You are on page 1of 23

‫السلم وتنمية العلم والبحث العلمي‬

‫الدكتور يوسف يعقوب السلطان‬

‫مقدمة‬

‫إن من أبرز سمات عصرنا الحاضر التقدم العلمللي والتكنولللوجي الللذي‬


‫أحرزه العالم خلل القرن المنصرم‪ ,‬وتأثير هذا التقللدم علللى نشللاطات‬
‫المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر في تحقيق خطط وبرامج التنميللة‬
‫القتصادية والجتماعية الشللاملة‪ .‬وعليلله‪ ,‬فللإن قاعللدة البحللث العلمللي‬
‫وتطويرهللا تشللكل القاعللدة الركيللزة الساسللية لقللدرات الللدول علللى‬
‫الخللتراع والبتكللار وتطللوير التكنولوجيللا واسللتخداماتها فللي مختلللف‬
‫قطاعات الدولة‪ .‬إن ما توصل إليه العالم المعاصر من معارف وتقنيات‬
‫هي امتداد لتراكمات المعارف والخبرات التي توصلللت إليهللا النسللانية‬
‫عبر الزمنة المتعاقبة‪ ,‬بما في ذلك التقللدم فللي تطللوير هللذه المعللارف‬
‫)يوسف السلطان‪.(1998 ,‬‬

‫وكلما تقدمت العلوم وتعاقبت أنشطة البحث العلمي لكتشاف الجديللد‬


‫والمجهول‪ ,‬ولختراع وسائل أفضل لمعيشة النسان‪ ,‬تتضح أهمية هللذه‬
‫النشطة في حياة الشعوب‪ ,‬فالتقدم العلمي جعل حيللاة النسللان أكللثر‬
‫راحة وإثارة‪ ,‬كما منحنا صحة أفضل‪ ,‬وسفرا أسرع وأريح‪ ,‬وساهم فللي‬
‫تحسللين اتصللالتنا‪ ,‬ووضللع بيللن أيللدينا العديللد مللن البضللائع والمنتجللات‬
‫والخدمات والتسالي )عالم الفكر‪ ,‬أكتوبر ‪.(2000‬‬

‫يلعب العلم والبحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية دورا مهما في تطور‬


‫ورفاهية المجتمع في أي دولة‪ .‬ويمكللن اعتبللار إجللراء البحللوث العلميللة‬
‫مقياسا لتقدم هذه الدول ونموها الجتماعي والقتصادي‪ .‬فالدول الللتي‬
‫تعرف كيف تطبق مخرجات البحث العلمي‪ ,‬نجللدها دائمللا تحتللل مكللان‬
‫الصدارة في مجالت عديدة‪ ,‬مثل تصنيع اللت والجهزة الحربية‪ ,‬وهذا‬
‫يجعلها تتفوق عسكريا وتكثر مساهماتها الثقافية والعلمية في الحضارة‬
‫النسانية‪ ,‬أو في مجال تقديم الخدمات المتنوعة لمواطنيها وفق أحدث‬
‫السللاليب‪ .‬أو كمثللال آخللر وليللس أخللرا‪ ,‬فللي نموهللا القتصللادي وبنللاء‬
‫المصانع وزيادة النتاج وحسن استغلل الموارد الطبيعية‪.‬‬

‫يرتبط البحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية بالتنمية الوطنيللة والعمللار‬


‫ارتباطا عضويا ل يمكن فصللله‪ ,‬والللدول المتقدمللة صللناعيا بارعللة فللي‬
‫ترسيخ هذا الرتباط والستفادة منه لقصى الحدود‪ .‬حيث يعود التحسن‬
‫في مسللتوى معيشللة أفرادهللا بنسللبة ‪60‬لل ‪ %80‬إلللى التقللدم العلمللي‬
‫والتقني‪ ,‬بينما يعزى هللذا التحسللن بنسللبة ‪20‬لل ‪ %40‬إلللى وجللود رأس‬
‫المال‪.‬‬
‫ولقد نهجت الدول المتقدمة نهجا بحيث ل تخطو خطوة في أي مجللال‬
‫إل بعد دراسة مستفيضة‪ ,‬وهذا ما يجعلها مستقرة اجتماعيللا واقتصللاديا‬
‫وعلميا‪ ,‬أو بمعنلى آخلر أن البحللث العلمللي يشلكل جللزءا ل يتجللزأ ملن‬
‫تنميتها القومية‪ .‬وعلى العكس من ذلللك نجللد أن أغلللب الللدول الناميللة‬
‫ترتجل الحلول للمشللاكل الللتي تواجههللا والللتي تكللون بعيللدة جللدا عللن‬
‫السلوب العلمي الموضوعي )يوسف السلطان‪.(1994 ,‬‬

‫أضف إلى ذلك أن المشكلة أو التحدي في توجيه البحللث العلمللي إلللى‬


‫أغراض التنمية في الللدول الناميللة تنبللع مللن أن التنميللة وحللتى مفهللوم‬
‫التنمية في هذه المجموعة مازالت تحبو أو أن التخطيط لها يتم بطللرق‬
‫ووسائل عشوائية أو ارتجالية أو مقلللدة لنمللوذج مللن الللدول الصللناعية‬
‫المتقدمة‪ .‬لذا تنعكللس أنشللطة البحللث العلمللي فللي هللذه المجتمعللات‬
‫نتيجة لهذا التخبط أو غياب التخطيط لتغدو ممارسات ونتللائج لجهللود ل‬
‫تمللس أو تتبللع أو تتللواكب مللع احتياجللات المجتمللع‪ .‬وقللد ل ينظللر إليهللا‬
‫كأبحاث علمية ذات مردود اجتماعي واقتصادي‪ .‬وقد يعزى ذلك إلى أن‬
‫مثل هذا التجافي والتباعللد بيللن البحللث العلمللي والتنميللة فللي البلللدان‬
‫النامية تنتج عنه أبحاث بعيدة الصلللة بالتنميللة الداخليللة‪ ,‬إذ يسللعى مللن‬
‫خللها الباحثون النشر فللي دوريللات علميللة عالميللة بغللرض الترقيللة أو‬
‫بغرض حضور محافل علمية عالمية‪.‬‬

‫ومن نافلة القول الدراك بأن لنشطة البحث والدراسات العلميللة دورا‬
‫هاما ومشاركة ضليعة في تحقيق أهداف التنمية الوطنية الشللاملة لي‬
‫مجتمع‪ ,‬إذ تلعب هذه النشطة دورا بللارزا فللي إعللداد وتنميللة الكللوادر‬
‫الوطنية وفي استغلل المصادر الطبيعية الوطنية المتاحللة وفللي زيللادة‬
‫استقللية المجتمعات المتمثلة فللي اسللتيراد أو تطللوير معللارف علميللة‬
‫وتقنيات متعددة للوفاء باحتياجات المجتمللع‪ .‬وتللزداد مسللاهمة أنشللطة‬
‫البحث العلمي في تطوير المجتمع وتتناسب طرديا مع كيفية الستفادة‬
‫من نتائج البحاث العلمية وتطبيقها فللي قطاعللات المجتمللع المختلفللة‪.‬‬
‫ويتطلللب ذلللك‪ ,‬تفللاعل اجتماعيللا وعلميللا بيللن العللاملين فللي هللذه‬
‫المؤسسات وبين القطاعات أو المؤسسلات المسللتفيدة‪ .‬ول جلدال أن‬
‫غياب مثل هذا التفاعل أو عدم وجود تنسلليق بيللن هللذه الجهللات يللؤدي‬
‫إلللى تشللتيت الجهللود والتللأخير فللي مرحلللة التوصللل إلللى الحلللول‬
‫والقتراحات والبدائل في المؤسسات العلمية ومن ثم تبنيهللا وتطبيقهللا‬
‫في القطاعات والمؤسسات ذات العلقة‪.‬‬
‫إن الستفادة من نتائج البحاث والدراسات العلمية تبدأ من مؤسسللات‬
‫البحاث العلمية والتطوير )إما باستجابتها لطلب قطاع ما في المجتمللع‬
‫أو بمبادرتها لوضع حلللول ودراسللات تهللدف إلللى تعزيللز هللذا القطللاع(‪,‬‬
‫حيث تبدأ حينها هذه المؤسسات بتشخيص المشكلة ودراستها ثم وضع‬
‫المقترحات الوافية والكفيلة بمعالجتها للتوصللل إلللى الحلللول ومللن ثللم‬
‫التوصيات اللزمة بها على أن تطابق هذه الحلول واقع الحال لدى هذه‬
‫المؤسسات ويتم اختبارها والتأكللد مللن فاعليتهللا قبللل إعللدادها بصللورة‬
‫نهائية وتقديمها إلى القطاع أو المؤسسة المستفيدة‪.‬‬

‫يلعللب البحللث العلمللي وتطبيقللاته التكنولوجيللة دورا هامللا فللي تطللور‬


‫ورفاهية المجتمع في أي دولة‪ .‬ويمكللن اعتبللار إجللراء البحللوث العلميللة‬
‫مقياسا لتقدم هذه الدول ونموها الجتماعي والقتصادي‪ .‬فالدول التي‬
‫تتميز بكفاءة تطبيق مخرجات البحث العلمي‪ ,‬نجدها دائما تحتل مكللان‬
‫الصدارة في مجالت عديدة‪ ,‬مثل تصنيع اللت والجهزة الحربية‪ ,‬وهذا‬
‫يجعلها تتفوق عسكريا وتكثر مساهماتها الثقافية والعلمية في الحضارة‬
‫النسانية‪ ,‬أو في مجال تقديم الخدمات المتنوعة لمواطنيها وفق أحدث‬
‫السلاليب‪ .‬أو كمثلال آخلر وليلس أخلرا ‪ ,‬فلي نموهلا القتصلادي وبنلاء‬
‫المصانع وزيادة النتاج وحسن استغلل الموارد الطبيعية‪ .‬وتسمى هللذه‬
‫الدول بالدول المتقدمة أو الصناعية )أو دول الشلمال(‪ .‬بينملا نجلد دول‬
‫أخرى تسمى بالللدول الناميللة )أو دول الجنللوب( نللرى أن قللدرتها علللى‬
‫استخدام العلم والبحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية متخلفة )يوسللف‬
‫السلطان‪.(2000 ,‬‬

‫إن العلللم أفضللل فعاليللات النسللان وأكللثر أشللكال الحضللارة البشللرية‬


‫حضورا وتمثل وأشدها إيجابية‪ ,‬وإن هذه الحقللب المتعاقبللة مللن تاريللخ‬
‫النسللان وأنشللطته‪ ,‬مللا كللان يمكللن اقتحامهللا ومحاولللة دراسللتها إل‬
‫بواسللطة مناهللج للبحللث العلمللي‪ .‬فالمضللادات الحيويللة والحاسللبات‬
‫اللكترونية والطاقة النووية والسفر عبر الفضاء‪ ,‬الخ كمكتشفات بالغللة‬
‫التطور والتي تثير الدهشة والعجاب تمتد بجذورها إلى الجهد النساني‬
‫وكانت سببا ونتيجة لتطور فكر ونمو تفكير النسللان‪ .‬فللالعلم والبحللث‬
‫العلمي ينتجان من العقل ويمثلن خيرا عميما متاحللا للجميللع‪ ,‬وليللس‬
‫حكرا على فئة ما‪.‬‬

