
‫المجالس التي يحضرها والحارة التي يسكن بها لم يفدها كما لم يستفد من‬
‫علمه أحد‪ ،‬فوجوده كالعدم لقد أوتي علما ً ومكانة ومنصبا ً ولكن بدون بركة‪.‬‬
‫ونرى طالب علم حديث الطلب لم يعرفه الناس إل من فترة وجيزة يعلم‬
‫ويرشد ويوجه‪ ،‬إذا ألقى درسا ً أو محاضرة أو خطب خطبة في بلد ما فما هي‬
‫إل أيام معدودة‪ ،‬وإذا بدروسه ومحاضراته تنتشر في أرجاء المعمورة شرقا ً‬
‫وغربا ً ينفع الله بها الناس ويقبلون عليها إقبال ً شديدًا‪ .‬إنها البركة اللهية التي‬
‫ل تشترى بالمال‪ ،‬ول تكسبها القبيلة ول العشيرة ول تجلبها المناصب‬
‫والهيئات‪.‬‬
‫اعلم أيها المسلم أن هذا الباب لو أغلقه الله عليك‪ ،‬ثم فتح لك كل أبواب‬
‫الدنيا‪ ،‬من المال والولد والجاه والسلطان والصحة ‪ ،‬فما هو بنافعك بشيء‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنما يكون معها الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء‪.‬‬


‫واعلم بأن الله إذا فتح لك أبواب رحمته وبركاته‪ ،‬فأبشر بكل خير‪ ،‬على‬
‫الرغم من قلة المرتب‪ ،‬وضيق المسكن‪ ،‬وانعدام الولد وضعف الجاه‪.‬‬
‫أيها المؤمنون قد تسألون‪ ،‬كيف نحصل على البركة وما الطريق إليها؟‬
‫والجواب هو أن طريقها واحد ل يتعدد والحصول عليه ل يتعثر‪ ،‬إنه طريق‬
‫اليمان والتقوى فمن أراد البركة فعليه باليمان اليمان الحقيقي ل الصوري‪،‬‬
‫من أراد البركة في رزقه وماله وولده وعلمه وعمله فعليه بتقوى الله عز‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ّ‬ ‫كا ٍ‬ ‫حَنا عَل َي ِْهم ب ََر َ‬ ‫فت َ ْ‬‫قوا ْ ل َ َ‬ ‫مُنوا ْ َوات ّ َ‬ ‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫وجل قال تعالى‪ ? :‬وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن?]العراف‪.[ 96:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫خذ َْنا ُ‬ ‫كن ك َذ ُّبوا ْ فَأ َ‬ ‫ض وَل َ ِ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫أيها المؤمنون إذا أردتم الحصول على بركات الرض والسماء فعليكم‬
‫باليمان والتقوى والعمل الصالح وحب الصالحين واحذروا رحمكم الله من‬
‫العراض والتكذيب والغفلة فإن عاقبة ذلك محق العمر ومحق الرزق وقلة‬
‫قَرى‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫البركة والعذاب الشديد ‪ ..‬كما قال الله تبارك وتعالى ‪ ? :‬وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫ماِء َوال َْر‬
‫هم‬ ‫خذ َْنا ُ‬ ‫كن ك َذ ُّبوا ْ فَأ َ‬ ‫ض وَل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ّ‬ ‫كا ٍ‬ ‫حَنا عَل َي ِْهم ب ََر َ‬ ‫قوا ْ ل َ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫مُنوا ْ َوات ّ َ‬ ‫آ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫ن أوَأ ِ‬
‫ْ‬
‫مو َ‬ ‫م َنآئ ِ ُ‬ ‫سَنا ب ََياتا وَهُ ْ‬ ‫م ب َأ ُ‬
‫َ‬
‫قَرى أن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ن أهْل ال ُ‬ ‫م َْ‬
‫ن أفأ ِ‬ ‫سُبو َ‬
‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫بِ َ‬
‫مكَرْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َهْل ال ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫مكَر اللهِ فل ي َأ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ن أفأ ِ‬ ‫م ي َلعَُبو َ‬ ‫حى وَهُ ْ‬ ‫ض ً‬ ‫سَنا ُ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫قَرى أن ي َأت ِي َهُ ْ‬
‫ن ?]العراف‪.[ 99-96:‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬
‫اللهم بارك لنا في أعمارنا وأرزاقنا وذرياتنا وعلمنا وأعمالنا‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫مسند أحمد ‪ ،1/2‬حديث رقم‪ ،1 :‬وقال شعيب الرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح على‬
‫شرط الشيخين ‪.‬‬
‫سنن الترمذي ‪ ،467 /4‬حديث رقم‪.2168 :‬‬
‫صحيح البخاري‪ :‬كتاب الجهاد والسير‪ :‬باب‪ :‬من استعان بالضعفاء والصالحين‬
‫في الحرب‪ :‬الحديث رقم‪(2739) :‬عن مصعب بن سعد ‪.‬‬
‫سنن النسائي ‪ ،45 /6‬حديث رقم ‪ ، 3178 :‬وصححه اللباني‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ :‬باب‪ :‬المدينة تنفي الخبث‪ :‬الحديث رقم‪ (1786) :‬عن أنس‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬وصحيح مسلم‪ :‬باب فضل المدينة‪ ،‬ودعاء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فيها بالبركة‪ .‬وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها‪ .‬وبيان حدود‬
‫حرمها‪ :‬الحديث رقم‪ (1369) :‬عن أنس رضي الله تعالى عنه ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫صحيح البخاري‪ :‬باب‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬الفتنة من قبل‬
‫المشرق(‪:‬الحديث رقم‪ (6681) :‬عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ :‬كتاب المغازي‪ :‬باب‪ :‬قدوم الشعريين وأهل اليمن‪ :‬الحديث‬
‫رقم‪ 4129 / 4127 :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪ .‬وصحيح مسلم‪ :‬كتاب‬
‫اليمان‪ :‬باب تفاضل أهل اليمان فيه‪ ،‬ورجحان أهل اليمن فيه‪ :‬الحديث رقم‪:‬‬
‫)‪. (52‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫برنارد لويس ‪ ...‬وصهينة الدراسات الستشراقّية‬


‫د‪ .‬بدران بن الحسن ‪25/1/1426‬‬
‫‪06/03/2005‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولد برنارد لويس سنة ‪ 1916‬في لندن لسرة يهودية‪ ،‬تخصص منذ التحاقه‬
‫بالدراسات العليا في دراسة الشرق والسلم بالتحديد وتاريخ السلم‬
‫والمسلمين‪ .‬وقد حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من مدرسة‬
‫الدراسات الشرقية والفريقية بجامعة لندن عام ‪ ،1936‬كما حصل على‬
‫درجة الدكتوراه في تاريخ السلم من المدرسة نفسها عام ‪ ،1939‬وكان‬
‫موضوع رسالته عن الطائفة السماعيلية وجماعة الحشاشين‪.‬‬
‫وأثناء دراسته الجامعية عين مدرسا ً مساعدا ً بمدرسة الدراسات الشرقية‬
‫والفريقية‪ ،‬غير أنه ترك العمل بالجامعة خلل سنوات الحرب )‪- 1940‬‬
‫‪ (1945‬ليلتحق بخدمة المخابرات البريطانية وبعد الحرب‪ ،‬عاد للعمل‬
‫بالجامعة حتى عام ‪ .1974‬واستمرت صلته بالمخابرات البريطانية بعد ذلك‪،‬‬
‫وظل مرجعا ً مهما ً ومستشارا ً ُيرجع إليه في شؤون الشرق الوسط‪ ،‬ولذلك‬
‫فإنه بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية غّير اهتمامه من دراسة تاريخ‬
‫السلم في العصور الماضية‪ ،‬إلى دراسة تاريخ الشرق الوسط والعالم‬
‫ب كلها في‬ ‫العربي خاصة في العصر الحديث‪ ،‬ونشر في ذلك عدة كتب تص ّ‬
‫تنميط صورة صهيونية عن السلم والمسلمين عموما ً وعن العرب بشكل‬
‫جه صانع‬ ‫خاص‪ ،‬تصب كلها في خدمة المشروع الصهيوني في المنطقة‪ ،‬وتو ّ‬
‫القرار الغربي والمريكي بوجه خاص وتزوده بأفكار وزاد معرفي للتعامل مع‬
‫مختلف قضايا الشرق الوسط‪ ،‬وتقوم أساسا ً على إستراتيجية التهويل من‬
‫خطر السلم على الغرب‪ ،‬وتصوير السلم والعالم العربي كأنهما الخطر‬
‫المحدق بالحرية الغربية وبالمصالح الغربية‪ ،‬وتدعو صراحة أو تلميحا ً إلى‬
‫ضرورة دعم دولة الصهاينة في فلسطين المحتلة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وللعلم فإن برنارد لويس اليهودي البريطاني سرعان ما تخلى عن الجنسية‬
‫البريطانية‪ ،‬وتأمرك وصار أمريكيا ً لما صعد نجم الوليات المتحدة المريكية‬
‫وتأثيرها في قضايا الشرق الوسط‪ ،‬فالتحق بأمريكا سنة ‪ 1974‬ليعمل في‬
‫جامعة برنستون‪ ،‬وهناك صار نبيا ً من أنبياء الصهيونية المعاصرة‪ ،‬وعّبر في‬
‫كثير من كتبه عن هذا التصهين في رؤيته للسياسة الخارجية المريكية وقضايا‬
‫الشرق الوسط‪.‬‬
‫وُيلحظ على برنارد لويس وفاؤه لمنهج الستشراف في بداياته‪ ،‬حيث كان‬
‫آلة في خدمة الستعمار‪ ،‬ولم يتأصر بالتطورات التي حدثت في هذا الحقل‬
‫المعرفي‪ ،‬وظهور بعض المستشرقين الذين أبدوا موضوعية أكثر في دراسة‬
‫السلم والعرب والشرق‪.‬‬
‫بل ظل برنارد لويس من طراز مارجليوث وجولدزيهر وغيرهما من‬
‫المستشرقين شديدي التحّيز ضد السلم والعرب‪ ،‬وظل وفيا ً لمنهجهم في‬
‫إصدار التعميمات غير العلمية وغير المبرهنة عن السلم والعرب وعن منهج‬
‫دراستهما‪.‬‬
‫فراح يعمم مقولته المتحيزة وغير العلمية‪ ،‬بل والكاذبة في منطق العلم‬
‫والبحث العلمي‪ ،‬عن السلم والتخلف الحضاري في العالم السلمي‪،‬‬
‫والتخلف العربي‪ .‬وكان من أوائل من تكلم عن صراع أو صدام الحضارات‪،‬‬
‫ثم تلقفها بعد ذلك تلميذه صموئيل هاتنجتون اليهودي المريكي صاحب فكرة‬
‫ولت‬ ‫"صدام الحضارات" و"الحدود الدموية للسلم" وغيرها من التق ّ‬
‫المتخرصة‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد وجد برنارد لويس في أمريكا وفي جامعة برنستون مسرحا آهل بمن‬
‫يتبّنون أفكاره الستشراقية الظلمية‪ ،‬وأيديولوجيته الصهيونية‪ ،‬وراح يكيل‬
‫التعميمات تلو التعميمات السوفسطائية‪ ،‬من أجل تنميط صورة المسلمين‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعرب بطريقة سلبية تجعل من يستمع أو يقرأ له يشعر بالقرف من هؤلء‬


‫العرب ومن دينهم‪ ،‬ويتخذ موقفا ً سلبيا ً منهم‪ ،‬ويشعر بتعاطف كبير مع "العالم‬
‫طهدين" بزعمه‪.‬‬‫الحر" ومع الصهاينة "المض ّ‬
‫تولى برنارد لويس في جامعة برنستون خاصة وفي أمريكا عموما ً قيادة حقل‬
‫الدراسات الستشراقية التي كان يهيمن عليها الصهاينة أو المتصهينين‬
‫المتمركزين في أقسام ومراكز دراسات الشرق الوسط‪ ،‬والدراسات‬
‫السلمية‪ ،‬بالجامعات المريكية‪ ،‬أمثال ليونارد بايندر‪ ،‬وإيلى كيدورى‪ ،‬ودافيد‬
‫برايس‪ ،‬و دانيال بايبس‪ ،‬ومارتن كريمر‪ ،‬وتوماس فريدمان‪ ،‬ومارتن بيرتز‪،‬‬
‫ونورمان بودو رتز‪ ،‬وجوديت ميلر‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫والخطر من ذلك أن ربنارد لويس وأشياعه لم يكونوا في حقيقة المر‬
‫أكاديميين فقط‪ ،‬بل كان لهم دور استشاري من خلل عملهم خبراء لدى‬
‫هيئات ودوائر اتخاذ القرار في الوليات المتحدة المريكية‪.‬‬
‫وظل برنارد لويس أستاذا ً للدراسات الشرقية بجامعة برنستون حتى تقاعده‬
‫من العمل الكاديمي في ‪1986‬؛ إذ أصبح أستاذا ً فخريا ً )‪،(Professor Emeritus‬‬
‫وهو مركز جعله يبقى مرجعا ً فيما يتعلق بالسلم والعرب والشرق الوسط‬
‫ليس للكاديميين الغربيين فحسب‪ ،‬بل لدوائر صنع القرار المريكي خاصة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يركز برنارد لويس في كتاباته عن السلم والمسلمين والعرب والعالم‬


‫العربي على مجموعة من الليات الخطيرة‪ ،‬مثل آليات )ميكانزمات( التهويل‪،‬‬
‫ول ما كان هامشيا ً أو عفويا ً‬‫والبتر والتقطيع‪ ،‬وآلية التهوين )الهمال(‪ .‬فهو يه ّ‬
‫ون‬‫أو قليل الحضور في التاريخ السلمي والثقافة والحضارة السلمية‪ ،‬ويه ّ‬
‫)يهمل( ما كان غالبا ً مهيمنا ً في الحضارة والفكر السلمي وفي الثقافة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أنه يمارس بترا وتقطيعا لكثير من الحقائق‪ ،‬ويقوم بتغييبها ويعمل على‬
‫تجاهل أو عزل الحداث والفكار عن سياقها الطبيعي‪ .‬فالقارئ لما كتبه‬
‫ويكتبه برنارد لويس يجد وكأن الحضارة السلمية والتاريخ السلمي ل يوجد‬
‫به غير الحشاشين والسماعيلية والقرامطة‪ ،‬وبعض الفرق المنحرفة الخرى‬
‫التي بادت أو انحصرت عن التيار العام للسلم والثقافة والحضارة السلمية‬
‫والتاريخ السلمي‪.‬‬
‫ومما ُيلحظ على كتاباته عن التاريخ السلمي أنه يبرز كل الفرق المنحرفة‬
‫والنحرافات الفكرية التي ل يمكن بحال أن تطغى على الخط العام المعتدل‬
‫في التاريخ السلمي‪.‬‬
‫وبرغم اعترافه في كتابه )تنبؤات برنارد لويس( بأن العالم العربي هو مهد‬
‫الحضارات والديان السماوية بقوله‪" :‬هذه المنطقة التي كانت مركزا ً‬
‫للحضارات‪ ،‬وحاضنة الديان السماوية‪ ،‬وكانت موطن أول مجتمع عالمي ذي‬
‫ثقافة بينّية بكل ما للكلمتين من معنى‪ ،‬وكان مركز إنجازات عملقة في كل‬
‫حقل من حقول العلوم والتكنولوجيا والثقافة والفنون‪ ،‬وكان قاعدة‬
‫لمبراطوريات متتالية شاسعة وعظيمة"‪.‬‬
‫فإنه يرى أن هذه المنطقة انتهى دورها الحضاري‪ ،‬وخاصة مع تنامي مد‬
‫الصحوة السلمية‪ ،‬هذه الصحوة التي يراها برنارد لويس بالعين العوراء‪،‬‬
‫حيث يؤكد افتراء أن دعوة السلميين للديمقراطية دعوة خادعة وغير‬
‫صحيحة‪ ،‬وأن دعوتهم إليها هي بهدف الوصول للحكم‪ ،‬وعندما يتحقق هدفهم‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينقضون على الديمقراطية وكل من يخالفهم الرأي‪ .‬ويرجع ذلك –بزعمه‪ -‬إلى‬
‫طبيعة السلم ذاته؛ إذ يرى أن الديان ل تقبل الديمقراطية‪ ،‬وخاصة الديان‬
‫الصولية –يقصد السلم طبعًا‪.-‬‬
‫ويزيد في تهويل المر من خلل توقعه بأن العالم العربي والدول العربية هي‬
‫الكثر تعرضا ً لخطر التفكك‪ ،‬وأنها ليست الوحيدة‪ ،‬فالتجاه نحو التفكك‬
‫سيزداد بتشجيع من الشعور الثني والشعور الطائفي المتناميين‪ ،‬وقد تسربت‬
‫الفكرة المغرية بحق تقرير المصير إلى عدد من القليات الثنية التي لم تعد‬
‫تكتفي بوضعها السابق‪.‬‬
‫لكنه بتطبيقه للية التهويل هذه في تهويل أمر القليات في العالم العربي‪،‬‬
‫فإنه يمارس آلية التهوين من خلل تغاضيه عن التصريح بمن يقوم بتغذية هذا‬
‫الشعور العرقي والتفكك الثني‪.‬‬
‫ويخرج علينا بمقولة آخرى غربية يدعي فيها نبي الصهيونية الجديد بأنه من‬
‫اجل إنقاذ الشرق الوسط ينبغي ان نعتمد على عوامل ثلثة هي تركيا‬
‫وإسرائيل والنساء‪ .‬لن تركيا اختارت العلمانية واللتحاق بأوربا؛ فهي ل تحمل‬
‫أمراض الشرق الوسط بزعمه‪ ،‬اما إسرائيل فهي الدولة الديمقراطية‬
‫الوحيدة في المنطقة‪ ،‬في حين أن النساء تعرضن للقمع من قبل الثقافة‬
‫التقليدية السائدة )الثقافة السلمية طبعًا(‪ .‬وخاصة النساء اللئي يركز على‬
‫دورهن في تحويل الشرق الوسط إلى بحيرة ديمقراطية‪.‬‬
‫كما أن برنارد لويس أعلن تفكك وموت العالم العربي منذ حرب الخليج‪،‬‬
‫واعتبر أن إسرائيل وتركيا هما الدولتان الوحيدتان الناجحتان في منطقة‬
‫كد في مقال له في مجلة )‪ (Foreign Affairs‬في‬ ‫الشرق الوسط‪ .‬كما أ ّ‬
‫‪ 1992‬حيث قال‪ :‬إن "غالبية دول الشرق الوسط‪ .‬مصطنعة وحديثة التكوين‬
‫وهي مكشوفة لعملية كهذه‪ .‬وإذا ما تم إضعاف السلطة المركزية إلى الحد‬
‫الكافي‪ ،‬فليس هناك مجتمع مدني حقيقي يضمن تماسك الكيان السياسي‬
‫للدولة‪ ،‬ول شعور حقيقي بالهوية الوطنية المشتركة‪ ،‬أو ولء للدولة المة‪.‬‬
‫وفي هذه الحال تتفكك الدولة مثلما حصل في لبنان إلى فوضى من القبائل‬
‫والطوائف والمناطق والحزاب المتصارعة"‬
‫ولذلك فهو يرى أن على أمريكا أل ّ تخاف من غضب الشارع العربي‪ ،‬فإن‬
‫غضب العرب والمسلمين من الغرب يفتقر في مجمله إلى أي أساس‪ ،‬كونه‬
‫ل يتجاوز محاولة يائسة من مجتمعات فاشلة لتحميل قوى خارجية‪ ،‬خصوصا ً‬
‫الوليات المتحدة الميركية واسرائيل‪ ،‬مسؤولية الزمة الخانقة والتخلف‬
‫والتفكك الذي تعانيه‪.‬‬
‫والناظر في معظم توجهات الدارة المريكية في العالم العربي خاصة‬
‫ولت‬ ‫والعالم السلمي ككل‪ ،‬يلحظ أن مقولت وتوجيهات برنارد لويس قد تح ّ‬
‫إلى سياسات وبرامج تعمل الدارة المريكية المتصهينة على تنفيذها‪ ،‬ول يجد‬
‫المرء كبير عناء في ربط مختلف تفاصيل هذه السياسات مع الفكار التي‬
‫وضعها برنارد لويس في كتاباته الخيرة منذ أربع سنوات تقريبا ً إلى اليوم‪.‬‬
‫ول برنارد لويس الستشراق من حقل أكاديمي إلى مكتب تحليلت‬ ‫وبهذا ح ّ‬
‫يحرص على توجيه سياسات الدارات المتصهينة في العالم والدارة المريكية‬
‫خاصة في الشرق الوسط‪ ،‬كما يعّبرون عنه أو العالم العربي كما هو ثابت‬
‫تاريخيًا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫برنامج تفصيلي لطالب العلم‬


‫بقلم ‪ :‬حامد عبدالله العلي‬
‫ن الّرحيم ِ‬ ‫بسم ِ اللهِ الّرحم ِ‬
‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫وصح‬ ‫ه‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ل‬‫آ‬ ‫وعلى‬ ‫د‬ ‫م‬‫ح‬ ‫م‬ ‫ينا‬
‫َِّ ُ َ ّ ٍ‬ ‫ب‬‫ن‬ ‫على‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫والسل‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫والصل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫العالمي‬ ‫ب‬‫حمد ُ لِله ر ّ‬ ‫ال َ‬
‫مِعين ‪ ،‬وََبعد ‪:‬‬ ‫َ‬
‫أج َ‬
‫ه‬
‫ن الل ِ‬‫قم َ‬ ‫ي بتوفي ِ‬ ‫ب العلم ِ الشرع ّ‬ ‫فهذه رسالة صغيرة َتضعُ بين يدي طال ِ‬
‫ي ‪ ،‬وََقد‬ ‫ب العلوم الشرعية على منهٍج سلف ّ‬ ‫تعالى منهجا ً كامل ً لكيفّية طل ِ‬
‫عجالةٍ بناًء على رغبةٍ من كثيرٍ من طلبةِ العلم َقبل نحو تسع‬ ‫على ُ‬ ‫ضعُتها َ‬ ‫وَ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سنين ‪ ،‬فلقَيت بحمد الله تعالى استحسانا واسعا بين الطلبة ‪َ ،‬وأخبرني كثير‬
‫ض‬
‫ي بع ُ‬ ‫ح عل ّ‬ ‫خ الطبعةِ الولى ‪ ،‬أل ّ‬ ‫م لما نفدت نس ُ‬ ‫منهم أّنهم استفادوا منها ‪ ،‬ث ّ‬
‫طلبة العلم أن ُيعاد طبُعها ‪ ،‬مع تنقيٍح ‪ ،‬وزيادات ‪ ،‬وإعادة الترتيب ‪ ،‬ليكون‬
‫ب من صغارِ العلم ِ إلى كبارِهِ ‪ ،‬فأجبُتهم إلى‬ ‫ج واضحا ً وسهل ً في الترتي ِ‬ ‫البرنام ُ‬
‫ً‬
‫ما سألوا مستعينا بالله متوكل عليه ‪0‬‬
‫حلة جديدة‬ ‫ّ‬ ‫ن يديّ طلبةِ العلوم ِ الشرعّية في ُ‬ ‫ة بي َ‬
‫ة الثاني ُ‬‫ي الطبع ُ‬ ‫وهاهِ َ‬
‫مة ‪0‬‬ ‫وإضافات مه ّ‬
‫هذا وإّني أعلم أن ما وضعته هنا من المؤلفات بقصد أن يتدرج طالب العلم‬
‫في دراستها حتى يرتفع في درجات العلوم الشرعية ‪ ،‬قد يكون غير ه أولى‬
‫ما ل أعلمه أو نسيته ‪ ،‬غير أن ما اخترته لطالب العلم سيبلغه بإذن الله‬ ‫منه م ّ‬
‫م له ذلك ‪ ،‬إذا استصحب التقوى‬ ‫تعالى بغيته ‪ ،‬ويوصله إلى مراده ‪ ،‬وإنما يت ّ‬
‫والخلص ‪ ،‬فهما نور العلم ‪ ،‬وقطب رحاه ‪ ،‬و إذا فقدهما الطالب لم يبارك‬
‫في علمه ‪ ،‬ولم يزده من الله تعالى إل بعدا ‪ ،‬كما قال شيخ السلم ابن تيمية‬
‫مة في كل فن من فنون العلم إيعابا ‪ ،‬فمن‬ ‫رحمه الله تعالى ) وقد أوعبت ال ّ‬
‫نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك ‪ ،‬ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إل‬
‫حيرة وضلل ( مجموع الفتاوى ‪0 10/665‬‬
‫والله تعالى أسأل بحق أسماءه الحسنى ‪ ،‬وصفاته العلّية الُعظمى ‪ ،‬أن يتقّبل‬
‫منها أعمالنا ‪ ،‬ويجعلها خالصة لوجهه الكريم ‪ ،‬ويكتب لنا بها الحسنى في دار‬
‫كرامته ‪ ،‬يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم ‪ ،‬وصلى الله‬
‫على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪0‬‬
‫حامد عبدالله العلي‬
‫الكويت غرة صفر ‪1422‬هـ‬
‫مة لطالب العلم‬ ‫أوّ ل ً ‪ :‬نصائح عا ّ‬
‫هذه عشر نصائح ينبغي أن يستصحبها طالب العلم في طريق الطلب ‪ ،‬وقد‬
‫لمة بكر أبو زيد ‪ ،‬ومن غيره ‪،‬‬ ‫إستفدناها من كتاب ) حلية طالب العلم ( للع ّ‬
‫مع إضافات ‪:‬‬
‫‪1‬ـ على طالب العلم في طريق الطلب ‪ ،‬أن يستحضر إخلص الوجه لله‬
‫تعالى ‪ ،‬وعليه أن يستصحب نية الثواب والزلفى إلى الله تعالى ‪ ،‬وابتغاء ما‬
‫عنده في الخرة ‪ ،‬وضد ذلك الخلص الرياء ‪ ،‬وحب الظهور ‪ ،‬والتطلع إلى‬
‫التفوق على القران ‪ ،‬أو طلب الدنيا من مال أو جاه أو منصب أو شهادة‬
‫يتوصل بها إلى متاع الحياة الدنيا ‪ ،‬فإن ذلك كله يذهب بركة العلم ‪ ،‬قال بشر‬
‫بن الحارث رحمه الله ) رأيت مشايخ طلبوا العلم للدنيا فافتضحوا ‪ ،‬وآخرين‬
‫طلبوه فوضعوه مواضعه وعملوا به وقاموا به فأولئك سلموا فنفعهم الله‬
‫تعالى ‪000‬ولقد رأيت أقواما سمعوا من العلم اليسير فعملوا به ‪ ،‬وآخرين‬
‫سمعوا الكثير فلم ينفعهم الله به ( حلية الولياء ‪8/349‬‬
‫‪2‬ـ وعليه أن يتخلق بأدب التواضع وخفض الجناح ‪ ،‬وضده الخيلء‪ ،‬والعجاب‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالنفس ‪ ،‬و التطاول على المعّلم ‪ ،‬والتفاخر على الّناس ‪ ،‬والستكبار عن‬
‫القرار بالخطأ ‪0‬‬
‫‪3‬ـ وعليه أن يكون ذا سمت حسن ‪ ،‬فل يلعب ويعبث ويرفع صوته بالسخف‬
‫وكثرة الضحك ‪ ،‬ول يتبجح بالطعن في مخالفيه وأقرانه ليظهر تمّيزه عليهم ‪0‬‬
‫‪4‬ـ وعليه أن يتخلق بالرفق ‪ ،‬وضده الكلم الجافي والتعنت والتعسف في‬
‫معاملة الناس والحكم عليهم ‪0‬‬
‫مة ‪ ،‬ويكثر من تلوته وحفظه ‪ ،‬ويتخذ له‬ ‫‪5‬ـ وعليه أن يعتني بالقرآن عناية تا ّ‬
‫الوراد من ذكر وصلة وصيام ونوافل ‪ ،‬فإّنها من أعظم ما يعين الطالب على‬
‫مقصده من طلب العلم بتوفيق الله تعالى ‪0‬‬
‫‪6‬ـ وعليه أن يتدرج في منهج الطلب ‪ ،‬فيحفظ مختصر من كل فن إن أمكن ‪،‬‬
‫ويضبطه على معّلم حاذق ‪ ،‬ثم ينتقل إلى ما فوقه وهكذا ‪ ،‬وليتجّنب الشتغال‬
‫بالمطولت ‪ ،‬والمصنفات المتفرقة قبل أن يضبط أصول العلوم ‪ ،‬ول يصح‬
‫في الطلب أن يستعجل طالب العلم الوصول إلى الخلف العالي قبل‬
‫المبادئ والصول التي تحتويها المختصرات ‪ ،‬فإن ذلك يشتته ويذهب كثير من‬
‫فائدة الطلب ‪ ،‬كما قال سفيان الثوري رحمه الله ) إذا ترأس الرجل سريعا‬
‫أضر بكثير من العلم وإذا طلب وطلب بلغ ( حلية الولياء ‪0 7/81‬‬
‫ي ذي اللسان الورع‪ ،‬والخلق الحسن ‪،‬‬ ‫‪7‬ـ وعليه أن يختار الشيخ المرب ّ‬
‫المترفع عن إتيان الشبهات ‪ ،‬وعن سفساف الخلق ‪ ،‬وعليه أن يحسن‬
‫معاملته بالسؤال في الوقت المناسب ‪ ،‬والنصات والحرص على الحضور‬
‫والمذاكرة ‪0‬‬
‫‪8‬ـ وعليه أن يختار القرين الصالح الحريص على العلم بآدابه ‪ ،‬وضده اللّعاب‬
‫حاثة عن الخلف ‪ ،‬والقيل والقال ‪ ،‬المنشغل بما ل يعنيه المتطاول على‬ ‫الب ّ‬
‫المسائل الكبار قبل إتقان العلم ‪ ،‬فل تصاحب من هذا شأنه فإّنه يضّيع عمرك‬
‫بل فائدة ‪0‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صة باقتناء الكتب ‪ ،‬لسيما كتب السنة والثار ‪،‬‬ ‫‪9‬ـ وعليه أن يكون له عناية خا ّ‬
‫وكتب ابن القيم وابن تيمّية ‪ ،‬ومصنفات علماء دعوة المام المجدد محمد بن‬
‫عبد الوهاب رحمه الله ‪ ،‬وغيرها من الكتب السلفّية التي تقوم على تقديم‬
‫الكتاب والسنة وآثار السلف واقتفاء نهجهم والتمسك بالصول التي أجمعوا‬
‫عليها ‪ ،‬ففد جعل الله فيها الخير والبركة ‪0‬‬
‫‪10‬ـ وعلى طالب العلم أن يجعل من نفسه هاديا مرشدا للناس ‪ ،‬بالرفق‬
‫واللين ‪ ،‬وأن يكف لسانه عن عيب المشتغلين بالدعوة ووعظ الناس ‪ ،‬أو‬
‫ب إليه من العلم ‪ ،‬فك ّ‬
‫ل‬ ‫حب ّ َ‬
‫بالجهاد‪ ،‬أو المتفرغين للتعبد‪ ،‬أو بغير الفن الذي ُ‬
‫مل لخوانه الذين نصبوا‬ ‫خلق له ‪ ،‬وليجعل طالب العلم نفسه مك ّ‬ ‫ميسر لما ُ‬
‫أنفسهم على ثغور السلم الخرى ‪0‬‬
‫ح طالب العلم في دعاء‬ ‫هذا وإن جماع الخير كله إنما هو في الدعاء ‪ ،‬فإذا أل ّ‬
‫الله ‪ ،‬سائل أن يفتح الله تعالى له برحمته من هذا الباب العظيم ‪ ،‬فتح الله‬
‫تعالى له من ذلك ما يشاء ‪ ،‬وإنما الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو‬
‫الفضل العظيم والله الموفق ‪0‬‬
‫*****‬
‫برنامج تفصيلي لطالب العلم‬
‫مدته عشر سنوات ويتخرج به الطالب متخصصا في العلوم الشرعية‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بتوفيق من الله تعالى‬


‫ويقطع فيها الطالب خمس مراحل زاده فيها الخلص والتقوى‬
‫****************‬
‫المرحلة الولى ومدتها سنة ونصف السنة‬
‫ويحفظ فيها الجزاء الستة الخيرة من القرآن‬
‫ويقرأ في العقيدة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الثلثة أصول والقواعد الربعة بشرح الع ّ‬
‫لمة العثيمين‬
‫‪2‬ـ كتاب التوحيد مع القول السديد‬
‫هاب‬
‫‪3‬ـ كشف الشبهات للمام المجدد محمد بن عبدالو ّ‬
‫ويقرأ في الفقه ‪ :‬تسير العلم شرح عمدة الحكام للبسام ‪ ،‬ويتعلم مع ذلك‬
‫كيفية الصلة من المؤلفات المختصرة المعاصرة السهلة مثل كتاب الع ّ‬
‫لمة‬
‫لمة العثيمين ‪ ،‬أو صفة الصلة للع ّ‬
‫لمة‬ ‫عبدالعزيز بن باز رحمه الله أو الع ّ‬
‫ي رحمه الله تعالى ‪0‬‬ ‫اللبان ّ‬
‫***‬
‫ويقرأ في الحديث ‪1 :‬ـ الربعين النووية‬
‫‪ 2‬ـ رياض الصالحين‬
‫‪3‬ـ مشكاة المصابيح‬
‫***‬
‫ويقرأ في مصطلح الحديث ‪ :‬كتاب تيسير مصلح الحديث‬
‫***‬
‫ويقرأ في تهذيب السلوك ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الجواب الكافي لبن القيم‬
‫‪2‬ـ مختصر منهاج القاصدين‬
‫‪3‬ـ اقتضاء العلم العمل للحافظ البغدادي‬
‫ويقرأ في علوم اللغة ‪ :‬الجّرومية وشرحها التحفة السنية‬
‫***‬
‫ويقرأ في السيرة والتاريخ ‪ :‬الرحيق المختوم‬
‫*****‬
‫المرحلة الثانية ومدتها سنتان ونصف السنة‬
‫ويحفظ فيها من الجزء ‪ 19‬إلى ‪24‬‬
‫ويقرأ في العقيدة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد‬
‫‪ 2‬ـ شرح الواسطّية للسلمان‬
‫‪3‬ـ معارج القبول للحكمي‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفقه ‪ :‬دليل الطالب مع شرحه منار السبيل ‪ ،‬أو هداية الراغب‬
‫***‬
‫ويقرأ في التفسير وعلوم القرآن ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تفسير السعدي‬
‫‪2‬ـ أصول التفسير لبن تيمية‬
‫‪3‬ـ مباحث في علوم القرآن للقطان‬
‫***‬
‫ويقرأ في الحديث ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الربعين النووية‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪2‬ـ صحيح البخاري‬


‫‪3‬ـ صحيح مسلم‬
‫‪4‬ـ المنار المنيف في الصحيح والضعيف‬
‫***‬
‫ويقرأ في مصطلح الحديث ‪:‬‬
‫‪1‬ـ نخبة الفكر لبن حجر‬
‫‪2‬ـ أصول التخريج محمود الطحان‬
‫طة في ذكر الصحاح الستة‬ ‫‪3‬ـ الح ّ‬
‫***‬
‫ويقرأ في أصول الفقه وقواعده ومقاصد الشريعة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الورقات للجو يني‬
‫‪2‬ـ الصول من علم الصول للعثيمين‬
‫‪3‬ـ الواضح في أصول الفقه للشقر‬
‫***‬
‫ويقرأ في السلوك والتهذيب ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الوابل الصّيب لبن القيم‬
‫‪2‬ـ عدة الصابرين لبن القيم‬
‫‪3‬ـ مقدمة إغاثة اللهفان لبن القيم‬
‫***‬
‫ويقرأ في علوم اللغة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ قطر الندى لن هشام‬
‫‪2‬ـ البلغة الواضحة للجارم‬
‫***‬
‫ويقرأ في السيرة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ سيرة ابن هشام‬
‫‪2‬ـ زاد المعاد لبن القيم‬
‫***‬
‫ويقرأ في أصول الدعوة وآدابها وثقافتها العامة ‪:‬‬
‫توجيهات للصحوة للعثيمين‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفتاوى ‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للفتاء في المملكة السعودية‬
‫ويقرأ في التكميل والمتفرقات ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تحذير الساجد لللباني‬
‫‪2‬ـ التوسل أنواعه وأحكامه لللباني‬
‫‪3‬ـ التوسل والوسيلة لبن تيمية‬
‫‪4‬ـ حديث الحاد حجة بنفسه لللباني‬
‫‪5‬ـ السنة ومنزلتها في السلم لللباني‬
‫‪6‬ـ تطهير الجنان والركان لل طامي‬
‫‪7‬ـ بهجة قلوب البرار للسعدي‬
‫‪8‬ـ طلب العلم وطبقات المتعلمين للشوكاني‬
‫‪9‬ـ حادي الرواح لبن القيم‬
‫‪10‬ـ منهج ودراسات في السماء والصفات للشنقيطي‬
‫*****‬
‫المرحلة الثالثة ومدتها سنتان‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويحفظ فيها من أّول سورة البقرة إلى آخر الجزء السادس‬


‫ويقرأ في العقيدة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ دعوة محمد بن عبدالوهاب وأثرها لصالح العبود‬
‫‪2‬ـ الفتوى الحموية لبن تيمية والقواعد المثلى للعثيمين‬
‫‪3‬ـ شرح الطحاوية لبن أبي العز‬
‫‪4‬ـ السنة لبن أبي عاصم‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفقه ‪:‬‬
‫‪1‬ـ زاد المستقنع والروض مع حاشية ابن قاسم‬
‫‪2‬ـ شرح العثيمين على الزاد مع الرشاد للسعدي‬
‫‪3‬ـ شرح بلوغ المرام للبسام‬
‫***‬
‫ويقرأ في التفسير ‪ :‬تفسير ابن كثير‬
‫***‬
‫ويقرأ في الحديث ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الكتب الستة‬
‫‪2‬ـ سلسلة الحاديث الصحيحة لللباني‬
‫‪3‬ـ صحيح الجامع الصغير لللباني‬
‫‪4‬ـ المقاصد الحسنة للسخاوي‬
‫***‬
‫ويقرأ في مصطلح الحديث ‪:‬‬
‫‪1‬ـ فتح المغيث للسخاوي‬
‫‪2‬ـ الجامع لخلق الراوي للبغدادي‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪3‬ـ دراسات في الجرح والتعديل للعظمي‬


‫‪4‬ـ تدوين السنة النبوية لمحمد الزهراني‬
‫***‬
‫ويقرأ في أصول الفقه وقواعده ومقاصد الشريعة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ روضة الناظر مع مذكرة الشنقيطي‬
‫‪2‬ـ الوجيز في القواعد الفقهية لمحمد صدقي البرنو‬
‫***‬
‫ويقرأ في السلوك والتهذيب ‪:‬‬
‫‪1‬ـ مدارج السالكين لبن القيم‬
‫‪2‬ـ رسالة أعمال القلوب لبن تيمية‬
‫‪3‬ـ أخلق العلماء للجري‬
‫‪4‬ـ حلية طالب العلم لبكر أبو زيد‬
‫***‬
‫ويقرأ في علوم اللغة ‪:‬‬
‫شرح ابن عقيل للفية ابن مالك‬
‫***‬
‫ويقرأ في التاريخ ‪:‬‬
‫‪1‬ـ البداية والنهاية‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪2‬ـ العواصم من القواصم لبن العربي‬


‫ويقرأ في أصول الدعوة وآدابها وثقافتها العامة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أصول الدعوة لزيدان‬
‫‪2‬ـ مصرع الشرك والخرافة للحاج‬
‫‪3‬ـ البدع وأحكامها للغامدي‬
‫‪4‬ـ أزمة العصر لمحمد محمد حسين‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفتاوى ‪ :‬فتاوى العلمة محمد العثيمين‬
‫***‬
‫ويقرأ في التكميل والمتفرقات ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إيثار الحق على الخلق للمرتضى اليماني‬
‫‪2‬ـ العتصام للشاطبي‬
‫‪3‬ـ تلبيس ابليس لبن الجوزي‬
‫‪4‬ـ مجموعة الرسائل المنيرية‬
‫‪5‬ـ الروض الباسم لبن الوزير‬
‫‪6‬ـ المدخل لدراسة الشريعة لزيدان‬
‫‪7‬ـ المدخل الى مذهب ابن حنبل لبن بدران‬
‫‪8‬ـ المدخل المفصل إلى فقه المام بن حنبل لبكر أبو زيد‬
‫‪8‬ـ ضوابط المعرفة للميداني‬
‫‪9‬ـ القواعد والصول للسعدي‬
‫‪10‬ـ اقتضاء الصراط المستقيم لبن تيمية‬
‫*****‬
‫المرحلة الرابعة ومدتها سنتان‬
‫ويحفظ فيها من أّول الجزء السابع إلى آخر الجزء الثاني عشر‬
‫ويقرأ في العقيدة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ دعاوى المناوئين لدعوة ابن عبدالوهاب‬
‫‪2‬ـ مختصر الصواعق المرسلة‬
‫‪3‬ـ السنة لللكائي والتوحيد لبن خزيمة والشريعة للجري والسنة لعبدالله بن‬
‫أحمد والبانة لبن بطة‬
‫‪4‬ـ الرد على الجهمّية وعلى المّريسي للدارمي‬
‫‪5‬ـ شفاء العليل لبن القيم‬
‫‪6‬ـ النهاية في الفتن والملحم لبن كثير‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفقه ‪:‬‬
‫الكافي لبن قدامة‬
‫***‬
‫ويقرأ في التفسير وعلوم القرآن ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أضواء البيان للشنقيطي‬
‫‪2‬ـ تسير اللطيف المنان خلصة تفسير القرآن للسعدي‬
‫***‬
‫ويقرأ في الحديث ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ موطأ المام مالك ‪ ،‬ومسند المام أحمد ومنتقى ابن الجارود وسنن‬
‫الدارمي ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبدالرزاق‬
‫‪2‬ـ سلسلة الحاديث الضعيفة والموضوعة لللباني‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫***‬
‫ويقرأ في مصطلح الحديث ‪:‬‬
‫‪1‬ـ النكت على ابن الصلح لبن حجر‬
‫‪2‬ـ شرح علل الترمذي لبن رجب‬
‫‪3‬ـ الرفع والتكميل للكنوي‬
‫***‬
‫ويقرأ في أصول الفقه وقواعده ومقاصد الشريعة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إرشاد الفحول للشوكاني‬
‫‪2‬ـ إعلم الموقعين‬
‫‪3‬ـ رفع الملم عن الئمة العلم لبن تيمية‬
‫‪4‬ـ الفتيا ومناهج الفتاء لمحمد الشقر‬
‫***‬
‫ويقرأ في السلوك والتهذيب ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الزهد لهّناد بن السري‬
‫‪2‬ـ الزهد لوكيع بن الجراح‬
‫‪3‬ـالزهد لحمد بن حنبل‬
‫‪4‬ـ صيد الخاطر لبن الجوزي‬
‫***‬
‫ويقرأ في علوم اللغة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أصول النحو للسيوطي‬
‫‪2‬ـ مغني اللبيب لبن هشام‬
‫‪3‬ـ الشعر والشعراء لبن قتيبة‬
‫***‬
‫ويقرأ في التاريخ ‪:‬‬
‫المنتظم لبن الجوزي‬
‫***‬
‫ويقرأ في أصول الدعوة وآدابها وثقافتها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ رسالة في المر بالمعروف والنهي عن المنكر لبن تيمية‬
‫‪2‬ـ العلمانية للحوالي‬
‫‪3‬ـ رؤية إسلمية في واقعنا المعاصر لمحمد قطب‬
‫‪4‬ـ ضوابط ينبغي تقديمها قبل الحكم على الطوائف والجماعات لحامد العلي‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفتاوى ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الفتاوى الكبرى لبن تيمية‬
‫‪2‬ـ فتاوى محمد بن إبراهيم آل الشيخ‬
‫ويقرأ في التكميل والمتفرقات ‪:‬‬
‫‪1‬ـ التنكيل للمعلمي‬
‫‪2‬ـ القياس للشقر‬
‫‪3‬ـ بدعة التعصب المذهبي للعباسي‬
‫‪4‬ـ تمام المنة في التعليق على فقه السنة لللباني‬
‫‪5‬ـ تاريخ الفقه لعمر الشقر‬
‫‪6‬ـ القواعد النورانية الفقهية لبن تيمية‬
‫‪7‬ـ نيل المرام من تفسير آيات الحكام لصديق خان‬
‫‪8‬ـ طريق الوصول إلى العلم المأمول للسعدي‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪9‬ـ أثر الدلة المختلف فيها في الفقه مصطفى البنا‬


‫‪10‬ـ مبادئ في فهم التراث للشيباني‬
‫‪11‬ـ بدائع الفوائد لبن القيم‬
‫‪12‬ـ موقف ابن تيمية من أل شاعرة لعبدالرحمن المحمود‬
‫‪13‬ـ مختصر الفتاوى المصرية لبن تيمية‬
‫المرحلة الخامسة‬
‫ومدتها سنتان ويحفظ فيها من القرآن من الجزء الثالث عشر‬
‫إلى الجزء الثامن عشر‬
‫ويقرأ في العقيدة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ شرح النونية‬
‫‪2‬ـ المنتقى من منهاج العتدال‬
‫‪3‬ـ مجلدات العقيدة من مجموع الفتاوى‬
‫‪4‬ـ النبوات لبن تيمية‬
‫‪5‬ـ الفكر الصوفي لعبدالرحمن عبد الخالق‬
‫‪6‬ـ السنة والشيعة لحسان إلهى ظهير‬
‫‪7‬ـ هداية الحيارى لبن القيم‬
‫‪8‬ـ الحركات الباطنية في العالم السلمي محمد الخطيب‬
‫‪9‬ـ النحرافات العقائدية والعلمية في القرنين الثالث الرابع الهجريين وآثارهما‬
‫على حياة المة لعلي الزهراني‬
‫‪10‬ـ فرق معاصرة تنتسب إلى السلم لعلي العواجي‬
‫‪11‬ـ ظاهرة ا لرجاء وأثرها على العالم السلمي للحوالي‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفقه ‪:‬‬
‫المغني لبن قدامة‬
‫***‬
‫ويقرأ في علوم القرآن ‪:‬‬
‫التقان في علوم القرآن للسيوطي‬
‫***‬
‫ويقرأ في الحديث ‪:‬‬
‫الجزاء الحديثية‬
‫***‬
‫ويقرأ في مصطلح الحديث ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يدرس كتاب في تخريج السانيد والحكم عليها كإرواء الغليل لللباني مع‬
‫التدريب على تخريج الحديث ودراسة السانيد ‪ ،‬ويقرأ مقدمة فتح الباري‬
‫ومقدمات كتب الرواه ‪0‬‬
‫***‬
‫ويقرأ في أصول الفقه وقواعده ومقاصد الشريعة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ شرح الكوكب المنير لبن النجار الفتوحي‬
‫‪2‬ـ الموافقات للشاطبي‬
‫‪3‬ـ المسائل المشتركة بين أصول الفقه والدين للعروسي‬
‫***‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقرأ في السلوك والتهذيب ‪:‬‬


‫كتب سير السلف مثل حلية الولياء وصفة الصفوة‬
‫***‬
‫ويقرأ في علوم اللغة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ خصائص ابن جني‬
‫‪2‬ـ أسرار البلغة ودلئل العجاز للجرجاني‬
‫‪3‬ـ جمهرة أشعار العرب لبن زيد القرشي‬
‫***‬
‫ويقرأ في السيرة والتاريخ ‪:‬‬
‫سير أعلم النبلء للذهبي‬
‫***‬
‫ويقرأ في أصول الدعوة وآدابها وثقافتها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أجنحة المكر الثلثة للميداني‬
‫‪2‬ـ كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة للميداني‬
‫‪3‬ـ حاضر العالم السلمي لعجاج نويهض‬
‫‪4‬ـ بروتوكولت حكماء صهيون لعجاج نويهض‬
‫‪ 5‬ـ مقالت في المنهج لسلمان العودة‬
‫***‬
‫ويقرأ في الفتاوى ‪:‬‬
‫‪1‬ـ بحوث هيئة كبار العلماء‬
‫‪2‬ـ فقه النوازل لبكر أبو زيد‬
‫ويقرأ في التكميل والمتفرقات ‪:‬‬
‫‪1‬ـ بيان تلبيس الجهمية لبن تيمية‬
‫‪2‬ـ جامع الرسائل والمسائل لبن تيمية‬
‫‪3‬ـ دار الهجرتين لبن القيم‬
‫‪4‬ـ مفتاح دار السعادة‬
‫‪5‬ـ أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد الشقر‬
‫‪6‬ـ المامة العظمى للدميجي‬
‫‪7‬ـ مقاصد المكلفين لعمر الشقر‬
‫‪8‬ـ رفع الحرج في الشريعة لبن حميد‬
‫‪9‬ـ مؤلفات المام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله‬
‫‪10‬ـ الدرر السنية في رسائل الدعوة النجدية‬
‫‪11‬ـ مجموع فتاوى بن تيمية‬
‫مكتبة طالب العلم‬
‫ينبغي لطالب العلم أن يكون له مكتبة تحتوي على أمهات الكتب في كل فن‬
‫وهذه بعض أهم الكتب الكبار في العلم ‪:‬‬
‫‪1‬ـ مؤلفات شيخ السلم ابن تيمّية وتلميذه ابن القيم رحمها الله تعالى ‪،‬‬
‫ويبغي لطالب العلم أن يجمع كل ما تقع عليه عينه من مصنفاتهما ‪ ،‬فإن فيها‬
‫من بركة العلم ما ليعلم قدره إل الله ‪ ،‬ومن أدمن مطالعتها نور الله قلبه‬
‫وفتح بصيرته وبورك في علمه ‪0‬‬
‫‪2‬ـ مصنفات العقيدة السلفية المنقولة عن السلف بالسناد ‪ ،‬مثل السنة لبن‬
‫أبي عاصم وللخلل ولعبدالله بن المام أحمد ‪ ،‬والتوحيد لبن خزيمة ‪ ،‬وأصول‬
‫اعتقاد أهل السنة لللكائي ‪ ،‬والبانة لبن بطة والشريعة للجري وغيرها ‪0‬‬
‫‪3‬ـ كتب ومؤلفات المام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ‪ ،‬وتلمذته‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعلماء الدعوة السلفية أتباعه ‪ :‬مثل مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ‪،‬‬
‫والدرر السنية وغيرها ‪0‬‬
‫‪4‬ـ الصحيحان والسنن الربعة وشروحها ‪ ،‬لسيما فتح الباري فلينبغي أن تخلو‬
‫منه مكتبة طالب العلم ‪ ،‬وطالب علم لم يطالع فتح الباري ‪ ،‬علمه خاوي ‪0‬‬
‫‪ 5‬ـ كتب ابن حجر العسقلني في الحديث وعلومه ‪0‬‬
‫‪6‬ـ كتب السلم الكبار مثل المغني لبن قدامة ‪ ،‬والتمهيد لبن عبدالبر ‪،‬‬
‫وتفسير الطبري وتاريخه ‪ ،‬والمجموع للنووي ‪ ،‬والمحلى لبن حزم ‪ ،‬والدر‬
‫المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ‪،‬ومقدمته التقان في علوم القرآن ‪،‬‬
‫وتفسير القرطبي ‪ ،‬وجمع الجوامع للسيوطي ‪ ،‬والنهاية لبن الثير ‪ ،‬ومشارق‬
‫النوار في غريب الحديث للقاضي عياض ‪ ،‬والبداية والنهاية لبن كثير ‪،‬‬
‫والمنتظم لبن الجوزي ‪0‬‬
‫‪7‬ـ تفسير ابن كثير والشوكاني والبغوي وأضواءا لبيان للشنقيطي ‪0‬‬
‫‪8‬ـ من كتب أصول الفقه روضة الناظر لبن قدامة ومذكرة عليها‬
‫للشنقيطي ‪ ،‬وشرح مختصر الروضة للطوفي ‪ ،‬وشرح الكوكب المنير لبن‬
‫النجار ‪0‬‬
‫‪9‬ـ ومن كتب المعاصرين النافعة كتب العلمة الشنقيطي مؤلف أضواء البيان‬
‫‪ ،‬ومصنفات العلمة عبدالرحمن السعدي ‪ ،‬والعلمة عبدالعزيز بن باز والعلمة‬
‫محمد الصالح العثيمين ‪،‬ومصنفات المحدث اللباني في الحديث وعلومه ‪،‬‬
‫وكتب ورسائل العلمة المحقق بكر بن عبدالله أبو زيد ‪0‬‬
‫‪10‬ـ وأما كتب مذهب المام أحمد بن حنبل المعتمدة فمن أهمها منتهى‬
‫الرادات للفتوحي ‪ ،‬والقناع للحجاوي ‪ ،‬وعليهما مدار الفتوى ومرجع القضاء ‪،‬‬
‫وإذا اختلفا رجع أل صحاب إلى غاية المنتهى في الجمع بين القناع والمنتهى‬
‫للشيخ مرعي الكرمي ‪0‬‬
‫ومن أنفع كتب المذهب الفروع للشمس ابن مفلح ‪ ،‬والمبدع للبرهان ابن‬
‫مفلح ‪ ،‬وكشاف القناع للبهوتي ‪ ،‬ومطالب أولى النهى في شرح غاية المنتهى‬
‫للرحيباني ‪0‬‬
‫وأما المتون فمن أ همها العمدة لبن قدامة ‪ ،‬وزاد المستقنع مختصر المقنع‬
‫للحجاوي ‪ ،‬وهذا المختصر ) الزاد ( دارت عليه رحى الفقه على مذهب‬
‫الحنابلة لدى المتأخرين حتى قيل ‪ :‬متن زاد وبلوغ كافيان في نبوغ ‪ ،‬أي متن‬
‫زاد المستقنع وبلوغ المرام لبن حجر ‪ ،‬ومن أهم شروحه الروض المربع‬
‫للبهوتي ‪0‬‬
‫ومن المتون المهمة دليل الطالب لمرعي الكرمي ‪ ،‬وعمدة الطالب للبهوتي‬
‫مطبوع مع شرحه هداية الراغب ‪ ،‬وكافي المبتدي وأخصر المختصرات‬
‫كلمهما لبن بلبان ‪ ،‬وهذا الخير عليه شرح نافع محرر اسمه ) كشف‬
‫المخدرات والرياض المزهرات في شرح أخصر المختصرات ( للبعلي الحلبي‬
‫والله أعلم ‪0‬‬
‫لصلح‬‫ةا ِ‬‫ِرسال ُ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إذا وفق الله تعالى طالب العلم في تحصيل المعارف الشرعية ‪ ،‬وحواها‬
‫صدره ‪ ،‬ووعاها قلبه ‪ ،‬فإن الواجب عليه أن يقوم بواجب الدعوة والتبليغ‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر استطاعته ‪ ،‬وهذا الواجب يستلزم‬
‫منه أن يكون عارفا بأحوال المجتمع وما يحصل فيه مما يخالف الشرع ‪،‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعالما بواقع أمته والعالم السلمي وأهم المشكلت التي تواجه المسلمين‬
‫في العالم ‪ ،‬كما يجب عليه أن يكون على دراية بمكر أعداء السلم ‪ ،‬وكيفية‬
‫مواجهة مكرهم وعداءهم بالوسائل المثلى العصرية ‪0‬‬
‫مة إل بالقيام بحقه ‪ ،‬وحقه هو‬ ‫ذلك أن العلم الشرعي أمانة شرعّية لتبرأ الذ ّ‬
‫إخلصه لله تعالى ‪ ،‬والترفع به عن أبواب السلطين ‪ ،‬وإكرامه من أن تطلب‬
‫به النفس متاع الحياة الدنيا ‪0‬‬
‫ومن حقه تعليمه للناس ‪ ،‬وبذله للعامة المسلمين ‪ ،‬والجهاد في الدعوة إليه ‪،‬‬
‫والصبر على الذى في سبيل تعلمه وتعليمه كما ورثناه عن نّبينا صلى الله‬
‫عليه وسّلم ‪ ،‬على قدر الطاقة والوسع ‪ ،‬وليكلف الله نفسا إل وسعها ‪،‬‬
‫وليس العالم من يحفظ العلم ثم يغلق عليه بابه والناس بحاجة إليه ‪ ،‬وليس‬
‫العالم من ليهتم بأمر المسلمين ‪ ،‬وليبالي بمصائبهم ‪ ،‬وليسعى لصلح‬
‫أحوالهم الدينية ‪ ،‬وإرشادهم إلى مافيه نجاتهم في الدنيا والخرة ‪0‬‬
‫ومن أخذ العلم لله ‪ ،‬وقام به لله ‪ ،‬ونصر به دين الله ‪ ،‬دخل بتوفيق من الله ‪،‬‬
‫في قول الله ‪ ) :‬يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات ( والله‬
‫صحب ِهِ َوسّلم ‪0‬‬
‫مد ٍ َوعلى آل ِهِ وَ َ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬ ‫أعلم‪ ،‬وصّلى الل ُ‬
‫ه على ن َب ِّينا ُ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫برهان الدين العبوسي‬


‫)‪ 1330‬ـ ‪ 1415‬هـ( )‪ 1911‬ـ ‪ 1995‬م(‬
‫حسني جرار‬
‫شاعر ‪ ،‬مناضل ‪ ،‬ولد في مدينة جنين ‪ ،‬وتلقى دراسته البتدائية في‬
‫مدارسها ‪ ،‬وانتقل إلى مدينة نابلس فدرس قسما ً من المرحلة الثانوية في‬
‫كلية النجاح الوطنية ‪ ،‬ثم توجه إلى لبنان وأتم المرحلة الثانوية في الكلية‬
‫الوطنية في الشويفات ‪ .‬ودخل الجامعة المريكية في بيروت فأنهى السنة‬
‫العدادية فيها ‪ ،‬ولم يتمكن من مواصلة دراسة لسباب وطنية ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫عام ‪ ، 1932‬فعاد إلى فلسطين وعمل موظفا ً في البنك الزراعي العربي‬
‫)بنك المة العربية( )‪ . (1‬وساهم في الحركة الوطنية الفلسطينية ‪ ،‬فكان من‬
‫المناصرين للشهيد عز الدين القسام ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1936‬قام بحملة توعية في قرى فلسطين ضد النجليز والهجرة‬
‫اليهودية إلى فلسطين ‪ ،‬فاعتقل ونفي إلى منطقة " عوجا الحفير" على‬
‫حدود سينا ‪ ،‬ثم نقل إلى معتقل صرفند ‪ ،‬ولما بلغت مدة اعتقاله ستة أشهر‬
‫أطلق سراحه ‪ ،‬ثم اعتقل ثانية وأودع في معتقل المزرعة قرب عكا مع عدد‬
‫من المجاهدين ‪ .‬وبعد إخلء سبيله هاجر على بيروت ‪ ،‬ثم إلى دمشق ومنها‬
‫إلى بغداد ‪ ،‬وعمل مدرسا ً بمدارس العراق من عام ‪ 1939‬إلى ‪. (2) 1941‬‬
‫واشترك في ثورة رشيد عالي الكيلني ضد النجليز ‪ ،‬وجرح في معركة غرب‬
‫بغداد ‪.‬‬
‫ً‬
‫وبعد فشل الثورة عاد سرا إلى مسقط رأسه جنين ‪ ،‬حيث عاد إلى العمل‬
‫في البنك الزراعي العربي في مدينة حيفا ‪ ،‬وعين أمينا ً للسر في مقر جمعية‬
‫الشبان المسلمين في حيفا ‪ .‬واسهم في مشروع صندوق المة العربية‬
‫بتوعية الفلح الفلسطيني بالحفاظ على أرضه أمام جميع المغريات‬
‫الصهيونية التي استهدفت استلب الرض بشتى الوسائل ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1945‬سافر إلى القاهرة مع الكشافة السلمية لشرح قضية‬
‫فلسطين )‪ . (4‬وفي عام ‪ 1948‬التحق بالقوات العربية التي دخلت فلسطين‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬وخاض المعارك ضد اليهود مع جيش النقاذ في منطقة جنين ‪ ،‬وأصيب‬


‫بجرح بالغ في كتفه ‪ .‬وبعد انسحاب الجيوش العربية من فلسطين توجه إلى‬
‫بغداد ‪ ،‬وعمل معلما ً للغة العربية والدين في الثانوية المركزية ‪ ،‬وبقي في‬
‫مهنة التدريس إلى أن أحيل على المعاش )‪.(5‬‬
‫هذا الشاعر المناضل ترك لنا إنتاجا ً أدبيا ً هادفا ً ‪ ،‬صدر منه أربع مسرحيات هي‬
‫‪ " :‬شبح الندلس " ‪ " ،‬الفداء " ‪ " ،‬عرب القادسية "‪ .‬وأربعة دواوين شعر‬
‫هي ‪ " :‬جبل النار" ‪ " ،‬إلى متى " ‪ " ،‬جنود السماء" ‪ " ،‬النيازك " ‪ .‬وقد نظم‬
‫شعرا ً رائعا ً معبرا ً في أكثر الغراض الشعرية المعروفة ‪ ،‬وخاصة الوطنية منها‬
‫‪ ،‬ومن ذلك قوله في إحدى قصائده )‪: (6‬‬
‫نغامر ل نرضى سوى المجد موطنا‬
‫وقفنا له قلبا ً حديدا ً ‪ii‬وأنفسا ً‬
‫لنا حقنا الوضاح لسنا ‪ii‬نبيعه ‪ ... ...‬ولسنا نبالي إن نأى الموت أو ‪ii‬دنا‬
‫تحطم في أرجائها الموت ‪ii‬والفنا‬
‫وكيف يبيع الحق من كان ‪ii‬مؤمنا‬
‫المراجع ‪:‬‬
‫)‪ (1‬أحمد الجدع ‪ :‬معجم الدباء السلميين المعاصرين ج ‪ ، 1‬دار الضياء ‪،‬‬
‫عمان ‪ 1999 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬محمد عمر حمادة ‪ :‬أعلم فلسطين ج ‪ ، 2‬دار قتيبة ‪ ،‬دمشق ‪. 1988 ،‬‬
‫)‪ (3‬يعقوب العودات ‪ :‬أعلم الفكر والدب في فلسطين ‪ ،‬وكالة التوزيع‬
‫الردنية ‪ ،‬عمان ‪. 1987 ،‬‬
‫)‪ (4‬ياسين السعدي ‪ :‬جريدة القدس في ‪. 1995 / 2 / 23‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬معجم الدباء السلميين ج ‪ ، 1‬ص ‪ . 180‬وأعلم فلسطين ج ‪ ، 2‬ص ‪19‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (2‬معجم الدباء السلميين ج ‪ ، 1‬ص ‪ . 180‬وأعلم فلسطين ج ‪ ، 2‬ص ‪19‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (3‬أعلم فلسطين ج ‪ ، 2‬ص ‪. 20‬‬
‫)‪ (4‬أعلم الفكر والدب في فلسطين ‪ ،‬ص ‪ . 431‬ومعجم الدباء‬
‫السلميين ‪ ،‬ص ‪. 181‬‬
‫)‪ (5‬جريدة القدس في ‪ ، 1995 / 2 / 23‬ص ‪ . 14‬ومعجم الدباء‬
‫السلميين ‪ ،‬ص ‪. 181‬‬
‫)‪ (6‬أعلم الفكر والدب ‪ ،‬ص ‪ . 431‬وجريدة القدس في ‪، 1995 / 2 / 23‬‬
‫ص ‪. 14‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بريق الغلف‬
‫الجيلي حامد*‬
‫الحالة النهزامية التي تعيشها أمتنا حدت بها إلى تقليد الغرب في كل كبيرة‬
‫وصغيرة‪ ،‬والنبهار إلى درجة الدهشة بمنتجات الدول الوربية كيفما كانت؛‬
‫حتى وصلنا إلى الحد الذي ل نستطيع معه التميز بين الغث والثمين‪ ،‬والسليم‬
‫والسقيم؛ مما هو وافد من تلك الدول؛ من مأكولت ومشروبات‪ ،‬أو‬
‫ملبوسات‪ ،‬أو حتى عقائد وأفكار‪.‬‬
‫يحكي أن سودانيا كان يعمل تاجرا في إحدى دول الخليج‪ ،‬وفي مرة كسد‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنده سوق البصل فاقترح عليه سوداني آخر أن يجعل البصل في شيكارات‬
‫أمريكية؛ ففعل؛ فتسابق الناس إلى البصل السوداني؛ لنه بغلف أمريكي‪.‬‬
‫في هذه القصة وقفة وعبرة لصحاب المصانع المنتجة بتحسين الغلف‪،‬‬
‫وتكثيف الدعاية على طريقة تؤيد ذوق المستهلك المحلي‪ ،‬وتحترم عقليته في‬
‫الختيار؛ خصوصا في هذا الزمن الذي بدأت فيه العقول تسترد بعض عافيتها؛‬
‫لتميز بين الشياء‪ ،‬وتقدر مستوي الجودة‪ ،‬والقيمة الغذائية‪ ،‬والفائدة الذهنية‪،‬‬
‫والمنفعة النية‪ ،‬والمستقبلية؛ دون النظر إلى كلمة صنع في‪.‬‬
‫من الطرائف أن علب ساردين استوردت من إحدى دول أوربا كان مكتوبا‬
‫عليها ذبح على الطريقة السلمية‪..‬‬
‫فعليه فيجب أن نشجع المنتج المحلي المدرك لخصائص المجتمع‪ ،‬ونطالب‬
‫القائمين عليه بتجريد النظرة من المنفعة الذاتية المحضة‪ ،‬بل عليهم أن‬
‫يسعوا لكسب ثقة المستهلك‪ ،‬وأل ّ يضربوا مثل ً سيئًا؛ يشكك في مصداقية‬
‫المنتج المحلي‪ ..‬ونحن في ظل هذه الحداث التي تدعو للنعتاق نأمن على‬
‫مسؤولية الجميع في القيام بهذه المهمة الصعبة التي ل بد لها من تضحية من‬
‫كل الطراف؛ بمعني أوضح ل يستغل المنتج إقبال المستهلك؛ فيقلل من‬
‫الجودة؛ ويزيد في الثمن‪ ،‬وكذلك المستهلك بأن يعطي السلعة أو الفكرة‬
‫حقها بقدر ما تحتويه من فائدة‪ ،‬ول يقلل من ثمنها؛ لنها محلية‪.‬‬
‫خدعنا كثيًرا ببريق الغلف؛ لدرجة أننا صدقنا شعار السوبرمان الذي أطلقه‬
‫ما أنه سيخلص البشرية من عذاباتها‪ ،‬وينقلها‬ ‫النسان الغربي على نفسه؛ زاع ً‬
‫ل من الرفاهية‪ ،‬وأن هذا الذي يخاطبنا عبر الشاشات وعليه‬ ‫إلى مستوىً عا ٍ‬
‫أجمل الثياب العاكسة لضواء الكاميرات هو إنسان آخر‪ ،‬متحضر‪ ،‬كله بطولة‪،‬‬
‫وكله شهامة‪ ،‬ورحمة؛ فصار عندنا نجما نقلده بل حدود‪ ..‬حتى إن لعب كرة‬
‫القدم البرازيلي )رونالدو( كمثال عندما ظهر للناس بحلقته القبيحة ‪ -‬والتي‬
‫تخلى هو نفسه عنها ‪ -‬أصبح يقلده فيها بعض شباب المسلمين؛ راضين‬
‫بالقزع‪ ،‬والقبح‪ ،‬والمخالفة الشرعية‪..‬‬
‫وكثيرون هم الذين شكلهم داعي العجاب‪ ،‬وصهرهم موقد النبهار؛ فصاروا‬
‫نسخا غير أصلية للممثلين والممثلت‪ ،‬والخائنين لوطانهم والخائنات‪،‬‬
‫والممجدين الغرب كثيرا والممجدات‪ ،‬والزاعمين التقدم‪ ،‬والداعين للتحرر‬
‫من كافة القيود؛ انطلقا إلى دنيا الباحية‪ ،‬وعالم النحلل؛ لن ذلك هو اختيار‬
‫السوبرمان الغلف؛ الذي أخرج على مستوىً من الجمال‪.‬‬
‫إن البريق الذي سطع في أعيننا تأثرنا به في كافة الصعدة؛ فأصبح له‬
‫انعكاسات في واقعنا؛ مثل ظهور الشيوعية‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬والتمثيل‪ ،‬والغناء‪،‬‬
‫وكرة القدم‪ ،‬وصنوف من الطعمة‪ ،‬والمشروبات‪ ،‬والمخدرات‪ ..‬نحن في غنى‬
‫عنها لو عقلنا؛ وجعلنا أمام كل عمل سؤال )لماذا أعمل؟‪ ،‬وماهي الفائدة؟(‪.‬‬
‫لو تخلصنا من القمامات المتراكمة‪ ،‬وهذه الفكار المترهلة؛ وعدنا للمنهج‬
‫الذي اخترناه عن قناعة؛ بل قهر أو ضغوط دعائية؛ وأيدنا قيام الدولة‬
‫السلمية الكبرى‪ ،‬وفكرة السوق المشتركة لكان التكامل القتصادي؛ الذي ل‬
‫د؛ وبعد هذا اطرح هذا السؤال )هل سوف‬ ‫ثغرة فيه‪ ،‬ول فجوة تحتاج إلى س ّ‬
‫نكون في حاجة للستيراد؟(؛ الجابة متروكة للقارئ الكريم في أي مكان‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مهم الكافرة‬
‫بّر البناء بأ ّ‬
‫السؤال ‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قت والدتي قب َ‬
‫ل‬ ‫ب مسلم ‪ ،‬و أم بروتستانتّية ‪ ،‬و قد ط ُل ّ َ‬ ‫أنا فتاةٌ مسلمة من أ ٍ‬
‫ن‬‫علما بأ ّ‬ ‫ً‬ ‫فترةٍ طويلة ‪ ،‬فهل لي أن أب َّرها بالتصال و الزيارة و تقديم الهدايا ‪ِ ،‬‬
‫ذلك قد يكون سببا ً في هدايتها إلى السلم ‪ ،‬و لو بعد َ حين ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫صلة ‪ ،‬و قد وصف الله تعالى عباده الصالحين بأّنهم )‬ ‫ن السلم دين البّر و ال ِ‬ ‫إ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب(‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَء ال ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫م وَ ي َ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ل وَ ي َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫ه ب ِهِ أ ْ‬ ‫مَر الل ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صلو َ‬ ‫يَ ِ‬
‫] الرعد ‪. [ 21 :‬‬
‫حسن صحبة المرء و صلته أبواه ‪ ، ،‬لذلك قََرن تعالى الحسان‬ ‫و أحق الناس ب ُ‬
‫شي ًْئا َو‬ ‫شرِكوا ب ِهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه وَ ل ت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫دوا الل َ‬ ‫إليهما بعبادته و توحيده في قوله ‪ ) :‬وَ اعْب ُ ُ‬
‫ساًنا ( ] النساء ‪. [ 36 :‬‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫ما ي َب ْل ُغَ ّ‬
‫ن‬ ‫سانا ً إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَ ِبال ْ َ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫ك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ضى َرب ّ َ‬ ‫و قال سبحانه ‪ ) :‬وَ قَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما قَوْل ً‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ما وَ قُ ْ‬ ‫ف َول ت َن ْهَْرهُ َ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما َفل ت َ ُ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ما أوْ ِ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫ك ال ْك ِب ََر أ َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ِ‬
‫ريما ( ] السراء ‪. [ 23 :‬‬ ‫ً‬ ‫ك ِ‬‫َ‬
‫دم في ذلك على حقّ الب ‪ ،‬لما رواه الشيخان و غيرهماعن‬ ‫م مق ّ‬ ‫و حقّ ال ّ‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال ‪:‬‬
‫) أمك ( ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ ) :‬ثم أمك ( ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ ) :‬ثم‬
‫أمك ( ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ ) :‬ثم أبوك ( ‪.‬‬
‫ق‬
‫م على ح ّ‬ ‫سر ‪ ،‬و المراد منه ظاهره ‪ ،‬و هو تقديم حقّ ال ّ‬ ‫و هذا الحديث مف ّ‬
‫قه من البّر و الصلة و‬ ‫لح ّ‬ ‫ما عند النفراد فلك ّ‬ ‫الب عند تزاحم الحقوق ‪ ،‬أ ّ‬
‫الحسان ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ) :‬قال ابن بطال ‪ :‬مقتضاه أن يكون للم ثلثة أمثال‬
‫ما للب من البر ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه‬
‫تنفرد بها الم وتشقى بها ثم تشارك الب في التربية ‪ ،‬وقد وقعت الشارة‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫إلى ذلك في قوله تعالى ) و وصينا النسان بوال ِديه حمل َت ُ‬
‫ه وَهًْنا عَلى وَهْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ِْ َ َ ِ َ َ ْ ِ َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ّ َْ‬
‫عامي َ‬
‫صيُر ( ] لقمان ‪، [ 14 :‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وال ِد َي ْك إ ِل ّ‬ ‫شك ُْر ِلي وَ ل ِ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ه ِفي َ َ ْ ِ‬ ‫وَ فِ َ‬
‫وى بينهما في الوصاية ‪ ،‬وخص الم بالمور الثلثة ‪ ،‬قال القرطبي ‪ :‬المراد‬ ‫فس ّ‬
‫دم في ذلك على حق‬ ‫أن الم تستحق على الولد الحظ الوفر من البر ‪ ،‬و تق ّ‬
‫الب عند المزاحمة ‪ ،‬وقال عياض ‪ :‬و ذهب الجمهور إلى أن الم تفضل في‬
‫البر على الب ( ] فتح الباري ‪. [ 402 : 10 :‬‬
‫داه إلى من لم ُيكرمه‬ ‫هما ‪ ،‬بل يتع ّ‬ ‫مين أو أحدِ ِ‬ ‫و ليس هذا خاصا ً بالبوين المسل َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫من لم يحاربوننا من ) ل ي َن َْهاك ُ ُ‬ ‫ن الله تعالى لم ينهنا ع ّ‬ ‫الله بالسلم ‪ ،‬إذ إ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م َو‬ ‫ن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن دَِيارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَ ل ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫عَ ِ‬
‫ن ( ] الممتحنة ‪. [ 8 :‬‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫َ‬
‫سطوا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫ة‬
‫ص ً‬‫ت ‪ :‬إذا كان هذا في حق الكافر غير القريب ‪ ،‬فكيف بذي الرحم ؟! خا ّ‬ ‫ُقل ُ‬
‫ن سبب نزول هذه الية ما رواه الشيخان و‬ ‫هب بعض أهل العلم إلى أ ّ‬ ‫و قد ذ َ‬
‫مي‬ ‫يأ ّ‬ ‫ت عل ّ‬ ‫غيرهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت ‪ :‬قدم ْ‬
‫ت رسول‬ ‫وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتي ُ‬
‫صل أمي ؟‬ ‫مي وهي راغبة أفأ ِ‬ ‫يأ ّ‬ ‫ت عل ّ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم قلت ‪ :‬قدم ْ‬
‫مك ( ‪.‬‬ ‫صِلي أ ّ‬ ‫قال ‪ ) :‬نعم ِ‬
‫قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث ‪ ) :‬و قال الخطابي ‪ :‬فيه أن‬
‫صل المسلمة ‪ ،‬و يستنبط‬ ‫الرحم الكافرة توصل من المال و نحوه ‪ ،‬كما ُتو َ‬
‫منه وجوب نفقة الب الكافر و الم الكافرة و إن كان الولد مسلما ً ( ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت بالتصال أو الزيارة أو الهداء أو غير ذلك من وجوه‬ ‫مك ما استطع ِ‬‫صلي أ ّ‬


‫ف ِ‬
‫َ‬
‫سلي الله لها الهداية و حسن الختام ‪ ،‬و تألفي قلبها قدَر المستطاع ‪،‬‬‫البّر ‪ ،‬و َ‬
‫ديك ‪ ،‬و‬ ‫ّ‬
‫طفي في دعوتها إلى السلم ‪ ،‬عل الله يجعل هدايتها على ي َ‬ ‫و تل ّ‬
‫يجمعك بها في مستقّر رحمته كما جمع بينكما في الدنيا ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ‬
‫بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن‬
‫يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله أما بعد السلم عليكم ورحمة الله وبركاته وهذه ليلة‬
‫الثنين الموافق للتاسع عشر من الشهر العاشر للعام الخامس عشر بعد‬
‫الربعمائة واللف وفي هذا الجامع المبارك بمدينة >عيون< ‪.....‬يتجدد اللقاء‬
‫مع هذه الوجوه الطيبة المباركة وموضوع هذا اللقاء هو بعنوان بشائر‬
‫ومبشرات وفي وقت تكالبت فيه المصائب والمحن على المسلمين وفي‬
‫وقت الجراح تنزف في كل جزء من جسد هذه المة في وقت تحشرجت فيه‬
‫النفوس وضاقت فيه القلوب حتى أصاب كثيرا من الناس اليأس والقنوط فما‬
‫أن تذكر المة السلمية حتى تسمع الزفرات والهات والحوقلة والسترجاع‬
‫وكأن السباب تقطعت والمال تدثرت في هذا الوقت العصيب وفي مثل هذه‬
‫الظروف أزف إليكم أيها الحبة هذه المبشرات أزفها إليكم لترسم أشعة‬
‫الفجر الجديد ولتمل النفوس المسلمة باليقين وأزفها إليكم لتشعر القلوب‬
‫الحية بالعز والتمكين وليشرق بها أعداء الدين وليغص بها الكافرون‬
‫والمنافقون أسوق إليكم هذه البشائر وهذه المبشرات وأزفها إليكم تذكيرا‬
‫للغافل وتنشيطا للذاكر أزف إليكم هذه المبشرات لتحيى بها النفوس البّيات‬
‫بشراكم أيها الحبة إن ميلد المة قريب ول بد للميلد من مخاض ول بد‬
‫للمخاض من آلم ومن رحم الظلم يخرج النور والليل إن تشتد ظلمته فإن‬
‫الفجر لح‬
‫أبشر فهذا الفجر لح‬
‫ها نحن جئنا يا صلح‬
‫قد أدبر الليل العميل‬
‫وجاء للدنيا صباح‬
‫ما دام عرقي نابض‬
‫لن تعرف النفس ارتياح‬
‫حتى أرى شعبي‬
‫وليس له عن القصى براح‬
‫إن العالم السلمي بأسره يعيش لحظات عصيبة وساعات حرجة يخطها‬
‫القلم ويسجلها التاريخ ما عليك فقط إل أن تقرأ إن كنت ممن يقرأ صحيفة أو‬
‫تنظر مجلة أو تسمع لنشرة أخبار لتقف بنفسك على حال المسلمين في كل‬
‫مكان وما لم يذكر أو يغفل فهو أكثر ففي البوسنة والهرسك مليين القتلى‬
‫والمشردين الطفال اليتامى والنساء الثكالى والمساجد مهدمة والدماء‬
‫تسيل أكثر من خمسين ألف مسلمة ينتهك عرضها في البوسنة والهرسك‬
‫فقط فما بالك >بكشمير< و>الفلبين <و> طاجاكستان <و>الشيشان<‬
‫و>الصومال< و>أفغانستان< و>أراكان< و>ألبانيا <و>كوسوفو< بل في‬
‫كل بقعة يذكر فيها اسم الله تعالى إنه التحدي السافر أيها الحبة إنه التحدي‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السافر لهذه المة في عقيدتها وفي تاريخها وفي إسلمها ومستقبلها أمر‬
‫مفزع مروع هذا الواقع جعل كثيرا من المسلمين عرضة لليأس نعم جعل‬
‫كثيرا من المسلمين عرضة لليأس والقنوط ومن ثم للخمول والقعود وأقول‬
‫إن اليأس في قلوب أنفار هؤلء ناتج عن السباب التالية وباختصار شديد‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ما نراه أو ما يرونه من جهود العداء ومحاربة السلم ومواجهة أهله‬
‫مستخدما أي هذا العدو مستخدما كل طاقاته من تقدم تكنولوجي في العدة‬
‫والعتاد وكل وسيلة من وسائل الستعمار الفكري ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬بعد الناس عن دين الله وموت الحساس لدى الكثير منهم فهو ل يعلم‬
‫عما يجري لخوانه وإن علم فكأن المر ل يعنيه المهم نفسه وماله وهذا هو‬
‫الهوان الذي أشار إليه الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم عن حب الدنيا‬
‫وكراهية الموت‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬من أسباب اليأس والقنوط عند بعض الناس يقظة العداء ومواجهتهم‬
‫لي جهد يبذله المسلمون مما حدا بكثير من المسلمين والمسلمات إلى‬
‫الستسلم والخمول والتثبيط عند بذل أي جهد فالخوف والرعب يأكل قلوبهم‬
‫الخوف والرعب يأكل قلوبهم ومما سبق من هذه السباب فإنها تقودنا إلى‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سبب رابع من أسباب اليأس وهو سبب مهم جدا غفل أو تغافل عنه كثير من‬
‫الناس أل وهو الجهل بالغاية التي خلق من أجلها النسان إن كثيرا من الناس‬
‫ل يعلم لماذا خلق وإن علم فإنه يتغافل عن الهدف الحقيقي الذي من أجله‬
‫خلق فيا أيها النسان أنت خلقت لهدف خلقت لغاية عظيمة نبيلة هي عبادة‬
‫الله عز وجل عبادة الله بمفهومها الحقيقي الذي عرفه أهل العلم اسم جامع‬
‫لكل ما يحبه الله من القوال والفعال الظاهرة والباطنة هذا هو تعريف‬
‫العبادة هذه هي العبادة الحقيقية التي يريدها الله سبحانه وتعالى من عباده ل‬
‫كما يريده العداء العبادة في المسجد ل كما يرسمها العداء أن العبادة هي‬
‫تلك العبادة الكبيرة الصلة والصيام الحج والزكاة هذه هي عبادة المسلم وما‬
‫هكذا يريد الله أيها الحبة إن العبادة التي يريد الله بمفهومها الحقيقي ذلك‬
‫المعنى العام الذي يشمل كل نواحي الحياة فاسأل نفسك لماذا خلقت أمن‬
‫أجل أن تأكل وتشرب وتنام وتقوم أمن أجل الملذات والشهوات هذا والله هو‬
‫شأن الحيوان بل إن ذلك النسان أضل من الحيوان اسمع لقول الحق عز‬
‫ْ‬
‫ب لّ‬‫م قُُلو ٌ‬
‫س ل َهُ ْ‬
‫لن ِ‬ ‫ن َوا ِ‬‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫م َ‬‫م ك َِثيًرا ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫قد ْ ذ ََرأَنا ل ِ َ‬ ‫وجل يوم أن قال ) وَل َ َ‬
‫قهون بها ول َه َ‬
‫ن‬
‫مُعو َ‬‫س َ‬‫ن ل ّ يَ ْ‬ ‫م آَذا ٌ‬‫ن ب َِها وَل َهُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ل ّ ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫ف َ ُ َ َِ َ ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ( غفلوا عن الهدف وغفلوا‬ ‫م ال َْغافُِلو َ‬‫ك هُ ُ‬ ‫ل أوْل َئ ِ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫كالن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫ب َِها أوْل َئ ِ َ‬
‫ك َ‬
‫عن الحقيقة التي من أجلها خلقوا فعاشوا أضل من النعام عياذا بالله لمجرد‬
‫الملذات والشهوات لمجرد البيع والشراء لمجرد أن يحيى النسان ويذهب‬
‫في هذه الدنيا بئس الحياة إن كانت هذه هي الحياة التي يعيشها المسلم إنك‬
‫خلقت لهدف أسمى إنك خلقت لرضى الله أيها الخ الحبيب ففكر في نفسك‬
‫وارجع لنفسك واسألها بصدق هل أنت راض عن نفسك الن هل أنت راض‬
‫عن هذا العمر الطويل الذي أمد الله عز وجل به إلى يومك هذا ماذا قدمت‬
‫لله ماذا قدمت لنفسك يوم أن تقدم على الله عز وجل عندها تقول بملء‬
‫فيك ل ل وألف ل لعبادة العباد ل وألف ل لعبادة الشهوات والملذات تعس‬
‫عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس وانتكس وإذا شيك فل انتقش هذه هي‬
‫عبادة الدنيا كما تبعها كثير من الناس ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسبب الخامس الجهل بطبيعة هذا الدين هذه المور وهذه السباب‬
‫الخمسة وغيرها جعلت كثيرا من الناس يصيبه اليأس وتداخله الشكوك‬
‫لنصرة هذا الدين وتمكينه في هذه الرض وحتى نقطع الطريق على هؤلء‬
‫المخدرين اليائسين الخائفين فإني أقول وبكل قوة وبكل ثقة ويقين ابشروا‬
‫أيها الحبة ابشروا بنصر الله فإن البشائر والمبشرات كثيرة ولله الحمد‬
‫المهم أن نتفاءل ولنمل أنفسنا بالتفاؤل وقد يقول قائل لماذا وكيف نتفاءل‬
‫وواقع المسلمين كما ذكرت وكما نرى ونسمع فأقول يجب أن نتفاءل لسباب‬
‫كثيرة منها ومن أهمها أن القرآن الكريم حرم اليأس وندد باليائسين وهذه‬
‫من أولى البشارات ومن أول البشائر أن القرآن حرم اليأس وندد باليائسين‬
‫فعالج هذا المرض الخطير بالتحريم القاطع لينقطع دابره من النفوس فل‬
‫يجوز للمسلم أن ييئس أبدا فاليأس قرين للكفر واسمع لقول الحق عز وجل‬
‫) ول تيئسوا من روح الله إنه ل ييأس من روح الله إل القوم الكافرون (‬
‫فاليأس صفة للكافرين واليأس قرين الضلل قال تعالى ) ومن يقنط من‬
‫رحمة ربه إل الضالون ( حذر الله عز وجل من اليأس والقنوط إذن نقول‬
‫لليائسين المخذلين إن اليأس في دين الله ل يجوز فاحذره فاحذر من اليأس‬
‫واحذر من التيئيس فإنه أول علمة للهزيمة والفتور والخور النفسي إن أول‬
‫علمة للهزيمة النفسية التي أصابت كثير من المسلمين اليوم هي في قضية‬
‫اليأس والقنوط عياذا بالله ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن هذه البشائر وهي البشارة الثانية بشائر الكتاب والسنة ولم لم يكن‬
‫سوى هذه البشائر لكفى فهي نصوص وهي وعود ممن ؟ ممن بيده ملكوت‬
‫السماوات والرض ممن بيده المر كله فلماذا إذن الضعف والهوان ولماذا‬
‫الخوف والخور والله سبحانه وتعالى معك مؤيدا لك ناصرا لك أين الثقة في‬
‫الله أيها الحبة أين اليقين في قدرة الله وقوته اسمع لهذه اليات وتدبرها‬
‫عندما قال الحق عز وجل ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق‬
‫ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ( إظهار دين الله أمر تكفل به‬
‫الله سبحانه وتعالى وقال سبحانه وتعالى ) وعد الله الذين آمنوا منكم‬
‫وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما استخلف الذين من قبلهم‬
‫وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني‬
‫ل يشركون بي شيئا ( إذن فهذا هو عهد الله واسمع لقول الحق عز وجل يوم‬
‫أن قال ) ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( ) الذين إن مكناهم‬
‫في الرض أقاموا الصلة ( هذا هو الهدف هذا هو الذي يريد الله عز وجل من‬
‫عباده ) الذين إن مكناهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة المور ( وقال سبحانه وتعالى ) يا أيها‬
‫الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ( وقال ) وكان حقا علينا‬
‫نصر المؤمنين ( في هذه اليات أخبر سبحانه وتعالى أن من سنته في خلقه‬
‫أن ينصر عباده المؤمنين لكن متى إذا قاموا بنصرة دينه إذا قاموا بواجب‬
‫الدعوة إلى الله وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فقد وعد الله المؤمنين‬
‫باستخلفهم في الرض وأن يمكن لهم دينهم وأي أمل للمسلم فوق وعد الله‬
‫عز وجل وأي رجاء بعد ذلك للمؤمن الصادق يوم أن وعده الحق سبحانه‬
‫وتعالى هذه بعض نصوص القرآن تعالى واسمع لبعض نصوص السنة النبوية‬
‫فقد روى المام ]أحمد[ و]البزار[ و]الطيالسي[ وقال ]الهيثمي[ عن الحديث‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورجاله رجال الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "إن أول‬
‫دينكم نبوة ورحمة وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل‬
‫جلله ثم تكون خلفة على منهاج النبوة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم‬
‫يرفعها الله جل جلله ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم‬
‫يرفعه الله جل جلله ثم يكون ملكا جبريا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم‬
‫يرفعه الله جل جلله ثم تكون خلفة على منهاج النبوة تعمل بسنة النبي‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم ويلقي السلم بجيرانه في الرض يرضى عنها‬
‫ساكن السماء وساكن الرض ل تدع السماء من قطر إل صبته مدرارا ول تدع‬
‫الرض من نبات ول من بركاتها شيئا إل أخرجته "وروى] الدارمي [ وأحمد‬
‫و]ابن أبي شيبة [ عن ]أبي خبيب[ قال كنا عند ]عبد الله بن عمرو بن‬
‫العاص[ وسئل أي المدينتين تفتح أول >القسطنطينية< أم> رومية<‬
‫والقسطنطينية هي الن عاصمة تركيا استنبول وقد فتحت أما رومية فهي‬
‫عاصمة إيطاليا الن التي فيها مقر الصليبية والتي فيها دولة الفاتيكان التي‬
‫تقود المة النصرانية في هذا الوقت فجاء عبد الله بصندوق له حلق قال‬
‫فأخرج كتابا فقال عبد الله "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي المدينتين‬
‫تفتح أول فقال مدينة هرقل يعني القسطنطينية "والحديث حسنه المقدسي‬
‫وصححه الحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه وقد تحقق الفتح الول على يد‬
‫الخليفة العثماني ]محمد الفاتح[ رحمه الله تعالى وذلك عام ثلثة وخمسين‬
‫وأربعمائة وألف للميلد أي بعد تقريبا ثماني مائة سنة من وعد النبي صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم ونحن ننتظر الن صدق الوعد الخر سقوط روما بفضل‬
‫الله وبمشيئة الله وهذا وعد منه صلى الله عليه وآله وسلم ل بد صائب‬
‫بمشيئة الله وأيضا روى مسلم وغيره وأصحاب السنن إل النسائي عن النبي‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " إن الله زوى لي الرض أي ضمها‬
‫وجمعها فرأيت مشارقها ومغاربها وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها "‬
‫وفي الحديث الذي رواه ]ابن حبان[ " ليبلغن هذا المر ما بلغ الليل والنهار‬
‫بعز عزيز وبذل ذليل عزا يعز الله به السلم وذل يذل الله به الكفر" وأيضا‬
‫هذان الحديثان يؤكدان رجوع السلم إلى مركز الريادة وموضع القيادة‬
‫ومقام السيادة من شرق الدنيا إلى غربها لتتحقق إرادة الله التي اقتضاها‬
‫لهذه المة السلمية منذ الزل وروى الشيخان والحاديث كثيرة ولكني‬
‫اختصرها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " ل تقوم الساعة حتى‬
‫يقاتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول‬
‫الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي تعال فاقتله إل الغرقد فإنه من شجر‬
‫اليهود " وهذا الحديث يشير إلى أن اليهود سيجتمعون في مكان ثم يتسلط‬
‫عليهم المسلمون وهذا هو الواقع الكائن الن الدلئل تشير إلى هذا فإن‬
‫اليهود يجمعون أعوانهم ويجمعون أهلهم من كل مكان في فلسطين هذه‬
‫الحاديث وأيضا ل ننس أحاديث الطائفة المنصورة‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد وردت عن عدد من الصحابة منها حديث ]سعد بن أبي وقاص[ رضي الله‬
‫عنه عند مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" ل‬
‫تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي‬
‫أمر الله وهم كذلك" وحديث ]أنس ابن مالك[ رضي الله عنه أن النبي صلى‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وآله وسلم قال "مثل أمتي مثل المطر ل يدرى أوله خير أم آخره‬
‫"والحديث رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي حديث حسن وصححه اللباني‬
‫في صحيح الترمذي وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " بشر هذه المة بالثناء‬
‫والنصر والتمكين ومن عمل منهم عمل الخرة للدنيا لم يكن له في الخرة‬
‫نصيب" والحديث رواه أحمد وابنه عبد الله في زوائده وابن حبان والحاكم‬
‫وقال صحيح السناد ووافقه الذهبي على ذلك وقال اللباني في أحكام‬
‫الجنائز قال إن إسناد عبد الله صحيح على شرط البخاري‪ .‬من هذه النصوص‬
‫من القرآن والسنة يتبين لنا أن هذه النصوص كلها بشائر لنصرة السلم‬
‫وتمكينه أل فليثق الدعاة إلى الله عز وجل في هذه المبشرات مهما كان في‬
‫الطريق من عثرات )أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا‬
‫منكم ويعلم الصابرين ( ولو لم يكن من البشائر والمبشرات سوى هذه‬
‫النصوص لكفت فكيف والتاريخ يشهد بذلك وكيف والواقع يتفجر عن ينابيع‬
‫السلم الواقع الن أيها الحبة يتفجر عن ينابيع السلم وعن قدومه في كل‬
‫يوم ففي كل يوم نسمع عن حرب للسلم والمسلمين قادمة من بقاع لم‬
‫نكن نعرفها ولم نسمع بها وإليك تفصيل ذلك ‪:‬‬
‫من البشائر ثالثا الصراع القائم الن بين الحق والباطل فصولت الباطل‬
‫وانتفاش أهله دليل على قوة الحق وقدومه وتململه إن صراع الباطل‬
‫وانتفاش أهله الن دليل على قوة الحق وقدومه وتململه فقبل سنوات قليلة‬
‫لم يكن للمسلمين صوت ل في البوسنة ول في طاجاكستان ول في الفلبين‬
‫ول في الشيشان ول في غيرها من بلد المسلمين أما الن فإننا نسمع تلك‬
‫المور وتلك الصولت والجولت للمسلمين في كل مكان وفي كل سفح من‬
‫أنحاء المعمورة هذه المور إننا نعتبرها أيها الحبة ينابيع للسلم تتفجر عن‬
‫قدومه وبقوة فماذا قدمنا وما هو دورنا فالسلم ماض في طريقه للعزة‬
‫والتمكين سواء بنا أو بغيرنا فيا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة سجل لنفسك‬
‫موقفا يشهد لك عند الله عز وجل كن ممن شارك في نصرة هذا الدين ولو‬
‫بكلمات صادقة ناصحة من قلب يحترق ويتألم كن ممن شارك في نصرة هذا‬
‫الدين ولو بشريط أو بكتاب يفتح الله به قلوبا عميا أو أذانا صما كن ممن‬
‫شارك في نصرة هذا الدين ولو بريالت قليلة تعين بها ملهوفا وتنصر بها‬
‫مظلوما المهم أن تعمل أن تشعر أنك تقدم فكر وابحث وقلب المور وستجد‬
‫أن بيدك الخير الكثير فل يقل قائل ماذا أقدم وماذا أعمل فإننا تعدينا مرحلة‬
‫هذا السؤال والوقوف عند هذا السؤال بكثير ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومن البشائر أيضا أيها الحبة وهي بشارة رابعة ذلك الخوف الرهيب والرعب‬
‫الشديد من السلم فلماذا يتعرض السلم في هذه اليام لهجمات مسعورة‬
‫ولماذا تزداد هذه الهجمات شراسة كلما ظهرت صحوة إسلمية في بلد ما‬
‫لماذا يتفق أصحاب الشعارات والمبادئ المتناقضة لماذا يتفقون هؤلء على‬
‫عدائهم للسلم وأهله لماذا تثار الشبهات حول السلم ومبادئه ومناهجه‬
‫وعقائده وأحكامه لماذا تثار الحملت الشعواء التي تشنها صحافة الغرب‬
‫والشرق على السلم وأهله لماذا تغزى بلد السلم بوسائل الشهوات‬
‫والمخدرات ووسائل الخلعة والمجون المحطمة لقوى الشباب المستنزفة‬
‫لطاقاتهم وأفكارهم وعقولهم الجابة واحدة إنهم يخافون السلم إنهم‬
‫يخافون من رجعة قوية للسلم والمسلمين إنهم يخافون من وحدة‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين لقد درس أعداؤنا من الكافرين وأذنابهم السلم وعقيدته فعرفوا‬


‫أنه يربي الرجال والنساء على تقديم كل غال ونفيس في سبيل الله حتى ولو‬
‫كان المقدم هو الروح فهي رخيصة من أجل السلم وفي ذات الله علموا‬
‫هذه الحقيقة رأوها في الواقع في ساحات الجهاد فلذلك خافوا وهلعوا‬
‫وأصابهم الرعب الشديد من السلم ولتعلم حقيقة هذا الرعب وهذا الفزع‬
‫الذي أصابهم اسمع لبعض أقوالهم فالحق ما شهدت به العداء كما يقال‬
‫وإني أسوق إليك نذرا يسيرا قليل مما قالوه عن السلم والصور والمقالت‬
‫التي تبرهن على خوفهم ورعبهم الشديد من هذا الدين هذا قول لـ]مور‬
‫بيجر[ في كتابه العالم العربي المعاصر يقول إن الخوف من العرب واهتمامنا‬
‫بالمة العربية ليس ناتج عن وجود البترول بغزارة عند العرب بل بسبب‬
‫السلم يجب محاربة السلم للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى‬
‫قوتهم لن قوة العرب تتصاعد دائما مع قوة السلم وعزته وانتشاره ‪.‬ونحن‬
‫نسمع مثل هذه المقالة نقول أين شبابنا ليعلموا أن تمزيق وحدة الصف‬
‫المسلم وبث الفرقة والنزاع وتقسيم المسلمين إلى جماعات وأحزاب إنما‬
‫هو هدف خلفه من خلفه أل فليتق الله أل فليتق الله ذلك المسلم الذي يكون‬
‫وسيلة لتنفيذ مخططات العداء قد يكون وسيلة لتنفيذ مخططاتهم وهو ل‬
‫يشعر باسم الغيرة على الدين باسم تأصيل العقيدة فافهم العقيدة جيدا‬
‫وطبقها على الواقع كما يريد الله عز وجل ذلك فإنها صالحة لكل زمان‬
‫ومكان وإياك أن تكون وسيلة في أيدي أعداء الدين لبث الفرقة والنزاع‬
‫وتمزيق صف وحدة المسلمين وها هو ]فيلب ونداسي[ يصرح في كتابه‬
‫المسمى الستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء يقول إن من الضروري‬
‫لفرنسا أن تقاوم السلم في هذا العالم وأن تنتهج سياسة عدائية للسلم‬
‫وأن تحاول على القل إيقاف انتشاره ويقول المستشرق الفرنسي ]كيرون[‬
‫في كتابه باثولوجيا السلم يقول وأعتقد أن من الواجب إبادة خمس‬
‫المسلمين والحكم على الباقين بالشغال الشاقة وتدمير الكعبة ووضع محمدا‬
‫وجثته في متحف اللوفر ويقول ]البرمارشادور[ يقول إن هذا المسلم الذي‬
‫نام نوما عميقا مئات السنين قد استيقظ وأخذ ينادي ها أنا ذا لم أمت إنني‬
‫أعود إلى لحياة ل لكون أداة طيعة أو ثقل من البشر تسيره العواصم الكبرى‬
‫ويقول أيضا معقبا هو نفسه يقول ومن يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه‬
‫بلد الفرنج مهددة بالمسلمين فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية‬
‫في الوقت المناسب ثم يقول لست أدعي النبوءة ولكن المارات الدالة على‬
‫هذه الحتمالت كثيرة ول تقوى كثيرة ل تقوى الذرة ول الصواريخ على وقف‬
‫تيارها انتهى كلمه هنا ثم تعال واسمع إلى تلك الرسالة السرية التي أرسلها‬
‫رئيس الوزراء البريطاني ]جون ميجور[ حين أرسلها إلى الوزير البريطاني‬
‫للشئون الخارجية يخبره بأنهم لن يوافقوا أبدا على تزويد مسلمي البوسنة‬
‫والهرسك بالسلح أو تدريبهم عليهم مهما كانت الظروف وهذه الرسالة‬
‫نشرتها مجلة الرابطة عدد محرم وصفر وربيع الول من عام أربعة عشر بعد‬
‫الربع مائة واللف من السنة الماضية والرسالة نشرتها المجلة باللغتين‬
‫العربية والنجليزية وإليك النص الصلي واعذرني أن ل أقرأ عليك النص كامل‬
‫لطول الرسالة وأقرأ عليك مقاطع من هذه الرسالة يقول في بداية الرسالة‬
‫مكتب رئيس وزراء ثم يقول السيد دوبلس هوف مكتب الشئون الخارجية‬
‫والمملكة المتحدة لندن وتاريخ الرسالة ألف وأربعمائة وإحدى عشر يقول‬
‫السيد دوبلس المحترم أشكرك على التقرير المفصل حول الوضاع الماضية‬
‫والحالية في جمهورية البوسنة والهرسك التي كانت جزءا من دولة يوغسلفيا‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السابقة ثم يقول كما تعرف جيدا من خلل الحاديث السابقة في المكتب‬


‫والمناسبات الخرى فإن حكومة جللة الملكة لن تغير موقفها تجاه حل‬
‫القضايا السياسية التالية ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ – 1‬يقول ل نوافق الن كما أنا لن نوافق في المستقبل على تزويد مسلمي‬
‫البوسنة والهرسك بالسلح أو تدريبهم على استخدامه إننا سنواصل دعمنا‬
‫الحازم لبقاء الحذر بالسلح المفروض من قبل المم المتحدة على دول هذه‬
‫المنطقة رغم معلوماتنا الموثقة الواردة عن دعم دول اليونان وروسيا‬
‫وبلغاريا للجيش الصربي وقيامها بتدريبه والمعلومات أيضا عن قيام ألمانيا‬
‫والنمسا وسلوفينيا وحتى الفاتيكان بالدور المماثل لدعم كرواتيا والقوات‬
‫الكرواتية في البوسنة والهرسك ومن المهم جدا أن أننا نعلم يقينا أن جميع‬
‫الجهود المماثلة المبذولة من قبل الدول والمنظمات السلمية لدعم‬
‫المسلمين قد باءت بالفشل التام ثم يقول إنه يتعين علينا اتباع هذه السياسة‬
‫حتى لحظة الوصول إلى الهدف النهائي ما هو الهدف وهو تقسيم جمهورية‬
‫البوسنة والهرسك ومنع قيام الدولة السلمية في أوربا وهو المر الذي ل‬
‫يمكن أن نسمح به أبدا وإنه من غير المسموح أن نرتكب في البوسنة‬
‫والهرسك أو في أي مكان في العالم الخطأ الذي ارتكبناه بتسليح وتدريب‬
‫المقاتلين الفغانيين أثناء قتالهم مع التحاد السوفيتي وأترك كثيرا من كلمه‬
‫في الرسالة إلى أن يقول ثانيا من نقاط الرسالة يجب أن نؤكد ضرورة إخفاء‬
‫حقيقة التحركات السياسية الغربية وبأي ثمن عن كل الدول التي يمكن أن‬
‫نسميها بالسلمية وبالذات عن تركيا فيما يتعلق بهذه المنطقة إلى أن تهدأ‬
‫المور في يوغسلفيا السابقة ومن أجل هذا السبب نفسه يتعين علينا‬
‫الستمرار في الخدعة التي سميناها بوايس أوين لحلل السلم بهدف عرقلة‬
‫كل التحركات إلى أن نقضي على دولة البوسنة والهرسك ويتم تهجير‬
‫المسلمين منها إلى مختلف دول العالم ثم يقول قد يظهر للبعض أن هذه‬
‫السياسة قاسية إل أنه من واجبي أن أطالب بها كل العاملين في مكتب‬
‫الخارجية لشئون المجموعة الوربية الذين لهم صلة مباشرة بصنع القرارات‬
‫السياسية والعاملين في الجهزة العسكرية ولكني متأكد أن هذه السياسة‬
‫في حقيقة المر السياسة الوحيدة الناجحة من أجل المصلحة العليا وهي‬
‫مستقبل المن الوربي إلى آخر رسالته وهذه صورة من الرسالة باللغة‬
‫النجليزية ‪.‬‬
‫البشارة الرابعة من البشائر واقع الحضارة المادية الغربية اليلة للنهيار ومن‬
‫هذا انهيار الشيوعية فإن انهيار المذهب الشيوعي في ذاته ل بد أن يوضع من‬
‫المبشرات فقد كانت الشيوعية فتنة لكثير من الشباب في العالم العربي‬
‫ومن كان يصدق أن تنهار المبراطورية الروسية ثم ها هي تلتمس العطيات‬
‫والمساعدات من بقية الدول الخرى فأين من يعقل ويتدبر روسيا القوة‬
‫الثانية في العالم التي كانت تنافس الرأسمالية أصبحت اليوم تتلمس‬
‫المساعدات والعطيات وأما الرأسمالية التي تمثلها اليوم أمريكا فإن واقع‬
‫المجتمع المريكي في كل مجالته الدينية والسياسية والثقافية والقتصادية‬
‫والعلمية والتعليمية والجتماعية وغيرها واقع مفزع مخيف بالنسبة لهم ليس‬
‫أنا من يقول هذا الكلم ولكي اختصر عليك الوقت وأوثق المعلومات لك‬
‫فإني أطالبك بالرجوع إلى كتاب بعنوان يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ارجع لهذا الكتاب وانظر الرقام والحصاءات هذا الكتاب تأليف ]جيمس‬
‫باترسون[ و]باتر كام[ وترجمه للعربية الدكتور ]محمد بن سعود البشر[ صدر‬
‫الكتاب بالنجليزية عام واحد وتسعين وتسعمائة وألف ميلدي يقع في مائتين‬
‫وسبعين صفحة من القطع المتوسط وهذا الكتاب هو دراسة قامت على‬
‫إحصاءات واستبانه وأرقام من واقع المجتمع المريكي ونتائج هذا الكتاب‬
‫نتائج مفزعة مخيفة بالنسبة للمريكيين اسمعوا ماذا يقول المريكيون‬
‫أنفسهم عن هذا الكتاب يقول ]إلكس هلي[ مؤلف كتاب عن هذا الكتاب‬
‫كتاب يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة يقول ‪ :‬كتاب مفزع عندما أنهيت‬
‫قراءته لم أعرف ماذا أفعل هل أصدع بالحقائق أي التي فيه أم أركض للتلل‬
‫وأختبئ إنه يعرض لنا حقائق عن أنفسنا لم نشاهدها في أية دراسة أو في أية‬
‫استطلعات أو في استطلعات الرأي ول حتى في الحاديث الشخصية وتقول‬
‫صحيفة نيويورك ديلي نيوز عن الكتاب كلمة واحدة قالت عن الكتاب نتائج‬
‫مفزعة وأيضا يقول ]سيدني جينز[ نائب الرئيس التنفيذي لشركة كولومبيا‬
‫للنتاج السينمائي يقول كتاب باتر سون وكيم أي المؤلفان يقول قد يكون‬
‫نقطة اللتقاء حتى تجنب الوليات المتحدة نفسها من كارثة محققة الحقائق‬
‫المفزعة التي يقدمانها في هذا الكتاب الن وإل فل جدوى ‪.‬هذا ما قالوه عن‬
‫هذا الكتاب الذي يعلن عن التصدع الكبير في بنية مجتمعهم وانظر إن شئت‬
‫كتاب آخر بعنوان السقوط من الداخل ترجمات ودراسات في المجتمع‬
‫المريكي للدكتور محمد بن سعود البشر أيضا وهو عبارة عن مناقشات‬
‫للقضايا والمشكلت الراهنة التي يعاني منها المجتمع المريكي في جميع‬
‫النواحي ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫أقول إن الحضارة المادية الغربية تتهالك اليوم وتسقط سقطت الشيوعية‬


