Professional Documents
Culture Documents
العمل في الإسلام
العمل في الإسلام
:قال ال تعالى
«
عَم ً
ل ن َ
سَح َ
نأ ْ
جَر َم ْ
» إّنا ل ُنضيُع َأ ْ
) الكهف ( 30
ن ال يحب إذا عمل عا الّرسول إلى إتقان العمل والحسان فيه فقال ) :إ ّ َد َ
أحدكم عمل أن يتقنه
وقد وعد ال بأداء أجر كل عامل محسن فيقول القرآن
ن«)«4 جُر الَعاملي َ
)و نْعَم َأ ْ
شيٍءن ُكّل َصْنَع ال الذي َأْتَق َ
ونوه القرآن بإتقان ال صنع مخلوقاته فقال » ُ
»
( 5) .
خْلَقُه ُثّم َهَدى « )« 6
شيٍء َ
طى ُكّل َ
عََ).قاَل َرّبَنا الذي َأ ْ
وهذا يوجه المؤمنين إلى أن يتقنوا عملهم وقد أمروا أن يتخلقوا بأخلق ال.
والدللت الجتماعية تشير إلى أن ميزان الّتقويم للشخاص ومعيار اعتبارهم
شخص من وتقديرهم هو بحسب اهتمامهم بالعمل وإحسانه فيه فإذا لم يكن ال ّ
العاملين وكان من السلبيين أو المتواكلين القاعدين عن العمال فقد أهدرت
قيمته وضاع وسقط من موازين الحساب والتقدير :كما قال الخليفة عمر بن
الخطاب » :أرى الرجل فيعجبني فإذا قيل لعمل له سقط من عيني « .ويجب
أن يفطن في هذا المجال إلى أن أجسام الّناس ما هي إل آلت يجب إعمالها
شلل وصارت إلى الموت البطيء وعدم تعطيلها وإل دمرها العجز والخور وال ّ
والسترخاء والصدإ كأية آلة تعطل ،وتحولت إلى أداة تعويق للحياة
.الجتماعية ونموها بدل من أن تكون أداة قوة ونماء وازدهار
1
البطال
لح في الحقول
ب إلى الف ّ
يهّزني الح ّ
سهول
يستخرج الخير من ال ّ
أولئك الّرجاْل
يحيْون للوطن
ويعملون الخيْر
سر والعل ْ
ن في ال ّ
2
العمل في
السلم
العمل قديم قدم النسانية.فالنسان عرف العمل منذ أن وطأت قدماه الرض التي شاءت
إرادة ال أن يجعله خليفته فيها داعيا إّياه إلىأن يستغلّ خيراتها ويستفيد منها فينشئ
.ويعّمر
سعي الدءوب به لحاجاته من مأكل ومشرب صحيح يتجّلى قي ذلك ال ّومفهوم العمل ال ّ
ي أن يدفع عن نفسه مخاطر الجوع والعراء ومسكن وملبس فبالعمل استطاع النسان البدائ ّ
.وأن يصنع أدوات ووسائل متواضعة تمّكن بفضلها من حماية نفسه
وبالعمل نرى النسان اليوم يتطلع إلى غزو النجوم محاول بسط سلطانه على فضاءات ما
.انفكت تتسع يوما بعد يوم
ن الحضارات التي تعاقبت على وجه الرض ما كانت ا لنسانية إّ
لتشهد مثلها لو أن النسان ركن إلى الكسل و التواكل و أنفق جهده
في غير العمل .و إن كان من الصعب إعطاء تعريف شامل ودقيق
للعمل ،فإنه يمكن القول بأن العمل هو الفعل وهو الحركة و النشاط
الذي يصدر عن النسان و هو في الصل كل جهد يبذله النسان
.ذهنيا أو بدنيا
إذا رجعنا إلى الصورة التطبيقية في حياة النبياء والرسل وهم الذين
.يعطون القدوة والمثل ،نجد الدليل الواضح على قيمة العمل في ميزان الدين
فقد كانت حياتهم كلها عمل وجهادا ،ل في ميدان الفكر والدعوة فحسب ،ولكن في مجال
… العمل اليدوي وغيره من العمال
ألم يعمل نوح في بناء السفينة ،وداود في صناعة الحديد ،وإبراهيم وإسماعيل في بناء
… البيت العتيق
3
و:ذلك كان محمد صلى ال عليه وسلم يعمل في بناء مسجد قباء ومسجد المدينة ،ويحمل
سي ِبَيِدِه الحجار .وقد كان يبشر من أمسى كال من عمل يده بالمغفرة ،قائل » :والّذي َنْف ِ
طاُه َأْو َمَنَعُه
عَسَأَلُه َأ ْ
ل َفَي ْ
جًن َيْأِتي َر ُ
خْيٌر َلُه َم ْ
ظْهِرِه َ
عَلى َ
ب َ
ط َ
حَت ِ
حْبَلُه َفَي ْ
حَدُكْم َ
خَذ َأ َ
ن َيْأ ُ
َ ».ل ْ
العمل قيمة
حضارية
:قال
شُكُروَن «
ل َي ْ
عِمَلْتُه َأْيِديِهْم َأَف َ
ن َثَمَرِه َوَما َ
» لَيْأُكُلوا ِم ْ
) يس ( 35
4
سْعي َفاسَْعْوا
عَلْيُكْم ال ّ
ب َ
ن ال َكَت َ
إّ
) الطبراني (
قد طبق السلم نفوس أصحابه على تقديس العمل وترتيب قيم الشخاص
:عليه والحتفال بالعاملين وتكريمهم فقال القرآن
ف ُيَرى ُثّم «
سْو َ
سْعَيُه َ
ن َ
سَعى .وأ ّ
سان إّل َما َ
س ِللْن َ
ن َلْي ََوَأ ْ
جَزاَء الْوَفى « ) (1وهذا محمد رسول ال حينما صافح يدا جَزاُه ال ََي ْ
خشنة فسأل وعلم أن خشونتها من أثر استعمالها للمسحاة ،وهي أداة من