‫كما أن العلللم شللريان تللاجي مللن شللرايين الحضللارة النسللانية ونبضلله‬


‫مؤشللر دال علللى حيويلة الحضللارة والتقللدم ورقللي المللم‪ .‬والحضللارة‪,‬‬
‫لمراء‪ ,‬ليست مراحل منفصلللة متمللايزة بقللدر مللا هللي عمليللة متصلللة‬
‫وسيرورة متناميللة‪ ,‬تسلللم كللل مرحلللة فيهللا إلللى الخللرى‪ .‬أمللا البحللث‬
‫العلمي فهللو منشللط ذو حلدود مهنيللة قاطعلة وآليللات متعينلة ووسللائل‬
‫نافذة تحكم عملية إنتاج منتظمة وراهنة للمعرفللة‪ ,‬لكللونه يرتكللز علللى‬
‫منهج محدد عماده التجربة‪ .‬والمنهج هو الطريق الواضللح الللذي يفضللي‬
‫إلى غاية مقصورة‪ ,‬لذا‪ ,‬يغدو المنهج طريقا محددا لتنظيم النشاط من‬
‫أجل تحقيق الهدف المنشود‪.‬‬

‫فالمنهللج العلمللي إذن هللو طريقللة تنظيللم عمليللة اكتسللاب المعرفللة‬


‫العلمية‪ ,‬إنه المبادئ التنظيمية الكامنة في الممارسات الفعلية للعلمللاء‬
‫الذين انخرطوا بنجاح‪ ,‬وعلى مر العصللور‪ ,‬فللي إنتللاج المعرفللة العلميللة‬
‫والضافة إلى نسق العلم‪.‬‬
‫وجللدير بالللذكر الفللادة بللأن المجتمللع العلمللي التجريللبي يعتمللد علللى‬
‫الستقراء )تبرير المعرفلة العلميلة(‪ ,‬وهلو تتبلع الملر لمعرفلة أحلواله‪,‬‬
‫والحكم على الكلي لثبوت ذلك الحكم في الجزئي‪ .‬والسللتقراء عبللارة‬
‫عن قواعد تنظم عملية إنتاج المعرفة العلمية وفق الخطوات التالية‪:‬‬
‫خطوة الولى‪ :‬الملحظة التجريبية‪.‬‬
‫الخطوة الثانية‪ :‬التعميم الستقرائي للوقائع‪.‬‬
‫الخطوة الثالثة‪ :‬افتراض فروض تعلل أو تفسر التعميم الستقرائي‪.‬‬
‫الخطوة الرابعة‪ :‬التحقق من صحة هذه الفروض‪.‬‬

‫أما العلماء بهيئاتهم وخبراتهم ومجللالت عملهللم وموضلوعاته وأهللدافه‪,‬‬


‫فهلللم يمثللللون أهلللم مؤسسلللات الحضلللارة المعاصلللرة‪ ,‬إذ ل تقتصلللر‬
‫المؤسسات العلمية على إيجاد نوع من النسجام بين أفراد المجتمع أو‬
‫الجماعات‪ ,‬بل يتسم المجتمع العلمللي والعشلليرة العلميللة بدرجللة مللن‬
‫التآزر والتضافر والتكاتف يميزه عن أي نشاط آخر في المجتمع )يمنى‬
‫الخولي‪ ,‬ديسمبر ‪.(2000‬‬

‫وقد شكل السلم منذ بداياته الولللى إطللارا مميللزا ‪ ,‬فهللو يشللمل كللل‬
‫مجللالت الحيللاة الدنيويللة والخرويللة‪ ,‬حيللث يرتبللط عضللويا بالدولللة‬
‫والسياسة والقانون والمجتمع ويكتنف الحياة العامة والخاصللة وهللو لللم‬
‫يفرق بأي حال من الحوال بين مللا هللو دينللي ومللا هللو دنيللوي ومللا هللو‬
‫روحللي ومللا هللو بللدني زمنللي‪ .‬وعلللى ذلللك فللإن الللدين فللي المنظللور‬
‫السلمي هو منهاج شامل‪ ,‬المر الذي يجعله إطارا ملئما لدفع التنمية‬
‫الشاملة والمتواصلة‪ ,‬ذلك لن التقدم في ميدان ما ل يمكن أن يتللم إل‬
‫إذا صحبه وتوافق معه تقدم في باقي الميادين مللن الحيللاة الجتماعيللة‬
‫)محمد إسماعيل‪ ,‬الوعي السلمي ‪.(1997‬‬

‫أن أول آية قرآنية لمست قلب الرسول صلى الله عليلله وسلللم كللانت‬
‫تحثه على العلم وأهمية طلبه‪:‬‬
‫اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ .‬خلق النسان من علق‪ .‬اقرأ وربك الكللرم‪.‬‬
‫الذي علم بالقلم‪ .‬علم النسان ما لم يعلم ‪ .‬العلق ‪1‬ل ‪.5‬‬

‫فالسلم‪ ,‬ل مراء‪ ,‬يدعو إلى العلم والتقدم الذي تستفيد منلله الحضللارة‬
‫النسانية‪ ,‬وما كانت البشرية لتصل إلى ما وصلت إليه لول إنتاج العقل‬
‫المبنى على العلللم والبحللث العلملي‪ .‬ذللك العقللل الللذي يعللرف أن لله‬
‫خالقا‪ ,‬خلق فسوى‪ ,‬وقدر فهدى يتطلع إلى الكون بنظرة إيمانيللة تعينلله‬
‫على تحقيق النتاج العلمي )أحمد هاشم‪ ,‬القبس ‪.(19/12/2000‬‬

‫السلم وتطوير العلم والبحث العلمي وتفضيل العلماء‬


‫أرسل الله سبحانه وتعالى إلى البشرية رسل وأنبياء عددين منهللم مللن‬
‫حمل كتبا سماوية تدعو إلللى اليمللان والتوحيللد وتللبين بعللض المللواعظ‬
‫والحكم‪ .‬إل أن البشرية لم تشهد ومنذ أن خلق الله الرض ومن عليهللا‬
‫وإلى أن يرثها كتابا فيه من العجاز والبلغة والفلسفة والعلللم والعظللة‬
‫والحكمة والعلبرة اللخ‪ ,‬مثلل القلرآن الكريلم‪ .‬فلقلد تميلز هلذا الكتلاب‬
‫العزيز عن الكتب المقدسة الخرى بمجموعللة مللن العجللازات جعلللت‬
‫منلله الكتللاب الشللامل والحللاوي لكللل مللا يحتللاجه النسللان فللي حيللاته‬
‫وعلقتلله مللع الخريللن ومللع ربلله وحللتى مللع كللونه ومللا يحيللط بلله مللن‬
‫مخلوقات‪.‬‬
‫ول غرو أن هذا الكتاب المكنون بآياته الجليلة‪ ,‬وبمرامي غاياته السامية‬
‫المتميزة‪ ,‬إنما هو تهذيب وترصين للنفس النسانية‪ ,‬وتطمين لروح بني‬
‫آدم‪ ,‬ليسللتقيم لهللا الصلللح‪ ,‬ولتسللتوي لهللا سللبل المعيشللة الرغللدة‪,‬‬
‫وليستقر لها الفلح‪ ,‬فتضللحى بللذلك وتمسللى راسللخة اليمللان‪ ,‬وطيللدة‬
‫البنيان‪ ,‬إزاء خالق الخلق وباتجاه ذاتها ومتناسقة مع الخرين فللرادى أو‬
‫جماعات‪ .‬ول تثريب أن القرآن الكريم سيظل مرشلدا وهاديلا للبشلرية‬
‫جيل تلو الخر تتعاقب على معينه الديمومي لتنهل من عطللائه وتللدفقه‬
‫المتجدد أبدا ‪ .‬بللل إن مللا سللنذكره أدنللاه إضللافة إلللى تعليمللات وهللدى‬
‫السنة المطهرة والحاديث النبوية الشللريفة لسلليدنا محمللد صلللى الللله‬
‫عليه وسلم في هللذا المضللمون سلليعكس ل تللتريب‪ ,‬دور السلللم فللي‬
‫رقى العقل البشري وسمو التفكر والتدبر لدى النسان‪.‬‬

‫حين يأتي إنسان ويقللول إنلله رسللول مللن عنللد الللله جللاء ليبلللغ منهجلله‬
‫أفنصدقه أم أننا نطالبه بإثبات ما يقول‪ .‬إذن كان ل بد أن يجيء مع كل‬
‫رسول معجزة تثبت صدقه في رسالته وفي بلغه مللن الللله وأن تكللون‬
‫المعجزة مما ل يستطيع أحد أن يأتي به وأن تكون أيضللا ممللا نبللغ فيلله‬
‫قومه حتى ل يقال أن رسول قد تحدى قومه بأمر ل يعرفونه ول موهبة‬
‫لهم فيه فالتحدي يجب أن يكون فلي أملر نبلغ فيله القلوم حلتى يكلون‬
‫للتحدي قيمة ولذلك نلحظ في معجزة كل رسول أنها جاءت فيمللا نبللغ‬
‫فيه قومه وأنها جللاءت لتهللدم مللا يتخللذونه إلهللا مللن دون الللله )محمللد‬
‫الشعراوي‪ ,‬غير مؤرخ(‪.‬‬

‫فمثل معجزة سلليدنا إبراهيللم عليلله السلللم جللاءت فللي قللوم يعبللدون‬
‫الصنام ويسجدون لها ويقدسونها ولذلك عنللدما أرادوا إحللراق إبراهيللم‬
‫عليه السلم جاءوا به أمام آلهتهم ليقتلونه في النار وكان المفروض أن‬
‫هذه اللهة تنتقم لنفسها ممن حطمها إذا كانت تستطيع لنفسها نفعا أو‬
‫ضللرا ولكنهللم حيللن ألقللوا بسلليدنا إبراهيللم عليلله السلللم الللذي سللفه‬
‫معتقداتهم في النللار لللم تحرقلله النللار وخللذلتهم آلهتهللم ولكللن معجللزة‬
‫سيدنا إبراهيم عليه السلم ليست أن ينجو مللن النللار فلللو أراد الللله أن‬
‫ينجيه من النللار مللا مكنهللم مللن إلقللاء القبللض عليلله أو نزلللت المطللار‬
‫لتطفيء النار ولكن الله شاء أن تظل النار نارا متأججة محرقة مللدمرة‬
‫وأن يؤخذ سيدنا إبراهيم عليه السلم عيانا أمام الناس ويرمى في‬
‫النار وهنللا يعطللل نللاموس أو قللانون إحراقهللا قلنللا يللا نللار كللوني بللردا‬
‫وسلما على إبراهيم ‪ .‬النبياء ‪.69 .‬‬

‫ولللو أن سلليدنا إبراهيللم عليلله السلللم نجللا بللأن هللرب مثل لقللالوا لللو‬
‫أمسللكناه لحرقنللاه ولللو نزلللت المطللار لقللالوا لللو لللم تنللزل المطللار‬
‫لحرقناه‪ ,‬بيد أن سيدنا إبراهيم عليلله السلللم لللم يهللرب والمطللار لللم‬
‫تنزل والنار متأججة ولكنها لم تحرق سيدنا إبراهيم عليه السلللم فكللأن‬
‫آلهتهم التي كانوا يزعمون أنهم ينتقمون لها ليست بآلهة كمللا يزعمللون‬
‫وإنما هي أصنام ل تضللر ول تنفللع وكللل شلليء فللي هللذا الكللون خاضللع‬
‫لمشيئة الله‪ .‬وإرادة الله فعندما يقول جلت قدرته )يللا نللار كللوني بللردا‬
‫وسلما ( تتعطل خاصية الحللتراق وتقللف قللوانين الكللون عللاجزة أمللام‬
‫قدرة الله وتقف آلهتهم عاجزة أمام قللدرة الللله وتقللف آلهتهللم عللاجزة‬
‫على أن تقول‪ :‬يا نار أحرقي من حطمني‪.‬‬
‫وسيدنا عيسى عليه السللم جلاء وقلومه يمارسلون الطلب فجلاء لهلم‬
‫بمعجزة من جنس ما نبغوا فيلله فللأبرأ الكمللة والبللرص وتسللامى إلللى‬
‫شيء آخر لم يصلوا هم إليه فأحيا الموتى‪ .‬إذن فمعجزات الرسل هللي‬
‫خرق نواميس أو قوانين الكون‪.‬‬

