You are on page 1of 12

‫مفهوم الصحة النفسية فى القران الكريم والحديث الشريف‬

‫للدكتور محمد عثمان نجاتي‬


‫الكويت‬

‫إن علماء النفس المحدثين‪ ،‬في محاولتهم لفهم شخصية النسان والعوامل‬
‫المحددة لها‪ ،‬قد عنوا بدراسة أثر كل من العوامل البيولوجية والجتماعية‬
‫والثقافية في الشخصية ‪ ،‬وفي دراستهم لتأثير العوامل البيولوجية على‬
‫الشخصية‪ ،‬قد اهتموا بدراسة أثر كل من الوراثة والتكوين البدني‪ ،‬وطبيعة‬
‫تكوين الجهاز العصبي‪ ،‬والجهاز الغدي وما يفرزه من هرمونات متعددة‪،‬‬
‫وفي دراستهم لتأثير العوامل الجتماعية والثقافية على الشخصية‪ ،‬فقد‬
‫اهتموا بدراسة تأثير خبرات الطفولة وخاصة فى السرة وطريقة معاملة‬
‫الوالدين‪ ،‬كما اهتموا بدراسة تأثير الطبقات الجتماعية‪ ،‬والثقافات الفرعية‬
‫‪.‬المدرسة‪ ،‬المؤسسات الجتماعية المختلفة‪ ،‬وجماعات الرفاق والصدقاء‬
‫غير أن علماء النفس المحدثين قد أغفلوا في دراستهم للشخصية تأثير‬
‫الجانب الروحي من النسان في شخصيته وسلوكه‪ ،‬مما أدى إلى قصور‬
‫واضح في فهمهم للنسان وفي معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية‬
‫وغير السوية ‪ ،‬كما أدى إلى عدم اهتذائهم إلى مفهوم واضح دقيق للصحة‬
‫النفسية‪ .‬وأدى ذلك بالتالي إلى عدم اهتدائهم إلى الطريقة المثلى في العلج‬
‫‪.‬النفسي لضطرابات الشخصية‬
‫وقد لحظ اريك فروم المحلل النفسي قصور علم النفس الحديث وعجزه عن‬
‫فهم النسان فهما صحيحا بسبب إغفاله دراسة الجانب الروحي في النسان‪.‬‬
‫ويبدو ذلك واضحا من قوله‪ ..." :‬إن التقليد الذي يعد السيكولوجيا دراسة‬
‫لروح النسان دراسة تهم بفضائله وسعادته‪ -‬هذا التقليد نبذ تمامًا ‪ ،‬وأصبح‬
‫علم النفس الكاديمي في محاولته لمحاكاة العلوم الطبيعية والساليب‬
‫المعملية في الوزن والحساب‪ -‬أصبح هذا العلم يعالج كل شيء ما عدا‬
‫الروح‪ ،‬إذ حاو ل ‪ ،‬هذا العلم أن يفهم مظاهر النسان التي يمكن فحصها في‬
‫المعمل‪ ،‬وزعم أن الشعور ـ وأحكام القيمة‪ ،‬ومعرفة لخير والشر‪ ،‬ما هي إل‬
‫تصورات ميتا فيزيقية تقع خارج مشكلت علم النفس‪ .‬وكان اهتمامه ينصب‬
‫في أغلب الحيان على مشكلت تافهة تتمشى مع منهج علمي مزعوم‪،‬‬
‫وذلك بدل من أن يضع مناهج جديدة لدراسة‬
‫مشكلت النسان الهامة‪ .‬وهكذا أصبح علم النفس علما يفتقر إلى موضوعه‬
‫الرئيسي وهو الروح‪ ،‬وكان معنيًا بالميكانيزمات‪ ،‬وتكوينات ردود الفعال‬
‫والغرائز‪ ،‬دون أن يعنى بالظواهر النسانية المميزة أشد التمييز للنسان‪:‬‬
‫‪).‬كالحب والعقل والشعور والقديم " )‪1‬‬
‫وهذا القصور في فهم علماء النفس المحدثين للنسان قد دفع أبرا هام ماسلو‬
‫أيضا إلى اقتراح تصنيف جديد لدوافع النسان! يشمل الدوافع الروحية التي‬
‫‪ .‬يغفلها عادة علماء النفس المحدثون قي دراستهم لدوافع النسان‬
‫إننا ل نستطيع أن نفهم النسان فهما واضحًا دقيقاً ‪ ،‬كما ل نستطيع أن نكون‬
‫مفهومًا دقيقًا وسليمًا عن صحته النفسية دون أن نفهم جميع العوامل المحددة‬
‫لشخصية النسان‪ ،‬سواء أكانت عوامل بيولوجية أم روحية أم اجتماعية أم‬
‫‪ .‬ثقافية‬
‫‪:‬تكوين النسان‬
‫يتكون النسان كما أخبرنا القرآن الكريم من جسم وروح‪ ،‬وروح النسان‬
‫قبسة من روح ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬تميز بها عن سائر الحيوان ‪ ،‬وهي التي‬
‫خصته بالستعداد لمعرفة ال واليمان به وعبادته‪-،،‬تحصيل العلوم‬
‫وتسخيرها فى عمارة الرض‪ ،‬والتمسك بالقيم والمثل العليا‪ ،‬وبلوغ أعلى‬