‫والنذر قادمة لسقوط الرأسمالية ‪،‬العالم اليوم بجميع أحواله أيها الحبة يشكو‬
‫من إفلس النظمة السرية ويتجرع ويلت ومرارة هذه النظم التي دمرت‬
‫حياتهم فما أكثر النتحارات وما أكثر اللجوء للخمر والضياع والفساد‬
‫والشهوات في تلك المجتمعات وطغت هذه النظم على كل جوانب الخير عند‬
‫ذلك النسان وها هو ذلك النسان يتطلع اليوم إلى المنقذ الذي يخلصه من‬
‫ذلك وليس المنقذ أبدا إل السلم هو الذي يتوافق مع الفطرة وهو الذي‬
‫يحقق للناس مصالحهم في الدنيا والخرة ويكفي النظمة البشرية قصورا‬
‫وفشل أنها من صنع البشر يكفيها قصورا وفشل أنها من صنع البشر وأن دين‬
‫السلم من صنع خالق البشر سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ومن البشائر وهي البشارة السادسة واقع المة البشرية هذا الواقع الذي‬
‫بدأت تصحو على نداءات المخلصين إن ما نشاهده الن في أنحاء العالم‬
‫السلمي من صحوة مباركة ومن رجوع صادق إلى دين الله يزداد ولله الحمد‬
‫والمنة يوما بعد يوم مما يدل دللة صادقة على إقبال هذه الشعوب عن بكرة‬
‫أبيها على اللتزام بحقيقة دينها والنهوض بأمتها ناهيك عن إقبال غير‬
‫المسلمين على الدخول في دين الله عز وجل أقرءوا الصحف اقرءوا‬
‫المجلت انظروا في اليوم الواحد كم يسلم من المشركين والكفار كم أعداد‬
‫أولئك الذين يدخلون السلم سواء من الرجال أو النساء هذا ما يذكر في‬
‫الصحف والمجلت وما لم يذكر فهو أكثر فأقول هذا كله رغم قلة المكانات‬
‫وقلة الجهود المبذولة للدعوة فكيف لو تحرك المسلمون كيف لو تحرك‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصادقون كيف لو تألفت القلوب وعرفت الهدف الذي من أجله تعيش‬


‫فتحركوا للدعوة إلى الله عز وجل كيف لو عاشرنا أولئك العمالة من الكفار‬
‫والمشركين الذين يعيشون معنا في تجاراتنا ومؤسساتنا كيف لو عاشرناهم‬
‫بخلق حسن وكيف لو دللناهم على دين الله عز وجل بحق كيف لو وجهنا هذه‬
‫المة كيف لو نصحنا وأمرنا بمعروف ونهينا عن منكر بكلمة طيبة لينة لوجدنا‬
‫أثر ذلك أيها الحبة هذه النتائج رغم قلة العاملين فالله الله أن تكون ممن‬
‫سلك نصرة هذا الدين فإن الدين منصور بك أو بغيرك أيها الحبيب ‪.‬‬
‫ومن البشائر أيضا وهي بشارة سابعة وأخيرة التاريخ الذي برهن على‬
‫انتصارات المم المغلوبة برهن على انتصارات المم المغلوبة على أعداءها‬
‫ونحن لسنا أمة مقطوعة إن لنا تاريخا نستلهم منه الدروس والعبر وما أكثر‬
‫تلك اللحظات الحرجة وأوقات الفتن والمحن التي مرت بالمة السلمية‬
‫فقط ما عليك أل أن تقلب صفحات التاريخ لتقف على تلك اللحظات ففي‬
‫التاريخ عجائب المور وفيه تقلبات الزمن وتصاريف القدر وفيه سنة الصراع‬
‫بين اليمان والجاهلية اقرأ التاريخ لتربط هذه الحداث اليوم بتاريخنا العريق‬
‫يوم أن يبين لنا الدروس والعبر فيه ما يصيب الدعاة من المحن والبلء‬
‫وعاقبة الصبر على الطريق تعالى أيها المسلم لقلب وإياك صفحات ثلث‬
‫فقط صفحات ثلث من تاريخنا كانت هذه الصفحات لحظات رهيبة وحرجة‬
‫عصيبة على المسلمين فكيف تعامل معها المسلمون وكيف نجى الله سبحانه‬
‫وتعالى الصادقين ولماذا ينتصر أعداء الدين على المسلمين ويحصل لهم‬
‫التمكين في بعض الحايين ‪.‬‬
‫الصفحة الولى إنها تلك اللحظات الحرجة التي عاشها الرسول صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم وأصحابه في غزوة الحزاب ذلك الرعب الذي روع أهل‬
‫المدينة وأفزعهم خلصة حال المسلمين في هذه اللحظات أعددها لكم في‬
‫النقاط التالية ‪:‬‬
‫تجمع الحزاب من كل مكان قريش غطفان بنو أسد بنو سليم بنو مرة قبيلة‬
‫أشجع فزارة ومن اليهود أيضا بنو قريظة وبنو النضير تجمعت هذه العداد‬
‫وضرب حصار محكم منها على المدينة وهذا يذكرنا بتجمع أعداء الدين اليوم‬
‫كلهم على هذا الدين وعلى المة السلمية ‪.‬‬
‫ثانيا غدر اليهود وخيانتهم ونقضهم للعهد في المدينة وهذا هو ديدنهم الذي‬
‫أخبر الله عز وجل عنهم في الكتاب وستظل هذه الصفات إلى يوم القيامة‬
‫لنها إخبار من الله عز وجل في القرآن وإخبارات منه صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم في السنة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬مكائد المنافقين وتسللهم لواذا متعللين بالكاذيب وتثبيطهم للنفوس‬
‫وبثهم للرعب والفزع في القلوب المريضة وقد قال منافق منهم‬
‫ويدعى] معاتب بن قشير[ قال في هذه اللحظات قال كان محمد يعدنا أن‬
‫نأخذ كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم ل يأمن على نفسه أن يذهب إلى‬
‫الغائط كلمات تثبيط وتخذيل كما يفعله كثير اليوم من المنافقين ‪.‬‬
‫رابعا الجوع المقعد وفقدان الزاد حتى ربط النبي صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫على بطنه حجرا من شدة الجوع وكما جاء في حديث أنس رضي الله تعالى‬
‫عنه عند البخاري قال يؤتون بملء كف من الشعير فيصنع لهم في إهالة‬
‫والهالة هي ودق تحلب من دسم اللحم وشحمه سنخة أي متغيرة فاسدة‬
‫الطعم توضع بين يدي القوم والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح‬
‫منتنة ثم قال في الحديث وقد لبثنا ثلثة أيام ل نذوق ذواقا ول نطعم شيئا ول‬
‫نقدر عليه ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫نقطة خامسة من وصف حال المسلمين في تلك اللحظات حفر الخندق‬


‫والحوال الجوية فالبرد شديد ونقلهم التراب على أكتافهم وظهورهم كما في‬
‫حديث البراء عند البخاري قال "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينقل‬
‫التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه "أو كما في رواية أغبر بطنه وفي لفظ‬
‫حتى وارى عنه التراب جلدة بطنه صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫سادسا الخوف على النساء والعجزة والطفال وهم من وراء المجاهدين في‬
‫أطم المدينة والسعي لحمايتهم بعد غدر اليهود من وراءهم ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫سابعا ‪ :‬قلة المسلمين وقلة السلح والعتاد أمام تجمع الحزاب وقوتهم‬
‫وكثرة عتادهم كل هذه الظروف تجمعت على المسلمين في تلك اللحظات‬
‫في تلك الساعات الحرجة العصيبة وتعال واسمع لوصف الحق عز وجل‬
‫اسمع لوصف الله سبحانه وتعالى وهو يصف حال المسلمين في هذه‬
‫َ‬
‫ف َ‬
‫ل‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من فَوْقِك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫جا ُ‬ ‫اللحظات الحرجة يقول سبحانه وتعالى )إ ِذ ْ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫صاُر وَب َل َغَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ِباللهِ الظُنوَنا هَُنال ِ َ‬
‫ك‬ ‫جَر وَت َظّنو َ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫ت اْلب ْ َ‬ ‫م وَإ ِذ ْ َزاغَ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫دا ( هذا وصف الله سبحانه وتعالى‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ن وَُزلزِلوا زِلَزال َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال ُ‬ ‫اب ْت ُل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫صاُر وَب َلغَ ِ‬ ‫ت الب ْ َ‬ ‫م وَإ ِذ ْ َزاغَ ْ‬ ‫منك ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫م وَ ِ‬ ‫من فَوْقِك ْ‬ ‫ؤوكم ّ‬ ‫جا ُ‬ ‫للموقف )إ ِذ ْ َ‬
‫ن وَُزل ْزُِلوا زِل َْزالً‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال ُ‬ ‫َ‬
‫ن ِباللهِ الظُنوَنا هَُنال ِك اب ْت ُل ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫جَر وَت َظّنو َ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن ِفي قُُلوب ِِهم‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫دا ( ثم يقول سبحانه وتعالى )وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل غُروًرا ( )وَإ ِذ ْ َقالت طائ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ب‬‫ل ي َث ْرِ َ‬ ‫م َيا أهْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ّ‬
‫جُعوا ( انظر التثبيط والتخذيل وقد يقع في ذلك كثير من‬ ‫م فاْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م لك ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫َل ُ‬
‫َ‬
‫م ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬‫ب َل ُ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬ ‫م َيا أهْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ضعاف المسلمين اليوم )وَإ ِذ ْ َقاَلت ّ‬
‫ْ‬
‫ي ب ِعَوَْرةٍ ِإن‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ي يَ ُ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ريقٌ ّ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫جُعوا وَي َ ْ‬ ‫َفاْر ِ‬
‫ن إ ِّل فَِراًرا ( إنها صورة الهول الذي روع المدينة والكرب الذي يشن لها‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫الذي لم ينج منه أحد من أهلها وقد أطبق عليها المشركون من قريش‬
‫وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب من أعلها ومن أسفلها قال‬
‫]محمد بن مسلمة[ وغيره كان ليلنا بالخندق نهارا وكان المشركون يتناوبون‬
‫بينهم فيغدو ]أبو سفيان بن حرب [في أصحابه يوما ويغدو ]خالد بن الوليد[‬
‫يوم كان مشركا يوما ويغدو ]عمرو بن العاص[ يوم كان مشركا يوما ويغدو‬
‫]هبيرة بن أبي وهب[ يوما ويغدو ]عكرمة بن أبي جهل[ يوما ويغدو ]ضرار بن‬
‫الخطاب[ يوما حتى عظم البلء وخاف الناس خوفا شديدا تقول ]أم سلمة[‬
‫رضي الله تعالى عنها شهدت أي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهدت‬
‫معه مشاهد فيها قتال وخوف >المريسيع< و>خيبر< وكنا >بالحديبية<‬
‫وفي >الفتح< و>حنين< ولم يكن من ذلك أتعب لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم ول أخوف عندنا من >الخندق< وذلك أن المسلمين كانوا‬
‫في مثل الحرجة وأن قريظة ل نأمنها على الذراري فالمدينة تحرس حتى‬
‫الصباح نسمع فيها تكبير المسلمين حتى يصبحوا خوفا حتى ردهم الله‬
‫بغيظهم لم ينالوا خيرا كيف تعامل المسلمون مع هذه اللحظات الحرجة ومع‬
‫هذا الموقف وكيف كان حالهم في وقت الفتن والشدة ماذا فعلوا في هذه‬
‫الساعات العصيبة لم يترددوا لحظة في نصرة الله عز وجل ول في نصرة‬
‫دينه بل كانت هذه الشدائد وهذه الفتن وهذه المحن مادة للطمأنينة والثقة‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والستبشار واليقين لقد كانوا رضوان الله تعالى عليهم ناسا من البشر‬
‫يجزعون ويضعفون ويضيقون بالشدة لكنهم كانوا مرتبطين بالعروة الوثقى‬
‫التي تشدهم إلى الله عز وجل وتمنعهم من السقوط وتجدد فيهم المل‬
‫وتحرسهم من اليأس والقنوط ولذلك اسمع لموقفهم كما يصفه الله تعالى‬
‫اسمع لموقف المؤمنين الصادقين في الفتن ومواقف الشدة يوم أن تمسكوا‬
‫بالعروة الوثقى يوم أن تمسكوا بل إله إل الله فعرفوا أنه ل قادر على شيء‬
‫في هذا الكون إل الله وبعد إذن الله سبحانه وتعالى يقول سبحانه وتعالى‬
‫َ‬
‫صد َقَ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ذا َ‬‫ب َقاُلوا هَ َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما َرأى ال ْ ُ‬ ‫)وَل َ ّ‬
‫ما ( في الفتنة والشدة ما في تراجع بل‬ ‫سِلي ً‬‫ماًنا وَت َ ْ‬‫م إ ِّل ِإي َ‬ ‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫هذه دلئل وهذه بشائر ومبشرات على أن هذه نصرة للسلم ولذلك )وَل ّ‬
‫َ‬
‫ه ( لما رأوا الحزاب‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب َقاُلوا هَ َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫َرأى ال ْ ُ‬
‫تجمعت عليهم من كل ناحية وتكالبت الظروف عليهم التي ذكرناها قالوا )هَ َ‬
‫ذا‬
‫ما ( هذه‬ ‫سِلي ً‬
‫ماًنا وَت َ ْ‬ ‫م إ ِّل ِإي َ‬‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬‫سول ُ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫صورة اليمان الواثق المطمئن هذه صورة مشرقة مضيئة للمؤمنين‬
‫الصادقين وهم في مواجهة المحن والشدائد ول عجب فهم تلمذة المدرسة‬
‫المحمدية ففي هذه اللحظات الحرجة وفي هذه المصائب والشدائد التي‬
‫تجمعت على المسلمين فإذا به صلى الله عليه وآله وسلم يبشرهم بسقوط‬
‫حكم كسرى وقيصر في هذه اللحظات العصيبة فإذا به صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم يقول عندما يضرب الحجر بمعوله يقول "الله أكبر أعطيت مفاتيح‬
‫الشام والله إني لبصر قصورها الحمر الساعة سبحان الله ثم يضرب الثانية‬
‫فيقول الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله لبصر قصر المدائن ثم يضرب‬
‫الثالثة فيقول الله أكبر أعطيت‬

‫)‪(9 /‬‬

‫مفاتيح اليمن والله إني لبصر أبواب صنعاء في مكاني هذه الساعة‬
‫"والحديث أخرجه أحمد والنسائي من حديث ]البراء بن عازب[ وإسناده‬
‫حسن وأصل الحديث عند البخاري في صحيحه في كتاب المغازي والعجب‬
‫من هذا أنه لما وصله صلى الله عليه وآله وسلم غدر اليهود غدر بني قريظة‬
‫ونقضهم للعهد وهي مصيبة أخرى على تلك المصائب التي تجمعت عليه‬
‫وعلى أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومع ذلك كله اسمع لليقين‬
‫قال صلى الله عليه وآله وسلم "الله أكبر ابشروا بنصر الله وعونه إني لرجو‬
‫أن أطوف بالبيت العتيق وأخذ المفتاح وليهلكن كسرى وقيصر ولتنفقن‬
‫أموالهما في سبيل الله "هذا في اللحظات التي يأتيه الخبر أن اليهود قد‬
‫غدروا قال صاحب الظلل رحمه الله وحين نرانا ضعفنا مرة أو زلزلنا مرة أو‬
‫فزعنا مرة أو ضقنا مرة بالهول والخطر والشدة والضيق فعلينا أل نيأس من‬
‫أنفسنا وأل نهلع ونحسب أنا هلكنا وأننا لم نعد نصلح لشيء عظيم أبدا ولكن‬
‫علينا في الوقت ذاته أل نقف إل جوار ضعفنا لنه من فطرتنا البشرية ونصر‬
‫عليه لنه يقع لمن هم خير منا هنالك العروة الوثقى عروة السماء وعلينا أن‬
‫نستمسك بها لننهض من الكبوة ونسترد الثقة والطمأنينة ونتخذ من الزلزال‬
‫بشيرا للنصر فنثبت ونستقر ونقوى ونطمئن ونسير في الطريق وهذا هو‬
‫التوازن الذي صاغ ذلك النموذج الفريد في صدر السلم فأقول ما أحوجنا‬
‫لمثل هذا التوازن في مثل هذا الزمن ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الصفحة الثانية ‪ :‬لما استولى الصليبيون على كثير من البلد السلمية‬


‫والمسجد القصى ما يقارب قرنا من الزمن حتى ظن الكثير من المسلمين‬
‫وغير المسلمين أنه ل أمل في انتصار المسلمين على الصليبيين وأنه ل رجاء‬
‫في رد أرض فلسطين مع المسجد القصى إلى حوزة المسلمين ول سيما‬
‫بعد أن فتكوا في النفس وذبحوا من المسلمين في اليوم الواحد فقط أكثر‬
‫من ستين ألفا حتى أن الدماء سالت أنهارا في شوارع القدس وقد بلغت حد‬
‫الركب واسمع ]لبن كثير[ يقول في البداية والنهاية لما كان ضحى يوم‬
‫الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة سنتين وتسعين وأربعمائة أخذت الفرنج‬
‫لعنهم الله بيت المقدس شرفه الله وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل وقتلوا‬
‫في وسطه أزيد من ستين ألفا من المسلمين وجاسوا خلل الديار وتبروا ما‬
‫علو تتبيرا قال ]الجوزي[ وأخذوا من حول الصخرة اثنين وأربعين قنديل من‬
‫فضة زنة كل واحد منها ثلثة آلف وستمائة درهم وأخذوا تنورا من فضة …‬
‫وثلثة وعشرين قنديل من ذهب وذهب الناس على وجوههم هاربين من‬
‫الشام إلى العراق مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة والسلطان منهم‬
‫]القاضي أبو سعد الهروي[ فلما سمع الناس في بغداد هذا المر الفظيع‬
‫هالهم ذلك وتباكوا وقد نظم أبو سعد الهروي كلما قرئ في الديوان وعلى‬
‫المنابر فارتفع بكاء الناس وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج للبلد ليحرضوا‬
‫الملوك على الجهاد وخرج ]ابن عقيل[ وغير واحد من أعيان الفقهاء فساورا‬
‫في الناس فلم يفد ذلك شيئا إذا ماتت قلوب الناس وأصابها الخوف والهلع‬
‫والعياذ بالله ماتت فلم يفد ذلك شيئا فإن لله وإنا إليه راجعون حتى إن‬
‫]إرناط[ أمير >الكرك< ولم يكن في الفرنج أشد منه عداوة للمسلمين‬
‫سطا على قافلة ذاهبة من مصر إلى الشام فأخذ أموالهم وضرب رقابهم‬
‫وهو يقول أين محمدكم دعوه ينصركم من كان يظن أن هذه البلد ستتحرر‬
‫في يوم من اليام على يد البطل ]صلح الدين[ في معركة حاسمة ويصبح‬
‫للمسلمين من الكيان والقوة والعزة والسيادة ما شرف التاريخ قال ابن كثير‬
‫في البداية والنهاية في الجزء الثاني عشر فتواجه الفريقان وتقابل الجيشان‬
‫وأسفر وجه اليمان واغبر وأقتم وأظلم وجه الكفر والطغيان ودارة دائرة‬
‫السوء على عبدة الصلبان وذلك عشية الجمعة فبات الناس على مصافهم‬
‫وأصبح صباح يوم السبت الذي كان يوما عسيرا على أهل الحد وذلك لخمس‬
‫بقين من ربيع الخر فطلعت الشمس على وجوه الفرنج واشتد الحر وقوي‬
‫بهم العطش وكان تحت أقدام خيولهم حشيشا قد صار هشيما وكان ذلك‬
‫عليهم مشئوما فأمر السلطان النفاطة أن يرموه بالنفط فرموه فتأجج أي‬
‫ذلك الحشيش نارا تحت سنابك خيولهم فاجتمع عليهم حر الشمس وحر‬
‫العطش وحر النار وحر السلح وحر رشق النبال وتبارز الشجعان ثم أمر‬
‫السلطان بالتكبير والحملة الصادقة فحملوا وكان النصر من الله عز وجل‬
‫فمنحهم الله أكتافهم فقتل منهم ثلثين ألف في ذلك اليوم وأسر ثلثون ألفا‬
‫من شجعانهم وفرسانهم وكان في جملة من أسر جميع ملوكهم سوى‬
‫قومس طرابلس فإنه انهزم في أول المعركة واستلبهم السلطان صليبهم‬
‫العظم وهو الذي يزعمون أنه صلب عليهم مصلوب وقد غلفوه بالذهب‬
‫والللئ والجواهر النفيسة ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز السلم وأهله‬
‫ودمغ الباطل وأهله حتى ذكر أن بعض الفلحين رآه بعضهم يقود نيفا وثلثين‬
‫أسيرا من الفرنج وقد ربطهم بطنب خيمة وباع بعضهم أسيرا بنعل ليلبسها‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في رجله وجرت أمور لم يسمع بمثلها إل في زمن الصحابة والتابعين فلله‬
‫الحمد دائما كثيرا طيبا مباركا …انتهى كلمه رحمه الله تعالى ‪،‬من كان يظن‬
‫أنه ستحدث هذه الحداث وستتحرر هذه البلد بعد تلك المور التي سمعتموها‬
‫من تسلط الصليبيين ومن أذاهم للمسلمين ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫صفحة ثالثة وأخيرة من صفحات التاريخ التي تبرهن على أنه مهما كان حال‬
‫بيت المسلمين إل أن العز والتمكين سيكون النصر للمؤمنين وهذه الصفحة‬
‫هي لما خرب المغول والتتار العالم السلمي من أقصاه إلى أقصاه ونهبوا‬
‫الموال وداسوا القيم وفتكوا في النفس والعراض فتكا ذريعا حتى قيل إن‬
‫جبال شامخة وأهرامات عالية أقامها ]هولكو[ من جماجم المسلمين واسمع‬
‫]لبن الثير[ وهو يروي لنا الخطب والحدث في كتابه الكامل في الجزء‬
‫التاسع يقول ثم دخلت سنة سبع عشرة وستمائة ذكر خروج التتر إلى بلد‬
‫السلم لقد بقيت عدة سنين هذا كلم ابن السير لقد بقيت عدة سنين‬
‫معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم إليه رجل‬
‫وأأخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي السلم والمسلمين ومن‬
‫الذي يهون عليه ذكر ذلك فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت‬
‫نسيا منسيا إل أني حفني جماعة من الصدقاء على تصديرها وأنا متوقف ثم‬
‫رأيت أن ترك ذلك ل يجدي نفعا فنقول هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة‬
‫العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت اليام والليالي عن مثلها عمت‬
‫الخلئق وخصت المسلمين وقال قائل إن العالم ومذ خلق الله سبحانه‬
‫وتعالى آدم إلى الن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما‬
‫يقاربها ول ما يدانيها إلى أن وصف هذا الحدث بصفات عجيبة قريبة من‬
‫أرادها يرجع إليها هناك قال وهؤلء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء‬
‫والرجال والطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الجنة كأنه يسوق لنا ما‬
‫يدور الن في بعض الدول العربية هؤلء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء‬
‫والرجال والطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الجنة فإنا لله وإنا إليه‬
‫راجعون ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطار‬
‫شرها وعم ضررها وصارت في البلد كالسحاب استدبرته الريح فإن قوما‬
‫خرجوا من أطراف الصين وبلغوا إلى >طاجاكستان< مثل >كاشر<‬
‫و>بلسعون< ثم منها إلى بلد ما وراء النهر مثل >سمرقند< و>بخارى<‬
‫وغيرهما فيملكونها ويفعلون بأهلها ما نذكره ثم تعبر طائفة منهم إلى‬
‫>خراسان< فيفرغون منهم ملكا وتخريبا وقتل ونهبا ثم يتجاوزونها إلى‬
‫>الري< و>همذان< و>لد الجبل< وما فيه من البلد إلى حد >العراق<‬
‫ثم بلد> أذربيجان< و>أرانية <ويخربونها ويقتلون أكثر أهلها ولم ينج إل‬
‫الشريد النادر كل هذا في أقل من سنة هذا ما لم يسمع بمثله إلى أن قال‬
‫أيضا ففعلوا فيها أي في بلد >الهند< و>سيجستان< و>كرمان< وغيرها‬
‫ففعلوا فيها مثل ما فعل هؤلء وأشد ما لم يطرق السماع مثله فإن‬
‫]السكندر[ الذي اتفق المؤرخون على أنه ملك الدنيا لم يملكها في هذه‬
‫السرعة إنما ملكها في نحو عشرين سنة ولم يقتل أحدا إنما رضي من الناس‬
‫بالطاعة وهؤلء قد ملكوا أكثر المعمورة في الرض وأحسنه وأكثره عمارة‬
‫وأهل وأعدل أهل الرض أخلقا وسيرة في نحو سنة شوف إذا سلط الله عز‬
‫وجل العداء والعياذ بالله في نحو سنة ولم يبت أحد من البلد التي لم‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يطرقوها إل وهو خائف يتوقعهم ويترقب وصولهم إليه ثم إنهم ل يحتاجون‬


‫إلى ميرة ومدد يأتيهم فإنهم معهم الغنام والبقر والخير وغير ذلك إلى أن‬
‫قال ولقد بلي السلم والمسلمين بمصائب لم يبتل بها أحد من المم منها ثم‬
‫قال في آخر المر فإنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫نسأل الله أن ييسر للسلم والمسلمين نصرا من عنده فإن الناصر والمعين‬
‫والذاب عن السلم معدوم )وإذا أراد الله بقوم سوءا فل مرد له وما لهم من‬
‫دونه من وال ( أقول ونحن نسمع هذا الوصف من ابن الثير رحمه الله تعالى‬
‫نتعجب ونفرغ أفواهنا اندهاشا ونحن نسمع مثل هذه الكلمات ونقول من كان‬
‫يظن أن تقوم للمسلمين قائمة بعد هذه الحداث من كان يظن أن تقوم‬
‫للمسلمين قائمة وتدول لهم دولة بعد هذه الحداث التي وصفها ابن الثير‬
‫رحمه الله تعالى كل هذه الحداث أيها الحبة والتاريخ مليء بمثل هذه‬
‫الصفحات وغيرها من مواقف الشدة والمحن التي أصابت المسلمين أقول‬
‫كل هذه بشارات وبشائر تدل على أن ما يحدث للمسلمين اليوم من ضيق‬
‫وشدة ومحن أن بعدها فرج وأن بعدها نصر لكن المهم أن ننصر نحن دين‬
‫الله أن نقوم بواجبنا كما سأبين بعد قليل ‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫أقول مفهوم خاطئ يجب أل يفهم من كان يظن أننا نقصد بالتفاؤل إذا طلبنا‬
‫التفاؤل لمجرد الفرح والطمئنان وبالتالي الركون ودنو الهمة ووهن العزائم‬
‫والنشغال في الدنيا والتغني بهذا التفاؤل ليل نهار وذكر مثل هذه البائر‬
‫وأعداء السلم يخططون ويعملون ويكيدون فهو مخطئ أو من كان يظن أننا‬
‫نقصد بذلك مجرد السرور والطمئنان المؤدي للثقة المفرطة والحماس‬
‫المؤدي بدوره إلى التهور والنفعال اللذين يؤديا إلى عاقبة غير مرضية ونتائج‬
‫محرجة إنما نقصد بالتفاؤل الثقة بنصر الله والفوز والنجاح وعدم تأثر‬
‫المسلمين جميعا بما يوضع لهم من عراقيل بل إن ذلك يزيدهم طموحا‬
‫وتفاؤل لنهم واثقون بنصر الله الثقة واليقين بنصر الله هذا هو ما نقصده‬
‫بالتفاؤل والمل في نصر الله وتأييده لجنده هو سبيل الراشدين والفائزين‬
‫بالنصر ) وإنا جندنا لهم الغالبون ( فالمؤمنون وحدهم هم المتفائلون وغيرهم‬
‫هم اليائسون فاسلك أخي المسلم فاسلك رعاك الله طريق المؤمنين‬
‫العاملين المتفائلين فالفوز حليفك إن شاء الله وتذكر قول الحق عز وجل‬
‫) هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إل إيمانا وتسليما‬
‫(‪.‬‬
‫سؤال قد يرد على الخاطر يسأله كثير من الناس اليوم في مجالسهم‬
‫ومنتدياتهم لماذا يمكن الله الكافرين من المسلمين ولماذا ينصرهم عليهم‬
‫ولماذا ينتصر أعداء الله عز وجل على المسلمين ؟ هذا السؤال قد يرد على‬
‫خاطر كثير من الناس أقول الجابة أسوقها إليك من كلم ابن القيم رحمه‬
‫الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان في الجزء الثاني صفحة ثلثة وسبعين‬
‫ومائتين عندما قال رحمه الله وانتبه إلى هذا الكلم فإنه كلم نفيس جميل‬
‫جدا الصل أن نتناقله وأن نردده على مسامعنا وعلى الناس حتى يتبين لنا‬
‫لماذا يبتلينا الله عز وجل بمثل هذه المصائب يقول الصل الثاني أن ابتلء‬
‫المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانا فيه حكم عظيمة ل‬
‫يعلمها على التفضيل إل الله عز وجل فمنها استخراج عبوديتهم لله‬
‫وانكسارهم له وافتقارهم إليه وسؤالهم نصرهم على أعدائهم ولو كانوا‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دائمين منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا ولو كانوا دائما مقهورين‬
‫مغلوبين منصور عليهم عدوهم لما قامت للدين قائمة ول كانت للحق دولة‬
‫فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرفهم بين غلبهم تارة وكونهم مغلوبين‬
‫تارة فإذا غلبوا تضرعوا إلى ربهم وأنابوا إليه وخضعوا له وانكسروا له تابوا‬
‫إليه وإذا غلبوا أقاموا دينه وشعائره وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‬
‫وجاهدوا عدوه ونصروا أولياءه ‪.‬‬
‫ومنها أي من الحكم أنهم لو كانوا دائما منصورين غالبين قاهرين لدخل معهم‬
‫من ليس قصده الدين ومتابعة الرسول فإنه إنما ينضاف إلى من له الغلبة‬
‫والعزة ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائما لم يدخل معهم أحد فاقتضت‬
‫الحكمة اللهية أن كانت لهم الدولة تارة وعليهم تارة فيتميزوا بذلك بين من‬
‫يريد الله ورسوله ومن ليس له مراد إل الدنيا والجاه إذن التمييز بين الصادق‬
‫من غيره من حكم ابتلء الله للمؤمنين تمييز الخبيث من الطيب ) ما كان‬
‫الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ( هذا هو‬
‫الصل حتى يميز الله الخبيث من الطيب كيف نكتشف أن هذا المؤمن مسلم‬
‫بحق كيف نكتشف إسلم هذا النسان إل بالبتلءات والفتن والشدائد هنا‬
‫يتضح المؤمنون الصادقون ويتضح المنافقون الذين صابوا قلوبهم بالخوف‬
‫والهلع عند الشدائد والمحن ‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ومنها أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على‬
‫السراء والضراء وفي حال العافية والبلء وفي حال إدالتهم والدالة عليهم‬
‫فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالتين عبودية بمقتضى تلك الحال ل‬
‫تحصل إل بها ول يستقيم القلب بدونها كما ل تستقيم البدان إل بالحر والبرد‬
‫والجوع والعطش والتعب والنصب وأضدادها فتلك المحن والبليا شرط في‬
‫حصول الكمال النساني والستقامة المطلوبة منه ووجود الملزوم بدون‬
‫لزمه ممتنع ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫يقول ومنها أن امتحانهم بإدالة عدوهم عليهم يمحصهم ويخلصهم ويهذبهم‬


‫كما قال تعالى في حكمة إدالة الكفار على المؤمنين يوم أحد قال ) ول تهنوا‬
‫ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم‬
‫قرح مثله وتلك اليام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين أمنوا ويتخذ منكم‬
‫شهداء ( إذن من الحكمة ويتخذ منكم شهداء والله ل يحب الظالمين(‬
‫)ويمحص الله الذين أمنوا ويمحق الكافرين ( وليمحص الله الذين أمنوا‬
‫يخلصهم من ذنوبهم من غفلتهم مما تراكم عليهم من الغفلة والذنوب فإن‬
‫في هذه البتلءات تمحيص وتخليص وتهذيب لهم من الله عز وجل وأيضا‬
‫م‬
‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫اتخاذ للشهداء منهم في مثل هذه المور ثم يقول سبحانه وتعالى َ)أ ْ‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫ن ( )وَل َ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫م وَي َعْل َ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬‫جن ّ َ‬‫خُلوا ْ ال ْ َ‬ ‫َأن ت َد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َأن ت َل ْ َ‬
‫مد ٌ‬‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ما ُ‬ ‫ن( )وَ َ‬ ‫م َتنظ ُُرو َ‬ ‫موه ُ وَأنت ُ ْ‬ ‫قوْه ُ فَ َ‬
‫قد ْ َرأي ْت ُ ُ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫من ّوْ َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫م عََلى أ َع ْ َ‬
‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬‫ل ان َ‬ ‫ت أ َوْ قُت ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل أفَِإن ّ‬
‫خل َت من قَبل ِه الرس ُ َ‬
‫ْ ِ ّ ُ‬ ‫ل قَد ْ َ ْ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫إ ِل ّ َر ُ‬
‫ضّر‬‫قب َي ْهِ فََلن ي َ ُ‬ ‫ى عَ ِ‬ ‫َ‬
‫ب عَل َ‬ ‫قل ِ ْ‬‫من َين َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ّ‬
‫زي الل ُ‬ ‫ج ِ‬‫سي َ ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫ذكر سبحانه أنواعا من الحكم التي أديل عليهم الفار بعد أن ثبتهم وقواهم‬
‫وبشرهم بأنهم العلون بما أعطوا من اليمان وسلهم بأنعم وإن مسهم‬
‫القرح في طاعته وطاعة رسوله فقد مس أعداؤه القرح في عداوته وعداوة‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسوله فقد مس القوم قرح بعداوته وعداوة رسوله أنت على حق يا أخي‬
‫الحبيب أنت على مذهب صادق أنت على عقيدة صادقة أنت على مبدأ ل إله‬
‫إل الله إن مت ففي الجنة وإن حييت فبعزة وكرامة أما أعداء الله عز وجل‬
‫فهم على أي حال خسروا الدنيا والخرة ذكر بمثل هذا حتى تقوم حتى تعمل‬
‫حتى تتحرك لنصرة هذا الدين بما تستطيع ثم يقول ابن القيم رحمه الله ثم‬
‫أخبرهم أنه سبحانه بحكمته يجعل اليام دول بين الناس فيصيب كل منه‬
‫نصيب منها كالرزاق والجال ثم أخبرهم أنه فعل ذلك ليعلم المؤمنين منهم‬
‫وهو سبحانه بكل شيء عليم قبل كونه وبعد كونه ولكن أراد أن يعلمهم‬
‫موجودين وشاهدين فيعلم إيمانهم واقعا ثم أخبر أنه يحب أن يتخذ منهم‬
‫شهداء فإن الشهادة درجة عالية عنده ومنزلة رفيعة ل تنال إل بالقتل في‬
‫سبيله فلول إدالة العدو تحصل درجة الشهادة التي هي من أحب الشياء إليه‬
‫وأنفعها للعبد ثم أخبر سبحانه أنه يريد تمحيص المؤمنين أي تخليصهم من‬
‫ذنوبهم بالتوبة والرجوع إليه واستغفاره من الذنوب التي أديل بها عليهم العدو‬
‫وأنه مع ذلك يريد أن يمحق الكافرين ببغيهم وطغيانهم وعدوانهم إذا انتصروا‬
‫ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم دخول الجنة بغير جهاد ول صبر وأن حكمته‬
‫تأبى ذلك فل يدخلونها إل بالجهاد والصبر ولو كانوا دائما منصورين غالبين لما‬
‫جاهدهم وأحد ولما ابتلوا بما يصبرون عليه من أذى أعدائهم فهذه بعض‬
‫حكمه في نصرة عدوه عليهم وإدانته في بعض الحيان انتهي كلمه رحمه‬
‫الله تعالى ‪.‬‬
‫وهذا الكلم كما ذكرت كلم يجب أن نرجع إليه وننظر فيه ونتناقله بين‬
‫المجالس ونبينه للناس حتى يعلم الناس حقيقة البتلءات التي تحصل‬
‫للمسلمين ‪.‬‬
‫أخيرا وصايا ونتائج ولكي تتم الفرحة بهذه البشائر ولكي تلحق أنت أيها الخ‬
‫الحبيب بالركب ولتنال شرف نصرة هذا الدين فإليك هذه الوصايا التي ل يتم‬
‫الموضوع إل بها ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬يتعجب بعض الناس من هيمنة الغرب ودوره القيادي فأقول ل تعجب ل‬
‫تعجب أيها الحبيب فإن من سنة الله عز وجل في خلقه أن من عمل وسعى‬
‫وبذل جهده وطاقته في تحصيل مقصد أو هدف وصل إليه ما لم تقم بعض‬
‫الموانع والسباب الحائلة دون ذلك فالمسلمون حين يستجمعون قوتهم حين‬
‫يستجمعون أسباب التوفيق والتمكين المادية والمعنوية فإنهم يصلون إلى ما‬
‫وصل إليه الغرب وأكثر أقصد في القيادة والريادة فهم مع ذلك أي‬
‫المسلمون يملكون العون من الله والتوفيق لنهم حملة دينه وحماة شريعته‬
‫إذن فالغرب وصل إلى ما وصل إليه الن بالجد والعمل والمثابرة ولو عمل‬
‫المسلمون بهذه السباب لنالوا ذلك لننا نتفوق على الغرب بالعقيدة بل إله‬
‫إل الله فإن تخلينا عن ل إله إل الله وتخلينا عن هذا الدين انخفضنا وارتقى‬
‫الغرب علينا وأصبحت القيادة والريادة كما هو حال الناس اليوم ‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ثانيا ‪ :‬متى يكون هذا النصر للسلم ‪ :‬اليوم أم غدا أم بعد سنوات هذا سؤال‬
‫ربما خطر على بعض الناس فأقول المهم أن تثق بنصرة هذا الدين وقد ل‬
‫تشهد أنت هذه النصرة ولكن اسأل نفسك هل أنت ممن صنع هذه النصرة‬
‫هل أنت ممن شارك في هذه النصرة ما هو رصيدك من العمل والدعوة‬
‫والعبادة ما هو رصيدك من البذل والتضحية والصبر في سبيل الله ومن أجل‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا الدين إن النصر ل ينزل كما ينزل المطر وإن السلم ل ينتشر كما تنتشر‬
‫أشعة الشمس حين تشرق ألم تقرأ في القرآن قول الحق عز وجل حتى إذا‬
‫استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا بعد الشدة وبعد وصول‬
‫م‬ ‫َ‬
‫س ُْ ْ‬
‫ت‬ ‫ب‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫المر منتهاه جاء الفرج وجاء النصر ألم تسمع قول الحق عز وجل )أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ما ي َأ ْت ِ ُ‬
‫ساء‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫من قَب ْل ِ ُ‬ ‫خل َوْا ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ْ ال ْ َ‬ ‫َأن ت َد ْ ُ‬
‫صُر الل ّهِ ( بلغ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّراء وَُزل ْزُِلوا ْ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب ( إذن فالمر يتطلب منا أن نبذل ما‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر اللهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫المر منتهاه )أل إ ِ ّ‬
‫نستطيع من جهود مالية وبدنية وفكرية لنشر الخير ابذل يا أخي الحبيب ما‬
‫تستطيع من أي جهد مالي أو فكري أو بدني لنشر الخير فالصور كثيرة‬
‫وأبواب الخير كثيرة جدا والدعوة في هذا المجتمع وإصلح ما نراه فيه من‬
‫خلل مهما بذل النسان من جهد فإنه قليل في ذات الله عز وجل ‪.‬‬
‫الوصية الثالثة الستمرار بالدعاء واللحاح فيه وعدم النقطاع خاصة عند‬
‫حدوث الفتن ونزول المصائب وهذا المر مطلب شرعي تركه والغفلة عنه‬
‫ُ‬ ‫سبب للعذاب اسمع لقول الحق عز وجل يوم أن قال )ول َ َ َ‬
‫مم ٍ‬ ‫سلَنآ إ َِلى أ َ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫من قَبل َ َ‬
‫سَنا‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫ن فَل ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ضّراء ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ساء َوال ّ‬ ‫م ِبال ْب َأ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ك فَأ َ‬ ‫ِْ‬ ‫ّ‬
‫ن ( نعوذ بالله‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫م الشي ْطا ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫م وََزي ّ َ‬ ‫ت قلوب ُهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫كن ق َ‬ ‫َ‬
‫عوا وَل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫تَ َ‬
‫من قسوة القلب‬
‫وصية رابعة موتانا في الجنة وموتاهم في النار فالدنيا لهم والخرة لنا حقيقة‬
‫نسيها المسلمون حتى أصبحت الدنيا لكثير من المسلمين غاية وهدفا‬
‫فأصابهم الهوان والذل وهذا هو واقع كثير من المسلمين والله يقول ) ول‬
‫تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين ( والهوان قد يكون اللتفات‬
‫إلى الدنيا وشهواتها وملذاتها‪.‬‬
‫المر الخامس والخير ل ننس ضعف كيد الكافرين مهما كان عملهم ومهما‬
‫كانت قوتهم فإن سعيهم في ضلل مهما كان هذا الكيد ومهما كان هذا الجهد‬
‫لحرب السلم والمسلمين ومهما اتبعوا من وسائل فإن الله عز وجل يقول‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫فُروا ْ ي ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫مُنوا ْ ي ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫ل الل ّهِ (‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫مُنوا ْ ي ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ( انظر المبادئ انظر العقيدة )ال ّ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫فُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫مُنوا ْ ي ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يكفي هذا فخرا ونصرا ) وال ّ ِ‬
‫شي ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قات ُِلوا ْ أوْل َِياء ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ن ك َي ْد َ ال ّ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫يُ َ‬
‫فا( ‪.‬‬ ‫ضِعي ً‬ ‫َ‬
‫الله عز وجل أيها الحبة يخبرنا أن كيد الشيطان ضعيف أن كيد الشيطان‬
‫وأولياء الشيطان كيد ضعيف لكن هذا الكيد المهم أنه كيد ما دام أنه وجد‬
‫ضعفا في المسلمين فسيكون العلى مع ضعفه ومع هوانه وحقارته ما دام‬
‫وجد من المسلمين هوانا وضعفا فإن هذا الكيد الضعيف مادام كيدا وعمل‬
‫ارتقى وأصبح عاليا على المسلمين وإل فكيد الشيطان وأولياء الشيطان كيد‬
‫ن ك َي ْد ِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ( المهم اعمل‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫موهِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫ضعيف وقال عز وجل )ذ َل ِك ُ ْ‬
‫تحرك فكر ابذل لهذا الدين ادع لله عز وجل كيفما استطعت سجل في‬
‫موازين أعمالك وفي حسناتك أعمال صالحة سجل فيها أناسا اهتدوا وصلحوا‬
‫على يديك وستجد أثر ذلك تحرك إلى الله عز وجل ابذل ما تستطيع حرك‬
‫المة معك فكر في حال المة احمل هم الدنيا وهم هذه المة ستجد بعد ذلك‬
‫نصرة الله عز وجل وستجد التوفيق من الله عز وجل لن الله عز وجل‬
‫أخبرنا أنه موهن كيد الكافرين مهما كان هذا الكيد ومهما بلغ وقال عز وجل )‬
‫قو َ‬
‫م‬‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فُروا ْ ُينفِ ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وما كيد الكافرين إل في ضلل ( وقال )إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫كو ُ َ ْ ِ ْ َ ْ َ ً ّ ُ ْ ُ َ َ ِ َ‬
‫ذي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م تَ ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫سُينفِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل ِي َ ُ‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ( هذه هي الحقيقة بعد ذلك توكل على الله عز‬ ‫ح َ‬


‫شُرو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫فُروا ْ إ َِلى َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫كَ َ‬
‫وجل بعد ذلك قم يا أيها الخ الحبيب ول يصيبك الهوان ول يصيبك الخمول ما‬
‫دمت واثقا بنصرة هذا الدين وواثقا في هذه البشائر وهذه المبشرات ‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫اللهم فاطر السماوات والرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه‬


‫اللهم إنا نسألك للسلم نصرا مؤزرا ‪ ،‬اللهم إنا نسألك للسلم نصرا مؤزرا‬
‫في كل مكان اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك اللهم انصر عبادك‬
‫المخلصين في كل مكان الله أعل مكانتهم الله احفظهم بحفظك يا حي يا‬
‫قيوم اللهم إنك خير حافظ وأنت أرحم الراحمين اللهم من أراد بالسلم‬
‫والمسلمين سوء فأشغله بنفسه اللهم أشغله بنفسه اللهم اجعل كيده كيدا‬
‫عليه اللهم اجعل كيده تدبيرا عليه اللهم من كاد للسلم بأمر سوء فكده يا‬
‫حي يا قيوم اللهم اجعل تدبيره تدبيرا عليه اللهم اجعلنا من جندك المخلصين‬
‫اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين اللهم انفع بنا اللهم انفعنا وانفع بنا‬
‫اللهم أقر أعيننا بعزة السلم والمسلمين سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ل‬
‫إله إل أنت نستغفرك ونتوب إليك نشهد أن ل إله إل أنت وصلى الله وسلم‬
‫وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫بشائر ومبشرات‬
‫يتناول الدرس المبشرات التي ترسم أشعة الفجر الجديد وتمل النفوس‬
‫المسلمة باليقين وتستشعر قرب التمكين‪ ،‬ويعرض أسباب يأس بعض الناس‬
‫ثم يكر عليها مفندا لها وذاكرا البشائر وأسباب التفاؤل من الكتاب والسنة‬
‫وواقع السنن الربانية والمم الغالبة والمغلوبة‪ ،‬ثم يذكر بعض حكم البتلء‬
‫بغلبة العداء على المسلمين ثم أخيًرا وصايا ونتائج مهمة‪.‬‬
‫إن الحمد لله؛ نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‪،‬‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ .‬من يهده الله؛ فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل؛ فل هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪،‬‬
‫أما بعد‪،،،‬‬
‫في وقت تكالبت فيه المصائب والمحن على المسلمين والجراح تنزف في‬
‫كل جزء من جسد هذه المة‪ ..‬في وقت ضاقت فيه القلوب حتى أصاب كثيرا ً‬
‫من الناس اليأس والقنوط‪ ،‬فما أن تذكر المة السلمية حتى تسمع‬
‫الزفرات‪ ،‬والهات‪ ،‬والحوقلة‪ ،‬والسترجاع‪ ،‬وكأن السباب تقطعت والمال‬
‫تدثرت‪ ..‬في هذا الوقت العصيب أزف إليكم هذه المبشرات؛ لترسم أشعة‬
‫الفجر الجديد‪ ،‬ولتمل النفوس المسلمة باليقين‪ ،‬وأزفها إليكم؛ لتشعر القلوب‬
‫الحية بالعز والتمكين‪ ،‬وليشرق بها أعداء الدين‪ ،‬وليغص بها الكافرون‬
‫والمنافقون ‪ .‬إن ميلد المة قريب‪ ،‬ولبد للميلد من مخاض‪ ،‬ول بد للمخاض‬
‫من آلم‪ .‬ومن رحم الظلم يخرج النور‪ ،‬والليل إن تشتد ظلمته فإن الفجر‬
‫لح‪:‬‬
‫أبشر فهذا الفجر لح ها نحن جئنا يا صلح‬
‫قد أدبر الليل العميل وجاء للدنيا صباح‬
‫ما دام عرقي نابض لن تعرف النفس ارتياح‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى أرى شعبي وليس له عن القصى براح‬


‫إن العالم السلمي بأسره يعيش لحظات عصيبة وساعات حرجة‪ ،‬إنه التحدي‬
‫السافر لهذه المة في عقيدتها‪ ،‬وتاريخها‪ ،‬وإسلمها‪ ،‬ومستقبلها‪ ..‬أمر مفزع‬
‫مروع ‪ .‬هذا الواقع جعل كثيرا ً من المسلمين عرضة لليأس والقنوط‪ ،‬ومن ثم‬
‫للخمول والقعود‪ ،‬وإن اليأس في قلوب هؤلء ناتج عن أسباب ‪.‬‬
‫أسباب يأس بعض الناس‪:‬‬
‫ل‪:‬ما يرونه من جهود العداء في محاربة السلم ومواجهة أهله‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫مستخدمين كل طاقاتهم من تقدم تكنولوجي‪ ،‬وكل وسيلة من وسائل‬
‫الستعمار الفكري‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بعد الناس عن دين الله وموت الحساس لدى الكثير منهم‪ :‬فهو ل يعلم‬
‫عما يجري لخوانه‪ ،‬وإن علم فكأن المر ل يعنيه‪ ،‬فالمهم نفسه وماله‪ ،‬وهذا‬
‫ب الد ّن َْيا‬ ‫ح ّ‬ ‫م‪ُ ...] :‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫هو الهوان الذي أشار إليه الحبيب َ‬
‫ت[ رواه أبوداود وأحمد ‪.‬‬ ‫موْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬‫وَك ََراهِي َ ُ‬
‫ثالثًا‪:‬يقظة العداء ومواجهتهم لي جهد يبذله المسلمون‪ :‬مما حدا بكثير من‬
‫المسلمين والمسلمات إلى الستسلم‪ ،‬والخمول‪ ،‬والتثبيط عند بذل أي جهد‪،‬‬
‫فالخوف والرعب يأكل قلوبهم ‪.‬‬
‫رابعًا‪:‬الجهل بالغاية التي خلق من أجلها النسان‪ :‬يا أيها النسان أنت خلقت‬
‫لغاية عظيمة‪ ،‬نبيلة هي‪ :‬عبادة الله عز وجل بمفهومها الحقيقي‪ ،‬الذي عرفه‬
‫أهل العلم بقولهم‪ ':‬اسم جامع لكل ما يحبه الله من القوال‪ ،‬والفعال‬
‫الظاهرة والباطنة' لكما يريدها العداء أن تكون في المسجد ‪ .‬إن العبادة‬
‫التي يريد الله بمفهومها الحقيقي ذلك المعنى العام الذي يشمل كل نواحي‬
‫الحياة ‪ .‬فاسأل نفسك‪ :‬لماذا خلقت؟ أمن أجل أن تأكل‪ ،‬وتشرب‪ ،‬وتنام‪،‬‬
‫وتقوم؟! أمن أجل الملذات والشهوات؟! هذا والله هو شأن الحيوان‪ ،‬بل إن‬
‫م ك َِثيًرا‬ ‫ْ‬ ‫ذلك النسان أضل من الحيوان‪ ،‬كما قال عز وجل‪ {:‬وَل َ َ‬
‫جهَن ّ َ‬‫قد ْ ذ ََرأَنا ل ِ َ‬
‫قهون بها ول َه َ‬
‫ن ب َِها وَل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن َل ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫ف َ ُ َ َِ َ ُ ْ‬ ‫ب َل ي َ ْ‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ِن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها أولئ ِك كالن َْعام ِ ب َ ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‪[179‬‬ ‫م الَغافِلو َ‬ ‫ل أولئ ِك هُ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫َءاَذا ٌ‬
‫} “سورة العراف” غفلوا عن الحقيقة التي من أجلها خلقوا؛ فعاشوا أضل‬
‫من النعام؛ لمجرد الملذات والشهوات‪ ..‬لمجرد البيع والشراء‪ ..‬لمجرد أن‬
‫يحيى النسان ويذهب في هذه الدنيا‪ .‬بئس الحياة إن كانت هذه هي الحياة‬
‫التي يعيشها المسلم! إنك خلقت لهدف أسمى‪ :‬لرضى الله ‪ .‬فهل أنت راض‬
‫عن نفسك؟ ماذا قدمت لله؟ ماذا قدمت لنفسك يوم أن تقدم على الله ؟‬
‫س‬
‫عندها تقول بملء فيك‪:‬ل لعبادة العباد‪ ..‬ل لعبادة الشهوات والملذات‪ ]..‬ت َعِ َ‬
‫خ َ‬ ‫م ي ُعْ َ‬ ‫خميصة إ ُ‬
‫ط‬ ‫س ِ‬‫ط َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ي وَإ ِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫ن أعْط ِ َ‬ ‫ديَنارِ وَعَب ْد ُ الد ّْرهَم ِ وَعَب ْد ُ ال ْ َ ِ َ ِ ِ ْ‬ ‫عَب ْد ُ ال ّ‬
‫ش[ رواه البخاري‪ .‬هذه هي عبادة الدنيا كما‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬
‫ك فَل ان ْت َ َ‬ ‫شي َ‬ ‫س وَإ َِذا ِ‬‫س َوان ْت َك َ َ‬ ‫ت َعِ َ‬
‫تبعها كثير من الناس ‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الجهل بطبيعة هذا الدين ‪.‬‬
‫هذه السباب الخمسة‪ ،‬وغيرها جعلت كثيرا ً من الناس يصيبه اليأس وتداخله‬
‫الشكوك لنصرة هذا الدين وتمكينه في هذه الرض‪ .‬وحتى نقطع الطريق‬
‫على هؤلء اليائسين الخائفين‪ ،‬فإني أقول بكل ثقة ويقين‪ :‬أبشروا بنصر الله‪،‬‬
‫فإن البشائر والمبشرات كثيرة ولله الحمد‪ ،‬المهم أن نتفاءل ‪.‬‬
‫البشائر وأسباب التفاؤل‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬تحريم اليأس‪ :‬فل يجوز للمسلم أن ييأس أبدًا‪ ،‬فاليأس قرين للكفر‪ ،‬قال‬
‫م‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ن َروِْح الل ّهِ إ ِّل ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َل ي َي ْئ َ ُ‬ ‫ن َروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫عز وجل‪ {:‬وََل ت َي ْئ َ ُ‬
‫ن]‪“ }[87‬سورة يوسف” فاليأس صفة للكافرين‪ .‬واليأس قرين‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن]‪“} [56‬سورة‬ ‫ضاّلو َ‬ ‫مةِ َرب ّهِ إ ِّل ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫الضلل قال تعالى‪ {:‬وَ َ‬
‫الحجر” إذًا‪ :‬نقول لليائسين المخذلين‪ :‬إن اليأس في دين الله ل يجوز‪،‬‬
‫فاحذره‪ ،‬واحذر من التيئيس‪ ،‬فإنه أول علمة للهزيمة النفسية التي أصابت‬
‫كثير من المسلمين اليوم هي اليأس والقنوط عياذا ً بالله ‪.‬‬
‫‪ -2‬بشائر الكتاب والسنة‪ :‬ولم لم يكن سوى هذه البشائر لكفى‪ ،‬فهي نصوص‬
‫ووعود ممن بيده ملكوت السماوات والرض‪ ..‬ممن بيده المر كله‪ ،‬فلماذا إذا ً‬
‫الضعف والهوان؟ ولماذا الخوف والخور؟ والله سبحانه معك مؤيدا ً وناصرا ً‬
‫لك‪:‬‬
‫َ‬
‫حقّ ل ِي ُظهَِره ُ عَلى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبالهُ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫قال عز وجل‪ {:‬هُوَ ال ِ‬
‫ن]‪“ }[33‬سورة التوبة” فإظهار دين الله أمر‬ ‫شرِكو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫تكفل به الله سبحانه ‪.‬‬
‫م‬
‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت لي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقال سبحانه‪ {:‬وَعَد َ الل ُ‬
‫ضى‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫مكن َ ّ‬ ‫ّ‬ ‫م وَلي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ن قب ْل ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِفي اْل َْر‬
‫دون َِني َل ي ُ ْ‬ ‫خوفه َ‬
‫فَر‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن]‪“ }[55‬سورة النور” فهذا هو عهد الله ‪.‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك فَأول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬
‫مك ّّناهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫زيٌز]‪[40‬ال ّ ِ‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫وقال‪ {:‬وَل َي َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِفي اْل َْر‬
‫من ْك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صَلة َ وََءات َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬
‫عاقِب َ ُ ُ‬
‫موِر]‪“ }[41‬سورة الحج” ‪.‬‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫وَل ِل ّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م]‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال سبحانه‪َ {:‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫‪“ }[7‬سورة محمد”‬
‫ن]‪“ }[47‬سورة الروم” في هذه اليات‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صُر ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫قا عَلي َْنا ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقال‪{:‬وَ َ‬
‫أخبر سبحانه وتعالى أن من سنته في خلقه أن ينصر عباده المؤمنين‪ ،‬لكن‬
‫متى ؟ إذا قاموا بنصرة دينه‪ ..‬إذا قاموا بواجب الدعوة إلى الله وأمروا‬
‫بالمعروف‪ ،‬ونهوا عن المنكر‪ ،‬فقد وعد الله المؤمنين باستخلفهم في الرض‪،‬‬
‫وأن يمكن لهم دينهم‪ .‬وأي أمل للمسلم فوق وعد الله عز وجل؟! وأي رجاء‬
‫بعد ذلك للمؤمن الصادق يوم أن وعده الحق سبحانه وتعالى؟! هذه بعض‬
‫نصوص القرآن ‪ .‬ومن نصوص السنة النبوية‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن الن ّب ُوّة ُ ِفيك ُ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م‪ ] :‬ت َ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫كو ُ‬ ‫من َْهاِج الن ّب ُوّةِ فَت َ ُ‬ ‫ة عََلى ِ‬ ‫خَلفَ ٌ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ن ي َْرفَعََها ث ُ ّ‬ ‫شاَء أ ْ‬ ‫م ي َْرفَعَُها إ َِذا َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫مل ْ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضا‬ ‫عا ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ن ي َْرفَعََها ث ُ ّ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫م ي َْرفَعَُها إ َِذا َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫مل ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كا‬ ‫ُ ُ‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬
‫ْ َْ َ َ ّ‬ ‫ها‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫شا‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫ها‬
‫ُ ْ َ ََ ّ َْ ُ َ ِ‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫ُ َ‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫فَ َ‬
‫ي‬
‫م تَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ة فَت َ ُ‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫ن ي َْرفَعََها ث ُ ّ‬ ‫شاَء أ ْ‬ ‫م ي َْرفَعَُها إ َِذا َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫جب ْرِي ّ ً‬ ‫َ‬
‫ت[ رواه أحمد ‪.‬‬ ‫سك َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫من َْهاِج الن ّب ُوّةِ ث ُ ّ‬ ‫ة عَلى ِ‬ ‫َ‬ ‫خلف َ ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دين َت َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ل أيّ ال َ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫صي وَ ُ‬ ‫ن الَعا ِ‬ ‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ع َن ْد َ عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫ل‪ :‬كّنا ِ‬ ‫عن أبي قَِبي ٍ‬
‫ج‬‫خَر َ‬ ‫ل فَأ ْ‬ ‫حلقٌ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫قل ُ‬‫َ‬ ‫دو ٍ‬ ‫صن ْ ُ‬ ‫عا عَب ْد ُ اللهِ ب ِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ة؟ فَد َ َ‬ ‫مي ّ ُ‬ ‫ة أوْ ُرو ِ‬ ‫طين ِي ّ ُ‬ ‫سطن ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح أ َوًّل ال ْ ُ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫حو ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ه‪ :‬ب َي ْن َ َ‬ ‫ّ‬
‫ل عَب ْد ُ الل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ه ك َِتاًبا فَ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ح أ َوّلً‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ب إ ِذ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫دين َت َي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م أيّ ال َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬
‫َ‬
‫ن َكت ُ ُ‬
‫ة‬
‫دين َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ة؟ ف َ‬ ‫َ‬ ‫مي ّ ُ‬ ‫ة أوْ ُرو ِ‬ ‫طين ِي ّ ُ‬ ‫سطن ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ة‪ [-‬رواه أحمد والدارمي وحسنه المقدسي‬ ‫طين ِي ّ َ‬ ‫سط َن ْ ِ‬ ‫ح أوًّل‪ -‬ي َعِْني قُ ْ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ل تُ ْ‬ ‫هَِرقْ َ‬
‫وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ‪ .‬وقد تحقق الفتح الول على يد الخليفة‬
‫العثماني محمد الفاتح رحمه الله‪ ،‬وذلك عام ثلثة وخمسين وأربعمائة وألف‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للميلد أي بعد تقريبا‪ :‬ثماني مائة سنة من وعد النبي صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم‪ ،‬ونحن ننتظر الن صدق الوعد الخر سقوط روما بفضل الله ومشيئته‪،‬‬
‫وهذا وعد منه صلى الله عليه وآله وسلم لبد صائب بمشيئة الله ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ض فََرأي ْ ُ‬ ‫ه َزَوى ِلي اْلْر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وَقا َ‬
‫ُ‬
‫من َْها‪ [...‬رواه مسلم‬ ‫ما ُزوِيَ ِلي ِ‬ ‫مل ْك َُها َ‬ ‫سي َب ْل ُغُ ُ‬ ‫مِتي َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫مَغارِب ََها وَإ ِ ّ‬ ‫شارِقََها وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫وأبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫ما ب َل َغَ الل ّي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مُر َ‬ ‫ذا اْل ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م‪ ] :‬ل َي َب ْل ُغَ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وَقا َ‬
‫ذا الدين بعِز عَزيز أوَ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َوالن َّهاُر وَل ي َت ُْر ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ٍ ْ‬ ‫ّ َ ِ ّ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫مد َرٍ وَل وَب َرٍ إ ِل أد ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬ ‫ك الل ُ‬
‫فَر[ رواه أحمد ‪ .‬فهذان‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِهِ الك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫م وَذ ُل ي ُذِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه ب ِهِ ال ِ ْ‬ ‫ّ‬
‫عّزا ي ُعِّز الل ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ذ َِلي ٍ‬ ‫ب ِذ ُ ّ‬
‫الحديثان يؤكدان رجوع السلم إلى مركز الريادة‪ ،‬وموضع القيادة‪ ،‬ومقام‬
‫السيادة من شرق الدنيا إلى غربها؛ لتتحقق إرادة الله التي اقتضاها لهذه‬
‫المة السلمية منذ الزل ‪.‬‬
‫ة‬
‫ساعَ ُ‬ ‫َ‬ ‫م قا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫وع َ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل‪ ] :‬ل ت َ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ئ الي َُهودِيّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫خت َب ِ َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫قت ُلهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن الي َُهود َ في َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قات ِل ال ُ‬ ‫َ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م َيا عَب ْد َ اللهِ هَذا ي َُهودِ ّ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جُر َيا ُ‬ ‫جُر أوْ الش َ‬ ‫ح َ‬ ‫قول ال َ‬ ‫جرِ في َ ُ‬ ‫جرِ َوالش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وََراِء ال َ‬
‫جرِ ال ْي َُهوِد[ رواه البخاري ومسلم‬ ‫َ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ْ َ ِّ ُ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫ُ ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫عا‬ ‫في فَ َ َ‬ ‫ت‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫وأحمد‪ .‬وهذا الحديث يشير إلى أن اليهود سيجتمعون في مكان‪ ،‬ثم يتسلط‬
‫عليهم المسلمون‪ ،‬وهذا هو الواقع الن‪ ،‬فإن اليهود يجمعون أعوانهم وأهلهم‬
‫من كل مكان في فلسطين ‪.‬‬
‫م‪ ] :‬لَ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫أحاديث الطائفة المنصورة‪ ،‬ومنها‪َ :‬قا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ةم ُ‬
‫ي‬
‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َلهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫حقّ ل ي َ ُ‬ ‫ن عََلى ال ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ظاهِ ِ‬ ‫مِتي َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ف ٌ ِ ْ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ََزا ُ‬
‫ك[ رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه والترمذي وأحمد ‪.‬‬ ‫م كذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُر اللهِ وَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫مط َرِ َل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫مِتي َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل‪َ :‬ر ُ‬ ‫س َقا َ‬ ‫ن أن َ َ ٍ‬ ‫وع َ ْ‬
‫ه[ رواه الترمذي وأحمد‪ ،‬وحسنه الترمذي وصححه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خُر ُ‬ ‫مآ ِ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ي ُد َْرى أوّل ُ‬
‫اللباني‪.‬‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‪] :‬ب َ ّ‬ ‫م قا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وع َ ُ‬
‫شْر هَذِهِ ال ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ن كعْ ٍ‬ ‫ي بْ ِ‬ ‫ن أب َ ّ‬ ‫ْ‬
‫ه ِفي‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ي َك ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ ِللد ّن َْيا ل ْ‬ ‫مل ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫نف َ‬ ‫َ‬ ‫كي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صرِ َوالت ّ ْ‬ ‫سَناِء َوالن ّ ْ‬ ‫ِبال ّ‬
‫ب[ رواه أحمد وابنه عبد الله في زوائده وابن حبان والحاكم‬ ‫صي ٌ‬ ‫خَرةِ ن َ ِ‬ ‫اْل ِ‬
‫وقال‪ :‬صحيح السناد ووافقه الذهبي‪ .‬وقال اللباني‪ :‬إسناد عبد الله صحيح‬
‫على شرط البخاري‪.‬‬
‫فهذه النصوص كلها بشائر لنصرة السلم وتمكينه‪ ،‬أل فليثق الدعاة إلى الله‬
‫ن‬ ‫في هذه المبشرات مهما كان في الطريق من عثرات‪ {:‬أ َم حسبت َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ن]‪[142‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م وَي َعْل َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫} “سورة آل عمران” ولو لم يكن من البشائر والمبشرات سوى هذه‬
‫النصوص لكفت‪ ،‬فكيف‪ ،‬والتاريخ يشهد بذلك‪ ،‬والواقع يتفجر عن ينابيع‬
‫السلم؟!‬
‫‪ -3‬الصراع القائم الن بين الحق والباطل‪ :‬فصولت الباطل‪ ،‬وانتفاش أهله؛‬
‫دليل على قوة الحق وقدومه‪ .‬فالسلم ماض في طريقه للعزة والتمكين‬
‫فا‬
‫سواء بنا أو بغيرنا‪ ،‬فيا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة‪ :‬سجل لنفسك موق ً‬
‫يشهد لك عند الله‪ ،‬وكن ممن شارك في نصرة هذا الدين ‪.‬‬
‫‪ -4‬ذلك الخوف الرهيب والرعب الشديد من السلم‪ :‬فلماذا يتعرض السلم‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في هذه اليام لهجمات مسعورة؟ ولماذا تزداد هذه الهجمات شراسة كلما‬
‫ظهرت صحوة إسلمية في بلد ما؟ لماذا يتفق أصحاب الشعارات والمبادئ‬
‫المتناقضة على عدائهم للسلم وأهله؟ لماذا تثار الشبهات حول السلم‬
‫ومبادئه‪ ،‬ومناهجه وعقائده وأحكامه؟ لماذا تثار الحملت الشعواء التي تشنها‬
‫صحافة الغرب والشرق على السلم وأهله؟ لماذا تغذى بلد السلم بوسائل‬
‫الشهوات والمخدرات‪ ،‬ووسائل الخلعة والمجون‪ ،‬المحطمة لقوى الشباب‪،‬‬
‫المستنزفة لطاقاتهم وأفكارهم وعقولهم؟ الجابة واحدة‪ :‬إنهم يخافون‬
‫السلم‪..‬يخافون من رجعة قوية للسلم والمسلمين‪ ..‬يخافون من وحدة‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫لقد درس أعداؤنا من الكافرين وأذنابهم السلم وعقيدته؛ فعرفوا أنه يربي‬
‫الرجال والنساء على تقديم كل غال ونفيس في سبيل الله‪ ،‬حتى ولو كان‬
‫المقدم هو الروح‪ ،‬فهي رخيصة من أجل السلم وفي ذات الله ‪ ..‬علموا هذه‬
‫الحقيقة‪ ..‬رأوها في الواقع‪ :‬في ساحات الجهاد‪ ،‬فلذلك خافوا وأصابهم‬
‫الرعب الشديد من السلم ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -5‬واقع الحضارة المادية الغربية اليلة للنهيار‪ :‬ومن هذا انهيار الشيوعية فإن‬
‫انهيار المذهب الشيوعي في ذاته لبد أن يوضع من المبشرات‪ ،‬فقد كانت‬
‫الشيوعية فتنة لكثير من الشباب في العالم العربي‪ ،‬ومن كان يصدق أن‬
‫تنهار المبراطورية الروسية ثم هاهي تلتمس المساعدات من الدول ‪.‬‬
‫كل مجالته‪ :‬الدينية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬والعلمية‪،‬‬
‫والتعليمية‪ ،‬والجتماعية‪ ،‬وغيرها واقع مفزع‪ ،‬مخيف بالنسبة لهم‪ ،‬وليس نحن‬
‫الذين نقول هذا الكلم‪ ،‬ولكي أوثق المعلومات لك‪ ،‬فإني أطالبك بالرجوع‬
‫إلى كتاب بعنوان‪':‬يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة' وانظر الرقام‬
‫والحصاءات ‪ .‬وهذا الكتاب هو دراسة قامت على إحصاءات‪ ،‬واستبانة‪،‬‬
‫وأرقام من واقع المجتمع المريكي ونتائج هذا الكتاب نتائج مفزعة‪ ،‬مخيفة‬
‫بالنسبة للمريكيين‪ ،‬فماذا يقول المريكيون أنفسهم عن هذا الكتاب؟ يقول‬
‫'إلكس هلي' مؤلف كتاب آخر‪' :‬كتاب مفزع عندما أنهيت قراءته؛ لم أعرف‬
‫ماذا أفعل‪ ،‬هل أصدع بالحقائق‪ -‬أي التي فيه‪ -‬أم أركض للتلل وأختبئ؟ إنه‬
‫يعرض لنا حقائق عن أنفسنا لم نشاهدها في أية دراسة‪ ،‬أو في استطلعات‬
‫الرأي‪ ،‬ول حتى في الحاديث الشخصية'‪ .‬و قالت صحيفة 'نيويورك ديلي نيوز'‬
‫عن الكتاب كلمة واحدة‪':‬نتائج مفزعة'‪ .‬هذا بعض ما قالوه عن هذا الكتاب‬
‫الذي يعلن عن التصدع الكبير في بنية مجتمعهم‪ ،‬وانظر إن شئت كتاًبا آخر‬
‫بعنوان‪ ':‬السقوط من الداخل ترجمات ودراسات في المجتمع المريكي'‬
‫للدكتور محمد بن سعود البشر‪ .‬وهو عبارة عن مناقشات للقضايا والمشكلت‬
‫الراهنة التي يعاني منها المجتمع المريكي في جميع النواحي ‪ .‬إن الحضارة‬
‫المادية الغربية تتهالك اليوم‪ ..‬العالم اليوم بجميع أحواله يشكو من إفلس‪،‬‬
‫ويتجرع ويلت ومرارة هذه النظم التي دمرت حياتهم فما أكثر النتحارات!‬
‫وما أكثر اللجوء للخمر‪ ،‬والضياع‪ ،‬والفساد‪ ،‬والشهوات في تلك المجتمعات!‬
‫وطغت هذه النظم على كل جوانب الخير عند ذلك النسان ‪ .‬وها هو ذلك‬
‫النسان يتطلع إلى المنقذ الذي يخلصه من ذلك‪ ،‬وليس المنقذ أبدا ً إل‬
‫السلم‪ ،‬فهو الذي يتوافق مع الفطرة‪ ،‬وهو الذي يحقق للناس مصالحهم في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ويكفي النظمة البشرية قصورا ً وفشل أنها من صنع البشر‪،‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأن دين السلم من صنع خالق البشر سبحانه وتعالى ‪.‬‬


‫‪ -6‬الصحوة السلمية‪ :‬إن ما نشاهده الن في أنحاء العالم السلمي من‬
‫صحوة مباركة‪ ،‬ومن رجوع صادق إلى دين الله؛ يزداد يوما ً بعد يوم مما يدل‬
‫دللة صادقة على إقبال هذه الشعوب عن بكرة أبيها على اللتزام بحقيقة‬
‫دينها‪ ،‬والنهوض بأمتها‪ ،‬ناهيك عن إقبال غير المسلمين على الدخول في دين‬
‫الله‪ ،‬ففي اليوم الواحد يسلم من الكفار أعداد كثيرة‪ ،‬هذا كله رغم قلة‬
‫المكانات والجهود المبذولة للدعوة‪ ،‬فكيف لو تحرك المسلمون؟ كيف لو‬
‫تحرك الصادقون؟ كيف لو تآلفت القلوب وعرفت الهدف الذي من أجله‬
‫تعيش‪ ،‬فتحركوا للدعوة إلى الله؟ كيف لو وجهنا هذه المة‪ :‬لو نصحنا‪ ،‬وأمرنا‬
‫بمعروف‪ ،‬ونهينا عن منكر‪ ،‬بكلمة طيبة لينة؛ لوجدنا أثر ذلك ‪ .‬فالله الله أن‬
‫تكون ممن سلك نصرة هذا الدين‪ ،‬فإن الدين منصور بك‪ ،‬أو بغيرك أيها‬
‫الحبيب‪.‬‬
‫‪ -7‬التاريخ الذي برهن على انتصارات المم المغلوبة على أعدائها‪ :‬ونحن لسنا‬
‫أمة مقطوعة إن لنا تاريخا ً نستلهم منه الدروس والعبر‪ ،‬وما أكثر تلك‬
‫اللحظات الحرجة‪ ،‬وأوقات الفتن والمحن التي مرت بالمة السلمية‪ .‬وما‬
‫عليك إل أن تقلب صفحات التاريخ؛ لتقف على تلك اللحظات‪ ،‬ففي التاريخ‪:‬‬
‫عجائب المور‪ ،‬وفيه‪ :‬تقلبات الزمن وتصاريف القدر‪ ،‬وفيه‪ :‬سنة الصراع بين‬
‫اليمان والجاهلية‪ .‬وفي التاريخ لنا الدروس والعبر‪ ،‬ففيه‪ :‬ما يصيب الدعاة‬
‫من المحن والبلء‪ ،‬وعاقبة الصبر على الطريق‪ ..‬ولقلب أيها المسلم وإياك‬
‫صفحات ثلث فقط من تاريخنا‪ ،‬كانت هذه الصفحات لحظات رهيبة‪ ،‬وحرجة‬
‫عصيبة على المسلمين‪ ،‬فكيف تعامل معها المسلمون؟ وكيف نجى الله‬
‫سبحانه الصادقين؟ ولماذا ينتصر أعداء الدين على المسلمين ويحصل لهم‬
‫التمكين في بعض الحايين؟‬
‫الصفحة الولى‪:‬تلك اللحظات الحرجة التي عاشها الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأصحابه في غزوة الحزاب ذلك الرعب الذي روع أهل المدينة‬
‫وأفزعهم‪ .‬خلصة حال المسلمين في هذه اللحظات أعددها لكم في النقاط‬
‫التالية ‪:‬‬
‫تجمع الحزاب من كل مكان‪ :‬قريش‪ ،‬غطفان‪ ،‬بنو أسد‪ ،‬بنو سليم‪ ،‬بنو مرة‪،‬‬
‫قبيلة أشجع‪ ،‬فزارة‪ ،‬ومن اليهود أيضًا‪ :‬بنو قريظة‪ ،‬وبنو النضير‪ ،‬تجمعت هذه‬
‫ضرب حصار محكم منها على المدينة وهذا يذكرنا بتجمع أعداء الدين‬ ‫العداد و ُ‬
‫اليوم كلهم على هذا الدين وعلى المة السلمية ‪.‬‬
‫غدر اليهود وخيانتهم ونقضهم للعهد في المدينة‪ :‬وهذا هو ديدنهم‪ ،‬الذي أخبر‬
‫الله عنهم في كتابه‪ ،‬وستظل هذه الصفات إلى يوم القيامة؛ لنها إخبار من‬
‫الله في القرآن‪ ،‬وإخبارات منه صلى الله عليه وآله وسلم في السنة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫مكائد المنافقين وتسللهم لواذا ً متعللين بالكاذيب‪ :‬وتثبيطهم للنفوس‪ ،‬وبثهم‬


‫للرعب والفزع في القلوب المريضة‪ ،‬وقد قال منافق منهم ويدعى معتب بن‬
‫قشير في هذه اللحظات‪ :‬كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر‪،‬‬
‫وأحدنا اليوم ل يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ‪ .‬كلمات تثبيط وتخذيل‬
‫كما يفعله كثير اليوم من المنافقين ‪.‬‬
‫الجوع المقعد وفقدان الزاد‪ :‬حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه‬
‫َ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ه َقا َ‬
‫ل‪َ ] :‬‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ض َ‬
‫س َر ِ‬
‫حجرا من شدة الجوع وكما جاء في حديث أن َ ٍ‬
‫ً‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب عََلى‬ ‫قُلو َ‬ ‫َ‬


‫ن الت َّرا َ‬ ‫دين َةِ وَي َن ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫حو ْ َ‬ ‫خن ْد َقَ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صاُر ي َ ْ‬ ‫ن َواْلن ْ َ‬ ‫جُرو َ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‪:‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫مُتون ِهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫دا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قيَنا أب َ َ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫سلم ِ َ‬ ‫دا عَلى ال ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن َباي َُعوا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫م‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫جي‬ ‫ي‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ َ ُ َ ُ ِ ُُ ْ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ِّ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫وي َ‬
‫َ‬
‫جَرهْ‬ ‫مَها ِ‬ ‫صارِ َوال ْ ُ‬ ‫ك ِفي اْلن ْ َ‬ ‫خَرهْ فََبارِ ْ‬ ‫خي ُْر اْل ِ‬ ‫خي َْر إ ِّل َ‬ ‫ه َل َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫الل ّهُ ّ‬
‫ي‬
‫ن ي َد َ ْ‬ ‫ضعُ ب َي ْ َ‬ ‫خةٍ ُتو َ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫هال َةٍ َ‬ ‫م ب ِإ ِ َ‬ ‫صن َعُ ل َهُ ْ‬ ‫شِعيرِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫في ِ‬ ‫لِء ك َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ل‪ :‬ي ُؤْت َوْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن[ رواه البخاري ‪.‬‬ ‫من ْت ِ ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫ق وَلَها ِري ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حل ِ‬ ‫ة ِفي ال َ‬ ‫شعَ ٌ‬ ‫ي بَ ِ‬ ‫جَياع ٌ وَهِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫قوْم ِ َوال َ‬
‫حفر الخندق والحوال الجوية‪ :‬فالبرد شديد‪ ،‬ونقلهم التراب على أكتافهم‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ ':‬‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وظهورهم كما في حديث ال ْب ََراِء َر ِ‬
‫خندق حتى أ َغْمر بط ْن َ‬
‫ه' وفي‬ ‫ه أوْ اغْب َّر ب َط ْن ُ ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫م ال ْ َ ْ َ ِ َ ّ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ل الت َّرا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ه' رواه‬ ‫جل ْد َة َ ب َط ْن ِ ِ‬ ‫حّتى َواَرى عَّني ال ْغَُباُر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خن ْد َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ن ت َُرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫رواية‪َ ':‬رأي ْت ُ ُ‬
‫البخاري ومسلم وأحمد ‪.‬‬
‫الخوف على النساء والعجزة والطفال‪ :‬وهم من وراء المجاهدين في أطم‬
‫المدينة‪ ،‬والسعي لحمايتهم بعد غدر اليهود من ورائهم ‪.‬‬
‫قلة المسلمين وقلة السلح والعتاد أمام تجمع الحزاب وقوتهم وكثرة‬
‫عتادهم ‪.‬‬
‫كل هذه الظروف تجمعت على المسلمين في تلك اللحظات‪ ..‬في تلك‬
‫الساعات الحرجة العصيبة‪ ،‬وقد وصف الله سبحانه حال المسلمين في هذه‬
‫اللحظات الحرجة فقال‪ {:‬إذ ْ جاُءوك ُم من فَوقك ُم وم َ‬
‫ت‬‫م وَإ ِذ ْ َزاغَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ ْ ِ ْ َ ِ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫صاُر وَب َل َغَ ِ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫نا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫[‬ ‫‪10‬‬ ‫نا]‬ ‫َ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ج َ َ‬
‫و‬ ‫ر‬ ‫حَنا ِ‬ ‫اْلب ْ َ‬
‫دا]‪“ }[11‬سورة الحزاب” ثم يقول سبحانه‪{:‬‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ن وَُزل ْزُِلوا زِل َْزاًل َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ه إ ِّل‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ست َأذِ ُ‬ ‫جُعوا وَي َ ْ‬ ‫م َفاْر ِ‬ ‫م لك ْ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫بل ُ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬ ‫م َياأهْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت طائ ِ َ‬ ‫غُُروًرا]‪[12‬وَإ ِذ ْ َقال ْ‬
‫ن إ ِل فَِراًرا]‬ ‫ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ي ب ِعَوَْرةٍ إ ِ ْ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي يَ ُ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫‪“ }[13‬سورة الحزاب” انظر‪ :‬التثبيط والتخذيل‪ ،‬وقد يقع في ذلك كثير من‬
‫ضعاف المسلمين اليوم ‪ ..‬إنها صورة الهول الذي روع المدينة‪ ،‬والكرب الذي‬
‫يشن لها الذي لم ينج منه أحد من أهلها وقد أطبق عليها المشركون من كل‬
‫جانب من أعلها ومن أسفلها‪ ،‬وكان المشركون يتناوبون بينهم‪ ،‬حتى ردهم‬
‫الله بغيظهم لم ينالوا خيرًا‪ .‬كيف تعامل المسلمون مع هذه اللحظات‬
‫الحرجة‪ ..‬وقت الفتن والشدة العصيبة‪ ،‬لم يترددوا لحظة في نصرة الله عز‬
‫وجل‪ ،‬ول في نصرة دينه‪ ،‬بل كانت هذه الشدائد والفتن والمحن مادة‬
‫للطمأنينة والثقة والستبشار واليقين‪.‬‬
‫لقد كانوا رضوان الله عليهم ناسا ً من البشر‪ ،‬يجزعون‪ ،‬ويضعفون‪ ،‬ويضيقون‬
‫بالشدة‪ ،‬لكنهم كانوا مرتبطين بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله‪ ،‬وتمنعهم‬
‫من السقوط‪ ،‬وتجدد فيهم المل‪ ،‬وتحرسهم من اليأس والقنوط‪ ،‬ولذلك انظر‬
‫لموقفهم كما يصفه الله تعالى‪..‬لموقف المؤمنين الصادقين في الفتن‬
‫ومواقف الشدة يوم أن تمسكوا بالعروة الوثقى‪ ،‬يوم أن تمسكوا بل إله إل‬
‫ما َرَأى‬ ‫الله‪ ،‬فعرفوا أنه ل قادر على شيء في هذا الكون إل الله‪ {:‬وَل َ ّ‬
‫ما‬‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب َقاُلوا هَ َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ما]‪“ }[22‬سورة الحزاب” هذه صورة اليمان الواثق‬ ‫سِلي ً‬ ‫ماًنا وَت َ ْ‬ ‫م إ ِّل ِإي َ‬ ‫َزاد َهُ ْ‬
‫المطمئن‪..‬صورة مشرقة‪ ،‬مضيئة للمؤمنين الصادقين‪ ،‬وهم في مواجهة‬
‫المحن‪ ،‬والشدائد‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولعجب فهم تلمذة المدرسة المحمدية‪ ،‬ففي هذه اللحظات الحرجة‪ ،‬وفي‬
‫هذه المصائب والشدائد التي تجمعت على المسلمين‪ ،‬فإذا به صلى الله عليه‬
‫وسلم يبشرهم بسقوط حكم كسرى وقيصر في هذه اللحظات العصيبة‪ ،‬وهو‬
‫ر‬
‫ج ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ث ال ْ َ‬ ‫سَر ث ُل ُ َ‬ ‫ة فَك َ َ‬ ‫ضْرب َ ً‬ ‫ب َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ه[ فَ َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬ ‫يضرب الحجر بمعوله يقول‪ ] :‬ب ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‪ ] :‬الل ّ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫مَر ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ها ال ْ ُ‬ ‫صوَر َ‬ ‫صُر قُ ُ‬ ‫شام ِ َوالل ّهِ إ ِّني َلب ْ ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فاِتي َ‬‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ه أك ْب َُر أعْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫جرِ فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ث ال ْ َ‬ ‫سَر ث ُل ُ َ‬ ‫خَرى فَك َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ه[ وَ َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬ ‫ل‪ ] :‬ب ِ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ذا[ ث ُ ّ‬ ‫كاِني هَ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫صَر َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫دا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ح‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫طي‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫]‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫خَرى فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬‫قي ّ َ‬‫ق لع َ ب َ ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ضْرب َ ً‬ ‫ب َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ه[ وَ َ‬ ‫سم ِ الل ِ‬ ‫ل‪ ] :‬ب ِ ْ‬ ‫ذا[ ث ُ ّ‬ ‫كاِني هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫الب ْي َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صن َْعاَء‬ ‫ب َ‬ ‫وا َ‬ ‫صُر أب ْ َ‬ ‫ن َواللهِ إ ِّني لب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح الي َ َ‬ ‫فاِتي َ‬ ‫م َ‬
‫ت َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ه أك ْب َُر أعْ ِ‬ ‫ل‪] :‬الل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫جرِ فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كاِني[ رواه أحمد وإسناده حسن وأصل الحديث عند البخاري‪.‬قال‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫صاحب الظلل رحمه الله‪ ':‬وحين نرانا ضعفنا مرة‪ ،‬أو زلزلنا مرة‪ ،‬أو فزعنا‬
‫مرة‪ ،‬أو ضقنا مرة بالهول والخطر والشدة والضيق‪ ..‬فعلينا أل نيأس من‬
‫أنفسنا‪ ،‬وأل نهلع ونحسب أنا هلكنا‪ ،‬وأننا لم نعد نصلح لشيء عظيم أبدا ً !‬
‫ولكن علينا في الوقت ذاته أل نقف إلى جوار ضعفنا لنه من فطرتنا البشرية‬
‫! ونصر عليه لنه يقع لمن هم خير منا ! هنالك العروة الوثقى‪ :‬عروة السماء‪،‬‬
‫وعلينا أن نستمسك بها؛ لننهض من الكبوة‪ ،‬ونسترد الثقة والطمأنينة‪ ،‬ونتخذ‬
‫من الزلزال بشيرا ً للنصر‪ ،‬فنثبت ونستقر‪ ،‬ونقوى ونطمئن‪ ،‬ونسير في‬
‫الطريق‪ ..‬وهذا هو التوازن الذي صاغ ذلك النموذج الفريد في صدر السلم' ‪.‬‬
‫فما أحوجنا لمثل هذا التوازن في مثل هذا الزمن ‪.‬‬
‫الصفحة الثانية‪ :‬لما استولى الصليبيون على كثير من البلد السلمية‬
‫والمسجد القصى ما يقارب قرنا ً من الزمن‪ ،‬حتى ظن الكثيرون أنه ل أمل‬
‫في انتصار المسلمين على الصليبيين‪ ،‬وأنه ل رجاء في رد أرض فلسطين مع‬
‫المسجد القصى إلى حوزة المسلمين ول سيما بعد أن ذبحوا من المسلمين‬
‫في يوم واحد فقط أكثر من ستين ألفا ً حتى إن الدماء سالت أنهارا ً في‬
‫شوارع القدس ‪ .‬فمن كان يظن أن هذه البلد ستتحرر في يوم من اليام‬
‫على يد البطل صلح الدين في معركة حاسمة‪ ،‬ويصبح للمسلمين من الكيان‬
‫والقوة‪ ،‬والعزة والسيادة ما شرف التاريخ ‪..‬من كان يظن أنه ستتحرر هذه‬
‫البلد بعد تسلط الصليبيين وأذاهم للمسلمين؟!‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الصفحة الثالثة‪:‬من صفحات التاريخ التي تبرهن على أنه مهما كان حال‬
‫المسلمين إل أن العز والتمكين سيكون للمؤمنين‪ ،‬وهذه الصفحة هي لما‬
‫خرب المغول والتتار العالم السلمي من أقصاه إلى أقصاه‪ ،‬ونهبوا الموال‪،‬‬
‫وداسوا القيم‪ ،‬وفتكوا بالنفس والعراض فتكا ذريعًا‪ ،‬حتى قيل‪:‬إن جبال ً‬
‫شامخة وأهرامات عالية أقامها هولكو من جماجم المسلمين حتى إن ابن‬
‫الثير وهو يروي لنا الخطب والحدث في كتابه 'الكامل' في الجزء التاسع‬
‫يقول‪ ':‬ثم دخلت سنة سبع عشرة وستمائة‪' :‬ذكر خروج التتر إلى بلد‬
‫السلم' لقد بقيت عدة سنين‪ -‬هذا كلم ابن الثير‪ -‬معرضا ً عن ذكر هذه‬
‫الحادثة؛ استعظاما ً لها كارها ً لذكرها‪ ،‬فأنا أقدم إليه ِرجًل‪ ،‬وأؤخر أخرى‪ ،‬فمن‬
‫الذي يسهل عليه أن يكتب نعي السلم والمسلمين؟! ومن الذي يهون عليه‬
‫ذكر ذلك؟! فيا ليت أمي لم تلدني‪ ..‬ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا ً منسيا ً‬
‫‪ .‬إل أني حثني جماعة من الصدقاء على تصديرها‪ ،‬وأنا متوقف‪ ،‬ثم رأيت أن‬
‫ترك ذلك ل يجدي نفعا ً فنقول‪ :‬هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى‪..‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمصيبة الكبرى التي عقمت اليام والليالي عن مثلها‪ ..‬عمت الخلئق‬


‫وخصت المسلمين‪ ..‬ولو قال قائل‪ :‬إن العالم ومذ خلق الله سبحانه وتعالى‬
‫آدم إلى الن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا‪ ،‬فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها‬
‫ول ما يدانيها'‪ .‬إلى أن وصف هذا الحدث بصفات عجيبة قريبة من أرادها‬
‫يرجع إليها هناك ‪ .‬قال‪ ':‬وهؤلء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال‬
‫والطفال‪ ،‬وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الجنة‪ ،‬فإنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬ول‬
‫حول ول قوة إل بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطار شرها‪ ،‬وعم‬
‫ضررها‪ ،‬وصارت في البلد كالسحاب استدبرته الريح‪ '...‬ونحن نقرأ هذا‬
‫الوصف من ابن الثير رحمه الله؛ نتعجب ونقول‪ :‬من كان يظن أن تقوم‬
‫للمسلمين قائمة بعد هذه الحداث‪ ،‬وتدول لهم دولة بعد هذه الحداث التي‬
‫وصفها ابن الثير؟ والتاريخ مليء بمثل هذه الصفحات وغيرها من مواقف‬
‫الشدة والمحن التي أصابت المسلمين‪ ،‬فكل هذه بشارات وبشائر تدل على‬
‫أن ما يحدث للمسلمين اليوم من ضيق وشدة ومحن؛ بعدها فرج ونصر‪..‬‬
‫لكن المهم‪ :‬أن ننصر نحن دين الله‪ ..‬أن نقوم بواجبنا‪..‬ونحن إذا طلبنا التفاؤل‬
‫لنطلبه لمجرد الفرح والطمئنان‪ ،‬وبالتالي الركون‪ ،‬ودنو الهمة‪ ،‬ووهن‬
‫العزائم والنشغال في الدنيا‪ ،‬والتغني بهذا التفاؤل ليل نهار‪..‬وأعداء السلم‬
‫يخططون‪ ،‬ويعملون ويكيدون‪ .‬ولنقصد بذلك التفاؤل مجرد السرور‬
‫والطمئنان؛ المؤدي للثقة المفرطة‪ ،‬والحماس المؤدي بدوره إلى التهور‬
‫والنفعال اللذين يؤديا إلى عاقبة غير مرضية‪ ،‬ونتائج محرجة‪ .‬إنما نقصد‬
‫بالتفاؤل‪ ..‬الثقة بنصر الله والفوز والنجاح‪ ،‬وعدم تأثر المسلمين جميًعا بما‬
‫ل؛ لنهم واثقون‬ ‫يوضع لهم من عراقيل‪ ،‬بل إن ذلك يزيدهم طموحا ً وتفاؤ ً‬
‫بنصر الله‪.‬‬
‫الثقة واليقين بنصر الله هذا هو ما نقصده بالتفاؤل‪ ..‬والمل في نصر الله‬
‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬ ‫وتأييده لجنده هو سبيل الراشدين والفائزين بالنصر‪ {:‬وَإ ِ ّ‬
‫ن]‪“} [173‬سورة الصافات” فالمؤمنون وحدهم هم المتفائلون‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫وغيرهم هم اليائسون‪ ..‬فاسلك رعاك الله طريق المؤمنين العاملين‬
‫ما وَعَد ََنا‬‫ذا َ‬ ‫المتفائلين‪ ،‬فالفوز حليفك إن شاء الله‪ ،‬وتذكر قول الحق‪... {:‬هَ َ‬
‫ما]‪“ }[22‬سورة‬ ‫سِلي ً‬ ‫م إ ِّل ِإي َ‬
‫ماًنا وَت َ ْ‬ ‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الحزاب”‪.‬‬
‫لماذا يمكن الله الكافرين من المسلمين؟ ولماذا ينصرهم عليهم؟ ولماذا‬
‫ينتصر أعداء الله على المسلمين ؟‬
‫هذا السؤال قد يرد على خاطر كثير من الناس‪ ،‬والجابة أسوقها من كلم ابن‬
‫القيم رحمه الله في كتابه 'إغاثة اللهفان' ‪ 2/273‬وانتبه إلى هذا الكلم‪ ،‬فإنه‬
‫كلم نفيس جميل جدًا‪ ،‬الصل أن نتناقله‪ ،‬وأن نردده على مسامعنا‪ ،‬وعلى‬
‫الناس حتى يتبين لنا لماذا يبتلينا الله بمثل هذه المصائب؟ قال رحمه الله‪:‬‬
‫' الصل الثاني‪:‬أن ابتلء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم‬
‫أحياًنا؛ فيه حكم عظيمة ل يعلمها على التفصيل إل الله عز وجل‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫استخراج عبوديتهم لله‪ ،‬وانكسارهم له‪ ،‬وافتقارهم إليه‪ ،‬وسؤالهم نصرهم‬
‫على أعدائهم‪ ،‬ولو كانوا دائما ً منصورين قاهرين غالبين؛ لبطروا وأشروا ‪ .‬ولو‬
‫كانوا دائما ً مقهورين مغلوبين منصورا ً عليهم عدوهم؛ لما قامت للدين قائمة‪،‬‬
‫ول كانت للحق دولة‪ ،‬فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرفهم بين غلبهم‬
‫تارة‪ ،‬وكونهم مغلوبين تارة‪ .‬فإذا غلبوا تضرعوا إلى ربهم‪ ،‬وأنابوا إليه‪،‬‬
‫وخضعوا له‪ ،‬وانكسروا له‪ ،‬وتابوا إليه‪ .‬وإذا غلبوا أقاموا دينه وشعائره‪ ،‬وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر‪ ،‬وجاهدوا عدوه‪ ،‬ونصروا أولياءه ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ما منصورين غالبين قاهرين؛ لدخل معهم من ليس‬ ‫ومنها‪ :‬أنهم لو كانوا دائ ً‬
‫قصده الدين ومتابعة الرسول‪ ،‬فإنه إنما ينضاف إلى من له الغلبة والعزة‪ .‬ولو‬
‫كانوا مقهورين مغلوبين دائمًا؛ لم يدخل معهم أحد‪ ،‬فاقتضت الحكمة اللهية‬
‫أن كانت لهم الدولة تارة وعليهم تارة؛ فيتميزوا بذلك بين من يريد الله‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء‪،‬‬
‫وفي حال العافية والبلء‪ ،‬وفي حال إدالتهم والدالة عليهم‪ ،‬فلله سبحانه على‬
‫العباد في كلتا الحالتين عبودية بمقتضى تلك الحال ل تحصل إل بها ول‬
‫يستقيم القلب بدونها كما ل تستقيم البدان إل بالحر والبرد والجوع والعطش‬
‫والتعب والنصب وأضدادها‪ ،‬فتلك المحن والبليا شرط في حصول الكمال‬
‫النساني‪ ،‬والستقامة المطلوبة منه ووجود الملزوم بدون لزمه ممتنع ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن امتحانهم بإدالة عدوهم عليهم يمحصهم‪ ،‬ويخلصهم‪ ،‬ويهذبهم كما‬
‫قال تعالى في حكمة إدالة الكفار على المؤمنين يوم أحد‪ {:‬وََل ت َهُِنوا وََل‬
‫َ‬
‫س‬
‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن]‪[139‬إ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م اْل َعْل َوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه وَت ِل َ‬ ‫ُ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خذ َ‬ ‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِلَها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك الّيا ُ‬ ‫مث ْل ُ‬‫ح ِ‬ ‫قو ْ َ‬
‫ق‬
‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا وَي َ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ص الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن]‪[140‬وَل ِي ُ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫داَء َوالل ّ ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫دوا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ما ي َعْلم ِ الل ُ‬ ‫ة وَل ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن]‪ [141‬أ ْ‬ ‫ري َ‬‫الكافِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬‫قوْه ُ فَ َ‬ ‫ن ت َل َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫من ّوْ َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫قد ْ كن ْت ُ ْ‬ ‫ن]‪[142‬وَل َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م وَي َعْل َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫ن قَب ْل ِهِ الّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل َر ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن]‪[143‬وَ َ‬ ‫م ت َن ْظُرو َ‬ ‫موه ُ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫َرأي ْت ُ ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّر الل َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قب َي ْهِ فل ْ‬ ‫ب عَلى عَ ِ‬ ‫قل ِ ْ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قاب ِك ْ‬ ‫م عَلى أع ْ َ‬ ‫قلب ْت ُ ْ‬ ‫ل ان ْ َ‬ ‫ت أوْ قت ِ َ‬ ‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫أفَإ ِ ْ‬
‫ن]‪“} [144‬سورة آل عمران” ‪.‬ذكر سبحانه‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫َ‬
‫أنواعا من الحكم التي من أجلها أديل عليهم الكفار‪ ،‬بعد أن ثبتهم وقواهم‬ ‫ً‬
‫وبشرهم بأنهم العلون بما أعطوا من اليمان‪ ،‬وسلهم بأنهم وإن مسهم‬
‫القرح في طاعته وطاعة رسوله‪ ،‬فقد مس أعداءهم القرح في عداوته‬
‫وعداوة رسوله‪ .‬ثم أخبرهم أنه سبحانه بحكمته يجعل اليام دول بين الناس‪،‬‬
‫فيصيب كل منهم نصيبه منها كالرزاق والجال‪ ،‬ثم أخبرهم أنه فعل ذلك ليعلم‬
‫المؤمنين منهم‪ -‬وهو سبحانه بكل شيء عليم قبل كونه وبعد كونه‪ ،‬ولكن أراد‬
‫أن يعلمهم موجودين مشاهدين‪ ،‬فيعلم إيمانهم واقًعا‪ -‬ثم أخبر أنه يحب أن‬
‫يتخذ منهم شهداء‪ ،‬فإن الشهادة درجة عالية عنده‪ ،‬ومنزلة رفيعة ل تنال إل‬
‫بالقتل في سبيله‪ ،‬فلول إدالة العدو لم تحصل درجة الشهادة التي هي من‬
‫أحب الشياء إليه وأنفعها للعبد‪ .‬ثم أخبر سبحانه أنه يريد تمحيص المؤمنين‬
‫أي تخليصهم من ذنوبهم بالتوبة والرجوع إليه‪ ،‬واستغفاره من الذنوب التي‬
‫أديل بها عليهم العدو وأنه مع ذلك يريد أن يمحق الكافرين ببغيهم وطغيانهم‬
‫وعدوانهم إذا انتصروا‪.‬‬
‫ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم دخول الجنة بغير جهاد ول صبر‪ ،‬وأن حكمته‬
‫ما منصورين غالبين‬ ‫تأبى ذلك‪ ،‬فل يدخلونها إل بالجهاد والصبر‪ ،‬ولو كانوا دائ ً‬
‫لما جاهدهم أحد‪ ،‬ولما ابتلوا بما يصبرون عليه من أذى أعدائهم فهذه بعض‬
‫حكمه في نصرة عدوهم عليهم وإدالته في بعض الحيان' انتهى كلمه ‪.‬‬
‫وهذا الكلم يجب أن نرجع إليه‪ ،‬وننظر فيه‪ ،‬ونتناقله بين المجالس‪ ،‬ونبينه‬
‫للناس؛ حتى يعلم الناس حقيقة البتلءات التي تحصل للمسلمين ‪.‬‬
‫أخيًرا وصايا ونتائج‬
‫ولكي تتم الفرحة بهذه البشائر‪ ،‬ولكي تلحق أيها الحبيب بالركب‪ ،‬ولتنال‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرف نصرة هذا الدين‪ ،‬فإليك هذه الوصايا التي ل يتم الموضوع إل بها ‪:‬‬
‫ل‪ :‬يتعجب بعض الناس من هيمنة الغرب‪ ،‬ودوره القيادي! فأقول‪ :‬ل تعجب‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫فإن من سنة الله عز وجل في خلقه أن من عمل وسعى‪ ،‬وبذل جهده‬
‫وطاقته في تحصيل مقصد أو هدف؛ وصل إليه مالم تقم بعض الموانع‪،‬‬
‫والسباب الحائلة دون ذلك‪ ،‬فالمسلمون حين يستجمعون أسباب التوفيق‬
‫والتمكين المادية والمعنوية؛ فإنهم يصلون في القيادة والريادة إلى ما وصل‬
‫إليه الغرب وأكثر‪ ،‬فالمسلمون يملكون العون من الله والتوفيق؛ لنهم حملة‬
‫دينه‪ ،‬وحماة شريعته‪ .‬إذًا‪ :‬فالغرب وصل إلى ما وصل إليه الن بالجد والعمل‬
‫والمثابرة‪ ،‬ولو عمل المسلمون بهذه السباب؛ لنالوا ذلك؛ لننا نتفوق على‬
‫الغرب بالعقيدة‪ ..‬بل إله إل الله فإن تخلينا عن ل إله إل الله‪ ،‬وتخلينا عن هذا‬
‫الدين؛ انخفضنا‪ ،‬وارتقى الغرب علينا‪ ،‬وأصبحت القيادة والريادة كما هو حال‬
‫الناس اليوم ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ثانيًا‪:‬متى يكون هذا النصر للسلم ‪ :‬اليوم‪ ..‬غدًا‪..‬بعد سنوات؟ هذا سؤال ربما‬
‫خطر على بعض الناس‪ ،‬فأقول‪ :‬المهم أن تثق بنصرة هذا الدين‪ ،‬وقد ل تشهد‬
‫أنت هذه النصرة‪ ،‬ولكن اسأل نفسك‪ :‬هل أنت ممن يصنع هذه النصرة؟ هل‬
‫أنت ممن يشارك في هذه النصرة؟ ما هو رصيدك من العمل والدعوة‬
‫والعبادة؟ ما هو رصيدك من البذل والتضحية‪ ،‬والصبر في سبيل الله‪ ،‬ومن‬
‫أجل هذا الدين؟‬
‫إن النصر ل ينزل كما ينزل المطر‪ ،‬وإن السلم ل ينتشر كما تنتشر أشعة‬
‫س‬‫ست َي ْئ َ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫الشمس حين تشرق ألم تقرأ في القرآن قول الحق‪َ {:‬‬
‫َ‬
‫صُرَنا ‪“} [110]...‬سورة يوسف” بعد‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫الشدة ووصول المر منتهاه؛ جاء الفرج‪..‬وجاء النصر ألم تسمع قول الحق‪{:‬‬
‫ْ‬ ‫أ َم حسبت َ‬
‫م‬
‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫ة وَل َ ّ‬‫جن ّ َ‬‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ْ‬
‫صُر‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل َوال ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ضّراُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫ال ْب َأ َ‬
‫َ‬
‫ب]‪“ }[214‬سورة البقرة” ‪.‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫الل ّهِ } بلغ المر منتهاه‪ {:‬أَل إ ِ ّ‬
‫إذًا‪ :‬فالمر يتطلب منا أن نبذل ما نستطيع من جهود مالية وبدنية وفكرية؛‬
‫لنشر الخير‪ ..‬ابذل ما تستطيع من أي جهد‪ :‬مالي‪ ،‬أو فكري‪ ،‬أو بدني لنشر‬
‫الخير‪ ..‬فالصور وأبواب الخير كثيرة جدًا‪ ،‬والدعوة في هذا المجتمع وإصلح ما‬
‫نراه فيه من خلل مهما بذل النسان من جهد؛ فإنه قليل في ذات الله عز‬
‫وجل ‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬الستمرار بالدعاء واللحاح فيه وعدم النقطاع‪ :‬خاصة عند حدوث‬
‫ه والغفلة عنه؛ سبب‬ ‫الفتن‪ ،‬ونزول المصائب‪ ،‬وهذا المر مطلب شرعي ت َْرك ُ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت قُلوب ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫س ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫عوا وَلك ِ ْ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫للعذاب‪ ،‬قال عز وجل‪ {:‬فَل َوَْل إ ِذ ْ َ‬
‫ن]‪“} [43‬سورة النعام” ‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫وََزي ّ َ‬
‫رابعًا‪ :‬موتانا في الجنة وموتاهم في النار‪ :‬فالدنيا لهم‪ ،‬والخرة لنا‪ ..‬حقيقة‬
‫نسيها المسلمون حتى أصبحت الدنيا لكثير من المسلمين غاية وهدفًا؛‬
‫فأصابهم الهوان والذل‪ ،‬وهذا هو واقع كثير من المسلمين والله يقول‪ {:‬وََل‬
‫َ‬
‫ن]‪“ }[139‬سورة آل عمران”‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م اْل َعْل َوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫ت َهُِنوا وََل ت َ ْ‬
‫والهوان قد يكون اللتفات إلى الدنيا‪ ،‬وشهواتها‪ ،‬وملذاتها‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ل تنس ضعف كيد الكافرين‪ :‬مهما كان عملهم‪ ..‬ومهما كانت قوتهم؛‬
‫فإن سعيهم في ضلل‪ .‬مهما كان هذا الكيد‪ ..‬ومهما كان هذا الجهد لحرب‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم والمسلمين‪ ..‬ومهما اتبعوا من وسائل فإن الله عز وجل يقول‪{:‬‬


