Professional Documents
Culture Documents
المحتويات
الموضوع
ص
65 عليقه الفسقاد ..والقول برجعقة الخلفقة تجارة بالديقن وإفسقاد لعقول
الخلق .والمطلوب القول بالعمققل لجققل اسققتعادة الرشققد ،ل برجعققة
الخلفة......
اسقتعادة الرشقد اليوم ل تكون بغيقر إقامقة دولة مدنيقة تفيقد مقن
دولة الرشقققققققققققققققققد ،وممّققققققققققققققققا أنتجتقققققققققققققققققه الحضارة
71 المعاصرة...................
75 الدولة السلمية الولى لم تكن سوى دولة مدنية
أصقول الواجبات والمحظورات فقي الشريعقة يمكقن أن يتأسقس
81 عليها قانون مدني عام ل يفرّق بين المواطنين ول يحرجهم...
87 الفصل الثالث :في وظائف الدولة................................
88 في مفاهيم تحدد هذه الوظائف....................................
90 في الوظائف والمؤسسات والضوابط............................
90 البرلمان......................................................
90 مجلس العموم............................................
91 مجلس الشيوخ (المجلس الرئاسي)......................
92 الحكومة.........................................................
93 الهيئة القضائيّة..................................................
95 في جامعة الشريعة والقانون.............................
96 في المن القومي............................................
2
97 في المن السياسي والعسكري...........................
98 في الحدود الجغرافية للمن القومي.....................
98 الكيان العبري في فلسطين..............................
99 السودان والتحاد العربي................................
100 إيران........................................................
102 المن العلمي والتقني............................
103 في المن القتصادي والجتماعي..............................
103 المن المالي..............................................
108 الزواج...................................................
111 المن اليديولوجي :الحالة الدينية.............................
112 دور العبادة...............................................
113 المناسبات الدينية.........................................
113 الوقاف....................................................
113 التمثيل الطائفي............................................
113 المدارس العامّة والدينية..................................
114 الزهر الشريف...........................................
القسققم الثالث :حلف الفضول :ضرورة التأسققيس لقانون دولي
117 محترم
118 مشروعنا ..مشروع سلم عالمي........................
119 التعاون العالمي من أجل السلم.........................،
120 هل الحرب طبيعية؟.....................................
121 أدب السلم في السياسة الدولية..............................
122 هذا أدبنا في التحالف نسوقه إليكم......................
يجققققب أن تعمققققل الدول المتمدينققققة على القضاء على أخلق
3
125 التعاون العالمي ممكن...................................
127 واجبات أمم السلم العالمي.................................
القسم الوّل
في فقه الزمة
الفصل الوّل :في النهوض التائه؟
الفصل الثالث :أزمة شباب مصر (ما بين إسلميين بل عقل ،ونخبة بل حياء).
الفصل الوّل
المبحث الوّل:
نحواً مقن قرنيقن ونحقن نعالج فقي شرقنقا العربقي المسقلم مقا تمّق الصقطلح على
تسقميته بالنهضقة المعاصقرة ،والحقّق أنّق مقا نراه اليوم فقي الواققع الذي يعيشقه العرب
والمسقلمون فقي كقل مسقتويات حياتهقم يقبين أنّق هناك شيئاً مقا نققل هذه المسقيرة إلى
حيث لم تكن حقيقية ،وأ نّ هناك ما شغل هذه المنطقة عن نهضة حقيقيّة كان عليها
4
أن تنطلق مقن مقدمات الباء المؤسقسين ،وأن تتجقه وجهقة ج ّد مختلفقة عقن مقا نراه
اليوم.
الملحقظ لبدايات مرحلة السقتيقاظ أو النهوض يجقد أنّهقا تمتعقت برسقوخٍ شاملٍ
واسقتعدادٍ جامعٍق لدى الرواد الوائل الذيقن لم يجدوا مشكلة حقيقيّة فقي اسقتقبال طرح
الخققر الحضاري وإحداث انسققجام بينققه وبيققن السققس الفكريّقة والثقافيّقة التراثيّقة
لحضارتهقققم المسقققلمة ،فبدت تلك الجديلة بيقققن القديقققم والحديقققث ،بيقققن الموروث،
والمستقدَم ،أمراً جديراً بالتقدير عبر تلك الطريقة الناجعة والفريدة التي قادها الباء
المجددون :الطهطاوي والفغاني وعبده ومن عاصرهم.
واضقح أنّق المسقتقدَم الحضاري الذي رغقب الباء فقي اسقتقدامه مقن الغرب كان
متمثّل بالسقاس فقي إعجابهقم بالنموذج السقياسي للحركقة الحضاريّة الغربيّة التقي
كانت التجربة الديمقراطيّة قد بدأت تتر سّخ فيها على نحو ظاهر ،كما أ نّ متحصلت
النهوض التقني والعلمي كانت قد آتت أكلها عندها على النحو المعروف.
ل شكّق أنّق مظاهقر النهوض الحضاري الغربقي علميّا وتقنيّا وسقياسيّا ققد حازت
على أعجاب الباء المؤسسين ،كما ل يعزب أن تكون منظومة القيم التي أفرزت هذا
النموذج ققد لفتقت هقي الخرى انتباه آباء النهضقة ،وحظيقت على إعجابهقم ،وهقو ل
ش كّ إعجاب مستَحقّ مع معلوميّة أ نّ الباء كانوا جديرين بمعرفة ما يتلءم من هذه
القيم مع الهويّة الوطنيّة وما ل يتلءم معها ،وعليه رجحوا قيم الثقافة الديمقراطيّة،
ورحّبوا بها ،واعتبروا أنّها متلقية مع قيم السلم السياسيّة.
أخذت المسقألة السقياسيّة إذن واجهقة الصقدارة فقي الجهقد النهضوي العربقي ،كمقا
أخذت الجانب البرز من إحداث العصف الذهني والحركي؛ وهو أمر متفهّم نظراً لما
مثلتقه المسقألة على طول التاريقخ العربقي (السقلمي) مقن مشكقل حضاري ربمقا كان
هو المتسبب الساس لحالة التدهور التي أصابت حضارة المسلمين.
5
ظ أ نّ آباء النهضة وجدوا في الممارسة الديمقراطية حل سحرياً لمشكل
والملح ٌ
الجتماع السققياسي النسققاني بعموم ،كمققا وجدوا فيهققا ضالّة حكيققم يبحققث عققن حلّ
ل ْزمَتِه الخاصققة؛ إذ كانوا يدركون أنّه باسققتثناء صققدر السققلم لم يرتققح المسققلمون
بشكقل معتقبر على أسقلوب سقياسي يديرون بقه حياتهقم ،كمقا لم يسقتطع فلسقفتهم أن
يقدّموا طروحاً فقي السقياسة تسقاوي أو تقارب مقا تقدموا بقه مقن طروح حضاريقة فقي
غيرها من الميادين ،مع أنّه يسهل القول إنّ السياسة (النظام الجتماعي-الدولة) هي
أمّ الحركة الحضارية للمم ،والحاضن الساس لها.
لست في حاجة إلى التذكير بأنّ ما أقصد إليه هنا من تدني حالة البحث السياسي
عنقد المسقلمين ليقس مقصقوداً بقه عدم وجود محاولت للتنظيقر السقياسي؛ وإنّمقا الذي
أقصققد إليققه هققو أنّه لم يتوفققر مناخ ،ول ترتبققت مدرسققة فققي هذا الشأن تقوم عليققه
تنظيرًا وتفكيراً ودراسقة كمقا توفقر لغيره مقن حقول البحقث كالتشريقع والدب واللغقة
والتفسير...الخ .كما ينبغي أن نعترف بأ نّ ما واجه هؤلء المفكرين من عقبات كان
من شأنه أن يسبب مثل هذه العرقلة ،فليس المر هنا أمر إشارة لقصور بقدر ما هو
إشارة لواقع كان موجوداً بغض النظر عن مسبباته.
ومع أنّه توفرت محاولت لبحث الشأن السياسي والتنظير لجتماع سياسي مميز
يحمل الهويّة السلمية ،لعلّ من أهمّها جهود المام ابن خلدون .فمع ذلك فقد أشار
المفكر الكبير الدكتور عبد الرحمن بدوي إلى ما يعدّ مثاراً للشكال في طريقة تفكير
عبقد الرحمقن بقن خلدون إذ أثبقت المجدد الكقبير أنّق ابقن خلدون (رحمقه ال) كان ققد
اطلع بالتأكيد على ما كتبه اليونانيون في الشأن السياسي ومع ذلك فقد أعرض عنه
بجملتقه مقتصقراً فقي أداء مهمتقه على التجارب السقياسية فقي تاريقخ المسقلمين فققط،
ممّا أدى إلى إصابة تناوله للنظريّة السياسية بقصور كبير .ومع أنّ المفكر الكبير قد
اعتذر عقن الرجقل بأنّه لم يكقن يشغقل باله بالتنظيقر ققد مقا انشغقل بالتطقبيق العملي إذ
كان سقياسياّ عاملً فقي ميدان السقياسية إل أنّق إغفال شطقر يعقد مقن أهقم مقا ورثتقه
6
النسانية في التنظير والتطبيق السياسيين لهو ممّا يؤسف له ول يمكن التماس عذر
مقبول له ولو بافتراض الهتمام بمسقققائل التطقققبيق السقققياسي إذ التراث اليونانقققي
والرومانقي لم يكونقا نظرييقن فققط؟ فأمّا النحصقار والنحسقار بحدود العالم السقلمي
فقي التفكيقر السقياسي أو حتّى غيقر السقياسي فهقي فكرة مرضيّة ل يجوز السقكوت
عنهقا ،وهقي مقن المسقائل التقي تجاوزهقا آباء النهوض ببراعقة شديدة وتجرّد كقبير
خالصقين مقن تلك العققد التقي سقببّت إشكاليات مركزيّة فقي الذهقن المسقلم وققد وجدنقا
الباء يحاولون بلون مققن التبسققط دونمققا تعقيققد أو تقعّرقق إثبات وجود تشابققه بيققن
"الديمقراطيقة" والمفهوم السقلمي للشورى ،كمقا سَق َعوْا فقي مواجهقة أزمقة الحكقم
الخانقققة والفسققاد والسققلوك المسققتبد للحكام فققي العالم السققلمي إلى تققبرير اقتباس
جوانققب مققن النموذج الغربققي اعتققبروا قدرتهققا على إخراج المجتمعات العربيققة مققن
أزمتها السياسية.
ولسققت بحاجققة للمرة الثانيققة لن أقرر أنققّ هؤلء الرواد ابتداء مققن الطهطاوي
مروراً بخيقر الديقن التونسقي وانتهاء برشيقد رضقا لم يكونوا يواجهون تلك الهواجقس
ن أو
المرضيّة من حيث الخوف من أن يكونوا باقتباسهم من الغرب إنّما يضعون الدي ِ
جزءٍ منقه موضقع اتهام أو شبهقة أو يسقتهدف تغييره أو تبديله ،وهقي ذات الهواجقس
المرضيّة المسقئولة عقن تلك التصقرّفات العجيبقة التقي أدّت إلى عمليّة تجاهقل الشطقر
الكبر من التراث البشري قبل السلم ،ومعاداة الشطر الكبر من المعطى الحضاري
الغربقي منقذ التقاء المسقلمين بقه مطالع عصقر النهوض وإلى اليوم ،والتقي جعلت مقن
المتّصلين باليونان وعلومهم قديماً أو بالغربيين ونهضتهم حديثاً محط اتهام دائم من
قبققل أولئك المتوقفيققن مققن أصققحاب الذهققن المريققض بالخوف على الديققن وكأنقّ آيققة
الحفظ ما أنزلت وكأنّ الدين لون من الكحول سهل الطيران إلى هذا الحدّ؟!
لقد كان سعي الباء يستهدف تجديداً في فهم الدين وطرائق تطبيقه وعلى قاعدة
الخوف هذه أجهققد الباء أنفسققهم فققي محاولت السققتناد إلى علماء مجدديققن قدامققى
7
ومحدثيققن لتققبرير القتباس مققن الغرب على اعتبار أن الحكمققة ضالة المؤمققن ،وأن
"الدين" إنما جاء لتحقيق مصالح العباد ،وأنه حيث كانت المصلحة فثم شرع ال(.)1
وهقو جهقد مشكور رائد وإن كنّا بحاجقة لوضقع قاعدة قاطعقة تسقمح بالنطلق وراء
كلّ ما من شأنه تحقيق المصلحة العامّة دونما حاجة لنشاء مشافي وابتكار علجات
لمرضى فوبيا اللحاد كلّما كان أمامنا جديد نريد الفادة منه؟
أول من أثار حواراً حول الفكرة الديمقراطية في العالم العربي هو الشيخ رفاعة
الطهطاوي( ،)1873-1801الذي كان لويقققققس عوض يطلق عليقققققه لققققققب أبقققققو
الديمقراطيقة المصقرية( ،)2والذي مقا إن عاد إلى القاهرة حتقى ألّف فقي عام 1834م
كتابقه "تخليقص البريقز إلى تلخيقص باريقز" الذي دوّن فيقه مشاهداتقه حول عاداتِق
ومسقالك أهقل فرنسقا( ،)3وكال فيقه المديقح للنظام الديمقراطقي الذي نشقأ فيهقا ووصقف
مشاعره تجاه انتفاض المقققة الفرنسقققية للدفاع عقققن الديمقراطيقققة مقققن خلل ثورة
1830م ضد الملك تشارل العاشر(.)4
)(1هذه الفقرة وما يليها من اقتباسات من مقولت المجددين ،يراجع فيها :المقدمة النظريّة لموقع المعهد
العالمي للفكر السياسي السلمي بلندن .http://www.ii-pt.com/web/introduction.htmومقالة
د .مهنّد مبيضين ،لماذا أخفقت التوفيقيّة السلميّة ،موقع صحيفة الغد الردنيّة25/11/2005 ،م.
.http://www.alghad.jo/?news=58718
)(2د.أحمد صدقي الدجاني "تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث" ورقة ضمن كتاب أزمة
الديمقراطية في الوطن العربي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط 1987م ،ص .121
)(3ألبرت حوراني "الفكر العربي في العصر الليبرالي" (النسحة النجليزية) كامبردج1991 ،م ،ص .70
)(4تراجع كتب تاريخ القانون ،ومقدمة جستنيان لمدونته في القانون الروماني .ويراجع :كتابنا "عولمة
الشريعة"(قيد النهاء) .والحقّ أنّ العلقة بين الشرع السلمي والقانون الطبيعي قد شكلت محور جدل
طويل ضاعت ثماره حين تحوّل بعيدا عن قواعد البحث ،وأدوات النظر المحترمة ،وقد بيّنت في رسالتي
للدكتوراه عن "السلطة التشريعية في السلم" كيف أنّ الدراسات التي كان ينبغي عليها أن تتّجه ناحية
البحث في مهمّة إيجاد تصوّر مسلم لمسألة توصيف التشريع السياسي وتحديد العلقة بينه وبين الفقه،
ومسألة تحديد ماهية السلطة التشريعية ،وتوزيع السلطات قد ارتدّت إلى البحث في الخلفة وشروط
المجتهد ،كما لو أنّ المثير الساس للموضوع وهو التحامنا بالحضارة والديمقراطيات الغربية لم يكن له
أيّ وجود ،ولست أعرف كيف يمكن قبول هذا أو حتّى تبريره؟.
8
حرص الطهطاوي فقققي كتابقققه هذا على إثبات أن النظام الديمقراطقققي الذي كان
شهده فقي فرنسقا ينسقجم انسقجاما تاماً مقع تعاليقم السقلمي ومبادئه .كمقا التفقت إلى
أنّه ليقس ثمّة كقبير فرق بيقن مبادئ الشّرع السقلمي وبيقن مبادئ القانون الطقبيعي
التي كانت نتاجا أوروبيا سابقاً على السلم وعلى بعثة النبي محمّد -صلّى ال عليه
وسقلّم -بدأه اليونانيون تأسقيساً على أنّق هناك خالقاً للكون وضقع له نظاماً قائماً على
ن كلّ ما وافق العدل أو روحه فإنّما هو موافق للطبيعة التي فطر ال عليها
العدل وأ ّ
الكون والمخلوقات ،وعلى كلّ الشعوب أن تتبعققه فققي قوانينهققا وقضائهققا .وهققو كلم
نحن اليوم في أمس الحاجة لللتفات إليه(.)1
تأسققيسا على هذا الكتشاف الذي اكتشفققه الطهطاوي ,فإن رؤيققة الرجققل كانققت
تحتقم دراسقة كافّة العلوم التقي انتهجهقا العققل البشري باعتبارهقا ميراثاً رائدًا يمكّن
النّاس مقن العيقش المشترك ومقن القتراب مقن القيقم المشتركقة وربّمقا طريق ًا أيسقر
للتعرف إلى معتققد مشترك ،ولم يكقن مقن الممكقن أن يقبقل الطهطاوي بعقد هذا فكرةَ
المصقادرة الوليقة على النتاج الفكري البشري مقن قاعدة أنّه إنتاج غيقر مسقلم؛ لن
السلم في رأيه ":ل يتعارض مع علوم العقل".
فقي ذات التوقيقت تقريباً وعلى ذات النّسقق الفكري ،كان "خيقر الديقن التونسقي (
1899-1810م)" يضققع عام 1827م خطةً شاملةً للصققلح ضمّنهققا كتابققه "أقوم
المسقالك فقي تقويقم الممالك" .منبهاً إلى خطورة رفقض تجارب المقم الخرى انطلقاً
مقققن الظقققن الخاطقققئ بأنقققه ينبغقققي نبقققذ كقققل الكتابات أو الختراعات أو التجارب أو
التصرفات الناشئة عن غير المسلمين ،منطلقاً في دعوته الصلحية هذه من قاعدة
مفادها ":أ نّ كل ما يؤول إلى خير المّة من توسيع لحدود المعرفة وتوفير للشروط
يراجع للتفصيل كتابنا :السلطة المدنيّة في السلم(تحت الطبع) .ويراجع :ألبرت حوراني ،الفكر )(1
9
الكفيلة بازدهارهقا المدنقي إنّمقا هقو ممّا يتوافقق مقع السقلم ومقاصقده .وققد طالب
التونسي بإنهاء الحكم المطلق المضطهد للشعوب والمدمر للحضارات(.)1
وقد سار على نهقج الفغاني تلميذه محمقد عبده ( )1905-1849الذي رأى أنّق
أهقم تحقد يواجقه المقة السقلمية هقو نظرتهقا إلى العلققة بيقن السقلم والعصقر .وققد
وجققد الشيققخ محمققد عبده أن الطريققق لبلوغ المجتمققع السققلمي هدفققه هققو":عدم
الرجوع إلى الماضققي وتوقيققف مجرى التطور ،بققل العتراض بالحاجققة إلى التغييققر
وربْطقه بمبادئ السقلم" ،ولذلك كانقت إحدى غائيات الشيقخ ،أن يظهقر التوافقق بيقن
السلم والفكر الحديقث وأن يُظهقر كيقف تنقلب المصقلحة إلى المنطق ،والشورى إلى
الديمقراطيققة البرلمانيقة ،وان يؤكققد على أن السققلم كنظام هقو أمققر مرادف للمدنيّة
الحديثة(.)3
في ذات حقبة العظماء ،تألق نجم عبد الرحمن الكواكبي (1903-1849م) الذي
ألف كتابيقن حول هذه القضايقا ،الول بعنوان "طبائع السقتبداد" والخقر بعنوان "أم
القرى" ،متصقوراً فقي الخيقر حواراً بيقن عددٍ مقن المفكريقن المسقلمين مقن مختلف
الدول جمعهقم فقي موسقم الحقج مؤتمرٌ عُققد لتبادل الرأي حول أسقباب انحطاط المقة،
)(1د .أحمد صدقي الدجاني ،تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث" ورقة ضمن كتاب أزمة
الديمقراطية في الوطن العربي ،ص .123-121
)(2د .رفعت سيد أحمد "الدين والدولة والثورة" ،الدار الشرقية ،القاهرة1989 ،م ،ص .47-44
)(3د .مهنّد مبيضين ،لماذا أخفقت التوفيقيّة السلميّة ،موقع صحيفة الغد الردنيّة ،بتاريخ
25/11/2005م.http://www.alghad.jo/?news=58718 .
10
وقققد كان مققن أبرز الفكار التققي حرص الكواكققبي على طرحهققا مققا جاء على لسققان
البليققغ القدسققي ،مققن قولهُ " :يخَيّقل إليّق أن سققبب الفتور هققو تحول نوع السققياسة
السققلمية ،حيققث كانققت نيابيققة اشتراكيققة ،فصققارت بعققد الراشديققن بسققبب تمادي
المحاربات الداخليقة مَ َلكِيّة مقيدة بقواعقد الشرع السقاسية ،ثقم صقارت أشبقه بعقد ذلك
بالملَكيّة المطلقققة" ،ومققا جاء على لسققان الرومققي(التركققي)" :إن البليققة أننققا فقدنققا
الحرية" .ويخلص الكواكبي في النهاية إلى أن التقدم مرتبط بالمحاسبة بينما التخلف
مرتبط بالستبداد(.)1
وقد لفت الشيخ رشيد رضا ( )1935-1856إلى أن سبب تخلف المة يكمن في
أن المسقلمين فقدوا حقيققة دينهقم ..إذ السقلم الحقيققي –فقي وجهقة نظره -يقوم على
أمريقن :الول :القرار بوحدانيقة ال ،وهذا هقو المقر العقدي ،أو أصقول الديقن التقي
تضيقع حقيققة الديقن بضياعهقا ،والثانقي :الشورى فقي شؤون الدولة ،وهذا هقو المقر
الدنيوي الذي عنقي السقلم بقه .والملحقظ أنّق السقلم أدخقل نفسقه فقي المقر الدنيوي
على نحقو ملحوظ ،مؤسقساً فكرتقه السقاسية فيقه على فكرتقه العقديقة ،وأنّه ل مطاع
مطلق ًا ول معبود إل ال ،وبالتالي فليس من حق أيّة حكومة أرضية أن تدعي لنفسها
على النّاس حقّق الطاعقة العمياء ،ول مقن حقق المحكوميقن أن يسقلموا ذلك لهقا بحجقة
السقتضعاف فقي الرض ،كمقا أنّه مقن غيقر المتاح لهذه الحكومقة أن تدّعقي انتسقابها
ل ،ول أن تنطققق باسققمه؛ لنقّ ال واحققد ل شريققك له ول ولد ،وقققد أرسققل رسققوله
وأنزل كتابقه مخاطباً النّاس جميعاً وليقس للمؤمنيقن بقه فققط ،فضلً عقن الحكومات؟!
وقققد اعتققبر رضققا أن الحكام المسققتبدين حاولوا حمققل المسققلمين على نسققيان المققر
الثانقي( :أي الشورى وسقيادة المّة) بتشجيعهقم على التخلي عقن المقر الول (الفهقم
)(1ينظر :عبد الرحمن الكواكبي "أم القرى" ،دار الشروق العربي ،بيروت1991 ،م.
11
الصقحيح لعقيدة الديقن الثائر المخلّص)( )1مؤكداً أن أعظقم درس يمكقن أن يُفيده أهقل
الشرق من الوروبيين هو معرفة ما يجب أن تكون عليه الحكومة(.)2
فترى أنّه وعلى هذه القاعدة مقن الفهقم الدقيقق أخذت المسقألة السقياسية مكانهقا
فقي المشروع النهضوي ،وترتقب على هذا ثورة أخرى للصقلحيين تمثلت فقي إرادة
التأسيس للنهوض العربي من ذات الباب الذي تأسست عليه نهضة الغربيين :وهو:
"ثورة الصلح الديني"؟.
الفرق الجامقع المانقع بيقن الصقلح الدينقي الذي قصقد إليقه آباء النهوض وبيقن
ذلك الذي دعا إليه "مارتن لوثر" هو ذلك الفرق القائم والمعروف بين طبيعة كلّ من
الدين والمؤسسة الدينية في كلّ من العالمين السلمي والغربي ،ومن دون تفاصيل
فإنقّ طبيعققة كل الشأنيققن عندنققا كمققا وطبيعققة التكويققن الفكري الدينققي لدى المجتمققع
السلمي الذي ل يعترف بالكهانة (وجود وسيط بين ال وبين خلقه) لم تكن لتسمح
بقبروز حالة كنسقيّة عندنقا كتلك التقي ظهرت فقي أوربقا مقا قبقل النهضقة ،وإن كانقت
سقمحت بفعقل القهقر والسقتبداد السقياسي والتخلّف الحضاري إلى أن تجقد المؤسقسة
السياسيّة الحاكمة (ذات الطابع العسكريّ) عندنا سبيلً للتوصّل إلى لون من استغلل
المؤسقستين الدينيقة والكاديميقة أو الضغقط عليهمقا إن بالسقيف أو الذهقب باتجاه عدم
اعتماد بحوث وإرشادات ومناهققققققج نظققققققر تؤثققققققر اجتماعيّا وفكريّا على الوضاع
السققياسيّة القائمققة ،ومققن ضمققن ذلك الدفققع باتجاه شغققل النّاس بالفروع والحكام
القانونية للدين على أبسط أفعالهم ،بدلً من انشغالهم بمحاسبة الحكّام عن فظائعهم؟
12
وقققد بدا فققي أوائل النهوض أنققّ أصققحاب نظرة الصقققالة السققلمية مققن آباء
النهوض وقققد تبنّوا الكثيققر مققن الطروحات المعاصققرة حول الديمقراطيققة ،وحقوق
النسققان والتعدديققة السققياسية والدسققتورية ،وغيرهققا مققن الطروحات المتداخلة مققع
مفاهيقم المجتمقع المدنقي والحريات السقياسية العامقة واعتقبروا أنهقا ل تتعارض مقع
أساسيات الدين ،إنّما كانوا يعيدون قراءة النصوص الدينية (القرآن-السنّة) بالطريقة
"العُمريّة" ل بطريقة عصور النحطاط الحضاري.
ن أصحاب هذا التجاه لم يكونوا ليستطيعوا الحصول على دعم كبير من
طبيعيّ أ ّ
المدرسة التقليدية التي كانت تتأسس مفهوماتها على قواعد النظر التي كانت تركّز
على موضوع الواجبات الدينيقققة على النسقققان ،فيمقققا كان هذا التجاه يركقققز على
موضوع الحقوق والمنافع الساسية المترتبة للنسان بواقع الوجود في هذه الحياة،
وأ نّ تفسير الدين إنّما ينبغي أن يكون باعتبارات حقوق النسان ل باعتبارات حقوق
ال ،إذ فقي الحقيققة أنّه ل يمكقن وضقع هذه فقي قبالة تلك ،كمقا أنّق مقن غيقر الجائز
اعتبار أنّق الرشادات الدينيقة التقي َلفَت ال النسقان إليهقا بمقا فيهقا تلك المسقائل التقي
تمقّ التعارف عليهقا باعتبارهقا تكليفات أو عبادات ل يمكقن أن تقرأ على قاعدة الجقبر
واللزام بقدر مقا ينبغقي أن تُقرأ على قاعدة الرشاد الذي روعيقت فيقه منافقع النسقان
ومصققالحه بالصققالة ،فليققس هناك تكليققف ل علّة له ،كمققا أنّه ل تكليققف معلّل بغيققر
المصقلحة النسقانيّة التقي ل يسقوغ ابتداع مصقلحة ل فقي قبالتهقا! وققد كان الفغانقي
يلفققت إلى أن ":أعمال النسققان ليسققت فققي خدمققة ال وحسققب ،بققل فققي خلق مدنيققة
إنسانية مزدهرة في كل نواحي الحياة" .وقد كان السلم برأي الفغاني إيمانٌ عاقل،
جوهره العقلنية الحديثة"
والواقققققع أنققققّ دعاة النهوض بهذا الطار كانوا يقتربون كثيراً مققققن الطروحات
السققياسية والعلميّقة الغربيققة المناديققة بسققيادة المنهققج العلمققي ،وبحقوق النسققان،
واعتبار ذلك نقطة مركزية ينبغي أن تتمحور حولها النظم والتشريعات في الجتماع
13
السقياسي الحديقث ذي الطابقع الديمقراطقي ،ومقا لبثقت هذه الدعايقة أن انتشرت خارج
سقياق قلب العالم السقلمي(مصقر) ،فققد امتدت إلى غيرهقا مقن القطار العربيقة ،كمقا
كما آمن بها أعداد من القيادات السلمية والمراجع الفقهية السنّيّة والشيعية في كل
مقن إيران وتركيقا تبنّتق كلّهقا أطروحات التمثيقل النيابقي ،والتقييقد الدسقتوري لنظام
الحكم ،واليمان بالحقوق الساسية للفراد والمجتمعات؟.
كان "الفغاني" قد درس النهضة الوربية ،ورأى أ نّ شرارتها إنّما بدأت بحركة
الصقلح الدينقي التقي قام بهقا "مارتقن لوثقر" ،وثبقت لدى الرجقل أنّق القوّة السقحريّة
التقي سقببت انطلققة كافّة الحضارات إنّمقا هقي "إصقلح" لعمليقة فهقم الديقن ولعمليقة
التعاطي معه ،ذلك الصلح الذي ما إن يبدأ في مجتمع من المجتمعات حتّى يؤسس
لحركة حضاريّة واعدة .وقد اعتبر الفغاني أن جملة مظاهر القوة والتقدم الموجودة
فقي الغرب إنمقا هقي أثقر مقن آثار حركقة الصقلح التقي قادهقا "مارتقن لوثقر" والتقي
أثمرت أول ما أثمرت حرية العقل من سطوة الجمود الديني(..)1
كان الفغاني يعتقد أن الشرق بحاجة إلى حركة دينية هو الخر تحرّره من ذات
سققطوة الجمود التققي عانققى منهققا الغرب دينيّا ،كمققا أنّه بحاجققة إلى حركققة إصققلح
سقياسيّة تعالج ذات العبقث السقياسي الذي فارققه الغربيون تفيقد مقن القيقم الحضاريّة
الوربيّة( .)2وفقي حوار للفغانقي مقع "عبقد القادر المغربقي" سقأله فيقه "عبقد القادر
عن معنى ما يقصده "بالحركة الدينية" أجاب بأنّه كما استفادت أمم "أوربا" بحركة
)(1يراجع في هذه الفقرة وفي الفقرتين بعدها :مقال د .منصور الجمري ،التجاهات السياسية-الفكرية في
الوسط السلمي -موقع بلغhttp://www.balagh.com/mosoa/fekr/071cl68g.htm .
)(2وقد استفاد دعاة الصلح الديني المسلمون من مقولت عصر النوار"الوربي" ،الذي اعتبره البعض
نتيجة من نتائج تأثير السلم في الغرب" :يمكن القول إن هناك علقة وطيدة بين فلسفة التنوير وبين
السلم ،وأن السلم كان سببا من أسباب نشأتها ،وشكل أحد روافدها التاريخية .يدل على ذلك كثرة
إحالة فلسفة عصر النوار إلى السلم ،باعتباره نموذج الدين المستنير"[ .يراجع :د.حسن حنفي ،مقدمة
كتاب :ليسنج :تربية الجنس البشري " ،التنوير ،بيروت ،ط ،1د.ت ،ص .]56
14
"لوثيروس" الدينية ،وإصلحه تعاليم الديانة المسيحية ،كذلك نحن معشر المسلمين
يجب علينا أن نستفيد من حركة دينية نقوم بها ،ويكون من أثرها إصلح تعاليمنا،
وتحسقين حالة اجتماعنقا .")1(..والظاهقر بشكقل جليّق أنّق الرجقل كان يقوم بذات العمقل
باعتباره "لوثر" الشرق..
وقققد ذهبققت مدرسققة الفغانققي شوط ًا بعيداً فققي هجومهققا على النماط التقليديققة
للمؤسققسة الدينيققة عندنققا والتققي اعتبروهققا المسققئول السققاس عققن حالة النحطاط
الفكري العام الذي أصقاب المسقلمين عامّة ،ويلفقت محمقد عبده " فقي سقجاله الشهيقر
مع " هانوتو"( )2إلى أ نّ المسلمين لم يعودوا -بمؤسستهم الدينية التقليدية -ممثلين
للسلم الصحيح ،السلم الذي هو دين العلم والعقل ،ويكرر محمد عبده "لهانوتو"
مقا سقبق وصقدم بقه الفغانقي المؤسقسة التقليديقة بقوله" :إن عقلء الفرنقج يتدبرون
آداب القرآن وتعاليمه العالية ،ويحكمون بأنه خير قانون لصلح البشر ،ويهمّون أن
يسقققلموا ،ثقققم ينظرون مقققن خلل القرآن إلى المقققم السقققلمية المنتشرة فققي آسقققيا
وإفريقيقا ،فيرونهقا مقن أحقط المقم شأنقا ،وأشدهقا ابتعاداً عقن روح الديقن والمدنيقة،
وممارسققة الفضيلة ،فينفرون مققن السققلم ،وينظرون إلى القرآن كالمرتابيققن فيققه..
وهكذا يدعوهم القرآن للسلم ،وينهاهم المسلمون عنه؟ فالواجب علينا إذاً قبل كل
شيء ،أن نثبت للوربيين أننا غير مسلمين ،وبهذه الصورة ،يمكننا أن نجذبهم إلى
السلم ،ونحسّن اعتقادهم فيه()3؟"
عبد القادر المغربي ":البينات في الدين والدب والجتماع والتاريخ" ،والنص موجود في :محمد كامل )(1
15
التقليدية ل إلى عدم الوقوف وراء ما كان يدعو إليه الفغاني وعبده ،بل إلى معاداة
الرجليقن .ولعقل هذا مقا دفعهقا بعدهمقا لخقذ مواققف صقارمة جداً مقن كقل طرح يقترب
مقن هذه الناحيقة مقن القراءة ممّا أدّى إلى إحداث حالة مقن الشرخ فقي العلققة بيقن
الصقل والمسقتحدث ،وتدعيقم سقوء الفهقم بيقن دعاة الحداثقة وبيقن أصقولهم ممّا مكّن
لوجود المشكلة الكبرى في تاريخ حركقة النهضقة العربيقة المعاصرة؛ حيث لم تتمكن
مقن أن تجقد بعقد الشيخيقن مقن يقوم على رعايتهقا بهذا القدر مقن التسقاع وعلى هذا
القدر من الصالة اللّذين بدأت بهما على عهد المؤسسين ،ومما يؤسف له أنّه وفي
الوقققت الذي وُوجققه فيققه تلمذة المدرسققة مققن دعاة النهوض بهجوم أصققحاب الفكققر
المنغلق ،تطرّفوا هققم أنفسققهم وأوغلوا فققي التعاطققي مققع السققتغراب الحضاري بعيداً
عققن الموروث المحدّد للشخصقيّة القوميّة ،وبغيققر مققا قدرة على مواجهققة اسققتحقاق
التأصقيل النهضوي ،ممّا جعلهقم يقعون فقي فخّق التغريقد خارج السقرب ،وفقدان الثققة
مقن العامّة ،وبالتالي خطيئة ترك الخيريقن بيقد المنغلقيقن؟ ومقن غيقر المسقتبعد أن
يكون تطرّف الجيال اللحققة مقن هذه المدرسقة وإيغالهقا فقي السقتغراب كان السقبب
الصقيل فقي اسقتنهاض ردّة "أصقوليّة" وجدت بغيتهقا فقي هذا التطرّف ،فتطرّفقت هقي
الخرى فققي معاداة كلّ مظاهققر التحضيققر السققياسي والنهضوي ،ومعاندة كلّ مظاهققر
القابليّة للتواصل مع الخر الحضاري.
16
المبحث الثاني:
أشد ما هو مطلوب منا اليوم أن نقف موقفَ جزمٍ قاطع ما بين قراءتين للسلم،
بَدَتَا في مطالع النهوض كما لو أ نّ أولهما قراءة الراسخ المؤسس ،وظهرت الثانية
بمظهققر المعيققق المدمّر ،لنقول بقطققع :أنقّ هاتيققن القراءتيققن اللتيققن أشرف عليهمققا
عصققر النهضققة -وهمققا قراءتان قديمتان جداً فققي التعاطققي مققع السققلم -إنّمققا همققا
قراءتان تقضققي ضرورة الظرف القائم وتقضققي تجربققة النهوض ،وتجربققة التاريققخ
العربقي السقلمي الطويقل بعدم إمكانيّة تعايشهمقا معاً ،وأنّه إذا كان معامقل التفرققة
القديم ،في مجال النظر العقلي ومدى سعته ،هو بين أصحاب العقل وأصحاب النصّ،
وإذا كانقققت النظرة الملزمقققة لهذا العامقققل هقققي دوماً فقققي محاولة التوفيقققق النظري
للخروج بنظرة يتقارب فيها العقل والنقل؟! فعامل تفرقة اليوم ينبغي أن يكون جازماً
وحاسقققما بيقققن العقلء وبيقققن المجانيقققن ،ونحقققن ل نقبقققل أبداً أن يكون مصقققطلح
"المجانيقن" مرادف ًا أو دالّ على "النقص" فالنصّق خطاب للعقلء فققط .وحتّى يكون
طرحنا واضحاً فإنّ ضابط العقل عندنا هو ما كان عليه الباء المؤسسون للنهضة.