‫علللى أنلله يلحللظ أن معجللزة القللرآن تختلللف عللن معجللزات الرسللل‬


‫السللابقين عليهللم السلللم‪ .‬معجللزات الرسللل عليهللم السلللم خرقللت‬
‫النواميس وتحدت وأثبتت أن الذي جاءت على يديه رسول صللادق مللن‬
‫الله سبحانه وتعالى‪ ,‬ولكنها معجزات كونية من رآها فقد آمن بها ومللن‬
‫لم يرها صارت عنده خبرا إن شاء صدقه وإن شاء لم يصدقه‪ .‬ولللو لللم‬
‫تللرد فللي القللرآن لكللان مللن الممكللن أن يقللال إنهللا لللم تحللدث إذن‪.‬‬
‫فالمعجزة الكونية المحسة أي التي يحس بها النسان ويراها تقللع مللرة‬
‫واحدة من رآها فقد آمن بها ومن لم يرها تصبح خبرا بعللد ذلللك‪ .‬ولكللن‬
‫معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معجزة عقليللة باقيللة خالللدة‬
‫شيء آخر‪ .‬فإذا نظرنا إلى المعجزات السابقة وجدنا هذه المعجزة فعل‬
‫من أفعال الله وفعل من الممكن أن ينتهي بعللد أن يفعللله الللله‪ ,‬البحللر‬
‫انشق لسيدنا موسى عليه السلم ثم عاد إلى طبيعته‪ .‬النللار لللم تحللرق‬
‫سيدنا إبراهيم عليه السلم ولكنها عادت إلى خاصيتها بعللد ذلللك ولكللن‬
‫معجزة النبي صلى الله عليه وسلم صفة من صفات الللله وهللي كلملله‬
‫والفعل باق بإبقاء الفاعل له والصفة باقية ببقاء الفاعل نفسه‪.‬‬

‫ويلحظ أيضا في معجزة القللرآن أنهللا اختلفللت عللن معجللزات الرسللل‬


‫عليهم السلم اختلفا آخللر‪ .‬كللل رسللول كللانت للله معجللزة وللله كتللاب‬
‫منهللج‪ .‬معجللزة سلليدنا موسللى عليلله السلللم العصللا ومنهجلله التللوراة‬
‫ومعجزة عيسى عليه السلم الطب ومنهجه النجيل‪ .‬ولكن رسول الللله‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم معجزتلله هللي عيللن منهجلله ليظللل المنهللج‬
‫محروسا بالمعجزة وتظل المعجزة في المنهللج‪ .‬ومللن هنللا فقللد كللانت‬
‫الكتب السابقة للقرآن داخلة في نطاق التكليف بمعنى أن الله سبحانه‬
‫وتعالى كان يكلف عباده بالمحافظة على الكتللاب‪ .‬أمللا القللرآن الكريللم‬
‫فقللد قللال الللله سللبحانه وتعللالى عنلله‪" :‬إنللا نحللن نزلنللا الللذكر وإنللا للله‬
‫لحافظون ‪) .‬الحجر ل ‪ (9‬لماذا?‬

‫أول ‪ :‬لن القرآن معجزة وكونه معجزة ل بللد أن يبقللى بهللذا النللص وإل‬
‫ضاع العجاز‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬لن الله جرب عباده في الحفاظ علللى الكتللب السللماوية فنسللوا‬
‫حظا مما ذكروا به والذي لللم ينسللوه كتمللوا بعضلله والللذي لللم يكتمللوه‬
‫يلوون ألسنتهم به ويحرفونه عن موضعه وهكذا نرى أنه كان هناك أكثر‬
‫من نوع المسخ والنسيان والتحريف ثم جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا‬
‫إنها من عند الله ليشتروا بها ثمنا قليل ‪.‬‬

‫وجدير أن نذكر‪ ,‬أن القرآن المجيد لم يأت ككتاب علم‪ ,‬ولم يأت ليللبين‬
‫لنا الجغرافيا والكيمياء والطبيعة وغيرها من العلوم‪ ,‬بل أنه نللزل ليعلللم‬
‫البشرية الحكام‪ ,‬والقرآن وإن لم ينزل ليعلم الناس العلللوم الطبيللة أو‬
‫أي علوم أخرى إل أنه قد يمس قضية طبية بالتفاصيل الدقيقة‪ ,‬توصللل‬
‫إلللى كينونتهللا الطبللاء والعلمللاء بعللد مئات السللنين مللن نللزول القللرآن‬
‫العظيم‪ .‬فهذه الحقائق التي انتهت إليها آيات القرآن العزيز‪ ,‬هي قضايا‬
‫الكون الساسية‪ ,‬وهي الدعائم والركائز التي خلق الباري جلللت قللدرته‬
‫على أساسها الكون‪ ,‬على أنها حقائق علميلة ثابتلة وراسلخة وديموميلة‬
‫سواء توصلت إليها الكتشافات العلمية أم لللم تصللل‪ .‬فللالقرآن الحكيللم‬
‫كتاب هداية وعقيدة وهو يخاطب ضللمير النسللان ويحيللي فيلله عوامللل‬
‫النمو والرتقاء‪ ,‬والصلح والخير‪ ,‬والطيبة والفضيلة‪ .‬لقد أحاطت جوامع‬
‫الكلم بهذا السر اللهي الذي جمع بين مللا جمللع قصللص النبيللاء عليهللم‬
‫السلم‪ ,‬وبيان الحكم‪ ,‬وأساس الموعظة الحسنة‪ .‬كما أشللار إلللى كللثير‬
‫من الحقائق العلميللة والكونيللة الللتي تشللهد بللأنه لللم يغللادر صللغيرة ول‬
‫كبيرة إل أحصاها‪ ,‬ولم ينزل القرآن الكريم تطبيقا لنظرياتنا العلمية أو‬
‫تحقيقا لفكارنللا‪ ,‬وعلللى هللذا فنحللن ل نسللتطيع أن نطبللق أيللة نظريللة‬
‫بالفتراض مع القرآن لن هللذه النظريللات قللد تكللون صللحيحة مطابقللة‬
‫ليومنا الحاضر‪ ,‬ولكنها تختلف فللي المسللتقبل القريللب أو البعيللد نظللرا‬
‫لما يحدث من تطورات مستمرة في مجال العلم والمعرفة‪ .‬أما القرآن‬
‫الحكيم فبنعمة من الله وفضل محكم في آياته‪ ,‬مسلسل فللي حللوادثه‪,‬‬
‫عظيم في معناه‪ ,‬سام في تراكيبه‪ ,‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من‬
‫خلفه‪ ,‬تنزيل ملن حكيلم حميلد‪ .‬والللذين يفسللرون القلرآن الحكيللم بملا‬
‫يطابق مسائل العلللم ويسللتخرجون منلله كللل مسللألة تظهللر فللي عللالم‬
‫العلم‪ ,‬يسيئون إلى القرآن الكريم من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعا‬
‫لن هذه المسائل التي تخضع لسللنة التقللدم تتبللدل‪ ,‬وقللد تتقللوض مللن‬
‫أساسها وتبطل‪ ,‬فإذا فسرنا القرآن بها تعرضلنا فللي تفسليره للنقللائض‬
‫كلما تبدلت القواعد العلمية‪ ,‬أو تتابعت الكشوف بجديد ينقللض القللديم‪,‬‬
‫أو يقين يبطل التخمين‪.‬‬

‫إن الحقائق القرآنية حقائق قاطعة مطلقة‪ .‬أما مللا يصللل عليلله البحللث‬
‫النساني أيللا كللانت الدوات المتاحللة للله فهللي حقللائق غيللر نهائيللة ول‬
‫قاطعة‪ ,‬وهي مقيدة بحللدود تجللاربه وظللروف هللذه التجللارب وأدواتهللا‪,‬‬
‫فمن الخطأ المنهجي بحكم المنهللج العلمللي النسللاني ذاتلله أن نعلللق‬
‫الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غيلر نهائيلة‪ ,‬وهلي كلل ملا يصلل إليله‬
‫العلللم البشللري‪ .‬هللذا بالقيللاس إلللى الحقللائق العلميللة والمللر أوضللح‬
‫بالقياس إلى النظريلات والفلروض الللتي تسلمى "علميلة" فهللي قابللة‬
‫دائما للتغير والتعديل والنقص والضافة‪ .‬لللذلك اتفللق المسلللمون فللي‬
‫مختلف أنحاء العالم بأن فهم النسان المتغير واللمعصللوم عللن الخطللأ‬
‫للقرآن ليس له أي تأثير في كلمات القرآن التي ل تتغير أبدا ‪ ,‬وحسللب‬
‫المسلم أن يفهم القرآن قدر المستطاع وحسب ما تجود بلله بيئتلله مللن‬
‫علم وعلماء‪ .‬وبالرغم من أن حقيقة معللانيه الصلللية ل يعلمهللا إل الللله‬
‫جل شأنه‪ ,‬إل أن النسللان مللأمور مللن الللله بللأن يزيللد معرفتلله‪ ,‬وعليلله‬
‫السللتمرار فللي تقللديم الجتهللادات للدللللة علللى الللرأي العلمللي‪ ,‬كمللا‬
‫يستدل من اليات التي تحض على الفكر‪ ,‬وتدعو للتأمل‪.‬‬
‫وفي الدبيات ذكر العديد من العلمللاء الفاضللل وتطللرق البللاحثون إلللى‬
‫إعجازات القرآن المختلفة فهنالك على سبيل المثال ل الحصللر أدبيللات‬
‫حول‪:‬‬
‫العجاز العلمي للقرآن‬ ‫‪-‬‬
‫العجاز اللغوي للقرآن‬ ‫‪-‬‬
‫العجاز التشريعي للقرآن‬ ‫‪-‬‬
‫إعجاز القرآن في الستشفاء‬ ‫‪-‬‬
‫إعجاز القرآن في الرقام‬ ‫‪-‬‬

‫إل أننا موقنون بأن القرآن‪ ,‬إضللافة إلللى تعللدد إعجللازاته‪ ,‬فللإنه الكتللاب‬
‫السماوي الوحيد الذي خاطب العقللل النسللاني والفكللر البشللري‪ ,‬وأن‬
‫الله‪ ,‬جلت قدرته‪ ,‬قد ميز النسان وفضله عن سائر خلقه عدا الملئكللة‬
‫عليهم السلم ‪ .‬بأن وهبه العقللل للتللدبر والتفكللر والتأمللل والتمحيللص‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم في مجمل آياته يدعو إلى شحذ الهمم وتركيز البصيرة‬
‫واستخدام العقل لتطوير منهجية حياة النسان‪.‬‬

‫فهذا‪ ,‬ولعمري‪ ,‬أبرز وأهم إعجاز للقرآن الكريللم وهللو الدللللة القاطعللة‬
‫على دور السلم في تبني العلللم والبحللث العلمللي‪ ,‬وتقللدير العللاملين‪,‬‬
‫وكذلك اهتمام السلم برقى العقل البشري‪ .‬لمللاذا? لن المللم تتطللور‬
‫والشعوب ترتقي والمجتمعللات تتقللدم فقللط عنللدما يسللتخدم النسللان‬
‫فكره وعقله للصالح العام ولمنفعة البشرية‪ .‬فالكون الفسيح والمللوارد‬
‫المتاحللة ومعيشللة النسللان اليوميللة وعلقتلله بللالخرين ل يتسللنى لهللا‬
‫الكمال وتحقيق الهداف المتوخاة منها إل باستخدام العقل‪ ,‬الذي يقللود‬
‫إلى الكتشافات والستدلل على السس العلمية في حياة النسان‪.‬‬