‫ل‬‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬‫فُروا ي ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬‫مُنوا ي ُ َ‬ ‫ن َءا َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فا]‪“ }[76‬سورة‬ ‫ضِعي ً‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ك َي ْد َ ال ّ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫قات ُِلوا أوْل َِياَء ال ّ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫طا ُ‬‫ال ّ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫غو ِ‬
‫النساء” إن كيد الشيطان وأولياء الشيطان كيد ضعيف‪ ،‬لكن هذا الكيد ما دام‬
‫أنه وجد ضعفا ً في المسلمين‪ ،‬فسيكون العلى مع ضعفه وهوانه‬
‫وحقارته‪..‬فاعمل‪ ..‬تحرك‪ ..‬فكر‪ ..‬ابذل لهذا الدين‪ ..‬ادع إلى الله كيفما‬
‫استطعت‪ ..‬سجل في موازين أعمالك وفي حسناتك أعماًل صالحة‪ ..‬سجل‬
‫فيها أناسا ً اهتدوا وصلحوا على يديك‪ ،‬وستجد أثر ذلك‪ ..‬ابذل ما تستطيع‪..‬‬
‫حّرك المة معك‪ ..‬فكر في حال المة‪ ..‬احمل هذه المة؛ ستجد بعد ذلك‬
‫نصرة الله عز وجل‪ ،‬وستجد التوفيق من الله؛ لن الله أخبرنا أنه موهن كيد‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ما ك َي ْد ُ ال ْ َ‬ ‫الكافرين مهما كان هذا الكيد ومهما بلغ‪ ،‬وقال عز وجل‪ {:‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫فُروا ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ل]‪“ }[25‬سورة غافر” وقال‪ {:‬إ ِ ّ‬ ‫ضَل ٍ‬‫إ ِّل ِفي َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫م ي ُغْل َُبو َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫ل الل ّهِ فَ َ‬
‫سي ُن ْفِ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬‫ل ِي َ ُ‬
‫ن]‪“ }[36‬سورة النفال” هذه هي الحقيقة‪ ..‬بعد‬ ‫شُرو َ‬‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫كَ َ‬
‫ذلك توكل على الله عز وجل‪ ..‬بعد ذلك لن يصيبك الهوان‪ ،‬ولن يصيبك‬
‫الخمول ما دمت واثقا ً بنصرة هذا الدين‪ ،‬وواثقا ً في هذه البشائر وهذه‬
‫المبشرات ‪.‬اللهم أقر أعيننا بعزة السلم والمسلمين‪ ،‬وصلى الله وسلم‬
‫وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬
‫من محاضرة‪ :‬بشائر ومبشرات للشيخ‪ /‬إبراهيم الدويش ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫بشرى إلى أصحاب القلوب الميتة !!!‬


‫مفكرة السلم ‪ :‬ما عدت أشعر به إنه بالداخل‪ ،‬هذا مؤكد‪ ،‬ولكني ما عدت‬
‫أشعر به منذ أمد‪ ,‬حقيقة ل أدري متى كان هذا أو أين أو حتى كيف؟ كل ما‬
‫يدور بداخلي الن أني ل أشعر به‪ ,‬لقد فقدته‪ ,‬كان موجوًدا بداخلي‪ ,‬شعرت‬
‫قا‪ ,‬ولكنه ما لبث أن مات‪.‬‬ ‫به ح ً‬
‫دا بحرارته‪ ،‬كنت أشعر معه بالحياة تدب في‬ ‫إني أذكره بينما كان حًيا متق ً‬
‫أوصالي‪ ،‬وكلما أقدمت جوارحي على مرضاة الله؛ امتل هذا القلب الحي‬
‫سروًرا وسعادة‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك تظلمه المعصية‪ ،‬وتسدل الستور من‬
‫حوله؛ فل تسمح للضياء بالولوج إليه‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪ :‬والقلب المريض‪ ] :‬قلب له حياة وبه علة‪ ،‬فله‬
‫مادتان تمده هذه مرة وهذه أخرى‪ ،‬وهو لما غلب عليه منهما‪ ،‬ففيه من محبة‬
‫الله تعالى واليمان به والخلص له والتوكل عليه ما هو مادة حياته‪ ،‬وفيه من‬
‫محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها‪ ،‬والحسد والكبر والعجب‬
‫وحب العلو‪ ،‬والفساد في الرض بالرياسة ما هو مادة هلكه وعطبه‪ ،‬وهو‬
‫ممتحن بين داعيين‪ :‬داع يدعوه إلى الله ورسوله والدار الخرة‪ ،‬وداع يدعوه‬
‫إلى العاجلة‪ ،‬وهو إنما يجيب أقربهما منه باًبا وأدناهما إليه جواًرا‪ ،‬فالقلب‬
‫مريض فإما إلى السلمة أدنى‪ ،‬وإما إلى العطب أدنى [‪.‬‬
‫لكنني لم أتوقف‪ ،‬لم أسترح لقلبي وهو يتأرجح بين النور والظلم‪ ،‬ل أعلم هل‬
‫نفسي تحب الظلم أم تعشق النور؟ يشعر المرء المتذبذب بين الثنين أنه‬
‫كالمجنون‪ ،‬يصل إلى أعلى مراتب الطاعات والقرب من الله؛ فيشعر بأن‬
‫المر قد انتهى وأنه ل بد له أن يستقيم‪ ،‬ولكنه ل يلبث حتى يناديه الظلم‬
‫يشده إلى دائرته‪ ،‬ويأبى أن ينفلت من إطاره فيقع في براثن المخالفة‪،‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويهوي إلى عمق المبارزة لله‪ ،‬ثم يفيق بعد أن يصعق من هول الهبوط‬
‫عا أن ينقذه من هوى‬ ‫عا إلى الله لجئا ً متضر ً‬‫وعظم البعد؛ فيهرع مسر ً‬
‫الظلمات‪.‬‬
‫وبينما صاحبنا بين هذا وذاك‪ ،‬إذ به يترك الحبل لنفسه على الغارب تجره إلى‬
‫دا‬
‫الظلمات‪ ،‬يناديه عقله‪ :‬أن قم‪ ،‬أفق قبل فوات الوان‪ ،‬لكنه لم يصرف جه ً‬
‫في النجاة‪ ،‬بل ظل يسقط ويسقط ويسقط‪....‬‬
‫فلما وصل إلى القاع؛ وصل إلى فقد الشعور بقلبه‪ ،‬أماته بيده‪ ،‬لم يعد يشعر‬
‫فيه بألم المعصية ول لذة الطاعة‪ ،‬فقد كل شعور من حوله‪ ،‬بل فقد طعم‬
‫الحياة نفسها‪.‬‬
‫لقد مات قلبي‬
‫أعلنها صرخة مدوية في جنبات المكان‪ :‬لقد مات قلبه‪ ،‬فما عاد يشعر بشيء‪،‬‬
‫ولكنه عاد يسأل نفسه هل لهذا الميت من حياة؟ هل له من عودة؟ كيف وقد‬
‫مات؟ كيف وقد قتل نفسه بيده ؟‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪ ]] :‬ضد هذا وهو القلب الميت الذي ل حياة به‪ ،‬فهو‬
‫ل يعرف ربه ول يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه‪ ،‬بل هو واقف مع شهواته‬
‫ولذاته‪ ،‬ولو كان فيها سخط ربه وغضبه‪ ،‬فهو ل يبالي إذا فاز بشهوته وحظه‬
‫ضا وسخ ً‬
‫طا‬ ‫رضى ربه أم سخط؟ فهو متعبد لغير الله؛ حًبا وخوًفا ورجاء ور ً‬
‫ل‪ ،‬إن أحب أحب لهواه‪ ،‬وإن أبغض أبغض لهواه‪ ،‬وإن أعطى‬ ‫ما وذ ً‬
‫وتعظي ً‬
‫أعطى لهواه‪ ،‬وإن منع منع لهواه‪ ،‬فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا موله‪،‬‬
‫فالهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائقه والغفلة مركبه‪ ،‬فهو بالفكر في‬
‫تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور‪ ،‬وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور‪ ،‬ينادي‬
‫إلى الله وإلى الدار الخرة من مكان بعيد‪ ،‬ول يستجيب للناصح ويتبع كل‬
‫شيطان مريد‪ ،‬الدنيا تسخطه وترضيه‪ ،‬والهوى يصمه عما سوى الباطل‬
‫ويعميه‪ ،‬فهو في الدنيا كما قيل في ليلى‪:‬‬
‫عدو لمن عادت وسلم لهلها ومن قربت ليلى أحب وأقربا‬
‫بشرى إلى أصحاب القلوب الميتة‪:‬‬
‫تعالى معي نتأمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه‪:‬‬
‫سا‪ ،‬فسأل عن أعلم أهل‬ ‫]] كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نف ً‬
‫ً‬
‫الرض فدل على راهب‪ ،‬فأتاه فقال‪ :‬إنه قتل تسعة وتسعين نفسا‪ ،‬فهل له‬
‫من توبة؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬فقتله‪ ،‬فكمل به مائة‪.‬‬
‫دل على رجل عالم‪ ،‬فقال‪ :‬إنه قتل مائة‬ ‫ثم سأل عن أعلم أهل الرض ف ُ‬
‫نفس فهل له من توبة؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى‬
‫أرض كذا وكذا‪ ،‬فإن بها أناسا ً يعبدون الله فاعبد الله معهم‪ ،‬ول ترجع إلى‬
‫أرضك فإنها أرض سوء‪.‬‬
‫فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت‪ ،‬فاختصمت فيه ملئكة الرحمة‬
‫وملئكة العذاب‪ ،‬فقالت ملئكة الرحمة‪ :‬جاء تائًبا مقبًل بقلبه إلى الله‪ ،‬وقالت‬
‫ملئكة العذاب‪ :‬إنه لم يعمل خيًرا قط‪ ،‬فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه‬
‫بينهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬قيسوا ما بين الرضين‪ ،‬فإلى أيتهما كان أدنى فهو له‪ ،‬فقاسوه‬
‫فوجدوه أدنى إلى الرض التي أراد؛ فقبضته ملئكة الرحمة‪ ،‬قال قتادة‪ :‬فقال‬
‫الحسن‪ :‬ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره [[‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫لهذا الحديث الشريف فوائد كثيرة أحصاها العلماء رحمهم الله‪ ،‬لكن ما يعنينا‬
‫منها ها هنا نقاط هي‪:‬‬
‫سا‪:‬‬
‫ً‬ ‫نف‬ ‫وتسعين‬ ‫‪-1‬لقد قتل تسعة‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ترى هل نظن أن مثل هذا ما زال صاحب قلب سليم أو مريض؟ بل إنك تلمح‬
‫في قتله للراهب ‪-‬وهو الذي جاء يسأله عن التوبة فأكمل به المائة‪ -‬إصراًرا‬
‫قا هنا‬ ‫عجيًبا‪ ،‬بل وعدم وجود أدنى شعور بالندم على الفعل‪ ،‬لكن العجيب ح ً‬
‫أنه قتل الراهب‪ ،‬ثم تنص رواية الحديث أنه خرج من عنده يسأل عن أعلم‬
‫أهل الرض‪.‬‬
‫يا للعجب‪ ،‬إنه ما زال يريد التوبة‪ ،‬إن قرار الحياء الذي اتخذه قاتل المائة‬
‫ما‪ ،‬ل يقبل التأجيل ول التأخير أو التعطيل لي سبب‬ ‫نفس كان قراًرا محسو ً‬
‫كان‪ ،‬لقد كان مصمما ً على إحياء هذا القلب بعد أن مات‪.‬‬
‫أل تعجب من كونه لم يتوقف ولو للحظات بعد قتله للراهب يقول فيها‬
‫ما لن يتوب مثلك لن‬ ‫لنفسه‪ :‬ها قد عدت ثانية‪ ،‬ها قد ارتكبت ما ترتكبه‪ ،‬دائ ً‬
‫يقبلك الله؟!!‬
‫كل‪ ،‬لم يقل لنفسه أيا ً من هذه الكلمات المحبطة المعتادة‪ ،‬بل وضع ذلك كله‬
‫جانبًا‪ ،‬وانطلق يعلم تماما ً ما الذي يريده ]التوبة[ ‪.‬‬
‫‪-2‬قبول التوبة من جميع الكبائر‪:‬‬
‫وهذه القصة أصل عظيم في الدللة على قبول التوبة من المذنب وإن‬
‫تفاحش ذنبه‪ ،‬وتعاظم إثمه مهما بلغ‪ ،‬طالما صلحت رغبته في التوبة‪.‬‬
‫وقد نطقت بذلك آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فالله‬
‫ة‬
‫م ِ‬‫ح َ‬
‫من ّر ْ‬ ‫قن َ ُ‬
‫طوا ِ‬ ‫م َل ت َ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عََلى َأن ُ‬ ‫عبادي ال ّذي َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ل َيا ِ َ ِ َ ِ َ‬ ‫تعالى يقول‪} :‬قُ ْ‬
‫م { ]‪ [53‬سورة الزمر‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَ ُ‬‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬‫ج ِ‬‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو لم تذنبوا لذهب الله بكم‪،‬‬
‫ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم [[ رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬سعة رحمة الله عز وجل وخطورة تقنيط الناس منها‪:‬‬
‫تدل القصة برواياتها المتعددة على سعة رحمة الله تعالى‪ ،‬وأنها تغلب غضبه‪،‬‬
‫قا وهداية‬ ‫وأن صدق العبد في التوجه إلى الله يمنحه‪-‬فوق قبول الله له‪ -‬توفي ً‬
‫إلى الطريق المستقيم‪ ،‬وقد صرحت الروايات المختلفة بتدخل العناية اللهية‬
‫بما يفيد سعة رحمة الله ومزيد فضله على العبد التائب‪.‬‬
‫ففي رواية البخاري وروايات أخرى في مسلم ]] فأوحى الله إلى هذه أن‬
‫تقربي‪ ،‬وأوحى إلى هذه أن تباعدي‪ ،‬وقال‪ :‬قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه‬
‫اقرب بشبر فغفر له [[‪.‬‬
‫وفي إبعاد أرض المعصية‪ ،‬وتقريب أرض التوبة ما يشعر بأن الله ل يقبل‬
‫التوبة عن عباده وفقط‪ ،‬بل يزيدهم فوق القبول من فضله‪ ،‬ويؤيد هذا ما جاء‬
‫في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ]] :‬يقول الله تعالى‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي‪ ،‬وأنا معه إذا‬
‫ذكرني‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في مل ذكرته‬
‫عا‪ ،‬وإن تقرب إلي‬ ‫في مل خير منهم‪ ،‬وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذرا ً‬
‫عا‪ ،‬وإن أتاني يمشي أتيته هرولة[[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫عا تقربت إليه با ً‬ ‫ذرا ً‬
‫وقد قال ابن عباس رضي الله عنه‪ ]] :‬قد دعا الله تعالى إلى مغفرته من‬
‫زعم أن المسيح هو الله‪ ،‬ومن زعم أن المسيح هو ابن الله‪ ،‬ومن زعم أن‬
‫عزيًرا ابن الله‪ ،‬ومن زعم أن الله فقير‪ ،‬ومن زعم أن يد الله مغلولة‪ ،‬ومن‬
‫َ‬
‫ن إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫زعم أن الله ثالث ثلثة‪ ،‬يقول الله تعالى لهؤلء‪} :‬أفَل َ ي َُتوُبو َ‬
‫م{ سورة المائدة ]‪ ،[74‬ثم دعا إلى التوبة من‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫فُرون َ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫وَي َ ْ‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م اْل َعَْلى{ سورة النازعات‬ ‫قا َ َ‬ ‫هو أعظم قوًل من هؤلء‪ ،‬من قال‪} :‬فَ َ‬
‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬
‫ري { سورة القصص ]‪[[ [38‬‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫م ُ‬
‫ما عَل ِ ْ‬
‫]‪ ،[24‬وقال‪َ } :‬‬
‫وقال ابن عباس رضي الله عنهما‪ ] :‬من أّيس عباد الله من التوبة بعد هذا؛‬
‫فقد جحد كتاب الله عز وجل[ تفسير ابن كثير]‪.[4/59‬‬
‫هل تراك عزيزي صاحب القلب الميت قلبك من بين القلوب تفقد فيه المل‬
‫فل تظنه يحيا؟ فما بالك بقلوب الكفار والملحدين الذي خربت قلوبهم بنكران‬
‫وجود الله؟!!‬
‫فهلم بنا إلى إحياء هذا القلب الميت عبر مقالتنا القادمة‬
‫مات فكيف أحييه ؟‬
‫وإلى حين اللقاء لكم مني خير تحية وأطيب سلم‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بشرية محمد‬
‫الحمد لله يجتبي من يشاء ‪ ،‬ويهدي إليه من ينيب ‪ .‬وأشهد أن ل إله إل الله‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬رحيم ودود ‪ ،‬قريب مجيب ‪ .‬فتح بابه للطالبين ‪ ،‬وأظهر‬
‫غناه للراغبين ‪ ،‬فاقرع الباب أيها العاقل ‪ ،‬ول تقنعن من رحمته إل بأوفى‬
‫نصيب ‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬سيد الولين والخرين ‪ ،‬وأفضل‬
‫المعلمين ‪ ،‬أواه منيب ‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان‬
‫وسلم تسليما ‪ .‬أما بعد ‪ ،‬فاتقوا الله عباد الله ‪ ،‬فإنها وصية الله لكم في غير‬
‫ما آية من كتابه الكريم ‪ ،‬ووعدكم عليها معيته ‪ ،‬ونصره ‪ ،‬وجنته ‪ ،‬والعاقبة‬
‫للمتقين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬إن من منة الله تعالى على الناس أن بعث فيهم بشرا‬
‫مثلهم ‪ ،‬يأكل مما يأكلون منه ويشرب مما يشربون ‪ ،‬ل يحسون بمزية له‬
‫عليهم سوى أنه يوحى إليه ‪ ،‬وأما في سائر شؤونه فل يتعدى كونه بشرا‬
‫مثلهم ‪ ،‬يضحك ‪ ،‬ويبكي ‪ ،‬ويصح ويمرض ‪ ،‬ويتزوج النساء ‪ ،‬ويقوم ويرقد ‪،‬‬
‫ويجوع ويشبع ‪ ،‬أثبت ذلك كتاب الله تعالى وحيا منزل ‪ :‬قل إنما أنا بشر‬
‫مثلكم يوحى إلي ‪ .‬بل إن تعجب فعجب قولهم إن هذا إل بشر مثلكم ‪ .‬وما‬
‫كان ينبغي للبشر إل أن يكون الرسول إليهم بشرا مثلهم ‪ ،‬ومن هنا لما طلب‬
‫كفار قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بخوارق من المور‬
‫المعجزات فقالوا ‪ :‬لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ‪ ،‬أو تكون‬
‫لك جنة من نخيل وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ‪ ،‬أو تسقط السماء كما‬
‫زعمت علينا كسفا او تأتي بالله والملئكة قبيل أو يكون لك بيت من زخرف‬
‫أو ترقى في السماء ‪ ،‬ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ‪ ،‬لما‬
‫سألوا كل هذا تعنتا وعنادا ‪ ،‬وجهه الله تعالى لجواب قصير من جوامع الكلم ‪،‬‬
‫فقال له ‪ :‬قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول ‪ .‬ومعنى هذا تنزيه الرب‬
‫تبارك وتعالى أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته ‪ ،‬بل‬
‫هو الفعال لما يريد ‪ ،‬وما أنا إل رسول إليكم أبلغكم رسالة ربي وأنصح لكم ‪،‬‬
‫وقد كانت بشرية الرسل مانعة لقوامهم من اليمان لعتقادهم أن الرسول ل‬
‫بد أن يتميز عنهم بما هو فوق البشرية فقالو ‪ :‬إن أنتم إل بشر مثلنا ‪ ،‬وقالوا‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في السواق ؟ وقالوا لو شاء ربنا‬
‫لنزل ملئكة ‪ ،‬ونص المولى جل وعل على هذا المانع فقال ‪ :‬وما منع الناس‬
‫أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل أن قالوا أبعث الله بشرا رسول ‪ .‬وقال جل‬
‫وعل ‪ :‬أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين‬
‫آمنوا ؟ وأخبر سبحانه أن المرسل ل بد أن يكون من جنس المرسل إليهم ‪:‬‬
‫قل لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا‬
‫رسول ‪ .‬وبهذا يصبح البيان ناصعا بمنته جل جلله في بعثته لنا رسول منا كما‬
‫قال سبحانه ‪ :‬لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم‬
‫يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي‬
‫ضلل مبين ‪ .‬أيها الحبة ‪ :‬إن رفع الشخص فوق منزلته البشرية غلو‬
‫ممقوت ‪ ،‬يقود إلى الضلل والضلل ‪ ،‬والفساد والفساد ‪ ،‬وقد ضل في ذلك‬
‫أقوام غلوا في عيسى عليه السلم فجعلوه ابنا لله ‪ ،‬وقال بعضهم هو الله ‪،‬‬
‫فعبدوه من دون الله ‪ ،‬تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ‪ ،‬وما ذاك إل لرفعهم‬
‫إياه عن منزلته البشرية ‪ .‬وغل أقوام في علي رضي الله تعالى عنه ‪ ،‬وفي‬
‫أئمتهم وسادتهم ‪ ،‬فقادهم ذلك الغلو إلى الشرك والكفر ‪ ،‬ومن يضلل الله‬
‫فما له من هاد ‪ .‬وغل أناس في الولياء والصالحين فاعتقدوا فيهم ما ل يصح‬
‫اعتقاده إل في الله تعالى ‪ ،‬فظنوا أنهم يملكون الضر والنفع ‪ ،‬وأنهم يهبون‬
‫الذرية لمن دعاهم ‪ ،‬أو نذر لقبورهم ‪ ،‬فدعوهم وهم أموات ‪ ،‬وغلوا فيهم وهم‬
‫أحياء ‪ ،‬فاتخذوهم لله شركاء ‪ ،‬ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ‪.‬‬
‫ومن هنا فإن رفع الشخص فوق منزلته يقود إلى الغلو المنهي عنه ‪ ،‬حتى‬
‫الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلته البشرية يقود إلى عبادته‬
‫من دون الله تعالى ‪ .‬ولهذا فقد كان صلى الله عليه وسلم يغضب أشد‬
‫الغضب حين يغلو فيه أحد أصحابه ‪ ،‬كما قال للرجل حين قال له ‪ :‬ما شاء‬
‫الله وشئت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أجعلتني لله ندا ‪ ،‬بل ما شاء الله وحده ‪ .‬وقال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ‪ ،‬إنما أنا عبد فقولوا‬
‫عبد الله ورسوله ‪ .‬وأمره تعالى أن ينفي عن نفسه أي صفة ل توافق بشريته‬
‫وإنسانيته ‪ ،‬فقال ‪ :‬قل ل أقول لكم عندي خزائن الله ول أعلم الغيب ول‬
‫أقول لكم إني ملك ‪ ،‬قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا ولو كنت أعلم الغيب‬
‫لستكثرت من الخير وما مسني السوء ‪ .‬إخوة الدين والعقيدة ‪ :‬إن مما يجب‬
‫أن يؤصل في أيامنا هذه مسألة البشرية ‪ ،‬والواقعية ‪ ،‬فلقد أعيت أناسا لم‬
‫يفهموها ‪ ،‬ولم يدركوها فغلوا من حيث ل يشعرون ‪ ،‬وقادهم هذا الغلو إلى‬
‫الفساد في الرض ‪ ،‬وسوء الظن بالمسلمين ‪ ،‬وعدم الصبر على المسيئين ‪،‬‬
‫وعدم عذر المذنبين ‪ ،‬وقادهم ذلك إلى التضييق على المسلمين ‪ ،‬وحجر‬
‫الواسع على المكلفين ‪ .‬ومن ثمرات ذلك ‪ ،‬أعني التعامل مع الناس على‬
‫أساس بشريتهم أن ننزل الناس منازلهم ‪ ،‬وأن نعرف لهم قدرهم ‪ ،‬وأن ل‬
‫نحملهم فوق طاقتهم ‪ ،‬أو نرفعهم فوق منزلتهم ‪ .‬إنه لما غفل البعض عن‬
‫بشرية المسلمين ‪ ،‬وحتى الكافرين طلبوا منهم ما يعجزون عنه فنشأ الخلف‬
‫والختلف والتباغض والتطاحن ‪ ،‬وبالتالي حمل بعضهم السلح ‪ ،‬ونشر‬
‫بعضهم لسانه في إخوانه قدحا وتحذيرا ‪ .‬ول يكون هذا إل ممن يطلب من‬
‫الناس أن يكونوا ملئكة ‪ ،‬ل يعصون ‪ ،‬ول يعجزون أو يخطئون ‪ .‬فل يرى أن‬
‫الحاكم بطبيعته بشر ‪ ،‬له شهواته ‪ ،‬ورغباته ‪ ،‬وأخطاؤه‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬وعجزه ‪ ،‬وخوفه ‪ .‬وقل نفس المقال في العالم ‪ ،‬وطالب العلم ‪ ،‬وعامة‬


‫الناس ‪ .‬لو عقلنا هذا أيها الحبة لكانت محاولتنا إصلح ما اعوج من حال أحد‬
‫ما ‪ ،‬حاكما كان أو عالما أو طالب علم أو من العوام أو من علية القوم ‪،‬‬
‫لكانت بالحسنى والصبر والموعظة الحسنة ‪ .‬نأخذهم بالرفق واللين ‪ ،‬رغبة‬
‫في الصلح ل في الهدم ول في العقاب ‪ ،‬فإن الله تعالى قد سبقت رحمته‬
‫غضبه ‪ ،‬ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف ‪ .‬بيد أن مشكلة البعض‬
‫أنهم يظنون في الحاكم أو العالم خاصة ‪ ،‬يظنون به العصمة ‪ ،‬فعند حدوث‬
‫زلل ما منه أو معصية ما تطيش ألبابهم ‪ ،‬وتذهل عقولهم ‪ ،‬وتتهور أفعالهم‬
‫وأقوالهم ‪ .‬وبالتالي فهو في هذا المقام ل يرى في حكامنا ‪ ،‬ول في علمائنا ‪،‬‬
‫ول في طلبة العلم منا أنهم بشر ‪ ،‬قد يخافون ‪ ،‬وقد يعجزون ‪ ،‬وقد تغلبهم‬
‫شهوة دنيوية ‪ ،‬أو غير ذلك مما يعتري كل إنسان ‪ ،‬ول يخلو منه بشر إل من‬
‫عصمه الله من النبياء والرسل ‪ .‬فهون عليك أخي الحبيب إذا رأيت زلة من‬
‫عالم ‪ ،‬أو خطأ من حاكم ‪ ،‬أو معصية من طالب علم فإن في المر سعة ‪.‬‬
‫نعم من واجبك النصح ‪ ،‬فالدين النصيحة ‪ ،‬ومن واجبك الغيرة ‪ ،‬ومن واجبك‬
‫الحرص على الكمال ‪ ،‬ومن الدين المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ولكن‬
‫كل ذلك يجب أن يكون في إطار إنما أنا بشر ‪ .‬وديننا ولله الحمد دين يحتوي‬
‫الخطاء ‪ ،‬ويتجاوز الزلت ‪ ،‬ول يؤاخذ جملة ‪ ،‬ول يعنف في العقاب ‪ ،‬بل‬
‫يراعي كل الحقوق ‪ ،‬ويوازن بين المستحقات ‪ ،‬والحسنات والسيئات ‪ .‬فهذا‬
‫حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ‪ ،‬يفعل فعلته تلك ‪ ،‬فيرى عمر أنه قد‬
‫نافق ‪ ،‬فيخبره الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم أن ل ‪ ،‬وما يدريك أن‬
‫الله اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‪ .‬فحاطب‬
‫رضي الله عنه بدري ‪ ،‬وكفى بها منقبة ‪ ،‬ومع هذا لم يسلم من خطأ شنيع ‪،‬‬
‫فعله متأول ‪ .‬وها هو القرآن الكريم يخاطب الصحب الكرام وهم من هم في‬
‫الهجرة والنصرة فيقول لهم ‪ :‬منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الخرة ‪.‬‬
‫ويخبر عن بعضهم تولوا يوم التقى الجمعان ‪ ،‬وأن ذلك التولي إنما كان بما‬
‫استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ‪ ،‬ثم يخبر أنه قد عفا الله عنهم ‪ .‬وعمار‬
‫قال كلمة الكفر مكرها ‪ ،‬ولم يصبر كما صبر بلل ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬وكل‬
‫منهما لم يجاوز فسحة الدين ‪ ،‬فمن صبر فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير‬
‫حساب ‪ ،‬ومن أكره وقلبه مطمئن باليمان فقد أخذ بالرخصة ‪ ،‬وإن الله يحب‬
‫أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ‪ .‬وهذا الصديق مع جللة قدره‬
‫وعظيم منزلته يوتر قبل أن ينام ‪ ،‬وأخذ عمر بالعزيمة فأخر الوتر إلى آخر‬
‫الليل ‪ .‬وخالف ذو النورين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله في‬
‫مسألة الصلة في منى ‪ ،‬وما نقص من قدره ومنزلته شيئا ‪ .‬ونهى الشيخان‬
‫أبو بكر وعمر عن المتعة في الحج ‪ ،‬ولم يزحزحهما ذلك عن أنهما خير المة‬
‫بعد رسولها صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ورضي الله عنهما ‪ .‬وصبر ابن حنبل على‬
‫السوط ‪ ،‬ولم يصبر علي بن المديني ‪ ،‬رحم الله الجميع ‪ .‬وأخطأ المأمون‬
‫فحمل الناس على القول بخلق القرآن ‪ ،‬وقتل في ذلك علماء ‪ ،‬وحبس‬
‫آخرون ‪ ،‬وما نزعت يد الناس من طاعته في غير تلك المسألة ‪ ،‬وظل أميرا‬
‫للمؤمنين حتى توفي ‪ .‬أيها المسلمون ‪ :‬هذه أمثلة لم أرد بها الحصر ‪ ،‬ولكن‬
‫لبيان أن هناك متسعا في ديننا يقبل الحوار ‪ ،‬ويناقش المسائل التي فيها‬
‫الخلف ‪ ،‬ويبسط الدلة ‪ ،‬حتى مع الكافرين ‪ ،‬أما ترون الله تعالى يقول لهم ‪:‬‬
‫قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ‪ .‬وقد قال عنه صلى الله عليه وسلم في‬
‫الحديث الصحيح ‪ :‬أتعجبون من غيرة سعد ‪ ،‬فلنا أغير منه ‪ ،‬والله أغير مني ‪،‬‬
‫ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬ول أحد أحب إليه‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العذر من الله ‪ ،‬ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين فكونوا عباد الله‬
‫ممن يعذر الناس ‪ ،‬لنهم بشر ‪ ،‬وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه‬
‫وسلم أنهم كلهم خطاءون ‪ ،‬وخير الخطائين التوابون ‪ .‬ويلتمس لهم العذار ‪،‬‬
‫مع مناصحتهم ‪ ،‬ودعوتهم ‪ ،‬والدعاء لهم ‪ ،‬والخذ بأيديهم ‪ ،‬وعلى أيديهم ‪،‬‬
‫نصرة محب مشفق ‪ ،‬كما يضرب الوالد ولده وقلبه يكاد يتقطع عليه ‪ ،‬ل كما‬
‫يضرب العدو عدوه ‪ ،‬وإن كان ل بد من قسوة ‪ ،‬فلتكن قسوتك كالطبيب‬
‫الجراح ‪ ،‬ل يجاوز المكان الذي يحتاج إليه ‪ ،‬وإنما يجرح ليداوي ل ليهدم ويقتل‬
‫‪ ،‬وشتان بين الحالتين ‪ .‬وليكن لكم في رسولكم صلى الله عليه وسلم أسوة‬
‫حسنة ‪ ،‬فقد حاربه قومه وهم مشركون ‪ ،‬وكذبوه وآذوه ‪ ،‬ورجع كسير القلب‬
‫مجروح الفؤاد من الطائف ‪ ،‬مدمي العقبين ‪ ،‬قد أظلمت الدنيا في وجهه ‪ ،‬ول‬
‫معين له من البشر ‪ ،‬ول نصير ‪ ،‬فتحين فرصة النتقام ‪ ،‬وحق له ‪ ،‬والله تعالى‬
‫يرسل له ملك الجبال ليستأذنه أن يطبق عليهم الخشبين فيأبى ‪ ،‬صلوات‬
‫ربي وسلمه عليه ‪ ،‬رجاء أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد الله ل يشرك به‬
‫شيئا ‪ ،‬وصدق الله في وصفه ‪ :‬فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا‬
‫غليظ القلب لنفضوا من حولك ‪ ،‬فاعف عنهم واستغفر لهم‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وشاورهم في المر فإذا عزمت فتوكل على الله ‪ .‬فليكن هم أحدكم وهجيراه‬
‫‪ :‬لن يهدي الله بك رجل واحدا خير لك من حمر النعم ‪ .‬فبشروا ول تنفروا ‪،‬‬
‫ويسروا ول تعسروا ‪ ،‬واقبلوا من المحسن ‪ ،‬وتجاوزوا وادعوا للمسيء ‪ ،‬فلعل‬
‫الله أن يهديهم ‪ ،‬ويشرح صدورهم ‪ ،‬ويجعلهم من جنده ‪ ،‬وعباده الصالحين ‪.‬‬
‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ‪ :‬وما أرسلنا قبلك من المرسلين إل إنهم‬
‫ليأكلون الطعام ويمشون في السواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ‪،‬‬
‫أتصبرون ‪ ،‬وكان ربك بصيرا ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بصائر)‪(1‬‬
‫الستاذ الدكتور‪ /‬كابوري‬
‫محمد صالح علي مصطفى‬
‫ً‬
‫جاورت بمكة المكرمة أسابيع وأياما من شهري جمادى ورجب عام ‪1425‬‬
‫من الهجرة النبوية‪ ،‬وهناك أعدت النظر في مجموعة "خاتمة المؤلفات"* ‪.‬‬
‫وقد كان المفهوم المراد من "خاتمة المؤلفات" هو رفع القلم وطي الصحف‬
‫والنصراف إلى المسجد للصلة وقراءة القرآن رغبا ًَ ورهبا ً ?فإذا فرغت‬
‫فانصب * وإلى ربك فارغب *? ‪? 8/94-7‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين *?‬
‫‪. 99/15‬‬
‫ولكن ذلك الفهم توسع لضافة "بصائر" كعلم وكعبادة حيث ل منافاة بينهما‬
‫والفارق إن وجد فهو أن العلم أسبق مرحلة وأعظم مرتبة‪.‬‬
‫?قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا‬
‫عليكم بحفيظ *? ‪. 104/6‬‬
‫?قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى? ‪. 108/12‬‬
‫و"بصائر" جمع بصيرة من أبصر ومنه البصر للرؤية بالعين وهي أ َْثبت من‬
‫السمع واللمس وغيرهما من أسباب العلم‪ ،‬وضدها العمى والعياذ بالله‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبصائرنا‪ :‬مراجعات ومختارات من مؤلفاتنا العشرين وفيها‪ :‬مفاهيم وأحكام‬


‫وخواطر وبيانات‪ ..‬علمية وسياسية‪..‬‬
‫واللئحة القائمة طويلة نأخذ منها ما يمكن أخذه منها‪ ،‬ونترك فيها ما يمكن‬
‫تركه فيها‪ ،‬دونما تسلسل زمني أو ترتيب موضوعي لغاية في نفسي‪.‬‬
‫ة الطريق والغاية‪.‬‬ ‫ة رباني َ‬
‫هذا‪ ،‬وإني لرجو الله أن يجعل هذه البصائر قرآني ً‬
‫ومن الله التوفيق إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫موازين العلم وميادين العمل‬
‫العلم والعمل أصلن متلزمان ومتكاملن في حياة النسان في هذه الدنيا‬
‫التي جعلها الله دار تكليف بالعبادة علما ً وعمل ً ‪ ،‬وللعلم موازينه وللعمل‬
‫ميادينه ‪:‬‬
‫موازين العلم ثلثة ‪:‬‬
‫الول‪ :‬ميزان الدين اللهي‪ :‬دليله الكتاب والسنة ‪ ،‬وحكمه بيان علم الحلل‬
‫والحرام‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ميزان الفطرة النساني‪ :‬دليله العقل السليم ‪ ،‬وحكمه بيان النافع‬
‫والضار‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ميزان العرف الجتماعي‪ :‬دليله الجماع‪ ،‬وحكمه بيان الحسن والقبيح‪.‬‬
‫وموازين العلم الثلثة هي زاد السفر ونور الطريق بالنسبة لميادين العمل‪،‬‬
‫وهذه الموازين مرتبة‪ ،‬فدين الله أول ً لنه وحي معصوم‪ ،‬ثم الفطرة النسانية‬
‫لن سننها ثابتة‪ ،‬وأخيرا ً العرف الجتماعي وهو نسبي يتطور ويتغير‪.‬‬
‫ميادين العمل متعددة نجملها في أربعة‪:‬‬
‫الول‪ :‬ميدان النفس‪ ،‬وفي النفس يجري الصراع بين الخير والشر أو بين‬
‫التقوى والفجور ?فألهمها فجورها وتقواها? ‪ 8/91‬ويغلب أحدهما الخر ?قد‬
‫افلح من زكاها * وقد خاب من دساها *? ‪. 10/91-9‬‬
‫والتزكية و الفلح في الصراع النفساني هو التخلص من النفس المارة‬
‫بالسوء ومن النفس اللوامة والوصول إلى النفس المطمئنة‪..‬‬
‫الثاني‪ :‬ميدان الهل في تربيتهم وتعليمهم ورعايتهم ودعوتهم في بشارتهم‬
‫ونذارتهم‪ ،‬وهؤلء الهلون أولياء و قد ينقلبون أعداًء على الرغم من قربهم‬
‫وقرابتهم ?إن من أزواجكم وأولدكم عدوا ً لكم فاحذروهم? ‪ 14/64‬فإذا كان‬
‫هذا حال بعض الهلين فما بالك بغيرهم من الخرين من العشيرة والقوم‬
‫وعموم الناس ؟ ولذا يتوجب الصبر عليهم ومداراتهم وإعذارهم ما أمكن‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ميدان القومية بدءا بالعشيرة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ميدان النسانية العامة‪.‬‬
‫وميادين العمل الربعة تمثل دعوة النبياء المرسلين ‪-‬والعلماء ورثتهم‪ -‬وهذه‬
‫الميادين مرتبة بداية بالنفس ?عليكم أنفسكم? ‪ 105/5‬ثم الهل ?قوا‬
‫أنفسكم وأهليكم? ‪ 6/66‬ثم العشيرة ?وأنذر عشيرتك القربين? ‪214/26‬‬
‫والقوم‪ ،‬وفي القرآن بيان وفي السنة كذلك بيان أن كل نبي أرسل إلى قومه‬
‫خاصة‪ ،‬وأن خاتمهم أرسل إلى الناس كافة‪ ..‬صلى الله عليه وعليهم وعلينا‬
‫وسلم‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫* أنظر "المؤلفات" على النترنت في موقع ‪-‬كابوري نت‪www.gabori.net -‬‬
‫بصائر)‪(2‬‬
‫الستاذ الدكتور‪ /‬كابوري‬
‫محمد صالح علي مصطفى‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القراءة والكتابة‬
‫بدأ نزول القرآن بالدعوة إلى القراءة والكتابة ‪ ? :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق‬
‫* خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذي علم بالقلم * علم‬
‫النسان ما لم يعلم *? ‪. 5/96-1‬‬
‫القراءة باللسان من الغايات ‪ ،‬والكتابة بالقلم من الوسائل ‪ ..‬ودائرة البحث‬
‫وسيعة في الثنتين نقتصر في الولى على علقة القراءة بالتجويد ‪ ،‬ونقتصر‬
‫في الثانية على علقة الكتابة بالقواعد ‪:‬‬
‫أ – القراءة والتجويد‪:‬‬
‫التجويد ‪ :‬إجادة القراءة يريدون به الترتيل الوارد في الكتاب أو التغني الوارد‬
‫في السنة ‪ ،‬وهو كيفية في الداء أوجبه بعض القّراء ‪ ،‬وآخرون لم يوجبوه‬
‫ورّدوا أدلة الموجبين وبخاصة دعواهم أن اللغة العربية في الداء العام هو‬
‫التجويد ذاته ‪ ،‬ول يخفى ضعفه لن التجويد لم يروَ في الحديث وهو أقرب‬
‫رد في الشعر وهو ديوان العرب ول في السجع‬ ‫النصوص إلى القرآن ‪ ،‬ولم ي ِ‬
‫ول في النثر والخطب والحكايات والمثال وغيرها من كلم العرب ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالدعاء بأن التجويد حتما ً لزم وأن من لم يجود القرآن حتما ً آثم ‪ ..‬مسألة‬
‫فيها نظر ‪ ،‬يقول ابن تيمية ‪ " :‬ول يجعل همته فيما حجب فيه أكثر الناس من‬
‫العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة بخروج حروفه وترقيقها وتفخيمها‬
‫ل‬
‫ق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك ‪ ،‬وكذلك شغ ِ‬ ‫وإمالتها ونط ٍ‬
‫و‬
‫النطق بأءنذرتهم وضم ميم عليهم ووصلها بالواو وكسر الهاء أو ضمها ونح ِ‬
‫ذلك ‪ ،‬وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت ‪ " ..‬إهـ ‪.‬‬
‫وبعض التجويد حق يشهد له خط المصحف في الحذف والفصل والوصل مثل‬
‫الدغام في " أن ل " حيث كتبت " أل ّ " بإدغام النون في اللم وكذا " من ما‬
‫" حيث كتبت " مما " بإدغام النون في الميم ‪ ..‬وينبغي دراسة هذه الظاهرة‬
‫في المصحف كله مع محاولة وضع علمات الترقيم حسب المعاني‬
‫الموضوعية ولم يَر الشيخ طاهر الكردي بذلك بأسا ً ‪.‬‬
‫والوزن في رؤوس اليات شاهد على الوقوف للتغني على شبه بقافية الشعر‬
‫وفاصلة السجع وليس له علقة بالوقوف الموضوعية ‪ ،‬فل مسوغ لرجوع‬
‫القارئ وإعادته من أجل الوحدة الموضوعية وإتمام المعنى لنه تكرار يوهم‬
‫دخوله في النص‪ ،‬تدبر ذلك مع فاتحة سورة الروم ? الم * غلبت الروم * في‬
‫أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله المر من قبل‬
‫ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز‬
‫الرحيم *? ‪. 5/30-1‬‬
‫وكثير من التجويد تجاوز الحدود بالمدود والغنن والقلقلت والقلبات‬
‫والخفاءات والدغامات والمبالغات في مخارج الحروف ‪ ،‬وسبب ذلك قطع‬
‫الكلم وتداخله حتى أصيب كثير من الكلمات بالغموض على حساب‬
‫المعاني ‪ ..‬و هذا من أهم السباب المؤدية إلى قصور العامة من العرب وهم‬
‫من أهل العربية عن فهمهم وتدبرهم للقرآن العربي المبين ‪.‬‬
‫ب – الكتابة والقواعد ‪:‬‬
‫لم يلتزم الكاتبون الولون بقواعد الكتابة الملئية في الكثير من المواضع ولم‬
‫دهم فزيدت حروف وحذفت حروف أو كتبت على‬ ‫من أتى بع َ‬‫يصحح لهم َ‬
‫خلف ما قرئت ‪ ..‬والمواضع ل تكاد تحصى ويجب إحصاؤها مهما كثرت لن‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الواجب المؤكد هو كتابة القرآن على الوجه المقروء الملفوظ وعلى سبيل‬
‫الموافقة والمطابقة بل زيادة وبل نقصان وبل تبديل وبل تغيير ‪ ..‬لكن الواقع‬
‫مختلف الحال كما قلنا مع الخذ بعين العتبار تطور قواعد الملء ‪ ،‬وهاكم‬
‫أمثلة ‪:‬‬
‫‪-‬ألف لم ميم أسماء لحروف كتبت ألم حروفا ً ‪ ،‬وهي وأمثالها في فواتح تسع‬
‫وعشرين سورة ‪.‬‬
‫‪-‬الصلة والزكاة باللف كتبتا بالواو الصلوة والزكوة ‪ ،‬والتوراة باللف كتبت‬
‫بالياء التورية ‪.‬‬
‫‪-‬لذبحنه بالثبات كتبت ل أذبحنه بالنفي ‪.‬‬
‫‪-‬سأريكم من الرؤية كتبت بالواو سأوريكم أي سأحرقكم أو سأخفيكم ‪.‬‬
‫‪-‬المسيطرون بالسين كتبت بالصاد المصطيرون ‪.‬‬
‫‪-‬ننجي بنونين كتبت بنون واحدة نجي ‪.‬‬
‫‪-‬مله ‪ ،‬بأيد كتبتا بياء زائدة مليه ‪ ،‬بأييد ‪..‬‬
‫‪-‬الجنة كتبت بالتاء المربوطة وكتبت بالتاء المفتوحة جنت ‪.‬‬
‫ومعروف أن الكتابة العربية فصلت بين الحركات والحروف فلم تعد ّ الحركات‬
‫حروفا ً فل يمكن استعمالها إل مع الضبط بالشكل في كل شيء حتى‬
‫الرسائل العادية والصحف اليومية ‪ ،‬أو إل بعد معرفة علم النحو والصرف ‪،‬‬
‫وهما علمان يتعذر تعلمهما كما يتعذر استعمالهما ‪ ,‬ولو أن كلمة بثلثة أحرف‬
‫طرحت دون شكل لمكن أن تقرأ باثني عشر وجها ً وأْزيد كلها خطأ إل‬
‫واحدا ‪ ،‬وذلك كبير وكثير على لغة من اللغات وبخاصة في وقت ل توجد فيه‬
‫أم عربية تلقن اللغة الفصحى ‪ ،‬ول توجد مدرسة تيسر علم النحو والصرف ‪،‬‬
‫ول مطابع تكتب كل شيء بكامل الشكل‪.‬‬
‫لقد وقع الخطأ من الكاتبين الولين ولم يكونوا معصومين وكانوا معذورين‪..‬‬
‫يؤكد ابن خلدون على أن ليس في خطإهم نقص في خلق أو دين بناءا ً على‬
‫أن الكتابة من الصنائع المعاشية المدنية ‪..‬‬
‫ولقد منع الشيخ عبد العزيز بن عبد السلم الكتابة بخط المصحف وعلله‬
‫ل في تحريف القرآن " ‪.‬‬ ‫بقوله ‪ " :‬لئل يوقع الجها َ‬
‫ً‬
‫وأقول ‪ :‬هو كذلك ‪ ،‬وهو أيضا لئل يوقع العلماَء في كتمان العلم ‪ ،‬والوعيد فيه‬
‫خرين واجب الكتابة من جديد ‪..‬‬ ‫شديد فعلى الكاتبين ال ِ‬
‫وما هذا الشأن إل كشأن الكعبة المشرفة في إدخال حجر إسماعيل إلى‬
‫داخل البيت العتيق ‪ ،‬ليكون البناء على قواعد الخليل إبراهيم تحقيقا ً لمنية‬
‫خاتم النبياء المرسلين صلوات الله وسلمه عليه وعليهم أجمعين‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بصائر)‪(1‬‬
‫الستاذ الدكتور‪ /‬كابوري‬
‫محمد صالح علي مصطفى‬
‫ً‬
‫جاورت بمكة المكرمة أسابيع وأياما من شهري جمادى ورجب عام ‪1425‬‬
‫من الهجرة النبوية‪ ،‬وهناك أعدت النظر في مجموعة "خاتمة المؤلفات"* ‪.‬‬
‫وقد كان المفهوم المراد من "خاتمة المؤلفات" هو رفع القلم وطي الصحف‬
‫والنصراف إلى المسجد للصلة وقراءة القرآن رغبا ًَ ورهبا ً ?فإذا فرغت‬
‫فانصب * وإلى ربك فارغب *? ‪? 8/94-7‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين *?‬
‫‪. 99/15‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن ذلك الفهم توسع لضافة "بصائر" كعلم وكعبادة حيث ل منافاة بينهما‬
‫والفارق إن وجد فهو أن العلم أسبق مرحلة وأعظم مرتبة‪.‬‬
‫?قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا‬
‫عليكم بحفيظ *? ‪. 104/6‬‬
‫?قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى? ‪. 108/12‬‬
‫و"بصائر" جمع بصيرة من أبصر ومنه البصر للرؤية بالعين وهي أ َْثبت من‬
‫السمع واللمس وغيرهما من أسباب العلم‪ ،‬وضدها العمى والعياذ بالله‪.‬‬
‫وبصائرنا‪ :‬مراجعات ومختارات من مؤلفاتنا العشرين وفيها‪ :‬مفاهيم وأحكام‬
‫وخواطر وبيانات‪ ..‬علمية وسياسية‪..‬‬
‫واللئحة القائمة طويلة نأخذ منها ما يمكن أخذه منها‪ ،‬ونترك فيها ما يمكن‬
‫تركه فيها‪ ،‬دونما تسلسل زمني أو ترتيب موضوعي لغاية في نفسي‪.‬‬
‫ة الطريق والغاية‪.‬‬ ‫ة رباني َ‬
‫هذا‪ ،‬وإني لرجو الله أن يجعل هذه البصائر قرآني ً‬
‫ومن الله التوفيق إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫موازين العلم وميادين العمل‬
‫العلم والعمل أصلن متلزمان ومتكاملن في حياة النسان في هذه الدنيا‬
‫التي جعلها الله دار تكليف بالعبادة علما ً وعمل ً ‪ ،‬وللعلم موازينه وللعمل‬
‫ميادينه ‪:‬‬
‫موازين العلم ثلثة ‪:‬‬
‫الول‪ :‬ميزان الدين اللهي‪ :‬دليله الكتاب والسنة ‪ ،‬وحكمه بيان علم الحلل‬
‫والحرام‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ميزان الفطرة النساني‪ :‬دليله العقل السليم ‪ ،‬وحكمه بيان النافع‬
‫والضار‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ميزان العرف الجتماعي‪ :‬دليله الجماع‪ ،‬وحكمه بيان الحسن والقبيح‪.‬‬
‫وموازين العلم الثلثة هي زاد السفر ونور الطريق بالنسبة لميادين العمل‪،‬‬
‫وهذه الموازين مرتبة‪ ،‬فدين الله أول ً لنه وحي معصوم‪ ،‬ثم الفطرة النسانية‬
‫لن سننها ثابتة‪ ،‬وأخيرا ً العرف الجتماعي وهو نسبي يتطور ويتغير‪.‬‬
‫ميادين العمل متعددة نجملها في أربعة‪:‬‬
‫الول‪ :‬ميدان النفس‪ ،‬وفي النفس يجري الصراع بين الخير والشر أو بين‬
‫التقوى والفجور ?فألهمها فجورها وتقواها? ‪ 8/91‬ويغلب أحدهما الخر ?قد‬
‫افلح من زكاها * وقد خاب من دساها *? ‪. 10/91-9‬‬
‫والتزكية و الفلح في الصراع النفساني هو التخلص من النفس المارة‬
‫بالسوء ومن النفس اللوامة والوصول إلى النفس المطمئنة‪..‬‬
‫الثاني‪ :‬ميدان الهل في تربيتهم وتعليمهم ورعايتهم ودعوتهم في بشارتهم‬
‫ونذارتهم‪ ،‬وهؤلء الهلون أولياء و قد ينقلبون أعداًء على الرغم من قربهم‬
‫وقرابتهم ?إن من أزواجكم وأولدكم عدوا ً لكم فاحذروهم? ‪ 14/64‬فإذا كان‬
‫هذا حال بعض الهلين فما بالك بغيرهم من الخرين من العشيرة والقوم‬
‫وعموم الناس ؟ ولذا يتوجب الصبر عليهم ومداراتهم وإعذارهم ما أمكن‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ميدان القومية بدءا بالعشيرة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ميدان النسانية العامة‪.‬‬
‫وميادين العمل الربعة تمثل دعوة النبياء المرسلين ‪-‬والعلماء ورثتهم‪ -‬وهذه‬
‫الميادين مرتبة بداية بالنفس ?عليكم أنفسكم? ‪ 105/5‬ثم الهل ?قوا‬
‫أنفسكم وأهليكم? ‪ 6/66‬ثم العشيرة ?وأنذر عشيرتك القربين? ‪214/26‬‬
‫والقوم‪ ،‬وفي القرآن بيان وفي السنة كذلك بيان أن كل نبي أرسل إلى قومه‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خاصة‪ ،‬وأن خاتمهم أرسل إلى الناس كافة‪ ..‬صلى الله عليه وعليهم وعلينا‬
‫وسلم‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫* أنظر "المؤلفات" على النترنت في موقع ‪-‬كابوري نت‪www.gabori.net -‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بصراحة‪ ..‬هل تعرف معنى الشهادتين؟ ‪...‬‬


‫‪16-01-2005‬‬
‫معنى الشهادتين‬
‫معنى شهادة أن ل إله إل الله ‪:‬‬
‫العتقاد والقرار ‪ ،‬أنه ل يستحق العبادة إل الله ‪ ،‬والتزام ذلك والعمل به ‪،‬‬
‫) فل إله ( نفي لستحقاق من سوى الله للعبادة كائنا ً من كان‬
‫ت لستحقاق الله وحده للعبادة ‪،‬‬ ‫) إل الله ( إثبا ٌ‬
‫ومعنى هذه الكلمة إجمال ‪ :‬ل معبود بحق إل الله ‪.‬‬
‫وخبر ]ل[ يجب تقديره ‪ ] :‬بحق [ ول يجوز تقديره بموجود ؛‬
‫ف الواقع ‪ ،‬فالمعبودات غيُر الله موجودة بكثرة ؛‬ ‫لن هذا خل ُ‬
‫فيلزم منه أن عبادة هذه الشياء عبادة الله ‪،‬‬
‫وهذا من أبطل الباطل وهو مذهب أهل وحدة الوجود الذين هم أكفر أهل‬
‫الرض ‪.‬‬
‫التفسير الصحيح لهذه الكلمة عند السلف والمحققين ‪:‬‬
‫أن ُيقال ‪ ) :‬ل معبود بحق إل الله ( كما تقدم‪.‬‬
‫ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله ‪:‬‬
‫هو العتراف باطنا وظاهرا أنه عبد الله ورسوله إلى الناس كافة ‪ ،‬والعمل‬
‫بمقتضى ذلك من طاعته فيما أمر ‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر ‪،‬‬
‫واجتناب ما نهى عنه وزجر ‪ ،‬وأل ُيعبد َ الله إل بما شرع ‪.‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬أركان الشهادتين ‪:‬‬
‫أ – ل إله إل الله ‪ :‬لها ركنان هما ‪ :‬النفي والثبات ‪:‬‬
‫فالركن الول ‪ :‬النفي ‪ :‬ل إله ‪ُ :‬يبطل الشرك بجميع أنواعه ‪ ،‬وُيوجب الكفر‬
‫بكل ما يعبد من دون الله ‪.‬‬
‫والركن الثاني ‪ :‬الثبات ‪ :‬إل الله ‪ :‬يثبت أنه ل يستحق العبادة إل الله ‪،‬‬
‫ويوجب العمل بذلك ‪ .‬وقد جاء معنى هذين الركنين في كثير من اليات ‪،‬‬
‫ة‬
‫ِ‬ ‫عرو‬ ‫ك ِبال ُ‬ ‫مس َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ن ِبالله فقدِ ا ْ‬ ‫م ْ‬‫ت وَي ُؤْ ِ‬‫غو ِ‬ ‫فر ِبال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫مثل قوله تعالى ‪ ):‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫وثقى ( ‪.‬‬‫ال ُ‬
‫فقوله ‪ ) :‬من يكفر بالطاغوت ( هو معنى الركن الول ) ل إله (‬
‫) ويؤمن بالله ( هو معنى الركن الثاني ) إل الله ( ‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫دا رسول الله ‪ :‬لها ركنان هما قولنا ‪:‬‬ ‫ب – أركان شهادة أن محم ً‬
‫َ‬
‫عبده ورسوله ‪ ،‬وهما ينفيان الفراط والتفريط في حقه; فهو عبده ورسوله ‪،‬‬
‫وهو أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين ‪،‬‬
‫ومعنى العبد هنا ‪ :‬المملوك العابد ‪ ،‬أي ‪ :‬أنه بشٌر مخلوق مما خلق منه البشر‬
‫؛‬
‫م (;‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مث ْلك ْ‬ ‫ل إّنما أَنا بشٌر ّ‬ ‫ُ‬
‫يجري عليه ما يجري عليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ) :‬ق ْ‬
‫الكهف ‪،110 :‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد وقى العبودية حقها ‪ ،‬ومدحه الله بذلك ‪،‬‬


‫ومعنى الرسول ‪ :‬المبعوث إلى الناس كافة بالدعوة إلى الله بشيًرا ونذيًرا‬
‫‪.‬وفي الشهادة له بهاتين الصفتين ‪:‬‬
‫نفي للفراط والتفريط في حقه ‪ ،‬فإن كثيرا ممن يدعي أنه من أمته أفرط‬
‫في حقه ‪ ،‬وغل فيه ؛ حتى رفعه فوق مرتبة العبودية إلى‬
‫مرتبة العبادة له من دون الله ؛ فاستغاث به من دون الله ‪ ،‬وطلب منه ما ل‬
‫يقدر عليه إل الله ؛من قضاء الحاجات وتفريج الكربات ‪.‬‬
‫والبعض الخر جحد رسالته أو فرط في متابعته ‪ ،‬واعتمد على الراء والقوال‬
‫ف في تأويل أخباره وأحكامه ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫المخالفة لما جاء به ؛ وتع ّ‬
‫ثالثا ‪ :‬شروط الشهادتين ‪:‬‬
‫أ – شروط ل إله إل الله ‪:‬‬
‫لبد في شهادة أن ل إله إل الله من سبعة شروط ‪،‬‬
‫ل تنفع قائلها إل باجتماعها ‪ ،‬هي ‪-:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬العلم ‪ :‬أي العلم بمعناها المراد منها وما تنفيه وما ُتثبته ‪،‬‬
‫المنافي للجهل بذلك ‪،‬‬
‫ن(‪ ] .‬الزخرف ‪ . [ 86 :‬أي‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫هم ي َعْل ُ‬ ‫حق ّ و َ ُ‬ ‫ن شهِد َ ِبال َ‬‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬إل ّ َ‬
‫) شهِد َ ( بل إله إل الله ‪ ) ،‬وهم يعلمون ( بقلوبهم ما شهدت‬
‫به ألسنتهم ‪،‬فلو نطق بها وهو ل يعلم معناها ‪ ،‬لم تنفعه ؛ لنه لم يعتقد ما‬
‫تدل عليه ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬اليقين ‪:‬‬
‫ً‬
‫بأن يكون قائلها مستيقًنا بما تدل عليه ؛ فإن كان شاكا بما تدل عليه لم تنفعه‬
‫‪،‬‬
‫م ي َْرَتاُبوا (‪.‬‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الذي َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ُ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬إن ّ َ‬
‫الحجرات ‪. [ 15 :‬‬
‫فإن كان مرتابا كان منافقا ‪ ،‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من لقيت‬
‫وراء هذا الحائط يشهد أن ل إله إل الله مستيقنا قلبه‬
‫فبشره بالجنة ( رواه البخاري‪ .‬فمن لم يستيقن بها قلبه ‪ ،‬لم يستحق دخول‬
‫الجنة ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬القبول‬
‫لما اقتضته هذه الكلمة من عبادة الله وحده ‪ ،‬وترك عبادة ما سواه ؛ فمن‬
‫قالها ولم يقبل ذلك ولم يلتزم به ؛ كان من الذين‬
‫قوُلون أئ ِّنا‬ ‫ن وَي َ ُ‬
‫سَتكب ُِرو َ‬‫م كانوا إذا قيل لهم ل إله إل الله ي َ ْ‬ ‫قال الله فيهم ‪ ):‬إن ّهُ ْ‬
‫جُنون (‬ ‫م ْ‬ ‫عرٍ ّ‬ ‫شا ِ‬ ‫كوا آل ِهَت َِنا ل ِ َ‬‫ل ََتارِ ُ‬
‫وهذا كحال عباد القبور اليوم ؛ فإنهم يقولون ‪ ) :‬ل إله إل الله ( ‪،‬‬
‫ول يتركون عبادة القبور ؛ فل يكونون قابلين لمعنى ل إله إل الله ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬النقياد‬
‫ن فَ َ‬
‫قد ِ‬ ‫س ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه إلى اللهِ وَهُوَ ُ‬ ‫َ‬ ‫جهَ َ‬
‫سِلم وَ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬ ‫لما دلت عليه ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ :‬و َ‬
‫قى( ‪.‬‬ ‫ك بال ْعُْروَةِ الوُث ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ا ْ‬
‫والعروة الوثقى ‪ :‬ل إله إل الله ؛ ومعنى يسلم وجهه ‪ :‬أي ينقاد لله بالخلص‬
‫له ‪.‬‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬الصدق ‪:‬‬
‫وهو أن يقول هذه الكلمة مصدقا بها قلبه ‪ ،‬فإن قالها بلسانه ولم يصدق بها‬
‫قلبه ؛ كان منافقا كاذًبا ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن ‪ ،‬يخادعون‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مني َ‬ ‫ل آمّنا باللهِ وباليوم ِ الخرِ وما هم ب ِ ُ‬ ‫ن ّيقو ُ‬ ‫م ْ‬‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫)و ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ذبو َ‬ ‫ْ‬
‫ما كانوا ي َك ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ب ألي ٌ‬ ‫عذا ٌ‬‫ن آمُنوا‪ ..‬إلى قوله ولهم َ‬ ‫ّ‬
‫ه والذي َ‬ ‫الل َ‬
‫الشرط السادس ‪ :‬الخلص ‪:‬‬
‫وهو تصفية العمل من جميع شوائب الشرك ؛ بأن ل يقصد بقولها طمعا من‬
‫مطامع الدنيا ‪ ،‬ول رياء‬
‫ول سمعة ؛ لما في الحديث الصحيح من حديث عتبان قال ‪ ) :‬فإن الله حرم‬
‫على النار من قال ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬يبتغي بذلك وجه الله ( الشيخان [‬
‫الشرط السابع ‪ :‬المحبة‬
‫لهذه الكلمة ‪ ،‬ولما تدل عليه ‪،‬ولهلها العاملين بمقتضاها ‪ ،‬قال تعالى‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬‫ب الله واّلذي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫حّبون َُهم ك َ ُ‬
‫ن اللهِ أنداًدا ي ُ ِ‬
‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬‫خذ ُ ِ‬‫من ي َت ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫)و ِ‬
‫حّبا لله (‪.‬‬‫أشد ّ ُ‬
‫فأهل ) ل إله إل الله ( يحبون الله حبا خالصا ‪،‬‬
‫وأهل الشرك يحبونه ويحبون معه غيره ‪ ،‬وهذا ينافي مقتضى ل إله إل الله ‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫دا رسول الله ‪ ،‬هي ‪-:‬‬ ‫ب – وشروط شهادة أن محم ً‬
‫‪ – 1‬العتراف برسالته ‪ ،‬واعتقادها باطنا في القلب ‪.‬‬
‫‪ – 2‬النطق بذلك ‪ ،‬والعتراف به ظاهًرا باللسان ‪.‬‬
‫‪ – 3‬المتابعة له ؛ بأن يعمل بما جاء به من الحق ‪ ،‬ويترك ما نهى عنه من‬
‫الباطل ‪.‬‬
‫‪ – 4‬تصديقه فيما أخبر به من الغيوب الماضية والمستقبلة ‪.‬‬
‫‪ – 5‬محبته أشد من محبة النفس والمال والولد والوالد والناس أجمعين ‪.‬‬
‫‪ – 6‬تقديم قوله على قول كل أحد ‪ ،‬والعمل بسنته ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬مقتضى الشهادتين ‪:‬‬
‫مقتضى شهادة أن ل إله إل الله‬
‫هو ترك عبادة ما سوى الله من جميع المعبودات المدلول عليه بالنفي وهو‬
‫قولنا ‪ ) :‬ل إله ( ‪.‬‬
‫وعبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬المدلول عليه بالثبات ‪ ،‬وهو قولنا ) إل‬
‫الله ( ‪ ،‬فكثير ممن يقولها يخالف مقتضاها‬
‫فيثبت اللهية المنفية للمخلوقين والقبور والمشاهد والطواغيت والشجار‬
‫والخبار ‪.‬‬
‫وهؤلء اعتقدوا أن التوحيد بدعة ‪ ،‬وأنكروه على من دعاهم إليه ‪ ،‬وعابوا على‬
‫من أخلص العبادة لله ‪.‬‬
‫دا رسول الله‬ ‫ومقتضى شهادة أن محم ً‬
‫طاعته وتصديقه ‪ ،‬وترك ما نهى عنه ‪،‬والقتصار على العمل بسنته ‪ ،‬وترك ما‬
‫عداها من البدع والمحدثات ‪،‬وتقديم قوله‬
‫على قول كل أحد ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بطاقة سعودي تك(‬


‫صورة عمل البطاقة)*(‪:‬‬
‫د‪ .‬يوسف الشبيلي ]عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بجامعة‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المام[ ‪9/3/1425‬‬
‫‪28/04/2004‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فالحكم الشرعي لهذه البطاقة مبني على تكييفها الفقهي‪ ،‬فمن الواضح من‬
‫العرض السابق أن هذه البطاقة ليست بطاقة ائتمانية بالمفهوم المصرفي‬
‫در لحامل‬ ‫لبطاقات الئتمان والتي تتضمن في آلية عملها دينا ً من ال ُ‬
‫مص ِ‬
‫البطاقة‪ ،‬إذ إن مشتري هذه البطاقة يقوم بدفع قيمة مشترياته بها مسبقا ً‬
‫قبل استخدامه لها‪ ،‬فهي بطاقة مديونية ل دائنية‪ ،‬وإنما تحمل شعار الماستر‬
‫كارد ‪ ،‬وتأخذ رقما ً تسلسليا ً من أرقامها للستفادة من خدمات تلك المنظمة‪،‬‬
‫واستعمال شبكتها التصالية لتمام الصفقات التجارية عبر نقاط البيع‬
‫المرتبطة بمنظمة الفيزا أوالماستر كارد أو غيرها من شركات البطاقات‬
‫الئتمانية ‪.‬‬
‫وهذا النوع من البطاقات قد انتشر في الونة الخيرة‪ ،‬ويعرف ببطاقات‬
‫التخزين اللكتروني‪ ،‬أو البطاقات سابقة الدفع ‪ ،‬وتقوم المؤسسات المالية‬
‫بترويجه لعملئها‪ ،‬لسيما الذين لتتوفر فيهم شروط إصدار بطاقات الئتمان‬
‫العادية )القرضية( ‪.‬‬
‫والتخريج الشرعي لهذه البطاقة ليخلو من أحد أمرين ‪:‬‬
‫التخريج الول‪ :‬أن يكون لهذه البطاقة حكم الدين‪ ،‬فتعد البطاقة سندا ً بدين‬
‫من المشتري للمصدر‪ ،‬ويتم استيفاء ذلك الدين بما يتناقص من القيمة‬
‫المخزنة في البطاقة عند استخدامها‪ ،‬وعلى هذا فالعلقة بين المصدر‬
‫والمشتري هي علقة قرض‪ ،‬ففي الصورة المذكورة في السؤال كأن‬
‫المشتري قد أقرض المصدر )‪ (25‬دولرا ً ثم يسترد هذا المبلغ بما يشتريه‬
‫بالبطاقة‪.‬‬
‫ويترتب على هذا التخريج أنه لو باعها المصدر بثمن أقل من قيمتها المخزنة‬
‫فيها‪ ،‬فهو حرام لنه قرض جر منفعة للمقرض وهو هنا المشتري ‪ ،‬أما لو‬
‫باعها بثمن أكثر فهو قرض بشرط رد أقل من قيمته ‪ ،‬وهو جائز على الصحيح‬
‫من أقوال أهل العلم)‪. (1‬‬
‫وهذا التخريج – أعني تخريج البطاقة على عقد القرض – بعيد؛ لن البطاقة‬
‫لها قيمة اعتبارية بذاتها‪ ،‬فحاملها قد قبض قيمتها حقيقة‪ ،‬وتشبه هذه‬
‫البطاقات في نشأتها النقود الورقية في بداية ظهورها عندما كان يدون عليها‬
‫تعهد من البنك المصدر لحاملها بدفع قيمتها من الذهب عند الطلب‪ ،‬وهو ما‬
‫حدا ببعض العلماء في أول المر إلى أن يجعل لها – أي النقود الورقية ‪-‬حكم‬
‫الدين‪ ،‬ثم لم يعد لهذا القول حظ من النظر بعد أن انتشرت الوراق النقدية‪،‬‬
‫وأصبح لها من النفوذ والقبول والرواج في الوساط التجارية ما يجعلها تعادل‬
‫النقدين – الذهب والفضة – أو تتفوق عليهما‪ ،‬وبعد أن أدت تلك النقود دورها‬
‫بدأ العالم – كما يشير إلى ذلك كثير من القتصاديين – يتجه إلى عصر‬
‫اللنقد‪ ،‬أي العصر الذي تختفي فيه النقود الورقية‪ ،‬ويظهر التعامل بالنقود‬
‫البلستيكية من بطاقات ائتمان‪ ،‬وبطاقات خصم فوري‪ ،‬وبطاقات تخزين‬
‫وغيرها‪ ،‬والعالم يشهد تطورا ً رهيبا ً في هذه المجالت‪.‬‬
‫التخريج الثاني‪ :‬أن يكون لهذه البطاقة حكم النقد‪ ،‬وعلى هذا فالعقد بين‬
‫المصدر والمشتري هو عقد صرف‪ ،‬فيجب التقابض عند شراء البطاقة‪ ،‬كما‬
‫يجب التساوي بين القيمة المخزنة في البطاقة والقيمة التي اشتريت بها إذا‬
‫كانت القيمتان بعملة واحدة‪ ،‬أما إن اختلفت العملة فل مانع من اختلف‬
‫القيمتين‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا هو التخريج الصحيح؛ لن هذه البطاقات أصبح لها اليوم من الحماية‬


‫والقبول والرواج عند الناس مثل ما للنقود الورقية‪ ،‬فقبضها في قوة قبض‬
‫محتواها من النقود‪ ،‬وقد نص أهل العلم على أن المرجع في تحديد القبض‬
‫إلى العرف)‪ ، (2‬فحكم هذه البطاقات كحكم الشيك المصرفي المصدق‪ ،‬بل‬
‫البطاقات أكثر وضوحا ً في معنى النقدية من الشيكات لنها وسيلة للتبادل‬
‫التجاري بدون قيود بخلف الشيك فإنه ل يمكن صرفه إل لمن حرر لصالحه‪.‬‬
‫وبناء على هذا التخريج يمكن النظر في الرسوم التي يتقاضاها المصدر‪ ،‬وهل‬
‫هي تخل بشرط الصرف أم ل؟‬
‫فالمصدر يتقاضى في هذه المعاملة ثلثة أنواع من الرسوم‪:‬‬
‫الول‪ :‬رسوم الصرف‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالمشتري قد يشتري البطاقة بنفس العملة المخزنة فيها‪ ،‬بمعنى أنه يدفع )‬
‫‪ (25‬دولرا ً ليحصل على قيمة مخزنة في البطاقة بالدولر‪ ،‬وفي هذه الحال‬
‫يجب أن تكون القيمة المدفوعة مساوية للقيمة المخزنة‪ ،‬بدون زيادة ول‬
‫نقصان‪ ،‬وإل كان من ربا الفضل‪ ،‬أما لو اختلفت العملة فل مانع من اختلف‬
‫سعر صرف العملتين عن سعر الصرف في السوق‪ ،‬لن كل عملة تعد جنسا ً‬
‫مستقل ً بذاته على الصحيح من أقوال أهل العلم المعاصرين)‪ ، (3‬وإذا اختلف‬
‫الجنس لم يشترط التساوي‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬فإذا اختلفت‬
‫هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً بيد" رواه مسلم من حديث عبادة‬
‫بن الصامت ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،-‬وهذا في الواقع هو ما يتم في البطاقة‬
‫المذكورة في السؤال‪ ،‬فالمشتري يدفع )‪ (100‬ريال مقابل شحن البطاقة‬
‫بما يساوي )‪ (25‬دولرًا‪ ،‬أي أن المصدر يربح في صرف كل دولر ربع ريال‬
‫تقريبا ً )الدولر = ‪ 3.75‬ريال‪ ،‬وهنا جعل لكل دولر أربعة ريالت(‪ ،‬وهذا جائز‬
‫لختلف جنس العملتين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬رسوم الشتراك السنوي‪:‬‬
‫وهي تساوي )‪ (165‬ريال ً في صورة السؤال المذكور‪ ،‬وهذه جائزة‪ ،‬لنها‬
‫مقابل الخدمة المقدمة من المصدر والمتمثلة بإصدار البطاقة وتجديدها‪،‬‬
‫ولشك أن هذه الخدمة عمل متقوم شرعا ً يستحق عليه صاحبه الجر‪ ،‬فهي‬
‫ُتخرج شرعا ً على أنها من الجارة على العمال‪.‬‬
‫وهذه الرسوم جائزة سواء اشتريت البطاقة بنفس عملة القيمة المخزنة فيها‬
‫أو بعملة أخرى‪ ،‬ول يختل بذلك شرط الصرف‪ ،‬أما إذا اختلفت العملة فالمر‬
‫ل آخر ل علقة له‬ ‫ظاهر‪ ،‬وأما إذا اتحدت فلن هذه الرسوم مقابل عم ٍ‬
‫بالصرف‪ ،‬ولهذا نجد من علمائنا المتقدمين من ذهب إلى مثل هذا القول‪،‬‬
‫وأنه إذا كان العقد ل تجوز المفاضلة فيه‪ ،‬فقام أحد المتعاقدين بعمل يستحق‬
‫عليه الجر في ذلك العقد فيجوز له أخذ الجر بما يقابل ذلك العمل‪ ،‬فجوز‬
‫شيخ السلم ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله بيع المصوغ والحلية من‬
‫الذهب والفضة بمثل جنسه متفاضل ً إذا كان الفرق في مقابل أجرة الصنعة)‬
‫‪ ، (4‬كما قرر مجلس مجمع الفقه السلمي جواز أخذ الجور عن خدمات‬
‫القروض إذا كانت في حدود النفقات الفعلية‪ ،‬وذلك في جواب استفتاء مقدم‬
‫من البنك السلمي للتنمية)‪ ، (5‬وللجنة الدائمة للفتاء بالمملكة العربية‬
‫السعودية فتوى بنحو ذلك )‪.(6‬‬
‫والثالث ‪ :‬نسبة الخصم التي تؤخذ على التاجر الذي يشترى منه بالبطاقة‪:‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك أنه من المعروف أن شركات البطاقات الئتمانية تأخذ من التاجر نسبة "‬
‫عمولة "من قيمة المشتريات بالبطاقة‪ ،‬وجزء من هذه النسبة يعطى للجهة‬
‫المصدرة للبطاقة‪.‬‬
‫وهذه العمولة جائزة أيضا ً لنها في مقابل الخدمة التسويقية التي يقدمها‬
‫المصدر للتاجر‪ ،‬إذ من المعلوم أن كون التاجر يقبل البطاقات الئتمانية يعد‬
‫ذلك وسيلة جذب لحاملي تلك البطاقات للتسوق منه‪ ،‬وهذا العمل متقوم‬
‫شرعا ً يستحق عليه صاحبه العوض‪ ،‬ويمكن تخريجه على عقد السمسرة‪ ،‬وقد‬
‫نص الفقهاء على أن أجرة السمسار تلحق بالجعالة إذا كانت ل تستحق إل‬
‫بتمام العمل‪ ،‬قال في البهجة – عند الحديث على جواز الجارة على الشيء‬
‫ل()‪ ، (7‬وفي‬ ‫بجزء منه ‪) :-‬وعلى ذلك تخرج أجرة الدلل بربع عشر الثمن مث ً‬
‫عمدة القاري‪" :‬أجرة السمسار ضربان‪ :‬إجارة وجعالة ‪ ...‬والثاني‪ :‬ل يضرب‬
‫فيها أجل ول يستحق في الجعالة شيئا ً إل بتمام العمل()‪ ، (8‬ومن المعلوم أن‬
‫المصدر ل يستحق تلك العمولة إل بعد تمام العمل وهو شراء المشتري من‬
‫التاجر بالبطاقة‪.‬‬
‫وهذه العمولة جائزة سواء اشتريت البطاقة بنفس عملة القيمة المخزنة فيها‬
‫أو بعملة أخرى‪ ،‬لنفس التعليل الذي أشرنا إليه آنفا ً في رسوم الشتراك‪.‬‬
‫وبهذا يتبين جواز البطاقات ذات الدفع السابق ‪ ،‬وأن جميع الرسوم التي‬
‫تأخذها الشركة المصدرة من حامل البطاقة ل محظور فيها شرعًا‪ ،‬ما لم‬
‫تختلف قيمة شحن البطاقة عن القيمة المخزنة فيها وذلك فيما إذا كانت‬
‫عملة القيمتين واحدة‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫أن البطاقة بالوصف المذكور من أحد المشتركين جائزة‪ ،‬ول مانع من‬
‫الشتراك فيها بالنسبة للمسلم‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫)*( إفادة من أحد المشتركين في البطاقة‪:‬‬
‫بطاقة )سعودي تك( الشرائية للنترنت‪ ،‬كأي بطاقة ماستركارد‪ ،‬توفر لك‬
‫بطاقة )سعودي تك( إمكانية التسوق العالمي من خلل شبكة النترنت‪ ،‬إنها‬
‫ل‪ ،‬ويمكن‬ ‫بطاقة مدفوعة مسبقا ً ذات اشتراك سنوي مقداره )‪ (165‬ريا ً‬
‫استخدامها كنقد حقيقي لي شراء على النترنت‪ ،‬وهي ذات قيمة كبيرة لعدم‬
‫وجود أي تكاليف أو رسوم إضافية عليها أو على استخدامها‪ ،‬فقط أعد شحن‬
‫البطاقة في أي وقت وبكل سهولة لي عملية شراء ترغب بها‪ ،‬بطاقة‬
‫)سعودي تك( تمنحك المرونة والمان في تحديد استخدامك لها )ذات حد‬
‫أقصى ‪ 250‬دولرا ً أمريكيًا‪ ،‬وحد أدنى ‪ 25‬دولرا ً لعادة الشحن(‪.‬‬
‫لبطاقة )سعودي تك( رقم حساب ماستركارد مكون من )‪ (16‬رقمًا‪ ،‬أصدر‬
‫عن طريق )آل سرور لتقنية المعلومات(‪ ،‬قابل للستخدام والشراء في جميع‬
‫مواقع النترنت التي تقبل بطاقات ماستركارد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بطاقة )سعودي تك( هي بطاقة ماستركارد في جميع خصائصها باستثناء أنه ل‬


‫يمكن استخدامها كبطاقة ملموسة في عمليات الشراء‪.‬‬
‫بطاقة )سعودي تك( ل يمكن أن تستعمل لي عملية شراء تتطلب تقديم‬
‫بطاقة ماستركارد ملموسة ‪ ،‬كاستخدامها في منافذ البيع‪.‬‬
‫بطاقة )سعودي تك( ل يمكن أن تستعمل لعمليات الشراء عن طريق البريد‬
‫أو الهاتف‪ ،‬علوة على ذلك فإن بطاقة )سعودي تك( ل يمكن أن تستعمل‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لعمليات الشراء المزدوجة‪ ،‬على سبيل المثال‪ :‬ل يمكن شراء سلعة من خلل‬
‫النترنت يتطلب تقديم بطاقة ماستركارد ملموسة تحمل نفس رقم الحساب‬
‫لتسليمها إلى المشتري‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وهي صالحة للستخدام لمدة سنة‪،‬‬ ‫العرض الخاص‪ :‬قيمة البطاقة ‪ 265‬ريا ً‬
‫وتحمل قيمة شرائية أولية تعادل ‪ 25‬دولرا ً أمريكيًا‪ ،‬وتحصل معها على عشر‬
‫ساعات إنترنت مجانية‪ ،‬وتتم إعادة شحن البطاقة بنفس الطريقة من‬
‫مضاعفات الـ ‪ 25‬دولرًا‪ ،‬وقيمة الدولر تساوي أربعة ريالت‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر ‪ :‬مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ 20/515‬البهجة شرح التحفة ‪2/288‬‬
‫حاشية الجمل ‪3/261‬‬
‫)‪(2‬انظر ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ 5/244‬المنتقى للباجي ‪ 6/97‬المغني ‪4/125‬‬
‫)‪ (3‬الورق النقدي حقيقته وتاريخ وحكمه ص ‪113‬‬
‫)‪(4‬انظر ‪ :‬أعلم الموقعين ‪2/140‬‬
‫)‪(5‬مجلة المجمع ‪305 /3‬‬
‫)‪(6‬مجلة البحوث السلمية )‪(18/81 ) (8/147‬‬
‫)‪(7‬البهجة شرح التحفة ‪2/181‬‬
‫)‪(8‬عمدة القاري‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سيرة ذات ِّية للمسافر في الرحلة الب َدِّية‬ ‫بطاقة ِ‬


‫اقتباس وتنسيق ‪ :‬فيصل بن محمد الحجي‬
‫أ معلومات ) جواز سفر ( المسافر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬السم ‪ :‬إنسان ‪ ...‬ابن آدم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجنسية ‪ :‬من التراب وإلى التراب يعود ‪.‬‬
‫‪ - 3‬العنوان ‪ :‬كوكب الرض ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 4‬العلمات الفارقة ‪ :‬يأتي إلى الدنيا بل اختياره ‪ ،‬وُيغادرها رغما عن أنفه ‪.‬‬
‫مة للرحلة ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬البيانات العا ّ‬
‫‪ -1‬محطة المغادرة ‪ :‬الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫‪ - 2‬محطة الوصول ‪ :‬الدار الخرة ‪.‬‬
‫س بأيّ أرض‬ ‫ً‬
‫ب غدا وما تدري نف ٌ‬ ‫س ُ‬‫س ماذا تك ِ‬ ‫‪ - 3‬ساعة القلع ‪ :‬وما تدري نف ٌ‬
‫ت )‪(1‬‬‫تمو ُ‬
‫‪ -4‬الثياب المسموح بها ‪ - :‬متران من قماش أبيض ‪ ..‬فقط ‪.‬‬
‫‪ - 5‬الحمولة المسموح بها ‪ :‬العمل‬
‫‪ - 6‬الحمولة غير المسموح بها ‪ :‬الهل و المال ‪.‬‬
‫‪ - 7‬الشياء المسموح بشحنها بعد الرحلة ‪:‬‬
‫فع به ج‪ -‬وَلد صالح يدعو له ‪.‬‬ ‫علم ُينت َ َ‬
‫صدقة جارية ب‪ِ -‬‬ ‫أ‪َ -‬‬
‫‪ - 9‬شروط الرحلة السعيدة ‪:‬‬
‫على حضرات المسافرين إتباع التعليمات الواردة في كتاب الله وسنة رسوله‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫سها هي ‪:‬‬‫س َ‬‫نأ ُ‬ ‫وإ ّ‬
‫‪ -‬طاعة الله ومحبته وخشيته ‪.‬‬
‫‪ -‬التذكر الدائم للموت ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون مأكلك ومشربك من الحلل ‪.‬‬
‫‪ -‬بر الوالدين ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬النتباه إلى أنه ل يوجد في الخرة سوى الجنة أو النار ‪!...‬‬


‫للمزيد من المعلومات ‪ :‬يرجى التصال بكتاب الله وسنة رسوله الكريم ‪.‬‬
‫ي ومباشر‪.‬‬ ‫للِعلم ‪ :‬التصال مجان ّ‬
‫ج ‪ -‬خطوط السفر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬خط السفر الول ‪ :‬الدنيا ‪ <--‬البرزخ ‪ <--‬يوم الحساب ‪ <--‬جهنم ‪.‬‬
‫وون للسفر على هذا الخط ‪ :‬الكافرون والمشركون والمنافقون‬ ‫ً‬
‫أ – المد ْعُ ّ‬
‫والفاسقون ‪.‬‬
‫ت منه تحيد )‪. (2‬‬ ‫ت بالحقّ ذلك ما كن َ‬ ‫ت سكرة المو ِ‬ ‫ب – نوع التذكرة ‪ :‬وجاء ْ‬ ‫ً‬
‫ت والملئكة‬ ‫ت المو ِ‬ ‫مرا ِ‬ ‫ج ‪ -‬إجراءات السفر ‪ :‬ولو ترى إذ ِ الظالمون في غَ َ‬ ‫ً‬
‫ب الُهون بما كنتم تقولون‬ ‫ن عذا َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫سكم اليو َ‬ ‫باسطو أيديهم ‪ :‬أخرجوا أنف َ‬
‫على الله غيَر الحقّ و كنتم عن آياته تستكبرون )‪. (3‬‬
‫ّ‬
‫ب ارجعون لعلي‬ ‫ت قال‪ :‬ر ّ‬ ‫دهم المو ُ‬ ‫د ً ‪ -‬رغبات المسافرين ‪:‬حتى إذا جاء أح َ‬
‫ت‪ !..‬كل ّ إّنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى‬ ‫ل صالحا ً فيما ترك ُ‬ ‫أعم ُ‬
‫يوم ُيبعثون )‪.(4‬‬
‫فر النار )‪.(5‬‬ ‫ح َ‬ ‫هً – ضيافة المسافرين في البرزخ ‪ :‬القبر حفرة من ُ‬
‫م‬
‫سيق الذين كفروا إلى جهن ّ َ‬ ‫وً ‪ -‬مراسم الستقبال في المحطة الخيرة ‪ :‬و ِ‬
‫س ٌ‬
‫ل‬ ‫ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫تكم‬
‫ِ‬ ‫يأ‬ ‫ألم‬ ‫‪:‬‬ ‫تها‬
‫ُ‬ ‫خزن‬ ‫ت أبواُبها و قال لهم‬ ‫ح ْ‬‫مرا ‪ ،‬حتى إذا جاؤوها فُت ِ َ‬ ‫ُز َ‬
‫مكم هذا ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪،‬‬ ‫ت رّبكم و ُينذرونكم لقاَء يو ِ‬ ‫ن عليكم آيا ِ‬ ‫منكم يتلو َ‬
‫ل ‪ :‬ادخلوا أبواب جهّنم خالدين‬ ‫ب على الكافرين * قي َ‬ ‫ت كلمة العذا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ولكن َ‬
‫فيها فبئس مثوى المتكّبرين )‪.(6‬‬
‫طة الخيرة ‪:‬‬ ‫ًز ‪ -‬نظام القامة في المح ّ‬
‫سرابيلهم‬ ‫قّرنين في الصفاد * َ‬ ‫م َ‬ ‫ً‪ – 1‬الماّدة الولى ‪ :‬و ترى المجرمين يومئذ ٍ ُ‬
‫ههم الناُر )‪. (7‬‬ ‫طران و تغشى وجو َ‬ ‫من قَ ِ‬
‫ن يستغيثوا‬ ‫سراِدقها و إ ْ‬ ‫ً‬
‫ً‪ – 2‬الماّدة الثانية ‪ :‬إّنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم ُ‬
‫مرتفقا )‪. (8‬‬ ‫ت ُ‬ ‫ب وساء ْ‬ ‫ُيغاثوا بماٍء كالمهل يشوي الوجوهَ بئس الشرا ُ‬
‫ب الجّنة‪ :‬أن أفيضوا علينا من‬ ‫ب النار أصحا َ‬ ‫ً‪ – 3‬الماّدة الثالثة ‪ :‬ونادى أصحا ُ‬
‫ن الله حّرمهما على الكافرين )‪.(9‬‬ ‫ما رزقكم الله ‪ !..‬قالوا ‪ :‬إ ّ‬ ‫الماء أو م ّ‬
‫قض علينا رب ّك ‪ ،‬قال ‪ :‬إّنكم ماكثون‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ً‪ – 4‬الماّدة الرابعة ‪ :‬و ناد َْوا ‪ :‬يا مال ِك ل ِي َ ْ‬
‫)‪. (10‬‬
‫ن له جهّنم ل يموت فيها و ل‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫مجرم‬ ‫ِ ّ ُ‬‫به‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫يأ‬ ‫من‬ ‫نه‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫الخامسة‬ ‫دة‬
‫ّ‬ ‫الما‬ ‫ً‪– 5‬‬
‫يحيى ‪. (11) !ّ...‬‬
‫ً‪ ................... - 9ً ................ - 8ً .................. - 7ً .............. - 6‬الخ‬
‫ملحظة ‪:‬‬
‫صة فيحتلون مقاعد )الدرجة الولى( في‬ ‫ّ‬ ‫ً‪ – 1‬يحظى المنافقون بعناَية خا ّ‬
‫جهّنم ‪.‬‬
‫مكرمة الرحمة فإّنهم ُيمَنحون )رحلة إضافّية مجانّية(‬ ‫ً‪ – 2‬إذا فاز الفاسقون ب َ‬
‫من جهّنم إلى الجّنة بعد‬
‫حد َّدة ‪.‬‬
‫م َ‬
‫انقضاء فترة ُ‬
‫جّنة‬
‫‪ – 2‬خط السفر الثاني ‪ :‬الدنيا ‪ <--‬البرزخ ‪ <--‬يوم الحساب ‪ <--‬ال َ‬
‫ون للسفر على هذا الخط ‪ :‬المؤمنون التقياء ‪ ،‬والتائبون الصادقون‬ ‫مد ْعُ ّ‬ ‫أ – ال َ‬
‫حد َّدة للتوبة‬ ‫م َ‬ ‫قبل انقضاء الفترة ال ُ‬
‫ب – نوع التذكرة ‪ :‬توفني مسلما وَ ألحقني بالصالحين )‪(12‬‬‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫دموا المزيد من العمال الصالحة ‪.‬‬ ‫و على الراغبين بالدرجة الولى أن ُيق ّ‬
‫م عليكم‬ ‫ٌ‬ ‫سل‬ ‫‪:‬‬ ‫يقولون‬ ‫يبين‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫الملئكة‬ ‫ج – إجراءات السفر ‪ :‬الذين تتوفاهم‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أدخلوا الجّنة بما كنتم تعملون )‪(13‬‬


‫ب الجحيم )‪. (14‬‬ ‫ل يذوقون فيها الموت إل ّ الموتة الولى ووقاهم عذا َ‬
‫منوا برّبكم ‪،‬‬ ‫د– رغبات المسافرين‪ :‬رّبنا إّننا سمعنا مناديا ً ُينادي لليمان‪ :‬أ ْ‬
‫نآ ِ‬
‫فْر عّنا سّيئاتنا وَتوّفنا مع البرار * رّبنا وآِتنا ما‬
‫فرلنا ذنوبنا وك ّ‬ ‫فآمّنا ‪ ،‬رّبنا فاغ ِ‬
‫ف الميعاد)‪. (15‬‬ ‫خل ِ ُ‬
‫خزنا يوم القيامة إّنك ل ت ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬
‫ك ول ت ُ ْ‬ ‫دتنا على ُر ُ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫ه ‪ -‬ضيافة المسافرين في البرزخ ‪ :‬القبر روضة من رياض الجّنة )‪.(16‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سيق الذين اتقوا رّبهم إلى‬ ‫طة الخيرة ‪ :‬و ِ‬ ‫و – مراسم الستقبال في المح ّ‬
‫م عليكم‬ ‫ت أبواُبها وقال لهم خزنُتها‪ :‬سل ٌ‬ ‫ح ْ‬ ‫مرا‪ ،‬حتى إذا جاؤوها وفُت ِ َ‬ ‫الجّنة ُز َ‬
‫ض‬
‫ط ِب ُْتم فاْدخلوها خالدين * وقالوا‪ :‬الحمد ُ للهِ الذي صدقنا وعد َهُ وأورثنا الر َ‬
‫وأ من الجن ّةِ حيث نشاُء فنعم أجُر العاملين )‪.(17‬‬ ‫نتب ّ‬
‫ّ‬
‫ز ‪ -‬نظام القامة في المحطة الخيرة ‪:‬‬
‫ف عليكم و ل أنتم تحزنون * الذين آمنوا‬ ‫عباد ِ ل خو ٌ‬ ‫ً‪ – 1‬الماّدة الولى ‪ :‬يا ِ‬
‫ف‬‫حَبرون * ُيطا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م تُ ْ‬
‫جك ْ‬ ‫جّنة أنتم وَ أزوا ُ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫بآياتنا و كانوا مسلمين * أد ُ‬
‫ن‪،‬و‬ ‫َ‬
‫س وَ ت َلذ ّ العْي ُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب ‪ ،‬و فيها ما تشتهيه الن ْ ُ‬ ‫ب و أكوا ٍ‬ ‫من ذهَ ٍ‬ ‫ف ِ‬ ‫صحا ٍ‬ ‫عليهم ب ِ‬
‫أنتم فيها خالدون )‪.(18‬‬
‫جن ّةٍ عال َِية * ل‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫*‬ ‫راضية‬ ‫سعيها‬ ‫ِ َ‬ ‫ل‬ ‫*‬ ‫مة‬ ‫ع‬
‫َ ِ ٍ ِ َ‬‫نا‬ ‫ذ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫يو‬ ‫ً‪ – 2‬الماّدة الثانية ‪ :‬وُ ُ ٌ‬
‫ه‬ ‫جو‬
‫وضوعة‬ ‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫كوا ٌ‬ ‫مرفوعة * وَ أ ْ‬ ‫سُرٌر َ‬ ‫ن جارية * فيها ُ‬ ‫معُ فيها لِغية * فيها عي ٌ‬ ‫تس َ‬
‫مْبثوثة)‪. (19‬‬ ‫ي َ‬‫صفوفة * وَ زراب ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫* و نمارقُ َ‬
‫من ماٍء غير‬ ‫مّتقون ‪ :‬فيها أنهاٌر ِ‬ ‫عد َ ال ُ‬ ‫جن ّةِ التي وُ ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫مث َ ُ‬‫ً‪ – 3‬الماّدة الثالثة ‪َ :‬‬
‫ذة للشاربين ‪ ،‬و‬ ‫َ‬
‫من خمر ل ّ‬ ‫ه ‪ ،‬و أنهاٌر ِ‬ ‫م ً‬ ‫من لَبن لم يت َغَي ّْر طع ُ‬ ‫سن ‪ ،‬و أنهاٌر ِ‬ ‫آ ِ‬
‫من َرّبهم )‬ ‫ت ‪ ،‬و مغفرة ِ‬ ‫مرا ِ‬ ‫ل الث َ‬‫من ك ّ‬ ‫فى ‪ ،‬و لهم فيها ِ‬ ‫ص ّ‬
‫م َ‬‫من عسل ُ‬ ‫أنهاٌر ِ‬
‫‪.(20‬‬
‫شُغل فاكهون * هم و‬ ‫ب الجن ّةِ اليوم في ُ‬ ‫ن أصحا َ‬ ‫ً‪ – 4‬الماّدة الرابعة ‪ :‬إ َ‬
‫دعون‬ ‫مّتكئون * لهم فيها فاكهة ‪ ،‬ولهم ما ي ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫أزواجهم في ظلل على الرائ ِ‬
‫ب رحيم )‪.(21‬‬ ‫م قول ً من ر ّ‬ ‫* سل ٌ‬
‫ً‪8ً ........................... - 7ً .................... - 6ً ................... - 5‬‬
‫‪ ............................. -‬الخ‬
‫خلصة ‪:‬‬ ‫ال ُ‬
‫ح عن‬ ‫حز‬
‫َ ُ ْ َ‬ ‫ز‬ ‫من‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫القيامة‬ ‫يوم‬ ‫ركم‬ ‫جو‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ّ ُ َ ْ َ ُ َ‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫نما‬ ‫وإ‬ ‫‪،‬‬ ‫الموت‬ ‫ذائقة‬ ‫س‬
‫ٍ‬ ‫نف‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫‪-‬ك‬
‫جّنة فقد فاز ‪ !...‬و ما الحياة الدنيا إل ّ متاع الُغرور )‪. (22‬‬ ‫ل ال َ‬ ‫خ َ‬ ‫النار و أد ْ ِ‬
‫‪----------------‬‬
‫الهوامش‬
‫)‪ (1‬لقمان ‪ (2) 34 :‬ق ‪ (3) 19 :‬النعام ‪ (4) 93 :‬المؤمنون ‪ (5) 99 :‬رواه‬
‫مر ‪ (7) 71 – 70 :‬إبراهيم ‪ (8) 50-49 :‬الكهف ‪(9) 29 :‬‬ ‫الترمذي )‪ (6‬الز َ‬
‫أعراف ‪ (10) 50 :‬الزخرف ‪ (11) 77 :‬طه ‪ (12) 74 :‬يوسف ‪(13) 101 :‬‬
‫النحل ‪ (14) 32 :‬الدخان ‪ (15) 56 :‬آل عمران ‪ (16) 194 – 193 :‬رواه‬
‫الترمذي )‪ (17‬الزمر – ‪ (18) 74 – 73‬الزخرف ‪ (19) 71-68 :‬الغاشية ‪-8 :‬‬
‫‪ (20) 16‬محمد ‪ (21) 15 :‬يس ‪(22) 85-55 :‬آل عمران ‪185 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بطاقة معايدة إلى كل شارون‬