ونعتقد بيقين أ نّ نظرة الباء للسلم إنّما تأسست على نظرة الصحاب رضوان
ال تعالى عليهققم الذيققن توافقوا مققع كافّقة معطيات التطور والتزموا إعمال العقققل،
والمنطقق ،بقل إلى تحكيمهمقا والسقتناد إليهمقا ،ألم يجمعوا القرآن تحقت دعوى أنّه
"هققو وال خيققر"؟( )1أي :أن قّ المصققلحة وقواعققد المنطققق قاضيققة بهذا الجمققع؟ ألم
17
يقاتلوا مانعي الزكاة تأسيساً على "شرح صدر الصديق( ")2أ ّ
ي أنّ جملة ما توفر من
معطيات قاضية بدعم القرار الذي اطمأنّ إليه واتخذه؟
إنّق الغالبيقة مقن المسقلمين -وبفعقل الخطاب غير المؤهقل للنخبقة الدينيقة منقذ بدأت
عصققور النحطاط -ل يفهمون السققلم ول يتعاطون معققه إل على قاعدة أنّقه قانون
يلزم على المؤمنيققن النصققياع إلى بنوده وتطققبيقه بحذافيره الدقيقققة ،ول يعتققبرون
التديقن إلّ ذلك النوع مقن التسققليم بالوامققر والمتناع عقن النواهقي ،واللتزام بحكققم
الشريعة .وعلى هذا ل يصبح السلم رسالة يجب على المؤمنين بها استلهام الوحي
من معانيها العامة ،وإنما منظومة من الوامر والنواهي على المخاطبين بها تنفيذها
وحسب ،وعليه فلم يعد محلّ اهتمام النخبة مسألة حسن وسوء فهم الدين ،بقدر ما
عاد المطروح مسقألة مقا إذا كنقت مقصقّرا فقي أداء الواجقب مقن عدمقه؟ وهقو مقا أتاح
للرسقوم والشكليات أن تأخقذ مكانهقا مزيحقة العققل والروح مقن حسقابات التديّن؟ وهقو
ارتداد -ل شك -إلى ما قبل الوحي المنزل على محمد صلى ال عليه وسلم؟
إنققّ النجاز الكققبر لباء النهضققة هققو إعادة الفاعليّقة للقراءة الصققيلة للديققن،
واعتماد منظومقة فكريّة مضادة لهذا الفهقم الذي يواجقه السقلم ويلغيقه مقن التاريقخ
بالكامقل ،إنّق أخطقر سقمات السقلم الذي آمقن بقه الباء ،وكانقت الدعوة إليقه والتركيقز
عليققه ،سققمة الديققن الثائر المحرّر ،فققي مواجهققة فكرة "الديققن" –ومققا هققو بديققن-
المسقتعبِد المسقتذِل ،الذي ل كقبير فرق فقي تصقوّرات الداعيقن إليقه بيقن "الله" وبيقن
أيّ متكبر أرضي ل يريد من محكوميه غير الطاعة العمياء .لقد ركز أصحاب القراءة
الفاسدة للدين على معنى الستسلم ُم ْغفِلين -عن عمد أو جهل -معنى السلم ،الذي
ل يمكققن للنسققان أن يحياه وهققو يحيققا حياة الفصققام بيققن عقله الذي هققو المكوّن
)(2يُراجع :محي الدين النووي ،شرح مسلم 1/200 ،وما بعدها .وينظر :الخطّابي ،معالم السنن ،وهو
شرح سنن المام أبي داود ،المكتبة العلميّة ،بيروت ،ط 1401(2هـ=1981م) 2/3وما بعدها .وينظر:
الشوكاني ،نيل الوطار ،من أحاديث سيّد الخيار ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،د.ت ،مج -4/119 ،2
.121ويراجع :الماوردي ،الحكام السلطانية ،ص .58-57
18
السقاس لذاتقه ،والمعلل السقاس لوجوده ولدوره على الرض ،وبيقن جهقد دائب مقن
ن والنس
أجل طمس هذا العقل؟ ولئن كان تأويل الية" :وما خلقت الج ّ
إل ليعبدون" معناه أنّه ليس مطلوباً من النسان سوى أن يكون محض التعبد،
أي أن يُحدث الطاعقة للمعبود فيمقا أمقر بقه إيمان ًا وإسقلماً مقن دون الحاجقة إلى سقند
عقليققّ ،ول التوققققف فقققي تنفيقققذ هذه الطاعقققة على إدراك العلل ،فلعمري لم كرّم ال
النسققان بالعقققل ،ولم امتلت آيات كتابققه بمطالبققة هذا الخيققر بإعمال هذه اللطيفققة
واتباع هداها؟ لقد احتج الملئكة على خلق النسان بأنّهم أكثر منه إسلماً ،وعبادة،
وطاعة -وهم في كلّ ذلك محقّون -فحاجّهم ال تعالى بعلم النسان –عقله .-وقد ذكر
ال فقي كتابقه العزيقز تلك المانقة التقي أبقت السقماوات والرض والجبال أن يحملنهقا.
فهل أبَيْن حمل الطاعة والستسلم وهن ل يفعلن سواها؟ هذا لون من القراءة ينبغي
حسمه ،وإل فلن نخلص من أزمتنا بحال.
)2حسم التوجّه
أوجدت حالة التطرّف والتطرّف المضاد مقققن قبقققل الناهضيقققن والتقليدييقققن حالة
غريبققة تمثّلت فققي بروز تيارات أخذت على عاتقهققا مهمّقة الدفاع عققن الصققلحية
السقياسيّة والحضاريّة للسقلم ،ولسقباب كثيرة وققع عبقء هذا الدفاع –المتصقوّر-
عن "صلحية السلم" على عاتق جماعات خارج حدود الزهر الشريف ،مما أفقد
هذه الدفاعات أحقد أبرز مقوّمات سقلمتها وهقو قيام فقيقه مسقتبصر بشأن رعايتهقا،
كمقققا أنقّق تحوّل هذه الحركات إلى الطار الحزبيققّ فقققي حركتهقققا منعهقققا بعدُ مقققن أن
تسقققتجيب لضرورة اللتصقققاق بفقيقققه مرشقققد ،نزولً على الضرورات التقققي تمليهقققا
الحزبيّة مقن دعقم لقيادات حزبيقة بغضّق النظقر عقن تقدّمهقا الفكري أو الفقهقي ،وزاد
الطيققن بلّة أن قّ هذه الحركات قنعققت بأن قّ مققن مهامهققا السققعي نحققو اسققتعادة الوحدة
السقياسيّة للمسقلمين ،وهقي التقي لم تكقن أبداً مؤهلة ل على القيام على شأن الرشاد
الدينقققي ،ول على القيام بالعبقققء السقققياسي؟ وصقققار الحال إلى أنّنقققا نمتلك مدرسقققة
19
نهضويّة ل تؤمن بتراثها ول بشعوبها ،ومدرسة حركيّة ذات صبغة دينيّة ل تعترف
بحدودهقا ،ول تلتزم بتخصقصاتها ،وعلى هذا اختلط الحابقل بالنّابقل وليقس مسقتغرباً
والحال هذه أن يضيققع زهاء القرن فققي عبققث فققي التوجّه كان مققن الواجققب اللتفات
لسبابه منذ بدايته؟!!.
لقد كانقت الزمقة وما تزال حضاريّة بالمعنى الحرف يّ للكلمقة ،ولم يكن هناك ثمّة
غياب للسققلم ول حاجققة لترف إعادتققه ،إنققّ المسققألة برمّتهققا أزمققة فكققر ،ومأزق
حضارة .أمّا السقلم فهقو حيّ فاعقل دوماً فقي ضميقر الجماعقة السقلميّة(مسقلمين
وغيقر مسقلمين) ،ولم يكقن بحاجقة يوماً لجماعات تعمقل كقي تؤكّد على صقلحيته أو
على اسقتعادته مقن غيبتقه؟!! إذ هذا كلم قبيقح قبقل أن يكون مغفّل ،فصقلحية القيقم
السلميّة هي من ركائز العقل الجمعي للمّة ،وهذه الجماعات التي آمنت به عقيدة
(من المسلمين) أو قيماً (من المسلمين وغير المسلمين) وحافظت عليه في إطار أمّة
واحدة ،والتقي عاندت كلّ ظروف التغييقب وكلّ حروب البادة ليقس جزاؤهقا اليوم أن
تواجقه بحفنقة مقن "المغفّليقن" يتهمونهقا بتضييقع العقيدة ،أو تغييقب القيقم الحضاريّة
للدين؟
المسألة رأساً ،وحتّى نحسم توجّهنا اليوم هي مسألة إصلح سياسي ،إلى جانب
إصقلح ضروري للتعاطقي مقع الديقن بمقا هقو مكون أسقاس للوجدان العام ،وهقو عيقن
ما توجّه إليه الفغاني الذي دعا إلى إصلح الفكر الديني ،لكنه في السياسة أنشأ أو
سقاهمت جهوده فقي إنشاء مقا أطلق عليقه" :الحزب الوطنقي" وهقو تجمّع للناشطيقن
والمفكريقن المتّجهيقن بالصقالة لمعالجقة الهمقّ السقياسي وهمّق السقتقلل ولم ينشقئ
"جماعة الخوان المسلمين"؟ لقد كان الوّل اتجاهاً للنهوض المنصب الهتمام على
إصقلح المعضقل السقاس فقي حياة النّاس -كلّ النّاس -وهقو المعضقل السقياسي وققد
تضمّن من ضمن ما تضمّن من أفكار هذا الصلح فكرة الجامعة السلميّة ،وهي ل
شكّ فكرة محترمة من جهة أنّها ضمير الجماعات السلميّة التي تمثّل دولً في شتّى
20
أرجاء المشرق ،بيد أ نّ طريق الفغاني كان محدداً وواضح المعالم جامعه" :النضال
السياسي" بكلّ صوره ،ومع أنّنا سمعنا منه حديثاً ذا شجون عن ضرورة "الصلح
الديني" فإنّنا لم نسمع دعاية ""عودة السلم" إذ ل يمكن أن يستتبع ذلك إل سؤالً
سققاخراً :مققن أيققن؟( .)1ولعلّك لو أقمققت لحظققة لتلحققظ الفرق بيققن العنوانيققن وبيققن
الغايتين لستبان لك البون الشاسع ما بين التوجهين والفكار الحاكمة في كلّ حال؟.
إنّنقا فقي أمقس الحاجقة لن نأخقذ مكاننقا فقي الركقب الحضاري العالمقي بضرورة
حضارية وبواجب قيميّ تمليه علينا رسالتنا الحضاريّة التي هي رسالة القيم ورسالة
انتظام علققة السقماء بالرض وصقلح النسقانيّة مقع ربّهقا .هذه الرسقالة الحضاريّة
جديرة بأن تجعلنققا نواصققل جهادنققا مققن أجققل مجاوزة التغييققب ،والبعاد عققن حلبققة
التنافقس الحضاريقّ .ول مجال فقي كلّ هذا لسقتحضار أزمقة متعلّققة بعقيدة المّة إذ
المّة التي تعود اليوم لملء الفراغ الحضاريّ هي ذاتها تلك المّة التي حفظت رسالة
القيقم ،والتقي مقا تزال وهقي فقي أردأ حالتهقا الحضاريّة عاضّة على هذه المكتسقبات
النسانيّة ،بل متقدّمة بوعيها الجمعي على نخبها الفكريّة والدينية على السواء بما
يدلّ على أن قّ نهوض المّقة مققن كبوتهققا أمققر مفروغ منققه شريطققة أن تتخلّص مققن
معيقيهقا ،وأن تتعلّم مقن وسقائل السقاسة ومقن دروس الصقراع مقا يجعلهقا تفيقق مقن
غفلتها الحضاريّة للقيام بواجباتها نحو النسانيّة .إ نّ علينا أ نّ ندرك أ نّ سقوطنا أو
اسقتمرار سققوطنا إنّمقا هقو سققوط للقيقم الحضاريقة النسقانيّة الكقبرى .عامديقن فقي
تقديققم رسققالة القيققم هذه إلى تقديققم السققلم باعتباره قِ َيمٌاً وتراثٌاً حضاريّا للنسققانيّة
كلّهققا ،ل على أنّقه "صققهيونيّة مسققلمة" ترفققع الشعققب المسققلم فوق كلّ الشعوب،
وتحتكر له السيادة على النّاس في الدنيا قبل الخرة؟!!
إنققّ لدينققا ميراثاً ضخماً مققن القبول الحضاري للسققلم علينققا أن نتجاوب معققه
ويكفقي هنقا أن أعرض لمقا ذكره "الميقر تشارلز" فقي كلمتقه التقي ألقاهقا فقي جامعقة
)(1من المهم أن يراجع" :شكيب أرسلن"« ،لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟».
21
أكسققفورد فققي شهققر أكتوبر مققن العام 1993م حيققث يقول" :وكثيرة هققي السققمات
ل مقتبسقة مقن أسقبانيا المسقلمة:
واللمسقات التقي تعتقز بهقا أوربقا الحاليقة التقي هقي فع ً
الدبلوماسقية والتجارة الحرة والحدود المفتوحقة وأسقاليب البحقث الكاديميقة فقي علم
أصقل النسقان ،والتيكيقت والزياء والدويقة البديلة والمسقتشفيات .فكقل هذه وصقلتنا
مقققن هذه المدنيقققة العظيمقققة .وكان السقققلم فقققي القرون الوسقققطى معروفاً بالحلم
والتسقامح عندمقا كان يسقمح لليهود والمسقيحيين بممارسقة شعائرهقم الدينيقة ،واضعاً
ذلك مثالً ،لم يتعلمقه الغرب لسقوء الحقظ لعدة قرون ..إن السقلم جزء مقن ماضينقا
وحاضرنقا فقي جميقع مياديقن الجهقد البشري .لققد سقاعد السقلم على تكويقن أوربقا
ل بعيداً عنا".
المعاصرة فهو جزء من تراثنا ،وليس شيئ ًا مستق ً
كما ل أراني بحاجة أن ألفت إلى أنّ النهوض إنّما هو مشروع خاصّ تملك المّة
جميع حقوق إنتاجه ،فجديلة رجال النهوض التي تشتمل على الكثير من الفادات من
الغرب وتجاربققه ،ليققس مققن المسققتساغ ول مققن المقبول أن توسققم بأنّهققا "علمانيّة
عربيّة" أو "علمانيّة مؤمنقة" ،إذ العلمانيّة فقي الحقيققة هقي أصقل المشروع الغربقي
الذي وضقع حدّا لذلك العبقث السقياسي والدينقي الذي كان موجوداً فقي الغرب ،ومكّن
22
للغربييققن مققن النطلق نحققو صققناعة الحضارة المعاصققرة ،إل أنققّ العلمانيّقة تبقققى
مشروعاً غربياً ،أمقا ذلك النسقج الذي ابتدعقه الباء ممّا نملكقه وممّا أبدعقه غيرنقا،
فإنققّ المانققة تلزمنققا بأنققّ نسققمّي مشروعهققم باسققمه الخاص والمسققتحقّ(مشروع
النهوض العربققي) .ولعققل السققتنتاج الذي توصققل إليققه محمّقد عابققد الجابري حول
القتباس الخاطقئ لمسقألة العلمانيقة –فقي كتابقه :فقي نققد الحاجقة إلى الصقلح -مقن
شأنه أن يشكل مدخلً منهجياً إلى قراءة هذه المسألة؛ إذ يقول :لقد طرحت العلمانية
في العالم العربي ،في القرنين الماضيين ،طرحاً مزيفاً ،أريد منه التعبير عن حاجات
معينقة بمضاميقن غيقر متطابققة مقع تلك الحاجات ،فالحاجقة إلى السقتقلل فقي إطار
هوية قومية واحدة ،والحاجة إلى الديمقراطية التي تحترم حقوق القليات ،والحاجة
إلى الممارسقققة العقلنيقققة للسقققياسة ،هقققي حاجات موضوعيقققة فعل ،ولكنهقققا تفققققد
معقوليتهقا ومشروعيتهقا عندمقا يعقبر عنهقا بشعار ملتبقس كالعلمانيقة .مقن أجقل ذلك
دعقا الجابري إلى ضرورة اسقتبعاد هذا الشعار مقن قاموس الفكقر العربقي وتعويضقه
بشعاري "الديمقراطيققة" و"العقلنيققة" اللذيققن يعققبران بشكققل متطابققق عققن حاجات
المجتمع العربي(.)1
)(1يراجع مقال" :في نقد الحاجة إلى الصلح لمحمد عابد الجابري..الديموقراطية والعقلنية بدلً من
العلمانية" منشور على موقع الحركة المصريّة من أجل التغيير "كفاية" ،بتاريخ 01/11/2005م.
23
()1
الفصل الثاني
الردّة الكبرى
(ردّة عن منهج الدين العاقل)
"إذا كان المسلمون فرقوا بين غزوتي بدر الكبرى والصغرى بواقع الخطر
المترتب على كلّ ،فنحن اليوم نفرّق بين ردّتين قد ل تشتملن على كفر بالضرورة،
ل منهما تشتمل على ما يسوّغ للعقلء نعت أصحابها بالسم السوأ (مرتدين)
لكنّ ك ً
لنّهم فعلوا الفعل الكثر سوءا ،وعلى ذات القاعدة البدرية نفرّق بين الخطرين
المترتّبين على ك ّل من الردّتين ،فما بين مانعي الزكاة وبين مانعي اعتبار العقل فرق
في التأثير والخطر يحتّم نعت الخيرة بالكبرى؛ لنّ ردّة مانعي الزكاة لم تزد على
كونها تهديدا –وإن كان كبيرا جدّا -لسيادة الدولة ،فيما جاوزت الثانية لتعمد إلى
تقويض الدين في ظلل إطار خفيّ أسوأ ما فيه أنّه متستّر بلباس الورع والتقوى؟"..
عن العقلنية..
حين تمعن النظر في الحياة النسانية بعمومها تستطيع أن ترى الطائفة العظمى
من أبناء المجتمع النساني -وهم من يطلق عليهم العوام -تميل ناحية إراحة ذهنها.
وهقو وضقع عام فقي سقائر الجماعات البشريّة ،وإن تفاوتقت الطوائف البشريّة فقي
درجة المزاج الذي به تميل به العامّة عندها إلى هذه الناحية من التفكير.
إعادة قراءة لما كتبه الفيلسوف الكبير د .زكى نجيب محمود ،في كتابه "تجديد الفكر العربي" نشر دار )(1
الشروق2004 ،م.
24
مقا تحكقم بقه قواطقع القراءة يؤكقد أنّق إراحقة العققل مادّة جذب قوي لك ّل العامّة،
ولدعقم السقاسة كلّ السقاسة ،فقي مختلف البيئات والعصقور؟ وهقي محلّ نققد ك ّل ألوان
الصققلح الدينققي والمدنققي على حدّ سققواء ،والتراث السققلمي ممتلئ بالدللة على
ه
عو ُ فأَطَا ُ
ه َ م ُ
و َق ْ خ َّ
ف َ ست َ َفا ْ تسفيه هذا المزاج والنعي على أصحابه(َ { ،)1
ول َ ْ
و ن َقْرآ َن ال ْ ُفل َ يَتَدَبَُّرو َن}({ .)2أ َ َقي َ
س ِ
فا ِما َ
و ً م كَانُوا َ
ق ْ إِن َّ ُ
ه ْ
فا كَثِيًرا}( .)3هنققا
ختِل ََ ً
ها ْ جدُوا ْ ِ
في َِ ه لَ َ
و َ ر الل َّ ِ د َ
غي ْ ِ عن ِ
ن ِ
م َْ كَا ََ
ن ِ
ينبغقي أن نذكّر بقول "أبقي العلء المعرى" الذي يشيقر إلى أنّق إراحقة العققل طبيعقة
مفطورة فققي الناس ،فإذا أنققت قسققرتهم على خلف ذلك فإنّهققم سققرعان مققا سققيفكون
القيقد ويرتدون إلى مقا جُبلوا عليقه ،يقول المعرّي" :ولكقن أيقن مقن يصقبر على أحكام
العققل ،أو يصققل فهمقه أبلغ صققل؟! هيهات! عدم ذلك فقي مقن تطلع عليقة الشمقس..
إل أن يشذ رجل في المم".
ل يعيققي الراصققد ملحظققة ذلك الرتباط القوي بيققن منهققج إراحققة العقققل وبيققن
الوجدان الجمعقي للعوام فالجماهيقر منقذ أزل التاريقخ المعروف مفتونقة بالغيقب دون
الشهادة ،بالباطقن دون الظاهقر بالخفاء دون العلن ،بالضمار والرمقز دون الفصقاح
وصقراحة التعقبير ،فإذا مقا وجَدَتْق المسقتور المحجوب مالت بدورهقا معقه وهقي فقي
حالة من السقكر والنّشوة غريبتين ،خصقوص ًا عوامّق الشرق الذين يسقعدهم ويرضيهقم
أن يكون وراء الظواهقر الثقيلة على الروح حقائق تخفقى على البصقار ،كمقا تمتعهقم
أحاديققث الخوارق بمققا ل تقترب منققه ول تلتقققي معققه أحاديققث الضوابققط .فالجماهيققر
الشرقيّة تجتاحهقا بيسقر موجات اللعقلنيقة الهيمانيقة ،وهقي تنفقر فقي عمومهقا ممقن
يحاول إزالتها وتميل مع من يزيدها في نفسها رسوخاً ،فالجماهير الشرقية دراويش
بالوراثة ،ول عجب أن تروج فيهم الخرافات والكرامات والخوارق بأسرع من رؤية
)(1يراجع مقالنا :التصور السلمي للتطور السياسي والعقلي للنسانية.
)(2سورة الزخرف ،آية.)54( :
)(3سورة النساء ،آية.)82( :
25
البرق إذا لمققع ..فالناس فققي هذه المنطقققة مققن الرض وعلى امتداد الزمققن تقريبققا
تهولهقققم الفجوة الفاصقققلة بيقققن ظاهقققر العالم وباطنقققه ،بيقققن المخلوقات وخالقهقققا،
ويتشوفون إلى طريقق يعقبرون عليقه تلك الفجوة مسقتدبرين الظاهقر ،ومقبليقن على
الخفي الباطن .مَ ْيلٌ ملغز يشد النّاس إلى الغيب المجهول يريدون أن يصلوا إليه في
خفائه كارهين أن يعوق فكرهم ِث َقلُ القوانين؟
العقل العربي..
حيقن يذكقر الشرق والغرب ينبغقي أن يترسقّخ فقي مخيلتنقا أنّنقا بالصقالة "عرب"
أي أنّنقا وسقط مقن ك ّل وجقه أردت ..فإذا ذكرت الجغرافيقا فنحقن وسقط مقا بيقن المقم،
وإن ذكرت الطبقع والميقل فذلك ،وإذا ذكرت العقلنيقة ،فهقي مقا أريقد ..فنحقن أصقحاب
ن وجداننا يحكمه العقل ،وراجع إذا شئت علمة وجداننا
وجدان كما عامّة الشرق لك ّ
وهققو الشعققر ،سققترى حكيماً يروّح عققن ذهنققه باللفققظ الطرِب ،ونحققن عقلنيون كمققا
الغربيين ،لكنّ عقلنيتنا منظمة غير منطلقة في الفراغ.
اتفققق العرب مقع اليونان على أنقّ صققورة الكمال النسققاني تتمثّل فقي "العقققل"،
و"العقققل" عندهققم جميعاً هققو مققا يقابققل "الهوى" ،أي :مققا ل يتعدد حكمققه بتعدد
الشخاص أو بتعدد النزوات عنقد الشخقص الواحقد .مثال ذلك قولهقم" :نصقف العشرة
خمسققة" ،فهذه مسققألة ل يمكققن تعدد الجابققة عليهققا بتعدد العقلء أو بتعدد النزوات
عنقد عاققل واحقد .أمّا "الهوى" فيتعدد حكمقه بتعدد الشخاص ،وبتعدد المزجقة عنقد
الشخققص الواحققد ،ول يؤدي نقيضققه إلى الحالة ،مثال ذلك قولهققم" :الشروق أجمققل
من الغروب".
26
يقول :د .زكى نجيب محمود ":واني لزعم هاهنا بان أبرز ما كان يميز العربي
القديم في وقفته تجاه العالم من حوله هو أنه نظر إليه نظرة "عقلية"" .وينقل عن
"محمقد إقبال" قوله :كان لبقد وان يكون "محمقد" (صقلى ال عليقه وسقلم) خاتقم
النقبياء؛ لنقه جاء يدعقو إلى تحكيقم "العققل" فيمقا يعرض للناس مقن مشكلت .ومقا
دمت قد ركنت إلى العقل ،فلم تعد بحاجة إلى هداية سوى ما يمليه عليك من أحكام".
كما ينقل عن "الرازي" في "الطب الروحي" أو "طب النفوس" أن نموذج النسان
هقو مقن كان محكومقا بعقله ،والعلة فقي هذا :أن العققل أجلب للمنافقع الثابتقة مأمونقة
العاقبقة لنقه يزن الفعال قبقل ظهورهقا للحقس ،ول يتبقع الشهوات المنقلبقة إلى همقّ
وغمّ ،ول الغضب المؤدى لمثلهما .كما ينقل عن الجاحظ قوله :أليس العقل هو وكيل
طمُه عن أن
خِال عند النسان؟ وقوله" :وإنما سمي العقلُ عقلً لنه يلزم اللسان و َي ْ
يمضى ..في سبيل الجهل والمضرة كما يخطم العقال البعير".
أخطر ما قدّمه العرب للحضارة النسانية في ميدان التفكير والفلسفة والعقل أ نّ
مفكّريهم زيادة على كونهم قدّموا العقل –كما اليونانيين -فإنهم ل يتصورون إمكانية
التوقف على حكمة العقل هكذا دونما أن تمتد هذه الحكمة إلى فعل يؤدى .كما أنّهم ل
ينطلقون وراء العقققل هكذا لجققل النطلق فهققم عمليّون يسققتخدمون العقققل تنظيراً
وتطبيقاً فيما يعود بالنفع الظاهر ،ولذا تراهم تمتلئ كتب الفقه والداب عندهم بإنكار
النشغال بما ل ينفع؟
إذن ل يكون العلم علما عند العربي إل إذا طلب منفعة وتأسس عليه عمل نافع.
-يقول د .زكقى نجيقب محمود" :وفقى ظنقي أن هذه الضافقة جاءت لتميقز المفكقر
العربي عن سلفه اليوناني" -ممّا يستتبع اللتفات إلى ما هو أخطر ،وأهم ،وهو أ نّ
العربي قّ ل يتص قوّر أخلقيّة للضميققر ل تتنزل على تحسققين للفعال فل يتص قوّر عنققد
العربي أن تصفو النية ثم يقف النسان بهذا الصفاء عند هذا الحد بل المطلوب نقل
النيقة إلى فعقل يجسقّد أخلقيقة هذه النيقة ،فيتحوّل الفرد مقن نيتقه الصقالحة التقي تجعله
27
فردا متميزاً فقي فرديتققه إلى فاعقل إيجابقي صقالح ممّا يجعققل منققه مواطنقا نافعاً فقي
جماعته (وطنه).
وقد وردت الثار منبّهة إلى أهميّة ونفعيّة كون الفرد صالحاً نافعاً لجماعته ،ففي
جلٌ ِممّنْق كَانَق
الصقحيح عَنْق رَسقُو ُل الِّ صقلى ال عليقه وسقلم أنّه قال « :حُوسِقبَ َر ُ
شىْ ٌء ِإ ّل أَنّ هُ كَا نَ ُيخَالِ طُ النّا سَ َوكَا نَ مُو سِراً َفكَا نَ يَ ْأمُرُ
قَبْ َلكُ مْ فَلَ مْ يُوجَدْ لَ هُ مِ نَ ا ْلخَيْرِ َ
جلَّ :نحْن ُق َأحَقّق بِذَلِك قَ مِنْه قُ
غ ْلمَانَه ُق أَن قْ يَ َتجَاوَزُوا عَن قِ ا ْل ُمعْس قِرِ قَالَ :قَا َل الُّق عَزّ َو َ
ِ
َتجَاوَزُوا عَ ْنهُ(.»)1
س إِ ّنكُمْ
حمِدَ الَّ َوأَثْنَى عَلَيْهِ :يَا أَ ّيهَا النّا ُ
ن َ وعند أبي داود( )3أ ّ
ن أَبُا َبكْرٍ قَالَ َبعْدَ أَ ْ
م لَ سك ُ ْ
ف ََ م أَن ْ ُ علَيْك َُ ْ
ضعِهَقا { َ ضعُونَهَقا عَلَى غَيْرِ َموَا ِ َتقْ َرءُون قَ هَذِه قِ ال َيةَ وَتَ َ
ض َّ
م} وإنّا سقمعنا النّبِيّ صقلى ال عليقه وسقلم هتَدَيْت ُ ْ ل إِذَا ا ْ ن َ م ْ م َ ضُّرك ُ ْ
يَ ُ
ك أَنْ َي ُع ّمهُمُ الُّ ِبعِقَابٍ».
س إِذَا َرَأوُا الظّالِمَ فَلَمْ يَ ْأخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ َأوْشَ َ
يقول« :إِنّ النّا َ
وفقي روايقة« :مَا مِنْق َقوْمٍق ُي ْع َملُ فِيهِمْق بِا ْل َمعَاصقِي ثُمّ َيقْدِرُونَق عَلَى أَنْق ُيغَيّرُوا ثُمّ لَ
ك أَنْ َي ُع ّم ُهمُ الُّ مِ ْنهُ ِبعِقَابٍ».
ُيغَيّرُوا ِإلّ يُوشِ ُ
فليس من المتصوّر عند العربي المسلم أن يكون هناك عقل في صومعة ل يبرح
مكانقه ليقوم بواجقب النفقع العام (يأمقر بالمعروف وينهقي عقن المنكقر) ،ول يقول حقّا
28
عنققد سققلطان جائر .هذا أمققر غيققر متصقوّر فققي الفكققر العربققي الحققر ،ول فققي الفكققر
السلمي الرصين.
ن العقل اسم يطلق على "فعل" من نمط ذي خصائص يمكن تحديدها وتمييزها.
إّ
و"الفعقل" نوع مقن الحركقة أو النشاط .يقول :د .زكقي نجيقب :والذي يعنينقي مقن ذلك
التحديقد هقو تلك "الحركقة" التقي أنتققل بهقا مقن مقدمقة إلى نتيجقة تترتقب عليهقا .فهقي
أهمقّ كلمقة فقي هذا التحديققد فإذا لم يكقن ثمققة انتقال مقن خطوة إلى خطوة تتبعهقا فل
عقل؟ وبمعنى محدّد :أنّه إذا جاءني أحد بنبأ فصدقته إيماناً فل عقل ،وإنّما العقل أن
اختبر هذا المسموع.
حيققن نحققد العقققل بهذا التحديققد الصققارم نقول :إن هذا مققا كان عليققه العربققي أو
المسلم القديم كلما تأمّل أو نظر .إ نّ العربي المسلم حين رأى لغة قرآنه تجرى على
قواع َد أقلققة ألّ يجقد لهذه القواعقد مقا يعللهقا ،على الرغقم مقن أنّق أحداً لم يطلب منقه
فعقل هذا ،وكان مقن اليسقير عليقه أن يسقكت ول يفعقل .ولمقن أراد البيان الناصقع فقي
هذا فعليه بكتاب "الخصائص" للمام ابن جِنّي ،وهو واحد من أكابر أئمّة فقه اللغة
في التاريخ.
كان بيقن العرب ويونان أمقم أخرى وحضارات عديدة التققت بالحضارة اليونانيقة
إل أنّّهقا لم تفقد منهقا ولم تلتقق معهقا لقاء العرب ،ولئن سقألت نفسقك لمَق لم تسقتجب
الهنقد مثل للمنطقق الرسقطي تلك السقتجابة التقي اسقتجابها العرب؟ فققل فقي الجواب
مققا شئت لكققن جزءاً مققن الجواب عندي هققو أن قّ وقفققة العربققي مققن المور طابعهققا
العقلنيّة.
مشكلة تيّار العقلنققة فققي سققائر المققم أنّقه يتكوّن مققن جماعات المثقفيققن الذيققن
يهتمون بالفكرة العقليّقة ويغلب عليهققم أن يسققتمدوا أصققولها الثقافيققة مققن ينابيققع
الحضارة القائمة ،التي غالباً ما تكون آتية من خارج بيئاتهم ممّا يسبب شعوراً لدى
العامّققة -تؤيّده جماعات مقققن النخبقققة خائنقققة المانقققة -بأنقققّ هنالك خرق للعراف
والعادات ،وإبادة للتراث وللمقومات ،ممّا يستثير فيهم حميّة الدفاع عن الهويّة التي
يختلط بهققا حينهققا كلّ مظاهققر الجهققل القائم ،فهناك دوماً فارق فسققيح بيققن مققا ينزع
30
الناس إليقه بحكقم الطابقع أو ليثار السقلمة ،وبيقن مقا تُنقَل الثقافةُ لتدعوهقم إليقه؛ إذ
ستظل العقلنية دائما عقلً مستعاراً من ثقافة أكثر قِدَماً تستخدمه الصفوة لتقاوم به
دروشة الكثرة الغالبة وخيانة النخبة التي ل يعنيها إل أن تُمتع الجموع وتلقى الرضا
والقبول من العامة ،طلباً للتسويق ل للحق.
واحدة مقن أبرز إشكالت تيّار العقلنقة ولعلهقا مصقيبته الكقبرى دوماً أنّه محضقن
ملئم لجزء كققبير مققن السققاقطين الذيققن يلجئون إلى هذا التيّار كمدّعققي عقلنققه -كمققا
يذهققب شطرهققم لتيّار المحافظيققن كمدّعققي تديّقن ومحافظققة -بيققد أنقّق انعدام قدرة
العقلنييقن على تنقيقة صقفوفهم مقن هذه التسقاخات ممّا ل يمكقن قبوله إذ إنّهقم فقي
الصقل مسقئولون عقن إصقلح الجميقع والحقّق أنّق هذا مقا فشلت فيقه النخقب العاقلة،
وليققس بعيققد أن نسققتحضر أنقّ مققن أوعقز للمأمون بعقاب مققن ل يقولون بأنقّ القرآن
مخلوق هققو أحققد المحسققوبين على تيار العقلء فققي تاريخنققا ،ولسققت بصققدد تسققمية
جماعقة مقن أنكقد خلق ال التحقوا بتيار العقلنقة المعاصقر الذي أسقسه آباء النهوض،
فضيعوا النهوض ،وأساءوا إلى آبائه.
مشكلة الصقلحيين مقن أصقحاب العققل فقي التاريقخ العربقي المسقلم التقي ققد ل
يلتفقت إليهقا أحقد أنّهقم ل يُواجَهون رأسقاً مقن قبقل دعاة السقاطير ومنعدمقي العققل،
وإنّمققا تتم قّ مواجهتهققم بتيار توفيقققي هققو فققي تصققوري مققن إبداعات عصققر انحطاط
الثقافقة والفكقر العربييقن المسقلمين بامتياز ،إذ فقي ظنّي أنّق مقن أبرز عوامقل نجاح
النهضققة الغربيققة المعاصققرة أنّهققا لم تواجققه بظهور ذلك التيّار التوفيقققي ،فكانققت
المصارعة ندها بين تيارين في غاية التباين .وكان الصطفاف في غاية المتياز .أمّا
مقا حصقل عندنقا فهقو انتشار تيّار فاسقد العققل مريقض الذهقن جعقل انتماءه العقلي مقا
بيققن العقققل واللعقققل ،على اعتبار أنّق المّة أمّة وسققط ،مترجميققن الوسققطيّة بأنّهققا
الوقوف فقي المنتصقف مقا بيقن طرفيقن ،مقع أنّهقا بالمفهوم الكثقر سقذاجة ل تعنقي إل
الصواب أيّا يكن موقعه ،فأبو بكر لم يكن حين وقف موقفه من مانعي الضريبة عن
31
الدولة "بيْن بيقن" إنّمقا كان فقي غايقة التطرّف بالنسقبة لكلّ مقن حوله مقن الصقحاب
رضوان ال عليهققم مققع ذلك فقققد كان الوسققطيّة ذاتهققا .إنقّ الوقوف العقلي مققا "بيققن
بيققن" هققو -فوق كونققه مسققتحيلً -ضرب مققن الهرطقققة التققي تفضققي إلى ضرب مققن
اللمعقول .ومشكلة هذا التيّار أنّه يظلّ الكثققر تبجّحا فققي مواجهققة دعاة العقلنققة؛ إذ
فيمقا سقيخجل عديمقو العققل مقن سقذاجتهم أمام العلماء ،سقيقف دعاة القق"بَينَق بيقن"
ببجاحة ظاهرة ليقولوا إنّهم هم الوسطيون؟
ل واحداً ل
الذي يدققق النظقر فقي الصقول الفكريّة المؤسقسة لهذا التيار يجقد أصق ً
نعرف كيققف تسققنّى لصققحابه أن يعتققبروا بققه :هققو أصققل الخوف على الديققن مققن
التشويققه ،وعلى العامّة مققن الكفققر ،وكأنقّ الديققن "كحول" سققريع الطيران ،أو كأنقّ
العامّة إنّما دخلت السلم بمحض الصدفة فما هي إل أن يذهب عنها ما أصابها من
مسّ فإذا هي تنفلت من عقالها الذي وقعت في براثنه.
لققد بحثقت فقي الحقيققة طيلة عمري الذي أعيقه عقن أصقلٍ آخقر انفلققت منقه هذه
النبتققة الخبيثققة المضللة فلم أجققد سققوى هذا الصققل الخققبيث القبيققح الوقققح .إذ فيمققا
ن نََّزلْن ََا ال ِ
ذّكَْر يوص قّف ال سققبحانه هذا الديققن بأنّه محفوظ دوماً {إِن ََّا ن َ ْ
ح َُ
ن}( .)1ويصف النبيّ صلّى ال عليه وسلّم الجماعة المسلمة فظُو َ حا ِ وإِنَّا ل َ ُ
ه لَ َ َ
بأنّهقا ل تجتمققع على ضللة ،وأنقّ الحققّ مصقاحب للسققواد العظققم منهقا ،فققد روى
ع َم َر أَنّ رَسُولَ الِّ صلى ال عليه وسلم قَالَ
الترمذيّ عَنْ عَبْ ِد الِّ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ ُ
علَى ضَلَ َلةٍ وَيَدُ
حمّدٍ صقلى ال عليقه وسقلم َ -
جمَعُق ُأمّتِى َ -أوْ قَالَ ُأ ّمةَ ُم َ
« إِنّ الَّ لَ َي ْ
عةِ َومَنْق شَذّ شَ ّذ إِلَى النّارِ( .»)2النكقى مقن ذلك كلّه أنّنقا فيمقا نجقد أشدّ
جمَا َ
الِّ مَعَق ا ْل َ
مبغضقي "الديقن" يوصقّفونه بأنّه "أفيون الشعوب" ،أي أنّه لمدى قوّتقه فقي نفوس
)(1سورة الحجر ،آية.)9( :
جهِ .