‫إن القارئ المبصر والباحث المتبحر في آيللات القللرآن الجليللل يجللد أن‬
‫للعلم والعلماء منزلللة سللامية وفضللل كللبيرا قللد يضللاهي فضللل الزاهللد‬
‫العابد‪ .‬ولذلك مللا انفللك علمللاء المسلللمين علللى مللر السللنين وتعللاقب‬
‫الزمنة وفي مختلف الحقبات مللن التمحللص فللي العلللوم والبحللث فللي‬
‫كينونة آيات القرآن لمعرفة مجريات المور ومسبباتها‪ ,‬وبتحليل وتعليل‬
‫قوله تعالى )سنري هم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حللتى يتللبين لهللم‬
‫أنه الحق(‪ .‬فصلت ‪ .53 .‬فالكون كتاب مفتوح وكذلك أنفسنا‪ ,‬نحتاج أن‬
‫نتدبر ما بها من معاني القدرة وبراهين الجبروت وحجللج القللوة اللهيللة‬
‫العظمى التي ل تضاريها قوة أو يساويها سلطان‪.‬‬

‫ففي السلم نجد أحيانا أن الله يجعل من العلم فريضة وأحيانا الجللر‬
‫الكللبير لمللن يبتغيلله‪ ,‬وتللارة بيللن مكللانته ومقللارنته مللع التعبللد ومنزلتلله‬
‫بالنسبة للنوافل الخرى‪ .‬ويجب أن ندرك أن للعلم خاصية فريدة تميزه‬
‫وهي كونه يختص بالنسان‪ .‬فالقوة والجرأة والشفقة والحنان والود قد‬
‫تتميز به مخلوقات أخرى‪ ,‬سوى العلم فهو للنسان‪ ,‬وبسللببه أمللر الللله‬
‫سبحانه وتعالى الملئكة أن تسجد لسيدنا آدم عليه السلم‪.‬‬
‫ول غرو إذن أن نجد في القرآن آيات تتساءل‪:‬‬
‫)أفل تعقلون(?‬
‫)أفل ينظرون(?‬
‫)أفل تتدبرون(?‬
‫)أفل يعلمون(?‬
‫)أفل تتفكرون(?‬

‫ول غرو إذن أن يرد في القرآن المجيد مللا يقللارب مللن ثمللاني مئة آيللة‬
‫تتحدث عن العلم ومشتقاته‪ :‬علماء‪ ,‬يعلمون‪ ,‬تعلمون‪ ,‬الخ‪.‬‬

‫ول غرو إذن أن يمجد سيد الخلق سيدنا محمد عليه وعلللى آللله أفضللل‬
‫الصلة وأتم التسليم العللم والعلملاء ويلبين دورهلم فلي تطلوير المللم‬
‫وتقدمها‪.‬‬

‫ودعنا نتمحص اليات التاليات من سورة النحل‪:‬‬


‫والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الرض بعد موتها إن في ذلك ليللة‬
‫لقوم يسمعون ‪) .‬النحل ‪.(65‬‬
‫" ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن فللي‬
‫ذلك لية لقوم يعقلون ‪) .‬النحل ‪.(67‬‬
‫" ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربللك ذلل يخللرج مللن بطونهللا‬
‫شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لية لقوم يتفكرون‬
‫"‪) .‬النحل ‪.(69‬‬

‫ففي هذه اليات الجليلت اختللص الللله تعللالى إحيللاء الرض بعللد موتهللا‬
‫بقوم يسمعون‪ ,‬ولعل الوجه في ذلك أن النظر في أمر الموت والحيللاة‬
‫بحسب طبعه من العبرة والموعظة‪ ,‬وهي بالسمع أنسب‪ .‬وفي ثمرات‬
‫النخيل والعناب بقوم يعقلون‪ ,‬وذلك لن النظر في الثمرات من حيللث‬
‫ما ينفع النسان في وجوده من مسلك اتصال التدبير وارتباط النظمللة‬
‫الجزئية ورجوعها إلى نظام عام واحد ل يقوم إل بمدبر واحد هو للعقل‬
‫أنسب‪ .‬أما أمر النحللل فللي حياتهللا فيتضللمن دقللائق عجيبللة ل تنكشللف‬
‫للنسان إل بالمعان في التفكير فهو آية للمتفكرين )السيد الطبطبائي‪,‬‬
‫‪.(1972‬‬

‫إن آيات القرآن المجيد جلها تسللتدعي التفكللر وتحللث العقللل البشللري‬
‫على التمعن في قدرة الخالق سبحانه وفي مسلببات الملور حلتى وإن‬
‫لم تنته اليات بالتذكير والتفكير والتدبر‪ .‬فلننظر إلى الية التالية ليتللبين‬
‫لنا هذا المر‪:‬‬
‫"خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى فللي الرض رواسللي أن تميللد‬
‫بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كللل‬
‫زوج كريم " ‪).‬لقمان ل ‪.(10‬‬

‫هذه الية الجلية من سورة لقمان لم تنته بأل تتفكرون أو أل تتللدبرون‪,‬‬


‫أو أل تعقلون‪ ,‬ولكللن أليللس مللن إعجللاز القللرآن حللث العقللل البشللري‬
‫وتحفيز فكره للتطلع والتدبر وتحسس المور? لمراء أن هذه الية هي‬
‫آية القلدرة‪ ,‬وآيلة الحكملة‪ ,‬وبرهلان تللك القضلايا السلابقة فلي سلياق‬
‫السورة‪ .‬آية ذلك كله وبرهللانه هللو هللذا الكللون الكللبير الهللائل‪ ,‬الللذي ل‬
‫يدعي أحد من البشر أنه خلقه‪ ,‬ول أن أحدا آخر خلقلله مللن دون الللله;‬
‫وهو ضخم هائل دقيق النظام‪ ,‬متناسق التكللوين‪ ,‬يأخللذ بللالقلب‪ ,‬ويبهللر‬
‫اللب‪ ,‬ويواجه الفطرة مواجهة جاهزة ل تملك الفلت منها أو العراض‬
‫عنها; ول تملك إل التسليم بوحدانية الخالق العظيم‪ ,‬وضلل من يشرك‬
‫به آلهة أخرى ظلما للحق الواضح المبين‪ .‬فكيف ترتفلع السلموات ملن‬
‫دون سند أو أعمدة تساعدها على الثبات‪ ,‬وهللي تحتللوي علللى مجللرات‬
‫ونجوم وكواكب وشموس أضعاف حجم الرض? وهذه الجبال ما دورها‬
‫في حفظ توازن الرض بحيللث ل تتأرجللح ول تهللتز? أمللا المطللار فهللي‬
‫تنزل من المزن لستمرار حياة المخلوقات وفق نظللام سللماوي دقيللق‬
‫)سيد قطب‪.(1967 ,‬‬

