You are on page 1of 141

‫تيار بديل‬

‫المؤلّف‪ :‬د‪ .‬علي عبد الحفيظ مرسي‬

‫المحتويات‬

‫الموضوع‬
‫ص‬

‫‪6‬‬ ‫القسم الوّل‪ :‬في فقه الزمة‪.....................‬‬


‫‪7‬‬ ‫الفصل الوّل‪ :‬في النهوض التائه؟‪..................‬‬
‫‪8‬‬ ‫في النهوض الرائد‪...............................................‬‬
‫‪8‬‬ ‫الحضور الكبير للمعضل السياسي‪.............................‬‬
‫‪15‬‬ ‫التعويل على مسألة الصلح الديني ‪..........................‬‬
‫‪19‬‬ ‫إلى أين نتجه؟‪...................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫حسم القراءة‪....................................................‬‬
‫‪21‬‬ ‫حسم التوجّه‪.....................................................‬‬
‫‪26‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الردّة الكبرى (ردّة عن منهج الدين العاقل)‬
‫‪27‬‬ ‫عن العقلنية‪.....................................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫العقل العربي‪...............................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫الردّة الكبرى أو التحوّل الكبير (حرب استمالة العوام)‪........‬‬
‫‪40‬‬ ‫الثار الخلقية والفكرية لهذا التحوّل‪.............................‬‬
‫الفصقل الثالث‪ :‬أزمقة شباب مصر (مقا بين إسقلميين بل عققل‪،‬‬
‫‪45‬‬ ‫ونخبة بل حياء)‬
‫‪46‬‬ ‫الطرح الذي تقدّمنا به لقيادة الخوان ولم يقبلوه‬
‫‪51‬‬ ‫ذهبنا للنخبة فلم نجد إل ما يخجل‪................................‬‬
‫‪53‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬في الدولة‬
‫‪54‬‬ ‫الفصل الوّل‪ :‬في الجماعة المصريّة‪............................‬‬
‫‪55‬‬ ‫في أنّ الجماعة المصريّة واحدة‪.................................‬‬
‫‪58‬‬ ‫فيما ينبغي أن نكون‪..............................................‬‬
‫‪60‬‬ ‫في محاور بناء شخصيّة الدولة المصريّة‪.......................‬‬
‫‪62‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬في أنّ دولتنا مدنيّة‪..............................‬‬
‫‪63‬‬ ‫الدولة ضرورة‪ ..‬والناس ل يتمايزون في الضرورات بدينهم‪..‬‬
‫الخلفقة انتهقت بعقد الراشديقن‪ ،‬ومقا جاء بعدهقا مقن مُلك غلب‬

‫‪65‬‬ ‫عليقه الفسقاد‪ ..‬والقول برجعقة الخلفقة تجارة بالديقن وإفسقاد لعقول‬
‫الخلق‪ .‬والمطلوب القول بالعمققل لجققل اسققتعادة الرشققد‪ ،‬ل برجعققة‬
‫الخلفة‪......‬‬
‫اسقتعادة الرشقد اليوم ل تكون بغيقر إقامقة دولة مدنيقة تفيقد مقن‬
‫دولة الرشقققققققققققققققققد‪ ،‬وممّققققققققققققققققا أنتجتقققققققققققققققققه الحضارة‬
‫‪71‬‬ ‫المعاصرة‪...................‬‬
‫‪75‬‬ ‫الدولة السلمية الولى لم تكن سوى دولة مدنية‬
‫أصقول الواجبات والمحظورات فقي الشريعقة يمكقن أن يتأسقس‬
‫‪81‬‬ ‫عليها قانون مدني عام ل يفرّق بين المواطنين ول يحرجهم‪...‬‬
‫‪87‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬في وظائف الدولة‪................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫في مفاهيم تحدد هذه الوظائف‪....................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫في الوظائف والمؤسسات والضوابط‪............................‬‬
‫‪90‬‬ ‫البرلمان‪......................................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫مجلس العموم‪............................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫مجلس الشيوخ (المجلس الرئاسي)‪......................‬‬
‫‪92‬‬ ‫الحكومة‪.........................................................‬‬
‫‪93‬‬ ‫الهيئة القضائيّة‪..................................................‬‬
‫‪95‬‬ ‫في جامعة الشريعة والقانون‪.............................‬‬
‫‪96‬‬ ‫في المن القومي‪............................................‬‬

‫‪2‬‬
‫‪97‬‬ ‫في المن السياسي والعسكري‪...........................‬‬
‫‪98‬‬ ‫في الحدود الجغرافية للمن القومي‪.....................‬‬
‫‪98‬‬ ‫الكيان العبري في فلسطين‪..............................‬‬
‫‪99‬‬ ‫السودان والتحاد العربي‪................................‬‬
‫‪100‬‬ ‫إيران‪........................................................‬‬
‫‪102‬‬ ‫المن العلمي والتقني‪............................‬‬
‫‪103‬‬ ‫في المن القتصادي والجتماعي‪..............................‬‬
‫‪103‬‬ ‫المن المالي‪..............................................‬‬
‫‪108‬‬ ‫الزواج‪...................................................‬‬
‫‪111‬‬ ‫المن اليديولوجي‪ :‬الحالة الدينية‪.............................‬‬
‫‪112‬‬ ‫دور العبادة‪...............................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫المناسبات الدينية‪.........................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫الوقاف‪....................................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫التمثيل الطائفي‪............................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫المدارس العامّة والدينية‪..................................‬‬
‫‪114‬‬ ‫الزهر الشريف‪...........................................‬‬
‫القسققم الثالث‪ :‬حلف الفضول‪ :‬ضرورة التأسققيس لقانون دولي‬
‫‪117‬‬ ‫محترم‬
‫‪118‬‬ ‫مشروعنا‪ ..‬مشروع سلم عالمي‪........................‬‬
‫‪119‬‬ ‫التعاون العالمي من أجل السلم‪.........................،‬‬
‫‪120‬‬ ‫هل الحرب طبيعية؟‪.....................................‬‬
‫‪121‬‬ ‫أدب السلم في السياسة الدولية‪..............................‬‬
‫‪122‬‬ ‫هذا أدبنا في التحالف نسوقه إليكم‪......................‬‬
‫يجققققب أن تعمققققل الدول المتمدينققققة على القضاء على أخلق‬

‫‪124‬‬ ‫الستعلء والستكبار‪............................................‬‬

‫‪3‬‬
‫‪125‬‬ ‫التعاون العالمي ممكن‪...................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫واجبات أمم السلم العالمي‪.................................‬‬

‫الحمد ل‪ ،‬والصلة والسلم على سائر رسل ال‪،،،‬‬


‫ح َمةً وَ َهيّئْ َلنَا مِنْ َأ ْم ِرنَا َرشَدًا}‬
‫ك رَ ْ‬
‫{ َربّنَا آتِنَا مِن لّدُن َ‬
‫(سورة الكهف‪ ،‬آية‪)10:‬‬

‫القسم الوّل‬
‫في فقه الزمة‬
‫الفصل الوّل‪ :‬في النهوض التائه؟‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الردّة الكبرى (ردّة عن منهج الدين العاقل)‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أزمة شباب مصر (ما بين إسلميين بل عقل‪ ،‬ونخبة بل حياء)‪.‬‬

‫الفصل الوّل‬

‫في أزمة النهوض التائه؟‬

‫المبحث الوّل‪:‬‬

‫في النهوض الرائد‪..‬‬

‫‪ )1‬الحضور الكبير للمعضل السياسيّ‬

‫نحواً مقن قرنيقن ونحقن نعالج فقي شرقنقا العربقي المسقلم مقا تمّق الصقطلح على‬
‫تسقميته بالنهضقة المعاصقرة‪ ،‬والحقّق أنّق مقا نراه اليوم فقي الواققع الذي يعيشقه العرب‬
‫والمسقلمون فقي كقل مسقتويات حياتهقم يقبين أنّق هناك شيئاً مقا نققل هذه المسقيرة إلى‬
‫حيث لم تكن حقيقية‪ ،‬وأ نّ هناك ما شغل هذه المنطقة عن نهضة حقيقيّة كان عليها‬
‫‪4‬‬
‫أن تنطلق مقن مقدمات الباء المؤسقسين‪ ،‬وأن تتجقه وجهقة ج ّد مختلفقة عقن مقا نراه‬
‫اليوم‪.‬‬

‫الملحقظ لبدايات مرحلة السقتيقاظ أو النهوض يجقد أنّهقا تمتعقت برسقوخٍ شاملٍ‬
‫واسقتعدادٍ جامعٍق لدى الرواد الوائل الذيقن لم يجدوا مشكلة حقيقيّة فقي اسقتقبال طرح‬
‫الخققر الحضاري وإحداث انسققجام بينققه وبيققن السققس الفكريّقة والثقافيّقة التراثيّقة‬
‫لحضارتهقققم المسقققلمة‪ ،‬فبدت تلك الجديلة بيقققن القديقققم والحديقققث‪ ،‬بيقققن الموروث‪،‬‬
‫والمستقدَم‪ ،‬أمراً جديراً بالتقدير عبر تلك الطريقة الناجعة والفريدة التي قادها الباء‬
‫المجددون‪ :‬الطهطاوي والفغاني وعبده ومن عاصرهم‪.‬‬

‫واضقح أنّق المسقتقدَم الحضاري الذي رغقب الباء فقي اسقتقدامه مقن الغرب كان‬
‫متمثّل بالسقاس فقي إعجابهقم بالنموذج السقياسي للحركقة الحضاريّة الغربيّة التقي‬
‫كانت التجربة الديمقراطيّة قد بدأت تتر سّخ فيها على نحو ظاهر‪ ،‬كما أ نّ متحصلت‬
‫النهوض التقني والعلمي كانت قد آتت أكلها عندها على النحو المعروف‪.‬‬

‫ل شكّق أنّق مظاهقر النهوض الحضاري الغربقي علميّا وتقنيّا وسقياسيّا ققد حازت‬
‫على أعجاب الباء المؤسسين‪ ،‬كما ل يعزب أن تكون منظومة القيم التي أفرزت هذا‬
‫النموذج ققد لفتقت هقي الخرى انتباه آباء النهضقة‪ ،‬وحظيقت على إعجابهقم‪ ،‬وهقو ل‬
‫ش كّ إعجاب مستَحقّ مع معلوميّة أ نّ الباء كانوا جديرين بمعرفة ما يتلءم من هذه‬
‫القيم مع الهويّة الوطنيّة وما ل يتلءم معها‪ ،‬وعليه رجحوا قيم الثقافة الديمقراطيّة‪،‬‬
‫ورحّبوا بها‪ ،‬واعتبروا أنّها متلقية مع قيم السلم السياسيّة‪.‬‬

‫أخذت المسقألة السقياسيّة إذن واجهقة الصقدارة فقي الجهقد النهضوي العربقي‪ ،‬كمقا‬
‫أخذت الجانب البرز من إحداث العصف الذهني والحركي؛ وهو أمر متفهّم نظراً لما‬
‫مثلتقه المسقألة على طول التاريقخ العربقي (السقلمي) مقن مشكقل حضاري ربمقا كان‬
‫هو المتسبب الساس لحالة التدهور التي أصابت حضارة المسلمين‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ظ أ نّ آباء النهضة وجدوا في الممارسة الديمقراطية حل سحرياً لمشكل‬
‫والملح ٌ‬
‫الجتماع السققياسي النسققاني بعموم‪ ،‬كمققا وجدوا فيهققا ضالّة حكيققم يبحققث عققن حلّ‬
‫ل ْزمَتِه الخاصققة؛ إذ كانوا يدركون أنّه باسققتثناء صققدر السققلم لم يرتققح المسققلمون‬
‫بشكقل معتقبر على أسقلوب سقياسي يديرون بقه حياتهقم‪ ،‬كمقا لم يسقتطع فلسقفتهم أن‬
‫يقدّموا طروحاً فقي السقياسة تسقاوي أو تقارب مقا تقدموا بقه مقن طروح حضاريقة فقي‬
‫غيرها من الميادين‪ ،‬مع أنّه يسهل القول إنّ السياسة (النظام الجتماعي‪-‬الدولة) هي‬
‫أمّ الحركة الحضارية للمم‪ ،‬والحاضن الساس لها‪.‬‬

‫لست في حاجة إلى التذكير بأنّ ما أقصد إليه هنا من تدني حالة البحث السياسي‬
‫عنقد المسقلمين ليقس مقصقوداً بقه عدم وجود محاولت للتنظيقر السقياسي؛ وإنّمقا الذي‬
‫أقصققد إليققه هققو أنّه لم يتوفققر مناخ‪ ،‬ول ترتبققت مدرسققة فققي هذا الشأن تقوم عليققه‬
‫تنظيرًا وتفكيراً ودراسقة كمقا توفقر لغيره مقن حقول البحقث كالتشريقع والدب واللغقة‬
‫والتفسير‪...‬الخ‪ .‬كما ينبغي أن نعترف بأ نّ ما واجه هؤلء المفكرين من عقبات كان‬
‫من شأنه أن يسبب مثل هذه العرقلة‪ ،‬فليس المر هنا أمر إشارة لقصور بقدر ما هو‬
‫إشارة لواقع كان موجوداً بغض النظر عن مسبباته‪.‬‬

‫ومع أنّه توفرت محاولت لبحث الشأن السياسي والتنظير لجتماع سياسي مميز‬
‫يحمل الهويّة السلمية‪ ،‬لعلّ من أهمّها جهود المام ابن خلدون‪ .‬فمع ذلك فقد أشار‬
‫المفكر الكبير الدكتور عبد الرحمن بدوي إلى ما يعدّ مثاراً للشكال في طريقة تفكير‬
‫عبقد الرحمقن بقن خلدون إذ أثبقت المجدد الكقبير أنّق ابقن خلدون (رحمقه ال) كان ققد‬
‫اطلع بالتأكيد على ما كتبه اليونانيون في الشأن السياسي ومع ذلك فقد أعرض عنه‬
‫بجملتقه مقتصقراً فقي أداء مهمتقه على التجارب السقياسية فقي تاريقخ المسقلمين فققط‪،‬‬
‫ممّا أدى إلى إصابة تناوله للنظريّة السياسية بقصور كبير‪ .‬ومع أنّ المفكر الكبير قد‬
‫اعتذر عقن الرجقل بأنّه لم يكقن يشغقل باله بالتنظيقر ققد مقا انشغقل بالتطقبيق العملي إذ‬
‫كان سقياسياّ عاملً فقي ميدان السقياسية إل أنّق إغفال شطقر يعقد مقن أهقم مقا ورثتقه‬

‫‪6‬‬
‫النسانية في التنظير والتطبيق السياسيين لهو ممّا يؤسف له ول يمكن التماس عذر‬
‫مقبول له ولو بافتراض الهتمام بمسقققائل التطقققبيق السقققياسي إذ التراث اليونانقققي‬
‫والرومانقي لم يكونقا نظرييقن فققط؟ فأمّا النحصقار والنحسقار بحدود العالم السقلمي‬
‫فقي التفكيقر السقياسي أو حتّى غيقر السقياسي فهقي فكرة مرضيّة ل يجوز السقكوت‬
‫عنهقا‪ ،‬وهقي مقن المسقائل التقي تجاوزهقا آباء النهوض ببراعقة شديدة وتجرّد كقبير‬
‫خالصقين مقن تلك العققد التقي سقببّت إشكاليات مركزيّة فقي الذهقن المسقلم وققد وجدنقا‬
‫الباء يحاولون بلون مققن التبسققط دونمققا تعقيققد أو تقعّرقق إثبات وجود تشابققه بيققن‬
‫"الديمقراطيقة" والمفهوم السقلمي للشورى‪ ،‬كمقا سَق َعوْا فقي مواجهقة أزمقة الحكقم‬
‫الخانقققة والفسققاد والسققلوك المسققتبد للحكام فققي العالم السققلمي إلى تققبرير اقتباس‬
‫جوانققب مققن النموذج الغربققي اعتققبروا قدرتهققا على إخراج المجتمعات العربيققة مققن‬
‫أزمتها السياسية‪.‬‬

‫ولسققت بحاجققة للمرة الثانيققة لن أقرر أنققّ هؤلء الرواد ابتداء مققن الطهطاوي‬
‫مروراً بخيقر الديقن التونسقي وانتهاء برشيقد رضقا لم يكونوا يواجهون تلك الهواجقس‬
‫ن أو‬
‫المرضيّة من حيث الخوف من أن يكونوا باقتباسهم من الغرب إنّما يضعون الدي ِ‬
‫جزءٍ منقه موضقع اتهام أو شبهقة أو يسقتهدف تغييره أو تبديله‪ ،‬وهقي ذات الهواجقس‬
‫المرضيّة المسقئولة عقن تلك التصقرّفات العجيبقة التقي أدّت إلى عمليّة تجاهقل الشطقر‬
‫الكبر من التراث البشري قبل السلم‪ ،‬ومعاداة الشطر الكبر من المعطى الحضاري‬
‫الغربقي منقذ التقاء المسقلمين بقه مطالع عصقر النهوض وإلى اليوم‪ ،‬والتقي جعلت مقن‬
‫المتّصلين باليونان وعلومهم قديماً أو بالغربيين ونهضتهم حديثاً محط اتهام دائم من‬
‫قبققل أولئك المتوقفيققن مققن أصققحاب الذهققن المريققض بالخوف على الديققن وكأنقّ آيققة‬
‫الحفظ ما أنزلت وكأنّ الدين لون من الكحول سهل الطيران إلى هذا الحدّ؟!‬

‫لقد كان سعي الباء يستهدف تجديداً في فهم الدين وطرائق تطبيقه وعلى قاعدة‬
‫الخوف هذه أجهققد الباء أنفسققهم فققي محاولت السققتناد إلى علماء مجدديققن قدامققى‬

‫‪7‬‬
‫ومحدثيققن لتققبرير القتباس مققن الغرب على اعتبار أن الحكمققة ضالة المؤمققن‪ ،‬وأن‬
‫"الدين" إنما جاء لتحقيق مصالح العباد‪ ،‬وأنه حيث كانت المصلحة فثم شرع ال(‪.)1‬‬
‫وهقو جهقد مشكور رائد وإن كنّا بحاجقة لوضقع قاعدة قاطعقة تسقمح بالنطلق وراء‬
‫كلّ ما من شأنه تحقيق المصلحة العامّة دونما حاجة لنشاء مشافي وابتكار علجات‬
‫لمرضى فوبيا اللحاد كلّما كان أمامنا جديد نريد الفادة منه؟‬