‫مراتب الكمال النساني‪ ،‬وهي التي تؤهله لخلفة ال سبحانه وتعالى في‬
‫‪ .‬الرض‬
‫ولكل من الجسم والروح حاجات‪ ،‬ويشارك النسان الحيوان في حاجاته‬
‫البدنية التي يتطلبها حفظ الذات وبقاء النوع‪ ،‬وما تثيره فيه من دوافع‬
‫فسيولوجية مختلفة كالجوع والظمأ والدافع الجنسي إلى غير ذلك من الدوافع‬
‫الفسيولرجية الخرى‪ ،‬غير إن النسان أيضا حاجاته الروحية التي تشمل‬
‫‪ .‬في تشوقه الروحي إلى معرفة ال سبحانه وتعالى واليمان به وعبادته‬
‫وهذه الحاجة فطرية في النسان‪ ،‬فالنسان يشعر في أعماق نفسه بدافع‬
‫يدفعه إلى البحث والتفكير في خالقه وخالق الكون‪ ،‬وإلى عبادته واللتجاء‬
‫إليه‪ ،‬وطلب العون منه‪ .‬ولير بعض آيات القرآن الكريم إلى أن دافع التدين‬
‫‪:‬فطري في النسان‪ .‬قال تعالى‬
‫فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة ال التى فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال‬
‫" ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون‬

‫ففي هذه الية الكريمة إشارة واضحة إلى أن في فطرة النسان استعداد ًا‬
‫‪ .‬لمعرفة ال سبحانه وتعالى وتوحيده وعبادته‬
‫‪:‬وقال ال‪-‬تعالى أيضًا‬
‫وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست‬
‫" بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين‬
‫ل بعد‬‫وتبين هذه الية أن ال جل شأنه أخرج من صلب آدم وبنيه ذريتهم نس ً‬
‫نسل على هيئة ذر‪ ،‬وذلك قبل خلق الدنيا‪ ،‬وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته‬
‫‪ .‬تعالى حتى ل يقولوا يوم القيامة إنهم كانوا عن هذا التوحيد غافلين‬
‫وجاء في الحديث الشريف أيضًا ما يؤكد أن دافع التدين فطري في النسان‪.‬‬
‫فقد جاء في صحيح مسلم عن عباس ابن عمار قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ال‪ :‬إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم‬
‫‪ ".‬عن ديتهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم‬
‫وجاء في حديث رواه المام أحمد وأخرجه النسائي في سننه أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬أل إنها ليست نسمة تولد ال ولدت على‬
‫الفطرة ‪ ،‬فما تزال عليه حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها‬
‫‪".‬‬
‫‪:‬الصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان‬
‫يتضمن النسان إذن في شخصيته صفات الحيوان التي تتمثل في حاجاته‬
‫البدنية التي يتوقف على إشباعها حفظ ذاته وبقاء نوعه‪ ،‬كما يتضمن في‬
‫شخصيته أيضًا صفات الملئكة التي تتمثل في تشوقه الروحي إلى معرفة‬
‫ال تعالى واليمان به وعبادته‪ .‬وقد يحدث بين هذين الجانبين من شخصية‬
‫النسان صراع‪ ،‬فتجذبه أحيانًا‪،‬حاجاته البدنية ومطالب الحياة الدنيوية‬
‫الخرى‪ ،‬وتجذبه أحيانًا حاجاته وأشواقه الروحية ومطالب الستعداد للحياة‬
‫الخرى الباقية‪ .‬ويثير القرآن الكريم إلى هذا اله مراع النفسي بين الجانبين‬
‫‪:‬المادي والروحي في النسان‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‬
‫فأما من طغى واثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام‬
‫‪ .‬ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى‬
‫ويثير القرآن‪ ،‬الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في‬
‫النسان في وصفه لنفضاض بعض المسلمين من حول الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم حينما سمعوا بأنباء وصول قافلة محملة بالمؤونة إلى‬
‫‪.‬المدينة‬
‫وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند ال خير "‬
