Professional Documents
Culture Documents
الفهرس
مق ّدمة المركز7..................................................................................................
سرهفلا
مقدمة المركز
ّ
مقدمة المركز
ّ
وصل الله عىل خري خلقه مح ّمد وآله الطاهرين ،والسالم رب العاملنيّ ، الحمد لله ّ
بالحق املبلِّغني رساالت ربّهم.
ّ عىل العلامء العاملني الناطقني
ْ َ َْ
قال -تعاىل﴿ :-إ َّن َما ي َش َّ َ
الل م ِْن ع َِبادِه ِ ال ُعل َم ُاء﴾(((. ِ
هدف الكتاب
كيف ينبغي أن نكون؟ وماذا علينا أن نفعل حتّى ال تنطبق علينا اآليات اآلتية؟
ََ َ َّ َ ۡ ُ َ َ ۡ ۡ َ َ َ َّ ٓ َ َ ۡ َ ٰ ُ َ َ ٰ َ َ َ َ َ ۡ َ َ ۡ
هدف الكتاب
ٱنسلخ مِن َها فأت َب َع ُه ٱلش ۡي َطٰ ُن فكن م َِن ﴿ - 1وٱتل علي ِهم نبأ ٱلِي ءاتينه ءايتِنا ف
َ َ َ ۡ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ُ َ َ َ َّ ُ ٓ َ ۡ َ َ َ ۡ
َ َُ َ َ َّ َ
ۡرض َوٱت َب َع ه َوى ٰ ُ ۚه ف َمثل ُهۥ ك َمث ِل ل إِل ٱل ِ ين 175ولو شِئنا لرفعنٰه بِها ولٰكِنهۥ أخ ۡٱل َغاو َ
ِ
َ ْ َّ َ َّ َ ۡ ُ َ َّ ۡ ۡ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ۡ َ ۡ ّۡ
ِين كذبُوا أَِبيٰت ِ َنا ۚ ث ذٰل َِك َمثل ٱلق ۡو ِم ٱل َ تك ُه يَل َ
ه ُ ت وت ِمل َعل ۡيهِ يَل َهث أ ۡ ۡ
ن
ۚ ٱللك ِ ِ
إ ب
ُ َ َ ٓ َ َ َ ً ۡ َ ۡ ُ َّ َ َ َّ ْ َ َ َّ َ َ َّ َۡ َ ۡ
ِين كذبُوا أَِبيٰت ِ َنا َوأنف َس ُه ۡم فٱق ُص ِص ٱلق َص َص ل َعل ُه ۡم َي َتفك ُرون 176ساء مثل ٱلقوم ٱل
َ ُ ْ َۡ ُ َ
ون﴾(((. كنوا يظل ِم
ۡ َ َ ٰ ِ ُّ ۡ ُ َّ َ َ َّ ۡ ۡ َ َ ۡ ً َ َ ُۡ َ ۡ َُّ ُ ُ
ٱدلن َيا َوه ۡم ِين ضل َس ۡع ُي ُه ۡم ِف ٱليوة ين أع َمٰل 103ٱل س
﴿ - 2قل هل ننبِئكم بِٱلخ ِ
َ ۡ َ ُ َ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ ُ َ
ون ُص ۡن ًعا﴾(((. يسبون أنهم يسِن
َ َ َ َ َ ۡ َ َ َّ
َ َۡ
ع َس ۡمعِهِۦ َوقلبِهِۦ َو َج َعل ع ع ِۡل ٖم َو َخ َت َم َ َ ٰ ٱلل َ َ ٰٱتَ َذ إ َل ٰ َه ُهۥ َه َوى ٰ ُه َوأ َض َّل ُه َّ ُ
ِ ﴿ - 3أفرءيت م ِن
ۢ َ ۡ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َٰ ٗ َ َ َٰ َ َ
ون﴾(((. ِش َوة ف َمن َي ۡهدِيهِ ِمن بع ِد ٱللِۚ أفل تذكر صه ِۦ غ عب ِ
َُ ۡ َ َۡ ُ َۡ َ َ ۡ َ َ ُ َّ َ ُ ّ ُ ْ َّ َ ُ َ َ ۡ ُ َ َ َ
ار ۢ ۚا بِئ َس َمثل ٱتل ۡو َرىٰة ث َّم ل ۡم ي ِملوها ك َمث ِل ٱل ِمارِ ي ِمل أسف ﴿ - 4مثل ٱلِين حِلوا
ۡ َ ۡ َ َّ َّ َ َّ ُ َ ۡ َ ۡ ِ َّ َ َ َّ ْ َ
ٱلظٰل ِ ِم َني﴾(((. ٱلل ل َي ۡهدِي ٱلقوم ت ٱللِۚ و ِين كذبُوا أَِبي ٰ ِ ٱلقوم ٱل
مقدمة المعرِّب
ّ
مقدمة
األخالق والقدوة
ّ
عندما ح ّدد رسول الله Pالهدف من بعثته املباركة بقوله« :إنّ ا ُب ِعث ُْت ألمتّم
المعرب
مكارم األخالق» فقد ح ّدد بذلك حقيقة اإلسالم واأل ّمة املسلمة ،وعندما أوضح P
ِّ
أ ّن الحرب مع النفس األ ّمارة بالسوء هي «الجهاد األكرب» فقد رسم الطريق إىل حفظ
اإلسالم وبناء األ ّمة .اإلسالم مدرسة مكارم األخالق ،ومن مل يق ّرر أن يتد ّرج يف صفوف
هذه املدرسة ،فلم يق ّرر بع ُد أن يكون مؤمناً ،مهام كانت معرفته باإلسالم ،ومهام كان
الظاهري بني املسلمني.
ّ موقعه
إنّه أشبه ما يكون مبن يذهب إىل املدرسة باستمرارٍ ،لك ّنه يبقى يف باحتها ،إنّه
ُ َّ ت ۡٱلَ ۡع َر ُ
اب َء َام َّناۖ قل ل ۡم
َ َ
داخل سور اإلسالم ،إلّ أنّه ال يتعلّم من اإلسالم شيئا ً﴿ :قال ِ
ُ ُ ْ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ
ولۥ ل
ُ ُُ تُ ۡؤم ُِنوا ْ َو َلٰكن قُول ُ ٓوا ْ أَ ۡسلَ ۡم َنا َول َ َّما يَ ۡد ُخل ۡٱل َ
يم ٰ ُن ِف قلوبِك ۡمۖ ِإَون ت ِطيعوا ٱلل ورس ِ ِ ِ
َ
ٱلل َغ ُفورَّ ٞرح ٌ
يا ۚ إ َّن َّ َ َ ۡ ُ ّ ۡ ۡ َ ُ ۡ َ ًۡ
ِيم﴾(((. يل ِتكم مِن أعمٰل ِكم ش ٔ ِ
واأل ّمة املسلمة التي أرادها رسول الله Pليست األ ّمة التي تنتمي إليه مبج ّرد
يل مبكارم األخالق؛ الشهادتني ،وإنّ ا هي األ ّمة التي تنتمي إليه من خالل االلتزام العم ّ
اس ي أُ َّمة أ ۡخر َج ۡ
ت ل َِّلن ِ
ُ نت ۡم َخ ۡ َ ُ
﴿ك ُ لتصبح بذلك مؤ ّهل ًة ملخاطبة اآلخرين بااللتزام بها
ِ ٍ
ۡ َ َ ۡ ۡ َۡ
وف َو َت ۡن َه ۡو َن َع ِن ٱل ُمنك ِر﴾((( .وليك تبلغ األ ّمة هذه املرتبة ،ال ب ّد من أن
تأ ُم ُرون بِٱل َمع ُر ِ
الدم الزيكّ ،فج ّرد ظُ َبى انتقامه ليقطع عالقة األ ّمة بعلامئها ،وقد نجح يف ذلك إىل ح ٍّد كبري.
ّ
المعرب
وصلت األ ّمة إىل حيث أصبحت تعيش الجهل املطبِق بسرية علامئها املاضني ،وتعيش
ِّ
عصر اإلسالم
املركزي اآلن عىل مستوى األ ّمة .ويف حني يخ ّيم ّ «ماذا بعد مدريد؟» هنا هو السؤال
اإلحباط عىل الكثريين ،ال ميكن للمسلم ّإل أن يكون واثقاً بأ ّن هذا العرص هو عرص
اإلسالم مهام بدت األجواء حالك ًة مكفه ّرةً .وتستند هذه الرؤية إىل عوامل عديد ٍة تقوم
ى َودِين ۡ َ
ٱل ّ ِق ِي أَ ۡر َس َل َر ُس َ ُ
ولۥ بِٱل ۡ ُه َد ٰ ﴿ه َو َّٱل ٓ
ُ
جميعاً عىل قاعدة الثقة بوعد الله تعاىل:
ِ
ّ َ َۡ َ َ ُۡ ۡ ُ َ
ون﴾(((. شك ُۡ َُ ََ ّ
ِين لكهِۦ ولو ك ِره ٱلم ِ
ِلظ ِهرهۥ ع ٱدل ِ
من هذه العوامل :الثقة بقدرة اإلسالم عىل احتواء أمواج الغزو العاتية ،ومحارصة
آثارها لالنقضاض عليها يف الوقت املناسب .ليست أمريكا ق َدرا ً ،وإمنّا هي دول ٌة ّ
متجب ٌة
متتلك الكثري من عوامل الق ّوة ،وتختزن الكثري أيضاً من عوامل الضعف.
ومل تبلغ هجمتها عىل بالد املسلمني -بع ُد -ما بلغه الغزو املغو ّيل ،الذي رسعان ما
تص ّدت له حصون اإلسالم واحتوته ،فإذا باإلسالم يفتح قلوب هؤالء الذين ظ َّنوا ردحاً
من الزمن أنّهم الفاتحون.
ومن هذه العوامل :أ ّن أمريكا تحاول ما هو يف ح ّد املستحيل ،تريد أن تخضع
األ ّمة لليهود؛ لتعيش األ ّمة يف سالمهم ويف عرصهم ،تق ّدم لهم ثرواتها ،وتتح ّول إىل سوقٍ
لترصيف منتجاتهم ،وتأخذ منهم فتات العيش .وهذا ما ال ميكن أن يتحقّق ،اللّهم ّإل
سيظل القرآن الكريم
ّ أن نخرج من ملّتنا وندين بغري ديننا .ما دمنا ننتسب إىل اإلسالم،
وسيظل يحذّرنا من قتلة األنبياء أعداء الله تعاىل
ّ فينا ،يُ َتل يف نوادينا ،وتهتف به مآذننا،
وأعداء رسوله ،وأمام ذلك لن يصمد «مدريد» وال ما يخطّط الكفر ملا بعده.
ومعاهد ًة للسالم.
المعرب
ومن هذه العوامل :ثورة اإلسالم الظافرة يف هذا العرص ،التي وفّق الله تعاىل
ِّ
تمهيد
ملا ةمّ م
((( مضمون بيت مستوحى من املضامني املشابهة ملا يف دعاء االفتتاح« :إلهي ربح الصامئون ،وفاز القامئون ،ونجا
املخلصون ونحن عبيدك املذنبون».
((( راجع نهج البالغة ،تحقيق صبحي الصالح ،ص .394 - 393ويقول الشاعر:
عاش من أول الدهر تو َّهمته قد َ
إذا عرف اإلنسان أحوال من مىض
إ ّن األنبياء والرسل واألمئّة املعصومني Rومن بعدهم العلامء الصالحون،
21
واملتّقون ،واملخلصون ،هم القدوة واألسوة ،وإىل تعاليمهم ِ
وس َيِهم ّ
متس الحاجة
باستمرار ،يف استيضاح معامل الطريق إىل السعادة ،وقد اخرتنا القدوة يف هذا الكتاب
من املرتبة الثانية -العلامء -لألسباب اآلتية:
والطلب األع ّزاء ،الذين
ّ األسايس للكتاب أن يطّلع الروحان ّيون األماجد،
ّ أ -كان الهدف
الخواص ،عىل سرية أبناء صنفهم ونوعهم؛ ليقتدوا بهم. ّ هم من
فّلؤ
ب -عندما يقرأ أحدنا سرية املعصومني يجد نفسه تلقائ ًّيا يقول :وأين نحن منهم؟ إنّهم
ملا ةمّ م
معصومون.
دق
وهكذا نحرم أنفسنا من االستفادة من سريتهم ،أ ّما سرية العلامء والصالحني فال
فيشكل س ّدا ً بينه وبني سريتهم؛ ألنّهم ليسوا معصومني،
ّ يستطيع أحدنا أن يقول ذلك،
خاصة ،كانت من دوافع واالقتداء بهم ممكن ،من هنا كانت لسرية العلامء ،أهم ّي ٌة ّ
هذا الكتاب.
الواقعيي؛ ليستفيدوا منها،
ّ الرضوري أن يعرف الناس سرية علامء اإلسالم
ّ ج -إ ّن من
وليمكنهم عىل أساس ذلك أن يق ّيموا «العلامء» الذين يتص ّدون لقيادة الناس
الحقيقي منهم ِمن املزيّف ،واألصيل من الدخيل ،وهذا أم ٌر ّ وإرشادهم ،ومي ّيزوا
رضوري ج ًّدا ،فقد يؤ ّدي وجود أدعياء العلم إىل إساءة الظ ّن بالحوزات العلم ّية ٌّ
واملرجع ّية والعلامء بشكلٍ عا ّم.
د -األشخاص الذين يريدون االلتحاق بالحوزات العلم ّية ميكنهم بقراءة هذا الكتاب أن
يل ّموا بالصعوبات واملسؤول ّيات واملها ِّم الخطرية التي يستتبعها هذا الطريق؛ حتّى ال
يردوا موردا ً ليسوا من أهله ،فيختاروا طريقاً آخر ،حيث إنَّه:
ورجــــــــاالً لــقــصــعــ ٍة وثـــريـــد خــلــق الــلــه لــلــحــروب رجــــاالً
الرضوري هنا التنبيه عىل أمور:
ّ من 22
للطلب األع ّزاء من العمل به بعد تعلّمه .1إ ّن هذه املضامني هي من النوع الذي ال ب ّد ّ
وهي ستّة عرش قسامً.
.2ترتيب القصص يف هذا الكتاب ال عالقة له بأه ِّميّة أصحابها ،ما عدا ما يرتبط باإلمام
الخميني { فقد لوحظ فيها ،قدر اإلمكان ،أن تق ّدم عىل غريها. ّ
.3القصص التي أُوردت يف الكتاب أُ ِخذت من مصادر معتربة ،وقد تج ّنبت إيراد القصص
التي تدور عىل األلسنة دون أن يعرف لها مصدر موث ّق ،وكذلك مل أورد شيئاً من
«صور الواعظني» و«لسان الذاكرين» وإلّ فإ ّن حجم هذا الكتاب كان أصبح أكرب
مام هو عليه بكثري.
.4كذلك ت ّم اجتناب إيراد القصص التي ال توجد شواهد وقرائن عىل ص ّحتها ،ويف هذا
السياق اجتنبت إيراد القصص األسطوريّة ،كتلك التي توجد يف بعض الكتب ،وكذلك
مل أورد القصص التي يستدعي ذكرها اإلطالة.
يل هو قصص العلامء ،كالمهم ،وصاياهم ،ووقائع األسايس والهدف األص ّ
ّ .5املحور
سريتهم ومق ّدمات الفصول ،وخواتيمها ليست ّإل إليضاح الفكرة.
فإن أهدي هذا الثواب إىل .6إذا كان يل من ثواب عىل هذا العمل ،عند الله تعاىلّ ،
أساتذيت األعاظم الذين استفدت منهم يف حوزات العلوم الدينيّة؛ أل ّن لهم ح ّقاً
عظيامً ع َّ
يل.
علم العلم كان خير أب». «من َّ
رب العاملني.
والحمد لله ِّ
قم -رضا مختاري
مح ّرم الحرام 1405 -هـ.ق
القسم األ ّول
َّ َ ََۡ
﴿ق ۡد أفل َح َمن َزكى ٰ َها﴾
سورة الشمس ،اآلية 9
25
يف ضوء توجيهات قادة الدين ،إ َّن أ ّول ما ينبغي عىل طالب العلوم الدين ّية والروحان ّية
القيام به ،هو أن يكون بصدد تصفية قلبه وتطهري روحه ،وتهذيب نفسه؛ أل ّن جميع
مسقل
ا :فنلا بيذهت :ىلوألا ةوطخلا
القيم ترتكز عىل محور تزكية النفس .وما مل يت ّم غسل القلب من األدران والصفات
الشيطان ّية والرذائل النفس ّية فلن يكون باستطاعة يش ٍء -حتّى العلم -أن ينجي اإلنسان.
بل إ ّن من مل يهذّب نفسه ،كلّام ازداد علامً كلّام زاد إرضاره بنفسه ومبجتمعه ،إ ّن العلم
مختص فهي سبب الحفاظ عىل الحياة ،وإذا كانت يف ّ كالسكّني ،إذا كانت يف يد ج ّرا ٍح
يد جاهلٍ أحمق فهي خط ٌر عىل الناس .فيا أخي الروحا ّين ،فكّر ج ّيدا ً وانظر يف عواقب
كل يش ٍء تطهري باطنك وتنظيف قلبك .إ ّن حكم قتل آية الله األمور ،وليكن ه ّمك قبل ّ
أي
الشهيد الشيخ فضل الله نوري -رضوان الله عليه -قد أصدره مع ّم ٌم مل يهذّب نفسه؛ ّ
الشيخ إبراهيم الزنجا ّين ممثّل زنجان يف املجلس النيا ّيب؛ فقد تص ّدى للقضاء يف محاكمة
الشيخ الشهيد وأفتى بقتله.
وقد ذ َّمت الروايات العلامء الذين مل يزكّوا أنفسهم ذ ّماً كبريا ً ،وب ّينت أ ّن خطر هؤالء
ال تكاد تُ َح ّد أبعاده ،يقول اإلمام عيل « :Qقصم ظهري عاملٌ مته ّتك وجاهل
بتنسكه والعامل ينفّرهم بته ّتكه»(((. يغش الناس ّ متنسك ،فالجاهل ّ ّ
الرومي:
ّ جلسات درسه يقرأ هذه األبيات لجالل الدين
مسقل
«تعلُّم العلم والف ّن بدون جوهره أشبه ما يكون بتمكني قاطع الطريق من الخنجر.
ا :فنلا بيذهت :ىلوألا ةوطخلا
الزنجي السكران من الخنجر أفضل من وقوع العلم بيد من ليس أهالً له.
ّ إ ّن متكني
سبب للفتنة يف أيدي س ِّيئي الرسيرة.
العلم واملال واملنصب والجاه والقرآن ٌ
الحلج»(((.
الطبيعي أن يُش َنق ّ
ّ عندما يسقط القلم يف يد (الجاهل) الغادر فمن
وقد د َّون «هرني كربن»((( وجم ٌع من املسترشقني سرية صدر املتألّهني -رضوان الله
عليه -وتع ّرضوا لحياة العلامء املعارصين لهذا الفيلسوف الكبري فقالوا« :يندر أن نجد
لطلب العلوم يف مدارس أصفهان ،كان أكرثهم اليوم يف جامعات الرشق والغرب نظريا ً ّ
يطلبون العلم للعلم وتبليغ الدين ،ال ليش ٍء آخر.
ومل يكن يخلو األمر م ّمن يطلبون العلم للحصول عىل املالّ ،إل أ ّن عددهم كان
أي تأثريٍ عىل أكرث ّ
الطلب. ضئيالً ج ًّدا بحيث إنَّهم مل يكن لهم ّ
ويف الواقع فإ ّن أستاذ صدر املتألّهني «املريداماد» هو الذي ربّاه هذه الرتبية،
مسقل
يوم اشرتك يف مجلس والستيضاح ذلك نصغي إىل وص ّية «املريداماد» لتلميذه يف أ ّول ٍ
ا :فنلا بيذهت :ىلوألا ةوطخلا
درسه.
ّ ّ
صدر المتألهين في يوم دراسته األول
عندما انتهت أ ّول جلس ٍة اشرتك فيها صدر املتألّهني يف درس «املريداماد» ،انتحى به
أستاذه جانباً وقال له« :يا مح ّمد ،لقد قلت أنا اليوم إ ّن الشخص الذي يريد دراسة
الحكمة ،يجب أن يهت ّم بالحكمة العمل ّية ،وها أنذا أقول لك إ ّن الحكمة العمل ّية أمران:
األ ّول :القيام بجميع واجبات اإلسالم.
كل ما تطلبه النفس األ ّمارة من أجل أنسها .أداء الواجبات الدين ّية
الثاين :اجتناب ّ
كل فائد ٍة هي ملصلحته.
رضوري؛ أل ّن الطالب عندما يؤ ّديها يستفيد من ّ
ٌّ
وأ ّما األمر الثاين -اجتناب ما تهواه النفس األ ّمارة -فباعتبار أ ّن طالب الحكمة يجب
أن يجتنب تأمني رغبات نفسه .إ ّن املطيع لنفسه املشتغل بدراسة الحكمة يُحت َمل يف
حقّه قويًّا أن يخرس دينه وينحرف عن الرصاط املستقيم(((.
االجتامعي.
ّ العمل
مسقل
نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه عن أمري املؤمنني « :Qمن ّ
ا :فنلا بيذهت :ىلوألا ةوطخلا
قبل تعليم غريه ،وليكن تأديبه بسريته قبل تأديبه بلسانه ،ومعلّم نفسه ومؤ ّدبها
أحق باإلجالل من معلّم الناس ومؤ ّدبهم»(((.
ّ
- 1ما دمت مل تفتح نفسك يا فالن فكيف ميكنك أن تفتح نفوس اآلخرين(((؟!
- 2ش ّد وثاق نفسك أ ّوالً وسيطر عليها ،وآنذاك اعرِف نعمة الوعظ والنصح.
- 3انصب منربا ً لنفسك أ ّوالً ،عندها ميكنك أن ترعد عىل املنرب وتربق.
- 4أرضم اللهب يف باطنك أ َّولً ،عندها ميكنك أن تلهب (املشاعر أيّها السالك).
ُنضج ُحرقَ ُة الدين َ
القلب فلن ينفع كالمك أيّها املحرتم (لن يصبح نَف َُس َك حارا ً). - 5ما مل ت ِ
- 6ما مل يكن يف كبدك حرقة فال تنفخ ،فإ ّن نفخك لن يؤث ّر(((.
الطلب ،وال ب ّد من كتب تنفع ّ الثاين :األمر الثاين الذي تنبغي االشارة إليه ،هو ذكر ٍ
ات ع ّدة:قراءتها م ّر ٍ
اآلن ،وقد اتّضحت بعض اليشء أه ِّم ّية تزكية النفس وتصفية الباطن ،ينبغي التأكيد
عىل أه ِّم ّية األستاذ.
يناثلا مسقلا :لسلاو ريسلاو قالخألا ذاتسأ ىلإ ةجاحلا
ال تقطع هذه املرحلة بدون صحبة «الخرض» .إنَّها لظلامت ،فحاذر من خطر
الضياع(((.
علم وصنع ٍة يف العامل يحتاج إىل معلّم ،وهذا األمر لش ّدة وضوحه ال أي ٍإ ّن تعلّم ّ
ِب لتصديقه» .وصناعة اإلنسان يجادل فيه أحد وهو ،بحسب االصطالح« ،ت ََص ُّوره ُموج ٌ
بدون أستاذ وبشكلٍ تلقا ّيئ هي غري ممكنة ،وال ميكن ألحد أن ي ّدعي أنّه ،وبدون أن
يتلقّى التوجيه من أحد ،يستطيع أن يصفِّي قلبه ويط ّهر ذاته من الرذائل األخالق ّية.
طلب العلوم الدين ّية االهتامم بها -خصوصاً وعليه ،فإ ّن املسألة األوىل التي يجب عىل ّ
الطلب املبتدئني -أن يكونوا بصدد البحث عن أستاذ األخالق ،فيختاروا إنساناً ح ّرا ً ّ
متّقياً ّ
يتول تربيتهم....
األشخاص الذين مل يتتلمذوا طيلة عمرهم عىل معلّم أخالق ويقولون« :نحن قرأنا
القرآن وأحاديث املعصومني ورسنا ووصلنا» مخطئون قطعاً وتائهون .والحديث يف هذا
املجال ذو شجون ،ولكن من األفضل ذكر خالصة ما يؤكّد عليه علامء األخالق املربّون:
أيّها الطالب املبتدئ ،وأيّها األخ الروحا ّين ،إبدأ منذ األيّام األوىل لدخولك الحوزة العلميّة
بالبحث عن أستاذ األخالق ،وليكن ذلك ه ّمك األ ّول .حذار أن تفعل شيئاً دون استشارة
ألستاذ يتّصف بالفهم والتح ّرق والوعي.
ازي.
((( مضمون بيت شعر فاريسّ لحافظ الشري ّ
الحق كثريون ،افتح عني
حذارِ! انظر بعيدا ً ،فإ ّن املحتالني الذين يُضلّون الناس عن ّ 36
بصريتك ج ّيدا ً حتّى ال تقع يف رشاكهم .ولقد عانيت رضر عدم االستفادة من أستا ٍذ،
وحب
ّ وتذ ّوقت نتائج ذلك ،وواجهت من ج َّرائه مشاكِل عديدة ،وبدافع اإلخالص
مصلحتك أقول :كن بصدد البحث عن خرض هذه املرحلة ،واعلم أنّه مل يستطع أح ٌد
أن يصبح شيئاً لوحده.
ّ
مع اإلمام الخميني {
«اختاروا أساتذة أخالقٍ لكم ،إع ِقدوا مجالس الوعظ والخطابة والنصيحة ،التهذيب
تلقائيّاً (بدون أستاذ) غري ممكن ،إ ّن الحوزات محكوم ٌة بالفناء إذا خلت من مجالس
الوعظ والنصيحة .كيف يُعقَل أن يكون علم الفقه واألصول بحاجة إىل مد ّرس؟ بحاج ٍة
كل علم وصنعة يف الدنيا بحاجة إىل أستاذ، درس وبحث؟ (كيف يُعقَل) أن يكون ّ إىل ٍ
وال تكون العلوم املعنويّة واألخالقيّة بحاجٍة إىل تعل ٍّم وتعليم؟ ث ّم يحصل عليها اإلنسان
ويحصلها بدون معلّم ،لقد سمعت مرارا ً أ ّن سيّدا ً جليالً كان ّ تلقائيّاً «أوتوماتيكيّاً»
األنصاري((( .كثري ٌة هي األمور التي تجعل اإلنسان مسكيناً ،ومتنعه
ّ معلّم األخالق للشيخ
من التهذيب والتحصيل .بعض هذه األمور للبعض هي هذه اللحية وال ِعاممة ،عندما
تصبح ال ِعاممة كبري ًة قليالً وتطول اللحية ،إذا مل يكن صاحبُهام مهذّباً ،يبقى بال علم،
مجلس درسَ يصبح قعيدا ً ومن الصعب أن يستطيع أن يد ّرس نفسه األ ّمارة ويحرض
الطويس يف الثانية والخمسني من عمره كان يذهب إىل الدرس ،يف حني أنّه ّ أحد .الشيخ
بني العرشين والثالثني ألّف بعض هذه الكتب ،كتاب التهذيب يقال إنّه ألّفه عندما
كان هذا عمره ،ومع ذلك يف الثانية والخمسني كان يشرتك يف درس املرحوم السيّد
املرتىض؛ ولذلك وصل إىل هذه املرتبة»(((.
الهوى ،الواصل إىل املعرفة اإلله ّية ،واإلنسان الكامل الذي سافر -باإلضافة إىل السري إىل
«بالحق».
ّ الله -األسفار الثالثة األخرى ،رشط أن يكون تج ّوله وتف ّرجه يف عامل -الخلق
إذا أمىض اإلنسان الذي يطلب طريق الله وسلوك طريق الله ،نصف عمره يبحث عن
يستحق هذا االهتامم .من
ّ أستاذ هذا الطريق ويفتِّش عنه ،فإنّه يكون مصيباً؛ أل ّن األمر
وصل إىل األستاذ وحصل عليه فقد قطع نصف الطريق»(((.
ّ
الكاشي طريقة الشيخ
الكايش
ّ القوﭼـان عن أستاذه املرحوم الشيخ مح ّمد ّ النجفي
ّ يح ّدثنا املرحوم آية الله
الكايش الذي
ّ األخالقي ،فيقول« :الشيخ مح ّمد
ّ صاحب الكرامات املشهورة ،وعن تأثري حديثه
قرأت يف أصفهان «منظومة السبزوار ّي» عليه ،كان غاي ًة يف العلم والتحقيق ،وكان مد ّرساً
ج ّيدا ً ،ومع أنّه كان معروفاً ومجتهدا ً يف املعقول والرياض ّيات ،كان عىل جانبٍ كبريٍ من القداسة
والتديّن والرياضات ،وكان باستمرار قبل الدرس يعظ مل ّدة ربع ساعة ،وكانت موعظته مؤث ّر ًة
ج ّدا ً ،بحيث إنَّنا ك ّنا نص ّمم أن ننرصف كلّ ّياً عن الدنيا وما فيها ونهت ّم باآلخرة»(((.
ّ ٌ
تنبيه هام
األمر الذي يجب االهتامم به ج ّي ًدا هو الدقّة يف اختيار األستاذ .يجب أن يكون
الطالب دقيقاً ج ّدا ً ومحتاطاً ،فال يختار شخصاً ملج ّرد أنّه ي ّدعي أنّه قادر ،وبدون أن
((( مضمون بيتني ملولوي.
((( رسالة السري والسلوك املنسوبة إىل الس ّيد بحر العلوم ،ص ،176الهامش.
((( سياحة يف الرشق ،ص.188
العلمة الس ّيد بحر العلوم، يطم ّنئ إىل ص ّحة دعواه .ويف هذا املجال نصيحة للمرحوم ّ
38
رس والعلن ،ومعارشته حيث يقول« :وأ ّما األستاذ العا ّم((( فال يُع َرف َّإل بصحبته يف ال ِّ
الباطن ّية ،ومالحظة اكتامل إميان جوارحه وإميان نفسه .والحذ َر الحذ َر من أن يقع
االنخداع بظهور خوارق العادات منه وبيانه لدقائق النكات ،وإخباره بالخفايا اآلفاق ّية،
وخبايا األنفس ،وتب ّدل بعض حاالتك نتيجة االقتداء به؛ أل ّن اإلرشاف عىل الخواطر
وطي األرض والهواء واألخبار مبا يأيت واالطّالع عىل الدقائق والعبور عىل املاء والنار ّ
تحصل يف مرتبة املكاشفة الروح ّية ،وبني هذه املرحلة والهدف املطلوب وأمثال ذلك ،إنّ ا ُ
مساف ٌة ال تتناهى ،وكث ٌري من املنازل واملراحل ،وما أكرث السالكني الذين يجتازون هذه
املرحلة ث ّم يدخلون بعدها يف وادي اللصوص واألبالسة .ومن هنا ،يستطيع كث ٌري من
الكفّار أن يأتوا بكثريٍ من األمور (الغريبة) ،بل إنّه من التجلّيات الصفات ّية ،ال ميكن
استنتاج وصول صاحبها إىل املنزل (الهدف املطلوب)»(((.
كل والكلامت القصار التي بقيت يف الخواطر وتتناقلها األلسن بني الحني واآلخرّ ،
علم ومصباح هداي ٍة متو ّه ٌج عىل َم ّر الليايل واأليّام .ومن املؤسف أنّه يف منها بحر ٍ
أي يشء آخر ،ال مجال ماس ٌة إىل مثل هذه املجالس أكرث من ّ هذه األيّام ،والحاجة ّ
لذلك الرجل العظيم إلقامة مثل هذه الدروس بسبب كرثة املشاغل وقيادة سفينة
الثورة التي تعصف بها هوج الرياح ،والرصاع املرير مع أعداء اإلسالم األساس ِّيني
وعىل الرغم من ذلك كلّه ،فإنّه -دام ظلّه-عندما يذكر ،مبناسب ٍة أو أخرى يف أحاديثه
ويبي بعض الغوامض ،فيقشع ّر بدن اإلنسان العا ّمة ،بعض اإلرشادات ويكشف ّ
والتوكل والعرفان.
ّ وتستويل عليه الدهشة لهذا اإلخالص العظيم واالطمئنان
وإليك فكرة عن درس اإلمام أيّام كان سامحته يف ق ّم :يف البداية كانت هذه الجلسة
أشخاص يطم ّنئ إليهم سامحته ،وكان يرشح ٌ محدود ًة ج ّدا ً ،وكان يستطيع االشرتاك فيها
لهم املعارف اإلله ّية عىل أساس كتاب «منازل السائرين» .وتدريج ّياً اتّسعت دائرة
علني ،وباإلضافة إىل الروحان ّيني كان يحرضه وبشكل ّ ّ الدرس ،وأصبح يُعقَد أسبوع ّياً م ّر ًة
العرشات من مختلف الطبقات .ث ّم أصبح إقبال الناس الكبري عىل هذا الدرس سبباً
يف أن ق ّرر اإلمام أن يعقده يومني أسبوع ّياً (الخميس والجمعة) وحاول جالوزة رضا
خان أن يعطّلوا الدرس ،لك ّنهم ُووجِهوا بصالبة موقف اإلمام؛ فقد قال اإلمام ملبعوث
فلتأت الرشطة مبارش ًةِ الرشطة« :أنا مكلّف أن أقيم هذا الدرس مهام كلّف األمر،
بترصف يسري.
((( الفوائد الرضويّة وصفحة (د) ّ
ومتنعه» .ومل تج ُرؤ الرشطة عىل اقتحام مجلس الدرس ،ولك ّنهم استم ّروا يف املضايقات،
40
مل صادق» «حاج ّ
مم اضط ّر اإلمام إىل أن ينقل الدرس من املدرسة الفيض ّية إىل مدرسة ّ ّ
يف محلّة «جهار مردان» وقد استم ّر األمر كذلك حتّى انتهى عرص رضا خان املظلم،
سنوات طويلة (الظاهر أنّها مثاين سنوات) ٍ فنقل اإلمام الدرس إىل الفيض ّية واستم ّر
املربّ ،إل أ ّن
بعدها استطاع جالوزة الشاه بأساليبهم املختلفة أن يوقفوا هذا الدرس ّ
كل فرص ٍة يستغل ّ
ّ رصخة اإلمام استم ّرت هادر ًة توقظ النامئني؛ فقد كان يف النجف وق ّم
طلب العلوم الروحان ّيني بنصائحه الب ّناءة ،داعياً الحوزات العلم ّية إىلمناسب ٍة لينصح ّ
التقوى وجهاد النفس(((.
ّ
مطه ّ
ري مع الشهيد
كان األستاذ الشهيد من أبرز الوجوه التي حرضت هذا الدرس وهو يح ّدثنا عن
تأثريه فيقول:
«رغم أنّني عندما هاجرت إىل ق ّم مل أكن قد أكملت املق ّدمات ،ومل أكن أهالً لدراسة
كلاألخالقي الذي كان يُقام من قبل الشخصيّة التي هي محبويب ّ
ّ املعقوالت إلّ أ ّن الدرس
خميس وجمعة ،وقد كان يف الحقيقة درس معارف وسري وسلوك ،ال درس أخالق باملعنى
العلمي ،هذا الدرس كان يُسكرين ،وبدون أيّة مبالغة هذا الدرس كان يستويل ّ ّ
الجاف
عىل مشاعري ويش ّدين إليه ،إىل ح ّد كنت أجد نفيس حتّى االثنني والثالثاء من األسبوع
التايل ما أزال متأثّرا ً به بش ّدةٌ .
جانب مه ٌّم من شخصيّتي الفكريّة والروحيّة تك ّون يف هذا
اإللهي طيلة اثني عرش عاماً،
ّ الدرس ،ث ّم يف الدروس األخرى التي تلقّيتها من ذلك األستاذ
اإللهي»(((.
ّ كنت دامئاً أعترب نفيس مديناً له وما زلت .ح ّقاً أقول «إنّه روح القدس
والنص هنا
((( ألهم ّية ما كتبه الشهيد عن أستاذه راجع بق ّية ذلك يف املصدر املذكور (يف رحاب نهج البالغة)ّ ،
الفاريس (املع ِّرب).
ّ ليس منقوالً عنه بل هو مرتجم عن األصل
((( مفاتيح الجنان أعامل الليلة السابعة والعرشين من شهر رمضان.
((( ﮔنجينئة دانشمندان ،ج ،1ص.230
الطلب يف ق ّم سنة العلمة الطباطبا ّيئ كان يد ّرس األخالق لبعض ّ - 5املرحوم آية الله ّ
42
1369 - 1368هـ.ق .وكان ذلك الدورة األوىل من دروسه األخالق ّية والعرفان ّية،
ولحسن الح ّظ فقد طبعت تقريرات درسه باسم ّ
«لب اللباب»((( .كان الس ّيد العلّمة
يهت ّم برسالة السري والسلوك املنسوبة إىل الس ّيد بحر العلوم ،وكان يويص بقراءتها،
لخواص من تالمذته من طالّب الحقيقة ولقاء الله ،وقد ّ وقد د َّرسها هو م ّر ٍ
ات ع ّدة
موسعٍ نسب ّياً(((.
بشكل ّ
ّ كان يرشحها
«يصل راعي الوادي األمين إىل هدفه عندما يخدم شعباً بإخالص ع ّدة سنني»(((.
ويف ما ييل تعريف بعدد من الشخص ّيات البارزة من أساتذة األخالق والعرفان
والسري والسلوك يف القرن األخري ،حيث نذكر -مع مراعاة االختصار -ما يتعلّق بهذه
الشموع املضيئة لتكون أسامؤهم زينة هذه األوراق ،وتأدي ًة لبعض حقّهم.
لب اللباب ،تقرير آية الله الس ّيد الطهرا ّن (فاريس). ((( ّ
((( مهرتابان «فاريس» ،ص 54القسم األول :هذا الكتاب قسامن القسم األول سرية العلّمة الطباطبا ّيئ عليه
الرحمة ،والقسم الثاين فوائد علم ّية ها ّمة تلقّاها منه تلميذه مؤلّف الكتاب آية الله الطهرا ّين وهو كتاب ق ّيم
جدا ً «املع ِّرب».
نبي الله موىس عىل ازي استشهد به املؤلّف واملراد براعي الوادي األمين ُّ فاريس لحافظ الشري ّ ((( مضمون بيت ّ
نب ِّينا وآله وعليه الصالة والسالم.
ّ السيد ّ
ّ
الشوشتري
(((
علي - 1العارف الكامل آية اهلل
43
األنصاري Mوهو
ّ ويص الشيخ
أحد أملع نجوم سامء العرفان يف العرص األخريّ ،
وتول التدريس من بعده عىل منربه .فكان كأنّه الشيخ،
صل عىل جنازة الشيخَّ ، الذي ّ
وكان املرحوم اآلخوند الخراسا ّين (((Mيحرض مجلس درسه ،وكان السيّد يويل اآلخوند
عناي ًة ّ
خاصة.
ائري عىل النحو اآليت :الس ّيد
الشوشرتي إىل املح ّدث الجز ّ
ّ يل
وينتهي نسب الس ّيد ع ّ
يناثلا مسقلا :لسلاو ريسلاو قالخألا ذاتسأ ىلإ ةجاحلا
يل بن الس ّيد مح ّمد بن الس ّيد ط ّيب بن الس ّيد مح ّمد بن نور الدين بن املح ّدثع ّ
ائري(((.
الجز ّ
يقول عنه صاحب «املآثر واآلثار»:
«املشهور بالزهد والرياضات الرشع ّية ومخالفة النفس ،من جملة ُر َؤساء املذهب،
الحقيقي ،مثل
ّ ((( ينبغي التنبيه عىل أنّه حيث يرد مدح العارف يف هذا الكتاب ،فإ ّن املقصود العارف باملعنى
هؤالء العلامء الذين ترد أسامؤهم يف هذا القسم؛ أي األشخاص الذين يلتزمون متاماً بالرشيعة اإلسالم ّية وفقه
اإلمام جعفر الصادق Qال أولئك الذين يعتمدون عىل عقلهم الناقص ويخرجون من دائرة الرشيعة وال
يط ّبقون تعاليم اإلسالم.
البهاري :Mمن جملة أولئك «املغرورين» طائفة يعتربون أنفسهم ّ يقول املرحوم آية الله الشيخ مح ّمد
بالزي وخفض الصوت واإلطراق بالرأس والزفرات والتبايك ،س ّيام إذا سمعوا كالماً يف عرفاء وقد اكتفوا من العرفان ّ
العشق واملح ّبة والتوحيد والفقر (مع عدم معرفة املعنى) بل البعض يتجاوز ذلك إىل الشهيق والنهيق واخرتاع
بعض األذكار والتغ ّني باألشعار وغري ذلك من األفعال الشنيعة .وظ ّناً منهم بأّن هذه األطوار توصل الشخص إىل
مقامٍ ما ،وليس األمر كذلك فإ ّن هؤالء واقعون يف الشبهات واملح ّرمات وترك املستح َّبات بل الواجبات .م ّدعني
أ ّن املحتاجني إىل رياضة البدن هم ضعفاء النفوس من العوا ّم وباصطالحهم :املحتاج إىل الرياضة هو املبتدئ
يف السلوك ،والواقع أ ّن هذه الطائفة أضعف الناس عقالً وأش ّدهم جهالً وحمقاً .وبعض هؤالء تو ّهم أرحاماً
كبرية ظ ّناً منه أن ّه بلغ غاية املعرفة واليقني وأخبار درجات املق َّربني وأنَّه اآلن هو يف مشاهدة املعبود ومجاورة
املقام املحمود واملالزمة يف عني الشهود متو ّهامً أنّه أصبح مطَّلقاً ،فهو يف امللكوت يخطر يف القدس والجربوت،
مم يؤ ّدي به إىل أن ينظر نظرة احتقار وإهانة إىل الصلحاء والفقهاء واملح ّدثني وسائر العلامء م ّدعياً لنفسه من ّ
خوارق العادات أمورا ً مل ي ّدعها لنفسه أحد من األنبياء واألولياء ( -تذكرة املتّقني ،ص.)95 - 93
((( صاحب «كفاية األصول» علم من أعالم الرشيعة أستاذ العلامء ،وقائد «ثورة املرشوطة» يف إيران ويأيت الكثري
يدل عىل سم ّو منزلته {. مم ّ ّ
ائري
ائري هو الس ّيد نعمة الله الجز ّ األنصاري ،ص .)135واملح ّدث الجز ّ
ّ ((( زندﮔاين شيخ أنصاري (حياة الشيخ
املجليس ،Mوصاحب األنوار النعامن ّية (1112 - 1050هـ) «املع ِّرب».
ّ تلميذ العالّمة
الكل؛ الشيخ
من الع ّدة املعدودة الذين ط َّبق صيتهم األرجاء .كان شيخ الطائفة أستاذ ّ
44
األنصاري ير ّجحه عىل جميع أصحابه علامً وعمالً ،بل كان Mيعترب نفسه مريدا ً
ّ
له»(((.
ويقول صاحب «لؤلؤ الصدف»:
الشوشرتي وهو
ّ يل
الحاج الس ّيد ع ّ
ّ «الس ّيد الجليل القدر صاحب الكرامات املتواترة
األنصاري -رغم أنّه كان يف غاية الزهد
ّ عتب من ز ّهاد العلامء ،وقد كان املرحوم الشيخ
يُ َ
يجل هذا الس ّيد الجليل مبا ال مزيد عليه».
والورع والكراماتّ -
الشوشرتي:
ّ خاطئ وليس لك» .يقول آية اللهٌ املكان الفال ّين .هذا الطريق الذي سلكته
النساج« :كام قلت لك» .يقول ذلك وينرصف .ويستغرق آية «وهل أخطأت»؟ يقول ّ
الشوشرتي يف التفكري ،من هو هذا الرجل ،وماذا قال! وق ّرر أن يتأكّد من ص ّحة ّ الله
فيتبي أ ّن وثيقة ملك الطفل اليتيم مدفون ٌة يف ذلك املكان ،والشهود الذين كلمهّ ، ّ
سه: شهدوا عىل ملكيّة غريه كانوا شهود زور .يخاف السيّد عىل نفسه كثريا ً ،ويقول يف ِ ِّ
«ومن يدري أ ّن كثريا ً من األحكام التي حكمت بها ليست من هذا القبيل»؟ فيستب ّد
النساج الباب قائالً« :يا جناب به الخوف .ويف الليلة التالية ،ويف الوقت نفسه ،يطرق ّ
الشوشرتي ،الطريق ليس هذا الذي تسلك» .ويف الليلة الثالثة يتك ّرر ذلك ّ يل
الس ّيد ع ّ
رشف النساج« :ال تتأ ّخر ،هيّئ أثاث البيت للسفر ،بع البيت وت ّ بهذه الكيفيّة ،ويقول ّ
باالنتقال إىل النجف األرشف ،واعمل مبا قلت ،وانتظرين بعد ستّة أشهر يف وادي السالم
يف النجف».
الشوشرتي بتنفيذ التوجيهات :يبيع البيت ،ويستع ّد للسفر
ّ ويبدأ املرحوم
إىل النجف األرشف .ومبج ّرد أن يصل إىل «وادي السالم» مع رشوق الشمس يجد
ٍ
بتوجيهات وينرصف .ويدخل املرحوم النساج هناك ،وكأنّه نبع من األرض ،فيز ّوده
ّ
ومقام
ٍ الشوشرتي إىل النجف ،ويعمل بهذه التوجيهات ،فيصل إىل مرتب ٍة سامي ٍة
ّ
ال ميكن بيانه.
األنصاري يف الفقه واألصول وكان املرحوم الشيخ
ّ كان Mيحرض درس الشيخ
تول الس ّيد التدريس بدالً يحرض درسه يف األخالق م ّر ًة يف األسبوع ،وبعد وفاة الشيخ ّ
46
توف بعد فرت ٍة قصري ٍة .ويف
منه وبدأ من حيث انتهى الشيخّ ،إل أ ّن األجل مل ميهله؛ إذ ّ
طلب الشوشرتي رسال ًة إىل أحد ّ
ّ هذه امل ّدة التي عاشها بعد الشيخ ،كتب املرحوم
املل حسينقيل (عبد الحسني) الهمدا ّين، األنصاري البارزين ،وهو اآلخوند ّ
ّ حوزة الشيخ
بعيد يف زمان الشيخ ،صلة ،وكان يستفيد منه يف املجال الذي كانت تربطه به منذ زمنٍ ٍ
األخالقي والعرفا ّين .وبعد الشيخ ق ّرر أن يد ّرس بل ويكمل مباحث الشيخ التي كان قد ّ
كتب تقريراتها ،كتب إليه يف هذه الرسالة يوضّ ح له أ ّن طريقتك غري مكتملة ،ويجب
أن تحصل عىل مراتب أخرى عالية ،وقد تأث ّر كثريا ً بهذه الرسالة التي أرشدته إىل وادي
مل حسينقيل الهمدا ّين ،الذي كان منذ الحق والحقيقة .وباختصار ،فإ ّن املرحوم اآلخوند ّ ّ
الشوشرتي يف املعارف
ّ سنوات ع ّدة قبل وفاة الشيخ يستفيد من مجلس درس املرحوم ٍ
طلباً أبداالً،
ورب ّ
اإللهيّة ،فاق األقران يف مجاهدة النفس ،وأصبح من عجائب الدهرّ ،
واحد منهم يعترب قطب رحى املعرفة والتوحيد ،ويُعتَ َب املرحوم الس ّيد أحمد كل ٍ كان ّ
الهمداين .M
ّ الكربال ّيئ((( أحد أبرز طالب اآلخوند
العلمة « :Mوقد كان أستاذنا العظيم العارف الذي مل يَ ُج ْد الدهر ويضيف ّ
التربيزي من تالمذة املرحوم الكربال ّيئ ،هذه سلسلة
ّ يل القايض
مبثله املرحوم الس ّيد ع ّ
النساجّ ،إل أنّه ال
الشوشرتي ،وبعده إىل ذلك الرجل ّ
ّ أساتذنا التي تنتهي إىل املرحوم
النساج من هو ،ومبن كان ارتباطه ،ومن أين وبأيّة وسيلة حصل عىل هذه يعلم هذا ّ
املعارف والعلوم؟»(((.
الطباطبايئ Mهنا؛ إذ إنّه قال ما تعري ُبه :أبرز تالمذة مدرسة اآلخوند
ّ العالمة
((( لقد اخترص املؤلّف ما أورده ّ
(الهمداين) املريزا جواد أقاي مليك تربيزي واملرحوم الس ّيد أحمد الكربال ّيئ الطهرا ّين واملرحوم الس ّيد مح ّمد
لب اللباب.
البهاري ّ -
ّ سعيد الجنو ّيب واملرحوم الشيخ مح ّمد
نقال عن الس ّيد مح ّمد حسن إلهي القايض أخو لب اللباب ( .)158 - 154و«ياونامه عالمة طباطبايئ ،صً 98 ((( ّ
العلمة الطباطبا ّيئ عليهام الرحمة.
ّ
ّ
- 2الشيخ حسينقلي((( الهمداني M
47
العارف الجليل والفقيه الصالح والحكيم املرحوم الشيخ حسينقيل الهمدا ّين من أبرز
الشوشرتي ،وأكرب أساتذة العرفان واألخالق يف الفرتة األخرية الذي مل
ّ يل
طالب السيّد ع ّ
يصل أح ٌد بعده إىل مرتبته.
من أعاظم العلامء وأكابر فقهاء الشيعة وخامتة علامء األخالق يف عرصه ،وهو يف
خصوص هذا العلم أم ٌر عظ ٌيم ال يح ّده وصف؛ فقد مضت حقب ٌة طويل ٌة مل يَ ُج ْد خاللها
يناثلا مسقلا :لسلاو ريسلاو قالخألا ذاتسأ ىلإ ةجاحلا
الزمن مبن ماثله يف علم األخالق وتهذيب النفوس ،وقد ُخ ِت َم به هذا الف ّن(((.
تربيزي:
ّ يقول عنه تلميذه الكبري املرحوم مليك
«ما رأيت له نظريا ً يف املراتب املذكورة((( ،ويريد بها العبادة وطول السجود.وبعد
الشوشرتي إىل تربية النفوس املؤ ّهلة ،اهت ّم برتبية ذوي القابل ّيات،
ّ أن دعاه املرحوم
لقسم منهم ،ومن طلوع مخصصاً من الصبح حتّى طلوع الشمس ٍ بحيث إ ّن وقته كان ّ
مقسامً كذلك؛ أ ّول الليل
لقسم آخر ،وهكذا .حتّى إ ّن ليله كان ّ
الشمس إىل صدر النهار ٍ
يرب عددا ً كبريا ً ،ك ٌُّل منهم كان يعترب من
لفريق ،وآخره لفريقٍ آخر ،حتّى استطاع أن ّ
أولياء الله»(((.
بعض تالمذته
ّ
املتوف سنة 1325هـ ،وقد أوىص البهاري من قرية بهار يف همدان
ّ - 1الشيخ مح ّمد
الشيخ الهمدا ّين إليه عند وفاته.
- 2الس ّيد أحمد الكربال ّيئ.
((( قيل بِمعنى (غالم) فيصبح املعنى عبد الحسني الهمدا ّين (أعيان الشيعة ،ج ،6ص )136املع ِّرب.
((( نقباء البرش -طبقات أعالم الشيعة ،ج ،2ص 674و.675
((( الفوائد الرضويّة ،ص 148واملصدر السابق.
((( أرسار الصالة ،ص.270
التربيزي.
ّ - 3آقا رضا
48
آبادي.
- 4الس ّيد كامل املشهور مبريزا آقا دولت ّ
النجفي املشهور.
ّ - 5الس ّيد مح ّمد سعيد الح ّبو ّيب الشاعر
- 6الشيخ موىس رشارة.
- 7الس ّيد حسن الصدر.
النجفي.
ّ مهدي الحكيم ّ - 8الس ّيد
النجفي.
ّ القامويس
ّ - 9الشيخ باقر
الغفاري املازندرا ّين. ّ - 10الس ّيد عبد
آبادي.
- 11الشيخ مح ّمد باقر النجم ّ
يل الهمدا ّين. - 12الس ّيد ع ّ
يل الق ّم ّي. - 13الشيخ ع ّ
النجفي.
ّ - 14الس ّيد محمود الطالقا ّين
- 15صهر الشيخ الهمدا ّين الس ّيد أبو القاسم األصفها ّين.
العظيمي.
ّ تقي الشاه عبد - 16الس ّيد مح ّمد ّ
تقي األصفها ّين. - 17الس ّيد مح ّمد ّ
تربيزي.
ّ - 18املريزا جواد مليك
يل الهمدا ّين(((.
- 19ابن الشيخ الهمدا ّين ،الشيخ ع ّ
آبادي(((.
- 20املجاهد واملصلح الكبري الس ّيد جامل الدين األسد ّ
ويبدو أنّه ليس يف متناولنا اليوم كتاب أو أثر مكتوب للشيخ الهمدا ّين إلّ الرسائل
التوجيه ّية املدرجة يف آخر كتاب «تذكرة املتّقني» ،إحداها تلك التي كتبها إىل املرحوم
يل اإليروا ّين بهذا املضمون: الس ّيد ع ّ
تربيزي -أحد تالمذة الشيخ الهمدا ّين -أستاذه بعد أن تتلمذّ سأل املريزا جواد مليك
عىل يده سنتني :مل أحصل من «سريي» عىل يشء ،فسأله الشيخ الهمدا ّين عن اسمه ومن
تربيزي ،فيقول له« :هل لك قراب ٌة
ّ يكون؟! فقال متع ّجباً :أال تعرفني؟ أنا جواد مليك
بفالنٍ وفالنٍ من آل مليك؟ وأل ّن الشيخ جواد مليك كان س ِّيئ الظ ّن بهم فقد انتقدهم،
فقال له أستاذه :عندما تستطيع أن تق ّدم للس ِّيئ منهم -بحسب رأيك -حذاءه ،فأنا آيت
يك الدرس ،جلس يف مرتب ٍة دون بق ّية
إليك» .ويف اليوم التايل عندما حرض الشيخ جواد مل ّ
الطلب ،وأخذ يبحث عن الطلبة من أقاربه امللك ّيني الذين مل يكن يعتربهم صالحني ّ
ويعطف عليهم حتّى وصل يف مو ّدتهم إىل تقديم أحذيتهم لهم عندما يزورونه احرتاماً
لهم ،وقد بلغ ذلك عشريتهم «امللك ّيني» املقيمني يف تربيز فزال التش ّنج الذي كان يحكم
عالقاتهم .ويف ما بعد التقاه الشيخ الهمدا ّين ،وقال له« :ال تعليامت جديدة ،يجب أن
تصلح أمرك ليمكنك أن تنتفع من هذه األحكام الرشع ّية» .ويوصيه ضمناً بأ ّن العمل
بكتاب مفتاح الفالح للشيخ البها ّيئ ج ّيد»(((.
ث ّم عاد إىل قرية شوند ،فمكث بها بني أهله وذويه برهة وهاجر إىل النجف األرشف،
األنصاري،
ّ وكانت رئاسة التدريس ،ومرجع ّية التقليد واإلفتاء يومذاك للشيخ املرتىض
وكان املق ّدم عىل سائر أعالم النجف ،فحرض عليه والزم درسه سنني ِطوالً .وكتب من
التسرتي ،ففاق
ّ يل
تقريراته يف الفقه واألصول كثريا ً ،وتتلمذ يف األخالق عىل الس ّيد ع ّ
فيه أعالم الف ّن.
