You are on page 1of 141

‫‪217‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س‪ 200/‬كم أقسام صفات ال تعالى الثبوتية مع التمثيل وبيان الفرق بينهما ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬صفات ال تعالى تنقسم إلى قسمين ‪ :‬صفات ذاتية وصفات فعلية ‪،‬‬
‫ل وأبدًا ‪ ،‬وأما الصفات‬‫والصفات الذاتية هي الملزمة للذات ل تنفك عنها أز ً‬
‫الفعلية فهي المتعلقة بالمشيئة‪ ،‬أي متى ما شاء فعلها ومتى شاء لم يفعلها ‪،‬‬
‫ويمثل للصفات الذاتية ‪ :‬بالوجه والبصر والحياة والوجود والسمع والقدم‬
‫والساق وغير ذلك ‪ ،‬ويمثل للصفات الفعلية ‪ :‬بالنزول إلى السماء الدنيا في‬
‫ثلث الليل الخر ‪ ،‬والرضى والغضب ونحو ذلك وال أعلم‪.‬‬

‫س‪ 201/‬هل أسماء ال تعالى مترادفة أم متباينة ؟‬


‫ج‪ /‬إن هذا السؤال سؤال مجمل يحتاج إلى تفصيل والقاعدة عند أهل السنة‬
‫رحمهم ال تعالى في ذلك تقول ‪ :‬أسماء ال تعالى مترادفة من حيث الذات‬
‫ومتباينة من حيث الصفات ‪ ،‬وبيان ذلك أن يقال ‪ :‬إن التباين يكون بالنظر‬
‫إلى إن كل اسم من أسمائه جل وعل يدل على صفة كمال ليست هي الصفة‬
‫التي يدل عليها السم الخر‪ ،‬فالقدير يدل على القدرة والسميع يدل على‬
‫السمع ‪ ،‬فالقدير والسميع متباينان من حيث النظر إلى ما تضمناه من الصفات‬
‫ت واحدة وهي ذات الباري جل وعل ‪ ،‬والعزيز يدل على‬ ‫‪ ،‬لكنهما اسم لذا ٍ‬
‫صفة العزة والعلي يدل على صفة العلو والعزة ليست هي العلو ‪ ،‬فالعزيز‬
‫والعلي من حيث النظر إلى صفاتهما متباينان‪ ،‬ولكنهما اسم لذات الباري جل‬
‫وعل وهي واحدة ول تتعدد‪ ،‬والقوي يدل على صفة القوة ‪ ،‬والعليم يدل على‬
‫صفة العلم ‪ ،‬والقوة ليست هي العلم فهما من هذا العتبار متباينان لكنهما اسم‬
‫لذات واحدة ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬فأسماء ال تعالى إذا نظرت إلى أنها جميعها تدل على‬
‫ذات واحدة وهي ذات الباري جل وعل نقول ‪ :‬مترادفة‪ ،‬وإذا نظرت إلى ما‬
‫تضمنته من الصفات فهي متباينة فل نقول ‪ :‬متباينة مطلقًا ول مترادفة مطلقًا‬
‫بل نقول ‪ :‬مترادفة من حيث الذات ومتباينة من حيث الصفات ‪ ،‬وأضرب لك‬
‫ثلثة أمثلة ليتضح لك المر أكثر فأقول ‪:‬‬

‫المثال الول ‪ :‬أسماء القرآن ‪ ،‬فإن من أسمائه الذكر والكتاب والهدى‬


‫والشفاء ‪ ،‬فهذه السماء مترادفة من حيث إنها تدل على ذات واحدة وهي‬
‫‪218‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ذات القرآن ‪ ،‬لكن كل منها يدل على صفة ل يدل عليها السم الخر ‪ ،‬فهي‬
‫باعتبار صفاتها متباينة ‪.‬‬

‫المثال الثاني‪ :‬أسماء النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه محمد وأحمد‬
‫والعاقب والحاشر وبني الملحمة وبني الرحمة والمقفي وغير ذلك مما ثبت له‬
‫من أسماء فهذه السماء مترادفة إي متفقة من حيث إنها تدل على ذات واحدة‬
‫وهي ذات النبي صلى ال عليه وسلم لكن كل أسم منها يدل على صفة ل يدل‬
‫عليها السم الخر فهي من هذا العتبار متباينة‪.‬‬

‫المثال الثالث‪ :‬أسماء اليوم الخر فإن من أسمائه يوم القيامة والصاخة‬
‫والطامة والقارعة ويوم التغابن والواقعة وغير ذلك ‪ ،‬فهذه السماء باعتبار‬
‫دللتها على يوم واحد مترادفة ولكن كل أسم منها يحمل صفة ل يحملها‬
‫السم الخر فهي بهذا العتبار متباينة ‪ ،‬وبناًء عليه فنقول ‪ :‬أسماء القرآن‬
‫مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ‪ ،‬وأسماء النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ‪ ،‬وأسماء يوم‬
‫القيامة مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ‪ ،‬وكذلك أسماء ال‬
‫تعالى مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ‪ ،‬ولعل الجواب قد‬
‫أتضح وال أعلى وعلم ‪.‬‬

‫س‪ 202/‬ما أنواع الضافة إلى ال تعالى ؟ وما القاعدة في ذلك ؟ مع‬
‫توضيح الجابة بالمثلة ؟ ولماذا قال أهل السنة ذلك وحرصوا على بيانه ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬أن الشياء التي يضيفها ال تعالى إليه نوعان ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬إضافة أشياء ل يتصور قيامها بذاتها بل ل يتصور قيامها إل‬


‫بغيرها ‪ ،‬فهذه الضافة إضافة صفة إلى موصوف ‪ ،‬وذلك كإضافة الوجه في‬
‫جلِل َواِْلْكَراِم( )الرحمن‪ (27:‬فالوجه‬
‫ك ُذو اْل َ‬
‫جُه َرّب َ‬
‫قوله تعالى ) َوَيْبَقى َو ْ‬
‫عين ل يمكن قيامه إل بغيره ‪ ،‬فهو إضافة صفة إلى موصوف فنقول ‪ :‬من‬
‫صفاته جل وعل أن له وجهًا لئقًا بجلله وعظمته ‪ .‬ومن ذلك إضافة اليدين‬
‫ن( )المائدة‪ :‬من الية ‪ (64‬فاليد ل يتصور‬ ‫طَتا ِ‬
‫سو َ‬‫في قوله تعالى ) َبْل َيَداُه َمْب ُ‬
‫‪219‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫قيامها إل بغيرها فهي إضافة صفة إلى موصوف فنقول ‪ :‬من صفاته جل‬
‫وعل اليدان ‪ ،‬فله يدان كريمتان لئقتان بجلله وعظمته ‪ .‬ومن ذلك إضافة‬
‫عْيِني( )طـه‪ :‬من الية ‪(39‬‬
‫عَلى َ‬ ‫صَنَع َ‬
‫) َوِلُت ْ‬ ‫العين في قوله تعالى‬
‫والعين من الشياء التي ل تقوم إل بغيرها فهي إضافة صفة إلى موصوف‬
‫فنقول ‪ :‬من صفاته جل وعل أن له عينين تليقان بجلله وعظمته ومن ذلك‬
‫ل ( )التوبة‪ :‬من الية ‪ (6‬وقوله ) ِإّني‬ ‫سَمَع َكلَم ا ِّ‬
‫حّتى َي ْ‬ ‫جْرُه َ‬
‫قوله تعالى ) َفَأ ِ‬
‫سالِتي َوِبَكلِمي ( )لعراف‪ :‬من الية ‪(144‬‬ ‫س ِبِر َ‬‫عَلى الّنا ِ‬ ‫ك َ‬
‫طَفْيُت َ‬
‫اصْ َ‬
‫فالكلم شيء ل يقوم بذاته بل ل يقوم إل بغيره فهو إضافة صفة إلى‬
‫موصوف فنقول ‪ :‬من صفاته جل وعل الكلم اللئق به جل وعل ‪ ،‬ومن‬
‫َهَوى ( )طـه‪ :‬من الية‬ ‫ضِبي َفَقْد‬‫غ َ‬‫عَلْيِه َ‬
‫حِلْل َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ذلك قوله تعالى ) َوَم ْ‬
‫‪ { (81‬فالغضب ل يقوم بذاته بل ل يقوم إل بغيره فهو إضافة صفٍة على‬
‫موصوف فيقول ‪ :‬من صفاته جل وعل أن له غضبًا يليق بجلله وعظمته ‪،‬‬
‫وهكذا ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬إضافة أعيان قائمة بذاتها أي بنفسها منفصلة عن ال كل‬


‫النفصال ‪ ،‬فهذه إضافة تشريف أو إضافة خلق أو إضافة عابٍد إلى معبوده‬
‫آَيًة ( )لعراف‪ :‬من الية ‪(73‬‬ ‫ل َلُكْم‬
‫كقوله تعالى )َهِذِه َناَقُة ا ِّ‬
‫والناقة عين قائمة بذاتها منفصلة عن ال كل النفصال فهي إضافة تشريف‬
‫ي( )البقرة‪ :‬من الية ‪ (125‬والبيت أي‬ ‫طّهَرا َبْيِت َ‬
‫ن َ‬ ‫وتكريم ‪ ،‬وكقوله تعالى ) َأ ْ‬
‫المسجد الحرام عين قائمة بنفسها منفصلة عن ال كل النفصال فهو إضافة‬
‫ل ( )الحزاب‪ :‬من الية‬ ‫سوَل ا ِّ‬ ‫ن َر ُ‬‫تشريف وتكريم ‪ ،‬وكقوله تعالى ) َوَلِك ْ‬
‫‪ (40‬والرسول صلى ال عليه وسلم عين قائمه بذاتها منفصلة عن ال تعالى‬
‫سْلَنا ِإَلْيَها‬
‫كل النفصال فهي إضافة تشريف وتكريم ‪ ،‬وكقوله تعالى ) َفَأْر َ‬
‫سِوّيا( )مريم‪ :‬من الية ‪ (17‬وجبريل عليه الصلة‬ ‫شرًا َ‬ ‫حَنا َفَتَمّثَل َلَها َب َ‬
‫ُرو َ‬
‫والسلم عين قائمة بذاتها منفصلة عن ال تعالى كل النفصال فهي إضافة‬
‫عَلى اَْلْر ِ‬
‫ض‬ ‫ن َ‬ ‫شو َ‬ ‫ن َيْم ُ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫عَباُد الّرحَْم ِ‬‫تشريف وتكريم ‪ ،‬وكقوله تعالى ) َو ِ‬
‫َهْونًا ( )الفرقان‪ :‬من الية ‪ (63‬وهؤلء العباد أعيان قائمه بنفسها منفصلة‬
‫عن ال كل النفصال فهي إضافة تشريف وتكريم ‪ ،‬وكقوله تعالى ) َوَلَقْد‬
‫ت( )المائدة‪ :‬من الية ‪ (32‬والرسل أعيان قائمة بنفسها‬ ‫سُلَنا ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫جاَءْتُهْم ُر ُ‬
‫َ‬
‫‪220‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫منفصلة عن ال كل النفصال فهي إضافة تشريف وتكريم ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬وإذا‬


‫أشكل عليك شيء من الضافات من أي نوع هي فأرجع إلى سؤال أهل العلم‬
‫سَألوا َأْهَل الّذْكِر‬
‫حي ِإَلْيِهْم َفا ْ‬
‫جالً ُنو ِ‬
‫ك ِإلّ ِر َ‬
‫ن َقْبِل َ‬
‫سْلَنا ِم ْ‬
‫لقوله تعالى ) َوَما َأْر َ‬
‫ن( )النحل‪ (43:‬وإياك والتخرص وسلوك طريق العماية‬ ‫ن ُكْنُتْم ل َتْعَلُمو َ‬
‫ِإ ْ‬
‫وإعمال العقل المجرد عن نور الكتاب والسنة ‪ ،‬والقاعدة في ذلك عند أهل‬
‫السنة رحمهم ال تعالى تقول ‪ :‬الشياء المضافة إلى ال تعالى إن كانت ل‬
‫تقوم بذاتها فإضافة صفة إلى موصوف وإن كانت تقوم بذاتها فإضافة‬
‫تشريف وتكريم أو خلق ‪ ،‬والذي دعا أهل السنة رحمهم ال تعالى لقول ذلك‬
‫هو أن المبتدعة يسوون بين الضافتين إرادًة منهم لنفي صفات ال تعالى‬
‫فنقول ‪ :‬إن قوله } ويبقى وجه ربك { كقوله } ناقة ال { فكما أن إضافة‬
‫الناقة له جل وعل ل تدل على أنها صفته فكذلك إضافة الوجه له ل يدل على‬
‫أنه صفته بل إضافة الوجه له إضافة تشريف وتكريم كإضافة الناقة ‪،‬‬
‫فأضطر أهل السنة للتفريق بين الضافتين للرد على هؤلء الضالين‬
‫المتهوكين التائهين في باب صفات ال تعالى ‪ ،‬وهذا من توفيق ال تعالى‬
‫لهل السنة أعل ال منارهم وثبت أحياءهم ورحم أمواتهم وأسكنهم فسيح‬
‫الجنان وجعلني ال وإياك ممن اهتدى بهديهم وسلك سبلهم وال أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /203‬ما لواجب في اليمان بأسماء ال تعالى ؟ مع التمثيل؟‬


‫ج‪ /‬الواجب في ذلك أن تؤمن بثلثة أمور‬
‫الول ‪ :‬أن تؤمن بها اسما ل تعالى ‪ ،‬أي أن نعتقد أنه أسم له جل‬
‫وعل ‪ ،‬فنسميه به ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن نؤمن بالصفة التي تضمنها ذلك السم لن القاعدة المتفردة‬
‫عند أهل السنة أن كل أسم من أسماء ال تعالى يتضمن صفة من الصفات ‪،‬‬
‫فل يتم اليمان بأسمائه جل وعل إل إذا آمنا بالصفة التي تضمنها ذلك‬
‫السم ‪ ،‬فالعزيز أسم و العزة صفه والقوي اسم والقوة صفة والحي أسم‬
‫والحياة صفة والعليم أسم والعلم صفة ‪ ،‬والبصير والسميع اسمان والبصر‬
‫والسمع صفة وهكذا فأسماء ال تعالى أعلم ونعوت فهي أعلم باعتبار‬
‫دللتها على السمية ونعوت باعتبار دللتها على الوصفية وأما المر الثالث‬
‫‪ :‬فإنه يكون خاصًا بالسماء التي يكون لصفاتها أثرًا متعٍد ‪ ،‬فإذا كانت صفة‬
‫‪221‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫هذا السم لها أثر متعد فإن من تمام اليمان له أن تؤمن بهذا الثر ‪ ،‬فالبصير‬
‫اسم والبصر صفة ‪ ،‬والثر هو أنه ل يخفى عليه شيء في الرض ول‬
‫ل أو في‬‫السماء ‪ ،‬فليحذر العاقل الذي يريد لنفسه النجاة أن يراه ال على حا ٍ‬
‫ن ل يحبه جل وعل ‪ ،‬والسميع أسم والسمع صفة وعموم سمع ال تعالى‬ ‫مكا ٍ‬
‫لكل شيء فل يخفى على سمعه شيء كما قالت عائشة رضي ال‬
‫عنها} سبحان من وسع سمعه الصوات{ والعليم اسم والعلم صفة ‪ ،‬والثر‬
‫هو أنه يعلم كل شيء فيعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن أن لو‬
‫كان كيف يكون فل يخرج شيء عن كونه معلومًا له جل وعل ‪ ،‬والحكيم‬
‫أسم والحكمة صفة ‪ ،‬والثر اليمان التام بأنه جل وعل الحكيم في أقداره‬
‫وأفعاله وشرعه ‪ ،‬والقدير أسم والقدرة صفة ‪ ،‬والثر هو أن نؤمن بأنه الذي‬
‫ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء ‪ ،‬وأن الرض جميعًا قبضته يوم‬
‫القيامة والسماوات مطويات بيمنه ‪ ،‬وهذا شأن الكثير من أسمائه جل وعل ‪،‬‬
‫وأما إذا كانت الصفة ليس لها أثر متعٍد فالواجب اليمان بالمرين الولين‬
‫فقط وذلك كالحي ‪ ،‬فأنه أسم والحياة صفة ولكن ليس لهذه الصفة أثر متعد ‪،‬‬
‫وخلصة الجواب أن يقال ‪ :‬الواجب في السماء أمران ‪ :‬اليمان بها اسمًا‬
‫واليمان بما تضمنته من الصفات ‪ ،‬وإذا كانت صفة السم لها أثر متعٍد فيزيد‬
‫ذلك السم بوجوب اليمان بالثر المتعدي وال أعلم‬

‫س ‪ /204‬عرف اللحاد ؟ مع بيان أقسامه ؟‬


‫ج‪ /‬اللحاد لغة ‪ :‬هو الميل ‪ ،‬ومنه اللحد لنه ميل عن سنن القبر ‪ ،‬ومنه‬
‫الملحد لنه مائل عن العتقاد والعمل الصحيح الموافق للكتاب والسنة ‪،‬‬
‫وشـرعًا ‪ :‬الميل عن ما يجب اعتقاده في أسمائه جل وعل وآياته ‪ ،‬ومن‬
‫التعريف يتضح أن اللحاد قسمان ‪ :‬إلحاد في أسماء ال تعالى وإلحاد في‬
‫آياته وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /205‬ما أنواع اللحاد في أسماء ال جل وعل وما حكمه مع بيان ذلك‬


‫بالدليل؟‬
‫اللحاد في أسماء ال تعالى أنواع ‪:‬‬
‫‪222‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الول ‪ :‬إنكارها جملة أو إنكار بعضها ‪ ،‬كما وقع من الجهمية نفاة‬


‫السماء والصفات ‪ ،‬وكما وقع من المشركين كما قال ال تعالى عنهم ) َوِإَذا‬
‫جُد ِلَما َتْأُمُرَنا َوَزاَدُهْم‬
‫سُ‬‫ن َأَن ْ‬
‫حَم ُ‬
‫ن َقاُلوا َوَما الّر ْ‬
‫حَم ِ‬
‫جُدوا ِللّر ْ‬
‫سُ‬‫ِقيَل َلُهُم ا ْ‬
‫ل فهو ملحد ‪.‬‬ ‫ُنُفورًا( )الفرقان‪ (60:‬فمن أنكر أسماء ال تعالى بعضًا أو ك ً‬
‫الثاني ‪ :‬إنكار ما تضمنته من الصفات ‪ ،‬فيثبت السم ولكنه ينكر الصفة‬
‫‪ ،‬كما وقع من المعتزلة فإنهم يقولون ‪ :‬ال عليم بل علم وقدير بل قدرة‬
‫وبصير بل بصر وسميع بل سمع وقوي بل قوة وهكذا في سائر السماء ‪،‬‬
‫وقد تقدم لك أن أهل السنة رفع ال نزلهم في الفردوس العلى يثبتون السماء‬
‫ويؤمنون بما تضمنه السم من الصفة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬تسمية ال تعالى بما ل دليل عليه ‪ ،‬وهذا تجرؤ على مقام‬
‫الربوبية واللوهية والسماء والصفات فتراهم يطلقون على ال تعالى من‬
‫السماء ما ل دليل عليه وذلك كتسمية النصارى له}بالب{ وكقول الفلسفة‬
‫الغبياء الحمقى ‪ :‬ال هو العقل الفعال والعلة الفاعلة والموجب بالذات ‪،‬‬
‫وكقول بعضهم عن ال تقدس اسمه ‪ :‬إنه صاحب الفيوضات ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫تخرصاتهم وتهوكاتهم وما هي بأول ضللتهم ووقاحتهم وقلة أدبهم ‪ ،‬أما‬
‫أهل السنة رحمهم ال تعالى فإن باب السماء عندهم باب توقيفي على الدليل‬
‫فل يسمون ال تعالى إل بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‬
‫الرابع ‪ :‬وصفه تعالى بما ل يليق به جل وعل وتقدس كقول أخبث‬
‫الطوائف ‪ :‬إنه فقير وقولهم ‪ :‬إنه استراح بعد أن خلق الخلق ‪ ،‬وقولهم أن يده‬
‫مغلولة ‪ ،‬وقول النصارى ‪ :‬إنه أتخذ صاحبة وولدًا ‪ ،‬وكقول بعض حمقى‬
‫الكلم ‪ ،‬إنه ل داخل العالم ول خارجه ول فوق ول تحت ول موجود ول‬
‫معدوم ول أبيض ول أسود ول فوق السماوات إله يعبد ول رب يصلى له‬
‫ويسجد ‪،‬وكقول أهل الحلول ‪ :‬إنه خال في خلقه فهو بذاته في كل مكان ‪،‬‬
‫وكقول التحادية ‪ :‬إنه عين هذا الوجود وهذا الوجود هو عينه فليس هناك‬
‫خالق ول مخلوق بل هما عين واحدة ل تنقسم ول تتجزأ ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫صفات النقص والبهتان التي ينبو عنها القلم ويستحي العبد من تسطيرها‪،‬‬
‫فالحمد ل على السلمة والعافية وأسأله جل وعل أن يثبتني وإياكم على‬
‫اعتقاد أهل السنة إلى الممات وأن يحشرنا في زمرتهم وال أعلم‪.‬‬
‫‪223‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الخامس ‪ :‬أن يشتق من أسمائه جل وعل أسماء لبعض المعبودات‬


‫الباطلة ‪ ،‬كتسميتهم اللت من ال والعزى من العزيز وتسميتهم الصنم ألهًا‬
‫وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم ومعبوداتهم الباطلة‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬تشبيه صفاته بصفات خلقه أو تعطيلها ‪ ،‬كما وقع فيه الممثلة‬
‫والمعطلة‪ .‬وهذا اللحاد حرام وجريمة وكبيرة من عظائم المور ومن فظائع‬
‫منكرات العتقادات والقوال وقد يصل بصاحبه إلى الكفر والدليل قوله‬
‫سَماِئِه‬
‫ن ِفي َأ ْ‬
‫حُدو َ‬
‫ن ُيْل ِ‬
‫عوُه ِبَها َوَذُروا اّلِذي َ‬
‫سَنى َفاْد ُ‬
‫ح ْ‬‫سَماُء اْل ُ‬‫ل الَْ ْ‬
‫تعالى ) َو ِّ‬
‫ن( )لعراف‪(180:‬‬ ‫ن َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬ ‫جَزْو َ‬
‫سيُ ْ‬
‫َ‬
‫وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /206‬ما أنواع اللحاد في اليات ؟ وما معنى كل نوع ؟ مع بيان ذلك‬


‫بالدليل؟‬
‫ج‪ /‬اللحاد في اليات نوعان ‪ :‬إلحاد في اليات الكونية كالشمس والقمر‬
‫والليل والنهار والسماء والرض ونحوها ‪ ،‬وإلحاد في اليات الشرعية أي‬
‫القرآن ‪ ،‬فاللحاد في اليات الكونية فيكون باعتقاد خالق لها مع ال تعالى أو‬
‫معين له في خلقها أو أن هناك مدبرًا لها معه جل وعل أو صرف شيء من‬
‫ن ُدونِ‬ ‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬ ‫عوا اّلِذي َ‬‫العبادة لها من دونه جل وعل ‪ ،‬قال تعالى ) ُقِل اْد ُ‬
‫ض َوَما َلُهْم ِفيِهَما ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ت َول ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَماَوا ِ‬
‫ن ِمْثَقاَل َذّرٍة ِفي ال ّ‬
‫ل ل َيْمِلُكو َ‬ ‫ا ِّ‬
‫شَرَكاَءُكُم‬‫ظِهيٍر( )سـبأ‪ (22:‬وقال تعالى ) ُقْل َأَرَأْيُتْم ُ‬ ‫ن َ‬‫ك َوَما َلُه ِمْنُهْم ِم ْ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ك ِفي‬‫شْر ٌ‬‫ض َأْم َلُهْم ِ‬ ‫ن اَْلْر ِ‬ ‫خَلُقوا ِم َ‬‫ل َأُروِني َماَذا َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫ن ِم ْ‬‫عو َ‬ ‫ن َتْد ُ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫ن آَياِتِه الّلْيُل َوالّنَهاُر‬‫ت ( )فاطر‪ :‬من الية ‪ (40‬وقال تعالى ) َوِم ْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ن ِإ ْ‬ ‫خَلَقُه ّ‬
‫ل اّلِذي َ‬ ‫جُدوا ِّ‬ ‫سُ‬‫س َول ِلْلَقَمِر َوا ْ‬‫شْم ِ‬‫جُدوا ِلل ّ‬
‫سُ‬‫س َواْلَقَمُر ل َت ْ‬ ‫شْم ُ‬ ‫َوال ّ‬
‫ن( )فصلت‪ (37:‬وأما اللحاد في اليات الشرعية فيكون‬ ‫ُكنُْتْم ِإّياُه َتْعُبُدو َ‬
‫بإنكارها جملة أو بإنكار بعضها أو تحريفها وإخراجها عن المعاني‬
‫الصحيحة اللئقة بها أو اعتقاد أن هذا القرآن مخلوق من جملة المخلوقات أو‬
‫التكذيب بشيء منها ‪ ،‬وهذا اللحاد حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وقد يصل‬
‫ن ِفي آَياِتَنا‬ ‫حُدو َ‬‫ن ُيْل ِ‬
‫ن اّلِذي َ‬‫بصاحبه في كثير أحيانه إلى الكفر ‪ ،‬قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫‪224‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫عَمُلوا‬
‫ن َيْأِتي آِمنًا َيْوَم اْلِقَياَمِة ا ْ‬
‫خْيٌر َأّم ْ‬
‫ن ُيْلَقى ِفي الّناِر َ‬
‫عَلْيَنا َأَفَم ْ‬
‫ن َ‬
‫خَفْو َ‬ ‫ل َي ْ‬
‫صيٌر( )فصلت‪ (40:‬فنعوذ بال تعالى من اللحاد‬ ‫ن َب ِ‬
‫شْئُتْم ِإّنُه ِبَما َتْعَمُلو َ‬
‫َما ِ‬
‫في أسمائه وآياته وال تعالى أعلم ‪.‬‬

‫س ‪/207‬هل أسماء ال تعالى محصورة بعدد معين أم ل ؟ وما الدليل على‬


‫ذلك ؟‬
‫ج‪ /‬القاعدة عند أهل السنة والجماعة أن أسماء ال تعالى ل تحصر بعدد‬
‫معين ‪ ،‬والدليل على ذلك ما رواه أحمد وأبن حبان والحاكم بسنٍد صحيح من‬
‫حديث أبن مسعود رضي ال عنه في حديث الكرب ‪ ،‬وفيه )أسألك بكل أسم‬
‫هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب‬
‫عندك‪ ...‬الحديث ( فهذا الحديث دليل على أن ل أسماء قد استأثر بها في علم‬
‫الغيب عنده ل يعلمها ملك مقرب ول نبي مرسل ‪ ،‬فقوله )استأثرت به( أي‬
‫انفردت بعلمه ‪ ،‬وما استأثر ال به في علم الغيب عنده ل يمكن لحد حصره‬
‫ول الحاطة به ‪ ،‬فإن قلت ‪ :‬فماذا تقول في قوله صلى ال عليه وسلم ) إن ل‬
‫تسعة وتسعين اسما مائة إل واحد من أحصاها دخل الجنة ( أوليس هذا دلي ً‬
‫ل‬
‫على الحصر ‪ ،‬وبيان ذلك بضرب مثالين وهما ‪:‬‬
‫ت شعري من حفظها أعطيته ألف‬ ‫الول ‪ :‬لو قلت لك ‪ :‬إن عندي مائة بي ٍ‬
‫ريال ‪ ،‬فهل تفهم من هذا التركيب اللغوي أنه ليس عندي إل مائة بيت فقط ؟‬
‫بالطبع ل ‪ ،‬ولكني حصرت هذه المكافأة فيمن حفظ من أبياتي هذا المقدار ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬لو قلت لك ‪ :‬إن عندي مائة درهم أعددتها للصدقة فهل تفهم‬
‫من هذا التركيب أنه ل يوجد عندي إل هذه الدراهم فقط ؟ بالطبع ل ‪ ،‬وإنما‬
‫هذه الدراهم هي المعدة للصدقة فقط ‪ ،‬وبناًء عليه فنقول ‪ :‬إن ال تعالى رتب‬
‫دخول الجنة على من أحصى من أسمائه هذا المقدار ‪ ،‬فكأنه يقول ‪ :‬إن من‬
‫أحصى من أسمائي تسعة وتسعين اسمًا فله الجنة أي أن هذا العدد من شأنه‬
‫أن من أحصاه دخل الجنة وهذا واضح ‪ ،‬ويقال أيضًا ‪ :‬سلمنا أنه يفهم منه‬
‫الحصر فإن الحديث الثاني ) أو استأثرت به في علم الغيب عندك ( أفادنا أن‬
‫ما فهمناه من الحصر ليس مقصودًا ‪ ،‬وفهمنا تابع للدلة ‪ ،‬ل أن الدلة‬
‫موقوفة على فهمنا فما وافقه منها قبلناه وما خالفه رددناه فإن هذا مسلك‬
‫‪225‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الهالكين من أهل البدع ‪ ،‬وقد انعقدت قلوبنا على أنه ل تعارض بين نصين‬
‫صحيحين مطلقًا وال أعلم‬
‫وقبل ختم الجواب أفيدك فائدتين‪:‬‬
‫الفائدة الولى ‪ :‬اعلم أن ما ورد مرفوعًا من تعداد هذه السماء ل‬
‫يصح ‪ ،‬فقد قال أبو العباس ‪ :‬إن تعينها ليس من كلم النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم باتفاق أهل المعرفة بالحديث‪ ،‬وقد تتبعها بعض أهل العلم ‪ ،‬والمرجع‬
‫في ذلك القرآن وما صح من السنة وال أعلم ‪.‬‬
‫الفائدة الثانية ‪ :‬قوله ) من أحصاها ( والمراد بذلك حفظها لفظًا‬
‫واليمان بها وبما تضمنته من الصفات وتمامه أن يتعبد ل بمقتضاها وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /208‬هل آيات الصفات من قبيل المحكم أم من التشابه ؟‬


‫ج‪ /‬ل يقال من المحكم مطلقًا ول يقال من المتشابه مطلقًا وبيان ذلك ‪ :‬أن‬
‫المراد بالمحكم ما اتضح معناه والمتشابه ما خفي معناه ولم يعرف ‪ ،‬وبناًء‬
‫عليه فنقول ‪ :‬إن آيات الصفات من المحكم باعتبار معانيها بل هي من أعلى‬
‫درجات المحكم لننا نعلم معانيها كما قدمنا لك سابقًا ‪ ،‬ومن المتشابه باعتبار‬
‫كيفياتها لننا ل نعلمها ول طريق للعلم بها ‪ ،‬وهذا المذهب الحق وسط بين‬
‫مذهبين ‪:‬‬
‫ل فض ً‬
‫ل‬ ‫الول ‪ :‬من يرى أنها من المتشابه مطلقًا أي ل يعلم معناها أص ً‬
‫عن كيفيتها وهم المفوضة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬من يرى أنها من المفهوم المعلوم حتى في كيفياتها وهم الممثلة‬
‫‪.‬‬
‫فجاء أهل السنة فقالوا ‪ :‬بل هي من المحكم باعتبار ومن المتشابه باعتبار‪،‬‬
‫فهي محكمة باعتبار معانيها ومتشابهة باعتبار كيفياتها‪ ،‬وهذا صورة من‬
‫صور الوسطية التي تميز بها أهل السنة والجماعة وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /209‬هل ظاهر نصوص الصفات مراد أم غير مراد ؟‬


‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬إن الحتياط في الجواب وإزالة ما عساه أن يرد على السامع من‬
‫مقاصد أهل السنة والجماعة وبناء عليه فنقول ‪ :‬أن لفظ الظاهر بحسب كثرة‬
‫‪226‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الستعمال صار من اللفاظ المجملة ‪ ،‬فالممثلة والمعطلة يفهمون منها ظاهرًا‬


‫وأهل السنة أهل العقول السليمة والفطر المستقيمة يفهمون منها ظاهرًا فإذا‬
‫كان ذلك كذلك فنقول ‪ :‬إن كنت تريد بالظاهر ما يفهمه أهل السنة والجماعة‬
‫من هذه النصوص من المعاني اللئقة بال جل وعل التي ل تمثيل فيها ول‬
‫تعطيل ول نقص بوجه من الوجوه ‪ ،‬فهذا الظاهر لشك أنه مراد ‪ ،‬فأهل‬
‫السنة مجمعون على القرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة‬
‫واليمان بها وحملها على الحقيقة ل على المجاز إل أنهم ل يكيفون ول‬
‫يمثلون ول يحرفون ول يعطلون ‪ .‬فهذا الظاهر مراد ول شك ‪ ،‬وأضرب لك‬
‫بعض المثلة على ذلك ‪:‬‬
‫قوله تعالى } بل يداه مبسوطتان { فالظاهر منها عند أهل السنة إثبات اليدين‬
‫اللئقتين بال جل وعل ‪ ،‬كقوله تعالى } ويبقى وجه ربك { فالظاهر منها‬
‫عند أهل السنة إثبات الوجه ل تعالى على ما يليق بجلله وعظمته ‪ ،‬وكقوله‬
‫يٍء( )لعراف‪ :‬من الية ‪ (156‬فالظاهر منها‬ ‫ش ْ‬
‫ت ُكّل َ‬
‫سَع ْ‬
‫حَمِتي َو ِ‬
‫تعالى ) َوَر ْ‬
‫إثبات الرحمة ل تعالى على ما يليق بجلله وعظمته وكقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم )ينـزل ربنا إلى السماء الدنيا ‪......‬الحديث ( فالظهار منه إثبات النزول‬
‫في هذا الوقت ل جل وعل على ما يليق بجلله وعظمته وكذلك يقال في‬
‫سائر آيات الصفات ‪ ،‬فإذا كان المراد بالظاهر ما يفهمه أهل السنة من‬
‫المعاني اللئقة بال جل وعل فإننا نقول‪ :‬هذا الظاهر مراد ‪ ،‬وأما إذا كان‬
‫يقصد بالظاهر ما يفهمه المبتدعة من الممثلة والمعطلة فإنه ليس بمراد لنهم‬
‫ن ل تليق بال جل وعل ‪ ،‬فل يفهمون منها إل ما‬ ‫يفهمون من هذه اليات معا ٍ‬
‫يفهمونه من صفات المخلوقات وهذا ليس بمراد من هذه اليات ‪ ،‬ولكن نحن‬
‫ل في أن هذا الذي فهموه ليس هو الظاهر الصحيح الذي دلت‬ ‫ننازعهم أص ً‬
‫عليه آيات الصفات وإنما هو شيء توهموه بعقولهم الفاسدة وإفهامهم العفنة ‪،‬‬
‫وفي الحقيقة أن فهمهم هذا مخالف لما فهمه السلف منها وهو خباية على‬
‫النصوص وتعطيل لها عن المراد بها ‪ ،‬وهو مخالف أيضًا للعقل الصريح‬
‫والفطر السليمة والفهام المستقيمة لن العقل والشرع يفرضان مباينة الخالق‬
‫للمخلوق في الذات والصفات ‪ ،‬فهم وإن سموه ظاهر الصفات فإنها تسمية‬
‫باطلة مردودة بالنقل والعقل والفطرة وال أعلم ‪.‬‬
‫‪227‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /210‬ما حكم السؤال عن كيفية شيًء من صفات ال تعالى ولماذا ؟‬


‫وكيف الجواب لمن سألنا عن شيًء من ذلك ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬السؤال عن كيفية صفات ال محرم وجريمة من إقحام العقل‬
‫والنفس فيما ل مجال لها فيه وهو من زلل القول وخطل الفهم الذي ينبغي‬
‫لصاحبه التوبة النصوح والستغفار الكثير منه وذلك لنه مسلك الهالكين من‬
‫أهل البدع ومن أبواب الشر التي لو فتحت لفسدت على الناس عقيدتهم في‬
‫ربهم جل وعل ‪ ،‬ولنه مخالف لمنهج السلف فإن السلف رحمهم ال تعالى ل‬
‫يعرف عنهم كلمة واحدة في ذلك ولنه من المور الغيبية التي هي خارجة‬
‫عن حدود العقل وطاقاته فمهما أعملت عقلك في إدراك الكيفية لشيء من‬
‫صفات ال فلن ترجع إل بالضلل والخيرة والتيه والشكوك والسئلة الكثيرة‬
‫والشكالت المحيرة التي ل جواب عنها إل يردع العقل والنفس عن‬
‫الدخول في ذلك ‪ ،‬فما هلك أهل التمثيل والتعطيل إل لنهم وضعوا لصفات‬
‫ال كيفية من عند أنفسهم فرضيها أهل التمثيل فمثلوا وأباها أهل التعطيل‬
‫فعطلوا ‪ ،‬فأحذر من سلوك سبيلهم الضال ‪ ،‬وقف حيث وقف السلف في‬
‫صفات ال العظيم الكبير المتعال ولن الكيفية ل تعلم إل بالرؤية أو بمشاهدة‬
‫النظير أو بإخبار الصادق عنها وكلها منتفية في حق صفات ال تعالى ‪ ،‬وأما‬
‫الجواب لمن سألنا عن شيء من ذلك فهناك عدة أجوبة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن نقول له ‪ :‬ما سألت عنه من الصفات معناه معلوم ‪ ،‬وكيفه‬
‫مجهول واليمان بها واجب والسؤال عنه بدعه ‪ ،‬وهذا الجواب صحيح سديد‬
‫باتفاق أهل السنة ‪ ،‬وصالح للجابة به عن أي صفة قد سئل عن كيفيتها ‪ ،‬فهو‬
‫وإن ورد في الجابة عن السؤال عن كيفية صفة الستواء ‪ ،‬لكن يصلح‬
‫للجميع لن المتقرر أن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها ‪ ،‬وهذا‬
‫أوضح ‪.‬‬
‫الجواب الثاني ‪ :‬أن نقول ‪ :‬إن كيفية الشيء ل تعلم إل بعد العلم بكفه‬
‫ذاته ‪ ،‬فأخبرني أنت عن كفه ذات الباري جل وعل ‪ ،‬فبالطبع لن يجد جوابًا‬
‫وسيقول ل أعلم كيفية ذاته ‪ ،‬فقل له ‪ :‬إذا كنا أنا وأنت مشتركين في عدم العلم‬
‫ت ل أعلمها فإن من يجهل كيفية‬ ‫بكيفية الذات فكيف تطالبني بكيفية صفة ذا ٍ‬
‫‪228‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ذات شيء فإنه من باب أولى أن يجهل كيفية صفاتها ‪ ،‬فأنا ل أعلم كيف‬
‫ل ل أعلم كيف هو في ذاته ول أعلم كيفية وجهه ويديه‬ ‫استواء ال لنني أص ً‬
‫ل ل أعلم كيف هو في ذاته جل وعل ‪ ،‬فالجهل بكيفية‬ ‫وعينيه لنني أص ً‬
‫الذات مفضي إلى الجهل بكيفية الصفات وقد تقرر عند أهل السنة أن القول‬
‫في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬فنحن ل نعرف كيفية صفات ال تعالى لننا‬
‫ل ل نعرف كيفية ذاته ‪.‬‬ ‫أص ً‬
‫الجواب الثالث ‪ :‬أن تبين له أن الكيفية ل يمكن أن تعرف إل بالرؤية‬
‫ونحن لم نر ال تعالى ‪ ،‬أو بمشاهدة النظير ‪ ،‬وليس ل مثيل ول شبيه حتى‬
‫يٌء (‬
‫ش ْ‬‫س َكِمْثِلِه َ‬
‫نستدل برؤية صفاته على صفاته كيف وقد قال تعالى ) َلْي َ‬
‫سِمّيا( )مريم‪ :‬من الية ‪(65‬‬ ‫)الشورى‪ :‬من الية ‪ (11‬وقال )َهْل َتْعَلُم َلُه َ‬
‫ضِرُبوا ِّ‬
‫ل‬ ‫حٌد( )الخلص‪ (4:‬وقال تعالى ) َفل َت ْ‬ ‫ن َلُه ُكُفوًا َأ َ‬ ‫وقال ) َوَلْم َيُك ْ‬
‫ن( )النحل‪ (74:‬أو بإخبار الصادق صلى‬ ‫ل َيْعَلُم َوَأْنُتْم ل َتْعَلُمو َ‬
‫ن ا َّ‬ ‫اَْلْمَثاَل ِإ ّ‬
‫ف أيضاً فإنه صلى اله عليه وسلم‬ ‫ال عليه وسلم عن الكيفية ‪ ،‬وهذا منت ٍ‬
‫أخبرنا بالصفة ولم يخبرنا بكيفيتها فوجب الوقوف حيث وقف النص ‪ ،‬فبال‬
‫عليك ‪ :‬شيء لم أره ولم أر نظيره ولم يخبرني الصادق عن كيفيته ‪ ،‬فكيف‬
‫أتعرف على هذه الكيفية التي تطالبني بها ‪.‬‬
‫الجواب الرابع ‪ :‬وهو جواب علمي ‪ ،‬وهو بمثابة الكي الذي هو آخر‬
‫العلج ‪ ،‬ولعلك عرفته ‪ ،‬فإياك أن تجبن عنه ‪ ،‬بل قم به انتصارا ل تعالى‬
‫وذبًا عن شريعته ‪ ،‬ونترك تفاصيله كتقديرك للمصالح والمفاسد وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /211‬ما أقسام التأويل وما المقبول منها والمردود مع بيان ذلك بالدلة‬
‫والمثلة ؟‬
‫ج‪/‬التأويل ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬حقيقة الشيء التي يؤول إليها ‪ ،‬وهذا هو استعمال القرآن لهذه‬
‫اللفظة وما تصرف منها ‪ ،‬أي حقيقة الشيء التي هو عليها في الواقع ‪،‬‬
‫فتأويل المر امتثاله وفعله ‪ ،‬كما قالت عائشة رضي ال عنها ) كان النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم‬
‫وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ( متفق عليه ‪ ،‬أي يوقع حقيقة ما أمر‬
‫به في القرآن ‪ ،‬وتأويل النهي اجتنابه فتأويل قوله تعالى ) َول َتْقَرُبوا الّزَنى‬
‫‪229‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ل( )السراء‪ (32:‬هو اجتناب الزنى وتأويل قوله‬ ‫سِبي ً‬


‫ساَء َ‬ ‫شًة َو َ‬‫ح َ‬‫ن َفا ِ‬‫ِإّنُه َكا َ‬
‫ن ( )النعام‪ :‬من الية‬ ‫طَ‬ ‫ظَهَر ِمْنَها َوَما َب َ‬‫ش َما َ‬ ‫ح َ‬ ‫تعالى ) َول َتْقَرُبوا اْلَفَوا ِ‬
‫‪ (151‬هو ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن وهكذا ‪ ،‬وتأويل الرؤيا‬
‫وقوعها أي وقوع حقيقتها في الخارج ومنه قوله تعالى عن يوسف عليه‬
‫جَعَلَها َرّبي حَّقا (‬ ‫ن َقْبُل َقْد َ‬ ‫ي ِم ْ‬ ‫ت َهَذا َتْأِويُل ُرْؤيا َ‬ ‫الصلة والسلم ) َيا َأَب ِ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪ (100‬أي أن سجود أبويه وإخوته له هو حقيقة الرؤيا التي‬
‫رآها من قبل ‪ ،‬وتأويل الخبر وقوع حقيقته كما قال تعالى مهددًا الذين‬
‫ن ِإّل َتْأِويَلُه َيْوَم َيْأِتي َتْأِويُلُه (‬
‫ظُرو َ‬‫ينكرون اليوم الخر ) َهْل َيْن ُ‬
‫)لعراف‪ :‬من الية ‪ (53‬أي هل ينتظرون إل وقوع حقيقته على ما أخبرت‬
‫به الكتب وجاءت به الرسل يوم تأتي حقيقته حينئذ يندمون ول ت ساعة مندم‬
‫‪ ،‬فتأويل اليوم الخر هو وقوعه وتأويل الصفات هي حقيقتها التي هي عليها‬
‫في الواقع ومن ذلك أيضًا قول الخضر لموسى عليهما الصلة والسلم‬
‫صْبرًا( )الكهف‪ :‬من الية ‪ (78‬أي‬ ‫عَلْيِه َ‬
‫طْع َ‬ ‫سَت ِ‬
‫ك ِبَتْأِويِل َما َلْم َت ْ‬
‫) سَُأَنّبُئ َ‬
‫سأخبرك بحقيقة ما رأيت من المور التي جعلتك تستنكر وتبادر بالنكار ‪،‬‬
‫عَلْيِه‬
‫طْع َ‬
‫سِ‬ ‫ك َتْأِويُل َما َلْم َت ْ‬ ‫ثم قال بعد ذلك أي بعد أن بين له حقيقتها ) َذِل َ‬
‫صْبرًا( )الكهف‪ :‬من الية ‪ (82‬أي هذا الذي بينته لك هو الحقيقة التي يؤول‬ ‫َ‬
‫إليها ما فعلته ‪،‬فهذا هو المعنى الول ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التأويل بمعنى التفسير ‪ ،‬ومنه قول المام أبن جرير الطبري‬
‫في تفسيره العظيم ‪ :‬القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا‪.............‬كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬أي تفسير ومنه قوله صلى ال عليه وسلم لبن عباس ) اللهم فقهه في‬
‫الدين وعلمه التأويل ( أي تفسير القرآن ومنه قول ابن عباس ‪:‬أنا من‬
‫الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله ‪ ،‬وقد قيل في بعض اليات التي ورد‬
‫فيها لفظ التأويل أنها بمعنى التفسير وهذا من خلف التنوع ل التضاد ‪،‬‬
‫فهذان المعنيان صحيحان مقبولن متفق عليهما بين أهل العلم ‪ ،‬وهما‬
‫المأثوران عن السلف الصالح أعل ال درجتهم في الفردوس العلى وجمعنا‬
‫بهم في دار كرامته ومستقر رحمته ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معناه‬
‫المرجوح ‪ ،‬أو من حقيقته إلى مجازه وهذا النوع من التأويل ل يعرف عن‬
‫السلف وإنما أحدثه المتأخرون الخلف من المتكلمين في الصول والفقه وقد‬
‫‪230‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫تلقفوه من أهل الكلم المذموم الذي أدخل على أهل السلم البلء الكثير‬
‫والشر المستطير وقد توقف أهل السنة والجماعة رحمهم ال تعالى في قبوله‬
‫ل ‪ ،‬وشأنهم فيما كان من‬ ‫ورده لنه من اللفاظ المجملة التي تحتمل حقًا وباط ً‬
‫هذا القبيل التوقف والستفصال ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن كان هذا الصرف بمقتضى‬
‫الدليل الصحيح الصريح فإنه صرف مقبول ‪ ،‬فما اقتضاه الدليل فأه ً‬
‫ل‬
‫ل ‪ ،‬وأما إذا كان صرفًا ل دليل عليه وإنما مبناه على والتخرص‬ ‫وسه ً‬
‫والظنون الكاذبة والشهوات والهوى فإنه مردود على صاحبه مضروب به‬
‫في وجهه ول كرامة له ‪ ،‬وهو في هذه الحالة وإن سماه أصحابه تأوي ً‬
‫ل‬
‫ليروج وتقبله النفوس إل أنه في حقيقته تحريف و خلط و باطل ودليل بطلنه‬
‫أنه مخالف لمنهج السلف الكرام رضي ال عنهم وأرضاهم فإنهم رحمهم ال‬
‫تعالى وأعل درجتهم في الجنة كانوا يقولون عند الظاهر المتبادر من‬
‫النصوص ول يتعدونه إل بمقتضى دليل ‪ ،‬ولن المتقرر عند أهل العلم أن‬
‫الصل هو البقاء على الظاهر الراجح ول ننتقل إلى المرجوح إل بدليل ‪،‬‬
‫ولن الصل في الكلم الحقيقة فل يعدل عنها إلى الجاز إل بقرينه صادقة ‪،‬‬
‫ولن هذا الصرف الذي ل دليل عليه تحكم في كلم المتكلم بل إذن منه وهذا‬
‫ل يجوز في آحاد كلم البشر فكيف بكلم ال جل وعل وكلم رسله صلوات‬
‫ال وسلمه عليهم ‪ ،‬ولن أدلة الشريعة إنما جاءت لرادة البيان والهدى ل‬
‫لللغاز والتعمية فكيف يخاطبنا الشارع بكلم له ظاهر وهو في حقيقة المر‬
‫ن منه لذلك ‪ ،‬فإن هذا القول يتضمن‬ ‫ل يريد منا أن نعتقد ظاهره من غير بيا ٍ‬
‫إخراج هذه النصوص عن مقصود إنزالها الذي هو الهداية ‪ ،‬ول در المام‬
‫العلمة ابن القيم لما جعله أي التأويل بهذا المعنى من جملة الطواغيت التي‬
‫أفسدت كثيرًا من عقول المسلمين وعلومهم وأدخلت عليهم التمثيل والتعطيل‬
‫والجير وإنكار القدر والوقيعة في خيار المة وسلفها فنعوذ بال من الخذلن‬
‫وزيغ القلوب بعد هدايتها وال أعلم ‪.‬‬