‫ذكر في الدبيات بأن مخارج العلوم أربعة‪:‬‬


‫علم رافع‪ :‬وهو العلم الشريف من التفسير والحديث والفقه‪.‬‬
‫علم ساطع‪ :‬وهو علم الدب والخبار الرفيعة‪.‬‬
‫علم نافع‪ :‬وهو علم الطب والهندسة والحساب‪.‬‬
‫علم واضع‪ :‬وهو علم الكهنة من السحر وما أشبه‪.‬‬
‫ودعونا نتساءل‪ ,‬عنلدما يجتملع متخصصلون وبلاحثون وعلملاء ملن كلل‬
‫مجموعة للمناقشة وتقلديم الدللة واللبراهين وإيجلاد الحللول واخلتراع‬
‫المخترعات العديدة‪ ,‬كيف يتم ذلك?‬
‫أل يتم ذلك بالنقاش والتنللافس ودمللغ الحجللة وسللطع الللبراهين? وهللل‬
‫يمكن أن يتم ذلك من دون استخدام العقل والفكللر? فللالتفكير والتللدبر‬
‫لقوم يعقلون ولقوم يعلمللون ولقللوم يتفكللرون هللو الشللرط الساسللي‬
‫للرقي والتقدم والفكر‪ .‬وهو ما حباه الله جلت قدرته للنسان‪ ,‬وهو مللا‬
‫تميز به دين السلم عن سائر الديان والعقائد‪.‬‬
‫أبعد هذا إعجاز للنسانية أو أكثر حثا على العلم والبحث والتعلم?‪.‬‬
‫دور السلم في تنمية العلوم وتطوير المعرفة‬
‫لقد كان شاغل المسلمين وهمهم منذ فجللر السلللم فهللم مللا جللاء بلله‬
‫كتاب الله بعد أن آمنوا به عن علم وبصيرة عن طريللق الللبراهين الللتي‬
‫تبدأ بالحس وتنتهي بالقتناع‪.‬‬
‫وبين الحس والقتناع مجالت رحبة تتسع لحظوظ المفكرين من العقل‬
‫وأساليب التناول ومعطيات المواهب‪.‬‬
‫والمعرفللة الحقللة يجللب أن تبللدأ بالمحسللوس‪ ,‬وقللدرة العقللل علللى‬
‫الستكناه‪ ,‬وسلللطانه المللتزن هللو الللذي ييسللر للله النتقللال فللي هللدوء‬
‫وسكينة إلى غير المحسوس‪.‬‬
‫وذلك ما اتخذه السلم منهجا وسبيل للوصول إلى الغاية فكللان المرفللأ‬
‫المن الذي اطمأن عليه ضللمير المسلللمين فللي فجللر السلللم )حمللود‬
‫غرابة‪.(1972 ,‬‬
‫فما ورد في القرآن والسنة المطهرة يبقى كتابا وسفرا سللهل المنللال‪,‬‬
‫ومعينا ل ينضب أمام الجيال تتللوارد علللى معينلله السلسللل لتنهللل مللن‬
‫دفعه المتجدد أبدا ‪.‬‬
‫إن ما نراه في هذا الكون الفسيح والفاق الهائللة وفلي خللق النسلان‬
‫ليللس تكللرارا ذاتيللا فحسللب‪ ,‬بللل إنلله ليكشللف عللن حقيقللة السللريرة‬
‫النسانية المتطلعة إلى تعظيلم القلدرة المسليرة لهلذا الخللق الكلوني‬
‫الرهيب‪ .‬ولذلك‪ ,‬خلق الله النسان وأودع فيلله غريللزة حللب السللتطلع‬
‫لكي يستكنه بعقله النير العبرة الضخمة التي تنضم وتسير هللذا الكللون‬
‫العجيب والفللق الرحيللب وخلللق النسللان وفللق قواعللد ونظللم‪ ,‬وليللس‬
‫بعشوائية وارتجال‪ .‬ول غرو إذن أن يرتبط خلق النسان بالعلم‪ ,‬والعلللم‬
‫بخلق النسان كما ورد فللي أوائل السللورة المكيللة وأول مللا أنللزل مللن‬
‫القرآن‪.‬‬
‫"اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ .‬خلق النسان من علق‪ .‬اقرأ وربك الكرم‪.‬‬
‫الذي علم بالقلم‪ .‬علم النسان ما لم يعلم "‪) .‬العلق ‪1‬ل ‪.(5‬‬
‫وفي أوائل السورة المدنية "عروس القرآن"‪.‬‬
‫" الرحمن‪ .‬علم القرآن‪ .‬خلق النسان‪ .‬علمه البيان "‪) .‬الرحمن ‪1‬ل ‪.(4‬‬
‫فلقد خلق الللله جلللت قللدرته الكللون والنسللان‪ ,‬وعلملله العلللم وألهملله‬
‫التفكير ليبحث وليطمئن قلبه‪ .‬وقد وضع أمللام بصللره وبصلليرته وحسلله‬
‫ووجدانه‪ ,‬آيات القدرة اللهية ليتفكر فيها ويتبصر ويعتللبر ويتللدبر‪ .‬وهللذا‬
‫كان من دواعي التطور العلمي على مر العصللور وتعللاقب الللدهور فللي‬
‫حياة البشرية جمعاء )عبد العلي الجسماني‪.(1997 ,‬‬
‫إن التطور برمتلله‪ ,‬ومللن خلل مراحللل متعاقبللة‪ ,‬يجللدر اعتبللاره عمليللة‬
‫واحدة‪ ,‬إل أنها تتبدل على مدى الزمن‪ ,‬المر الذي قاد إلى تطللور كللبير‬
‫ومذهل في كافة ميادين العلللوم‪ ,‬تبيانللا لمللا ورد فللي قللوله تعللالى مللن‬
‫سورة العلق )علم النسان ما لم يعلم(‪.‬‬
‫السلم والهتمام بالعلوم الشرعية‬
‫لقد تضمنت آيات عديدة مكية منها أو مدنية وكذلك السلليرة المعطللرة‬
‫لمصباح الهللدى عليلله وعلللى آللله أزكللى الصلللة وأتللم التسللليم وكللذلك‬
‫اجتهادات العلماء بعد ذلللك علللى أمللور شللرعية عديللدة ومتباينللة تحللدد‬
‫علقة النسان مع ربه وكيفيللة التعامللل مللع دينلله وحسللن التعامللل مللع‬
‫أسرته ومجتمعه والبشرية بصورة عامة‪ .‬أمللور عديللدة تتعلللق بفللروض‬
‫وسنن ونوافل يتقرب بها العبد إلى ربه محاول تزكيتهللا وإرضللاء خللالق‬
‫الخلق‪ .‬ولم يترك السلم شاردة أو واردة تتعلق بحيللاة النسللان‪ ,‬حللتى‬
‫اليومية منها‪ ,‬إل وبينها وفق قواعد وأصول محللددة‪ ,‬مللن صلللة وصلليام‬
‫وزكاة وحج وإرث وزواج وطلق وقتال وتجارة وجهللاد ورعايللة واحللترام‬
‫للوالدين‪ ,‬الخ‪ ,‬بل إن القواعد الشرعية قد نبهت النسان عللن المغللالة‬
‫في أي تصرف والتفريط في معاملة حتى ل تحسب عليه إثما ‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك فلقد حث السلم على أن تكون هنالللك مجموعللة مللن‬
‫المسلمين قائمة على شئون القواعد الشرعية وملئمة ما يسللتجد مللن‬
‫أحللداث لتكيفهللا مللع الواقللع السلللمي‪ ,‬وحللتى أثنللاء الحللروب والجهللاد‬
‫والقتال فإن السلم أمر المسلمين بأن تكون هنالك طائفة نافرة تهتلم‬
‫بللأمور الللدين ونشللر التعللاليم الشللرعية بيللن المسلللمين فللي أرجللاء‬
‫المعمورة‪.‬‬
‫ولننظر في هذا الشأن قوله تعالى‪.‬‬
‫وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلول نفر من كل فرقللة منهللم طائفللة‬
‫ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعللوا إليهللم لعلهللم يحللذرون ‪.‬‬
‫التوبة ‪.122‬‬
‫التفسير الكبير )الفخر الرازي(‬
‫إن التفقه صفة للطائفة النافرة‪ ,‬فلول نفر من كل فرقللة منهللم طائفللة‬
‫حتى تصير هذه الطائفة النافرة إلى حضرة الرسللول صلللى الللله عليلله‬
‫وسلللم فقهللاء فللي الللدين‪ ,‬وليعرفللوا الحلل والحللرام ويعللودوا إلللى‬
‫أوطانهم‪ ,‬فينذروا ويحذروا قومهم‪.‬‬
‫الميزان في تفسير القرآن )السيد محمد الطباطبائي(‬
‫تنهي الية مؤمني سائر البلد غير مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫أن ينفروا إلى الجهاد كافة بل يحضهم أن تنفر طائفة إلى النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم ليتحققوا الفقه والفهم من الدين فيعملوا بلله لنفسللهم‬
‫ولينللذروا بنشللر معللارف الللدين وذكللر آثللار المخالفللة لصللوله وفروعلله‬
‫قومهم لعلهم يحذرون ويتقون‪.‬‬
‫جامع البيان )الطبري(‬
‫فلول نفر من كل فرقة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعلموا مللا‬
‫قد ينزل من قرآن ويعلموه لقومهم‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )ابن كثير(‬
‫لتتعلم هذه الطائفة وتتفقه ما أنزل الللله علللى النللبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ ,‬لينتقلوه إلى قومهم‪.‬‬
‫روح المعاني )اللوسي(‬
‫وكللان الظللاهر أن يقللال "ليعلمللوا" بللدل "لينللذروا"‪" ,‬ويفقهللون" بللدل‬
‫"يحذرون"‪ ,‬بيد أن اختيار هذه الكلمات من الله سبحانه وتعالى إشللارة‬
‫إلى أنه ينبغي أن يكون غرض العلم الرشاد والنللذار‪ ,‬وغللرض المتعلللم‬
‫اكتساب الخشية ل التبسط والستكبار‪.‬‬
‫السلم وتطوير العلوم والبحث العلمي‬
‫تضمنت آيات عديدة مكية ومدنية‪ ,‬وكذلك أحاديث للرسول صلللى الللله‬
‫عليه وسلم أهمية العلم والتفكر وفضل العلماء في الدنيا والدين وأنهم‬
‫ورثة النبياء تقللديرا لللدورهم وإجلل لعطللائهم لخيللر البشللرية وتقللدم‬
‫المللم وتفقههللم فللي أمللور دينهللم ودنيللاهم ولللم يقتصللر السلللم فللي‬
‫الهتمام بتطوير العلوم الشرعية‪ ,‬فحسللب‪ ,‬بللل وكللان للعلللوم النافعللة‬
‫والساطعة أهمية واهتمام بلالغ فلي السللم‪ ,‬فلالقرآن والسلنة النبويلة‬
‫خطاب موجه لجميع الخلق ليخرجهم من الظلمات إلى النللور‪ ,‬فتعللاليم‬
‫السلللم صللالحة لجميللع الزمنللة‪ ,‬محتويللة لجميللع الحكللام الللتي تهللم‬
‫البشللرية قاطبللة‪ ,‬شللارحة القضللايا الشللرعية )الدينيللة( والسياسللية‬
‫والجتماعية والقتصادية والعلمية والدبية والطبية والكونية‪ ,‬الخ‪.‬‬
‫لذا‪ ,‬اهتم المسلمون الوائل بالبحث العلمي وأولوه عناية فائقللة لكللونه‬
‫تحقيقا لتوجيهات الله عز وجل للمؤمنين بالتفكر والتدبر في آيات الللله‬
‫المختلفة في الكون والنفس والطر الجتماعية الخ‪ ,‬فكان جهدهم فللي‬
‫هذا المجال مفتاحا لتقدم العلللوم وتطورهللا فللي شللتى مجللالت العلللم‬
‫والمعرفة‪ ,‬وانطلقت أبحاثهم من منطلقللات إسلللمية عظيمللة‪ ,‬أسسللها‬
‫مبنية على عظمة الله عز وجل وقدرته وأنه خلللق النسللان وسللخر للله‬
‫كل شيء ليكون عبدا لله يسعى لمرضاته‪ ,‬ثم لخدمللة أمتلله السلللمية‪.‬‬
‫وقد ورثنا من أجدادنا تراثا علميا خالدا وحضللارة إسلللمية حقيقيللة عللم‬