األنصاري يف سنة 1281مل يتتلمذ عىل غريه؛ إذ مل يكن محتاجاً،
ّ ومل ّا ّ
توف أستاذه
كام مل يخرج من العراق كغريه م ّمن سافروا إىل إيران وغريها ،بل لزم بيته وانزوى
الخواص من أهل العلم والفضل والتقى
ّ ومل يتص ّد للفتوى ومل يطلب الرئاسة .إلّ أ ّن
والدين مل يرتكوه وشأنه دون أن يستفيدوا منه ويغرتفوا من معني فضله؛ فقد لحق
به منهم عد ٌد كبري ،وألزموه بالتدريس فأجابهم ،لك ّنه مل يرغب بالتظاهر والجهر به
بل كان درسه يف داره ،ومع ذلك فقد كان درسه مجتمعاً حافالً ،وكان ّ
للطلب تهافت
عليه وزحام حوله ،وكان يد ِّرس يف الفقه واألصول .كتبه التي ألّفها من تقريرات
كل يوم ،وبعده يد ّرس الفقهدرس يف األخالق بداره صبح ّ األنصاري ،وكان له ٌ
ّ أستاذه
واألصول »...إىل أن يقول:
« ...هذه زمر ٌة من تالمذته كانوا بعده نجوماً تزان بها سامء العلم والفضيلة ،وأنا
رشف برؤيته إذ دخلت العراق بعد وفاته وإن مل أدرك فيض خدمته ،ومل يُكتَب يل الت ّ
بعامني يف ،1313لكن أدركت فريقاً كبريا ً من تالميذه الذين الزموه ليالً ونهارا ً حتّى
حصلوا ما أرادوا وحظوا بالسعادة األبديّة ،وقد ط ّهرهم من أوضار هذه الحياة ،حتّى ّ 52
قرنوا العلم بالعمل ،فقد رأيت أثر تربيته الحسنة ب َّيناً عليهم بادياً يف سيامهم.
يحس منه
التسرتي -وهو مشغول برتبيته وصقل نفسهّ - ّ ...وكان أستاذه الس ّيد
االستعداد واللياقة ال ليهذِّب نفسه فقط بل ليقود أمامه جمهورا ً كبريا ً ،ويندر يف
أصحابه وأتباعه هذه الروح املركّزة.(((»...
األنصاري ...وقبل ذلك -صباحاً -كان
ّ واألصول عىل أساس كتاباته لتقرير الشيخ
يدرس األخالق يف منزله.
ويضيف الشيخ آقا بزرگ الطهرا ّين:
الطلب كانوا نجوماً مضيئ ًةرب الشيخ الهمدا ّين يف ف ّن األخالق عددا ً كبريا ً من ّ
وقد ّ
وزينة سامء العلم والفضيلة ومحور التقوى والفضيلة .وأنا ،وإن كنت مل أُوفَّق للتز ُّود
من فيض دروسه حتّى أين دخلت العراق عام 1313أي بعد وفاته بسنتني ّإل ّأن
أدركت جمعاً كبريا ً من تالمذته الذين كانوا مالزمني له يف الليل والنهار وقد وصلوا إىل
ما أملوا وحصلوا عىل السعادة األبديّة ...وقد كان أثر تربيته واضحاً يف مالمحهم.
الشوشرتي كان يعرف كفاءته ،واملرحوم الس ّيد محسن األمني ّ وأل ّن أستاذه املرحوم
الذي كان له رشف مشارك ٍة ما يف درس الشيخ ،يقول« :مل يكن يف زمانه وال قبله بسنني
وال بعده كذلك من مياثله يف علم األخالق وتهذيب النفوس ،وكان جارنا أ ّول ورودنا إىل
النجف األرشف سنة 1308وحرضنا درسه يف األخالق أيّا ًما قليلة ،وص ّدنا عن املداومة
بأي نح ٍو كان،
عليه اشتغالنا مبا هو أه ّم ،ومع ذلك ،فقد أسفنا عىل عدم املداومة عليه ّ
خلق كث ٌري من فضالء العرب والعجم م ّمن أراد الله بهم الخري، األخالقي ٌ
ّ وانتفع بدرسه
رأينا جمل ًة منهم ووجدنا أثر ذلك فيهم ،كام أنّنا رأينا بعض من حرض عليه ومل ينتفع
ٓ َ ٰ َ َ ۡ ُ َّ
ٱللِ يُ ۡؤتِيهِ َمن ي َ َشا ُء ۚ﴾ وصقل السيوف الهنديّة بذلك ،بل كان عىل العكس ﴿ذل ِك فضل
يصل جامع ًة
للضاب ،أ ّما صقل األخشاب فال يجعلها سيوفاً ،وكان ّ يجعلها صالحة ِّ
من قصصه
خواص تالمذته:
يقول أحد ّ
«ذات ليل ٍة رأيت يف «شاهرود» يف املنام أ ّن صاحب األمر Qمع جامع ٍة يف
جئت؟» وكأنّه كان قد رآين وعرفني واطّلع عىل ما جرى! بعد ذلك الزمته فوجدته كام
رأيته وأردت»(((.
ويقول أحد املتّصلني به:
«ذهب يوماً بعد انتهاء الدرس لزيارة أحد الطلبة يف مدرسة دار الشفاء ،وكنت يف
خدمته .دخل الغرفة ،وبعد السالم والضيافة املتعارفة ،جلس قليالً ث ّم قام وخرجنا،
يل فيوضات وسألته عن هدف هذه الزيارة فقال :الليلة املاضية يف السحر أُفيضت ع ّ
عرفت أنّها ليست م ّني ،وعندما تأكّدت وجدت أ ّن هذا الطالب كان يته ّجد ودعا يل يف
صالة الليل ،وهذه الفيوضات بسبب دعائه فجئت لزيارته شكرا ً الهتاممه»(((.
تالمذته
كان مجلس درسه يف األخالق عامرا ً ،وعىل ما كتب البعض فقد كان يشرتك يف درسه
يف تربيز حوايل أربعمئة((( .ومن تالمذته يف هذا العلم:
الخميني {.
ّ اإلمام -
فاطمي الق ّم ّي.
ّ املرحوم آية الله -
مؤلّفاته
له Mمؤلّفاتٌ عديدة بعضها مل يطبع بعد ،من مؤلّفاته:
« - 1أرسار الصالة» وقد طبع مرارا ً وهو باللغة العربيّة.
« - 2املراقبات» أو «أعامل السنة» ،طُبع مرارا ً كذلك ،وهو باللغة العربيّة.
« - 3رسالة لقاء الله» طُبع مرارا ً وقد ترجمه بعض الفضالء املعارصين مع تقديم له
وتوضيح وإضافات.
- 4كتاب يف الفقه ،مل يطبع بعد جاء يف خامتته :ت ّم الجزء األ ّول من كتاب النكاح ويتلوه
الجزء الثاين ،وأ ّوله الوالية بيد املذنب العايص أسري اآلمال واألما ّين يف يوم السابع
عرش من شهر املظفّر وقد مضت من الهجرة السنويّة ألف وثالمثئة واثنتا عرشة سنة
الغري ،وكتب عىل غالفه:
ّ يف مشهد
العلمة ح ّجة اإلسالم ،مالذ
ال يخفى أ ّن هذه الوجيزة من تصنيفات حرضة موالنا ّ
العلم صاحب النفس الزكيّة ،العبد الصالح األعالم ،باب الفتاوى واألحكام ،آية امللك ّ
تربيزي ،متّع الله املسلمني بطول بقائه ،كتبه يف عنفوان شبابه ّ مريزا جواد مليك
رب العاملني أمري املؤمنني أرواح العاملني فداه يف شهر شعبان(((. مبشهد و ّيل ّ
الحج(((.
- 5رسالة يف ّ
- 6حاشية بالفارسيّة عىل «الغاية القصوى» ترجمة «العروة الوثقى» وهي ترجمة
املح ّدث الجليل الق ّم ّي للعروة الوثقى إىل الفارسيّة ،وقد طُبِعت هذه الرتجمة
((( معراج السالكني وصالة العارفني املطبوع يف ذكرى الشهيد املط َّهري الكتاب األ ّول ،ص .56
ويقع قربه يف مقربة «شيخان» بالقرب من مقربة املحقّق الق ّم ّي ،وهو دامئاً مزار أهل
58
القلوب(((.
«لن ميوت أبدا ً من أحيا قلبه بالعشق ،وقد ُخ َّط يف صفحة الوجود بقاؤنا».
وقد أ ّرخت وفاته بالعرب ّيةُ « :ر ِفع العلم وذهب ِ
الحلم» وبالفارس ّية بهذا املرصع:
«از جهان جان رفت واز ملت ﭘـناه»؛ أي ذهب من العامل الروح ومن الشعب امللجأ.
يقول أحد تالمذته:
التربيزي ،وحواىل السحر رأيت يف حال ٍة بني النوم واليقظة أ ّن
ّ «ليلة وفاة املرحوم
أبواب السامء فُتحت أمامي وارتفعت الحجب ،فأمكنني أن أرى إىل ما تحت العرش
رضع ويناجي ويبيك ،فتع ّجبت ملنزلته وقربه اإللهي ،ورأيت املرحوم واقفاً يقنت ويت ّّ
من الله سبحانه .وفجأةً! سمعت طرق باب املنزل ،قمت فورا ً وفتحت الباب ،فإذا
بأحد األصدقاء يقول« :هل ّم بنا إىل منزل األستاذ ،قلت :ما الخرب؟ قال :أع ّزيك ،لقد
انتقل إىل جوار الله»(((.
ويعتقد البعض أ ّن وفاته Mكانت كام تق ّدم اآلن ،وقت السحر ليلة الحادي
عرش من ذي الح ّجة إلّ أ ّن الشيخ آقا بزرگ الطهرا ّين يرى أ ّن وفاته كانت يف اليوم
العارش؛ أي يوم عيد األضحى ،وقد ورد يف مق ّدمة «لقاء الله» ما ّ
يدل عىل أ ّن وفاته
كب تكبرية اإلحرام رضوان الله تعاىل عليه.
كانت يف صالة الظهر بعد أن ّ
((( سمعت آية الله الشيخ حسن زاده آميل عرب إذاعة طهران الفارس ّية يقول ما خالصته :مل أكن أعرف أين دفن
املرحوم مليك تربيزي ،فسألت أحدهم فقال إنّه مدفون يف مقربة «شيخان» وكانت الساعة حواىل التاسعة ليالً،
وكنت قريباً من املقربة فقررت أن أذهب لقراءة الفاتحة عن روحه الطاهرة .وملقربة «شيخان» بابان ،دخلت
من أحدهام وبدأت أبحث عن رضيحه الطاهر ،فلم أعرث عليه حتّى وصلت إىل الباب الثاين وهممت بالخروج،
فإذا بشخص يرتدي عباءة وعىل رأسه «طاق ّية» يقول يل :تريد قرب الشيخ التربيزي؟ قلت :نعم .فأخذين ودلّني
عىل القرب ،ومىض ليخرج .قلت يف نفيس :من أين عرف ّأن أريد قرب الشيخ؟ فناديته :من أين عرفت ّأن أردت
التربيزي؟ فقال :نحن نعرف زبائننا .ومىض لشأنه( .املع ِّرب).
ّ قرب الشيخ
((( ﮔنجمينئه دانشمندان ،ج ،1ص ،232وقد أورد املؤلّف هنا تحقيقا ً مخترصا ً حول وفاة آية الله التربيزي M
خالصته أ ّن البعض أ ّرخ وفاة املع ِّرب عام 44والصواب .43
ّ ّ
الكربالئي السيد أحمد - 4جمال السالكين
59
العلمة الطباطبا ّيئ يف
هو من أبرز تالمذة الشيخ حسينقيل الهمدا ّين .يقول فيه ّ
أصفهاين األصلّ ،إل أنّه نشأ وترعرع يف كربالء ،وبعد
ّ أ ّول محاكامته(((« :املرحوم السيّد
وتدل رسائله لتالمذته وبعض محبّيه ،عىل قلم بلوغه س ّن الرشد بدأ بدراسة األدبّ .
فصيح وبيانٍ ساحر .وبعد إكامل العلوم األدبيّة ،بدأ بدراسة العلوم الدينيّة ،ث ّم التحق
أخريا ً بحوزة املرحوم الشيخ كاظم الخراسا ّين -رضوان الله عليه -وأكمل دراسة دورة
يناثلا مسقلا :لسلاو ريسلاو قالخألا ذاتسأ ىلإ ةجاحلا
العلوم الظاهريّة تحت إرشافه .وأخريا ً انض ّم إىل حلقة الرتبية والتهذيب للمرحوم آية
الحق وأستاذ الوقت الشيخ الجليل حسينقيل الهمدا ّين { العزيز ،والزمه سنني ّ
واحتل يف العلوم الظاهريّة
ّ ِطوالً ،وقد فاق األقران وأصبح يف طليعة تالمذته املهذَّبني
والباطنيّة مكاناً مكيناً ومقاماً أميناً .وقد اختار اإلقامة يف النجف األرشف بعد وفاة
الشيخ الهمدا ّين ورشع بتدريس الفقه ،كام كانت له اليد البيضاء يف املعارف اإللهيّة
األجلء واألحرار دائرة الكامل بيُمنوتربية الناس وتهذيبهم .وقد بلغ عدد ٌكب ٌري من ّ
تربيته وتهذيبه ،فأعرضوا عن بساط الطبيعة وأصبحوا من سكّان دار الخلود ومحارم
يل القايض الطباطبا ّيئحريم القرب ،منهم سيّد العلامء الربَّانيِّني املرحوم املريزا ع ّ
التربيزي (1366 - 1285هـ.ق) الذي هو يف املعارف اإللهيّة والفقه والحديث واألخالق ّ
أستاذ هذا (الاليشء)((( رفع الله درجاته السامية وأفاض علينا من بركاته».
وقد و ّدع املرحوم الس ّيد -صاحب الرتجمة -الحياة املستعارة سنة 1330هـ يف النجف
الطباطبايئ عن
ّ األرشف والتحقت روحه باملأل األعىل رحمة الله عليه((( ،وينقل العلّمة
أستاذه املرحوم القايض عن الس ّيد الكربال ّيئ قوله« :ك ّنا دامئاً يف خدمة املرحوم آية ّ
الحق
للعالمة الطباطبا ّيئ Mكتاب باسم املحاكامت يف املراسالت بني الفيلسوف الشهري الشيخ مح ّمد حسني ((( ّ
األصفها ّين املعروف بالكميا ّين والعارف الكبري الس ّيد أحمد الكربال ّيئ .دارت هذه الرسائل حول بيت للشاعر
العطّار وقد قام أحد الفضالء مؤ ّخرا ً بطبعه مع تعليقات عليه.
((( يقصد العلّمة نفسه.
((( املحاكامت املطبوعة يف ذكرى الشهيد قدويس ،ص .270 - 269
الشيخ حسينقيل الهمدا ّين ،وكان الشيخ لنا مئ ًة يف املئة ولكن مبج ّرد أن تعرف الشيخ مح ّمد
60
البهاري عىل الشيخ الهمدا ّين واتّصل به وأصبح يرت ّدد إليه باستمرار فقد «رسقه» م ّنا».
ّ
كان املرحوم القايض يقول« :قال املرحوم الس ّيد أحمد الكربال ّيئ :التقيت يف سفر
بدرويش ّني الضمري ،فقال يل :أنا مأمو ٌر أن أطلعك عىل شيئني« :األ ّول الكيمياء ،الثاين:
ّأن غدا ً أموت فج ّهزين وادف ّني».
فقال له الس ّيد« :أ ّما أنا فال حاجة يل إىل الكيمياء ،وأ ّما تجهيزك فأنا مستع ّد» ،ويف
توف ذلك الدرويش ،فقام املرحوم الس ّيد بتجهيزه وتكفينه ودفنه((( ،ونُقل اليوم التايل ّ
عن صاحب الرتجمة أيضاً أنّه قال :ذات يوم ،كنت نامئاً يف مكانٍ ما فأيقظني شخص
قائالً :إذا كنت تريد أن ترى نور األسفهربية فانهض ،وعندما فتحت عيني رأيت نورا ً ال
يتناهى مأل مرشق الدنيا ومغربها.
تجل النفس التي تشاهد
العلمة الطباطبا ّيئ« :اللّهم ارزقنا» هذه هي رحلة ّ
قال ّ
الشكل وبصورة نو ٍر غري متناه»(((.
ّ بهذا
من تالمذة الس ّيد أحمد الكربال ّيئ (عليه الرحمة والرضوان)
البافقي((( (1365 - 1292هـ).
ّ - 1آية الله الشيخ مح ّمد
القصار(((.
- 2املرحوم السيّد مح ّمد كاظم ّ
- 3السيّد محسن األمني صاحب أعيان الشيعة(((.
آية الله املريزا القايض من عجائب الدهر ونوائب األعصار وصاحب الكرامات
واملكاشفات الكثرية ،ومن أبرز تالمذة املرحوم الس ّيد أحمد الكربال ّيئ املتق ّدم ذكره.
الحق الس ّيد
يف البدء تتلمذ املرحوم القايض يف أمور املعرفة عىل أبيه املرحوم آية ّ
ازي البارزين ،وهو من تالمذة املرحوم طلب املريزا الشري ّ حسني القايض ،الذي كان من َّ
القزويني .عندما جاء املرحوم
ّ الحق الس ّيد قريش
إمام قيل النخجوا ّين ،وهو تلميذ آية ّ
القايض إىل النجف األرشف ،أرشف عىل تربيته املرحوم الس ّيد أحمد الكربال ّيئ «وقد طوى
الطريق مبراقبته» الزم املرحوم القايض لسنني متامدية املرحوم العابد الزاهد الناسك
الكشمريي -رضوان الله عليه -طبعاً ال بصفة التلميذ وإمنّا بعنوان املالزمة
ّ الس ّيد مرتىض
لهم Qفتفّرقوا جميعهم من حوله وأنا «الس ّيد الطباطبا ّيئ» رأيت يف رواية أ ّن
الصادق Qيقول :أنا أعرف تلك الكلمة».
وكان املرحوم القايض Mيقول« :ال ّ
شك يف أ ّن بعض املعارصين أدركوا محرض
رشفوا بخدمته.
اإلمام Qوت ّ
Q أحد هؤالء كان منشغالً بالدعاء والذكر ،يف مسجد السهلة يف مقامه
املعروف مبقام صاحب الزمان ،وفجأة! يراه Qوسط نو ٍر ٍ
شديد ج ًّدا .يقرتب منه،
وقد بهرته جاللة النور وعظمته بحيث كادت تفيض روحه ،فقد انقطع نفسه وبدأ
بالع ّد وتقريباً بقي بينه وبني املوت نفسان أو ثالثة .فأقسم عىل اإلمام املنتظر |
بأسامء الله الجالل ّية أن ال يقرتب منه أكرث .وبعد أسبوعني ،كان هذا الشخص يف مسجد
رشف الكوفة مشغوالً بالذكر فيظهر عليه صاحب الزمان | وحصل عىل مراده وت ّ
بلقائه .Qكان املرحوم القايض يقول :هذا الشخص هو املرحوم الشيخ مح ّمد
يل» (أحد تالمذة القايض وصاحب «مصباح الهدى»)(((.تقي اآلم ّ
يقول أحد تالمذة املرحوم القايض:
كان للس ّيد القايض يف الليايل مجلس أخالق ومل يكن ينري مصباحاً .ويف تلك الظلمة
كان يشرتك يف هذا املجلس بعض علامء النجف من الذين كانوا من أهل الباطن ،وكان
ج ّده األ ّم ّي (ألمه) املريزا محسن ،وبيتهم بيت فضل وتقى قديم»(((.
من كراماته
كان املرحوم القايض يذهب من النجف إىل كربالء يف أيّام الزيارات :ومل يره أحد
شخص من كسبة سوق الساعة ٌ رسه أحد ّإل
يستقل س ّيارة ،ومل يكن قد اطّلع عىل ّ
ّ
(السوق الكبري) حيث كان قد سافر إىل مشهد ورآه هناك وطلب منه إصالح أمر جواز
سفره وفعالً قام الس ّيد بذلك ،وعندما رجع ذلك الرجل إىل النجف أذاع فيها بأنّه رأى
الس ّيد القايض يف مشهد.
غضب الس ّيد القايض كثريا ً وقال :يعرف الجميع ّأن كنت يف النجف ومل أسافر.
القصة بعض الفضالء بتفصيلٍ أكرث ،فيقول:
وينقل هذه ّ
«عندما رجع ذلك الرجل الكاسب من مشهد املق ّدسة إىل النجف ،قال لرفاقه
واجهت مشكلَ ًة يف جواز سفري ومل تكن ّ
تحل يف دائرة الرشطة ،فرجعت إىل الس ّيد
القايض وأعطيته الجواز فقال :اذهب غدا ً إىل دائرة الرشطة واستلم جواز سفرك.
ويف اليوم التايل ،ذهبت فوجدت الجواز جاهزا ً فأخذته ورجعت إىل النجف فقال
له أصدقاؤه :الس ّيد القايض كان يف النجف ومل يغادرها ،فجاء ذلك الرجل بنفسه إىل
كل أهل النجف يعلمونبالقصة ،فأنكر الس ّيد القايض وقالّ :
املرحوم القايض وح ّدثه ّ
النساج
املل قيل ّ
ّ
الشوشرتي
ّ يل
الس ّيد ع ّ
يل القايض
السيّد ع ّ
منه استقامة األ ّمة .والدليل أ ّن هذه اآلية وردت يف سورة الشورى ،ومل يقل عنها
رسول الله Pما قاله عنها هنا ،والسبب أنّها يف سورة الشورى غري مذيّلة بهذا
اب َم َع َك﴾(((. ﴿و َمن تَ َ
الذيل َ
آبادي (روحي فداه) كان يقول :جميع العبادات - 3الشيخ العارف الكامل جناب الشاه ّ
الحق جلّت عظمته إىل النشأة امللك ّية للبدن؛ فكام أ ّن للعقل حظًّا من تنقل ثناء ّ
املعارف والثناء الربو ّيب ،وللقلب حظًّا وللصدر حظًّا فلملك البدن أيضاً ح ّظ هو
عبارة عن هذه املناسك .انتهى ما أفاده }(((.
آبادي
ّ ويف مكانٍ آخر يقول :طيلة عمري مل أجد روحاً بلطافة روح آية الله الشاه
العلمة الشهيد مط ّهري يف هذا املجال: وظرافتها .ويقول ّ
«جمع املعقول واملنقول .وصل يف طهران إىل مقام املرجع ّية والفتوى ،وأثناء إقامة
الحائري يف ق ّم ،هاجر إىل ق ّم لسنوات واستفاد الفضالء من
ّ املرحوم الشيخ عبد الكريم
محرضه كامل االستفادة .كان له يف العرفان امتيا ٌز ال ينافَس فيه ،وقد استفاد أستاذنا
الخميني { من محرضه يف تلك امل ّدة ،وكان يثني ّ الكبري آية الله العظمى اإلمام
عليه غاية الثناء ،خصوصاً يف العرفان(((.
((( معراج السالكني وصالة العارفني املطبوع ضمن «الذكرى السنويّة للشهيد مط ّهري» الكتاب األ ّول ،ص.49
((( املصدر السابق ،ص.75
((( املصدر السابق ،من الجدير بالذكر أ ّن اإلمام أنهى كتابة هذه الرسالة بتاريخ 21ربيع الثاين1358 /هـ.ق أي
يعب عنه بـ «دام ظلّه».يف حياة أستاذه ولذا ّ
((( خدمات متقابل إسالم وإيران ،ص 165بترصف يسري.
العلمي والعرفا ّين مجاهدا ً صلباً ال يلني؛ عندما
ّ وقد كان Mباإلضافة إىل مقامه
72
وظل يعملق ّرر «رضا خان» تعطيل املساجد واملحافل الدين ّية تص ّدى له ّ M
بوظائفه الرشع ّية والتوعية يف إطار املعارضة لرضا خان؛ بحيث اعتصم مل ّدة أحد عرش
الحسني { وقد شاركه يف هذا االعتصام املريزا مح ّمد ّ شهرا ً يف حرم عبد العظيم
ق ّمي وآخرون.
آبادي -فضالً عن أنّه كان
ّ يقول سامحة اإلمام بهذا الصدد :املرحوم آية الله الشاه
بكل معنى الكلمة.فقيهاً وعارفاً كامالً -كان مجاهدا ً ّ
آبادي إىل ق ّم سنة 47ث ّم انتقل إىل طهران عام ...54وليس بعي ًدا أن تكون ّ الشاه
لريب هذا الرجل
اليد الغيب ّية والعناية اإلله ّية هي التي جاءت به من طهران إىل ق ّم ّ
العظيم الذي من املق ّرر أن يتح ّمل ،يف املستقبل ،مسؤول ّي ًة عظيم ًة ج ًّدا ويجتثّ جذور
الطاغوت ويرمي بها يف سلّة مهمالت التاريخ.
آبادي ،مع عل ّو مقامه
ّ وإذا الحظنا أ ّن الدرس مل يكن عا ًّما ،وكان املرحوم الشاه
العلمي وعظمته ،يد ّرس اإلمام فقط وأحياناً مع شخصني آخرين ،يصبح هذا االحتامل ّ
أقرب إىل اليقني فاعتربوا يا أويل األبصار.
مؤلّفاته
فاريس طبع مرارا ً.
ّ « - 1شذرات املعارف أو مرام اإلسالم»
« - 2القرآن والعرتة».
السنـﮕـلجي.
ّ « - 3اإلميان والرجعة» ر ّد عىل كتاب اإلسالم والرجعة لرشيعت
« - 4اإلنسان والفطرة» وهذه الكتب الثالثة بالعرب ّية.
« - 5مفتاح السعادة يف أحكام العبادة» رسالة عمل ّية بالفارس ّية ،مطبوع.
« - 6رشحات املعارف» جانب من دروسه العرفان ّية جمعها بعض مريديه يف 93صفحة
وطبعت يف مشهد عام 1390هـ.ق.
- 7حاشية كفاية اآلخوند الخراسا ّين.
« - 8منازل السالكني يف العرفان».
« - 9رسالة العقل والجهل».
74
« - 10رسالة يف النب ّوة».
وبعض الرسائل األخرى.
من قصصه
الخميني {
ّ يقول املرحوم آية الله الس ّيد أحمد الزيجا ّين ،وهو من مباحثي اإلمام
ورفقائه يف الدرس ،حول تهيئة األسباب من الله تعاىل:
املنام اآلخر الذي أصبح سب ًبا يف نجاة شخص من خطر املوت ،وهو املنام الذي رآه
آبادي وهو من معتمدي علامء طهران ،قال:
يل الشاه ّاملريزا أحمد ع ّ
رأيت يف املنام ّأن جالس مع ع ّدة أشخاص يف مكان وكان معي طفل ،وكان يوجد
هناك منحدر ،وكنت خائفاً أن يسقط الطفل يف ذلك املنحدر ،وفيام كنت مشغوالً
بالحديث معهم كنت منتبهاً للطفل ،وفجأ ًة رأيت الطفل سقط ،ومن خويف استيقظت.
أخرجت رأيس ،فرأيت ذلك الطفل واقفاً عىل حافّة خ ّزان املاء يف املحلّة .أردت أن أرصخ:
ارجع ،فإذا به يف تلك اللحظة يسقط يف املاء ،فأرسعت وتناولته ،ولو ّأن استيقظت بعد
لحظة لكان ذلك الطفل -بحسب الظاهر -قد مات.
هذا مخترص يف ترجمة ع ّدة من عظامء العرفان يف العرص األخري ،ومن الجدير بالذكر
واألجلء يف
ّ وإل فإ ّن العرفاء الكبار
أ ّن اختيار هؤالء الصالحني كان من باب النموذجّ ،
املرحلة األخرية كثريون.
عنها حتّى م ّرة واحدة؛ إذ إ ّن عدم املشاركة فيها يعود عىل الطالب برضر عظيم
ج ًّدا .ومن حسن الح ّظ أ ّن يف حوزة ق ّم اآلن جلسات أخالق ّية ق ّيمة مفيدة ،وينبغي
الطلب االهتامم بها.
عىل ّ
يتول
كام أنّه توجد اآلن هنا وهناك بعض الدروس من ذلك النوع الذي كان سابقًا ّ
فيها أساتذة أكفاء العناية بذوي الكفاءة وإرشادهم إىل طريق الكامل.
اطلب من الله
هنا قد يتبادر إىل أذهان الق ّراء هذا السؤال :الشخص الذي ال يعرف أحدا ً وال شيئًا
ويدخل الحوزة قاد ًما (من) أرض بعيدة أو قريبة ،كيف وبأيّة طريقة سيجد األشخاص
الكاملني ويتع ّرف عليهم ويستفيد منهم؟ وباإلضافة إىل ذلك ،فلنفرتض أنّه عرفهم ،فهل
أي كان؟ والجواب نعم ،إ ّن األمر كذلك ،ولكن يجب عن طريق هم مستع ّدون لرتبية ٍّ
العلم للوصول رضع والبكاء بني يدي الله امللك ّ
التوسل باألمئّة األطهار Rوالت ّ ُّ
إىل الحلقات الرتبويّة لهؤالء األساتذة الكاملني ،واالستفادة منهم ،فإذا كان الشخص
متعطّشاً إىل الهداية واقعاً ومن صميم القلب فإ ّن الله تعاىل يأخذ بيده ويضعه يف يد
إنسانٍ ح ّر.
القصة
العطشان يرصخ أين املاء الزالل؟ واملاء يقول أين شارب املاء؟((( وتوضّ ح ّ 76
التالية جواب السؤال املتق ّدم:
العلمة الطباطبا ّيئ :Mعندما كنت يف طريقي من تربيز إىل النجف األرشف يقول ّ
للدراسة ،مل أكن أعرف شيئاً عن النجف ،ومل أكن أعرف أين أذهب ،وماذا أفعل ...كنت
وأي طريقة أختار ويكون فيهادرس أدرس؟ وعىل من أتتلمذ؟ ّأي ٍ
يف الطريق أفكّر دامئاً ّ
رضا الله تعاىل؟ عندما وصلت إىل النجف األرشف وحني الدخول تو ّجهت إىل ق ّبة أمري
املؤمنني Qوقلت:
وأي
أي نه ٍج أسلك ّرشفت مبحرضك ملواصلة الدراسة ،ولك ّني ال أعرف ّ يل ،ت ّ
يا ع ّ
برنام ٍج أختار ،أريد منك أن ترشدين إىل ما فيه صالحي .استأجرت منزالً وسكنته ،ويف
أي درس ،كنت جالساً يف البيت أفكّر يف مستقبيل ،فجأ ًة األيّام األوىل ،وقبل أن أبدأ ّ
طرق الباب ،فتحت الباب فرأيت أحد العلامء الكبار سلّم ودخل ،جلس يف الغرفة
ور ّحب يب .كانت له طلع ٌة جذّاب ٌة ونوران ّي ٌة ج ًّدا ،حادثني بكامل الصفاء والصميم ّية
واألنس ،وخالل أحاديثه قرأ يل أشعارا ً وقال يل ما مضمونه :الشخص الذي يأيت إىل
النجف بهدف الدراسة ،من الج ّيد أن يفكّر ،باإلضافة إىل الدراسة ،بتهذيب نفسه
وتكميلها وأن ال يغفل عن نفسه .قال هذا ومىض.
رصفاته ،وقد أث ّرت يف قلبي كلامته القصار ويف ذلك املجلس أرستني أخالقه وت ّ
يل ،وطيلة الفرتة التي كنت فيها يف واأل ّخاذة إىل ح ّد ّأن عرفت منها برنامجي املستقب ّ
األخالقي واستفدت من
ّ التقي ،اشرتكت يف درسه النجف مل أترك محرض ذلك العامل ّ
يل القايض {(((. الحاج املريزا ع ّ
ّ سامحته ،ذلك العامل الكبري هو املرحوم آية الله
اجتناب الذنب
المهم للتوفيق في الدراسة
ّ الشرط
أحد آثار تصفية الروح ونتائجها اجتناب الذنب ،يجب أن نعرف أ ّن ترك املعصية
من الرشوط امله ّمة للتوفيق يف تحصيل العلوم الرشع ّية؛ فمن يرتكب املح ّرمات يسو ّد
ثلاثلا مسقلا :ةساردلا يف قيفوتلل ّمهملا طرشلا بنذلا بانتجا
قلبه وال تبقى فيه قابل ّية إرشاق نور العلم ،ال معرفة بعض االصطالحات الجافّة.
يقول الشهيد الثاين:M
يل بن خرشم :شكوت إىل وكيع قلّة الحفظ ،فقال استعن عىل الحفظ بقلّة
«وقال ع ّ
الذنوب ،وقد نظم بعضهم ذلك يف بيتني فقال:
ــــــيـــــع ســــــــــوء حـــفـــظـــي شــــــــكــــــــوت إىل وكـــــــ
وفــضــل الــلــه ال يـــؤتـــاه عــايص وقــــال اعــلــم بــــأ ّن الــعــلــم فضل
لذا يجب الحذر حتّى من الذنب الذي يبدو يف الظاهر صغريا ً ،فإنّه قد يج ّر إىل
الشقاء ،ويتس ّبب بالبعد الدائم عن الدراسة والحوزات ،وسوء الظ ّن باإلسالم والروحان ّية.
األشخاص الذين دخلوا الحوزات العلميّة ث ّم طردوا من هذا املحيط املق ّدس واختاروا
طريقاً آخر ،ليس السبب يف ذلك ّإل أنّهم مل يكونوا يتمتّعون بصالحيّة البقاء يف هذا
املقدس .ويد القدرة اإللهيّة وو ّيل العرص | هيّأت
ّ الزي
املكان املق ّدس والتزيِّي بهذا ّ
زي الروحانيّني وحوزتهم(((. أسباب خروج مثل هؤالء األفراد من ّ
شخص عن طريقٍ يناسبه؛ كل ٍ يضل ّ
األمر اآلخر الذي يجب االنتباه له هو :أ ّن الشيطان ّ
فال يقول للمتظاهر بأنّه روحا ّين -نعوذ بالله -ارشب الخمر ،ازنِ ،العب القامر ،بل يأتيه
وحب الجاه وعبادة الرئاسة واملقام ،والغيبة والتهمة ونرش الشائعات عن طريق الحسد ّ
واملزاح يف غري موقعه ،والرثثرة وأمثال ذلك ،ويُق ِّرب ذلك ويزيّنه له حتّى يضلّه.
((( هذا صحيح يف الجملة ،ال مطلقاً (املع ِّرب).
عن اإلمام الصادق:Q
80
«وجدت علم الناس كلّه يف أربع :أ ّولها أن تعرف ربّك ،والثاين أن تعرف ما صنع
بك ،والثالث أن تعرف ما أراد منك ،والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك»(((.
ومحل الشاهد هو الفقرة األخرية ،يجب أن نبقى متن ّبهني ملا يخرجنا من ديننا ّ
وحب الكامل ّيات واألنان ّية،
ويؤ ّدي بنا يف وهدة السقوط .يجب أن نحذر من الرتف ّ
مقتطفات من حديث ٍ وحب الدنيا ،والكسل ،والبطنة ،وأمثال ذلك .ولنصغِ هنا إىل
ّ
الخميني { يف هذا املجال:
ّ اإلمام
كل يشء ،تغتابون عظامء اإلسالم .إذا كان اآلخرون يغتابون
«ولكن بعضكم تدوسون ّ
عطّار الزقاق أو البقّال ،فهؤالء ينسبون إىل علامء اإلسالم فورا ً مشينة ويهينونهم
ويتج ّرؤون عليهم»« .ملاذا تقعون إىل هذا الح ّد يف غيبة إخوتكم املسلمني أو اإلساءة
إليهم أو استامع غيبتهم وأنتم مرتاحو البال؟ هل تعلمون يا ترى أ ّن هذا اللسان الذي
ميت ّد بالغيبة يداس يف يوم القيامة تحت أرجل اآلخرين؟ هل تعلمون يا ترى أ ّن الغيبة
إدام كالب النار؟»« .العزم عىل ترك الذنب ال يتوفّر لألشخاص الذين ارتكبوا الغيبة
والكذب طيلة خمسني أو سبعني سنة ،لقد ابيضّ ت لحاهم يف املعصية ،هؤالء يظلّون
مبتلني إىل آخر عمرهم»(((.
مل حسينقيل الهمدا ّين يف إحدى رسائله:
الحق ّ
يقول آية ّ
«وما استفدته أنا الضعيف ،من العقل والنقل ،أ ّن أه ّم األشياء لطالب القرب ،هو
الج ّد والسعي يف ترك املعصية ،وما مل تؤ ِّد هذه الخدمة فإ ّن ذكرك ،وفكرك مجال قلبك،
لن ينفعك شيئًا؛ أل ّن خدمة الشخص للسلطان مع أنّه ٍ
عاص له ومتم ّر ٌد عليه ال فائدة
وأي خصوم ٍة أقبحأي سلطان أعظم من هذا السلطان العظيم الشأنّ ، فيها ،وال أدري ّ
من هذه الخصومة.
((( الشيخ الكليني ،الكايف ،ج ،1ص .50
((( جهاد أكرب املرفق بـ «واليت فقيه» ،ص .247
مم ذكرت أن طلبك مح ّب ًة إله ّية مع كونك مرتكباً للمعصية أم ٌر فاس ٌد ج ًّدا
فافهم ّ
81
وكيف يخفى عليك كون املعصية سب ًبا للنفرة؟ وكون النفرة مانعة الجمع مع املح ّبة؟ وإذا
تحقّق عندك أ ّن ترك املعصية أ ّول الدين وآخره ،وظاهره ،وباطنه ،فبادر إىل املجاهدة،
واشتغل بتامم الج ّد يف املراقبة ،من أ ّول قيامك من نومك يف جميع أناتك إىل نومك،
والزم األدب يف مق َّدس حرضته ،واعلم أنّك بجميع أجزاء وجودك ،ذ ّر ًة ذ ّرةً ،أسري قدرته.
ورا ِع حرمة رشيف حضوره وأعبده كأنّك تراه ،فإن مل تكن تراه فإنّه يراك ،والتفت دامئاً
ثلاثلا مسقلا :ةساردلا يف قيفوتلل ّمهملا طرشلا بنذلا بانتجا
إىل عظمته وحقارتك ،ورفعته ودناءتك ،وع ّزته وذلّتك ،وغناه وحاجتك ،وال تغفل عن
(جل جالله) ،مع التفاته إليك دامئاً ،وقم بني يديه مقام العبد الذليل،شناعة غفلتك عنه ّ
الضعيف ،وتبصبص تحت قدميه ،بصبصة الكلّب الخائف .أَ َوال يكفيك رشفاً وفخرا ً أنّه
أذن لك يف ذكر اسمه العظيم بلسانك القذر الذي ن ّجسته قاذورات املعايص!
إذًا أيّها العزيز ،حيث إ ّن هذا الكريم الرحيم جعل لسانك مخزن جبل النور ،يعني
ذكر اسمه الرشيف ،فمن عدم الحياء أن يكون مخزن السلطان بالنجاسة وقاذورات
الغيبة والكذب والفحش واألذى وغري ذلك من املعايص .مخزن السلطان يجب أن يكون
محلّه مملو ًءا بالعطر وماء الورد ال النجس امليلء بالقاذورات.
معاص ترتكب بجوارحك شك أنّك إذا مل تكن دقيقاً يف املراقبة فلن تعرف أيّة ٍ وال ّ
وأي نريان توقد،
أي األذن ،واللسان ،والعني ،واليد ،والرجل ،والبطن ،والفرجّ ، السبع؛ ّ
وأي فساد تلحق بدينك ،وأيّة جراحات منكرة توقعها بقلبك بسيف لسانك ،وسنانه؟! ّ
إذا كنت مل تُقتل فذلك ج ّيد ج ّدا ً .وإذا أردت رشح هذه املفاسد فالكتاب ال يتّسع لها،
ماذا ميكنني (أن أفعل) يف ورق ٍة وأنت الذي مل تط ّهر جوارحك بعد من املعايص؟ كيف
تنتظر أن أكتب إليك شيئاً يف رشح أحوال القلب؟ إذا ً:
ث ّم العجل العجل يف الج ّد واملراقبة»(((. البدار البدار إىل التوبة الصادقة
((( يف نهج البالغة ،صبحي الصالح ،ص ، 40ج ،1هكذا :مع كل يشء ال مبقارنة وغري كل يشء ال مبزايلة.
((( الشيخ الكليني ،الكايف ،ج ،1ص ، 47باب لزوم الح ّجة عىل العامل وتشديد األمر عليه الحديث رقم .1
((( «نحن وإن ك ّنا ثاوين مبكاننا النايئ عن مساكني الظاملني حسب الذي أرانا الله تعاىل لنا من الصالح وبشيعتنا
املؤمنني يف ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقني فإنا يحيط علمنا بأنبائكم وال يُ ْع ُز ُب عنا يش ٌء من أخباركم»،
بحار األنوار ،ج ،53ص .175
الشيعة ويشكو منها ،عىل ما ورد يف توقيعه املبارك إىل الشيخ املفيد ،ويعترب أ ّن سبب
83
طول الغيبة هو عدم عمل الشيعة بواجباتهم« :ولو أ ّن أشياعنا -وفّقهم الله لطاعته-
عىل اجتامع من القلوب يف الوفاء بالعهد عليهم ،ملا تأ ّخر عنهم ال ُي ْمن بلقائنا ،ولتع ّجلت
ميسنا عنهم ّإل ما
حق املعرفة وصدقها منهم بنا ،فام ّ لهم السعادة مبشاهدتنا عىل ّ
مم نكرهه وال نؤثره منهم»(((.
يتّصل بنا ّ
ّ
اإلمام الخميني{
ثلاثلا مسقلا :ةساردلا يف قيفوتلل ّمهملا طرشلا بنذلا بانتجا
جاء يف سرية الشيخ ع ّباس الق ّم ّي Mأنّه مل يكن أح ٌد يجرؤ أن يغتاب أحدا ً يف
مجلسه ،كائناً من كان ،وهو أيضاً كان يحرتز من الغيبة والكذب مبا يفوق التص ّور .أيّام
مرضه الذي كانت وفاته فيه ،جاء أحد علامء طهران لعيادته ،كان الشيخ ع ّباس ذلك
اليوم متألّامً ج ّدا ً ،ويفكّر يف أم ٍر شغل باله .سأله ذلك العامل عن سبب تألّمه ،فأجابه:
الحج أردت -طبق سرية املح ّدثني يف اإلجازة -أن أمت ّيز من أحد مح ّديث
يف سفري إىل ّ
العا ّمة .وعندما فاتحته باألمر ،قال يل شيئاً ،وملصلح ٍة ما أنكرت ذلك كذباً .واآلن أفكّر
اإللهي(((.
ّ كيف سأُس ِّوغ هذا الكذب غدا ً يف يوم القيامة يف محرض العدل
ٍ
ومكاشفات ،ويف هذا الزمان ُس ّد باب أ ّن العلامء ،يف السابق ،كانوا أصحاب كر ٍ
امات
قسموا األحكام إىل قسمني:املكاشفات؟ فأجابه « :Pالسبب أ ّن العلامء يف املايض ّ
وكل ما كان مكروهاً أو مباحاً
واجب وحرام ،وكانوا يرتكون الحرام ويأتون بالواجبُّ ،
كانوا يعتربونه من املح ّرمات؛ أي كانوا عمل ًّيا يرتكون املباحات واملكروهات ،ويأتون
قسمتم األحكامباملستح ّبات ويعتربونها من الواجبات ،ولك ّنكم -طبقة املتأ ِّخرين ّ -
عمل ًّيا إىل خمسة أقسام ،وترتكون املستح ّبات وتفعلون املكروهات واملباحات ،ولهذا
ُس ّدت دونكم أبواب الكرامات واملكاشفات»(((.
ّ ّ ّ
الهمداني البهاري مع المرحوم الشيخ محمد
مل حسينقيل الهمدا ّين،
يقول هذا العارف الجليل الذي هو من أبرز تالمذة اآلخوند ّ
وبتعبري الشيخ آقا بزرگ الطهرا ّين هو أجلّهم وأعظمهم(((.
الثاين :من رشوط السالك أن يجتنب املكروهات مهام أمكن ،وينشغل باملستح ّبات،
كل مكرو ٍه جائز! فكثريا ً ما يكون ترك املكروه
وال يحقر ّن شيئاً من املكروهات فيقولّ :
مستحب صغري أش ّد أثرا ً يف القرب من املوىل وأكرث مقبول ّي ًة عنده من ّ
كل ما ّ أو فعل
عداه .ويتّضح هذا من التأ ّمل يف العرف ّيات.
ني َ ُل ّ
ٱدل َ َ َ ٓ ُ ُ ٓ ْ َّ َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ ُ ۡ
مل ِص َ
ِين﴾ ِ ﴿وما أمِروا إِل ِلعبدوا ٱلل
(سورة الب ِّينة ،اآلية )5
89
لطلب العلوم الدين ّية االهتامم بها ،هي أن يكونوا بصددإحدى املسائل التي ينبغي ّ
تحصيل اإلخالص وتطهري ن ّيتهم وتصفيتها ،وأن ال ينقلوا خطاهم ،منذ البداية ،إلّ من
عبارلا مسقلا :ينلا ةراهطو ،صالخإلا
أجل الله -سبحانه -وأن ال يكون هدفهم أب ًدا الوصول إىل األهداف الدنيويّة املل ّوثة.
وحب الجاه،
يجب أن يُخرج الطالب من رأسه من أ ّول الطريق ،التفكري باملركزّ ،
والبحث عن الشهرة والوصول إىل املرجعيّة والقيادة ،إمامة الجمعة والجامعة ،نيابة
وإل فإ ّن علمه ليس حب الناس واحرتامهم وأمثال ذلكّ .االجتامعيّ ،
ّ املجلس ،املوقع
فقط لن ينفعه ،بل كلّام سار أكرث كلّام ازداد قربًا من جه ّنم ،ووفّر أسباب تعاسته -ويف
أغلب األحيان تعاسة املجتمع والناس .األرضار التي لحقت بهذا الدين الحنيف طيلة
تاريخ اإلسالم بوساطة غري املخلصني ،والرضبات التي أرهقت جسده ال تُ َع ّد ،وقد رأينا
مناذج من ذلك ،وعليه فال داعي للتفاصيل.
إ ّن تحصيل األخالق صعب ج ًّدا وال ميكن الحصول عليه ببساطة؛ إنّه الرشط األساس
لكل األعامل ،ويحتاج إىل جهاد طويل ومستم ّر ،كام أنّه يحتاج إىل االستقامة .جاء يف ّ
رس من أرساري استودعته قلب من أحببت الحديث أ ّن الله تعاىل قال« :اإلخالص ٌّ
من عبادي»((( .ومن حصل عىل هذه الرتبة و ُوفّق لتصفية ن ّيته فقد م ّن الله عليه بأكرب
وجل -عىل عب ٍد
نعمة .يف الحديث عن اإلمام الصادق « :Qما أنعم الله -ع َّز َّ
وجل -غريه»(((.
أجل من أن ال يكون يف قلبه مع الله -ع َّز َّ ّ
الربوجردي :M
ّ - 3ينقل البعض م ّمن كانوا قريبني من املرحوم آية الله العظمى
«رأيناه قبل الوفاة متأل ًِّم ج ًّدا وكان يقول :الخالصة انتهى عمرنا ،وها نحن ذاهبون
عمل! فقال أحدهم -عىل عادة ومل نستطع أن نق ّدم ألنفسنا شيئًا أو أن نعمل ً
املتملّقني من أصحاب الجاه ظ ًّنا منه أ ّن املقام مقام متلّق :-موالنا ،أنت ملاذا تقول
كل آثار الخري هذهذلك؟ نحن املساكني يجب أن نقوله أ ّما أنت فال .بحمد الله ّ
َخبِري.(((»﴾ٞ
بنا ًء عليه ،يجب أن يبقى اإلنسان حذ ًرا إىل آخر عمره حتّى ال يستدرجه الشيطان
عبارلا مسقلا :ينلا ةراهطو ،صالخإلا
إىل دائرته ،ويخطف من كفّه جوهرة اإلخالص ،ويجب أن نعلم أ ّن الشيطان ال يرتك
اإلنسان وشأنه حتّى النفَس األخريّ ،إل املخلصني -كام يُستفاد من القرآن الكريم -
فإنّهم ال يقعون يف رشاكه.
الحاج إمام قيل ننجوا ّين الذي كان أستاذ املرحوم الس ّيد حسني القايض -والد ّ -4
كل مراحل الكامل يف األخالق ّيات والعلوم يل القايض -وطوى ّ املرحوم الس ّيد ع ّ
القزويني؛ يقول« :بعد أن بلغت س ّن ّ اإلله ّية عىل املرحوم الس ّيد قريش
الشيخوخة ،رأيت الشيطان وك ّنا واقفني معاً عىل جبل ،فوضعت يدي عىل لحيتي،
وقلت له :لقد بلغت س ّن الشيخوخة فإذا كان باإلمكان أن تدعني ،قال الشيطان:
أنظر إىل هذا الجانب ،وعندما نظرت ،رأيت واديًا عميقًا ج ًّدا ،ومن ش ّدة الخوف
منه يفقد اإلنسان صوابه ويطري ل ّبه .قال الشيطان :ليس يف قلبي رحمة ومروءة
وعطف أب ًدا ،وإذا قُ ِّدر ووقعت يف قبضتي فسيكون مكانك قعر هذا الوادي الذي
تراه»(((.
يف بدء الدراسة ميكن أن يعترب البعض أنفسهم من ّزهني من التل ّوث باألهداف
أي دافع أو هدف غري الله ،ولكن يجب االنتباه الفاسدة ،ويتص ّورون أنّهم ليس لهم ّ
إىل أنّه ال ميكن االطمئنان بهذه الرسعة ،ومن الواجب البحث -يف ضوء مصباح
((( تعليم وتربيت در اسالم ،ص ،234وتجد الحديث املذكور يف رسالة باسم ﭼـهل حديث قديس ،38ط
كتابفرويش علمية اسالمية1368 ،هـ.ق.
((( لب اللباب ،ص.55
العقل والقرآن واألحاديث -يف زوايا القلب ومحاكمة النفس وتطهريها من األهداف
92
الفاسدة.
كل يشء يظ ّن أنّه ليس له هدف ّإل رضا الله تعاىل، عندما يكون اإلنسان عاجزا ً عن ّ
ولكن هذا ليس كاف ًيا ،بل يجب أن يصبح الشخص بحيث إنّه إذا أقبلت عليه الرئاسة
والشهرة واملنصب واملوقع يو ًما ما فال يخرس نفسه وينبهر بها ،وأن يستعمل هذه
األمور االعتباريّة كوسيل ٍة للوصول إىل األهداف اإللهيّةّ .إل أ ّن االطمئنان إىل هذا ال
ميكن أن يحصل بهذه البساطة كام تق ّدم .يقول مولوي:
«يف نفسك أفعى يف غاية الضخامة ،من قال إنّها ماتت ،فإنّها يف ذبول من غ ّم العجز
(عن الوسيلة) ولو أنّها وجدت الوسيلة فإ ّن فرعونها الذي اختارت االنزواء بأمره يقيم
مؤسسة فرعون ّية تقطع طريق مئة موىس ومئة هارون». عندها ّ
ميكن القول بجرأة إ ّن سبب أكرث ابتالءات املجتمع ومشاكله هو عدم اإلخالص،
وفقدان التفكري بأن يكون الشخص إله ًّيا .واالختالفات املوجودة يف بعض األماكن بني
األقل فإ ّن أحد الطرفني -
املسؤولني الروحانيّني وغريهم ،سببها هو هذا األمر ،وعىل ّ
مخلصا.
ً وأحيانًا كالهام -ليس
يقول اإلمام الصادق:Q
محب ليش ٍء يحوط
كل ّ«إذا رأيتم العامل مح ًّبا للدنيا فاتّهموه عىل دينكم؛ فإنّ ّ
أحب»(((.
ما ّ
أهل ملواقعهم ومراكزهم تن ّحوا جانبًا ،وسلّموها ألهلها ،ملا
لو أ ّن أولئك الذين ليسوا ً
بكل هذه التعاسة:
ك ّنا اليوم ابتُلينا ّ
ورجـــــــــاالً لــقــصــعــة وثـــريـــد خــلــق الـــلـــه لــلــحــروب رجــــاالً
عندها تتم ّزق «حجب النور» وتصلون إىل «معدن العظمة»((( .فهل تستطيعون ،يا
ترى ،بهذه األعامل واألفعال التي تقومون بها بهذا الطريق الذي تسلكون ،أن تصلوا
مقام كهذا؟»(((.
إىل ٍ
ّ
المرجعية اجتناب
قوم من املسلمني وهو يرى من هو
النبي األكرم« :Pمن تقدّ م عىل ٍ
يقول ّ
أفضل منه فقد خان الله ورسوله واملسلمني»(((.
ويقول اإلمام الصادق « :Qمن دعا الناس إىل نفسه وفيهم من هو أعلم
منه فهو مبتدع ّ
ضال».
الدعوة إىل «النفس» لها مصاديق كثرية ،وألسباب يرصف النظر عنها هذا فلندعها،
كل هذا الظلم مصدره الراعي»« .متى ِ
ولنمض« :عتابنا ليس عتابًا للذئب؛ إذ إ ّن ّ
تستقيم السطور والحال أ ّن االعوجاج يف املسطرة((( ،علامؤنا السابقون الذين تحلّوا
((( إشارة إىل ما يف املناجاة الشعبان ّية :حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور وتصل إىل معدن العظمة الخ
مفاتيح الجنان ،ص.155
((( «جهاد أكرب» امللحق بـ«واليت فقيه ،ص 256-252ملخ ًَّصا».
نقال عن التمهيد للباقالينّ.
((( الغدير ،ج ،18صً ،291
((( ينبغي التنبيه عىل أ ّن املراد بيانه هنا (هو) أن تسلّل بعض غري األكفاء إىل هذا املوقع املق ّدس والخطري ترتت ّب
علم بأ ّن تاريخ املرجع ّية يشهد بأ ّن أمثال هؤالء يفتضح أمرهم عادة ويفقدون ثقة الناس عليه هذه املفاسد ً
املس بكرامة هذا املوقع الذي هو استمرار لوالية املعصوم .
| بهم وليس املراد أب ًدا ّ
برتبي ٍة دين ّي ٍة سليمة ،وكانوا يدرسون علم األخالق وتهذيب النفس ،وكانوا علامء يف هذا
96
املجال لكانوا يحتاطون أش ّد االحتياط يف التص ّدي للمسؤول ّيات الدين ّية ،ومل يكونوا فقط
يجتنبون التص ّدي للحصول عىل مقام وموقع ،بل إنّهم كانوا عندما تتو ّجه األنظار إليهم
خاصة يف شأن املرجع ّية الخطري طبيعي يرفضون الزعامة ،ويستنكفون عنها ّ ّ بشكلٍ
وحامية الدين وحفظ نواميس الله.
علامء الشيعة الذين ر ّوضوا أنفسهم ،والعارفون بالله ،واملوقنون باملعاد العلامء
حب الدنيا والرئاسة قد أعمى قلوبهم ،مل يكونوا عىل استعداد املتبصون الذين مل يكن ّ ِّ
أن يض ّحوا مبصالح األ ّمة من أجل أربعة أيّام من الرئاسة ،كانوا يعلمون ج ّي ًدا أ ّن أمو ًرا
والذهني -ال ب ّد من توفّرها يف التص ّدي للمسؤول ّيات الدين ّية،
ّ كثرية -غري الفقه املد ّون
يل وكثري من املعلومات .ومن هنا ،مل العيني والعم ّ
ّ الخارجي
ّ وهي عبارة عن الفقه
يكونوا يتص ّدون ببساطة إلحراز هذه املواقع ،والشواهد عىل ما ُذكِر كثرية»(((.