‫‪).‬من اللهو ومن التجارة وال خير الرازقين )‪8‬‬
‫ويثير القرآن الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في‬
‫النسان في‪ ،‬صفه تعالى لخروج قارون على قومه في زينته‪ ،‬مما جعل‬
‫بعض كل الناس يتمنون أن يكون لهم مثل ما لقارون من ثروة‪ ،‬فيرد عليهم‬
‫‪ .‬البعض الخر من ذوي العلم والتقوى بأن ما عند ال خير وأبقى‬
‫فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما(‬
‫أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم‪ .‬وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب ال خير‬
‫‪ .‬لمن آمن وعمل صالحا ول يلقاها إل الصابرون‬
‫وتشير آيات أخرى كثيرة إلى هذا الصراع في النسان بين الجانبين المادي‬
‫‪:‬والروحي‪ .‬ومن أمثلة ذلك‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ‪9‬‬
‫‪).‬ذلك فأولئك هم الخاسرون " )‪10‬‬
‫‪).‬إنما أموالكم وأولدكم فتنة وال عنده أجر عظيم( )‪" 11‬‬
‫إن الصراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في النسان هو الصراع‬
‫النفسي الساسي الذي يعانيه النسان في هذه الحياة وقد أشار القرآن الكريم‬
‫‪:‬إلى ذلك في قوله‬
‫)لقد خلقنا ال نسان في كبد " )‪" 12‬‬
‫إن إغفال المطالب الروحية للنسان‪ ،‬يجعل حياة النسان خالية من المعاني‬
‫السامية التي تجعل للحياة قيمة‪ ،‬وتفقده شعوره برسالته الكبرى في الحياة‬
‫كخليفة ل تعالى في الرض‪ ،‬فتضيع منه الرؤية الواضحة لهدافه الكبرى‬
‫في الحياة وهي عبادة ال ‪ .‬والتقرب إليه‪ ،‬ومجاهدة النفس في سبيل بلوغ‬
‫الكمال النساني‪ .‬ويتملك النسان في هذه الحالة الشعور بالضياع ويصبح‬
‫فريسة للقلق‪ .‬وقد صور القرآن الكريم حالة الصراع والقلق التي تنتاب‬
‫النسان الذي يفقد إيمانه بال سبحانه و تعالى بالحالة التي يشعر بها النسان‬
‫‪.‬الذي يخر من السماء فتتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق‬
‫ومن يشرك بال فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح "‬
‫‪ .‬في مكان سحيق‬

‫ويصور النبي عليه الصلة والسلم الصراع بين الجانبين المادي والروحي‬
‫في النسان تصويرًا واقعيًا بقوله عليه الصلة والسلم‪ ":‬مثلي كمثل رجل‬
‫استوقد نارًا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار‬
‫يقعن فيها وجعل‪ ،‬يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها‪ ،‬قال‪ :‬فذلكم مثلي أو مثلكم‬
‫أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقحمون‬
‫‪.‬فيها "‪ ،‬رواه مسلم‬
‫ففي هذا الحديث الشريف تصوير بارع للصراع بين الشهوات الحسية‬
‫ومغريات الحياة الدنيوية‪ ،‬وبين الوازع الديني الذي يمنع الناس من‬
‫‪.‬النغماس في ملذاتهم وشهواتهم‬
‫ولعل مشيئة ال تعالى قد اقتضت أن يكون أسلوب النسان في حل هذا‬
‫الصراع بين الجانبين المادي والروحي في شخصيته هو الختبار الحقيقي‬
‫‪:‬الساسي الذي وضعه ال‪ -‬جل شأنه‪ -‬للنسان في هذه الحياة‪ .‬يقول تعالى‬
‫ل )‪" 14‬‬‫‪).‬الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عم ً‬
‫وقال الرسول عليه الصلة والسلم في هذا المعنى‪" :‬إن الدنيا خضرة حلوة‬
‫وان ال مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان‬
‫أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " رواه مسلم‪ .‬وقال عليه الصلة‬
‫والسلم أيضا‪" :‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع‬
‫‪.‬نفسه هواها وتمنى على ال الماني "‪ .‬رواه الترمذي وأحمد والحاكم‬