‫ل‬
‫ل ا ُّ‬
‫س ‪ /212‬أيهما أرجح في الوقف في قوله تعالى ) َوَما َيْعَلُم َتْأِويَلُه ِإ ّ‬
‫ن ِفي اْلِعْلِم( )آل عمران‪ :‬من الية ‪ (7‬أن يكون على لفظ الجللة‬ ‫خو َ‬‫سُ‬
‫َوالّرا ِ‬
‫الذي هو السم الحسن أم يكون على لفظة } العلم {؟‬
‫‪231‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬فيه خلف بين العلماء ‪ ،‬والرجح أن هذا من قبيل خلف التنوع‬
‫ل التضاد ‪ ،‬فإن الوقف يختلف باختلف ما يقوم في قلب القاري من معاني‬
‫التأويل السابقة ‪ -‬أعني النوع الول والثاني فقط ‪ -‬لنهما المأثوران عن‬
‫السلف ‪ ،‬فإن قام في قلبه المعنى الول فالوقف على السم الحسن أي على‬
‫قوله } إل ال { لن الذي يعلم حقيقة ما أخبرت به الرسل على ما هو عليه‬
‫في الواقع من آيات الصفات واليوم الخر إنما هو ال تعالى ونحن وإن علمنا‬
‫معانيها لكن ل يعلم كيفياتها على ما هي عليه إل ال تعالى وأما إذا كان الذي‬
‫قام بقلب القارئ المعنى التأويل أي التفسير فالوقف التام على قوله‬
‫} والراسخون في العلم { وهذا اختيار أبي العباس شيخ السلم بن تيميه‬
‫رحمه ال تعالى ‪ .‬فإذا وقفت على السم الحسن فاعتقد المعنى الول وإذا‬
‫وصلت فأعتقد المعنى الثاني وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /213‬ما مذهب أهل السنة في نفس ال تعالى مع بيان ذلك بالدلة من‬
‫الكتاب والسنة ؟ وهل هي من الصفات الذاتية أم الفعلية ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬يعتقد أهل السنة والجماعة أن ل تعالى نفسًا لئقة بجلله‬
‫وعظمته ‪ ،‬ليست كأنفس المخلوقين ‪ ،‬ومجرد اتفاق أسم نفسه مع أسم نفسنا‬
‫ل يستلزم اتفاقهما في كيفياتهما‬
‫ن ِبآياِتَنا‬
‫ن ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ك اّلِذي َ‬
‫جاَء َ‬‫كما قدمنا لك سابقًا ‪ ،‬والدليل قوله تعالى ) َوِإَذا َ‬
‫حَمَة ( )النعام‪ :‬من الية ‪ (54‬فقد‬ ‫سِه الّر ْ‬
‫عَلى َنْف ِ‬
‫ب َرّبُكْم َ‬
‫عَلْيُكْم َكَت َ‬
‫سلٌم َ‬ ‫َفُقْل َ‬
‫أضاف النفس إليه وهي ل تقوم بذاتها فدل ذلك على أنها إضافة صفة إلى‬
‫موصوف جل ربنا وتعالى وتقدس عن أن تكون نفسه كنفس خلقه ‪ ،‬وعز‬
‫جلله وتعالت عظمته أن يكون عدمًا ل نفس له ‪ ،‬وقال تعالى لكليمه موسى‬
‫سي(‬ ‫ك ِلَنْف ِ‬
‫طَنْعُت َ‬
‫صَ‬ ‫سى َوا ْ‬ ‫عَلى َقَدٍر َيا ُمو َ‬‫ت َ‬‫جْئ َ‬
‫عليه الصلة والسلم ) ُثّم ِ‬
‫سُه( )آل‬ ‫ل َنْف َ‬‫حّذُرُكُم ا ُّ‬‫)طـه‪ (40،41:‬فثبت أن ل نفسًا ‪ ،‬وقال تعالى ) َوُي َ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪ (28‬وقال تعالى عن عيسى عليه السلم ) َتْعَلُم َما ِفي‬
‫ك( فثبت ل نفسًا إثباتًا بل تمثيل ونزهه عن مماثلة‬ ‫سَ‬‫عَلُم َما ِفي َنْف ِ‬ ‫سي َول َأ ْ‬‫َنْف ِ‬
‫خلقه فيها تنزيهًا بل تعطيل ‪ ،‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ) يقول ال تعالى أنا مع عبدي حين يذكرني‬
‫ل ذكرته في م ٍ‬
‫ل‬ ‫فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في م ٍ‬
‫‪232‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫خير منهم ( متفق عليه وإضافة النفس هنا إضافة صفة إلى موصوف ‪،‬‬
‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم حين خرج‬
‫إلى صلة الصبح وجويرية جالسة في المسجد فرجع حين تعالى النهار قال ‪:‬‬
‫لم تزالي جالسة بعدي ؟ قالت نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬قد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت‬
‫بهن لوزنتهن‪ :‬سبحان ال وبحمده عدد خلقه ومداد كلماته ورضى نفسه وزنة‬
‫عرشه "رواه مسلم والشاهد منه قوله ) ورضى نفسه ( فقد أضاف النفس‬
‫إليه إضافة الصفة إلى الموصوف ‪ ،‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬لما قضى ال الخلق كتب كتابًا على‬
‫نفسه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي ( متفق عليه ‪ ،‬وعن‬
‫أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) التقى‬
‫آدم وموسى عليهما السلم فقال له موسى ‪ :‬أنت الذي أشقيت الناس أخرجتهم‬
‫من الجنة ‪ ،‬قال آدم ‪ :‬وأنت موسى الذي اصطفاك ال برسالته وبكلمه‬
‫واصطنعك لنفسه ‪.....‬الحديث ( متفق عليه وعن أبي ذر رضي ال قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى ) إني‬
‫حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فل تظالموا‪....‬الحديث ( رواه‬
‫مسلم ‪ ،‬ومن الدلة القطعية أيضًا إجماع أهل السنة فقد أتفق أهل السنة‬
‫رحمهم ال تعالى على إثبات النفس ل تعالى على ما يليق بجلله وعظمته ‪،‬‬
‫وهو الذي نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا ‪ ،‬إذا علمت هذا فأعلم أن صفة النفس‬
‫من الصفات الذاتية التي ل تنفك عن ال تعالى ‪ ،‬وال أعلم‬
‫س ‪ /214‬ما مذهب أهل السنة في علم ال تعالى ؟ مع الدليل ؟ وهل هو من‬
‫الصفات الذاتية أم الفعلية ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬يعتقد أهل السنة رحمهم ال تعالى اعتقادًا جازما بيقين راسخ‬
‫أعظم من رسوخ الجبال الرواسي أن ال تعالى موصوف بالعلم الكامل‬
‫الشامل الذي لم يسبق بجهل فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان‬
‫ل وأبدًا قال‬ ‫كيف يكون وأنه من الصفات الذاتية التي ل تنفك عن ال تعالى أز ً‬
‫ن‬
‫ن ِم ْ‬ ‫ض َما َيُكو ُ‬ ‫ت َوَما ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَماَوا ِ‬‫ل َيْعَلُم َما ِفي ال ّ‬ ‫ن ا َّ‬‫تعالى ) َأَلْم َتَر َأ ّ‬
‫بل‬ ‫ح اْلَغْي ِ‬
‫عْنَدُه َمَفاِت ُ‬‫جَوى َثلَثٍة ِإّل ُهَو َراِبُعُهْم ‪......‬الية (وقال تعالى ) َو ِ‬ ‫َن ْ‬
‫ن َوَرَقٍة ِإّل َيْعَلُمَها َول‬ ‫ط ِم ْ‬
‫سُق ُ‬
‫حِر َوَما َت ْ‬
‫َيْعَلُمَها ِإّل ُهَو َوَيْعَلُم َما ِفي اْلَبّر َواْلَب ْ‬
‫ن ( وقال تعالى‬ ‫ب ُمِبي ٍ‬ ‫س ِإّل ِفي ِكَتا ٍ‬‫ب َول َياِب ٍ‬ ‫ط ٍ‬
‫ض َول َر ْ‬ ‫ت الَْْر ِ‬ ‫ظُلَما ِ‬
‫حبٍّة ِفي ُ‬ ‫َ‬
‫‪233‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫يءٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ل ِبكُّل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ضُع ِإّل ِبِعْلِمِه ( وقال تعالى ) ِإ ّ‬ ‫ن ُأْنَثى َول َت َ‬ ‫حِمُل ِم ْ‬‫) َوَما َت ْ‬
‫ك َأْنَزَلُه ِبِعْلِمِه ( وفي حديث‬ ‫شَهُد ِبَما َأْنَزَل ِإَلْي َ‬
‫ل َي ْ‬‫ن ا ُّ‬
‫عِليٌم ( وقال تعالى ) َلِك ِ‬ ‫َ‬
‫الستخارة الطويل ) اللهم إني أستخيرك بعلمك الغيب ‪......‬الحديث ( وعن‬
‫ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) مفاتح الغيب‬
‫عِة َوُيَنّزُل‬
‫سا َ‬
‫عْلُم ال ّ‬
‫عْنَدُه ِ‬
‫ل ِ‬‫ن ا َّ‬ ‫خمس ل يعلمهن إل ال ثم قرأ هذه الية ) ِإ ّ‬
‫غدًا َوَما تَْدِري َنْفسٌ‬ ‫ب َ‬‫س ُ‬‫س َماَذا َتْك ِ‬ ‫حاِم َوَما َتْدِري َنْف ٌ‬ ‫ث َوَيْعَلُم َما ِفي اَْلْر َ‬
‫اْلَغْي َ‬
‫خِبيٌر ( وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪:‬‬ ‫عِليٌم َ‬‫ل َ‬‫ن ا َّ‬‫ت ِإ ّ‬
‫ض َتُمو ُ‬‫ي َأْر ٍ‬ ‫ِبَأ ّ‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) سبق علم ال في خلقه فهم صائرون‬
‫إليه ( أخرجه اللكائي رحمه ال تعالى في شرح العقائد‪ ،‬ودل عليها العقل‬
‫أيضًا ‪ :‬وذلك من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن العلم في حد ذاته صفة كمال في المخلوق ل نقص فيها وقد‬
‫تقرر في القواعد أن ما كان صفة كمال في المخلوق ل نقص فيها بوجه‬
‫فالخالق أولى بها ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن ال تعالى هو الذي أعطى المخلوق هذه الصفة التي هي‬
‫كمال في ذاتها ومعطي الكمال أولى بالكمال ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنه يستحيل أن يوجد هذا الكون العظيم على هذا النسق الرفيع‬
‫والنظام البديع وهو غير متصف بالعلم ‪ ،‬وقد أشتد نكير السلف على من‬
‫أنكرها حتى قالوا ‪ :‬ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خصوا وإن جحدوا كفروا‬
‫وقال المام أحمد ‪ ) :‬فإن قال الجهمي ليس له علم كفر‪ ،‬وإن قال له علم‬
‫محدث كفر حيث زعم أن ال كان في وقت من الوقات ل يعلم حتى أحدث‬
‫له علمًا فعلم ( أ‪.‬هـ‬
‫وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وقد أنعقد الجماع على ذلك ول الحمد‬
‫والمنة وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /215‬ما مذهب أهل السنة رحمهم ال تعالى في صفة الوجه وهل هو‬
‫من صفات الذات أم الفعل ؟ مع بيان ذلك بالدلة ؟‬
‫ج‪/‬يعتقد أهل السنة رفع ال نزلهم في الفردوس العلى أن ل تعالى وجهًا‬
‫ك ِإلّ‬
‫يٍء َهاِل ٌ‬
‫ش ْ‬
‫يليق بجلله وعظمته وهو من صفاته الذاتية ‪ ،‬قال تعالى ) ُكّل َ‬
‫جلِل َواِْلْكَرام ( وقال‬
‫ك ُذو اْل َ‬
‫جُه َرّب َ‬
‫) َوَيْبَقى َو ْ‬ ‫جَهه ( وقال تعالى‬
‫َو ْ‬
‫‪234‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫جَهُه (‬
‫ن َو ْ‬
‫ي ُيِريُدو َ‬ ‫شّ‬‫ن َرّبُهْم ِباْلَغَداِة َواْلَع ِ‬
‫عو َ‬ ‫ن َيْد ُ‬
‫ك َمَع اّلِذي َ‬ ‫سَ‬‫صِبْر َنْف َ‬
‫) َوا ْ‬
‫وعن أبي موسى الشعري رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ) إن ال ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع‬
‫إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو‬
‫كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ( رواه مسلم ‪،‬‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن‬ ‫وعن جابر رضي ال عنه قال لما نزلت هذه الية ) ُقْل ُهَو اْلَقاِدُر َ‬
‫ن َفْوِقُكْم ( قال النبي صلى ال عليه وسلم أعوذ بوجهك‪.‬‬ ‫عَذابًا ِم ْ‬‫عَلْيُكْم َ‬
‫ث َ‬ ‫َيْبَع َ‬
‫جِلُكْم ( قال عليه الصلة والسلم أعوذ بوجهك ‪ .‬قال )‬ ‫ت َأْر ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ن َت ْ‬
‫قال ) َأْو ِم ْ‬
‫ض ( قال ‪ :‬هذه أهون أو أسهل (‬ ‫س َبْع ٍ‬ ‫ضُكْم َبْأ َ‬
‫ق َبْع َ‬ ‫شَيعًا َوُيِذي َ‬
‫سُكْم ِ‬ ‫َأْو َيْلِب َ‬
‫رواه البخاري ‪ .‬وفي حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن عمار بن ياسر‬
‫رضي ال عنهما أنه سمع النبي صلى ال عليه وسلم يدعو يقول )) اللهم‬
‫بعلمك الغيب وقدرتك عن الخلق أجمعين ‪.......‬وفيه " وأسألك لذة النظر إلى‬
‫وجهك "( وعن شقيق قال ‪ :‬كنا عند حذيفه فقام شبث بن ربعي فصلى فبصق‬
‫بين يديه فقال له حذيفة ‪ :‬يا شبث ل تبصق بين يديك ول عن يمينك فإن عن‬
‫يمينك كاتب الحسنات ولكن عن يسارك أو من ورائك فإن العبد إذا توضأ‬
‫فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلة أقبل ال عليه بوجهه فيناجيه فل ينصرف‬
‫عنه حتى ينصرف عنه أو يحدث حدث سوء ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وعن ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬من استعاذ بال‬
‫فأعيذوه ومن سألكم بوجه ال فأعطوه ( رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح‬
‫‪ ،‬وقد اجمع أهل السنة والجماعة على إثبات هذه الصفة ل تعالى ‪ ،‬وهو ما‬
‫نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /216‬ماذا قال المبتدعة في هذه الصفة ؟ وكيف الرد عليهم ؟‬


‫ج‪ /‬أقول لقد تجرأ المبتدعة على صفة الوجه كتجرئهم على سائر صفات‬
‫الباري جل وعل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن لفظ الوجه الوارد في اليات والحاديث ل‬
‫يقصد به إثبات صفة وإنما المراد به الذات ‪ ،‬فيقال لهم ‪ :‬جوابنا على هذا‬
‫التحريف من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه مخالف لمنهج السلف وما أجمعوا عليه وما خالف منهجهم‬
‫وإجماعهم فهو باطل مردود وإذ ل يمكن أبدًا بل ل يتصور أن يكون السلف‬
‫‪235‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫من الصحابة والتابعين كانوا في معزل عن فهم ما أنزل عليهم ويفهمه هؤلء‬
‫ل عن كونه‬ ‫المتهوكون الضالون‪ ،‬هذا ما ل يقوله عاقل يعلم ما يقول فض ً‬
‫مسلمًا ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه مخالف لما يظهر من دللة النصوص‪ ،‬فإن هذه الدلة قد‬
‫أضافت الوجه إلى ال تعالى إضافة الصفة إلى الموصوف والنصراف عن‬
‫هذا الظاهر المتبادر للفهم السليم ل يجوز إل بمقتضى دليل صارف ‪ ،‬ول‬
‫دليل يصرفنا عن الصل والظاهر والحقيقة ‪ ،‬فوجب البقاء عليه‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يقال لهم ‪ :‬إنكم فررتم من إثبات الوجه ل تعالى خوفًا من‬
‫مماثلة ال بخلقه لن لهم وجوهًا وقلتم إنه الذات فبال عليكم أوليست لنا ذوات‬
‫؟ بالطبع نعم ‪ ،‬إذًا قد فررتم من شيء ووقعتم في مثله ‪ ،‬فإن قالوا ‪ :‬نحن‬
‫نقول هي ذات ليست كالذوات ‪ ،‬فنقول قولوا هذا القول في الوجه بادئ المر‬
‫واستريحوا وأريحوا ‪ ،‬وذلك لنه قد تقرر أن القول في الصفات فرع عن‬
‫ف وال أعلم‪.‬‬ ‫القول في الذات هذا مختصر الجواب عليهم وهو كا ٍ‬

‫س ‪ /217‬ما مذهب أهل السنة في اليدين مع بيان الدلة ؟ وهل هي صفة‬


‫ذاتية أو فعلية ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة قاطبة أن ل تعالى يدين اثنتين لئقتين بجلله وعظمته ل‬
‫تماثل أيدي المخلوقين ومجرد التفاق في السم ل يستلزم التفاق في المسمى‬
‫ل ول أبدًا وأهما‬ ‫وأنهما من الصفات الذاتية التي ل تنفك عنه جل وعل أز ً‬
‫ن(‬‫طَتا ِ‬‫سو َ‬
‫كريمتان مبسوطتان بالعطاء والنعم قال تعالى ) َبْل َيَداُه َمْب ُ‬
‫ص‪ :‬من الية ‪(75‬‬ ‫ي() ّ‬ ‫ت ِبَيَد ّ‬
‫خَلْق ُ‬
‫)المائدة‪ :‬من الية ‪ (64‬وقال تعالى ) ِلَما َ‬
‫ك ( وقال تعالى ) بيده الخير ( وقال تعالى ) َيُد ا ِّ‬
‫ل‬ ‫وقال تعالى ) ِبَيِدِه اْلُمْل ُ‬
‫ق َقْدِرِه‬ ‫حّ‬ ‫ل َ‬‫ق َأْيِديِهْم ( )الفتح‪ :‬من الية ‪ (10‬وقال تعالى ) َوَما َقَدُروا ا َّ‬ ‫َفْو َ‬
‫حاَنُه‬
‫سْب َ‬
‫ت ِبَيِميِنِه ُ‬
‫طِوّيا ٌ‬‫ت َم ْ‬ ‫سَماَوا ُ‬
‫ضُتُه َيْوَم اْلِقَياَمِة َوال ّ‬‫جِميعًا َقْب َ‬ ‫ض َ‬‫َواَْلْر ُ‬
‫ن( )الزمر‪ (67:‬وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫عّما ُي ْ‬
‫َوتََعاَلى َ‬
‫في ذكر محاجة موسى لدم عليهما الصلة والسلم وفيه أن موسى قال ‪:‬‬
‫) أنت آدم الذي خلقه ال بيده ونفخ فيك من روحه‪....‬الحديث ( وفي الصحيح‬
‫أيضًا من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ) لما خلق ال الخلق كتب بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي‬
‫‪236‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫( وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ) إن ال تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‬
‫ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ( وفي‬
‫المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ) إن أحدكم ليتصدق بالتمرة من طيب ول يقبل ال إل طيبًا‬
‫فيجعلها ال تعالى في يده اليمنى ثم يربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير‬
‫مثل أحد ( وفي رواية " فيقع في كف الرحمن " وفي الصحيح أيضًا أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ) يمين ال مل ل تغيضها نفقة سماء الليل‬
‫والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والرض فإنه لم يغيض ما في‬
‫يمينه ( وفي الصحيح أيضًا من حديث أبن عمر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ) يقبض ال تعالى يوم القيامة سمواته‬
‫فيأخذهن بيمينه ويقبض الراضين ويأخذهن بيده الخرى ثم نهزهن فيقول ‪:‬‬
‫أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ( وفي المتفق عليه من حديث حكيم‬
‫بن حزام رضي ال عنه قال ‪ :‬سألت النبي صلى ال عليه وسلم فألحفت في‬
‫المسألة فقال ‪ :‬يا حكيم ما أكثر مسألتك ؟إن هذا المال حلوة خضرة وإنما هو‬
‫أوساخ الناس وإن يد ال هي العليا ويد المعطي تليها ويد السائل أسفل من‬
‫ذلك ( وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال سمعت النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم على منبره يقول ‪ :‬إن موسى سأل ربه فقال يا رب أخبرني‬
‫بأدنى أهل الجنة منزله ؟ ‪.....‬وفيه ) فقال ‪ :‬يا رب فأخبرني بأعلهم منزله‬
‫قال ‪ :‬هذا ما أردت فسوف أخبرك ‪ ،‬قال ‪ :‬غرست كرامتهم بيدي وختمت‬
‫عليها ‪،‬لم تر عين ‪ ،‬ولم تسمع أذن ‪...‬الحديث ( وعن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) تكون الرض يوم‬
‫القيامة خبزه واحدة في يكفوها الرحمن بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في‬
‫ل لهل الجنة ‪......‬الحديث ( وقد أتفق أهل السنة على إثبات هذه‬ ‫السفر ‪ ،‬نز ً‬
‫الصفة ل تعالى من غير تحريف ول تعطيل ول تمثيل ول تكييف لن ال‬
‫تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ‪ ،‬وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه‬
‫بألسنتنا ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫‪237‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /218‬ماذا قال المبتدعة في هذه الصفة وكيف الجواب عليهم ؟‬


‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬لقد نفى المبتدعة على مختلف طوائفهم هذه الصفة وقالوا ‪ :‬المراد‬
‫بها القدرة أم النعمة كذا قالوا ولبئس ما قالوا ‪ ،‬والجواب عليهم من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه خلف منهج السلف ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه ل دليل على هذا الصرف فهو في حقيقته تحريف ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنه مخالف لما ظهر من الدلة ‪.‬‬
‫ن{‬‫سوطََتا ِ‬
‫الرابع ‪ :‬أن ذلك ممتنع كل المتناع في قوله } َبْل َيَداُه َمْب ُ‬
‫ي { فإن القدرة والنعمة ل يصح أن تأتي مثناة ‪.‬‬ ‫ت ِبَيَد ّ‬
‫خَلْق ُ‬
‫وقوله } ِلَما َ‬
‫الخامس ‪ :‬أنه لو كان المراد باليد القدرة لما كان لدم عليه السلم‬
‫فضل على إبليس لعنه ال إذ أن إبليس خلق بقدرة ال تعالى فأنظر كيف لبس‬
‫إبليس على هذه الطوائف لينكروا ما تميز به أبوهم عليه حسدًا وبغضًا وحقدًا‬
‫لدم وبنيه ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /219‬هل يوصف ال تعالى بالكف وهل إحدى يديه شمال ؟ وضح ذلك‬
‫بالدليل ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬نعوذ بال تعالى من أن نقول في صفات ال تعالى شيئًا ل دليل‬
‫عليه ‪ ،‬وبناًء عليه فهذا السؤال فيه فرعان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الكف فنحن يصف ال تعالى بأن له كفًا يليق بجلله وعظمته ل‬
‫تماثل كفوفنا والتفاق في السم ل يستلزم التفاق في المسمى ‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى عليه وسلم‬
‫) إن أحدكم ليتصدق بالتمرة إذا كانت من الطيب ول يقبل ال إل طيبًا‬
‫فيجعلها الرحمن في كفه فيربها كما يربي أحدكم مهره أو فصيلة حتى تعود‬
‫في يده مثل الجبل ( وهو في الصحيح ‪ ،‬والشاهد من قوله " في كفه " ففيه‬
‫إضافة الكف ل تعالى ‪ ،‬وفي رواية "إل وهو يضعها في كف الرحمن "‬
‫فنحن نثبت ل تعالى ما أثبته لنفسه من غير تحريف ول تعطيل ومن غير‬
‫صيُر {‪.‬‬‫سِميُع اْلَب ِ‬
‫يٌء َوُهَو ال ّ‬
‫ش ْ‬
‫س َكِمْثِلِه َ‬
‫تكييف ول تمثيل بل نقول ‪َ } :‬لْي َ‬
‫الثاني ‪ :‬أتفق أهل السنة والجماعة على إثبات اليدين ل تعالى وأنهما‬
‫يمين في البذل والعطاء والنفاق وأن إحداهما يمين في السم أيضًا‪ ،‬هذا كله‬
‫‪238‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫متفق عليه ولكن اختلفوا في أسم اليد الخرى على قولين ‪ :‬فالكثر على أنها‬
‫يمين في السم أيضًا واستدلوا على ذلك بالحديث الذي فيه ) وكلتا يدي ربي‬
‫يمين مباركه ( وبحديث ) وكلتا يديه يمين ( وهما في الصحيح ‪ ،‬فهذه المسألة‬
‫أعني مسألة اسم اليد الخرى من المسائل التي ثبت فيها الخلف بين أهل‬
‫السنة ‪ ،‬وهو يسير والمرد عند الخلف إلى الكتاب والسنة ‪ ،‬وقد ذكرت دليل‬
‫من نفى تسميتها بالشمال ‪ ،‬وذهب بعض أهل السنة إلى أنها شمال في السم‬
‫فقط لكنها يمين في البذل والنفاق والعطاء ‪ ،‬أي هي يمين في الخير والبركة‬
‫واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رصي ال‬
‫عنهما ) يقبض ال تعالى سماواته فيأخذهن بيمينه ثم يهزهن فيقول أنا الملك‬
‫أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الرضين فيأخذهن بشماله فيهزهن‬
‫ويقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ( فأنت ترى هنا أنه سماها‬
‫بالشمال‪ ،‬وقد قدح في هذه الزيادة جمع من أهل العلم ‪،‬ولكن ل داعي للقدح‬
‫فيها ول ردها ول دعوى أنها شاذة أو منكرة ‪ ،‬وبناًء عليه فنقول ‪ :‬إن كانت‬
‫هذه اللفظة محفوظة عن النبي صلى ال عليه وسلم فإننا نقول بها ونطلق‬
‫على اليد الخرى اسم الشمال ونقول فيها ما نقوله في سائر صفاته جل وعل‬
‫‪ ،‬من أنها شمال ل نقص فيها بوجه من الوجوه فنثبتها ل تعالى إثباتًا بل‬
‫ل في‬‫تمثيل وننزه ال تعالى النقص تنزيهًا بل تعطيل ‪ ،‬لكن لبد من النظر أو ً‬
‫ثبوتها ‪ ،‬والبحث في حال عمر بن حمزة الذي يروي هذا الحديث عن سالم‬
‫عن ابن عمر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /220‬ما مذهب أهل السنة في صفة الصابع ؟ مع بيان الدليل؟‬


‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة والجماعة رفع ال درجاتهم في الفردوس العلى وأعل‬
‫منارهم في الدنيا والخرة وثبت أحياءهم ورحم أمواتهم أن ل تعالى أصابع‬
‫تليق بجلله وعظمته وأنها من الصفات الذاتية له جل وعل ‪ ،‬وأن التفاق في‬
‫السم ل يستلزم التفاق في المسمى ‪ ،‬والدليل على ذلك ما في الصحيحين من‬
‫حديث عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬أتى النبي صلى ال علنه‬
‫وسلم رجل من اليهود فقال ‪ :‬يا محمد إن ال يجعل السماوات على إصبع‬
‫‪239‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫والراضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع فيهزهن فيقول ‪ :‬أنا‬
‫الملك ‪ ،‬قال ‪ :‬فضحك النبي صلى ال عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا‬
‫ض جَِميعًا‬
‫ق َقْدِرِه َواَْلْر ُ‬
‫حّ‬ ‫ل َ‬ ‫لما يقول الرجل ‪ ،‬ثم قرأ ) َوَما َقَدُروا ا َّ‬
‫عّما‬
‫حاَنُه َوَتَعاَلى َ‬
‫سْب َ‬
‫ت ِبَيِميِنِه ُ‬
‫طِوّيا ٌ‬
‫ت َم ْ‬
‫سَماَوا ُ‬
‫َقْبضَُتُه َيْوَم اْلِقَياَمِة َوال ّ‬
‫ن (‪ .‬وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد ال بن عمرو رضي ال‬ ‫ُيشِْرُكو َ‬
‫عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إن قلوب بني آدم كلها بين‬
‫ب واحد يصرفه كيف يشاء ( ثم قال ‪ " :‬اللهم‬ ‫إصبعين من أصابع الرحمن كقل ٍ‬
‫مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك " وهذا الحديث مروي عن عدة‬
‫من الصحابة ‪ ،‬منهم النواس بن سمعان الكلبي وعائشة أم المؤمنين وأبو ذر‬
‫جندب بن جنادة رضي ال عنهم وعن سائر أصحابه صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وقد أجمع أهل السنة على إثبات هذه الصفة على ما يليق بجلل ال وعظمته‬
‫وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /221‬ما مذهب أهل السنة في صفة العين مع بيان ذلك بالدلة وهل هي‬
‫من صفات الذات أم الفعل ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة رحمهم ال تعالى وغفر لهم وجمعنا بهم في الجنة أن ل‬
‫عينين اثنتين ذاتيتين لئقتين به جل وعل ‪ ،‬وأنها ل تماثل أعين العباد ‪،‬‬
‫عُيِنَنا (‬
‫جِري ِبَأ ْ‬
‫والتفاق في السم ل يستلزم التفاق في المسمى قال تعالى ) َت ْ‬
‫عْيِني( )طـه‪ :‬من الية‬ ‫عَلى َ‬
‫صَنَع َ‬
‫)القمر‪ :‬من الية ‪ (14‬وقال تعالى ) َوِلُت ْ‬
‫عُيِنَنا َوَوحِْيَنا ( )هود‪ :‬من الية ‪ (37‬وقال‬ ‫ك ِبَأ ْ‬
‫صَنِع اْلُفْل َ‬
‫‪ (39‬وقال تعالى ) َوا ْ‬
‫عُيِنَنا ( )الطور‪ :‬من الية ‪ (48‬وعن ابن‬ ‫ك ِبَأ ْ‬
‫ك َفِإّن َ‬‫حْكِم َرّب َ‬
‫صِبْر ِل ُ‬
‫تعالى ) َوا ْ‬
‫عمر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إن ربكم‬
‫ليس بأعور إل إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية (‬
‫متفق عليه ‪ ،‬فنفي العور عنه جل وعل دليل على أن له عينين اثنتين لئقتين‬
‫به جل وعل ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم ) إذا قام العبد في الصلة قام بين‬
‫عيني الرحمن فإذا التفت قال له ربه ‪ :‬تلتفت إلى خير لك مني ؟ ‪ ...‬الحديث‬
‫وفيه مقال ‪.‬‬
‫وقد أجمع أهل السنة على إثبات ذلك وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا‬
‫ول الحمد والمنة وال أعلم ‪.‬‬
‫‪240‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /222‬لقد وردت صفتا اليد والعين في الدلة مفردة ومثناة ومجموعة‬


‫فأذكر هذه الدلة وكيف الجمع بينها ؟‬
‫ك ( وأما ورودها‬ ‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬أما صفة اليد مفردة ففي قوله تعالى ) ِبَيِدِه اْلُمْل ُ‬
‫ن ( وأما ورودها مجموعة ففي‬ ‫طَتا ِ‬
‫سو َ‬
‫مثناة ففي قوله تعالى ‪َ ) :‬بْل َيَداُه َمْب ُ‬
‫ت َأْيِديَنا ( أما صفة العين مفردة ففي قوله تعالى‬ ‫عِمَل ْ‬
‫قوله تعالى ) ِمّما َ‬
‫عْيِني ( وأما ورودها مثناة ففي الحديث ) قام بين عيني‬ ‫عَلى َ‬ ‫صَنَع َ‬
‫) َوِلُت ْ‬
‫عُيِنَنا( ووجه‬
‫جِري ِبَأ ْ‬ ‫الرحمن ( وأما ورودها مجموعة ففي قوله تعالى ) َت ْ‬
‫الجمع بينهما أن يقال أما ورودهما مثناة فل إشكال فيه لن أهل السنة يثبتوا‬
‫ل تعالى يدين اثنتين وعينين اثنتين على ما يليق به جل وعل ‪ ،‬وأما‬
‫ورودهما مفرده فل إشكال فيه أيضًا لنهما لما أفردتا أضيفتا فهما مفرد‬
‫مضاف وقد تقرر في الصول أن المفرد المضاف يعم ‪ ،‬فيعم اللفظ كل ما ل‬
‫من يد وعين ‪ ،‬وقد سيق أنهما اثنتان ‪ .‬وأما ورودهما مجموعه ‪ ،‬فإن النون‬
‫هنا ليست نون الجمع وإنما هي نون المعظم نفسه ‪ ،‬كقول الملك لمن أعطاه‬
‫شيئًا ‪ :‬قد أعطيناك هذا بأيدينا ‪ ،‬وإذا رأى الملك شيئًا وسئل عنه فإنه يقول ‪:‬‬
‫قد رأيناه بأعيننا ونحو ذلك ‪ ،‬فهذه النون هي نون المعظم نفسه وليست نون‬
‫الجمع ‪ ،‬فل إشكال في ذلك ول الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة وهو‬
‫أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫س ‪ /223‬ما مذهب أهل السنة في صفة القدم والرجل والساق ل تعالى مع‬
‫بيان ذلك بالدلة وهل هذه الصفات من صفات الذات أم الفعل ؟‬
‫ل وساقًا لئقة بجلله‬ ‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة رحمهم ال تعالى أن ل قدمًا ورج ً‬
‫وعظمته ‪ ،‬وباتفاقهم أنها ل تماثل المعهود من صفاتنا لن التفاق في السم‬
‫ل يستلزم التفاق في الصفات ‪ ،‬ول تثريب على من أثبت ما أثبتته الدلة‬
‫وقال بما قالت به النصوص مع علم المعنى والجهل بالكيفية ‪ ،‬وأي عيب بال‬
‫عليك أن نقول كما قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأن نثبت لربنا ما أثبته‬
‫له أعلم الخلق به صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بل التثريب والعيب هو على من يقع‬
‫ل وكأنه أعلم من ال ‪،‬‬ ‫في مثل هذه النصوص تحريفًا وإنكارًا وجحودًا وإبطا ً‬
‫وأعلم من نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ونعوذ بال من حال أهل التمثيل‬
‫والتعطيل ونبرأ إلى ربنا جل وعل من طريقهما ‪ ،‬فإنه طريق سوٍء ومدخل‬
‫‪241‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ضلله ‪ ،‬فل نقل ول عقل عند هؤلء الغبياء و إنما هو التخرص والهوى‬
‫وإتباع الشهوات ‪ ،‬فهذه الصفات الواردة في السؤال قد وردت به الدلة فنحن‬
‫نثبتها ل تعالى إثباتًا بل تمثيل وننزه ال تعالى من مماثلة خلقه تنزيهًا بل‬
‫تعطيل وهذه الصفات من صفات الذات التي ل تنفك عن ال تعالى ‪ ،‬ففي‬
‫الصحيحين عن انس بن مالك رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ) ول يزال جهنم يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد حتى يضع‬
‫رب العزة فيها رجله وفي رواية عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض‬
‫وتقول قط قط ( فقد أضاف الرجل والقدم إليه إضافة الصفة إلى الموصوف ‪،‬‬
‫ول يصح إن يقال إن الرجل هنا ‪ :‬طائفة من الخلق فإن هذا مخالف لظاهر‬
‫الدليل بل برهان ومخالف لما تقرر في منهج السلف رحمهم ال تعالى ‪ ,‬وفي‬
‫الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ) تحاجت الجنة والنار فقالت النار ‪ :‬أوثرت بالمتكبرين‬
‫والمتجبرين ‪ ،‬وقال الجنة ‪ :‬مالي ل يدخلني إل ضعفاء الناس وسقطهم ؟ فقال‬
‫ال عز وجل للجنة ‪ :‬إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ‪ ،‬وقال‬
‫للنار ‪ :‬إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ‪ ،‬ولكل واحدة منكما‬
‫ملؤها ‪ ،‬فأما النار فل تمتلئ حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط‬
‫‪........‬الحديث ( فهنا أضاف الرجل إليه إضافة الصفة إلى الموصوف لن‬
‫الرجل والقدم مما ل يقوم بذاته وقد تقرر لنا سابقًا أن العيان التي يضيفها‬
‫ال إليه وهي مما ل يقوم بذاته فإنها إضافة صفة إلى موصوف ‪ .‬وروى‬
‫مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد نحوه ‪ ،‬وروى أحمد عن أبي سعيد أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) افتخرت الجنة والنار ‪.......‬فذكر‬
‫الحديث وفيه ‪....‬فيلقى في النار أهلها فتقول هل من مزيد قال ويلقى فيها‬
‫وهي تقول هل من مزيد ‪ ،‬قال فيلقى فيها وهي تقول ‪ :‬هل من مزيد ‪ ،‬حتى‬
‫يأتيها ال عز وجل فيضع عليها قدمه فتنزوي وتقول ‪ :‬قدني قدني ‪......‬‬
‫الحديث ( وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الطويل ‪...‬وفيه ) فيكشف‬
‫رب العزة عن ساقه فيسجد له كل من كان يسجد في الدنيا ويبقى من كان‬
‫يسجد رياًء وسمعة فيذهب كما يسجد فينقلب ظهره طبقًا واحدًا ( والشاهد منه‬
‫قوله" ساقه " فإضافة الساق إلى ال تعالى إضافة حقيقية وهي من قبيل‬
‫‪242‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫إضافة الصفة على الموصوف ‪ ،‬وقد أجمع أهل السنة والجماعة رحمهم ال‬
‫تعالى على ذلك ‪ ،‬وهو الذي نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /224‬ما مذهب أهل السنة في صفة الكلم ‪ ،‬مع بيان ذلك بالدلة ؟‬
‫وهل هو من صفات الذات أم الفعل ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة والجماعة رحمة ال عليهم وأجزل لهم الجر والمثوبة‬
‫وجزاهم ال تعالى خير ما جزى عالمًا عن أمته أن ال تعالى موصوف‬
‫بالكلم ‪ ،‬فهو جل وعل يتكلم بما شاء كيفما شاء متى شاء ‪ ،‬وأن كلمه جل‬
‫وعل بحرف وصوت يسمعه من شاء ال أن يسمعه وأنه من صفات الذات‬
‫باعتبار أصل الصفة ومن صفات الفعل باعتبار آحاده وإفراده ‪ ،‬وهذا معنى‬
‫قول أهل السنة رحمهم ال تعالى " كلم ال قديم النوع حادث الحاد" وهذه‬
‫الصفة من الصفات التي كثرت الدلة عليها وتنوعت في دللتها ‪ ،‬قال تعالى‬
‫سى َتْكِليمًا ( )النساء‪ :‬من الية ‪ (164‬وقال تعالى ) ِمْنُهْم‬ ‫ل ُمو َ‬ ‫‪َ ):‬وَكّلَم ا ُّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ق ِم َ‬ ‫صَد ُ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫ل ( )البقرة‪ :‬من الية ‪ (253‬وقال تعالى ) َوَم ْ‬ ‫ن َكّلَم ا ُّ‬‫َم ْ‬
‫عْدًل ل‬ ‫صْدقاً َو َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ت َرّب َ‬‫ت َكِلَم ُ‬ ‫حِديثًا( )النساء‪ :‬من الية ‪ (87‬وقال ) َوَتّم ْ‬ ‫َ‬
‫جاَء‬ ‫سِميُع اْلَعِليُم ( )النعام‪ (115:‬وقال تعالى ) َوَلّما َ‬ ‫ُمبَّدَل ِلَكِلَماِتِه َوُهَو ال ّ‬
‫سى ِلِميَقاِتَنا َوَكّلَمُه َرّبُه ( )لعراف‪ :‬من الية ‪ (143‬وقال تعالى‬ ‫ُمو َ‬
‫جّيا( )مريم‪ (52:‬وقال تعالى‬ ‫ن َوَقّرْبَناُه َن ِ‬
‫طوِر الَْْيَم ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫جاِن ِ‬ ‫ن َ‬‫) َوَناَدْيَناُه ِم ْ‬
‫ن َلُكَما‬ ‫طا َ‬ ‫شيْ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫جَرِة َوَأُقْل َلُكَما ِإ ّ‬ ‫شَ‬ ‫ن ِتْلُكَما ال ّ‬‫عْ‬ ‫) َوَناَداُهَما َرّبُهَما َأَلْم َأْنَهُكَما َ‬
‫شِرِكي َ‬
‫ن‬ ‫ن اْلُم ْ‬ ‫حٌد ِم َ‬ ‫ن َأ َ‬
‫ن( )لعراف‪ :‬من الية ‪ (22‬وقال تعالى ) َوِإ ْ‬ ‫عُدّو ُمِبي ٌ‬‫َ‬
‫ك ِبَأّنُهْم َقْوٌم ل‬ ‫ل ُثّم َأْبِلْغُه َمْأَمَنُه َذِل َ‬
‫سَمَع َكلَم ا ِّ‬ ‫حّتى َي ْ‬ ‫جْرُه َ‬ ‫ك َفَأ ِ‬ ‫جاَر َ‬
‫اسَْت َ‬
‫جْبُتُم‬
‫ن( )التوبة‪ (6:‬وقال تعالى ) َوَيْوَم ُيَناِديِهْم َفَيُقوُل َماَذا َأ َ‬ ‫َيْعَلُمو َ‬
‫ل ِإّل‬‫ن ُيَكّلَمُه ا ُّ‬ ‫شٍر َأ ْ‬‫ن ِلَب َ‬‫ن ( )القصص‪ (65:‬وقال تعالى ) َوَما َكا َ‬ ‫سِلي َ‬
‫اْلمُْر َ‬
‫عِل ّ‬
‫ي‬ ‫شاُء ِإّنُه َ‬ ‫ي ِبِإْذِنِه َما َي َ‬ ‫حَ‬ ‫سوًل َفُيو ِ‬ ‫سَل َر ُ‬‫ب َأْو ُيْر ِ‬
‫جا ٍ‬ ‫حَ‬‫ن َوَراِء ِ‬ ‫حيًا َأْو ِم ْ‬ ‫َو ْ‬
‫حِكيٌم ( )الشورى‪(51:‬‬ ‫َ‬
‫وكل آية فيها ‪ :‬وقال ال فإنها دليل على إثبات هذه الصفة ‪ ،‬وفي الصحيحين‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬ما منكم من أحد إل وسيكلمه ربه ليس‬
‫بينه وبينه ترجمان ( وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس في قصة‬
‫جلوس جويرية بعد الفجر إلى تعالي النهار فقال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪243‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫) قد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلت لوزنتهن ‪ ،‬سبحان ال وبحمده‬
‫عدد خلقه ومداد كلماته ورضا نفسه وزنة عرشه ( والشاهد قوله " ومداد‬
‫كلماته " وثبت في الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬من نزل‬
‫ل فقال أعوذ بكلمات ال التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى‬ ‫منز ً‬
‫يرحل عن منزله ذلك ( رواه مسلم فدل ذلك على أن ال موصوف بالكلم‬
‫وأنه ليس بمخلوق إذ ل تصح الستعاذة بمخلوق فلما استعاذ بكلمات ال‬
‫التامات دل ذلك على أنها ليست بمخلوقه ‪ ،‬وعن أبي سعيد الخدري رضي‬
‫ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يقول ال تعالى يوم‬
‫القيامة ‪ :‬يا آدم فيقول ‪ :‬لبيك وسعديك ‪ ،‬فينادي بصوت إن ال يأمرك أن‬
‫تخرج بعث النار ‪ ....‬الحديث ( والشاهد منه " يقول ال " وكذلك " فينادي‬
‫بصوت " فإن فيه أن كلم ال تعالى بصوتٍ وروى أبو يعلى الموصلي عن‬
‫عبد ال بن أنيس قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ) :‬يحشر‬
‫ل ‪ ،‬فيناديهم بصوت يسمعه‬ ‫ال العباد أو قال ‪ :‬يحشر الناس حفاة عراة غر ً‬
‫من بعد كما يسمعه من قرب ‪ :‬أنا الملك أنا الديان ( ورواه المام أحمد في‬
‫المسند أيضًا ‪ ،‬وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا ) إن ال‬
‫تعالى إذا أحب عبدًا نادى يا جبريل أني أحب فلنًا فأحبه فيحبه جبريل‬
‫فينادي جبريل في أهل السماء إن ربكم يحب فلنًا فأحبوه فيحبه أهل السماء‬
‫فيوضع له القبول في الرض وإن ال تعالى إذا بغض عبدًا نادى يا جبريل‬
‫إني أبغض فلنًا فأبغضه فيبغضه جبريل فينادي جبريل إن ربكم عز وجل‬
‫يبغض فلنًا فأبغضوه ‪ .......‬الحديث( وعن جابر رضي ال عنه قال ‪ :‬كان‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول ‪) :‬هل‬
‫من رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلم ربي عز‬
‫وجل ‪ ....‬الحديث (رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح ‪ ،‬وعن أبي هريرة‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) فضل كلم ال‬
‫على سائر الكلم كفضل ال تعالى على سائر خلقه ( حديث حسن بطرقه‬
‫وشواهده ‪،‬وثبت في أحاديث كثيرة قوله صلى ال عليه وسلم ) ثلثة ل‬
‫يكلمهم ال ( وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا ) إن ال‬
‫تبارك وتعالى يقول يا أهل الجنة ‪ :‬فيقولون لبيك وسعديك فيقول ) هل‬
‫رضيتم ‪ ......‬وفيه فيقول أحل عليكم رضواني فل اسخط عليكم أبدًا (‬
‫‪244‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫وروى المام أبن خزيمة في التوحيد وعبد ال بن أحمد في السنة والبيهقي‬


‫في العتقاد وفي السماء والصفات أيضًا عن ينار بن مكرم وكانت له‬
‫صحبة أن أبا بكر رضي ال عنه خاطر قوماً من أهل مكة على أن الروم‬
‫ت الّروُم ( )الروم ‪ (2:1‬فأتى‬ ‫غلَِب ِ‬
‫تغلب فارس فغلبت الروم فنـزلت ) الـم * ُ‬
‫قريشًا فقرأها عليهم فقالوا كلمك هذا ؟ قال ‪ :‬ليس بكلمي ول كلم صاحبي‬
‫ولكنه كلم ال عز وجل (وهو أثر صحيح ‪ .‬وعن عائشة رضي ال عنها أنها‬
‫قالت في قصة الفك ) وال ما كنت أظن أن ال تعالى ينزل براءتي وحيًا‬
‫ي بأمر يتلى ‪ (.....‬متفق‬ ‫يتلى ‪ ،‬ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم ال ف ّ‬
‫عليه ‪ ،‬وروى المام أحمد في الزهد وابنه عبد ال في السنة وأبو بكر بن أبي‬
‫شيبة في المصنف والحاكم في المستدرك عن قروة بن نوفل الشجعي قال‬
‫) كنت جارًا لخباب فخرجنا يومًا من المسجد وهو آخذ بيدي فقال ‪ " :‬يا‬
‫هناه ‪ ،‬تقرب إلى ال ما استطعت فإنك لن تقرب إليه بشيء أحب إليه من‬
‫كلمه يعني القرآن " وهو أثر صحيح ‪ ،‬فأنت ترى توافر هذه الدلة من‬
‫الكتاب والسنة والثر على إثباتها وأما الجماع فقد أجمع أهل السنة قاطبة‬
‫على إثبات هذه الصفة ل تعالى على ما يليق بجلله وعظمته بل ودل العقل‬
‫الصريح على إثباتها أيضًا وبيان ذلك أن يقال ‪ :‬إن الكلم من حيث هو صفة‬
‫كمال لن نقيضها نقص وهو البكم والخرس ‪ ،‬وهذه الصفة أعني البكم‬
‫والخرس لو اتصف بها المخلوق الضعيف العاجز كانت نقصًا بينًا فكيف‬
‫يصلح إثباتها لمن له الكمال في المطلق سبحانه ؟ وقد تقرر عند أهل السنة‬
‫أن كل كمال في المخلوق ل يقص فيه فال أحق أن يوصف به لنه واهب‬
‫الكمال ومعطيه ومعطي الكمال أولى بالكمال ‪ ،‬فلما كان يلزم من نفى الكلم‬
‫عنه وصفة بالنقص الذي هو منزه عنه وجب إثباتها على ما يليق بجلله‬
‫وعظمته ولذلك فإن من الدلة المثبتة لبطلن إلهية الصنام والحجار وسلب‬
‫الكلم عنها كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلم ) َقاَل َبْل َفَعَلُه َكِبيُرُهْم َهَذا‬
‫ن( )النبياء‪ (63:‬وقال تعالى عنه ) َما لَُكْم ل‬ ‫طُقو َ‬
‫ن َكاُنوا َيْن ِ‬
‫سَأُلوُهْم ِإ ْ‬
‫َفا ْ‬
‫ن ( )الصافات‪ (92:‬بل وقد دل الدليل الفطري أيضًا على إثباتها ل‬ ‫طُقو َ‬ ‫َتْن ِ‬
‫تعالى ‪ ،‬وهو أن الفطر السليمة التي لم تتلوث بعض علم الكلم المذموم ول‬
‫بقواعده المخالفة للمعقول والمناقضة للمنقول فإن هذه الفطر تعتقد أحقية ال‬
‫تعالى بكل كمال وتنـزيهه عن كل نقص ‪ ،‬وصفة الكلم من الكمال فوجب‬
‫‪245‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫إثباته ل تعالى ‪ ،‬وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا ول الحمد والمنة‬


‫ونسأله جل وعل أن يثبتنا عليه إلى يوم لقاه ليجزينا به الجزاء الوفى وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /225‬ما عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن مع بيان ذلك بالدلة‬


‫من الكتاب والسنة؟‬
‫ج‪ /‬عقيدة أهل السنة والجماعة رحمهم ال تعالى في القرآن في ثلث نقاط ‪:‬‬
‫جاَر َ‬
‫ك‬ ‫سَت َ‬‫نا ْ‬ ‫شِرِكي َ‬ ‫ن اْلُم ْ‬ ‫حٌد ِم َ‬‫ن َأ َ‬
‫الولى ‪ :‬أنه كلم ال ‪ ،‬قال تعالى ) َوِإ ْ‬
‫ل ( )التوبة‪ :‬من الية ‪ (6‬والمراد حتى يسمع القرآن‬ ‫سَمَع َكلَم ا ِّ‬ ‫حّتى َي ْ‬ ‫جْرُه َ‬ ‫َفَأ ِ‬
‫ق َواَْلْمُر (‬ ‫خْل ُ‬
‫فدل ذلك على أنه كلم ال تعالى ‪ .‬وقال تعالى ) َأل َلُه اْل َ‬
‫)لعراف‪ :‬من الية ‪ (54‬ففرق تعالى هنا بين الخلق والمر‪ ،‬وهما صفتان‬
‫من صفاته أضافهما إلى نفسه الكريمة أما الخلق ففعله أما المر فقوله ‪،‬‬
‫والصل في المتعاطفين التغاير إل بقرينه ‪ ،‬فبان بذلك أن المر غير مخلوق‬
‫والمر هو القرآن كما ثبت ذلك التفسير عن عامة السلف رحمهم ال تعالى ‪،‬‬
‫وقد تقدم بعض الدلة على إثبات ذلك المر في إجابة السؤال السابق ‪ ،‬وقد‬
‫أنعقد الجماع القطعي على ذلك من أهل السنة رحمهم ال تعالى‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه منزل غير مخلوق ‪ ،‬قال تعالى في آيات كثيرة ) َتْنِزيُل‬
‫حِكيِم( )الزمر‪ (1:‬وقال تعالى ) َوِإّنُه َلَتْنِزيُل َر ّ‬
‫ب‬ ‫ل اْلَعِزيِز اْل َ‬‫ن ا ِّ‬‫ب ِم َ‬ ‫اْلِكَتا ِ‬
‫ن َنّزْلَنا الّذْكَر َوِإّنا َلُه‬‫حُ‬ ‫ن ( )الشعراء‪ (192:‬وقال تعالى ) ِإّنا َن ْ‬ ‫اْلَعاَلِمي َ‬
‫ك(‬ ‫ن َرّب َ‬ ‫س ِم ْ‬‫ح اْلُقُد ِ‬ ‫ن ( )الحجر‪ (9:‬وقال تعالى ) ُقْل َنّزلَُه ُرو ُ‬ ‫ظو َ‬ ‫حاِف ُ‬‫َل َ‬
‫سوِلِه‬‫ل َوَر ُ‬ ‫ن آَمُنوا آِمُنوا ِبا ِّ‬ ‫)النحل‪ :‬من الية ‪ (102‬وقال تعالى ) َيا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن َقْبُل( )النساء‪ :‬من‬ ‫ب اّلِذي َأْنَزَل ِم ْ‬ ‫سوِلِه َواْلِكَتا ِ‬‫عَلى َر ُ‬ ‫ب اّلِذي َنّزَل َ‬ ‫َواْلِكَتا ِ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‬ ‫ي اْلَقّيوُم * َنّزَل َ‬ ‫حّ‬ ‫ل ل ِإَلَه ِإلّ هَُو اْل َ‬ ‫الية ‪ (136‬وقال تعالى ) الـم ا ُّ‬
‫ن َقبُْل ُهد ً‬
‫ى‬ ‫جيَل ِم ْ‬‫ن َيَدْيِه َوَأْنَزَل الّتْوَراَة َواِْلْن ِ‬ ‫صّدقًا ِلَما َبْي َ‬
‫ق ُم َ‬ ‫حّ‬ ‫ب ِباْل َ‬‫اْلِكَتا َ‬
‫ن‪) (..‬آل عمران‪ :‬من ‪ (4-1‬واليات في ذلك المعنى‬ ‫س َوَأْنَزَل اْلُفْرَقا َ‬‫ِللّنا ِ‬
‫كثيرة ‪ ،‬وقد أتفق أهل السنة على ذلك المر وصرخوا بكفر من قال بأنه‬
‫مخلوق ‪ ،‬قال عمر بن دينار رحمه ال تعالى أدركت أصحاب النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فمن دونهم منذ سبعين سنة يقولون ‪ :‬ال الخالق وما سواه مخلوق‬
‫والقرآن كلم ال تعالى منه خرج وإليه يعود ‪ .‬أ‪.‬هـ قال إسحاق بن راهويه‬
‫‪246‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫رحمه ال تعالى ‪ :‬وقد أدرك عمرو بن دينار أجلًة أصحاب النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم مثل جابر بن عبدال وأبي سعيد الخدري وعبدال بن عمر وأبن‬
‫عباس وعبدال بن الزبير وأجلًة من التابعين وعلى هذا مضى صدر هذه‬
‫المة وسند الثرين صحيح ‪ .‬وقال معاوية بن عمار الذهيني قلت لجعفر‬
‫يعني أبن محمد ‪ :‬إنهم يسألون عن القرآن مخلوق هو ؟ قال ‪ ) :‬ليس بخالقٍ‬
‫ول مخلوق ولكنه كلم ال عز وجل ( وسنده صحيح ‪ ،‬وقال عبدال بن نافع‬
‫كان مالك بن أنس إمام دار الهجرة يقول ‪ ) :‬كلم ال موسى ( ويقول ) القرآن‬
‫كلم ال ( وكان يستفضع قول من يقول القرآن مخلوق " وسنده صحيح ‪،‬‬
‫وسئل سفيان بن عيينه رحمه ال تعالى عن القرآن فقال " كلم ال وليس‬
‫بمخلوق " وسنده إليه جيد ‪ ،‬وقال عبدال بن المبارك رحمه ال تعالى‬
‫) القرآن كلم ال تعالى ليس بخالق ول مخلوق ( وسنده صحيح عنه ‪ ،‬وقال‬
‫وكيع بن الجراح رحمه ال تعالى ) القرآن كلم ال عز وجل ليس بمخلوق (‬
‫وسنده صحيح عنه ‪ ،‬وقال يزيد بن هارون رحمه ال تعالى ) من قال القرآن‬
‫مخلوق فهو كافر ( وسنده صحيح عنه ‪ ،‬وقال عبدال بن إدريس الثقة الثبت ‪:‬‬
‫) القرآن كلم ال ومن ال وما كان من ال عز وجل فليس بمخلوق ( وسنده‬
‫صحيح عنه ‪ ،‬والثار في ذلك كثيرة شهيرة ونكتفي بذلك خوف الطالة‬
‫والملل ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن القرآن من ال بدأ وإليه يعود ‪ ،‬والمراد بقولهم ‪ ) :‬منه بدأ (‬
‫أي أن ال تعالى هو الذي تكلم به ابتداًء كما قال تعالى } قل نزله روح‬
‫ن‬
‫ن َلُد ْ‬
‫صَلتْ ِم ْ‬
‫ت آَياُتُه ُثّم ُف ّ‬
‫حِكَم ْ‬
‫ب ُأ ْ‬‫القدس من ربك { وقال تعالى ) الر * ِكَتا ٌ‬
‫عِليٍم (‬‫ن حَِكيٍم َ‬‫ن َلُد ْ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ك َلُتَلّقى اْلُقْرآ َ‬
‫خِبيٍر ( )هود‪ (1:‬وقال تعالى ) َوِإّن َ‬
‫حِكيٍم َ‬
‫َ‬
‫)النمل‪(6:‬‬
‫وكل آية فيها إثبات تنزيل القرآن من ال تعالى فهي دليل على أنه منه‬
‫بدأ ‪ ،‬وأما قولهم ) وإليه يعود ( ففيه تفسيرين أصحهما أن المراد أن كلم‬
‫ال تعالى يسرى عليه في ليلٍة فيرفع من المصاحف وصدور الحفاظ فل تبقى‬
‫في الرض منه آية ‪ ،‬أسأل ال تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن‬
‫يقبض روحي وإياك قبل أن يرفع كلمه من بيننا فعن حذيفة رضي ال عنه‬
‫ل فيصبح‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) يسرى على كتاب ال لي ً‬
‫الناس ليس في الرض ول جوف مسلم منه آية ( حديث صحيح ‪ ،‬ومثله‬
‫‪247‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫أيضًا حديث أبي هريرة رضي ال عنه فهذا المرفوع ‪ ،‬وأما الموقوف فعن‬
‫أبي هريرة رضي ال عنه قال ) يسرى على كتاب ال فيرفع إلى السماء فل‬
‫يصبح في الرض آية من القرآن ول من التوراة ول من النجيل ول من‬
‫الزبور وينتزع من قلوب الرجال فيصبحون ول يدرون ما هو ( حديث‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫وعن شداد بن معقل أن عبدال بن مسعود رضي ال عنه قال ‪ ) :‬لينتزعن‬
‫هذا القرآن من بين أظهركم ‘ فقال له شداد بن معقل ‪ :‬يا أبا عبدالرحمن كيف‬
‫ينتزع وقد أثبتناه في صدورنا وأثبتناه في مصاحفنا ‪ ،‬فقال ابن مسعود‬
‫يسرى عليه في ليلة فل يبقى في قلب عبٍد منه ول مصحف منه شيء‬
‫ويصبح الناس فقراء كالبهائم ثم قرأ عبدال } ولئن شئنا لنذهبن بالذي‬
‫أوحينا إليك ثم ل تجد لك به علينا وكيل {وإسناده صالح ‪ ،‬وهذان الثران ل‬
‫يقال مثلهما بالرأي لنه من أمور الغيب فلهما حكم الرفع ‪ ،‬وقول السلف‬
‫) منه بدأ ( فيه رد على الجهمية الذين قالوا ‪ :‬بدأ من غيره ‪ ،‬وقولهم ) وإليه‬
‫يعود ( فإنه يسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصدور فل يبقى في‬
‫الصدور منه كلمة ول في المصاحف منه حرف ‪ ،‬قاله شيخ السلم أبن‬
‫تيميه رحمه ال تعالى فهذا اعتقادنا في القرآن الكريم ‪ ،‬أنه كلم ال تعالى‬
‫وأنه منزل غير مخلوق وأنه من ال بدأ وإليه يعود وهذا ما نعتقده بقلوبنا‬
‫وننطقه بألسنتنا وندرسه لطلبنا في الحلقات والمدارس ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /226‬هل يصح إطلق القول بأن لفظي بالقرآن مخلوق أو قول لفظي‬
‫بالقرآن غير مخلوق ؟ وضح ذلك بالتفصيل ؟‬
‫ل بل الواجب‬ ‫ج‪ /‬ل يصح إطلق القول بهذا ول بهذا ‪ ،‬ول التحدث به أص ً‬
‫السكوت عنه وعدم الخوض فيه ‪ ،‬وهذا هو السلم للمرء في دينه لكن إذا‬
‫ابتليت بمن يسأل عنه أو ثارت فتنة في زمنك قيل فيها أحد هذين القولين‬
‫فأجب بما يلي ‪:‬‬
‫أن المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن اللفاظ الجملة ل تقبل مطلقًا ول ترد‬
‫مطلقًا وإنما هي موقوفة على الستفصال ليتميز حقها من باطلها فيقبل الحق‬
‫ويرد الباطل ‪ ،‬وهاتان الكلمتان الواردتان في السؤال هما من اللفاظ المجملة‬
‫‪ ،‬فمن أطلق القول بأن ألفاظنا بالقرآن مخلوقه فهو جهمي ‪ ،‬ومن أطلق القول‬
‫‪248‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫بأن ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقه مبتدع ‪،‬هكذا ورد عن إمام أهل السنة أحمد‬
‫بن حنبل رحمة ال عليه وعلى سائر علماء أهل السنة ‪ ،‬فالمر فيه تفصيل إذ‬
‫أنه ل بد أن يفرق بين اللفظ والملفوظ به فمن قال لفظي بالقرآن مخلوق إن‬
‫كان يقصد لفظه هو من نبرات صوته وحركة لسانه ولهاته فهذه لشك أنها‬
‫مخلوقه وإن كان يقصد الملفوظ به فهو قول باطل لن ما تلفظ به هو القرآن‬
‫وهو كلم ال منزل غير مخلوق ‪ ،‬فالصوت واللحان صوت القاري لكنما‬
‫المتلو قول الباري ‪ ،‬وأصل هذه الكلمة إنما قالها المعتزلة وذلك أنه لما خبت‬
‫نارهم وانكسرت شوكتهم في عهد المتوكل رحمه ال تعالى ولم يستطيعوا أن‬
‫يصرحوا بمذهبهم في القرآن كما كانوا يصرحون به في عهد المأمون‬
‫والمعتصم والواثق ‪ ،‬بحثوا عن كلمة مجملة يستطيعون بها نفث سمومهم بين‬
‫أهل السنة من حيث ل يشعر بهم أحد فبدل أن يقولوا ‪ :‬القرآن مخلوق ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬ألفاظنا بالقرآن مخلوقه ‪ ،‬فاستعجل بعض الغيورين من أهل السنة عفا‬
‫) ألفاظنا بالقرآن غير‬ ‫ال عنه وأراد أن يرد كلمتهم هذه بما يناقضها فقال‬
‫مخلوقه ( وكل الطلقين مجمل كما تقدم وقد تبين لنا أن من قال لفظي‬
‫بالقرآن مخلوق إن كان يقصد صوته هو من نبرات كلمه وحركات لسانه‬
‫وشفتيه ولهاته وفكيه فهذا صحيح وإن كان يقصد الملفوظ به والمقروء‬
‫والمتلو فهذا باطل وهو ما يريده المعتزلة بقولهم هذا لكنهم تستروا وراء هذه‬
‫اللفظة المجملة ولذلك قال أهل السنة من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو‬
‫جهمي لن القرآن وإن كتب في المصاحف وقرئ باللسنة وحفظ في‬
‫الصدور فإنه ل يخرج بذلك عن كونه كلم ال منزل غير مخلوق من ال بدأ‬
‫وإليه يعود‪.‬‬
‫وأما من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فل يخلو من حالتين إن كان يقصد‬
‫بذلك ما تلفظ به أي الملفوظ والمقروء والمتلو فهذا صحيح ل غبار عليه وهو‬
‫عين اعتقاد أهل السنة رحمهم ال تعالى وإن كان يقصد صوته هو وحركات‬
‫لسانه ولهاته وشفتيه وفكيه فهذا باطل لن هذه الشياء مخلوقه ‪ ،‬وبهذا‬
‫التفصيل أجاب أهل السنة عن هذه اللفاظ المجملة وهذا هو الحق في هذه‬
‫المسألة وهو الذي نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال تعالى أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /227‬بماذا استدل من ذهب إلى القول بأن القرآن مخلوق مع بيان‬