‫أول من أثار حواراً حول الفكرة الديمقراطية في العالم العربي هو الشيخ رفاعة‬
‫الطهطاوي(‪ ،)1873-1801‬الذي كان لويقققققس عوض يطلق عليقققققه لققققققب أبقققققو‬
‫الديمقراطيقة المصقرية(‪ ،)2‬والذي مقا إن عاد إلى القاهرة حتقى ألّف فقي عام ‪1834‬م‬
‫كتابقه "تخليقص البريقز إلى تلخيقص باريقز" الذي دوّن فيقه مشاهداتقه حول عاداتِق‬
‫ومسقالك أهقل فرنسقا(‪ ،)3‬وكال فيقه المديقح للنظام الديمقراطقي الذي نشقأ فيهقا ووصقف‬
‫مشاعره تجاه انتفاض المقققة الفرنسقققية للدفاع عقققن الديمقراطيقققة مقققن خلل ثورة‬
‫‪1830‬م ضد الملك تشارل العاشر(‪.)4‬‬
‫‪)(1‬هذه الفقرة وما يليها من اقتباسات من مقولت المجددين‪ ،‬يراجع فيها‪ :‬المقدمة النظريّة لموقع المعهد‬
‫العالمي للفكر السياسي السلمي بلندن ‪ .http://www.ii-pt.com/web/introduction.htm‬ومقالة‬
‫د‪ .‬مهنّد مبيضين‪ ،‬لماذا أخفقت التوفيقيّة السلميّة‪ ،‬موقع صحيفة الغد الردنيّة‪25/11/2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪.http://www.alghad.jo/?news=58718‬‬
‫‪)(2‬د‪.‬أحمد صدقي الدجاني "تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث" ورقة ضمن كتاب أزمة‬
‫الديمقراطية في الوطن العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1987‬م‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪)(3‬ألبرت حوراني "الفكر العربي في العصر الليبرالي" (النسحة النجليزية) كامبردج‪1991 ،‬م‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪)(4‬تراجع كتب تاريخ القانون‪ ،‬ومقدمة جستنيان لمدونته في القانون الروماني‪ .‬ويراجع‪ :‬كتابنا "عولمة‬
‫الشريعة"(قيد النهاء)‪ .‬والحقّ أنّ العلقة بين الشرع السلمي والقانون الطبيعي قد شكلت محور جدل‬
‫طويل ضاعت ثماره حين تحوّل بعيدا عن قواعد البحث‪ ،‬وأدوات النظر المحترمة‪ ،‬وقد بيّنت في رسالتي‬
‫للدكتوراه عن "السلطة التشريعية في السلم" كيف أنّ الدراسات التي كان ينبغي عليها أن تتّجه ناحية‬
‫البحث في مهمّة إيجاد تصوّر مسلم لمسألة توصيف التشريع السياسي وتحديد العلقة بينه وبين الفقه‪،‬‬
‫ومسألة تحديد ماهية السلطة التشريعية‪ ،‬وتوزيع السلطات قد ارتدّت إلى البحث في الخلفة وشروط‬
‫المجتهد‪ ،‬كما لو أنّ المثير الساس للموضوع وهو التحامنا بالحضارة والديمقراطيات الغربية لم يكن له‬
‫أيّ وجود‪ ،‬ولست أعرف كيف يمكن قبول هذا أو حتّى تبريره؟‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حرص الطهطاوي فقققي كتابقققه هذا على إثبات أن النظام الديمقراطقققي الذي كان‬
‫شهده فقي فرنسقا ينسقجم انسقجاما تاماً مقع تعاليقم السقلمي ومبادئه‪ .‬كمقا التفقت إلى‬
‫أنّه ليقس ثمّة كقبير فرق بيقن مبادئ الشّرع السقلمي وبيقن مبادئ القانون الطقبيعي‬
‫التي كانت نتاجا أوروبيا سابقاً على السلم وعلى بعثة النبي محمّد ‪-‬صلّى ال عليه‬
‫وسقلّم‪ -‬بدأه اليونانيون تأسقيساً على أنّق هناك خالقاً للكون وضقع له نظاماً قائماً على‬
‫ن كلّ ما وافق العدل أو روحه فإنّما هو موافق للطبيعة التي فطر ال عليها‬
‫العدل وأ ّ‬
‫الكون والمخلوقات‪ ،‬وعلى كلّ الشعوب أن تتبعققه فققي قوانينهققا وقضائهققا‪ .‬وهققو كلم‬
‫نحن اليوم في أمس الحاجة لللتفات إليه(‪.)1‬‬

‫تأسققيسا على هذا الكتشاف الذي اكتشفققه الطهطاوي‪ ,‬فإن رؤيققة الرجققل كانققت‬
‫تحتقم دراسقة كافّة العلوم التقي انتهجهقا العققل البشري باعتبارهقا ميراثاً رائدًا يمكّن‬
‫النّاس مقن العيقش المشترك ومقن القتراب مقن القيقم المشتركقة وربّمقا طريق ًا أيسقر‬
‫للتعرف إلى معتققد مشترك‪ ،‬ولم يكقن مقن الممكقن أن يقبقل الطهطاوي بعقد هذا فكرةَ‬
‫المصقادرة الوليقة على النتاج الفكري البشري مقن قاعدة أنّه إنتاج غيقر مسقلم؛ لن‬
‫السلم في رأيه‪ ":‬ل يتعارض مع علوم العقل"‪.‬‬

‫فقي ذات التوقيقت تقريباً وعلى ذات النّسقق الفكري‪ ،‬كان "خيقر الديقن التونسقي (‬
‫‪1899-1810‬م)" يضققع عام ‪1827‬م خطةً شاملةً للصققلح ضمّنهققا كتابققه "أقوم‬
‫المسقالك فقي تقويقم الممالك"‪ .‬منبهاً إلى خطورة رفقض تجارب المقم الخرى انطلقاً‬
‫مقققن الظقققن الخاطقققئ بأنقققه ينبغقققي نبقققذ كقققل الكتابات أو الختراعات أو التجارب أو‬
‫التصرفات الناشئة عن غير المسلمين‪ ،‬منطلقاً في دعوته الصلحية هذه من قاعدة‬
‫مفادها‪ ":‬أ نّ كل ما يؤول إلى خير المّة من توسيع لحدود المعرفة وتوفير للشروط‬

‫يراجع للتفصيل كتابنا‪ :‬السلطة المدنيّة في السلم(تحت الطبع)‪ .‬ويراجع‪ :‬ألبرت حوراني‪ ،‬الفكر‬ ‫‪)(1‬‬

‫العربي في العصر الليبرالي‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪9‬‬
‫الكفيلة بازدهارهقا المدنقي إنّمقا هقو ممّا يتوافقق مقع السقلم ومقاصقده‪ .‬وققد طالب‬
‫التونسي بإنهاء الحكم المطلق المضطهد للشعوب والمدمر للحضارات(‪.)1‬‬

‫كمققا لفققت جمال الديققن الفغانققي (‪ )1897-1838‬بعققد َتقَصققّ لسققباب انحطاط‬


‫المسققلمين إلى أن مرجققع ذلك النحطاط إنّمققا هققو غياب العدل والشورى وعدم تقيققد‬
‫الحكومققة بالدسققتور؛ ولذلك فقققد رفققع لواء المطالبققة بأن يعاد للشعققب حققق ممارسققة‬
‫دوره السقققياسي والجتماعقققي عقققبر المشاركقققة فقققي الحكقققم مقققن خلل الشورى‬
‫والنتخابات(‪.)2‬‬

‫وقد سار على نهقج الفغاني تلميذه محمقد عبده (‪ )1905-1849‬الذي رأى أنّق‬
‫أهقم تحقد يواجقه المقة السقلمية هقو نظرتهقا إلى العلققة بيقن السقلم والعصقر‪ .‬وققد‬
‫وجققد الشيققخ محمققد عبده أن الطريققق لبلوغ المجتمققع السققلمي هدفققه هققو‪":‬عدم‬
‫الرجوع إلى الماضققي وتوقيققف مجرى التطور‪ ،‬بققل العتراض بالحاجققة إلى التغييققر‬
‫وربْطقه بمبادئ السقلم"‪ ،‬ولذلك كانقت إحدى غائيات الشيقخ‪ ،‬أن يظهقر التوافقق بيقن‬
‫السلم والفكر الحديقث وأن يُظهقر كيقف تنقلب المصقلحة إلى المنطق‪ ،‬والشورى إلى‬
‫الديمقراطيققة البرلمانيقة‪ ،‬وان يؤكققد على أن السققلم كنظام هقو أمققر مرادف للمدنيّة‬
‫الحديثة(‪.)3‬‬

‫في ذات حقبة العظماء‪ ،‬تألق نجم عبد الرحمن الكواكبي (‪1903-1849‬م) الذي‬
‫ألف كتابيقن حول هذه القضايقا‪ ،‬الول بعنوان "طبائع السقتبداد" والخقر بعنوان "أم‬
‫القرى"‪ ،‬متصقوراً فقي الخيقر حواراً بيقن عددٍ مقن المفكريقن المسقلمين مقن مختلف‬
‫الدول جمعهقم فقي موسقم الحقج مؤتمرٌ عُققد لتبادل الرأي حول أسقباب انحطاط المقة‪،‬‬

‫‪)(1‬د‪ .‬أحمد صدقي الدجاني‪ ،‬تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث" ورقة ضمن كتاب أزمة‬
‫الديمقراطية في الوطن العربي‪ ،‬ص ‪.123-121‬‬
‫‪)(2‬د‪ .‬رفعت سيد أحمد "الدين والدولة والثورة"‪ ،‬الدار الشرقية‪ ،‬القاهرة‪1989 ،‬م‪ ،‬ص ‪.47-44‬‬
‫‪)(3‬د‪ .‬مهنّد مبيضين‪ ،‬لماذا أخفقت التوفيقيّة السلميّة‪ ،‬موقع صحيفة الغد الردنيّة‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪25/11/2005‬م‪.http://www.alghad.jo/?news=58718 .‬‬

‫‪10‬‬
‫وقققد كان مققن أبرز الفكار التققي حرص الكواكققبي على طرحهققا مققا جاء على لسققان‬
‫البليققغ القدسققي‪ ،‬مققن قوله‪ُ " :‬يخَيّقل إليّق أن سققبب الفتور هققو تحول نوع السققياسة‬
‫السققلمية‪ ،‬حيققث كانققت نيابيققة اشتراكيققة‪ ،‬فصققارت بعققد الراشديققن بسققبب تمادي‬
‫المحاربات الداخليقة مَ َلكِيّة مقيدة بقواعقد الشرع السقاسية‪ ،‬ثقم صقارت أشبقه بعقد ذلك‬
‫بالملَكيّة المطلقققة"‪ ،‬ومققا جاء على لسققان الرومققي(التركققي)‪" :‬إن البليققة أننققا فقدنققا‬
‫الحرية"‪ .‬ويخلص الكواكبي في النهاية إلى أن التقدم مرتبط بالمحاسبة بينما التخلف‬
‫مرتبط بالستبداد(‪.)1‬‬

‫وقد لفت الشيخ رشيد رضا (‪ )1935-1856‬إلى أن سبب تخلف المة يكمن في‬
‫أن المسقلمين فقدوا حقيققة دينهقم‪ ..‬إذ السقلم الحقيققي –فقي وجهقة نظره‪ -‬يقوم على‬
‫أمريقن‪ :‬الول‪ :‬القرار بوحدانيقة ال‪ ،‬وهذا هقو المقر العقدي‪ ،‬أو أصقول الديقن التقي‬
‫تضيقع حقيققة الديقن بضياعهقا‪ ،‬والثانقي‪ :‬الشورى فقي شؤون الدولة‪ ،‬وهذا هقو المقر‬
‫الدنيوي الذي عنقي السقلم بقه‪ .‬والملحقظ أنّق السقلم أدخقل نفسقه فقي المقر الدنيوي‬
‫على نحقو ملحوظ‪ ،‬مؤسقساً فكرتقه السقاسية فيقه على فكرتقه العقديقة‪ ،‬وأنّه ل مطاع‬
‫مطلق ًا ول معبود إل ال‪ ،‬وبالتالي فليس من حق أيّة حكومة أرضية أن تدعي لنفسها‬
‫على النّاس حقّق الطاعقة العمياء‪ ،‬ول مقن حقق المحكوميقن أن يسقلموا ذلك لهقا بحجقة‬
‫السقتضعاف فقي الرض‪ ،‬كمقا أنّه مقن غيقر المتاح لهذه الحكومقة أن تدّعقي انتسقابها‬
‫ل‪ ،‬ول أن تنطققق باسققمه؛ لنقّ ال واحققد ل شريققك له ول ولد‪ ،‬وقققد أرسققل رسققوله‬
‫وأنزل كتابقه مخاطباً النّاس جميعاً وليقس للمؤمنيقن بقه فققط‪ ،‬فضلً عقن الحكومات؟!‬
‫وقققد اعتققبر رضققا أن الحكام المسققتبدين حاولوا حمققل المسققلمين على نسققيان المققر‬
‫الثانقي‪( :‬أي الشورى وسقيادة المّة) بتشجيعهقم على التخلي عقن المقر الول (الفهقم‬

‫‪)(1‬ينظر‪ :‬عبد الرحمن الكواكبي "أم القرى"‪ ،‬دار الشروق العربي‪ ،‬بيروت‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الصقحيح لعقيدة الديقن الثائر المخلّص)(‪ )1‬مؤكداً أن أعظقم درس يمكقن أن يُفيده أهقل‬
‫الشرق من الوروبيين هو معرفة ما يجب أن تكون عليه الحكومة(‪.)2‬‬

‫فترى أنّه وعلى هذه القاعدة مقن الفهقم الدقيقق أخذت المسقألة السقياسية مكانهقا‬
‫فقي المشروع النهضوي‪ ،‬وترتقب على هذا ثورة أخرى للصقلحيين تمثلت فقي إرادة‬
‫التأسيس للنهوض العربي من ذات الباب الذي تأسست عليه نهضة الغربيين‪ :‬وهو‪:‬‬
‫"ثورة الصلح الديني"؟‪.‬‬

‫‪ )2‬التعويل على مسألة الصلح الديني‬

‫الفرق الجامقع المانقع بيقن الصقلح الدينقي الذي قصقد إليقه آباء النهوض وبيقن‬
‫ذلك الذي دعا إليه "مارتن لوثر" هو ذلك الفرق القائم والمعروف بين طبيعة كلّ من‬
‫الدين والمؤسسة الدينية في كلّ من العالمين السلمي والغربي‪ ،‬ومن دون تفاصيل‬
‫فإنقّ طبيعققة كل الشأنيققن عندنققا كمققا وطبيعققة التكويققن الفكري الدينققي لدى المجتمققع‬
‫السلمي الذي ل يعترف بالكهانة (وجود وسيط بين ال وبين خلقه) لم تكن لتسمح‬
‫بقبروز حالة كنسقيّة عندنقا كتلك التقي ظهرت فقي أوربقا مقا قبقل النهضقة‪ ،‬وإن كانقت‬
‫سقمحت بفعقل القهقر والسقتبداد السقياسي والتخلّف الحضاري إلى أن تجقد المؤسقسة‬
‫السياسيّة الحاكمة (ذات الطابع العسكريّ) عندنا سبيلً للتوصّل إلى لون من استغلل‬
‫المؤسقستين الدينيقة والكاديميقة أو الضغقط عليهمقا إن بالسقيف أو الذهقب باتجاه عدم‬
‫اعتماد بحوث وإرشادات ومناهققققققج نظققققققر تؤثققققققر اجتماعيّا وفكريّا على الوضاع‬
‫السققياسيّة القائمققة‪ ،‬ومققن ضمققن ذلك الدفققع باتجاه شغققل النّاس بالفروع والحكام‬
‫القانونية للدين على أبسط أفعالهم‪ ،‬بدلً من انشغالهم بمحاسبة الحكّام عن فظائعهم؟‬

‫‪)(1‬ألبرت حوراني‪ ،‬الفكر العربي في العصر الليبرالي ص ‪.228‬‬


‫‪)(2‬د‪ .‬أحمد صدقي الدجاني‪ ،‬تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث" ورقة ضمن كتاب أزمة‬
‫الديمقراطية في الوطن العربي‪ ،‬ص ‪.125-124‬‬

‫‪12‬‬
‫وقققد بدا فققي أوائل النهوض أنققّ أصققحاب نظرة الصقققالة السققلمية مققن آباء‬
‫النهوض وقققد تبنّوا الكثيققر مققن الطروحات المعاصققرة حول الديمقراطيققة‪ ،‬وحقوق‬
‫النسققان والتعدديققة السققياسية والدسققتورية‪ ،‬وغيرهققا مققن الطروحات المتداخلة مققع‬
‫مفاهيقم المجتمقع المدنقي والحريات السقياسية العامقة واعتقبروا أنهقا ل تتعارض مقع‬
‫أساسيات الدين‪ ،‬إنّما كانوا يعيدون قراءة النصوص الدينية (القرآن‪-‬السنّة) بالطريقة‬
‫"العُمريّة" ل بطريقة عصور النحطاط الحضاري‪.‬‬