‫فمن استطاع أن يوفق بين الجانبين المادي والروحي في شخصيته‪ ،‬وأن‬
‫يحقق بينهما أكبر قدر مستطاع من التوازن‪ ،‬فقد نجح في هذا الختبار‪،‬‬
‫‪.‬واستحق( ن يثاب على ذلك بالسعادة في الدنيا والخرة‬
‫من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم‬
‫‪).‬أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون! )‪1‬‬
‫وأما من انساق وراء شهواته البدنية وأغفل مطالبه الروحية‪ ،‬فقد فشل في‬
‫‪:‬هذا الختبار‪ ،‬واستحق أن يجازى على ذلك بالشقاء في ا لدنيا والخرة‬
‫ومن أعرض عن ذكري فإن معيشة ضنكأ ونحشره يوم القيامة أعمى " ) "‬
‫‪16).‬‬
‫والعصر إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا‬
‫‪).‬بالحق وتواصوا بالصبر " )‪17‬‬
‫وقد كان من رحمة ال سبحانه وتعالى بالنسان‪ ،‬ومن نعمه العظيمة عليه‪،‬‬
‫أن أمده بجميع المكانات اللزمة لحل هذا الصراع‪ ،‬واجتياز هذا الختبار‬
‫الصعب‪ ،‬بأن وهبه العقل ليميز بين الخير والشر‪ ،‬وبين الحق والباطل‪ .‬كما‬
‫أمده سبحانه بحرية الرادة والختيار ليستطيع أن يبت في أمر هذا‬
‫الصراع‪ ،‬وأن يختار‪ -‬الطريق الذي يريده لحل هذا الصراع‪ .‬وأن‪ -‬حرية‬
‫إرادة النسان في اختيار الطريق الذي يحل به هذا الصراع إنما يمثلن‬
‫‪).‬مسئوليته وحسابه‪ ،‬كما أنهما يضعان الساس )سعادته وشقائه )‪18‬‬
‫‪).‬وهديناه النجدين )‪" 19‬‬
‫‪).‬إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا )‪20‬‬
‫‪).‬وقل الحق ‪ ،‬من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‪21) " ...‬‬
‫ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من‬
‫‪).‬دساها )‪22‬‬
‫‪:‬حالت النفس الثلث‬
‫وحينما يتغلب الجانب المادي في حياة النسان‪ ،‬فينساق وراء أهوائه‬
‫وشهواته‪ ،‬ويهمل مطالبه الروحية‪ ،‬فإنه يصبح في معيشته أشبه بالحيوان‪،‬‬
‫بل أضل سبيل لنه لم يستخدم عقله الذي ميزه ال سبحانه وتعالى به على‬
‫" ‪.‬الحيوان‬
‫أر أريت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل أم تحاسب أن كثرهم‬
‫يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام‬
‫‪).‬بل هم أضل سبيل " )‪23‬‬
‫والنسان الذي يعيش هذا النوع من المعيشة يكون غير ناضج الشخصية‪،‬‬
‫ويكون أشبه بالطفل الذي ل يهمه إل إشباع حاجاته ورغباته‪ ،‬ولم تقو إرادته‬
‫بعد‪ ،‬ولم يتعلم كيف يتحكم في أهوائه وشهواته‪ ،‬ويصبح خاضعًا لترجيه‬
‫! "نفسه المارة بالسوء‬
‫وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء إل ما رحم ربي إن ربي كفور "‬
‫رحيم‬
‫وحينما يبلغ النسان مرتبة أعلى من النضوج والكمال‪ ،‬يبدأ ضميره في‬
‫‪ .‬الستيقاظ‪ ،‬فيستنكر ضعف أرادته وانقياده‬
‫لهوائه وشهواته وملذات الحياة الدنيوية مما يوقعه في الخطيئة والمعصية‪،‬‬
‫فيشعر بالذنب‪ ،‬ويلوم نفسه ويتجه إلى ال سبحانه وتعالى مستغفرًا ‪ ،‬فإنه‬
‫‪ ".‬يصبح في هذه الحالة تحت تأثير" النفس اللوامه‬
‫‪).‬ل أقسم بيوم القيامة ول أقسم بالنفس اللوامة‪" 35) ،‬‬
‫واذا أخلص النسان بعد ذلك في توبته‪ ،‬وأخلص في تقربه ل تعالى‬
‫بالعبادات والعمال الصالحة‪ ،‬والبتعاد عن كل ما يغضب ال‪ ،‬وتحكم‬
‫تحكما كامل في هوائه وشهواته وقام بتوجيهها إلى الشباع بالطريقة التي‬
‫حددها الشرع فحقق بذلك التوازن التام بين مطالبه البدنية ومطالبه‬
‫الروحية‪ ،‬فإنه يصل إلى أعلى مرتبة من النضوج والكمال النسانية‪ ،‬وهي‬
‫المرتبة التي تكون فيها النفس النسانية في حالة اطمئنان وسكينة‪ ،‬وينطبق‬
‫‪".‬عليها وصف " النفس المطمئنة‬
