Professional Documents
Culture Documents
إتحاف أهل الألباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب 2
إتحاف أهل الألباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب 2
س 200/كم أقسام صفات ال تعالى الثبوتية مع التمثيل وبيان الفرق بينهما ؟
ج /أقول :صفات ال تعالى تنقسم إلى قسمين :صفات ذاتية وصفات فعلية ،
ل وأبدًا ،وأما الصفاتوالصفات الذاتية هي الملزمة للذات ل تنفك عنها أز ً
الفعلية فهي المتعلقة بالمشيئة ،أي متى ما شاء فعلها ومتى شاء لم يفعلها ،
ويمثل للصفات الذاتية :بالوجه والبصر والحياة والوجود والسمع والقدم
والساق وغير ذلك ،ويمثل للصفات الفعلية :بالنزول إلى السماء الدنيا في
ثلث الليل الخر ،والرضى والغضب ونحو ذلك وال أعلم.
ذات القرآن ،لكن كل منها يدل على صفة ل يدل عليها السم الخر ،فهي
باعتبار صفاتها متباينة .
المثال الثاني :أسماء النبي صلى ال عليه وسلم ،فإنه محمد وأحمد
والعاقب والحاشر وبني الملحمة وبني الرحمة والمقفي وغير ذلك مما ثبت له
من أسماء فهذه السماء مترادفة إي متفقة من حيث إنها تدل على ذات واحدة
وهي ذات النبي صلى ال عليه وسلم لكن كل أسم منها يدل على صفة ل يدل
عليها السم الخر فهي من هذا العتبار متباينة.
المثال الثالث :أسماء اليوم الخر فإن من أسمائه يوم القيامة والصاخة
والطامة والقارعة ويوم التغابن والواقعة وغير ذلك ،فهذه السماء باعتبار
دللتها على يوم واحد مترادفة ولكن كل أسم منها يحمل صفة ل يحملها
السم الخر فهي بهذا العتبار متباينة ،وبناًء عليه فنقول :أسماء القرآن
مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ،وأسماء النبي صلى ال
عليه وسلم مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ،وأسماء يوم
القيامة مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ،وكذلك أسماء ال
تعالى مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ،ولعل الجواب قد
أتضح وال أعلى وعلم .
س 202/ما أنواع الضافة إلى ال تعالى ؟ وما القاعدة في ذلك ؟ مع
توضيح الجابة بالمثلة ؟ ولماذا قال أهل السنة ذلك وحرصوا على بيانه ؟
ج /أقول :أن الشياء التي يضيفها ال تعالى إليه نوعان :
قيامها إل بغيرها فهي إضافة صفة إلى موصوف فنقول :من صفاته جل
وعل اليدان ،فله يدان كريمتان لئقتان بجلله وعظمته .ومن ذلك إضافة
عْيِني( )طـه :من الية (39
عَلى َ صَنَع َ
) َوِلُت ْ العين في قوله تعالى
والعين من الشياء التي ل تقوم إل بغيرها فهي إضافة صفة إلى موصوف
فنقول :من صفاته جل وعل أن له عينين تليقان بجلله وعظمته ومن ذلك
ل ( )التوبة :من الية (6وقوله ) ِإّني سَمَع َكلَم ا ِّ
حّتى َي ْ جْرُه َ
قوله تعالى ) َفَأ ِ
سالِتي َوِبَكلِمي ( )لعراف :من الية (144 س ِبِر َعَلى الّنا ِ ك َ
طَفْيُت َ
اصْ َ
فالكلم شيء ل يقوم بذاته بل ل يقوم إل بغيره فهو إضافة صفة إلى
موصوف فنقول :من صفاته جل وعل الكلم اللئق به جل وعل ،ومن
َهَوى ( )طـه :من الية ضِبي َفَقْدغ َعَلْيِه َ
حِلْل َ
ن َي ْ
ذلك قوله تعالى ) َوَم ْ
{ (81فالغضب ل يقوم بذاته بل ل يقوم إل بغيره فهو إضافة صفٍة على
موصوف فيقول :من صفاته جل وعل أن له غضبًا يليق بجلله وعظمته ،
وهكذا .
هذا السم لها أثر متعد فإن من تمام اليمان له أن تؤمن بهذا الثر ،فالبصير
اسم والبصر صفة ،والثر هو أنه ل يخفى عليه شيء في الرض ول
ل أو فيالسماء ،فليحذر العاقل الذي يريد لنفسه النجاة أن يراه ال على حا ٍ
ن ل يحبه جل وعل ،والسميع أسم والسمع صفة وعموم سمع ال تعالى مكا ٍ
لكل شيء فل يخفى على سمعه شيء كما قالت عائشة رضي ال
عنها} سبحان من وسع سمعه الصوات{ والعليم اسم والعلم صفة ،والثر
هو أنه يعلم كل شيء فيعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن أن لو
كان كيف يكون فل يخرج شيء عن كونه معلومًا له جل وعل ،والحكيم
أسم والحكمة صفة ،والثر اليمان التام بأنه جل وعل الحكيم في أقداره
وأفعاله وشرعه ،والقدير أسم والقدرة صفة ،والثر هو أن نؤمن بأنه الذي
ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء ،وأن الرض جميعًا قبضته يوم
القيامة والسماوات مطويات بيمنه ،وهذا شأن الكثير من أسمائه جل وعل ،
وأما إذا كانت الصفة ليس لها أثر متعٍد فالواجب اليمان بالمرين الولين
فقط وذلك كالحي ،فأنه أسم والحياة صفة ولكن ليس لهذه الصفة أثر متعد ،
وخلصة الجواب أن يقال :الواجب في السماء أمران :اليمان بها اسمًا
واليمان بما تضمنته من الصفات ،وإذا كانت صفة السم لها أثر متعٍد فيزيد
ذلك السم بوجوب اليمان بالثر المتعدي وال أعلم
عَمُلوا
ن َيْأِتي آِمنًا َيْوَم اْلِقَياَمِة ا ْ
خْيٌر َأّم ْ
ن ُيْلَقى ِفي الّناِر َ
عَلْيَنا َأَفَم ْ
ن َ
خَفْو َ ل َي ْ
صيٌر( )فصلت (40:فنعوذ بال تعالى من اللحاد ن َب ِ
شْئُتْم ِإّنُه ِبَما َتْعَمُلو َ
َما ِ
في أسمائه وآياته وال تعالى أعلم .
الهالكين من أهل البدع ،وقد انعقدت قلوبنا على أنه ل تعارض بين نصين
صحيحين مطلقًا وال أعلم
وقبل ختم الجواب أفيدك فائدتين:
الفائدة الولى :اعلم أن ما ورد مرفوعًا من تعداد هذه السماء ل
يصح ،فقد قال أبو العباس :إن تعينها ليس من كلم النبي صلى ال عليه
وسلم باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،وقد تتبعها بعض أهل العلم ،والمرجع
في ذلك القرآن وما صح من السنة وال أعلم .
الفائدة الثانية :قوله ) من أحصاها ( والمراد بذلك حفظها لفظًا
واليمان بها وبما تضمنته من الصفات وتمامه أن يتعبد ل بمقتضاها وال
أعلم .
ذات شيء فإنه من باب أولى أن يجهل كيفية صفاتها ،فأنا ل أعلم كيف
ل ل أعلم كيف هو في ذاته ول أعلم كيفية وجهه ويديه استواء ال لنني أص ً
ل ل أعلم كيف هو في ذاته جل وعل ،فالجهل بكيفية وعينيه لنني أص ً
الذات مفضي إلى الجهل بكيفية الصفات وقد تقرر عند أهل السنة أن القول
في الصفات كالقول في الذات ،فنحن ل نعرف كيفية صفات ال تعالى لننا
ل ل نعرف كيفية ذاته . أص ً
الجواب الثالث :أن تبين له أن الكيفية ل يمكن أن تعرف إل بالرؤية
ونحن لم نر ال تعالى ،أو بمشاهدة النظير ،وليس ل مثيل ول شبيه حتى
يٌء (
ش ْس َكِمْثِلِه َ
نستدل برؤية صفاته على صفاته كيف وقد قال تعالى ) َلْي َ
سِمّيا( )مريم :من الية (65 )الشورى :من الية (11وقال )َهْل َتْعَلُم َلُه َ
ضِرُبوا ِّ
ل حٌد( )الخلص (4:وقال تعالى ) َفل َت ْ ن َلُه ُكُفوًا َأ َ وقال ) َوَلْم َيُك ْ
ن( )النحل (74:أو بإخبار الصادق صلى ل َيْعَلُم َوَأْنُتْم ل َتْعَلُمو َ
ن ا َّ اَْلْمَثاَل ِإ ّ
ف أيضاً فإنه صلى اله عليه وسلم ال عليه وسلم عن الكيفية ،وهذا منت ٍ
أخبرنا بالصفة ولم يخبرنا بكيفيتها فوجب الوقوف حيث وقف النص ،فبال
عليك :شيء لم أره ولم أر نظيره ولم يخبرني الصادق عن كيفيته ،فكيف
أتعرف على هذه الكيفية التي تطالبني بها .
الجواب الرابع :وهو جواب علمي ،وهو بمثابة الكي الذي هو آخر
العلج ،ولعلك عرفته ،فإياك أن تجبن عنه ،بل قم به انتصارا ل تعالى
وذبًا عن شريعته ،ونترك تفاصيله كتقديرك للمصالح والمفاسد وال أعلم .
س /211ما أقسام التأويل وما المقبول منها والمردود مع بيان ذلك بالدلة
والمثلة ؟
ج/التأويل ثلثة أقسام :
الول :حقيقة الشيء التي يؤول إليها ،وهذا هو استعمال القرآن لهذه
اللفظة وما تصرف منها ،أي حقيقة الشيء التي هو عليها في الواقع ،
فتأويل المر امتثاله وفعله ،كما قالت عائشة رضي ال عنها ) كان النبي
صلى ال عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم
وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ( متفق عليه ،أي يوقع حقيقة ما أمر
به في القرآن ،وتأويل النهي اجتنابه فتأويل قوله تعالى ) َول َتْقَرُبوا الّزَنى
229 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
تلقفوه من أهل الكلم المذموم الذي أدخل على أهل السلم البلء الكثير
والشر المستطير وقد توقف أهل السنة والجماعة رحمهم ال تعالى في قبوله
ل ،وشأنهم فيما كان من ورده لنه من اللفاظ المجملة التي تحتمل حقًا وباط ً
هذا القبيل التوقف والستفصال ،فقالوا :إن كان هذا الصرف بمقتضى
الدليل الصحيح الصريح فإنه صرف مقبول ،فما اقتضاه الدليل فأه ً
ل
ل ،وأما إذا كان صرفًا ل دليل عليه وإنما مبناه على والتخرص وسه ً
والظنون الكاذبة والشهوات والهوى فإنه مردود على صاحبه مضروب به
في وجهه ول كرامة له ،وهو في هذه الحالة وإن سماه أصحابه تأوي ً
ل
ليروج وتقبله النفوس إل أنه في حقيقته تحريف و خلط و باطل ودليل بطلنه
أنه مخالف لمنهج السلف الكرام رضي ال عنهم وأرضاهم فإنهم رحمهم ال
تعالى وأعل درجتهم في الجنة كانوا يقولون عند الظاهر المتبادر من
النصوص ول يتعدونه إل بمقتضى دليل ،ولن المتقرر عند أهل العلم أن
الصل هو البقاء على الظاهر الراجح ول ننتقل إلى المرجوح إل بدليل ،
ولن الصل في الكلم الحقيقة فل يعدل عنها إلى الجاز إل بقرينه صادقة ،
ولن هذا الصرف الذي ل دليل عليه تحكم في كلم المتكلم بل إذن منه وهذا
ل يجوز في آحاد كلم البشر فكيف بكلم ال جل وعل وكلم رسله صلوات
ال وسلمه عليهم ،ولن أدلة الشريعة إنما جاءت لرادة البيان والهدى ل
لللغاز والتعمية فكيف يخاطبنا الشارع بكلم له ظاهر وهو في حقيقة المر
ن منه لذلك ،فإن هذا القول يتضمن ل يريد منا أن نعتقد ظاهره من غير بيا ٍ
إخراج هذه النصوص عن مقصود إنزالها الذي هو الهداية ،ول در المام
العلمة ابن القيم لما جعله أي التأويل بهذا المعنى من جملة الطواغيت التي
أفسدت كثيرًا من عقول المسلمين وعلومهم وأدخلت عليهم التمثيل والتعطيل
والجير وإنكار القدر والوقيعة في خيار المة وسلفها فنعوذ بال من الخذلن
وزيغ القلوب بعد هدايتها وال أعلم .
ل
ل ا ُّ
س /212أيهما أرجح في الوقف في قوله تعالى ) َوَما َيْعَلُم َتْأِويَلُه ِإ ّ
ن ِفي اْلِعْلِم( )آل عمران :من الية (7أن يكون على لفظ الجللة خو َسُ
َوالّرا ِ
الذي هو السم الحسن أم يكون على لفظة } العلم {؟
231 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ج /أقول :فيه خلف بين العلماء ،والرجح أن هذا من قبيل خلف التنوع
ل التضاد ،فإن الوقف يختلف باختلف ما يقوم في قلب القاري من معاني
التأويل السابقة -أعني النوع الول والثاني فقط -لنهما المأثوران عن
السلف ،فإن قام في قلبه المعنى الول فالوقف على السم الحسن أي على
قوله } إل ال { لن الذي يعلم حقيقة ما أخبرت به الرسل على ما هو عليه
في الواقع من آيات الصفات واليوم الخر إنما هو ال تعالى ونحن وإن علمنا
معانيها لكن ل يعلم كيفياتها على ما هي عليه إل ال تعالى وأما إذا كان الذي
قام بقلب القارئ المعنى التأويل أي التفسير فالوقف التام على قوله
} والراسخون في العلم { وهذا اختيار أبي العباس شيخ السلم بن تيميه
رحمه ال تعالى .فإذا وقفت على السم الحسن فاعتقد المعنى الول وإذا
وصلت فأعتقد المعنى الثاني وال أعلم .
س /213ما مذهب أهل السنة في نفس ال تعالى مع بيان ذلك بالدلة من
الكتاب والسنة ؟ وهل هي من الصفات الذاتية أم الفعلية ؟
ج /أقول :يعتقد أهل السنة والجماعة أن ل تعالى نفسًا لئقة بجلله
وعظمته ،ليست كأنفس المخلوقين ،ومجرد اتفاق أسم نفسه مع أسم نفسنا
ل يستلزم اتفاقهما في كيفياتهما
ن ِبآياِتَنا
ن ُيْؤِمُنو َ ك اّلِذي َ
جاَء َكما قدمنا لك سابقًا ،والدليل قوله تعالى ) َوِإَذا َ
حَمَة ( )النعام :من الية (54فقد سِه الّر ْ
عَلى َنْف ِ
ب َرّبُكْم َ
عَلْيُكْم َكَت َ
سلٌم َ َفُقْل َ
أضاف النفس إليه وهي ل تقوم بذاتها فدل ذلك على أنها إضافة صفة إلى
موصوف جل ربنا وتعالى وتقدس عن أن تكون نفسه كنفس خلقه ،وعز
جلله وتعالت عظمته أن يكون عدمًا ل نفس له ،وقال تعالى لكليمه موسى
سي( ك ِلَنْف ِ
طَنْعُت َ
صَ سى َوا ْ عَلى َقَدٍر َيا ُمو َت َجْئ َ
عليه الصلة والسلم ) ُثّم ِ
سُه( )آل ل َنْف َحّذُرُكُم ا ُّ)طـه (40،41:فثبت أن ل نفسًا ،وقال تعالى ) َوُي َ
عمران :من الية (28وقال تعالى عن عيسى عليه السلم ) َتْعَلُم َما ِفي
ك( فثبت ل نفسًا إثباتًا بل تمثيل ونزهه عن مماثلة سَعَلُم َما ِفي َنْف ِ سي َول َأ َْنْف ِ
خلقه فيها تنزيهًا بل تعطيل ،وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ) يقول ال تعالى أنا مع عبدي حين يذكرني
ل ذكرته في م ٍ
ل فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في م ٍ
232 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
خير منهم ( متفق عليه وإضافة النفس هنا إضافة صفة إلى موصوف ،
وعن ابن عباس رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم حين خرج
إلى صلة الصبح وجويرية جالسة في المسجد فرجع حين تعالى النهار قال :
لم تزالي جالسة بعدي ؟ قالت نعم ،قال :قد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت
بهن لوزنتهن :سبحان ال وبحمده عدد خلقه ومداد كلماته ورضى نفسه وزنة
عرشه "رواه مسلم والشاهد منه قوله ) ورضى نفسه ( فقد أضاف النفس
إليه إضافة الصفة إلى الموصوف ،وعن أبي هريرة رضي ال عنه أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :لما قضى ال الخلق كتب كتابًا على
نفسه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي ( متفق عليه ،وعن
أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) التقى
آدم وموسى عليهما السلم فقال له موسى :أنت الذي أشقيت الناس أخرجتهم
من الجنة ،قال آدم :وأنت موسى الذي اصطفاك ال برسالته وبكلمه
واصطنعك لنفسه .....الحديث ( متفق عليه وعن أبي ذر رضي ال قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى ) إني
حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فل تظالموا....الحديث ( رواه
مسلم ،ومن الدلة القطعية أيضًا إجماع أهل السنة فقد أتفق أهل السنة
رحمهم ال تعالى على إثبات النفس ل تعالى على ما يليق بجلله وعظمته ،
وهو الذي نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا ،إذا علمت هذا فأعلم أن صفة النفس
من الصفات الذاتية التي ل تنفك عن ال تعالى ،وال أعلم
س /214ما مذهب أهل السنة في علم ال تعالى ؟ مع الدليل ؟ وهل هو من
الصفات الذاتية أم الفعلية ؟
ج /أقول :يعتقد أهل السنة رحمهم ال تعالى اعتقادًا جازما بيقين راسخ
أعظم من رسوخ الجبال الرواسي أن ال تعالى موصوف بالعلم الكامل
الشامل الذي لم يسبق بجهل فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان
ل وأبدًا قال كيف يكون وأنه من الصفات الذاتية التي ل تنفك عن ال تعالى أز ً
ن
ن ِم ْ ض َما َيُكو ُ ت َوَما ِفي اَْلْر ِ سَماَوا ِل َيْعَلُم َما ِفي ال ّ ن ا َّتعالى ) َأَلْم َتَر َأ ّ
بل ح اْلَغْي ِ
عْنَدُه َمَفاِت ُجَوى َثلَثٍة ِإّل ُهَو َراِبُعُهْم ......الية (وقال تعالى ) َو ِ َن ْ
ن َوَرَقٍة ِإّل َيْعَلُمَها َول ط ِم ْ
سُق ُ
حِر َوَما َت ْ
َيْعَلُمَها ِإّل ُهَو َوَيْعَلُم َما ِفي اْلَبّر َواْلَب ْ
ن ( وقال تعالى ب ُمِبي ٍ س ِإّل ِفي ِكَتا ٍب َول َياِب ٍ ط ٍ
ض َول َر ْ ت الَْْر ِ ظُلَما ِ
حبٍّة ِفي ُ َ
233 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
يءٍ
ش ْ ل ِبكُّل َ
ن ا َّ
ضُع ِإّل ِبِعْلِمِه ( وقال تعالى ) ِإ ّ ن ُأْنَثى َول َت َ حِمُل ِم ْ) َوَما َت ْ
ك َأْنَزَلُه ِبِعْلِمِه ( وفي حديث شَهُد ِبَما َأْنَزَل ِإَلْي َ
ل َي ْن ا ُّ
عِليٌم ( وقال تعالى ) َلِك ِ َ
الستخارة الطويل ) اللهم إني أستخيرك بعلمك الغيب ......الحديث ( وعن
ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) مفاتح الغيب
عِة َوُيَنّزُل
سا َ
عْلُم ال ّ
عْنَدُه ِ
ل ِن ا َّ خمس ل يعلمهن إل ال ثم قرأ هذه الية ) ِإ ّ
غدًا َوَما تَْدِري َنْفسٌ ب َس ُس َماَذا َتْك ِ حاِم َوَما َتْدِري َنْف ٌ ث َوَيْعَلُم َما ِفي اَْلْر َ
اْلَغْي َ
خِبيٌر ( وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال : عِليٌم َل َن ا َّت ِإ ّ
ض َتُمو ُي َأْر ٍ ِبَأ ّ
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) سبق علم ال في خلقه فهم صائرون
إليه ( أخرجه اللكائي رحمه ال تعالى في شرح العقائد ،ودل عليها العقل
أيضًا :وذلك من وجوه :
الول :أن العلم في حد ذاته صفة كمال في المخلوق ل نقص فيها وقد
تقرر في القواعد أن ما كان صفة كمال في المخلوق ل نقص فيها بوجه
فالخالق أولى بها .
الثاني :أن ال تعالى هو الذي أعطى المخلوق هذه الصفة التي هي
كمال في ذاتها ومعطي الكمال أولى بالكمال .
الثالث :أنه يستحيل أن يوجد هذا الكون العظيم على هذا النسق الرفيع
والنظام البديع وهو غير متصف بالعلم ،وقد أشتد نكير السلف على من
أنكرها حتى قالوا :ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خصوا وإن جحدوا كفروا
وقال المام أحمد ) :فإن قال الجهمي ليس له علم كفر ،وإن قال له علم
محدث كفر حيث زعم أن ال كان في وقت من الوقات ل يعلم حتى أحدث
له علمًا فعلم ( أ.هـ
وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وقد أنعقد الجماع على ذلك ول الحمد
والمنة وال أعلم .
س /215ما مذهب أهل السنة رحمهم ال تعالى في صفة الوجه وهل هو
من صفات الذات أم الفعل ؟ مع بيان ذلك بالدلة ؟
ج/يعتقد أهل السنة رفع ال نزلهم في الفردوس العلى أن ل تعالى وجهًا
ك ِإلّ
يٍء َهاِل ٌ
ش ْ
يليق بجلله وعظمته وهو من صفاته الذاتية ،قال تعالى ) ُكّل َ
جلِل َواِْلْكَرام ( وقال
ك ُذو اْل َ
جُه َرّب َ
) َوَيْبَقى َو ْ جَهه ( وقال تعالى
َو ْ
234 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
جَهُه (
ن َو ْ
ي ُيِريُدو َ شّن َرّبُهْم ِباْلَغَداِة َواْلَع ِ
عو َ ن َيْد ُ
ك َمَع اّلِذي َ سَصِبْر َنْف َ
) َوا ْ
وعن أبي موسى الشعري رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ) إن ال ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع
إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو
كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ( رواه مسلم ،
عَلى َأ ْ
ن وعن جابر رضي ال عنه قال لما نزلت هذه الية ) ُقْل ُهَو اْلَقاِدُر َ
ن َفْوِقُكْم ( قال النبي صلى ال عليه وسلم أعوذ بوجهك. عَذابًا ِم ْعَلْيُكْم َ
ث َ َيْبَع َ
جِلُكْم ( قال عليه الصلة والسلم أعوذ بوجهك .قال ) ت َأْر ُ
ح ِ ن َت ْ
قال ) َأْو ِم ْ
ض ( قال :هذه أهون أو أسهل ( س َبْع ٍ ضُكْم َبْأ َ
ق َبْع َ شَيعًا َوُيِذي َ
سُكْم ِ َأْو َيْلِب َ
رواه البخاري .وفي حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن عمار بن ياسر
رضي ال عنهما أنه سمع النبي صلى ال عليه وسلم يدعو يقول )) اللهم
بعلمك الغيب وقدرتك عن الخلق أجمعين .......وفيه " وأسألك لذة النظر إلى
وجهك "( وعن شقيق قال :كنا عند حذيفه فقام شبث بن ربعي فصلى فبصق
بين يديه فقال له حذيفة :يا شبث ل تبصق بين يديك ول عن يمينك فإن عن
يمينك كاتب الحسنات ولكن عن يسارك أو من ورائك فإن العبد إذا توضأ
فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلة أقبل ال عليه بوجهه فيناجيه فل ينصرف
عنه حتى ينصرف عنه أو يحدث حدث سوء .متفق عليه .وعن ابن عباس
رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :من استعاذ بال
فأعيذوه ومن سألكم بوجه ال فأعطوه ( رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح
،وقد اجمع أهل السنة والجماعة على إثبات هذه الصفة ل تعالى ،وهو ما
نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم .
من الصحابة والتابعين كانوا في معزل عن فهم ما أنزل عليهم ويفهمه هؤلء
ل عن كونه المتهوكون الضالون ،هذا ما ل يقوله عاقل يعلم ما يقول فض ً
مسلمًا .
الثاني :أنه مخالف لما يظهر من دللة النصوص ،فإن هذه الدلة قد
أضافت الوجه إلى ال تعالى إضافة الصفة إلى الموصوف والنصراف عن
هذا الظاهر المتبادر للفهم السليم ل يجوز إل بمقتضى دليل صارف ،ول
دليل يصرفنا عن الصل والظاهر والحقيقة ،فوجب البقاء عليه.
