You are on page 1of 143

‫ييييي ييييي يي‬

‫ييييي يييي ييييي‬


‫تأليف‬
‫أحمد بن محمد الشرقاوي‬
‫أستاذ التفسير المشارك بجامعة‬
‫الزهر‬
‫وتربية عنيزة‬

‫من ضمن بحوث الترقية لدرجة أستاذ مشارك‬


‫‪‬‬

‫ترجمة المؤلف‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الشيخ الدكتور ‪/‬أحمد محمد الشرقاوي سالم‬
‫أستاذ مشارك التفسير وعلوم القرآن بجامعة الزهر‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪2‬‬
‫وكلية التربية للبنات عنيزة‬

‫‪‬‬

‫‪P‬‬
‫السيرة الذاتية‬
‫*السم ‪/‬أحمد محمد الشرقاوي سالم‬
‫*تاريخ الميل د ‪ 1968 / 2 / 21 /‬م‬
‫*العنوان‪ /‬جمهورية مصر العربية ‪ -‬الشرقية ‪ -‬أبوكبير ‪ -‬شارع ماهر‬
‫بجوار مسجد أبو بربر‬
‫العنوان بالمملكة العربية السعودية القصيم عنيزة ص ب ‪ 152‬الدكتور أحمد‬
‫الشرقاوي‬
‫*الهاتف‪ /‬رقم ‪-- 002/ 055502453‬ورقم ‪002055505593‬‬

‫ةةةةةة ةةةةةةةة ‪0508859385‬‬

‫* ةةةةة ةةةةة ةةةةة ةةةةة ةةةة‬


‫ةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةة‬
‫ةةةةةة‪ -‬ةةة ةةةةةةة ةةةةة‬
‫ةةةةةة ‪0‬‬
‫ومعار إلى كلية التربية للبنات عنيزة‬

‫المؤهلت العلمية‬
‫‪3‬‬
‫حصلت على درجة الجازة العالية من كلية أصول الدين‬ ‫•‬
‫والدعوة قسم التفسير والحديث –بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف‬
‫الولى سنة ‪ 1990‬م ‪ ،‬وكان ترتيبي الول على الدفعة ‪0‬‬
‫حصلت على الدراسات العليا من كلية أصول الدين‬ ‫•‬
‫والدعوة بالمنصورة بتقدير جيد جدا وكان ترتيبي الول ‪0‬‬
‫حصلت على درجة التخصص الماجستير في أصول الدين‬ ‫•‬
‫قسم التفسير وعلوم القرآن جامعة الزهر سنة ‪ 1994‬م وكان‬
‫موضوع الرسالة " منهج الشيخ سعيد حوى رحمه ال في التفسير‬
‫" ‪0‬‬
‫حصلت على درجة العالمية الدكتوراه في التفسير‬ ‫•‬
‫وعلوم القرآن من كلية أصول الدين جامعة الزهر سنة ‪1998‬‬
‫م بمرتبة الشرف الولى وكان موضوعها "المرأة في القصص‬
‫القرآني " دراسة موضوعية مقارنة ‪0‬‬
‫رقيت إلى درجة أستاذ مشارك بتاريخ ‪2003 / 7/5‬م‬ ‫•‬
‫التدرج الوظيفي ‪:‬‬
‫عينت معيدا بكلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق قسم‬ ‫•‬
‫التفسير وعلوم القرآن بتاريخ ‪0 1992/ 9/4‬‬
‫رقيت إلى درجة مدرس مساعد بتاريخ ‪ 6/3/1995‬م ‪0‬‬ ‫•‬
‫ثم رقيت إلى درجة مدرس بتاريخ ‪ 2/12/1998‬م وحتى‬ ‫•‬
‫تاريخه ‪0‬‬
‫ي رئاسة كنترول الدراسات العليا سنة ‪2000‬‬ ‫أسندت إل ّ‬ ‫•‬
‫وحتى تاريخه‬
‫ندبت لتدريس تفسير آيات الحكام بكلية الشريعة والقانون‬ ‫•‬
‫للعام الجامعي ‪ 2000/2001‬م كما أسند إلي تدريس آيات الحكام‬
‫بقسم الشريعة بكلية الدراسات السلمية للبنات في نفس العام ‪ ،‬كما‬
‫أسند إلي تدريس مادة التفسير الموضوعي للفرقة الرابعة قسم‬
‫الحديث بكلية الدراسات السلمية للبنات في نفس العام ‪ ،0‬وأعمل‬
‫حاليا بكلية التربية للبنات بعنيزة‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪4‬‬

‫البحوث والمؤلفات‪:‬‬
‫كتب منشورة‬
‫المرأة في القصص القرآني ط‪/‬‬ ‫•‬
‫دار السلم للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫‪2000‬م‬
‫مناهج المفسرين مكتبة الرشد‬ ‫•‬
‫بالرياض ‪1425‬هـ‬
‫الصبر عند فقد الولد ط‪ /‬دار‬ ‫•‬
‫السلم للطباعة والنشر والتوزيع ط‪/‬‬
‫‪ 2000‬م ‪0‬‬
‫صلة الستخارة فضلها‬ ‫•‬
‫وأحكامها ط‪ /‬دار السلم للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ط‪ 2000/‬م ‪0‬‬
‫تفسير آية الكرسي‬ ‫•‬
‫تفسير سورة العصر دراسة‬ ‫•‬
‫تحليلية موضوعية ‪0‬‬
‫منهج الشيخ سعيد حوى في‬ ‫•‬
‫كتابه الساس في التفسير "رسالة‬
‫التخصص الماجستير" طبع الجزء‬
‫الول منها بمطبعة الفردوس‬
‫بالزقازيق ‪0‬‬
‫‪5‬‬
‫نظرات في علوم القرآن ‪.‬‬ ‫•‬
‫موقف المام الشوكاني في‬ ‫•‬
‫تفسيره من المناسبات منشور على‬
‫مكتبة التفسير بملتقى أهل التفسير‬
‫كتب تحت الطبع‬
‫• الثقافة السلمية بين الصالة‬
‫والمعاصرة‬
‫شبهات حول حقوق المرأة في‬ ‫•‬
‫السلم‬
‫كيف انتشر السلم وهل انتشر‬ ‫•‬
‫بالسيف ؟‬
‫العلم والمعرفة في السلم‬ ‫•‬
‫بحث فائز بجائزة وزارة الوقاف‬
‫بمصر لسنة ‪0 1988‬‬
‫السلم والتوازن بين النتاج‬ ‫•‬
‫والستهلك بحث فائز بجائزة‬
‫الوقاف لسنة ‪0 1989‬‬
‫منهج المام القاسمي في‬ ‫•‬
‫التفسير‬
‫منهج الشيخ شلتوت في‬ ‫•‬
‫التفسير ‪0‬‬
‫منهج المام ابن باديس في‬ ‫•‬
‫التفسير‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪6‬‬
‫منهج الشيخ محمد الغزالي‬ ‫•‬
‫في التفسير ‪0‬‬
‫السرة المسلمة بين الماضي‬ ‫•‬
‫والحاضر وآفاق المستقبل‬
‫أسماء الله الحسنى في ضوء‬ ‫•‬
‫الكتاب والسنة تحت الطبع‬
‫النشطة العلمية والجتماعية ‪:‬‬
‫عضو الجمعية السعودية للقرآن‬ ‫•‬
‫الكريم وعلومه‬
‫حصلت على لقب الطالب‬ ‫•‬
‫المثالي على مستوى جامعة الزهر‬
‫لعام ‪ 1990‬م‬
‫عضو مجلس إدارة الجمعية‬ ‫•‬
‫الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب‬
‫والسنة فرع أبوكبير ‪0 1996 :1992‬‬
‫وكيل الجمعية الشرعية من‬ ‫•‬
‫‪ 1999 :1997‬م‬
‫رئيس الجمعية من ‪ 1999‬إلى‬ ‫•‬
‫تاريخه ‪ ،‬وتقوم الجمعية بكفالة ‪570‬‬
‫أسرة من أسر اليتام تضم ما يزيد‬
‫عن ‪ 1600‬طفل يتيم بالضافة إلى‬
‫مركز اليمان الطبي ومستوصف‬
‫الرحمة الطبي حيث تقدم الخدمات‬
‫الطبية المجانية أو بأجور رمزية ‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫بالضافة إلى رعاية اليتام تربويا‬
‫وعلميا ‪0‬‬
‫عضو مجلس إدارة الجمعية‬ ‫•‬
‫العلمية لبناء أبو كبير العاملين‬
‫بالجامعات ‪0‬‬
‫عضو جمعية لتيسير الحج‬ ‫•‬
‫والعمرة بالشرقية‬
‫عضو جبهة علماء الزهر منذ‬ ‫•‬
‫إنشائها وحتى حلها ‪0‬‬
‫عضو مؤسس لجمعية أصدقاء‬ ‫•‬
‫المرضى بالشرقية ‪0‬‬
‫عضو هيئة علماء الجمعية‬ ‫•‬
‫الرئيسية من ‪ 2000‬وحتى تاريخه ‪0‬‬
‫عضو لجنة الفتوى بأبو كبير ‪0‬‬ ‫•‬
‫عضو اللجنة الشعبية للقضاء‬ ‫•‬
‫والمصالحة بأبو كبير ‪0‬‬
‫مندوب هيئة الغاثة السلمية‬ ‫•‬
‫بالشرقية ‪0‬‬
‫مشرف ومنسق للدورات‬ ‫•‬
‫الصيفية والمخيمات التي نظمتها‬
‫هيئة الغاثة النسانية بجمعية الهداية‬
‫لطلب البعوث السلمية ‪0‬‬
‫شاركت في العديد من‬ ‫•‬
‫المؤتمرات الشعبية لمساندة‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪8‬‬
‫النتفاضة ومناصرة الشعب‬
‫الفلسطيني‬
‫شاركت في العديد من‬ ‫•‬
‫الصالونات الثقافية والدبية مع كبار‬
‫العلماء والدباء ‪0‬‬
‫أسند إلي الشراف على‬ ‫•‬
‫النشطة الرياضية بالكلية سنة ‪1999‬‬
‫وحققنا كثيرا من البطولت كما قمت‬
‫بعمل مجلة رياضية للكلية ‪0‬‬
‫كما أسند إلي الشراف على‬ ‫•‬
‫النشطة الثقافية بالكلية وقمنا بعمل‬
‫العديد من المؤتمرات والندوات ‪0‬‬
‫وفي هذا العام أعد للقيام بأول‬ ‫•‬
‫مهرجان دولي للنشودة السلمية‬
‫بالكلية بمشاركة الطلب الوافدين ‪0‬‬
‫أشارك بصفة دائمة في قوافل‬ ‫•‬
‫التوعية التي تجوب محافظات مصر‬
‫بإشراف الجمعية الشرعية وبالتنسيق‬
‫مع وزارة الوقاف والجهات المختصة‬
‫‪0‬‬
‫قمت بأداء خطبة الجمعة على‬ ‫•‬
‫الهواء مباشرة في محافظة الوادي‬
‫الجديد ‪0‬‬
‫‪9‬‬
‫شاركت في العديد من السابيع‬ ‫•‬
‫الثقافية التي نظمتها جمعية أنصار‬
‫السنة المحمدية بمصر ‪.‬‬
‫أقوم بكتابة الشعر منذ المرحلة‬ ‫•‬
‫الثانوية ولي قصائد كثيرة ومتنوعة‬
‫‪0‬‬
‫سجلت حلقتين في برنامج‬ ‫•‬
‫بطولت إسلمية في التليفزيون‬
‫المصري ‪0‬‬
‫‪،‬شاركت بمحاضرة في أمسية‬ ‫•‬
‫دينية نقلتها إذاعة القرآن الكريم ‪0‬‬
‫شاركت في الدورات التدريبية‬ ‫•‬
‫لعداد الدعاة والمرشدات ‪0‬‬
‫دعيت للقاء محاضرات في‬ ‫•‬
‫مدارس ومعاهد وكليات مختلفة ‪،‬‬
‫حول القضايا المعاصرة‬
‫شاركت في صالونات ثقافية‬ ‫•‬
‫وورش عمل لمناقشة مشكلت‬
‫وظواهر وقضايا مختلفة‬
‫مع خالص الشكر والتقدير‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫والله الموفق‬

‫‪‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪10‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على‬
‫من ل نبي بعده ‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وصحبه ومن تبع سنته وسلك طريقته وسار‬
‫على دربه ‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فالقرآن الكريم رسالة متجددة‬
‫إلى كل العصور ‪ ،‬ومعجزة خالدة سبقت جميع‬
‫العقول ‪.‬‬
‫أنزله الله تعالى نورا ‪ ،‬ونعمة ‪ ،‬وهداية‬ ‫ً‬
‫وحكمة ‪ ،‬وشفاء ورحمة ‪ ،‬وتبيانا ً لك شئ ‪ ،‬قال‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ت ِب َْياًنا ل ّك ُ ّ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ون َّزل َْنا َ‬ ‫تعالى‪َ ‬‬
‫ن ‪ ‬سورة‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شَرى ل ِل ُ‬ ‫وب ُ ْ‬‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫دى َ‬ ‫ه ً‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫النحل آية ‪.89‬‬
‫وضمن الله‪ ‬لمن آمن به واتبع هداه‬
‫السعادة فى الدارين ‪0‬‬
‫أما من أعرض عنه فهو فى الضلل‬
‫يسعى ‪ ،‬وإلى الخسران يمضي ‪ ،‬قال تعالى‬
‫ل‬ ‫ض ّ‬ ‫ي فل ي َ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ف َ‬ ‫فى سورة طه ‪َ ‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫ول ي َ ْ‬
‫ري فإ ِ ّ‬ ‫عن ِذك ِ‬ ‫ض َ‬ ‫عَر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫قى }‪َ {123‬‬ ‫َ‬
‫مى }‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ً‬
‫كا‬ ‫ضن‬ ‫ة‬ ‫ً‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫عي‬‫لَ ُ َ ِ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ِ َ َ ِ‬ ‫ُ ُ َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫قدْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ {124‬‬
‫كن ُ‬ ‫مى َ‬ ‫ع َ‬ ‫شْرت َِني أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ل َر ّ‬
‫ها‬ ‫ك آَيات َُنا َ‬ ‫ك أت َت ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل كذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫صيًرا }‪ {125‬قا َ‬
‫سيت َ َ‬ ‫فن َ ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫وكذَل ِك ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫سى }‪َ {126‬‬ ‫م ُتن َ‬ ‫و َ‬ ‫ْ‬
‫وكذَل ِك الي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَر ِ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫عذا ُ‬ ‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫ت َرب ّ ِ‬ ‫من ِبآَيا ِ‬ ‫م ي ُؤ ِ‬ ‫ول ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سَر َ‬ ‫أ ْ‬
‫قى }‪. {127‬‬ ‫وأ َب ْ َ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫أَ َ‬
‫‪11‬‬
‫وانطلقا من هذه الركائز الجوهرية‬
‫فإنني أقـدم للقـراء الكرام هذا الكتاب ) يتيمة‬
‫الدهر في تفسير سورة العصر ( وفيه نعيش‬
‫فى رحاب هذه السورة الكريمة ‪ ،‬ونجول فى‬
‫ظللها ‪ ،‬ونتنسم أريجها ‪ ،‬ونترسم منهاجها ‪،‬‬
‫ونقتبس من أنوارها ‪ ،‬ونقتطف من رياضها‪.‬‬
‫هذه السورة الكريمة التى بينت لنا طريق‬
‫النجاة من الخسران ‪ ،‬والفوز بالرضوان ‪ ،‬قال‬
‫عنها المام الشافعى ‪ :‬لو تدبر الناس فى هذه‬
‫السورة لوسعتهم‪.‬‬
‫وقال أحد السلف ‪ :‬تعلمت معنى السورة‬
‫من بائع الثلج ‪ ،‬الذي كان يطوف في السوق‬
‫وهو ينادي ويقول ‪ :‬ارحموا من يذوب رأس‬
‫ماله ‪ ،‬ارحموا من يذوب رأس ماله ‪ ،‬فقلت هذا‬
‫ر ‪ ‬يمر به‬ ‫س ٍ‬
‫خ ْ‬
‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬
‫سا َ‬ ‫نا ِْ‬
‫لن َ‬ ‫معنى ‪ ‬إ ِ ّ‬
‫العصر فيمضي عمره ول يكتسب ما ينفعه فإذا‬
‫هو خاسر ‪.‬‬
‫أما عن خطتي فى هذا البحث ‪.‬‬
‫فقد قسمته إلى مقدمة وثلثة فصول‬
‫وخاتمة‪.‬‬
‫أما المقدمة ‪ :‬ففيها تحدثت عن أهمية‬
‫الموضوع ‪ ،‬وخطه البحث ‪ ،‬ومنهجه‪.‬‬
‫وأما الفصل الول ‪ :‬فهو بعنوان ‪:‬‬
‫التعريف بالسورة الكريمة ‪.‬‬
‫ويشتمل على‪:‬‬
‫تسميتها‪.‬‬
‫مكيتها‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪12‬‬
‫عدد آياتها ‪.‬‬
‫ما ورد فى فضلها‪.‬‬
‫مقاصد السورة الكريمة وأهم ما تضمنته‪.‬‬
‫المناسبة بين السورة وبين سابقتها‬
‫ولحقتها‪.‬‬
‫وأما الفصل الثاني ‪ :‬فهو بعنوان ‪ :‬في رحاب‬
‫السورة‬
‫) دراسة‬
‫تحليلية(‬
‫وأما الفصل الثالث ‪ :‬فهو بعنوان ‪ :‬مع السورة‬
‫الكريمة‬
‫)دراسة الموضوعية (‬
‫ويتكون من ثلثة مباحث ‪-:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬أهمية الوقت فى حياة‬
‫المسلم‪.‬‬
‫المبحث الثانى ‪ :‬حقيقة الخسران‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬طريق النجاة ويتكون‬
‫من أربعة مطالب ‪-:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬اليمان‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬العمل الصالح‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬التواصي بالحق‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬التواصي بالصبر‪.‬‬
‫وأما عن الخاتمة ففيها خلصة البحث ‪ ،‬ونتائجه‬
‫‪ ،‬وتوصياته ‪،‬وخاتمة المراجع وفهرس عام‬
‫للموضوعات‪.‬‬
‫أما عن منهجى فى هذا البحث ‪:‬‬
‫‪13‬‬
‫فقد استعنت بما تيسر لي الرجوع إليه‬
‫من كتب التفسير ‪ ،‬وعلوم القرآن ‪ ،‬وغيرها‬
‫من المراجع المتعلقة بالبحث ‪ ،‬مع توثيق جميع‬
‫النقول والتعليق عند الحاجة إلى ذلك ‪ ،‬وتخريج‬
‫اليات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الية ‪،‬‬
‫إلى جانب تخريج الحاديث الواردة في البحث ‪،‬‬
‫والحكم عليها مستعينا ً على ذلك بأقوال‬
‫المحدثين الثقات ‪ ،‬والجمع بين المأثور‬
‫والرأي ‪ ،‬والدراسة التحليلية والموضوعية ‪،‬‬
‫والستفادة من كتب التفسير القديمة‬
‫والحديثة ‪ ،‬والترجيح بين الراء عند التعارض ‪،‬‬
‫والتوفيق بين القوال ما أمكن ‪ ،‬وذكر بعض‬
‫النكات البلغية في حدود ما يخدم التفسير ‪،‬‬
‫وإبراز المناسبات بين السورة وسابقها‬
‫ولحقها ‪ ،‬وبين المقسم به والمقسم عليه‬
‫وبين آيات السورة ‪ ،‬وبيان وحدتها الموضوعية‪.‬‬
‫وبعد ‪ 000‬فهذه خطتي لهذا البحث‬
‫ومنهجي فيه ‪ ،‬وأسأل الله‪ ‬أن يجعل هذا‬
‫العمل خالصا ً لوجهه الكريم ‪ ،‬وأن ينفع به‬
‫السلم والمسلمين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب‬‫ه أِني ُ‬ ‫وإ ِلي ْ ِ‬
‫ت َ‬
‫وكل ُ‬ ‫ه تَ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫قي إ ِل ّ ِبالل ِ‬
‫ه َ‬ ‫في ِ‬
‫و ِ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫‪ ‬هود الية ]‪[88‬‬

‫أحمد محمد الشرقاوي‬

‫‪sharkawe2000@yahoo.com‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪14‬‬
‫يييييي ‪ -‬ييييي ‪ 10‬يي يييي ييييي ‪1425‬يي‬

‫الفصل الول ‪ :‬التعريف بالسورة الكريمة‬


‫‪:‬‬ ‫ويشتمل على‬
‫تسميتها‪.‬‬
‫مكيتها‪.‬‬
‫عدد آياتها‪.‬‬
‫ما ورد فى فضلها‪.‬‬
‫مقاصد السورة الكريمة وأهم ما تضمنته‪.‬‬
‫المناسبة بين السورة وبين سابقها ولحقها‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫تسميتها‬
‫سميت هذه السورة الكريمة بسورة‬
‫العصر ‪ ،‬وقد أقسم فيها تعالى بالعصر – وهو‬
‫الزمان أو جزء منه ‪ ،‬على تحقق وتأكد خسارة‬
‫النسان إذا لم يسلك طريق النجاة القائم على‬
‫اليمان والعمل الصالح والتواصى بالحق‬
‫والتواصى بالصبر‪.‬‬
‫مكيتها‬
‫هذه السورة مكية كما ورد عن ابن‬
‫عباس وغيره ‪ ،‬وهو قول جمهور المفسرين ‪،‬‬
‫وذهب قتادة إلى أنها مدنية والرأى ما قاله‬
‫جمهور العلماء ‪.1‬‬
‫عدد آياتها‬
‫ثـلث آيات باتفاق العلماء ولكن اختلفوا في‬
‫رأس آيتين )والعصر (‪0‬عدها الجميع إل المدني‬

‫يراجع جامع البيان للطبرى ‪ 30/187‬ومعالم التنزيل‬ ‫‪-1‬‬


‫للبغوى ‪ 5/620‬ومعانى القرآن للفراء ‪ 3/289‬والجامع‬
‫لحكام القرآن للقرطبى ‪ 20/178‬وتفسير القرآن العظيم‬
‫لبن كثير ‪ 4/547‬والبرهان للزركشى ‪ 1/193‬وفضائل‬
‫القرآن لبن الضريس ‪ ،‬وابو الحسن الحصار فى كتابه‬
‫الناسخ والمنسوخ كما فى التقان ‪ 1/14‬وأبو محمد مكى‬
‫بن أبى طالب القيسى فى كتابه الكشف عن وجوه‬
‫القراءات السبع ‪ ، 2/388‬والرازى فى التفسير الكبير‬
‫‪ ، 84/ 32‬وأبو السعود فى إرشاد العقل السليم ‪5/901‬‬
‫والخطيب الشربينى فى السراج المنير ‪ ، 4/583‬والشوكانى‬
‫فى فتح القدير ‪ ، 491/ 5‬والخازن فى تفسيره ‪288/ 4‬‬
‫وغيرهم ‪0‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪16‬‬
‫الخير آية ‪،‬وعد المدني الخير وتواصوا بالحق‬
‫آية ولم يعدها غيره ‪.1‬‬
‫ما ورد فى فضلها‬
‫روى الطبرانى بسنده عن عبد الله بن‬
‫عبد الله بن الحصين النصارى أنه قال كان‬
‫الرجلن من أصحاب رسول الله ‪ ‬إذا التقيا‬
‫لم يفترقا إل على أن يقرأ أحدهما على الخر‬
‫سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الخر ‪.2‬‬
‫ورواه البيهقى فى الشعب عن أبى مزينة‬
‫الدارى بنحوه ‪.3‬‬
‫وقال المام الشافعى لو تدبر الناس فى هذه‬
‫السورة لوسعتهم‪.‬‬
‫وما ذلك إل لنها جمعت فى ثلث آيات منهجا‬
‫متكامل ً شامل ً للنجاة من الخسران‪.‬‬
‫لذا كان حرص صحابة رسول الله ‪ ‬على‬
‫قراءتها‪.‬‬
‫مقاصد السورة الكريمة وأهم ما تضمنته‬
‫تقرر هذه السورة وتؤكد حقيقة مهمة ‪،‬‬
‫حقيقة ل تتبدل ول تتغير مهما تغيرت الظروف‬

‫عد آى‬
‫يراجع البيان فى اختلف أئمة المصار واتفاقهم فى ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫القرآن لبى عمرو ق ‪ ، 165-76‬ونفائس البيان شرح الفرائد الجسان‬
‫فى عد آى القرآن لعبد الفتاح القاضى ـ ‪ ،‬وكتاب جمال القراء وكمال‬
‫القراء لعلم الدين السخاوى ت ‪ 643‬هـ ‪.1/229‬‬
‫أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ح ‪ 17331‬ك‪ /‬الزهد باب ما‬ ‫‪-2‬‬
‫جاء في الخوف والرجاءعن أبي مزينة الدارمي وقال الهيثمي رواه‬
‫الطبراني في الوسط ورجاله رجال الصحيح ‪0‬‬
‫‪ -‬رواه البيهقى فى شعب اليمان ح ‪.6/501 – 9507‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪17‬‬
‫والحوال ‪ ،‬والزمنة والمكنة ‪ ،‬ومهما تعاقبت‬
‫القرون وتوالت الجيال‪.‬‬
‫هذه الحقيقة هى التى أقسـم عليها رب‬
‫العالمين بالعصر } إن النسان لفى خسر {‬
‫وجاءت السورة لتقرر وتذكر بهذه الحقيقة‬
‫الثابتة وتؤكدها بالقسم وهو من أساليب‬
‫القناع والتأكيد والتنبيه ‪ ،‬بالعصر } إن‬
‫النسان لفى خسر { ول سبيل إلى النجاة من‬
‫مرة إل باليمان والعمل الصالح‬ ‫هذه الحقيقة ال ّ‬
‫والتواصي بالحق والتوصي بالصبر ‪ ،‬وهو الزاد‬
‫الذى يستعين به المؤمن فى رحلته الشاقة‬
‫المضنية المحفوفة بالعقبات والمكاره‪.‬‬
‫ولصاحب الظلل فى هذا المقام كلم طيب ‪:‬‬
‫يقول رحمه الله‬
‫ر }‪{2‬‬ ‫س ٍ‬‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫َ‬
‫نل ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬
‫نا ِ‬ ‫ر }‪ {1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬‫ع ْ‬ ‫وال ْ َ‬
‫‪َ } ‬‬
‫وا‬‫ص ْ‬‫وا َ‬‫وت َ َ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬
‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِإل ال ّ ِ‬
‫ر }‪ {3‬‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫فى هذه السورة ذات اليات الثلث‬
‫يتمثل منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها‬
‫السلم ‪ ،‬وتبرز معانى التصور اليمانى‬
‫بحقيقته الكبيرة الشاملة فى أوضح وأدق‬
‫صورة ‪ ،‬إنها تضع الدستور السلمى كله فى‬
‫كلمات قصار ‪ ،‬وتصف المة المسلمة ‪:‬‬
‫حقيقتها ووظيفتها ‪ ،‬فى آية واحدة هى الية‬
‫الثالثة من السورة ‪ ،‬وهذا هو العجاز الذى ل‬
‫يقدر عليه إل الله‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪18‬‬
‫والحقيقة العظيمة التى تقررها هذه‬
‫السورة هى ‪ :‬أنه على امتداد الزمان فى جميع‬
‫العصار ‪ ،‬وامتداد النسان فى جميع الدهار ‪،‬‬
‫ليس هنالك إل منهج واحد رابح ‪ ،‬وطريق واحد‬
‫ناج ‪ ،‬هو ذلك المنهج الذى ترسم السورة‬
‫حدوده ‪ ،‬وهو هذا الطريق الذى تصف السورة‬
‫معالمه ‪ ،‬وكل ما وراء ذلك ضياع وخسار‪.‬‬
‫ر‬‫س ٍ‬ ‫خ ْ‬‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬
‫سا َ‬ ‫ن الن َ‬‫ر }‪ {1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ع ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وا‬
‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬
‫ت َ‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ملوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}‪ {2‬إل ال ّ ِ‬
‫ر }‪ {3‬‬ ‫صب ْ ِ‬
‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬
‫ق َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ح ّ‬
‫إنه اليمان ‪ ،‬والعمل الصالح ‪ ،‬والتواصى‬
‫بالحق ‪ ،‬والتواصى بالصبر‪.‬‬
‫وهكذا تشتمل هذه السورة على هذه‬
‫المقاصد السامية والموضوعات المهمة ‪ ،‬المر‬
‫الذى جعل صحابة رسول الله ‪ ‬يحرصون‬
‫على قراءتها عند افتراقهم وذلك لشتمالها‬
‫على منهج متكامل وشامل للنجاة من‬
‫‪1‬‬
‫الخسران‬
‫المناسبة بين السورة الكريمة وسابقتها‬
‫ولحقتها‬
‫الصلة بين سورة العصر وبين ما قبلها‬
‫ومابعدها صلة وثيقة دقيقة تـدل على تلحم‬
‫وتلئم هذا البنيان القرآنى المتناسق‬
‫المتماسك ‪.‬‬
‫هذه الصلة الوثيقة ‪ :‬تتجلى لنا من وجوه‬
‫عديدة منها ‪-:‬‬
‫‪1‬‬
‫في ظلل القرآن ‪ 6/3964‬بتصرف‬
‫‪19‬‬
‫** أن الله تعالى بعد أن توعد المعرضين‬
‫المعاندين بعذاب الجحيم التى سيعاينونها‬
‫قبل أن يدخلوها قال تعالى فى سورة‬
‫َ‬
‫م‬‫حّتى ُزْرت ُ ُ‬ ‫كاث ُُر }‪َ {1‬‬ ‫م الت ّ َ‬ ‫هاك ُ ُ‬ ‫التكاثر } أل ْ َ‬
‫ن }‪ {3‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫ف تَ ْ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬‫كل َ‬ ‫قاب َِر }‪َ {2‬‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عل ْ َ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫و تَ ْ‬ ‫كل ل َ ْ‬ ‫ن }‪َ {4‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫ف تَ ْ‬ ‫و َ‬‫س ْ‬ ‫كل َ‬ ‫َ‬
‫م }‪ {6‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫حي َ‬ ‫ج ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫و ّ‬‫ن }‪ {5‬ل َت ََر ُ‬ ‫قي ِ‬ ‫ال ْي َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫سأل ّ‬ ‫م لت ُ ْ‬ ‫ن }‪ {7‬ث ُ ّ‬ ‫قي ِ‬ ‫ن الي َ ِ‬ ‫عي ْ َ‬‫ها َ‬ ‫ون ّ َ‬ ‫ل َت ََر ُ‬
‫عيم ِ }‪{ {8‬‬ ‫ن الن ّ ِ‬ ‫ع ِ‬‫ذ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬‫يَ ْ‬
‫ذكر تعالى فى سورة العصر سبيل‬
‫النجاة من هذا الخسران المبين الذى ينتظر‬
‫الكفار المعاندين والفسقة المعرضين‪.‬‬
‫ول شك أن تضييع الوقات وتبديد‬
‫العمار فى التكاثر بالموال والبنين والتفاخر‬
‫بالحياء والموات ‪ ،‬والنشغال بتلك العراض‬
‫الزائلة عن الحقائق الجوهرية ‪ ،‬هو أعظم‬
‫الخسران‪.‬‬
‫وإذا كانت نهاية النسان إلى الجحيم‬
‫فهو أخسر الخاسرين ‪ ،‬حتى ولو كان فى‬
‫عمين المترفين ‪ ،‬فلسوف ينسى‬ ‫الدنيا من المن ّ‬
‫مر به فى الدنيا من‬ ‫حين يعاين العذاب كل ما ّ‬
‫متع وملذات ‪ ،‬ل ‪0‬كنه سُيسأل‬
‫عنها ‪ ،‬ويتحسر على تقصيره فى شكر من‬
‫أنعم عليه بها ‪0‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪20‬‬
‫فالخاسر هو الذى خفت موازينه وألقي به‬
‫‪1‬‬
‫فى الهاوية ‪0‬‬
‫والخاسر هو الذى ضيع الوقات فى‬
‫التفاخر بالحياء والموات وفى التنافس على‬
‫تكثير الثروات ‪ ،‬وفى التباهى بكثرة البنين‬
‫والبنات ‪ ،‬وفى النشغال بالنعيم عن المنعم ‪،‬‬
‫ذاك هو الخسران العظيم الذى يصلى به‬
‫صاحبه نار الجحيم ‪ 2،‬وكيف ل يخسر من ضيع‬
‫الزمان بعيدا ً عن اليمان‪ ،‬كيف ل يخسر من‬
‫أعرض عن العمال الصالحة وأقبل على‬
‫العصيان ‪ ،‬كيف ل يخسر من لم يتواص بالحق‬
‫والصبر ‪ ،‬كيف ل يخسر من ضيع العمر فى‬
‫الهمز واللمز ‪ ،‬والجمع والعدّ ‪ ،‬كيف ل يخسر‬
‫من علق المال العراض على الموال الطائلة‬
‫‪-‬وقد قيل المانى بضاعة المفاليس ‪ ، -‬حق‬
‫ة }‪{2‬‬ ‫ع ُ‬ ‫ر َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ة }‪َ {1‬‬ ‫ع ُ‬ ‫ر َ‬ ‫قا ِ‬ ‫‪ -‬قال تعالى } ال ْ َ‬ ‫‪1‬‬

‫س‬
‫ن الّنا ُ‬ ‫م ي َكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫و َ‬ ‫ة }‪ {3‬ي َ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ما ال ْقا ِ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أ َدَْرا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫{‬ ‫‪4‬‬ ‫}‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫ثو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫را‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫كا‬ ‫َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فأ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ه }‪{6‬‬ ‫زين ُ ُ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫قل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫{‬ ‫‪5‬‬ ‫}‬ ‫ش‬ ‫فو‬ ‫من ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ة }‪َ {7‬‬ ‫ضي َ ٍ‬ ‫ة ّرا ِ‬ ‫ش ٍ‬ ‫عي َ‬ ‫في ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما أدَْراك َ‬ ‫و َ‬ ‫ة }‪َ {9‬‬ ‫وي َ ٌ‬ ‫ها ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه }‪ {8‬فأ ّ‬ ‫زين ُ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ة }‪{11‬‬ ‫مي َ ٌ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه }‪َ {10‬ناٌر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫ذي‬ ‫ة }‪ {1‬ال ّ ِ‬ ‫مَز ٍ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫مَز ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ل ل ّك ُ ّ‬ ‫وي ْ ٌ‬ ‫‪ -‬قال تعالى } َ‬
‫‪2‬‬

‫خل َدَهُ }‬ ‫ه أَ ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫بأ ّ‬


‫َ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫عدّدَهُ }‪ {2‬ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ماًل َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ما أدَْراك َ‬ ‫و َ‬ ‫ة }‪َ {4‬‬ ‫م ِ‬ ‫حط َ‬ ‫في ال ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫‪ {3‬كل لُينب َذَ ّ‬
‫قدَةُ }‪ {6‬ال ِّتي ت َطّل ِ ُ‬
‫ع‬ ‫مو َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ة }‪َ {5‬ناُر الل ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫حط َ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫في‬ ‫صدَةٌ }‪ِ {8‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫عَلى الفئ ِدَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ؤ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ة }‪ {7‬إ ِن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ة }‪{ {9‬‬ ‫مدّدَ ٍ‬ ‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫د‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫َ َ‬ ‫ع‬
‫‪21‬‬
‫له أن تخف موازينه ويعاين الجحيم ويخسر كل‬
‫شئ ‪ ،‬وتتحطم آماله العراض وتتبدد أمانيه‬
‫العذاب وينبذ فى الحطمة بعد أن نبذ الحق‬
‫وأهله من أجل المال فكان الجزاء من جنس‬
‫العمل‪.‬‬
‫ومن وجوه المناسبة أيضا أنه تعالى لما‬
‫بين فى سورة التكاثر أن الشتغال بالدنيا‬
‫وزخارفها أمر مذموم بين فى هذه السورة ما‬
‫يجب على النسان أن يشتغل به من اليمان‬
‫والعمل الصالح والتواصى بالحق والصبر‪.‬‬
‫ولقد تحدث المام السيوطى فى‬ ‫•‬
‫كتابه تناسق الدرر عن السياق العام‬
‫لهذه السورة الكريمة فقال ) وسورة‬
‫ألهاكم ( واقعة موقع العلة لخاتمة ما‬
‫قبلها ‪ ،‬كأنه لما قال هناك فأمه هاوية ‪،‬‬
‫قيل لم ذلك ؟ فقـــال لنكم ) ألهاكم‬
‫التكاثر ( فاشتغلتم بدنياكم وملتم‬
‫موازينكم بالثام ‪ ،‬ولهــذا عقبهـا‬
‫بسـورة ) والعصر ( المشتملة على أن‬
‫النسان لفى خسر بيان لخسارة الدنيا‬
‫ونماء تجارة الخـرة ‪ ،‬ولهـذا عقبها‬
‫بسورة ) الهمزة ( المتوعد فيها من‬
‫َ‬
‫ه‬‫مال َ ُ‬
‫ن َ‬
‫بأ ّ‬‫س ُ‬‫ح َ‬
‫عدّدَهُ ي َ ْ‬ ‫مال ً َ‬
‫و َ‬ ‫ع َ‬
‫م َ‬
‫ج َ‬
‫} َ‬
‫خل َدَهُ { فانظر إلى تلحم هذه السور‬ ‫أَ ْ‬
‫الربع وحسن اتساقها ‪.1‬‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫تناسق الدرر فى تناسب السور للمام جلل الدين السيوطى ص ‪101‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪22‬‬
‫ر‬
‫س ٍ‬‫خ ْ‬‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬
‫سا َ‬ ‫ن الن َ‬ ‫ر }‪ {1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ع ْ‬‫وال ْ َ‬‫‪َ ‬‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫}‪ِ {2‬إل ال ِ‬
‫ر ‪{ {3‬‬ ‫ب‬
‫ّ ْ ِ‬‫ص‬ ‫بال‬
‫وا ِبا َ ّ َ َ َ َ ْ ِ‬
‫وا‬ ‫ص‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬‫وت َ َ‬
‫َ‬
‫يســتهل اللــه ‪ U‬هــذه الســورة الكريمــة‬
‫ر{ وقســمه تعــالى فــي كتــابه‬ ‫ص ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫وال ْ َ‬‫بالقسم } َ‬
‫الكريم لكمــال الحجــة وتقريــر المحجــة ‪ ،‬وفيــه‬
‫تنبيه للسامع إلى أهمية المقسم عليه ‪ ،‬وقطع‬
‫الحجة علــى الكــافرين المعانــدين الــذين ســلك‬
‫القرآن بهم جميع طرق القناع ‪ ،‬حتى ل يبقى‬
‫لهم عذر‪.‬‬
‫وقـد ذكـر المفسرون أقوال ً متعددة في بيان‬
‫المقصود بـ ) العصر ( ‪:‬‬
‫فقيل العصر هو الدهر ‪ ،‬أقسم به‬
‫‪1‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪ U‬لما اشتمل عليه من العاجيب ولما‬
‫فيه من التنبيه بتصرف الحوال وتبدلها‬
‫وما فيها من الدللة على الصانع‪.‬‬
‫يقول ابن القيم في كتابه التبيان في‬
‫أقسام القرآن ] أقسم سبحانه بالعصر‬
‫لمكان العبرة والية فيه ‪ ،‬فإن مرور‬
‫الليل والنهار على تقدير قدرة العزيز‬
‫العليم منتظم لمصالح العالم على أكمل‬