‫الجواب على هذه الشبه ؟‬
‫ج‪ /‬ل دليل لهم على ذلك وإنما هي خيالت وشبه توهموها بفهمهم الفاسد‬
‫ومذهبهم الرديء العاطل الكالح الباطل فهم يتبعون المتشابه ويتركون المحكم‬
‫ويعملون بالمجمل ويتركون المبين ويلوون أعناق الدلة ويحملونها ما ل‬
‫خاِل ُ‬
‫ق‬ ‫ل َ‬ ‫تحتمل لتتوافق مع قولهم الفاسد البائر فمن ذلك قولهم ‪ :‬قال تعالى ) ا ُّ‬
‫يٍء ( )الزمر‪ :‬من الية ‪ (62‬والقرآن شيء من الشياء فهو داخل في‬ ‫ش ْ‬‫ُكّل َ‬
‫عموم هذا النص ‪ ،‬فيكون مخلوقًا ‪ ،‬فأجاب أهل السنة على ذلك الستدلل بأن‬
‫عموم ) كل ( ل تقتضي دخول الشياء جميعها فإن صيغ العموم يكون عموم‬
‫ت ِم ْ‬
‫ن‬ ‫كل منها بحسبه أل ترى إلى قوله تعالى عن بلقيس ملكت سبأ ) َوُأوِتَي ْ‬
‫يٍء ( )النمل‪ :‬من الية ‪ (23‬فإنه ل يفهم عاقل أنها أوتيت كل الشياء‬ ‫ش ْ‬‫ُكّل َ‬
‫فإنها لم تؤت ما أوتي سليمان عليه السلم ‪ ،‬وإنما المراد أنها من شيء‬
‫يحتاجه الملوك في الغالب ‪ ،‬وكذلك قوله تعالى في ريح عاد } تدمر كل شيء‬
‫ل وحسًا أنها لم تدمر السماوات والرض والجبال‬ ‫بأمر ربها {ونعلم عق ً‬
‫حوا ل‬ ‫صَب ُ‬‫والجمادات بل حتى المساكن لم تخل في هذه الكلية قال تعالى ) َفأَ ْ‬
‫ساِكُنُهْم ( )الحقاف‪ :‬من الية ‪ (25‬فدل ذلك على أنها إنما دمرت‬ ‫ُيَرى ِإلّ َم َ‬
‫يٍء ( فإن معناه‬ ‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ق ُك ّ‬
‫خاِل ُ‬
‫ل َ‬
‫كل شيء أمرت بتدميره ‪ ،‬وكذلك قوله تعالى) ا ُّ‬
‫عموم خلقه لما يصلح أن يكون مخلوقًا ‪ ،‬وهو هذه العوالم العلوية والسفلية‬
‫من أرضها وسمائها وأفلكها وملئكتها وإنسها وجنها وحيواناتها وشجرها‬
‫ونباتها ومائها ونحو ذلك مما يصلح أن يوصف بكونه مخلوقًا ‪ ،‬لكن ال‬
‫تعالى بصفاته هو الخالق جل وعل وما سواه مخلوق ومن صفاته كلمه‬
‫والقرآن من كلمه فل يكون مخلوقًا ‪ ،‬إذ كيف بال عليك يكون شيء‬
‫منصفاته مخلوقًا ‪ ،‬وقال أهل السنة أيضًا ‪ :‬أيها المعتزلة هل أنتم تقولون إن‬
‫أفعال العباد الصادرة منهم شيء أم ليست بشيء ؟ بالطبع سيقولون هي شيء‬
‫من الشياء ‪ ،‬فقل لهم ‪ :‬فأنتم تخرجونها عن كونها مخلوقة ل تعالى فأين‬
‫حرصكم على الستدلل بقوله } ال خالق كل شيء { وقد أخرجتم منه أفعال‬
‫العباد فقلتم ‪ :‬لم يخلقها ال مع أنها شيء باعترافكم ‪ ،‬وتدخلون كلم ال تعالى‬
‫في هذا الدليل لنه شيء من الشياء ‪ ،‬هذا وال عين التناقض فإنكم بذلك قد‬
‫أخرجتم من العموم أفعال العباد وهي داخلة فيه بالجماع ‪ ،‬وأدخلتم في‬
‫‪250‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫العموم كلم ال وهو خارج منه بالجماع ‪ ،‬فأين عقولكم ‪ ،‬فحق هؤلء شفقة‬
‫بهم وإحسانًا إليهم أن يدخلوا في المصحات العقلية لخذ العلج اللزم ‪،‬‬
‫عافانا ال وإياك من كل بلء وقال أهل السنة أيضًا ‪ :‬أيها المعتزلة ‪ :‬قال‬
‫ل ( )النعام‪ :‬من الية ‪ (19‬فهذا يثبت‬ ‫شَهاَدًة ُقِل ا ُّ‬
‫يٍء َأْكَبُر َ‬ ‫ش ْ‬‫ي َ‬ ‫تعالى ) ُقْل َأ ّ‬
‫أن ال تعالى شيء وصفاته شيء وهو أكبر الشياء جل وعل ‪ ،‬فهل يدخل‬
‫في هذا العموم ؟ بالطبع سيقولون ل ‪ ،‬فقل ‪ ،‬إن القرآن كلم ال وكلمه‬
‫صفته وصفته غير مخلوقه فكيف أدخلتموه في هذا العموم وال أعلم ‪.‬‬
‫عَرِبّيا ( )الزخرف‪:‬‬ ‫جَعْلَناُه ُقْرآنًا َ‬
‫ومن أدلتهم ‪ :‬أيضًا قوله تعالى ) ِإّنا َ‬
‫من الية ‪ ((3‬فقالوا ‪ :‬الجعل هنا هو الخلق فيكون المعنى إنا خلقناه قرآنا‬
‫عربيًا ‪ ،‬فقال أهل السنة ‪ ،‬وهذا الستدلل أيضًا ساقط وما فهمتموه من الدليل‬
‫ليس بشيء وبيان ذلك أن ‪:‬‬
‫ن فتأتي بمعنى ) خلق ( وتأتي بمعنى‬ ‫) جعل ( في اللغة العربية لها معا ٍ‬
‫) صَّير ( والقاعدة فيها ‪ :‬أن ) جعل ( إذا كانت ل تتعدى إل إلى مفعول واحد‬
‫صّير (‬ ‫فهي بمعنى ) خلق ( وإذا كانت تتعدى إلى مفعولين فهي بمعنى ) َ‬
‫ت َوالّنوَر ( )النعام‪:‬‬ ‫ظُلَما ِ‬‫جَعَل ال ّ‬ ‫فمن أمثلة مجيئها بمعنى خلق قوله تعالى ) وَ َ‬
‫من الية ‪ (1‬فهنا بمعنى وخلق الظلمات والنور لنها لم تتعدى إل لمفعول‬
‫واحد ‪ ،‬ومنه قوله تعالى } هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها‬
‫زوجها { أي وخلق منها زوجها لنها لم تتعدى إل إلى مفعول واحد فقط ‪.‬‬
‫صّير ومن ذلك قوله تعالى‬ ‫وأما إذا تعددت إلى مفعولين فإنها تكون بمعنى َ‬
‫خْلَفَها ( )البقرة‪ :‬من الية ‪ (66‬فإن‬ ‫ن َيَدْيَها َوَما َ‬ ‫جَعْلَناَها َنَكاًل ِلَما َبْي َ‬
‫) َف َ‬
‫ل(‬ ‫) فجعلناها ( والمفعول الثاني ) نكا ً‬ ‫المفعول الول ) ها ( في قوله‬
‫جَعُلوا اْلَملِئَكَة‬ ‫ل ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ) َو َ‬ ‫فيكون هنا بمعنى فصيرناها نكا ً‬
‫ن ِإَناثًا ( )الزخرف‪ :‬من الية ‪ (19‬فإن المفعول الول )‬ ‫حَم ِ‬ ‫عَباُد الّر ْ‬‫ن ُهْم ِ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫الملئكة ( والمفعول الثاني ) إناثًا ( فتكون بمعنى صير أي وصير الملئكة‬
‫عَرِبّيا َلَعّلُكْم‬
‫جَعْلَناُه ُقْرآنًا َ‬
‫باعتقادهم الفاسد إناثًا ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ) ِإّنا َ‬
‫ن ( )الزخرف‪ (3:‬فالمفعول الول الضمير والمفعول الثاني ) قرآنًا (‬ ‫َتْعِقُلو َ‬
‫والمعنى إنا صيرنا أو قلنا قرآنًا عربيًا ‪ ،‬هذا تفهمه العرب من كلمها ‪ ،‬ول‬
‫عبرة بفهم العاجم والنباط وسقطة فارس والروم ‪ ،‬وبال عليك هل يفهم‬
‫جَعُلوا اْلَملِئَكَة ( )الزخرف‪ :‬من الية ‪ (19‬أي‬ ‫عاقل من قوله تعالى ) َو َ‬
‫‪251‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ف َمْأُكوٍل ( )الفيل‪ (5:‬أو‬ ‫ص ٍ‬ ‫جَعَلُهْم َكَع ْ‬‫وخلقوا الملئكة ؟ ومن قوله تعالى ) َف َ‬
‫فخلقهم كعصف مأكول؟ هل يفهم عاقل أن ) جعل ( هنا بمعنى خلق ؟ولكن‬
‫المعتزلة قوم بهت وال يحفظنا وإياك من زلل القول والفهم وال أعلم ‪.‬‬
‫ن َرّبِهْم ُمحَْد ٍ‬
‫ث‬ ‫ن ِذْكٍر ِم ْ‬ ‫ومن أدلتهم أيضًا ‪ :‬قوله تعالى ) َما َيْأِتيِهْم ِم ْ‬
‫ن‬
‫ن( )النبياء‪ (2:‬ومثلها قوله تعالى ) َوَما َيْأِتيِهْم ِم ْ‬ ‫سَتَمُعوُه َوُهْم َيْلَعُبو َ‬ ‫ِإّل ا ْ‬
‫ن( )الشعراء‪ (5:‬فقالوا ‪:‬‬ ‫ضي َ‬‫عْنُه ُمْعِر ِ‬ ‫ث ِإلّ َكاُنوا َ‬ ‫حَد ٍ‬
‫ن ُم ْ‬ ‫حَم ِ‬
‫ن الّر ْ‬ ‫ِذْكٍر ِم َ‬
‫والمحدث هو المخلوق ‪ ،‬فقال أهل السنة رحمهم ال تعالى ‪ :‬إن‬
‫ث ( من الحدوث وهو كون الشيء بعد أن لم يكن والقرآن العظيم‬ ‫حَد ٍ‬‫قوله) ُم ْ‬
‫حين كان ينزل ‪ ،‬كان كلما نزل منه شيء كان جديدًا على الناس لم يكونوا‬
‫علموه من قبل فهو محدث بالنسبة إلى الناس ‪ ،‬أل تراه قال ) َما َيْأِتيِهْم ( ؟‬
‫فهو محدث إليهم حين يأتيهم ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ) إن ال يحدث‬
‫لنبيه ما شاء وإن مما أحدث لنبيه أن ل تكلموا في الصلة ( فهل يكون‬
‫المعنى ‪ :‬إن ال يخلق لنبيه ما شاء ؟ بالطبع ل ‪ ،‬وإنما المراد أنه تعالى يشرع‬
‫من التشريع الجديد ما شاء وإن مما شرع أل تكلموا في الصلة ‪ ،‬فقوله‬
‫) محدث ( أي بالنسبة إلى لعباد أي جديد عليهم ‪ ،‬فيكون المعنى ‪ :‬أنه كلما‬
‫أتاهم ذكر جديد من ربهم أي نزل عليهم شيء جديد من القرآن استمعوه وهم‬
‫ساهون غافلون لعبون متشاغلون معرضون فليس المحدث هنا هو المخلوق‬
‫‪ ،‬قال أبو العباس قدس ال روحه ‪ ) :‬المحدث في الية ليس هو المخلوق‬
‫الذي يقوله الجهمي ولكنه الذي نزل جديدًا فإن ال كان ينزل القرآن شيئًا بعد‬
‫ل هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخرًا وكل ما تقدم على‬ ‫شيء ‪ ،‬فالمنزل أو ً‬
‫غيره فهو لغة العرب ( أ‪.‬هـ‬
‫ومن أدلتهم أيضًا ‪ :‬قوله تعالى في عيسى عليه الصلة والسلم ) ِإّنَما‬
‫ل َوَكِلَمُتُه َأْلَقاَها ِإَلى َمْرَيَم( )النساء‪ :‬من‬ ‫سوُل ا ِّ‬ ‫ن َمْرَيَم َر ُ‬ ‫سى اْب ُ‬‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬‫اْلَم ِ‬
‫سي ُ‬
‫ح‬ ‫سُمُه اْلَم ِ‬‫ك ِبَكِلَمٍة ِمْنُه ا ْ‬
‫شُر ِ‬‫ل ُيَب ّ‬
‫ن ا َّ‬ ‫الية ‪ (171‬وقال تعالى ) َيا َمْرَيُم ِإ ّ‬
‫ن َمْرَيَم ( )آل عمران‪ :‬من الية ‪ (45‬وعيسى مخلوق فتكون الكلمة‬ ‫سى اْب ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ِ‬
‫مخلوقة ‪ ،‬فقال أهل السنة ‪ :‬إن عيسى عليه الصلة والسلم ليس هو ) كن (‬
‫عْنَد الِّ َكَمَثِل آَدَم‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬‫ن َمَثَل ِ‬ ‫وإنما هو المكون بـ) كن ( كما قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن( )آل عمران‪ (59:‬وقال تعالى ) َقاَل ْ‬
‫ت‬ ‫ن َفَيُكو ُ‬‫ب ُثّم َقاَل َلُه ُك ْ‬ ‫ن ُتَرا ٍ‬‫خلََقُه ِم ْ‬
‫َ‬
‫شاُء ِإَذا‬
‫ق َما يَ َ‬ ‫خُل ُ‬
‫ل َي ْ‬
‫ك ا ُّ‬‫شٌر َقالَ َكَذِل ِ‬‫سِني َب َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ِلي َوَلٌد َوَلْم َيْم َ‬ ‫ب َأّنى َيُكو ُ‬ ‫َر ّ‬
‫‪252‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ن( )آل عمران‪ (47:‬فكلمة ال هي قوله‬ ‫ن َفَيُكو ُ‬


‫ضى َأْمرًا َفِإّنَما َيُقوُل َلُه ُك ْ‬
‫َق َ‬
‫) كن ( وهذه ليست هي عين عيسى عليه السلم حتى تكون هذه الكلمة‬
‫مخلوقه وإنما عيسى هو أثرها المقصود بقوله ) فيكون ( فعيسى عليه السلم‬
‫تكّون بـ ) كن ( وليس عين ) كن ( فالمعتزلة فهموا أن عيسى هو بعينه ) كن‬
‫( وهذا فهم بعيد عن الية ل تدل عليه أبدًا ‪ ،‬فعيسى عليه السلم مخلوق خلقه‬
‫ال بأمره حين قال له ) كن ( فتكّون بهذه الكلمة هذا ما فهمه السلف من الية‬
‫وفهمهم حجة على من بعدهم بل هذا هو عين المراد من الية وال أعلم ‪.‬‬
‫هذه هي مجمل حججهم وأنت ترى أنها مبنية على الفهم الخاطئ من بعض‬
‫اليات وال يهدي القلوب ويثبتنا على العتقاد الحق وهو أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /228‬ما لدليل على أن كلم ال تعالى بحرف ؟‬


‫ج‪ /‬الدليل على هذه المسألة أوضح من شمس النهار التي أحرقت وأعمت‬
‫عيون الخفافيش من المبتدعة ‪ ،‬أل ترى أن ال تعالى قال في القرآن ) الم ( و‬
‫) المص ( و ) كهيعص ( و‬
‫) حم * عسق ( فهل هذه إل حروف وهي كلم ال تعالى ‪ .‬وعن ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما قال ‪ :‬بينما جبريل عند النبي ال صلى ال عليه وسلم سمع‬
‫نقيضًا من فوقه فرفع رأسه فقال ) هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط‬
‫إل اليوم فنزل منه ملك ‪ ،‬فقال‪ :‬وهذا ملك نزل إلى الرض لم ينزل قط إل‬
‫اليوم ‪ ،‬فسلم وقال ‪ " :‬أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك ‪ ،‬فاتحة‬
‫الكتاب وخواتيم سورة البقرة ‪ ،‬لن تقرأ بحرف منها إل أعطيته ( ‪ ،‬والشاهد‬
‫منه قوله ) لن تقرأ بحرف منها ( فأطلق على الفاتحة وخواتيم سورة البقرة‬
‫ف‪.‬‬‫بأنها حروف وهي كلم ال فدل ذلك على أن كلمه جل وعل بحر ٍ‬
‫وعن عبدال بن مسعود رضي ال عنه قال ‪ ) :‬تعلموا القرآن فإنه يكتب بكل‬
‫ت ويكفر به عشر سيئات أما إني ل أقول ) الم ( ولكن‬ ‫حرف عشر حسنا ٍ‬
‫أقول ‪ :‬ألف عشر ولم عشر ‪ ،‬وميم عشر ( حديث صحيح موقوفًا لكن حكم‬
‫الرفع لن مثله ل يقال بالرأي ويروى مرفوعًا للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وفيه ) ل أقول " الم " حرف ولكن ألف حرف ولم حرف وميم حرف ( ‪،‬‬
‫وقال أبن عباس رضي ال عنه ) ما يمنع أحدكم إذا رجع من سوقه أو من‬
‫ف عشر حسنات ( وسنده‬ ‫حاجته إلى أهله أن يقرأ القرآن فيكون له بكل حر ٍ‬
‫‪253‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫جيد ولذلك قال أهل السنة ‪ :‬إن من كفر بحرف منه فقد كفر به كله ‪ ،‬فهذا‬
‫يفيدك أن كلم ال تعالى بحرف وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /229‬هل يصح أن يقال إن بعض القرآن أفضل من بعض ؟ وضح ذلك‬


‫بالدلة ؟‬
‫ج‪ /‬هذا السؤال مجمل وقد تقرر في أجوبة كثيرة أن اللفظ المجمل يحتاج إلى‬
‫تفصيل فنقول ‪ :‬ل يتفاضل باعتبار المتكلم به ‪ ،‬لن المتكلم به هو ال تعالى ‪،‬‬
‫فالقرآن كله حروفه ومعانيه من ال تعالى ‪ ،‬من الفاتحة إلى الناس فالمتكلم به‬
‫واحد ‪ ،‬فهو بهذا العتبار ل يتفاضل لن التفاضل إنما يكون بين شيئين أو‬
‫أكثر فيقال ‪ :‬هذا أفضل من هذا ‪ ،‬والذي تكلم بالقرآن هو ال تعالى وهو واحد‬
‫في ذاته وصفاته جل وعل ‪ ،‬وإن كان المقصود بالتفاضل أي باعتبار دللة‬
‫الكلم وما يحمله من المعاني العظيمة فهو بهذا العتبار يتفاضل ‪ ،‬فإذًا‬
‫نقول ‪ :‬هنا اعتباران ‪ :‬فأما باعتبار المتكلم به فل تفاضل وأما باعتبار دللته‬
‫ومعانيه فإنه يتفاضل وعلى ذلك وردت الدلة ‪ ،‬فقد روى النسائي من حديث‬
‫س رضي ال عنه قال ‪ ) :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم في مسيٍر له‬ ‫أن ٍ‬
‫فنزل‪ ،‬ونزل رجل إلى جانبه فالتفت إليه النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أل‬
‫ن ( )الفاتحة‪:‬‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬‫حْمُد ِّ‬ ‫أخبرك بأفضل القرآن ؟ قال فتل عليه ) اْل َ‬
‫‪ (2‬وسنده صحيح ‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد بن المعلى رضي ال عنه قال ‪ :‬كنت أصلي في المسجد‬
‫فدعاني رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم أجبه فقلت يا رسول ال إني كنت‬
‫عاُكم (‬‫سوِل ِإَذا َد َ‬‫ل َوِللّر ُ‬
‫جيُبوا ِّ‬ ‫سَت ِ‬
‫أصلي ‪ ،‬فقال‪ :‬ألم يقل ال تعالى ) ا ْ‬
‫)لنفال‪ :‬من الية ‪ ))(24‬ثم قال لي لعلمنك سورة هي أعظم السور في‬
‫القرآن قبل أن تخرج من المسجد) ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له ‪:‬‬
‫ل َر ّ‬
‫ب‬ ‫حْمُد ِّ‬‫ألم تقل ) لعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ فقال )اْل َ‬
‫ن ( هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته (( رواه البخاري‬ ‫اْلَعاَلِمي َ‬
‫ي بن كعب رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬ ‫وغيره ‪ ،‬وعن أب ّ‬
‫ي آية من كتاب ال معك أعظم ؟ قال ‪ :‬قلت‬ ‫عليه وسلم ) يا أبا المنذر أتدري أ ّ‬
‫ي آية من كتاب ال معك أعظم‬ ‫ال ورسوله أعلم ‪ ،‬قال يا أبا المنذر أتدري أ ّ‬
‫‪254‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫قال قلت ‪ ) :‬ال ل إله إل هو الحي القيوم ( قال فضرب في صدري وقال "‬
‫وال ليهنك العلم أبا المنذر " رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬وعن أبي سعيد‬
‫ل يقرأ ) قل هو ال أحد ( يرددها‬ ‫ل سمع رج ً‬ ‫الخدري رضي ال عنه أن رج ً‬
‫فلما أصبح جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن‬
‫الرجل يتقالها ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها‬
‫لتعدل ثلث القرآن( رواه البخاري وغيره ‪ ،‬وقال الشيخ تقي الدين ‪:‬‬
‫والصواب الذي عليه جمهور السلف والئمة أن بعض كلم ال أفضل من‬
‫بعض كما دل عليه الشرع والعقل أهـ‬
‫وهو ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /230‬ما مذهب أهل السنة في صفة الستواء مع بيانها بالدليل ؟ وهل‬


‫هو من صفات الذات أم الفعل ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة رحمهم ال تعالى أن ال تعالى استوى على عرشه‬
‫ش(‬‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫سَتَوى َ‬ ‫استواًء يليق بجلله وعظمته ‪ ,‬قال تعالى ) ُثّم ا ْ‬
‫سَتَوى( )طـه‪ (5:‬وقد‬ ‫شا ْ‬ ‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫ن َ‬‫حَم ُ‬ ‫)الرعد‪ :‬من الية ‪ (2‬وقال ) الّر ْ‬
‫ورد إثبات ذلك ل تعالى في سبع آيات من القرآن جمعها الناظم بقوله ‪:‬‬
‫وبطه والعراف والفرقان‬ ‫في السجدة الرعد الحديد ويونس‬
‫ت َواَْلْرضَ َوَما‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫خَلقَ ال ّ‬ ‫ل اّلِذي َ‬ ‫قال تعالى في سورة السجدة ‪ ) :‬ا ُّ‬
‫ش( )السجدة‪ :‬من الية ‪ (4‬وقال‬ ‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫سَتَوى َ‬ ‫سّتِة َأّياٍم ُثّم ا ْ‬
‫َبْيَنُهَما ِفي ِ‬
‫عَمٍد َتَرْوَنَها ُثّم‬
‫ت ِبَغْيِر َ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ل اّلِذي َرَفَع ال ّ‬ ‫تعالى في سورة الرعد ‪ ) :‬ا ُّ‬
‫ش ( )الرعد‪ :‬من الية ‪ (2‬وقال تعالى في سورة الحديد ‪:‬‬ ‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫اسَْتَوى َ‬
‫ش(‬‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫سَتَوى َ‬ ‫سّتةِ َأّياٍم ُثّم ا ْ‬‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالَْْر َ‬ ‫سَماَوا ِ‬‫ق ال ّ‬ ‫خَل َ‬‫) هَُو اّلِذي َ‬
‫ل اّلِذي‬ ‫ن َرّبُكُم ا ُّ‬
‫)الحديد‪ :‬من الية ‪ (4‬وقال تعالى في سورة العراف ‪ِ ) :‬إ ّ‬
‫ش ( )لعراف‪:‬‬ ‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫سَتَوى َ‬ ‫سّتِة َأّياٍم ُثّم ا ْ‬
‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالَْْر َ‬ ‫سَماَوا ِ‬
‫ق ال ّ‬‫خَل َ‬
‫َ‬
‫سَتَوى(‬ ‫شا ْ‬‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حَم ُ‬
‫من الية ‪ (54‬وقال تعالى في سورة طه ‪ ) :‬الّر ْ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ت‬ ‫ق ال ّ‬‫خَل َ‬‫ل اّلِذي َ‬ ‫ن َرّبُكُم ا ُّ‬ ‫)طـه‪ (5:‬وقال تعالى في سورة يونس ‪ِ ) :‬إ ّ‬
‫‪255‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ش( )يونس‪ :‬من الية ‪ (3‬وقال‬ ‫عَلى اْلَعْر ِ‬‫سَتَوى َ‬‫سّتِة َأّياٍم ُثّم ا ْ‬
‫ض ِفي ِ‬ ‫َوالَْْر َ‬
‫ض َوَما َبْيَنُهَما ِفي‬
‫ت َواَْلْر َ‬
‫سَماَوا ِ‬‫ق ال ّ‬
‫خَل َ‬
‫تعالى في سورة الفرقان ‪ ) :‬اّلِذي َ‬
‫خِبيرًا ( )الفرقان‪(59:‬‬ ‫سَأْل ِبِه َ‬
‫ن َفا ْ‬
‫حَم ُ‬
‫ش الّر ْ‬
‫عَلى اْلَعْر ِ‬‫سَتَوى َ‬ ‫ستِّة َأّياٍم ُثّم ا ْ‬
‫ِ‬
‫وقد أجمع أهل السنة رحمهم ال تعالى على إثبات هذه الصفة وأنه استواء‬
‫حقيقة على ما يليق بجلله وعظمته ‪ ،‬تعالى ال وتقدس على مماثلة خلقه في‬
‫شيء من صفاته جل وعل ‪ ،‬والستواء من الصفات الفعلية ‪ .‬وهذا ما نعتقده‬
‫بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /231‬ما معاني الستواء في لغة العرب ؟ مع تأييدها بالدليل ؟‬


‫ج‪ /‬الستواء يختلف معناه في اللغة باختلف وروده مطلقًا أو متعد ً‬
‫ي‬
‫بحرف ‪ ،‬فإن ورد مطلقًا فيكون بمعنى النضج والكمال ومنه قوله تعالى )‬
‫عْلمًا ( )يوسف‪ :‬من الية ‪ (22‬أي لما بلغ‬ ‫حْكمًا َو ِ‬‫شّدُه آَتْيَناُه ُ‬
‫َوَلّما َبَلَغ َأ ُ‬
‫كماله وتمامه ‪ ،‬وإذا ورد مقيدًا بـ) إلى ( فيكون معناه القصد بإرادة تامة ومنه‬
‫ن ( )فصلت‪ :‬من الية ‪(11‬‬ ‫خا ٌ‬
‫ي ُد َ‬
‫سَماِء َوِه َ‬
‫سَتَوى ِإَلى ال ّ‬
‫قوله تعالى ) ُثّم ا ْ‬
‫أي قصدها بالرادة التامة ‪.‬‬
‫وإذا ورد مقيدًا بالواو فهو بمعنى المساواة ومنه قول العرب ‪ :‬استوى الماء‬
‫والخشية أي ساواها ‪ ،‬وقول البعض استوى محمد وبكر في العلم ‪ ،‬أي‬
‫تساويا في العلم ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫وإذا ورد مقيدًا بـ) على ( فإنه يكون بمعنى العلو والستقرار والفوقية ومنه‬
‫اليات السبع المذكورة في إجابة السؤال السابق فاستواء ال تعالى على‬
‫عرشه معلوم معناه في اللغة لكنه مجهول الكيف واليمان به واجب والسؤال‬
‫عنه بدعة وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /232‬ما العلة في إنكار كثير من الفرق لهذه الصفة مع ثبوتها بالدلة‬


‫الصحيحة الصريحة المتواترة ؟‬
‫ج‪ /‬العلة في ذلك أنهم مثلوا استواء ال على عرشه باستواء المخلوق على‬
‫كرسيه أو على ظهر الفلك والدابة فاستوجب لهم ذلك لوازم باطلة فأرادوا أن‬
‫يفروا منها ‪ ،‬فلزم عليهم أن ال محتاج إلى العرش وأنه يكون محيطًا به وأنه‬
‫لو أبعد العرش لخر الرب كذا قالوا بكل وقاحة وقلة أدب ‪ ،‬فلم يجدوا إل أن‬
‫‪256‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫يحرفوا هذه الصفة بالستيلء ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬معنى استوى استولى ‪ ،‬وهذا تحريف‬
‫للكلم عن مواضعه ويلزم منه أن العرش كان مملوكًا لغيره جل وعل ثم‬
‫استولى عليه ‪ ،‬وهو مخالف لدللة اللغة ومخالف لمنهج السلف والدهى‬
‫والمر أنهم يحرفون نصوص الستواء ويخرجونها عن دللتها لبيت من‬
‫الشعر ل يعرف قائله كل ذلك سببه لنهم مثلوا استواء ال على عرشه‬
‫باستواء المخلوق على ظهور الفلك والرواحل ولو أنهم قالوا بما قال به أهل‬
‫السنة لما لزم عليهم هذه اللوازم الباطلة التي بنيت على باطل ‪ ،‬فالقوم‬
‫ل إلى باطل نعوذ بال من حال أهل الهواء والبدع وال‬ ‫يتقلبون من باط ٍ‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /233‬ما مذهب أهل السنة في صفة العلو إجماًل ؟ وهل هو صفة ذا ٍ‬


‫ت‬
‫أم فعل ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة اعتقادا جازمًا ل ريب فيه أن ال تعالى في العلو المطلق‬
‫ل وأبدًا ‪ ،‬وهذه‬
‫بذاته جل وعل وأنه من صفاته الذاتية التي ل تنفك عنه أز ً‬
‫الصفة من الصفات التي أشتد فيها خلف أهل القبلة من أمة الجابة أفردها‬
‫بعض أهل السنة بمؤلفات خاصة ككتاب العلو للعلي الغفار للمام الذهبي ‪،‬‬
‫واجتماع الجيوش السلمية للمام ابن القيم وغيرها من الكتب فال تعالى له‬
‫العلو المطلق في ذاته وصفاته ‪ ،‬ونعني بعلو الصفات أن كل صفة أثبتها‬
‫النص له جل وعل فله كمالها المطلق جل وعل ‪ ،‬فالعلو بكل اعتباراته ثابت‬
‫ل تعالى وهو من صفاته الذاتية وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /234‬ما أوجه دللة النقل على إثبات هذه الصفة العظيمة ؟‬


‫ج‪ /‬لقد تنوعت دللة النقل على إثبات هذه الصفة تنوعًا ل يدع لدى العاقل‬
‫أدنى مجال للشك في أن ال تعالى متصف بها ول يخالف في إثباتها إل‬
‫أعمى القلب أعمى البصر ‪..‬‬
‫ظيُم (‬
‫ي اْلَع ِ‬
‫فمن الوجه ‪ :‬التصريح بها كقوله تعالى ) َوُهَو اْلَعِل ّ‬
‫عَلى ( )العلى‪(1:‬‬ ‫ك اَْل ْ‬
‫سَم َرّب َ‬
‫حا ْ‬
‫سّب ِ‬
‫)الشورى‪ :‬من الية ‪ (4‬وقوله تعالى ) َ‬
‫‪257‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ن‬
‫ن َرّبُهْم ِم ْ‬ ‫خاُفو َ‬‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بالفوقية لقوله تعالى ) َي َ‬
‫ل َفْو َ‬
‫ق‬ ‫ن ( )النحل‪ (50:‬وقال تعالى ) يَُد ا ِّ‬ ‫ن َما ُيْؤَمُرو َ‬ ‫َفْوِقِهْم َوَيْفَعُلو َ‬
‫َأْيِديِهْم ( )الفتح‪ :‬من الية ‪ (10‬وفي الحديث ) لقد حكمت فيكم بحكم ال‬
‫من فوق سبع سماوات (‬
‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بأن الشياء تنزل من عنده ‪ ،‬كقوله تعالى‬
‫ن( )الحجر‪ (9:‬وقوله تعالى ) َوَنّزْلَنا‬ ‫ظو َ‬‫حاِف ُ‬‫ن َنّزْلَنا الّذْكَر َوِإّنا َلُه َل َ‬
‫حُ‬ ‫) ِإّنا َن ْ‬
‫يء( )النحل‪ :‬من الية ‪ (89‬واليات في هذا المعنى‬ ‫ش ْ‬‫ب ِتْبَيانًا ِلُكّل َ‬ ‫ك اْلِكَتا َ‬
‫عَلْي َ‬
‫َ‬
‫كثيرة ‪.‬‬
‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بصعود الشياء ورفعها إليه كقوله تعالى‬
‫ح َيْرَفُعُه( )فاطر‪ :‬من الية ‪(10‬‬ ‫صاِل ُ‬‫ب َواْلَعَمُل ال ّ‬ ‫طّي ُ‬ ‫صَعُد اْلَكِلُم ال ّ‬
‫) ِإَلْيِه َي ْ‬
‫ل ِإَلْيِه ( )النساء‪ :‬من الية ‪(158‬‬ ‫وقوله تعالى عن عيسى ) َبْل َرَفَعُه ا ُّ‬
‫وكحديث عروجه صلى ال عليه وسلم الطويل إلى السماء السابعة وفرض‬
‫الصلة عليه هناك ‪.‬‬
‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بعروج الملئكة والمر إليه كقوله تعالى‬
‫سَنٍة(‬
‫ف َ‬ ‫ن َأْل َ‬ ‫سي َ‬‫خْم ِ‬ ‫ن مِْقَداُرُه َ‬ ‫ح ِإَلْيِه ِفي َيْوٍم َكا َ‬ ‫ج اْلَملِئَكُة َوالّرو ُ‬ ‫) تَْعُر ُ‬
‫ض ُثّم َيْعُر ُ‬
‫ج‬ ‫سَماِء ِإَلى اَْلْر ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫)المعارج‪ (4:‬وقوله تعالى ) ُيَدّبُر الَْْمَر ِم َ‬
‫ن( )السجدة‪ (5:‬ول تعرج إل‬ ‫سَنٍة ِمّما َتُعّدو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ِمْقَداُرُه َأْل َ‬ ‫ِإَلْيِه ِفي َيْوٍم َكا َ‬
‫لمن كان في العلو ‪.‬‬
‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بأنه استوى على العرش ‪ ،‬والعرش هو سقف‬
‫المخلوقات وأعلها كما في اليات التي سقناها في إثبات صفة الستواء ‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بأنه في السماء كقوله تعالى ) َأَأِمْنُتْم َم ْ‬
‫ن‬
‫سَماِء َأ ْ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫ي َتُموُر * َأْم َأِمْنُتْم َم ْ‬ ‫ض َفِإَذا ِه َ‬‫ف ِبُكُم الَْْر َ‬ ‫س َ‬ ‫خ ِ‬‫ن َي ْ‬
‫سَماِء َأ ْ‬‫ال ّ‬
‫ف َنِذيِر( ) الملك ‪16:‬ـ ‪ (17‬وكقول‬ ‫ن َكْي َ‬ ‫سَتْعَلُمو َ‬ ‫صبًا َف َ‬
‫حا ِ‬ ‫عَلْيُكْم َ‬
‫سَل َ‬ ‫ُيْر ِ‬
‫الجارية ) في السماء ( وأقرأها النبي صلى ال عليه وسلم وشهد لها‬
‫باليمان ‪.‬‬
‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بأنه ترفع إليه اليدي في الدعاء كحديث ) إن‬
‫ال تعالى يستحي من عبده إذا رفع اليدين أن يردهما صفرًا ( ول ترفع إل‬
‫لمن كان في العلو ‪.‬‬
‫‪258‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ومن الوجه ‪ :‬التصريح بأنه ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل‬
‫الخر كما سيأتي سياقه في الحاديث إن شاء ال تعالى ‪ ،‬ول ينزل إل من‬
‫كان في العلو ‪.‬‬
‫ومن الوجه ‪ :‬الشارة الحسيه إليه إلى العلو كما أشار إليه من هو‬
‫أعلم بربه وما يجب له ويمتنع عليه من جميع البشر لما كان بالمجمع العظم‬
‫الذي لم يجتمع لحد مثله في اليوم العظم قال لهم ‪ :‬إنكم مسؤولون فماذا أنتم‬
‫قائلون ؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فرفع إصبعه الكريمة إلى‬
‫ل اللهم اشهد اللهم اشهد ( وغير ذلك من الوجه ‪،‬‬ ‫السماء وينكبها إليهم قائ ً‬
‫فإنها تدل دللة قطعية على إثبات هذه الصفة ل تعالى ‪ ،‬ل كما يقوله‬
‫المعطلون الجاحدون المخالفون للمنقول والمناقضون للمعقول وفي صحيح‬
‫البخاري عن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬كانت زينب تفتخر على أزواج النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وتقول ‪ :‬زوجكن أهاليكن وزوجني ال من فوق سبع‬
‫سماوات ( وفي الصحيح من حديث أبي هريرة ) لما خلق ال الخلق كتب‬
‫كتابًا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي( وقال عليه الصلة‬
‫والسلم في رقية المريض ) ربنا ال الذي في السماء تقدس أسمك أمرك في‬
‫السماء والرض كما رحمتك في السماء أنزل رحمتك في الرض اغفر لنا‬
‫حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك‬
‫على هذا الوجع ( رواه أبو داود في كتاب الطب ‪.‬‬
‫وفي الصحيح أنه صلى ال عليه وسلم قال ) أل تأمنوني وأنا أمين من في‬
‫السماء ( وفي الصحيح من حديث عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم قبل‬
‫وفاته ) رفع يده أو إصبعه إلى السماء وقال " في الرفيق العلى ثلثًا ثم‬
‫قضى " والدلة من السنة على هذه الصفة ل تكاد تحصر ‪ ،‬فراجع الكتب‬
‫التي ذكرت لك للستزادة من البراهين الساطعة ليزداد اطمئنان قلبك وتكون‬
‫على نور وبصيرة وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /235‬هل دل العقل والفطرة على إثبات هذه الصفة ؟‬


‫ج‪ /‬نعم ‪ ،‬قد دل الدليل العقلي والفطري على إثبات هذه الصفة ‪ ،‬فأما الدليل‬
‫الفطري فإن من المتقرر في الفطر السليمة التي لم تتلوث بعض أهل الكلم ‪،‬‬
‫أن ال تعالى في العلو ‪ ،‬فإن من قام بقلبه حاجة وحلت عليه ضرورة وأراد‬
‫‪259‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫أن يدعو ال تعالى بكشف حاجته وما به من ضر ‪ ،‬قلبه ل يتجه إلى أسفل‬
‫ول إلى اليمين ول الشمال ول إلى الخلف بل يجد في قلبه ضرورة طلب‬
‫جهة العلو ولذلك نجده من حيث يشعر أو ل يشعر يتجه ببصره ورأسه ويديه‬
‫إلى السماء لن فطرته تعلم جزمًا أن مفرج الكربات وقاضي الحاجات‬
‫ومغيث اللهفات في العلو ‪ ,‬ول عبرة بمن تلوثت فطرته وأفسدت بالشبهات‬
‫التي يمليها شياطين النس والجن ‪ ,‬فهذا أمر ل تنكره الفطرة بل قد‬
‫استقرأوها عليه وأما دللة العقل فمن‬
‫وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن ضد العلو السفل أو المحاذاة والسفل نقص والمحاذاة توجب‬
‫المساواة وهي نقص في حق ال تعالى وال منزه عن النقص فحيث انتفى‬
‫السفل والمحايثة ثبت العلو وهو المطلوب ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن البشر يستشرفون أن يكونوا في العلو لعلمهم أنها كمال‬
‫ولذلك تجد عليه القوم من الملوك والمراء يعلون بنيانهم ويكونون في‬
‫أعله ‪ ،‬ويتشرف أحدهم إذا أجتمع رعيته في الشوارع أن يشرف عليهم من‬
‫أعل شرفات قصره ليكلمهم ويأمرهم و ينهاهم ول المثل العلى فهو ملك‬
‫ل في‬‫الملوك وجبار السماوات والرض العلي العلى ‪ ،‬فحيث كان ذلك كما ً‬
‫ل ثبت للمخلوق ل نقص فيه‬ ‫المخلوق فالخالق أحق أن يتصف به لن كل كما ٍ‬
‫فال أحق بالتصاف به وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /236‬ما مذهب أهل السنة في صفة المعية مع بيان أقسامها ‪ ،‬موضحًا‬


‫ذلك بالدلة ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة والجماعة رحمهم ال تعالى أن ال جل وعل مع خلقه‬
‫معية تليق بجلله وعظمته ‪ ،‬وأنها قسمان ‪:‬‬
‫معية عامة ومعية خاصة ‪ ،‬فالمعية العامة من مقتضياتها العلم والحاطة‬
‫والهيمنة والقدرة والتدبر ‪ ،‬والمعية الخاصة من مقتضياتها الحفظ والنصر‬
‫ن َما ُكْنُتْم ( )الحديد‪:‬‬ ‫والتأييد ‪ ،‬فمن أدلة العامة قوله تعالى ) َوُهَو َمَعُكْم َأْي َ‬
‫جَوى َثلَثٍة ِإّل ُهَو َراِبُعُهْم َول‬ ‫ن َن ْ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫من الية ‪ (4‬وقوله تعالى ) َما َيُكو ُ‬
‫ن َما‬
‫ك َول َأْكَثَر ِإّل ُهَو َمَعُهْم َأْي َ‬ ‫ن َذِل َ‬
‫سُهْم َول َأْدَنى ِم ْ‬
‫ساِد ُ‬
‫سٍة ِإلّ ُهَو َ‬
‫خْم َ‬
‫َ‬
‫َكاُنوا ( )المجادلة‪ :‬من الية ‪ "" (7‬وأما الخاصة فمن أدلتها قوله تعالى ) ل‬
‫‪260‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫سَمُع‬‫ل َمَعَنا ( )التوبة‪ :‬من الية ‪ (40‬وقوله تعالى ) ِإّنِني َمَعُكَما َأ ْ‬ ‫ن ا َّ‬‫ن ِإ ّ‬
‫حَز ْ‬‫َت ْ‬
‫ل َفاْذَهَبا ِبآياِتَنا ِإّنا َمَعُكْم‬‫َوَأَرى ( )طـه‪ :‬من الية ‪ (46‬وقوله تعالى ) َقاَل َك ّ‬
‫ن ( )الشعراء‪ (15:‬وهذه معية خاصة مخصوصة بشخص ‪ ،‬ومنه‬ ‫سَتِمُعو َ‬ ‫ُم ْ‬
‫ن‬
‫ن اّتَقْوا َواّلِذي َ‬ ‫ل َمَع اّلِذي َ‬‫ن ا َّ‬‫المعية الخاصة المقيدة بوصف كقوله تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن ( )النحل‪(128:‬‬ ‫سُنو َ‬‫ح ِ‬‫ُهْم ُم ْ‬
‫ن ( )لنفال‪ :‬من الية ‪(46‬‬ ‫صاِبِري َ‬
‫ل َمَع ال ّ‬‫ن ا َّ‬
‫صِبُروا ِإ ّ‬
‫وقوله تعالى ) َوا ْ‬
‫وأمثال ذلك ‪ ،‬وكلها حق على حقيقتها على ما يليق بجلله وعظمته ‪ ،‬وتفسير‬
‫السلف رحمهم ال تعالى للمعية العامة بالعلم والحاطة والهيمنة والتدبر‬
‫وتفسيرهم للخاصة بالنصر والتأييد والحفظ ليس تفسيرًا بالحد الجامع المانع‬
‫وإنما هو تفسير للشيء ببعض مقتضياته ‪ ،‬وإل فالقول الجامع في هذه الصفة‬
‫أن يقال ‪ :‬أن من صفاته المعية فنحن نثبتها ل تعالى من غير تمثيل ول‬
‫يٌء َوُهَو‬ ‫ش ْ‬‫س َكِمْثِلِه َ‬ ‫تكييف ومن غير تحريف ول تعطيل لن ال تعالى ) َلْي َ‬
‫صيُر( )الشورى‪ :‬من الية ‪ (11‬فبان ذلك أن معية ال لخلقه ثابتة‬ ‫السِّميُع اْلَب ِ‬
‫بالكتاب والسنة وإجماع السلف ‪ ،‬أنها حق على حقيقتها لكنها معية تليق‬
‫بجلله وعظمته ول تشبه معية المخلوق للمخلوق وأنها ل تقتضي أن يكون‬
‫ل في أمكنتهم وال أعلم‪.‬‬ ‫ال تعالى مختلطًا بالخلق أو حا ً‬

‫س ‪ /237‬هل هناك تعارض بين كونه تعالى فوق عرشه في العلو المطلق‬
‫وأنه معنا ؟ وضح الجواب ؟‬
‫ج‪ /‬ل تعارض في ذلك البتة ‪ ،‬لكن احذر من أن ينقدح في ذهنك مماثلة ال‬
‫في صفاته بخلقه فإنه ل يتعارض إل في ذهن من جعل صفات الباري‬
‫وقدرته كصفات خلقه وقدرتهم وأما من قّدر ال حق قدره وعلم علم اليقين‬
‫أنه ليس كمثله شيء فإنه أبدًا ل يمكن أن يثور في شيء من هذه الشكالت‬
‫الباردة التي يوردها نفاة السماء والصفات ‪ ،‬وقد جمع العلماء بين ذلك فقالوا‬
‫‪ :‬الجمع بين ذلك من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الدلة جمعت بينهما والدلة ل يمكن أن تأتي بالمحال أبدًا ‪،‬‬
‫فهي وإن أتت أحيانًا بما يحار فيه العقل لكنها ل تأتي أبدًا بما يتعارض مع‬
‫العقول السليمة من الفات‬
‫الدخيلة ‪.‬‬
‫‪261‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الثاني ‪ :‬أن العلو والمعية قد يجتمعان في حق المخلوق الضعيف‬


‫والعاجز ‪ ،‬فإن العرب تقول في أسفارها ‪ :‬مازلنا نسير والقمر معنا ‪ ،‬والقمر‬
‫في العلو ومع ذلك يقولون إنه معنا ‪,‬فإذا كان ذلك متصورًا في حق المخلوق‬
‫ل في حق الخالق القادر القوي من كل وجه ؟‬ ‫العاجز الضعيف ‪ ،‬أفيكون محا ً‬
‫ل أنه ممتنع في حق المخلوق ‪ ،‬فإن امتناعه في حق‬ ‫الثالث ‪ :‬سلمنا جد ً‬
‫المخلوق ل يلزم منه امتناعه في حق الخالق ليس كمثله شيء في ذاته ول في‬
‫صفاته ول في أفعاله ‪ ،‬وهو العلي في قربه ودنوه والقريب في علوه وفوقيته‬
‫جل وعل ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /238‬هل تجوز الشارة الحسية عند ذكر شيء من صفات ال تعالى ؟‬