الثالث :أن يقال لهم :إنكم فررتم من إثبات الوجه ل تعالى خوفًا من
مماثلة ال بخلقه لن لهم وجوهًا وقلتم إنه الذات فبال عليكم أوليست لنا ذوات
؟ بالطبع نعم ،إذًا قد فررتم من شيء ووقعتم في مثله ،فإن قالوا :نحن
نقول هي ذات ليست كالذوات ،فنقول قولوا هذا القول في الوجه بادئ المر
واستريحوا وأريحوا ،وذلك لنه قد تقرر أن القول في الصفات فرع عن
ف وال أعلم. القول في الذات هذا مختصر الجواب عليهم وهو كا ٍ
( وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي ال عنه قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم ) إن ال تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ( وفي
المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم ) إن أحدكم ليتصدق بالتمرة من طيب ول يقبل ال إل طيبًا
فيجعلها ال تعالى في يده اليمنى ثم يربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير
مثل أحد ( وفي رواية " فيقع في كف الرحمن " وفي الصحيح أيضًا أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال ) يمين ال مل ل تغيضها نفقة سماء الليل
والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والرض فإنه لم يغيض ما في
يمينه ( وفي الصحيح أيضًا من حديث أبن عمر رضي ال عنه قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ) يقبض ال تعالى يوم القيامة سمواته
فيأخذهن بيمينه ويقبض الراضين ويأخذهن بيده الخرى ثم نهزهن فيقول :
أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ( وفي المتفق عليه من حديث حكيم
بن حزام رضي ال عنه قال :سألت النبي صلى ال عليه وسلم فألحفت في
المسألة فقال :يا حكيم ما أكثر مسألتك ؟إن هذا المال حلوة خضرة وإنما هو
أوساخ الناس وإن يد ال هي العليا ويد المعطي تليها ويد السائل أسفل من
ذلك ( وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال سمعت النبي صلى
ال عليه وسلم على منبره يقول :إن موسى سأل ربه فقال يا رب أخبرني
بأدنى أهل الجنة منزله ؟ .....وفيه ) فقال :يا رب فأخبرني بأعلهم منزله
قال :هذا ما أردت فسوف أخبرك ،قال :غرست كرامتهم بيدي وختمت
عليها ،لم تر عين ،ولم تسمع أذن ...الحديث ( وعن أبي سعيد الخدري
رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) تكون الرض يوم
القيامة خبزه واحدة في يكفوها الرحمن بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في
ل لهل الجنة ......الحديث ( وقد أتفق أهل السنة على إثبات هذه السفر ،نز ً
الصفة ل تعالى من غير تحريف ول تعطيل ول تمثيل ول تكييف لن ال
تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ،وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه
بألسنتنا ،وال أعلم .
237 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
س /219هل يوصف ال تعالى بالكف وهل إحدى يديه شمال ؟ وضح ذلك
بالدليل ؟
ج /أقول :نعوذ بال تعالى من أن نقول في صفات ال تعالى شيئًا ل دليل
عليه ،وبناًء عليه فهذا السؤال فيه فرعان :
الول :الكف فنحن يصف ال تعالى بأن له كفًا يليق بجلله وعظمته ل
تماثل كفوفنا والتفاق في السم ل يستلزم التفاق في المسمى ،والدليل على
ذلك حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى عليه وسلم
) إن أحدكم ليتصدق بالتمرة إذا كانت من الطيب ول يقبل ال إل طيبًا
فيجعلها الرحمن في كفه فيربها كما يربي أحدكم مهره أو فصيلة حتى تعود
في يده مثل الجبل ( وهو في الصحيح ،والشاهد من قوله " في كفه " ففيه
إضافة الكف ل تعالى ،وفي رواية "إل وهو يضعها في كف الرحمن "
فنحن نثبت ل تعالى ما أثبته لنفسه من غير تحريف ول تعطيل ومن غير
صيُر {.سِميُع اْلَب ِ
يٌء َوُهَو ال ّ
ش ْ
س َكِمْثِلِه َ
تكييف ول تمثيل بل نقول َ } :لْي َ
الثاني :أتفق أهل السنة والجماعة على إثبات اليدين ل تعالى وأنهما
يمين في البذل والعطاء والنفاق وأن إحداهما يمين في السم أيضًا ،هذا كله
238 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
متفق عليه ولكن اختلفوا في أسم اليد الخرى على قولين :فالكثر على أنها
يمين في السم أيضًا واستدلوا على ذلك بالحديث الذي فيه ) وكلتا يدي ربي
يمين مباركه ( وبحديث ) وكلتا يديه يمين ( وهما في الصحيح ،فهذه المسألة
أعني مسألة اسم اليد الخرى من المسائل التي ثبت فيها الخلف بين أهل
السنة ،وهو يسير والمرد عند الخلف إلى الكتاب والسنة ،وقد ذكرت دليل
من نفى تسميتها بالشمال ،وذهب بعض أهل السنة إلى أنها شمال في السم
فقط لكنها يمين في البذل والنفاق والعطاء ،أي هي يمين في الخير والبركة
واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رصي ال
عنهما ) يقبض ال تعالى سماواته فيأخذهن بيمينه ثم يهزهن فيقول أنا الملك
أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الرضين فيأخذهن بشماله فيهزهن
ويقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ( فأنت ترى هنا أنه سماها
بالشمال ،وقد قدح في هذه الزيادة جمع من أهل العلم ،ولكن ل داعي للقدح
فيها ول ردها ول دعوى أنها شاذة أو منكرة ،وبناًء عليه فنقول :إن كانت
هذه اللفظة محفوظة عن النبي صلى ال عليه وسلم فإننا نقول بها ونطلق
على اليد الخرى اسم الشمال ونقول فيها ما نقوله في سائر صفاته جل وعل
،من أنها شمال ل نقص فيها بوجه من الوجوه فنثبتها ل تعالى إثباتًا بل
ل فيتمثيل وننزه ال تعالى النقص تنزيهًا بل تعطيل ،لكن لبد من النظر أو ً
ثبوتها ،والبحث في حال عمر بن حمزة الذي يروي هذا الحديث عن سالم
عن ابن عمر ،وال أعلم .
والراضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع فيهزهن فيقول :أنا
الملك ،قال :فضحك النبي صلى ال عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا
ض جَِميعًا
ق َقْدِرِه َواَْلْر ُ
حّ ل َ لما يقول الرجل ،ثم قرأ ) َوَما َقَدُروا ا َّ
عّما
حاَنُه َوَتَعاَلى َ
سْب َ
ت ِبَيِميِنِه ُ
طِوّيا ٌ
ت َم ْ
سَماَوا ُ
َقْبضَُتُه َيْوَم اْلِقَياَمِة َوال ّ
ن ( .وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد ال بن عمرو رضي ال ُيشِْرُكو َ
عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :إن قلوب بني آدم كلها بين
ب واحد يصرفه كيف يشاء ( ثم قال " :اللهم إصبعين من أصابع الرحمن كقل ٍ
مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك " وهذا الحديث مروي عن عدة
من الصحابة ،منهم النواس بن سمعان الكلبي وعائشة أم المؤمنين وأبو ذر
جندب بن جنادة رضي ال عنهم وعن سائر أصحابه صلى ال عليه وسلم ،
وقد أجمع أهل السنة على إثبات هذه الصفة على ما يليق بجلل ال وعظمته
وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم .
س /221ما مذهب أهل السنة في صفة العين مع بيان ذلك بالدلة وهل هي
من صفات الذات أم الفعل ؟
ج /يعتقد أهل السنة رحمهم ال تعالى وغفر لهم وجمعنا بهم في الجنة أن ل
عينين اثنتين ذاتيتين لئقتين به جل وعل ،وأنها ل تماثل أعين العباد ،
عُيِنَنا (
جِري ِبَأ ْ
والتفاق في السم ل يستلزم التفاق في المسمى قال تعالى ) َت ْ
عْيِني( )طـه :من الية عَلى َ
صَنَع َ
)القمر :من الية (14وقال تعالى ) َوِلُت ْ
عُيِنَنا َوَوحِْيَنا ( )هود :من الية (37وقال ك ِبَأ ْ
صَنِع اْلُفْل َ
(39وقال تعالى ) َوا ْ
عُيِنَنا ( )الطور :من الية (48وعن ابن ك ِبَأ ْ
ك َفِإّن َحْكِم َرّب َ
صِبْر ِل ُ
تعالى ) َوا ْ
عمر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :إن ربكم
ليس بأعور إل إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية (
متفق عليه ،فنفي العور عنه جل وعل دليل على أن له عينين اثنتين لئقتين
به جل وعل ،وقال عليه الصلة والسلم ) إذا قام العبد في الصلة قام بين
عيني الرحمن فإذا التفت قال له ربه :تلتفت إلى خير لك مني ؟ ...الحديث
وفيه مقال .
وقد أجمع أهل السنة على إثبات ذلك وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا
ول الحمد والمنة وال أعلم .
240 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ضلله ،فل نقل ول عقل عند هؤلء الغبياء و إنما هو التخرص والهوى
وإتباع الشهوات ،فهذه الصفات الواردة في السؤال قد وردت به الدلة فنحن
نثبتها ل تعالى إثباتًا بل تمثيل وننزه ال تعالى من مماثلة خلقه تنزيهًا بل
تعطيل وهذه الصفات من صفات الذات التي ل تنفك عن ال تعالى ،ففي
الصحيحين عن انس بن مالك رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ) ول يزال جهنم يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد حتى يضع
رب العزة فيها رجله وفي رواية عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض
وتقول قط قط ( فقد أضاف الرجل والقدم إليه إضافة الصفة إلى الموصوف ،
ول يصح إن يقال إن الرجل هنا :طائفة من الخلق فإن هذا مخالف لظاهر
الدليل بل برهان ومخالف لما تقرر في منهج السلف رحمهم ال تعالى ,وفي
الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم ) تحاجت الجنة والنار فقالت النار :أوثرت بالمتكبرين
والمتجبرين ،وقال الجنة :مالي ل يدخلني إل ضعفاء الناس وسقطهم ؟ فقال
ال عز وجل للجنة :إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ،وقال
للنار :إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ،ولكل واحدة منكما
ملؤها ،فأما النار فل تمتلئ حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط
........الحديث ( فهنا أضاف الرجل إليه إضافة الصفة إلى الموصوف لن
الرجل والقدم مما ل يقوم بذاته وقد تقرر لنا سابقًا أن العيان التي يضيفها
ال إليه وهي مما ل يقوم بذاته فإنها إضافة صفة إلى موصوف .وروى
مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد نحوه ،وروى أحمد عن أبي سعيد أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) افتخرت الجنة والنار .......فذكر
الحديث وفيه ....فيلقى في النار أهلها فتقول هل من مزيد قال ويلقى فيها
وهي تقول هل من مزيد ،قال فيلقى فيها وهي تقول :هل من مزيد ،حتى
يأتيها ال عز وجل فيضع عليها قدمه فتنزوي وتقول :قدني قدني ......
الحديث ( وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الطويل ...وفيه ) فيكشف
رب العزة عن ساقه فيسجد له كل من كان يسجد في الدنيا ويبقى من كان
يسجد رياًء وسمعة فيذهب كما يسجد فينقلب ظهره طبقًا واحدًا ( والشاهد منه
قوله" ساقه " فإضافة الساق إلى ال تعالى إضافة حقيقية وهي من قبيل
242 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
إضافة الصفة على الموصوف ،وقد أجمع أهل السنة والجماعة رحمهم ال
تعالى على ذلك ،وهو الذي نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم .
س /224ما مذهب أهل السنة في صفة الكلم ،مع بيان ذلك بالدلة ؟
وهل هو من صفات الذات أم الفعل ؟
ج /يعتقد أهل السنة والجماعة رحمة ال عليهم وأجزل لهم الجر والمثوبة
وجزاهم ال تعالى خير ما جزى عالمًا عن أمته أن ال تعالى موصوف
بالكلم ،فهو جل وعل يتكلم بما شاء كيفما شاء متى شاء ،وأن كلمه جل
وعل بحرف وصوت يسمعه من شاء ال أن يسمعه وأنه من صفات الذات
باعتبار أصل الصفة ومن صفات الفعل باعتبار آحاده وإفراده ،وهذا معنى
قول أهل السنة رحمهم ال تعالى " كلم ال قديم النوع حادث الحاد" وهذه
الصفة من الصفات التي كثرت الدلة عليها وتنوعت في دللتها ،قال تعالى
سى َتْكِليمًا ( )النساء :من الية (164وقال تعالى ) ِمْنُهْم ل ُمو َ َ ):وَكّلَم ا ُّ
ن ا ِّ
ل ق ِم َ صَد ُ ن َأ ْ ل ( )البقرة :من الية (253وقال تعالى ) َوَم ْ ن َكّلَم ا َُّم ْ
عْدًل ل صْدقاً َو َ ك ِ ت َرّب َت َكِلَم ُ حِديثًا( )النساء :من الية (87وقال ) َوَتّم ْ َ
جاَء سِميُع اْلَعِليُم ( )النعام (115:وقال تعالى ) َوَلّما َ ُمبَّدَل ِلَكِلَماِتِه َوُهَو ال ّ
سى ِلِميَقاِتَنا َوَكّلَمُه َرّبُه ( )لعراف :من الية (143وقال تعالى ُمو َ
جّيا( )مريم (52:وقال تعالى ن َوَقّرْبَناُه َن ِ
طوِر الَْْيَم ِب ال ّ جاِن ِ ن َ) َوَناَدْيَناُه ِم ْ
ن َلُكَما طا َ شيْ َن ال ّ جَرِة َوَأُقْل َلُكَما ِإ ّ شَ ن ِتْلُكَما ال ّعْ ) َوَناَداُهَما َرّبُهَما َأَلْم َأْنَهُكَما َ
شِرِكي َ
ن ن اْلُم ْ حٌد ِم َ ن َأ َ
ن( )لعراف :من الية (22وقال تعالى ) َوِإ ْ عُدّو ُمِبي ٌَ
ك ِبَأّنُهْم َقْوٌم ل ل ُثّم َأْبِلْغُه َمْأَمَنُه َذِل َ
سَمَع َكلَم ا ِّ حّتى َي ْ جْرُه َ ك َفَأ ِ جاَر َ
اسَْت َ
جْبُتُم
ن( )التوبة (6:وقال تعالى ) َوَيْوَم ُيَناِديِهْم َفَيُقوُل َماَذا َأ َ َيْعَلُمو َ
ل ِإّلن ُيَكّلَمُه ا ُّ شٍر َأ ْن ِلَب َن ( )القصص (65:وقال تعالى ) َوَما َكا َ سِلي َ
اْلمُْر َ
عِل ّ
ي شاُء ِإّنُه َ ي ِبِإْذِنِه َما َي َ حَ سوًل َفُيو ِ سَل َر ُب َأْو ُيْر ِ
جا ٍ حَن َوَراِء ِ حيًا َأْو ِم ْ َو ْ
حِكيٌم ( )الشورى(51: َ
وكل آية فيها :وقال ال فإنها دليل على إثبات هذه الصفة ،وفي الصحيحين
أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :ما منكم من أحد إل وسيكلمه ربه ليس
بينه وبينه ترجمان ( وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس في قصة
جلوس جويرية بعد الفجر إلى تعالي النهار فقال النبي صلى ال عليه وسلم
243 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
) قد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلت لوزنتهن ،سبحان ال وبحمده
عدد خلقه ومداد كلماته ورضا نفسه وزنة عرشه ( والشاهد قوله " ومداد
كلماته " وثبت في الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :من نزل
ل فقال أعوذ بكلمات ال التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى منز ً
يرحل عن منزله ذلك ( رواه مسلم فدل ذلك على أن ال موصوف بالكلم
وأنه ليس بمخلوق إذ ل تصح الستعاذة بمخلوق فلما استعاذ بكلمات ال
التامات دل ذلك على أنها ليست بمخلوقه ،وعن أبي سعيد الخدري رضي
ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :يقول ال تعالى يوم
القيامة :يا آدم فيقول :لبيك وسعديك ،فينادي بصوت إن ال يأمرك أن
تخرج بعث النار ....الحديث ( والشاهد منه " يقول ال " وكذلك " فينادي
بصوت " فإن فيه أن كلم ال تعالى بصوتٍ وروى أبو يعلى الموصلي عن
عبد ال بن أنيس قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) :يحشر
ل ،فيناديهم بصوت يسمعه ال العباد أو قال :يحشر الناس حفاة عراة غر ً
من بعد كما يسمعه من قرب :أنا الملك أنا الديان ( ورواه المام أحمد في
المسند أيضًا ،وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا ) إن ال
تعالى إذا أحب عبدًا نادى يا جبريل أني أحب فلنًا فأحبه فيحبه جبريل
فينادي جبريل في أهل السماء إن ربكم يحب فلنًا فأحبوه فيحبه أهل السماء
فيوضع له القبول في الرض وإن ال تعالى إذا بغض عبدًا نادى يا جبريل
إني أبغض فلنًا فأبغضه فيبغضه جبريل فينادي جبريل إن ربكم عز وجل
يبغض فلنًا فأبغضوه .......الحديث( وعن جابر رضي ال عنه قال :كان
النبي صلى ال عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول ) :هل
من رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلم ربي عز
وجل ....الحديث (رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح ،وعن أبي هريرة
رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) فضل كلم ال
على سائر الكلم كفضل ال تعالى على سائر خلقه ( حديث حسن بطرقه
وشواهده ،وثبت في أحاديث كثيرة قوله صلى ال عليه وسلم ) ثلثة ل
يكلمهم ال ( وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا ) إن ال
تبارك وتعالى يقول يا أهل الجنة :فيقولون لبيك وسعديك فيقول ) هل
رضيتم ......وفيه فيقول أحل عليكم رضواني فل اسخط عليكم أبدًا (
244 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
رحمه ال تعالى :وقد أدرك عمرو بن دينار أجلًة أصحاب النبي صلى ال
عليه وسلم مثل جابر بن عبدال وأبي سعيد الخدري وعبدال بن عمر وأبن
عباس وعبدال بن الزبير وأجلًة من التابعين وعلى هذا مضى صدر هذه
المة وسند الثرين صحيح .وقال معاوية بن عمار الذهيني قلت لجعفر
يعني أبن محمد :إنهم يسألون عن القرآن مخلوق هو ؟ قال ) :ليس بخالقٍ
ول مخلوق ولكنه كلم ال عز وجل ( وسنده صحيح ،وقال عبدال بن نافع
كان مالك بن أنس إمام دار الهجرة يقول ) :كلم ال موسى ( ويقول ) القرآن
كلم ال ( وكان يستفضع قول من يقول القرآن مخلوق " وسنده صحيح ،
وسئل سفيان بن عيينه رحمه ال تعالى عن القرآن فقال " كلم ال وليس
بمخلوق " وسنده إليه جيد ،وقال عبدال بن المبارك رحمه ال تعالى
) القرآن كلم ال تعالى ليس بخالق ول مخلوق ( وسنده صحيح عنه ،وقال
وكيع بن الجراح رحمه ال تعالى ) القرآن كلم ال عز وجل ليس بمخلوق (
وسنده صحيح عنه ،وقال يزيد بن هارون رحمه ال تعالى ) من قال القرآن
مخلوق فهو كافر ( وسنده صحيح عنه ،وقال عبدال بن إدريس الثقة الثبت :
) القرآن كلم ال ومن ال وما كان من ال عز وجل فليس بمخلوق ( وسنده
صحيح عنه ،والثار في ذلك كثيرة شهيرة ونكتفي بذلك خوف الطالة
والملل .
الثالث :أن القرآن من ال بدأ وإليه يعود ،والمراد بقولهم ) :منه بدأ (
أي أن ال تعالى هو الذي تكلم به ابتداًء كما قال تعالى } قل نزله روح
ن
ن َلُد ْ
صَلتْ ِم ْ
ت آَياُتُه ُثّم ُف ّ
حِكَم ْ
ب ُأ ْالقدس من ربك { وقال تعالى ) الر * ِكَتا ٌ
عِليٍم (ن حَِكيٍم َن َلُد ْ
ن ِم ْ
ك َلُتَلّقى اْلُقْرآ َ
خِبيٍر ( )هود (1:وقال تعالى ) َوِإّن َ
حِكيٍم َ
َ
)النمل(6:
وكل آية فيها إثبات تنزيل القرآن من ال تعالى فهي دليل على أنه منه
بدأ ،وأما قولهم ) وإليه يعود ( ففيه تفسيرين أصحهما أن المراد أن كلم
ال تعالى يسرى عليه في ليلٍة فيرفع من المصاحف وصدور الحفاظ فل تبقى
في الرض منه آية ،أسأل ال تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن
يقبض روحي وإياك قبل أن يرفع كلمه من بيننا فعن حذيفة رضي ال عنه
ل فيصبح قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) يسرى على كتاب ال لي ً
الناس ليس في الرض ول جوف مسلم منه آية ( حديث صحيح ،ومثله
247 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
أيضًا حديث أبي هريرة رضي ال عنه فهذا المرفوع ،وأما الموقوف فعن
أبي هريرة رضي ال عنه قال ) يسرى على كتاب ال فيرفع إلى السماء فل
يصبح في الرض آية من القرآن ول من التوراة ول من النجيل ول من
الزبور وينتزع من قلوب الرجال فيصبحون ول يدرون ما هو ( حديث
صحيح .
وعن شداد بن معقل أن عبدال بن مسعود رضي ال عنه قال ) :لينتزعن
هذا القرآن من بين أظهركم ‘ فقال له شداد بن معقل :يا أبا عبدالرحمن كيف
ينتزع وقد أثبتناه في صدورنا وأثبتناه في مصاحفنا ،فقال ابن مسعود
يسرى عليه في ليلة فل يبقى في قلب عبٍد منه ول مصحف منه شيء
ويصبح الناس فقراء كالبهائم ثم قرأ عبدال } ولئن شئنا لنذهبن بالذي
أوحينا إليك ثم ل تجد لك به علينا وكيل {وإسناده صالح ،وهذان الثران ل
يقال مثلهما بالرأي لنه من أمور الغيب فلهما حكم الرفع ،وقول السلف
) منه بدأ ( فيه رد على الجهمية الذين قالوا :بدأ من غيره ،وقولهم ) وإليه
يعود ( فإنه يسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصدور فل يبقى في
الصدور منه كلمة ول في المصاحف منه حرف ،قاله شيخ السلم أبن
تيميه رحمه ال تعالى فهذا اعتقادنا في القرآن الكريم ،أنه كلم ال تعالى
وأنه منزل غير مخلوق وأنه من ال بدأ وإليه يعود وهذا ما نعتقده بقلوبنا
وننطقه بألسنتنا وندرسه لطلبنا في الحلقات والمدارس .وال أعلم .
س /226هل يصح إطلق القول بأن لفظي بالقرآن مخلوق أو قول لفظي
بالقرآن غير مخلوق ؟ وضح ذلك بالتفصيل ؟
ل بل الواجب ج /ل يصح إطلق القول بهذا ول بهذا ،ول التحدث به أص ً
السكوت عنه وعدم الخوض فيه ،وهذا هو السلم للمرء في دينه لكن إذا
ابتليت بمن يسأل عنه أو ثارت فتنة في زمنك قيل فيها أحد هذين القولين
فأجب بما يلي :
أن المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن اللفاظ الجملة ل تقبل مطلقًا ول ترد
مطلقًا وإنما هي موقوفة على الستفصال ليتميز حقها من باطلها فيقبل الحق
ويرد الباطل ،وهاتان الكلمتان الواردتان في السؤال هما من اللفاظ المجملة
،فمن أطلق القول بأن ألفاظنا بالقرآن مخلوقه فهو جهمي ،ومن أطلق القول
248 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
بأن ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقه مبتدع ،هكذا ورد عن إمام أهل السنة أحمد
بن حنبل رحمة ال عليه وعلى سائر علماء أهل السنة ،فالمر فيه تفصيل إذ
أنه ل بد أن يفرق بين اللفظ والملفوظ به فمن قال لفظي بالقرآن مخلوق إن
كان يقصد لفظه هو من نبرات صوته وحركة لسانه ولهاته فهذه لشك أنها
مخلوقه وإن كان يقصد الملفوظ به فهو قول باطل لن ما تلفظ به هو القرآن
وهو كلم ال منزل غير مخلوق ،فالصوت واللحان صوت القاري لكنما
المتلو قول الباري ،وأصل هذه الكلمة إنما قالها المعتزلة وذلك أنه لما خبت
نارهم وانكسرت شوكتهم في عهد المتوكل رحمه ال تعالى ولم يستطيعوا أن
يصرحوا بمذهبهم في القرآن كما كانوا يصرحون به في عهد المأمون
والمعتصم والواثق ،بحثوا عن كلمة مجملة يستطيعون بها نفث سمومهم بين
أهل السنة من حيث ل يشعر بهم أحد فبدل أن يقولوا :القرآن مخلوق ،
قالوا :ألفاظنا بالقرآن مخلوقه ،فاستعجل بعض الغيورين من أهل السنة عفا
) ألفاظنا بالقرآن غير ال عنه وأراد أن يرد كلمتهم هذه بما يناقضها فقال
مخلوقه ( وكل الطلقين مجمل كما تقدم وقد تبين لنا أن من قال لفظي
بالقرآن مخلوق إن كان يقصد صوته هو من نبرات كلمه وحركات لسانه
وشفتيه ولهاته وفكيه فهذا صحيح وإن كان يقصد الملفوظ به والمقروء
والمتلو فهذا باطل وهو ما يريده المعتزلة بقولهم هذا لكنهم تستروا وراء هذه
اللفظة المجملة ولذلك قال أهل السنة من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو
جهمي لن القرآن وإن كتب في المصاحف وقرئ باللسنة وحفظ في
الصدور فإنه ل يخرج بذلك عن كونه كلم ال منزل غير مخلوق من ال بدأ
وإليه يعود.