‫ن أصحاب هذا التجاه لم يكونوا ليستطيعوا الحصول على دعم كبير من‬
‫طبيعيّ أ ّ‬
‫المدرسة التقليدية التي كانت تتأسس مفهوماتها على قواعد النظر التي كانت تركّز‬
‫على موضوع الواجبات الدينيقققة على النسقققان‪ ،‬فيمقققا كان هذا التجاه يركقققز على‬
‫موضوع الحقوق والمنافع الساسية المترتبة للنسان بواقع الوجود في هذه الحياة‪،‬‬
‫وأ نّ تفسير الدين إنّما ينبغي أن يكون باعتبارات حقوق النسان ل باعتبارات حقوق‬
‫ال‪ ،‬إذ فقي الحقيققة أنّه ل يمكقن وضقع هذه فقي قبالة تلك‪ ،‬كمقا أنّق مقن غيقر الجائز‬
‫اعتبار أنّق الرشادات الدينيقة التقي َلفَت ال النسقان إليهقا بمقا فيهقا تلك المسقائل التقي‬
‫تمقّ التعارف عليهقا باعتبارهقا تكليفات أو عبادات ل يمكقن أن تقرأ على قاعدة الجقبر‬
‫واللزام بقدر مقا ينبغقي أن تُقرأ على قاعدة الرشاد الذي روعيقت فيقه منافقع النسقان‬
‫ومصققالحه بالصققالة‪ ،‬فليققس هناك تكليققف ل علّة له‪ ،‬كمققا أنّه ل تكليققف معلّل بغيققر‬
‫المصقلحة النسقانيّة التقي ل يسقوغ ابتداع مصقلحة ل فقي قبالتهقا! وققد كان الفغانقي‬
‫يلفققت إلى أن‪ ":‬أعمال النسققان ليسققت فققي خدمققة ال وحسققب‪ ،‬بققل فققي خلق مدنيققة‬
‫إنسانية مزدهرة في كل نواحي الحياة"‪ .‬وقد كان السلم برأي الفغاني إيمانٌ عاقل‪،‬‬
‫جوهره العقلنية الحديثة"‬

‫والواقققققع أنققققّ دعاة النهوض بهذا الطار كانوا يقتربون كثيراً مققققن الطروحات‬
‫السققياسية والعلميّقة الغربيققة المناديققة بسققيادة المنهققج العلمققي‪ ،‬وبحقوق النسققان‪،‬‬
‫واعتبار ذلك نقطة مركزية ينبغي أن تتمحور حولها النظم والتشريعات في الجتماع‬

‫‪13‬‬
‫السقياسي الحديقث ذي الطابقع الديمقراطقي‪ ،‬ومقا لبثقت هذه الدعايقة أن انتشرت خارج‬
‫سقياق قلب العالم السقلمي(مصقر)‪ ،‬فققد امتدت إلى غيرهقا مقن القطار العربيقة‪ ،‬كمقا‬
‫كما آمن بها أعداد من القيادات السلمية والمراجع الفقهية السنّيّة والشيعية في كل‬
‫مقن إيران وتركيقا تبنّتق كلّهقا أطروحات التمثيقل النيابقي‪ ،‬والتقييقد الدسقتوري لنظام‬
‫الحكم‪ ،‬واليمان بالحقوق الساسية للفراد والمجتمعات؟‪.‬‬

‫كان "الفغاني" قد درس النهضة الوربية‪ ،‬ورأى أ نّ شرارتها إنّما بدأت بحركة‬
‫الصقلح الدينقي التقي قام بهقا "مارتقن لوثقر"‪ ،‬وثبقت لدى الرجقل أنّق القوّة السقحريّة‬
‫التقي سقببت انطلققة كافّة الحضارات إنّمقا هقي "إصقلح" لعمليقة فهقم الديقن ولعمليقة‬
‫التعاطي معه‪ ،‬ذلك الصلح الذي ما إن يبدأ في مجتمع من المجتمعات حتّى يؤسس‬
‫لحركة حضاريّة واعدة‪ .‬وقد اعتبر الفغاني أن جملة مظاهر القوة والتقدم الموجودة‬
‫فقي الغرب إنمقا هقي أثقر مقن آثار حركقة الصقلح التقي قادهقا "مارتقن لوثقر" والتقي‬
‫أثمرت أول ما أثمرت حرية العقل من سطوة الجمود الديني(‪..)1‬‬

‫كان الفغاني يعتقد أن الشرق بحاجة إلى حركة دينية هو الخر تحرّره من ذات‬
‫سققطوة الجمود التققي عانققى منهققا الغرب دينيّا‪ ،‬كمققا أنّه بحاجققة إلى حركققة إصققلح‬
‫سقياسيّة تعالج ذات العبقث السقياسي الذي فارققه الغربيون تفيقد مقن القيقم الحضاريّة‬
‫الوربيّة(‪ .)2‬وفقي حوار للفغانقي مقع "عبقد القادر المغربقي" سقأله فيقه "عبقد القادر‬
‫عن معنى ما يقصده "بالحركة الدينية" أجاب بأنّه كما استفادت أمم "أوربا" بحركة‬

‫‪)(1‬يراجع في هذه الفقرة وفي الفقرتين بعدها‪ :‬مقال د‪ .‬منصور الجمري‪ ،‬التجاهات السياسية‪-‬الفكرية في‬
‫الوسط السلمي‪ -‬موقع بلغ‪http://www.balagh.com/mosoa/fekr/071cl68g.htm .‬‬
‫‪)(2‬وقد استفاد دعاة الصلح الديني المسلمون من مقولت عصر النوار"الوربي"‪ ،‬الذي اعتبره البعض‬
‫نتيجة من نتائج تأثير السلم في الغرب‪" :‬يمكن القول إن هناك علقة وطيدة بين فلسفة التنوير وبين‬
‫السلم‪ ،‬وأن السلم كان سببا من أسباب نشأتها‪ ،‬وشكل أحد روافدها التاريخية‪ .‬يدل على ذلك كثرة‬
‫إحالة فلسفة عصر النوار إلى السلم‪ ،‬باعتباره نموذج الدين المستنير"‪[ .‬يراجع‪ :‬د‪.‬حسن حنفي‪ ،‬مقدمة‬
‫كتاب ‪ :‬ليسنج‪ :‬تربية الجنس البشري‪ " ،‬التنوير‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.]56‬‬

‫‪14‬‬
‫"لوثيروس" الدينية‪ ،‬وإصلحه تعاليم الديانة المسيحية‪ ،‬كذلك نحن معشر المسلمين‬
‫يجب علينا أن نستفيد من حركة دينية نقوم بها‪ ،‬ويكون من أثرها إصلح تعاليمنا‪،‬‬
‫وتحسقين حالة اجتماعنقا‪ .")1(..‬والظاهقر بشكقل جليّق أنّق الرجقل كان يقوم بذات العمقل‬
‫باعتباره "لوثر" الشرق‪..‬‬

‫وقققد ذهبققت مدرسققة الفغانققي شوط ًا بعيداً فققي هجومهققا على النماط التقليديققة‬
‫للمؤسققسة الدينيققة عندنققا والتققي اعتبروهققا المسققئول السققاس عققن حالة النحطاط‬
‫الفكري العام الذي أصقاب المسقلمين عامّة‪ ،‬ويلفقت محمقد عبده " فقي سقجاله الشهيقر‬
‫مع " هانوتو"(‪ )2‬إلى أ نّ المسلمين لم يعودوا ‪-‬بمؤسستهم الدينية التقليدية‪ -‬ممثلين‬
‫للسلم الصحيح‪ ،‬السلم الذي هو دين العلم والعقل‪ ،‬ويكرر محمد عبده "لهانوتو"‬
‫مقا سقبق وصقدم بقه الفغانقي المؤسقسة التقليديقة بقوله‪" :‬إن عقلء الفرنقج يتدبرون‬
‫آداب القرآن وتعاليمه العالية‪ ،‬ويحكمون بأنه خير قانون لصلح البشر‪ ،‬ويهمّون أن‬
‫يسقققلموا‪ ،‬ثقققم ينظرون مقققن خلل القرآن إلى المقققم السقققلمية المنتشرة فققي آسقققيا‬
‫وإفريقيقا‪ ،‬فيرونهقا مقن أحقط المقم شأنقا‪ ،‬وأشدهقا ابتعاداً عقن روح الديقن والمدنيقة‪،‬‬
‫وممارسققة الفضيلة‪ ،‬فينفرون مققن السققلم‪ ،‬وينظرون إلى القرآن كالمرتابيققن فيققه‪..‬‬
‫وهكذا يدعوهم القرآن للسلم‪ ،‬وينهاهم المسلمون عنه؟ فالواجب علينا إذاً قبل كل‬
‫شيء‪ ،‬أن نثبت للوربيين أننا غير مسلمين‪ ،‬وبهذه الصورة‪ ،‬يمكننا أن نجذبهم إلى‬
‫السلم‪ ،‬ونحسّن اعتقادهم فيه(‪)3‬؟‍‍"‬

‫ك أ نّ هذا التوجّه من الفغاني ومدرسته وهذا اللون من القراءة للسلم لم‬


‫لش ّ‬
‫يكن ليروق التقليديين وربّما استنهض لديهم دافعيّة الذود عن "الدين" في قبالة ذلك‬
‫الغواء العقلنققي الذي تمارسققه المدرسققة التجديديققة؟ ولعلّ هذا مققا دفققع بالمؤسققسة‬

‫عبد القادر المغربي‪ ":‬البينات في الدين والدب والجتماع والتاريخ"‪ ،‬والنص موجود في‪ :‬محمد كامل‬ ‫‪)(1‬‬

‫الخطيب‪ :‬الصلح والنهضة‪ ،‬ج ‪.1/371‬‬


‫‪)(2‬وزير خارجية فرنسا حينها‪.‬‬
‫محمد كامل الخطيب‪ :‬الصلح والنهضة‪.1/372 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫‪15‬‬
‫التقليدية ل إلى عدم الوقوف وراء ما كان يدعو إليه الفغاني وعبده‪ ،‬بل إلى معاداة‬
‫الرجليقن‪ .‬ولعقل هذا مقا دفعهقا بعدهمقا لخقذ مواققف صقارمة جداً مقن كقل طرح يقترب‬
‫مقن هذه الناحيقة مقن القراءة ممّا أدّى إلى إحداث حالة مقن الشرخ فقي العلققة بيقن‬
‫الصقل والمسقتحدث‪ ،‬وتدعيقم سقوء الفهقم بيقن دعاة الحداثقة وبيقن أصقولهم ممّا مكّن‬
‫لوجود المشكلة الكبرى في تاريخ حركقة النهضقة العربيقة المعاصرة؛ حيث لم تتمكن‬
‫مقن أن تجقد بعقد الشيخيقن مقن يقوم على رعايتهقا بهذا القدر مقن التسقاع وعلى هذا‬
‫القدر من الصالة اللّذين بدأت بهما على عهد المؤسسين‪ ،‬ومما يؤسف له أنّه وفي‬
‫الوقققت الذي وُوجققه فيققه تلمذة المدرسققة مققن دعاة النهوض بهجوم أصققحاب الفكققر‬
‫المنغلق‪ ،‬تطرّفوا هققم أنفسققهم وأوغلوا فققي التعاطققي مققع السققتغراب الحضاري بعيداً‬
‫عققن الموروث المحدّد للشخصقيّة القوميّة‪ ،‬وبغيققر مققا قدرة على مواجهققة اسققتحقاق‬
‫التأصقيل النهضوي‪ ،‬ممّا جعلهقم يقعون فقي فخّق التغريقد خارج السقرب‪ ،‬وفقدان الثققة‬
‫مقن العامّة‪ ،‬وبالتالي خطيئة ترك الخيريقن بيقد المنغلقيقن؟ ومقن غيقر المسقتبعد أن‬
‫يكون تطرّف الجيال اللحققة مقن هذه المدرسقة وإيغالهقا فقي السقتغراب كان السقبب‬
‫الصقيل فقي اسقتنهاض ردّة "أصقوليّة" وجدت بغيتهقا فقي هذا التطرّف‪ ،‬فتطرّفقت هقي‬
‫الخرى فققي معاداة كلّ مظاهققر التحضيققر السققياسي والنهضوي‪ ،‬ومعاندة كلّ مظاهققر‬
‫القابليّة للتواصل مع الخر الحضاري‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬

‫إلى أين نتجه؟‪..‬‬

‫‪ )1‬إلى حسم القراءة‪:‬‬

‫أشد ما هو مطلوب منا اليوم أن نقف موقفَ جزمٍ قاطع ما بين قراءتين للسلم‪،‬‬
‫بَدَتَا في مطالع النهوض كما لو أ نّ أولهما قراءة الراسخ المؤسس‪ ،‬وظهرت الثانية‬
‫بمظهققر المعيققق المدمّر‪ ،‬لنقول بقطققع‪ :‬أنقّ هاتيققن القراءتيققن اللتيققن أشرف عليهمققا‬
‫عصققر النهضققة ‪-‬وهمققا قراءتان قديمتان جداً فققي التعاطققي مققع السققلم‪ -‬إنّمققا همققا‬
‫قراءتان تقضققي ضرورة الظرف القائم وتقضققي تجربققة النهوض‪ ،‬وتجربققة التاريققخ‬
‫العربقي السقلمي الطويقل بعدم إمكانيّة تعايشهمقا معاً‪ ،‬وأنّه إذا كان معامقل التفرققة‬
‫القديم‪ ،‬في مجال النظر العقلي ومدى سعته‪ ،‬هو بين أصحاب العقل وأصحاب النصّ‪،‬‬
‫وإذا كانقققت النظرة الملزمقققة لهذا العامقققل هقققي دوماً فقققي محاولة التوفيقققق النظري‬
‫للخروج بنظرة يتقارب فيها العقل والنقل؟! فعامل تفرقة اليوم ينبغي أن يكون جازماً‬
‫وحاسقققما بيقققن العقلء وبيقققن المجانيقققن‪ ،‬ونحقققن ل نقبقققل أبداً أن يكون مصقققطلح‬
‫"المجانيقن" مرادف ًا أو دالّ على "النقص" فالنصّق خطاب للعقلء فققط‪ .‬وحتّى يكون‬
‫طرحنا واضحاً فإنّ ضابط العقل عندنا هو ما كان عليه الباء المؤسسون للنهضة‪.‬‬

‫ونعتقد بيقين أ نّ نظرة الباء للسلم إنّما تأسست على نظرة الصحاب رضوان‬
‫ال تعالى عليهققم الذيققن توافقوا مققع كافّقة معطيات التطور والتزموا إعمال العقققل‪،‬‬
‫والمنطقق‪ ،‬بقل إلى تحكيمهمقا والسقتناد إليهمقا‪ ،‬ألم يجمعوا القرآن تحقت دعوى أنّه‬
‫"هققو وال خيققر"؟(‪ )1‬أي‪ :‬أن قّ المصققلحة وقواعققد المنطققق قاضيققة بهذا الجمققع؟ ألم‬

‫‪)(1‬البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب جمع القرآن‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫يقاتلوا مانعي الزكاة تأسيساً على "شرح صدر الصديق(‪ ")2‬أ ّ‬
‫ي أنّ جملة ما توفر من‬
‫معطيات قاضية بدعم القرار الذي اطمأنّ إليه واتخذه؟‬

‫إنّق الغالبيقة مقن المسقلمين ‪-‬وبفعقل الخطاب غير المؤهقل للنخبقة الدينيقة منقذ بدأت‬
‫عصققور النحطاط‪ -‬ل يفهمون السققلم ول يتعاطون معققه إل على قاعدة أنّقه قانون‬
‫يلزم على المؤمنيققن النصققياع إلى بنوده وتطققبيقه بحذافيره الدقيقققة‪ ،‬ول يعتققبرون‬
‫التديقن إلّ ذلك النوع مقن التسققليم بالوامققر والمتناع عقن النواهقي‪ ،‬واللتزام بحكققم‬
‫الشريعة‪ .‬وعلى هذا ل يصبح السلم رسالة يجب على المؤمنين بها استلهام الوحي‬
‫من معانيها العامة‪ ،‬وإنما منظومة من الوامر والنواهي على المخاطبين بها تنفيذها‬
‫وحسب‪ ،‬وعليه فلم يعد محلّ اهتمام النخبة مسألة حسن وسوء فهم الدين‪ ،‬بقدر ما‬
‫عاد المطروح مسقألة مقا إذا كنقت مقصقّرا فقي أداء الواجقب مقن عدمقه؟ وهقو مقا أتاح‬
‫للرسقوم والشكليات أن تأخقذ مكانهقا مزيحقة العققل والروح مقن حسقابات التديّن؟ وهقو‬
‫ارتداد ‪-‬ل شك‪ -‬إلى ما قبل الوحي المنزل على محمد صلى ال عليه وسلم؟‬

‫إنققّ النجاز الكققبر لباء النهضققة هققو إعادة الفاعليّقة للقراءة الصققيلة للديققن‪،‬‬
‫واعتماد منظومقة فكريّة مضادة لهذا الفهقم الذي يواجقه السقلم ويلغيقه مقن التاريقخ‬
‫بالكامقل‪ ،‬إنّق أخطقر سقمات السقلم الذي آمقن بقه الباء‪ ،‬وكانقت الدعوة إليقه والتركيقز‬
‫عليققه‪ ،‬سققمة الديققن الثائر المحرّر‪ ،‬فققي مواجهققة فكرة "الديققن" –ومققا هققو بديققن‪-‬‬
‫المسقتعبِد المسقتذِل‪ ،‬الذي ل كقبير فرق فقي تصقوّرات الداعيقن إليقه بيقن "الله" وبيقن‬
‫أيّ متكبر أرضي ل يريد من محكوميه غير الطاعة العمياء‪ .‬لقد ركز أصحاب القراءة‬
‫الفاسدة للدين على معنى الستسلم ُم ْغفِلين ‪-‬عن عمد أو جهل‪ -‬معنى السلم‪ ،‬الذي‬
‫ل يمكققن للنسققان أن يحياه وهققو يحيققا حياة الفصققام بيققن عقله الذي هققو المكوّن‬

‫‪)(2‬يُراجع‪ :‬محي الدين النووي‪ ،‬شرح مسلم‪ 1/200 ،‬وما بعدها‪ .‬وينظر‪ :‬الخطّابي‪ ،‬معالم السنن‪ ،‬وهو‬
‫شرح سنن المام أبي داود‪ ،‬المكتبة العلميّة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1401(2‬هـ=‪1981‬م) ‪ 2/3‬وما بعدها‪ .‬وينظر‪:‬‬
‫الشوكاني‪ ،‬نيل الوطار‪ ،‬من أحاديث سيّد الخيار‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬مج ‪-4/119 ،2‬‬
‫‪ .121‬ويراجع‪ :‬الماوردي‪ ،‬الحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪.58-57‬‬

