Professional Documents
Culture Documents
مفهوم الصحة النفسية فى القران الكريم والحديث الشريف
مفهوم الصحة النفسية فى القران الكريم والحديث الشريف
إن علماء النفس المحدثين ،في محاولتهم لفهم شخصية النسان والعوامل
المحددة لها ،قد عنوا بدراسة أثر كل من العوامل البيولوجية والجتماعية
والثقافية في الشخصية ،وفي دراستهم لتأثير العوامل البيولوجية على
الشخصية ،قد اهتموا بدراسة أثر كل من الوراثة والتكوين البدني ،وطبيعة
تكوين الجهاز العصبي ،والجهاز الغدي وما يفرزه من هرمونات متعددة،
وفي دراستهم لتأثير العوامل الجتماعية والثقافية على الشخصية ،فقد
اهتموا بدراسة تأثير خبرات الطفولة وخاصة فى السرة وطريقة معاملة
الوالدين ،كما اهتموا بدراسة تأثير الطبقات الجتماعية ،والثقافات الفرعية
.المدرسة ،المؤسسات الجتماعية المختلفة ،وجماعات الرفاق والصدقاء
غير أن علماء النفس المحدثين قد أغفلوا في دراستهم للشخصية تأثير
الجانب الروحي من النسان في شخصيته وسلوكه ،مما أدى إلى قصور
واضح في فهمهم للنسان وفي معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية
وغير السوية ،كما أدى إلى عدم اهتذائهم إلى مفهوم واضح دقيق للصحة
النفسية .وأدى ذلك بالتالي إلى عدم اهتدائهم إلى الطريقة المثلى في العلج
.النفسي لضطرابات الشخصية
وقد لحظ اريك فروم المحلل النفسي قصور علم النفس الحديث وعجزه عن
فهم النسان فهما صحيحا بسبب إغفاله دراسة الجانب الروحي في النسان.
ويبدو ذلك واضحا من قوله ..." :إن التقليد الذي يعد السيكولوجيا دراسة
لروح النسان دراسة تهم بفضائله وسعادته -هذا التقليد نبذ تمامًا ،وأصبح
علم النفس الكاديمي في محاولته لمحاكاة العلوم الطبيعية والساليب
المعملية في الوزن والحساب -أصبح هذا العلم يعالج كل شيء ما عدا
الروح ،إذ حاو ل ،هذا العلم أن يفهم مظاهر النسان التي يمكن فحصها في
المعمل ،وزعم أن الشعور ـ وأحكام القيمة ،ومعرفة لخير والشر ،ما هي إل
تصورات ميتا فيزيقية تقع خارج مشكلت علم النفس .وكان اهتمامه ينصب
في أغلب الحيان على مشكلت تافهة تتمشى مع منهج علمي مزعوم،
وذلك بدل من أن يضع مناهج جديدة لدراسة
مشكلت النسان الهامة .وهكذا أصبح علم النفس علما يفتقر إلى موضوعه
الرئيسي وهو الروح ،وكان معنيًا بالميكانيزمات ،وتكوينات ردود الفعال
والغرائز ،دون أن يعنى بالظواهر النسانية المميزة أشد التمييز للنسان:
).كالحب والعقل والشعور والقديم " )1
وهذا القصور في فهم علماء النفس المحدثين للنسان قد دفع أبرا هام ماسلو
أيضا إلى اقتراح تصنيف جديد لدوافع النسان! يشمل الدوافع الروحية التي
.يغفلها عادة علماء النفس المحدثون قي دراستهم لدوافع النسان
إننا ل نستطيع أن نفهم النسان فهما واضحًا دقيقاً ،كما ل نستطيع أن نكون
مفهومًا دقيقًا وسليمًا عن صحته النفسية دون أن نفهم جميع العوامل المحددة
لشخصية النسان ،سواء أكانت عوامل بيولوجية أم روحية أم اجتماعية أم
.ثقافية
:تكوين النسان
يتكون النسان كما أخبرنا القرآن الكريم من جسم وروح ،وروح النسان
قبسة من روح ال سبحانه وتعالى ،تميز بها عن سائر الحيوان ،وهي التي
خصته بالستعداد لمعرفة ال واليمان به وعبادته-،،تحصيل العلوم
وتسخيرها فى عمارة الرض ،والتمسك بالقيم والمثل العليا ،وبلوغ أعلى
مراتب الكمال النساني ،وهي التي تؤهله لخلفة ال سبحانه وتعالى في
.الرض
ولكل من الجسم والروح حاجات ،ويشارك النسان الحيوان في حاجاته
البدنية التي يتطلبها حفظ الذات وبقاء النوع ،وما تثيره فيه من دوافع
فسيولوجية مختلفة كالجوع والظمأ والدافع الجنسي إلى غير ذلك من الدوافع
الفسيولرجية الخرى ،غير إن النسان أيضا حاجاته الروحية التي تشمل
.في تشوقه الروحي إلى معرفة ال سبحانه وتعالى واليمان به وعبادته
وهذه الحاجة فطرية في النسان ،فالنسان يشعر في أعماق نفسه بدافع
يدفعه إلى البحث والتفكير في خالقه وخالق الكون ،وإلى عبادته واللتجاء
إليه ،وطلب العون منه .ولير بعض آيات القرآن الكريم إلى أن دافع التدين
:فطري في النسان .قال تعالى
فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة ال التى فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال
" ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون
ففي هذه الية الكريمة إشارة واضحة إلى أن في فطرة النسان استعداد ًا
.لمعرفة ال سبحانه وتعالى وتوحيده وعبادته
:وقال ال-تعالى أيضًا
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست
" بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين
ل بعدوتبين هذه الية أن ال جل شأنه أخرج من صلب آدم وبنيه ذريتهم نس ً
نسل على هيئة ذر ،وذلك قبل خلق الدنيا ،وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته
.تعالى حتى ل يقولوا يوم القيامة إنهم كانوا عن هذا التوحيد غافلين
وجاء في الحديث الشريف أيضًا ما يؤكد أن دافع التدين فطري في النسان.