وإليك بعض النامذج:
الخميني {
ّ - 1اإلمام
كريس القيادة مل
منذ شبابه ،حيث بلغ مرتبة االجتهاد وإىل اليوم ،وقد استوى عىل ّ
أي خطو ٍة يف التعريف بنفسه ،والحصول عىل مقام وموقع ،ومل يرصف األموال يخ ُط ّ
والتوصل إىل املنصب ،ومل
ّ الرشع ّية وحقوق الكادحني واملحتاجني يف الرتويج السمه
تصدر عنه دعايات شخص ّية ،وهو من حيث املبدأ يتنفّر من بساط الرئاسة ومقام
املرجع ّية كام يتنفّر اإلنسان من امل ّيت املتعفّن .ويف الحقيقة إ ّن املرجع ّية والرئاسة هي
اإلسالمي
ّ التي جاءته تسعى إليه وال ترتكه ولوال أ ّن اإلحساس بالخطر عىل املجتمع
مينعه من ترك قيادة هذه القافلة املنهوبة والحريى ،فلم يكن أبدا ً ليطأ هذا الوادي كام
فعل طيلة ستّني سنة من عمره ،ومل يقم بأيّة خطوة يف طريق الحصول عىل منصب،
بسنوات عديدة ،كان اإلمام قد كتب حاشية عىل «الوسيلة» و«العروة» ٍ الربوجردي
ّ
ومع أنّنا ك ّنا نرت ّدد إىل منزله كث ًريا فلم نكن نعلم أ ّن له حاشية عىل هذين الكتابني،
مع أ ّن هذه األمور لها حساباتها عند من يريد أن يصبح مرج ًعا؛ يعني إذا أراد أحد
األقل -بأنّه كتب هذه الكتاباتّ .إل أ ّن اإلمام مل
املرجع ّية فإنّه يخرب املق ّربني منه عىل ّ
يخربنا بذلك ولو تلمي ًحا ،وك ّنا أحيانًا نسأله عن فتواه يف مسأل ٍة ما فيجيب ببيان رأيه
دون أن يشري إىل حاشيته عىل «العروة» أو «الوسيلة» ومل نعلم بها ّإل بعد وفاة املرحوم
الطلب بهذا الصدد وطلبوا منه ذلك. الربوجردي ،وذلك أيضاً بعد أن راجعه ّ
ّ آية الله
األنصاري وقال له« :قل ِّْل من احتياطك فإ ّن الرشيعة سمحة سهلة». ّ تو ّجه إىل الشيخ
وانتهى املجلس ،ومل يلبث صاحب الجواهر أن التحق بالرفيق األعىل ،وجاء دور الشيخ
مجتهد مسل ٍّم باجتهادهم ٍ تول قيادة األ ّمة ،ولك ّنه بالرغم من أ ّن أربعمئة
مرتىض يف ّ
اعرتفوا بأعلم ّيته((( ،امتنع عن اإلفتاء وقبول املرجع ّية ،وكتب رسال ًة إىل «سعيد العلامء»
-املتوف حواىل 1270هـ الذي كان آنذاك يف إيران ،وكان الشيخ زميله يف الدراسة يف ّ
كربالء ،وكان يرى أنّه أعلم منه -كتب إليه رسالة بهذا املضمون :عندما كنت يف كربالء،
وك ّنا ندرس معاً عىل «رشيف العلامء» كنت أكرث م ّني فهامً واستيعاباً ،واآلن ينبغي أن
تأيت إىل النجف وتقوم بأعباء هذا األمر .فكتب إليه «سعيد العلامء» يف الجواب مبا
حاصله :لقد بقيت أنت خالل املدة املاضية يف الحوزة مشتغالً بالتدريس واملباحثة،
أحق م ّني بهذا األمر .وبعد وصول الجواب وبينام انشغلت أنا بأمور الناس ،ولذا فأنت ّ
األنصاري بزيارة حرم أمري املؤمنني Qوطلب من ذلك اإلمام العظيم أن ّ رشف
ت ّ
يعينه ،بإذن الله تعاىل ،يف هذا األمر الخطري ويس ّدده(((.
األنصاري M
ّ بكاء الشيخ
يقول أحد خدم حرم أمري املؤمنني « :Qكالعادة ذهبت إىل الحرم الرشيف
رشقي الرضيح املق ّدس صوت بكا ٍء عالياً
قبل طلوع الفجر بساعة ،فجأة ،سمعت من ّ
كمري
ّ - 3املرحوم آية الله الس ّيد حسني الكوه
كمري هو من تالمذة صاحب الجواهر ّ يُقال إ ّن املرحوم آية الله الس ّيد حسني الكوه
األنصاري ،وكان مجتهدا ً مشهورا ً ،وكان درسه من الدروس األساس ّية ،ومن
ّ والشيخ
ألي
الواضح أ ّن درس الخارج يف الفقه واألصول متهيد للرئاسة واملرجع ّية ،واملرجع ّية ّ
طالب هي مبعنى أنّه ينتقل دفع ًة واحد ًة من الصفر إىل ما ال نهاية ،وعليه ،فالطالب
حساسة -هي مرحلة تدريس الخارج -وكان الذي له ح ّظ يف املرجع ّية يجتاز مرحلة ّ
الس ّيد الكوه كمري يف مثل هذه املرحلة .
ذات يوم كان Mعائدا ً من مكان -مثالً من زيارة شخص -مل يكن قد بقي إىل
حني درسه أكرث من نصف ساعة ،فرأى أ ّن الوقت ال يتّسع للذهاب إىل البيت؛ ولذا
فضّ ل أن يجلس يف املسجد بانتظار موعد الدرس .دخل املسجد ومل يكن قد حرض
طلبه .رأى يف زاوية املسجد شيخاً عادياًّ جدا ًّ جالسا ًمع ّ
طلب ع ّدة يد ّرسهم، أح ٌد من ّ
العادي
ّ استمع املرحوم الس ّيد حسني إىل درسه ،ومبنتهى الغرابة رأى أ ّن هذا الشيخ
ق ّمة يف التحقيق .حمله ذلك عىل أن يأيت يف اليوم التايل مبكرا ً عمدا ً ويستمع إىل درسه.
جاء واستمع ،فازداد اقتناعاً بانطباعه الذي ك ّونه يف اليوم املايض ،وتك ّرر ذلك أليّام
((( املكاسب ،ج ،1ص 123املق ّدمة ط كالنرت.
ع ّدة ،فحصل للمرحوم الس ّيد حسني اليقني بأ ّن هذا الشيخ أعلم منه ،وأنّه يستفيد من
101
مخيا ً
درسه وأنّه إذا حرض تالمذته درس هذا الشيخ فسيستفيدون أكرث .هنا رأى نفسه ّ
بني التسليم والعناد ،بني اإلميان والكفر ،بني اآلخرة والدنيا ،ويف اليوم التايل عندما جاء
طلبه واجتمعوا قال :أيّها األح ّبة ،أريد اليوم أن أقول لكم شيئاً جديدا ً :هذا الشيخ ّ
أحق م ّني بالتدريس ،وأنا أستفيد منه واآلنطلب ّ الجالس يف ذلك الجانب مع ع ّدة ّ
العادي املستضعف الذي كانت آثارّ نذهب كلّنا إىل درسه ،والتحق بحلقة درس الشيخ
عبارلا مسقلا :ينلا ةراهطو ،صالخإلا
الفقر بادي ًة عليه .هذا الشيخ الرثّ اللباس هو الذي ُعرف فيام بعد باسم الشيخ مرتىض
الدزفول «وأستاذ املتأ ِّخرين».
ّ األنصاري
ّ
وكان الشيخ آنذاك قد عاد لت ّوه من سفر استم ّر ع ّدة سنوات إىل مشهد وأصفهان
وكاشان ،وكان قد حصل من هذا السفر عىل زاد وافر ،خصوصاً من محرض املرحوم
شخص وجدت فهو مصداق «أسلم ٍ أي
اقي .مثل هذه الحالة لدى ّ الشيخ أحمد الرن ّ
كمري بعد
ّ وجهه لله»((( .ومن الجدير بالذكر أ ّن الشيعة األتراك قلّدوا املرحوم الكوه
األنصاري(((.
ّ وفاة الشيخ
إلهي ،ص ،347بترصّف يسري واملكاسب ،ج ،1ص ،150املق ّدمة ط كالنرت.
((( عدل ّ
ازي ،ص ،19والكرام الربرة ،ج ،1ص.421
((( هديّة الر ّ
((( ملزيد االطّالع عىل ترجمته راجع «ريحانة األدب» ،ج ،4ص ،341والفوائد الرضويّة ،ص.594
مرياث األعلم ّية
102
أورد آية الله املرحوم الس ّيد أحمد الزنجا ّين « Mقال ابن املرحوم الس ّيد مح ّمد
ازي الكبري ،أرسلني والدي إىل املرحوم املريزا فشاريك « :Mبعد وفاة املريزا الشري ّ
ازي -املريزا الصغري -ألقول له :إذا كنت تعترب نفسك أعلم م ّني مح ّمد تقي الشري ّ
فتفضَّ ْل قل ذلك حتّى أُرجع زوجتي وأوالدي إليك يف التقليد ،وإذا كنت تعتربين أعلم
فأرجع أنت عائلتك إ ّيل يف التقليد .وعندما نقلت هذه الرسالة إىل املريزا ،فكّر قليالً
وقال :قل لسامحته هو ما رأيه؟ ونقلت هذا السؤال الذي كان مبنزلة الجواب إىل
أي يش ٍء تراه أنت ميزاناً لألعلم ّية؟ إذا كان امليزان دقّة
والدي فقال :اذهب وقل له ّ
النظر والتحقيق فأنت أعلم ،وإذا كان امليزان الفهم العر ّيف فأنا أعلم .وذهبت ثاني ًة إىل
أي االثنني يعتربه ميزاناً؟ وأبلغت املريزا وأبلغته بذلك .ففكّر قليالً أيضاً وقال :سامحته ّ
هذا الجواب -السؤال -ففكّر والدي قليالً وقال برسور :ال يبعد أ ّن دقّة النظر ميزان
ازي(((.
األعلم ّية ومالكها ،ث ّم قال :فلنقلّد جميعنا املريزا الشري ّ
- 6الس ّيد مح ّمد مهدي الطباطبا ّيئ (األخ األصغر للسيد مح ّمد املجاهد)
يل -صاحب الرياض -وبدأ بالتدريس يف
درس الس ّيد مح ّمد مهد ّي عىل والده الس ّيد ع ّ
الكليايس M
ّ - 7الشيخ مح ّمد إبراهيم
الكليايس الخراسا ّين األصفها ّين :أنّه كان يقول:
ّ جاء يف ترجمة الشيخ مح ّمد إبراهيم
يل بوجوب كتابة مل أكن أريد كتابة رسالة عمل ّية ،لك ّن املريزا الق ّم ّي Mحكم ع ّ
رسالة وبيان فتاواي ،قلت له :ال طاقة لبدين عىل جه ّنم ،ويف النهاية وبنا ًء عىل إرصاره
(وحكمه) كتبت رسالة(((.
((( قصص العلامء ،ص ،20 - 10ونجوم السامء ،ص.408 - 407
((( املصدر نفسه.
((( املصدر نفسه.
ّ ّ
المازندراني مع المرحوم مل صالح
105
عليم ،شجا ًعا ،عفيفًا ،سخيًّا، حكيمً ، ً يقول « :Mإنّ ا تصلح الرئاسة ملن يكون
سليم ،صبو ًرا ،شكو ًرا ،قنو ًعا ،ور ًعا،عادالً ،فهيامً ،ذكيّاً ،متواضعاً ،رقيقًا ،رفيقًا ،حييًّاً ،
وقو ًرا ،ح ًّرا ،عف ًّوا ،مؤث ّ ًرا ،مسام ًحا ،صديقًا ،وفيًّا ،شفيقًا ،مكافيًا ،متو ّد ًدا ،متوك ًّل ،عاب ًدا،
بالحق ،متج ّنبًا عن جميع ّ زاهدا ً ،موفيًا ،محس ًنا ،با ًّرا ،فائ ًزا بجميع أسباب االتّصال
أسباب االنقطاع عنه»(((.
عبارلا مسقلا :ينلا ةراهطو ،صالخإلا
ّ
الغيبي انقطاع اإللهام
الربوجردي Mمبارش ًة قوله:
ّ يقول املرحوم الشهيد ق ّدويس« :سمعت من الس ّيد
سابقاً ،قبل الوصول إىل املرجع ّية والرئاسة كنت أحياناً أسمع صوتاً يرشدين ،ولك ّني مل
أكن أ َرى قائله ،هذه األصوات تك ّررت كثريا ً واستم ّرت إىل ما قبل فرتة ،ومع مجيء
ويس يقول:أمر املرجع ّية والرئاسة مل يستم ّر ذلك اإللهام وانقطع» .كان املرحوم الق ّد ّ
الربوجردي هي أيضاً
ّ «الالفت أ ّن رئاسة صحيحة مئة يف املئة وإله ّية كرئاسة الس ّيد
مانعة! فكيف بنا نحن؟ إ ّن لنا حساباً آخر»(((.
التقوى واجتناب اإلمامة في صالة الجماعة
الشوشرتي
ّ - 3املرحوم الشيخ عبد الله
الشوشرتي ذات يوم لزيارة الشيخ البها ّيئ ،وبقي عنده م ّدة ،فارتفع
ّ ذهب املرحوم
صوت املؤذِّن قال له الشيخ البها ّيئ« :صلّوا هنا لنقتدي بكم ونحصل عىل ثواب
يصل يف بيت الشيخ ،بل نهض وذهب إىل الجامعة» ففكّر املوىل قليالً ومل يوافق أن ّ
منزله .وسئل :ملاذا مل تجب الشيخ إىل طلبه مع أنّك تهت ّم بالصالة أ ّول وقتها؟ فقال:
النفيس يختلف إذا اقتدى يب الشيخ ،ولست ّ «تأ ّملت نفيس قليالً فرأيت أ ّن وضعي
أي فرق بني اقتدائه وعدمه ،ولذا مل أجبه إىل البقاء»(((. بحيث ال يكون عندي ّ
يئ M - 4فارا ّيب عرصنا ّ
العلمة الطباطبا ّ
العلمة كثريا ً،
العلمة« :منذ أيّام الدراسة كنت أذهب إىل بيت ّ يقول أحد تالمذة ّ
الغصة يف قلبي؛ إذ مل أحصل ومل يدعني أبدا ً أوفّق للصالة خلفه جامعة ،بقيت هذه ّ
رشف يف شهر عىل فيض االئتامم به .ومنذ ذلك الوقت وحتّى اآلن واألمر كذلك ،إىل أن ت ّ
وصل يف بيتنا ،جعلنا غرفته شعبان 1401هـ.ق بزيارة اإلمام الرضا Qيف مشهد ّ
كتاب أراد .وحان وقت املغرب ،فأخذت س ّجادتني له وألحد أي ٍ املكتبة؛ ليستطيع تناول ّ
مرافقيه الذي كان مم ّرضاً له يسهر عىل راحته .فرشت الس ّجادتني وخرجت من الغرفة
ألن كنت أعلم ّأن إذا كنت موجودا ً يف ليبدأ هو بالصالة فأدخل الغرفة وأقتدي به؛ ّ
((( در نهج بالغة ،ص 12املق ّدمة.
((( بيدار ﮔران أقاليم قبله.
الغرفة فلن يرىض باإلمامة .ومىض حواىل ربع ساعة عىل وقت الغروب ،سمعت صوتاً
108
لتصل.
يناديني ،كان املنادي هو املرافق ،وعندما جئت قال :إنّه جالس هكذا وينتظرك ّ
متوسالً تفضّ لوا أنتم وصلّوا صالتكم
قبلت أنا أقتدي قال :نحن نقتدي ،رجوته :اطلب ّ
أصل معك نفسه ،قلت :منذ أربعني سنة وأنا أطلب منك أن ّ قال :نحن نق ّدم الطلب َ
وبتبسم مح ّبب قال« :سن ٌة أخرىّ صال ًة واحدة وحتّى اآلن مل أوفّق فتفضّ ل بالقبول.
أيضاً فوق تلك األربعني» .والواقع ّأن مل أجد يف نفيس القدرة للتق ّدم عليه والصالة
رص عىل موقفه وال يتنازل عنه واقتدائه يب ،فخجلت خجالً شديدا ً .وأخريا ً رأيت أنّه م ٌّ
بأي وجه من الوجوه ،وليس مناسباً بعد استدعائه يل -أن أخالفه وأذهب إىل غرفة ّ
وأصل فرادى ،قلت« :أنا عب ٌد لك ومطيع ،إذا أمرتني أطيع» .قال« :آمر؟ ماذا أخرى ّ
أقول؟ لك ّن ذلك طلبي» .فقمت وصلّيت املغرب واقتدى هو يب .وهكذا وبعد أربعني
سنة باإلضافة إىل أنّني مل أمتكّن من االقتداء به ويف صالة واحدة وقعت تلك الليلة يف
مثل هذا الفخ ،يشهد الله أ ّن قسامت وجهه ،وحالة الحياء التي كانت ظاهرة يف وجهه
أثناء طلبه كانت تخجل النسيم ،أ ّما صالبته فكانت تذيب الجامد»(((.
يصل
األنصاري مل يكن يرىض أن ّ ّ هذا العامل الكبري الذي كان أستاذ الشيخ األعظم
وصل .وأثناء الصالة انرصف ذهنه ال رص عليه الناس ذات م ّرة وافق ّ إماماً ،ولكن عندما أ ّ
حل مسأل ٍة علم ّية ،فلم ِّ
يصل بعد تلك الصالة؛ إذ إنّه مل ي َر نفسه أهالً لذلك(((. إراديّاً -إىل ّ
هو والد اإلمام موىس الصدر ،وأحد ثالثة مراجع كانوا يتولّون إدارة الحوزة العلم ّية
الربوجردي
ّ الربوجردي .عندما جاء آية الله
ّ الحائري وقبل آية الله
ّ يف ق ّم بعد آية الله
محل إقامته صالة الجامعة ،واعتزل أمور الرئاسة إىل إىل قم ،تنازل له الس ّيد الصدر عن ّ
((( مهرتابان -القسم األول ،ص .52 - 50
((( قصص العلامء ،ص.115
َ ُ َ ۡ َ ُ َ َّ َ َ ُ ُ َ ُ ٗ ۡ َ
يدون ُعل ّوا ِف ك َّ
ٱدل ُار ٱٓأۡلخِرة نعلها ل ِلِين ل ي ِر ح ٍّد كبري ،وقال يف بيان سبب ذلك﴿ :ت ِل
109 ۡ ۡ َ َ َۡ
ۡرض َول ف َس ٗاداۚ َوٱل َعٰقِ َب ُة ل ِل ُم َّتقِ َني﴾(((.
ٱل ِ
ويس M
- 7آية الله الشهيد قدّ ّ
وحب الشهرة ،وكان ويس يكره الشهرة ّ جاء يف ترجمة هذا العامل الجليل :كان ق ّد ّ
يتول طيلة عمره إمامة الجامعة م ّر ًة واحدة ،ويف يعترب ذلك منشأ سقوط اإلنسان ،مل َّ
عبارلا مسقلا :ينلا ةراهطو ،صالخإلا
حدود املستطاع كان يدخل املجالس بهدوء ودون أن يثري انتباه اآلخرين ،ويجلس يف
أحس
آخر املجلس بني األشخاص العاديّني .مل يكن يتص ّدى للوعظ والخطابة ّإل إذا ّ
الرشعي يفرض ذلك .ونادرا ً ما كان يوافق عىل املقابالت اإلعالم ّية (إذاعة
ّ بأ ّن التكلّيف
وتلفزيون وصحافة) خصوصاً إذا كان الهدف تسويغ أعامله والدفاع عنها ،كان يقول:
«السقوط من أعني الناس أفضل من السقوط يف رشك هوى النفس»((( .كان الحضور
يف درس أخالق الشهيد ق ّدويس صباح الخميس م ّر ًة واحدة كافياً ليتهاوى قرص آمال
كل يشء غري الله ،ال قيمة له ،كان يقول برصاحة« :أيّها السادة(((، اإلنسان ،ويتيقّن أ ّن ّ
إذا كُنت ُم قد جئتم لتتعلّموا ث ّم تذهبوا لتحاربوا الروحا ّين يف مدينتكم أو قريتكم
وتصبحوا أمئَّة جامعة ليق ّبل الناس أيديكم ويقتدوا بكم وتحصلوا عىل اسم ورسم
(جاه) ويعطوكم سهم اإلمام ،فال َع َج َل وقبل فوات األوان وقبل أن تتعاظم مسؤول ّيتكم،
اذهبوا وابحثوا عن كسب حالل حتّى ال تصبحوا م ّمن خرس الدنيا واآلخرة»(((.
«كان يف أعامله شديد التو ّجه إىل الله سبحانه ،شديد اإلخالص يف العمل ،بحيث
إنّه يف بعض كتبه املطبوعة مثل رسالة «التوحيد والتثّليث» وكتاب «الرحلة املدرسيّة»
كاتب مجهول وكان يقول: (املطبوع 1344هـ.ق) مل يكتب اسمه ،بل نرشهام باسم ٍ
باسم آخر
«هديف الدفاع عن اإلسالم والتشيّع والحقيقة ،وسواء طُبع الكتاب باسمي أو ٍ
فال فرق أبدا ً»((( .نعم ،هذا هو شعار املصلحني املؤمنني ب ِقيَم اإلميان العليا ،وبهذه
صف األحرار والخالدين ،وهذا منوذج يف ما يبطل البالغي يف ّ
ّ الفضيلة والسم ّو أصبح
املادي لحركات اإلنسان»(((.
ّ التفسري
فإن أدعو الله مخلصاً أن يضيف أن يطيل عمر املؤلّف وأن يجعل عاقبة أمره خريا ً؛ ولهذاّ ،
كل ما يصبو إليه»(((.
بقيّة عمري إىل عمره الرشيف؛ ليتمكّن من تحقيق ّ
الحكيم الشهير
السبزواري .مع أ ّن شؤون الزعامة كانت
ّ الحكيم الصالح املرحوم الشيخ هادي
يتول إمامة جامعة ،ومل يشرتك يف وليمة، متوفّر ًة له ،فقد أعرض عنها كلّ ّياً ،حتّى إنّه مل َّ
ومل يخالط زعامء بلده ،ومل تظهر منه أيّة رغبة يف تص ّدر املجالس واالهتامم باملوائد
والدعوات الفخمة وألوان األطعمة ودعاء قارئ التعزية له وتقبيل العوا ّم ليده .كانت
حياته عاديّ ًة ج ّدا ً ،بعيد ًة عن الكامل ّيات ،ومل يكن يعترب لنفسه ميز ًة عىل اآلخرين ،ومل
يرب أطفاله تربي ًة مرتفة ،بل
يستغل أبدا ً احرتام الناس الوافر له ،ومل ي ّدخر ماالً ومل ِّّ
ع َّودهم عىل التواضع ،واالبتعاد عن الرئاسة والزعامة.
صاحب الحدائق
يقول املرحوم الشيخ عبد الله املامقا ّين يف رجاله« :حكم الوحيد البهبها ّين ببطالن
الصالة خلف صاحب الحدائق ،ولك ّن صاحب الحدائق حكم بص ّحة الصالة خلف الوحيد
البهبها ّين ،وعندما سئل عن ذلك قال« :تكليفي أن أص ّحح االقتداء به ،وتكليفه ،مبقتىض
فتواه ،ال يص ّحح الصالة خلفي ،وعدم تصحيحه الصالة خلفي اجتهاد ال يسقطه عن
(سعدي)
«يع ّدون الرياء حالالً وكأس الخمر حراماً ،ما أطرف هذه الطريقة وامللّة! ما أطرف
هذه الرشيعة وهذا الدين!» (حافظ).
ّ ّ
إخالص المحدث القم ّي
عندما كان املح ّدث الق ّم ّي مقيامً يف مشهد ،كان يف أحد املواسم يعظ يف مسجد
ﮔـوهرشاد ،فجاء املرحوم الشيخ عبّاس تربتي -وهو من العلامء األبرار والروحانيّني
محل إقامته إىل مشهد؛ ليستفيد من مواعظ الشيخ ال ُعبَّاد -من «تُربت حيدريّة» ّ
عبّاس الق ّم ّي .كان الشيخ الرتبتي صديقاً قدمياً للشيخ الق ّم ّي ،وكانت تربطهام عالق ٌة
حميمة ومتينة .وذات يوم ومن فوق املنرب ،وقعت عني الشيخ الق ّم ّي عىل الشيخ عبّاس
الرتبتي يف زاوية من املجلس املكت ّظ يستمع إىل حديثه ،عندها قال الشيخ الق ّم ّي :أيّها
الناس ،سامحة الشيخ موجود ،استفيدوا من علمه .وعىل الرغم من كرثة الناس الذين
يتول الحديث إىل آخر شهر كانوا قد جاؤوا ألجله ،نزل عن املنرب وطلب من الشيخ أن ّ
مم كل ما أطلته السامء ّ رمضان بدالً منه ،وهكذا كان «أنا» عبد اله ّمة من ت ّحرر من ّ
فيه لون الجذب واإلغراء(((.
شيخ عبّاس ليتك كنت مثل هذا الواعظ تستطيع أن ترقى املنرب وتقرأ يف هذا الكتاب
الذي قرأ لنا اليوم فيه» .وع ّدة مرات أردت أن أقول له إ ّن هذا الكتاب من مؤلّفايت،
كل م ّرة أسيطر عىل نفيس وأسكت ،واكتفيت بأن قلت :تفضّ ل بالدعاء ولك ّني كنت يف ّ
ليوفّقني الله تعاىل»(((.
عن أمري املؤمنني « :Qالدنيا كلّها جهل ّإل مواضع العلم ،والعلم كلّه ح ّجة،
ّإل ما عمل به ،والعمل كلّه رياءّ ،إل ما كان مخلصاً ،واإلخالص عىل خطر ،ح ّتى
َۡ ۡ َ ْ َٓ ََ َ
ينظر العبد مبا يختم له»((( وبنا ًء عليه﴿ :ف َمن كن يَ ۡر ُجوا ل ِقا َء َر ّبِهِۦ فل َي ۡع َمل ع َمل ٗ
َ َ َ ٗ َ ُۡ
ش ۡك ب ِ ِع َب َادة ِ َر ّبِهِۦٓ أ َح َ ۢدا﴾(((.
صٰل ِحا ول ي ِ
العبادة
ََ َ َۡ ُ ۡ
ٱل َّن َو ۡٱل َ
نس إ َّل ِلَ ۡع ُب ُ
ون﴾
ِ د ِ ِ ﴿وما خلقت ِ
(سورة الذاريات ،اآلية )56
117
كل مسلم هو عبادة الله تعاىل والتو ّجه إىل محل اهتامم ّ أه ّم أمر ينبغي أن يكون ّ
خاصة بالنسبة إىل من هم قادة قافلة ساحة قدسه .ويكتسب هذا املوضوع أه ِّم ّي ًة ّ
سماخلا مسقلا :ةدابعلا
البرشيّة التائهة وعلامء الدين اإلله ّيون .ومن هنا ،نرى أ ّن العلامء الكبار ،باإلضافة إىل
عنايتهم الكبرية بسائر أبعاد الدين الحنيف ،كانت لهم عناي ٌة ّ
خاصة استثنائ ّية بهذا األمر،
وكام كانوا يحزرون قصب السبق يف العلم كانوا يأتون يف الطليعة يف مجايل العبادة
والعمل ،وقد بلغوا يف ذلك الق ّمة الشامخة ،وبكلمة :كانوا علامء وعبادا ً .وبعبار ٍة أخرى،
خاصة للواجبات واملستح ّبات واألدعية كان سلفنا الصالح وعلامؤنا الكبار يولون أه ِّم ّي ًة ّ
والزيارات والصلوات املستح ّبة ،وإذا ك ّنا نريد أ ّن نكون الخلف لهؤالء األعاظم والعلامء
شك أ ّن من الواجب علينا أن نحيا حياتهم ونقتدي بهم ونقتفي أثرهم، الربان ّيني ،فال ّ
ونسعى أن ال نكون مصداق هذا الحديث الرشيف ...« :عامل تارك لعلمه ،فهذا هالك،
وإ ّن أهل النار ليتأذّون من ريح العامل التارك لعلمه ،وإ ّن أش ّد أهل النار ندام ًة وحرسة،
رجل دعا عبدا ً إىل الله ،فاستجاب له ،وقبل منه ،فأطاع الله ،فأدخله الله الج ّنة ،وأدخل ٌ
الداعي النار برتكه علمه واتّباعه الهوى وطول األمل»(((.
نصيحة من شيخ اإلشراق
يقول هذا الفيلسوف الكبري حول أه ِّم ّية العبادة اإلسالم ّية وأثرها يف تكميل الروح
اإللهي ،واملواظبة عىل
ّ ورقي النفس« :ومن الطرائق العبادة الدامئة مع قراءة الوحي ّ
الصلوات يف جنح الليل والناس نيام ،والصوم ،وأحسنه ما يؤ ّخر فيه اإلفطار إىل الس َحر ؛
(((
هذا الرجل العظيم الذي مل تُع َرف بعد منزلته العلم ّية والعمل ّية حتّى للكثريين من
الخواص ،ميتاز من علامء الشيعة يف هذا امليدان أيضاً ،وعندما تطرح أحياناً قصص عن ّ
واملجلت -ورغم أنّها قطرة من بحارّ -إل أنّها ترتك
ّ تو ّجهه وعبادته يف الخطب والكتب
املرء غريق الحرية .ويذكر هنا بعض ذلك:
اإللهي:
ّ يقول أحد املق ّربني من هذا القائد
كل مظاهر الشجاعة وعدم الخوف يف سبيل الله قد «يف الوقت الذي نجد أ ّن ّ
تبلورت يف روح اإلمام ،فإنّه أبدا ً ال يغفل عن األذكار والنوافل واملستح ّبات ،وحتّى
يتمش تكون السبحة يف يده ويكون مشغوالً بالذكر والزيارة .يقرأ اإلمام عندما يكون ّ
كل فرصة تسنح ويكون ذلك عادة القرآن ع ّدة م ّر ٍ
ات يوم ّياً بذلك الصوت امللكويتّ ،ويف ّ
بعد صالة الصبح وقبل صالة الظهر والعرص واملغرب والعشاء ،أو يف أيّة فرص ٍة أخرى.
اإللهي ،وعندما نذهب إليه مرارا ً يف النهار
ّ املستحب
ّ فإنّه ملتز ٌم يف هذه األوقات بهذا
نجده مشغوالً بقراءة القرآن .يف منزل شارع «دربند شمريان» رأيناه مرارا ً يقرأ دعاء
كميل بصوته امللكويتّ الذي يذكّر بتسبيح املالئكة وتقديسها»(((.
ويقول أحد مالزمي اإلمام يف النجف األرشف:
كل ثالثة
كل يوم عرشة أجزاء من القرآن يف شهر رمضان؛ أي أنّه يف ّ«يقرأ سامحته ّ
أيّام يختم القرآن م ّرة .كان اإلخوة يفرحون أنّهم ختموا القرآن م ّرة فيكتشفون أ ّن
«يف اليوم األ ّول ملغادرة الشاه لطهران ك ّنا يف نوفل لوشاتو ،اجتمع حول منزل
صحفي ،أُ ِع ّد لإلمام مكا ٌن ووقف فيه ،وكانت جميع
ّ اإلمام حوايل ثالمثئة إىل أربعمئة
كل ع ّدة أشخاص من الصحف ّيني يف سؤا ٍل واحد، الكامريات تعمل ،كان املقرر أن يشرتك ّ
أجاب اإلمام عن ع ّدة أسئلة ،سؤالني أو ثالثة ،وسمع صوت آذان الظهر ،وفورا ً غادر
اإلمام املكان ،وقال« :اآلن يفوت وقت فضيلة الظهر ،فتع ّجب جميع الحارضين من أ ّن
شخص أن يصرب ع ّدة دقائق ليجيب عىل اإلمام غادر املكان بدون مس ِّوغ ،فطلب منه ٌ
األقل عن أربعة أو خمسة أسئلة أخرى ،فأجاب اإلمام مغضباً :غري ممكن أبدا ً».
ّ
ّ
الشيرازي الكبير الميرزا
هذا العامل الربا ّين ،واملرجع الشجاع الواعي ،محطّم حكم األجانب ،واملقلّص
لنفوذهم ،من ّجي الشعب اإليرا ّين؛ حيث أعاد إليه شخص ّيته ،وع ّزته ،وثقته بنفسه؛ أي
ازي صاحب الفتوى الشهرية بتحريم التنباكو. املريزا مح ّمد حسن الشري ّ
جاء يف ترجمته« :كان يحفظ أكرث آيات القرآن ،وكذلك أدعية شهر رمضان وأدعية
األوقات األخرى والزيارات التي كان يقرأها يف حرم األمئّة ،ومل يكن يأخذ معه كتاب
أي حرم ،علامً بأنّه كان يقيض فرت ًة طويلة يف قراءة الدعاء ،والزيارة ،وحيث
دعاء إىل ّ
إنّه كان رقيق القلب ،ف ّوار الدمعة فقد كان يبيك كثريا ً ،وكانت له هيبة كبرية يف نفوس
العبادات التي كان الشيخ مواظباً عليها يوم ًّيا إىل آخر عمره الرشيف -باإلضافة إىل
الفرائض والنوافل الليل ّية والنهاريّة واألدعية والتعقيبات -هي عبارة عن قراءة جز ٍء من
القرآن وصالة جعفر الط ّيار والزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء(((.
ّ
الميرزا حسين الخليلي M
هذا الرجل العظيم أحد قادة حركة املرشوطة« ،كان حسن األخالق كريم النفس
بهي الطلعة ،جميل املحرض ،متّزناً وقورا ً ،ويف الوقت نفسه مرحاً .ال يرتك أبدا ً
واليدّ ،
القيام بأعامل مسجد الكوفة والسهلة وسائر العبادات ،وكان يعتكف سنويًّا يف العرشة
األخرية من شهر رمضان يف مسجد الكوفة ،ويقرأ بني الطلوعني زيارة عاشوراء باستمرار،
كام كان يذهب سريا ً عىل األقدام إىل كربالء يف أغلب الزيارات املخصوصة»(((.
ّ ّ
الميرزا محمد جعفر األنصاري M
نقرأ يف أحوال هذا العامل املتت ِّبع ،والنشيط والنموذج الرفيع يف االستقامة وعل ّو
كل مشاغله العلم ّية الكبرية ،وتت ّبعه الواسع
اله ّمة وال َجلَد :كان الشيخ بالرغم من ّ
ج ًّدا ،ال يغفل عن القيام بالعبادات اإلسالم ّية ،والرياضات الرشع ّية وتهذيب النفس،
كل ليلة أربعاء سريا ً عىل األقدام من النجف إىل مسجد السهلة وترويضها؛ كان يذهب ّ
( 10كيلو مرتات من النجف) ويشتغل هناك بالصالة والدعاء والعبادة ،وكانت هذه
سريته دامئاً حتّى بعد وصوله إىل س ّن الثامنني.
وكان الشيخ أيضاً إمام جامعة ،استم ّر يف ذلك حتّى سنة 1376يف مسجد الشيخ
الطويس يف النجف .بعد هذه السنة حيث تع ّرض لحادث سري يف طريق كربالء ،وبسبب
ّ
((( زندﮔـاين وشخصيت شيخ أنصاري ،ص.382
((( يادنامه عالمة طباطبايئ ،صُ 131ملَخ ًَّصا.
الطريحي واستم ّر يؤ ّم املصلّني فيه إىل
ّ الطويس عن منزله اختار مسجد آل
ّ بعد مسجد
123
ما قبل وفاته ب ّعدة سنوات(((.
ّ ّ
السبزواري الفيلسوف الكبير المل هادي
كل ليلة يف الشتاء ،والصيف ،والربيع ،والخريف ،يف أ ّول الثلث األخري
وكان يستيقظ ّ
من الليل ،وينشغل بالعبادة يف ظالم الليل وحتّى طلوع الشمس .وكذلك كان ينرصف
إىل العبادة أ ّول الليل مل ّدة ثالث ساعات يف الظالم ،كام كان مييش يف داره نصف ساعة
سماخلا مسقلا :ةدابعلا
يوميّاً.
ّ ّ ّ
الشيرازي الحكيم الجليل المل صدرا -صدر المتألهين
ُوف يف البرصة بحج بيت الله الحرام مرارا ً ،وقد ت ِّ
رشف ّهذا املحقّق البعيد الغور ت ّ
يف امل ّرة السابعة التي كان يف طريقه فيها إىل بيت الله الحرام((( .يقول أحد الفضالء
إسالمي ،ومن نوادر الز ّهاد والع َّباد،
ّ ٍ
وعارف ٍ
فيلسوف املعارصين« :صدر املتألّهني ،أكرب
(ساة) أتباع الرشيعة املح ّمدية الحقيق ّيني ،ومن املخلصني الواقع ّيني ألهل بيت ومن ُ
النب ّوة.كان يعترب يف مراعاة اآلداب والسنن اإلسالم ّية واملواظبة عليها «سلامن» العرص
و«أبا ذ ّر» الزمان ،مل يتّصل طيلة عمره بأصحاب النفوذ ،ومل ينحرف آناً واحدا ً عن
الحق والحقيقة ،ومل يتّخذ العلم وسيل ًة للتق ّرب إىل امللوك والحكام ،وقد قرن رصاط ّ
العلم بالعمل ،وكان من الق ّوة يف األمور النظريّة يف السنام األعىل ،ويف االشتغال يف
العبادة وتصفية الروح يف سلك أعاظم أرباب الكشف واليقني»(((.
يقول هذا العامل الجليل حول أيّام دراسته ما يأيت« :يف هذه الفرتة ،التي هي السنة
الثالثة إلقامتي ودراستي يف أصفهان ،وبسبب تأثري مواعظ األستاذ الكامل اآلخوند
السبزواري ،وبسبب املعارف التي ك ّنا نتلقّاها منه،
ّ الكايش الذي ك ّنا نقرأ عليه منظومة
ّ
رغبت تدريج ّياً بإحياء الليل ،إىل أن بدأت أفكّر بالرياضة يف مكان رياضة الشيخ البها ّيئ،
يف مقربة «تخت فوالد أصفهان» بني القبور ويف رسداب ،حيث بنوا مبساحة قرب مكاناً
مسقفًا بحجار مليئة بالنتوء عىل عمق درجتني ،مبقدار القرب ،إلّ أ ّن وجهته إىل القبلة
بحيث ميكن لإلنسان أن يؤ ّدي فيه صالته بركو ٍع وسجود .فكّرت أن أُظهر لألصدقاء
أن ّني ذاهب إىل طهران وأذهب إىل ذلك الرسداب أختفي فيه نهارا ً ،وأقيض الليل يف
الصحراء بجوار املوىت ألط ّهر نفيس من الرذائل وأحلّيها بالفضائل ،وأكون بذلك قد
قمت بسياحة يف مقامات العارفني ومنازلهم .وبقيت هذه األفكار تراودين م ّدة ،وكنت
أحياناً أتص ّور أ ّن ذلك محض رهبان ّية ( )...وك ّنا نقرأ العزاء ليايل الجمعة ،وق ّررت أن
أبقى مستيقظاً حتّى الصباح منشغالً بقراءة القرآن واألدعية واألوراد وأن اشتغل بني
الطلوعني بزيارة عاشوراء ،وشيئاً فشيئاً أقلعت عن التفكري مبرشوع «تخت فوالد»(((.
يصل الصبح واملغرب جامعة يقول مؤلّف كتاب حياة اإلسالم« :كان اآلخوند ّ
كل صلواته جامعة ،ومل تفته أبدا ً نوافل الليل يصل ّ
إلّ يف شهر رمضان حيث كان ّ
الحق ظاهرة من وال النهار ،ومل تكن عبادته رصف أداء التكليف ،بل كانت جذبة ّ
صال بسقف منزله، عباداته»((( .يقول أحد جريان سامحته« :كان سقف بيتنا متّ ً
كل من وعويل يفتّت القلب ،بحيث إ ّن ّ ٌ وكان له Mيف سجوده تح ّر ٌق وأن ٌني
املحب عند
ّ يتغي؛ كان يبيك كامكان قايس القلب وسمعه فمن املستحيل أن ال ّ
كل هذا الخوف وصاله ،وهو يبيك عىل زمان الفراق /كام العبد الجاين الذي يعيش ّ
واالضطراب .كان صايف الباطن نظيف الظاهر ،مل يكن يتص ّنع أبدا ً وكان م َّرب ًءا من
التزوير والتدليس ،وكان غاية يف مراقبة نفسه ،ومل تفته زيارة أمري املؤمنني Q
أبدا ًّ ،إل أنّه كان يؤ ّديها مخترصة.
قال أحد أصحابه« :قلت له أطل املكث يف الحرم قليالً حتّى إذا مل تكن منشغالً
بيشء ،اهت ّم بنفسك بعض اليشء؛ أي را ِع ما يقوله الناس ،فرأيت أنّه قبض عىل لحيته
بيده ،وقال مبنتهى االنكار :يعني تقول أن أرشك بالله تعاىل وألجأ إىل الرياء يف آخر
اإللهي اثني عرش
ّ عمري ومع ابيضاض لحيتي؟» والخالصة ّأن تأ ّملت يف أحوال هذا النور
عاماً فلم أ َر يف حاالت هذا الشخص الجليل وأقواله وأفعاله مخالفة أبدا ً للمندوبات
واملكروهات اإللهيّة ،مل يكن يأيت بذلك تكلّفاً ،بل أصبح ذلك مقتىض طبعه .وكان
َ
هذه سريته إىل الليلة التي رشب فيها رشبة الشهادة»(((.
ّ ّ ّ
األصفهاني العاملي السيد صدر الدين
أورد املرحوم الشيخ ع ّباس الق ّم ّي يف ترجمته« :وهذا الس ّيد الجليل كان بكّا ًء وكثري
املناجاةن وقد نقل أنّه يف إحدى ليايل شهر رمضان دخل حرم املؤمنني Qوجلس
بعد الزيارة يف جهة ما فوق الرأس املق ّدس وبدأ بقراءة دعاء أيب حمزة ،ومبج ّرد أن بدأ
بعبارة «إلهي ال تؤ ّدبني بعقوبتك» سيطر عليه البكاء ،وأخذ يك ّرر هذه العبارة ويبيك
حتّى أغمي عليه وأخرجوه من الحرم املط ّهر»(((.
َ
دعاء اإلمام الباقر Qفي السحر
رشفت ذات م ّرة بزيارته -رضوان
العلمة الطباطبا ّيئ « :Mت ّ يقول أحد تالمذة ّ
تنس دعاء باقر علوم النب ّيني Qيف الس َحر؛
الله عليه -وذكرت له حاجتي ،فقال :ال َ
فإ ّن فيه البهاء والجامل والعظمة والنور والرحمة والعلم والرشف ،وليس فيه ذكر
للحور والغلامن إذا كانت الج ّنة حلوةً ،فإ ّن سبب الج ّنة أحىل».
«ملاذا أنت زاهد يف هوى الج ّنة؟ ملاذا أنت غافل عن سبب الج ّنة؟»(((.
((( نهج البالغة ،صبحي الصالح ،ص ،304خ ،193املعروفة بخطبة هامم.
وطبقاً ملا قاله اإلمام الصادق Qفإ ّن نوران ّية العلم وحقيقته ال تحصل بقراءة
130
بعض الكتب األدب ّية واألصول ّية والفقه ّية ،بل «العلم نور يقذفه الله يف قلب من
يشاء» ومن حيث املبدأ فإ ّن الدراسة ليست هدفاً ،بل هي مق ّدمة إلقامة أحكام الله
تعاىل وتو ّجه عباده إليه.
يف مقابل هذا الفريق ،فريق آخر تش ّبثوا بالدعاء والزيارة فقط ،ووضعوا جانباً ّ
كل أبعاد
رض ،وحرصوا اإلسالم األخرى ،وانشغلوا بهذا البعد فقط ،وبشك ٍل ٍ
ناقص أيضاً ومخ ّرب وم ّ
هذا الدين الحنيف بالزيارات وأمثالها فهم ال يدرسون ،أو يقترصون يف الـ 24ساعة عىل
درس واحد وميضون أكرث أوقاتهم بالبطالة والكسل ويعتذرون بأنّنا «مشغولون ببناء النفس ٍ
وتهذيبها» وأ ّن «العلم يجلب الغرور» وهو «الحجاب األكرب» وأمثال ذلك بحيث إنّه يجب
حق يراد بها باطل».
أن يقال حول هذه األقوال من هؤالء األشخاص« :كلمة ّ
هؤالء أيضاً مخطئون ج ًّدا ،وكام يرفض اإلسالم الفريق األ ّول ،فإنّه يرفض الفريق
الثاين ،وينطبق عليهام معاً كالم أمري املؤمنني « :Qال ترى الجاهل ّإل مفرطاً أو
مف ّرطاً»((( أال يعلم هؤالء األشخاص أنّه لو كان باإلمكان أن يصبح اإلنسان عاملاً بالدعاء
وإدارة السبحة وتحريكها فام هي الرضورة التي أوجبت عىل كبار علامئنا -كام تق ّدم
كل أنواع الحرمان واملشاكل كل تلك الجهود املضنية يف الدراسة؟ ويعانوا ّ
-أن يبذلوا ّ
والصعوبات واملصائب؟
هذا الفريق تكون عاقبة أفراده أنّهم يصبحون جهالء ،وبعد فرت ٍة يضلّون ،وال
يستفيدون شيئاً ّإل كونهم عبئاً عىل املجتمع ،ويرصفون أموال بيت املال ،ويريقون
ماء وجه الشيعة .من الجدير بهؤالء أن يطّلعوا عىل ما جاء يف مفاتيح الجنان يف أعامل
الليلة الواحدة والعرشين والثالثة والعرشين اللتني هام ليلة القدر وربيع العباد و«ليلة
القدر خري من ألف شهر» ويقرؤوا هذه الجملة :وقال شيخنا الصدوق :ومن أحيا هاتني
الليلتني مبذاكرة العلم فهو أفضل(((.
((( نهج البالغة ،صبحي الصالح ،ص ،479باب الحكم ،الحكمة .70
((( مفاتيح الجنان ،ص.222
مم تق َّدم حتّى اآلن أ ّن اإلفراط والتفريط كلَ ْيهام خطأ ،وكام قال أمري
نستنتج ّ
131
املؤمنني « :Qاليمني والشامل مضلّة والطريق الوسطى هي الجادة»(((.
االعتدال والطريق الوسطى
يجب أن يسلك الطالب طريق ًة معتدلة ،ويجب أن يكون منشغالً بالدراسة ّ
بكل
وسعه ،وأن يبذل الجهد الكبري يف ذلك مستنفرا ً طاقته كُلَّها ،وأن ينشغل مع ذلك
رض ذلك بدراسته ،فيأيتوجنباً إىل جنب بالعبادات والزيارات واألدعية ،بحيث ال ي ّ
سماخلا مسقلا :ةدابعلا
« ...بأيب أنتم وأ ّمي ونفيس ،وأهيل ومايل ،من أراد الله بدأ بكم ،ومن و َّحده قبل
عنكم ،ومن قصده تو ّجه بكم»...
من الزيارة الجامعة
135
ٓ َ َ
ُ ۡ َّ ۡ ُ َ ُ ُ ْ ُ ۡ ُ
ك ۡمۖ﴾((( من أه ّم أسباب التوفيق التو ّجه الكثري ﴿قل َما َي ۡع َبؤا بِكم ر ِب لول دعؤ
والتوسل باألمئّة األطهار Rخصوصاً ّ نحو الله تعاىل ،واالهتامم باألدعية والتو ّجه
سداسلا مسقلا :الدعاء -الزيارة -التوسل باألئمة R
التوسالت تساعد اإلنسان مساعد ًة عظيم ًةبالوجود املق ّدس بق َّية الله األعظم .إ ّن هذه ّ
تصح الغفلة
ج ًّدا يف تحصيل العلم وكسب اإلخالص وتهذيب النفس وترك الذنوب؛ ولذا ال ّ
الخميني{
ّ عن هذا األمر .وجدير هنا أن نتذكّر أ ّن من أه ّم أرسار توفيق اإلمام
وتوسله باألمئّة األطهار املعصومني Rوإليك اإللهي وعالقته ّ
ّ هو تو ّجه هذا القائد
مناذج من ذلك ،ومن سرية العلامء بشكلٍ عا ّم.
ّ
اإلمام الخميني{
جاء يف إحدى املطبوعات« :طيلة إقامته يف النجف فإنّه مل يرتك زيارة حرم
ّ
كل ليلة ،إلّ يف موارد استثنائيّة ،ويف أغلب الزيارات ،كان يقصد األمري ّ Q
ّ
رضيح سيّد الشهداء ،Qويف عاشوراء يقرأ يوميًّا ،زيارة عاشوراء ،مع تكرار
الفقرات التي ينبغي تكرارها مئة م ّرة .منذ أكرث من خمسني سنة وإىل اآلن نادرا ً
ما يطلع الفجر واإلمام نائم .يهت ّم كثريا ً بالته ّجد وقيام الس َحر ،يف النجف األرشف
وحني كانت درجة الحرارة خمسني ورغم شيخوخته والضعف املفرط صام شهر
رمضان الذي كان يومه حينها مثا َين عرشة ساعة ،ومل يكن يفطر إلّ بعد صالة
املغرب والعشاء والنوافل».
دموعه .وهذه يف الحقيقة ليست عالق ًة عاديّة ،ويف تلك األحيان كان فيها كث ٌري من
«املتج ّددين» قبل الثورة يهاجمون مواكب العزاء واللَّطْم -ولو أ ّن هذا التفكري
منى ملا بقيت آثار من شعائر اإلسالم وألُفرغنا من محتوانا -منذ ذلك الوقت كان
اإلمام يش ّجع تلك املراسم التقليديّة يف مواكب العزاء ،واآلن نرى كيف يويص
الناس بإقامة مجالس العزاء يف األ يّام امله ّمة خصوصاً يف يوم عاشوراء .وعادة
يأيت ق ّراء العزاء العريقون ويقرؤون األشعار التي كانت تقرأ قدمياً ،واإلمام يبيك،
ويخترص الق ّراء ذكر املصيبة يف مجالسهم عادة مراعا ًة لحال اإلمام ،حيث إنّه
ّ
خاصة وأنّه يف هذهشديد التعلّق بأهل البيت إىل ح ّد أنّه قد يؤذيه البكاء الكثريّ ،
ّ
ٍ
بصوت عال. األوقات يبيك
ذات يوم -وكان ذكرى شهادة الزهراء - Oطُلِب من اإلمام أن يتفضّ ل بالحضور
يف املجلس الذي ض ّم اإلخوة يف مكتب اإلمام بهذه املناسبة .جاء اإلمام وجلس ،ومبج ّرد
بصوت عال ،فاخترصٍ أن بدأ أحد اإلخوة من أعضاء املكتب بذكر املصيبة بىك اإلمام
القارئ رعاي ًة لحال اإلمام ،وكانت قطراته تنهمر عىل خ ّديه كح ّبات اللؤلؤ .ورغم أ ّن
ات مختلفة ،فإنّه ال يتح ّرج من البكاء عىل يفسون بكاء اإلمام تفسري ٍ
الدنيا واإلعالم ّ
س ّيد الشهداء حتّى أمام عدسة التلفزيون.
طلب مدرسة الرفاه لإلمام« :ملاذا ال تذكرون يف أحاديثكم اإلمام
ذات يوم ،قال أحد ّ
كل
املنتظر ّإل قليالً؟» ومبج ّرد أن سمع اإلمام ذلك وقف وقال« :ماذا تقول؟ أال تعلم أ ّن ّ
ما عندنا هو من اإلمام صاحب الزمان | ّ
وكل ما عندي هو من اإلمام صاحب الزمان؟
138
وكل ما عندنا من الثورة هو من اإلمام صاحب الزمان؟».
ّ
املعنوي بالله وأهل البيت Rيبقى شامخاً
ّ من هنا ،فإ ّن اإلمام بهذا االرتباط
دامئاً كالطود وال يزلزله يشء(((.
الخميني يف
ّ يقول أحد أساتذة األخالق املعروفني يف حوزة ق ّم« :عندما كان اإلمام
فرنسا كتب ثالث رسائل إىل ثالث ٍة من علامء ق ّم قائالً :الثورة بحاجة إىل دعاء فادعوا
لنرص الثورة».
ّ ّ
األميني صاحب الغدير العلمة
األميني العشق والوالء الكامل آلل مح ّمد عليهم السالم ،عشقاً ّ العلمة
من خصائص ّ
كان مشهورا ً تتناقله األلسن ،بحيث ميكن القول إ ّن الغدير أث ٌر من آثار العشق العارم.
خاصة بسامع مصائب اإلمام الحسني وأصحابه ،والتأ ّمل ومن هنا ،كانت له عالقة ّ
ٍ
بصوت عال بكا ًء مريرا ً ومتف ّجعاً ،وكثريا ً ما ات ّفق أ ّن الخطباء يف مصابهم ،وكان يبيك
وتغي حاله ،عنداألميني ُّ
ّ العلمة
والنائحني وسائر الحارضين واملستمعني كانوا يرون ّ
ذكر املصيبة ،فيتأث ّرون تأث ُّ ًرا شدي ًدا ،ويبكون مثله بكاء املتف ّجع .حقًّا كان املجلس
األميني ،ويجري فيه ذكر مصائب آل مح ّمد ،وكأ َّن واح ًدا من ّ العلمة
الذي يحرضه ّ
آل مح ّمد Pموجو ٌد يف ذلك املجلس ،وكانت هذه الحالة تشت ّد وتبلغ أوجها عندما
يذكر قارئ املصيبة اسم الص ّديقة الكربى فاطمة الزهراء Oعندها كان تحم ّر
جبهته وخ ّداه ،ويبيك كام يبيك من اعتدى عىل ناموسه ،وها هم يح ّدثونه اآلن عن ذلك
وتشعر أ ّن عينيه تقذفان اللهب مع الدموع الغزيرة املنهمرة منهام»(((.
ّ
االستشفاء بآثار األئمة R
معي
الحيوان» -وغريه ينقلون أ ّن «األفعى عندما تصاب بالعمى متسح عينيها بنبات ّ
الخاصيَّة يف نبت ٍة َّما ،فام العجب يف أن يجعل
ّ فتبرص ،وإذا كان الله تعاىل يجعل تلك
ّ
النبي P؟» ويضيف أيضاً« :وهذا الحقري أيضاً كلّام ضعف برصي مثلها يف تربة ابن ّ
مبس كتابة األحاديثبسبب كرثة الكتابة ،أت ّربك برتاب مراقد األمئّة Rوأحياناً ّ
واألخبار ،وبحمد الله فإ ّن مييني يف غاية الق ّوة ،وأميل ،إن شاء الله ،أن تق ّر عيني
بربكتهم يف الدنيا واآلخرة»(((.
يقول ابن املح ّدث الق ّم ّي :ال أنىس أنّنا عندما ك ّنا يف النجف ذات يوم صباحاً (حواىل
سنة 1357هـ.ق؛ أي قبل وفاته بسنتني) استيقظ والدي وقال :اليوم تؤملني عيناي
بش ّدة وال أستطيع املطالعة والكتابة ،وكان يبدو متألّامً ج ًّدا ،كان لسان حاله تقريباً:
املحليت مل يرتك زيارة عاشوراء طيلة ثالثني سنة يف آخر عمره ،ويف
«املرحوم املريزا ّ
اليوم الذي كان ال يستطيع قراءتها ملرض أو غري ذلك كان يستنيب من يقرأها عنه».
ويف اليوم التايل لليلة التي رأى فيها الشيخ مشكور هذا املنام ،ذهب إىل منزل آية
ازي -املريزا الثاين -وح ّدثه باملنام ،فبىك املريزا ،وسئل عن
تقي الشري ّ
الله املريزا مح ّمد ّ
املحل ّيت ،وقد كان من أعمدة الفقه» .قالوا« :لقد
توف املريزا ّسبب البكاء ،فقال« :لقد ّ
رأى الشيخ مناماً وصدقُه غري معلوم» ،قال املريزا :بىل ،منام إلّ أنّه منام الشيخ مشكور
وليس منام أفراد عاديّني.