‫وضح ذلك بالدليل ؟‬
‫ج‪ /‬ل يخلو المر من حالتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬إن أريد بهذه الشارة عين المماثلة فهي حرام ‪ ،‬لن المتقرر‬
‫عند أهل السنة والجماعة أننا ل نعلم كيفية صفات ال تعالى ‪ ،‬وأن ال ليس‬
‫كمثله شيء ولم يكن له كفوًا أحد وليس له سمي ول ند ول نضير ‪ ،‬فإذا كان‬
‫مقصود صاحب هذه الشارة أن هذا هو عين كيفية صفة ال تعالى فهو حرام‬
‫ول شك في ذلك ‪ ،‬وأما إن كان يقصد بذلك إرادة تحقيق إثبات الصفة ل‬
‫تعالى فهذا ل بأس به ‪ ،‬لكن من الحسن تركه سدًا لذريعة انقداح المماثلة‬
‫وخصوصًا عند العوام الذين يخشى عليهم من ذلك والدليل على جوازه ما‬
‫رواه أبو داود في سننه بسند قوي على شرط مسلم من حديث أبي هريرة‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ قوله تعالى )‬
‫س َأ ْ‬
‫ن‬ ‫ن الّنا ِ‬
‫حَكْمُتْم َبْي َ‬
‫ت ِإَلى َأْهِلَها َوِإَذا َ‬ ‫ن ُتَؤّدوا الََْماَنا ِ‬‫ل َيْأُمُرُكْم َأ ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫ِإ ّ‬
‫صيرًا ( )النساء‪:‬‬ ‫سِميعًا َب ِ‬ ‫ن َ‬‫ل َكا َ‬ ‫ن ا َّ‬‫ظُكْم ِبِه ِإ ّ‬
‫ل ِنِعّما َيِع ُ‬
‫ن ا َّ‬
‫حُكُموا ِباْلَعْدِل ِإ ّ‬‫َت ْ‬
‫‪ (58‬ويضع إصبعه ‪ ،‬قال يونس ووضع أبو هريرة إبهامه على أذنه والتي‬
‫تليها على عينه قال البيهقي رحمه ال تعالى ‪ ):‬وأراد بهذه الشارة تحقيق‬
‫إثبات السمع والبصر ل تعالى لبيان محلهما من النسان ( إ‪.‬هـ‬
‫وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال وهو على المنبر ) يقبض ال سمواته فيأخذهن بيمينه‬
‫ويقبض الرضين ويأخذهن بيده الخرى ثم يهزهن ويقول أنا الملك ‪ ،‬فقبض‬
‫‪262‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم ويهزهما فأهتز أصل المنبر حتى أني أقول أساقط‬
‫هو برسول ال صلى ال عليه وسلم وهذه الرادة حقيقة الهز ل أن الهز‬
‫كالهز أي كما أن هذا هو الهز الصادر مني على وجه الحقيقة فأنا أريد حقيقة‬
‫الهز الصادر من ال تعالى على وجه الحقيقة ولكن على الكيفية التي ل‬
‫يعلمها إل ال تعالى وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /239‬ما مذهب أهل السنة في صفة النزول مع بيان ذلك بالدليل ؟‬


‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة والجماعة أن ال جل وعل ينزل في ثلث الليل الخر‬
‫ل يليق بجلله وعظمته وأنه من الصفات الفعلية وقد تواتر الدليل من‬
‫نزو ً‬
‫السنة بإثباته فعن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ ):‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ينزل ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخر‬
‫فيقول من يسألني فأعطيه من يدعوني فأستجيب له من يستغفرني فأغفر له (‬
‫وقد روى هذا الحديث عدة من الصحابة منهم أبو سعيد الخدري وجابر بن‬
‫عبدال ورفاعة بن عرابه الجهني وجبير بن مطعم وعثمان بن أبي العاص‬
‫وأبي الدرداء وعلي بن أبي طالب وعبدال بن مسعود وأبن عباس وأم‬
‫المؤمنين عائشة وأم سلمة وعبادة بن الصامت وغيرهم رضي ال عنهم‬
‫وأرضاهم بألفاظ مختلفة لكنها متفقة في إثبات صفة النزول ل تعالى فيجب‬
‫اليمان بها وتفويض كيفيتها إلى ال عز وجل‬
‫قال الناظم ‪:‬‬
‫نحو السماء إذا مضى الثلثان‬ ‫وال ينـزل دون كيف يا فتى‬
‫هل من منيب طالب الغفران‬ ‫فيقول هل من سائل فأجيبه‬

‫وعلى إثباتها أجمع أهل السنة والجماعة فنثبتها ل جل وعل من غير تحريف‬
‫ول تمثيل ول تكييف ول تعطيل ونقول أن ال ليس كمثله شيء وهو السميع‬
‫البصير‪.‬‬

‫س ‪ /240‬ماذا قال أهل البدعة في هذه الصفة ؟ مع بيان الجواب على‬


‫ذلك ؟‬
‫‪263‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ج‪ /‬المبتدعة أبعدهم ال تعالى قد أبت نفوسهم قبول وصف ال تعالى بهذه‬
‫الصفة ورأوا بأفهامهم الفاسدة وعقولهم الكاسدة أن إثبات ذلك ل تعالى‬
‫يوجب اتصافه بالنقص ففروا من إثباتها إلى تحريفها وتعطيلها فقالوا ‪ :‬إن‬
‫إضافة النزول إلى ال تعالى إضافة مجازية ل حقيقة وإنما الذي ينزل أمره‬
‫أو رحمته أو ملك من الملئكة ‪ ،‬وأما ال تعالى فإنه منزه عن النـزول ‪ ،‬وهذا‬
‫هو شأنهم في سائر الصفات التي ل تتوافق مع مذاهبهم وعقولهم ‪ ,‬فقال أهل‬
‫السنة جوابنا على ما قلتموه من عدة أجوبة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن فهمكم هذا مخالف لما فهمه السلف وأجمعوا عليه فهو‬
‫باطل لنه مخالف للحق وما خالف الحق فهو باطل ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه صرف للفظ عن دللته الظاهرة إلى شيء آخر بل دليل أو‬
‫قرينة صارفة وقد تقرر أن الصل هو البقاء على الصل والظاهر حتى يرد‬
‫الناقل ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنكم جعلتم في الكلم شيئًا محذوفًا والصل عدم الحذف ‪،‬‬
‫وعدم التقدير‪ ،‬ومخالف الصل عليه الدليل ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن أمر ال ورحمته نازلة بالليل والنهار فلم قيدتم نزولهما في‬
‫هذا الوقت فقط ؟ إن هي إل أهواء أتبعتموها أنتم وأسلفكم ما نزل ال بها‬
‫من سلطان ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬هل يتصور بال عليكم أن يقول المر والرحمة والملك ‪،‬‬
‫من يسألني فأعطيه من يدعوني فأستجيب له من يستغفر فأغفر له ‪ ،‬فهل‬
‫يمكن أن يصدر هذا الكلم من أحٍد إل ال عز وجل ‪ ،‬فهو الذي يعطي‬
‫ل لم يفكروا بعقولهم‬ ‫السائلين ويجيب الداعين ويغفر للمستغفرين فالقوم أص ً‬
‫في عواقب تحريفهم هذا وإنما همهم كيف الفرار من إثبات هذه الصفة فقط‬
‫فوقعوا فيما وقعوا فيه بسبب ذلك وال أعلم ‪.‬‬
‫سَماِء( )الملك‪:‬‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫س ‪ /341‬قد يتوهم البعض في قوله تعالى ) َأَأِمْنُتْم َم ْ‬
‫من الية ‪ (16‬وما شابهها وقول الجارية لما سئلت أين ال قالت ) في‬
‫السماء ( أن ال تعالى داخل السماء أي أنها تقّلُه أو تظله ؟ فما الجواب‬
‫لزالة ذلك اليهام ؟‬
‫‪264‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ج‪ /‬أقول هذا الوهم ل يرد إل في ذهن من لم يقدر ال تعالى حق قدره ولم‬
‫يعرف أنه تعالى العظيم في ذاته وصفاته وأفعاله ‪ ،‬ومع ذلك فقد كشف أهل‬
‫السنة النقاب عن هذا الوارد فقالوا جوابنا من وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن حرف ) في ( في الية والحديث ل يراد به الظرفية وإنما‬
‫يقصد به أنه بمعنى ) على ( ومصداق ذلك في كتاب ال تعالى قال عز وجل‬
‫خِل ( )طـه‪ :‬من الية ‪ (71‬والمراد عليها ‪ ،‬وقال‬ ‫ع الّن ْ‬
‫جُذو ِ‬ ‫صّلَبّنُكْم ِفي ُ‬ ‫) َوَُل َ‬
‫ض ( )التوبة‪ :‬من الية ‪ (2‬والمراد عليها ‪ ،‬فقوله‬ ‫حوا ِفي الَْْر ِ‬ ‫سي ُ‬‫تعالى ) َف ِ‬
‫سَماِء ( )الملك‪ :‬من الية ‪ (16‬أي على السماء هذا‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫تعالى ) َأَأِمْنُتْم َم ْ‬
‫الجواب الول ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬سلمنا أن المراد بـ) في ( الظرفية لكن ل نسلم أن المراد‬
‫بالسماء هذه الطباق السبعة بل المراد بها العلو فإن كل ما علك فهو سماء ‪،‬‬
‫ومصداق ذلك في كتاب ال تعالى قال عز وجل في وصف الشجرة الطيبة‬
‫سَماِء( )إبراهيم‪ :‬من الية ‪ (24‬أي في العلو‪،‬‬ ‫عَها ِفي ال ّ‬ ‫ت َوَفْر ُ‬ ‫صُلَها َثاِب ٌ‬
‫ٍ) َأ ْ‬
‫طُهورًا ( )الفرقان‪ :‬من الية ‪(48‬‬‫سَماِء َماًء َ‬
‫ن ال ّ‬‫وقال تعالى ) َوَأْنَزْلَنا ِم َ‬
‫والمطر ينزل من السحاب فسمي السحاب سماء لعلوه ‪ ،‬فقوله تعالى ) َأَأِمْنُتمْ‬
‫سَماِء ( أي من في العلو ‪ ،‬وال له العلو المطلق جل وعل ‪ ،‬وبهذين‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫َم ْ‬
‫الجوابين ل يبقى ثمة إشكال ول الحمد والمنة وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /242‬ما مذهب أهل السنة في صفة المجيء والتيان مع بيان الدلة‬


‫على ذلك ؟ وهل هما من صفات الذات أم الفعل ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة رفع ال نزلهم في الفردوس العلى وجمعنا بهم في الجنة‬
‫أن ل تعالى مجيئًا وإتيانًا يوم القيامة لئقًا بجلله وعظمته ل يماثل مجيء‬
‫المخلوقين ول إتيانهم ‪ ،‬فليس كمثله شيء في مجيئه وإتيانه ومجرد التفاق‬
‫في السم ل يستلزم التفاق في المسمى فنثبتها ل تعالى إثباتًا بل تمثيل‬
‫وننزهه عن مماثلة خلقه تنزيهًا بل تعطيل ‪ ،‬فما أسلم ذلك المذهب وما أبرده‬
‫على القلوب وما أوضحه وأحكمه وأعلمه فنسأل ال تعالى أن يميتنا عليه ‪.‬‬
‫جاَء‬ ‫والمجيء والتيان من صفات ال الفعلية المتعلقة المشيئة ‪ ،‬قال تعالى ) َو َ‬
‫ن َيْأِتَيُهُم‬
‫ن ِإلّ َأ ْ‬
‫ظُرو َ‬
‫صّفا( )الفجر‪ (22:‬وقال تعالى ) َهْل َيْن ُ‬
‫صّفا َ‬
‫ك َ‬
‫ك َواْلَمَل ُ‬
‫َرّب َ‬
‫‪265‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫جُع اُْلُموُر (‬
‫ل ُتْر َ‬
‫ي اَْلمُْر َوِإَلى ا ِّ‬
‫ضَ‬
‫ن اْلَغَماِم َواْلَملِئَكُة َوُق ِ‬
‫ظَلٍل ِم َ‬
‫ل ِفي ُ‬
‫ا ُّ‬
‫)البقرة‪ (210:‬وفي الحديث الصحيح ) فيأتيهم ال تعالى في صورته التي‬
‫يعرفون ( وقد حرفها المبتدعة بمجيء أمره ‪ ،‬وهذا مخالف للدلة ومخالف‬
‫لمنهج السلف ‪ ،‬وإقحام لفظه في السياق ل برهان عليها ‪ ،‬ومخالفة للصل‬
‫ض وال أعلم ‪.‬‬ ‫بل مقت ٍ‬

‫س ‪ /243‬ما مذهب أهل السنة رحمهم ال تعالى في الرؤية ؟ وأذكر الدلة‬


‫المثبتة لذلك ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة والجماعة ويشهدون أن ال تعالى يرى يوم القيامة رؤية‬
‫حقيقة عيانًا بالبصار فيرى في عرصات يوم القيامة ويرى بعد دخول‬
‫الجنة ‪ ،‬كما يرى القمر ليلة البدر والشمس صحوًا ليس دونها سحاب ‪ ،‬وكل‬
‫ذلك على الكيفية التي يريدها ال تعالى ‪ ،‬ل ندخل في هذا الباب متأولين‬
‫بآرائنا ول متوهمين بأهوائنا بل نثبت ما أثبته النص ونسكت عما سكت عنه‬
‫ونقف حيث وقف السلف رحمهم ال تعالى ‪ ،‬والدلة على الرؤية قد بلغت‬
‫ضَرٌة * ِإَلى َرّبَها‬‫جوٌه َيْوَمِئٍذ َنا ِ‬‫مبلغ التواتر ‪ ،‬فمن القرآن قوله تعالى ) ُو ُ‬
‫سَنى َوزَِياَدٌة َول‬ ‫ح ْ‬
‫سُنوا اْل ُ‬
‫ح َ‬‫ن َأ ْ‬
‫ظَرٌة ( )القيامة‪ (23:22:‬وقال تعالى ) ِلّلِذي َ‬ ‫َنا ِ‬
‫ن ( )يونس‪:‬‬ ‫خاِلُدو َ‬
‫جّنِة ُهْم ِفيَها َ‬‫ب اْل َ‬
‫حا ُ‬ ‫صَ‬‫ك َأ ْ‬
‫جوَهُهْم َقَتٌر َول ِذّلٌة ُأوَلِئ َ‬ ‫ق ُو ُ‬‫َيْرَه ُ‬
‫‪ (26‬وقد فسر أعلم الخلق بربه هذه الزيادة بأنها رؤية ال تعالى ‪ ،‬وقال تعالى‬
‫ق‪ ( 35:‬وأما من السنة‬ ‫) ّ‬ ‫ن ِفيَها َوَلَدْيَنا َمِزيٌد (‬
‫شاُءو َ‬ ‫) َلُهْم َما َي َ‬
‫فأحاديث كثيرة ‪ ،‬منها حديث صهيب رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ) إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول ال تعالى تريدون شيئًا أزيدكم ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال ‪ :‬فيكشف‬
‫الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ( ثم تل هذه الية‬
‫سَنى َوِزَياَدٌة ( رواه مسلم ‪ ،‬وفي الصحيح عن جرير‬ ‫ح ْ‬
‫سُنوا اْل ُ‬‫ح َ‬‫ن َأ ْ‬
‫) ِلّلِذي َ‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) إنكم سترون ربكم‬
‫كما ترون القمر ليلة البدر وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب فإن‬
‫استطعتم على أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها‬
‫فافعلوا ( وفي الصحيح أيضًا من حديث أبي هريرة رضي ال عنه أن أناسًا‬
‫قالوا يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫‪266‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫وسلم ‪ ) :‬هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا ل يا رسول ال فقال‬
‫‪ :‬هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا ل يا رسول ال‬
‫قال ‪ :‬فإنكم ترونه كذلك ( وهذان الحديثان فيهما تشبيه الرؤية بالرؤية ل‬
‫المرئي بالمرئي ‪ ،‬أي أن رؤية ال تعالى يوم القيامة ستكون في أعلى‬
‫درجات الوضوح فل مضارة فيها ول خفاء ول لبس ول شك ‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري نحو حديث أبي هريرة وهو في الصحيح أيضًا ‪ ،‬وقد‬
‫وردت أحاديث الرؤية من طريق الصديق وأنس وجابر وجرير البجلي‬
‫وحذيفة وأبي هريرة وزيد بن ثابت وصهيب وعبادة بن الصامت وأبن عباس‬
‫وابن عمر وأبن مسعود ولقيط بن عامر وأبي رزين وعلي بن أبي طالب‬
‫وعدي بن حاتم وعمار بن ياسر وفضالة بن عبيد وأبي سعيد الخدري وأبي‬
‫موسى الشعري وبريدة بن الحصيب السلمي رضي ال عنهم وأرضاهم‬
‫وجمعنا بهم في الجنة ‪ ،‬وقد أخرج الللكائي في شرح السنة من طريق‬
‫مفضل بن غسان قال ‪ :‬سمعت يحيى بن معين يقول ‪ :‬عندي سبعة عشر‬
‫حديثًا في الرؤية كلها صحاح ‪ .‬أهـ‬
‫قلت ‪ :‬وهذا ما نعتقده بقلوبنا وننطقه بألسنتنا ‪.‬‬
‫س ‪ /244‬هل أثبت المبتدعة رؤية ال تعالى ؟ وبماذا احتجوا وكيف‬
‫الجواب عن استدللتهم؟‬
‫ج‪ /‬بالطبع لم يثبتوها بل حرفوها إلى رؤية الثواب والجزاء والنعيم فقط ‪،‬‬
‫وهذا كعادتهم قبحهم ال تعالى فيما ل يتوافق مع عقولهم الرديئة وأفهامهم‬
‫المنتنة ويا ليت المر وقف على النكار والتحريف فقط بل استدلوا على‬
‫نفيهم هذا بأدلة من القرآن فقالوا ‪ :‬قال تعالى لموسى عليه السلم ) َقاَل َل ْ‬
‫ن‬
‫َتَراِني ( )لعراف‪ :‬من الية ‪ (143‬ولن هذه تفيد التأبيد عندهم فهذا نفي‬
‫للرؤية على وجه الطلق ‪ ،‬كذا قالوا ‪ ،‬فقال أهل السنة ‪ :‬لنا على استدللكم‬
‫هذا عدة أجوبة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن ) لن ( ل تفيد النفي المؤبد حتى وإن قرنت بلفظ البد ‪،‬‬
‫ن * َول َيَتَمّنْوَنُه‬ ‫صاِدِقي َ‬
‫ن ُكْنُتْم َ‬‫ت ِإ ْ‬
‫بدليل قوله تعالى عن اليهود ) َفَتَمّنُوا اْلَمْو َ‬
‫ت َأْيِديِهْم ( )الجمعة ‪ (7:6‬ومع ذلك فإنهم يتمنونه في الخرة‬ ‫َأَبدًا ِبَما َقّدَم ْ‬
‫ك َقاَل‬‫عَلْيَنا َرّب َ‬
‫ض َ‬‫ك ِلَيْق ِ‬
‫إذا دخلوا النار كما في قوله تعالى ) َوَناَدْوا َيا َماِل ُ‬
‫ن ( )الزخرف‪ (77:‬وخلصة هذا الوجه هو أن نفي الرؤية في‬ ‫ِإّنُكْم َماِكُثو َ‬
‫‪267‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ذلك الوقت ل يلزم منه انتفائه مطلقًا وإنما هذا شيء قاله بعض صناديد‬
‫المعتزلة ولذلك قال ابن مالك ‪:‬‬
‫) ومن يرى النفي بـ ) لن ( مؤبدا‬
‫فقوله أردد وسواه فاعضدا (‬
‫ن َتَراِني ( ولم يقل ‪ :‬إني ل أرى أولست‬
‫الثاني ‪ :‬أن ال تعالى قال ) َل ْ‬
‫بمرئي ‪ ،‬أو ل تجوز رؤيتي ‪ ،‬والفرق بين الجوابين ظاهر ‪ ،‬بل قال ) َل ْ‬
‫ن‬
‫َتَراِني ( ففي ذلك دليل على أنه يرى ولكن موسى عليه السلم ل تحتمل قواه‬
‫رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر عن رؤيته ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن ال تعالى بين السبب في عدم رؤيته وهو عدم تحمل النفس‬
‫ذلك بدليل أنه تعالى لما تجلى للجبل حصل للجبل ما حصل من الندكاك‬
‫فأعلمه ال تعالى بذلك أن الجبل مع قوته وصلبته ل يثبت للتجلي في هذه‬
‫الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف ؟ فهذا دليل على أن المانع ضعف‬
‫القوى البشرية عن رؤيته ولذلك فإن هذه القوى تضاعف في الجنة حتى‬
‫يتمكن أهلها من رؤيته كما ثبتت بذلك الدلة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أنه لو كانت رؤيته تعالى محال لما كان كليم ال تعالى يتكلف‬
‫السؤال عنها لنه أعلم الناس بربه في زمانه فل يتصور منه أن يسأل ما ل‬
‫نجوز على ال تعالى فلما سألها موسى علم بذلك أنها مما يمكن ولكن ثمة‬
‫مانع وهو الضعف البشري ‪ ،‬فل يمكن أن يكون هؤلء المتهوكون الحمقى‬
‫أشد تنزيهًا وأعلم بال من كليمه ورسوله الكريم ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬أنه تعالى تجلى للجبل ‪ ،‬فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو‬
‫جماد ل ثواب له ول عقاب فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله وأوليائه في دار‬
‫كرامته ؟ لكن ال تعالى أعلم موسى بأن الرؤية الن ل تمكن ‪.‬‬
‫ل أن هذه الية فيها شيء من النقاش فل تعدو بذلك‬ ‫السادس ‪ :‬سلمنا جد ً‬
‫أن تكون من المتشابه وقد تقرر في الصول أن المتشابه يرد إلى المحكم‬
‫والدلة المثبتة للرؤية من الكتاب والسنة كثيرة وتأيدت بالجماع القطعي‬
‫الذي يكفر من خالفه ‪ ،‬فإذا قدروا على الدخول على هذه الية فهل بال عليك‬
‫يقدرون على كل الدلة المثبتة للرؤية ؟ بالطبع ل إل مع العناد والستكبار ‪،‬‬
‫وهذا التسليم جدلي ‪ ،‬وإل فالية من المحكم كما سبق في الجوبة وال تعالى‬
‫أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫‪268‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫صاُر ( )النعام‪ :‬من الية‬ ‫وقالوا أيضًا ‪ :‬قال تعالى ) ل ُتْدِرُكُه اَْلْب َ‬
‫‪ (103‬فهذا نفي للدراك الذي هو الرؤية ‪ ،‬كذا قالوا ‪ ،‬فقال أهل السنة ‪ :‬إن‬
‫المنفي في هذه الية ليس الرؤية وإنما هو الدراك أمر يعقب الرؤية فهي‬
‫تفيد أنه يرى ولكنه ل يدرك رؤية كما أنه يعلم ولكن ل يحاط به علمًا ‪ ،‬فكل‬
‫إدراك رؤية وليس كل رؤية إدراكًا ‪ ،‬أول ترى إلى قوله تعالى ) َفَلّما َتَراَءى‬
‫ن ( )الشعراء‪ (61:‬فاثبت الرؤية‬ ‫سى ِإّنا َلُمْدَرُكو َ‬
‫ب ُمو َ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬‫ن َقاَل َأ ْ‬
‫جْمَعا ِ‬
‫اْل َ‬
‫ونفى الدراك ‪ ،‬فالدراك أمر زائد على الرؤية ‪ ،‬ففي الحقيقة أن هذه الية‬
‫دليل لنا ل لهم ‪ ،‬لنه لما نفى الدراك علمنا أن هناك رؤية إذ لو لم يكن هناك‬
‫ل ‪ :‬أنت ترى المساء لكن هل‬ ‫ل لما نفى الدراك ‪ ،‬وأضرب لك مثا ً‬ ‫رؤية أص ً‬
‫تدركها كلها ؟ الجواب ل ‪ ،‬فعندك رؤية بل إدراك ‪ ،‬ومثال آخر ‪ :‬أنت ترى‬
‫الرض لكن هل تدركها كلها ؟ الجواب ل فعندك رؤية بل إدراك ‪ ،‬فال‬
‫تعالى وله المثل العلى يرى ولكن ل يدرك وذلك لكمال كبره وعظمته‬
‫وعزته جل وعل ‪ ،‬فالمعتزلة فهموا أن معنى الدراك هو الرؤية وهذا خطأ‬
‫وضلل بل الدراك هو الحاطة ‪ ,‬فل حجة لحٍد في مخالفة ما ثبت به‬
‫النص وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /245‬هل من أسمائه جل وعل ) القديم ( مع توضيح ذلك ؟‬


‫ج‪ /‬ل ليس من أسمائه القديم وذلك لمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن أسماء ال تعالى مبناها على التوقيف أي على ورود الدليل‬
‫ولم يأت فيما أعلم نص صحيح بذلك فحيث لم يثبت في ذلك شيء فإن الصل‬
‫عدمه فل يجوز تسمية ال تعالى به ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن أسماء ال تعالى أسماء حسنى وذلك لشتمالها وتضمنها‬
‫صفات كمال من كل وجه ‪ ،‬والقديم صفته القدم وهذه الصفة ل كمال فيها ‪،‬‬
‫فل يصح تسمية ال تعالى به ‪ ،‬وتستبدل باسمه الثابت بالجماع ) الول (‬
‫الذي ليس قبله شيء جل وعل وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /246‬هل يمكن أن يتعارض النقل مع العقل ؟‬


‫ج‪ /‬ل ‪ ،‬ل يمكن هذا أبدًا ‪ ،‬ولذلك فإن أهل السنة رحمهم ال تعالى قرروا في‬
‫ذلك قاعدة عظيمة وهي قولهم ‪ ) :‬ل يتعارض نص صحيح ‪ ،‬وعقل صريح (‬
‫‪269‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ويقصدون العقل الصريح أي السليم من الفات الدخيلة على العقل ‪ ،‬وقد ألف‬
‫فيها أبو العباس تقي الدين كتابه الكبير‪ ،‬ورد تعارض العقل والنقل فأتى فيه‬
‫بما لم يأت به أحد ‪ ،‬جزاه ال خيرًا ورفع نزله في الفردوس العلى وحشرنا‬
‫وإياه في زمرة محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬فإذا وجد ما يوهم‬
‫ل في صحة النقل ‪ ،‬أعني إذا كان من السنة فإذا ثبتت‬‫التعارض فانظر أو ً‬
‫صحته فانظر في صراحة العقل وسلمته من الفات الدخيلة عليه ‪ ،‬فإذا‬
‫توفر المران فإنه أبدًا ل يمكن أن يتعارض النقل مع العقل ‪ ،‬فإن الذي أنزل‬
‫ل من خلقه ‪ ،‬والنقل‬ ‫النص هو الذي خلق العقل وهو أصدق حديثًا وأحسن قي ً‬
‫ما نزل إل لهداية العقل وإخراجه من ظلمات الشرك والبدعة والغفلة‬
‫والمعصية إلى نور التوحيد والسنة والطاعة فكيف يجعل معارضًا له ‪،‬‬
‫ولذلك فإنه ل يدعي وجود هذه المعارضة إل أهل البدع ‪ ،‬وأما أهل السنة‬
‫فإنه ل يعرف عنهم في ذلك حرف واحد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /247‬ما حكم التسمي بأسماء ال تعالى ؟ مع الدليل ؟‬


‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬هذه المسألة ل تخلو من حالتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أما السماء الخاصة به جل وعل كـ ) ال ( و ) رب العالمين‬
‫) الرحمن ( و ) الله ( ونحوها فإنه ل يجوز التسمي بها قو ً‬
‫ل‬ ‫(و‬
‫واحدًا ‪ ،‬لنها ل يصح أن تطلق إل عليه جل وعل إذ ل يستحقها غيره عز‬
‫وجل ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬بقية السماء كالرحيم والكريم والعزيز والسميع والبصير‬
‫ونحوها ‪ ،‬فهذا يجوز التسمي بها بشرطين ‪ ،‬شرط أصلي لزم ‪ ،‬وشرط‬
‫تكميلي ‪ ،‬فأما الشرط الصلي اللزم فأل يراعى في التسمية معنى الصفة ‪،‬‬
‫أي ل يسمي أحد بالكريم لن من صفاته البارزة الكرم ‪ ،‬ول يسمى أحد‬
‫بالقوي لن من صفاته البارزة القوة ‪ ،‬ول يسمى أحد بالجواد لن من صفاته‬
‫الجود ‪ ،‬ول يسمى أحد بالحكم لن من صفاته البارزة فصل الحكومات بين‬
‫الناس والرضا بحكمه ‪ ،‬وهكذا فإذا روعي في التسمية معنى الصفة فإنه يمنع‬
‫ودليل حديث أبي شريح وأنه كان يكنى أبا الحكم فلما سأله النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عن علة ذلك قال ‪ :‬إني إذا اختصم قومي حكمت بينهم فرضوا‬
‫بحكمي ‪ ،‬فقال ) ما أحسن هذا ‪ ،‬فكم لك من الولد ‪ ،‬فعدهم وذكر أن أكبرهم‬
‫‪270‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫شريح ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت أبو شريح ( حديث صحيح ‪ ،‬فقد غير النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم كنيته لنه روعي أو نقول ‪ :‬روقب فيها معنى الصفة ‪ ،‬مع أن من‬
‫أصحابه من كان اسمه الحكم ‪ ،‬كالحكم بن هشام رضي ال عنه وأرضاه ‪،‬‬
‫ولم يغيره النبي صلى ال عليه وسلم لنه لم يراقب فيه معنى الصفة ‪ ،‬فهذا‬
‫دليله من الثر ‪ ،‬وأما النظر فلن ذلك فيه لزوم الدب مع ال تعالى وسلوك‬
‫مسلك المتعبدين المتواضعين الذين يقدرون ال تعالى حق قدره وفيه احترام‬
‫لسمائه وصفاته جل وعل وتعظيمها وهذا من تعظيم من تسمى واتصف بها‬
‫عز وجل ولنه إذا رضى بذلك فإن ذلك نوع مضاهاة ل تعالى في أسمائه‬
‫وصفاته جل وعل ‪ ،‬فهذا الشرط كما ذكرت لك شرط أساسي مهم جدًا ‪،‬‬
‫ي باللف واللم كأن‬ ‫وأما الشرط التكميلي فهو أن يكون السم غير محل ً‬
‫يقال ‪ ) :‬كريم ( بدون ) أل ( أو ) عزيز ( بدون ) أل ( أو ) جواد ( بدون‬
‫) أل( وهكذا ‪ ،‬وذلك لن اللف واللم لها شأن عندنا في لغة العرب وهي‬
‫أنها تفيد استغراق أجزاء المسمى ما لم يتقدم قرينة عهد فإذا قلت ‪ :‬العزيز‬
‫دخل فيه كل معاني العزة ‪ ،‬وإذا قلت الكريم دخل فيه كل معاني الكرم ‪،‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬وهذا خاص بال جل وعل ‪ ,‬وهذا المعنى يزول إذا جردتها من‬
‫) أل ( وقلنا ‪ :‬إن ذلك شرط تكميلي لمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬لن النبي صلى ال عليه وسلم أقر الحكم بن هشام على‬
‫التسمي بذلك مع أنه معرف بـ ) أل ( مما يدل على أن المر فيه تسامح ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن العامة غالبًا ل يريدون معنى الستغراق العام الذي يدخل‬
‫فيه أجزاء المسمى كلها فإن هذا المعنى ل يقصدونه أبدًا وإنما يفهمون أن‬
‫) أل( لمجرد التعريف فقط ‪ ,‬فأمر هذا الشرط سهل ‪ ،‬لكن الورع ترك‬
‫التسمي بأسماء ال مطلقًا خروجًا من الخلف وبعدًا عن مطلق المضاهاة‬
‫وادعى لخضوع القلب وانقياده ل تعالى في مقامات التعبد وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /248‬ما مذهب أهل السنة في صفة الرضى والغضب والسخط والكره ؟‬


‫وهل هي صفات فعلية أم ذاتية ؟‬
‫ج‪ /‬مذهب أهل السنة في ذلك هو مذهبهم في سائر صفات ال تعالى وهو‬
‫اليمان بها ووصف ال تعالى بها مع اعتقاد أنه ليس كمثله شيء وهو السميع‬
‫البصير فنثبتها ل تعالى من غير تحريف ول تعطيل ومن غير تكييف ول‬
‫‪271‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫تمثيل ‪ ،‬وهي من قبيل الصفات الفعلية المتعلقة بالمسيئة التي توجد عند وجود‬
‫مقتضياتها إذا أرادها ال تعالى ‪ ،‬على ما يليق بجلله وعظمته ‪ ,‬وأن معانيها‬
‫ي ا ُّ‬
‫ل‬ ‫معلومة ولكن نفوض علم كيفياتها إلى ال تعالى ‪ ,‬قال تعالى ) َرضِ َ‬
‫ي َرّبُه ( )البينة‪ :‬من الية ‪ (8‬وقال تعالى‬ ‫شَ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬‫ك ِلَم ْ‬ ‫عْنُه َذِل َ‬
‫ضوا َ‬ ‫عْنُهْم َوَر ُ‬ ‫َ‬
‫جَرِة ( )الفتح‪ :‬من الية‬ ‫شَ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ك َتحْ َ‬ ‫ن ِإْذ ُيَباِيُعوَن َ‬ ‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫عِ‬‫ل َ‬ ‫ي ا ُّ‬‫ضَ‬‫) لََقْد َر ِ‬
‫خاِلدًا ِفيَها‬
‫جَهّنُم َ‬‫جَزاُؤُه َ‬ ‫ن َيْقُتْل ُمْؤِمنًا ُمَتَعّمدًا فَ َ‬ ‫‪ (18‬وقال تعالى ) َوَم ْ‬
‫ظيمًا( )النساء‪ (93:‬وقال تعالى‬ ‫عِ‬‫عَذابًا َ‬ ‫عّد َلُه َ‬ ‫عَلْيِه َوَلَعَنُه َوَأ َ‬
‫ل َ‬‫ب ا ُّ‬‫ض َ‬ ‫غ ِ‬ ‫َو َ‬
‫عَماَلُهمْ ( )محمد‪:‬‬ ‫ط َأ ْ‬
‫حَب َ‬
‫ضَواَنُه َفَأ ْ‬
‫ل َوَكِرُهوا ِر ْ‬ ‫ط ا َّ‬‫خَ‬ ‫سَ‬ ‫ك ِبَأّنُهُم اّتَبُعوا َما َأ ْ‬
‫) َذِل َ‬
‫طُهْم َوِقيَل اْقُعُدوا َمَع‬ ‫ل اْنِبَعاَثُهْم َفَثّب َ‬
‫ن َكِرَه ا ُّ‬ ‫‪ (28‬وقال تعالى ) َوَلِك ْ‬
‫ن ()التوبة‪ :‬من الية ‪ (46‬وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات‬ ‫عِدي َ‬ ‫اْلَقا ِ‬
‫هذه الصفات ‪ ،‬وهذه كلها من صفات الفعال التي يفعلها ال جل وعل متى‬
‫شاء وكيفما شاء وأهل السنة يثبتون ذلك إثباتًا بل تمثيل وينزهون ال تعالى‬
‫عن مماثلة خلقه تنزيهًا بل تعطيل وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /249‬ما مذهب أهل السنة في صفة الفرح والضحك مع بيانها بالدليل ؟‬


‫وهل هي صفة ذاتية أم فعلية ؟‬
‫ج‪ /‬يؤمن أهل السنة الجماعة رحمهم ال تعالى بأن من صفاته جل وعل‬
‫الفرح والضحك ‪ ،‬فيثبتون هاتين الصفتين كسائر صفاته جل وعل من غير‬
‫تحريف ول تعطيل ول تكييف ول تمثيل لن ال تعالى ليس كمثله شيء وهو‬
‫السميع البصير ‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ) ل أشد فرحًا بتوبة عبده‬
‫من راحلته ‪.........‬الحديث ( متفق عليه ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‬
‫) يضحك ال تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الخر كلهما يدخل الجنة ‪....‬‬
‫الحديث ( متفق عليه ‪ ،‬وفي الحديث الخر ) أتدرون مما أضحك ‪ ،‬من‬
‫ضحك ال تعالى حين قال له " أتستهزئ بي وأنت رب العالمين ( رواه مسلم‬
‫‪ ،‬وهما من الصفات الفعلية التي يفعلها ال متى شاء وكيفما شاء ‪ ،‬فمعنى‬
‫الفرح والضحك معلوم ‪ ،‬وكيفه مجهول واليمان به واجب والسؤال عنه‬
‫بدعة وال أعلم ‪.‬‬
‫‪272‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /250‬ما البليا والمصائب التي وقع فيها أهل البدع وكانت سبب‬
‫ضللهم وتخريفهم في باب العتقاد ؟‬
‫ج‪ /‬هذا سؤال مهم جدًا ‪ ،‬وبيانه أن يقال ‪ :‬السباب كثيرة يجمعها ما يلي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬عدم حصرهم أدلة العتقاد في الكتاب والسنة ‪ ،‬فإنهم يستدلون‬
‫بالمنطق والفلسفة ويسمونها العقليات ‪ ،‬وهي في حقيقتها جهليات وخرافات‬
‫ووساوس شيطانية ‪ ،‬فهم يسوقون ما يجب اعتقاده في ال من عقولهم‬
‫وقواعدهم المنطقية الفلسفية ‪ ,‬أو مواجيدهم وأذواقهم العفنة ‪ ،‬ومكاشفاتهم‬
‫البليسية ‪ ،‬وقد نص الدليل على أن من طلب الهدى في غير الكتاب والسنة‬
‫أضله ال ولذلك فهم يعرضون النصوص على عقولهم فما وافقها أخذوه وما‬
‫خالفها ردوه واتهموه فيقرون ما تقره عقولهم وإن لم يكن عليه دليل ‪ ،‬وينفون‬
‫ما نفته عقولهم وإن كانت الدلة قد تواترت على إثباته وهذا هو السبب‬
‫العظيم في ضللهم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنهم ل يأخذون الكتاب والسنة على فهم السلف بل يبتدعون‬
‫من عندهم المعاني الغريبة والصطلحات العويصة ويقولون ‪ :‬هذا معنى‬
‫هذا النص ‪ ،‬وقد تقرر في القواعد أنه ل بد من فهم الكتاب والسنة فهمًا يوافق‬
‫ل وأصح فهومًا وأعمق علومًا ممن أتى بعدهم ‪،‬‬ ‫فهم السلف ‪ ،‬فهم أكبر عقو ً‬
‫ن بعيدة كل البعد عن فهم‬ ‫ل يفهمون من نصوص الصفات معا ٍ‬ ‫فالمبتدعة مث ً‬
‫السلف ‪ ،‬فهم ل يفهمون منها إل ما يفهمونه من صفاتنا ‪ ،‬وأما السلف فإنهم‬
‫يثبتون ل ما أثبته لنفسه ويعتقدون أنه ليس كمثله شيء ‪ ,‬وهكذا فالمبتدعة‬
‫على اختلف فرقهم ل يعتمدون فهم السلف للنصوص أبدًا ول ينظرون فيه‬
‫فأنت ترى أن هؤلء المبتدعة قد جمعوا بين بليتين فهم ل يقتصرون على‬
‫الكتاب والسنة في مسائل العتقاد ول يفهمونها على فهم السلف ‪ ،‬فنعوذ بال‬
‫من حال أهل الهواء ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنهم يبنون استدللهم على القواعد المناقضة للمعقول‬
‫والمخالفة للمنقول والمعارضة لمنهج السلف في الستدلل ‪ ،‬فهم يستدلون‬
‫بالمتشابه ويدعون المحكم ويأخذون بطرف من النصوص ويدعون الخر‬
‫ويقدمون العقل على النقل ويثبتون أمور الغيب بالقياس ويأخذون بالمجمل‬
‫ويدعون المبين ويفسرون بعض ألفاظ القرآن على غير ما تعرفه العرب من‬
‫‪273‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫كلمها وهكذا فالقوم يقعدون القاعدة على ما تمليه عقولهم القاصرة وينزلون‬
‫النصوص عليها فوقعوا في الضلل ومخالفة النصوص ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أنهم يخوضون في النصوص بل علم ول برهان ول يقفون‬
‫حيث وقف النص بل يقحمون عقولهم فيما ل مجال لها فيه كخوضهم في باب‬
‫القدر وباب الصفات ونحوها والسلمة في الوقوف عند ما وقف عليه‬
‫النص ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬كثرة جدالهم وخصوماتهم ومرائهم ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬اعتمادهم على اللفاظ البدعية المجملة وبناء معتقدهم عليها‬
‫كلفظ الجوهر والعرض والجهة والجسم والحيز ونحوها ‪ ،‬وهذه اللفاظ ‪،‬‬
‫ل‪:‬‬‫ألفاظ محدثة بدعية ل تعرف عن أحد من السلف ‪ ،‬وأضرب لك مثا ً‬
‫المعتزلة ينفون عن ال الصفات ويقعون في آيات الصفات وأحاديثها تحريفًا‬
‫بسبب أنهم إذا أثبتوا ل الصفات ل يستلزم ذلك أن يكون جسمًا والجسام‬
‫متماثلة ‪ ،‬فانظر كيف بنوا معتقدهم في الصفات على هذا اللفظ المجمل ‪ ،‬فكم‬
‫رووا بهذه اللفاظ المجملة من النصوص وحرفوا من الصفات وال المستعان‬
‫‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬الفهم الفاسد للنصوص ‪ ،‬كفهم الخوارج لبعض النصوص‪،‬‬
‫وكفهم أهل التمثيل والتعطيل لنصوص الصفات ‪ ،‬وكفهم الجبرية والقدرية‬
‫لنصوص القدر ‪ ،‬وكفهم المرجئة والوعيدية لنصوص الوعد والوعيد ‪،‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬فهذا الفهم الفاسد هو الذي أوصلهم إلى هذه النتيجة الفاسدة وال‬
‫المستعان ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬اعتمادهم في اعتقادهم على الحاديث الموضوعة والضعيفة ‪،‬‬
‫وذلك كالرافضة لعنهم ال تعالى ‪ ،‬فإنهم يعتمدون في أمر معتقدهم على‬
‫المرويات المكذوبة والحاديث الموضوعة الملفقة على آل البيت ‪.‬‬
‫التاسع ‪ :‬تقديم آراء الرجال وقواعد المذاهب على قول ال ورسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فل يقبلون من النصوص إل ما وافق مذهبهم وكلم‬
‫مبتدعيهم ‪.‬‬
‫العاشر ‪ :‬اعتقادهم التعارض بين العقل والنقل وبين الحقيقة والشريعة ‪.‬‬
‫‪274‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الحادي عشر ‪ :‬اعتمادهم على الهواء والشهوات وتحكيمها في كتاب‬


‫ال تعالى وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم فهذه بعض السباب ويظهر غيرها‬
‫بالتأمل وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /251‬بماذا يعرف أهل البدع ؟‬


‫ج‪ /‬منها ‪ :‬الوقيعة في أهل السنة ووصفهم بالوصاف القبيحة المستهجنة‬
‫التي هي بهم أليق وهم بها ألصق‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬عقد الولء والبراء على المسميات التي ما أنزل ال بها من‬
‫سلطان ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إتباع الهوى والعراض عن الدليل ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنهم ل يذكرون أل ما لهم فقط ‪ ،‬ويكتمون ما عليهم أو يكذبون‬
‫به ويعرضون عنه ويقدحون فيه ‪ ،‬وأما أهل السنة فيذكرون مالهم وما عليهم‬
‫مع الجابة عنه ‪.‬‬
‫ن ِفي ُقُلوِبِهْم َزْيٌغ‬
‫ومنها ‪ :‬إتباع المتشابه كما قال تعالى ) َفَأّما اّلِذي َ‬
‫شاَبَه ِمْنُه اْبِتَغاَء اْلِفْتَنِة َواْبِتَغاَء َتْأِويِلِه ( )آل عمران‪ :‬من الية‬
‫ن َما َت َ‬‫َفَيّتِبُعو َ‬
‫‪ (7‬وفي الصحيحين من حديث عائشة مرفوعًا ) فإذا رأيتم الذين يتبعون ما‬
‫تشابه منه فاؤلئك الذين سماهم ال فاحذروهم (‬
‫ومنها ‪ :‬كثرة التنقل والتبديل والتغيير فل يثبتون على شيء فمذاهبهم‬
‫غالبًا تخضع للمستجدات والمتغيرات والحداث والهواء والشهوات وأقوال‬
‫متبوعيهم ‪ ،‬ومن نصبوه إمامًا لهم ‪ ،‬ولكثرة جدالهم ومن جعل دينه عرضًا‬
‫ل لم تبن على أسس‬ ‫للخصومات أكثر التنقل ولن هذه المذاهب الفاسدة أص ً‬
‫ثابتة بل بنيت على أهواء متغيرة وأفكار متبدلة وشهوات متلونة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬معارضة الكتاب والسنة بالقيسة الفاسدة والمعقولت‬
‫الكاسدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬دعواهم أن الدلة ل تفي بالدين ول بكفي لتنظيم حياة الناس ‪،‬‬
‫وهم في ذلك بين مصرح وملمح ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬كثرة الختلف والفرقة فيما بينهم ‪ ,‬وهذا أمر واضح فل‬
‫تجدهم يتفقون على شيء ‪ ,‬فانظر إلى فرق الخوارج وفرق الشيعة وفرق‬
‫المعتزلة وهكذا ‪ ,‬وهذا من أبرز صفاتهم ‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ومنها ‪ :‬أنهم يتسمون بالسماء المحدثة ‪ ,‬فمنهم من ينتسب إلى مؤسس‬


‫الفرقة كالشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الشعري والجهمية نسبة إلى الجهم‬
‫بن صفوان الترمذي ‪ ،‬والماتريدية نسبة إلى أبي منصور الماتريدي والكلبية‬
‫نسبة إلى محمد بن سعيد بن كلب ونحو ذلك ‪ ،‬أو ينتسبون إلى أصل بدعهم‬
‫ي بن أبي طالب رضي ال عنه أو لنهم‬ ‫كالخوارج لنهم خرجوا على عل ّ‬
‫خرجوا على المسلمين وإمامهم ‪ ،‬والجبرية نسبة إلى قولهم بالجبر وسلب‬
‫العباد مطلق القدرة والختيار ‪ ،‬والقدرية نسبة إلى نفيهم للقدر السابق وقولهم‬
‫‪ :‬إن العبد هو الذي يخلق فعله ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وأما أهل السنة رحمهم ال‬
‫تعالى فإنهم ل يتسمون‬
‫إل باسم السلم واليمان أو ما دل عليه الدليل أو وقع اتفاق الصدر الول‬
‫عليه وال أعلم‬
‫ومنها ‪ :‬التعصب للراء وعدم الرجوع للحق ولو بعد بيان الحق ‪ ،‬بل‬
‫يتعامون عن الحق تعاميًا عجيبًا ول نقول أل كما قال تعالى ) َفِإّنَها ل َتْعَمى‬
‫صُدوِر( )الحج‪ :‬من الية ‪.(46‬‬ ‫ب اّلِتي ِفي ال ّ‬
‫ن َتْعَمى اْلُقُلو ُ‬
‫صاُر َوَلِك ْ‬
‫اَْلْب َ‬
‫ومنها ‪ :‬بغض أئمة الحديث وأهل الثر ‪ ،‬وبالجملة ‪ :‬بعض أئمة‬
‫السلم والدين كالصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان كالمام أحمد والثوري‬
‫والوزاعي وأبن عيينة وأبن المدني والبخاري وأبن تيميه وابن القيم ومحمد‬
‫بن عبدالوهاب رضي ال عنهم وأرضاهم فإذا سمعت الرجل يقع في أحد من‬
‫أئمة السلم والسنة فاعلم أنه صاحب بدعة وهوى وال المستعان ‪ .‬فهذه‬
‫أشهر علمات أهل البدع نعوذ بال منهم ومن حالهم وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /252‬عرف اليمان شرعًا ؟ مع ذكر الدلة على كل ما تذكر ؟‬


‫ج‪ /‬اليمان شرعًا ‪ :‬هو العتقاد بالجنان والقول باللسان والعمل بالجوارح‬
‫والركان ‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫خِل اِْليَما ُ‬ ‫فقولهم ‪ ) :‬العتقاد بالجنان ( يدل عليه قوله تعالى ) َوَلّما َيْد ُ‬
‫ب ِفي ُقُلوِبِهُم‬ ‫ك َكَت َ‬‫ُقُلوِبُكْم ( )الحجرات‪ :‬من الية ‪ (14‬وقوله تعالى ) ُأوَلِئ َ‬
‫ح ِمْنُه ( )المجادلة‪ :‬من الية ‪ (22‬وقوله تعالى ) َيا َأّيَها‬ ‫ن َوَأّيَدُهْم ِبُرو ٍ‬
‫اِْليَما َ‬
‫ن َقاُلوا آَمّنا ِبَأْفَواِهِهْم‬‫ن اّلِذي َ‬
‫ن ِفي اْلُكْفِر ِم َ‬
‫عو َ‬
‫ساِر ُ‬
‫ن ُي َ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫حُزْن َ‬
‫سوُل ل َي ْ‬ ‫الّر ُ‬
‫‪276‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ن ُقُلوُبُهْم ( )المائدة‪ :‬من الية ‪ (41‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم )‬ ‫َولَْم ُتْؤِم ْ‬
‫يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص اليمان إلى قلبه (‪.‬‬
‫ل َوَما ُأْنِزَل‬ ‫وقولهم ‪ ) :‬وقول باللسان ( يدل عليه قوله تعالى ) ُقوُلوا آَمّنا ِبا ِّ‬
‫ِإَليَْنا َوَما ُأْنِزَل ِإَلى ِإْبَراِهيَم‪ .........‬الية ( )البقرة‪ (136:‬فأمرهم هنا بالقول‬
‫ل َوَما‬ ‫ولم يكتف منهم بمجرد ما في القلب ‪ ،‬ومثلها قوله تعالى ) ُقْل آَمّنا ِبا ِّ‬
‫عَلى ِإْبَراِهيَم ‪.....‬الية ( )آل عمران‪ (84:‬وقوله تعالى‬ ‫عَلْيَنا َوَما ُأْنِزَل َ‬‫ُأْنِزَل َ‬
‫ن َتَوّلْوا‬ ‫سَلْمَنا ( )الحجرات‪ :‬من الية ‪ (14‬وقوله تعالى ) َفِإ ْ‬ ‫ن ُقوُلوا َأ ْ‬ ‫) َوَلِك ْ‬
‫ن ( )آل عمران‪ :‬من الية ‪ (64‬وفي الصحيحين‬ ‫سِلُمو َ‬
‫شَهُدوا ِبَأّنا ُم ْ‬‫َفُقوُلوا ا ْ‬
‫من حديث أبي هريرة مرفوعًا ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل‬
‫ال فقد عصم مني نفسه وماله إل بحقه وحسابه على ال ( وفي الصحيحين‬
‫أيضًا من حديث ابن عمر رضي ال عنهما مرفوعًا ) أمرت أن أقاتل الناس‬
‫حتى يشهدوا أل إله إل ال وأن محمد رسول ال ويقيموا الصلة ويؤتوا‬
‫الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم على‬
‫) اليمان بضع وستون أو‬ ‫ال ( وفيهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا‬
‫بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول ل إله إل ال وأدناها إماطة الذى عن‬
‫الطريق ( واتفق أهل العلم أن الكافر إذا أراد السلم فإنه ل بد من التلفظ‬
‫بالشهادتين بحيث يسمع نفسه على القل ول يكتفي بالقرار القلبي ‪.‬‬
‫وأما قولهم ‪ ) :‬وعمل بالجوارح والركان ( فيدل عليه قوله تعالى ) َوَما‬
‫ضيَع ِإيَماَنُكْم ( )البقرة‪ :‬من الية ‪ (143‬أي صلتكم كما ورد ذلك‬ ‫ل ِلُي ِ‬
‫ن ا ُّ‬ ‫َكا َ‬
‫في الصحيح ‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫صلَة‬ ‫حَنَفاَء َوُيِقيُموا ال ّ‬ ‫ن ُ‬
‫ن َلُه الّدي َ‬
‫صي َ‬
‫خِل ِ‬
‫ل ُم ْ‬‫) َوَما ُأِمُروا ِإلّ ِلَيْعُبُدوا ا َّ‬
‫ن اْلَقّيَمِة ( )البينة‪ (5:‬وفي الصحيحين عن ابن عباس‬ ‫ك ِدي ُ‬‫َوُيْؤُتوا الّزَكاَة َوَذِل َ‬
‫في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى ال عليه وسلم أمرهم بأربع أمرهم‬
‫باليمان بال وحده وقال ‪ :‬أتدرون ما اليمان بال وحده قالوا ال ورسوله‬
‫أعلم ‪ ،‬قال ) شهادة أل إله إل ال وأن محمد رسول ال وإقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ( وهذه كلها أعمال‬
‫جوارح وقد سماها إيمانًا ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم ) أكمل المؤمنين إيمانًا‬
‫أحسنهم خلقًا ( حديث صحيح وقال عليه الصلة والسلم ) إن البذاذة من‬
‫اليمان ( حديث صحيح ‪ ،‬وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد مرفوعًا ) من‬
‫‪277‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه‬
‫وذلك أضعف اليمان ( وله من حديث ابن مسعود ) وليس وراء ذلك من‬
‫اليمان حبة خردل ( فجعل تغير المنكر ومجاهدة أصحابه باليد واللسان من‬
‫اليمان وهي أعمال جوارح ‪ ،‬وفي الحديث السابق )وأدناها إماطة الذى عن‬
‫الطريق( وهي عمل وقد جعلها من جملة شعب اليمان ‪ ،‬فهذه بعض الدلة‬
‫على هذه العقيدة العظيمة التي انفرد بها أهل السنة والجماعة رفع ال نزلهم‬
‫في الفردوس العلى وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /253‬ما مذهب أهل السنة في زيادة اليمان ونقصانه ؟ مع بيان ذلك‬