فقد جاء في صحيح مسلم عن عباس ابن عمار قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم يقول ال :إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم
".عن ديتهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم
وجاء في حديث رواه المام أحمد وأخرجه النسائي في سننه أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال " :أل إنها ليست نسمة تولد ال ولدت على
الفطرة ،فما تزال عليه حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها
".
:الصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان
يتضمن النسان إذن في شخصيته صفات الحيوان التي تتمثل في حاجاته
البدنية التي يتوقف على إشباعها حفظ ذاته وبقاء نوعه ،كما يتضمن في
شخصيته أيضًا صفات الملئكة التي تتمثل في تشوقه الروحي إلى معرفة
ال تعالى واليمان به وعبادته .وقد يحدث بين هذين الجانبين من شخصية
النسان صراع ،فتجذبه أحيانًا،حاجاته البدنية ومطالب الحياة الدنيوية
الخرى ،وتجذبه أحيانًا حاجاته وأشواقه الروحية ومطالب الستعداد للحياة
الخرى الباقية .ويثير القرآن الكريم إلى هذا اله مراع النفسي بين الجانبين
:المادي والروحي في النسان ،وذلك في قوله تعالى
فأما من طغى واثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام
.ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى
ويثير القرآن ،الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في
النسان في وصفه لنفضاض بعض المسلمين من حول الرسول عليه
الصلة والسلم حينما سمعوا بأنباء وصول قافلة محملة بالمؤونة إلى
.المدينة
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند ال خير "
).من اللهو ومن التجارة وال خير الرازقين )8
ويثير القرآن الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في
النسان في ،صفه تعالى لخروج قارون على قومه في زينته ،مما جعل
بعض كل الناس يتمنون أن يكون لهم مثل ما لقارون من ثروة ،فيرد عليهم
.البعض الخر من ذوي العلم والتقوى بأن ما عند ال خير وأبقى
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما(
أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم .وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب ال خير
.لمن آمن وعمل صالحا ول يلقاها إل الصابرون
وتشير آيات أخرى كثيرة إلى هذا الصراع في النسان بين الجانبين المادي
:والروحي .ومن أمثلة ذلك
يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل 9
).ذلك فأولئك هم الخاسرون " )10
).إنما أموالكم وأولدكم فتنة وال عنده أجر عظيم( )" 11
إن الصراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في النسان هو الصراع
النفسي الساسي الذي يعانيه النسان في هذه الحياة وقد أشار القرآن الكريم
:إلى ذلك في قوله
)لقد خلقنا ال نسان في كبد " )" 12
إن إغفال المطالب الروحية للنسان ،يجعل حياة النسان خالية من المعاني
السامية التي تجعل للحياة قيمة ،وتفقده شعوره برسالته الكبرى في الحياة
كخليفة ل تعالى في الرض ،فتضيع منه الرؤية الواضحة لهدافه الكبرى
في الحياة وهي عبادة ال .والتقرب إليه ،ومجاهدة النفس في سبيل بلوغ
الكمال النساني .ويتملك النسان في هذه الحالة الشعور بالضياع ويصبح
فريسة للقلق .وقد صور القرآن الكريم حالة الصراع والقلق التي تنتاب
النسان الذي يفقد إيمانه بال سبحانه و تعالى بالحالة التي يشعر بها النسان
.الذي يخر من السماء فتتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق
ومن يشرك بال فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح "
.في مكان سحيق
ويصور النبي عليه الصلة والسلم الصراع بين الجانبين المادي والروحي
في النسان تصويرًا واقعيًا بقوله عليه الصلة والسلم ":مثلي كمثل رجل
استوقد نارًا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار
يقعن فيها وجعل ،يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها ،قال :فذلكم مثلي أو مثلكم
أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقحمون
.فيها " ،رواه مسلم