‫أورد هذا الرأي المام الطبري في جامع البيان ‪ 30/187‬والبغوي‬ ‫‪1‬‬

‫في معالم التنزيل ‪ 5/620‬وابن كثير في تفسيره ‪ 4/547‬والشوكانى في‬


‫فتح القدير ‪ 5/491‬والرازي في مفاتيح الغيب ‪ 84/ 32‬وأبو السعود في‬
‫إرشاد العقل السليم ‪ 5/901‬وأبو حيان في البحر المحيط ‪509/ 8‬‬
‫والقرطبي في الجامع ‪ 20/179‬والنسفي في مدارك التنزيل ‪، 4/375‬‬
‫وفي حاشية الجمل على الجللين ‪ 4/582‬و في روح المعاني ‪. 16/409‬‬
‫‪23‬‬
‫ترتيب ونظام وتعاقبهما واعتدالهما تارة‬
‫وأخذ أحدهما من صاحبه تارة واختلفهما‬
‫في الضوء والظلم والحر والبرد‬
‫والحركة والسكون وانقسام العصر إلى‬
‫القرون والسنين والشهر واليام‬
‫والساعات وما دونها آية من آيات رب‬
‫العالمين وبرهان من براهين قدرته‬
‫وحكمته ‪.1‬‬
‫وقيل أقسم الله بالعصر أي بوقت العصر‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ ، 2‬كما أقسم الله بالضحى وبالليل‬
‫وبالفجر ‪ ،‬لما في هذه الوقات من دلئل‬
‫قدرة الله تعالى وبديع صنعه ‪ ،‬كما أن‬
‫هذا الوقت وهو آخر النهار وقت الفراغ‬
‫من العمال ‪ ،‬يذكر النسان بوقت انتهاء‬
‫أجله وانطواء صحيفة عمله وانتظاره‬
‫لمصيره المحتوم إما إلى دار النعيم وإما‬
‫إلى نار السموم ‪ ،‬أعاذنا الله منها‪.‬‬
‫قال الحسن رحمه الله إنما أقسم بهذا‬
‫الوقت تنبيها على أن السواق قد دنا‬
‫وقت انقطاعها وانتهاء التجارة والكسب‬
‫فيها ‪ ،‬فإذا لم تكتسب ودخلت الدار‬
‫وطاف العيال عليك يسألك كل أحد ما‬
‫هو حقه فحينئذ تخجل فتكون من‬

‫التبيان في أقسام القرآن لبن قيم الجوزية ص ‪114‬‬ ‫‪1‬‬

‫ذكر هذا الرأي ابن كثير في تفسيره ‪ 4/547‬ورجح الرأي الول‬ ‫‪2‬‬

‫والشوكانى في فتح القدير ‪ 5/491‬وأبو حيان في البحر المحيط ‪509/ 8‬‬


‫وذكره النسفي في تفسيره ‪.4/375‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪24‬‬
‫الخاسرين ‪ ،‬فكذا نقول والعصر أي عصر‬
‫الدنيا قد دنت القيامة و ] أنت [ بعد لم‬
‫تعتد وتعلم أنك تسأل غدا ً عن النعيم‬
‫الذى كنت فيه في دنياك ‪ ،‬وتسأل في‬
‫معاملتك مع الخلق وكل أحد من‬
‫المظلومين يدعى ما عليك فـإذا أنت‬
‫س‬
‫ب ِللّنا ِ‬ ‫قت ََر َ‬‫خاسر ‪ ،‬ونظيره } ا ْ‬
‫ن{ ‪.‬‬
‫‪2 1‬‬
‫ضو َ‬‫ر ُ‬
‫ع ِ‬
‫م ْ‬‫ة ّ‬ ‫َ‬
‫فل ٍ‬‫غ ْ‬ ‫في َ‬‫م ِ‬‫ه ْ‬
‫و ُ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫ِ‬
‫لذا فإن هذا الوقت وقت عظة واعتبار‬
‫وإقبال على الطاعات وبعد عن المعاصي‬
‫ولنه وقت معظم ‪ ،‬فإن له حرمته‬
‫والدليل على ذلك قوله ‪ ) u‬من حلف‬
‫بالعصر كاذبا ً ل يكلمه الله ول ينظر إليه‬
‫‪3‬‬
‫يوم القيامة (‬
‫سورة النبياء آية ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مفاتيح الغيب للرازى ‪32/85‬‬ ‫‪32‬‬

‫الحديث ونصه في صحيح البخاري قال رسول الله‬ ‫‪3‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬ثلثة ل ينظر الله إليهم يوم‬


‫القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم‪ :‬رجل كان له فضل‬
‫ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل‪ ،‬ورجل بايع إماما ل‬
‫يبايعه إل لدنيا‪ ،‬فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها‬
‫سخط‪ ،‬ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال‪ :‬والله الذي‬
‫ل إله غيره‪ ،‬لقد أعطيت بها كذا وكذا‪ ،‬فصدقه رجل(‪ .‬ثم‬
‫قرأ هذه الية‪} :‬إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم‬
‫ثمنا قليل{‪.‬صحيح البخاري ‪-47‬ك‪/‬المساقاة‪-6‬باب إثم‬
‫من منع ابن السبيل من الماءح‪ 2230‬ورواه أبو داود في‬
‫السنن عنه ونصه عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الّله‬
‫ة ل يكلمهم الّله يوم القيامة‪:‬‬‫صلى الّله عليه وسلم‪" :‬ثلث ٌ‬
‫‪25‬‬
‫قال الرازي في تفسيره ‪ " :‬فكما أقسم‬
‫في حق الرابح بالضحى فكذا أقسم في‬
‫حق الخاسر بالعصر ‪ ،‬وذلك لنه أقسم‬
‫بالضحى في حق الرابح وبشر الرسول‬
‫أن أمره إلى القبال وهاهنا في حق‬
‫الخاسر توعده أن أمره إلى الدبار ‪ ،‬ثم‬
‫كأنه يقول بعض النهار باق فيحثه على‬
‫التدارك في البقية بالتوبة ‪ ،‬وعن بعض‬
‫السلف ‪ :‬تعلمت معنى السورة من بائع‬
‫الثلج كان يصبح ويقول ‪ :‬ارحموا مــن‬
‫يذوب رأس ماله ‪ ،‬ارحموا من يـذوب‬
‫رأس ماله فقلت هـذا معنى } إن‬
‫النسان لفي خسر { يمر به العصر‬
‫فيمضى عمـره ول يكتسـب فإذا هو‬
‫خاسر( " ‪. 1‬‬
‫وفــي هــذا المقــام يقــول الســتاذ عبــد الكريــم‬
‫الخطيب مبينا ً الحكمة من القسم بالعصر ‪:‬‬
‫) وفي القسم بالعصر تنويه بشأن هذا‬
‫الوقت من الزمن ‪ ،‬الذى تبدأ فيه الحياء‬
‫تجمع نفسها ‪ ،‬وتعود إلى مأواها بما‬
‫صلت وجمعت في سعيها في الحياة ‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫وإنه لجدير بالعاقل أن يحاسب نفسه‬
‫ل حلف على‬ ‫ل منع ابن السبيل فضل ماٍء عنده‪ ،‬ورج ٌ‬ ‫رج ٌ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سلعةٍ بعد العصر يعني كاذبا وُرج ٌ‬
‫ل بايع إماما فِإن أعطاه‬
‫وفي له وإن لم يعطه لم يف ]له["السنن ك‪/‬الجارة‬
‫باب في منع الماء ‪3474‬‬
‫مفاتيح الغيب للرازى ‪32/85‬‬ ‫‪1‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪26‬‬
‫على ما عمل في يومه هذا ‪ ،‬وما حصل‬
‫فيه من خير ‪ ،‬وما اقترف فيه من إثم ‪،‬‬
‫إنه وقت محاسبة ومراجعة لعمال اليوم‬
‫‪ ،‬وتصحيح للخطاء التي وقع فيها ‪ ،‬فل‬
‫يستأنفها في غده ( ‪. 1‬‬
‫أقـول ‪ :‬وتفسير العصر على أنه وقت‬
‫العصر هو المناسب للقسام الخرى‬
‫التي وردت في ســــورها – والفجر‬
‫واللـيل والضحى وقوله تعالى في‬
‫سـورة التكـويـر } والصبح إذا تنفس {‪.‬‬
‫وقوله تعالى في سورة المدثر} والصبح‬
‫إذا أسفر {‪.‬‬
‫أقسم تعالى بـ ) والعصر ( أي بصلة‬ ‫‪-3‬‬
‫وه‬
‫العصر وهى الصلة الوسطى التي ن ّ‬
‫سبحانه وتعالى بفضلها ومزيتها قال‬
‫عَلى‬ ‫ظوا ْ َ‬
‫ف ُ‬
‫حا ِ‬‫تعالى في سورة البقرة } َ‬
‫طى { وجاء في‬ ‫س َ‬‫و ْ‬‫ة ال ْ ُ‬
‫صل َ ِ‬
‫ت وال ّ‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫الصحيحين عن أبى موسى الشعري ‪t‬‬
‫أن رسول الله ‪ e‬قال ) من صلى البردين‬
‫‪2‬‬
‫دخل الجنة (‬
‫والبردان هما صلة الصبح والعصر‪.‬‬
‫وعن أبى بصرة الغفارى ‪ t‬قال صلى بنا‬
‫مص ‪ ،‬وقال‬ ‫خ ِ‬ ‫رسول الله ‪ ‬العصر بال َ‬
‫م ْ‬
‫التفسير القرآنى للقرآن ‪.1668/ 15‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الشعري ‪ y‬ك‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫مواقيت الصلة باب فضل صلة الفجر حديث ‪ ،548‬ورواه مسلم في‬
‫صحيحه ك‪ -‬المساجد باب فضل صلتي الصبح والعصر ح ‪635‬‬
‫‪27‬‬
‫إن هذه الصلة عرضت على من كان‬
‫ضيعوها ومن حافظ عليها كان‬ ‫قبلكم ف َ‬
‫له أجره مرتين (‬
‫‪1‬‬

‫وعن أبى هريرة ‪ t‬قال ‪ :‬قال رسول‬


‫الله ‪ ) e‬يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل‬
‫وملئكة بالنهار ويجتمعون في صلة‬
‫الفجر وفي صلة العصر ثم يعرج الذين‬
‫باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم‬
‫كيف تركتم عبادى ؟ فيقولون تركناهم‬
‫وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ( ‪.2‬‬
‫وكما رغب رسول الله ‪ e‬في المحافظة‬
‫عليها فقد ح ّ‬
‫ذر من تركها ‪ ،‬فعـن ابـن‬
‫عمر رضى الله عنهما عن النبي ‪ e‬قال‬
‫) من فاتته صلة العصر فكأنما وتر أهله‬
‫‪3‬‬
‫وماله (‬
‫أما من تعمد تركها فقد حبط عمله وباء‬
‫‪e‬‬ ‫بالخسران المبين ‪ ،‬وفي ذلك يقول‬

‫رواه مسلم في صحيحه ك‪ /‬صلة المسافرين باب ال وقات التي نهي‬ ‫‪1‬‬

‫عن الصلة فيها ح ‪830‬‬


‫‪ -‬رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ‪ y‬ك‪ -‬مواقيت الصلة‬ ‫‪2‬‬

‫باب فضل صلة العصر ح ‪ 530‬ورواه مسلم في صحيحه ك‪ -‬المساجد‬


‫باب فضل صلتي الصبح والعصر ح ‪632‬‬
‫‪ -‬الحديث رواه الترمذي في السنن عن أبن عمر ‪- y‬أبوب الصلة –‬ ‫‪3‬‬

‫باب ما جاء في السهو عن وقت صلة العصر –ح ‪-175‬وقال حديث‬


‫حسن صحيح‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪28‬‬
‫) من ترك صلة العصر متعمدا ً فقد حبط‬
‫عمله ( ‪.1‬‬
‫من هذا المنطلق فلقد ذكر بعض‬
‫المفسرين أن المــراد بـ } والعصر {‬
‫صلة العصر ‪ ،‬أقسم بها تعالى اعتناء‬
‫بشأنها وتوجيها لمة السلم وتذكيرا ً‬
‫لهم بهذه الصلة التي يغفل عنها بعض‬
‫الناس لنشغالهم بتجارتهم أو لخلودهم‬
‫إلى الراحة من أعمالهم كما أن هذه‬
‫الصلة يحصل بها ختم طاعات النهار ‪،‬‬
‫فهي كالتوبة بها يختم العمل فكما تجب‬
‫الوصية بالتوبة كذا بصلة العصر لن‬
‫المور بخواتيمها ‪ ،‬فأقسم تعالى بهذه‬
‫الصلة تفخيما ً لشأنها ‪.2‬‬
‫أقسـم تعالى بزمان رسول الله ‪ e‬كما‬ ‫‪-4‬‬
‫أقســـم بمكانه وحياته قــال تعالى‬
‫ن}‬ ‫سي ِ َ‬
‫ني‬ ‫ر ِ‬‫طو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ن }‪َ {1‬‬ ‫والّزي ُْتو ِ‬ ‫ن َ‬
‫َ‬ ‫والّتي ِ‬
‫} َ‬
‫ن }‪ { {3‬سورة‬ ‫مي ِ‬‫د ال ِ‬ ‫ذا ال ْب َل َ ِ‬
‫هـ َ‬‫و َ‬
‫‪َ {2‬‬
‫ً‬
‫التين ‪ ،‬وقـال تعالى مقسما بحياة حبيبه‬
‫في‬‫م لَ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مُر َ‬
‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫المصطفي ‪ } e‬ل َ َ‬

‫‪ -‬الحديث ‪ :‬رواه البخاري في صحيحه عن بريدة ‪ y‬ك‪-‬مواقيت الصلة‬ ‫‪1‬‬

‫– باب الصلة في يوم الغيم ح ‪569‬‬


‫‪ -‬مفاتيح الغيب للرازي ‪ 86 ، 85/ 32‬وذكر هذا الرأي الزمخشري‬ ‫‪2‬‬

‫في الكشاف ‪ 4/793‬وابن عطية في المحرر الوجيز ‪ 520/ 8‬والمام‬


‫الخازن في تفسيره ‪ ، 288/ 4‬وأبو حيان في البحر المحيط ‪509/ 8‬‬
‫والجمل في حاشيته على تفسيره الجللين ‪ ، 4/582‬والشوكاني في فتح‬
‫القدير ‪ 491/ 5‬والنسفي في تفسيره ‪.4/375‬‬
‫‪29‬‬
‫ن }‪ {72‬سورة الحجر ‪،‬‬ ‫هو َ‬
‫م ُ‬
‫ع َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫سك َْرت ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫وعلى هذا ’’ فالتعريف هنا تعريف العهد‬
‫الحضري مثل التعريف في اليوم‬
‫كقولك ‪ :‬فعلت اليوم كذا ’’ ‪.1‬‬
‫قال الرازي ) أقسم تعالى بزمانه ‪ e‬كما‬
‫أقسم بمكانه وبعمره فكأنه قال وعصرك‬
‫وبلدك وعمرك ‪ ...‬؛ كأنه تعالى يقول ‪:‬‬
‫أنت يا محمد حضرتهم ودعوتهم ‪ ،‬وهم‬
‫أعرضوا عنك وما التفتوا إليك فما أعظم‬
‫‪2‬‬
‫خسرانهم وما أجل خذلنهم (‬
‫وقال أبو السعود ‪ ) :‬أقسم تعالى بعصر‬
‫النبوة لظهور فضله على سائر العصار (‬
‫‪3‬‬

‫وقال المام اللوسي ‪ ) :‬وقيل المراد به‬


‫عصر النبوة ‪ ،‬كأنه عنى به وقت حياته ‪e‬‬
‫كأنه أشرف العصار لتشريف النبي ‪،‬‬
‫وقيل هو زمان حياته ‪ e‬وما بعده إلى‬
‫يوم القيامة ومقداره فيما مضى من‬
‫الزمان مقدار وقت صلة العصر من‬
‫النهار – كما في حديث رسول الله ‪e‬‬
‫) إنما بقاؤكم فيمن سلف قبلكم من‬
‫المم كما بين صلة العصر إلى غروب‬
‫‪ -‬ذكر هذا الرأي ابن عاشور في تفسيره ‪.530/ 30‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مفاتيح الغيب للرازى ‪.86/ 32‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إرشاد العقل السليم ‪ 5/901‬وذكر هذا الرأي المام الخازن في‬ ‫‪3‬‬

‫تفسيره وبين أن القسم بزمانه ‪ e‬لنه أفضل الزمان وأشرفها ‪288/ 4‬‬
‫وأورده الشوكاني في فتح القدير ‪.491/ 5‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪30‬‬
‫الشمس ( وشرفه لكونه زمان النبي‬ ‫‪1‬‬

‫‪ e‬وأمته التي هى خير أمة أخرجت للناس‬


‫‪.2‬‬
‫وقيل المراد بالعصر ‪ :‬الليل‬ ‫‪-5‬‬
‫‪3‬‬
‫والنهار ‪ ،‬ويقال لهما العصران ‪.‬‬
‫وأقسم الله بالليل والنهار لنهما من‬
‫أجل النعم وأعظم الدلئل على القدرة‬
‫اللهية ‪ ،‬وفي تقلبهما من العبر‬
‫والعظات ما ل يخفي على أحد‪.‬‬

‫روى البخاري في صحيحه بسنده عن سالم بن‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الله‪ ،‬عن أبيه أنه أخبره‪ :‬أنه سمع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬إنما بقاؤكم فيما سلف‬
‫قبلكم من المم‪ ،‬كما بين صلة العصر إلى غروب‬
‫الشمس‪ ،‬أوتي أهل التوراة التوراة‪ ،‬فعملوا حتى إذا‬
‫انتصف النهار عجزوا‪ ،‬فأعطوا قيراطا قيراطا‪ ،‬ثم أوتي‬
‫أهل النجيل النجيل‪ ،‬فعملوا حتى إلى صلة العصر ثم‬
‫عجزوا‪ ،‬فأعطوا قيراطا قيراطا‪ ،‬ثم أوتينا القرآن‪،‬‬
‫فعملنا إلى غروب الشمس‪ ،‬فأعطينا قيراطين‬
‫قيراطين‪ ،‬فقال أهل الكتابين‪ :‬أي ربنا‪ ،‬أعطيت هؤلء‬
‫قيراطين قيراطين‪ ،‬وأعطيتنا قيراطا قيراطا‪ ،‬ونحن كنا‬
‫أكثر عمل؟ قال‪ :‬قال الله‪ ‬وجل‪ :‬هل ظلمتكم من‬
‫أجركم من شيء؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهو فضلي أوتيه من‬
‫أشاء( ‪ ،‬صحيح البخاري ك‪ -‬مواقيت الصلة باب‪ :‬من‬
‫أدرك ركعة من العصر قبل الغروب‪.‬ح‪532 :‬‬
‫روح المعانى لللوسى ‪.16/410‬‬ ‫‪2‬‬

‫البحر المحيط لبي حيان ‪ 509/ 8‬والمحرر الوجيز لبن عطية ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وتفسير الخازن ‪ ، 288/ 4‬وفتح القدير للشوكاني ‪.491/ 5‬‬


‫‪31‬‬
‫خر‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬ ‫قال تعالى في سورة إبراهيم [ َ‬
‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خَر‬
‫س ّ‬
‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫دائ َِبي َ‬‫مَر َ‬ ‫ق َ‬ ‫وال ْ َ‬‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫م ال ّ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫هاَر }‪) {33‬‬ ‫والن ّ َ‬‫ل َ‬ ‫الل ّي ْ َ‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫هاَر إ ِ ّ‬ ‫والن ّ َ‬
‫ل َ‬ ‫ه الل ّي ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫قل ّ ُ‬‫وقال ‪ [ U‬ي ُ َ‬
‫صار ‪‬‬ ‫وِلي الب ْ َ‬ ‫عب َْرةً لل ْ‬ ‫ك لَ ِ‬‫ذَل ِ َ‬
‫وقيل أقسم تعالى برب العصر على‬ ‫‪-6‬‬
‫تقدير حذف المضاف ‪ 1‬وما ل يحتاج إلى‬
‫حذف أولى ‪ ،‬ولله ‪ U‬أن يقسم بما شاء‬
‫من مخلوقاته ففي ذلك تعظيم لذاته‬
‫وصفاته ‪ ،‬ول يجوز لنا أن نقسم إل بالله‬
‫تعالى ‪ ،‬يقول رسول الله ‪ ) e‬من حلف‬
‫بغير الله فقد أشرك ( ‪.2‬‬
‫وقسمه تعالى بالزمان أو بجزء منه لن‬
‫الوقت رأس مال النسان فإذا بدد‬
‫النسان رأس ماله فيما ل ينفع فقد باء‬
‫بالخسران ‪ ،‬وإن اغتنم الوقات واستثمر‬
‫الساعات في العمل الصالح المصاحب‬
‫لليمان المقترن به فهو الرابح المفلح‪.‬‬
‫ر }‪) {2‬‬ ‫س ٍ‬ ‫خ ْ‬‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِْ‬ ‫[ إِ ّ‬
‫يعنى بالنسان هنا جميع الناس‬
‫فالتعريف هنا تعريف الجنس ‪ ،‬فهو لفظ‬
‫يفيد العموم بدليل الستثناء منه ‪،‬‬
‫لباب التأويل للخازن ‪ ، 4/288‬والسراج المنير للشربينى ‪، 4/584‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفتــــح القدير للشوكاني ‪491/ 7‬‬


‫الحديث رواه أبو داود في السنن عن ابن عمر ‪ y‬ك‪ /‬اليمان والنذور‬ ‫‪2‬‬

‫باب في كراهية الحلف بالباء ح ‪ 3251‬ورواه الترمذي في السنن عنه‬


‫–أبواب النذور واليمان باب ‪ -8‬ح ‪ 1574‬وقال هذا حديث حسن ‪0‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪32‬‬
‫والنسان ل ينفك عن الخسران ‪ ،‬لن‬
‫الخسران هو تضييع عمره ‪ ،‬وذلك لن أي‬
‫ساعة تمر من عمر النسان إما أن تكون‬
‫في طاعة أو في معصية ‪ ،‬فإذا كانت في‬
‫طاعة فلعل غيرها أفضل منها وهو قادر‬
‫على التيان بها فكان فعل غير الفضل‬
‫تضييعا ً وخسرانا ‪ ،‬وإن كانت في معصية‬
‫فالخسران ّبين ‪ ،‬فبان بذلك أنه ل ينفك‬
‫أحد عن الخسران‪.‬‬
‫ر‬
‫س ٍ‬
‫خ ْ‬‫في ُ‬ ‫َ‬
‫نل ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ْ‬
‫نا ِ‬ ‫وقوله تعالى [ إ ِ ّ‬
‫) الخسر هو النقصان والضمحلل‬
‫وذهاب رأس المال ‪ ،‬والغبن والضلل ’’‬
‫خسارة‬ ‫خسرانا و َ‬ ‫سرا و ُ‬ ‫خ ً‬ ‫سرا ً و َ‬ ‫خ ْ‬‫سَر َ‬ ‫خ ِ‬‫َ‬
‫سر ‪ :‬أي ضل ‪،‬‬ ‫خ ِ‬ ‫خسارا ‪ ،‬فهو خاسر و َ‬ ‫و َ‬
‫خسارة ‪ :‬الضلل والهلك‬ ‫خسار وال َ‬ ‫وال َ‬
‫خسران ‪ :‬النقص ‪،‬‬ ‫خسر وال ُ‬ ‫‪ 000‬وال َ‬
‫وأخسرته أنقصته ‪ ،‬قال تعـالـى في‬
‫م َأو‬ ‫كاُلو ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫سورة المطففين [ َ‬
‫ن }‪. ) {3‬‬
‫‪1‬‬
‫سُرو َ‬ ‫خ ِ‬‫م يُ ْ‬‫ه ْ‬‫وَزُنو ُ‬ ‫ّ‬
‫قال الخفش ) في خسر ( أي في‬
‫هلكة ‪ ،‬وقال الفـــراء عقوبة وقال ابن‬
‫زيد لفي شر‪. 2‬‬

‫لسان العرب لبن منظور ‪ 2/1156‬والمصباح المنير للفيومى‬ ‫‪1‬‬

‫‪.1/78‬‬
‫جامع البيان للطبرى ‪ 30/187‬ومعالم التنزيل للبغوى ‪5/620‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومعانى القرآن للفراء ‪ 3/289‬وفتح القدير للشوكاني ‪.491/ 5‬‬


‫‪33‬‬
‫أقول ‪ :‬وكل هذه المعانى محتملة‬
‫فالهلك والخسران والشر والضلل‬
‫والنقصان كلها من مظاهر الخسر‬
‫وعواقبه الليمة‪.‬‬
‫وخسر النسان في صرف العمار فيما‬
‫ل ينفعه في حياته الباقية التي سينتقل إليها‬
‫مهما طال العمر ‪ ،‬وأي خسر أعظم ممن باع‬
‫آخرته بدنياه ‪ ،‬باع الباقى بالفانى ‪ ،‬باع‬
‫النفيس بالخسيس ‪ ،‬قال أبو حيان ’’ من باع‬
‫آخرته بدنياه فهو في غاية الخسران بخلف‬
‫المؤمن فإنه اشترى الخرة بالدنيا فربح وسعد‬
‫’’ ‪.1‬‬
‫وهذا الخسر مراتب متفاوتة بحسب‬
‫العمال السيئة التي تؤدى إليه وما يترتب‬
‫عليها من عواقب ‪ ،‬ولهذا جاء ) خسر ( بصيغة‬
‫التنكير لفادة التنويع ‪ ،‬ولقد أكد الله تعالى‬
‫ن { واللم المؤكدة‬ ‫هذا الخبر بالقسم } إ ّ‬
‫} لفي { التي تفيد أنه مغمور في الخسر‬
‫الذى يحيطه من كل جانب فعليه أن يلتمس‬
‫سبيل النجاة‪.‬‬
‫ويمكن أن يكون التنكير للتهويل‬
‫والتعظيم فهو خسران عظيم هائل فادح ل‬
‫يعلم مداه إل الله وهو خسران أعظم من‬
‫خسارة المال والهل والجاه والسلطان‪.‬‬
‫ت‪‬‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬
‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫‪ ‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫البحر المحيط لبى حيان ‪509/ 8‬‬ ‫‪1‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪34‬‬
‫ت ’’‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬‫ع ِ‬‫و َ‬‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫فإنهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفانى‬
‫الخسيس واشتروا الباقى النفيس ‪ ،‬واستبدلوا‬
‫الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات ‪ ،‬فيالها‬
‫من صفقة ما أربحها ’’ ‪. 1‬‬
‫والستثناء هنا من جنس الناس فالكل‬
‫في خسران إل أهل اليمان والعمل الصالح‬
‫فالستثناء متصل أما على الرأي القائل بأن‬
‫المراد بالنسان الكافر ‪ :‬فالستثناء منقطع‬
‫لن المستثنى ليس من ضمن المستثنى منه‪.‬‬
‫واليمان هو مطلق التصديق بما جاء به‬
‫رسول الله ‪ ‬من عند ربه ‪ ،‬وهو شامل‬
‫لليمان بالله تعالى وملئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم الخر والقدر خيره وشره حلوه ومره‬
‫إيمانا ً صادقا ً واعتقادا ً صحيحا ً ويقينا ً ثابتا ً‬
‫ت ‪ ‬من‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬‫ع ِ‬‫و َ‬‫وقوله تعالى‪َ ‬‬
‫عطف الخاص على العام لن العمل الصالح‬
‫جزء من اليمان ل ينفك عنه ‪ ،‬إذ اليمان‬
‫تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل‬
‫بالجوارح ‪ ،‬وعطف العمل الصالح على اليمان‬
‫لبيان مدى أهميته فهو البرهان على صدق‬
‫اليمان ‪ ،‬وهو الترجمة الواقعية له ‪ ،‬وهو من‬
‫آثاره الطيبة وثمراته اليانعة ‪ ،‬وهو جزء منه ل‬
‫ينفك عنه فاليمان بل عمل كالشجر بل ظل‬
‫ول ثمر‪ ،‬والعمل بدون اليمان كالجسد بل روح‬

‫إرشاد العقل السليم ‪5/901‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪35‬‬
‫فل وزن للعمل ول لليمان إذا افترق‬
‫أحدهما عن صاحبه‪.‬‬
‫وعمل الصالحات يكون بالمتثال لكل ما أمر‬
‫الله به ودعا إليه واجتناب كل ما نهى الله عنه‬
‫وحذر منه ‪0‬‬
‫ت‪‬‬ ‫حا‬ ‫ل‬
‫ّ ِ َ ِ‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫والتعريف‬
‫تعريف الجنس مراد به الستغراق ‪ ،‬فهو يشمل‬
‫جميع العمال الصالحة فكل من يتصف‬
‫باليمان ولكنه يقع أحيانا ً في بعض‬
‫المحظورات ‪ ،‬فهو في نوع خسران ‪ ،‬بقدر‬
‫تقصيره وإهماله ‪0‬‬
‫يقول ابن القيم ’’ ومن هنا فل بد من‬
‫التفريق بين مطلق الخسارة والخسار المطلق‬
‫فمن ربح في سلعة وخسر في غيرها قد‬
‫يطلق عليه أنه في خسر وأنه ذو خسر ‪ ،‬كما‬
‫قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ’ لقد‬
‫فرطنا في قراريط كثيرة ’ ‪ ، 1‬فهذا نوع‬
‫صل‬ ‫تفريط وهو نوع خسر بالنسبة إلى من ح ّ‬
‫ربح ذلك ’’ ‪.2‬‬
‫صْبر ‪‬‬
‫وا ِبال ّ‬
‫ص ْ‬ ‫وا َ‬‫وت َ َ‬
‫ق َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وت َ َ‬

‫صحيح البخاري ك‪ /‬الجنائز باب فضل اتباع الجنائز ح ‪1260‬‬ ‫‪1‬‬

‫التبيان في أقسام القرآن لبن القيم ص ‪.116‬‬ ‫‪2‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪36‬‬
‫صــى ‪ :‬أوصــى الرجــل‬ ‫ورد فــي اللســان ‪ ’’ :‬و ّ‬
‫ووصاه ‪ :‬عهد إليــه ‪ ،‬وتواصــى القــوم ‪ :‬أوصــى‬
‫بعضهم بعضا ً ’’ ‪.1‬‬
‫والوصية ’’ هى التقديم إلى الغير بما‬
‫يعمل به مقرونا بوعظ ونصيحة من قولهم‬
‫أرض واصية أي متصلة النبات ’’ ‪.2‬‬
‫ق‪‬‬ ‫وا ِبال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫من هنا فقوله تعالى ‪َ ‬‬
‫وت َ َ‬
‫بمعنى أوصى بعضهم بعضا ً بلسان المقال‬
‫ولسان الحال ‪ ،‬بإتباع الحق والتمسك به ’’‬
‫والحق هو المر الثابت الذى ل يسوغ إنكاره‬
‫ول زوال في الدارين لمحاسن آثاره ‪ ،‬وهو‬
‫الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه‬
‫ورسله ’’ ‪.3‬‬
‫وا ‪ " ‬أنه تعالى‬ ‫ص ْ‬
‫وا َ‬
‫وت َ َ‬‫وسر التعبير بـ ‪َ ‬‬
‫مدحهم بما صدر منهم في الماضى وذلك يفيد‬
‫رغبتهم في الثبات عليه في المستقبل" ‪.4‬‬
‫والتواصى بالحق من العمل الصالح‬
‫فذكره بعد العمل الصالح من قبيل ذكر الخاص‬
‫بعد العام اهتماما بأمره ‪.5‬‬
‫صْبر ‪ ‬كرر الفعل لختلف‬ ‫وا ِبال ّ‬
‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وت َ َ‬
‫متعلقه ‪ ،‬وتخصيص هذا الفعل بالذكر مع‬
‫اندراجه تحت التواصي بالحق لبراز كمال‬

‫لسان العرب ‪. 6/4853‬‬ ‫‪1‬‬

‫حاشية الجمل ‪. 4/583‬‬ ‫‪2‬‬

‫إرشاد العقل السليم ‪ 5/901‬ومدارك التنزيل للنسفي ‪4/375‬‬ ‫‪3‬‬

‫مفاتيح الغيب للرازي ‪32/90‬‬ ‫‪4‬‬

‫يراجع حاشية الشهاب على البيضاوي ‪6/396‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪37‬‬
‫العتناء به ‪ ،‬أو لن الول عبارة عن رتبة‬
‫العبادة ‪ ،‬التي هى فعل ما يرضى الله تعالى ‪،‬‬
‫والثانى عبارة عن رتبة العبودية التي هى‬
‫الرضا بما فعل الله ‪ ،‬فالصبر ليس مجرد حبس‬
‫النفس عما تتوق إليه من فعل وترك بل هو‬
‫تلقى ما ورد منه تعالى بالقبول والرضا به‬
‫ظاهرا ً وباطنا ً ‪.1‬‬
‫والصبر ثلثة أنواع ‪ :‬الصبر على الطاعات‬
‫‪ ،‬والصبر عن المعاصي والصبر على البليا‪.‬‬
‫صْبر ‪‬‬
‫وا ِبال ّ‬
‫ص ْ‬
‫وا َ‬‫وت َ َ‬ ‫وفي قـولـه تعالى ‪َ ‬‬
‫ق ‪ ‬إشارة إلى‬ ‫ْ‬
‫وا ِ َ ّ‬
‫ح‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫بعد قوله تعالى ‪َ ‬‬
‫وت َ َ‬
‫أن طريق الحق ليس مفروشا ً بالرياحين‬
‫والشواق والورود ‪ ،‬بل إنه محفوف بالعقبات‬
‫والشواك والسدود ‪ ،‬والثبات عليه يحتاج إلى‬
‫صبر جميل وعزيمة قوية‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫طريق النجاة في رحاب سورة العصر‬
‫ويشتمل على ‪ :‬ستة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬اغتنام الوقت ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬إدراك حقيقة الخسران‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬اليمان‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬العمل الصالح‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬التواصي بالحق‬
‫المبحث السادس ‪ :‬التواصي بالصبر‬
‫يراجع إرشاد العقل السليم ‪5/901‬‬ ‫‪1‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪38‬‬

‫تمهيد‬
‫تضمنت هذه السورة ستة محاور لمن‬
‫أراد أن يسلك طريق النجاة هذه المحاور هي‬
‫اغتنام الوقت ‪ ،‬إدراك حقيقة الخسران ‪،‬‬
‫اليمان ‪ ،‬العمل الصالح ‪ ،‬التواصي بالحق ‪،‬‬
‫التواصي بالصبر ‪.‬‬
‫ونقصد بالنجاة هنا النجاة من الخسران‬
‫المبين الذي يحيق بالبعيدين عن منهج الله‬
‫المبعدين المحرومين من رحمة الله ‪.‬‬
‫لقد وضعت لنا هذه السورة معالم هذا‬
‫الطريق الذي يفضي في النهاية إلى النجاة‬
‫من الخسران والفوز بالرضوان ‪.‬‬
‫هذه المعالم التي ينبغي لكل سالك أن‬
‫يتحقق منها ‪ ،‬وأن يقيم سعيه في ضوئها ‪،‬‬
‫وأن ل ينحرف عنها ‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫فالنجاة مطلب الكثير من الناس لكن‬
‫القليل منهم هو الذي يهتدي إلى مسالكها ‪:‬‬
‫ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن‬
‫السفينة ل تجري على اليبس‬
‫وسفينة النجاة ل يرتادها إل من سعى‬
‫ها‬‫عى ل َ َ‬ ‫س َ‬
‫و َ‬ ‫خَرةَ َ‬‫ن أ ََرادَ ال ِ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫لها حق سعيها } َ‬
‫ش ُ‬
‫كوًرا‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ُ‬
‫فأول َئ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫هم ّ‬ ‫عي ُ ُ‬
‫س ْ‬
‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫م ٌ‬
‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ها َ‬
‫عي َ َ‬
‫س ْ‬
‫َ‬
‫}‪{ {19‬سورة السراء ‪.‬‬
‫فليست العبرة بالتحقق من الطريق أو‬
‫الوقوف على معالمه وتحديد مراسمه بل ل بد‬
‫من السعي الجاد والعمل المتواصل والسير‬
‫الحثيث على هذا الطريق ‪ ،‬والثبات على هذا‬
‫المنهج ‪ ،‬والدعوة إليه ‪.‬‬
‫بل ولبد من المسارعة إلى هذا الطريق‬
‫قبل فوات الوان دون تكاسل أو توان ؛‬
‫أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلثة نفر‬
‫انتهوا إلى واد‪ ،‬فوقع أحدهم فعبر حتى أتى‪،‬‬
‫ثم وقع أحدهم حتى أتى على نصف الوادي‬
‫ناداه الذي على شفير الوادي‪ :‬ويلك أين تذهب‬
‫إلى الهلكة‪ ،‬ارجع عودك على بدئك؟! وناداه‬
‫الذي عبر‪ :‬هلم النجاة‪ .‬فجعل ينتظر إلى هذا‬
‫مرة وإلى هذا مرة قال‪ :‬فجاءه سيل فأغرقه‪،‬‬
‫فالذي عبر المؤمن‪ ،‬والذي غرق المنافق‪،‬‬
‫مذبذب بين ذلك ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء‪،‬‬
‫والذي مكث الكافر‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪40‬‬
‫ولقد حرص الصحابة الكرام على طلب‬
‫النجاة والسؤال عنها ل لمجرد المعرفة وإنما‬
‫ليقيموا أنفسهم على سبيلها ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫ل الّله‪ ،‬ما النجاة؟ قال‪:‬‬ ‫ت يا رسو َ‬ ‫قل ُ‬
‫ك على‬ ‫ب‬
‫َ ْ ِ‬‫وا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ي‬‫ْ‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫لسا‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ع ْ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬‫"أ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ك" قال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪.‬‬ ‫طيئ َت ِ َ‬
‫خ ِ‬ ‫َ‬