وأما من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فل يخلو من حالتين إن كان يقصد
بذلك ما تلفظ به أي الملفوظ والمقروء والمتلو فهذا صحيح ل غبار عليه وهو
عين اعتقاد أهل السنة رحمهم ال تعالى وإن كان يقصد صوته هو وحركات
لسانه ولهاته وشفتيه وفكيه فهذا باطل لن هذه الشياء مخلوقه ،وبهذا
التفصيل أجاب أهل السنة عن هذه اللفاظ المجملة وهذا هو الحق في هذه
المسألة وهو الذي نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال تعالى أعلى وأعلم .
249 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
العموم كلم ال وهو خارج منه بالجماع ،فأين عقولكم ،فحق هؤلء شفقة
بهم وإحسانًا إليهم أن يدخلوا في المصحات العقلية لخذ العلج اللزم ،
عافانا ال وإياك من كل بلء وقال أهل السنة أيضًا :أيها المعتزلة :قال
ل ( )النعام :من الية (19فهذا يثبت شَهاَدًة ُقِل ا ُّ
يٍء َأْكَبُر َ ش ْي َ تعالى ) ُقْل َأ ّ
أن ال تعالى شيء وصفاته شيء وهو أكبر الشياء جل وعل ،فهل يدخل
في هذا العموم ؟ بالطبع سيقولون ل ،فقل ،إن القرآن كلم ال وكلمه
صفته وصفته غير مخلوقه فكيف أدخلتموه في هذا العموم وال أعلم .
عَرِبّيا ( )الزخرف: جَعْلَناُه ُقْرآنًا َ
ومن أدلتهم :أيضًا قوله تعالى ) ِإّنا َ
من الية ((3فقالوا :الجعل هنا هو الخلق فيكون المعنى إنا خلقناه قرآنا
عربيًا ،فقال أهل السنة ،وهذا الستدلل أيضًا ساقط وما فهمتموه من الدليل
ليس بشيء وبيان ذلك أن :
ن فتأتي بمعنى ) خلق ( وتأتي بمعنى ) جعل ( في اللغة العربية لها معا ٍ
) صَّير ( والقاعدة فيها :أن ) جعل ( إذا كانت ل تتعدى إل إلى مفعول واحد
صّير ( فهي بمعنى ) خلق ( وإذا كانت تتعدى إلى مفعولين فهي بمعنى ) َ
ت َوالّنوَر ( )النعام: ظُلَما ِجَعَل ال ّ فمن أمثلة مجيئها بمعنى خلق قوله تعالى ) وَ َ
من الية (1فهنا بمعنى وخلق الظلمات والنور لنها لم تتعدى إل لمفعول
واحد ،ومنه قوله تعالى } هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها
زوجها { أي وخلق منها زوجها لنها لم تتعدى إل إلى مفعول واحد فقط .
صّير ومن ذلك قوله تعالى وأما إذا تعددت إلى مفعولين فإنها تكون بمعنى َ
خْلَفَها ( )البقرة :من الية (66فإن ن َيَدْيَها َوَما َ جَعْلَناَها َنَكاًل ِلَما َبْي َ
) َف َ
ل( ) فجعلناها ( والمفعول الثاني ) نكا ً المفعول الول ) ها ( في قوله
جَعُلوا اْلَملِئَكَة ل ،ومنه قوله تعالى ) َو َ فيكون هنا بمعنى فصيرناها نكا ً
ن ِإَناثًا ( )الزخرف :من الية (19فإن المفعول الول ) حَم ِ عَباُد الّر ْن ُهْم ِ اّلِذي َ
الملئكة ( والمفعول الثاني ) إناثًا ( فتكون بمعنى صير أي وصير الملئكة
عَرِبّيا َلَعّلُكْم
جَعْلَناُه ُقْرآنًا َ
باعتقادهم الفاسد إناثًا ،ومنه قوله تعالى ) ِإّنا َ
ن ( )الزخرف (3:فالمفعول الول الضمير والمفعول الثاني ) قرآنًا ( َتْعِقُلو َ
والمعنى إنا صيرنا أو قلنا قرآنًا عربيًا ،هذا تفهمه العرب من كلمها ،ول
عبرة بفهم العاجم والنباط وسقطة فارس والروم ،وبال عليك هل يفهم
جَعُلوا اْلَملِئَكَة ( )الزخرف :من الية (19أي عاقل من قوله تعالى ) َو َ
251 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ف َمْأُكوٍل ( )الفيل (5:أو ص ٍ جَعَلُهْم َكَع ْوخلقوا الملئكة ؟ ومن قوله تعالى ) َف َ
فخلقهم كعصف مأكول؟ هل يفهم عاقل أن ) جعل ( هنا بمعنى خلق ؟ولكن
المعتزلة قوم بهت وال يحفظنا وإياك من زلل القول والفهم وال أعلم .
ن َرّبِهْم ُمحَْد ٍ
ث ن ِذْكٍر ِم ْ ومن أدلتهم أيضًا :قوله تعالى ) َما َيْأِتيِهْم ِم ْ
ن
ن( )النبياء (2:ومثلها قوله تعالى ) َوَما َيْأِتيِهْم ِم ْ سَتَمُعوُه َوُهْم َيْلَعُبو َ ِإّل ا ْ
ن( )الشعراء (5:فقالوا : ضي َعْنُه ُمْعِر ِ ث ِإلّ َكاُنوا َ حَد ٍ
ن ُم ْ حَم ِ
ن الّر ْ ِذْكٍر ِم َ
والمحدث هو المخلوق ،فقال أهل السنة رحمهم ال تعالى :إن
ث ( من الحدوث وهو كون الشيء بعد أن لم يكن والقرآن العظيم حَد ٍقوله) ُم ْ
حين كان ينزل ،كان كلما نزل منه شيء كان جديدًا على الناس لم يكونوا
علموه من قبل فهو محدث بالنسبة إلى الناس ،أل تراه قال ) َما َيْأِتيِهْم ( ؟
فهو محدث إليهم حين يأتيهم ،ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ) إن ال يحدث
لنبيه ما شاء وإن مما أحدث لنبيه أن ل تكلموا في الصلة ( فهل يكون
المعنى :إن ال يخلق لنبيه ما شاء ؟ بالطبع ل ،وإنما المراد أنه تعالى يشرع
من التشريع الجديد ما شاء وإن مما شرع أل تكلموا في الصلة ،فقوله
) محدث ( أي بالنسبة إلى لعباد أي جديد عليهم ،فيكون المعنى :أنه كلما
أتاهم ذكر جديد من ربهم أي نزل عليهم شيء جديد من القرآن استمعوه وهم
ساهون غافلون لعبون متشاغلون معرضون فليس المحدث هنا هو المخلوق
،قال أبو العباس قدس ال روحه ) :المحدث في الية ليس هو المخلوق
الذي يقوله الجهمي ولكنه الذي نزل جديدًا فإن ال كان ينزل القرآن شيئًا بعد
ل هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخرًا وكل ما تقدم على شيء ،فالمنزل أو ً
غيره فهو لغة العرب ( أ.هـ
ومن أدلتهم أيضًا :قوله تعالى في عيسى عليه الصلة والسلم ) ِإّنَما
ل َوَكِلَمُتُه َأْلَقاَها ِإَلى َمْرَيَم( )النساء :من سوُل ا ِّ ن َمْرَيَم َر ُ سى اْب ُعي َ ح ِ سي ُاْلَم ِ
سي ُ
ح سُمُه اْلَم ِك ِبَكِلَمٍة ِمْنُه ا ْ
شُر ِل ُيَب ّ
ن ا َّ الية (171وقال تعالى ) َيا َمْرَيُم ِإ ّ
ن َمْرَيَم ( )آل عمران :من الية (45وعيسى مخلوق فتكون الكلمة سى اْب ُ عي َ ِ
مخلوقة ،فقال أهل السنة :إن عيسى عليه الصلة والسلم ليس هو ) كن (
عْنَد الِّ َكَمَثِل آَدَم سى ِ عي َن َمَثَل ِ وإنما هو المكون بـ) كن ( كما قال تعالى ) ِإ ّ
ن( )آل عمران (59:وقال تعالى ) َقاَل ْ
ت ن َفَيُكو ُب ُثّم َقاَل َلُه ُك ْ ن ُتَرا ٍخلََقُه ِم ْ
َ
شاُء ِإَذا
ق َما يَ َ خُل ُ
ل َي ْ
ك ا ُّشٌر َقالَ َكَذِل ِسِني َب َ س ْ ن ِلي َوَلٌد َوَلْم َيْم َ ب َأّنى َيُكو ُ َر ّ
252 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
جيد ولذلك قال أهل السنة :إن من كفر بحرف منه فقد كفر به كله ،فهذا
يفيدك أن كلم ال تعالى بحرف وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال
أعلم .
قال قلت ) :ال ل إله إل هو الحي القيوم ( قال فضرب في صدري وقال "
وال ليهنك العلم أبا المنذر " رواه مسلم في صحيحه ،وعن أبي سعيد
ل يقرأ ) قل هو ال أحد ( يرددها ل سمع رج ً الخدري رضي ال عنه أن رج ً
فلما أصبح جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن
الرجل يتقالها ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها
لتعدل ثلث القرآن( رواه البخاري وغيره ،وقال الشيخ تقي الدين :
والصواب الذي عليه جمهور السلف والئمة أن بعض كلم ال أفضل من
بعض كما دل عليه الشرع والعقل أهـ
وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم .
ش( )يونس :من الية (3وقال عَلى اْلَعْر ِسَتَوى َسّتِة َأّياٍم ُثّم ا ْ
ض ِفي ِ َوالَْْر َ
ض َوَما َبْيَنُهَما ِفي
ت َواَْلْر َ
سَماَوا ِق ال ّ
خَل َ
تعالى في سورة الفرقان ) :اّلِذي َ
خِبيرًا ( )الفرقان(59: سَأْل ِبِه َ
ن َفا ْ
حَم ُ
ش الّر ْ
عَلى اْلَعْر ِسَتَوى َ ستِّة َأّياٍم ُثّم ا ْ
ِ
وقد أجمع أهل السنة رحمهم ال تعالى على إثبات هذه الصفة وأنه استواء
حقيقة على ما يليق بجلله وعظمته ،تعالى ال وتقدس على مماثلة خلقه في
شيء من صفاته جل وعل ،والستواء من الصفات الفعلية .وهذا ما نعتقده
بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم .
يحرفوا هذه الصفة بالستيلء ،فقالوا :معنى استوى استولى ،وهذا تحريف
للكلم عن مواضعه ويلزم منه أن العرش كان مملوكًا لغيره جل وعل ثم
استولى عليه ،وهو مخالف لدللة اللغة ومخالف لمنهج السلف والدهى
والمر أنهم يحرفون نصوص الستواء ويخرجونها عن دللتها لبيت من
الشعر ل يعرف قائله كل ذلك سببه لنهم مثلوا استواء ال على عرشه
باستواء المخلوق على ظهور الفلك والرواحل ولو أنهم قالوا بما قال به أهل
السنة لما لزم عليهم هذه اللوازم الباطلة التي بنيت على باطل ،فالقوم
ل إلى باطل نعوذ بال من حال أهل الهواء والبدع وال يتقلبون من باط ٍ
أعلم .
ن
ن َرّبُهْم ِم ْ خاُفو َومن الوجه :التصريح بالفوقية لقوله تعالى ) َي َ
ل َفْو َ
ق ن ( )النحل (50:وقال تعالى ) يَُد ا ِّ ن َما ُيْؤَمُرو َ َفْوِقِهْم َوَيْفَعُلو َ
َأْيِديِهْم ( )الفتح :من الية (10وفي الحديث ) لقد حكمت فيكم بحكم ال
من فوق سبع سماوات (
ومن الوجه :التصريح بأن الشياء تنزل من عنده ،كقوله تعالى
ن( )الحجر (9:وقوله تعالى ) َوَنّزْلَنا ظو َحاِف ُن َنّزْلَنا الّذْكَر َوِإّنا َلُه َل َ
حُ ) ِإّنا َن ْ
يء( )النحل :من الية (89واليات في هذا المعنى ش ْب ِتْبَيانًا ِلُكّل َ ك اْلِكَتا َ
عَلْي َ
َ
كثيرة .
ومن الوجه :التصريح بصعود الشياء ورفعها إليه كقوله تعالى
ح َيْرَفُعُه( )فاطر :من الية (10 صاِل ُب َواْلَعَمُل ال ّ طّي ُ صَعُد اْلَكِلُم ال ّ
) ِإَلْيِه َي ْ
ل ِإَلْيِه ( )النساء :من الية (158 وقوله تعالى عن عيسى ) َبْل َرَفَعُه ا ُّ
وكحديث عروجه صلى ال عليه وسلم الطويل إلى السماء السابعة وفرض
الصلة عليه هناك .
ومن الوجه :التصريح بعروج الملئكة والمر إليه كقوله تعالى
سَنٍة(
ف َ ن َأْل َ سي َخْم ِ ن مِْقَداُرُه َ ح ِإَلْيِه ِفي َيْوٍم َكا َ ج اْلَملِئَكُة َوالّرو ُ ) تَْعُر ُ
ض ُثّم َيْعُر ُ
ج سَماِء ِإَلى اَْلْر ِ ن ال ّ
)المعارج (4:وقوله تعالى ) ُيَدّبُر الَْْمَر ِم َ
ن( )السجدة (5:ول تعرج إل سَنٍة ِمّما َتُعّدو َ ف َ ن ِمْقَداُرُه َأْل َ ِإَلْيِه ِفي َيْوٍم َكا َ
لمن كان في العلو .
ومن الوجه :التصريح بأنه استوى على العرش ،والعرش هو سقف
المخلوقات وأعلها كما في اليات التي سقناها في إثبات صفة الستواء .
ن ِفي ومن الوجه :التصريح بأنه في السماء كقوله تعالى ) َأَأِمْنُتْم َم ْ
ن
سَماِء َأ ْ ن ِفي ال ّ ي َتُموُر * َأْم َأِمْنُتْم َم ْ ض َفِإَذا ِه َف ِبُكُم الَْْر َ س َ خ ِن َي ْ
سَماِء َأ ْال ّ
ف َنِذيِر( ) الملك 16:ـ (17وكقول ن َكْي َ سَتْعَلُمو َ صبًا َف َ
حا ِ عَلْيُكْم َ
سَل َ ُيْر ِ
الجارية ) في السماء ( وأقرأها النبي صلى ال عليه وسلم وشهد لها
باليمان .
ومن الوجه :التصريح بأنه ترفع إليه اليدي في الدعاء كحديث ) إن
ال تعالى يستحي من عبده إذا رفع اليدين أن يردهما صفرًا ( ول ترفع إل
لمن كان في العلو .
258 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ومن الوجه :التصريح بأنه ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل
الخر كما سيأتي سياقه في الحاديث إن شاء ال تعالى ،ول ينزل إل من
كان في العلو .
ومن الوجه :الشارة الحسيه إليه إلى العلو كما أشار إليه من هو
أعلم بربه وما يجب له ويمتنع عليه من جميع البشر لما كان بالمجمع العظم
الذي لم يجتمع لحد مثله في اليوم العظم قال لهم :إنكم مسؤولون فماذا أنتم
قائلون ؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فرفع إصبعه الكريمة إلى
ل اللهم اشهد اللهم اشهد ( وغير ذلك من الوجه ، السماء وينكبها إليهم قائ ً
فإنها تدل دللة قطعية على إثبات هذه الصفة ل تعالى ،ل كما يقوله
المعطلون الجاحدون المخالفون للمنقول والمناقضون للمعقول وفي صحيح
البخاري عن أنس رضي ال عنه قال :كانت زينب تفتخر على أزواج النبي
صلى ال عليه وسلم وتقول :زوجكن أهاليكن وزوجني ال من فوق سبع
سماوات ( وفي الصحيح من حديث أبي هريرة ) لما خلق ال الخلق كتب
كتابًا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي( وقال عليه الصلة
والسلم في رقية المريض ) ربنا ال الذي في السماء تقدس أسمك أمرك في
السماء والرض كما رحمتك في السماء أنزل رحمتك في الرض اغفر لنا
حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك
على هذا الوجع ( رواه أبو داود في كتاب الطب .
وفي الصحيح أنه صلى ال عليه وسلم قال ) أل تأمنوني وأنا أمين من في
السماء ( وفي الصحيح من حديث عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم قبل
وفاته ) رفع يده أو إصبعه إلى السماء وقال " في الرفيق العلى ثلثًا ثم
قضى " والدلة من السنة على هذه الصفة ل تكاد تحصر ،فراجع الكتب
التي ذكرت لك للستزادة من البراهين الساطعة ليزداد اطمئنان قلبك وتكون
على نور وبصيرة وال أعلم .
أن يدعو ال تعالى بكشف حاجته وما به من ضر ،قلبه ل يتجه إلى أسفل
ول إلى اليمين ول الشمال ول إلى الخلف بل يجد في قلبه ضرورة طلب
جهة العلو ولذلك نجده من حيث يشعر أو ل يشعر يتجه ببصره ورأسه ويديه
إلى السماء لن فطرته تعلم جزمًا أن مفرج الكربات وقاضي الحاجات
ومغيث اللهفات في العلو ,ول عبرة بمن تلوثت فطرته وأفسدت بالشبهات
التي يمليها شياطين النس والجن ,فهذا أمر ل تنكره الفطرة بل قد
استقرأوها عليه وأما دللة العقل فمن
وجوه :
الول :أن ضد العلو السفل أو المحاذاة والسفل نقص والمحاذاة توجب
المساواة وهي نقص في حق ال تعالى وال منزه عن النقص فحيث انتفى
السفل والمحايثة ثبت العلو وهو المطلوب .
الثاني :أن البشر يستشرفون أن يكونوا في العلو لعلمهم أنها كمال
ولذلك تجد عليه القوم من الملوك والمراء يعلون بنيانهم ويكونون في
أعله ،ويتشرف أحدهم إذا أجتمع رعيته في الشوارع أن يشرف عليهم من
أعل شرفات قصره ليكلمهم ويأمرهم و ينهاهم ول المثل العلى فهو ملك
ل فيالملوك وجبار السماوات والرض العلي العلى ،فحيث كان ذلك كما ً
ل ثبت للمخلوق ل نقص فيه المخلوق فالخالق أحق أن يتصف به لن كل كما ٍ
فال أحق بالتصاف به وال أعلم .
سَمُعل َمَعَنا ( )التوبة :من الية (40وقوله تعالى ) ِإّنِني َمَعُكَما َأ ْ ن ا َّن ِإ ّ
حَز َْت ْ
ل َفاْذَهَبا ِبآياِتَنا ِإّنا َمَعُكْمَوَأَرى ( )طـه :من الية (46وقوله تعالى ) َقاَل َك ّ
ن ( )الشعراء (15:وهذه معية خاصة مخصوصة بشخص ،ومنه سَتِمُعو َ ُم ْ
ن
ن اّتَقْوا َواّلِذي َ ل َمَع اّلِذي َن ا َّالمعية الخاصة المقيدة بوصف كقوله تعالى ) ِإ ّ
ن ( )النحل(128: سُنو َح ُِهْم ُم ْ
ن ( )لنفال :من الية (46 صاِبِري َ
ل َمَع ال ّن ا َّ
صِبُروا ِإ ّ
وقوله تعالى ) َوا ْ
وأمثال ذلك ،وكلها حق على حقيقتها على ما يليق بجلله وعظمته ،وتفسير
السلف رحمهم ال تعالى للمعية العامة بالعلم والحاطة والهيمنة والتدبر
وتفسيرهم للخاصة بالنصر والتأييد والحفظ ليس تفسيرًا بالحد الجامع المانع
وإنما هو تفسير للشيء ببعض مقتضياته ،وإل فالقول الجامع في هذه الصفة
أن يقال :أن من صفاته المعية فنحن نثبتها ل تعالى من غير تمثيل ول
يٌء َوُهَو ش ْس َكِمْثِلِه َ تكييف ومن غير تحريف ول تعطيل لن ال تعالى ) َلْي َ
صيُر( )الشورى :من الية (11فبان ذلك أن معية ال لخلقه ثابتة السِّميُع اْلَب ِ
بالكتاب والسنة وإجماع السلف ،أنها حق على حقيقتها لكنها معية تليق
بجلله وعظمته ول تشبه معية المخلوق للمخلوق وأنها ل تقتضي أن يكون
ل في أمكنتهم وال أعلم. ال تعالى مختلطًا بالخلق أو حا ً
س /237هل هناك تعارض بين كونه تعالى فوق عرشه في العلو المطلق
وأنه معنا ؟ وضح الجواب ؟
ج /ل تعارض في ذلك البتة ،لكن احذر من أن ينقدح في ذهنك مماثلة ال
في صفاته بخلقه فإنه ل يتعارض إل في ذهن من جعل صفات الباري
وقدرته كصفات خلقه وقدرتهم وأما من قّدر ال حق قدره وعلم علم اليقين
أنه ليس كمثله شيء فإنه أبدًا ل يمكن أن يثور في شيء من هذه الشكالت
الباردة التي يوردها نفاة السماء والصفات ،وقد جمع العلماء بين ذلك فقالوا
:الجمع بين ذلك من وجوه :
الول :أن الدلة جمعت بينهما والدلة ل يمكن أن تأتي بالمحال أبدًا ،
فهي وإن أتت أحيانًا بما يحار فيه العقل لكنها ل تأتي أبدًا بما يتعارض مع
العقول السليمة من الفات
الدخيلة .
261 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
النبي صلى ال عليه وسلم ويهزهما فأهتز أصل المنبر حتى أني أقول أساقط
هو برسول ال صلى ال عليه وسلم وهذه الرادة حقيقة الهز ل أن الهز
كالهز أي كما أن هذا هو الهز الصادر مني على وجه الحقيقة فأنا أريد حقيقة
الهز الصادر من ال تعالى على وجه الحقيقة ولكن على الكيفية التي ل
يعلمها إل ال تعالى وال أعلم .
وعلى إثباتها أجمع أهل السنة والجماعة فنثبتها ل جل وعل من غير تحريف
ول تمثيل ول تكييف ول تعطيل ونقول أن ال ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير.
ج /المبتدعة أبعدهم ال تعالى قد أبت نفوسهم قبول وصف ال تعالى بهذه
الصفة ورأوا بأفهامهم الفاسدة وعقولهم الكاسدة أن إثبات ذلك ل تعالى
يوجب اتصافه بالنقص ففروا من إثباتها إلى تحريفها وتعطيلها فقالوا :إن
إضافة النزول إلى ال تعالى إضافة مجازية ل حقيقة وإنما الذي ينزل أمره
أو رحمته أو ملك من الملئكة ،وأما ال تعالى فإنه منزه عن النـزول ،وهذا
هو شأنهم في سائر الصفات التي ل تتوافق مع مذاهبهم وعقولهم ,فقال أهل
السنة جوابنا على ما قلتموه من عدة أجوبة :
الول :أن فهمكم هذا مخالف لما فهمه السلف وأجمعوا عليه فهو
باطل لنه مخالف للحق وما خالف الحق فهو باطل .
الثاني :أنه صرف للفظ عن دللته الظاهرة إلى شيء آخر بل دليل أو
قرينة صارفة وقد تقرر أن الصل هو البقاء على الصل والظاهر حتى يرد
الناقل .
الثالث :أنكم جعلتم في الكلم شيئًا محذوفًا والصل عدم الحذف ،
وعدم التقدير ،ومخالف الصل عليه الدليل .
الرابع :أن أمر ال ورحمته نازلة بالليل والنهار فلم قيدتم نزولهما في
هذا الوقت فقط ؟ إن هي إل أهواء أتبعتموها أنتم وأسلفكم ما نزل ال بها
من سلطان .