‫بالدلة ؟‬
‫ج‪ /‬مذهب أهل السنة في ذلك هو أن اليمان يزيد حتى يبلغ كماله وتمامه إذا‬
‫جاء العبد بموجبات زيادته ‪ ,‬وينقص حتى ينتهي كله إذا جاء العبد بموجبات‬
‫نقصانه ‪ ،‬وهذا ما تواترت به الدلة ‪ ،‬فمن أدلة زيادته قوله تعالى ) َوَيْزَداَد‬
‫ن آَمُنوا ِإيَمانًا ()المدثر‪ :‬من الية ‪ (31‬وقوله تعالى ) ِلَيْزَداُدوا ِإيَمانًا َمَع‬ ‫اّلِذي َ‬
‫ن اْهَتَدْوا‬ ‫ل اّلِذي َ‬
‫) َوَيِزيُد ا ُّ‬ ‫ِإيَماِنِهْم ( )الفتح‪ :‬من الية ‪ (4‬وقوله تعالى‬
‫عَلْيِهْم آَياُتُه َزاَدْتُهْم‬
‫ت َ‬
‫ى ()مريم‪ :‬من الية ‪ (76‬وقوله تعالى ) وَِإَذا ُتِلَي ْ‬ ‫ُهد ً‬
‫ن الّنا َ‬
‫س‬ ‫س ِإ ّ‬
‫ن َقاَل َلُهُم الّنا ُ‬ ‫ِإيَمانًا ( )لنفال‪ :‬من الية ‪ (2‬وقوله تعالى ) اّلِذي َ‬
‫شْوُهْم َفَزاَدُهْم ِإيَمانًا ( )آل عمران‪ :‬من الية ‪ (173‬وقال‬ ‫خ َ‬
‫جَمُعوا َلُكْم َفا ْ‬
‫َقْد َ‬
‫عليه الصلة والسلم ) أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ( وقال عليه‬
‫الصلة والسلم ) من أحب في ال وأبغض في ال فقد استكمل اليمان (‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ) الطهور شطر اليمان ( وفي حديث ) رأيت‬
‫الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما هو دون‬
‫ذلك قالوا‪ :‬فما أولته يا رسول ال قال ‪ :‬الدين ( وقد كان ابن مسعود يقول‬
‫) اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا ( أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد جيد ‪.‬‬
‫وكان معاذ بن جبل يقول للرجل من إخوانه اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان‬
‫فيذكران ال ويحمدانه ( رواه ابن أبي شيبة وسنده صحيح ‪ .‬وعن عمار بن‬
‫ياسر أنه قال ‪ ) :‬ثلث من جمعهن فقد جمع اليمان ‪ :‬النصاف من نفسك ‪،‬‬
‫وبذل السلم للعالم ‪ ،‬والنفاق مع القتدار ( رواه البخاري تعليقًا‪ .‬وأما‬
‫نقصانه فقد وردت به أدلة كثيرة أيضًا ‪ ،‬فمنها ما مضى من اليات فإن فيها‬
‫‪278‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫إثبات الزيادة وكل شيء يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان ‪ ،‬ومنها ‪ :‬حديث أنس‬
‫في الصحيح مرفوعًا ) يخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه وزن‬
‫شعيرة من خير ‪ ،‬ويخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه برة من‬
‫خير ‪ ،‬ويخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه وزن ذرة من خير (‬
‫والمراد بالخير هنا اليمان ‪ ،‬كما في الرواية الخرى ) يخرج من النار من‬
‫قال ل إله إل ال وفي قلبه وزمن برٍة من أو خردلٍة أو ذرٍة من إيمان ( ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث أبي سعيد السابق في إنكار المنكر وفيه ) وذلك أضعف‬
‫اليمان( ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث ابن مسعود السابق أيضًا وفيه ) وليس وراء ذلك من‬
‫اليمان حبة خردل (‬
‫ومنها ‪ :‬حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه مرفوعًا وفيه ) ما‬
‫رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلت وما‬
‫نقصان عقلنا وديننا يا رسول ال ؟ قال ‪ ) :‬أليس شهادة المرأة نصف شهادة‬
‫الرجل ( قلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ) فذلك من نقصان عقلها ‪ ،‬أليس إذا حاضت لم‬
‫تصل ولم تصم ؟ قلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ) فذلك من نقصان دينها ( متفق عليه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث الشفاعة وهو في الصحيح وفيه ) فأخرج من النار من‬
‫في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرٍة من إيمان ( ‪.‬‬
‫فهذه الدلة تفيدك إفادة قطعية إن شاء ال تعالى بما قرره أهل السنة رحمهم‬
‫ال تعالى في هذه المسألة من أن اليمان يزيد وينقص وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /254‬ما أسباب زيادته ونقصه ؟‬


‫ج‪ /‬ذكر أهل العلم رحمهم ال تعالى أن زيادة اليمان لها أسباب ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬التفكر في آيات ال تعالى الكونية والشرعية ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬فعل الطاعة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ترك المعصية ‪.‬‬
‫فهذه الشياء تجمع أسباب زيادة اليمان‪ ،‬وضد كل واحد منها سبب من‬
‫أسباب النقص ‪ ،‬فالجهل بال تعالى ينقص اليمان ‪ ،‬وعدم التفكر في اليات‬
‫الكونية والشرعية سبب للنقص ‪ ،‬وفعل المعصية سبب للنقص ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /255‬ما العلقة بين السلم واليمان ؟ مع بيان ذلك بالدلة ؟‬


‫ج‪ /‬السلم واليمان مرتبتان من مراتب الدين ومنزلتان من منازله كما ثبت‬
‫ذلك في حديث جبريل المشهور لما سأله عن السلم واليمان والحسان‬
‫وقال في آخره ) هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم ( رواه مسلم ‪ ،‬وهاتان‬
‫المرتبتان متتاليتان فالولى السلم والثانية اليمان ‪ ،‬وبناًء عليه فكل مؤمن‬
‫ب آَمّنا ُقْل لَْم ُتْؤِمُنوا‬
‫عَرا ُ‬ ‫ت اَْل ْ‬
‫مسلم وليس كل مسلم مؤمنًا ‪ ،‬قال تعالى ) َقالَ ِ‬
‫سَلْمَنا ( )الحجرات‪ :‬من الية ‪ (14‬فأول ما يدخل العبد في الدين‬ ‫ن ُقوُلوا َأ ْ‬
‫َولَِك ْ‬
‫يوصف بالسلم حتى يدخل اليمان في قلبه بما يأتي به من التصديق‬
‫والعمل الصالح ‪ ،‬فهذا وجه من أوجه العلقة بينهما ‪ ،‬وخلصتها أن يقال ‪:‬‬
‫إن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنًا ‪ ،‬فبينهما عموم من وجه واحد‬
‫فقط ‪ ،‬والوجه الثاني أنهما إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا ‪ ،‬أي إذا ذكر‬
‫أحدهما في النص فإنه يدخل معه الخر الذي لم يذكر ‪ ،‬فيصدق المذكور في‬
‫النص عليهما ‪ ،‬وإذا ذكرا معًا في نص واحٍد فإنهما يختلفان أي يحمل كل‬
‫واحٍد منهما معنًا خاصًا ‪ ،‬فيكون السلم معناه العمال الظاهرة من‬
‫الشهادتين والصيام والصلة والزكاة والحج وسائر أعمال الجوارح ‪ ،‬ويكون‬
‫معنى اليمان العمال الباطنة أي أعمال القلوب من التصديق والقرار‬
‫والمحبة والنابة والرجاء والتوكل والخوف ونحوها ‪ ،‬وإليك بعض المثلة ‪:‬‬
‫فمن المثلة على افتراقهما‬
‫سلُم ( )آل عمران‪ :‬من الية ‪ (19‬أي‬ ‫ل الِْ ْ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫ن ِ‬
‫ن الّدي َ‬
‫قوله تعالى ) ِإ ّ‬
‫سلِم ِدينًا ( )آل عمران‪ :‬من الية‬ ‫غْيَر اِْل ْ‬
‫ن َيْبَتِغ َ‬
‫واليمان وقوله تعالى ) َوَم ْ‬
‫ن ( )آل‬ ‫سِلُمو َ‬ ‫شَهُدوا ِبَأّنا ُم ْ‬‫‪ (85‬أي وغير اليمان وقوله تعالى ) َفُقوُلوا ا ْ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪ (64‬أي ومؤمنون وهكذا ‪ ،‬وفي حديث وفد عبد القيس‬
‫مرفوعًا ) آمركم باليمان بال وحده ( ثم فسره بأركان السلم فقال ‪ :‬شهادة‬
‫أل إله إل ال وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وصوم‬
‫رمضان وأن تعطوا خمسًا من المغنم ( متفق عليه ‪ ،‬ومن ذلك حديث سعد في‬
‫الصحيحين أن النبي صلى ال عليه وسلم أعطى رهطًا وسعد جالس ‪ ....‬وفيه‬
‫) مالك عن فلن فوال إني لراه مؤمنًا فقال ) أو مسلمًا ( ثلث مرات ‪.‬‬
‫ومثال اجتماعهما‬
‫‪280‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫سَلْمَنا (‬
‫ن ُقوُلوا َأ ْ‬
‫ب آَمّنا ُقْل َلْم ُتْؤِمُنوا َوَلِك ْ‬
‫عَرا ُ‬
‫ت الَْ ْ‬
‫قوله تعالى ) َقاَل ِ‬
‫)الحجرات‪ :‬من الية ‪ (14‬ففرق بينهما لنهما في نص واحد وكذلك حديث‬
‫جبريل المشهور فإنه قد فسر السلم بأعمال الجوارح وفسر اليمان بأعمال‬
‫القلوب ‪ ،‬وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وخلصة الجواب أن يقال ‪:‬‬
‫العلقة بينهما من وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ‪ .‬وال أعلم‬

‫س ‪ /256‬ما صورة الستثناء في اليمان ؟ وما حكمه بالتفصيل ؟‬


‫ج‪ /‬صورته أن يقول ‪ :‬أنا مؤمن إن شاء ال ‪ .‬والناس فيها على طرفين‬
‫ووسط وخير المور الوسط ‪ ،‬فمن الناس من يوجب هذا القول أي يوجب‬
‫قول ) إن شاء ال ( بعد قوله ) أنا مؤمن ( فيوجبه مطلقًا ولهم في ذلك‬
‫مأخذان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن اليمان هو ما مات عليه النسان والنسان إنما يكون عند‬
‫ال مؤمنًا أو كافرًا باعتبار الموفاة وما سبق في علم ال أنه يكون عليه ‪ ،‬وما‬
‫قبل ذلك فل عبرة به ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن اليمان المطلق يتضمن فعل ما أمر ال به عبده كله وترك‬
‫ما نهاه عنه كله فإذا قال الرجل أنا مؤمن بهذا العتبار فقد شهد لنفسه أنه من‬
‫البرار المتقين والقائمين بجميع ما أمروا به وترك ما نهوا عنه فيكون من‬
‫أولياء ال المقربين وهذا من تزكية النفس وقد نهى ال عنه في قوله تعالى‬
‫سُكْم ( )لنجم‪ :‬من الية ‪ (32‬وقوله تعالى ) َأَلْم َتَر ِإَلى اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫) َفل ُتَزّكوا َأْنُف َ‬
‫ل ( )النساء‪(49:‬‬ ‫ن َفِتي ً‬
‫ظَلُمو َ‬
‫شاُء َول ُي ْ‬
‫ن َي َ‬
‫ل ُيَزّكي َم ْ‬
‫سُهْم َبِل ا ُّ‬‫ن َأْنُف َ‬
‫ُيَزّكو َ‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ) ال أعلم بأهل البر منكم ( ومن الناس من يمنعه‬
‫مطلقًا وهم الذين يجعلون اليمان جزًء ل يزيد ول ينقص وهم المرجئة ‪،‬‬
‫ومأخذهم في ذلك قولهم نحن نعلم قطعًا أننا مؤمنون كعلمنا قطعًا أننا‬
‫مسلمون ‪ ،‬وتعليق اليمان بالمشيئة شك في اليمان والشك في اليمان كفر ‪،‬‬
‫ولذلك فهم يسمون من يجيز تعليق اليمان بالمشيئة بالشكاكين ‪ ،‬أما مذهب‬
‫ل يجمع الدلة كلها فهم أسعد بالحق‬ ‫أهل السنة فإنهم يفصلون في ذلك تفصي ً‬
‫‪281‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫والصواب المؤيد بالدليل من الفريقين السابقين وهم الوسط في هذه المسألة‬


‫كما أنهم الوسط في سائر أمور العتقاد وخلصة مذهبهم أنهم قالوا ‪ :‬إن كان‬
‫القصد من الستثناء الشك في وجود أصل اليمان فهذا حرام لنه مفض إلى‬
‫الوقوع في الحرام ‪ ،‬وما أفضى إلى الحرام فهو حرام ‪ .‬وهذا ل خلف فيه ‪،‬‬
‫وإن كان يقصد به الشك في كماله فهو مندوب حسن جدًا لن كمال اليمان‬
‫من المور التي ل تدرك بالحس وإنما مبناها على الدليل ولنه أبعد عن‬
‫الرياء والسمعة ‪ ،‬ويلحق بذلك من أستثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة فهو حسن‬
‫أيضًا وما عدا ذلك فجائز ‪ ،‬ونقول بتفصيل أوضح ‪ :‬يكون الستثناء حرامًا‬
‫إذا كان للشك في أصل اليمان ويكون واجباً إذا خيف على نفسه الرياء إذا‬
‫تركه ‪ ،‬ويكون مستحبًا إذا كان للشك في كماله أو أزاد عدم علمه بالعاقبة ‪،‬‬
‫ويكون مباحًا فيما عدا ذلك وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /257‬ما حكم الفعال التي نفي اليمان عن فاعلها أو تاركها ؟ مع‬


‫توضيح ذلك بالمثلة وبيان القاعدة في ذلك ؟‬
‫ج‪ /‬القاعدة في ذلك أن كل فعل نفى اليمان عن فاعله فلنه حرام ‪ ،‬وكل فعل‬
‫نفى اليمان عن تاركه فلنه واجب وهذا المر من الشياء التي يعرف بها‬
‫وجوب الشيء أو حرمته ‪ ،‬بل وهو من الشياء التي يعرف بها الكبيرة فإن‬
‫الكبيرة تعرف بأشياء كثيرة ومنها قولهم ‪:‬‬
‫) أو نفي إيمان ( أي أن هذه الشياء والفعال التي نفي اليمان عن أصحابها‬
‫دليل على أنها كبيرة من كبائر الذنوب ‪ ،‬فإن المنفي هنا هو كمال اليمان‬
‫الواجب فإن من الممتنع شرعًا أن ينفى اليمان عن فاعل المكروه أو تارك‬
‫المستحب ‪ ،‬بل ل ينفي اليمان الكامل إل عن فاعل الحرام أو بارك‬
‫الواجب ‪ ،‬والمثلة على ذلك ل تكاد تحصر ودونك بعضها ‪:‬‬
‫فمنها ‪ :‬حديث أبي هريرة في الصحيحين مرفوعًا ) ل نزني الزاني حين‬
‫يزني وهو مؤمن ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ويشرب الخمر‬
‫حين يشربها وهو مؤمن ( وكان أبو هريرة يلحق معهن ) ول ينتهب نهبة‬
‫ذات شرف يرفع الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ول يغل حين‬
‫يغل وهو مؤمن ( فهذه الفعال نفى النبي صلى ال عليه وسلم اليمان عن‬
‫فاعلها فهو دليل على حرمتها وأنها كبيرة من كبائر الذنوب ‪.‬‬
‫‪282‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ومنها ‪ :‬ما في الصحيحين من حديث أنس مرفوعًا ) ل يؤمن أحدكم‬


‫حتى يحب لخيه ما يحبه لنفسه ( فهذا دليل على وجوب ذلك أي يجب عليك‬
‫أن تحب لخيك ما تحب لنفسك ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما في الصحيحين من حديث أنس مرفوعًا ) ل يؤمن أحدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ( فهذا دليل على‬
‫وجوب تقديم محبته صلى ال عليه وسلم على محبة كل أحد من الخلف لنه‬
‫فعل نفى الشارع اليمان عن تاركه فهذا دليل وجوبه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬حديث ) ل إيمان لمن ل أمانة له ول دين لمن ل عهد له ) فهذا‬
‫دليل على وجوب أداء المانة وحفظ العهد ‪ .‬وعلى ذلك فقس وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /258‬ما مذهب أهل السنة في مرتكب الكبيرة في الدنيا مع تأييد ذلك‬


‫بالدلة ؟ موضحًا وسطيتهم بذكر أقوال المخالفين إجماًل ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة والجماعة رحمهم ال تعالى أن فعل الكبيرة له تأثير في‬
‫نقص اليمان كما وردت بذلك الدلة ‪ ،‬لكنه ليس النقص الكامل بحيث ل‬
‫يكون معه شيء من اليمان ‪ ،‬بل هو نقص يتفاوت بتفاوت عظم هذه‬
‫المعصية وصغرها ‪ ،‬فالنقص الذي يحدثه القتل أعظم من النقص يحدثه حلق‬
‫اللحية وإسبال الثوب ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬فالمحرمات تتفاوت فيما يترتب عليها من‬
‫العقوبات والثام ‪ ،‬كما أن الواجبات تتفاوت أجورها وما يترتب عليها ‪ ،‬ففعل‬
‫المعصية ينقص اليمان ‪ ،‬لكنه ليس النقص المطلق ‪ ،‬أي أنه نقص من إيمانه‬
‫بقدر هذه الكبيرة التي فعلها لكن يبقى معه شيء من اليمان ‪ ،‬فخلصة‬
‫مذهب أهل السنة في ذلك أنهم ل يعطونه اليمان المطلق ول يسلبونه مطلق‬
‫اليمان وبعبارة أخرى نقول ‪ :‬مرتكب الكبيرة مؤمن بما بقي معه من اليمان‬
‫وفاسق بما فعله من العصيان ‪ .‬أو نقول ‪ :‬هو مؤمن بإيمانه وفاسق بكبيرته ‪،‬‬
‫والدليل على أن فعل الكبيرة تنقص اليمان حديث أبي هريرة السابق ) ل‬
‫يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ‪ .......‬الحديث ( أي ل يكون مؤمنًا تامًا‬
‫ول يكون له نور اليمان كما قاله المام البخاري رحمه ال تعالى ‪ ،‬فهذه‬
‫المعاصي من الزنى وشرب الخمر والسرقة والنتهاب والغلول أوجبت‬
‫نقص اليمان مما يدل على أن فعل المعصية ينقص اليمان ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫مرفوعًا ) وال ل يؤمن وال ل يؤمن وال ل يؤمن قالوا ‪ :‬من يا رسول ال‬
‫‪283‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫قال ) من ل يأمن جاره بوائقه ( فهذه المعصية وهي أذى الجار وإسرار‬
‫العداوة له وتربص حلول الدوائر به أوجبت نقص اليمان ‪ ،‬وفي صحيح‬
‫مسلم من حديث أبي مسعود مرفوعًا ) ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة‬
‫من كبر ( فهذه المعصية العظيمة أوجبت نقص اليمان الذي تحصل به‬
‫النجاة يوم القيامة ‪ .‬وفي الصحيحين من حديث أبن مسعود مرفوعا )سباب‬
‫المسلم فسوق وقتاله كفر ( والوصف بالفسوق والكفر الصغر دليل على أن‬
‫هاتين المعصيتين قد أثرتا تأثيرا بليغا في نقص اليمان مما يدل على أن فعل‬
‫المعصية ينقص اليمان بقدر هذه المعصية ‪ .‬وفي الصحيحين من حديث‬
‫حذيفة )ل يدخل الجنة قتات(أي نمام ‪ ،‬فهذه المعصية أنقصت اليمان الواجب‬
‫نقصا كبيرا بحيث أن صاحبها حكم عليه بأنه ل يدخل الجنة ‪،‬والنصوص‬
‫على ذلك كثيرة جدا ل تكاد تحصر‪ ،‬وتفيد بمجموعها أن فعل المعاصي‬
‫ينقص اليمان ‪ ،‬والدليل على أن فاعل الكبيرة ل يخرج عن مسمى اليمان‬
‫قوله تعالى )) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر‬
‫بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع‬
‫خ للمقتول مما يدل‬‫بالمعروف وأداًء إليه بإحسان (( فوصف القاتل بأنه أ ٌ‬
‫على أنه ل يزال على اليمان مع اتصافه بالقتل فعلمنا بذلك أن ارتكاب‬
‫الكبيرة ل يخرج عن مسمى اليمان ومن ذلك قوله تعالى ) وإن طائفتان من‬
‫المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ( فسماهم مؤمنين مع اتصافهم بقتال‬
‫بعضهم بعضًا ـ وقال في آخرها ) إنما المؤمنون إخوة( فوصفهم باليمان‬
‫وجعلهم إخوة مما يدل على أنه ل يزال بينهم أخوة اليمان ‪ ،‬فعلمنا بذلك أن‬
‫ارتكاب الكبيرة ل يخرج العبد من دائرة اليمان بالكلية ‪ ،‬وفي حديث عياض‬
‫الملقب حمارًا أنه كان يشرب الخمر فيؤتى به فيجلد فلعنه أحد الصحابة فقال‬
‫عليه الصلة والسلم ) ل تلعنه فوال أني ل أعلم إل أنه يحب ال ورسوله (‬
‫ومن المعلوم أن شرب الخمر من الكبائر ومع ذلك أثبت له أنه يحب ال‬
‫ورسوله أي هو مؤمن ‪ ،‬فأثبت له اليمان مع تلبسه بهذه الكبيرة فعلمنا بذلك‬
‫أن ارتكاب الكبيرة ل يخرج العبد من مسمى اليمان بالكلية ‪ .‬وقد أتفق أهل‬
‫السنة على ذلك إذا علمت هذا فاعلم أن المرجئة يقولون ‪ :‬فاعل الكبيرة له‬
‫اليمان المطلق أي أن إيمان أفسق الناس كإيمان أصلح الناس ففعل الكبيرة‬
‫غير الشرك ل يؤثر في نقص اليمان ‪ .‬وأما الوعيدية فقالوا ‪ :‬من فعل‬
‫‪284‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الكبيرة فإنه يخرج من دائرة اليمان ومسماه بالكلية ‪ ،‬فل ينفع إيمان مع فعل‬
‫الكبيرة فهم سلبوه مطلق اليمان ‪ ،‬فقال أهل السنة ‪ :‬ول يسلبه مطلق‬
‫اليمان ‪ .‬فمذهب أهل السنة وسط بين المذهبين‪ ،‬فلم يعطوه اليمان المطلق‬
‫كما فعلت المرجئة ولم يسلبوه مطلق اليمان كما فعلت الوعيدية ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /259‬ما مذهب أهل السنة في مرتكب الكبيرة في الخرة مع بيان‬


‫مذهب المرجئة والوعيدية ؟ وتوضيح منهج الوسطية في ذلك ؟‬
‫ج‪ /‬نعتقد أهل السنة رفع ال نزلهم في الفردوس العلى أن مرتكب الكبيرة‬
‫إذا مات مصرًا عليها فإنه تحت مشيئة ال تعالى ‪ ،‬فإن شاء غفر له كبيرته‬
‫وأدخله الجنة ابتداًء وإن شاء عذبه في النار بقدر كبيرته ثم يخرجه منها‬
‫ل ‪ ،‬ويعتقدون م ذلك أنه ل يخلد أحد من أهل القبلة في‬ ‫ويدخله الجنة انتقا ً‬
‫النار خلود الكفار ‪ ،‬وإن طالت فترة عذابهم فمآلهم إلى الجنة ‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك حديث أنس في الصحيح مرفوعًا ) يخرج من النار من قال ل إله إل ال‬
‫وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي‬
‫قلبه وزن حبة من خير ويخرج من النار من قال ل إله إل ال وفي قلبه وزن‬
‫ذرة من خير ( وفي السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) خمس صلوات كتبهن ال على العباد‬
‫فمن حافظ عليهن لم كان له عهد عند ال أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ‬
‫عليهن لم يكن له عهد عند ال إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ( حديث‬
‫صحيح ‪ ،‬وفي الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ) بايعوني على أن ل تشركوا بال شيئًا ول‬
‫تسرقوا ول تزنوا ول تقتلوا أولدكم ول تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم‬
‫وأرجلكم ول تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على ال ‪ ،‬ومن‬
‫أصاب من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا‬
‫فستره ال فهو إلى ال إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ( وقال أهل السنة ذلك‬
‫لن فاعل الكبيرة قد أجتمع فيه الموجبات ‪ ،‬فما فعله من الكبائر موجب‬
‫لعقوبته وما عنده من اليمان موجب لثابته ‪ .‬فأجتمع فيه موجب الثواب‬
‫وموجب العقاب فل نجزم له بأحد المرين بل نكل أمره إلى ال تعالى فإن‬
‫شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ‪ ،‬وبتوضيح أكثر نقول ‪ :‬إعلم رحمك ال تعالى‬
‫‪285‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫أن مذاهب أهل القبلة في مرتكب الكبيرة في الخرة هو نتيجة لمذاهبهم فيه‬
‫في الدنيا ‪.‬‬
‫فأما الوعيدية فقد سلبوه مطلق اليمان فقالوا ‪ :‬إنه في الخرة إلى النار خالدًا‬
‫مخلدًا فيها ل يخرج منها أبد الباد‪.‬‬
‫وأما المرجئة فقد قالوا إن مرتكب الكبيرة له اليمان المطلق فقالوا ‪ :‬هو في‬
‫الخرة إلى الجنة مباشرة ول اعتبار بما فعله من الكبائر لنها لم تنقص‬
‫إيمانه ‪.‬‬
‫وأما أهل السنة فقالوا ‪:‬ل نقول إلى الجنة مباشرة ول إلى النار مباشرة بل‬
‫هو تحت المشيئة ‪ ،‬فتوسطوا بين المذهبين الضالين ‪ ،‬وهذا من توفيق ال‬
‫تعالى لهل السنة وال أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /260‬ما سبب ضلل هاتين الفرقتين ؟ وما سبب تسميتها بذلك ؟ وأي‬
‫الفرق هم ؟‬
‫ج‪ /‬أما سبب ضللهم فلنهم زعموا أن اليمان جزء واحد ل يزيد ول ينقص‬
‫‪ ،‬بل هو ثابت في حق كل أحٍد ما لم يأت العبد بما يناقضه ‪ ،‬وهذا المناقض‬
‫هو الكفر والشرك عند المرجئة ل غير ‪ ،‬فالذي يؤثر في اليمان عند‬
‫المرجئة هو الشرك فقط ل فعل الكبيرة ‪ ،‬تغليبًا منهم للرجاء التي دلت عليها‬
‫أدلة الوعد ‪ ،‬وأما الوعيدية فالناقض عندهم هو كل كبيرة ‪ ،‬فكل كبيرة تعد‬
‫ناقضة لليمان من أساسه وكذلك تغليبًا منهم للخوف والتهديد التي دلت عليه‬
‫أدلة اليمان أي ل يذهبه بالكلية إل الكفر والشرك ‪ ،‬وأما فعل الكبيرة فإنها‬
‫مضادة لكماله الواجب أي أن الكبيرة تنقصه عن كماله الواجب ‪ ،‬فل يجتمع‬
‫الكمال الواجب مع فعل الكبيرة أبدًا ‪ ،‬لكنها ‪ -‬أي فعل الكبيرة ل تناقض‬
‫أساسه ويكون أهل السنة بذلك قد أخذوا بأدلة الوعيد والوعد فأعملوا جميع‬
‫الدلة الشرعية وهذا هو منهج الوسطية ‪.‬فالمرجئة عبدوا ال بالرجاء فقط ‪،‬‬
‫والوعيدية عبدوا ال بالخوف فقط وأما أهل السنة فعبدوا ال بالخوف‬
‫والرجاء فأنتج ذلك لهم الخشية ‪ ،‬فالخشية مزيج من الخوف والرجاء ‪ ،‬جعلنا‬
‫ال وإياك من أهل السنة ‪.‬‬
‫وسميت المرجئة بذلك لنهم يغلبون جانب أدلة الوعد المفيدة لتغليب الرجاء ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل الرجاء هو التأخير فلنهم يؤخرون العمل عن اليمان سموا‬
‫‪286‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫بالمرجئة‪ ،‬قلت ‪ :‬وكل المرين صحيح فسموا مرجئة لهذا ولهذا ‪ .‬وهم‬
‫الشاعرة وبعض الحناف والماتريدية والجهمية والكلبية ‪ ،‬فهولء في باب‬
‫أسماء الحكام والدين يسمون مرجئة ‪ ،‬وأما الوعيدية فسموا بذلك لنهم ل‬
‫يعلمون إل بأدلة الوعيد فقط ويتركون أدلة الوعد ‪ ،‬وهم الخوارج‬
‫والمعتزلة ‪ ،‬فهؤلء في باب الكلم على مرتكب الكبيرة نسميهم الوعيدية‬
‫وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /261‬ما الضابط في معرفة الكبيرة ؟ مع بيان هذا الضابط بضرب‬


‫مثال ؟‬
‫ج‪ /‬الضابط في معرفة الكبيرة هي أنها كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو نار‬
‫أو توعد عليه بعقاب خاص في الخرة أو نفي عن صاحبه اليمان أو بأنه‬
‫ليس منا ‪.‬‬
‫فمثال ما ختم بلعنة حديث علي مرفوعًا ) لعن ال من ذبح لغير ال لعن ال‬
‫من لعن والديه لعن ال من آوى محدثًا لعن ال من غير منار الرض ( رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫ومثال ما ختم بغضب قوله تعالى ) ومن قتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خا ً‬
‫ل‬
‫فيها وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا ( وحديث ابن مسعود ) من‬
‫حلف على يمين صبر ( ‪.‬‬
‫ومثال ما ختم بناٍر حديث ) فما أسفل الكعبين في النار( ‪.‬‬
‫ومثال ما ثبت فيه الوعيد عليه بخصوصه حديث ) ثلثة ل ينظر ال إليهم‬
‫يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان له فضل ماٍء بالطريق‬
‫فمنعه من ابن السبيل ورجل بايع إمامه ل يبايعه إل لدنيا فإن أعطاه منها‬
‫رضي وإن لم يعطه منها سخط ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال وال الذي‬
‫ل إله إل غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا فصدقه رجل ‪ (..‬متفق عليه ‪.‬‬
‫ومثال ما نفي عن صاحبه اليمان حديث أنس ) ل يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ( ‪.‬‬
‫ومثال ما قيل فيه ) ليس منا ( حديث ابن مسعود ) ليس منا من ضرب‬
‫الحدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ( وحديث ابن عمر وأبي موسى‬
‫‪287‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫) من حمل علينا السلح فليس منا ( ونحو هذه الدلة ‪ ،‬والمسألة خلفية وهذا‬
‫هو الراجح إن شاء ال تعالى واختاره شيخ السلم وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /262‬ما أسباب تكفير السيئات ؟‬


‫ج‪ /‬أسباب تكفير السيئات هي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬التوبة ‪ ،‬قال تعالى ) إل من تاب ( وقال ) فمن تاب من بعد‬
‫ظلمه وأصلح ( وفي الحديث ) ويتوب ال على من تاب ( وقال عليه‬
‫الصلة والسلم ) والتوبة يجب ما قبلها ( والدلة في ذلك كثيرة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الستغفار ‪ ،‬قال تعالى ) وما كان ال معذبهم وهم‬
‫يستغفرون ( وقال تعالى ) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل‬
‫السماء عليكم مدرارا ( وذكر أهل العلم أن الستغفار يتضمن التوبة والتوبة‬
‫تتضمن الستغفار وكل واحد منها يدخل في مسمى الخر عند الطلق ‪،‬‬
‫وأما عند القتران فيكون الستغفار طلب وقاية شر ما مضى ‪ ،‬والتوبة ‪:‬‬
‫الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله ‪ ،‬فيقال‬
‫في التوبة والستغفار ما يقال في السلم واليمان ‪ ،‬والفقير والمسكين ‪،‬‬
‫والكفر والشرك عن أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الحسنات الماحية ‪ ،‬قال تعالى ) إن الحسنات يذهبن السيئات (‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ) وأتبع السيئة الحسنة تمحها ( حديث صحيح ‪،‬‬
‫وفي الحديث ) الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له‬
‫جزاء إل الجنة ( وهو في الصحيح ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬المصائب الدنيوية ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ) ما يصيب‬
‫المسلم من وصبٍ ول سقم ول حزن حتى الهم يهمه إل كّفر ال به من‬
‫سيئاته ( متفق عليه ‪ ،‬وعن أبي هريرة قال ‪ ) :‬لما نزلت ) من يعمل سوءًا‬
‫يجز به ( بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم )قاربوا و سددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها‬
‫أو الشوكة يشاكها ( رواه مسلم ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم لم السائب ) ل‬
‫تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ( رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬عذاب القبر وتقدم الكلم عليه ‪.‬‬
‫‪288‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫السادس ‪ :‬دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات ‪.‬‬


‫السابع ‪ :‬ما يهدى إليه بعد الموت من ثواب صدقٍة أو حج ونحو ذلك ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬أهوال يوم القيامة وشدائده ‪.‬‬
‫صة عند القنطرة وهو ما جاء في حديث أبي سعيد‬ ‫التاسع ‪ :‬المقا ّ‬
‫الخدري رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ) إذا خلص‬
‫المؤمنون من النار حبسوا بقنطرٍة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت‬
‫بينهم في الدنيا ‪ ،‬حتى إذا نّقـوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة ‪ .....‬الحديث (‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬
‫العاشر ‪ :‬شفاعة المؤمنين له يوم القيامة وسيأتي الكلم عليها بعد قليل‬
‫إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫الحادي عشر ‪ :‬عفو أرحم الراحمين من غير شفاعه كما قال تعالى‬
‫) ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( وسيأتي دليلها في الشفاعة إن شاء ال‬
‫تعالى ‪ ،‬فهذه السباب هي مجموع ما ذكره أبو العباس وتلميذه أبن القيم‬
‫وتابعهم على ذلك شارح الطحاوية وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /263‬عرف الشفاعة ؟ وما الصل فيها عند أهل السنة والجماعة ؟‬


‫ج‪ /‬الشفاعة مأخوذة من الشفع ضد الوتر ‪ ،‬وهي انضمام شيء إلى شيء ‪،‬‬
‫أي انضم وتر إلى وتر فصار شفعًا ‪ ،‬والمراد بها في عرف أهل العتقاد ‪:‬‬
‫السؤال لفصل القضاء والتجاوز من الذنوب وتخفيف العذاب وزيادة الثواب‬
‫لمستحقه ‪ ،‬فهذا التعريف يدخل فيه جميع النواع المذكورة والتي ثبتت بها‬
‫الدلة ‪ ،‬وهو تعريف للشفاعة في الخرة وإل فالشفاعة في الصل ‪ :‬طلب‬
‫الخير للغير ‪ ،‬إذا علمت هذا فاعلم أن الصل في شفاعة الخرة التوقيف على‬
‫الدليل ‪ ،‬أي أنه ل يجوز أن يثبت منها إل ما ورد الدليل به فقط وأما ما ل‬
‫دليل عليه فالصل عدمه لن هذه الشفاعات من أمور الغيب وقد تقرر أن‬
‫أمور الغيب مبناها على التوقيف ‪ ،‬فما صح به الدليل قلنا به ومال فل وكما‬
‫أنه ل يجوز أن يثبت منها إل ما أثبته الدليل ‪ ،‬فكذلك ل يجوز إنكار أو تأويل‬
‫ما ثبت به الدليل ‪ ،‬بل الواجب التصديق والقرار به وترك المراء والجدال‬
‫فيما ثبت به النص ‪ ،‬ول يتعارض نص صحيح مع عقل صريح ‪ ،‬والعقل‬
‫تابع للنص وخادم له ‪ ،‬والنص هو السيد المطاع ‪ ،‬فانتبه لهذا فإن هذا الباب‬
‫‪289‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫أعني باب الشفاعة باب قد زلت فيها القدام وضلت فيه الفهام وسبب ذلك‬
‫عدم اعتماد هذا الصل المبارك وال ولي التوفيق ‪.‬‬

‫س ‪ /264‬ما أقسام الناس في الشفاعة ؟‬


‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬الناس في الشفاعة ثلث طوائف‬
‫طرفان ووسط‪:‬ـ‬
‫الولى ‪ :‬طائفة أنكرها كاليهود والنصارى والخوارج والمعتزلة الذين‬
‫ينكرون الشفاعة في أهل الكبائر فخالفوا اليات القرآنية الصريحة‬
‫والحاديث النبوية الصحيحة وناقضوا إجماع المة‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬طائفة غلت في إثبات الشفاعة حتى تجاوز بهم الحد الشرعي‬
‫فجوزوا طلبها من الموات كالنبياء والولياء والصالحين‪،‬حتى أثبتوها‬
‫لبعض الجمادات كما قال ال تعالى ))ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى((‬
‫وقال عنهم ))هؤلء شفعاؤنا عند ال (( فرد ال عليهم وكذبهم في زعمهم‬
‫هذا فقال )) ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع (( وقال تعالى )) فما‬
‫تنفعهم شفاعة الشافعين (( وقد عاب ال تعالى على الذين اتخذوا شفعاء من‬
‫دونه وهم ل يملكون شفاعة ول يعقلون لنهم إما أموات غير أحياء وإما‬
‫جمادات فقال تعالى )) أم اتخذوا من دون ال شفعاء قل أولو كانوا ل‬
‫يملكون شيئًا ول يعقلون * قل ل الشفاعة جميعًا له ملك السموات‬
‫والرض ثم إليه ترجعون (( وقال تعالى )) ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن‬
‫أذن له (( فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون في معبوداتهم هي منتفية يوم‬
‫القيامة كما نفاها القرآن ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أهل السنة والجماعة ‪ :‬فقد أثبتوا الشفاعة الشرعية واعتمدوا‬
‫ما جاء في شأنها في الكتاب والسنة وأنها ل تطلب إل من ال تعالى ‪،‬‬
‫وسيأتي في السئلة بعدها زيادة توضيح لذلك وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /265‬هل الشفاعة ف الخرة عامة أم خاصة ؟‬


‫ج‪ /‬كنها ما هو عام ومنها ما هو خاص ‪ ،‬ونعني بالخاص أي بالنبي وحده‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ونعني بالعام ‪ ،‬أي لسائر النبيين والملئكة والصديقين‬
‫‪290‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫والشهداء والصالحين ومن مات صغيرًا ولعامة المؤمنين ‪ ،‬فأما الشفاعات‬


‫الخاصة فثلث ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬الشفاعة العظمى ‪ ،‬الثانية ‪ :‬الشفاعة في أهل الجنة ليدخلوا الجنة ‪،‬‬
‫الثالثة ‪ :‬الشفاعة في عمه أبي طالب ‪ ،‬وأما الشفاعات العامة فأربع ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬الشفاعة فيمن أستحق النار إل يدخلها ‪ ،‬الثانية ‪ :‬الشفاعة فيمن‬
‫دخلها من أهل القبلة ممن معه أصل السلم أن يخرج منها ‪ ،‬الثالثة ‪:‬‬
‫الشفاعة في أهل العراف‬
‫الرابعة ‪ :‬الشفاعة في رفعة الدرجات في الجنة ‪ ،‬فصارت الشفاعات بذلك‬
‫سبع شفاعات ‪ ،‬ثلث منها خاصة به صلى ال عليه وسلم والباقي عام له‬
‫ولسائر المؤمنين وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /266‬ما المراد بالشفاعة العظمى وما دليلها ؟‬


‫ج‪ /‬المراد بها شفاعته صلى ال عليه وسلم في أهل الموقف لفصل القضاء‬
‫بينهم ‪ ،‬فعن أنس بن مالك رضي ال عنه قال حدثنا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال )إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم‬
‫فيقولون أشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل‬
‫الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول ‪ :‬لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم ال ‪،‬‬
‫فيأتون موسى فيقول ‪ :‬لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح ال وكلمته‬
‫فيأتون عيسى فيقول ‪ :‬لست لها ولكن عليكم بمحمٍد صلى ال عليه وسلم‬
‫فيأتوني فأقول ‪:‬ـ أنا لها فاستأذنت على ربي لي ويلهمني محامد أحمده بها‬
‫الن فاحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال‪ :‬يا محمد ارفع راسك وقل‬
‫يسمع لك واشفع تشفع وسل تعط‪ ،‬فأرفع راسي وأقول ‪ :‬يا رب أمتي أمتي ‪-‬‬
‫الحديث الطويل ‪ -‬متفق عليه وقد أجمع السنة على إثباتها‪ .‬فإذا جمع الولين‬
‫والخرين في صعيد واحد فإن الشمس تدنو منهم والعرق يبلغ منهم كل على‬
‫قدر أعماله فيبلغ الناس من الكرب ما ل يطيقون وما ل يحتملون فيقول‬
‫بغض الناس لبعض أل ترون إلى ما قد بلغكم أل ترون ما أنتم فيه ‪ ،‬أل‬
‫ترون من يشفع لكم إلى ربكم ‪ .‬فيأتون آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى‬
‫عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬كلهم يعتذر عن ذلك ويقول ) إن ربي قد غضب‬
‫اليوم غضًبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ‪ ،‬ويذكر ما عنده مما‬
‫‪291‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫أخطأ فيه ‪ ،‬فيقول آدم عليه السلم ) وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي‬
‫نفسي ‪ ،‬ويقول نوح عليه السلم ) وإنه كانت لي دعوة دعوتها على قومي‬
‫نفسي نفسي ‪ ،‬وإبراهيم عليه السلم ذكر تعريضاته الثلث ‪ ،‬وموسى يقول )‬
‫سا لم أمر بقتلها نفسي نفسي ‪ ،‬وأما عيسى فل يذكر ‪ ،‬وينتهي‬ ‫وإني قتلت نف ً‬
‫المر إلى خاتم النبياء وأفضل المرسلين صلى ال عليه وسلم فيقول ‪ :‬أنا لها‬
‫‪ ،‬فيشفع عند ربه فيفصل بين الناس في القضاء ‪ ،‬وهذه الشفاعة المقام‬
‫المحمود الذي يحمده فيه الولون والخرون كما قال ال تعالى )) عيسى أن‬
‫يبعث ربك مقاًما محمودا (( وكما ذكرت أن هذه الشفاعة خاصة به صلى ال‬
‫عليه وسلم وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪/267‬ما المقصود بالشفاعة لدخول الجنة مع ذكر دليلها ؟‬


‫ج‪ /‬المقصود بها أن أهل الجنة إذا جاءوا إليها وجدوا أبوابها مغلقة ويكون‬
‫أول من يفتح له النبي صلى ال عليه وسلم فيدخلها وقد دخل بعده أمته ثم بقية‬
‫المم ‪ ،‬ودليلها حديث أنس عند مسلم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ) أتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت ؟ فأقول ‪:‬‬
‫محمد ‪ ،‬فيقول ‪ :‬بك أمرت ل أفتح لحد قبلك ( وفي لفظ له ) أنا أول شفيع‬
‫في الجنة ( وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /268‬ما المراد بالشفاعة في عمه أبي طالب وما دليلها ؟‬


‫ج‪ /‬المراد بها شفاعة تخفيف ل إخراج وهي خاصة بأبي طالب فقط وإل‬
‫فالصل في عموم الكفار والمشركين أنهم ل تنفعهم الشفاعة ول يأذن لحد‬
‫ل بالشفاعة فيهم كما قال تعالى )) فما تنفعهم شفاعة الشافعين (( ‪ ،‬ففي‬
‫أص ً‬
‫الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال ) يا رسول ال هل نفعت أبا‬
‫طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال ) نعم هو في ضحضاح من‬
‫نار ولول أنا لكان في الدرك السفل من النار ‪ ،‬وفي لفظ ) وجدته في‬
‫غمرات من النار ‪ ،‬فأخرجته إلى ضحضاح ( وفي الصحيح أيضًا من حديث‬
‫أبي سعيد رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر عند عمه‬
‫أبو طالب فقال ‪ ) :‬لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من‬
‫النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ( وللبخاري ) يغلي من أم دماغه ( ولمسلم‬
‫‪292‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫عنه مرفوعًا ) إن أدنى أهل النار عذابًا من ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه‬
‫من حرارة نعليه ( وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /269‬ما المراد بالشفاعة في أهل الكبائر ؟ وما دليلها ؟ ومن الذي‬


‫أنكرها ؟‬
‫ج‪ /‬المراد بذلك أن من المة من يموت مصرًا على بعض الكبائر ‪ ،‬وقد‬
‫ذكرنا أنه عند أهل السنة تحت المشيئة ‪ .‬فإذا شاء ال عذابه فإنه ل يخلو من‬
‫ل بل يغفر له ويدخل‬ ‫أحوال إما أن يأذن بالشفاعة فيه فل يدخل النار أص ً‬
‫الجنة ابتداًء ‪ ،‬وإما أن يدخل النار ثم يؤذن بالشفاعة فيه بعد دخولها فيخرج‬
‫ل ‪ ،‬وذلك يعود إلى مشيئة ال جل وعل وهذه الشفاعة قد‬ ‫منها إلى الجنة انتقا ً‬
‫تواترت على إثباتها الدلة ففي الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم ) لكل‬
‫نبي دعوة دعاها لمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لمتي يوم القيامة ( وفي‬
‫الصحيح أيضًا من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ) أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال ل إله إل ال‬
‫خالصًا من قلبه ( وعن أنس مرفوعًا ) شفاعتي لهل الكبائر من أمتي ( وفي‬
‫الصحيح أيضًا عن حماد بن زيد قال قلت لعمرو بن دينار ‪ :‬أسمعت جابر بن‬
‫عبدال يحدث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ) إن ال يخرج قومًا من‬
‫النار بالشفاعة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫مرفوعًا ) فيقول ال عز وجل شفعت الملئكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون‬
‫ولم يبق إل رحمة أرحم الراحمين فيقبض قبضًة من النار فيخرج منها قومًا‬
‫لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا فحمًا فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر‬
‫الحياة ‪ ،‬فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل وفي الصحيح من حديث‬
‫أبي سعيد السابق والطويل وفيه ) حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي‬
‫نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة ل تعالى في استيفاء الحق من‬
‫المؤمنين يوم القيامة لخوانهم الذين في النار يقولون ‪ :‬ربنا كانوا يصومون‬
‫معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم ‪ :‬أخرجوا من عرفتم ‪ ،‬فتحّرُم صورهم‬
‫على النار فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه‬
‫‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ‪ :‬ارجعوا فمن وجدتم‬
‫في قلبه مثقال ديناٍر من خير فأخرجوه فيخرجون خلقًا كثيرًا ‪ ،‬ثم يقول ‪:‬‬
‫‪293‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ‪ ،‬فيخرجون منها‬
‫خلقًا كثيرًا ‪ ،‬ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرًا ( وفي الصحيح من حديث أبي‬
‫سعيد أيضًا مرفوعًا ) أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول‬
‫يحيون ولكن ناس منكم أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم ال‬
‫إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أذن بالشفاعة فجيئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على‬
‫أنهار الجنة ثم قيل ‪ :‬يا أهل الجنة أفيضوا عليهم ‪ ....‬الحديث ( وفي الصحيح‬
‫عن عمران بن حصين رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال )‬
‫يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى ال عليه وسلم فيدخلون الجنة‬
‫ويسمون بالجهنميين ( وفي البخاري أيضًا عن أنس رضي ال عنه قال‬
‫سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ) إذا كان يوم القيامة شفعت وقلت‬
‫يارب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة ‪ ،‬فيدخلون ثم أقول ‪ :‬أدخل الجنة‬
‫من كان في قلبه أدنى شيء فيدخلون ( وفي الحديث في فضائل الشهداء ) و‬
‫يشفع في سبعة من أهله ( وغير ذلك من الدلة ‪ ،‬وكما ذكرت لك أن هذا‬
‫النوع من الشفاعة قد تواترت به الدلة ‪ ،‬وقد أجمع أهل السنة رفع ال نزلهم‬
‫في الدنيا والخرة على إثباته ولكن أبى المبتدعة إل إنكارها والتكذيب بها ‪،‬‬
‫فقد أنكرها الوعيدية من الخوارج والمعتزلة ‪ ،‬وحري بهم أل يوفقوا لها يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ‪ ،‬وعميت أعينهم عن هذه الدلة‬
‫صلوها‬
‫النيرات المتواترات ِلوهٍم توهموه ومذهبٍ انتحلوه وخرافات أ ّ‬
‫واعتمدوها وعارضوا بها نصوص الوحي المطهر عافانا ال وإياكم من كل‬
‫بلء وفتنة ونعوذ به جل وعل من حال أهل الهواء وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /270‬ما دليل الشفاعة في رفعة الدرجات في الجنة ؟‬


‫ج‪ /‬دليلها قوله تعالى )) والذين آمنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم‬
‫ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهينة (( وفي‬
‫صحيح مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لما توفي أبو سلمة ) اللهم‬
‫أغفر لبي سلمة وأرفع درجته في المهديين ( وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /271‬من أهل العراف ؟‬


‫‪294‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ج‪ /‬أهل العراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فيوقفون بين الجنة والنار ‪،‬‬
‫يرون أهل الجنة يدخلون فيقولون )) سلم عليكم لم يدخلوها وهم‬
‫يطمعون (( ويرون أهل النار يدخلونها )) قالوا ربنا ل تجعلنا مع القوم‬
‫الظالمين (( فيأذن ال تعالى بالشفاعة فيهم فيشفع فيهم النبيون والصديقون‬
‫والشهداء والصالحون ‪ ،‬ويستدل على الشفاعة فيهم ببعض عمومات الدلة‬
‫السابقة كحديث ) شفاعتي لهل الكبائر من أمتي ( وغير ذلك وال أعل‬
‫وأعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /272‬ما شروط الشفاعة ؟ مع بيانها بالدلة ؟‬


‫ج‪ /‬شروط الشفاعة شرطان ‪ :‬الذن و الرضى قال تعالى )) من ذا الذي‬
‫يشفع عنده إل بإذنه (( وقال تعالى )) ول يشفعون إل لمن أرتضى (( وقال‬
‫تعالى )) وكم من ملك في السماوات ل تغني شفاعتهم شيئًا إل من بعد أن‬
‫يأذن ال لمن يشاء ويرضى (( وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /273‬ما لقاعدة المعتمدة عند أهل السنة في باب التوسل ؟ مع شرح‬


‫معناها الجمالي ؟‬
‫ج‪ /‬القاعدة المعتمدة عند أهل السنة في باب التوسل تقول ‪ ) :‬الصل في‬
‫التوسل التوقيف على الدليل الشرعي الصحيح الصريح ( وبيانها أن يقال أن‬
‫المتقرر عند أهل السلم أن باب التعبد ل تعالى باب توقيفي على الدليل ‪،‬‬
‫فل يجوز إثبات شيء منها إل إذا أثبته الدليل فما أثبته الدليل مها أثبتنها وما‬
‫نفاه منها نفيناه وما لم يثبته ولم ينفه فالصل عدمه من المعلوم أن باب‬
‫التوسل من أبواب العبادات فهو عبادة لن مبناه على أنك تتقرب إلى ال‬
‫تعالى باتخاذه الوسيلة المعينة المحبوبة له جل وعل ‪ ،‬وحيث كان عباده‬
‫فالصل فيه التوقيف تفريعًا على القاعدة في العبادات ‪ ،‬وبناًء عليه فل يجوز‬
‫لك أيها الخ المبارك أن تتوسل بشيء وتعتقد من جملة ما يتوسل به إل‬
‫وعليه دليل من الكتاب أو صحيح السنة ‪ ،‬وما ل دليل عليه فأحذره ‪ ،‬فليس‬
‫باب التوسل مفتوحًا للشهوات وآراء الرجال والهوى والحاديث الضعيفة أو‬
‫الموضوعة أو الذواق ‪ ،‬بل هو باب توقيفي على الدليل فما ورد الدليل‬
‫بجواز التوسل به فيجوز التوسل به ‪ ،‬وما لم يرد على جوازه دليل فقف منه‬
‫‪295‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫موقف المنع لن الصل في باب التوسل التوقيف على الدليل الشرعي‬


‫الصحيح وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /274‬ما المراد بلفظ )الوسيلة والتوسل( في الكتاب والسنة وكلم‬