ّ
املحليت
ويف اليوم التايل ،جاءت برق ّية من شرياز إىل النجف ،تحمل نبأ وفاة املريزا ّ
ّ
ّ
والطلب إىل حرم س ّيد الشهداء وحرم ّ وكان يف اليوم العارش يذهب ومعه العلامء
أيب الفضل الع ّباس ويقيمون مجلس عزاء هناك أيضاً ،كانت عادة املريزا أن يقرأ يف
كل يوم زيارة عاشوراء ،ث ّم ينزل لالشرتاك يف مجلس العزاء .يقول أحد األعاظم: غرفته ّ
«ذات يوم كنت حارضا ً قبل املوعد املق ّرر ،فجأة ،نزل املريزا بحالة غري عاديّة منكرسا ً
حزيناً ،نزل الدرج ودخل املجلس ،وقال« :اليوم يجب أن تذكروا مصيبة عطش س ّيد
الشهداء ويكون العزاء حولها» .فتأث ّر جميع أهل املجلس كثريا ً ،وأغمي عىل بعضهم،
وعىل تلك الحالة انتقلوا برفقة املريزا إىل الصحن والحرم املق ّدس وكأ َّن املريزا كان
ّ
ً
زيارة عاشوراء أربعين يوما
النجفي القوﭼـا ّين - M-الذي
ّ يتح ّدث العامل الواعي واملتّقي املرحوم آية الله
طلب اآلخوند الخراسا ّين البارزين ،عن ذكريات أيّام دراسته يف أصفهان التي كان من ّ
استم ّرت أربع سنوات (1318 - 1314هـ.ق) فيقول:
«بعد املجيء إىل املدينة (أصفهان) رأيت ذات ليلة ،املوت يف النوم عىل شكل
حيوان بحجم عجل عمره سنة ،ورأيت خلفه ثالثة أو أربعة من أوالده وهم يسريون
خلفه يف الهواء وهم أصغر منه ،وأثناء مسريهم يف الهواء م ّروا من فوق منزلنا الذي
من ذلك يواصل طريقه ،لقد كان Mظريفاً ذ ّواقاً ،حلو املعرش أنيس املجلس ،ومع
التوسل يف الطريق إىل
ذلك فقد كان يف أوقات الدعاء والزيارة ال نظري له أثناء دعاء ّ
بكل تو ّجه والدموع تنهمر من عينيه طيلة فرتة كربالء.كان يواصل السري ويقرأ الدعاء ّ
ٍ
وبصوت عال الدعاء ،وعندما يحني ذكر مصيبة س ّيد الشهداء كان يبيك بكاء الثكىل
وكتفاه يهت ّزان من ش ّدة البكاء.
شخص اسمه الشيخ جعفر ،يقرأ العزاء دامئاً باختصار بعد صالة اإلمام
كان هناك ٌ
الخميني يف مسجد الشيخ ،ومل يكن الحارضون يهت ّمون مبجلسه ،فكانوا يغادرون ّ
ّ
املسجد تدريج ًّيا .الوحيد الذي كان ملتزماً باالستامع إليه هو املرحوم الشهيد الس ّيد
مصطفى ،حتّى إنّه أحياناً كان يبقى املستمع الوحيد ملجلس الشيخ جعفر»!.
ّ
يقول الشيخ آقا بزرگ الطهرا ّين يف ترجمة العامل املحقّق املتت ّبع صاحب املجموعة
العظيمة والق ِّيمة «عبقات األنوار» مري حامد حسني Mما يأيت« :أخربين املريزا
الحائري أنّه -أي
ّ اليزدي الخطيب
ّ العسكري نقالً عن الس ّيد حسني
ّ مح ّمد الطهرا ّين
الس ّيد حسني -قال:
«كنت مسبوقاً أ ّن السيّد حامد حسني ال يطيق سامع املصائب املشجية التي جرت
ُ
عىل ج ّده الحسني ،وأهل بيته R؛ ولذا ال تُقرأ يف محرضه ،فاتّفق يوماً أنّه دخل
الحسينيّة يف «لكهنوا» حني قراءيت ومل أشعر به ،وقرأت بعض املصائب وإذا باألصوات
والكل يأمرين بالتوقّف عن القراءة ،وبعد حني ظهر يل أ ّن السيّد قد غيش
قد ارتفعتّ ،
عليه»(((.
صاحب مستدرك الوسائل
النوري -صاحب
ّ يقول صاحب «الذريعة» عن أستاذه الكبري املرحوم الشيخ حسني
«ومم س ّنه يف تلك األعوام أثناء إقامته يف النجف :زيارة س ّيد
ّ مستدرك الوسائل:-
األنصاري من سفن األخيار
ّ الشهداء مشياً عىل األقدام ،فقد كان ذلك يف زمن الشيخ
((( ﮔـنجينه دانشمندان ،ج ،1ص.302
((( نقباء البرش ،طبقات أعالم الشيعة ،ج ،1ص.350-349
وأعظم الشعائر ،ولكن ترك يف األخري وصار من عالئم الفقر وخصائص األدن َْي من
147
فلم الناس ،فكان العازم عىل ذلك يتخفّى عن الناس ملا يف ذلك من ّ
الذل والعارّ .
رأى شيخنا ضعف هذا األمر اهت ّم له والتزمه ،فكان يف خصوص زيارة عيد األضحى
الدواب لحمل األثقال واألمتعة ،ومييش هو وصحبه لك ّنه لضعف مزاجه ال ّ يكرتي بعض
يستطيع قطع املسافة من النجف إىل كربالء مببيت ليلة كام هو املعتاد آنذاك ،بل كان
يقيض يف الطريق ثالث ليايل ( )...ويف السنة الثانية والثالثة ،زادت رغبة الناس والصلحاء
سداسلا مسقلا :الدعاء -الزيارة -التوسل باألئمة R
والذل إىل أن صار عدد الخيم يف بعض السننيباألمر ،وذهب ما كان يف ذلك من اإلهانة ّ
لكل واحدة بني العرشين والثالثني نفرا ً».
أزيد من ثالثنيّ ،
ويقول « :Mكان -أعىل الله مقامه -ملتزماً بالوظائف الرشع ّية عىل الدوام،
خاص ال يتخلّف عنه؛ فوقت كتابته من بعد صالة شغل ّ لكل ساع ٍة من يومه ٌ وكان ّ
العرص إىل قرب الغروب ،ووقت مطالعته من بعد العشاء إىل وقت النوم ،وكان ال ينام
ّإل متط ّهرا ً وال ينام من الليل ّإل قليالً ،ث ّم يستيقظ قبل الفجر بساعتني ،فيج ّدد وضوءه
رشف قبل الفجر بساعة إىل وال يستعمل املاء القليل ،بل كان ال يطَّ ّهر ّإل بالك ّر ،ث ّم يت ّ
ّ
الحرم املط ّهر ،ويقف -صيفاً وشتا ًء -خلف باب القبلة فيشتغل بنوافل الليل إىل أن يأيت
ّ
الس ّيد داود نائب خازن الروضة ،وبيده مفاتيح الروضة ،فيفتح الباب ويدخل شيخنا،
وهو أ ّول داخل إليها وقتذاك .وكان يشرتك مع نائب الخازن بإيقاد الشموع ،ث ّم يقف
فيصل الصبح
يف جانب الرأس الرشيف ،فيرشع بالزيارة والته ّجد إىل أن يطلع الفجرّ ،
خواصه من الع ّباد واألوتاد ،ويشتغل بالتعقيب ،وقبل رشوق الشمس جامعة مع بعض ّ
بقليل يعود إىل داره فيتو ّجه رأساً إىل مكتبته العظيمة املشتملة عىل ألوف من نفائس
الكتب واآلثار النادرة العزيزة الوجود أو املخترصة عنده فال يخرج منها ّإل للرضورة
يغي منهجه ويشتغل بعد الرجوع من الحرم الرشيف ( )...أ ّما يف يوم الجمعة ،فكان ّ
مبطالعة بعض كتب الذكر واملصيبة -العزاء -لرتتيب ما يقرؤه عىل املنرب يف داره
ويخرج من مكتبته بعد الشمس بساعة إىل مجلسه العا ّم ،فيجلس ويح ّيي الحارضين
ويؤ ّدي التعارفات ،ث ّم يرقى املنرب فيقرأ ما رآه يف الكتب ذلك اليوم ،ومع ذلك يحتاط يف
148
رصحاً به يف األخبار القطع ّية ،وكان إذا قرأ املصيبة تنحدر دموعه عىل شيبته.
ما ليس م ّ
وقص الشاربوبعد انقضاء املجلس ،يشتغل بوظائف الجمعة من التقليم والحلق ّ
والغسل واألدعية واآلداب والنوافل وغريها ،وكان ال يكتب بعد عرص الجمعة -عىل
رشف بزيارة الحرم ويشتغل باملأثور إىل الغروب .كانت هذه عادته إىل عادته -بل يت ّ
أن انتقل إىل جوار ربّه»(((.
ّ ّ
العلمة الطباطبائي M
من صفات هذا الرجل الروحا ّين الكبري تعلّقه الذي ال يوصف وخشوعه يف محراب
النبي األكرم ،ومل تكن انشغاالته العلميّة ليالً ونهارا ً لتحول بينه وبني ّ
التوسل بهم آل ّ
ورفع التحيّة والسالم إىل مقام الرسالة والوالية ،وكان يعترب أ ّن توفيقه ره ٌن بهذه
التوسالت .وكان شديد االحرتام ألحاديثهم ،حتّى الروايات املرسلة والضعيفةكان يتعامل
ّ
معها باحتياط ،ومل يكن يحتمل أدىن إساءة أدب واعوجاج سليقة تجاه هذه الساللة
الطاهرة.
العلمة:
يقول أحد تالمذة ّ
خاصة ومح ّبة مم ّيزة لألمئّة الطاهرين -صلوات الله عليهم «كان لألستاذ عالقة ّ
أجمعني -وعندما يذكر اسم أحدهم كانت تظهر يف وجهه مالمح التواضع واألدب ،وكان
خاصا لإلمام صاحب الزمان (أرواحنا فداه) .كان يعترب أ ّن لهم Rأي يك ّن احرتاماً ًّ
رسول الله Pواألمئّة ،Rوالص ّديقة الكربى ،مقاماً ومنزلة فوق التص ّور ،وكان
يتم ّيز بالخضوع والخشوع الواقع ّيني والوجدان ّيني تجاههم ،ويعترب منزلتهم ملكوت ّية،
كام كان محيطاً بسريتهم وتاريخهم بشكلٍ كامل».
املرتعشتني عىل عتبة الباب ويق ّبلها -وببدنه املرتجف -من صميم القلب .وأحياناً
عندما كنت التمس منه الدعاء ،كان يقول يل :اذهب وخذ حاجتك من اإلمام Q
كل يشء هناك». نحن هنا لسنا شيئاًّ ،
النبي ومقام الوالية،
أي شخص تجاه آل ّ مل يكن يتح ّمل أدىن إساءة أدب ومن ّ
وكان يتعامل مع هؤالء األشخاص مبنتهى الحزم .من املمكن أن يتساهل يف األخطاء
العلمي ،أ ّما يف مقابل األشخاص
ّ العلم ّية ،ويلتزم يف تصحيحها ونقدها حدود األدب
الذين يسيؤون -ولو قليالً -إىل مقام والية أهل البيت ،فلم يكن يستطيع أن يسكت،
ّ
بأي نحو ٍكان ،طريقته هذه واضحة يف كتبه ،أ ّما يف املجلس فقد بل كان يواجه ذلك ّ
ّ
كانت أكرث رصاحة وأش ّد وضوحاً .يف ليايل شهر رمضان ،كان يشرتك يف املجالس التي
يقرأ فيها عزاء س ّيد الشهداء ،Qأحياناً كان يبقى إىل السحر ،وكان ح ّبه ألهل
البيت ،وتعلّقه بهم ،يظهر بوضوح.كان غالباً ما يشرتك يف مجالس العزاء واملرايث،
ٍ
وبصوت عال ،بحيث إ ّن بدنه كلّه يف أيّام الجمعة ،وأحياناً كان يبيك بكا ًء مريرا ً،
شك أن ّكثريا ً من توفيقاته وليدة هذه يرتجف ،والدموع تنهمر من عينيه ،وال ّ
الخصلة ( )...وهي خصلة بارزة يف جميع تالمذته ،كان يحيي جميع ليايل شهر
رمضان حتّى الصباح منش ِغ ًل بالعبادة والكتابة وكان ينام مع طلوع الشمس -وبعد
عبادات السحر -إىل الظهر»(((.
«كهك» إىل ق ّم لزيارة املعصومة Oلهذا الغرض ،وهو قوله« :كنت حني تسويدي
هذا املقام بـ«كهـﮓ» من قرى ق ّم فجئت إىل ق ّم زائرا ً لبنت موىس بن جعفر (سالم الله
عليهام) ،مستم ًّدا منها ،وكان يوم جمعة فانكشف يل هذا األمر بعون الله تعاىل»(((.
كام نقل أحد العلامء عن خ ّط ابن صدر املتألّهني تاريخ هذه اإلفاضة (الذهاب إىل
ق ّم للزيارة وما أفاضه الله عليه) وأنّه يوم الجمعة يف شهر جامدى األوىل سنة سبع
وثالثني بعد األلف وقد مىض من عمر املؤلّف آنذاك مثان وخمسون سنة»(((.
ّ
نص آخر أ ّن يوم الجمعة ذاك كان السابع من شهر جامدى األوىل(((.
ويوضح ّ
الحقيقة ّ
ّ
المرة
والتوسل باألمئّة
ّ مم تق ّدم يتّضح ج ّيدا ً أ ّن طريقة العلامء الربَّان ّيني هي التو ّجه
ّ
األطهار Rوقراءة األدعية والزيارات .هنا يجب االعرتاف لألسف أ ّن الدعايات
املسمومة التي بثَّها املستعمرون قبل الثورة -اإلسالم ّية يف إيران -تركت أثرها يف إبعاد
الناس عن األدعية ،واألمر كذلك أيضاً بالنسبة إىل كثريٍ من ّ
الطلب األم ّيني أو املتعلّمني
ّإل أنّهم ليسوا هادفني ،بل هم «ال أُبال ّيون» حتّى إ ّن بعض املدارس العلم ّية ال تقرأ فيها
طلب العلوم الدين ّية من األمــور التي يجب عىل جميع املسلمني ،خصوصاً ّ
رضع يف األسحار.
والروحان ّيني ،أن يهت ّموا بها ،مسألة قيام السحر والته ّجد والت ّ
عباسلا مسقلا :اجنلا ّرس ليللا ةالص
ُذكِرت هذه املسألة يف القرآن الكريم يف أكرث من عرشة مواضع ،وقد ورد الثناء عىل
املته ّجدين باألسحار بعبارات مختلفة.
والروايات يف فضيلة صالة الليل وذ ّم تركها -بنا ًء عىل كالم العارف الواصل املرحوم
التربيزي Mبلغت ح ّد التواتر(((.
ّ املليك
يصل صالة الليل»(((.
يقول اإلمام الصادق « :Qليس من شيعتنا من مل ّ
للطلب أن يهت ّموا بهذا
ويرى أحد أساتذة األخالق أ ّن من الواجبات الحتم ّية ّ
املستحب ويلتزموا به وينريوا قلوبهم باملناجاة يف األسحار ،واالختالء بالله تعاىل،
ّ
الحق ،ويح ِّولوا بذلك ظلمة الليل إىل نهار.
والتفكّر يف آيات ّ
التربيزي:
ّ يقول املرحوم املليك
طلب اآلخرة إىل يشء من
«وحىك يل شيخي يف العلوم الحقّة :أنّه ما وصل أحد من ّ
املقامات الدين ّية ّإل -إذا كان -من املته ّجدين».
العلمة الطباطبا ّيئ:
يقول ّ
رشفت بالنجف األرشف للدراسة ونظرا ً للقرابة والرحم ،كنت أحياناً أت ّ
رشف «عندما ت ّ
بزيارة املرحوم القايض .وذات يوم كنت واقفاً يف مدرسة يف النجف فم ّر املرحوم القايض
بتل بالعجب ،أ ّما التقوى السلب ّية ،فال قيمة لها ،بل امله ّم هو التقوى
باملستح ّبات وال يُ َ
االيجاب ّية.
يقول السالك الكامل املرحوم املليك:
«نعم ،قد ينام من ته ّيأ لالنتباه لطفاً من الله -اللطيف عليه يف سياسته أمر عبوديّته-
حفظاً له من العجب أو تعريضاً له لزيادة األجر من كرثة أسف فوت الته ّجد ،ولكن
الذي يُستفاد من األخبار أ ّن ذلك ال يكون ّإل قليالً ،ليلة أو ليلتني»(((.
ويرى البعض أ ّن قيام الليل ونافلته يتنافيان مع الدرس ،ويحوالن دون التحصيل،
وأنَّهام باختصار مضيعة للوقت ،ويجب قضاء ذلك الوقت يف الدرس واملطالعة.
التربيزي يف جواب هؤالء:
ّ يقول آية الله املليك
«وكيف كان فإ ّن من له أدىن تت ّبع يف أخبار أهل البيت Rوأحوال السلف من
يشك يف أ ّن صالة الليل ليست ض ّد تحصيل العلم ،بل مشايخنا العظام -رحمهم الله -ال ّ
املحصلني من كان من املته ّجدين
ّ هي من أسبابه القريبة والقويّة ،وكثريا ً ما رأينا من
وصار ذلك سبباً الستقامة فهمه ،وجودة ذهنه يف الوصول إىل املطالب الحقّة يف املسائل
الطلب املج ّدين يف مطالعة
العلم ّية ،وارتقى إىل املراتب العالية يف العلم ،بخالف ّ
الكتب العلم ّية -غري املته ّجدين -فقلّام خرج منهم صاحب ملك ٍة مستقيمة ،نعمّ ،
ربا
هو من أهل الته ّجد ،وصالة الليل ،ومن هو من الصادقني ،والصابرين ،واملستغفرين
وواقعي لصالة الليل،ّ حقيقي
ّ مصل
باألسحار ،لذّة وبهجة ...تلك اللذّة التي يشعر بها ٍّ
رب وأتوب إليه» من قوله« :العفو العفو» وذكر من صالة ليلة من قوله« :أستغفر الله ّ
رب»رب يا ّاألقل والدعاء لهم ،اللذّة التي يشعر بها من قوله« :يا ّ أربعني مؤمناً عىل ّ
ال ميكن أبدا ً أن يشعر بها شخص بطّال يتسكّع يف علب الليل ،لذّة صالة الليل أعمق
بكثري ،أقوى ،أكرث نشاطاً .ولكن إذا أغرقنا أنفسنا يف لذّة الدنيا املاديّة ،مثالً نتحلّق أ ّول
الليل حول بعضنا ،ونأخذ بالحديث والضحك ،ولنفرتض أنّنا مل نغتب أل ّن ذلك حرام،
واقترصنا فقط عىل املزاح املباح ،وبعدها توضع املائدة ونأكل حتّى التخمة ،بحيث
يصبح حتّى التنفس صعباً علينا ،بعدها نسقط كاملوىت يف فراشنا .هل نستطيع آنذاك
أن نوفّق لالستيقاظ سحرا ً قبل طلوع الفجر بساعتني ونناجي من أعامق الروح «يا ّ
رب،
رب»؟ أصالً لن نستيقظ ،وإذا استيقظنا فكالسكارى نعب املاء ع ّباً. رب ،يا ّ
يا ّ
إذا ً إذا أراد اإلنسان أن يدرك اللذائذ املعنويّة واإلله ّية يف هذه الدنيا ،ال سبيل له ّإل
أن يص َّد نفسه عن اللذائذ املاديّة.
أقسم بالله ،أ ّن اللذّة التي يشعر بها املؤمن عندما يستيقظ يف ذلك الوقت يف الليل،
ويقع نظره عىل السامء املليئة بالنجوم ،ويقرأ آيات آخر سورة آل عمران التي هي
صوت الوجود املنبعث من قلب الوجود ...ويتّحد صوته -بقراءتها -مع صوت الوجود
-هذه اللذّة -تعادل عمرا ً من اللذّة املاديّة يف هذه الدنيا ...إنسان كهذا ال يستطيع
أن يعيش مثلنا ،ال يستطيع أن يجلس إىل مائدة العشاء مع أنّه ظهرا ً تناول األطعمة
الدسمة ،أنواع اللحوم ،والسمن الحيوا ّين والنبا ّيت ،أنواع الحلويات وأنواع املق ّبالت ...وال
160
يستطيع أن يجلس عشا ًء ويتناول أيضاً مقدارا ً من الحساء لتحريك اشتهائه للطعام.
الشخص الذي يفعل ذلك ال يستطيع أن يستيقظ عند منتصف الليل ،وإذا استيقظ فال
ميكنه أن يلت ّذ باملناجاة؛ لذلك فإ ّن األشخاص الذين كانوا أهالً لهذه التوفيقات -وقد
رأيناهم -مل يكونوا يأبهون لهذه اللذائذ املاديّة التي تعلّقنا بها .وال مانع من أن أذكر
بالخري هنا والدي املعظّم ،من أ ّول وعيي كنت أرى هذا الرجل الرشيف ال يسمح أبدا ً
أن يتجاوز وقت نومه ثالث ساعات بعد الغروب -كان ينام يف هذا الوقت باستمرار،
يتناول طعام العشاء أ ّول الليل ،وبعد ثالث ساعات بدءا ً من أذان املغرب -ينام،
األقل ،واملقدار الذي كان يقرأه من القرآن ويستيقظ قبل طلوع الفجر بساعتني عىل ّ
وبأي فراغ بال واطمئنان خاطر ،كان يؤ ّدي صالة الليل .اآلن ،مىض األقلّ ،
هو جزء عىل ّ
من عمره حواىل مئة سنة وما رأيت أبدا ً أنّه رأى مناماً مزعجاً .هذه األمور تحيي القلب،
واإلنسان الذي يريد أن يستفيد من مثل هذه اللذّة ال ب ّد وأن يخفّف من اللذائذ
املاديّة ليصل إىل تلك اللذّة األعمق»((( نعم ،إ ّن أباً كهذا يق ّدم للمجتمع ابناً كهذا.
ّ
الشهيد مطهري
إحدى خصوصيّات الشهيد مط ّهري -رضوان الله عليه -اهتاممه الكبري بالته ّجد
وقيام الليل ،وقد كان منذ فرتة دراسته إىل آخر عمره املبارك ملتزماً بذلك.
يقول الشيخ املنتظري بهذا الصدد« :من خصائص املرحوم التزامه وح ّبه املفرط
للذكر ،والدعاء ،وقيام الليل .أذكر أنّه يف أوائل تعارفنا ،كان ملتزماً بصالة الليل ،وكان
يحثّني عليها ،وكنت أمتلّص من ذلك بح ّجة أ ّن ماء حوض املدرسة مالح وغري نظيف
لعيني ،إىل أن رأيت ذات ليلة يف النوم ّأن نائم وشخص يوقظني قائالً« :أنا َّ رض
وم ّ
وتصل صالةيل Qيأمرك اإلمام أن تنهض ّ عثامن بن حنيف ممثّل أمري املؤمنني ع ّ
((( احياء تفكر إسالمي ،ص .95-93ومن الجدير بالذكر أ ّن الشهيد مطهري كتب هذا يف حياة والده الذي تو ّف
قبل شهادة األستاذ الشهيد بع ّدة سنوات.
الليل وهذه الرسالة أرسلها Qإليك» .كان مكتوباً يف تلك الرسالة التي كان حجمها
161
صغريا ً بخ ّط أخرض «هذه براء ٌة لك من النار» .ويف عامل النوم جلست ّ
متحيا ً مف ّكرا ً
متحيا ً أيقظني
الزمني بني عرص اإلمام Qوعرصنا ،وأثناء جلويس يف النوم ّ ّ بالفاصل
وصل صالة الليلالشهيد مط ّهري وبيده إناء ماء قائالً« :أحرضت هذا املاء من النهر ،قم ِّ
وال تبحث عن عذر»(((.
خامنئي رئيس الجمهوريّة }(((:
ّ يل
يقول ح ّجة اإلسالم الس ّيد ع ّ
عباسلا مسقلا :اجنلا ّرس ليللا ةالص
«عندما كان الشهيد مط ّهري يأيت إىل مشهد كان أحياناً ينزل يف بيتنا ،الغرفة التي
باب واحد ،كان ملتزماً دامئاً بقراءة
كان ينام فيها يفصلها عن الغرفة التي كنت أنام فيها ٌ
القرآن قبل النوم ،وقد سمعت صوته أثناء الته ّجد وصالة الليل كان يبيك ،طبعاً كثريون
هم الذين يصلّون صالة الليل ،أما مصلّو صالة الليل بتلك الحالة من البكاء فهم قلّة،
فيام بعد سمعنا من أصدقائه القدامى مثل الشيخ املنتظري وغريه أنّه كان منذ أيّام
يصل صالة الليل ومن أهل الته ّجد.
دراسته ّ
يقول ابن األستاذ الشهيد مطهري Mيف معرض الحديث عن ليلة استشهاده:
«يف تلك الليلة التي سمعنا فيها بنبأ اغتياله ،بقينا مستيقظني حتّى الصباح ،والساعة
كل ليلة -عىل العادة -لصالة
الثانية والنصف ر ّن جرس الساعة التي كانت توقظه ّ
صل صالة ليله مض ّمخاً بدمه الطاهر قبل
الليلّ ،إل أنّه مل يعد عىل قيد الحياة .كان قد ّ
املوعد املق ّرر يف ظلمة الشارع».
يقول أحد الفضالء واملحقّقني املعارصين -عىل ما نقل عنه:-
«ويف عالقته بإلهه كان عارفاً من أهل الذكر والسلوك والعبادة .لقد قال مرارا ً:
«أحب أن أذهب إىل ق ّم ،وأشتغل بالرياضة ،والعبادة ،والعرفان» .كانت هذه أمنيَّته ،مل
ّ
تدل عىل قيام الليل وبكاء ظالماإلمام عن قرب فإ ّن آثار الدموع عىل خ ّديه املباركني ّ
الليل .ينقل بعض أفراد الحرس يف ق ّم ،أحياناً كان اإلمام عندما يستيقظ لصالة الليل
يتفقّدهم»(((.
الخميني قوله:
ّ جاء يف إحدى املطبوعات عن ابن اإلمام
« - 1يف الليلة التي ك ّنا متّجهني فيها من باريس إىل إيران ،يف الطائرة قام اإلمام ألداء
صالة الليل ،وكان يبيك بحيث إ ّن مضيفي الخطوط الفرنس ّية ،تع ّجبوا وسمعت أنّهم
كل ليلة.
سألوا :هل هناك ما يؤذي اإلمام؟ قلت :إنّها عادة اإلمام يف ّ
صل صالة الليل - 2عندما اعتُقل اإلمام ،ونُقل من ق ّم إىل السجن يف زمن الطاغوتّ ،
بحالة بحيث قال يل يف ما بعد أحد من كانوا مع اإلمام -الظاهر أنّه العقيد العصار
-لقد تأث ّرنا كثريا ً بصالة اإلمام ّ
وظل أحدنا إىل طهران يبيك.
- 3عندما ك ّنا نسري من النجف باتّجاه الكويت ،انطلقنا صباحاً الساعة الرابعة ّ
وربا
كل املصاعب واملشاكل التي واجهناها قبل ذلك ،انطلقنا بعد أذان الصبح ،وبعد ّ
وحواىل الساعة الثانية عرشة نام اإلمام يف فندق البرصة ،ومل ينم ساعتني حتّى ر ّن
وصل صالة الليل وبعدها صالة الصبح». جرس ساعته واستيقظ ّ
-جل وعال -ويلطم عىل صدره ورأسه .وعندما يطلع الصباح رضع ومناجاة الله ّ
بالت ّ
يكون يف غاية الضعف ،بحيث أ ّن من ال يعرفه كان يتص ّور إذا رآه ،أنّه غادر فراش
املرض اآلن((( .نعم ،كام يقول أمري املؤمنني « :Qقد براهم الخوف بَ ْري القداح،
ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرىض وما بالقوم من مرض»(((.
ّ
حجة اإلسالم الشفتي
هذا الس ّيد الجليل كان يراقب الله تعاىل دامئاً ،ومل يكن مينعه يشء عن حالة الحضور
واملراقبة .ومن كرثة البكاء أثناء الته ّجد جرحت زوايا عينيه.
يقول أحد املق ّربني من هذا العظيم:
«ذهبت معه إىل إحدى القرى وبتنا الليل ،يف الطريق قال يل الس ّيد :أال تنام؟
وذهبت ألنام .عندما ظ ّن الس ّيد ّأن منت ،نهض وبدأ بالصالة ،أقسم بالله ّأن رأيت
مفاصل كتفه وأعصابه ترتجف بحيث إنّه كان يك ّرر ألفاظ الصالة لش ّدة حركة الفكني،
القلبي
ّ حتّى يؤديها بشكلٍ صحيح .يبدو أ ّن مفاصل كتفه كانت ترتجف لش ّدة حضوره
بني يدي الله ،وكان مبج ّرد أن يخلو املجلس تجري دموعه ،كان انهامر دموعه مقارناً
لخروج آخر شخص من مجلسه».
«كان يهت ّم كثريا ً حتّى باملستحبّات واملكروهات .كان يعترب صالة الليل رضور ًة
خاص ،قال -يف مسجد كوهرشاد« :-لقد كان صعباً للروحا ّين .ذات ليلة ،وباضطراب ّ
(((
يل ج ّدا ً ،مل أكن أتوقّع ذلك أبدا ً حينام سمعت أ ّن أحد أساتذة املدرسة «الحقّانيّة»
ع ّ
فتبي أنّه ال يراعي تناول الطعام بكميّة قليلة ليالً».
يصل صالة الليل .فاتحته باألمر ّ ال ّ
م ّرة أخرى قال« :عندما ك ّنا يف نهاوند ،ك ّنا نذهب بشكلٍ عائ ّ
يل م ّر ًة واحد ًة سنويًّا
إىل بيت أحد املعارف تلبي ًة لدعوته .وبعد تكرار ذلك ع ّدة مرات ،الحظت ّأن يف تلك
يقول« :أحياناً -وبحربة الرياء هذه -تجعل الشيطان يسيطر عليك ،وبح ّجة أنّك قد تقع
يف الرياء يحول بينك وبني صالة الليل ويسلبك املناجاة والدعاء».
الطلب
عرص يوم عرفة -ورغم اهتاممه الكبري بالدراسة -كان يعطّل الدروس؛ ليقرأ ّ
جامعي إىل جمكران؛ لينرصفوا ّ للطلب لوازم الذهاب بشكلٍدعاء عرفة .كان يه ِّيئ ّ
هناك للدعاء والصالة .املفضّ لون يف املدرسة كانوا هم األكرث ته ّجدا ً ال األكرث تحصيالً
(فقط) .عندما قال البعض :لو أنّنا نطالع بدالً من صالة الليل لكان أفضل ،قال :ولكن
الخميني كان يقول :صالة الليل ال تستغرق وقتاً طويالً ،وهكذا كان
ّ آية الله العظمى
يوضّ ح رضورة التع ّبد إىل جانب العلم .كان يقول :الطالب الذي يكون مستيقظاً وقت
صالة الليل وال يصلّيها سيصبح من األرشار»(((.
النموذجي مل يرتك صالة الليل ،وكان كلّام استيقظ ليالً
ّ واملرب
ّ هذا الرجل الكبري
يج ّدد وضوءه ث ّم ينام؛ ألنّه كان يرى نفسه يف محرض الله.
هنيئاً لهذه النجوم الساطعة يف الليايل املظلمة ،الذين هم مصداق قوله تعاىل:
َ ۡ َ ُ ۡ َۡ َۡ ُ َ َۡ ّ َ ۡ َ َۡ َ َ َّ ْ َ ٗ
ُ َ
ون﴾(((. ج ُعون 17وبِٱلسحارِ هم يستغفِر ﴿كنوا قل ِيل مِن ٱل ِل ما يه
((( نهج البالغة ،صبحي الصالح ،ص ،42الرسالة رقم « 45رسالته إىل ابن حنيف».
171
عملية
ّ توجيهات
عباسلا مسقلا :اجنلا ّرس ليللا ةالص
إىل املبتعدين عن الكسل والرتف ،الباحثني عن أسباب السعادة ،نُ َق ِّد ُم فيام ييل
مناذج من تعليامت أعاظم عامل العرفان والسري والسلوك ،وهي نافع ٌة ج ًّدا يف بناء
النفس وتهذيبها والحصول عىل السعادة الخالدة.
السجدة الطويلة
التربيزي :M
ّ يقول آية الله املليك
جليل عارف كامل{ (املراد آية الله الشيخ حسينقيل الهمدا ّين) «كان يل شي ٌخ ٌ
ما رأيت له نظريا ً ( )...سألته عن عملٍ مج ّرب يؤث ّر يف إصالح القلب وجلب املعارف،
كل يوم فقال{ :ما رأيت عمالً مؤثّرا ً يف ذلك مثل املداومة عىل سجدة طويلة يف ّ
َّ ٓ َ ٰ َ َّ ٓ َ َ ُ ۡ َ ٰ َ َ ّ ُ ُ َ َّ
ٱلظٰل ِ ِم َني﴾ يقوله وليلة واحدة ،يقال فيها﴿ :ل إِله إِل أنت سبحنك إ ِ ِن كنت مِن
وهو يرى نفسه مسجون ًة يف سجن الطبيعة ،ومق ّيد ًة بقيود األخالق الرذيلة ،مق ّرا ً بأنّك
يا إلهي مل تفعل ذلك يب ومل تظلمني و(إنّ ا) أنا الذي ظلمت نفيس وأوقعتها يف هذه
اله ّوة ،و[باإلضافة إىل ذلك] قراءة سورة القدر يف ليلة الجمعة ويف عرصها مئة مرة».
التربيزي:
ّ ويضيف املرحوم
كل منهم عىل حسب مجاهدته ،وسمع عن بعضهم «وكان أصحابه عاملني بذلك ّ
أنّه كان يقوله ثالثة آالف مرة ،وبالجملة هذه السجدة وبركاتها معروفة عند العاملني
بها ولكن برشط املداومة»(((.
((( أرسار الصالة ،ص 271-270واملراقبات ،ص.123
ّ
السيد بحر العلوم مع
172
جاء يف رسالة السري والسلوك للسيّد بحر العلوم:
«واألوراد يف أوقات الذكر كثرية ،وما أذكره أنا بطريقي يكفي الطالب ،وأفضل أوقاته
كل أوقات الذكر ،ورد كلمة النفي واإلثبات
السحر وبعد فريضتي الصبح ،والعشاء ،ويف ّ
كل ألف مرة بعد الفريضتني ،وكذلكاملركّب والبسيط واالسم املحيط ،ويا نور يا قدوس ّ ً
يل بحرف النداء وبدونه ،وورد ألف مرة التوحيد يف ورد مح ّمد رسول (الله) ،ويا ع ّ
الليايل نفيس»(((.
ّ
الهمداني آية اهلل الشيخ حسينقلي
جاء يف إحدى رسائل هذا العارف الكبري:
الطبيعي أن ال يخرس طالب القرب
ّ «والخالصة أنّه بعد السعي يف املراقبة ،فمن
األقل ساعة أو ساعتني قبل طلوع الفجر إىل
االستيقاظ وقيام السحر عىل أن يكون عىل ّ
ويصل صالة الليل بآدابها وحضور القلب.
مطلع الشمس ّ
وإذا ات َّسع وقته فليشتغل بالذكر أو الفكر أو املناجاةّ ...إل أنّه يجب أن ينرصف
يف قدر معني من الليل ،إىل الذكر بحضور (قلب) وأن ال يخلو يف جميع حاالته من
فليحصله بأسبابه ،وبعد الفراغ يس ّبح تسبيح س ّيدة النساء
ّ الحزن ،وإذا مل يتس َّن له ذلك
Oويقرأ التوحيد اثنتي عرشة م ّرة ،ويقول عرشا ً ال إله ّإل الله وحده ال رشيك
له ،له امللك((( الخ ،ومئة مرة ال إله إلّ الله ،ويستغفر سبعني ّمرة ،ويتلو مقدارا ً من
القرآن الرشيف ،ويقرأ طبعاً دعاء الصباح املعروف يعني «يا من دلع لسان» إىل آخره،
كل وضوء ركعتني فهو ج ّيد ج ًّدا ...ولينتبه أن ال ويكون دامئاً عىل وضوء ،وإذا ّ
صل بعد ّ
((( رسالة السري والسلوك املنسوبة إىل الس ّيد بحر العلوم ،ص 190واملراد بكلمة ألف إىل قوله املحيط «ال إله إلّ
الله» قولها ألفاً ويا نور يا قدوس ألفاً ومح ّمد رسول الله ويا عيل مل يح ّدد عددهام ولك ّن شارح الكتاب قال
األ ّول يقال 254والثاين 121أو 110ال فرق والتوحيد التي يقال ألفاً املراد بها سورة التوحيد (املع ِّرب).
كل يشء قدير» مفاتيح حي ال ميوت بيده الخري ،وهو عىل ّ ((( « ...وله الحمد يحيي ومييت ،ومييت ويحيي ،وهو ّ
الجنان ،ص.22
وليس َع سعياً بليغاً يف قضاء حوائج املسلمني ،ال
بأي وجه من الوجوهْ ، يصل أذاه ألحد ّ
173
س ّيام العلامء ،وال س ّيام أتقيائهم ،وأن يقرأ ليلة الجمعة القدر مئة م ّرة وعرص الجمعة
مئة(((.
ّ ّ
البهاري آية اهلل الشيخ محمد
التربيزي» يقول:M
ّ يف رسالة إىل أحد أصدقائه «الشيخ أحمد
عباسلا مسقلا :اجنلا ّرس ليللا ةالص
أي مرتبة كنت ،نصف الرمق ذلك الذي ما يزال فيك، «...إذن خالصة الكالم أنّك يف ّ
ذلك املقدار (من العمل) الذي ميكنك أن تعمله بسهولة إذا مل تتساهل فيه وعملت
به فإ ّن قوتك -عىل العمل -تزيد مبقداره بل أكرث؛ ألنّه تعاىل قال« :اد ُن م ّني ش ًربا
أد ُن منك ذرا ًعا» .وإذا تساهلت فيه (املقدار القليل من العمل) فإ ّن ذلك املقدار،
مثل ،إذا منت الليل إىل الصباح ،كنت تريد أن من ق ّوتك ،يصبح يف معرض الزوالً ،
تستيقظ ومل تستيقظ ،اآلن الوقت أ ّول الصباح مبج ّرد أن تلتفت قم؛ فإ ّن االستيقاظ
جل جالله .فال تف ِّوت هذه مستقل وتوفيق من الله َّّ فيض
وقت الطلوعني يف ح ّد ذاته ٌ
الفرصة بالتساهل ،ال تصغ إىل الشيطان وهو يقول :هناك متّسع كبري يف الوقت لصالة
الصبح ،إ ّن هدفه معلوم ،وكذلك (إذا) جلست يف مجلس ،وثرثرت كثريا ً ،ولغوت كثريا ً،
بأي ُمس ِّوغ ميكنك، فاسو ّد قلبكّ ،إل أنّك تستطيع أن تغادر املكان قبل نصف ساعةّ ،
إذن ال تخرس هذه النصف ساعة وقم .ال تقل وما الفائدة أنا منذ الصباح منشغل
بالتخريب؛ فإن ّه ميكنك بهذا الجز ّيئ (النصف ساعة) أن تفعل الكثري إن شاء الله تعاىل.
فمن الواجب إذًا عىل الشيخ أحمد العمل بهذا الرتتيب:
يصح أن يذهب بعض وقته س ًدى، أ ّوالً :مهام كان عمله يجب أن ال يض ّيع أوقاته ،فال ّ
لكل يش ٍء وقتاً ،يقسم أوقاته ،يجب أن ِّ
يعي وقتاً للعبادة ،ال يقوم يف هذا يعي ّ
يجب أن ّ
يعي وقتاً لكسبه وتحصيل معاشه ،ووقتًا للقيام بشؤونبأي عملٍ غري العبادة ،وأن ّ
الوقت ّ
وقد ذكرت املعايص الكبرية يف بعض الرسائل العمل ّية فتعلّمها واتركها .وحذار من
أن تحوم حول الغيبة والكذب واألذيّة (أذيّة املؤمنني) ،استيقظ قبل الصبح -الفجر
مل محسن فيض األقل ،واسجد ،وما ذكر يف «منهاج النجاة» للمرحوم ّ -بساعة عىل ّ
ٍ
وشاف لعمل الليل والنهار ،فاعمل جل جالله عليهٍ -
كاف -الفيض الكاشا ّين رضوان الله َّ
واس َع أن ال يكون عملك وذكرك مبحض اللسان ،وأن يكون بحضور بذلك الرتتيبْ ،
القلب؛ أل ّن العمل بدون حضور القلب ال يُصلح القلب ،حتّى وإن كان له ثواب قليل.
طبعاً طبعاً ...ف َّر من الطعام الحرام ،ال تأكل إلّ الحالل ،كل القليل من الطعام ،وال
تأكل كثريا ً يعني ال تأكل أكرث من حاجة بنيتك ،ال كثريا ً بحيث يثقلك ويقعدك عن
العمل ،وال قليالً بحيث يتس ّبب بضعفك ويقعدك بسبب الضعف عن العبادة ،ومهام
استطعت فصم ،برشط أن ال متأل يف الليل -معدتك -بدل النهار.
الحاصل ،الطعام بقدر حاجة البدن ممدوح ،وكرثته وقلَّته كِلْتاهام مذمومتان .وابدأ
وغش املسلمني .ويجب أن تكون والغلّ ،
بقلب طاه ٍر من الحقد ،والحسدّ ، بالصالة ٍ
محل الجبهة بنجاس ٍة غري
س ّجادتك ومكان صالتك مباحني -ورغم أن تن ٌّج َس مكانٍ غري ّ
مرسية ال يبطل الصالةّ -إل أ ّن عدمه أفضل .وينبغي الوقوف يف الصالة كام يقف العبد
بني يدي مواله الجليل بعنق ُملْتوية وقلب خاضع وخاشع .وبعد صالة الصبح ،أستغفر
الله سبعني م ّرة وقل كلمة التوحيد الط ّيبة «ال إله إلّ الله» مئة م ّرة ،واقرأ دعاء الصباح
كل يوم ما أمكنك وعىل املشهور ،وال ترتك تسبيح س ّيدة النساء بعد الفريضة .واقرأ ّ
األقل جزءا ً من القرآن باحرتام ،ووضوء ،وخضوع ،وخشوع ،وال تتكلّم أثناء القراءة ّإل ّ
الكريس ،والفاتحة م ّرة ،والتوحيد أرب ًعا ،والقدر
ّ لرضورة -واقرأ عند النوم الشهادة ،وآية
180
خمس عرشة م َّرةً ،وآية شهد الله ،واالستغفار مناسبان.
إذا استطعت أحياناً فاقرأ سورة التوحيد املباركة مئة م ّرة ،فذلك ج ّيد ج ًّدا.
وال تغفل عن ذكر املوت ،وضع يدك عىل خ ّدك األمين ونم وأنت تذكر الله (نومة
﴿لٓ إ َل ٰ َه إ َّلٓ أَ َ
نت
َّ
امليت يف القرب) وال تغفل عن الوص ّية ،وك ّرر ما استطعت الذكر املبارك
ِ ِ
َّ ك إ ّن ُك ُُ ۡ َ َ َ
أي وقت. نت م َِن ٱلظٰل ِ ِم َني﴾ إفعل ذلك كثريا ً يف ّ سبحٰن ِ ِ
كل منهام اقرأ سورة القدر املباركة مئة م ّرة ،وال ويف ليلة الجمعة وعرصها يف ّ
الخمس عرشةَ ،ما رأيت حالك َ كل ليلة جمعة ،وكذلك املناجاة ترتك دعاء كميل يف ّ
واملتوسلني،
ّ منسجامً معها ،س ّيام مناجاة الشاكني ،والتائبني ،واملفتقرين ،واملريدين،
وكل ما فيها ( -الصحيفة) واملعتصمني .إقرأها كث ًريا وكذلك أدعية الصحيفة الكاملة ّ
يف موقعه املناسب ج ّيد ج ًّدا ،ويف وقت العرص استغفر الله سبعني م ّرة وقل م ّرة:
تنس
الخاصة وال َّ «سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده» واقرأ االستغفارات
وكل هذه ،مع ترك املعايص ،ج ّيدة السجدة الطويلة ،وتطويل القنوت ج ّيد ج ًّداّ .
ج ًّدا»(((.
البديهي أ ّن هذه التعليامت ال ميكن اإلتيان بها جميعاً وبشكلٍ دائم -والعمل بها
ّ من
رضا ً بدراستهم.
رضا ،للبعض وم ّ يحتاج إىل ٍ
وقت كبري ،بل قد يكون اإللتزام بها جمي ًعا م ًّ
بنا ًء عليه ،يجب العمل طبق توجيه األستاذ حتّى ال يعطي العمل -ال سمح الله -
نتيج ًة معكوسة.
العلمة الطباطبا ّيئ Mضمن تعداد األمور التي يجب أن يلتزم بها السالك:
يقول ّ
«الثاين والعرشون :الورد هو عبارة عن األذكار واألوراد اللسان ّية ،وكيفيتّها وك ّم ّيتها
رض اآلخرين .وأحياناً منوطتان برأي األستاذ؛ أل ّن لها حكم الدواء الذي ينفع البعض ،وي ّ
قد يشتغل السالك بذكرين أحدهام يو ّجهه إىل الكرثة ،واآلخر إىل الوحدة ،ويف حالة
كل منهام ،وال ينتفع بيش ٍء طبعاً .إذًا األستاذ رش ٌط يف األوراد اجتامعهام تبطل نتيجة ٍّ
التي مل يرد فيها إذ ٌن عا ّم .أ ّما ما ورد فيه إذن عا ّم ،فال مانع منه»(((.
كلواجب عىل ّ
ٌ عتب احرتام العلامء الصالحني من أسباب التوفيق ،وهو أم ٌر يُ َ
ذنب مسلم ،خصوصاً ّ
طلب العلوم الدين ّية .إ ّن عدم احرتام العلامء املتّقني وإهانتهمٌ ،
نماثلا مسقلا :نيحلاصلا ءاملعلا مارتحا
وسبب للشقاء وقرص العمر والحرمان من تحصيل العلم والتقوى .واملراد ٌ ال يُغتفَر
بحق ،ال علامء السوء؛ فإ ّن هؤالء يجب فضحهم وإطالع الناس عىل طبعاً العلامء ّ
حقيقة أمرهم .وإليكم مناذج من األقوال والقصص يف مجال احرتام العلامء الذين
يخشون الله تعاىل:
ّ
اإلمام الخميني {
لإلمام القائد يف هذا الصدد إيضاحات مربّية ج ًّدا ،يذكر هنا بعضها ،يقول سامحته:
بكل ما
« - 1أنا وأنت لسنا أهالً لذلك ،ولكن من الج ّيد أن ال ننكر ويكون لدينا إميان ّ
فلعل هذا اإلميان اإلجام ّيل ينفعنا .أحياناً يكون لإلنكار
قاله الله -تعاىل -وأولياؤه؛ ّ
بال مس ِّوغ ،والر ّد يف غري محلّه املناسب وبدون علم وفهم ،أرضار كثرية ج ّدا ً .وليست
هذه الدنيا عامل االنتباه لتلك األرضار .مثالً ،مبج ّرد أن تسمع أ ّن الحكيم الفال ّين ،أو
العارف الفال ّين ،أو املرتاض الفال ّين ،قال شيئاً ال ينسجم مع سليقتك ،وال يستسيغه
فلعل لذلك املطلب منشأ من الكتاب والس ّنة ذوقك ،ال تحمله عىل البطالن والخيال؛ ّ
والعقل ومل تره أنت .ما هو الفرق بني أن يفتي فقيه بفتوى يف باب الديات مثالً ومل
تسمع أنت مبثلها ،فرتفض هذه الفتوى دون الرجوع إىل مصدرها ،وبني أن يقول
سالك إىل الله أو ٌ
عارف بالله شيئاً يف املعارف اإلله ّية أو حول الج ّنة وجه ّنم وترفضه ٌ
أنت بدون الرجوع إىل مصدره؟ من السهل أن تهني أو تتج ّرأ .قد يكون لدى ذلك
الشخص الذي هو من أهل ذلك الوادي (املجال) وصاحب ذلك الف ّن ،مستن ٌد من
كتاب الله أو أخبار أمئّة الهدى ومل تطّلع عليه أنت ،عندها تكون قد رددت عىل الله
186
ورسوله بدون عذ ٍر وجيه! ومن املعلوم أ ّن قَ ْولَ َه «مل ينسجم مع سليقتي» أو «مل يبلغ
علمي إىل هذا الح ّد» أو «سمعت من خطباء املنابر خالفه» هذه ليست أعذارا ً(((.
- 2من األمور امله ّمة التي ينبغي التن ّبه لها وينبغي عىل اإلخوان املؤمنني ،خصوصاً أهل
-كث الله أمثالهم -االهتامم بها ،أنّهم إذا سمعوا كالماً من بعض علامء النفس العلم ّ
وأهل املعرفة ،فال يرمونه بالفساد بدون ح ّج ٍة رشع ّية ،مبج ّرد أنّه ليس مألوفاً أو أنّه
اصطالحات ال ح ّظ لهم منها ،وال يُحقِّرون أهلها ويُهينونهم ،وال يظ ُّنون ٍ مبني عىل
ٌّ
الحق
كل من يستعمل مصطلحات مراتب ومقامات األولياء والعرفاء وتجلِّيات ّ أ ّن ّ
مم هو متداول يف مصطلحات أهل املعرفة فهو صو ّيف ،أو واملح ّبة ،وأمثال ذلك ّ
مر ّوج لدعاوى الصوف ّية ،أو أنّه ينسج من عنديّاته وليس له عىل ذلك ح ّجة أو برهان
رشعي .قسامً بروح الص ِّديق أ ّن كلامت نوع هؤالء رشح بيانات القرآن والحديث». ّ
فكّر يف هذا الحديث الوارد عن الصادق Qحول القلب السليم ،وانظر هل
ميكن حمله عىل يش ٍء آخر غري الفناء الذا ّيت ،وترك الذات ،والذات ّية ،واإلنّ ّية ،واألنان ّية،
كام يرد التعبري عىل لسان أهل املعرفة؟
هل قرأت مرارا ً املناجاة الشعبان ّية الواردة عن أمري املؤمنني وأوالده املعصومني
Rوفكّرت يف فقراتها وتدبّرت فيها؟ إ ّن غاية آمال العارفني ومنتهى أمن َّية السالكني
هذه الفقرة الرشيفة يف الدعاء الرشيف:
«إلهي هب يل كامل االنقطاع إليك ،وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ،ح ّتى
تخرق أبصار القلوب حجب النور ،فتصل إىل معدن العظمة ،وتصري أرواحنا معلّقة
بع ّز قدسك».
ما هو املقصود من التعلّق بع ّز القدس يا ترى ،هل حقيقة «الحظته فصعق
لجاللك» غري الصعق املتداول عىل ألسنة األولياء؟
يبرص به ،ولسانه الذي ينطق به ،ويده التي يبطش بها إن دعاين أجبته ،وإن سألني
أعطيته».
باختصار ،الشواهد عىل ذلك أكرث من أن تتّسع لها هذه املخترصات .وهدفنا من
هذه اإلطالة أن نق ّرب إخوتنا اإلميان ّيني من املعارف بعض اليشء ،وأن نخرج من قلوبهم
إساءة الظ ّن بعلامء اإلسالم الكبار ورميهم بالتص ّوف .ال أن نُ ِّربئ فقط ساحة العلامء
املق ّدسة من هذه األدران؛ إذ إنّه باإلهانة والتحقري ال يصبح العبد ذليالً عند الله إذا
كان طاهرا ً بل تزداد حسناته .ومهام كان نصيب اإلنسان يف الدنيا قليالً ،فإ ّن الله تعاىل
قد يجرب ذلك بفضله العميم ،بل إ ّن أكرث هدفنا هو لفت نظر الق ّراء إىل املعارف اإلله ّية
وتهذيب الباطن؛ فإنّهام معاً من ّ
املهمت ،بل غاية بعثة األنبياء وإنزال الكتب»(((.
الشيخ جعفر الكبري صاحب كتاب «كشف الغطاء» يف مجلس الدرس ،ذات يوم:
«كان الشيخ الكبري يف الليايل ،ينام قليالً ث ّم يستيقظ ويبقى مشغوالً باملطالعة إىل
رض ع واملناجاة إىل طلوع الفجر .ذات ليلة سمعنا وقت صالة الليل ،ث ّم يأخذ بالت ّ
تغيترصاخه ونحيبه ،وكان كأنّه يلطم عىل رأسه ،ركضت أنا وإخويت فرأيناه وقد ّ
حالته وقد بلّلت دموعه ثيابه ،وهو يلطم عىل رأسه ووجهه ،أمسكنا بيديه ،وسألناه
عن السبب قال« :صدر ع ِّني خطأ ،ذلك ّأن أ ّول الليل كنت أفكّر يف مسألة فقهيّة
َّبي العلامء الكبار حكمها ،وكنت أبحث عن دليل الحكم يف أحاديث أهل البيت
Rفراجعت كتب األحاديث ع ّدة ساعات ومل أجد مستندها ،وتعبت وقلت
بسبب التعب الشديد« :جزى الله العلامء خريا ً ،حكموا حكامً بدون دليل» ث ّم منت،
فرأيت يف عامل النوم ّأن ذهبت إىل الحرم املط ّهر لزيارة أمري املؤمنني ،Qوعندما
الصفة س ّجادا ً ،ومنربا ً عالياً يف صدر املجلس،
محل نزع األحذية رأيت يف ُّ
وصلت إىل ّ
وشخصاً موقّرا ً ذا وج ٍه جميلٍ ونورا ّين جالساً عىل املنرب وقد أخذ بالتدريس ،وكان
غاصاً بالعلامء األعالم ،يستمعون إىل الدرس ،سألت شخصاً« :من هم هؤالء؟ املكان ّ
ومن هو الجالس عىل املنرب؟» قال« :هو املحقّق األ ّول صاحب الرشائع ،وهؤالء
الذين تحت املنرب هم علامء الشيعة» .فرسرت وقلت يف نفيس حيث ّإن منهم طبعاً
سيحرتمونني ،وعندما صعدت إىل حيث كانوا سلّمت ،ولك ّنهم أجابوا جواب املكره
ازي وبدأ
النهاوندي كتاب الفخر الر ّ
ّ بعضهم -عىل املقارنة بني الكتابني .تناول املرحوم
أي فرق،يقرأ ،وفتح آخر أسفار صدر املتألّهني ،طابقنا العبارات معاً فلم يكن هناك ّ
مم مل يسبقني إليه أحد». حتّى إنّنا يف مكانٍ ما وجدنا يف الكتابني هذه العبارة «هذا ّ
وبأ ٍمل دافع املرحوم املط ّهري عن صدر املتألّهني وقال« :كانت طريقة العلامء يف بيان
العلمي أنّهم إذا رأوا كالم عا ٍمل آخر يوضّ ح مرادهم بشكلٍ مناسب ،ينقلون تلك
ّ املطلب
العبارات اقتباساً ،دون اإلشارة إىل املصدر ،مثالً كثري من عبارات املرحوم الشيخ آقا رضا
األنصاري ،أو ذكر شخصاً آخر،
ّ الهمدا ّين يف كتاب الصالة هي عني عبارات أستاذه الشيخ
ال أتذكّر.