‫د‪.‬خالد بن سعود الحليبي ‪4/10/1425‬‬
‫‪17/11/2004‬‬
‫لم يعد شارون وجها ً واحدًا؛ بل تعددت الوجوه‪ ،‬وشاهت‪ ،‬وتنمرت القطط‪،‬‬
‫واستنسر البغاث‪ ،‬وسقط الجمل فكثرت السكاكين الصدئة‪ ،‬فإلى كل الجبناء‪،‬‬
‫الذين ل تظهر شجاعتهم أمام القوياء إل وهم محاصرون‪ ،‬ول يكشفون‬
‫وجوههم إل أمام السرى‪ ،‬ول تتضخم عضلتهم إل عند أكياس الرمل المعلقة‪،‬‬
‫ول يقاتلون إل في قرى محصنة أو من وراء جدر‪ ،‬أو تحت غطاء قنابل النابالم‬
‫والعنقودية والكيماوية ‪!..‬‬
‫أيها الجبناء ‪..‬‬
‫سوف نفرح بالعيد لنفقأ بابتسامات أطفالنا أعينكم المتطلعة لدمعاتهم ‪،‬‬
‫ل وهج البياض في‬ ‫سوف نلبس الجديد لنعلن أننا أمة شعائر ل شعارات ‪ ..‬ع ّ‬
‫ثيابنا يصهر سواد قلوبكم ‪ ،‬سوف نرفع التكبير لنصدع به أفئدتكم في كل‬
‫مكان تظنون أنكم سيطرتم على أرضه‪ ،‬وإن كنتم تعلمون بأنكم لن‬
‫تستطيعوا ‪-‬بإذن الله ‪ -‬أن تسيطروا على قلوب أهله ‪..‬‬
‫عليكم بالعملء ‪ ..‬ليدلوكم على كل أحمد ياسين‪ ،‬ولينتصبوا فوق كل كرسي‬
‫صنعتموه من قش مزابل التاريخ ‪ ،‬وليكونوا أتراسا ً ملحية لصدوركم المتقيحة‬
‫بصديد الحقد‪.‬‬
‫أيها التعساء ‪..‬‬
‫إن كل عيد يمر بنا يثير فينا من المشاعر ما يكفي ليكون وقودا ً لستمرار‬
‫مسيرة الحرية ‪ ،‬مهما كانت حمراء الوداج‪.‬‬
‫إن القتل الذي تعودته أيديكم المجرمة في الشعوب المستضعفة ‪ ،‬لن يؤرث‬
‫غير الثأر‪ ،‬وإن الجبروت الذي تفرضون عنفوانه على أعناق البشر الذين‬
‫يعتنقون دين السلم‪ ،‬لن يسقي في قيعان نفوسهم غير بذرة المقاومة التي‬
‫تخافون شررها كخيفتكم مرض اليدز الذي أفرزته أرجاس أخلقكم )النبيلة(‬
‫التي يضرب بها المخدوعون المثال‪.‬‬
‫ً‬
‫سجلوا انتصاراتكم على أمة كبلتم أكتافها‪ ،‬وألهيتم كثيرا من شبابها‪ ،‬وتفضلتم‬
‫أنتم بمنحها أسلحتها‪ ،‬وحاصرتم اقتصادها‪ ،‬وأقصيتم حكم الله عن أكثر‬
‫أراضيها‪ ،‬وقستم مدى خطواتها‪ ،‬حتى ل تمتد إلى أكثر مما قدرتم لها‪...‬‬
‫ل ‪ ..‬أنتم لم تستفيدوا من التاريخ كما ينبغي ‪..‬‬
‫هذه المة خلقت لتبقى ‪..‬‬
‫هذه المة بعثت لتسود ‪..‬‬
‫وهذا الدين جاء ليظهر على الدين كله ولو كره الكافرون والمنافقون ‪..‬‬
‫حسَرةً‬ ‫ن عََليِهم َ‬ ‫م تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫فأنفقوا ما شئتم من الموال والعتاد ‪) ..‬فَ َ‬
‫سُينفِ ُ‬
‫ن( ]النفال‪.[36:‬‬ ‫م ُيغل َُبو َ‬
‫ثُ ّ‬
‫فمستقبل أمتنا الذي تحاولون قص أجنحته‪ ..‬سوف يطير إلى المجد الذي‬
‫قدره الله له‪ ،‬وما تفعلونه اليوم في كل بلدة مزقتم جلدها بشفرات الحقد‬
‫المعتق ‪ ..‬ليس إل محاولة لتأخير ذلك القدر القادم بإذن الله ‪..‬‬
‫لقد حاول أجدادكم ذلك مرارا ً ففشلوا ‪ ،‬وخرجوا من ديارنا يجللهم عار‬
‫الفضيحة قبل الهزيمة‪.‬‬
‫وأنتم كذلك ‪ ..‬فالتاريخ يعيد نفسه ‪ ..‬والوعد أجل من أن ينقض ‪ ..‬والله غالب‬
‫على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬
‫معايدتان ‪..‬‬
‫أيها الصامدون على روابي فلسطين‪ ،‬وبين الرافدين‪ ،‬وفي كل مكان‪..‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما َتأَلمو َ‬
‫ن‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن فَإ ِن ُّهم َيأل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫كوُنوا َتأل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫قوم ِ ِإن ت َ ُ‬ ‫)وَل َ ت َهُِنوا ِفي ابت َِغاِء ال َ‬
‫كيمًا(‪.‬‬ ‫ه عَِليما ً َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫كا َ‬‫ن وَ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ما ل َ َير ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫جو َ‬ ‫وََتر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مِني َ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ن ِإن كنُتم ّ‬ ‫م العلو َ‬ ‫)وَل َ ت َهُِنوا وَل َتحَزُنوا وَأنت ُ ُ‬
‫َ‬
‫وياوطني ‪..‬‬
‫أحلى العياد بعد أن تعافيت من كدر الجرام ‪ ،‬وتساميت عن مهاترات‬
‫القزام‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بطانة السوء‬
‫محمد حسن يوسف‬
‫>‪TD/‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ما بعث الله من نبي ول استخلف من خليفة إل له بطانتان‪ :‬بطانة تأمره‬
‫بالخير وتحضه عليه‪ ،‬وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه‪ .‬فالمعصوم من عصم‬
‫الله تعالى‪ ] .‬صحيح البخاري‪ 6611 ،‬و ‪ .[ 7198‬وفي رواية هذا الحديث عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ل إل وله بطانتان‪ ،‬بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر‪ ،‬وبطانة‬ ‫ما من وا ٍ‬
‫ل تألوه خبال‪ ،‬فمن ُوقي شرها فقد ُوقي‪ ،‬وهو من التي تغلب عليه منهما‪.‬‬
‫] صحيح ‪ /‬صحيح سنن النسائي لللباني‪.[ 4212 ،‬‬
‫ل‬‫هاتان الروايتان تفسران بعضهما بعضا‪ .‬ففي رواية أبي هريرة‪ " ،‬ما من وا ٍ‬
‫"‪ ،‬وهي أعم‪ .‬والخير الذي تأمر به البطانة الصالحة هو المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬على ما جاء في رواية أبي هريرة‪.‬‬
‫جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلني ) ج‪:‬‬
‫‪ ،13‬ص‪ :( 202 :‬البطانة‪ :‬الدخلء‪ ،‬جمع دخيل‪ ،‬وهو الذي يدخل على الرئيس‬
‫في مكان خلوته‪ ،‬ويفضي إليه بسره‪ ،‬ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه‬
‫من أمر رعيته‪ ،‬ويعمل بمقتضاه‪ .‬وقال المباركفوري في تحفة الحوذي بشرح‬
‫الترمذي ) ج‪ ،6 :‬ص‪ " :( 237 :‬إل وله بطانتان "‪ :‬البطانة‪ :‬الصاحب‪ ،‬وهو‬
‫الذي ُيعّرفه الرجل أسراره ثقة به‪ ,‬شبهه ببطانة الثوب‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬وتحضه عليه "‪ :‬أي ترغبه فيه وتؤكده عليه‪ .‬وقوله في الرواية‬
‫الخرى‪ " :‬بطانة تأمره بالمعروف "‪ :‬أي ما عرفه الشرع وحكم بحسنه‪" ،‬‬
‫وتنهاه عن المنكر "‪ :‬أي ما أنكره الشرع ونهى عن فعله‪.‬‬
‫وقوله " ل تألوه خبال "‪ :‬أي ل تقصر في إفساد أمره لعمل مصلحتهم‪ ,‬وهو‬
‫ْ‬
‫خَبال ً ? [ آل عمران‪ .] 118 :‬وقوله‪" :‬‬ ‫اقتباس من قوله تعالى‪ ? :‬ل ي َأُلون َك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫فالمعصوم من عصم الله "‪ ،‬وفي الرواية الخرى‪ " :‬ومن وقي شرها فقد‬
‫وقي "‪ :‬والمراد به إثبات المور كلها لله تعالى‪ :‬فهو الذي يعصم من شاء‬
‫منهم‪ " .‬فالمعصوم من عصمه الله ل من عصمته نفسه "‪ ،‬إذ ل يوجد من‬
‫تعصمه نفسه حقيقة إل إن كان الله عصمه‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪ :‬والمراد به إثبات المور كلها لله تعالى‪ ،‬فهو الذي يعصم من‬
‫شاء منهم‪ .‬فالمعصوم من عصمه الله‪ ،‬ل من عصمته نفسه‪ .‬إذ ل يوجد من‬
‫تعصمه نفسه حقيقة‪ ،‬إل إن كان الله عصمه ‪.‬‬
‫وفيه إشارة إلى أن ثم قسما ثالثا‪ ،‬وهو‪ :‬أن من يلي أمور الناس قد يقبل من‬
‫بطانة الخير دون بطانة الشر دائما‪ ,‬وهذا اللئق بالنبي‪ ,‬ومن ثم عبر في آخر‬
‫الحديث بلفظة " العصمة "‪ .‬وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير‪,‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا قد يوجد ول سيما ممن يكون كافرا‪ .‬وقد يقبل من هؤلء تارة ومن‬
‫هؤلء تارة‪ ,‬فإن كان على حد سواء فلم يعترض له في الحديث لوضوح الحال‬
‫فيه‪ ،‬وإن كان الغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير‬
‫وإن شرا فشر‪.‬‬
‫قال ابن التين‪ " :‬يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين الوزيرين‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون الملك والشيطان "‪ .‬وقال الكرماني‪ " :‬يحتمل أن يكون المراد‬
‫بالبطانتين‪ :‬النفس المارة بالسوء‪ ،‬والنفس اللوامة المحرضة على الخير "‪،‬‬
‫إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية انتهى‪ .‬والحمل على الجميع أولى إل‬
‫أنه جائز أن ل يكون لبعضهم إل البعض‪.‬‬
‫وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬لنه وإن جاز‬
‫عقل‪ ,‬أن يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه ل يتصور منه أن‬
‫يصغى إليه‪ ,‬ول يعمل بقوله لوجود العصمة‪ .‬وأجيب بأن في بقية الحديث‬
‫الشارة إلى سلمة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك‪ ،‬بقوله‪ " :‬فالمعصوم‬
‫من عصم الله تعالى "‪ .‬فل يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بالشر‪ ،‬أن يقبل منه‪ .‬وقيل‪ " :‬المراد بالبطانتين في حق النبي‪:‬‬
‫الملك والشيطان "‪ ،‬وإليه الشارة بقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ولكن الله‬
‫أعانني عليه فأسلم "‪.‬‬
‫وفي معنى الحديث السابق‪ ،‬الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي‬
‫الله عنها‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬من ولي منكم عمل‪،‬‬
‫فأراد الله به خيرا‪ ،‬جعل له وزيرا صالحا‪ ،‬إن نسي ذ ّ‬
‫كره‪ ،‬وإن ذكر أعانه‪.‬‬
‫] صحيح ‪ /‬صحيح سنن النسائي لللباني‪.[ 4215 ،‬‬
‫ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن التين قوله‪ ،‬أنه " ينبغي للحاكم أن يتخذ من‬
‫يستكشف له أحوال الناس في السر‪ ,‬وليكن ثقة مأمونا فطنا عاقل "‪ ،‬لن‬
‫المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من ل يوثق به إذا‬
‫كان هو حسن الظن به‪ .‬فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك‪.‬‬
‫وفي أيامنا هذه‪ ،‬نجد أنه بمجرد تولي المسئول لمهام منصبه يكون أمامه‬
‫خياران عند اختيار أفراد حاشيته‪ ،‬فإما أن يختارها من أهل الثقة‪ ،‬وإما أن‬
‫تكون من أهل الخبرة‪ .‬فأهل الثقة يضمن بهم المسئول استمراره في‬
‫كرسيه‪ ،‬حتى ولو لم يؤد ِ المهام المنوطة به‪ .‬أما أهل الخبرة فيؤدي بهم‬
‫المسئول عمله على أكمل وجه‪ ،‬ولكن يكون استمراره في منصبه محل شك‬
‫كبير‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولذلك يفضل الكثير من المسئولين إحاطة أنفسهم بحاشية من أهل الثقة‪،‬‬


‫لضمان بقائهم واستمرارهم في مناصبهم لطول وقت ممكن‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن اعتبارات مصلحة البلد أو العباد‪ .‬فالمصلحة الشخصية عندهم أهم من أي‬
‫شيء آخر‪.‬‬
‫ويشيع بين الناس مقولة‪ ،‬مفادها " إن الوزير إذا دخل الوزارة فقد نصف‬
‫عقله‪ ،‬فإذا خرج منها‪ ،‬فقد عقله كله "‪ .‬وذلك مما يجده أثناء توليه لمهام‬
‫منصبه من صلحيات وامتيازات‪ .‬فهو سيد مطاع‪ ،‬يخضع له الجميع بتنفيذ‬
‫الوامر‪ ،‬ويدين له الكل بالطاعة‪ .‬فإذا خرج من الوزارة طاش لبه من فقدانه‬
‫لكل ذلك النعيم الذي كان فيه‪ ،‬ومن تغير الناس له‪ ،‬وتنكرهم لشخصه‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬بمجرد تولي الوزير لمهام منصبه‪ ،‬يلتف حوله حاشية من‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسئولين‪ ،‬هدفها إحباطه عن أداء دوره‪ ،‬أو محاولة حبسه داخل مكتبه‪.‬‬
‫وتعتبر هذه الحاشية من أهم أسباب فشل الوزراء‪ .‬ويكون أفراد تلك الحاشية‬
‫ممن يقلبون المور والصور‪ ،‬ليجعلوا من الصورة المضيئة صورة معتمة‪ ،‬أو‬
‫من الصورة المعتمة صورة مضيئة‪ ،‬حتى تنقلب الموازين أمام الوزير‪ .‬وهناك‬
‫من الوزراء من يستسلم ويذعن‪ ،‬إل أن هناك منهم من يرفض كل القيود‬
‫المفروضة حوله‪ ،‬ويصر على نزع جدران مكتبه والنطلق إلى مكاتب أفراد‬
‫وزارته للتعرف بنفسه على المشاكل دون وسيط قد يغير من الصورة‪.‬‬
‫وتتنوع أهداف بطانة السوء من حجب الناس عن المسئول‪ .‬فمنهم من يريد‬
‫أن يقوى نفوذه ويكون هو صاحب المر والنهي‪ .‬فالمسئول ل يعرف غيره‪،‬‬
‫ومن ثم ينقل أوامره إليه‪ .‬ويكون عليه هو إبلغ تلك الوامر إلى بقية‬
‫المرؤوسين‪ .‬فيبلغها إليهم وكأنه هو من أصدر تلك الوامر‪.‬‬
‫ومنهم من يحاول استغلل قربه من المسئول في تحقيق المكاسب الخاصة‬
‫من جراء علقته به‪ .‬فهو يلهث ورائه لنتزاع توقيعاته بالموافقة على أسفار‬
‫واجتماعات ومقابلت يقوم بها‪ ،‬ليجمع من ورائها من الموال التي ما كان‬
‫يحلم أن يجمعها في حياته بعيدا عن ذلك المسئول‪.‬‬
‫ولذلك فهذه النوعية من بطانة السوء ل تطيق أن ترى أحدا غيرها في مكتب‬
‫المسئول‪ .‬ذلك أن دخول أي فرد إلى المسئول‪ ،‬إذا أثبت كفاءة ما‪ ،‬ففي ظن‬
‫تلك البطانة أنها سُتحرم من مكانها بقرب هذا المسئول‪ ،‬ومن ثم فسُتحرم‬
‫من النعيم الذي تعيش فيه‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ابن قيم الجوزية في كتابه الماتع‪ :‬الفوائد‪ :‬قول الله تعالى‪ ? :‬وَإ ِ ْ‬ ‫قال‬
‫َّ‬
‫ه ? [ الحجر‪ ،] 21 :‬متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كل‬ ‫خَزائ ِن ُ ُ‬‫عن ْد ََنا َ‬
‫يٍء إل ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫شيء ل يطلب إل ممن عنده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيديه‪ .‬وأن طلبه‬
‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫من غيره طلب ممن ليس عنده ول يقدر عليه‪ .‬وقوله‪ ? :‬وَأ ّ‬
‫من ْت ََهى ? [ النجم‪ ،] 42 :‬متضمن لكنز عظيم‪ ،‬وهو أن كل مراد إن لم يرد‬ ‫ال ْ ُ‬
‫لجله ويتصل به وإل فهو مضمحل منقطع‪ ،‬فإنه ليس إليه المنتهى‪ ،‬وليس‬
‫المنتهى إل إلى الذي انتهت إليه المور كلها فانتهت إلى خلقه ومشيئته‬
‫وحكمته وعلمه‪ ،‬فهو غاية كل مطلوب‪ ،‬وكل محبوب ل ُيحب لجله فمحبته‬
‫عناء وعذاب‪ ،‬وكل عمل ل يراد لجله فهو ضائع وباطل‪ ،‬وكل قلب ل يصل‬
‫إليه فهو شقي محجوب عن سعادته وفلحه‪ ،‬فاجتمع ما يراد منه كله في‬
‫َ‬
‫ه ?‪ ،‬واجتمع ما يراد له كله في قوله‪? :‬‬ ‫خَزائ ِن ُ ُ‬ ‫يٍء ّإل ِ‬
‫عن ْد ََنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫قوله‪ ? :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫من ْت ََهى ?‪ .‬فليس وراءه سبحانه غاية تطلب‪ ،‬وليس دونه غاية‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬‫وَأ ّ‬
‫إليها المنتهى )‪. (1‬‬
‫لذلك فيجب على المرء أن يشغل نفسه بالله‪ .‬فالقلب إن لم يمتلئ بمحبة‬
‫الله‪ ،‬امتلئ بحب الدنيا وشهواتها وأصبح أسيرا لها‪ .‬فمن الهام على من أوكل‬
‫إليه منصب معين أن يتقي الله فيه‪ .‬وأل يكون هذا المنصب هو محور حياته‬
‫واهتمامه‪ ،‬بل يكون محور اهتمامه وتفكيره هو كيف يؤدي المهام الموكولة‬
‫إليه بالطريقة التي ترضي ربه وُتعلي من شأن دينه‪ .‬وعلى البطانة التي‬
‫تحيط بالمسئولين أن تتقي الله وتراعي ضمائرها فيما تنقله لهؤلء‬
‫المسئولين وما تشير عليهم به‪ .‬وعليهم أن يعلموا أن أيام نفوذهم محدودة‪،‬‬
‫ثم يعقب ذلك عذاب ضمير ولعنات تلحقهم أينما حلوا أو ارتحلوا‪ .‬ثم يكون‬
‫عقاب الله في يوم ل ينفع فيه نفوذ مسئول أو شفاعة رئيس!!‬
‫‪ 13‬من رجب عام ‪ 1425‬من الهجرة ) الموافق في تقويم النصارى ‪ 29‬من‬
‫أغسطس عام ‪.( 2004‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-----------------‬‬
‫]‪ [1‬المام ابن قيم الجوزية‪ ،‬كتاب الفوائد‪ ،‬دار التقوى‪ ،‬دون تاريخ‪ .‬ص‪.215 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بعث الحضارة السلمّية من جديد‪ ...‬دور الّنخبة‬


‫د‪ .‬بدران بن الحسن ‪9/11/1426‬‬
‫‪11/12/2005‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد قضى العالم السلمي وقتا طويل ً من عمره الحضاري باحثا عن نقطة‬
‫بداية لعادة بناء حضارته من جديد‪ ،‬وإعطاء نفسه الحضاري دفعة تخرجه من‬
‫حالة التراوح والتبطل التي استنفدت قدراته في جهود مضنية‪.‬‬
‫وكان لمالك بن نبي –عليه رحمة الله‪ -‬رأي في مسألة التخلف الحضاري‬
‫الشامل التي يعانيها العالم السلمي‪ ،‬ورأى منذ الربعينيات من القرن‬
‫ً‬
‫الماضي أن العالم السلمي يهدر طاقته في حل مشكلت جزئية متغاضيا عن‬
‫المشكلة الكلية التي تحتوي كل تلك المشكلت‪ ،‬أل وهي مشكلة الحضارة‪.‬‬
‫ورأى أيضا ً أنه طالما أن العالم السلمي يفتقد إلى الرؤية الواضحة لما يريد‬
‫أن يقوم به فإنه لن يتمكن من صياغة مشروع للنهضة أو الخروج من‬
‫التخلف‪ ،‬ولن يتمكن من تحديد وجهته ول بناء منهج لبناء الحضارة‪ ،‬وذلك في‬
‫دد المنهج والوجهة"‪.‬‬ ‫تصوره راجع إلى أن "الرؤية تح ّ‬
‫كك‪،‬‬ ‫ور جزئي ومف ّ‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن تصورنا لمشكلة العالم السلمي تص ّ‬
‫ولذلك فإن فهمنا للمشكلة فهم جزئي وعقيم؛ لنه ل يحيط بكل أبعاد‬
‫طرحت كلها حلول جزئية؛ إن اهتمت‬ ‫المشكلة‪ ،‬ولذلك فإن الحلول التي ُ‬
‫بجانب أغفلت –عن قصد أو غير قصد‪ -‬جوانب أخرى ل تقل أهمية عن الجانب‬
‫الذي أولته اهتمامها‪ .‬فأنتجت هذه التصورات الجزئية رؤى متناقضة ومشوهة‬
‫وقاصرة في أغلب الحوال‪ ،‬وغير قادرة على صياغة منهج لحل المشكلة الم‪،‬‬
‫ول لحل المشكلت الجزئية المتراكمة‪.‬‬
‫ولذلك فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة على كل متأمل في ما نحن فيه‬
‫من ترد ّ وتهلهل وتخلف شامل في العالم السلمي؛ فلماذا لم نستطع امتلك‬
‫هذه الرؤية المتكاملة لمشكلتنا في العالم السلمي؟ ولماذا لم نستطع بناء‬
‫منهج قادر على الخروج بنا من المحنة التي نحن فيها؟‬
‫لعل هذا النوع من السئلة تراود كل من اهتم بأمر المسلمين‪ ،‬وسعى إلى‬
‫المساهمة في فك خيوط الزمة التي ُأحكمت‪ .‬ول شك أن كثيرا ً من الجابات‬
‫راودت كل من طرح هذه السئلة على نفسه‪.‬‬
‫وفي تصوري‪ ،‬فإن الجابة عن السئلة السابقة يمر حتما ً بالجابة عن سؤال‬
‫أو أسئلة أخرى تتعلق بمن يتولى صياغة الرؤى الحضارية‪ ،‬ومن يقوم على‬
‫مة الناس؟ أم هم النخبة من المجتمع؟‬ ‫بناء مناهج التغيير؟ هل هم عا ّ‬
‫وإذا استقرينا التاريخ؛ تاريخ التغيرات الكبرى في تاريخ المجتمعات رأينا أن‬
‫هناك دائما ً "فرقة" تقوم بالمبادرة بحمل لواء التغيير‪ ،‬وتتبنى الفكار‬
‫وغ على وفقها نمطا ً جديدا ً للتفكير‬ ‫والمشاريع والبرامج الجديدة التي تس ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وصورة جديدة عن العالم‪ ،‬وبالتالي منهجا جديدا لمعالجة المور‪.‬‬
‫ولنا في النبياء وأتباعهم أسوة حسنة‪ ،‬ولنا في تاريخ النبوات‪ ،‬وتاريخ الفكار‬
‫الكبرى‪ ،‬والمم التي تعاقبت الريادة الحضارية في العالم‪ ،‬والمجتمعات التي‬
‫سادت ثم بادت‪ .‬لنا في كل هؤلء خير دليل على أن هناك "نفرًا" من كل‬
‫"فرقة" يقومون بتغيير "القوم" وبصياغة منهج جديد للحياة‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولذلك فإن مسألة القيادة التي هي النخبة أو النفر أو الفرقة التي تتولى‬
‫شؤون القوم‪ ،‬وإنذارهم وإبلغهم‪ ،‬وقيادتهم بالتعبير القرآني‪ -‬هي المسألة‬
‫المركزية في صياغة الرؤية والتصور الكلي الشامل من أجل أن تتبنى منهجا ً‬
‫يخرج قومها من ظلمات الفوضى إلى نور المنهج الواضح السس‪ ،‬البّين‬
‫الخطوات من أجل تحقيق مبادئ النخبة والمجتمع في أرض الواقع‪.‬‬
‫وفي هذا السياق فإن المشكلة في تصوري تتعلق بنمط القيادة التي تقود‬
‫عملية التغيير الحضاري‪ ،‬ومدى وعيها واستيعابها للمعطيات المختلفة للواقع‬
‫المعاصر‪ ،‬ولما يتطلبه القيام بمشروع بناء الحضارة من جديد من وضوح‬
‫للرؤية وتوفر منهج شمولي متكامل للتغيير‪.‬‬
‫والحديث هنا يتجه أساسا ً إلى العلماء والمجتهدين والمثقفين‪ ،‬إلى النخبة‬
‫التي تقود المجتمعات السلمية‪ ،‬ومدى قدرة هذه القيادات على قيادة‬
‫مشروع بناء الحضارة السلمية من جديد‪ ،‬إن نظريا ً أو عمليًا‪.‬‬
‫ذلك أن مستقبل العالم السلمي ُيناط بالقيادة التي تمتلك القدرة على شق‬
‫الطريق اليبس في بحر الزمة الخانق‪ ،‬وأن تكون قادرة –في رأي الجماهير‬
‫ول مسار التاريخ في لحظاته‬ ‫من الناس‪ -‬على فعل المعجزات التي تح ّ‬
‫المدلهمة‪ ،‬وتنير الدرب بفعل تجاوزها ليوميات الحداث‪ ،‬من خلل قدرتها‬
‫على استشراف المستقبل‪ ،‬ورسم مسارات العمل المستقبلي‪ ،‬والحد من‬
‫الخسائر‪ ،‬وتحفظ المحتوى العقائدي لما تحمله من أفكار‪ ،‬حتى ل يفرغ من‬
‫دل‪.‬‬
‫ور أو يب ّ‬
‫محتواه أو يح ّ‬
‫غير أن مؤسساتنا بكل تنوعها؛ الدعوية والسياسية والثقافية والعلمية‬
‫والجتماعية وغيرها‪ ،‬غير قادرة اليوم على أن تواكب نمط التحولت السريعة‬
‫والهائلة التي تحدث بفعل عصر العولمة الذي نعيشه‪ ،‬ولذلك فهي غير قادرة‬
‫على صياغة المجتمع وفق التطلعات التي تؤمن بها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما أن النخبة بمختلف طبقاتها اليوم في عالمنا السلمي غير قادرة على أن‬
‫تحمل في وعيها آمال الجماهير وغير قادرة على توجيه هذه الجماهير أيضًا‪.‬‬
‫بل إن هذه النخبة التي من المفترض فيها أن تكون هي المعبر عن آمال‬
‫سات الوعي من جهة أخرى قد‬ ‫وتطلعات الناس من جهة‪ ،‬وأن تكون هي مج ّ‬
‫انغلقت على نفسها‪ ،‬ولم تعد قادرة على متابعة التغيرات والحداث الكبرى‬
‫التي تجري في عالم اليوم‪.‬‬
‫ولذلك فإن النخبة في العالم السلمي اليوم مدعوة إلى مراجعات جوهرية‬
‫لكل الطروحات التي تتداولها منذ أمد‪ ،‬وعلى مختلف الصعدة‪ ،‬ومن كل‬
‫الطراف‪ .‬وعلى النخبة أيضا ً أن تعيد ترتيب أولوياتها‪ ،‬ووضع خط فاصل‬
‫وواضح بين القيم المبدئية التي ل يمكن أن تتغير وبين المواقف والخطوات‬
‫الجرائية التي يمكن التراجع عنها أو تغييرها أو تطويرها أو تجاوزها إلى ما هو‬
‫أكثر نضجا ً ونجاحا ً وقابلية لتحقيق مقاصد القيم الصلية المبدئية وتحقيق‬
‫مصالح المة‪.‬‬
‫وعليه فإن النخبة مطلوب منها اليوم أن تعيد تشكيل مواقفها وفق المبادئ‬
‫الكبرى للمة بشكل واضح وصريح ومؤسس ومنهجي‪ ،‬وأل ّ تلجأ إلى التلفيق‬
‫بين المفاهيم‪ ،‬ول التركيب المشوه بين مختلف المقولت والتصورات‪ .‬كما أن‬
‫على النخبة أن تعيد النظر في مفاهيمها التقليدية الموروثة سواء من تراثنا‬
‫السلمي أو من التراث الحضاري للمم الخرى‪ ،‬ويكون ذلك وفق رؤية‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علمية مبنية على الحجة البينة والبرهان العلمي والحوار المنفتح على الخر‪،‬‬
‫القابل للحقيقة مهما كان مصدرها‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن السلم ل ُيخشى عليه‬
‫من أي فكرة أخرى‪ ،‬بل إن السلم ذاته ما هو إل رسالة لتمام المكارم التي‬
‫بين الناس‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬فإن النخبة يكون أمامها مجال فسيح للجتهاد المحتكم‬
‫إلى القيم الثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬تسترشد بعد‬
‫ذلك بما استقر من صالح الكسب البشري من فكر وثقافة وحضارة شحذتها‬
‫وهذبتها الخبرة النسانية الطويلة المد‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ل نكون في اجتهادنا أمام خطر النحراف عن القيم الكلية الثابتة؛ لن‬
‫دق ومهيمن على كل تجربة أو فكرة‪ ،‬ول نكون أيضا ً أمام خطر‬ ‫القرآن مص ّ‬
‫التخلف عن مواكبة الحداث؛ لن النفتاح على مختلف التجارب يذكي الخبرة‬
‫سات التحقق من صلح‬ ‫وي مج ّ‬ ‫وحس الخطأ والصواب لدى المة‪ ،‬ويق ّ‬
‫التجارب على اختلف مصادرها ومدى مواءمتها لمختلف المشكلت التي‬
‫تهدف النخبة لحلها‪.‬‬
‫ونختم حديثنا هذا بالتأكيد على أن سلوك نهج الحضارة‪ ،‬والعمل على بعث‬
‫الحضارة السلمية من جديد‪ ،‬والتمكين للسلم والمسلمين لن يتحقق طالما‬
‫بقيت النخبة في العالم السلمي غير قادرة على بناء رؤية واضحة‪ ،‬من‬
‫خللها تستطيع تحديد القيم والمبادئ الكلية‪ ،‬وتحديد المنهج ذي الجراءات‬
‫العملية لتحقيق مقاصد هذه القيم في دنيا الناس‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بعث الحضارة السلمّية من جديد‪ ...‬دور الّنخبة‬


‫د‪ .‬بدران بن الحسن ‪9/11/1426‬‬
‫‪11/12/2005‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد قضى العالم السلمي وقتا طويل من عمره الحضاري باحثا عن نقطة‬
‫بداية لعادة بناء حضارته من جديد‪ ،‬وإعطاء نفسه الحضاري دفعة تخرجه من‬
‫حالة التراوح والتبطل التي استنفدت قدراته في جهود مضنية‪.‬‬
‫وكان لمالك بن نبي –عليه رحمة الله‪ -‬رأي في مسألة التخلف الحضاري‬
‫الشامل التي يعانيها العالم السلمي‪ ،‬ورأى منذ الربعينيات من القرن‬
‫ً‬
‫الماضي أن العالم السلمي يهدر طاقته في حل مشكلت جزئية متغاضيا عن‬
‫المشكلة الكلية التي تحتوي كل تلك المشكلت‪ ،‬أل وهي مشكلة الحضارة‪.‬‬
‫ورأى أيضا ً أنه طالما أن العالم السلمي يفتقد إلى الرؤية الواضحة لما يريد‬
‫أن يقوم به فإنه لن يتمكن من صياغة مشروع للنهضة أو الخروج من‬
‫التخلف‪ ،‬ولن يتمكن من تحديد وجهته ول بناء منهج لبناء الحضارة‪ ،‬وذلك في‬
‫دد المنهج والوجهة"‪.‬‬ ‫تصوره راجع إلى أن "الرؤية تح ّ‬
‫كك‪،‬‬‫ور جزئي ومف ّ‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن تصورنا لمشكلة العالم السلمي تص ّ‬
‫ولذلك فإن فهمنا للمشكلة فهم جزئي وعقيم؛ لنه ل يحيط بكل أبعاد‬
‫طرحت كلها حلول جزئية؛ إن اهتمت‬ ‫المشكلة‪ ،‬ولذلك فإن الحلول التي ُ‬
‫بجانب أغفلت –عن قصد أو غير قصد‪ -‬جوانب أخرى ل تقل أهمية عن الجانب‬
‫الذي أولته اهتمامها‪ .‬فأنتجت هذه التصورات الجزئية رؤى متناقضة ومشوهة‬
‫وقاصرة في أغلب الحوال‪ ،‬وغير قادرة على صياغة منهج لحل المشكلة الم‪،‬‬
‫ول لحل المشكلت الجزئية المتراكمة‪.‬‬
‫ولذلك فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة على كل متأمل في ما نحن فيه‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ترد ّ وتهلهل وتخلف شامل في العالم السلمي؛ فلماذا لم نستطع امتلك‬
‫هذه الرؤية المتكاملة لمشكلتنا في العالم السلمي؟ ولماذا لم نستطع بناء‬
‫منهج قادر على الخروج بنا من المحنة التي نحن فيها؟‬
‫لعل هذا النوع من السئلة تراود كل من اهتم بأمر المسلمين‪ ،‬وسعى إلى‬
‫المساهمة في فك خيوط الزمة التي ُأحكمت‪ .‬ول شك أن كثيرا ً من الجابات‬
‫راودت كل من طرح هذه السئلة على نفسه‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي تصوري‪ ،‬فإن الجابة عن السئلة السابقة يمر حتما بالجابة عن سؤال‬
‫أو أسئلة أخرى تتعلق بمن يتولى صياغة الرؤى الحضارية‪ ،‬ومن يقوم على‬
‫مة الناس؟ أم هم النخبة من المجتمع؟‬ ‫بناء مناهج التغيير؟ هل هم عا ّ‬
‫وإذا استقرينا التاريخ؛ تاريخ التغيرات الكبرى في تاريخ المجتمعات رأينا أن‬
‫هناك دائما ً "فرقة" تقوم بالمبادرة بحمل لواء التغيير‪ ،‬وتتبنى الفكار‬
‫وغ على وفقها نمطا ً جديدا ً للتفكير‬ ‫والمشاريع والبرامج الجديدة التي تس ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وصورة جديدة عن العالم‪ ،‬وبالتالي منهجا جديدا لمعالجة المور‪.‬‬
‫ولنا في النبياء وأتباعهم أسوة حسنة‪ ،‬ولنا في تاريخ النبوات‪ ،‬وتاريخ الفكار‬
‫الكبرى‪ ،‬والمم التي تعاقبت الريادة الحضارية في العالم‪ ،‬والمجتمعات التي‬
‫سادت ثم بادت‪ .‬لنا في كل هؤلء خير دليل على أن هناك "نفرًا" من كل‬
‫"فرقة" يقومون بتغيير "القوم" وبصياغة منهج جديد للحياة‪.‬‬
‫ولذلك فإن مسألة القيادة التي هي النخبة أو النفر أو الفرقة التي تتولى‬
‫شؤون القوم‪ ،‬وإنذارهم وإبلغهم‪ ،‬وقيادتهم بالتعبير القرآني‪ -‬هي المسألة‬
‫المركزية في صياغة الرؤية والتصور الكلي الشامل من أجل أن تتبنى منهجا ً‬
‫يخرج قومها من ظلمات الفوضى إلى نور المنهج الواضح السس‪ ،‬البّين‬
‫الخطوات من أجل تحقيق مبادئ النخبة والمجتمع في أرض الواقع‪.‬‬
‫وفي هذا السياق فإن المشكلة في تصوري تتعلق بنمط القيادة التي تقود‬
‫عملية التغيير الحضاري‪ ،‬ومدى وعيها واستيعابها للمعطيات المختلفة للواقع‬
‫المعاصر‪ ،‬ولما يتطلبه القيام بمشروع بناء الحضارة من جديد من وضوح‬
‫للرؤية وتوفر منهج شمولي متكامل للتغيير‪.‬‬
‫والحديث هنا يتجه أساسا ً إلى العلماء والمجتهدين والمثقفين‪ ،‬إلى النخبة‬
‫التي تقود المجتمعات السلمية‪ ،‬ومدى قدرة هذه القيادات على قيادة‬
‫مشروع بناء الحضارة السلمية من جديد‪ ،‬إن نظريا ً أو عمليًا‪.‬‬
‫ذلك أن مستقبل العالم السلمي ُيناط بالقيادة التي تمتلك القدرة على شق‬
‫الطريق اليبس في بحر الزمة الخانق‪ ،‬وأن تكون قادرة –في رأي الجماهير‬
‫ول مسار التاريخ في لحظاته‬ ‫من الناس‪ -‬على فعل المعجزات التي تح ّ‬
‫المدلهمة‪ ،‬وتنير الدرب بفعل تجاوزها ليوميات الحداث‪ ،‬من خلل قدرتها‬
‫على استشراف المستقبل‪ ،‬ورسم مسارات العمل المستقبلي‪ ،‬والحد من‬
‫الخسائر‪ ،‬وتحفظ المحتوى العقائدي لما تحمله من أفكار‪ ،‬حتى ل يفرغ من‬
‫دل‪.‬‬
‫ور أو يب ّ‬
‫محتواه أو يح ّ‬
‫غير أن مؤسساتنا بكل تنوعها؛ الدعوية والسياسية والثقافية والعلمية‬
‫والجتماعية وغيرها‪ ،‬غير قادرة اليوم على أن تواكب نمط التحولت السريعة‬
‫والهائلة التي تحدث بفعل عصر العولمة الذي نعيشه‪ ،‬ولذلك فهي غير قادرة‬
‫على صياغة المجتمع وفق التطلعات التي تؤمن بها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما أن النخبة بمختلف طبقاتها اليوم في عالمنا السلمي غير قادرة على أن‬
‫تحمل في وعيها آمال الجماهير وغير قادرة على توجيه هذه الجماهير أيضًا‪.‬‬
‫بل إن هذه النخبة التي من المفترض فيها أن تكون هي المعبر عن آمال‬
‫سات الوعي من جهة أخرى قد‬ ‫وتطلعات الناس من جهة‪ ،‬وأن تكون هي مج ّ‬
‫انغلقت على نفسها‪ ،‬ولم تعد قادرة على متابعة التغيرات والحداث الكبرى‬
‫التي تجري في عالم اليوم‪.‬‬
‫ولذلك فإن النخبة في العالم السلمي اليوم مدعوة إلى مراجعات جوهرية‬
‫لكل الطروحات التي تتداولها منذ أمد‪ ،‬وعلى مختلف الصعدة‪ ،‬ومن كل‬
‫الطراف‪ .‬وعلى النخبة أيضا ً أن تعيد ترتيب أولوياتها‪ ،‬ووضع خط فاصل‬
‫وواضح بين القيم المبدئية التي ل يمكن أن تتغير وبين المواقف والخطوات‬
‫الجرائية التي يمكن التراجع عنها أو تغييرها أو تطويرها أو تجاوزها إلى ما هو‬
‫أكثر نضجا ً ونجاحا ً وقابلية لتحقيق مقاصد القيم الصلية المبدئية وتحقيق‬
‫مصالح المة‪.‬‬
‫وعليه فإن النخبة مطلوب منها اليوم أن تعيد تشكيل مواقفها وفق المبادئ‬
‫الكبرى للمة بشكل واضح وصريح ومؤسس ومنهجي‪ ،‬وأل ّ تلجأ إلى التلفيق‬
‫بين المفاهيم‪ ،‬ول التركيب المشوه بين مختلف المقولت والتصورات‪ .‬كما أن‬
‫على النخبة أن تعيد النظر في مفاهيمها التقليدية الموروثة سواء من تراثنا‬
‫السلمي أو من التراث الحضاري للمم الخرى‪ ،‬ويكون ذلك وفق رؤية‬
‫علمية مبنية على الحجة البينة والبرهان العلمي والحوار المنفتح على الخر‪،‬‬
‫القابل للحقيقة مهما كان مصدرها‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن السلم ل ُيخشى عليه‬
‫من أي فكرة أخرى‪ ،‬بل إن السلم ذاته ما هو إل رسالة لتمام المكارم التي‬
‫بين الناس‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬فإن النخبة يكون أمامها مجال فسيح للجتهاد المحتكم‬
‫إلى القيم الثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬تسترشد بعد‬
‫ذلك بما استقر من صالح الكسب البشري من فكر وثقافة وحضارة شحذتها‬
‫وهذبتها الخبرة النسانية الطويلة المد‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ل نكون في اجتهادنا أمام خطر النحراف عن القيم الكلية الثابتة؛ لن‬
‫دق ومهيمن على كل تجربة أو فكرة‪ ،‬ول نكون أيضا ً أمام خطر‬ ‫القرآن مص ّ‬
‫التخلف عن مواكبة الحداث؛ لن النفتاح على مختلف التجارب يذكي الخبرة‬
‫سات التحقق من صلح‬ ‫وي مج ّ‬ ‫وحس الخطأ والصواب لدى المة‪ ،‬ويق ّ‬
‫التجارب على اختلف مصادرها ومدى مواءمتها لمختلف المشكلت التي‬
‫تهدف النخبة لحلها‪.‬‬
‫ونختم حديثنا هذا بالتأكيد على أن سلوك نهج الحضارة‪ ،‬والعمل على بعث‬
‫الحضارة السلمية من جديد‪ ،‬والتمكين للسلم والمسلمين لن يتحقق طالما‬
‫بقيت النخبة في العالم السلمي غير قادرة على بناء رؤية واضحة‪ ،‬من‬
‫خللها تستطيع تحديد القيم والمبادئ الكلية‪ ،‬وتحديد المنهج ذي الجراءات‬
‫العملية لتحقيق مقاصد هذه القيم في دنيا الناس‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بعد ليل طويل‬


‫د‪ .‬عبد الرحمن صالح العشماوي*‬
‫م‬
‫وقفت أمام حائط مظلم لذلك الليل الطويل الذي داهمني فيه من اله ّ‬
‫مل عقارب‬ ‫وانشغال الذهن ما أثار كوامن اللم في نفسي‪ .‬وقفت حزينا ً أتأ ّ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الساعة التي كانت تشير إلى بداية الثلث الّول من ذلك الليل الطويل الذي‬
‫ضخم امرئ‬ ‫ي بأنواع الهموم ليبتلي على رأي الشاعر ال ّ‬ ‫أرخى سدوله عل ّ‬
‫القيس‪ ،‬ومعنى ذلك ان رحلة طويلة من العناء ستجعل معاناتي شديدةً صعبة‬
‫م ذلك الليل الطويل‪.‬‬ ‫ض ّ‬‫خ َ‬ ‫في ِ‬
‫إن أحساسي بثقل خطوات ذلك الليل قد أدخلني إلى سراديب الوحشة‬
‫م الذي كان قد أحكم سياجه على ذلك الخافق‬ ‫خم صورة اله ّ‬ ‫وكهوفها‪ ،‬وض ّ‬
‫ي مخيف‪.‬‬ ‫ق ظلم ّ‬‫النابض في صدري ورسم أمامي صورة لعمل ٍ‬
‫وكذلك النفس البشرية إذا استسلمت للمها‪ ،‬وخضعت لوهامها‪ ،‬وغرقت في‬
‫محيطات أحزانها‪ ،‬فإنها تحكم ‪ -‬حينئذ ٍ ‪ -‬على صاحبها بالسجن المؤّبد في‬
‫غياهب اليأس والقنوط‪ ،‬ول يمكن أن ينقذها من هذا السجن التمّني‪ ،‬ول‬
‫ط والتجّني‪ ،‬وإنما ينفعها دواء اليقين‪ ،‬الذي يكشف أمامها‬ ‫خ ُ‬ ‫س ّ‬
‫ينفعها الت ّ َ‬
‫الحجب‪ ،‬فترى ساحة التفاؤل المشرقة‪ ،‬وراء ذلك الظلم الكثيف‪.‬‬
‫ي‬
‫ت في عين ّ‬ ‫خم ْ‬‫حينما تطاول على خافقي ألمه‪ ،‬وتحامل عليه حزنه‪ ،‬وتض ّ‬
‫ً‬
‫ت أرى فيه بصيصا من نور‪،‬‬ ‫عد ُ‬
‫صورة ذلك الليل الطويل الثقيل‪ ،‬حتى ما ُ‬
‫ي إلى‬ ‫ت عين ّ‬ ‫ت إلى ذخيرتي وكنزي العظيم من إيماني بخالقي‪ ،‬ورفع ُ‬ ‫رجع ُ‬
‫م السماء في‬ ‫مل أدي َ‬ ‫السماء لناجي الذي ل يغفل عن خلقه ول ينام‪ ،‬وبدأت أتأ ّ‬
‫م ذلك الظلم‪ ،‬فلحت أمامي أضواء النجوم والكواكب تتزاحم على أديم‬ ‫خض ّ‬
‫ذلك الليل في أجمل صورة وأبهاها‪ ،‬وبدأت نوافذ المل ُتفتح‪ ،‬وأنواُر التفاؤل‬
‫ت أطراُفها بقلبي الخافق‪ ،‬وأطرافها‬ ‫تدخل إلى عالمي خيوطا ً من نور قد اتصل ْ‬
‫الخرى بواحات اليمان وبساتين اليقين‪.‬‬
‫سبحان الله العظيم‪:‬‬
‫لم أتحّرك ‪ -‬حينها ‪ -‬من موقعي في ذلك المكان‪ ،‬ولم أتقدم أو أتأخر عنه‬
‫خطوة واحدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ت أرى الكون ظلما دامسا ل ضياء فيه‪ ،‬وها أنذا الن أرى‬ ‫قبل قليل كن ُ‬
‫النجوم والكواكب تزدحم أمامي على أديم السماء‪.‬‬
‫ما الذي جرى؟‬
‫إنها النفس البشرية‪ ،‬هي مصدر الظلم‪ ،‬ومصدُر النور‪ ،‬مصدُر السعادة‪،‬‬
‫ل(‪.‬‬‫ومصدر الشقاء )كن جميل ً تر الوجود جمي ً‬
‫تلك حقيقة ل ينكرها عاقل‪ :‬إذا انشرح الصدر‪ ،‬واطمأّنت النفس‪ ،‬أشرق‬
‫الكون‪ ،‬وضحكت الفاق‪ ،‬وإذا ضاق الصدر‪ ،‬واضطربت النفس‪ ،‬أظلم الكون‪،‬‬
‫وبكت الفاق‪.‬‬
‫قق‬ ‫ومع هذه الحقيقة حقيقة أخرى هي‪ :‬إذا امتل القلب باليمان‪ ،‬تح ّ‬
‫الطمئنان‪ ،‬وانشرح الصدر‪ ،‬وهدأت النفس‪ ،‬وترّقى النسان في مدارج‬
‫اليقين‪.‬‬
‫قق‬ ‫كل ما في الدنيا صغيٌر صغيٌر أمام عظمة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ول تتح ّ‬
‫ي‬
‫السعادة للنسان إل إذا استشعر عظمة خالقه‪ ،‬لّنه ‪ -‬عند ذلك ‪ -‬يصبح غن ّ‬
‫النفس عما سواه‪.‬‬
‫ن الغنى غنى النفس‪.‬‬ ‫ليس الغنى عن كثرة العََرض‪ ،‬ولك ّ‬
‫غنى النفس؟!‬
‫ن محمد بن عبدالله‪ ،‬وما أبلغه عليه الصلة والسلم‬ ‫ما أعظم بيا َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعض أخطائنا في التربية‪.‬‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليما‬
‫كثيرا‪ .‬أما بعد أيها الحبة الكرام فسلم الله تعالى عليكم ورحمته وبركاته‪.‬‬
‫أيها الحبة‪:‬‬
‫إن النسان ل يكون أحقر في عين نفسه منه في مثل هذا الموقف‪ ،‬فإن هذه‬
‫العداد الكبيرة منكم التي أسرفت وأحسنت الظن فجاءت لتستمع إلى مثل‬
‫هذه الكلمات‪.‬‬
‫إنها ُتنبأ عن فقر عظيم في هذه المة‪ ،‬فقر إلى الرجال الكفاء‪ ،‬وفقر إلى‬
‫العلماء‪ ،‬وفقر إلى المصلحين‪ ،‬وإل فأي معنى لن تتهالك هذه المة على كل‬
‫متحدث وكل قائل وكل مبين أو متكلم لمجرد أنه ألقى درسا‪ ،‬أو قام‬
‫بمحاضرة أو أنه تكلم‪.‬‬
‫إن ذلك لدليل على فقر المة إلى الرجال الفذاذ الحقيقيين وأنها تعيش فعل‬
‫في فترة من أحلك فتراتها‪.‬‬
‫وإنني أقولها لكم صريحة‪ ،‬ويعلم الله تعالى حقيقة ما أقول حسب ما أعتقده‪:‬‬
‫أننا على يقين أن الله تعالى ل يدع الصحوة ول يدع الدعوة لمثالنا من‬
‫المقصرين والمسرفين على أنفسهم‪ ،‬بل إن الله تعالى يختار لها من‬
‫الصادقين المخلصين من يكون فيهم الرشد والكفاية‪ ،‬إلى أن يصلح الله‬
‫الحوال ويتدارك بمنه وفضله وذلك فضل الله يأتيه من يشاء‪.‬‬
‫أما بعد فحديثي إليكم هذه الليلة هو عن بعض أخطائنا في التربية‪:‬‬
‫النقطة الولى مفهوم التربية‪:‬‬
‫التربية أيها الخوة لها مفهوم أوسع وأعمق‪ ،‬إن التربية هي الحياة بكل‬
‫تفاصيلها‪ ،‬وبكل أشخاصها‪ ،‬وبكل مؤسساتها‪ ،‬والحياة تعني وجود النسان من‬
‫يوم أن ظهر على الرض وإلى أن يغادرها‪ ،‬فهي تبدأ مع النسان في شهادة‬
‫الميلد‪ ،‬وتنتهي مع النسان بشهادة الدفن‪.‬‬
‫وإذا عرفنا أن التربية هي المعنى الشامل للنسان من يوم أن ولد إلى يوم‬
‫أن يموت أدركنا أن الحياة هذه أو التربية ليست أمرا مقصورا على وجود‬
‫النسان في منزله‪ ،‬أو بيته‪ ،‬ول وجوده في مدرسته‪ ،‬ول وجوده في حارته أو‬
‫في حيه أو مسجده‪.‬‬
‫بل هي وجود النسان في الحياة كلها بكل مؤسساتها من بيت ومدرسة‬
‫ومسجد وإعلم وصحة وغير ذلك‪ ،‬بل وجود النسان من خلل الناسي الذين‬
‫يقابلونه في حياته بكل تناقضاتهم‪.‬‬
‫فهذا يحييه ويسلم عليه‪ ،‬وذاك يعيره ويشتمه‪ ،‬وهذا يحادثه وهذا يبايعه أو‬
‫يشاريه وهذا يعلمه أو يتعلم منه‪ ،‬وهذا يوافقه وهذا يخالفه‪ ،‬وهذا يمدحه وهذا‬
‫يذمه‪ .‬فالتربية تشمل الحياة كلها‪.‬‬
‫وإذا أدركنا هذا أدركنا أنه ل يمكن أن يستقل جهاز من الجهزة أو مؤسسة‬
‫من المؤسسات بتربية النسان‪ ،‬فإن النسان كائن مؤثر متأثر‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫نستهين بشيء يواجه النسان‪.‬‬
‫فالجو العام في المجتمع مثل هو عبارة عن تيار كتيار الماء أو تيار البحر‬
‫يجتاح النسان وأحيانا يكون النسان مخالفا للتيار فيكون كأنه يسبح ضد‬
‫الموج يتقدم بقوته الضعيفة أمتارا ثم يدفعه الموج إلى الوراء عشرات‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتار‪.‬‬
‫ولهذا جاء الشرع بتحميل النسان مسئوليته الفردية بالمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬وجاء الشرع أيضا بتحميل المجتمع مسؤولية القيام بالحسبة كأمة‬
‫مؤمنة ل يميزها إل اليمان بالله الذي عليه اجتمعت ثم المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر الذي به قوامها وبقائها‪:‬‬
‫)كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‪ ،‬وتأمنون‬
‫بالله(‪.‬‬
‫)والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك‬
‫سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم(‬
‫ولذلك فإن النسان محتاج إلى المجتمع كله ومن حوله ليتأثر بهم وينتفع‬
‫منهم وينظر ما عندهم من خير فيقتبسه‪ ،‬أو خطأ فيتجنبه‪ ،‬نصيحة يعمل بها‪.‬‬
‫ثم هو محتاج أيضا إلى المؤسسات الموجودة في المجتمع والتي يتربى من‬
‫خللها‪ ،‬فهو يتربى قاعدا في المسجد ينتظر الصلة‪ ،‬ويتربى وهو في‬
‫مدرسته‪ ،‬ويتربى وهو في سوقه‪ ،‬ويتربى وهو في بيته‪ ،‬حتى والنسان في‬
‫متجره هو يتربى‪ ،‬يتربى على الخلق السلمية في المعاملة والبيع والشراء‬
‫والخذ والعطاء‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وحين يفسد الزمان وبمعنى أصح وبالصطلح الشرعي ينحرف الناس يؤمر‬
‫النسان باعتزالهم حتى يسلم النسان من شرهم أو يسلموا هم من شره‪،‬‬
‫كما في الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه‬
‫سأل أي الناس خير قال‪:‬‬ ‫أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ُ‬
‫)مؤمن مجاهد في سبيل الله تعالى بماله ونفسه‪ ،‬قيل ثم أي قال مؤمن في‬
‫شعب من الشعاب معتزل يعبد ربه ويدع الناس من شره(‪.‬‬
‫إنه إنسان غير قادر على التربية ل يستفيد من الناس علما وعمل وأخلقا‪ ،‬ول‬
‫يستفيد الناس منه أيضا‪ ،‬فهذا كان الجدر في حقه أن يعتزل الناس‪ ،‬يدع‬
‫الناس من شره‪ ،‬ليس من الناس إل في خيره‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالتربية إذا عملية ضخمة وكبيرة تبدأ مع النسان من يوم ولد‪ ،‬ل بل أقول‬
‫تبدأ قبل الميلد‪ ،‬ومن الطرائف والنكد أن رجل جاء لحد العلماء فقال له‪:‬‬
‫أنا قد تزوجت‪ ،‬وحملت زوجتي وهي في الشهر الرابع‪ ،‬وأريد أن تعطيني‬
‫بعض التعليمات في أسلوب تربية هذا الطفل‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫هذا الطفل قد فات عليك ما دام في الشهر الرابع‪ ،‬لكن أعطيك تعليمات‬
‫للطفل القادم‪.‬‬
‫وهذه ل شك نكتة ولكنها لها دللتها ولها معناها‪ ،‬والمقصود أن التربية تبدأ‬
‫حتى من يوم اختيار الزوجة‪ ،‬فإن الزوجة هي الحضن السليم المناسب الذي‬
‫ينشأ معه الطفل ويتربى في أحضانه ويقبس من أخلقه‪ ،‬فهي تبدأ حتى قبل‬
‫أن يولد النسان‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪:‬‬
‫)لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان وجنب‬
‫الشيطان ما رزقتنا‪ ،‬فإنه إن قضي بينهما ولد لم يضره الشيطان(‪.‬‬
‫فالشيطان يفر من ذكر الله‪ ،‬فالتربية تبدأ مبكرة جدا‪ ،‬إنه تبدأ من هذا الوان‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول تنتهي إل بأن يموت النسان قال الله عز وجل‪:‬‬


‫)واعبد ربك حتى يأتيك اليقين(‪ ،‬الموت‪.‬‬
‫ثم هي ليست عملية مقصورة على جانب واحد من جوانب النفس النسانية‪،‬‬
‫خلق وتتعلق بالعقيدة وتتعلق بالعلم وتتعلق بالعمل‬ ‫فهي تربية تتعلق بال ُ‬
‫وتتعلق بالجسم وتتعلق بالعبادة‪.‬‬
‫وهي أيضا ليست مسؤولية جهة بعينها فحسب‪ ،‬فالبيت وحده ل يمكن أن‬
‫يستقل بالتربية‪.‬‬
‫والمسجد وحده ل يستقل بها‪.‬‬
‫والمدرسة وحدها ل تستقل بها‪.‬‬
‫والزملء والصدقاء الصالحون أيضا‪ ،‬وإنما المجتمع كله بكل مؤسساته وكل‬
‫أفراده وكل أجهزته هو مسؤول عن التربية‪ ،‬هذه واحدة‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ ،‬النسان موضوعا‪:‬‬
‫لقد ُبعث الرسل عليهم السلم‪ ،‬وأنزلت الكتب من السماء إلى البشر من‬
‫أجل تقويم هذا النسان‪ ،‬من أجل أن يترقى حتى يتأهل لجنة عرضها‬
‫السماوات والرض‪ ،‬بل حتى يتأهل لرؤية الله تعالى في جنة عدن‪ ،‬قال الله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫)وجوه يوم إذ ناظرة إلى ربها ناظرة(‪.‬‬
‫فهي تتمتع بالنظر إلى وجه الله تعالى الكريم في جنة عدن‪.‬‬
‫إن النسان يترقى بالتربية حتى يتأهل لهذا المستوى الرفيع‪ ،‬وقد ينحط حتى‬
‫يصبح حطبا ووقودا لجهنم مع الحجارة وشبيها بالنعام قال الله عز وجل‪:‬‬
‫)وقودها الناس والحجارة(‪ .‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫)إن هم إل كالنعام بل هم أضل(‪ .‬وفي الية الخرى‪:‬‬
‫)بل هم أضل سبيل(‪.‬‬
‫إذا بالتربية يرتقي النسان حتى يصبح أهل لرؤية الله تعالى في الجنة‪ ،‬وبنقص‬
‫التربية أو تضييعها ينحط حتى يصبح حطبا لجهنم‪.‬‬
‫إذا بناء النسان – أيها الحبة – هو محط الهتمام‪ ،‬وهذه القضية الكبرى التي‬
‫يجب أن نرفع شعارها ونتحدث عنها ونملئ بها مجالسنا هي قضية النسان‪.‬‬
‫إن بناء النسان أهم من بناء الجسور وأهم من تعبيد الطرق‪.‬‬
‫وأهم من تشييد العمارات الشاهقة‪.‬‬
‫وأهم من توفير الخدمات مع أنني ل أهون من بناء الجسور وتعبيد الطرق‬
‫وتشييد العمارات وتوفير الخدمات‪ ،‬ولكن ل قيمة لهذه الشياء كلها في ضل‬
‫غياب النسان‪.‬‬
‫إن هذه الشياء كلها ل تعد ُ أن تكون تيسيرات للنسان وتسهيلت‪.‬‬
‫فقلي بربك أي معنى لنسان حسن البزة حسن الثياب جميل الهيئة بهي‬
‫الطلعة ممتلئ الجسم معتدل الصحة ولكنه يرصف في قيوده في أسره‬
‫وسجنه‪.‬‬
‫وأي قيمة لنسان هذا شأنه إذا كان بل عقل‪.‬‬
‫خلق ول عقيدة‪.‬‬ ‫وأي قيمة لنسان هذا شأنه إذا كان بل دين ول ُ‬
‫إن النسان هو المقصد الول من الوسائل التربوية كلها‪ ،‬ول قيمة لنسان ل‬
‫يعبد ربه ول يسجد لله تعالى ول يمرغ جبهته خضوعا لرب العالمين‪ ،‬ول يسبح‬
‫بحمد ربه عز وجل‪.‬‬
‫إنه في دنياه يعيش الشقاء بكل صوره وألوانه وفي أخرته إلى نار ل يخبو‬
‫أواره‪:‬‬
‫)كلما خبت زدناهم سعيرا(‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن تحقيق وجود النسان بالمعنى الشرعي يحقق كل المكاسب الخرى‪.‬‬


‫فلنفترض مثل أننا أمة فقيرة‪ ،‬ليس همنا أن نطلب المال لن بناء النسان‬
‫الصالح سيجعله قادرا بأذن الله على تحصي المال‪.‬‬
‫لنفترض أننا أمة متأخرة في المجال الصناعي والتقني كما هو الواقع فعل‬
‫إن بناء النسان الصالح العاقل العالم الرشيد هو السبيل إلى تطويع الصناعة‬
‫وإلى الحصول على أسرار التصنيع‪ ،‬وإلى الوصول إلى أعلى المستويات في‬
‫الحضارة المادية‪.‬‬
‫لنفترض أننا أمة متخلفة في كافة مجالت الحياة‪ ،‬الجتماعية والمالية‬
‫عد إعدادا صحيحا هو الذي‬ ‫والقتصادية وغيرها‪ ،‬فإن النسان إذا ُبني وُأصلح وأ ُ‬
‫يستطيع أن يخطو تلك الخطوات التي تحتاجها المة‪ .‬فهو الذي يحصل على‬
‫المال وهو الذي يبني ويصنع ويفكك أسرار العلم ويستطيع أن يطوعها بأذن‬
‫الله عز وجل‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬المخرج من كل أزماتنا ومصائبنا التي نعيشها وتعيشها المة معنا هو بناء‬
‫النسان‪ ،‬تتعدد لحلول ولكنها تتفق على أن الذي يمكن أن يتولى تمثيل هذه‬
‫الحلول هو النسان ذاته‪.‬‬
‫وأقولها لك صريحة لن يحصل النسان على كرامته الحقيقة إل بالتزامه بدين‬
‫الله تعالى‪ ،‬وذلك بسبب واضح تزيدنا به اليام بصيرة وهو أن السلم هو‬
‫كلمة الخالق‪ ) :‬أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫على حين تعترف كل الدراسات النفسية والتربوية في هذا العصر تعترف‬


‫بجهلها بحقيقة النسان وعجزها عن إدراك خفايه وأسراره وأنه تبحث في‬
‫ميدان مجهول ‪ ،‬أما الشرع فنزل من عند حكيم حميد يعلم من خلق وهو‬
‫اللطيف الخبير‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬أما حديثي الثالث فهو بعنوان أزمات تربوية‪:‬‬
‫وهذه الزمات أزمات عامة‪ ،‬ليست أزمات في البيت فحسب ول في‬
‫المدرسة بل نستطيع أن نقول إنها أزمة في المة كلها‪ ،‬تبدأ من البيت وهو‬
‫الدائرة الصغيرة‪ ،‬وتنتهي بالمة في وجودها العام‪ ،‬وهذه الزمات متعددة لها‬
‫أسبابها‪ ،‬ومضارها ونتائجها‪ ،‬وأذكر شيء منها دون استيعاب‪.‬‬
‫هناك أزمة نستطيع أن نعبر عنها بأزمة الثقة‪:‬‬
‫غياب الثقة داخل المة‬
‫فهناك أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬تبادل المخاوف‪ ،‬الشك‪ ،‬الظن‪ ،‬عدم‬
‫الثقة‬
‫هناك أزمة ثقة بين الطالب والمدرس‪.‬‬
‫هناك أزمة ثقة بين الناص والمنصوح‪ ،‬بين جيل الشباب والشيوخ‪ ،‬بين الرجل‬
‫والمرأة بين المدير والموظف‪.‬‬
‫وكل هذه الزمة مبنية على سوء الظن‪) :‬يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من‬
‫الظن إن بعض الظن إثم( ‪ ،‬جعلت المة تتمزق إلى طوائف شتى‪ ،‬وإلى فرق‬
‫مختلفة وإلى طبقات متناحرة ل يثق بعضها ببعض‪ ،‬ول يتعاون بعضها مع‬
‫بعض‪ ،‬وترتب على ذلك تعطيل المهارات والكفايات وقدرات الفراد‪.‬‬
‫وأصبحت هذه الزمة )أزمة الثقة( تكبل الفرد عن البداع والنتاج والجتهاد‬
‫والتعاون وهذا مصداق ما أخبر به الرسول )صلى الله عليه وسلم( حينما قال‬
‫لمعاوية‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)ل تتبع عورات الناس فإنك إن تتبعت عوراتهم أفسدتهم أو كدت تفسدهم(‪.‬‬
‫إن تتبع العورات من قبل المدرس الذي يتتبع عورات الطالب‪ ،‬أو البن الذي‬
‫يتتبع عورات أبيه‪ ،‬أو الحاكم الذي يتتبع عورات الرعية‪ ،‬أو الرجل الذي يتتبع‬
‫عورات المرأة‪ ،‬أو العكس في ذلك كله ‪ ،‬إنه دليل على فقدان الثقة‪ ،‬بحيث‬
‫أصبح النسان يبحث عن العيوب‪ ،‬وإذا لم يجدها حاول أن يصطنعها ويختلقها‬
‫وهكذا يقع الفساد العريض في المجتمع‪.‬‬
‫نموذج آخر‪ :‬أزمة القدوة‪:‬‬
‫القدوة التي ل يمكن أن تتحقق التربية إل بوجودها‪ ) :‬لقد كان لكم في رسول‬
‫الله أسوة حسنة (‪.‬‬
‫فهذه هي القدوة العظمى القتداء بالرسول )صلى الله عليه وسلم( الذي هو‬
‫المثل الكامل بهديه وأقواله وأفعاله وأخلقه وعباداته عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫ثم ما دون ذلك من القدوات التي يمكن أن تحرك النسان فقط إلى عمل‬
‫صالح متفق عليه‪ ،‬كما ينبئ إلى ذلك حديث جرير وهو في الصحيح أن النبي‬
‫)صلى الله عليه وسلم( قال‪ ) :‬من سن في السلم سنة حسنة فله أجرها‬
‫وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة ( ‪ ،‬هو لم يأتي بشيء من عنده‬
‫إنما أحيا سنة قد أميتت وأثارها وحركها ودعى الناس إليها بقوله وفعله‬
‫فاقتدوا به في ذلك واندفعوا إلى صدقة أو إلى جهاد أو إلى علم أو إلى عمل‬
‫بسبب أنهم رأوا فلنا فعل فقلدوه وحاكوه في ذلك‪ ،‬وذكرهم بما كان غاب‬
‫عن وجدانهم‪.‬‬
‫أزمة القدوة‪ ،‬القدوة الحية التي هي أصل التربية والسلوك لم تعد تتوافر في‬
‫المجتمع فأحيانا ل توجد القدوة في المنزل عند الب بالنسبة للولد‪ ،‬أو عند‬
‫الم بالنسبة للبنت ‪ ،‬ل توجد في العلم‪ ،‬فالعلم قد يقدم مثل الفنان على‬
‫أنه قدوة ‪ ،‬أو يقدم اللعب على أنه قدوة‪ ،‬أو يقدم الوجيه والثري على أنه‬
‫قدوة ‪ ،‬أو يقدم الشخصيات المرموقة اجتماعيا بغض النظر عن كفاءتها‬
‫وبغض النظر عن موقعها في دين الله عز وجل‪ ،‬وبغض النظر عن التزامها‬
‫في السلوك والخلق‪.‬‬
‫لهذا أنت لو أمسكت بأصغر طفل وقلت له‪:‬‬
‫ماذا تتمنى أن تكون؟‬
‫ما كان له إل أن ينطق بأولئك الشخاص الذين يمدحهم المجتمع ويفرح لهم‬
‫ويعظمهم ويوقرهم ويقدرهم‪ ،‬فهو يحب أن يكون مثلهم‪.‬‬
‫التعامل والسلوك في المدرسة ل تقدم القدوة الصالحة أحيانا‪ ،‬بل قد تتوفر‬
‫على النقيض من ذلك ألوان من القدوات السيئة في هذه المرافق وفي‬
‫غيرها‪.‬‬
‫وهنا فراغ الساحة من القدوة يعني انعدام العمق التربوي لدى الفراد وتنازع‬
‫ن وفلن‪،‬‬ ‫الفرد بين أكثر من نمط من النماط الغازية فهو في ذهنه فلن وفل ُ‬
‫وكل هؤلء ليسو أهل لن يكونوا قدوة حسنة وغاب عنه أولئك الرجال الفذاذ‪.‬‬
‫من الزمات أزمة الحوافز‪.‬‬
‫الحوافز التي تدعو النسان إلى أن يعمل وإلى أن يضحي وإلى أن يبذل وإلى‬
‫أن يشارك‪ ،‬وأنت تجد في شريعة الله تبارك وتعالى أول الجر والثواب‪:‬‬
‫) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره( ‪ ،‬هذا من‬
‫الحوافز‪ ،‬الجر عند الله للعمال الصالحة‪ ،‬والعقوبة عند الله تعالى على‬
‫العمال السيئة‪.‬‬
‫وكنموذج أيضا حين تنظر إلى عمل كالجهاد وما فيه من نزيف الدماء وإطاحة‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرؤوس وعقر الجواد وفقدان الحياة‪ ،‬تجد أن الشرع جعل للنسان حوافز‬
‫في هذا العمل‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫منها حوافز شرعية في فضل الجهاد والمجاهدين وما أعد الله لهم في الدار‬
‫الخرة حتى قال النبي )صلى الله عليه وسلم( كما في صحيح مسلم ‪) :‬إن‬
‫في الجنة مائة درجة ما بين كل درجة والخرى كما بين السماء والرض‪،‬‬
‫أعدها الله للمجاهدين في سبيله(‪ ،‬وفي المقابل هناك حوافز دنيوية سريعة‬
‫أيضا مثل قول النبي )صلى الله عليه وسلم( كما في غزوة حنين وغيرها‪:‬‬
‫)من قتل قتيل فله سلبه ( ‪ ،‬له ما معه من السلح والعتاد‪ ،‬وكما هو معروف‬
‫في تمثيل السرايا وإعطائها جزء من الغنيمة الربع أو الخمس على ما هو‬
‫معروف تفصيله‪.‬‬
‫هذا نموذج من الحوافز‪ ،‬ولبد أن يكون للمجتمع حوافز‪ ،‬فالمجتمعات‬
‫السلمية اليوم تعاني أزمة‪ ،‬يعني نقصا حادا وأحيانا غيابا كامل في الحوافز‬
‫التي تدعو النسان إلى العمل‪ ،‬إلى الجهاد‪ ،‬إلى الدعوة‪ ،‬إلى التضحية‪ ،‬إلى‬
‫البذل‪.‬‬
‫لبد من حوافز للعلماء والمبدعين تدعوهم إلى ذلك‪.‬‬
‫حوافز للمربين والمدرسين‪ ،‬حوافز للمجتهدين‪.‬‬
‫حوافز للمخترعين والباحثين‪.‬‬
‫حوافز لكل أصحاب المواهب‪.‬‬
‫بل ل أقول أن المجتمعات السلمية تخلو من الحوافز‪ ،‬إنما أحيانا نجد‬
‫المسلمين في كل بلدهم ربما ل يميزون المبدع عن الخامل أو عن النائم‪ ،‬ول‬
‫تتوافر لديهم أساليب لضمان حقوق أولئك الشخاص‪ ،‬سواء كانت هذه‬
‫الحقوق حقوقا مالية أو معنوية أو غيرها‪.‬‬
‫من الزمات أزمت الحقوق الشرعية‪.‬‬
‫أو ما يعبر عنها بعضهم في العصر الحاضر بأزمة الحرية‪ ،‬وهذا الصطلح ليس‬
‫واردا بهذا اللفظ بالمعنى المقصود‪ ،‬فالولى أن يعبر عنه بأزمة الحقوق‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫إنه ل عمل في الدنيا بدون تشجيع ول إبداع في الدنيا بدون حرية كما يقول‬
‫بعضهم‪ ،‬والحرية يعنون بها الحق الشرعي المنضبط‪ ،‬الضمانة الصحيحة‬
‫لتصحيح الخطاء وتلفي العيوب وهي إشعار للنسان بآدميته وكرامته التي‬
‫بينها الله عز وجل‪ ) :‬ولقد كرمنا بني آدم ( ‪ ،‬بل أخطر ما تعانيه المجتمعات‬
‫السلمية الحرية العوراء ‪ ،‬الحرية الناقصة التي تمنح لفئة من فئات المجتمع‬
‫على حساب فئات أخرى‪ ،‬أو تعطى لتجاه دون آخر‪ ،‬خاصة حينما يكون أولئك‬
‫الذين منحة لهم الحرية وأعطوا الحق كامل هم من الفئات المنحرفة التي‬
‫تحمل أفكارا مخالفة للسس التي قامت عليها هذه المة‪ ،‬كالفكار العلمانية‬
‫مثل أو الفكار الحداثية أو الفكار اللحادية ‪ ،‬فيكون للنسان الحرية في‬
‫طرحها والحديث عنها وترويجها في الكتاب والمجلة والجريدة والتلفاز‬
‫والذاعة والنادي والمنتدى والمسية‪ ،‬على حين ل يملك أصحاب الحق‬
‫الشرعي‪ ،‬أصحاب العلم وأصحاب الدعوة وأصحاب التوجيه وأصحاب الريادة‬
‫وحملة الهدي السماوي ل يملكون الحق ذاته‪.‬‬
‫ومن نتائج فقدان الحرية أو فقدان الحق الشرعي في المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬من آثار ذلك الكبت‪ ،‬والنطواء والعزلة والنكوص وعدم‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التأقلم مع المجتمع وربما يترتب على ذلك نمو مجموعات داخل المجتمعات‬
‫السلمية‪ ،‬مجموعات ترفض هذا الواقع وتحاربه‪ ،‬فضل عن فشو الكراهية‬
‫والبغضاء بين الناس‪.‬‬
‫من ألوان الزمات أزمة التقان والحسان‪.‬‬
‫)وأحسنوا إن الله يحب المحسنين( ‪) ،‬إن الله مع الذين اتقوا والذين هم‬
‫محسنون( ‪ ،‬أي شيء هو الحسان إنه التقان‪ ،‬وعند البيهقي بسند حسن أن‬
‫النبي )صلى الله عليه وسلم( قال‪:‬‬
‫)إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه( ‪ ،‬وفي الحديث الخر حديث‬
‫شداد أبن أوس وهو في الصحيح‪ ) :‬إن الله كتب الحسان على كل شيء‪،‬‬
‫فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة‪ ،‬وليحد أحدكم شفرته‬
‫وليرح ذبيحته ( ‪ ،‬هذا من الحسان حتى المقتول الذي يغادر الحياة تقتله قتل‬
‫حسنا‪.‬‬
‫إن من عدم التقان ضعف النسان في العبادة مثل‪ ،‬تأخير الصلة أو التقصير‬
‫فيها‪ ،‬والتقصير في الطهارة أو عدم الصلة مع الجماعة‪ ،‬أو التفريط فيها‪.‬‬
‫ومثله التفريط في الصيام مثل‪ ،‬أو في الحج أو في الزكاة أو في غير ذلك من‬
‫العبادات التي أمر الله بها ورسوله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬ولهذا قال النبي‬
‫عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫) الحسان أن تعبد الله كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك (‪.‬‬
‫فما بالك بعبدٍ يعبد ربه وكأنه ينظر إلى الله عز وجل ويراه بعينه فيكون مقبل‬
‫عليه معرضا عمن سواه‪ ،‬صادقا خاشعا ل يلتفت إلى المخلوقين طرفة عين‪،‬‬
‫فهذا هو الحسان في عبادة الله تعالى‪.‬‬
‫وهناك لون آخر وهو فقدان الحسان في ما يتعلق بحقوق العباد‪.‬‬
‫مثل عدم إتقان العمال المنوطة بك أيها النسان‪ ،‬إهدارها‪ ،‬تضييعها‬
‫الحرص على شكلية العمل ومظهريته دون حقيقته ومعناه‬
‫الخواء ونمو أساليب التحايل والغش والخداع والنقص في العمل وعدم‬
‫الحرص على إنجاز المور ‪ ،‬يعني أنك حريص على أن ل ُتسأل عن عملك‪ ،‬ل‬
‫يعاتبك المدير على أنك تأخرت‪ ،‬ول يعاتبك المسؤول على أن هذه المعاملة‬
‫جلست عندك‪ ،‬ولكن ما وراء ذلك فإنك ل تلتفت إلى أحد ‪ ،‬وهناك آلف‬
‫الساليب والطرق التي يستطيع النسان فيها بالحيلة أن يتخلص من العتاب‬
‫من الخرين ومن المسؤولية ومن المحاسبة‪ ،‬ولكنها يعلم في قرارة نفسه‬
‫أنه ما قام بالواجب‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من الزمات أزمة الكفاءة‪.‬‬


‫أو المحسوبية أو الطبقية أو التمييز القبلي بين الناس أو التمييز العنصري‬
‫وعدم جعل المعيار في التقويم والتقديم والتوظيف والرعاية‪ ،‬عدم جعل‬
‫المعيار هو المعيار الشرعي‪:‬‬
‫)إن خير من استأجرت القوي المين(‪.‬‬
‫خلق والتقان‬
‫فالقوة والمانة‪ ،‬القوة في الدين والقوة في العلم والقوة في ال ُ‬
‫والمانة‪.‬‬
‫هذا من أزمة الكفاءة‪ ،‬ومنه إبعاد الجادين والمصلحين الصادقين لصالح‬
‫القرباء والصدقاء بني لعم والزملء والجيران وسكان البلد أو المنطقة التي‬
‫أنا منها‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن آثاره إهدار الثروات العظيمة التي على رأسها النسان‪.‬‬


‫إثارة البغضاء والشحناء بين الناس‪.‬‬
‫تضييع المانة بإيكالها إلى غير أهلها‪ ،‬وقد قال النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫لمن سأله عن الساعة‪ ):‬إذا ضّيعت المانة فأنتظر الساعة‪ ،‬قيل ومتى‬
‫إضاعتها؟ قال عليه الصلة والسلم كما في الصحيح‪ ،‬إذا وسد المر إلى غير‬
‫أهله فأنتظر الساعة(‪.‬‬
‫من الزمات أزمة التخطيط‪.‬‬
‫والتخطيط مطلب شرعي‪ ،‬حتى أن الرسول )صلى الله عليه وسلم( كان‬
‫يعتمده كثيرا‪.‬‬
‫وحادثة الهجرة مثل مثل في ها المجال‪ ،‬ومثله أيضا لما هاجر النبي عليه‬
‫الصلة والسلم قال كما في حديث حذيفة في صحيح مسلم‪) :‬أحصوا لي من‬
‫يلفظ بالسلم(‪.‬‬
‫فأجرى النبي عليه الصلة والسلم عملية إحصائية لعدد المسلمين وهذا كله‬
‫يتعلق بموضوع التخطيط‪ ،‬ومحاولة العداد للمستقبل‪.‬‬
‫التخطيط لحل المشكلت التي يمكن أن تنجم‪.‬‬
‫التخطيط لتنمية المجتمع‪ ،‬التخطيط لبناء النفس‪.‬‬
‫التخطيط للوقاية من الخطار‪ ،‬والخطار المقبلة‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن الصحابة رضوان الله عنهم كانوا يتخوفون وهم في المدينة‬
‫من غسان‪ ،‬حتى أن رجل لما طرق على عمر خرج إلي عمر وقال له‪:‬‬
‫ما لك؟ قال أفتح حصل أمر عظيم‪.‬‬
‫سان ؟‬‫فقال ما لك هل جاءت غ ّ‬
‫قال وكنا نتسامع أنهم ينعلون الخيل لحربنا وقد امتلت قلوبنا منهم رعبا‪.‬‬
‫قال ل‪ ،‬المر أعظم من ذلك‪ ،‬طلق رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‬
‫نسائه‪.‬‬
‫والحديث طويل معروف‪ ،‬والشاهد أن توقع الخطار المستقبلية والستعداد‬
‫لمدافعتها وإزالتها هو جزء مما هو مطلوب من المسلم‪.‬‬
‫ولكن انعدام الشعور الصادق بالمسؤولية‬
‫وانعدام المؤسسات والدراسات والستطلعات‬
‫وعدم توفر البيانات الصادقة الضرورية للعمل‬
‫وإبعاد الكفاءات المخلصة‪ ،‬واستيراد المخططين الجانب من خارج دائرة‬
‫المنتفعين والمستفيدين‪ ،‬بل من خارج دائرة أبناء المة كلها‪.‬‬
‫كل هذا أوجد أزمة في التخطيط على مستوى المة في كل مدنها ودولها‬
‫ومناطقها وأنتج ذلك عواقب منها استمرار التخبط‪ ،‬وعد انتظام المة‪ ،‬وعدم‬
‫تحقيقها لما تطمح إليه وتصبو إليه‪.‬‬
‫ومثله أيضا أن المة أصبحت تتعرض دائما وأبدا مفاجأة غير محسوبة‪ ،‬ونكبات‬
‫لم تكن تنتظرها‪ ،‬وأهدر المال والجهد في أشياء ل تنفع المة في حاضرها ول‬
‫في مستقبلها‪.‬‬
‫وكم ندمت المة على مال بذلته‪ ،‬أو علقة بنتها أو خطة رسمتها أو غير ذلك‬
‫من الشياء‪.‬‬
‫من الزمات أزمة المن‪.‬‬
‫أمن النسان على نفسه أو على مستقبله أو على دينه قبل ذلك كله‪ ،‬أو على‬
‫فكره أو على ماله أو على ولده أو على منصبه أو جاهه أو مكانته أو كرامته‬
‫إلى غير ذلك‪.‬‬
‫ويجب أن نعلم أن الخائف ل يعمل شيئا‪ ،‬ول ينتج شيئا‪ ،‬ول يتعاون مع أحد‪ ،‬ول‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوجد أمن للنسان دون وجود حدود فاصلة له واضحة وواقعية تبين ما‬
‫للنسان فيه حق فيفعله‪ ،‬وما ليس للنسان فيه حق فيتركه ‪ ،‬وما لم توجد‬
‫صر في‬‫ظلم أو اعتدي عليه أو ق ّ‬‫الجراءات الكافية لحفظ حقوق النسان إذا ُ‬
‫حقه كائنا من كان هذا الظالم ومهما كان حجم الظلم الواقع عليه‪.‬‬
‫من الزمات أزمة المنهج‪.‬‬
‫فالمة كثيرا ما تغيب عن وعيها ول تعرف هويتها وحقيقتها وانتمائها أو تغيب‬
‫عنها قبلتها التي أمرت أن تتجه إليها‪ ،‬صحيح يعرف الناس الكعبة البيت‬
‫الحرام فيصلون إليها في أحينا كثيرة‪.‬‬
‫لكنهم قد ل يعرفون إلى أين يتجهون في تفكيرهم‬
‫وإلى أين يتجهون في اقتصادهم‬
‫وإلى أين يتجهون في سياستهم‬
‫وإلى أين يتجهون في إعلمهم‬
‫والسلم دين جاء ليهيمن على الحياة كلها‪ ،‬ولتدور في فلكه كل العمال‬
‫والفكار والتصورات والمواقف‪ ،‬لقد ظل جزء من المة يركض وراء‬
‫الشيوعية حتى فوجئ بسقوطها‪.‬‬
‫ول زالت أجزاء كبيرة من المة تركض وراء التغريب ووراء النظام الدولي‬
‫الجديد‬
‫ووراء أمريكا بنظمها وسياساتها وخططها وأفكارها ومناهجها‬
‫ول زالت أجزاء كبيرة من المة تنادي بالعلمانية وفصل الدين على الدين على‬
‫الحياة وعن كل المجالت العملية المثمرة‪.‬‬
‫ومثل ذلك التبعية لبعض المذاهب أو النظريات القديمة ولو كانت موجودة‬
‫في تاريخنا وتراثنا‪ ،‬فإن تاريخنا مثل يوجد فيه الراء المنحرفة آراء الفلسفة‬
‫آراء الجهمية‪ ،‬آراء المعتزلة‪ ،‬آراء المم الكثيرة التي نقلها بعض المسلمين‬
‫وترجموها وتأثروا بها‪.‬‬
‫فل بد من تحرير التبعية وأن يكون المعيار في المنهج للقرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية ل غير‪:‬‬
‫)وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد‬
‫العقاب(‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إن هذا المقياس يقضي على كل صور التناقض في المة‪ ،‬فما وجدناه موافقا‬
‫للحق الوارد في القرآن الكريم والحديث الصحيح أخذنا به بغض النظر عن‬
‫مصدره‪.‬‬
‫وما وجدناه مخالفا رفضناه ولو كان ظهر من بيننا ومن بلدنا‪.‬‬
‫من مظاهر انعدام المنهج أو ضعفه أو أزمته تذبذب الشباب وترددهم وانعدام‬
‫النسجام الفكري والثقافي وأزمة الثقة أيضا بينهم‪.‬‬
‫من أزمات أخيرا أزمة التدين‪.‬‬
‫بل لعلها أهم الزمات ولذلك جعلتها هي الخيرة‪ ،‬أزمة غياب مراقبة الله عز‬
‫وجل‪ ،‬وغياب الخوف من لقائه وأي معنى لحياة إنسان غاب عنه اليمان‬
‫بالدار الخرة‪.‬‬
‫قال الله عن بعض عباده المخلصين‪:‬‬
‫)إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار(‪.‬‬
‫فذكر الدار الخرة واعتبارها في عمل النسان وقوله وفعله هو الذي يضبط‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعيار والميزان في نفسه‪ ،‬يجعله يقبل على الخير طواعية ويعرض عن‬
‫الشر طواعية فهذا يوف عليه السلم تتيسر له كل السباب في بيت امرأة‬
‫العزيز وهي سيدة البيت وقد أغلقت الباب وفي خلوة وقالت له‪:‬‬
‫ت لك( قال‪:‬‬ ‫ت لك( وفي قراءة )هئ ُ‬ ‫)هي َ‬
‫)معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إن ل يفلح الظالمون(‪.‬‬
‫فهذا هو المر العظيم‪ ،‬الخوف من الله والتدين الذي يجعل النسان يعرض‬
‫عن الحرام حتى ولو كان في متناول يده‪ ،‬ويفعل الطاعة والخير حتى ولو‬
‫كان فيه حتفه وعطبه‪.‬‬
‫أولئك الذين يخوضون المعارك وتتساقط رؤوسهم هل كانوا يجهلون ذلك‬
‫المصير؟‬
‫كل‪ ..‬ما جاء إنسان للمعركة وهو يعتقد أنه ذهب إلى نزهة أو سياحة‪ ،‬لقد‬
‫عرف أنه ذاهب إلى ميدان حرب ولكنه يعلم أن تلك الضربة التي يطير به‬
‫رأسه إن كان صابرا محتسبا مقبل غير مدبر هي التي يدخل به الجنة برحمة‬
‫الله وإذنه‪.‬‬
‫هذه الزمة غياب التدين وضعف مراقبة الله تعالى وعدم الخوف منه هي أهم‬
‫من كل ما سبق‪ ،‬بل هي السبب الرئيس في كل ما سبق‪.‬‬
‫ذلك المسؤول الذي فرط في عمله أو المدرس الذي أو الطالب أو الب أو‬
‫الزوج‪ ،‬كل هؤلء ما فرطوا إل بسبب ضعف التدين‪ ،‬وهذا السبب له نتائج من‬
‫مظاهرها‪:‬‬
‫جفاف النسان في روحه‪ ،‬في محبته لله في‪ ،‬إيمانه‪ ،‬في إشراق قلبه‪ ،‬في‬
‫توقده‪،‬‬
‫وإيمان الكثيرين بالماديات حتى كأنها كل شيء‪ ،‬فأنت حين تحدث النسان‬
‫التاجر عن البركة‪ ،‬يلوي رأسه وكأنه ل يؤمن بذلك‪ ،‬إنما يؤمن بالحسابات‬
‫والدراسات الستشارية‪ ،‬والمور المبنية على أمور علمية لها نتائج‪ ،‬وينسى‪:‬‬
‫)ولو أن أهل الكتاب أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض(‪.‬‬
‫بركات‪ ،‬فينزل الله البركة على عباده المؤمنين إذا صدقوا وأمنوا واتقوا‪.‬‬
‫ومن نتائج ذلك اضمحلل النية الصادقة في عمل النسان وفي أمره كلها‪ ،‬فل‬
‫يعمل إل ما يرى أن له فيه مصلحة دنيوية عاجلة‪.‬‬
‫ومن آثر ذلك ضعف الذعان لمر الله وأمر الرسول )صلى الله عليه وسلم(‪،‬‬
‫فأصبح الكثيرون يسمعون الوامر ثم يخالفونها‪ ،‬ويسمعون النواهي ثم يأتونها‪،‬‬
‫لماذا؟‬
‫لن ذلك القلب المندفع إلى الطاعة قد ضعف فيه الدافع والحافز‬
‫ومثل ذلك نسيان حقوق الله تعالى كلها‬
‫بل ونسيان حقوق العباد أيضا‪.‬‬
‫النقطة الرابعة‪ /‬لماذا يحدث هذا ؟‬
‫لماذا تزداد الخطاء ؟ ولماذا تتعقد المشكلت ؟ ولماذا ل نجد لها حل ؟‬
‫هناك أسباب كثيرة أذكرها بسرعة كسبا للوقت‪:‬‬
‫من ذلك الرضى والقناعة الموجود لدينا‪.‬‬
‫رضينا بالواقع‪ ،‬ل ندرك مشكلتنا بشكل صحيح‪ ،‬وننكر وجودها أحيانا ونرى‬
‫أحيانا أنه ليس بالمكان أبدع مما كان‪ ،‬وكل أمورنا مبنية على الكمال‬
‫والتمام‪ ،‬ليس لدينا إحساس بحجم الفارق بيننا وبين غيرنا‪ ،‬والبعض منا‬
‫يرغبون بالركود وعدم التجديد بحال من الحوال‪.‬‬
‫السبب الثاني عدم إيماننا بوجود المصارحة والمناصحة في ما بيننا‪.‬‬
‫وعدم الوضوح والصراحة والمكاشفة في تعاملنا مع واقعنا‪ ،‬وعدم مناقشة‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمرنا ومشكلتنا بصورة صحيحة‪ ،‬وذلك لننا نرغب أحيانا كما نظن في عدم‬
‫الثارة أو اتقى الفتنة‪،‬‬
‫أو المساس بالمكاسب أو غير ذلك‪ ،‬وننسى أنه ل يمكن تجنب الثارة واتقى‬
‫الفتنة والحفاظ على لمكاسب إل من خلل منهج واضح صحيح للنقد‬
‫والمصارحة والمكاشفة يكون مبنيا على الحقوق المتبادلة بيننا جميعا‬
‫بين الزوج وزوجته‬
‫بين الوالد وولده‬
‫بين المدرس والطالب‬
‫بين الحاكم والمحكوم وهكذا‪.‬‬
‫السبب الثالث عدم تحديد المشكلت بدقة‪.‬‬
‫فنحن أحيانا نعزل كل مشكلة على حدة كما لو كانت مخلوقا مستقل منفردا‬
‫ونحاول أن نبين أسبابها‪ ،‬ونقترح الحلول لها‪ ،‬وندرس هذه الحلول ونخلص‬
‫إلى نتائج نهائية دون أن نربط ذلك بغيره من المور‪.‬‬
‫السبب الرابع عدم الثقة بالعلم‪.‬‬
‫وعدم البحث العلمي واعتماد الساليب العلمية في الوصول إلى تحديد‬
‫المشكلة وأساليب حلها وتسخير العلوم الممكنة لهذا المر‪.‬‬
‫السبب الخامس ضيق الفق لدى البعض‪.‬‬
‫أو الركود والتعصب للمألوف والعادات والنطلق من بعض المسلمات‬
‫والبديهيات الخاصة التي ليس لها سند شرعي ول عقلي‪.‬‬
‫فالكثيرون يقولون لك هذا المر ل يجادل فيه اثنان ول ينتطح فيه عنزان‬
‫أو يقولون لك هذا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لمن أنار الله‬
‫بصيرته‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ولكن الواقع أن هذا المر ليس سوى أمر مألوف معروف‪ ،‬وهذا الضيق‬
‫النفسي والعقلي الموجود لدى البعض يعميه ويصمه عن التقدم خطوة واحدة‬
‫للتعرف على الخطاء وتعديل السلوكيات وحل القضايا والمشكلت‪.‬‬
‫السبب السادس اعتقاد البعض أن مشكلتنا تحل عن طري الساليب‬
‫العقيمة‪.‬‬
‫فمثل الجدل والتراشق باللفاظ والتعصب والتحيز الواضح لفكرة معينة أو‬
‫استيراد الحلول الجاهزة أحيانا أو ترك المشكلة ونعتقد أن الزمن كفيل بحلها‬
‫أو إلغاء السباب والنتائج أو إلقاء المسؤولية على الخرين وانتظار الحل‬
‫منهم‪ ،‬أو التعامل مع المشكلت بالعواطف‪ ،‬كل ذلك قد يسكن اللم أحيانا‬
‫ولكنه ل يوقف النزيف على المدى الطويل‪.‬‬
‫السبب السابع والخير هو عدم استصحاب النية الصالحة في نفع الناس‪.‬‬
‫وبذل الوسع في التعامل مع القضايا والمشكلت ونسيان الموضوعية في‬
‫غمار التعصب وعدم النصاف والتأني إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي‬
‫أن يتميز بها كل باحث عن الحقيقة‪.‬‬
‫** أما النقطة الخامسة وهي بيت القصيد فهي بعنوان أخطاء وحلول‪.‬‬
‫الخطاء الول فأين الصواب إذا‪.‬‬
‫وأعني بهذا الخطاء التركيز على الخطاء ولعل لقائل أن يقول أن محاضرتك‬
‫نفسها عنوانها بعض أخطأنا في التربية ؟ فأقول نعم حتى التركيز على‬
‫الخطاء في موضوع أو درس أو محاضرة ينبغي أن يكون بقدر معتدل‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن التركيز على الخطاء والنحرافات ل يبني أبدا‪ ،‬بل الصل هو وضع المعيار‬
‫الصحيح وتمكين النسان أن يكتشف الخطاء بنفسه مع الثناء عليه إن أصاب‬
‫وتوجيهه إذا أخطاء‪.‬‬
‫مثل الواعظ والخطيب مربي‪ ،‬فينبغي له أن ل يركز على الخطاء ويجعل كل‬
‫خطبه ودروسه ومحاضراته هي عبارة عن سياط يلهب بها ظهور الناس‬
‫فيخرجون منه كل يوم وقد حميت ظهورهم من أثر هذا الكلم الذي أنحى به‬
‫عليهم‪.‬‬
‫ل… ينبغي أن يكون أحيانا هناك حديث عن الصواب ليعمله الناس دون‬
‫تعريض بالخطأ‬
‫وأحيانا يكون هناك ثناء على بعض الظواهر اليجابية حتى تنمو وتكبر‬
‫وأحيانا يكون هناك تنبيه إلى بعض الخطاء بالسلوب الشرعي المناسب‪.‬‬
‫المدرس أو المدرسة أيضا هم من المربين‪ ،‬فكون المدرس أو المدرسة يركز‬
‫على أخطاء الطالب‪ ،‬إذا أخطئ ابرز الخطأ وعلق عليه وأكد على هذا الخطأ‬
‫فإن هذا يحطم الطالب ويجعله ل يفكر في المحاولة مرة أخرى‪.‬‬
‫ل…‪.‬بل ينبغي أن يبرز الجانب الخر‪ ،‬جانب الصواب الذي أصاب فيه‪ ،‬الجانب‬
‫النساني عند النسان‪.‬‬
‫ومن القصص المشهورة التي تبين لك أن النسان يستطيع أن يؤدي‬
‫المعلومة بأكثر من أسلوب‪:‬‬
‫أن خليفة رأى في المنام أن أسنانه قد سقطت‪ ،‬فطلب رجل يعبر الرؤيا‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين يموت أهلك كلهم وتبقى أنت بعدهم‬
‫فأمر به فجلد حتى أغمي عليه ثم قال ارفعوه عني‪.‬‬
‫دعا بعابر آخر فقال له يا أمير المؤمنين أنت أطول اهلك عمرا‪.‬‬
‫فأعطه جائزة‪.‬‬
‫إن النسان يستطيع أن يعبر عن التوجيه والرشاد والنصيحة بأسلوب غير‬
‫مباشر أحيانا‪ ،‬وبأسلوب مباشر أحيان أخرى‪ ،‬ويمتدح الصواب في بعض‬
‫الحيان‪ ،‬ويمتدح فلنا لنه أصاب‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫الب أيضا مربي‪ ،‬فكون الب ل يحسن إل سب أولده وشتيمتهم والدعاء‬
‫عليهم وتعييرهم‪ ،‬وفلن فعل وأبن فلن فعل وأنتم فيكم وفيكم‬
‫هذا ل شك لن يبني أولدا صالحين قط‪ ،‬بل سيجعل هؤلء البناء يفقدون‬
‫الثقة بأنفسهم‪ ،‬يعيشون إحباطا وقد يؤدي إلى كراهيتهم لبيهم‪.‬‬
‫لكن بدل من أن تقول أنت أخطأت‪ ،‬قال هذا العمل ل يعجبني‪ ،‬ل يناسبني أو‬
‫ل يصلح‪ ،‬ولو قلت له هذه المرة أخطأت‪ ،‬المرة الثانية لبد أن تثني على‬
‫الصواب‬
‫من الممكن أن تستخدم معه أساليب متعددة‪.‬‬
‫بل أقول كل إنسان في مسؤولية فهو يتناول ويتولى جزء من مسؤولية‬
‫التربية‪.‬‬
‫حتى الحاكم العظم أو المام أو الخليفة أو السلطان هو أيضا مربي على‬
‫نطاق أوسع‪ ،‬ومسئوليته في عدم تتبع الخطاء وعدم تتبع العورات واضحة‬
‫جلية‪.‬‬
‫إذا لبد أن تكون الخطاء موضوعة بصورة معتدلة‪.‬‬
‫إن النسان الذي يلحق أخطاء الناس‪ ،‬ويكثر من الحديث عنها ربما يكون‬
‫لديه شعور بالكمال‪ ،‬ولذلك فهو دائما وأبدا يبحث عن الزوايا المظلمة‬
‫والمناطق القاتمة في الناس‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخطأ الثاني الشكل أم المضمون‪.‬‬


‫إن الغراق في الشكل على حساب المضمون أو في الكم على حساب‬
‫الكيف من اعظم أمراضنا‪ ،‬مثل الرجل يهتم بملبسه‪ ،‬بغترته بحذائه‬
‫المرأة كذلك بل أشد‪ ،‬فتجد كل موديل جديد لدى المرأة‪ ،‬وتجد لديها ألوانا‬
‫من تلك المجلت والكتب التي تسمى )بالبردات(‪ ،‬فاليوم من فرنسا وغدا من‬
‫تايلند وبعد غد وهكذا‪ ،‬وتجد لديها عشرات بل مئات من الملبس والثياب‬
‫ربما لم تلبس منها إل شيء قليل وبعضها مرة واحدة أو مرتين‪.‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة للطفل فنحن معنيون جدا بملبسه وجماله وحذائه وغير‬
‫ذلك‪ ،‬هذا بل شك إذا كان في حدود العتدال فهو مطلوب ول بأس به‬
‫لكن ل يجوز أن يكون ذلك على حساب العناية بصلح النسان‪ ،‬بقلبه بأخلقه‬
‫بدينه بعلمه بثقافته بعبادته بتربيته‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مثل ذلك قصات الشعر مثل والتسريحات‪ ،‬وكنا بالمس نحسبها للنساء فقط‪،‬‬
‫فالمرأة اليوم تقص قصة‪ ،‬وغدا تقص قصة أخرى‪ ،‬وأصبحت الفتاة عندك تتابع‬
‫التسريحات في العالم أول بأول‬
‫ليست هذه المشكلة فقط بل تطور المر وأصبح هذا حتى بالنسبة للشباب‪،‬‬
‫فأنت تجد تلك الصالونات التي كثرت أصبحت تعتني بقصات الشعر وتتخصص‬
‫فيها‪ ،‬وربما جلس الشاب أمام المرآة وقتا طويل من أجل تسريح شعره‬
‫لكن لو تجاوزت هذا الشعر قليل إلى ما يوجد في داخل الرأس‪ ،‬معلومات‬
‫عقل علم ثقافة اهتمامات ربما تجد خواء في خواء‪.‬‬
‫مثل الثاث المنزلي‪ ،‬كثيرون منا يهتمون بالثاث المنزلي وتجديده وتنويعه‬
‫وتناسق ألوانه‪ ،‬ومن الضروري أن يكون التلفاز موجودا وجهاز الفيديو وغرف‬
‫النوم إلى غير ذلك‬
‫الكثيرون يهتمون بهذا ولكن الهتمام بقيام المنزل على أساس السعادة‬
‫الزوجية مثل‪ ،‬قيام المنزل على أساس المسؤولية المشتركة‪ ،‬وقيام المنزل‬
‫على أساس شرعي‬
‫هذا ربما ل يكون قائما في اهتمام البعض‪.‬‬
‫مثله مثل مسألة الترفيه والرياضة‪ ،‬فأنت تجد المة تحتفل احتفال كبيرا في‬
‫الترفيه والرياضة‪ ،‬والرياضة لون من ألوان الترفيه لكنها أخذت من وقتنا‬
‫وعمرنا واهتمامنا‬
‫أخذت شبابنا وفلذات أكبادنا فأصبح الطالب وهو في أيام الختبار مثل‬
‫مشغول بمتابعة دوري‬
‫أو مشغول بمتابعة الرياضة على الشاشة أحيانا‬
‫وأصبح يحفظ أسماء أندية العالم وألوان هذه الندية وأسماء المدربين وغير‬
‫ذلك ويتابع أول بأول وليس هذا فقط‪ ،‬بل يبذل من عواطفه ومشاعره‬
‫واهتماماته الشيء الكثير في هذا السبيل‪ ،‬مثله أيضا الجانب الترفيهي الذي‬
‫أصبح يأخذ وقت الكثيرين من الناس‪.‬‬
‫ولو أنهم أعطوا الناحية الشرعية أو العقلية أو الثقافية أو العلمية جزء من‬
‫ذلك لنتج عنه خير كثير‪.‬‬
‫اهتمام المة عامة بالمباني والجسور والطرق والمعالم الحضارية كما تسمى‪.‬‬
‫اهتمام المدير في المدرسة بحضور المدرسين‪،‬‬
‫أو اهتمام الموظف بحضور مرءوسيه وقت الدوام وأن ل ينصرفوا إل في‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوقت نفسه دون أن يهتم بالعطاء وهل أنجزوا وأدوا مسئوليتهم أم أن‬
‫الواحد فقط يحضر ثم ل يقوم بعمل‪.‬‬
‫اهتمام الب ببقاء أولده في البيت‪ ،‬لكن يبقون لماذا؟‬
‫هل ليتعلموا‪ ،‬هل ليحفظوا القرآن ؟‬
‫هل ليتربوا على مكارم الخلق ؟‬
‫هل يقوموا بعمل دنيوي مفيد ؟ ل يعنيه ذلك‪..‬‬
‫أم انهم جلسوا أمام التلفاز أو أمام الفيديو أو أمام أشياء أخرى قد ل تكون‬
‫في مصلحتهم‪.‬‬
‫اهتمام المدرس بالمنهج‪ ،‬المهم أن ينتهي المنهج مع نهاية العام الدراسي‪،‬‬
‫وليس المهم عنده أحيانا بناء الطالب‪ ،‬وإعداده وتنمية علمه وعقله وتأهيله‬
‫لنزول ميدان الحياة وخدمة المة‪.‬‬
‫اهتمام المة في تعليمها بعدد الدارسين‪ ،‬فنحن نجد أن التعليم متاح للجميع‬
‫وأي طالب ل يتعلم يعتبر ناقصا‪ ،‬ليس فقط للمستوى المتوسط أو الثانوي بل‬
‫ل بد أن يأخذ الجامعة‪.‬‬
‫وإنني أعرف البعض من الطلب قد يجلس زمانا طويل في الجامعة لنه‬
‫مشغول عنها‪ ،‬مشغول بأموره البيتية‪ ،‬بتجارته ولكنه مع ذلك مصر على هذا‬
‫المر وكأنه ليس لغيره أهل‪ ،‬أو ليس لغيره مناسبا‪ ،‬لماذا ؟‬
‫لن التقاليد فرضت علينا أن هذا الروتين ل بد أن يتم‪ ،‬ولبد لكل الجيل أن‬
‫يتعلم وكأنه ل يمكن أن يخدم إل من خلل هذه القناة‪.‬‬
‫ومع أن هذا النسان الذي فشل في دراسته مثل قد يكون ناجحا جدا في‬
‫ميادين أخرى لو أتجه إليها لكن هذا القانون السائد جعله يهتم بهذا الجانب‬
‫دون رعاية النوعية‪.‬‬
‫حتى في دراساتنا العليا حينما يطالب النسان بأن يحضر ماجستير أو دكتوراه‬
‫تجد أن السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا كم صفحة رسالته ؟ كم مجلد ؟‬
‫لكن قل ما نسأل ما هي النتائج التي توصل إليها ؟‬
‫هل كان عميقا في بحثه؟‬
‫هل وصل إلى نتائج جديدة ؟ إلى غير ذلك من السئلة التي تتعلق بالمضمون‪.‬‬
‫مثل ذلك العلم العربي كله وفي بلد العالم السلمي أيضا ‪ -‬ول اسميه‬
‫العلم السلمي‪ -‬تجد هذا العلم يهتم بساعات البث والرسال‪ ،‬أن تكون‬
‫مستمرة‪ ،‬لكنها ل يهتم بنوعية ما يشاهده الناس‪ ،‬أو نوعية ما يسمعون‪ ،‬هل‬
‫هو ينفعهم أو يضرهم ؟‬
‫هل يبني أم يهدم ؟‬
‫هل هو على حساب الخلق والدين ‪ ،‬أم يقوي ويعزز جانب الخلق والدين ؟‬
‫ومثله الجوانب العسكرية في العالم السلمي‪ ،‬فقد تجد أحيانا توفيرا لبعض‬
‫الجهزة‪ ،‬أو عناية بعدد الجنود‪ ،‬لكن ل تجد الهتمام بكفاءتهم وقدراتهم فضل‬
‫أن تجد الهتمام بإخلصهم ومعرفتهم للهدف الذي من أجله يتدربون ومن‬
‫أجله يقاتلون ومن أجله يتربون لذلك اليوم الذي يفترض أنهم يربون له‪ ،‬أل‬
‫وهو مقاومة أعداء السلم والدفاع عن الحرمات والدين وعن الخلق وعن‬
‫مكتسبات المة السلمية‪.‬‬
‫إذا تتلخص اهتماماتنا كثيرا بالمادة على حساب النسان‪ ،‬حتى اهتمامنا‬
‫بالنسان عندما نهتم به‪ ،‬نهتم به من ناحيته المادية فحسب‪ ،‬فنحن قد نعامله‬
‫كرقم في الحصاء مثل‪ ،‬نعده إنسانا ونعطيه رقما‪ ،‬ولكننا نكتفي بهذه‬
‫المعاملة الرقمية العددية أو اللية وننسى الكرامة التي هي سمته‪ ،‬والبتلء‬
‫الذي القي على كاهله‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫) إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه‪ ،‬فجعلناه سميعا بصيرا(‪.‬‬