أدوات فلحة الرض قال ) :هذه يد محرمة على الّنار ( وقال ) :هذه
يد يحبها ال ورسوله ( .وعرق العامل وجهده وتعبه من أسباب مغفرة ال
له ذنوبا ل يكفرها صوم ول صلة ول أي واجب من واجبات العبادة ولذلك
قال الحديث المحمدي ) :من بات كال ) أي متعبا من العمل ( بات مغفورا
:له وقال أيضا ما معناه
إن من الذنوب ذنوبا ل يكفرها صوم ول صلة ول حج إّنما يكفرها (
).سعي الرجل على عياله
5
قال الشاعر:
صباح
ب الطير يسعى في ال ّ
أح ّ
لكسب الرزق ل يبغي عطاء
ب النهر نحو البحر يجريأح ّ
فهذا الماء إن لم يجر ساء
فبالعمال تبني الذات قطعا
وبالعمال نخترق الفضاء
فل ذات لمن يبن أرضا
ول ذات لمن ترك السماء
6
شرف
العمل
مّما مّكن لشرف العمل المادي وقيمة وإتقانه في المجتمع السلمي أن القرآن جعل أبطال
الرسالت الدينية من النبياء والمرسلين على مدى الّتاريخ هم في الوقت ذاته رواد في
.مجالت العمل والقوة المادية
فهذا " نوح " كان رسول نبّيا وكان رائدا من رواد الصناعة ،إذ أوحى ال إليه بصنع
سفينة التي نجته هو ومن معه من الطوفان الذي أغرق قومه الكافرين ،فكان بدء ال ّ
.صناعة السفن على يديه
وإبراهيم أبو النبياء كان رسول نبيا وكان في الوقت ذاته يحسن صناعة البناء ولذلك رفع
القواعد من البيت الحرام من مّكة هو وابنه اسما عيل ،ويوسف الصديق كان رسول نبّيا
حامل لعهد ال مع أبنائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ،وكان في الوقت نفسه ذا عقل
اقتصادي يحسن تدبير أمور الّناس المعاشية ،فأشار على فرعون مصر في عهده بأن
يزرع سبع سنين دأبا ويخزن فائض حصاد الزرع وغلته في هذه السنوات السبع استعدادا
صها لسنوات الزمة المقبلة التي استشفها بتأويله للرأيا التي أريها فرعون في منامه وق ّ
عليه ،ثّم لّما استخلصه فرعون لنفسه بعد تأويله للرؤيا ،طلب يوسف أن يوليه منصب
القائم على خزائن الرض في دولته ليخدم الّناس في مصر وما جاورها بتدبير أمور
معاشهم وأقواتهم فكانت رسالته مزدوجة للحياة الروحية والحياة المادية كما قال
) .القرآن » :قال اجعلني على خزائن الرض إّني حفيظ عليم « ) 1
وموسى رشحته قوته البدنية وأمانته لن يعمل للنبي شعيب في رعاية أمواله ويعينه
ن خير من عشر سنوات وأن يزّوجه إحدى ابنتيه بعد أن قالت » :يا أبت استأجره إ ّ
ي المين «)2 )استأجرت القو ّ
وداود كان نبيا ورائدا من رواد صناعة الحديد وكان يأكل من عمل يده ،كما قال القرآن :
سرد وأعَملوا صالحا « ) ( 3فهذا أمر إلهي » وأّلنا له الحديد أن اعمل سابغات وقّدر في ال ّ
.لصلح العمل المادي وإتقانه
:وسليمانبن داود كذلك كان من المحتفلين بالعمل والصناعة كما حدث القرآن في قوله
ن يَدْيه بإذن َرّبه «
ن يْعَمُل َبْي َ
ن َم ْ
ن الج ّ
سْلنا له عينَ القطر « ). (4أي النحاس »َوم َ وأ َ
ن َأْمِرنانذقه من عذاب السعير« ) . (5يعملون له ما يشاء من محاريب عْغ منُهم َ
َومن َيز ْ
وتماثيل وجفان كالجواب ،وقدور راسيات » ،واعملوا آَل داود شكرا وقليل من عباد َ
ي
شكور « )6) .ال ّ
.وهنا امتنان بالعمل المادي وأصل صريح في أن العمل المادي من الشكر ل
وعيسى المسيح كان من شرف العمل أن أجرى ال على يديه ألوانا من طبّ الجسام
.وعلج أمراضها وإحياء أمواتها معجزة وكرامة له
ومحّمد خاتم النبياء والرسل ،شرف ال بشبابه العمل في الّرعي والّتجارة في أموال
الّناس وشؤون الدفاع عن الحرمات .كما شرف العمل المادي بدعوته التي جعلت العمل
قرين اليمان ول يصح أحدهما بدون الخر على نحو ما بّينا سابقا وهكذا نرى أن خلصة
دعوة السلم هي هدي العقول والقلوب إلى طريق ال الخالق ،وهدي اليدي والجوارح
إلى جميع أنواع العمل الّنافع الذي تنموا به الحياة المادية وتزكية الحياة الروحية وتلقي
.به الّنفوس جزاء وثوابها في الحياة الثانية بدار البقاء والخلود
7
) (2سورة القصص – الية (1) 26 .سورة يوسف – الية .55
) (4سورة سبإ – الية (3) 12 .سورة سبإ –الية 11- 10
) (6سورة سبإ – الية (5)13 .سورة سبإ –الية .12
8
9
مع تحيات غادة عّمار
10