قصة أخرى :جرى البحث يف غرفة الشهيد مط ّهري يف املدرسة الفيض ّية بينه وبني ّ
املرحوم الشيخ غالم حسني البادكو ّيب -أحد علامء مشهد ومد ّرسيها األتقياء ،وكان
ضيف الشهيد -كان البحث حول نظريّة «وحدة الوجود» لصدر املتألّهني .كان املرحوم
مهدي
ّ البادكو ّيب يتابع البحث بدقّة نظرّ ،إل أنّه كان كأستاذه املرحوم آية الله املريزا
األصفها ّين املد ّرس املشهور يف مشهد ،ليسا ضليعني يف املسائل الفلسف ّية ،وكان يبطل
نظريّة صدر املتألّهني ،وأحياناً يتّخذ كالمه شكل املغالطة واإلرصار عليها ،ويف النهاية
كل يشء ال مبقارنة قال الشهيد مط ّهري بحزم« :هذه الجملة من نهج البالغة« :مع ّ
كل يشء ال مبزايلة» ،ليست سوى نظرية صدر املتألّهني هذه وقطع البحث»(((. وغري ّ
أحيا ًء وأمواتاً يوجب مزيد التوفيق»((( .وأنا أغتنم الفرصة هنا ،وأحذّر طلّب العلوم
الدينيّة -الذين هم مثيل مل يصلوا إىل كامل العلم -أن ال يسيئوا الظ ّن أبدا ً بكبار علامء
أقل جزاء لهذا العمل هو الحرمان من فيض علومهم .ما أتعسه شقا ًء الدين؛ إذ إ ّن ّ
أن يكون الشخص سيِّئ الظ ّن بكبار علامء الدين وال يعتني بكالمهم .إذا وجدت عاملاً
أي يشء يعرتض عىل كالم آخر ويف ّنده ،فالسبب يف ذلك أنّهم يحبّون الحقيقة أكرث من ّ
آخر ،وإذا سها شخص أو أخطأ فمن الواجب التنبيه عىل ذلك؛ ألنّه ليس معصوماً ،ومل
يبذل الدقّة املطلوبة ،وم ّر به رسيعاً ،فبقي ذلك السهو يف كالمه ،ولو أنّه م ّر به ثانية
ألصلحه(((.
تعظيم األستاذ
وكل ما ورد حول احرتام العلامء وما قيل يشت ّدخاصةّ ،لتعظيم األستاذ والعلم ميزة ّ
تأكُّده بالنسبة إىل األستاذ ويكتسب أه ِّم ّية تفوق ما عداها ،من هنا ،كان عظامؤنا
خاصا ،وكانوا يحذّرون من اإلساءة إىل املعلّم ،معتربين أ ّن ذلك
يولون هذا األمر اهتام ًما ًّ
-احرتام العلامء -أحد أسباب التوفيق يف الدراسة.
((( الذنوب الكبرية ،ج ،2ص ،35والحديث يف سفينة البحار ،ج ،2ص.220
((( ترجمة ،ورشح فاريس ،تبرصة املتعلّمني ،ص.808
((( ترجمة ورشح فاريس تجريد االعتقاد ،ص.569
«وحق سائسك ّ املروي عن زين العابدين :Q ّ ويف حديث الحقوق الطويل 196
بالعلم التعظيم له والتوقري ملجلسه وحسن االستامع إليه واإلقبال عليه وأن ال
ترفع عليه صوتك وال تجيب أحداً يسأله عن يشء ،ح ّتى يكون هو الذي يجيب،
وال تحدّ ث يف مجلسه أحداً ،وال تغتب عنده أحداً ،وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك
بسوء ،وأن تسرت عيوبه ،وتظهر مناقبه ،وال تجالس له عد ًّوا ،وال تعا ِد له ول ّياً،
-جل وع َّز -بأنّك قصدته وتعلّمت علمه فإذا فعلت ذلك شهدت لك مالئكة الله َّ
-جل اسمه -ال للناس»((( .إذا وفّقت ألداء هذه الحقوق تجاه أستاذك سيشهد لله َّ
مالئكة السامء مبا فيه خريك ،ونفعك ،وأنّك سلكت طريق أستاذك ،وطلبت العلم لله،
وتعلّمت منه هدفاً إله ّياً.
صاحب الكفاية ،قائد ثورة المشروطة في إيران
اقي ،وهو من تالمذة املرحوم اآلخوند
يقول املرحوم آية الله ضياء الدين العر ّ
اسان صاحب الكفاية:
الخر ّ
يل وكان طالباً شابّاً،
ازي الكبري ،جاء ابنه املريزا ع ّ
«بعد وفاة املرحوم املريزا الشري ّ
كل مكان ومجلس. فأخذ أستاذنا اآلخوند يصطحبه معه حيثام ذهب ويق ّدمه يف ّ
فاستاء تالمذة اآلخوند الذين كانوا فضالء ومجتهدين؛ ألنّهم كانوا يرون أستاذهم يسري
شاب ،فدفعوين -وكنت أصغرهم س ّناً -أن أفاتح األستاذ باألمر وحملني خلف طالب ّ
الشاب وتق ّدمه عىل نفسك يف ّ ذلك عىل الجرأة ،فقلت له« :ما معنى تقديم ابن املريزا
ازي؟
أقل من أبيه املريزا الشري ّ
كل مكان ،مع أنّك لست ّ ّ
يقول الشيخ آقا ضياء :فنظر إ ّيل اآلخوند نظرة ،وقال« :إذا كان ذلك يزعجك فال
يل»(((.
واجب ع ّ
ٌ تتبعنا ...هذا ابن أستاذي واحرتامه
ّ
الرشتي الميرزا حبيب اهلل
«عندما كان املريزا حبيب الله Mيريد الخروج إىل الصحن يف حرم األمري Q
للتدريس كان يتوضّ أ ،ويقرأ سورة يس املباركة يف الطريق عن حفظ ،وعند وصوله إىل
األنصاري ،ويهدي ثوابها
ّ باب القبلة يكمل قراءة السورة بجانب رضيح أستاذنا الشيخ
الطلب وبيان
إىل روحه ويستم ّد العون من روح ذلك العظيم؛ ليمكنه تدريس مئات ّ
الحقائق العلم ّية بشكلٍ أفضل وأوضح»(((.
قبول عطاء األستاذ
الريض مؤلّف نهج البالغة أنّه كان عزيز النفس ج ّدا ً ومل يكن
جاء يف ترجمة الرشيف ّ
القصة التالية
العباسيي ،وحتّى والده((( .ويف ّ
ّ يقبل هديّة أحد أو عطاءه حتّى الخلفاء
لسبب واحد هو إكرامه واحرتامه لألستاذ:
ٍ ترى كيف أنّه قبل عطاء أستاذه
يك إبراهيم بن أحمد
مستهل شبابه يقرأ القرآن عىل الفقيه املال ّ
ّ كان الرشيف يف
الطربي ،وذات يوم سأل األستاذ الرشيف« :أين تسكن؟
ّ
-يف منزل أيب يف محلّة «بب محول».
ّ
الحائري آية اهلل
مؤسس الحوزة العلم ّية يف ق ّم أ ّن والده قال:
الحائري ّ
ّ ح َّدث ابن آية الله العظمى
أؤسس الحوزة كلّها رهن «التوفيقات التي كانت من نصيبي واستطعت يف ظلّها أن ّ
الخدمات التي ق ّدمتها ألستاذي املرحوم الس ّيد مح ّمد فشاريك ،يف الفرتة التي ابتُيل بها
سامحته مبرض شديد ،بلغ به إىل ح ّد ّأن كنت طيلة ستّة أشهر أق ّدم له اإلناء لقضاء
الحاجة ،وكنت أفتخر بذلك».
غاية االحترام
كث ٌري من علامئنا الكبار عندما يذكر أحدهم اسم أستاذه يتبعه بكلمة «روحي فداه»
وذلك أسمى درجات التعظيم ،واالحرتام ،والذوبان يف األستاذ .وهنا مناذج من ذلك:
آبادي
ّ الخميني -وقد تق ّدمت اإلشارة إىل ذلك -أستاذه الشاهّ عندما يذكر اإلمام
يقول« :شيخنا العارف الكامل ،روحي فداه» .ويف تأبني ابنه ،يقول اإلمام« :هذا الشهيد
حق الحياة ،وال ميكنني باليد واللسان أن
يل ،ح ّقاًُّ ،
العزيز ابن شيخنا الجليل الذي له ع ّ
أؤ ّدي واجب شكره».
العلمة
العلمة الطباطبا ّيئ ،يقول الشهيد مط ّهري يف كتبه« :حرضة األستاذ ّ
وعن ّ
الطباطبا ّيئ ،روحي فداه».
محاوالت العالج .وبعد وفاة األستاذ تن ّبه إىل أ ّن هذا قد يكون بسبب ما جرى بينهام،
فعي شهريّة البنه ،ونذر الزيارة إىل كربالء وكان يق ّدم خدمات لعائلة أستاذه املرحوم،
ّ
وحج بيت الله الحرام وعىل رغم ذلك مل يشف وما يزال مبتىل بذلك املرض»(((. ّ
جاء يف هامش األنوار النعامن ّية:
«كان يف النجف رجل فاضل له خربة بالعبارات الغامضة واملطالب املعقّدة يف
مختلف الكتب ،وكان يبحث عن مثل هذه املسائل ويستخرجها من الكتب ،ويطرحها
التربيزي -الذي كان من املراجع الكبارّ عىل العامل الجليل الشيخ مح ّمد حسن املامقا ّين
والطلب ،ومل
ّ وتوف سنة 1323هـ -يطرحها عليه يف املجالس العا ّمة ومجالس العلامء ّ
يكن له هدف إلّ إهانة ذلك الرجل العظيم وتحقريه وإظهار عجزه أمام اآلخرين.
وعندما تن ّبه العلامء لن ّيته نهوه عن هذه العادة القبيحة ونصحه أصدقاؤه ،ولك ّنه مل
يكن يتق ّبل النصيحة ورسعان ما مات؛ إذ ابتيل مبرض عضال وقىض يف شبابه ومل ّ
يشك
أحد أ ّن السبب يف مرضه وقرص عمره إساءته األدب مع الشيخ املامقا ّين»(((.
ّ
األنصاري جزاء إهانة الشيخ
األنصاري عائدا ً من كربالء إىل النجف ومعه جمع من العلامء ،منهم
ّ كان الشيخ
ويص الشيخ ،وأستاذ آية الله الهمدا ّين .عندما
الشوشرتيّ ،
ّ يل
العارف الكبري الس ّيد ع ّ
بترصف.
((( قصص العلامء ،صّ 12
بترصف.
((( األنوار النعامن ّية ،ج ،3صّ 92
ركبوا السفينة ،وقع حذاء الشيخ سهوا ً عىل بساط أحد مشايخ العرب ،وكان يبغض
202
الشيخ ويحسده ،فقال بوقاحة« :العجم ال أدب لهم وال معرفة خصوصاً أهل شوشرت»
الشوشرتي من الشيخ أن يجيبه عىل وقاحته،
ّ فلم يقل الشيخ شيئاً ،وطلب الس ّيد عيل
إلّ أ ّن الشيخ بقي ساكتاً .وعرص ذلك اليوم ابتيل الشيخ العراقي بالقولنج ،وبعد قليل
أخرجوا جنازته من السفينة للدفن(((.
إذا كان احرتام العلامء يحظى بهذا املستوى من األه ِّم ّية ،فمن الواضح ج ّدا ً ّ
أي
اهتامم يجب أن يبلغه احرتام أسامء الله تعاىل ،والرسول ،Pوالقرآن الكريم ،والعرتة
الطاهرة .ومن املناسب هنا -استطرادا ً وألهم ّية املوضوع -ذكر مناذج من أدب العلامء
يف هذا املجال:
كان السيّد ابن طاووس Mإذا ذكر اسامً من أسامء الله تعاىل ذكر بعده دامئاً
الخميني { يلتزم
ّ «جل وعال» وأمثال ذلك .ويالحظ أ ّن اإلمام
«جل جالله» أو ّ
ّ
بذلك.
ميس جلد كتاب يف الحديث بدون وضوء ،فضالً عن وكان املح ّدث الق ّم ّي Mال ّ
أصل عبارات الحديث .وكان كلّام أراد قراءة الروايات أو كتابتها يجلس بأدب -جلسة
التش ّهد يف الصالة -متوضّ ئاً مستقبل القبلة ث ّم يبدأ عمله(((.
األجلء ،ال يتلفّظ بأسامء املعصومني الرشيفة ،إذا مل يكن متوضّ ئاً ،ويف
كان بعض ّ
الرواية أ ّن اإلمام الصادق Qكان إذا ذكر اسم رسول الله Pينحني بحيث يصبح
وجهه املبارك قريباً من ركبتيه»(((.
وال يخترص الصالة يف الكتاب ،وال يسأم من تكريرها ،ولو وقعت يف السطر مرارا ً ،كام
يفعل بعض املح ّررين املختلفني ،من كتابة «صلعم» أو «صلم» أو «صم» أو «صلسم»
أو «صله»؛ فإ ّن ذلك كلّه خالف األوىل والنصوص ،بل قال بعض العلامء «إ ّن من كتب
«صلعم» قطعت يده».
وأقل ما يف اإلخالل بإكاملها ،تفويت الثواب العظيم عليها ،فقد ورد عنه ،Pأنّه
ّ
يل يف كتاب ،مل تزل املالئكة تستغفر له ،ما دام اسمي يف ذلك صل ع ّ قال« :من ّ
الكتاب».
وإذا م ّر بذكر أحد من الصحابة ،سيّام األكابر كتب «ريض الله عنه» أو «رضوان
الله عليه» ،أو بذكر أحد من السلف األعالم كتب « »Mأو «تغ ّمده الله برحمته»
ونحو ذلك ،وقد جرت العادة باختصاص الصالة والسالم باألنبياء .وينبغي أن يجعل
كل مؤمن ،كام َّ
دل لألمئّة ،Rالسالم ،وإن جاز خالف ذلك ،بل يجوز الصالة عىل ّ
عليه القرآن والحديث .وكتابة ما ذكر من الثناء ونحوه ،هو دعاء يُ ْن ِشئُ ُه ال كال ٌم يرويه،
فال يتقيّد فيه بالرواية ،وال بإثبات املص ّنف ،بل يكتبه وإن سقط من األصل املنقول أو
املسموع منه .وإذا وجد شيئاً يف ذلك ،قد جاءت به الرواية أو مذكورا ً يف التصنيف،
كانت العناية بإثباته وضبطه أكرث(((.
التواضع
ُ َ ََ َۡ
َ ٗ ٱلرِنَٰمۡح َّٱل َ
ِين َي ۡمشون ع ٱل ِ
ۡرض ه ۡونا﴾
َ َ ُ
اد َّ ﴿وعِب
ۡ
اح َك ل َِم ِن َّٱت َب َع َك م َِن ٱل ُم ۡؤ ِمن َِني﴾(((.
ٱخف ۡض َج َن َ
َ ۡ
﴿و ِ
لكل من شك يف أ ّن أحد أه ّم الصفات وأسامها ،هو التواضع .التواضع جميل ّ ال ّ
عساتلا مسقلا :عضاوتلا
كل هذا
الواقعي للكلمة ،ورغم ّّ الخميني { متواضعاً باملعنى
ّ كان اإلمام
حي العامل مل يكن يرى نفسه ّإل طالب علم. السم ّو والعظمة والعلم واملعرفة الذي ّ
كل هذه الخدمات لإلسالم ،فإنّه مل يكن يرى لنفسه حرماً وال حم ،ويخاطب ورغم ّ
الشباب املجاهدين يف الجبهات« :أقبّل أيديكم وسواعدكم أل ّن يد الله معها ،وأفتخر
بذلك».
ّ
«فكّروا جميعاً بالناس دامئاً ،هؤالء هم عباد الله ،هؤالء هم الذين يقتلون اآلن عىل
رشدوا ،وهم يعيشون يف الحدود ،هم الذين يواجهون صعوبات الحرب ،وهم الذين ت ّ
هذه األماكن وهذه الخيم دون أبسط املق ّومات .هؤالء هم عباد الله وهم أفضل م ّني،
ويحتمل أن يكونوا أفضل منكم ،فلامذا ال نفكّر بهم دامئاً؟».
يقول أحد املق ّربني من اإلمام:
يستقل الطائرة من بغداد إىل باريس قال« :سأبقى أنتقل منّ عندما أراد اإلمام أن
بلد آخر فال تستوحشوا ،وتابعوا أعاملكم بدقّة .أنا خجل واقعاً منحدود إىل حدود ٍ
الشعب اإليرا ّين لعشقه الشهادة إىل هذا الح ّد ومواصلة الثورة بهذه العزمية» .يف حني
كانت السبل مسدودة يف وجهه ،كان يقول« :أنا خجل من الشعب اإليرا ّين ويجب أن
أعمل بتكليفي»((( وإىل األمس القريب كان اإلمام { يجري يوم ّياً العديد من عقود
بكل لطف ومح ّبة ويز ّودهم بنصائحه(((.
الزواج ،وكان اإلمام { يعاملهم ّ
وإليك تعريب رسالة ابن أحد الشهداء إىل اإلمام { بالنيابة عن جمع من أبناء
الشهداء واألرسى واملفقودين:
الخميني
ّ املوسوي
ّ ش ّوال 1405روح الله
نعم كام يقول بعضهم:
214
«القائد الذي أجرب ممثّل كارتر وهو يف ال ّجو ،أن يرجع من حيث أىت ،والذي تح ّدى
يستخف بجميع القوى املاديّة لطواغيت ّ كارتر فكشف عن مضمون رسالته ،والذي
جندي من حرس الثورة اإلسالم ّية،ّ العامل ،يتواضع يف مقابل طفل أو عجوز أو مجروح أو
إىل ح ّد أن يقول :أنا «طلبه» -أي طالب علم -ال أكرث ،أنا خادم للناس ،ال تقولوا يل قائدا ً،
يا ليتني كنت حارساً من ح ّراس الثورة اإلسالم ّية ،و«قائدنا الطفل ابن الـ 12عاماً الذي
ف ّجر نفسه بدبّابة عراق ّية وأمثال ذلك».
ّ
الخراساني قائد ثورة المشروطة اآلخوند
جاء يف سرية هذا العامل الكبري واملجاهد املقدام :هذا الوجود املبارك الذي كان يف
الواقع قائد الدين والدنيا ملاليني املسلمني ،كان متواضعاً ج ّدا ً خصوصاً مع أهل العلم،
يجل أهل العلم
الطلب بالسالم ويقف لهم يف املجالس احرتاماً .كان ّ كان يبادر أصغر ّ
كثريا ً(((.
والكل نيام ،كان طالب يقرع بعنف باب الشيخ الخراسا ّين، ّ يف ليل ٍة من الليايل
زوجة هذا الطالب تكاد تضع حملها ،وأل ّن هذا الطالب يف النجف غريب وفقري وال
يعرف منزل القابلة؛ لهذا ّميم شطر منزل الشيخ .ورسعان ما جاء شخص وفتح الباب
دون أن يسأل قبل ذلك من الطارق ،رأى الطالب الشيخ وعىل رأسه شال أبيض وقد
وضع قلامً فوق أذنه اليمنى ،ومن ش ّدة التع ُّجب والخجل نيس الطالب السالم .قال
الشاب عن
ّ وعب الطالب
الشيخ :سالم عليكم ،ماذا تأمر؟ وماذا ميكنني أن أساعدك؟ ّ
أسفه الزعاج الشيخ وذكر له حاجته ،متم ّنياً عليه أن يرسل معه الخادم لريشده إىل
«كل ،الخادم ال يستطيع املجيء ،إنّه اآلن نائم .أنا شخص ّياً
منزل القابلة .فقال لهّ :
رص الطالب عىل مجيء الخادم ليذهب معه ،فقال الشيخ« :وقت عمل آيت معك» .وأ ّ
الخادم انتهى؛ إنّه يعمل حتّى ساعة مع ّينة من الليل ،واآلن وقت اسرتاحته ونومه،
((( مرﮔـي درنور ،ص.401
اصرب قليالً وأنا آيت» .وبعد لحظات جاء الشيخ وقد لبس عباءته وحمل بيده فانوساً،
215
وخرج من املنزل ومىش مع الطالب مساف ًة طويلة منتقالً من زقاق إىل زقاق حتّى
وصل إىل منزل القابلة .جاءت القابلة ث ّم مىش الشيخ معهام إىل منزل ذلك الطالب
والفانوس بيده .بعد ذلك عاد إىل بيته .وأوصل إىل ذلك الطالب كم ّية من األر ّز
والسكر والقامش.
يقول هذا الطالب« :بعد تلك الليلة كلّام رأيت الشيخ كنت اطأطئ رأيس خجالً ّإل
عساتلا مسقلا :عضاوتلا
اساين ،Mيراد باأل ّول أن يكون الحكم للملك ((( االستبداد واملرشوطة ،مصطلحان سادا يف زمن الشيخ الخر ّ
بدون رشوط وال رقابة ...ويراد بالثاين «املرشوطة» أ ّن هناك رشوطاً ال ب ّد أن يلتزم بها امللك ،يف طليعتها وجود
مجلس ميثّل الناس ،وقد بدأت بوادر نهضة املرشوطة ،سنة 1323يف زمن مظفّر الدين شاه الذي اضطر أمام
الحق يف تعيني
إرصار الجامهري عىل توقيع «فرمان» املرشوطة ،ورغم ذلك ثارت ثائرة الناس ألنّه ذكر من لهم ّ
املمثّلني فع ّدد األمراء والعلامء واملالكني الخ ومل يذكر «أفراد الشعب» مام اضطر امللك إىل تذييل فرمانه
وإضافة «أفراد الشعب» وإثر ذلك مات ،فخلفه مح ّمد عليشاه مع تشكيل أ ّول مجلس شورى -برملان -فعمل
عىل إلغائه ،فأفتى الشيخ الخراسا ّين Mبخلعه ويف سياق جهوده هذه ...حدث ما يذكره املؤلّف نتيجة
انقسام شامل آنذاك حول االستبداد واملرشوطة -عن دائرة املعارف رشق -مجموعة اطالعات عمومي -فاريس،
ص( 69 - 468-398املع ِّرب).
((( مرﮔـي در نور ،ص.398 - 397
الدين ّية وفاتح بذلك ع ّدة أشخاص ليد ّرسوه املق ّدماتّ ،إل أ ّن أحدا ً منهم مل يوافق،
217
أجل من أن يتص ّدوا لهذا الدرس وقد تولّيت تدريسه(((. واعتربوا أ ّن شأنهم ّ
ّ
محيي علم األصول الوحيد البهبهاني M
طلبفقد اكتفى بتدريس رشح اللمعة للت ّربك ولرتغيب العلامء والفضالء وتشجيع ّ
العلم»(((.
ّ
الطالقاني الشيخ مرتضى
يقول أحد الفضالء واملحقّقني املعارصين يف مقابلة معه:
ومحصلني
ّ الطلب كانوا ج ّيدينكانت فرتة دراستنا يف النجف ش ّيقة ج ّدا ً باعتبار أ ّن ّ
واقعاً .واألساتذة كانوا أتقياء ج ّدا ً وقد بلغوا ح ّد النصاب (الكامل) يف العلم والعمل.
رضوري واقعاً للروحان ّيني .يجب أ ّوالً أن يَ ْص ُف َو اإلنسان من الناحية
ّ درس األخالق
األخالق ّية وبعدها يطوي املراحل العلم ّية .تذكّرت نقطة مه ّمة حول أستاذنا املحبوب
الشيخ مرتىض الطالقا ّين ،وهي أنّه كان يد ّرس الخارج وكان يد ّرس األسفار ويد ّرس
املنظومة ،والكفاية ،كام كان يد ّرس الطلبة الصغار املبتدئني.(((»...
ويقول عنه يف مكان آخر:
يف الوقت الذي كان هذا العظيم يد ّرسني «األسفار» مل يكن عنده مانع من أن
يد ِّرس «األمثلة» إذا طلب منه ذلك(((.
العمل ّية الفارس ّية يف املدرسة الفيض ّية وعىل املأل العا ّم.
ّ ّ
المقدس األردبيلي M
البالغي .قالوا إنّه كان يذهب بنفسه إىل السوق ويشرتي ّ قيل الكثري عن تواضع
ما يحتاجه ويحمله يف الشارع والزقاق كسائر الناس ،ومل يكن يرىض أبدا ً أن يساعده
أحد يف شؤونه ،وعندما كانوا يطلبون منه أن يساعدوه يف القيام بعمل ،أو عمل يشء
كان يقول« :صاحب الحاجة أوىل بها (أو أوىل بحملها) ،ورد يف الروايات :ل ْعن من ألقى
وشق عىل اآلخرين باحتياجه» .هذا العامل الربّا ّين كان ملتزماً بهذا األمر كلّه عىل الناس ّ
اإللهي بهذا الشكل وإىل هذا الح ّد(((.
ّ
ّ ّ
العلمة الطباطبائي M
فقام عن الفراش ودعاين للجلوس عليه فامتنعت .وبقينا فرتة واقفني إىل أن قال أخريا ً:
«اجلس ألقول لك جملة» ،تأ ّدبت وجلست ،وجلس هو عىل األرض فقال« :الجملة التي
كنت أريد أن أقولها هي :هناك أكرث نعومة»(((.
طوال ثالثني سنة كان يل فيها رشف االتّصال به ،مل أسمع منه أبدا ً كلمة «أنا»،
ويف املقابل سمعت منه مرارا ً عبارة «ال أعلم» يف اإلجابة عن األسئلة ،تلك العبارة
التي يرى الجهلة قولها عارا ً .كان بحر العلم والحكمة املتالطم املوج ،يقولها من فرط
واللفت أنّه بعد ذلك كان يجيب عن السؤال عىل صورة احتامل أو التواضع بسهولةَّ ،
بعبارة «يبدو يل» .أتذكّر أ ّن شخصاً ميضء القلب كان يقول يف محرضه همساً وعيناه
مغرورقتان :أتع ّجب كيف أ ّن األرض تستطيع أن تتح ّمل ثقل رجال من هذا النوع(((.
«منذ حواىل ثالين سنة وأنا عىل صلة باألستاذ ،أشرتك يف درسه وأستفيد من جلساته
الخاصة ليايل الخميس والجمعة مبقدار إمكاين .ال أتذكّر أنّه ،ولو م ّرة واحدة طوال هذه
ّ
طلبه ،أو أنّه أجرى عىل لسانه كلمة حا ّدة تتض ّمن إهان ًة
امل ّدة ،غضب أو رصخ يف وجه ّ
بكل هدوء ومتانة ،ومل يكن ينفعل أبدا ً وكان رسيع األلفة واالنسجامألحد ،كان يد ّرس ّ
الطلب ،كان يألفهم وكأنّهم من مع األشخاص .كان ذلك أدبه مع الجميع ،حتّى أصغر ّ
أصدقائه الخلَّص .كان يصغي لكالم الجميع ويعطف عليهم .كان متواضعاً ج ّدا ً ،مل أره
والسالم عليكم
رشفت بزيارة
يقول أحد الفضالء واملحقّقني املعارصين :يف إحدى السنوات األخرية ت ّ
العلمة الطباطبا ّيئ لزيارته ،طرقت الباب ففتحه رجل عجوز.
ق ّم ،وذهبت إىل منزل ّ
قلت« :الس ّيد موجود؟
-نعم.
رشف بخدمته».
-قل له إذا كان بإمكانه أن أت ّ
ذهب وعاد وفتح باب غرفة ودخلت ،مل يكن يف الغرفة س ّجادة أو بساط فجلست.
يل واعتذر بأنّهم عىل أُهب ِة السفر إىل مشهد للت ّ
رشف بزيارة اإلمام جاء الس ّيد ،سلّم ع ّ
الرضا Qقال« :اذهب آليت بيشء نجلس عليه» وأراد أن يذهب ،فأمسكت يده
بلطف ،وقلت« :ال داعي أبدا ً» ،ونزعت عباءيت وفرشتها ،وقلت« :تفضّ ل ميكننا الجلوس
عىل العباءة» .قال« :يف هذه املرحلة من عمري علّمتني درساً مربّياً».
قلت« :هذه الجملة -اإلنذار -منكم مربّية أكرث .ث ّم جلسنا وتح ّدثنا للحظات .ولن
أنىس أبدا ً عظمة تلك اللحظات ،وبعدها مل أوفّق للقائه .(((M
البيت أمام أنظار الت ّجار واآلخرين يف املدينة التي يعرفه أهلها يك يكرس غرور نفسه(((.
ّ
الشيخ آقا رضا الهمداني M
يل يف ترجمة الفقيه الكبري واملحقّق املدقّق يقول املرحوم الس ّيد محسن األمني العام ّ
املرحوم الهمدا ّين صاحب الكتاب الق ّيم «مصباح الفقيه» ...« :من تواضعه الشديد أنّه
للطلب جميعهم ،حتّى يف أثناء الدرس ،والعادة املتّبعة لكل داخل ويقوم ّ كان يقوم ّ
يف النجف أ ّن الشيخ ال يقوم ألحد من تالميذه يف يوم الدرس سواء يف أثنائه وخارجه،
الطلب ،فيقومون للداخل منهم قبل فإذا قام لهم علموا أ ّن ذلك اليوم يوم تعطيل ،أ ّما ّ
رشوع الشيخ يف الدرس ،ويف أثناء الدرس ال يقومون ألحد ،أ ّما شيخنا املرت َجم فكلّام
دخل واحد منهم قام له ولو يف أثناء الدرس فيقوم والك ّراس الذي يقرأ فيه يف يده ،فإذا
الطلب جالسون .وكان يشرتي لوازم كان ذلك يف أثناء الدرس كان وحده القائم وباقي ّ
القصاب ينتظر فراغه ليعطيه بيته بنفسه ،وال يوكل ذلك إىل أحد .رأيته م ّرة واقفاً عىل ّ
والقصاب مشغول بالبيع للزائرين ،ال يلتفت إىل أصحابه ّ اللحم وذلك يف أيّام الزيارة،
املواطنني؛ أل ّن انتفاعه من الغرباء أكرث ،وكان واقفاً قبل مجيئي م ّد ًة ألله أعلم مقدارها،
أي يشء ما أعط الشيخ ما يريد .فقال الشيخ :ما يخالف .فقلت ّ بالقصاب أن ِ فصحت ّ
القصاب ،ووزن له ،ووزن يل بعده ،ولوال مجيئي يخالف يدعك إىل آخر الناس! فاعتذر ّ
لكان حاله حال ابنتَ ْي شعيب ،ورأيته م ّرة يساوم عىل الحطب يوم الجمعة والخميس؛
((( مال صدرا ،فيلسوف ومتفكر بزرﮒ إسالمي ،ص .337 ،333-332
ألنّهام يوما تعطيل الدروس يف األسبوع ،يأيت الحطّابون بالحطب من ال ّربيّة عىل حمريهم
226
ويقفون بها يف األزقّة ،فتشرتي الناس منهم ،فقلت له :يا شيخنا كلّف غريك يشرتي لك
ٍ
يومئذ قد رأس وقلّده الناس.»... أغي طريقتي وكانالحطب فقال :أنا ال ّ
ويحب العزلة ّإل يف ما ال ب ّد منه لدين أو دنيا ،فكان ال يجلس
ّ «كان يكره الشهرة
يحب أن يش ّيعه أحد إذا سافر ،وكان مييش يف الطريق وحده وليس معه يف يوم عيد وال ّ
بالليل من يحمل أمامه الضياء كعادة كبار العلامء ،وإذا رآه من ال يعرفه ظ ّنه بعض
فقراء الطلبة .كنت أميش معه يوماً ليالً فاستقبله زائر من العجم ،فسأله« :هل ّ
تصل
ركعات الوحشة؟» (صالة ليلة الدفن ركعتان يهدى ثوابهام للم ّيت) فقال« :ال» .ومل
مم جرى له يكن يعمل لنفسه دعاية وال يلتمس من يعمل له ذلك ،وال يتح ّدث بيشء ّ
مم فيه مت ّيز بيشء»(((.
ّ
ّ
آبادي المرحوم البيد
آبادي .يقول فيه
ّ هو العامل العابد املرحوم الشيخ مح ّمد الـﮕـيال ّين املعروف بالبيد
صاحب «روضات الج ّنات» :وحيك أنّه Mكان من ش ّدة زهده يف الدنيا وردعه داعية
الهوى ،ال يعبأ كثريا ً بسالطني وقته فكيف مبن كان دونهم؟! بل كان يظهر كراهيته اللقاء
حق التعظيم من كرثة ما يرونه فيه من الكرامات واملقامات ،وكان بهم وهم يعظّمونه ّ
ال يستنكف من ركوب حمري الحمولة العارية والخروج إىل املسافات البعيدة النائية(((.
وال بأس هنا بالتذكري بأ ّن أمري املؤمنني Qيعترب هذه الصفة إحدى صفات
النبي األكرم Pويقول« :ولقد كان Pيأكل عىل األرض ،ويجلس جلسة العبد،ّ
ويخصف بيده نعله ،ويرقع بيده ثوبه ،ويركب الحامر العاري ،ويردف خلفه»(((.
والروحي الشامخ ،كان الشهيد يبارش بعض شؤونه الرضوريّة العلمي رغم مقامه
عساتلا مسقلا :عضاوتلا
ّ ّ
بنفسه .جاء يف سريته :كان يحرس الكرم ليالً ،ويف الصباح يلقي الدروس عىل الطلبة،
وك ْرمه الذي كان له يف جباع معروف محلّه اآلن .وكان يحتطب لعياله ليالً ويشتغل
بالتجارة أحياناً ،فيتاجر بالرشيط ويحمله إىل البالد النائية وكان يبارش ببناء داره
ومسجده الذي هو إىل جنبها يف قرية جباع .وذكر تلميذه ابن العودي يف رسالته ،أنّه
كان يقسم أعامله عىل أوقاته ،وال يدع لحظ ًة من عمره يف غري اكتساب فضيلة وإفادة
مستفيد ،وخلّف مائتي كتاب بخطّه من تأليفه وتأليف غريه(((.
المبادرة إلى السالم
نقل عن شهيد املحراب آية الله أرشيف أصفهاين قوله :كان آية الله العظمى السيّد
الخونساري ج ّم التواضع ،وكان يف تواضعه التزامه باملبادرة بالسالم .وكان
ّ مح ّمد تقي
حريصاً عليه يف الشارع وعند دخول املدرسة.
مكباتيقول آية الله العظمى الربوجردي « :Mرأيت يف عامل النوم أنّه أعلن من ّ
حرم املعصومة Oأ ّن جنازة الس ّيد املرتىض وصلت إىل ق ّم ،ففكّرت يف النوم أ ّن
الس ّيد املرتىض ّ
توف منذ سنني طويلة ،وهو أيضاً كان يف العراق فام هي املناسبة ليعلنوا
الخونساري
ّ مكبات الحرم تعلن وفاة آية الله
ذلك يف ق ّم؟ وعندما استيقظت سمعت ّ
وأ ّن جنازته ستصل».
نصاً حول احتطاب الشهيد ً
ليال وقد أوردت هذا النص لشموله وداللته عىل أن ّالتواضع ومبارشة ((( أورد املؤلّف ّ
والنص منقول عن مق ّدمة منية املريد.
الشؤون الرضورية ال تعيق عن العلمّ ،
ّ
مؤلف مفاتيح الجنان
228
املح ّدث الكبري عبّاس الق ّم ّي Mيف كتابه القيّم الفوائد الرض ّوية -الذي هو يف
ترجمة علامء الشيعة -عندما يصل إىل اسمه يقول:
«حيث إ ّن هذا الكتاب الرشيف يف بيان أحوال العلامء مل أجد املناسب أن أترجم
وأقل من أن أضع نفيس يف عدادهم ،ولذا رصفت النظر عن لنفيس؛ إذ ّإن أحقر ّ
ترجمتي مكتفياً بذكر مؤلّفايت»(((.
هذا هو تواضع إنسان ما تزال مؤلّفاته الق ّيمة والطريفة منذ أكرث من نصف قرن
الخواص والعوا ّم .نعم ،من تواضع لله رفعه الله .هؤالء هم
ّ يستفيد منها ويرجع إليها
املر ّوضون ألنفسهم ،األتقياء املؤمنون حقًّا بالله واملعاد.
مفخرة اإلسالم
يقول األستاذ الشهيد مط ّهري :M
«قبل ع ّدة سنوات ُدعيت إىل الجمع ّية الدين ّية لجامعة شرياز ،فوقف لتعريفي أحد
األساتذة هناك -وكان قبالً طالب علم ولعلّه كان تلميذي -ويف آخر حديثه قال هذه
الزي مفخرة لآلخرين فإ ّن فالناً مفخرة ّ
زي الروحان ّية» .شعرت الجملة« :إذا كان هذا ّ
أنّني أحرتق .وعندما قمت ألتكلّم قلت« :يا فالن ما هذا الكالم الذي خرج من فمك؟!
أصالً هل تفهم ماذا تقول؟ أنا ليس يل إلّ افتخار واحد هو هذه العاممة والعباءة .من
أنا حتّى أكون مفخرة العاممة والعباءة؟ ما هذه التعارفات الفارغة التي تتعارفون بها
مع بعضكم؟ يجب أن يقال أبو ذ ّر مفخرة اإلسالم .اإلسالم يفتخر برتبية أبناء له يحسب
مهمً يف الثقافة البرشيّة .الدنيا ال تستطيع أن ال تكتب اسم
لهم حساباً؛ أل ّن لهم دورا ً ّ
الطويس عىل جزء من القمر؛ أل ّن له دخالً يف بعض اكتشافات القمر.
ّ الشيخ نصري الدين
من نحن؟ وما هي قيمتنا؟
ال أدري...
عساتلا مسقلا :عضاوتلا
قول «ال أدري» يف املسائل التي ال إحاطة لإلنسان بها عالمة الشهامة والتقوى وحسن
البحث عن رضا الله والتصديق به .والجهلة يأبون التلفّظ بها؛ ألنّهم يعتقدون خطأً
االجتامعي ،ولك ّن ذلك ليس ّإل وسوسة شيطان ّية.
ّ أنّها تح ّط من شخص ّيتهم وموقعهم
ۡ َّ َُّ ْ ََ ُ َ َّ َ ۡ َ ۡ
ۡ ُۡ َ َ ۡ ّ َ ُ ََ
ٱل َّق﴾(((.
ٱللِ إِل َ ب أن ل َيقولوا ع
قال تعاىل﴿ :ألم يؤخذ علي ِهم مِيثٰق ٱلكِتٰ ِ
يقول أحد الفضالء :ينبغي أن يورث العامل «ال أدري» إىل أصحابه مبعنى أن يك ّرر
هذه الكلمة دامئاً يف املسائل التي ال يعرفها ليألفوها هم ويعتادوا عليها ،فتكون
مرياثهم منه بعد وفاته ويستعملونها حيث ينبغي.
ويقول عامل آخر :تعلّم «ال أدري» فإنّك إن قلت «ال أدري» علّموك حتّى تدري،
وإن قلت أدري سألوك حتّى ال تدري .واعلم أ ّن قول العامل «ال أدري» ال يضع منزلته،
بل يزيدها رفع ًة ويزيده يف قلوب الناس عظمة تفضّ الً من الله تعاىل عليه وتعويضاً له
الحق ،وهو دليل واضح عىل عظمة محلّه وتقواه وكامل معرفته ،وال يقدح يف بالتزامه َّ
املعرفة الجهل مبسائل محدودة(((.
ّ
الشيخ األنصاري M
أيّام الدراسة ذهبت يف إحدى السنني إىل نجف آباد قرب أصفهان ،كان الوقت شهر
رمضان ،عطّلت الدروس وكان أصدقاؤنا هناك .ذات يوم ،كنت أريد اجتياز الشارع
قروي وقال« :موالنا ،عندي
إىل الطرف اآلخر ،وعندما وصلت إىل وسط الطريق جاءين ّ
مسألة فأجبني عن مسألتي» ،قلت« :قل» ،قال« :هل يتعلّق غسل الجنابة بالبدن أم
كأي غسل» .وتنبّهت إىل
بالروح؟» قلت« :أنا ال أفهم معنى هذا الكالم ،غسل الجنابة ّ
أنّه قد يكون فكّر يف مع ًنى صحيح ،قلت« :هو من جهة مرتبط بروح اإلنسان؛ ألنّه
يحتاج إىل نيّةـ ومن جهة أخرى يرتبط بالبدن؛ أل ّن اإلنسان يغسل بدنه» .وسألته« :هذا
هو مرادك؟».
قال« :ال ،أجبني جواباً صحيحاً غسل الجنابة يتعلّق بالبدن أم بالروح؟».
قلت« :ال أدري».
قال« :فلامذا ك ّورت هذه العاممة عىل رأسك؟»(((.
صعدت بمقدار معلوماتي
ٍ
درجات ثالث وبدأ ابن الجوزي ،أحد الخطباء املعروفني يف عرصه ،ارتقى منربا ً ذا
يتح ّدث إىل الناس ،فقامت امرأة من الجالسني وسألته سؤاالً قال« :ال أدري» ...قالت:
«إذا كنت ال تدري فل َم جلست فوق الناس بثالث درجات؟ قال« :هذه الدرجات الثالث
غريك» ،فقال القاسم« :ال تنظر إىل طول لحيتي وكرثة الناس حويل ،والل ِه ما أحسنه»
فقال شي ٌخ من قريش جالس إىل جنبه« :يا ابن أخي الزمها فوالله ما رأيتك يف مجلس
أحب إ ّيل أن أتكلّم مبا ال
أنبه منك مثل اليوم» ،فقال القاسم« :والله ألن يقطع لساين ّ
علم يل به»(((.
ّ
األسترآبادي
قال الشهيد الثاين :M
وعن الحسن بن مح ّمد بن رشفشاه األسرتآبادي أنّه دخلت عليه يوماً امرأة فسألته
عن أشياء مشكلة يف الحيض ،فعجز عن الجواب ،فقالت له املرأة« :أنت َع َذبَتُك واصلة
كل مسألة يُسأل عنها إىل وسطك فتعجز عن جواب امرأة» فقال« :يا خالة لو علمت ّ
لوصلت َع َذبَتي إىل قرن الثور»(((.
اهلل أعلم
عم ال تعلمون فاهربوا» .قالوا :كيف
قال أمري املؤمنني« :Qإذا سئلتم ّ
الهرب؟ قال :تقولُ ّن ؟«الله أعلم».
بالحق...
ّ إقرار
عساتلا مسقلا :عضاوتلا
يقول اإلمام يف أحد مؤلّفاته الق ّيمة« :وإذا كنت -ال سمح الله -من أهل الجدال
واملراء يف املباحثة العلم ّية -كام يتّصف بعضنا نحن الطلبة بهذه الرسيرة القبيحة-
علمي يف املجالس الرسم ّية الحافلة
رصف مل ّدة بخالف ما تهوى نفسك .فإذا دار نقاش ّفت ّ
بالعلامء والعوا ّم ،ورأيت أ ّن الطرف اآلخر يقول شيئاً صحيحاً ،فاعرتف بخطئك وأيّد
كالمه ،واملأمول أن تتخلّص من هذه الرذيلة يف فرتة قصرية .إن شاء الله ال يكون كالم
بعض أهل العلم وم ّدعي املكاشفة صحيحاً! يقول :كشف يل يف إحدى املكاشفات
أ ّن «تخاصم أهل النار((( الذي أخرب به الله تعاىل هو مجادلة أهل العلم والحديث».
وإذا احتمل اإلنسان النصيحة فيجب أن يجتهد كثريا ً ليكون بصدد التخلّص من هذه
الخصلة.
واألحاديث يف هذا الباب كثرية ،وما أقبح أن يُ ْح َرم اإلنسان بوساطة مغالبة جزئ ّية
ال طائل تحتها وال مثر لها وال أثر ،من شفاعة الرسول األكرم Pويُح ِّول مذاكرة العلم
التي هي من أفضل الطاعات -إذا وقعت بالقصد الصحيح -إىل أعظم املعايص ،فتجعله
تايل عبدة األوثان»(((.
((( حكايتها وهدايتها در آثار شهيد مطهري ص ،106والسطر األخري ترجمة بيت شعر فاريس.
َّ َ َ َ ّ َ ُ َ َ ٞ
اص ُم أ ۡه ِل ٱنلَّارِ﴾ سورة ص ،اآلية .64لق ت ((( إشارة إىل قوله تعاىل﴿ :إِن ذٰل ِك َ
املروي عن رسول الله
ّ ((( «األربعون حديثًا ،الحديث األ ّول ،ص 152 - 151والعبارة األخرية إشارة إىل الحديث
رب بعد عبادة األوثان املراء» ،منية املريد ،ص.158 « :Pذروا املراء فإنّ أ ّول ما نهاين عنه ّ
القسم العاشر
التسامح والنبل
ْ ْ َّ ۡ َ َ َ َ َُ ُ ۡ َ ُ َ َ ُ ْ َ
جٰ ِهلون قالوا َسل ٰ ٗما﴾ ﴿ِإَوذا َم ُّروا بِٱللغوِ َم ُّروا ك َِر ٗاما ﴾72 ﴿ِإَوذا خاطبهم ٱل
(سورة الفرقان ،اآليتان 63و )72
243
إحدى الصفات الفاضلة واألخالق الحميدة التي أكّدت عليها اآليات والروايات،
مسألة التسامح والعفو عن الحمقى والجهلة والتح ّمل والنبل يف مقابل البلهاء.
رشاعلا مسقلا :لبنلاو حماستلا
يجب أن يكون صدر اإلنسان كالبحر ،فال يبادر إىل االنتقام مبج ّرد أن يؤذيه أحد ،بل
ينبغي أن ينظر إىل مثل هذه األمور بعني التسامح ،فال يضيق صدره ،وال ينكرس قلبه،
وال يثنيه ذلك عن مواصلة السري باتّجاه هدفه .وباإلضافة إىل العفو عن امليسء ،ينبغي
أن يحسن إليه.
أقل إهانة أو احتقار يواجههم ،هم ض ّيقو األفق، الذين يتحفّزون لالنتقام لدى ّ
مل تنفعهم إنسان ّيتهم .ما أكرث ما رأينا أشخاصاً يستشهدون بكالم آذاهم قبل عرشات
السنني ،وما زالوا يفكّرون بالعقاب الذي يشفي غليلهم بأيّة وسيلة وأيّة حيلة ،ميكنهم
َ ََ
﴿وأن َت ۡع ُف ٓوا ْ أ ۡق َر ُب ل َِّلت ۡق َو ٰۚ
ى﴾((( .ومل تحقيق ذلك ،كأنّه مل يقرع أسامعهم قوله تعاىل:
َ ۡ َ ۡ َّ
ه أ ۡح َس ُن﴾(((. ٱلت ِ َ
يالمس شغاف قلوبهم هذا النداء امل ّحبب﴿ :ٱدفع ب ِ ِ
بالتحل
ّ ولقد مدح القرآن الكريم املتّصفني بهذه الصفة الحميدة وأمر املسلمني
بها .قال تعاىل:
َ ُ َ ْ َّ ۡ َ ۡ ُ ْ َ ۡ َ ُ ْ َ ٓ َ ۡ ُ َ ُ َ ۡ ُ ُ َ
﴿ِإَوذا َس ِم ُعوا ٱللغ َو أع َرضوا عن ُه َوقالوا لَا أع َمٰل َنا َولك ۡم أع َمٰلك ۡم َسل ٰ ٌم َعل ۡيك ۡم
ۡ َ
ل نَ ۡب َت ِغ ٱل َجٰ ِهل َِني﴾(((.
الطويس « :Mسلّم شخص رسالة إىل ّ جاء يف سرية املحقق الشيخ نصري الدين
املحقّق من شخص آخر تتض ّمن أسوأ السباب والشتائم ،وفيها قوله عن املحقّق «الكلب
ابن الكلب».
رشاعلا مسقلا :لبنلاو حماستلا
«مل يكن له Mنظري يف حسن اللقاء وحسن السليقة وحالوة الحديث .عند
رشاعلا مسقلا :لبنلاو حماستلا
أي شخص كان يوفِّيه حقّه ،بحيث إ ّن ذلك الشخص يفارقه راضياً مرسورا ً .مل اللقاء مع ّ
يكن أحد يتمتّع مبثل رحابة صدره .كان الداخلون عليه كثريين ج ّدا ً ،وكان فيهم املؤمن
كل منهم مبا يناسب شأنه واملنافق والخائن واألمني ،الصالح والطالح ،وكان يتح ّدث مع ّ
ومنزلته .قسامً بالله ،إنّه مل يقل كلمة نابية حتّى ملستحقّها ،ومل يقطّب يف وجه أحد،
بالتبسم
ّ ومل يجاز اإلساءة ّإل باإلحسان ،بل كان يخاطب امليسء بأعذب منطق مقروناً
نبي اإلسالم العظيم»(((.
واالعتذار .إنّه ال ُخلُق العظيم الذي ورثه من ّ
«إذا كان سليامن قد أودع املارد السجن فأودع مارد طبعك السجن وكن سليامن»(((.
ّ ّ
العلمة الطباطبائي M
العلمة:
يقول أحد تالمذة ّ
كانت لألستاذ الجليل يف مواجهة س ّيئي الرسيرة والشياطني طريقة مستوحاة من
الكتاب والس ّنة .أتذكّر عندما قام أحمق مغرض بعمل جاهل إلضعاف شخص ّيته العلم ّية
ََ َ ُ ۡ ۡ
ِيق ٱل َمك ُر بكل هدوء واطمئنان﴿ :ول ي
واستجازه جمع من مح ّبيه يف التص ّدي له ،قال ّ
َّ َ
ٱلس ّي ِ ُئ إِل بِأ ۡهلِهِۚۦ﴾((( ورسعان ما أصبح ذلك الجاهل مصداق هذه اآلية الرشيفة .وقد
َّ
«من السهل أن تجازي اإلساءة باإلساءة ،إن كنت رجالً فأحسن إىل من أساء إليك».
«أنا أيسء وأنت تجازيني باإلساءة ،فأخربين ما الفرق بيننا إذًا؟»(((.
التكفير
واألجلء ،ولك ّن
ّ كان الشيخ محمود -حفيد الوحيد البهبها ّين -من العلامء الكبار
تفاهم بينهام -أفتى
ٍ املريزا املسيح -الذي كان أحد العلامء املعارصين له ونتيجة سوء
رشف بزيارة املعصومة .O بكفره .وم ّرت م ّدة ،ث ّم جاء املريزا املسيح إىل ق ّم للت ّ
العسكري Qوهو أحد أكرب مساجد ق ّم. ّ وصل جامع ًة يف مسجد اإلمام الحسن ّ
ولحسن الح ّظ كان الشيخ محمود قد جاء إىل ق ّم قبل ذلك ،وعلم أ ّن املريزا املسيح
يقيم الجامعة فحرض إىل املسجد واقتدى باملريزا يف الصالة .وبعد الصالة سأله من
حوله باستغراب« :املريزا املسيح يكفّرك وأنت تحرض جامعته؟» فقال يف الجواب« :وما
املانع؟ ال منافاة يف أن يشتبه األمر عىل املريزا ويحكم بكفري .ولكن أعتربه أنا عادالً،
كل منا برأيه يكون مثاباً ومأجورا ً» .وعندما بلغ وطبق املباين الفقه ّية ،فعندما يعمل ّ
ذلك املريزا املسيح بادر إىل زيارة الشيخ وتح ّولت الخصومة إىل صداقة .وكان املريزا
دامئاً معجباً بأخالق الشيخ(((.
الديني يجب أن يتش ّبه بيوسف وليكن لسان حاله مرتنّ اً بقول الشاعر:
ّ والعامل
فمضيت مث ّـــة قــلــت ال يعنيني ولــقــد أمـــ ُّر عــى اللئيم يسبّني
((( شيخ آقا بزرﮒ ،ص ،29 - 28ترصح مصادر أخرى بأ ّن الذين أرادوا استغالل األمر هم اإلنكليز وأ ّن السفري
الربيطاين قام بزيارة املريزا فواجهه Mمبا ذكر ويبدو أ ّن األتراك كانوا وراء الحادثة باعتبار أ ّن املريزا شيعي
وإيراين وكان الخالف آنذاك بني تركيا وإيران كبريا ً فدخل االنكليز عىل الخ ّط وأدرك املريزا ذلك فقطع الطريق
عىل مكرهم األمر الذي حمل الخليفة العثام ّين عىل تقدير ذلك املوقف ،بل ذكر أنّه طلب تفويض السفري
اإليرا ّين بحسم األمر وقد حكم املعن ّيون عىل البعض باإلبعاد ّإل أ ّن عفو املريزا شملهم (املع ِّرب).
((( سورة يوسف ،اآلية .92
القسم الحادي عشر
ٞ ٓ
َ ۡ َ َ ُ َ
ك ۡم َر ُسول: ﴿لقد جاء
ُ َ ُ
ّ - 1م ِۡن أنفسِك ۡم
َ ٌ َ
يز َعل ۡيهِ َما َعن ُِّت ۡم - 2عز
َ ِ ٌ َ َۡ ُ
- 3ح ِريص عليكم
وف َّرح ٞ ُۡ ۡ َ َُ ٞ
ِيم﴾ - 4بِٱلمؤ ِمن ِني رء
أنبياء اللّه واألمئّة املعصومون Rهم أكرث الناس خدمة للناس ،وأش ّدهم َح ْمالً
لهمومهم ،وإحساساً بآالمهم؛ لقد واجهوا ألجل الناس مشاكل ال تُحت َمل ،وعندما كانوا
رشع يداحلا مسقلا :سانلا ةمدخو ةّيريهامجلا
يوا َجهون بعدم استجابة الناس لدعواتهم ،كانت تبلغ بهم الحرسة عىل ضاللهم ح ّدا ً ال
يوصف .يقول القرآن الكريم خطاباً للرسول األكرم :P
ْ َ َّ َ َ َ ٰ َّ ۡ َ َ َّ
كونُوا ُم ۡؤ ِمن َِني﴾(((.
َ ُ
خ ٞع نف َسك أل ي
﴿لعلك ب ِ
ومن الناحية املا ّديّة كان األنبياء واألمئّة Rيق ّدمون أكرب العون للفقراء .وأحياناً
قيل ُم ْؤنَ ًة لهم كانوا يبكون رثا ًء لحالهم.
إذا مل يكن عندهم ما يُ ُ
ويشكل إيثار املوىل أمري املؤمنني وأهل بيته Rلليتيم واملسكني واألسري منوذجاً
ّ
لهذا النهج يف حمل ه ّم الناس والتفاين يف خدمتهم ،د ّوى يف املأل األعىل وأنزل الرحمن
َۡ ََ
﴿هل أ ٰت ﴾...وقد ورد يف الروايات تأكيد شديد عىل ذلك إىل ح ّد أ ّن الرسول فيه سورة
يهتم بأمور املسلمني فليس مبسلم»((( وقد سئل األكرم Pيقول« :من أصبح ال ّ
أحب الناس إىل الله؟ فقال« :أنفع الناس للناس»(((.« :Pمن ّ
كان الناس يتوافدون من الثامنة صباحاً وحتّى الواحدة ظهرا ً ،ومنذ الرابعة عرصا ً
تظل حتّى العارشة متجمهرة أمام
حتّى الثامنة ليالً ،ويف بعض الليايل كانت وفود الناس ّ
الخميني ،وكان اإلمام يخرج للقائهم.
ّ منزل اإلمام ،يقولون :نحن ننتظر
يف كثري من األيّام ،كان يجتمع أكرث من مئة وخمسني شخصاً يف غرفة واحدة :الح ّر
شديد ،وأضواء املصابيح الكاشفة ملص ّوري التلفزيون تزيد الحرارة ،وأنفاس الحارضين
تزيد الج ّو اختناقاً حتّى تتخيل نفسك يف جحيم .كانت صدورنا أحياناً تضيق فنخرج
كل من الغرفة ،واإلمام جالس لع ّدة ساعات يستمع إىل الناس ويتح ّدث إليهم بعد ّ
كلمة تُلْقَى.