ب مِنْ َهذَا ا ْل َو ْ
حدِيثٌ غَرِي ٌ
)(2الترمذي ،كتاب الفتن ،باب ما جاء في لزوم الجماعة .قَالَ أَبُو عِيسَى َهذَا َ
غيْرُ
ن سُفْيَانَ َو َقدْ َروَى عَ ْنهُ أَبُو دَا ُودَ الطّيَاِلسِىّ وَأَبُو عَامِرٍ ا ْلعَ َق ِدىّ وَ َ
َوسُلَ ْيمَانُ ا ْل َمدَنِىّ ُهوَ عِ ْندِى سُلَ ْيمَانُ بْ ُ
حدٍ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلعِ ْلمِ..
وَا ِ
32
النّاس يمثّل إدماناً أدمنققت عليققه الشعوب فل تسققتطيع الفكاك منققه ،إذا بنققا أمام تيّار
ي بكلّ سقبيل يتصقوّر "الديقن" على أنّه كحول يتطايقر؟ ويتصقوّر المّة على أنّهقا
غقب ّ
أوعيقة مثقوبقة ل تحفقظ شيئاً ،ولك أن تمعقن النظقر فققط هنقا فقي الفرق بيقن هؤلء
الشاوس وبيقن "ماركقس" فقي الثققة بالديقن وقدرتقه؟ ولك بعقد هذا أن تكتقم تعجبقك
داخل طيات نفسك.
إ نّ المرء ليعجب من سيطرة هذا الهاجس المَرَضي من ضياع الدين مسبباً حالة
مقققن القلق الفريقققد الذي حوّل حياة المسقققلمين الفكريّقة إلى قلق دائم غمقققر حياتهقققم
وسقققيطر على أنماط تفكيرهقققم ،فلن تجقققد تعريفاً للجماعقققة الفكريّقة التقققي سقققيطرت
بوصققفاتها السققحريّة على عقول العامّة مققن المسققلمين أشمققل مققن أنّهققا" :جماعققة
المحافظيقن ذوى التوجقس مقن كقل مقا مقن شأنقه أن يؤثقر على اسقتقرار الديقن داخقل
الجماعة المسلمة".
مفكر بحجم الغزالي بعد أن أثبت لعلوم الحضارة –ذات الصل اليوناني -أنّها في
غاية الهمية ولبدّ للناس من طلبها ،وأ نّ الفقهاء قد استفادوا منها فل مجال للقول
بفسقادها مقبيناً كيقف انتفعقت الدراسقات الصقوليّة المسقلمة بالمنطقق اليونانقي ،وذلك
واضققح فققي كتابققه "المسققتصفى" الذي قدّم له بمقدمققة لخّص فيهققا جوانققب المنطققق
السقاسية .إذا بقه مسقايرة لحال الخوف على العقيدة والتردد حيال كلّ مقا هقو مسقتقدم
أن يكون مؤثراً بالسقلب عليهقا؟ فالرجقل يعود ليحذر مقن "آفاتقٍ" ققد تنجقم عقن هذه
العلوم؟ والعلة حسقب مقا يذكقر هقي" :أنقه ققد تعجبنقا الدققة العقليقة التقي نراهقا فقي
الرياضقة والمنطقق ،واليقيقن الذي ينتهيان إليقه فنتوهقم أن هذا نموذج لجميقع أقوال
الفلسفة مهما اختلفت موضوعاتهم وعندئذ نظن اليقين بما ليس من اليقين ،بل قد
يأخذنا العجاب بدقة الفلسفة كما يتبدّى في علومهم الرياضية والمنطقية ،ثم يبلغنا
عن بعضهم الكفر فنكفر معهم؟ .هكذا قال؟
33
لقد بدأ التلميح –منذ بداية النحطاط الحضاري للمسلمين -إلى أ نّ معرفة العلوم
الحضاريقة معرفقة ل تنفقع وربمقا ل تسقتحق التحصقيل ،حتّى إنّهقم حصقروا لفظقة العلم
فلم تعققد تطلق إل على العلم الشرعققي ،وقيدوا العمققل فلم يعققد دالً إل على العبادات،
كما يظهر من عنوان ومضمون كتابين للغزالي نفسه :أولهما "معيار العلم" والثاني
"ميزان العمل" وهو أمر أشهر من هذا وإن كنّا ضربنا بكتابي الغزالي المثال عليه.
أزيقد مقن هذا كلّه إنّنقا بدأنقا نسقتمع إلى فتاوى تحريقم بعقض هذا العلم وقيقل فقي
ذلك :مقن تمنطقق فققد تزندق؟! وشاعقت مثقل هذه القوال حتقى غدت طرق البراهيقن
الرسطية خطرا على سلمة العقيدة عند المؤمنين ،وظهرت مؤلفات بأكملها تصدّى
فيها مؤلفوها للرد على المنطق الرسطي خصوصا وعلى الفلسفة اليونانية عموما.
فتاج الديققن السققبكى يقققف فققي خصققومة الفلسققفة موقفققا حاسققماً وان يكققن قققد خفققف
هجمته بالنسبة إلى المنطق .أمّا السيوطى فيصوّر الشتغال به كما لو أنّه وقوع في
نوع مقن الثام ،قائل عقن نفسقه :كنقت فقي مبادئ الطلب قرأت شيئا فقي علم المنطقق
ثققم ألقققى ال كراهتققه فققي قلبققي؟ وسققمعت أن ابققن الصققلح أفتققى بتحريمققه ،فتركتققه
لذلك؟!!
المام ابقن الصقلح الشهرزوري الذي أورد السقيوطي كراهتقه للمنطقق هقو مقن
أكابر علماء الحديث ولعلّه المؤسس الكبر لعلم المصطلح لكنّنا ينبغي حين نزن قول
أحد أن نعرض هذا القول على الحق ل على صيت الرجل .وابن الصلح في الحقيقة
لم يكن يكتفي بالكراهة كما ذكر السيوطي ،فقد كانت له فتوى عجيبة أفتى بها سائل
ى المقر فعله بإزاء
سقأله عقن رأى الديقن فقي الشتغال بالمنطقق وماذا يجقب على ول ّ
المشتغليققن بققه؟ والظاهققر تماماً أنقّ السققؤال كان موجّها فقققد كانققت صققيغته كالتالي:
مسقألة فيمقن يشتغقل بالمنطقق والفلسقفة تعليمقا وتعلمقا وهقل المنطقق جملة وتفصقيل
ممقا أباح الشارع تعليمقه وتعلمقه والصقحابة والتابعون والئمقة المجتهدون والسقلف
الصالحون ذكروا ذلك أو أباحوا الشتغال به أو سوغوا الشتغال به أم ل وهل يجوز
34
أن يسققتعمل فققي إثبات الحكام الشريعققة الصققطلحات المنطقيققة أم ل وهققل الحكام
الشرعية مفتقرة إلى ذلك في إثباتها أم ل وما الواجب على من تلبس بتعليمه وتعلمه
متظاهرا بقه ،مقا الذي يجقب على سقلطان الوققت فقي أمره وإذا وجقد فقي بعقض البلد
شخص من أهل الفلسفة معروفا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فيها وهو مدرس في
مدرسة من مدارس العلم فهل يجب على سلطان تلك البلد عزله وكفاية الناس شرّه.
والسؤال تقريباً من حيث السعة يوازي ثلث الجابة؟
الذي أجاب بققه ابققن الصققلح مفاده" :أن قّ الفلسققفة أُس قّ السققفه والنحلل ومادة
الحيرة –لحقظ -والضلل ومثار الزيقغ والزندققة ،ومقن تفلسقف عميقت بصقيرته عقن
محاسقن الشريعقة المطهرة المؤيدة بالحجقج الظاهرة والبراهيقن الباهرة (طيّب طالمقا
أنهقققا مؤيدة فلم الخوف عليهقققا؟) ومقققن تلبقققس بهقققا تعليماً وتعلمقققا قارنقققه الخذلن
والحرمان واستحوذ علية الشيطان ..وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر
شرّ .وليققس الشتغال بتعليمققه وتعلمققه ممققا أباحققة الشارع ول اسققتباحه أحققد مققن
الصقحابة والتابعيقن والئمقة المجتهديقن والسقلف الصقالح ،وسقائر مقن يقتدي بقه مقن
أعلم المققة وسققادتها ..ولقققد تمققت الشريعققة وعلومهققا وخاض فققي بحققر الحقائق
والدقائق علماؤها ،حيث ل منطق ول فلسفة؟! ول فلسفة؟!-هكذا.-
عموم ًا إلى هنققا والكلم يمكققن احتمال آثاره أمّا مققا ل يمكققن احتماله ول إغضاء
الطرْف عنه هو ما أت مّ به ابن الصلح فتواه قائلً :فالواجب على السلطان أعزه ال
وأعقز بقه السقلم وأهله أن يدفقع عقن المسقلمين شقر هؤلء المشائيقم ويخرجهقم مقن
المدارس ويبعدهقم ويعاققب على الشتغال بفنهقم ويَعرِض مقن ظهقر منقه اعتقادُ عقائدِ
الفلسفة على السيف أو السلم؟ لتخمد نارهم وتنمحي آثارها وآثارهم يسر ال ذلك
وعجله؟
35
جمْلةً –هكذا -ثمّ
لها ،ثم سجنه وإلزامه منزله؟ ...وانتصابُ مثلِه مُدرّساً من العظائم ُ
ختم الشيخ قائلً" :وال تبارك وتعالى ولي التوفيق والعصمة ،وهو أعلم"؟؟؟؟
إنّ هذا ومثله ممّا لم يمتز به الفقهاء والمحدثون عن الفلسفة الذين ضحّوا بهم
أيّام المأمون فإذا الفقهاء والمحدثون يعيدون لهم ذات الصفعة بذات الندحار الخلقي
والفصقل القاتقل للخلق عقن العلم؟ إنّق السقتعانة بمقن معقه السقيف على مقن ل سقيف
معه مما ل تقبل به أبسط قواعد المروءة ..لكنّه ممّا قبلته نفوس النخبة عندنا باسم
الديققن وحفظققه ،أفل تركوا الديققن لربققه ينفّذ وعده بحفظققه ،وذهبوا لحفققظ المروءة
ن العامّة على طول تاريخنا لم تتلبس بمثل ما تلبّست به النخب؟ أل
والخلق الحميد؟ إ ّ
ترى أنّ ذلك يحتاج لتوقف؟..
ألم يفكّر الفريقان ،وخصوصاً الفقهاء والمحدثين ،في تبعة هذا الفعل الشنيع من
كافّة جوانبققه حيققن يسققتخدم حاكققم ظالم قوتققه الظالمققة المعاندة للشريعققة فققي قهققر
مخالفيهقم أنّق هذا لن يكون بل ثمقن؟ ألم يفكروا أنّه إذا اسقتجاب الحاكقم لمقا طلبوه لم
يكقن أمامهقم خيار أل أن يعلنوا أنّق الظالم محام عقن الشريعقة وذائد عنهقا؟ وهقو مقا
تلبّسوا به بالفعل فن صّ ما قاله الشيخ يغفر ال له :فالواجب على السلطان أعزه ال
وأعققز بققه السققلم وأهله أن...الخ .فهل قال لنققا الشيققخ كيققف تسقنّى له وصققف أحققد
الواقفيققن فققي طابور السققفه السققياسي مققن الحاكميققن المعانديققن للشريعققة على طول
تاريخنقا النكقد بهذا الذي وصقفه ودعقا له بقه الشيقخ؟ والذي رفقع السقماء بل عمقد إنّه
لترْك ملييقن الملحديقن والمحاربيقن للديقن طلقاء محروسقين يروّجون للحادهقم أخفّق
بذات القدر من أن يُترك ظالم يلي أمر المّة؟ ثمّ ل يكفي النخب وليته فيلبّسون على
النّاس أنّه إذ قاتل خصومهم كان ممّن أع ّز ال بهم الدين؟ فهل ترى تلبساً بظلم أكثر
من هذا؟ وهل ترى جهالة أقبح من تلك؟
لقققد أخطققأ الفقهاء والمحدّثون فققي اسققتخدام الحكّام ضققد الفلسققفة ،ولئن عانققد
المأمون قديماً الجماهيقر والفقهاء والمحدّثيقن لجقل الفلسقفة فققد كان مقن جاء بعده
36
مقن الحكّام أخسّق وأنذل مقن أن يفوّت فرصقة اسقتمالة الجماهيقر ،واسقتصدار الفتاوى
الدالة على أنّه من حفَظَة الدين الحنيف؟ ولو أ نّ هؤلء الحكّام "المجاهدين" وجدوا
العامّة مققع الفلسققفة لمققا ترددوا فققي سققحق الفقهاء والمحدثيققن وسققحق تصققانيفهم
وكتبهم؟
لققد كان ابقن تيميقة (728-661هقق) معروف ًا بعداوتقه للفلسقفة والمنطقق ومقع ذلك
فلم ينقج مقن الوقوع فقي براثقن ذلك التحالف غير الشريقف مقا بيقن غيقر السقوياء مقن
النخبقة ومقا بيقن الحكام فحبقس ومات مظلوماً باسقم الديقن وققد كان أوحقد عصقره فقي
إمامة الدين؟.
إنّق الخوف على العامّة أمقر مطلوب لكقن مسقألة الكفقر وتبديقل الديان هذه ليسقت
من المسائل التي تتسلّى بها المم ،ول هي حتّى ممّا يمكن فرضه عليهم ،وعليه فل
قبول لفكرة الخوف على الديققن مققن الضياع ،أو تعييققن حارس دينققي كونققي يرعققى
37
التزام المقم بدينهقا؟ هذا كلم سقفيه تافقه فقي العادة وعلى الجملة ،وهقو أكثقر سقفهاً،
وأضلّ شأناً حيققن يُعرض عنققد أمققة مشهود لهققا بأنهققا ل تجتمققع على ضللة ،فلسققنا
بحاجقة لحرّاس ،ول حتّى لموقظيقن ل يملّون مقن تذكيرنقا أنّهققم قطعوا ثمانيقن عاماً
لكي يحافظوا على الحجاب فوق رؤوس الناث.
لسققت أعرف ماهيققة هؤلء العوام الذيققن ظلت النخبققة عندنققا تتعامققل معهققم بهذا
المنطقق العجيقب مقن الرتياب فقي قدراتهقم الذهنيقة والعقديقة على السقواء .إنّق هذا
المنطقق المريقض والتصقوّر غيقر السقوي عقن العامّة وعقن سقلمة الديقن وقدرتقه هقو
أسققوا مققا ورثتققه الحركات السققلمية حتققى فققي أفضققل صققورها اعتدالً عققن أولئك
المرضى السقالفين .لسقت أعرف حتى متقى تظقل كقل دعايقة مصقبوغة بالتوجقه الدينقي
عندنققا تنظققر للناس خارج نطاقهققا على إنهققم تائهون ضالون ،هققم أقرب مققا يكونون
لودع الدين ،فل ينبغي إل منعهم من كل اقتراب من حافته .إنّه لبد من وقوف جازم
هنا ومنع حازم من العقلء لهذا السفه.
يومقا مقا كتبقت إلى نائب مرشقد الخوان –بعيقد تقدم الخوان بمبادرتهقم للصقلح
السقققياسي فيمقققا عُرف بمبادرة المرشقققد العام للخوان المسقققلمين -راجياً أن يتحلّى
خطاب الخوان مع جماعتهم الواسعة (المصريين) بما هو واجب فليس من المقبول
ول مقن السقائغ أن يصقرّح المرشقد بأنّق مهمتقه هقو وجماعتقه" :تربيقة الشعقب"؟؟..
فلول أنّهققم عدلوا عققن ذلك إلى القول" :إنققّ مهمتنققا هققي تربيققة أنفسققنا وإصققلح
سرائرنا ،واعتبار ذلك دعاية خير إذا نجح" .لكان أزكى لهم وأقيم؟
انتقلت نظرة العربقي إلى السقماء مقن تلك النظرة الحرة التقي لم تكقن لتسقمح له
بأن يُسقلّم لرسقول -مقطوع عنده باتصقاله بالسقماء -بأن يجزم فقي أمقر سقياسي دون
إمرتقه إلى نظرة فأر صقاغر مسقتسلم يقول :إنّق الحقّق مقا عليقه أصقحابنا أو مقا يراه
38
إخواني؟ .لقد أطبقت الروايات على أنّ أحداً ممن كانوا مع رسول ال صلّى ال عليه
وسقلّم لم يسقتجب لمقا طُلب منقه يوم أن عققد صقلّى ال عليقه وسقلّم عَققد الصقلح مقع
قريقش يوم الحديبيقة ،حتّى إننقا لم نسقمع ول فقي روايقة واحدة أنّق أبقا بكقر قام وحيداً
يسقتجيب لمقر النقبي صقلى ال عليقه وسقلم بالنحقر والحلق؟ ومقع أنّق الوضقع كان ذا
طابقع عسقكريّ ل يمكقن السقكوت فيقه على هذا العصقيان للقائد إل أنّق تصقرّف القائد
بعيداً عققن رضققى الجماعققة كان أمراً يسققتلزم موقفاً .ومققع أن قّ القرآن لم يكققن يترك
مسقاحة للتقليقل مقن شأن الرسقول الكريقم صقلّى ال عليقه وسقلم فإنّه هنقا لم يوجّه أيّق
لوم للجماعققة العربيققة المسققلمة بققل إنّقه لم يصققبر على غمّهققم جرّاء هذا التص قرّف
فسارع لبيان السباب مفتتحاً إيّاها بوعد بتحقيق كلّ ما كانوا يطمحون إليه وزيادة،
واقرأ إذا شئت سورة الفتح من أولها(.)1
هذه الطبعققة الحرّة مققن العرب نفدت وتحوّل التاريققخ إلى طبعات منكرة مشوّهققة
سققمحت للعربي قّ أن يس قلّم ذقنققه مختاراً لكلّ قائل يقول له" :إن ّق ال قال" أو مجبوراً
لكلّ صققاحب سققيف أشدّ يقول له" :افعققل وإل "..كلّ ذلك حصققل بالقطققع بخيانققة مققن
النخبقة التقي سقوّقت لكلّ مقا مقن شأنقه قتقل الحريّة ،واعتبارهقا اعتداء على الديقن إن
كانت علميّة .أو اعتبارها اعتداء على السلم العام إن كانت سياسية..
نظرة العربقي الحرّ التقي جعلتقه يتعاطقى مقع السقماء على أنّهقا جهقة قابلة للخقذ
والردّ والتجاوب حتّى إن قّ بعضهققم ليطلب منهققا إضافققة أو حذفاً تشديداً أو ترخيص قاً
فتسقققتجيب له فقققي علققققة لم تعرف البشريّققة على طول تاريقققخ الديان لهقققا مثيلًَ،
)(1للتفصيل يراجع كتابنا السلطة المدنية في السلم .وقد جاء في صحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير،
ك فَتْحا مُبِينا لِ َيغْفِرَ َلكَ الّلهُ ) إِلَى قَوِْلهِ
باب صلح الحديبية في الحديبية .وفيه أنّ ال أنزل (ِإنّا فَ َتحْنَا َل َ
حدَيْ ِب َيةِ وَ ُهمْ ُيخَالِطُ ُهمُ ا ْلحُ ْزنُ وَا ْلكَآبَ ُة فَقَالَ النبي صلّى ال
( فَوْزا عَظِيما ) وذلك مَ ْرجِع الصحاب مِنَ ا ْل ُ
جمِيعا» لنّها فرّجت عن الناس وأبانت لهم
ى مِنَ الدّنْيَا َ
عليه وسلمَ «:ل َقدْ أُنْزَِلتْ عََلىّ آ َيةٌ هِيَ َأحَبّ إَِل ّ
حقيقة موقفه صلّى ال عليه وسلّم حين أصرّ على مخالفتهم .وسيأتي حديث عن غزوة الحديبية في
المبحث الرابع من الفصل الثاني من القسم الثاني.
39
اسقتحالت إلى علققة أصقبح صقميمها أن السقماء ققد أمرت وعلى الرض أن تطيقع،
وأن الخالق قد خط وخطط وعلى المخلوق أن يقنع بالقسمة والنصيب.
على هذه العقيدة تترسقّخ ثنائيّة حادّة مقا بيقن ال والنسقان ،ويصقير الفرق بيقن
ال والنسقان ليقس غيقر أنّق الوّل كائن كقبير الحجقم غيقر محدود العمقر ،مفرط القوّة،
بينمقا النسقان ضعيقف فقي كلّ هذا ،وهقو مطالب بتنفيقذ أوامقر ينبغقي عليقه القيام بهقا
وإل واجقه عقوبات صقارمة .هنقا تنفصقل فقي قلب النسقان السقماء عقن الرض ول
يعود يربطه بربّه إل تنفيذ القوانين والواجبات ،ول يعود هناك مجال لمثل قولهم في
الثقر المشهور المقبول بينهقم–على الرغقم مقن رداءة سقنده" :-مقا وسقعتني سقمائي
ول أرضققي ولكققن وسققعني قلب عبدي المؤمققن( .")1ل مجال لهذا لنقّ الرابققط القلبققي
على هذه الحال يكون منبتّا تماماً ،ول يكون هناك سقوى العلققة الخارجيّة الظاهريّة
ما بين حاكم آمر ،ومحكوم يعتبر أنّ عليه واجباً عليه أن يؤديه ،وإل..
مققن قديققم توافقققت كلمات عدد كققبير مققن الئمققة المسققلمين على أنقّ حديثًا واحداً
يوازي ثلث الديقن ،ل لشيقء إل لنّه يضقع المقاصقد القلبيقة أو الضميريقة باعتبارهقا
الميزان الذي يوزن بققه صققالح العمال .بيققد أنّه ل يعييققك أن ترى غالب كتققب الفقققه
-منذ بدأ النحطاط -وقد انطلقت ناحية الفعال تتوسع في ذكر ما ل ينبغي منها وما
يجقب .ولو طالعقت كتبهقم لمقا وسقعك أن تجقد مبتغاك مقن العنايقة بالمقصقد والضميقر.
هناك شاهقد ققد ل يُلتفقت إليقه ،ذلك أنّق كتاب المقاصقد كتبقه المام الشاطقبي فقي القرن
الثامن الهجري فلم يعره أحد اهتماماً حتّى وصل بحمد ال إلينا سالماً.
)(1ابن رجب الحنبلي ،جامع العلوم والحكم ،دار المعرفة ،بيروت ،ط 1408( 1هـ) .1/365
40
إن انسقلخنا عقن فهقم الوائل أنتقج لنقا حياة اجتماعيقة مشحونقة بالمفارقات .إذا
انسقلخت دنيقا الحياة الواقعقة عقن دنيقا القيقم الخلقيقة ،وققد ألفنقا هذا الزدواج إلْفاً
توهمنا معقه أن هذه هي طبيعة المور ،ومن ثم كان النفاق الذي هو أشر شيء في
ديقن ال دعامقة اجتماعيقة وخلقيقة أسقاسية ل تثيقر فينقا دهشقة ،ول نكاد نحقس معهقا
بازدواج في المعايير؟
وقققد جاءت حياتنققا الفنيققة انعكاسققا لهذه النظرة الشاملة التققي تعلى الخارج على
حسققاب الداخققل ،فكانققت الولويققة فققي حياتنققا الفنيققة كلهققا لسققلمة الشكققل ل لحيويققة
المضمون ،فمقا دمقت حافظقت على الشكقل المطلوب فأنقت فقي الجانقب الصقواب بغقض
النظر عما ينطوي علية هذا الشكل من لباب الفعل نفسه .المُعوّل عليه عندنا أضحى
"المظهقر" ل "الحقيققة" وبالتالي قلّت فرصقة أولئك السُقذّج الذيقن يقدمون عندنقا
المضمون على الشكقققل! تبعاً لذلك سقققتلحظ أنققّ العراب عقققن السقققلمة فقققي المزاج
المنتشر اليوم بين التيارات السلمية مركّز في المظهر ،ومرتبط بالشكال والرسوم
والمظاهر أكثر كثيرًا جداً من ارتباطه بقضية الضمير ،وأصبحت مساءلة النّاس عن
أدائهقم الشكلي وسقيلة مقن وسقائل الضغقط والشعار بالذنقب وإيصقال رسقالة لهؤلء
بأنّهم أقلّ قدْراً من أبناء هذه التيارات.
لققد مهّدت هذه المصقيبة المزاجيقة لسقيّئي الخُلُق وأصقحاب الفكقر المعوجّق سقبيلً
عريضاً للتقدّم فقققي صقققدارة هذه التيارات بسقققبب يسقققر امتلك زمام هذه الشكلنيقققة
بالنسققبة لهققم ،وأصققبح مققن الظاهققر اليوم أن تيارات السققلمة قققد تقدّم لقيادهققا أناس
بعيدون عقن السقلوك الحميقد وعقن الخلق الحسقن ،واسقتحالت هذه التيارات بفعقل هذه
الشكلنيّة وبجهود أولئك المغاويقر إلى كيانات فقي غايقة الكقبر وفقي منتهقى التعصقّب
مهما ظهر لها من خطأ ما هي عليه .ولقد أتيح لبعض من نسبوا للسلمة قيادة كثير
مقن المؤسقسات وربمقا الدول فلم نجقد سقوى نَزَق كمقا هقو النزق ،وخراباً على النحقو
الذي فعله أسققلفهم وربمققا أشققد ،ولو كان المققر مؤسققساً بمعيار الضميققر ولو كان
41
المزاج الخلقى له هذا القدر من الهميّة لمقا احتجنقا لبروز مسألة السقلمة هذه من
الصقل ،إذ لو كان المقر أمقر ضمائر لمقا احتاجقت جماعات مقن المسقلمين أن تجاهقر
المسلمين بإسلمها ،وتلوم عليهم إسلمهم؟.
لقد أحدثت الثنائية الحادة ما بين النسان وبين ال -بحيث لم تصبح العلقة بين
الطرفين علقة تبادل بالخذ والعطاء ،بل علقة حاكم بمحكومين -زلزالً عميقاً كانت
له امتداداتققه الخطيرة على كلّ مناحققي الحياة عنققد المسققلمين .خصققوصاً على الحياة
السقياسيّة؛ إذ لمّا لم يكقن هناك بقد مقن وجود صقاحب سقلطان على الرض فإنّق مقن
الطققبيعي أن تعطققي ذهنيّة كتلك لذلك الخيققر صققورة مصقغّرة عققن ال ،فلم يعققد مققن
المقبول نقاش الحاكقققم أو الميقققر ،ول العتراض عليهمقققا ،وبحيقققث صقققار واجقققب
المحكومين ملخّصا في الطاعة والسمع ..وإل حق عليهم العذاب..
إنّق تركقز فكرة السقيّد ،والعبقد كصقورة أسقاسيّة وأصقيلة للتصقور عقن العلققة مقا
بيققن ال والنسققان وانسققحابها على العلقققة بيققن الحاكققم والمحكوميققن أبعدت الذهققن
المسققلم عققن التفكيققر بمسققألة السققيادة السققياسيّة كليّا إذ أصققبح الحديققث عققن حريّة
النسققان أو سققيادته لوناً مققن المعاندة لقدر العبوديققة؟ بالتالي تأثرت نظرة المسققلم
لمتلك زمام المبادرة أمام الطبيعققة والحياة باعتبار أنّهققا "بُلْغَة" عليققه أن ل يشغققل
نفسه كثيراً بها(.)1
فقي هذه الحالة "المتحوّلة" مقن الفكقر المسقلم انصقبّ الصقراع السقاسي مقا بيقن
النسققان ومحيطققه النسققاني ،على أسققاس مققن تصقوّر وجوبيّة إخضاع هذا المحيققط
للوامقر العليقا التقي فرضهقا ال؟ وهنقا ل يمكقن أن تنفكّق الجماعقة الداعيقة أن تتلبّس
بال وبأوامره كأنّمققا تجسقّدا معاً ول يمكنهققا إل أن ترى نفسققها سققامقة فوق البشققر،
تدعوهقم أو بالحرى تأمرهقم بأن يخضعوا لمقا فقي جعبتهقا مقن حقق ،وينتهوا عقن مقا
في أيديهم من الباطل.
42
على هذا السققاس يصققبح الشغققل الشاغققل لصققحاب هذه الفكار تقييققم ورصققد
السقلوك والتصقرف النسقاني منشغليقن بقه عقن متابعقة ورصقد سقلوك الطبيعقة مقن
حولهققم ،لذا ل يعود هناك مجال للعلم الطققبيعي ول للتطور التكنولوجققي عندهققم .وإذا
أنقت نحّيقت وجهقك شطقر الخقر الغربقي للحظقت هذا الفرق فقي غايقة الجلء فصقاحب
الحضارة الغربيّة تجده مشغولً بإنجاز مواجهقة مقع الطبيعقة ل مقع النّاس ،وجلّ همّهق
وهو يواجهها أن يصل إلى القوانين الحاكمة لها بغية أن يصل منها إلى غاية النفع
والفادة .هنقا أرجقو لك أن تتذكقر مقا قررناه قبلُ مقن أنّق عبقريّة العربقي –مقا قبقل هذا
التحوّل -كانقت فقي أنّه أضاف لعققل اليونان وفلسقفتهم ضابقط "النفعيّة" ،فمقا ل نفقع
ة
م ًع َ غيًِّرا ن ِّ ْم َك ُ ه لَ َ ْ
م ي َََ ُ ك بِأ َ َ َّ
ن الل ّ َ َ فيقققه ل مجال للنشغال بقققه؟ {ذَل ِ َ َ
هن الل ّ َ َ وأ ََ َّم َ ه ْ ما بِأَن ُ غيُِّروا ْ ََ حت ّ ََى ي ُ َ علَى َ َ
س ِ
ف َِ وم َ ٍ َق ْ ها َم ََ
ع َأن ْ َ
م}[ النفال ،آية..]53 : علِي ٌ
ع َمي ٌ
س ِ َ
43
الفصل الثالث
أزمة شباب مصر
ما بين إسلميين بل عقل ..ونخبة بل حياء..
"الطرح" أو "الوثيققة" –كما تحبّق أن تطلق عليهقا جماعات مقن الشباب الحر-
هققو اقتراح تقدمققت بققه لقيادة "جماعققة الخوان المسققلمين" صققيف العام 2005م.
وكنت قد ناقشت عناصره الساسيّة داخل الجماعة سنين ،ث مّ لمّا لم أجد قبولً منهم
ول استعداداً منّي لتفهّم عدم استجابتهم ،خصوص ًا وأ نّ عدم الوصول لحلّ في مجمل
الشكالت التي تعالجها تلك الفكار يتسبب بيقين في زيادة احتقان الوضع داخل البلد
انسقحبت مقن العمقل مقع الجماعقة صقيف العام 2003م .ولزمقت بيتقي ومكتبتقي .وظلّ
هذا حالي مدّة نحقو سقنتين حتّى زارنقي أفراد مقن أبناء الجماعقة ،مسقتفسرين عقن
اعتزالي ،فأفضيت لهم بما بداخلي ،وأنّه من غير المعقول أن أتابع السير في طريق
ل أعرف غايتقه ول أعلم أنّق فقي الجماعقة مقن يعرف .ويبدوا أنّق مقا عرضتقه عليهقم
من أفكار أثار في نفوسهم شجن كانوا قد سبق وفكروا فيه وعرضوه على عقولهم،
وطالبونقي إذْ لم أكقن ققد عرضقت على قيادة الجماعقة شيئ ًا مكتوب ًا أن أكتقب مقا لديّق
حتّى تنظققر الجماعققة فيققه على نحققو جاد ،وكنّا متفائليققن جميعاً ،وقققد صققدعت بمققا
أشاروا بققه ،وسققرنا فقي طريقيققن ،أولهمقا التواصققل مقع المعارضقة للتعرّف على مقا
عندهم ،والثاني :تقديم طرح مكتوب لقيادة جماعة الخوان.
أمّا الطريق الوّل فقد أشرت في عنوان الفصل إلى حاصله .وأمّا الطريق الثاني
فقد قدّمنا لقيادة الخوان فيه طرحاً من نحو عشرين صفحة ،كان ملخّصه ما يلي:
44
.1أن من الضروري أن تتوقف جماعة الخوان المسلمين عن دعوى تمثيل
الهويّة؛ إذ الهويّة حسّ جامع ل تنبغي مصادرته من قبل فريق دون آخر،
الم صريين إ سلميين وغير هم غ ير إ سلميين بذات الميزان الذي ل يُق بل
به ادعاء فريق من المصريين المصريّة دون الباقين؟ وإنّما يتأسس العمل
الوطنـي على قاعدة واحدة يملكهـا الجميـع هـي قاعدة الهوي ّة الوطني ّة
.2أن يعاد النظر في التنظير السياسي والعقيدة السياسية لكافة التيارات التي
تدّعي أنّها تصدر عن معين تراثي؛ إذ إنّ التنظير بناء على التراث القديم
في غيره من فروع المعر فة ،وك يف أ نّ إنتاج ها في الول كان محوطا
البنّا –رحمه ال -يمثّل المرجعيّة الكبرى للعمل السياسي المؤسس على
45
احترام الهويّة وعلى الحفاظ عليها ،إذ إ نّ هذا العمل هو في الحقيقة سمة
صراحة في المشروع الحضاري الوط ني إلى آباء النهوض باعتبار أنّ هم
العربيـة وبالحفاظ على العدالة الجتماعيـة ،مثبتيـن فيهـا مـا يثبتـه أشدّ
المتعصبين لها من جملة أخطاء أودت بالتجربة التي آمنت بها الجماهير
العربية ،وكان غاية أمانيها أن تنجح في اختبارها أمام ذاتها ،وأن تحقق
للمواطن العربي حريته وكرامته على الصعيد الفردي كما الجماعي على
السـواء ،وهـو مـا ينبغـي أن يكون أسـاسا لكلّ تجربـة قطريّة أو عربيّة
مقبلة.
46
.4ل يس من المعقول الت سويق لدى الشباب بتفض يل ال ستاذ البنّا على غيره
من أساتذة جيل النهضة ،بكونه قام "ببناء جماعة منظّمة تعمل للسلم؟"
ل مـن تقديـم
الكـبرى التـي ل يمكـن نعتهـا بغيـر النتماء لهذه الهويّة ،بد ً
الشكـر لهذه الخيرة على جهدهـا فـي الحفاظ على شخصـيتها الثقافيـة
والحضاريـة ،لم تكـن سـوى فكرة يشوبهـا الخطـأ مـن كاف ّة جوانبهـا،
في الدللة على مدى سوء التقدير الذي اكتنف هذا الفعل سواء قصد إليه
الرجل أو لم يقصد ،وقد دفع ثمنه من دمه ،ومات عن أناس وصفهم قبيل
مو ته بأنّ هم لي سوا إخوانا ولي سوا م سلمين ،ب عد أن كان يتطلّع لن يكونوا
روحا تسري في قلب المّة ،وما حدث نتيجة لسوء التقدير هذا بعد موته
تتمثّل فـي شمول إرشاد السـلم للجماعـة السـلمية بجملتهـا فـي كافـة
القيام بهذه الشموليّة بنفسـها؛ إذ فـي هذا افتيات على الجماعـة السـلميّة
47
وعلى الدولة-الممثـل الشرعـي للجماعـة -وعليـه فلبـد مـن أن تنشغـل
الجماعات الجزئيّة إذا أرادت العمل داخل الجماعة الكبرى (الدولة) بلون
.6إذا أرادت جه ًة مّا أن تشت غل بوظي فة التوج يه العام فعلي ها أن تفرّق جيدا
تدّعي أنّها ترشدهم ،إذ المرشد ل يكون أوّل الساعين إلى المغنم ،وإل فقد
حياده وإرشاده وأصبح واحدا ممن يحتاجون إلى إرشاد؟ وهذا ما ل يمكن
تصوّر حدوثه في غير المؤسسة الدينية ،ولمّا كانت مصر بلد أزهر واحد
إل يه ،وو جب على الز هر والدولة أن يضم نا حريّة انت ساب مطل قة ل من
أراد النتساب طالما أنّه تخطّى الختبارات الدالة على كونه مؤهلً نفسيا
العامّة لكلّ المسلمين في دولهم .أمّا إذا أرادت الجما عة الشتغال بالعمل
والخر غير إسلمي ،فمنظمات العمل المدني ل شأن لها بمثل هذا ولتهنأ
48
الرضـا عمّا يقومون بـه .ولتلتفـت هذه المؤسـسات أكثـر ناحيـة الترقيـة
.7هنا أقرر أننا وغيرنا ينبغي أن نتفهّم ما يعاني منه بعض من لديهم بقيّة
من عقل داخل الجماعة من أنّ قيام الجماعة بهذا الواجب المستحق للدولة
مقابل ،وساعتها سيكون أمامها الفرصة لن تفعل بالبلد ما تريد .والح قّ
أنـ هذا الكلم فيـه تهويـل مـن جهـة ووهـن شديـد وعدم ثقـة بالذات ول
ّ
بالمّة من ج هة ثان ية .فن حن لم نطلب ترك النضال الش عبي لك نّ هذا ل
واضحـة للجميـع وفـي كلّ مكان بأنّـ الحكومـة ل تمثـل الشعـب كمـا أنّـ
الهويّة الوطن ية ل تحتكر ها جماعة تد فع الناس إلي ها عبر الدعا ية الدين ية
ك في أ نّ المّة إذا
ل في الق سم الثا ني] .ول نش ّ
[على ما سيأتي تف صي ً
49
دع يت با سم الو طن والتوحّد ا ستجابت ،لكنّ ها و هو ما أثبت ته التجر بة ل
تستجيب لكل أحد يقول لها إ نّ السلم على هذه الناحية من النهر أو تلك
والنتخابات الرئاسـية والبرلمانيـة قاطعـة فـي الدللة على هذا فقـد طلب
الخوان مـن الناس الذهاب للولى فلم يسـتجب أحـد ،ونزلوا بكلّ جهدهـم
ن من له ح قّ
الر سمية خُ مس المقيد ين بالجداول النتخاب ية فإذا علم نا أ ّ
أحـد .وبالتالي فل خوف عليـه ،وهـو قميـن بالقيام بواجبـه تجاه الحكومـة
وتجاه الجميع إذا تجرّدت النخبة وأعانته في شفافية ل تثير الريبة داخله.