‫‪18‬‬
‫السقاس لذاتقه‪ ،‬والمعلل السقاس لوجوده ولدوره على الرض‪ ،‬وبيقن جهقد دائب مقن‬
‫ن والنس‬
‫أجل طمس هذا العقل؟ ولئن كان تأويل الية‪" :‬وما خلقت الج ّ‬
‫إل ليعبدون" معناه أنّه ليس مطلوباً من النسان سوى أن يكون محض التعبد‪،‬‬
‫أي أن يُحدث الطاعقة للمعبود فيمقا أمقر بقه إيمان ًا وإسقلماً مقن دون الحاجقة إلى سقند‬
‫عقليققّ‪ ،‬ول التوققققف فقققي تنفيقققذ هذه الطاعقققة على إدراك العلل‪ ،‬فلعمري لم كرّم ال‬
‫النسققان بالعقققل‪ ،‬ولم امتلت آيات كتابققه بمطالبققة هذا الخيققر بإعمال هذه اللطيفققة‬
‫واتباع هداها؟ لقد احتج الملئكة على خلق النسان بأنّهم أكثر منه إسلماً‪ ،‬وعبادة‪،‬‬
‫وطاعة ‪-‬وهم في كلّ ذلك محقّون‪ -‬فحاجّهم ال تعالى بعلم النسان –عقله‪ .-‬وقد ذكر‬
‫ال فقي كتابقه العزيقز تلك المانقة التقي أبقت السقماوات والرض والجبال أن يحملنهقا‪.‬‬
‫فهل أبَيْن حمل الطاعة والستسلم وهن ل يفعلن سواها؟ هذا لون من القراءة ينبغي‬
‫حسمه‪ ،‬وإل فلن نخلص من أزمتنا بحال‪.‬‬

‫‪ )2‬حسم التوجّه‬

‫أوجدت حالة التطرّف والتطرّف المضاد مقققن قبقققل الناهضيقققن والتقليدييقققن حالة‬
‫غريبققة تمثّلت فققي بروز تيارات أخذت على عاتقهققا مهمّقة الدفاع عققن الصققلحية‬
‫السقياسيّة والحضاريّة للسقلم‪ ،‬ولسقباب كثيرة وققع عبقء هذا الدفاع –المتصقوّر‪-‬‬
‫عن "صلحية السلم" على عاتق جماعات خارج حدود الزهر الشريف‪ ،‬مما أفقد‬
‫هذه الدفاعات أحقد أبرز مقوّمات سقلمتها وهقو قيام فقيقه مسقتبصر بشأن رعايتهقا‪،‬‬
‫كمقققا أنقّق تحوّل هذه الحركات إلى الطار الحزبيققّ فقققي حركتهقققا منعهقققا بعدُ مقققن أن‬
‫تسقققتجيب لضرورة اللتصقققاق بفقيقققه مرشقققد‪ ،‬نزولً على الضرورات التقققي تمليهقققا‬
‫الحزبيّة مقن دعقم لقيادات حزبيقة بغضّق النظقر عقن تقدّمهقا الفكري أو الفقهقي‪ ،‬وزاد‬
‫الطيققن بلّة أن قّ هذه الحركات قنعققت بأن قّ مققن مهامهققا السققعي نحققو اسققتعادة الوحدة‬
‫السقياسيّة للمسقلمين‪ ،‬وهقي التقي لم تكقن أبداً مؤهلة ل على القيام على شأن الرشاد‬
‫الدينقققي‪ ،‬ول على القيام بالعبقققء السقققياسي؟ وصقققار الحال إلى أنّنقققا نمتلك مدرسقققة‬

‫‪19‬‬
‫نهضويّة ل تؤمن بتراثها ول بشعوبها‪ ،‬ومدرسة حركيّة ذات صبغة دينيّة ل تعترف‬
‫بحدودهقا‪ ،‬ول تلتزم بتخصقصاتها‪ ،‬وعلى هذا اختلط الحابقل بالنّابقل وليقس مسقتغرباً‬
‫والحال هذه أن يضيققع زهاء القرن فققي عبققث فققي التوجّه كان مققن الواجققب اللتفات‬
‫لسبابه منذ بدايته؟!!‪.‬‬

‫لقد كانقت الزمقة وما تزال حضاريّة بالمعنى الحرف يّ للكلمقة‪ ،‬ولم يكن هناك ثمّة‬
‫غياب للسققلم ول حاجققة لترف إعادتققه‪ ،‬إنققّ المسققألة برمّتهققا أزمققة فكققر‪ ،‬ومأزق‬
‫حضارة‪ .‬أمّا السقلم فهقو حيّ فاعقل دوماً فقي ضميقر الجماعقة السقلميّة(مسقلمين‬
‫وغيقر مسقلمين)‪ ،‬ولم يكقن بحاجقة يوماً لجماعات تعمقل كقي تؤكّد على صقلحيته أو‬
‫على اسقتعادته مقن غيبتقه؟!! إذ هذا كلم قبيقح قبقل أن يكون مغفّل‪ ،‬فصقلحية القيقم‬
‫السلميّة هي من ركائز العقل الجمعي للمّة‪ ،‬وهذه الجماعات التي آمنت به عقيدة‬
‫(من المسلمين) أو قيماً (من المسلمين وغير المسلمين) وحافظت عليه في إطار أمّة‬
‫واحدة‪ ،‬والتقي عاندت كلّ ظروف التغييقب وكلّ حروب البادة ليقس جزاؤهقا اليوم أن‬
‫تواجقه بحفنقة مقن "المغفّليقن" يتهمونهقا بتضييقع العقيدة‪ ،‬أو تغييقب القيقم الحضاريّة‬
‫للدين؟‬

‫المسألة رأساً‪ ،‬وحتّى نحسم توجّهنا اليوم هي مسألة إصلح سياسي‪ ،‬إلى جانب‬
‫إصقلح ضروري للتعاطقي مقع الديقن بمقا هقو مكون أسقاس للوجدان العام‪ ،‬وهقو عيقن‬
‫ما توجّه إليه الفغاني الذي دعا إلى إصلح الفكر الديني‪ ،‬لكنه في السياسة أنشأ أو‬
‫سقاهمت جهوده فقي إنشاء مقا أطلق عليقه‪" :‬الحزب الوطنقي" وهقو تجمّع للناشطيقن‬
‫والمفكريقن المتّجهيقن بالصقالة لمعالجقة الهمقّ السقياسي وهمّق السقتقلل ولم ينشقئ‬
‫"جماعة الخوان المسلمين"؟ لقد كان الوّل اتجاهاً للنهوض المنصب الهتمام على‬
‫إصقلح المعضقل السقاس فقي حياة النّاس ‪-‬كلّ النّاس‪ -‬وهقو المعضقل السقياسي وققد‬
‫تضمّن من ضمن ما تضمّن من أفكار هذا الصلح فكرة الجامعة السلميّة‪ ،‬وهي ل‬
‫شكّ فكرة محترمة من جهة أنّها ضمير الجماعات السلميّة التي تمثّل دولً في شتّى‬

‫‪20‬‬
‫أرجاء المشرق‪ ،‬بيد أ نّ طريق الفغاني كان محدداً وواضح المعالم جامعه‪" :‬النضال‬
‫السياسي" بكلّ صوره‪ ،‬ومع أنّنا سمعنا منه حديثاً ذا شجون عن ضرورة "الصلح‬
‫الديني" فإنّنا لم نسمع دعاية ""عودة السلم" إذ ل يمكن أن يستتبع ذلك إل سؤالً‬
‫سققاخراً‪ :‬مققن أيققن؟(‪ .)1‬ولعلّك لو أقمققت لحظققة لتلحققظ الفرق بيققن العنوانيققن وبيققن‬
‫الغايتين لستبان لك البون الشاسع ما بين التوجهين والفكار الحاكمة في كلّ حال؟‪.‬‬

‫إنّنقا فقي أمقس الحاجقة لن نأخقذ مكاننقا فقي الركقب الحضاري العالمقي بضرورة‬
‫حضارية وبواجب قيميّ تمليه علينا رسالتنا الحضاريّة التي هي رسالة القيم ورسالة‬
‫انتظام علققة السقماء بالرض وصقلح النسقانيّة مقع ربّهقا‪ .‬هذه الرسقالة الحضاريّة‬
‫جديرة بأن تجعلنققا نواصققل جهادنققا مققن أجققل مجاوزة التغييققب‪ ،‬والبعاد عققن حلبققة‬
‫التنافقس الحضاريقّ‪ .‬ول مجال فقي كلّ هذا لسقتحضار أزمقة متعلّققة بعقيدة المّة إذ‬
‫المّة التي تعود اليوم لملء الفراغ الحضاريّ هي ذاتها تلك المّة التي حفظت رسالة‬
‫القيقم‪ ،‬والتقي مقا تزال وهقي فقي أردأ حالتهقا الحضاريّة عاضّة على هذه المكتسقبات‬
‫النسانيّة‪ ،‬بل متقدّمة بوعيها الجمعي على نخبها الفكريّة والدينية على السواء بما‬
‫يدلّ على أن قّ نهوض المّقة مققن كبوتهققا أمققر مفروغ منققه شريطققة أن تتخلّص مققن‬
‫معيقيهقا‪ ،‬وأن تتعلّم مقن وسقائل السقاسة ومقن دروس الصقراع مقا يجعلهقا تفيقق مقن‬
‫غفلتها الحضاريّة للقيام بواجباتها نحو النسانيّة‪ .‬إ نّ علينا أ نّ ندرك أ نّ سقوطنا أو‬
‫اسقتمرار سققوطنا إنّمقا هقو سققوط للقيقم الحضاريقة النسقانيّة الكقبرى‪ .‬عامديقن فقي‬
‫تقديققم رسققالة القيققم هذه إلى تقديققم السققلم باعتباره قِ َيمٌاً وتراثٌاً حضاريّا للنسققانيّة‬
‫كلّهققا‪ ،‬ل على أنّقه "صققهيونيّة مسققلمة" ترفققع الشعققب المسققلم فوق كلّ الشعوب‪،‬‬
‫وتحتكر له السيادة على النّاس في الدنيا قبل الخرة؟!!‬

‫إنققّ لدينققا ميراثاً ضخماً مققن القبول الحضاري للسققلم علينققا أن نتجاوب معققه‬
‫ويكفقي هنقا أن أعرض لمقا ذكره "الميقر تشارلز" فقي كلمتقه التقي ألقاهقا فقي جامعقة‬

‫‪)(1‬من المهم أن يراجع‪" :‬شكيب أرسلن"‪« ،‬لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟»‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫أكسققفورد فققي شهققر أكتوبر مققن العام ‪1993‬م حيققث يقول‪" :‬وكثيرة هققي السققمات‬
‫ل مقتبسقة مقن أسقبانيا المسقلمة‪:‬‬
‫واللمسقات التقي تعتقز بهقا أوربقا الحاليقة التقي هقي فع ً‬
‫الدبلوماسقية والتجارة الحرة والحدود المفتوحقة وأسقاليب البحقث الكاديميقة فقي علم‬
‫أصقل النسقان‪ ،‬والتيكيقت والزياء والدويقة البديلة والمسقتشفيات‪ .‬فكقل هذه وصقلتنا‬
‫مقققن هذه المدنيقققة العظيمقققة‪ .‬وكان السقققلم فقققي القرون الوسقققطى معروفاً بالحلم‬
‫والتسقامح عندمقا كان يسقمح لليهود والمسقيحيين بممارسقة شعائرهقم الدينيقة‪ ،‬واضعاً‬
‫ذلك مثالً‪ ،‬لم يتعلمقه الغرب لسقوء الحقظ لعدة قرون‪ ..‬إن السقلم جزء مقن ماضينقا‬
‫وحاضرنقا فقي جميقع مياديقن الجهقد البشري‪ .‬لققد سقاعد السقلم على تكويقن أوربقا‬
‫ل بعيداً عنا"‪.‬‬
‫المعاصرة فهو جزء من تراثنا‪ ،‬وليس شيئ ًا مستق ً‬

‫ن منظومة القيم التي علينا كأمّة عبء‬


‫لست بحاجة في النهاية إلى أن ألفت إلى أ ّ‬
‫توصيلها للعالمين إنّما يقع عبء توصيلها على عاتقنا كأمّة متكاملة ل فرق في حمل‬
‫الرسققالة بيققن مسققيحيّ ومسققلم لن قّ الجميققع مديققن لهذه القيققم مُربّى عليهققا صققالح‬
‫لبلغهقا‪ ،‬والمّة لم تكقن أبداً أمّة مسقلمين بقل النكتقة الصقيلة فقي قيمهقا الحضاريّة‬
‫التقي عليهقا عبقء توصقيلها للنّاس أن ل تلتفتوا فقي اجتماعكقم ول فقي سقعيكم نحقو‬
‫خيقر البشقر إلى العقائد فهقي شأن خاصّق ل يجوز لحقد كائناً مقن كان أن يحشقر أنفقه‬
‫فيقه‪ ،‬وإنّمقا يقتصقر الحوار حوله فقي اللحوار اليجابقي أي التأثيقر مقن دون صقخب‪،‬‬
‫على هذا دارت حضارة المسقلمين‪ ،‬وهذه نكتتهقا‪ ،‬وهقي فقي ذات الوققت رسقالتها فقي‬
‫احترام الخرين وفي حسن دعوتهم بالحكمة قبل الموعظة الحسنة؟‬

‫كما ل أراني بحاجة أن ألفت إلى أنّ النهوض إنّما هو مشروع خاصّ تملك المّة‬
‫جميع حقوق إنتاجه‪ ،‬فجديلة رجال النهوض التي تشتمل على الكثير من الفادات من‬
‫الغرب وتجاربققه‪ ،‬ليققس مققن المسققتساغ ول مققن المقبول أن توسققم بأنّهققا "علمانيّة‬
‫عربيّة" أو "علمانيّة مؤمنقة"‪ ،‬إذ العلمانيّة فقي الحقيققة هقي أصقل المشروع الغربقي‬
‫الذي وضقع حدّا لذلك العبقث السقياسي والدينقي الذي كان موجوداً فقي الغرب‪ ،‬ومكّن‬

‫‪22‬‬
‫للغربييققن مققن النطلق نحققو صققناعة الحضارة المعاصققرة‪ ،‬إل أنققّ العلمانيّقة تبقققى‬
‫مشروعاً غربياً‪ ،‬أمقا ذلك النسقج الذي ابتدعقه الباء ممّا نملكقه وممّا أبدعقه غيرنقا‪،‬‬
‫فإنققّ المانققة تلزمنققا بأنققّ نسققمّي مشروعهققم باسققمه الخاص والمسققتحقّ(مشروع‬
‫النهوض العربققي)‪ .‬ولعققل السققتنتاج الذي توصققل إليققه محمّقد عابققد الجابري حول‬
‫القتباس الخاطقئ لمسقألة العلمانيقة –فقي كتابقه‪ :‬فقي نققد الحاجقة إلى الصقلح‪ -‬مقن‬
‫شأنه أن يشكل مدخلً منهجياً إلى قراءة هذه المسألة؛ إذ يقول‪ :‬لقد طرحت العلمانية‬
‫في العالم العربي‪ ،‬في القرنين الماضيين‪ ،‬طرحاً مزيفاً‪ ،‬أريد منه التعبير عن حاجات‬
‫معينقة بمضاميقن غيقر متطابققة مقع تلك الحاجات‪ ،‬فالحاجقة إلى السقتقلل فقي إطار‬
‫هوية قومية واحدة‪ ،‬والحاجة إلى الديمقراطية التي تحترم حقوق القليات‪ ،‬والحاجة‬
‫إلى الممارسقققة العقلنيقققة للسقققياسة‪ ،‬هقققي حاجات موضوعيقققة فعل‪ ،‬ولكنهقققا تفققققد‬
‫معقوليتهقا ومشروعيتهقا عندمقا يعقبر عنهقا بشعار ملتبقس كالعلمانيقة‪ .‬مقن أجقل ذلك‬
‫دعقا الجابري إلى ضرورة اسقتبعاد هذا الشعار مقن قاموس الفكقر العربقي وتعويضقه‬
‫بشعاري "الديمقراطيققة" و"العقلنيققة" اللذيققن يعققبران بشكققل متطابققق عققن حاجات‬
‫المجتمع العربي(‪.)1‬‬

‫‪)(1‬يراجع مقال‪" :‬في نقد الحاجة إلى الصلح لمحمد عابد الجابري‪..‬الديموقراطية والعقلنية بدلً من‬
‫العلمانية" منشور على موقع الحركة المصريّة من أجل التغيير "كفاية"‪ ،‬بتاريخ ‪01/11/2005‬م‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫الردّة الكبرى‬
‫(ردّة عن منهج الدين العاقل)‬

‫"إذا كان المسلمون فرقوا بين غزوتي بدر الكبرى والصغرى بواقع الخطر‬

‫المترتب على كلّ‪ ،‬فنحن اليوم نفرّق بين ردّتين قد ل تشتملن على كفر بالضرورة‪،‬‬

‫ل منهما تشتمل على ما يسوّغ للعقلء نعت أصحابها بالسم السوأ (مرتدين)‬
‫لكنّ ك ً‬

‫لنّهم فعلوا الفعل الكثر سوءا‪ ،‬وعلى ذات القاعدة البدرية نفرّق بين الخطرين‬

‫المترتّبين على ك ّل من الردّتين‪ ،‬فما بين مانعي الزكاة وبين مانعي اعتبار العقل فرق‬

‫في التأثير والخطر يحتّم نعت الخيرة بالكبرى؛ لنّ ردّة مانعي الزكاة لم تزد على‬

‫كونها تهديدا –وإن كان كبيرا جدّا‪ -‬لسيادة الدولة‪ ،‬فيما جاوزت الثانية لتعمد إلى‬

‫تقويض الدين في ظلل إطار خفيّ أسوأ ما فيه أنّه متستّر بلباس الورع والتقوى؟"‪..‬‬

‫عن العقلنية‪..‬‬

‫حين تمعن النظر في الحياة النسانية بعمومها تستطيع أن ترى الطائفة العظمى‬
‫من أبناء المجتمع النساني ‪-‬وهم من يطلق عليهم العوام‪ -‬تميل ناحية إراحة ذهنها‪.‬‬
‫وهقو وضقع عام فقي سقائر الجماعات البشريّة‪ ،‬وإن تفاوتقت الطوائف البشريّة فقي‬
‫درجة المزاج الذي به تميل به العامّة عندها إلى هذه الناحية من التفكير‪.‬‬