ال أنىس أ ّن الشهيد مط ّهري جاء قبل استشهاده بأسبوع ،وقد كان ضغط الزائرين
عىل اإلمام كبريا ً إىل ح ّد أ ّن الشهيد انتظر من الساعة الثالثة صباحاً إىل الثامنة ليالً
بجوار غرفة اإلمام ومل يوفّق للقائه .وبعد أن انتهت زيارات الناس ،التقى اإلمام .كان
اإلمام دامئاً يؤكّد عىل املسؤولني أن يهت ّموا بالناس ،يجب أن تكونوا خ ّداماً للناس .كان
دامئاً يحذّر أعضاء مكتبه« :إيّاكم أن تسيئوا معاملة الناس وليس لكم ّ
الحق أن متنعوا
الناس».
يغص
ذات يوم ،خرج اإلمام الستقبال الناس قبل املوعد املعتاد ،وكان املكان ّ
بالناس الذين تجمهروا خلف الحواجز التي وضعت هناك ،وكان يشت ّد تدافعهم عند
مجيء اإلمام بالخصوص .فنظر اإلمام إىل من حوله ،وقال« :إن مل تزيلوا هذه الحواجز
كل ولد يأيت ،حتّى إذا استلزم األمر أن يبقى ساعات يف
فسأحرقها .كان اإلمام يستقبل ّ
258
الربد والح ّر .وقد صعد مرارا ً إىل السطح (للسالم عىل الناس) والثلج يتساقط ،كانت
كعلم يحمله بطل .أردنا ذات م ّرة أن نضع فوق رأسه مظلّة ،فغضب وقال:يده ترفرف ٍ
«والناس ماذا يفعلون؟ ال حاجة يل باملظلّة».
كل مشاغله ومسؤول ّياته كان البعض لقد بلغت جامهرييّته إىل هذا الح ّد ،رغم ّ
يأتون أحياناً لطرح مشاكلهم العائل ّية أو مسائل مشابهة .كان كثري من الناس يتوقّعون
وأي وقت؛ ولذلك كان األخوة أن يلتقوا باإلمام بدون تحديد موعد مس َّبق يف أيّة ساعة ّ
الحرس وأعضاء املكتب يتح ّملون أقىس املسؤول ّيات وأش ّدها؛ ألنّه كان يتحتّم عليهم
جميعاً أن يواجهوا الناس مبنتهى النبل وحسن ال ُخلُق ّ
وحب الناس ،وحتّى إذا تع ّرضوا
للرضب فإ ّن عليهم أن ال يقولوا شيئاً؛ ذلك أل ّن اإلمام شديد العالقة بشعبه ،إنّه يح ّبه
ح ّباً ّ
جمً.
كانت هناك مشكلة كربى يف األيّام األوىل لوصول اإلمام إىل ق ّم ،كان اإلمام يرفض أن
يرافقه حارس مسلّح ،كان يقول دامئاً« :أنا ال أريد مسلّحاً» .مع أنّه كان يذهب ليالً إىل
بيوت الفضالء والشهداء وكان احتامل الخطر كبريا ً .وكان الناس يف ق ّم مبج ّرد أن يعرفوا
أ ّن اإلمام مي ّر اآلن يف الشارع الفال ّين أو الزقاق الفال ّين ،يخرجون جميعاً من بيوتهم
ويحيطون بس ّيارته ،حتّى إ ّن بعضهم يجلس عىل سقف الس ّيارة ،ال السائق يعود يعرف
أين يذهب وال اإلمام.
رغم ذلك كان يقول« :ال يتبعني أحد ،الناس يحرسونني» .طبعاً ك ّنا -وبغاية
االحتياط -نرسل ع ّدة ح ّراس مخف ّيني يف س ّيارة أخرى؛ ليقوموا مبا ميكنهم .وقد تولّيت
قيادة الس ّيارة ع ّدة أيّام ،كان اإلمام يقول« :انتبه ملاذا ترسع؟».
عندما استشهد آية الله مفتّح ،جاء اإلمام إىل وسط آالف الذين كانوا يشيّعون
حب الناس لإلمام أحاطوا به ،وازدحموا بحيث إ ّن
جسده املخضّ ب بالدماء ،ولش ّدة ّ
سقف السيّارة كاد يخرب ،انترشت رائحة الدخان واحرتاق الفرامل ،ومل أعد أعرف ماذا
أصنع! إذا بقي اإلمام يف الس ّيارة وبقي ازدحام هكذا فالس ّيارة حتامً ستتعطّل وقد
259
تحرتق ،وإذا خرج اإلمام منها فإ ّن ش ّدة عواطف الناس قد تتس ّبب مبا ال تُح َمد ُعقباه.
وحاولت أن أرسع قليالً مستعمالً صفّارة اإلنذار ،فارتفع صوت اإلمام« :ما الخرب؟ تريد
أن تدوس الناس بعجالت الس ّيارة!» .قلت« :موالنا الس ّيارة تحرتق» .قال« :اصرب ،أريد
أن أنزل وأميش بني الناس كام ميشون».
وكنت أعلم أنّه إذا نزل فإ ّن الحرس املحيطني سيزدحمون عليه لتقبيل يده ،ناهيك
رشع يداحلا مسقلا :سانلا ةمدخو ةّيريهامجلا
عن مئات اآلالف من الناس املتجمهرين .أحياناً تكون الطريق سالكة ،إلّ أنّه يأمر
بالتوقف؛ ليسلّم عىل الناس .وأحياناً كان بعض األطفال يتبعون الس ّيارة إىل املنزل،
بأي مقياس ميكنك أن فيأخذهم اإلمام إىل البيت ،ويق ّدم لهم هدايا كتباً أو غريهاّ .
تتجل فيه هذهتقارن هذه الروح مع قادة الدنيا؟ قائد ثورة مل يخضع للعامل كلّه كيف ّ
الروح العاطف ّية؟»(((.
يقول أحد مرافقي اإلمام يف النجف:
«ك ّنا أحياناً نذهب إىل اإلمام ونقول :إ ّن فالناً جاء وهو بحاجة إىل مساعدة فيعطيه
اإلمام مبلغاً كبريا ً ...ويف ما بعد نكتشف أ ّن هذا الشخص كان محتا ًجا ج ًّدا .يف هذا
«كل من كنت أقصده ملساعديت كان يعطيني مبلغاً قليالً ،ولك ّني
املجال يقول أحدهمّ :
عندما جئت إىل اإلمام -ورغم عدم معرفته يب -فقد أنقذ حيايت بهذه املساعدة وأنقذ
أوالدي من املوت».
عندما كان اإلمام يخرج إىل الحرم أو إىل عمل آخر ،أو عند رجوعه إىل البيت كان
أحياناً يقول« :يا فالن اشرتِ عباءة لفالن»(((.
كان الشهيد الخراسا ّين ماهرا ً يف أكرث العلوم.كان البحر الزاخر والسحاب الهتّان،
ُنسب إىل السيِّد منرصفاً دامئاً إىل إفاضة أنواع العلوم واآلداب وتشجيع ّ
الطلب .وت َ
الشهيد كرامات ع ّدة؛ منها أنّه عندما كان يذهب يف األسحار والليايل ،يف الساعات التي
تكون أبواب الحرم فيها مغلّقة ،إىل زيارة اإلمام الرضا Qكانت أبواب الروضة
املط ّهرة تفتح به .وأيضاً ،كان يف سواد الليل املظلم يحمل الزاد والطعام للفقراء واأليتام
مع مبالغ من املال ،ويوزّعها عليهم(((.
عتاب األستاذ
يل الفقيه املعروف -صاحب كتاب «مفتاح الكرامة» -يتناول كان الس ّيد جواد العام ّ
طعام العشاء ،فسمع الباب يُط َرق ،وعندما عرف أ ّن الطارق هو خادم أستاذه الس ّيد
مهدي بحر العلوم أرسع نحو الباب .قال الخادم :الس ّيد األستاذ يطلب مجيئك اآلن، ّ
وضع الطعام أمامه ولك ّنه لن يبدأ قبل أن تذهب إليه .ودون أن يكمل الس ّيد جواد
تناول عشائه ،أرسع إىل بيت الس ّيد بحر العلوم .ومبج ّرد أن وقعت عني األستاذ عليه،
قال له -بغضب وح ّدة ال عهد له بهام من قبل« :-س ّيد جواد أما تخاف الله؟ أما
تستحي من الله؟» واستب ّدت الحرية بالس ّيد جواد ،ماذا جرى وما األمر؟ مل يعاتبه الس ّيد
طيلة حياته مبثل ذلك العتاب! وحاول جاهدا ً أن يهتدي إىل السبب فلم يفلح ،ومل ير
ب ّدا ً من السؤال.
-هل ميكن أن يتفضّ ل الس ّيد األستاذ بذكر التقصري الذي حصل م ّني؟
كل إنكاري عليك ألنّك ال علم لك بأحوال جارك! ملاذا متيض سبعة أيّام بلياليها هكذا ّ -
يهودي أو يا نرصا ّين!
ّ وأنت ال تعلم؟ ولو أنّك كنت تعلم ومل تفعل شيئاً لقلت لك :يا
-وماذا تأمر اآلن؟
-يأخذ الخادم هذه الصين ّية من الطعام إىل باب ذلك الرجل ،وعند الباب تأخذ
الصين ّية أنت وتطرق الباب وتطلب منه أن تتناوال طعام العشاء معاً .وخذ هذا املال
َوضَ ْعه تحت س ّجادته أو حصريه .وتعتذر منه عىل تفصريك يف حقّه مع أنّه جارك.
أتعش حتّى تأيت وتخربين مبا جرى». واترك الصين ّية هناك َ
وتعال ،ولن ّ
وحمل الخادم الصين ّية الكبرية وعليها أنواع الطعام اللذيذ ،ومىض مع الس ّيد جواد،
وعند الباب تناول الس ّيد جواد الصين ّية ورجع الخادم.
ودخل الس ّيد جواد ،وبعد أن سمع صاحب البيت اعتذاره ورجاءه تناول الطعام.
يل) فام كان منه إلّ أن قال:
ض يف منزل الس ّيد جواد العام ّ أكل لقامت فعرف أنّه (مل يُ َح َّ ْ
َ
«هذا الطعام ليس طبخاً عرب ّياً .وعليه ،فليس من بيتك ،وإذا مل تقل من أين فلن آكل
أبدا ً» .وعبثاً حاول الس ّيد جواد أن يَثْنيه ،ومل ي َر يف النهاية ب ّدا ً من إخباره ّ
وبكل ما كان.
«عجيب أمر هذا الس ّيد ،فوالله مل يطّلع عىل
ٌ ووافق الشيخ عىل تناول الطعام قائالً:
رسي أحد ،فمن أين عرف؟». ّ
القصة
النوري -صاحب املستدرك -يف كتابه «الكلمة الط ّيبة» هذه ّ
ّ ينقل املرحوم
خواص الس ّيد بحر العلوم ،ويذكر اسم
السلاميس الذي كان من ّ
ّ عن املوىل زين العابدين
يل ،وأ ّن املبلغ الذي قُ ّدم إليه كان ستني شوشاً ،وهو الوحدة
الشيخ مح ّمد نجم العام ّ 264
النقديّة املتداولة آنذاك(((.
ً
لم يحرم فقيرا
نُ ِقل عن املرحوم الشيخ مح ّمد صالح الربغا ّين قوله :قال أيب :رأيت يف النوم أ ّن
النبي األكرم Pجالس والعلامء جالسون بني يديه واملق ّدم عليهم جميعاً هو ابن ّ
الح ِّل .تع ّجبت كيف أ ّن هؤالء العلامء جميعاً -ما لهم من املقام والشهرة- فهد ِ
يجلسون دون ابن فهد مع أنّه ليس مشهورا ً كثريا ً بني العلامء؛ ولذا سألت رسول
الله Pفقال « :Pسبب ذلك أ ّن العلامء اآلخرين كانوا إذا جاءهم فقري وعندهم
مال للفقراء يعطونه ،أ ّما إذا مل يكن عندهم من ذلك ال يعطونه .أ ّما ابن فهد ،فإنّه مل
مخصص للفقراء ،كان يعطيهم من ير ّد فقريا ً أبدا ً صفر اليدين ،وإذا مل يكن عنده مال ّ
ماله؛ ولذا أحرز هذه املرتبة دونهم»(((.
الحكيم القمشه إي M
يقول األستاذ الشهيد املط ّهري Mحول الخصوص ّيات األخالق ّية للحكيم القمشه
إي:
بكل معنى الكلمة ،كان يأنس بالوحدة «كان رجالً ح ّرا ً وعارف املرشب واملذاق ّ
ويبتعد عن الجمع إىل ح ّد ما .كان يف شبابه ثريّاً ،ويف مجاعة عام 1288وزّع جميع
أمواله املنقولة وغري املنقولة عىل املحتاجني ،وعاش درويشاً إىل آخر عمره .ويضيف
بزي العلامء .املرحوم
يتزي ّ
زي القرويِّني أبدا ً ،ومل ّ
األستاذ :مل يرتك الحكيم القمشه إي ّ
الربوجردي يف الفلسفة الذي تتلمذ عليه
ّ جهانـﮕـيز خان قشقايئ -أستاذ آية الله
لسنوات -يقول:
((( داستان راستان ،ج ،2ص ،50والكلمة الط ّيبة ،ص ،287والفوائد الرضويّة ،ص ،89والكنى واأللقاب ج ،2ص69
.70 -
القصة يف كتاب «حسد» ،ص ،800مختلفة عمّ ذكر هنا.
((( بيدار ﮔـران أقاليم قبله ،ص ،217 - 216وقد وردت ّ
ذهبت إىل طهران عىل أمل االستفادة من محرض الحكيم القمشه إي ،وقصدته
265
زي باعة قامش النسيج يف الليلة األوىل لوصويل .مل يكن زيّه علامئ ّياً ،وكان زيّه يشبه ّ
اليدوي يف «سدة» (خميني شهر فعالً) .فاتحته بحاجتي ،فقال« :ميعادي معك غدا ً يف ّ
الخرابات» (محلّة خارج خندق طهران يومها) .وكان هناك مقهى يديره درويش.
ذهبت يف اليوم التايل ومعي أسفار صدر املتألّهني ،فرأيته يف خلوة جالساً عىل حصري.
فتحت األسفار فبدأ يقرأه عن ظهر قلب ،ث ّم يأخذ بتحقيق املطلب .وقد أثار وجدي بحيث
رشع يداحلا مسقلا :سانلا ةمدخو ةّيريهامجلا
ّإن سكرت ،وكدت أج ّن ولَ ْم أدرك ما يب .فقال« :نعم ق ّوة الرشاب تسكر اإلبريق!»(((.
أستحي من الفقراء
جاء يف كتاب «حياة اإلسالم»:
«كان املال لدى اآلخوند الخراسا ّين والحىص عىل ح ٍّد سواء ،ومع أنّه كان بالنسبة إىل
عدماً وصفر اليدين ،فقد كانت الرواتب التي كان ملتزماً بتسديدها مقامه الشامخ ُم ِ
تبلغ شهريّاً ستمئة تومانٍ ينبغي أن تُدفَع كلّها نقدا ً .كان كثري من العوائل املحرتمة ال
مورد لهم ّإل ما يؤ ّمنه سامحته لها.
األقل ،مئة وخمسني إىلوكان كلّام سافر إىل كربالء للزيارة ينبغي أن يدفع ،عىل ّ
والطلب هناك ،وعندما مل يكن يتمكّن من تهيئة هذا املبلغ ،ولو عن
مائتي لرية للفقراء ّ
رشف بالزيارة يف السنني األخرية ّإل
طريق االقرتاض ،كان ينرصف عن الزيارة؛ ولهذا مل يت ّ
م ّرة أو م ّرتني يف السنة.
والطلب .كان هناك مخبز شخص من الفقراء والعاجزين ّ وكان يتكفّل بخبز سبعمئة ٍ
خاص للفقراء ،فكان يدفع شهريّاً حوايل ثالمثئة تومانٍ مثن خبز ،وأحياناً كان يتأ ّخر
ّ
الدفع ثالثة أشهر أو أربعة ،فريتفع دين الخ ّباز عىل اآلخوند إىل أربعمئة أو خمسمئة
لرية ،يف حني أنّه مل يكن لديه يشء .وحيث أ ّن الخ ّباز ال ميلك شيئاً ،كان يضط ُّر لقطع
أشخاص ومثانية من طهران لقتيل ،ومن جهة أخرى يظهر الخليفة العثام ّين عداءه ،ومن
جهة ثالثة هؤالء يؤنّبون ويوبّخون أنّنا نامئون».
الطلب جميعاً ،وبعدها قال:
وعندما بلغ اآلخوند ذلك بىك ّ
تأسياً باألمئّة Rوكنت بصدد عالج مشاكل أهل تربيز، «أتح ّمل ذلك كلّه ّ
وسأبقى لن أتراجع ولن أستكني بل سأبذل ما يفوق طاقتي»(((.
ّ
الشيخ زين العابدين المازندراني M
ّ ّ
المحقق األردبيلي M
كل طعامه معيل Mأنّه يف سني الغالء كان يتقاسم ّ من كرامات املحقّق األردبي ّ
الفقراء ،فيدع لنفسه سهامً كسهم الفقري ...وذات م ّرة اعرتضت عليه زوجته وأنكرت
ذلك قائلة« :يف مثل هذه السنة ترتك أطفالك بال طعام ،ويف النتيجة يحتاجون إىل سؤال
الناس».
ومل يقل املق ّدس شيئاً ،وذهب إىل مسجد الكوفة لالعتكاف .ويف اليوم الثاين جاء إىل
بيته شخص ومعه كم ّية كبرية من الطحني والحنطة ،وقال« :صاحب املنزل بعثه إليكم وهو
معتكف يف مسجد الكوفة» .وعندما رجع املحقّق -الذي مل يكن له علم مبا جرى أصالً -إىل
ٌ
البيت وأخربته زوجته علم أ ّن ذلك من الله تعاىل وقام مبا ينبغي من لوازم الشكر»(((.
ّ
الشيخ األنصاري M
كان يعترب أ ّن مساعدة الفقراء واملعوزين من وظائفه الحتم ّية ،وكان ذلك دأبه منذ
صباه .وقد تواتر عن ٍ
ثقات أنّه كان يوجد يف مزار «يري مح ّمد» يف محلّة حيدر خانه
كل ليلة إىل ذلك الفقري ،وينام
بدزفول فقري عاجز ،وكان الشيخ يق ّدم طعام عشائه ّ
جائعاً أو يكتفي ّ
بأقل يشء.
قد يتص ّور البعض أ ّن أداء الصالة االستئجاريّة عمل سهل ،وليس األمر كذلك .خصوصاً
عمل يف غاية الصعوبة.
لطالب العلم املولع بالكتاب واملطالعة .إنّه ملثل هذاٌ ،
ومن املناسب هنا ،إيراد كالم للعامل الكبري املج ّرب آية الله العظمى الس ّيد حسن
االقتصادي الحرج
ّ املتوف سنة 1363هـ.ق ،الذي يتح ّدث عن وضعه ّ النجفي القوﭼـا ّين
ّ
أواخر إقامته يف النجف األرشف عند بدء الحرب العامل ّية األوىل ،وكان يومها عاملاً كبريا ً
السبزواري .يقول :M
ّ يدرس الكفاية واملكاسب ومنظومة
«نعم ،أخذت ،ع ّدة سنوات ،صالة استئجاريّة من سامحته -يقصد أحد العلامء
الكبار يف عرصه -ولكن يف امل ّرة األوىل أعطاين السنة بثالثة توامني ونصف ،أعطاين
خادمه أ ّوالً تومانني ،وقال« :تعال غدا ً عرصا ً تأخذ توماناً ونصفاً» .أخذت التومانني
إىل البيت ،قالوا :أحد أطفالك مريض ،خذه إىل الطبيب ،حملت الطفل ومضيت إىل
الطبيب ،وأعطاين َو ْص َف َة الدواء ،اشرتيت الدواء بقرانني (التومان عرش قرانات) ورجعت
إىل البيت فوضعت الثامنية عرش قراناً يف زاوية ،وقلت« :ال يأخذ أحد منها شيئاً
كل يوم) ويف اليوم
فيبقى املريض بدون دواء!» (ألنّه سيحتاج أن يشرتي له الدواء ّ
التايل ،قريب الغروب ذهبت وأخذت الخمسة عرش قراناً ووضعتها يف الكيس ومشيت
باتّجاه الصحن يف حرم أمري املؤمنني ،Qوأذّن املؤذّن لصالة املغرب وعندما اجتزت
يل ثالثة قرانات قلت« :تعال
السوق ووصلت إىل الصحن ،رأيت أحد أصدقايئ وكان له ع ّ
جاء يف سرية هذا الفيلسوف -صاحب املنظومة« :-وأ ّما معاشه ،فقد كان له يوم من
قناة عميد آباد ،وكان له سنويّاً أربعون توماناً من بستانه ،وثالثون «خروار»((( من الغلّة
عرشة أحامل من القطن ،كان ينفق قسامً من هذا الدخل -مبنتهى القناعة -عىل معاشه
كل سنة يف العرش األخرية من صفر كان يقيم مجلس ويقسم الباقي بني الفقراء .ويف ّ
العزاء ثالث ليال ،ويق ّدم الخبز واللحم للفقراء املشلولني والعمي والعاجزين ،ويعطي
لكل منهم قراناً .وكان كذلك يدفع خمس أمواله وزكاتها سنويّاً بيده إىل السادات ّ
واملستحقّني(((.
ّ
الشهيد قدوسي M
أحد زمالئه يف الدراسة وأصدقائه القدامى يقول فيه« :من خصائصه كذلك االهتامم
وحل مشاكلهم .مل يراجعه أحد الشديد والسعي الحثيث يف قضاء حوائج املؤمنني ّ
يف مشكل ٍة ما ّإل وحاول قدر جهده حلّها ،كان يبذل جهودا ً كبرية يف مجال مساعدة
الطلب املحتاجني ،ولكن دون أن يعرف أحد بذلك .أحياناً كان يؤ ّمن مهر تزويج ّ
بعضهم ،وكنت أنا وساط ًة يف إيصال ذلك إليهم .كان يؤ ّمن لبعضهم مثن بيت دون أن
رسا ً.
يعرف أحد أيضاً .وجميع مساعداته كانت ّ
التوكُّل
َ َ َ َ َّ َ ۡ ّ ۡ ۡ
﴿وع ٱللِ فل َي َت َولك ٱل ُمؤم ُِنون﴾
التوكل واالطمئنان وتفويض األمور إىل الله القادر املتعال -من جملة الصفات
ّ
الحميدة لعباد الله تعاىل.
رشع يناثلا مسقلاُّ :كوتا
األمر الذي ينقذ من االضطراب والتشويش والرت ّدد وحمل ه ّم املستقبل ،ومينح
التوكل
ّ اإلنسان ق ّوة القلب واإلرادة واالنرصاف إىل القيام بأعامله واملثابرة عليها هو
وجل -واالطمئنان إليه ،سبحانه.
عليه -ع َّز َّ
وهو أمر ورد التأكيد عليه كثريا ً يف القرآن الكريم ،وقد اعتُ ِب يف بعض اآليات من
خصال املؤمنني السامية ،كام اعتُ ِب املتوكِّلون يف عد ٍد آخر من اآليات ،م ّمن يح ّبهم الله
ل
تعاىل.
ويف جميع األمور املا ِّديّة وغريها ،يجب أن يكون اعتامد اإلنسان عىل الله تعاىل،
وجل -مبعنى أن يكون ملتزماً
ويجب أن يعتقد بأ ّن تأثري األسباب والعلل هو منه -ع َّز َّ
مبفاد« :ال مؤث ّر يف الوجود إلّ الله»« .أوحي إىل داوود :يا داوود ،إن أنا وضعتك فمن
يرفعك ،وإن أنا رفعتك فمن يضعك ،وإن أنا أعززتك فمن يذلّك ،وإن أذللتك فمن
يع ّزك ،وإن أنا نرصتك فمن يخذلك ،وإن أنا خذلتك فمن ينرصك؟ فقال داوود :األمر
والحكم لك وبيدك»(((.
للتحل بهذه الصفة؛ أل ّن التوك َُّل
ّ خاص -جهدهمالطلب -بشكلٍ ّ
ويجب أن يبذل ّ
الطلب؛ هو الوسيلة الوحيدة التي ميكن بها مواجهة الفقر الذي هو طابع حياة أكرث ّ
لينرصفوا إىل مواصلة دروسهم دون اضطراب وقلق.
وجل -إىل داوود :Qما اعتصم يب عبد من عبادي دون «أوحى الله -ع َّز َّ
ثم تكيده الساموات واألرض ومن فيهن ّإل
أحد من خلقي ،عرفت ذلك من ن ّيتهّ ،
جعلت له املخرج من بينه َّن ،وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت
ذلك من ن ّيتهّ ،إل قطعت أسباب الساموات واألرض من يديه وأسخت األرض من
ل
بأي وا ٍد هلك»(((.
تحته ،ومل أبال ّ
ومن الواضح أن ّمفهوم التوكّل عىل الله تعاىل ال يعني أن يرتك اإلنسان األمور كلّها
لله ،وال يكون بصدد القيام باألسباب االعتياديّة ،بل كام يقول مولوي« :إذا كنت متوكّالً
رس «الكاسب حبيب فازرع وتوكّل عىل الجبّار /وال تغفل يف التوكّل عن األسباب واسمع ّ
الله»».
وقد قال رسول الله Pبأعىل الصوت« :اعقل جملك وتوكّل»(((.
وعليه ،فمن الواجب دامئاً القيام بالواجب وعدم ّ
التنصل من املسؤول ّية بح ّجة
التوكّل.
عقارب مبعنى أ ّن األرض
َ «يقال إنّه قبل حواىل أربعني سنة أمطرت الدنيا يف سام ّراء
طلب املدرسة يف سام ّراءّ ،إل واحدا ً كل مكان ،وهرب ّ كانت تنبعث فيها العقارب من ّ
العا ّم ،فتأ ّملت يف نفيس فوجدت ّأن مل أضطرب أبدا ً.
وعندما هاجم العراق إيران يف خطّ ٍة مدروسة متاماً ويف لحظ ٍة واحدة ،وصل خرب
قصف املطارات ودخول آالف الدبّابات مع مئات األلوف من الجنود الحدود اإليران ّية
ومن مختلف املناطق ،سيطر الخوف عىل الجميع .كانت واقعاً لحظات شديدة الوطأة
عىل املسؤولني ،وأرسع جميع مسؤويل الجيش إىل جمران ،وأصبحت عيون املاليني ترنو
إىل بيت اإلمام ،وخفقت القلوب وتطلّع مراسلو الصحف واملص ّورون الجميع ينتظرون
إعالن اإلمام رأيه ،وهم يتساءلون ماذا سيقول؟ هل يرصخ هو أيضاً :وإسالماه؟ هل
يستسلم ملطالب اآلخرين؟ هل يطلب مساعدة الدنيا يف مواجهة هذا الهجوم ويعتذر
كل يشء أن إىل أمريكا؟ أم يهادن روس ّيا؟ ماذا يفعل؟ ّإل أ ّن اإلمام إمام ،ويجب قبل ّ
يطمنئ القلوب املضطربة ،ث ّم ينرصف إىل إفهامهم ما ينبغي القيام به .إ ّن املقام ليس
مقام عجلة ،إنّه مقام سيطرة عىل األعصاب ،كان اإلمام يدرك ج ِّي ًدا أ ّن عواطف الناس
بلغت أوج الغليان ،ولسان حالهم :نحن رهن إشارتك .ولكن من الواضح أ ّن العد ّو
املحتل الثمل بنشوة النرص ،ال يشكو ضعف املعنويّات وال قلّة الع ّدة والعتاد ،وإذا ّ
كل يشء .من املؤكَّد
واجهه الناس فلن يكون يف قلبه ذ ّرة رحمة ،بل سيعمل عىل إبادة ّ
284
أ ّن النفري العا ّم آنذاك كان سيجعلنا نخرس أفضل طاقاتنا البرشيّة وغريها دفعة واحدة.
يصب اإلمام عىل نريان العواطف والحرية ماء االطمئنان والصرب ويقول بهدوء
وفجأ ًة ّ
«لص جاء ورمى حجرا ً وهرب».حول قصف املطاراتّ :
ويف هذا السياق أيضاً والجميع قلقون عىل مصري الحرب (وما يؤول إليه أمرها) وإذا
باإلمام يقول« :الحرب نعمة إله ّية» .ومنذ األيّام األوىل يهزأ بص ّدام وقادس ّيته.
بش بالصالة يف القدسقصة توكّل اإلمام وطأمنينته عند هذا الح ّد ،فقد ّ
وال تنتهي ّ
وبش كذلك بنجاة جميع املستضعفني .ح ّقاً إىل أين يصل اطمئنان اإلمام وكم هو بعيد
ّ
ساحلُه!
مسيحي ،كان قد جاء إىل إيران
ّ ومن املناسب ج ّدا ً اإلشارة هنا ،إىل ما قاله كاتب
مبناسبة ذكرى انتصار الثورة اإلسالم ّية ،قال بعد رجوعه« :لقد ش ّدتني أمور كثرية يف
الثورة اإليران ّية ولك ّن األه ّم فيها جميعاً انطباعي عن قائد الثورة ،لقد رأيت الكثريين
من الشخص ّيات والسياس ِّيني يف العامل ،ولك ّني مل أ ًر أحدا ً يف طأمنينته وهدوئه .رأيته
ثوري ال يستكني ،تشعر بأ ّن دنيا من الهدوءيف حسين ّية جامران ،ويف حني أنّه رجل ّ
واالطمئنان تصحبه»(((.
يقول أحد املق ّربني من اإلمام:
«أنتم تعلمون أ ّن عبء حوادث الثورة كان دامئاً عىل كاهل اإلمام ،ولوال ذلك
كل هذه املشاكل .كان االطمئنان والتوكّل لكان من املستحيل أن يستطيع تح ّمل ّ
السيايس يكشف
ّ املسؤولون يف أكرث الحوادث يخرجون عن طورهم ،ومل يكن وعيهم
كل اضطرابهم.
أي مخرج ،ولك ّنه كان بجملة واحدة ينهي ّ
لهم عن ّ
كل
التجسس (األمرييكّ) كان أكرث املسؤولني غري راضني ،ويف ّ
ّ يف مجريات احتالل وكر
يضطرب أبدا ً ،بل كان يصبح أكرث اطمئناناً بالنرص .وليس عجيباً من القائد الذي يفقد
ولدا ً كآية الله الشهيد الس ّيد مصطفى -الذي كان باستطاعته أن يكتب يف شبابه آالف
الصفحات يف التفسري وأن يتف ّوق يف املسائل الفقه ّية عىل الكثري من أساتذته ،ومل يكن
يرتك الته ّجد وقيام الليل -ويف شهادة شخص ّية كهذه مل يهت ّز اإلمام مبقدار ذ ّرة ،ويف اليوم
ل
التايل يواصل تدريسه .وقد اشرتك يف تشييعه الستحباب ذلك وكونه فقط عمالً يرضاه
الله تعاىل ،ويف ما بعد كان وكأنّه مل يفقد ابناً.
أو عند استشهاد أصحابه كمط ّهري وبهشتي اللذين يدرك اإلمام أكرث من سواه
اإلسالمي من ج ّراء فقدهم ويشعر مبدى حاجة الحوزات
ّ مدى الخسارة الناجمة للفكر
العلم ّية والجامعات إليهم ،ولك ّنه رغم ذلك يبقى عند استشهادهم متامسكاً.
يف الليلة التي وصل فيها إىل املكتب خرب استشهاد االثنني وسبعني شخصاً ،أُصبنا
جميعاً ب ُدوار ،ومل نكن ندري كيف نوصل هذا الخرب إىل اإلمام .اإلمام الذي كان
جمً) ،أُوعز إىل اإلذاعة أن ال تذيع الخرب؛ أل ّن اإلمام
يحب بهشتي بقلبه وروحه (ح ّباً ّ
ّ
يستمع إىل نرشة آخر الليل .ت ّم االتّفاق أن يذهب الس ّيد أحمد والشيخ رفسنجا ّين يف
اليوم التايل إىل اإلمام إلخباره مبا جرى بطريق ٍة مناسبة خشية أن يصاب اإلمام بسوء.
وأويص من يف البيت أن يبعدوا املذياع عن اإلمام :إذ كان من املحتمل أن يذاع الخرب َ
الساعة السابعة أو الثامنة صباحاً .والطريف هنا أ ّن عائلة اإلمام عندما حاولت قبل
الساعة السابعة أخذ املذياع ،يقول لها اإلمام« :دعي املذياع مكانه ،فقد سمعت
الخرب من إحدى اإلذاعات الخارج ّية» .واألطرف من ذلك أنّه عندما ذهب الشيخ
286
رفسنجاين والس ّيد أحمد إىل اإلمام إلخباره ،ع َّزاهام اإلمام وه ّدأ روعهام ،ونقل لهام
قصة هي أ ّن أحد علامء اإلسالم كان عىل املنرب فأخرب بوقوع حادثة ّ
توف فيها عدد ّ
كبري .فقال ذلك العامل هذا تقارب آجال؛ أي إ ّن اآلجال اقرتبت من بعضها ،فقد كان
مق ّررا ً أن ال ميوت هؤالء يف وقت واحد ...لك ّن الله سبحانه قارب بني اآلجال (فامتوا
يف وقت واحد)(((.
ومل مت َّر ع ّدة أيّام ،وك ّنا يف املكتب فأخربونا بانفجار رئاسة الوزراء وكان خربا ً مفجعاً .أمر
اإلمام« :اذهبوا وتأكّدوا ،أريد أن أعرف مصري الس ّيدين رجايئ وباهرن» .ومبقدار ما كان
يحب رجايئ
يحب أن يضايقوه بذهابهم إليه ،كان ّ اليي ومل يكن ّ يكره بني صدر والليرب ّ
وزيارته ،إلّ أ ّن هذه الفاجعة مل تزلزل صرب اإلمام ،وبقي متامسكاً مطمئ ًّنا بالنرص»(((.
جاء يف إحدى املطبوعات قبل انتصار الثورة بقليل حول اإلمام:
«هذا الرجل ابن السبعني ون ّيف الذي ه ّز بعزمه الراسخ التاج والعرش الشاهنشاه َّي ْي
بتاريخهام املمت ّد 2500سنة ،جالس يف إحدى غرف بيت متواضع عىل األرض املفروشة،
وقد بدأ يح ّدثنا بدون أيّة مراسم وترشيفات .وكثريا ً ما يقول يف الجواب عن حاميته
وحراسته« :الله حافظي» .جلسنا أمام قائد الثورة دون أيّة قيود ،نظراته الساحرة
كل الحارضين .وال يوجد سؤال ميكنه أن يخرجه من هدوئه. وشخص ّيته الجليلة تبهر ّ
لقد قال مرارا ً :الشاه يجب أن يذهب»(((.
اساين صاحب الكفاية Mحيث يقال« :أنّه عندما رضب الوباء النجف ((( هذا العامل الكبري هو اآلخوند الخر ّ
فقىض يف يوم أو يومني عىل عدد كبري منهم عائلة اآلخوند وابنته وسيطر الخوف عىل الناس ...صعد M
وكل من يأيت أجله ميوت واآلن مل
حق ّ
وصبهم وقال :أيّها الناس ،ال تخافوا املوت ّ
املنرب ووعظ الناس وع ّزاهم ّ
يحدث إلّ تقارب اآلجال» فقال له طالب أصفهاين :سامحة األستاذ ،نحن نخاف من تقارب اآلجال هذا .زندﮔـاين
آخوند خراساين.
((( فرازهايئ أز ابعاد ،ص.27 - 24
((( تفسري آفتاب ،ص.423 - 422
ّ
ركن اإلسالم األول
287
الدشتي -وكان مق ّرباً من اآلخوند الخراسا ّين:-
ّ يقول الشيخ أحمد
خاص «كان الوضع املا ّيل للشيخ -ووضعنا جميعاً -س ّيئاً .وذات ليلة كان للشيخ درس ّ
النائيني واملرحوم الس ّيد أيب الحسن األصفها ّين
ّ يشرتك فيه تالمذته البارزون مثل املريزا
اقي والشيخ عبد الله الـﮕـلبايـﮕـا ّين وعدد آخر .عندما انتهى والشيخ ضياء الدين العر ّ
الدرس ،رأينا س ّيدا ً من آل الرفيعي جاء مع شخص آخر زائر ،ودفع ذلك الرجل الزائر
رشع يناثلا مسقلاُّ :كوتا
مقدارا ً من الحقوق الرشع ّية إىل الشيخ فوضع هو املبلغ تحت الفراش (الذي يجلس
عليه).
نحن الذين ك ّنا نشاهد ما يجري وكلّنا يف غاية اإلفالس فرحنا فسيعطينا الشيخ شيئاً،
رس يف أذن الشيخ شيئاً.
ولكن رسعان ما تب ّدل أملنا يأساً؛ إذ رأينا أ ّن ذلك الس ّيد قام وأ ّ
ل
فناوله الشيخ قلامً وورقة كانا بالقرب منه ،وأشار إليه أن أكتب ،فكتب ذلك الس ّيد
شيئاً مخترصا ً وأعطاه للشيخ ،وعندما نظر الشيخ يف ذلك قطّب حاجبيه وم ّزق الورقة،
ث ّم م ّد يده تحت الفراش وأخرج ذلك املبلغ وأعطاه للس ّيد فأخذه وخرج مع الزائر
شاكرين.
كل ما جرى ،وحملنا الفضول بش ّدة الدشتي :ومل نفهم شيئاً من ّ
ّ يقول الشيخ أحمد
عىل معرفة التفاصيلّ ،إل أ ّن األصدقاء مل يكونوا يجرؤون عىل االستفسار .وحيث ّإن
كنت أجرأهم يف ذلك ،أشاروا إ ّيل أن أسأل أنت ،فسألته« :موالنا ،ميكن أن تتفضّ لوا
قصة؟» قلت« :هذا الذي حدث ،مجيء هذين الشخصني القصة»؟ قال« :أيّة ّ
ببيان ّ
ودفع أحدهام ملبغاً من املال ووضعك املال تحت الفراش ،ث ّم إرسار الس ّيد لكم بيشء
ث ّم كتب شيئاً ،فأخرجتم املبلغ ودفعتموه له ،فقاما وانرصفا .نحن مل نفهم من ذلك
شيئاً» .قال« :هناك أمور كثرية يف الدنيا ال نفهم معناها ،وهذه واحدة منها».
رص ْرتُ عىل األمر وأيّدين واحد أو اثنان من الحارضين،
قال الشيخ أحمد :ولك ّني أ َ
رصين ،فاعلموا أ ّن ذلك الرجل الزائر جاء ودفع أربعمئة فقال سامحته« :ما دمتم م ّ 288
لرية فأخذتها ،فقال يل ذلك الس ّيد إ ّن له ولدين ويريد أن يز ّوجهام ولك ّنه مملق؛ وليك
ال يسمع أحد قلت له أن يكتب املبلغ الذي يحتاجه ،فكتب مئة لرية فرأيت أ ّن هذا
املبلغ ال يكفي لتزويج ولدين فدفعت إليه املبلغ كلّه».
وعندما قال الشيخ ذلك ،بدأ جميع الحارضين بالقال والقيل :أن كيف يا موالنا؟
أنتم تعرفون أفضل م ّنا أ ّن وضعنا املا ّيل س ِّيئ .ودعنا نحن إىل جه ّنم ،ملاذا ال تفكّرون
بوضعكم أنتم؟ اآلن أنتم وعيالكم يف ضائقة إىل هذا الح ّد كيف تعطي األربعمئة لرية
األقل كنت تدع شيئاً لك ،أو عىل ّ
األقل كنت ترتك دفعة واحدة إىل هذا الس ّيد؟ عىل ّ
شيئاً ّ
لطلبك.
قال الشيخ أحمد :وفيام ك ّنا نو ّجه هذه االعرتاضات ،فجأة رأينا الشيخ يبيك ،فسكتنا
جميعاً ّ
متحيين ،وبدأنا نعتذر إليه مؤكّدين أنّنا مل نكن ننوي الجرأة عىل ساحة أستاذنا
املق ّدسة.
وبعد دقائق هدأ وقال« :تألّمي وانزعاجي ليس سببه أنّني أعترب ما قلتموه جرأة
يل ،وسبب انزعاجي أنّني أرى أ ّن جميع األتعاب التي تح ّملتها بسببكم طيلة سنوات ع ّ
ذهبت هدرا ً؛ ألنّني أرى أنّكم مل تدركوا بعد ركن اإلسالم األ ّول وهو التوحيد ،وأنتم
غافلون عنه وال تعلمون أ ّن الرزق من الله وليس من عبد الله .إذا كان قصدكم من
ألن عندماهذا الكالم أن أ ّدخر لنفيس هذه األموال وأمثالها ،فال حاجة يل باإل ّدخار؛ ّ
بكل
يل ّ خرجت من مشهد إىل النجف مل يكن معي ّإل مجلّدان من الكتب وم ّن الله ع ّ
هذه النعمة والع ّزة .وإذا كان قصدكم أطفايل ،فإ ّن وضعهم ج ّيد والله رازقهم .وإذا كان
قصدكم أنفسكم ،فأنتم يجب أن تتوكَّلوا عىل الله وأن يكون هو أملكم وليس غريه .أنا
ألن أجد أنّكم نسيتم الله وأ ّملتم عبده» .وعندما تفضّ ل الشيخ بهذه النصائح حزين؛ ّ
طلبه جميعاً تأثّرا ً شديدا ً وأطرقوا خجالً»(((.
تأث ّر ّ
ساحة أمامه .ونزلت وصاحبي يف إيوان مرشف عىل القافلة .قلت له« :أنا أُه ِّيئ الشاي
وأُحرض علف الدابّة ،وأنت اذهب واشرتِ خبزا ً» .وعندما رجع بعد نصف ساعة ،قال:
ال يوجد خبز يف هذه القرية ،كام رجع ع ّدة أشخاص من القافلة مل يجدوا خبزا ً أيضاً
مم ا ّدخروه يف أمتعتهم لوقت الرضورة ،نحن مثيل يائسني ،وقد ق ّرروا أن يع ّدوا طعاماً ّ
ل
نحتاج طعاماً لهذه الليلة والليلة القادمة حيث إنّه ال قرية أخرى يف الطريق.
اوي -العلف -ال وجود
املاء غري موجود ،والخبز بطريق أوىل ،وحتّى النبات الصحر ّ
له ،ليس ّد اإلنسان حاجته به .فاملشكلة ليست واحدة أو اثنتني -قلت :يا شيخ ،هؤالء
رجعوا ومل يبحثوا أكرث ،اتّكاالً عىل ما يف الخرج ،فلامذا رجعت معهم ومل تبذل جهدك؟
فعم قريب يكون جاهزا ً وارشب الغليون واطم ّنئ وال
تعال اجلس وارشب الشايّ ، َ
كل إنسان مقرون بنفسه وحياته ،ولن يسبق أحدهام اآلخر أبدا ً وهام تغت ّم؛ فإ ّن رزق ّ
اإللهي .أنا اآلن أذهب وأقلب هذه القرية رأساً عىل عقب .ويف األثناء،
ّ موزونان بامليزان
تتحيوا عبثاً فال ميكن
رأينا ع ّدة من اليزديِّني رجعوا وقالوا لرفاقهم« :ال تنتظروا وال ّ
الحصول يف هذه القرية عىل يشء».
وذهبت متّكالً عىل الله ،وما إن دخلت زقاق القرية حتّى رأيت باب البيت األ ّول
مفتوحاً ،فدخلت ألرى أحدا ً وأطلب منه خبزا ً .رأيت يف وسط الدار امرأة بجانب التنور
طلب العلوم الدين ّية
ترقق قطع العجني وتلقي بها يف التنور ،فأدرت ظهري -عىل عادة ّ
حتّى ال يقع النظر عىل أجنب ّية ولو بال ريبة -ورفعت صويت:
« -يا أ ّم ،عندك خبز؟
290
-نعم ،تفضل ادخل».
ودخلت الدار.
« -كم تريد؟
-م ّناً واحدا ً ( 3كيلوات).
-هل تريد شيئاً آخر؟
-إذا كان لديكم يشء من املرق.
ولدي زبدة طازجة.
كل يشء موجودّ ، -لنب ومخيض وحليب وجنب ّ
-أريد ( 5سري) 3750غرام» من تلك الزبدة».
فأمرت تلك املرأة ابنتها فأعطتني ذلك.
« -كم مثن هذا؟
-الخبز بنصف قران والزبد بقران».
وأخرجت خمسة أقراص خبز من الت ّنور وأعطتني إ يّاها .كان طحني الخبز من أفضل
وكل رغيف نصف ذراع أبيض ونظيف ،مل نر من مشهد إىل ذلك أنواع القمح البلد ّيّ ،
املكان مثله ،بل كان الخبز يف تلك القرى أسود مخلوطاً بغري الطحني .جئت بالخبز
والزبد إىل صاحبي وقلت له« :أنت قد رشبت ع ّدة أكواب من الشاي ،أخرج الطاسة،
الخبز ما يزال حا ّرا ً ،اثرده لقم ًة لقمة ،وضعه يف الطاسة مع الزبد واخلطهام معاً لتذوب
الزبدة وتنفذ يف الخبز (وعندها نأكله) وأكون أنا قد تناولت كوب شاي ود ّخنت».
قال« :هذا الخبز بهذه الروعة الذي مل أر مثله ّإل يف قوﭼـان من أين جئت به؟».
قلت« :من ما وراء الطبيعة».
وقسم ،هل رأيت يف هذه القرى -ما عدا حوايل قال« :متزح» .قلت« :أنت فكّر ِّ
طبس -لبناً أو مخيضاً طازجاً؟ وهل رأيت زبدة عىل اإلطالق ولو قذرة ومليئة بالشعر
فضالً عن هذه النظافة؟ وهل رأيت يف مثل هذه القرى ثورا ً أو بقرة؟ وهذه القرية
كل أهلها ،فهؤالء اليزديّون سألوهم وهم أعرف م ّني ومنك بهذه
لنفرتض أنّك مل تسأل ّ
291
أي وضع هم من أجل القرية ،ومع ذلك رجعوا يائسني وصفر األيدي ،واآلن انظر يف ّ
وأي محرش كبري أمامك.
تأمني طعامهم ّ
-لست مقتنعاً ،أح ّدد لك مكان البيت فهل تجده؟ أو إذا وجدته فهل تجد تلك األ ّم
وذلك الت ّنور الحامي؟ الخبز والزبد والعجني واملخيض واللنب كلّه من الج ّنة .أين
سمعت مب َّن ْي من الخبز بقران؟ وأين سمعت مب ِّن زبدة بثامنية قرانات ويف واد غري
رشع يناثلا مسقلاُّ :كوتا
اليزديي الليلة هنا لنسرتيح قليالً ونرحل ّ ذي زرع؟ إلّ تحتمل أ ّن الله أخر هؤالء
معهم صباحاً حتّى ال تهلكنا حصباء الطريق .واآلن ،كل هذا الطعام اللذيذ واشكر
َّ َّ َ َ ۡ
ٱلل ل َم َع ٱل ُم ۡح ِسن ِ َني﴾ .قال« :إنّه واقعاً لذيذ ج ّدا ً» .قلت« :إلّ أ ّن جزءا ً من الله ﴿ِإَون
مختص ومنحرص بنا ،حتّى إذا مل ننتبه لذلك؛ أل ّن الوجود االرتكاز ّي ّ لذّته بسبب أنّه
ل
لألشياء مؤث ّر أيضاً .إ ّن جميع موجبات اللذّة والسعادة يف هذا العامل هي فقط إضافات
الخارجي لألموال من درهم ودينار وحديقة وما شابه ال توجب ّ واختصاصات ،والوجود
وتختص بك ترقص ّ وتختص بك ،ومبج ّرد أن تصبح لكّ لذّة لك وسعادة ما مل تُضَ ْف إليك
مختصاته فال تذهب ّ الحق ،وإذا تلف يشء منطرباً .وإذا كان اإلنسان مؤمناً شكر ّ
كل بني البرش رزقهم الله نعمة عىل ح ّد سواء نفسه حرسات .حتّى إنّه لو فرض أ ّن ّ
ودومنا ذ ّرة من تفاوت يف أ ّي من النعم ملا كان أحد يشعر بلذّة سعادة ،وفضالً عن ذلك
ملا كان أحد يشكر الله .سئلت األسامك عن املاء فقالت مل نر ما ًء أبدا ً؛ ذلك أل ّن املاء
يغمرها جميعاً وعندما تعيش سمكة عىل اليابسة عندها تدرك أ ّن املاء نعمة عظيمة
ولعل إحدى أرسار وحكم التفاوت بني األفراد لها ،كام قيل :تعرف األشياء بأضدادهاّ .
الحق تعاىل هي املعرفة والشكر» .تناولنا طعامنا ،ومت ّددنا نسرتيح -كنا ند ّخن يف نِ َعم ّ
يحضون طعامهم والعلف. وعيوننا مشدودة إىل السامور واليزديِّني وهم ّ
(((
الــــرزق مــقــســوم فــا تــرحــل له واملـــوت محتوم فــا تحفل بــه
خاص وسأل أصحابه« :من منكم عب عن رغبته هذه يف مجلس ّ الله عليه بالشفاء ،وقد ّ
يذهب معي؟ قال الحارضون« :نرى ونخربكم» .وتق ّرر أن تعقد جلسة يف غيابه للتشاور،
وأخريا ً ق ّرروا أ ّن املصلحة يف عدم السفر من ق ّم إىل مشهد ،وكان السبب األساس هو أ ّن
الربوجردي حديث عهد بق ّم ما يزال الناس يف سائر املدن الواقعة يف الطريق ال
ّ آية الله
حق املعرفة؛ ولذا فلن يهت ّموا باستقباله واحرتامه كام ينبغي.
يعرفون هذا الرجل العظيم ّ
ل
ق ّرروا -بنا ًء عىل ذلك -أن يحولوا بني الس ّيد والسفرّ ،إل أنّهم كانوا يعلمون أنّه ال
الحقيقي عىل الس ّيد -فاتّفقوا عىل ذكر أعذار أخرى من قبيل أنّه
ّ ميكنهم طرح السبب
أجريت له عمليّة جراحيّة قريباً والسفر بالسيّارة هذه املسافة الطويلة قد يؤ ّدي إىل ما
ال تحمد عقباه (ومل يكن آنذاك بني مشد وطهران طائرة أو قطار).
ويف جلسة أخرى ذكر املرحوم أمر السفر مج ّددا ً فحاول األصحاب أن يثنوه ،ويف
الطلب واألصحاب. الحقيقي من وجهة نظر ّ
ّ النهاية كشف أحد الحارضين عن السبب
وعندما أدرك الس ّيد هدفهم األساس ،فام كان منه -وهو مثال التوكُّل واإلخالص -M
ّإل أن بدا عليه الغضب وقال بلهجة حا ّدة وروحان ّية« :لقد أخذت من الله سبعني سنة
يل بتفضّ الت ليس فيها يشء بسبب تدبريي .كنت أسعى دامئاً من العمر وقد م ّن الله ع ّ
أن أعرف واجبي ألؤ ّديه .اآلن وبعد سبعني سنة ليس من املناسب أن أهت ّم أنا بأمري
كل سأذهب»(((.وأفكّر بشؤوين الشخص ّيةّ ،
لكل مسلم ،وتشت ّد أه ِّم ّيتها بالنسبة إىل الروحا ّين ،مسألة اإلباء من األمور امله ّمة ّ
وع ّزة النفس ورصف النظر عن مال هذا وذاك وثروته .وبرعاية هذا األصل األساس
يستطيع املرء أن يصون كرامته ويحفظ ع ّزته ،األمر الذي ميكِّنه أن يبقى متح ّررا ً من
رشع ثلاثلا مسقلا :فنلا ةّزعو ءابإلا
الرق والعبوديّة لزيد وعمرو .من يطمع مبال اآلخرين وعطائهم ،ويتق ّبل هداياهم قيود ّ
يذل نفسه ويحطّم ع ّزته اإلسالم ّية -طبعاً يف كثري من املوارد ال دامئاً -فهو يف الحقيقة ّ
واإلميان ّية ويقيض عىل شخص ّيته.
وإنّ ا اعتربت مراعاة هذا األصل أكرث أه ِّميّ ًة بالنسبة إىل الروحا ّين؛ فأل ّن الروحا ّين ال
ويذب عن حياض اإلسالم ويقف يف وجه ّ ميكنه أن يأمر باملعروف وينهى عن املنكر
الخائن بشجاعةّ ،إل إذا كان مل يتح ّمل منه أحد؛ ليمكنه التص ّدي دون أن يدخل يف
وإل فإنّه يبقى اإللهيّ ،
ّ حسابه أ ّن مصالحه الشخص ّية تتع ّرض للخطر ويقوم بواجبه
يل الذي هو صيانة حدود اإلسالم وهداية املجتمع إىل عاجزا ً عن القيام بواجبه األص ّ
التكامل والسم ّو.
ومن هنا ،فإ ّن كثريا ً من العلامء الكبار والواعني -ملختلف أبعاد املسائل كام سرنى-
كانوا يرفضون هدايا أصحاب املناصب واألثرياء التي تشكّل يف الحقيقة وثيقة عبوديّة
أي تر ّدد.
بكل جرأة ودون ّ ذلك العامل لصاحب تلك الهديّة ،وكانوا يرفضونها ّ
ويف الروايات نجد ذ ّماً كبريا ً لهذه الصفة الس ّيئة ،قبول هذا النوع من الهدايا كام
نجد وصفاً لها «بالعبوديّة الدامئة» كام وصف الطامع بأنّه رهن الذلّة والصغار(((.
جاء يف الديوان املنسوب إىل أمري املؤمنني :Q
أحــــب إ ّيل مــن ِمـــ َنـــنِ الــرجــال
ُّ لَـ َن ـ ْقـ ُـل الصخر مــن قُ ـلَــلِ الجبال
وهكذا يتّضح أ ّن من الواجبات الحتم ّية عىل الروحا ّين أن ال يعمد يف تدبري معاشه
ألي شخص ،سواء كان أهالً لذلك أم ملإىل مديد الطمع لهذا أو ذاك ،وال يحني رقبته ّ
يكن ،بل إذا أراد شخص أن يدفع إليه ماالً فابتدا ًء ودون طلب منه فإ ّن عليه أن يرفض
خاصة مستثناة ،وتأيت اإلشارة إليها يف آخر هذا القسم.
ذلكّ ،إل يف موارد ّ
يقول الشهيد الثاني
لكل واحد منها (العامل واملتعلّم) بعد تطهري نفسه من الرذائل املذكورة
«فمم يلزم ّ
ّ
اإللهي من
ّ وغريها ،توجيه نفسه إىل الله -تعاىل -واالعتامد عليه يف أموره وتلقّي الفيض
عنده ( )...وال يعتمد عىل األسباب فيتَّكل عليها وتكون وباالً عليه ،وال عىل أحد من
خلق الله -تعاىل -بل يلقي مقاليد أمره إىل الله تعاىل يف أمره ورزقه وغريهام ،يظهر
ويحصل مطلبه ويُصلِح
ِّ حينئذ من نفحات قدسه ولحظات أنسه ما يُقي ُم به أوده ٍ عليه
النبي « :Pإنّ الله تعاىل قد تكفّل لطالب العلم به أمره .وقد ورد يف الحديث عن ّ
عم ضمنه لغريه» ،مبعنى أ ّن غريه يحتاج إىل السعي ( )...وطالب العلم خاصة ّ برزقه ّ
ال يُكلَّف بذلك ( )...إن أحسن الن ّية وأخلص العزمية.