الخامس :هل يتصور بال عليكم أن يقول المر والرحمة والملك ،
من يسألني فأعطيه من يدعوني فأستجيب له من يستغفر فأغفر له ،فهل
يمكن أن يصدر هذا الكلم من أحٍد إل ال عز وجل ،فهو الذي يعطي
ل لم يفكروا بعقولهم السائلين ويجيب الداعين ويغفر للمستغفرين فالقوم أص ً
في عواقب تحريفهم هذا وإنما همهم كيف الفرار من إثبات هذه الصفة فقط
فوقعوا فيما وقعوا فيه بسبب ذلك وال أعلم .
سَماِء( )الملك:
ن ِفي ال ّ
س /341قد يتوهم البعض في قوله تعالى ) َأَأِمْنُتْم َم ْ
من الية (16وما شابهها وقول الجارية لما سئلت أين ال قالت ) في
السماء ( أن ال تعالى داخل السماء أي أنها تقّلُه أو تظله ؟ فما الجواب
لزالة ذلك اليهام ؟
264 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ج /أقول هذا الوهم ل يرد إل في ذهن من لم يقدر ال تعالى حق قدره ولم
يعرف أنه تعالى العظيم في ذاته وصفاته وأفعاله ،ومع ذلك فقد كشف أهل
السنة النقاب عن هذا الوارد فقالوا جوابنا من وجهين :
الول :أن حرف ) في ( في الية والحديث ل يراد به الظرفية وإنما
يقصد به أنه بمعنى ) على ( ومصداق ذلك في كتاب ال تعالى قال عز وجل
خِل ( )طـه :من الية (71والمراد عليها ،وقال ع الّن ْ
جُذو ِ صّلَبّنُكْم ِفي ُ ) َوَُل َ
ض ( )التوبة :من الية (2والمراد عليها ،فقوله حوا ِفي الَْْر ِ سي ُتعالى ) َف ِ
سَماِء ( )الملك :من الية (16أي على السماء هذا ن ِفي ال ّ تعالى ) َأَأِمْنُتْم َم ْ
الجواب الول .
الثاني :سلمنا أن المراد بـ) في ( الظرفية لكن ل نسلم أن المراد
بالسماء هذه الطباق السبعة بل المراد بها العلو فإن كل ما علك فهو سماء ،
ومصداق ذلك في كتاب ال تعالى قال عز وجل في وصف الشجرة الطيبة
سَماِء( )إبراهيم :من الية (24أي في العلو، عَها ِفي ال ّ ت َوَفْر ُ صُلَها َثاِب ٌ
ٍ) َأ ْ
طُهورًا ( )الفرقان :من الية (48سَماِء َماًء َ
ن ال ّوقال تعالى ) َوَأْنَزْلَنا ِم َ
والمطر ينزل من السحاب فسمي السحاب سماء لعلوه ،فقوله تعالى ) َأَأِمْنُتمْ
سَماِء ( أي من في العلو ،وال له العلو المطلق جل وعل ،وبهذين ن ِفي ال ّ َم ْ
الجوابين ل يبقى ثمة إشكال ول الحمد والمنة وال أعلم .
جُع اُْلُموُر (
ل ُتْر َ
ي اَْلمُْر َوِإَلى ا ِّ
ضَ
ن اْلَغَماِم َواْلَملِئَكُة َوُق ِ
ظَلٍل ِم َ
ل ِفي ُ
ا ُّ
)البقرة (210:وفي الحديث الصحيح ) فيأتيهم ال تعالى في صورته التي
يعرفون ( وقد حرفها المبتدعة بمجيء أمره ،وهذا مخالف للدلة ومخالف
لمنهج السلف ،وإقحام لفظه في السياق ل برهان عليها ،ومخالفة للصل
ض وال أعلم . بل مقت ٍ
وسلم ) :هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا ل يا رسول ال فقال
:هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا ل يا رسول ال
قال :فإنكم ترونه كذلك ( وهذان الحديثان فيهما تشبيه الرؤية بالرؤية ل
المرئي بالمرئي ،أي أن رؤية ال تعالى يوم القيامة ستكون في أعلى
درجات الوضوح فل مضارة فيها ول خفاء ول لبس ول شك .
وعن أبي سعيد الخدري نحو حديث أبي هريرة وهو في الصحيح أيضًا ،وقد
وردت أحاديث الرؤية من طريق الصديق وأنس وجابر وجرير البجلي
وحذيفة وأبي هريرة وزيد بن ثابت وصهيب وعبادة بن الصامت وأبن عباس
وابن عمر وأبن مسعود ولقيط بن عامر وأبي رزين وعلي بن أبي طالب
وعدي بن حاتم وعمار بن ياسر وفضالة بن عبيد وأبي سعيد الخدري وأبي
موسى الشعري وبريدة بن الحصيب السلمي رضي ال عنهم وأرضاهم
وجمعنا بهم في الجنة ،وقد أخرج الللكائي في شرح السنة من طريق
مفضل بن غسان قال :سمعت يحيى بن معين يقول :عندي سبعة عشر
حديثًا في الرؤية كلها صحاح .أهـ
قلت :وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا .
س /244هل أثبت المبتدعة رؤية ال تعالى ؟ وبماذا احتجوا وكيف
الجواب عن استدللتهم؟
ج /بالطبع لم يثبتوها بل حرفوها إلى رؤية الثواب والجزاء والنعيم فقط ،
وهذا كعادتهم قبحهم ال تعالى فيما ل يتوافق مع عقولهم الرديئة وأفهامهم
المنتنة ويا ليت المر وقف على النكار والتحريف فقط بل استدلوا على
نفيهم هذا بأدلة من القرآن فقالوا :قال تعالى لموسى عليه السلم ) َقاَل َل ْ
ن
َتَراِني ( )لعراف :من الية (143ولن هذه تفيد التأبيد عندهم فهذا نفي
للرؤية على وجه الطلق ،كذا قالوا ،فقال أهل السنة :لنا على استدللكم
هذا عدة أجوبة :
الول :أن ) لن ( ل تفيد النفي المؤبد حتى وإن قرنت بلفظ البد ،
ن * َول َيَتَمّنْوَنُه صاِدِقي َ
ن ُكْنُتْم َت ِإ ْ
بدليل قوله تعالى عن اليهود ) َفَتَمّنُوا اْلَمْو َ
ت َأْيِديِهْم ( )الجمعة (7:6ومع ذلك فإنهم يتمنونه في الخرة َأَبدًا ِبَما َقّدَم ْ
ك َقاَلعَلْيَنا َرّب َ
ض َك ِلَيْق ِ
إذا دخلوا النار كما في قوله تعالى ) َوَناَدْوا َيا َماِل ُ
ن ( )الزخرف (77:وخلصة هذا الوجه هو أن نفي الرؤية في ِإّنُكْم َماِكُثو َ
267 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ذلك الوقت ل يلزم منه انتفائه مطلقًا وإنما هذا شيء قاله بعض صناديد
المعتزلة ولذلك قال ابن مالك :
) ومن يرى النفي بـ ) لن ( مؤبدا
فقوله أردد وسواه فاعضدا (
ن َتَراِني ( ولم يقل :إني ل أرى أولست
الثاني :أن ال تعالى قال ) َل ْ
بمرئي ،أو ل تجوز رؤيتي ،والفرق بين الجوابين ظاهر ،بل قال ) َل ْ
ن
َتَراِني ( ففي ذلك دليل على أنه يرى ولكن موسى عليه السلم ل تحتمل قواه
رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر عن رؤيته .
الثالث :أن ال تعالى بين السبب في عدم رؤيته وهو عدم تحمل النفس
ذلك بدليل أنه تعالى لما تجلى للجبل حصل للجبل ما حصل من الندكاك
فأعلمه ال تعالى بذلك أن الجبل مع قوته وصلبته ل يثبت للتجلي في هذه
الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف ؟ فهذا دليل على أن المانع ضعف
القوى البشرية عن رؤيته ولذلك فإن هذه القوى تضاعف في الجنة حتى
يتمكن أهلها من رؤيته كما ثبتت بذلك الدلة .
الرابع :أنه لو كانت رؤيته تعالى محال لما كان كليم ال تعالى يتكلف
السؤال عنها لنه أعلم الناس بربه في زمانه فل يتصور منه أن يسأل ما ل
نجوز على ال تعالى فلما سألها موسى علم بذلك أنها مما يمكن ولكن ثمة
مانع وهو الضعف البشري ،فل يمكن أن يكون هؤلء المتهوكون الحمقى
أشد تنزيهًا وأعلم بال من كليمه ورسوله الكريم .
الخامس :أنه تعالى تجلى للجبل ،فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو
جماد ل ثواب له ول عقاب فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله وأوليائه في دار
كرامته ؟ لكن ال تعالى أعلم موسى بأن الرؤية الن ل تمكن .
ل أن هذه الية فيها شيء من النقاش فل تعدو بذلك السادس :سلمنا جد ً
أن تكون من المتشابه وقد تقرر في الصول أن المتشابه يرد إلى المحكم
والدلة المثبتة للرؤية من الكتاب والسنة كثيرة وتأيدت بالجماع القطعي
الذي يكفر من خالفه ،فإذا قدروا على الدخول على هذه الية فهل بال عليك
يقدرون على كل الدلة المثبتة للرؤية ؟ بالطبع ل إل مع العناد والستكبار ،
وهذا التسليم جدلي ،وإل فالية من المحكم كما سبق في الجوبة وال تعالى
أعلى وأعلم .
268 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
صاُر ( )النعام :من الية وقالوا أيضًا :قال تعالى ) ل ُتْدِرُكُه اَْلْب َ
(103فهذا نفي للدراك الذي هو الرؤية ،كذا قالوا ،فقال أهل السنة :إن
المنفي في هذه الية ليس الرؤية وإنما هو الدراك أمر يعقب الرؤية فهي
تفيد أنه يرى ولكنه ل يدرك رؤية كما أنه يعلم ولكن ل يحاط به علمًا ،فكل
إدراك رؤية وليس كل رؤية إدراكًا ،أول ترى إلى قوله تعالى ) َفَلّما َتَراَءى
ن ( )الشعراء (61:فاثبت الرؤية سى ِإّنا َلُمْدَرُكو َ
ب ُمو َ
حا ُ
صَن َقاَل َأ ْ
جْمَعا ِ
اْل َ
ونفى الدراك ،فالدراك أمر زائد على الرؤية ،ففي الحقيقة أن هذه الية
دليل لنا ل لهم ،لنه لما نفى الدراك علمنا أن هناك رؤية إذ لو لم يكن هناك
ل :أنت ترى المساء لكن هل ل لما نفى الدراك ،وأضرب لك مثا ً رؤية أص ً
تدركها كلها ؟ الجواب ل ،فعندك رؤية بل إدراك ،ومثال آخر :أنت ترى
الرض لكن هل تدركها كلها ؟ الجواب ل فعندك رؤية بل إدراك ،فال
تعالى وله المثل العلى يرى ولكن ل يدرك وذلك لكمال كبره وعظمته
وعزته جل وعل ،فالمعتزلة فهموا أن معنى الدراك هو الرؤية وهذا خطأ
وضلل بل الدراك هو الحاطة ,فل حجة لحٍد في مخالفة ما ثبت به
النص وال أعلم .
ويقصدون العقل الصريح أي السليم من الفات الدخيلة على العقل ،وقد ألف
فيها أبو العباس تقي الدين كتابه الكبير ،ورد تعارض العقل والنقل فأتى فيه
بما لم يأت به أحد ،جزاه ال خيرًا ورفع نزله في الفردوس العلى وحشرنا
وإياه في زمرة محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،فإذا وجد ما يوهم
ل في صحة النقل ،أعني إذا كان من السنة فإذا ثبتتالتعارض فانظر أو ً
صحته فانظر في صراحة العقل وسلمته من الفات الدخيلة عليه ،فإذا
توفر المران فإنه أبدًا ل يمكن أن يتعارض النقل مع العقل ،فإن الذي أنزل
ل من خلقه ،والنقل النص هو الذي خلق العقل وهو أصدق حديثًا وأحسن قي ً
ما نزل إل لهداية العقل وإخراجه من ظلمات الشرك والبدعة والغفلة
والمعصية إلى نور التوحيد والسنة والطاعة فكيف يجعل معارضًا له ،
ولذلك فإنه ل يدعي وجود هذه المعارضة إل أهل البدع ،وأما أهل السنة
فإنه ل يعرف عنهم في ذلك حرف واحد ،وال أعلم .
شريح ،فقال :أنت أبو شريح ( حديث صحيح ،فقد غير النبي صلى ال
عليه وسلم كنيته لنه روعي أو نقول :روقب فيها معنى الصفة ،مع أن من
أصحابه من كان اسمه الحكم ،كالحكم بن هشام رضي ال عنه وأرضاه ،
ولم يغيره النبي صلى ال عليه وسلم لنه لم يراقب فيه معنى الصفة ،فهذا
دليله من الثر ،وأما النظر فلن ذلك فيه لزوم الدب مع ال تعالى وسلوك
مسلك المتعبدين المتواضعين الذين يقدرون ال تعالى حق قدره وفيه احترام
لسمائه وصفاته جل وعل وتعظيمها وهذا من تعظيم من تسمى واتصف بها
عز وجل ولنه إذا رضى بذلك فإن ذلك نوع مضاهاة ل تعالى في أسمائه
وصفاته جل وعل ،فهذا الشرط كما ذكرت لك شرط أساسي مهم جدًا ،
ي باللف واللم كأن وأما الشرط التكميلي فهو أن يكون السم غير محل ً
يقال ) :كريم ( بدون ) أل ( أو ) عزيز ( بدون ) أل ( أو ) جواد ( بدون
) أل( وهكذا ،وذلك لن اللف واللم لها شأن عندنا في لغة العرب وهي
أنها تفيد استغراق أجزاء المسمى ما لم يتقدم قرينة عهد فإذا قلت :العزيز
دخل فيه كل معاني العزة ،وإذا قلت الكريم دخل فيه كل معاني الكرم ،
وهكذا ،وهذا خاص بال جل وعل ,وهذا المعنى يزول إذا جردتها من
) أل ( وقلنا :إن ذلك شرط تكميلي لمرين :
الول :لن النبي صلى ال عليه وسلم أقر الحكم بن هشام على
التسمي بذلك مع أنه معرف بـ ) أل ( مما يدل على أن المر فيه تسامح .
الثاني :أن العامة غالبًا ل يريدون معنى الستغراق العام الذي يدخل
فيه أجزاء المسمى كلها فإن هذا المعنى ل يقصدونه أبدًا وإنما يفهمون أن
) أل( لمجرد التعريف فقط ,فأمر هذا الشرط سهل ،لكن الورع ترك
التسمي بأسماء ال مطلقًا خروجًا من الخلف وبعدًا عن مطلق المضاهاة
وادعى لخضوع القلب وانقياده ل تعالى في مقامات التعبد وال أعلم .
تمثيل ،وهي من قبيل الصفات الفعلية المتعلقة بالمسيئة التي توجد عند وجود
مقتضياتها إذا أرادها ال تعالى ،على ما يليق بجلله وعظمته ,وأن معانيها
ي ا ُّ
ل معلومة ولكن نفوض علم كيفياتها إلى ال تعالى ,قال تعالى ) َرضِ َ
ي َرّبُه ( )البينة :من الية (8وقال تعالى شَ خ ِ ن َك ِلَم ْ عْنُه َذِل َ
ضوا َ عْنُهْم َوَر ُ َ
جَرِة ( )الفتح :من الية شَ ت ال ّ ك َتحْ َ ن ِإْذ ُيَباِيُعوَن َ ن اْلُمْؤِمِني َ عِل َ ي ا ُّضَ) لََقْد َر ِ
خاِلدًا ِفيَها
جَهّنُم َجَزاُؤُه َ ن َيْقُتْل ُمْؤِمنًا ُمَتَعّمدًا فَ َ (18وقال تعالى ) َوَم ْ
ظيمًا( )النساء (93:وقال تعالى عِعَذابًا َ عّد َلُه َ عَلْيِه َوَلَعَنُه َوَأ َ
ل َب ا ُّض َ غ ِ َو َ
عَماَلُهمْ ( )محمد: ط َأ ْ
حَب َ
ضَواَنُه َفَأ ْ
ل َوَكِرُهوا ِر ْ ط ا َّخَ سَ ك ِبَأّنُهُم اّتَبُعوا َما َأ ْ
) َذِل َ
طُهْم َوِقيَل اْقُعُدوا َمَع ل اْنِبَعاَثُهْم َفَثّب َ
ن َكِرَه ا ُّ (28وقال تعالى ) َوَلِك ْ
ن ()التوبة :من الية (46وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات عِدي َ اْلَقا ِ
هذه الصفات ،وهذه كلها من صفات الفعال التي يفعلها ال جل وعل متى
شاء وكيفما شاء وأهل السنة يثبتون ذلك إثباتًا بل تمثيل وينزهون ال تعالى
عن مماثلة خلقه تنزيهًا بل تعطيل وال أعلم .
س /250ما البليا والمصائب التي وقع فيها أهل البدع وكانت سبب
ضللهم وتخريفهم في باب العتقاد ؟
ج /هذا سؤال مهم جدًا ،وبيانه أن يقال :السباب كثيرة يجمعها ما يلي :
الول :عدم حصرهم أدلة العتقاد في الكتاب والسنة ،فإنهم يستدلون
بالمنطق والفلسفة ويسمونها العقليات ،وهي في حقيقتها جهليات وخرافات
ووساوس شيطانية ،فهم يسوقون ما يجب اعتقاده في ال من عقولهم
وقواعدهم المنطقية الفلسفية ,أو مواجيدهم وأذواقهم العفنة ،ومكاشفاتهم
البليسية ،وقد نص الدليل على أن من طلب الهدى في غير الكتاب والسنة
أضله ال ولذلك فهم يعرضون النصوص على عقولهم فما وافقها أخذوه وما
خالفها ردوه واتهموه فيقرون ما تقره عقولهم وإن لم يكن عليه دليل ،وينفون
ما نفته عقولهم وإن كانت الدلة قد تواترت على إثباته وهذا هو السبب
العظيم في ضللهم .
الثاني :أنهم ل يأخذون الكتاب والسنة على فهم السلف بل يبتدعون
من عندهم المعاني الغريبة والصطلحات العويصة ويقولون :هذا معنى
هذا النص ،وقد تقرر في القواعد أنه ل بد من فهم الكتاب والسنة فهمًا يوافق
ل وأصح فهومًا وأعمق علومًا ممن أتى بعدهم ، فهم السلف ،فهم أكبر عقو ً
ن بعيدة كل البعد عن فهم ل يفهمون من نصوص الصفات معا ٍ فالمبتدعة مث ً
السلف ،فهم ل يفهمون منها إل ما يفهمونه من صفاتنا ،وأما السلف فإنهم
يثبتون ل ما أثبته لنفسه ويعتقدون أنه ليس كمثله شيء ,وهكذا فالمبتدعة
على اختلف فرقهم ل يعتمدون فهم السلف للنصوص أبدًا ول ينظرون فيه
فأنت ترى أن هؤلء المبتدعة قد جمعوا بين بليتين فهم ل يقتصرون على
الكتاب والسنة في مسائل العتقاد ول يفهمونها على فهم السلف ،فنعوذ بال
من حال أهل الهواء .
الثالث :أنهم يبنون استدللهم على القواعد المناقضة للمعقول
والمخالفة للمنقول والمعارضة لمنهج السلف في الستدلل ،فهم يستدلون
بالمتشابه ويدعون المحكم ويأخذون بطرف من النصوص ويدعون الخر
ويقدمون العقل على النقل ويثبتون أمور الغيب بالقياس ويأخذون بالمجمل
ويدعون المبين ويفسرون بعض ألفاظ القرآن على غير ما تعرفه العرب من
273 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
كلمها وهكذا فالقوم يقعدون القاعدة على ما تمليه عقولهم القاصرة وينزلون
النصوص عليها فوقعوا في الضلل ومخالفة النصوص .
الرابع :أنهم يخوضون في النصوص بل علم ول برهان ول يقفون
حيث وقف النص بل يقحمون عقولهم فيما ل مجال لها فيه كخوضهم في باب
القدر وباب الصفات ونحوها والسلمة في الوقوف عند ما وقف عليه
النص .
الخامس :كثرة جدالهم وخصوماتهم ومرائهم .
السادس :اعتمادهم على اللفاظ البدعية المجملة وبناء معتقدهم عليها
كلفظ الجوهر والعرض والجهة والجسم والحيز ونحوها ،وهذه اللفاظ ،
ل:ألفاظ محدثة بدعية ل تعرف عن أحد من السلف ،وأضرب لك مثا ً
المعتزلة ينفون عن ال الصفات ويقعون في آيات الصفات وأحاديثها تحريفًا
بسبب أنهم إذا أثبتوا ل الصفات ل يستلزم ذلك أن يكون جسمًا والجسام
متماثلة ،فانظر كيف بنوا معتقدهم في الصفات على هذا اللفظ المجمل ،فكم
رووا بهذه اللفاظ المجملة من النصوص وحرفوا من الصفات وال المستعان
.
السابع :الفهم الفاسد للنصوص ،كفهم الخوارج لبعض النصوص،
وكفهم أهل التمثيل والتعطيل لنصوص الصفات ،وكفهم الجبرية والقدرية
لنصوص القدر ،وكفهم المرجئة والوعيدية لنصوص الوعد والوعيد ،
وهكذا ،فهذا الفهم الفاسد هو الذي أوصلهم إلى هذه النتيجة الفاسدة وال
المستعان .
الثامن :اعتمادهم في اعتقادهم على الحاديث الموضوعة والضعيفة ،
وذلك كالرافضة لعنهم ال تعالى ،فإنهم يعتمدون في أمر معتقدهم على
المرويات المكذوبة والحاديث الموضوعة الملفقة على آل البيت .
التاسع :تقديم آراء الرجال وقواعد المذاهب على قول ال ورسوله
صلى ال عليه وسلم ،فل يقبلون من النصوص إل ما وافق مذهبهم وكلم
مبتدعيهم .
العاشر :اعتقادهم التعارض بين العقل والنقل وبين الحقيقة والشريعة .
274 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ن ُقُلوُبُهْم ( )المائدة :من الية (41وقال النبي صلى ال عليه وسلم ) َولَْم ُتْؤِم ْ
يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص اليمان إلى قلبه (.
ل َوَما ُأْنِزَل وقولهم ) :وقول باللسان ( يدل عليه قوله تعالى ) ُقوُلوا آَمّنا ِبا ِّ
ِإَليَْنا َوَما ُأْنِزَل ِإَلى ِإْبَراِهيَم .........الية ( )البقرة (136:فأمرهم هنا بالقول
ل َوَما ولم يكتف منهم بمجرد ما في القلب ،ومثلها قوله تعالى ) ُقْل آَمّنا ِبا ِّ
عَلى ِإْبَراِهيَم .....الية ( )آل عمران (84:وقوله تعالى عَلْيَنا َوَما ُأْنِزَل َُأْنِزَل َ
ن َتَوّلْوا سَلْمَنا ( )الحجرات :من الية (14وقوله تعالى ) َفِإ ْ ن ُقوُلوا َأ ْ ) َوَلِك ْ
ن ( )آل عمران :من الية (64وفي الصحيحين سِلُمو َ
شَهُدوا ِبَأّنا ُم َْفُقوُلوا ا ْ
من حديث أبي هريرة مرفوعًا ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل
ال فقد عصم مني نفسه وماله إل بحقه وحسابه على ال ( وفي الصحيحين
أيضًا من حديث ابن عمر رضي ال عنهما مرفوعًا ) أمرت أن أقاتل الناس
حتى يشهدوا أل إله إل ال وأن محمد رسول ال ويقيموا الصلة ويؤتوا
الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم على
) اليمان بضع وستون أو ال ( وفيهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا
بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول ل إله إل ال وأدناها إماطة الذى عن
الطريق ( واتفق أهل العلم أن الكافر إذا أراد السلم فإنه ل بد من التلفظ
بالشهادتين بحيث يسمع نفسه على القل ول يكتفي بالقرار القلبي .
وأما قولهم ) :وعمل بالجوارح والركان ( فيدل عليه قوله تعالى ) َوَما
ضيَع ِإيَماَنُكْم ( )البقرة :من الية (143أي صلتكم كما ورد ذلك ل ِلُي ِ
ن ا ُّ َكا َ
في الصحيح ،وقوله تعالى :
صلَة حَنَفاَء َوُيِقيُموا ال ّ ن ُ
ن َلُه الّدي َ
صي َ
خِل ِ
ل ُم ْ) َوَما ُأِمُروا ِإلّ ِلَيْعُبُدوا ا َّ
ن اْلَقّيَمِة ( )البينة (5:وفي الصحيحين عن ابن عباس ك ِدي َُوُيْؤُتوا الّزَكاَة َوَذِل َ
في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى ال عليه وسلم أمرهم بأربع أمرهم
باليمان بال وحده وقال :أتدرون ما اليمان بال وحده قالوا ال ورسوله
أعلم ،قال ) شهادة أل إله إل ال وأن محمد رسول ال وإقام الصلة وإيتاء
الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ( وهذه كلها أعمال
جوارح وقد سماها إيمانًا ،وقال عليه الصلة والسلم ) أكمل المؤمنين إيمانًا
أحسنهم خلقًا ( حديث صحيح وقال عليه الصلة والسلم ) إن البذاذة من
اليمان ( حديث صحيح ،وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد مرفوعًا ) من
277 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه
وذلك أضعف اليمان ( وله من حديث ابن مسعود ) وليس وراء ذلك من
اليمان حبة خردل ( فجعل تغير المنكر ومجاهدة أصحابه باليد واللسان من
اليمان وهي أعمال جوارح ،وفي الحديث السابق )وأدناها إماطة الذى عن
الطريق( وهي عمل وقد جعلها من جملة شعب اليمان ،فهذه بعض الدلة
على هذه العقيدة العظيمة التي انفرد بها أهل السنة والجماعة رفع ال نزلهم
في الفردوس العلى وال أعلم .