ففي هذا الحديث الشريف تصوير بارع للصراع بين الشهوات الحسية
ومغريات الحياة الدنيوية ،وبين الوازع الديني الذي يمنع الناس من
.النغماس في ملذاتهم وشهواتهم
ولعل مشيئة ال تعالى قد اقتضت أن يكون أسلوب النسان في حل هذا
الصراع بين الجانبين المادي والروحي في شخصيته هو الختبار الحقيقي
:الساسي الذي وضعه ال -جل شأنه -للنسان في هذه الحياة .يقول تعالى
ل )" 14).الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عم ً
وقال الرسول عليه الصلة والسلم في هذا المعنى" :إن الدنيا خضرة حلوة
وان ال مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان
أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " رواه مسلم .وقال عليه الصلة
والسلم أيضا" :الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع
.نفسه هواها وتمنى على ال الماني " .رواه الترمذي وأحمد والحاكم
فمن استطاع أن يوفق بين الجانبين المادي والروحي في شخصيته ،وأن
يحقق بينهما أكبر قدر مستطاع من التوازن ،فقد نجح في هذا الختبار،
.واستحق( ن يثاب على ذلك بالسعادة في الدنيا والخرة
من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
).أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون! )1
وأما من انساق وراء شهواته البدنية وأغفل مطالبه الروحية ،فقد فشل في
:هذا الختبار ،واستحق أن يجازى على ذلك بالشقاء في ا لدنيا والخرة
ومن أعرض عن ذكري فإن معيشة ضنكأ ونحشره يوم القيامة أعمى " ) "
16).
والعصر إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا
).بالحق وتواصوا بالصبر " )17
وقد كان من رحمة ال سبحانه وتعالى بالنسان ،ومن نعمه العظيمة عليه،
أن أمده بجميع المكانات اللزمة لحل هذا الصراع ،واجتياز هذا الختبار
الصعب ،بأن وهبه العقل ليميز بين الخير والشر ،وبين الحق والباطل .كما
أمده سبحانه بحرية الرادة والختيار ليستطيع أن يبت في أمر هذا
الصراع ،وأن يختار -الطريق الذي يريده لحل هذا الصراع .وأن -حرية
إرادة النسان في اختيار الطريق الذي يحل به هذا الصراع إنما يمثلن
).مسئوليته وحسابه ،كما أنهما يضعان الساس )سعادته وشقائه )18
).وهديناه النجدين )" 19
).إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا )20
).وقل الحق ،من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر21) " ...
ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من
).دساها )22
:حالت النفس الثلث
وحينما يتغلب الجانب المادي في حياة النسان ،فينساق وراء أهوائه
وشهواته ،ويهمل مطالبه الروحية ،فإنه يصبح في معيشته أشبه بالحيوان،
بل أضل سبيل لنه لم يستخدم عقله الذي ميزه ال سبحانه وتعالى به على
" .الحيوان
أر أريت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل أم تحاسب أن كثرهم
يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام
).بل هم أضل سبيل " )23
والنسان الذي يعيش هذا النوع من المعيشة يكون غير ناضج الشخصية،
ويكون أشبه بالطفل الذي ل يهمه إل إشباع حاجاته ورغباته ،ولم تقو إرادته
بعد ،ولم يتعلم كيف يتحكم في أهوائه وشهواته ،ويصبح خاضعًا لترجيه
! "نفسه المارة بالسوء
وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء إل ما رحم ربي إن ربي كفور "
رحيم
وحينما يبلغ النسان مرتبة أعلى من النضوج والكمال ،يبدأ ضميره في
.الستيقاظ ،فيستنكر ضعف أرادته وانقياده
لهوائه وشهواته وملذات الحياة الدنيوية مما يوقعه في الخطيئة والمعصية،
فيشعر بالذنب ،ويلوم نفسه ويتجه إلى ال سبحانه وتعالى مستغفرًا ،فإنه
".يصبح في هذه الحالة تحت تأثير" النفس اللوامه
).ل أقسم بيوم القيامة ول أقسم بالنفس اللوامة" 35) ،
واذا أخلص النسان بعد ذلك في توبته ،وأخلص في تقربه ل تعالى
بالعبادات والعمال الصالحة ،والبتعاد عن كل ما يغضب ال ،وتحكم
تحكما كامل في هوائه وشهواته وقام بتوجيهها إلى الشباع بالطريقة التي
حددها الشرع فحقق بذلك التوازن التام بين مطالبه البدنية ومطالبه
الروحية ،فإنه يصل إلى أعلى مرتبة من النضوج والكمال النسانية ،وهي