«وعندي يف ذلك من الوقائع والدقائق ما لو جمعته بلغ ما يعلمه الل ُه من حسن
صنع الله تعاىل يب وجميل معونته منذ اشتغلت بالعلم ،وهو مبادي عرش الثالثني
وتسعمئة إىل يومي هذا ،وهو منتصف شهر رمضان سنة ثالث وخمسني وتسعمئة...
وبالجملة ليس الخرب كالعيان.(((»...
الديني والروحا ّين عموماً يجب أن ّ
يتحل باإلباء وع ّز ّ مم تق ّدم أ ّن «العامل
نستنتج ّ
حليف الجوع أليف الفقر والفاقة ،فليرتنّم بتأ ّمل وتع ّمق شديدين بهذه اآليات:
كه َ َََۡ َ ُ ْ َ َ َََ َ َ ُُ ﴿ك ۡم تَ َر ُكوا ْ مِن َج َّنٰت َو ُع ُ
َ
ني ِيها ف ٰ ِِ ون 25وزروعٖ ومقا ٖم ك ِر ٖ
يم 26ونعمةٖ كنوا ف ٖ ي ٖ
َ َ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ َّ َ ٓ ُ َ ۡ َ ُ َ َ َ ُ ْ اخر َ َ َٰ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َ ۡ ً َ َ
ين 28فما بكت علي ِهم ٱلسماء وٱلۡرض وما كنوا 27كذل ِك ۖ وأورثنها قوما ء ِ
ْ
ٰ ّ ُ َ ٰ ُ َ ۡ َ ُ ُ َّ ُ َ ُ َ ْ ۡ َ َ ُ َُ ُ ْ ُ َ
ون﴾(((. ٱلي يوعدين﴾(((﴿ ،فذ ۡره ۡم يوضوا َو َيل َع ُبوا حت يلقوا يومهم ِ نظر َ
م ِ
كان أحد الطلبة يقول:
«كلّام نظرت إىل رفاهية أهل الدنيا ،وتألّمت نتيجة ذلك لوضعي ،وكاد الشيطان
يل حالة من
أن يج ّرين إىل الركون ،ألجأ إىل قراءة هذه اآليات والتفكري فيها ،فتغلب ع ّ
االنرصاف عن الدنيا والشوق إىل عامل اآلخرة ال يح ّدها وصف وال بيان».
بترصف.
الريض ،مؤلّف نهج البالغة ،صّ ،24 - 23
((( الس ّيد ّ
((( رشح النهج ،ج ،1ص.33
الطلب وتناول دينارا ً واقتطع منه مقدارا ً احتفظ به ث ّم ر ّد الباقي
عندها قام أحد ّ
302
إىل الطبق.
الريض عن سبب ذلك ،فقال« :احتجت البارحة شيئاً من الزيت ّ وسأله الس ّيد
املتول لنفقة املدرسة موجودا ً فاستدنت من البقّال حاجتي من ّ للمصباح ،ومل يكن
الزيت ،وقد أخذت هذا املقدار من الدينار ألداء ديني هذا» .ث ّم ر ّد الطبق.
والطلب الروحان ّيون عىل هذه الدرجة من ع ّزة النفس
هكذا كان العلامء الربان ّيون ّ
واإلباء وعل ّو الهمة(((.
يقول مؤلّف «ريحانة األدب» ،وكذلك يف «قصص العلامء» بعد نقل ما تق ّدم:
طلب املدرسة مفتاح لصندوق
كل طالب من ّ «بعد ذلك أمر السيّد بأن يكون مع ّ
ماليّة املدرسة ليأخذ حاجته عند الرضورة ،وال يضط َّر ملراجعة املسؤول عن ذلك»(((.
ّ
لم يقبل هدية الملك
جاء يف ترجمة الفيلسوف الكبري امللّ هادي السبزوار ّي M-أنّه لش ّدة ع ّزة نفسه مل يكن
يطلب من أحد شيئاً ،ومل يكن يقبل الهدايا أصالً .وأمىض عمره مبنتهى الزهد والتقوى والصدق
والصفاء وعدم التكلّف ومنتهى ع ّزة النفس .مل يكن يهت ّم بأحد من األعيان واألغنياء .زاره
الشاه نارص الدين يف بيته بسبزوار ،وجلس عىل الحصري الذي كان فراش غرفة تدريسه وطلب
منه تأليف كتاب يف أصول الدين .ث ّم أرسل إليه يف ما بعد مبلغ خمسمئة تومانٍ -وكانت
آنذاك مبلغاً كبريا ً -إلّ أ ّن هذا الرجل األ ّيب مل يقبلها ،وأمر أن يرصف نصفها عىل الطلّ ب،
الهاشمي ضعف ما يعطى لغريه(((. ّ والنصف اآلخر عىل الفقراء موصياً أن يُعطَى الس ّيد
((( بيدار ﮔران أقاليم قبله ،ص ،222 - 221وجواب الرشيف يف املرة الثالثة منقول عن رشح النهج ،ج ،1ص.40
((( ريحانة األدب ،ج ،3ص.122
((( املصدر نفسه ،ج ،2ص.424 - 423
الملك والحكيم
303
وينقل الشهيد مط ّهري -رضوان الله عليه -تفاصيل وافية عن لقاء الشاه نارص الدين
اإللهي ،فيقول:
ّ بهذا الحكيم
«يف سفره إىل خراسان ،كان الشاه نارص الدين يستقبل من مختلف قطاعات الناس
يصل إليها ،ث ّم يش ّيعونه عندما يخرج ،إىل أن وصل إىل سبزوار ،فاستقبلته
كل مدينة ُ
يف ّ
مختلف قطاعات أهلها .وكان الشخص الوحيد الذي مل يستقبله ومل يزره -بح ّجة أنّه
رشع ثلاثلا مسقلا :فنلا ةّزعو ءابإلا
السبزواري.
ّ املل هادي
معتزل-هو الحكيم والفيلسوف والعارف املعروف ّ
ومن عجيب القضاء أ ّن الشخص الوحيد الذي كان الشاه يفكّر برؤيته عن قرب يف
هذا السفر هو هذا الرجل الذي كان صيته قد انترش تدريج ّياً يف جميع أنحاء إيران،
الطلب ينثالون عليه من مختلف الجهات ،حتّى شكّل حوزة علم ّية عظيمة يف وكان ّ
سبزوار.
مم سمع ورأى من التزلّف والتملّق ،ق ّرر أن يذهب بنفسه لزيارة الشاه الذي تعب ّ
الحكيم .قيل للشاه« :الحكيم ال يعرف شاهاً وال وزيرا ً» .قال الشاه« :ولك ّن الشاه يعرف
الحكيم» .أخربوا الحكيم باألمر وت ّم تحديد موعد .وذات يوم قريب الظهر ،تو ّجه الشاه
مع أحد خدمه إىل منزل الحكيم.
كان البيت عاديّاً ج ّدا ً ،واملحتويات مثله .وأثناء الحديث قال الشاهّ :
«لكل نعمة
شكر ،شكر نعمة العلم التدريس واإلرشاد ،شكر نعمة املال اإلعانة واإلغاثة ،شكر نعمة
فإن أرغب أن تطلب م ّني شيئاً ألوفّق للقيام به.
السلطنة طبعاً قضاء الحوائج؛ لهذا ّ
-ليست يل أيّة حاجة وال أريد شيئاً.
-سمعت أ ّن لك أرضاً زراع ّية ،اسمح يل أن آمر بإعفائها من الرضيبة.
يغي
كل مدينة ،والتغيري الجز ّيئ ال ّ
سجلت مال ّية الدولة ،يح ّدد املبلغ الذي تدفعه ّ
-يف َّ
شيئاً من ذلك ،إن مل يأخذوا هذا املبلغ م ّني أخذوه من غريي حتّى ال ينقص املبلغ
املح ّدد عن سبزوار .والشاه ال يرىض أن يكون التخفيف ع ّني أو إعفايئ سبباً يف فرض
304
مبلغٍ عىل األيتام والعجائز .باإلضافة إىل أ ّن الدولة التي من واجبها حفظ أرواح
الناس وأموالهم وترتتّب عليها نفقات يجب تأمينها ونحن ندفع ما يرتت ّب علينا عن
رىض ورغبة» .قال الشاه« :أرغب يف تناول طعام الغداء يف خدمتكم ومن طعامك
الذي تأكله عادة ،فلو تأمر أن يأتوا بطعامك».
ودون أن يتح ّرك الحكيم من مكانه صاح« :أحرضوا طعامي» .وبرسعة جاؤوا به،
طبق من الف ّخار عليه ع ّدة أقراص من الخبز وع ّدة مالعق مع إناء مخيض وك ّم ّية من
امللح .وضعوه أمام الحكيم والشاه .قال الحكيم« :كل ،فإنّه خبز حالل زراعته وحراثته
بتعبي» .أكل الشاه لقمةّ ،إل أنّه رأى أنّه مل يعتد أكل مثل هذا الطعام ،بل هو عنده
ال يؤكل .فطلب من الحكيم أن يأذن له ليحمل معه قليالً من ذلك الخبز تي ّمناً وت ّربكاً.
وبعد لحظات غادر الشاه منزل الحكيم تتملّكه الحرية والدهشة(((.
صاحب الحدائق M
يف معرض ترجمته لنفسه يقول العامل الكبري الشيخ يوسف البحرا ّين مؤلّف الكتاب
العظيم «الحدائق النارضة»:
«حتّى عصفت يف تلك البالد -شرياز -عواصف األيّام التي ال تنيم وال تنام ،فف َّرق َْت
فخرجت منها إىل بعض القرى( )...فبقيت فيها مشتغالً ُ شملها وب ّددت أهلها ()...
باملطالعة ،وص ّنفت هناك كتاب «الحدائق النارضة» إىل باب «اإلغسال» وأنا مع ذلك
والكف عن الحاجة إىل الناس»(((.
ّ مشتغل بالزراعة ألجل املعاش
َّ
أكل الخبز من العمل الخسيس ،أفضل من منة الرئيس
السيايس والوزارة،
ّ أمىض الشيخ الرئيس ابن سينا م ّدة طويلة من عمره يف املجال
وهذا من جملة ما عابه عليه العلامء من بعده .قالوا :لقد رصف أكرث وقته يف هذه
هذا الرجل يكنس ومي ّن عىل نفسه بأنّه احرتمها وأكرمها حتّى ال تعاين صعوبات الدنيا
وشدائدها .لوى ابن سينا عنان فرسه وتق ّدم منه قائالً :لإلنصاف ،لقد احرتمت نفسك
كثريا ً .فلم تجد أفضل من أن تختار هذا العمل الرشيف!
وأدرك الك ّناس من قرائن الحال أ ّن هذا الشخص وزير ،فقال له جملة تص ّبب منها
ابن سينا عرقاً من الخجل ث ّم مىض ومل يعقّب .قال الك ّناسُ :
«أكل الخبز من العمل
الخسيس أفضل من ِم َّنة الرئيس»!(((.
ّ ّ
ديني في أيامه األولى طالب علم
عم جرى
نجفي قوﭼـا ّين Mعن ع ّزة نفسه يف معرض حديثه ّ
ّ يتح ّدث آية الله
الديني ،فيقول:
ّ بينه وبني أبيه عندما ق ّرر إرساله لطلب العلم
«إذا ذهبت إىل املدرسة فسأبقى جالساً ،الطعام ال يهضم .ويجب أن تبقى عيناي
غصة عدم فهم الدرس مس ّمرتني إىل الكتاب حتّى منتصف الليل ،من جهة سأتج ّرع ّ
غصة املورد املا ّيل .ث ّم بعد م ّدة لن أبقى قريباً منكم ،وسأكابد مرارة
ومن جهة أخرى ّ
البعد عن الوطن ال أنيس وال معني .فإذا مل أمت ،فمن املقطوع به أنّني سأصبح أكرث
مم أنا عليه اآلن ،لن أستطيع مامرسة الزراعة وما شابه. ضعفاً ّ
كانت دواعي سعاديت فقط فهم درس اآلخوند الخراسا ّين وكتابته وزيارة حرضة
األمري Qوالتم ّرغ عىل أعتابه .حتّى ّإن كتبت رسالة ألقيتها يف الرضيح ،وخالصة
ما فيها أّين أريد أن أراك أو أرى ابنك حجة العرص Qونظمت بيتني من الشعر
يف مدحه»(((.
ماء وجه القناعة والفقر
الشهيدي ما يأيت:
ّ عسكري
ّ كتب الشهيد مط َّهري Mحول العامل الح ّر املريزا
العسكري مشهورا ً بالتح ّرر ورصاحة اللهجة ،ورغم أنّه كان يف غاية
ّ «كان املرحوم
الفقر ،فلم يكن يقبل من أحد شيئاً ،وقد اطَّلع عىل فقره أحد من علامء طهران ،فأخرب
شهري معت ٍّد
ّ بذلك بعض املسؤولني من ذوي املناصب العليا .وهكذا ت ّم تحديد راتب
العسكري.
ّ به ،أخذ ذلك العامل أمر الرصف وأرسل معه رسالة إىل املرحوم
وبعد أن اطّلع عىل الرسالة تألّم كثريا ً من صديقه الطهرا ّين فكتب عىل مغلّف
الرسالة« :نحن ال نريق ماء وجه القناعة والفقر» ث ّم أرسل إليه الرسالة وما فيها»(((.
ّ ّ
المحدث القم ّي
يف إحدى السنوات طلب أحد املحسنني من املح ّدث الق ّم ّي أن يقبل التزامه بدفع
تلبسها وهو يتم ّنى قبولها» .وقبل أن أكمل كالمي بدت عليه عالمات الغضب الشديد،
العلمي من أجلّ وقال« :تص ّورت أنّك يف هذا الح ّر تركت عملك وشغلتني عن بحثي
حل مشكلّة علم ّية» .قال هذا وأقفل الباب برسعة ورجع .بقيت مبهوتاً ،وقلت فورا ً: ّ
«موالي ،يل طلب آخر».
فتح الباب وقال« :ماذا؟
-ذلك الرجل وعدين أن يق ّدم يل هديّة إذا قبلت هديّته ،فال تجعلني أخرس ذلك».
«بني ،ادرس وال ترصف وقتك يف هذه األمور العبث ّية».
عندما سمع ذلك ضحك وقالّ :
تتوسط بعد يف مثل هذه األمور» .ومىض ،وبقيت ث ّم قبل الهديّة ،وقال« :برشط أن ال ّ
يتملّكني العجب من عظمة نفسه وسجاياه وأخالقه الحميدة»(((.
المصلح الكبير
آبادي ،هذا العامل املض ِّحي واملصلح الثائر
ّ جاء يف ترجمة الس ّيد جامل الدين األسد
كل ق ّوة بريطانيا ومرص استنفرت ملواجهته .وقد يكف عن نرش دعوته رغم أ ّن ّأنّه مل ّ
وصل األمر إىل ح ّد أ ّن الخديوي توفيق ق ّرر إبعاده عن القاهرة .وذات ليلة ،فيام كان
الس ّيد عائدا ً إىل بيته هاجمته ق ّوات الرشطة وألقت القبض عليه؛ لنقله إىل السكّة
الحديديّة إلرساله إىل السويس.
كام كان الشهيد السعيد آية الله ق ّدويس عزيز النفس أبيًّا ،كذلك كانت املدرسة
الطلب يتحلّون بعل ّو اله ّمة وش ّدة عفّة النفس.
تول إدراتها؛ فقد كان ّ الحقّانيّة التي ّ
الطلب أحياناً؛
وكان Mميتنع عن قبول الهدايا العينيّة التي كان الناس يرسلونها إىل ّ
الطلب عىل ع ّزة النفس .وذات ليلة، يرب ّ الطلب ،كان ّ
حتّى ال يؤث ّر ذلك عىل روحيّة ّ
كنت يف بيته فطرق الباب ،وعندما رجع الشهيد قال« :أحد األشخاص أحرض طعاماً
الطلب وجاء يرجو أن أقنعهم بذلك ،وقد لطلب املدرسة فلم يقبله ّجاهزا ً من طهران ّ
بأن ال أتد ّخل إلقناعهم».
أخربته ّ
كان يلتزم بعدم التفريق بني الطالب املجهول واملعروف ابن العامل الفال ّين وما
شابه .يعطي الجميع عىل ح ٍّد سواء .ولذلك كان يرفض قبول الهدايا التي تستلزم بعض
يفس بعدم احرتام التبعات واملداراة .صحيح أ ّن ر ّد الهدايا عادة أمر صعب؛ حيث ّ
الـ ُمهدي ويتس ّبب ببعض السلب ّيات الحا ّدة أحياناً ،ومن الناحية الرشع ّية يعترب ذلك
اإلسالميّ ،إل أ ّن الهديّة التي يتوقّع صاحبها خدمة ما منّ مرفوضاً يتناىف مع ال ُخلُق
الذي أهدى إليه تجعل رقبة اإلنسان يف نري العبوديّة .ليست هديّة يف الحقيقة بل هي
نوع رشوة تعطى يف صورة هديّة ليلني امل ُ ْه َدى إليه ،ويقوم مبا ال تق ّره الضوابط تحت
تأثري العالقات والروابط .وأحياناً ال يكون يف ن ّية املهدي يشء من ذلك ،إلّ أ ّن املهدى
إليه يشعر بأنّه -ولو بصورة ال شعوريّة -سيتعامل مع صاحب الهديّة بايجاب ّي ٍة أكرث من
تعامله مع غريه .سيوسوس له الشيطان ليم ّيزه من غريه يف مثل هذه الحالة ال يكون
قبول الهديّة راجحاً.
ولعل ،من هذا النوع ،تلك الهديّة املعت ّد بها -حوايل نصف كيلو زعفران -التي
ّ
الطلب ،فلم يقبلها رغم اإلرصار الكبري؛ ألنّه رأى أنّه إذا قبلها
أرسلها إليه والد أحد ّ
311
وجاء هذا الطالب يطلب إجازة بعد م ّدة ،أو نقص مع ّدل عالماته يف االمتحان ،وما
شابه فإ ّن من الصعب أن يتعامل معه كام يتعامل مع اآلخرين(((.
نصيحة عارف جليل
الهمدان الكبار،
ّ البهاري ،من تالمذة آية الله الشيخ حسينقيل
ّ املرحوم الشيخ مح ّمد
اإللهي .يتح ّدث عن صفات العامل فيقول: ومن الواصلني إىل حريم القرب
رشع ثلاثلا مسقلا :فنلا ةّزعو ءابإلا
ّ
«الثالث :ال ب ّد أن يكون متوكّالً عىل مواله ،آيساً ّ
مم يف أيدي الناس ،فال يتملّق ألحد
التكب عليهم من حيث إنّهم
من األغنياء ويس ّمي ذلك تواضعاً ،فإ ّن تواضع الفقري هو ّ
أغنياء.
الرابع :أن ال يداهنهم بالخوض يف الباطل طمعاً مبا يف أيديهم من حطام الدنيا (.)...
السابع :ما يعطيه إيّاه غريه من املال :إن علم أنّه حرام وجب عليه االمتناع ،وإن علم
استحب
ّ أنّه مشتبه أو حالل فيه م َّنة فر ّده له راجح ،وإن علم أنّه هديّة محلّلة بغري م َّنة
مستحق ،فإن علمّ بالنبي واألمئّة Rوإن كان من الصدقات وهو ّ تأسياً
له القبول ّ
أنّه يعطي ريا ًء وسمعة ميكن أن يُقال بعدم جواز األخذ إذا صدق أنّه إعانة عىل اإلثم.
وينبغي له التعفّف عن السؤال ما استطاع؛ فإنّه فقر مع َّجل وحساب طويل لعدم
خل ِّوه من اآلفات غالباً؛ إذ هو متض ّمن للشكوى ،وذهاب ماء الوجه ّ
والذل عند غري الله
وإيذاء املسؤول ،وإعطائه استحيا ًء أو ريا ًء أو إلجا ًء ،أمر يورث شتم السائل وإيذاءه،
إىل غري ذلك من اآلفات؛ ولذا روي «أ ّن مسألة الناس من الفواحش» .نعم ،لو كان يف
مقام االضطرار فله ذلك ،بل قد يجب ّإل أ ّن تشخيص درجات هذه املقامات يف غاية
اإلشكال والصعوبة»(((.
((( يادنامه شهيد آية الله قدويس ،ص 42 - 41و 50و.1856 - 185
((( تذكرة املتّقني ،ص.139 - 137
القسم الرابع عشر
خاصة
للحرص عىل األموال العا ّمة و«بيت املال» والدقّة واالحتياط يف رصفها أه ِّم ّية ّ
يف اإلسالم .وقد حظيت هذه املسألة بأقىص درجات العناية ،وتعترب دقّة قادة اإلسالم يف
رشع عبارلا مسقلاّ :ماعلا لاومألا فرص يف ىوقتلا
شأن بيت املال واحتياطهم وبعد نظرهم من أكرث األمور عربة يف سرية هؤالء العظامء.
ويكشف التأ ّمل يف هذا البعد من سريتهم عن آفاق جديدة يف عظمتهم وسم ّو
روحهم.
وقد احتفظ التاريخ بنامذج كثرية عن األمئّة املعصومني Rأكتفي هنا بذكر
يل Qوأفعاله .واملأمول أن تكون هذه املواقف وهذه ع ّدة منها من أقوال اإلمام ع ّ
اإللهي يف وضعنا الحارض ،درساً للجميع خصوصاً
ّ الدرر الثمينة املستقاة من الوحي
رصفاتهم ويحسبون لها
للمسؤولني والروحان ِّيني الذين يراقب الجميع يف هذه املرحلة ت ّ
ألف حساب.
.1يقول اإلمام ع ّيل Qيف إحدى خطبه« :والله لقد رأيت عقيالً وقد أملق ح ّتى
استامين من بُ ِّركم صاعاً ،ورأيت صبيانه شعث الشعور غرب األلوان من فقرهم،
يل القول مر ّدداً،
كأنّ ا ُس ِّودت وجوههم بالعظم ،وعاودين مؤكّداً وك ّرر ع ّ
فأصغيت إليه سمعي ،فظ ّن ّأن أبيعه ديني ،وأت َّبع قياده مفارقاً طريقتي،
دنففضج ضجيج ذي ٍ ثم أدنيتها من جسمه ليعترب بهاّ ، فأحميت له حديدةّ ،
من أملها ،وكاد أن يحرتق من ميسمها ،فقلت له :ثكلتك الثواكل يا عقيل! أت ّنئ
من حديدة أحامها إنسانها للعبه؟ وتج ّرين إىل نار س ّجرها ج ّبارها لغضبه؟ أت ّنئ
من األذى وال أئ ّن من اللظى؟!»(((.
ورغم ذلك ،ال يكاد ينقيض ال َع َج ُب من بعض األشخاص الذين يغدقون من بيت
املال بال حساب وال كتاب ،ويؤثرون أقاربهم واملنتسبني إليهم ،ويعيشون من بيت
املال والحقوق الرشعيّة حياة هي مرضب املثل يف الرتف .وهكذا يق ّدمون للناس صورة
مش ّوهة عن العلامء ويسيؤون إىل اإلسالم والحوزة ،ويزرعون االختالف والتفرقة ،فتبّاً
لهم.
ومن الجدير بالذكر هنا ،ما يرتبط بواجب الناس والروحان ّيني الذين يوصلون
الحقوق الرشع ّية إىل العلامء ،إ ّن عليهم أن يبذلوا دقّة كبرية يف من يوصلون إليهم فال
يعطوا هذه األموال إىل هذا وذاك .يقول أحد الكتّاب املعارصين« :إ ّن عىل الناس أيضاً
وكل فرد،
لكل شخص ّ يف هذا املجال مسؤول ّيات منها :أن ال يدفعوا الحقوق الرشع ّية ّ
بل يوصلونها إىل حيث ترصف يف حفظ الدين وشؤون الدين ،وباللغة الفقه ّية يجب أن
((( صحيفة نور ،ج ،1ص.55
((( سورة فاطر ،اآلية .28
بكل معنى الكلمة وبقاء ينتبهوا إىل رضا اإلمام Qبرصفها الذي هو حفظ الدين ّ
318
ينصب اهتاممهم عىل املركز
ّ انتقاله إىل األجيال القادمة حتّى تربأ ذ ّمتهم .ويجب أن
اإلسالمي»(((.
ّ االجتامعي األصيل الذي يخدم اإللتزام األصيل عىل مستوى العامل
ّ الفقهي
ّ
يستحق الرتويج بني الناس ،والعامل
ّ الطلب الشباب العامل الذي «يجب أن يعرف ّ
رشعي وخدمة للدين واملجتمع ّ بحق ،واجب يستحق .فكام أ ّن ترويج العامل ّ
ّ الذي ال
وتعزيز لح ّريّة املجتمع واستمرار الرشيعة ،فإ ّن الرتويج للعامل غري الجدير خيانة لإلسالم
والتاريخ وحصري اإلسالم وموقعه؛ ولذلك فهو من أكرب الكبائر وأعظم الخيانات للدين
كل مفسدة ونتيجة سوء الحق ويوم القيامة ،هؤالء الذين ر ّوجوا لهم ،ويعاقبون عن ّ ّ
كل وهن لحق بالدين من ج ّراء عدم ترتّبت عىل رئاسة علامء السوء هؤالء ،وعن ّ
الجهادي»(((.
ّ حسهمّ
وباختصار ،يجب دفع الحقوق الرشع ّية إىل العالِم الذي يعلم رضا اإلمام صاحب العرص
|بدفع الحقوق إليه .ال إىل الذين قال الشهيد مط ّهري يف أمثالهم قبل عرشين عاماً:
«مم يحمل عىل األسف الشديد أ ّن الناس يرون بأ ّم العني أ ّن األوالد واألحفاد والحوايشّ
لبعض الـ( ...كذا) يستغلّون الهرج واملرج وعدم النظم يف موازنة الحوزات فيختلسون
املبالغ الطائلة بحيث إنّهم يعيشون سنني متامدية يرصفون مبنتهى اإلرساف وال ينفد ما
اختلسوه .هل فكّرتم ...مبدى إساءة هذه األمور إىل عامل الروحان ّية(((؟! وألطو كشحاً.
ّ
دقة اإلمام {
سطور من نور
الخميني {:
ّ يقول اإلمام
« ...أل ّن الفقيه إذا كان ه ّمه أن يجمع الحطام مل يكن عادالً ،ومل يعد مؤمتناً للرسول
ومنفّذا ً ألحكام رشيعته»(((.
«الذي يعمل ويسعى للحصول عىل الدنيا -ولو يف أمر مباح -ليس أمني الله وال
ميكن االطمئنان إليه -تكاليف فقهاء اإلسالم تختلف عن تكاليف اآلخرين .يجب عىل
فقهاء اإلسالم -بلحاظ مقام الفقاهة -ترك كثري من املباحات واإلعراض عنها»« ،إذا
مل تدرسوا -ال سمح الله -فحرام أن تبقوا يف املدرسة ،وال ميكنكم أن تأخذوا شيئاً من
بطلب العلوم اإلسالم ّية»(((.
الخاصة ّ
ّ الحقوق الرشع ّية
يطلب من السائل أداء القسم
ّ
املتوف سنة 1262هـ والذي أوردنا حتّى اآلن ع ّدة الكلبايس M-
ّ الشيخ إبراهيم
قصص عنه -كان شديد االحتياط يف األموال العا ّمة ،فإذا طلب منه فقري شيئاً كان
يطلب منه شاهدا ً عىل فقره ويطلب منه أداء القسم أنّه ال يكذب وأنّه لن يرسف يف
املال الذي سيأخذه منه ،وأنّه سيرصف باعتدال ث ّم يعطيه مرصف شهر(((.
نفسه ،ص.47 - 46 ((( املصدر ُ
((( الحكومة اإلسالم ّية ،ص.70 - 69
نفسه.
((( املصدر ُ
ولعل له Mمن أحوال الناس
((( الفوائد الرضويّة ،ص ،11وال تخلو هذه الطريقة من غرابة كام ال يخفى ّ
حوله ما يُس ِّوغ ذلك (املع ِّرب).
ويضيف املح ّدث الق ّم ّي بعد نقل ما تق ّدم:
321
الكلبايس ليديل بشهادته عىل أمر مه ّم ،فسأل املرحوم:
ّ «جاء شخص إىل املرحوم
« -ما هي مه ّمتك؟
-أغسل املوىت».
سأله املرحوم عن أحكام الغسل فقال « :Mعندما نُنزل امليت يف قربه نقول له
كالماً مع ّيناً فام هو؟».
رشع عبارلا مسقلاّ :ماعلا لاومألا فرص يف ىوقتلا
الغسال« :نقول :هنيئاً لك أنّك انتقلت من الدنيا ،ومل تضط َّر ألداء الشهادة
أجاب ّ
الكلبايس!».
ّ عند الشيخ
رياالت فقط
قال أحد العلامء الكبار واألتقياء يف الحوزة العلمية بق ّم -وهو تلميذ آية الله
العلمة الطباطبا ّيئ -إ ّن أحد علامء تربيز ذهب إىل النجف يف عرص زعامة
القايض أستاذ ّ
ومرجع ّية الشيخ مح ّمد حسن صاحب «الجواهر» .وعندما رآه قال« :ال عجب أن يصل
الطلب
ألن أعرف منه ما يؤ ِّهله لذلك» .ذات يوم أردت أن أوزّع عىل ّ إىل ما وصل إليه ّ
مبلغاً من املال ...ولدى الحساب رأيت أ ّن بإمكاين أن أعطي ّ
لكل طالب توماناً .وكان
آنذاك مبلغاً معت ّدا ً به ،بدأت بالتوزيع حتّى وصلت إىل الشيخ صاحب «الجواهر».
قلت« :هذا سهمك تفضّ ل.
-ال آخذه.
-ملاذا؟ ما هو السبب؟
-أنا ال أحتاج اليوم أكرث من ريالني -التومان عرش رياالت -وال آخذ شيئاً من الحقوق
الرشع ّية ملرصف األيّام القادمة.ومن قال ّإن سأبقى ح ّياً؟
-إذًا خذ ريالني وأعطني الباقي.
-ليس عندي مثانية رياالت».
ث ّم ذهبنا إىل من رصف التومان فأعطيته الريالني ،مرصف يومه ذاك.
322
نعم ،هكذا كان الرجال الطاهرون أمثال صاحب «الجواهر» ،الذي ما تزال جواهره
ألكرث من قرن منهالً لجميع الفقهاء ومحورا ً علم ّياً يف جميع الحوزات.
صاحب «الضوابط»
القزويني ،الفقيه املعروف كان
ّ املوسوي
ّ صاحب «الضوابط» هو الس ّيد إبراهيم
يص ُل إليه سنويًّا أكرث من عرشين ألف تومانٍ من معارصا ً لصاحب «الجواهر» .وكان ِ
الهند ومبالغ كبرية من إيران وسائر البالد ،ومع ذلك كان يعيش فقريا ً ومل يكن له ّإل
القليل الذي يس ّد الرمق ويقيم األود ومبنتهى االقتصاد(((.
ّ
األنصاري اعتراض والدة الشيخ
األنصاري أخ اسمه الشيخ منصور ،وكان من العلامء الكبار جليل القدر،ّ كان للشيخ
ّإل أنّه كان يف غاية الفقر وضيق ذات اليد .وذات يوم رقّت والدته لحاله ،فتو ّجهت
األنصاري الذي كان آنذاك املرجع الوحيد للشيعة .قالت:
ّ باللوم إىل أخيه األكرب الشيخ
«أنت تعلم أ ّن أخاك منصور كثري العيال وهو يتج ّرع غصص الفقر ،والشهريّة التي
رصفك وتستطيع أن تعطيه كل هذه األموال تحت ت ُّ تعطيه إيّاها ال تكفيه .يف حني أ ّن ّ
مم تعطي اآلخرين!» ،أصغى الشيخ بدقّة إىل كالم والدته ،وعندما أمتّت كالمها أكرث ّ
ق ّدم إليها مفتاح الغرفة التي كانت األموال الرشع ّية فيها وقال لها بلهجة مؤ ّدبة« :يا
أ ّمي ،خذي هذا املفتاح ،وخذي ملنصور ما أردت ،برشط أن ال أكون أنا مسؤوالً رشعاً عن
ذلك وتكون مسؤول ّيته وتبعته عليك أنت .هذه األموال التي هي عندي حقوق الفقراء
وكل الفقراء يف هذا املجال عىل ح ّد سواء ُقسم بينهم بالتساويّ ، واملعوزين ،وهي ت َ
ألحد منهم عىل غريه .والديت ،إذا كان لديك جواب تق ّدمينه كأسنان املشط ،ال فضل ٍ
أردت ،ولكنيوم القيامة حني ت ُسألني عن املبلغ اإلضا ّيف الذي تُؤ ِّدينه ملنصور فخذي ما ِ
ليسل هذه العجوز بالحديث معها ،فيسألها عن أوضاع الناس املتق ّدمني إىل والدته ّ
وميازحها حتّى يضحكها ،ث ّم يذهب إىل غرفة املطالعة والعبادة.
ذات يوم قال الشيخ ألمه« :أتذكرين أيّام طفولتي عندما كنت منشغالً بدراسة
املق ّدمات وكنت ترسلينني لقضاء حوائج البيت فكنت أؤجلها إىل ما بعد االنتهاء من
الدرس واملباحثة؟ فكنت تغضبني وتقولني :أنا بال َخلَف .فهل ما تزالني اآلن بال َخلَف؟»،
أجابت أ ّم الشيخ مازحة« :نعم ،ما زلت كذلك ،ألنّك آنذاك مل تكن تقوم باحتياجات
البيت ،واليوم لش ّدة احتياطك يف رصف األموال الرشع ّية ض ّيقت علينا الخناق»(((.
ّ ّ
الشرعية األنصاري في األموال رأي الشيخ
األنصاري وقيادته ،وعندما كان سيل الحقوق الرشع ّية يَ ُص ُّب
ّ يف فرتة زعامة الشيخ
اإلسالمي .كانت عائلة الشيخ تعيش يف ظروف اقتصاديّة ّ عنده من مختلف أنحاء العامل
خصص للمنزل مبلغاً ال يكاد يُذكَر .وذات يوم ح ّدثت عائلة قاسية؛ أل ّن الشيخ كان قد ّ
األنصاري -شاكية له،
ّ خاص لدى الشيخ
الشيخ أحد العلامء -الذي كان يحظى باحرتام ّ
لكلموطلبت منه أن يفاتح الشيخ بذلك ليزيد املبلغ املق ّرر للمنزل .استمع الشيخ ّ
مح ّدثه إىل آخره ،ومل يعلّق بيشء ال نفياً وال إثباتاً .ويف اليوم التايل عندما جاء الشيخ إىل
املنزل قال لزوجته« :اغسيل ثيايب واحتفظي مباء الغسالة القذر» .وفعالً قامت الزوجة
بترصف.
((( املكاسب ،ج ،1صّ 26 - 25
((( زندﮔـاين وشخصيت شيخ أنصاري ،ص.59
بذلك وأخربت الشيخ ،فطلب منها إحضار ذلك املاء القذر ،فأحرضته .فام كان منه ّإل
324
أن قال لها« :ارشيب هذا املاء».
-أرشبه؟ ال .ما هذا الذي تأمرين به؟ وهل يرشب عاقل هذه القذارة؟
يدي هي عندي مثل هذا -إذا ً اسمعي ج ّيدا ً وتأ ّميل بدقّة ،هذه األموال التي بني ّ
املاء القذر ،فكام أنّك ال تستطيعني وال تريدين أن ترشيب من هذا املاء ،كذلك أنا ال
مم أعطي حق يل وال يجوز أن أعطيكم أكرث ّ أستطيع أن أرصف من هذا املال؛ ألنّه ال ّ
اآلن .إ ّن هذه األموال أموال الفقراء ،وأنتم وسائر الفقراء عندي مبنزلة واحدة»(((.
األنصاري طلبت منه ذات يوم رشاء قطعة قامش ّ ونقل أيضاً أ ّن زوجة الشيخ
لتغطّي بها الفُرش واللُّحف التي توضع يف جانب الغرفة نهارا ً! إلّ أ ّن الشيخ مل يستجب
لذلك لش ّدة احتياطه.
وعندما آذاها منظر الفرش واللحف أمام الناس ق ّررت أن تقتصد يف مرصف البيت
لتشرتي قطعة القامش هذه .وفعالً بدأت تشرتي بدل 225غراماً من اللحم ( 3سري)
187,5غراماً ( 2سري) واستطاعت بسبب ذلك طيلة فرتة مع ّينة ،أن توفّر مثن الغطاء
الذي احتاجته ،فاشرتته.
وعندما علم الشيخ بذلك قال باستياء شديد« :يا وييل! لقد رصفت حتّى اآلن
مقدارا ً من األموال الرشع ّية بدون مس ِّوغ ،كنت أتص ّور أ ّن ( 3سري) 225غراماً من اللحم
هي الح ّد األدىن الذي نحتاجه واآلن اتّضح يل خطأ ذلك .ث ّم أمر الشيخ بارجاع قطعة
القامش وأن ال يشرتوا من اللحم ّإل مقدار 2سري ونصف ( 187غراماً ونصف).
حبائل الشيطان
األنصاري :M
ّ يقول أحد تالمذة الشيخ
األنصاري ،رأيت الشيطان ذات
ّ «عندما كنت يف النجف األرشف أدرس عند الشيخ
بترصف.
((( املكاسب ،ج ،1ص ،129 - 128املق ّدمة تصحيح وتعليق كالنرتّ ،
ليلة يف ما يرى النائم يحمل حباالً عديدة .سألته« :ماذا تفعل بهذه الحبال؟» قال:
325
«ألقيها يف أعناق الناس وأجرهم إ ّيل فأصطادهم ،وأمس ألقيت أحد هذه الحبال يف
األنصاري وسحبته من غرفته إىل أواسط الزقاق الذي يقع منزله
ّ عنق الشيخ مرتىض
فيه ،لكن لألسف أفلت م ّني رغم الجهد الكبري الذي بذلته».
وعندما استيقظت من النوم بدأت أفكّر يف تعبري رؤياي ،فقلت األفضل أن أسأل
رشفت بزيارته وح ّدثته مبا رأيت ،فقال« :صدق الشيطان ،إ ّن الشيخ نفسه؛ لذلك ت ّ
رشع عبارلا مسقلاّ :ماعلا لاومألا فرص يف ىوقتلا
امللعون أراد أمس أن يخدعني ففررت من رشاكه بلطف الله تعاىل .أمس مل يكن
لدي ريال
لدي يشء من املال ،واحتجنا يف البيت إىل بعض اللوازم ،فقلت يف نفيسَّ : ّ
من سهم اإلمام Qومل يأت وقت رصفه بعد ،فيمكنني أن أقرتضه ث ّم أس ّدد
القرض فيام بعد .أخذت الريال وخرجت من املنزل ،ومبج ّرد أن أردت رشاء ما
احتجناه قلت يف نفيس :من يضمن ّأن أستطيع أداء هذا ال َّدين فيام بعد؟ وبقيت
أفكّر يف ذلك حتّى ق ّررت نهائ ّياً أن أرجع إىل املنزل ،فلم أشرت شيئاً وأرجعت املال
إىل مكانه(((.
ّ
يبيع سجادة المنزل
األنصاري مببلغ
ّ أورد صاحب كتاب «لؤلؤ الصدف» أنّه عندما جيء إىل الشيخ
عرشين ألف تومانٍ من الحقوق الرشع ّية ،وكان الشيخ يوزّعها- ،عند ذلك -جاءه شخص
كان الشيخ اشرتى منه قمحاً ومل يكن قد دفع إليه الثمن فقال للشيخ« :مضت م ّدة
عىل تسليم القمح ومل أتسلّم مثنه بعد ،فإذا كان باإلمكان أن تتك ّرم بثمنه اآلن» .قال
له الشيخ« :أمهلني ع ّدة أيّام أخرى» .فوافق الرجل وانرصف .وكان أحد العلامء حارضا ً
«كل هذه األموال بني يديك فلِ َم استمهلت الرجل ومل يسمع ما جرى ،فقال للشيخّ :
تعطه حقّه؟» ،فقال الشيخ« :هذه أموال الفقراء واملحتاجني ،وال عالقة يل بها ،وليس
نفسه.
((( املصدر السابق ُ
((( املآثر واآلثار ،ص.137
ّ
الشيرازي الميرزا
327
ازي ،أنّه
ذكر العامل املتتبّع واملحقّق الشيخ آقا بزرﮒ الطهرا ّين حول املريزا الشري ّ
معي ،ومل يكن يسمح كل شخص من أفراد عائلته يف وقت ّ Mكان يرسل مرصف ّ
ألي منهم أن يأخذ أكرث من حقّه .وكان يجمع الهدايا التي ت َُرسل إليه ويودعها يف بيته
ّ
الحق يف استالمها أو االحتفاظ بها(((.
مؤتَ ًنا ومل يكن ألحد من أفراد أرسته ّ
ّ ّ
الشيخ محمد حسن المامقاني
رشع عبارلا مسقلاّ :ماعلا لاومألا فرص يف ىوقتلا
جاء يف سرية الشيخ مح ّمد حسن املامقا ّين -صاحب الحاشية املعروفة عىل املكاسب
العلمي ،كان رجالً ح ّرا ً ّ
بكل معنى الكلمة، ّ ّ
واملتوف عام 1323هـ -أنّه باإلضافة إىل مقامه
مل يتعلّق قلبه بزخارف الدنيا ،ومل يكن له اهتامم يُذكَر بالطعام والرشاب واللباس وأمور
املنزل ،ومل يرصف شيئاً من الحقوق الرشع ّية ،ومل يكن يقبل الهدايا من الظلمة ورجال
الدولة(((.
صاحب الكفاية
جاء يف سرية الشيخ اآلخوند الخراسا ّين Mأنّه عندما كان الت ّجار يف النجف
يستوردون األقمشة الصوف ّية الثمنية ،وكان أوالد الشيخ يشتاقون إىل رشائها ،ويطلبون
أي شخص أعطيكم لتشرتوا به األقمشة الصوف ّيةمنه املال لذلك ،كان يقول لهم« :مال ّ
وتلبسونها؟»(((.
ّ ّ
آبادي الشيخ محمد علي رستم
آبادي -وهو أحد
ّ يل رستم
كتب الشيخ آقا بزرﮒ الطهرا ّين حول الشيخ مح ّمد ع ّ
األنصاري -يقول:
ّ تالمذة الشيخ
ازي .كتب الشيخ آقا بزرﮒ عنه قائالً« :كان كان Mأحد تالمذة املريزا الشري ّ
األنصاري ،إلّ أ ّن استفادته العلم ّية الرئيسة كانت يف محرض املريزا.
ّ يحرض درس الشيخ
وبعد أن حاز عىل درجة عالية يف العلوم الرشع ّية أرسله املريزا إىل مدينة سمنان .ونظرا ً
إىل إحاطته بالعلوم العقل ّية والنقل ّية وفنون أخرى كثرية ،فقد اشتهر هناك بـ«أرسطو»
وكان غاية يف التقوى واالحتياط ،ومل يرصف شيئاً من الحقوق الرشع ّية يف أمور معاشه،
بل كان يكتفي بأجرة العبادة االستئجاريّة وبقناعة شديدة»(((.
ّ ّ
الشيخ محمد حسين القم ّي
ازي) يف سام ّراء ،مل يكن يرصف يف شؤونه شيئاً «كان من كبار تالمذة املريزا (الشري ّ
من الحقوق الرشع ّية ،وكان يدير أمور حياته عن طريق العبادة االستئجاريّة .ويف مجال
وصفه يجب القول باختصار :مهام قيل يف وصفه فقد كان فوق ذلك .وبعد وفاة املريزا
ازي
تقي الشري ّ بستّة أشهر عاد إىل ق ّم .وكان ُم ِ
باحث أستاذنا آية الله املريزا مح ّمد ّ
(املعروف باملريزا الثاين والصغري) أي رشيكه يف البحث .وكان يرتقي املنرب يف شهري
مح ّرم وصفر يف بيته ويف شهر رمضان يف مسجده»(((.
مل يكن Mيقبل سهم اإلمام عىل اإلطالق ،ومن الواضح أ ّن مستوى معيشته
أقل من املستوى؛ أل ّن مثل -فيام إذا انقطع هذا املورد من األرض الزراع ّية -سيكون ّ
األقل يأخذ شيئاً من سهم اإلمام،
يص ْل إليه من وطنه يشء فهو عىل ّ هذا الطالب إذا مل ِ
يصل إليهام من أرضهام الزراع ّية؟ إنّه -إذا وصل-
ث ّم ما هي قيمة ذلك املبلغ الذي كان ُ
مبقدار تأمني االحتياجات الرضوريّة للحياة ،ومبنتهى التوفري والقناعة»(((.
ّ
دقة قليلة النظير
ويس ،حول تقواه العجيبة يف رصف األموال ذكر أصدقاء ومعارف الشهيد الجليل ق ّد ّ
العا ّمة أمورا ً هي يف ح ّد ذاتها عربة .وهذا بعضها« :من جملة خصائصه ورعه وتقواه
واحتياطه يف جميع األمور ،يف األمور املال ّية مل يكن يستفيد أبدا ً من التسهيالت املال ّية
يف الحوزة ،ومل يكن يأخذ الشهريّة ،وكان يدير شؤون مرصفه من أمالكه التي ورثها،
رغم أنّه كان أحياناً يحتاج إىل االقرتاض ،فلم يكن يقرتض م ّمن اختلطت أمواله بشهريّة
ومراتب الحوزة.
كان يتألّم كثريا ً من إتالف الوقت وإتالف الطاقة وإتالف املمتلكات ،حتّى دبّوس
أو ورقة .بعد تجديد بناء املدرسة الحقّان ّية وتجهيزها بالتدفئة املركزيّة ،كانت غرف
الصفوف غالباً دافئة مريحة ،أ ّما مكتبه -وكان مدير املدرسة ومسؤولها -فكان باردا ً،
رياالت واستوائها.
كان إذا أكل لقمة مشتبهة ،وضع إصبعه فورا ً يف حنجرته حتّى يقيئها .رأيت
هذا بالخصوص منه ذات م ّرة كام ييل :دعاه أحد الت ّجار األثرياء مع عدد من
والطلب ،وم ّد سفرة وسيعة أنيقة مكلفة عليها أنواع األطعمة ،وكعادته ّ العلامء
Mاكتفى بتناول مقدار قليل من الطعام .وبعد االنتهاء من تناول الطعام وغسل
األيدي ،ق ّدم صاحب الدعوى للسيد سندا ً يتض ّمن أمرا ً حراماً بحسب فتواه ،وطلب
منه أن يوقّع عليه .أدرك -رضوان الله عليه -أ ّن هذه الوليمة كانت مق ّدمة إلمضاء
هذا السند .إ ّن فيها إذا ً شبهة الرشوةّ ،
فتغي لونه وارتعدت فرائصه وقال« :أيّة اساءة
أسأتها إليك حتّى وضعت يف حلقي هذا الزقوم؟ ملاذا مل ِ
تأت بهذا السند قبل الغداء
حتّى ال أل ّوث يدي بهذا الطعام؟» ،ث ّم نهض مضطرباً ومىض مرسعاً إىل املدرسة،
وجلس بجوار الحديقة املقابلة لحجرته ووضع إصبعه يف فمه حتّى استفرغ ،ث ّم
تنفّس الصعداء»(((.
الـﮕـزي:
ّ نفسه عن أستاذه اآلخر الشيخ عبد الكريم
النص املتق ّدم ُ
ويقول صاحب ّ
بحق كالشيخ البها ّيئ يف عرصه ،كانت له املرجع ّية التا ّمة يف الفتوى
«كان ّ M
تول القضاء يف أصفهان وتوابعها مل ّدة ثالثني إىل أربعني سنة ،فإ ّن
والقضاء .ورغم أنّه ّ
نفسه ،ص.19
((( املصدر ُ
القسم الخامس عشر
بساطة العيش
335
من أوضح خصائص القادة اإلله ِّيني يف األديان السامويّة املختلفة ،وخصوصاً اإلسالم،
ولعل باإلمكان القول إ ّن أحد
البساطة والزهد واجتناب مظاهر الرتف والكامل ّياتّ .
رشع سماخلا مسقلا :شيعلا ةطاسب
سيرة المعصومين
كام تق ّدمت اإلشارة ،كان املعصومون Rيعيشون مبنتهى البساطة يف املجال
املا ّد ّي ،والتاريخ حافل بالشواهد عىل ذلك .وإليك بعض النامذج:
بكل ما ميلكون من أجل اإلسالم وكانت لهم امل ّنة بذلك علينا -أن ال ينزعجوا ض ّحوا ّ
م ّنا -بسبب أعاملنا؛ ذلك أل ّن ما كان يتوقّعه الناس م ّنا ،وهم يتوق ّعونه اآلن ،ومن
أجله اتّبعوين واتّبعوك -هو كيف ّية معيشة أهل العلم .إذا رأى الناس -ال سمح الله-
غيوا ما هم عليه ،بنوا عامرة ،وتر ّددهم -ذهابهم ومجيؤهم- أ ّن السادة الروحان ّيني َّ
ليس متناسباً مع شأن الروحان ّية ،ففقد الناس ما يحملونه يف قلوبهم تجاه الروحان ّية
-من احرتام وإكبار -فإ ّن فقد هذا وزوال اإلسالم والجمهوريّة اإلسالم ّية عىل ح ّد سواء.
طبعاً ال ب ّد من التذكري بأ ّن األفراد القالئل الذين هم يف معرض الخطر يجب أن
يحفظوا أنفسهم ،إلّ أ ّن هؤالء أنفسهم يجب أن ينتبهوا فال يزيد األمر عىل الح ّد
الطبيعي .ال تظ ّنوا أنّكم إذا خرجتم بع ّدة س ّيارات يتعاظم اعتباركم عند الناس .نحن ّ
يجب أن نحفظ أولئك الذين حفظوا اإلسالم والجمهوريّة اإلسالم ّية ،والذين سيحفظونهام
يف ما بعد بأن تكون أوضاعنا املعيش ّية عاديّة.
أولئك الذين يريدون حفظ أنفسهم (أمن ّياً) يجب أن يعلموا أنّهم أحياناً ميكنهم
قض عليهم إذا كان تر ّددهم ذلك بوساطة أخرى ،وأمئّة الجمعة والجامعة الذين قد يُ َ
الرضوري ،كأن يقام بإخالء الشارع
ّ عاديّاً ،يجب أن ال تزيد احتياطاتهم األمن ّية عن الح ّد
من املا ّرة وينطلق الضجيج والعجيج أل ّن إمام جمعة يريد أن مي ّر ،مثل هذه األمور
تسقط شأنهم يف املجتمع.
((( جريدة كيهان الفارس ّية ،العدد ،498ص 28/ 12ش ّوال 1405هـ.
((( كيهان ،ص1363 ،612هـ.ش.
علومكم تنقص.أولئك الذين كتبوا تلك الكتب الضخمة والق ّيمة كانت حياتهم حياة
341
األنصاري.
ّ الطلب ،مثل الشيخ
ّ
يجب أن تكون حياة الروحان ّيني بسيطة .الذي حفظ الروحان ّية وجعلها تتط ّور
هو هنا ،بساطة العيش .أولئك الذين كانوا منشأ آثار كبرية يف الحياة التزموا ببساطة
العيش ،أولئك الذين كانوا مو ّجهني لدى الناس وكان الناس يلتزمون بتعاليمهم التزموا
ببساطة العيش .كلّام مشَ ْي َت خطوة واحدة باتّجاه أن يكون بيتك أحسن ،نقص من
رشع سماخلا مسقلا :شيعلا ةطاسب
نفسه .قيمة اإلنسان ليس بالبيت وال بالحديقة ،لو معنويّتك ،من قيمتك مبقدار ذلك ِ
كانت قيمة اإلنسان مبثل هذا الهت ّم به األنبياء .قيمة اإلنسان ليست بأن يكون له
ضجيج وعجيج ،وس ّيارة فخمة ،أن يكون كثري الذهاب واإلياب ،قيمة الروحان ّية ليست
بأن يكون للروحا ّين جهاز ومكتب ومفكّرة.
لقد أرسل العلامء من الطراز األ ّول املرحوم املد ّرس إىل طهران ،فاشرتى عربة تج ّرها
داب ّة وكان هو يسوقها حتّى وصل إىل طهران -من أصفهان -ويف طهران كان بيته
متواضعاً وقد رأيته شخص ّياً وكنت أذهب إىل بيته Mوت ّ
رشفت بخدمته مرارا ً»(((.
بساطة عيش اإلمام
خواصه -رضوان الله عليه:-
يقول بعض ِّ
«أ -كان الح ّر يف النجف شديدا ً ج ّدا ً ،وكانت تصل درجة الحرارة أحياناً إىل 50درجة.
وذات يوم ذهبت مع عدد من اإلخوة إىل اإلمام وقلنا« :س ّيدنا ،الح ّر شديد وأنت
ُم ِس ّن ،ومبا أ ّن ج ّو الكوفة معتدل فلامذا ال تذهب إليها كام يذهب اآلخرون؟» ،قال
يف الجواب« :وكيف أذهب إىل الكوفة من أجل برودة هوائها وإخواين يف إيران يف
السجن؟»(((.
وكان صدر املتألّهني يقول« :حيث إ ّن قسامً من الذنوب ينشأ من كرثة األكل
واالهتامم بالبطن ،فيجب التقليل من الطعام» .وكان دامئاً ير ّدد بيتاً لسعدي مضمونه:
«أَبْقِ داخلك خالياً من الطعام لرتى فيه نور املعرفة» .وكان Mقدوة يف قلّة الطعام؛
حيث كان يتناول يف اليوم والليلة وجبة واحدة ومل يكن طعامه يختلف عن طعام
الطلب .ويف فصل الصيف كان يكتفي مبقدار من الفواكه أو الفالوذج (بالوده) التي ّ
األخالقي كان صدر املتألّهني
ّ كانت تكرث يف شرياز يف فصل الصيف آنذاك .ويف املجال
أي كالم باطل مهام كان ،وملرجالً حسن ال ُخلُق ،مل يُ َر أبدا ً مغضباً ومل يكن يستف ُّزه ّ
يخنه تجلّده عىل اإلطالق ،حتّى عندما كفَّره البعض وأرادوا قتله وأجربوه عىل مغادرة
أصفهان للسكن يف قرية «كهك» من توابع ق ّم(((.
ورغم أ ّن صدر املتألّهني كان أحد أكرب علامء عرصه ،فقد كان يعيش ببساطة .فقد
كل شخص يحتاج إىل مراجعته يستطيع أن يتح ّدث إليه مبارشة وبدون وساطة يف كان ّ
أيّة ساعة من ساعات الليل والنهار .كان Mمن العرفاء الكبار ،وكان كسائر العرفاء
أي حاجز بينه وبني الناس .ومع أنّه كان من يف عرصه والعصور املتق ّدمة ،ال يقيم ّ
العلامء الكبارّ ،إل أنّه مل يكن يرى لنفسه شأناً ،كام يفعل الكثريون.
كان لبعض العلامء البارزين يف بيوتهم حاجب وكاتب ،ومل يكن باستطاعة الناس
الوصول إىل أحدهم ّإل بعد مراجعة الحاجب والكاتب واستئذانهام .أ ّما صدر املتألّهني،
((( ريحانة األدب ،ج ،3ص.391
((( مال صدرا فيلسوف ومتفكر بزرﮒ إسالمي ،ص.187
أي شخص أن يذهب إليه مبارشة
فلم يكن له ال كاتب وال حاجب ،وكان باستطاعة ّ 346
كل ما يريد ويسمع منه الجواب»(((.
ويسأله عن ّ
جاء يف كتاب «فردوس التواريخ»:
بلغ زهد الوحيد البهبها ّين ح ّدا ً بحيث إ ّن ثيابه كانت من «الكرباس الرديء» (نوع
من القامش الذي ينسج باليد) وغالباً ما كانت زوجته املك ّرمة هي التي تُه ِّيئُها وتنسجها
ومل يكن يرغب أبدا ً بألبسة الدنيا وأقمشتها.