‫الصحابة؟ مع بيان ذلك بالدلة ؟‬
‫ج‪ /‬اعلم أن الوسيلة تختلف باختلف الطلق ‪ :‬فالوسيلة في كتاب ال تعالى‬
‫يراد بها التقرب إليه بفعل أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬وطاعة رسله وهي‬
‫الوسيلة العامة التي يطالب بها كل أحد وذلك كما في قوله تعالى )) يا أيها‬
‫الذين آمنوا اتقوا ال وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم‬
‫تفلحون(( فابتغاء الوسيلة إليه يراد بها التقرب له بالعمل بما يرضيه‬
‫وبالمناسبة فإنه لم يرد لفظ الوسيلة في القرآن إل في هذا الموضع فقط‪.‬‬
‫وأما الوسيلة في كلم النبي صلى ال عليه وسلم يراد بها المنزلة التي في‬
‫الجنة التي ل تنبغي إل لعبد من عباد ال ‪ ،‬كما في قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫) ثم سلوا ال لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد ال‬
‫وأرجوا أن أكون أنا هو فنم سأل ال لي الوسيلة حلت له الشفاعة ( رواه‬
‫مسلم‪.‬وفي حديث جابر مرفوعا ) من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه‬
‫الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام‬
‫المحمود الذي وعدته حلت له شفاعتي( حديث صحيح ‪.‬‬
‫وأما الوسيلة في كلم الصحابة فإنما يراد بها طلب الدعاء فقط ‪ ،‬فإذا وجدت‬
‫في كلمهم أنهم كانوا يتوسلون بكذا وكذا ‪،‬فاعلم أن المراد بذلك أنهم يطلبون‬
‫منه أن يدعو لهم ‪ ،‬وذلك كما في حديث أنس أنهم كانوا إذا قحطوا يقول عمر‬
‫رضي ال عنه )اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك صلى ال عليه وسلم فتسقينا وإنا‬
‫نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ‪ ،‬قم يا عباس ‪ ،‬فيقوم فيدعو فيسقون( فقوله )كنا‬
‫نتوسل بنبيك( إي كنا نطلب الدعاء منه ‪ .‬وقوله ) وإنا نتوسل بعم نبيك ( أي‬
‫ونحن الن نطلب منه أن يدعو لنا ‪،‬فهذه الطلقات الثلث للفظ الوسيلة‬
‫يجب التفريق بينها ‪ ،‬فإن من فرق بينها فقد أحكم بذلك شيئا كثيرا من مسائل‬
‫هذا الباب الشائك الذي ضلت فيه أقوام وزلت فيه أقدام وال أعلم‪.‬‬
‫‪296‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س‪ 275/‬ما الوسائل التي ثبت الدليل بجواز التوسل مع تأييد ذلك بالدلة؟‬
‫ج‪ /‬لقد أثبت الدليل الشرعي الصحيح الصريح جواز التوسل بعدة أشياء‪:‬‬
‫الول ‪ :‬التوسل إلى ال تعالى بأسمائه الحسنى قال ال تعالى ))ول‬
‫السماء الحسنى فادعوه بها ((‬
‫الثاني ‪ :‬التوسل بالصفات ‪ ،‬وله أدلة كثيرة وذلك كما في حديث‬
‫الستخارة ) اللهم إني أستخيرك بعلمك الغيب وأستقدرك بقدرتك ‪......‬‬
‫الحديث( ومنه دعاء سليمان عليه السلم)) وأدخلني برحمتك في عبادك‬
‫الصالحين ((ومنه حديث بريدة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم سمع رجل يقول ‪ :‬ال إني أسألك بأني أشهد أنك أنت ال الذي ل إله إل‬
‫أنت الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال ) لقد سأل‬
‫ال باسمه العظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب( رواه أبو داود‬
‫والترمذي ولبن ماجه بإسناد صحيح‪ ،‬وغير ذلك من الدلة‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬التوسل إلى ال تعالى بذكر الحال ‪ ،‬ومنه قوله تعالى عن نوح‬
‫عليه السلم " رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي‬
‫من المؤمنين" وقوله تعالى عنه أيضا" رب إني مغلوب فانتصر ففتحنا‬
‫أبواب السماء بماء منهمر" وقوله تعالى عن موسى "رب إني لما أنزلت إلي‬
‫من خير فقير" ومنه الحديث المشهور في السير أنه صلى ال عليه وسلم قال‬
‫لما طرده أهل الطائف )اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي‬
‫وهواني على الناس ‪ .....‬الحديث(‬
‫الرابع ‪ :‬التوسل إلى ال تعالى بدعاء الحي الحاضر القادر‪ ،‬ودليله‬
‫حديث أنس في الصحيح أن رجل دخل المسجد من نحو دار القضاء ورسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قائم يخطب فقال ‪ :‬يا رسول ال هلكت الموال‬
‫وجاع العيال وانقطعت السبل فادع ال يغيثنا ‪ ،‬فرفع النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم يديه وقال ) ال أغثنا ( ثلثا قال أنس فل وال ما في السماء من سحاب‬
‫ول قزعة حتى خرجت من وراء سلع سحابة سوداء ثم توسطت السماء‬
‫فأمطرت فل وال ما رأينا الشمس أسبوعا كامل ‪ .....‬الحديث( ومنه حديث‬
‫أنس في طلب عمر رضي ال عنه من العباس أن يدعو للمسلمين ‪ ،‬وهذا‬
‫‪297‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫دعاء أقره عليه جميع الصحابة ‪ ،‬ولم ينكره أحد مع شهرته‪ ،‬وهو من أظهر‬
‫الجماعات القرارية ‪ ،‬وكذا فغل معاوية رضي ال عنه لما أصابهم القحط‬
‫في الشام فإنه أمر يزيد بن السود أن يتقدم الناس ويدعو ‪ ،‬ومنه أيضا أمر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم من لقي أويسًا القني أن يطلب منه أن يدعو له ‪،‬‬
‫ومنه أيضا حديث العمى الذي جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم وطلب‬
‫منه أن يدعو له أن يرد ال تعالى عليه بصره ‪ ،‬ومنه أيضا طلب أم سليم منه‬
‫صلى ال تعالى عليه وسلم أن يدعو لنس ‪ ،‬والدلة على ذلك كثيرة شهيرة‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬التوسل إلى ال تعالى بالعمال الصالحة ‪ ،‬ودليله حديث ابن‬
‫عمر في توسل الثلثة من بني إسرائيل الذين انطبقت عليهم الصخرة ‪،‬‬
‫وسدت عليهم باب الغار فقال بعضهم لبعض ) إن ال تعالى لن ينجيكم من‬
‫أمر هذه الصخرة إل |أن تدعو ال تعالى بصالح أعمالكم( فتوسل الول ببره‬
‫بوالديه‪ ،‬وتوسل الثاني بعفته وخوفه من ال تعالى ‪ ،‬وتوسل الثالث بأمانته‬
‫وحفظ عهده وفي آخره ) فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون( متفق عليه‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬التوسل إلى ال تعالى باليمان به وبرسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬كما قال تعالى )) ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي لليمان أن آمنوا‬
‫بربكم فآمنا ربنا فأغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا وتوفنا مع البرار‬
‫‪.....‬اليات (( وقوله تعالى )) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فأغفر لنا ذنوبنا‬
‫وقنا عذاب النار (( وهذا السادس يدخل في المر الخامس لنه من جملة‬
‫العمال الصالحة فالعمال الصالحة من أعظم ما يتوسل به العبد ‪ ،‬فهذه‬
‫الوسائل الست هو التي دل الدليل الشرعي الصحيح الصريح على جواز‬
‫التوسل بها وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /276‬ما أقسام التوسل بالسماء والصفات ؟ مع بيان ما تقول بالمثال ؟‬


‫ج‪ /‬التوسل بالسماء والصفات قسمان ‪:‬‬
‫توسل عام وتوسل خاص ‪ ،‬والمراد بالتوسل العام أي أن تقول اللهم أني‬
‫أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ‪ ،‬هكذا على وجه العموم ‪ ،‬فهذا جائز‬
‫‪298‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫كما مضى بل شرط ‪ ،‬والمراد بالتوسل الخاص أن تتوسل باسم معين أو‬
‫صفة معينة ‪ ،‬فيشترط حينئٍذ مناسبة السم والصفة للسؤال ‪ ،‬فإذا سألت‬
‫الرزق فتوسل باسم ال الرزاق والكريم والجواد و المعطي ونحوها ‪ ،‬وإذا‬
‫سألت المغفرة والرحمة فتوسل باسمه الرحمن الرحيم الغفور الودود التواب‬
‫الرؤوف ونحوها ‪ ،‬وإذا سألت هلك ظالم فتوسل باسمه الجبار والقوي‬
‫والمهيمن والعزيز والقدير ونحوهما ‪ ،‬وكذلك يقال في الصفات ‪ ،‬فل بد أن‬
‫يكون السم أو الصفة المتوسل بها مناسبة لسؤالك الذي تريد أن يحققه ال لك‬
‫‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫ل الجواب مع‬ ‫س ‪ /277‬ما حكم التوسل بالنبي صلى ال عليه وسلم ؟ مفص ً‬
‫ضرب المثال ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬التوسل بالنبي صلى ال عليه وسلم أنواع ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬التوسل به بمعنى طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر‬
‫وتصديقه فيما أخبر وأل يعبد ال إل بما شرع ‪ ،‬فهذا حقيقة دين السلم‬
‫وزبدة رسالة الشريعة التي بعث بها صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه فهذا جائز في حياته فقط‬
‫وأما بعد وفاته فل يجوز ‪ ،‬وقد قدمنا الدلة على جوازه في حياته ‪ ،‬وأما‬
‫الدليل على عدم الجواز بعد وفاته فلنه ل يملك حينئذ لنفسه نفعًا ول ضرًا‬
‫وفاقد الشيء ل يعطيه ‪ ،‬ولن الصحابة كانوا إذا قحطوا استسقوا بالعباس مع‬
‫أنه صلى ال عليه وسلم كان مدفونًا بجوارهم في حجرة عائشة فعدم إتيانهم‬
‫لقبره وسؤاله إجماع منهم على عدم الجواز ولنه صلى ال عليه وسلم قال‬
‫) أشتد غضب ال تعالى على قوٍم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( وقال ) اللهم‬
‫ل تجعل قبري وثنًا يعبد ( وقصده للدعاء عنده من اتخاذه من اتخاذه عيدًا‬
‫ووثنًا ومسجدًا فهو باب مفض إلى ذلك فل بد من سده ‪ ،‬فحيث لم يفعله أحد‬
‫من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة السلف فل يجوز فعله إذ لو كان ذلك‬
‫مما يجوز لنبهوا عليه ‪ ،‬وفي المختارة أن علي بن الحسين بن علي بن أبي‬
‫ل يجيئ إلى فرجٍة كانت عند قبر النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫طالب رأى رج ً‬
‫فيدعو فنهاه وقال ‪ :‬أل أحدثك حديثًا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ) ل تتخذوا قبري عيدًا وصلوا علي حيث كنتم فإن‬
‫‪299‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫صلتكم تبلغني ( فطلب الدعاء منه بعد مماته من الشرك الكبر المخرج من‬
‫الملة ‪ ،‬فإنه ل يدعى إلى ال تعالى ‪ ،‬وأما دعاء الموات أيًا كانوا فإنه من‬
‫الشرك الكبر ‪ ،‬نعوذ بال منه ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬التوسل إلى ال بجاهه ‪ ،‬وهذا ل يجوز لنه ل جاه له عند ال ‪،‬‬
‫نعوذ بال من قول ذلك ‪ ،‬بل هو أعظم الخلق عند ال جاهًا وأعلهم منزلة ‪،‬‬
‫لكن قد قدمت لك أن الصل في التوسل التوقيف على الدليل ‪ ،‬ولم يأت الدليل‬
‫الشرعي الصحيح في جواز التوسل بذلك ‪ ،‬بل ول يعرف عن أحد من‬
‫الصحابة في ذلك حرف واحد ‪ ،‬وكل ما يروى في التوسل بجاهه فكذب‬
‫مختلق موضوع لعن ال واضعه وعامله بما توعد به الكاذبين على نبيه‬
‫صلى ال عليه وسلم فبان بذلك أن التوسل به ثلثة أنواع ‪ ،‬نوع جائز وهو‬
‫الول بل هو حقيقة الدين ‪ ،‬لكن قلت جائز بالنسبة للنوعين قبله فقط وإل فهو‬
‫أوجب الواجبات وأعظم المطلوبات المتحتمات ‪ ،‬ونوعان ممنوعان ‪ .‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /278‬هل الفضل طلب الدعاء من الغير أم الفضل تركه ؟‬


‫ج‪ /‬هذا يختلف باختلف ما يقوم بقلب الطالب فإن قام بقلبه حب نفع نفسه‬
‫وأخيه بدعاء الملك له ‪ ،‬فإنه ما دعا أحد لخيه بظهر الغيب إل أجابه ملك‬
‫وقال ) آمين ولك بالمثل ( فأنا قام في قلبي حب نفع أخي بدعاء الملئكة له‬
‫فأمرته أن يدعو لي حبًا لنتفاعه هو بدعاء الملك له مع انتفاعي أنا أيضًا‬
‫بدعائه فهذا جائز ل بأس به وعليه يحمل قوله صلى ال عليه وسلم لعمر ) ل‬
‫تنسنا يا أخي من صالح دعائك ( وأما إذا لم يتم في قلب الطالب إل انتفاعه‬
‫هو فقط بهذا الدعاء فهذا جائز أيضًا لكن تركه أفضل ‪ ،‬فإنه صلى ال عليه‬
‫وسلم قد أخذ العهد على بعض أصحابه أل يسألوا الناس شيئًا فكان سوط‬
‫أحدهم يسقط فينزل ويأخذه ول يقول لمن تحته ناولنيه ( ولن منزلتك في‬
‫قلب غيرك تخف بقدر سؤالك له ‪ ،‬ولن قلبك ول بد أن تتعلق شعبة منه‬
‫بالمطلوب الدعاء منه والمستحب للعبد في كل أحواله أن يتعلق قلبه بال‬
‫التعلق الكامل ‪ ،‬ولن الداعي لك قد ل يقوم في قلبه اللحاح وشدة الفتقار‬
‫وصدق اللجأ ل تعالى كما يقوم بقلبك أنت ‪ ،‬لنك صاحب الحاجة ‪ ،‬وليس‬
‫النائحة الثكلى كالمستأجرة ‪ ،‬فدعاؤك لنفسك في هذه الحالة أكمل لنه أتم في‬
‫‪300‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫تحقيق مراتب العبودية في الدعاء من كمال الفتقار وغاية الذل وصدق اللجأ‬
‫ل على‬
‫ل تعالى ويكره النسان أن يترك هذه الحوال القلبية الكاملة اتكا ً‬
‫دعاء غيره له ‪ ،‬ولن سؤال غيرك أن يدعو لك فيه نوع ذلة ومسكنة له وقد‬
‫يكون فيه إيذاء لذلك المسئول ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /279‬ما حكم شد الرحل إلى قبور النبياء والولياء للتبرك بها والدعاء‬
‫عندها مع الدليل ؟‬
‫ج‪ /‬هذا المر من أشد المنكرات وأعظم المحرمات وأكبر الوسائل لتعظيمها‬
‫واتخاذها أوثانا تعبد من ال تعالى ومن اتخاذها عيدا ففي الصحيح عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال) ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد المسجد‬
‫الحرام والمسجد القصى ومسجدي هذا ( وفي الصحيح أيضا أنه قال ) لعن‬
‫ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد( يحذر ما صنعوا قالت‬
‫عائشة رضي ال تعالى عنها ‪ :‬ولول ذلك لبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ‬
‫مسجدا ( وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال ) أل إن من كان قبلكم كانوا‬
‫يتخذون القبور مساجد أل فل تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك(‬
‫فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى ال تعالى عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ول فعلها الصحابة ل عند قبره صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول عند‬
‫غيره ‪ ،‬وهي من جنس الشرك وأسبابه‪ ،‬ول يفهم أحمق أرعن جاهل غبي‬
‫أخرق أن كلمنا هذا فيه إنقاص من قدر النبياء والولياء فإن هذا ل يفهمه‬
‫إل من عشعش الشيطان في قلبه وبيض وفرخ وعمره بسوء الظن‪ ،‬لن‬
‫تعظيم النبياء إنما يكون باليمان بهم وطاعتهم وموالتهم ونصرتهم ‪،‬‬
‫وتعزيرهم‪ ،‬وتوقيرهم بما هو مشروع‪ ،‬فالتعبد مبناه على الدليل والتباع ل‬
‫على الهوى والبتداع فليس كل أحد يعمل في دينه ما يشتهي بل مصداق‬
‫المحبة الصادقة أتباع المحبوب فيما يأمر به فيمتثل ‪ ،‬وفيما ينهى عنه فيجتنب‬
‫وفيما يخبر به فيصدق ‪ ،‬وما شرع لنا على لسان نبينا صلى ال عليه وسلم‬
‫النهي عن شد الرحال لغير هذه المساجد الثلثة ـ أعني إذا كان القصد التعبد ـ‬
‫كما نهي عن الدعاء عند القبور ورفع ترابها والبناء عليها والكتابة عليها‬
‫وتجصيصها وزخرفتها وإسراجها والذبح عندها والنذر لها وبناء المساجد‬
‫عليها والصلة عندها كل بذلك مما شرع لمته ‪ ،‬فواجب على المة أتباعه‬
‫‪301‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫فيه وأن يكون هوانا تبعًا لما جاء به صلى ال عليه وسلم وأن ل تأذي‬
‫الموات بفعل هذا الشرك عندهم و جريمة نكرا ‪ ،‬في حق التوحيد لما فيه من‬
‫فتح باب الشرك على مصراعيه ‪ ،‬وهل بال عليك دخل الشرك وفساد‬
‫الحوال والعتقاد إل بسبب الغلو في الولياء والصالحين وقبورهم‬
‫والعكوف عندها ‪ ،‬فاللهم أصلح أحوال المسلمين واكفنا شرور أنفسنا‬
‫ونزغات الشيطان الرجيم وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /280‬كيف توجه قول العمى ) اللهم إني أتوجه لك بنبيك صلى ال‬
‫عليه وسلم ( فإن بعض المبتدعة يستدل به على جواز التوسل بجاه النبي‬
‫وصلى ال عليه وسلم وبدعائه بعد مماته ؟‬
‫ج‪ /‬أقول‪ :‬ل إشكال في هذا الحديث أبًدا لكن يجب أن تفهم أول ‪ :‬أنه ل يمكن‬
‫أبًدا أن تتعارض النصوص الشرعية التي ثبتت صحتها ‪ ،‬ول يمكن أن يكون‬
‫فيها ما يدعو إلى نهي عنه أبدا ‪ ،‬فيجب عليك أن تعتقد ذلك وما ورد عليك‬
‫مما تتوهم فيه مخالفة أو معارضة فعليك بالستعانة بال تعالى في كشفه ثم‬
‫بسؤال أهل العلم الراسخين في بيانه ‪ ،‬وهذا الحديث قد وردت فيه روايات‬
‫ضا ففي جامع الترمذي إن هذا العمى‬ ‫ضا ويفسر بعضها بع ً‬‫يبين بعضها بع ً‬
‫قال) اللهم إني أسالك وأتوسل إليك بنبيك ممد صلى ال عليه وسلم في‬
‫الرحمة لي اللهم شفعه في ( وقد تقدم لك أن التوسل في عرف الصحابة يراد‬
‫به طلب الدعاء من الغير ولذلك ففي روية في جامع الترمذي وسنن ابن‬
‫ماجه أن هذا العمى قال للنبي صلى ال عليه وسلم ) ادع ال أن يعافيني‬
‫فقال له إن شئت دعوت وإن شئت صبرت ‪ ،‬قال ‪ :‬فادعه ( فهذا يبين أن هذا‬
‫التوجه المذكور في حديث السؤال إنما يراد به طلب الدعاء منه ‪ ،‬ل أنه‬
‫توسل بذاته أو بجاهه كما قد فهمه بعض الغالطين ‪ ،‬ويوضح ذلك لفظ‬
‫النسائي فإن العمى قال للنبي صلى ال عليه وسلم ) ادع ال أن يكشف لي‬
‫عن بصري ‪ .......‬الحديث‪ ( .‬وفي المسند أن ذلك العمى قال ‪ :‬ادع ال أن‬
‫يعافيني ‪ ،‬فهذا الحديث كحديث عمر السابق ) اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك ‪.......‬‬
‫الحديث‪ ( .‬فهذان الحديثان شيء واحد ‪ .‬فالتوجه المذكور والتوسل الوارد‬
‫غنما يراد به طلب الدعاء من النبي صلى ال عليه وسلم وسؤال الشفاعة منه‬
‫وهو حي وهذا أمر ل تنازع فيه بل قد ذكرنا أن حديث العمى من جملة‬
‫‪302‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الدلة على جوازه ويوضح ذلك أن الصحابة رضي ال عنهم بعد موته إنما‬
‫ل عنه ‪ ،‬فلو كان التوسل به حيًا وميتًا سواء لما عدلوا‬
‫كانوا يتوسلون بغيره بد ً‬
‫عن التوسل به بعد موته إلى التوسل بعمه العباس رضي ال عنه ‪ ،‬وهذا‬
‫واضح إن شاء ال تعالى وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /281‬هل ثبت في زيادة قبره صلى ال عليه وسلم على وجه‬


‫الخصوص شيء من السنة ؟‬
‫ج‪ /‬ل ‪ ،‬لم يثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبره‬
‫ول قبر غيره على وجه الخصوص شيء ‪ ،‬وما يروى في ذلك فإنما هو‬
‫موضوع أو شديد الضعف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ‪ ،‬كقولهم ‪ ) :‬من‬
‫زارني وزار قبر أبي الخليل في عام واحد ضمنت له الجنة ( قال أبو العباس‬
‫عنه ‪ :‬كذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم أهـ وقال النووي ‪ :‬باطل‬
‫ليس هو مرويًا عن النبي صلى ال عليه وسلم ول يعرف في كتابٍ صحيح‬
‫ول ضعيف بل وضعه بعض الفجرة أهـ ومن ذلك قولهم ‪ ) :‬من زارني بعد‬
‫مماتي فكأنما زارني في حياتي ( ول يصح من أساسه بل هو شديد الضعف‬
‫بمرة ويقرب أن يكون موضوعًا ‪ ،‬ومن ذلك قولهم ( من حج فلم يزرني فقد‬
‫جفاني ( وهذا الحديث ل أصل له بل هو من المكذوبات والموضوعات كما‬
‫قاله ابن عبدالهادي في الصارم المنكي ‪.‬‬
‫بل قال شيخ السلم عن هذه الحاديث كلها مكذوبة موضوعة ‪ ،‬وقد تقرر‬
‫في الصول والقواعد أن الحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للدلة الصحيحة‬
‫الصريحة وحيث لم يصح في ذلك شيء فالصل هو الستدلل على‬
‫استحباب الزيارة بالحاديث العامة الواردة في الباب لكن من غير شد رح ٍ‬
‫ل‬
‫ل لقبره ول لقبر غيره وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /282‬عرف البدعة لغة وشرعًا ؟‬


‫ج‪ /‬البدعة لغة ‪ :‬هي الشيء المخترع ل على مثال سابق ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‬
‫)) قل ما كنت بدعًا من الرسل (( أي ما كنت أول من أرسل ‪ ،‬فقد أرسل‬
‫قبلي رسل كثير ‪ ،‬ومنه قوله تعالى )) ورهبانية ابتدعوها ((أي اخترعوها‬
‫‪303‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫وأبتدؤها من عند أنفسهم ‪ ،‬ومنه قوله تعالى )) بديع السموات والرض ((‬
‫وذلك لبداعه لها وإحداثه لها ل على مثال سابق ‪.‬‬
‫والبدعة اصطلحًا ‪ :‬إحداث شيء في الدين ليس عليه أمر الشارع ‪ ،‬وهذا‬
‫التعريف ألصق باللفظ النبوي الذي ل يداخله الريب ول تعتريه المناقضة‬
‫والختلف ‪ ،‬أعني ما في الصحيح من حديث عائشة رضي ال عنها قالت‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه‬
‫ل ليس عليه أمرنا فهو رد ( وقوله ) وإياكم‬ ‫فهو رد ( ولمسلم ) من عمل عم ً‬
‫ومحدثات المور ( وإن شئت فقل في تعريفها ‪ :‬طريقة في الدين مخترعة‬
‫تضاهي الطريقة الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد له‬
‫سبحانه ‪ ،‬وهذا تعريف الشاطبي وإن شئت الختصار فقل ‪ :‬التعبد ل بما ل‬
‫دليل عليه وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /283‬ما حكم البدعة الشرعية مع ذكر بعض النصوص المرة بالتباع‬


‫والناهية عن البتداع ؟‬
‫ج‪ /‬أما حكمها فقد أوضحه النبي صلى ال عليه وسلم غاية اليضاح بما ل‬
‫ل للمناقشة ول لليرادات التافهة الباردة وذلك في قوله صلى ال‬ ‫يدع مجا ً‬
‫عليه وسلم ) وكل بدعة ضللة ( وقد تقرر أن ) كل ( من أقوى صيغ العموم‬
‫فهذه كلية عامة ل يخرج عنها شيء مما يصح وصفه بالبدعة فكل ما يدخل‬
‫تحت هذا المسمى فإنه محكوم عليه بأنه ضللة ول شك أن هذه الضللة‬
‫تتفاوت بتفاوت هذه البدع‪ ،‬وقد تقرر عند العلماء أن الصل هو البقاء على‬
‫الصل حتى يرد الناقل ‪،‬وتقرر أيضا أن الصل هو البقاء على العموم حتى‬
‫يرد المخصص وبناء عليه فمن اعتقد في بدعة في الدين أنها حسنة فإنه‬
‫مطالب بالدليل‪ ،‬لنه ناقل عن الصل ‪ ،‬وقد تقرر في الصول أن الدليل‬
‫يطلب من الناقل عن الصل ل من الثابت عليه‪،‬وعلى ذلك مضى سلف‬
‫المة‪ ،‬وقد تكاثرت الدلة بالمر بالتباع والنهي عن البتداع‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫قوله تعالى ) أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به ال ( وقال‬
‫تعالى ) فآمنوا بال ورسوله النبي المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه‬
‫‪304‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫لعلكم تفلحون ( وقال تعالى ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه‬
‫فانتهوا ( وقال ال تعالى ) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا‬
‫السبل فتفرق بكم عن سبيله ( وقال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال‬
‫ورسوله ول تولوا عنه وأنتم تسمعون ( وفي الصحيح عن عائشة رضي‬
‫ال عنها قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم) من أحدث في أمرنا هذا‬
‫ما ليس منه فهو رد( ولمسلم ) من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد( وله‬
‫عن جابر بن عبدال رضي ال تعالى عنهما أن النبي صلى ال تعالى عليه‬
‫وسلم كان يقول إذا خطب الناس ) أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب ال تعالى‬
‫‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وشر المور محدثاتها وكل‬
‫) جاءت الملئكة للنبي صلى ال‬ ‫بدعة ضللة( وللبخاري عنه أنه قال‬
‫عليه وهو نائم فقالوا ‪:‬إن لصاحبكم هذا مثل فاضربوا له مثل فقال بعضهم‬
‫إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقضان‪ ........‬وفيه أنهم قالوا‪:‬‬
‫فمن أطاع محمدا فقد أطاع ال ومن عصى محمدا فقد عصى ال ‪ ،‬ومحمد‬
‫فرق بين الناس( وعن العرباض بن سارية رضي ال تعالى عنه قال‬
‫) وعظنا رسول ال صلى ال عليه موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت‬
‫منها القلوب فقلنا ‪ :‬يا رسول ال كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال ) أوصيكم‬
‫بتقوى ال تعالى والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا ‪ ،‬فإنه من يعش منكم‬
‫بعدي فسيرى اختلفا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‬
‫بعدي ‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل‬
‫محدثة بدعة وكل بدعة ضللة( وسنده صحيح‪ .‬وعن ابن مسعود رضي ال‬
‫تعالى عنه قال ) خط لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم خطا ثم قال ‪ :‬هذا‬
‫سبيل ال تعالى ‪ ،‬ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله‪ ،‬وقال هذه سبل وعلى كل‬
‫سبيل منها شيطان يدعو إليه( حديث صحيح‪ .‬وفي الحديث الذي يصح‬
‫بمجموع طرقه) وإن هذه المة ستفترق على ثلث وسبعين فرقة كلها في‬
‫النار إل واحدة ‪ ،‬وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي( وقد‬
‫توا تر عن السلف أنهم كانوا يقولون ‪ :‬اقتصاد في سنة ‪ ،‬خير من اجتهاد في‬
‫بدعة‪ .‬ويقولون‪ :‬ما ابتدع قوم بدعة إل رفع من السنة بقدرها‪ .‬ويقولون‪:‬‬
‫اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم‪ .‬وكان سفيان بقول‪ :‬ل يستقيم قول ول عمل إل‬
‫بموافقة السنة‪ .‬وفي الصحيح في أحاديث الحوض وأن قوما يذادون عنه كما‬
‫‪305‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫يذاد البعير الضال فأقول) أصيحابي أصيحابي‪ ،‬فيقولون‪ :‬إنك ل تدري ما‬
‫أحدثوا بعدك فأقول ‪ :‬سحقا سحقا( وكان ابن عمر يقول ‪ ):‬كل بدعة ضللة‬
‫وإن رآها الناس حسنة( وسنده صحيح‪ .‬وقال محمد بن أسلم )من وقر‬
‫صاحب بدعة فقد أعان على هدم السلم(وقال الفضيل بن عياض في قوله‬
‫تعالى "ليبلوكم أيكم أحسن عمل" قال أخلصه وأصوبه ‪،‬قيل يا أبا علي ما‬
‫أخلصه وأصوبه؟ قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا‬
‫كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ‪ ،‬حتى يكون خالصا صوابا‪ ،‬والخالص‬
‫ما كان ل تعالى والصواب ما كان على السنة‪ .‬والدلة والثار في ذلك‬
‫كثيرة‪ ،‬وأوصي الحباب القراء بمراجعة العتصام للشاطبي ‪ ،‬والباعث‬
‫لبي شامة‪ ،‬وكتاب ابن وضاح المسمى بـ)ما جاء في البدع(والمر بالتباع‬
‫والنهي عن البتداع للسيوطي‪،‬والحوادث والبدع للطرطوشي‪ ،‬رحم ال‬
‫علماء السلم الرحمة الواسعة ورفع نزلهم في الفردوس العلى وجمعنا بهم‬
‫في جنات النعيم‪.‬وال تعالى أعلى وأعلم‪.‬‬

‫س ‪ /284‬ما الفرق بين البدعة والمعصية؟ وأيهما أحب إلى إبليس ؟‬


‫ج‪/‬أقول ‪ :‬تتفق البدعة والمعصية بأن كل منهما مخالفة للمتقرر شرعا ‪،‬‬
‫ولكن تزيد البدعة بأن فاعلها ينوي التقرب إلى ال تعالى بهذا الفعل أو‬
‫القول‪،‬فهو في قرارة نفسه ل يرى أنه قد خالف الشرع في شيء وإنما يرى‬
‫أنه متقرب إلى ال تعالى بذلك ‪ ،‬وإما المعصية فإن العاصي يعلم حال‬
‫مقارفته لهذه الفعلة إنه عاص بذلك‪ ،‬ول يقوم في قلبه التعبد ل تعالى بهذا‬
‫الفعل ‪ ،‬فالزاني يزني وهو يعلم أنه يعصي ربه بذلك‪ ،‬ولكن غلبة الشهوة‬
‫وقوة داعي الشيطان وضعف اليمان حمله على ذلك‪ ،‬والسارق يسرق وهو‬
‫يعلم أنه عاص بذلك ‪ ،‬وشارب الخمر والذي يأكل الربا وقاتل النفس بل حق‬
‫والعاق لوالديه وحالق اللحية ومسبل الثوب ونحوهم كلهم يفعلون ذلك وهم‬
‫يقرون في أنفسهم أن هذا معصية‪ ،‬ول يرجون بها تقربا أو ثوابا ‪ ،‬أما من‬
‫يطوف حول القبر أو يحتفل بمولد النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أو يدعو‬
‫الموات أو ينذر لهم ‪ ،‬أو يقول الذكر الجماعي أدبار الصلوات ونحو هذا‬
‫فإنه يفعل ذلك وهو المبالغة في التعبد والتقرب إلى ال تعالى ‪ ،‬فالبدعة ينوي‬
‫صاحبها القربة والمعصية ل ينوي صاحبها ذلك‪ ،‬ولذلك فإن المتقرر عند‬
‫‪306‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫السلف رحمهم ال تعالى أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ‪ ،‬لن‬


‫صاحب البدعة ل يرى أنه مخطئ بل يرى أنه على صواب ولذلك فالتوبة‬
‫منها تحتاج إلى إقناعه أول بخطِأ فعله هذا وأنه بدعة والكثير من المبتدعة ل‬
‫تقبل نفسه النزع عن هذه البدعة لعتياده عليها ‪ ،‬ورسوخها في قلبه‪ ،‬وأنها‬
‫من موروثات آبائه وبني قومه‪ ،‬وأما صاحب المعصية فلنه يعلم قبح فغلته‬
‫وأنها حرام وموجبة لعذاب ال تعالى وسخطه فإنه بالتذكير والوعظ يزدجر‬
‫عنها ويتوب منها غالبا‪ ،‬ولذلك فالتوبة في العصاة أكثر من التوبة في‬
‫المبتدعة ‪ ،‬ول أعني بذلك أن صاحب البدعة ل يتوب ‪ ،‬كل ‪ ،‬فإني ل أقصد‬
‫ذلك أبدا ‪ ،‬بل باب التوبة مفتوح يلجه كل مذنب ‪ ،‬ولكن أعني أن توبته منها‬
‫طريقها أن يعلم بقبحها‪ ،‬وهذا يحتاج إلى كشف الشبهة عن قلبه وبيان وجه‬
‫المخالفة ‪ ،‬أسأل ال جل وعل أن يهدي كل مبتدع ‪ ،‬وأن يصلح باطنه‬
‫وظاهره‪ ،‬وأن يهديه إلى طريق السنة ويشرح صدره لقبول الحق واعتماده‬
‫وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /285‬ما أقسام البدعة باعتبار تعلقها بأبواب الدين ؟ مع بيان ذلك‬


‫بالمثلة ؟‬
‫ج‪ /‬تنقسم البدعة بهذا العتبار إلى قسمين ‪ :‬بدعة في باب العلميات ‪ ،‬وبدعة‬
‫في باب العمليات ‪ ،‬ونعني بالعلميات أي العقائد ونعني بالعمليات أي أمور‬
‫الفقه ‪ ،‬فمن البدع ما يسمى بالبدع العقدية أي لها تعلق بالعمل بالعتقاد ‪،‬‬
‫ومن البدع ما يسمى بالبدع العملية أي لها تعلق بالعمل ‪ ،‬وقد يجتمعان في‬
‫بعض الصور فتكون عقدية عملية ‪ ،‬فمن أمثلة البدع في العتقاد بدع القدرية‬
‫والخوارج والمعتزلة والجهمية والشاعرة والماتريدية والكلبية والرافضة‬
‫ويرهم من الفرق التي تنتسب للقبلة ‪ ،‬فالبدع التي أتى بها هؤلء بدع عقدية‬
‫أو نقول ‪ :‬بدع في باب العلميات فإنكار الصفات بدعة عقدية ‪ ،‬وإنكار القدر‬
‫بدعة عقدية وإخراج العمال عن مسمى اليمان بدعة عقدية ‪ ،‬وإنكار قدرة‬
‫العبد واختياره بدعة عمليه ‪ ،‬واعتقاد كفر مرتكب الكبيرة وخلوده في النار‬
‫بدعة عقدية وغير ذلك ‪.‬‬
‫وأما البدعة المعملية فأنواع ‪:‬‬
‫‪307‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫فمنها ‪ :‬ما يكون بدعة في أصل العبادة وذلك بأحداث عبادة ليس لها‬
‫أصل في الشرع كإحداث صلة غير مشروعة أو صيام غير مشروع أو عيد‬
‫غير مشروع كأعياد الميلد والم ورأس السنة أو اتخاذ بعض الموالد لبعض‬
‫النبياء أو الولياء ‪ ،‬عيدًا ‪ ،‬وكالطواف حول القبور والمثلة على ذلك‬
‫كثيرة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما يكون في الزيادة على القدر المشروع في هذه العبادة كما‬
‫ل في صلة الظهر أو العصر ‪.‬‬ ‫لو زيد ركعة مي ً‬
‫ومنها ‪ :‬ما يكون في صفة أداء العبادة كفعل عبادة على صفة غير‬
‫مشروعة وذلك كأداء الذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه‬
‫الشرع أ تخصيص فعلها في مكان معين لم يخصصه الشرع كتخصيص ليلة‬
‫النصف من شعبان وليلته بصيام أو قيام فإن أصل الصيام والقيام مشروع‬
‫لكن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل ‪ ،‬وكتخصيص مكان معين باعتقاد‬
‫ل أو مسجد فيه قبرًا أو مكان صلى فيه‬
‫أفضلية فعل الصلة فيه كمقبرة مث ً‬
‫نبي أو ولي ونحو ذلك ‪ ،‬فهذا التخصيص يحتاج إلى دليل وإنك لو سبرت‬
‫البدع المحدثة في الشرع كلها لم تجدها تخرج عن هذين القسمين ‪ ،‬إما أن‬
‫تكون في باب العقائد وأما أن تكون في باب العمليات فهذا تقسيمها باعتبار‬
‫تعلقها بأبواب الدين وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /286‬ما أقسام البدعة باعتبار حكمها الشرعي ؟ مع بيان ذلك‬


‫بالمثلة ؟‬
‫ج‪ /‬تنقسم البدعة باعتبار حكمها الشرعي إلى قسمين بدعة مكفرة وبدعة غير‬
‫مكفرة ‪ ،‬أي من البدع ما يحكم عليه بأنه كفر ‪ ،‬ومن البدع ما ل يصل إلى‬
‫درجة الكفر بل يبقى في درجة الظلم والفسق ‪ ،‬فمثال البدعة المكفرة بدعة‬
‫الجهمية أتباع الجهم بن صفوان الترمذي ‪ ،‬فإن بدعة هؤلء كفروا ببدعتهم‬
‫وقد تقلد كفرهم خمسمائة عالٍم من أهل السنة وذكر بعض أهل السنة‬
‫المتأخرين اتفاق أهل السنة على أن الجهمية كفار خارجون عن الثلث‬
‫وسبعين فرقة ول أن يوصفوا بأنهم من أهل القبلة ‪ ،‬ومن البدع المكفرة بدعة‬
‫القول بخلق القرآن ولذلك فقد أتفق السلف على أن من قال بخلق القرآن فإنه‬
‫‪308‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫كافر ‪ ،‬ومن البدع الكفرة بدعة القدرية الذين ينكرون علم ال السابق والكتابة‬
‫السابقة ويزعمون أن ل قدر وأن المر أنف ‪ ،‬وقد أتفق على تكفيرهم من‬
‫تأخر موته من الصحابة كابن عمر وأنس وأبي سعيد وأبي هريرة‬
‫وغيرهم ‪ ،‬وسار أهل السنة على هذا التفاق ولذلك قالوا ‪ :‬ناظروهم في‬
‫العلم في العلم فإن أنكروه كفروا وإن أثبتوه غلبوا ‪ ،‬ومن البدع المكفرة بدعة‬
‫دعاء الموات والذبح لهم والستغاثة لهم في كشف الملمات وتفريج الكربات‬
‫‪ ،‬والركوع والسجود إلى القبور والحلف بغير ال تعظيما له كتعظيم ال‬
‫تعالى ‪ ،‬كل ذلك بدع مكفرة ‪ ،‬وهذه بعض المثلة ‪ .‬وأما البدع التي ل تصل‬
‫إلى حد الكفر ‪ ،‬فكبدعة شد الرحال إلى القبور وبدعة الذكار الجماعية أدبار‬
‫الصلوات وبدعة تخصيص مكان أو زمان معين ببعض العبادات وبدعة‬
‫إخراج العمل من اليمان وبدعة تكفير مرتكب الكبيرة ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /287‬كيف الجواب على من يقول ‪ :‬أن من البدع ما يكون حسناً‬


‫ي رضي ال عنه‬ ‫ويستدل بقول عمر رضي ال عنه لما جمع الناس على أب ّ‬
‫في صلة التراويح فخرج فقال ) نعمت البدعة هذه ( ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬ل دللة في هذا القول على ما يريده هذا المدعي وبيان ذلك من‬
‫وجوه ‪:‬‬
‫الجواب الول ‪ :‬أننا عرفنا البدعة الشرعية إحداث شيء في الدين ليس‬
‫عليه أمر الشارع ‪ ،‬والجتماع في صلة التراويح مما عليه أمر الشارع ففي‬
‫صحيح البخاري عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلته ناس ثم صلى من القابلة‬
‫فكثر الناس ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول ال‬
‫صلة ال عليه وسلم فلما أصبح قال ‪ :‬قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من‬
‫الخروج إل أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان فدل هذا الحديث‬
‫ل دليل على‬ ‫على كونها سنة فإن قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم أو ً‬
‫صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان ‪ ،‬وامتناعه عنه بعد ذلك عن‬
‫الخروج ليس بنسخ لهذا الحكم بل علله بخوفه أن يفرض عليهم هذا القيام ‪،‬‬
‫فرحمة بأمته أمتنع من الخروج وهذا التي يخشاه قد زال بموته صلى ال عله‬
‫‪309‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫وسلم فإن قلت‪ :‬فلو كان كذلك فلماذا لم يفعل في عهد أبي بكر؟ فأقول‪ :‬يرجع‬
‫ذلك لمرين ‪:‬‬
‫أوًل ‪ :‬أما لنه رأى أن قيام الناس آخر الليل وما هم عليه كان عنده‬
‫وعنده من جمعهم إلى إمام واحد أول الليل ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬ضيق زمانه رضي ال عنه عن النظر في ذلك الفرع مع شغله‬
‫التام بأهل الردة وغير ذلك مما هو أوكد من صلة التراويح ‪ ،‬فالجتماع في‬
‫صلة التراويح شيء كان أول من فعله النبي صلى ال عليه وسلم فهو‬
‫مشروع ‪ ،‬فعلم بذلك أن قول عمر رضي ال عنه‬
‫) نعمة البدعة هذه ( أنه ل يقصد بها البدعة الشرعية إنما يقصد بها البدعة‬
‫اللغوية ‪.‬‬
‫الجواب الثاني ‪ :‬أنه ل يظن بمن هو دون عمر رضي ال عنه من‬
‫الصحابة أن يخالف ما كان يسمعه كل خطبة من فم النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم من قوله ) وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه وسلم وشر المور‬
‫محدثاتها وكل بدعة ضللة ( فإنه ل يتطرق إلى مؤمن عرف قدر الصحابة‬
‫وشدة ورعهم وتحريهم للمتابعة التامة وحذرهم الشديد من المخالفة ولو في‬
‫المور اليسيرة ول يتطرق إلى قلبه أي يخالف أحدهم ذلك النهي الذي تواتر‬
‫سماعهم له فإنهم كانوا يسمعونه الفينة بعد الفينة فكيف يظن ذلك بعمر رضي‬
‫ال عنه الخليفة الثاني أمير المؤمنين ‪ ،‬أن يحسن بدعه في الشرع كان يسمع‬
‫كثيرا أنها ضللة ؟ هذا ل يكون أبدًا وأقسم بال تعالى أنه ل يكون ‪ ،‬فدل ذلك‬
‫على أنه بقوله ) نعم البدعة هذه ( أنه ل يريد الشرعية وإنما يريد بها معناها‬
‫اللغوي لن البدعة باعتبار معناها اللغوي منها ما هو حسن ‪.‬‬
‫ل أنه يريد الشرعية ‪ ،‬فإنه ل كلم لحد كائنا‬ ‫الجواب الثالث ‪ :‬سلمنا جد ً‬
‫من كان مع النص الصحيح الصريح من المعصوم صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فكل قول أو فعل يخالف ما ثبت من قوله وفعله فإنه رد على صاحبه ‪،‬‬
‫وأقوال العلماء يستدل لها ل يستدل بها ‪ ،‬وكل يوزن بما معه من الحق ل أن‬
‫الحق يوزن بالرجال ‪ ،‬وكل يأخذ من قوله ويترك إل قول محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم وحقيقة اليمان به تقدم قوله صلى ال عليه وسلم على قول كل‬
‫أحد قال تعالى )) يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين ال و الرسول (( فل‬
‫يعارض قوله صلى ال عليه وسلم بقول أحد كائنًا من كان قفوله هو السيد‬
‫‪310‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫المتبوع المطاع وهو الميزان الذي توزن به القوال ‪ ،‬فما وافقه من القوال‬
‫فهو المقبول وما خالفه فهو المردود وال أعلم ‪.‬‬
‫الجواب الرابع ‪ :‬أن صلة التراويح في رمضان خلف إمام مما أنعقد‬
‫عليه الجماع المعلوم بالضرورة قطعًا وثبت عليه عمل المسلمين من عهد‬
‫عمر رضي ال عنه إلى عهدنا هذا لم ينكره منكر من المسلمين ‪ ،‬فإن كان‬
‫بعض أهل العلم قد استطاع القدح في حجة الجماع فل أظنه يستطيع أن‬
‫ينكر أن هذا من الجماع ‪ ،‬والجماع حجة شرعيه وما ثبت بالجماع فل‬
‫يكون أبدًا بدعة شرعية ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫الجواب الخامس ‪ :‬أن المقرر في الصول ومقاصد الشريعة أن‬
‫المتشابه يرد المحكم ‪ ،‬وأن المجمل يرد إلى المبين فقول هذا إن سلمنا أنه من‬
‫المتشابه أو المجمل أو المبهم فإن الواجب فيه رد المر إلى المحكم المبين‬
‫الواضح ‪ ،‬ول يخفاك أيها الخ المبارك أن الدلة والثار التي سقنا طرفًا‬
‫يسيرًا منها والتي تحذر من البتداع وتأمر بالتباع ‪ ،‬ول يخفاك أنها من‬
‫الشهرة الوضوح والحكام والبيان بما ل يدع أدنى أدنى أدنى مجال للشك في‬
‫حكم كل البدع الشرعية ‪ ،‬فكيف بال عليك تعارض هذه الدلة والواضحات‬
‫ى المحكمات دللًة النيرات نهجًا الصحيحات سندًا بقو ٍ‬
‫ل‬ ‫المتواترات معن ً‬
‫ل أن قول عمر من المتشابه ‪ ،‬فكيف وقد‬ ‫محتمل متشابه ؟ هذا إذا سلمنا جد ً‬
‫جزمنا سابقًا أنه ل يريد إل البدعة اللغوية فقط ؟ فالمر واضح عجزت‬
‫عيون الخفافيش عن مقاومة نور الشمس وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /288‬يستدل بعض محسني البدع على تحسين بدعهم بقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ) من سن في السلم سنة حسنة كان له أجرها وأجر من‬
‫عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ( فما وجه‬
‫استدللهم به وكيف الجابة عنه ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬أما هذا الحديث فقد رواه مسلم رحمه ال تعالى ورفع نزله في‬
‫الفردوس العلى وجمعنا به في الجنة نحن وسائر إخواننا وأخواتنا من‬
‫المسلمين ‪ ،‬وهو واضح الدللة بين المقصود ل يدل على ما يرده محنوا‬
‫البدع ل مطابقة ول تضمنا ول التزاما ‪ ،‬وبيان ذلك أن يقال ‪ :‬إن الحديث فيه‬
‫) من سن في السلم سنة حسنة ( فليس فيه سوى ذكر السنة الحسنة والسيئة‬
‫‪311‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ولم يرد ذكر للبدعة ‪ ،‬والسنة في اللغة الطريقة ‪ ،‬فالمقصود بالحديث ‪ :‬أن من‬
‫أتى بطريقة حسنة فسنها للناس فهو من المثابين عليها ول يمكن تعرف‬
‫طريفة ما أنها حسنة إل بدللة الشرع على تحسينها ‪ ،‬فعندما توصف الطريقة‬
‫ل في الشرع كذلك‬ ‫بأنها حسنه كما في الحديث فإن ذلك يدل على أن لها أص ً‬
‫قال أهل العلم في هذا الحديث ومناسبة الحديث تدل على أن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم لم يطلق) السنة الحسنة ( إل على أمر له أصل في الشرع فإن‬
‫سبب الحديث أنه جاء إلى الرسول صلى ال عليه وسلم وفد من العرب كانوا‬
‫على غاية من الحاجة والفقر وحث النبي صلى ال عليه وسلم أصحابه على‬
‫التصدق عليهم فجاء رجل من النصار فتصدق بصدقة كبيرة ثم تتابع الناس‬
‫من بعده على التصدق حتى تجمع قدر كبير من الصدقات فأعجب فعل‬
‫النصاري النبي صلى ال عليه وسلم فقال الحديث فالنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم إنما قصد بالسنة الحسنة فعل النصاري من ابتدائه بالصدقة في تلك‬
‫الحادثة والصدقة مشروعة من قبل ‪ ،‬فتقرر بهذا أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم إنما أطلق السنة الحسنة على ما هو مشروع في الدين فل مجال لقحام‬
‫البدع تحت دائرة السنة الحسنة إذ البدعة ل أصل لها في الشرع ‪ ،‬ول يمكن‬
‫أن توصف بأنها حسنة أبدًا وقد وصفها أهل أعلم الخلق بالشريعة بأنها‬
‫ضللة وبأنها رد ‪ ،‬فظهر بهذا بطلن استدلل محسني البدع بهذا الحديث ‪،‬‬
‫بل الحديث حجة عليهم فإنه قال ) ومن سن في السلم سنة سيئة ( والبدع‬
‫كلها سيئة ‪ ،‬فأنظر كيف انقلب الستدلل عليهم وذلك لنه ل يمكن أبدًا أن‬
‫تقر نصوص الشريعة البدعة بأي شكل كانت ‪ ،‬بل تظافرت نصوص‬
‫الشريعة كتابًا وسنة مع وفور الثار عن الصحابة والتابعين والسلف على‬
‫أنها مردودة وضللة ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /289‬أذكر بعض الضوابط والقواعد المهمة لمعرفة البدعة مع شيء‬