‫مله‪:‬‬
‫وننسى التكليف الذي ح ّ‬
‫)ل يكلف الله نفسا إل وسعها(‪.‬‬
‫إن من أعظم ذلك الهتمام بالظاهر على حساب الباطن‬
‫وفي الشريعة السلمية والقرآن والسنة‪ ،‬ل يوجد أصل ول ُيتصور تفاوت‬
‫بينهما‪ ،‬فكما قال عليه الصلة والسلم في الحديث المتفق عليه‬
‫)أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد‬
‫الجسد كله أل وهي القلب(‪.‬‬
‫فصلح الظاهر حقيقة يدل على صلح الباطن‪ ،‬وصلح الباطن ل بد أن ُيثمر‬
‫صلح الظاهر‪ ،‬لكن مما ينبغي أن نعلمه دائما وأبدا أن العقيدة هي الصل‬
‫فالمور العلمية العتقادية كمعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله‪،‬‬
‫ومعرفة اليوم الخر واليمان به‪ ،‬والملئكة والكتاب والنبيين‪ ،‬هذه الشياء‬
‫أصول ينبغي أن تغرس في النفوس وتبنى عليها التربية‪.‬‬
‫ثم العمال القلبية أيضا كمحبة الله تعالى وخوفه ورجائه والرغبة في ما عنده‬
‫والخشوع له والرغبة والرهبة ولنابة إليه وغير ذلك من المعاني العظيمة هي‬
‫معاني ينبغي أن تغرس في القلوب ثم تأتي بعد ذلك العمال الظاهرة‬
‫كالعبادات مثل‪ ،‬وهي مبنية على الباطن‪ ،‬ولذل لو صلى النسان بغير نية لم‬
‫تن صلته مقبولة‪:‬‬
‫)فويل للمصلين الذين هم عن صلتهم ساهمون‪ ،‬الذين هم يراءون ويمنعون‬
‫الماعون(‬
‫ومثله العبادات كلها‪.‬‬
‫وكذلك الهتمام بالشكل المظهري للنسان كالعناية مثل بملبسه بشكله‬
‫بشعره بمشيته بدخوله بخروجه وموافقة ذلك كله للشريعة‪.‬‬
‫الخطأ الثالث‪ :‬إنك ل تجني من الشوك العنب‪.‬‬
‫إننا جميعا نعاني من الهمال التربوي ومع ذلك ننتظر أحيانا نتائج طيبة‪،‬‬
‫واضرب لك أمثلة‪ ،‬الحكومات التي تريد الحفاظ على أبنائها وعلى شعوبها‬
‫تجد أنها تتعاهدهم بالرعاية والعناية والخدمة والملحظة كما يتعاهد النسان‬
‫غرسه أو نبته صبحا مساء‪ ،‬وتجد أنها تسعى إلى كسب ولئهم وتضع الخطط‬
‫التربوية الناجحة لتأثير عليهم‪.‬‬
‫السر التي تريد الحفاظ على أبنائها أيضا‪ ،‬تجد أنها تحرص عليهم وتراقبهم‬
‫مراقبة دقيقة وتبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس‪.‬‬
‫أما المشكلة فهي الهمال التام عندنا لولدنا وأسرنا وبيوتنا وشعوبنا ثم‬
‫انتظار نتائج إيجابية وأحيانا نندهش ونفاجأ حينما ُتخلف ظننا المور‪.‬‬
‫الب المشغول بالتجارة‪ ،‬والخر المشغول بالمزرعة‬
‫والثالث مشغول بوظيفته دوام صباحي ودوم مسائي‬
‫ورابع مشغول بالسفر بالجازات وبالخميس والجمعة‪ ،‬ومشغول مع أصدقائه‬
‫في بقية اليام‪ ،‬أو مشغول بالزوجة الجديدة التي أخذت عقله ولبه وقلبه‬
‫ووقته‪ ،‬واصبح كل همه ووجه إليها‬
‫أو حتى قل مشغول بالدعوة إلى الله تعالى ومشغول بالعلم ومشغول‬
‫شغل به النسان‪ ،‬لكن ل ينبغي أن ينشغل بهذا ول بذاك‬ ‫بالتعليم وهي خير ما ُ‬
‫عن مسئوليته المباشرة التي حددها الرسول )صلى الله عليه وسلم( بقوله‪:‬‬
‫)ابدأ بمن تعول (‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول الولد لمن تتركنا ؟ وتقول الزوجة ويقول القريب‪.‬‬


‫أحيانا حتى مجرد الجلوس مع الولد أو الكل معهم أو المزاح أو سؤالهم عن‬
‫أحوالهم ودراستهم وأوضاعهم‪ ،‬حتى هذا ل يكاد يتحقق من بعض الباء‬
‫المشغولين‪.‬‬
‫وهذه مصيبة‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫ليس اليتيم من انتهاء أبواه من……‪ ..‬هم الحياة وخلفاه ذليل‬
‫إن اليتيم هو الذي تلقى له ……‪.‬أما تخلت أو أبا مشغول‬
‫ليس هذا فحسب‪ ،‬ليست المشكلة أن هؤلء لم يجدوا من يربيهم‪ ،‬بل‬
‫المشكلة أن هناك وسائل بديلة قامت بتربيتهم‪.‬‬
‫فمثل العلم‪ ،‬التلفاز الذي يستلم الطفل أو الشاب أو الزوجة حتى‪ ،‬يستلمه‬
‫من يوم أن يدخل المنزل وإلى أن ينام‪ ،‬بكل برامجه وصوره ومسلسلته‬
‫وخيره وشره‪.‬‬
‫الفيديو الذي يكمل نقص العلم‪ ،‬يستطيع النسان أن يحصل على آلف‬
‫الفلم التي تصور له أوضاع الشعوب الخرى‬
‫فهذا فلم يصور لك كيف يعيش الناس في المجتمع المريكي الكافر‬
‫وآخر يصور لك معيشتهم في المجتمع البريطاني الكافر‬
‫وثالث في المجتمع الفرنسي الكافر‬
‫ورابع يتحدث لك عن أوضاعهم القتصادية‪ ،‬وخامس عن المور الفنية‪،‬‬
‫وسادس وسابع وهكذا‪.‬‬
‫إذا هذا العلم بصورة واضحة صريحة يقدم للناس هديا وشريعة بديلين عن‬
‫هدي الله تعالى‪ ،‬وشريعة محمد )صلى الله عليه وآله وسلم(‪.‬‬
‫فهو يعلم الكبير والصغير كيف يدخل ويخرج ويقوم ويقعد وينام ويتكلم‪ ،‬بل‬
‫كيف يخاطب وكيف يحيي الناس وكيف يتعامل معهم‪ ،‬فتتعلم منه البنت كثير‬
‫من الخلق السيئة‪ ،‬ويتعلم منه البن والفتى والكبير والصغير‪.‬‬
‫وإذا فرض أن في أجهزة وأشرطة الفيديو الموجود نقصا وليس موجودا في‬
‫تصوير ألوان التعاسة التي تعيشها المجتمعات الغربية‬
‫فإن البث المباشر الذي أصبح يطل علينا الن سيكمل هذا النقص بكل حال‪،‬‬
‫وأنت تجد إعلنات أحيانا عن بعض ألوان من القراص التي تستقبل ما يزيد‬
‫على أربع وتسعين قناة‪ ،‬ومع السف الشديد أصبح يمكن لهذه الشياء في‬
‫بلد المسلمين وتباع علنية‪ ،‬بل وتنشر لها الدعاية حتى في صناديق البريد‬
‫دون تشهير ول نكير‪ ،‬فضل عن الصحف والمجلت‪.‬‬
‫إذا الجانب العلمي إذا غفلت أنت فهو ليس بغافل‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الجانب الرياضي الذي يهتم ببناء الجسام دون بناء العقول ودون بناء الخلق‬
‫ودون بناء الروح والعلم‪ ،‬هذا أيضا ل يغفل‪ ،‬فهو قد يبني لك ولدا قويا في‬
‫جسمه‪ ،‬ولكنه خواء في عقله وعلمه ودينه‪.‬‬
‫وأنا ل أقول إن كل من يعمل في هذا المجال هو كذلك‪ ،‬فنحن نعلم من‬
‫الرياضيين قوما صالحين والحمد لله تعالى‪ ،‬ولكننا نحذر أيضا من مثل هذا‬
‫المصير‪.‬‬
‫فضل عن الجو الصاخب الهائج الذي يقع أثناء المباريات في مدرجات الرياضة‬
‫أو في السواق أو الشوارع العامة أو المنتديات أو غيرها‪.‬‬
‫فضل عن تلك النوعيات المتفاوتة من الكبار مع الصغار‪ ،‬متفاوتون في‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعليمهم وفي أخلقهم وفي سنهم وفي غير ذلك‪.‬‬


‫إذا غفلت أنت فلن يغفل قرناء السوء من ضحايا المخدرات أو محترفي‬
‫الجرام أو هواة المغامرة الذين هم في سن ولدك وقادرون على التأثير عليه‬
‫وعلى إقناعه بصحبتهم ومشاركتهم في مغامراتهم وأنشطتهم‪.‬‬
‫والشارع أيضا بكل ما فيه مما أقل ما نقول فيه أنه ليس مكانا للتلقي‬
‫والتربية والتوجيه‪ ،‬وأنه تغيب فيه الرقابة سواء الرقابة من لوالدين أو من‬
‫غيرهم‪ ،‬فإذا غفلت فلن يغفل الشارع‪.‬‬
‫وأيضا العناصر الدخيلة‪ ،‬السائق مثل الذي يذهب مع البنات إلى المدرسة‪،‬‬
‫ى دون أن‬ ‫وإلى السوق وإلى مكان الترفيه‪ ،‬وإلى مدينة اللعاب‪ ،‬وإلى وإل َ‬
‫يكون هناك أي قدر من التوجيه ول من الرقابة‪.‬‬
‫والثقة في ظن الكثيرين موجودة‪ ،‬ونحن نعلم أن كل أب يثق ببناته تلقائيا‪،‬‬
‫ويثق بأولده تلقائيا‪ ،‬لماذا ؟ لنه يذكرهم منذ الصغر‪ ،‬ويذكر ما فيهم من‬
‫البراءة والبعد عن هذه المعاني‬
‫ويرى أيضا ما عندهم من الحياء والخجل الذي يجعلهم ل يتكلمون أمامه‬
‫بشيء‬
‫فيظن الب أن أولده وبناته أبرارا أطهارا ول يتوقع أن المشاعر المتأججة‬
‫التي قد تثور في نفس أي‬
‫شاب تثور عند ولده أو تثور عند بنته‪ ،‬فيضع هذه المور‪ ،‬سائقا مع البنات‬
‫مثل‪ ،‬أو يضع خادمة مع الولد في المنزل ويعتقد أن الثقة موجودة‪ ،‬ول شك‬
‫أن هذا من أخطر المور‪.‬‬
‫مثله أيضا المدرسة الجنبية أو المدرسة الخاصة التي تعتبر أحيانا نوعا من‬
‫الوجاهة ل غير‬
‫فيكفيني أن أقول أن ولدي يدرس في مدارس خاصة‪ ،‬أفاخر أنه يحسن اللغة‬
‫النجليزية‪ ،‬بل إن بعض هذه المدارس تبعث شبابنا لتزلج على الجليد في‬
‫سويسرا وغيرها‬
‫وبعضها تبعث بهم إلى بريطانيا ليقضوا الجازة الصيفية عند اسر نصرانية‬
‫كافرة بحجة أنهم يتعلمون اللغة النجليزية‪ ،‬بل إن بعضهم يذهبون بأولدهم‬
‫إلى الخارج ويقيمونهم بفنادق خاصة بالطفال كما أعلنت عنها عدد من‬
‫الذاعات ووسائل العلم تستلم الطفل‬
‫فالب مشغول بدنياه أو بتجارته أو بصفقاته‪ ،‬وقد يكون مشغول بغير ذلك مما‬
‫ل نبوح به‪ ،‬فيدع أولده في فندق في بلد غربي‬
‫هذا الفندق ل يسمح للب بأن يأتي إلى ولده إل مرة في السبوع ليطمئن‬
‫عليه وهم يستلمونه بعد ذلك ليربوه على أخلقيات معينة‪ ،‬وعقائد معينة‬
‫ومفاهيم وسلوكيات معينة‪ ،‬ولك أن تتصور أي مستوى من الدين والشيم‬
‫سوف يتربى عليها أطفالنا في مثل تلك البيئات‪.‬‬
‫إذا الجو العام يأثر تأثيرا كبيرا‪ ،‬والبيئة التي يعيشها الطفل‪ ،‬السكان مثل‪،‬‬
‫السفر‪ ،‬الغربة‪ ،‬الفندق‪ ،‬الزملء‪ ،‬المدرسة إلى غير ذلك‪.‬‬
‫فأنت إذا غفلت هم ل يغفلون‪ ،‬ول شك أن هذه جوانب سلبية في مجتمعنا‪،‬‬
‫ول يعني أن المجتمع يخلو من وسائل التربية اليجابية…كل‪.‬‬
‫فنحن ندرك مثل أن هناك مدارس كثيرة تعتبر التربية السلمية فيها تربية‬
‫إيجابية‪ ،‬فيها مدرسون ناصحون ومدراء مخلصون ومسؤولون حريصون على‬
‫مصلحة الطلب سواء كانت مدارس رسمية أو كانت مدارس أهلية‪.‬‬
‫هنالك مثل المساجد التي هي منطلق التربية ومصدر الشعاع وهي الجو‬
‫الطبيعي لتربية المسلم على مكارم الخلق ومعانيها‪ ،‬ولقد كان النبي )صلى‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم( يعيش معظم وقته مع أصحابه في المسجد‪ ،‬حلقات لتعليم‬
‫للعبادة للصلة للسؤال‪ ،‬حتى أن الرجل الجاهل يأتي فيدخل المسجد فيجد‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم مع أصحابه فيقف بينهم فيقول‪:‬‬
‫أيكم محمد ؟‬
‫فيشيرون إليه ويقولون هو هذا‪ ،‬فيسأله عن ما أشكل عليه من أمر دينه أو‬
‫دنياه‪.‬‬
‫القرناء الصالحون وهم بحمد الله موجودون‪ ،‬بل وهم كثيرون وينبغي الحرص‬
‫عليهم‪ ،‬وأن يضع الب ولده في دائرتهم‪.‬‬
‫الحلقات والدروس العلمية سواء كانت حلقات لتحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬أو‬
‫لتعليم العلم الشرعي من فقه وحديث وتفسير وفرائض ولغة وغير ذلك‪.‬‬
‫ومجالس الذكر التي يأمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر‪ ،‬وترقق فيها‬
‫القلوب وتحرك فيها لمشاعر‪ ،‬كل ذلك من وسائل التربية‪.‬‬
‫أيضا الوسائل العلمية النافعة المفيدة مثل الكتب المفيدة النافعة‪ ،‬الشرطة‬
‫السلمية النافعة مع أنها أصبحت مع السف اليوم تحاصر ويقلل من انتشارها‬
‫وشأنها وأهميتها‬
‫المجلت السلمية المفيدة إلى غير ذلك‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫المهم أن للب وللمسؤول دورا لوصل الناس بهذه الوسائل المفيدة‪ ،‬ومنعهم‬
‫وإبعادهم عن تلك الوسائل الضارة‪ ،‬وينبغي أن نعلم أن الشر خفيف على‬
‫النفس والتكاليف ثقيلة والشيطان مسلط فيحتاج النسان إلى مراقبة ورعاية‬
‫وحث وتشجيع‪:‬‬
‫والنفس كالطفل إن تهمله شب على……‪ .‬حب الرضاعة وإن تفطمه ينفطم‪.‬‬
‫أين الب المدرك لمسئوليته في تربية ولده‪.‬‬
‫أين الذي يتصور قول الله عز وجل‪:‬‬
‫)والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من‬
‫عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهين(‪،‬‬
‫فهو يراقب ولده منذ نعومة أطفاله‪ ،‬ومنذ طفولته وهو يسأل الله أن يحقق‬
‫فيه أمنيته‪ ،‬وأن يجمعه معه في الجنة‪ ،‬وأن يرفعه إلى رتبته حتى يسعد به‪.‬‬
‫أين الب الذي يتصور قول النبي )صلى الله عليه وسلم( في ما رواه مسلم‬
‫عن أبي هريرة‪:‬‬
‫) إذا مات أبن أدم أنقطع عمله إل من ثلث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو‬
‫ابن صالح يدع له(‪.‬‬
‫إن أعظم ما تخلفه بعدك ليس المال‪ ،‬فهو لوارثك‬
‫ول الشهرة والجاه فهي ل تنفعك وأنت موسد في قبرك‬
‫وإنما عملك الصالح ومنه العمل الدائم الباقي الذي ل ينقطع أو ولد صالح يدع‬
‫له‪.‬‬
‫ومن ألوان الهمال أيضا ليس فقط إهمال الب‪ ،‬بل إهمال إمام المسجد في‬
‫حيه عن توجيه الناس‪ ،‬رعايتهم‪ ،‬تعليمهم أمور دينهم‬
‫حثهم على المحافظة على الصلوات‬
‫حثهم على مكارم الخلق‪ ،‬مراقبة المتخلفين عن العمال الصالحة ونصحهم‬
‫وإرشادهم‬
‫القيام بالعمال الخيرية وتبع المحتاجين والفقراء والمعوزين والمعدمين‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مراقبة الشباب والقيام باتصالت معهم‪ ،‬محاولة إقامة نشاطات دروس‬


‫علمية‪ ،‬دروس تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬مسابقات ثقافية‪ ،‬توزيع كتب‪ ،‬توزيع‬
‫أشرطة إلى غير ذلك من العمال‪.‬‬
‫مثل ذلك المدرس في مدرسته‪ ،‬المسؤول في إدارته أو مدينته أو حكومته أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬كل هؤلء إذا أهملوا فل ينتظروا إل نتائج سلبية والعمل اليجابي‬
‫المثمر يتطلب بعض الجهد وبعض البذل‪.‬‬
‫** النقطة السادسة ل نامت أعين الجبناء‪:‬‬
‫إن الشجاعة معنى كبير وسر خطير‪ ،‬ولقد أصبحنا نعشقها ونفرح بمن يتحلى‬
‫بها‪ ،‬إنها هي من أسباب كون النبياء عليهم الصلة والسلم يستطيعون‬
‫تحطيم سلطان العادة وطاغوت العرف ويتحدون أقوامهم وأممهم‪ ،‬ويصبرون‬
‫ويصابرون على رغم قلة الناصر والمعين وكثرة المعاند والمخالف‪ ،‬وعلى‬
‫رغم التلبيس والتدليس‪.‬‬
‫ما الذي جعل رجل كموسى )صلى الله عليه وسلم(‬
‫يقف أمام طاغية متأله متجبر كفرعون ويقول له ‪:‬‬
‫)لقد علمت ما أنزل هؤلء إل رب السماوات والرض بصائر وإني لظنك يا‬
‫فرعون مثبورا(‪.‬‬
‫ما هو الذي جعل رجل نبيا مختارا كإبراهيم عليه الصلة والسلم يحطم‬
‫الصنام وهو بعد فتى في مقتبل العمر‪ ،‬ثم يقول لقومه وعلى رأسهم النمرود‬
‫الطاغية الكبر‪:‬‬
‫)إف لكم ولما تعبدون من دون الله (‪.‬‬
‫ما الذي جعل رجل كمحمد )صلى الله عليه وسلم( يجمع قومه وفيهم أبو‬
‫لهب وأبو جهل وعتبة وشيبة وأمية أبن خلف والملء من المستكبرين فيقف‬
‫بين أيديهم منذرا محذرا‪:‬‬
‫) إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‪ ،‬قولوا ل إله إل الله تفلحوا(‪.‬‬
‫ثم ما الذي جعل المجددين يستطيعون أن يصبروا على عملهم ويجاهدوا‬
‫ويعلنوه صريحة قوية مدوية‪ ،‬لماذا وقف عمر أبن عبد العزيز وتحدى كل‬
‫المور المعتادة‪،‬‬
‫حتى بني أمية الذين كان واحدا منهم وينتسب إليهم‪ ،‬وكانوا يخشون أن يغير‬
‫ملكهم أو عادتهم أو ميراثهم فيف عمر أبن عبد العزيز رحمه الله نصيرا‬
‫للحق مدافعا عنه قائما على الظلم محاربا له رادا للحقوق إلى أهلها‪ ،‬ل يأمر‬
‫بخير إل فعله‪ ،‬وكاد المر أن يتم لول السم‪.‬‬
‫ما الذي جعل رجل كالمام أحمد أبن حنبل يقف فيقارع الظالمين في مسألة‬
‫خلق القرآن‬
‫ويصبر على عقيدته التي ورثها عن النبياء والمرسلين ويصابر عليها ويرضى‬
‫بالسجن والجلد والتعذيب والمطاردة والتضييف والحرمان من الفرص من‬
‫التدريس من التعليم من المحاضرات من الفتاء ومن غير ذلك حتى أذن الله‬
‫تعالى له بالفرج وكتب له الذكر الحسن‬
‫حتى كان رحمه الله يستاء من ذلك ويكره الشهرة أشد الكراهية‪.‬‬
‫ما الذي جعل رجل كالمام أبن حزم يقف ويتحدى من حوله ويصبر ويصابر‬
‫فإذا قيل له‪:‬‬
‫يا رجل تحفظ أنتظر ل تتعجل‪.‬‬
‫أنشئ يقول‪:‬‬
‫قالوا تحفظ فإن الناس قد كثرت……أقوالهم وأقاويل الورى محن‬
‫فقلت هل عيبهم لي غير أني ل…… أدين بالدجل إذ في دجلهم فتن‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأنني مولع بالحق لست إلى ……‪ .‬سواه أنح ول في نصره أهن‬
‫دعهم يعضوا على صم الحصى كمدا…… من مات من غيظه منهم له كفن‪.‬‬
‫قالوا له أحرقوا كتبك ومزقوها ومنعوا تداولها وحذروا الناس منها ووصفوها‬
‫بأبشع الوصاف‬
‫فأنشئ يقول‪:‬‬
‫فإن تحرقوا القرطاس ل تحرقوا الذي…‪.‬تضمنه القرطاس بل هو في صدري‬
‫يسير معي حيث استقلت ركائبي……وينزل إن أنزل ويدفن في قبري‬
‫دعوني من إحراق رق وكاغد…‪.‬وقول بعلم كي يرى الناس من يدري‬
‫وإل فعودوا للكتاتيب بدأة…فكم دون ما تبغون لله من ستر‬
‫كذاك النصارى يحرقون إذا علت……أكفهم القرآن في مدن الثغر‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ما الذي جعل رجل كالمام أبن تيمية رحمه الله يصبر ويجهر بكلمة الحق‬
‫ويتحمل الذى في سبيلها فيسجن مرات ويؤذى بل ويضرب أحيانا في‬
‫الشارع وهو إلى ذلك كله مجاهر معلن ل ينثني للرياح أبدا‪.‬‬
‫ما الذي جعل رجل كالمام المجدد محمد أبن عبد الوهاب يقوم في بيئة قد‬
‫انتشر فيها الشرك بألوانه والبدع والخرافات والكهنة والسحرة وغير ذلك‬
‫وألوان المخالفات‬
‫فيقوم جاهرا بكلمة الحق مجاهرا صابرا في ذات الله عز وجل حتى نصره‬
‫الله تعالى وأصبح ما جاء به المام محمد أبن عبد الوهاب من الحق هو‬
‫الظاهر كما قال الله عز وجل ‪:‬‬
‫) فأيدنا الذين أمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين(‪.‬‬
‫ما الذي جعل رجل كالمام الشوكاني مثل ينتصر للحق ويناضل في سبيله‬
‫ويلقى ما يلقى فيموت هو ويبقى ذكره في الخرين‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬إن الشجاعة قوة في القلب تجعل صاحبها ل يستوحش من الطريق‬
‫ول ينفر من الوحدة ول يتخلى عن الحق مهما كلفته التضحيات ول يجامل أو‬
‫يحابي أو ينافق أو يداهن في دين الله عز وجل‪.‬‬
‫إنه ل مكان في التاريخ للجبناء والمرتزقة والمطبلين أبدا‪ ،‬فإن الناس‬
‫يركلونهم ويرفضونهم ويبقى الحق هو الذي تعشقه النفوس وتتطلع إليه‬
‫القلوب وقد قال الله عز وجل ‪:‬‬
‫) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين‪ ،‬إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم‬
‫الغالبون(‪.‬‬
‫إن من أبرز أخطائنا أن نغرس الخوف في نفوس أبناءنا‪ ،‬الخوف من كل‬
‫شيء‪ ،‬نحرمهم من التجارب‬
‫ومن المحاولت بحجة أن هذا قد يودي بحياتهم فمثل نحن قد نخيف الولد‬
‫الصغير من الكهرباء أو من السيارة أن تدهسه وهذا صحيح ل شك فيه‪.‬‬
‫ولكن ما معنى أن تربيه الجدة على الخوف من )السعالي( فل تذكر له سالفة‬
‫أو قصة إل وذكرت فيها تلك السعلت التي تأكل الحياء من البشر وتلتهمهم‬
‫وتفعل بهم وتفعل‬
‫ما الذي يجعلنا نخوف أبناءنا من تلك القراص الحامية التي نزعم أنها تنزل‬
‫من السماء لدنى سبب حتى لو لم يكن مخالفة شرعية ول معصية مع أن‬
‫هذا فيه من الكذب والفتراء على الله عز وجل‪.‬‬
‫ما الذي يجعلنا نخوف أطفالنا أحيانا من رجل الشرطة حتى نقول لطفل‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصغير أن مجرد إشارتك بالصبع إلى رجل الشرطة يعني أن تقطع إصبعك‪.‬‬
‫ما الذي يجعلنا نخوف أطفالنا بل ونساءنا وكبارنا أحيانا من الجن‪ ،‬وكأن الجن‬
‫والعياذ بالله يستطيعون أن يصنعوا كل شيء‪.‬‬
‫أو من العين أو من السحر‪ ،‬وننسى أن نربيهم على التوكل على الله عز وجل‬
‫والثقة به والعتماد عليه وكثرة الوراد والقراءات والدعية التي تحفظ العبد‬
‫بأذن الله تعالى من شياطين الجن والنس‪.‬‬
‫إن الرسول )صلى الله عليه وسلم( يقول‪:‬‬
‫)إن الشيطان ل يدخل البيت الذي ُتقرأ فيه سورة البقرة(‪.‬‬
‫فالبيت الذي فيه ذكر الله‪ ،‬وفيه المر بالمعروف وفيه التربية على مكارم‬
‫الخلق ل مكان فيه للشيطان ول مكان فيه لولياء الشيطان من الجن ول‬
‫من النس‪.‬‬
‫وفي الدائرة الوسع حينما نتجاوز دائرة البيت ودائرة الطفل نجد أن هناك‬
‫تخويفا عالميا من أولياء الشيطان‪ ،‬من الكفار من اليهود مثل الذين أصبحنا‬
‫نتحدث عن أسلحتهم التي يملكون وخططهم التي يدبرون وقدراتهم أو‬
‫التمكين لهم‬
‫أو النصارى وما يملكونه أيضا‪ .‬أو غيرهم من أمم الكفر والله عز وجل يقول‪:‬‬
‫)إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه‪ ،‬فل تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين(‪.‬‬
‫كبر أوليائه في قلوبكم‬ ‫يعني إنما ذلكم الشيطان يخوفكم انتم من أوليائه‪ ،‬ي ّ‬
‫حتى ترهبوهم فل تقوموا بعمل ول بدعوة ول بجهاد‪ ،‬لن النسان الذي يخاف‬
‫ل يعمل ول ينتج‪.‬‬
‫لماذا نربي أنفسنا وشعوبنا وأممنا على الخوف من الدول العظماء وجيوشها‬
‫الجرارة وأجهزتها المنية الضخمة وأعدادها الرهيبة‪.‬‬
‫بل لماذا نربي أنفسنا ومن تحت أيدينا من الشباب والطلب على الخوف من‬
‫أجهزة المن ومن رجال المباحث ومن المخابرات حتى يتخيل النسان أحيانا‬
‫أن هذه الجهزة تدخل إلى جوفه مع الشهيق وترسل التقرير مع الزفير كما‬
‫يقول أحدهم‪.‬‬
‫ويصبح النسان يخاف حتى من ظله‪:‬‬
‫ُ‬
‫حتى صدى الهمسات غشاه الوهن…… ل تنطقوا إن الجدار له أذن‪.‬‬
‫مثل ذلك أيضا من ألوان الخوف وفقدان الشجاعة الخوف من الفشل‬
‫والخوف من الخطأ والخوف من الخفاق‪ ،‬ل‪ ..‬إن المؤسف أننا ل نحترم‬
‫در عمله‪ ،‬بل أحيانا نعاقبه على اجتهاده عقابا يحرمه‬ ‫اجتهاد النسان‪ ،‬ول نق ّ‬
‫ويحرم غيره في المستقبل حتى من مجرد التفكير في العمل‬
‫إنها منطقة محرمة والسلمة ل يعدلها شيء‪ ،‬والكثيرون يؤثرون أن يسلموا ل‬
‫لهم ول عليهم على أن يغامروا وقد تكون النتيجة غير مأمونة‪.‬‬
‫إن ذلك قتل للمواهب ووئد لطموح وقضاء على البداع ويجب أن نعلم أن‬
‫الذي ل يخطئ ل يمكن أن يصيب أبدا‪.‬‬
‫ولكي نربي الشجاعة في نفوسنا ونفوس من تحت أيدينا من الولد والبنات‬
‫والرجال والنساء والمم والشعوب‪ ،‬يجب احترام شخصية النسان واحترام‬
‫رأيه منذ الصغر وفي كافة المراحل وعلى كافة المستويات‪.‬‬
‫فأنا أقول لك أي معنى لن تولي ولدك أعمال ثم تسفه رأيه فيها‪ ،‬وإذا قال‬
‫لك فلن قلت فلن ل يهمك‪ ،‬لماذا ؟ لنه ولدك الذي تعرفه‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل… ينبغي أن تحترم شخصيته ورأيه واجتهاده وعمله وتسلم له تخصصه‪.‬‬


‫وأي معنى لن تفرض على ولدك كل شيء ول تعطيه مجال للختيار‬
‫والتفضيل أبدا‪ ،‬فالثوب أنت تختاره والحذاء أنت تختاره واللعبة أنت تختارها‬
‫والكتاب أنت تختاره وكل شيء أنت تختاره‪.‬‬
‫لماذا ل تغطي ولدك أو أخاك أو من تربيه فرصة في الختيار؟‬
‫حتى المعلم أو الستاذ أو الشيخ‪ ،‬لماذا ل يعطي تلميذه فرصة في اختيار‬
‫الكتاب الذي يقرأه أو الطريقة التي يتعلم بها ؟‬
‫أليس الشرع جاءنا بالشورى ؟ والله تعالى يقول‪:‬‬
‫)وشاورهم بالمر(‪.‬‬
‫فيأمر بذلك رسوله )صلى الله عليه وسلم( المؤيد بالوحي من السماء‪،‬‬
‫ويقول‪:‬‬
‫)وأمرهم شورى بينهم(‪.‬‬
‫ذلك في وصف المؤمنين‪ ،‬ولم يكن أحد أكثر مشاورة لصحابه من رسول‬
‫الله )صلى الله عليه وسلم( كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬وكثيرا ما كان الصحابة أبو بكر أو عمر أو من بعدهم يقف ويقول‪:‬‬
‫)أشيروا علي أيها الناس‪.(.‬‬
‫فالولد مع أبيه في عمله وتجارته وزراعته‪ ،‬والطالب مع مدرسه في طريقة‬
‫التدريس‪ ،‬في أخذ المنهج وفي غير ذلك‪ ،‬والتلميذ مع شيخة أيضا في الكتاب‬
‫المقرر وفي وقت الدرس وفي زمانه وفي مكانه‬
‫وفي غير ذلك‪.‬‬
‫بل والرعية مع حكامها في كل شيء من المور والهموم العامة التي ل‬
‫يتحمل مسئوليتها فرد بعينه‪ ،‬ول جهة بعينها بل هي قضايا المة كلها‬
‫تتحمل المة نتائجها حقا كانت أم باطل‪ ،‬خطئ أو صوابا‪.‬‬
‫إن جميعا شركاء في اقتسام النجازات‪ ،‬وتعميق الشعور بالنتماء إلى هذه‬
‫المة والقضاء على السلبية التي يشعر بها الكثيرون حين يشعرون أنهم كما‬
‫قيل‪:‬‬
‫ويقضى المر حين تغيب تيم…‪ .‬ول يستأمرون وهم شهود‪.‬‬
‫إن ثلثمائة وأربعة عشر إنسان استطاعوا أن يواجهوا الدنيا كلها في معركة‬
‫بدر‪ ،‬والمسلمون اليوم كما تقول الحصائيات ألف مليون ومائتا مليون‬
‫إنسان‪ ،‬وهم يتكاثرون بشكل سريع‪ ،‬فهم كما قيل عدد الرمل والحصى‬
‫والتراب‬
‫لكن الفرد منهم تربى على الخوف والتردد والسلبية‬
‫وكل وسائل التربية مع السف تنحت فيه هذه المخاوف‪.‬‬
‫فالم التي ترهبه دائما وتخوفه من الموت‪.‬‬
‫والب الذي يعاتبه على كل شيء‪.‬‬
‫والزوجة التي قتلته بحبها‪ ،‬ومن الحب ما قتل‪.‬‬
‫والولد الذي يتعلق به‪:‬‬
‫)إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم……الية (‪.‬‬
‫)إنكم مجبنة مبخلة(‪.‬‬
‫والحاكم الذي يهدده ويوعده‪.‬‬
‫كل ذلك ينحت ويربي في النسان الجبن والخوف‪ ،‬وينزع عنه القدرة على‬
‫المحاولة وعلى التجربة وعلى التفكير الصحيح‪.‬‬
‫ولقد تربى الصحابة رضي الله عنهم في زمن النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫على الحداث‪ ،‬تربوا بالحداث والمصائب والنكبات‪ ،‬كما تربوا بالنعم التي‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنزلها الله تعالى عليهم‪.‬‬


‫حتى الخطأ كان تربية‪ ،‬وكانت اليات تنزل ليستفيد المسلمون منه دروسا‬
‫وعبرا فيتحول إلى نعمة ومنحة ومنة‪.‬‬
‫هزم المسلمون‪ ،‬فقالوا أنى هذا ؟‬ ‫وفي معركة أحد ُ‬
‫فأنزل الله تعالى آيات في سورة آل عمران تتحدث عن هذه المعركة‬
‫ودروسها‪:‬‬
‫)أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند‬
‫أنفسكم إن الله على كل شيء قدير‪ ،‬وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن‬
‫الله وليعلم المؤمنين‪ (..‬إلى أخر اليات‪.‬‬
‫** النقطة السابعة والخيرة التوازن المفقود‪.‬‬
‫إن التوازن مطلب شرعي؟‪ ،‬فالله تعالى يقول‪:‬‬
‫)وابتغ فيما آتاك الله الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما‬
‫أحسن الله إليك ول تبغ الفساد في الرض إن الله ل يحب المفسدين(‪.‬‬
‫وفي الحديث المتفق عليه وهو معروف حديث عبد الله أبن عمر أبن العاص‪:‬‬
‫)إن لنفسك عليك حق‪ ،‬ولهلك عليك حق‪ ،‬ولزوجك عليك حق‪ ،‬بل في رواية‬
‫ولزورك عليك حق فآت كل ذي حق حقه(‪.‬‬
‫وإن أي زيادة في جانب أو غلو يقابلها نقص أو تفريط في جانب آخر‪:‬‬
‫ول تغلو في شيء من المر واقتصد…‪.‬كل طرفي قصد المور ذميم‬
‫والمقياس في الزيادة والنقص هو النص‪ ،‬إما آية من كتاب الله‪ ،‬أو حديث عن‬
‫رسول الله )صلى الله عليه وسلم( صحيح‪ ،‬أو إجماع من أهل العلم قائم‬
‫ثابت‪.‬‬
‫قد يهتم النسان أحيانا بأمر من المور لن جبلته وتكوينه وملكته تقتضي ذلك‬
‫دون أن يلزم غيره بهذا‪ ،‬أو يعاتبه على ما سواه‪ ،‬فل حرج في ذلك‪.‬‬
‫فأنت مثل اهتماماتك علمية‪ ،‬ل حرج عليك ول بأس‪.‬‬
‫وآخر اهتماماته جهادية‪ ،‬وثالث اهتماماته دعوية‪.‬‬
‫ونحن نعلم أن في الصحابة رضي الله عنهم أبا ذر الغفاري الذي لم يكن فوق‬
‫الرض ول تحت السماء من ذي لهجة أصدق منه ول أزهد ول أورع في‬
‫أصحاب محمد )صلى الله عليه وآله وسلم(‪ ،‬ولكنه لم يكن من أهل الوليات‬
‫والدارة‪.‬‬
‫وفيهم خالد أبن الوليد الذي كان سيفا من سيف الله تعالى كما سماه رسول‬
‫الله )صلى الله عليه وسلم( وحديثه في الصحيح في معركة مؤته‬
‫الذي كان قويا شجاعا مقداما باسل ما هزم في معركة قط‪ ،‬ولكن خالد رضي‬
‫الله عنه أنشغل بالحرب والجهاد فلم بتفرغ لنشر العلم والفتي في أصحاب‬
‫محمد ومن بعدهم‪.‬‬
‫وفيهم أبن عباس رضي الله عنه الذي دعا له النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫فقال‪:‬‬
‫)اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل(‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وكان له قلب عقول ولسان سأؤول وكان من لمفتين ومن العلماء في‬
‫أصحاب محمد )صلى الله عليه وسلم( في مل منهم كابن الخطاب وعبد الله‬
‫أبن مسعود ومعاذ أبن جبل‪.‬‬
‫وفي أصحاب محمد )صلى الله عليه وسلم( من جمع الفضل والمجد من‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أطرافه كأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه‪ ،‬قال النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫يوما لصحابه‪:‬‬
‫)من أصبح منكم صائما ؟ قال أبو بكر أنا(‬
‫)قال من تصدق على مسكين ؟ قال أبو بكر أنا(‬
‫)قال من عاد مريضا ؟ قال أبو بكر أنا(‬
‫)قال من تبع منكم جنازة ؟ قال أبو بكر أنا(‬
‫)قال ما اجتمعن في امرأ إل دخل الجنة(‪.‬‬
‫وفيهم أمثال عمر أبن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه‪.‬‬
‫إذا لبد من العتدال مع مراعاة المواهب والتخصصات والملكات‪ ،‬المهم أن‬
‫النسان يحرص على قدر من العتدال‪.‬‬
‫من العتدال‪ ،‬العتدال في بناء الشخصية‬
‫فيتوسط النسان بين الندفاع وراء العاطفة الجياشة التي ل تنضبط أو‬
‫التوقف بحجة العقل والدراسة والنظر‪ ،‬فإن النسان كل ل يتجزأ وله عقل‬
‫وعاطفة ولول وجود العاطفة لما استطاع النسان أن يتعامل مع الناس‪ ،‬ول‬
‫يأخذ ويعطي ول يتوفر أمورهم ول يحبهم أو يحبونه أو يتعامل معهم‪.‬‬
‫فلبد من العتدال في النظر بين العقل والعاطفة‪.‬‬
‫ومثله أيضا العتدال في تقييم الرجال فل غلو ول جفاء‬
‫وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يربون لناس على ذلك‪ ،‬قال علي رضي‬
‫الله عنه‪:‬‬
‫) إنه لعهد عهده إلى رسول الله )صلى الله عليه وسلم( أنه تهلك في فئتان‪،‬‬
‫فئة غلت وفئة جفت(‪.‬‬
‫وهكذا حدث فعل‪ ،‬فإن ممن بعد علي رضي الله عنه من غلوا فيه حتى ادعوا‬
‫له ل أقول الولية والمامة فهو كان أمير المؤمنين رضي الله عنه‪ ،‬لكن ادعوا‬
‫له والعياذ بالله اللوهية وكان يقتلهم ويحرقهم بالنار‪ ،‬وهم يقولون له أنت‬
‫أنت‪ ،‬يعني يزعمون له باللوهية‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫لما رأيت المر أمرا منكرا…‪.‬أججت ناري ودعوت قنبرا‬
‫فكان يحرقهم رضي الله عنه‪.‬‬
‫وهلكت فيه فئة أخرى هي التي فرطت في حقه وقصرت ونسبته إلى شيء‬
‫مما ل يليق بقدره ومقامه رضي الله تعالى عنه‪.‬‬
‫إن المقياس كما أسلفت هو النص‪ ،‬وفي صحيح البخاري عن عمر رضي الله‬
‫عنه قال‪:‬‬
‫)أقرؤنا أُبي وأقضانا علي(‪.‬‬
‫فحكم أمير المؤمنين بأن ُابي هو لقرأ وأن عليا هو القضى‪ ،‬يعني العلم‬
‫بالقضاء‪ ،‬ثم قال عمر‪:‬‬
‫)وإنا لندع من قول أُبي( يعني نترك بعض ما يرويه لنا أبي أبن كعب رضي‬
‫الله عنه وذلك أن أبي أبن كعب كان يقول‪:‬‬
‫)ل أدع شيئا سمعته من رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬وقد قال الله‬
‫عز وجل‪:‬‬
‫)ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها…‪ .‬الية(‬
‫فأنظر إلى عمر كيف اعترف لبي أنه هو لقرأ من أصحاب محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫ثم بين أننا مع ذلك نرد بعض قوله ل بالتشهي ولكن بالنص الشرعي‪ ،‬فقال‬
‫إن ابي يقول كذا وقد قال الله تعالى‪) :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير‬
‫منها أو مثلها…‪.‬الية(‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال نرد بعض ما قاله ابي بالقرآن الكريم وليس بمجرد التشهي‪.‬‬
‫إن المة التي تغلو في شخص لبد أن تقصر فيه‪ ،‬تعظمه حتى ل تتصور أنه‬
‫يخطئ‪ ،‬فيقع منه الخطأ فتجحف في حقه‪ ،‬ول ترى له قدرا ول مكانا‪ ،‬وهناك‬
‫أمة تبالغ في شأن شخص إهدارا لكرامته‪ ،‬فيبالغ آخرون في رفع اعتباره‬
‫وقيمته ومنزلته‪.‬‬
‫إذا فالعتدال والحق فضيلة بين رذيلتين‪.‬‬
‫إن من العتدال‪ ،‬العتدال في معاملة المرؤوسين‬
‫فهناك من يحمل من تحت يده ما ل يطيق‪ ،‬سواء كانوا أولدا أو طلبا أو‬
‫مرؤوسين أو مرَبين أو المة كلها بشعوبها وأممها هناك من يحملهم ما ل‬
‫يطيقون‪ ،‬فينقطعون ويدعون العمل‪ ،‬أو يدعوهم ذلك إلى العجاب والغرور‬
‫بأنفسهم وبما أنجزوا وعملوا فيستكبرون‪.‬‬
‫ثم قد يهمل آخرون بحجة أن ليس لديهم مواهب‪ ،‬فقراء في مواهبهم ليس‬
‫لديهم إبداع فيترتب عن ذلك تحطيم لهم وإثارة مشاعر السخرية والكراهية‬
‫والبغضاء في نفوسهم‪ ،‬وكل إنسان صغر أو كبر هو مزود بملكات وقدرات‬
‫إبداعية ولكن الشأن في من يستطيع أن يكتشف هذه الملكات ويعرفها ثم‬
‫يوظفها توظيفا صحيحا‪.‬‬
‫إن من العتدال التوسط في ملحظة النفوس وطبائعها‬
‫فهناك المربي الذي لديه حساسية شديدة‪ ،‬فهو يتردد في كل شيء خشية أن‬
‫يجرح فلنا أو يغضب فلنا‪ ،‬وهناك على الطرف الخر من ل يأبه بالخرين‬
‫حتى كأنهم عند بشر بل مشاعر ول أحاسيس فقد يرأس الصغير مثل على‬
‫الكبير ويحتج بأسامة أبن زيد‪ ،‬أو يعاتب بشدة ويحتج بموقف نبوي‪ ،‬أو يفضل‬
‫أحدا على أحد بوضوح ويحتج بأبي بكر وعمر وهكذا‪ ،‬وينسى أن المر يتفاوت‬
‫والموقف يختلف‪.‬‬
‫من العتدال‪ :‬العتدال بالنصيحة والتوجيه‬
‫فليس من الحكمة حرمان الناس من النصيحة والنقد البناء الهادف الذي‬
‫يكون بالسلوب الحكيم المناسب أبدا بحجة الخوف من ذلك‪.‬‬
‫وليس من الملئم تربية الناس على الصفاقة وقلة الدب وغياب الخلق بحجة‬
‫تربيتهم على قول كلمة الحق‪ ،‬أو عدم المجاملة في دين الله تعالى‪.‬‬
‫ومن العتدال أيضا‪ ،‬العتدال في تربية النفس‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وتربية الخرين فل ينبغي للنسان أن ينشغل بنفسه عن غيره‪ ،‬ول أن ينشغل‬


‫بغيره عن نفسه‪ ،‬بل العتدال العتدال‪ ،‬وكما قيل‪:‬‬
‫يا أيها الرجل المعلم غيرها …‪ ..‬هل لنفسك كان ذا التعليم‬
‫ابدأ بنفسك فأنهها عن غيها…‪ ...‬فإذا انتهت عنه فأنت حكيم‬
‫فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى… بالقول منك وينفع التعليم‬
‫ل تنه عن خلق وتأتي مثله …‪ ..‬عار عليك إذا فعلت عظيم‪.‬‬
‫لفضيلة الشيخ سلمان ابن فهد العودة‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫بعض الداب في التعامل مع الوالدين‬


‫جزء من محاضرة بر الوالدين‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للشيخ نبيل العوضي‬


‫هذا أبو هريرة يبصر رجلين‪ ،‬فقال لحدهما‪ :‬من هذا منك؟ فقال‪ :‬إنه فلن‬
‫أبي‪ ،‬فقال‪ :‬ل تسمه باسمه‪ ،‬ول تناد أباك باسمه‪ ،‬فل تقل‪ :‬يا فلن! بل تسميه‬
‫بصفته فتقول‪ :‬يا أبي أو يا أبتاه‪.‬‬
‫فيعتبر أبو هريرة هذا عقوقًا‪ ،‬وهذا من تمام البر أنك ل تسميه باسمه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ول تمش أمامه‪.‬‬
‫فانظر كيف وصلوا إلى البر‪ ،‬يقول‪ :‬إذا مشيت فامش خلفه‪ ،‬تواضعا ً واحترما ً‬
‫ومن خفض الجناح بالذل له‪.‬‬
‫قال‪ :‬ول تجلس قبله‪.‬‬
‫إذا دخلت في مجلس وهو قائم فقم معه‪ ،‬ول تجلس في مجلس قبله‪ ،‬انظروا‬
‫كيف وصلوا إلى البر‪.‬‬
‫وهذا رجل ‪-‬يا عبد الله‪ -‬ل يصعد إلى الطابق العلى إذا كانت أمه في الطابق‬
‫السفل‪ ،‬يقول‪ :‬كيف أصعد على طابق وأمي تحتي‪ ،‬فهو يعتبر هذا من‬
‫العقوق‪.‬‬
‫وذاك رجل ل يأكل مع أمه في صحن واحد‪ ،‬فُيسأل‪ :‬لم يا فلن ل تأكل مع‬
‫أمك في صحن واحد؟ فيقول‪ :‬أخاف أن تمتد يدي إلى لقمة وأمي تنظر إليها‪،‬‬
‫أخاف أن آكل لقمة وأمي قد اشتهتها‪.‬‬
‫انظر كيف وصلوا إلى البر‪ ،‬وانظر كيف أصبح الناس هذه اليام في العقوق‪.‬‬
‫ويأتي رجل فيبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة‪ ،‬فيقول له‪) :‬كيف‬
‫تركت أبويك؟ فيقول‪ :‬تركتهما يبكيان‪ ،‬فيقول له‪ :‬ارجع إليهما وأضحكهما كما‬
‫أبكيتهما (‪.‬‬
‫ويأتي رجل يريد الجهاد فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم‪) :‬ألك أم؟‬
‫فيقول‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أتريد الجر والمثوبة من الله؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬الزم قدمها‬
‫فثم الجنة (‪.‬‬
‫ولنرجع إلى البيوت ‪-‬يا عباد الله‪ -‬فلنلزم أقدامهن‪ ،‬فهناك الجنة‪ ،‬وهناك الروح‬
‫والريحان‪ ،‬وهناك الجنان‪ ،‬وهنالك النهار‪ ،‬وتلك هي القصور‪ ،‬فباب الجنة ‪-‬يا‬
‫عبد الله‪ -‬عند قدم أمك؛ فكيف ضيعت ذلك الباب؟ وكيف فرطت في الجنة‬
‫وأبوابها؟‬
‫واسمع إلى هذا العاق‪ ،‬هذا الرجل العاق كيف وصل به العقوق إلى هذه‬
‫الدرجة‪ ،‬فهو يضرب به المثل‪ ،‬واسمه منازل‪ ،‬وهذا الرجل كان فاجرا ً عاصيا ً‬
‫عاقا ً لبيه‪ ،‬أتاه أبوه يوما ً من اليام‪ ،‬فأمره بالطاعة‪ ،‬وأمره بالحسان‪ ،‬وأمره‬
‫ل وعل‪ ،‬فهل تعرف ماذا فعل؟ لطم أباه على وجهه‪ ،‬فذهب‬ ‫بالستجابة لله ج ّ‬
‫أبوه يبكي‪ ،‬وقال‪ :‬والله! لحجن إلى بيت الله الحرام وأدعو عليه هناك‪ ،‬فحج‬
‫الب إلى بيت الله الحرام‪ ،‬وتعلق بأستار الكعبة‪ ،‬ثم رفع يديه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا من إليه أتى الحجاج قد ‪ii‬قطعوا‬
‫إني أتيتك يا من ل يخيب ‪ii‬من‬
‫هذا منازل ل يرتد عن ‪ii‬عققي‬
‫وشل منه بحول منك ‪ii‬جانبه ‪...‬‬
‫‪ ...‬أرض المهامه من قرب ومن بعد‬
‫يدعوه مبتهل ً بالواحد ‪ii‬الصمد‬
‫فخذ بحقي يا رحمان من ‪ii‬ولدي‬
‫يا من تقدس لم يولد ولم ‪ii‬يلد‬
‫ً‬
‫فما أنزل الب يديه إل وقد شل الله نصف جسده‪ ،‬وأصبح مشلول إلى أن‬
‫مات‪) :‬ثلث دعوات مستجابات ‪-‬ل شك فيهن‪ -‬منها‪ :‬دعوة الوالد على ولده (‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا أردت الدعوة يا عبد الله‪ ،‬فاذهب إلى أمك‪ ،‬واذهب إلى أبيك‪ ،‬وسلهما‬
‫دعوة صالحة‪ ،‬وسلهما دعوة خالصة‪.‬‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ف لك َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ أ ّ‬ ‫ذي قال ل ِ َ‬ ‫واسمع إلى العاق‪ ،‬كيف يصفه الله جل وعل‪َ} :‬وال ِ‬
‫ن‬‫ِ ْ‬‫م‬ ‫آ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫َ َْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ثا‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ِْلي وَهُ َ َ ْ َ ِ‬
‫غي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ُ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫خل َ ِ‬
‫ج وَقَد ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫َ‬
‫دان ِِني أ ْ‬ ‫أت َعِ َ‬
‫َ‬
‫ل‪ ..‬يا بني اذهب إلى المسجد‪ ..‬يا‬ ‫حقّ { ]الحقاف‪ [17:‬يا بني ص ّ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫بني اترك الفساد‪ ..‬يا بني اترك المعاصي‪ ..‬يا بني اترك هؤلء الصحبة‪ ..‬يا بني‬
‫خل َ ِ‬
‫ت‬ ‫ج وَقَد ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫َ‬
‫دان ِِني أ ْ‬
‫ف ل َك ُ َ‬
‫ما أت َعِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل تنفعك هذه الغاني‪ ..‬فيرد عليهما‪ } :‬أ ُ ّ‬
‫ما‬‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫حقّ فَي َ ُ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫م ْ‬‫كآ ِ‬ ‫ه وَي ْل َ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ست َِغيَثا ِ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ن قَب ِْلي وَهُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن { ]الحقاف‪ [17:‬أتعرف ما عقوبته؟ } ُأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫طيُر اْلوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬
‫َ‬
‫ذا إ ِّل أ َ‬ ‫هَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م كاُنوا‬ ‫س إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن َوال ِن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ل ِفي أ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫حقّ عَلي ْهِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الحقاف‪.[18:‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬
‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫ل والده‪ ،‬وقد أحسن إليه وبره لكن طال عليه‬ ‫اسمع إلى هذا الرجل الذي م ّ‬
‫المر وشق عليه العمل‪ ،‬وكبر أبوه فتأفف من أبيه‪ ،‬وكم نسمع هذه اليام‬
‫‪-‬والعياذ بالله‪ -‬من رجل ُيسأل‪ :‬من هذا؟ فيستحي أن يقول‪ :‬هذا أبي‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫هذا السائق‪ ،‬وكم سمعنا من فتاة ُيقال لها‪ :‬من هذه؟ فتستحي فتقول‪ :‬هذه‬
‫الخادمة‪ .‬أو هذه المربية‪ .‬أو هذه الغسالة‪ .‬أف لهذه الكلمات‪ ،‬وتعس أولئك‬
‫الذين يستحون أن يقول أحدهم‪ :‬هذا أبي‪ .‬وتستحي أن تقول‪ :‬هذه أمي‪ .‬ول‬
‫يدعوه إلى وليمة‪ ،‬ول يدعوه إلى وجبة‪ ،‬يستحي أن يراه أصحابه‪ ،‬كم وكم من‬
‫العاقين من أمثال هؤل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بعضهم أولياء بعض‬


‫عبدالملك القاسم‬
‫دار القاسم‬
‫الحمد لله الذي نصر عباده المؤمنين‪ ،‬وأذل من تنكب عن الصراط المستقيم‪،‬‬
‫والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فقد تميز عصرنا الحاضر بارتفاع أصوات المنافقين والمنافقات في أنحاء‬
‫العالم السلمي‪ ،‬فأفردت لهم الصفحات‪ ،‬ودعوا إلى التحدث في المنتديات‪،‬‬
‫واحتفلت بهم التجمعات‪ ،‬وسيطروا على كثير من وسائل العلم كما يلحظه‬
‫القاصي والداني لفشو المر وظهوره‪.‬‬
‫وحال المنافقين ليس بجديد على أمة السلم‪ ..‬فهم أعداء ألداء لهذا الدين‬
‫منذ بعثة محمد عليه أفضل الصلة وأزكى التسليم‪ .‬يكيدون ويدبرون‬
‫ويخططون وينفذون‪ ،‬وقد وصفهم الله عز وجل في سبعة وثلثين موضعا ً من‬
‫القرآن‪ ،‬وسميت سورة كاملة باسم )المنافقون(‪ ،‬وأفاضت السنة النبوية‬
‫المطهرة في ذلك المر العظيم وتوضيحه وجلئه‪.‬‬
‫ولن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة‪ ،‬ل نزال نرى نفس‬
‫الصفات تتوارثها الجيال المنافقة زمنا ً بعد زمن حتي وقتنا الحاضر‪ ،‬يقول الله‬
‫عن صفة من صفاتهم‪ :‬وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم‬
‫كأنهم خشب مسندة فما أكثر المستمعين لحديثهم المنصتين لهرائهم‬
‫المتابعين لنتاجهم‪ ..‬وهم يلبسون على الناس‪ ،‬ويدعون الصلح والفلح‪ ،‬كما‬
‫كان فرعون يقول عن موسى نبي الله عليه الصلة والسلم‪ :‬إني أخاف أن‬
‫يبدل دينكم أو أن يظهر في الرض الفساد ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعجب أن يتولى ما ل يزيد عن أصابع اليد الواحدة من المنافقين‬


‫والمنافقات‪ ،‬إفساد المة ومسخها عن دينها ودعوتها إلى التحرر والباحية‬
‫والعفن والرذيلة‪ .‬ومن تأمل في التاريخ القريب مثل في دولة مجاورة‪ ،‬لوجد‬
‫أن حثالة ل يزيدون عن المائة قوضوا أركان الفضيلة ونزعوا الحجاب عن‬
‫وجه المسلمة هناك‪ ،‬وأوردوا قومهم موارد الهلك بإسقاط الحجاب والحياء‬
‫والحشمة‪ ،‬حتى ظهرت المرأة متبرجة في الشارع والمكتب والمسرح بل‬
‫وشبه عارية على شاطىء البحر‪ ،‬ولقد كان ل يرى لمها وجدتها أظفر أو‬
‫خصلة شعر‪ ،‬حتى جاء هؤلء فأسقطوا الحجاب شيئا ً فشيئًا!!‬
‫وهكذا هم المنافقون في كل أمة وفي كل قطر يتحينون الفرص ويقطعون‬
‫الطريق المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن‬
‫المعروف ها هم يسيرون متكاتفين متماسكين يتواصون بالباطل ولهم جلد‬
‫وصبر عجيب وانطلق المل منهم أن امشوا وأصبروا على آلهتكم !!‪.‬‬
‫وتأمل في حال المنافقين والمنافقات فهم أولياء بعض‪ ،‬وقد ملؤوا الساحة‬
‫ضجيجا وعفنا ً في الصحف‪ ،‬وعلى شاشات التلفاز‪ ،‬وفي بث الذاعات‪ ،‬إنه‬
‫غزو عجيب ل تسلم منه خيمة ول قصر‪ ،‬ول امرأة ول رجل‪ ،‬ول طفل ول‬
‫شيخ‪ ،‬وتتقزز نفسك وأنت ترى تلك الكتابات والصور التي يطل عليك منها‬
‫شؤم المعصية وهي كغثاء السيل‪ ،‬وحاطب الليل يتبرأ منهم وهو خير منهم!!‬
‫وحتى يكتمل الحديث وتتضح الصورة أورد بعضا ً من صفات المنافقين حتى‬
‫يكون المسلم على بينة من أمره‪ ،‬ول يسلك مسلكا ً خطيرا‪ ،‬وطريقا وعرا‪،‬‬
‫وهو تصنيف الناس بالظن والحدس والتوقع‪ ..‬بل أمامه ركائز يعتمد عليها‬
‫ومنائر يسير على هداها‪ ،‬وليعرف المنافق برأسه وعينه متثبتا ً متيقنا‪ ..‬هم‬
‫العدو فاحذرهم‪ .‬ومن صفاتهم‪:‬‬
‫الولى‪ :‬الكسل في العبادة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسال ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قلة ذكرهم لله عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ول يذكرون الله إل قليل ً ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬لمز المطوعين من المؤمنين والصالحين والنيل منهم الذين يلمزون‬
‫المطوعين من المؤمنين في الصدقات ]التوبة‪.[79:‬‬
‫الرابعة‪ :‬الستهزاء بالقرآن والسنة‪ ،‬يقول الله تعالى‪ :‬قل أبالله وآياته ورسوله‬
‫كنتم تستهزءون‪ ،‬ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬الوقوع في أعراض الصالحين غيبة وحقدا‪ ،‬يقول الله تعالى عنهم‪:‬‬
‫سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير ‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬التخلف عن صلة الجماعة‪ ،‬قال ابن مسعود رضي الله عنه‪ } :‬وما‬
‫يتخلف عنها إل منافق معلوم النفاق { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬مخالفة الظاهر للباطن‪ .‬وهذه المسألة تدور عليها جميع المسائل‪،‬‬
‫يقول الله تعالى‪ :‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم‬
‫إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فما أكثر ترديدهم عن صلح‬
‫هذا الدين وشريعته والحرص على هذا المجتمع وما إن ترى أفعالهم حتى‬
‫تتمثل لك الية تفضح خبيئة نفوسهم وبواطن قلوبهم‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬المر بالمنكر والنهي عن المعروف‪ ،‬يقول الله تعالى‪ :‬يأمرون بالمنكر‬
‫وينهون عن المعروف وتأمل آراءهم في الحجاب والتحرر وعمل المرأة‬
‫وغيرها!!‬
‫التاسعة‪ :‬عدم الفقه في الدين‪ ،‬فتجد الكثير يملك معلومات عجيبة وتفصيلت‬
‫دقيقة وجزئيات صغيرة في أمور الدنيا؟ دقيقها وجليلها‪ ،‬كبيرها وصغيرها‪،‬‬
‫ولكن إذا سئل عن المسح على الخفين سكت!! يقول الله عنهم‪ :‬ولكن‬
‫المنافقين ل يفقهون ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهذه تسع من ثلثين أو تزيد من صفاتهم‪ ،‬ولكن حسبك من العقد ما أحاط‬


‫بالعنق‪ ..‬وبواحدة من هذه تعرف من يبارز الحرب والعداء لله ولرسوله‪..‬‬
‫ولعظم المر وخطورته ولنهم بؤرة فساد وموطن سوء جعلهم الله في‬
‫الدرك السفل من النار‪ ،‬وهم أشد عذابا من الكفار والمشركين إن المنافقين‬
‫في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا !! وقد قال بعض السلف‪ :‬لو‬
‫كان للمنافقين أذناب لما استطعنا السير في الشوارع والطرقات من‬
‫كثرتها!!‪ .‬وفي أمة السلم اليوم أكثر من ذلك‪ ،‬والله غالب على أمره‪ ،‬ولكن‬
‫أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬
‫اللهم طهر قلوبنا من النفاق‪ ،‬وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬اللهم‬
‫أرنا في المنافقين عجائب قدرتك‪ ،‬اللهم فافضحهم شر فضيحة‪ ،‬اللهم ل‬
‫تجعل لهم راية‪ ،‬واجعلهم لمن خلفهم آية‪ .‬اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع‬
‫المسلمين‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بل أستطيع‬
‫أ‪.‬د‪/‬ناصر بن سليمان العمر ‪30/10/1423‬‬
‫‪14/01/2002‬‬
‫ً‬
‫يقول ابن القيم‪ -‬رحمه الله‪ : -‬لو أن رجل وقف أمام جبل وعزم على إزالته ؛‬
‫لزاله ‪.‬‬
‫لقد توصلت ‪ -‬بعد سنوات من الدراسة والبحث والتأمل‪ -‬إلى ‪ :‬أنه ل مستحيل‬
‫في الحياة ؛ سوى أمرين فقط ‪.‬‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ي َأِتي ِبال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ق فأ ِ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال َ‬
‫م َ‬
‫س ِ‬‫م ِ‬‫ش ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫الول ‪ :‬ما كانت استحالته كونية ) فإ ِ ّ‬
‫فَر ( )البقرة‪ :‬من الية ‪(258‬‬ ‫ذي ك َ َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ب فَب ُهِ َ‬ ‫مغْرِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ب َِها ِ‬
‫الثاني ‪ :‬ما كانت استحالته شرعية ؛ مما هو قطعي الدللة ‪ ،‬والثبوت ‪ ،‬فل‬
‫يمكن أن تجعل صلة المغرب ركعتين ‪ ،‬ول أن يؤخر شهر الحج عن موعده‬
‫مات( )البقرة‪ :‬من الية ‪ ، (197‬ول أن يباح زواج الرجل‬ ‫معُْلو َ‬ ‫شهٌُر َ‬ ‫ج أَ ْ‬ ‫) ال ْ َ‬
‫ح ّ‬
‫سِبيل ً ()النساء‪ :‬من الية ‪(22‬‬ ‫ساَء َ‬ ‫ً‬
‫قتا وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬
‫ش ً‬ ‫ح َ‬‫ن َفا ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫من امرأة أبيه ) إ ِن ّ ُ‬
‫وما عدا هذين المرين وما يندرج تحتهما من فروع ؛ فليس بمستحيل ‪.‬‬
‫قد تكون هناك استحالة نسبية ل كلية ‪ ،‬وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم‬
‫الستطاعة فقد يعجز فرد عن أمرٍ ؛ ولكن يستطيعه آخرون‪ ،‬وقد ل يتحقق‬
‫هدف في زمن ؛ ولكن يمكن تحقيقه في زمن آخر ‪ ،‬وقد ل يتأتى إقامة‬
‫مشروع في مكان ‪ ،‬ويسهل في مكان ثان ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫إن الخطورة‪ :‬تحويل الستحالة الفردية ‪ ،‬والجزئية ‪ ،‬والنسبية ؛ إلى استحالة‬
‫كلية شاملة عامة ‪.‬‬
‫إن عدم الستطاعة هو تعبير عن قدرة الفرد ذاته ‪ ،‬أما الستحالة ؛ فهو‬
‫وصف للمر المراد تحقيقه ‪ ،‬وقد حدث خلط كبير بينهما عند كثير من الناس ‪،‬‬
‫فأطلقوا الول على الثاني ‪.‬‬
‫إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة ؛ تكون سببا ً في‬
‫تثبيط الخرين ‪ ،‬ووأد قدراتهم ‪ ،‬وإمكاناتهم في مهدها ‪.‬‬
‫إن أول عوامل النجاح ‪ ،‬وتحقيق الهداف الكبرى هو‪ :‬التخلص من وهم ) ل‬
‫أستطيع – مستحيل ( ‪ ،‬وهو بعبارة أخرى‪ :‬التخلص من العجز الذهني ‪،‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقصور العقل الباطن‪ ،‬ووهن القوى العقلية ‪.‬‬


‫إن الخذ بالسباب الشرعية ‪ ،‬والمادية يجعل ما هو بعيد المنال حقيقة‬
‫واقعة ‪.‬‬
‫إن كثيرا ً من الذين يكررون عبارة ‪ :‬ل أستطيع ‪ ،‬ل يشخصون حقيقة واقعة‬
‫‪،‬يعذرون بها شرعا ً وإنما هو انعكاس لهزيمة داخلية للتخلص من المسئولية‪.‬‬
‫إن من الخطوات العملية لتحقيق الهداف الكبرى هو‪ :‬اليمان بالله ‪ ،‬وبما‬
‫وهبك من إمكانات هائلة تستحق الشكر‪ .‬ومن شكرها ‪ :‬استثمارها ؛ لتحقيق‬
‫تلك الهداف التي خلقت من أجله ‪.‬‬
‫أي عذر لنسان ؛ وهبه الله جميع القوى التي تؤهله للزواج ‪ ،‬ثم هو يعرض‬
‫عن ذلك دون مبرر شرعي ‪ .‬إن هذا من كفر النعمة ل من شكرها ‪ ،‬وهو‬
‫تعطيل لضرورة من الضرورات الخمس التي أجمعت جميع الديانات‬
‫السماوية على وجوب المحافظة عليها ‪ ،‬وهو النسل ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫وحري ‪ ،‬بمن فعل ذلك أن تسلب منه هذه النعمة الكبرى ) وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬
‫ن َرب ّك ْ‬
‫ذاِبي ل َ َ‬ ‫َ‬
‫د( )إبراهيم‪. (7:‬‬ ‫دي ٌ‬
‫ش ِ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م إِ ّ‬
‫فْرت ُ ْ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬
‫ن كَ َ‬ ‫م َلِزيد َن ّك ُ ْ‬
‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ل َئ ِ ْ‬
‫ن َ‬
‫وقل مثل ذلك ‪ :‬في كل نعمة ‪ ،‬وموهبة وهبها الله النسان ‪.‬‬
‫إنني لست بصدد بيان عوامل النجاح ‪ ،‬ومرتكزات القيادة ‪ ،‬والريادة ؛ ولكنني‬
‫أحاول أن أزيل هذا الوهم الذي سيطر على عقول كثير من رجال المة ‪،‬‬
‫وشبابها ؛ فأوصلنا إلى الحالة التي سّرت العدو ‪ ،‬وأحزنت الصديق ‪.‬‬
‫إن المة تمر بحالة تاريخية ذهبية من العودة إلى الله ‪ ،‬وتلمس طريق‬
‫النجاة ‪ ،‬والنجاح ‪ ،‬والسعادة ‪ ،‬والرقي ‪.‬‬
‫وإذا لم تستثمر تلك المكانات ‪ ،‬والطاقات الهائلة ‪ ،‬والمة في حال إقبالها ؛‬
‫فإنه سيكون المر أشد وأعسر في حال فتورها ‪.‬‬
‫إن من الخطاء التي تحول بين الكثيرين ‪ ،‬وبين تحقيق أعظم الهداف ‪،‬‬
‫وأعلها ثمنا ً تصور أنه ل يحقق ذلك إل الذكياء ‪.‬‬
‫إن الدراسات أثبتت أن عددا ً من عظماء التاريخ كانوا أناسا ً عاديين ‪ ،‬بل إن‬
‫بعضهم قد يكون فشل في كثير من المجالت كالدراسة مثل ً ‪.‬‬
‫ل شك أن الغبياء ل يصنعون التاريخ ؛ ولكن الذكاء أمر نسبي يختلف فيه‬
‫الناس ويتفاوتون ‪ ،‬وحكم الناس غالبا ً على الذكاء الظاهر ‪ ،‬بينما هناك قدرات‬
‫خفية خارقة ل يراها الناس ؛بل قد ل يدركها صاحبها إل صدفة ‪ ،‬أو عندما يصر‬
‫على تحقيق هدف ما ؛ فسرعان ما تتفجر تلك المواهب مخلفة وراءها أعظم‬
‫النتصارات ‪ ،‬والمجاد ‪.‬‬
‫إن كل الناس يعيشون أحلم اليقظة ‪ ،‬ولكن الفرق بين العظماء وغيرهم ‪ :‬أن‬
‫أولئك العظماء لديهم القدرة ‪ ،‬وقوة الرادة والتصميم على تحويل تلك‬
‫الحلم إلى واقع ملموس ‪ ،‬وحقيقة قائمة ‪ ،‬وإبراز ما في العقل الباطن إلى‬
‫شيء يراه الناس ‪ ،‬ويتفيئون في ظلله ‪.‬‬
‫إن من أهم معوقات صناعة الحياة ‪ :‬الخوف من الفشل ‪ ،‬وهذا بلء يجب‬
‫التخلص منه‪ ،‬حيث إن الفشل أمر طبيعي في حياة المم ‪ ،‬والقادة ‪ ،‬فهل‬
‫رأيت دولة خاضت حروبها دون أي هزيمة تذكر ؟!‬
‫وهل رأيت قائدا ً لم يهزم في معركة قط ؟!‬
‫والشذوذ يؤكد القاعدة ‪ ،‬ويؤصلها ‪ ،‬ول ينقضها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا – خالد بن الوليد – سيف الله‬
‫المسلول ‪ ،‬وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬ولم يمنعه‬
‫ذلك من المضي قدما ً في تحقيق أعظم النتصارات ‪ ،‬وأروعها ‪.‬‬
‫ومن أعظم المخترعين في التاريخ الحديث ؛مخترع الكهرباء ) أديسون ( وقد‬
‫فشل في قرابة ألف محاولة ؛ حتى توصل إلى اختراعه العظيم ‪ ،‬الذي أكتب‬
‫لكم هذه الكلمات في ضوء اختراعه الخالد ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد ذكر أحد الكتاب الغربيين ؛ أنه ل يمكن أن يحقق المرء نجاحا باهرا حتى‬
‫يتخطى عقبات كبرى في حياته ‪.‬‬
‫إن الذين يخافون من الفشل النسبي ‪ ،‬قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫طوا ( )التوبة‪ :‬من الية ‪(49‬‬ ‫س َ‬
‫فت ْن َةِ َ‬ ‫) أل ِفي ال ْ ِ‬
‫ومن يتهيب صعود الجبال ‪... ...‬‬
‫يعش أبد الدهر بين الحفر‬
‫جد َْنا‬‫إن البيئة شديدة التأثير على أفرادها ؛ حيث تصوغهم ول يصوغونها ) إ ِّنا وَ َ‬
‫ُ‬
‫ن()الزخرف‪ :‬من الية‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى () وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫آَباَءَنا عََلى أ ّ‬
‫‪ ،( 23‬ولذلك فهي من أهم الركائز في التقدم ‪ ،‬أو التخلف ‪ ،‬والرجال الذين‬
‫ملكوا ناصية القيادة والريادة ؛لم يستسلموا للبيئة الفاسدة ولم تمنعهم من‬
‫نقل تلك البيئة إلى مجتمع يتسم بالمجد والرقي والتقدم ؛ ولذلك أصبح‬
‫المجدد مجددا ً ؛ لنه جدد لمته ما اندرس من دينها وتاريخها وقد ختمت النبوة‬
‫بنبينا محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فلم يبق إل المجددون والمصلحون ؛‬
‫يخرجونها من الظلمات إلى النور فحري بك أن تكون أحد هؤلء ‪.‬‬
‫وأختم هذه المقالة بإشارات تفتح لك مغاليق الطريق ‪:‬‬
‫‪-1‬ذلك الكم الهائل من عمرك والذي يعد بعشرات السنين ‪ ،‬قد تحقق من‬
‫أنفاس متعاقبة وثوان متلحقة ‪ ،‬وآلف الكيلو مترات التي قطعتها في‬
‫حياتك ؛ ليست إل خطوات تراكمت فأصبحت شيئا ً مذكورًا‪.‬‬
‫وكذلك الهداف الكبرى ؛ تتحقق رويدا ً رويدا ‪ ،‬وخطوة خطوة ‪ ،‬فعشرات‬
‫المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء ‪ ،‬ليست إل مجموعة من الحروف ضم‬
‫بعضها إلى بعض ‪ ،‬حرفا ً حرفا ً ؛ فأصبحت تراثا ً خالدا ً على مر الدهور والجيال‬
‫‪.‬‬
‫‪-2‬علو الهدف يحقق العجائب ‪ ،‬فمن كافح ليكون ترتيبه الول ؛ يحزن إذا كان‬
‫الثاني ومن كان همه دخول الدور الثاني ؛ يفرح إذا لم يرسب إل في نصف‬
‫المقررات والمواد ‪.‬‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا ً ‪... ...‬‬
‫تعبت في مرادها الجسام‬
‫من يهن يسهل عليه ‪... ...‬‬
‫ما لجرح بميت إيلم‬
‫‪-3‬البداع ل يستجلب بالقوة ‪ ,‬وتوتر العصاب ؛ وإنما بالهدوء ‪ ,‬والسكينة‬
‫وقوة اليمان ‪ ,‬والثقة بما وهبك الله من إمكانات ‪ ،‬مع الصبر والتصميم ‪,‬‬
‫وقوة الرادة والعزيمة ؛ ولذلك فأكثر الطلب تفوقا ً ؛ أكثرهم هدوءا ً ‪ ,‬وأقلهم‬
‫اضطرابا ً عند المتحان ‪ .‬وكان النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أشجع الناس ‪،‬‬
‫وأربطهم جأشا ً ‪ ،‬وأثبتهم جنانا ً ‪ ،‬وأقواهم بأسا ً ؛ يتقون به عند الفزع ل يعرف‬
‫الخوف إلى قلبه سبيل ً ‪.‬‬
‫‪-4‬التفكير السليم المنطقي يقود إلى النجاح ‪ ،‬والتخطيط العلمي العملي‬
‫طريق ل يضل سالكه ‪.‬‬
‫وفشل كثير من المشروعات منشؤه الخطأ في طريقة التفكير ‪ ،‬والمقدمات‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة ‪.‬‬


‫‪-5‬الواقعية ل تتعارض مع تحقيق أعظم النتصارات ‪ ,‬والريادة في صناعة‬
‫الحياة ؛ بل هي ركن أساس من أركانها ‪ ،‬وركيزة يبنى عليها ما بعده ‪،‬‬
‫وعاصم من الفشل والخفاق بإذن الله ‪.‬‬
‫‪ -6‬كثير من المشكلت السرية ‪ ,‬والشخصية ‪ ,‬والجتماعية ؛ منشؤها توهم‬
‫صعوبة حلها ‪ ,‬أو استحالته ‪ .‬بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى ؛ ولكن‬
‫المر يحتاج إلى عزيمة وتفكير ‪ ،‬يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى‬
‫أجزاء ‪ ،‬ومن ثم المباشرة في علج كل جزء بما يناسبه ‪.‬‬
‫ست َِعين ( )الفاتحة‪ (5:‬جماع المر ‪ ،‬ومدار العمل ‪،‬‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫‪ ) –7‬إ ِّيا َ‬
‫ً‬
‫والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون الحياة هباء منثورا ‪.‬‬
‫أخذنا من وقتكم كثيرا ً ‪ ،‬فهلموا إلى العمل والمجد والخلود ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بوش امنحني الجنسية المريكية ‪...‬‬


‫بينما كان أحد المسافرين في طريقه إلى بلد عربي ‪ ،‬وبصحبته أمه العجوز‬
‫التي ل تكاد تمشي إل متكئة على العصا ‪ ،‬وزوجه التي تحمل طفلها الرضيع‬
‫بين يديها ‪ ،‬ومعهما طفلن آخران ‪ ،‬إذ وصل المكان المعد لمنح التأشيرات ‪،‬‬
‫فوجد عدة نوافذ أمام كل نافذة من هذه النوافذ يقف العشرات من الزوار ‪،‬‬
‫فاحتار الرجل في أمره ماذا يفعل بأمه العجوز وأهله وأطفاله فهم ل يقدرون‬
‫على الوقوف ‪ ،‬وفجأة أدرك الحل ‪،‬‬
‫أنها تلك النافذة التي ليس عليها إل بعض الغرباء عن الوطن العربي ‪ ،‬أجل‬
‫أنه الحل ‪ ،‬فأخذ يسعى وهو آخذ بيد أمه العجوز ويصرخ على زوجته وأبنائه‬
‫هيا قبل أن يسبقنا أحد ‪ ،‬حتى وصل النافذة ووقف على الدور ‪ ،‬وهو يسأل‬
‫نفسه قائل ً ما لهؤلء الناس يقفون في هذه الطوابير الكبيرة ويتركون هذه‬
‫النافذة التي يجلس خلفها رجل وسيم بشوش ل تنقطع البتسامة عن وجهه –‬
‫ما كاد ينهي هذا التساؤل حتى وجد نفسه أمام الموظف ‪،‬فقال له الموظف‬
‫أين جواز سفرك فقال مبتسما ً مسرورا ً هذا هو ‪ ،‬فنظر الموظف في هذا‬
‫الجواز وقد أحمر وجهه وقدحت عيناه الشرر ‪ ،‬وتغيرت نبرات صوته – الرجل‬
‫م ياسيدي ؟‬ ‫في نفسه ويلي ماذا فعلت – الموظف ‪ :‬أمجنون أنت ؟الرجل ‪ :‬ل َ‬
‫هذا المكان مخصص لمن يحملون الجنسية المريكية ‪ .‬آسف سيدي ‪ ،‬ولكن‬
‫هل قدمت لي خدمة فأنت ترى وضعي ؟ ! الموظف في غضب ‪ ،‬أغرب عن‬
‫وجهي قبل أن أطلب لك الشرطي ‪ .‬الرجل ‪ :‬حسنا ً ‪ ،‬الرجل لمه هيا يا أمي ‪،‬‬
‫الم العجوز هل انتهينا ؟ البن ليس بعد فعلينا أن نقف في هذا الطابور‬
‫الصغير ‪ .‬الم ل أستطيع ‪.‬البن اجلسي على المقعد حتى يأتي دورنا وأنا‬
‫سوف أحجز الدور ‪.‬‬
‫الرجل ينظر إلى تلك الطوابير ويقول في نفسه ‪ ،‬ترى في أي طابور أقف ؟‬
‫يا إلهي أنها طوابير كبيرة ‪ .‬ما علي سأقف في هذا الطابور ‪ ،‬وقف في‬
‫الطابور وزوجته من وراءه وعلى يديها طفلها الرضيع ‪ ،‬وحولها ولديها ‪ .‬الرجل‬
‫في الطابور ‪ ،‬ما لهذا الطابور ل يتقدم ؟ أف لهذا الموظف لقد أتعبنا ‪،‬‬
‫الزوجة خذ الطفل لقد تعبت منه ‪ .‬الرجل حسنا ً ‪ ،‬الرجل لطفليه الخرين‬
‫أهدءا ‪ ،‬الزوجة لزوجها ‪ ،‬أبا محمد انظر هذا الطابور يتقدم أفضل ‪ .‬أبو محمد‬
‫صحيح ‪ ،‬هيا أسرعي ‪ ،‬أبو محمد وزجه وأبناؤه في الطابور الجديد ‪ ،‬أبو محمد‬
‫لم محمد ‪ ،‬صحيح من يسمع كلم النساء يتعب ‪ ،‬انظري إلى هذا الطابور‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن حاله أسوأ من الطابور الذي كنا فيه ‪ ،‬أم محمد هل ذهبنا إلى ذلك‬
‫الطابور ؟ أبو محمد ل هذا يكفي عصفور في اليد خير من عشرة على‬
‫الشجرة ‪.‬‬
‫أبو محمد ينظر إلى نافذة المريكان ويقول ما أسعدهم ل يوجد عندهم طابور‬
‫مثلنا ‪ ،‬الم العجوز تنادي ابنها ‪ ،‬أي بني لقد تعبت لم أعد أقدر على النتظار‬
‫لنرجع إلى الطابور الول فهو يسير بسرعة ‪ .‬البن إنه للمريكان ‪ .‬الم احتلوه‬
‫م أليسوا كفارا ً ونحن أفضل‬‫‪ .‬البن ل ولكن لهم معاملة خاصة ‪ ،‬الم ول َ‬
‫منهم ؟ البن نعم ‪ ،‬ومن أجل ذلك يسارعون في تسليكهم حتى ل نصاب‬
‫بأذاهم ‪ ،‬العجوز ‪ :‬ولكني أراهم أكثر حظا ً منا ‪ ،‬البن يا أمي أني مرهق ‪ ،‬أبو‬
‫محمد لزوجته ‪ :‬خذي الطفل ‪ .‬أم محمد بعد أن أخذت الطفل ‪:‬هذا الطابور ل‬
‫يتحرك ‪ .‬أبو محمد ل عليك سوف يملون منا ويتحركون ‪.‬‬
‫أبو محمد بدأ الغضب يظهر عليه ‪ ،‬وبدأت كلمات التوبيخ تتساقط على‬
‫أطفاله ‪ ،‬حتى أم محمد لم تسلم هي الخرى ‪ ،‬العجوز شعرت بالعياء ‪ ،‬البن‬
‫ينظر إلى أمه بعين الرحمة ‪ ،‬فهي امرأة عجوز ‪ ،‬يا إلهي لقد تعبت أمي ‪ ،‬ماذا‬
‫أفعل ‪ ،‬الطفل الصغير أخذ يجهش بالبكاء ‪ ،‬أبو محمد مغضبا ً أرضعيه ‪ .‬أم‬
‫محمد أين ؟ ل يوجد مكان ‪ ،‬وأخاف على الدور ! رجل يقف خلفها ‪ ،‬ل عليك ‪،‬‬
‫فأنت أمامي ‪ ،‬أبو محمد جزاك الله خيرا ً ‪ .‬خرجت أم محمد من الطابور‬
‫وأخذت معها أبناءها الثلثة ‪ .‬العجوز بدأت تتأرجح كأنها ستسقط ‪ .‬والطابور‬
‫هو الطابور ‪.‬‬
‫أبو محمد لم يعد المر يحتمل ‪ ،‬أين الضابط ؟ أبو محمد يتجه إلى الضابط‬
‫قائل ً ‪ :‬هذا الطابور ل يسير ‪ .‬الضابط ل عليك ‪ ،‬إن الله مع الصابرين ‪،‬‬
‫الموظف يعمل ما عليه ‪ ،‬أبو محمد أمي ‪ ،‬أبنائي ‪ ،‬و ‪ ...‬الضابط ‪ :‬ل عليك‬
‫سيأتيك دور بإذن الله ‪ .‬أبو محمد يرجع إلى الطابور متمتما ً ‪ ،‬أحد الصافين ‪،‬‬
‫ماذا قال لك ؟ أبو محمد ‪ :‬قال ستفرج ‪ ،‬وفجأة أبو محمد يقول مسرورا ً ‪:‬‬
‫الطابور يتحرك ‪ ،‬نعم أنه يتحرك ‪ ،‬بدا أبو محمد وكأنه نسي ما لقى ‪ ،‬أم‬
‫محمد تأتي مسرعة وهي تقول الحمد لله ‪ ،‬الحمد لله ‪ .‬فلقد مر على‬
‫وقوفهم في الطابور أكثر من ساعتين ‪ ،‬أما عن المرأة العجوز ‪ ،‬فلم تعد تهتم‬
‫بطول الوقت ‪ ،‬فقد افترشت عباءتها وأخلدت إلى النوم ‪ ،‬أبو محمد دورنا‬
‫يقترب ‪ ،‬أجل إنه يقترب ‪ ،‬لم يبق أمامنا إل رجل واحد ‪ ،‬الموظف للرجل ‪:‬‬
‫تقدم ‪ .‬الرجل يعطيه جواز السفر ‪ ،‬وبعد التدقيق ‪ ،‬يمنحه التأشيرة ‪ ،‬أبو‬
‫محمد يتقدم مسرورا ً لقد جاء دوره ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الموظف ينظر إلى أبي محمد ويقول له ‪ :‬انتظر ‪ .‬الموظف يخرج من‬
‫غرفته ‪ .‬أبو محمد ممتعضا ً إلى أين ذهب ؟ أم محمد ‪ :‬أين ذهب ؟ أبو محمد‬
‫ل أدري ‪ .‬أبو محمد يترك الصف ويذهب إلى الشاويش ‪ ،‬أين ذهب ؟‬
‫الشاويش ‪ :‬انتظر الن يأتي فقد ذهب للصلة ‪ .‬أبو محمد ‪ :‬الله يتقبل ‪ .‬عاد‬
‫أبو محمد إلى الصف ينتظر ‪ ،‬الن يأتي ‪ ،‬الن يأتي ‪ ،‬الموظف لم يأت بعد ‪.‬‬
‫أبو محمد ينظر إلى نافذة المريكان ويعتصر ألما ً ولسان حاله ‪ ،‬الله أكبر إلى‬
‫أي حد بلغ فينا المر ؟ أم محمد ‪ :‬أين ذهب الموظف ؟ أبو محمد ‪ :‬إنه يصلي‬
‫م ل يوجد معي‬ ‫‪ .‬أبو محمد هذا الجواز الفلسطيني الذي معي ل قيمة له ‪ ،‬ل َ‬
‫جواز سفر أمريكي ؟ لو كان معي جواز سفر أمريكي لكنت في راحة منذ‬
‫زمن ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبو محمد في صوت مرتفع دون شعور ‪ :‬بوش امنحني الجنسية المريكية ‪.‬‬
‫أحد الموظفين يقترب من أبي محمد صارخا ً في وجهه اتق الله ‪ ،‬أل تعلم بأن‬
‫مطالبتك للجنسية المريكية نوع من أنواع موالة الكافرين ‪ ،‬أبو محمد أعاذنا‬
‫الله من موالة الكافرين ‪ ،‬أعاذنا الله من موالة الكافرين ‪ ،‬وأيضا ً أعاذنا الله‬
‫من نوافذهم !!!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بل أستطيع!‬
‫‪30/10/1423‬‬
‫أ‪.‬د‪.‬ناصر بن سليمان العمر‪-‬المشرف العام على موقع المسلم‬
‫*يقول ابن القيم‪ -‬رحمه الله‪ :-‬لو أن رجل ً وقف أمام جبل ‪ ,‬وعزم على‬
‫إزالته؛ لزاله‪.‬‬
‫لقد توصلت ‪ -‬بعد سنوات من الدراسة ‪ ,‬والبحث ‪ ,‬والتأمل‪ -‬إلى‪ :‬أنه ل‬
‫مستحيل في الحياة؛ سوى أمرين فقط‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت‬
‫ق فأ ِ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال َ‬
‫م َ‬
‫س ِ‬‫م ِ‬ ‫ه ي َأِتي ِبال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫الول‪ :‬ما كانت استحالته كونية‪) ,‬فَإ ِ ّ‬
‫فَر( )البقرة‪ :‬من الية ‪(258‬‬ ‫ذي ك َ َ‬‫ت ال ّ ِ‬‫ب فَب ُهِ َ‬‫مغْرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب َِها ِ‬
‫الثاني‪ :‬ما كانت استحالته شرعية؛ مما هو قطعي الدللة‪ ،‬والثبوت‪ ،‬فل يمكن‬
‫ج‬
‫ح ّ‬ ‫أن تجعل صلة المغرب ركعتين‪ ،‬ول أن يؤخر شهر الحج عن موعده )ال ْ َ‬
‫مات( )البقرة‪ :‬من الية ‪ ،(197‬ول أن يباح زواج الرجل من امرأة‬ ‫معُْلو َ‬ ‫شهٌُر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ل( )النساء‪ :‬من الية ‪ ,(22‬وما عدا‬ ‫سِبي ً‬
‫ساَء َ‬ ‫قتا ً وَ َ‬‫م ْ‬‫ة وَ َ‬
‫ش ً‬‫ح َ‬ ‫ن َفا ِ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫أبيه )إ ِن ّ ُ‬
‫هذين المرين‪ ,‬وما يندرج تحتهما من فروع؛ فليس بمستحيل‪ .‬قد تكون هناك‬
‫استحالة نسبية ل كلية‪ ،‬وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الستطالة فقد يعجز‬
‫ر؛ ولكن يستطيعه آخرون‪ ،‬وقد ل يتحقق هدف في زمن؛ ولكن‬ ‫فرد عن أم ٍ‬
‫يمكن تحقيقه في زمن آخر‪ ،‬وقد ل يتأتى إقامة مشروع في مكان‪ ،‬ويسهل‬
‫في مكان ثان‪ ،‬وهكذا‪ .‬إن الخطورة‪ :‬تحويل الستحالة الفردية‪ ،‬والجزئية‪،‬‬
‫والنسبية؛ إلى استحالة كلية شاملة عامة‪ .‬إن عدم الستطاعة هو تعبير عن‬
‫قدرة الفرد ذاته‪ ،‬أما الستحالة؛ فهو وصف للمر المراد تحقيقه‪ ،‬وقد حدث‬
‫خلط كبير بينهما عند كثير من الناس‪ ،‬فأطلقوا الول على الثاني‪.‬‬
‫ً‬
‫إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة؛ تكون سببا في‬
‫تثبيط الخرين‪ ،‬ووأد قدراتهم‪ ،‬وإمكاناتهم في مهدها‪ .‬إن أول عوامل النجاح‪،‬‬
‫وتحقيق الهداف الكبرى هو‪ :‬التخلص من وهم )ل أستطيع – مستحيل(‪ ،‬وهو‬
‫بعبارة أخرى‪ :‬التخلص من العجز الذهني‪ ،‬وقصور العقل الباطن‪ ،‬ووهن القوى‬
‫العقلية‪.‬‬
‫إن الخذ بالسباب الشرعية‪ ،‬والمادية يجعل ما هو بعيد المنال حقيقة واقعة‪.‬‬
‫إن كثيرا ً من الذين يكررون عبارة‪ :‬ل أستطيع‪ ،‬ل يشخصون حقيقة واقعة‪،‬‬
‫يعذرون بها شرعًا‪ ,‬وإنما هو انعكاس لهزيمة داخلية‪ ,‬للتخلص من المسئولية‪.‬‬
‫إن من الخطوات العملية لتحقيق الهداف الكبرى هو‪ :‬اليمان بالله‪ ،‬وبما‬
‫وهبك من إمكانات هائلة تستحق الشكر‪ .‬ومن شكرها‪ :‬استثمارها؛ لتحقيق‬
‫تلك الهداف التي خلقت من أجله‪.‬‬
‫أي عذر لنسان؛ وهبه الله جميع القوى التي تؤهله للزواج‪ ،‬ثم هو يعرض عن‬
‫ذلك دون مبرر شرعي‪ .‬إن هذا من كفر النعمة ل من شكرها‪ ،‬وهو تعطيل‬
‫لضرورة من الضرورات الخمس التي أجمعت جميع الديانات السماوية على‬
‫وجوب المحافظة عليها‪ ،‬وهو النسل‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ل َئ ِ ْ‬
‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫وحري‪ ،‬بمن فعل ذلك أن تسلب منه هذه النعمة الكبرى )وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬
‫ذاِبي ل َ َ‬ ‫َ‬
‫د( )إبراهيم‪ .(7:‬وقل مثل ذلك‪:‬‬ ‫دي ٌ‬
‫ش ِ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م إِ ّ‬
‫فْرت ُ ْ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬
‫ن كَ َ‬ ‫م َلِزيد َن ّك ُ ْ‬
‫شك َْرت ُ ْ‬
‫َ‬
‫في كل نعمة‪ ،‬وموهبة وهبها الله النسان‪.‬‬
‫إنني لست بصدد بيان عوامل النجاح‪ ،‬ومرتكزات القيادة‪ ،‬والريادة؛ ولكنني‬
‫أحاول أن أزيل هذا الوهم الذي سيطر على عقول كثير من رجال المة‪،‬‬
‫وشبابها؛ فأوصلنا إلى الحالة التي سّرت العدو‪ ،‬وأحزنت الصديق‪.‬‬
‫إن المة تمر بحالة تاريخية ذهبية من العودة إلى الله‪ ،‬وتلمس طريق النجاة‪،‬‬
‫والنجاح‪ ،‬والسعادة‪ ،‬والرقي‪.‬‬
‫وإذا لم تستثمر تلك المكانات‪ ،‬والطاقات الهائلة‪ ،‬والمة في حال إقبالها؛‬
‫فإنه سيكون المر أشد وأعسر في حال فتورها‪.‬‬
‫إن من الخطاء التي تحول بين الكثيرين‪ ،‬وبين تحقيق أعظم الهداف‪،‬‬
‫وأعلها ثمنا ً تصور أنه ل يحقق ذلك إل الذكياء‪.‬‬
‫إن الدراسات أثبتت أن عددا ً من عظماء التاريخ كانوا أناسا ً عاديين‪ ،‬بل إن‬
‫بعضهم قد يكون فشل في كثير من المجالت كالدراسة مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ل شك أن الغبياء ل يصنعون التاريخ؛ ولكن الذكاء أمر نسبي ‪,‬يختلف فيه‬
‫الناس ويتفاوتون‪ ،‬وحكم الناس غالبا ً على الذكاء الظاهر‪ ،‬بينما هناك قدرات‬
‫خفية خارقة ل يراها الناس ؛بل قد ل يدركها صاحبها إل صدفة‪ ،‬أو عندما يصر‬
‫على تحقيق هدف ما؛ فسرعان ما تتفجر تلك المواهب ‪ ,‬مخلفة وراءها‬
‫أعظم النتصارات‪ ،‬والمجاد‪.‬‬
‫إن كل الناس يعيشون أحلم اليقظة‪ ،‬ولكن الفرق بين العظماء وغيرهم‪ :‬أن‬
‫أولئك العظماء لديهم القدرة‪ ،‬وقوة الرادة والتصميم على تحويل تلك الحلم‬
‫إلى واقع ملموس‪ ،‬وحقيقة قائمة‪ ،‬وإبراز ما في العقل الباطن إلى شيء يراه‬
‫الناس‪ ،‬ويتفيئون في ظلله‪.‬‬
‫إن من أهم معوقات صناعة الحياة‪ :‬الخوف من الفشل‪ ،‬وهذا بلء يجب‬
‫التخلص منه‪ ،‬حيث أن الفشل أمر طبيعي في حياة المم‪ ،‬والقادة‪ ،‬فهل رأيت‬
‫دولة خاضت حروبها دون أي هزيمة تذكر ؟!‬
‫وهل رأيت قائدا ً لم يهزم في معركة قط ؟!‬
‫والشذوذ يؤكد القاعدة‪ ،‬ويؤصلها‪ ،‬ول ينقضها‪.‬‬
‫إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا – خالد بن الوليد – سيف الله‬
‫المسلول‪ ،‬وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية‪ ،‬والسلم‪ ،‬ولم يمنعه ذلك‬
‫من المضي قدما ً في تحقيق أعظم النتصارات‪ ،‬وأروعها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن أعظم المخترعين في التاريخ الحديث ؛مخترع الكهرباء )أديسون( وقد‬


‫فشل في قرابة ألف محاولة؛ حتى توصل إلى اختراعه العظيم‪ ،‬الذي أكتب‬
‫لكم هذه الكلمات في ضوء اختراعه الخالد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد ذكر أحد الكتاب الغربيين؛ أنه ل يمكن أن يحقق المرء نجاحا باهرا حتى‬
‫يتخطى عقبات كبرى في حياته‪.‬‬
‫إن الذين يخافون من الفشل النسبي‪ ،‬قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع )ألَ‬
‫طوا( )التوبة‪ :‬من الية ‪(49‬‬ ‫ق ُ‬‫س َ‬ ‫ِفي ال ْ ِ‬
‫فت ْن َةِ َ‬
‫ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر‬
‫جد َْنا‬
‫إن البيئة شديدة التأثير على أفرادها؛ حيث تصوغهم ول يصوغونها )إ ِّنا وَ َ‬
‫ُ‬
‫ن( )الزخرف‪ :‬من الية ‪،(23‬‬ ‫دو َ‬
‫قت َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى( )وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫آَباَءَنا عََلى أ ّ‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولذلك فهي من أهم الركائز في التقدم‪ ،‬أو التخلف‪ ،‬والرجال الذين ملكوا‬
‫ناصية القيادة والريادة ؛لم يستسلموا للبيئة الفاسدة‪ ,‬ولم تمنعهم من نقل‬
‫تلك البيئة إلى مجتمع يتسم بالمجد‪ ,‬والرقي‪ ,‬والتقدم؛ ولذلك أصبح المجدد‬
‫مجددًا؛ لنه جدد لمته ما اندرس من دينها‪ ,‬وتاريخها وقد ختمت النبوة بنبينا‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فلم يبق إل المجددون والمصلحون؛‬
‫يخرجونها من الظلمات إلى النور‪ ,‬فحري بك أن تكون أحد هؤلء‪.‬‬
‫وأختم هذه المقالة‪ ,‬بإشارات تفتح لك مغاليق الطريق‪:‬‬
‫)‪ (1‬ذلك الكم الهائل من عمرك ‪ ,‬والذي يعد بعشرات السنين‪ ،‬قد تحقق من‬
‫أنفاس متعاقبة ‪ ,‬وثوان متلحقة‪ ،‬وآلف الكيلو مترات التي قطعتها في‬
‫حياتك؛ ليست إل خطوات تراكمت فأصبحت شيئا ً مذكورًا‪.‬‬
‫وكذلك الهداف الكبرى؛ تتحقق رويدا ً رويدا‪ ،‬وخطوة خطوة‪ ،‬فعشرات‬
‫المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء‪ ،‬ليست إل مجموعة من الحروف ضم‬
‫بعضها إلى بعض‪ ،‬حرفا ً حرفًا؛ فأصبحت تراثا ً خالدا ً ‪,‬على مر الدهور والجيال‪.‬‬
‫)‪ (2‬علو الهدف يحقق العجائب‪ ،‬فمن كافح ليكون ترتيبه الول؛ يحزن إذا كان‬
‫الثاني‪ ,‬ومن كان همه دخول الدور الثاني؛ يفرح إذا لم يرسب إل في نصف‬
‫المقررات والمواد‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا ً تعبت في مرادها الجسام‬
‫من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلم‬
‫البداع ل يستجلب بالقوة‪ ,‬وتوتر العصاب؛ وإنما بالهدوء‪ ,‬والسكينة وقوة‬
‫اليمان‪ ,‬والثقة بما وهبك الله من إمكانات‪ ،‬مع الصبر والتصميم‪ ,‬وقوة الرادة‬
‫والعزيمة؛ ولذلك فأكثر الطلب تفوقًا؛ أكثرهم هدوءًا‪ ,‬وأقلهم اضطرابا ً عند‬
‫المتحان‪ .‬وكان النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أشجع الناس‪ ،‬وأربطهم جأشًا‪،‬‬
‫وأثبتهم جنانًا‪ ،‬وأقواهم بأسًا؛ يتقون به عند الفزع ل يعرف الخوف إلى قلبه‬
‫سبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫)‪ (3‬التفكير السليم المنطقي يقود إلى النجاح‪ ،‬والتخطيط العلمي العملي‬
‫طريق ل يضل سالكه‪.‬‬
‫)‪ (4‬وفشل كثير من المشروعات منشؤه الخطأ في طريقة التفكير‪،‬‬
‫والمقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة‪.‬‬
‫)‪ (5‬الواقعية ل تتعارض مع تحقيق أعظم النتصارات‪ ,‬والريادة في صناعة‬
‫الحياة؛ بل هي ركن أساس من أركانها‪ ،‬وركيزة يبنى عليها ما بعده‪ ،‬وعاصم‬
‫من الفشل والخفاق بإذن الله‪.‬‬
‫)‪ (6‬كثير من المشكلت السرية‪ ,‬والشخصية‪ ,‬والجتماعية؛ منشؤها توهم‬
‫صعوبة حلها‪ ,‬أو استحالته‪ .‬بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى؛ ولكن‬
‫المر يحتاج إلى عزيمة وتفكير‪ ،‬يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى‬
‫أجزاء‪ ،‬ومن ثم المباشرة في علج كل جزء بما يناسبه‪.‬‬
‫ن( )الفاتحة‪ (5:‬جماع المر‪ ،‬ومدار العمل‪،‬‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫)‪) (7‬إ ِّيا َ‬
‫والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون الحياة هباء منثورا‪ً.‬‬
‫)‪ (8‬أخذنا من وقتكم كثيرًا‪ ،‬فهلموا إلى العمل والمجد والخلود‪.‬‬
‫***‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫* نشر هذا المقال في موقع السلم اليوم بتاريخ ‪30/10/1423‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل الحرية هي التوحيد )‪(1/2‬‬