‫المبحث الول ‪ :‬اغتنام الوقت ‪.‬‬


‫أقسم الله تعالى بالعصر وهو الزمان أو‬
‫جزء منه ‪.‬‬
‫وفي هذا إشارة إلى الهمية البالغة للوقت ‪،‬‬
‫فالوقت نعمة إلهية تستوجب منا الشكر ‪ ،‬ولقد‬
‫خلق الله الليل والنهار لتستقيم الحياة ‪ ،‬قال‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫تعالى في سورة إبراهيم ‪ ‬الل ّ ُ‬
‫ماء‬‫ماء َ‬‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫وَأنَز َ‬
‫ل ِ‬ ‫ض َ‬
‫َ‬
‫والْر َ‬
‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬
‫ال ّ‬

‫ل ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬تحفة الحوذي ‪ 35 -‬ـ كتاب الزهد عن َر ُ‬


‫سو ِ‬
‫ظ اّللسان ‪ .‬الحديث رقم‪2448 :‬‬
‫حْف ِ‬
‫‪ 1564‬ـ باب ما جاَء في ِ‬
‫‪41‬‬
‫م‬‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قا ل ّك ُ ْ‬ ‫رْز ً‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج بِ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫خَر ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ر ب ِأ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫في ال ْب َ ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫فل ْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر‬ ‫ق َ‬ ‫وال َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خر لك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬ ‫هاَر }‪َ {32‬‬ ‫الن ْ َ‬
‫كم‬ ‫وآَتا ُ‬ ‫هاَر }‪َ {33‬‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫دآئ َِبي َ‬ ‫َ‬
‫ه لَ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫من ك ّ‬ ‫ُ‬
‫ت الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫دوا ن ِ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫وِإن ت َ ُ‬ ‫موهُ َ‬ ‫سألت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫فاٌر }‪.  {34‬‬ ‫مك ّ‬ ‫َ‬ ‫ن لظلو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫وفي هذه اليات الكريمة يمتن تعالى‬
‫على عباده بجملة من نعمه التى ل تحصى ‪،‬‬
‫ومن هذه النعم نعمة الليل والنهار الذى يدور‬
‫الوقت حولهما ويقوم عليهما وكثير من الناس‬
‫يغفلون عن هذه النعمة مع جلئها ‪ ،‬قال تعالى‬
‫هاَر‬ ‫وال ْن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬ ‫في سورة النحل ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫وال ْن ّ ُ ُ ُ َ َ ٌ ِ ْ ِ ِ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫را‬ ‫خ‬‫ّ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫جو‬ ‫مَر َ‬ ‫ق َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ن }‪.  (12‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ْ ٍ َ ْ ِ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ ٍ‬ ‫يا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫فالعقـلء وحـدهم هـم الذين يـدركون‬
‫دون في القيام بحق شكر‬ ‫هذه النعمة ويج ّ‬
‫حـم بنا وأنعم علينا بنعمة‬ ‫عم ‪ ، ‬الـذى ر ِ‬ ‫المن ِ‬
‫الليل ونعمة النهار ‪ ،‬فل تستقيم الحياة بدون‬
‫هاتين النعمتين ‪ ،‬فل غنى بالليل عن النهار‬
‫كما أنه لغنى بالنهار عن الليل ‪ ،‬قال تعالى‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ق ْ َ َ‬ ‫في سورة القصص ‪ُ ‬‬
‫ل الل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م ِإن َ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫دا إ َِلى ي َ ْ‬ ‫م ً‬ ‫سْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫قلْ‬ ‫ن }‪ُ {71‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عو َ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ضَياء أفل ت َ ْ‬ ‫ه ي َأِتيكم ب ِ ِ‬ ‫غي ُْر الل ِ‬
‫دا إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ً‬ ‫سْر َ‬ ‫هاَر َ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫م ِإن َ‬ ‫أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ل‬ ‫كم ب ِل َي ْ ٍ‬ ‫ه ي َأ ِْتي ُ‬ ‫غي ُْر الل ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِل َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫هأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مت ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ن }‪َ {72‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫فل ت ُب ْ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سكُنو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪42‬‬
‫غوا‬
‫ول ِت َب ْت َ ُ‬
‫ه َ‬
‫في ِ‬‫سك ُُنوا ِ‬
‫هاَر ل ِت َ ْ‬ ‫والن ّ َ‬‫ل َ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعـ َ‬
‫َ‬
‫ن ‪{ {23‬‬ ‫َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ت‬
‫ْ َ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ْ ِ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ض‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫من هنا تتجلى لنا تلك النعمة اللهية التى‬
‫غفل عن شكرها الغافلون ‪ ،‬وتنافس في‬
‫تبديدها وإهدارها البطالون المبطلون ‪ ،‬وصدق‬
‫رسول الله ‪ ‬حين قال ) نعمتان مغبون فيهما‬
‫كثير من الناس الصحة والفراغ ( ‪.1‬‬
‫فعلى المؤمن العاقل أن يجدّ في شكر‬
‫المنعم على نعمة الوقت وأن يوظفه في كل‬
‫مفيد نافع‪.‬‬
‫والوقت أمانة ومسئولية‪ :‬شأنه في ذلك شأن‬
‫سائر المانات وكافة المسئوليات التى‬
‫سيسأل عنها النسان يوم العرض على الملك‬
‫الديان ‪ ،‬قال ‪ ) ‬ل تزول قدما عبد حتى يسأل‬
‫عن أربع عن عمره فيم أفناه ‪ ،‬وعن شبابه‬
‫فيم أبله ‪ ،‬وعن ماله من أين أكتسبه وفيم‬
‫أنفقه ‪ ،‬وعن علمه ماذا عمل به ( ‪.2‬‬

‫الحديث رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس‬ ‫‪-1‬‬


‫رضي الله عنهما صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق ‪ - 1‬باب‪ :‬ما‬
‫جاء في الصحة والفراغ‪ ،‬وأن ل عيش إل عيش الخرة‪.‬‬
‫الحديث رقم‪] 6049 :‬وقوله )مغبون( من الغبن وهو‬
‫النقص‪ ،‬وقيل‪ :‬الغبن وهو ضعف الرأي‪) .‬الصحة( في‬
‫البدان‪) .‬الفراغ( عدم ما يشغله من المور الدنيوية[‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الحديث رواه الترمذي في السنن عن ابن مسعود‬
‫كتاب صفة القيامة باب في القيامة في شــأن الحســاب‬
‫والقصاص رقم ‪ /2418/‬و‪ /2419 /‬وقال حســن صــحيح‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫ولسوف يسأل الكفار وهم يقلبون في‬
‫النار سؤال إنكار ل سؤال إعذارعن العمار‬
‫التى أفنوها ‪ ،‬قال تعالى في سورة فاطر ‪‬‬
‫حا‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬
‫ع َ‬
‫جَنا ن َ ْ‬‫ر ْ‬‫خ ِ‬ ‫ها َرب َّنا أ َ ْ‬ ‫في َ‬‫ن ِ‬ ‫خو َ‬ ‫ر ُ‬‫صط َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ما ي َت َذَكُر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫في ِ‬ ‫مْركم ّ‬ ‫ع ّ‬ ‫م نُ َ‬‫ول ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ذي كّنا ن َ ْ‬ ‫غي َْر ال ِ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ما ِلل ّ‬ ‫ف َ‬‫قوا َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذيُر َ‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫جاءك ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫من ت َذَك َّر َ‬ ‫َ‬
‫ر}‪. {37‬‬ ‫صي ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الوقت عظة واعتبار ويتجلى ذلــك فــي تعــاقب‬
‫الجديدين وتقلبهما أعنى الليل والنهار ‪،‬ـ وفـي‬
‫ذلك من التعاظ والعتبار ما يــدل علــى أهميــة‬
‫قل ّ ـ ُ‬
‫ب‬ ‫الوقت ‪ ،‬قال تعالى في ســورة النــور ‪ ‬ي ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ه الل ّي ْـ َ‬
‫ول ِــي‬ ‫عب ْـَرةً ل ْ‬ ‫فــي ذَل ِـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫هــاَر إ ِ ّ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ر }‪.  {44‬‬ ‫َ‬
‫صا ِ‬ ‫الب ْ َ‬
‫وقال ابن القيم في كتابه الجواب‬
‫الكافي ] أعلى الفكر وأجلها وأنفعها ما كان‬
‫لله والدار الخرة ‪ ،‬فما كان لله فهو أنواع ‪،‬‬
‫‪ ، 000‬وذكر منها ‪ :‬الفكرة في واجب الوقت‬
‫م كله عليه ‪ ،‬فالعارف ابن‬ ‫ووظيفته وجمع اله ّ‬
‫وقته ‪ ،‬فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها ‪،‬‬

‫ورواه الطبراني والبزار بنحوه عن معاذ بن جبل ورجــال‬


‫الطبراني رجال الصحيح غير صامت بن معاذ وعــدي بـن‬
‫عدي الكندي وهما ثقتان‪.‬يراجع مجمــع الــزوائد للهيثمــي‬
‫كتاب البعث‪ .‬باب ما جاء في الحساب‪ .‬ح ‪0 17493‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪44‬‬
‫فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت ‪ ،‬فمتى‬
‫أضاع الوقت لم يستدركه أبدا ً [ ‪.1‬‬
‫فإذا تأمل النسان في سرعة انقضائه‬
‫بادر إلى اغتنامه وصدق من قال ‪:‬‬
‫دقات قلب المرء قائلة له‬
‫أن الحياة دقائق وثوان‬

‫ااااا ااااا ااا اااا ااااا‬


‫اااااا ااااااا ااا ااا‬
‫إذا كنت أعلم علم اليقين‬
‫بأن جميع حياتي كساعة‬
‫فلم لأكون ضنينا بها‬
‫وأنفقها في صلح وطاعة‬
‫إنما دنياك ســاعة‬
‫فاجعل الساعة طاعة‬
‫واحذر التقصير فيها‬
‫واجتهد ما قدر ساعة‬
‫وإذا أحببت عــزا‬
‫فالتمس عز القناعة‬
‫والــوقت مــن أغلــى مــا يمتلكــه النســان‪:‬‬
‫فالوقت هو الحياة ‪ ،‬وهو رأس مــال النســان ‪،‬‬
‫وإذا ضيعه فل يمكن بأى حــال مــن الحــوال أن‬
‫ده ‪ ،‬وشبهه بعض العقلء بالذهب ‪ ،‬ولكنــه‬ ‫يستر ّ‬
‫أغلى وأنفس من كل نفيس‪.‬‬

‫‪ -‬الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص ‪209 ،208‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪45‬‬
‫عنيــت بحفظــه ** وأراه‬
‫والــوقت أنفــس مــا ُ‬
‫أيسَر ما عليك يهون‬
‫فالوقت أنفس من كل نفيس لنه جزء‬
‫من كيان النسان ‪ ،‬لنه أنفاسه المعدودة في‬
‫هذه الحياة‪.‬‬

‫حياتك أنفاس تعد ّ فكلما ** مضى نفس منهــا‬


‫انتقصت به جزءا ً‬
‫والمؤمن وحده هو الذى يعرف قيمة‬
‫الوقت ‪ ،‬لمعرفته بالغاية التى من أجلها خلق ‪،‬‬
‫ن‬‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫س إل ل ِي َ ْ‬ ‫لن َ‬ ‫ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫قال ‪َ  ‬‬
‫ريدُ أن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫من ّرْز ٍ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ريدُ ِ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫}‪َ {56‬‬
‫ة‬
‫و ِ‬ ‫ُ‬
‫ذو الق ّ‬ ‫ْ‬ ‫و الّرّزاقُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن }‪ {57‬إ ِ ّ‬ ‫مو ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ي ُطْ ِ‬
‫ل‬‫مث ْ َ‬ ‫موا ذَُنوًبا ّ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ن }‪َ {58‬‬ ‫مِتي ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن }‪.  {59‬‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فَل ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حاب ِ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ذَُنو ِ‬
‫أما الكافر فكما أخبر رب العالمين عن‬
‫ْ‬
‫وي َأك ُُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫فُروا ي َت َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫حاله فقال ‪َ ‬‬
‫م }‪{12‬‬ ‫ه ْ‬ ‫وى ل ُ‬ ‫ّ‬ ‫مث ْ ً‬ ‫والّناُر َ‬ ‫م َ‬ ‫عا ُ‬ ‫ل الن ْ َ‬ ‫ما ت َأ ْك ُ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ك ال ِّتي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قْري َت ِ َ‬ ‫من َ‬ ‫وة ً ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫شد ّ ُ‬ ‫يأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة ِ‬ ‫قْري َ ٍ‬ ‫من َ‬ ‫وك َأّين ّ‬ ‫َ‬
‫م }‪.  {13‬‬ ‫ه ْ‬ ‫صَر ل َ ُ‬ ‫فَل َنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫هل َك َْنا ُ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫جت ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫سورة محمد‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫والْر َ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫وقال ‪َ  ‬‬
‫وي ْ ٌ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ما َباطِل ً ذَل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ب َي ْن َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ر }‪  {27‬سـورة ص‪.‬‬ ‫ّ ِ‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫لّ ِ َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَناك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ف َ‬ ‫وقال تعالى ‪ ‬أ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عبًثا َ‬
‫ه‬
‫عالى الل ُ‬ ‫فت َ َ‬‫ن }‪َ {115‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫وأن ّك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪46‬‬
‫ريم ِ }‬‫ش ال ْك َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫عْر ِ‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬
‫ه َ‬ ‫ق ل إ ِل َ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬
‫‪  {116‬سورة المؤمنون‪.‬‬
‫من حكم ابــن عطــاء الســكندرى حــول أهميــة‬
‫الوقت ‪:‬‬
‫يقول ابن عطاء السكندرى رحمه الله ‪:‬‬
‫) ما فات من عمرك ل عوض له ‪ ،‬وما‬
‫حصل لك منه ل قيمة له ( ‪. 1‬‬
‫وفي هذا المعنى قال الجنيد رحمه‬
‫الله ‪:‬‬
‫) الوقت إذا فات ل يستدرك وليس شئ‬
‫‪2‬‬
‫أعز من الوقت (‬
‫وقال ابن عطاء ) رب عمر اتسعت آماده‬
‫وقلت أمداده ‪ ،‬ورب عمر قليلة آماده كثيرة‬
‫أمداده ‪ ،‬من بورك له في عمره أدرك في‬
‫يسير من الزمن من منن الله تعالى مال يدخل‬
‫تحت دوائر العبارة ول تلحقه الشارة ( ‪.3‬‬
‫قال ابن عجيبة الحسنى في شرحه‬
‫للحكم ‪ ) :‬كثير من الناس طالت أعمارهم‬
‫واتسعت أزمنتهم ‪ ،‬وقلت أمدادهم أى‬
‫فوائدهم ‪ ،‬فلم يحصلوا على شئ حيث اشتغلوا‬
‫بالبطالة والتقصير حتى مضت تلك اليام‬
‫كطيف المنام ‪ ،‬وأضغاث أحلم ‪ ،‬وكثير من‬
‫العمار قلت آمادهم أى أزمنتهم ‪ ،‬وكثرت‬
‫أمدادهم أى فوائدهم ‪ ،‬فأدركوا من فوائد‬

‫إيقاظ الهمم في شرح الحكم ص ‪.14‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفس المرجع ص ‪.356‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفس المرجع ص ‪.17‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪47‬‬
‫العلم والمعارف والسرار في زمن قليل ما لم‬
‫يدركه غيرهم في الزمن الكثير ( ‪.1‬‬
‫حرص السلف الصالح على أوقاتهم‬
‫وقد كان سلفنا الصالح رضوان الله‬
‫عليهم حريصين أشد الحرص على النتفاع‬
‫بأوقاتهم واغتنامها واستثمارها ‪ ،‬فقد كانوا‬
‫يسابقون الساعات ويبادرون اللحظات ضّنا‬
‫منهم بالوقت ‪ ،‬وحرصا ً على أن ل يذهب منهم‬
‫سدى ‪.‬‬
‫قال الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود‬
‫‪ ) ‬ما ندمت على شئ ندمى على يوم‬
‫غربت شمسه ‪ ،‬نقص فيه أجلي ‪ ،‬ولم يزد فيه‬
‫عملى (‪.‬‬
‫وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز‬
‫‪ ‬إن الليل والنهار يعملن فيك ‪ ،‬فاعمل‬
‫فيهما (‪.‬‬
‫وقال الحسن البصرى ‪ : ‬يا ابن آدم‬
‫إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ‪،‬‬
‫ويوشك إذا ذهب بعضك أن يذهب كلك وقال‬
‫أيضا ً ‪ :‬أدركـت أقوامـا كانـوا على أوقاتهـم‬
‫أشـد منكـم حرصـا ً على دراهمكم ودنانيركم ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أثقل الساعات على الخليل بن أحمد‬ ‫**‬


‫ساعة يأكل فيها ! ‪.‬‬
‫قال أبو هلل العسكرى في كتابه‬
‫) الحــث على طلب العلم والجتهاد في‬

‫نفس المرجع ص ‪.428‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفس المرجع ص ‪.27‬‬ ‫‪22‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪48‬‬
‫جمعه (‪ 1‬كان الخليل بن أحمد – الفراهيدى‬
‫البصرى أحد أذكياء العالم )‪ (170: 100‬هـ‬
‫يقول أثقل الساعات على ‪ :‬ساعة آكل فيها ‪،‬‬
‫فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده ؟! ‪،‬‬
‫وما أوقد الغيرة على الوقت لديه ؟!‪.‬‬
‫أبو يوسف يموت ابنه فيوكل بتجهيزه‬ ‫**‬
‫ودفنه ليحضر الدرس ‍!‬
‫وهذا المام الجليل أبو يوسف‬
‫القاضى ‪ ،‬كان شديد الملزمة لشيخه المام‬
‫أبى حنيفة ‪ ،‬لزم مجلسه أكثر من ‪ 17‬سنة ‪،‬‬
‫ما فاته صلة الغداة معه ‪ ،‬ول فارقه في فطر‬
‫ول أضحى إل من مرض ‪ ) ،‬روى محمد بن‬
‫قدامة ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت شجاع بن مخلد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمعت أبا يوسف يقول ‪ :‬مات ابن لى ‪ ،‬فلم‬
‫أحضر جهازه ول دفنه وتركته على جيراني‬
‫وأقربائي ‪ ،‬مخافة أن يفوتنى من أبي حنيفة‬
‫شئ ل تذهب حسرته عنى (‪.2‬‬
‫حرص الجاحظ والفتح بن خاقان‬ ‫**‬
‫وإسماعيل القاضى على العلم !‬
‫وروى الخطيب البغدادى في كتابه‬
‫) تقييد العلم (‪ 3‬عن أبى العباس المبرد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ما رأيت أحرص على العلم من ثلثة ‪ :‬الجاحظ‬
‫– عمرو بن بحر إمام أهل الدب ‪- 163 ) ،‬‬
‫‪ ( 255‬والفتح بن خاقان – الديب الشاعر أحد‬
‫الحث على طلب العلم والجتهاد في جمعه لبى هلل‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬

‫العسكرى ص ‪. 87‬‬
‫مناقب أبى حنيفة للمام الموفق المكى ‪. 1/472‬‬ ‫‪-12‬‬
‫تقييد العلم للخطيب البغدادى ص ‪.139‬‬ ‫‪-23‬‬
‫‪49‬‬
‫الذكياء ‪ ،‬من أبناء الملوك ‪ ،‬اتخذه الخليفة‬
‫المتوكل العباسي وزيرا له وأخا ً ‪ ،‬واجتمعت له‬
‫خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن ‪) ،‬ت ‪247‬‬
‫هـ(‪0‬‬
‫وإسماعيل بن إسحاق القاضي – المام الفقيه‬
‫المالكى البغدادى ) ‪ 282 – 200‬هـ (‬
‫فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع بيده كتاب‬
‫قرأه من أوله إلى آخره أى كتاب كان ‪ ،‬حتى‬
‫إنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها‬
‫للنظر في الكتب‪.‬‬
‫وأما الفتح بن خاقان فإنه كان‬
‫يحمل الكتاب في كمه ‪ ،‬فإذا قام من بين يدى‬
‫المتوكل للبول أو للصلة ‪ ،‬أخرج الكتاب فنظر‬
‫فيه وهو يمشي ‪ ،‬حتى يبلغ الموضع الذى‬
‫يريده ‪ ،‬ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ‪ ،‬إلى أن‬
‫يأخذ مجلسه ‪ ،‬فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة‬
‫أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس‬
‫المتوكل إلى حين عوده ‪.‬‬
‫وأما إسماعيل بن إسحاق القاضى فإنى ما‬
‫دخلت عليه قط إل رأيته وفي يده كتاب ينظر‬
‫فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو‬
‫ينفض الكتب ‪.‬‬

‫البيرونى يتعلم مسألة في الفرائض وهو‬ ‫**‬


‫في مرض موته !‪.‬‬
‫وجاء في معجم الدباء لياقوت الحموى‬
‫في ترجمة المام الفلكى الرياضي الفذ ‪،‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪50‬‬
‫والمؤرخ اللغوى الديب الريب ‪ ،‬الجامع‬
‫لشتات العلوم أبى الريحان البيروني ) محمد‬
‫بن أحمد الخوارزمى ) ‪ 440 - 362‬هـ( ‪:‬‬
‫حدث الفقيه أبو الحسن على بن عيسى‬
‫الولوالجى قال ‪ :‬دخلت على أبى الريحان وهو‬
‫يجود بنفسه ‪ ،‬قد حشرج نفسه ‪ ،‬وضاق به‬
‫صدره – قد بلغ من العمر ‪ 78‬سنة – فقال لى‬
‫في تلك الحال ‪ :‬كيف قلت لى يوما ً ‪ :‬حساب‬
‫الجدات الفاسدة – وهى التى التى تكون من‬
‫قبل الم ‪ -‬؟‪.‬‬
‫فقلت له إشفاقا ً عليه ‪ :‬أفي هذه‬
‫دع الدنيا وأنا عالم‬ ‫الحالة ؟ قال لى ‪ :‬يا هذا ‍ أو ّ‬
‫ً‬
‫بهذه المسألة ‪ ،‬أل يكون خيرا من أن أخليها‬
‫وأنا جاهل بها ‪ ،‬فأعدت ذلك عليه ‪ ،‬وحفظ ‪،‬‬
‫وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت‬
‫الصراخ ‍! ( انتهى‪.‬‬
‫وقال عبيد بن يعيش ‪:‬‬ ‫**‬
‫أقمت ثلثين سنة ما أكلت بيدى بالليل ‪،‬‬
‫كانت أختى تلقمنى وأنا أكتب الحديث ‪.1‬‬
‫** وهذا ابن أبى حاتم الرازى يقول ‪:‬‬
‫) مكثت في مصر سبع سنوات ‪ ،‬لم أذق‬
‫فيها مرقة ‪ ،‬نهاري أمر على الشيوخ وبالليل‬
‫أنسخ وأقابل النسخ ‪ ،‬وفي يوم ذهبنا لموعد‬
‫شيخ فوجـدناه عليل ً فمررنا بالسوق فوجدت‬

‫الجامع لخلق الراوى وآداب السامع ‪ ، 2/178‬وعبيد‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫بن يعيش شيخ البخارى ومسلم تراجع ترجمته في سير اعلم‬


‫النبلء للذهبى ‪.11/458‬‬
‫‪51‬‬
‫سمكة فأعجبتني فاشتريتها وانطلقنا إلى‬
‫البيت فجاء موعد شيخ فتركناها وانشغلنا عنها‬
‫ثلثة أيــام حتى كادت أن تنتن فأكلناها وهى‬
‫نيئة ‪0‬‬
‫وهذا المام جمال الدين القاسمى وقد‬
‫عاش قرابة خمسين سنة وألف ما يزيد عن‬
‫خمسين مؤلفا ً وكانت حياته زاخرة بالعلم‬
‫والدعوة والكفاح ‪ ،‬ومع ذلك كان يقول ‪ :‬يا‬
‫ليت الوقت يباع فأشتريه‪.‬‬
‫وبحرص سلفنا الصالح على أوقاتهم عل‬ ‫**‬
‫قدرهم وسما شأنهم ‪ ،‬وخلد ذكرهم ‪ ،‬أما‬
‫في زماننا هذا فإن من أبرز أسباب‬
‫تخلف المسلمين تفننهم وتفانيهم في‬
‫تدمير وإهدار أوقاتهم في المقاهى‬
‫والملهى والطرقات وأمام التلفاز‬
‫والتسجيلت الصوتية والمرئية وفي غير‬
‫ذلك من المجالت التى ل فائدة منها ول‬
‫ثمرة من ورائها‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬إدراك حقيقة الخسران‪.‬‬


‫تحدثت سورة العصر عن‬
‫الخسران الحقيقى الذى يحيق بالنسان‬
‫حين يكون بعيدا ً عن منهج الله ‪ ‬الذى‬
‫ر‬
‫ص ِ‬
‫ع ْ‬‫وال ْ َ‬
‫عه لعباده ‪ ،‬قــال تعالى ‪َ ‬‬ ‫َ‬
‫شـَر َ‬
‫ر }‪،  {2‬‬ ‫س ٍ‬
‫خ ْ‬
‫في ُ‬ ‫َ‬
‫نل ِ‬‫سا َ‬
‫لن َ‬‫ْ‬
‫نا ِ‬‫}‪ {1‬إ ِ ّ‬
‫وهل هناك أخسر ممن باع آخرته‬
‫بدنياه ؟‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪52‬‬
‫هل هناك أخسر ممن رغب بالفانى‬
‫الخسيس عن الباقى النفيس ؟‪.‬‬
‫يا لها من خسارة عظيمة يوم يخسر‬
‫النسان نفسـه خسـارة ل مـردّ لهـا ‪،‬يوم‬
‫يحال بينه وبين المتع والملذات ويفرق بينه‬
‫وبين أحب الناس إليه ‪ ،‬قال تعالى في سورة‬
‫سُروا‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ســ ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫الزمر ‪ُ ‬‬
‫و‬ ‫ة أل ذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ه َ‬ ‫ك ُ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫هِلي ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬
‫ن }‪ {15‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وقال ‪ ‬في سـورة هـود في بيان‬
‫صفات الخاسرين التى من أجلها باءوا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫على الل ِ‬ ‫فت ََرى َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫بالخسران ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو ُ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫َ ّ ِ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ع َ ُ َ‬ ‫ضو‬ ‫ر‬ ‫ك يُ ْ‬ ‫ذًبا أ ْ‬ ‫كَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ك َذَُبوا َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫عن َ ُ‬ ‫م أل َ ل ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫على َرب ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلء ال ِ‬ ‫هـ ُ‬ ‫هادُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ْ‬
‫عن‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن }‪ {18‬ال ِ‬ ‫مي َ‬ ‫على الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫خَر ِ‬ ‫هم ِبال ِ‬ ‫و ُ‬ ‫جا َ‬ ‫و ً‬ ‫ع َ‬ ‫ها ِ‬ ‫غون َ َ‬ ‫وي َب ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي َكوُنوا ُ‬ ‫ن }‪ {19‬أولـئ ِك ل ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫كا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َِياء‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م ال َ‬‫ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫فل ُ‬ ‫َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضا َ‬ ‫يُ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ولـئ ِك ال ِ‬ ‫ن }‪ {20‬أ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ما كاُنـوا ي ُب ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مـا كاُنوا ي َفت َُرو َ‬ ‫هم ّ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سُروا أنف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫رو‬ ‫س‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫جــ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫{‬ ‫‪21‬‬ ‫}‬
‫َ ُ َ‬ ‫ِ َ ِ ُ ُ‬ ‫َ َ َ ّ ُ ْ ِ‬
‫}‪.  {22‬‬
‫فَر‬ ‫من ك َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫النحل‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫قل ْب ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫رهَ َ‬ ‫ن أك ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه إ ِل ّ َ‬ ‫مان ِ ِ‬ ‫د إي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ِبالل ّ ِ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬ ‫صدًْرا َ‬ ‫ح ِبال ْك ُ ْ‬ ‫من َ‬ ‫وَلـ ِ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫كن ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ِبا ِ‬
‫م }‪ {106‬ذَل ِكَ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ض ٌ‬ ‫غ َ‬ ‫َ‬
‫‪53‬‬
‫خر ة َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫وأ ّ‬ ‫عَلى ال ِ َ ِ َ‬ ‫حَياةَ ال ْدّن َْيا َ‬ ‫حّبوا ْ ال ْ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب ِأن ّ ُ‬
‫ك‬ ‫ن }‪ُ {107‬أوَلـئ ِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ‬ ‫على ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ع الل ُ‬
‫ُ‬
‫ن طب َ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن }‪ {108‬ل َ‬ ‫فُلو َ‬ ‫غا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وأوَلـئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫صا َ ِ‬ ‫وأب ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪{109‬‬ ‫سرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ة ُ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫جَر َ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬
‫فالكفر والضلل والفسق والنحلل‬
‫والصد عن سبيل الله والفتراء على الله تعالى‬
‫‪ ،‬عاقبته الخسران والخذلن واللعنة والهانة‬
‫والتقريع والمهانة ‪ ،‬والخزى والندامة والعذاب‬
‫العظيم يوم القيامة‪.‬‬
‫خسارة فادحة !‬
‫وحتى نقـدر حجم الخسارة فل بد من‬
‫عقد مقارنة موجزة بين متاع الدنيا ونعيم‬
‫الخرة ‪ ،‬وبين نعيم الجنة وعذاب جهنم أعاذنا‬
‫الله منها‪.‬‬
‫ما‬ ‫ّ َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫‪‬‬ ‫يونس‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬
‫َ‬
‫ماء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ماء أنَزل َْناهُ ِ‬ ‫ة الدّن َْيا ك َ َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫فا‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وال َن ْ َ‬
‫واّزي ّن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ذا‬ ‫إ‬
‫ََ ِ‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫عا ُ‬ ‫َ‬
‫مُرَنا ل َي ْل ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها أ ْ‬ ‫هآ أَتا َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قاِدُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ها أن ّ ُ‬ ‫هل ُ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وظَ ّ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫م‬ ‫غن بال َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫دا‬ ‫صي‬ ‫ح‬ ‫ها‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫را‬ ‫َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ْ َ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ ِ ً‬ ‫أ ْ َ َ ً‬
‫ها‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ن }‪{24‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫وم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫ك َذَل ِ َ‬
‫شاء‬ ‫من ي َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫سل َم ِ َ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫دا ِ‬ ‫عو إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫ه ي َدْ ُ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫سُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫قيم ٍ }‪ {25‬ل ّل ّ ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫ول َ ِذل ّ ٌ‬
‫ة‬ ‫قت ٌَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جو َ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ول َ ي َْر َ‬ ‫زَيادَةٌ َ‬ ‫و ِ‬ ‫سَنى َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن }‪{26‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪54‬‬
‫ها‬ ‫مث ْل ِ َ‬ ‫ة بِ ِ‬ ‫سي ّئ َ ٍ‬ ‫جَزاء َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫سُبوا ْ ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ما‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫م‬
‫ِ ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫عا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ْ ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ِ‬ ‫أُ ْ‬
‫غ‬
‫ن}‪. {27‬‬ ‫أ ُوَلـئ ِ َ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ق‬
‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫َ ِ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫‪‬‬ ‫الكهف‪.‬‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫‪‬‬ ‫وقال‬
‫فْر‬ ‫فل ْي َك ْ ُ‬ ‫شاء َ‬ ‫من َ‬ ‫و َ‬ ‫من َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫فل ْي ُ ْ‬ ‫شاء َ‬ ‫من َ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ها‬ ‫سَراِد ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ق َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫حاط ب ِ ِ‬ ‫ن َناًرا أ َ‬ ‫مي َ‬ ‫عت َدَْنا ِللظال ِ ِ‬ ‫إ ِّنا أ ْ‬
‫وي‬ ‫ش ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ماء كال ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫غاثوا ب ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫غيثوا ي ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وِإن ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫قا }‪{29‬‬ ‫ف ً‬ ‫مْرت َ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ت‬ ‫ساء‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ا ُ ُ َ ِ‬
‫ب‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫من‬ ‫و َ‬ ‫من َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫فل ْي ُ ْ‬ ‫شاء َ‬ ‫من َ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫را‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫ِ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫شاء‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ماء‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ثوا‬ ‫ُ‬ ‫غا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ثوا‬ ‫ُ‬ ‫غي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫وِإن‬ ‫ها َ‬ ‫ق َ‬ ‫سَراِد ُ‬ ‫ُ‬
‫مْرت َفقا }‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ساء ْ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫شَرا ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫جوهَ ب ِئ َ‬ ‫ْ‬ ‫و ُ‬ ‫وي ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ت إ ِّنا ل‬ ‫ّ ِ َ ِ‬ ‫حا‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫َ َ ِ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫نوا‬ ‫ِ َ َ ُ‬‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫{‬ ‫‪29‬‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫عمًل }‪ {30‬أ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ن ُضيع ِأ َجر من أ َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ ْ َ َ ْ ْ َ َ‬
‫ن‬ ‫و َ‬ ‫حل ْ‬ ‫ّ‬ ‫هاُر ي ُ َ‬ ‫م الن ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫حت ِ ِ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫عدْ ٍ‬
‫َ‬
‫ت َ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫َ‬
‫ضًرا‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ث َِياًبا ُ‬ ‫سو َ‬ ‫وي َلب َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ٍ‬ ‫من ذَ َ‬ ‫وَر ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫على الَرائ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫سندُ ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ّ‬
‫مْرت َفقا }‪ {31‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م الث َ‬ ‫ّ‬ ‫ع َ‬ ‫نِ ْ‬
‫وقال تعالى في نفس السورة ‪‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ماء أنَزل ُ ِ َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ة الدّن َْيا ك َ َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ر ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫شي‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ماء‬ ‫س‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ‬
‫دًرا‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ء ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ت َذُْرو‬
‫ة الدّن َْيا‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫ْ‬ ‫زين َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ِ‬ ‫والب َُنو َ‬ ‫ل َ‬ ‫}‪ {45‬ال َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫و َ‬ ‫َ ً َ‬ ‫با‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫ْ ٌ ِ َ َ ّ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ّ ِ َ ُ‬ ‫حا‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫قَيا ُ‬ ‫وال َْبا ِ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫با‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫{‬ ‫‪46‬‬ ‫}‬ ‫أمل‬ ‫َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫‪55‬‬
‫َ‬
‫دا }‪{47‬‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫غاِدْر ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شْرَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬ ‫رَزةً َ‬ ‫َبا ِ‬
‫‪.‬‬
‫م‬‫َ ِ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ما‬ ‫‪‬‬ ‫النحل‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫‪‬‬ ‫وقال‬
‫صب َُروا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫زي َ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ول َن َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ه َبا ٍ‬ ‫عندَ الل ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬ ‫فد ُ َ‬ ‫َين َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪. {96‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِأ ْ‬ ‫جَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ع‬
‫مَتا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقال ‪ ‬في سورة النساء ‪ُ ‬‬
‫ول َ‬ ‫قى َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫خي ٌْر ل ّ َ‬ ‫خَرةُ َ‬ ‫وال ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قِلي ٌ‬ ‫الدّن َْيا َ‬
‫فِتيل ً }‪.  {77‬‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظْل َ ُ‬
‫وقال تعالى في سورة العلى ‪ ‬ب َ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫وأب ْقى‬ ‫َ‬ ‫خي ٌْر َ‬ ‫خَرةُ َ‬ ‫وال ِ‬ ‫حَياةَ الدّن َْيا }‪َ {16‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ؤث ُِرو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ف الوَلى }‪{18‬‬ ‫ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ذا ل َ ِ‬ ‫ه َ‬
‫في ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫}‪ {17‬إ ِ ّ‬
‫سى }‪.  {19‬‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫كـا‬ ‫َ‬ ‫مـن‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫هود‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و ّ َ‬
‫م‬ ‫ُ ْ‬‫ه‬ ‫ل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬
‫مأ َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ف إ ِلي ْ ُِ‬ ‫ها ن ُ َ‬ ‫زين َت َ َ‬ ‫و ِ‬ ‫حَياةَ الدّن َْيا َ‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ولـئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن }‪ {15‬أ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ها ل َ ي ُب ْ َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫عوا ْ‬ ‫صـن َ ُ‬ ‫مــا َ‬ ‫حب ِط َ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫ة إ ِل الّناُر َ‬ ‫ّ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ن }‪. {16‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ّ‬ ‫وَباطِ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫مــن كــا َ‬ ‫َ‬ ‫وقــال ‪ ‬فــي ســورة الســراء ‪ّ ‬‬
‫د‬
‫ّ ِ ُ‬ ‫ـ‬ ‫ري‬ ‫ن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫شــاء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬ ‫ع ّ‬ ‫ة َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫حوًرا }‬ ‫مـدْ ُ‬ ‫ما ّ‬ ‫مو ً‬ ‫مـذْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫صـل َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هن ّـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َْنا َلـ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ها َ‬ ‫عي َ َ‬ ‫سـ ْ‬ ‫هــا َ‬ ‫عى ل َ‬ ‫س َ‬ ‫و َ‬ ‫خَرةَ َ‬ ‫ن أَرادَ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ {18‬‬
‫كوًرا }‪ {19‬ك ُل ّ‬ ‫شـ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫هم ّ‬ ‫عي ُ ُ‬ ‫سـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فأولئ ِك كا َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫مــا كــا َ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫عطــاء َرب ّـك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫هـ ـؤلء ِ‬ ‫ُ‬ ‫و َ‬ ‫هـؤلء َ‬ ‫ُ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫نّ ِ‬
‫حظوًرا }‪. {20‬‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عطاء َرب ّك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫من كا َ‬ ‫َ‬ ‫وقال ‪ ‬في سورة الشورى ‪َ ‬‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫حْرث ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫زدْ ل َ ُ‬ ‫ة نَ ِ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ث ال ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريدُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪56‬‬
‫ة‬‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ث الدّن َْيا ُنؤت ِ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريدُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫ب }‪. {20‬‬ ‫صي ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫مر دنياه وخرب أخراه !‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ع‬ ‫لمن‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫عجب‬ ‫فيا‬
‫جه فكره لدار‬ ‫ّ‬ ‫وو‬ ‫مه‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫جعل‬ ‫يا عجبا ً لمن‬
‫الغرور؟‬
‫سول‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ت‪ ‬قال سمع ْ‬ ‫ن َثاب ِ ٍ‬ ‫عن َزي ْدُ ب ْ ُ‬
‫ت‬
‫ن كان َ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم ي َقول‪َ ) :‬‬ ‫الل ِ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ه‪،‬‬ ‫مر‬ ‫عل َيه أ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ق‬
‫ّ َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ه‪،‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نيا‬ ‫الدّ ْ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ ِ ْ ُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬‫بل ْ‬ ‫ماك ُت ِ َ‬ ‫ن الدّن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ي َأت ِ ِ‬ ‫ول ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫عي ْن َي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫هل ُ‬ ‫ع الل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ج َ‬‫ه‪َ ،‬‬ ‫خَرةُ ن ِي ّت َ ُ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫ن كان َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫هي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬‫ه الدّن َْيا َ‬ ‫وأت َت ْ ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫في قلب ِ ِ‬ ‫غَناهُ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ة(‪.‬‬ ‫م ٌ‬ ‫غ َ‬ ‫َرا ِ‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ . ‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بأنعم‬
‫أهل الدنيا‪ ،‬من أهل النار‪ ،‬يوم القيامة‪ .‬فيصبغ‬
‫في النار صبغة‪ .‬ثم يقال‪ :‬يا ابن آدم! هل رأيت‬
‫خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول‪ :‬ل‪.‬‬
‫والله! يا رب! ويؤتى بأشد الناس بؤسا في‬
‫الدنيا‪ ،‬من أهل الجنة‪ .‬فيصبغ صبغة في الجنة‪.‬‬
‫فيقال له‪ :‬يا ابن آدم ! هل رأيت بؤسا قط ؟‬
‫هل مر بك شدة قط ؟ فيقول‪ :‬ل‪ .‬والله ! يا‬
‫رب! ما مر بي بؤس قط‪ .‬ول رأيت شدة قط"‪.‬‬
‫‪.2‬‬