‫يأيتها النفس‪ ،‬المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في "‬
‫" عبادي وادخلي جنتي‬

‫ويمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلثة للنفس‪ ،‬وهي النفس المارة بالسوء‪،‬‬
‫والنفس اللوامة‪ ،‬والنفس المطمئنة على أنها حالت تتصف بها شخصية‬
‫النسان في مستويات مختلفة من النضج التي تمر بها أثناء صراعها‬
‫الداخلي بين الجانبين المادي والروحي من ‪ ،‬طبيعة تكوينها‪ .‬فحينما تكون‬
‫شخصية النسان في ادنى مستوياتها النسانية بحيث تسيطر عليها الهواء‬
‫والشهوات الملذات البدنية والدنيوية‪ ،‬فإنها تكون في حالة ينطبق عليها‬
‫وصف النفس المارة بالسوء‪ .‬وحينما تبلغ الشخصية أعد‪ ،‬مستويات النضج‬
‫والكمال النساني حيث يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية‬
‫فإنها تصبح في الحالة التي‪ ،‬ينطبق عليها وصف النفس المطمئنة‪ .‬وبين‬
‫هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه النسان نفسه على‬
‫ما يرتكب من أخطاء‪ ،‬ويسعى جاهدًا للمتناع عن ارتكاب ما يغضب ال‬
‫ويسبب به تأنيب الضمير‪ ،‬ولكنه ل ينجح دائمـاً في مسعاه‪ ،‬فقد يضعف‬
‫أحيانًا ويقع ني الخطيئة‪ .‬ويطلق إلى الشخصية في هذا المستوى النفس‬
‫‪).‬اللوامة )‪27‬‬
‫‪:‬الشخصية السورة‬
‫إن الحل المثل للصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان هو‬
‫التوفيق بينهما‪ ،‬بحيث يقوم النسان بإشباع حاجاته البدنية في الحدود التي‬
‫أباحها الشرع‪ ،‬ولقوم في الوقت نفسه بإشباع حاجاته الروحية‪ .‬ومثل هذا‬
‫التوفيق بين حاجات البدن وحاجات الروح يصبح أمرًا ممكناً إذا التزم‬
‫النسان في حياته بالتوسط و‪ -‬العتدال ‪ ،‬وتجنب السراف والتطرف سواء‬
‫في إشباع دوافعه البدنية أو الروحية‪ .‬فليس في السلم رهبانية تقاوم إشباع‬
‫الدوافع البدنية وتعمل على كبتها )‪ .(38‬كما ليس في السلم إباحة مطلقة‬
‫تعمل على الشباع التام للدوافع البدنية دون ضبط وتحكم‪ ،‬وإنما ينادي‬
‫السلم بالتوفيق بين دوافع كل من البدن والروح‪ ،‬واتباع طريق وسط‬
‫يحقق التوازن رين الجانبين المادي والروحي في النسان‪ .‬وفي هذا المعنى‬
‫‪:‬يقول القرآن الكريم‬
‫‪).‬وابتغ في آتاك ال الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا " )‪" 29‬‬

‫‪:‬ويقول الرسول عليه الصلة والسلم في هذا المعنى أيضا‬


‫إن الرهبانية لم تكتب علينا " رواه أحمد‪ .‬وعن أنس رضي ال عنه قال‪(:‬‬
‫جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وسلم يسألون عن‬
‫عبادة النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا‪ :‬وأين‬
‫نحن من النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قد غفر له ما تقدم من ذنب وما تأخر‪،‬‬
‫فقال أحدهم ‪ :‬أما أنا فإني أصاب الليل أبدًا‪ .‬وقال آخر‪ :‬أنا أصوم الدهر ولى‬
‫أفطر‪ .‬وقال آخر‪ :‬أنا أعتزل‬
‫فقال " أنتم الذين قلتم كذا وكذا‪ .‬أما ‪ r‬النساء فل أتزوج أبدًا فجاء رسول ال‬
‫وال انى لخشاكم لته وأتقاكم اله لكني أصوم وأفطر وأصاب وأرقد‬
‫‪.‬وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني رواه الشيخان والنسائي‬
‫أخبر أنك ‪ rr‬وعن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال لي النبي‬
‫تقوم الليل وتصوم النهار‪ .‬قلت‪ :‬إني أفعل ذلك قال‪ :‬فإنك إذا فعلت ذلك‬
‫هجمت عينك ونفهت نفسك وإن لنفسك عليك حقا ولهلك حقا فصم وأفطرا‬
‫‪.‬وقم ونم )‪ (30‬رواه الشيخان‬
‫وحينما يتحقق التوازن بين البدن والروح تتحقق ذاتية النسان في صورتها‬