‫د‪ .‬حاكم المطيري* ‪9/6/1424‬‬
‫‪07/08/2003‬‬
‫سألني بعض الخوة‪ :‬لم كل هذا الهتمام بالحرية في مقالتك‪ ،‬وكل هذه‬
‫العناية بها؟ ولم ل تكون الشريعة والتوحيد هو الهدف والغاية؟‬
‫فقلت له‪ :‬هناك سببان لهذا الهتمام‪ :‬أما الول؛ فلن تحقيق الحرية غاية‬
‫شرعية في حد ذاتها‪ ،‬بل الحرية من أشرف مقاصد كلمة التوحيد )ل إله إل‬
‫الله(‪ ،‬فالعبودية إنما هي لله‪ ،‬ثم الخلق بعد ذلك أحرار مع من سواه‪،‬‬
‫فالخضوع والطاعة والرغبة والرهبة هي لله وحده الذي له الخلق والملك‬
‫والمر والحكم كما قال تعالى‪) :‬ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا ً من دون الله(‪.‬‬
‫وقد فسر النبي معنى الربوبية هنا بطاعة الرؤساء والحبار والرهبان‬
‫والخضوع لهم‪ ،‬وجاء في الحديث "إنما السيد الله"‪ ،‬فهو الذي له السيادة‬
‫المطلقة‪ .‬فإذا كان السيد هو الله وهو الملك والرب والحاكم؛ فليس للخلق‬
‫على بعضهم سيادة ول طاعة ول حكم ول خضوع إل بإذن الله وهذا هو معنى‬
‫الحرية النسانية‪.‬‬
‫وقد تقرر في الشريعة قاعدة "الصل في النسان الحرية" وأما الرق فهو‬
‫طارئ يجب العمل على التخلص منه‪ ،‬إذ أكثر الحكام الشرعية وأجلها‬
‫وأشرفها منوطة بالحرية كالمامة العامة والجهاد والجمعة والجماعة والحج‬
‫والزكاة‪ ،‬فكلها يشترط فيها الحرية وتسقط في حال العبودية والسترقاق‪،‬‬
‫ولهذا أمر النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بتحرير رقيق العرب فقام عمر‬
‫بتحرير كل عربي تم استرقاقه في الجاهلية‪ ،‬ودفع ثمن ذلك من بيت المال؛‬
‫فكان العرب أول أمة في التاريخ النساني تتخلص من الرق بشكل نهائي‬
‫ومن جميع أشكاله‪ ،‬وتحققت فيهم الحرية بنوعيها‪ :‬المعنوية‪ ،‬والصورية‪ ،‬ولم‬
‫يبق فيهم عبد ول رقيق منذ عهد عمر وإنما بقي الرقيق من غير العرب لكون‬
‫المم الخرى تسترق أسراها في الحروب‪ ،‬فكان العرب الفاتحون يعاملونهم‬
‫بالمثل‪ ،‬إذ السترقاق أهون من القتل‪ ،‬ومع ذلك جعلت الشريعة تحرير‬
‫الرقيق عموما ً من أفضل القربات وكفارة لبعض المحظورات سواء كان‬
‫الرقيق مسلمين أو غير مسلمين‪ ،‬بل أمر القرآن بتحريرهم من بيت مال‬
‫المسلمين‪ ،‬وأوجب على السادة مكاتبة من يريد فداء نفسه منهم‬
‫ومساعدتهم بالمال كما قال تعالى‪) :‬وكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم‬
‫من مال الله الذي آتاكم(‪.‬‬
‫كل ذلك يؤكد مدى عناية الشريعة بحرية النسان وتحريره من كل أشكال‬
‫العبودية لغير الله تحريرا ً ماديا ً ومعنويًا‪ ،‬ولهذا قال عمر كلمته الخالدة دفاعا‬
‫ض المراء‪" :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم‬ ‫عن قبطي مسيحي ظلمه بع ُ‬
‫مى عمر الظلم استعبادًا‪ ،‬مع أن القبطي لم يكن عبدا ً‬ ‫أمهاتهم أحرارا"؛ فس ّ‬
‫ول رقيقًا‪ ،‬بل كان حرا إل أن استذلله وظلمه استعباد معنوي له‪ ،‬فالعرب‬
‫ً‬
‫تسمي كل تذلل وخضوع للغير عبودية‪ ،‬وإن كان الخاضع لغيره حرا ً في‬
‫نفسه‪ ،‬إذ هي حرية صورية شكلية‪ ،‬ولهذا قال ربعي بن عامر لرستم‪" :‬إن‬
‫الله بعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد"‪ ،‬ومعنى عبادة‬
‫العباد أي الخضوع والطاعة للملوك والرؤساء والحبار والرهبان‪ ،‬ومنه قول‬
‫ي أن عّبدت بني إسرائيل( ولم يكن بنو‬ ‫موسى لفرعون‪) :‬وتلك نعمة تمّنها عل ّ‬
‫إسرائيل رقيقا ً لفرعون؛ بل كانوا أحرارا غير أنهم لما كانوا خاضعين لحكمه‬
‫ً‬
‫مستسلمين لظلمه صدق عليهم أنهم عبيد ل أحرار‪ ،‬بل جعل السلم هذه‬
‫الحرية المعنوية من أصول الدين وقطعياته‪ ،‬فل عبودية إل لله ول سيادة إل‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لله ول طاعة إل لله ول خضوع ول تذلل إل له وحده بينما جعل العبودية‬


‫الصورية الشكلية وهي السترقاق من فروع الحكام الفقهية وذلك لعظم‬
‫خطر الحرية المعنوية وشدة أثرها على النفس البشرية والمجتمعات‬
‫النسانية‪ ،‬ولهذا كانت عناية القرآن بتحرير النسان من كل أشكال العبودية‬
‫المعنوية لغير الله كالخشية والخوف والرغبة والرهبة والطاعة والتذلل‬
‫والخضوع أشد من عنايته بالحرية الصورية التي يفتقدها الرقيق‪ ،‬إذ هذه فرع‬
‫وتلك أصل‪ ،‬فتحرير النسان من العبودية والخضوع والتذلل لغير الله من‬
‫أصول الدين؛ بل أشرف غاياته وهو أساس التوحيد الذي جاء الرسل لتحقيقه‪،‬‬
‫أما تحريره من الرق فمن فروع الدين من أجل كمال التوحيد؛ حتى تكون‬
‫عبودية النسان خالصة لله في المعنى والصورة‪ .‬ول تكون كذلك حتى تزول‬
‫كل أشكال عبودية النسان للنسان وتزول كل سيادة للنسان على أخيه‬
‫النسان فل سيد إل الله وحده‪ ،‬والخلق أحرار مع من سواه وكلما ارتفعوا في‬
‫مقام العبودية لله اتسعت دائرة الحرية فيما بينهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أكثر الخلق عبودية لله‪ ،‬وبهذا وصفه‬
‫القرآن لنه أكثرهم تحررا ً من الخضوع لغير الله وأكملهم حرية‪ ،‬وقد جعل‬
‫السلم الحرية بجميع أشكالها حقا ً محفوظا؛ بل واجبا ً مفروضًا‪ ،‬فقد بايع‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬النصار في العقبة قبل الهجرة على " أن نقول‬
‫الحق أينما كنا‪ ،‬ل نخاف في الله لومة لئم"‪ ،‬وقال في شأن يهودي انتقد‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬علنية‪" :‬دعوه فإن لصاحب الحق مقا ً‬
‫ل" ليؤكد‬
‫بذلك مبدأ حرية الكلمة وحرية نقد السلطة‪ .‬هذه الحرية التي تعد حجر‬
‫الساس لجميع أنواع الحريات النسانية‪ ،‬بل لقد جعل النبي قول كلمة الحق‬
‫أفضل أنواع الجهاد في سبيل الله؛ فقال‪" :‬أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام‬
‫جائر"‪ ،‬وجعل العمل السياسي والهتمام بشؤون المة والسلطة وتقويمها من‬
‫الدين؛ فقال‪" :‬الدين النصيحة لئمة المسلمين وعامتهم"‪ ،‬والنصيحة هي بذل‬
‫الوسع في إرشادهم ومشاركتهم في الرأي والجتهاد في أمرهم بالمعروف‬
‫ونهيهم عن المنكر‪ ،‬والتصدي لظلمهم والخذ على أيديهم وأطرهم على الحق‬
‫أطرا‪ ،‬وصدعهم بالحق كما أمر بذلك النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬
‫الحاديث الصحيحة‪ .‬كما جعل الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬حق اختيار السلطة للمة‬
‫يحرم مصادرته أو اغتصابه كما في قوله تعالى‪) :‬وأمرهم شورى بينهم(‪ ،‬وقال‬
‫ي‪" :‬أيها الناس إنما المير من‬ ‫عمر‪" :‬المارة شورى بين المسلمين"‪ ،‬وقال عل ّ‬
‫مرتموه والخليفة من اخترتموه"‪ ،‬وقد أجمع الصحابة على هذا الصل الذي‬ ‫أ ّ‬
‫يؤكد الحرية السياسية في مشاركة المة في اختيار السلطة كما قرر القرآن‬
‫حق المة في مشاركة السلطة بعد اختيارها في اتخاذ القرار وأنه ليس‬
‫للسلطة أن تقطع أمرا دون المة كما قال تعالى‪) :‬وشاورهم في المر(‪.‬‬
‫وما تعيشه الشعوب العربية على وجه الخصوص هي العبودية المعنوية‬
‫للملوك والرؤساء والعلماء‪ ،‬هذه العبودية التي تغتال كرامة النسان وحريته‬
‫وإنسانيته؛ لتصبح شعوب العالم العربي أكثر الشعوب خضوعا ً للستبداد‬
‫الداخلي‪ ،‬وأكثر قابلية للخضوع للستعمار الخارجي‪ .‬وهي اليوم في عبودية‬
‫أشد من عبودية بني إسرائيل لفرعون‪ ،‬فقد ضربت عليهم الذلة في كل بلد‬
‫وصار ثلثمائة مليون عربي يباعون في أسواق النخاسة الدولية دون أن‬
‫ل‪ ،‬أو ينصروا حقا ً أو ينكئوا عدوا ً فهم أحوج إلى‬
‫يحركوا ساكنا ً أو يدفعوا باط ً‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحرير من العبودية لغير الله ‪-‬الذي هو غاية كلمة التوحيد‪ -‬منهم إلى‬
‫الشريعة التي تسقط الكثير من أحكامها عن النسان إذا فقد حريته الصورية؛‬
‫فكيف إذا فقد حريته المعنوية؟!‬
‫وللحديث بقية* المين العام للحركة السلفية‬
‫بل الحرية هي التوحيد)‪(2/2‬‬
‫د ‪ .‬حاكم المطيري* ‪16/6/1424‬‬
‫‪14/08/2003‬‬
‫ثبت بما ذكرناه في المقال الول من أن السلم إنما جاء من أجل تحرير‬
‫النسان تحريرا ً شكليا ً ماديا ً من الرق وهو العبودية الصورية‪ ،‬وكذلك تحريره‬
‫معنويا ً وروحيا ً من كل أشكال العبودية لغير الله تعالى؛ بل جعل القرآن هذا‬
‫التحرير المعنوي غاية التوحيد وأصل الدين كما في قوله ) يا أهل الكتاب‬
‫تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل الله ول نشرك به شيئا ً ول يتخذ‬
‫بعضنا بعضا ً أربابا من دون الله ( وهذه الربوبية فسرها القرآن بالطاعة‬
‫والخضوع لغيرالله كما في قوله‪) :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون‬
‫الله(‪ ،‬ومعلوم أنهم لم يعبدوهم وإنما أطاعوهم وخضعوا لسلطانهم الديني‬
‫برضاهم واختيارهم دون إكراه؛ فكان ذلك الخضوع الطوعي هو عبادتهم‬
‫واتخاذهم أربابًا‪ ،‬وهكذا فسرها النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لعدي بن حاتم‬
‫عندما قال‪ :‬يا رسول الله إننا لم نعبدهم؛ فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" : -‬ألم يكن يحرمون عليكم الحلل ويحلون لكم الحرام فتطيعوهم ؟"‬
‫قال‪ :‬بلى!فقال النبي "فتلك عبادتهم"‪ ،‬فقد كان أهل الكتاب عبيدا ً لحبارهم‬
‫ورهبانهم‪ ،‬الذين صاروا أربابا ً لخضوع الناس لسلطانهم الروحي دون أن‬
‫يشعر أهل الكتاب بهذه العبودية المعنوية التي هي من الشرك بالله الذي‬
‫حرمه السلم تحريما ً قاطعا ً لمناقضته للتوحيد‪ ،‬وهو إفراد الله وحده بالطاعة‬
‫والخضوع‪ ،‬وهذا أيضا هو معنى ربوبية فرعون الذي قال "أنا ربكم العلى"‬
‫أي‪ :‬أنا السيد الذي له عليكم حق الطاعة المطلقة والخضوع المطلق‪ ،‬وذلك‬
‫لسلطانه الدنيوي‪ ،‬والعرب تطلق على السيد اسم "الرب" كما قال الحارث‬
‫بن حلزة اليشكري في معلقته في شأن ملك الحيرة ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهو الرب والشهيد على يوم الحيرين والبلء بلء ولهذا قال فرعون ليثبت‬
‫ربوبيته هذه ) أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي( فرأى‬
‫فرعون أن كون ملك مصرله يجعل له حق الطاعة المطلقة على الشعب‬
‫المصري‪ ،‬وقد سمى القرآن تلك الدعوة الفرعونية ربوبية وإلهية كما في‬
‫قوله لموسى )لئن اتخذت إلها غيري لجعلنك من المسجونين(‪ ،‬ومعلوم أنه‬
‫لم يطلب من موسى إل طاعته وعدم معارضته ل عبادته بالمفهوم‬
‫الصطلحي لمعنى العبادة‪ ،‬وقد كان بنو إسرائيل في مصر موحدين على دين‬
‫إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪ ،‬ولم يكونوا يعبدون فرعون وكذا أهل مصر كانت‬
‫لهم أوثانهم ودياناتهم ومعابدهم‪ ،‬وإنما كانت ربوبية فرعون وإلهيته التي‬
‫إدعاها لنفسه هي ما فرضه على الناس من الطاعة المطلقة له وعدم‬
‫معارضته واستبداده بالمر واستذلله للشعب ولهذا قال للسحرة الذين آمنوا‬
‫بموسى )آمنتم له قبل أن آذن لكم ( فلم تكن المشكلة في نظره أن يؤمنوا‬
‫بموسى بل المشكلة هي أنهم آمنوا قبل أن يأذن لهم وهو الملك الذي له‬
‫الطاعة عليهم؟! وقد صدق على فرعون أنه جعل من نفسه ربا وإلها‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لسلطانه الدنيوي وصدق على أهل مصر وبني إسرائيل أنهم جعلوا من‬
‫أنفسهم عبيدا ً لخضوعهم لفرعون وطاعتهم المطلقة له‪.‬‬
‫كما في قول موسى له )وتلك نعمة تمّنها علي أن عّبدت بني إسرائيل(‬
‫ومعنى تعبيد بني إسرائيل لفرعون في هذه الية إي إخضاعهم لسلطانه‬
‫واستذللهم لطغيانه‪ ،‬هذا إذا كان مراد موسى هو الستفهام الستنكاري فهو‬
‫ينكر على فرعون إدعاءه أنه أكرمه بتربيته له في قصره ما دام قد ظلم قوم‬
‫موسى واستذلهم واستعبدهم مع كونهم أحرارا وحذف همزة الستفهام‬
‫أسلوب قرآني شائع في لغة العرب فأصلها "أو تلك نعمة تمنها علي ‪ "...‬وإن‬
‫كان المراد في الية الخبار ل النكار فالمعنى ‪:‬‬
‫ي إذا تركت بني إسرائيل أحرارا وشأنهم‬ ‫وهذه نعمة تمنها يا فرعون عل ّ‬
‫ً‬
‫يذهبون حيث شاؤوا‪ ،‬ليصبحوا عبيدا لله وحده ل سلطان لك عليهم ول‬
‫طاعة ‪.‬‬
‫ً‬
‫كما صدق على الحبار والرهبان أنهم صاروا أربابا وآلهة لسلطانهم الديني‪،‬‬
‫وصدق على أهل الكتاب أنهم صاروا عبيدا ً لهم بطاعتهم والخضوع لهم‪.‬‬
‫وإذا كانت العبودية تناقض الحرية؛ فالقرآن إذا ً جاء لتحرير النسان من‬
‫العبودية للنسان‪ ،‬وذلك بإخلص التوحيد الذي هو الحرية لله وحده‪ ،‬وقد قالت‬
‫أم مريم‪) :‬ربي إني نذرت لك ما في بطني محررًا( أي موحدا ً ومخلصا ً لك‬
‫في طاعته وعبوديته ووحدانيته‪ ،‬وإنما أرادت أن تجعل المولود خادما ً في‬
‫المعبد‪ ،‬ل يخدم أحدا ً ول يشتغل بطاعة أحد ول يخضع لجلل أحد من البشر؛‬
‫بل يقصر طاعته لله فقالت "محررًا"‪ ،‬فجعلت التحرير نظير التوحيد‪ ،‬فالحرية‬
‫هنا تعني التوحيد الخالص لله ومما يرسخ مفهوم الحرية النسانية الذي جاء‬
‫به القرآن قوله تعالى ) ل إكراه في الدين ( والدين هنا‬
‫بمعنى الطاعة والخضوع؛ فل إكراه في طاعة الله وعبادته في السلم؛ بل‬
‫الطاعة قائمة على أساس الحرية ل الكراه‪ ،‬وإذا كان الله ‪-‬جل جلله‪ -‬لم‬
‫يرض من عباده أن يطيعوه أو يعبدوه أو يوحدوه كرها ً فكيف يسوغ للملوك‬
‫والرؤساء أن يجبروا الناس على طاعتهم والخضوع لسلطانهم بالكراه ودون‬
‫رضاهم ؟!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بل ويتسع مفهوم التوحيد الذي جاء به القرآن ليشمل تحرير النسان حتى‬
‫ن إن كنتم‬
‫من الخوف من غير الله كما قال تعالى‪) :‬فل تخافوهم وخافو ِ‬
‫مؤمنين( فشرط لتحقيق اليمان عدم الخوف من البشر ومن كل ما سوى‬
‫الله كما قال‪):‬وإياي فارهبون( وهو كقوله )وإياي فاعبدون( فكما ل تكون‬
‫العبادة إل لله وحده؛ فكذلك ل يكون الخوف والرهبة والخشية إل منه وحده‬
‫لنه هو الذي يخلق ويرزق ويحيي ويميت فاستحق وحده الخضوع والخشية‬
‫والرهبة والرغبة والعبادة والطاعة؛ بل لقد بالغ النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫في ترسيخ مفهوم تحرير النسان من كل أشكال العبودية لغير الله ‪ ،‬حتى‬
‫نهى أصحابه عن القيام له إذا دخل عليهم كما يفعل العبيد مع أسيادهم‪،‬‬
‫ونهاهم عن الوقوف على رأسه وهو جالس‪ ،‬ونهاهم عن النحناء له؛ بل نهاهم‬
‫أن يقول أحدهم لرقيقه ومملوكه "عبدي وأمتي"‪ ،‬بل يقول" فتاي وفتاتي"‬
‫وعلل ذلك بقوله ‪" :‬فكلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله" وكل ذلك من‬
‫أجل ترسيخ مفهوم حرية النسان وعدم عبوديته لغير الله وكل ما سبق ذكره‬
‫من أنواع التوحيد هي من معاني الحرية النسانية والمساواة التي تفتقدها‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجتمعات العربية المعاصرة التي ما تزال ترسف في أغلل العبودية لغير‬


‫الله؛ كالخضوع للملوك والرؤساء والطاعة لهم في غير طاعة الله‪ ،‬والخوف‬
‫منهم والخشية من سطوتهم والتذلل لهم والفتقار إليهم‪ ،‬والتزلف عندهم‬
‫وتعظيمهم إلى حد تقبيل أيديهم والركوع عند ركبهم والقيام إلى رؤوسهم‬
‫إجلل ً وتعظيما ً لهم إلى غير ذلك من صور العبودية والشرك بالله‪ ،‬بعد أن تم‬
‫اختزال معنى التوحيد ليصبح قاصرا ً فقط على الشعائر التعبدية دون باقي‬
‫الممارسات العملية‪ ،‬وبعد أن تم اختزال معنى الحرية؛ ليصبح قاصرا ً على‬
‫الحرية الشكلية الصورية التي هي من فروع الدين دون الحرية المعنوية التي‬
‫هي أصل الدين!‪.‬‬
‫* المين العام للحركة السلفية بالكويت‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بل حرب دينية‬


‫ل يؤمن كثير من المسلمين بنظرية المؤامرة على السلم ويصفون هذه‬
‫النظرية بالشماعة التي يعلق المسلم عليها ضعفه وانهزامه أمام العدو‬
‫القوي‪ ،‬ويعتقد هذا الفريق بالمقابل أن العدوان الذي يطال كثير من الدول‬
‫السلمية هو من قبيل العمال السياسية والمصالح القتصادية‪ ،‬ولكن هذه‬
‫النظرية ل تقوى على الصمود في وجه البحث العلمي الحقيقي الذي يؤكد أن‬
‫هذا العداء هو بالدرجة الولى عداء ديني ‪.‬‬
‫من هنا ‪ ،‬ولكي نبرر سبب هذا اليقين ‪ ،‬ل بد من دعم الكلم بالدلئل التاريخية‬
‫وبيان أسباب هذا العداء ونتائجه ‪.‬‬
‫نقول أول ً أن هذا العداء بدأ منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أوضحت العديد من اليات القرآنية الكريمة أهدافه‪ ،‬ومنها قوله تعالى ‪ " :‬لن‬
‫ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم" ‪.‬‬
‫كما أوضحته أيضا ً الوقائع التاريخية ‪ ،‬التي امتدت على مر الزمان ‪ ،‬ومن بينها‬
‫الحروب الصليبية‪ ،‬التي لم تنته مع انتهاء الخلفة العثمانية وتقسيم الدول‬
‫السلمية إلى دول ضعيفة‪ ،‬وإنما استمرت أيضا ً بالستعمار الغربي من قبل‬
‫الدول التي ساهمت في الحرب الصلييية للدول العربية‪ ،‬كما ساهمت في‬
‫انتزاع فلسطين من يد أهلها وتسليمها للصهيونية إرواء للحقد الدفين ضد‬
‫المسلمين من جهة‪ ،‬وإلهاء لهم بالحروب الداخلية من جهة أخرى ‪.‬‬
‫ونقول ثانيا ً أن العوامل التي تؤكد على أن الحرب التي تشن ضد المسلمين‬
‫في كل انحاء العالم هي حرب دينية متعددة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الخوف من الدين الذي عانى منه الغربيون في القرون الوسطى ‪ ،‬وانتهى‬
‫بهم إلى تحجيم سلطان الكنيسة‪ ،‬عبر اعتناق مبدأ " فصل الدين عن الدولة "‬
‫‪ ،‬مما أدى إلى وجود جيل خاو ل يؤمن بأي شيء غير المادة واشباع‬
‫الشهوات‪ ،‬جيل يرفع لواء العداوة ضد الذين‪ ،‬وذلك خوفا ً من أن يعيد بسط‬
‫سلطته من جديد‪.‬‬
‫من هنا فإذا كان الغرب قد أبدى عداوته للدين بشكل عام ‪ ،‬فهو أشد عداوة‬
‫للسلم‪ ،‬لن السلم يختلف عن غيره بأنه دين ودنيا‪ ،‬فهو ل يدعو فقط إلى‬
‫إقامة العبادات‪ ،‬بل إنه ينظم شؤون العباد في كافة المضامير السياسية‬
‫والقتصادية والجتماعية‪ ،‬وهو إذا نجح في النتشار داخل الدول الغربية فإن‬
‫قوانين وتشريعات هذه الدول العلمانية ستتعرض للهتزاز‪.‬‬
‫‪ -2‬العلن الواضح في بعض الحيان والخفي في البعض الخر من قبل كثير‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من زعماء الغرب ومفكريهم عن حقيقة هذه الحرب ‪ ،‬من هؤلء رؤساء بعض‬
‫الدول التي تدعي العلمانية ‪ ،‬مثل أمريكا الذي أعلن فيها رئيسا جمهوريتها‬
‫جورج بوش الب والبن أن ما يجري في العراق هي حرب صليبية ‪ ...‬وما‬
‫ورد لم يكن من قبيل زلة اللسان كما حاول بوش البن التستر وراءه ‪.‬‬
‫ومن أنواع هذا العلن أيضا ً ما ذكره الصهيوني ابن غوربون ‪ ،‬حيث قال ‪" :‬‬
‫نحن ل نخشى الشتراكيات ول القوميات ول الملكيات في المنطقة‪ ،‬إنما‬
‫نخشى السلم هذا المارد الذي نام طويل ً وبدأ يتململ في المنطقة‪ ،‬إني‬
‫أخشى أن يظهر محمد جديد في المنطقة " ‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن هذا العلن هو اعلن مقصود في كثير من الحيان‪ ،‬إذ‬
‫إنه بعد زوال التحاد السوفييتي ‪ ،‬احتاج الغرب إلى عدو جديد يبرر سعيه‬
‫الحثيث للتسلح ‪ ،‬فوجد في السلم ذلك العدو الرهابي الذي " يغذي‬
‫مشروعية آلة الحرب الشاملة المكلفة" ‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا وقد نشر موقع محيط الخباري في هذا المجال تقريرا عن الرباح التي‬
‫حققتها شركات السلحة في الوليات المتحدة المريكية حيث حققت قفزة‬
‫هائلة في أرباحها للربع الول في عام ‪2004‬م‪ .‬نتيجة زيادة مبيعاتها بصورة‬
‫كبيرة بفضل الحرب التي تشنها الوليات المتحدة على العراق منذ مارس من‬
‫العام الماضي ‪ ،‬وأعلنت شركة لوكهيد مارتن أم أرباحها خلل الربع الول من‬
‫العام الحالي تجاوزت التوقعات ارتفعت بنسبة ‪ 46‬في المائة عن الفترة‬
‫نفسها من العام الماضي لتصل إلى ‪ 291‬مليون دولر ‪.‬‬
‫‪ -3‬تكتل العالم الغربي ضد المسلمين في العالم بأسره‪ ،‬وابداء تعاطفهم‬
‫الصريح مع دولة يهود الغاصبة‪ ،‬ودعمها ماديا ً واقتصاديا ً وسياسيا ً ‪ ،‬وما‬
‫عمليات الفيتو التي تتم في أروقة المم المتحدة ضد إدانة اسرائيل إل‬
‫نموذجا ً عن هذا التحيز ‪ ،‬قال " يوخين هيبلر" في كتابه " السلم العدو " ناقل ً‬
‫كلم ورد على لسان أحد الصحفيين المصريين إبان حرب الخليج قوله ‪ " :‬إننا‬
‫نشهد في الوقت الراهن ازدواجية المعايير الغربية ‪ ،‬فقد أوضح الهجوم على‬
‫المنشآت النووية ) المفترضة ( لدى العراق أنه ل خلف بين الغرب إذا تعلق‬
‫المر بتنفيذ قرار للمم المتحدة ضد بلد إسلمي‪ ،‬وإنما يكون الخلف حول‬
‫الحد القصى الذي يمكن أن تصل إليه القوة العسكرية فقط‪ ،‬أما في حالة‬
‫ترحيل وابعاد اسرائيل للفلسطينيين ‪ ،‬تصبح قرارات المم المتحدة ل قيمة‬
‫لها‪ ،‬مجرد حبر على ورق‪ ،‬كذلك المر في البوسنة‪ ،‬أي أن الحالت الثلث‬
‫تتفق في تصوير مشهد واحد واضح ‪ :‬المسلمون ضحايا الغرب ‪ ،‬مما يدعم بل‬
‫شك موقف السلم المتشدد‪ ،‬ويضعف موقف المعتدلين السياسيين " ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -4‬الحساس بالتهديد الناتج عن انتشار السلم في كثير من البلد الغربية ‪،‬‬


‫والناتج في قسم منه عن وفود المهاجرين من الدول السلمية ‪ ،‬مما جعلهم‬
‫يخشون أن يتحول كثير من الغربيين إلى السلم ‪ ،‬كما يخشون من الحروب‬
‫والمنازعات والفتن التي يمكن أن تحدث في بلدهم وتزعزع بالتالي‬
‫استقراراها ‪.‬‬
‫من هنا جاءت التشديدات القانونية على قبول المهاجرين‪ ،‬وعلى عمل‬
‫الجمعيات والمؤسسات السلمية ‪ ،‬إضافة إلى سن القوانين التي تمنع ظهور‬
‫الرموز السلمية ‪ ،‬ومن بينها حجاب المرأة والتي أصدرت فرنسا مؤخرا ً‬
‫قانونا ً خاصا ً يمنع ارتداءه في المدارس ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -5‬السعي الحثيث إلى تغيير كثير من مناهج التعليم في الدول السلمية ‪،‬‬
‫وذلك من أجل تغيير عقلية الشباب المسلم‪ ،‬وإبعادهم عن دينهم وإلهاءهم‬
‫بملذات الدنيا‪ ،‬وهذه الدعوة التي بدأت منذ مطلع القرن والمستمرة إلى‬
‫اليوم ‪ ،‬والتي يقودها للسف‪ ،‬أبناء من بني جلدتنا ‪ ،‬يسعون إلى استبدال‬
‫تعاليم السلم بتشريعات وضعية ‪ ،‬كما يعملون أيضا ً على التشكيك بصلحية‬
‫هذا الدين وقدرته على محاربة العدو‪ ،‬وذلك بهدف إنشاء جيل متزعزع‬
‫العقيدة ‪ ،‬منهزم ‪ ،‬تابع ‪ ،‬مسحوق ‪....‬‬
‫هذا ما يسعى إليه من وراء تغيير مناهج التعليم ‪ ،‬ولكن صدق الله تعالى‬
‫القائل‪" :‬يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون‬
‫"‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى أخرج من بين أصلبهم من يعبد الله عز وجل‪ ،‬كما‬
‫أخرج من الجامعات العلمانية التي أنشئت من أجل هدم السلم‪ ،‬شباب‬
‫صادق ملتزم مستعد للتضحية بكل شيء من أجل عقيدته ودينه‪ ،‬يقول‬
‫الدكتور الشهيد عبد الله عزام واصفا ً حال هؤلء الشباب ‪ " :‬لقد أصبحت‬
‫الجامعات كبلط فرعون يربى فيه موسى عليه الصلة والسلم ليهدم بيده‬
‫عرش فرعون ويسحب البساط من تحت رجليه " ‪.‬‬
‫ً‬
‫من هنا فإننا نؤكد بناء على ما ورد أن هذه الحرب ليست حربا سياسية ول‬
‫حربا ً اقتصادية ‪ ...‬بل هي حرب دينية بالدرجة الولى ‪ ،‬وهذه الحرب وإن‬
‫كانت حربا ً غير معلنة في فترة من الفترات بسبب سياسة العدو القائمة على‬
‫بذر الشقاقات والخلفات بين أبناء الدين الواحد‪ ،‬فإنها اليوم أصبحت أكثر‬
‫وضوحا ً بالنسبة لكثير من المسلمين من جهة ‪ ،‬كما أصبحت أكثر وضوحا ً‬
‫بالنسبة للعداء أنفسهم الذين باتوا يعلنونها حربا ً دينية بكل جرأة وبكل جهر‬
‫وفخر ‪.‬‬
‫د‪ .‬نهى قاطرجي‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بل حرب دينية‬


‫د‪ .‬نهى قاطرجي‬
‫ل يؤمن كثير من المسلمين بنظرية المؤامرة على السلم ويصفون هذه‬
‫النظرية بالشماعة التي يعلق المسلم عليها ضعفه وانهزامه أمام العدو‬
‫القوي‪ ،‬ويعتقد هذا الفريق بالمقابل أن العدوان الذي يطال كثير من الدول‬
‫السلمية هو من قبيل العمال السياسية والمصالح القتصادية‪ ،‬ولكن هذه‬
‫النظرية ل تقوى على الصمود في وجه البحث العلمي الحقيقي الذي يؤكد أن‬
‫هذا العداء هو بالدرجة الولى عداء ديني ‪.‬‬
‫من هنا ‪ ،‬ولكي نبرر سبب هذا اليقين ‪ ،‬ل بد من دعم الكلم بالدلئل التاريخية‬
‫وبيان أسباب هذا العداء ونتائجه ‪.‬‬
‫نقول أول ً أن هذا العداء بدأ منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أوضحت العديد من اليات القرآنية الكريمة أهدافه‪ ،‬ومنها قوله تعالى ‪ " :‬لن‬
‫ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم" ‪.‬‬
‫كما أوضحته أيضا ً الوقائع التاريخية ‪ ،‬التي امتدت على مر الزمان ‪ ،‬ومن بينها‬
‫الحروب الصليبية‪ ،‬التي لم تنته مع انتهاء الخلفة العثمانية وتقسيم الدول‬
‫السلمية إلى دول ضعيفة‪ ،‬وإنما استمرت أيضا ً بالستعمار الغربي من قبل‬
‫الدول التي ساهمت في الحرب الصلييية للدول العربية‪ ،‬كما ساهمت في‬
‫انتزاع فلسطين من يد أهلها وتسليمها للصهيونية إرواء للحقد الدفين ضد‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين من جهة‪ ،‬وإلهاء لهم بالحروب الداخلية من جهة أخرى ‪.‬‬


‫ونقول ثانيا ً أن العوامل التي تؤكد على أن الحرب التي تشن ضد المسلمين‬
‫في كل انحاء العالم هي حرب دينية متعددة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الخوف من الدين الذي عانى منه الغربيون في القرون الوسطى ‪ ،‬وانتهى‬
‫بهم إلى تحجيم سلطان الكنيسة‪ ،‬عبر اعتناق مبدأ " فصل الدين عن الدولة "‬
‫‪ ،‬مما أدى إلى وجود جيل خاو ل يؤمن بأي شيء غير المادة واشباع‬
‫الشهوات‪ ،‬جيل يرفع لواء العداوة ضد الذين‪ ،‬وذلك خوفا ً من أن يعيد بسط‬
‫سلطته من جديد‪.‬‬
‫من هنا فإذا كان الغرب قد أبدى عداوته للدين بشكل عام ‪ ،‬فهو أشد عداوة‬
‫للسلم‪ ،‬لن السلم يختلف عن غيره بأنه دين ودنيا‪ ،‬فهو ل يدعو فقط إلى‬
‫إقامة العبادات‪ ،‬بل إنه ينظم شؤون العباد في كافة المضامير السياسية‬
‫والقتصادية والجتماعية‪ ،‬وهو إذا نجح في النتشار داخل الدول الغربية فإن‬
‫قوانين وتشريعات هذه الدول العلمانية ستتعرض للهتزاز‪.‬‬
‫‪ -2‬العلن الواضح في بعض الحيان والخفي في البعض الخر من قبل كثير‬
‫من زعماء الغرب ومفكريهم عن حقيقة هذه الحرب ‪ ،‬من هؤلء رؤساء بعض‬
‫الدول التي تدعي العلمانية ‪ ،‬مثل أمريكا الذي أعلن فيها رئيسا جمهوريتها‬
‫جورج بوش الب والبن أن ما يجري في العراق هي حرب صليبية ‪ ...‬وما‬
‫ورد لم يكن من قبيل زلة اللسان كما حاول بوش البن التستر وراءه ‪.‬‬
‫ومن أنواع هذا العلن أيضا ً ما ذكره الصهيوني ابن غوربون ‪ ،‬حيث قال ‪" :‬‬
‫نحن ل نخشى الشتراكيات ول القوميات ول الملكيات في المنطقة‪ ،‬إنما‬
‫نخشى السلم هذا المارد الذي نام طويل ً وبدأ يتململ في المنطقة‪ ،‬إني‬
‫أخشى أن يظهر محمد جديد في المنطقة " ‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن هذا العلن هو اعلن مقصود في كثير من الحيان‪ ،‬إذ‬
‫إنه بعد زوال التحاد السوفييتي ‪ ،‬احتاج الغرب إلى عدو جديد يبرر سعيه‬
‫الحثيث للتسلح ‪ ،‬فوجد في السلم ذلك العدو الرهابي الذي " يغذي‬
‫مشروعية آلة الحرب الشاملة المكلفة" ‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا وقد نشر موقع محيط الخباري في هذا المجال تقريرا عن الرباح التي‬
‫حققتها شركات السلحة في الوليات المتحدة المريكية حيث حققت قفزة‬
‫هائلة في أرباحها للربع الول في عام ‪2004‬م‪ .‬نتيجة زيادة مبيعاتها بصورة‬
‫كبيرة بفضل الحرب التي تشنها الوليات المتحدة على العراق منذ مارس من‬
‫العام الماضي ‪ ،‬وأعلنت شركة لوكهيد مارتن أم أرباحها خلل الربع الول من‬
‫العام الحالي تجاوزت التوقعات ارتفعت بنسبة ‪ 46‬في المائة عن الفترة‬
‫نفسها من العام الماضي لتصل إلى ‪ 291‬مليون دولر ‪.‬‬
‫‪ -3‬تكتل العالم الغربي ضد المسلمين في العالم بأسره‪ ،‬وابداء تعاطفهم‬
‫الصريح مع دولة يهود الغاصبة‪ ،‬ودعمها ماديا ً واقتصاديا ً وسياسيا ً ‪ ،‬وما‬
‫عمليات الفيتو التي تتم في أروقة المم المتحدة ضد إدانة اسرائيل إل‬
‫نموذجا ً عن هذا التحيز ‪ ،‬قال " يوخين هيبلر" في كتابه " السلم العدو " ناقل ً‬
‫كلم ورد على لسان أحد الصحفيين المصريين إبان حرب الخليج قوله ‪ " :‬إننا‬
‫نشهد في الوقت الراهن ازدواجية المعايير الغربية ‪ ،‬فقد أوضح الهجوم على‬
‫المنشآت النووية ) المفترضة ( لدى العراق أنه ل خلف بين الغرب إذا تعلق‬
‫المر بتنفيذ قرار للمم المتحدة ضد بلد إسلمي‪ ،‬وإنما يكون الخلف حول‬
‫الحد القصى الذي يمكن أن تصل إليه القوة العسكرية فقط‪ ،‬أما في حالة‬
‫ترحيل وابعاد اسرائيل للفلسطينيين ‪ ،‬تصبح قرارات المم المتحدة ل قيمة‬
‫لها‪ ،‬مجرد حبر على ورق‪ ،‬كذلك المر في البوسنة‪ ،‬أي أن الحالت الثلث‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تتفق في تصوير مشهد واحد واضح ‪ :‬المسلمون ضحايا الغرب ‪ ،‬مما يدعم بل‬
‫شك موقف السلم المتشدد‪ ،‬ويضعف موقف المعتدلين السياسيين " ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -4‬الحساس بالتهديد الناتج عن انتشار السلم في كثير من البلد الغربية ‪،‬‬


‫والناتج في قسم منه عن وفود المهاجرين من الدول السلمية ‪ ،‬مما جعلهم‬
‫يخشون أن يتحول كثير من الغربيين إلى السلم ‪ ،‬كما يخشون من الحروب‬
‫والمنازعات والفتن التي يمكن أن تحدث في بلدهم وتزعزع بالتالي‬
‫استقراراها ‪.‬‬
‫من هنا جاءت التشديدات القانونية على قبول المهاجرين‪ ،‬وعلى عمل‬
‫الجمعيات والمؤسسات السلمية ‪ ،‬إضافة إلى سن القوانين التي تمنع ظهور‬
‫الرموز السلمية ‪ ،‬ومن بينها حجاب المرأة والتي أصدرت فرنسا مؤخرا ً‬
‫قانونا ً خاصا ً يمنع ارتداءه في المدارس ‪.‬‬
‫‪ -5‬السعي الحثيث إلى تغيير كثير من مناهج التعليم في الدول السلمية ‪،‬‬
‫وذلك من أجل تغيير عقلية الشباب المسلم‪ ،‬وإبعادهم عن دينهم وإلهاءهم‬
‫بملذات الدنيا‪ ،‬وهذه الدعوة التي بدأت منذ مطلع القرن والمستمرة إلى‬
‫اليوم ‪ ،‬والتي يقودها للسف‪ ،‬أبناء من بني جلدتنا ‪ ،‬يسعون إلى استبدال‬
‫تعاليم السلم بتشريعات وضعية ‪ ،‬كما يعملون أيضا ً على التشكيك بصلحية‬
‫هذا الدين وقدرته على محاربة العدو‪ ،‬وذلك بهدف إنشاء جيل متزعزع‬
‫العقيدة ‪ ،‬منهزم ‪ ،‬تابع ‪ ،‬مسحوق ‪....‬‬
‫هذا ما يسعى إليه من وراء تغيير مناهج التعليم ‪ ،‬ولكن صدق الله تعالى‬
‫القائل‪" :‬يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون‬
‫"‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى أخرج من بين أصلبهم من يعبد الله عز وجل‪ ،‬كما‬
‫أخرج من الجامعات العلمانية التي أنشئت من أجل هدم السلم‪ ،‬شباب‬
‫صادق ملتزم مستعد للتضحية بكل شيء من أجل عقيدته ودينه‪ ،‬يقول‬
‫الدكتور الشهيد عبد الله عزام واصفا ً حال هؤلء الشباب ‪ " :‬لقد أصبحت‬
‫الجامعات كبلط فرعون يربى فيه موسى عليه الصلة والسلم ليهدم بيده‬
‫عرش فرعون ويسحب البساط من تحت رجليه " ‪.‬‬
‫ً‬
‫من هنا فإننا نؤكد بناء على ما ورد أن هذه الحرب ليست حربا سياسية ول‬
‫حربا ً اقتصادية ‪ ...‬بل هي حرب دينية بالدرجة الولى ‪ ،‬وهذه الحرب وإن‬
‫كانت حربا ً غير معلنة في فترة من الفترات بسبب سياسة العدو القائمة على‬
‫بذر الشقاقات والخلفات بين أبناء الدين الواحد‪ ،‬فإنها اليوم أصبحت أكثر‬
‫وضوحا ً بالنسبة لكثير من المسلمين من جهة ‪ ،‬كما أصبحت أكثر وضوحا ً‬
‫بالنسبة للعداء أنفسهم الذين باتوا يعلنونها حربا ً دينية بكل جرأة وبكل جهر‬
‫وفخر ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بل قلوبنا أشد قسوة ‪...‬‬


‫‪29-01-2006‬‬
‫لقد عرف اليهود عليهم من الله ما يستحقون‪ ،‬بقسوة قلوبهم‪ ،‬وتعنتهم‪،‬‬
‫وسلبيات مواقفهم‪ ،‬ومحاربتهم لله سبحانه ورسله عليهم السلم‪ ،‬وقد جاء‬
‫حوا ْ‬ ‫قومه إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ‬ ‫في ذكرهم قوله تعالى‪) :‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن ت َذ ْب َ ُ‬
‫مأ ْ‬‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫سى ل ِ َ ْ ِ ِ ِ ّ‬
‫مو َ‬
‫ل ُ‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن )‪َ (67‬قاُلوا ْ اد ْعُ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬


‫عوذ ُ ِبالل ّهِ أ ْ‬ ‫ل أَ ُ‬ ‫خذ َُنا هُُزوا ً َقا َ‬ ‫قَرة ً َقاُلوا ْ أ َت َت ّ ِ‬ ‫بَ َ‬
‫ن‬
‫ن ب َي ْ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ْ‬
‫ض وَل ب ِكٌر عَ َ‬ ‫َ‬ ‫قَرةٌ ل فارِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قول إ ِن َّها ب َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ي قال إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ل ََنا َرب ّك ي ُب َّين لَنا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ل َوْن َُها َقا َ‬ ‫ك ي ُب َّين ل َّنا َ‬ ‫ن )‪َ (68‬قاُلوا ْ اد ْع ُ ل ََنا َرب ّ َ‬ ‫مرو َ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬ ‫ك َفافْعَُلوا ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك ي ُب َّين‬ ‫رين) )‪َ69‬قاُلوا ْ اد ْع ُ ل ََنا َرب ّ َ‬ ‫سّر الّناظ ِ ِ‬ ‫فَراء َفاقِعٌ ل ّوْن َُها ت َ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫قَرةٌ َ‬ ‫ل إ ِن َّها ب َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ن )‪َ (70‬قا َ‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫ه عَل َي َْنا وَإ ِّنا ِإن َ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫قَر ت َ َ‬ ‫ن الب َ َ‬ ‫ي إِ ّ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ل َّنا َ‬
‫ة ِفيَها َقاُلوا ْ ال َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫شي َ َ‬ ‫ة لّ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث ُ‬ ‫حْر َ‬ ‫قي ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ض وَل َ ت َ ْ‬ ‫ل ت ُِثيُر الْر َ‬ ‫قَرةٌ ل ّ ذ َُلو ٌ‬ ‫إ ِن َّها ب َ َ‬
‫ن )‪(71‬‬ ‫فعَلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫كاُدوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫حقّ فَذ َب َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ِبال َ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫بو‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ا‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪72‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫كن‬ ‫ما‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫فس‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬
‫ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫َ َ ُ ُ ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وَ ِ‬
‫إ‬
‫ت‬
‫س ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫ن )‪ (73‬ث ُ ّ‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م آَيات ِهِ لعَلك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫موَْتى وَي ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫ّ‬
‫حِيي الل ُ‬ ‫ك يُ ْ‬ ‫ضَها ك َذ َل ِ َ‬ ‫ب ِب َعْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬ ‫جاَرةِ ل َ‬ ‫ح َ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سوَة ً وَإ ِ ّ‬ ‫شد ّ ق َ ْ‬ ‫جاَرةِ أوْ أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ي كال ِ‬ ‫َ‬ ‫ك فَهِ َ‬ ‫من ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬ ‫قُُلوب ُكم ّ‬ ‫ُ‬
‫ما ي َهْب ِ ُ‬
‫ط‬ ‫من َْها ل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ماء وَإ ِ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ققُ فَي َ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫من َْها ل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ال َن َْهاُر وَإ ِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جُر ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ن )‪ . ( (74‬البقرة‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ّ‬
‫ما الل ُ‬ ‫شي َةِ اللهِ وَ َ‬‫ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫فالله سبحانه يصف قلوب اليهود بأنها أشد قسوة من الحجارة‪ ،‬ومعنى ‪:‬أشد‬
‫قسوة‪ ،‬بل أقسى‪ ،‬فقلوب اليهود أقسى من الحجارة ‪ ،‬وذلك أن الحجارة قد‬
‫يتفجر منها النهار وغير ذلك ‪ ،‬أما قلوبهم فهي ل تلين ول تخشع‪ ،‬بل كلما‬
‫سمعوا آية من آيات الله أو وقفوا على آية كفروا بها‪ ،‬وصدوا عنها‪ ،‬قال تعالى‬
‫َ‬ ‫‪) :‬ول َئ ِن أ َتيت ال ّذي ُ‬
‫ت ب َِتاب ٍِع قِب ْل َت َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ما أن َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ما ت َب ُِعوا ْ قِب ْل َت َ َ‬ ‫ل آي َةٍ ّ‬ ‫ب ب ِك ُ ّ‬ ‫ن أوُْتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َْ َ‬
‫م‬ ‫ن ال ْعِل ْ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫جاء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ضُهم ِ َ ِ ٍ ِ ْ َ َ ْ ٍ َ ِ ِ ّ َ ْ َ ْ َ ُ ّ َ ْ ِ َ َ‬
‫ما‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫واء‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ب‬ ‫ما ب َعْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪ . ((145‬البقرة‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك إ ِذ َا ً ل ّ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫وقد ذكر المفسرون في كتبهم سبب نزول هذه الية الكريمة‪ ،‬قال ابن كثير‬
‫رحمه الله تعالى ‪ :‬يقول تعالى ‪ :‬واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في‬
‫خرق العادة لكم في شأن البقرة وبيان القاتل من هو بسببها وإحياء الله‬
‫المقتول ونصه على من قتله منه ‪ " .‬ذكر بسط القصة" قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام بن‬
‫حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال ‪ :‬كان رجل من بني‬
‫إسرائيل عقيما ل يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم‬
‫احتمله ليل فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا‬
‫وركب بعضهم على بعض ‪ .‬فقال ذوو الرأي منهم والنهى ‪ :‬علم يقتل بعضكم‬
‫بعضا وهذا رسول الله فيكم ؟ فأتوا موسى عليه السلم فذكروا ذلك له فقال‬
‫" إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون‬
‫من الجاهلين " قال ‪ :‬فلو لم يعترضوا لجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم‬
‫شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند‬
‫رجل ليس له بقرة غيرها فقال والله ل أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها‬
‫فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا من قتلك ؟ فقال ‪ :‬هذا ‪ -‬لبن أخيه ‪ -‬ثم‬
‫مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا فلم يورث قاتل أ هـ تفسير ابن كثير سورة‬
‫البقرة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فإحياء هذا الميت‪ ،‬وتمكينه من إرشاد الناس إلى قاتله‪ ،‬آية عظيمة من آيات‬
‫الله سبحانه تخشع لها القلوب‪ ،‬ولكن ماذا كان موقف بني إسرائيل من هذه‬
‫الية الكريمة؟ كان موقفهم أنهم أعرضوا عنها‪ ،‬ولم يتعظوا بها‪ ،‬بل كأنها لم‬
‫ل‪ ،‬لذا وصف الله سبحانه قلوبهم بأنها أشد قسوة من الحجارة معلل َ‬ ‫تكن أص ً‬
‫ذلك بأن الحجارة قد يتفجر منها النهار ‪ ،‬أو تشقق فيخرج منه الماء ‪ ،‬وأن‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منها لما يهبط من خشية الله‪ ،‬وأما قلوبهم فيه ل تخشع ول تتصدع خوفا ً من‬
‫الله‪ ،‬بل ول تتأثر بذكر الله ‪ ،‬وهذه الية وإن كانت عظيمة في مضمونها‪ ،‬إل‬
‫أن الله سبحانه أنزل على المسلمين ما هو أعظم من ذلك‪ ،‬أنزل عليهم ما لو‬
‫نزل على جبل لخشع وتصدع من خشية الله سبحانه‪ ،‬أل وهو القرآن الكريم‬
‫َ‬ ‫كتاب الله سبحانه‪ ،‬قال سبحانه ‪) :‬ل َوْ َأنَزل َْنا هَ َ‬
‫ل ل َّرأي ْت َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن عََلى َ‬
‫جب َ ٍ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫شي َةِ الل ّهِ وت ِل ْ َ َ‬
‫ن)‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َ َ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك اْل ْ‬ ‫َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫دعا ً ّ‬‫ص ّ‬‫مت َ َ‬ ‫شعا ً ّ‬‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫‪ . ( (21‬الحشر‬
‫فالقرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم‪ ،‬لو أنزل على جبل لخشع الجبل وتصدع‬
‫من خشية الله سبحانه‪ ،‬ولكنه أنزل على أمة اتخذته وراءها ظهريًا‪ ،‬فقد جنبته‬
‫منهاج حياتها‪ ،‬وما عادت تحتكم إليه ل بكثير ول بقليل‪ ،‬بل أصبح كثير من‬
‫أبنائها يطالبون بالديمقراطية والعلمانية‪،‬ومنهم من ينادي بوحدة الديان‪،‬‬
‫ويدعو إلى التقارب والتصافح‪ ،‬أضف إلى ذلك ظواهر الفسق والفساد‬
‫والنحلل في هذه المة‪ ،‬فهذه المعازف تدق صباح مساء‪ ،‬وهذه المنكرات‬
‫تعج بالشوارع والطرقات‪ ،‬والكاسيات العاريات المائلت المميلت‪ ،‬ل يكاد‬
‫يخلو منهن فج ول مكان‪ ،‬وقد أصبح المؤمن فيها غريبا ً متهما ً مطرودًا‪ ،‬إذا‬
‫حدث كذبوه‪ ،‬وإذا نصح خذلوه‪ ،‬وإذا نهى عن منكر اتهموه‪ ،‬فهل هذه الظواهر‬
‫تدل على أن هذه المة خشعت قلوبها لذكر الله سبحانه؟؟؟‬
‫أليس كلم الله سبحانه تخشع له الجبال وتتصدع ؟ فما بال المة ل تخشع‬
‫لهذا القرآن؟ أجل إن المة اليوم تعيش بلء عظيمًا‪ ،‬تعيش إعراضا ً كبيرًا‪ ،‬فإذا‬
‫كان اليهود لم يخشعوا لية من آيات الله سبحانه ‪ ،‬فإن هذه المة لم تعد‬
‫لتخشع لما خشعت له الجبال وتصدعت من خشية الله سبحانه ‪ ،‬أما آن لهذه‬
‫ْ‬
‫ع‬
‫ش َ‬ ‫خ َ‬ ‫مُنوا َأن ت َ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫م ي َأ ِ‬
‫َ‬
‫المة أن تعود إلى الله ربها‪ ،‬قال سبحانه‪) :‬أل َ ْ‬
‫كال ّذي ُ‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫كوُنوا َ ِ َ‬ ‫حقّ وََل ي َ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ما ن ََز َ‬ ‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪ . ( (16‬الحديد‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م وَك َِثيٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ق َ‬ ‫مد ُ ف َ َ‬‫م اْل َ‬‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫طا َ‬‫فَ َ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الية ‪ :‬يقول تعالى أما آن‬
‫للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله‪ ،‬أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع‬
‫القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه ‪ .‬قال عبد الله بن المبارك حدثنا‬
‫صالح المري عن قتادة عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬إن الله استبطأ قلوب‬
‫المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلث عشرة سنة من نزول القرآن فقال ) ألم‬
‫يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ( ‪.‬‬
‫فانظر رحمك الله تعالى إلى ما قاله عبد الله بن المبارك عن ابن عباس‬
‫رضي الله تعالى عنهما ‪ :‬إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس‬
‫من من عباده؟ قلوب‬ ‫ثلث عشرة سنة من نزول القرآن ‪ .‬استبطأ الله قلوب َ‬
‫الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم الذين ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر‬
‫الله ‪ ،‬هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه‪ ،‬وهم من اشترى الله منهم‬
‫أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‪ ،‬وغير ذلك من المواقف الدالة على صدق‬
‫إيمانهم‪ ،‬وصحة منهاجهم‪ ،‬ومع ذلك يستبطئ الله قلوبهم‪ ،‬ول يستغرب ذلك ‪،‬‬
‫فإن الملئكة الذين خلقهم الله سبحانه لعبادته‪ ،‬ل لشيء غيرها ‪ ،‬الذين ل‬
‫يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪ ،‬يقولون معتذرين لله سبحانه يوم‬
‫القيامة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ ):‬يوضع الميزان‬
‫يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والرض لوسعت فتقول الملئكة يا رب‬
‫لمن يزن هذا فيقول الله تعالى لمن شئت من خلقي ‪ .‬فتقول الملئكة‬
‫سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ‪ .‬ويوضع الصراط مثل حد الموسى فتقول‬
‫الملئكة من تجيز على هذا فيقول من شئت من خلقي ‪ .‬فيقولون سبحانك ما‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبدناك حق عبادتك ( ‪ .‬الحديث صححه الشيخ اللباني ‪-‬رحمه الله‪.-‬فكيف‬


‫بالصحابة رضي الله تعالى عنهم ؟ فالله يريدنا أن نتقيه حق التقوى إذ قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬ ‫ن إ ِل ّ وَأنُتم ّ‬
‫م ْ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬
‫موت ُ ّ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫سبحانه ‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪ . ( (102‬آل عمران‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد جاء في تفسير هذه الية الكريمة ما رواه عبد الله ابن مسعود رضي‬
‫الله تعالى عنه في تفسيره لقوله تعالى ) اتقوا الله حق تقاته ( قال ‪ :‬أن‬
‫يطاع فل يعصى وأن يذكر فل ينسى وأن يشكر فل يكفر وهذا إسناد صحيح‬
‫موقوف وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود وقد رواه ابن‬
‫مردويه من حديث يونس بن عبد العلى عن ابن وهب عن سفيان الثوري‬
‫عن زبيد عن مرة عن عبد الله قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )‬
‫اتقوا الله حق تقاته ( أن يطاع فل يعصى ويشكر فل يكفر ويذكر فل ينسى (‬
‫وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد عن مرة عن ابن‬
‫مسعود مرفوعا فذكره ثم قال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه كذا‬
‫قال ‪ .‬والظهر أنه موقوف والله أعلم ‪ .‬أ هـ تفسير ابن كثير‬
‫فالصحابة رضي الله تعالى عنهم رغم مواقفهم العظيمة إل أنهم بشر‬
‫يتعرضون لما يتعرض إليه غيرهم من حظوظ الدنيا ‪ ،‬ومما يعزز ذلك المعنى‬
‫ما جاء في الحديث الصحيح عن حنظلة رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬لقيني أبو‬
‫بكر وقال‪ :‬كيف أنت يا حنظلة؟ قلت‪ :‬نافق حنظلة! قال‪ :‬سبحان الله‪ ،‬ما‬
‫كرنا بالنار والجنة‬ ‫تقول؟ قلت‪ :‬نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذ ّ‬
‫حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا – لعبنا وخالطنا ‪ -‬الزواج‬
‫والولد والضيعات فنسينا كثيرا! فقال أبو بكر‪ :‬فوالله إنا لنلقى مثل هذا‪ .‬قال‬
‫حنظلة‪ :‬فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬قلت‪ :‬نافق حنظلة يا رسول الله‪ ،‬فقال‪ :‬وما ذاك؟ قلت‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عندك‬
‫سنا الزواج والولد والضيعات ونسينا كثيرا‪ .‬فقال رسول الله صلى الله‬ ‫عافَ ْ‬
‫عليه وسلم‪ ) :‬والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي‬
‫الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة‬
‫وساعة – وكررها ثلثا ( ‪ .‬رواه مسلم في صحيحه‪ .‬وعليه ل يستغرب من‬
‫كون الله سبحانه خاطب الصحابة رضي الله تعالى عنهم بهذه الية الكريمة ‪،‬‬
‫فكيف بنا هذا الزمن !!!!!‬
‫وانظر يرحمك الله تعالى كيف ربط الله سبحانه في هذه الية بين بني‬
‫ل فَ َ‬ ‫كال ّذي ُ‬
‫ل‬‫طا َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬‫ب ِ‬‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬‫كوُنوا َ ِ َ‬ ‫إسرائيل والمسلمين إذ قال ‪) :‬وََل ي َ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪ . ( (16‬الحديد‬ ‫قو َ‬ ‫م َفا ِ‬
‫س ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م وَك َِثيٌر ّ‬ ‫س ْ‬
‫ق َ‬ ‫م اْل َ‬
‫مد ُ ف َ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫أي ل تكونوا أيها المؤمنون كبني إسرائيل الذين شاهدوا من اليات ما‬
‫شاهدوه‪،‬ثم لم يكن منهم بعد ذلك إل أن قست قلوبهم ‪ ،‬وهذا تحذير من الله‬
‫سبحانه لهذه المة أن يصيبها ما أصاب من قبلها من أهل الكتاب من قسوة‬
‫القلوب‪ ،‬فهل أصيبت المة بهذا المرض العضال ؟ سبحانك اللهم وبحمدك‬
‫نستغفرك ونتوب إليك ‪....‬‬
‫بقلم‪:‬ابراهيم بن عبد العزيز بركات‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل كان نبيا رسول‬


‫دم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي‬ ‫ق ّ‬
‫قامت بين العرب وظهور الدولة السلمية ‪ ،‬وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة‬
‫الدينية لهذه الحركة التاريخية ‪ ،‬وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل السلم مجّرد‬
‫ثورة للفقراء ضد الغنياء ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن‬
‫أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعّزز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ‬
‫فيه ‪ ،‬والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الخلقي والجتماعي ‪ ،‬فلم‬
‫مص – بزعمهم ‪ -‬دور النبي‬ ‫يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ‪ ،‬وأن يتق ّ‬
‫المبعوث من رب العباد‪.‬‬
‫وقامت نظرية أخرى مغايرة ‪ ،‬وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رجل ً‬
‫يطمح إلى الملك والسيطرة على مقاليد المور ‪ ،‬فوضع لنفسه خطة تعتمد‬
‫على تجميع الناس من حوله والتغرير بهم من منطلق هذا الدين الجديد ‪،‬‬
‫وساعدته في ذلك الظروف الجتماعية التي ُوجد فيها ‪ ،‬حيث كان الناس في‬
‫م شتات العرب ‪ ،‬ويجمعهم على كلمة واحدة ‪ ،‬بعد‬ ‫أمس الحاجة إلى نظام يل ّ‬
‫ف العرب‬ ‫أن أنهكتهم الحروب ‪ ،‬وذاقوا مرارة الفقر والحرمان ‪ ،‬وهكذا الت ّ‬
‫موا تحت لوائه ‪ ،‬وقبلوا دعوته التي أتى بها ‪.‬‬ ‫حوله وانض ّ‬
‫ومن المعلوم أن الدعوة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم تشمل ما‬
‫ذكروه من جوانب السياسة والصلح ‪ ،‬لكن المشكلة تكمن في القتصار‬
‫على هذه الجوانب ونزع الطابع النبويّ منها ‪ ،‬وإلباسها ثوبا ً مادّيا مجردا ً ‪.‬‬
‫ولتعرية هذه الراء المنحرفة وبيان بطلنها ‪ ،‬سنقوم بعرض هذه الراء على‬
‫الواقع التاريخي وفق ما يقتضيه المنهج العلمي ‪ ،‬ثم لننظر هل سيسعفهم‬
‫ذلك في الوصول إلى رؤيتهم المادية أم ل ؟ ‪.‬‬
‫هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحا ً سياسيا ؟‬
‫ً‬
‫أول ‪ :‬إن اتصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحزم والثبات ‪ ،‬وعدم‬
‫تقديم أية تنازلت لينفي قطعا مثل هذا الدعاء ؛ إذ إن من صفات السياسيين‬
‫أن يدوروا في فلك مصالحهم الشخصية ‪ ،‬وما يقتضيه ذلك من التصاف‬
‫بالمرونة في التنازل عن بعض الثوابت أو شيء من المباديء ‪.‬‬
‫لكن الشأن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على النقيض من ذلك ‪،‬‬
‫ولذلك نجد موقفه واضحا ً من العرابي الذي قدم إليه ليبايعه ‪ ،‬كما رواه‬
‫الحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه عن ابن الخصاصية رضي الله عنه‬
‫قال ‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لبايعه على السلم ‪ ،‬فاشترط‬
‫علي ‪ ) :‬تشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬وتصلي الخمس‬
‫وتصوم رمضان ‪ ،‬وتؤدي الزكاة وتحج البيت ‪ ،‬وتجاهد في سبيل الله ( ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أما اثنتان فل أطيقهما ‪ :‬أما الزكاة فما لي إل عشر ذود‬
‫هن رسل أهلي وحمولتهم ‪ ،‬وأما الجهاد فيزعمون أنه من توّلى فقد باء‬
‫بغضب من الله ؛ فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها ‪ ،‬ثم قال ‪ ) :‬ل‬
‫صدقة ول جهاد ؟ فبم تدخل الجنة ؟؟ ( قال ‪ :‬ثم قلت يا رسول الله ‪،‬‬
‫أبايعك ‪ .‬فبايعني عليهن كلهن "‪.‬‬
‫كذلك يستوقفنا ما رواه المام أحمد وابن حبان وغيرهما عن أبي واقد الليثي‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إلى حنين ‪ ،‬يقول الصحابي الجليل ‪ " :‬وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ‪،‬‬
‫ويعلقون بها أسلحتهم ‪ ،‬يقال لها " ذات أنواط " ‪ ،‬قال ‪ :‬فمررنا بسدرة‬
‫خضراء عظيمة ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنواط ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬قلتم والذي نفسي بيده‬
‫كما قال قوم موسى ( ‪ } :‬اجعل لنا إلها كما لهم آلهة { ) العراف ‪. ( 138 :‬‬
‫ويتضح من ذلك الموقف وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ل‬
‫يرضى بالحلول الوسطية ‪ ،‬أو اللتقاء في منتصف الطريق ‪ ،‬وذلك نابع من‬
‫طبيعة الهدف الذي ُبعث لجله ‪ ،‬إنه رسول من الله تعالى إلى الناس جميعا ً ‪،‬‬
‫ومهمته هي تبليغ السلم إلى الناس كما هو ‪ ،‬فليس في يده أن يقبل مناهج‬
‫مقترحة أو أفكارا ً بديلة عن الشرع اللهي‪،‬أو أن يبدل أو يغير شيئا مما أمره‬
‫الله بتبليغه‪ ،‬وذلك أمر في غاية الوضوح ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬إن ميول النسان ومعالم شخصيته تتضح في وقت مبكر من حياته ‪،‬‬
‫ون القالب الذي يمّيز الفرد عن غيره ‪ ،‬ولنضرب مثل‬ ‫وهذه الميول تتنامى لتك ّ‬
‫فلو أن رجل نشأ في بيت زعامة سياسية ‪ ،‬وأبوه أحد أكبر الزعماء في‬
‫زمانه ‪،‬يقينا سيتأثر الولد بهذا الجو وستظهر فيه سمات النفس القيادية ؛‬
‫فالنسان ابن بيئته كما يقولون ‪.‬وإذا نظرنا في سيرة الرسول ونشأته لوجدنا‬
‫أنه قد متواضعا ً خفيض الجناح ‪ ،‬راعيا ً للغنم – ل البل –‪ ،‬وانظر وتأمل هذا‬
‫ون عليك ؛‬ ‫النبي الكريم لما رأى رجل ً مقبل ً يرتعد رهبة منه ‪ ،‬فقال له‪ ) :‬ه ّ‬
‫فإني لست بملك ‪ ،‬إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ( ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫وثمة أمر آخر ‪ ،‬وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه ما كان داعيا ً‬
‫لنفسه ‪ ،‬ول اشُتهر عنه الشعر – والذي هو أهم وسيلة إعلمية دعائية في‬
‫ة لدعوته بالشعر ‪،‬‬ ‫ذلك العصر ‪ ، -‬ولو كان مريدا ً ابتداًء للحكم ‪ ،‬لهيأ أرضي ً‬
‫ولدعا الناس إلى نفسه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬من المعلوم أن مكة ومن حولها كانت وثنية من جهة ‪ ،‬متغلغلة في‬
‫م بها إلى السياسة التي‬ ‫أوحال الفقر من جهة أخرى ‪ ،‬ومرجع الفقر الذي أل ّ‬
‫انتهجها اليهود مع العرب في إغراقهم بالربا ‪ ،‬إلى حد ّ أذلوا بها أعناقهم ‪.‬‬
‫ومن البداهة والحال هذه أن يّتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أقصر الطرق‬
‫للوصول إلى الحكم ‪ ،‬بأن يعلنها حربا ً على اليهود مستغل ً روح الكراهية التي‬
‫ل تجاه هذا الظلم والستبداد ‪ ،‬مع ضرورة‬ ‫تنامت في نفوس المكّيين كرّدة فع ٍ‬
‫ما يثير قومه عليه من ذم الوثان والصنام أو النيل من مكانتها ‪.‬‬ ‫السكوت ع ّ‬
‫لكن العجيب في المر أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أصعب الطرق‬
‫وأكثرها وعورة في حياته ‪ ،‬لقد كانت مبدأ دعوته هي نبذ الصنام وتسفيهها ‪،‬‬
‫المر الذي أّدى إلى كراهية قومه – الذين هم أولى الناس بنصرته – لهذه‬
‫الدعوة الجديدة ‪ ،‬فكان التعذيب له ولصحابه وتشريدهم عن ديارهم ‪ ،‬وكل‬
‫ذلك يدّلنا أن مقصده لم يكن له علقة بالتملك والسيطرة ‪ ،‬إنما هو في‬
‫إخراج الناس من عبادة العباد ‪ ،‬إلى عبادة رب العباد ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬إن الملوك المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ممن هم ساسة‬
‫للمم كانوا مدركين لطابع النبوة في شخصّيته ‪ ،‬ويتضح هذا من خلل‬
‫جلوها‬ ‫مواقفهم التي اتخذوها تجاه هذه الدعوة الجديدة ‪ ،‬واعترافاتهم التي س ّ‬
‫في هذا الصدد ‪ ،‬وأقرب مثالين على ذلك ‪ ،‬موقف كل من النجاشي وهرقل ‪،‬‬
‫أما النجاشي ملك الحبشة ‪ ،‬فنحن نعلم ما وصل إليه من حسن سياسة‬
‫لشعبه وما أداه ذلك من تهافت الناس لسكنى أرضه ‪ ،‬ونعلم أيضا ً اتصاله‬
‫بالديانة المسيحية من خلل الساقفة الذين كانوا بأرضه ‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫ذلك ‪ ،‬فلم يفهم من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الرغبة في الزعامة‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السياسية ‪ ،‬بل تجاوز ذلك إلى اليمان بدعوة هذا النبي ‪ ،‬أتراه يذعن لرجل‬
‫يطمح إلى الزعامة المجردة ‪ ،‬في وقت لم يكن ذلك الرجل يملك من أمر‬
‫نفسه ول من أمر أصحابه شيئا ؟‬
‫إن زعيم الحبشة ‪ ،‬قد استمع إلى كلم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة الدين الذي جاء به ‪ ،‬فرأى أنوار‬
‫النبوة تنبثق من سيرته العطرة ‪ ،‬وعلم أنه من ذات المشكاة التي أتى منها‬
‫موسى عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ " :‬إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من‬
‫مشكاة واحدة " ‪.‬‬
‫كذلك الشأن في هرقل عظيم الروم ‪ ،‬والذي استطلع شأن هذه الدعوة‬
‫الجديدة في وقت مبكر ‪ ،‬من خلل محاورة هامة دارت بينه وبين ‪$‬أبي‬
‫سفيان زعيم قريش ‪ ،‬فقد روى المام أحمد بسند صحيح أن هرقل قال لبي‬
‫سفيان ‪ " :‬إنى سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو نسب ‪ ،‬وكذلك‬
‫الرسل تبعث في نسب قومها ‪ ،‬وسألتك هل قال هذا القول أحد منكم قط‬
‫قبله ؟ ‪ ،‬فزعمت أن ل ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت ‪:‬‬
‫رجل يأتم بقول قيل قبله ‪ ،‬وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما‬
‫قال ؟ فزعمت أن ل ‪ ،‬فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب‬
‫على الله عز وجل ‪ ،‬وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فزعمت أن ل ‪،‬‬
‫فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه ‪ ،‬وسألتك أشراف‬
‫الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ ‪ ،‬فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه ‪ ،‬وهم أتباع‬
‫الرسل ‪ ،‬وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ ‪ ،‬فزعمت أنهم يزيدون ‪ ،‬وكذلك‬
‫اليمان حتى يتم ‪ ،‬وسألتك هل يرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ ‪،‬‬
‫فزعمت أن ل ‪ ،‬وكذلك اليمان حين يخالط بشاشته القلوب ‪ ،‬ل يسخطه‬
‫أحد ‪ ،‬وسألتك هل يغدر ؟ ‪ ،‬فزعمت أن ل ‪ ،‬وكذلك الرسل ‪ ،‬وسألتك هل‬
‫قاتلتموه وقاتلكم ؟ ‪ ،‬فزعمت أن قد فعل ‪ ،‬وأن حربكم وحربه يكون دول‬
‫يدال عليكم المرة ‪ ،‬وتدالون عليه الخرى ‪ ،‬وكذلك الرسل تبتلى ويكون لها‬
‫العاقبة ‪ ،‬وسألتك بماذا يأمركم ؟‪ ،‬فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله عز وجل‬
‫وحده ل تشركوا به شيئا‪ ،‬وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم‪ ،‬ويأمركم بالصدق‬
‫والصلة والعفاف‪ ،‬والوفاء بالعهد وأداء المانة‪ ،‬وهذه صفة نبي قد كنت أعلم‬
‫أنه خارج ولكن لم أظن أنه منكم "‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬لو كان الملك غايته ‪ ،‬لكان في عرض قريش له أن يجعلوه ملكا‬
‫طريقا ً مختصرا ً لهذه الغاية ‪ ،‬لكنه أبى ذلك ‪ ،‬وتمسك بمبدأ نبوته ‪ ،‬مما ينفي‬
‫صحة هذا الدعاء ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬أنه يوجد في التاريخ نموذج لرجل ادعى النبوة ليجعلها سببا ً في‬
‫التملك والزعامة ‪ ،‬هذا الرجل هو مسيلمة بن ثمامة المعروف بمسيلمة‬
‫الكذاب ‪ ،‬ونريد بتسليط الضوء على حياة هذا الرجل أن نبّين أن استغلل‬
‫النبوة للوصول إلى السلطة أمر ل يمكن أن يخفى على عقلء الناس ‪ ،‬ول أن‬
‫يلتبس شأنه على عامتهم ‪ ،‬وهو ما سوف نوضحه في الفقرة التالية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إننا عندما نقرأ سيرة هذا الرجل ‪ ،‬فإننا نجد أن أصل حركته وادعائه للنبوة‬
‫إنما كان مبنيا على حب السلطة والتملك ‪ ،‬ونلمس هذا مبكرا ً عندما جاء إلى‬
‫دعي النبوة ‪ ،‬فقد روى المام البخاري‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ي ّ‬
‫ومسلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال ‪ :‬قدم " مسيلمة الكذاب‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول ‪ :‬إن جعل لي‬
‫محمد المر من بعده تبعته " ‪ ،‬وبعد أن اّدعى النبوة كتب إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم – كما في مسند أبي عوانة ‪ " : -‬من مسيلمة رسول الله إلى‬
‫محمد رسول الله ‪ ،‬أما بعد ‪ ،‬فإني ُأشركت في المر معك ‪ ،‬وإن لنا نصف‬
‫الرض ولقريش نصف الرض ‪ ،‬ولكن قريشا ً يعتدون " ‪ ،‬ولما كان مسيلمة‬
‫ل الروح العصبية في قومه فقام بإذكائها حتى ُيكثر‬ ‫طامعا ً في الحكم ‪ ،‬استغ ّ‬
‫من أتباعه ‪ ،‬فلننظر إليه عندما خطب الناس قائل ‪ " :‬أريد أن تخبروني بماذا‬
‫صارت قريش أحق بالنبوة والمامة منكم ؟ والله ما هم بأكثر منكم ول أنجد ‪،‬‬
‫وإن بلدكم لوسع من بلدهم ‪ ،‬وأموالكم أكثر من أموالهم " ‪ ،‬وكان كذبه من‬
‫الجلء بحيث أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال له قبل إسلمه ‪ :‬والله‬
‫إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب ‪ ،‬وقال أحد أتباع مسيلمة – وهو طلحة النمري‬
‫ذاب ربيعة أحب إلينا من‬ ‫– له ‪ :‬أشهد أنك كاذب وأن محمدا ً صادق ‪ ،‬ولكن ك ّ‬
‫صادق مضر "‪.‬‬
‫فها نحن نرى مسيلمة قد اتضح قصده من خلل مواقفه وكلمه ‪ ،‬فأين هذا‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شهد له معاصروه بنبوته‬
‫ورسالته ؟ ‪ ،‬إن ذلك مما ل يخفى على كل منصف عاقل ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬تطالعنا كتب السير بحادثة فريدة تكشف بطلن ما زعمه‬
‫المستشرقون حول طبيعة الدعوة السلمية ‪ ،‬وذلك حينما انكسفت الشمس‬
‫يوم مات إبراهيم ‪ ،‬فقال الناس ‪ :‬انكسفت لموت إبراهيم ‪ ،‬فأجابهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ‪ ،‬ل‬
‫ينكسفان لموت أحد ول لحياته ( متفق عليه ‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله معلقا على هذه الحادثة ‪ " :‬لو كان‬
‫مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة الحزينة أي داٍع من‬
‫الدعاة ‪ ،‬أو زعيم من الزعماء ‪ ،‬أو قائد دعوة أو حركة أو جماعة ‪ ،‬لسكت‬
‫على هذا الكلم – إذا لم يوّفق إلى نفيه – ظنا ً منه أن ذلك الكلم إنما هو في‬
‫ن أنه لم يسترع النتباه إلى هذه الناحية ‪ ،‬بل إن‬ ‫صالح دعوته وحركته ‪ ،‬وظ ّ‬
‫كروا في ذلك ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن الشمس انكسفت لوفاة ابن‬ ‫الناس بأنفسهم ف ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬إذا ً فهو ليس بمكلف بنفي هذا التفكير ‪.‬‬
‫وذلك هو الفرق بعينه بين النبي وغيره ‪ ،‬فإن الحداث التي يستغلها أصحاب‬
‫التفكير السياسي – وإن كانت حوادث طبيعية – يرى النبياء الكرام عليهم‬
‫السلم أن استغللَها على حساب الدين حرام ‪ ،‬وأمر يرادف الكفر ‪ ،‬ول أدري‬
‫أن أحدا ً سوى محمد صلى الله عليه وسلم قد صدق في هذا المتحان من‬
‫غير مؤسسي الجماعات وزعماء السياسة "‪ .‬انتهى كلمه بتصّرف ‪.‬‬
‫فانظر أيها القاريء الكريم كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عدم‬
‫ربط الناس بشخصه أو تطويع هذه الحادثة لمصلحته ‪ ،‬بل انظر كيف قام‬
‫بترسيخ البعد العقائدي في مثل هذه الحوادث الكونية ‪ ،‬مما ينفي قطعا ً كونه‬
‫مجرد زعيم سياسي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثامنا ‪ :‬كل الشعوب ترى من حق قائدها أن يتملك الراضي ويتمّتع بالمال‬
‫ويتقّلب في النعيم ‪ ،‬فكان من الطبيعي أن يشتهر عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم الثراء وأن يظهر ذلك في بيته وملبسه ومسكنه ‪ ،‬لكننا نفاجأ ببساطة‬
‫حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومدى زهده ‪ ،‬حتى أّثر ذلك في أصحابه‬
‫رضوان الله عليهم ‪ ،‬وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثر الحصير‬
‫في جنب النبي صلى الله عليه وسلم فبكى ‪ ،‬فقال له رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬ما يبكيك ؟ ( ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن كسرى وقيصر فيما‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هما فيه ‪ ،‬وأنت رسول الله " ‪ ،‬فقال له ‪ ) :‬أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا‬
‫ضل شظف العيش وقسوة الحياة‬ ‫الخرة ؟ ( رواه البخاري ‪ ،‬فلماذا نراه يف ّ‬
‫على رغدها لو لم يكن متطّلعا ً إلى ما عند الله من ثوابه ونعيمه ؟ ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬جاءت وفود النصار عند العقبة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫على السمع والطاعة في المنشط والمكره ‪ ،‬وعلى الدفاع عنه حتى الموت ‪،‬‬
‫شر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب هذه البيعة ؟‬ ‫فما المقابل الذي ب ّ‬
‫ي في رقاع‬ ‫ً‬
‫إنه لم يكن مال ً يبذله لهم ‪ ،‬أو وعودا على مناصب قيادّية ‪ ،‬أو أمان ّ‬
‫شرهم بالجنة ‪ ،‬والملفت‬ ‫من الرض ‪ ،‬لكنه سما بهم عن كل حطام الدنيا وب ّ‬
‫للنظر أنهم لم يطالبوا بشيء من هذه الموال ‪ ،‬ولكن تدافعوا للبيعة وهم‬
‫يعلمون أنهم قد يدفعون أرواحهم ثمنا ً لهذه البيعة ‪ ،‬ولو كان هؤلء القوم لم‬
‫يلمسوا فيه صدق دعوته لما واقفوا على مثل تلك البيعة ‪ ،‬فأيّ شيء يغريهم‬
‫على الموت في مقابل غير معلوم ؟ ل شك أن هذا يعد دليل ً على صدقه ‪.‬‬
‫هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحا ً اجتماعيا ؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مم مكارم الخلق ‪ ،‬ويضيف‬ ‫ل شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ُبعث ليت ّ‬
‫إلى النسانية الكثير من المعاني السامية ‪ ،‬والمثل العليا ‪ ،‬وإن البعد الخلقي‬
‫سر دعوته بانتحال‬ ‫في مبادئه واضح بل مراء ‪ ،‬لكن أن يحلو للبعض أن يف ّ‬
‫النبوة ‪ ،‬والحتيال باسم الدين ‪ ،‬كي يسهم في انتشال قومه من النحلل‬
‫الخلقي ‪ ،‬ومحاربة الهيمنة القبلية ‪ ،‬فهذا ما ل يقوله عاقل منصف ‪ ،‬عرف‬
‫التاريخ ‪ ،‬أو اطلع على جزء من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫والنقاط التالية تبّين تهافت تلك الفرية ‪ ،‬وأنها ل تعدوا أن تكون أفكارا نابعة‬
‫من نفوس مغرضة ‪:‬‬
‫ّ‬
‫أول ً ‪ :‬إن جوانب الحياة الجتماعية تشمل عدة أبعاد ‪ :‬البعد المنظم لعلقة‬
‫النسان بنفسه ‪ ،‬والبعد المنظم لعلقته بمن سواه ‪ ،‬ولو كان النبي صلى الله‬
‫ح اجتماعي لكان تركيزه العظم على هذين البعدين ‪،‬‬ ‫عليه وسلم مجّرد مصل ٍ‬
‫بينما نرى في الواقع أن العماد الحقيقي الذي قامت عليه دعوته هو ُبعد‬
‫أعمق من القضيتين السابقتين ‪ ،‬إنه الُبعد العقدي ‪ ،‬والمتمثل في علقة‬
‫النسان بخالقه وموله ‪.‬‬
‫ّ‬
‫كزت الدعوة السلمية في أكثر مظاهرها بالعبادة وتوحيد الله جل وعل‬ ‫لقد تر ّ‬
‫‪ ،‬وهذا البعد ليس له علقة مباشرة بالصلح الجتماعي ‪ ،‬فما بال النبي صلى‬
‫مل‬ ‫الله عليه وسلم يأمر الناس بعبادة الله وحده ؟ وما علقة الخلق بتح ّ‬
‫أعباء تكاليف ُتشغل بمجملها حياة النسان اليومية ؟ ‪.‬‬
‫وهنا قد يقول المستشرقون ‪ :‬إن لهذه التكاليف أثرا ً في ترويض الروح على‬
‫الفضيلة ‪ ،‬لكن هذا ل يتماشى مع النهي عن عبادة الصنام ‪ ،‬ول مع وجوب‬
‫البراءة من الكفر والكافرين ‪ ،‬مما يجعلنا نقطع بتهافت مثل هذا الرأي ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن هذا التفسير النظري ليقف عاجزا ً عن تفسير بكاء الصحابة العائدين‬
‫من الغزوات إذ لم ُتكتب لهم الشهادة ‪ ،‬ويقف عاجزا ً كذلك عن تفسير‬
‫حرصهم على قتال ذويهم وبني جلدتهم ‪ ،‬حتى ترى الوالد يقتل ولده ‪ ،‬والخ‬
‫يقتل أخاه ‪ ،‬كل ذلك في سبيل هذه الدعوة الجديدة ‪ ،‬كما أن هذه النظرية‬
‫لتعجز عن تفسير رضا المهاجرين أن يتركوا ديارهم وأموالهم ‪ ،‬ويختاروا‬
‫مفارقة الوطان ‪ ،‬إلى مصير غير معلوم ‪ ،‬لو لم يعلموا يقينا ً بنبوته صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬إن المتطّلع إلى محتويات الدين السلمي يجد فيه العديد من‬
‫التشريعات المختلفة والنظمة المحكمة الدقيقة ‪ ،‬خصوصا ً ما يتعّلق بجوانب‬
‫القضاء والفتاء والحدود ‪ ،‬والشأن في المناهج الرضية القوّية أن تجتمع‬
‫عقول كثيرة لكي تخرج بنظام متكامل كهذا النموذج ‪ ،‬ل أن يكون منبع هذا‬
‫ل بعبادته‬‫الدستور من رجل أمي ل يعرف القراءة ول الكتابة ‪ ،‬منشغ ٍ‬
‫ور يقتضي أن تكون هذه الشريعة من‬ ‫والجتماع بصحابته ‪ ،‬ومثل هذا التص ّ‬
‫مصدر سماوي ‪ ،‬ل اجتهادات بشريةٍ عرضة للخطأ والصواب ‪.‬‬
‫ونقول أخيرا ً ‪ :‬إن الصلح الجتماعي هو قاسم مشترك بين الديانات‬
‫السماوية والدعوات الرضية ‪ ،‬كذلك فيما يتعلق بالدعوات السياسية ‪ ،‬فالكل‬
‫يسعى إلى تحقيق الستقرار وتنظيم الحياة ‪ ،‬ولكنا حينما نتكلم عن دين أتى‬
‫من عند الخالق الحكيم فمن البداهة أن يكون أوسع نطاقا وأكمل نظاما ً‬
‫وأشمل منهجا ً ‪ ،‬فليس هو بالمقتصر على جانب من جوانب الحياة أو نظام‬
‫من نظمها ‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك ‪ ،‬فمن السذاجة أن يوصف الدور الذي قام به خاتم‬
‫النبياء والمرسلين بأنه مجرد عمليات إصلحية في المجتمع العربي ‪ ،‬أو‬
‫در الزعامة والسيطرة على مقاليد الحكم في جزيرة العرب ‪،‬‬ ‫محاولت لتص ّ‬
‫فل مناص من العتراف بالحق الواضح ‪ ،‬وهو ما عّبر عنه المستشرق "‬
‫ح في العقول أن التفسير الماّدي يمكن أن يكون‬ ‫تريتون " بقوله ‪ " :‬إذا ص ّ‬
‫صالحا ً في تعليل بعض الظواهر التاريخية الكبرى ‪ ،‬وبيان أسباب قيام الدول‬
‫وسقوطها ‪ ،‬فإن هذا التفسير المادي يفشل فشل ً ذريعا ً حين يرغب في أن‬
‫يعّلل وحدة العرب وغلبتهم على غيرهم ‪ ،‬وقيام حضارتهم ‪ ،‬واتساع رقعتهم‬
‫وثبات أقدامهم ‪ ،‬فلم يبق أمام المؤرخين إل أن ينظروا في العّلة الصحيحة‬
‫لهذه الظاهرة الفريدة ‪ ،‬فيرى أنها تقع في هذا الشيء الجديد ‪ :‬أل وهو‬
‫السلم " ‪.‬‬
‫تلك هي شهادة شاهد من أهلها ‪ ،‬فأي حجة بعد ذلك تنفع ‪ ،‬إذا كان ما سبق ل‬
‫ُيقنع !!‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من مصادر المقال ‪:‬‬
‫‪ -‬مجلة المنار ‪ :‬للشيخ محمد رشيد رضا‬
‫‪ -‬شبهات التغريب ‪ :‬الستاذ أنور الجندي‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بل هو خيٌر لكم‪..‬‬


‫بدرية العبد الرحمن ‪15/1/1427‬‬
‫‪14/02/2006‬‬
‫لم تكن الهجمة الشرسة التي تعرضت لها شخصية النبي ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬في إحدى الصحف الدنمركية أمرا ً سيئا ً حينما نضعه في ميزان‬
‫الحقائق التي تفتقت عنها تلكم الحادثة الستثنائية الغريبة والتي مازلنا نتألم‬
‫منها ومن تداعياتها‪...‬‬
‫_لم نعد وحدنا المتعصبين!‬
‫لم تتعرض ديانة ما في العالم للدانة كما تعرض الدين السلمي منذ حقبة‬
‫السلم العالمي‪..‬ولم يكن هناك أفضل من المسلم ليكون المتهم الول في‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي حادث سيئ‪...‬‬


‫وتكفي القرائن التي تثبت عروبة أو إسلم شخص ما ليستحق التفتيش‬
‫والتهام والصراخ في وجهه بأنه إرهابي ومجرم )كما فعلت جودي فوستر‬
‫بالراكب الباكستاني في فيلم)‪ .(flight plan‬المسلم دائما ً يرفض الخر ويتهمه‬
‫بالكفر حتى إشعار آخر‪...‬وفي جوانب وحينما يكون نفطيا ً ‪..‬فإنه متغطرس‬
‫غني متأنق من جهة ومتخلف من حيث هبطت عليه الثروة فجأة‪ ،‬ولم يكن‬
‫ف ليتخلص من أوساخه الداخلية التي سببها له ارتباطه‬ ‫أمامه وقت كا ٍ‬
‫بالعروبة والسلم‪..‬‬
‫حينما تحدث دعاة التسامح و"اللتعصب" من الغربيين عن أنه حان الوقت‬
‫مطة بعد حقبة الحادي عشر‬ ‫لينتهي الحديث عن المسلم وفقا ً للصورة المن ّ‬
‫من سبتمبر استبشرنا نحن المسلمين بموجة التثقيف الغربية التي يتزعمها‬
‫دعاة التسامح لمحاولة فهم العقل المسلم أخيرًا‪..‬‬
‫صب الديني ستنتهي إلى غير رجعة بإذن الله‪ ،‬وأن زمنا ً قادما ً‬ ‫وأن حقبة التع ّ‬
‫من التسامح والتفاهم بين الديان سيتكفل بأن تنتهي نسبة كبيرة من‬
‫الحروب‪ ،‬وأن نعيش رخاًء دينيا ً نسبيا ً في زمن قادم‪...‬‬
‫خرت في اللحظة التي اختارت فيها الدنمرك أن‬ ‫كل هذه الحلم الجميلة تب ّ‬
‫تكون )صليبية( بمنتهى القسوة‪.‬‬
‫وأنا حينما أقول‪ :‬إنها صليبية فأنا أعني ما نبهنا إليه الكثيرون من أن الدول‬
‫السكندنافية مازالت تتخذ )الصليب( رمزا ً وطنيا ً لها في أعلمها رغم ما يقال‬
‫عن "لدينّيتها" )أو علمانّيتها(‪.‬‬
‫وة‪ ،‬فإن معالجة أي‬ ‫ً‬
‫حين يكون ذلك الرمز حاضرا لدى الدنمركي بهذه الق ّ‬
‫تصّرف بمعزل عن ذلكم الرمز الديني الوطني أمر صعب على العقل‬
‫المسلم‪...‬‬
‫وأصعب منه أن نتخّيل أن يتخذ أي هجوم أوروبي ضد السلم صبغة دينية‬
‫وأسوأ منها)صليبية(‪..‬‬
‫نحن لم ننس بعد كيف أثرت كلمة الرئيس المريكي بوش )الغلطة( حين‬
‫وصف حربه ضد الرهاب بالـ)صليبية(‪ ،‬وكيف استغربنا نحن المسلمين أن‬
‫يبدو الغربي متدينا ً لهذه الدرجة‪ ،‬وفي وضع سياسي ل يحتمل الثرثرة بما هو‬
‫ديني‪...‬‬
‫الن تفعل الدنمرك نفس الشيء‪ ،‬وتجعل من تصرف أرعن وإساءة مقصودة‬
‫للدين السلمي تعبيرا ً عن حرية التعبير‪ ،‬و"الل خوف" من المسلم ومن إيذاء‬
‫وغات عدة‪..‬‬ ‫مشاعر الخر بمس ّ‬
‫حين تكون خلفية تلكم الساءة دينية صليبية فالمر سيكون مرّوعا ً ووخيما‬
‫للغاية‪..‬‬
‫هذا ما سيحدث‪ ،‬وبهذا الشكل سيقرأ المسلمون الحادث ول أستبعد أن نبدأ‬
‫عهدا )صليبيًا( جديدًا‪ ..‬تتحارب فيه الديان كما لم تتحارب من قبل‪..‬‬
‫صب الديني‪ -‬كيف يبدو المسلمون في حمّيتهم‬ ‫أمر آخر ‪-‬بالحديث عن التع ّ‬
‫وغضبتهم للقضية الن؟!‬
‫وما هي منطلقاتهم؟‬
‫الن يبدو المسلمون وفي مظاهراتهم المحتجة وتنديداتهم الكلمية‬
‫قل ً من عاصوف )حرية الرأي‬ ‫ضرا وهدوءا وتع ّ‬‫ومطالباتهم بالعتذار أكثر تح ّ‬
‫والتعبير( الوروبية التي لم نسمع بها بهذه الطريقة والوقاحة المنقطعة‬
‫النظير!‬
‫الن يظهر الوجه المختفي من الليبرالي الغربي ذي الحيادية والنزاهة‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صب كان الليبرالي‬ ‫مساس‪...‬ويبدو أكثر شناعة وعنادا ً من صليبي متع ّ‬ ‫والل ِ‬
‫صبه الديني الدموي الفظيع لقرون طويلة‪..‬‬ ‫يتبرأ من تع ّ‬
‫‪-‬مرتبكون ‪...‬ول يعرفون ما يفعلون!‬
‫وجه آخر كشفته الحادثة ويمكننا أن نفرح به جدا ً لنعرف أننا لسنا الوحيدين‬
‫الموصومين بالحيرة والتخّبط في دفتر التاريخ المعاصر‪..‬‬
‫يبدو لنا الغربي الن مرتبكا ً ل يعرف ما يحترم‪...‬ما يقنن تصرفاته‪..‬ما حدود‬
‫حريته التي هي أكبر وأفضل ما لديه ليدافع عنه الن‪..‬‬
‫الن تضع الساءة الوروبية والحدث الشنيع قيمة )الحرية( في محاكمة عادلة‬
‫يتضح فيها ارتباك البشريين أمام ما يفترض أن يحترموه‪...‬وأمام الحد الذي‬
‫يفصل بين الحترام وبين الخوف من التعبير‪...‬‬
‫والحد الفاصل بين حرية التعبير والرأي وبين )قلة الدب( والمسخرة‪..‬‬
‫والحد الفاصل بين الخوف على المصالح القتصادية‪...‬والخوف الحقيقي على‬
‫القيم الوروبية‪ ،‬واحترام الذات الوروبية لنفسها وضميرها ومنطلقاتها‪..‬‬
‫تبدو أوروبا الن مرتبكة ومحتارة ول تدري ما تفعل‪..‬أمام ضميرها‪...‬أمام‬
‫شعوبها‪...‬أمام قيمها‪...‬أمام المسلمين‪..‬أمام علقاتها الدولية واقتصادها‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كثير من الكّتاب ينبهون أيضا أن الكاتب النجليزي الذي شكك في مذبحة‬


‫الهولوكست الشهيرة يواجه حكما بالسجن لمدة ستة عشر عاما لمجّرد‬
‫تشكيك في أساسات )السامية( على الرغم من أن منطلقاته كانت حوارية‬
‫عمة بالكثير من الدلة والشواهد التاريخية العلمية‪...‬ولم تكن دوافعه‬ ‫مد ّ‬
‫استفزازية أو دعوة للصراع بين الديان أو احتقارها‪ ....‬كما يحصل في القضية‬
‫الموصوفة بأنها تعبير عن حرية الرأي‪ ،‬وعدم الخوف من الدين والديان‪..‬‬
‫هذه النتقائية المقززة التي تمارسها أوربا تجعلنا نشعر بالقرف بقدر ما‬
‫نشعر بالسف لحجم التخبط الذي تعيشه أوروبا‪ ،‬والذي كشفه الحادث بشكل‬
‫سافر وشنيع‪...‬‬
‫كون كثير من المسلمين حولوا المعركة الن إلى )أرمجيدون( دينية صليبية‬
‫إسلمية يمارس فيها الغربي فوقية لدينية‪ ،‬واستقواء ضد الفئة المسلمة‬
‫ول التاريخ‬ ‫القليلة‪..‬ل يعني أنه ليس بإمكاننا أن نربح المعركة بعد‪ ،‬وأن نح ّ‬
‫الذي كان ضدنا وضد صورتنا النزيهة كمتسامحين مدانين حتى إشعار‬
‫آخر‪..‬التاريخ الذي وقف ضدنا لمدة خمس سنوات بعد الحادي عشر من‬
‫فنا أخيرًا‪ ،‬ونبدو نحن العقل والكثر جدارة‬ ‫سبتمبر يمكن أن نكسبه إلى ص ّ‬
‫ضرا ً وقدرة على شفاء العالم من حالة النبهار بالغربي‬ ‫بالحترام‪...‬والكثر تح ّ‬
‫الذي لم تستطع ناطحات سحابه ومؤسساته المستقلة أن تكون محترمة‬
‫كفاية‪ ...‬وأن توجد الن حل ً لمشكلة أساسها قلة الوعي )التعبيري(‪...‬بدل ً من‬
‫التحدي المرتبك جدا ً والمتمثل في إعادة نشر الصور المسيئة بين اليوم‬
‫والخر‪ ،‬وفي أكثر من جريدة أوروبية‪..‬‬
‫أخيرًا‪..‬رغم كل الستياء الذي سببه الحادث المثير إل أنه حدث )مفيد(‬
‫وضروري لنا كمسلمين في حقبة العولمة أن نضع قوانيننا أخيرا ً فيما يتعلق‬
‫بالساءة للديان‪...‬وأن تبدأ حملة جيدة وقوية وصارمة لتحدي المد اللديني‬
‫الذي يريد انتزاع قدسية الديان واحترامها من قلوب العالمين‪...‬‬
‫"اللديني" هو الخطر القادم الذي يتربص بأجيالنا القادمة‪ ،‬والذي يمكنه أن‬
‫ل حل ً‬
‫ل‪ ،‬ول يحّرم‬ ‫ون عالما ً فوضويا ً ل يحكمه إل قانون متح ّ‬
‫ول ل يح ّ‬ ‫يك ّ‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حرامًا‪...‬‬
‫حين ل يجد "اللديني" من يقف أمامه بمنتهى الصرامة ليوقف سخريته‬
‫بالديان عند حده‪ ،‬فسنجد أنفسنا ندخل غمار حرب طويلة‪ ،‬وفي جبهات عدة‬
‫يكون المتهم الول والخير فيها هو المتدين والدين بإثارة النعرات‪ ،‬والفرقة‬
‫والتي لم يبدأها إل "اللديني"‪ ،‬ولكنه لم يجد وقفة صارمة وقانونا ً محددا ً‬
‫وخطا ً أحمر عريضا ً ل يتجاوزه‪..‬‬
‫إنها دعوة لوقفة عالمية تّتحد فيها الديان ضد من يريد الساءة إليها‪ ،‬وينتقص‬
‫من قداستها بدعوى حرية التعبير‪...‬دعوة لتفكير منطقي طويل وعادل في‬
‫الحدود التي يمكن فيها وزن أي ممارسة نقدية ضد الديان‪ ،‬وما هو الحد الذي‬
‫يمكن اعتباره إساءة يتم تجريمها‪...‬وما هو الحد الذي يمكن اعتباره حوارا ً‬
‫مقبول ً وتعبيرا ً عن الرأي محترمًا‪..‬‬
‫كل هذا لم يكن ليحصل لو لم يحدث هذا الحدث الجلل والتجربة‬
‫العنيفة‪...‬التي تذكرنا جيدا ً جدا ً بحادثة الفك التي وإن كرهها المسلمون وقت‬
‫حصولها‪ ،‬إل أنها كان لبد منها ليتبين من كذب ممن صدق‪ ،‬ومن كانت خبثت‬
‫نّيته ممن صفت‪ ،‬ولم تتكلم إل بما هو خير‪..‬‬
‫كانت تجربة قاسية عسى أن نخرج منها بفوائد في تاريخنا ونفسياتنا‬
‫ومستقبلنا القادم‪ ،‬وكيف ندير أزماتنا بمنتهى النزاهة والتجرد للحق‪...‬‬
‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م‪!(...‬‬ ‫م بَ ْ‬
‫ل هُوَ َ‬ ‫شّرا ً ل َك ُ ْ‬
‫سُبوه ُ َ‬ ‫حقًا‪...) ...‬ل ت َ ْ‬
‫ح َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صوَِرها!!‬
‫بل هي المفاصلة ‪ ..‬بكل ُ‬
‫د‪ .‬محمد سعود البشر ‪17/12/1426‬‬
‫‪17/01/2006‬‬
‫ل ينشط الليبراليون ومن في حكمهم من أهل البدع والزيغ والضللة إل في‬
‫حالت الضعف التي تمر بها المة‪ ،‬ول يزرعون بذور الفجور إل إذا هّبت ريح‬
‫الجنبي‪ ،‬واستوقد العدو ناره وزاد ضرامها‪ ،‬عندئذ يلتف حولها التباع‪ ،‬ويتنادى‬
‫لها المنافقون‪ ،‬ويستبشر بضوئها الخونة والصابئون‪ ،‬فكلما أضاء لهم العدو‬
‫وا فيه‪ ،‬وإذا أظلم عليهم سقطوا كهشيم محتضر‪.‬‬ ‫ش ْ‬‫قا م َ‬
‫طري ً‬
‫هذا هو واقع المة معهم في مسيرتها‪ ،‬على مر السنين‪ ،‬وتعاقب الحداث‪،‬‬
‫دا من فصول المواجهة مع الليبراليين‬ ‫وتقّلب المور‪ .‬واليوم نشهد فصل ً جدي ً‬
‫فهم‪ ،‬على اختلف في المنهج‪ ،‬واتفاق في الهدف والغاية‪ ،‬لكن‬ ‫فل ّ‬‫ومن ل ّ‬
‫ل‪ ،‬وأعلى‬ ‫سا‪ ،‬وأعنف تنكي ً‬‫واقع اليوم غير حال المس‪ ،‬فهم اليوم أشد بأ ً‬
‫ل‪ ،‬فلهم في الوصول إلى الهدف والغاية طرائق شتى في الوسيلة‬ ‫مقي ً‬
‫والمضمون‪.‬‬
‫فأما الوسيلة فقد استماتوا من أجل الهيمنة على وسائل التغيير وأدوات‬
‫التأثير‪ ..‬متنفذون في دوائر صناعة القرار‪ ،‬ومسيطرون على آليات صياغة‬
‫الرأي العام ووسائط توجيهه‪ ،‬ولهم في كل قناة وصحيفة سوق ومنتدى‪،‬‬
‫حدون الراية والكلمة‪ ،‬حاذقون‬ ‫سقون الجهود‪ ،‬ويو ّ‬ ‫ويرصون الصفوف‪ ،‬وين ّ‬
‫بشحذ الطاقات‪ ،‬ماكرون في توظيف المكانات‪ ،‬وإذا استدعى المر‪ ،‬فإنهم‬
‫يطلبون السناد من سفارات الجنبي وقنصلياته‪.‬‬
‫وفي المضمون كّر وفّر‪ ،‬يركبون مطية الدين بدعوى تجديده تارة‪ ،‬ويهجمون‬
‫عليه تارات ُأخر‪ ...‬يزايدون على الوطنية وهم أعقّ أبنائها‪ ،‬وألد أعدائها‪ ،‬ولهم‬
‫في "الدين" و "الوطنية" مشارب ل يستعذبها إل العدو أو من في قلبه مرض‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هم اليوم أشد وطأة على ديننا ووطننا وعلينا من السافر عن العداء المميط‬
‫لقناع الكره والبغضاء‪ ..‬بل هم قد أسفروا عن الوجوه اللئيمة‪ ،‬وأماطوا‬
‫القنعة الخادعة‪ ،‬وجهروا بسوء الطوّية‪ ،‬ودناءة المنهج‪ ،‬وخبث المعتقد‪.‬‬
‫في مواجهة هؤلء‪ ..‬ل لقاء في منتصف الطريق‪ ،‬أو الذعان والستكانة‪ ،‬تحت‬
‫أي من ذرائع المقاربة أو المماحكة‪ ،‬بل هي المفاصلة بكل صورها!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بل يجوز أن يقال اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك "‬