‫م‬
‫‪ -‬رواه ابن ماجه في السنن كتاب الزهد‪ .‬باب اله ّ‬
‫‪1‬‬

‫بالدنيا‪.‬الحديث رقم‪-4105 :‬وقال البوصيري في‬


‫الزوائد‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫وفــي هــذا الحــديث الشــريف تتجلــى لنــا‬
‫حقيقة الخسران ‪ ،‬لمن صال الجحيــم ‪ ،‬فنســي‬
‫بعد أول لحظة كل ما مر به في الدنيا من متــع‬
‫وملذات ‪ ،‬نســي القصــور العــامرة ‪ ،‬والمراكــب‬
‫الفـــاخرة ‪ ،‬والخـــزائن الزاخـــرة ‪ ،‬والســـيارات‬
‫الفارهة ‪ ،‬والرصــدة الفلكيــة ‪ ،‬نسـى كـل ذلـك‬
‫النعيم عند أول لحظة له في نار الجحيم ‪.‬‬
‫وفي المقابل يؤتى بأشد أهل الدنيا‬
‫بؤسا ً ممن كتبت له السعادة في الخرة ‪ ،‬يؤتى‬
‫به فيصبغ في الجنة صبغة يقضى في الجنة‬
‫لحظة ويسأله رب العزة وهو العليم بحاله‬
‫] ياعبدى هل رأيت بؤسا ً قط ؟ هل مر عليك‬
‫بؤس قط ؟ [ فيقول وقد أنسته تلك اللحظة‬
‫ل ما مر به في الدنيا من هم وغم ‪ ،‬وجوع‬ ‫ك ّ‬
‫وخوف ‪ ،‬وحرمان ومشقة وعناء ‪ ،‬واضطهاد‬
‫وإيذاء ‪،‬وصعاب واغتراب يقول وقد نسى كل‬
‫ى بؤس قط ‪ ،‬ول‬ ‫هذا ) ل والله يارب ما مّر عل ّ‬
‫رأيت بؤسا ً قط (‪.‬‬
‫وإذا كانت أسعار الرض في العقود‬
‫الربعة الخيرة قد شهدت ارتفاعا ً كبيرا في‬
‫بلدنا حتى وصل سعر ) المتر ( الواحد آلف‬
‫صحيح مسلم‪ .‬كتاب صفة القيامة والجنة والنار‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ - 12‬باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار‪ ،‬وصبغ أشدهم‬


‫بؤسا في الجنة‪ .‬الحديث رقم‪ ( 2807) :‬وقوله فيصبغ‬
‫في النار صبغة( أي يغمس غمسة‪) .‬بؤسا( البؤس هو‬
‫الشدة[‪.‬ورواه المام أحمد في مسنده ‪3/253‬وابن‬
‫أبي الدنيا في صفة أهل الجنة حديث ‪0 236‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪58‬‬
‫الجنيهات في بعض المواقع الحيوية والحياء‬
‫الراقية ‪ ،‬فكم يبلغ مقدار موضع القدم في‬
‫الجنة ؟‪.‬‬
‫يجيب عن ذلك الصادق المصدوق ‪‬‬
‫ة‬‫ه أو روح ٌ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫فيقول ] ‪ )000‬لغدوةٌ في سبي ِ‬
‫كم أو‬ ‫س أحد ُ‬ ‫ِ‬ ‫قو‬ ‫ب‬
‫دنيا وما فيها ولقا ُ‬ ‫خيٌر من ال ّ‬
‫دنيا وما فيها‬ ‫ة خيٌر من ال ّ‬ ‫ه في الجن ّ ِ‬ ‫ع يد ِ‬ ‫موض ُ‬
‫ت إلى‬ ‫ة اطلع ْ‬ ‫ل الجن ّ ِ‬ ‫ء أه ِ‬ ‫ن امرأةً من نسا ِ‬ ‫ولو أ ّ‬
‫هما‬ ‫ت ما بين ُ‬ ‫هما ولمل ْ‬ ‫ت ما بين ُ‬ ‫ض لضاء ْ‬ ‫الر ِ‬
‫دنيا وما‬ ‫سها خيٌر من ال ّ‬ ‫ريحا ً ولنصيفها على رأ ِ‬ ‫ُ‬
‫فيها (‪ 1‬وإذا كانت الدرجات في الدنيا متفاوتة‬
‫فهذا موظف وهذا موظف كبير ‪ ،‬وذاك خفير‬
‫وهذا وزير ‪ ،‬والمناصب كلها ل دوام لها ‪،‬‬
‫ودرجات الدنيا ما هى إل ابتلء لمن ينالها ‪،‬‬
‫وهى ضئيلة قليلة ل وزن لها ول قيمة في‬
‫مقابل الدرجات الحقيقية الباقية ‪ ،‬الدرجات‬
‫جل َْنا‬‫ع ّ‬ ‫ة َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫العلى ‪ ،‬قال ‪ّ  ‬‬
‫م‬
‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه َ‬ ‫علَنا ل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ريدُ ث ُ ّ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫شاء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫خَر َ‬ ‫ن أَرادَ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫حوًرا }‪َ {18‬‬ ‫مدْ ُ‬ ‫ما ّ‬ ‫مو ً‬ ‫مذْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫صل َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن فأولئ ِك كا َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫ها َ‬ ‫عي َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ها َ‬ ‫عى ل َ‬ ‫س َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ؤلء‬ ‫هـ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ؤلء‬ ‫ُ‬ ‫هـ‬ ‫َ‬ ‫د‬
‫ِ ّ‬‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫{‬ ‫‪19‬‬ ‫}‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫هم‬ ‫ي‬‫ع‬
‫َ ْ ُ ُ‬ ‫س‬
‫ظوًرا }‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫طاء‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫طاء‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫‪ -‬رواه البخاري في صحيحه ك‪/‬الرقاق باب صفة أهل‬ ‫‪1‬‬

‫الجنةحديث ‪ 6567‬ورواه الترمذي في السنن أبواب‬


‫ل‬
‫فضائل الجهاد ‪ - 17‬باب في الغدوّ والرواِح في سبي ِ‬
‫ح‪.‬‬
‫ث صحي ٌ‬
‫ه‪.‬الحديث رقم‪– 1699 :‬وقال هذا حدي ٌ‬ ‫الل ِ‬
‫‪59‬‬
‫ض‬‫ع ٍ‬ ‫عَلى ب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ضل َْنا ب َ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫ف َ‬ ‫‪ {20‬انظُْر ك َي ْ َ‬
‫وأك ْب َُر ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَلل ِ‬
‫ضيل ً }‪ {21‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ت َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫خَرةُ أك ْب َُر دََر َ‬ ‫َ‬
‫سورة السراء‪. .‬‬
‫فالخاسر هو الذى يبيع آخرته بدنياه ‪،‬‬
‫ويؤثر الدرجات الفانية على الدرجات الباقية‪.‬‬
‫ولقد بين لنا رسول ‪ ‬أن في الجنة‬
‫مائ َ ُ‬
‫ة‬ ‫ة ِ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫درجات متفاوتة وفي ذلك يقول )ال ْ َ‬
‫ض‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ة‪ .‬ك ُ ّ‬
‫والْر ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫َ‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ل دََر َ‬
‫َ‬
‫ج ٍ‬ ‫دََر َ‬
‫س‪.‬‬
‫و ُ‬ ‫فْردَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ها ال ِ‬ ‫َ‬
‫سط َ‬ ‫و َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وإ ِ ّ‬‫س‪َ .‬‬ ‫و ُ‬ ‫فْردَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ها ال ِ‬ ‫عل َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫هاُر‬ ‫َ‬ ‫ها ت ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جُر أن ْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫من ْ َ‬‫س‪ِ .‬‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫إ‬‫و‬
‫َ ِ‬
‫سُلوهُ ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫س(‪.1‬‬ ‫و َ‬ ‫فْردَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل َ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ذا َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫ة‪َ .‬‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وهكذا يتضح لنا حجم الخسـارة الحقيقة‬
‫التى تحيق بمن لم يسلك طريق النجاة والفوز‬
‫وا‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ‬ال ّ ِ‬
‫ر }‪. {3‬‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ول شك في أن كل إنسان يحرص على‬
‫أن يكون من الرابحين الفائزين إل أن الكثيرين‬
‫يضلون الطريق ويلهثون وراء أوهام وخيالت‪.‬‬
‫فمن الناس من ينشد الربح والفوز في‬
‫المناصب والرياسة ومنهم من ينشده في جمع‬
‫الموال الطائلة ‪ ،‬ومن النساء من تتوهم أن‬
‫جمالها سيؤهلها لنيل السعادة ‪ ،‬والحق الذى ل‬
‫مرية فيه أن الربح والسعادة ليست بالمال ‪،‬‬

‫‪-‬أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة‪ ‬ك‪/‬الجهاد والسير‬ ‫‪1‬‬

‫باب درجات المجاهدين حديث ‪، 2637‬ورواه الترمذي في السنن عن‬


‫معاذ بن جبل ‪ ‬أبواب صفة الجنة –باب ما جاء في صفة درجات‬
‫الجنة ح ‪ ،2650‬وفي نفس الباب عن عبادة بن الصامت ‪ ‬ح ‪2651‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪60‬‬
‫ول بالجمال ول بالجاه والسلطان ‪ ،‬ول‬
‫بالسكنى في الحياء الراقية ول بركوب‬
‫السيارات الفاخرة والعيش في القصور‬
‫الزاخرة ول بالرصدة الفلكية والحسابات‬
‫السرية في البنوك ‪ ،‬وإنما السعادة في طاعة‬
‫ملك الملوك ‪:‬‬
‫ولست أرى السعادة جمع مال ** ولكن‬
‫التقى هو السعيد‬

‫وعند الله للتقى‬ ‫وتقوى الله خير الزاد زخرا ً **‬


‫مزيد‬
‫نماذج واقعية‬
‫الجاه والسلطان والمال والجمال ليس‬
‫كما يتصور البعض من أسباب السعادة والهناء‬
‫وصفاء العيش بل إن هذه الشياء في أحيان‬
‫كثيرة ل تغنى عن صاحبها شيئا ً ول يجنى من‬
‫ورائها إل الشقاء والهموم فضل ً عن كونها من‬
‫دواعي الغرور وعوامل النحلل‪.‬‬
‫ومن النماذج التى تشهد بما ذكرناه ‪:‬‬
‫أيام الصفا !‬
‫كان عبد الرحمن الناصر من أعظم ملوك‬ ‫•‬
‫الندلس وأغناهم اتسع ملكه وانتظم سلكه‬
‫وفاضت خزائنه وأنفق المليارات على البناء‬
‫والتشييد والزخرفة فضل ً عن التقلب في‬
‫المتع والملذات ‪ ،‬ومع عيشـه الرغيد وعمره‬
‫وجد مكتوبا ً بخط يده ) أيام‬‫المديد فلقد ُ‬
‫السعادة التى صفت لى ‪ :‬يوم كذا من شـهر‬
‫‪61‬‬
‫كذا ‪ ،‬ويوم كذا من شــهر كذا ‪ ،‬ويوم كذا‬
‫عد أربعة عشر يوما ً (‬
‫من شهر كذا ‪ ،‬حتى ّ‬
‫هى مجموع أيام سعادته وصفائه بعد أن‬
‫عاش في مملكته خمسين عاما ً وستة أشهر‬
‫وثلثة أيام ‪.1‬‬

‫الصلة على الغريب‬


‫وهذا أيضا ً المعتمد بن عباد وهو من‬ ‫•‬
‫أشهر ملوك الندلس ‪ ،‬عاش متنعما ً يرفل‬
‫في النعيم ‪ ،‬وحوله الخدم والحشم ‪،‬‬
‫والشعراء والمغنين ‪ ،‬وسرعان ما انقلب‬
‫عليه الزمان وتغلب عليه يوسف بن‬
‫تاشفين وألقى به في غياهب السجون‬
‫وحال بينه وبين المتع والملذات والبنين‬
‫والبنات وزج به في سجن مدينة أغمات ‪،‬‬
‫فلجأت بناته إلى العمل في غزل الثياب‬
‫مقابل دراهم معدودات ‪ ،‬وفي يوم عيد‬
‫دخلن على أبيهن وهن في أطمار بالية‬
‫وحالة مزرية وهيئة محزنة فأشفق عليهن‬
‫السجان ورق قلبه عند لقائهن بأبيهن‬
‫وحزنه على ما صرن إليه فبكى علــى‬
‫حالهن يقول ‪ :‬صاحب كتاب نفح الطيب ]‬
‫‪ 000‬أول عيد له بأغمات ‪ ،‬دخل إليه من‬
‫بنيه من يسلم عليه ويهنيه ‪ ،‬وفيهم بناته‬
‫وعليهن أطمار كأنه كسوف وهن أقمار ‪،‬‬
‫نفح الطيب ‪.1/363‬‬ ‫‪1‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪62‬‬
‫ويبكين عند التساؤل ويبدين الخشوع بعد‬
‫التخايل ‪ ،‬والضياع قد غير صورهن ‪ ،‬وحّير‬
‫نظرهن ‪ ،‬وأقدامهن حافية وآثار نعيمهن‬
‫عافية ‪ ،‬فأنشد يقول ‪:‬‬
‫ً‬
‫فيمــا مضــى كنــت بالعيــاد مســرورا **‬
‫فساءك العيد في أغمات مأسورا ً‬
‫ترى بناتك في الطمار ‪ 1‬جائعـة **‬
‫يغزلن للناس ما يملكن قطميرا ً‬
‫برزن نحوك للتسليم خاشـعـة **‬
‫أبصارهن حسيرات مكاسيَر‬
‫يطأن في الطين والقدام حافيـة **‬
‫‪2‬‬
‫كأنها لم تطأ قبل مسكا ً وكافورا‬
‫أفطرت في العيد لعادت مساوئه **‬
‫فكان فطرك للكباد تفطيرا ً‬
‫قد كان دهرك إن تأمره ممتثـل **‬
‫فردك الدهر منهيا ً ومأمورا ً‬
‫من بات بعدك في ملك يسّر بـه **‬
‫ً ‪3‬‬
‫فإنما بات بالحلم مغرورا‬
‫ومن النادر العجيب أنه لما وافته المنية‬
‫ونــودى للصــلة عليــه ‪ ،‬قــال المنــادى ‪ :‬الصــلة‬
‫على الغريب ‪ .‬الصلة على الغريب ‪0‬‬

‫مر وهو الثوب الخلق البالى‪.‬‬


‫جمع ط ْ‬
‫‪1‬‬

‫اشتهت إحدى نسائه ذات مرة المشى في الطين حين رأت‬ ‫‪2‬‬

‫الناس يمشون فيه فأمر المعتمد بأشياء من الطيب وُذرت في‬


‫ساحة القصر ثم نصبت الغرابيل ‪ ،‬وصب فيها ماء الورد على‬
‫أخلط الطيب و‪ ،‬وعجنت باليدى حتى عادت كالطين وخاضتها مع‬
‫الجوارى – نفح الطيب ‪.6/49‬‬
‫نفس المرجع ‪.6/50‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪63‬‬
‫الصلة على الغريب‬
‫الغريب بعد أن كان ملء السماع والبصار‪.‬‬
‫الغريب بعد أن كان ل يشق له غبار‪.‬‬
‫الغريب بعد أن اتسع ملكه وانتظم سلكه‪.‬‬
‫الغريب بعد أن ملــك قرطبــة وزهراءهــا وحكــم‬
‫أشبيلية وأنحاءها‪.‬‬
‫وهكذا حال الــدنيا ‪ ،‬وســبحان مــن يــرث الرض‬
‫ومن عليها‪.‬‬
‫فل‬ ‫لكل شئ إذا ما تم نقصـان **‬
‫يغر بطيب العيش إنسان‬
‫هى المور كمـا شـاهدتها دول ** مـن‬
‫سره زمن ساءته أزمان‬
‫نماذج من القرن العشرين ‪:‬‬
‫أجمل وأشقى أمرأة في عالمها‬
‫اكتشف المحقق الذى يبحث في قضية‬
‫انتحار الممثلة العالمية ) مارلين ‪ ( ...‬أشهر‬
‫ممثلة في العالم ونجمة الغراء في ) هوليوود‬
‫( معقل ‪ -‬السينما المريكية‪ -‬اكتشف المحقق‬
‫رسالة محفوظة في صندوق المانات في )بنك‬
‫مانهاتن بأمريكا ( ألقت هذه الرسالة بعض‬
‫الضواء على انتحار هـــذه الممثلة العالمية‬
‫التى كانوا يطلقون عليها ملكة الغراء في‬
‫) هوليوود ( ولقد وجد على غلف هذه الرسالة‬
‫كلمة تطلب عدم فتح هذه الرسالة قبل وفاتها‬
‫‪ ،‬قام المحقق بفتح الرسالة فوجدها بخط‬
‫الممثلة مارلين ‪ ،‬وهى موجهة إلى فتاة تطلب‬
‫نصيحتها عن الطريق إلى التمثيل والضواء‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪64‬‬
‫قالت مارلين في رسالتها ‪ :‬احذرى‬
‫المجد !! احذرى كل من يخدعك بالضواء !!‬
‫إنى أتعس امرأة على ظهر الرض ‪ ،‬لم أستطع‬
‫أن أكون أما ‪ ،‬إن سعادة المرأة الحقيقية في‬
‫البيت في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة ‪،‬‬
‫بل إن هذه الحياة هى رمز سعادة المرأة بل‬
‫والمجتمع ‪،‬لقد ظلمنى كل الناس ‪ 00‬إن‬
‫العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة‬
‫رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة‬
‫الزائفة ‪. 1‬‬
‫هذا كلم ممثلة الغراء العالمية التى‬
‫ألهبت مشاعر المليين في شتى بقاع الرض‬
‫بسائر ألوان الغراء ولكنها ويا بؤسها ‪:‬‬
‫سارت في موكب‬
‫‪ :‬اليائسات المائسات ‪000‬ليائـسات المائـسات‬
‫‪ 000‬كآلة من غير ريـح‬
‫الناشرات شذى ‪ ،‬ومن‬
‫‪000‬أعماقهن أذى يفوح‬
‫الضاحكات وقد طوين ‪ 000‬قلوبهن‬
‫على الجروح‬
‫آلمها الحرى ‪ ،‬مـع الزفرات في‬
‫لهف تفوح‬

‫‪ -‬وفي حديث لحد أبطال أفلم رعاة البقر يقول في نهايته إن‬ ‫‪1‬‬

‫فاتنات هوليوود أكثر نساء العالم تعاسة ! إنهن دمى ) لعب ( في‬
‫أيدى تجار هوليوود ‪ ،‬وما على الفنانة كى تصل إلى الشهرة إل أن‬
‫تبيع نفسها وإرادتها وكرامتها ‪ ،‬ثم ل تلبث أن تأتيها الضربة القاصمة‬
‫بعد أن ينتهى دورها وتستنفذ مواهبها ‪ ،‬يراجع كتاب المرأة بين‬
‫الفقه والقانون د ‪ 0‬مصطفي السباعى ص ‪0 316 ، 315‬‬
‫‪65‬‬
‫فخلف تمثيلها ورقصها وضحكاتها تكمن آلم‬
‫نفسية مبرح ‍‬
‫ة‬
‫ولسان حالها يقول‬
‫ل تحسبوا رقصى عندكم طرب ما يرقص‬
‫العصفور إل من شدة اللم‬
‫أغنى وأشقى امرأة في عالمها‬
‫ويتمثل هـــذا النموذج في ظل حياة واقعية‬
‫لمرأة تسمى ) كرستينا أوناسيس ( يونانيـــة‬
‫الجنسية بنت المليونير المشهور) أوناسيس (‬
‫الذى يملك المليارات ويملك الجزر ‪ ،‬ويملك‬
‫الساطيل‪.‬‬
‫لقد مات أبوها ‪ ،‬ومن قبله ماتت‬
‫أمها ‪ ،‬وبينهما مات أخوها ‪ ،‬فورثت هذه الفتاة‬
‫من أبيها ما يزيد على ثلثة مليار دولر‪،‬‬
‫وأسطول بحريا ً ضخما ً ‪ ،‬وجزرا ً كاملة ‪ ،‬و‬
‫أسطول جويا ‪،‬وسلسلة مطاعم ‪.‬‬
‫إن المقــاييس العقليــة المجــردة بــالنظر‬
‫إلى هذه الثروة الهائلة تقضى بأن هذه المــرأة‬
‫أسعد امرأة في العالم ‪ 000‬وكل من يسمع بها‬
‫عشــر‬‫وبثرائهــا الفــاحش يتمنــى لــو أنــه ملــك ُ‬
‫معشار هذه الثروة ليصبح سعيدا ً بهذا المال‪.‬‬
‫فهل عاشت هذه المرأة صاحبة الثروة الهائلة‬
‫حياة سعيدة ؟‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬فلقد عاشت حياة التعاسة‬
‫والشقاء ‪ ،‬كانت حياتها فصول حافلة بالمحن‬
‫المتوالية ‪000‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪66‬‬
‫فأمها ‪ :‬ماتت بعد حياة مأساوية في ظل‬
‫حياتها الزوجية التي انتهت بالطلق‪.‬‬
‫وأخوها ‪ :‬مات في ريعان شبابه إثر‬
‫سقوط طائرته التى كان يلهو بها ‪.‬‬
‫أما أبوها ‪ :‬فقد اختلف مع زوجتـه‬
‫الجديدة ) جاكلين كنيدى ( زوجة الرئيس‬
‫المريكى الراحل ‪ ،‬التى تزوجها بمليين‬
‫الدولرات جريا ً وراء الشهوة والشهرة ‪ ،‬ليقال‬
‫إنه تـزوج بـزوجة الرئيس المريكى ’’ جون‬
‫كنيدى ’’ ومع هذا فقد عاش معها في شقاء‬
‫دائم‪.‬‬
‫ذلك ‪ ،‬لن النسجام الروحى في الحياة‬
‫الزوجية معدوم تماما ً ‪ ،‬والمال أضحى عنصر‬
‫فساد في حياتهما ‪ ،‬فلقد تزوجها للشهرة ‪،‬‬
‫وهى الخرى تزوجته لغناه ‪ ،‬ووضعت بنودا ً في‬
‫عقد الزواج لتزداد حياتهما نكدا وشقاء ‪ ،‬من‬
‫هذه البنود ‪:‬‬
‫‪ -1‬ليس له سلطان عليها ‪ ،‬بل لها أن تنطلق‬
‫في الحياة بحريتها ‪ ،‬وليس من حقه محاسبتها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ينفق عليها المليين حسب رغبتها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون لها الحق في طلب الفراق متى‬
‫تشاء‪.‬‬
‫بنود مجحفة ‪ ،‬وكلها ضد مصلحة الــزواج ‪ ،‬ومــع‬
‫هــذا قبلهــا ليشــرب مــن يــدها كــأس الــذل‬
‫والهوان ‪ ،‬فعاشا حياة ملتهبــة بالخلفــات الــتى‬
‫حولت العش الزوجى إلى جحيــم ‪ ،‬ثــم انقضــت‬
‫‪67‬‬
‫حيــاته علــى ســرير الشــقاء ‪ ،‬لينقــل منــه إلــى‬
‫شقاء الخرة‪.‬‬
‫ثم بدأت رحلة الشــقاء بيــن ) جــاكلين كنيــدى (‬
‫بوصــفها أرملــة المتــوفي وابنتــه ) كرســتينا‬
‫أوناسيس ( بصفتها الوريثة الوحيدة مــع أرملــة‬
‫أبيهــا ‪ ،‬حيــث دار الخلف بينهمــا علــى المــال‬
‫والعيان التى تركها ذلك الشــقى ‪ ،‬ولــم يســعد‬
‫بها في حياته ‪ ،‬بل أشقته ‪ ،‬وتركها ليشقى بها‬
‫ورثته من بعده‪.‬‬
‫كرســتينا أوناســيس تشــقى بمالهــا فــي ظــل‬
‫الحياة الزوجية ‪:‬‬
‫بعد موت أبيها سعى إليها كــل مــن يلهــث وراء‬
‫المال ليتقاسما ذاك الشقاء وكانت قد تزوجــت‬
‫فــي حيــاة أبيهــا برجــل أمريكــي ‪ ،‬عــاش معهــا‬
‫شهورا ً ‪ ،‬ثم طلقها ‪ ،‬أو طلقته‪.‬‬
‫وبعد وفــاة أبيهــا تزوجـت برجــل آخــر يونــانى ‪،‬‬
‫وعاش معها شهورا ً ثم طلقها ‪ ،‬أو طلقته‪.‬‬
‫ثــم انتظــرت طــويل ً تبحــث عــن الســعادة ‪ ،‬وإذا‬
‫بحيــاة أشــد شــقاء فــي ظــل الــزوج الثــالث‬
‫الشيوعى الروسى ‪ ،‬تزوجهــا لتــذوق فــي ظلــه‬
‫مع الشقاء مرارة الحرمان من مالها‪.‬‬
‫والمر عجيب !! أغنى امرأة في العــالم ‪ ،‬الــتى‬
‫تمثل الرأسمالية في ذروتها ‪ ،‬تقع في أحضــان‬
‫قمــة الشــيوعية فــي العــالم ‪ ،‬ومــا أدراك مــا‬
‫الشيوعية ‪ ،‬فمن مبادئهــا أنهــا ل تســمح للفــرد‬
‫أن يعيش في رغد المال ‪ ،‬ول تسمح بالتملك ‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪68‬‬
‫أسرع إليها الصحفيون فسألوها ‪ :‬أنــت تمثليــن‬
‫الرأسمالية فكيف تتزوجين بشيوعي ؟‪.‬‬
‫فأجــابت بقولهــا ‪ :‬أبحــث عــن الســعادة ‪ ،‬نعــم‬
‫قالت ‪ :‬أبحث عن السعادة ‪.‬‬
‫وهذا اعتراف صريح منها بأن ما تملكه من مال‬
‫هــو ســبب شــقائها وهــى فــي ظلــه ل تشــعر‬
‫بالسعادة ‪ ،‬فانطلقت تبحث عنها فسقطت في‬
‫بــؤرة ينبعــث منهــا لهيــب الشــقاء الــذى أحــرق‬
‫قلبها‪.‬‬
‫ذهبت مع زوجها إلى روســيا ‪ ،‬وهنــاك نظــام ل‬
‫يسمح بــامتلك أكــثر مــن غرفــتين ‪ ،‬ول يســمح‬
‫بخادمــــة ‪ ،‬وتركــــت قصــــورها ‪ ،‬وجزرهــــا ‪،‬‬
‫وأســاطيلها وخــدمها وحشــمها ‪ ،‬وعاشــت فــي‬
‫روسيا الشيوعية فــي غرفــتين خادمــة لزوجهــا‬
‫ولبيتها ‪ ،‬فجاءها الصحفيون ‪ :‬فســألوها ‪ :‬كيــف‬
‫يكون هذا ؟‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬أبحث عن السعادة ‪.‬‬
‫ولم تستمر حياتها الزوجية أكثر من ســنة ‪ ،‬ثــم‬
‫طلقهــا ‪ ،‬أو طلقتــه ‪ ،‬ورجعــت إلــى بلدهــا ‪،‬‬
‫فأقــــامت حفلــــة فــــي فرنســــا ‪ ،‬وســــألها‬
‫ت أغنى امرأة ؟ قالت ‪ :‬نعم‬ ‫الصحفيون ‪ :‬هل أن ِ‬
‫‪ ،‬أنا أغنى امرأة ‪ ،‬ولكن أشقى امرأة !!‬
‫بعــد ذلــك تقــدم لهــا أحــد رجــال الصــناعة فــي‬
‫فرنسا ‪ ،‬لتكون بذلك قد تزوجــت بأربعــة رجــال‬
‫من أربع دول باحثة عن السعادة ‪ ،‬تزوجــت مــن‬
‫ذاك الفرنسي ‪ ،‬ولم تمكث معــه طــويل ً ‪ ،‬فبعــد‬
‫أن أنجبت بنتا ً طلقها أو طلقته‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫ثم خيمت عليها التعاسة من جديد فعاشت بقية‬
‫حياتها في هم وشقاء ‪ ،‬لم تشــعر بلــذة العيــش‬
‫يوما ً واحدا ً حتى عثر عليها ميتة في شاليه فــي‬
‫الرجنتين ‪ ،‬ول يعلم هل ماتت ميتة طبيعيــة أم‬
‫أنهــا قتلــت ؟ ثــم انتقلــت فــي مقــبرة الشــقاء‬
‫الخروى في جزيرة أبيها‪.‬‬
‫أميرة القلوب الجريحة‬
‫ول يفـــوتني أن أتحـــدث عـــن أميـــرة القـــرن‬
‫العشــرين – الميــرة ديانــا – الــتى كــان حفــل‬
‫زفافهـــا إلـــى ولـــى العهـــد البريطـــانى حفل‬
‫أسطوريا وعاشت حياة الترف والبذخ وأطلقــت‬
‫العنــان للشــهوات والملــذات ‪ ،‬وكــانت بجمالهــا‬
‫ودللهـــا ملـــء الســـماع والبصـــار ‪ ،‬وكـــانت‬
‫تفاصيل حياتها حديث أجهزة العلم في شــتى‬
‫بقـــاع الرض ‪ ،‬ثـــم كـــان طلقهـــا ومصـــيرها‬
‫المحتوم ‪ ،‬صريعة مع عشــيقها ليســدل الســتار‬
‫على الفصل الخير من حياتها الناعمة البائســة‬
‫لتكون عبرة لولئك الحامين الواهمين العــابثين‬
‫اللهثين وراء سعادة الوهم ‪ ،‬ووهم السعادة ‪0‬‬
‫وهكذا يتضح لنا معنى الخسارة الحقيقة التى‬
‫تحيق بكل البعيدين عن منهج الله‪ ‬أفرادا ً‬
‫وأسرا ً ومجتمعات وأمما ‪ ،‬تشقى جميعا ً وتبوء‬
‫بالخسران حين تضل طريق النجاة ‪ ،‬طريق‬
‫اليمان والعمل الصالح والتواصى بالحق‬
‫والصبر‪.‬‬
‫***********‬
‫خسارة النسانية !‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪70‬‬
‫ول شك أن العالم أجمع خسر كثيرا ً بسبب بعد‬
‫المسلمين عن دفة القيادة وعن موقع الصدارة‬
‫والريادة ‪ ،‬فلقد عاشت البشرية أحقابا عديدة‬
‫في ظلل إسلم تنعم بعدالته ورحمته‬
‫وسماحته حين كانت الكلمة للمسلمين والغلبة‬
‫لهم ‪ ،‬فما أحوج العالم إلى عودة المسلمين‬
‫إلى دينهم ورجوعهم إلى سابق عهدهم‪.‬‬
‫يقول صاحب الظلل ‪ ] :‬فأين منها هذا‬
‫الضياع الذى تعانيه البشرية اليوم في كل‬
‫مكان ‪ ،‬والخسار الذى تبوء به في معركة الخير‬
‫والشر ‪ ،‬والعماء عن ذلك الخير الكبير الذى‬
‫حملته المة العربية للبشر يوم حملت راية‬
‫السلم فكانت لها القيادة ثم وضعت هذه‬
‫الراية فإذا هى في ذيل القافلة ‪ ،‬وإذا القافلة‬
‫كلها تسعى إلى الضياع والخسار ‪ ،‬وإذا الرايات‬
‫كلها بعد ذلك للشيطان ليس فيها راية واحدة‬
‫لله ‪ ،‬وإذا هى كلها للباطل ليس فيها راية‬
‫واحدة للحق ‪ ،‬وإذا هى كلها للعماء والضلل‬
‫ليس فيها راية واحدة للهدى والنور ‪ ،‬وإذا هى‬
‫كلها للخسار ليس فيها راية واحدة للفلح !‪[ .‬‬
‫‪1‬‬

‫وأختــم هــذا المبحــث بهــذه البيــات ‪،‬‬


‫مخاطبا بها أولئك الذين باعوا دينهم بعرض من‬

‫‪-‬في ظلل القرآن ‪3970 /6‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪71‬‬
‫الــدنيا الزائلــة ‪،‬والــذين خســروا آخرتهــم بــدنيا‬
‫غيرهم‬
‫بأن‬ ‫**‬ ‫قضى الله رب العالمين قضية‬
‫الهوى يعمى القلوب ويبكم‬
‫**‬ ‫فيا أيها القلب الذى ملك الهوى‬
‫أعنتـه حتـام هذا التلـوم‬
‫**‬ ‫وحتام ل تصحو وقد قرب المدى‬
‫ودقت كئوس السير والناس نـوم‬
‫**‬ ‫بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا‬
‫ويبدو لك المر الذى كنت تكتم‬

‫وحر‬ ‫**‬ ‫ويا موقدا نارا ً لغيرك ضوؤها‬


‫لظاها بين جنبيك يضرم‬
‫وهذا‬ ‫**‬ ‫أهذا جنى العلم الذى قد غرسته‬
‫الذى قد كنت ترجوه وتعلم‬
‫**‬ ‫وهذا هو الحظ الذى قد رضيته‬
‫لنفسك في الدارين لو كنت تفهم‬
‫**‬ ‫وهذا هو الربح الذى كسبته‬
‫لعمرك ل ربح ول الصل يسلم‬
‫**‬ ‫بخلت بشئ ل يضرك بذله‬
‫وجدت بشئ مـثله ل يـقوم‬
‫**‬ ‫وبـعت نعيما ً ل انقضاء له‬
‫ببـخس عن قليل سيعدم‬
‫فأنت‬ ‫**‬ ‫وتهدم ما تبنى بكفيك جاهدا ً‬
‫مدى اليام تبنى وتـهدم‬
‫كذبت‬ ‫**‬ ‫وتزعم مع هذا بأنك عارف‬
‫يقينا ً في الذى أنت تزعم‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪72‬‬
‫وأنك‬ ‫**‬ ‫وما أنت إل جاهل ثم ظالم‬
‫بين الجاهلـين مقدم‬