‫إعادة قراءة لما كتبه الفيلسوف الكبير د‪ .‬زكى نجيب محمود‪ ،‬في كتابه "تجديد الفكر العربي" نشر دار‬ ‫‪)(1‬‬

‫الشروق‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مقا تحكقم بقه قواطقع القراءة يؤكقد أنّق إراحقة العققل مادّة جذب قوي لك ّل العامّة‪،‬‬
‫ولدعقم السقاسة كلّ السقاسة‪ ،‬فقي مختلف البيئات والعصقور؟ وهقي محلّ نققد ك ّل ألوان‬
‫الصققلح الدينققي والمدنققي على حدّ سققواء‪ ،‬والتراث السققلمي ممتلئ بالدللة على‬
‫ه‬
‫عو ُ‬ ‫فأَطَا ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ُ‬
‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫خ َّ‬
‫ف َ‬ ‫ست َ َ‬‫فا ْ‬ ‫تسفيه هذا المزاج والنعي على أصحابه(‪َ { ،)1‬‬

‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫ن َ‬‫قْرآ َ‬‫ن ال ْ ُ‬‫فل َ يَتَدَبَُّرو َ‬‫ن}(‪{ .)2‬أ َ َ‬‫قي َ‬
‫س ِ‬
‫فا ِ‬‫ما َ‬
‫و ً‬ ‫م كَانُوا َ‬
‫ق ْ‬ ‫إِن َّ ُ‬
‫ه ْ‬
‫فا كَثِيًرا}(‪ .)3‬هنققا‬
‫ختِل ََ ً‬
‫ها ْ‬ ‫جدُوا ْ ِ‬
‫في َِ‬ ‫ه لَ َ‬
‫و َ‬ ‫ر الل َّ ِ‬ ‫د َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫عن ِ‬
‫ن ِ‬
‫م َْ‬ ‫كَا ََ‬
‫ن ِ‬
‫ينبغقي أن نذكّر بقول "أبقي العلء المعرى" الذي يشيقر إلى أنّق إراحقة العققل طبيعقة‬
‫مفطورة فققي الناس‪ ،‬فإذا أنققت قسققرتهم على خلف ذلك فإنّهققم سققرعان مققا سققيفكون‬
‫القيقد ويرتدون إلى مقا جُبلوا عليقه‪ ،‬يقول المعرّي‪" :‬ولكقن أيقن مقن يصقبر على أحكام‬
‫العققل‪ ،‬أو يصققل فهمقه أبلغ صققل؟! هيهات! عدم ذلك فقي مقن تطلع عليقة الشمقس‪..‬‬
‫إل أن يشذ رجل في المم"‪.‬‬

‫ل يعيققي الراصققد ملحظققة ذلك الرتباط القوي بيققن منهققج إراحققة العقققل وبيققن‬
‫الوجدان الجمعقي للعوام فالجماهيقر منقذ أزل التاريقخ المعروف مفتونقة بالغيقب دون‬
‫الشهادة‪ ،‬بالباطقن دون الظاهقر بالخفاء دون العلن‪ ،‬بالضمار والرمقز دون الفصقاح‬
‫وصقراحة التعقبير‪ ،‬فإذا مقا وجَدَتْق المسقتور المحجوب مالت بدورهقا معقه وهقي فقي‬
‫حالة من السقكر والنّشوة غريبتين‪ ،‬خصقوص ًا عوامّق الشرق الذين يسقعدهم ويرضيهقم‬
‫أن يكون وراء الظواهقر الثقيلة على الروح حقائق تخفقى على البصقار‪ ،‬كمقا تمتعهقم‬
‫أحاديققث الخوارق بمققا ل تقترب منققه ول تلتقققي معققه أحاديققث الضوابققط‪ .‬فالجماهيققر‬
‫الشرقيّة تجتاحهقا بيسقر موجات اللعقلنيقة الهيمانيقة‪ ،‬وهقي تنفقر فقي عمومهقا ممقن‬
‫يحاول إزالتها وتميل مع من يزيدها في نفسها رسوخاً‪ ،‬فالجماهير الشرقية دراويش‬
‫بالوراثة‪ ،‬ول عجب أن تروج فيهم الخرافات والكرامات والخوارق بأسرع من رؤية‬
‫‪)(1‬يراجع مقالنا‪ :‬التصور السلمي للتطور السياسي والعقلي للنسانية‪.‬‬
‫‪)(2‬سورة الزخرف‪ ،‬آية‪.)54( :‬‬
‫‪)(3‬سورة النساء‪ ،‬آية‪.)82( :‬‬

‫‪25‬‬
‫البرق إذا لمققع‪ ..‬فالناس فققي هذه المنطقققة مققن الرض وعلى امتداد الزمققن تقريبققا‬
‫تهولهقققم الفجوة الفاصقققلة بيقققن ظاهقققر العالم وباطنقققه‪ ،‬بيقققن المخلوقات وخالقهقققا‪،‬‬
‫ويتشوفون إلى طريقق يعقبرون عليقه تلك الفجوة مسقتدبرين الظاهقر‪ ،‬ومقبليقن على‬
‫الخفي الباطن‪ .‬مَ ْيلٌ ملغز يشد النّاس إلى الغيب المجهول يريدون أن يصلوا إليه في‬
‫خفائه كارهين أن يعوق فكرهم ِث َقلُ القوانين؟‬

‫العقل العربي‪..‬‬

‫حيقن يذكقر الشرق والغرب ينبغقي أن يترسقّخ فقي مخيلتنقا أنّنقا بالصقالة "عرب"‬
‫أي أنّنقا وسقط مقن ك ّل وجقه أردت‪ ..‬فإذا ذكرت الجغرافيقا فنحقن وسقط مقا بيقن المقم‪،‬‬
‫وإن ذكرت الطبقع والميقل فذلك‪ ،‬وإذا ذكرت العقلنيقة‪ ،‬فهقي مقا أريقد‪ ..‬فنحقن أصقحاب‬
‫ن وجداننا يحكمه العقل‪ ،‬وراجع إذا شئت علمة وجداننا‬
‫وجدان كما عامّة الشرق لك ّ‬
‫وهققو الشعققر‪ ،‬سققترى حكيماً يروّح عققن ذهنققه باللفققظ الطرِب‪ ،‬ونحققن عقلنيون كمققا‬
‫الغربيين‪ ،‬لكنّ عقلنيتنا منظمة غير منطلقة في الفراغ‪.‬‬

‫اتفققق العرب مقع اليونان على أنقّ صققورة الكمال النسققاني تتمثّل فقي "العقققل"‪،‬‬
‫و"العقققل" عندهققم جميعاً هققو مققا يقابققل "الهوى"‪ ،‬أي‪ :‬مققا ل يتعدد حكمققه بتعدد‬
‫الشخاص أو بتعدد النزوات عنقد الشخقص الواحقد‪ .‬مثال ذلك قولهقم‪" :‬نصقف العشرة‬
‫خمسققة"‪ ،‬فهذه مسققألة ل يمكققن تعدد الجابققة عليهققا بتعدد العقلء أو بتعدد النزوات‬
‫عنقد عاققل واحقد‪ .‬أمّا "الهوى" فيتعدد حكمقه بتعدد الشخاص‪ ،‬وبتعدد المزجقة عنقد‬
‫الشخققص الواحققد‪ ،‬ول يؤدي نقيضققه إلى الحالة‪ ،‬مثال ذلك قولهققم‪" :‬الشروق أجمققل‬
‫من الغروب"‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫يقول‪ :‬د‪ .‬زكى نجيب محمود ‪":‬واني لزعم هاهنا بان أبرز ما كان يميز العربي‬
‫القديم في وقفته تجاه العالم من حوله هو أنه نظر إليه نظرة "عقلية""‪ .‬وينقل عن‬
‫"محمقد إقبال" قوله‪ :‬كان لبقد وان يكون "محمقد" (صقلى ال عليقه وسقلم) خاتقم‬
‫النقبياء؛ لنقه جاء يدعقو إلى تحكيقم "العققل" فيمقا يعرض للناس مقن مشكلت‪ .‬ومقا‬
‫دمت قد ركنت إلى العقل‪ ،‬فلم تعد بحاجة إلى هداية سوى ما يمليه عليك من أحكام"‪.‬‬
‫كما ينقل عن "الرازي" في "الطب الروحي" أو "طب النفوس" أن نموذج النسان‬
‫هقو مقن كان محكومقا بعقله‪ ،‬والعلة فقي هذا‪ :‬أن العققل أجلب للمنافقع الثابتقة مأمونقة‬
‫العاقبقة لنقه يزن الفعال قبقل ظهورهقا للحقس‪ ،‬ول يتبقع الشهوات المنقلبقة إلى همقّ‬
‫وغمّ‪ ،‬ول الغضب المؤدى لمثلهما‪ .‬كما ينقل عن الجاحظ قوله‪ :‬أليس العقل هو وكيل‬
‫طمُه عن أن‬
‫خِ‬‫ال عند النسان؟ وقوله‪" :‬وإنما سمي العقلُ عقلً لنه يلزم اللسان و َي ْ‬
‫يمضى‪ ..‬في سبيل الجهل والمضرة كما يخطم العقال البعير"‪.‬‬

‫أخطر ما قدّمه العرب للحضارة النسانية في ميدان التفكير والفلسفة والعقل أ نّ‬
‫مفكّريهم زيادة على كونهم قدّموا العقل –كما اليونانيين‪ -‬فإنهم ل يتصورون إمكانية‬
‫التوقف على حكمة العقل هكذا دونما أن تمتد هذه الحكمة إلى فعل يؤدى‪ .‬كما أنّهم ل‬
‫ينطلقون وراء العقققل هكذا لجققل النطلق فهققم عمليّون يسققتخدمون العقققل تنظيراً‬
‫وتطبيقاً فيما يعود بالنفع الظاهر‪ ،‬ولذا تراهم تمتلئ كتب الفقه والداب عندهم بإنكار‬
‫النشغال بما ل ينفع؟‬

‫إذن ل يكون العلم علما عند العربي إل إذا طلب منفعة وتأسس عليه عمل نافع‪.‬‬
‫‪-‬يقول د‪ .‬زكقى نجيقب محمود‪" :‬وفقى ظنقي أن هذه الضافقة جاءت لتميقز المفكقر‬
‫العربي عن سلفه اليوناني"‪ -‬ممّا يستتبع اللتفات إلى ما هو أخطر‪ ،‬وأهم‪ ،‬وهو أ نّ‬
‫العربي قّ ل يتص قوّر أخلقيّة للضميققر ل تتنزل على تحسققين للفعال فل يتص قوّر عنققد‬
‫العربي أن تصفو النية ثم يقف النسان بهذا الصفاء عند هذا الحد بل المطلوب نقل‬
‫النيقة إلى فعقل يجسقّد أخلقيقة هذه النيقة‪ ،‬فيتحوّل الفرد مقن نيتقه الصقالحة التقي تجعله‬

‫‪27‬‬
‫فردا متميزاً فقي فرديتققه إلى فاعقل إيجابقي صقالح ممّا يجعققل منققه مواطنقا نافعاً فقي‬
‫جماعته (وطنه)‪.‬‬

‫وقد وردت الثار منبّهة إلى أهميّة ونفعيّة كون الفرد صالحاً نافعاً لجماعته‪ ،‬ففي‬
‫جلٌ ِممّنْق كَانَق‬
‫الصقحيح عَنْق رَسقُو ُل الِّ صقلى ال عليقه وسقلم أنّه قال‪ « :‬حُوسِقبَ َر ُ‬
‫شىْ ٌء ِإ ّل أَنّ هُ كَا نَ ُيخَالِ طُ النّا سَ َوكَا نَ مُو سِراً َفكَا نَ يَ ْأمُرُ‬
‫قَبْ َلكُ مْ فَلَ مْ يُوجَدْ لَ هُ مِ نَ ا ْلخَيْرِ َ‬
‫جلّ‪َ :‬نحْن ُق َأحَقّق بِذَلِك قَ مِنْه قُ‬
‫غ ْلمَانَه ُق أَن قْ يَ َتجَاوَزُوا عَن قِ ا ْل ُمعْس قِرِ قَالَ‪ :‬قَا َل الُّق عَزّ َو َ‬
‫ِ‬
‫َتجَاوَزُوا عَ ْنهُ(‪.»)1‬‬

‫ن ال أمر بإهلك قرية فيها عابد من العبّاد لنّه لم يكن يغيّر‬


‫كما ورد في الثار أ ّ‬
‫شيئاً‪ ..‬فققد روى سقفيان بقن عيينقة قال‪ :‬حدثنقي سقفيان بقن سقعيد عقن مسقعر قال‪:‬‬
‫بلغنقي أن ملكقا ُأمِر أن يخسقف بقريقة فقال‪ :‬يقا رب فيهقا فلن العابقد فأوحقى ال تعالى‬
‫إليه أن به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه ِفيّ ساعةً قط(‪.)2‬‬

‫س إِ ّنكُمْ‬
‫حمِدَ الَّ َوأَثْنَى عَلَيْهِ‪ :‬يَا أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫ن َ‬ ‫وعند أبي داود(‪ )3‬أ ّ‬
‫ن أَبُا َبكْرٍ قَالَ َبعْدَ أَ ْ‬
‫م لَ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف ََ‬ ‫م أَن ْ ُ‬ ‫علَيْك َُ ْ‬
‫ضعِهَقا { َ‬ ‫ضعُونَهَقا عَلَى غَيْرِ َموَا ِ‬ ‫َتقْ َرءُون قَ هَذِه قِ ال َيةَ وَتَ َ‬
‫ض َّ‬
‫م} وإنّا سقمعنا النّبِيّ صقلى ال عليقه وسقلم‬ ‫هتَدَيْت ُ ْ‬ ‫ل إِذَا ا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضُّرك ُ ْ‬
‫يَ ُ‬
‫ك أَنْ َي ُع ّمهُمُ الُّ ِبعِقَابٍ»‪.‬‬
‫س إِذَا َرَأوُا الظّالِمَ فَلَمْ يَ ْأخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ َأوْشَ َ‬
‫يقول‪« :‬إِنّ النّا َ‬
‫وفقي روايقة‪« :‬مَا مِنْق َقوْمٍق ُي ْع َملُ فِيهِمْق بِا ْل َمعَاصقِي ثُمّ َيقْدِرُونَق عَلَى أَنْق ُيغَيّرُوا ثُمّ لَ‬
‫ك أَنْ َي ُع ّم ُهمُ الُّ مِ ْنهُ ِبعِقَابٍ»‪.‬‬
‫ُيغَيّرُوا ِإلّ يُوشِ ُ‬

‫فليس من المتصوّر عند العربي المسلم أن يكون هناك عقل في صومعة ل يبرح‬
‫مكانقه ليقوم بواجقب النفقع العام (يأمقر بالمعروف وينهقي عقن المنكقر)‪ ،‬ول يقول حقّا‬

‫‪)(1‬مسلم بشرح النووي‪ ،‬كتاب المساقاة‪ ،‬باب فضل إنظار المعسر‪.‬‬


‫‪)(2‬القرطبي‪ ،‬الجامع لحكام القرآن‪.6/237 ،‬‬
‫أبو داود‪ ،‬كتاب الملحم‪ ،‬باب المر والنهي‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫‪28‬‬
‫عنققد سققلطان جائر‪ .‬هذا أمققر غيققر متصقوّر فققي الفكققر العربققي الحققر‪ ،‬ول فققي الفكققر‬
‫السلمي الرصين‪.‬‬

‫ن العقل اسم يطلق على "فعل" من نمط ذي خصائص يمكن تحديدها وتمييزها‪.‬‬
‫إّ‬
‫و"الفعقل" نوع مقن الحركقة أو النشاط‪ .‬يقول‪ :‬د‪ .‬زكقي نجيقب‪ :‬والذي يعنينقي مقن ذلك‬
‫التحديقد هقو تلك "الحركقة" التقي أنتققل بهقا مقن مقدمقة إلى نتيجقة تترتقب عليهقا‪ .‬فهقي‬
‫أهمقّ كلمقة فقي هذا التحديققد فإذا لم يكقن ثمققة انتقال مقن خطوة إلى خطوة تتبعهقا فل‬
‫عقل؟ وبمعنى محدّد‪ :‬أنّه إذا جاءني أحد بنبأ فصدقته إيماناً فل عقل‪ ،‬وإنّما العقل أن‬
‫اختبر هذا المسموع‪.‬‬

‫حيققن نحققد العقققل بهذا التحديققد الصققارم نقول‪ :‬إن هذا مققا كان عليققه العربققي أو‬
‫المسلم القديم كلما تأمّل أو نظر‪ .‬إ نّ العربي المسلم حين رأى لغة قرآنه تجرى على‬
‫قواع َد أقلققة ألّ يجقد لهذه القواعقد مقا يعللهقا‪ ،‬على الرغقم مقن أنّق أحداً لم يطلب منقه‬
‫فعقل هذا‪ ،‬وكان مقن اليسقير عليقه أن يسقكت ول يفعقل‪ .‬ولمقن أراد البيان الناصقع فقي‬
‫هذا فعليه بكتاب "الخصائص" للمام ابن جِنّي‪ ،‬وهو واحد من أكابر أئمّة فقه اللغة‬
‫في التاريخ‪.‬‬

‫كان بيقن العرب ويونان أمقم أخرى وحضارات عديدة التققت بالحضارة اليونانيقة‬
‫إل أنّّهقا لم تفقد منهقا ولم تلتقق معهقا لقاء العرب‪ ،‬ولئن سقألت نفسقك لمَق لم تسقتجب‬
‫الهنقد مثل للمنطقق الرسقطي تلك السقتجابة التقي اسقتجابها العرب؟ فققل فقي الجواب‬
‫مققا شئت لكققن جزءاً مققن الجواب عندي هققو أن قّ وقفققة العربققي مققن المور طابعهققا‬
‫العقلنيّة‪.‬‬