‫يسير من شرحها؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬لقد ذكر أهل العلم رحمهم ال تعالى بعض القواعد والضوابط‬
‫المهمة لمعرفة البدعة والتميز بينها وبين السنة ودونك بعضها ‪:‬‬
‫القاعدة الولى ‪ :‬كل إحداث في الدين فهو رد ‪ ،‬وهذا مأخوذ من‬
‫ل ليس عليه أمرنا فهو رد ( والمراد‬
‫الحديث المعروف ) من عمل عم ً‬
‫‪312‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫بالحداث هنا أي اختراع قول أو فعل ل دليل عليه من الكتاب والسنة أو ما‬
‫تفرع عنها من الجماع والقياس الصحيح ‪ ،‬وهذه القاعدة هي أم القواعد في‬
‫الباب وما بعدها من القواعد والضوابط فإنه متفرع عنها ‪.‬‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬الصل في العبادات الحظر والتوقيف وهذه القاعدة‬
‫كالتعبير الثاني لمعنى القاعدة الولى‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬الصل في العبادات الطلق عن الزمان والمكان‬
‫والصفة المعينة ‪ ،‬وهذه القاعدة أيضًا من الصول المهمة لمعرفة البدع ‪،‬‬
‫فتقول ‪ :‬أن من قيد عبادة بصفة معينة فإن هذا القيد يتوقف قبوله على الدليل‬
‫ومن قّيدها بوقت معين فإن هذا القيد يتوقف قبوله على الدليل المعين ‪ ،‬ومن‬
‫قيد عبادة بمكان معين فإن هذا القيد أيضًا قبوله على الدليل الرعي الصحيح‬
‫الصريح فمن أعطاه ال فهم هذه القاعدة فقد أوتي خيرا كثيرا ‪.‬‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬ل يستدل على شرعية الوصف بشرعية الصل ‪،‬‬
‫بل ل بد للوصف الزائد على الصل من دليل خاص ول يحق أن يعمل‬
‫العبادات على الوصف المخترع الذي ل دليل عليه ‪ ،‬بل هذا الوصف يتطلب‬
‫ل زائدًا على مجرد دليل الصل ‪ ،‬وإذا أردت شرحًا بتفصيل فارجع إلى‬ ‫دلي ً‬
‫كتابنا تحرير القواعد وجمع الفرائد وال أعلم ‪.‬‬
‫القاعدة الخامسة ‪ :‬الحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للدلة الصحيحة‬
‫الصريحة ‪ ،‬وهذه القاعدة مع القاعدة قبلها تنسف كل ما يحتج به المبتدعة ‪،‬‬
‫وبيان ذلك أن يقال ‪ :‬إن المبتدعة إذا طلب منهم البرهان على ما اخترعوه‬
‫فإنهم يستدلون بأحد أمرين ـ وهذا في الغلب ـ المر الول ‪ :‬إما أن يستدلون‬
‫عليها بحديث ضعيف أو موضوع فجوابهم حينئذ يكون بالقاعدة الخامسة أي‬
‫بهذه القاعدة ‪ ،‬المر الثاني ‪ :‬وإما أن يستدلون عليها بدليل الصل الذي لم‬
‫ل للوصف الذي يفعلونها عليه ‪ ،‬فيكون الجواب عليه حينئذ‬ ‫يتعرض أص ً‬
‫بالقاعدة الرابعة التي تقول ‪:‬شرعية الصل ل تستلزم شرعية الوصف ‪،‬‬
‫وبهذا نكون قد سددنا عليهم أبوابا كثيرة يلجون منها والحمد ل ‪.‬‬
‫القاعدة السادسة ‪ :‬كل فهم في نصوص الصفات والقدر واليوم الخر‬
‫مخالف لفهم السلف فهو بدعة ‪ ،‬أو نقول ‪ :‬ما لم يرد في الكتاب ول في السنة‬
‫ولم يأثر عن الصحابة والتابعين من المعتقدات فهو بدعة وهذا الصل يتضح‬
‫به فضل السلف على الخلف ‪ ،‬فإن السلف رحمهم ال تعالى ورفع نزلهم في‬
‫‪313‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫جنات عدن وجمعنا بهم في الجنة وحشرنا في زمرتهم كانوا يفهمون من‬
‫نصوص الصفات واليوم الخر فهمًا خاصًا موافقًا لمراد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو أنهم ينظرون لها من جهتين من جهة المعنى ومن جهة‬
‫الكيف فأما معانيها فإنها معلومة عندهم ‪ ،‬لنها باللسان العربي فوجب حملها‬
‫على المعاني المتقررة عندنا في هذا اللسان العربي ‪ ،‬وأما كيفياتها فإنهم‬
‫يوكلون علمها ل تعالى ‪ ،‬وباختصار نقول ‪ :‬السلف يعلمون معاني نصوص‬
‫الصفات واليوم الخر ويفوضون كيفيتها ل تعالى ‪ ،‬وأما القدر فإنهم كانوا‬
‫يفهمون نصوصه أيضًا فهمًا خاصًا جامعًا للدلة كلها فيثبتون القدر السابق‬
‫علما وكتابة وخلقًا ومشيئة ويثبتون أن للعباد قدرة ومشيئة ‪ ،‬وال خالق‬
‫ذواتهم وصفاتهم وأفعالهم فهذا فهمهم في هذه البواب ‪ ،‬وبناء عليه فكل فهم‬
‫محدث يخالف هذا الفهم فإنه بدعة ‪ ،‬وذلك كفهم الجهمية والمعتزلة‬
‫والشاعرة والمتردية لنصوص الصفات ‪ ،‬وكفهم الفلسفة أهل التخييل‬
‫لنصوص اليوم الخر ‪ ،‬وكفهم الجبرية والقدرية لنصوص القدر ‪ ،‬فكل هذه‬
‫الفهوم باطلة بدعة مردودة على أصحابها لمخالفتها لفهم السلف ‪ ،‬وكل فهم‬
‫يخالف فهم السلف فهو بدعة فأنظر كيف عرفنا بدعًا كثيرة ببركة هذه القاعدة‬
‫‪ ،‬وهذا يبين لك أهمية معرفة القواعد وإجادة التفريع عليها ‪.‬‬
‫القاعدة السابعة ‪ :‬كل تعبد قولي أو فعلي ل يعرف عن السلف فهو‬
‫بدعة ‪ ،‬كالحتفال بالمواليد ‪ ،‬فإنه ليس معروفًا عن السلف والطواف حول‬
‫القبور والعكوف عندها ودعاءها والذبح أو النذر لها وتسبيحها وإسراجها‬
‫ووضع الشجار الخضراء عليها وتزويقها والكتابة عليها وتجصيصها ‪،‬‬
‫وعمل الختمة لها ‪ ،‬وتوزيع الطعام والشراب في المقبرة بعد الدفن ‪ ،‬وتحية‬
‫العلم والسلم الملكي على مختلف أنواعه وتنوع ضروبه فإن السلم الشرعي‬
‫هو قول ‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته ‪ ،‬أما السلم بالموسيقى وضرب‬
‫الطبول ووقف العساكر معظمين ل يتحركون إكبارًا واحتراما لهذه الموسيقى‬
‫فإنه ل يشك أدنى من له اشتغال بالعلم أنه من البدع المنكرة وبذلك يفتي أهل‬
‫العلم وهو من الحق الذي يجب التصريح به بل مداهنة أو مجاملة وال من‬
‫وراء القصد ‪ ،‬وأعياد الميلد ‪ ،‬والذكر الجماعي والسماع الجماعي ‪ ،‬والتعبد‬
‫ل بلبس الصوف ‪ ،‬والهيام في البراري ومعاشرة الوحوش طلبًا للكرامة ‪،‬‬
‫والتعبد ل بتحريم بعض الحلل كنكاح أو طعام أو لباس ‪ ،‬وتخصيص شيء‬
‫‪314‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ل يسجد إل عليه كما يفعل الرافضة ‪ ،‬وغير ذلك مما ل يكاد يحصى إل‬
‫بكلفة مما قد أنتشر وعمة به البلوى في كثير من بلد السلم ‪ ،‬أسأله جل‬
‫وعل أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وبلدنا ‪ ،‬وخصوصًا بلد الحرمين رفع ال‬
‫نزل ولتها وعلمائها ووفقهم لما فيه الخير والبر وصلح المسلين فإنه قادة‬
‫أهل السنة وحماة السلم وربان السفينة أسال ال أي يحفظهم بالسلم‬
‫ويحفظ السلم بهم ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫القاعدة الثامنة ‪ :‬كل فعل توفر سبب فعله على عهد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ولم يفعله فالمشروع تركه وقد شرحتها في تلقيح الفهام ‪ ،‬وهي‬
‫من الردود القوية على أهل البدع ‪ ،‬ويخل فيها من البدع ما ل حصر لها‬
‫كالطواف حول القبور ودعاء أصحابها من دون ال تعالى والذبح والنذر‬
‫لها ‪ ،‬وكسوتها والعكوف عندها ‪ ،‬وإسراج القبور ووضع الورود والزهور‬
‫عليها ورفعها والكتابة عليها ويدخل فيها كل الموالد والعياد التي أبتدعها‬
‫أهل التصوف والرفض ـ ويدخل فيها كل الصلوات المبتدعة التي ل دليل‬
‫عليها كصلة الرغائب إحياء ليلة النصف من شعبان ونحو ذلك ‪ ،‬ويدخل‬
‫فيها كل أصناف الذكار البدعية المعروفة عند أهل الهواء والبدع وغير‬
‫ذلك من الشياء التي كانت أسباب فعلها متوفرة على عهد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ومع ذلك فإنه لم يفعلها ل هو ول أحد من أصحابه فتركه لها يدل‬
‫على أنها ليست من الشريعة في صدر ول ورد ‪ ،‬فأمسك بهذا الصل فإنه‬
‫خيرًا عظيمًا وال أعلم‪.‬‬
‫القاعدة التاسعة ‪ :‬ل مدخل للعادات في أمور التشريع أي أن العادات‬
‫الموروثة إذا كانت مخالفة للشروع فإنه يجب اطراحها وإلغاؤها وإبطالها‬
‫واستبدالها بالمشروع ول يجوز الحتجاج على مفكرها بأنها من عوائد القوم‬
‫وسلومهم وأعرافهم التي ورثوها كابرًا عن كابر ‪ ،‬فإن هذه الحجة حجة‬
‫إبليسية شركية قديمة وهي من الردود التي كان يفزع إليها المم الكافرة قال‬
‫تعالى )) بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك‬
‫ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إل قال مترفوها أنا وجدنا آباءنا على‬
‫أمة وإنا على آثارهم مقتدون (( وقال تعالى عنهم )) ما سمعنا بهذا في‬
‫الملة الخرة إن هذا إل اختلق (( واليات في هذا المعنى كثيرة جدًا ‪،‬‬
‫وتأتي هذه القاعدة رادة على هؤلء وتقول ‪ :‬ل مدخل للعادات في أمور‬
‫‪315‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ل بحجة أنه من عاداتنا‬


‫ل أو فع ٍ‬
‫التشريع ‪ ،‬أي ل يجوز اعتقاد جواز التعبد بقو ٍ‬
‫وتقاليدنا وموروثات الباء والجداد وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /290‬ما حكم بغض أهل البدع ؟ وعلى أي صيغة يكون هذا البغض ؟‬
‫ل ويستحق‬ ‫ج‪ /‬بغض أهل البدع واجب من واجبات الشريعة يثاب فاعلة امتثا ً‬
‫العقاب تاركه ‪ ،‬وهو من الولء والبراء الذي هو ركيزة من ركائز العتقاد‬
‫وكما هو معلوم قال تعالى )) ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون‬
‫من حاد ال ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في‬
‫قلوبهم اليمان ‪ ..‬الية ( وغير ذلك من النقول ‪ ،‬وأما صفة هذا البغض فإنه‬
‫نختلف باختلف البدعة ‪ ،‬إن البدعة تتفاوت فمن البدع ما يكون مكفرًا ومنها‬
‫ما يكون مفسقًا ومها ما يكون عقديًا ومنها ما يكون عمليًا ومنها ما يكون‬
‫حقيقيًا ومنها ما يكون إضافيًا وهكذا ‪ ،‬ويختلف أيضا باختلف حالة المبتدع‬
‫فمنهم المستور ومنهم المعلن والداعية ومنهم والمعاند المكابر ومنهم المتأول‬
‫المخطي ‪ ،‬لكن بالنظر العام نقول ‪ :‬ما كان من البدع مفرًا فإنه يجب أن نبغ‬
‫صاحبها البغض المطلق ‪ ،‬وما لم يكن مكفرًا منها فإننا نبغض صاحبها بقدر‬
‫ما معه من المخالفة أي نبغضه مطلق البغض ل البغض المطلق ‪ ،‬وأما‬
‫التفصيل في آحاد المبتدعة فإنه متروك في حال المسئول عنه وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /291‬هل تقبل توبة المبتدع إذا تاب ؟ وعلى أي شيء يحمل كلم من‬
‫قال من السلف أنه ل توبة له ؟‬
‫ج‪ /‬لقد تقرر في الدلة من الكتاب والسنة أن من أذنب ثم تاب وأتى بشرائط‬
‫التوبة فإن ال يتوب عليه قال تعالى )) قل يا عبادي الذين أسرفوا على‬
‫أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال يغفر الذنوب جميعًا (( فقوله‬
‫) الذنوب ( جمع دخلت عليه اللف واللم الستغراقية وقد أكد هذا العموم‬
‫بقوله ) جميعًا ( والصل هو البقاء على العموم حتى يرد المخصص ‪ ،‬وقال‬
‫تعالى )) والذين ل يدعون مع ال إلًه آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال‬
‫إل بالحق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم‬
‫ل صالحًا فاؤلئك يبدل‬ ‫القيامة ويخلد فيه مهانا إل من تاب وآمن وعمل عم ً‬
‫ال سيئاتهم حسنات وكان ال غفورًا رحيماً ومن تاب وعمل صالحًا فإنه‬
‫‪316‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫يتوب إلى ال متابا (( وقال تعالى )) حم * تنـزيل الكتاب من ال العزيز‬


‫العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ل إله إل هو إليه‬
‫المصير (( روى المام البخاري ومسلم في صحيحيهما في حديث الفك‬
‫الطويل) إن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب ال عليه ( وفي صحيح مسلم‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها‬
‫تاب ال عليه( وفي الصحيح ) ويتوب ال على من تاب ( وفي الصحيحين‬
‫أيضا من حديث ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ :‬إن ناسا من أهل الشرك‬
‫كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا وأكثروا ثم أتوا محمدا صلى ال عليه وسلم‬
‫فقالوا‪ :‬إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما فعلنا كفارة‪ ،‬فنزلت‬
‫" والذين ل يدعون مع ال إلها آخر ‪ .....‬الية" وقوله تعالى " قل يا عبادي‬
‫الذين أسرفوا على أنفسهم ‪ ......‬الية" وفي صحيح مسلم من حديث أبي‬
‫موسى مرفوعا ) إن ال يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده‬
‫بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ( وفي جامع‬
‫الترمذي بسند حسن عن ابن عمر مرفوعا ) إن ال تعالى يقبل توبة العبد‬
‫مالم يغرغر( وغير ذلك من الدلة ‪ .‬فقد دلت هذه الدلة الدللة الصريحة‬
‫على قبول توبة المذنبين والمسيئين من أهل البدع وغيرهم ‪ ،‬وإذا كان‬
‫صاحب الكفر والشرك إذا تاب منه وصدق في ذلك تاب ال عليه فلن تقبل‬
‫توبة المبتدع من باب أولى ‪ ،‬وهذا فيه فتح باب للمذنبين أن ل يقنطوا من‬
‫رحمة ال تعالى ‪ ،‬ول يتمادوا في معاصيهم ‪ ،‬وفي الحديث ) والتوبة تهدم ما‬
‫كان قبلها ( وهذا هو المعروف عن جماهير أهل السنة ‪ ،‬وأما من صرح‬
‫منهم بأنه ل توبة له فإنما يريد بذلك أنه ل يوفق لها غالبا وهذا صحيح ‪ ،‬ول‬
‫يقصدون أنه ل تقبل منه إذا صدق فيها ‪ ،‬فإن هذا الفهم مخالف لدللة الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وحاشا السلف من مخالفة الكتاب والسنة‪ ،‬وإنما يقصدون ما ذكرته‬
‫لك قبل قليل ‪ ،‬والواجب حمل كلمهم جماعات ووحدانا على ما يوافق‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وبيان ذلك أن أول منازل التوبة العلم بقبح الفعل ليتوب منه‬
‫والمبتدع يرى أنه على حق والصواب فكيف يتوب مما يراه صوابا وحقا في‬
‫نفسه‪ ،‬ولهذا فالبدعة ل يتاب منها غالبا أي ل يوفق صاحبها غالبا للتوبة منها‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫‪317‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /292‬ما حكم الصلة خلف أهل البدع بالتفصيل؟‬


‫ج‪ /‬هذه المسألة من المسائل الدقيقة التي يختلف الحكم فيها باختلف حال‬
‫البدعة والمبتدع فأقول وبال التوفيق‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إن كان هذا المبتدع محكوما بكفره فل تصح الصلة خلفه‬
‫باتفاق أهل السنة سواء كان داعية إلى بدعته أو غير داعية‪ ،‬ومن صلى خلفه‬
‫فعليه العادة مطلقا لنه ائتم بمن ليس من أهل الصلة أصل ‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫يحمل كلم بعض السلف من نهيهم عن الصلة خلف من حكموا بكفره من‬
‫أهل البدع كالجهمية والرافضة والقدرية ‪ ،‬فعن واثلة بن السقع رضي ال‬
‫عنه أنه سئل عن الصلة خلف القدري فقال ) ل يصلى خلفه أما لو صليت‬
‫خلفه لعدت ( وعن سلم بن مطيع رحمه ال تعالى أن سئل عن الجهمية‬
‫) كفار ول يصلى خلفهم( وقال أبو يوسف رحمه ال تعالى ) ل‬ ‫فقال‬
‫أصلي خلف رافضي ول جهمي ول قدري( وغير ذلك من النقول عن بعض‬
‫أئمة السلف ‪ ،‬رحمهم ال تعالى ‪ ،‬فهذا أول‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وأما إن كان ل يكفر ببدعته وكان داعية إليها فإنه ل يصلى‬
‫خلفه أيضا إل إذا كان هو إمام الجمع والجماعات التي ل تصلى إل خلفه ‪،‬‬
‫فإنها حينئذ تصلى خلفه ول إعادة بل المتخلف عن الصلة خلف هذا الرجل‬
‫معدود من أهل البدع ‪ ،‬فقد روى البخاري في صحيحه عن عبيد ال بن عدي‬
‫أنه دخل على عثمان رضي ال عنه وهو محصور فقال ‪ :‬إنك إمام عامة‬
‫ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج‪ ،‬فقال ‪ ) :‬الصلة أحسن‬
‫ما يعمل الناس ‪ ،‬فإذا أحسن الناس فإحسن معهم وإذا أساؤا فاجتنب إساءتهم(‬
‫وقد صلى بعض الصحابة خلف أهل البدع كما روى أبو زمنين عن سوار بن‬
‫شبيب قال ) حج نجدة الحروري في أصحابه فوادع ابن الزبير فصلى هذا‬
‫بالناس يوما وليلة ‪ ،‬وهذا بالناس يوما وليلة‪ ،‬فصلى ابن عمر خلفهما‬
‫فاعترض رجل فقال ‪ :‬يا ابن عمر تصلي خلف نجدة الحروري؟ فقال ابن‬
‫عمر ‪ :‬إذا نادوا حي على خير العمل أجبنا وإذا نادوا حي على قتل النفس قلنا‬
‫‪ :‬ل‪ ،‬ورفع بها صوته ‪ .‬قال ابن حزم رحمه ال تعالى ‪ :‬ل نعلم أحدا من‬
‫الصحابة رضي ال عنهم امتنع من الصلة خلف المختار ‪ ،‬وعبيد ال بن‬
‫زياد ‪ ،‬والحجاج‪ ،‬ول فاسق أفسق من هؤلء أ‪.‬هـ قال أبو العباس رحمه ال‬
‫تعالى ‪ :‬ومما يدل على أن الصحابة لم يكونوا يكفروا الخوارج أنهم كانوا‬
‫‪318‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫يصلون خلفهم ‪ ،‬وكان عبدال بن عمر رضي ال عنهما وغيره من الصحابة‬


‫يصلون خلف نجدة الحروري ‪ .‬أ‪.‬هـ كلمه‪.‬‬
‫وخلصة الكلم أن المبتدع الذي ل يكفر ببدعته وكان داعية إليها ل يصلى‬
‫خلفه ول كرامة له ‪ ،‬إل إذا كان هو إمام المسلمين أو نائبه الذي ل تقام‬
‫الجمعة والجماعة إل خلفه ‪ ،‬فيصلى خلفه ول يتخلف عن ذلك إل مبتدع كما‬
‫نص عليه السلف والصلة خلفهم صحيحة فل إعادة عليه والحالة هذه وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وأما إذا كان ل يكفر ببدعته ولم يكن داعية إليها وهو من عامة‬
‫الئمة أي أنه يمكن إقامة الصلة خلفه فإن المر في تفصيل أيضا فإن كان‬
‫في ترك الصلة خلفه تعطيل لهذه الجماعة فإنه يصلى خلفه لنه إذا‬
‫تعارضت المصالح والمفاسد وكانت المفاسد أكبر فإن درء المفسدة مقدم على‬
‫جلب المصلحة ‪ ،‬وإن كان ل يؤدي ترك الصلة خلفه إلى تعطيل الجماعة‬
‫في المسجد فإنه ل يصلى خلفه وهذا من باب الزجر بالهجر ويبحث عن‬
‫المام التقى وقد تقرر في القواعد أنه كلما كان المام أجمع للصفات‬
‫المعتبرة شرعًا كلما كانت الصلة أكمل بل ويكون ترك الصلة خلفه من‬
‫باب الوجوب إذا كان يفيد زجره عن بدعته التي يعتقدها أو يفعلها ‪ ،‬وولي‬
‫المر مطالب أن ل ينصب في المامة إل التقى فهذا التفصيل هو الذي‬
‫يتألف به كلم أهل العلم وفعلهم ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /293‬ما المنهج السليم الذي يسلكه المسلم عند الفتن ؟‬


‫ج‪ /‬هذا سؤال عظيم القدر جليل المنزلة وخصوصًا في هذه الزمنة التي‬
‫كثرة فيها تنوع فيه الشبهات والتبس فيه الحق بالباطل ‪ ،‬وخلصة المنهج‬
‫السليم في أمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬العتصام بالكتاب والسنة فإنهما النجاة من كل فتنة فهما المعين‬
‫الصافي الذي ل شوب ول كدر‪ ،‬وهما الصلن التي شهدت الدلة على أن‬
‫من تمسك بهما فهو على الهدى والبر والخير والصلح قال تعالى‬
‫)) واعتصموا بحبل ال جميعًا (( فل نجاة إل بالستمساك بهما والعض‬
‫عليهما بالنواجذ ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ) تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن‬
‫تضلوا بعدي كتاب ال وسنتي ( وقال ) فعليكم بسنتي وسنت الخلفاء‬
‫‪319‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الراشدين المهديين بعدي تمسكوا بها واعتصموا وعضوا عليها بالنواجذ‬


‫وإياكم ومحدثات المور ( قال تعالى )) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى‬
‫ال ورسوله إن كنتم تؤمنون بال ورسوله ذلك خير وأحسن تأويل (( وقد‬
‫تقدم في السؤال الول بعض النقول فيما يؤيد ذلك‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬لزوم الجماعة والحذر من الفرقة فعن أبن عمر رضي ال عنه‬
‫قال ‪ :‬إن عمر رضي ال عنه خطب بالجابية فقال ) من أراد بحبوحة الجنة‬
‫فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الثنين أبعد ( أخرجه‬
‫الترمذي وأحمد وغيرهما وهو صحيح بمجموع طرقه وقال عليه الصلة‬
‫والسلم ) يد ال على الجماعة الشيطان مع من يخالف الجماعة( أخرجه‬
‫النسائي ‪ .‬قال ابن القيم رحمه ال تعالى ) وحيث جاء المر بلزوم الجماعة‬
‫ل والمخالف له كثيرًا لن‬
‫فالمراد به لزوم الحق وإتباعه ون التمسك به قلي ً‬
‫الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الولى من عهد النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ول نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم ( أ‪.‬هـ كلمه رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ) يد ال على الجماعة فإذا شذ الشاذ منهم أختطفه‬
‫الشيطان كما يخطف الذئب الشاة من الغنم ( وهو حديث صحيح بشواهده ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬رد المر إلى الرسول وإلى اؤلي المر وهم اؤلوا العلم ‪ ،‬قال‬
‫تعالى )) إذا جاءهم أمر من المن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى‬
‫الرسول وإلى اؤلي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم (( فل ينبغي‬
‫أن يصدر في أمر الفتن عن الصاغر وأحداث السنان والغوغائيين الذين‬
‫همهم إثارة الفتن وإذكاء نارها من الذين ل يعرفون بعلم ول فهم ول فقه ول‬
‫بمراعاة المصالح والمفاسد ‪ ،‬وإنما مقصود الواحد منهم أن يروي غليله‬
‫ويطفي غيض قلبه على المخالف فالواجب أل يؤبه لهؤلء الباعد الصاغر‬
‫وحق كلمهم أن يطرح ول يسمع ‪ ،‬بل ول يمكنون أصل من مخاطبة العامة‬
‫ما استطعنا إلى ذلك سبيل ‪ ،‬وأن يحث الناس ويوجهون إلى اللتفاف حول‬
‫العلماء الموثوقين في علمهم وديانتهم وأمانتهم فل تأخذ الحكام من هؤلء ‪،‬‬
‫ول تزال المة بخير ما صدرت عن علمائها الراسخين الذين ل يحركهم ول‬
‫يوفقهم إل مراعات المصالح والمفاسد ‪ ،‬وهم كثير في هذا الزمان ول الحمد‬
‫والمنة ‪.‬‬
‫‪320‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الرابع ‪ :‬حبس اللسان وكفه عن الخوض في هذه الفتن ‪ ،‬فإن الفتن‬


‫كالظلم والغياهب التي تعمي البصر والبصيرة ‪ ،‬فالواجب أن ل تؤخذ في هذه‬
‫الفتن كلمة منك إل وأنت على علم كامل تام بعواقبها ‪ ،‬وكم من كلمة صدرت‬
‫من رجل لم يعلم عواقبها ‪ ،‬زادت النار نارًا ‪ ،‬فأحبس عليك لسانك وليسعك‬
‫بيتك وأبك على خطيئتك ‪ ،‬ودع المر لهل العلم ‪ ،‬وكم وكم من طويلب علم‬
‫أستعجل بالكلم في بعض الفتن ‪ ،‬فندم وصفق بكفه على ما رأى من الثر‬
‫السيئ هذه الكلمة ‪ ،‬فالرفق الرفق والقصد القصد ‪ ،‬فإن الرفق ما كان في‬
‫شيء إل زانه وما نزع من شيء إل شانه ‪ ،‬وأنظر حادثة الفك ‪ ،‬وأي فتنة‬
‫هي ؟ فإنها فتنة عظيمة وواقعة فادحة اهتزت فيها قلوب وتحركت فيها السنة‬
‫فما سلم إل من كف لسانه وأحسن الظن ‪ ،‬قال تعالى )) إذ تلقونه بألسنتكم‬
‫وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند ال‬
‫عظيم (( فما سلم في الفتن إل من شكت فل تتفوهوا غل بما فيه جمع الكلمة‬
‫وتأليف القلوب وإزالة الشحناء ‪ ،‬فاحرص على هذا المر تنجو بإذن ال‬
‫تعالى وتحمد عواقبه ‪ ،‬وعند الصباح يحمد القوم السرى ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬الترفق في المور وخصوصًا في إصدار الحكام فإنه الفتن‬
‫يكثر فيها الهرج والمرج والقيل والقال وتكثر فيها التصريحات ولتفنن‬
‫وكالت أنباء في نقل الخبار على ما تريده من زيادة ونقص ويخدم مصالح‬
‫أحرى ‪ ،‬فاحذر من أن تتعجل في بناء حكم بمجرد خبر سمعته أو جريدة‬
‫قرأتها أو تحليل أخباري سمعته ‪ ،‬فإن الحكام على الغير شأنها عظيم‬
‫وخطرها جسيم وعواقبها وخيمة ‪ ،‬وفي الفتن قد يخفى الحق وتختلط الحقيقة‬
‫ل عن العامة ‪ ،‬وتكثر‬ ‫بغيرها ويلتبس المر على كثير من أهل العلم فض ً‬
‫الشاعات الراجيف فكان لزمًا على العاقل أن ل يصدر الحكام بناًء على‬
‫شيء من الشاعات والراجيف ‪ ،‬وقد ندبنا إلى الرفق في المور كلها ‪،‬‬
‫فترفق وتأن فإن في التأني السلمة وفي العجلة الندامة ‪ ،‬حتى إذا انجلت‬
‫الفتنة وظهر نور الحق واختفى غيهب الباطل وتميزت المور فأمشي حينئذ‬
‫على نور من ال وبصيرة ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬المتثال على أمر ال تعالى بتزكية النفس بالكثار من‬
‫الطاعة وصدق التوبة ‪ ،‬وإعظام اللجأ والتضرع إليه ‪ ،‬بالدعاء الصادق‬
‫والقلب الحاضر أن يكفي المة شر الفتن ما ظهر منها وما بطن فإن هذه‬
‫‪321‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الفتن التي تنزل بالمة هي في حقيقتها مذكرات وموقظات ومواعظ فعلى‬


‫العبد أن ينظر فيها بعين التعاظ والعتبار وأن يستفيد منها الدروس ‪ ،‬وإن‬
‫من أعظم ما يستفيده العبد من ذلك علمه اليقيني بحاجته التامة لربه جل وعل‬
‫وافتقاره الذاتي ل تبارك وتعالى الفتقار الذي ل ينفك عنه أبدا فإن مطالعة‬
‫هذا الفتقار هو عين سعادة العبد ‪ ،‬والغفلة عنه هو عين شقاوته فكم من قلب‬
‫استفاق من غفلته فيها ‪ ،‬وكم من غوي ضال صار مهتديًا راشدًا فيها وكما‬
‫قال تعالى )) ول تحسبوه شرًا لكم بل هو خيرا لكم (( وقال تعالى )) ظهر‬
‫الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا‬
‫لعلهم يرجعون (( ‪.‬‬

‫س ‪ /294‬هل يصلى على أهل البدع ؟‬


‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬الصحيح في هذه المسألة هو التفصيل ‪ ،‬فل نقول ‪ :‬يصلى عليهم‬
‫مطلقًا ‪ ،‬ول نقول ‪ :‬ل يصلى عليهم مطلقًا ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬إن كان هذا المبتدع‬
‫الذي مات محكوما بكفره ببدعته كالجهمية والرافضة والسماعيلية‬
‫والنصيرة فإنه ل يصلى عليه ‪ ،‬لن صلة الجنازة مخصوصة بالمسلم الذي‬
‫مات على السلم وهذا المبتدع مات كافرا فل يجوز الصلة عليه ‪ ،‬بل أقول‬
‫‪ :‬ل يغسل ول يكفن ول يصلى عليه ول يدعى له بالرحمة ول يدفن في‬
‫مقابر المسلمين بل بوادي في البرية ‪ ،‬وذلك على للتفاق على أن صلة‬
‫الجنازة والتغسيل والتكفين إنما تكون للمسلمين فقط ‪ ،‬وقد حكمنا على هذا‬
‫المبتدع أنه كافر بهذه البدعة ‪ ،‬فيعامل معاملة الكفار ‪ ،‬فهذا إذا كان يكفر‬
‫ببدعته ‪ ،‬وأما إذا كان هذا المبتدع الذي مات ليس محكوما بكفره بهذه البدعة‬
‫كالشعري والمعتزلي وصاحب الذكر الجماعي ونحو هؤلء ‪ ،‬فإن الصل‬
‫أنه مسلم وبدعته هذه ل تخرجه عن أصل السلم وقد تقرر في القاعدة أنه‬
‫يصلى على كل من مات مسلما ‪ ،‬هذا هو الصل ‪ ،‬لكن إن كانت المصلحة‬
‫أن يتخلف عن الصلة عليه إمام المسلمين أو نائبه وأهل العلم والديانة‬
‫والصلح فإنهم يتركون الصلة عليه ‪ ،‬زجرا للعامة عن مواقعة هذه الفعلة‬
‫التي مات عليها ‪ ،‬فإن الناي إذا علموا أن أهل العلم والصلح تخلفوا عن‬
‫الصلة عليه من أجل هذه البدعة أو هذه المعصية فإنه ل شك أنهم يحذرون‬
‫من مواقعتها ‪ ،‬وقد ثبت أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يصلي على الغال‬
‫‪322‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ول على قاتل نفسه ول على من استدان ومات ول وفاء له حتى تحمله أحد‬
‫الصحابة ‪ ،‬وهذا يدخل تحت باب الزجر بالهجر وهو تأديب نافع جدا له أثره‬
‫الحميد لكن مبناه على مراعاة المصالح والمفاسد فهذا القول هو الذي يجمع‬
‫ما قاله أهل العلم في هذا الباب وتتفق به نصوصهم وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /295‬ما حكم ساب الرسول صلى ال عليه وسلم مع بيان ذلك بالدلة ؟‬
‫ج‪ /‬سب النبي صلى ال عليه وسلم كفر وردة وجرم عظيم وموبقة من‬
‫موبقات الثام ‪ ،‬وقد أجمع أهل الصدر الول على أنه يجب قتله ‪ ،‬قال ابن‬
‫المنذر ‪ :‬أجمع عامة العلماء على أنه يجب على سابه القتل ‪ ،‬قاله أحمد ومالك‬
‫والليث والشافعي ‪.‬أهـ وقد حكى الجماع أيضا أبو بكر الفارسي من أصحاب‬
‫الشافعي ‪ .‬وكذا يقله إسحاق بن راهويه فإنه قال ‪ :‬أجمع المسلمونِأن سب‬
‫ال أو سب الرسول أو دفع شيء مما أنزل أو قتل نبيًا أنه كافر وإن كان مقرا‬
‫بكل ما أنزل ال ‪ .‬أهـ ‪ .‬ويقله الخطابي أيضا فإنه قال ‪ ) :‬ل أعلم أحدا اختلف‬
‫في وجوب قتله ( أهـ ‪ .‬وقال محمد بن سحنون ) أجمع العلماء على أن شاتم‬
‫الرسول المتنقص له كافر ومن شك في كفره فإنه يكفر وأما الدلة على‬
‫إثبات هذا الحكم فمن الكتاب والسنة ‪ ،‬والجماع ‪ ،‬فأما الجماع فقد تقدم‬
‫نقله ‪ ،‬وأما ففي مواضع ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬قوله تعالى )) إن الذين يؤذون ل ورسوله لعنهم ال في الدنيا‬
‫والخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا (( قال أبو العباس ‪ :‬وهذه توجب قتل من آذى‬
‫ال ورسوله ونحن لم نعاهدهم على أن يؤذوا ال ورسوله ‪ .‬أهـ قلت ‪ :‬من‬
‫اليذاء سبه وتنقصه بقول أو فعل ‪ ،‬فإن فاعله ملعون بلعنة ال مطرود عن‬
‫رحمته متوعد يوم القيامة بالعذاب المهين وهذا يدل على كفره‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعالى )) ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو‬
‫أذن ‪.....‬الية (( إلى قوله‬
‫)) والذين يؤذون رسول ال لهم عذاب أليم ‪.....‬الية (( إلى قوله )) ألم‬
‫يعلموا أنه من يحادد ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدًا فيها ذلك الخزي‬
‫العظيم (( فعلم بذلك أن إيذائه صلى ال عليه وسلم محادة ل ولرسوله لن‬
‫ل فيه ‪،‬‬
‫ذكر اليذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة فيجب أن يكون داخ ً‬
‫فاليذاء له صلى ال عليه وسلم من المحادة ل ورسوله ‪ ،‬وما يحاددهما‬
‫‪323‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫جزاءه نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم ‪ ،‬وسبه وتنقصه من اعظم‬
‫اليذاء فيكون من أعظم المحادة فيكون صاحبه متوعدا بهذه العقوبة البليغة‬
‫مما يدل على أنه كافر عدو ل ورسوله محارب ل ورسوله ‪ ،‬ويوضح هذا ما‬
‫ل كان‬‫رواه عبدالرزاق وأبو نعيم في الحلية وابن حزم في المحلى أن رج ً‬
‫يسب النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ ) :‬من يكفيني عدوي ( وصححه ابن‬
‫حزم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعالى )) يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم‬
‫بما في قلوبهم قل استهزؤا إن ال مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن‬
‫إنما كنا نخوض ونلعب قل أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ل تعتذروا‬
‫قد كفرتم بعد إيمانكم (( وهذا نص أن الستهزاء بال وآياته ورسوله كفر‬
‫صريح ‪ ،‬فدلت الية أن كل متنقص رسول ال صلى ال عليه وسلم جادا أو‬
‫ل فإنه يكفر ‪ ،‬وسبه من تنقصه فهو كفر ‪.‬‬‫هاز ً‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعالى )) يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بين يدي ال‬
‫ورسوله واتقوا ال إنه سميع عليم ‪ ،‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم‬
‫فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط‬
‫أعمالكم وأنتم ل تشعرون (( فإذا ثبت أن رفع الصوت والجهر به فوق‬
‫صوته يخاف على صاحبه منه أن يكفر به ويحبط عمله وهو ل يشعر ‪ ،‬لن‬
‫فيه سوء أدب واستخفاف وهو ل يشعر بذلك ‪ ،‬فكيف بمن يسبه ويستخف به‬
‫ويؤذيه مع قصه لذلك وتعمده له ؟ فل ريب أنه يكون كافرًا بطريق الولى ‪.‬‬
‫وقد ذكر أبو العباس في الصارم المسلول آيات أخرى ‪ ،‬فارجع إليها إن شئت‬
‫‪ ،‬وأما السنة فأحاديث ‪ ،‬فمنها ما رواه الشعبي عن علي رضي ال عنه أن‬
‫يهودية كانت تشتم النبي صلى ال عليه وسلم وتقع فيه ‪ ،‬فخنقها رجل حتى‬
‫ماتت ‪ ،‬فأبطل رسول ال صلى ال عليه وسلم دمها ‪ ،‬رواه أبو داود واستدل‬
‫به المام أحمد كما في رواية ابنه عبدال عنه ‪ ،‬وقد روي أن الرجل كان‬
‫أعمى ‪ ،‬وجود إسناده أبو العباس في الصارم المسلول وقال ‪ :‬وهو حديث‬
‫جيد وهو متصل لن الشعبي رأى عليا ولو كان مرسل فهو حجة وفاقا لن‬
‫الشعبي صحيح المراسيل عندهم ليس له مرسل إل صحيح ‪ .‬أهـ وهذا صريح‬
‫في جواز قتلها لجل شتم النبي صلى ال عليه وسلم ووقوعها فيه ‪ ،‬فإذا كان‬
‫‪324‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫هذا حال أهل الذمة إذا فعلوا ذلك فالمسلم والمسلمة إذا فعل ذلك فإنهم‬
‫يدخلون في دللة النص من باب أولى ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما روى ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن أعمى كانت له أم‬
‫ولٍد تشتم النبي صلى ال عليه وسلم وتقع فيه ‪ ،‬فأخذ المغول ووضعه في‬
‫بطنها واتكأ عليه فقتلها ثم ذكر للنبي صلى ال عليه وسلم فأهدر دمها ‪ ،‬رواه‬
‫أبو داود والنسائي واستدل به أحمد ‪ ،‬وصححه الحاكم وقال الحافظ في البلوغ‬
‫) رواته ثقات ( وقد تكون هذه القصة هي عين المذكورة سابقا وقد تكون‬
‫غيرها ووجه الدللة منها واضحة وهو أن ساب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يقتل لن السب ارتداء فهذا دليل على ما قررناه من حكم سابه صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قصة كعب بن الشرف اليهودي ‪ ،‬وهي مخرجة في‬
‫الصحيحين ‪ ،‬وقد احتج بها الشافعي على أن الذمي إذا سب النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فإنه يقتل وفيها أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) من لكعب بن‬
‫الشرف فإنه قد آذى ال ورسوله فقام محمد بن سلمة فقال ‪ :‬أتحب أن أقتله يا‬
‫رسول ال ؟ قال ) نعم ( قال ‪ :‬فأذن لي أن أقول شيئا ‪ ،‬فإذن له ‪...‬الحديث‬
‫وفيه أنهم ) قتلوه ( وكان كعب قد هجا النبي صلى ال عليه وسلم فكانت‬
‫عقوبته ما علمت وهي القتل وهو ذمي فكيف لو فعله مسلم فهذا دليل أن ساب‬
‫الرسول يقتل‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه النسائي بسند صحيح عن عبدال بن أبي برزة قال ‪:‬‬
‫أغلظ رجل لبي بكر الصديق رضي ال عنه فقلت ‪ :‬أقتله ؟ فانتهرني وقال ‪:‬‬
‫ليس هذا الحد بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ( وفي رواية ‪ :‬أن رجل‬
‫شتم أبا بكٍر ‪ ،‬فذكره ‪ ،‬وهي عند أبي داود وهذا يفيد أن المتقرر عند أبي بكر‬
‫أن قتل الساب إنما هو إذا كان المشتوم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأما‬
‫غيره فل ‪ ،‬فهو من جملة خصائصه صلى ال عليه وسلم قال أبو العباس ‪:‬‬
‫وقد استدل به جماعات من العلماء على قتل ساب الرسول منهم ‪ :‬أبو داود‬
‫وإسماعيل بن إسحاق وأبو بكر عبد العزيز والقاضي أبو يعلى وغيرهم (‬
‫أ‪.‬هـ‬
‫ومنها ‪ :‬قصة ابن أبي سرح ‪ ،‬وهي مما أتفق عليها أهل العلم واستفاضت‬
‫عندهم استفاضة تغنى عن رواية والحاد ‪ ،‬ومع ذلك فقد صححها الحاكم‬
‫‪325‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ووافقه الذهبي وصححه شيخ السلم واللباني ‪ ،‬رحم ال الجميع رحمة‬


‫واسعة وذلك انه يوم فتح مكة اختبأ عبدال بن سعد بن أبي سرح عند عثمان‬
‫بن عفان رضي ال عنه فجاء به حتى أوقفه على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال يا رسول ال ‪ ،‬بايع عبدال فرفع رأسه فنظر إليه ثلثا كل ذلك يا‬
‫أبي ‪ ،‬فبايعه بعد الثلث ‪ ،‬ثم أقبل صلى ال عليه وسلم على أصحابه فقال‬
‫) أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته‬
‫فيقتله ( فقالوا ‪ :‬ما ندري يا رسول ال ما في نفسك أل أومأت لنا بعينك ؟‬
‫فقال ) إنه ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة العين ( رواه أبو داود‬
‫والنسائي ‪.‬‬

‫س ‪ /296‬ما عقيدة أهل السنة رحمهم ال تعالى في صحابة النبي صلى‬


‫ال عليه وسلم ؟ مع ذكر شيء من فضائلهم ؟‬
‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة رفع ال نزلهم في الفردوس العلى وجمعنا بهم في‬
‫جنات النعيم وثبت أحيائهم وغفر لمواتهم أن الصحابة أفضل المة بعد نبيها‬
‫صلى ال عليه وسلم ل كان ول يكون مثلهم ‪ ،‬وأنهم رضي ال عنه ورضوا‬
‫عنه وأنهم ثقات عدول أثبات ‪ ،‬وندين ل تعالى بحبهم بل إفراط ول تفريط‬
‫ويتبرءون من طريقة الروافض والخوارج قال تعالى‬
‫)) والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان‬
‫رضي ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها النهار‬
‫خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (( وقال تعالى )) محمد رسول ال‬
‫والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضل‬
‫من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في‬
‫التوراة ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى‬
‫على سوقه يعجب الزراع ليغظ بهم الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات منهم مغفرة وأجر عظيما (( وقال تعالى )) لقد رضي ال عن‬
‫المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة‬
‫عليهم وأثابهم فتحا قريبا (( وقال عليه الصلة والسلم ) خير الناس قرني‬
‫ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ( وقال عليه الصلة والسلم ) ل تسبوا‬
‫أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ ُمّد أحدكم‬
‫‪326‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ول نصيفه ( ويدينون ل تعالى بسلمة قلوبهم وألسنتهم للصحابة جميعا ول‬
‫يذكرونهم إل بالجميل ومن ذكرهم بغير ذلك فهو على غير سواء السبيل قال‬
‫تعالى )) والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولخواننا الذين‬
‫سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف‬
‫رحيم (( ونعتقد العتقاد الجازم أنهم أكبر هذه المة عقول وأكثرهم‬
‫وأصحهم علوما وأعلهم فهوما وأسلمهم صدورا وأشدهم إتباعا ‪ ،‬وأرفعهم‬
‫قدرا وأنهم الواسطة بيننا وبين نبينا صلى ال عليه وسلم في إبلغ الشريعة‬
‫أنهم قاموا بما أوجبه ال عليهم من البلغ أتم القيام ‪ ،‬فقلوبنا سليمة عليهم فل‬
‫غل ول حقد ول كراهة لحد منهم وأنهم أمنة هذه المة كما روى مسلم في‬
‫صحيحه من حديث أبي بردة عن أبيه رضي ال عنه قال ‪ ) :‬صلينا مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قلنا ‪ :‬لو جلسنا حتى نصلي العشاء قال ‪:‬‬
‫فجلسنا ‪ ،‬فخرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ ) :‬مازلتم ههنا (‬
‫؟ فقلنا ‪ :‬يا رسول ال صلينا معك المغرب ثم قلنا ‪ :‬نجلس حتى نصلي معك‬
‫العشاء ‪ ،‬قال ) أحسنتم ( أو ) أصبتم ( قال ‪ :‬فرفع رأسه إلى السماء وكان‬
‫كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء ‪ ،‬فقال ) النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت‬
‫النجوم أتى السماء ما توعد ‪ ،‬وأنا أمنة لصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما‬
‫يوعدون وأصحابي أمنة لمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ( وفي‬
‫الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ) يأتي على الناس زمان نغزو فئام من الناس فيقال لهم ‪ :‬فكيم‬
‫من صحب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقولون ‪ :‬نعم ‪ ،‬فيفتح لهم ‪ ،‬ثم‬
‫فئام من الناس فيقال لهم ‪ :‬فكيف من رأى من صحب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فيقولون ‪ :‬نعم ‪ ،‬فيفتح لهم ‪ ،‬ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم ‪:‬‬
‫هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فيقولون ‪ :‬نعم ‪ ،‬فيفتح لهم ‪ ،‬ولمسلم من حديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪:‬‬
‫) القرن‬ ‫سأل رجل النبي صلى ال عليه وسلم أي الناس خير ؟ فقال ‪:‬‬
‫الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث (‪.‬والصحيح عند الجمهور رحمهم ال تعالى‬
‫أن هذه الفضلية والخيرية في قرن الصحابة هي باعتبار الفراد وليس‬
‫بالنسبة إلى المجموع ‪ ،‬إذ الصحبة ل يعد لها شيء ولمشاهدتهم النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وذبهم عنه ونصرة دين السلم وحرصهم على ضبط الوحي‬
‫‪327‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الذي تلقوه عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فما من خصلة من خصال الخير‬
‫إل والصحابة قد ضربوا فيها أكبر الحظ والنصيب ‪ ،‬وهم أحق المة بقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ) نضر ال امرءا سمع منا مقالة فوعاها فأداها كما‬
‫سمعها ‪........‬الحديث ( وقال ابن عمر رضي ال عنهما ‪ :‬من كان مستنا‬
‫فليستن بمن قد مات ‪ ،‬أولئك أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم كانوا خير‬
‫هذه المة ‪ ،‬أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم أختارهم ال تعالى‬
‫لصحبة نبيه صلى ال عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلقهم وطرائقهم فهم‬
‫أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم وكانوا على الهدى المستقيم ( وقال ابن‬
‫مسعود رضي ال عنه ‪ :‬إن ال نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير‬
‫القلوب فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء‬
‫نبيه ‪ ،‬يقاتلون على فما رأى المسلمون حسنا فهو عند ال حسن وما رأوا سيئا‬
‫فهو عند ال سيئ ‪ .‬وسيأتي إن شاء ال تعالى شيء من ذكر الفضائل في‬
‫سياق السئلة بحوله سبحانه وقوته ‪ ،‬وخلصة المر أن اعتقاد أهل السنة في‬
‫الصحابة رضي ال عنهم مجمل في أمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أننا نحبهم ول نفرط في حب أحد منهم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أننا نبغض في ال من أبغضهم ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنهم خير هذه المة وأفضلها على الطلق ل كان ول يكون‬
‫مثلهم وأن ال تعالى رضي عنهم ورضوا عنه ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أنهم عدول ثقات أثبات ل يبحث عن عدالتهم ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬سلمة ألسنتنا وقلوبهم عليهم وال تعالى أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /297‬ما حكم سب الصحابة مع بيان ذلك بالدليل ؟‬


‫ج‪ /‬أما سبهم فموبقة عظيمة وجريمة وخيمة ‪ ،‬وهو محرم التحريم الشديد‬
‫بالكتاب والسنة والجماع والمعقول فأما الكتاب فلنه تعالى ذكرهم في غير‬
‫آية أنه رضي ال عنهم ورضوا ووعدهم الثواب الجزيل والجر العظيم‬
‫ومن المعلوم أن هذا ثناء حسن وكل من أثنى ال عليه خيرا في القرآن فإنه‬
‫يموت على ذلك ‪ ،‬فسبهم مصادمة لهذه اليات وجاحدة لمدلولها فكيف يسب‬
‫‪328‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫من قال ال فيهم )) والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين‬


‫اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها‬
‫النهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم (( وكيف يسب من قال ال فيهم‬
‫)) لقد رضي ال عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم‬
‫فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا (( وكيف يسب من قال ال تعالى‬
‫فيهم )) محمد رسول ال والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم‬
‫ل من ال ورضوانًا سيماهم في وجوههم من‬ ‫تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فض ً‬
‫ع أخرج شطئه‬ ‫أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في النجيل كزر ٍ‬
‫فآزره فأستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع وعد ال الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات مغفرة وأجرًا عظيما (( وكيف يسب من قال ال تعالى‬
‫فيهم )) لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك‬
‫لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون (( وكيف يسب من قال ال تعالى فيهم‬
‫)) فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على‬
‫الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يأتيه‬
‫من يشاء وال واسع عليم (( وأقول أيضا ‪ :‬إنه ل يختلف اثنان من أهل‬
‫السنة أن الصحابة أكمل هذه المة إيمانًا فقد حققوا فيه المراتب العالية ‪ ،‬وقد‬
‫توعد ال تعالى من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بالعذاب الشديد فقال‬
‫)) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا‬
‫وإثمًا مبينًا (( والسب من اليذاء ‪ ،‬بل وأعظم من ذلك فإن سب صحابة‬
‫الرجل الذين يصحبهم في حله وسفره وسائر أحواله هم أخص الناس به ‪،‬‬
‫فسبهم وتنقصهم هو حقيقته سب ونقص له ‪ ،‬وبناًء عليه فسب أصحاب محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم سب له وتنقصهم والقدح فيهم وهو في حقيقته تنقص له‬
‫وقدح فيه وهو من إيذائه وقد قال ال تعالى )) إن الذين يؤذون ال ورسوله‬
‫لعنهم ال في الدنيا والخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا (( فمن آذى الصحابة فقد‬
‫آذى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ومن آذى النبي صلى ال عليه وسلم فقد‬
‫آذى ال تعالى ‪ ،‬فنعوذ بال من حال أهل الهواء الذين جعلوا سب أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم دينا يدينون به وقربة يتقربون بها ودينا لهم ‪،‬‬
‫وأما دللة السنة على تحريم سب الصحابة فأدلة كثيرة فمن ذلك ما رواه‬
‫الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫‪329‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) ل تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو‬
‫أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ ُمّد أحدهم ول نصيفه ( ولمسلم ‪ ،‬كان بين‬
‫خالد أبن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ) ل تسبوا أصحابي ‪..........‬الحديث ( ‪ ،‬وهو نص‬
‫صحيح صريح في تحريم السب ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه المام أحمد في المسند من هذا الحديث أيضا لكن من‬
‫رواية بن مالك رضي ال عنه قال ‪ :‬كان بين خالد بن الوليد و عبدالرحمن‬
‫بن عوف كلم فقال خالد لعبدالرحمن بن عوف ‪ :‬تستطيلون علينا بأيام‬
‫سبقتمونا بها ـ فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم ـ فقال ‪ ) :‬دعوا لي‬
‫أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهبا أو مثل الجبال ذهبا لما‬
‫بلغتم أعمالهم ( فهذان الحديثان اشتمل على النهي الكيد والتحذير الشديد عن‬
‫سب الصحابة رضوان ال تعالى عليهم ‪ ،‬قال النووي رحمه ال تعالى‬
‫) وأعلم أن سب الصحابة رضي ال عنهم حرام ‪ ،‬من فواحش المحرمات‬
‫سواء من لبس الفتن منهم وغيره لنهم مجتهدون في تلك الحروب‬
‫متأولون ( أ‪.‬هـ والنهي في الحديثين المتقدمين موجبه من النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم لمن تأخر إسلمه وهو من جملة الصحابة ول شك فإذا كان هذا‬
‫حال الذين أسلموا بعد الحديبية وإن كان قبل فتح مكة فكيف حال من ليس من‬
‫ل مع الصحابة ل شك أنه داخل في هذا النهي من باب أولى ‪.‬‬ ‫الصحابة بحا ٍ‬
‫ومنها ‪ :‬روى أبو داود في سننه بإسناده إلى رباح بن الحارث فقال ‪:‬‬
‫كنت قاعدا عند فولن ‪ ،‬في مسجد الكوفة وعنده أهل الكوفة فجاء سعيد بن‬
‫زيد بن عمرو بن نفيل فرحب به وحياه وأقعده عند رجله على السرير ‪،‬‬
‫فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس بن علقمة فأستقبله فسب وسب فقال‬
‫سعيد ‪ :‬من يسب هذا الرجل ؟ فقال ‪ :‬يسب عليًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل أرى أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يسبون عندك ثم ل تنكر ول تغير ؟ أنا‬
‫سمعت رسول اله صلى ال عليه وسلم يقول ) أبو بكر في الجنة وعمر في‬
‫الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وعبدالرحمن بن عوف في الجنة‬
‫وأبو عبيدة في الجنة ( وسكت عن العاشر ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬من هو العاشر ؟ فقال ‪:‬‬
‫سعيد بن زيد ـ يعني نفسه ـ ثم قال ‪ :‬وال لمشهد رجل منهم مع رسول ال‬
‫‪330‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫عّمر عمر نوح‬ ‫صلى ال عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم ولو ُ‬
‫(‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه ابن بطة بإسناد صحيح إلى أبن عباس رضي ال‬
‫عنهما قال ‪ ) :‬ل تسبوا أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم فلمقام أحدهم‬
‫ساعة ـ يعني مع النبي صلى ال عليه وسلم ـ خير من عمل أحدكم أربعين‬
‫سنة ( ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان بإسناده أن يزيد بن‬
‫هزاري لقي سعيد بن جبير بأصبهان فقال له ‪ :‬أن رأيت أن تفيدني مما عندك‬
‫؟ فحبس دابته وقال ‪ :‬قال لي أبن عباس ‪ :‬أحفظ عني ثلثا ‪ :‬إياك والنظر في‬
‫النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة ‪ ،‬وإياك والنظر في القدر ‪ ،‬فإنه يدعو إلى‬
‫الزندقة وإياك وشتم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيكبك ال على‬
‫وجهك في النار يوم القيامة ( وقد أنعقد إجماع أهل العلم على تحريم سب‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد تأيد ذلك بالمعقول أيضًا وذلك‬
‫من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن سبهم مفض إلى ترك ما بلغوه من اشرع ‪ ،‬إذ كيف يأخذ‬
‫التشريع ممن يستحق اللعنة ‪ ،‬ففي الحقيقة أن سبهم يؤدي على نسف الشريعة‬
‫‪ ،‬وناهيك بهذا المر فضاعة وجرما فكان سبهم حراما وعظيمة من عظائم‬
‫الثام لنه يفض إلى هذه النتيجة الخطيرة ‪ .‬وهو الذي يريده الرافضة عليهم‬
‫لعائن ال المتتابعة ‪ ،‬فالطعن في الصحابة والتجريح لهم مفاده إبطال جميع‬
‫الحكام الشرعية التي هم نقلتها ورواتها والمبلغون لها ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن المتقرر عند عامة العقلء من المسلمين أنه ل تعارض‬
‫نص صحيح مع عقل صريح ‪ ،‬وقد أثبت النص من الكتاب والسنة عدالتهم‬
‫وأنهم خير المة وأزها قلوبا وأكبرها عقول وأصحهم فهوما وأن ال رضي‬
‫عنهم ورضوا عنه وقد شهدت بعض النصوص لحادهم بالجنة ‪ ،‬فهذا هو‬
‫مقتضى النص ‪ ،‬فحيث ثبت أن هذا مقتضى النص فيكون أيضا هو مقتضى‬
‫العقل فالعقل يقضى بما قضى به النص ‪ ،‬وسبهم وتنقصهم والقدح فيهم‬
‫مناقض لدللة النص ومبطل لها فيكون ضمنا مناقضا لمقتضى العقل‬
‫ومصادما له فإن بذلك أن سبهم مناقض للمعقول ومصادم للمنقول ‪.‬‬
‫‪331‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫الثالث ‪ :‬أن الذي يعلم السر وأخفى ويعلم ما كان وما سيكون قد سطر‬
‫لهم في كتابه أجمل الذكر والثناء وأعظم المدح ‪ ،‬وأخرج ذلك مخرج الخبار‬
‫التي ل يدخلها النسخ وأخبر أن كتابه هذا سيبقى إلى أن يرفع في آخر الزمان‬
‫‪ ،‬ول تزال هذه اليات التي فيها الثناء على الصحابة ومدحهم تقرأ في الربط‬
‫والمدارس والمساجد والدور وتحفظ في الصدور ‪ ،‬فمحال مع ذلك أن يكون‬
‫الحال قد أختلف ‪ ،‬وأن هذه اليات ل تصح في دللتها لنها تمدح قوما حقهم‬
‫السب والشتائم هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬أن كل من‬
‫أثنى ال عليه في القرآن خيرا فإنه سيموت على ذلك ول شك إذ ل تبديل في‬
‫القرآن ول تغير ول زيادة ول نقص فما مدحهم ال هذا المدح ول أثنى عليهم‬
‫هذا الثناء إل لنهم أهله في حياتهم وبعد مماتهم وهذا وضح كل الوضوح إن‬
‫شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أنه يستحيل في العقل السليم الستحالة التامة أن يكون القوم‬
‫الذين اختارهم ال تعالى لصحبة نبيه ونصرة دينه وإقامة شرعه وإبلغ‬
‫أحكامه أن يكونوا يستحقون اللعنة في باطن المر ‪ ،‬بل العقل السليم يرفض‬
‫الرفض الكيد أن يكون هؤلء القوم أعل المة فضل وأكبرهم قدرا وأزكاهم‬
‫عقول وابرهم قلوبا وأعظمهم إتباعا وأشدهم تمسكا ‪ ،‬ومن يقول غير ذلك‬
‫فإنه ل عقل عنده ول نقل يعتمد عليه ‪ ،‬بل ليس عنده إل الهوى والجهل‬
‫والحمق وإتباع الشيطان نعوذ بال من حاله ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬إن من نظر في سيرة القوم بالعدل والنصاف فإنه يعلم‬
‫قطعا علو فضل الصحابة وأنه ل يكون إل يكون مثلهم ‪ ،‬ولذلك فإنه ل يقدح‬
‫فيهم ول يثرب عليهم إل الجاهل بحقيقة حالهم ‪ ،‬وما هم عليه من كمال العلم‬
‫النافع والعمل الصالح ‪ ،‬رضي ال عنهم وأرضاهم ورفع نزلهم في جنات‬
‫عدن وجمعنا بهم في الجنة وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /298‬ما حكم ساب الصحابة رضوان ال عليهم مع بيان ذلك‬