إثبات الزيادة وكل شيء يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان ،ومنها :حديث أنس
في الصحيح مرفوعًا ) يخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه وزن
شعيرة من خير ،ويخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه برة من
خير ،ويخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه وزن ذرة من خير (
والمراد بالخير هنا اليمان ،كما في الرواية الخرى ) يخرج من النار من
قال ل إله إل ال وفي قلبه وزمن برٍة من أو خردلٍة أو ذرٍة من إيمان ( .
ومنها :حديث أبي سعيد السابق في إنكار المنكر وفيه ) وذلك أضعف
اليمان( .
ومنها :حديث ابن مسعود السابق أيضًا وفيه ) وليس وراء ذلك من
اليمان حبة خردل (
ومنها :حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه مرفوعًا وفيه ) ما
رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلت وما
نقصان عقلنا وديننا يا رسول ال ؟ قال ) :أليس شهادة المرأة نصف شهادة
الرجل ( قلت :بلى ،قال ) فذلك من نقصان عقلها ،أليس إذا حاضت لم
تصل ولم تصم ؟ قلت :بلى ،قال ) فذلك من نقصان دينها ( متفق عليه .
ومنها :حديث الشفاعة وهو في الصحيح وفيه ) فأخرج من النار من
في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرٍة من إيمان ( .
فهذه الدلة تفيدك إفادة قطعية إن شاء ال تعالى بما قرره أهل السنة رحمهم
ال تعالى في هذه المسألة من أن اليمان يزيد وينقص وال أعلم .
سَلْمَنا (
ن ُقوُلوا َأ ْ
ب آَمّنا ُقْل َلْم ُتْؤِمُنوا َوَلِك ْ
عَرا ُ
ت الَْ ْ
قوله تعالى ) َقاَل ِ
)الحجرات :من الية (14ففرق بينهما لنهما في نص واحد وكذلك حديث
جبريل المشهور فإنه قد فسر السلم بأعمال الجوارح وفسر اليمان بأعمال
القلوب ،وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وخلصة الجواب أن يقال :
العلقة بينهما من وجهين :
الول :أن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن .
الثاني :أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا .وال أعلم
قال ) من ل يأمن جاره بوائقه ( فهذه المعصية وهي أذى الجار وإسرار
العداوة له وتربص حلول الدوائر به أوجبت نقص اليمان ،وفي صحيح
مسلم من حديث أبي مسعود مرفوعًا ) ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة
من كبر ( فهذه المعصية العظيمة أوجبت نقص اليمان الذي تحصل به
النجاة يوم القيامة .وفي الصحيحين من حديث أبن مسعود مرفوعا )سباب
المسلم فسوق وقتاله كفر ( والوصف بالفسوق والكفر الصغر دليل على أن
هاتين المعصيتين قد أثرتا تأثيرا بليغا في نقص اليمان مما يدل على أن فعل
المعصية ينقص اليمان بقدر هذه المعصية .وفي الصحيحين من حديث
حذيفة )ل يدخل الجنة قتات(أي نمام ،فهذه المعصية أنقصت اليمان الواجب
نقصا كبيرا بحيث أن صاحبها حكم عليه بأنه ل يدخل الجنة ،والنصوص
على ذلك كثيرة جدا ل تكاد تحصر ،وتفيد بمجموعها أن فعل المعاصي
ينقص اليمان ،والدليل على أن فاعل الكبيرة ل يخرج عن مسمى اليمان
قوله تعالى )) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر
بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع
خ للمقتول مما يدلبالمعروف وأداًء إليه بإحسان (( فوصف القاتل بأنه أ ٌ
على أنه ل يزال على اليمان مع اتصافه بالقتل فعلمنا بذلك أن ارتكاب
الكبيرة ل يخرج عن مسمى اليمان ومن ذلك قوله تعالى ) وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ( فسماهم مؤمنين مع اتصافهم بقتال
بعضهم بعضًا ـ وقال في آخرها ) إنما المؤمنون إخوة( فوصفهم باليمان
وجعلهم إخوة مما يدل على أنه ل يزال بينهم أخوة اليمان ،فعلمنا بذلك أن
ارتكاب الكبيرة ل يخرج العبد من دائرة اليمان بالكلية ،وفي حديث عياض
الملقب حمارًا أنه كان يشرب الخمر فيؤتى به فيجلد فلعنه أحد الصحابة فقال
عليه الصلة والسلم ) ل تلعنه فوال أني ل أعلم إل أنه يحب ال ورسوله (
ومن المعلوم أن شرب الخمر من الكبائر ومع ذلك أثبت له أنه يحب ال
ورسوله أي هو مؤمن ،فأثبت له اليمان مع تلبسه بهذه الكبيرة فعلمنا بذلك
أن ارتكاب الكبيرة ل يخرج العبد من مسمى اليمان بالكلية .وقد أتفق أهل
السنة على ذلك إذا علمت هذا فاعلم أن المرجئة يقولون :فاعل الكبيرة له
اليمان المطلق أي أن إيمان أفسق الناس كإيمان أصلح الناس ففعل الكبيرة
غير الشرك ل يؤثر في نقص اليمان .وأما الوعيدية فقالوا :من فعل
284 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
الكبيرة فإنه يخرج من دائرة اليمان ومسماه بالكلية ،فل ينفع إيمان مع فعل
الكبيرة فهم سلبوه مطلق اليمان ،فقال أهل السنة :ول يسلبه مطلق
اليمان .فمذهب أهل السنة وسط بين المذهبين ،فلم يعطوه اليمان المطلق
كما فعلت المرجئة ولم يسلبوه مطلق اليمان كما فعلت الوعيدية .وال أعلم .
أن مذاهب أهل القبلة في مرتكب الكبيرة في الخرة هو نتيجة لمذاهبهم فيه
في الدنيا .
فأما الوعيدية فقد سلبوه مطلق اليمان فقالوا :إنه في الخرة إلى النار خالدًا
مخلدًا فيها ل يخرج منها أبد الباد.
وأما المرجئة فقد قالوا إن مرتكب الكبيرة له اليمان المطلق فقالوا :هو في
الخرة إلى الجنة مباشرة ول اعتبار بما فعله من الكبائر لنها لم تنقص
إيمانه .
وأما أهل السنة فقالوا :ل نقول إلى الجنة مباشرة ول إلى النار مباشرة بل
هو تحت المشيئة ،فتوسطوا بين المذهبين الضالين ،وهذا من توفيق ال
تعالى لهل السنة وال أعلى وأعلم .
س /260ما سبب ضلل هاتين الفرقتين ؟ وما سبب تسميتها بذلك ؟ وأي
الفرق هم ؟
ج /أما سبب ضللهم فلنهم زعموا أن اليمان جزء واحد ل يزيد ول ينقص
،بل هو ثابت في حق كل أحٍد ما لم يأت العبد بما يناقضه ،وهذا المناقض
هو الكفر والشرك عند المرجئة ل غير ،فالذي يؤثر في اليمان عند
المرجئة هو الشرك فقط ل فعل الكبيرة ،تغليبًا منهم للرجاء التي دلت عليها
أدلة الوعد ،وأما الوعيدية فالناقض عندهم هو كل كبيرة ،فكل كبيرة تعد
ناقضة لليمان من أساسه وكذلك تغليبًا منهم للخوف والتهديد التي دلت عليه
أدلة اليمان أي ل يذهبه بالكلية إل الكفر والشرك ،وأما فعل الكبيرة فإنها
مضادة لكماله الواجب أي أن الكبيرة تنقصه عن كماله الواجب ،فل يجتمع
الكمال الواجب مع فعل الكبيرة أبدًا ،لكنها -أي فعل الكبيرة ل تناقض
أساسه ويكون أهل السنة بذلك قد أخذوا بأدلة الوعيد والوعد فأعملوا جميع
الدلة الشرعية وهذا هو منهج الوسطية .فالمرجئة عبدوا ال بالرجاء فقط ،
والوعيدية عبدوا ال بالخوف فقط وأما أهل السنة فعبدوا ال بالخوف
والرجاء فأنتج ذلك لهم الخشية ،فالخشية مزيج من الخوف والرجاء ،جعلنا
ال وإياك من أهل السنة .
وسميت المرجئة بذلك لنهم يغلبون جانب أدلة الوعد المفيدة لتغليب الرجاء ،
وقيل :بل الرجاء هو التأخير فلنهم يؤخرون العمل عن اليمان سموا
286 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
بالمرجئة ،قلت :وكل المرين صحيح فسموا مرجئة لهذا ولهذا .وهم
الشاعرة وبعض الحناف والماتريدية والجهمية والكلبية ،فهولء في باب
أسماء الحكام والدين يسمون مرجئة ،وأما الوعيدية فسموا بذلك لنهم ل
يعلمون إل بأدلة الوعيد فقط ويتركون أدلة الوعد ،وهم الخوارج
والمعتزلة ،فهؤلء في باب الكلم على مرتكب الكبيرة نسميهم الوعيدية
وال أعلم .
) من حمل علينا السلح فليس منا ( ونحو هذه الدلة ،والمسألة خلفية وهذا
هو الراجح إن شاء ال تعالى واختاره شيخ السلم وال أعلم .
أعني باب الشفاعة باب قد زلت فيها القدام وضلت فيه الفهام وسبب ذلك
عدم اعتماد هذا الصل المبارك وال ولي التوفيق .
أخطأ فيه ،فيقول آدم عليه السلم ) وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي
نفسي ،ويقول نوح عليه السلم ) وإنه كانت لي دعوة دعوتها على قومي
نفسي نفسي ،وإبراهيم عليه السلم ذكر تعريضاته الثلث ،وموسى يقول )
سا لم أمر بقتلها نفسي نفسي ،وأما عيسى فل يذكر ،وينتهي وإني قتلت نف ً
المر إلى خاتم النبياء وأفضل المرسلين صلى ال عليه وسلم فيقول :أنا لها
،فيشفع عند ربه فيفصل بين الناس في القضاء ،وهذه الشفاعة المقام
المحمود الذي يحمده فيه الولون والخرون كما قال ال تعالى )) عيسى أن
يبعث ربك مقاًما محمودا (( وكما ذكرت أن هذه الشفاعة خاصة به صلى ال
عليه وسلم وال أعلم .
عنه مرفوعًا ) إن أدنى أهل النار عذابًا من ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه
من حرارة نعليه ( وال أعلم .
ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ،فيخرجون منها
خلقًا كثيرًا ،ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرًا ( وفي الصحيح من حديث أبي
سعيد أيضًا مرفوعًا ) أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول
يحيون ولكن ناس منكم أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم ال
إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أذن بالشفاعة فجيئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على
أنهار الجنة ثم قيل :يا أهل الجنة أفيضوا عليهم ....الحديث ( وفي الصحيح
عن عمران بن حصين رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال )
يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى ال عليه وسلم فيدخلون الجنة
ويسمون بالجهنميين ( وفي البخاري أيضًا عن أنس رضي ال عنه قال
سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ) إذا كان يوم القيامة شفعت وقلت
يارب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة ،فيدخلون ثم أقول :أدخل الجنة
من كان في قلبه أدنى شيء فيدخلون ( وفي الحديث في فضائل الشهداء ) و
يشفع في سبعة من أهله ( وغير ذلك من الدلة ،وكما ذكرت لك أن هذا
النوع من الشفاعة قد تواترت به الدلة ،وقد أجمع أهل السنة رفع ال نزلهم
في الدنيا والخرة على إثباته ولكن أبى المبتدعة إل إنكارها والتكذيب بها ،
فقد أنكرها الوعيدية من الخوارج والمعتزلة ،وحري بهم أل يوفقوا لها يوم
القيامة ،وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ،وعميت أعينهم عن هذه الدلة
صلوها
النيرات المتواترات ِلوهٍم توهموه ومذهبٍ انتحلوه وخرافات أ ّ
واعتمدوها وعارضوا بها نصوص الوحي المطهر عافانا ال وإياكم من كل
بلء وفتنة ونعوذ به جل وعل من حال أهل الهواء وال أعلم .
ج /أهل العراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فيوقفون بين الجنة والنار ،
يرون أهل الجنة يدخلون فيقولون )) سلم عليكم لم يدخلوها وهم
يطمعون (( ويرون أهل النار يدخلونها )) قالوا ربنا ل تجعلنا مع القوم
الظالمين (( فيأذن ال تعالى بالشفاعة فيهم فيشفع فيهم النبيون والصديقون
والشهداء والصالحون ،ويستدل على الشفاعة فيهم ببعض عمومات الدلة
السابقة كحديث ) شفاعتي لهل الكبائر من أمتي ( وغير ذلك وال أعل
وأعلم .
س 275/ما الوسائل التي ثبت الدليل بجواز التوسل مع تأييد ذلك بالدلة؟
ج /لقد أثبت الدليل الشرعي الصحيح الصريح جواز التوسل بعدة أشياء:
الول :التوسل إلى ال تعالى بأسمائه الحسنى قال ال تعالى ))ول
السماء الحسنى فادعوه بها ((
الثاني :التوسل بالصفات ،وله أدلة كثيرة وذلك كما في حديث
الستخارة ) اللهم إني أستخيرك بعلمك الغيب وأستقدرك بقدرتك ......
الحديث( ومنه دعاء سليمان عليه السلم)) وأدخلني برحمتك في عبادك
الصالحين ((ومنه حديث بريدة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم سمع رجل يقول :ال إني أسألك بأني أشهد أنك أنت ال الذي ل إله إل
أنت الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال ) لقد سأل
ال باسمه العظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب( رواه أبو داود
والترمذي ولبن ماجه بإسناد صحيح ،وغير ذلك من الدلة.
الثالث :التوسل إلى ال تعالى بذكر الحال ،ومنه قوله تعالى عن نوح
عليه السلم " رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي
من المؤمنين" وقوله تعالى عنه أيضا" رب إني مغلوب فانتصر ففتحنا
أبواب السماء بماء منهمر" وقوله تعالى عن موسى "رب إني لما أنزلت إلي
من خير فقير" ومنه الحديث المشهور في السير أنه صلى ال عليه وسلم قال
لما طرده أهل الطائف )اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي
وهواني على الناس .....الحديث(
الرابع :التوسل إلى ال تعالى بدعاء الحي الحاضر القادر ،ودليله
حديث أنس في الصحيح أن رجل دخل المسجد من نحو دار القضاء ورسول
ال صلى ال عليه وسلم قائم يخطب فقال :يا رسول ال هلكت الموال
وجاع العيال وانقطعت السبل فادع ال يغيثنا ،فرفع النبي صلى ال عليه
وسلم يديه وقال ) ال أغثنا ( ثلثا قال أنس فل وال ما في السماء من سحاب
ول قزعة حتى خرجت من وراء سلع سحابة سوداء ثم توسطت السماء
فأمطرت فل وال ما رأينا الشمس أسبوعا كامل .....الحديث( ومنه حديث
أنس في طلب عمر رضي ال عنه من العباس أن يدعو للمسلمين ،وهذا
297 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
دعاء أقره عليه جميع الصحابة ،ولم ينكره أحد مع شهرته ،وهو من أظهر
الجماعات القرارية ،وكذا فغل معاوية رضي ال عنه لما أصابهم القحط
في الشام فإنه أمر يزيد بن السود أن يتقدم الناس ويدعو ،ومنه أيضا أمر
النبي صلى ال عليه وسلم من لقي أويسًا القني أن يطلب منه أن يدعو له ،
ومنه أيضا حديث العمى الذي جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم وطلب
منه أن يدعو له أن يرد ال تعالى عليه بصره ،ومنه أيضا طلب أم سليم منه
صلى ال تعالى عليه وسلم أن يدعو لنس ،والدلة على ذلك كثيرة شهيرة.
الخامس :التوسل إلى ال تعالى بالعمال الصالحة ،ودليله حديث ابن
عمر في توسل الثلثة من بني إسرائيل الذين انطبقت عليهم الصخرة ،
وسدت عليهم باب الغار فقال بعضهم لبعض ) إن ال تعالى لن ينجيكم من
أمر هذه الصخرة إل |أن تدعو ال تعالى بصالح أعمالكم( فتوسل الول ببره
بوالديه ،وتوسل الثاني بعفته وخوفه من ال تعالى ،وتوسل الثالث بأمانته
وحفظ عهده وفي آخره ) فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون( متفق عليه.
السادس :التوسل إلى ال تعالى باليمان به وبرسوله صلى ال عليه
وسلم ،كما قال تعالى )) ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي لليمان أن آمنوا
بربكم فآمنا ربنا فأغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا وتوفنا مع البرار
.....اليات (( وقوله تعالى )) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فأغفر لنا ذنوبنا
وقنا عذاب النار (( وهذا السادس يدخل في المر الخامس لنه من جملة
العمال الصالحة فالعمال الصالحة من أعظم ما يتوسل به العبد ،فهذه
الوسائل الست هو التي دل الدليل الشرعي الصحيح الصريح على جواز
التوسل بها وال أعلم .
كما مضى بل شرط ،والمراد بالتوسل الخاص أن تتوسل باسم معين أو
صفة معينة ،فيشترط حينئٍذ مناسبة السم والصفة للسؤال ،فإذا سألت
الرزق فتوسل باسم ال الرزاق والكريم والجواد و المعطي ونحوها ،وإذا
سألت المغفرة والرحمة فتوسل باسمه الرحمن الرحيم الغفور الودود التواب
الرؤوف ونحوها ،وإذا سألت هلك ظالم فتوسل باسمه الجبار والقوي
والمهيمن والعزيز والقدير ونحوهما ،وكذلك يقال في الصفات ،فل بد أن
يكون السم أو الصفة المتوسل بها مناسبة لسؤالك الذي تريد أن يحققه ال لك
،وال أعلم .
ل الجواب مع س /277ما حكم التوسل بالنبي صلى ال عليه وسلم ؟ مفص ً
ضرب المثال ؟
ج /أقول :التوسل بالنبي صلى ال عليه وسلم أنواع :
الول :التوسل به بمعنى طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر
وتصديقه فيما أخبر وأل يعبد ال إل بما شرع ،فهذا حقيقة دين السلم
وزبدة رسالة الشريعة التي بعث بها صلى ال عليه وسلم .
الثاني :التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه فهذا جائز في حياته فقط
وأما بعد وفاته فل يجوز ،وقد قدمنا الدلة على جوازه في حياته ،وأما
الدليل على عدم الجواز بعد وفاته فلنه ل يملك حينئذ لنفسه نفعًا ول ضرًا
وفاقد الشيء ل يعطيه ،ولن الصحابة كانوا إذا قحطوا استسقوا بالعباس مع
أنه صلى ال عليه وسلم كان مدفونًا بجوارهم في حجرة عائشة فعدم إتيانهم
لقبره وسؤاله إجماع منهم على عدم الجواز ولنه صلى ال عليه وسلم قال
) أشتد غضب ال تعالى على قوٍم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( وقال ) اللهم
ل تجعل قبري وثنًا يعبد ( وقصده للدعاء عنده من اتخاذه من اتخاذه عيدًا
ووثنًا ومسجدًا فهو باب مفض إلى ذلك فل بد من سده ،فحيث لم يفعله أحد
من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة السلف فل يجوز فعله إذ لو كان ذلك
مما يجوز لنبهوا عليه ،وفي المختارة أن علي بن الحسين بن علي بن أبي
ل يجيئ إلى فرجٍة كانت عند قبر النبي صلى ال عليه وسلم طالب رأى رج ً
فيدعو فنهاه وقال :أل أحدثك حديثًا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال ) ل تتخذوا قبري عيدًا وصلوا علي حيث كنتم فإن
299 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
صلتكم تبلغني ( فطلب الدعاء منه بعد مماته من الشرك الكبر المخرج من
الملة ،فإنه ل يدعى إلى ال تعالى ،وأما دعاء الموات أيًا كانوا فإنه من
الشرك الكبر ،نعوذ بال منه .
الثالث :التوسل إلى ال بجاهه ،وهذا ل يجوز لنه ل جاه له عند ال ،
نعوذ بال من قول ذلك ،بل هو أعظم الخلق عند ال جاهًا وأعلهم منزلة ،
لكن قد قدمت لك أن الصل في التوسل التوقيف على الدليل ،ولم يأت الدليل
الشرعي الصحيح في جواز التوسل بذلك ،بل ول يعرف عن أحد من
الصحابة في ذلك حرف واحد ،وكل ما يروى في التوسل بجاهه فكذب
مختلق موضوع لعن ال واضعه وعامله بما توعد به الكاذبين على نبيه
صلى ال عليه وسلم فبان بذلك أن التوسل به ثلثة أنواع ،نوع جائز وهو
الول بل هو حقيقة الدين ،لكن قلت جائز بالنسبة للنوعين قبله فقط وإل فهو
أوجب الواجبات وأعظم المطلوبات المتحتمات ،ونوعان ممنوعان .وال
أعلم .
تحقيق مراتب العبودية في الدعاء من كمال الفتقار وغاية الذل وصدق اللجأ
ل على
ل تعالى ويكره النسان أن يترك هذه الحوال القلبية الكاملة اتكا ً
دعاء غيره له ،ولن سؤال غيرك أن يدعو لك فيه نوع ذلة ومسكنة له وقد
يكون فيه إيذاء لذلك المسئول ،وال أعلم .
س /279ما حكم شد الرحل إلى قبور النبياء والولياء للتبرك بها والدعاء
عندها مع الدليل ؟
ج /هذا المر من أشد المنكرات وأعظم المحرمات وأكبر الوسائل لتعظيمها
واتخاذها أوثانا تعبد من ال تعالى ومن اتخاذها عيدا ففي الصحيح عن النبي
صلى ال عليه وسلم أنه قال) ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد المسجد
الحرام والمسجد القصى ومسجدي هذا ( وفي الصحيح أيضا أنه قال ) لعن
ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد( يحذر ما صنعوا قالت
عائشة رضي ال تعالى عنها :ولول ذلك لبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ
مسجدا ( وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال ) أل إن من كان قبلكم كانوا
يتخذون القبور مساجد أل فل تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك(
فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى ال تعالى عليه
وسلم ،ول فعلها الصحابة ل عند قبره صلى ال عليه وسلم ،ول عند
غيره ،وهي من جنس الشرك وأسبابه ،ول يفهم أحمق أرعن جاهل غبي
أخرق أن كلمنا هذا فيه إنقاص من قدر النبياء والولياء فإن هذا ل يفهمه
إل من عشعش الشيطان في قلبه وبيض وفرخ وعمره بسوء الظن ،لن
تعظيم النبياء إنما يكون باليمان بهم وطاعتهم وموالتهم ونصرتهم ،
وتعزيرهم ،وتوقيرهم بما هو مشروع ،فالتعبد مبناه على الدليل والتباع ل
على الهوى والبتداع فليس كل أحد يعمل في دينه ما يشتهي بل مصداق
المحبة الصادقة أتباع المحبوب فيما يأمر به فيمتثل ،وفيما ينهى عنه فيجتنب
وفيما يخبر به فيصدق ،وما شرع لنا على لسان نبينا صلى ال عليه وسلم
النهي عن شد الرحال لغير هذه المساجد الثلثة ـ أعني إذا كان القصد التعبد ـ
كما نهي عن الدعاء عند القبور ورفع ترابها والبناء عليها والكتابة عليها
وتجصيصها وزخرفتها وإسراجها والذبح عندها والنذر لها وبناء المساجد
عليها والصلة عندها كل بذلك مما شرع لمته ،فواجب على المة أتباعه
301 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
فيه وأن يكون هوانا تبعًا لما جاء به صلى ال عليه وسلم وأن ل تأذي
الموات بفعل هذا الشرك عندهم و جريمة نكرا ،في حق التوحيد لما فيه من
فتح باب الشرك على مصراعيه ،وهل بال عليك دخل الشرك وفساد
الحوال والعتقاد إل بسبب الغلو في الولياء والصالحين وقبورهم
والعكوف عندها ،فاللهم أصلح أحوال المسلمين واكفنا شرور أنفسنا
ونزغات الشيطان الرجيم وال أعلم .