‫الكاملة السوية‪ ،‬والتي تمثلت في شخصية النبي صلوات ال عليه وسلمه‪-‬‬
‫التي توازنت فيها القوة الروحية الشفافة‪ ،‬والحيوية الجسمية الفياضة‪ ،‬فكان‬
‫يعبد ربه حق عبادته في صفاء وخشوع تامين‪ ،‬كما كان يعيش حياته‬
‫البشرية مشبعا لدوافعه البدنية في الحدود التي رسمها الشرع‪ .‬ولذلك فهو‬
‫يمثل النسان الكامل‪ ،‬والشخصية السوية النموذجية الكاملة التي توازنت‬
‫فيها جميع القوى النسانية البدنية منها والروحية‪ .‬وفي الحديث الشريف‪:‬‬
‫"حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلة"‪ ،‬روإه‬
‫‪.‬النسائي وأحمد والحاكم‬
‫إن الشخصية السوية في السلم إذن‪ ،‬هي الشخصية التي يتوازن فيها البدن‬
‫والروح ‪ ،‬وتشبع فيها حاجات كل منهما‪ .‬إن الشخصية السوية هي التي‬
‫تعني بالبدن وصحته وقوته‪ ،‬وتشبع حاجاته في الحدود التي رسمها الشرع‪،‬‬
‫والتي تتمسك في نفس الوقت باليمان بال‪ ،‬وتؤدي العبادات‪ ،‬وتقوم بكل ما‬
‫يرضي ال تعالى‪ ،‬وتتجنب كل ما يغضبه‪ .‬فالشخص الذي ينساق وراء‬
‫أهوائه وشهواته شخص غير سوي‪ .‬وكذلك فإن الشخص الذي يكبت حاجاته‬
‫‪،‬البدنية‬
‫ويقهر جسمه ويضعفه بالرهبانية المفرطة والتقشف الشديد‪ ،‬وينزع إلى‬
‫إشباع حاجاته وأشواقه الروحية فقط‪ ،‬هو أيضا شخص غير سوي وذلك‬
‫لن كل من هذين التجاهين المتطرفين يخالف الطبيعة النسانية‪ ،‬ويعارض‬
‫فطرتها‪ .‬وحينما يتحقق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في النسان‬
‫تتحقق ذاتية النسان في صورنها الكاملة السوية‪ ،‬والتي ينعم فيها النسان‬
‫بكل من الصحة البدنية والنفسية‪ ،‬ويشعر فيها النسان بالمن النفسي‬
‫‪.‬والطمأنينة والسعادة‬
‫والتوازن وشخصية النسان بين البدن والروح ليس إل مثال للتوازن‬
‫الموجود في الكون بأكمله‪ .‬فقد خلق ال‬
‫‪.‬سبحانه وتعالى كبر شيء بمقدار وميزان‬
‫والرض‪ ،‬مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون " )‬
‫‪31!.‬‬
‫‪).‬وكل شيء عنده بمقدار " )‪33‬‬
‫‪).‬إئا كل شيء‪ .‬خلقناه بقدر " )‪" 33‬‬
‫‪).‬وخلق كل شئ فقدره تقديرا " )‪" 34‬‬
‫‪:‬منهج السلم في تحقيق الصحة النفسية‬
‫يتبع السلم في تربيته للنسان منهجا تربويا هادفًا يحقق التوازن بين‬
‫الجانبين الروحي والمادي في شخصية النسان‪ ،‬مما يؤدي ‪ ،‬الى تكوين‬
‫الشخصية السرية التي تتمتع بالصحة النفسية‪ .‬ولما كان معظم الناس يميلون‬
‫إلى النشغال بتحصيل السعادة العاجلة في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬ويغفلون العمال‬
‫لتحصيل السعادة الجلة في الحياة الخرة‪ ،‬كان النسان في حاجة إلى منهج‬
‫‪:-‬تربوي خاص يتضمن أسلوبين من التربية‬
‫السلوب الو ل هو تقوية الجانب الروحي في النسان عن طريق اليمان‬
‫‪ .‬بال وتقواه‪ ،‬وأداء العبادات المختلفة‬
‫والسلوب الثاني هو السيطرة على الجانب البدني في النسان كما يتمثل‬
‫ذلك في توجيهات السلم الخاصة بالسيطرة على الدوافع والنفعالت‬
‫‪.‬والتحكم في أهواء النفس‬
‫‪:‬اول‪ -‬أسلوب تقوية الجانب الروحي في النسان‬
‫‪ :‬ا‪ -‬اليمان بال‬
‫يدعو السلم إلى اليمان بال وتوحيده وعبادته‪ .‬ويؤدي اليمان بال إلى‬
‫تحرر النسان من الخوف من الشياء التي يخاف منها معظم الناس‪.‬‬
‫فالمؤمن الصادق اليمان ل يخاف من الفقر أو المرض أو مصائب الدهر‬
‫أو الموت أو الناس‪ .‬فهو يعلم أن رزقه بيد ال تعالى وانه لن يصيبه ال ما‬
‫‪.‬هو مقدر له‬
‫)وفي السماء‪ ،‬رزقكم وما توعدون " " )‪3‬‬
‫‪).‬كل نفس ذائقة الموت‪" 36) " ...‬‬