‫نفعها النسللانية جمعللاء‪ ,‬وتللراث المسلللمين فللي مجللال علللوم القللرآن‬
‫والحديث والفقه وأصوله وغير ذللك ملن العللوم الشللرعية ل يوجلد لله‬
‫نظير في الدنيا‪ ,‬ويقف النسان مبهورا أمللام المجلللدات الضللخمة الللتي‬
‫يصعب حصرها في مجال واحد فضل عن باقي فروع العلللم والمعرفللة‬
‫)صالحة شرف الدين‪.(1984 ,‬‬
‫واستدلل على اهتمام السلم بالنواحي الطبية والعلمية للنسللان فللإن‬
‫رسولنا الكريم عليه الصلة والسلم قد بيللن أمللورا كللثيرة بمللا يسللمى‬
‫"بالطب النبوي" ترنو إلللى حيللاة سللليمة للنسللان وفللق أسللس علميللة‬
‫وأمور منطقية‪ .‬فعلى سبيل المثال حديثه الكريم "ما مل ابن آدم وعللاء‬
‫شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كللان ل محالللة‬
‫فاعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"‪ .‬فلماذا بيللن الرسللول‬
‫صلى الله عليه وسلم ذلك? لمللاذا حللدد معللدة النسللان بثلثللة أجللزاء?‬
‫وهل هذه الرشادات الجليلة ناتجة عن آلية للمعدة والجهللاز الهضللمي?‬
‫فالدراسات العلمية بينت‪ ,‬إضافة إلى نبذ السلم للتبذير والمغالة فللي‬
‫موائد الطعام‪ ,‬أن الكل الكلثير يفسلد المعلدة ويطفلئ نارهلا ويضلعف‬
‫الجسم ويجلب الريح في البطن ويضلليق النفللاس ويبقللي الطعللام فللي‬
‫قعر المعلدة ويقلل الحفلظ ويقسلي القللب بينملا الكلل القليلل يفلرح‬
‫القلب ويصلح الجسم ويزيد الحفظ ويزيد في النشاط والحركة‪.‬‬
‫فإن البطن إذا امتل من الطعللام ضللاق عللن الشللراب‪ ,‬فللإذا أورد عليلله‬
‫الشراب ضاق عن النفس وعللرض للله الكللرب والتعللب‪ ,‬ليرقللد القلللب‬
‫وتتكسل الجوارح‪ ,‬ويغدو النسان لهثا متعبا من النصب ما يمنعلله مللن‬
‫أداء فروضه الشعرية وواجباته الجتماعية‪ ,‬فل خير منه يرجى‪.‬‬
‫ولننظر كذلك ونتمعن في قوله جلت قدرته )سنريهم آياتنا فللي الفللاق‬
‫وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكللف بربللك أنلله علللى كللل‬
‫شيء شهيد(‪ .‬فصلت ‪.53‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )ابن كثير(‬
‫يحتمل أن يكون المراد من ذلك ما النسان مركب منه وفيه وعليه من‬
‫المواد والخلط والهيئات العجيبة كما هو مبسللوط فللي علللم التشللريح‬
‫الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى‪ .‬وكذلك ما هو مجبول عليه مللن‬
‫الخلق المتباينة من حسن وقبح‪.‬‬
‫في ظلل القرآن )سيد قطب(‬
‫إنه وعد الله لعباده بني النسان أن يطلعهم على شيء من خفايللا هللذا‬
‫الكون‪ ,‬ومن خفايا أنفسهم على السللواء‪ .‬وعللدهم أن يريهللم آيللاته فللي‬
‫الفاق وفللي أنفسللهم‪ ,‬حللتى يتللبين لهللم أنلله الحللق‪ .‬هللذا الللدين‪ .‬وهللذا‬
‫الكتاب‪ .‬وهذا المنهج‪ .‬وهذا القول الذي يقوله لهم‪ .‬ومن أصدق من الله‬
‫حديثا ?‪.‬‬
‫ولقد صدقهم الله وعده; فكشف لهم عللن آيللاته فللي الفللاق فللي خلل‬
‫القرون الربعة عشر التي تلت هذا الوعد; وكشف لهللم عللن آيللاته فللي‬
‫أنفسهم وما يزال يكشف لهم في كل يوم عن جديد‪.‬‬
‫وينظر النسان فيرى البشر قد كشفوا كثيرا جدا منذ ذلك الحين‪ .‬فقللد‬
‫تفتحت لهم الفاق‪ .‬وتفتحت لهم مغاليق النفللوس بالقللدر الللذي شللاءه‬
‫الله‪.‬‬
‫لقد عرفوا أشياء كثيرة‪ .‬لو أدركوا كيف عرفوها وشكروا لكان لهم فيها‬
‫خير كثير عرفوا منذ ذلك الحين أن أرضلهم اللتي كلانوا يظنونهلا مركلز‬
‫الكون‪ ,‬إن هي إل ذرة صغيرة تابعة للشمس‪ .‬وعرفوا أن الشمس كرة‬
‫صغيرة منها في الكون مئات المليين‪ .‬وعرفوا طبيعة أرضللهم وطبيعللة‬
‫شمسهم وربما طبيعة كونهم‪ ,‬إن صح ما عرفوه!‪.‬‬
‫وعرفوا الكثير عن مللادة هللذا الكللون الللذي يعيشللون فيلله‪ .‬إن صللح أن‬
‫هنالك مادة‪ .‬عرفوا أن أساس بناء هللذا الكللون هللو الللذرة‪ .‬وعرفللوا أن‬
‫الذرة تتحول إلى شعاع‪ .‬وعرفوا إذن أن الكللون كللله مللن إشللعاع‪ ,‬فللي‬
‫صور شتى‪ ,‬هي التي تجعل منه هذه الشكال والحجام‪.‬‬
‫وعرفوا الكثير عن كوكبهم الرضي الصغير‪ .‬عرفوا أنه كرة أو كللالكرة‪.‬‬
‫وعرفوا أنه يدور حول نفسه وحول الشمس‪ .‬وعرفوا قاراته ومحيطاته‬
‫وأنهاره‪ .‬وكشفوا عن شيء من باطنه وعرفوا الكثير من المخبللوء فللي‬
‫جوف هذا الكوكب من القوات‪ .‬والمنثور في جوه‪.‬‬
‫وعرفوا وحدة النواميس التي تربللط كللوكبهم بللالكون الكللبير‪ ,‬وتصللرف‬
‫هذا الكون الكبير‪ .‬ومنهم من اهتدى فارتقى من معرفة النواميس إلللى‬
‫معرفة خالق النواميس‪.‬‬
‫ولم تكن فتوح العلم والمعرفة في أغللوارالنفس أقللل منهللا فللي جسللم‬
‫الكون‪ .‬فقد عرفوا عن الجسم البشللري وتركيبلله وخصائصلله وأسللراره‬
‫الشيء الكثير‪ .‬عرفوا عن تكوينه وتركيبلله ووظللائفه وأمراضله‪ ,‬وغللذائه‬
‫وتمثيله‪ ,‬وعرفوا عن أسرار عمله وحركتلله‪ ,‬مللا يكشللف عللن خللوارق ل‬
‫يصنعها إل الله‪.‬‬
‫تفسير الماوردي )أبى الحسن الماوردي(‬
‫من القول أنها في الفاق انشقاق القمر‪ ,‬وفللي أنفسلهم كيللف خلقهللم‬
‫سبحانه من تراب ثم من نطفة ثللم مللن علقللة ثللم مللن مضللغة‪ ,‬وكيللف‬
‫إدخللال الطعللام والشللراب مللن موضللع واحللد وإخراجلله مللن موضللعين‬
‫آخرين‪.‬‬
‫العجاز العلمي سبيل للستدلل بعظمة الخالق‬
‫تطرقنا في متن هذه الدراسة إلى أن السلللم متمثل بللالقرآن الكريللم‬
‫والسيرة النبوية الطاهرة قد اهتللم بللالعلوم الشللرعية والعلللوم النافعللة‬
‫والساطعة على حد سواء‪ ,‬وذلللك لكللي تقللوم العلللوم الشللرعية بوضللع‬
‫السس والقواعد ومنهجية السلم للبشر‪ ,‬أمللا العلللوم الخللرى فتكللون‬
‫بمثابة البوتقة التي يصهر بها عطاء وفكر وتدبير النسان ليتوصللل إلللى‬
‫اكتشافات ومعارف تتقدم بها البشرية وترتقي المجتمعات‪.‬‬
‫وإننا نرى أن العلوم الشرعية والفقهية‪ ,‬وهي من أهم العلوم للنسللان‪,‬‬
‫ترسى العقيدة وتأصل المفاهيم وتجلى الحق من الباطل‪ ,‬والحلل مللن‬
‫الحرام‪ ,‬وتبين وتشير إلى كيفية تسيير نهج حيلاة النسللان وعلقتلله مللع‬
‫نفسه وأهله ومجتمعة‪.‬‬
‫إل أن المعارف النافعة والساطعة من هندسة وطب وعلوم‪ ,‬الللخ تللبين‬
‫لبني آدم وتوضح مفاهيم وأسس ل مراء تدعو إلى التفكير في الخالق‪,‬‬
‫والتدبر في معطيات خلقله‪ ,‬والمعلان فلي معلاني هلذا الخللق وكيفيللة‬
‫عمله وفق نظم وأسس تدل على أن لكل شيء آية‪ ,‬وإلى أن وراء كل‬
‫ذلك خالق أحد صمد خلق كل شيء بقدر‪.‬‬
‫وسنستعرض بعض المثلة للستدلل والتأكيد على ما ذكرناه آنفا ‪.‬‬
‫السماء ذات الحبك )يوسف السلطان‪(1999 ,‬‬
‫وصللف البللارئ تللت أنللوار قدسلليته السللماء بللذات الحبللك‪ ,‬أي بللذات‬
‫الطرق‪ ,‬ولكل طريق أبواب عدة‪ .‬وللم ينفللذ علملاء الفلللك ملن الغلف‬
‫الجللوي الرضللي ويسلليروا شلليئا مللن أقطللار السللموات إل مللن خلل‬
‫البللواب والطللرائق الموجللودة فللي الغلف الجللوي الرضللي والفضللاء‬
‫الخارجي‪ .‬فكل مركبة فضائية يجب أن تنطلق فللي زاويللة وفللي مسللار‬
‫معيللن كللي تسللتطيع النفللاذ مللن نطللاق جاذبيللة الرض إلللى الفضللاء‬
‫الخارجي‪ .‬وهناك آلف الدمغة اللكترونيللة الللتي تصللحح سللير المركبللة‬
‫كلما ضلت عن مسارها‪ ,‬كما أن على المركبات الفضائية خلل عودتهللا‬
‫إلى الرض من الفضاء الخارجي الدخول والسلوك من فتحات وطرائق‬
‫معينة في الغلف الجوي الرضللي وإل بقيللت فللي الفضللاء الخللارجي أو‬
‫احترقت قبل وصولها إلى الرض‪ .‬وهو ما كاد يحصل لحللدى المركبللات‬
‫الفضائية منذ سنوات عندما تعطلت لبعض الوقت الجهزة التي توجهها‬
‫نحو الفتحة أو الباب الذي يجب أن تدخل من خلله في الغلف الجللوي‬
‫الرضي‪ .‬وقد ظل العلماء يومئذ يحبسللون أنفاسللهم مللع الللرواد الثلثللة‬
‫الذين كانوا على متنها إلى أن يسر لهم المولى سبل ولوج الباب الللذي‬
‫نفذوا منه بمركبتهللم سللالمين إلللى الرض‪ .‬ولقللد وصللف علمللاء الفلللك‬
‫عودة هؤلء الرواد من القمر إلى الرض كالتي‪ :‬في يوم الخميس مللن‬
‫‪ 24‬تموز سنة ‪ 1969‬وفي الساعة ‪ 17‬و ‪ 20‬دقيقة ألقللى رواد الفضللاء‬
‫من حمولتهم ودخلوا في الغلف الجوي الرضي بسللرعة ‪ 11‬كلللم فللي‬
‫الثانية من خلل ممر ارتفاعه ‪ 65‬كيلو متر‪ ,‬فإن دخلوا من ممللر أعلللى‬
‫ارتدوا وعادوا إلى الفضاء الخللارجي‪ ,‬وإن دخللوا ملن مملر أسللفل ملن‬
‫الممر المحدد كان حريقهم وموتهم‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن المسار الذي سلكه النسللان وآلتلله فللي النفللاذ مللن‬
‫الرض إلى الفضاء هللو طريلق متعلرج وليلس مسلتقيما ‪ ,‬وهنللا نلحللظ‬
‫العجاز العلمي والقرآنللي فللي كلمللة "يعرجللون" أي يصللعدون بصللورة‬
‫متعرجللة‪ ,‬ونفهللم لمللاذا أسللمى المللولى عللز وجللل سللورة مللن كتللابه‬
‫"بالمعارج"‪ ,‬ولماذا وصف نفسه "بذي المعارج" أي بللرب السللماء ذات‬