المرتبة التي تكون فيها النفس النسانية في حالة اطمئنان وسكينة ،وينطبق
".عليها وصف " النفس المطمئنة
يأيتها النفس ،المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في "
" عبادي وادخلي جنتي
ويمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلثة للنفس ،وهي النفس المارة بالسوء،
والنفس اللوامة ،والنفس المطمئنة على أنها حالت تتصف بها شخصية
النسان في مستويات مختلفة من النضج التي تمر بها أثناء صراعها
الداخلي بين الجانبين المادي والروحي من ،طبيعة تكوينها .فحينما تكون
شخصية النسان في ادنى مستوياتها النسانية بحيث تسيطر عليها الهواء
والشهوات الملذات البدنية والدنيوية ،فإنها تكون في حالة ينطبق عليها
وصف النفس المارة بالسوء .وحينما تبلغ الشخصية أعد ،مستويات النضج
والكمال النساني حيث يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية
فإنها تصبح في الحالة التي ،ينطبق عليها وصف النفس المطمئنة .وبين
هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه النسان نفسه على
ما يرتكب من أخطاء ،ويسعى جاهدًا للمتناع عن ارتكاب ما يغضب ال
ويسبب به تأنيب الضمير ،ولكنه ل ينجح دائمـاً في مسعاه ،فقد يضعف
أحيانًا ويقع ني الخطيئة .ويطلق إلى الشخصية في هذا المستوى النفس
).اللوامة )27
:الشخصية السورة
إن الحل المثل للصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان هو
التوفيق بينهما ،بحيث يقوم النسان بإشباع حاجاته البدنية في الحدود التي
أباحها الشرع ،ولقوم في الوقت نفسه بإشباع حاجاته الروحية .ومثل هذا
التوفيق بين حاجات البدن وحاجات الروح يصبح أمرًا ممكناً إذا التزم
النسان في حياته بالتوسط و -العتدال ،وتجنب السراف والتطرف سواء
في إشباع دوافعه البدنية أو الروحية .فليس في السلم رهبانية تقاوم إشباع
الدوافع البدنية وتعمل على كبتها ) .(38كما ليس في السلم إباحة مطلقة
تعمل على الشباع التام للدوافع البدنية دون ضبط وتحكم ،وإنما ينادي
السلم بالتوفيق بين دوافع كل من البدن والروح ،واتباع طريق وسط
يحقق التوازن رين الجانبين المادي والروحي في النسان .وفي هذا المعنى
:يقول القرآن الكريم
).وابتغ في آتاك ال الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا " )" 29
فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا ول عند ال خير وأبقى للذين آمنوا
وعلى ربهم يتوكلون والذين بجتبنون كبائر الثم والفواحش وإذا ما غضبوا
" .هم يغفرون
ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور "
" فاصفح الصفح الجميل "
الناس أيضا إلى التغلب علي انفعال الغضب قال عليه rوقد دعا الرسول
الصلة والسلم ،:ليس الشديد بالصرعة ،إنما الشديد من يملك نفسه عند
أيضأ) :ال إن الغضب جمرة توقد في rالغضب " ،رواه الشيخان .وقال
جوف ابن آدم ،أل ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه .فإذا وجد أحدكم
شيئا من ذلك فالرض الرض ...أل إن خير الرجال من كان بطيء ا
الغضب سريع الرضى ،وفر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضى
يارسول" " rرواه الترمذي والبخاري وأحمد .وجاء رجل إلى رسول ال
ال :أوصني قال :ل تغضب فكرر السؤال ثلث مرات
.وكرر الرسول الجواب نفسه " رواه البخاري
ويدعو ا القرآن الكريم والسنة الشريفة إلى السيطرة على جميع النفعالت
الخرى والتحكم فيها .ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو إلى السيطرة
على انفعالت الحزن والفرح والحب والكراهية وتنهى عن الزهو ،
والكبرياء والتعالي على الناس .كما نجد أيضا في الحديث الشريف دعوة
.إلى السيطرة على كثير من هذه النفعالت
توازن الشخصية والصحة النفسية
بهذين السلوبين ،أسلوب تقوية الجانب الروحي في النسان عن طريق
اليمان بال وتوحيده وعبادته ،وأسلوب السيطرة على الجانب البدني في
النسان عن طر يق التحكم في الدوافع والهواء والشهوات والنفعالت،
يستطيع النسان أن يحقق التوازن بين الجانبين الروحي والبدني في
شخصيته ،مما يؤدي إلى شعوره بالمن والطمأنينة ،ويحقق له الصحة
النفسية والسعادة في الدنيا والخرة