بال سياسة والع مل ال سياسي من بين هم ،وأن تذ هب إلى الع مل في ال سياسة
الوطني المصري الحر" وهو السم الذي شاعت تسمية الحركة الوطنية
المصـريّة بـه مـن لدن جمال الديـن الفغانـي ومرورا بمصـطفى كامـل
ت أ نّ في
ال صلة المرة تماما ب ين الجما عة وب ين هؤلء ال سياسيين ،وبيّن ُ
50
ل لمعضـل كـبير فـي الزمـة السـياسيّة المصـريّة ،وبـه تضرب
هذا ح ً
الجما عة عدّة ع صافير -ك ما يقولون -بح جر وا حد ،أوّل ها :ا ستعادة ث قة
كافّة الفرقاء وجعلهـم يلتقون على مائدتهـا .وثانيا :إثراء المناخ السـياسي
بأناس مرتكز ين على قاعدة جيّدة من قراءة الموروث ،و من الترب ية على
احترا مه ،وإثراء هؤلء الخير ين بالندماج في الفكار ال سياسيّة الحدي ثة
مم ّا يصـقل عقولهـم واجتهاداتهـم .ورابعا :اكتسـاب لون مـن الشرعي ّة
المباشرة محليّا وعالميّا ،محلّيّا :مـن خلل ترحيـب كافـة القوى المختلفـة
بهذه الخطوة المخففـة لحالة الحتقان السـياسي فـي الشارع وتخفيـف حدّة
الدعايـة الدينيـة فـي العمليّة السـياسيّة ممّا يخفّض الحتقان ليـس عنـد
العر بي وال سلمي بإنهاء فكرة دار الحرب ودار ال سلم واعتبار المجت مع
النسـاني كلّة مجتمعا سـلميّا والعمـل على تفعيـل فكرة حلف الفضول
فـي نشـر هذا الفكـر باعتباره ناديا عالميا داعيا للقيـم الحضاريـة العربيـة
ال سلميّة ومعرّفا جادا ومحايدا بال سلم وبالحضارة العرب ية ،وأن ي سلك
هذا النّادي في هذا ال سبيل و في تلك الدعا ية م سلك الحر كة الما سونيّة أو
51
ك سيحظى في هذا
بالحرى أند ية الروتاري ال تي تمل العالم ،و هو ل ش ّ
كان ردّ الجماعة غير هادئ على من كانوا ل يزالون أعضاء بها .ولست في حل
من الكثار من القيل والقال ول أحبّه ،وأرجو أن ل يلجئني أحد إليه..
يقولون إنّ فقه البخاريّ مضمّن في ترجمته (يعني في العناوين التي كان يضعها
فققي مقدّمققة الفصققول أو البواب الذي يسققرد فيهققا الحاديققث) وهذا حق قّ ..وأنققا هنققا
أسققتأذن فققي أن أسققلك مسققلكه ،مكتفياً بالترجمققة ،اعتماداً على نباهققة المصققريين،
وعملً بقول القائل" :الضرب فقي الميّت حرام" ،وأعتققد أنّق فقي هذا التنويقه الخيقر
الكفاية للجابة عن سؤال سائل عن تصريحي بذكر الخوان ،واقتصاري مع النخبة
على هذه الحفنة القليلة من الكلمات.
واسققمح لي أن أخرج بققك هنققا إلى الرمزيّقة والهزليّقة قليلً لروّح عققن نفسققي
وعنك ،إذ الجديّة هنا قد تجلب لي ولك مرض البول السكري ،فضلً عن انعدام ضبط
الضغط .ولتسمح لي أن أتفكّه معك قليلً ،إذ الجوّ الجادّ شيء كنت قد بدأت به طريق
التعرّف على النخبة ،وهو طريق جديد لم أسلكه في حياتي متعجّبا من كيفيّة سيطرة
قيادة الخوان على الشارع مقع أنّق الظاهقر –لي حينهقا -هقو امتلك النخبقة للعقلنيقة
والنفتاح اللزميققن للتواصققل مققع النّاس؟ هذا اللون مققن الجديّقة بدأت بققه طريقاً ل
أصققف المسققافة الصققغيرة المعبّرة التققي قطعتهققا فيققه بغيققر أنّهققا نكدة ،ومعبّرة..
ويؤسقفني أن أخقبرك أنقّ ال لم يخلق معدوم عققل فقي بلدنقا إل مقن اجتمعقت لديقه:
الرجولة ..ونزاهة اليد؟
52
لمققن لم يقرأ روايققة "الزينققي بركات" يمكننققا أن نبسققّط له المسققألة السققياسيّة
المصققريّة إن كان يعدّ نفسققه ليكون مققن اللعققبين أو مققن الحكّام ،فنقول :إنّق العامّة
عندنققا اعتادت على سققياسة الخطققف ،فيمكنققك طالمققا أنّك الحاكققم (أو حتّى أداة مققن
أدوات الحاكم) أن تخطف منهم كلّ شيء..
الجديد الذي قد ل تعرفه ول يعرفه حتّى الزيني بركات نفسه هو أ نّ هناك تطوّرا
حيويّا حصقل وعليقك سقيدي اللعقب الصقغير أن تنتبقه له ،إذ أصقبح الخطقف صقنعة
شائعة يستخدمه الجميع مع الجميع ،وصارت هناك قواعد تحكم اللعبة ،تغذيها روح
رياضيّة زاخرة ،تجعققل جميققع الفرق تقبققل بجميققع النتائج ،وتلعققب بمنتهققى النظافققة
دونمقا احتكاك ببعضهقا ،اللهمّق إل مقا يكون حادثاً عرضيّا ،مقن أكتاف قانونيقة أو جذب
فانلت طالما كان في إطار ما يسمح به قانون اللعب ،أو يغمض أعينهم عنه الحكّام.
هذا كلمنقا للعقبين والحكّام أمّا إذا كنقت (ثكلتقك أمّك قبقل ولدتقك ،رحمقة بنفسقها
وبقك) مقن الجماهيقر فل سقوى أن تنضبقط بقواعقد الفرجقة ،وتلتزم بتشجيقع فريقق مقن
الفرق ،ول تصرخ حين يخطف أحدهم أحلمك ،فتلك هي ضوابط الفرجة..
53
(ظهر يسار لخر ورقة في القسم الوّل)
54
القسم الثاني
في الدولة
55
(ظهر القسم الثاني)
56
الفصل الوّل
في الجماعة المصريّة
()1
ن الجماعة المصريّة واحدة:
في أ ّ
.1ليس أمامنا نحن المصريين في توجهنا نحو وضع الدستور سوى أحد تصوّرين:
أولهما أنّنا جماعة مصريّة واحدة ،والثاني أنّنا جماعتان :الولى مسلمة ،والثانية
م سيحية .في الحالة الولى سنجلس كرجال دولة نب حث عن صالح بلد نا ،و في
.2إذا كنّا بصدد جماعتين فستبحث كلّ جماعة عن ما تعتقد أنّه صالحها مقدمة إياه
.3عند المسلمين :الشريعة ،وسيادة السلم على الدولة ،وبقاء النصارى بعيدا عن
مراكز التأثير إذ الدولة مسلمة بحكم الغالبيّة العارمة ،وسيقدّمون للنصارى عهدا
وذمّة ،وقد يكون من مفردات ذلك العقد أن يُعفى النصارى من خدمة الجيش في
مقابل دفع الجزية؟ وسيطالب النصارى بأن يزال الخط الهمايوني وأن تكون لهم
نسبة مخصصة من قيادة الدولة توازي نسبتهم على القل في عدد السكّان.
57
.4دع عنك أنّه إذا نجحنا في التوفيق ما بين الفريقين في إطار دستوري سيكون
ل عـن حرب النجاب وزيادة النسـل المتبادل ،إلى غيـر ذلك مـن
والخيانـة ،فض ً
ـس
ـم الولى رئيـ
ـن يحكـ
ـتصير الدولة دولتيـ
ـطفاف ،وتقريبا سـ
ألوان الصـ
حال "الديمو مة" م سيطرا عل يه .أي :أ نّ أغلبيّة الم سلمين ستظلّ غال بة ،وأقليّة
.6فسيبدأ المسيحيون بنشر دعاية أنّ مصر ملك لبنائها الصليين ،وبالقطع سيكون
أبناؤهـا –حسـب الدعايـة -هـم المسـيحيون الذيـن جاء العرب المسـلمون عليهـم
ويعيدو هم إلى الجزيرة العرب ية؟ (عموما هذا أف ضل من البهدلة في الب حث عن
عقود عمل).
58
.7هذا السيناريو بُدئ في تطبيق أجزاء منه على الرض برعاية من جماعات من
الغبياء ول أعتقد أنّنا معه سنكون بغير إزاء حرب أهليّة ،ل داعي للدخول في
تفاصيلها.
.8ب ما أ نّ هذا ال سيناريو لن تمرّره الجما عة الم صريّة على كل حال ،ف سنضرب
باعتبار ها الوح يد و هو أنّ ها جما عة واحدة موحّدة ،يتقرّب أفراد ها إلى إله وا حد
مـن أبرز سـماته أن ّه غيـر حريـص على أن يورث عباده الكراهيـة أو يوقـع
َ َ
ن َول َ ْ
م دّي ِ م فِي ال ِ م يُقَاتِلُوك ُ ْن لَ ْ
ن ال ّذِي َ
ه عَ ِ م الل ّ ُالبغضاء بينهم{َل يَنْهَاك ُ ُ
َ َ خرجوك ُم من ديارك ُ َ
بح ُّ ه يُ ِن الل ّ َ سطُوا إِلَيْه ِ ْ
م إِ ّ م وَتُق ْ ِم أن تَبَُّروه ُ ْ َِ ِ ْ ِّ يُ ْ ِ ُ
ن }( ).
1
سطِي َ ال ْ ُ
مقْ ِ
يجققب هنققا أن نقرر رأينققا فققي مسققألة "الجماعققة السققلمية" لعلّه يريققح الجميققع
مسلمين ،ومسيحيين ،بحيث يسهل على الكلّ تصوّر أنّنا جماعة واحدة ..فنقول:
إنّق مصقطلح "الجماعقة السقلمية" لم يكقن يوماً مصقطلحاً ديني ًا مقصقورَ الدللة
على مسققلمي الديانققة ،وإنّمققا كان دوماً مصققطلحاً سققياسيّا يدلّ على "الدولة" التققي
اصقطبغت بالسقلم ثقافقة وفكرًا وسقلوكاً وحضارة ،والسقلم شيقء يتجاوز "الديقن"
بمعناه العقدي المشهور إلى التعقبير عقن منظومقة ثقافيّة واجتماعيّة متكاملة تصقبغ
الجماعة المتأثرة به من دون ارتباط بمسألة انتقالها عقديّا لليمان بالسلم العقيدة،
)(1سورة الممتحنة ،آية.)8( :
59
وقد غدت هذه الحال ذات بعد تاريخي مفروغ منه ،وهو البعد المسئول بالساس عن
خلق القيقققم الجتماعيقققة والرابطقققة الحضاريّققة المشتركقققة بيقققن سقققائر المجتمعات
السلميّة .ومن لدن تكوّنت الجماعة السلميّة المّق في المدينة لم نعرف أنّها كانت
نقيّة العرق تشتمقل على المسقلمين فققط؟! وعليقه فل يجوز أن يطلق المصقطلح على
أقلّ من القطر أو الدولة ،كما ل يمكن أن يدلّ -وهو الهم والخطر -ل في القطر ول
فقي الدولة على مسقلمي الديانقة فققط ،وإنّمقا تتسقع دللتقه لتشمقل جميقع المواطنيقن
الذيقن يعيشون معاً فقي ذلك القطقر أو تلك الدولة التقي تهيمقن عليهقا الثقافقة والقيقم
الحضارية السلمية بكلّ زخمها التاريخي الذي يطبع الهوية القومية بطابَع ل يمكن
التخلص منقه .فالجماعقة السقلمية بهذا الطرح :مفهوم سقياسي دالّ على مجموعقة
الدول السقققلمية أو على واحدة منهقققا ،وهقققو مصقققطلح دال داخقققل هذه الدول على
مجموع الفراد المتعاقديقن على العيقش معاً دونمقا التفات إلى عقائدهقم الدينيّة ،وققد
تفضّل علينققا المرحوم مكرم عبيققد باشققا ،بققبيان كيققف يكون هذا الخلط الرائد بقوله:
"أنققا مسققيحيّ ديناً مسققلم وطناً" ،فالسققلم السققياسي والحضاري قّ قيمققة وحضارة
وانتماء وطنقي وليقس للعقيدة الدينيقة مقن الناحيقة السقياسية فيقه أيّق تأثيقر على حالة
الفراد إذ هققم بنظققر السققياسة أفراد وحسققب ،وعليهققم جميعاً أن يخدموا انتماءهققم
الوطنققي .فمققن عمققد إلى إفسققاد فهمنققا هذا ووحدتنققا هذه عققبر أيّة دعايات وخاصقّة
الدعايققة الدينيقققة –بالفهقققم الخرق -فل غروا أنقّق أفرض الفروض علينققا جميعاً أن
نواجهقه فقي حزم ل يليقن .وعلى هذا ل يسقوغ لفرد ،ول لحزب ول لجماعقة ول ليّق
أحقد أن يؤسقّس لمعارضقة سقياسيّة على أسقاس دينيقّ ،وعليقه فل يُقبقل تشكيقل أحزاب
دينيّة ول على أساس المرجعيّة الدينيّة ،كما ل يجوز لحد أنْ يدّعي مرجعيّة السلم
لنفسقه ،إذ السقلم هقو مرجعيّة المّة كلّهقا ،ول يخفقى مقا فقي الدعاء بالسقلمية مقن
طعن على الخرين ،وهو ممّا ل تقبل به الداب العامّة ول تق ّر به السياسة الحكيمة.
60
()2
فيما ينبغي أن نكون؟
.1م صريون :ل نرى ل نا تقدما من غ ير التضا فر والمحاف ظة على وحدت نا كن سيج
واحد لشعب حرّ يقف الجميع فيه على قدم المساواة ل فرق فيه بين غني وفقير
.2عرب :قوميون نسعى لستكمال مسيرة "عبد الناصر" في تحقيق وحدة الشعب
.3مسسلمون :ننتمـي للهويـة الحضاريّـة السـلمية ،ول نعرف لنـا تاريخا ول
مستقبلً إل في ظلّ هذه الهويّة الوطنيّة ،ونشعر بالفخر لنّنا ورثة أقدم وأعرق
حضارة عرف ها الن سان ،ب ما يمثّل ل نا ماضيا مشرّفا و صدق الر سول الكر يم
"خياركـم فـي الجاهلي ّة (أي :جهـل التعرّف على التصـورات السـاسيّة :ال،
الن سان ،الكون) خيار كم في ال سلم" ،والم صريون خيار الناس في ال سلم
وأوسطهم طريقة في فهمه ،وأكبر المدافعين عنه ،وسدنة محرابه ،ل يطاولهم
لكننا ل نعرف السلم في الميدان السياسي إل بمعنى تلك القيم التي أنتجتها
دياناتها.
61
ول نعرف للجماعة السلمية تعريفا إل أنها :تلك الجماعة التي تمثّل وطنا (دولة)
غلب فيه وجود المسلمين وغلبت عليه ثقافة السلم وطباعه وقيمه ،وتوحدت
القليات غير المسلمة فيه مع المسلمين ،وكانت لهم ل عليهم .فما من وطن تتوفر
فيه هذه الخصائص إل مثّل جماعة إسلميّة يتمتع كلّ أعضائها بالمواطنة الكاملة.
وعليه فنحن ندعو إلى استعادة قيم وثقافة وتقدم الحضارة العربية السلمية في ذات
الوقت إلى ندعو فيه لحترام أقيم وأنبل ما في هذه الحضارة من احترام للخر
خير الجميع ،ويقف فيه الجميع على قدم المساواة ل يفرق بينهم اختلف العقائد
والعراق.
وأمّا "الولء والبراء" فأخف ما يمكن أن يقال فيه إنّه فكرُ أزمةٍ عاشتها قطاعات
من المفكرين المسلمين قديما وحديثا القاسم المشترك بينهم هو الشعور بهزيمة
الدولة السلميّة وفشلها ،وقد كان حريّا بهم أن يلتفتوا إلى أصل الداء وهو فشل
هذه الدولة الذريع في ترتيب أوضاعها السياسيّة ،فيعالجوه ،وبذا تتقدّم هذه الدولة
62
السلمية طرح غير عاقل –وسبق تعليل مرضيته -فل احترام
له.
-2أمّا الولء والبراء خارج إطار الدولة فهو ولء وبراء سياسي
غرو أنّ أكثر الدول تخلفا في فهم السياسة تسعى إلى التقارب
.4إنسسانيون :نرنـو لذلك اليوم الذي تقـف فيـه النسـانية بحزم فـي وجـه الجهلء
ودعاة الخراب ،وت سعى متحدة ن حو الخ ير وال سلم عبر "حلف فضول" عال مي
ينصر الضعيف ويعين ذا الحاجة ل فرق فيه بين الناس يرعى الجميع قول ال
السراء ،آية )70( :وسيأتي حديث مفصّل عن ذلك في القسم الخير من الدراسة].
63
()3
في محاور بناء شخصيّة الدولة المصريّة
الكاتبون( ) يعلنون تضامنهققم الكامققل مققع عدّة محاور أسققاسيّة لبناء الشخصققيّة
1
السقياسيّة المصقريّة ،وتمثقل هذه المحاور فقي ظنّهقم ركيزة أسقاسيّة ومرجعيّة آمنقة،
للسير في طريق النهوض ،وهذه المحاور هي:
أولً :تثقبيت النتماء للسقلم الحضاريّق الذي هقو ثقافقة الجميقع مسقلمين وأقباط
والتأكيقد على عروبقة مصقر ،والسقعي الدءوب مقن أجقل تدعيقم وصقون هذه الهويقة
الوطنيقة ،والتأسقيس لمجتمقع صقالح يقوم على المسقاواة وعلى المواطنقة ل فرق فيقه
بيققن مسققلم ومسققيحيّ .واللتزام بدحققر الدعوات الجاهلة والمخرّبققة مققن أيّة طائفققة
صدرت ،وعلى رأسها الدعوة التي ل يُقرّها فقه عاقل ،ول تقول بها سياسة حكيمة
(كدعوى أخذ المسلمين المصريين الجزية من إخوانهم القباط؟!!) والتأكيد على أ نّ
إسقلمية الدولة والحضارة إنمقا هقو شأن جمعقي للمّة كلهقا بمختلف أطيافهقا ،وأنّه
ليقس لنتماء الهويقة هذا أيّ نوعٍق مقن التأثيقر على حالة الفراد ،فإسقلمية الدولة ل
تعطي أ يّ لون من المتياز لمسلمي العقيدة الذين يخضعون وغيرهم لسيادة القانون
الذي تصقدره المّة ،والذي ينبغقي مقع ذلك أن ل يتأسقس على أيّق لون مقن المغايرة
مع الذات ،ونكران الضمير الجمعي المنتمي للسلم ولشريعته التي عاشت الطياف
المختلفقة فقي ظلّهقا وأَمِنَتْق بهقا على نفسقها ،ودينهقا ،وعقلهقا ،وعرضهقا ،ومالهقا.
[سيأتي].
ثانياً :التأكيقققد على اعتماد الخيار الديمقراطقققي ،والفصقققل بيقققن السقققلطات ،أو
بالحرى توزيعهقا على عدد مقن المؤسقسات مقع ضمان أن يسقتبد البرلمان بالسقلطة
العليقا ،والعلن بشكقل قاطقع عقن انتهاء فكرة المعارضقة والزدواجيّة بيقن فكرتقي
الدولة الدينيّة والمدنيّة ذلك التقاطققع غيققر المصققري وغيققر العربققي وغيققر المسققلم،
)(1هذا المبحث منقول من الطرح الذي تقدمنا به للخوان ،وقد أبقينا صيغة الجمع.
64
والذي دخل إلى ثقافتنا عبر ظرف الزمة الثقافية والديمقراطيّة التي عايشتها بلدنا،
ونعلن أنّه إن كان ولبد أن نريح أصحاب الهواجس فإنّنا نعلن بوعي كامل أنّ الدولة
التقي نريدهقا ونسقعى إليهقا إنّمقا هقي الدولة المدنيّة ،ول نرى الدولة فقي السقلم إل
دولة مدنيّة بقل ل نرى المسقجد إل مؤسقسة مدنيّة ،وليقس الفقهاء عندنقا غيقر رجال
قانون عادييقن ،ومقن نافلة القول التذكيقر بأنّه ليقس عندنقا مقا يعرف "برجال ديقن"
وإن كان لدينا مؤسسة تشتمل على المتخصصين في المسائل الدينية من المهم ومن
الضروري في كلّ دولة أن تتوافر لها قواعد الوجود المن والمؤمّن للسلم العام عبر
اسققتقلليّة مطلقققة عققن سققلطان السققاسة ،فل يمكققن أن نقبققل بأن يكون تعييققن شيققخ
الزهر بقرار سياسيّ.
ثالثاً :ضرورة حفقظ وحمايقة الحريّات العامّة ،والعمقل على الحفاظ على ديمومقة
شرعنقة السقلطة ،بمعنقى أن يتقم اعتبار دوام حيازة الحكومقة للرضاء العام مقن قبقل
المحكوميققن شأناً دسققتورياً ،والصققائب فققي هذا هققو أن يتمقّ توسققيد الحفاظ على هذه
الدسقتوريّة بيقد أحقد مجلسقي البرلمان بحيقث يكون هناك فصقل بيقن وظيفتقي القيادة
العليقا للقوّات المسقلّحة (وتكون بيقد مجلس الشيوخ) وبيقن رئاسقة السقلطة التنفيذيّة
(الحكومققة) على أن ل يسققمح لي قّ مققن أعضاء المجلس الرئاسققي (مجلس الشيوخ)
بممارسة أي من أعمال الحكومة التنفيذية –على النحو الذي سيأتي ذكره.-
65
الفصل الثاني
ن دولتنا مدنيّة؟
في أ ّ
()1
الدولة ضرورة ..والنّاس ل يتمايزون في الضرورات بدينهم:
الدولة ظاهرة أوليّة فقي حياة كلّ مجتمقع بشري ،فحيثمقا توجقد الجماعقة البشريّة
يوجققد فيهققا نوع مققن التنظيققم السققياسي( ،)1الذي يترتققب طققبيعيّا على أسققاس بداهققة
الحاجقة للجتماع وتقاطقع أمقن وصقالح هذا الجتماع مقع "طبيعقة إنسقانيّة" مفطور
عليهقا الفراد ققد تهيّئ لبعضهقم الرغبقة فقي السقتحواذ على أكقبر قدر مقن الخيرات
دون غيرهقم ،وبالتالي تقبرز ضرورة أن ينشقأ تنظيقم لعلقات أولئك الفراد الذيقن لبدّ
لهقم مقن التفاعقل والتعامقل الذي ل مناص منقه مقن أجقل إشباع حاجاتهقم الضروريّة،
فلبققد وأن تقوم سققلطة تسققوس هذا الجتماع وفققق قواعققد ينزل النّاس جميعاً عنققد
حكمهققا فتحقققق النظام والسققتقرار والعدل فققي المعاملت ،وهذه القواعققد لبدّ وأن
تتميّقز الهيئة الجتماعيققة القائمققة عليهققا بالقدرة على إرغام الفراد على احترامهققا
والرضوخ لحكمهققا( ،)2ويطلق على تلك الهيئة "الحكومققة" ويطلق على باقققي أفراد
يُراجع :د.غانم محمّد صالح ،الفكر السياسي القديم ،منشورات جامعة بغداد ،كلّيّة القانون والسياسة( ، )(1
66
المجتمققع الخريققن اسققم "المحكوميققن" ,ويطلق على هذا المجتمققع اسققم :المجتمققع
السياسي ".)1("Societe politique
هذه هققي فكرة الدولة فققي نشأتهققا وبسققاطتها :إنسققان ل يعيققش إل فققي مجتمققع،
ومجتمع ل يقوم إل على نظام ،ول يستوي إل على قواعد آمرة ملزمة يُحمل الفراد
على طاعتها بما تملك الجماعة من سلطة القهر والجبار الذي ل يتاح بشكله المادي
المنظم إل لسلطة عليا في الجماعة يكون لها حق احتكار هذه القوة واحتباسها بين
يديهقا"( .)2على هذا ُشكّلت الدولة وشُكقل القانون وسقيظلن يشكلن أبرز ظاهرة فقي
الحياة الجتماعيققة للبشققر .)3(..ول نعتقققد أن فققي كلّ هذا مققا يتعلّق بأيققّ نوع مققن
الخصققوصية أو التميّز ق الذي يفرّق مققا بيققن مجتمققع ومجتمققع .بيققن مسققلمين وغيققر
مسلمين.
فالدولة تجمّع بحكم الضرورة تظهر به سلطة بحكم ذات الضرورة ،وليس هناك
ديقن مسقئول عقن ابتكار هذا التجمّع لنّق الديان ل تبتدع القوام وإنّمقا تتنزل فيهقا(،)4
فل يسقوغ لجماعقة مقن المسقلمين اليوم أن تقحقم السقلم فقي التصقدّي لمقا لم يوظّف
له ،فالدولة كمققا الطعام ل يمكققن أن يقال إن أصققل مشروعيتققه قول ال تعالى{ :ي ََا
ولَ شَربُوا ْ َ د وكُلُوا ْ َ
وا ْ ج ٍ
س ِ
م َْ
ل َعندَ ك ُ ِّ
م ِ زينَتَك َُ ْ ْ
خذُوا ِ م ُ بَن َِي آدََ َ
ن}( .)5إنّمقا يقال إنّق أصقل مشروعيقة في َ ر ِ
س ِ
م َْب ال ْ ُ ح َُّ فوا ْ إِن ََّ ُ
ه ل َ يُ ِ ر ُ
س ِ
ت َُ ْ
)(3مقدمة ملف السلم والدولة نشر موقع بلغ ،على الشبكة الدولية للمعلومات
.http://www.balagh.com/islam/1i1elhxd.htm
)(4وإنّ من السفسطة أن يقال :إنّ القوام أنشأهم نبيّ هو آدم عليه السلم ،لنّ مبدأ الخلق له منتهى
الخصوصيّة ،وآدم عليه السلم لم يكن رسولً بل كان نبيّا فقط ،ومصطلح "الرسول" في حدّ ذاته واضح
الدللة على ضرورة وجود القوم(الدولة) الذين يرسل الرسول إليهم.
)(5سورة العراف ،آية.)31( :
67
الطعام الحاجة إليه والية أو اليات مرشدة في طريقة التعامل مع هذه الضرورة أو
تلك .أمّا أن يقال إنّق الذي ابتكقر الدولة ولفقت الناس إلى ضرورتهقا أو مثقل ذلك فقي
الطعام هقققو هذا النص قّق أو ذاك ،فذلك خلف كلّ عققققل وعلمقققة على اندثار الفهقققم.
فالسقلم ديقن يقدّم هدايقة للنّاس فقي حياتهقم فقي ظلّ القالب الطقبيعي الذي نشأت هذه
الحياة وعلى قواعده بدت السقلطة فيهقا ،وليقس مقن شأن الرسقالت أن تغيّره ول أن
تبتكر فيه ،ولم توجد رسالة من دون قوم(دولة) ،وإن نشأت أقوام عديدة ول رسالة
لهقا( .)1فالرسقالة أسقيرة الطبيعقة الحاكمقة للناس فقي أنّهقم دوماً فقي إطار مقن قوم أو
دولة ،والنّاس في هذه الطبيعة الخيرة ل يتمايزون.
()2
الخلفَة انتهَت بعَد الراشديَن ..والقول برجعتهَا تجارة بالديَن وإفسَاد
لعقول الخلق ..والمطلوب :العمََل لسََتعادة الرشََد ،ل القول برجعََة
الخلفة..
ل نعرف أنّه يوجد في تاريخ المسلمين نظام يمكنه أن يعبّر عن السلمة إل نظام
"الخلفقة" قولً واحداً ل يتعدد بتعدد السقلميين .و"الخلفقة" باختصقار :هقي نظام
ي متعدد الوجوه اقترب في جملته من أقيم أنماط المجتمعات السياسيّة تحضّرا
سياس ّ
بحيققث إنّه رعققى دولة قانون ذات طابققع ديمقراطققي ،ولهققا نزعققة اشتراكيققة ،وكان
ينقصققه مققن شئون الدولة المتحضرة التققي نعاصققرها أن تتوزّع فيققه السققلطات على
مؤسسات تقوم كلّ منها بمهمّة معينة بحيث تتحوّل الدولة إلى دولة مؤسسات ،يقف
البرلمان حاكماً أعلى بين مؤسساتها.
)(1أمّا قول ال تعالى{ :وَإِن مّنْ ُأ ّمةٍ إِلّا خلَا فِيهَا َنذِيرٌ} ( )24سورة فاطر .فسيأتي أنّ المّة تعني تلك
الجماعة التي أنشأت (الدولة) لكنّ هناك ممن تبع هذه المة المنشئة أمم ل عدّ لها ليس فيها نذير ،بل هذا
الستشاد لنا ل علينا إذ لو كان المر على ظاهره لوجب أن يكون في كلّ ساعة من الزمان قبل بعثته
صلّى ال عليه وسلّم رسالة ورسول وهو ما نعلم انقطاعه بيقين.
68
فإذا تذكّرنقا أنّنقا نتحدّث عقن نظام كان قائماً منقذ نحقو خمسقة عشقر قرناً ،وعلى
غير سابق مثال ،ولم يكن بين يديه ما يطلعه على تجارب الحضارات السابقة عليه،
لتذكّرنقا أمراً مهمّا للغايقة وهقو أنّق علينقا أن نرفقع قبعاتنقا لقادة هذا النظام وللشعقب
الذي أوجده ،وأنقّ الهقم هقو أن نلتفقت إلى حالنقا ومسقتقبلنا قبقل أن ننشغقل بتعديقل
مسارات أناس قضوا من قديم.
أكثقر مقا يهمّنقا أن نلفقت إليقه الن ممقا ينبغقي على السقلميين وعلى غيرهقم أن
يستحضروه حين نتحدث عن نظام سياسيّ مصطبغ بالسلميّة ،هو:
أولً :أنقّ هذه الخلفققة التققي نتحدّث عنهققا كانققت طيلة حياتهققا "دَولةُ مَدي َنةٍ" ولم
تتحوّل لنظام الدولة الكقبيرة ذات القاليقم المشاركقة للعاصقمة فقي الحكقم ،وبالتالي فققد
كانقت ظرفاً نادراً وخاصقّا وفريداً ،وحالة تاريخيّة خاصقة ،فالجماعقة السقلميّة التقي
كانققت تعيققش طور الدولة المدينققة هذا -حتّقى بعققد الفتوحات -كانققت تديققن لقادتهققا
بالخصققوصية الدينيققة والسققياسية والخلقيّة على السققواء مققع توفّر التسققليم العام
بعدالة هؤلء القادة وصقققفاء سقققريرتهم ،وبالجملة اليمان الشامقققل بنقائهقققم ظاهراً
وباطناً .وكلّ ذلك ممّا ل يوحقي اسقتمرارُ الصقرارِ على القول برجعتقه اليوم إل بلون
بالغ التدهور مققن المرض العقلي والتاريخققي على السققواء ،ول يزيققد القول بققه على
القول بالرجعقة المنسقوب للشيعقة ،فعلى المتشدديقن أن يحرصقوا على أن ل يضبطهقم
أحد وهم يرددون القول به؟
ثانياً :أ نّ النصوص المتحدثة عن الخلفة بعد النبيّ صلّى ال عليه وسلّم جاءت
على نحققو يوحققي بمدى إدراكهققا لمبلغ ذلك التغيققر الذي سققيصيب الدولة بعققد هذه
الخلفقة وبأنّه سقيكون انقلباً قاتلً ققد يأتقي على كلّ معانقي السقلم العامقّ فقي الدولة
متضمّنقة الشارة إلى ضرورة التمسقّك بطريققة "الخلفاء الراشديقن" الذيقن حُدّد اثنان
منهقم بالسقم ،وأشيقر للباقيقن جملة ،فعرفوا بالتفاق العام بيقن المسقلمين .فالمروي
69
عقن الرسقول الكرم( )" :الخلفقة بعدي ثلثون عاماً يكون بعدهقا الملك"( .)1وروى
سعِيدِ ٍ،قَالََ :أخْبَرَنِي جَدّي قَا َل كُنْ تُ
ع ْمرُو بْ نُ َيحْيَى بْ نِ َ
البخاري في كتاب الفتن عن َ
سجِدِ النّبِيّ صَلّى اللّهم عَلَيْهِ وَسَّلمَ بِا ْلمَدِي َنةِ َو َمعَنَا مَ ْروَا نُ
جَالِسًا َم َع أَبِي هُرَ ْيرَةَ فِي مَ ْ
س ِمعْتُ ال صّادِقَ ا ْلمَ صْدُوقَ َيقُولُ:
(يقصد :مروان بن الحكم الموي) فقَا َل أَبُو هُرَيْرَةَ َ
علَ ْيهِ مْ غِ ْل َمةًَ .فقَالَ أَبُو
علَى يَدَ يْ غِ ْل َمةٍ مِ نْ قُرَيْ شٍَ .فقَالَ َم ْروَا نَُ :لعْ َن ُة الِّ َ
هَ َل َكةُ ُأمّتِي َ
ت أَ نْ أَقُولَ بَنِي ُفلَ نٍ وَبَنِي ُفلَ نٍ َلفَعَلْ تُ" .قال الراويَ :فكُنْ تُ َأخْرُ جُ مَ عَ
هُرَيْرَةَ َلوْ شِئْ ُ
جَدّي إِلَى بَنِي مَ ْروَا نَ (بن الحكم) حِينَق مُّلكُوا بِالشّامِق فَإِذَا رَآهُمْق غِ ْلمَانًا َأحْدَاثًا قَالَ لَنَا
عَسقَى َه ُؤلَ ِء أَنْق َيكُونُوا مِ ْنهُمْق قُلْنَا أَنْتَق أَعْلَمُق؟( .)2كمقا روى الحاكقم فقي المسقتدرك أنّق
النققبي صققلى ال عليققه وسققلم قال لكعققب بققن عُجرة :أعاذك ال يققا كعققب مققن إمارة
السفهاء .قال (كعب) :وما إمارة السفهاء يا رسول ال؟ قال :أمراء يكونون بعدي ل
يهتدون بهديي ول يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك
ليسوا مني ولست منهم ول يردون على حوضي ،ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم
سمِ ْعتُ َرسُولَ الّلهِ صَلّى اللّهم عَلَ ْيهِ َوسَّلمَ يَقُولُ ا ْلخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا ُثمّ
ل َ
ن سَفِي َن َة قَا َ
)(1أحمد بن حنبل :عَ ْ
عمَرَ َرضِي اللّهم
عنْهم سَنَتَيْنِ َوخِلَا َفةَ ُ
سكْ خِلَا َفةَ أَبِي َبكْرٍ َرضِي اللّهم َ
ل سَفِي َنةُ َأ ْم ِ
ك قَا َ
َيكُونُ َب ْعدَ ذَِلكَ ا ْلمُ ْل ُ
ت سِنِينَ َرضِي اللّه
ي سِ ّ
عشْ َر سَ َنةً َوخِلَافَةَ عَِل ّ
عشْ َر سِنِينَ َوخِلَافَةَ عُ ْثمَانَ َرضِي اللّهم عَنْهم اثْ َنيْ َ
عنْهم َ
َ
عنْهمْ[ .أحمد بن حنبل ،حديث(( 5/220 )21919وفي طبعة المحقق )36/248قال المحقق الستاذ
َ
الرنؤوط :إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير سعيد بن جُمهان ..فهو "صدوق" من رجال
أصحاب السنن .قال ابن تيمية :ولفظ أبي داود من رواية عبد الوارث والعوام" :تكون الخلفة ثلثون
عاما ثم يكون الملك" .و"تكون الخلفة ثلثين سنة ثم تصير ملكا" .قال :وهو حديث مشهور من رواية
حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب وغيره عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى
رسول ال صلى ال عليه وسلم ورواه أهل السنن كأبى داود و غيره واعتمد عليه المام أحمد وغيره فى
تقرير خلفة الخلفاء الراشدين الربعة[.ابن تيمية ،الخلفة والملك ،تحقيق :عبد الرحمن محمد قاسم
النجدي ،مكتبة ابن تيمية ،د.ت].
)(2البخاري مع الفتح ،كتاب الفتن ،باب قول النبي صلى ال عليه وسلم هلك أمتي على يدي أُغيلمة
سفهاء.
70
على ظلمهقم فأولئك منقي وأنقا منهقم وسقيردون على حوضقي ..الحديقث .قال الحاكقم:
هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه(.)1
وقققد جاء الحديققث عققن الخلفاء الراشديققن تحديدهققم أو الشارة إليهققم أو المققر
باتباع نهجهم فيما روى أبو داود ،والترمذي وابن ماجة ،عن :ا ْلعِرْبَا ضَ بْ نَ سَارِ َيةَ
قوله عقن النقبيّ صَقلّى اللّهقم عَلَيْهِق وَسَقّلمََ :إِنّهُق مَنْق َيعِشْق مِ ْنكُمْق َبعْدِي فَسَق َيرَى اخْتِلَفًا
علَيْهَا
كَثِيرًا َفعَلَ ْيكُمْق بِسُقنّتِي وَسُق ّنةِ ا ْلخُلَفَاءِ ا ْل َمهْدِيّينَق الرّاشِدِينَق َتمَسّقكُوا بِهَا َوعَضّوا َ
بِال ّنوَاجِذِ" ( .)2وجاء التصقريح باسقمي الشيخيقن أبقي بكقر وعمقر عليهمقا السقلم فيمقا
َ َ
صل ّى ل الل َّ ِ
ه ََ سو ُ ل َر َُ روى الترمذي رضقي ال عنقه ،عَنْق حُذَ ْي َفةَ قَالََ « :
قا َ
ر َ
دي أب ِ َي بَك ْ ٍ ع ِ
ن بَ ْم َْ
ن ِ قتَدُوا بِالل َّ َ
ذي ْ َ ِ ما ْ َ
سل ّ َ
و ََ علَي ْ َ ِ
ه َ
َ
الل ّ َهم َ
مَر » قَا َل أَبقو عِيسقَى هَذَا حَدِيثٌق حَسَقنٌ .وكذا رواه أحمقد بقن حنبقل ،ورواه ابقن
ع َ
و ُ
َ
ماجة في كتاب المقدمة(.)3
ثالثاً :مقن دون الحالتيقن المعروفتيقن بتعييقن الرشقد اسقماً فقي أبقي بكقر وعمقر ،أو
فقي إلحاق الخليفتيقن" :عثمان بقن عفّان" و"عليّق بقن أبقي طالب" بهمقا عقن طريقق
التفاق العام أو مققا يمكققن تسققميته "الجماع" لم يقققع لواحققد فققي تاريققخ المسققلمين
إطلق الرشاد على واحد من الحاكمين ،سوى الملك الموي "عمر بن عبد العزيز"
ممّا يدلّ على أنّق انسقحاب التفكيقر بالخلفقة وبالرشقد فقي الذهقن والمزاج السقياسي
)(1الحاكم في المستدرك ،كتاب الفتن والملحم .4/468 ،وهو حديث مؤيد لما أثبتناه في الحاشية قبل .ينظر
الحاشية الولى :ص .76
)(2أبو داود ،كتاب السنّة ،باب في لزوم السنّة .سكت عنه أبو داود .ورواه الترمذي في السنن ،كتاب
العلم ،باب ما جاء في الخذ بالسنة واجتناب البدع ،قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .ورواه ابن
ماجة في السنن ،كتاب المقدمة ،باب اتباع سنّة الخلفاء الراشدين المهديين.