‫الطرقات المتعرجة‪) :‬سأل سللائل بعللذاب واقللع ‪ .‬للكللافرين ليللس للله‬
‫دافع‪ .‬من الله ذي المعارج(‪ .‬المعارج ‪1‬ل ‪.3‬‬
‫العسل‪ :‬غذاء ودواء )يوسف السلطان‪ ,‬سبتمبر ‪(2000‬‬
‫" ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذل ل يخرج من بطونهللا‬
‫شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لية لقوم يتفكللرون‬
‫" ‪ .‬النحل ‪.69 .‬‬
‫تنتهي هذه الية الجليلة بقوله سبحانه )إن في ذلك لية لقوم يتفكرون(‬
‫مللاذا يعنللي ذلللك? وهللل هللذا نللداء أو طلللب لمعرفللة أسللرار العسللل‬
‫والكشف عن دوره المميز والعجيللب والنللادر فللي الشللفاء? أجللل هللذه‬
‫الكلمات الجليلت تفيد النداء وإثبات العجاز العلمي‪ ,‬إذ أن هذه اليات‬
‫لم تتطرق ملن بعيلد أو ملن قريلب علن مكونلات العسلل ونلوعيته ملا‬
‫أهميته وكيفية استخدامه للعلج‪ ,‬وترك المر برمته للعلماء والباحثين‪.‬‬
‫وعندما شحذ الطباء والصيادلة وأصحاب التخصصللات الخللرى هممهللم‬
‫لدراسة العسل‪ ,‬وجدوا أنه ليس فقط يستخدم كعلج ودواء بل إنه أحد‬
‫مقومات ما يسمى بالمن الغذائي لكونه غلذاءا لذيللذا وحلللوا يحتللوي‬
‫على طاقة كبيرة ويمد النسان بمقومات الحياة‪ .‬أما عن تركيباته فوجد‬
‫أنه مخللزن كامللل أو صلليدلية شللاملة لمجموعللة مللن العقللاقير المبيللدة‬
‫للجراثيم والمضادة للعفونة ولقد أدلى جراحون وأطباء فللي تخصصللات‬
‫مختلفة نجاح استخدام العسل في‪ :‬شفاء الجروح‪ ,‬إزالة تجاعيد الجلللد‪,‬‬
‫التهابللات القرنيللة‪ ,‬الضللرابات الهضللمية‪ ,‬الفللات الكبديللة‪ ,‬النللزلت‬
‫الشعبية‪ ,‬التهابات المجاري التنفسية‪ ,‬السعال‪ ,‬زيادة الكريات الحمللراء‬
‫وارتفاع نسبة الخضاب في الدم‪ ,‬الخ‪.‬‬
‫أما التركيبة‪ ,‬فلقلد أفلادت التحاليلل بلأن العسلل يحتلوي عللى خمسلة‬
‫عشر نوعا من الحماض لسيما المينية‪ ,‬وخمائر وفيتامينللات ول سلليما‬
‫فيتامين ب ‪ ,2‬وبروتينللات ومشللتقات الكلوروفيللل‪ ,‬أصللبغة ومنشللطات‬
‫حيويلة‪ ,‬مركبللات عطريلة‪ ,‬اللدهيللدات واسلترات‪ ,‬وأملح معدنيللة مثلل‬
‫الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والحديد‪ ,‬وأهم من ذلك وجود مللواد‬
‫مضادة لنمو الجراثيم‪.‬‬
‫مساهمة العلماء المسلمين في تطور العلوم والمعرفة‬
‫هنالللك فللرق بيللن طريقللة العللرب فللي تصللورهم للشللياء وكللذلك نللوع‬
‫معارفهم قبل نزول القرآن وبعده‪ ,‬فقد كانت عنللدهم معللارف متفرقللة‬
‫بظاهرات الطبيعة في السماء والجو‪ ,‬وبطبائع الحيوان وأمللور النسللان‬
‫في أحواله البدنية والنفسية‪ ,‬إلى جانب ما كان عنللدهم مللن مفهومللات‬
‫إنسانية ومعايير للخلق والفضائل التي كانت هي الغالبة في تفكيرهللم‬
‫وشعورهم بأنفسهم‪.‬‬
‫ويجب أن نلحظ أن تلك المعارف كللانت مللن جهللة متفرقللة ل تنظمهللا‬
‫أحكام كلية‪ ,‬وكانت من جهللة أخللرى لجللل الحاجللة إليهللا فللي أسللاليب‬
‫المعيشة‪ ,‬ولم تكن على طريق تعلم الحقللائق ول علللى سللبيل التللدرب‬
‫في العلوم‪.‬‬
‫فلما جاء القرآن حول اتجاه الفكر من الهتمللام بللالمور العمليللة ومللن‬
‫النظللرات المتفرقللة إلللى البحللث النظللري والتوصلل إلللى أحكللام كليللة‬
‫والتجاه في تحصيل المعرفللة إلللى أنللواع مللن السللتدلل الكللبير الللذي‬
‫يوصل إلى العلم بمعناه الحقيقي‪ ,‬وكان ذلك فللي أهللم المسللائل الللتي‬
‫دار حولها الفكر البشري‪ ,‬واشتمل عليها القرآن‪.‬‬
‫وقد كان ذلك التفكير والستدلل بالعقل على صللورة ضللمنية إجماليللة‪,‬‬
‫لكللن بلغللة الفكللر الداخليللة الللتي هللي الصللل والمصللدر لكللل الصلليغ‬
‫اللفظية‪ ,‬وقد تحققت الغاية بحسللب قللوانين العقللل الللذي فطللره الللله‬
‫عليها ولم يتعلمها من أحد‪.‬‬
‫ومن يدرس آيات القرآن في تكاملها في كل موضللوع علللى حللدة يجللد‬
‫معرفة متكاملة في كل شيء‪ ,‬وعند ذلللك يتللبين للله كيللف تللألفت فللي‬
‫العقول على عهد الرسول عليه الصلللة والسلللم النظللرة الكافيللة فللي‬
‫كل موضوع اشتمل عليه التعليم القرآني‪ ,‬ويتبين له أيضللا مللدى عمللق‬
‫اليمان في قلوب أولئك الللذين تلقللوا دعللوة السلللم وحملوهللا ومللدى‬
‫شدة حماستهم في الجهاد في سبيل الدعوة‪.‬‬
‫ثم إنه إذا كان ذلك كله قد تحقق على نحو تلقائي وإجمالي فإن الفكللر‬
‫تقدم بعد ذلك‪ ,‬وفي أثناء تطور الفكر السلمي في عصر النفتاح على‬
‫الفكر العالمي‪ ,‬ظهرت المفهومات ومعها مصطلحاتها‪ ,‬والمناهج ومعهللا‬
‫قواعدها والراء والمذاهب ومعها أدلتها‪ ,‬وتمثل ذلك التطللور فللي أنلواع‬
‫العلللوم الدينيللة والعقليللة‪ ,‬ول يللزال كللل شلليء فللي ازديللاد مللن حيللث‬
‫التفصيل‪ ,‬وكذلك ل تزال آيات القرآن تشرق معانيهللا فللي العقللول مللع‬
‫زيللادة المعرفللة‪ ,‬وخصوصللا فللي مجللال الدراسللات الكونيللة والنسللانية‬
‫والجتماعية والحضارية )محمد أبو ريدة‪.(1992 ,‬‬
‫يشيد التاريخ بدور العلماء العرب والمسلللمين فللي حمللل لللواء المنهللج‬
‫العلمي ومواصلة مسيرة البحث التجريبي في العصور الوسطى‪ ,‬الللتي‬
‫كانت مظلمة في أوروبا وشلهدت انحسلار الحركلة العلميلة عنهلا‪ .‬فلي‬
‫العصور الوسطى المظلمة كان العرب هم الذين يقومون بمهمة تنفيللذ‬
‫التقاليد العلمية‪ .‬أما الغرب فقد اكتسبوا منهم إلى حد بعيد ما اكتسبوه‬
‫من معرفة علمية حازتها العصور الوسطى اللحقة‪.‬‬
‫لقد ترامت إمبراطوريتهم الناهضة وضمت مراكللز الحضللارات السللبق‬
‫في مصر والعراق والشام وفارس وجيرانها السلليويين‪ .‬وحللتى الصللين‬
‫التي لم يفتحها العرب ولللم يطأهللا جنللدي مسلللم واحللد تكفلللت طللرق‬
‫الحرير والقوافلل التجاريلة بنقلل تراثهلا الثقلافي الزاخلر إللى العلرب‪.‬‬
‫وأصبح في متناول أيديهم كل التراث العلمللي السللابق عليهللم تقريبللا ‪,‬‬
‫فللي الحضللارات الشللرقية القديمللة والللتراث الغريقللي والسللكندري‪,‬‬
‫ليتفاعل ملع تفتحهلم اللذهني وتسلامحهم العقللي وعواملل شلتى فلي‬
‫حضللارتهم الللتي كللانت دافقللة‪ ,‬وعبقريتهللا مللن ذوي الملللل والجنللاس‬
‫الشتى‪ ,‬فتشكلت أهم مراحل العلللم القللديم وغللايته وقمتلله بإبللداعاتهم‬
‫الرائعة في شتى فروع العلم‪.‬‬
‫وكان العرب المسلللمون أمللة جديللدة بل تللراث علمللي سللابق‪ ,‬فقللرأوا‬
‫التراث الفكللري للقللدماء بعقللول متفتحللة بل خلفيللات تعللوقهم‪ ,‬ولللذلك‬
‫وقفت الثقافات الغريقية واللتينية والهنديللة والصللينية جميعللا بالنسللبة‬
‫لهم علللى قللدم المسللاواة‪ .‬وكللان مللن نتللائج هللذه العقليللة المتعطشللة‬
‫للمعرفة عند المسلمين أنهللم أصللبحوا بالفعللل المؤسسللين الحقيقييللن‬
‫لمفهوم العالمية في المعرفة أو وحدة المعرفة النسانية‪ .‬وهللي إحللدى‬
‫السمات بالغة الهمية بالنسبة للعلم الحديث‪.‬‬
‫العرب في هذا التفتح الواعد لم يرتدوا عن إيمانهم بالله أو تهاونوا في‬
‫أخللذ الللدين مأخللذ الجللد‪ ,‬بيللد أن تعصللبهم انحسللر‪ ,‬وتنللامى إحساسللهم‬
‫بمغللزى التناسللب‪ ,‬فشللرعوا فللي تفهللم واسللتيعاب فضللائل النزعللة‬
‫النسانية‪.‬‬
‫ومن هنا انطلقت مرحلة مهمة من مراحل الحضارة ومن مراحل العلم‬
‫على السواء‪ ,‬تميز العلم فيها عن العلللم الغربللي الحللديث فللي أن هللذا‬
‫الخير انفصل انفصال بائنا عن القيم والخلق‪ .‬أما العلم السلمي فللي‬
‫الحضارة السلمية فقد تأتي في إطار توجههم الخلقي المثالي العام‪.‬‬
‫وبينمللا انطلللق العلللم الحللديث مللن صللراع دام مريللر مللع اليللديولوجيا‬
‫السللائدة فللي أوروبللا‪ .‬فللإن العلللم السلللمي انطلللق مللن داخللل إطللار‬
‫اليديولوجيا الحاكمللة وبرعايتهللا‪ .‬إن تمويللل الخلفللاء السللخي للترجمللة‬
‫والبحث العلمي مسألة مذكورة ومشهورة‪.‬‬
‫وتظل الرياضيات أعلى مدارج العقل العلمللي وأرقللى أشللكال التفكيللر‬
‫المنطقي المنظم والمدخل الحق للطرح العلمي‪ .‬وقد لعب المسلمون‬
‫دورا كللبيرا فللي تاريللخ الرياضلليات ومسللارات تطورهللا‪ ,‬وعلللى مفللترق‬
‫الطرق بين الحساب والجبر والهندسة‪.‬‬
‫وبصللفة عامللة أخللذ المسلللمون بتصللنيف الغريللق للمبللاحث الرياضللية‬
‫فانقسمت الرياضيات العربية إلى أربعة علللوم أساسللية هللي الحسللاب‬
‫والهندسة والفلك والموسيقى‪ ,‬وتتفرع فروعا عدة ل ننسى منها النجاز‬
‫الكبر وهو الجبر‪.‬‬
‫أدى اهتمللام السلللميين بالرياضلليات‪ ,‬وإعلء شللأنها إلللى تناميهللا علللى‬
‫أيللديهم تناميللا يصللعب تفسلليره فقللط بهللذه النظللرة الداخليللة للنسللق‬
‫المعرفي‪ .‬فثمة عوامل خارجية في الحضارة السلمية دفعت إلى هذا‪,‬‬
‫منها اهتمام العرب وأسلفهم العتيق بالتجارة وحساب النصبة والرباح‬
‫فللي البضللائع والللبيوع‪ .‬وكمثللال علللى مشللاكل التجللارة العربيللة الللتي‬