‫ن كلّ التحاق بوجدان‬


‫مع ذلك فلم يهمل العرب كما أسلفنا الوجدان؛ ولم يعتبروا أ ّ‬
‫هقو لون مقن المرض‪ ،‬وعلموا أنّق المرض هقو أن يسقيطر الوجدان على العققل‪ ،‬ل أن‬
‫يتشاركقا فقي بناء شخصقية هقي فقي الصقل مصقنوعة مقن مادّة وروح‪ .‬إنّق سقيطرة‬
‫الوجدان على العققل أمقر لم تعاقره العرب مقذ كان وجدانهققم شعراً تقبرز فيقه صقورة‬
‫‪29‬‬
‫العققل على أنصقع مقا يكون‪ .‬ولئن غلبقت ثقافقة الوجدان على تراث الشرق القصقى‪،‬‬
‫وغلبت ثقافة العقل على تراث أوربا‪ ،‬فقد كان شرقنا العربي مثالً لهذا الجمع المتزن‬
‫ما بين العقل والوجدان‪ .‬ول يتمثل الجمع بين العقل والوجدان في تراث ثقافي بمثل‬
‫الوضوح الذي يتمثقل بقه فقي الثقافقة العربيقة وتراثهقا‪ .‬إنّهقا نظرة مازجقة تُلئم المزاج‬
‫العربققي واللغققة العربيققة أشققد الملءمققة‪ .‬وبحكققم هذا المزاج يزاوج العربققي مققا بيققن‬
‫السماء والرض‪ .‬ما بين الدنيا والخرة على نحو ل يستطيعه غيره‪.‬‬

‫التحوّل الكبير (حرب استمالة العوام)؟‬

‫ن العامّة في كلّ وقت يرضيها كلّ ما من شأنه أن يريحها من عناء‬


‫سبق وأثبتنا أ ّ‬
‫القوانيققن العقليّة الصققارمة جنوحاً ناحيققة الوجدان الطري قّ‪ .‬والحق قّ أن قّ الركون إلى‬
‫طراوة الوجدان ورخاوته من ضغط العقل وقسوته حين يكون صبغة أمّة أو بالحرى‬
‫صقبغة النخبقة فقي أمّة مّا فل تفسقير له إل أنّق هذه المقة ققد أصقاب عقلهقا شيقء مقن‬
‫الوهققن والضعققف؛ ذلك أنققّ الركون إلى حدس الوجدان إنّمققا يعزي أكثققر مققا يعزى‬
‫للنسققاء والطفال وصققنوف مققن الحيوان‪ ،‬فهؤلء جميعققا ل يُحسققنون ربققط السققباب‬
‫بمسقبباتها‪ ،‬ولذلك يكثقر منهقم السقلوك المفاجقئ غيقر المطرد وغيقر المتوققع‪ ،‬ممّا ققد‬
‫يؤدى إلى هلكتهقم‪ ..‬فإذا مالت جماعقة مقا لسقلوك سقبيل الطفال هاربقة مقن ثققل العققل‬
‫فقد تغلبت عليهم روح النهيار‪.‬‬

‫مشكلة تيّار العقلنققة فققي سققائر المققم أنّقه يتكوّن مققن جماعات المثقفيققن الذيققن‬
‫يهتمون بالفكرة العقليّقة ويغلب عليهققم أن يسققتمدوا أصققولها الثقافيققة مققن ينابيققع‬
‫الحضارة القائمة‪ ،‬التي غالباً ما تكون آتية من خارج بيئاتهم ممّا يسبب شعوراً لدى‬
‫العامّققة ‪-‬تؤيّده جماعات مقققن النخبقققة خائنقققة المانقققة‪ -‬بأنقققّ هنالك خرق للعراف‬
‫والعادات‪ ،‬وإبادة للتراث وللمقومات‪ ،‬ممّا يستثير فيهم حميّة الدفاع عن الهويّة التي‬
‫يختلط بهققا حينهققا كلّ مظاهققر الجهققل القائم‪ ،‬فهناك دوماً فارق فسققيح بيققن مققا ينزع‬

‫‪30‬‬
‫الناس إليقه بحكقم الطابقع أو ليثار السقلمة‪ ،‬وبيقن مقا تُنقَل الثقافةُ لتدعوهقم إليقه؛ إذ‬
‫ستظل العقلنية دائما عقلً مستعاراً من ثقافة أكثر قِدَماً تستخدمه الصفوة لتقاوم به‬
‫دروشة الكثرة الغالبة وخيانة النخبة التي ل يعنيها إل أن تُمتع الجموع وتلقى الرضا‬
‫والقبول من العامة‪ ،‬طلباً للتسويق ل للحق‪.‬‬

‫واحدة مقن أبرز إشكالت تيّار العقلنقة ولعلهقا مصقيبته الكقبرى دوماً أنّه محضقن‬
‫ملئم لجزء كققبير مققن السققاقطين الذيققن يلجئون إلى هذا التيّار كمدّعققي عقلنققه ‪-‬كمققا‬
‫يذهققب شطرهققم لتيّار المحافظيققن كمدّعققي تديّقن ومحافظققة‪ -‬بيققد أنقّق انعدام قدرة‬
‫العقلنييقن على تنقيقة صقفوفهم مقن هذه التسقاخات ممّا ل يمكقن قبوله إذ إنّهقم فقي‬
‫الصقل مسقئولون عقن إصقلح الجميقع والحقّق أنّق هذا مقا فشلت فيقه النخقب العاقلة‪،‬‬
‫وليققس بعيققد أن نسققتحضر أنقّ مققن أوعقز للمأمون بعقاب مققن ل يقولون بأنقّ القرآن‬
‫مخلوق هققو أحققد المحسققوبين على تيار العقلء فققي تاريخنققا‪ ،‬ولسققت بصققدد تسققمية‬
‫جماعقة مقن أنكقد خلق ال التحقوا بتيار العقلنقة المعاصقر الذي أسقسه آباء النهوض‪،‬‬
‫فضيعوا النهوض‪ ،‬وأساءوا إلى آبائه‪.‬‬

‫مشكلة الصقلحيين مقن أصقحاب العققل فقي التاريقخ العربقي المسقلم التقي ققد ل‬
‫يلتفقت إليهقا أحقد أنّهقم ل يُواجَهون رأسقاً مقن قبقل دعاة السقاطير ومنعدمقي العققل‪،‬‬
‫وإنّمققا تتم قّ مواجهتهققم بتيار توفيقققي هققو فققي تصققوري مققن إبداعات عصققر انحطاط‬
‫الثقافقة والفكقر العربييقن المسقلمين بامتياز‪ ،‬إذ فقي ظنّي أنّق مقن أبرز عوامقل نجاح‬
‫النهضققة الغربيققة المعاصققرة أنّهققا لم تواجققه بظهور ذلك التيّار التوفيقققي‪ ،‬فكانققت‬
‫المصارعة ندها بين تيارين في غاية التباين‪ .‬وكان الصطفاف في غاية المتياز‪ .‬أمّا‬
‫مقا حصقل عندنقا فهقو انتشار تيّار فاسقد العققل مريقض الذهقن جعقل انتماءه العقلي مقا‬
‫بيققن العقققل واللعقققل‪ ،‬على اعتبار أنّق المّة أمّة وسققط‪ ،‬مترجميققن الوسققطيّة بأنّهققا‬
‫الوقوف فقي المنتصقف مقا بيقن طرفيقن‪ ،‬مقع أنّهقا بالمفهوم الكثقر سقذاجة ل تعنقي إل‬
‫الصواب أيّا يكن موقعه‪ ،‬فأبو بكر لم يكن حين وقف موقفه من مانعي الضريبة عن‬

‫‪31‬‬
‫الدولة "بيْن بيقن" إنّمقا كان فقي غايقة التطرّف بالنسقبة لكلّ مقن حوله مقن الصقحاب‬
‫رضوان ال عليهققم مققع ذلك فقققد كان الوسققطيّة ذاتهققا‪ .‬إنقّ الوقوف العقلي مققا "بيققن‬
‫بيققن" هققو ‪-‬فوق كونققه مسققتحيلً‪ -‬ضرب مققن الهرطقققة التققي تفضققي إلى ضرب مققن‬
‫اللمعقول‪ .‬ومشكلة هذا التيّار أنّه يظلّ الكثققر تبجّحا فققي مواجهققة دعاة العقلنققة؛ إذ‬
‫فيمقا سقيخجل عديمقو العققل مقن سقذاجتهم أمام العلماء‪ ،‬سقيقف دعاة القق"بَينَق بيقن"‬
‫ببجاحة ظاهرة ليقولوا إنّهم هم الوسطيون؟‬

‫ل واحداً ل‬
‫الذي يدققق النظقر فقي الصقول الفكريّة المؤسقسة لهذا التيار يجقد أصق ً‬
‫نعرف كيققف تسققنّى لصققحابه أن يعتققبروا بققه‪ :‬هققو أصققل الخوف على الديققن مققن‬
‫التشويققه‪ ،‬وعلى العامّة مققن الكفققر‪ ،‬وكأنقّ الديققن "كحول" سققريع الطيران‪ ،‬أو كأنقّ‬
‫العامّة إنّما دخلت السلم بمحض الصدفة فما هي إل أن يذهب عنها ما أصابها من‬
‫مسّ فإذا هي تنفلت من عقالها الذي وقعت في براثنه‪.‬‬

‫لققد بحثقت فقي الحقيققة طيلة عمري الذي أعيقه عقن أصقلٍ آخقر انفلققت منقه هذه‬
‫النبتققة الخبيثققة المضللة فلم أجققد سققوى هذا الصققل الخققبيث القبيققح الوقققح‪ .‬إذ فيمققا‬
‫ن نََّزلْن ََا ال ِ‬
‫ذّكَْر‬ ‫يوص قّف ال سققبحانه هذا الديققن بأنّه محفوظ دوماً {إِن ََّا ن َ ْ‬
‫ح َُ‬
‫ن}(‪ .)1‬ويصف النبيّ صلّى ال عليه وسلّم الجماعة المسلمة‬ ‫فظُو َ‬ ‫حا ِ‬ ‫وإِنَّا ل َ ُ‬
‫ه لَ َ‬ ‫َ‬
‫بأنّهقا ل تجتمققع على ضللة‪ ،‬وأنقّ الحققّ مصقاحب للسققواد العظققم منهقا‪ ،‬فققد روى‬
‫ع َم َر أَنّ رَسُولَ الِّ صلى ال عليه وسلم قَالَ‬
‫الترمذيّ عَنْ عَبْ ِد الِّ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ ُ‬
‫علَى ضَلَ َلةٍ وَيَدُ‬
‫حمّدٍ صقلى ال عليقه وسقلم ‪َ -‬‬
‫جمَعُق ُأمّتِى ‪َ -‬أوْ قَالَ ُأ ّمةَ ُم َ‬
‫« إِنّ الَّ لَ َي ْ‬
‫عةِ َومَنْق شَذّ شَ ّذ إِلَى النّارِ(‪ .»)2‬النكقى مقن ذلك كلّه أنّنقا فيمقا نجقد أشدّ‬
‫جمَا َ‬
‫الِّ مَعَق ا ْل َ‬
‫مبغضقي "الديقن" يوصقّفونه بأنّه "أفيون الشعوب"‪ ،‬أي أنّه لمدى قوّتقه فقي نفوس‬
‫‪)(1‬سورة الحجر‪ ،‬آية‪.)9( :‬‬
‫جهِ ‪.‬‬
‫ب مِنْ َهذَا ا ْل َو ْ‬
‫حدِيثٌ غَرِي ٌ‬
‫‪)(2‬الترمذي‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب ما جاء في لزوم الجماعة‪ .‬قَالَ أَبُو عِيسَى َهذَا َ‬
‫غيْرُ‬
‫ن سُفْيَانَ َو َقدْ َروَى عَ ْنهُ أَبُو دَا ُودَ الطّيَاِلسِىّ وَأَبُو عَامِرٍ ا ْلعَ َق ِدىّ وَ َ‬
‫َوسُلَ ْيمَانُ ا ْل َمدَنِىّ ُهوَ عِ ْندِى سُلَ ْيمَانُ بْ ُ‬
‫حدٍ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلعِ ْلمِ‪..‬‬
‫وَا ِ‬

‫‪32‬‬
‫النّاس يمثّل إدماناً أدمنققت عليققه الشعوب فل تسققتطيع الفكاك منققه‪ ،‬إذا بنققا أمام تيّار‬
‫ي بكلّ سقبيل يتصقوّر "الديقن" على أنّه كحول يتطايقر؟ ويتصقوّر المّة على أنّهقا‬
‫غقب ّ‬
‫أوعيقة مثقوبقة ل تحفقظ شيئاً‪ ،‬ولك أن تمعقن النظقر فققط هنقا فقي الفرق بيقن هؤلء‬
‫الشاوس وبيقن "ماركقس" فقي الثققة بالديقن وقدرتقه؟ ولك بعقد هذا أن تكتقم تعجبقك‬
‫داخل طيات نفسك‪.‬‬

‫إ نّ المرء ليعجب من سيطرة هذا الهاجس المَرَضي من ضياع الدين مسبباً حالة‬
‫مقققن القلق الفريقققد الذي حوّل حياة المسقققلمين الفكريّقة إلى قلق دائم غمقققر حياتهقققم‬
‫وسقققيطر على أنماط تفكيرهقققم‪ ،‬فلن تجقققد تعريفاً للجماعقققة الفكريّقة التقققي سقققيطرت‬
‫بوصققفاتها السققحريّة على عقول العامّة مققن المسققلمين أشمققل مققن أنّهققا‪" :‬جماعققة‬
‫المحافظيقن ذوى التوجقس مقن كقل مقا مقن شأنقه أن يؤثقر على اسقتقرار الديقن داخقل‬
‫الجماعة المسلمة"‪.‬‬

‫مفكر بحجم الغزالي بعد أن أثبت لعلوم الحضارة –ذات الصل اليوناني‪ -‬أنّها في‬
‫غاية الهمية ولبدّ للناس من طلبها‪ ،‬وأ نّ الفقهاء قد استفادوا منها فل مجال للقول‬
‫بفسقادها مقبيناً كيقف انتفعقت الدراسقات الصقوليّة المسقلمة بالمنطقق اليونانقي‪ ،‬وذلك‬
‫واضققح فققي كتابققه "المسققتصفى" الذي قدّم له بمقدمققة لخّص فيهققا جوانققب المنطققق‬
‫السقاسية‪ .‬إذا بقه مسقايرة لحال الخوف على العقيدة والتردد حيال كلّ مقا هقو مسقتقدم‬
‫أن يكون مؤثراً بالسقلب عليهقا؟ فالرجقل يعود ليحذر مقن "آفاتقٍ" ققد تنجقم عقن هذه‬
‫العلوم؟ والعلة حسقب مقا يذكقر هقي‪" :‬أنقه ققد تعجبنقا الدققة العقليقة التقي نراهقا فقي‬
‫الرياضقة والمنطقق‪ ،‬واليقيقن الذي ينتهيان إليقه فنتوهقم أن هذا نموذج لجميقع أقوال‬
‫الفلسفة مهما اختلفت موضوعاتهم وعندئذ نظن اليقين بما ليس من اليقين‪ ،‬بل قد‬
‫يأخذنا العجاب بدقة الفلسفة كما يتبدّى في علومهم الرياضية والمنطقية‪ ،‬ثم يبلغنا‬
‫عن بعضهم الكفر فنكفر معهم؟‪ .‬هكذا قال؟‬

‫‪33‬‬
‫لقد بدأ التلميح –منذ بداية النحطاط الحضاري للمسلمين‪ -‬إلى أ نّ معرفة العلوم‬
‫الحضاريقة معرفقة ل تنفقع وربمقا ل تسقتحق التحصقيل‪ ،‬حتّى إنّهقم حصقروا لفظقة العلم‬
‫فلم تعققد تطلق إل على العلم الشرعققي‪ ،‬وقيدوا العمققل فلم يعققد دالً إل على العبادات‪،‬‬
‫كما يظهر من عنوان ومضمون كتابين للغزالي نفسه‪ :‬أولهما "معيار العلم" والثاني‬
‫"ميزان العمل" وهو أمر أشهر من هذا وإن كنّا ضربنا بكتابي الغزالي المثال عليه‪.‬‬

‫أزيقد مقن هذا كلّه إنّنقا بدأنقا نسقتمع إلى فتاوى تحريقم بعقض هذا العلم وقيقل فقي‬
‫ذلك‪ :‬مقن تمنطقق فققد تزندق؟! وشاعقت مثقل هذه القوال حتقى غدت طرق البراهيقن‬
‫الرسطية خطرا على سلمة العقيدة عند المؤمنين‪ ،‬وظهرت مؤلفات بأكملها تصدّى‬
‫فيها مؤلفوها للرد على المنطق الرسطي خصوصا وعلى الفلسفة اليونانية عموما‪.‬‬
‫فتاج الديققن السققبكى يقققف فققي خصققومة الفلسققفة موقفققا حاسققماً وان يكققن قققد خفققف‬
‫هجمته بالنسبة إلى المنطق‪ .‬أمّا السيوطى فيصوّر الشتغال به كما لو أنّه وقوع في‬
‫نوع مقن الثام‪ ،‬قائل عقن نفسقه‪ :‬كنقت فقي مبادئ الطلب قرأت شيئا فقي علم المنطقق‬
‫ثققم ألقققى ال كراهتققه فققي قلبققي؟ وسققمعت أن ابققن الصققلح أفتققى بتحريمققه‪ ،‬فتركتققه‬
‫لذلك؟!!‬