)(3ينظر :الترمذي ،كتاب المناقب ،باب في مناقب أبي بكر وعمر .وينظر :أحمد بن حنبل ،المسند،
حديث (( 5/382 )23245وفي طبعة المحقق )281-38/280قال المحقق الستاذ شعيب الرنؤوط:
حديث حسن بطرقه وشواهده .و ينظر :ابن ماجة ،كتاب المقدمة ،باب فضائل أصحاب رسول ال(صلى
ال عليه وسلم).
71
للمسقلمين انسقحاب غيقر مقبول .فإذا تركنقا حقائق التاريقخ جانباً إلى خيالت مقن لهقم
تخيّل خا صّ في قراءة بعض النصوص التي تبشّر بعودة الخلفة راشدة على منهاج
النبوّة ،وراجعنا ما قاله العالمون َلعَ ِلمْنا أ نّ التأويل المقبول عند عامّتهم بهذا الوعد
هقو شخقص "عمقر بقن عبقد العزيقز" الملك الموي الذي أعاد الحكقم مقن صقلف وظلم
الموييققن إلى روح الرشققد ولم يتس قنّ له أن يتم قّ مققا بدأ فعادت بعده ملكاً عنيفاً كمققا
كانت.
مققع أنّه توفّر لدى الجميققع وعيقٌ بمبلغ ذلك التغييققر الذي يكاد يكون جذرياً فققي
المفاهيققم والممارسققات السققياسية بيققن عصققري السققياسة السققلميّة التقليديققة ذات
الطابقع الديمقراطققي ،وبيقن عصقر الغلبققة والقهققر ،ممّا دفعهققم بل اسقتثناء لتسقجيل
إجماع بانقضاء الرشقد بعقد خلفقة أميقر المؤمنيقن عليّق (عليقه السقلم) وابتداء عصقر
آخر بعده .وهو ما جعل ابن خلدون يشير إلى هذا الوضع في أحد فصول "مقدمته"
بعنوان" :انقلب الخلفة إلى ملك"( .)1ولعلّه هو ذاته ما حمله على القول بأن "أكثر
الحكام السلطانية جائرة في الغالب؛ إذ العدل المحض هو في الخلفة الشرعية ،قال:
وهقي قليلة اللّبقث"!( .)2ولهذا يَعتقبر ابقن خلدون مفهوم "المُلك قق على الحقيققة قق لمقن
يسققتعبد الرعيققة ..ول يكون فوقققه يققد قاهرة" .وأنققّ مققن مسققتلزمات المُلك :التغلّب
والقهقر .وهذا ،فقي رأيقه ،سقرّ ذم القرآن للمُلك وللمرتبطيقن بقه ،لمقا يتميزون بقه مقن
"السراف في غير قصد ،والتنكّب عن صراط ال"!(.)3
كلّ ذلك يدفققع بنققا لوضقع علمققة اسققتفهام إن لم تكققن علمققة تعجّب أمام تمسقّك
الذهقن المسقلم بصقورة الرشقد كأسقاس للطرح السقياسي .هذا اللون مقن التمسقك الذي
دفع بالفقه السياسي المسلم لقياس غير الراشد على الراشد ،وغير المشمول بالنّص
على المشمول بققه ،فأعطيققت للملوك والسققلطين كافققة صققلحيات الخلفاء ،وطولبققت
المّة بكافة الواجبات التي كانت مطالبة بها أمام الراشدين من السمع والطاعة لهم
والحرص على عدم شقق عصقا الجماعقة عنهقم .لكنّه فات الجميقع أنّه فقي مقابقل هذا
الذي طولبت به المّة ضاعت حقوقها بموجب القوّة العسكريّة المحتبسة بيد الحاكم
المطلق الذي لم يكن يعرف في غالب الحيان من الرشد حتّى اسمه ،وهو وضع أقلّ
ما يقال فيه أنّه ظالم؛ لنّ الخلفة في عرف الجميع عقد تراض بين طرفين ،وقد فقد
العققد شرط التراضقي ،كمقا فققد العوض مقا بيقن المتعاقديقن ،فمقا الذي بققي فيقه حتّى
)(1يراجع :عبد المجيد الصغير ،التجربة السياسية في السلم جدلية المفهوم والممارسة ،مقال منشور
بموقع بلغ ،http://www.balagh.com/islam/1i1elhxd.htmعن كتاب "الفكر الصولي
وإشكالية السلطة العلمية في السلم".
73
نصرّ على البناء عليه بدل اللتفات ناحية معالجة الظرف في جوّه الحقيقي أي الجو
غيقر الراشقد .فتسقتق ّل مؤسقسات الدولة عقن بعضهقا ويُعمقد إلى توزيقع السقلطات على
هذه المؤسقسات ،ويوضقع دسقتور يضبقط الدولة حتّى ل تبعقد كثيراً عقن الرشقد ،لبقد
أن نعي أنّ فكرة انتظار الفرج على يد كائن فخم ضخم شديد الثراء في كلّ شيء هي
فكرة غيققر عربيققة وغيققر إسققلمية ،وغيققر عاقلة إنّهققا فكرة تفسققير الحداث بمنطققق
البطولة المطلقققة ،وتدخققل السققماء إلى جوار البطال تحرسققهم وتؤيدهققم إنّهققا فكرة
مرضيّة تصيب تلك المم المولعة بحب القديم والبكاء على الطلل .ولسنا بصدد هذا
الترف.
()3
اسََتعادة الرشََد اليوم ل يكون بغيََر إقامََة دولة مدنيََة تفيََد مََن دولة
ما أنتجته الحضارة المعاصرة..
الرشد ،وم ّ
الملحقظ للتجربقة وللتنظير السقياسي المسقلم يلحقظ بشكقل ظاهر أنّه بإزاء تجربقة
وتنظيققر كلهمققا فققي غايققة الضعققف ،ول يعبققأ فيهققا بفترتققي النبوة والرشققد ،لشدّة
خصقوصيتهما وقلّة زمانهمقا .وبالجملة فمسقألة تردّي أوضاع الدراسقات السقياسية،
ودراسات القانون العام عندنا -نحن المسلمين -مسألة ل ينبغي أن يأخذنا الكبر فيها
كثيرًا إذ أوّل الدواء معرفة الداء ،وقد علم كلّ من لديه نيّة صالحة مع عقل يعي أ نّ
الزمة السياسيّة يساندها عدم وجود تصوّر نظري متكامل لمسألة الحكم الصالح هما
بيت داء المسلمين منذ انتهت حقبة الحكم –الستثنائي -النبوي والراشد.
ففي رسالته عن الخلفة كتب العلمة أ.د .عبد الرازق السنهوري عبارة شهيرة
مفادها" :أنّ الفقه السلمي في ميدان القانون العام –النظريّة السياسية -ل يزال في
دور الطفولة .)1(" ..وعلّق أ.د .عبد الحميد متولّي بعد ذلك في مقدّمة الطبعة الولى
)(1عبد الرازق السنهوري ،فقه الخلفة وتطوّرها لتصبح عصبة أمم إسلميّة ،ص .50
74
من كتابه "مبادئ نظام الحكم في السلم" بقوله" :كان ذلك منذ أربعين من السنين،
وبعقد أربعيقن مقن السقنين مقن ذلك الحيقن ل يزال ذلك الطفقل فقي المهقد يحبقو ل يكاد
ينهض حتّى يكبو"( .)1وأتبعه أ.د .حازم عبد المتعال الصعيدي بعد أن اعترف بفضل
علماء المسلمين في تقرير غير قليل من المبادئ السياسية والدستورية الهامة التي
لم يدركهقا الفققه الغربيّق إل بعقد قرون ،بقوله .." :إل أننقا نجقد رغقم ذلك أنّق الفققه
السلمي في ميدان القانون العام يعاني من التخلف الشديد.)2("...
وفققي ذات التجاه يلفققت السققيد الدكتور عبققد الملك الجعلي -فققي رسققالته حول
"النظريّة السقلمية فقي السقلطات العامّة للدولة" -النظرَ إلى أنّق المؤلّفات الفقهيّة
التراثيّة وإن أسقدت معروف ًا كقبيراً للدراسقات النسقانية باهتمامهقا بشأن نظقم الحكقم
والسقياسة وأحوال العمران البشريقّ ...فققد اتّسققمت دراسقاتهم بالجمال بالقدر الذي
كانقت تدعوا إليقه الحاجقة آنذاك ،ربّمقا لنّق الموضوع يمسّق سقلطة الحكام ...لذا ظلّت
الدراسقات السقياسية مجملة بعيدة عقن التعمّق والتفصقيل فلم يقبرز منهقا سقوى هذا
القليقققل الذي ل غناء فيقققه ...ثمقققّ إنقققّ فقهاء الشريعقققة قديماً وحديثاً إذا كانوا قتلوا
ببحوثهم المستفيضة فروعها في العبادات والمعامقلت وأحقوال السرة ...فإنّ مجال
البحقث فقي الفققه العام أو الفققه الدسقتوري أو السقياسة الشرعيقة ل يزال بكراً متلهّفا
إلى الشبقققاع مَشوقاً إلى الرتواء ،ذلك أنّقه ل يتأتّقى قيام لتلك الفروع بدون وجود
الدولة بسلطاتها والتي هي محور البحث في نطاق الفقه العام أو الفقه الدستوري(.)3
)(1مبادئ نظام الحكم في السلم ،منشأة المعارف بالسكندريّة ،ط 1978(4م) ،ص .14
)(2حازم عبد المتعال الصعيدي ،السلم والخلفة في العصر الحديث ،مكتبة الداب ،ط ( 1
1404هـ= 1984م ) ص .8
)(3عبد الملك الجعلي ،النظرية السياسية السلمية في السلطات العامة للدّولة (السلطة التشريعية والسلطة
التنفيذية و السلطة القضائية ) ،دكتوراه غير منشورة بإشراف أ.د.محمد محمد جبر نصّار ،من كلّيّــة
الشريعة والقانون بجامعة الزهر الشريف ،ص "و" من المقدّمة.
75
والواققع -حسقب عبقد الحميقد متولي -أنّق الحركقة العلميقة السقلمية حيقن عنيقت،
لسيما في العصر العباسي ،بترجمة ما كان لدى اليونان من فلسفة وعلم لم تُعن بما
كان لديهققم مققن مؤلفات فققي العلوم السققياسية ،وفققي مقدمتهققا مققا يتصققل بالناحيققة
الدسققتورية ،ككتاب الجمهوريققة لفلطون وكتاب السققياسة لرسققطو .قال :ويُرجققع
بعضُق العلماء سقببَ هذه الظاهرة إلى النظام السقتبدادي الذي سقاد الحكقم السقلمي
بعقد عهقد الخلفاء الراشديقن؛ إذ أن الخلفقة إنمقا تقوم –لدى العلماء المسقلمين– على
أسقاس المبايعقة الختياريقة الحُرّة .قال :ولكننقا إذا رجعنقا إلى التاريقخ نجقد أنّهقا إنمقا
كانقت تقوم فقي الواققع على أسقاس القوة والقهقر .فلم تكقن المبايعقة لولي العهقد حيقن
تحدث سوى مجرد مظهر أو ستار يخفي وراءه ما تستند إليه القوة من ستار .قال:
والفققه الدسقتوري أو السقياسي بوجقه عام ل تنبقت بذوره إل فقي تربقة الحريقة ,ول
تزدهر وتورق غصونه إل في جو من الحرية .قال :وحسبنا أن نشير إلى فقيه كبير،
وهققو أبققو الحسققن الماوردي الذي عاش فققي العصققر العباسققي وتوفققي عام 540هققق.
ووضع كتابه "الحكام السلطانية"( )1ثم أوصى أل ينشر إل بعد وفاته!! (.)2
والحقّق أنّه يلحقظ فقي غيقر مقا عناء أنّق المسقائل السقياسيّة لم تحقظ مقن الفقهاء
المسلمين بنفس العناية التي بذلوها لغيرها ،كما أنّه ملحظ أيض ًا أ نّ عدد المؤلفين
المسققلمين فققي العلوم السققياسية قليققل جدّا إذا مققا قورن بالعدد الضّخققم مققن العلماء
)(1مع أنّ الرجل ابتعد في كتابه هذا عن جُل ما يغضب أو يثير ،ومن عجيب ما فعله فيه مما يسمح
للخيال أن يأخذ المجال الرحب في رؤية نكدة للجو السياسي الذي عاناه المسلمون -وما يزالون
يعانونه -أنّ الرجل أقام النظام السياسي السلمي على منصب الخلفة -الذي هو عندهم نيابة عامة عن
النبي ( ) في الدين والدنيا ،وهو ل شك كلم فيه كثير من المبالغة التي ل مبرر لها ،ويراجع في هذا
كتابنا السلطة المدنية في السلم – ث ّم أقام منصب الخلفة على من دعاهم بـ"أهل العقد والحل" ،ثم
تناول الرجل بالتفصيل الحديث عن النظام السياسي بكل ما أمكنه التفصيل فيه ،وكذلك تناول منصب
الخلفة ،ثم تستطيع أن تقول إنه تجاهل الكلم عن ماهية الصل الذي ارتضاه لها وهو "العقد
والحل"؟!!!.
ينظر :عبد الحميد متولي ،مبادئ نظام الحكم في السلم ،ص .22 )(2
76
المسققققلمين فققققي المجالت الخرى كعلماء العقيدة واللغققققة والفقهاء والرياضييققققن
والطققبيعيين والكيميائييققن والفلكييققن ،أو حتققى مؤلفققي الشققق الخاص مققن القانون
أنفسهم(.)1
وعليققه فلبققد مققن الفادة مققن كلّ معطيات الحضارة النسققانيّة فققي بناء الدولة
الصالحة ،وأوّل هذه المعطيات:
تفرقة بين أمير وفقير .بين مسلم وغير مسلم ،والمثلة على
هذا تن ّد عن الحصر.
)(1ينظر :د .توفيق محمد الشاوي تعليق بالهامش رقم " ، "12من كتاب أ.د .عبد الرازق السنهوري ،فقه
الخلفة وتطوّرها لتصبح عصبة أمم إسلميّة ،ص .50
77
.2اعتماد الليات الديمقراطيّة المعاصرة:
()4
()1
"الدولة السلمية" الولى لم تكن سوى دولة مدنيّة
حيقث نظرنقا لطرائق الحكقم السقلميّة وهقي المحصقورة تقريباً بمقا اسقتعمل فقي
العهديققن النبوي والراشققد لن نجققد إل دولة مدنيّقة .ووفقاً لقراءتنققا لتص قرّفات دولة
الرشد فإنّا وجدنا العمل السياسي فيها يقوم على شقين:
الشقّ الول:
أي :التص قرّف مققن السققلطة الحاكمققة على جهققة السققتصلح -مققا عدا التشريققع
القانونقي -وهذا الشقّق مقن العمليّة السقياسيّة جرى العمقل فيقه ،حتّى فقي زمقن النبوّة،
على توسقققققيد السقققققيادة فيقققققه للنّاس على أنفسقققققهم ،والتأسقققققيس على ضرورة
المداولة(المشاورة) فيقه فيمقا بينهقم ،وعليقه جرت كلّ تصقرّفات النقبيّ( ) السقياسيّة
)(1حيث ل يمكننا التفصيل في هذا الشأن هنا ،فمن الضروري مراجعة كتابنا ،السلطة المدنيّة في السلم،
وكذا رسالتنا للدكتوراه ،وعنوانها :السلطة التشريعية في الفقه الدستوري السلمي دراسة مقارنة،
ممنوحة من جامعة عين شمس بالقاهرة.
78
فققي كلّ مققا حزب الدولة مققن المور بدءاً مققن إعلن وثيقققة الدسققتور المدني قّ مروراً
بمشاورات الغزوات مققع التأصققيل فققي كلّ ذلك لوجود مراجققع للنّاس ونقباء وعرفاء
يعبّرون عن آراء مَن وراءَهم ،جرى اختيارهم ممّن وراءَهم ولم يُعيّنهم أحد عليهم.
فالنقبيّ( ) شاور فقي شأن الوثيققة(دسقتور المدينقة) وشاور فقي بدر وقَبِل الرأي
العسقكريّ مقن العلم بقه والتزمقه فقي تحرّك الجيقش ناحيقة آخقر ماء ببدر ،وقَبِله فقي
عدم المشاركة في القتال والتزام العريش .والتزم رأي الجماعة في الخروج لق"أحد"
على الرغققم مققن سققبق علمققه أنقّ القعود أفضقل ،والتزم القرآن نتيجققة هذه المشاورة
ح َمةٍ
وأكّد على ضرورة اللتزام بهقا حتّى وإن حصقل مقن ورائهقا مقا حصقل " {فَ ِبمَا َر ْ
حوْلِ كَ فَاعْ فُ عَ ْنهُ مْ وَا سْ َتغْفِرْ
ن َ
ن الّ لِنتَ َلهُ مْ وَ َل ْو كُن تَ َفظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَنفَضّواْ مِ ْ
مّ َ
علَى الّ إِنّ الّ ُيحِبّ ا ْلمُ َتوَكّلِي نَ} ()159
َلهُ مْ َوشَاوِرْهُ مْ فِي ا َلمْرِ فَإِذَا عَ َزمْ تَ فَ َت َو ّكلْ َ
سورة آل عمران .وهو الذي التزم رأي سلمان الفارسيّ في حفر الخندق .وهو الذي
التزم بقرار ولة المققر معققه مققع أنّه كان قققد كتققب كتاب الصققلح بينققه وبيققن غطفان
ليخفف من وطأة الحصار على المدينة ،في غزوة الخندق فمزقوه بين ناظريه ،وهو
الذي تعرّض لحالة العصقققيان فقققي الحديبيقققة فلم يزد القرآن على أن طيّققب خواطقققر
العاصققين ورضّاهققم ،وأقرّ لهققم بص قحّة موقفهققم وحقّهققم فققي أن ل يتجاوز أحققد فققي
ن المر لم يكن بيد محمّد (صلى ال عليه وسلّم) وإنّما هو
السياسة وليتهم ،مبين ًا أ ّ
شأن قضته السماء بسبق علمها محبّة وكرامة لهم أن يصيبهم غ ّم وكمد إذ يعلمون
أنّهم بحماستهم هذه إنّما تورطوا في قتل إخوانٍ لهم في مكّة ل جريرة لهم إل معاناة
ن َكفَرُوا
الستضعاف والقهر مشيراً إلى أنّه كان ليوافقهقم لول هذا السبب "{هُ مُ الّذِي َ
وَصَقدّو ُكمْ عَنِق ا ْلمَسْقجِدِ ا ْلحَرَامِق وَا ْلهَدْيَق َمعْكُوفًا أَن يَبْلُغَق َمحِلّهُق وَ َل ْولَ ِرجَالٌ ّم ْؤمِنُونَق
خلَ الُّ فِي
طؤُوهُمْ فَتُصِي َبكُم مّ ْنهُم ّمعَرّةٌ ِبغَيْرِ عِلْمٍ لِيُ ْد ِ
وَنِسَاء ّم ْؤمِنَاتٌ لّمْ َتعْ َلمُوهُ ْم أَن َت َ
حمَتِهِق مَن َيشَاء َلوْ تَزَيّلُوا َلعَذّبْنَا الّذِينَق َكفَرُوا مِ ْنهُمقْ عَذَابًا أَلِيمًا}( .)1فالقرآن الذي
َر ْ
79
هدد رافعي الصوت عليه في الحجرات بإحباط العمل ،وصبر على حادث الفك شهراً،
لم يوجّه لهم تهمة هنا ،ولم يصبر على غضبهم سويعات؛ لنّ ذلك من حقّهم.
يستعمل مصطلح "التشريع" بمعنيين ،معنى عام :يقصد به وضع أو استنباط أو
تفسير القواعد القانونية وهي عملية نظرية لها رجال مخصوصون ومناهج محددة،
وتتمثققل هذه العمليققة بدرجققة كققبيرة فيمققا تنتجققه قرائح الفقهاء مققن اسققتثمار للمادة
القانونيقة ،ومصقادرها الموجودة بيقن أيديهقم .ومعنقى خاص :يقصقد بقه التعقبير عقن
إرادة السققلطة العامققة بقصققد إصققدار قاعدة قانونيققة وإلزام الناس باحترامهققا ،ول
اختلف فقي الحقيققة فقي ذلك بيقن مجتمقع مسقلم ،وبيقن أي مجتمقع آخقر ،وعليقه فلبقد
مقن التفرققة بيقن هذيقن النّوعيقن مقن التشريقع ،وبيقن الهيئتيقن القائمتيقن عليهمقا،
والتركيقز على إيجاد الحلول العمليّة لضبقط العلققة بينهمقا .ومقع أنّه ققد تنشقأ شبهقة
عندنققا تعوّق تفرقققة على هذا النحققو بيققن الفقققه وبيققن التشريققع السققياسي تقوم على
اعتبار أنقّ الفققه الذي عرفتقه الدراسقات القانونيقة هقو فققه النصقّ القانونقي ل فققه
النقص الشرعقي ،وعليقه فل يمكقن حمقل الفققه المسقلم على الفققه القانونقي والتسقوية
بينهمقا فقي هذا الشأن؟ فالحقّق أنّق هذا مقن جهقة التحقيقق لن يعدو أن يكون نوعاً مقن
ن الفقه واحد ،وهو يشمل كل عمليتي العمال هذه،
الخلط غير المقبول؛ فالمعروف أ ّ
وهقو عنقد الجميقع ل يزيقد على كونقه إعمال عققل وبذل جهقد فكري مقن أجقل اكتسقاب
ملكقة مخصقوصة للتعامقل مقع نصقوص أو أصقول قانونيقة ،وققد سقبق وعرّفقه الفقهاء
الرومان -قبقل السقلم -بأنّه معرفقة المور اللهيّة والمور البشريقة والعلم بمقا هقو
حقّ شرعاً ،وبما هو غير حقّ(.)1
80
فالتشريققع السققياسي هققو مققا تلجققأ إليققه السققلطة العامّة اسققتجابة لحاجققة قائمققة،
ومصقلحة حالّة ترى الصقالح فقي معالجتهقا عقبر سقلوك هذا الطريقق أو ذاك ،وققد تجقد
فقي هذا نصقّا يعينهقا ،وققد ل تجقد ،فتجتهقد فقي تحقيقق الصقالح السقياسي ،ل فقي حلّ
المعضل الفقهي الذي ليس من شأنها ،ول من واجبها القيام عليه.
وهناك جانقب مقن الحكام ذا بعقد سقياسيّ عمقل بقه الصقحابة ،ومنقه مسقألة قتال
مانعقي الزكاة ،وكيقف توجّه عمقل الصقحابة بالسقاس ناحيقة ح ّل المعضقل السقياسي
دونما كبير توقف عند حدود الشكال الفقهي وهو شأن السلطة العامّة وواجبها في
سرعة الحسم بالعتبار السياسي التي هي أدرى به ،ومن أبرز صور هذا اللون من
التشريع في عهد الصحابة:
على الغلمان.
81
المفتوحة عنوة ،نظرا لتغير حال البلدان المفتوحة سعة وكثرة
رعايا.
ابتداع نظام التسعير على الرغم من أنّه كان مرفوضا على عهد
النبي( ).
منع بيع أمّهات الولد من العبيد مع أنّ العمل على بيعهنّ كان
وقد انشغل شيخا السلم ابن تيمية وابن القيم باستجلء هذه القيمة منذ ما يزيد
على نصقف عمقر السقلم حيقن فرقوا تفرققة عجيبقة بيقن نوعيقن مقن التشريقع يقوم
عليهمققا نوعان مققن المؤسققسات ،فالتشريققع الكلّي :هققو ذلك التشريققع الدينققي الثابققت
الذي ترعاه المؤسسة الفقهيّة .والتشريع السياسي أو الجزئي :هو ذلك الذي تتعامل
به المؤسسة السياسيّة مع الظرف القائم ،وهو تشريع قائم على المصلحة ،وقد أل حّ
ابن القيّم على هذه الضرورة الوجوديقة لهذا اللون من التشريع السقياسي ،فنققل عن
المام ابققن عقيققل الحنبلي فققي الفنون قوله" :جرى فققي جواز العمققل فققي السققلطنة
بالسققياسة الشرعيققة أنققه هققو الحزم ول يخلو مققن القول بققه إمام" .فقال شافعققي :ل
82
سياسة إل ما وافق الشرع .فقال ابن عقيل :السياسة ما كان فعل يكون معه الناس
أقرب إلى الصلح ،وأبعد عن الفساد ،وإن لم يضعه الرسول (صلى ال عليه وسلم)
ول نزل بققه وحققي ،فإن أردت بقولك إل مققا وافققق الشرع أي لم يخالف مققا نطققق بققه
الشرع فصحيح ،وإن أردت ل سياسة إل ما نطق به الشرع ،فغلط وتغليط للصحابة،
فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما ل يجحده عالم بالسنن(.)1
قال ابقن القيّم رضقي ال تعالى عنقه :فإن ال سقبحانه أرسقل رسقله وأنزل كتبقه
ليقوم الناس بالقسقققط وهقققو العدل الذي قامقققت بقققه الرض والسقققماوات فإذا ظهرت
أمارات العدل وأسقفر وجهقه بأي طريقق كان ف َثمّ شرعُق ال ودينُه .وال سقبحانه أعلم
وأحكققم وأعدل أن يخققص طرق العدل وأماراتققه وأعلمققه بشيققء (ضوابققط الفقققه،
وقواعد المذهب) ُثمّ يَنفِي ما هو أظهرُ منها وأقوى دلل ًة وأَبْيَن أمارةً فل يجعله منها
ول يحكقم عنقد وجودهقا وقيامهقا بموجبهقا .بقل قد بيقن سقبحانه بمقا شرعقه من الطرق
أنّق مقصقوده إقامقة العدل بيقن عباده وقيام الناس بالقسقط فأي طريقق اسقتخرج بهقا
العدل والقسققط فهققي مققن الديققن وليسققت مخالفةً له فل يقال :إن "السققياسة العادلة"
مخالفةٌ لما نطق به الشرعُ بل هي موافقةٌ لما جاء به بل هي جزء من أجزائه ونحن
نسقميها سقياسة تبعقا لمصقطلحهم وإنمقا هقي عدل ال ورسقوله ظهقر بهذه المارات
والعلمات(.)2
وقققد اتفققق الفقهاء على أنققّ هذا اللون مققن التشريققع هققو مققن حقوق السققلطة
العامّقة( ،)3كمقققا اتفقوا على أنققّ هذه السقققياسة أو التشريعات السقققياسية إنمقققا هقققي
)(1ابن القيم ،الطرق الحكميّة ،ص .18-16ويراجع :إعلم الموقعين .373 / 4
)(2ابن القيم ،الطرق الحكميّة ،ص 19-18
)(3المعروف معرفة الضرورة أنّ كلّ أعلم المؤسسة الفقهية المسلمة في كلّ مدوّناتهم صريحون في
إحالة كلّ ما هو من الشأن السياسي إلى وليّ المر (الحكومة) حتّى إنّ بعضهم لم يرَ أنّ للقاضي ،وهو
المعروف بأنّ شرطه الول وربّما الوحد أن يكون فقيها ،ليس له أن يمارس سياسة التعزير باعتبارها
شأنا سياسيّا موكولً للساسة (للمام) يراجع :ابن نجيم المصري ،البحر الرائق شرح كنز الدقائق،
83
تصقرفات جزئيّة غيقر كليّة قابلة للنققض وإن توفّرت لهقا صقورة الجماع السقكوتي،
فققد ارتدت عقوبقة الخمقر إلى حدّ الربعيقن على عهقد أميقر المؤمنيقن "عثمان"( )،
بعققد أن كانققت ثبتققت على الثمانيققن فققي عهققد "عمققر"( ) ردّهققا "علي قّ"( ) وهققو
المشهور فقققي بعقققض الروايات أنّققه الذي اقترح على عمقققر مقققن قبقققل زيادتهقققا إلى
الثمانيقن ،ثمّق جاء فقي بعضهقا أنّق عليّا نفسقه ضرب فقي عهده مائة؟ كلّ ذلك بحسقب
الحاجقة ومصقلحة السقياسة .كذلك شرع أميقر المؤمنيقن "عليقّ"( ) فقي السقماح بقبيع
أمّهات الولد مققع أنّه كان مشاركاً فققي تشريققع المنققع على أيّام عمققر ،ولم يردّه إل
اعتراض قاضيقه شريقح .وققد رجقع الصقحابة بعقد أميقر المؤمنيقن "عمقر"( ) عقن
إيقاع طلق الثلث ثلثاً ،مع أنّه شاع من فعل عمر بل اعتراض.
ومهمققا يكققن مققن أمققر تصقوّر الفقهاء المسققلمين لشكققل السققلطة العامّة( ،)1فإنقّ
مناقشاتهم حول هذا اللون من التشريع تقطع بقناعتهم بأ نّ هناك لون ًا مخصوصاً من
التشريقع تفرضقه على السقلطة العامّة حاجقة فرض النظام ،وإقرار العدل .وهقو لون
ليس بالضرورة أن يُتوصّل إليه عبر الطرق الفقهيّة المعروفة ،كما أنّ هذه الضرورة
في الصدار وفي مجاوزة الطرق المعروفة إنّما هي من الشريعة ،وأنّ الشريعة -ول
شكقّ -جاءت بهقا .وهقم بذا يُفرّقون بيقن أداء نظريّق أكاديمقي وآخقر عمليّق سقياسي،
.2/249أبو الحسن ،علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغيناني ،الهداية شرح بداية المبتدي
في الفقه على مذهب المام العظم أبي حنيفة النعمان ،مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ،مصر،
.1/106الجصّاص ،أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي ،أحكام القرآن ،تحقيق محمّد الصادق
قمحاوي ،دار المصحف.273-4/270 ،
)(1يراجع كتابنا " :السلطة المدنية في السلم" في مسألة شكل السلطة في الدولة السلميّة" .ولقد كان
الفقهاء على وشك أن يصلوا للمطلوب لو أنّهم ألقوا وراء ظهرانيهم بفكرة السعي وراء استنساخ خلفة
راشدة ،وصرفوا جهدهم ناحية التعامل الواقعي مع الخلفة غير الراشدة بحيث يدركون أنّ إدارة شأني
الدين والدنيا على نحو ما كان على عهد النبي صلى ال عليه وسلم أضحت مسألة مستحيلة على الفراد
بعد عهد الراشدين ،وعليه فلبد من النتقال إلى دولة المؤسسات ،فتشغلهم مسألة توزيع المسئوليّة على
سلطات متعددة ومتكافئة من النشغال بوضع شروط للخليفة الفرد غير القابل للوجود؟!
84
ويرون أنّق الفئة المؤهلة للقيام على هذا اللون ليسققت -بالضبققط -متطابقققة مققع الفئة
الخرى ،ولذا فرقوا تفرققة رشيدة بيقن مؤسقسة "أهقل العققد والحقل" وبيقن مؤسقسة
"المجتهدين".
وقبل أن أختم هذه النقطة أودّ التأكيد على أنّ التشريع السياسي غير المنضبط ل
يقبقل بقه أحقد ،فإنّق كثيراً مقن المفكريقن والمنظريقن السقياسيين الغربييقن ل يرون أنّق
السقلطة التشريعيقة مطلققة اليقد فقي أن تشرّع مقن القوانيقن مقا تشاء ،فهقي مقيّدة فيمقا
تقدمقه مقن تشريعات بالثوابقت العامّة والقيقم الخلقيّة .فمفكقر مثقل "جون لوك" وهقو
ممن يرون قداسة خا صّة للسلطة التشريعية على بقية السلطات ،مع ذلك فإنّه لم ير
أن يُطلَق لها الحبل على الغارب بحيث يكون للمشرع فيها أن يفعل ما يشاء دون أن
يلتزم بحدود معينقققة .بقققل هقققو يرى أن هذه السقققلطة لبقققد وأن تلتزم فقققي مباشرة
اختصقققاصاتها بمراعاة مقققا ورد بالقوانيقققن الطبيعيقققة (الديقققن – العرف – العققققل –
المصلحة) من حدود.
()5
أصول الواجبات والمحظورات في الشريعة ،يمكن أن يتأسس عليه
قانون مدني عام ل يفّرق بين المواطنين ول يحرجهم
الدولة المسلمة قديماً كانت تقوم على أساس اعتبار التقسيم الطبيعي للمواطنين
المقيميقن بهقا إلى مسقلمين وغيقر مسقلمين ،يخضقع الولون لكلّ مقا تطلبقه الشريعقة
دون تفرققة بيقن مقا خصّق الفرد ومقا خصّق الجماعقة مقن متطلبات الشريعقة ،.وغيقر
المسقققلمين ل يطالبون بشيقققء مقققن الشريعقققة إل إذا كان هنالك طرف مسقققلم فقققي
أقضياتهققم ،وفققي غيققر هذه الحالة يحقققّ لهققم عمققل قضاء خاصققّ بهققم ،ومدارس
خاصققّة...الخ .وهذا الوضققع كأنّقه تقنيققن لوجود دولة داخققل الدولة ،وتكريققس لعدم
85
المتزاج بيققن أبناء الجماعققة الواحدة ،وهققو وضققع قققد يكون ناسققب ظرفاً تاريخياً
وتطورياً معيناً للجماعات أو الدول القديمة.
الذي نسقعى إليقه اليوم هقو اعتبار الجماعقة السقلميّة على النحقو الذي كررناه:
جماعة تتطابق والدولة ،واعتماد الطرائق الحضارية المعاصرة في بناء هذه الدولة،
فل ولء ول براء ،ول دول للقليات داخققققل الدولة الكققققبرى ،ول قانون يفرّق بيققققن
مواطقن ومواطقن ،ول نظاميقن قضائييقن...الخ .فالدولة السقلميّة المدنيقة أو الحديثقة
دولة ذات قانون واحقد .ول سقبيل للتوصقّل إلى ذلك إل بالتفرققة فقي أحكام الشريعققة
السقلمية بيقن حقوق ال وحقوق الجماعقة فقي كلّ مقن الواجبات والمحظورات التقي
أتقت بهقا ،فمقا كان حقّق ال فيقه أظهقر مقن حقّق الجماعقة فهقو يلزم الفراد المسقلمين،
ول شأن للدولة بقه ،إل فقي تنظيقم مقا خصّق الجماعقة منقه .ومقا كانقت حقوق الجماعقة
فيه أظهر َوجَبَ على الدولة التعاطي معه باعتباره خطاب ًا موجّها لها وفيه صالحها.
وعلى هذا نقول :إنّ التكليفات في الشرائع الدينية كلّها تنقسم إلى قسمين:
القسقم الوّل :تكليفات محضقة :أي ل علّة لهقا إل طلب "الله" أن يقوم له النّاس
بهقا :وهذه منتفيقة فقي الشريعقة السقلميّة ،إذ ل يعرف فيهقا حققّ محقض ل ،يقوم
ن ال طلبه منهم من دون أن يفهموا علّته[ .وسيأتي] .وكلّ
النّاس به ل لشيء إل ل ّ
مققا فهمققت علّتققه انتفققت محضيّتققه .وهذا شأن كلّ عبادة أو طلب طلبققه الشارع فققي
السلم .فوجود العلّة شرط لزم لكون الواجب أو الحظر منسوباً لله المسلمين ،وقد
تكون العلّة خافيقة كمقا فقي حال الصقلة والحجّق ل يقدر المخاطقب على تقبيان الرابقط
بينها وبين أثرها ربطاً مباشراً ،كمثل أنّه يصعب على العامّي إيجاد رابط مباشر بين
أداء الصقلة وبيقن النتهاء عقن إتيان الفواحقش والمنكرات( ،)1لكنّه أمقر ليقس بعيقد
86
الطلب ،ويمكن حتّى لعلماء النفس والجتماع التو صّل إليه دونما حاجة لفذلكة رجال
الدين.