‫المبحث الثالث‬

‫ييييييي يييييييييييي‬

‫تحدثنا فى المبحث السابق عن حقيقة‬


‫الخسران وأسبابه ‪ ،‬وحجم الخسارة التى تحيق‬
‫بكل بعيد عن الحق ‪ ،‬فل يغنى عنه ماله ول‬
‫ينفعه سلطانه ول يشفع له منصبه ‪ ،‬بل إن‬
‫هذه المظاهر الدنيوية الزائلة تكون وبال ً عليه‪.‬‬
‫أما عن طريق النجاة فلقد رسمـــت هذه‬
‫السورة معالمه وحددت مراسمه قال تعالى‪‬‬
‫ر }‪ِ {2‬إل‬ ‫س ٍ‬‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬‫ن الن َ‬ ‫ر }‪ {1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫وا‬ ‫ص‬ ‫وا‬
‫َ َ َ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫حا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫لوا‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫م‬
‫َ َ‬‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ر }‪ ، {3‬هذا الطريق يقوم‬ ‫صب ْ ِ‬
‫وا ِبال ّ‬‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫على اليمان والعمل الصالح والتواصى بالحق‬
‫والصبر وإصلح النفس وإصلح الغير ‪ ،‬إكمال‬
‫النفس وتكميل الغير ‪ ،‬وفيما يلي نتحدث‬
‫بشيء من التفصيل والبيان عن هذا الطريق‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬اليـــمـــان‬
‫أول الخطوات على طريق النجاة ‪:‬‬
‫اليمان ‪ ،‬وهو فى اللغة مطلق التصديق ‪ ،‬وفي‬
‫الشرع ‪ :‬عرفه المام الراغب ‪ ) :‬بأنه إذعان‬
‫النفس بالحق على سبيل التصديق وذلك‬
‫بإجماع ثلثة أشياء ‪ :‬تصديق القلب ‪ ،‬وإقرار‬
‫اللسان ‪ ،‬وعمل الجوارح وفقا ً للتصديق‬
‫والقرار ( ‪.1‬‬
‫وعرفه اللوسى ‪ :‬بأنه ‪ :‬التصديق بما‬
‫علم مجئ النبى‪ ‬به ضرورة وتفصيل ً فيما‬
‫علم تفصيل ً وإجمال ً فيما علم إجمال ‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب جمهور المحققين ‪.2‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ ) :‬اليمان حقيقة‬
‫مركبة من معرفة ما جاء به الرسول ‪‬‬
‫والتصديق به والقرار به نطقا ً ‪ ،‬والنقياد له‬
‫محبة وخضوعا ً ‪ ،‬والعمل به باطنا ً وظاهرا ً ‪،‬‬
‫وتنفيذه والدعوة إليه بحسب المكان ( ‪.3‬‬
‫وقال صاحب المنار ‪ ) :‬اليمان هو‬
‫التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس‬
‫وقبولها واستسلمها ( ‪.4‬‬
‫والملحظ فــى هــذه التعريفــات أن بعضــها قــد‬
‫اقتصر على بيان الحد الدنى مــن اليمــان دون‬

‫المفردات للراغب الصفهاني ص ‪.26‬‬ ‫‪1‬‬

‫روح المعانى لللوسى ‪.1/183‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفوائد لبن القيم ص ‪.147‬‬ ‫‪3‬‬

‫تفسير المنار ‪.1/326‬‬ ‫‪4‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪74‬‬
‫التعرض لمقتضيات اليمان ومكملته وثمراته ‪،‬‬
‫وتوسع بعضها فى تفصيل ذلك ‪.‬‬
‫واليمان هو الساس المتين والنبراس المــبين‬
‫الــذي يضــيء جميــع جــوانب الحيــاة ‪ ،‬وهــو‬
‫الحارس المين الذي يدفع صاحبه إلى كل خيــر‬
‫وبر ويمنعه من كل شر وإثم ‪ ،‬فل قيمة للحيــاة‬
‫بل إيمان ول وزن لي عمل ل يلزمه اليمان ‪.‬‬
‫ولليمان أركانه وشعبه ‪ ،‬أما الركان‬
‫فلقد بينها رسول الله‪ ‬فى حديث جبريل حين‬
‫سأله عن اليمان فقال ) اليمان أن تؤمن‬
‫بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ‪ ،‬وأن‬
‫تؤمن بالقدر خيره وشره (‪. 1‬‬
‫وأما عــن شعبه فهي كثيرة ولقد أشار ‪‬‬
‫إلى بعضها فقال ) اليمان بضع وستون‬
‫شعبة ‪ ،‬أعلها ‪ :‬قول ل إله إل الله وأدناها‬
‫إماطة الذى عن الطريق ‪ ،‬والحياء شعبة من‬
‫اليمان ‪.(2‬‬
‫واليمان تصديق بالقلب ونطق باللسان وعمل‬
‫بالجوارح ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫رواه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي‬
‫ال عنه ك اليمان باب سؤال جبريل النبي‪ ‬حديث ) ‪( 48‬‬
‫ورواه مسلم في صحيحه ك اليمان والسلم ح ‪ ، 10‬والترمذي ك‬
‫اليمان ح ‪، 2535‬وأبو داود ك السنة ح ‪.4075‬‬
‫‪2‬‬
‫رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ك اليمان باب أمور‬
‫اليمان ح ‪.8‬‬
‫‪75‬‬
‫واليمان هو خير العمال وأحبها إلى‬
‫الله ‪ ‬لنه هو أساس ومنبع كل خير ‪ ،‬ول‬
‫قيمة لي عمل إل به فالعمل بل إيمان كالجسد‬
‫بل روح ‪ ،‬أو كالجسد بل رأس واليمان بدون‬
‫عمل كالشجر بل ثمر ‪.‬‬
‫قال تعالى } بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ر }‪ِ {2‬إل‬ ‫س ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫ر }‪ {1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫وا‬
‫َ َ َ ْ ِ‬ ‫ص‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫حا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ر }‪{3‬‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫واليمان نبراس مبين يضيء لصاحبه‬
‫شتى دروب الحياة ‪0‬‬
‫و‬ ‫َ‬
‫قال تعالى فى ســـورة النعام } أ َ‬
‫كان ميًتا َ َ‬
‫ه‬
‫شي ب ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُنوًرا ي َ ْ‬ ‫عل َْنا ل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫حي َي َْناهُ َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫من َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ج‬ ‫ر‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫م‬‫ّ‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن {}‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫كا ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫ك ُزي ّ َ‬ ‫ها ك َذَل ِ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ّ‬
‫‪. {122‬‬
‫فالحياة الحقيقية باليمان والنور المبين‬
‫مقتبس منه يقول صاحب الظلل عن اليمان‬
‫في معرض حديثه عن سورة " العصر" ‪:‬‬
‫" نحن ل نعّرف اليمان هنا تعريفه الشرعي أو‬
‫الفقهي ؛ ولكننا نتحدث عن طبيعته ‪ ،‬وقيمته‬
‫في الحياة ‪ :‬إنه اتصال هذا الكائن النساني‬
‫الفاني الصغير المحدود بالصل الزلي الباقي‬
‫الذي صدر عنه الوجود ؛ ومن ثم اتصاله بالكون‬
‫الصادر عن ذات المصدر ‪ ،‬وبالنواميس التي‬
‫تحكم هذا الكون ‪ ،‬وبالقوى والطاقات‬
‫المذخورة فيه ‪ .‬والنطلق‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪76‬‬
‫حينئذ من حدود ذاته الصغيرة إلى رحابة‬
‫الكون الكبير ‪ ،‬ومن حدود قوته الهزيلة إلى‬
‫عظمة الطاقات الكونية التي ل حدود لها ‪،‬‬
‫ومن قيود عمره القصير إلى امتداد الباد التي‬
‫ل يعلمها إل الله رب العالمين ‪. 1‬‬
‫ويقول رحمه الله في موضع آخر ‪ " :‬إن‬
‫اليمان نور ‪ ..‬نور في القلب ونور في‬
‫الجوارح ‪ ،‬ونور في الحواس ‪ ،‬نور يكشف‬
‫حقائق الشياء ‪ ،‬والقيم والحداث وما بينها‬
‫سب وأبعاد ‪ ،‬فالمؤمن ينظر‬ ‫من ارتباطات ون ِ َ‬
‫بهذا النور – نور الله – فيرى الحقائق‬
‫ويتعامل معها ‪ ،‬ول يخبط في طريقه ‪ ،‬ول‬
‫يتعثر في خطواته ‪.‬‬
‫واليمان بصر ‪ ،‬يرى رؤية حقيقية ‪،‬‬
‫صادقة غير مهزوزة ‪ ،‬ول مخلخلة ويمضي‬
‫بصاحبه في الطريق على نور ‪ ،‬وعلى ثقة ‪،‬‬
‫وفي اطمئنان ‪ .‬واليمان ظل ظليل ‪،‬‬
‫تستروحه النفس ويرتاح له القلب ‪ ،‬ظل من‬
‫هاجرة الشك والقلق ‪ ،‬والحيرة في التيه‬
‫المظلم بل دليل ‪.‬‬
‫واليمان حياة ‪ ،‬في القلوب والمشاعر ‪،‬‬
‫حياة في القصد والتجاه ‪ ..‬كما أنه حركة‬
‫بانية ‪ ،‬مثمرة ‪ ،‬ل خمود فيها ‪ ،‬ول همود ‪ ،‬ول‬
‫عبث فيها ول ضياع ‪.2‬‬

‫في ظلل القرآن ‪3964 /6‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفس المرجع ‪ 6/3966‬بتصرف يسير‬ ‫‪2‬‬


‫‪77‬‬
‫واليمان ليس مجرد معرفة ذهنية ‪ ،‬ول‬
‫مجرد حشو للذاكرة بعبارات ومصطلحات ‪،‬‬
‫وتضييع الوقات في معارك جدلية عقيمة ل‬
‫تضيف إلى رصيد النسان اليماني أي فائدة ‪،‬‬
‫ولكنها تشتيت للذهن وتفريق للصف ومضيعة‬
‫للوقت وإهدار للمال واستهلك للطاقات‬
‫يقول الشيخ محمد الغزالى هناك إيمان ضرير‬
‫ل يبصر الحياة ‪ ،‬ول تسحره عجائبها‪ ،‬ول‬
‫تستهويه أسرارها‪ .‬وهذا اليمان يمكن أن‬
‫تنسبه إلى أي مصدر غير القرآن العظيم الذي‬
‫يحقق اليمان البصير ل الضرير ‪ ،‬واليمان‬
‫الذي ينمو ويقوى بالتأمل فـي الكون ‪،‬‬
‫ومطالعة آياته ‪ ،‬والتعرف على خفاياه ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫واليمان ليس مجرد شعارات تقال أو‬


‫هتافات تردد " ولكنه يقين يستقر في القلب ‪،‬‬
‫وعلم يمل الصدر ‪ ،‬ونهج يمضي عليه المؤمنون‬
‫‪.‬إنه جهد ‪ ،‬وبذل ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وخشوع ‪ ،‬وإنابة ‪،‬‬
‫صل ذلك كله منهج الله تعالي‬ ‫وسلوك …… ف ّ‬
‫تفصيل ً يقيم الحجة ويقطع الجدل ‪ ،‬ويسد‬
‫أبواب الشرك والنفاق " ‪. 2‬‬
‫" إنه اليمان الصادق الذي يقر في‬
‫القلب تصديقا ً ويقينا ً ‪ ،‬ويفيض على الجوارح‬
‫سلوكا ً وعمل ً ‪ .‬إنه اليمان الذي يضيء القلب ‪،‬‬
‫ويحرك الرادة ‪ ،‬ويوجه العقول ‪ ،‬ويوظف‬
‫الطاقات ليكون صورة عملية واقعية يتجلى‬
‫ركائز اليمان بين العقل والقلب ص ‪ 8‬بتصرف‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫لقاء المؤمنين تأليف عدنان علي رضا النحوي ‪ 2/207‬بتصرف‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪78‬‬
‫فيها ليثبت وجوده ‪ ،‬ويترجم عن حقيقته ‪.‬إنه‬
‫اليمان الذي يصلح القلوب ‪ ،‬ويهيئ النفوس ‪،‬‬
‫ويصنع العجائب وينشئ النسان خلقا ً آخر ‪،‬‬
‫ويصبه في قالب جديد يغير هدفه ويهذب‬
‫سلوكه وذوقه ونظرته للحياة" ‪. 1‬‬
‫وباليمان حياة القلوب ونور البصائر‬
‫وجلء الفهام وبه تسمو الرواح وتتآلف‬
‫وتتعاطف ‪ ،‬وتتفتق الذهان وتتوقد القرائح‬
‫وتنشط الجوارح ‪ ،‬وتعلو الهمم وتنهض المم ‪،‬‬
‫وهو السبيل إلى الحياة المنة المطمئنة‬
‫الراضية المرضية الطيبة الكريمة قال تعالى‬
‫م ْ‬ ‫ل صال ِحا من ذَك َر أ َ ُ‬
‫ن‬‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫و أنَثى َ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫م َ َ ً ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِأ ْ‬ ‫جَر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫زي َن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ولن َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫حَياةً طي ّب َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫فل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن {}‪ {97‬سورة النحل وقــال‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫هم ب ِظلم ٍ‬ ‫مان َ ُ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َلب ِ ُ‬ ‫ول ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬
‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫تعالى } ال ِ‬
‫ُ‬
‫ن { }‪{82‬‬ ‫دو‬
‫ّ ْ َ ُ َ‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫و‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ه ُ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫مُلوا‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سورة النعام ‪ } ،‬إن ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ة { }‪ {7‬سورة‬ ‫ري ّ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْب َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫البينة‪.‬‬
‫ول قيمة للحياة ول وزن لها إن لم‬
‫يحكمها اليمان ‪ ،‬فإذا ارتقت المم وتقدمت‬
‫ديا وتخلفت إيمانيا ً فإنها إلى الفناء تصير‬ ‫ما ّ‬
‫ه َ‬
‫ل‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأ ّ‬ ‫ول ْ‬ ‫مهما طال بقاؤها ‪ ،‬قال تعالى } َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ّ‬ ‫َ‬
‫هم ب ََركا ٍ‬ ‫حَنا َ َ‬ ‫قوا ْ ل َ َ‬ ‫وات ّ َ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫قَرى آ َ‬

‫‪1‬‬
‫خصائص المجتمع السلمي للستاذ محمد عبد ال الخطيب ص‬
‫‪18،19‬بتصرف‬
‫‪79‬‬
‫ما‬
‫هم ب ِ َ‬ ‫فأ َ َ‬
‫خذَْنا ُ‬ ‫كن ك َذُّبوا ْ َ‬
‫وَلـ ِ‬
‫ض َ‬
‫َ‬
‫والْر ِ‬‫ماء َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ن { }‪.{96‬‬ ‫بو‬‫س‬
‫َ ِ ُ َ‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫نو‬ ‫َ‬
‫كا ُ‬
‫ويقول الشاعر محمد إقبال ‪:‬‬
‫إذا اليمان ضاع فل أمان‬
‫ول دنيا لمن لم يحي دينا‬
‫ومن رضى الحياة بغير دين‬
‫فقد جعل الفناء لها قرينا‬
‫واليمان الذى تنهض به المة ليس‬
‫المقصود به مجرد معرفة ذهنية ‪ ،‬وحواشى‬
‫كلمية ‪ ،‬أو إضاعة للعمار فى حوارات‬
‫ومساجلت عقيمة ‪ ،‬وإنما هو اليمان الحى‬
‫العملى الصادق المخلص ‪ ،‬الذى ينير القلوب‬
‫ويرهف الحاسيس ويرقق المشاعر ويهذب‬
‫النفوس ويحرك الوجدان وينشط الجوارح‬
‫ويوجهها إلى العمل الصالح ‪ ،‬اليمان الذى‬
‫يصنع البطولت والمجاد ويغير النفوس‬
‫ويقلب وجه التاريخ فى سرعة فائقة وفى‬
‫تحول مذهل ‪ ،‬اليمان الذى يحطم الرقام‬
‫والقياسات ويقلب الموازين والحسابات‬
‫يقول الدكتور ‪ /‬يوسف القرضاوى‬
‫) طالما قلت ‪ ،‬وسأظل أقول إن مفتاح‬
‫شخصية هذه المة ومص در طاقاتها هو‬
‫اليمان الذى جعل هذه المة من قبل خير أمة‬
‫أخرجت للناس ‪ ،‬وحقق لها النصر على أعظم‬
‫المبراطوريات فى الرض على الرغم من قلة‬
‫عددها وضعف عدتها ‪ ،‬وبهذا اليمان انتصرت‬
‫بعد هجمات التتار الزاحفين من الشرق ‪،‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪80‬‬
‫والصليبيين الزاحفين من الغرب ‪ ،‬وبه تستطيع‬
‫‪1‬‬
‫اليوم النتصـــار على ورثة هؤلء وهؤلء (‬
‫واليمان هو سلحنا المضاء فى مواجهتنا‬
‫لعدائنا وسبيلنا إلى التفوق عليهم ‪:‬‬
‫يقول الستاذ ‪ /‬سعيد حوى ‪ ،‬رحمه الله ) ول‬
‫شك أن المة السلمية الن فى صراع خطير‬
‫مع قوى الكفر التى تملك من أسباب القوى‬
‫المادية الشئ الكثير ‪ ،‬وليس لدى المة‬
‫السلمية من أسباب التفوق المادى ما يغنى ؛‬
‫فإذا لم يتحقق عندها التفوق اليمانى فإن‬
‫معركتها – ل محالة – خاسرة (‪.2‬‬
‫فما أحوجنا إلى اليمان بمفهومه‬
‫الصحيح الشامل الذى ورد فى كتاب الله وسنه‬
‫رسول ‪ ، ‬اليمان الذى فهمه الصحابة الكرام‬
‫والتابعون وتابعوهم بإحسان‪.‬‬
‫ما أحوجنا إلى إيمان خالص راسخ يعيد لنا‬
‫مجدنا وعزنا ‪0‬‬
‫وصدق الشاعر هاشم الرفاعى ‪:‬‬
‫ملكنا هذه الدنيا قــرونا **‬
‫وأخضعها جدود خالدون‬
‫وسطرنا صحائف من ضياء **‬
‫فمانسي الزمان وما نسينا‬

‫‪1‬‬
‫كتاب ‪ :‬أين الخلل للدكتور ‪ /‬يوسف القرضاوى ص ‪ 21‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫دار الصحوة للنشر‪.‬‬


‫كى ل نمضى بعيدًا عن احتياجات العصر مجموعة‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪2‬‬

‫رسائل للستاذ ‪ /‬سعيد حوى ص ‪.46‬‬


‫‪81‬‬
‫**‬‫وما فتئ الزمان يدور حتى‬
‫مضى بالمجد قوم آخرون‬
‫وأصبح ل يرى بالمجد قومى **‬
‫وقد عاشوا أئمتهم سنين‬
‫وآلمنى وألم كل حــــر ** سؤال‬
‫الدهر أين المسلمون‬
‫ترى هل يرجع الماضى فإنى **‬
‫أذوب لذلك الماضى حنينا ً‬
‫فهاتو لى من اليمان نـورا **‬
‫وقووا بين جنبي اليقين‬
‫فمد يديك وانتزع الرواسى **‬
‫ً‪1‬‬
‫لتبنى المجد خفاقا ً مبينا‬

‫ديوان هاشم الرفاعي ص ‪ 196‬مكتبة اليمان المنصورة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪82‬‬

‫‪ :‬الـعـمــل الـصــالــح ‪:‬‬ ‫المطلب الثانى‬


‫العمل الصالح خـطوة أساسية من‬
‫الخطوات على طريق النجاة قال ‪ ‬فى سورة‬
‫ت ‪.‬‬
‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫العصر ‪ ‬إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ولقد ورد ذكر العمل الصالح فى القرآن‬
‫الكريم ما يقرب من ‪ 55‬مرة ‪ ،‬وقد جاء دائما ً‬
‫مقترنا ً باليمان ‪ ،‬وهذا يدل على ارتباطهما‬
‫الوثيق وتلزمهما المستمر ‪ ،‬فل إيمان بدون‬
‫عمل صالح يعبر عنه ويبرهن عليه ‪ ،‬ول قيمة‬
‫للعمل الصالح بدون إيمان يقوم عليه ويركن‬
‫إليه ‪ ،‬فاليمان بدون عمل كالشجر بل ظل ول‬
‫ثمر‪.‬‬
‫والعمل الصالح بدون إيمان كالجسد بل‬
‫روح ‪ ،‬أو كالعرض بل جوهر فل إيمان بدون‬
‫عمل ول عمل بدون إيمان ‪0‬‬
‫وميادين العمل الصالح واسعة ومنتشرة‬
‫فتشمل كل عمل صالح مثمر يلتمس منه‬
‫صاحبه ويتحرى فيه رضا الله تعالى‪.‬‬
‫واليمان والعمل الصالح هما السبيل إلى‬
‫إصلح النفس وكمالها وسعادة النسان فى‬
‫حا‬
‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬‫ن َ‬ ‫الدنيا والخرة ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ‬‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫م إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬
‫ها ث ُ ّ‬‫عل َي ْ َ‬
‫ف َ‬‫ساء َ‬‫نأ َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬‫فل ِن َ ْ‬
‫َ‬
‫ن }‪  {15‬سورة الجاثية‪.‬‬ ‫عو َ‬‫ج ُ‬‫ت ُْر َ‬
‫‪83‬‬
‫واليمـان والعمـل الصالـح همـا الســبيل‬
‫ه‬‫عدَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫إلى النصر والتمكين ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ‬‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫فن ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫ضى‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫م ِدين َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫ول َي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫دون َِني‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫نا‬ ‫م‬
‫َ ْ ِ َ ْ ِ ِ ْ ْ ً َ ْ ُ ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫هم‬ ‫لَ ُ ْ َ ُ َ ّ ّ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك َ‬ ‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫َل ي ُ ْ‬
‫ك‬ ‫فأ ْ‬ ‫فَر ب َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫ش ِ‬
‫ن }‪  {55‬سورة النور‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ُ‬
‫د‬
‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫النبياء‬ ‫سورة‬ ‫فى‬ ‫‪‬‬ ‫وقال‬
‫َ‬ ‫في الزبور من بعد الذّك ْ َ‬
‫ها‬ ‫رث ُ َ‬ ‫ن اْلْر َ ِ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫رأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ّ ُ ِ ِ‬ ‫ك َت َب َْنا ِ‬
‫ن }‪.  {105‬‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫عَباِد َ‬ ‫ِ‬
‫والحياة الطيبة التى ينشدها الناس ل‬
‫سبيل لها إل باليمان والعمل الصالح قال‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سبحانه وتعالى فى سورة النحل } َ‬
‫صال ِحا من ذَك َر أ َ ُ‬
‫ه‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫فل َن ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬ ‫و أنَثى َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ً ّ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫هم بأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ة ول َن َ ٍجزين ّهم أ َ‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫حَياةً طَ‬
‫َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن }‪0 {97‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫الـتـواصـــى بالـحـــق‬ ‫المطلب الثالث ‪:‬‬
‫التواصـى بالحـق ‪ :‬هو الخطوة الثالثة‬
‫على طريق النجاة ‪ ،‬والحق هو المر الثابت‬
‫الذى ل يسوغ إنكاره ‪ ،‬ول زوال فى الدارين‬
‫لمحاسن آثاره وهو الخير كله من توحيد الله‬
‫وطاعته واتباع كتبه ورسله ‪.1‬‬
‫والتواصـى بالحـق مـن صفات أهل‬
‫ت‬
‫مَنا ُ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫اليمان ‪ :‬قال تعالى ‪َ ‬‬
‫إرشاد العقل السليم ‪901/ 5‬‬ ‫‪-1‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪84‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وي َن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ول َِياء ب َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫ة‬
‫كا َ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫تو‬ ‫ؤ‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫قي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ولـئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سول ُ‬ ‫َ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫م }‪ {71‬‬ ‫ٌ‬ ‫كي‬ ‫ِ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ز‬ ‫ٌ‬ ‫زي‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إِ‬
‫ومـن مقـومات خيرية هذه المة ومعالم‬
‫سبقها وتفوقها قال تعالى فى سورة آل‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫عمران ‪ُ ‬‬
‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ر َ‬
‫خ ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫منك َ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وت َن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫خي ًْرا ل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫بل َ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وآ َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن }‪.  {110‬‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ؤمُنون وأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ا ُ ِ‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫والتواصى بالحـــق هو السبيل إلى‬
‫الفلح فى الدارين قال تعالى فى سورة أى‬
‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫كن منك ُ ُ‬ ‫ول ْت َ ُ‬
‫ر‬
‫خي ْ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َدْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫عمران ‪َ ‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ر‬ ‫منك َِ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ِ َ َ ْ َ ْ َ َ ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫رو‬ ‫ن ِبال ْ َ ْ ُ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫مُرو َ‬ ‫وي َأ ُ‬ ‫َ‬
‫ن }‪.  {104‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حو َ‬ ‫مفل ِ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ولـئ ِك ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫أى لتكونوا أمة داعية إلى كل خير وبر‪.‬‬
‫روى المـام مسلم فى صحيحه عن ابى‬
‫سعيد الخدرى‪ ‬قال سمعت رسول الله ‪‬‬
‫يقـول ] من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده فإن‬
‫لم يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‬
‫وذلك أضعف اليمان [ ‪.1‬‬
‫والتواصى بالحق من صفات أهل النصر‬
‫والتمكين قال تعالى فى ســـورة الحج ‪‬‬
‫زيٌز }‬ ‫ع ِ‬ ‫ي َ‬ ‫و ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫ول ََين ُ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ض أقا ُ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مكّنا ُ‬ ‫ن ِإن ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ {40‬ال ِ‬
‫رواه مسلم فى صحيحه ك اليمان باب كون النهى عن المنكر من‬ ‫‪-1‬‬
‫اليمان وأن المر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان ‪.2/22‬‬
‫‪85‬‬
‫كاةَ َ‬
‫وا‬‫ه ْ‬ ‫ون َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫وآت َ ُ‬ ‫الصل ّةَ َ‬
‫ُ‬
‫ر }‪.  {41‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫منك َ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫والتواصى بالحق من أسباب النجاة قال تعالى‬
‫ما‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫فى قصة أصحاب السبت ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫ذُك ّروا ْ ب َ‬
‫خذَْنا‬ ‫وأ َ‬ ‫ء َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْنا ال ّ ِ‬ ‫ه أن َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ئي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن ظَ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ٍ‬
‫}‪  {165‬سورة العراف‪.‬‬
‫وترك التواصى بالحق من أسباب الهلك‬
‫ومن علمات ضعف اليمان أو انتفائه ‪ ،‬قال‬
‫فُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫تعالى فى سورة المائدة ‪ ‬ل ُ ِ‬
‫سى‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫وودَ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫عَلى ل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫من ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن }‪{78‬‬ ‫دو َ‬ ‫عت َ ُ‬ ‫ْ‬
‫وكاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫صوا ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫م ذَل ِك ب ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ ِ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬
‫علوهُ لب ِئ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منك ٍ‬ ‫عن ّ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ل ي َت ََنا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن }‪.  {79‬‬ ‫عُلو َ‬ ‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫عن ابن مسعود ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪‬‬
‫)عن عبد الّله بن مسعود‪ ،‬قال‪:‬قال رسول الّله‬
‫صلى الّله عليه وسلم‪" :‬إن أول ما دخل النقص‬
‫على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل‬
‫فيقول‪ :‬يا هذا اتق الّله ودع ما تصنع‪ ،‬فِإنه ل‬
‫يحل لك‪ ،‬ثم يلقاه من الغد فل يمنعه ذلك أن‬
‫يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك‬
‫ُ‬
‫ض" ثم قال‪} :‬لعن‬ ‫ّ‬
‫ضرب الله قلوب بعضهم ببع ٍ‬
‫الذين كفروا منن بني إسرائيل على لسان‬
‫داود وعيسى ابن مريم { إلـى قوله ‪:‬‬
‫} فاسقون {" ثم قال‪" :‬كل ّ والّله لتأمرن‬
‫ن على‬ ‫ن عن المنكر ولتأخذ ّ‬ ‫بالمعروف ولتنهو ّ‬
‫يدي الظالم ولتأطرنه )معناه لتردنه عن الجور(‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪86‬‬
‫ق قصرا ً‬ ‫ق أطرا ً ولتقصرنه على الح ّ‬ ‫على الح ّ‬
‫"‪.1‬‬
‫ن‬‫صيب َ ّ‬ ‫ة ل ّ تُ ِ‬ ‫فت ْن َ ً‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫عل ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ص ً‬ ‫خآ ّ‬ ‫م َ‬‫منك ُ ْ‬ ‫موا ْ ِ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ب }‪. {25‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديدُ ال ْ ِ‬
‫ع َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫قال المام ابن كثير عند تفسيره لهذه الية‬
‫الكريمة ‪ " :‬المعنى أن تكون هناك فرقة من‬
‫هذه المة متصدية لهذا الشأن ‪ ،‬وإن كان ذلك‬
‫واجبا ً على كل فرٍد بحسبه " ‪.2‬‬
‫م’‬‫منك ُ ْ‬ ‫وقال المام الرازى وفى قوله تعالى ’ ِ‬
‫قولن ‪ :‬أحدهما أن " من " هنا ليست‬
‫تبعيضية ‪ ،‬وإنما للبيان كقوله تعالى فى سورة‬
‫َ‬
‫جت َن ُِبوا‬ ‫وا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وَثا ِ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫الحج ‪ ‬فا ْ‬
‫ر }‪ ،  {30‬ويرجح كونها بيانية ل‬ ‫ل الّزو ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫تبعيضية أمران ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الله تعالى أوجب المر بالمعروف‬
‫والنهــى عن المنكر على كل المة فى‬
‫ت‬‫ج ْ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫م ٍ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ُ ‬‬
‫ْ‬
‫ن‬‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وت َن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫ه }‪  {110‬سورة‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬‫ؤ ِ‬‫وت ُ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫منك َ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫آل عمران ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬رواه أبو َداُود في السنن أول كتاب الملحم‪ .‬باب المر والنهي‪.‬‬
‫الحديث رقم‪4336 :‬ـ ورواه ابن ماجة في السنن ‪ -‬كتاب الفتن‪ .‬باب‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬الحديث رقم‪ -4006 :‬ورواه‬
‫الترمذي في السنن وقال حسن غريب –سنن الترمذي ك‪/‬التفسير باب ‪6‬‬
‫ومن سورة المائدة حديث ‪ 3058‬ورواه المام أحمد في مسنده ‪1/391‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن العظيم لبن كثير ‪.1/391‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪87‬‬
‫والثانى ‪ :‬أنه ما من مسلم مكلف إل ويجب‬
‫عليه المر بالمعروف والنهى عن المنكر‬
‫إما بيده ‪ ،‬أو بلسانه أو بقلبه كل على‬
‫حسب حاله‪ " 1‬فترك التواصي بالحق من‬
‫أسباب الهلك والخسران فى الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬عن زينب بنت جحش رضي‬
‫الله عنها‪:‬‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل‬
‫عليها فزعا يقول‪) :‬ل إله إل الله‪ ،‬ويل‬
‫للعرب من شر اقترب‪ ،‬فتح اليوم من‬
‫ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ( ‪ ،‬وحلق‬
‫بإصبعه البهام والتي تليها‪ ،‬قالت زينب‬
‫بنت جحش‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنهلك‬
‫وفينا الصالحون؟ قال‪) :‬نعم‪ ،‬إذا كثر‬
‫الخبث( ‪.2‬‬
‫وعن النعمان بن بشير ‪ ‬عن النبى ‪‬‬
‫قال )سمعت النعمان بن بشير رضي الله‬
‫عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪) :‬مثل القائم على حدود الله‬
‫والواقع فيها‪ ،‬كمثل قوم استهموا على‬
‫سفينة‪ ،‬فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬مفاتيح الغيب للرازى ‪ 178 ، 7/177‬بتصرف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬صــحيح البخــاري ‪-‬كتــاب النبيــاء ‪ -‬بــاب‪ :‬قصــة يــأجوج ومــأجوج ‪-‬‬

‫حديث رقــم‪ 3168- :‬وأخرجــه مســلم فــي الفتــن وأشــراط الســاعة‪ ،‬بــاب‪:‬‬

‫اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج‪ ،‬رقم‪2880 :‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪88‬‬
‫أسفلها‪ ،‬فكان الذين في أسفلها إذا‬
‫استقوا من الماء مروا على من فوقهم‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا‪،‬‬
‫ولم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن يتركوهم وما‬
‫أرادوا هلكوا جميعا‪ ،‬وإن أخذوا على‬
‫أيديهم نجوا ونجوا جميعا ( ‪.1‬‬
‫والمر بالمعروف والنهى عن المنكر من‬
‫أنواع الصدقات التى ينبغى أن يبذلها المؤمن‬
‫فى حياته اليومية‪.‬‬

‫عن أبي هريرة‪: ‬قال قال رسول الله‬


‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"كل سلمى من الناس عليه صدقة كل يوم‬
‫تطلع فيه الشمس"‪ .‬قال‪ " :‬تعدل بين الثنين‬
‫صدقة‪ .‬وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها‬
‫أو ترفع له عليها متاعه‪ ،‬صدقة"‪ .‬قال‪:‬‬
‫"والكلمة الطيبة صدقة‪ .‬وكل خطوة تمشيها‬
‫إلى الصلة صدقة وتميط الذى عن الطريق‬
‫‪2‬‬
‫صدقة"‪.‬‬
‫وكلمة الحق من أنواع الجهاد ‪ ،‬بل ومن‬
‫أفضله ‪ ،‬لما فيها من تضحية وفدائية ‪ ،‬عن أبى‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬صحيح البخاري ‪ - 52‬كتاب الشركة‪ - 6 .‬باب‪ :‬هل يقرع في القسمة‬
‫والستهام فيه‪ .‬الحديث رقم‪2361 :‬‬
‫‪ - 2‬صحيح مسلم كتاب الزكاة )‪ (16‬باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل‬
‫نوع من لمعروف‪ .‬الحديث رقم‪) (1009) - 56 :‬تعدل بين الثنين صدقة( أي‬
‫تصلح بينهما بالعدل‬
‫‪89‬‬
‫سعيد الخدرى ‪ ، ‬عن النبى ‪ ‬قال ) أفضل‬
‫الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ( ‪.1‬‬
‫فإذا جاد المؤمن بنفسه فى سبيل كلمة‬
‫الحق نال أسمى مراتب الشهادة فى سبيل‬
‫الله‪.‬‬
‫عن جابر ‪ ‬عن النبى ‪ ‬قال ) سيد‬
‫الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى‬
‫إمام جائر فأمره ونهاه ‪ ،‬فقتله فنال الفوز‬
‫والرضوان فى أعلى درجات الجنان (‪.2‬‬

‫مواقف مضيئة فى تاريخنا السلمى‬


‫والتاريخ السلمي حافل بأروع الصور‬
‫فى التمسك بالحق والثبات عليه مهما كّلف‬
‫ذلك من تضحيات ‪ ،‬وفيما يلي نذكر بعض‬
‫المواقف التاريخية لعلمائنا العاملين المخلصين‬
‫الناصحين ‪ ،‬المتمسكين بالحق المناصرين له ‪،‬‬
‫وللحكام الذين اتسعت صدورهم لقبول‬

‫‪-‬رواه الترمذى فى السنن عن أبى سعيد الخدرى أبواب الفتن باب أفضل‬ ‫‪1‬‬

‫الجهاد كلمة عدل سلطان جائر ح ‪ 2265‬وقال حديث حسن غريب من‬
‫هذا الوجه ‪ ،‬ورواه أبو داود فى السنن عنه ك الملحم باب المر والنهى‬
‫ح ‪ 4344‬ورواه ابن ماجه فى السنن عنه ك الفتن باب المر بالمعروف‬
‫والنهى عن المنكر ح ‪.4011‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه الطبراني في الوسط عن‬
‫ابن عباس وفيه شخص ضعيف في الحديث ‪ -‬مجمع الزوائد للحافظ‬
‫الهيثمي كتاب الفتن أعاذنا ال منها‪ .‬باب في المر بالمعروف والنهى‬
‫عن المنكر وفيمن ل تأخذه في ال لومة لئم‪ .‬الحديث رقم‪.11667 :‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪90‬‬
‫النصيحة ‪ ،‬بل وكانوا في أشد الحرص على‬
‫سماعها والنتفاع بها ‪.‬‬
‫بين أبى حازم وسليمان بن عبد الملك ‪:‬‬