وجاء يف «مرآة األحوال»:
مل يبال أبدا ً بجمع زخارف الدنيا التي كانت يف متناول أصغر ّ
طلبه وبأدىن التفاتة
منه ،اعتزل الذين يكنزون الذهب ،اجتنب معارشتهم ومحادثتهم ،وكان يأنس بالفقراء.
يقول الشهيد مط ّهري :M
يل ،ومح ّمد إسامعيل .رأى هذا العظيم زوجة كان للوحيد البهبها ّين ولدان :مح ّمد ع ّ
ولده مح ّمد إسامعيل ترتدي ثياباً فاخرة ،فاعرتض عىل ابنه« :ملاذا تشرتي لزوجتك
ت مِنَ ٰ ٱلط ّيبَ
َّ َ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ َّ َ َ َ َّ َّ ٓ َ ۡ
مثل هذه الثياب؟» ،أجابه﴿ :قل من حرم زِينة ٱللِ ٱل ِت أخرج لِعِبادِه ِۦ و ِ ِ
ٱلر ۡز ِ ۚق﴾؟ فهل هذه الثياب حرام؟ ومن ح ّرمها؟» ،قال « :Mولدي ال أقول إن ّها حرام، ِ
ّ
بل هي حالل ،ولك ّني أطالبك بذلك بدافع آخر ،فأنا مرجع تقليد وزعيم هؤالء الناس،
والغني املتمكّن وغري املتمكّن ،هناك من يلبس مثل هذه ّ وبني الناس يوجد الفقري
الثياب الفاخرة وأحسن منها ،إلّ أ ّن الكثري من رشائح املجتمع ال يستطيعون رشاء مثل
هذه الثياب وهم يلبسون «الكرباس» (القامش الرديء) .نحن ال نستطيع أن نجعل
الناس جميعاً قادرين عىل ارتداء مثل هذه الثياب الفاخرةّ .إل أ ّن هناك أمرا ً نقدر عليه،
وهو مساواتهم .إ ّن أعينهم مشدودة إلينا ،ينظرون إلينا كقدوة .عندما تطالب امرأة
أقل من يجد يف زوجها الفقري بالثياب الفاخرة ،وهو ال يستطيع تأمني ذلك لها ،فال ّ
بترصف يسري.
نفسه ،صّ 331
((( املصدر ُ
سريتنا ما يسلّيه ويخفّف عنه فيقول لها« :صحيح أنّنا لسنا مثل األغنياء ،إلّ أ ّن وضعنا
347
مثل وضع الوحيد البهبها ّين .انظري ،إ ّن زوجة الوحيد أو زوجة ابنه تلبس مثلك» .أعوذ
املادي عىل ما هو عليه وضع الطبقة املرفّهة والرثيّة فيفقد
ّ بالله من يوم يصبح وضعنا
الفقراء املسكِّن الوحيد لخواطرهم؛ لهذا السبب أقول يجب أن نعيش ز ّهادا ً؛ ليكون
زهدنا مواساة للفقراء»(((.
ّ
البهبهاني شمس الدين
رشع سماخلا مسقلا :شيعلا ةطاسب
كان Mمن كبار تالمذة الوحيد البهبها ّين وقد جاء يف ترجمته:
كان زهده بحيث إنّه إذا بيعت جميع ثيابه التي كان يرتديها ،ال تصل قيمتها إىل
خمسة قرانات (نصف تومان) ،ومع ذلك كان منك ّباً ليالً ونهارا ً عىل مطالعة الكتب
الفقه ّية واألصول ّية والفلسف ّية وكتب الحديث والتفسري وغري ذلك ...كان يقيض أكرث
أوقاته منشغالً باملطالعة .أحياناً عندما كان يَ ُكظُّه الجوع ويضغط عليه ،كان يرفع رأسه
َ
عن الكتاب ويلقي نظرة إىل ق ّبة اإلمام الرضا Qويقرأ هذه اآلية الرشيفة﴿ :أ َّمن
ُ ُ ۡ
يب ٱل ُم ۡض َط َّر ﴾...وكثريا ً ما كان يأتيه مال يف تلك اللحظة. ي
ِ
يقول تلميذه« :عندما كان املال يصل ،كان Mيقول :إشرت يل منه طعاماً مخترصا ً
يس ّد الجوع وأعط الباقي للفقراء».
ّ ّ
المحقق األعرجي M
للتنكابني
ّ القصة يف قصص العلامء
((( إحياى تفكر إسالمي ،ص 78وسريي ونهج البالغة ،ص ،228وقد أورد هذه ّ
وذكر بدالً من مح ّمد إسامعيل عبد الحسني ...وهو الصحيح.
((( فوائد رضويّة ،ص.373
السلاميس أنّه
ّ «ويف خامتة املستدرك ( )...عن العامل الجليل صاحب الكرامات املوىل
348
قال :رأيت يف الطيف بيتاً عالياً رفيعاً منيعاً له باب كبري واسع وعليه وعىل جدران الدار
رس الناظرين ،فسألت :ملن هذه الدار؟ فقيل إنّها للس ّيد محسن مسامري من الذهب ت ّ
الكاظمي -عليهام السالم-
ْ الكاظمي ،فتع ّجبت من ذلك وقلت :كانت داره يف مشهد ّ
متواضعة وكان بابها ض ّيقاً ،وكذلك ِفناؤها ،فمن أين له بهذا البناء؟ فقالوا :عندما دخل
من ذلك الباب الحقري أعطاه الله تعاىل هذا الباب العايل الكبري .وكان بيته Mكام
ذكره املوىل يف املنام يف غاية الحقارة»(((.
تالله مــا لــخ ـراب الــدهــر عمران يا عــامـرا ً لخراب الدهر مجتهدا ً
ِ
كـــد ٌر والــوصــل هجران فصفوها ودع الــفــؤاد عن الدنيا وزخرفها
فأنت بالنفس ال بالجسم إنسان يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
ّ
الشيخ األنصاري {
بترصف.
نفسه ،الهامشّ ،
((( املصدر ُ
مهمً .لقد تص ّورت أنّه أمر مه ّم».
األموال؟ إنّهم أمناء .إ ّن ما أقوم به ليس ّ
349
وهكذا نرى أ ّن املرجع ّية مل تستطع أن تؤث ّر سلباً مبقدار ذ ّرة يف روح هذا الرجل
العظيم»(((.
ّ
والكراث الخبز
األنصاري أنّها قالت:
ّ نُ ِق َل عن بنت الشيخ
رشع سماخلا مسقلا :شيعلا ةطاسب
«يف أيّام الطفولة ،عندما كنت أذهب إىل املدرسة كان األهايل يرسلون الطعام أحياناً
إىل املدرسة ليتناول الطالبات الطعام مع املعلِّمة .ذات يوم قلت لوالديت إنّهم يحرضون
معهم ألوان األطعمة ،وأنت ترسلني يل الخبز والك ّراث فقطّ ،إن أخجل من ذلك .سمع
الشيخ كالمي فقال منزعجاً :من اآلن فصاعدا ً أرسيل لها خبزا ً فقط حتّى تصبح تتذ ّوق
الخبز وال ّكراث»(((.
اقي» يف «دار السالم»:
وقال «العر ّ
«رغم أنّه كان يتدفّق عليه سنويّاً أكرث من مئة ألف تومانٍ ((( من الحقوق الرشع ّية،
فقد انتقل إىل جوار الله تعاىل ومل يخلّف درهامً وال دينارا ً ،واكتفى يف حياته ّ
بأقل ما
يُق َنع به»(((.
وجاء يف «ملعات البيان»:
«رغم أنّه كان يف غاية اإلعسار ،فقد كان قانعاً يواجه الدهر بطالقة الوجه والبرش.
وعندما أصبح وحيد زمانه بقي عىل قناعته تلك ،مل يوجد يف جميع أرجاء بيته ضمن
تركته ما يبلغ وزنه ع ّدة كيلوغرامات».
الشيخ واألميرة
األنصاري:
ّ قالت ابنة الشيخ
«ذات يوم ،جاءت ابنة الشاه نارص الدين لزيارة الشيخ يف منزله يف النجف األرشف.
اليحيوي يف سامحته.
ّ العيسوي والورع
ّ وعندما استق ّر بها املجلس ،الحظت آثار الزهد
مشتعال يف املنقل ،ورأت
ً -بدال من الفحم-
تأ ّملت غرفته فوجدت قليالً من الرسجني((( ً
سفرة من الخوص((( معلّقة عىل الحائط ،وإىل جانب املنقل الذي كان من الطني رأت
مرسجة((( من ف ّخار ،أضاءت الغرفة نصف إضاءة .هذه كانت محتويات غرفة قطب
دائرة الفقاهة ،ومل تستطع األمرية أمام ما رأت أن تخفي ما يدور يف خلدها ،فقالت:
الحكيم الكبير
السبزواري
ّ جاء يف بعض املصادر وصف دقيق لبيت الفيلسوف الجليل الشيخ هادي
-صاحب املنظومة -بقسميه «ال ّرباين والج ّواين» ووصف لبساطة عيش هذا الحكيم
الكبري ،عىل النحو اآليت:
كان «لل ّرباين» ِفناء بساحة ستّة أذرع يف ستّة أذرع ،وكانت تقع يف الجهة الرشق ّية
منه غرفة بنيت بالطني والتنب ،وسقفها من جسور الحديد (الشيلامن) والحطب
غري املص ّنع .وكانت جدرانها عاديّة حتّى من الطني (ليست مط َّينة بالطني والتنب).
وعندما سافر الشاه نارص الدين إىل خراسان أوائل صفر 1284هـ.ق قام بزيارة
الشيخ يف هذه الغرفة -وقد تق ّدم الحديث عن ذلك -وكانت يف حديقة الدار ع ّدة
أشجار مع ّمرة من التوت ،وجميع غرف الدار كانت من الطني والتنبّ ،إل أ ّن جدرانها
ُمط َّينة.
وكان طعام غدائه غالباً ما يعادل وحدة نقديّة من الخبز ،مل يكن يأكل منه أكرث من
خمسة وسبعني غراماً مع «كاسة» نيل ّية من املخيض .ويف أواخر عمره وبسبب تق ّدمه
يف الس ّن وسقوط أسنانه كان طعام عشائه صحناً من األرز مع املرق بدون لحم وسمن.
يل الكني ،من الفقهاء الكبار ومن تالمذة صاحب الجواهر وصاحب الضوابط .أقام يف طهران
((( آية الله الشيخ ع ّ
الحسني يف طريق املتو ّجه
ّ وكان مرجع الناس هناكّ ،
وتوف عام 1306هـ.ق ودفن بجوار حرضة عبد العظيم
لزيارة حرضة حمزة ابن اإلمام الكاظم .Q
((( املصدر السابق ،ص ،427الهامش.
وكان يكتفي بطعام ماء اللحم (آبـﮕـوشت) مع اإلسباناخ (السبانغ) .مل يكن ميتلك
352
Mمكتبة تذكر ،كانت مكتبته عبارة عن ع ّدة مجلَّدات معدودة(((.
((( أرسار الحكم ،ص ،20 ،17 - 16وانظر تاريخ حكامء وعرفاء متأخر صدر املتألّهني ،ص.111
((( إشارة إىل كالم موىل املتّقني «أال وأ ّن الشجرة الربيّة أصلب عودا ً» ك ،45نهج البالغة.
((( زندﮔـاين آخوند خراساين ،ص.377-397-396
ّ ّ
السيد محمد باقر الدرﭼـه إي
353
هذا الس ّيد الجليل -الذي تق ّدم ذكر مناذج من سريته -هو أستاذ آية الله العظمى
الس ّيد الربوجردي -رضوان الله عليهام -يتح ّدث تلميذه آية الله الس ّيد حسن القوﭼـا ّين
النجفي عنه -وقد اطّلع عىل خصوص ّياته وبساطة عيشه عن قرب -فيقول: ّ
كان يتعب كثريا ً ،كان مييض الليل والنهار منشغالً باملطالعة والتفكري يف املسائل
العلم ّية .كان يسكن يف مدرسة «نيم آورو» إحدى املدارس املعروفة يف أصفهان ،ومل
رشع سماخلا مسقلا :شيعلا ةطاسب
يكن له منزل يف املدينة؛ فقد ترك زوجته وأوالده يف قريته «رﭼـه بياز» مسقط رأسه،
وكان يقيض يومي الخميس والجمعة يف قريته ويرجع عرص الجمعة وقد تز ّود من
الطلب .كان الس ّيد مح ّمد
الخبز واللنب ما يكفيه إىل آخر األسبوع .وكان يعيش كسائر ّ
باقر من أهل إحياء الليل ،وكان مرحاً ،وعاش فقريا ً»(((.
ّ ّ
البالغي آية اهلل الشيخ محمد جواد
جاء يف ترجمته :M
كانت له غرفة صغرية ومحقّرة ،مل يكن فيها غري حصري من الباري (بورية) وقطعة
قامش يجلس عليها (رششف) ،ومل يكن لديه وسيلة تدفئة أو تربيد رغم أنّه كان مريضاً،
ومل يكن يخرج من هذه الغرفة إلّ للحاجات الرضوريّة(((.
كأس من طين
يقول شهيد املحراب األرش ّيف األصفها ّين :M
الخونساري
ّ تقي
«كانت الكأس (اإلستكان) التي كان آية الله العظمى الس ّيد مح ّمد ّ
((( كان العلّمة الطباطبا ّيئ معروفاً بالس ّيد القايض؛ ألنّه من هذه السلسلة املشهورة يف آذربايجان ،ولكن باعتبار
أنّه من السادات الطباطبائ ّيني فقد رجح أن يعرف بهذا االسم (الطباطبا ّيئ).
((( مهرتابان للس ّيد الطهراين ،ص ،9 - 8القسم األ ّول.
العلمة يف املعارف اإلسالم ّية« :كان هو يقول:
للعلمة ،حول أثر ّ ويقول تلميذ آخر ّ
355
جسموا يف أذهانكم صورة بدأت هذه الدروس الثالثة الفلسفة ،األخالق ،والتفسريّ .
روحا ّين قادم لت ّوه من القرية إىل املدينة ،يرتدي عاممة من الكرباس كحلية ي ّدعي
إحداث ثورة يف حوزة ،وأيّة إمكانات ما ّديّة متوفّرة له يا ترى؟ عنوانه منزل من غرفتني
أي بيت استأجره شهريّاً بثامنني توماناً .ابنه املحرتم موجود اآلن هنا .وهو يتذكّر يف ّ
العلمة يستطيع أن يستقبل فيه حتّى صغري ومتواضع ترعرع .البيت الذي مل يكن ّ
رشع سماخلا مسقلا :شيعلا ةطاسب
رصفه .أحياناً كنت أضط ّر للحصول أصدقاءه .أوائل تع ّريف عىل األستاذ ،كنت أتع ّجب لت ّ
علمي فأذهب إليه إىل البيت .يفتح الباب ويضع يديه عىل طريف ّ عىل جواب سؤال
الباب ومي ّد رأسه ،ويصغي إىل سؤايل ث ّم يجيب عنه .أحياناً كنت أتساءل ملاذا ال يريدين
أن أدخل إىل البيت؟ وفيام بعد عندما تع ّمقت عالقتي به ،وكنت أستطيع أحياناً
الدخول إىل املنزل عرفت السبب ،كان يقول :إذا اشتغلت وأخذت أجرة اليوم ثالثة
لدي من أن أذهب إىل أحد وأخربه بحاجتي وأُصب ِْح توامني ،فهو أفضل عندي وأهنأ ّ
حس ُب عىل بيت أو شخص ّية .مل ّدة طويلة كانت أموره املعيش ّية ت ُدار من حقوق أُ َ
التأليف .لسنوات كان مديناً مببالغ طائلة ومل يكن يعرف بذلك املق ّربون منه ،حتّى
ويس -رضوان الله عليه-بهذه اإلمكانات املاديّة .وبهذه القربة صهره املرحوم الق ّد ّ
واملجهول ّية أراد أن يحدث تح ّوالً عظيامً يف ثقافة البلد والعامل.
العلمة الطباطبا ّيئ يدرك العقبات متاماً ،إلّ أنّه باالتّكال عىل الله تعاىل تجاوز
كان ّ
هذه العقبات ،وقد أثبت الله تعاىل م ّرة أخرى للناس أ ّن من يعمل متّكالً عليه ولتحصيل
مرضاته فقط ،فإ ّن النجاح حليفه»(((.
ّ ّ ّ
(األفغاني) آبادي السيد جمال الدين األسد
«كان الس ّيد جامل الدين يعي رسالته ،ويدرك الجهود املضنية التي تستلزمها،
والعقبات التي تعرتض طريقه؛ لذلك مل يتز ّوج ومل يتعلّق قلبه مبلك ومال .كانت حياته
أقل من مستوى كانت حياة املح ّدث الق ّم ّي يف غاية البساطة ،بحيث إنّها كانت ّ
عادي.كانت ثيابه عبارة عن قباء من «الكرباس» نظيف ج ّدا ً ومعطّر، حياة طالب علم ّ
يلبسه لع ّدة سنوات صيفاً وشتا ًء .مل يكن يفكّر أبدا ً بالثياب والتج ّمل .فرش البيت كان
من ال ُبسط .مل يكن يرصف شيئاً من سهم اإلمام ،وكان يقول« :لست أهالً لذلك» .من
حيث الطعام ،كان شديد العناية واالحتياط يف ما يتناوله ،ورغم أنّه كان مبتىل بضيق
النفس-األمر الذي يستدعي الحمية من بعض األطعمةّ -إل أنّه كان يتناول ما حرض.
ذات يوم جاءت إىل النجف األرشف امرأتان كانتا تسكنان يف «مببئي» كانتا من
أقارب «آقا كوﭼـت» الذي كان من وجهاء النجف ،وقامتا بزيارة املح ّدث الق ّم ّي،
الهمدا ّين مبلغاً من املالّ ،إل أ ّن املح ّدث رفض قبوله رغم اإلرصار الشديد .وبعد خروجه
قال ابن املح ّدث األكرب« :يا والدي ،ملاذا مل تقبله؟» ،أجاب املح ّدث« :إ ّن رقبتي هزيلة
وبدين ضعيف وال طاقة يل بجواب الله تعاىل يوم القيامة» .ث ّم ح ّدث أهل بيته بحديث
أمري املؤمنني Qليلة التاسع عرش من شهر رمضان ،وبىك ووعظهم(((.
((( حاج شيخ عباس قمي مرد وتقوا وفضيلت ،ص 45 - 42والحظ البحار ،ص 276 - 42حول كالم أمري املؤمنني
Qليلة التاسع عرش من شهر رمضان« :ما من رجل طاب مطعمه ومرشبه وملبسه ّإل طال وقوفه بني
وجل يوم القيامة».
يدي الله ع َّز َّ
القسم السادس عشر
طيلة تاريخ الغيبة الكربى كان علامء اإلسالم ،امللتزمون واألمناء ،وما يزالون باملرصاد
لكل الظاملني والجائرين والطواغيت .ومل يق َّدم أحد عىل اإلطالق يف مجال نرصة ّ
رشع سداسلا مسقلا :نيملاظلا ةهجاوم يف
املستضعفني والدفاع عن القيم اإلنسان ّية وتحرير الشعوب من قيود اإلستبداد والبطش
ما ق ّدمه هؤالء العلامء املجاهدون .لقد ق ّدموا أرواحهم يف سبيل الله تعاىل؛ لتبقى
ورسخوا خ ّط الجهاد والشهادة ،فسلكه الذين اقتدوا بهم. للناس حريّتهم وكرامتهمَّ ،
يقول أحد الكتّاب املعارصين:
- 1توجيهات العلامء الشيعة وتعليامتهم ،أكسبت للشهادة والفداء يف سبيل حفظ
الدين الصفة الرسم ّية الدين ّية .وأصبح من الواضح أ ّن الحفاظ عىل العدالة ،كام
يح ّددها الدين ،مق ّدم عىل الحفاظ عىل الروح التي هي أمانة مستودعة وعارية
ال بد أن تُسرت ّد .من هنا كان العلامء املصلحون يرصفون النظر عن أرواحهم مبج ّرد
الدخول يف ميادين الجهاد .ولعلّك ال تستطيع أن تجد صفحة من تاريخنا تخلو من
خاص للشيعة(((.
حادثة دمويّة.هذه االستقامة املذهلة امتياز ّ
قد يتص ّور من ال اطّالع له عىل حقائق التاريخ أ ّن العلامء استيقظوا مؤ ّخرا ً ...وأنّهم
تركوا الشعوب ،يف األدوار السابقة ،نهب سالطني الجور ووالتهم الظاملني ،وهذا تص ّور
باطل من األساس ،ويكفي إلدراك مدى بطالنه االطّالع عىل كتاب «شهداء الفضيلة»
األميني صاحب «الغدير» الذي ترجم فيه ملئة وثالثني من أبرز العلامء الشيعة ّ للعلمة
ّ
الشهداء .وليس الهدف يف هذا القسم من الكتاب الحديث عن هذا الجانب ،فقد
تكفّلت بذلك املؤلّفات الكثرية ،بل الهدف هنا ذكر مناذج من مواقف العلامء التي ّ
تدل
«إ ّن تاريخ هذه املئة السنة األخرية ،بني أيدينا ،كلّام تصفّحنا مرحلة منه نجد بعض
العلامء الذين تنازلوا عن بعض املقامات واتّصلوا ببعض السالطني ،رغم أنّهم كانوا
الحق ،وقد
يرون الناس معارضني لذلكّ ،إل أنّهم اختاروا ذلك لرتويج الدين وترويج ّ
حملوا هؤالء السالطني عىل ذلك.
هؤالء مل يكونوا علامء بالط ،ويُخطئ بعض كتابنا الذين ينسبون ذلك إليهم ،هؤالء
يصح
مل يكونوا من حوايش السالطني ،بل كانت لهم أهداف سياس ّية وأهداف دين ّية .ال ّ
املجليس أو املحقّق الثاين أو الشيخ البها ّيئ
ّ أن يتص ّور أحد ،مبج ّرد أن يسمع مثالً أ ّن
كانت له عالقة بهؤالء السالطني ،أ ّن هؤالء العلامء كانوا يتهافتون عىل الجاه والزعامة،
وأنّهم كانوا محتاجني للسلطان حسني أو للشاه ع ّباس ،مل يكن يشء من ذلك ،لقد ض ّحى
هؤالء العلامء ،جاهدوا أنفسهم (ليمكنهم القيام بذلك) .أرادوا نرش الدين ،كانت هناك
يسب فيها أمري املؤمنني .Qسمعت أ ّن ات ّفاقاً ت ّم يف بعض البالد
مناطق -يف إيرانّ -
السب ستّة أشهر! يف مثل هذه األجواء كان هدف هؤالء العلامء أن مينعوا عىل تأخري ّ
سب األمري ،أن ينرشوا الدين واملذهب ،وقد ع ّرضوا سمعتهم للتجريح من قبل الناس ّ
الذين كانوا يعرتضون عليهم آنذاك بسبب جهلهم -كام يعرتض البعض اآلن لعدم
إدراكه حقيقة األمر -ومل يعريوا اهتامماً لذلك .ويف زمن األمئّة Rأمثال ملا قاموا به،
يل بن يقطني من الوزراء .وأمري املؤمنني Qبقي معهم نيفاً وأربعني سنة، كان ع ّ
363
يشرتك يف صالتهم ،يرت ّدد إليهم حفظاً ملصلحة اإلسالم العليا ،وسائر األمئّة كانوا أحياناً
يساملون .أحياناً ال مجال لغري ذلك ،فامذا يفعلون؟ إ ّن مصلحة اإلسالم فوق ما نتص ّور.
هؤالء العلامء الذين تح ّملوا أعباء التضحيات الجِسام ليتك ّيفوا مع امله ّمة التي قاموا
بها ث ّم أنتم تعرتضون عليهم؛ ألنّكم ال تعرفون حقيقة األمر ،ال بدافع سوء الن ّية ،هؤالء
مل يكونوا علامء بالط ،كانوا يريدون صناعة اإلنسان.(((»...
رشع سداسلا مسقلا :نيملاظلا ةهجاوم يف
((( صحيفة نور ،ج ،1ص ،259 - 258من كالم لإلمام بعد شهادة.
القيامة ،ويزهر نورهم ألهل الساموات كام تزهر الكواكب الزاهرة ألهل األرض، 364
أولئك من نورهم نور القيامة تيضء منهم القيامة ،خلقوا والله للج ّنة ،وخلقت
الج ّنة لهم ،فهنيئاً لهم ،ما عىل أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» .قال« :قلت مباذا
رسنا بإدخال الرسور عىل املؤمنني من جعلني الله فداك»؟ ،قال« :تكون معهم فت ّ
شيعتنا .فكن منهم يا مح ّمد».
ويضيف الشهيد -رضوان الله عليه:-
«واعلم أ ّن هذا ثواب كريم ،لك ّنه وضع الخطر الوخيم ،والغرور العظيم ،فإ ّن زهرة
وحب الرئاسة واالستعالء إذا نبتا يف القلب غطّيا عليه كثريا ً من طرق الصوابالدنيا ّ
واملقاصد الصحيحة املوجبة للثواب ،فال ب ّد من التيقّظ يف هذا الباب»(((.
صاحب «المعالم» وصاحب «المدارك»
مل يسافر صاحب «املعامل» وصاحب «املدارك» إىل إيران خوف اضطرارهام للقاء
الصفوي ،ومل يزورا اإلمام الرضا Qللسبب نفسه(((.
ّ بالشاه ع ّباس
ّ
اللهم اقبض إليك ابني
عندما كان الشاه فتحعيل يف زيارة املريزا الق ّم ّي صاحب «القوانني» ،طلب الشاه أن
يز ّوج ابن املريزا ابنته ،وانتهت الجلسة دون موافقة الشيخّ .إل أنّه بقي مضطرباً من
هذا االقرتاح خشية أن يضط ّر إىل املوافقة عليه ،فام كان منه إلّ أن لجأ إىل الدعاء قائالً:
«إلهي ...إذا كان هذا األمر سيت ّم فاقبض ابني الشاب إليك!» ،ورسعان ما سقط ابنه
غريقاً يف حوض املنزل ،ث ّم فارق الحياة(((.
بطبيعة الحال ،وإنّ ا أَ ْو َغ َر صدره عىل الشيخ .وق ّرر الشاه إحضار قائد الثورة يف يزد إىل
الجامهريي ،ويف أ ّول لقاء بني الشيخ والشاه أغلظ الشاه للشيخ
ّ طهران ليحارص التح ُّرك
يف القول وطلب منه أن يح ّدثه مبا جرى .وكان الشاه يريد أن يسمع من الشيخ محاولة
تربئة نفسه .قال الشيخ مبنتهى الشهامة« :أنا أخرجته من املدينة؛ ألنّه حاكم ظامل
ضج الفقراء من ظلمه؛ لذلك ثرت عليه» .أمام هذه الصالبة والرصاحة ،استب ّد الغضب ّ
بالشاه وأمر جالوزته أن يحرضوا الفلقة ملعاقبة الشيخ .أحرضت الفلقة وج ّهزت،
وأصبحت رجال الشيخ جاهزتني للرضب والتعذيب ،فقال الشاه ألمني الدولة األصفها ّين:
أي دخل يف ما جرى ،فهو ال يل ّوث نفسه مبا حدث ،إنّ ا كان ذلك من «يقيناً ليس للشيخ ّ
العاديي» .كان يريد بذلك أن يلقن الشيخ أن يقول ولو كلمة واحدة: ّ األوباش والناس
صحيح ،ال دخل يل ،أنا بريء .وأدرك «أمني الدولة» قصد الشاه ،فه ّز رأسه موافقاً وقال:
يك العظيم» .وفجأة، أي سوء للمقام املل ّ
«إنه و ّيف لجاللة الشاه املق ّدس ،وال يصدر عنه ّ
رصخ الشيخ مغضباً ورجاله يف الفلقة« :ملاذا يكذب السلطان؟ أنا أخرجت الحاكم ،أنا
بنفيس ،الناس ال ذنب لهم» .وفوجىء الشاه بهذا اإلرصارّ ،إل أنّه أفهم أمني الدولة
يتوسط إلنقاذ الشيخ .فخاطب أمني الدولة الشاه« :إنّه محرتم ،ومن كبار العلامء، أن ّ
اعف عنه إكراماً يل ،امنحه العفو املليكّ» .فأطلق رساح الشيخ ،وعاد إىل منزله(((.
((( قصص العلامء ،ص ،102 - 101حسني ( )...املوسوي ( )...من أكابر متكلّمي اإلمامية ،وأعاظم علامء الشيعة
املتب ّحرين يف أ ّوليات هذا القرن ( )...وله تصانيف جليلة نافعة متوج مبياه التحقيق ( )...وتعلّم الناس بأنّه بحر
طامٍ ال ساحل له ،أه ّمها وأشهرها عقبات األنوار يف مناقب األمئّة األطهار ،فاريس.
صاحب «عبقات األنوار»
(((
368
بعد أن ع ّدد املرحوم الشيخ آقا بزرﮒ مؤلّفات العامل الجليل السيّد مري حامد حسني
الجهادي وغريته
ّ حسه
صاحب املجموعة النفيسة والعظيمة «عبقات األنوار» ،أشار إىل ّ
االستعامري ،فقال:
ّ اإلسالميّة ض ّد مظاهر النفوذ
«واألمر العجيب أنّه ألّف هذه الكتب النفائس ،واملوسوعات الكبار وهو ال يكتب
ّإل بالحرب والقرطاس اإلسالم ّيني ،لكرثة تقواه وتو ُّرعه ،وأمر تح ّرزه عن صنائع غري
املسلمني مشهور متواتر.(((»...
ابن صاحب «الرياض»
مهدي ابن صاحب الرياض أ ّن اليهود ال يعملون
ّ يف أواخر عمره ،الحظ السيّد مح ّمد
بأحكام الذ ّمة ،فتو ّجه من العتبات املق ّدسة إىل أصفهان ،حيث استقبله ح ّجة اإلسالم
الشفتي مبنتهى اإلجالل واالحرتام .وغادر أصفهان إىل طهران ،حيث أمر بالتضييق عىل
القاجاري تح ّدى ذلك
ّ اليهود وقطع املاء عنهم ،وفعالً ت ّم ذلكّ .إل أ ّن الشاه مح ّمد
ونارص اليهود .وعندما جاء الشاه لزيارة السيّد اعتذر باملرض ومل يستقبله ،ث ّم غادر
طهران استنكارا ً ،وأقام بجوار حرضة عبد العظيم .Qوعلم الشاه مبرض السيّد
فجاء لزيارته ثانية ،إلّ أ ّن هذا العامل الجليل رفض استقباله ومل يكرتث به ،وانتقل إىل
جوار الله تعاىل(((.
هذه مناذج من مواقف العلامء املجاهدين ،ويف ما ييل مناذج من أقوالهم التي
اإلسالمي.
ّ تتناول املشاكل التي يعاين منها العامل
((( جاء يف نقباء البرش ،ج ،1ص ،348 - 347السيد األمري حامد.
((( نقباء البرش ،ج ،1ص.349
((( قصص العلامء ،ص.125 - 124
ّ ّ
مع المحدث النوري M
369
النوري صاحب «مستدرك الوسائل» وأستاذ الشيخ ّ املح ّدث الجليل الشيخ حسني
آقا بزرﮒ ،واملح ّدث الق ّم ّي ،يقول يف كتاب «الكلمة الطيّبة» الذي أنهى تأليفه يف مح ّرم
سنة 1301هـ.ق ،ما تعريبُه:
الباب الثاين :يف ذكر اختالل أمر امللّة البيضاء ،وخراب الرشيعة الغ ّراء وإرشاف
حملتها عىل االندثار ،وأسسها عىل االنهدام ،وعودة اإلسالم إىل حالة الغربة األوىل كام
رشع سداسلا مسقلا :نيملاظلا ةهجاوم يف
قال « :Pبدأ اإلسالم غريباً وسيعود غريباً» ( )...ونجاة هذه الجامعة (الشيعة) يف
هذه األعصار يف غاية الصعوبة؛ ألسباب ع ّدة هي تر ّدد الكفّار إىل البالد املق ّدسة إيران
التي هي اآلن مركز اإلميان وبيضة اإلسالم ،وكرثة اختالط املسلمني بهم ومصادقتهم
كل مدينةلهم وتداول أمتعتهم وأقمشتهم وأثاث البيت واملرشوبات واملأكوالت يف ّ
وقرية ،وترويج املرتفني والبطّالني وأهل اللهو والطرب الذين مل يفكّروا أبدا ً بصدق
املعاد وحقيقته ،ومل يع ّينوا ألنفسهم يف عمرهم ساعة لذلك -ترويج هؤالء -عادات
الكفرة وامللحدين وتقاليدهم ،بحيث مل يبق يشء من رضوريّات الحياة ولوازم الراحة
الخارجي للبدن وطريقة
ّ الزي والكالم والشكل ّإل وللكفّار فيه اسم وعالمة ،بل إ ّن ّ
كل ذلك أصبح يشبه املرشكني ،بل هو مستم ٌّد من عاداتهم .ونتائج ذلك رصف ّالت ّ
مفاسد ومضا ّر ال تحىص لحقت بدين أحمد املختار ،Pيُكتَفَى بذكر بعضها:
القلبي للكفّار وامللحدين من القلوب ،مع أنّه من أركان الدين ّ األ ّول :زوال البغض
لحب الله وأوليائه ...كاملاء
وأجزاء اإلميان ...وظهور مح ّبتهم ومو ّدتهم وهام نقيضان ّ
والنار ...بل إ ّن معارشتهم أصبحت سبباً لالفتخار واملباهاة ...مع أ ّن الله يقول:
ُ َ ٓ ُّ َ َ ۡ َ ٓ َّ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َ ۡ َ ُ ٓ ْ َ َّ ۡ ۡ َّ َ َ
ت ُد ق ۡو ٗما يُؤم ُِنون بِٱللِ َوٱلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِر يوادون من حاد ٱلل ورسولۥ ولو كنوا ﴿ل ِ
َ َ ٓ َ َ ٓ
َءابَا َء ُه ۡم أ ۡو أ ۡب َنا َء ُه ۡم أ ۡو إ ِ ۡخ َو ٰ َن ُه ۡم أ ۡو َعشِ َري َت ُه ۡ ۚم﴾(((.
وظلم األنام؛ ذلك أل ّن الدخل الحالل بلحاظ التكاليف اإلله ّية املرتتّبة عليه ال يصل أبدا ً
إىل هذا ال ّحد-كام سيأيت من أ ّن عرشة آالف درهم أو عرشين ألف درهم ال تجمع من
حالل أبدا ً -وهذا املقدار ال يفي بعرش معشار هذه النفقات ،كام أ ّن هذه السرية يف
الحياة متنع صاحبها من اإلسهام مال ّياً يف تشييد بناء الدين وإعانة العلامء واملشتغلني
وترويج الرشيعة وتعظيم شعائر املسلمني»(((.
ّ
الشوشتري الشيخ جعفر
قل نظريه ،الشيخ جعفر العامل الح ّر ،الزاهد واملتّقي ،والخطيب القدير الذي ّ
ّ
واملتوف عام 1303هـ.ق .تح ّدث يف هذا املجال يف شهر مح ّرم عام الشوشرتي ،M
1300هـ.ق .فقال:
«يف البداية أخاطب اإلسالم فأقول:
يا إسالم ،لقد عظمت الرزيّة وجلّت املصيبة بك علينا وعىل جميع أهل الساموات.
ملاذا عظمت مصيبة اإلسالم علينا؟ أل ّن اإلسالم يف هذه األيّام بقي غريباً ،أعرض الناس عنه،
وأقبلوا عىل الكفر والضالل وأهل الباطل .لقد أخرب رسول الله Pبغربة اإلسالم هذه.
بترصف.
((( فوائد املشاهد ،صّ 186 - 184
وكتب يف سنة 1296هـ .ما يأيت:
373
«منذ ع ّدة سنوات واإلفرنج يرت ّددون إىل والية «تنكابن» ،ويف فصل الربيع والشتاء
يقيمون فيها لرشاء الخشب .وحتّى السنة املاضية 1295هـ كان الناس السفلة يعارشونهم
وال يحرتزون منهم ،بل إ ّن بعضهم كان يرشب الخمر كاملاء ،وكان اإلفرنج يهاجمون
أهل اإلسالم ويهزأُون بهم .وعندما رأيت األمر كذلك تح ّدثت مع وايل البلدة فقلت:
إ ّن املسلمني يخالطون الكفّار وهم يطمعون بهم نظرا ً لفقرهم وفاقتهم ويوا ّدونهم،
رشع سداسلا مسقلا :نيملاظلا ةهجاوم يف
بنص القرآن( )...ث ّم إنّهم يرشبون معهم الخمر ( )...واستمرار ومو ّدة الكافرين حرام ّ
ذلك يؤ ّدي إىل مزيد بعد الناس عن اإلسالم؛ لذلك أقرتح أن تدعوهم إىل املناظرة ،وأنا
عىل استعداد لذلك ،وإذا مل يسلكوا طريق اإلنصاف يف املناظرة ،با َهلْتُ ُهمّ ،إل أ ّن الحاكم
رفض ذلك»(((.
ّ
الهمداني الشيخ
يصف العامل والعارف الكبري الشيخ حسينقيل الهمدا ّين أستاذ الس ّيد جامل الدين
اإلسالمي يف عرصه فيقول ...« :أيّة جراحات أثخنت بها
ّ آبادي ،وضع املجتمع ّ األسد
تلك األيدي بدر الدين ،وأيّة مصائب ألحقتها بالرشع الرشيف؟ خلعوا لباس اإلله ّيني،
وارتدوا ثياب اإلفرنج ِّيني .استبدلوا بأطعم ِة اإلسالم وأرشبته ُس َّم النصارى والدهريّني
وزقّومهم .تركوا آداب الرشع والتزموا بآداب الكفر .سوق الكفر والرشك يف بالدهم
معمورة ،وسوق إسالمهم خربة .وافضيحتاه! عسكر الكفر يف بالد وجودنا منصور
ومرسور ،وجيش اإلسالم مقتول مأسور.
ال نحن يف عاقبة أمرنا فكّرنا ،وال بسياسات الله (جميل صنعه) يف األمم املاضية
وقصة فرعون وقابيل ،ظ ّنناها مزاحاً.(((»...
اعتربنا .قض ّية أبابيل الهائلةّ ،
عندما كان أحدهم ينرصف إىل اللهو والشهوات ،ويقتدي به املسؤولون ،فإ ّن النتيجة
دامئاً كانت عجز اململكة ،وذلّة الشعب ،وضياع الرثوة الوطن ّية ،واضطراب األمور.
كل ما أ ّما عندما كان أحد امللوك السابقني يرصف النظر عن الشهوات ويبذل ّ
لرقي البلد وتربية الشعب ونرش العلوم والصناعات وتجهيز يف وسعه يف العمل ّ
الجيش ،فإ ّن النتيجة كانت يف م ّدة قصرية ،تق ّدم البلد وعظمته وازدهاره ،وإحراز
عصب السبق عىل سائر الدول .وآمل -إن شاء الله -أن يبتعد الشاه عن الطريق
األ ّول فإنّه طريق فاسد ،ويختار الطريق الثاين ويجعله نصب عينه ليؤيت مثاره
رسيعاً ،إن شاء الله تعاىل.
- 6إنّنا نتوقّع االهتامم الدائم بحفظ مقام العلم الشامخ واحرتام العلامء العاملني
والفقهاء واملصلحني؛ فإنّه إذا وقع التقصري يف هذا األمر الها ّم تع َّرض البلد والشعب
سنعض -إىل األبد -إصبع الندامة ،حيث ال ينفع الندم».ّ للهالك والفناء .عندها
القاجاري
ّ وباإلضافة إىل هذه الرسالة التوجيه ّية ،كان اآلخوند الخراسا ّين يويص الشاه
باستمرار عن طريق الربق ّيات والرسائل مبراعاة حقوق الناس يف إيرانّ ،إل أ ّن هذه
النصائح مل تنفع ،وتو ّرط الشاه بقتل الناس بح ّجة حفظ الدين .أمام ذلك يئس الشيخ
من إصالح الشاه واقتنع برضورة عزله؛ لذلك أصدر هو وثالثة من العلامء بياناً وأرسلوه
برق ّياً إىل طهران ،وكان كام يأيت:
«فعن حكم الله ،إىل عموم الشعب اإليرا ّين :إ ّن بذل الجهد اليوم من أجل إزاحة
هذا السفّاك ال ّجبار والدفاع عن نفوس املسلمني وأعراضهم وأموالهم هو من أه ّم
376
الواجبات ،وإ ّن دفع الرضائب ملأموريّة من أعظم املح ّرمات ،وبذل الجهد يف استحكام
وتثبيت املرشوط ّية مبنزلة الجهاد يف سبيل إمام الزمان ،واملخالفة يف ذلك والتسامح فيه
قيد شعرة مبنزلة خذالنه ومحاربته |أعاذنا الله واملسلمني من ذلك»(((.
النجفي القوﭼ ّ
ّ
ـاني آية اهلل
النجفي قبل أكرث من نصف
ّ يف كتاب «سياحة الرشق» -الذي ألّفه آية الله السيّد
ويعب
قرن -يصف أوضاع العراق أثناء الحرب العامليّة األوىل واحتالله من قبل اإلنكليزّ ،
عن شديد أسفه لعدم اهتامم املسلمني بالجهاد ض ّد املستعمرين ،فيقول:
«قائد الجيش اإلنكلّيزي (املكلّف باحتالل العراق) لُقّب (يف بلده) بالفاتح ،وقد
دخل بغداد وبعد ثالثة أيّام ،مىش متبخرتا ً ومن مسافة نصف فرسخ أمسك البندق ّية
وس ّدد طلقة إىل جهة رسايا الحكومة ،بعدها دخل اإلنكليز بحامس شديد وملء لسان
حالهم التح ّدي واالستخفاف .بل كان يُسمع علناً :أنا فاتح العراق وعاصمة املسلمني
أقل من يومني ،أغمض عينه عن العراق وغري الكربى واألدهى .إ ّن هذا «الفاتح» وبعد ّ
العراق ووصل إىل جه ّنمّ ،إل أ ّن اإلنكليز دفنوا الجثّة النجسة لقائدهم العظيم! طبق
أحكام اإلسالم ،وبنوا عىل قربه مزارا ً مقابل املقام العظيم لإلمام موىس الكاظم Q
وأخذوا يزورونه؛ ليحرتق -من األىس -املسلمون الس ّنة والشيعة ،بل ليموت من ميتلك
َ َ َ ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ َّ ٰ َ َ ((( ۡ ُ َّ ٞ
ون﴾ وفرنسا كن أكثهم ل يعلم الوعي منهم غيظا ً وكمدا ً ﴿وقل ِيل ما همۗ﴾ ﴿ول ِ
احتلّت بالد الشام وتواصلت مع اإلنكليز يف كركوك واملوصل .وخرجت جزيرة العرب
كلّ ًّيا من يد العثام ّين -الذي مل يكن له يد تذكر -ولسان حال فرنسا ينشد األراجيز
ويفتخر عىل بني أم ّية ،خصوصاً معاوية.
بترصف.
((( زندﮔـاين آخوند خراساين ،ص 142وّ 183 - 176
((( سورة ص ،اآلية .24
ث ّم يتح ّدث Mعن املالحم التي سطَّرها املسلمون يف صدر اإلسالم ،ويقول:
377
لقد كانت ق ّوتهم آنذاك تكمن فقط يف العمل بهذه اآلية:
َّ َ َ ُ اط ۡ َ
ٱل ۡي ِل ت ۡره ُِبون بِهِۦ ع ُد َّو ٱللِ
ُ
ٱس َت َط ۡع ُتم ّمِن ق َّوة ٖ َومِن ّرِ َب ِـدوا ْ ل َ ُهم َّما ۡ﴿وأَ ِعـ ُّ
َ
يل ِ ب س ِ ﴿و َما تُنفِ ُقوا ْ مِن ۡ َ
شءٖ ف َ ك ۡم﴾((( ثم تطمنئ اآلية يف آخرها ُعباد الدنيا َ
ّ
َ َ ُ َّ ُ
وعدو
ِ
َ
ُۡ ُ َ َ َ
ك ۡم َوأ ُ ۡ ُ َ َّ َّ
ون﴾ وهذه اآلية الرشيفة موجودة اآلن يف القرآن، نت ۡم ل تظلم ٱللِ يُ َوف إِل
يفسها العلامء؟ وملاذا ال يوردونها يف الرسالة العمل ّية؟ وملاذا ال
ُنسخ ،ملاذا ال ّ
ومل ت َ
رشع سداسلا مسقلا :نيملاظلا ةهجاوم يف
كل
يح ّرض الو ّعاظ عىل املنابر عىل هذا الواجب وال يحذّرون من تركه؟ يف حني أ ّن ّ
الواجبات األخرى تسقط بأدىن عرس وح َرج ،بينام يستم ّر وجوب هذا الواجب ما دامت
االستطاعة موجودة «ما استطعتم» وما ذلك ّإل أل ّن الهدف حفظ الدين وحفظ البيضة،
وحفظها منوط باألمان (يف دار اإلسالم) وعندما تصبح البالد اإلسالم ّية يف قبضة األجانب
املعنوي منها
ّ يزول األمان .وقد أوجب تعاىل تحصيل الق ّوة الذي يشمل جميع املراتب
كل عرص ومرص. واملادي يف ّ
ّ
العسكري والقناعة وعدم اإلرساف والتبذير يف النفقات،
ّ وعىل هذا ،فإ ّن التدريب
وعلم صناعة السالح ،من الق ّوة املعنويّة التي ال وجود لها فينا بل نحن نتملّص منها،
إىل ح ّد أ ّن العلامء يحاربون ذلك استاملة للعوا ّم وملج ّرد إرضائهم ،ويأمرون عوضاً ِمن
هذا الواجب امله ّم ،باملستح ّبات ،وأيّة مستح ّبات؟ إنّها من النوع النفسا ّين غري الخالص
من الشوائب.
يُروى عن اإلمام الصادق « :Qوكان الخضاب من الق ّوة» ْ
(أي إ ّن الخضاب
يوجب املهابة يف قلوب الكافرين) فليقل علامء العرص :املدفع والرشاش والسفينة
والدبابة من الق ّوة».
رشفة يقتيض أن والكاظم ّية ،وسام ّراء ،من املسلمني ،باعتبار أ ّن احرتام املشاهد امل ّ
كل ما احتاج إىل ذلك من مسجد السهلة والكوفة ،وق ّرروا ال يحكمها كافر ،ورم ّموا ّ
للمسجدين ك ّم ّية شهريّة من النفط لإلنارة ،وأعطوا خ ّدام املسجدين مرتّبات شهريّة
حتّى ال يؤذوا الز ّوار (بطلب املال منهم) كام كانوا يفعلون سابقاً.
ويف شهر مح ّرم ،أعطوا حواالت للحسين ّيات الستالم السكّر والشاي والنفط .وتدريج ّياً
أجروا عىل األلسن أن يدعوا الناس لهم ،وأجروا عىل ألسن األراذل من العرب أ ّن
عيىس أعظم من مح ّمد؛ أل ّن لقبه روح الله ومح ّمد حبيب الله .وطبعاً الروح مق ّدم
عىل الحبيب؛ أل ّن الحبيب غري املحبوب ،بينام الروح ليس غريه .وبدأُوا يو ّجهون هذا
الطلب .قلت (يف جواب هذا اإلشكال)« :يا عديم الغرية والدين ،مبقتىض اإلشكال إىل ّ
اآلية الرشيفة «فإذا س ّويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» كلّنا روح الله.
للنبي عيىس (هذا بالنسبة إىل روح الله ،وأ ّما بالنسبة إىل حبيبنعم ،هناك خصوص ّية ّ
الله ،فإ ّن الله تعاىل نظر إىل أنبيائه فاختار من بينهم املصطفى حبيباً (مم ّيزا ً) له».
ومن جملة أعاملهم البارزة (االنكلّيز) التي استهوت أفئدة «املق ّدسني»وقصمت
ظهر الدين ،أنّهم أخريا ً عمدوا إىل مبلغ األربعة وعرشين ألف روب ّية -الذي كان يصل
فقسموه
الطلب) ّأوقاف هناك -فيوزّع عىل املجتهدين (ليوزّعوه عىل ٍّ من الهند من
الطلب ،ويجب أن بني النجف وكربالء بح ّجة أ ّن املجتهدين ال يوصلونه إىل فقراء ّ
كل من النجف وكربالء) وقد بادر
خاصة لذلك (يف ّ
نقسمه نحن بأيدينا .فتحوا دائرة ّ
أولئك الذين لبسوا العاممة من أجل أربعة رياالت «الدنيا» إىل تسجيل أسامئهم بع ّدة
380
طرق يف دفرت مالك النار .وهم يذهبون شهريّاً ألخذ هذه الدراهم املعدودة ّ
وبذل ال
يوصف ،وهم مع ذلك يق ّدمون دعواتهم بإخالص حضورا ً وغياباً.
املق ّدسون املزيّفون بل الكافرون ،بل املنافقون ،بل جراثيم وحرشات األرض ،أو أ ّن
اإلنكليز مق ّدسون يستحقّون اإلعجاب ،وهم يقيناً من أهل الرحمة ،والعثام ّين امللعون
الذي مل يكن له دين فضالً عن القداسة ،كان يريد بقوله م ّرة واحدة «ال إله إلّ الله» أن
يدخل نفسه يف بوتقة املسلمني .أ ّما جناب بريطانيا ،فإنّها (تدرك أ ّن العمل هو املحور)
ترصف األموال الشؤون اإلسالم ّية التي كانت مرتوكة ال يلتفت إليها أحد ،تعمل عىل
إصالحها ليالً ونهارا ً كأنّها تفكّر باإلسالم من تعمري زوايا مسجد الكوفة والسهلة وتأمني
النفط والخدم ،وترويج مجالس العزاء ،حتّى إنّها تق ّدم النفط للمشاعل التي تحمل يف
مواكب اللطم .وأمرت الرشطة مرافقة املواكب حتّى الصباح .لعن الله العثامن ّيني ،بل
طلب املرشوطة والدميقراط ّيني ،الذين يذ ّمون اإلنكليز باستمرار وقد أوقعونا يف وحتّى ّ
شبهة -الحمد لله اتّضحت لنا األمور وزالت الشبهة .لن نسمع كالمهم بعد اليوم -وترى
غيبة اإلنكليز حراماً -أدام الله ظلَّهم عىل الضعفاء -قال يل أحدهم« :يا أخي ،أال تفكّر
بهذا؟ كان يصل إىل املجتهدين شهريّاً أربعة وعرشون ألف روب ّية ومل يكن الفقري يَ ِص ُل من
ذلك حتّى نصف روب ّية! اآلن يقسمون اثني عرش ألف روب ّية (يف النجف) فتصل إىل فقراء
أقل تقدير يشبع شهريّاً الطلب الذين كانوا محرومني حتّى من الخبز بدون أدام .وعىل ّ ّ
مئة ألف جائع ،ويف السنة أكرث من مليون جائع ،وقد قال الرسول « :Pمن أشبع جائعاً
وجبت له الج ّنة» واملوظّفون املبارشون لهذا العمل يتلقّون األوامر من األعىل رتبة منهم،
وهكذا حتّى تصل إىل الربملان اإلنكليز ّي ،هؤالء جميعاً رشكاء يف هذا الثواب الذي ورد يف
حديث رسول الله ،Pبحيث يُخىش أن تدخل الج ّنة كلّها يف عداد مستعمرات اإلنكليز،
كلوال يبقى مكان للمسلمني ليكونوا مستقلّني ،كام أ ّن األمر يف الدنيا كذلك ،حيث تكاد ّ
بالد املسلمني تصبح يف عداد مستعمرات اإلنكليز .فاستشطت غضباً ،وقلت له:
«( )...إ ّن يكَّ جبهتك وعاممتك ،ال يغطّيان سواد صحيفة أعاملك! يا أسوأ من اإلنكليز،
381
أيّها النهروا ّين ،عابد البطن وقصري النظر ،حرشك الله مع اإلنكليز ،حيثام مالت الدنيا
فإ ّن أمثالك كد ّوار الشمس تجعلون ذلك املكان (الذي فيه الدنيا) قبلة وتنحنون أمامها
يصح أبدا ً أن تتف ّوه بهذا الكفر وتسجدون «فهو عبد لها وملن يف يده يشء منها» .ال ّ
مقابل األمري ،بل إ ّن كالمك هذا أش ّد إيالماً لألمري من السيوف النهروان ّية التي سلّت
َ
يف وجهه .أيها الكافر ،متى يشار إىل قتيلك ويقال عنه ﴿أ َّم ۡن ُه َو َقٰن ٌِت َءانَا ٓ َء َّ ۡ
ٱل ِل﴾»؟ ّ
رشع سداسلا مسقلا :نيملاظلا ةهجاوم يف
وترصف يسري.
((( سياحت رشق ،ص ،581 - 569بتلخيص ّ
بسم الله الرحمن الرحيم
383
الخاصني لكارتر يف طريقهم إىل إيران ،وقد ص ّمموا عىل املجيء ّ بلغني أ ّن املمثّلني
إىل ق ّم ولقايئ؛ لهذا أرى من الالزم أن أذكّر (مبا يأيت):
عبت عن مخالفتها العلن ّية إليران ،ومن جهة أخرى إ ّن دولة أمريكا بايوائها الشاه ّ
تجسس ألعدائنا ض ّد نهضتنا املق ّدسة؛ لذا فإ ّن
-كام قيل -سفارة أمريكا يف إيران مركز ّ
الخاصني .وباإلضافة إىل ذلك: اللقاء يب ليس ممكناً ّ
بأي وجه ملمثّيل كارتر
رشع سداسلا مسقلا :نيملاظلا ةهجاوم يف
ّ
- 1عىل أعضاء مجلس شورى الثورة أن ال يقابلوهم أبدا ً.
حق االلتقاء بهم.
- 2ليس ألحد من املسؤولني عىل اإلطالق ّ
- 3إذا سلّمت أمريكا الشاه املخلوع عد ّو الشعب رقم 1إىل إيران وتخلّت عن
التجسس ض ّد نهضتنا ،يُفتَح باب املفاوضات يف مجال بعض العالقات التي هيّ
ملصلحة الشعب.
(16/8/58هـ.ش)
الخميني
ّ املوسوي
ّ روح الله
اللّه ّم ،وفّقنا لنكون خري ٍ
خلف للعظامء الذين وردت أسامؤهم يف هذا الكتاب.
384
اللّه ّم ،وفّقنا للعمل بواجباتنا بشكل أفضل ،ووفّقنا ملزيد السعي ملا فيه رضاك.
اللّه ّم ،ب ّدل الخالفات القاتلة يف البالد اإلسالم ّية باالت ّحاد واإللفة.
املهدي
ّ اللّه ّم ،احفظ الثورة املق ّدسة يف إيران حتّى انطالقة الثورة العامل ّية لول ّيك
الخميني { بواسع رحمتك ّ املنتظر (أرواحنا فداه) .وتغ ّمد قائد األ ّمة اإلمام
واحرشنا معه ،وارزقنا شفاعته.
وأيّده } الخامنئي
ّ اللّه ّم ،احفظ و ّيل أمر املسلمني سامحة آية الله السيّد
بتأييدك وانرصه نرصا ً عزيزا ً ،إنّك أرحم الراحمني.
وقد وقع الفراغ من تعريب هذا الكتاب «سيامء الصالحني» صبيحة يوم السبت
الثالث عرش من ربيع األ ّول1412/هـ .عىل مهاجرها وآله أفضل الصالة وأت ُّم السالم.
رب العاملني
والحمد لله ِّ
بريوت -حسني كوراين