والقسقم الثانقي :تكليفات معللة بعلّة ظهرت أو خفيقت ،وهقو القسقم الموجود فقي
الشريعة السلمية ،وهو على نوعين:
والصيام والحج ،وما يشبهها من العبادات والشعائر .وهذه ليس للدولة عليها
ق ال،
سلطان لنّ حقّ الجماعة فيها مغمور غير ظاهر والظاهر فيها هو ح ّ
من الدولة أن تجعل من نفسها قيّما عليه ،فل رقيب على أدائه سوى ضمير
المؤمنين به ،وعليه فل يجوز للدولة أن تحشر أنفها في أداء هذه الواجبات،
ول أن تشرع ل ها عقوبات قانون ية .و قد كان ش يخ ال سلم ا بن تيم ية ر ضي
وتطوير -قال في عنوانه :فصلٌ :فيما جعل ال للحاكم أن يحكم فيه ،وما لم
يجعل لواحد من المخلوقين الحكم فيه ،بل الحكم فيه على جميع الخلق ل
ذلك الش خص من آحاد العا مة" .وف سّر هذا الذي ل يجوز للحاكم ين التدخّل
سيأتي كلم المام تاج الدين ابن السبكي في هذا الشأن في حديثنا عن الهيئة القضائية في خاتمة القسم )(1
87
يؤمنوا بها ويعملوا بها وقد بينها في كتابه وسنّة رسوله صلى ال عليه
وغايقة مقا للدولة فقي هذا اللون مقن الواجبات جملة منافقع لهقا أن تحرص عليهقا
بكلّ سقبيل مقا خل العقوبات ،اللهمّق إل أن تُهان قيقم الجماعقة فهنقا تققع العقوبقة لحقق
الجماعقققة الذي يلزم الجميقققع -ل لحقققّق ال الذي ل يلزم سقققوى المسقققلمين فققققط
-والجماعقة ليسقت جماعقة مسقلمين فققط ،فل اعتبار فيهقا بمقا خصقّهم وحدهقم .-وذلك
كأن يزدري واحدٌ صيام شهر رمضان ،فإنّما يعاقب لزدرائه لقيم الجماعة ،ل لنّه لم
يققم بأداء واجقب ،إذ الواجقب هنقا واجقب على المسقلمين وحدهقم ،وهقو شأن فردي ل
يجوز للدولة حشر أنفها فيه(.)2
ومثقل الصقلة والحجّق كلّ مقا يعدّ علمقة على أهقل ديقن بعينقه فمقا كان مقن شعار
المسقلمين وإن ظهرت فيقه مصقلحة الجماعقة أُلحِق بالعبادات ومثقل ذلك فرض وضقع
النسققاء المسققلمات للخُمُقر ،فليققس هذا إلى الدولة ،ول لهققا أن تفرض لباسققاً بعينققه
باعتباره واجباً قومياً ،وإنّما عليها أن تطلب من المواطنين مراعاة الحتشام ورعاية
الداب العامّة لحق قّ الجماعققة .والحشمققة هنققا مققن الدولة فرض واجققب على جميققع
المواطنين تتوصّل إليها بأكثر الطرق تحضّرا وتأدّبا وتوجيهاً ،وينبغي أن ل يبدأ ذلك
تراجع :كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه .407-357 / 35وأنبّه هنا إلى أنّني لم استشهد بما )(1
قاله الرجل لكي أثبت أنّني سُبقت بما أثبتّه هنا ،وقد كان لكلم الرجل أثره في لفْت انتباهي لتفرقة ينبغي
أن تكون بين ما للدولة أن تتدخل فيه ،وما ل يجوز لها حشر أنفها فيه ،وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه.
وأنا ل أخرج الشيخ من القول هنا لثبت لنفسي فضلً وإنّما لكي أعفي الشيخ من متسكعي السلمة أن
يتسكعوا بالتساؤل إن كان الشيخ قال أو لم يقل؟
)(2إذا كنت ممن ل يملّون الخذ والرد فاعلم أنّ أكثر الحاكمين فسقا يمكنه أن يدعي عليك أنّك تركت
الصلة ثلثة أيّام ويستحضر لك من السكّيرين من يشهد عليك باسم ال ،ومن ثمّ يقوم بقتلك .والشواهد
على ذلك الفجور في تاريخنا أكبر من أن تُحصر ..وقد قتل الحجاج يوما سعيد بن جبير؟ فهل تعرف
لماذا؟
88
بمنطققق العقوبقققة بققل بالتوجيققه والقناع والتربيققة ،كلّ ذلك رعايققة للداب العامّقة
المنسقجمة مقع الشخصقيّة القوميّة ،أمّا تفصقيل مسقائل الخُمُر هذه مقن كونهقا تغطقي
الرأس أو خلفقه فأمقر مرجعقه للعلماء والمربييقن فقي المسقاجد والكنائس دونمقا إلزام
من الدولة على أحد ،ول ينبغي لحد هنا أن يسم المسيحيين بما هم براء منه ،فليس
المسقيحيون دعاة عريقّ ول هقم سقِكّيرون ،فل ينبغقي ونحقن نعالج هذه المسقائل أن
يسقتحضر أحقد فقي مخيلتقه أنّق إخوان الوطقن مقن القباط ققد يعترضون عليهقا لدينهقم
فحاشاهقم ودينهقم أن يكونوا كذلك .وللدولة أن تتعاطقى وفقق قواعقد السقتصلح التقي
تراهقا مقع مسقألة وضقع المرأة غطاءاً يُخفقي الوجقه (النقاب) ،فعليهقا أن تأخقذ بعيقن
العتبار مصالح المن وخلفه ،مع احترام كامل لح قّ النساء في الحفاظ بأقصى قدر
ممكن على حيائهنّ طالما أردن ذلك.
الخيرة يكون ظا هر ال ثر ظا هر العلّة حتّى لكأ نّ التكل يف إنّ ما جاء لحقّ ها
هـي وحدهـا ،وذلك كواجـب أداء الزكاة .وهذا النوع مـن الحقوق على
ينصـ
ّ الجماعـة أن تشرع العقوبات الرادعـة على عدم اللتزام بـه ،وإن لم
الشارع ع ند الم سلمين على عقو بة له ،ل نّ المع تبر ف يه هو ح قّ الجماعة ل
ق ال ،و هو ما اع تبره ال صديق صلوات ال عل يه ،وأ ص ّر عل يه ،و هي
ح ّ
النكتة في الخلف الذي وقع بينه وبين الصحاب رضوان ال عليهم ،فإنّهم
89
المو قف ال صائب إلى نهاي ته ،وعلى موق فه اجتم عت كل مة ال صحابة علي هم
الرضوان.
ول تقف المطالبة بالمتثال لهذا الواجب هنا ول العقوبة على تركه على مسلمي
الديانقة فققط فإنّق الدولة ل يعنيهقا اختلف الديانات فقي ظلّ قيامهقا بمقا يخصقّها ،وبمقا
أنّق غيقر المسقلمين ليسقوا سقوى مواطنيقن لدى الدولة ،وعلى الدولة أن تجمقع الزكاة
فهقم مطالبون بأداء الزكاة مثلهقم مثقل غيرهقم ،ل لنّهقا فرض دينقي وإنّمقا لنّهقا حقّق
واجب على أفراد الجماعة أقرّته الدولة في ظلّ الشريعة العامّة.
وإذا كنّا رفضنقا طلب غيقر المسقلمين اسقتبدال الزكاة بأمقر سقواها ،فطلب بعقض
المسلمين أخذ الجزية من غير المسلمين أشدّ رفضاً من الناحية الدستوريّة.
وللدولة أن تتدخّل فقي هذا القسقم تدخّل إيجابيّا بحسقب قواعقد السقتصلح على
نحو ما عرضنا له في المبحث الثالث من هذا الفصل ،فلها أن تزيد في مقادير الزكاة
عقن المقاديقر المقرّرة بحسقب الحاجقة ،أو أن تحصقّلها فقي صقورة ضرائب تحدد هقي
مواعيقد بدء حولِهقا ونهايتقه ،على أن ل تقلّ نسقب الخقذ عقن النسقب المتفقق عليهقا
عنقد علماء الشريعقة ،وإن جازت الزيادة ،كمقا ل تمتنقع الدولة مقن قبول زكاة مسقلم
حان وققت سقداد زكاتقه قبقل وققت الجمقع الحكومقي ،ويخصقم القدر الذي دفعقه ممقا
تفترضه عليه الدولة وقت المطالبة.
ل
سبِي ِ في َََ قاتِلُوا ْ ََِو َ ومققققن هذا النوع فرض الجهاد قال ال تعالىَ { :
َ
بح ََّ َِ ن الل َََّ َ
ه ل َ يُ ِ عتَدُوا ْ إ َََِ َّ
ول َ ت َ ْ قاتِلُونَك َََُ ْ
م َ ن يُ َ ه ال ّ ِ
ذي ََََ الل َََّ ِ
ن}( .)1وضابقط ظهور حقّق الجماعقة فيقه أنّهقا إذا لم تققم بقه وققع الذى
دي ََ
عت َ ِ ال ْ ُ
م ْ
عليهقا رأسقاً فكأنّهقا ليسقت بحاجقة لمقن يلفقت انتباههقا له أصقلً .وعلى الدولة أن تقوم
بهذا الفرض لنّه واجبها ودورها وأن تعاقب من تخلّف عنه .ول يعرض هنا أ نّ في
90
الدولة كافريققن ومشركيققن وأنققّ اليات جاء بعضهققا بقتالهققم ،إذ هذا كلم مخمور،
فالفرق بين من أتت اليات بقتالهم من أعداء الجماعة السلمية وبين المقيمين بين
ظهرانيها ممن َنعُدّهم منها أظهر من أن يسأل عنه أحد؟ وقد يجوز لنا أن نطرح هنا
فهماً لعلّه قمين بالنقاش وهو أن يُترجم لفظ "الكافرين" وما شابهه(المشركون) في
آيات القتال بالنسبة للدولة بلفظ العداء ،ومفهوم أنّه عندما تقوم العداوة -خصوصاً
المسقلحة منهقا -بيقن طائفتيقن فإنّق مقن الجائز فقي عقول العقلء أن يسقم العدوّ عدوّه
بمقققا هقققو قبيقققح فيسقققمه بالكفقققر ومقققا شابقققه .وعليقققه يكون المفهوم مقققن قول ال
َ
ولَ ر َ خ ِ ومَ ِ ال ِ ول َ بِالْي َ ْ ه َ ن بِالل َّ ِ منُو ََ
ؤ ِ ن ل َ يُ ْ ذي ََقاتِلُوا ْ ال ّ ِ تعالىَ {:
نم َ ق ِ ح ِّ ن ال ْ َن ِدي َ دينُو َ ول َ ي َ ِ ه َ سول ُ ُ
وَر ُ ه َ م الل ّ ُحَّر َ ما َ ن َ مو َ ر ُ
ح ِّ يُ َ
ُ َ
م ه ََْو ُ د َ عن ي َ ٍ ة َََ عطُوا ْ ال ْ ِ
جْزي َ َ حت َََّى ي ُ ْ ب َ ن أوتُوا ْ الْكِتَا َََ ذي َََ ال ّ ِ
ن}( )1هققو مقاتلة كلّ عدوّ وإيقاع الهزيمققة بجيشققه حتّى يقققع فققي الذلة
غُرو َ
صا ِ
ََ
والصققغار .وإنّمققا ذكرت رأيققي هذا بصققيغة التمريققض على الرغققم مققن قناعتققي بققه
واطمئناني إليه وقيام الشواهد الكثيرة على الحاجة إليه ،حتّى أتحلّى بالدب الواجب
مققع العلماء أن ينظروا مققا فيققه خيققر النّاس فيثبتوه .وال يهدينققا جميعاً إلى سققواء
الصراط ،وأنا هنا أُذَكّر أنني أجتهد في ح ّل المعضل السياسي ،ويمكن للنقاش داخل
الحوزة الدينيققة أن يأخققذ مداه لكققن مققن المهققم أن نبحثققه ونحققن واعيققن إلى ضرورة
التوصققّل لحلّ لبناء دولة محترمققة وقققد فققي كتاب السققلطة المدنيققة وفققي رسققالتي
للدكتوراه بوضوح كيقف أنّق أصقل السقتصلح ينبغقي أن يقدّم الخقذ بقه فقي اسقتنباط
الفقه السياسي على نحو يصعب إعادة سرده أو تفصيل القول به هنا ،فليُرجع إليه.
وممّا يظهقر فيقه حقّ الجماعقة جميقع المحظورات فقي الشريعقة السقلمية تقريباً
فكلّهقا علتهقا ظاهرة .ولسقنا بحاجقة لبيان ظهور حظقر القتقل ،أو السقرقة أو الزنقا ،أو
شرب المسقكرات ،وهذه كلّهقا محظورات يغلب فيهقا حقّق الجماعقة ،وعليقه يجقب على
91
الدولة إيقاع العقوبة عليها دونما نظر لختلف ديانات أعضاء الجماعة .ل نّ الحظر
هنا هو حقّ الجماعة ،وهو ظاهر العلّة مدني التقدير ،أساسه إزالة الضرر الظاهر.
المباحات:
المباحات هققي الشياء التققي ليسققت بواجبققة ول محظورة وهققي فققي الشريعققة
السققلميّة كلّ مسققائل الحياة تقريباً.،وعليققه فالدولة مققن واجبهققا أن تتدخّل فققي هذه
المسقائل وفقق منهقج السقتصلح فتتعامقل معهقا تبعاً لمصقلحتها وعليهقا أن تسقنّ فيهقا
مقن القوانيقن مقا ينظّمهقا باعتبارهقا مسقائل مدنيّة ،تخلص السقيادة عليهقا للجماعقة،
فيجوز للحكومقة مثلً لضبقط حالت التغالي فقي المهور التدخقل لتحديدهقا ،ويجوز لهقا
أن تتدخّل لضبققط عقققد الزواج بحيققث يكون شاملً لكافّة الحتمالت بدلً مققن شغققل
المحاكقم بهذه المشكلت .ومثقل ذلك فقي كلّ مباح موجود ،للدولة القدرة على ضبطقه
بما تراه مناسباً وأقرب للصلح[تراجع بالضرورة رسالتنا للدكتوراه ،وكتاب السلطة
المدنية في السلم].
الفصل الثالث
في وظائف الدولة
()1
مفاهيم تحدد وظائف الدولة
92
.1المعنى الول :جملة أصحاب الوطن :من حلقات السابقين الذين أسسوا
.2والمع نى الثا ني :جملة من يت صلون بهذا الش عب من الشعوب المتف قة
الشعب :يرتبط تعريف الشعب بتعريف المّة ،فهو إمّا دلّ على:
.1مجموعـة المواطنيـن القائميـن فـي زمـن مـا ،والذيـن ورثوا دولة لهـا
.2أو هـو ذلك الجزء مـن المّـة الكـبيرة متعددة الشعوب والوطان،
.2ومهمّة تلقاء أمّته في وطنه :فأن يحافظ على تاريخها ودورها وأن ل
93
.3وأمّا بالنسبة لمّته في الوطان الواسعة من حوله :فالدفاع عن أمنها،
التاريَخ :التاريققخ المعتققبر الذي يلزم شعباً مققن الشعوب أن يلتزمققه هققو ذلك
التاريقخ الذي مقا يزال حاضراً ومؤثراً فقي شأن الدولة ،ول يتوقّع له زوال فقي المدى
المنظور ،وهو ذلك الشيء المعنوي الذي يربط بين أبناء المّة بحيث لو تصوّرنا أنّ
الفئة الفاعلة بينهم أرادت أن تغيّر الميل إليه أو الرتباط به بينهم لما استطاعت .أمّا
مقا حدث مقن تصقرّفات المقم فقي غابر اليّام بمقا يحويقه مقن أسقاطير أو حقائق ول
تأثيقر له فقي يومهقا وفقي تعاملهقا مقع غيرهقا مقن الدول فهقو بالنسقبة لهقا "ماضقٍ"
يحترم وليس تاريخاً يُلتزم.
والتاريقخ فقي شأن المّة المصقريّة اليوم هقو العروبقة والسقلم ،ول يمكقن لعاققل
أن يفكقر أنّق مقن الممكقن أن تقيقم مصقر علقاتهقا ،أو مصقالحها أو أن تتصقرّف فقي
نزاعاتها بعيدا عن هذا المؤثّر وهو أمر من الجلء بحيث ل يحتاج لكبير مناقشة.
على هذا يع ّد كلّ تصقققرّف مناف لحدود احترام التاريقققخ أو المسقققتقبل مقققن أيّققة
حكومقة تصرّفا غيقر قانوني ،فضلً عن كونقه غير لئق .وعلى كلّ حكومقة أن تحترم
التاريخ وأن تحترم المستقبل ،وعلى الهيئات الدوليّة أن تضع في حسبانها أن تلتزم
كافّة التفاقيّات التققي توقّعهققا حكومات الدول بهذا الضابققط حتّى يتس قنّى لهققا الدوام
والسقتقرار؛ لنّق مقن حقّق الجيقل التالي إذا رأى حيفاً على حقوققه المسقتقبليّة أو على
تاريخه أن ينسلخ من هذه التفاقات باعتبار أنّها غير قانونيّة.
94
()2
في الوظائف والمؤسسات والضوابط
البرلمان:
تتلخقص واجبات البرلمان فقي رعايقة مصقالح الشعقب وحفقظ الدسقتور ،وحمايقة
الدولة خارجياً ،ومراقبقققة أداء المؤسقققسات التنفيذيقققة ومحاكمقققة هذه المؤسقققسات،
وتوقيقع العقوبقة عليهقا ،ووضقع القوانيقن التقي تضبقط اسقتقامتها ،وقيامهقا بواجبهقا.
ويجوز للبرلمان اعتماد توقيققع العقوبات القاسققية الموجودة فققي الشريعققة السققلميّة
على مسئولي الدولة أياً يكن دينهم .وعليه الشراف على عمليّة بسط سيادة الشعب
على الملكية العامّة وتحقيق سيادته على سائر أموال الجماعة.
مجلس العموم:
ينبغقي أن يوضقع حدّ أعلى لملكيات المرشحيقن بحيقث ل تزيقد ملكياتهقم عليقه مقع
ضمان عدم اللتفاف على هذا الشرط .ويحظققر على كلّ عضققو فققي البرلمان قائم أو
95
سابق ممارسة أيّ من أعمال الكسب ،وعلى الدولة أن تؤمّن لكلّ عضو سابق معاشاً
يكفيه إذا انقضت وليته.
يمكقن أن تتاح للقطاعات القليميقة الصقغيرة التقي تمثقل القبليّة حاكمقا كقبيراً فيهقا
فرصة التعبير عن نفسها في إطار ما يمكن تسميته مجلس "أعيان" تتاح العضوية
فيقه لصقحاب رءوس الموال ولصقحاب العصقبيات الكقبيرة ،وهقو أقرب لوراثقة فكرة
مجلس الشعققب القائم فققي مصققر اليوم ،ومققن خلله تتاح الفرصققة لصققحاب رؤوس
الموال لتقديققم العمال الخيريققة والخدميّة لبناء دوائرهققم ،والمسققاهمة فققي تنشيققط
العمل الهلي ،ورعاية السلم الجتماعي.
.2هـو المجلس الممث ّل لشخصـيّة الم ّة وهـو المسـئول عـن ضبـط سـياسات الحكومـة
وتشريعات مجلس النوّاب بما يتلءم مع الرّوح المصريّة بمميزاتها العربيّة والسلميّة،
وهـو يمتلك حـق العتراض " "Vitoعلى القوانيـن التـي يُصـدرها مجلس العموم ،أو
السـياسات التـي تمارسـها الحكومـة ،ويحيلهـا إلى مجلس العموم لمراجعتهـا ومحاسـبة
الوزارة عليها.
أو تعمّد مخالفـة مـا عليـه القواعـد المعـبرة عـن الشخصـيّة الوطنيّة المصـريّة ويمكنـه
96
ل الحكو مة برمّت ها-
ال صرار على ذلك شري طة أن يتح صّل -حال كا نت التو صية بح ّ
.4هو المسئول الول عن القوات المسلّحة ،وحالت السلم والحرب ،والعلقات الخارجيّة،
ومسـائل المـن القومـي ،وتشارك الحكومـة فـي هذه المهام عـبر مشاركتهـا فـي مجلس
المن القومي.
.5يتكوّن من عدد من العضاء يت مّ اختيار هم بالقائ مة الموحّدة على طول الق طر كلّه ،ول
ي من
يجوز أن تتكوّن هذه القائ مة على أ ساس حزب يّ ،ويشترط أن يم ّر على ا ستقالة أ ّ
المجلس بعد أداء مهمّتهم العودة للمارسة الحزبيّة .ويجوز استخدامهم من قبل المجالس
.6يتقدم قائمـة مرشحـي هذا المجلس اسـم رئيـس الجمهوريـة ،ونائب له على القـل ،ول
.7تتقدّم القوائم المرش حة وعلى رأ سها رئ يس الجمهور ية للمجلس بطلبات ترشيح ها قبـل
عام ين من انتهاء ولي ته ،ويع قد البرلمان بمجل سيه جل سات خا صة لل ستماع ل من يق بل
قائمت هم ،وي حق له الد مج ما ب ين قائمت ين أو أك ثر .ك ما يح قّ له إعداد قائ مة ب ما في ها
97
.8مجلس الشيوخ الوّل يتقدّم بأسماء مرشحيه للجمعية التأسيسية ،وهي التي تمرر القوائم
للنتخاب العام .وبعـد ذلك تتقدم القوائم للمجلس مباشرة فـي العام السـادس مـن وليتـه
التي تكون لفترة واحدة مدّتها ثمانية أعوام غير قابلة للتكرار.
الحكومة:
.1ينتخب رئيس الوزراء ،ووزراؤه على مرحلتين الولى عبر البرلمان والمجالس القومية
ل من يرى في نفسه
المتخصصة والثانية بالقائمة الموحّدة بالنتخاب الحرّ المباشر ،ولك ّ
القدرة على قيادة البلد أن يتقدّم للبرلمان بــبرنامجه ،وأســماء الوزراء المشكليــن
لحكومته ،ومساعديه في موعد غايته عام قبل النتخابات -أو كما يحدد البرلمان -على
أن يحدّد البرلمان بمجلسيه جلسات استماع لكلّ مترشح يعتمد برنامجه وترشّحه ،ويح قّ
للمجلس إلزام الفائز بالنتخابات بكلّ إيجابية اعتمدها البرلمان من برامج منافسيه ،كما
يحق له أن يقرّب بين قائمتين أو أكثر أو يأمرهما أن يتحدا على نحو يرضيه ،ويرضي
المجالس القومية.
العمل أكثر من دورتين (تقدر الدورة لغير أعضاء مجلس الشيوخ بمدّة خمس سنوات).
الهيئة القضائيّة:
الميزة الساسيّة للتفرقة بين الشريعة السقلميّة وبين غيرها من الشرائع ليس
مقا يشاع مقن الكلم السقخيف الذي يتواتقر على ألسقنة العامّة -أخذا مقن ألسقنة بعقض
98
مقن رضوا بتسقويق أنفسقهم لذى العامّة على قول الحققّ -أنّهقا الحكام العقابيّة التقي
تحتوي الشريعققة المسققلمة عليهققا .ذلك أن قّ المحرمات فققي الشريعققة المسققلمة تتفققق
الشريعقة السقلمية فيهقا مقع كلّ شريعقة معروفقة ،بقل إنّق هناك مقن الشرائع -إن كان
المعرض معرض حديقث عقن التشديقد فقي العقوبقة -مقا كانقت أكثقر تشدداً مقن السقلم
وتعنتاً فقي ميدان العقوبات .فالموضوع ليقس موضوع تشدد فقي العقوبقة إذ ل ينشغقل
بهذا غير مريضي النفوس ،إنّما الموضوع هو إقامة العدل وتحقيق النصفة ولو من
غيققر شغققل ذهققن بإيقاع العقوبققة ،وقققد قرأت للمام تاج الديققن ابققن السققبكي فققي هذا
الشأن رأي ًا يبعقث على الفتخار أثبَتَه رحمقه ال فقي كتاب "معيقد ال ّنعَم ومبيقد ال ّنقًم"،
فقي حديثقه عقن وظيفقة" :البوّاب" :وهقو شخقص يمكقن أن يترجقم له اليوم بضابقط
المباحققث الجنائيّة يكون لديققه معرفققة بأولئك المشبوهيققن الذيققن تقققع التهمققة عليهققم
خصقوصاً فقي جرائم السقرقة .قال ابقن السقبكي :إنّق هذا البوّاب إن علم بسقرقة شيقء
تقع فيه عقوبة قطع اليد ،فاستطاع أن يحتال في إعادة المسروق من غير شغل ذهن
بإيقاع التهمة على الفاعل كان ذلك جيداً ل بأس به .قال ابن السبكي :لنّ القطع حقّ
ال ،وهو مبن يّ على المسامحة( .)1فيال ال ممّن يتقعرون ويدّعون فهماً وفقهاً؟ أين
هم في فقه الشريعة من هذا الكلم؟ أم لنّه كلم نظيف ل زفر فيه فهو ل يُشبِع؟.
الميزة فقي الشريعقة السقلمية هقي أنّهقا اعتمدت حضاريّا نظاماً قضائيّا هقو فيمقا
نعلم الكثقر تقدّمقا وتميزاً فقي تاريقخ النظقم القضائيّة ل لكونقه الكثقر تنظيماً بقل لنّه
الكثقر بسقاطة ،فلكون هذه الشريعقة هقي شريعقة الفطرة كان قضاؤهقا متّجها ناحيقة
المطلوب رأسقاً ،فلم تعرف الرسقوم والشكليّات طريقاً إلى طرق التقاضقي فيقه ،كمقا لم
تحتج وسائل تطبيق العدالة فيه إلى ما عرف في تاريخ الشرائع من التحايل لتطبيق
العدل بققل هقي تتفقق مباشرة مقع قواعققد القانون الطقبيعي الذي ينبغققي على القاضققي
المسقلم إعماله فقي كلّ حال دونمقا كقبير توقّف عنقد حدود النصّق القانونقي فمِن واجقب
)(1ابن السبكي ،تاج الدين ،معيد النعم ومبيد النقم ،مكتبة الخانجي بالقاهرة ،تحقيق وضبط :محمد على
النجّار ،وأبو زيد شلبي ،ومحمد أبو العيون ،ط 1413(2هـ=1993م) ص .46
99
القاضققي أن يتوص قّل إلى العدالة آمرًا ومنفذاً ومشرّعا إذا اقتضققت الحاجققة إلى ذلك،
فإذا ما جاوز نصّا قانونيا أو عدّله وجب على المحكمة العليا أن تعيد النظر في حكمه
فإن أثبتتقه أحالت الحكقم وتعديقل النصّق أو إضافقة النصّق الجديقد للبرلمان الذي يجقب
عليقققه إصققداره دونمققا مداولة باعتباره سقققابقة قضائيّقة تحترم وباعتبار أنققّ قضاة
المجلس هم أنفسهم أعضاء في المحكمة العليا التي أقرّت صواب هذه السابقة.
ل يلي القضاء أحد دون سنّ الربعين ول يجوز انتقال أحد من الشرطة القضائيّة
إلى القضاء ويجوز العكس بضوابطه.
وعليقه نرى أنّق مقن الممكقن أن يتمثّل القضاء بثلث دوائر ،دائرتان متوازيتان،
والثالثة فوقهما:
.1الدائرة الولى :دائرة المور الوقتيّـة وهـي أوسـع الدوائر القضائيـة ،وهـي على
درجت ين :وتن ظر في كلّ نزاع يقوم ما ب ين أفراد وأفراد أو أفراد ودولة ب ما في ذلك
ادعاءه فإن بان كذب ادعائه و جب على المحك مة أن تعاق به ،وعلي ها أن تت خذ إجراء
العقو بة دون ما حا جة لطلب من المتضرر ين ودون متاب عة من هم .وعلى القا ضي أن
يتو صّل لت طبيق العدالة في ها بكلّ طر يق ولو بع قد ال صلح ب ين المتنازع ين بنف سه أو
بالعتماد على العيان فـي كلّ قريـة أو حيـّ ،وعليـه أن يسـتعمل جهاز الشرطـة
القضائي ّة المعاون له فـي تطـبيق العدالة على كلّ أحـد ،ول ين ّد عـن يده إل أعضاء
100
مجلس الشيوخ وحد هم ،فإن كان التنازع مع أحد هم طلب إلى المحك مة العل يا (الدائرة
الثال ثة) الن ظر في الموضوع أو ا ستدعاء ع ضو المجلس أما مه فإن أمرت المحك مة
العل يا ع ضو مجلس الشيوخ بالحضور ح ضر ،ول اعتبار ب سخافة الح صانة إذ العدل
والستقامة هما الحصانة الدائمة لكلّ أحد .وعلى القاضي الطمئنان إلى إيصال الحكم
إلى الدر جة الثان ية من دائر ته فإن وافقت على حك مه فورا و جب عل يه القيام لت طبيقه
بنف سه عبر جهاز الشر طة التا بع له ،فإن لم توا فق الدر جة العلى كان علي ها إنجاز
الح كم في مو عد غاي ته ش هر آ خر .وينب غي على جهات التفت يش القضائيّة (بالدر جة
الثالثة) محاسبة كلّ قاض يخطئ في أحكامه عددا معينا من المرات ،وأن تمنعه من
تُحس قَم المنازعات الماليققة بمعاونققة هيئة الرقابققة على الممتلكات الماليققة والتققي
يكون لديهققا حصققر بكلّ ممتلك مالي فققي الدولة ،ول يجوز لمحكمةٍ النظققر فققي أيّقة
ادعاءات ماليققة خارج زمام هذه الهيئة ،فإن لم يُثبققت مقرِض قرضَقه فققي الهيئة لم
يجز له المطالبة به أمام القضاء.
وتختصّق الدرجقة الثانيقة مقن هذه الدائرة بمراقبقة قاضقي المور الوقتيّة والنظقر
فقي أحكامقه على كلّ حال ،ولقاضقي الدرجقة الولى إحالة القضيّة إلى الدرجقة العلى
إذا أعياه حكمها على أن تثبت المحكمة العلى أنّه كان محقاً في حيرته وإل عدّ ذلك
خطأ قضائي ًا يستوجب المحاسبة على النحو سالف الذكر.
101
.2الدائرة الثانية :وهي دائرة الفصل في القضايا الجنائيّة ،والجنايات المالية وهي على
.3الدائرة الثال ثة :وت قع فوق الدائرت ين الولي ين و هي دائرة قضاة المحك مة العل يا ،يت مّ
الترقية إليها عبر الدائرتين الدنى ،وتقوم بعمليّة التفتيش والرقابة القضائية ومعاونة
بنف سها أو بإحالة من مجلس الشيوخ ك ما ل ها الح قّ في الن ظر في د ستوريّة القوان ين
ومحاسبة المسئولين السياسيين ويرأسها قضاة خمسة يكونون أعضاء دائمين بمجلس
الشيوخ .كمـا أنّـ مـن مهامّهـا أن تشرف على جامعـة الشريعـة بالتعاون مـع الز هر
الشريف.
102
المن القومي:
مققن أبرز مققا كتققب عققن "المققن" مققا أوضحققه "روبرت مكنمارا" وزيققر الدفاع
المريكقي السقبق وأحقد مفكري السقتراتيجية البارزيقن فقي كتابقه "جوهقر المقن"..
حيقث قال" :إن المقن يعنقي التطور والتنميقة ،سقواء منهقا القتصقادية أو الجتماعيقة
أو السقياسية فقي ظقل حمايقة مضمونقة" .واسقتطرد قائلً" :إن المقن الحقيققي للدولة
ينبقع مقن معرفتهقا العميققة للمصقادر التقي تهدد مختلف قدراتهقا وقيامهقا بمواجهتهقا؛
لعطاء الفرصققة لتنميققة تلك القدرات تنميققة حقيقيققة فققي كافققة المجالت سققواء فققي
الحاضر أو المستقبل".
ولعقل المفهوم الذي ورد فقي قول ال تعالى ممتناً بقه على القرشييقن بمكّة وأنّق
ت*هذَا الْبَي ْ ِ
ب َعبُدُوا َر َّفلْي َ ْ
عليهم عبادته شكرًا لكونه ضمن لهم أمرينَ { :
َ َ
ف}(.)1هققو مققن أدققّ و ٍَخ ْ
ن َم َْ م ِ ه َْ
من َ ُ
ع وآ َ
جو ٍَ
ن ُ
م َْ
هم ِ
م َُ ذي أطْ َ
ع َ ال ّ ِ
المفاهيقم المعقبرة عقن حقيققة ذلك المقن الذي ترجوه الدول .مقن هنقا نؤكقد أن المقن
هققو ضققد العوز إلى الحاجات الضروريّقة وأهمّهققا الطعام .وضققد الخوف ،والخوف
بالمفهوم الحديقققث يعنقققي التهديقققد الشامقققل ،سقققواء القتصقققادي أو الجتماعقققي أو
السياسي ،الداخلي منه أو الخارجي.
وعلى ضوء هذا المفهوم الشامققل للمققن ،فإنققه لبققد مققن حفققظ أبعاده المتعددة،
وأولها :ال ُبعْد السياسي والعسكري :ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة،
وامتلك ما تحقق الدولة به الردع الواجب لتحقيق المن .وال ُبعْد القتصادي :والذي
يرمققي إلى توفيققر المناخ المناسققب للوفاء باحتياجات الشعققب وتوفيققر سققبل التقدم
والرفاهيقة له .والبُعقد الجتماعقي :ويرمقي إلى توفيقر المقن للمواطنيقن بالقدر الذي
يزيققد مققن تنميققة الشعور بالنتماء والولء .والبُعْد المعنوي أو اليديولوجققي :والذي
103
يؤمّنق الفكقر والمعتقدات ويحافقظ على العادات والتقاليقد والقيقم .وأخيراً البُعْد البيئي:
وهقو يوفّرق التأميقن ضقد أخطار البيئة خاصقة التخلص مقن النفايات ومسقببات التلوث
حفاظاً على المن(.)1
الحدود القصقوى للمقن القومقي المصقري هقي باختصقار حدود العالم السقلمي
وإلى أقصققى جنوب القارة الفريقيققة ،وذلك أنقّق كلّ مققا يحدث على هذه الرقعققة مققن
العالم يمقس رأسقًا حدود المقن القومقي المصقري ،فلو كان هناك إدراك لحدود المقن
القومققي لمققا تركققت أفغانسققتان بيققد طالبان أو أسققامة بققن لدن ،ولو كان هناك إدراك
لكانقت الجمهوريات السقلمية المسقتقلة عقن التحاد السقوفيتي فقي أحضان مصقر ل
في أحضان الغرب وإسرائيل؟
هذه الحدود هناك مقا هقو أضيقق منهقا وإذا اقترب الخطقر منقه صقارت الدولة فقي
حالة اسققتنفار وهققي حدود العالم العربققي المعروفققة .وهناك حدّ ل يمكققن تص قوّر أن
تكون الدولة المصقريّة فيقه فقي حالة سقلم وهقو حدّ شمال النققب الفلسقطينية ،ومنابقع
النيل في وسط القارة الفريقية.
)(1يراجع في الفقرات الثلث :د .زكريا حسين-أستاذ الدراسات الستراتيجية ،المدير السبق لكاديمية
ناصر العسكرية ،مصر مقال بعنوان المن القومي منشور على العنوان الليكتروني:
http://www.khayma.com/almoudaress/takafah/amnkaoumi.htm
104
وفقاً لهذا الفهقققم لحدود أمننقققا القليمقققي وتبعاً للظروف القليميّققة فإن ققّ طرحنقققا
السققاس فققي قضيّقة فلسققطين هققو طرح الدولة الواحدة ،وعودة النازحيققن إليهققا،
والتعامققل بنظرة متفهمققة لظروف اليهود غيققر الضالعيققن فققي الحركققة الصققهيونية
والذين جيء بهم لفلسطين بطريقة أو بأخرى ،ولظروف كثيرة –عسكرية وسياسية-
لعل من المفيد النظر إلى طرح بإمكانية القبول بوجود دولتين عربيّة وعبرية ضمن
إطار عملية سياسية وعسكرية مع المستفيد الغربي ،وفقاً للتصور التالي:
.1أن تكون حدود الدولة العبريّة خارج ما ت مّ ضمّه للكيان ال عبري عام
1967م.
.3أن ل تلمـس حدود الدولة العبري ّة أيّا مـن الحدود العربي ّة المجاورة
لفلسـطين ،فل التقاء مـع حدود أيّـ مـن دول الجوار العربيّة :مصـر،
ـل إطار
ـث تكون الدولة العبريّـة داخـ
ـوريا ،لبنان .بحيـ
الردن ،سـ
أمّا التسقوية التقي وقعهقا الرئيقس السقادات مقع الكيان العقبري فمقا قلناه هنقا ل
يتعارض معهقا؛ إذ ل يوجقد فقي التفاقيقة ضبقط لحدود الدولة العبريقة -التقي لم تحدد
إلى اليوم -وقد أعطينا تصورنا للتعاطي مع حدود تضمن أمننا القومي .مع ضرورة
ضبط خرق الكيان العبري لكثير من بنود التسويات الموقعة معه.
105
ل ترى مصقر لنفسقها مسقتقبلً مقن دون إعادة الوحدة مقع السقودان باعتبارهمقا
إقليماً واحداً وشعب ًا واحداً بالصققالة يشهققد لذلك تاريققخ الفراعنققة .وتعرف مصققر أنقّ
مسألة انفصقال القليميقن إنّما كانقت -كمقا هي العادة -إحدى مكائد السقتعمار الغربي،
وهي خسارة فادحة للجانبين المرتبطين حيوي ًا ببعضهما .وستسعى مصر بكلّ سبيل
لكسب تأييد الشقاء السودانيين لتحقيق هذه الضرورة.
ل يمكن لمصر مواصلة التعاطي مع الجامعة العربيّة على هذا الوضع وينبغي أن
تأخققذ خطوة متقدّمققة بحيققث تبدأ فوراً فققي إنشاء كيان أكثققر تمثيلً واسققتجابة لرغبققة
الشارع العربي قائم على اجتماع الشعوب ل الحكومات ،وعلى مصر باعتبار ريادتها
العربيقققة أن تبدأ إجراءات تكويقققن التحاد العربقققي وإعلن الدسقققتور العربقققي العام،
ووضققع الليات المؤسققسية لهذا المشروع الذي نرى أنققّ النجققع فيققه أن يقوم على
إدماج المؤسقسات الخارجيقة والقتصقاديّة والعسقكريّة معاً مقع ترك الدارات الداخليّة
الخاصققّة بكلّ قطققر على حالهققا .وينبغقققي اللتزام بالمحافظقققة الكاملة على العراف
والعادات والتقاليد الخا صّة بكلّ إقليم ،وبحقّه في إدارة شئون نفسه والتمتّع بثرواته
بعد أداء ح قّ التحاد ،وينبغي أن تكون لدينا رؤية وتهيّؤ للتعاطي مع إرادة جماعات
تعيققش بيننققا لهققا تاريخهققا المحترم الذي يكفققل لهققا العتراف بلسققانها المختلف عققن
العربية.
كمققا ينبغققي أن يتعامققل هذا التحاد بحزم مققع كلّ مققا مققن شأنققه بثقّ أفكار التميّز
والسققتعلء بيققن الشعوب وبعضهققا أو بيققن بعققض مكونات هذه الشعوب وبعضهققا
البعقض ،والتقي ققد تؤثقر فقي صقفاء الوحدة والتقارب فمقن دعقا أو أشاع بيننقا فكرة
تميّز بعروبتقه النّسقَبيّة على غيره -ممّا هقو شائع كثيقر الشيوع للسقف فقي كثيقر مقن
القطار العربيققة -فينبغققي أن يوقققف أمامققه بحسققم؛ إذ العربيّة باللسققان ل بالنسققاب.