‫المام ابقن الصقلح الشهرزوري الذي أورد السقيوطي كراهتقه للمنطقق هقو مقن‬
‫أكابر علماء الحديث ولعلّه المؤسس الكبر لعلم المصطلح لكنّنا ينبغي حين نزن قول‬
‫أحد أن نعرض هذا القول على الحق ل على صيت الرجل‪ .‬وابن الصلح في الحقيقة‬
‫لم يكن يكتفي بالكراهة كما ذكر السيوطي‪ ،‬فقد كانت له فتوى عجيبة أفتى بها سائل‬
‫ى المقر فعله بإزاء‬
‫سقأله عقن رأى الديقن فقي الشتغال بالمنطقق وماذا يجقب على ول ّ‬
‫المشتغليققن بققه؟ والظاهققر تماماً أنقّ السققؤال كان موجّها فقققد كانققت صققيغته كالتالي‪:‬‬
‫مسقألة فيمقن يشتغقل بالمنطقق والفلسقفة تعليمقا وتعلمقا وهقل المنطقق جملة وتفصقيل‬
‫ممقا أباح الشارع تعليمقه وتعلمقه والصقحابة والتابعون والئمقة المجتهدون والسقلف‬
‫الصالحون ذكروا ذلك أو أباحوا الشتغال به أو سوغوا الشتغال به أم ل وهل يجوز‬

‫‪34‬‬
‫أن يسققتعمل فققي إثبات الحكام الشريعققة الصققطلحات المنطقيققة أم ل وهققل الحكام‬
‫الشرعية مفتقرة إلى ذلك في إثباتها أم ل وما الواجب على من تلبس بتعليمه وتعلمه‬
‫متظاهرا بقه‪ ،‬مقا الذي يجقب على سقلطان الوققت فقي أمره وإذا وجقد فقي بعقض البلد‬
‫شخص من أهل الفلسفة معروفا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فيها وهو مدرس في‬
‫مدرسة من مدارس العلم فهل يجب على سلطان تلك البلد عزله وكفاية الناس شرّه‪.‬‬
‫والسؤال تقريباً من حيث السعة يوازي ثلث الجابة؟‬

‫الذي أجاب بققه ابققن الصققلح مفاده‪" :‬أن قّ الفلسققفة أُس قّ السققفه والنحلل ومادة‬
‫الحيرة –لحقظ‪ -‬والضلل ومثار الزيقغ والزندققة‪ ،‬ومقن تفلسقف عميقت بصقيرته عقن‬
‫محاسقن الشريعقة المطهرة المؤيدة بالحجقج الظاهرة والبراهيقن الباهرة (طيّب طالمقا‬
‫أنهقققا مؤيدة فلم الخوف عليهقققا؟) ومقققن تلبقققس بهقققا تعليماً وتعلمقققا قارنقققه الخذلن‬
‫والحرمان واستحوذ علية الشيطان‪ ..‬وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر‬
‫شرّ‪ .‬وليققس الشتغال بتعليمققه وتعلمققه ممققا أباحققة الشارع ول اسققتباحه أحققد مققن‬
‫الصقحابة والتابعيقن والئمقة المجتهديقن والسقلف الصقالح‪ ،‬وسقائر مقن يقتدي بقه مقن‬
‫أعلم المققة وسققادتها‪ ..‬ولقققد تمققت الشريعققة وعلومهققا وخاض فققي بحققر الحقائق‬
‫والدقائق علماؤها‪ ،‬حيث ل منطق ول فلسفة؟! ول فلسفة؟!‪-‬هكذا‪.-‬‬

‫عموم ًا إلى هنققا والكلم يمكققن احتمال آثاره أمّا مققا ل يمكققن احتماله ول إغضاء‬
‫الطرْف عنه هو ما أت مّ به ابن الصلح فتواه قائلً‪ :‬فالواجب على السلطان أعزه ال‬
‫وأعقز بقه السقلم وأهله أن يدفقع عقن المسقلمين شقر هؤلء المشائيقم ويخرجهقم مقن‬
‫المدارس ويبعدهقم ويعاققب على الشتغال بفنهقم ويَعرِض مقن ظهقر منقه اعتقادُ عقائدِ‬
‫الفلسفة على السيف أو السلم؟ لتخمد نارهم وتنمحي آثارها وآثارهم يسر ال ذلك‬
‫وعجله؟‬

‫ن أوجب هذا الواجب (يعني الواجب المفروض على السلطان)‬


‫ث مّ أتبع قائلً‪ :‬ومِ ْ‬
‫عَزلُ من كان مدرسَ مدرسةٍ من أهل الفلسفة والتصنيف من التدريس فيها والقراء‬

‫‪35‬‬
‫جمْلةً –هكذا‪ -‬ثمّ‬
‫لها‪ ،‬ثم سجنه وإلزامه منزله؟‪ ...‬وانتصابُ مثلِه مُدرّساً من العظائم ُ‬
‫ختم الشيخ قائلً‪" :‬وال تبارك وتعالى ولي التوفيق والعصمة‪ ،‬وهو أعلم"؟؟؟؟‬

‫إنّ هذا ومثله ممّا لم يمتز به الفقهاء والمحدثون عن الفلسفة الذين ضحّوا بهم‬
‫أيّام المأمون فإذا الفقهاء والمحدثون يعيدون لهم ذات الصفعة بذات الندحار الخلقي‬
‫والفصقل القاتقل للخلق عقن العلم؟ إنّق السقتعانة بمقن معقه السقيف على مقن ل سقيف‬
‫معه مما ل تقبل به أبسط قواعد المروءة‪ ..‬لكنّه ممّا قبلته نفوس النخبة عندنا باسم‬
‫الديققن وحفظققه‪ ،‬أفل تركوا الديققن لربققه ينفّذ وعده بحفظققه‪ ،‬وذهبوا لحفققظ المروءة‬
‫ن العامّة على طول تاريخنا لم تتلبس بمثل ما تلبّست به النخب؟ أل‬
‫والخلق الحميد؟ إ ّ‬
‫ترى أنّ ذلك يحتاج لتوقف؟‪..‬‬

‫ألم يفكّر الفريقان‪ ،‬وخصوصاً الفقهاء والمحدثين‪ ،‬في تبعة هذا الفعل الشنيع من‬
‫كافّة جوانبققه حيققن يسققتخدم حاكققم ظالم قوتققه الظالمققة المعاندة للشريعققة فققي قهققر‬
‫مخالفيهقم أنّق هذا لن يكون بل ثمقن؟ ألم يفكروا أنّه إذا اسقتجاب الحاكقم لمقا طلبوه لم‬
‫يكقن أمامهقم خيار أل أن يعلنوا أنّق الظالم محام عقن الشريعقة وذائد عنهقا؟ وهقو مقا‬
‫تلبّسوا به بالفعل فن صّ ما قاله الشيخ يغفر ال له‪ :‬فالواجب على السلطان أعزه ال‬
‫وأعققز بققه السققلم وأهله أن‪...‬الخ‪ .‬فهل قال لنققا الشيققخ كيققف تسقنّى له وصققف أحققد‬
‫الواقفيققن فققي طابور السققفه السققياسي مققن الحاكميققن المعانديققن للشريعققة على طول‬
‫تاريخنقا النكقد بهذا الذي وصقفه ودعقا له بقه الشيقخ؟ والذي رفقع السقماء بل عمقد إنّه‬
‫لترْك ملييقن الملحديقن والمحاربيقن للديقن طلقاء محروسقين يروّجون للحادهقم أخفّق‬
‫بذات القدر من أن يُترك ظالم يلي أمر المّة؟ ثمّ ل يكفي النخب وليته فيلبّسون على‬
‫النّاس أنّه إذ قاتل خصومهم كان ممّن أع ّز ال بهم الدين؟ فهل ترى تلبساً بظلم أكثر‬
‫من هذا؟ وهل ترى جهالة أقبح من تلك؟‬

‫لقققد أخطققأ الفقهاء والمحدّثون فققي اسققتخدام الحكّام ضققد الفلسققفة‪ ،‬ولئن عانققد‬
‫المأمون قديماً الجماهيقر والفقهاء والمحدّثيقن لجقل الفلسقفة فققد كان مقن جاء بعده‬

‫‪36‬‬
‫مقن الحكّام أخسّق وأنذل مقن أن يفوّت فرصقة اسقتمالة الجماهيقر‪ ،‬واسقتصدار الفتاوى‬
‫الدالة على أنّه من حفَظَة الدين الحنيف؟ ولو أ نّ هؤلء الحكّام "المجاهدين" وجدوا‬
‫العامّة مققع الفلسققفة لمققا ترددوا فققي سققحق الفقهاء والمحدثيققن وسققحق تصققانيفهم‬
‫وكتبهم؟‬

‫كان المام الجليقل أبقو الحسقن المدي(‪631-551‬هقق) مقن معاصقري ومواطنقي‬


‫المام ابن الصلح (‪643-577‬هق) ‪-‬رحم ال الجميع وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاتهم‬
‫وألحقنققا بهققم على خيققر‪ -‬وكان المام المدي مققن المشتغليققن بالمنطققق‪ ،‬ولمّا أضاع‬
‫حكْمقة وفرطوا فقي الثغور‬
‫ورثقة صقلح الديقن اليوبقي ميراثقه مقن العلم والحُكْم وال ِ‬
‫والبلد التققي افتتحهققا جدّهققم وأعادوا الخمور والقباحات إلى دور سققلطنتهم‪ ،‬لم يجققد‬
‫أحدهقققم (الملك الشرف) إل أن يصقققدح يوماً بتحريقققم الشتغال بعلوم الوائل حفظاً‬
‫للشريعققة الغراء؟ وعليققه فقققد قرر أن يُعفققي المام المدي صققاحب كتاب الحكام فققي‬
‫أصقول الحكام أحقد أهقم مقا كتقب فقي أصقول الفققه‪ ،‬مقن مهمّة التدريقس فقي مدرسقته‬
‫(جامعتقه) بدعوى اشتغاله بالمنطقق‪ ،‬ولزم الرجقل بعدهقا بيتقه حتّى وافتقه المنيّة(‪،)1‬‬
‫فهقل لنقا أن نتوقّع أن تكون فتوى ابقن الصقلح سقبباً فقي هذا الفعقل "الوققح" بحقّق‬
‫واحد من أكبر علماء عصر ابن الصلح؟‬

‫لققد كان ابقن تيميقة (‪728-661‬هقق) معروف ًا بعداوتقه للفلسقفة والمنطقق ومقع ذلك‬
‫فلم ينقج مقن الوقوع فقي براثقن ذلك التحالف غير الشريقف مقا بيقن غيقر السقوياء مقن‬
‫النخبقة ومقا بيقن الحكام فحبقس ومات مظلوماً باسقم الديقن وققد كان أوحقد عصقره فقي‬
‫إمامة الدين؟‪.‬‬

‫إنّق الخوف على العامّة أمقر مطلوب لكقن مسقألة الكفقر وتبديقل الديان هذه ليسقت‬
‫من المسائل التي تتسلّى بها المم‪ ،‬ول هي حتّى ممّا يمكن فرضه عليهم‪ ،‬وعليه فل‬
‫قبول لفكرة الخوف على الديققن مققن الضياع‪ ،‬أو تعييققن حارس دينققي كونققي يرعققى‬

‫‪)(1‬يراجع‪ :‬المام ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪.13/133 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫التزام المقم بدينهقا؟ هذا كلم سقفيه تافقه فقي العادة وعلى الجملة‪ ،‬وهقو أكثقر سقفهاً‪،‬‬
‫وأضلّ شأناً حيققن يُعرض عنققد أمققة مشهود لهققا بأنهققا ل تجتمققع على ضللة‪ ،‬فلسققنا‬
‫بحاجقة لحرّاس‪ ،‬ول حتّى لموقظيقن ل يملّون مقن تذكيرنقا أنّهققم قطعوا ثمانيقن عاماً‬
‫لكي يحافظوا على الحجاب فوق رؤوس الناث‪.‬‬

‫لسققت أعرف ماهيققة هؤلء العوام الذيققن ظلت النخبققة عندنققا تتعامققل معهققم بهذا‬
‫المنطقق العجيقب مقن الرتياب فقي قدراتهقم الذهنيقة والعقديقة على السقواء‪ .‬إنّق هذا‬
‫المنطقق المريقض والتصقوّر غيقر السقوي عقن العامّة وعقن سقلمة الديقن وقدرتقه هقو‬
‫أسققوا مققا ورثتققه الحركات السققلمية حتققى فققي أفضققل صققورها اعتدالً عققن أولئك‬
‫المرضى السقالفين‪ .‬لسقت أعرف حتى متقى تظقل كقل دعايقة مصقبوغة بالتوجقه الدينقي‬
‫عندنققا تنظققر للناس خارج نطاقهققا على إنهققم تائهون ضالون‪ ،‬هققم أقرب مققا يكونون‬
‫لودع الدين‪ ،‬فل ينبغي إل منعهم من كل اقتراب من حافته‪ .‬إنّه لبد من وقوف جازم‬
‫هنا ومنع حازم من العقلء لهذا السفه‪.‬‬

‫يومقا مقا كتبقت إلى نائب مرشقد الخوان –بعيقد تقدم الخوان بمبادرتهقم للصقلح‬
‫السقققياسي فيمقققا عُرف بمبادرة المرشقققد العام للخوان المسقققلمين‪ -‬راجياً أن يتحلّى‬
‫خطاب الخوان مع جماعتهم الواسعة (المصريين) بما هو واجب فليس من المقبول‬
‫ول مقن السقائغ أن يصقرّح المرشقد بأنّق مهمتقه هقو وجماعتقه‪" :‬تربيقة الشعقب"؟؟‪..‬‬
‫فلول أنّهققم عدلوا عققن ذلك إلى القول‪" :‬إنققّ مهمتنققا هققي تربيققة أنفسققنا وإصققلح‬
‫سرائرنا‪ ،‬واعتبار ذلك دعاية خير إذا نجح"‪ .‬لكان أزكى لهم وأقيم؟‬

‫الثار الخلقية والفكرية لهذا التحوّل الكبير؟‬

‫انتقلت نظرة العربقي إلى السقماء مقن تلك النظرة الحرة التقي لم تكقن لتسقمح له‬
‫بأن يُسقلّم لرسقول ‪-‬مقطوع عنده باتصقاله بالسقماء‪ -‬بأن يجزم فقي أمقر سقياسي دون‬
‫إمرتقه إلى نظرة فأر صقاغر مسقتسلم يقول‪ :‬إنّق الحقّق مقا عليقه أصقحابنا أو مقا يراه‬

‫‪38‬‬
‫إخواني؟‪ .‬لقد أطبقت الروايات على أنّ أحداً ممن كانوا مع رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسقلّم لم يسقتجب لمقا طُلب منقه يوم أن عققد صقلّى ال عليقه وسقلّم عَققد الصقلح مقع‬
‫قريقش يوم الحديبيقة‪ ،‬حتّى إننقا لم نسقمع ول فقي روايقة واحدة أنّق أبقا بكقر قام وحيداً‬
‫يسقتجيب لمقر النقبي صقلى ال عليقه وسقلم بالنحقر والحلق؟ ومقع أنّق الوضقع كان ذا‬
‫طابقع عسقكريّ ل يمكقن السقكوت فيقه على هذا العصقيان للقائد إل أنّق تصقرّف القائد‬
‫بعيداً عققن رضققى الجماعققة كان أمراً يسققتلزم موقفاً‪ .‬ومققع أن قّ القرآن لم يكققن يترك‬
‫مسقاحة للتقليقل مقن شأن الرسقول الكريقم صقلّى ال عليقه وسقلم فإنّه هنقا لم يوجّه أيّق‬
‫لوم للجماعققة العربيققة المسققلمة بققل إنّقه لم يصققبر على غمّهققم جرّاء هذا التص قرّف‬
‫فسارع لبيان السباب مفتتحاً إيّاها بوعد بتحقيق كلّ ما كانوا يطمحون إليه وزيادة‪،‬‬
‫واقرأ إذا شئت سورة الفتح من أولها(‪.)1‬‬

‫هذه الطبعققة الحرّة مققن العرب نفدت وتحوّل التاريققخ إلى طبعات منكرة مشوّهققة‬
‫سققمحت للعربي قّ أن يس قلّم ذقنققه مختاراً لكلّ قائل يقول له‪" :‬إن ّق ال قال" أو مجبوراً‬
‫لكلّ صققاحب سققيف أشدّ يقول له‪" :‬افعققل وإل‪ "..‬كلّ ذلك حصققل بالقطققع بخيانققة مققن‬
‫النخبقة التقي سقوّقت لكلّ مقا مقن شأنقه قتقل الحريّة‪ ،‬واعتبارهقا اعتداء على الديقن إن‬
‫كانت علميّة‪ .‬أو اعتبارها اعتداء على السلم العام إن كانت سياسية‪..‬‬

‫نظرة العربقي الحرّ التقي جعلتقه يتعاطقى مقع السقماء على أنّهقا جهقة قابلة للخقذ‬
‫والردّ والتجاوب حتّى إن قّ بعضهققم ليطلب منهققا إضافققة أو حذفاً تشديداً أو ترخيص قاً‬
‫فتسقققتجيب له فقققي علققققة لم تعرف البشريّققة على طول تاريقققخ الديان لهقققا مثيلًَ‪،‬‬

‫‪)(1‬للتفصيل يراجع كتابنا السلطة المدنية في السلم‪ .‬وقد جاء في صحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير‪،‬‬
‫ك فَتْحا مُبِينا لِ َيغْفِرَ َلكَ الّلهُ ) إِلَى قَوِْلهِ‬
‫باب صلح الحديبية في الحديبية‪ .‬وفيه أنّ ال أنزل (ِإنّا فَ َتحْنَا َل َ‬
‫حدَيْ ِب َيةِ وَ ُهمْ ُيخَالِطُ ُهمُ ا ْلحُ ْزنُ وَا ْلكَآبَ ُة فَقَالَ النبي صلّى ال‬
‫( فَوْزا عَظِيما ) وذلك مَ ْرجِع الصحاب مِنَ ا ْل ُ‬
‫جمِيعا» لنّها فرّجت عن الناس وأبانت لهم‬
‫ى مِنَ الدّنْيَا َ‬
‫عليه وسلم‪َ «:‬ل َقدْ أُنْزَِلتْ عََلىّ آ َيةٌ هِيَ َأحَبّ إَِل ّ‬
‫حقيقة موقفه صلّى ال عليه وسلّم حين أصرّ على مخالفتهم‪ .‬وسيأتي حديث عن غزوة الحديبية في‬
‫المبحث الرابع من الفصل الثاني من القسم الثاني‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫اسقتحالت إلى علققة أصقبح صقميمها أن السقماء ققد أمرت وعلى الرض أن تطيقع‪،‬‬
‫وأن الخالق قد خط وخطط وعلى المخلوق أن يقنع بالقسمة والنصيب‪.‬‬