س /280كيف توجه قول العمى ) اللهم إني أتوجه لك بنبيك صلى ال
عليه وسلم ( فإن بعض المبتدعة يستدل به على جواز التوسل بجاه النبي
وصلى ال عليه وسلم وبدعائه بعد مماته ؟
ج /أقول :ل إشكال في هذا الحديث أبًدا لكن يجب أن تفهم أول :أنه ل يمكن
أبًدا أن تتعارض النصوص الشرعية التي ثبتت صحتها ،ول يمكن أن يكون
فيها ما يدعو إلى نهي عنه أبدا ،فيجب عليك أن تعتقد ذلك وما ورد عليك
مما تتوهم فيه مخالفة أو معارضة فعليك بالستعانة بال تعالى في كشفه ثم
بسؤال أهل العلم الراسخين في بيانه ،وهذا الحديث قد وردت فيه روايات
ضا ففي جامع الترمذي إن هذا العمى ضا ويفسر بعضها بع ًيبين بعضها بع ً
قال) اللهم إني أسالك وأتوسل إليك بنبيك ممد صلى ال عليه وسلم في
الرحمة لي اللهم شفعه في ( وقد تقدم لك أن التوسل في عرف الصحابة يراد
به طلب الدعاء من الغير ولذلك ففي روية في جامع الترمذي وسنن ابن
ماجه أن هذا العمى قال للنبي صلى ال عليه وسلم ) ادع ال أن يعافيني
فقال له إن شئت دعوت وإن شئت صبرت ،قال :فادعه ( فهذا يبين أن هذا
التوجه المذكور في حديث السؤال إنما يراد به طلب الدعاء منه ،ل أنه
توسل بذاته أو بجاهه كما قد فهمه بعض الغالطين ،ويوضح ذلك لفظ
النسائي فإن العمى قال للنبي صلى ال عليه وسلم ) ادع ال أن يكشف لي
عن بصري .......الحديث ( .وفي المسند أن ذلك العمى قال :ادع ال أن
يعافيني ،فهذا الحديث كحديث عمر السابق ) اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك .......
الحديث ( .فهذان الحديثان شيء واحد .فالتوجه المذكور والتوسل الوارد
غنما يراد به طلب الدعاء من النبي صلى ال عليه وسلم وسؤال الشفاعة منه
وهو حي وهذا أمر ل تنازع فيه بل قد ذكرنا أن حديث العمى من جملة
302 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
الدلة على جوازه ويوضح ذلك أن الصحابة رضي ال عنهم بعد موته إنما
ل عنه ،فلو كان التوسل به حيًا وميتًا سواء لما عدلوا
كانوا يتوسلون بغيره بد ً
عن التوسل به بعد موته إلى التوسل بعمه العباس رضي ال عنه ،وهذا
واضح إن شاء ال تعالى وال أعلم .
وأبتدؤها من عند أنفسهم ،ومنه قوله تعالى )) بديع السموات والرض ((
وذلك لبداعه لها وإحداثه لها ل على مثال سابق .
والبدعة اصطلحًا :إحداث شيء في الدين ليس عليه أمر الشارع ،وهذا
التعريف ألصق باللفظ النبوي الذي ل يداخله الريب ول تعتريه المناقضة
والختلف ،أعني ما في الصحيح من حديث عائشة رضي ال عنها قالت
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه
ل ليس عليه أمرنا فهو رد ( وقوله ) وإياكم فهو رد ( ولمسلم ) من عمل عم ً
ومحدثات المور ( وإن شئت فقل في تعريفها :طريقة في الدين مخترعة
تضاهي الطريقة الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد له
سبحانه ،وهذا تعريف الشاطبي وإن شئت الختصار فقل :التعبد ل بما ل
دليل عليه وال أعلم .
لعلكم تفلحون ( وقال تعالى ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا ( وقال ال تعالى ) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا
السبل فتفرق بكم عن سبيله ( وقال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال
ورسوله ول تولوا عنه وأنتم تسمعون ( وفي الصحيح عن عائشة رضي
ال عنها قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم) من أحدث في أمرنا هذا
ما ليس منه فهو رد( ولمسلم ) من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد( وله
عن جابر بن عبدال رضي ال تعالى عنهما أن النبي صلى ال تعالى عليه
وسلم كان يقول إذا خطب الناس ) أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب ال تعالى
،وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه وسلم ،وشر المور محدثاتها وكل
) جاءت الملئكة للنبي صلى ال بدعة ضللة( وللبخاري عنه أنه قال
عليه وهو نائم فقالوا :إن لصاحبكم هذا مثل فاضربوا له مثل فقال بعضهم
إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقضان ........وفيه أنهم قالوا:
فمن أطاع محمدا فقد أطاع ال ومن عصى محمدا فقد عصى ال ،ومحمد
فرق بين الناس( وعن العرباض بن سارية رضي ال تعالى عنه قال
) وعظنا رسول ال صلى ال عليه موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت
منها القلوب فقلنا :يا رسول ال كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال ) أوصيكم
بتقوى ال تعالى والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا ،فإنه من يعش منكم
بعدي فسيرى اختلفا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
بعدي ،تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل
محدثة بدعة وكل بدعة ضللة( وسنده صحيح .وعن ابن مسعود رضي ال
تعالى عنه قال ) خط لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم خطا ثم قال :هذا
سبيل ال تعالى ،ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله ،وقال هذه سبل وعلى كل
سبيل منها شيطان يدعو إليه( حديث صحيح .وفي الحديث الذي يصح
بمجموع طرقه) وإن هذه المة ستفترق على ثلث وسبعين فرقة كلها في
النار إل واحدة ،وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي( وقد
توا تر عن السلف أنهم كانوا يقولون :اقتصاد في سنة ،خير من اجتهاد في
بدعة .ويقولون :ما ابتدع قوم بدعة إل رفع من السنة بقدرها .ويقولون:
اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم .وكان سفيان بقول :ل يستقيم قول ول عمل إل
بموافقة السنة .وفي الصحيح في أحاديث الحوض وأن قوما يذادون عنه كما
305 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
يذاد البعير الضال فأقول) أصيحابي أصيحابي ،فيقولون :إنك ل تدري ما
أحدثوا بعدك فأقول :سحقا سحقا( وكان ابن عمر يقول ):كل بدعة ضللة
وإن رآها الناس حسنة( وسنده صحيح .وقال محمد بن أسلم )من وقر
صاحب بدعة فقد أعان على هدم السلم(وقال الفضيل بن عياض في قوله
تعالى "ليبلوكم أيكم أحسن عمل" قال أخلصه وأصوبه ،قيل يا أبا علي ما
أخلصه وأصوبه؟ قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا
كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ،حتى يكون خالصا صوابا ،والخالص
ما كان ل تعالى والصواب ما كان على السنة .والدلة والثار في ذلك
كثيرة ،وأوصي الحباب القراء بمراجعة العتصام للشاطبي ،والباعث
لبي شامة ،وكتاب ابن وضاح المسمى بـ)ما جاء في البدع(والمر بالتباع
والنهي عن البتداع للسيوطي،والحوادث والبدع للطرطوشي ،رحم ال
علماء السلم الرحمة الواسعة ورفع نزلهم في الفردوس العلى وجمعنا بهم
في جنات النعيم.وال تعالى أعلى وأعلم.
فمنها :ما يكون بدعة في أصل العبادة وذلك بأحداث عبادة ليس لها
أصل في الشرع كإحداث صلة غير مشروعة أو صيام غير مشروع أو عيد
غير مشروع كأعياد الميلد والم ورأس السنة أو اتخاذ بعض الموالد لبعض
النبياء أو الولياء ،عيدًا ،وكالطواف حول القبور والمثلة على ذلك
كثيرة .
ومنها :ما يكون في الزيادة على القدر المشروع في هذه العبادة كما
ل في صلة الظهر أو العصر . لو زيد ركعة مي ً
ومنها :ما يكون في صفة أداء العبادة كفعل عبادة على صفة غير
مشروعة وذلك كأداء الذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة .
ومنها :ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه
الشرع أ تخصيص فعلها في مكان معين لم يخصصه الشرع كتخصيص ليلة
النصف من شعبان وليلته بصيام أو قيام فإن أصل الصيام والقيام مشروع
لكن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل ،وكتخصيص مكان معين باعتقاد
ل أو مسجد فيه قبرًا أو مكان صلى فيه
أفضلية فعل الصلة فيه كمقبرة مث ً
نبي أو ولي ونحو ذلك ،فهذا التخصيص يحتاج إلى دليل وإنك لو سبرت
البدع المحدثة في الشرع كلها لم تجدها تخرج عن هذين القسمين ،إما أن
تكون في باب العقائد وأما أن تكون في باب العمليات فهذا تقسيمها باعتبار
تعلقها بأبواب الدين وال أعلم .
كافر ،ومن البدع الكفرة بدعة القدرية الذين ينكرون علم ال السابق والكتابة
السابقة ويزعمون أن ل قدر وأن المر أنف ،وقد أتفق على تكفيرهم من
تأخر موته من الصحابة كابن عمر وأنس وأبي سعيد وأبي هريرة
وغيرهم ،وسار أهل السنة على هذا التفاق ولذلك قالوا :ناظروهم في
العلم في العلم فإن أنكروه كفروا وإن أثبتوه غلبوا ،ومن البدع المكفرة بدعة
دعاء الموات والذبح لهم والستغاثة لهم في كشف الملمات وتفريج الكربات
،والركوع والسجود إلى القبور والحلف بغير ال تعظيما له كتعظيم ال
تعالى ،كل ذلك بدع مكفرة ،وهذه بعض المثلة .وأما البدع التي ل تصل
إلى حد الكفر ،فكبدعة شد الرحال إلى القبور وبدعة الذكار الجماعية أدبار
الصلوات وبدعة تخصيص مكان أو زمان معين ببعض العبادات وبدعة
إخراج العمل من اليمان وبدعة تكفير مرتكب الكبيرة ،ونحو ذلك ،وال
أعلم .
وسلم فإن قلت :فلو كان كذلك فلماذا لم يفعل في عهد أبي بكر؟ فأقول :يرجع
ذلك لمرين :
أوًل :أما لنه رأى أن قيام الناس آخر الليل وما هم عليه كان عنده
وعنده من جمعهم إلى إمام واحد أول الليل .
ثانيًا :ضيق زمانه رضي ال عنه عن النظر في ذلك الفرع مع شغله
التام بأهل الردة وغير ذلك مما هو أوكد من صلة التراويح ،فالجتماع في
صلة التراويح شيء كان أول من فعله النبي صلى ال عليه وسلم فهو
مشروع ،فعلم بذلك أن قول عمر رضي ال عنه
) نعمة البدعة هذه ( أنه ل يقصد بها البدعة الشرعية إنما يقصد بها البدعة
اللغوية .
الجواب الثاني :أنه ل يظن بمن هو دون عمر رضي ال عنه من
الصحابة أن يخالف ما كان يسمعه كل خطبة من فم النبي صلى ال عليه
وسلم من قوله ) وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه وسلم وشر المور
محدثاتها وكل بدعة ضللة ( فإنه ل يتطرق إلى مؤمن عرف قدر الصحابة
وشدة ورعهم وتحريهم للمتابعة التامة وحذرهم الشديد من المخالفة ولو في
المور اليسيرة ول يتطرق إلى قلبه أي يخالف أحدهم ذلك النهي الذي تواتر
سماعهم له فإنهم كانوا يسمعونه الفينة بعد الفينة فكيف يظن ذلك بعمر رضي
ال عنه الخليفة الثاني أمير المؤمنين ،أن يحسن بدعه في الشرع كان يسمع
كثيرا أنها ضللة ؟ هذا ل يكون أبدًا وأقسم بال تعالى أنه ل يكون ،فدل ذلك
على أنه بقوله ) نعم البدعة هذه ( أنه ل يريد الشرعية وإنما يريد بها معناها
اللغوي لن البدعة باعتبار معناها اللغوي منها ما هو حسن .
ل أنه يريد الشرعية ،فإنه ل كلم لحد كائنا الجواب الثالث :سلمنا جد ً
من كان مع النص الصحيح الصريح من المعصوم صلى ال عليه وسلم ،
فكل قول أو فعل يخالف ما ثبت من قوله وفعله فإنه رد على صاحبه ،
وأقوال العلماء يستدل لها ل يستدل بها ،وكل يوزن بما معه من الحق ل أن
الحق يوزن بالرجال ،وكل يأخذ من قوله ويترك إل قول محمد صلى ال
عليه وسلم وحقيقة اليمان به تقدم قوله صلى ال عليه وسلم على قول كل
أحد قال تعالى )) يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين ال و الرسول (( فل
يعارض قوله صلى ال عليه وسلم بقول أحد كائنًا من كان قفوله هو السيد
310 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
المتبوع المطاع وهو الميزان الذي توزن به القوال ،فما وافقه من القوال
فهو المقبول وما خالفه فهو المردود وال أعلم .
الجواب الرابع :أن صلة التراويح في رمضان خلف إمام مما أنعقد
عليه الجماع المعلوم بالضرورة قطعًا وثبت عليه عمل المسلمين من عهد
عمر رضي ال عنه إلى عهدنا هذا لم ينكره منكر من المسلمين ،فإن كان
بعض أهل العلم قد استطاع القدح في حجة الجماع فل أظنه يستطيع أن
ينكر أن هذا من الجماع ،والجماع حجة شرعيه وما ثبت بالجماع فل
يكون أبدًا بدعة شرعية .وال أعلم .
الجواب الخامس :أن المقرر في الصول ومقاصد الشريعة أن
المتشابه يرد المحكم ،وأن المجمل يرد إلى المبين فقول هذا إن سلمنا أنه من
المتشابه أو المجمل أو المبهم فإن الواجب فيه رد المر إلى المحكم المبين
الواضح ،ول يخفاك أيها الخ المبارك أن الدلة والثار التي سقنا طرفًا
يسيرًا منها والتي تحذر من البتداع وتأمر بالتباع ،ول يخفاك أنها من
الشهرة الوضوح والحكام والبيان بما ل يدع أدنى أدنى أدنى مجال للشك في
حكم كل البدع الشرعية ،فكيف بال عليك تعارض هذه الدلة والواضحات
ى المحكمات دللًة النيرات نهجًا الصحيحات سندًا بقو ٍ
ل المتواترات معن ً
ل أن قول عمر من المتشابه ،فكيف وقد محتمل متشابه ؟ هذا إذا سلمنا جد ً
جزمنا سابقًا أنه ل يريد إل البدعة اللغوية فقط ؟ فالمر واضح عجزت
عيون الخفافيش عن مقاومة نور الشمس وال أعلم .
س /288يستدل بعض محسني البدع على تحسين بدعهم بقوله صلى ال
عليه وسلم ) من سن في السلم سنة حسنة كان له أجرها وأجر من
عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ( فما وجه
استدللهم به وكيف الجابة عنه ؟
ج /أقول :أما هذا الحديث فقد رواه مسلم رحمه ال تعالى ورفع نزله في
الفردوس العلى وجمعنا به في الجنة نحن وسائر إخواننا وأخواتنا من
المسلمين ،وهو واضح الدللة بين المقصود ل يدل على ما يرده محنوا
البدع ل مطابقة ول تضمنا ول التزاما ،وبيان ذلك أن يقال :إن الحديث فيه
) من سن في السلم سنة حسنة ( فليس فيه سوى ذكر السنة الحسنة والسيئة
311 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ولم يرد ذكر للبدعة ،والسنة في اللغة الطريقة ،فالمقصود بالحديث :أن من
أتى بطريقة حسنة فسنها للناس فهو من المثابين عليها ول يمكن تعرف
طريفة ما أنها حسنة إل بدللة الشرع على تحسينها ،فعندما توصف الطريقة
ل في الشرع كذلك بأنها حسنه كما في الحديث فإن ذلك يدل على أن لها أص ً
قال أهل العلم في هذا الحديث ومناسبة الحديث تدل على أن الرسول صلى
ال عليه وسلم لم يطلق) السنة الحسنة ( إل على أمر له أصل في الشرع فإن
سبب الحديث أنه جاء إلى الرسول صلى ال عليه وسلم وفد من العرب كانوا
على غاية من الحاجة والفقر وحث النبي صلى ال عليه وسلم أصحابه على
التصدق عليهم فجاء رجل من النصار فتصدق بصدقة كبيرة ثم تتابع الناس
من بعده على التصدق حتى تجمع قدر كبير من الصدقات فأعجب فعل
النصاري النبي صلى ال عليه وسلم فقال الحديث فالنبي صلى ال عليه
وسلم إنما قصد بالسنة الحسنة فعل النصاري من ابتدائه بالصدقة في تلك
الحادثة والصدقة مشروعة من قبل ،فتقرر بهذا أن النبي صلى ال عليه
وسلم إنما أطلق السنة الحسنة على ما هو مشروع في الدين فل مجال لقحام
البدع تحت دائرة السنة الحسنة إذ البدعة ل أصل لها في الشرع ،ول يمكن
أن توصف بأنها حسنة أبدًا وقد وصفها أهل أعلم الخلق بالشريعة بأنها
ضللة وبأنها رد ،فظهر بهذا بطلن استدلل محسني البدع بهذا الحديث ،
بل الحديث حجة عليهم فإنه قال ) ومن سن في السلم سنة سيئة ( والبدع
كلها سيئة ،فأنظر كيف انقلب الستدلل عليهم وذلك لنه ل يمكن أبدًا أن
تقر نصوص الشريعة البدعة بأي شكل كانت ،بل تظافرت نصوص
الشريعة كتابًا وسنة مع وفور الثار عن الصحابة والتابعين والسلف على
أنها مردودة وضللة .وال أعلم .
بالحداث هنا أي اختراع قول أو فعل ل دليل عليه من الكتاب والسنة أو ما
تفرع عنها من الجماع والقياس الصحيح ،وهذه القاعدة هي أم القواعد في
الباب وما بعدها من القواعد والضوابط فإنه متفرع عنها .
القاعدة الثانية :الصل في العبادات الحظر والتوقيف وهذه القاعدة
كالتعبير الثاني لمعنى القاعدة الولى.
القاعدة الثالثة :الصل في العبادات الطلق عن الزمان والمكان
والصفة المعينة ،وهذه القاعدة أيضًا من الصول المهمة لمعرفة البدع ،
فتقول :أن من قيد عبادة بصفة معينة فإن هذا القيد يتوقف قبوله على الدليل
ومن قّيدها بوقت معين فإن هذا القيد يتوقف قبوله على الدليل المعين ،ومن
قيد عبادة بمكان معين فإن هذا القيد أيضًا قبوله على الدليل الرعي الصحيح
الصريح فمن أعطاه ال فهم هذه القاعدة فقد أوتي خيرا كثيرا .
القاعدة الرابعة :ل يستدل على شرعية الوصف بشرعية الصل ،
بل ل بد للوصف الزائد على الصل من دليل خاص ول يحق أن يعمل
العبادات على الوصف المخترع الذي ل دليل عليه ،بل هذا الوصف يتطلب
ل زائدًا على مجرد دليل الصل ،وإذا أردت شرحًا بتفصيل فارجع إلى دلي ً
كتابنا تحرير القواعد وجمع الفرائد وال أعلم .
القاعدة الخامسة :الحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للدلة الصحيحة
الصريحة ،وهذه القاعدة مع القاعدة قبلها تنسف كل ما يحتج به المبتدعة ،
وبيان ذلك أن يقال :إن المبتدعة إذا طلب منهم البرهان على ما اخترعوه
فإنهم يستدلون بأحد أمرين ـ وهذا في الغلب ـ المر الول :إما أن يستدلون
عليها بحديث ضعيف أو موضوع فجوابهم حينئذ يكون بالقاعدة الخامسة أي
بهذه القاعدة ،المر الثاني :وإما أن يستدلون عليها بدليل الصل الذي لم
ل للوصف الذي يفعلونها عليه ،فيكون الجواب عليه حينئذ يتعرض أص ً
بالقاعدة الرابعة التي تقول :شرعية الصل ل تستلزم شرعية الوصف ،
وبهذا نكون قد سددنا عليهم أبوابا كثيرة يلجون منها والحمد ل .
القاعدة السادسة :كل فهم في نصوص الصفات والقدر واليوم الخر
مخالف لفهم السلف فهو بدعة ،أو نقول :ما لم يرد في الكتاب ول في السنة
ولم يأثر عن الصحابة والتابعين من المعتقدات فهو بدعة وهذا الصل يتضح
به فضل السلف على الخلف ،فإن السلف رحمهم ال تعالى ورفع نزلهم في
313 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
جنات عدن وجمعنا بهم في الجنة وحشرنا في زمرتهم كانوا يفهمون من
نصوص الصفات واليوم الخر فهمًا خاصًا موافقًا لمراد رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،وهو أنهم ينظرون لها من جهتين من جهة المعنى ومن جهة
الكيف فأما معانيها فإنها معلومة عندهم ،لنها باللسان العربي فوجب حملها
على المعاني المتقررة عندنا في هذا اللسان العربي ،وأما كيفياتها فإنهم
يوكلون علمها ل تعالى ،وباختصار نقول :السلف يعلمون معاني نصوص
الصفات واليوم الخر ويفوضون كيفيتها ل تعالى ،وأما القدر فإنهم كانوا
يفهمون نصوصه أيضًا فهمًا خاصًا جامعًا للدلة كلها فيثبتون القدر السابق
علما وكتابة وخلقًا ومشيئة ويثبتون أن للعباد قدرة ومشيئة ،وال خالق
ذواتهم وصفاتهم وأفعالهم فهذا فهمهم في هذه البواب ،وبناء عليه فكل فهم
محدث يخالف هذا الفهم فإنه بدعة ،وذلك كفهم الجهمية والمعتزلة
والشاعرة والمتردية لنصوص الصفات ،وكفهم الفلسفة أهل التخييل
لنصوص اليوم الخر ،وكفهم الجبرية والقدرية لنصوص القدر ،فكل هذه
الفهوم باطلة بدعة مردودة على أصحابها لمخالفتها لفهم السلف ،وكل فهم
يخالف فهم السلف فهو بدعة فأنظر كيف عرفنا بدعًا كثيرة ببركة هذه القاعدة
،وهذا يبين لك أهمية معرفة القواعد وإجادة التفريع عليها .
القاعدة السابعة :كل تعبد قولي أو فعلي ل يعرف عن السلف فهو
بدعة ،كالحتفال بالمواليد ،فإنه ليس معروفًا عن السلف والطواف حول
القبور والعكوف عندها ودعاءها والذبح أو النذر لها وتسبيحها وإسراجها
ووضع الشجار الخضراء عليها وتزويقها والكتابة عليها وتجصيصها ،
وعمل الختمة لها ،وتوزيع الطعام والشراب في المقبرة بعد الدفن ،وتحية
العلم والسلم الملكي على مختلف أنواعه وتنوع ضروبه فإن السلم الشرعي
هو قول :السلم عليكم ورحمة ال وبركاته ،أما السلم بالموسيقى وضرب
الطبول ووقف العساكر معظمين ل يتحركون إكبارًا واحتراما لهذه الموسيقى
فإنه ل يشك أدنى من له اشتغال بالعلم أنه من البدع المنكرة وبذلك يفتي أهل
العلم وهو من الحق الذي يجب التصريح به بل مداهنة أو مجاملة وال من
وراء القصد ،وأعياد الميلد ،والذكر الجماعي والسماع الجماعي ،والتعبد
ل بلبس الصوف ،والهيام في البراري ومعاشرة الوحوش طلبًا للكرامة ،
والتعبد ل بتحريم بعض الحلل كنكاح أو طعام أو لباس ،وتخصيص شيء
314 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ل يسجد إل عليه كما يفعل الرافضة ،وغير ذلك مما ل يكاد يحصى إل
بكلفة مما قد أنتشر وعمة به البلوى في كثير من بلد السلم ،أسأله جل
وعل أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وبلدنا ،وخصوصًا بلد الحرمين رفع ال
نزل ولتها وعلمائها ووفقهم لما فيه الخير والبر وصلح المسلين فإنه قادة
أهل السنة وحماة السلم وربان السفينة أسال ال أي يحفظهم بالسلم
ويحفظ السلم بهم .وال أعلم .
القاعدة الثامنة :كل فعل توفر سبب فعله على عهد النبي صلى ال
عليه وسلم ولم يفعله فالمشروع تركه وقد شرحتها في تلقيح الفهام ،وهي
من الردود القوية على أهل البدع ،ويخل فيها من البدع ما ل حصر لها
كالطواف حول القبور ودعاء أصحابها من دون ال تعالى والذبح والنذر
لها ،وكسوتها والعكوف عندها ،وإسراج القبور ووضع الورود والزهور
عليها ورفعها والكتابة عليها ويدخل فيها كل الموالد والعياد التي أبتدعها
أهل التصوف والرفض ـ ويدخل فيها كل الصلوات المبتدعة التي ل دليل
عليها كصلة الرغائب إحياء ليلة النصف من شعبان ونحو ذلك ،ويدخل
فيها كل أصناف الذكار البدعية المعروفة عند أهل الهواء والبدع وغير
ذلك من الشياء التي كانت أسباب فعلها متوفرة على عهد النبي صلى ال
عليه وسلم ومع ذلك فإنه لم يفعلها ل هو ول أحد من أصحابه فتركه لها يدل
على أنها ليست من الشريعة في صدر ول ورد ،فأمسك بهذا الصل فإنه
خيرًا عظيمًا وال أعلم.