وينبغقي أن يحسقم التحاد كذلك كلّ مقن ادّعقى نسقباً شريفاً متميزاً بقه عقن النّاس ولو
106
صحّ نسبه ،فمن حاز نسباً شريفاً فليحتفظ به لنفسه ،أمّا في إطار الدولة أو التحاد
فهو مواطن كسائر المواطنين ل يتميز عنهم بشيء(.)1
إيران:
تدعقو مصقر وتؤيّد الختلفات المذهبيّة التقي تثري الفكقر الدينقي ،وتكون بمثابقة
توسققعة على المسققلمين فققي اختلف الرؤى الجتهاديققة ،وتعمققل مققن خلل أزهرهققا
الشريف على الحفاظ على ذلك التراث التعددي للمذاهب الفقهيّة والفلسفيّة السلميّة
بمققا فيهققا المذهققبين الزيدي والجعفري ،لكنّقه ل يسققع مصققر وهققي فققي مقدم العالم
السققلمي وقائدتققه أن تحتمققل إثارة لنعرات الفرقققة والوقيعققة بيققن المسققلمين تحققت
دعاوى أنّق بعقض المسقلمين مشايعون لهقل البيقت النبوي الشريقف ،إذ ذلك ل يفهقم
منقه إل إرادة إحداث الوقيعقة ،والعودة باللئمقة على جملة باققي المّة بأنّهقا ل تشايقع
أل البيت ،أو أنّها في صفّ أعدائهم ،وهو كلم مردود على أصحابه من جهتنا نحن
المصققريين بالذات .وبنفققس درجققة الرفققض ل تقبققل مصققر لحققد مققن المسققلمين أن
يسقتخدم غيقر كلمقة مسقلم ،وبحيقث ل يتسقمّى فريقق مقن المسقلمين بالسقنّي ويتسقمّى
الخقر بالشيعقي .أمّا الصقحابة والسقنّة النبويّة والحاديقث الشريفقة وجهود العلماء
والرواة مققن غيققر أهققل البيققت فققي حفظهققا والقيام عليهققا ينبغققي أن تحظققى باحترام
الجميع.
وتتفهّم مصر طبيعة المشكلة التاريخية التي ما تزال عالقة في الذهنيّة الفارسيّة
ضققد العرب وتحاول حلّهققا على قاعدة أنققّ المور تجاوزهققا الزمققن ولم يبققق سققوى
)(1ول يجوز التصريح بعمل نقابات لصحاب النساب يدّعون بها تميزا عن غيرهم .ول يقال هنا :إنّ
ق أحد سلب مال أحد منه؟
النسب كما الغنى فضل من ال تعالى يؤتيه من يشاء من عباده ،وليس من ح ّ
إذ إننا لم نطالب بسلب نسب أحد منه ولكننّا حجرنا عليه استخدام نسبه في الضرار بغيره بإظهار التميز
عليهم كما حجرنا على السفيه إساءة استخدام ماله فيما يضرّ به ،والضرر بمشاعر النّاس أشدّ من
الضرار بمالهم ،فل يعقل أن نمنع ما يؤذيهم في مالهم وبطونهم ونسمح بما يؤذي مشاعرهم وكبرياءهم.
107
انتسابنا جميعاً للسلم ،ول يجب أن ينسى النّاس أ نّ قائدة العرب اليوم دولة لم تكن
مقن العرب ،فيقا ليقت إيران تقوم للعرب بمثقل مقا تقوم بقه مصقر دونمقا إثارة لزمقة
تاريخيققة ليققس مققن النصققاف نسققبة التأزم الذي حصققل للفرس فيهققا للعرب فلم يكققن
العرب بأبعققد مققن الفرس عققن ظلم "بنققي أميّة" كمققا أن قّ مققا عاناه العرب مققن ظلم
العباسقيين الذيقن صقنعتهم فلسقفة وسقيوف الفرس ممّا لم يعلق بأذهانهقم ،فلنتجاوز
جميعاً الماضقي إلى حقائق الوحدة السقلمية التقي ل يجوز البحقث عقن مقا يقوّضهقا.
كمقا ل يمكقن قبول طرح فكرة" :إيران أولً "..الشهيرة؟ كمقا إنّق مصقر ل يريحهقا جوّ
القداسة ومحاولة اصطناع فكرة رجال الدين في السلم ،ول يمكن لمصر أن تسمح
بأن يكون وضع المرشد العلى في إيران وهو ليس إل واحد من الفقهاء المسلمين
قد يكون في المؤسسة الزهريّة من هو أكثر منه فقهاً بمكان يفهم منه أنّه أعلى من
المؤسقسة الدينيقة لغالبيّة المسقلمين السقاحقة والتقي يمثلهقا الزهقر الشريقف فإنّق هذا
ممّا ل تقبققل بققه أدنققى قواعققد البروتوكول .وسققتسعى مصققر لدى طهران للعتراف
بالسقلطان الروحقي للزهقر والسقعي نحقو تقريقب المذاهقب السقلمية بالندماج ضمقن
المذاهقب الفروعيّة الغالبقة فقي العالم السقلمي ل على قاعدة التسقنن والتشيقع وإنّمقا
على قاعدة الختلف الفروعقي الفقهققي بيقن المسققلمين الموحديققن .وترى مصقر أنقّ
الشيعة العرب في لبنان يمثّلون سبيلً جيّدا للتفاهم مع إيران ،كما إنّها تقدّر ما يكنّه
الشعقب اليرانقي للشعقب المصقري مقن أواصقر المحبّة التقي تتجاوز أزمات السقياسة
ولذا تحرص مصر على إقامة علقات كاملة ومتميزة مع إيران.
مشكلة التعليم والتعليم الجامعي والبحث العلمي في مصر اليوم أعمق من أن تتمّ
مناقشتها في إطار إصلح فهي بحاجة إلى إعادة هيكلة ولوضع عقيدة علميّة جديدة
إن جاز التعبير.
108
ولسقنا نرى مانع ًا أبداً بقل ل نرى أمامنقا طريقاً آخقر سقوى التعاطقي بيقن الحكومقة
ومجلس المن القومي في استقدام معلمين وخبراء هيكلة وتطوير يضعون الساس
السقليم لبدء حياة علميقة وبحثيقة جيدة فقي مصقر ،وليكقن فقي صقدارة هؤلء الباحثيقن
أولئك الذيقن طردتهقم البيروقراطيّة ،وسقاعد على هروبهقم انحطاط المراكقز البحثيّة
والجامعيققة عندنققا ،ولتتوسققع هذه الدائرة لتشمققل أبناء الجاليات العربيققة السققلمية
وأبناء المققم الفقيرة (أفريقيققا -آسققيا -أمريكققا اللتينيققة) إضافققة لمققن يرغققب مققن
الوربييقن والمريكييقن ،وينبغقي أن تتوفّر لهؤلء كافّة وسقائل الجذب الممكنقة ،كمقا
ينبغقي أن تتوفقر لهقم كامقل وسقائل المان ،ولهقم الحققّ فقي التحصقل على الجنسقيّة
المصقريّة .وعلى مجلس المقن القومقي القيام بواجبقه فقي التدقيقق فقي شأنهقم فقي كلّ
حال.
أول مقا يجقب عمله فقي الجامعات ومراكقز البحوث عندنقا أن تبنقى الدراسقة على
أسقاس وحدة القسقم على مسقتوى القطقر ومركزيتقه والتئامقه وبحيقث تتجاور القسقام
المتقاربقققة فقققي جامعقققة تضمّهقققا فتتجاور أقسقققام الفيزياء والكهرباء والميكانيكقققا
والجيولوجيقا والتعديقن فقي جامعقة بعينهقا .وهكذا ول يجوز أن يتكرر هذا الجمقع فقي
مكان آخققر وتتحوّل جميققع الجامعات إلى هذا النمققط المتخصققص ويتحدد عدد الطلب
المقبوليققن بالعدد الذي تراه مجالس هذه الجامعات التققي تخضققع لشراف لجنققة مققن
مجلس المن القومي.
وعلى كلّ حال فشأن القسققام أو الجامعات العمليّقة نراه ميسققور الصققلح أمّقا
القسققام النظريّقة فمصققيبتها أكققبر مققن كلّ تص قوّر وينبغققي أن تتشكّقل لجان لبحققث
الصلحية تضع قواعد للختبار فتطرد من هذه القسام من ل صلة له بالتفكير أصلً،
وتلحقق بهقا كلّ مقن كان أهلً له مهمقا تكقن مرتبتقه ،ثمقّ على لجان إعادة الهيكلة أن
تعيققد بناء القسققام النظريّة على نحققو مققا ذكرنققا مققن وحدة القسققم وتجاور القسققام
المتقاربة.
109
ومثقل ذلك قُله فقي كلّ مراحقل التعليقم التقي تحتاج لثورة شاملة نرى مقن الواجقب
على الحكومقة وعلى مجلس المقن القومقي أن يعتقبر أنّه فقي حالة اسقتنفار قصقوى
وهقو يعالج أمرهقا ونكرر أنّه ل مانقع عندنقا أبداً مقن اسقتقدام خقبراء أجانقب يدققق فقي
شأنهققم مجلس المققن القومققي يقومون بعمليّة إعادة الهيكلة هذه ،ونرى بحسققم أنقّ
التوققف التام مقن أجقل إعادة الهيكلة لسقنة أو لسقنتين أكثقر فائدة عشرات المرات مقن
الترقيع بعد إذ اتسع الفتق .كما نكرر أ نّ ذلك من أعجل مهام المن القومي .ويلحق
بالجامعات ومراكز البحوث والتعليم الهيئات الصحيّة والمستشفيات وصناعة الدوية
وسائر القطاعات النتاجيّة وقطاعات التخطيط والتصنيع العسكري...الخ.
دار الحكمة:
من الضروري العتراف بأن الدراسة باللغة القومية تمثل أعلى معدل نمو عقلي
في الجامعات الخمسمائة الولى على العالم ...........
*المن المالي:
الملكيقة الشخصقية حقق مكفول للجميقع ولبقد للجميقع مقن احترامقه .لكنّق الملكيّة
الماليققة كمققا الملكيّة الدسققتوريّة ل تعطققي السققيادة المطلقققة ،ولبققد مققن رقيققب على
التصرفات التي يجريها المالك ل نّ آثارها ل تقف عليه وحده بل تتعدّاه لسائر المّة،
ق معلوم ،أمّا
وعليه فلمن تقع آثار الفعقل عليهقم نوع من المشاركقة مكفول ،ولهم ح ّ
الحقق المعلوم فهقو الزكاة أو الضريبقة التقي ينبغقي على المالكيقن دفعهقا للجماعقة أو
الدولة .وأمّا نوع المشاركقة فهقو تحقيقق للرقابقة والرقابقة علمقة السقيادة وسقيادة
الجماعققة على الموال والممتلكات الموجودة بحوزتهققا عامّة كانققت أو خاصققّة أمققر
َ
والَك َُ ُ
م م َ
هاء أ ْ
ف َ ؤتُوا ْ ال َُّ
س َ ول َ ت ُ ْ
ل بقول ال تعالىَ { :
ثابقت فقي الشريعقة عم ً
110
َ
م
ه ْ
سو ُواك َْ ُ
ها َفي ََم ِه َْ واْرُز ُ
قو ُ قيَاما ً َ ه لَك َُ ْ
م ِ ل الل َّ ُ ع َج َال ّت َِي َ
عُرو ًَ
فا}( .)1فإنقّ ال تعالى أثبققت السقيادة على حفقظ ول ً َّ
م ْ ق ْم َ ه َْقولُوا ْ ل َ ُ
و ُ َ
الموال للجماعقة ولو كانقت أموالً خاصقّة ،كمقا أنّق إقرار القرآن للملكيّة الخاصقة فقي
صدَ َ َ
ة
ق ً م ََ ه َْ
وال ِ ِ
م َ نأ ْ م َْ خذْ ِ نسققبة الموال لصققحابها فققي قول ال تعالىُ { :
َ
م
ه ْن لّ ُسك َ ٌك َ صلَت َ َ ن َ م إ ِ َّ
ه ْ ل َ َ
علي ْ ِ ص ِّ
و َ
ها َ وتَُزكِّي ِ
هم ب ِ َ م َ
ه ْ تُطَ ِّ
هُر ُ
م}( .)2محتمل فيه أن يكون الضمير في كلمة أموالهم عائداً
علِي ٌ
ع َ
مي ٌ
س ِ والل ّ ُ
ه َ َ
لجماعقة الغنياء الذيقن بيدهقم الملكيّة الخاصقّة أو أن يكون عائداً للجماعقة الوطنيّة
صقاحبة السقيادة الصقيلة على مقدّرات الدولة .والحاصقل أنّه ليقس كلّ أحقد حرّا فقي
التصرّف في أمواله دون رقيب ،على أن يكون ذلك في إطار المعروف والعدل بحيث
ل تجور الجماعقققة أو الدولة على حق ققّ الملك حمايقققة للجماعقققة فإن قّق العدل ل يكون
بالجور .وعلى البرلمان وضع الضوابط القانونية لهذا.
والخلصقة أنّق جرائم المال التقي ل تقرّهقا الشريعقة وعلى الجماعقة أن تسقنّ مقن
القوانين ما يحسم أمر التعاطي معها هي:
.1الترف
.2السفه.
.3الحتكار.
.4الستغلل.
111
.6الخلل بالمن القتصادي الستراتيجي ،بما في ذلك تهديد
فأمّا الترف فالسقلم ل يعرف التعامقل معقه ،ول يقرّه ،ويعتقبره مسقئولً أكقبر عقن
فساد المجتمع ،فما أتخمت بطن إل بجوع جارتها ،وقد ورد من اليات عدد كبير نوّه
قري ً َ َ َ
مْرن َََا ةأ َ ك َ ْ َ هل ََِ َ وإِذَا أَردْن َََا أن ن ُّ ْ بخطورة الترف ومدى سقققوئهَ { :
هامْرنَا َ َ د َّف َ ل َ و ُ ق ْها ال ْ َ علَي ْ َ َ ق َ ح ّ ََ ف َ ها َ في َ َ قوا ْ ِ س ُ ف ََ ف َ ها َ في َ َ متَْر ِ ُ
َ
وكَذَّبُوا فُروا َ ن كَ َ ذي َََ ه ال ّ ِ م ََِ و ِ ق ْمن َ مَل ُ ََِ ل ال ْ َ قا َ و َ ميًرا} َ { .
()1
تَدْ ِ
شٌر هذَا إَِّل ب َ َ ما َ ة الدُّنْي َا َ حيَا ِ في ال ْ َ م ِ ه ْفنَا ُ وأَتَْر ْ ة َ خَر ِ قاء اْل ِ بِل ِ َ
ْ م يَأْك ُ ُ
ن}(.)2 شَربُو ََ ما ت َ ْ م ََّ ب ِ شَر َُ وي َ ْ ه َ من َْ ُ ن ِ ما تَأكُلُو ََ م ََّ ل ِ مثْلُك َُ ْ ِّ
ماها إِن َّا ب ِ َ فو َ متَْر ُ ل ُ قا َ ر إَِّل َ ذي ٍ من ن َّ ِ ة ِّ قْري َ ٍ في َ سلْنَا ِ ما أْر َ
َ
و َ { َ
َ ُ
في ك ِ قبْل ِ َ من َ سلْنَا ِ ما أْر َ ك َ وكَذَل ِ َ ن} َ { .
()3
فُرو َ ه كَا ِ سلْتُم ب ِ ِ أْر ِ
ة
م ٍعلَى أ ُ َّ جدْن َا آبَاءن َا َ و َ ها إِن َّا َ فو َ متَْر ُ ل ُ قا َ ر إَِّل َ ذي ٍ من ن َّ ِ ة ِّ قْري َ ٍ َ
ن}( .)4كما إ ّ
ن السلم ل يق ّر الغنى البارد ،وقد دو َ قت َ ُ هم ُّ
م ْ علَى آثَا ِ
ر ِ وإِن َّا َ
َ
أورد الهيثمققي فققي مجمققع الزوائد عققن أنققس بققن مالك رضققي ال عنققه أنّه قال :قال
رسققول ال صققلى ال عليققه وسققلم" :مققا آمققن بققي مققن بات شبعان وجاره جائع إلى
جنبه وهو يعلم به" قال الهيثمي :رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن(.)5
112
ومع ذلك فالسلم ل يطلب من الغني أن يسير بين الناس ممزق الثياب متصوّفا
زاهداً اللهمّق إل إذا قرر هقو ذلك ،لذا دفقع عقن الغنياء شبهقة أنّق ال يريقد منهقم ذلك
َ
هعبَاِد َََِ ج لِ ِ ي أَ ْ
خَر ََََ ه ال ّت َََِ َ ة الل َََّ ِ
زين َ َ حَّر ََََ
م ِ ن َم َََْل َ بقولهُ { :
ق ْ
َ َ
ة
حيَا ِ في ال ْ َ منُوا ْ َِنآ َذي ََ هي لِل ّ ِ ل َِ ق ْ ق ُرْز َِ ن ال ّ ِ
م ََ ت ِوالْطّيِّبَا َِ
َ
وم ٍَ ق ْ ت لِ َ ل اليَا َِ ص ُ ف َِّ ة كَذَل َِ َ
ك نُ َ م ِ م ال ْ ِ
قيَا َ و ََ
ة يَ ْ
ص ًخال َِ َالدُّنْي ََا َ
ة
م ِ ع َ وأ ََ َّ
ما بِن ِ ْ ن} .كمققا طلب منهققم أن يظهروا نعمققة ال عليهققمَ { :
()1
مو ََعل َ ُيَ ْ
دج ٍ س ِ م ْ ل َ عندَ ك ُ ِّ
م ِ زينَتَك ُ ْ ْ ك ََرب ِّ َ
خذُوا ِ م ُ ث} { .ي َا بَن ِي آد َ َ دّ ْح ِف َ
()2
113
وأمّا السفه فتحريمه في الدين أصل في تسييد الجماعة على أموالها وتوسيدها
حقّق الدفاع عنهقا ضقد كلّ فعقل قبيقح يسقيء إليهقا ،وعليقه تصقير الوليقة على منقع
السقفه وليقة عامّة يكفلهقا حقّق الحتسقاب شريطقة أن يضبطقه القانون فل يمكقن أن
تقبل الدولة من غني أن ينفق في ليلة على طعامه وشرابه وفرحه ما يتح صّل عليه
جماعات مقن الفقراء فقي عام مقن الكدّ هذا غيقر مقبول البتقة وعلى كلّ مقن البرلمان
والحكومقة والهيئة القضائيقة أن تنشقئ ك ّل جهقة على حدة جهازاً يردع هذا التصقرّف
الخبيث بأموال الجماعة المصريّة وينبغي أن ينسحب هذا على نظم التحاد العربي.
وأمّا السققتغلل فقققد أفرد البخاري فققي ضمققن مسققألة السققتغلل هذه كتاباً كاملًَ
سقمّاه "الجارة" ،جاء فيقه فقي باب "إِثْمِق مَنْق مَنَعَق َأجْ َر ا َلجِيرِ" مقا اشتمقل على شديقد
الزجر لمقن تعدّى على حقق المسقتخدمين لديقه فقال صقلّى ال عليقه وسقلّم « :قَا َل الُّ
جلٌ بَاعَق حُرّا َفَأ َكلَ
عطَى بِى ُثمّ غَ َدرََ ،و َر ُ
جلٌ أَ ْ
َتعَالَى :ثَلَ َث ٌة أَنَا خَصْق ُم ُهمْ َيوْمَق ا ْلقِيَا َمةَِ :ر ُ
ج ٌل اسقْتَ ْأجَ َر َأجِيراً فَاسْق َتوْفَى مِنْهُق وَلَمقْ ُي ْعطِهِق َأجْرَهقُ»( .)1كمقا جاء بتحميقل
َثمَنَهقُ ،وَ َر ُ
المالك تبعقة عدم كفايقة العامليقن عنده ،فققد مقا روى مالك فقي الموطقأ عَنْق ِهشَامِق بْنِق
حمَنِق بْنِق حَاطِبٍق أَنّ َرقِيقًا ِلحَاطِبٍق سَقرَقُوا نَا َقةً
ع ْروَةَ عَنْق أَبِيهِق عَنْق َيحْيَى بْنِق عَبْدِ ال ّر ْ
ُ
جلٍ مِنْق مُزَيْ َنةَ فَانْ َتحَرُوهَا (أي فذبحوهقا بغرض أن يطعموا منهقا) قالَ :فرُفِعَق َذلِكَق
ِل َر ُ
ع َمرُ(يعني
ت أَ نْ َي ْقطَ عَ أَيْدِ َيهُمُْ ،ثمّ قَالَ ُ
عمَ ُر كَثِيرَ بْ نَ الصّلْ ِ
عمَرَ بْ نِ ا ْلخَطّابِ ،فَ َأمَرَ ُ
إِلَى ُ
لحاطقب-صقاحب هؤلء الغلمان ،وكان المعروف مقن شأنقه أنّه شحيقح على غلمانقه):
عمَرُ( :لسقيّد الغلمان لمّا اطمأنّق إلى أنّق الغلمان إنّمقا فعلوا هذا
أَرَاكَق ُتجِي ُعهُمقُْ .ثمّ قَالَ ُ
غ ْرمًا َيشُقّ عَلَ ْي كَ؟ فعدل عن سلوك السبيل المعتاد من
لسدّ جوعتهم) وَالِّ لَُغَ ّرمَنّ كَ ُ
توجيققه العقوبققة للسققارق إلى توجيههققا لمققن ألجأه إلى ارتكاب الجرم بحيققث لم يكققن
أمامقه غيقر الوقوع فقي الخطقأ ،ول يغيقب أنّق أميقر المؤمنيقن راعقى ظروف الجانقي
الذهنيقة والثقافيّة إذ ققد ل يُقبقل هذا فقي حقّق الحرار أو العلى رتبقة مقن حيقث حقظ
لجِيرِ".
)(1البخاري ،كتاب الجارة ،باب "إِ ْثمِ مَنْ مَنَعَ َأجْرَ ا َ
114
العقل والثقافةُ ،ثمّ انظر كيف يكون العدول الموفق من ترضية وتحقيق قصد وإيلم
مذنقب دونمقا شغقل ذهقن بإيقاع العقوبقة ضرورة على الظاهقر المعروف مقن مدلولت
اللفقظ ،أو سقوابق القضاء ،فققد سقأل أميقر المؤمنيقن اِ ْل ُمزَنِيّ (صقاحب الناققة) كَمْق َثمَنُق
ن أَرْ َب عِ مِا َئةِ ِدرْهَ مٍ ،فاطمأ نّ إلى ما يرضيه
نَاقَتِ كَ َفقَالَ ا ْلمُزَنِيّ قَ ْد كُنْ تُ وَالِّ َأمْنَ ُعهَا مِ ْ
عمَرُ رضي ال عنه:
قبل أن يوجع المذنب الذي أمره بدفع ضعف هذا الثمن َفقَالَ له ُ
طهِ َثمَانَ مِا َئةِ ِدرْ َهمٍ"(..)1
عِأَ ْ
وأمّا الحتكار فممّا أفرد له الفقهاء المسققلمون أبواباً طويلة فققي ضبطققه اتفقوا
فيهقا جميعاً على منعقه ،وعلى أحقيّة الدولة أن تتدخّل لترغقم صقاحب المال على عدم
اسققتخدامه فققي الضرار بالجماعققة وأن تسققتخدم عنققف الدولة فققي هذا إذا لزم المققر
ومثقل ذلك اتفاقهقم فقي مسقألة منع الضرائب فكلّهقم مجمعون على حلّ قتال مقن منعهقا
والمعنقى أنّق مقن حقّق الدولة أن تسقنّ أقسقى القوانيقن لحسقم هذا اللون مقن الجرائم
الذي هقو أداة الفسقاد الكقبر فيمقا يحلّ بالمجتمقع مقن خراب لنّه باب العوز والعوز
طريقق الجريمقة .والشعقب مقن حققه أن يفرض مقن القوانيقن مقا يضبقط بهقا تحصقيل
الضرائب مققن الغنياء بمققا يحقققق بققه كفاف المسققاكين وهنققا يكون الغنققم بالغُرم فل
يطالب من يملك أقل بمثل ما يطالب به من هو أغنى وإنّما تفرض الضرائب بضابط
الحاجة من جهقة وضابط القدرة من جهة ثانية وبنظامّق المقاصقّة بحيقث إ نّ مقن يملك
أكثر يدفع أكثر شريطة أن تضمن الدولة صالح المال نفسه وبحيث ل تأخذ من جهة
بحيقث تفسقدها وإذا فسقد حال جهقة تؤدّي حقق الجماعقة فعلى الدولة أن تؤدّي إليهقا
ق واجب عليها ل على سبيل القرض
حتّى تقف على أقدامها ويكون ما أدّته الدولة ح ّ
طالمقا أنّق الجهقة تقوم بواجقب الجماعقة عليهقا ول تتصقرف فقي سقفه؛ أذا الخقذ أصقل
للنصققاف فل يجوز أن يترتققب عليققه جور .ول يحققق للدولة بعققد إذ تضمققن الكفاف
للجميققع أن تنقققم على غنققى أدّى حققق الفقراء أو أن تحيققف على أمواله مهمققا تكققن
)(1الموطأ ،كتاب القصية ،باب القضاء في الضواري والحريسة .والضواري :العوادي ،وهي البهائم التي
تفسد زروع الناس ،والحريسة :البهائم المحروسة .يراجع الموطأ بتحقيق سعيد محمد اللحام ص .568
115
السققباب بققل عليهققا أن توفققر له ولغيرة المان والعدل والنّصقْفة ،وعلى المؤسققسات
الرقابية والبرلمان والمحكمة العليا مراقبة هذا والفصل فيه.
وأمّا المن الوطني في الحفاظ على المن الحيوي للفقراء بوجوب توفير الطعام
والسترة لكلّ أحد ث مّ تتميم هذا بتوفير الزواج فممّا ينبغي عدم تهديده بحال لنّه أه مّ
مهمّات المن القومي ،وعلى أموال الغنياء أن تعاون الدولة في تحقيقه.
*الزواج
هيئة الزواج:
تقوم الهيئة برعايققة الخطبققة ورعايققة الشباب المقبليققن على الزواج وتعريفهققم
بنظرائهم من الجنس الخر على نحو منضبط تفصيل في القانون .وتعتبر هذه الهيئة
"ولي قّ" الزوجققة وتصققبح مسققئولية حفققظ حقوق البنات مسققئولية خاصققة منوطققة
بالدولة.
116
يلزم كل شابين مقبلين على الزواج اللجوء إلى المؤسسة القومية للزواج سواء
تمقت خطبتهمقا مقن خللهقا أو عُرفاً وعليهمقا الخضوع لعمليات الفحقص غيقر المؤثرة
قانوناً فققي قرارهمققا بالقتران .كمققا أنققّ عليهمققا اللتزام باللتحاق بمعاهققد رعايققة
المخطوبين والزواج و تبدأ مدّة الخيرة قبل الدخول بشهر وحتى شهر بعده.
العراس مناسقبات اجتماعيقة على الدولة اسقتغللها للتقريقب مقا بيقن مواطنيهقا
وإزالة الفوارق بينهم ،ويمكن للدولة استغلل القرى الترفيهية والسياحية والفنادق
في مواسم فراغها في تأمين حاجة المقبلين على الزواج ومعاهدهم وأعراسهم وفي
كلّ حال تنظّم التبعات المالية في كلّ هذا من قبل الدولة.
عقد الزواج:
الزواج عقد مراضاة مدني والذي يعني الدولة أن يكون العقد عقد اتفاق ما بين
طرفي الزواج وبين الجماعة أو الدولة ،فل يسوغ اقتران رجل وامرأة من دون أخذ
إذن الجماعققة وموافقتهققا وإشهادهققا .وهققو عقققد خاضققع للقانون المدنققي ،فققي ظققل
الشريعقة العامّة ،وعليقه فل يجوز التفرققة بيقن المواطنيقن فقي بنوده ،كمقا يلغقى قيام
أيقّ مققن رجال الديققن بققه ،وتحدد الدولة الجهققة التققي تحفظققه وتقوم عليققه ،ول يقبققل
ادعاء بزواج خارج وليتهققا ،ويعتققبر كلّ زواج غيققر مثبققت لديهققا زناً يوقققع تحققت
العقوبقة .كمقا ل يجوز إيقاع طلق خارج هذه المؤسقسة وبإشرافهقا لمقا ققد علمنقا أنّق
الطلق الحرّ وفتاواه يتسقببون بالنسقبة الكقبر مقن الشكالت الجتماعيقة فقي مصقر
وربّمققا كلّ العالم السققلمي .ولبققد أن ينتهققي هذا فل يقققع طلق إل أمام الدولة ،إذ
الدولة أصقلً طرف فيقه .وينبغقي أن ينصّق القانون على عقوبقة رادعقة جدًا لكلّ مقن
تسقوّل له نفسقه الفتوى بغيقر هذا القانون إذا أقرّه البرلمان وضمقن دسقتوريته لمقا ل
يترتققب على فتواه غيققر الضرر العام الذي أصققبح معلوماً بالضرورة ،ومقطوع أنققّ
الشريعة ل تحكم بما مقطوع أنّه ضرر(قاعدة الضرر يزال).
117
ل يعتدّ في بنود عقد الزواج بغير الشريعة العامّة والقانون المدني الذي يصدره
البرلمان ،وكلّ مقا أباحقه القانون فقي عققد الزواج تبعاً للشريعقة العامّة كان مباح ًا لكلّ
المواطنين دون النظر لدياناتهم ،ذلك أنّه إنّما يبيح لهم ما أباحه لغيرهم دون فرض،
وللمؤسقسات الدينيقة غيقر المسقلمة المعترف بهقا مقن قبقل الدولة التصقريح بفتاواهقا
الدينيقة فقي هذا الشأن مقن دون إلزام .وعليقه فيجوز لكلّ مواطقن فقي الدولة أن يطلق
زوجتقه ولكلّ زوجقة أن تختلع نفسقها مقن زوجهقا ولكلّ رجقل أن يعدد الزواج بمقا ل
يجاوز الربعقة .على أن يققع هذا كلّه فقي إطار قانون الزواج وقانون حظقر الضرار
المالي والسفه.
ينبغققي أن يشمققل عقققد الزواج كافققة التفاقات مدونققا مققن الدولة ول يجوز تغييققر
بنوده أو الضافققة عليققة أو الحذف منققه إل فققي الخانات المخصققصة لهذا الغرض،
ويجقب أن يتضمقن تحديقد المقدم والمؤخقر ،وتلغقى كلّ معاملة خارجقه ،على أن تقوم
الدولة وحدهققا بمسققألة التقديققر المالي وفقاً لدخققل الزوج ،بحيققث تكون هناك مراتققب
مالية (أ) و(ب) و(ج) ...ويكون هذا البند سريّا غير جائز وضعه في الوثيقة المعلنة
(وكذا كلّ بند ماليّ فيها).
كمقا ينبغقي أن يتضمقن العققد مقدار نفققة المتعقة محددة عينقا أو كنسقبة مقن دخقل
الزوج المحدد فقي الوثيققة ويلزم إعلم هيئة الزواج بكلّ تغييقر يققع فقي دخقل الزوج،
ويندب أن تكون نفقة الزوجة طيلة عام كامل من بعد الطلق بحيث يتسنى للحكومة
إيجاد دخل للمطلقة كما ينبغي أن يتضمن نفقة الولد عينا أو نسبة من دخل الزوج
كقل ذلك تحدده الدولة ول دخقل للزوجيقن فيققه ،وتقوم هيئة الزواج بمراجعققة النسققب
المقررة دورياً دون طل بٍ من أحد .وتلزم الدولة بصرف ما يكفي السرة فورياً وفي
أول شهر من انفصال الزوج عنها (ل قدر ال) وعليها هي محاسبة الزوج وإيصال
النفققة للمطلققة دونمقا سقعى مقن الخيرة أو إعلم لمؤسقسات الدولة وتقضقى محكمقة
الشئون الوقتية في هذا و تنفذه في يومه ،وتعاقب المسئول عنه دون حاجة لدّعاء
118
من الزوجة الله مّ إل دعوى مرور شهر من تاريخ النفصال من دون وصول نفقتها
وأولدها إليها ،ويكون وصول النفقة تبعة على الدولة لباب مسكن الزوجة –وينبغي
أن يصققير هذا فققي كلّ معاش ،كمققا ينبغققي أن يكون فققي كلّ غياب للزوج إن فققي هذه
الحالة أو فققي غيرهققا .-ول يجوز قبول أيققة تنازلت ول النظققر القضائي فيهققا خارج
هذه اللتزامات (ل يجوز تنازل الزوجة عن نفقتها أو نفقة أولدها).
كما ينبغي أن يتضمن العقد أحكاما واضحة للخلع بحيث يسمح للزوجة أن تختلع
نفسقها مقن العققد مقابقل عوض عينقي تحدده الدولة -بمثقل مقا أوردناه فقي الحالت (أ)
و(ب) و(ج) من دخل الزوج -على أن يصير عليه نفس درجة عدم العلن.
المن اليديولوجي:
الحالة الدينية:
حريّة العقيدة أمقر مكفول فقي إطار مقن احترام الديقن العام وسقلمته .والمسقيحية
أسقبق فقي مصقر مقن السقلم ،فلهقا وأهلهقا كامقل الحترام .وتبققى حريّة المعتققد بعقد
هذا مسقألة دسقتوريّة لهقا ضوابقط ينبغقي أن يتعاطقى معهقا البرلمان ،فليقس مقن حريّة
العقيدة استحداث معتقد جديد في السلم ينكر أساساته التي يُجمع عليها المسلمون،
وليقس مقن حريقة المعتققد أن يفرّق بيقن المسقلمين باعتبار أنّق بعضهقم أكثقر مشايعقة
لميقر المؤمنيقن عليّق عليقه السقلم وابنقه الحسقين؟ أمّا الخلفات فقي الفروع الفقهيّة
فمن سجايا السلم ومن علمات التحضّر عند المسلمين .ول يجوز لفرد أو لجماعة
داخقل مصقر كائناً مقن كان أن يتميّز بتدينقه على الجماعقة العامّة أو أن يهينهقا فقي
تدينها ،والتميّز في الدين ل يكون إل بالعلم ،فمن علم حجّة على من لم يعلم ،وميدان
هذا الزهققر الشريققف والفيصققل فيققه المحكمققة العليققا .وليققس لحققد أن يتص قدّر لبيان
التحريقم أو الباحقة مقن دون سقند ،وعلى مقن يملك السقند أن ل يشهره على العامّة،
وليققس هناك محلّ لظهار السققندات الدينيققة إل الزهققر الشريققف وجامعققة الشريعققة،
119
وليقس هناك مرجقع تعرف منقه الحكام الفروعيقة سقوى الزهقر ،أمّا الحكام العقديّة
عند المسلمين فممّا ابتَدَع التو سّع في الكلم فيها جماعات من المبتدعة الذين يجب
زجرهم بغاية الحسم ،وتعتبر معاقرة الحديث في علم الكلم وفي السقماء والصفات
وغيرها ممّا يعاقره المبتدعة خارج الحوزة العلميّة جريمة تهدد السلم العام.
يحققّ لكققل أحققد أن يذهققب إلى الزهققر وأن يناققش مققا يعتمققل بصققدره مققن الدلة
الفرعيققة وغيرهققا وينبغققي تكليققف لجان مققن كبار العلماء تعمققل على اللتقاء بهؤلء
النّاس ومناقشتهم على أن تثبت المناظرات العلميّة بمحاضرها وعلى المحكمة العليا
البقت فيهقا إذا وققع نزاع بأن خالف فرد يدّعقي العلم الجماعقة الزهريّة أو ثبقت تعنّت
لجنة المناقشة معه وعدولها عن الصواب بحقّه.
120
دور العبادة:
لكلّ حيّ من الحياء (بحسب ما يتم تحديده) مسجد جامع واحد وله كنيسة كبيرة
واحدة شريطقة أل يقلّ عدد السقر المسقيحية فيقه عقن ألف أسقرة .فإن قلّ العدد عقن
اللف سقققمح بإنشاء دور عبادة فرعيّقة تضبققط بالخمسقققمائة أسقققرة مثلً (للمسققجد
الفرعققي والكنيسققة الفرعيققة على السققواء) .ول تقام الجمعققة ول المناسققبات الدينيققة
الكقققبرى إل فقققي المسقققاجد والكنائس الجامعقققة ،ول يقام فققي الفروع إل الصقققلوات،
وللدولة أن تسققتغل المبانققي الفرعيققة على النحققو الذي يحفققظ كرامتهققا ،كأن تسققتغلّ
أسققطحها أو الحديقققة الملحقققة بهققا .ويلزم على الدولة إنشاء الكنيسققة الكققبرى أو
المسقجد الجامقع فقي الحيّق إذا لم يسقتطع أهله إقامتقه ،ويحال أبناء الحيّق مقن القليات
الدينيقققة إلى الحياء المجاورة طالمقققا لم يكقققن لديهقققم محقققل عبادة جامقققع تقام فيقققه
الحتفالت الدينيقة .وإذا خل حيّق مقن كنيسقة جامعقة وجقب ترك مبنقى فرعقي خالص
للطائفة ل تستغله الدولة.
المناسبات الدينية:
121
تلتزم الدولة بإحياء المناسقبات الدينيقة الكقبرى فقي سقائر أنحاء البلد ،ويلزمهقا
الحتفال بميلد السقيد المسقيح عليقه الصقلة والسقلم باعتباره العيقد الكقبر للطائفقة
المسيحية ،وعليها مراعاة اختلف الطوائف المسيحية فيه .وقد ورد أ نّ النبيّ صلّى
ال عليقه وسقلّم احتفقل بيوم عاشوراء وققد كان عيداً عنقد اليهود ،ويلزم اعتباره إذا
وجد في الدولة يهود ،وتسير عليهم ذات قوانين دور العبادة.