‫إحسان بن محمد بن عايش العتيبي‬
‫الحمد لله‬
‫كتب بعض إخواننا الفاضل مقال ذكر فيه المنع من هذه المقولة‪ ،‬واستدلوا‬
‫بأثر في " صحيح الدب المفرد " )ص ‪.(286‬‬
‫وهو ليس حديثا ً نبوي ًّا‪ ،‬بل وليس أثرا ً عن صحابي‪.‬‬
‫إنما هو عن أبي رجاء العطاردي‪ ،‬وهو من التابعين‪.‬‬
‫ونصه‪:‬‬
‫عن أبي الحارث الكرماني قال‪ :‬سمعت رجل قال لبي رجاء‪ :‬أقرأ عليك‬
‫السلم وأسأل الله أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته‪ .‬قال‪ :‬وهل‬
‫صب‪.‬‬ ‫يستطيع أحد ذلك؟ قال‪ :‬فما مستقر رحمته؟ قال‪ :‬الجنة‪ .‬قال‪ :‬لم ت ُ ِ‬
‫قال‪ :‬فما مستقر رحمته؟ قال‪ :‬رب العالمين‪ .‬انتهى‬
‫ل‪ ،‬إذ لعله ل يقرأ ردي‬ ‫لكن الصواب‪ :‬هو الجواز‪ ،‬وقد أحببت أن أفرد لها مقا ً‬
‫هناك‪.‬‬
‫وهو قول النووي‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬ورجحه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين‬
‫والشيخ بكر أبو زيد‪.‬‬
‫والله الموفق‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه الله ‪:-‬‬
‫اعلم أن الرحمة المضافة إلى الله ‪ -‬تعالى ‪-‬نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬مضاف إليه إضافة مفعول إلى فاعله‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬مضاف إليه إضافة صفة إلى الموصوف بها‪.‬‬
‫فمن الول‪ :‬قوله في الحديث الصحيح " احتجت الجنة والنار‪ -..‬فذكر الحديث‬
‫‪ -‬وفيه‪ :‬فقال للجنة‪" :‬إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء"‪.‬‬
‫رواه مسلم وأحمد‪.‬‬
‫فهذه رحمة مخلوقة مضافة إليه إضافة المخلوق بالرحمة إلى الخالق ‪ -‬تعالى‬
‫‪-‬وسماها رحمة لنها خلقت بالرحمة وللرحمة‪ ،‬وخص بها أهل الرحمة‪ ،‬وإنما‬
‫يدخلها الرحماء‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" -‬خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة‬
‫رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والرض"‪.‬‬
‫رواه مسلم والحاكم وروى البخاري نحوه‪.‬‬
‫ومنه قوله ‪ -‬تعالى ‪}-‬ولئن أذقنا النسان منا رحمة{ هود ‪9‬‬
‫‪ ،‬ومنه تسميته ‪ -‬تعالى ‪-‬للمطر رحمة بقوله }وهو الذي يرسل الرياح بشرا‬
‫بين يدي رحمته{ العراف ‪57‬‬
‫وعلى هذا فل يمتنع الدعاء المشهور بين الناس قديما وحديثا وهو قول‬
‫الداعي "اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك"‪ ،‬وذكره البخاري في كتاب الدب‬
‫المفرد له عن بعض السلف‪ ،‬وحكى فيه الكراهة‪ ،‬قال‪ :‬إن مستقر رحمته‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذاته!‬
‫وهذا بناء على أن الرحمة صفة وليس مراد الداعي ذلك بل مراده الرحمة‬
‫المخلوقة التي هي الجنة‪.‬‬
‫ولكن الذين كرهوا ذلك لهم نظر دقيق جد ّا ً وهو أنه إذا كان المراد بالرحمة‬
‫الجنة نفسها‪ :‬لم يحسن إضافة المستقر إليها‪ ،‬ولهذا ل يحسن أن يقال اجمعنا‬
‫في مستقر جنتك فإن الجنة نفسها هي دار القرار وهي المستقر نفسه كما‬
‫قال }حسنت مستقرا ومقاما{‪ ،‬فكيف يضاف المستقر إليها والمستقر هو‬
‫المكان الذي يستقر فيه الشيء؟ ول يصح أن يطلب الداعي الجمع في‬
‫المكان الذي تستقر فيه الجنة فتأمله‪ ،‬ولهذا قال‪ :‬مستقر رحمته ذاته‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬أن هذا ل يمتنع حتى ولو قال صريحا "اجمعنا في مستقر جنتك"‬
‫لم يمتنع‪ ،‬وذلك أن المستقر أعم من أن يكون رحمة أو عذابا فإذا أضيف إلى‬
‫أحد أنواعه أضيف إلى ما يبينه ويميزه من غيره كأنه قيل في المستقر الذي‬
‫هو رحمتك ل في المستقر الخر‪.‬‬
‫ونظير هذا أن يقال‪ :‬اجلس في مستقر المسجد‪ ،‬أي المستقر الذي هو‬
‫المسجد والضافة في مثل ذلك غير ممتنعة ول مستكرهة‪.‬‬
‫وأيضا‪ :‬فإن الجنة وإن سميت رحمة لم يمتنع أن يسمى ما فيها من أنواع‬
‫النعيم رحمة‪ ،‬ول ريب أن مستقر ذلك النعيم هو الجنة فالداعي يطلب أن‬
‫يجمعه الله ومن يحب في المكان الذي تستقر فيه تلك الرحمة المخلوقة في‬
‫الجنة وهذا ظاهر جدا فل يمتنع الدعاء بوجه والله أعلم‪ .‬أ‪ .‬هـ‬
‫" بدائع الفوائد " )‪ (409 ،408 / 2‬ط الباز‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وانظر‪ " :‬الذكار " للنووي ص ‪ ،330‬ومعجم المناهي اللفظية لبكر أبي‬
‫زيد ص ‪ 599‬و ‪604‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫‪ http://saaid.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بلد العجائب‬
‫أحمد مطر‬
‫ب‬‫ت لمرآنا الَعجائ ِ ْ‬ ‫جب َ ْ‬‫عَ ِ‬
‫ب!‬ ‫مّنا الَغرائ ِ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وَاستغرب َ ْ‬
‫ل نحن أحياٌء ول موتى‬
‫ب!‬ ‫ل الِبلد ِ َول أجان ِ ْ‬ ‫َول أ َهْ ُ‬
‫ب فَوَْقنا‬ ‫َتهوي المصائ ِ ُ‬
‫ب‬
‫ل جان ِ ْ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫وََتسوُقنا ِ‬
‫هنا‬‫سنا ُ‬ ‫لكّننا ل َ ْ‬
‫ت ِبنا‬ ‫سها ابت ُل ِي َ ُ‬ ‫ي َنف ُ‬ ‫َفكأّنما هِ َ‬
‫ب!‬ ‫مصائ ِ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وكأّنما َنح ُ‬
‫ن)‪..‬‬ ‫ل )َنح ُ‬ ‫وأ َُقو ُ‬
‫َوما َأنا إل ّ )أنا)‬
‫ظهري انحنى‬ ‫ت ول َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َ‬ ‫جبَهتي انخ َ‬ ‫ل َ‬
‫ب لنّني‬ ‫من شأني الّرسو َ‬ ‫ن ِ‬ ‫لك ّ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مريَ كل ُ‬ ‫ت عُ ْ‬ ‫أفني ُ‬
‫َ‬
‫ب!‬ ‫س ْ‬‫مل ً ب َِتعويم ِ الّروا ِ‬ ‫أ َ‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫َزب َد ُ الِبحارِ ِبل ي َدٍ‬


‫ب‪.‬‬‫فعَ المراك ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫فهِ َ‬ ‫ف ِبك ّ‬ ‫حّتى ي َك ُ ّ‬
‫خُر الِبحارِ بل فَم ٍ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ ْ‬ ‫ل‬‫طحا‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ي‬
‫ِ ِ ْ َ‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫بف‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ح ّ َ‬
‫ي‬ ‫تى‬
‫منُهما‬ ‫ن ك ُل ّ ِ‬ ‫لك ّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫قَد َْر استطاعَت ِهِ ُيشاِغ ْ‬
‫ب‬ ‫حل ٍ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫طليقُ ب ِط ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫وَل َُرّبما فَت َ َ‬
‫ول َرّبما َنج َ َ‬
‫ب!‬‫سرِ قارِ ْ‬ ‫ح السيُر ب ِك َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫س َتنتمي‬ ‫جن‬ ‫ي‬ ‫فَل َ‬
‫ٍ‬ ‫ّ ِ‬
‫ن الّتي‬ ‫ُ‬ ‫المليي‬ ‫هذي‬
‫جريمةِ تحتمي؟!‬ ‫حمى ال َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ن‬‫ت فيها الُعيو ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وَليّ شيٍء ُركب َ ُ‬
‫ب؟!‬ ‫ن ُتراقِ ْ‬ ‫عي ٍ‬ ‫من َ‬ ‫س ِ‬ ‫َولي َ‬
‫م اليادي وال ّ‬ ‫َ‬
‫شفاهُ‬ ‫وَل ِ َ‬
‫ب؟!‬ ‫س ْ‬ ‫ة ُتحا ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫َول ي َد ٌ َتعلو‪ ..‬ول َ‬
‫َأشباه ُ أشباٍح‬
‫ح وََتغتدي‬ ‫َترو ُ‬
‫ب‬ ‫خرائ ِ ْ‬ ‫ل َوال َ‬ ‫مزاب ِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫َبي َ‬
‫ق ُقوِتها‬ ‫هتاُفها َيعلو ِلسارِ ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫مستبيِح ُبيوِتها‪:‬‬ ‫وَل ِ ُ‬
‫ب!‬ ‫س ْ‬ ‫مكا ِ‬ ‫شكرا علي هذي ال َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ة خاِفقي‬ ‫َ‬
‫فيْء ُذبال َ‬ ‫ه‪ ..‬ل ُتط ِ‬ ‫َرّبا ُ‬
‫شتي‬ ‫ح َ‬ ‫س وَ ْ‬ ‫عها ل ُِتؤن ِ َ‬ ‫دَ ْ‬
‫ب‪.‬‬ ‫سط الَغياهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫وَ ْ‬
‫من َدمي‬ ‫ضميريَ ِ‬ ‫ه‪ ..‬ل َتنزِع ْ َ‬ ‫َرّبا ُ‬
‫د‪..‬‬ ‫فأنا َوحي ٌ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫س لي إله ُ صا ِ‬ ‫ّ‬ ‫َلي َ‬
‫َرّباهُ‬
‫سوِي ّا ً‬ ‫شرا َ‬ ‫ً‬ ‫صغَتني ب َ َ‬ ‫من ُ‬ ‫يا َ‬
‫سوِي ّا ً دائما ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫شر‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫قني‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أب ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ن الّتجارِ ْ‬ ‫صرِ ِفئرا ِ‬ ‫في عَ ْ‬
‫عرائي‬ ‫قري‪َ ،‬‬ ‫فَ ْ‬
‫غربتي‪ ،‬دائي‬ ‫ُ‬
‫شقائي‬
‫ب‬‫ب الّنوائ ِ ْ‬ ‫ن أنيا ِ‬ ‫فتي ما بي َ‬ ‫وَقْ َ‬
‫ي كلها‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫هِ َ‬
‫ل كما أنا ‪-‬‬ ‫َ‬
‫‪ -‬حّتى أظ ّ‬ ‫َ‬
‫ب!‬ ‫س ْ‬ ‫منا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ثَ َ‬
‫لفتة ‪2004-12-18‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ما على وفاته‪:‬‬


‫بمناسبة مرور ثلثين عا ً‬
‫محاكمة فكر طه حسين بين محمود شاكر وأنور الجندي‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لم يشغل باحث الوساط العلمية والكاديمية والثقافية والصحافية‪ ،‬مثلما‬


‫شغلها طه حسين "‪1973 1889‬م" فقد دارت حوله‪ ،‬وبسبب كتاباته‬
‫الموتورة‪ ،‬المعادية للعروبة والسلم‪ ،‬أعاصير جائحة من المعارك‬
‫والمساجلت التي تتفق أو تختلف حول فكره وآرائه المبثوثة في ثنايا الكتب‬
‫والمحاضرات والمقالت‪ ،‬وما فيها من سموم وأباطيل وترهات‪ ،‬تدعو إلى‬
‫هدم التراث العربي السلمي‪ ،‬والرتكان إلى الثقافتين‪ :‬اليونانية القديمة‪،‬‬
‫والغربية الحديثة‪ ،‬فضل ً عن دعوته العلنية إلى فصل الدين عن الدب‪،‬‬
‫والهتمام باللهجات العامية ومعاداة الفصحى‪ ،‬والحتفال بالدب المعوج‬
‫الباحي‪ ،‬إلى غير ذلك من المور التي جّرت عليه ويلت كثيرة‪ ،‬ووضعته في‬
‫قائمة وخانة التهام والريبة والشك‪ ،‬والنظر إليه نظرة من يخدم الغرب‬
‫والصهيونية العالمية على حساب نفسه ودينه ووطنه‪.‬‬
‫ما على وفاته‪ ،‬نرصد هذه المحاكمة لفكر طه‬ ‫وبمناسبة مرور ثلثين عا ً‬
‫حسين‪ ،‬وما خّلفه من آثار‪ ،‬سواء باليجاب أو بالرفض‪ ،‬وخير من تصدى له‪،‬‬
‫وعقد محاكمة لنتاجه‪ ..‬العملقان‪ :‬محمود شاكر "أبو فهر"‪ ،‬و"أنور الجندي"‬
‫يرحمهما الله‪.‬‬
‫نضع فكر طه حسين بين كتابات شاكر والجندي‪ ،‬لما يتميز به كل منهما من‬
‫الرصانة والعمق وُبعد الرؤية‪ ،‬والمنهجية الواعية‪ ،‬والقدرة على التحليل والنقد‬
‫والربط‪ ،‬والمصداقية الكبرى لرائهما بين القراء‪.‬‬
‫بداية‪ ..‬كان خلف محمود شاكر في الربع الول من القرن العشرين مع طه‬
‫حسين خلًفا علمًيا‪ ،‬بسبب محاضرات الخير في جامعة فؤاد الول حول‬
‫الشعر الجاهلي‪ ،‬ومناداته بانتحاله‪ ،‬وأن معظم هذا الشعر تمت كتابته في‬
‫العصر السلمي‪ ،‬ولم ُيعجب هذا الرأي غير الواقعي‪ ،‬التلميذ محمود شاكر‪،‬‬
‫فانزعج‪ ،‬وآلى على نفسه أن يرد على أستاذه‪ ،‬الذي صار قزما ً في نظره‪ ،‬بعد‬
‫اّدعائه أنه توصل لهذا الرأي‪ ،‬في حين أن شاكر يعرف أن هذا القول ليس‬
‫لطه حسين‪ ،‬ولكنه للمستشرق مرجليوث‪ ،‬والمنشور في إحدى المجلت‬
‫طلع عليها شاكر‪ ،‬وبين شد وجذب من الثنين أدرك طه أنه‬ ‫الفرنسية التي ا ّ‬
‫أمام تلميذ واٍع‪ ،‬وليس في مجتمع ل يقرأ‪ ،‬فأخذ يهدئ من روع شاكر‪ ،‬الذي‬
‫أقسم أل يعود للجامعة بعد اليوم‪ ،‬تلك الجامعة التي ت ُد َّرس السرقة الدبية‪،‬‬
‫وتدعو إليها في العلن‪ ،‬وبعد أن سقط الستاذ في نظره في قضية سطو‬
‫علمي‪.‬‬
‫دا آراءه الباطلة حول انتحال الشعر الجاهلي‪،‬‬ ‫مفن ً‬
‫وانبرى شاكر لطه حسين ُ‬
‫في مقدمة سفره الضخم "المتنبى"‪ ،‬وفي الرسالة المهمة المعروفة ب‬
‫"رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"‪ ،‬وفيهما بّين الفساد الدبي الذي تغشاه‬
‫الجامعات العربية الن‪ ،‬وكشف عن سطوة طه حسين وتلميذه‪ ،‬الذين‬
‫دام‪ ،‬وفند تعاليم وآراء المستشرقين‪ ،‬المنادية بهدم‬ ‫يدعون لهذا الفكر اله ّ‬
‫التراث العربي السلمي‪ ،‬وفي الذروة منه الشعر الجاهلي‪ ،‬لكيل تقوم لهذه‬
‫المة قائمة من بعد‪.‬‬
‫وكانت معركة شاكر الكبري مع طه حسين‪ ،‬الذي أصبح في نظره النموذج‬
‫السيئ الدال على فساد الحياة الدبية في مصر والوطن العربي‪ ،‬ومعول‬
‫الهدم والتخريب في الثقافة والدب‪ ،‬وليس أدل على ذلك من قول شاكر في‬
‫أحد الحوارات‪ :‬إن طه حسين هاجم الدب العربي‪ ،‬على رغم قلة بضاعته في‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬وعدم تخصصه فيه‪ ،‬فهو حامل للدكتوراه في تاريخ اليونان‬
‫والرومان‪ ،‬وليس الدب‪ ،‬كما أن المنهج الذي اعتمد عليه طه حسين على حد‬
‫قول شاكر خل من المنهجية‪ ،‬وانتفت منه قواعد البحث العلمي‪ ،‬واستبعد‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصادر التي ل تؤيد دعوته الباطلة‪.‬‬


‫وهكذا نجح شاكر بإخلصه لقضيته‪ ،‬وتبحره في القراءة للدفاع عنها‪ ،‬في‬
‫كسب معركته أمام طه حسين وفلوله‪ ،‬وهو ما يشهد به النقاد العدول‪ ،‬الذين‬
‫لم يخدعهم بريق ذهب طه حسين ول أقواله ول مناصبه‪.‬‬
‫‪..‬ثم أجهز عليه أنور الجندي‬
‫وإذا كان طه حسين قد عانى وتألم كثيًرا من الجراح التي تعّرض لها في‬
‫معركته الكبرى مع شاكر‪ ،‬فإن الذي أجهز عليه‪ ،‬وأرداه في هوة النسيان‬
‫ل على تبعيته للغرب وللصهيونية‪ ،‬هو‬ ‫والهمال‪ ،‬ووضعه في آخر القائمة‪ ،‬ود ّ‬
‫المفكر الكبير الستاذ أنور الجندي صاحب كتاب "طه حسين‪ :‬حياته وفكره‬
‫في ميزان السلم"‪ ،‬وكتاب "محاكمة فكر طه حسين"‪.‬‬
‫ولذلك قرأ الجندي كل رسائل وكتابات طه حسين‪ ،‬وخلص إلى أنها تتمحور‬
‫ح عليها وهي‪ :‬القول ببشرية القرآن وإنكار القراءات‪،‬‬ ‫حول نقاط بعينها أل ّ‬
‫والتناقض بين نصوص الكتب الدينية وما وصل إليه العلم الحديث‪ ،‬وقوله‪" :‬إن‬
‫الدين لم ينزل من السماء‪ ،‬وإنما خرج من الرض‪ ،‬كما خرج القوم أو‬
‫الجماعة أنفسهم"!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإثارة الشبهات حول ما أسماه القرآن المكي‪ ،‬والقرآن المدني‪ ،‬وهي نظرية‬
‫أعلنها اليهودي جولد زيهر‪ ،‬وانتقاص صحابة رسول الله ص ووصفهم بأنهم‬
‫من الساسة المحترفين‪ ،‬والحملة على السلم من خلل الزهر الشريف‪،‬‬
‫وإهانته‪ ،‬والدعوة إلى إلغائه‪ ،‬والترويج للفكر الوثني اليوناني‪ ،‬والدعاء كذًبا‬
‫بأن المسلمين قبلوه‪ ،‬وشكلوا عليه فكرهم‪ ،‬وإشاعة السطورة في سيرة‬
‫الرسول ص بعد أن نقاها المفكرون المسلمون منها‪ ،‬والتزيد في‬
‫السرائيليات في كتابه "على هامش السيرة"‪ ،‬واعتماد المصادر المشبوهة‪:‬‬
‫كالغاني ورسائل إخوان الصفا‪ ،‬والدعوة إلى الدب المكشوف والباحي‪،‬‬
‫واتهام القرن الثاني الهجري بأنه عصر شك ومجون في كتابه "حديث‬
‫الربعاء"‪ ،‬والدعوة إلى اقتباس الحضارة الغربية )حلوها ومرها(‪ ،‬وما ُيحمد‬
‫منها وما ُيعاب‪ ،‬في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"‪ ،‬وإنكار شخصية عبد‬
‫الله بن سبأ اليهودي‪ ،‬وتبرئته مما أورده الطبري‪ ،‬ومؤرخو السلم من دور‬
‫ضخم في فتنة مقتل عثمان في كتابه "الفتنة الكبرى"‪ ،‬وإقرار مفاهيم كنسية‬
‫حول السلم‪ ،‬ووصفه له بأنه دين )التراتيل الوجدانية(!‪.‬‬
‫ويتوصل أنور الجندي في قرارة نفسه إلى أن طه حسين ليس مردًدا لقوال‬
‫المستشرقين‪ ،‬ولكنه داعية أصيل للفكر الغربي )قديمه اليوناني‪ ،‬وحديثه‬
‫الفرنسى( وليس الفكر العربي السلمي في تقديره‪ ،‬سواء في ماضيه أو‬
‫حاضره‪ ،‬إل تابًعا للفكر اليوناني‪ ،‬ولبد أن يكون تابًعا للفكر الغربي‪ ،‬هذه هي‬
‫الرسالة التي يحمل لواءها ويعتنقها طه حسين‪ ،‬وأنه لم يكن أديًبا عربًيا‬
‫إسلميا ً يراعي مجتمعه وبيئته‪ ،‬ويطمح إلى رفعته‪ ،‬بقدر ما كان بوًقا يتلعب‬
‫به الغربيون والمستشرقون من أجل تنفيذ آرائهم وخططهم الجرامية في‬
‫القضاء على التراث العربي السلمي‪ ،‬وحضارتنا الزاهية‪.‬‬
‫وهو ما نجح في إشاعته طه حسين حسب كلم أنور الجندي عن طريق‬
‫م‬
‫س ّ‬
‫تلميذه الذين رددوا آراءه بل فهم ول منطق أو دراسة‪ ،‬في حين أنها ُ‬
‫ُزعاف‪ ،‬يقضي على الخضر واليابس‪.‬‬
‫وفي النهاية‪ ..‬نجح الفارسان الكبيران أنور الجندي ومحمود شاكر في تعرية‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طه حسين‪ ،‬وكشفه أمام الرأي العام العربي‪ ،‬كصنيعة للستعمار‬


‫دم دراسة إل كان للغرب هدف من ورائها‪ ،‬وأن وجهه‬ ‫والستشراق‪ ،‬وأنه ما ق ّ‬
‫الحقيقي الممالئ للغرب يفوح بالعمالة‪ ،‬والخيانة للعروبة والسلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بن لدن يعتبر الخميني عظيما وحزب الله بطل !!‬


‫أحمد فهمي‬
‫تقع وسائل العلم الغربية في خلط كبير عند تناولها لقضية تصنيف وتحديد‬
‫انتماءات الحركات السلمية السنية ‪ ،‬وأحد مجالت الخلط ما يتعلق بالفوارق‬
‫بين هذه الحركات ومثيلتها الشيعية ‪ ،‬سواء من الناحية العقائدية أو المنهجية ‪،‬‬
‫وذلك على الرغم من البون الشاسع بينهما ‪ ،‬وحتى تلك الحركات السنية التي‬
‫تحتفظ بعلقات جيدة مع بعض الجماعات الشيعية فإن المر ل يتجاوز تبادل‬
‫الدعم اللوجيستي أو العسكري دون أن يتعدى ذلك إلى تبادل الطروحات‬
‫المنهجية ‪..‬‬
‫ويحدث هذا الخلط لدى وسائل العلم الغربية عن جهل وقصور وأحيانا عن‬
‫عمد بقصد خلط الوراق ‪ ،‬وإن كانت في العموم تشارك في وصم الجماعات‬
‫السنية بأنها إرهابية في مقابل إعفاء الجماعات الشيعية من هذه التهمة فيما‬
‫عدا حزب الله اللبناني لظروف خاصة ‪..‬‬
‫وهذا الخلط تمتد جذوره في الحقيقة إلى نهاية السبعينيات عندما نجح‬
‫الخميني في تأسيس دولة شيعية في إيران جعلت من تصدير الثورة‬
‫السلمية الشيعية هدفا ساميا ‪ ،‬واعتبر كثير من المحللين أن الثورة الخمينية‬
‫كانت أحد الروافد المهمة للصحوة السلمية السنية ومثلت مصدر إلهام كبير‬
‫لها ‪ ،‬وتلك نتجية خاطئة ل شك في ذلك ‪ ،‬ومصدر اللبس هنا يكمن في الخلط‬
‫بين المشاعر العاطفية التي أبدت تأثرها بما رأته من مد تأييدي كاسح لزعيم‬
‫ديني ‪ -‬الخميني ‪ -‬تفتقد مثله في بلدانها ‪ ،‬وداعب المل نفوس الكثيرين في‬
‫إمكانية أن تتكرر التجربة في دول أخرى سنية ‪ ،‬ولكن مع انتشار الوعي‬
‫العقدي والواقعي بحقيقة الدولة الرافضية وتحمل التيارات السلفية عبء‬
‫نشر هذا الوعي بدأ الفتتان بالثورة الخمينية يضمحل خاصة مع النتكاسات‬
‫التي واجهتها منذ البداية ‪ ،‬ولكن مع ذلك ظل الخلط متمثل في أذهان وعقول‬
‫الكثيرين ‪ ،‬خاصة مع نجاح حزب الله في أن يجدد هذا الخلط مرة أخرى‬
‫بدوره البطولي المزعوم في تحرير الجنوب اللبناني ‪..‬‬
‫نقول ذلك تعليقا على التحليل الذي نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية قبل‬
‫أيام عن تغير موقف بن لدن زعيم القاعدة من الشيعة في العراق ‪ ،‬وكان‬
‫عنوانه ‪ :‬بن لدن يأخذ منعطفا معاديا للشيعة ‪ ،‬وكتبه الصحفي ألكسندر أدلر ‪،‬‬
‫وصحيفة لوفيغارو من كبريات الصحف الفرنسية وتملكها مؤخرا الملياردير‬
‫الفرنسي اليهودي سيرج داسو الذي يمتلك مصانع طائرات الميراج ‪..‬‬
‫ويزعم أدلر في تحليله أن بن لدن فيما يبدو قد غير موقفه من الشيعة إثر‬
‫التحالف المعلن بينه وبين أبو مصعب الزرقاوي في العراق ‪ ،‬فيقول ‪ '' :‬من‬
‫الواضح أن هناك موضوعا ً هاما ً كان يختلف فيه بن لدن مع الزرقاوي وهو‬
‫المسألة الشيعية '' معتبرا أن الزرقاوي يغالي في عداء الشيعة بصورة كبيرة‬
‫وذلك بخلف بن لدن ‪ ،‬ولكنه يعود فيتناقض مع نفسه في موضع آخر عندما‬
‫يقول ‪ '' :‬ليس من شك أن بن لدن يشاطر الزرقاوي نفس العداء الذي يكنه‬
‫هذا الخير للشيعة '' ولكنه رغم هذا العداء يعتبر أن بن لدن يحمل موقفا ''‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الحركات السلمية الشيعية أكثر تفتحًا‪ ،‬فهو يرى أن الخميني كان شخصا ً‬
‫سد بطولة الجهاد ضد إسرائيل '' ‪ ..‬وفي‬ ‫عظيما ً وأن حزب الله اللبناني ج ّ‬
‫الحقيقة فإن المتأمل في تاريخ القاعدة وتصريحات وبيانات بن لدن ل يجد‬
‫فيها ما يؤكد هذا الزعم بعظمة الخميني أو بطولة حزب الله ‪ ،‬ومن المعروف‬
‫أن القاعدة وإن كانت عسكرية الطابع إل أنها تتبنى عقيدة سلفية تحمل رؤية‬
‫متناقضة مع معتقدات الخميني وحزب حسن نصر الله ‪ ،‬ومن العجب أن‬
‫حركة طالبان التي تحالفت مع القاعدة وتبنت منهجا متقاربا معها في‬
‫الموقف من الشيعة ‪ ،‬اُتهمت بأنها نفذت مذابح ضد الشيعة الهزاراة الفغان ‪،‬‬
‫كما أعدمت عددا من الديبلوماسيين اليرانيين لتهامهم بالتجسس ‪ ،‬وهو ما‬
‫يتناقض تماما مع ما توصل إليه الصحفي الفرنسي ‪ ،‬أضف إلى ذلك أن هذا‬
‫التقدير والمديح لو كان حقيقيا لثمر ولبد تعاونا ملموسا على أرض الواقع‬
‫سواء في الجانب اللوجيستي أو العسكري ‪ ،‬ولكن ذلك لم يثُبت أيضا ‪.‬‬
‫والحركات السلمية السنية التي تحتفظ بعلقات طيبة مع مثيلتها الشيعية‬
‫مثل مجموعات جماعة الخوان المسلمين كحركة حماس في فلسطين ‪،‬‬
‫والتحاد السلمي الكردستاني ‪ ،‬أو حركات أخرى يقال أنها تحتفظ بعلقات‬
‫شيعية قوية مثل الجماعة السلمية الكردية العراقية التي كانت تحتفل‬
‫بالذكرى السنوية للخميني ‪ ،‬أوحركة الجهاد الفلسطينية ‪ ،‬فإن إطار التعاون ل‬
‫يرتبط بمنهجية عقدية ‪ ،‬بل بمنهج سياسي وخط عام لهذه الجماعات في‬
‫التعاون مع كثير من التيارات السلمية وغير السلمية ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما التيار الذي أصبح يعرف الن باسم '' السلفية الجهادية '' فلم ُيؤَثر عنه‬
‫مثل هذه العلقات في الغالب العم ‪ ..‬ورغم محاولت العلم الغربي أن‬
‫يثبت تعاونا استخباراتيا بين القاعدة وإيران إل أن كل ما نشر حتى الن لم‬
‫يرق إلى مصاف الدلة المعتبرة ‪ ،‬و من المثلة على ذلك قصة أحد اليرانيين‬
‫‪ -‬حميد رضا ذاكري ‪ -‬الذي ادعى أنه كان ضابطا سابقا في المخابرات‬
‫اليرانية وبناءا على ذلك أدلى بإفادة أمام محكمة ألمانية كانت تنظر اتهام‬
‫المغربي عبد الغني المزودي بتورطه في هجمات سبتمبر في الوليات‬
‫المتحدة ‪ ،‬وزعم الجاسوس اليراني في إفادته أن المزودي كان يعمل كعنصر‬
‫اتصال بين تنظيم القاعدة والستخبارات اليرانية ‪ ،‬وأنه لعب دورا نشيطا في‬
‫العداد لهذه الهجمات ‪ ،‬وقال أنه حصل على هذه المعلومة من مسئول في‬
‫أجهزة الستخبارات اليرانية ‪ ،‬مضيفا أن المزودي تلقى تدريبا طوال ثلثة‬
‫أشهر في أحد المعسكرات اليرانية للقاعدة في ‪ ، 1997‬ولكن مجلة دير‬
‫شبيجل اللمانية واسعة النتشار ذكرت أن ادعاءات الجاسوس ل تبدو ذات‬
‫مصداقية ‪..‬‬
‫وهذا النفي ل يمنع بطبيعة الحال أن السياسة اليرانية الستخباراتية تتمتع‬
‫بدرجة عالية من البراجماتية التي تسمح لها بمحاولة التنسيق مع الحركات‬
‫الجهادية السنية عن طريق عرض وتقديم خدمات اليواء والعبور مستغلة في‬
‫ذلك الحدود الطويلة لها مع أفغانستان والعراق ‪ ،‬وهذه الخدمات ‪ -‬إن ُقدمت‬
‫‪ -‬تكون بمثابة عملية استدراج واستغلل للحصار والتضييق بغرض جمع‬
‫المعلومات والوراق وأحيانا الشخاص لستخدامهم في المساومات مع‬
‫الوليات المتحدة ‪ ،‬ومن المعروف أن إيران كان لها دور كبير في إثراء‬
‫الجانب المعلوماتي للمخابرات المريكية فيما يتعلق بالحركات الجهادية في‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفغانستان والعراق ‪..‬‬


‫وفي جميع الحوال تبقى حقيقة الغفلة أو التغافل الغربي عن التصنيف‬
‫الصحيح والدقيق للحركات السلمية والفروقات بينها ‪ ،‬وقد يعتقد البعض أن‬
‫امتلك أجهزة المخابرات المريكية لقدرة هائلة على جمع وفرز المعلومات‬
‫يعني في المقابل امتلك نفس المستوى من القدرة في مجال التحليل ‪،‬‬
‫ويذكر أحد السلميين الذي كان يعمل في المجال العلمي في أمريكا اعتقل‬
‫لمدة تقرب العام ‪ ،‬ويحكي عن تجربته في التحقيق أن عملء الف بي آي‬
‫كانوا مترددين في تصنيفه لدرجة مدهشة ‪ ،‬بحيث أنهم اعتبروه في البداية‬
‫سلفيا ‪ ،‬ثم صوفيا ‪ ،‬ثم جهاديا ‪ ،‬ثم من الخوان المسلمين ‪ ،‬وأطلقوا سراحه‬
‫في النهاية دون أن يستقروا على تصنيف معين ‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بناء الفريق الفعال في العمل الدعوي‬


‫________________________________________‬
‫إن الخوة اليمانية هى الركيزة الساسية لبناء أي فريق فعال فى العمل‬
‫الدعوي ‪ ،‬وعلى قدر الخلص فى عبادة "الخوة فى الله" بين الدعاة الى‬
‫الله يكون التوفيق والنجاح فى بناء الفرق الدعوية الفاعلة‪.‬‬
‫يقول محمد أحمد الراشد‪:‬‬
‫"ما برح مقدار إدراك معنى الخوة يميز ويفاضل بين الدعاة ‪.‬ولن يرتقى‬
‫داعية إلى أوج الوعي إل إذا اعتبر إبراز خلق الخوة اليمانية وتعليم موازين‬
‫الخاء هدفا ً أساسيا ً من بين أهداف الدعوة السلمية وإل إذا أدرك إن إحلل‬
‫هذا الخلق في التعامل الواقعي بين المسلمين ‪،‬وتجسيده فى صورة جماعة‬
‫عمل متآخية ُيخول الدعوة إدعاء النجاح ويمنحها لوحده ُ مبرر الوجود حتى ولو‬
‫لم تصب سرعة التأثير ‪،‬أو صد عنها جمهور سذج الناس صدودًا‪ ".‬العوائق ص‬
‫‪.27‬‬
‫لذا أحببت أن أضع بين يدي القارىء الكريم وبالخص" الدعاة الى الله" ‪،‬‬
‫تعريف الفريق الفعال فى العمل الدعوى واهمية بناءه والوسائل المعينة‬
‫لنجاح بناءه والدوار المهمة فى بناءه ‪.‬‬
‫ما هو الفريق الفعال؟‬
‫الفريق الفعال‪ :‬هو الوسيلة التي تمكن الدعاة الى الله من العمل الجماعى‬
‫كوحدة متجانسة لتحقيق هدف دعوى معين أو إنجاز مهمة دعوية واضحة‪.‬‬
‫أهمية بناء الفريق الفعال‪:‬‬
‫‪ ... .1‬خلق جو ممتع في العمل الدعوى على الرغم من كثرة العباء الدعوية‪.‬‬
‫‪ ... .2‬إنتاجية الدعاة الى الله تزيد حول تحقيق أهداف العمل الدعوي‪.‬‬
‫‪ ... .3‬يتم الستفادة من طاقات الدعاة بشكل صحيح والتوصل الى فهم‬
‫واضح لدور كل داعية فى الفريق‪.‬‬
‫‪ ... .4‬مواجهة التحديات التي يمر بها العمل الدعوى بقوة وصلبة وروح‬
‫إيجابية‪.‬‬
‫‪ ... .5‬إحساس الدعاة الى الله بأهمية اعتماد بعضهم على بعض وإن كل‬
‫واحد منهم يسد نقص الخر‪.‬‬
‫الوسائل المعينة لبناء فريق فعال‪:‬‬
‫‪ ... .1‬إخلص النية لله عزوجل والتجرد من هوى النفس من حب شهرة‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ... .2‬تحديد هدف الدعاة الى الله فى هذا العمل الدعوي وتحديد مهمة كل‬
‫داعية‪.‬‬
‫‪ ... .3‬معرفة إمكانيات الدعاة الى الله فى الفريق والعمل على تطويرها‪.‬‬
‫‪ ... .4‬إيجاد حلقات اتصال مكثفة بين الدعاة فى الفريق وأن يحرص كل‬
‫داعية على العلقة الخوية بينه وبين أعضاء الفريق بـ } دوام السؤال‬
‫والتصال – قضاء حوائج الخوان – الدعاء بظهر الغيب – طلعات أخوية –‬
‫برامج إيمانية ‪.…-‬الخ{‪.‬‬
‫‪ ... .5‬الحرص على الصفاء القلبي في حالة اختلف الرأي وان ل يستدرجنا‬
‫ذلك إلى ترك العمل أو العمل ضد بعضنا البعض‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ... .6‬التنسيق بين الدعاة فى أداء المهمات الدعوية )) قائد الفريق غالبا ما‬
‫يلعب هذا الدور((‪.‬‬
‫‪ ... .7‬التقدير لجهود أعضاء الفريق خلل كل مرحلة‪.‬‬
‫الدوار المهمة فى الفريق الفعال‪:‬‬
‫‪ ... .1‬القائد‪ :‬هو الذي يتمتع بروح الفريق والقادر على النسجام مع أعضاء‬
‫الفريق وهو الذي يتحمل الختلف وينصت الى غيره ويحاول فهمهم ‪،‬وهو‬
‫الذي يعدل من مواقفه إذا ماإقتنع بالحاجة لذلك ويسارع الى العتراف‬
‫بأخطائه ‪ ،‬هو امرؤ واسع الفق ‪،‬ل يتعامل مع الناس على إنهم قوالب ثابتة ‪.‬‬
‫ذو همة عاليه وقدرة على مواجهة التحديات ) بكل ذلك وغيره يستطيع إدارة‬
‫الفريق نحو الهدف(( ومها كان مستوى نبوغ القائد أو براعته فإنه يحتاج‬
‫مساعدة غيره لتقديم أقصى ما عنده‪.‬‬
‫‪ ... .2‬المبادر‪ :‬هو الذي يقدم أفكار وأساليب وطرق مختلفة لتطوير العمل‬
‫‪،‬أو المبادرة الى تولى المسؤوليات الكثر صعوبة التى ل يقبل عليها معظم‬
‫الدعاة لسباب مختلفة ‪.‬‬
‫‪ ... .3‬المحرك – المشجع‪ :‬يعمل على تحفيز الدعاة فى الفريق ويبعث‬
‫النشاط فيهم لتحقيق النجازات‪ ،‬فيثنى على الجهود جامعا ً بين الحث‬
‫والتشجيع‪.‬‬
‫‪ ... .4‬الموفق –المنسق‪ :‬يسعى الى توضيح العلقة بين الفكار والمقترحات‬
‫التى يتقدم بها الدعاة في الفريق ‪،‬ويقوم بإزالة سوء الفهم الذي قد يحث‬
‫بين الخوة فى العمل‪ ،‬ويقوم بصياغة منظومة متكاملة ومترابطة بين الفكار‬
‫والمقترحات‪.‬‬
‫‪ ... .5‬الناقد البناء‪ :‬يقوم بتقويم النتائج التى توصل إليها الفريق بنزاهة‬
‫وموضوعية مع الستدراك والتعديل بأسلوب تشجيعي يساعد على استدرار‬
‫مزيدا ً من الفكار‪.‬‬
‫وصلى الله على سيدنا محمد وعلىاله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫تأليف‪ :‬عمر سالم المطوع‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بناء مناهج التعليم والثقافة على قاعدة الصالة‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫تدرس جامعاتنا ومدارسنا وكلياتنا في العالم العربي كله وفي العالم‬
‫السلمي الوسع‪ ،‬دراسات الطب والفلسفة والقتصاد والعلوم السياسية‬
‫والعلوم الفيزيائية والتاريخ وعلم النفس والجتماع‪ ،‬دون أن تشير بحرف‬
‫واحد إلى الخخلفية التاريخية السلمية المصدر‪ ،‬أو إلى المراحل التي قطعها‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفكر السلمي في بناء هذه العلوم وتنميتها‪ ،‬فل يعرف الشباب العربي‬
‫والمسلم أن أجدادهم كان لهم دور خطير في بناء هذه المناهج والعلوم‪،‬‬
‫ودون أن يعرفوا وجهة نظر الفكر السلمي والثقافة الغربية في مختلف هذه‬
‫العلوم والدراسات‪.‬‬
‫وكل ما يدرس في الجامعات ليس في الحق إل نظريات الفكر الغربي التي‬
‫تشكلت منذ أوائل عصر النهضة الدبي في مختلف تطوراتها بين المناهج‬
‫الرأسمالية والمناهج الشتراكية‪ ،‬ول تمثل تلك الدراسات في الحق إل تاريخا ً‬
‫لمراحل تطور هذه النظريات وهذه الفلسفات وجوانب نقصها والضافات‬
‫التي تجددت عليها‪ ،‬وأوجه الصراع بين العصور والفلسفة وبين المذاهب‬
‫المختلفة المتعارضة‪ ...‬وهذا كله إنما يمثل تاريخ أوربا والغرب ونظريات أوربا‬
‫والغرب التي لم يشارك العالم السلمي ول المة العربية فيها‪ ،‬والتي حين‬
‫تقدم إلينا الن لتكون مادة الدراسة في جامعاتنا إنما تكشف عن عزلة‬
‫واختلف واضح بين مجتمع ومجتمع‪ ،‬وفكر وفطر‪ ،‬وعصر وعصر‪ ،‬وتشكيل‬
‫نفسي وذاتي ووجداني متباين جد التباين‪.‬‬
‫الفكر السلمي أضاف إضافات أساسية إلى الفكر الحديث‪:‬‬
‫وليس هناك اعتراض على أن ندرس النظريات والمذاهب والنظمة العالمية‬
‫في مجال القتصاد والسياسة والجتماع والنفس والتربية‪ ،‬ولكن‪:‬‬
‫يجب أن تكون هناك ثلث مقدمات واضحة في نفس الشباب العربي‬
‫المثقف‪.‬‬
‫ل‪ :‬أن هذه وجهات نظر وليست قوانين مسلمة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬إنها وجهات نظر الغرب عن تجارب نبعت من محيطه ومجتمعه‪.‬‬ ‫ً‬
‫ثالثًا‪ :‬إن لفكرنا العربي السلمي "وجهات نظر" في مختلف هذه القضايا قد‬
‫تختلف عن وجهة نظر الفكر الغربي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إن الفكر السلمي قد قدم لهذه المناهج جميعا "أوليات" وإضافات‬
‫ً‬
‫بناءة حية‪.‬‬
‫فإذا استوى أمام المثقف العربي الفهم العميق واليقين الكيد من أن فكر‬
‫أمته قد ساهم في هذا الفكر الوربي الذي فرض نفسه على كل ثقافات‬
‫البلد التي خضعت للثقافات الغربية فإن من شأن ذلك أن يمنحه شيئا ً كبيرا ً‬
‫من الثقة والحساس على أنه قادر في مرحلة قريبة أن يدرس – إى جانب‬
‫وجهة نظر الغرب في مختلف قضايا السياسة والجتماع والقتصاد والنفس‬
‫والتربية – وجهة نظر فكرة العربي السلمي الذي يستمد مقوماته أساسا ً‬
‫من رصيد المة العربية ومن القرآن الكريم ومن السلم‪ ،‬وإنه قد استوى‬
‫للمسلمين والعرب منذ وقت بعيد منهج فكر ومنهج حياة يختلف إلى حد بعيد‬
‫وفي مسائل أساسية وجذرية مع الفكر الغربي‪.‬‬
‫ولعل أبرز ما يقدم في هذا المجال هو القول بأن الحلول الجذرية لمعضلت‬
‫العصر وأزمة الحضارة والمجتمع الحديث‪ :‬هذه الحلول يقدمها )الفكر‬
‫السلمي( على نحو جامع بين المثالية والواقعية‪ ،‬وقي مقدمة ذلك قضية‬
‫القضايا وهي ما تختلف فيها اليديولوجيات الماركسية والغربية‪.‬‬
‫قضية الفرد للمجتمع والمجتمع للفرد‪:‬‬
‫وأنه قد وضع منذ خمسة عشر عاما ً قاعدة بناءة في هذا المجال حين ربط‬
‫بين الفرد والمجتمع وجعل المجتمع في خدمة الفرد‪ ،‬والفرد في خدمة‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫وفي قضايا‪ :‬التفرقة العنصرية‪ ،‬والعدل الجتماعي والخاء النساني والوحدة‬
‫وتقارب القوميات وضع الفكر السلمي – مستمدا ً من القرآن – قواعد‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونظما ً ما تزال البشرية في أشد الحاجة إلى التعرف عليها‪.‬‬


‫ل‪ :‬دراسات الطب والعلوم الفيزيائية فإن دور العرب‬ ‫فإذا استعرضنا مث ً‬
‫والمسلمين بالغ الثر‪ ،‬فالمسلمون هم الذين وضعوا أساس )أساس اللمنهج‬
‫العلمي التجريبي( بعد أن تخلصوا من الفلسفة النظرية اليونانية‪ ،‬وإنهم‬
‫صححوا نظريات الغريق في الفلك والبحار ورفضوا السحر والخرافة وأقاموا‬
‫بناًء علميا ً في هذه المجالت وخاصة في مجال الطب‪ ،‬وفرقوا بين الفلسفة‬
‫الرياضية والطبيعية‪ ،‬وأتاحوا لها فرصة النماء‪ ،‬بينما عارضوا )الفلسفة اللهية(‬
‫التي تتعارض مع مفاهيمهم في التوحيد والنبوة‪ ،‬وأنشأوا فلسفة مؤمنة تدور‬
‫في فلك اليمان بالله تبارك وتعالى بعيدا ً عن شطحات اللحاد ومغريات‬
‫الباحة‪.‬‬
‫والفكر السلمي له قوانينه الخاصة ونظمه المتميزة في مجال العلوم‬
‫السياسية والقتصادية والتاريخ وعلم النفس بما ثدمه الماوردي والفارابي‬
‫وابن خلدون والبيروني والغزالي وابن سينا‪ :‬هذه الراء والمفاهيم التي‬
‫صهرها فلسفة الغرب في علومهم ودراساتهم وصاغوها صياغة جديدة‬
‫فعزلوها عن مصادرها السلمية المرتبطة بالتوحيد‪) .‬نقبل فكر ابن سيما‬
‫والفارابي العلمي والطبي ونرفض فكرهما الفلسفي(‪.‬‬
‫وفي مجال الثقة والتشريع والقانون كان للفكر السلمي القدح المعلي في‬
‫نظريات ما تزال حتى الن بكرا ً وما تزال منارا ً يهتدى به‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإذا قلنا أن الفكر السلمي قد أضاف إضافات أساسية إلى الفكر الحديث‬
‫في مختلف مجالته لم نكن مبالغين ول نكون قد عدونا الحقيقة‪ .‬نحن ل ننكر‬
‫فضل العاملين الذين طوروا النظريات وأضافوا إليها ولكننا يجب أن ل ننسى‬
‫فضل الرائدين الول وهم المسلمون‪.‬‬
‫ففي علم التربية والنفس‪ :‬كانت كتابات ابن سينا والغزالي والماوردي تمثل‬
‫الخطوط العامة الساسية التي ما تزال هي القاعدة العامة للنظريات‬
‫التربوية الحديثة والصول التي قدمها ابن خلدون ما تزال أساس علوم‬
‫العمران )أي الحضارة( والتاريخ والقتصاد والسياسة‪ ،‬وعلى شبابنا أن يذكر‬
‫دوما ً أن رجال فكرة العربي السلمي هم الرواد في هذه المجالت وأن‬
‫)الماوردي( أول من نادى بفكرة التأثير المتبادل بين الفرد والمجتمع‪،‬‬
‫والموازنة بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة من غير تضحية أحدهما لحساب‬
‫الخر‪ ،‬كما تحدث عن الحافز الفردي وليذكروا أن )البيروني( قدم أهم نظرية‬
‫اقتاصدية عن الدخار واكتناز الموال وإنفاقها‪ ،‬وعالج قضية كنز الموال وعدم‬
‫تركها للتداول‪ .‬وبين الخطر الذي يترتب على ذلك‪ .‬وقال أن الحركة من‬
‫ضرورات الحياة فإذا وقفت الحركة حدثت أزمة اقتصادية هائلة‪.‬‬
‫وسبق )الغزالي(‪ :‬ديكارت وغيره بنحو ست قرون إلى القول بأن الشكوك‬
‫هي الموصلة للحق‪" ،‬فمن لم يشك لم ينظر‪ ،‬ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم‬
‫يبصر بقي في العمى والضلل"‪.‬‬
‫ً‬
‫وأن الغزالي سبق هربرت سبنسر أيضا إلى تصوير الدولة أو المدينة بجسم‬
‫النسان وقد شبه الغزالي الملك بالقلب‪ ،‬وأصحاب المهن الحرة بأعضاء‬
‫الجسم والشرطة بعصب النسان والوزراء بحسن الدراك والقضاة بالشعور‪.‬‬
‫وعرف العلماء المسلمون‪ :‬بإخلص العلم لله تبارك وتعالى‪ .‬وتمحيص مادة‬
‫البحث‪ ،‬وكراهية التعصب وبذل الجهد المحرر من المؤثرات في الحكام‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحتياط أمام التاريخ القديم المأثور‪.‬‬


‫ويجب أن يكون في "مقدمة المناهج"‪ :‬إن العلماء العرب والمسلمين قد‬
‫صححوا أخطاء علماء اليونان أمثال‪ :‬بطليموس في نظريته القائلة بأن النسبة‬
‫بين زاوية السقوط وزاوية النكسار ثابتة وقال )ابن الهيثم(‪ :‬إن هذه النسبة ل‬
‫تكون ثابتة بل تتغير وصدق العلم الحديث رأيه‪.‬‬
‫وابن الهيثم هو الذي سبق بيكون في الطريقة الستقرائية وسما عليه‪ ،‬وقد‬
‫جمع ابن الهيثم بين الستقراء والقياس وقدم الستقراء على القياس‪ .‬وحدد‬
‫الشرط الساسي في البحث العلمي وهو "طلب الحقيقة" دون أن يكون‬
‫لرأي سابق أو نزعة من عاطفة أيا ً كانت دخل في المل‪ ،‬ويقول‪ :‬ونجعل‬
‫غرضنا في جميع ما نستقر به ونتصفحه استعمال العجل ل إتباع الهوى‬
‫ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق إل الميل مع الراء‪.‬‬
‫ولنذكر أن )ابن القيم( أضاف في الشريعة والفقه نظريات عرفتها الدوائر‬
‫القانونية في أوربا وقدرتها‪ :‬من أمثال حرية النعاقد ومنع الحيل في الحكام‬
‫وإحياء أعمل الفضولي المحسن‪ ،‬والمحافظة على أموال الغرماء‪.‬‬
‫ول يزال تاريخ العلم يذكر تلك الميزة الواضحة لمفهوم العلم في الفكر‬
‫السلمي وهي اتحاد الدين والعلم وفي ذلك يقول هورتن‪ :‬المستشرق‬
‫اللماني في كتابه "استعداد السلم لقبول الثقافة الروحية"‪:‬‬
‫"كان العرب في القرون الوسطى تقريبا ً إلى سنة ‪ 1500‬م أساتذة أوربا‪،‬‬
‫وإن ما نشأ من ظن الوربيين من أن السلم ل يتمشى مع المدنية إنما جاء‬
‫من عدم إلمامهم بحقيقة هذا الدين وعدم تعميقهم به‪ ،‬وفي السلم نجد‬
‫اتحاد الدين والعلوم‪ ،‬وهو الدين الوحيد الذي يوحد بينهما ونجد فيه كيف أن‬
‫الدين موضوع بدائرة العلم‪ ،‬ونرى وجهة الفيلسوف ووجهة الفقيه سائرين‬
‫معا ً ومتجاورتين كتفا ً لكتف دونة نزاع"‪.‬‬
‫ولنذكر أن فلسفتنا وعلماءنا لم يتقبلوا الفكر اليوناني حين ترجم إليهم تقبل ً‬
‫تلقائيًا‪ ،‬ولكنهم نظروا إليه في تحفظ ونقد‪ ،‬وخالفوا أرسطو وأفلطون‬
‫وغيرهما من فلسفة اليونان في كثير من النظريات والراء فلم يتقيدوا بها‬
‫بل أخذوا ما يتفق مع منهج التوحيد وصححوا ما لم يكن صحيحا ً بالتجربة‪،‬‬
‫وتركوا آثارهم وبصماتهم وطابعهم على مجاري الفكر الحديث‪.‬‬
‫لمناهج التعليم والثقافة مقدمات لبد منها‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫في مواجهة هذا التحدي الذي يقوده الغزو الثقافي الذي يحاول اليوم أن‬
‫يسيطر على المة العربية والفكر السلمي نجدنا في حاجة إلى أ؟ن نتعرف‬
‫على حقائق واضحة تختفي اليوم وراء المناهج التعليمية والثقافية التي تقوم‬
‫بتدريسها الجامعات في العالم السلمي كله على نحو يحس معه الشباب‬
‫بأن ما يقدم له في هذه الميادين وخاصة في ميادين الفلسفة والجتماع‬
‫والتاريخ والعلوم السياسية والقتصاد والقانون‪ ،‬إن هذا الذي يقدم إنما هو‬
‫منص ياغة الفكر الغربي وحده‪ ،‬فإذا توسع في ذلك شيئا ً قليل ً فإنما هو‬
‫مستمد من الفكر اليوناني والروماني السابق على الفكر الغربي‪ ،‬والمنفصل‬
‫عنه بأكثر من ألف عام وحيث ل يذكر ولو على سبيل الستعراض التاريخي‬
‫أن الفكر السلمي كان له دوره وأثره الواضح والعميق في صياغة هذه‬
‫المفاهيم والراء والنظريات والمذاهب التي يزخر بها الفكر البشري اليوم‬
‫سواء في نطاقه الديمقراطي أو الشتراكي على السواء‪ .‬لذلك فنحن في‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاجة إلى أن نتعرف على هذه الحدود الواضحة والعلمات الصريحة لفكرنا‬
‫العربي السلمي الذي يبدو أنها ضاعت أو أوشكت على الضياع في غمار‬
‫التطورات والتحولت المستمرة التي تعتري الفكر والتي تتزايد على الدوام‪،‬‬
‫بحيث تكاد تعزق تلك الجذور الصيلة التي قدمها الفكر السلمي إلى‬
‫النسانية وإلى الفكر البشري منذ بزوغ السلم والتي كانت باليقين بعيدة‬
‫الثر في تحوله ونموه‪ ،‬وتطوره وإخراجه من الحواجز الوثنية والطبقية‬
‫الخطيرة‪ ،‬التي كان يعيش فيها ويتحرك من داخلها‪.‬‬
‫إن من حق شبابنا العربي والسلمي على مدى العالم السلمي وليس في‬
‫المة العربية وحدها أن يعرف وهو يراجع نظريات الجتماع والسياسة‬
‫والتاريخ والقتصاد والقانون أن فكرة العربي السلمي وأن أجداده العرب‬
‫والمسلمين كان لهم أثر واضح في هذه النظريات‪ .‬وإن من شأن هذا الفهم‬
‫أن يزيد شبابنا قوة روحية وعقلية ونفسية تمل مشاعره بالثقة وتدفع عنه تلك‬
‫الشبهات الخطيرة والحرب النفسية المثارة عليه والتي تحاول ان تصوره‬
‫وكأنه متسول لنظريات الغرب‪ ،‬هذه النظريات التي صاغتها العقول الغربية‬
‫وحدها والتي فرض على العرب والمسلمين أن يأخذوها ليطبقوها في‬
‫مجتمعاتهم‪ ،‬كأنما ليس لهم مفاهيم وقيم قدموها من قبل للفكر البشري‬
‫فبنى عليها تلك الراء والنظريات المستحدثة‪.‬‬
‫ومن حق شبابنا في هذه الفترة الحاسمة الحرجة من تاريخ المة العربية أن‬
‫تقدم للمناهج التعليمية والثقافية بمقدمات توضح هذا وتكشف عنه‪ ،‬وأن نقدم‬
‫أسماء هؤلء العلم وما قدموه من آراء استمدوها أساسا ً من القرآن الكريم‬
‫)أبي( المفاهيم والقيم النسانية التي أهداها الفكر السسلمي للبشرية‬
‫وكانت قد أهديت إليه عن طريق السماء في الديان السابقة ولكنها صحفت‬
‫وأصابها الضطراب والتحريف وعندنا أن ذلك الفهم سيكون بعيد المدى عقليا ً‬
‫ونفسيا ً على مجرى الثقافة العربية وعلى التكوين الفكري والروحي لشبابنا‪،‬‬
‫فإذا كنا اليوم قد فتحنا أبواب جامعاتنا لنظريات علمية مختلفة في الجتماع‬
‫والتاريخ والسياسة والقتصاد والقانون‪ ،‬فإن لنا نظريتنا السلمية الكاملة‬
‫التي قدمها السلم للبشرية جميعا ً والتي اقتبستها أوربا في أوائل عصر‬
‫النهضة ففتحت أمامها آفاق التحرر الفكري من قيود الكنيسة وقيود الوثنية‬
‫وعبادة الفرد‪ ،‬وتبدو بواكير هذا الثر واضحة في حركة لوثر وكلفن ودعوتهما‬
‫إلى حرية الفكر وإلغاء الوساطة بين الله والنسان وحق النسان في قراءة‬
‫الكتاب المقدس وفهمه ومن ذلك تلك الثورات التي قامت لزالة الصور من‬
‫الكنائس وإزالة التماثيل‪.‬‬
‫ول يقف أمر السلم عند هذا الحد وحده بل يتجاوزه إلى إبداع المنهج العلمي‬
‫التجريبي الذي قامت عليه الحضارة الحديثة كلها‪ :‬هذا المنهج أبدعه‬
‫المسلمون من منطلق القرآن الذي دعاهم إلى النظر في الكون‪ ،‬والذي كان‬
‫مخالفا ً مخالفة أساسية لمنهج اليونان الفلسفي والعلمي جميعًا‪ :‬ذلك المنهج‬
‫الذي وقف عند حدود افتراضات النظريات بينما اتجه المفهوم السلمي إلى‬
‫التجربة أساسًا‪ ،‬فصحح أخطاء فلسفة اليونان وحول التنجيم اليوناني إلى‬
‫علم الفلك بأصوله ومقاييسه واستطاع المسلمون أن يضيفوا إضافات‬
‫واضحة في بناء الصول الولية وفي مقدمتها الرقام ورقم الصفر بالذات‬
‫وامتداد ذلك إلى العلوم الطبيعية والكيميائية في مختلف مجالت الطب‬
‫والفلك والفيزياء‪.‬‬
‫وقد يقف كثير من الباحثين الغربيين عند هذا الجانب العلمي‪ ،‬معترفين بفضل‬
‫المسلمين والعرب في هذا المجال‪ ،‬وهو أمر أصبح اليوم ذائعا ً وشائعًا‪ ،‬بعد‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬ولكنهم ل يتعدوه إلى أثر الفكر السلمي في‬ ‫أن أغمضوا عنه الطرف طوي ً‬
‫جالت الجتماع والتاريخ والعلوم السياسية والقتصاد والقانون مع أن يملك‬
‫أوليات في هذه العلوم وإضافاته التي كانت بعيدة المدى وما تزال آثارها في‬
‫الفكر العالمي واضحة وضوحا ً ل سبيل إلى إنكاره‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولقد وقف الفكر السلمي موقفا ً صريحا ً واضحا ً من الفلسفة اللهية اليونانية‬
‫فرفضها رفضا ً صريحا ً وأقر إيمانه الساسي المستمد من "التوحيد" و‬
‫"النبوة" وبذلك أنشأ فلسفته الذاتية المستقلة استقلل ً كامل ً عن مفاهيم‬
‫الفلسفة اليونانية‪ ..‬وإذا كانت هذه الفلسفة قد اغالت من قبل الديانتين‬
‫اليهودية والمسيحية فأخضعتهما لها‪ ،‬وغلبت منطق أرسطو عليمها فإنها‬
‫عجزت عن أن تفعل ذلك بالنسبة للسلم‪ ،‬ومن الحق أن يقال‪ :‬إن )الكندي‬
‫والفارابي وابن سينا( قد قاموا بمحاولت في سبيل نقل منطق أرسطو إلى‬
‫الفكر السلمي بكثير من التحوير لجعله قادرا ً على التشكل في إطار التوحيد‬
‫والنبوة ولكنهم عجزوا لن منطلق منطق أرسطو كان مرتبطا ً أساسا ً بطبيعة‬
‫الفكر اليوناني النظري‪ ،‬بينما كان الفكر السلمي بأصوله وأولوياته )تجريبيًا(‬
‫وإذا كان المفكرون المسلمون قد جروا شوطا ً مع الفلسفة اليونانية ومنطق‬
‫أرسطو فإنما فعلوا ذلك حين اتخذوها سلحا ً لمواجهة المتكلمين بها في‬
‫مواجهة الديان الخرى‪ ،‬غير أن الفكر السلمي لم يلبث أن مر بهذه المرحلة‬
‫سريعًا‪ ،‬وعاد إلى التماس جوهره‪ ،‬وذلك حين قرر منطلقه العلمي في المنهج‬
‫العلمي التجريبي من ناحية وحين قرر المام الغزالي‪ :‬إن أسلوب القرآن‬
‫كالماء وأسلوب المتكلمين كالدواء والدواء يحتاج إليه المريض أما الماء‬
‫فيحتاج إليه السليم والمريض‪ ،‬وأن أسلوب المتكلمين أسلوب ضرورة‪ ،‬ولكن‬
‫أسلوب القرآن هو أسلوب الحياة الطبيعية الدائمة المستمرة‪ .‬وحين نقرر‬
‫مفهوم )المعرفة السلمي( وله جناحاه‪ :‬العقلي والوجداني ل انفصال بينهما‬
‫ل يستعلي أحدهما ول ينفرد وحده‪ .‬وحين كشف العلماء عن )منطق القرآن(‬
‫الذي هو منطق المسلمين بديل ً لمنطق أرسطو واليونان فقد نجا الفكر‬
‫السلمي من سيطرة الفلسفة اليونانية الوثنية واستطاع السلم أن يحتفظ‬
‫بقيمه الساسية ومفاهيمه الصيلة‪.‬‬
‫هذا كله قدمه الفكر السلمي للفكر البشري فحرره من قيوده ونقله نقلة‬
‫واسعة من التجاه النظري إلى التجاه التجريبي ومن الوثنية إلى الربانية‪.‬‬
‫وشيء آخر قدمه الفكر السلمي وكان بعيد الثر في الحضارة وإعلء‬
‫المفهوم النساني‪ :‬ذلك هو دعوة "المساواة والخاء بين البشر"‪ :‬السود‬
‫والبيض والعرب والعجم‪ ،‬وكان في ذلك قضاء على نظرية روما القائمة على‬
‫الفصل بين السادة والعبيد‪ ،‬وفق قاعدة "روما سادة وما حولها عبيد" وعلى‬
‫منطلق جمهورية أفلطون الذي فرض للسادة التأمل والحكم وللعبيد العمل‬
‫والعبودية والذل‪.‬‬
‫ومن مفهوم السلم نشأت كل مذاهب المساواة والعدل الجتماعي والحرية‪.‬‬
‫والقرآن هو أول كتاب على وجه الرض كشف عن النواميس الطبيعية‬
‫والقوانين الثابتة‪ ،‬والتي تحكم المجتمعات والوجود كله‪ ،‬ومنه كان منطلق‬
‫علوم الجتماع‪.‬‬
‫ولم تكن النظرية التي قدمها ابن خلدون فبنى عليها العلماء قواعد الفلسفة‬
‫الجتماعية إل مستمدة أساسا ً من القرآن‪ .‬والقانون الفرنسي الذي كان‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مصدرا ً لقوانين كثير من بلد العرب في العصر الحديث مستمد من فقه‬


‫المام مالك وهو أحد مذاهب الشريعة السلمية‪ ،‬هذا إلى عشرات النظريات‬
‫القانونية المستحدثة إنما استمدها الباحثون من فقهاء السلم‪.‬‬
‫ويمكن القول بصفة عامة – أن السلم قدم للفكر البشري شحنة ضخمة من‬
‫القيم النسانية العالمية التي كانت بعيدة الثر في تطور الفكر الغربي وتحوله‬
‫من جذوره الغريقية الرومانية الوثنية تتمثل هذه الشحبة في الربط بين‬
‫العقائد والمعاملت والخلق في إطار السلم‪ ،‬حيث ل انفصال بين الدين‬
‫والحياة‪ ,‬أو بين الجسم والروح كما ربط السلم بين العلم والعمل‪ ،‬وحيث‬
‫أطلق السلم العقل النساني من قيود التي كانت تأسره حول المعابد وبين‬
‫أيدي الكهنة فارتفع إلى مستوى العتقد بحياة وراء هذه الحياة وخلص‬
‫البشرية من الوثنية كما رفض الفكر السلمي تجسيد البطولة ورأى أن تقدير‬
‫البطولة يكون بالرأي والفكر والقتداء‪.‬‬
‫وليس في السلم خطيئة أصلية وإن كل إمرئ رهين بما يفعل كما كرم‬
‫السلم كل الديان وكل النبياء‪ ،‬وأقر عجز العقل وحده عن الوصول إلى‬
‫الصواب وجعل بين الوجدان والعقل ترابطا ً من اليمان بالغيب أساسا ً ل‬
‫تجاوز عنه كما رفض التقليد والتبعية سواء للماضي القديم أو للوافد من أي‬
‫مكان‪.‬‬
‫ويمكن القول عن يقين أن الثورة الفرنسية في مفاهيمها ومبادئها أنما كانت‬
‫تستمد جوهرها من الفكر السلمي‪ ،‬فقد قامت على أثر الدفعة الكبيرة التي‬
‫أحدثها السلم في العقل الغربي وتؤكد ذلك العبارات التي جاءت على ألسنة‬
‫رجال الثورة الفرنسية أنفسهم والذين كانوا قد طالعوا ثمرات السلم في‬
‫الحكم والشورى والعدل والمساواة‪.‬‬
‫وقد كان رفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين التونسي هما أوائل العلماء‬
‫المسلمين العرب الذين تنبهوا إلى أثر الفكر السلمي في الفكر الغربي‬
‫الحديث في مختلف مجالته السياسية والجتماعية والقتصادية والقانونية‬
‫وأشاروا إلى ذلك في أبحاثهم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫كل هذه المقدمات بتفاصيلها يجب أن تكون في مقدمة دراسات العلوم‪،‬‬


‫ولشك أن ذلك يكون بعيد الثر في النفس العربية‪ ،‬حافزا ً لها على الثقة‬
‫واليمان والمقاومة فاليقين‪ ،‬لقد كان الفكر السلمي وكان العرب‬
‫والمسلمون من أجدادنا هم صناع النظريات العقلية والعلمية التي دفعت‬
‫الفكر السلمي هذه الدفعة الكبرى نحو النهضة والحضارة ونحن اليوم أحق‬
‫الناس ونحن ندرس هذه العلوم المستحدثة والنظريات الغربية أن نعرف‬
‫مصادرها وأولوياتها ودورنا في بنائها‪.‬‬
‫لبد من تحرير المناهج وتأصيلها‪:‬‬
‫ل(‪ :‬إضافة‬‫عملن هامان في مجال المناهج التعليمية والتربوية والثقافية‪) :‬أو ً‬
‫تلك الصفحات التي هي بمثابة الخلفيات والصول والمقدمات التي سبقت‬
‫الصورة القائمة في الدراسات فليس همناك علم من هذه العلوم التي‬
‫ندرسها الن في مدارسنا أو جامعاتنا إل كان للمسلمين والعرب فيه دور‬
‫وجهد وعمل هو بمثابة المقدمات التي مهدت للعلماء المعاصرين في وضع‬
‫هذه العلوم في الصورة القائمة اليوم )ثانيًا(‪ :‬تأصيل المناهج المطروحة في‬
‫أفق التعليم والثقافة السلميتين العربيتين وتحريرهما من النحرافات‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والخطاء وما يتصل بوجهات نظر الغرب إليها أو لما تأثر به نتيجة لمفاهيمه‬
‫الدينية أو لغلبة الفكر الوثني والمادي عليه في هذه المناهج‪ ،‬فإن مناهج‬
‫التاريخ والشريعة والقتصاد والسياسة والتربية يجب أن تحرر من هذه‬
‫الشبهات وهذه الخطاء وهذه التبعية لتعود مرة أخرى إلى أصالتها‬
‫واستمدادها من المبالغ الصيلة التي قامت عليها في الساس فإذا لم يقم‬
‫المسلمون بهذين العملين فستظل مناهجهم الدراسية والثقافية عاجزة عن‬
‫أن تحقق العملين فستظل مناهجهم الدراسية والثقافية عاجزة عن أن تحقق‬
‫ل‪ ،‬أو تزكي لهم نفسا ً أو تدعم لهم مجتمعا ً أو تبني‬
‫لهم نهضة أو تقوم لهم عق ً‬
‫هذه الجيال لتكون قوة قادرة على مواجهة الخطار والتحديات‪ .‬وإذا لم نقم‬
‫بإضافة هذه الصفحات الناقصة‪ ،‬وتعديل تلك الصفحات المنحرفة فإن‬
‫المسلمين سيظلون يدورون في تلك الدائرة الصماء المظلمة المغلقة التي‬
‫حبسهم فيها النفوذ الجنبي ليظلوا عاجزين عن التحرر والقوة وامتلك‬
‫إرادتهم وبناء مجتمعهم على قواعد "الصالة السلمية"‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫بنائية السلم‬
‫‪16-3-2006‬‬
‫بقلم عمر مناصرية‬
‫"‪...‬ونقصد بالبنائية ‪ ،‬المنهجية التي انتظم وفقها السلم في تنزله على‬
‫الرض ‪ ،‬وانبنائه في النفوس ‪ ،‬والتي لبد حكمت هذا التنزل والنبناء منذ‬
‫لحظاته الولى ‪ ،‬ورافقته في كل أطواره ‪ ،‬حتى اكتمل في شكله النهائي ‪.‬‬
‫‪"...‬‬
‫عندما ننظر إلى السلم كدين عظيم ‪ ،‬لبد أن تثيرنا تساؤلت عديدة عن‬
‫سبب قدرته وميزته التي خلدته كدين خاتم على الرض ‪ ،‬وجعلته قويا إلى‬
‫هذا الحد ‪ ،‬مستعصيا على كل محاولت الهدم والضرب ‪ ،‬قديما وحديثا ‪ ،‬ولبد‬
‫كذلك أن السبب ل يعود إلى المسلمين ‪ ،‬أو إلى قوتهم أو ضعفهم ‪ ،‬إذ‬
‫السلم منتشر في حالت قوتهم كما في حالت ضعفهم ‪ ،‬خاصة وأن القرآن‬
‫ربط المسلمين بالسلم وليس العكس ‪ ،‬كما نجد ذلك في كثير من سور‬
‫القرآن وآياته ‪ ،‬من مثل ما نجده في سورة التوبة ‪ ،‬حيث يقول الله عز‬
‫وجل ‪}:‬إل تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ‪ ،‬ول تضروه شيئا‬
‫والله على كل شيء قدير{ ‪ .‬فمشروع السلم ماض بهم أو بغيرهم ‪.‬‬
‫لذا فالبحث عن أسباب القوة في السلم ‪ ،‬يحيل بالضرورة إلى دراسة بنائيته‬
‫‪ ،‬والعلقات بين عناصره ‪ ،‬وشكل هده العلقات ونمطها ‪ ،‬وطريقة تنظمها ‪،‬‬
‫وليس بالعودة إلى واقع المسلمين دائما ‪ .‬وهذا من شأنه أن يقلب المسألة‬
‫من البحث في أسباب ضعف المسلمين اليوم ‪ ،‬إلى البحث عن أسباب القوة‬
‫في السلم ‪...‬‬
‫ونقصد بالبنائية ‪ ،‬المنهجية التي انتظم وفقها السلم في تنزله على الرض ‪،‬‬
‫وانبنائه في النفوس ‪ ،‬والتي لبد حكمت هذا التنزل والنبناء منذ لحظاته‬
‫الولى ‪ ،‬ورافقته في كل أطواره ‪ ،‬حتى اكتمل في شكله النهائي ‪.‬‬
‫و أهم ما يمكن ملحظته على هذه البنائية ‪ ،‬هو أنها تحكمها ثلث مبادئ‬
‫أساسية ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬البناء من الكل إلى الجزء ‪ :‬حيث يتم البناء في السلم دائما من الكل إلى‬
‫الجزء ‪ ،‬ومن الصل إلى الفرع حتى يكتمل ‪ ،‬فهو يبدأ كأصل واحد ‪ ،‬أوكفكرة‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلية ‪ ،‬هي فكرة الوحدانية التي تأخذ في النمو والتشكل في اعتقادات‬


‫وعبادات ومعاملت وأركان وسنن ‪ ،‬إلى أن تصل إلى الممارسات ذات الطابع‬
‫الدقيق ‪ ،‬المرتبطة بأدق التفاصيل في الحياة ‪ ،‬كالداب العامة المتعلقة‬
‫بالضرورات البسيطة للمسلم ‪ ،‬في أكله وشربه ونومه ولباسه وغير ذلك ‪،‬‬
‫كما يشير إلى ذلك الحديث النبوي الشريف ‪" :‬اليمان بضع وسبعون شعبة ‪،‬‬
‫أعلها قول ل إله إل الله ‪ ،‬وأدناها إماطة الذى عن الطريق " ‪.‬‬
‫وهذا البناء مماثل لما يحدث في الطبيعة ‪ ،‬حيث كل شيء فيها ينبني من‬
‫الكل إلى الجزء ‪ ،‬ومن الصل إلى الفرع ‪ ،‬وأبسط مثال على ذلك ‪ ،‬هو النمو‬
‫الشجري للنبات والشجار ‪ ،‬حيث نجد أن كل الشجار لها بنائية واحدة ‪ ،‬تمتد‬
‫من الصل الكبير ‪ ،‬إلى الغصن ‪ ،‬إلى الفرع ‪ ،‬انتهاء بالوراق التي إذا لحظناها‬
‫وجدنا أنها تتبع نفس النمط من النمو والتشكل ‪.‬‬
‫ونجد ذلك أيضا لدى الحيوان والنسان ‪ ،‬حيث تتدفق عملية البناء وفق النمط‬
‫السابق ‪ ،‬سواء في بنائهما الداخلي أو الخارجي ‪ .‬فمن الداخل تتم عملية‬
‫البناء من الهيكل العام ‪ ،‬إلى الجهزة ‪ ،‬إلى العضاء المتكونة بدورها من‬
‫عناصر أبسط منها ‪ ،‬حتى الوصول إلى الكائنات الدقيقة وهي الخليا ‪ ،‬ومن‬
‫حيث الشكل الخارجي نجد أن كل كائن حي يتكون من كتلة أساسية هي‬
‫الجذع‪ ،‬ومن أطراف وفروع أصغر وأبسط كلما امتدت الملحظة إلى‬
‫الخارج ‪.‬‬
‫وهذه الكتلة الساسية هي التي تعمل على ضم المكونات الخرى إليها ‪ ،‬بينما‬
‫تمنحها الطراف والمكونات الصغرى القدرة على التعامل والحركة والتفاعل‬
‫مع البيئة الخارجية ‪ ،‬مما يسمح للكائن الحي ككل بأداء وظيفته على أحسن‬
‫وجه‪.‬‬
‫لكن قد يثور تساؤل مهم ‪ ،‬وهو أن ما يحدث في الطبيعة حقا ‪ ،‬معاكس لهذا‬
‫الوصف ‪ ،‬إذ أن كل شيء يبدأ خلية ‪ ،‬ثم يأخذ في التمظهر والتشكل في‬
‫تنظيمات أكبر وأوسع ‪ ،‬حتى ينتهي البناء الحي ويكتمل ‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذا يتعلق بمادة البناء التي هي الخلية ‪ ،‬ول يتعلق بمنهج البناء‬
‫وطريقته التي تتم من الكل إلى الجزء ‪ .‬فمادة البناء هي الخلية في كل كائن‬
‫حي‪ ،‬إل أن ما يعطي شكل الكائن وبنائيته هو هذه المنهجية المحكمة ‪ ،‬التي‬
‫تعني الوعي والقصد من الكائن ‪ ،‬ولول ذلك ‪ ،‬لما اتخذ أي كائن أي شكل‬
‫مطلقا ‪ ،‬ولصارت الكائنات عبارة عن أشكال مائعة ‪ ،‬غير ذات وحدة أو شكل‬
‫يمنحها الصلبة والقوة ‪.‬‬
‫إن هذه المنهجية هي التي تعطي القوة للسلم ولغيره من الكائنات الحية أو‬
‫الفكرية ‪ ،‬حيث لولها ‪ ،‬لما كانت قادرة على الحفاظ على وحدتها البيولوجية‬
‫أو الفكرية‪ ،‬ولما كانت قادرة على أداء دورها الوظيفي في الحياة ‪.‬‬
‫وبالنظر إلى السلم وفق هذا الساس يمكننا أن نفهم الكثير من المور ‪،‬‬
‫خاصة إذا تعمقنا فيها ‪ ،‬فنفهم لماذا جاء بأركان أساسية ‪ ،‬كالصلة والزكاة‬
‫والصوم ‪ ،‬ولماذا فرضت في وقت معين دون آخر ‪ ،‬أو لماذا اتسمت المرحلة‬
‫المكية ببناء الصل أوالكل ‪ ،‬وهو البناء العقدي ‪ ،‬أو لماذا تنضاف السنة دائما‬
‫إلى الفرض ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -2‬المبدأ الثاني الذي يميز بنائية السلم ‪ ،‬يكمن في العلقات الفقية التي‬
‫تربط بين عناصره وأركانه ومكوناته ‪ ،‬حيث ترتبط دائما بروابط قوية فيما‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بينها ‪ ،‬تجعل من المتعذر التيان بركن معين دون آخر ‪ ،‬أو الكتفاء بعبادة دون‬
‫أخرى ‪ ،‬مما يحتم على المسلم أن يأخذ السلم ككل متكامل ‪ ،‬ول يكتفي‬
‫بشعيرة واحدة فقط كالصلة دون الزكاة ‪ ،‬أو الحج دون الصوم ‪ ،‬وهذا ما‬
‫يعطي للسلم قوة أخرى في نفوس المسلمين ‪ ،‬لن الروابط بين أجزائه‬
‫وثيقة الصلة ‪ ،‬ويستعصي فضها بسهولة ‪.‬‬
‫ونجد أن هذا الرتباط ‪ ،‬يمضي عميقا في سائر أجزاء النظام ‪ ،‬حتى ل نجد‬
‫مكونا من مكوناته ‪ ،‬أو ركنا من أركانه إل ويحتوي على المكونات الخرى ‪ ،‬أو‬
‫بعضا منها على القل ‪ ،‬مما يربط المسلم نهائيا بالسلم ‪ ،‬ويجعله محتوى فيه‬
‫‪ ،‬متفاعل معه بصورة دائمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬المبدأ الثالث هو مبدأ التقويم ‪ :‬ففي السلم يمكن تصحيح الوضاع إذا‬
‫اختلت‪ ،‬ويمكن لكل شخص إذا أخطا أن يصحح مساره‪ ،‬ويعدل منه ‪ ،‬وفق‬
‫مفهوم التوبة الذي أرساه السلم ‪ ،‬وجعله من خصائصه الساسية والمهمة ‪.‬‬
‫وهذا المبدأ يعطي للسلم ميزة مهمة جدا ‪ ،‬وهي المرونة التي تمكنه من‬
‫تصحيح الوضاع وتعديلها ‪ ،‬كما يتضمن هذا المبدأ أيضا ‪ ،‬مبدأ الجتهاد والفتوى‬
‫التي تدخل في هذا الطار أيضا ‪ ،‬بما أنها تحاول تعديل أوضاع النظام حتى‬
‫يتوافق مع الطوارئ والحوادث الجديدة ‪ ،‬وهو ما فصلته أصول الفقه ‪،‬‬
‫ومكنت له من القيام بوظيفته خير قيام ‪ .‬وعلى هذا يمكننا هنا‪ ،‬ضمن خاصية‬
‫التقويم أن نميز بين نوعين من التقويم في السلم ‪ ،‬هما ‪:‬‬
‫أ( التوبة ‪ ،‬التي تعني تصحيح أوضاع المسلم حتى تتوافق مع السلم‪ ،‬وتكون‬
‫متماشية مع مبادئه‪ ،‬مهما أخطأ أو ارتكب من السيئات ‪ ،‬بشرط واحد فقط ‪،‬‬
‫وهو أن ل تصل هذه السيئات والخطاء إلى الحد الذي يهدم الصل أو الكلية‬
‫التي قام على أساسها النظام كله ‪ ،‬لن ذلك يعني الخروج من النظام‬
‫برمته ‪.‬‬
‫ب( الجتهاد والفتوى ‪ ،‬التي تعني تصحيح أوضاع النظام ‪ ،‬وتعديلها وفق‬
‫شروط معينة ‪ ،‬حتى تتوافق مع الظروف والوقائع الجديدة المتطورة ‪،‬‬
‫ويقتضي ذلك فهم القواعد والسس التي بني عليها النظام كله‪ ،‬حتى يتم‬
‫تعميمها على حالت مشابهة ‪ ،‬تنشأ نتيجة تطور الحياة ‪ ،‬وتسارع العصر ‪ ،‬كما‬
‫يقتضي أن تكون للمجتهد القدرة على تعطيل بعض الحكام أو تفعيلها بما‬
‫يتماشى ومصلحة السلم والمسلمين ‪ ،‬كما فعل عمر بن الخطاب في كثير‬
‫من اجتهاداته وتعديلته ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ ،‬أن السلم ببنائيته هذه ‪ ،‬التي تعتمد على منهجية البناء من‬
‫الكل إلى الجزء ‪ ،‬والرتباط الوثيق بين مكوناته وأركانه ‪ ،‬ومبدأ التقويم‬
‫والتصحيح ‪ ،‬استطاع أن يرسي نظاما محكما ‪ ،‬يصعب حله بسهولة ‪ ،‬وهو‬
‫يقف في وجه كل المحاولت التي تريد هدمه ‪ ،‬وتعمل لجل ذلك ليل نهار ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بوابة النصر النتصار على النفس ‪26/7/1425‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬
‫مو َ‬
‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ْ‬
‫ن أكث ََر الّنا ِ‬‫مرِهِ وَلك ِ ّ‬
‫ب عَلى أ ْ‬
‫غال ِ ٌ‬ ‫يقول الله تعالى‪َ) :‬والل ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪ .(21‬ويأتي مصداق هذه الية تمكين يوسف بعد محن‬
‫عظام‪ ،‬فكيف مكن ليوسف في الرض؟ يأتي هذا السؤال‪ ،‬وأمتنا تعيش هذه‬
‫الظروف الصعبة من تسلط العداء‪ ،‬ومن ظلم الظالمين‪ ،‬حتى بلغ اليأس‬
‫مبلغه في نفوس كثير من المسلمين‪ .‬فيأتي التساؤل‪ ،‬هل لهذه الزمة من‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مخرج؟ هل لهذا البلء من نهاية؟ هل يمكن أن ينتصر الدعاة‪ ،‬تنتصر‬


‫المؤسسات‪ ،‬رغم ما يحاك لها؟ ورغم واقعها! ولماذا فشلت كثير من‬
‫المؤسسات والدعوات في هذا العصر‪.‬‬
‫لماذا؟ لنها أخلت بأركان النتصار‪.‬‬
‫إن هناك عوامل التزمها يوسف عليه السلم فظهر وانتصر‪ ،‬وما التزم بها فرد‬
‫أو جماعة أو أمة إل انتصرت‪ .‬النتصار العاجل والنتصار الجل‪ .‬وسأقف مع‬
‫أبرز هذه العوامل والسباب التي كانت ظاهرة في سورة يوسف‪.‬‬
‫إن أول انتصار حققه يوسف عليه السلم‪ ،‬هو انتصاره على نفسه‪ .‬ومن ل‬
‫ينتصر على نفسه لن ينتصر على غيره‪ ،‬فالمهزوم من هزمته نفسه قبل أن‬
‫يهزمه عدوه‪ .‬إن بداية انتصار يوسف عليه السلم هي انتصاره على نفسه‪.‬‬
‫خُلوا عَل َي ْهِ َقاُلوا‬ ‫ما د َ َ‬ ‫عندما تفاجأ إخوانه‪ ،‬بأن الذي أمامهم هو عزيز مصر‪) ،‬فَل َ ّ‬
‫ف ل ََنا ال ْك َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫صد ّ ْ‬‫ل وَت َ َ‬ ‫جاةٍ فَأوْ ِ‬ ‫مْز َ‬ ‫ضاعَةٍ ُ‬ ‫جئ َْنا ب ِب ِ َ‬
‫ضّر وَ ِ‬ ‫سَنا وَأهْل ََنا ال ّ‬ ‫م ّ‬ ‫زيُز َ‬ ‫َيا أي َّها ال ْعَ ِ‬
‫ما فَعَل ُْتم‬ ‫مُتم ّ‬ ‫ل عَل ِ ْ‬ ‫ن( )يوسف‪َ) (88:‬قا َ‬
‫ل هَ ْ‬ ‫صد ِّقي َ‬
‫مت َ َ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عَل َي َْنا إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف وَهَ َ‬
‫ذا‬ ‫س ُ‬ ‫ل أَنا ُيو ُ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُيو ُ‬ ‫ك َلن ْ َ‬ ‫ن ( )َقاُلوا أإ ِن ّ َ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م َ‬ ‫خيهِ إ ِذ ْ أنت ُ ْ‬ ‫ف وَأ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ُِيو ُ‬
‫سِنين‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أَ ِ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صب ِْر فإ ِ ّ‬ ‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬‫ه عَلي َْنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫خي قد ْ َ‬
‫ه عَل َي َْنا()يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(91‬فانتصر يوسف عليه‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫قد ْ آث ََر َ‬ ‫َ‪َ،‬قاُلوا َتالل ّهِ ل َ َ‬
‫السلم على نفسه عندما انتصر‪ ،‬وانتصر لنه انتصر على نفسه فلم يحمل‬
‫حقدا ً جراء ما حصل‪ ،‬وبعض الناس يعميه الحقد أو الحسد فتغلي نفسه يقوم‬
‫ويقعد ولهم له إل ّ النيل ممن أخطأ في حقه فيخطئ بذلك درب المعالي‬
‫وعزم المور وينشغل بالسفاسف والقضايا الشخصية وبنيات الطريق )ولمن‬
‫صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور(‪.‬‬
‫ومن مظاهر انتصار يوسف عليه السلم على نفسه قصته مع امرأة العزيز‪،‬‬
‫فقد انتصر فيها انتصارات متعددة‪) ،‬ولقد همت به وهم بها لول أن رأى برهان‬
‫ربه(‪ ،‬فانتصر على نفسه في مراودة امرأة العزيز له‪ ،‬ويبين هذا النتصار‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم ل‬
‫ظل إل ظله‪" ،‬ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله"‬
‫]متفق عليه[‪ .‬فقوله إني أخاف الله انتصار عظيم‪ .‬يوسف عليه السلم قال‪:‬‬
‫)معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه ل يفلح الظالمون(‪ .‬وذلك انتصار وأي‬
‫انتصار على النفس في هذه المعركة الشرسة ومع من! مع امرأة العزيز‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك انتصر يوسف على نفسه ولسانه بعفة منطقه العجيبة! أتريد أن‬
‫تعرف عظم هذا النتصار؟ قسه بمقداره تمكنك من سيطرتك على لسانك‪.‬‬
‫وعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أمسك عليك‬
‫لسانك‪ .‬قال له الصحابي الجليل أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال له‬
‫ثكلتك أمك يا معاذ‪ ،‬وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في‬
‫النار إل حصائد ألسنتهم؟ ]رواه الحاكم وصححه[‪.‬‬
‫لقد رأيت عجبا ً في سيرة يوسف عليه السلم من عفة منطقه ولسانه؛ مع‬
‫إخوانه‪ ،‬ومع العزيز‪ ،‬ومع امرأة العزيز‪ .‬عفة ندركها عندما نرى ضعف الخرين‬
‫في سيطرتهم على ألسنتهم‪ .‬وإليك بعض المثلة التي تدل على عفته‬
‫وانتصاره على لسانه بينما عجز كثير عن ذلك‪:‬‬
‫لما أرسل له الملك يطلب منه الخروج من السجن في المرحلة الولى‪ ،‬قال‬
‫للرسول‪) :‬ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللتي قطعن أيديهن(‪ .‬أين‬
‫العفة؟ لم يقل له ارجع إلى ربك فاسأله عن امرأة العزيز التي راودتني‪ ،‬لم‬
‫ينطق بها‪ .‬قال‪) :‬ما بال النسوة اللتي قطعن أيديهن(‪ ،‬من أجل أل يحرجها‪،‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأل يحرج النسوة‪ ،‬وأل يحرج زوج المرأة‪ .‬هذه عفة وتعبير عن المراد‬
‫بأسلوب عجيب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫انتصر على نفسه عندما جاءه إخوانه وقالوا له في قصتهم مع أخيه‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫)إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل(‪ .‬هذه القضية تهمة اتهم بها يوسف وهو‬
‫منها بريء عليه السلم‪ ،‬وذلك عندما كان صغيرا‪ .‬وقد ذكر المفسرون أقوال‬
‫لعله يتأتى المرور عليها في حينها إن شاء الله‪ .‬والن وهو عزيز مصر‪ ،‬وهم ل‬
‫يعلمون أنه يوسف‪ ،‬وبعدما فعلوا به ما فعلوا‪ ،‬وهو يدرك أن كل ما مر به من‬
‫محن في تاريخه بسببهم؛ من بعد عن أبيه‪ ،‬ومن رمي في البئر‪ ،‬ومن سجن‪،‬‬
‫في قصة امرأة العزيز‪ ،‬ومرة أخرى يكررون تهمة باطلة‪ .‬ماذا فعل؟ هل‬
‫َ‬
‫ف ِفي‬‫س ُ‬
‫ها ُيو ُ‬ ‫ضربهم؟ هل سجنهم؟ هل رد عليهم أمام المل؟ ل ‪) ..‬فَأ َ‬
‫سّر َ‬
‫م ()يوسف‪ :‬من الية ‪) ،(77‬قال أنتم شر مكانا(‪ .‬فأسرها‬ ‫ها ل َهُ ْ‬ ‫سهِ وَل َ ْ‬
‫م ي ُب ْدِ َ‬ ‫ف ِ‬
‫نَ ْ‬
‫في نفسه ولم يبدها لهم‪ .‬وأي انتصار على النفس هذا النتصار!‬
‫ومن انتصاره على نفسه أيضا وهو تبع لهذا الموضوع‪ ،‬الدقة العجيبة في‬
‫التعبير عما يريد دون أن يقع في الكذب إطلقا‪ .‬وكل منا يحاسب نفسه‬
‫وينظر مدى قدرته على حفظ لسانه وإبعاده عن الزور‪ .‬لما قال له إخوانه‬
‫ولم يعلموا أنه يوسف‪) ،‬أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا‬
‫نراك من المحسنين(‪ .‬ماذا قال؟ قال‪) :‬معاذ الله أن نأخذ إل من وجدنا متاعنا‬
‫عنده(‪ .‬لم يقل معاذ الله أن نأخذ إل من سرق‪ .‬وإنما قال‪) :‬معاذ الله أن نأخذ‬
‫إل من وجدنا متاعنا عنده(‪ ،‬لن أخاه لم يسرق‪ ،‬وهو يعرف أن أخاه لم‬
‫يسرق‪ .‬فكيف يعبر بتعبير يتخلص من مطلبهم دون أن يقول كلمة زور‬
‫واحدة‪ ،‬بل قال الحقيقة‪ :‬معاذ الله أن نأخذ إل من وجدنا متاعنا عنده‪ .‬وهم‬
‫قد وجدوا متاعهم عند بنيامين حقًا‪ ،‬لكنه لم يسرق‪ ،‬وهذا التعبير دقيق‪ ،‬انتصار‬
‫على النفس والشيطان والهوى‪ ،‬وأعظم ما يكون عندما يكون من رجل في‬
‫السلطة يستطيع أن ينفذ ما يريد ويقول ما يشاء‪ ،‬وقد ل يحاسبه أحد في‬
‫الدنيا‪ ،‬ومع ذلك يحاسب يوسف عليه السلم نفسه قبل أن يحاسبه الناس‪.‬‬
‫ومن انتصار عليه السلم على نفسه‪ ،‬عفوه عن إخوانه‪ .‬هل تريد‪ ،‬أن تعرف‬
‫مقدار هذا النتصار؟ لنتأمل أحوالنا‪ ،‬قد يسيء إلينا بعض الناس‪ ،‬إساءات قد‬
‫نكون سببا فيها‪ ،‬أو قد نشارك في نسبة من سبب تلك الساءة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫نعجز عن العفو أو الصفح! بل أعجب من هذا إذا عفونا أو صفحنا أتبعنا ذلك‬
‫بالساءة لهم عن طريق المن عليهم‪ ،‬بعفونا عنهم! مع أن ما يمر بنا قد ل‬
‫يعادل جزءا يسيرا مما حصل ليوسف عليه السلم‪ ،‬ابتداء من أول القصة إلى‬
‫هذه المرحلة‪ .‬فماذا كانت النتيجة وكيف كان تصرفه؟ )قالوا تالله لقد آثرك‬
‫الله علينا وإن كنا لخاطئين(‪) .‬قال ل تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم(‪ .‬دون‬
‫تأنيب ودون عذل ودون سجن‪ .‬تسامح‪ ،‬وصفح‪ ،‬وعفو‪..‬‬
‫وإن الذي بيني وبين بني أبي‬
‫وبين بني عمي لمختلف جدا‬
‫فإن أكلوا لحمي وفرت لحوهم‬
‫وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا‬
‫ول أحمل الحقد القديم عليهم‬
‫وليس زعيم القوم من يحمل الحقدا‬
‫إنه النتصار على النفس‪ ،‬إذا هذه المسائل بمجموعها تدل على أن يوسف‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه السلم انتصر على نفسه‪،‬فولج بوابة النتصار‪.‬‬


‫نسأل الله أن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬وأن يهدينا لحسن الفعال‬
‫والخلق‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بوابة النصر‬
‫رئيسي ‪:‬تربية ‪:‬الربعاء ‪ 8‬شعبان ‪1425‬هـ ‪ 22 -‬سبتمبر ‪ 2004‬م‬
‫الحمد لله القوي الجبار‪ ،‬المتين القهار‪ ،‬والصلة والسلم على سّيد النبياء‬
‫الخيار‪ ،‬وعلى آله وصحبه الطهار‪ ،‬ومن تبعهم من الصالحين البرار‪ ،‬أما‬
‫بعد‪،،،‬‬
‫في ظلم الليل الذي يعقبه نور الصباح‪ ..‬وفي نزول القطر بعد إقفار الرض‪..‬‬
‫رق لهذه المة من‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وفي أحوال كثيرات‪..‬وبما في تضاعيف التأريخ ال ُ‬
‫ُ‬
‫حييات التمكين؛ نزداد يقينًا‪ ،‬واقتناعا بما في أفق الدنيا من‬
‫ً‬ ‫م ْ‬ ‫بواعث النصر‪ ،‬و ُ‬
‫لوائح المبشرات‪ ،‬وحينها ؛ نعم في ذلك الحين ينبثق نور بوابة النصر‪..‬فَي َل ِ ُ‬
‫ج‬
‫منها من ذاق مرارة السطوة الظالمة‪ ،‬ويدخل منها من تفطرت كبده قهرا ً‬
‫سّراق المشاعر‪ ،‬فإلى أولئك أقول‪ :‬عليكم بما في ثنايا الموضوع‬ ‫على تكالب ُ‬
‫فإنها أعمدة تلك البوابة‪ ،‬وعليكم باغتنام سويعات النصر فإن الفجر لح‪،‬‬
‫ت البوابة فهي كثيرة محبوبة ‪.‬‬ ‫قا ِ‬‫مغْل ِ َ‬
‫وحذار من ُ‬
‫ل‪ :‬أعمدة النصر‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ن]‪{[47‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬ ‫قا عَل َي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫‪ -1‬اليمان بالله والنصر‪ :‬قال تعالى‪...}:‬وَ َ‬
‫ة‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫]سورة الروم[‪ .‬وقال تعالى‪ }:‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫الد ّن َْيا‪]{[51]...‬سورة غافر[‪.‬‬
‫في هاتين اليتين قضى الله أن نصره وتأييده إنما هولعباده المؤمنين‪ ..‬نعم؛‬
‫مَر قلبه باليمان‬ ‫إن النصر‪ ،‬والتمكين حقٌ لكل مؤمن بالله‪ ،‬لكل من عَ َ‬
‫الصادق‪ ،‬والسلم الخالص‪ ،‬والنقياد التام لله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إن تحلي العباد باليمان بالله برهان كبير على أنهم هم المنصورون‪ ،‬وأنهم هم‬
‫م ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ن]‪[171‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫الجند الغالبون‪}:‬وَل َ َ‬
‫ن]‪]{[173‬سورة الصافات[‪.‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬‫ن ُ‬ ‫ن]‪[172‬وَإ ِ ّ‬ ‫صوُرو َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب الل ّهِ هُ ُ‬
‫م‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُنوا فَإ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬‫م ْ‬‫وكما قال تعالى‪}:‬وَ َ‬
‫ن]‪]{[56‬سورة المائدة[‪.‬‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫فمتى أتى المؤمنون بإيمان تام كامل؛ كان لهم نصر تام كامل‪ ،‬وإن أتوا‬
‫بإيمان دون الكمال‪ ،‬وقاصر عن التمام؛ فإن النصر لهم بحسب ذلك ‪.‬‬
‫وحين نلحظ تأريخنا الحافل بالنتصارات الخالدة التي أقضت مضاجع أهل‬
‫الكفر‪ ،‬وأذناب الضلل‪ ،‬والتي أقّرت عيون أهل اليمان والتوحيد؛ نجد أن‬
‫أغلبها راجع إلى اليمان قوة وضعفًا‪:‬‬
‫فهذا يوم الفرقان‪ ،‬يوم بدر‪ :‬نصر الله عباده المؤمنين نصًرا أصبح شجى في‬
‫ت‬ ‫حلوق المشركين زمانًا‪ ،‬وكان من أعمدة النصر في تلك الغزاة أن قَوِي َ ْ‬
‫قلوب المؤمنين إيمانا ً بالله تعالى‪.‬‬
‫دة إلى قيام الساعة صوٌر‬ ‫خل ّ َ‬‫م َ‬ ‫وفي التأريخ المشرق لهذه المة المنصورة‪ ،‬وال ُ‬
‫كثيرة جدا ً لوقائع نصر مبين للمؤمنين ‪.‬‬
‫فهذا عمود من أعمدة النصر على المة أن تأتي به إن كانت تطمح بالنصر‪،‬‬
‫وترمق بعين الشوق إلى التمكين في الرض‪ ،‬أما إن كانت تريد نصرا ً بل‬
‫إيمان فما هي وطالب السمك في الصحراء إل سواء ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‬‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬‫ح ُ‬‫إن الله أخبرنا بأنه حافظ دينه فقال‪}:‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫هّ‬
‫فئوا ُنوَر الل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ل ِي ُط ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫‪]{[َ 9‬سورة الحجر[‪ .‬وأخبر أن البقاء لدينه فقال‪ }:‬ي ُ ِ‬
‫ن]‪]{[8‬سورة الصف[‪ .‬وهل نور الله‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ُنورِهِ وََلوك َرِهَ ال ْ َ‬ ‫مت ِ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫واهِهِ ْ‬ ‫ب ِأفْ َ‬
‫تعالى إل اليمان والدين‪ ،‬ونصرته له نصرة لعباده القائمين بهذا الدين‪،‬‬
‫ب الصالحين‪ ،‬بل‬ ‫ن بهذا اليمان ‪ .‬فل مجال حينئذٍ لمداهمة اليأس قلو َ‬ ‫حل ّي ْ َ‬
‫مت َ َ‬
‫وال ُ‬
‫ي القلوب والبصار ‪.‬‬ ‫م ِ‬‫ب مستنير‪ ،‬وواضح ل يعمى إل على عُ ْ‬ ‫الدر ُ‬
‫فالله تعالى وَعَد َ ووعْد ُه ُ حق وصدق ولبد لذلك الوعد من يوم يتحقق فيه‬
‫الوفاء‪ ،‬وليس الوفاء فحسب بل تمام الوفاء وكماله‪ ،‬وهوقريب إذ وَعْد ُ‬
‫الكريم ل يقبل المماطلت‪ ،‬والله سبحانه وتعالى ل يخلف الميعاد ‪.‬‬
‫فما هوإل الصبر القليل‪ ،‬والستعانة بالله‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬وأساس ذاك كله‬
‫اليقين بموعود الله‪ ،‬والحذر من تسّرب الشك في موعوده ‪.‬‬
‫‪ -2‬العبودية لله والنصر‪:‬‬
‫م‬
‫م لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن]‪[171‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ُ‬ ‫َ‬
‫ت كل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫قال تعالى ‪}:‬وَل َ َ‬
‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبوِر‬ ‫ن]‪]{[172‬سورة الصافات[‪ .‬وقال سبحانه‪} :‬وَل َ َ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]{[105‬سورة النبياء[‪ .‬ففي‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ض ي َرِث َُها ِ‬ ‫ن اْلْر َ‬ ‫ن ب َعْدِ الذ ّك ْرِ أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن به الرب على من تعّبد‬ ‫م ّ‬ ‫هذا النص القرآني عمود من أعمدة النصر‪ ،‬الذي ي َ ُ‬
‫ي{ تجد في ثناياها‬ ‫ع َ ِ َ‬
‫د‬ ‫با‬ ‫ن وتدبر‪ }:‬ل ِعَِبادَِنا{ و} ِ‬ ‫له حق التعّبد‪ .‬وا َل ْ َ ْ‬
‫حظ بتمعّ ٍ‬
‫خالص التجرد بالعبودية لله‪ ،‬فلما جردوا التعبد لله وأخلصوه له؛ فلم يجعلوا‬
‫ل‪ -‬لغيره أثابهم منه فتحا ً ونصرا ً وتمكينا ً ‪.‬‬ ‫ل‪-‬و لو قلي ً‬ ‫في قلوبهم مي ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ف عنها النصر بسبب تعّلقها بغير الله‪ ،‬وهذا من‬ ‫خل ّ ُ‬‫ولذا نرى أن المة قد ي َت َ َ‬
‫ّ‬
‫ب أن تخلف النصر عّنا‪ ،‬وحلت الهزيمة‬ ‫ّ‬ ‫ور صرف التعّبد لغير الله‪ ،‬فل عج َ‬ ‫ص َ‬
‫ُ‬
‫سه ذليلة غير الله إل زاده الله‬ ‫َ‬ ‫نف‬ ‫واتبع‬ ‫لله‪،‬‬ ‫التذلل‬ ‫عن‬ ‫أحد‬ ‫استنكف‬ ‫فما‬ ‫بنا‪،‬‬
‫وهنا ً وخسارة ‪.‬‬
‫دو أمارات النصر‪:‬‬ ‫وللعبودية في ساعات الشدة أثر بالغ في قرب الفرج‪ ،‬وب ُ ُ‬
‫حَزَبه أمٌر فَزع َ إلى الصلة‪،‬‬ ‫فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا َ‬
‫وجعل خير العبادة ما كان في زمن الهَْرِج‪.‬‬
‫عه لربه‬ ‫وحاله يوم بدر أكبر شاهد على ذلك؛ فقد جأر بالدعاء‪ ،‬واشتد ّ تضّر ُ‬
‫ده إياه ‪.‬‬ ‫ل بنصره الذي وَعَ َ‬ ‫ج َ‬
‫وتذلله بين يديه‪ ،‬سائله أن ي ُعَ ّ‬
‫ب بها نصر الله‪ ،‬وبدونها؛ وحين تخّلفها وعدم التيان بما‬ ‫جل َ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫وهذه هي التي ي ُ ْ‬
‫أراده الله؛ فهيهات أن ينصر من أعرض عن دينه‪ ،‬ولم يتبع هداه الذي جاء به‬
‫مها على‬ ‫وا ُ‬‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واتبع ما أجلب به الكفار من حياة قِ َ‬
‫الرذيلة‪ ،‬والمعصية‪ ،‬بل ترك الشريعة كلها ‪.‬‬
‫فعمود النصر التجرد لله بالعبودية؛ التي هي‪ :‬تمام الذل له‪ ،‬وكمال المحبة له‪،‬‬
‫ومنتهى النقياد والستسلم لدينه وشرعه‪ .‬فمتى قامت المة بالتعّبد لله‬
‫حا جلًيا‪ ،‬تبصره قلوب الصالحين‬ ‫والتذلل بين يديه؛ أضاء لها نور النصر واض ً‬
‫مه قلوب وأبصار من تعّبد لغير‬ ‫من أولياء الله العابدين‪ ،‬وتعمى عنه بل ُتحَر ُ‬
‫الله ‪ .‬وكلما كان تعّبد المة لله أتم كان نصر الله لها أكمل وأقرب ‪.‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫صُروا الل َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صَرةُ الله والنصر‪ :‬قال تعالى‪َ }:‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫‪ -3‬ن ُ ْ‬
‫ف قوم ٍ ينصرون الله ودينه‪،‬‬ ‫م‪]{[7]...‬سورة محمد[‪ .‬نصر الله حلي ُ‬ ‫ُ‬
‫صْرك ْ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫ق العلياء ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ويرفعون راية شريعته شامخة في أف ِ‬
‫أما من يخذل شريعته حين ضعفها؛ فليس له من نصر الله شيء‪ .‬وما انتصر‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من انتصر من الصالحين إل بسبب ما قاموا به من نصرةٍ لدين الله‬