‫بالتفصيل ؟‬
‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬أختلف العلماء في ذلك على قولين مشهورين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة‬
‫رضي ال عنهم أو إنتقصهم وطعن في عدالتهم وصرح ببغضهم وأن من‬
‫‪332‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫كان هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله إل أن يتوب من بعد ذلك ويترحم‬
‫عليهم ويترضى عنهم ‪ ،‬وممن قال بذلك عبدالرحمن بن أبي أبزى‬
‫وعبدالرحمن بن عمرو الوزاعي وأبو بكر بن عياش وسفيان بن عيينة‬
‫ومحمد بن يوسف الفريابي وبشر بن الحارث والمروزي ومحمد بن بشار‬
‫العبدي وغيرهم كثير ‪ ،‬وهو قول بعض العلماء من الحنفية والمالكية‬
‫والشافعية والحنابلة والظاهرية ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة ل يكفر‬
‫بسبهم بل يفسق ويضلل ويعزر التعزير البليغ ‪ ،‬ويزجر الزجر الشديد حتى‬
‫يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الخطير الشنيع وهذا أن القولن في الحقيقة‬
‫ليس من خلف التضاد وإنما من خل ف التنوع أي أن أصحاب القول الول‬
‫ل يقصدون بقولهم كل صور السب ‪ ،‬أي ل يكفرون بكل سب ‪ ،‬وإنما‬
‫يقصدون صور مخصوصة وأصحاب القول الثاني ل يقصدون أن الساب ل‬
‫يكفر أبدا وإنما يعنون صورا مخصوصة ‪ ،‬ولذلك فالقول الجامع لهذه المسألة‬
‫هو التفصيل في حكم ساب أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وقد ذكر هذا‬
‫التفصيل جمع من أهل العلم وهو كما يلي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أما سب جميعهم ‪ ،‬أي سبهم على وجه العموم فهذا كفر ول شك‬
‫وذلك كلعنهم جميعهم أو اعتقاد أنهم ارتدوا إل نفرًا يسيرًا أو القدح فيهم بما‬
‫يوجب سقوط عدالتهم ويقدح في أمانتهم وديانتهم ‪ ،‬فهذا كله كفر ول شك لنه‬
‫مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم ‪،‬‬
‫وقال أبو العباس ‪ ) :‬بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن‬
‫مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق ( أهـ‬
‫الثاني ‪ :‬سب الشيخين أبي بكر وعمر رضي ال عنهما شببا يقدح في‬
‫عدالتهم وديانتهم كاعتقاد كفرهم أو أنهم كتموا شيئا من الوحي أو أنهم خانوا‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فهذا أيضا فاعله كافر ول شك في كفره لمخالفته‬
‫النصوص الكثيرة المتواترة التي وردت في فضلهما وعلو قدرهما كما سيأتي‬
‫طرف منها إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬سب عائشة رضي ال عنها بما برأها ال جل وعل منه ‪،‬‬
‫فهذا كفر بل شك ‪ ،‬ومن يشك في كفره فهو كافر لنه مما يعلم بالضطرار‬
‫من دين السلم براءتها من ذلك بالكتاب والسنة ‪ ،‬فحقيقة قوله تكذيب الكتاب‬
‫‪333‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫والسنة ‪ ،‬وفاعل ذلك ل شك في كفره نعوذ بال من أن تتفوه ألسنتنا بشيء من‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬إذا اقترن بالسب دعوى أن عليا إله أو أنه كان هو النبي وإنما‬
‫غلط جبريل في الرسالة فهذا أيضًا ل شك في كفره ‪ ،‬بل ل شك في كفر من‬
‫توقف في كفره ‪ ،‬ومثله أيضًا من زعم أن القرآن نقص منه آيات وأنها كتمت‬
‫فهو كافر الكفر الكبر المخرج من الملة ‪ .‬والعياذ بال ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬أن يسب بعضهم سبًا ل يقدح في عدالتهم ول في دينهم مثل‬
‫وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك ‪ ،‬فهذا‬
‫ل يكفر بذلك ولكن فاعله يستحق التعزير الشديد والتأديب البليغ الذي يردعه‬
‫وأمثاله عن هذا القول العظيم في خير الخلق بعد النبياء ‪ ،‬قال أبو العباس‬
‫) وعلى هذا يحمل كلم من لم يكفرهم من أهل العلم ( أ‪.‬هـ فهذا التفصيل هو‬
‫الذي يجمع ما نقل عن أهل العلم في ذلك ‪ ،‬وال يتولنا وإياك وهو أعلى‬
‫وأعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /299‬هل الصحابة يتفاضلون ؟ وضح الجواب إجماًل ؟‬


‫ج‪ /‬نعم وهذا مما ل شك فيه ‪ ،‬فأفضل الصحابة على الطلق أبو بكر ثم‬
‫عمر ثم عثمان ثم علي فهؤلء أفضل المة بل هم أفضل الخلق بعد النبياء ‪،‬‬
‫وأفضل هؤلء الشيخان أبو بكر وعمر وأفضلهما أبو بكر فهو أفضل المة‬
‫بعد نبيها صلى ال عليه وسلم ثم يأتي بعد هؤلء الربعة في الفضل بقية‬
‫العشرة المبشرين بالجنة ‪ ،‬عبدالرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن‬
‫الجراح وسعد ابن أبي وقاس وسعيد ابن زيد والزبير ابن العوام وطلحة أبن‬
‫عبيد ال و المتقرر عند أهل السنة رحمهم ال تعالى أن المهاجرين أفضل من‬
‫النصار وأن الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا‬
‫من بعد الفتح وقاتلوا وكل وعد ال الحسنى ‪ ،‬وأن أهل بدر وبيعة الرضوان‬
‫أفضل من غيرهم فرضي ال عنهم وأرضاهم وأعل درجاتهم في جنات عدن‬
‫ول حرمنا ال تعالى الحشر معهم والجتماع بهم في جنات ونهر في مقعد‬
‫صدق عند مليك مقتدر وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /300‬أذكر شيئا مما جاء في فضل أبي بكر رضي ال عنه ؟‬


‫‪334‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬ينبغي للمسلم أن يعتقد العتقاد الجازم أن أفضل البشر بعد النبياء‬
‫هو صديق هذه المة أبو بكر عبدال ابن عثمان ابن عامر القرشي التميمي‬
‫وقد ورد في فضله من الدلة من الكتاب والسنة ما ل يخفى ولكن يذكر لك‬
‫بعضه ‪:‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬قوله تعالى )) وسيجنبها التقى * الذي يؤتي ماله يتزكى‬
‫* وما لحد عنده من نعمة تجزى * إل ابتغاء وجه ربه العلى * ولسوف‬
‫يرضى (( فإن غالب المفسرين ذكروا أن سبب نزولها هو إنفاق أبي بكر ماله‬
‫في شراء الرقاء والضعفاء من الذين أسلموا من يد من يعذبهم من صناديد‬
‫قريش وهذا فيه أبلغ الثناء وعظيم الوعد وأكبر البشارة بالنجاة والفوز بعالي‬
‫الدرجات‬
‫ومن ذلك ‪ :‬قوله تعالى )) إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين‬
‫كفروا ثاني أثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا ((‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ) يا أبا بكر ما ظنك باثنين ال ثالثهما ( فالية‬
‫دالة على فضل أبي بكر إذ جعله ال ثاني النبي صلى ال عليه وسلم وسماه‬
‫صاحبه وأخبر أنه معهما وأنه أنزل السكينة عليهما وأيدهما بجنود من عنده‬
‫وما ذلك إل لن أبا بكر رضي ال عنه قد بلغ الغاية في الفضل ‪.‬‬

‫ومن ذلك ‪ :‬قوله تعالى )) والذي جاء بالصدق وصدق به أؤلئك هم‬
‫المتقون (( وقد فسرها علي رضي ال عنه بأنه أبو بكر الصديق رضي ال‬
‫عنه ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬قوله تعالى )) وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبريل‬
‫وصالح المؤمنين (( فقد فسرها العبادلة عبدال بن عباس وبن مسعود وبن‬
‫عمر بأن صالح المؤمنين هو أبو بكر وعمر وقاله مجاهد الضحاك ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان في الصحيحين من حديث أنس أن أبا بكر‬
‫الصديق رضي ال عنه حدثه قال نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا‬
‫ونحن في الغار فقلت ‪ :‬يا رسول ال لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا‬
‫تحت قدميه فقال ‪ ) :‬يا أبا بكر ما ظنك باثنين ال ثالثهما ( ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي ال‬
‫عنه قال خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس وقال ) إن ال خّير عبد‬
‫‪335‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫بين الدنيا وبين ما عنده فأختار ما عنده ( قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه‬
‫فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم هو المخّير وكان أبو بكر أعلمنا فقال‬
‫ن أَمنّ الناس علي في صحبته وماله‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ) أن ِم ْ‬
‫أبو بكر ولو كنت متخذا خليل لتخذت أبا بكر خليل ولكن أخوة السلم‬
‫ن في المسجد باب إل سد إل باب أبي بكر ( وهو عند مسلم‬ ‫ومودته ل يبت ّ‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان من حديث عمرو ابن العاص رضي ال‬
‫عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلسل فأتيته فقلت‬
‫أي الناس أحب إليك ؟ قال ) عائشة ( فقلت من الرجال قال) أبوها ( قلت ثم‬
‫من ؟ قال ) ثم عمر ابن الخطاب ( فعد رجال ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) بين راع في غنمه عدا عليه‬
‫الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه فقال من لها يوم السبع يوم‬
‫ليس لها راعي غيري وبين رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت إليه‬
‫فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث ( فقال الناس ) سبحان‬
‫ال ( فقال النبي صلى ال عليه وسلم ) فأني أومن بذلك وأبو بكر وعمر ابن‬
‫الخطاب ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري في صحيحة بإسناده إلى محمد بن الحنفية‬
‫قال ‪ :‬قلت لبي أي الناس خير بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أبو‬
‫بكر ‪ .‬قلت ‪ :‬ثم من ‪ .‬قال ‪ :‬عمر ‪ .‬وخشيت أن يقول عثمان ‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أنت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ما أنا إل رجل من المسلمين ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري بسنده إلى ابن عمر رضي ال عنهما‬
‫قال ‪ :‬كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى ال عليه وسلم فنخير أبا بكر‬
‫ثم عمر ثم عثمان بن عفان رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري أيضًا بإسناده إلى أبي الدرداء رضي ال‬
‫عنه قال ‪ :‬كنت جالسًا عند النبي صلى ال عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخٌذ‬
‫بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أما‬
‫صاحبكم فقد غامر ‪ .‬فسلم وقال يا رسول ال إنه قد كان بيني وبين ابن‬
‫الخطاب شيئًا فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت‬
‫‪336‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫إليك فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬يغفر ال لك يا أبا بكر ثلثًا ( ثم إن‬
‫عمر ندم فأتى منزل أبا بكر فسأل عنه فلم يجده فأتى إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى ال عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو‬
‫بكر فجثى على ركبتيه فقال ‪ :‬يا رسول ال أنا كنت أظلم مرتين فقال ‪ :‬النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ) إن ال بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت‬
‫وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي‬
‫ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى عليه وسلم ‪ :‬من أصبح منكم اليوم‬
‫صائمًا ‪ .‬قال أبو بكر ‪ :‬أنا ‪ .‬قال ‪ :‬فمن تبع منكم اليوم جنازة ‪ .‬قال أبو بكر ‪:‬‬
‫أنا ‪ .‬قال ‪ :‬فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا ‪ .‬قال أبو بكر ‪ :‬أنا ‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى عليه وسلم ) ما اجتمعن في امريء إل دخل الجنة ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما روى البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك‬
‫رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر‬
‫وعثمان فرجف بهم فقال ) أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ( وقد‬
‫لقبه النبي صلى ال عليه وسلم بهذا اللقب الشريف الذي يفيد ثبوت منـزلة‬
‫الصديقية له وأنت خبير بأن هذه المنـزلة تعقب منـزلة النبيين كما في سورة‬
‫النساء قال تعالى )) ومن يطع ال ورسوله فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم‬
‫من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (( ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما ثبت في البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي ال‬
‫عنها ) مروا أبا بكر فليصلي بالناس ( والمامة في الصلة منـزلة عالية‬
‫وخصوصًا إذا كان المر بها المعصوم عليه السلم فإنه لم يكن ليختار‬
‫لمامة المسلمين في عهدة إل أفضلهم وأعلهم قدرًا وأوفرهم علمًا ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري في صحيحة بسنده من حديث أبي هريرة‬
‫يرفعه للنبي عليه السلم وفيه ) فمن كان من أهل الصلة دعي من باب‬
‫الصلة ‪ ،‬ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ‪ ،‬ومن كان من أهل‬
‫الصدقة دعي من باب الصدقة ‪ ،‬ومن كان من أهل الصيام دعي من باب‬
‫الصيام وباب الريان ( فقال أبو بكر رضي ال عنه " ما على هذا الذي يدعى‬
‫من تلك البواب من ضرورة ‪ ،‬وقال ‪ :‬هل يدعى منها كلها أحد يا رسول‬
‫ال ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر " ‪ .‬ومن المعلوم أرجائه‬
‫‪337‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫عليه السلم واقع محقق فهذه بعض الدلة الدالة على فضل خليفة رسول ال‬
‫رضي ال عنه ‪.‬‬

‫س ‪ /301‬أذكر شيئا من فضائل عمر بن الخطاب رضي ال عنه ؟‬


‫ج‪ /‬يجب على المسلم أن يعتقد اعتقادا جازما أن أفضل الصحابة بعد أبي بكر‬
‫هو فاروق السلم عمر بن الخطاب رضي ال عنه وقد وردت الدلة‬
‫الكثيرة الدالة على فضله وأذكر لك طرفا منها ‪:‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان من حديث جابر بن عبدال رضي ال‬
‫عنهما قال النبي عليه الصلة والسلم رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالريمصاء‬
‫امرأة أبي طلحه وسمعت خشفة فقلت من هذا فقال هذا بلل ورأيت قصرا‬
‫) فأردت أن أدخله فأنظر إليه‬ ‫بفنائه جارية فقلت لمن هذا ؟ فقال لعمر‬
‫فذكرت غيرتك ( فقال عمر بأبي وأمي يا رسول ال أعليك أغار ‪ ،‬ومثله‬
‫أيضا ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري بإسناده إلى حمزة بن أسيد النصاري عن‬
‫أبيه أن رسول ال عليه الصلة والسلم بين أنا نائم بقدح لبن فشربت حتى‬
‫إني أنظر إلى الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر قالوا فما أولته‬
‫يا رسول ال قال ) العلم ( ومن المعلوم أن رؤيا النبياء حق ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري قال سمعت‬
‫رسول ال عليه السلم يقول ) بين أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي‬
‫ي عمر وعليه‬ ‫وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها دون ذلك ‪ .‬وعرض عل ّ‬
‫قميص يحبره( قالوا فما أولته يا رسول ال قال) الدين ( فهذان الحديثان فيهما‬
‫تزكية لبي حفص رضي ال عنه في علمه وديانته ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث سعد ابن‬
‫أبي وقاص قال ‪ :‬قال رسول ال عليه السلم ) يا ابن الخطاب والذي نفسي‬
‫بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجًا إل سلك فجًا آخر ( ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان من حديث عبدال بن عمر رضي ال‬
‫عنهما أن النبي عليه السلم قال ) ُأريت في المنام أني أنزع بدلو بكره على‬
‫قليب فجاء أبو بكر فنـزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا وال نغفر له ثم جاء‬
‫‪338‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫عمر بن الخطاب فاستالت غربا فلم أرى عبقريا يفري فرية حتى روي الناس‬
‫وضربوا بعطن ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان بإسنادهما إلى أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال عليه السلم ) لقد كان فيما قبلكم من المم محدثون فإن يكن في أمتي أحد‬
‫فإنه عمر ( ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬قال‬
‫عمر رضي ال عنه وافقت ربي في ثلث ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول ال لو اتخذنا‬
‫من مقام إبراهيم مصلى فنزلت )) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (( وآية‬
‫الحجاب قلت يا رسول ال لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر و‬
‫الفاجر فنـزلت آية الحجاب ‪ ،‬وأجتمع نساء النبي عليه السلم في الغيرة عليه‬
‫فقلت لهن ))عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن (( فنزلت‬
‫هذه الية ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الحاكم والترمذي وأحمد بسند حسن من حديث‬
‫عقبه بن عامر رضي ال عنه قال سمعت رسول ال عليه السلم يقول ) لو‬
‫كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ‪ ،‬ومن مناقبه العظيمة أيضا تبشير‬
‫النبي عليه السلم بالجنة كما في صحيح البخاري من حديث أبي موسى قال‬
‫كنت مع النبي عليه السلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح‬
‫فقال النبي عليه السلم ) أفتح له وبشره بالجنة ( ففتحت له فإذا هو أبو بكر‬
‫فبشرته بما قال النبي عليه السلم فحمد ال ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي‬
‫عليه السلم ) أفتح له وبشره بالجنة ( ففتحت له فإذا هو عمر بن الخطاب‬
‫فأخبرته بما قال النبي عليه السلم فحمد ال ‪..........‬الحديث (‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري بإسناده إلى عبدال بن مسعود قال ‪ ):‬ما‬
‫زلنا أعزة منذ أسلم عمر ( ولبن أبي شيبة الطبراني من طريق القاسم بن‬
‫عبد الرحمن قال ‪ :‬قال عبدال بن مسعود ) كان إسلم عمر عزا وهجرته‬
‫نصرا وإمارته رحمة وال ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى‬
‫أسلم عمر ( وقال عبد ال أبن عباس رضي ال عنهما ) أول جهر‬
‫بالسلم عمر بن الخطاب ( وروى الترمذي بإسناده إلى أبن عمر رضي ال‬
‫عنهما أن رسول ال عليه السلم قال اللهم أعز السلم بأحب هذين الرجلين‬
‫إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ( وكان أحبهما إليه عمر فهذه طائفة‬
‫‪339‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫يسيرة من الحاديث الثار التي تضمنت شيئا من مناقبه رضي ال عنه‬


‫وجمعنا به في جنات الفردوس العلى ‪.‬‬

‫س ‪ /302‬أذكر شيئا من فضائل عثمان رضي ال عنه ؟‬


‫ج‪ /‬أن فضائله رضي ال عنه كثيرة وقد صحت بها الدلة الشهيرة ومن‬
‫المعلوم عند جمهور أهل السنة أن أفضل الناس على الطلق بعد أبي بكر‬
‫وعمر هو عثمان رضي ال عنه فهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد‬
‫الستة أصحاب الشورى وهو ثالث الخلفاء الراشدين والئمة المهديين‬
‫المأمور بإتباعهم والقتداء بهم وهو أحد السابقين إلى السلم وقد هاجر‬
‫الهجرتين إلى الحبشة والمدينة وهو الملقب بذا النورين لنه تزوج ابنتي‬
‫الرسول عليه السلم واحدة بعد واحده رقية وأم كلثوم وقد بايع عنه النبي‬
‫عليه السلم بإحدى يديه وأذكر لك بعض الحاديث في فضله فأقول ‪:‬‬
‫من ذلك ‪ :‬ما رواه المام البخاري بإسناده إلى عبدال بن عمر رضي‬
‫ال عنهما قال ‪ :‬كنا في زمن النبي عليه السلم ل نعدل بأبي بكر أحد ثم‬
‫عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي عليه السلم ل نفاضل بينهم ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان في الحديث السابق أعني حديث أبي‬
‫موسى الشعري رضي ال عنه وفيه ) ثم جاء رجل يستأذن فسكت هنيهة ثم‬
‫قال ) ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فإذا هو عثمان بن عفان‬
‫رضي ال عنه (‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري بإسناده إلى أبي عبدالرحمن أن عثمان‬
‫رضي ال عنه حوصر أشرف عليهم فقال أنشدكم ال ول أنشد إل أصحاب‬
‫النبي عليه السلم ألستم تعلمون أن رسول ال عليه السلم قال ) من حفر‬
‫رومه فله الجنة ( فحفرتها ‪ ،‬ألستم تعلمون أنه قال ) من جهز جيش العسرة‬
‫فله الجنة ( فجهزته فصدقوه بما قال فهذا الحديث يتضمن منقبتين عظيمتين‬
‫له رضي ال عنه وقد ضمن النبي عليه السلم لفعلها دخول الجنة ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما سبق من قوله عليه السلم ) أثبت أحد فإنما عليك نبي‬
‫وصديق شهيدان (‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه المام أحمد بإسناده إلى عبد الرحمن أبن سمره‬
‫قال ‪ :‬جاء عثمان أبن عفان إلى النبي عليه السلم بألف دينار في ثوبه حين‬
‫‪340‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫جهز عليه السلم جيش العسرة قال فصبها في حجر النبي عليه السلم فجعل‬
‫النبي عليه السلم يقلبها بيده ويقول ) ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم (‬
‫يرددها مرارًا ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه المام مسلم في صحيحه بسنده إلى عائشة رضي‬
‫ال عنها أن النبي عليه السلم كان مضطجعا في بيتها كاشفا عن ساقيه أو‬
‫فخذيه فاستأذن أبو بكر فإذن له وهو على تلك الحال ثم أستأذن عمر فأذن له‬
‫وهو كذلك ثم أستأذن عثمان فجلس رسول ال عليه السلم وسوى ثيابه (‬
‫وفي آخره ) أن النبي عليه السلم قال أل استحي من رجل تستحي منه‬
‫الملئكة فهذا الحديث تضمن فضيلة ظاهرة لعثمان رضي ال عنه وبيان أنه‬
‫جليل القدر حتى عند الملئكة ‪ ،‬وفي لفظ آخر قال رسول ال عليه السلم‬
‫ي وأني خشيت أن أذنت له على تلك الحال أل يبلغ إلي‬ ‫) أن عثمان رجل حي ّ‬
‫في حاجته ‪.‬‬
‫ومن مناقبه أيضا ‪ :‬أجماع الصحابة على خيرته وأفضيلته بعد‬
‫الشيخين ولذلك اختاروه خليفة لهم فإجماعهم على توليته الخلفة وليس على‬
‫أنه أفضل الخلق بعد أبي بكر وعمر رضي ال عنهما جميعا ‪.‬‬
‫ومن مناقبه العظيمة ‪ :‬وحياته الكبيرة أنه جمع الناس على مصحف‬
‫واحد وكفى المة شرا كبيرا وبلًء عظيما وهو الختلف في الكتاب وقد‬
‫شكر له هذا العمل من جاء بعد من المسلمين وأهل السنة ‪.‬‬
‫ومن مناقبه العظيمة ‪ :‬أن النبي عليه السلم شهد له أنه سيكون‬
‫مستمرا على الهدى المستقيم عند حلول الفتنة كما روى الحاكم بإسناده إلى‬
‫مره بن كعب قال سمعت رسول ال عليه السلم يذكر فتنة فقربها فمر به‬
‫رجل مقنع في ثوب فقال عليه السلم ) هذا يومئذ على الهدى ( فعمت إليه‬
‫فإذا هو عثمان رضي ال عنه فأقبلت بوجهه فقلت هو هذا فقال )نعم ( ‪.‬‬
‫ومن مناقبه العظيمة ‪ :‬أنه منع الصحابة من أن يريقوا دم أحد من‬
‫المسلمين بسبه وذلك لكمال صبره ورضاه بما قضاه ال وقدره ‪ .‬وقد كان يلح‬
‫على الصحابة كثيرا إل يعتلوا أحدا دفاعا عنه لعلمه رضي ال عنه أنه شهيد‬
‫فأراد أن يلقى ال جل وعل ول يطلبه أحد بدم ‪ .‬ومناقبه كثيرة ولعل فيما‬
‫مضى كفاية وال أعلم ‪.‬‬
‫‪341‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫س ‪ /303‬أذكر شيئا من فضائل علي رضي ال عنه ؟‬


‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬لقد اجمع أهل السنة والجماعة رفع ال نزلهم في الفردوس العلى‬
‫‪ ،‬أن علي بن أبي طالب رضي ال عنه أفضل الخلق بعد أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان رضي ال عنهم ‪ ،‬فهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة‬
‫أصحاب الشورى وتوفي رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو عنه راضٍ‬
‫وهو رابع الخلفاء الراشدين والئمة المهديين المأمور بالقتداء بهم ‪ ،‬وهو من‬
‫السابقين الولين بالسلم ‪ ،‬وقد تربى في حجر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وهو زوج أبنته فاطمة رضي ال عنها وأرضاها وقد شهد المشاهد كلها غير‬
‫تبوك ‪ ،‬وقد لواء النبي صلى ال عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة ولقد‬
‫وردت الدلة الكثيرة في إثبات فضله ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان بسندهما من حديث سهل بن سعد رضي‬
‫ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم خيبر ) لعطين الراية‬
‫غدا رجل يحب ال ورسوله ويحبه ال ورسوله ( قال فبات الناس يدوكون‬
‫ليلتهم أيهم يعطاها ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) أين علي بن أبي‬
‫طالب ؟ فقيل ‪ :‬هو يشتكي عينيه ‪ ،‬فأرسلوا إليه ‪ ،‬فأتي به ‪ ،‬فبصق في عينيه‬
‫وأعطاه الراية وقال ) أنفذ على رسلك حتى تنـزل بساحتهم ثم أدهم إلى‬
‫السلم وأخبرهم بما يجب عليهم من حق ال تعالى فيه فوال لن يهدي ال‬
‫بك رجل واحدا خير لك من حمر النعم ( وهذه منقبة عظيمة وشهادة من‬
‫أصدق الخلق صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان بسندهما من حديث عامر بن سعد بن أبي‬
‫وقاص عن أبيه رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لعلي ‪ ) :‬أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي ( وهذا في‬
‫بيان منزلة علي رضي ال عنه منه ومكانته العظيمة عنده عليه الصلة‬
‫والسلم ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه الشيخان رضي ال عنهما من حديث سهل بن سعد‬
‫قال ‪ :‬جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً ‪ ،‬فقال‬
‫) أين أبن عمك فقالت كان بيني وبينه شيئا فغاضبني فخرج فلم يقل عندي‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لنسان ) أنظر أين هو ( فجاء فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال هو في المسجد راقد ‪ ،‬فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫‪342‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫مضطجع وقد شقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يمسحه عنه ويقول ‪ ) :‬قم أبا تراب ‪ ،‬قم أبا تراب ( وهذا فيه بيان‬
‫علو منزلته عند النبي صلى ال عليه وسلم حيث مشى إليه ومسح عنه‬
‫التراب واسترضاه وتلطفه وكناه بهذه الكنية التي هي أحب إليه من كل‬
‫شيء ‪ ،‬فرضي ال عنه وأرضاه وجمعنا به في الفردوس العلى ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه مسلم في صحيحه رضي ال عنه قال ‪ :‬قال علي‬
‫رضي ال عنه)والذي فلق الحب وبرأ النسمة إنه لعهد النبي المي صلى ال‬
‫عليه وسلم أني ‪ ،‬أنه ل يجيبني إل مؤمن ول يبغضني إل منافق ( ول تخفى‬
‫دللة هذا الحديث عن فضله وأنه معقد للولء والبراء فاللهم أنا نشهدك على‬
‫حبه ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري رضي ال عنه بسنده إلى البراء بن‬
‫عازب رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لعلي ) أنت مني‬
‫وأنا منك ( ‪.‬‬
‫ومن مناقبه العظيمة ‪ :‬رضي ال عنه أنه من أصحاب الكساء ‪،‬‬
‫وحديثه معروف فإنه لما نزل قوله تعالى )) فقل تعالوا ندعوا أبنائنا وأبنائكم‬
‫(( دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال‬
‫) اللهم هؤلء أهلي ( رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬ومن فضائله رضي ال عنه‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قد دعا له بقوله ) اللهم ثبت لسانه وأهدي قلبه (‬
‫كما رواه الحاكم في المستدرك وقال ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه ‪ ،‬وأقره‬
‫الذهبي ‪.‬‬
‫ومن مناقبه أيضا ‪ :‬ما رواه الحاكم أيضا بإسناده إلى أبي سعيد‬
‫الخدري رضي ال عنه قال ) شكى علي بن أبي طالب الناس إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقام فينا خطيبا فسمعته يقول ‪ :‬أيها الناس ل تشكوا‬
‫عليا فوال إنه لخشى في ذات ال وفي سبيل ال ( قال الحاكم ‪ :‬صحيح‬
‫السناد ولم يخرجاه فوافقه الذهبي ‪.‬‬
‫ومن مناقبه العظيمة ‪ :‬وفضائله الكبيرة أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قد أخبر أن أبنته فاطمة وزوجها عليا وولدهما الحسن والحسين يكونان معه‬
‫يوم القيامة في مكان واحد ‪ ،‬كما رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووفقه‬
‫الذهبي ‪.‬‬
‫‪343‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ومن مناقبه ‪ :‬أن عمر رضي ال عنه كان يتعوذ من معضلةٍ ليس لها‬
‫أبو حسن ‪ ،‬وروى البخاري بسنده إلى ابن العباس قال ‪ :‬قال عمر رضي ال‬
‫ي وأقضانا علي ‪ ،‬وفضائله كثيرة مشهورة ‪ ،‬وقبل الختام‬ ‫عنه ‪ :‬أقرؤنا أب ّ‬
‫أحب التنبيه على أمر مهم وهو أني أحذرك كل الـتحذير مما وضعته‬
‫الرافضة لعنهم ال من المكذوبات في فضله رضي ال عنه وأرضاه فإنهم‬
‫قوم بهت كذابون دجالون ‪ ،‬قطع ال ألسنتهم وأراح المة من شرهم وقد‬
‫تصدى لفضح هذه المرويات وبيان زيفها وكذبها شيخ السلم والمسلمين أبو‬
‫العباس بن تيميه رحمه ال تعالى في كتابه الكبير منهاج السنة ‪ ،‬فعلي رضي‬
‫ال عنه قد ثبت له من الفضائل ما ذكرت لك ‪ ،‬وهو غني عن هذه الباطيل‬
‫والمرويات الكاذبة الفاجرة وال يحفظنا وإياك من زلل اللسان والعمل‪.‬‬

‫س ‪ /304‬ما عقيدة أهل السنة في الخلفة ؟‬


‫ج‪ /‬يعتقد أهل السنة رضي ال عنهم وأرضاهم أن الخليفة بعد الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم أحب الخلق إليه وأحقهم بها أبو بكر الصديق رضي ال عنه‬
‫وأرضاه ورفع نزله في الجنات الفردوس العلى ‪ ،‬ثم عمر فاروق السلم‬
‫أبو حفص ‪ ،‬رضي ال عنه ثم عثمان ذو النورين ثم علي رضي ال عنهم‬
‫وأرضاهم ول حرمنا ال الحشر معهم ومرافقتهم في الجنة ‪ ،‬وهذا ما نعتقده‬
‫بقلوبنا ونقوله بألسنتنا وندونه في كتبنا ونعوذ بال من زيغ القلوب بعد‬
‫هداها ‪ ،‬ومن الحور بعد الكور ‪ ،‬ومن النقص بعد الكمال وال أعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /305‬كيف تمت الخلفة لبي بكر رضي ال عنه ؟‬


‫ج‪ /‬أقول ‪ :‬لما قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ونقله ال إليه في جنته‬
‫ودار كرامته ‪ ،‬اجتمعت النصار في سقيفة بني ساعده بمدينة النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وأرادوا عقد المامة لسعد بن عبادة ‪ ،‬وبلغ ذلك أبا بكر وعمر‬
‫رضي ال عنهما فقصدا نحو مجتمع النصار في رجال من المهاجرين ولما‬
‫انتهوا إليهم حصل بينهم حوار في أمر الخلفة حيث اضطرب أمر النصار‬
‫فجعلوا يطلبون المر لنفسهم أو الشركة فيه مع المهاجرين ‪ ،‬فأعلمهم أبو‬
‫بكر رضي ال عنه إن المامة ل تكون إل في قريش وأحتج عليهم بقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ) الئمة من قريش ( فأذعنوا لذلك رضي ال عنهم‬
‫‪344‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫وأرضاهم وانقادوا طائعين وبايعوا أبا بكر رضي ال عنه واجتمعوا على‬
‫إمامته واتفقوا على خلفته وانقادوا لطاعته وأنقطع الحوار في هذه المسألة‬
‫باجتماعهم على أبي بكر الصديق رضي ال عنه وأرضاه ‪ ،‬وقد روى هذه‬
‫القصة المام البخاري في صحيحه وإنما ذكرت لك معناها ‪ ،‬وقد أذعن سعد‬
‫بن عبادة رضي ال عنه بذلك وأعترف بصحة ما قال الصديق رضي ال‬
‫عنه يوم السقيفة من أن قريشا هم ولة هذا المر ‪ ،‬فقال ‪ :‬صدقت نحن‬
‫الوزراء وأنتم المراء كما في مسند المام أحمد ‪ ،‬وقد حسن إسناده شيخ‬
‫السلم بن تيمية رحمه ال تعالى ‪ .‬فهذا هو الحق في هذه المسألة ودع عنك‬
‫ما يقوله أهل الفك قطع ال ألسنتهم أخرس أفواههم ‪ ،‬فإنهم ما قدروا‬
‫الصحابة حق قدرهم ‪ ،‬عاملهم ال بعدله ل بعفوه وأرانا ال فيهم عجائب‬
‫قدرته وال أعلم‪.‬‬

‫س ‪ /306‬هل ثبتت الخلفة لبي بكر الصديق بالنص أم بالختيار ؟ وأذكر‬


‫بعض الدلة على ما تقول ؟‬
‫ج‪ /‬أن هذه المسألة ليست من المسائل الكبار عند أهل السنة وإنما المهم أن‬
‫تثبت خلفته وأنه أحق بها من غيره وأنه أفضل المة بعد نبينا صلى ال‬
‫عليه سلم وأن تثبت أيضا وقوع الجماع على خلفته وإن حصل في بداية‬
‫المر شيء من الخلف لكن قد انعقد الجماع على أنه أحق بالخلفة بعد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإذا اعتقدت ذلك فسواًء قلت ‪ :‬قد تثبتت خلفته‬
‫بالنص ‪ ،‬أو قلت ‪ :‬بالختيار ‪ ،‬كل ذلك نتيجته واحدة وبأي القولين قلت‬
‫فالمر سهل يسير والخلف فيه سائغ لكن الذي يترجح وال أعلم أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قد دل المة على خلفته وأخبر أنه يرضاها وقد عزم‬
‫على الكتابة بذلك لكن علم صلى ال عليه وسلم أن ال تعالى ورسوله‬
‫والمؤمنين ل يبغون عن أبي بكر حول فروى الشيخان رضي ال عنهما في‬
‫صحيحهما بسندهما عن جبير بن مطعم رضي ال عنه قال ‪ :‬أتت امرأة النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أرأيت إن جئت فلم‬
‫أجدك ـ كأنها تقول الموت ـ فقال عليه الصلة والسلم ) إن لم تجديني فأتي‬
‫أبا بكر ( قال ابن حزم ) وهذا نص جلي على استخلف أبي بكر ( أهـ‬
‫وروى الشيخان أيضا بسندهما من حديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال‬
‫‪345‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫لي النبي صلى ال عليه وسلم في مرضه ) ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى‬
‫ن ويقول قائل‪ :‬أنا أولى ‪ ،‬ويأبى ال‬
‫أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متم ٍ‬
‫والمؤمنون إل أبا بكر ( وعند المام أحمد في المسند عنها رضي ال عنها‬
‫قالت لما ثقل رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لعبدالرحمن بن أبي بكر‬
‫) أئتني بكتف أو لوح حتى أكتب لبي بكر كتابا ل يختلف عليه ( فلما ذهب‬
‫عبدالرحمن ليقوم قال‬
‫) أبا ال والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر ( وكذلك اختياره صلى ال‬
‫عليه وسلم لبي بكر المامة الصلة ‪ ،‬فلما رضيه للمامة الشرعية وقدمه‬
‫فيها على غيره ‪ ،‬فإنه من باب أولى أن يرضاه ويقدمه على غيره في المامة‬
‫الدنيوية ‪ ،‬وكذلك قال بعض الصحابة ‪ :‬قد رضيه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لديننا أفل نرضاه لدنيانا ‪ ،‬وهذا من باب قياس الولى وهو حجة‬
‫بالتفاق ‪ .‬وقد روى أبو عبدال الحاكم في المستدرك بإسناده إلى عبدال بن‬
‫مسعود رضي ال عنه قال ‪):‬لما قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت‬
‫النصار ‪ ،‬منا أمير ومنكم أمير قال ‪ :‬فأتاهم عمر رضي ال عنه وقال ‪ :‬يا‬
‫معشر النصار أليتم تعلمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أّمر أبا‬
‫بكر يؤم الناس ‪ ،‬فإنكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ‪ ،‬فقالت النصار ‪ ،‬نعوذ‬
‫بال أن نتقدم أبا بكر ( فالتحقيق في ذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم قد دل‬
‫المسلمين على استخلف أبي بكر رضي ال عنه وأرشدهم إلى ذلك بأمور‬
‫ض بذلك حامٍد له مع همه‬ ‫كثيرة من أقواله وأفعاله وأخبر بخلفته إخبار را ٍ‬
‫بأن يكتب في ذلك كتابا لكن لما علم أن المسلمين يتجمعون على خلفته ترك‬
‫الكتابة اكتفاًء بذلك ‪ ،‬واختار هذا القول أبو العباس بن تيمية رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وأذكرك بارك ال فيك أن هذه المسألة أي مسألة دليل خلفته هل كانت‬
‫بالنص الخفي أم الجلي هي من المسائل التي يسوغ فيها الخلف لحتمال‬
‫الدليل وبناًء عليه فل تفسيق فيها ول تأثيم ول تبديع ‪ ،‬أي أنه ل يخرج على‬
‫من قال ‪ :‬ثبتت بالنص الجلي ‪ ،‬أو قال ‪ :‬ثبتت بالنص الخفي ‪ ،‬وإنما الذي‬
‫ل أو القدح في أحقيته بها بعد رسول‬ ‫تعظم مخالفته هو القدح في خلفته أص ً‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأقول لك ‪ :‬لقد انعقد الجماع من أهل السنة سلفا‬
‫وخالفا على أن أحق الناس بالخلفة بعد النبي صلى ال عليه وسلم هو أبو‬
‫‪346‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫بكر رضي ال عنه وأرضاه ورفع نزله في الجنة وجمعنا به في جنات ونهر‬
‫في مقعد صدق عند مليك مقتدر وال أعلم‬

‫س ‪ /307‬ما مذهب أهل السنة رحمهم ال تعالى فيما وقع بين‬


‫الصحابة من الخلف والقتال؟‬
‫ج‪ /‬مذهبهم في ذلك أفضل المذاهب على الطلق لن مبناه على تعظيم قدرة‬
‫الصحابة وعلو منزلتهم في قلوبهم ‪ ،‬فما من فرقة عظمت الصحابة كأهل‬
‫السنة ‪ ،‬وما فرقة عرفت للصحابة فضلهم ومنزلتهم كأهل السنة ولذلك فهم‬
‫يعتقدون وجوب السكوت وحبس اللسان وعدم الخوض فيما شجر بين‬
‫فيما وقع بينهم‬ ‫الصحابة رضي ال عنهم مع العتقاد الجازم أنهم‬
‫مجتهدون وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن المجتهد المصيب له أجران‬
‫والمخطئ له أجر واحد فهم رضي ال عنهم دائرون بين الجرين والجر‬
‫فالمصيب‬
‫منهم له أجران والمخطئ له أجر واحد فهم مأجورون على كل حال ‪ ،‬ويعتقد‬
‫أهل السنة أيضا أن غالب المرويات في الخلفة بينهم كذب وزور وكثير منه‬
‫ضعيف من جهة سنده ‪ ،‬والصحيح منه نزر قليل يسير هم فيه مجتهدون‬
‫ونشهد أن لهم من الفضائل والمحاسن ما يوجب مغفرة ما صدر من بعضهم‬
‫من الخطأ إن صح عنه ذلك ونشهد بال انهم أحق الناس بشفاعة النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وأن هذا الخلف لم يدخل فيه غل نزر يسير منهم ‪ ،‬وأنهم‬
‫بشر ل ملئكة ‪ ،‬وأن العصمة إنما هي في إجماعهم ل في قول آحادهم مع‬
‫مخالفته غيره له ‪ ،‬ول ندخل في هذا الخلف ‪ ،‬ونقول ‪ :‬كما أن ال تعالى‬
‫عصم أيدينا منهم ‪ ،‬فلنحرص على عصمة ألسنتنا منه ونعوذ بال من أن‬
‫نجعل صحابة الحبيب صلى ال عليه وسلم فاكهة مجالسنا بالجرح والتثريب‬
‫سا أحدهم بسوء أو‬‫بل نفديهم بأرواحنا وقلوبنا وأموالنا وكل ما نملكه ول ُيَم ّ‬
‫طعن ول نقول إل كما قال ربنا جل وعل )) ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين‬
‫سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف‬
‫رحيم (( وال ربنا أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫س ‪ /308‬ما عقيدة أهل السنة في الشهادة بالجنة والنار ؟‬


‫‪347‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫ج‪ /‬مذهب أهل السنة رحمهم ال تعالى في ذلك التفصيل ‪ ،‬فالشهادة بالجنة ‪،‬‬
‫إما أن تكون عامة وإما خاصة أي للمعين ‪ ،‬فأما العامة فكقولنا ‪ :‬المؤمنون‬
‫في الجنة والكفار في النار ‪ ،‬فهذه الشهادة ل إشكال فيها ‪ ،‬وإما الخاصة ‪:‬‬
‫فإنهم ل يشهدون لحد بعينه أنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار إل من‬
‫شهد له النص بذلك ‪ ،‬فمن اثبت النص الصحيح انه من أهل الجنة فهو من‬
‫أهل الجنة ومن أثبت النص أنه من أهل النار فهو من أهل النار ‪ ،‬ومن لم يرد‬
‫فيه النص فل نقول أنه من أهل الجنة ول من أهل النار ‪ ،‬بل نرجو للمحسن‬
‫الثواب ونخاف على المسيء العقاب فممن شهد له النص له بالجنة العشرة‬
‫المبشرين بالجنة وبلل وثابت بن قيس بن شماس ‪ ،‬وعكاشة بن محصن ‪،‬‬
‫وغيرهم فهؤلء نشهد أنهم من أهل الجنة إبداًء بأعيانهم ‪ ،‬وممن شهد له‬
‫النص بأنه من أهل النار أبو لهب وأبو جهل وعقبة بن أبي معيط وأمية بن‬
‫خلف وعمرو بن لحي ووالد النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعمه أبو طالب‬
‫والوليد بن المغيرة وامرأة أبي لهب وامرأة نوح وامرأة لوط وإبليس ‪،‬‬
‫وقارون وفرعون وهامان والسامري من قوم موسى وغيرهم ‪ ،‬فهؤلء‬
‫نشهد أنهم من أهل النار بأعيانهم لثبوت النصوص بذلك ‪ ،‬ويبقى من لم يرد‬
‫فيه النص بعينه ل نشهد له بعينه أنه من أهل النار ول من أهل الجنة وإنما‬
‫نرجو للمحسن الثواب ونخاف على المسيء العقـاب وال أعلم ‪.‬‬

‫رقم‬ ‫الســـــؤال‬ ‫رقم‬


‫الصفحة‬ ‫السؤال‬

‫‪217‬‬ ‫كم أقسام صفات ال تعالى الثبوتية مع التمثيل وبيان الفرق‬ ‫س‬
‫بينهما ؟‬ ‫‪200‬‬
‫‪217‬‬ ‫هل أسماء ال تعالى مترادفة أم متباينة ؟‬ ‫س‬
‫‪201‬‬
‫‪348‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪218‬‬ ‫ما أنواع الضافة إلى ال تعالى ؟ وما القاعدة في ذلك ؟‬ ‫س‬
‫مع توضيح الجابة بالمثلة ؟ ولماذا قال أهل السنة ذلك‬ ‫‪202‬‬
‫وحرصوا على بيانه ؟‬
‫‪221‬‬ ‫ما لواجب في اليمان بأسماء ال تعالى ؟ مع التمثيل؟‬ ‫س‬
‫‪203‬‬
‫‪222‬‬ ‫عرف اللحاد ؟ مع بيان أقسامه ؟‬ ‫س‬
‫‪204‬‬
‫‪222‬‬ ‫ما أنواع اللحاد في أسماء ال جل وعل وما حكمه مع‬ ‫س‬
‫بيان ذلك بالدليل؟‬ ‫‪205‬‬

‫‪224‬‬ ‫ما أنواع اللحاد في اليات ؟ وما معنى كل نوع ؟ مع‬ ‫س‬
‫بيان ذلك بالدليل؟‬ ‫‪206‬‬

‫‪224‬‬ ‫هل أسماء ال تعالى محصورة بعدد معين أم ل ؟ وما‬ ‫س‬


‫الدليل على ذلك ؟‬ ‫‪207‬‬

‫‪226‬‬ ‫هل آيات الصفات من قبيل المحكم أم من التشابه ؟‬ ‫س‬


‫‪208‬‬
‫‪226‬‬ ‫هل ظاهر نصوص الصفات مراد أم غير مراد ؟‬ ‫س‬
‫‪209‬‬
‫‪228‬‬ ‫ما حكم السؤال عن كيفية شيًء من صفات ال تعالى‬ ‫س‬
‫ولماذا ؟ وكيف الجواب لمن سألنا عن شيًء من ذلك ؟‬ ‫‪210‬‬

‫س‬
‫‪211‬‬
‫س‬
‫‪349‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪212‬‬
‫س‬
‫‪213‬‬
‫س‬
‫‪214‬‬
‫س‬
‫‪215‬‬
‫س‬
‫‪216‬‬
‫س‬
‫‪217‬‬
‫س‬
‫‪218‬‬
‫س‬
‫‪219‬‬
‫س‬
‫‪220‬‬
‫س‬
‫‪221‬‬
‫س‬
‫‪222‬‬
‫س‬
‫‪350‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪223‬‬
‫س‬
‫‪224‬‬
‫س‬
‫‪225‬‬
‫س‬
‫‪226‬‬
‫س‬
‫‪227‬‬
‫س‬
‫‪228‬‬
‫س‬
‫‪229‬‬
‫س‬
‫‪230‬‬
‫س‬
‫‪231‬‬
‫س‬
‫‪232‬‬
‫س‬
‫‪233‬‬
‫س‬
‫‪351‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪234‬‬
‫س‬
‫‪235‬‬
‫س‬
‫‪236‬‬
‫س‬
‫‪237‬‬
‫س‬
‫‪238‬‬
‫س‬
‫‪239‬‬
‫س‬
‫‪240‬‬
‫س‬
‫‪241‬‬
‫س‬
‫‪242‬‬
‫س‬
‫‪243‬‬
‫س‬
‫‪244‬‬
‫س‬
‫‪352‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪245‬‬
‫س‬
‫‪246‬‬
‫س‬
‫‪247‬‬
‫س‬
‫‪248‬‬
‫س‬
‫‪249‬‬
‫س‬
‫‪250‬‬
‫س‬
‫‪251‬‬
‫س‬
‫‪252‬‬
‫س‬
‫‪253‬‬
‫س‬
‫‪254‬‬
‫س‬
‫‪255‬‬
‫س‬
‫‪353‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪256‬‬
‫س‬
‫‪257‬‬
‫س‬
‫‪258‬‬
‫س‬
‫‪259‬‬
‫س‬
‫‪260‬‬
‫س‬
‫‪261‬‬
‫س‬
‫‪262‬‬
‫س‬
‫‪263‬‬
‫س‬
‫‪264‬‬
‫س‬
‫‪265‬‬
‫س‬
‫‪266‬‬
‫س‬
‫‪354‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪267‬‬
‫س‬
‫‪268‬‬
‫س‬
‫‪269‬‬
‫س‬
‫‪270‬‬
‫س‬
‫‪271‬‬
‫س‬
‫‪272‬‬
‫س‬
‫‪273‬‬
‫س‬
‫‪274‬‬
‫س‬
‫‪275‬‬
‫س‬
‫‪276‬‬
‫س‬
‫‪277‬‬
‫س‬
‫‪355‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪278‬‬
‫س‬
‫‪279‬‬
‫س‬
‫‪280‬‬
‫س‬
‫‪281‬‬
‫س‬
‫‪282‬‬
‫س‬
‫‪283‬‬
‫س‬
‫‪284‬‬
‫س‬
‫‪285‬‬
‫س‬
‫‪286‬‬
‫س‬
‫‪287‬‬
‫س‬
‫‪288‬‬
‫س‬
‫‪356‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪289‬‬
‫س‬
‫‪290‬‬
‫س‬
‫‪291‬‬
‫س‬
‫‪292‬‬
‫س‬
‫‪293‬‬
‫س‬
‫‪294‬‬
‫س‬
‫‪295‬‬
‫س‬
‫‪296‬‬
‫س‬
‫‪297‬‬
‫س‬
‫‪298‬‬
‫س‬
‫‪299‬‬
‫س‬
‫‪357‬‬ ‫إتحاف أهل اللباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب‬

‫‪300‬‬
‫س‬
‫‪301‬‬
‫س‬
‫‪302‬‬
‫س‬
‫‪303‬‬
‫س‬
‫‪304‬‬
‫س‬
‫‪305‬‬
‫س‬
‫‪306‬‬
‫س‬
‫‪307‬‬
‫س‬
‫‪308‬‬
‫الفـهــــرس‬

You might also like