‫مالنا نكره الموت !‬

‫لما قدم سليمان بن عبد الملك المدينة‬


‫أرسل إلى عالمها العابد أبى حازم فلما دخل‬
‫عليه‬
‫قال سليمان ‪ :‬يا أبا حازم ما لنا نكره‬
‫الموت ؟‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬لنكم خربتم آخرتكم وعمرتم‬
‫دنياكم فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى‬
‫الخراب‪.‬‬
‫فقال سليمان ‪ :‬كيف القدوم على‬
‫الله ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا أمير المؤمنين أما المحسن‬
‫فكالغائب يقدم على أهله وأما المسئ‬
‫فكالبق يقدم على موله‪.‬‬
‫فبكى سليمان وقال ‪ :‬ليت شعرى مالى‬
‫عند الله ؟‪.‬‬
‫قال أبو حازم ‪ :‬اعـرض نفسـك على‬
‫عيم ٍ }‬
‫في ن َ ِ‬ ‫ن اْل َب َْراَر ل َ ِ‬
‫كتاب الله حيث قال ‪ ‬إ ِ ّ‬
‫حيم ٍ }‪.  {14‬‬
‫‪1‬‬
‫ج ِ‬ ‫جاَر ل َ ِ‬
‫في َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ف ّ‬ ‫وإ ِ ّ‬
‫‪َ {13‬‬
‫قال سليمان ‪ :‬فأين رحمة الله ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قريب من المحسنين‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة النفطار ‪14، 13‬‬
‫‪91‬‬
‫يا أبا حازم أى عباد الله أكرم ؟‪.‬‬ ‫قال ‪:‬‬
‫‪ :‬أهل البر والتقوى‪.‬‬ ‫فقال‬
‫فأى العمال أفضل ؟‪.‬‬ ‫قال ‪:‬‬
‫‪ :‬أداء الفرائض مع اجتناب‬ ‫فقال‬
‫المحارم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أى الكلم أسمع ؟‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬قول الحق عند من تخاف وترجو‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأى المؤمنين أخسر ؟‪.‬‬
‫من باع آخرته بدنياه‬
‫قال ومن أخسر منه‬
‫قال من باع آخرته بدنيا غيره‪.‬‬
‫قال سليمان ‪ :‬ما تقول فيما نحن فيه ؟‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أو تعفينى ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل بد فإنها نصيحة تلقها إلى ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬إن آباءك قهروا الناس بالسيف‬
‫وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من‬
‫المسلمين ول رضا منهم ‪ ،‬حتى قتلوا منهم‬
‫مقتلة عظيمة وقد ارتحلوا فلو شعرت بما‬
‫قالوا وما قيل لهم‪.‬‬
‫فقال رجل من جلسائه ‪ :‬بئسما قلت‪.‬‬
‫قال أبو حازم ‪ :‬إن الله قد أخذ الميثاق‬
‫على العلماء ليبيننه للناس ول يكتمونه‪.‬‬
‫فقال سليمان ‪ :‬يا أبا حازم كيف لنا أن‬
‫نصلح الناس ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬تدع الصلف وتستمسك بالعروة‬
‫وتقسم بالسوية‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كيف المأخذ به ؟‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪92‬‬
‫فقال ‪ :‬أن تأخذ المال فى حله وتضعه‬
‫فى أهله‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا أبا حازم ارفع إلى حوائجك ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬تنجني من النار وتدخلني الجنة ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ليس ذلك إلى ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬فل حاجة لى غيرها ‪ ،‬ثم قام‬
‫فأرسل إليه بمائة دينار فردها إليه ولم يقبلها‬
‫‪.1‬‬

‫بين منذر بن سعيد البلوطي والخليفة الناصر ‪:‬‬

‫واعظ الندلس‬

‫أقبل الخليفة الندلسي عبد الرحمن‬


‫الناصر على عمارة الزهراء أيما إقبال وأنفق‬
‫من أموال الدولة فى تشييدها وزخرفتها ما‬
‫أنفق فشيد الكثير من القصور الفاخرة وكان‬
‫يشرف بنفسه على شؤون البناء والزخرفة‬
‫حتى شغله ذلك ذات مرة عن شهود صلة‬
‫الجمعة وكان المام منذر بن سعيد يتولى‬
‫وفيات العيان ‪.2/423‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪93‬‬
‫خطبة الجمعة والقضاء ورأى خروجا ً من تبعة‬
‫التقصير فيما أوجبه الله على العلماء ‪ ،‬أن‬
‫يلقي على الخليفة الناصر درسا ً بليغا ً يحاسبه‬
‫فيه على إسرافه وبذخه في تشييد مدينة‬
‫الزهراء ورأى أن يكون ذلك على مل من الناس‬
‫فى المسجد بالجامع الكبير فلما كـان يوم‬
‫الجمعة اعتلي المنبر والخليفة حاضر والمسجد‬
‫ص بالمصلين وابتدأ خطبته وقرأ قوله تعالى‬ ‫غا ُ‬
‫ّ‬
‫ن }‪{128‬‬ ‫عب َُثو َ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫ع آي َ ً‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ري‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫‪ ‬أ َت َ‬
‫ذا‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫ن }‪َ {129‬‬ ‫دو َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ع لَ َ‬ ‫صان ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫وت َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫{‬ ‫‪130‬‬ ‫}‬ ‫ن‬ ‫ري‬
‫ُ ْ َ ّ ِ َ‬ ‫با‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫تم‬ ‫ُ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫بَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫كم ب ِ َ‬ ‫مدّ ُ‬ ‫ذي أ َ‬ ‫قوا ال ّ ِ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫ن }‪َ {131‬‬ ‫عو ِ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ‬
‫ن }‪{133‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وب َِني َ‬ ‫ٍ َ‬ ‫م‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫كم‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫{‬ ‫‪132‬‬ ‫}‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫تَ‬
‫ب‬ ‫ع َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا َ‬ ‫م َ‬ ‫علي ْك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن }‪ {134‬إ ِّني أ َ‬ ‫عُيو ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ظيم ٍ }‪  {135‬سورة الشعراء ‪.‬‬ ‫ع ِ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ثم مضى فى ذم السراف على البناء‬
‫بكل كلم جزل وقــول شديد ثم تل قوله تعالى‬
‫َ‬ ‫‪ ‬أَ َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫عَلى ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ش َ‬ ‫ى َ‬ ‫عل َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر أم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ه لَ‬ ‫ّ‬
‫والل ُ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫َ ِ‬‫ب‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ٍ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ج‬
‫ُ‬
‫ن }‪  { 109‬سورة‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫و َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫يَ ْ‬
‫التوبة‪.‬‬
‫وراح يحذر وينذر ويحاسب حتى اعتبر‬
‫من حضر من الناس وخشعوا وأخذ الناصر من‬
‫ذلك بأوفر نصيب ‪ ،‬وقد علم أنه المقصود به‬
‫فبكى وندم على تفريطه ‪ ،‬غير أن الخليفة لم‬
‫يتسع صدره لتلك المحاسبة العلنية‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪94‬‬
‫فقال شاكيا ً لولده الحكم ‪ :‬والله لقــد قصــدنى‬
‫بخطبتــه ومــا عنــى بهــا غيــرى فــأفرط فــى‬
‫تقريعى ‪ ،‬ثــم استشــاط غيظـا ً عليــه ‪ ،‬وأراد أن‬
‫يعاقبه لذلك‌ ‪.‬‬
‫فأقسم أن ل يصلى خلفه صلة جمعة ‪ ،‬وجعــل‬
‫يلــزم صــلتها وراء أحمــد بــن مط ـَرف خطيــب‬
‫جامع قرطبة‪.‬‬
‫ولكــن لمــا رأى ولــده الحكــم تعلقــه بــالزهراء‬
‫والصلة فى مسجدها العظيم‪.‬‬
‫قال له ‪ :‬فما الذى يمنعك من عــزل منــذر عــن‬
‫الصلة به إذا كرهته ؟‬
‫ولكن الناصر زجــره ‪ ،‬قــائل ‪ ) :‬أمثــل منــذر بــن‬
‫م لــك (‬
‫ســعيد فــى فضــله وخيــره وعلمــه ) ل أ ّ‬
‫يعزل لرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير‬
‫القصد ؟‪.‬‬
‫هذا ما ل يكون وإنى لستحي من الله أل أجعل‬
‫بينى وبينه فى صلة الجمعة شفيعا ً مثـل منـذر‬
‫جنــى فأقســمت‬ ‫فــى ورعــه وصــدقه ولكــن أحر َ‬
‫ولوددت أن أجد ســبيل ً إلــى كفــارة يمينــى بــل‬
‫يصلى منـذر بالناس حياته وحياتنا إن شاء اللــه‬
‫فما أظن أنــا نعتــاض منــه أبــدا ً ‪ ،‬ولمــا اشــتدت‬
‫الفجوة بين الشــيخ منــذر بــن ســعيد والخليفــة‬
‫عبد الرحمن الناصر نتيجــة محاســبة المنــذر لــه‬
‫فى إسرافه فى بناء الزهراء ‪ ،‬أراد ولده الحكم‬
‫أن يزيل ما بينهما فاعتذر له عند الخليفة‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أمير المـؤمنين إنـه رجـل صـالح ومـا‬
‫‪1‬‬
‫أراد إل خيرا ً ‪ ،‬لو رأى حسن تلك البنية لعذرك‬
‫فلما قال له ولــده ذلــك أمــر ففرشــت بفــرش‬
‫الديباج وجلس فيها لهل دولته‪.‬‬
‫ثــم قــال لقرابتــه ووزرائه ‪ :‬أرأيتــم أم ســمعتم‬
‫ملكا كان قبلي صنع مثل ما صنعت ؟‪.‬‬
‫‍‍فقــالوا ‪ :‬ل واللــه يــا أميــر المــؤمنين ‪ ،‬وإنــك‬
‫الوحد فى شأنك‪.‬‬
‫فبينما هو على ذلك ‪ :‬إذ دخــل منــذر بــن ســعيد‬
‫ناكسا ً رأسه فلما أخذ مجلسه قال لــه مــا قــال‬
‫لقرابتــه ‪ ،‬فــأقبلت دمــوع المنــذر تنحــدر علــى‬
‫لحيته لسوء ما رأى‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬والله يــا أميــر المــؤمنين مــا ظننــت أن‬
‫الشيطان يبلــغ منــك هــذا المبلــغ ول أن تمكنــه‬
‫من قيادتك هذا التمكن مع ما آتاك اللــه تعــالى‬
‫وفضلك به على المسلمين حتى ينزلــك منــازل‬
‫الكافرين‍‪.‬‬
‫فاقشعر الخليفة من قوله ‪.‬‬

‫‪ -‬ويريد بالبنيــة هنــا القبــة الــتى بناهــا الناصــر بــالزهراء‬ ‫‪1‬‬

‫واتخذ قراميدها من فضة وبعضها مغشى بالذهب وجعل‬

‫سقفها نوعين صفراء فاقعة إلى بيضــاء ناصــعة يســتلب‬

‫البصار شعاعها ‪.‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪96‬‬
‫وقال لــه ‪ :‬أنظــر مــا تقــول كيــف أنزلنــي اللــه‬
‫منازلهم ؟‪.‬‬
‫ول‬‫ول َ ْ‬ ‫فقال ‪ :‬نعم أليس الله يقول ‪َ ‬‬
‫ُ‬ ‫َأن ي َ ُ‬
‫فُر‬ ‫من ي َك ْ ُ‬ ‫عل َْنا ل ِ َ‬
‫ج َ‬‫حدَةً ل َ َ‬
‫وا ِ‬‫ة َ‬ ‫م ً‬
‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫كو َ‬
‫ج‬
‫ر َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬
‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫ض ٍ‬‫ف ّ‬ ‫من َ‬ ‫فا ّ‬ ‫ق ً‬‫س ُ‬
‫م ُ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ل ِب ُُيوت ِ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ِبالّر ْ‬
‫‪ ‬سورة الزخرف‪.‬‬ ‫ن }‪{33‬‬ ‫هُرو َ‬ ‫ها ي َظْ َ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫فوجم الخليفة ونكس رأسه مليا وجعلت‬
‫دموعه تنحدر على لحيته ثم أقبل على المنذر‬
‫وقال له ‪ :‬جزاك الله خيرا ً وعن الدين خيرا ً‬
‫فالذي قلت هو الحق‪.‬‬
‫ثم قام من مجلسه وأمر بنقض سقف‬
‫تلك القبة ‪. 1‬‬

‫بين العز بن عبد السلم ونجم الدين أيوب ‪:‬‬

‫أمراء في السواق !!‬


‫لما تولى المام العز بن عبد السلم‬
‫القضاء فى مصر أثار قضية من أغرب القضايا‬
‫وهى قضية المماليك الذين كانوا أرقاء‬
‫للعباسيين وأصبحوا أصحاب نفوذ وسلطان‬
‫حتى صاروا أمراء ‪ ،‬وأصحاب ثروات ضخمة‬
‫ونفوذ كبير وتطلعات بعيدة ‪.‬‬

‫‪ -‬سير أعلم النبلء للذهبي ‪ ، 16/173‬وشذرات الذهب للعماد‬ ‫‪1‬‬

‫الحنبلي ‪3/17‬‬
‫‪97‬‬
‫وصرح الشيخ بأن هؤلء المماليك ليسوا‬
‫أحرارا‪ ،‬ول يملكون التصرف في أموالهم ‪،‬‬
‫فحكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال‬
‫المسلمين ‪ ،‬فبلغهم ذلك ‪ ،‬فعظم الخطب فيه‬
‫واحتدم المر ‪ ،‬والشيخ مصمم ل يصحح لهم‬
‫بيعا ً ول شراء ول نكاحا ً وتعطلت مصالحهم‬
‫بذلك ‪ ،‬وكان من جملتهم نائب السلطنة‬
‫فاشتاط غيظا ً واجتمعوا وأرسلوا إليه‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬نعقد لكم مجلسا ً وينادى عليكم‬
‫لبيت مال المسلمين ويحصل عتقكم بطريق‬
‫شرعي ‪ ،‬فرفعوا المر إلى السلطان فبعث‬
‫إليه فلم يرجع فجرت من السلطان كلمة فيها‬
‫غلظة ‪ ،‬حاصلها النكار على الشيخ فى دخوله‬
‫فى هذا المر ‪ ،‬وأنه ل يتعلق به ‪ ،‬فغضب‬
‫الشيح وحمل حوائجه على حمار ‪ ،‬وأركب‬
‫عائلته على حمير أخرى ‪ ،‬وخرج من القاهرة‬
‫قاصدا الشام فلم يصل إلى نحو نصف يريد‬
‫حتى لحقه غالب المسلمين ‪-‬لم تكد امرأة ول‬
‫صبى ول رجل ل يؤبه له يتخلف ول سيما‬
‫العلماء والصلحاء والتجار‪ -‬فبلغ السلطان‬
‫الخبر ‪ ،‬وقيل له متى راح ذهب ملكك قبله ‪،‬‬
‫فرجع واتفقوا معه على أن ينادى على المراء‬
‫فأرسل نائب السلطنة بالملطفة فلم يفد فيه‬
‫فانزعج النائب‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬كيف ينادى علينا هذا الشيخ‬
‫ويبيعنا ونحن ملوك الرض ؟ والله لضربنه‬
‫بسيفى هذا‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪98‬‬
‫فركب بنفسه فى جماعة ‪ ،‬وجاء إلى‬
‫بيت الشيخ ‪ ،‬والسيف مسلول فى يده فطرق‬
‫الباب ‪ ،‬فخرج ولد الشيخ ‪ ،‬فرأى من نائب‬
‫السلطنة ما رأى فعاد إلى أبيه وشرح له الحال‬
‫‪ ،‬فما اكترث لذلك ول تغير‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬يا ولـدى أبـوك أقـل من أن يقتل‬
‫فى سبيل الله ثم خرج كأن قضاء الله قد نزل‬
‫على نائـب السلطنة فحين وقع بصره على‬
‫النائب يبست يد النائب وسقط السـيف منها‬
‫وارتعدت مفاصله ‪ ،‬فبكى وسأل الشيخ أن‬
‫يدعو له ‪ ،‬وقال يا سيدي خير أى شئ تعمل ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنادى عليكم وأبيعكم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فمن يقبض الثمن ؟‬
‫قال ‪ :‬أنا فتم له ما أراد ونادى على‬
‫المراء واحدا ً واحدا ً وغالى فى ثمنهم وقبضه‬
‫وصرفه في وجوه الخير‪0 1‬‬

‫بين سلطان العلماء وسلطان مصر ‪:‬‬


‫نقل ابن السبكى عن والده أنه سـمع‬
‫شـيخه الباجى ) تلميذ العز ( يقول ‪ :‬طلع‬
‫شيخنا عـز الدين مرة إلى السلطان ) نجم‬
‫الدين أيوب ( فى يوم عيد إلى القلعة ‪ ،‬فشاهد‬
‫العساكر مصطفين بين يديه ‪ ،‬وعاين ما‬
‫السلطان فيه يوم العيد من البهة ‪ ،‬وقد خرج‬
‫على قومه فى زينته على عادة سلطين الديار‬
‫المصرية ‪ ،‬وحوله المراء والوجهاء والعسكر ‪،‬‬
‫طبقات الشافعية الكبرى للسبكى ‪.5/84‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪99‬‬
‫فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه ‪ ،‬يا أيوب ‪،‬‬
‫ما حجتك عند الله إذا قال لك ‪ :‬ألم أبوئ لك‬
‫ملك مصر ‪ ،‬ثم تبيح الخمور ؟ فقال ‪ :‬هل حدث‬ ‫ُ‬
‫هذا ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬الحانة الفلنية ُيباع فيها‬
‫الخمور وغيرها من المنكرات ‪ ،‬وأنت تتقلب‬
‫فى نعمة هذه المملكة ‪ ،‬يناديه كذلك بأعلى‬
‫صوته والعساكر واقفون ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا سيدى ‪،‬‬
‫هذا أنا ما عملته ‪ ،‬هذا من زمان أبى ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫جدَْنا‬ ‫قاُلوا إ ِّنا َ‬
‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫أنت من الذين يقولون ‪ ‬ب َ ْ‬
‫ُ‬
‫ن }‪{22‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬
‫م ْ‬
‫هم ّ‬ ‫ر ِ‬‫عَلى آَثا ِ‬
‫وإ ِّنا َ‬
‫ة َ‬ ‫عَلى أ ّ‬
‫م ٍ‬ ‫آَباءَنا َ‬
‫‪ ‬سورة الزخرف ‪ ،‬فرسم السلطان بإبطال‬
‫تلك الحانة ‪ ،‬قال الباجى ‪ - :‬تلميذ الشيخ – لما‬
‫جاء من عند السلطان ‪ ،‬وقد شاع الخبر ‪ ،‬يا‬
‫سيدى كيف الحال ؟ فقال ‪ :‬يا بنى رأيته فى‬
‫تلك العظمة ‪ ،‬فأردت أن أهينه لئل تكبر نفسه‬
‫فتؤذيه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا سيدى أما خفته ؟ فقال ‪:‬‬
‫والله يا بنى ‪ ،‬استحضرت هيبة الله تعالى‬
‫فصار السلطان قدامى كالقط ‪.1‬‬
‫فكان العز جريئا ً ‪ ،‬ول يبالى أن يخاطر‬
‫بنفسه ‪ ،‬تنفيذا ً لما يعتقد من جهة ‪ ،‬وقد كتبه‬
‫فى رسالته "" ملحمة العتقاد "" والمخاطرة‬
‫بالنفوس مشروعة فى إعزاز الدين "" ‪ ،‬ثم‬
‫قال فى رسالته للملك الشرف ‪ :‬وبعد هذا‬
‫فإننا نزعم أننا من جملة حزب الله ‪ ،‬وأنصار‬

‫نفس المرجع ‪. 212-8/211‬‬ ‫‪1‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪100‬‬
‫دينه وجنده ‪ ،‬وكل جندى ل يخاطر بنفسه‬
‫فليس بجندى ‪.2‬‬

‫اذهب فقد أطلقنا يدك !‬

‫وعن أحمد بن إبراهيم المقرى قال ‪،‬‬


‫كان أبو الحسين النورى رجل ً قليل الفضول ل‬
‫يسأل عما ل يعنيه ول يفتش عما يحتاج إليه‬
‫وكان إذا رأى منكرا ً غيره ولو كان فيه تلفه‬
‫فنزل ذات يوم إلى مشرعة تعرف بمشرعة‬
‫الفحامين يتطهر للصلة فرأى زورقا ً فيه‬
‫ثلثين دنا مكتوب عليها ‪ :‬لطف ‪ ،‬فقرأه وأنكره‬
‫لنه لم يعرف فى التجارات ول فى البيوع‬
‫شيئا ً يعبر عنه بلطف ‪ ،‬فقال للدنان إيش فى‬
‫هذه الدنان ؟ قال وإيش عليك امض فى شغلك‬
‫فلما سمع النورى من الملح هذا القول ازداد‬
‫تعطشا ً إلى معرفته فقال أحب أن تخبرنى‬
‫إيش فى هذه الدنان ‪ ،‬قال وإيش عليك أنت‬
‫والله صوفى وفضولى ‪ ،‬هذا خمر للمعتضد‬
‫يريد أن يتمم به مجلسه فقال النورى وهذا‬
‫خمر فال نعم ‪ ،‬قال أحب أن تعطينى ذلك‬
‫المدرى فاغتاظ الملح عليه وقال لغلمه اعطه‬
‫حتى أنظر ما يصنع فلما صارت المدرى فى‬
‫يده صعد إلى الزورق ولم يزل يكسرها دنا دنا‬
‫حتى أتى على آخرها إل دنا واحدا ً والملح‬
‫نفس المرجع ‪.8/234‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪101‬‬
‫يستغيث إلى أن ركب صاحب الشرطة فقبض‬
‫على النورى وأشخصه إلى حضرة المعتضد‬
‫وكان المعتضد سيفه قبل كلمه ولم يشك‬
‫الناس فى أنه سيقتله ‪ ،‬قال أبو الحسين‬
‫فأدخلت عليه وهو جالس على كرسى حديد‬
‫وبيده عمود يقلبه ‪ ،‬فلما رآنى قال من أنت‬
‫قلت محتسب قال ومن ولك الحسبة قلت‬
‫الذى ولك المامة ولنى الحسبة يا أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬قال فأطرق إلى الرض ساعة ثم‬
‫ى وقال ما الذى حملك على ما‬ ‫رفع رأسه إل ّ‬
‫صنعت ؟ فقلت شفقة منى عليك إذ بسطت‬
‫يدى إلى صرف مكروه عنك فقصرت عنه قال‬
‫ى‬‫فأطرق مفكرا ً فى كلمى ثم رفع رأسه إل ّ‬
‫وقال كيف تخلص هذا الدن الواحد من جملة‬
‫الدنان فقلت فى تخلصه علة أخبر بها أمير‬
‫المؤمنين إن أذن فقال هات خبرها ‪ ،‬فقلت يا‬
‫أمير المؤمنين إنى أقبلت على الدنان بمطالبة‬
‫الحق سبحانه لى بذلك وغمر قلبى شاهد‬
‫الجلل للحق وخوف المطالبة فغابت هيبة‬
‫الخلق عنى فأقدمت عليها بهذه الحال إلى أن‬
‫صرت إلى هذا الدن فاستشعرت نفسى كبرا ً‬
‫على أنى أقدمت على مثلك فمنعت ولو‬
‫أقدمت عليه بالحال الول وكانت ملء الدنيا‬
‫دنانا لكسرتها ولم أبال ‪ ،‬فقال المعتضد اذهب‬
‫فقد أطلقنا يدك غّير ما أحببت أن تغيره من‬
‫المنكر‪.1‬‬
‫‪- 1‬إحياء علوم الدين للمام الغزالي ‪350 /2‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪102‬‬
‫لكنا ننبه إلى أن التغيير باليد له ضوابطه‬
‫وأحكامه وآدابه التي لينبغي أن يغفل عنها‬
‫المحتسب ‪ ،‬ومنها أن ل يؤدي إلى منكر أعظم‬
‫منه ‪ ،‬وأن ل يتجاوز الهيئات المختصة ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من الضوابط والحكام التي ل يتسع‬
‫الممقام لذكرها‪.‬‬
‫المحتسب الخياط !‬

‫** وقال القاضى أبو على المحسن على‬


‫التنوخى فى كتابه الفرج بعد الشدة ‪:‬‬
‫حدثني أبو الحسين محمد بن عبد الواحد‬
‫الهاشمي ‪ :‬أن شيخا ً من التجارقال ‪ :‬كان لي‬
‫عند بعض القواد مال جليل فماطلني واستخف‬
‫بي ‪ ،‬فقال لى بعض إخواني ‪ :‬قم معي‬
‫الساعة ‪ ،‬فقمت معه فجاء بى إلى خياط في‬
‫سوق الثلثاء وهو جالس يخيط ويقرأ القرآن‬
‫في مسجد فقص عليه قصتي فقام معنا فلما‬
‫مشينا تأخرت وقلت لصديقي ‪ :‬إنك قد عرضت‬
‫هذا الشيخ ونفسك وإياي لمكروه عظيم هذا‬
‫عَنا‬
‫ف ْ‬
‫ص ِ‬‫ع و ُ‬
‫ف َ‬
‫ص ِ‬
‫إذا حصل على باب الرجل ُ‬
‫معه ؟! فضحك الرجل وقال ‪ :‬ل عليك امش‬
‫واسكت ‪ ،‬فجئنا إلى باب القائد فحين رآه‬
‫غلمانه أعظموه ‪ ،‬وأهووا لتقبيل يده ‪ ،‬فمنعهم‬
‫من ذلك وقالوا ‪ :‬ما حاجتك أيها الشيخ فإن‬
‫صاحبنا راكب ؟ فإن كان أمرا ً نعلمه نحن بادرنا‬
‫إليه وإل فادخل واجلس إلى أن يجئ فقويت‬
‫نفسي فدخلنا وجاء الرجل ‪ ،‬فلما رأى الخياط‬
‫‪103‬‬
‫أعظمه إعظاما ً تاما ً وقال ‪ :‬لست أخلع ثيابي‬
‫حتى تأمر بأمرك ‪ ،‬فخاطبه فى أمري ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫والله ما عندي إل خمسة آلف درهم فتسأله‬
‫أن يأخذها ورهنا بباقى ماله إلى شهر ‪،‬‬
‫حليا ً بقيمة‬
‫فبادرت بالجابة فأحضر الدراهم و ُ‬
‫الباقي فقبضت ذلك وأشهدت الخياط ورفيقي‬
‫عليه إلى شهر يكون الرهن عندي على البقية‬
‫فإن حان الجل ولم يسدد فأنا وكيل أبيع وآخذ‬
‫مالى من ثمنه وخرجنا ‪ ،‬فلما بلغنا إلى موضع‬
‫الخياط طرحت المال بين يديه ‪ ،‬وقلت يا‬
‫شيخ ‪ :‬إن الله تعالى قد رد هذا المال بك ‪،‬‬
‫فأحب أن تأخذ ربعه ‪ ،‬أو ثلثه ‪ ،‬أو نصفه بطيب‬
‫قلب منى ‪ ،‬فقال ما أسرع ما كافأتني عن‬
‫الجميل بالقبيح ؟! انصرف بمالك بارك الله لك‬
‫فيه ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬قد بقيت لى حاجة فقال ‪:‬‬
‫قل ‪ ،‬قلت ‪ :‬تخبرنى عن سبب طاعة هذا لك‬
‫بعد تهاونه بأكثر أهل المملكة ؟ فقال يا هذا ‪:‬‬
‫قد بلغت مرادك فل تقطعني عن شغلي ‪،‬‬
‫فألححت عليه فقال ‪ :‬أنا رجل أؤم وأقرئ في‬
‫هذا المسجد منذ أربعين سنة ‪ ،‬ومعاشي هذه‬
‫الخياطة ل أعرف غيرها وكنت منذ دهر قد‬
‫صليت المغرب وخرجت أريد منزلي فاجتزت‬
‫بتركى كان فى هذه الدار ‪ ،‬وامرأة جميلة‬
‫تجتازه فتعلق بها وهو سكران ليدخلها داره‬
‫وهى ممتنعة تستغيث وليس أحد يغيثها ول‬
‫يمنعه منها ‪ ،‬وتقول في جملة كلمها ‪ :‬قد‬
‫حلف زوجي بطلقي أن ل أبيت إل عنده ‪ ،‬فإن‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪104‬‬
‫بيتنى هنا حرمني مع ما يرتكبه منى من‬
‫المعصية ‪ ،‬قال فجئت إلى التركى ورفقت به‬
‫وسألته تركها فضرب رأسي بدبوس فشجني‬
‫وأدخل المرأة داره فصرت ‪ ،‬إلى منزلي‬
‫فغسلت الدم وشددت الشجة وخرجت أصلى‬
‫عشاء الخرة ‪ ،‬فلما فرغت منها قلت لمن‬
‫حضر قوموا معي إلى عدو الله هذا التركي‬
‫ننكر عليه ‪ ،‬ول نبرح أو يخرج المرأة ‪ ،‬فقاموا‬
‫وجئنا فصحنا على بابه فخرج علينا في عدة‬
‫من غلمانه وأوقع بنا ‪ ،‬وقصدني من دون‬
‫الجماعة فضربني ضربا ً عظيما ً حتى كدت‬
‫أتلف منه فحملني الجيران كالتالف فعالجني‬
‫أهلي ونمت نوما ً ثقيل ً وفقت نصف الليل ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬هذا قد شرب طول ليلته ‪ ،‬ول يعرف‬
‫الوقات فلو أذنت لوقع له أن الفجر قد طلع‬
‫فأطلق المرأة فلحقت بيتها قبل الفجر‬
‫فسلمت من إحدى المكروهين فخرجت إلى‬
‫المسجد متحامل ً وصعدت المنارة فأذنت ‪،‬‬
‫وجعلت أتطلع منها إلى الطريق أراقب خروج‬
‫المرأة فإن خرجت وإل أقمت الصلة لكي ل‬
‫يشك في الصياح فيخرجها فما مضت إل ساعة‬
‫والمرأة عنده إل وقد امتل الشارع خيل ورجل‬
‫ومشاعل وهم يقولون ‪ :‬من هذا الذي أذن‬
‫الساعة أين هو ؟ ففزعت وسكت ثم قلت‬
‫أخاطبهم لعلى أستعين بهم على إخراج المرأة‬
‫فصحت من المنارة أنا أذنت ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أجب‬
‫أمير المؤمنين ‪ ،‬فقلت دنا الفرج ‪ ،‬فنزلت‬
‫‪105‬‬
‫وأدخلت على أمير المؤمنين فلما رأيته هبته ‪،‬‬
‫كن منى وقال ‪ :‬ما حملك على أن‬ ‫وارتعدت فس ّ‬
‫تغرر بالمسلمين بآذانك في غير وقته ‪ ،‬فيخرج‬
‫ذو الحاجة في غير حينها ‪ ،‬ويمسك المريد‬
‫للصوم فى وقت قد أبيح له فيه الفطار ‪،‬‬
‫وينقطع العسس عن الطواف والحرس ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬فليؤمنني أمير المؤمنين لصدق ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬أنت آمن ‪ ،‬فقصصت عليه القصة وأريته‬
‫الضرب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا بدر على بالغلم والمرأة‬
‫في هذه الساعة ‪ ،‬وعزلت في موضع ‪ ،‬ومضى‬
‫بدر وأحضر الغلم والمرأة فسألها المعتضد‬
‫عن الصورة فأخبرته بمثل ما قلته ‪ ،‬فقال لبدر‬
‫‪ :‬يا بدر أرسلها الساعة إلى زوجها مع ثقة‬
‫يدخلها دارها ويشرح لزوجها خبرها ‪ ،‬ويأمره‬
‫عنى بالتمسك بها والحسان إليها ‪ ،‬ثم‬
‫استدعاني فوقفت وجعل يخاطب الغلم وأنا‬
‫قائم أسمع الكلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا فلن كم‬
‫جرايتك فى كل سنة ؟ قال كذا وكذا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وكم عطاؤك ؟ قال كذا وكذا ‪ ،‬قال فما كان‬
‫لك فيهن وفى هذه النعمة العظيمة العريضة‬
‫كف عن ارتكاب معاصي الله تعالى وخرق هيبة‬
‫السلطان حتى استعملت ذلك وتجاوزته‬
‫بالوثوب على من أمرك بالمعروف ؟! قال ‪:‬‬
‫فأسقط الغلم فى يده ولم يدر جوابا ً ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫هاتوا جوالقا ً ومداق الجص وقيداه وغله ‪،‬‬
‫فقيدوه وغلوه وأدخلوه الجوالق ودقوه بمدق‬
‫الجص وأنا أرى ذلك وهو يصيح ثم انقطع‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪106‬‬
‫صوته ومات فأمر به فغرق فى دجلة ‪ ،‬وتقدم‬
‫لبدر بحمل ما فى داره ‪ ،‬ثم قال لى يا شيخ أى‬
‫شئ رأيت من أجناس المكـروه ولو على هذا‬
‫وأومى بيده إلى بدر فالعلمة بيننا أن تؤذن‬
‫فى هـذا الوقت ‪ ،‬فإني أسمع صوتك‬
‫وأستدعيك وأفعـل مثل هـذا بمن ل يقبل منك‬
‫أو يؤذيك ‪ ،‬قال فدعوت له وانصـرف ‪ ،‬وانتشـر‬
‫الخبر عند الولياء والغلمان فما خاطبت منهم‬
‫أحدا بعدها فى إنصاف أحد ‪ ،‬أو كف عن قبيح‬
‫إل طاوعني خـوفا ً من المعتضد ‪ ،‬وما احتجت‬
‫أن أؤذن إلى الن ‪.1‬‬
‫ومن هذه المواقف يتضح لنا مدى إجلل‬
‫الحكام للعلماء الناصحين واستفادتهم بنصحهم‬
‫كما نرى صورا للعالم المخلص الذي ليخشى‬
‫في الله لومة لئم ‪ ،‬فما أحوج العلماء إلىتنسم‬
‫عبير الحرية‪ ،‬حتى يقولوا كلمتهم ‪،‬وتجد آذانا‬
‫صاغية يسري إليها الحق فتحيا به ‪،‬وتسعد‬
‫البلد وينعم العباد ‪0‬‬

‫تنبيه مهم !‬

‫علل واهية‬
‫يتعلل كثير من المتقاعسين عن فريضة‬
‫المر بالمعروف والنهى عن المنكر بقوله‬
‫م لَ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫م َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫مُنوا ْ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫تعالى ‪َ ‬يا أي ّ َ‬

‫‪ -1‬الفرج بعد الشدة للقاضى أبى على المحسن على التنوخى ص ‪221 : 219‬‬
‫ط دار قباء بالقاهرة‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫م‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫هت َدَي ْت ُ ْ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫من َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن }‪ {105‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عا في ُن َب ّئكم ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫سورة المائدة ‪ ،‬حيث يتوهمون أن هذه الية‬
‫تتضمن إعفاءهم من هذه المسئولية ‪ ،‬ولقد‬
‫بدّدّ أبو بكر الصديق ‪ ‬هذا الوهم ورد على‬
‫س بتسرب‬ ‫هذه الشبهة في خطبة له حين أح ّ‬
‫هذا الوهم وترسبه في قلوب بعض العوام‬
‫فردهم إلى الفهم الصحيح للية فقال‪ :‬يا أّيها‬
‫ه الية }يا أّيها اّلذي َ‬
‫ن‬ ‫ن هذ ِ‬ ‫كم تقرأو َ‬ ‫س إن ّ ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ل إذا‬ ‫ض ّ‬ ‫م من َ‬ ‫ُ‬
‫م ل ُيضّرك ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م أن ُ‬ ‫عليك ْ‬‫ُ‬ ‫آمُنوا َ‬
‫م( ‪.‬‬ ‫ديت ُ ْ‬ ‫اهت َ َ‬
‫ه‬
‫عِلي ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه َ‬ ‫سول الل ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫وإّني سمع ُ‬
‫م فلم‬ ‫َ‬ ‫ظال‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫رأوا‬ ‫إذا‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫سّلم يقول ) إ ّ‬ ‫و َ‬
‫ب‬‫ه بعقا ٍ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬‫عم ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ه أو َ‬ ‫ذوا على يدي ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫يأ ُ‬
‫ه( ‪. (.‬‬
‫‪1‬‬
‫من ُ‬
‫َ‬
‫ت أَبا‬ ‫َ‬ ‫ي؛ قا َ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‪ :‬أت َي ْ ُ‬ ‫عَبان ِ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ن أِبي أ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫و َ‬
‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ع‬
‫ْ َ َ ْ َ ُ ِ‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ي؛‬ ‫ة اْلخ ِ َ ّ‬
‫ن‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫عل َب َ َ‬ ‫ثَ ْ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ت‪َ :‬يا أي ّ َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ة؟ َ‬ ‫ة آي َ ٍ‬ ‫ل‪ :‬أي ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫الية؟ َ‬
‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫هت َدَي ْت ُ ْ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضرك ُ ْ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫عْنها َر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫سأل ُ‬ ‫خِبيرا‪َ .‬‬ ‫ها َ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫سأل ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬
‫مُروا‬ ‫ْ‬
‫ل ائت َ ِ‬ ‫ل‪) :‬ب َ ِ‬ ‫َ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم فقا َ‬‫َ‬ ‫الل ِ‬
‫ذا رأ َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫تى‬ ‫ح‬
‫ُ ْ ِ َ ّ‬ ‫ر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫وا‬ ‫ه‬
‫ِ َ َ َ َ ْ‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ف‪.‬‬ ‫رو‬ ‫ِبال ْ َ ْ ُ‬
‫ع‬ ‫م‬
‫ة‪.‬‬ ‫ؤث ََر ً‬ ‫م ْ‬ ‫ودُن َْيات ُ‬ ‫مت َّبعًا‪َ .‬‬ ‫ى ُ‬ ‫هو ً‬ ‫و َ‬ ‫طاعًا‪َ .‬‬ ‫م َ‬ ‫حا ً ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬رواه الترمذى فى السنن أبواب الفتن باب ما جاء فى نزول‬
‫العذاب إذا لم يغير المنكر حديث ‪– 2257‬ورواه ابن ماجة في السنن‬
‫ك ‪/‬الفتن ‪،‬باب المر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث ‪– 4005‬‬
‫وإسناده صحيح ‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪108‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫دا ِ‬ ‫مرا ً ل َ ي َ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وَرأي ْ َ‬ ‫ه‪َ .‬‬ ‫ي ب َِرأي ِ ِ‬ ‫ل ِذي َرأ ٍ‬ ‫ب كَ ّ‬ ‫جا َ‬ ‫ع َ‬ ‫وإ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫را‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫َ ْ ّ‬‫ي‬ ‫و‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ه‪،‬‬‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫لَ‬
‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫على‬ ‫ض َ‬ ‫قب ْ ٍ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ن على ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫صب ُْر ِ‬ ‫ر‪ .‬ال ّ‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫أّيا َ‬
‫َ‬
‫جل ً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬‫ر َ‬ ‫ج ِ‬‫مْثل أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬‫ل ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫ر‪ .‬ل َل ْ َ‬‫م ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪1‬‬
‫ه(‬ ‫مل ِ ِ‬‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫والملحظ أن المصطفى ‪ ‬وهو الذى ل‬
‫ينطق عن الهوى إنما يتبع ما أوحى إليه من‬
‫ربه – الملحظ أنه فسر الية وفقا لمرحلتين‬
‫تمر بهما الدعوة السلمية الولى أهون وأخف‬
‫وطئا ً من الثانية ‪ ،‬ففى الحديث الول إشارة‬
‫إلى المرحلة الولى حيث يوجد المنكر فل ينكر‬
‫مع القدرة على إنكاره ‪ ،‬فيكثر الخبث فيهلك‬
‫الناس كما فى حديث زينب بنت جحش حين‬
‫قالت لرسول الله ‪ ‬متعجبة أنهلك وفينا‬
‫الصالحون ؟ قال ) نعم إذا كثر الخبث ( ‪.2‬‬
‫وهذه المرحلة تمر بها الدعوة السلمية‬
‫في كثير من البلدان حيث انتشار المنكرات ‪،‬‬
‫وكثرة الخبث ‪ ،‬والمجاهرة بالمعاصى والتباهى‬
‫‪ -‬رواه ابن ماجة في السنن ك‪/‬الفتن باب قوله تعالى )يا أيها الذين‬ ‫‪1‬‬