‫وشريعته ‪ .‬فمن قام ناصرا ً بلده‪ ،‬أو قومه‪ ،‬أو مبدأه ومذهبه المخالف لدين‬
‫الله؛ فهو مخذول ‪.‬‬
‫دهُ‪ -‬دين الله؛ فهو المنصور ل غيره‪ ،‬وهو المؤيد ل‬ ‫ح‬
‫َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ولو‬ ‫ومن قام ناصرًا‪-‬‬
‫سواه‪ ،‬وهو الموعود بالتمكين ‪.‬‬
‫صَر الله بنصرة دين الله‪ ،‬وإعلئه على الديان كما أعله‬ ‫ة نَ ْ‬ ‫ة الطالب ُ‬ ‫فلتقم الم ُ‬
‫الله‪ ،‬حتى تنال موعود الله لها بالنصر‪ ،‬والتمكين في الرض ‪.‬‬
‫صَرة الله تعالى‪:‬‬ ‫ومن ن ُ ْ‬
‫ً‬
‫‪ -1‬تحقيق الولء والبراء‪ ..‬فل مداهنة في دين الله‪ ،‬ومحاباة لمخلوق أي ّا كان‪،‬‬
‫فدين الله فَّرقَ بين المسلم والكافر‪ ،‬ولو كانا في القرابة بالمكان الذي ل‬
‫يفّرق بينهما فيه ‪.‬‬
‫‪ -2‬تطهير الرض من المنكرات والموبقات ؛ التي ما فتيء أصحابها يجاهرون‬
‫بها مطلع النهار ومغربه‪ ،‬ويحاربون الله ليل نهار‪.‬‬
‫ده سافل‬ ‫ص َ‬‫ق ِ‬ ‫ي بسوء‪ ،‬أو أن ي َ ْ‬ ‫سه د َن ِ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ة لدين الله من أن ي َ َ‬ ‫‪ -3‬القيام حماي ً‬
‫بنقيصة ‪.‬‬
‫‪ -4‬حراسة محارم الله وحفظها من أن يتعّرض لها من سلبه الله العفاف‬
‫والحشمة ‪.‬‬
‫فَر بالغلبة على عدّوه ‪.‬‬ ‫ي بالنصر من الله‪ ،‬وظ َ ِ‬ ‫حظ ِ َ‬ ‫صَرة الله ودينه؛ َ‬ ‫فمن قام بن ُ ْ‬
‫شاُء‪{[13]...‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صرِهِ َ‬ ‫ه ي ُؤَي ّد ُ ب ِن َ ْ‬ ‫‪ -4‬النصر من الله تعالى‪ :‬قال تعالى‪َ...}:‬والل ّ ُ‬
‫ه‪]{[126]...‬سورة آل‬ ‫عن ْدِ الل ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إ ِّل ِ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫]سورة آل عمران[‪ .‬وقال‪...}:‬وَ َ‬
‫ن]‪]{ [150‬سورة آل‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫خي ُْر الّنا ِ‬ ‫م وَهُوَ َ‬ ‫موَْلك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫عمران[‪ .‬وقال‪}:‬ب َ ِ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ن َذا ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ْ‬
‫خذ ُلك ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ب لك ُ ْ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫صْرك ُ ُ‬‫ن ي َن ْ ُ‬
‫عمران[‪ .‬وقال‪ }:‬إ ِ ْ‬
‫ه‪]{[160]...‬سورة آل عمران[‪.‬‬ ‫ن ب َعْدِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صُرك ُ ْ‬
‫ي َن ْ ُ‬
‫ن به على عباده المؤمنين‪ ،‬فل قُد َُراِتهم‪ ،‬ول‬ ‫ن الله ‪ ،‬وهو الما ّ‬ ‫م ْ‬‫فالنصر ِ‬
‫عُد َِدهم جالبة لهم نصرا على عدوهم‪ ،‬ول اعتداد بكل أسلحة المؤمنين إذا لم‬ ‫ً‬
‫رد الله لهم نصرا ً على عدوهم ‪.‬‬ ‫يُ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫م َ‬ ‫فلو كان النصر آتيا بقوى العباد؛ لما غلب المسلمون الضعفاء ظاهًرا أ َ‬
‫ي المؤمنون‬ ‫الكفر التي ملكت من آلت القتال ما الله به عليم ‪ .‬فمتى رج َ‬
‫النصر من غير الله فيا خيبتهم‪ ،‬ويا شؤم حالهم ‪.‬‬
‫وحين ترى أحوال المسلمين في المعارك التي انهزموا بها ترى أن من أهم‬
‫السباب‪ :‬تعل ّقُ النفوس في طلب النصر بغير الله‪ ،‬ولنعتبر بغزوة حنين‪ ،‬فإن‬
‫الهزيمة التي حصلت لهم إنما هي بسبب اغترارهم بقوة أنفسهم حيث‬
‫قالوا‪':‬لن نغلب اليوم من قِّلة'‪.‬‬
‫قال ابن القّيم رحمه الله في سَرِده الفوائد َ المأخوذةَ من تلك‬
‫الغزوة‪':‬واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أول ً مرارة الهزيمة‬
‫عددهم‪ ،‬وقوة شوكتهم‪ ،… ،‬وليبّين سبحانه لمن‬ ‫والكسرة مع كثرة عددهم و ُ‬
‫قال‪':‬لن نغلب اليوم من قّلة' أن النصر إنما هو من عنده‪ ،‬وأنه من ينصره فل‬
‫غالب له‪ ،‬ومن يخذله فل ناصر له غيره‪ ،‬وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر‬
‫ن عنكم شيئًا‪ ،‬فوليتم‬ ‫رسوله ودينه‪ ،‬ل كثرتكم التي أعجبتكم فلم تغ ِ‬
‫مدبرين']زاد المعاد ] ‪.[[3/477‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت قلوبهم بالتوكل على الله‪،‬‬ ‫مَر ْ‬ ‫وهذا الذي حصل إنما هو من طائفة عُ ِ‬
‫عوقبوا بما ذكر‬ ‫والتعّلق به‪ ،‬لكن لما انصرف القلب انصرافا قليل عن الله؛ ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫جب َت ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬ ‫واط ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫الله بقوله‪ }:‬ل َ َ‬
‫شي ًْئا‪]{[25]...‬سورة التوبة[‪ .‬فكيف الحال بمن بعدهم‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬ ‫م ت ُغْ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫ك َث َْرت ُك ُ ْ‬
‫ممن انصرفت قلوبهم لغير الله انصراًفا ك ُل ًّيا‪ ،‬والله المستعان؟!‬
‫ثانًيا‪:‬مبشرات النصر‪:‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبالهُ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫‪ -1‬البشارة بظهور الدين‪ :‬قال تعالى‪ }:‬هُوَ ال ِ‬
‫ن]‪]{[33‬سورة التوبة[‪ .‬وقال‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من ب َعْدِ الذ ّك ْر أ َ ّ َ‬
‫ي‬
‫عَبادِ َ‬ ‫ض ي َرِث َُها ِ‬ ‫ن اْلْر َ‬ ‫ِ‬ ‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ ْ‬ ‫تعالى‪} :‬وَل َ َ‬
‫سِلي‬ ‫الصال ِحون]‪]{[105‬سورة النبياء[‪ .‬وقال تعالى‪ }:‬ك َتب الل ّه َل َغْل ِب َ‬
‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ُ َ‬
‫زيٌز]‪]{[21‬سورة المجادلة[‪.‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ل َوالن َّهاُر وََل ي َت ُْركُ‬ ‫ّ‬
‫ما ب َلغَ اللي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مُر َ‬ ‫ذا ال ْ‬ ‫م‪ ] :‬لي َب ْلغَ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫وقال َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عّزا ي ُعِّز‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ذ َِلي ٍ‬ ‫زيزٍ أوْ ب ِذ ُ ّ‬ ‫ن ب ِعِّز عَ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫مد َرٍ وَل وَب َرٍ إ ِل أد ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬‫الل ّ ُ‬
‫فَر[رواه أحمد‪.‬‬ ‫ه ب ِهِ ال ْك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م وَذ ُّل ي ُذِ ّ‬ ‫سَل َ‬ ‫ه ب ِهِ اْل ِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫فهذه نصوص قاطعة بأن الغالب هو دين الله‪ ،‬والواعد بذلك هو الله تعالى‪،‬‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ والله ل يخلف الميعاد؛ فكيف إذا كان الميعاد‬
‫م الكافر‪ ،‬ومهما استطال شّره وضّره‪ ،‬ومهما ك ِي ْد َ‬ ‫مقا ُ‬ ‫صر دينه‪ ،‬فمهما طال ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ل بهم؛ فإن الغلبة لدين الله‪ ،‬وَعْد َا ً من الله حقا ً‬ ‫بالمسلمين‪ ،‬ومهما ن ّك ّ َ‬
‫ن المور‪ ،‬ول نسابق الحداث ‪.‬‬ ‫وصدقًا‪ ..‬وهذا سيحدث ل محالة‪ ،‬فل نستعجل ّ ّ‬
‫ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م‪َ ] :‬ل ت ََزا ُ‬
‫مِتي‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ -2‬الطائفة الظاهرة‪َ :‬قا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مُر اللهِ وَهُ ْ‬ ‫يأ ْ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خال َ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫خذ َلهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫مرِ الل ّهِ َل ي َ ُ‬ ‫ة ب ِأ ْ‬ ‫َقائ ِ َ‬
‫م ً‬
‫س[رواه البخاري ومسلم‪ .‬فهذه الطائفة قائمة إلى قيام‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى الّنا ِ‬ ‫ظاهُِرو َ‬
‫الساعة‪ ،‬والنصرة لهم‪ ،‬والتأييد اللهي معهم‪ ،‬وهذه الفرقة المنصورة من‬
‫بواعث المل في نصرة الدين‪ ،‬ومن بشائر الرفعة لدين الله‪ ،‬وقد ذكر صلى‬
‫الله عليه وسلم الذي ل ينطق عن الهوى أنها دائمة وموجودة إلى قيام‬
‫الساعة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولكنه ضعف اليقين بموعود الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتعلق‬
‫القلوب بالمادّيات والظواهر‪ ،‬وأساس ذلك كله ضعف اليمان بالغيبيات التي‬
‫هي أصل اليمان‪.‬‬
‫فهل يجوز بعد هذا أن ييأس المسلمون من اكتناف نصر الله تعالى لعباده‬
‫م قوة الكفر وجبروته؟! وهل يجوز لنا أن‬ ‫المؤمنين؟! وهل يجوز أن ت ُعَظ ّ َ‬
‫ً‬
‫ل القليل؟! وهل يجوز أن نعتقد خطأ أن‬ ‫نتخاذل عن البذل لدين الله‪ ..‬ولو بأق ّ‬
‫هذه الطائفة لن تقوم‪ ،‬أو أنها قامت ولن تعود؟! أسئلة تفتقر إلى أجوبة‬
‫فعلية ل قولية ‪.‬‬
‫ملوا‬ ‫ُ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫‪ -3‬الوعد اللهي الحق‪ :‬قال تعالى‪ }:‬وَعَد َ الل ُ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫م كن َ ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ف ال ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫دون َِني لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ‬ ‫ضى لهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫شي ًْئا‪]{[55]...‬سورة النور[‪ .‬وهذا الوعد قد تحقق في زمانه‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسيتحقق بعده حتى قيام الساعة‪،‬‬
‫فمتى توافرت الوصاف التي ذكرها الله في هذه الية في قوم؛ كانوا أحق‬
‫بالتمكين من غيرهم مهما كانوا ‪.‬‬
‫فحتى نظفر بالتمكين من الله لنعقد العزم على تطبيق شريعته في أحوال‬
‫الناس اليومية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والجتماعية ‪.‬‬
‫عندها سننال النصر من الله بكل تأكيد ويقين‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ّ‬ ‫ل‪ :‬ك ُّنا ِ‬ ‫‪ -4‬المدينتان المنتظ َرتان‪َ :‬قا َ َ‬


‫ن‬‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬‫ن عَ ْ‬ ‫عن ْد َ عَب ْدِ َاللهِ ب ْ ِ‬ ‫ل أُبو قَِبي ٍ‬ ‫ُ َْ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ال ْعاصي وسئ ِ َ َ‬
‫عا عَب ْد ُ الل ِ‬ ‫َ‬
‫ة فد َ َ‬ ‫مي ّ ُ‬‫ة أوْ ُرو ِ‬ ‫طين ِي ّ ُ‬ ‫سطن ْ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح أوّل ال ُ‬ ‫فت َ ُ‬
‫ن تُ ْ‬ ‫دين َت َي ْ ِ‬ ‫م ِ‬‫ل أيّ ال ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫حوْل َر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬‫ه‪ :‬ب َي ْن َ َ‬ ‫قال عَب ْد ُ الل ِ‬ ‫ه ك َِتاًبا‪ ،‬ف َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫حلقٌ فأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قل ُ‬ ‫دو ٍ‬ ‫صن ْ ُ‬ ‫بِ ُ‬
‫ي‬ ‫ل الل ّه صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم أ َ‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ئ‬‫س‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ْ ِ َ َ َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ َ ُ ُ ِ ُ ِ َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ص‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫سو‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫م‬‫رو‬
‫ْ ْ ِ ِّ ُ ْ ُ ِ ّ ُ‬‫و‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫طي‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ال ْ َ ِ َ َ ْ ِ ُ َ ُ ّ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬
‫َ‬
‫ة‪ [-‬رواه أحمد والدارمي‪.‬‬ ‫طين ِي ّ َ‬‫سط َن ْ ِ‬ ‫ح أوًّل‪ -‬ي َعِْني قُ ْ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ل تُ ْ‬ ‫ة هَِرقْ َ‬ ‫دين َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومما يزيد في البشارة أن هذه المدينة قد فتحت على يد السلطان محمد‬


‫الفاتح العثماني التركماني ؛ ولكن ليس هو الفتح المذكور في الحاديث؛ لن‬
‫الفتح الذي في الحاديث يكون بعد الملحمة الكبرى‪ ،‬وقبل خروج الدجال‬
‫بيسير‪] .‬انظر‪ :‬اتحاف الجماعة للتويجري ] ‪.[[ 1/404‬‬
‫ولفتح القسطنطينية الفتح الحق علمة واردة في أحاديث عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬معروفة مشهورة‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫ت‬
‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫م‪] :‬عُ ْ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مَعاذ ِ ب ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫مةِ فت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مل َ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ج ال َ‬ ‫خُرو ُ‬ ‫مةِ وَ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ج ال َ‬ ‫خُرو ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ْ‬
‫ب ي َثرِ َ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ب ي َثرِ َ‬ ‫ْ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قد ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫خذ ِ‬ ‫ب ب ِي َدِهِ عََلى فَ ِ‬ ‫ضَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ -‬ث ُ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫ج الد ّ ّ‬ ‫خُرو ُ‬ ‫طين ِي ّةِ ُ‬ ‫سط َن ْ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫ة وَفَت ْ ُ‬ ‫طين ِي ّ َ‬ ‫سط َن ْ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د‪-‬‬‫ع ٌ‬ ‫ك َقا ِ‬ ‫ما أن ّ َ‬ ‫هاهَُنا أوْ ك َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أن ّ َ‬ ‫حق ّ ك َ َ‬ ‫ذا ل َ َ‬‫ن هَ َ‬ ‫ل‪ -‬إ ِ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫من ْك ِب ِهِ ث ُ ّ‬ ‫ه أوْ َ‬ ‫حد ّث َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل‪[-‬رواه أبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مَعاذ َ ب ْ َ‬ ‫ي َعِْني ُ‬
‫فإذا كان أن الفتح الذي حصل على يد محمد الفاتح ليس هوالفتح الوارد في‬
‫الحديث فإنا لعلى يقين بقرب فتحين عظيمين لمدينتين كبيرتين‪ ،‬وهذا قريب‪،‬‬
‫متحقق بإذنه تعالى ‪.‬‬ ‫ووَعْد ُ الله نافذ‪ ،‬و ُ‬
‫حّتى‬ ‫ة َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫َ‬
‫م‪ ] :‬ل ت َ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ -5‬المعركة الفاصلة‪َ :‬قا َ‬
‫ذا ي َُهودِيّ وََراِئي‬ ‫م هَ َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جُر وََراَءهُ الي َُهودِيّ َيا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫قات ُِلوا ال ْي َُهود َ َ‬ ‫تُ َ‬
‫ه[رواه البخاري ومسلم‪ .‬وهذه المعركة هي الفاصلة بين المسلمين‬ ‫ْ‬
‫َفاقْت ُل ُ‬
‫واليهود‪ ،‬وهي التي ي ُظِهر فيها الله عباده المؤمنين‪ ،‬وينصرهم على اليهود‬ ‫ْ‬
‫ت بعد هذه المعركة وإنا على‬ ‫بعدما ذاقوا منهم الذى والنكال ‪ .‬ولم تأ ِ‬
‫ة ل محالة إن شاء الله ‪.‬‬ ‫انتظارها‪ ،‬وهي آتي ٌ‬
‫‪-6‬محمد المنتظر‪ :‬مما ثبت في السنة‪ ،‬واعتقده السلف الصالح‪ ،‬ودانوا لله‬
‫به‪ :‬ثبوت المهدي‪ ،‬وأنه سيخرج في آخر الزمان ‪.‬‬
‫ل من أ َْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫َ َ َ َ ُ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫حّتى َ ْ ِ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ب الد ّن َْيا َ‬ ‫م‪َ ] :‬ل ت َذ ْهَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َ‬ ‫مي[ رواه أبوداود والترمذي وأحمد‪ .‬وََقا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ئا ْ‬ ‫واط ِ ُ‬ ‫ب َي ِْتي ي ُ َ‬
‫حث ًْيا َل ي َعُد ّه ُ عَد ًَدا[رواه‬ ‫ُ‬
‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫حِثي ال ْ َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ف ٌ‬ ‫خِلي َ‬ ‫مِتي َ‬ ‫خرِ أ ّ‬ ‫ن ِفي آ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫م‪ ] :‬ي َ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫وأخباره متواترة تواترا ل يعتريه شك ‪.‬‬ ‫ً‬
‫وفي خروجه يكثر الخير‪ ،‬قال ابن كثير رحمه الله‪':‬في زمانه تكون الثمار‬
‫كثيرة‪ ،‬والزروع غزيرة‪ ،‬والمال وافر والسلطان قاهر‪ ،‬والدين قائم‪ ،‬والعدو‬
‫راغم‪ ،‬والخير في أيامه دائم' ]النهاية في الفتن والملحم ]‪.[[ 1/31‬‬
‫د‪ ،‬وبخروجه يقوم‬ ‫فهذا المهدي ] محمد بن عبد الله [ المنتظر لم يخرج بع ُ‬
‫الدين‪ ،‬ويرتفع الحق‪ ،‬ويخمد الباطل‪ ،‬وتتبدد كل قوة علت من قوى الباطل‪،‬‬
‫وكل ما هو آت قريب‪ ،‬فصبر جميل‪.‬‬
‫ثالًثا‪:‬ساعات النصر‪:‬‬
‫مث َلُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ْ‬ ‫ة وَل ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪ -1‬اليأس والنصر‪ :‬قال تعالى‪ }:‬أ ْ‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ْ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل الّر ُ‬‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّراُء وَُزل ْزُِلوا َ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬‫خل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ب]‪]{[214‬سورة‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أَل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫البقرة[‪.‬‬
‫صُرَنا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫بوا‬ ‫ذ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫نوا‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ئ‬‫ي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫تعالى‪}:‬‬ ‫وقال‬
‫َ ُ ْ َ ْ‬ ‫ُّ ْ ْ ُِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َْ َ ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ ّ ِ‬
‫ن]‪]{[110‬سورة يوسف[‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫قوْم ِ ال ْ ُ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫سَنا عَ ِ‬ ‫شاُء وََل ي َُرد ّ ب َأ ُ‬ ‫ن نَ َ‬‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬ ‫فَن ُ ّ‬
‫خّيم القنوط على نفوس‬ ‫ل فيها اليأس على قلب العبد‪ ،‬وي ُ َ‬ ‫ح ّ‬‫فهذه صورة ي َ ِ‬
‫الصالحين‪،‬‬
‫وإنها لصورة من أشد الصور‪ ،‬وأخطرها على نفوس المسلمين‪ ،‬فالنصر ينزل‬
‫على العباد 'عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الوقات‬
‫إليه']تفسير ابن كثير ] ‪ .[[ 2/497‬و'إنها لساعة رهيبة‪ ،‬ترسم مبلغ الشدة‬
‫والكرب والضيق في حياة الرسل‪،‬وهم يواجهون الكفر والعمى والصرار‬
‫والجحود‪ ،‬وتمّر اليام وهم يدعون فل يستجيب لهم إل القليل‪ ،‬وتكّر العوام‬
‫والباطل في قوته‪ ،‬وكثرة أهله‪ ،‬والمؤمنون في عُد ِّتهم القليلة‪ ،‬وقوتهم‬
‫الضئيلة'] في ظلل القرآن ] ‪.[4/2035‬‬
‫وإنا والله لنفرح بمثل هذه الساعة‪-‬ل لذاتها معاذ الله‪ -‬ولكن لما فيها من‬
‫بشائر النصر القريب‪ ،‬وأمارات ظهور الفجر الواعد ‪..‬نعم‪ ..‬إنها ساعة فيها‬
‫يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعّلق بها الناس‪ ،‬وسنة‬
‫الله أن في مثل هذه الظروف التي يفقد المؤمنون فيها صبرهم‪ ،‬وتتكالب‬
‫ب وصوب‪ ،‬وينالهم من أهل الشر والباطل كل أذى‬ ‫حد ْ ٍ‬ ‫عليهم الشدائد من كل َ‬
‫سخرية من ضعف قوتهم‪ ،‬وهوانهم على الناس؛ يلمح المؤمنون نور النصر‬ ‫و ُ‬
‫م عليه من‬ ‫خي ّ َ‬ ‫يلوح‪ ،‬وشمسه تشرق في تمام الوضوح‪ ،‬فيزول عن القلب ما َ‬
‫جب وشوائب‪ ،‬وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم فيها تبيان لهذا‪..‬‬ ‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫فاعتبرها ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -2‬المظلوم والنصر‪ :‬الظلم شيمة من ابتله الله بالكبر والغطرسة‪ ،‬ومن هذا‬
‫شأنه كان حري ّا ً بأن يناله من الله عقاب لتقّر عين المظلوم بنكاية الله‬
‫بالظالم‪ ،‬ونكاله به‪ ،‬فجعل الله دعوة المظلوم تسلك طريقها في السماء‪،‬‬
‫عظمى‪ ،‬إن‬ ‫وتكفل الله بنصرها ولو بعد حين‪ ،‬ووَعْد ُ الله حق‪ ،‬وهذه بشارة ُ‬
‫نصر الله قريب‪ ،‬هذا كله في عموم الناس المسلم والكافر‪ ،‬فكيف إذا كان‬
‫المظلوم أمة مسلمة لله‪ ،‬والظالم لها كافر ل يؤمن بالله ربًا‪ ،‬ول بمحمد نبيًا‪،‬‬
‫ول بالسلم دينًا‪ ،‬فأقول إن المر غاية في اليقين أن نصر الله قريب جدا ً ‪.‬‬
‫وهذه ساعة من أهم ساعات النتصار والغلبة أن يتمكن العدو من المسلمين‪،‬‬
‫ويتحزبون عليهم من كل جانب من فوقهم‪ ،‬ومن تحتهم‪ ،‬وعن أيمانهم‪ ،‬وعن‬
‫م لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ديٌر]‬ ‫ق ِ‬ ‫صرِهِ ْ‬‫ه عََلى ن َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬
‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫قات َُلو َ‬
‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬‫شمائلهم‪ }..‬أذِ َ‬
‫‪]{[39‬سورة الحج[‪ .‬فما على المؤمنين حال تلك الساعة إل الجأر بالدعاء‪،‬‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫ذل عدّوهم] وي ُ ِ‬ ‫خ ِ‬
‫جل بنصرهم‪ ،‬وأن ي َ ْ‬ ‫والبتهال والتضرع بين يدي الله أن ُيع ّ‬
‫عليهم غضبه وسخطه‪..‬وموعود الله قريب للمظلوم‪ ،‬والويل للظالم من‬
‫عقاب الله ‪.‬‬
‫ر‪:‬‬ ‫ص ِ‬
‫ب الن ّ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ح ُ‬‫رابًعا‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دا ِفي الد ّن َْيا‬ ‫دي ً‬ ‫ذاًبا َ‬
‫ش ِ‬ ‫فُروا فَأعَذ ّب ُهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ِ‬ ‫‪-1‬حجاب الكفر‪:‬قال الله‪ }:‬فَأ ّ‬
‫ُ‬
‫ن]‪]{[56‬سورة آل عمران[‪ .‬وقال تعالى‪ }:‬ق ْ‬
‫ل‬ ‫ري َ‬
‫ص ِ‬‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫خَرةِ وَ َ‬ ‫َواْل ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ن‪]{[12]...‬سورة آل عمران[‪ .‬وقال تعالى‪ }:‬أ ْ‬ ‫ست ُغْل َُبو َ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ل ِل ّ ِ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الد ّب َُر]‪]{[45‬سورة القمر[‪ .‬هذه‬ ‫معُ وَي ُوَّلو َ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬‫سي ُهَْز ُ‬


‫صٌر]‪َ [44‬‬ ‫من ْت َ ِ‬‫ميعٌ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬‫نَ ْ‬
‫آيات أنزلها الله في كتابه قضى فيها أن الكفر لن يغلب السلم مهما كانت‬
‫ده‪ ،‬فنصر‬ ‫دد‪ ،‬ولقد صدق الله وَعْ َ‬ ‫دد والعَ َ‬ ‫له من القوى‪ ،‬ومهما ملك من العُ َ‬
‫ده‪ ..‬فمهما قامت حروب ومعارك بين‬ ‫ده‪ ،‬وهزم الحزاب َ ْ َ‬
‫ح‬ ‫و‬ ‫جن ْ َ‬
‫عبده‪ ،‬وأعز ُ‬
‫المسلمين والكفار؛ فإن الغالب هم المسلمون‪ ،‬والهزيمة لحقة بالكفار ؛ وعد‬
‫صادق من الله‪ ..‬الكافرون سينفقون ما لديهم من أموال ورجال في حروب‬
‫ون على أيدي‬ ‫طاحنة مع المسلمين‪ ،‬ثم تكون عليهم حسرة‪ ،‬ثم ي ُغْل َب ُ ْ‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫ت ل يدوم؛ وهيهات له أن‬ ‫وإن انتصر الكفار على المسلمين فهو نصر مؤقّ ٌ‬
‫يدوم‪ ،‬والله قد كتب الغلبة لدينه ورسله وأوليائه الصالحين‪ ،‬والله ل يؤيد‬
‫بنصره ُأمة قامت على كفر به‪ ،‬وصد عن سبيله ‪.‬‬
‫ظال ِمين م َ‬
‫صاٍر]‪]{[270‬سورة‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ما ِلل ّ ِ َ ِ ْ‬ ‫‪ -2‬حجاب الظلم‪:‬قال تعالى‪...}:‬وَ َ‬
‫ر]‪]{[8‬سورة‬ ‫صي ٍ‬ ‫َ‬
‫ي وَل ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫البقرة[‪ .‬وقال تعالى‪َ...}:‬وال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫الشورى[‪ .‬نعم ؛ إن الله ل ينصر الظالم على المظلوم بل اقتضت حكمته أنه‬
‫ينصر المظلوم على الظالم مهما كان المظلوم والظالم ‪.‬‬
‫منا النصر على أعدائنا‪،‬‬ ‫حرِ ْ‬ ‫وما أكثر الظلم في المسلمين؛ والذي بسببه ُ‬
‫فالظلم يمنع النصر كما في هذه اليات وكما في حديث دعوة المظلوم وأنه‬
‫ليس بينها وبين الله حجاب‪ ،‬والله تعالى قد وعد بأنه سينصرها ولوبعد حين ‪.‬‬
‫فمتى ط ُهَّرت المة من الظلم بجميع أنواعه وصوره؛ فإن نصر الله آ ٍ‬
‫ت‪،‬‬
‫ووعده متحقق سواء في ذلك قرب الزمن أو بعده ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬
‫س َ‬
‫ك ال ْ‬ ‫ن ِفي الد ّْر ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫‪ -3‬حجاب النفاق‪ :‬قال الله تعالى‪...}:‬إ ِ ّ‬
‫صيًرا]‪]{[145‬سورة النساء[‪ .‬بّين الله في هذه الية أن‬ ‫جد َ ل َهُ ْ‬
‫م نَ ِ‬ ‫الّنارِ وَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬
‫م منه كل منافق دخيل في صفوف المسلمين‪ ،‬بل محروم منه‬ ‫نصَره محرو ٌ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كل من قّرب المنافقين وأنالهم منه مكانا مرموقا‪ ،‬وجاها رفيعا‪..‬إن النفاق ما‬ ‫ً‬
‫جد َ المنافقون‬ ‫جد َ في قوم إل أحّلهم دار البوار‪ ،‬ومنعهم الخير والنصر‪ ،‬وما وُ ِ‬ ‫وُ ِ‬
‫ّ‬
‫مكُنوا منها العدو على المسلمين‪ ،‬وأذلوا الصالحين من عباد الله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في أرض إل َ‬
‫مت المة من هؤلء 'المتلونين' استحقت النصر‬ ‫سل ِ َ‬
‫فإذا ما طهَُرت الرض‪ ،‬و َ‬
‫من الله على عدوها‪ ،‬وكان لها الظفر بالعدو‪.‬‬
‫من ِعَ المسلمون النصر يوما ً قط إل بسبب ما كان منهم من تقريب لهؤلء‬ ‫وما ُ‬
‫ب لهم‪ ،‬ومجالسة معهم‪ ،‬وتمام وُد ّ لهم‪ ..‬إن النفاق في هذه‬ ‫ّ‬ ‫وح‬ ‫المنافقين‪،‬‬
‫مه بينهم‪ ،‬ونال أهُله من‬ ‫ُ ُ‬‫مقا‬ ‫ودام‬ ‫المسلمين‪،‬‬ ‫بين‬ ‫ريشه‬ ‫طال‬ ‫الزمان قد‬
‫مبّينين حالهم وضللهم الذى‬ ‫المسلمين كل ما يريدونه‪ ،‬بل نال الصالحين ال ُ‬
‫منهم ومن أسيادهم‪ .‬وحين تلتفت المة إلى هؤلء المجرمين‪ ،‬وتبدأ بهم‪،‬‬
‫كل بهم؛ تنعم بعد ذلك بنصر من الله مؤّزٌر‪ ،‬وبإيفاء الله وعده لهم ‪.‬‬ ‫وتن ّ‬
‫خاتمة البوابة‪:‬‬
‫في ختام الولوج من هذه البوابة العريقة‪..‬وفي نهاية المرور بها‪..‬آمل أن‬
‫ت بوضع النقاط على حروفها‪ ،‬وأن أكون قد بعثت ما مات من‬ ‫ق ُ‬ ‫أكون قد وُفّ ْ‬
‫ل كبار في نفوس قومي‪ ،‬وأسأل الله تعالى أن ُيحيي ما مات من آمالنا‪،‬‬ ‫آما ٍ‬
‫وأن ينصر دينه‪ ،‬وكتابه‪ ،‬وسنة نبّيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعباده الله‬
‫الصالحين ‪.‬‬
‫من رسالة‪':‬بوابة النصر' للشيخ‪ /‬عبد الله بن سليمان العبد الله‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بواكير الثمار‬
‫د‪ .‬صفاء الضوي العدوي ‪16/8/1426‬‬
‫‪20/09/2005‬‬
‫دنا بأطيب الثمار‪ ،‬ول تزال بساتيننا‬ ‫ّ‬ ‫وتم‬ ‫تثمر‪،‬‬ ‫–‬ ‫الله‬ ‫بحمد‬ ‫‪-‬‬ ‫أشجارنا‬ ‫ل تزال‬
‫حافلة بالشجار الطيبة‪ ،‬كما ل تزال أرضنا الطيبة وفيرة بالبساتين ‪.‬‬
‫روى ابن ماجة من حديث أبي عنبة الخولني ‪ -‬وكان قد صلى القبلتين مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يقول‪" :‬ل يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا ً يستعملهم في‬
‫سنه اللباني‬ ‫طاعته" رواه ابن ماجه في سننه ‪ -‬المقدمة رقم الحديث )‪ (8‬وح ّ‬
‫في صحيح سنن ابن ماجه (والمعنى أن قدر الله ماض في إبقاء عصابة‬
‫مؤمنة مهتدية تنافح عن الدين وتظهر أحكامه‪ ،‬وتشيع هديه‪ ،‬وتصبر على ما‬
‫يصيبها بسبب تمسكها بالحق‪ ،‬ودعوتها إلى الخير ‪.‬‬
‫وما الصحوة السلمية الممتدة في أرجاء العالم اليوم إل صورة واضحة لهذا‬
‫الغرس الرباني الطيب‪ ،‬وما منافحتهم عن الدين‪ ،‬وثباتهم على الحق رغم ما‬
‫يتعرضون له من ظلم واضطهاد على أيدي الطغاة إل نفاذ لقدر الله تعالى‬
‫وإرادته في أن يهدي بعض عباده‪ ،‬ويوفقهم للخير‪ ،‬ويستعملهم في طاعته‪،‬‬
‫نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم ‪.‬‬
‫تفكرت في هذا الحديث‪ ،‬وأرخيت العنان للمل الذي يشعّ منه لينساب إلى‬
‫أعماقي‪ ،‬وتذكرت حديثا ً دار قريبا ً بيني وبين صديق لي صالح عاقل‪ ،‬أحبه في‬
‫الله‪ ،‬وألقاه على فترات متباعدة‪ ،‬وكان حديثنا حول الولد وهموم تربيتهم‪،‬‬
‫وما يختلج في النفس من قلق على مستقبل الدعوة في أيديهم بسبب ما‬
‫نراه من ضعف هممهم وقلة خبرتهم‪ ،‬وصغر اهتماماتهم‪ ،‬ونزوعهم الكبير للهو‬
‫واللعب‪ ،‬وما يحتاجون إليه منا من جهد كبير لمتابعة التعّهد لما يحفظونه من‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬والحرص على الستفادة التامة من الوقت‪ ،‬وما ينبغي أن‬
‫يكونوا عليه من الديانة والتعفف والعقل والطموح‪ ،‬وما نؤمله فيهم من‬
‫النبوغ‪ ،‬وما نذهب إليه مما هو أبعد من ذلك من استيفاء صفات القيادة إلى‬
‫آخر ما في قائمة المال والمطامح الكبيرة التي تنطوي عليها نفس الوالد‬
‫الداعية العطوف تجاه ولده ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال صاحبي‪ :‬يسيطر علينا –أحيانا‪ -‬طيف من الحباط حين نوازن بين ما كان‬
‫عليه شباب المسلمين في العصور الولى للمة المسلمة‪ ،‬وما عليه أبناؤنا‬
‫نحن الدعاة فضل ً عن غيرهم من أبناء المسلمين‪ ،‬إننا نظن أننا قدمنا لبنائنا‬
‫كل شيء نقدر عليه‪ ،‬فولدي الذي عمره خمسة عشر عاما ً قد أتم حفظ‬
‫القرآن قبل سنتين‪ ،‬وليس في البيت تلفاز يفسد علينا ما نبذله معهم من‬
‫در ل بأس به من الثقافة والفضائل‪،‬‬ ‫تربية‪ ،‬وهو متفوق في دراسته‪ ،‬ولديه ق ْ‬
‫ما‬‫بيد أني أشفق دائما ً على مستقبل العمل السلمي‪ ،‬وهو ُيسلم لبنائنا‪ ،‬ول ّ‬
‫ّ‬
‫يتوفر لهم القدر الكافي من التربية التي تناسب ما ينتظرهم من تحديات‬
‫جسام ‪.‬‬‫م ِ‬‫كبيرة ومها ّ‬
‫وأضاف‪ :‬إنني أقدر أثر البيئة التي ينشأ فيها أبناؤنا‪ ،‬وأدرك التباين الهائل بين‬
‫البيئة السلمية الصافية التي كانت‪ ،‬وبيئاتنا الملوثة بكل أنواع السموم التي‬
‫تضر بالخلق والعقل والصحة النفسية للطفل‪ ،‬بل بالفطرة ذاتها ‪.‬‬
‫على أنه ينبغي أل نستسلم لدواعي الحباط‪ ،‬بل علينا أن نغذي المل في‬
‫صلحهم بثقتنا في الله الذي ل يضيع عنده جهد المخلصين من عباده‪ ،‬وأن‬
‫نتفّرس في مخايل البناء أمارات الصلح والعقل‪ ،‬فإننا سنجد ‪ -‬بفضل الله‬
‫تعالى – الكثير من الخير‪ ،‬وستنقشع عن نفوسنا هموم المخاوف‪ ،‬وتشرق‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعدها المال العراض‪ ،‬ونحس بأفراح الروح ‪.‬‬


‫ثم ابتسم صاحبي‪ ،‬وحكى لي قصة ذات دللة تربوية حصلت له مع ولده‪،‬‬
‫قال‪ :‬سبقني ولدي بالخروج من المسجد‪ ،‬وانتظرني عند الباب‪ ،‬وحين خرجت‬
‫طلب مني بصوت خفيض شيئا ً من "الفلوس"‪ ،‬فأعطيته فمال بها ووضعها‬
‫أمام امرأة أو فتاة كانت تجلس أمام المسجد متلففة في ثيابها‪ ،‬ثم مشينا‬
‫ن لي أن أسأله عن سبب اهتمامه بإعطاء تلك الفتاة‬ ‫عائدين إلى البيت‪ ،‬وع ّ‬
‫شيئا ً من المال‪ ،‬فقال‪ :‬رأيتها وأنا آت إلى المسجد‪ ،‬وقد وقفت أمام المقهى‪،‬‬
‫وسألت ثلثة من الشبان كانوا يدخنون "الشيشة"‪ ،‬فأعطاها كل واحد منهم‬
‫ت من المسجد في‬ ‫شيئًا‪ ،‬ثم إنها جاءت وجلست أمام المسجد‪ ،‬وحين خرج ُ‬
‫درت أن يجول في‬ ‫أول الخارجين لم أجد أحدا ً من المصلين أعطاها شيئًا‪ ،‬فق ّ‬
‫نفسها أن أهل المقهى أعطوني‪ ،‬والمصلين أهملوني‪ ،‬ولم يعطني أحد منهم‬
‫شيئًا‪ ،‬قال ولدي‪ :‬فخشيت عليها من هذا الخاطر‪ ،‬فبادرت بإعطائها لقطع‬
‫على الشيطان كيده بها‪ ،‬هذا وجه‪ ،‬والخر أني ِغرت على أهل الصلة أن‬
‫يتقاصروا في الفضائل عن أهل الغفلة‪ ،‬ولو في نفس تلك المسكينة‬
‫المجهولة ‪.‬‬
‫دد‬
‫قال صاحبي‪ :‬ل أدري كيف أصف لك سعادتي بما سمعته من ولدي‪ ،‬لقد ب ّ‬
‫من نفسي الكثير من تلك المخاوف‪ ،‬لقد أينعت ثمار التربية‪ ،‬وهذه من‬
‫بواكيرها‪ ،‬وشعرت أن المستقبل سيكون بإذن الله أفضل‪ ،‬وأيقنت أن الله ل‬
‫يضيع أجر المحسنين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن الهم بأمر الدعوة‪ ،‬والتفاعل الوجداني مع قضاياها معيار دقيق للصدق مع‬
‫الله‪ ،‬ومقياس صحيح لثر التربية المنشودة‪ ،‬إن علينا نحن الباء حين نحس‬
‫من أبنائنا ببوادر هذا التفاعل الوجداني أن نزودهم بالدروس المستفادة من‬
‫التجارب‪ ،‬وأن نقف بهم قريبا ً من خطوط الصراع بين أهل الحق وأهل‬
‫الباطل‪ ،‬وأن نحكي لهم مما كان وما هو كائن من القصص الحق في طبيعة‬
‫ق‪ ،‬لكنه‬
‫الطريق إلى الله‪ ،‬طريق الدعوة والجهاد‪ ،‬وأن نبين لهم أنه طريق شا ّ‬
‫طريق ل يمضي فيه إل الكرام الوفياء لدينهم؛ الصادقون مع ربهم‪ ،‬وأن هذا‬
‫الطريق ينتهي بأصحابه إلى الجنة حيث النعيم والتكريم ‪.‬‬
‫إنه لبد لهذا الطريق من زاد‪ ،‬وأول هذا الزاد اليمان الراسخ في جذور‬
‫النفس‪ ،‬اليمان بالله الواحد الصمد الذي ل يستحق أحد سواه أن ُيعبد‪ ،‬فله‬
‫وحده يكون الخضوع‪ ،‬وإليه وحده تكون النابة والذل‪ ،‬ولشرعه وأحكامه يكون‬
‫التسليم التام والذعان ‪.‬‬
‫إن علينا ونحن نربي أبناءنا أن تكون أول شجرة نغرسها في قلوبهم هي‬
‫شجرة التوحيد المباركة التي هي أساس الستقامة والصلح والفلح‪ ،‬إن هذه‬
‫الشجرة الطيبة إذا ضربت جذورها في أعماق النفس أينعت لنا ثمار اليمان‬
‫الزكية من صدق وبذل وعلم وثبات وإقدام وتضحية وصبر وعفاف وجود‬
‫وسائر الفضائل التي اشتمل عليها اليمان‪ ،‬وتمثلت في أرفع معانيها وأكملها‬
‫وأزكاها وأشرفها في نفس نبينا المصطفى صلوات ربي وسلمه عليه وعلى‬
‫آله وصحبه‪ ،‬ثم في نفوس أصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم ‪.‬‬
‫إن في سيرة النبي الكرم ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬النموذج الحي الواقعي‬
‫لحركة اليمان والتوحيد على الرض‪ ،‬إنه لبد لبنائنا أن يعيشوا أحداث هذه‬
‫ة عند كل حدث من‬ ‫ة متأني ً‬
‫ة يقظ ً‬
‫السيرة العطرة‪ ،‬ويقف بهم المربي وقف ً‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحداث السيرة‪ ،‬فهنا حلمه وصبره‪ ،‬وهنا صدقه وثباته‪ ،‬وهنا جوده وكرمه‪ ،‬وهنا‬
‫إقدامه وشجاعته‪ ،‬وهنا عزمه وحزمه‪ ،‬وهنا قيامه وتلوته‪ ،‬وهنا صيامه وزهده‪،‬‬
‫وهنا سلمة صدره لصحابه‪ ،‬وحسن ظنه بهم‪ ،‬وهنا فراسة ونباهة‪ ،‬وهنا صفح‬
‫وعفو‪ ،‬وهنا تقييم دقيق للموقف وحزم‪ ،‬هنا يبتسم ويحنو‪ ،‬وهنا يغضب‬
‫ويعاقب صلوات ربي وسلمه عليه ‪.‬‬
‫إنها التربية بالسيرة النبوية‪ ،‬ولن تجد لمثلها تربية‪ ،‬إنك حين تقول لولدك‪ :‬خذ‬
‫ي هذا الفصل من السيرة فاقرأه‪ ،‬إنها غزوة من غزوات النبي ‪-‬صلى الله‬ ‫ُبن ّ‬
‫عليه وسلم‪ -‬كان عدد المشركين فيها أضعاف عدد المسلمين‪ ،‬لكن‬
‫المسلمين انتصروا‪ ،‬قف ُبني عند معاني التوكل على الله‪ ،‬والثقة الكبيرة في‬
‫نصر الله وتأييده‪ ،‬وصدق الّلجأ إليه سبحانه وقت الشدة‪ ،‬قف بني عند حب‬
‫أصحاب رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لرسولهم الكريم وتفديتهم إياه‬
‫طعن طعنة الموت‪ :‬فزت ورب‬ ‫بأنفسهم‪ ،‬ماذا يعني قول هذا الصحابي حين ُ‬
‫حَزنا ً أل‬
‫الكعبة؟ وماذا يعني قول الله تعالى‪ ) :‬تولوا وأعينهم تفيض من الدمع َ‬
‫يجدوا ما ينفقون(‪ ،‬هل أدركت معنى ضراعة النبي ‪-‬صلى الله وسلم‪ -‬وشدة‬
‫مناشدته لربه قبل المعركة ‪.‬‬
‫س‬ ‫ً‬
‫إن الولد سيدرك قطعا بعد معايشته أحداث هذه الغزوة بعقل واٍع‪ ،‬وح ٍ‬
‫يقظ‪ ،‬وقلب حي معاني ما كانت لُتدرك وتستقر في أعماقه وتشكل سلوكه‬
‫وتؤسس مشاعره لو أنها ُقدمت له نصائح نظرية مجردة‪ ،‬إنه بعد هذه‬
‫المعايشة سيوقن أن النصر من عند الله وحده‪ ،‬وأن المر كله بيده سبحانه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وأنه القادر على كل شيء‪ ،‬وأنه القاهر فوق عباده‪ ،‬وأنه‬ ‫وأنه المعز المذ ّ‬
‫ي الصالحين‪ ،‬وعندها ستمتلىء نفسه باليمان‪ ،‬وُتفعم بالحب لله‬ ‫سبحانه ول ّ‬
‫المنعم‪ ،‬وبالرهبة والرغبة والخوف والخشية والتعظيم له سبحانه‪ ،‬وتنصاع‬
‫لمره راضية خاشعة ‪.‬‬
‫ً‬
‫إن قراءته الواعية للغزوة بعقله وفؤاده ستفتح له آفاقا واسعة من العلم‬
‫والفهم‪ ،‬وتعينه على إدراك عميق لمعاني عظيمة‪ ،‬منها أنها ستقدم له‬
‫أصحاب رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في صورة إيمانية عملية‪ ،‬سيرى‬
‫جهادهم وإخلصهم وحبهم للشهادة‪ ،‬وحقارة الدنيا كلها في أعينهم‪ ،‬وعظم‬
‫أمر الخرة عندهم‪ ،‬سيرى اليثار يرفع أقدارهم فيستحي أن تهبط به الثرة‪،‬‬
‫ويرى القدام يشرفهم عند الله وعند المؤمنين‪ ،‬فيأنف أن يزري به الجبن‬
‫والتخاذل‪ ،‬وسيرى البذل والتضحية والنفاق في سبيل الله تعالى ينبيء عن‬
‫إيمان كبير وثقة في الله الرّزاق المنعم‪ ،‬ويقين أنه تبارك اسمه ل يضيع عنده‬
‫رق من أن يكون بخيل ً ممسكا ً فتتراخى قبضته‬ ‫أجر المحسنين‪ ،‬يرى ذلك فيف ِ‬
‫عن الدنيا ومعانيها رغبة فيما عند الله ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنه حين يقرأ في السيرة النبوية العطرة عن غلمين يتطاولن في الصف‬


‫فيقفان على صخرة ليبدوا أكبر من سنهما‪ ،‬فيجيَزهما النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬في صفوف المجاهدين فيشتركا في المعركة‪ ،‬والمعركة ليست نزهة‬
‫ول رحلة للعب‪ ،‬إنها سيوف تبرق‪ ،‬وجراح تْنزف‪ ،‬واستشراف للشهادة والجنة‪،‬‬
‫وإصرار وعزم على نصرة السلم ورفع لوائه‪ ،‬إنه سوف يتساءل‪ :‬ما الذي‬
‫ما يزال في سن‬ ‫يدفعهما إلى هذا المرتقى السامق من المكارم والمعالي‪ ،‬ول ّ‬
‫الغلمان؟! لبد أن ثمة تربية إيمانية دقيقة مبصرة قد أثمرت هذا الحال‬
‫العجيب لغلمين مسلمين‪ ،‬فتراه ينشد هذا الحال‪ ،‬ويتعرض لجوائه ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسوف يقرأ في السيرة قصة ابني عفراء‪ ،‬وهما يتسابقان فينقضان كالصقور‬
‫على الطاغية العنيد أبي جهل‪ ،‬يأمل كل منهما أن يفوز بهذا الشرف الكبير‪،‬‬
‫وليكن دون قتله ما يكون‪ ،‬فالنفس لله خالقها‪ ،‬والجل بيد الله‪ ،‬والموت قدر‬
‫جل به إقدام‪ ،‬فل نامت أعين الجبناء‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬ول يع ّ‬
‫محتوم‪ ،‬ل يؤخره عن العبد جب ٌ‬
‫فهاهم أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬حولهما في المعركة‬
‫يطيرون إلى الموت‪ ،‬وينصرون السلم‪ ،‬هذا هو الجو الذي فيه يتربون‪،‬‬
‫ويتنفسون هواءه ‪.‬‬
‫إن السيرة النبوية معين ل ينضب للتربية السلمية‪ ،‬بيد أن السبيل المثل في‬
‫الستفادة منها‪ ،‬والتوفر على كنوزها يكمن في المربي الواعي الفطن‬
‫الموفق في الوقوف بالناشئ المسلم عند كل حدث ليلفت نظره للدرس‪،‬‬
‫ويغرس في أعماق نفسه الفضيلة واليمان‪ ،‬ويفعم نفسه بحب نبيه‬
‫المصطفى وأصحابه الكرام‪ ،‬ويضعه على طريق التأسي والتباع‪ ،‬وبهذا َيكُرم‬
‫في عين المتربي الصحابة الكرام رضي الله عنهم‪ ،‬ومن على منهجهم من‬
‫العلماء وأئمة الدين وسائر الصالحين ورجالت السلم في كل زمان‪ ،‬ولن‬
‫يجد أهل البدع من أعداء الصحابة سبيل ً إلى عقله‪ ،‬ويرخص القزام الذين‬
‫يتصدرون أمام عينه في زماننا ممن يتنكرون لهذه القيم العظيمة التي‬
‫تغرسها في نفسه أحداث السيرة العطرة‪ ،‬إنه سيفهم دونما جهد أو عناء‬
‫معاني الولء والبراء‪ ،‬وسيجد في ذهنه ووجدانه موازين دقيقة ومعايير‬
‫دد بها من يحب ومن يبغض؛ ومن يوالي ومن يعادي‪ ،‬ستكشف له‬ ‫صحيحه يح ّ‬
‫أضواء السيرة معالم الطريق‪ ،‬وسيعرف معنى اليمان والكفر والنفاق‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بورك لمتي في بكورها‬


‫د‪ .‬لطف الله بن عبد العظيم خوجه ‪4/8/1426‬‬
‫‪08/09/2005‬‬
‫عن صخر بن وداعة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫) اللهم بارك لمتي في بكورها(‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان إذا بعث سرية أو جيشا ‪ ،‬بعثهم أول النهار ‪ .‬وكان صخر رجل تاجرا‬
‫‪ ،‬وكان إذا بعث تجارة بعثها أول النهار ‪ ،‬فأثرى وكثر ماله ‪ .‬رواه أبو داود‬
‫والترمذي ‪.‬‬
‫من مفسدات القلب‪ ،‬المانع من نزول البركة في الرزق‪ ،‬المورث خسارة‬
‫منافع دنيوية وأجور أخروية‪ ،‬والذي يحرم النسان السرور أيامه ولياليه‪،‬‬
‫ويكتب عليه الهم الدائم‪ ،‬والكتئاب‪ ،‬ومرارة العيش‪ ،‬وضيق النفس‪ ،‬وقلق‬
‫القلب‪ ،‬وفقدان الشعور بلذة الحياة وجمالها‪ ،‬والذي ينزع البركة من العمر‪.‬‬
‫واليام والليالي تمر والحياة سقيمة‪ ،‬يعتورها الملل‪ ،‬تذهب البسمة‪ ،‬ويذهب‬
‫الفرح‪ ،‬فل تراه إل وهو محتار‪ ،‬ل يهنأ بعيش‪ ،‬ول يفرح بطيش‪ ،‬ل تزول همومه‬
‫بسفر‪ ،‬ول في حضر‪ ،‬قد لزمته ملزمة الشمس للنهار‪ ،‬والظلم لليل‪.‬‬
‫يسأل نفسه لماذا حياتي هكذا ؟!‪ ..‬وهل كل الناس مثلي ؟!‪:.‬‬
‫‪ -‬النوم في أول النهار‪ ،‬وتضييع صلة الفجر‪ ،‬وما بعده حتى وقت القيلولة‪.‬‬
‫هو سبب رئيس لكل ذلك‪ ..‬أكثر الناس ينامون من قبل الفجر‪ ،‬ويمر عليهم‬
‫الفجر وهم نائمون‪ ،‬ويمر أول النهار وهم نائمون‪ ،‬ويمر وقت الضحى وهم‬
‫نائمون‪ ،‬إلى الظهيرة وقت القيلولة‪ ،‬حيث يبدأ يومهم ونهارهم ‪ ،‬لينتهي في‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منتصف الليل وقرب الفجر‪ ،‬ليبدأ ليلهم بعد ذلك‪ ،‬ويستمر إلى وقت الظهر‪،‬‬
‫وهكذا كل يوم‪.!!..‬‬
‫ل يشعرون بقلوبهم‪ ،‬ونفوسهم‪ ،‬وأبدانهم‪:‬كيف أنها تضمحل‪ ،‬وتهزل‪ ،‬وتضعف‪،‬‬
‫ويصيبها المراض‪ ،‬الحسية والمعنوية ببطء‪ ،‬ول يفيقون إل بعد التبدل مرضا‪،‬‬
‫وضيقا‪ ،‬وقلقا‪.‬‬
‫إبطال سنة الليل وسنة النهار‪ :‬مخالفة لسنة الله تعالى في خلقه‪ .‬فقد جعل‬
‫الله تعالى الليل لباسا‪ ،‬والنوم سباتا‪ ،‬وجعله سكنا‪ ،‬وجعل النهار معاشا‬
‫وحركة‪ ،‬وهو الحكيم الخبير‪ ،‬يعلم ما الذي يصلح شأن عباده في الدنيا‪ ،‬فإذا‬
‫صادم النسان سنة الله الكونية‪ ،‬وقلب الساعات قلبا‪ ،‬وخالف طريق السير‪،‬‬
‫وصار بمواجهة السنن‪ ،‬فل يلومن إل نفسه‪.‬‬
‫يقول الله تعالى ممتنا على عباده بنعمة الليل للسكن والنوم‪ ،‬ونعمة النهار‬
‫للمعاش‪:‬‬
‫"هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ‪ ،‬إن في ذلك ليات‬
‫لقوم يسمعون"‪.‬‬
‫"وجعلنا نومكم سباتا * وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا "‪.‬‬
‫إن الذي ينام نهاره قد ضيع غنيمتين عظيمتين ‪:‬‬
‫الغنيمة الولى ‪ :‬واجب الله عليه‪ :‬صلة الفجر في جماعة ‪.‬‬
‫والغنيمة الثانية ‪ :‬بركة أول النهار‪ ،‬الوقت الذي تقسم فيه الرزاق‪ ،‬فيحرم‬
‫ذلك الرزق اللهي في يومه؛ لنومه‪.‬‬
‫فمن ضيع حق الله الواجب عليه‪ ،‬فل عجب أن يعيش في‪ :‬قلق‪ ،‬وثبور‪،‬‬
‫ونقصان‪ ،‬وكدر‪ .‬لما يجده من عقاب الله عليه‪ ،‬لهماله ما وجب عليه‪ ..‬أرأيتم‬
‫إنسانا ل يقوم بوظيفته كما يجب‪ ،‬فيجد توبيخا من صاحب العمل‪ ،‬وربما‬
‫خصم شيئا من أجرته‪ :‬أل يجد ألما في نفسه من التوبيخ‪ ،‬وحرمان الجرة ؟‪.‬‬
‫فكيف الذي يضيع حق الله تعالى؟!‪.‬‬
‫وقد دعى عليه الصلة والسلم بالبركة‪ ،‬لمن اغتنم هذا الوقت‪ ،‬في أموره‬
‫عامة‪ ،‬سواء كانت دنيوية أو أخروية‪:‬‬
‫)بورك لمتي في بكورها(‪.‬‬
‫فمن ضيعه فقد حرم رزقا كان ينتظره من الله تعالى‪ ،‬لو أنه انطلق في‬
‫نهاره مستيقظا‪ ،‬متطلعا لفضل الله تعالى‪ ،‬فإذا ضاع عليه ذلك الرزق اللهي‪،‬‬
‫فهذا من أسباب سخطه وضيق صدره ‪.‬‬
‫وللشيطان سعي في حرمان النسان من القيام بواجبه‪ ،‬وتحصيل بركة اليوم‪،‬‬
‫فيزين سهر الليل‪ ،‬بشتى العذار‪ ،‬وما أكثرها‪ .!!..‬حتى تمر الساعات الطويلة‬
‫ول ينام‪ ،‬فإذا اقترب وقت الفجر تركه لينام عن الصلة وعن أول النهار‪ ،‬فل‬
‫يستيقظ إل ظهرا‪ ،‬فيكون مع الشيطان دوما‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حدث فقال‪:‬‬
‫) قيلوا‪ ،‬فإن الشياطين ل تقيل (‪.‬‬
‫فأمر بالنوم وقت الظهيرة‪ ،‬وعلل ذلك بأن الشياطين ل تنام في ذلك الوقت‪،‬‬
‫فإذا نام النسان ذلك الوقت خالفها‪ ،‬وسلم من وسواسها‪ ،‬لكن كيف للنائم‬
‫نهاره أن ينام القيلولة ؟‪ ،‬وكيف له مخالفتها؟‪ ،‬وكيف يسلم منها ؟!‪.‬‬
‫***‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫) من صلى الصبح في جماعة‪ ،‬ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس‪ ،‬ثم‬
‫صلى ركعتين‪ ،‬كانت له أجر حجة وعمرة‪ :‬تامة‪ ،‬تامة‪ ،‬تامة ( رواه الترمذي ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن قضاء الوقت بعد صلة الفجر حتى طلوع الشمس في الذكر‪ ،‬إحدى‬
‫الغنائم التي يحصلها ذلك المستيقظ‪:‬‬
‫فإن له أجر حجة وعمرة تامتين‪.‬‬
‫وفي بعض الثار ‪:‬كعتق أربعة رقاب من ولد إسماعيل‪.‬‬
‫وفي بعضها يدخل الجنة‪ ،‬ويحرم على النار‪ ،‬ويغفر ذنبه‪ ،‬وإن كان مثل زبد‬
‫البحر‪.‬‬
‫كل هذه الجور وضعت‪ ،‬لتحمل على اغتنام هذا الوقت الفضيل‪ ،‬فهذه من‬
‫رحمة الله تعالى؛ يدعو عباده إلى ما فيه حظهم وصلحهم الدنيوي‪ ،‬بترتيب‬
‫الجور الخروية على إجابتهم‪.‬‬
‫***‬
‫وقد جرت الشادة بصلة الفجر في القرآن والسنة‪:‬‬
‫)‪ (1‬أقسم الله بالفجر‪ ،‬فقال‪ }:‬والفجر * وليال عشر {؛ يعني صلة الصبح‪،‬‬
‫ورد عن ابن عباس عند ابن جرير‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)‪ (2‬أمر بإقامتها‪ ،‬وذكر شهودها من الملئكة‪ ،‬فقال تعالى‪ } :‬أقم الصلة‬
‫لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان‬
‫مشهودا {؛ أي تشهده ملئكة الليل وملئكة النهار‪ ،‬فإن الملئكة تتعاقب على‬
‫بني آدم‪ ،‬فملئكة تكون بالليل‪ ،‬ثم يحل محلها ملئكة بالنهار‪ ،‬وموعد التعاقب‬
‫صلة الفجر وصلة العصر‪ ،‬ولن القراءة في الفجر جهرية‪ ،‬فإن الملئكة‬
‫تشهدها‪ ،‬وإحساس المصلي بها‪ ،‬تشهد مع الصلة‪ ،‬تحفظه بإذن الله‪ ،‬وتثبته‪،‬‬
‫وتدعو له بالرحمة‪ :‬يزيد في اليمان‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫) يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل وملئكة بالنهار‪ ،‬ويجتمعون في صلة الصبح‬
‫وصلة العصر‪ ،‬ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله ‪ -‬وهو أعلم بهم ‪ -‬كيف‬
‫تركتم عبادي؟‪ ،‬فيقولون‪ :‬تركناهم وهم يصلون‪ ،‬وأتيناهم وهم يصلون( متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫ولجله كان النبي عليه الصلة والسلم يطيلها أكثر مما يطيل غيرها‪ ،‬فيدخل‬
‫الصلة والظلم باق‪ ،‬ول ينصرف منها‪ ،‬إل والنور قد ظهر‪ ،‬يصلي ويقرأ قدر‬
‫مائة آية‪.‬‬
‫)‪ (1‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬من صلى الفجر في جماعة‬
‫فكأنما قام ليلة(‪ .‬رواه الترمذي‬
‫)‪ (2‬نافلة الفجر خير من الدنيا وما عليها‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪ ) :‬ل‬
‫تتركوها ولو طردتكم الخيل (‪ .‬وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدها‪،‬‬
‫وليتركها‪ ،‬في السفر كان ل يصلي السنن الرواتب إل سنة الفجر‪ ،‬فلم يكن‬
‫يتركها أبدا‪ ،‬فإذا كانت ركعتا الفجر ‪ -‬وهي سنة‪ -‬خير من الدنيا‪ ،‬ورسول الله‬
‫يتعاهدها‪ ،‬كما يتعاهد الرجل بيته وأهله وأشد‪ ،‬فكيف بالفريضة ذاتها؟‪ .‬فل شك‬
‫أن الفريضة أعظم أجرا وثوابا من السنة‪.‬‬
‫)‪ (5‬جاء في بعض الثار‪ ،‬كما في كتاب حادي الرواح إلى بلد الفراح للحافظ‬
‫ابن القيم الجوزية‪:‬‬
‫أن أوقات أهل الجنة‪ :‬كوقت السفار‪ .‬وهو الوقت من انتشار النور‪ ،‬حتى قبيل‬
‫طلوع الشمس‪.‬‬
‫فهذا الوقت يذكر بالبقاء والدوام في الجنة‪ ،‬وهذا يوجب علينا أن نشهده‬
‫دائما‪ ،‬فلو قيل‪:‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن في المكان الفلني ثمرا من ثمار الجنة‪ ،‬أو بيتا من بيوت الجنة‪.‬‬
‫فنحن نتسابق للنظر إليه‪ .‬فالن قد فهمنا أن وقت الفجر‪ ،‬هو أشبه الوقات‬
‫بأوقات الجنة‪ ،‬التي ليس فيها شمس ول زمهرير‪ ،‬فشهوده يسلي المؤمن‪،‬‬
‫ويذهب عنه الحزن‪ ،‬ويرجيه في دخول الجنة‪.‬‬
‫***‬
‫إن صلة الفجر أول اليوم وبدايته‪ .‬والبدايات لها أثر كبير على النهايات‪ ،‬فكلما‬
‫كانت البداية موفقة‪ ،‬كانت النهاية مسددة‪ ،‬وكلما كانت البداية متعثرة‪ ،‬كانت‬
‫النهاية فاشلة‪.‬‬
‫فالذي يحافظ على صلة أول النهار كاملة‪ ،‬من سنتها إلى فريضتها‪ ،‬فإنه يبدأ‬
‫يومه بداية موفقة‪ ،‬ثم بعد ينطلق في حاجاته الدنيوية والخروية‪ ،‬فيصادف‬
‫من التوفيق ما ل يجد مثله‪ ،‬ول جزءا منه‪ ،‬من نام وفاته صلة الفجر‪ ،‬فإنه‬
‫يقوم خبيث النفس كسلن‪ ،‬محروما من النجاح في يومه ذاك‪.‬‬
‫ثم صلة العصر‪ ،‬وهي صلة مقابلة لصلة الفجر‪ ،‬هذه أول النهار وتلك آخرها‪،‬‬
‫ففيها تجديد العهد باليمان والقرب من الله تعالى‪ ،‬وتوديع اليوم الذي لم يبق‬
‫منه إل ساعات‪ ،‬فمن ختم يومه بطاعة كما بدأه بطاعة‪ ،‬فهو في ظل التوفيق‬
‫والعانة‪ ،‬فإنه يرزق خير الليل‪ ،‬ول يحرم بركته‪ ،‬فيكون من فرسانه وقوامه‪،‬‬
‫من الساجدين الراكعين‪ ،‬فمن عمل صالحا في نهاره كوفيء في ليله‪ ،‬ومن‬
‫عمل صالحا في ليله كوفيء في نهاره‪.‬‬
‫والكلم على العصر‪ ،‬يجر الكلم على فضيلة هذين الوقتين مجتمعين‬
‫مقترنين‪:‬‬
‫***‬
‫الغدو ‪ ..‬والصال‪.‬‬
‫إن في اليوم وقتين غنيمتين‪ ،‬أمر الله تعالى المؤمنين بذكره فيهما‪ ،‬كما أمر‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيل * هو الذي‬
‫يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين‬
‫رحيما" ‪.‬‬
‫"واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والصال‬
‫ولتكن من الغافلين" ‪.‬‬
‫وقد رتب الجور العظيمة على القيام بهما‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫)‪ (1‬من حافظ عليهما في المسجد‪ :‬دخل الجنة وحرم على النار‪ .‬قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪:‬‬
‫) من صلى البردين دخل الجنة ( متفق عليه‪ .‬والبردان‪ :‬الصبح والعصر‪.‬‬
‫وقال‪) :‬لن يلج النار أحد صلى قبل الشمس وقبل غروبها(؛ يعني صلة الفجر‬
‫والعصر‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫والعلة كما حكى العلماء في دليل الفالحين شرح رياض الصالحين‪:‬‬
‫أن صلة الفجر في وقت النوم‪ ،‬وصلة العصر في وقت العمل‪ ،‬فمن ترك‬
‫نومه لله تعالى‪ ،‬ولم يلهه عمله عن ذكر الله تعالى‪ ،‬فهو حري بأن يدخل‬
‫الجنة‪ ،‬ويحرم على النار‪.‬‬
‫)‪ (2‬رزق أهل الجنة في الجنة‪ ،‬في هذين الوقتين‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫" جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا * ل‬
‫يسمعون فيها لغوا إل سلما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا "‪.‬‬
‫فقد جعل الله تعالى رزق المؤمنين في الجنة‪ ،‬في البكرة وهو الصباح‪ ،‬وفي‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العشي وهو العصر‪ ،‬جزاء لهم لما ثابروا على ذكره في البكرة والعشي‪،‬‬
‫أعطاهم ثوابهم في الوقت الذي ذكروه فيه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫"في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والصال *‬
‫رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الله وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون‬
‫يوما تتقلب فيه القلوب والبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من‬
‫فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب {‪.‬‬
‫والغدو هو‪ :‬البكرة‪ .‬وهو الصباح‪ ،‬والصال هو‪ :‬العشي‪ .‬وهو العصر‪.‬‬
‫)‪ (3‬من أعجب الجور وأحلها على قلب المؤمن‪ ،‬المحرضة على صلة الفجر‬
‫والعصر‪ ،‬ذلك الحديث الذي يبشر من حافظ على هاتين الصلتين في وقتها‪،‬‬
‫بأنه يرى ربه يوم القيامة‪ ،‬وهذه من أعظم البشارات‪ ،‬ولو لم يكن من فضل‬
‫المحافظة على صلتي الفجر والعصر في أوقاتهما إل رؤية الله تعالى لكفى‪،‬‬
‫وقد كان عليه الصلة والسلم يدعو الله تعالى أن يرزقه النظر إلى وجهه‬
‫الكريم‪ ،‬وهو أعلى نعيم على أهل الجنة‪ ،‬وأقسى عذاب أهل النار حجابهم عن‬
‫رؤية الله تعالى‪:‬‬
‫قال جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه‪ :‬كنا عند النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فنظر إلى القمر ليلة البدر‪ ،‬فقال‪ ) :‬إنكم سترون ربكم‪ ،‬كما ترون هذا‬
‫القمر‪ ،‬ل تضامون في رؤيته‪ ،‬فإن استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع‬
‫الشمس‪ ،‬وقبل غروبها‪ ،‬فافعلوا (‪ .‬متفق عليه‬
‫***‬
‫وقد ورد في خصوص صلة العصر من الفضل‪ ،‬أنها ذكرت في القرآن بالمر‬
‫بالحفاظ عليها‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫"حافظوا على الصلوات والصلة الوسطى وقوموا لله قانتين"‪.‬‬
‫والصلة الوسطى هي صلة العصر‪ ،‬ورد عن علي وابن عباس وغيره ‪ ،‬فقد‬
‫أمر الله بالحفاظ عليها خاصة‪.‬‬
‫والشارع حذر من التهاون في صلة العصر‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫) من فاتته صلة العصر فقد حبط عمله ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫فهذا تهديد شديد‪ ،‬اختلف العلماء في تفسيره‪ ،‬وأهون أقوالهم أنه من باب‬
‫التغليط‪ ،‬وأشدها أن تارك الصلة عمدا يكفر‪ ،‬كما ورد عن المام أحمد) دليل‬
‫الفالحين صـ ‪ . (237‬وقوله عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫) من فاتته صلة العصر‪ ،‬فكأنما وتر أهله وماله (؛ أي فقدهم‪ ،‬ففقده لصلة‬
‫العصر أشد من فقده لهله وماله‪.‬‬
‫***‬
‫هذان الوقتان زاد المؤمن‪ ،‬يتزود فيهما ليومه وليله من القوت اليماني‪،‬‬
‫لينطلق في سرور وفرح‪ ،‬وفيهما معنى خاصا‪:‬‬
‫فالصبح أول اليوم‪ ،‬وهو يذكر بالبداية‪ :‬بداية النسان‪ ،‬وبداية الدنيا‪ ،‬وبداية كل‬
‫شيء‪ .‬فيبدأ المؤمن بذكر الله في ذلك الوقت‪ ،‬يسأله العانة‪ ،‬ويستعيذ به‬
‫من الخذلن والشيطان‪ .‬وهو وقت هواؤه طيب‪ ،‬وفيه السكون والهدوء‪ ،‬الذي‬
‫يطلب في السفار والرحلت‪ ،‬فإذا اجتمع الهدوء والسكون‪ ،‬مع طيب الهواء‪،‬‬
‫ووافق فيه ذكر الله‪ ،‬وسؤاله‪ ،‬فإن القلب يكون أكثر حضورا واستشعارا‬
‫وخشوعا‪ ،‬ومن ثم ينتفع بذلك الذكر انتفاعا عظيما‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعصر آخر اليوم‪ ،‬وهو يذكر بالنهاية‪ :‬نهاية النسان‪ ،‬ونهاية الدنيا‪ ،‬ونهاية كل‬
‫شيء‪ .‬كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه بعد صلة العصر‪،‬‬
‫والشمس آخذة في الغروب بين الجبال‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫) ما بقي من عمر الدنيا إل كما بقي من عمر هذا اليوم ( ‪.‬‬
‫وهكذا يتذكر المؤمن‪ ،‬وهو يذكر الله تعالى‪ ،‬في ساعة العصر‪ :‬أن كل شيء‬
‫فان‪ ،‬ول يبقى إل وجه الرب جل شانه‪ .‬فحينذاك يخشع‪ ،‬ويزول من قلبه‬
‫وساوس الدنيا‪ ،‬ويعلم أن الفناء وتلك النهاية ستلحقه‪ ،‬فإذا وقر في قلبه‬
‫الموت وزوال الدنيا وصادفه ذكر الله تعالى‪ ،‬فإنه سيجد إيمانا عظيما يدفعه‬
‫إلى العمل وترك الكسل والعصيان‪.‬‬
‫***‬
‫والذكار التي تقال في هذين الوقتين‪ ،‬تسمى في أقوال العلماء بأذكار الصباح‬
‫والمساء‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫‪ -‬التسبيح مائة مرة‪) .‬بكرة وأصيل(‬
‫‪ -‬ومنها التهليل مائة مرة‪) .‬بكرة(‬
‫‪ -‬التهليل عشرة‪) .‬بكرة وأصيل(‬
‫‪ -‬والصلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر مرات‪) .‬بكرة وأصيل(‬
‫‪ -‬وقراءة المعوذات ثلث مرات‪) .‬بكرة وأصيل(‬
‫‪ -‬وقول‪ :‬بسم الله الذي ل يضر مع اسمه شيء في الرض ول في السماء‪،‬‬
‫وهو السميع العليم‪ ،‬ثلث مرات‪) .‬بكرة وأصيل(‬
‫‪ -‬وقول ‪ :‬رضيت بالله ربا‪ ،‬وبالسلم دينا‪ ،‬وبمحمد نبيا‪ .‬ثلث مرات‪) .‬بكرة‬
‫وأصيل(‬
‫‪ -‬وقول ‪ :‬سبحان الله وبحمده‪ ،‬عدد خلقه‪ ،‬ورضا نفسه‪ ،‬وزنة عرشه‪ ،‬ومداد‬
‫كلماته‪ .‬ثلث مرات‪) .‬بكرة وأصيل(‬
‫‪ -‬وسيد الستغفار‪ :‬اللهم أنت ربي‪ ،‬ل إله إل أنت‪ ،‬خلقتني وأنا عبدك‪ ،‬وعلى‬
‫عهدك ووعدك ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت‪ ،‬أبوء لك بنعمتك‬
‫علي‪ ،‬وأبوء بذنبي‪ ،‬فاغفر لي‪ ،‬فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪) .‬بكرة وأصيل(‪.‬‬
‫***‬
‫الحقيقة أن هاتين الصلتين فيهما من السرار والمعاني ما تملؤ قلوبنا إيمانا‬
‫ويقينا‪ ،‬وتبث في الرواح العزيمة لغتنامها‪:‬‬
‫‪ -‬فكل مسلم محتاج إلى ما فيها ليسعد‪.‬‬
‫‪ -‬وكل داعية إلى الله تعالى فقير إلى ما فيها ليثبت‪.‬‬
‫فمن لم يكن من المحافظين على الصلتين ‪ ،‬فكيف يكون مصلحا للناس‬
‫داعيا لهم‪ ،‬بل الواجب في كل من حمل هم الصلح ودعوة الناس‪ :‬أن يكون‬
‫أسبق الناس إلى هاتين الصلتين خصوصا‪ .‬ل يلهيه عن ذلك شيء ‪.‬‬
‫***‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بوش يدعي التمهيد للسيد المسيح)عليه السلم(‬


‫لقد عاش اهل الغرب حياة التحلل والنحراف متناسين ومبوش يدعي التمهيد‬
‫للسيد المسيح)عليه السلم(‬
‫لقد عاش اهل الغرب حياة التحلل والنحراف متناسين ومبتعدين عن كل‬
‫تعاليم الديان السماوية والفطرة التي غرسها الله في النفس النسانية‬
‫فتراهم قد خرقوا القوانين وجعلوها تتلئم مع اهوائهم وميولهم ونزعاتهم‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النفسية ونتيجة لذلك فقد تفشى الفساد في بلدهم وانتشرت جرائم القتل‬
‫والزنا واللواط والمحرمات بانواعها وحدث التحلل السري وتفكك المجتمع‬
‫وانهارت القيم في المجتمع الغربي واختلت الموازين وهكذا فاننا نجد بعض‬
‫رجالت الغرب ومبرزيهم والذين يعتبرهم البعض قادة من الطراز الول هم‬
‫بالفعل دعائم لنشر الفكر المنحل والفساد في المجتمع عن طريق‬
‫مؤسساتهم السياسية ونفوذهم ‪ .‬ونتناول في هذا البحث رجل من اكبر قادة‬
‫الغرب كما يحلو للبعض تسميته في التاريخ المعاصر ال وهو )جورج بوش(‬
‫البن رئيس الوليات المتحدة المريكية فقد كان يعيش بوش حياة التحلل‬
‫التي استحوذت على معظم المريكيين حيث كان يرتاد الباركل يوم فقد كان‬
‫مدمنا للخمور واستمر على هذا الحال لسنوات طويلة حتى السابع والعشرين‬
‫من يوليو ‪ 1986‬م ‪ ،‬حينما احتفل بعيد ميلده الربعين مع الصدقاء والكثير‬
‫من الخمور ‪ ،‬في اليوم التالي كان بوش يشعر بدوار شديد من اثر الخمور‬
‫فاقسم ان يمتنع عن تلك المشروبات ‪.‬وقد ذكر في كتاب )مقدمة في‬
‫الصولية المسيحية في امريكا ‪ (...‬لمؤلفه عادل المعلم ) تقول زوجته لورا ‪:‬‬
‫انه كان مترددا في تنفيذ هذا القرار لمدة عام ‪ ،‬ولكنه كان يرتد الى معاقرة‬
‫الخمر ‪ .‬في احد اليام وفي نهاية اسبوع طويل من حفلت الشرب الصاخبة ‪،‬‬
‫استيقض ثم نظر في المرآة الى القيء الذي يغطي وجهه ‪ .‬جثا على ركبتيه‬
‫داعيا الرب ان يساعده‪ .‬ان امريكا لتحب مثل هذه القصص ‪ ،‬قصة عودة‬
‫البن الضال ( عند ذلك اقلع بوش عن شرب الخمر وكان الفضل في ذلك‬
‫يعود الى زوجته لورا والى بيلي جراهام المعلم المسيحي صاحب النجم‬
‫الكبر فقد قال بوش ‪ ) :‬ان جراهام زرع بذور الخردل في قلبي ‪ ،‬وبدات‬
‫اتغير ( وبهذا فقد اصبح بوش مسيحيا متدينا وراح يتردد على الكنيسة ويقرأ‬
‫الكتاب المقدس وصارمن المتعصبين جدا للديانة المسيحية ‪ ،‬لقد صرح بوش‬
‫ذات يوم لمراسل يهودي‪ ) :‬ان الذين يؤمنون بالمسيح فقط هم الذين‬
‫سيذهبون الى الجنة ( وقد تحدث ذات مرة عن احدى سفراته وزوجته لورا‬
‫الى اسرائيل فقال‪ ) :‬قد قمنا بزيارة الحائط الغربي وكنيسة القيامة‬
‫المقدسة ‪ ،‬وذهبنا الى بحر الجليل ووقفنا على قمة التل حيث القى المسيح‬
‫موعظته من فوق الجبل ‪ .‬وكان شعورا استحوذ على كل ملكاتي ان اقف في‬
‫نفس المكان الذي القيت منه اشهر موعظة في تاريخ العالم‪ ،‬المكان الذي‬
‫رسم السيد المسيح شخصية وسلوك المؤمن‪ ،‬واعطى الحواريين والعالم‬
‫الغبطة ‪ ،‬والقانون الذهبي وصلة الرب ( ومن هذا الكلم وغيره يتبين لنا‬
‫كيف انه من المؤمنين بالديانة المسيحية وبالسيد المسيح)عليه السلم( كما‬
‫انه من المتعصبين لذلك الدين‪ .‬كما ان اصدقائه المقربين له في الرئاسة‬
‫المريكية هم ايضا من عوائل دينية ولهم ارتباط بالكنيسة )فقد كان والد‬
‫كونزاليزا رايس واعظا في الباما( وكان رامسفيلد وزير الدفاع المريكي من‬
‫اقرب اصدقاء جورج بوش وكان هو ايضا سائرا على معتقدات بوش ومؤمنا‬
‫بها لقد كان يؤمن هؤلء الثلثة بان الدين المسيحي يجب ان ينتشر في جميع‬
‫انحاء العالم وان السيد المسيح سوف يأتي من جديد ليصلح الرض وتقام‬
‫الدولة المسيحية الكبرى ‪ .‬لذا فهم كانوا يتحركون ضمن معتقداتهم وايمانهم‬
‫وقد عاب عليهم الكثير من ساسة الغرب تحركاتهم هذه التي ل تتلئم‬
‫والوضع السياسي الذي يعيشه العالم اليوم فقد قيل عن بوش )انه اسير‬
‫لمعتقداته الدينية التي تجعله غير مدرك لتعقيدات الموقف العالمي ( كما قيل‬
‫عنه) يبدو جورج بوش جادا بشأن قضيتين ايمانه بعيسى المسيح وابرازه‬
‫القوى المبريالية ( لقد كان بوش يحاول نشر المسيحية في كل العالم‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويهدف الى جعل الناس كلهم مسيحيين فانه يعتقد ان الدين المسيحي هو‬
‫افضل الديان على الطلق وشريعته هي افضل الشرائع وتعاليمه هي اسمى‬
‫التعاليم لذا فقد قاموا بالحملت التبشيرية للمسيحية والتبشير للسيد المسيح‬
‫ومحاولة جعل الناس كلهم مسيحيين وقد ورد في كتاب المقدمة في‬
‫الصولية المسيحية في امريكا ) ان الرساليات اليفانجليكية لم تحقق رغبتها‬
‫في تحويل المسلمين الى المسيحية( وبناء على ذلك انهم لم يتوانوا من اجل‬
‫نشر الدين المسيحي واستقطاب الناس لعتناق المسيحية كافة بما في ذلك‬
‫المسلمين ‪ .‬وبالمقابل فان امريكا ورجالها ورئيسها بوش يسعون إلى قمع‬
‫الدين السلمي والحيلولة دون انتشاره كما انهم يحاولون ان يغيروا‬
‫المسلمين الى الديانة المسيحية كما وانهم يحاولون وبكل قدراتهم تشويه‬
‫سمعة السلم من اجل انجاح مخططاتهم والصاق التهم بالسلم ووصفه‬
‫بدين الرهاب ووصف معتنقيه‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بالرهابيين والواجب التعامل معهم بحذر شديد بل يجب تجريدهم من السلح‬


‫وتدمير البنى التحتية التي تقوم عليها الدول السلمية وزعزعة المن في بلد‬
‫المسلمين وزرع الفرقة والطائفية بينهم ليكونوا مشغولين فيما بينهم بحروب‬
‫داخلية فقد قال فرانكين جراهام وهو يعض الكهان‪ ) :‬ان السلم كله دين‬
‫شرير على نحو استثنائي وبشكل يستحق التوبيخ( وقال جيري فالويل ) ان‬
‫محمدا ارهابيا ( بينما قال روبرسون ‪ -‬القس صاحب امبراطورية الدعوة ‪-‬‬
‫والذي رشح نفسه للرئاسة في اخر ثمانينات القرن العشرين قال‪ ) :‬محمد‬
‫لص وقاطع طريق ( فانظر عزيزي المسلم الى اعداء السلم كيف يكيلون‬
‫بمكيالين فمرة يدعون حرية الديان وان للمسلمين الحرية في ممارسة‬
‫دينهم واخرى يحاربون السلم والمسلمين ويطلقون التهم على قادة السلم‬
‫وبالخص على نبي السلم محمد )صلى الله عليه واله وسلم ( ال لعنة الله‬
‫عليهم ونحن للسف الشديد نتعامل معهم كانهم اصدقاء لنا ونسمح لهم‬
‫بالدخول الى بلدنا بل اننا من دعاهم وللسف الشديد لدخول البلد السلمية‬
‫بحجة وباخرى وتناسينا قول رب العالمين سبحانه وتعالى }وَل َ ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى‬
‫كم من دون الل ّه م َ‬
‫ن{‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ ُتن َ‬ ‫ن أوْل َِياء ث ُ ّ‬
‫ِ ِ ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ما ل َ ُ ّ‬ ‫سك ُ ُ‬
‫م الّناُر وَ َ‬ ‫موا ْ فَت َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫هود ‪.113‬‬
‫بوش والتمهيد للمسيح )عليه السلم(‬
‫يعتقد الكثير من المتدينين المسيحيين بان المسيح سوف ينزل في اخر‬
‫الزمان ليقيم لهم الدولة العالمية وهذا ما عليه اعتقاد كافة المسلمين حيث‬
‫يعتقدون بنزول المسيح عيسى بن مريم )عليه السلم( ولكن ل يقيم الدولة‬
‫المزعومة كما يقول المسيحيين بل انه يكون وزيرا للمام المهدي )عليه‬
‫السلم( وهذا ما صرحت به كتبهم وأعلنه كبار قادتهم فقد ورد في كتاب‬
‫جورج بوش ]) مهمة للداء ( لحقق ارادة خالقي [ قال في الكتاب ) لم اكن‬
‫استطيع ان اصبح حاكما ما لم اؤمن بخطة إلهية تنسخ كل الخطط البشرية (‬
‫يريد بالخطة اللهية التمهيد لنزول عيسى )عليه السلم( ‪ .‬وقد اعل جراهام‬
‫ان البديل الوحيد للشيوعية هي الخطة اللهية المرادة في الكتاب المقدس‬
‫وان البشر سينقلون من مشكلة لخرى حتى ياتي المسيح ‪ .‬وبعد خطاب‬
‫جراهام اقام ريجان حفل غداء على شرفه ‪ ،‬حضره كبار مسؤلي الولية كما‬
‫حضره والت هانسون مدير مكتب جراهام ويحكي هانسون عن الحوار‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التالي‪ :‬ريجان ‪ :‬هل تعتقد ان يسوع المسيح سياتي سريعا وما مؤشرات ذلك‬
‫ان كان سيحدث؟ جراهام‪ :‬المسيح يقف خلف الباب وسيدخل في اي وقت‬
‫… وقد نشرت مجلة دير شبيجل اللمانية في ‪ 17/2/2003‬م بقلم هانز‬
‫هوينج وجيرها رد شبورل جاء فيه‪ ) :‬بمهاجمة بغداد يسعى الرئيس المريكي‬
‫جورج بوش الى تلبية امر الهي في الوليات المتحدة شديدة التدين لم يكن‬
‫هناك مثل هذا الربط العميق بين المصالح القومية والصولية يطالب‬
‫المسيحيين المتعصبين بحرب صليبية ضد السلم ( والمقصود من الصولية‬
‫الديانة المسيحية المتعصبة ‪ .‬ومن هنا فان بوش كان يسعى من خلل حروبه‬
‫في الشرق الوسط والعراق محاولته غزو سوريا عسكريا من اجل ارض الله‬
‫كما يقول ‪ .‬والتمهيد للسيد المسيح لكي يخرج ويقود العالم كما يعتقدون ‪.‬‬
‫ومن هنا اقول ان هؤلء الضالين المنحرفين عن طريق الله وعن شريعة‬
‫السيد المسيح الذين يدعون بانهم مؤمنون به ويمهدون له وينتظرون خروجه‬
‫وعودته بينما نحن المسلمون وللسف الشديد نتناسى امر المام المهدي‬
‫وعودته من الغيبة وظهوره المقدس ونحن كما هو معلوم نؤمن بافضل‬
‫الديان كلها ونعتقد بنبينا انه خاتم النبيين وسيدهم واشرفهم واكرمهم على‬
‫الله نحن الذين نعتقد بظهور المام المنصور الذي يقيم العدل وينشر‬
‫السعادة ويقضي على الظلم ولم نسعى يوما من اجل التمهيد للمام)عليه‬
‫السلم( والعداد له والتهيء لنصرته سلم الله عليه في حين نجد هؤلء‬
‫المجرمين مؤمنين بقضيتهم ودينهم ونحن عن قضايانا وديننا غافلون‬
‫منشغلون ‪.‬‬
‫البداية‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مبتعدين عن كل تعاليم الديان السماوية والفطرة التي غرسها الله في‬


‫النفس النسانية فتراهم قد خرقوا القوانين وجعلوها تتلئم مع اهوائهم‬
‫وميولهم ونزعاتهم النفسية ونتيجة لذلك فقد تفشى الفساد في بلدهم‬
‫وانتشرت جرائم القتل والزنا واللواط والمحرمات بانواعها وحدث التحلل‬
‫السري وتفكك المجتمع وانهارت القيم في المجتمع الغربي واختلت‬
‫الموازين وهكذا فاننا نجد بعض رجالت الغرب ومبرزيهم والذين يعتبرهم‬
‫البعض قادة من الطراز الول هم بالفعل دعائم لنشر الفكر المنحل والفساد‬
‫في المجتمع عن طريق مؤسساتهم السياسية ونفوذهم ‪ .‬ونتناول في هذا‬
‫البحث رجل من اكبر قادة الغرب كما يحلو للبعض تسميته في التاريخ‬
‫المعاصر ال وهو )جورج بوش( البن رئيس الوليات المتحدة المريكية فقد‬
‫كان يعيش بوش حياة التحلل التي استحوذت على معظم المريكيين حيث‬
‫كان يرتاد الباركل يوم فقد كان مدمنا للخمور واستمر على هذا الحال‬
‫لسنوات طويلة حتى السابع والعشرين من يوليو ‪ 1986‬م ‪ ،‬حينما احتفل بعيد‬
‫ميلده الربعين مع الصدقاء والكثير من الخمور ‪ ،‬في اليوم التالي كان بوش‬
‫يشعر بدوار شديد من اثر الخمور فاقسم ان يمتنع عن تلك المشروبات ‪.‬وقد‬
‫ذكر في كتاب )مقدمة في الصولية المسيحية في امريكا ‪ (...‬لمؤلفه عادل‬
‫المعلم ) تقول زوجته لورا ‪ :‬انه كان مترددا في تنفيذ هذا القرار لمدة عام ‪،‬‬
‫ولكنه كان يرتد الى معاقرة الخمر ‪ .‬في احد اليام وفي نهاية اسبوع طويل‬
‫من حفلت الشرب الصاخبة ‪ ،‬استيقض ثم نظر في المرآة الى القيء الذي‬
‫يغطي وجهه ‪ .‬جثا على ركبتيه داعيا الرب ان يساعده‪ .‬ان امريكا لتحب مثل‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه القصص ‪ ،‬قصة عودة البن الضال ( عند ذلك اقلع بوش عن شرب‬
‫الخمر وكان الفضل في ذلك يعود الى زوجته لورا والى بيلي جراهام المعلم‬
‫المسيحي صاحب النجم الكبر فقد قال بوش ‪ ) :‬ان جراهام زرع بذور‬
‫الخردل في قلبي ‪ ،‬وبدات اتغير ( وبهذا فقد اصبح بوش مسيحيا متدينا وراح‬
‫يتردد على الكنيسة ويقرأ الكتاب المقدس وصارمن المتعصبين جدا للديانة‬
‫المسيحية ‪ ،‬لقد صرح بوش ذات يوم لمراسل يهودي‪ ) :‬ان الذين يؤمنون‬
‫بالمسيح فقط هم الذين سيذهبون الى الجنة ( وقد تحدث ذات مرة عن‬
‫احدى سفراته وزوجته لورا الى اسرائيل فقال‪ ) :‬قد قمنا بزيارة الحائط‬
‫الغربي وكنيسة القيامة المقدسة ‪ ،‬وذهبنا الى بحر الجليل ووقفنا على قمة‬
‫التل حيث القى المسيح موعظته من فوق الجبل ‪ .‬وكان شعورا استحوذ على‬
‫كل ملكاتي ان اقف في نفس المكان الذي القيت منه اشهر موعظة في‬
‫تاريخ العالم‪ ،‬المكان الذي رسم السيد المسيح شخصية وسلوك المؤمن‪،‬‬
‫واعطى الحواريين والعالم الغبطة ‪ ،‬والقانون الذهبي وصلة الرب ( ومن هذا‬
‫الكلم وغيره يتبين لنا كيف انه من المؤمنين بالديانة المسيحية وبالسيد‬
‫المسيح)عليه السلم( كما انه من المتعصبين لذلك الدين‪ .‬كما ان اصدقائه‬
‫المقربين له في الرئاسة المريكية هم ايضا من عوائل دينية ولهم ارتباط‬
‫بالكنيسة )فقد كان والد كونزاليزا رايس واعظا في الباما( وكان رامسفيلد‬
‫وزير الدفاع المريكي من اقرب اصدقاء جورج بوش وكان هو ايضا سائرا‬
‫على معتقدات بوش ومؤمنا بها لقد كان يؤمن هؤلء الثلثة بان الدين‬
‫المسيحي يجب ان ينتشر في جميع انحاء العالم وان السيد المسيح سوف‬
‫يأتي من جديد ليصلح الرض وتقام الدولة المسيحية الكبرى ‪ .‬لذا فهم كانوا‬
‫يتحركون ضمن معتقداتهم وايمانهم وقد عاب عليهم الكثير من ساسة الغرب‬
‫تحركاتهم هذه التي ل تتلئم والوضع السياسي الذي يعيشه العالم اليوم فقد‬
‫قيل عن بوش )انه اسير لمعتقداته الدينية التي تجعله غير مدرك لتعقيدات‬
‫الموقف العالمي ( كما قيل عنه) يبدو جورج بوش جادا بشأن قضيتين ايمانه‬
‫بعيسى المسيح وابرازه القوى المبريالية ( لقد كان بوش يحاول نشر‬
‫المسيحية في كل العالم ويهدف الى جعل الناس كلهم مسيحيين فانه يعتقد‬
‫ان الدين المسيحي هو افضل الديان على الطلق وشريعته هي افضل‬
‫الشرائع وتعاليمه هي اسمى التعاليم لذا فقد قاموا بالحملت التبشيرية‬
‫للمسيحية والتبشير للسيد المسيح ومحاولة جعل الناس كلهم مسيحيين وقد‬
‫ورد في كتاب المقدمة في الصولية المسيحية في امريكا ) ان الرساليات‬
‫اليفانجليكية لم تحقق رغبتها في تحويل المسلمين الى المسيحية( وبناء على‬
‫ذلك انهم لم يتوانوا من اجل نشر الدين المسيحي واستقطاب الناس لعتناق‬
‫المسيحية كافة بما في ذلك المسلمين ‪ .‬وبالمقابل فان امريكا ورجالها‬
‫ورئيسها بوش يسعون إلى قمع الدين السلمي والحيلولة دون انتشاره كما‬
‫انهم يحاولون ان يغيروا المسلمين الى الديانة المسيحية كما وانهم يحاولون‬
‫وبكل قدراتهم تشويه سمعة السلم من اجل انجاح مخططاتهم والصاق‬
‫التهم بالسلم ووصفه بدين الرهاب ووصف معتنقيه بالرهابيين والواجب‬
‫التعامل معهم بحذر شديد بل يجب تجريدهم من السلح وتدمير البنى التحتية‬
‫التي تقوم عليها الدول السلمية وزعزعة المن في بلد المسلمين وزرع‬
‫الفرقة والطائفية بينهم ليكونوا‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشغولين فيما بينهم بحروب داخلية فقد قال فرانكين جراهام وهو يعض‬
‫الكهان‪ ) :‬ان السلم كله دين شرير على نحو استثنائي وبشكل يستحق‬
‫التوبيخ( وقال جيري فالويل ) ان محمدا ارهابيا ( بينما قال روبرسون ‪ -‬القس‬
‫صاحب امبراطورية الدعوة ‪ -‬والذي رشح نفسه للرئاسة في اخر ثمانينات‬
‫القرن العشرين قال‪ ) :‬محمد لص وقاطع طريق ( فانظر عزيزي المسلم‬
‫الى اعداء السلم كيف يكيلون بمكيالين فمرة يدعون حرية الديان وان‬
‫للمسلمين الحرية في ممارسة دينهم واخرى يحاربون السلم والمسلمين‬
‫ويطلقون التهم على قادة السلم وبالخص على نبي السلم محمد )صلى‬
‫الله عليه واله وسلم ( ال لعنة الله عليهم ونحن للسف الشديد نتعامل معهم‬
‫كانهم اصدقاء لنا ونسمح لهم بالدخول الى بلدنا بل اننا من دعاهم وللسف‬
‫الشديد لدخول البلد السلمية بحجة وباخرى وتناسينا قول رب العالمين‬
‫ن‬
‫من ُدو ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫سك ُ ُ‬
‫م الّناُر وَ َ‬ ‫موا ْ فَت َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫سبحانه وتعالى }وَل َ ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الل ّه م َ‬
‫ن {هود ‪.113‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ ُتن َ‬ ‫ن أوْل َِياء ث ُ ّ‬
‫ِ ِ ْ‬
‫من كتاب المهدي عند أهل السنة ‪ /‬السيد أبو عبدالله الحسين القحطان‪-‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫بوليصة التأمين على الحياة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬التأمين‬
‫التاريخ ‪29/3/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫في حالة قيام والديّ بعمل بوليصة تأمين على الحياة ومنحها لي‪ ،‬فهل يجوز‬
‫لي قبولها وإنفاقها على نفسي كلها‪ ،‬أم أقبل جزًءا منها فقط وهو القساط‬
‫الشهرية المسددة؟ أم آخذ كامل قيمة البوليصة من شركة التأمين ثم أحتفظ‬
‫بمبالغ القساط الشهرية المسددة وأتبرع بالزيادة المقدمة من شركة التأمين‬
‫للجمعيات السلمية هنا في كندا؟‪.‬أرجو تقديم بعض الحجج المؤيدة‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫التأمين على الحياة أحد أنواع التأمين المحرمة؛ لما فيه من الجهالة والغرر‪،‬‬
‫وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬علوة على ما يشتمل عليه عقد التأمين التجاري‬
‫– ومنه التأمين على الحياة‪ -‬من ربا النسيئة والفضل‪ ،‬ومن عرف الحق وأراد‬
‫القلع عن الباطل‪ ،‬فله أن يأخذ من شركة التأمين )بوليصة التأمين على‬
‫م‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫الحياة( مقابل ما دفعه من القساط فقط؛ لقول الله –تعالى‪":-‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن"]البقرة‪ :‬من الية ‪ [279‬وهذا‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬‫ؤو ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫م ُر ُ‬
‫الجواب عام في كل عقد محرم تاب منه صاحبه – ومنهم والدك‪ ،-‬أما ما‬
‫يخصك أنت بعد أن منحك والدك هذه البوليصة التأمينية‪ ،‬فالمر يختلف‪،‬‬
‫فقبولك لهدية أو منحة والدك جائز تطييبا ً لخاطره‪ ،‬وإن كان على قيد الحياة‬
‫فيتعين عليك مناصحته‪ ،‬وكيف يتخلص من الحرام‪- ،‬كما هو مبين في صدر‬
‫هذا الجواب‪ ،-‬ومع هذا يجوز لك أن تأخذ كامل قيمة البوليصة من شركة‬
‫التأمين‪ ،‬وتتصرف بمبالغ القساط الشهرية المسددة فقط‪ ،‬وتخرج الباقي‬
‫في الجمعيات السلمية الخيرية ل بنية الصدقة وإنما بنية التخلص منها؛ لنها‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حرام‪ ،‬والله طيب ل يقبل من العمال إل ما كان طيبا ً كما ورد في الحديث‬
‫الذي رواه مسلم )‪ (1015‬من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ‪ -‬وأخذ‬
‫جميع مال )البوليصة( من شركة التأمين وإنفاقه في المجالت النافعة أولى‬
‫من تركه لدى شركة التأمين تشغله في الربا‪ ،‬وتصرفه في المصارف‬
‫المحرمة‪ ،‬إذ بقاؤه لديها إعانة لها على الباطل وتشجيع لها في صرفه على‬
‫الحرام‪ ،‬والله يقول في محكم كتابه‪" :‬وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا‬
‫على الثم والعدوان" ]المائدة‪ ،[2:‬وإن كنت – يا أخي‪ -‬لست بحاجة إلى تلك‬
‫القساط الشهرية المدفوعة‪ ،‬فأخرجها مع باقي البوليصة في المشاريع‬
‫الخيرية فهو لك أزكى وأتقى‪ ،‬وإن كنت محتاجا ً إليها فل شيء عليك إن شاء‬
‫الله في أخذ تلك القساط والستفادة منها‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بيان الله سبحانه لولياء الله وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء‬
‫الله والمنافقين والفجار‪.‬‬
‫ن‬
‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ويكفي في هذا آية في سورة آل عمران وهي قوله‪ } :‬ق ْ‬
‫َ‬
‫ه { )‪ ،(1‬وآية في سورة المائدة وهي قوله‪َ } :‬يا أي َّها‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬‫الل ّ َ‬
‫ْ‬
‫ه{‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫حب ّهُ ْ‬‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ف ي َأِتي الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ن ِدين ِهِ فَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م عَ ْ‬ ‫ن ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م َول‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫ن أوْل َِياَء الل ّهِ ل َ‬ ‫)‪ ،(2‬وآية في سورة يونس وهي قوله‪ } :‬أل إ ِ ّ‬
‫هداة‬ ‫ن { )‪ ،(3‬ثم صار المر عند أكثر من يدعي العلم وأنه من ُ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هُ ْ‬
‫الخلق وحفاظ الشرع إلى أن أولياء الله ل بد فيهم من ترك اتباع الرسل‬
‫ومن تبعهم فليس منهم ولبد من ترك الجهاد فمن جاهد فليس منهم ولبد‬
‫من ترك اليمان والتقوى فمن تعهد باليمان والتقوى فليس منهم‪ . .‬يا ربنا‬
‫نسألك العفو والعافية إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪. .‬‬
‫فهذا هو الصل الخامس من هذه الصول الستة المفيدة العظيمة‪ ،‬قال‬
‫الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في هذا الصل‪ ) :‬بيان الله‬
‫سبحانه لولياء الله‪ ،‬وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله‬
‫والمنافقين والفجار (‪.‬‬
‫هذا كالعنوان لهذا الصل‪ ،‬فإن الشيخ رحمه الله يريد أن يقرر في هذا الصل‬
‫أن القرآن الكريم قد بين بيانا ً واضحا ً ل لبس فيه ول اشتباه‪ ،‬ول شك في‬
‫الفرق بين أولياء الله وبين أولياء الشيطان‪ ،‬فإن أولياء الله أولياء الرحمن‪،‬‬
‫لهم أوصاف مّيزهم الله سبحانه وتعالى بها في كتابه‪ ،‬وذكر ذلك لئل يشتبه‬
‫حال أولياء الله بأولياء الشيطان‪ ،‬لن من أولياء الشيطان من يلّبس على‬
‫الناس‪ ،‬فيظهر وليته للرحمن‪ ،‬وأنه من عباد الله الصالحين‪ ،‬ومن التقياء‬
‫دعو الولية ك ُُثرا ً بين الله سبحانه‬ ‫النقياء‪ ،‬والمر على خلف ذلك‪ ،‬فلما كان م ّ‬
‫وتعالى الفصل بين هؤلء وبين غيرهم‪ ،‬وقد ألف شيخ السلم ابن تيمية رحمه‬
‫ماها )الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان( ذكر‬ ‫ةس ّ‬ ‫ة لطيف ً‬ ‫الله رسال ً‬
‫فيها ما وصف الله سبحانه وتعالى به أولياءه‪ ،‬وما ميزهم به عن أولياء‬
‫الشيطان‪ ،‬وذكر فيها أشياء كثيرة ً مفيدة‪ ،‬لعل الله ييسر قراءتها‪.‬‬
‫قال رحمه الله تعالى‪ ) :‬بيان الله سبحانه لولياء الله ( أولياء‪ :‬جمع ولي‪،‬‬
‫والولي مأخوذ من الولية‪ ،‬والولية مصدر من ولي‪ ،‬وهي بمعنى القرب‪،‬‬
‫تقول‪ :‬ولي كذا وكذا أي‪ :‬قرب منه‪ ،‬وعلى هذا فإن الولية تدور على أمرين‪:‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على المحبة‪ ،‬والنصرة‪ ،‬وقد أثبت الله جل وعل في كتابه وليته لبعض خلقه‪،‬‬
‫مُنوا { )‪ (4‬فأثبت سبحانه وليته‬‫نآ َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فقال سبحانه وتعالى‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫ه وَل ِ ّ‬
‫ي‪ ،‬لكن الولي‬
‫للمؤمنين‪ ،‬كما أن الله سبحانه وتعالى نفى أن يكون له ول ّ‬
‫المنفي غير الولي المثبت‪ ،‬فالولي المنفي مقيد‪ ،‬حيث قال سبحانه وتعالى‪} :‬‬
‫ي يستنصر ويعتز ويتقوى‬ ‫ل { )‪ (5‬أي‪ :‬لم يكن له ول ّ‬ ‫ن الذ ّ ّ‬
‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه وَل ِ ّ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫به‪ ،‬فولية الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لمن يتولهم ليست عن حاجة‪ ،‬ول عن افتقار‪ ،‬بل‬
‫هو الغني الحميد جل وعل‪ ،‬وإنما وليته سبحانه وتعالى لمن يتوله هي ولية‬
‫رحمة‪ ،‬ومنة‪ ،‬وفضيلة‪ ،‬ومنحة منه جل وعل‪ ،‬وإكرام ٍ لمن يتوله‪ ،‬نسأل الله أن‬
‫نكون منهم‪ .‬إذا ً عرفنا أن الولية المثبتة لله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬غير الولية المنفية‪،‬‬
‫وأن الولية تدور على معنيين على اختلف مواردها‪ ،‬المحبة‪ ،‬والنصرة‪ ،‬ويقابل‬
‫الولية العداوة‪ ،‬وهي دائرة على البغضاء والكره‪ ،‬هذا معنى العداوة‪ ،‬فأعداء‬
‫ضهم سبحانه وتعالى‪ ،‬وأبعدهم‪ ،‬وكرههم جل وعل‪ ،‬فالعداوة‬ ‫الله هم من أب ْغَ َ‬
‫مبنية على البعاد‪ ،‬والكره‪ ،‬والبغض‪ ،‬والولية مبنية على المحبة‪ ،‬والنصرة‪،‬‬
‫والله سبحانه وتعالى قد بين أوصاف أوليائه‪ ،‬وقد لخص الشيخ رحمه الله‬
‫هذه الوصاف المذكورة في كتابة‪ ،‬في هذا المقطع القصير من كلمه رحمه‬
‫الله‪ ،‬لكن من المهم‪ :‬أن نفرق بين أولياء الله وغيرهم‪ ،‬حتى ل يشتبه المر‪،‬‬
‫فأولياء الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ل يتميزون عن غيرهم بمظهر‪ ،‬هم كغيرهم من أهل‬
‫السلم‪ ،‬ل يتميزون عنهم بلباس‪ ،‬ول بهيئة‪ ،‬لكنهم يتميزون عن غيرهم‬
‫بعملهم الصالح‪ ،‬فالمظاهر ل تمييز فيها‪ ،‬لكن المخابر والعمال هي التي يدور‬
‫عليها التمييز بين أولياء الله وأولياء الشيطان‪ ،‬وبين غيرهم من الناس‪ ،‬فما‬
‫هو العمل الذي يميز أولياء الله عن غيرهم؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪206‬‬

You might also like