القاعدة التاسعة :ل مدخل للعادات في أمور التشريع أي أن العادات
الموروثة إذا كانت مخالفة للشروع فإنه يجب اطراحها وإلغاؤها وإبطالها
واستبدالها بالمشروع ول يجوز الحتجاج على مفكرها بأنها من عوائد القوم
وسلومهم وأعرافهم التي ورثوها كابرًا عن كابر ،فإن هذه الحجة حجة
إبليسية شركية قديمة وهي من الردود التي كان يفزع إليها المم الكافرة قال
تعالى )) بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك
ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إل قال مترفوها أنا وجدنا آباءنا على
أمة وإنا على آثارهم مقتدون (( وقال تعالى عنهم )) ما سمعنا بهذا في
الملة الخرة إن هذا إل اختلق (( واليات في هذا المعنى كثيرة جدًا ،
وتأتي هذه القاعدة رادة على هؤلء وتقول :ل مدخل للعادات في أمور
315 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
س /290ما حكم بغض أهل البدع ؟ وعلى أي صيغة يكون هذا البغض ؟
ل ويستحق ج /بغض أهل البدع واجب من واجبات الشريعة يثاب فاعلة امتثا ً
العقاب تاركه ،وهو من الولء والبراء الذي هو ركيزة من ركائز العتقاد
وكما هو معلوم قال تعالى )) ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون
من حاد ال ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في
قلوبهم اليمان ..الية ( وغير ذلك من النقول ،وأما صفة هذا البغض فإنه
نختلف باختلف البدعة ،إن البدعة تتفاوت فمن البدع ما يكون مكفرًا ومنها
ما يكون مفسقًا ومها ما يكون عقديًا ومنها ما يكون عمليًا ومنها ما يكون
حقيقيًا ومنها ما يكون إضافيًا وهكذا ،ويختلف أيضا باختلف حالة المبتدع
فمنهم المستور ومنهم المعلن والداعية ومنهم والمعاند المكابر ومنهم المتأول
المخطي ،لكن بالنظر العام نقول :ما كان من البدع مفرًا فإنه يجب أن نبغ
صاحبها البغض المطلق ،وما لم يكن مكفرًا منها فإننا نبغض صاحبها بقدر
ما معه من المخالفة أي نبغضه مطلق البغض ل البغض المطلق ،وأما
التفصيل في آحاد المبتدعة فإنه متروك في حال المسئول عنه وال أعلم .
س /291هل تقبل توبة المبتدع إذا تاب ؟ وعلى أي شيء يحمل كلم من
قال من السلف أنه ل توبة له ؟
ج /لقد تقرر في الدلة من الكتاب والسنة أن من أذنب ثم تاب وأتى بشرائط
التوبة فإن ال يتوب عليه قال تعالى )) قل يا عبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال يغفر الذنوب جميعًا (( فقوله
) الذنوب ( جمع دخلت عليه اللف واللم الستغراقية وقد أكد هذا العموم
بقوله ) جميعًا ( والصل هو البقاء على العموم حتى يرد المخصص ،وقال
تعالى )) والذين ل يدعون مع ال إلًه آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال
إل بالحق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم
ل صالحًا فاؤلئك يبدل القيامة ويخلد فيه مهانا إل من تاب وآمن وعمل عم ً
ال سيئاتهم حسنات وكان ال غفورًا رحيماً ومن تاب وعمل صالحًا فإنه
316 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ول على قاتل نفسه ول على من استدان ومات ول وفاء له حتى تحمله أحد
الصحابة ،وهذا يدخل تحت باب الزجر بالهجر وهو تأديب نافع جدا له أثره
الحميد لكن مبناه على مراعاة المصالح والمفاسد فهذا القول هو الذي يجمع
ما قاله أهل العلم في هذا الباب وتتفق به نصوصهم وال أعلم .
س /295ما حكم ساب الرسول صلى ال عليه وسلم مع بيان ذلك بالدلة ؟
ج /سب النبي صلى ال عليه وسلم كفر وردة وجرم عظيم وموبقة من
موبقات الثام ،وقد أجمع أهل الصدر الول على أنه يجب قتله ،قال ابن
المنذر :أجمع عامة العلماء على أنه يجب على سابه القتل ،قاله أحمد ومالك
والليث والشافعي .أهـ وقد حكى الجماع أيضا أبو بكر الفارسي من أصحاب
الشافعي .وكذا يقله إسحاق بن راهويه فإنه قال :أجمع المسلمونِأن سب
ال أو سب الرسول أو دفع شيء مما أنزل أو قتل نبيًا أنه كافر وإن كان مقرا
بكل ما أنزل ال .أهـ .ويقله الخطابي أيضا فإنه قال ) :ل أعلم أحدا اختلف
في وجوب قتله ( أهـ .وقال محمد بن سحنون ) أجمع العلماء على أن شاتم
الرسول المتنقص له كافر ومن شك في كفره فإنه يكفر وأما الدلة على
إثبات هذا الحكم فمن الكتاب والسنة ،والجماع ،فأما الجماع فقد تقدم
نقله ،وأما ففي مواضع :
منها :قوله تعالى )) إن الذين يؤذون ل ورسوله لعنهم ال في الدنيا
والخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا (( قال أبو العباس :وهذه توجب قتل من آذى
ال ورسوله ونحن لم نعاهدهم على أن يؤذوا ال ورسوله .أهـ قلت :من
اليذاء سبه وتنقصه بقول أو فعل ،فإن فاعله ملعون بلعنة ال مطرود عن
رحمته متوعد يوم القيامة بالعذاب المهين وهذا يدل على كفره.
ومنها :قوله تعالى )) ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو
أذن .....الية (( إلى قوله
)) والذين يؤذون رسول ال لهم عذاب أليم .....الية (( إلى قوله )) ألم
يعلموا أنه من يحادد ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدًا فيها ذلك الخزي
العظيم (( فعلم بذلك أن إيذائه صلى ال عليه وسلم محادة ل ولرسوله لن
ل فيه ،
ذكر اليذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة فيجب أن يكون داخ ً
فاليذاء له صلى ال عليه وسلم من المحادة ل ورسوله ،وما يحاددهما
323 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
جزاءه نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم ،وسبه وتنقصه من اعظم
اليذاء فيكون من أعظم المحادة فيكون صاحبه متوعدا بهذه العقوبة البليغة
مما يدل على أنه كافر عدو ل ورسوله محارب ل ورسوله ،ويوضح هذا ما
ل كانرواه عبدالرزاق وأبو نعيم في الحلية وابن حزم في المحلى أن رج ً
يسب النبي صلى ال عليه وسلم فقال ) :من يكفيني عدوي ( وصححه ابن
حزم .
ومنها :قوله تعالى )) يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم
بما في قلوبهم قل استهزؤا إن ال مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن
إنما كنا نخوض ونلعب قل أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ل تعتذروا
قد كفرتم بعد إيمانكم (( وهذا نص أن الستهزاء بال وآياته ورسوله كفر
صريح ،فدلت الية أن كل متنقص رسول ال صلى ال عليه وسلم جادا أو
ل فإنه يكفر ،وسبه من تنقصه فهو كفر .هاز ً
ومنها :قوله تعالى )) يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ال
ورسوله واتقوا ال إنه سميع عليم ،يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم
فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط
أعمالكم وأنتم ل تشعرون (( فإذا ثبت أن رفع الصوت والجهر به فوق
صوته يخاف على صاحبه منه أن يكفر به ويحبط عمله وهو ل يشعر ،لن
فيه سوء أدب واستخفاف وهو ل يشعر بذلك ،فكيف بمن يسبه ويستخف به
ويؤذيه مع قصه لذلك وتعمده له ؟ فل ريب أنه يكون كافرًا بطريق الولى .
وقد ذكر أبو العباس في الصارم المسلول آيات أخرى ،فارجع إليها إن شئت
،وأما السنة فأحاديث ،فمنها ما رواه الشعبي عن علي رضي ال عنه أن
يهودية كانت تشتم النبي صلى ال عليه وسلم وتقع فيه ،فخنقها رجل حتى
ماتت ،فأبطل رسول ال صلى ال عليه وسلم دمها ،رواه أبو داود واستدل
به المام أحمد كما في رواية ابنه عبدال عنه ،وقد روي أن الرجل كان
أعمى ،وجود إسناده أبو العباس في الصارم المسلول وقال :وهو حديث
جيد وهو متصل لن الشعبي رأى عليا ولو كان مرسل فهو حجة وفاقا لن
الشعبي صحيح المراسيل عندهم ليس له مرسل إل صحيح .أهـ وهذا صريح
في جواز قتلها لجل شتم النبي صلى ال عليه وسلم ووقوعها فيه ،فإذا كان
324 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
هذا حال أهل الذمة إذا فعلوا ذلك فالمسلم والمسلمة إذا فعل ذلك فإنهم
يدخلون في دللة النص من باب أولى .
ومنها :ما روى ابن عباس رضي ال عنهما :أن أعمى كانت له أم
ولٍد تشتم النبي صلى ال عليه وسلم وتقع فيه ،فأخذ المغول ووضعه في
بطنها واتكأ عليه فقتلها ثم ذكر للنبي صلى ال عليه وسلم فأهدر دمها ،رواه
أبو داود والنسائي واستدل به أحمد ،وصححه الحاكم وقال الحافظ في البلوغ
) رواته ثقات ( وقد تكون هذه القصة هي عين المذكورة سابقا وقد تكون
غيرها ووجه الدللة منها واضحة وهو أن ساب النبي صلى ال عليه وسلم
يقتل لن السب ارتداء فهذا دليل على ما قررناه من حكم سابه صلى ال عليه
وسلم .
ومنها :قصة كعب بن الشرف اليهودي ،وهي مخرجة في
الصحيحين ،وقد احتج بها الشافعي على أن الذمي إذا سب النبي صلى ال
عليه وسلم فإنه يقتل وفيها أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) من لكعب بن
الشرف فإنه قد آذى ال ورسوله فقام محمد بن سلمة فقال :أتحب أن أقتله يا
رسول ال ؟ قال ) نعم ( قال :فأذن لي أن أقول شيئا ،فإذن له ...الحديث
وفيه أنهم ) قتلوه ( وكان كعب قد هجا النبي صلى ال عليه وسلم فكانت
عقوبته ما علمت وهي القتل وهو ذمي فكيف لو فعله مسلم فهذا دليل أن ساب
الرسول يقتل.
ومنها :ما رواه النسائي بسند صحيح عن عبدال بن أبي برزة قال :
أغلظ رجل لبي بكر الصديق رضي ال عنه فقلت :أقتله ؟ فانتهرني وقال :
ليس هذا الحد بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ( وفي رواية :أن رجل
شتم أبا بكٍر ،فذكره ،وهي عند أبي داود وهذا يفيد أن المتقرر عند أبي بكر
أن قتل الساب إنما هو إذا كان المشتوم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأما
غيره فل ،فهو من جملة خصائصه صلى ال عليه وسلم قال أبو العباس :
وقد استدل به جماعات من العلماء على قتل ساب الرسول منهم :أبو داود
وإسماعيل بن إسحاق وأبو بكر عبد العزيز والقاضي أبو يعلى وغيرهم (
أ.هـ
ومنها :قصة ابن أبي سرح ،وهي مما أتفق عليها أهل العلم واستفاضت
عندهم استفاضة تغنى عن رواية والحاد ،ومع ذلك فقد صححها الحاكم
325 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ول نصيفه ( ويدينون ل تعالى بسلمة قلوبهم وألسنتهم للصحابة جميعا ول
يذكرونهم إل بالجميل ومن ذكرهم بغير ذلك فهو على غير سواء السبيل قال
تعالى )) والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولخواننا الذين
سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف
رحيم (( ونعتقد العتقاد الجازم أنهم أكبر هذه المة عقول وأكثرهم
وأصحهم علوما وأعلهم فهوما وأسلمهم صدورا وأشدهم إتباعا ،وأرفعهم
قدرا وأنهم الواسطة بيننا وبين نبينا صلى ال عليه وسلم في إبلغ الشريعة
أنهم قاموا بما أوجبه ال عليهم من البلغ أتم القيام ،فقلوبنا سليمة عليهم فل
غل ول حقد ول كراهة لحد منهم وأنهم أمنة هذه المة كما روى مسلم في
صحيحه من حديث أبي بردة عن أبيه رضي ال عنه قال ) :صلينا مع
رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قلنا :لو جلسنا حتى نصلي العشاء قال :
فجلسنا ،فخرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ) :مازلتم ههنا (
؟ فقلنا :يا رسول ال صلينا معك المغرب ثم قلنا :نجلس حتى نصلي معك
العشاء ،قال ) أحسنتم ( أو ) أصبتم ( قال :فرفع رأسه إلى السماء وكان
كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء ،فقال ) النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت
النجوم أتى السماء ما توعد ،وأنا أمنة لصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما
يوعدون وأصحابي أمنة لمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ( وفي
الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه عن النبي صلى ال
عليه وسلم قال ) يأتي على الناس زمان نغزو فئام من الناس فيقال لهم :فكيم
من صحب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقولون :نعم ،فيفتح لهم ،ثم
فئام من الناس فيقال لهم :فكيف من رأى من صحب رسول ال صلى ال
عليه وسلم فيقولون :نعم ،فيفتح لهم ،ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم :
هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول ال صلى ال عليه وسلم
فيقولون :نعم ،فيفتح لهم ،ولمسلم من حديث عائشة رضي ال عنها قالت :
) القرن سأل رجل النبي صلى ال عليه وسلم أي الناس خير ؟ فقال :
الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث (.والصحيح عند الجمهور رحمهم ال تعالى
أن هذه الفضلية والخيرية في قرن الصحابة هي باعتبار الفراد وليس
بالنسبة إلى المجموع ،إذ الصحبة ل يعد لها شيء ولمشاهدتهم النبي صلى
ال عليه وسلم وذبهم عنه ونصرة دين السلم وحرصهم على ضبط الوحي
327 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
الذي تلقوه عن النبي صلى ال عليه وسلم ،فما من خصلة من خصال الخير
إل والصحابة قد ضربوا فيها أكبر الحظ والنصيب ،وهم أحق المة بقوله
صلى ال عليه وسلم ) نضر ال امرءا سمع منا مقالة فوعاها فأداها كما
سمعها ........الحديث ( وقال ابن عمر رضي ال عنهما :من كان مستنا
فليستن بمن قد مات ،أولئك أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم كانوا خير
هذه المة ،أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم أختارهم ال تعالى
لصحبة نبيه صلى ال عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلقهم وطرائقهم فهم
أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم وكانوا على الهدى المستقيم ( وقال ابن
مسعود رضي ال عنه :إن ال نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير
القلوب فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب
محمد صلى ال عليه وسلم قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء
نبيه ،يقاتلون على فما رأى المسلمون حسنا فهو عند ال حسن وما رأوا سيئا
فهو عند ال سيئ .وسيأتي إن شاء ال تعالى شيء من ذكر الفضائل في
سياق السئلة بحوله سبحانه وقوته ،وخلصة المر أن اعتقاد أهل السنة في
الصحابة رضي ال عنهم مجمل في أمور :
الول :أننا نحبهم ول نفرط في حب أحد منهم .
الثاني :أننا نبغض في ال من أبغضهم .
الثالث :أنهم خير هذه المة وأفضلها على الطلق ل كان ول يكون
مثلهم وأن ال تعالى رضي عنهم ورضوا عنه .
الرابع :أنهم عدول ثقات أثبات ل يبحث عن عدالتهم .
الخامس :سلمة ألسنتنا وقلوبهم عليهم وال تعالى أعلى وأعلم .
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) ل تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو
أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ ُمّد أحدهم ول نصيفه ( ولمسلم ،كان بين
خالد أبن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم ) ل تسبوا أصحابي ..........الحديث ( ،وهو نص
صحيح صريح في تحريم السب .
ومنها :ما رواه المام أحمد في المسند من هذا الحديث أيضا لكن من
رواية بن مالك رضي ال عنه قال :كان بين خالد بن الوليد و عبدالرحمن
بن عوف كلم فقال خالد لعبدالرحمن بن عوف :تستطيلون علينا بأيام
سبقتمونا بها ـ فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم ـ فقال ) :دعوا لي
أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهبا أو مثل الجبال ذهبا لما
بلغتم أعمالهم ( فهذان الحديثان اشتمل على النهي الكيد والتحذير الشديد عن
سب الصحابة رضوان ال تعالى عليهم ،قال النووي رحمه ال تعالى
) وأعلم أن سب الصحابة رضي ال عنهم حرام ،من فواحش المحرمات
سواء من لبس الفتن منهم وغيره لنهم مجتهدون في تلك الحروب
متأولون ( أ.هـ والنهي في الحديثين المتقدمين موجبه من النبي صلى ال
عليه وسلم لمن تأخر إسلمه وهو من جملة الصحابة ول شك فإذا كان هذا
حال الذين أسلموا بعد الحديبية وإن كان قبل فتح مكة فكيف حال من ليس من
ل مع الصحابة ل شك أنه داخل في هذا النهي من باب أولى . الصحابة بحا ٍ
ومنها :روى أبو داود في سننه بإسناده إلى رباح بن الحارث فقال :
كنت قاعدا عند فولن ،في مسجد الكوفة وعنده أهل الكوفة فجاء سعيد بن
زيد بن عمرو بن نفيل فرحب به وحياه وأقعده عند رجله على السرير ،
فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس بن علقمة فأستقبله فسب وسب فقال
سعيد :من يسب هذا الرجل ؟ فقال :يسب عليًا ،فقال :أل أرى أصحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم يسبون عندك ثم ل تنكر ول تغير ؟ أنا
سمعت رسول اله صلى ال عليه وسلم يقول ) أبو بكر في الجنة وعمر في
الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وعبدالرحمن بن عوف في الجنة
وأبو عبيدة في الجنة ( وسكت عن العاشر ،فقالوا :من هو العاشر ؟ فقال :
سعيد بن زيد ـ يعني نفسه ـ ثم قال :وال لمشهد رجل منهم مع رسول ال
330 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
عّمر عمر نوح صلى ال عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم ولو ُ
(.
ومنها :ما رواه ابن بطة بإسناد صحيح إلى أبن عباس رضي ال
عنهما قال ) :ل تسبوا أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم فلمقام أحدهم
ساعة ـ يعني مع النبي صلى ال عليه وسلم ـ خير من عمل أحدكم أربعين
سنة ( .
ومنها :ما رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان بإسناده أن يزيد بن
هزاري لقي سعيد بن جبير بأصبهان فقال له :أن رأيت أن تفيدني مما عندك
؟ فحبس دابته وقال :قال لي أبن عباس :أحفظ عني ثلثا :إياك والنظر في
النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة ،وإياك والنظر في القدر ،فإنه يدعو إلى
الزندقة وإياك وشتم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيكبك ال على
وجهك في النار يوم القيامة ( وقد أنعقد إجماع أهل العلم على تحريم سب
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد تأيد ذلك بالمعقول أيضًا وذلك
من وجوه :
الول :أن سبهم مفض إلى ترك ما بلغوه من اشرع ،إذ كيف يأخذ
التشريع ممن يستحق اللعنة ،ففي الحقيقة أن سبهم يؤدي على نسف الشريعة
،وناهيك بهذا المر فضاعة وجرما فكان سبهم حراما وعظيمة من عظائم
الثام لنه يفض إلى هذه النتيجة الخطيرة .وهو الذي يريده الرافضة عليهم
لعائن ال المتتابعة ،فالطعن في الصحابة والتجريح لهم مفاده إبطال جميع
الحكام الشرعية التي هم نقلتها ورواتها والمبلغون لها .
الثاني :أن المتقرر عند عامة العقلء من المسلمين أنه ل تعارض
نص صحيح مع عقل صريح ،وقد أثبت النص من الكتاب والسنة عدالتهم
وأنهم خير المة وأزها قلوبا وأكبرها عقول وأصحهم فهوما وأن ال رضي
عنهم ورضوا عنه وقد شهدت بعض النصوص لحادهم بالجنة ،فهذا هو
مقتضى النص ،فحيث ثبت أن هذا مقتضى النص فيكون أيضا هو مقتضى
العقل فالعقل يقضى بما قضى به النص ،وسبهم وتنقصهم والقدح فيهم
مناقض لدللة النص ومبطل لها فيكون ضمنا مناقضا لمقتضى العقل
ومصادما له فإن بذلك أن سبهم مناقض للمعقول ومصادم للمنقول .
331 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
الثالث :أن الذي يعلم السر وأخفى ويعلم ما كان وما سيكون قد سطر
لهم في كتابه أجمل الذكر والثناء وأعظم المدح ،وأخرج ذلك مخرج الخبار
التي ل يدخلها النسخ وأخبر أن كتابه هذا سيبقى إلى أن يرفع في آخر الزمان
،ول تزال هذه اليات التي فيها الثناء على الصحابة ومدحهم تقرأ في الربط
والمدارس والمساجد والدور وتحفظ في الصدور ،فمحال مع ذلك أن يكون
الحال قد أختلف ،وأن هذه اليات ل تصح في دللتها لنها تمدح قوما حقهم
السب والشتائم هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل ،بل نقول :أن كل من
أثنى ال عليه في القرآن خيرا فإنه سيموت على ذلك ول شك إذ ل تبديل في
القرآن ول تغير ول زيادة ول نقص فما مدحهم ال هذا المدح ول أثنى عليهم
هذا الثناء إل لنهم أهله في حياتهم وبعد مماتهم وهذا وضح كل الوضوح إن
شاء ال تعالى .
الرابع :أنه يستحيل في العقل السليم الستحالة التامة أن يكون القوم
الذين اختارهم ال تعالى لصحبة نبيه ونصرة دينه وإقامة شرعه وإبلغ
أحكامه أن يكونوا يستحقون اللعنة في باطن المر ،بل العقل السليم يرفض
الرفض الكيد أن يكون هؤلء القوم أعل المة فضل وأكبرهم قدرا وأزكاهم
عقول وابرهم قلوبا وأعظمهم إتباعا وأشدهم تمسكا ،ومن يقول غير ذلك
فإنه ل عقل عنده ول نقل يعتمد عليه ،بل ليس عنده إل الهوى والجهل
والحمق وإتباع الشيطان نعوذ بال من حاله .
الخامس :إن من نظر في سيرة القوم بالعدل والنصاف فإنه يعلم
قطعا علو فضل الصحابة وأنه ل يكون إل يكون مثلهم ،ولذلك فإنه ل يقدح
فيهم ول يثرب عليهم إل الجاهل بحقيقة حالهم ،وما هم عليه من كمال العلم
النافع والعمل الصالح ،رضي ال عنهم وأرضاهم ورفع نزلهم في جنات
عدن وجمعنا بهم في الجنة وال أعلم .
كان هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله إل أن يتوب من بعد ذلك ويترحم
عليهم ويترضى عنهم ،وممن قال بذلك عبدالرحمن بن أبي أبزى
وعبدالرحمن بن عمرو الوزاعي وأبو بكر بن عياش وسفيان بن عيينة
ومحمد بن يوسف الفريابي وبشر بن الحارث والمروزي ومحمد بن بشار
العبدي وغيرهم كثير ،وهو قول بعض العلماء من الحنفية والمالكية
والشافعية والحنابلة والظاهرية .
الثاني :وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة ل يكفر
بسبهم بل يفسق ويضلل ويعزر التعزير البليغ ،ويزجر الزجر الشديد حتى
يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الخطير الشنيع وهذا أن القولن في الحقيقة
ليس من خلف التضاد وإنما من خل ف التنوع أي أن أصحاب القول الول
ل يقصدون بقولهم كل صور السب ،أي ل يكفرون بكل سب ،وإنما
يقصدون صور مخصوصة وأصحاب القول الثاني ل يقصدون أن الساب ل
يكفر أبدا وإنما يعنون صورا مخصوصة ،ولذلك فالقول الجامع لهذه المسألة
هو التفصيل في حكم ساب أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وقد ذكر هذا
التفصيل جمع من أهل العلم وهو كما يلي :
الول :أما سب جميعهم ،أي سبهم على وجه العموم فهذا كفر ول شك
وذلك كلعنهم جميعهم أو اعتقاد أنهم ارتدوا إل نفرًا يسيرًا أو القدح فيهم بما
يوجب سقوط عدالتهم ويقدح في أمانتهم وديانتهم ،فهذا كله كفر ول شك لنه
مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم ،
وقال أبو العباس ) :بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن
مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق ( أهـ
الثاني :سب الشيخين أبي بكر وعمر رضي ال عنهما شببا يقدح في
عدالتهم وديانتهم كاعتقاد كفرهم أو أنهم كتموا شيئا من الوحي أو أنهم خانوا
النبي صلى ال عليه وسلم فهذا أيضا فاعله كافر ول شك في كفره لمخالفته
النصوص الكثيرة المتواترة التي وردت في فضلهما وعلو قدرهما كما سيأتي
طرف منها إن شاء ال تعالى .