‫ما أصاب من مصيبة ني الرض ول في أنفسكم ال في كتاب من قبل أن(‬
‫‪).‬نبرأها إن في ذلك على ال يسير " )‪37‬‬
‫فقال‪ :‬يا غلم ‪ r‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ " :‬كنت خلف النبي‬
‫إني أعلمك كلمات احفظ ال يحفظك احفظ ال تجده تجاهك‪ .‬إذا سألت فاسأل‬
‫ال وإذا استعنت فاستعن بال وأعلم أن المة لو أجتمعت على أن ينفعوك‬
‫بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه ال لك وإن اجتمعوا على أن يضروك‬
‫بشيء لم يضروك إل بشيء قد كتبه ال عليك رفعت القلم وجفت الصحف‬
‫‪ ".‬رواه الترمذي‬
‫‪:‬التقوى ‪2-‬‬
‫وتصاحب اليمان الصادق بال تقوى ال‪ .‬والتقوى هي أن يقي النسان نفسه‬
‫من غضب ال وعذابه بالبتعاد عن‬
‫ارتكاب المعاصي واللتزام بمنهج ال تعالى‪ ،‬فيفعل ما أمره ال تعالى به‪،‬‬
‫‪.‬ويبتعد عما نهاه عنه‬
‫ويتضمن مفهوم التقوى أن يتوخى النسان دائما في أفعاله الحق والعدل‬
‫والمانة والصدق‪ ،‬وأن يعامل الناس بالحسنى‪ ،‬ويتجنب العدوان والظلم‪.‬‬
‫ويتضمن مفهوم التقوى كذلك‪ (،‬ن يؤدي النسان كل ما يوكل إليه من أعمال‬
‫على أحسن وجه‪ ،‬لنه دائم التوجه إلى ال تعالى في كل ما يقوم به من‬
‫أعمال ابتغاء مرضاته وثوابه‪ .‬وهذا يدفع النسان دائما إلى تحسين ذاته‪،‬‬
‫وتنمية قدراته ومعلوماته ليؤدي عمله دائما على أحسن وجه‪ .‬إن التقوى‬
‫بهذا المعنى تصبح طاقة موجهة للنسان نحو السلوك الفضل والحسن‬
‫ونحو نمو الذات ورقيها‪ ،‬وتجنب السلوك السيئ والمنحرف والشاذ ‪.‬‬
‫فالتقوى إذن من العوامل الرئيسية في نضوج الشخصية وتكاملها واتزانها‪،‬‬
‫‪ .‬وفي بلوغ الكمال النساني‪ ،‬وتحقيق السعادة والصحة النفسية‬
‫‪:‬العبادات ‪3-‬‬
‫إن القيام بالعبادات المختلفة من صلة وصيام وزكاة وحج إنما يعمل على‬
‫تربية شخصية النسان وتزكية نفسه‪ ،‬وتحليه بكثير من الخصال المفيدة‬
‫التي تعينه على تحمل أعباء الحياة‪ ،‬والتي تساعد على تكوين الشخصية‬
‫السوية التي تتمتع بالصحة النفسية‪ .‬فالقيام بهذه العبادات المختلفة تعلم‬
‫النسان الصبر وتحمل المشاق‪ ،‬ومجاهدة النفس والتحكم في أهوائها‪ ،‬وقوة‬
‫الرادة وصلبة العزيمة‪ ،‬وحب الناس والحسان إليهم‪ ،‬وتنمي فيه روح‬
‫‪.‬التعاون والتكافل ا لجتماعي‬
‫‪:‬ثانيأ‪ -‬أسلوب ا )سيطرة على الجانب البدني في النسان‬
‫‪:‬ا‪ -‬السيطرة على الدوافع‬
‫يدعو السلم إلى السيطرة على الدوافع والتحكم فيها‪ .‬ول يدعو السلم إلى‬
‫كبت الدوافع الفطرية‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك من قبل ة‪ ،‬و إنما يدعو إلى تنظيم‬
‫إشباعها والتحكم فيها‪ ،‬وتوجيهها توجيهًا سليما تراعى فيه مصلحة الفرد‬
‫والجماعة‪ .‬ويدعو القرآن الكريم والسنة الشريفة إلى نوعين من التنظيم في‬
‫‪.‬إشباع الدوافع الفطرية‬
‫التنظيم الول هو إشباعها عن الطريق الحلل المسموح به شرعًا ومن أمثلة‬
‫هذأ التنظيم إباحة إشباع الدافع الجنسي عن طريق الزواج فقط‪ ،‬وتحريم‬
‫‪.‬الزنا‬
‫‪).‬و ليستعف الذين ل يجدون نكاحا حتى يغنيهم ال من فضلها )‪"38‬‬
‫وفي الحديث الشريف‪" :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج‬
‫فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‪ .‬ومن لم يستطع فعله " بالصوم فإنه له‬
‫‪.‬وجاء " رواه الشيخان‬
‫والتنظيم الثاني هو عدم السراف في إشباعها لما في ذلك من إضرار‬
‫‪:‬بالصحة البدنية والنفسية‪ .‬قال تعالى‬
‫يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل "‬
‫‪).‬يحب المسرفين " )‪39‬‬