‫احتاجت في حلهللا إلللى عقليللة رياضللية متطللورة‪ .‬ثللم نظللام المللواريث‬
‫السلللمي‪ ,‬وأيضللا تعللاظم جحافللل الجيللوش الجللرارة وتوزيللع رواتبهللا‬
‫وغنائمها وحساب نفقاتها‪ ,‬ثم الرخاء القتصادي والتراكم المللالي الللذي‬
‫تل تكللوين المبراطوريللة السلللمية‪ ,‬ومشللاكل حسللاب أنظمللة الجزيللة‬
‫والخراج والضرائب والزكاة‪ .‬هذا فضل عن مشاكل عمليللات المسللاحة‬
‫وتقسيم الراضي وتشييد المدن‪.‬‬
‫أما عن الفلك فسنجد تحديد مواقيت الصلة والشعائر والعيللاد الدينيللة‬
‫تللدفع السلللميين إلللى اهتمللام مكثللف بالفلللك‪ ,‬لسلليما وأن الللبيئة‬
‫الصحراوية دفعتهم إلى العتماد علللى التقللويم القمللري بصللعوباته فللي‬
‫تحديد التواريخ سلفا‪ ,‬وفي الوقت نفسه اهتموا بالتقويم الشمسي فللي‬
‫المصار الزراعية التي دانت لهم من أجل تحديد أوقللات جبايللة الجزيللة‬
‫والضرائب والزكاة وفقا لمواسللم الحصللاد‪ .‬والمحصلللة أن المسلللمين‬
‫استطاعوا تطوير علللم حسللاب المثلثللات‪ ,‬وتصللنيع آلت فلكيللة لتعييللن‬
‫المواقيت والتجاهات‪ ,‬وكانت مللن أدوات اكتشللاف المريكللتين وإثبللات‬
‫كروية الرض‪.‬‬
‫ولم تكن التقانة )التكنولوجيا( أقلل شللأنا‪ ,‬وليلس أدل عللى تجللي روح‬
‫التقانة العلمية في الحضارة السلمية من أن ابن سينا أوضللح أن علللم‬
‫الهندسة يتفرع عنه علم المسللاحة وعلللم الحيللل المتحركللة وعلللم جللر‬
‫الثقال وعلم الوزان والمللوازين وعلللم اللت الجزئيللة وعلللم المنللاظر‬
‫والمرايا وعلم نقللل الميللاه‪ .‬وأفللاد العللرب بللأن العللالم السلللمي أكللثر‬
‫انكبابا على البحوث التجريبية ولم يعن كثيرا بصياغة النظريات العلميللة‬
‫العامة أو البحتة‪ ,‬أي أن العلماء العرب كانوا تجريبيين أكثر مما ينبغللي‪.‬‬
‫وفللي سللياق البحللوث التجريبيللة تللواترت النجللازات المعروفللة للعلللم‬
‫العربي ل سيما في الطب والجراحة والصيدلة والنبات‪ .‬أما الكيميللاء أو‬
‫فللإن كللثيرين مللن مللؤرخي العلللم القللديم حللذوا ابللن خلللدون وأسللموا‬
‫الكيمياء "علم جابر"‪ .‬وقد كان جابر بن حيان في القرن الثاني الهجري‬
‫في طليعة الرواد للعملء المسلمين التجريبيين‪.‬‬
‫ول ريب‪ ,‬كان للعلماء العرب والمسلللمين دور كللبير فللي تقللدم العلللوم‬
‫والتكنولوجيا وتطور المم‪ .‬ونستدل بذلك على قول لحد علماء العللرب‬
‫بأن العلماء العرب والمسلمين هم الذين مهدوا الطريق المفضللى إلللى‬
‫الثورة العلمية في أوروبا إذ عمل هؤلء على تطللوير ومناقشللة جللوانب‬
‫عديدة للمنهج التجريبي ليس هذا فحسللب‪ ,‬بللل وطللوروا أيضللا الدوات‬
‫والليللات الضللرورية للوصللول إلللى أرقللى المسللتويات فللي العلللوم‬
‫)يمنى الخولي‪.(2000 ,‬‬
‫الخلصة‬
‫تميز السلم من خلل القرآن الكريم والسنة النبويللة المطهللرة بتنميللة‬
‫العقل البشري والتركيز على تشللجيع النسللان ليمللارس البحللث ويأخللذ‬
‫مللن التللدبر والتفكللر والتمعللن ديللدنا لحيللاته‪ ,‬يمحللص مللا فللي نفسلله‬
‫ويتساءل عما يحدث حوله للنسان وللجماد والنبات والحيوان والكون‪.‬‬
‫كما بين السلم الللدور الهلام لملن يعطللي للبشللرية وينهللل مللن العلللم‬
‫والمعرفة‪ ,‬ورفع من مكانة العلماء والباحثين وذوي الخبرة )ومللا ينللبئك‬
‫مثل خبير( فاطر ‪ ,14‬والتخصص في تطور المجتمعات ورقي البشرية‪.‬‬
‫ولذلك‪ ,‬وانبثاقا من قوله تعالى )علم النسان ما لم يعلم( العلق ‪ 5‬يمم‬
‫المسلون وجوههم شطر العلم والبحث والمعرفة‪ ,‬ونفرت طائفة منهم‬
‫في شتى بقاع المعمورة لنشر العلوم وتتبللع أهللل العلللم والخللبرة فللي‬
‫مختلف التخصصات من علوم شرعية ودنيوية‪ ,‬حللتى أن المحلب للعللم‬
‫كان يسافر أميال ويقطع الفيافي والقفار للتأكد من صحة حديث للنبي‬
‫صلى الللله عليلله وسلللم أو أن يجتمللع مللع علمللاء وبللاحثين للللتزود مللن‬
‫علمهم والقتنللاء مللن خللبرتهم مؤكللدين قللوله تعللالى )وقللل رب زدنللي‬
‫علما ( طه ‪.114‬‬
‫ولقد زاد من هذا العطللاء اهتمللام بعللض الحكللام وولة أمللر المسلللمين‬
‫بالعلماء الباحثين وحتى المترجمين إذ كان بعض الخلفاء يغللدق بسللخاء‬
‫عليهم حتى أن بعضهم كان يعطي لكللل مللترجم وزن مللا يللترجمه ذهبللا‬
‫من علوم ومعارف من الحضارات الخرى‪.‬‬
‫ولما نللزل قللوله تعللالى )ومللا أوتيتللم مللن العلللم إل قليل ( السللراء ‪85‬‬
‫عرف وأيقن العلمللاء المسلللمون بللأن العلللم والمعرفللة بحللر ل ينضللب‬
‫وعطاء ل ينفد‪ ,‬وأن عليهم النكبللاب عللى العلللم والمعرفللة سلاعة تللو‬
‫الخرى وعدم الكتفاء بما لديهم من علم ومعرفة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ,‬أخذ العالم كله بمضمون هذه الية الجليلة حتى نكللاد نللرى بيللن‬
‫فترة وأخرى تقدما وتطورا مللذهل فللي جميللع منللاحي الحيللاة نتللج عنلله‬
‫تقدم النسان ورقي المجتمعات‪.‬‬
‫وعلينا أن ندرك معشر السلم والعروبة بأن السلللم هللو الللدين الللذي‬
‫أرسى المفاهيم الساسية وحللث علللى الللتزود مللن العلللم والنهللل مللن‬
‫المعرفة للتيقن بأن وراء هذا الكون خالق صمد ولخدمة البشرية‪.‬‬
‫والجاهلون لهل العلم أعداء‬ ‫وقيمة المرء ما قد كان يحسنه‬
‫فالناس موتى وأهل العلم‬ ‫فقم بعلم ول تطلب به بدل‬
‫أحياء‬
‫المام علي بن أبي طالب عليه السلم‬
‫المراجع‬
‫أبللي الحسللن علللي المللاوردي‪ .1982 .‬تفسللير المللاوردي‪ .‬وزارة‬ ‫‪-‬‬
‫الوقاف والشؤون السلمية‪ .‬الكويت‪.‬‬
‫أبي الفضل اللوسي‪ .1983 .‬روح المعاني الجزء ‪ .11‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫أبي جعفر الطبري‪ .1980 .‬جامع البيان فللي تفسللير القللرآن‪ .‬دار‬ ‫‪-‬‬
‫المعرفة‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫أحمد عمللر هاشللم‪ .‬محاضللرة بمعهللد الكللويت للبحللاث العلميللة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جريدة القبس‪ .‬العدد ‪9880‬ل ‪ 19‬ديسمبر ‪ .2000‬الكويت‪.‬‬
‫إسماعيل بن كثير‪ .1969 .‬تفسير القرآن العظيللم‪ .‬دار المعرفللة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫السلليد محمللد حسللن الطبطبللائي‪ .1972 .‬الميللزان فللي تفسللير‬ ‫‪-‬‬
‫القرآن‪ .‬مؤسسة العلمي للمطبوعات‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫الفخللر الللرازي‪ .‬غيللر مللؤرخ‪ .‬التفسللير الكللبير‪ .‬دار أحيللاء الللتراث‬ ‫‪-‬‬
‫العربي‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حمللود غرابللة‪ .1972 .‬ابللن سللينا بيللن الللدين والفلسللفة‪ .‬مجمللع‬ ‫‪-‬‬
‫البحوث السلمية‪ .‬مصر‪.‬‬
‫سلليد قطللب‪ .1967 .‬فللي ظلل القللرآن الجللزء ‪ .21‬دار إحيللاء‬ ‫‪-‬‬
‫التراث العربي‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫صالحة شللرف الللدين‪ .1984 .‬القللرآن الحكيللم‪ :‬إعجللازه‪ ,‬بلغتلله‬ ‫‪-‬‬
‫وعلومه‪ .‬دار الكتب العربية والطباعة والنشر‪ ,‬بومباي‪ .‬الهند‪.‬‬
‫عالم الفكر‪ .‬أكتوبر‪/‬ديسمبر ‪ .2000‬المجلللد التاسللع والعشللرون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫العدد الثاني‪ .‬الكويت‪.‬‬
‫عبللد العلللي الجسللماني‪ .1997 .‬القللرآن وعلللم النفللس‪ .‬الللدار‬ ‫‪-‬‬
‫العربية للعلوم‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫محمللد أبللو ريللدة‪ .1992 .‬مضللمون القللرآن الكريللم‪ .‬مؤسسللة‬ ‫‪-‬‬
‫الكويت للتقدم العلمي‪ .‬الكويت‪.‬‬
‫محمد إسماعيل‪ .‬مارس ‪ .1997‬دور السلم في التنمية الشاملة‬ ‫‪-‬‬
‫المتواصلة‪ .‬مجلة الوعي السلمي‪ .‬العدد ‪ .375‬ص ‪ .48‬الكويت‪.‬‬
‫محمد متولي الشعراوي‪ .‬غير مؤرخ‪ .‬المختار من تفسللير القللرآن‬ ‫‪-‬‬
‫العظيم‪ .‬المكتبة الشرقية‪ .‬العراق‪.‬‬
‫يمنللى الخللولي‪ .‬ديسللمبر ‪ .2000‬فلسللفة العلللم فللي القللرن‬ ‫‪-‬‬
‫العشربن‪ .‬سلسلة عالم المعرفة‪ .‬العدد ‪ .264‬الكويت‪.‬‬
‫يوسف السلطان‪ .1994 .‬دراسللة تحليليللة للتكامللل التكنولللوجي‬ ‫‪-‬‬
‫الصناعي في الكويت‪ .‬مجلة المال والصناعة‪ .‬العدد ‪.12‬‬
‫يوسللف السلللطان‪ .1998 .‬دراسللة عللن واقللع البحللث العلمللي‬ ‫‪-‬‬
‫والدراسات والستشارات في‬
‫في دولة الكويت‪ .‬معهد الكويت للبحاث العلمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يوسف السلطان‪ .2000 .‬نحو آلية لرسم سياسة للبحث العلمللي‬ ‫‪-‬‬
‫في دولة الكويت‪ .‬معهد الكويت للبحاث العلمية‪.‬‬
‫يوسف السلطان )ترجمة(‪ .1999 .‬أصل الكون‪ .‬الكويت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يوسف السلطان‪ .‬سبتمبر ‪ .2000‬إعجاز القرآن‪ .‬محاضرة بلجنللة‬ ‫‪-‬‬
‫بشائر الخير‪ .‬الكويت‪.‬‬

You might also like