الوقاف
الوقاف ملكيّة عامّقة يحترم فيهققا شرط الواقققف ول يلتزم بققه حرفاً ،ولئن نُقِقل
الجماع على ضرورة تنفيقققذ شرط الواققققف فإنققّق المعلوم ضرورة أنّققه كان إجماعاً
مسقبّبا بظلم الدولة ،وك ّل حكقم زال سقببه زال أثره ،فل التزام بشرط الواققف فقي دولة
مؤسسات قانونية.
تلتزم الدولة بسلطتيها الرقابية والتنفيذية بمراقبة أموال الوقاف وعلى البرلمان
تحديد النسبة التي تتحصّل عليها الحكومة منها للنفاق منها على وجوه النفع العام،
كمقا عليقه القيام بمراقبقة جميقع التصقرفات الماليقة التقي تقوم بهقا المؤسقسات الدينيقة
من نسبة ما تتحصّل عليه من هذه الوقاف ومن غيرها .وإذا كان ثمّة استثمار لهذه
الوقاف فتشرف عليه هيئة مستقلة تخضع لرقابة البرلمان.
التمثيل الطائفي:
ل يكون لدور العبادة أي تمثيققل سققياسي باسققم الطائفققة الدينيققة التققي يديرون
شئونهقا الدينيقة أو الروحيّة .ويلجقأ المواطنون للمؤسقسات الدسقتوريّة للتعقبير عقن
مطالبهم ،ومن يخالف ذلك تحت أيّة دعاية يعرّض للعقوبة.
122
ل يسمح بإقامة مدارس إسلمية أو مسيحية ،وتدرّس في المدارس العامّة جميع
الدراسققات العربيّة والسققلميّة (غيققر المتعلقققة بالعتقاد) فتدرّس الشريعققة ،واللغققة
العربية والقرآن الكريم ،وأصول الفقه ،والتفسير والحديث ،والفلسفة؛ لنّها بالجملة
ليسققت علوماً دينيققة ،وإنّمققا هققي علوم حضاريّة ،ويدرس الطلب أشياء مققن تاريققخ
الديان ومققن نصققوص الكتققب المقدّسققة بمققا يؤكّقد وحدة ديققن ال ،ووحدة طريققق
المرسققلين ،ويدرس سققماحة التعايققش الحضاري العربققي مققا بيققن أصققحاب الديان
المختلفقة وكيقف أنّق هذا مقن بدائع الحضارة السقلميّة التقي ينتسقب إليهقا مسقلماً كان
أو غيققر مسققلم .ويدرس مققا يرسققخ فققي ذهنققه دور القليات الدينيققة فققي إنشاء هذه
الحضارة ،ومققا يرسققخ لديققه احترام هذه القليات إن كان مسققلماً ،والطمأنينققة لجوار
المسقلمين إن كان مسقيحياًَ ،ويبتعقد فقي مناهقج الدراسقة العامّة عقن كلّ مقا مقن شأنقه
دراسقققة العقائد الخاص ققّة ،واللهوتيّققة ومقارنقققة الديان إل فقققي مراحقققل الدراسقققة
الجامعيّقة .وتقوم بتعويضققه المؤسققسات الدينيققة كلّ فققي مكانققه ،على أن يكون هذا
بمراقبة من الدولة (مجلس الشيوخ) بما يسمح بكفالة احترام الغير ،وتربية الجيال
على قبول التعددية الطبيعية.
الزهر الشريف:
ت ضع الهيئ ُة القانو نَ التأ سيسي للجا مع الز هر الشر يف بمعاو نة الهيئة القضائ ية الم صريّة،
ل ترتبققط الهيئة فققي تصقرّفاتها بأيّة قيود وعليهققا أن تضققع نظاماً عالميّا بحيققث
يسمح بأن تخضقع له كافّة الجامعات السقلمية والمسقاجد الجامعقة والفرعيّة وتتحدد
به الحتفالت الدينية ومطالع الشهور العربيّة والجماعات الفقهيّة ومناهج الدراسة
الشرعيّة.
تضطلع هيئة كبار العلماء المنتخبققة بالتعاون مققع كلّ أحققد لحفققظ السققلم الدولي
والتقريقب بيقن البشقر على اختلف دياناتهقم .والتقريقب بيقن أصقحاب الديانات وغيقر
الدينييققن ،وبالجملة أن تحمققل على عاتقهققا مهمّة المققن والسققلم الدولييققن وتحقيققق
التعارف والتعاون ما بين الشعوب وبعضها.
124
الشيققء .وعليققه فل يحققّ لهيئة كبار العلماء العلن عققن اعتراضهققا على قانون أو
ي معيّن مقن أيّة حكومقة إل إذا ثبقت لديهقا بمقا ل يدع مجالً للشكّق أنّه
تصقرّف سقياس ّ
ليققس بقول أحققد ،وأنّقه غيققر مرضي قّ عنققه فققي الشريعققة بإطلق ،على أن ل يكون
لعتراضهقا أدنقى أثقر قانونقي إل مقن خلل المؤسقستين القضائيّة أو النيابيّة ،وعلى
المؤسستين أن تأخذا بعين العتبار هذا الضابط في مقاضاتهما الدستوريّة للحكومة.
ينبغي للحكومة المصريّة مساندة الزهر الشريف في إدارة الشأن الديني المسلم
فقققي كافّققة أرجاء المعمورة ،وعليهقققا أن تسقققهّل له مهامّققه فقققي هذا الشأن .وعلى
الدبلوماسيّة المصريّة أن تسعى بالتعاون مع سائر حكومات العالم للعتراف بسلطة
الزهققر الروحيققة على المسققلمين داخققل الوطان السققلمية وخارجهققا .وتعطققى هيئة
كبار علماء الزهققر الشريققف أيققا تكققن جنسققيتهم جوازات سققفر مصققريّة دبلوماسققية
خا صّة يظهر عليها كونهم تابعين لجناب الزهر الشريف وتسعى الحكومة المصريّة
بالتعاون مقع سقائر الدول لعطاء الزهقر الشريقف صقفة مراققب فقي كافّة التجمعات
الدوليّة تمهيداً للبت في انفصاله كدولة على غرار "الفاتيكان".
125
جامعة الشريعة:
تدرس الحقوق فققي مصققر فققي جامعققة واحدة هققي جامعققة الشريعققة ،وهققي تقوم
بدراسقة العلوم العربيّة والسقلميّة كلّهقا دراسقة وافيقة وتدرس القرآن الكريقم وآيات
الحكام والحديققث الشريققف وأصققول الشريعققة السققلمية (فقهاً وأصققولً ومقارنققة
مذاهققب) وتدرس اللغتيققن النجليزيققة والفرنسققيّة ،وأصققول الشريعتيققن الرومانيققة
والنجلوسقكسونية ،وأصقول الشرائع القديمقة كلّهقا ،وتدرس تطوّر القوانيقن ،وأصقول
القضاء المسققلم وغيققر المسققلم وتطوره ،وتسققعى إلى تطويققر الشريعققة السققلميّة
والقضاء السقلمي وإعادة الجتهاد الفقهقي إن على صقعيد دراسقة أصقول الفققه أو
دراسة الفروع الفقهيّة.
يسمح لكل من أراد الدراسة في هذه الجامعة أن يقوم بالدراسة فيها دون النظر
لديانتقه .وهقي تمنقح درجتهقا حسقب قواعقد الجازة السقلميّة المعروفقة مقع تطويرهقا
بكلّ مقا هقو مناسقب .ويقوم على رعايتهقا الزهقر الشريقف بالصقالة بالتعاون مقع كلّ
مقن مجلس الشيوخ والهيئة القضائيّة ويكون فيهقا قسقم لتخريقج دفعات مقن الشرطقة
القضائيّة .كمقا أنّق عليهقا أن تدرس بتوسقّع تامّق قسقم القانون الدسقتوري ملحققة بقه
قسماً للعلوم السياسيّة .وتتحدد سنوات الدراسة ونظامها واختبارات القبول وفق ما
تراه هيئة كبار العلماء العالميّة للزهر الشريف –على ما سيأتي.-
تسقعى الجهات القائمقة على هذه الجامعقة لنشقر الدراسقة بهقا فقي مختلف بلدان
العالم وتعمقد إلى اسقتقطاب الطلب مقن كلّ الجنسقيات وعلى الدولة والزهقر الشريقف
أن يوفرا مدينققة كققبيرة لخدمققة هذه البعوث بحيققث تنتشققر دراسققة علوم الشريعققة
ويتوسقّع فقي تطبيقهقا على المسقتوى الدولي دون النظقر لمسقألة الديانقة ول الرتباط
بها فالشريعة السلميّة شريعة مدنيّة أنتجتها قرائح العلماء المسلمين تأسيساً على
أصققول قرآنيّقة وحديثيّقة تطبيقيققة ونظريّقة ،وهذا كلّه تراث إنسققانيّ عام ل ينبغققي
للمسلمين احتكاره ،ول يجوز للعاقلين في العالم إهداره.
126
()1
القسم الثالث
حلف الفضول
(ضرورة التأسيس لقانون دولي محترم)
)(1اعتمدنا فيها اعتمادا كبيرا على ما جاء في الفصل الخامس عشر ،من مذكرات أستاذ الجيل ،أحمد
لطفي السيد (قصة حياتي) ،مكتبة السرة2004 ،م ،ص 172وما بعدها.
127
(ظهر غلف القسم الثالث)
128
مشروعنا مشروع سلام عالمي:
نؤكّد أنقّ مشروعنقا الحضاري الداعقي إلى تفعيقل الجامعقة العربيّة ،والتأسقيس
لجامعة دوليّة قويّة إنّما ينبع من قيمنا الحضاريّة ،ومشاركتنا الصيلة لخواننا في
النسقانيّة .كمقا نؤكّد أنّه ليقس لدينقا أدنقى وجقه للتعارض ول لمناقشقة التعارض بيقن
مشروعي الجامعة العربية ،والجامعة السلميّة ،بل إنّنا نجاوز المزايدين والمعيقين
للمناداة بالجامعققة العالميّة ،مجدّديققن الدعوة الكريمققة لجدادنققا العرب الكارم ليجاد
حلف للفضيلة والشرف بيقققن المقققم والشعوب المختلفقققة ،غايتقققه نصقققرة الضعيقققف
والمظلوم ،وقضاء حاجة ذوي الحاجات.
إنققّ الجماعققة الدوليّقة ينبغققي أن تؤسققس علقاتهققا على التعارف بيققن الشعوب
والدول وعلى التعاون فيما بينها ،وعلى أن ينصر أعضاء المجتمع الدوليّق الضعيف
حتّى نأخقذ الحقّق له ،وأن يقفوا فقي وجقه القويّق حتّى يؤخَذ الحقّق منقه .وأن تكون
علقات الشعوب والدول مؤسقّسة على الندّيقة وعلى التسقاوي فيمقا بينهقا دون نظقر
لقوّة قوي أو لضعقف ضعيقف ،على أسقاس مقن قانون دوليقّ قوي ،ومحترم أسقاسه
فكرة "حلف الفضول" العربيّة التقي شارك فقي تنفيذهققا رسققول ال( ) قبقل البعثقة،
وتمنّى بعد أن أقام الدولة لو وُجد هذا الحلف كإطار ما بين الدول أن يشارك فيه.
ونؤكّد أ نّ مشروع الجامعة العربية أو حتّى السلميّة ل يسعى إلى العودة لفكرة
تقسققيم العالم إلى دار إسققلم ودار حرب .كمققا نؤكّد أنّق "الجهاد السققلمي" اليوم ل
يمكقن أن يوظّف فقي إخضاع الشعوب الخرى لحكقم المسقلمين ،وإنّمقا للجهاد مجال
واحقد هقو حمايقة أرضنقا ومقدّسقاتنا داخقل حدودنقا المعروفقة .ونعلن بوضوح أنّه ل
مجال للحديث عن ميراث للمسلمين في أرض غَلبوا عليها ثمّ غَلبهم عليها أصحابُها
الصقليين ،وأقاموا بهقا دولً ل تديقن بالسقلم ،إذ الجهاد خارج أراضقي المسقلمين ل
يهدف بالقطع لنشر السلم ،ول لكسب مغنم ،وإنّما لنشر العدالة ،فإن كان لغير نشر
129
العدل ،فهقو ليقس جهاداً ول هقو فقي سقبيل ال( تحقيقق العدل) .فإذا ثبقت أنّق أصقحاب
هذه الدول يقيمون بهقا مقن العدل مقا ل نقيمقه فقي بلدنقا فإنّق الحديقث عقن فتحهقا لمقن
عدم الحياء .ولئن لم تكقققن هذه الدول عادلة فل سقققبيل لنشاء العدل وفرضقققه خارج
سياق قانون دولي عادل ومحترم.
كمقا نؤكّد بالنهايقة أنّه ل مجال لحروب الديان اليوم ،فنحقن فقي عصقر مقا بعقد
ثبوت الديان ،ولئن دارت الحروب قديماً للدفاع عققن العقائد ،فليققس مققن عاقققل اليوم
يظنّق أنّق بإمكانقه عقبر اسقتخدام القوّة أن يهاجقم عقيدة ،أو أن يدافقع عنهقا؟ فتغييقر
ديانات النّاس ،أو إخضاع الكفار ،أيّا كانوا ،لحكققم المؤمنيققن ،أيّا كانوا؟!! كلم بعيققد
إن لم يكقن سقخيفاً .فلتققم التحالفات اليوم على أسقاس إرادة العيقش المشترك ،وعلى
التعاون على البر والخيقققر ،فأمّققا الدعوة إلى المعتقدات فهقققي اليوم مقققن مسقققئوليّة
المؤمنيققن بهذه المعتقدات ،ول طريققق للدعوة إليهققا إل عققن طريققق القدوة والكلمققة
والمثقل الصقالح ،أمّا القوّة فلفرض العدالة ،ونشقر المقن ممّا هقو مقن حقوق النّاس
فقققط على نحققو مققا أثبتناه[ .ينظققر :المبحققث الخامققس مققن الفصققل الثالث مققن القسققم
الثاني].
ل شكقّ أنّنققا حيققن ندعققو إلى التعاون مققا بيققن الشعوب فإنّنققا إنّمققا ندعققو إلى ذلك
النوع مقن التعاون المسقتمر الذي يمنقع العتداء ويؤدى إلى السقلم الدائم .ول ينبغقي
أن نخدع أنفسنا بسهولة ويسرِ ما يعترض هذا التعاون من صعوبات أعسرها تذليل
عدم إيمان قادة الشعوب المختلفة بهذا الفكر.
إن قّ الرتقاء الجتماعققي والضرورات النسققانيّة وإدراك العالم أنقّ الحرب ليسققت
هي الوسيلة المثلى لتحقيق الهداف ،كلّ ذلك يدفع اليوم لَِن تختمر في ضمير العالم
فكرة التعاون والتعرف السققلميّ المققن مققا بيققن الشعوب .إل أنّه ينبغققي أن ل يفوت
130
علينا ما ألفناه من أخلق القبيلة الحاكمة للعلقات الدولية بين المم ،وما سجّله لنا
التاريقخ مقن ألعيقب السقياسة وغدرِهقا ،كمقا ينبغقي أنّق نقدّر حقّق التقديقر قوة أنصقار
الحرب والعاملين عليها والمنتفعين من ورائها.
لقققد جاوز النّاس أخلق القققبيلة ،وطريقققة التعادي فققي أخذهققم للحققق أو إثباتققه
بوازع من القانون الذي نشأ بنشوء الدولة ،محتمياً بسلطان البوليس والقضاء ،فقد
اعتاد النّاس أن يتعاونوا فقي معايشهقم المدنيقة بعيقد ظهور الدولة بالحسقنى تاركيقن
عاداتهقم الولى فقي العدوان والجري على أحكام "حقق القوى" التقي ألفوهقا أزمانقا
طوال فيمققا قبققل المدنيات المنظمققة .على هذا جرى حال أفراد الناس بحيققث أصققبحوا
يرون مقا كانوا يتمدحون بقه فقي حال البداوة ويجعلونقه مناطقا للعزة ومجلبقة للفخار
-مققن أعمال العدوان -جريمققة مسققتحقة للعقاب .هذا حصققل للفراد داخققل الجماعققة
الواحدة بينمقا م تجقد المقم أو بالولى الحكومات كمقا وجقد الفراد قانوناً ول محاكقم
تفقض النزاع بينهقا ،ول "بوليسقاً" يمنقع مقن اعتداء بعضهقا على بعقض ،فبقيقت فيهقا
جاهليّة الحياة البدائيّة الولى ،مقن أسقاليب القصقاص الهمجيقّ ،وسقيادة روح الققبيلة
بالعتداء على الغيققر اسققتعلء عليققه واسققتعبادا له وطمعققا فققي أرضققه ومَرافِقققه،
وبالجملة فقد بقيت كل حكومة حتى في هذه المدنية الحاضرة تضمر أن تنتزع بالقوة
مققن أمققة أخرى مالهققا مققن الحقوق مققن غيققر وازع ول حياء ..وإذاً فقققد ظفرنققا مققن
()1
المدنيات القديمة بأدب للفراد ولم نظفر بأدب لحكوماتهم؟
)(1الحق أنّ الذي يراجع أفكار الفقهاء المسلمين يجدها واضحة جدّا في بيان هذه الفلسفة في منع التعادي
بين النّاس وبعضهم وإحالة الفصل في هذه الخصومات للسلطان(الحكومة) وحده ل ينازعه في هذا الحق
أحد إل اعتبروه خارجا يستحق أعظم العقاب ،وقد أشرت في كتابي "السلطة المدنية في السلم" غير
ل إفراد بجمع ،فيفسر
مرّة إلى أنّ حلّ المعضل السياسي عندنا يمكن اختصاره لحد بعيد لو فُسّر ك ّ
السلطان بالسلطة والخليفة بخلفة المّة والحاكم بالحكومة...الخ.
131
انتزع بعض من الكتا بٌ والفلسفةٌ مما هو واقع من تصرّفات الدميين فكره أ نّ
الحرب مقن طبقع النسقان ،ومقن طريقف مقا يؤثقر عقن أنصقار الحرب مقا نقله "إيميقل
فاجققى" عققن أحدهققم قوله" :الحرب إلهيّقة فققي ذاتهققا؛ لنهققا قانون العالم .الحرب
"إلهيقة" فقي المجقد الخفقي الذي يحيقط بهقا وفقى الجاذبيقة الخفيقة أيضقا التقي تجذبنقا
إليهققا .الحرب "إلهيققة" فققي الحمايققة الموهوبققة للقواد العظام" ..الحرب "إلهيققة"
بنتائجها التي تعزب عن تقديرات الناس؟؟ .قال إميل فاجى" :كل هذه الجمل تساوى
أنّه يقول" :الحرب إلهية؛ لنها سخيفة؟"
والذي يراه أنصقار السقلم هقو أن الحرب ليسقت مقن طبقع النسقان ،بقل هقي عادة
تأصقلت فقي نفوس الناس يمكقن القضاء عليهقا كمقا قضقى على الرق ونحوه بوسقائل
ن العالم يتقدم في أمرها على أثر تفكير المفكرين فيما يصلح
التربية التي لشك في أ ّ
حال النسقان .فلبقد مقن ثورة على القديقم فقي هذه الناحيقة مقن حياة البداوة والجهقل
التي ما تزال تحكم النّاس كجماعات بعد أن زالت عنهم كأفراد؟.
أوّل ما خطر في موضوع السلم الدائم في الثورة الحضارية الحديثة صوت أتى
مقن جامعقة "كونجسقبرج" حيقن اقترح أسقتاذ الفلسقفة فيهقا "ايمانويقل كنقت" إنشاء
حكومققة أمققم تمنققع اعتداء بعضهققا على بعققض .ووجّه "كنققت" نداءً للمققم والملوك
طالبهققم فيققه بأن تنظققم المققم سققلوكَها على قواعققد الخلق والقانون ،وأن تحترم
الخرين وأن يسود قانون يحكم علقات الدول.
132
المؤتمر وكانوا يعلمون حق العلم طبيعته وأغراضه ل يكادون يخدعون بتلك الكلمات
الفخمققة مثققل :إعادة النظام الجتماعققي وتجديققد المذهققب السققياسي لوربققا وتحقيققق
السقلم الدائم بيقن الدول الخ ..فهذه الكلمات إنمقا نطقق بهقا لتطميقن الناس ولتفيقض
على هذا الجتماع الحافقل كرامقة وعظمقة .لكقن الغرض الحقيققي للمؤتمقر هقو توزيقع
أسلب المقهورين بين القاهرين"؟!!.
كان هذا ومققا يزال نموذجاً مققن أدب السققياسة الدوليققة يتخذه السققاسة ليلقوا بققه
دروسا في الشر والظلم على الناس أجمعين .وإذن فإنّ الدب السياسي لم يتغير على
يقد أصقحاب الحضارة المعاصقرة مقن الغربييقن عمقا كان عليقه فقي العصقور الهمجيّة
القديمة .قال الكاتب المعروف "ألدوس هكسلى" عشيّة الحرب العالمية الثانية" :إن
أدب السقققياسة الدوليقققة هقققو أدب القرصقققان .أدب الخداع .لم يتغيقققر هذا الدب منقققذ
عشريقن قرنقا حيقن قال الفيلسقوف "سقنيك" :هذا هقو قانون النسقانية :كقل مقا هقو
محرم عليك اتباعه وأنت فرد ،مطلوب منك إتيانه وأنت مدافع عن الدولة؟!.
س أنّ ما نجحت به أمم أوربا إنّما كان في علقات الفراد الغربيين في
فتكاد تح ّ
إقامة علقات غير همجيّة فيما بينهم ،لك نّ الواقع يقول إ نّ العطاء الحضاري الغربي
لم ينجقح فقي ضبقط العلقات الدوليّة بيقن المقم ونشقر السقلم العالمقي .لققد رسقّخت
أوربقا في الضميقر النسقاني فكرة أنّق ضابقط قانون العلقات الدوليقة ليس موكولً إلى
قانون أو ميثاق شرف ،وإنّمقا رهيقن بضميقر سقاسة الدول القويّة ،الذيقن رسقخ فقي
أدبهم السياسي أ نّ السياسة ل ضمير لها؟ وبالتالي فلم يعد للسياسة الدولية محكمة
إل الحرب؟
لققد اسقتمرار هذا الحال على مقا هقو عليقه ولم يتعقظ العالم مقن الدروس القاسقية
التقي تلقّاهقا منقذ الحرب العالميقة الولى والتقي على أسقاسها شرع فقي إنشاء جمعيقة
المققم ،فلم تنجققح تجربتهققا وجاءت الحرب الثانيققة بويلتهققا التققي ل تطاق .وتلقاء
تجربتهقا القاسقية صقدر ميثاق الطلنطقى فقي أغسقطس سقنة 1941م .فشرعوا فقي
133
إنشاء عصبة أمم جديدة خير من عصبة المم القديمة؟ ولنا أن نتساءل :هل أوصل
إنشاء المقم المتحدة بعقد حربيقن عالميتيقن إلى الغايقة النقبيلة التقي أشار إليهقا المسقتر
"إيدن" بقوله" :إن غايتنققا هققي إنشاء نظام عالمققي يحقققق التقدم السققلمي لجميققع
الشعوب"؟ وإذا لم يكن فما هو القانون الذي يضمن عدم التعادي؟.
ذكقر ابقن إسقحق وغيره( :)1أنقّ قبائل مقن قريقش اجتمعقت فقي دار عبقد ال بقن
جدعان فتعاقدوا على أل يجدوا بمكقة مظلومقا إل قاموا معقه حتقى ترد عليقه مظلمتقه
سمّت قريشُ ذلك الحلفَ حلفَ الفضول أي :حلف الفضائل(.)2
َف َ
وكان من شأن هذا الحلف أ نّ رجلً من "زبيد" (اليمن) قَدِ مَ بتجارة له على مكة
غلَبقه عليهقا ،فجاء إلى بنقي سقهم
فباعهقا "للعاص بقن وائل السقهمي" َف َمطَله بهقا و َ
يستعديهم على ابنهم فأغلظوا عليه ،فعرف أن ل سبيل إلى ماله ،فحمله ذلك على أن
أشرف على "أبقي ققبيس" (جبقل بمكّة) حيقن أخذت قريقش مجالسقها ثقم أنشقأ قصقيدة
يقول في مطلعها:
حجَر
و ُمحْ ِر ٍم أشعث لم يقض عمرَتَه * أمسى يناشد حول الحِجْر وال َ
فلما سمعت ذلك قريش تحالفوا "حلف الفضول" ،فاجتمعت في دار "عبد ال بن
جدعان" بنقو هاشقم وبنقو المطلب وأسقد بقن عبقد العزي وزهرة بقن كلب وتيقم بقن
مرة -وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ معهم قبل أن يوحى إليه وهو ابن
خمققس وعشريققن سققنة -وكان الذي تعاقققد عليققه القوم وتحالفوا" :أن ل يُظلم
)(1يراجع :السيرة النبويّة لبن هشام 1/264وما بعدها ،أخبار مكّة 5/190وما بعدها .معتصر
المختصر من مشكل الثار .376-2/375
)(2الفضول هنا جمع فضل للكثرة كفلس وفلوس.
134
بمكة غريب ول قريب ول حر ول عبد إل كانوا معه حتى
يأخذوا له بحقَه ويردوا إليَه مظلمتَه مَن أنفسَهم ومَن
غيرهم".
وهذا الحلف هققو المراد بقوله صققلى ال عليققه وسققلم شهدت حلفققا فققي دار ابققن
جدعان ،مققا أحققب أن أخيققس بققه وإن لي حمققر النعققم ،ولو أُدعققى بققه فققي السققلم
لجبقت( .)1قال القرطقبي :وهذا الحلف هقو المعنقى المراد فقي قوله عليقه السقلم "ل
حلف فقققي السقققلم ،وأيمقققا حلف كان فقققي الجاهليقققة لم يزده السقققلم إل شدة" قال
القرطقبي :لنّق ذلك الحلف موافقق للشرع إذا أمقر بالنتصقاف مقن الظالم ،فأمقا مقا كان
مقققن أحلف وعهود الفسقققاد وعقود الباطقققل القائمقققة على التعاون على الظلم وعلى
ن بعضهم فهم من ظاهر بعض الروايات إنكار فكرة
الغارات فقد هدمه السلم .ومع أ ّ
الحلف بعمومها في السلم إل أنّ فهم استمرار الحاجة لعمل أحلف الخير ،ومتابعة
العرب الكارم فققي هذه الس قنّة الكريمققة ،هققو الفهققم البرز لهذه الروايات ،فقققد روى
البخاري عقن عاصقم قَالَ :قُلْتُق لَنَسٍق رضقى ال عنقه :أَبَ َلغَكَق أَنّ النّبِىّ صقلى ال عليقه
لمِ؟ » َ .فقَالَ( :يعنقي :أنقس) قَدْ حَالَفَق النّبِىّ صقلى ال
وسقلم قَالَ « لَ حِلْفَق فِى الِسْق َ
عليققه وسققلم بَيْنقَ ُقرَيْش قٍ وَالَنْصقَارِ فِى دَارِى( .)2كذلك بقيققت الفكرة الرئيسققة لحلف
الفضول ،وهي الوقوف بوجه الظالمين ،حاضرة في ذهن أبناء الصحابة رضوان ال
تعالى عليهم ،وهذا سيّد الثائرين "الحسين" عليه السلم لمّا تحامل عليه الوليد بن
عتبقة فقي مال له وكان الوليقد أميراً على المدينقة اتكاء على سقلطانه ،قال له الحسقين
-كما روى ابن إسحق( -)3أحلف بال لتنصفني من حقي أو لخذن بسيفي ثُم لقومن
)(1إسناده صحيح ،ينظر المتن في :المستدرك على الصحيحين .2/239صحيح ابن حبّان .10/216
موارد الظمآن .1/504مجمع الزوائد .8/172مسند الشاشي .1/271
)(2البخاري ،كتاب الكفالة ،باب( )2قول ال تعالى والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ،ح.2294:
طرفاه - 7340 ، 6083تحفة . 126/3 - 930
)(3يراجع :السيرة النبويّة لبن هشام 1/264وما بعدها.
135
ع َونّ بحلف الفضول ،وكان عبد ال
في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم لد ُ
بقن الزبيقر شاهداً فلمّا سقمع مقالة الحسقين قال :وأنقا أحلف بال لئن دعانقي لخذن
بسقيفي ثقم لقومَنّ معقه حتقى ينتصقف مقن حققه أو نموت جميعقا ،وبلغ ذلك "المسقور
بقن مخرمقة" فقال مثقل ذلك وبلغقت "عبقد الرحمقن بقن عثمان بقن عبيقد ال التيمقي"
فقال مثل ذلك .فلما بلغ ذلك الوليد أنصَفه ،وأوصل له حقّه.
يجب أن تعمل الدول المتمدينة على القضاء على أخلق الستعلء والستكبار:
العققل والتجربقة متفقان على أنقّ قيقم التجربقة الحضاريقة الغربيقة المعاصقرة لم
تنجح في مضمار تحقيق المساواة بين المم ،وضمان عدم تعاديها على بعضها ،بل
الواققع أنّق حكومات المقم الوربيقة هقي مقن حمقل لواء التعادي وسقعى لنهقب ثروات
الشعوب الفقيرة والمسقتضعفة ،وواضقح أنّه مقا لم تكقن وسقيلة لتربيقة أجيال تؤمقن
بفكرة إلغاء اسققتعلء قوم على قوم؛ تلك الفكرة التققي هققي أفسققد مققا يفسققد أخلق
الجتماع العالمقي ،فسقتظلّ الحرب وسقيلة المسقتضعفين والمسقتكبرين على السقواء،
كلّ فقي غرضقه .ولن يمكقن التوصقّل بحال إلى قانون دولي محترم يضبقط العلقات مقا
بين الدول.
مقن المهقم جدّا أن نشيقر هنقا إلى شيقء ممّا يعتقده كثيقر مقن الدعاة ومقن الكتاب
مققن أن قّ السققتعلء والوطنيققة أو أن قّ السققتعلء والديققن أمران متلزمان ،وأن قّ مققن
العسير أنْ يُحبّ قو ٌم وطنهم أو دينهم دون أن يقترن هذا الحب بالستعلء على المم
المغايرة ،أو أصقحاب الديانات الكافرة؟ أو مقن دون إثبات بغضهقم لهقم –كحدّ أدنقى-؟
والحقّق أنّق هذا اللون مقن الحبّق للديقن أو الوطقن ققد يكون حققا فقي أمقر الوطنيّات أو
الديانات الحادة الجامحة التي هي من سللة عصبية القبيلة .أما الوطنيات المدنية أو
الديانات الحقّة فأنّهقا ل تتنافقى مقع حقب النسقانية جمعاء .والواققع أننقا نرى الرجقل
الفاضققل مققع حبققه لنفسققه يسققعى إلى سققعادة غيره ،فل مانققع إذاً يمنققع قوم ًا يحبون
136
وطنهققم أو يعتزّون بدينهققم مققن أن يسققعوا فققي إسققعاد الوطان الخرى ،أو أصققحاب
المعتقدات الخرين ،إن في داخل أوطانهم أو خارجها؟
الولى :أن التعاون العالمققي ممكققن متققى اقترن بققه إلغاء السققتعمار والسققتعلء
على الوجه الذي ذكرناه .ومن المهم أن نشير هنا إلى أن مِن الفلسفة الغربيين مَن
تعرض لفكرة إلغاء السقققتعمار مثقققل "بنتام" فإنّققه هقققو وأنصقققار مذهبقققه يبغضون
السققتعمار ويرونققه غيققر نافققع للمققم المسققتعمَرة ،فوق أنققه مفسققد لخلق المققم
المستعمِرة.
الثانيققة :أن أدب السققياسة والعلقات الدوليققة الذي جرى عليققه العرف إلى الن
بعيد عليه أن يحقق التعاون العالمي ،بل لبد لهذا التعاون من أدب دولي جديد.
ونظرا لن أسققباب الحروب مهمققا اختلفققت فإنققّ مردّهققا كلهققا إنّمققا يكون للحالة
الخلقيققة للمققم وعلى الخصققوص لقادة هذه المققم .فقققد بحققث أنصققار السققلم فققي
الوسقائل التقي تؤدى إلى منقع العتداء ،متفقيقن على أنّق أفضقل الوسقائل لذلك وسقيلة
التسقامي بالطبيعقة البشريّة التقي كمقا يقول "كنقت" :ليقس فيهقا مقن اسقتعداد طقبيعي
للشقر ،وأنّق السقبب الوحيقد لتجاههقا نحقو التعادي والشرّ هقو أل ُيرَدّ الطبعُق فيهقا إلى
قواعد تهذّبه ،وأقرب ما يوصل إلى ذلك التربية.
137
الشرّ ،واسقتساغة له ،فيتّجقه صقاحبه بجلّ همّه إلى توظيقف مقا يسقتطيع مقن قوة مقن
أجل بسط سلطانه على العالم كله أو بعضه؟ فتكون غاية التربية عندهم غاية حربية
صِرفة أو بعبارة أدقّ غاية اعتداء على الغير وفقط.
وأنقا حيقن أذكقر الديكتاتوريات هنقا ل أجنّب الديمقراطيات بشاعقة هذه السقمة إذ
أثبتقت تجربقة الحضارة الغربيقة القائمقة أنّق الديمقراطيات مقع السقف ليسقت بأحسقن
حالً مققن الديكتاتوريات حيققن يتعلّق المققر بظلم الخققر وأخققذ مققا بيده .والتربيققة فققي
الديمقراطيات وإن كانققت موجّهققة فققي الداخققل نحققو تدعيققم الحريات الفرديققة فإنّهققا
موجهقة فقي الوققت ذاتقه حيقن يتعلّق المقر بالغيقر إلى السقتعلء والكقبر المؤديان إلى
الحرب أيضاً؟
بالجملة إذن ينبغقققي أن نتّجقققه جميعاً فقققي تربيتنقققا للجيال الصقققاعدة نحقققو ترك
العصققبية الولى للقققبيلة ولمعبودهققا المحلّي ناحيققة مققا يقتضيققه الخاء النسققاني
والتعاون العالمققي مققن احترام لجميققع الجناس وسققعى فققي إسققعاد مققن قضققت عليققه
المصادفات الشقية بأن يكون في سلم المدنية متأخرا عن سواه ،أيّا يكن دينه ،وأيّا
تكن جنسيّته.
138
ي:
واجبات أمم السلم العالم ّ
لدى ك ّل أمّة واجب نحو ذاتها وآخر نحو مثيلتها .فأمّا ما يجب على ك ّل أمّة نحو
ذاتها أمران :تربية أبنائها .وتحسين الحكم بما يكفل مصالحتها مع نفسها.
فأمّا تربيقة وإعداد أبنائهقا فبأن تكون غايتهقا "النسقان المثققف" ووسقيلتها إلى
ذلك:
_1تثقيقققف ملكات الفرد الطبيعيقققة :ملكات الجسقققم والعققققل والنفقققس بأن يقوم
بمقتضيات حفقظ الذات وحفقظ النوع بالعتدال التام ثقم بواجقب الصقدق الذي يسقبب له
القتناع بكرامتققه وواجققب السققخاء الشخصققي بأن ل يقتققر ول يسققرف ،بققل ينفققق
بالمعروف .وواجب كرامته من حيث هو إنسان فيرفض أن يكون تبعا لغيره في غير
الحدود المفروضقة عليقه مقن جهقة كونقه عضواً فقي جمعيقة مدنيقة لهقا قوانيقن مرعيقة
الداء وواجب محاسبة نفسه على كل ما يخطر له من فكر أو يلفظ من قول أو يأتي
مقن عمقل .ثقم ينبغقي أن يؤخقذ الناشقئ بتثقيقف ملكات عقله بأن يتعلم مقا هقو ميسقر له
من العلوم والفنون .قال "كنقت" :مقن ليقس مثقفقا فهو بهيمقة .ومن ليقس مؤدبقا فهو
متوحش.
_2كذلك ينبغقي أن يؤخقذ الفراد فقي التربيقة بتعلم القيام بواجباتهقم نحقو الغيقر،
بواسطة العدل وعرفان الجميل والسخاء والمواساة في الضراء واحترام الغيار في
أشخاصهم وشرفهم وأموالهم واحترام قوانين البلد سراً وعلنية.
وينبغققي أن يكون ذلك على يققد أسققاتذة أحرار فققي مدارس حرة ،وبحيققث يكون
التنسققيق التربوي ذا طابققع عالمققي بيققن هذه المدارس وبعضهققا ،وبمشاركققة حكماء
الديانات.
وأمقا واجبات المقة مقن حيقث صقورة الحكقم داخلهقا فينبغقي أن تكون المقة دائمقا
مصقدر السقلطات فقي وطنهقا وأن يشترك أفرادهقا فقي الحكقم بالطرق الديمقراطيقة وأن
139
يكون الحكقم لمنفعقة المحكوميقن ل لمنفعقة الحكام .وأن تكون وليات الحكقم ضرائب
يؤدّيها الكْفاء من أبناء المّة ل مزايا يختص بها المقربون من السلطات.
وأمقا واجبات المقم بعضهقا نحقو بعقض ،فأوّل مقا ينبغقي هقو أبطال تلك المذاهقب
العتيققة فقي العلقات الدوليقة ،مذهقب السقتعلء والسقتكبار على الغيقر ،وأن تسقتبدل
المقققم بذلك التعارف والتعاون ،واحترام مقققا لدى الخقققر ،وإثبات الكرامقققة للنسقققان
بمحقض الخلق ،والعمقل على أنسقنة وتحضيقر الجتماع النسقاني الدولي والتقدّم بقه
بعيداً عن طور الجاهليّة المستكبرة ،والتعادي الخرق ،إلى ناحية وضع قانون عادل
يحكقم علقات المقم ،يكون الضعيقف فيقه قويّا حتّى يؤخقذ الحقق له ،والقويّق ضعيفاً
حتّى يؤخذ الحقّ منه ،وأن تحترم الواجبات الدبية التي يفرضها قانون الخلق على
المم نحو غيرها والتي تتلخص في احترام حقوق الغير والسعي في إسعاده.
على مثل هذا النحو يتحقق التعاون العالمي وتعم نعمة السلم كل بني النسان،
ويرنوا النّاس إلى ربّهم آمنين..
للتواصل مع المؤلف
ali_mursi@hotmail.com اليميل:
ali_hfeez@yahoo.com
140
10 35 792 092
141