‫وفي الحديث الشريف‪ " :‬كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف‬
‫‪.‬ول مخيلة! "‪ .‬رواه البخاري‬
‫ول يعنى القرآن الكريم بتوجيه النسان إلى السيطرة علي دوافعه‬
‫الفسيولوجية فقط‪ ،‬وانما يعنى القرآن الكريم كذلك بتوجيهه إلى السيطرة‬
‫على دوافعه النفسية أيضا‪ .‬ففي كثير من المواضع يحث القرآن الكريم على‬
‫السيطرة على دافع العدوان ودافع التملك ‪ ،‬وأهواء النفس وشهواتها المختلفة‬
‫سواء كانت بدنية أو نفسية‪ .‬وقام الرسول عليه الصلة والسلم أيضآ بتوجيه‬
‫الناس إلى التحكم في دوافعهم وشهواتهم‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪ " :‬ل‬
‫يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما‪ -‬جئت به رواه البخاري‪ ،‬وقال عليه‬
‫الصلة والسلم أيضا‪ " :‬حبط الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات "‪ .‬ر‬
‫‪.‬وان مسلم‬
‫‪:‬السيطرة على النفعالت ‪2-‬‬
‫ويدعو القرآن الكريم الناس إلى السيطرة على انفعالتهم والتحكم فيها‪ .‬وقد‬
‫سبق القرآن الكريم ل ذلك العلوم الطبية والنفسية الحديثة التي بينت أن‬
‫اضطراب الحياة النفعالية للنسان من السباب الهامة في نشوء كثير من‬
‫أعراض المراض البدنية‪ .‬ومن أمثلة ما جاء في القرآن الكريم من دعوة‬
‫إلى السيطرة على النفعالت نذكر اليات التالية التي تدعو إلى السيطرة‬
‫‪.‬على انفعال الغضب‬
‫وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والرض أعدت "‬
‫للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن‬
‫"الناس وال يحب المحسنين‬

‫فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا ول عند ال خير وأبقى للذين آمنوا‬
‫وعلى ربهم يتوكلون والذين بجتبنون كبائر الثم والفواحش وإذا ما غضبوا‬
‫‪ " .‬هم يغفرون‬
‫ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور "‬
‫" فاصفح الصفح الجميل "‬
‫الناس أيضا إلى التغلب علي انفعال الغضب قال عليه ‪ r‬وقد دعا الرسول‬
‫الصلة والسلم‪ ،:‬ليس الشديد بالصرعة‪ ،‬إنما الشديد من يملك نفسه عند‬
‫أيضأ‪) :‬ال إن الغضب جمرة توقد في ‪ r‬الغضب "‪ ،‬رواه الشيخان‪ .‬وقال‬
‫جوف ابن آدم‪ ،‬أل ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه‪ .‬فإذا وجد أحدكم‬
‫شيئا من ذلك فالرض الرض‪ ...‬أل إن خير الرجال من كان بطيء ا‬
‫الغضب سريع الرضى‪ ،‬وفر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضى‬
‫يارسول" ‪ " r‬رواه الترمذي والبخاري وأحمد‪ .‬وجاء رجل إلى رسول ال‬
‫ال ‪ :‬أوصني قال ‪ :‬ل تغضب فكرر السؤال ثلث مرات‬
‫‪.‬وكرر الرسول الجواب نفسه " رواه البخاري‬
‫ويدعو ا القرآن الكريم والسنة الشريفة إلى السيطرة على جميع النفعالت‬
‫الخرى والتحكم فيها‪ .‬ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو إلى السيطرة‬
‫على انفعالت الحزن والفرح والحب والكراهية وتنهى عن الزهو ‪،‬‬
‫والكبرياء والتعالي على الناس‪ .‬كما نجد أيضا في الحديث الشريف دعوة‬
‫‪.‬إلى السيطرة على كثير من هذه النفعالت‬
‫توازن الشخصية والصحة النفسية‬
‫بهذين السلوبين ‪ ،‬أسلوب تقوية الجانب الروحي في النسان عن طريق‬
‫اليمان بال وتوحيده وعبادته‪ ،‬وأسلوب السيطرة على الجانب البدني في‬
‫النسان عن طر يق التحكم في الدوافع والهواء والشهوات والنفعالت‪،‬‬
‫يستطيع النسان أن يحقق التوازن بين الجانبين الروحي والبدني في‬
‫شخصيته‪ ،‬مما يؤدي إلى شعوره بالمن والطمأنينة‪ ،‬ويحقق له الصحة‬
‫النفسية والسعادة في الدنيا والخرة‬

You might also like