‫آمنوا عليكم أنفسكم ( حديث ‪ 4041‬واللفظ له ‪ ،‬ورواه الترمذي في‬


‫السنن –أبواب تفسير القرآن باب‪– 6-‬ومن سورة المائدة حديث‬
‫‪ 5051‬وقال هذا حديث حسن غريب ورواه أبو داود في السنن‬
‫ك‪/‬الملحم –باب المر والنهي حديث ‪-4341‬‬
‫وقوله )مؤثرة( أي يختارها كل أحد على الدين‪ .‬ويميل إليها‪ ،‬ل إليه‪) .‬يدان لك‬
‫صة تصغير‬ ‫به( أي لقدرة لك به‪) .‬خويصة( في القاموس‪ :‬الخوْي ّ‬
‫الخاصة‪ ،‬ياؤها ساكنة‪ ،‬لن ياء النصغير ل تتحرك‪) .‬أيام الصبر(‬
‫بالضافة‪ .‬أي أياما يعظم فيها أجر الصبر‬
‫‪ - 2‬سبق تخريجه‬
‫‪109‬‬
‫بارتكابها ‪ ،‬والسلبية المتفشية بين الناس مع‬
‫قدرة البعض على إنكار المنكر ‪ ،‬ل سيما‬
‫العلماء وما أكثرهم ولكن الناصحين قليل ‪ ،‬أما‬
‫الباقون فمنهم من أصيب بالحباط واليأس ‪،‬‬
‫ومنهم من طرق أبواب السلطين فباعوا‬
‫دينهم بعرض زائل ‪ ،‬ومنهم من شغلته هموم‬
‫الدنيا عن هموم الدين ومشكلت الدعوة‪.‬‬
‫أما المرحلة الثانية وهى مرحلة الشح‬
‫المطاع والهوى المتبع والثرة والنانية وحب‬
‫الدنيا والتعلق بحبالها البالية والتعصب للرأى‬
‫والعجاب به والتغافل عما سواه ‪ ،‬فإن هذه‬
‫المرحلة التى يرخص فيها للمؤمن بأن يعتزل‬
‫الناس لم يحن أوانها وإن كان هناك شئ من‬
‫التطابق بينها وبين واقعنا إل أنه ل ينطبق‬
‫تماما ً على هذه المرحلة التى يرخص فيها بأن‬
‫يلزم المؤمن نفسه ول ينشغل بأمر العوام ‪،‬‬
‫مت‬ ‫ص ّ‬‫طالما أغلقت جميع أبواب الصلح ‪ ،‬و ُ‬
‫الذان عن الحق الصراح ‪ ،‬ولم ينل أهله إل‬
‫الذى ولم يجنوا سوى الشواك ولم ينالوا إل‬
‫الجراح ‪ ،‬بعد أن بذلوا كل ما في وسعهم‬
‫دموا كل ما لديهم ‪.‬‬
‫وق ّ‬
‫يقول ابن مسعود ‪ ‬عن تفسيره تلك‬
‫الية ) إن هذا ليس وقتها إنها اليوم مقبولة‬
‫ولكن قد أوشك أن يأتى زمانها تأمرون‬
‫بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا ‪ ،‬وتقولون فل‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪110‬‬
‫يقبل منكم ‪ ،‬فحينئذ عليكم أنفسكم ل يضركم‬
‫من ضل إذا اهتديتم ( ‪.1‬‬
‫ويستفاد من الية الكريمة أن المؤمن إذا‬
‫قام بواجب المر بالمعروف والنهى عن المنكر‬
‫فلم يستجب المدعـو فل عتب عليه ول إثم ‪،‬‬
‫لن الهداية من الله ل دخل لحد فيها ‪ ،‬قال‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ول َك ِ ّ‬
‫ت َ‬ ‫حب َب ْ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫تعالى ‪ ‬إ ِن ّ َ‬
‫ك ل تَ ْ‬
‫َ‬
‫ن }‪ { 56‬‬ ‫دي َ‬
‫هت َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫عل َ ُ‬
‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬‫شاء َ‬‫من ي َ َ‬‫دي َ‬
‫ه ِ‬
‫يَ ْ‬
‫سورة القصص‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬التواصى بالصبر ‪:‬‬


‫وهو الركن الرابع من أركان النجاة ‪ ،‬قال‬
‫ر‬
‫س ٍ‬‫خ ْ‬‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬‫سا َ‬ ‫لن َ‬
‫نا ِ‬ ‫ر }‪ {1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ع ْ‬‫وال ْ َ‬‫تعالى ‪َ ‬‬
‫وا‬
‫ص ْ‬‫وا َ‬‫وت َ َ‬
‫ت َ‬
‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ملوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}‪ِ {2‬إل ال ّ ِ‬
‫ر }‪.  {3‬‬ ‫صب ْ ِ‬
‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬
‫ق َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ح ّ‬
‫وفى تخصيص هذا الركن بالذكر مع‬
‫اندراجه تحت اليمان إشارة إلى أهميته ومزيته‬
‫فهو السبيل إلى التحلى والثبات على كل‬
‫الفضائل ‪ ،‬سيما وطريق الحق محفوف‬
‫بالعقبات والشواك والسدود ‪ ،‬والمصاعب‬
‫والمتاعب والقيود ‪ ،‬ول سبيل لمواصلة السير‬
‫عليه إل بالصبر الجميل‪.‬‬
‫من هنا ندرك لماذا ورد الحديث عن‬
‫الصبر فى مواضع كثيرة من كتاب الله ‪ ‬؛‬
‫وذلك لحاجة المؤمن دائما ً إلى أن يتزود بهذا‬
‫‪- 1‬الحياء ‪.2/304‬‬
‫‪111‬‬
‫الـزاد اليماني وأن يقتبس منه ما يضئ له‬
‫دروب حياته ‪ ،‬والصبر مطلوب ومرغوب فى‬
‫جميـع الحوال فى البأساء والضراء ‪ ،‬وفى‬
‫النعماء والرخـاء ‪ ،‬والصـبر عن المعاصى‬
‫والصبر فى الطاعات‪.‬‬
‫لذلك ورد ذكر الصبر فى كثير من سور‬
‫القرآن المكية والمدنية فالصبر مطلوب فى‬
‫كل حال وضرورة فى جميع مراحل الدعوة‬
‫وأساس فى جميع مراحل التربية والجهاد‪.‬‬
‫ولقد ورد ذكر مادة الصبر فى ‪ 87‬موضع‬
‫من كتاب الله‪.‬‬
‫وفى هذا كما ذكرنا إشارة إلى أهمية‬
‫الصبر وفضيلته وضرورته والحاجة إليه فى كل‬
‫الحوال‪.‬‬
‫فالصبر ضرورة دنيوية كما أنه ضرورة‬
‫دينية‪.‬‬
‫فل نجاح فى الدنيا ‪ ،‬ول فلح فى الخرة‬
‫إل بالصبر‪.‬‬
‫فى الدنيا ل تتحقق المال‪ ،‬ول تنجح‬
‫ل أُ ُ‬
‫كله إل بالصبر ‪،‬‬ ‫المقاصد ‪ ،‬ول يؤتى عم ّ‬
‫فمن صبر ظفر ‪ ،‬ومن عدم الصبر لم يظفر‬
‫بشئ ‪ ،‬لول صبر الزارع على بذره ما حصد‬
‫ولول صبر الغارس على غرسه ما جنى ‪ ،‬ولول‬
‫صبر الطالب على درسه ما تخرج ‪ ،‬ولول صبر‬
‫المقاتل فى ساح الوغى ما انتصر " ‪.1‬‬

‫الصبر فى القرآن للدكتور ‪ /‬يوسف القرضاوى ص ‪ 12‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪112‬‬
‫وما النصر إل صبر ساعة‬
‫وتنقضي الحرب محمودا ً عواقبها‬
‫للصـابريـن وحظ‬
‫الهـارب النـدم‬
‫" وهكـذا كـل النـاجحين فـى الـدنيا‬
‫إنما حققوا آمــالهم بالصــبر ‪ ،‬اســتمرأوا المــر ‪،‬‬
‫واســـتعذبوا العـــذاب ‪ ،‬واســـتهانوا بالصـــعاب ‪،‬‬
‫ومشـــوا علـــى الشـــواك ‪ ،‬وحفـــروا الصـــخور‬
‫بالظافر ‪ ،‬ولــم يبــالوا بالعقبــات والصــعوبات ‪،‬‬
‫بل مضوا فى طريقهم سائرين‪0000‬‬
‫ل من جدّ فى أمر يحاوله * واستصعب‬ ‫وق ّ‬
‫‪1‬‬
‫الصبر إل فاز بالظفر"‬
‫** فالصبر من عزائم المور ‪ :‬أي من‬
‫أصعبها وأشقها على النسان ‪ ،‬لنه‬
‫حبس النفس على ما تكره والثبات أمام‬
‫المصاعب والمصائب فتجرعه واستعذابه‬
‫من عـزائم المور قال تعالى فى سورة‬
‫ن ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫فَر إ ِ ّ‬ ‫و َ‬
‫غ َ‬ ‫صب ََر َ‬‫من َ‬ ‫ول َ َ‬‫الشورى ‪َ ‬‬
‫ُ‬
‫ر }‪. {43‬‬ ‫مو ِ‬ ‫عْزم ِ اْل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ ِ‬
‫ومن وصايا لقمان لبنه كما أخبر القرآن‬ ‫**‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫مْر ِبال َ‬
‫عَلى ما أ َ‬
‫وأ ُ‬ ‫صلةَ َ‬ ‫قم ِ ال ّ‬ ‫يأ ِ‬ ‫‪َ ‬يا ب ُن َ ّ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫ص‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ْ ِ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وان ْ َ‬‫َ‬
‫ر }‪  {17‬سورة‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذَل ِك ِ‬
‫مو ِ‬ ‫عْزم ِ ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫لقمان‬
‫ولما كان الصبر من عزائم المور نال به‬ ‫**‬
‫صاحبه المعية الربانية قال تعالى فى‬
‫‪1‬نفس المرجع السابق‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫وا ْ‬ ‫سورة النفال ‪َ ‬‬
‫ن }‪.  {46‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ول ينال محبة الله إل من أحبه ورضى‬ ‫**‬
‫عنه ‪ ،‬والله تعالى يحب الصابرين ‪،‬‬
‫والصابر محب لله يصبر ابتغاء مرضاته ‪،‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫قات َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫من ن ّب ِ َ ّ‬ ‫وك َأّين ّ‬ ‫قال تعالى ‪َ ‬‬
‫في‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫هُنوا ل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫و َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ك َِثيٌر َ‬ ‫رب ّّيو َ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫ْ َ ُ‬‫كا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫َ ُ‬ ‫ض‬ ‫ما‬ ‫ِ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن }‪  {146‬سورة آل‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫عمران‪.‬‬
‫ومن أحبه الله فهو جدير بنصره وتأييده‬ ‫**‬
‫صب ُِروا ْ‬ ‫ومدده ‪ ،‬قال تعالى ‪ ‬ب ََلى ِإن ت َ ْ‬
‫م‬ ‫ددْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا ي ُ ْ‬ ‫هـ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫من َ‬ ‫كم ّ‬ ‫وي َأ ُْتو ُ‬ ‫قوا ْ َ‬ ‫وت َت ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫و ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ة آل ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َرب ّكم ب ِ َ‬ ‫ُ‬
‫}‪  {125‬سورة آل عمران ‪0‬‬
‫ولما كان الصابر فى معية الله وكنفه ‪،‬‬ ‫**‬
‫يحبه الله وينصره ويؤيده حق له النجاة‬
‫من الخسران والفوز بالرحمة والرضوان‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫ن ْالن َ‬ ‫ر }‪ {1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ‬‬
‫ملوا‬ ‫ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ر }‪ِ {2‬إل ال ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫لَ ِ‬
‫وا‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ر‬‫ش ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫ر }‪ ،  {3‬وقال تعالى ‪َ ‬‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫ِبال ّ‬
‫هم‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ذا أ َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫{‬ ‫‪155‬‬ ‫}‬ ‫ن‬
‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ال ّ ِ ِ َ‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫صا‬
‫ن}‬ ‫جعو َ‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫َ‬
‫وإ ِّنـا إ ِلي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫قالوا إ ِّنا ل ِل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ة َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ٌ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫لـ‬ ‫أو‬ ‫{‬ ‫‪156‬‬
‫ن }‪ {157‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وُأوَلـئ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫البقرة‬ ‫سورة‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪114‬‬
‫َ‬
‫صل َ َ‬
‫ة‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َرب ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫غاء َ‬ ‫صب َُروا ْ اب ْت ِ َ‬ ‫َ‬
‫عل َن ِي َ ً‬
‫ة‬ ‫و َ‬ ‫را‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫و َ‬
‫ْ ِ ّ َ‬ ‫ِ ّ َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ة أُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫ؤو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ر }‪  {22‬سورة الرعد ‪،‬‬ ‫ّ ِ‬ ‫دا‬ ‫ال‬ ‫بى‬ ‫ق َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫صاب ُِرو َ‬ ‫فى ال ّ‬ ‫و ّ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ ‬إ ِن ّ َ‬
‫ب }‪  {10‬سورة‬ ‫َ‬
‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫الزمر‪.‬‬
‫ومن ثمرات الصبر مع اليقين ‪ :‬التمكين‬ ‫**‬
‫عل َْنا‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫والمامة فى الدين قال تعالى ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صب َُروا‬ ‫ما َ‬ ‫رَنا ل َ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ن }‪  {24‬سورة‬ ‫نو‬
‫ِ َ ِ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫ق‬ ‫يو‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫بآ‬ ‫نوا‬ ‫َ ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫و‬
‫السجدة‪.‬‬
‫الصبر مع التقوى ‪ :‬سبيل للتحصين من‬ ‫**‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫كيد العداء قال تعالى ‪ِ ‬إن ت َ ْ‬
‫حوا ْ‬ ‫ة ي َفَر ُ‬ ‫ْ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬ ‫وِإن ت ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ؤ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ْ ُ ُ ْ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ُ ّ ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫َ َ ّ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫َ ْ ِ ُ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫إن‬ ‫بِ َ َ ِ‬‫و‬ ‫ها‬
‫ط }‪{120‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫‪ ‬سورة آل عمران‪.‬‬
‫وهـذا نبى الله يوسف‪ ‬بصبره وتقواه‬
‫نجاه الله ‪ ‬من كيد إخوته ومن كيد‬
‫امرأة العزيز ومن كيد النسوة ‪0‬‬
‫قال تعالى مخبرا ً عن كلم يوسف ‪ ‬مع‬
‫عل ُْتم‬ ‫ف َ‬ ‫ما َ‬ ‫مُتم ّ‬ ‫عل ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫إخوته ‪َ ‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫ن }‪{89‬‬ ‫هلو َ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه إ ِذْ أنت ُ ْ‬ ‫خي ِ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ُِيو ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫س ُ‬ ‫ل أن َا ُيو ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُيو ُ‬ ‫قاُلوا أإ ِن ّك لن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هـ َ‬
‫من ي َت ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫علي َْنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫خي قدْ َ‬ ‫ذا أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪115‬‬
‫فإن الل ّه ل َ يضي َ‬
‫ن‬
‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫صب ِْر َ ِ ّ‬ ‫وي ِ ْ‬ ‫َ‬
‫}‪  {90‬سورة يوسف‪.‬‬
‫الصبر مع الشكر ‪ :‬من صفات أهل‬ ‫**‬
‫العظة والعتبار الذين يتفكرون فى آيات‬
‫الله الكونية وفى سننه الربانية وأحوال‬
‫سل َْنا‬ ‫المم السابقة ومآلهم ‪ ‬ول َ َ َ‬
‫قدْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫خ‬ ‫َ‬
‫سى ِبآَيات َِنا أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫هم ب أ َ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫نو‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬
‫ِ ِ ّ‬ ‫ْ ُ ْ ِ ّ ِ‬ ‫ّ ِ َ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫ر }‪ {5‬‬ ‫ر شكو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صّبا ٍ‬ ‫ت لكل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫في ذَل ِ َ‬ ‫ِ‬
‫سورة إبراهيم ‪.‬‬
‫قاُلوا َرب َّنا‬ ‫وقـال ‪ ‬عن قوم سبأ ‪ ‬ف َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫موا َأن ُ‬ ‫وظَل َ ُ‬ ‫رَنا َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫عدْ ب َي ْ َ‬ ‫َبا ِ‬
‫ق‬ ‫مك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّز ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مّزقَنا ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حاِدي َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علَنا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬
‫ر }‪{19‬‬ ‫كو ٍ‬ ‫ش ُ‬ ‫ر َ‬ ‫صّبا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ل ّك ُ ّ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬ ‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪.‬‬
‫ن‬‫َ ِ ْ‬‫م‬ ‫و‬ ‫‪‬‬ ‫الشورى‬ ‫سـورة‬ ‫فى‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬
‫عَلم ِ }‪ِ {32‬إن‬ ‫كاْل َ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫في ال ْب َ ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫آَيات ِ ِ‬
‫على‬ ‫َ‬ ‫واك ِدَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ي َ ْ‬
‫ن َر َ‬ ‫في َظلل َ‬ ‫ن الّري َ‬ ‫سك ِ ِ‬ ‫شأ ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫شكو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ر َ‬ ‫صّبا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ت لك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫في ذَل ِك لَيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ر ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ظ ْ‬ ‫َ‬
‫}‪.  {33‬‬
‫والصبر على أذى العدو واضطهاده ‪،‬‬ ‫**‬
‫والهجرة من دار الكفر إلى دار اليمان ‪،‬‬
‫والجهاد والصبر على ذلك كله من أسباب‬
‫المغفرة والرحمة قال تعالى فى سورة‬
‫من‬ ‫جُروا ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ل ِل ّ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫النحل ‪ ‬ث ُ ّ‬
‫ن َرب ّكَ‬ ‫ْ‬
‫صب َُروا إ ِ ّ‬ ‫و َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فت ُِنوا ث ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫بَ ْ‬
‫م }‪.  {110‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ها ل َ‬ ‫َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫ِ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪116‬‬
‫والصبر ثلثة أنواع ‪ :‬صبر بالله ‪ ،‬وصبر‬ ‫**‬
‫لله ‪ ،‬وصبر مع الله ‪0‬‬
‫فالصبر بالله فالمنعم بالصبر والمعين‬
‫عليه هو الله تعالى ‪0‬‬
‫صب ِْر‬‫وا ْ‬ ‫قال سبحانه في سورة النحل ‪َ ‬‬
‫ك إ ِل ّ بالله }‪ ،  {127‬فالله‬ ‫صب ُْر َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫تعالى يمنح الصبر ويثبت عليه ‪،‬‬
‫والصبر لله ‪ :‬لن المؤمن يصبـر إرضاء‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫لله وتقربا ً إليه قال تعالى ‪َ ‬‬
‫صل َ َ‬
‫ة‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫وأ َ َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ه َرب ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫غاء َ‬ ‫صب َُروا ْ اب ْت ِ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫عل َن ِي َ ً‬ ‫و َ‬ ‫را‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫قو‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫أن‬ ‫و َ‬
‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ؤون بال ْحسن َة السيئ َ َ ُ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫ك لَ ُ‬ ‫ول َئ ِ َ‬‫ةأ ْ‬ ‫ّ ّ‬ ‫وي َدَْر ُ َ ِ َ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ر }‪  {22‬سورة الرعد‬ ‫دا ِ‬ ‫عقَبى ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫والصبر مع الله ‪ :‬هو دوران العبد مع‬


‫مراد الله منه تعالى يصبر على البلء ‪،‬‬
‫ويصبر عن المعاصى ‪ ،‬ويصبر على‬
‫الطاعات ‪ ،‬قال ابن القيم ‪ ] :‬الثبات مع‬
‫الله ‪ ،‬وتلقى بلئه بالرحب والدعة وقيل‬
‫هو الثبات على أحكام الكتاب والسنة ‪،‬‬
‫وقيل ‪:‬‬
‫الصبر مثل أسمه ‪ ،‬مر مذاقته لكن‬
‫عواقبه أحلى من العسل‪.‬‬
‫وقيل ‪ ":‬الصبر هو ترك الشكوى" [ ‪. 1‬‬
‫وكل هذه القوال تتناول أنواعا ً وأحوال ً‬
‫للصبر والصابرين ‪ ،‬وهناك فرق بين شكوى‬
‫مدارج السالكين ‪.2/168‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪117‬‬
‫الله والشكوى إلى الله فالول مذموم والثانى‬
‫محمود ‪ ،‬قال تعالى فى سياق الحديث عن‬
‫َ‬ ‫م َأن ُ‬
‫مًرا‬ ‫مأ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫يعقوب ‪َ  ‬‬
‫ن}‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫على َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫عا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ال ُ‬‫ْ‬ ‫والل ُ‬‫ّ‬ ‫ل َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫‪0 {18‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫تعـــالى‬ ‫وقال‬
‫ه َأن ي َأ ْت ِي َِني‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫سى‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫ف َ‬ ‫مًرا َ‬ ‫مأ ْ‬
‫فسك ُ َ‬
‫أن ُ ُ ْ‬
‫َ‬
‫وّلى‬ ‫وت َ َ‬ ‫م }‪َ {83‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عِلي ُ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عا إ ِن ّ ُ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬
‫ض ْ‬ ‫واب ْي َ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫على ُيو ُ‬ ‫فى َ‬ ‫ل َيا أ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م }‪ {84‬قالوا َتالله‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫وك ِ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫نف ُ‬ ‫َ‬ ‫حْز ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫عي َْناهُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ضا‬ ‫َ َ َ ً‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫تى‬ ‫ح‬
‫ُ ُ ُ َ َ ّ‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫يو‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬
‫تَ َ َ‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫ت‬‫ف‬‫ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫حْزِني‬ ‫و ُ‬ ‫كو ب َّثي َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن }‪َ {85‬‬ ‫كي َ‬ ‫هال ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن }‪{ {86‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ما ل َ ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫إ ِلى الل ِ‬
‫وقال تعالى فى سياق الحديث عن صبر‬
‫أيوب ‪ ‬على البلء سنوات طوال ثم توجهه‬
‫إلى الله ‪ ‬لرفـع البلوى ‪َ ‬‬
‫ه‬
‫دى َ ّ ُ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب إ ِذْ َنا َ‬ ‫وأّيو َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪{83‬‬ ‫مي‬ ‫ح‬ ‫را‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ضر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫وأن َ‬ ‫ي ال ّ ّ َ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫أّني َ‬
‫‪ ‬سورة النبياء‪.‬‬
‫فالشكوى إلى الله أمر محمود ‪ ،‬أما‬
‫الشكوى إلى غيره فهى شئ مذموم وفى ذلك‬
‫يقول الشاعر ‪:‬‬

‫صبر‬ ‫**‬ ‫وإذا دهتك مصيبة فاصبر لها‬


‫الكريم فإنه بك أرحم‬
‫**‬ ‫وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما‬
‫تشكو الرحيم إلى الذى ل يرحم‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪118‬‬
‫وعن درجات الصبر يقول ابن القيم ‪:‬‬ ‫**‬
‫الصبر على ثلث درجات ‪:‬‬
‫الدرجة الولى ‪ :‬الصبر عن المعصية بمطالعة‬
‫الوعيد ‪ :‬إبقاء على اليمان وحذرا ً من‬
‫الحرام ‪ ،‬وأحسن منها الصبر عن‬
‫المعصية حياء ‪.000‬‬
‫الدرجة الثانية ‪ :‬الصبر على الطاعة ‪،‬‬
‫بالمحافظة عليها دوما ً ‪ ،‬وبرعايتها‬
‫إخلصا ًُ ‪ ،‬وبتحسينها علما ً ‪.‬‬
‫الدرجة الثالثة ‪ :‬الصبر فى البلء ‪ ،‬بملحظة‬
‫حسن الجزاء ‪ ،‬وانتظار روح الفرج ‪،‬‬
‫وتهوين البلية بعدّ أيادي المنن ‪ ،‬وبذكر‬
‫سوالف النعم ‪ ،‬ويحكى عن امرأة من‬
‫العابدات أنها عثرت فانقطعت إصبعها ‪،‬‬
‫فضحكت فقال لها بعض من معها ‪:‬‬
‫أتضحكين وقد انقطعت إصبعك ؟‬
‫فقالت ‪ :‬حلوة أجره أنستني مرارة‬
‫ذكرها " ‪.1‬‬
‫وورد أن حاتم الصم بلغه أن معاذا الكبير‬
‫أصابته مصيبة فأعلن الحداد ولبس‬
‫السواد واستدعى النائحات وكسر‬
‫الواني فاتفق حاتم الصم مع تلميذ له‬
‫أن يذهبا إليه ‪ ،‬وأن يسأله إذا جلسا عنده‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫نا ِْ‬
‫لن َ‬ ‫عن تفسير قوله تعالى ‪ ‬إ ِ ّ‬
‫ه ل َك َُنودٌ }‪  {6‬سورة العاديات‪.‬‬ ‫ل َِرب ّ ِ‬

‫نفس المرجع باختصار ‪.2/175‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪119‬‬
‫فلما ذهبا إليه ودخل عليه بادر التلميذ‬
‫بالسؤال فقال حاتم ‪ :‬ليس هذا وقت السؤال ‪،‬‬
‫فسكت التلميذ برهة ‪ ،‬ثم أعاد السؤال فقال‬
‫شيخه حاتم ‪ :‬ليس هذا وقت السؤال ‪ ،‬ثم أعاد‬
‫التلميذ السؤال مرة ثالثة فأجاب حاتم معنى‬
‫ه ل َك َُنودٌ }‪  {6‬أى عداد‬ ‫ن ل َِرب ّ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِْ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫ساء للنعم مثل معاذ هذا ‪ ،‬ابتله‬ ‫للمصائب ‪ ،‬ن ّ‬
‫الله بالنعمة عشرين سنة فلم يفكر فى جمع‬
‫الناس عليها ‪ ،‬فلما ابتله ‪ ‬بهذه المصيبة‬
‫جمع النائحات وأعلن الحداد ‪ ،‬فخجل معاذ من‬
‫صنيعه وندم عليه وتاب إلى الله تعالى ورضى‬
‫بقضائه "‬
‫الصبر على طريق الدعوة ‪:‬‬ ‫**‬
‫طريق الدعوة طريق محفوف بالمخاطر‬
‫والعقبات والمحن والبتلءات ‪ ،‬والفتن‬
‫والمنعطفات ‪ ،‬لذلك كان الصبر عليه أصعب‬
‫أنواع الصبر ‪ ،‬الصبر على ُبعد الشقة ‪ ،‬وشدة‬
‫المشقة ‪ ،‬الصبر على مكائد أعداء الدعوة ‪،‬‬
‫الصبر على قلة الزاد وبعد الطريق‪.‬‬
‫خُلوا ْ‬ ‫م َأن ت َدْ ُ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫قال تعالى ‪ ‬أ ْ‬
‫عل َ َ‬
‫م‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫عل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ول َ ّ‬‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن }‪  {142‬سورة آل عمران‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وقال تعالى فى سورة آل عمران ‪‬‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ول َت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَأن ُ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫في أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫و ّ‬ ‫ل َت ُب ْل َ ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬
‫من َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ك‬‫ن ذَل ِ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫قوا ْ َ‬ ‫وت َت ّ ُ‬‫صب ُِروا ْ َ‬ ‫وِإن ت َ ْ‬ ‫ذى ك َِثيًرا َ‬ ‫كوا ْ أ َ ً‬ ‫شَر ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ر }‪.  {186‬‬ ‫ُ‬
‫مو ِ‬ ‫عْزم ِ ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪120‬‬
‫قــال تعالى فى سورة العنكبوت ‪ ‬الم‬
‫مّنا‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫كوا َأن ي َ ُ‬ ‫س َأن ي ُت َْر ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫}‪ {1‬أ َ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فت َّنا ال ّ ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ن }‪َ {2‬‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ّ‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬ ‫ولي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ص‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ن }‪. {3‬‬ ‫كا ِ َ‬ ‫بي‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬‫عل َ َ‬ ‫حّتى ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ون ّك ُ ْ‬ ‫ول َن َب ْل ُ َ‬ ‫وقال تعالــى ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م}‬ ‫ُ‬
‫خَباَرك ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ون َب ْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪  {31‬سورة محمد‪.‬‬
‫دهم على‬ ‫وفى قصـة إيمان السحـرة ور ّ‬
‫تهديدات فرعون لهم بتقطيـع أطـرافهـم‬
‫وصلبهـم يقـول تعـــالى فى ســــورة‬
‫ن}‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫من َ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ُ‬ ‫العراف ‪َ ‬‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت َرب َّنا ل ّ‬ ‫مّنا ِبآَيا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫مّنا إ ِل أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما َتن ِ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ {125‬‬
‫ن}‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وفَنا ُ‬ ‫وت َ َ‬ ‫صب ًْرا َ‬ ‫علي َْنا َ‬ ‫رغ َ‬ ‫جاءت َْنا َرب َّنا أف ِ‬ ‫َ‬
‫سى‬ ‫مو‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫عون أ َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫{‬ ‫‪126‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫هت َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وآ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ْ ِ َ َ‬‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِّنا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ساء‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫يـي‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ناء‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن }‪َ {127‬‬ ‫هُرو َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫ض ل ِل ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫عيُنوا ِبالل ّ ِ‬
‫ها‬ ‫رث ُ َ‬ ‫ه ُيو ِ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ا ْ‬
‫ن }‪{128‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬
‫الصبر على أذى الناس ‪:‬‬ ‫**‬
‫ومن أنواع الصبر أيضا الصبر فى‬ ‫ً‬
‫التعامل مع الناس وتحمل أذاهم ومقابلة‬
‫الساءة بالحسان قال تعالى فى سورة‬
‫ع‬‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ة‬‫ُ‬ ‫سي ّئ َ‬ ‫ة ول ال ّ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫فصلت ‪ ‬ول ت َ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫و ٌ‬ ‫دا َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ِبال ِّتي ِ‬
‫‪121‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ها ِإل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫و َ‬‫م }‪َ {34‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ول ِ ّ‬ ‫ك َأن ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫ظيم ٍ }‪،  {35‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ظ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذو َ‬ ‫ها ِإل ُ‬ ‫قا َ‬‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫و َ‬‫صب َُروا َ‬ ‫َ‬
‫وقال ‪) ‬المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر‬
‫على أذاهم‪ ،‬أفضل من المؤمن الذي ل يخالط‬
‫الناس‪ ،‬ول يصبر على أذاهم ( ‪.1‬‬
‫الصبر فى الجهاد ‪ :‬قال ‪ ‬فى سورة‬ ‫**‬
‫عيُنوا ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫البقرة ‪‬‬
‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ِ‬ ‫َيا أي ّ َ‬
‫ن}‬ ‫ري‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫َ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ّ ِ ِ ّ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫وال‬
‫ر َ‬ ‫صب ْ ِ‬‫ِبال ّ‬
‫‪ {153‬‬
‫ولقد قيل بين النصر والهزيمة صبر ساعة‬
‫‪.‬‬

‫يييييي ييييي يييييييييييييي‬


‫يييييييي ييي يييييي ييييي‪.‬‬
‫الصبر على البلء ‪ :‬فقد يبتلى المؤمن‬ ‫**‬
‫بالخوف أو الجوع والفقر والحرمان من‬
‫الهل والخلن ‪ ،‬ونقصان الموال ‪ ،‬لكنه‬
‫يستقبل أمواج المحن وأعاصير البلء‬
‫بالصبر الجميل ‪ ،‬قال تعالى فى سورة‬
‫ف‬‫خو ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ء ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ون ّك ُ ْ‬‫ول َن َب ْل ُ َ‬ ‫البقرة ‪َ ‬‬
‫س‬ ‫والن ُ‬ ‫َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ق ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫جو ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن }‪ {155‬ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫را‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ث‬‫وال‬ ‫َ‬
‫إ َ َ‬
‫وإ ِّنـا إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِّنا ل ِل ّ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫لـ‬ ‫َ‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫{‬ ‫‪156‬‬ ‫}‬ ‫ن‬ ‫جعو‬ ‫را‬
‫ْ ِ ْ َ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬

‫‪- 1‬رواه المام أحمد في مسنده عن ابن عمر ورواه الترمذي في السنن عنه‬
‫‪-‬أ بواب صفة القيامة باب ‪ 20‬وإسناده حسن كما في التحفة ‪0 210 / 7‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪122‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وأوَلـئ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ّرب ّ ِ‬ ‫ّ‬
‫}‪. {157‬‬
‫الصبر فى طلب العلم ‪ :‬فل سبيل إلى‬ ‫**‬
‫طلب العلم إل بالصبر ‪ ،‬فالصبر يضئ‬
‫لطالب العلم طريقه ‪ ،‬وهو زاد ل‬
‫يستغنى عنه ‪ ،‬وخلق كريم ل بد وأن‬
‫يتحلى به ‪ ،‬صبره على مشقة الترحال‬
‫إلى الشيوخ وطل المكث عندهم‬
‫والتأدب معهم ‪ ،‬وصبره على المذاكرة‬
‫والتحصيل ‪ ،‬وفى قصة موسى والخضر‬
‫دار هذا الحوار بين نبى الله موسى وبين‬
‫الخضر عليهما السلم قال تعالى فى‬
‫ل‬ ‫ه ْ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫سورة الكهف ‪َ ‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا }‬ ‫ش ً‬ ‫ت ُر ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ّ َ‬ ‫عَلى أن ت ُ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َ‬ ‫أت ّب ِ ُ‬
‫صب ًْرا }‬ ‫ي َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬ ‫طي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ك َلن ت َ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ {66‬‬
‫ه‬
‫حط ب ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫َ‬ ‫على َ‬ ‫َ‬ ‫صب ُِر َ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫وكي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ {67‬‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ني‬ ‫د‬
‫َ َ ِ ُ ِ‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫{‬ ‫‪68‬‬ ‫}‬ ‫خب ًْرا‬ ‫ُ‬
‫مًرا }‪.  {69‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صي لك أ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫صاب ًِرا َ‬ ‫َ‬
‫الصبر على العبادة ‪ :‬قال تعالى فى‬ ‫**‬
‫ة‬‫صل ِ‬ ‫ك ِبال ّ‬ ‫هل َ َ‬ ‫مْر أ َ ْ‬ ‫سورة طه ‪ْ ‬‬
‫وأ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫عل َيها ل ن َسأ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫قا ن ّ ْ‬ ‫رْز ً‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫صطَب ِْر َ ْ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫وى }‪.  {132‬‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫لل‬ ‫ِ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ز‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫نَ ْ‬
‫وقال تعالى فى سـورة مريم ‪َ ‬ر ّ‬
‫ب‬
‫ه‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫عب ُدْ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ب َي ْن َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫مّيا }‪{65‬‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مل ُ‬ ‫َ‬ ‫عل ُ‬ ‫َ‬ ‫هل ت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عَبادَت ِ ِ‬ ‫صطب ِْر ل ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫الصـبر فى الشدائد وعند لقاء العداء ‪:‬‬ ‫**‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫قال ‪ ‬فى سـورة النفال ‪َ ‬يا أي ّ َ‬
‫فاث ْب ُُتوا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫فئ َ ً‬ ‫م ِ‬ ‫قيت ُ ْ‬ ‫ذا ل َ ِ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن}‬ ‫حو َ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ه ك َِثيًرا ل ّ َ‬ ‫واذْك ُُروا ْ الل ّ َ‬ ‫َ‬
‫عوا ْ‬ ‫‪َ {45‬‬
‫ول َ ت ََناَز ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا ْ الل ّ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وت َذْ َ‬ ‫شُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { }‪{46‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫وقال ‪ ‬فى سـورة البقـرة في ســياق‬
‫الحديـث عــن أوصاف أهل البر‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫و ِ‬ ‫ضّراء َ‬ ‫ساء وال ّ‬ ‫ن ي ال ْب َأ َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫} َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬
‫لـ‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫لـ‬ ‫َ‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ْ ْ‬
‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫الب َأ ِ‬
‫ن }‪.  {177‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الصبر فى معاملة الناس ومخالطتهـم‬ ‫**‬
‫بالمعروف ‪ :‬قال ‪ ‬فى سورة العراف‬
‫ن‬
‫ع ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫عْر ِ‬ ‫مْر ِبال ْ ُ‬ ‫وأ ُ‬
‫فو ْ‬
‫ع ْ َ َ‬ ‫ذ ال ْ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ن }‪ ،  {199‬وقال تعالى فى‬ ‫هِلي َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وَل‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫س َت َ ِ‬ ‫وَل ت َ ْ‬ ‫سورة فصلت ‪َ ‬‬
‫ذي‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن فإ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ِبال ِّتي ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ة ادْ َ‬ ‫سي ّئ َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫م }‪{34‬‬ ‫مي‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫دا‬
‫َ َ ْ َ ُ َ َ َ ٌ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ب َي ْن َ‬
‫ّ ُ َ ِ ّ َ ِ ٌ‬
‫ها إ ِّل‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫و َ‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ظيم ٍ }‪.  {35‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ظ‬‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ذو‬ ‫ُ‬
‫الصبر فى صحبة الخيار الذين تسمو‬ ‫**‬
‫بهم الهمم ‪ :‬قال تعالى فى سورة‬
‫ن‬
‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫صب ِْر ن َ ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫الكهف ‪َ ‬‬
‫ولَ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ي يُ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫وال َ‬ ‫ْ‬ ‫ة َ‬ ‫دا ِ‬ ‫غ َ‬ ‫هم ِبال ْ َ‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫ة الدّن َْيا‬ ‫َ َ ِ‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫زي‬
‫ْ ُ ْ ُ ِ ُ ِ َ‬‫د‬ ‫ري‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫نا‬‫ع ُ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫تَ ْ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪124‬‬
‫َ‬
‫ع‬
‫وات ّب َ َ‬
‫رَنا َ‬ ‫عن ِذك ْ ِ‬ ‫ه َ‬‫قل ْب َ ُ‬‫فل َْنا َ‬ ‫نأ ْ‬
‫غ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫وَل ت ُطِ ْ‬ ‫َ‬
‫مُرهُ فُرطا }‪. {28‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫وكا َ‬ ‫واهُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫الصــبر على المصائـب والبليــــا ‪ :‬قال‬ ‫**‬
‫م‬‫ون ّك ُ ْ‬ ‫ول َن َب ْل ُ َ‬
‫‪ ‬فى ســورة البقرة ‪َ ‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ق ٍ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫جو ِ‬ ‫وال ْ ُ‬‫ف َ‬ ‫خو ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ء ّ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫والن ُ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ش ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مَرا ِ‬‫والث ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫ال َ‬
‫ن }‪.  {155‬‬
‫‪1‬‬
‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫السبيل إلى تحصيل الصبر والثبات عليه ‪:‬‬
‫الصبر منحة من الله سبحانه وتعالى‬
‫ويثبت عليه ‪ ،‬ويجب على كل راغب فى الصبر‬
‫أن يطلبه من الله ‪ ، ‬فيتوجه إليه بخالص‬
‫الدعاء كما فعل سحرة فرعون بعد إيمانهم‬
‫وتصدي وتحدي فرعون لهم قال تعالى فى‬
‫ب‬ ‫ر ّ‬ ‫مّنا ب ِ ِ‬ ‫قاُلوا ْ آ َ‬ ‫سورة العراف ‪َ  000‬‬
‫ن }‪{122‬‬ ‫هاُرو َ‬ ‫و َ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن }‪َ {121‬ر ّ‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫هـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ل أن آذَ َ‬ ‫قب ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫منُتم ب ِ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ها‬ ‫هل َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫جوا ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ة ل ِت ُ ْ‬ ‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫موهُ ِ‬ ‫مكْرت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫مكٌر ّ‬ ‫ْ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫دي َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫قط ّ َ‬ ‫ن }‪ {123‬ل َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫عي َ‬ ‫م ِ‬‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫صلب َن ّك ُ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ف ثُ ّ‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫جل ُ‬ ‫وأْر ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫{‬ ‫‪125‬‬ ‫}‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫بو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ق‬‫َ‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َِ ِ‬‫نا‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫{‬ ‫‪124‬‬
‫جاءت َْنا َرب َّنا‬ ‫ما َ‬ ‫ت َرب َّنا ل َ ّ‬ ‫مّنا ِبآَيا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫مّنا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫َتن ِ‬
‫ن }‪. {126‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فَنا ُ‬ ‫و ّ‬ ‫وت َ َ‬‫صب ًْرا َ‬ ‫علي َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫غ َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫فالصبر من الله وبالله ‪ ،‬قال تعالى فى‬
‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك إ ِل ّ ِبالل ّ ِ‬ ‫صب ُْر َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫صب ِْر َ‬ ‫وا ْ‬ ‫سورة النحل ‪َ ‬‬

‫‪ - 1‬يراجع في هذا المقام كتابي الصبر عند فقد الولد ط ‪ /‬دار السلم بالقاهرة‬
‫‪125‬‬
‫ن}‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫ن َ َ‬
‫ضي ْ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫حَز ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫هـم‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫ذيــ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬
‫َ َ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫{‬ ‫‪127‬‬
‫ن }‪.  {128‬‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ول بد للصابر أن يكــون مبتغيا ً بصبـره‬
‫مرضاة ربه قال تعالى فى سورة المدثر ‪‬‬
‫صب ِْر }‪  {7‬أى فليكن صبرك لربك ‪،‬‬ ‫فا ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ول َِرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫صب َُروا ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫الرعد‬ ‫سورة‬ ‫فى‬ ‫‪‬‬ ‫وقال‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَأن َ‬ ‫صل َةَ َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َرب ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫غاء َ‬ ‫اب ْت ِ َ‬
‫ة‬
‫سن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫وي َدَْرؤو َ‬ ‫ُ‬ ‫ة َ‬ ‫علن ِي َ ً‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫سّرا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫َرَزقَنا ُ‬‫ْ‬
‫ر }‪  {22‬فإذا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سي ّئ َ َ‬
‫دا ِ‬ ‫عقَبى ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولئ ِك ل ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫كان الصبر لله أعان الله عليه ويسر السبيل‬
‫إليه ‪ ،‬واليقين بما وعد الله للصابرين من أجر‬
‫عظيم وثواب جزيل والتأسى بالنبياء عليهم‬
‫السلم ‪ ،‬فلقد قدموا لنا أروع المثلة فى‬
‫الصبر والثبات ‪ ،‬قال تعــالى فى سورة‬
‫ُ‬
‫ن‬‫عْز ِ ِ َ‬
‫م‬ ‫م‬ ‫وُلوا ال ْ َ‬ ‫صب ََر أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫الحقاف ‪َ ‬‬
‫‪ ،‬وقال ‪ ‬فى سورة‬ ‫سل }‪ {35‬‬ ‫الّر ُ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫ْ َ ْ ُ ِّ ُ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫النعام‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫م ل َ ي ُك َذُّبون َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قب ْل ِكَ‬ ‫من َ‬ ‫ل ّ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫قدْ كذّب َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ول َ‬ ‫َ‬ ‫ن }‪َ {33‬‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫حّتى أَتا ُ‬ ‫ذوا َ‬ ‫وأو ُ‬ ‫ما كذُّبوا َ‬ ‫على َ‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫ف َ‬
‫من ن ّب َإ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫وَلقدْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َدّ َ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫صُرَنا َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن }‪.  {34‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الجتهاد فى العبادة والمداومة على‬ ‫**‬
‫الذكر ‪ :‬قــال تعالى فى سورة الطور‬
‫ح‬‫سب ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫عي ُن َِنا َ‬ ‫ك ب ِأ َ ْ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫ك َ‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م }‪.  {48‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫د َرب ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫بِ َ‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪126‬‬
‫استحضار سنن الله تعالى التى ل تتبدل‬ ‫**‬
‫ول تتحول ‪ :‬قال تعالى فى ســورة آل‬
‫ت‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مدٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫عمران ‪َ ‬‬
‫ل‬ ‫قت ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬ ‫لأ َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫من َ‬
‫تأ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فِإن ّ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عل َ‬ ‫ب َ‬ ‫من َينقل ِ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫عقاب ِك ْ‬ ‫على أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫انقلب ْت ُ ْ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫زي‬ ‫ج‬
‫َ َ َ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ئا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫لن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ه‬
‫قب َي ْ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ومــا‬ ‫{‬ ‫‪144‬‬ ‫}‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ك‬ ‫شا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫ٍ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ َ‬
‫د‬
‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫َ َ‬‫و‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ج‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ؤ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫با‬ ‫ً‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫الله‬ ‫ن‬ ‫ت إ ِل ّ ِ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫مو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ب‬ ‫وا َ‬ ‫ردْ ث َ َ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ؤت ِ ِ‬ ‫ب الدّن َْيا ن ُ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫َثـ َ‬
‫ن}‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫زي ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ة ن ُؤت ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ن‬ ‫يو‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫من‬ ‫ين‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫{‬ ‫‪145‬‬
‫َ َ ُ ِ ّ ّ َ‬ ‫ّ ِ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ‬
‫ل‬‫َ ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َِثيٌر َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫والل ُ‬ ‫ست َكاُنوا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫و َ‬ ‫فوا َ‬ ‫ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ن }‪.  {146‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫التواصى بالصبر ‪ ،‬قال تعالى فى سورة‬ ‫**‬
‫صب ُِروا ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫آل عمران ‪َ ‬يا أي ّ َ‬
‫م‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫طوا ْ َ‬ ‫وَراب ِ ُ‬ ‫صاب ُِروا ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ ،  {200‬وقال ‪ ‬فى‬ ‫حو َ‬ ‫ت ُفل ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫ح‬
‫َ َ َ َ ْ ِ َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫وا‬ ‫ص‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫‪‬‬ ‫اليمان‬ ‫أهل‬ ‫صفات‬
‫ر }‪  {3‬سورة العصر‪.‬‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬

‫مكتبة الشرقاوى الحديثة‬


‫أبو كبير ‪ -‬بجوار جامع أبو بربر‬

‫خلصة البحث ونتائجه‬


‫‪127‬‬
‫ســورة العصــر ســورة مكيــة ‪ ،‬عــدد‬ ‫‪•1‬‬
‫آياتها ثلث ‪ ،‬وســميت بهــذا الســم لنهــا‬
‫استهلت بالقسم بالعصر‪.‬‬
‫وفى قسمه تعالى تنبيه مهــم إلــى‬ ‫‪•2‬‬
‫أهمية المقسم به والمقسم عليــه ‪ ،‬وقــد‬
‫قدمت لنــا هــذه الســورة الكريمــة منهجـا ً‬
‫كامل ً شامل ً للنجاة من الخسران المبين‪.‬‬
‫هــذا المنهــج يتمثــل فــي اليمــان‬ ‫‪•3‬‬
‫والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر‪.‬‬
‫وهذه الســورة الكريمــة مــن قســم‬ ‫‪•4‬‬
‫السور المفصل الــتي فضــل بهــا رســول‬
‫الله ‪ ، ‬فعن وائلة بن السقع ‪ ‬قــال ‪:‬‬
‫قــال النــبى ‪ ‬أعطيــت مكــان التــوراة‬
‫السبع الطوال ‪ ،‬ومكــان الزبــور المئيــن ‪،‬‬
‫ومكـــان النجيـــل المثـــانى ‪ ،‬وفضـــلت‬
‫بالمفصل ‪.1‬‬
‫والمفصل من أول ســورة ق إلــى ســورة‬
‫الناس ‪ ،‬وســمي بــذلك ‪ :‬لكــثرة الفصــول‬
‫بين السور بالبسملة ‪ ،‬وقيل لقلة النســخ‬
‫ولذا سمى بالمحكم ‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬رواه المام أحمد في مسنده ‪ ، 4/107‬وأبو داود الطيالسى في مسنده ص ‪136‬‬
‫حديث ‪ ، 1012‬وأبو عبيد في فضائل القرآن ص ‪ ، 119‬والبيهقي في شعب اليمان‬
‫‪ 2/465‬ح ‪ ، 2415‬والطبراني في المعجم الكبير ‪ 22/76‬وإسناده حسن‪ .‬وقال‬
‫الهيثمي في المجمع ‪ : 7/46‬ورواه أحمد وفيه عمران القطان وثقه أبن حبان وغيره‬
‫وضعفه النسائي وبقية رجاله ثقاث ‪ ،‬أهـ وقد تابعه عند أبو عبيد والطبراني سعيد بن‬
‫بشير الزدي وهو صدوق كما قال الذهبي وقال ابن أبى حاتم محله الصدق –‬
‫التقريب ‪ ، 1/292‬وسير أعلم النبلء ‪.7/304‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬البرهان في علوم القرآن للزركشى ‪ ، 1/244‬والتقان للسيوطى ‪.1/62‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪128‬‬
‫ولقد أدرك الصــحابة الكــرام فضــل‬ ‫‪•1‬‬
‫ســورة العصــر فكــان الــرجلن منهــم إذا‬
‫اجتمعا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على‬
‫صاحبه هــذه الســورة الكريمــة تبركـا ً بهــا‬
‫وحرصا على أجر قراءتهــا ‪ ،‬وتحــذيرا مــن‬
‫الخسران المبين الذي يحيق بكــل ضــال ‪،‬‬
‫وتذكرة بطريق النجاة الذي بينت السورة‬
‫الكريمة معالمه ومراسمه‪.‬‬
‫واليمان ‪ :‬هو مطلق التصديق بكــل‬ ‫‪•2‬‬
‫ما جاء به رسول اللــه ‪ ‬مــن عنــد ربــه ‪،‬‬
‫والعمل الصالح ‪ :‬امتثال كل مــا أمــر اللــه‬
‫به واجتناب كل ما نهــى اللــه عنــه وحــذر‬
‫منه‪.‬‬
‫والحق ‪ :‬هــو المــر الثــابت الــذي ل‬ ‫‪•3‬‬
‫يســـوغ إنكـــاره ول زوال فـــي الـــدارين‬
‫لمحاسن آثاره ‪ ،‬وهو الخير كله من توحيد‬
‫الله وطاعته واتباع رسله‪.‬‬
‫وللصبر ثلثة أنواع‬ ‫‪•4‬‬
‫الصبر على الطاعات‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الصبر عن المعاصى‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الصبر على البلء‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وفــى ذكــر التواصــي بالصــبر‬ ‫•‬
‫بعد التواصــي بــالحق ‪ :‬إشــارة إلــى‬
‫أن طريق الحق محفــوف بالعقبــات‬
‫والهــوال ‪ ،‬والثبــات عليــه يحتــاج‬
‫إلى صبر جميل وعزم مضاء‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫وفى السورة الكريمة إشــارة‬ ‫•‬
‫إلى أهمية الوقت في حياة المسلم‬
‫‪ ،‬فــــالوقت أمانــــة ومســــئولية ‪،‬‬
‫والـــوقت نعمـــة إلهيـــة ‪ ،‬وعظـــة‬
‫واعتبار ‪ ،‬والوقت أنفس ما يمتلكــه‬
‫النسان‪.‬‬
‫وحــتى يــدرك النســان حجــم‬ ‫•‬
‫الخســران الــذي يبــوء بــه مــن لــم‬
‫يسلك طريق النجاة فعليه أن يعقــد‬
‫مقارنــة بيــن متــاع الــدنيا الفــاني‬
‫وبين نعيم الخرة الباقي‪.‬‬
‫وقد أوردنــا فــي هــذا البحــث‬ ‫•‬
‫بعض النماذج الواقعية الــتي تشــهد‬
‫وتؤكد أن السعادة الحقيقية ليست‬
‫فـي المـال ‪ ،‬ول فـي الجمــال ‪ ،‬ول‬
‫فــي المنصــب والســلطان ‪ ،‬وإنمــا‬
‫السعادة في طاعة الرحمن‪.‬‬
‫وبمناسبة الحــديث عــن التواصــي بــالحق‬
‫أوردنا مواقف مضيئة للعلماء الجلء الـذين لـم‬
‫يخافوا في الحــق لومــة لئم أو بطــش ظــالم ‪،‬‬
‫بل صدعوا بالحق ‪0‬‬
‫وبإخلصهم وتقواهم ‪ ،‬وجد كـل كلمهــم‬
‫آذانا صاغية وقلوبا ً واعية وصدورا رحبة ‪.‬‬
‫وبمناسبة الحديث عن الصبر تحــدثت عــن‬
‫أنواع الصبر ودرجاته ومقاماته ‪ ،‬وضرورته فــي‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪130‬‬
‫شــتى دروب الحيــاة والســبيل إلــى تحصــيله‬
‫والثبات عليه ‪ ،‬وأهم فوائده وثمراته ‪0000‬‬
‫وفـــى الختـــام فـــإنني أوصـــي نفســـي‬
‫وأوصــى جميــع إخــواني القــراء بتقــوى اللــه‪‬‬
‫والثبــات علــى طريــق النجــاة ‪ ،‬والجتهــاد فــي‬
‫تلوة القرآن ومدارسته‪.‬‬

‫نســــأل اللـــه تعـــالى أن ينفعنـــا بـــالقرآن‬


‫ويجمعنا فى زمرة أهله‪.‬‬
‫وأن يغفر لنا ولوالــدينا ولمشــائخنا ولعامــة‬
‫المسلمين‬

‫كتبه الفقير إلى رحمة ربه‬


‫أحمد بن محمد الشرقاوي‬
‫أبو كبير –الشرقية – مصر‬
‫‪131‬‬

‫اااااا ااااااااا‬

‫القرآن الكريم‬ ‫أول ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كتب التفسير وعلوم القرآن ‪-:‬‬


‫‪ -1‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب‬
‫الكريم للعلمة أبى السعود ) محمد بن‬
‫محمد مصطفى العمادى الحنفى ت ‪982‬‬
‫هـ ط دار الفكر بدون تاريخ ( ‪0‬‬
‫‪ -2‬الساس فى التفسير للشيخ سعيد حوى ت‬
‫‪ 1409‬هـ ط دار السلم ط أولى سنة‬
‫‪ 1405‬هـجرية‪.‬‬
‫‪ -3‬أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن‬
‫للشنقيطى محمد المين بن محمد‬
‫المختار الجكنى ت ‪1993‬هـ‪ -‬طبع على‬
‫نفقة المير أحمد بن عبد العزيز آل سعود‬
‫السعودية ط ‪1403‬هـ‬
‫‪ -4‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوى‬
‫)عبد الله بن عمر ت ‪685‬هـ( ط دار الجيل‬
‫بيروت بدون تاريخ ‪0‬‬
‫‪ -5‬النتصاف للمام أحمد بن المنير‬
‫السكندرى ت ‪ 683‬هـ بهامش الكشاف‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪132‬‬
‫للزمخشرى ط دار الريان للتراث سنة‬
‫‪ 1407‬هـ ط ثالثة ‪0‬‬
‫‪ -6‬البحر المحيط للمام محمد بن يوسف‬
‫الشهير بأبي حيان الندلسى الغرناطى ت‬
‫‪ 754‬هـ ط دار إحياء التراث العربى ط‬
‫سنة ‪ 1411‬هـ ثانية ‪0‬‬
‫البيان فى اختلف أئمة‬ ‫‪-7‬‬
‫عد آى القرآن‬
‫المصار واتفاقهم فى ّ‬
‫لبى عمرو الدانى مخطوط رقم‬
‫‪ 2462‬جامعة المام ابن سعود ق ‪-76‬‬
‫‪.165‬‬

‫‪ -8‬تفسير القرآن العظيم للمام الحافظ‬


‫عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن‬
‫كثير القرشى الدمشقى ت ‪ 774‬هـ‬
‫ط دار التراث العربى بدون تاريخ ‪0‬‬
‫تفسير القرآن الحكيم‬ ‫‪-9‬‬
‫المشتهر باسم تفسير المنار للسيد‬
‫محمد رشيد رضا ط دار المنار سنة‬
‫‪ 1372‬هـ سنة ‪ 1953‬م ط ثانية ‪0‬‬
‫‪ -10‬تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلم‬
‫المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر‬
‫السعدى ت ‪ 1376‬هـ ط الرئاسة العامة‬
‫لدارة البحوث العلمية والفتاء والدعوة‬
‫الرياض ط ‪1404‬‬
‫‪133‬‬
‫التحرير والتنوير للستاذ محمد الطاهر بن‬ ‫‪-11‬‬
‫عاشور ت ‪1393‬هـ ط دار سحنون للنشر‬
‫والتوزيع تونس بدون تاريخ‬
‫التفسير القرآنى للقرآن للستاذ عبد‬ ‫‪-12‬‬
‫الكريم الخطيب ط دار الفكر العربى‬
‫بالقاهرة بدون تاريخ ‪0‬‬
‫تناسق الدرر في تناسب السور للمام‬ ‫‪-13‬‬
‫السيوطي ط دار الكتاب العربى سوريا ط‬
‫‪1404‬هـ‪.‬‬
‫جامع البيان فى تفسير القرآن للمام‬ ‫‪-14‬‬
‫أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى ت ‪310‬‬
‫هـ ط دار الريان للتراث ‪ ،‬ودار الحديث‬
‫بالقاهرة سنة ‪ 1407‬هـجرية‪.‬‬
‫جمال القراء وكمال القراء لعلم الدين‬ ‫‪-15‬‬
‫السخاوى ت ‪ 643‬هـ ‪ 1/229‬ط مكتبة‬
‫التراث بمكة ‪ 1408‬هـ‬
‫الجامع لحكام القرآن للقرطبى ) أبو عبد‬ ‫‪-16‬‬
‫الله محمد بن أحمد النصارى القرطبى‬
‫ط الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة‬
‫‪ 1987‬م ‪0‬‬
‫حاشية الصاوى على الجللين للمام أحمد‬ ‫‪-17‬‬
‫بن محمد الصاوى المصرى المالكى ت‬
‫سنة ‪ 1241‬هـ‪ -‬ط دار إحياء التراث العربى‬
‫‪0‬‬
‫الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون‬ ‫‪-18‬‬
‫للمام ) أحمد بن يوسف المعروف‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪134‬‬
‫بالسمين الحلبى ت ‪756‬هـ ( ط دار القلم‬
‫بدمشق ط ‪ 1‬سنة ‪ 1407‬هـ ‪0‬‬
‫الدر المنثور فى التفسير بالمأثور لجلل‬ ‫‪-19‬‬
‫الدين السيوطى ت ‪ 911‬هـ ط دار الفكر‬
‫سنة ‪ 1403‬هـ ‪0‬‬
‫روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم‬ ‫‪-20‬‬
‫والسبع المثانى للمام اللوسى شهاب‬
‫الدين السيد محمود اللوسى ت ‪ 1270‬هـ‬
‫ط دار إحياء التراث العربى ط ‪ 4‬سنة‬
‫‪1405‬هـ‬
‫زاد المسير فى علم التفسير للمام أبى‬ ‫‪-21‬‬
‫الفرج عبد الرحمن بن الجوزى ) ت ‪596‬‬
‫هـ ( ط المكتب السلمى بيروت ط ‪ 1‬سنة‬
‫‪ 1385‬هـ سنة ‪ 1965‬م ‪0‬‬
‫السراج المنير فى العانة على معرفة‬ ‫‪-22‬‬
‫بعض معانى كلمات ربنا الحكيم الخبير‬
‫للمام شمـس الدين محمد بـن أحمد‬
‫الخطيب الشربينى ت ‪ 977‬هـ ط دار‬
‫المعرفة بيروت ط ‪ 2‬بدون تاريخ ‪0‬‬
‫عناية القاضى وكفاية الراضى )حاشية‬ ‫‪-23‬‬
‫الشهاب على تفسير البيضاوى ( لشهاب‬
‫الدين الخفاجى ت ‪ 1069‬هـ ط ‪/‬دار صادر‬
‫بيروت بدون تاريخ‬
‫غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام‬ ‫‪-24‬‬
‫الدين الحسن بن محمد بن الحسين‬
‫القمى النيسابورى ت ‪ 728‬هـ ط البابى‬
‫الحلبى سنة ‪ 1381‬هـ ط أولى‬
‫‪135‬‬
‫‪ -25‬فتح البيان فى مقاصد القرآن للشيخ‬
‫صديق حسن خان مطبعة العاصمة‬
‫بالقاهرة ط سنة ‪ 1965‬م ‪0‬‬
‫‪ -26‬فتح القدير الجامع بين فنى الرواية‬
‫والدراية من علم التفسير للمام محمد بن‬
‫على بن محمد الشوكانى ت ‪ 1255‬هـ ط‬
‫البابى الحلبى سنة ‪ 1350‬هـ ط أولى ‪0‬‬
‫‪ -27‬الفتوحات اللهية بتوضيح تفسير الجللين‬
‫للدقائق الخفية للمام سليمان بن عمر‬
‫العجيلى الشافعى الشهير بالجمل ت‬
‫‪ 1204‬هـ ط دار المنار للنشر والتوزيع‬
‫والبابى الحلبى بدون تاريخ ‪0‬‬
‫‪ -28‬فى ظلل القرآن للستاذ سيد قطب ت‬
‫‪1966‬م دار الشروق سنة ‪ 1407‬هـ –‬
‫طبعة ‪.13‬‬
‫‪-29‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‬
‫وعيون القاويل فى وجوه التأويل للمام‬
‫محمود بن عمر الزمخشرى المعتزلى ت‬
‫‪ 528‬هـ ط دار الريان للتراث سنة ‪1407‬‬
‫هـ ط ثالثة‬
‫‪ -30‬لباب التأويل فى معانى التنزيل للمام‬
‫علء الدين على بن محمد بن إبراهيم‬
‫البغدادى ت ‪ 741‬هـ ط البابى الحلبى سنة‬
‫‪ 1375‬هـ ط ثانية‬
‫‪ -31‬لطائف الشارات للمام عبد الكريم‬
‫القشيرى ت ‪ 465‬هـ ط دار الكتاب العربى‬
‫بالقاهرة ‪.‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪136‬‬
‫‪ -32‬مجمع البيان فى تفسير القرآن للشيخ‬
‫أبى على الفضل بن الحسن الطبرسى ت‬
‫‪ 548‬هـ ط دار المعرفة بيروت سنة ‪1406‬‬
‫هـ ط أولى‬
‫‪ -33‬المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز‬
‫للقاضى عبد الحق بن غالب بن عطية‬
‫الندلسى ت ‪ 546‬هـ ط المجمع العلمى‬
‫بفاس المغرب سنة ‪ 1395‬هـ وطبعة دار‬
‫الكتب العلمية بيروت ‪0‬‬
‫‪ -34‬معانى القرآن لبى زكريا يحيى بن زياد‬
‫الفراء ت ‪ 207‬هـ ط دار السرور بيروت‬
‫‪ -35‬معانى القرآن وإعرابه للزجاج ) أبى‬
‫إسحاق إبراهيم بن السرى ت ‪ 311‬هـ ‪،‬‬
‫ط سنة ‪ 1408‬هـ ط أولى ط عالم الكتب‬
‫‪0‬‬
‫‪ -36‬مفاتيح الغيب ) التفسير الكبير ( للمام‬
‫فخر الدين الرازى ت ‪ 606‬هـ ط دار الفكر‬
‫سنة ‪ 1405‬هـ ‪0‬‬
‫‪ – 37‬المفردات فى غريب القرآن للمام أبى‬
‫القاسم الحسين بن محمد المعروف‬
‫بالراغب الصفهانى ت ‪ 502‬هـ ط دار‬
‫المعرفة بيروت بدون تاريخ ‪0‬‬

‫‪ -38‬الميزان فى تفسير القرآن للستاذ محمد‬


‫حسين الطباطبائى ط مؤسسة العلمى‬
‫بيروت ط سنة ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫‪ -39‬نظم الدرر فى تناسب اليات والسور‬
‫لبرهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن‬
‫البقاعى ط دار الكتاب السلمى‬
‫بالقاهرة ط ‪ 2‬سنة ‪1413‬هـ‬
‫‪ -40‬ونفائس البيان شرح الفرائد الجسان فى‬
‫عد آى القرآن لعبد الفتاح القاضى –‬
‫مكتبة الدار – بالمدينة المنورة ‪1404‬هـ‬
‫‪ -41‬النكت والعيون ) تفسير الماوردى ( لبى‬
‫الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردى‬
‫البصرى ت ‪ 450‬هـ ط دار الصفوة بمصر‬
‫سنة ‪ 1413‬هـ ط أولى ‪0‬‬

‫ثالثا ‪ :‬مراجع فى السنة النبوية ‪:‬‬


‫‪ -42‬الحسان بترتيب صحيح ابن حبان ‪ -‬للمير‬
‫علء الدين على بن بلبان الفارسى ت‬
‫‪ 739‬هـ – تحقيق شعيب الرنؤوط – ط‬
‫مؤسسة الرسالة بيروت ‪0‬‬
‫‪ -43‬الترغيب والترهيب للمنذرى ) زكى الدين‬
‫عبد العظيم بن عبد القوى ت ‪ 656‬هـ ( ط‬
‫‪ /‬دار الحديث بدون تاريخ‬
‫‪ -44‬سنن ابن ماجة ) أبو عبد الله محمد بن‬
‫يزيد القزوينى ت ‪ 275‬هـ ( ط دار الريان‬
‫للتراث بدون تاريخ ‪0‬‬
‫‪ -45‬سنن أبو داود ) أبو داود سليمان بن شعث‬
‫السجستانى الزدى ت ‪ 257‬هـ ط دار‬
‫الفكر بدون تاريخ ‪0‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪138‬‬
‫سـنن الترمذى ) أبو عيسى محمد بن‬ ‫‪-46‬‬
‫عيسى بن سورة الترمذى ت ‪ 297‬هـ ( ط‬
‫دار الفكر ‪1408‬هـ ‪0‬‬
‫سنن الدارمى ) عبد الله بن عبد الرحمن‬ ‫‪-47‬‬
‫الدارمى السمرقندى ت ‪ 255‬هـ ( ط دار‬
‫الريان للتراث ‪ 1407‬هـ ط أولى ‪0‬‬
‫سنن النسائى ) أحمد بن شعيب النسائى‬ ‫‪-48‬‬
‫ت ‪ 303‬هـ ( بشرح السيوطى وحاشية‬
‫السندى ط دار الكتاب العربى بيروت‬
‫بدون تاريخ ‪0‬‬
‫السنن الكبرى للبيهقى ) أبو بكر أحمد بن‬ ‫‪-49‬‬
‫الحسين البيهقى ( ط دار الفكر بدون‬
‫تاريخ ‪0‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووى ) المام مسلم‬ ‫‪-50‬‬
‫بن الحجاج بن مسلم القشيرى ت ‪ 261‬هـ‬
‫دار إحياء التراث العربى ط ‪ 3‬بدون تاريخ ‪.‬‬
‫صفة أهل الجنة لبن أبي الدنيا ت ‪281‬‬ ‫‪-51‬‬
‫هـ ط دار البشير بالردن ومؤسسة‬
‫الرسالة بيروت‪.‬‬
‫عـون المعبود بشرح سنن أبى داود لبى‬ ‫‪-52‬‬
‫الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى‬
‫ط المكتبة السلفية بالمدينة ‪ 1388‬هـ ط‬
‫‪02‬‬
‫فتح البارى بشرح صحيح البخارى لبن‬ ‫‪-53‬‬
‫حجر العسقلنى ط دار الريان للتراث‬
‫‪1407‬هـ‬
‫‪139‬‬
‫فيض القدير شرح الجامع الصغير للحافظ‬ ‫‪-54‬‬
‫عبد الرؤوف المناوى ط دار الفكر ‪1391‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫الفتح الربانى فى ترتيب مسند المام‬ ‫‪-55‬‬
‫أحمد بن حنبل الشيبانى للشيخ أحمد عبد‬
‫الرحمن البنا الساعاتى ط دار الشهاب‬
‫بدون تاريخ ‪0‬‬
‫كشف الستار عن زوائد البزار للهيثمى‬ ‫‪-56‬‬
‫مؤسسة الرسالة بيروت ‪1404‬هـ ط أولى‬
‫الكاف الشاف فى تخريج أحاديث الكشاف‬ ‫‪-57‬‬
‫للحافظ ابن حجر العسقلنى بذيل‬
‫الكشاف‬
‫مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمى ط‬ ‫‪-58‬‬
‫دار الكتاب العربى بيروت ‪ 1402‬هـ ‪0‬‬
‫مسند المام أحمد بن حنبل ط المكتب‬ ‫‪-59‬‬
‫السلمى بدون تاريخ ‪ ،‬ط دار المعارف‬
‫بتحقيق أحمد شاكر ‪ 1957‬م ‪0‬‬

‫‪ -60‬المستدرك على الصحيحين للمام أبى عبد‬


‫الله الحاكم النيسابورى ت ‪ 405‬هـ وفى‬
‫ذيله تلخيص المستدرك للمام شمس‬
‫الدين الذهبى ت ‪ 848‬هـ ‪0‬‬
‫‪ -61‬المعجم الوسط للطبرانى تحقيق محمود‬
‫شاكر ط مكتبة المعارف بالرياض ‪1415‬‬
‫هـ‬
‫‪ -62‬المعجـم الصغير للطبرانى ط دار الكتب‬
‫العلمية بيروت ‪ 1403‬هـ ‪0‬‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪140‬‬
‫‪ -63‬المعجم الكبير للطبرانى ط دار البيان‬
‫العربى ط ‪ 2‬بدون تاريخ ‪0‬‬
‫‪ -64‬موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان‬
‫للهيثمى ط دار الثقافة العربية بدمشق‬
‫‪ 1416‬هـ ط ‪.1‬‬

‫خامسا ‪ :‬مراجع متنوعة ‪:‬‬


‫‪ -65‬أين الخلل ‪ -‬للدكتور ‪ /‬يوسف القرضاوى‬
‫ط دار الصحوة للنشر ‪1406‬‬
‫‪ -66‬إحياء علوم الدين للمام الغزالى ط‬
‫المكتب الثفافى د‪.‬ت‬
‫‪ -67‬إيقاظ الهمم في شرح الحكم لبن عطاء‬
‫الله السكندري ط المكتبة التوفيقية ‪0‬‬
‫‪ -68‬تقييد العلم للخطيب البغدادى‬
‫ص ‪ 139‬ط المعهد الفرنسي‬
‫بدمشق سنة ‪1949‬م‪.‬‬
‫‪ -69‬الجــامع لخلق الــراوي وآداب الســامع للخطيــب‬
‫البغدادي بتحقيــق د‪ .‬محمــود الطحــان ط‪ /‬مكتبــة‬
‫المعارف بالرياض ‪0‬‬
‫‪ - 70‬الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء‬
‫الشافي لبن القيم ط‪/‬دار الكتب العلمية‬
‫‪ -71‬الحث على طلب العلم والجتهاد‬
‫في جمعه ‪ ،‬لبي الهلل العسكري ط‬
‫المكتب السلمي بيروت ‪.‬‬
‫‪ -72‬خصائص المجتمع السلمي للستاذ محمد‬
‫عبد الله الخطيب ط دار التوزيع والنشر‬
‫السلمية‬
‫‪141‬‬
‫‪ -73‬ديوان هاشم الرفاعي ط‪/‬مكتبة اليمان‬
‫المنصورة‬
‫‪ -74‬طبقات الشافعية الكبرى للمام تاج الدين‬
‫السبكى ط دار المعرفة بيروت‬
‫‪ -75‬ركائز اليمان بين العقل القلب للشيخ‬
‫محمد الغزالى ط دار العتصام ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -76‬سير أعلم النبلء للمام شمس الدين‬
‫الذهبي ط مؤسسة الرسالة بيروت ‪.‬‬
‫‪ -77‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب للعماد‬
‫الحنبلي ط‪/‬مكتبة القدسي بمصر‬
‫‪ -78‬الصبر عند فقد الولد للدكتور‪ /‬أحمد‬
‫الشرقاوي ط ‪ /‬دار السلم بالقاهرة‬
‫‪ 1421‬هـ ‪0‬‬
‫‪ -79‬الصبر في القرآن للدكتور يوسف‬
‫القرضاوي ط مكتبة وهبة‪.‬‬
‫‪ -80‬الفوائد لبن القيم ط دار الريان للتراث‬
‫‪ 1407‬هـ ط أولى‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -81‬كى ل نمضى بعيدا عن احتياجات العصر‬
‫مجموعة رسائل للستاذ سعيد حوى ط دار‬
‫عمار بالردن‬
‫‪ -82‬لقاء المؤمنين تأليف عدنان علي رضا‬
‫النحوي مطابع الفرزدق التجارية‬
‫بالرياض‬
‫‪ -83‬مــدارج الســالكين بيــن منــازل إيــاك نعبــد وإيــاك‬
‫نستعين لبن القيم ط دار الحديث‬
‫‪ -84‬المرأة بين الفقه والقانون د‪ /‬مصطفى‬
‫السباعي ط‪ /‬المكتب السلمي‬
‫يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر‬ ‫‪142‬‬
‫‪ -85‬نفح الطيب من غصن أندلس الرطيب‬
‫للشيخ أحمد محمد المقري التلمساني ت‬
‫‪ 1041‬هـ ط دار صادر بيروت ‪1388‬هـ ‪0‬‬

‫المقدمة ‪......................................‬‬
‫‪3 ..‬‬
‫الفصل الول ‪ :‬التعريف بالسورة‬
‫الكريمة ‪6 .......‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬في رحاب‬
‫السورة ‪20- 11 ..............‬‬
‫) دراسة‬
‫تحليلية(‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬مع السورة‬
‫الكريمة‪78-21 ...............‬‬
‫)دراسة الموضوعية (‬
‫تمهيد‬
‫المبحث الول ‪ :‬اغتنام الوقت ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬إدراك حقيقة الخسران‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬طريق النجاة ويتكون‬
‫من أربعة مطالب ‪-:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬اليمان‬
‫‪143‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬العمل الصالح‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬التواصي بالحق‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬التواصي بالصبر‪.‬‬
‫الخاتمة ‪........................................‬‬
‫‪91-79......‬‬

You might also like