الثالث :سب عائشة رضي ال عنها بما برأها ال جل وعل منه ،
فهذا كفر بل شك ،ومن يشك في كفره فهو كافر لنه مما يعلم بالضطرار
من دين السلم براءتها من ذلك بالكتاب والسنة ،فحقيقة قوله تكذيب الكتاب
333 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
والسنة ،وفاعل ذلك ل شك في كفره نعوذ بال من أن تتفوه ألسنتنا بشيء من
ذلك .
الرابع :إذا اقترن بالسب دعوى أن عليا إله أو أنه كان هو النبي وإنما
غلط جبريل في الرسالة فهذا أيضًا ل شك في كفره ،بل ل شك في كفر من
توقف في كفره ،ومثله أيضًا من زعم أن القرآن نقص منه آيات وأنها كتمت
فهو كافر الكفر الكبر المخرج من الملة .والعياذ بال .
الخامس :أن يسب بعضهم سبًا ل يقدح في عدالتهم ول في دينهم مثل
وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك ،فهذا
ل يكفر بذلك ولكن فاعله يستحق التعزير الشديد والتأديب البليغ الذي يردعه
وأمثاله عن هذا القول العظيم في خير الخلق بعد النبياء ،قال أبو العباس
) وعلى هذا يحمل كلم من لم يكفرهم من أهل العلم ( أ.هـ فهذا التفصيل هو
الذي يجمع ما نقل عن أهل العلم في ذلك ،وال يتولنا وإياك وهو أعلى
وأعلم .
ج /أقول :ينبغي للمسلم أن يعتقد العتقاد الجازم أن أفضل البشر بعد النبياء
هو صديق هذه المة أبو بكر عبدال ابن عثمان ابن عامر القرشي التميمي
وقد ورد في فضله من الدلة من الكتاب والسنة ما ل يخفى ولكن يذكر لك
بعضه :
فمن ذلك :قوله تعالى )) وسيجنبها التقى * الذي يؤتي ماله يتزكى
* وما لحد عنده من نعمة تجزى * إل ابتغاء وجه ربه العلى * ولسوف
يرضى (( فإن غالب المفسرين ذكروا أن سبب نزولها هو إنفاق أبي بكر ماله
في شراء الرقاء والضعفاء من الذين أسلموا من يد من يعذبهم من صناديد
قريش وهذا فيه أبلغ الثناء وعظيم الوعد وأكبر البشارة بالنجاة والفوز بعالي
الدرجات
ومن ذلك :قوله تعالى )) إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين
كفروا ثاني أثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا ((
وقال عليه الصلة والسلم ) يا أبا بكر ما ظنك باثنين ال ثالثهما ( فالية
دالة على فضل أبي بكر إذ جعله ال ثاني النبي صلى ال عليه وسلم وسماه
صاحبه وأخبر أنه معهما وأنه أنزل السكينة عليهما وأيدهما بجنود من عنده
وما ذلك إل لن أبا بكر رضي ال عنه قد بلغ الغاية في الفضل .
ومن ذلك :قوله تعالى )) والذي جاء بالصدق وصدق به أؤلئك هم
المتقون (( وقد فسرها علي رضي ال عنه بأنه أبو بكر الصديق رضي ال
عنه .
ومن ذلك :قوله تعالى )) وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبريل
وصالح المؤمنين (( فقد فسرها العبادلة عبدال بن عباس وبن مسعود وبن
عمر بأن صالح المؤمنين هو أبو بكر وعمر وقاله مجاهد الضحاك .
ومن ذلك :ما رواه الشيخان في الصحيحين من حديث أنس أن أبا بكر
الصديق رضي ال عنه حدثه قال نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا
ونحن في الغار فقلت :يا رسول ال لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا
تحت قدميه فقال ) :يا أبا بكر ما ظنك باثنين ال ثالثهما ( .
ومن ذلك :ما رواه البخاري بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي ال
عنه قال خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس وقال ) إن ال خّير عبد
335 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
بين الدنيا وبين ما عنده فأختار ما عنده ( قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه
فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم هو المخّير وكان أبو بكر أعلمنا فقال
ن أَمنّ الناس علي في صحبته وماله رسول ال صلى ال عليه وسلم ) أن ِم ْ
أبو بكر ولو كنت متخذا خليل لتخذت أبا بكر خليل ولكن أخوة السلم
ن في المسجد باب إل سد إل باب أبي بكر ( وهو عند مسلم ومودته ل يبت ّ
أيضا .
ومن ذلك :ما رواه الشيخان من حديث عمرو ابن العاص رضي ال
عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلسل فأتيته فقلت
أي الناس أحب إليك ؟ قال ) عائشة ( فقلت من الرجال قال) أبوها ( قلت ثم
من ؟ قال ) ثم عمر ابن الخطاب ( فعد رجال .
ومن ذلك :ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) بين راع في غنمه عدا عليه
الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه فقال من لها يوم السبع يوم
ليس لها راعي غيري وبين رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت إليه
فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث ( فقال الناس ) سبحان
ال ( فقال النبي صلى ال عليه وسلم ) فأني أومن بذلك وأبو بكر وعمر ابن
الخطاب .
ومن ذلك :ما رواه البخاري في صحيحة بإسناده إلى محمد بن الحنفية
قال :قلت لبي أي الناس خير بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :أبو
بكر .قلت :ثم من .قال :عمر .وخشيت أن يقول عثمان .قلت :ثم أنت .
قال :ما أنا إل رجل من المسلمين .
ومن ذلك :ما رواه البخاري بسنده إلى ابن عمر رضي ال عنهما
قال :كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى ال عليه وسلم فنخير أبا بكر
ثم عمر ثم عثمان بن عفان رضي ال عنهم .
ومن ذلك :ما رواه البخاري أيضًا بإسناده إلى أبي الدرداء رضي ال
عنه قال :كنت جالسًا عند النبي صلى ال عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخٌذ
بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى ال عليه وسلم :أما
صاحبكم فقد غامر .فسلم وقال يا رسول ال إنه قد كان بيني وبين ابن
الخطاب شيئًا فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت
336 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
إليك فقال النبي صلى ال عليه وسلم ) :يغفر ال لك يا أبا بكر ثلثًا ( ثم إن
عمر ندم فأتى منزل أبا بكر فسأل عنه فلم يجده فأتى إلى النبي صلى ال عليه
وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى ال عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو
بكر فجثى على ركبتيه فقال :يا رسول ال أنا كنت أظلم مرتين فقال :النبي
صلى ال عليه وسلم ) إن ال بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت
وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها .
ومن ذلك :ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي
ال عنه قال :قال رسول ال صلى عليه وسلم :من أصبح منكم اليوم
صائمًا .قال أبو بكر :أنا .قال :فمن تبع منكم اليوم جنازة .قال أبو بكر :
أنا .قال :فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا .قال أبو بكر :أنا .فقال رسول ال
صلى عليه وسلم ) ما اجتمعن في امريء إل دخل الجنة .
ومن ذلك :ما روى البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك
رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر
وعثمان فرجف بهم فقال ) أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ( وقد
لقبه النبي صلى ال عليه وسلم بهذا اللقب الشريف الذي يفيد ثبوت منـزلة
الصديقية له وأنت خبير بأن هذه المنـزلة تعقب منـزلة النبيين كما في سورة
النساء قال تعالى )) ومن يطع ال ورسوله فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (( .
ومن ذلك :ما ثبت في البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي ال
عنها ) مروا أبا بكر فليصلي بالناس ( والمامة في الصلة منـزلة عالية
وخصوصًا إذا كان المر بها المعصوم عليه السلم فإنه لم يكن ليختار
لمامة المسلمين في عهدة إل أفضلهم وأعلهم قدرًا وأوفرهم علمًا .
ومن ذلك :ما رواه البخاري في صحيحة بسنده من حديث أبي هريرة
يرفعه للنبي عليه السلم وفيه ) فمن كان من أهل الصلة دعي من باب
الصلة ،ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ،ومن كان من أهل
الصدقة دعي من باب الصدقة ،ومن كان من أهل الصيام دعي من باب
الصيام وباب الريان ( فقال أبو بكر رضي ال عنه " ما على هذا الذي يدعى
من تلك البواب من ضرورة ،وقال :هل يدعى منها كلها أحد يا رسول
ال .قال :نعم ،وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر " .ومن المعلوم أرجائه
337 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
عليه السلم واقع محقق فهذه بعض الدلة الدالة على فضل خليفة رسول ال
رضي ال عنه .
عمر بن الخطاب فاستالت غربا فلم أرى عبقريا يفري فرية حتى روي الناس
وضربوا بعطن .
ومن ذلك :ما رواه الشيخان بإسنادهما إلى أبي هريرة قال :قال رسول
ال عليه السلم ) لقد كان فيما قبلكم من المم محدثون فإن يكن في أمتي أحد
فإنه عمر ( .
ومن ذلك :ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس رضي ال عنه قال :قال
عمر رضي ال عنه وافقت ربي في ثلث ،قلت :يا رسول ال لو اتخذنا
من مقام إبراهيم مصلى فنزلت )) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (( وآية
الحجاب قلت يا رسول ال لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر و
الفاجر فنـزلت آية الحجاب ،وأجتمع نساء النبي عليه السلم في الغيرة عليه
فقلت لهن ))عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن (( فنزلت
هذه الية .
ومن ذلك :ما رواه الحاكم والترمذي وأحمد بسند حسن من حديث
عقبه بن عامر رضي ال عنه قال سمعت رسول ال عليه السلم يقول ) لو
كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ،ومن مناقبه العظيمة أيضا تبشير
النبي عليه السلم بالجنة كما في صحيح البخاري من حديث أبي موسى قال
كنت مع النبي عليه السلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح
فقال النبي عليه السلم ) أفتح له وبشره بالجنة ( ففتحت له فإذا هو أبو بكر
فبشرته بما قال النبي عليه السلم فحمد ال ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي
عليه السلم ) أفتح له وبشره بالجنة ( ففتحت له فإذا هو عمر بن الخطاب
فأخبرته بما قال النبي عليه السلم فحمد ال ..........الحديث (
ومن ذلك :ما رواه البخاري بإسناده إلى عبدال بن مسعود قال ):ما
زلنا أعزة منذ أسلم عمر ( ولبن أبي شيبة الطبراني من طريق القاسم بن
عبد الرحمن قال :قال عبدال بن مسعود ) كان إسلم عمر عزا وهجرته
نصرا وإمارته رحمة وال ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى
أسلم عمر ( وقال عبد ال أبن عباس رضي ال عنهما ) أول جهر
بالسلم عمر بن الخطاب ( وروى الترمذي بإسناده إلى أبن عمر رضي ال
عنهما أن رسول ال عليه السلم قال اللهم أعز السلم بأحب هذين الرجلين
إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ( وكان أحبهما إليه عمر فهذه طائفة
339 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
جهز عليه السلم جيش العسرة قال فصبها في حجر النبي عليه السلم فجعل
النبي عليه السلم يقلبها بيده ويقول ) ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم (
يرددها مرارًا .
ومن ذلك :ما رواه المام مسلم في صحيحه بسنده إلى عائشة رضي
ال عنها أن النبي عليه السلم كان مضطجعا في بيتها كاشفا عن ساقيه أو
فخذيه فاستأذن أبو بكر فإذن له وهو على تلك الحال ثم أستأذن عمر فأذن له
وهو كذلك ثم أستأذن عثمان فجلس رسول ال عليه السلم وسوى ثيابه (
وفي آخره ) أن النبي عليه السلم قال أل استحي من رجل تستحي منه
الملئكة فهذا الحديث تضمن فضيلة ظاهرة لعثمان رضي ال عنه وبيان أنه
جليل القدر حتى عند الملئكة ،وفي لفظ آخر قال رسول ال عليه السلم
ي وأني خشيت أن أذنت له على تلك الحال أل يبلغ إلي ) أن عثمان رجل حي ّ
في حاجته .
ومن مناقبه أيضا :أجماع الصحابة على خيرته وأفضيلته بعد
الشيخين ولذلك اختاروه خليفة لهم فإجماعهم على توليته الخلفة وليس على
أنه أفضل الخلق بعد أبي بكر وعمر رضي ال عنهما جميعا .
ومن مناقبه العظيمة :وحياته الكبيرة أنه جمع الناس على مصحف
واحد وكفى المة شرا كبيرا وبلًء عظيما وهو الختلف في الكتاب وقد
شكر له هذا العمل من جاء بعد من المسلمين وأهل السنة .
ومن مناقبه العظيمة :أن النبي عليه السلم شهد له أنه سيكون
مستمرا على الهدى المستقيم عند حلول الفتنة كما روى الحاكم بإسناده إلى
مره بن كعب قال سمعت رسول ال عليه السلم يذكر فتنة فقربها فمر به
رجل مقنع في ثوب فقال عليه السلم ) هذا يومئذ على الهدى ( فعمت إليه
فإذا هو عثمان رضي ال عنه فأقبلت بوجهه فقلت هو هذا فقال )نعم ( .
ومن مناقبه العظيمة :أنه منع الصحابة من أن يريقوا دم أحد من
المسلمين بسبه وذلك لكمال صبره ورضاه بما قضاه ال وقدره .وقد كان يلح
على الصحابة كثيرا إل يعتلوا أحدا دفاعا عنه لعلمه رضي ال عنه أنه شهيد
فأراد أن يلقى ال جل وعل ول يطلبه أحد بدم .ومناقبه كثيرة ولعل فيما
مضى كفاية وال أعلم .
341 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
مضطجع وقد شقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول ال صلى ال
عليه وسلم يمسحه عنه ويقول ) :قم أبا تراب ،قم أبا تراب ( وهذا فيه بيان
علو منزلته عند النبي صلى ال عليه وسلم حيث مشى إليه ومسح عنه
التراب واسترضاه وتلطفه وكناه بهذه الكنية التي هي أحب إليه من كل
شيء ،فرضي ال عنه وأرضاه وجمعنا به في الفردوس العلى .
ومن ذلك :ما رواه مسلم في صحيحه رضي ال عنه قال :قال علي
رضي ال عنه)والذي فلق الحب وبرأ النسمة إنه لعهد النبي المي صلى ال
عليه وسلم أني ،أنه ل يجيبني إل مؤمن ول يبغضني إل منافق ( ول تخفى
دللة هذا الحديث عن فضله وأنه معقد للولء والبراء فاللهم أنا نشهدك على
حبه .
ومن ذلك :ما رواه البخاري رضي ال عنه بسنده إلى البراء بن
عازب رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لعلي ) أنت مني
وأنا منك ( .
ومن مناقبه العظيمة :رضي ال عنه أنه من أصحاب الكساء ،
وحديثه معروف فإنه لما نزل قوله تعالى )) فقل تعالوا ندعوا أبنائنا وأبنائكم
(( دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال
) اللهم هؤلء أهلي ( رواه مسلم في صحيحه ،ومن فضائله رضي ال عنه
أن النبي صلى ال عليه وسلم قد دعا له بقوله ) اللهم ثبت لسانه وأهدي قلبه (
كما رواه الحاكم في المستدرك وقال :صحيح السناد ولم يخرجاه ،وأقره
الذهبي .
ومن مناقبه أيضا :ما رواه الحاكم أيضا بإسناده إلى أبي سعيد
الخدري رضي ال عنه قال ) شكى علي بن أبي طالب الناس إلى رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فقام فينا خطيبا فسمعته يقول :أيها الناس ل تشكوا
عليا فوال إنه لخشى في ذات ال وفي سبيل ال ( قال الحاكم :صحيح
السناد ولم يخرجاه فوافقه الذهبي .
ومن مناقبه العظيمة :وفضائله الكبيرة أن النبي صلى ال عليه وسلم
قد أخبر أن أبنته فاطمة وزوجها عليا وولدهما الحسن والحسين يكونان معه
يوم القيامة في مكان واحد ،كما رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووفقه
الذهبي .
343 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
ومن مناقبه :أن عمر رضي ال عنه كان يتعوذ من معضلةٍ ليس لها
أبو حسن ،وروى البخاري بسنده إلى ابن العباس قال :قال عمر رضي ال
ي وأقضانا علي ،وفضائله كثيرة مشهورة ،وقبل الختام عنه :أقرؤنا أب ّ
أحب التنبيه على أمر مهم وهو أني أحذرك كل الـتحذير مما وضعته
الرافضة لعنهم ال من المكذوبات في فضله رضي ال عنه وأرضاه فإنهم
قوم بهت كذابون دجالون ،قطع ال ألسنتهم وأراح المة من شرهم وقد
تصدى لفضح هذه المرويات وبيان زيفها وكذبها شيخ السلم والمسلمين أبو
العباس بن تيميه رحمه ال تعالى في كتابه الكبير منهاج السنة ،فعلي رضي
ال عنه قد ثبت له من الفضائل ما ذكرت لك ،وهو غني عن هذه الباطيل
والمرويات الكاذبة الفاجرة وال يحفظنا وإياك من زلل اللسان والعمل.
وأرضاهم وانقادوا طائعين وبايعوا أبا بكر رضي ال عنه واجتمعوا على
إمامته واتفقوا على خلفته وانقادوا لطاعته وأنقطع الحوار في هذه المسألة
باجتماعهم على أبي بكر الصديق رضي ال عنه وأرضاه ،وقد روى هذه
القصة المام البخاري في صحيحه وإنما ذكرت لك معناها ،وقد أذعن سعد
بن عبادة رضي ال عنه بذلك وأعترف بصحة ما قال الصديق رضي ال
عنه يوم السقيفة من أن قريشا هم ولة هذا المر ،فقال :صدقت نحن
الوزراء وأنتم المراء كما في مسند المام أحمد ،وقد حسن إسناده شيخ
السلم بن تيمية رحمه ال تعالى .فهذا هو الحق في هذه المسألة ودع عنك
ما يقوله أهل الفك قطع ال ألسنتهم أخرس أفواههم ،فإنهم ما قدروا
الصحابة حق قدرهم ،عاملهم ال بعدله ل بعفوه وأرانا ال فيهم عجائب
قدرته وال أعلم.
لي النبي صلى ال عليه وسلم في مرضه ) ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى
ن ويقول قائل :أنا أولى ،ويأبى ال
أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متم ٍ
والمؤمنون إل أبا بكر ( وعند المام أحمد في المسند عنها رضي ال عنها
قالت لما ثقل رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لعبدالرحمن بن أبي بكر
) أئتني بكتف أو لوح حتى أكتب لبي بكر كتابا ل يختلف عليه ( فلما ذهب
عبدالرحمن ليقوم قال
) أبا ال والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر ( وكذلك اختياره صلى ال
عليه وسلم لبي بكر المامة الصلة ،فلما رضيه للمامة الشرعية وقدمه
فيها على غيره ،فإنه من باب أولى أن يرضاه ويقدمه على غيره في المامة
الدنيوية ،وكذلك قال بعض الصحابة :قد رضيه رسول ال صلى ال عليه
وسلم لديننا أفل نرضاه لدنيانا ،وهذا من باب قياس الولى وهو حجة
بالتفاق .وقد روى أبو عبدال الحاكم في المستدرك بإسناده إلى عبدال بن
مسعود رضي ال عنه قال ):لما قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت
النصار ،منا أمير ومنكم أمير قال :فأتاهم عمر رضي ال عنه وقال :يا
معشر النصار أليتم تعلمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أّمر أبا
بكر يؤم الناس ،فإنكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ،فقالت النصار ،نعوذ
بال أن نتقدم أبا بكر ( فالتحقيق في ذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم قد دل
المسلمين على استخلف أبي بكر رضي ال عنه وأرشدهم إلى ذلك بأمور
ض بذلك حامٍد له مع همه كثيرة من أقواله وأفعاله وأخبر بخلفته إخبار را ٍ
بأن يكتب في ذلك كتابا لكن لما علم أن المسلمين يتجمعون على خلفته ترك
الكتابة اكتفاًء بذلك ،واختار هذا القول أبو العباس بن تيمية رضي ال عنه ،
وأذكرك بارك ال فيك أن هذه المسألة أي مسألة دليل خلفته هل كانت
بالنص الخفي أم الجلي هي من المسائل التي يسوغ فيها الخلف لحتمال
الدليل وبناًء عليه فل تفسيق فيها ول تأثيم ول تبديع ،أي أنه ل يخرج على
من قال :ثبتت بالنص الجلي ،أو قال :ثبتت بالنص الخفي ،وإنما الذي
ل أو القدح في أحقيته بها بعد رسول تعظم مخالفته هو القدح في خلفته أص ً
ال صلى ال عليه وسلم ،وأقول لك :لقد انعقد الجماع من أهل السنة سلفا
وخالفا على أن أحق الناس بالخلفة بعد النبي صلى ال عليه وسلم هو أبو
346 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
بكر رضي ال عنه وأرضاه ورفع نزله في الجنة وجمعنا به في جنات ونهر
في مقعد صدق عند مليك مقتدر وال أعلم
ج /مذهب أهل السنة رحمهم ال تعالى في ذلك التفصيل ،فالشهادة بالجنة ،
إما أن تكون عامة وإما خاصة أي للمعين ،فأما العامة فكقولنا :المؤمنون
في الجنة والكفار في النار ،فهذه الشهادة ل إشكال فيها ،وإما الخاصة :
فإنهم ل يشهدون لحد بعينه أنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار إل من
شهد له النص بذلك ،فمن اثبت النص الصحيح انه من أهل الجنة فهو من
أهل الجنة ومن أثبت النص أنه من أهل النار فهو من أهل النار ،ومن لم يرد
فيه النص فل نقول أنه من أهل الجنة ول من أهل النار ،بل نرجو للمحسن
الثواب ونخاف على المسيء العقاب فممن شهد له النص له بالجنة العشرة
المبشرين بالجنة وبلل وثابت بن قيس بن شماس ،وعكاشة بن محصن ،
وغيرهم فهؤلء نشهد أنهم من أهل الجنة إبداًء بأعيانهم ،وممن شهد له
النص بأنه من أهل النار أبو لهب وأبو جهل وعقبة بن أبي معيط وأمية بن
خلف وعمرو بن لحي ووالد النبي صلى ال عليه وسلم ،وعمه أبو طالب
والوليد بن المغيرة وامرأة أبي لهب وامرأة نوح وامرأة لوط وإبليس ،
وقارون وفرعون وهامان والسامري من قوم موسى وغيرهم ،فهؤلء
نشهد أنهم من أهل النار بأعيانهم لثبوت النصوص بذلك ،ويبقى من لم يرد
فيه النص بعينه ل نشهد له بعينه أنه من أهل النار ول من أهل الجنة وإنما
نرجو للمحسن الثواب ونخاف على المسيء العقـاب وال أعلم .
217 كم أقسام صفات ال تعالى الثبوتية مع التمثيل وبيان الفرق س
بينهما ؟ 200
217 هل أسماء ال تعالى مترادفة أم متباينة ؟ س
201
348 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
218 ما أنواع الضافة إلى ال تعالى ؟ وما القاعدة في ذلك ؟ س
مع توضيح الجابة بالمثلة ؟ ولماذا قال أهل السنة ذلك 202
وحرصوا على بيانه ؟
221 ما لواجب في اليمان بأسماء ال تعالى ؟ مع التمثيل؟ س
203
222 عرف اللحاد ؟ مع بيان أقسامه ؟ س
204
222 ما أنواع اللحاد في أسماء ال جل وعل وما حكمه مع س
بيان ذلك بالدليل؟ 205
224 ما أنواع اللحاد في اليات ؟ وما معنى كل نوع ؟ مع س
بيان ذلك بالدليل؟ 206
س
211
س
349 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
212
س
213
س
214
س
215
س
216
س
217
س
218
س
219
س
220
س
221
س
222
س
350 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
223
س
224
س
225
س
226
س
227
س
228
س
229
س
230
س
231
س
232
س
233
س
351 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
234
س
235
س
236
س
237
س
238
س
239
س
240
س
241
س
242
س
243
س
244
س
352 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
245
س
246
س
247
س
248
س
249
س
250
س
251
س
252
س
253
س
254
س
255
س
353 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
256
س
257
س
258
س
259
س
260
س
261
س
262
س
263
س
264
س
265
س
266
س
354 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
267
س
268
س
269
س
270
س
271
س
272
س
273
س
274
س
275
س
276
س
277
س
355 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
278
س
279
س
280
س
281
س
282
س
283
س
284
س
285
س
286
س
287
س
288
س
356 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
289
س
290
س
291
س
292
س
293
س
294
س
295
س
296
س
297
س
298
س
299
س
357 إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب
300
س
301
س
302
س
303
س
304
س
305
س
306
س
307
س
308
الفـهــــرس