‫على هذه العقيدة تترسقّخ ثنائيّة حادّة مقا بيقن ال والنسقان‪ ،‬ويصقير الفرق بيقن‬
‫ال والنسقان ليقس غيقر أنّق الوّل كائن كقبير الحجقم غيقر محدود العمقر‪ ،‬مفرط القوّة‪،‬‬
‫بينمقا النسقان ضعيقف فقي كلّ هذا‪ ،‬وهقو مطالب بتنفيقذ أوامقر ينبغقي عليقه القيام بهقا‬
‫وإل واجقه عقوبات صقارمة‪ .‬هنقا تنفصقل فقي قلب النسقان السقماء عقن الرض ول‬
‫يعود يربطه بربّه إل تنفيذ القوانين والواجبات‪ ،‬ول يعود هناك مجال لمثل قولهم في‬
‫الثقر المشهور المقبول بينهقم–على الرغقم مقن رداءة سقنده‪" :-‬مقا وسقعتني سقمائي‬
‫ول أرضققي ولكققن وسققعني قلب عبدي المؤمققن(‪ .")1‬ل مجال لهذا لنقّ الرابققط القلبققي‬
‫على هذه الحال يكون منبتّا تماماً‪ ،‬ول يكون هناك سقوى العلققة الخارجيّة الظاهريّة‬
‫ما بين حاكم آمر‪ ،‬ومحكوم يعتبر أنّ عليه واجباً عليه أن يؤديه‪ ،‬وإل‪..‬‬

‫هنقا تصقبح الخلق قوامهقا "الواجقب" الظاهقر ل "السقعادة" الضميريّة‪ .‬والفرق‬


‫ن الفرق متمثّل في الجابة على سؤال‪ :‬هل يرضينا فعل‬
‫هو في عِليّة الصواب؟ أي‪ :‬أ ّ‬
‫الصواب لن سلطة عليا أمرتنا به فصدعنا بأمرها‪ ،‬أو أننا نشعر بالرضا لنّنا فعلنا‬
‫الصواب انطلقاً من قناعاتنا الضميرية‪.‬‬

‫مققن قديققم توافقققت كلمات عدد كققبير مققن الئمققة المسققلمين على أنقّ حديثًا واحداً‬
‫يوازي ثلث الديقن‪ ،‬ل لشيقء إل لنّه يضقع المقاصقد القلبيقة أو الضميريقة باعتبارهقا‬
‫الميزان الذي يوزن بققه صققالح العمال‪ .‬بيققد أنّه ل يعييققك أن ترى غالب كتققب الفقققه‬
‫‪-‬منذ بدأ النحطاط‪ -‬وقد انطلقت ناحية الفعال تتوسع في ذكر ما ل ينبغي منها وما‬
‫يجقب‪ .‬ولو طالعقت كتبهقم لمقا وسقعك أن تجقد مبتغاك مقن العنايقة بالمقصقد والضميقر‪.‬‬
‫هناك شاهقد ققد ل يُلتفقت إليقه‪ ،‬ذلك أنّق كتاب المقاصقد كتبقه المام الشاطقبي فقي القرن‬
‫الثامن الهجري فلم يعره أحد اهتماماً حتّى وصل بحمد ال إلينا سالماً‪.‬‬

‫‪)(1‬ابن رجب الحنبلي‪ ،‬جامع العلوم والحكم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1408( 1‬هـ) ‪.1/365‬‬

‫‪40‬‬
‫إن انسقلخنا عقن فهقم الوائل أنتقج لنقا حياة اجتماعيقة مشحونقة بالمفارقات‪ .‬إذا‬
‫انسقلخت دنيقا الحياة الواقعقة عقن دنيقا القيقم الخلقيقة‪ ،‬وققد ألفنقا هذا الزدواج إلْفاً‬
‫توهمنا معقه أن هذه هي طبيعة المور‪ ،‬ومن ثم كان النفاق الذي هو أشر شيء في‬
‫ديقن ال دعامقة اجتماعيقة وخلقيقة أسقاسية ل تثيقر فينقا دهشقة‪ ،‬ول نكاد نحقس معهقا‬
‫بازدواج في المعايير؟‬

‫وقققد جاءت حياتنققا الفنيققة انعكاسققا لهذه النظرة الشاملة التققي تعلى الخارج على‬
‫حسققاب الداخققل‪ ،‬فكانققت الولويققة فققي حياتنققا الفنيققة كلهققا لسققلمة الشكققل ل لحيويققة‬
‫المضمون‪ ،‬فمقا دمقت حافظقت على الشكقل المطلوب فأنقت فقي الجانقب الصقواب بغقض‬
‫النظر عما ينطوي علية هذا الشكل من لباب الفعل نفسه‪ .‬المُعوّل عليه عندنا أضحى‬
‫"المظهقر" ل "الحقيققة" وبالتالي قلّت فرصقة أولئك السُقذّج الذيقن يقدمون عندنقا‬
‫المضمون على الشكقققل! تبعاً لذلك سقققتلحظ أنققّ العراب عقققن السقققلمة فقققي المزاج‬
‫المنتشر اليوم بين التيارات السلمية مركّز في المظهر‪ ،‬ومرتبط بالشكال والرسوم‬
‫والمظاهر أكثر كثيرًا جداً من ارتباطه بقضية الضمير‪ ،‬وأصبحت مساءلة النّاس عن‬
‫أدائهقم الشكلي وسقيلة مقن وسقائل الضغقط والشعار بالذنقب وإيصقال رسقالة لهؤلء‬
‫بأنّهم أقلّ قدْراً من أبناء هذه التيارات‪.‬‬

‫لققد مهّدت هذه المصقيبة المزاجيقة لسقيّئي الخُلُق وأصقحاب الفكقر المعوجّق سقبيلً‬
‫عريضاً للتقدّم فقققي صقققدارة هذه التيارات بسقققبب يسقققر امتلك زمام هذه الشكلنيقققة‬
‫بالنسققبة لهققم‪ ،‬وأصققبح مققن الظاهققر اليوم أن تيارات السققلمة قققد تقدّم لقيادهققا أناس‬
‫بعيدون عقن السقلوك الحميقد وعقن الخلق الحسقن‪ ،‬واسقتحالت هذه التيارات بفعقل هذه‬
‫الشكلنيّة وبجهود أولئك المغاويقر إلى كيانات فقي غايقة الكقبر وفقي منتهقى التعصقّب‬
‫مهما ظهر لها من خطأ ما هي عليه‪ .‬ولقد أتيح لبعض من نسبوا للسلمة قيادة كثير‬
‫مقن المؤسقسات وربمقا الدول فلم نجقد سقوى نَزَق كمقا هقو النزق‪ ،‬وخراباً على النحقو‬
‫الذي فعله أسققلفهم وربمققا أشققد‪ ،‬ولو كان المققر مؤسققساً بمعيار الضميققر ولو كان‬

‫‪41‬‬
‫المزاج الخلقى له هذا القدر من الهميّة لمقا احتجنقا لبروز مسألة السقلمة هذه من‬
‫الصقل‪ ،‬إذ لو كان المقر أمقر ضمائر لمقا احتاجقت جماعات مقن المسقلمين أن تجاهقر‬
‫المسلمين بإسلمها‪ ،‬وتلوم عليهم إسلمهم؟‪.‬‬

‫لقد أحدثت الثنائية الحادة ما بين النسان وبين ال ‪-‬بحيث لم تصبح العلقة بين‬
‫الطرفين علقة تبادل بالخذ والعطاء‪ ،‬بل علقة حاكم بمحكومين‪ -‬زلزالً عميقاً كانت‬
‫له امتداداتققه الخطيرة على كلّ مناحققي الحياة عنققد المسققلمين‪ .‬خصققوصاً على الحياة‬
‫السقياسيّة؛ إذ لمّا لم يكقن هناك بقد مقن وجود صقاحب سقلطان على الرض فإنّق مقن‬
‫الطققبيعي أن تعطققي ذهنيّة كتلك لذلك الخيققر صققورة مصقغّرة عققن ال‪ ،‬فلم يعققد مققن‬
‫المقبول نقاش الحاكقققم أو الميقققر‪ ،‬ول العتراض عليهمقققا‪ ،‬وبحيقققث صقققار واجقققب‬
‫المحكومين ملخّصا في الطاعة والسمع‪ ..‬وإل حق عليهم العذاب‪..‬‬

‫إنّق تركقز فكرة السقيّد‪ ،‬والعبقد كصقورة أسقاسيّة وأصقيلة للتصقور عقن العلققة مقا‬
‫بيققن ال والنسققان وانسققحابها على العلقققة بيققن الحاكققم والمحكوميققن أبعدت الذهققن‬
‫المسققلم عققن التفكيققر بمسققألة السققيادة السققياسيّة كليّا إذ أصققبح الحديققث عققن حريّة‬
‫النسققان أو سققيادته لوناً مققن المعاندة لقدر العبوديققة؟ بالتالي تأثرت نظرة المسققلم‬
‫لمتلك زمام المبادرة أمام الطبيعققة والحياة باعتبار أنّهققا "بُلْغَة" عليققه أن ل يشغققل‬
‫نفسه كثيراً بها(‪.)1‬‬

‫فقي هذه الحالة "المتحوّلة" مقن الفكقر المسقلم انصقبّ الصقراع السقاسي مقا بيقن‬
‫النسققان ومحيطققه النسققاني‪ ،‬على أسققاس مققن تصقوّر وجوبيّة إخضاع هذا المحيققط‬
‫للوامقر العليقا التقي فرضهقا ال؟ وهنقا ل يمكقن أن تنفكّق الجماعقة الداعيقة أن تتلبّس‬
‫بال وبأوامره كأنّمققا تجسقّدا معاً ول يمكنهققا إل أن ترى نفسققها سققامقة فوق البشققر‪،‬‬
‫تدعوهقم أو بالحرى تأمرهقم بأن يخضعوا لمقا فقي جعبتهقا مقن حقق‪ ،‬وينتهوا عقن مقا‬
‫في أيديهم من الباطل‪.‬‬

‫‪)(1‬للتفصيل راجع مبحث السيادة في كتابنا السلطة المدنية في السلم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫على هذا السققاس يصققبح الشغققل الشاغققل لصققحاب هذه الفكار تقييققم ورصققد‬
‫السقلوك والتصقرف النسقاني منشغليقن بقه عقن متابعقة ورصقد سقلوك الطبيعقة مقن‬
‫حولهققم‪ ،‬لذا ل يعود هناك مجال للعلم الطققبيعي ول للتطور التكنولوجققي عندهققم‪ .‬وإذا‬
‫أنقت نحّيقت وجهقك شطقر الخقر الغربقي للحظقت هذا الفرق فقي غايقة الجلء فصقاحب‬
‫الحضارة الغربيّة تجده مشغولً بإنجاز مواجهقة مقع الطبيعقة ل مقع النّاس‪ ،‬وجلّ همّهق‬
‫وهو يواجهها أن يصل إلى القوانين الحاكمة لها بغية أن يصل منها إلى غاية النفع‬
‫والفادة‪ .‬هنقا أرجقو لك أن تتذكقر مقا قررناه قبلُ مقن أنّق عبقريّة العربقي –مقا قبقل هذا‬
‫التحوّل‪ -‬كانقت فقي أنّه أضاف لعققل اليونان وفلسقفتهم ضابقط "النفعيّة"‪ ،‬فمقا ل نفقع‬
‫ة‬
‫م ً‬‫ع َ‬ ‫غيًِّرا ن ِّ ْ‬‫م َ‬‫ك ُ‬ ‫ه لَ َ ْ‬
‫م ي َََ ُ‬ ‫ك بِأ َ َ َّ‬
‫ن الل ّ َ َ‬ ‫فيقققه ل مجال للنشغال بقققه؟ {ذَل ِ َ َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ َ‬ ‫وأ ََ َّ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما بِأَن ُ‬ ‫غيُِّروا ْ ََ‬ ‫حت ّ ََى ي ُ َ‬ ‫علَى َ‬ ‫َ‬
‫س ِ‬
‫ف َِ‬ ‫وم َ ٍ َ‬‫ق ْ‬ ‫ها َ‬‫م ََ‬
‫ع َ‬‫أن ْ َ‬
‫م}[ النفال‪ ،‬آية‪..]53 :‬‬ ‫علِي ٌ‬
‫ع َ‬‫مي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬

‫‪43‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫أزمة شباب مصر‬
‫ما بين إسلميين بل عقل‪ ..‬ونخبة بل حياء‪..‬‬

‫‪ )1‬الطرح الذي تقدمنا به لقيادة الخوان‪ ،‬ولم يقبلوه‪..‬‬

‫"الطرح" أو "الوثيققة" –كما تحبّق أن تطلق عليهقا جماعات مقن الشباب الحر‪-‬‬
‫هققو اقتراح تقدمققت بققه لقيادة "جماعققة الخوان المسققلمين" صققيف العام ‪2005‬م‪.‬‬
‫وكنت قد ناقشت عناصره الساسيّة داخل الجماعة سنين‪ ،‬ث مّ لمّا لم أجد قبولً منهم‬
‫ول استعداداً منّي لتفهّم عدم استجابتهم‪ ،‬خصوص ًا وأ نّ عدم الوصول لحلّ في مجمل‬
‫الشكالت التي تعالجها تلك الفكار يتسبب بيقين في زيادة احتقان الوضع داخل البلد‬
‫انسقحبت مقن العمقل مقع الجماعقة صقيف العام ‪2003‬م‪ .‬ولزمقت بيتقي ومكتبتقي‪ .‬وظلّ‬
‫هذا حالي مدّة نحقو سقنتين حتّى زارنقي أفراد مقن أبناء الجماعقة‪ ،‬مسقتفسرين عقن‬
‫اعتزالي‪ ،‬فأفضيت لهم بما بداخلي‪ ،‬وأنّه من غير المعقول أن أتابع السير في طريق‬
‫ل أعرف غايتقه ول أعلم أنّق فقي الجماعقة مقن يعرف‪ .‬ويبدوا أنّق مقا عرضتقه عليهقم‬
‫من أفكار أثار في نفوسهم شجن كانوا قد سبق وفكروا فيه وعرضوه على عقولهم‪،‬‬
‫وطالبونقي إذْ لم أكقن ققد عرضقت على قيادة الجماعقة شيئ ًا مكتوب ًا أن أكتقب مقا لديّق‬
‫حتّى تنظققر الجماعققة فيققه على نحققو جاد‪ ،‬وكنّا متفائليققن جميعاً‪ ،‬وقققد صققدعت بمققا‬
‫أشاروا بققه‪ ،‬وسققرنا فقي طريقيققن‪ ،‬أولهمقا التواصققل مقع المعارضقة للتعرّف على مقا‬
‫عندهم‪ ،‬والثاني‪ :‬تقديم طرح مكتوب لقيادة جماعة الخوان‪.‬‬

‫أمّا الطريق الوّل فقد أشرت في عنوان الفصل إلى حاصله‪ .‬وأمّا الطريق الثاني‬
‫فقد قدّمنا لقيادة الخوان فيه طرحاً من نحو عشرين صفحة‪ ،‬كان ملخّصه ما يلي‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫‪.1‬أن من الضروري أن تتوقف جماعة الخوان المسلمين عن دعوى تمثيل‬

‫الهويّة؛ إذ الهويّة حسّ جامع ل تنبغي مصادرته من قبل فريق دون آخر‪،‬‬

‫أنـ فريـق مـن‬


‫وعليـه فل يجوز أن يتأسـس إصـلح سـياسي على قاعدة ّ‬

‫الم صريين إ سلميين وغير هم غ ير إ سلميين بذات الميزان الذي ل يُق بل‬

‫به ادعاء فريق من المصريين المصريّة دون الباقين؟ وإنّما يتأسس العمل‬

‫الوطنـي على قاعدة واحدة يملكهـا الجميـع هـي قاعدة الهوي ّة الوطني ّة‬

‫الجامعة وهي الهوية العربية السلميّة‪.‬‬

‫‪.2‬أن يعاد النظر في التنظير السياسي والعقيدة السياسية لكافة التيارات التي‬

‫تدّعي أنّها تصدر عن معين تراثي؛ إذ إنّ التنظير بناء على التراث القديم‬

‫ن التنظير السياسي القديم‬


‫فحسب تنظير قاصر وناقص‪ ،‬خاصة إذا علمنا أ ّ‬

‫برمّته يعاني الكثير من الخلل والضعف‪ ،‬وحسبك أن تقارن بالرقام بين‬

‫ما أنتج ته الحضارة ال سلميّة في ميدان الف كر ال سياسي وب ين ما أنتج ته‬

‫في غيره من فروع المعر فة‪ ،‬وك يف أ نّ إنتاج ها في الول كان محوطا‬

‫بحالة استبداد الحاكمين المتطاولة‪ ،‬ممّا لم يمكن المنظرين من البداع فيه‬

‫على الجهة المطلوبة[وسيأتي]‪.‬‬

‫‪.3‬ليس من السائغ ول من المقبول الستمرار في الدعاية بأ نّ الستاذ حسن‬

‫البنّا –رحمه ال‪ -‬يمثّل المرجعيّة الكبرى للعمل السياسي المؤسس على‬

‫‪45‬‬
‫احترام الهويّة وعلى الحفاظ عليها‪ ،‬إذ إ نّ هذا العمل هو في الحقيقة سمة‬

‫أ صليّة لم صر وللم صريين عبّر ع نه آباء النهوض ق بل ح سن البنّا‪ ،‬و هم‬

‫ن الر جل يدّ عي لنف سه أو‬


‫أهله و سدنة محرا به ق بل الر جل‪ ،‬ول نعت قد أ ّ‬

‫يدّ عي له تلمذ ته المع تد ب هم أك ثر من أنّه أ حد تلمذة مدر سة النه ضة‪،‬‬

‫ل أفكاره المتجددة‪ ،‬وعليه فلبد وأن يشار‬


‫وهي صاحبة الفضل عليه في ك ّ‬

‫صراحة في المشروع الحضاري الوط ني إلى آباء النهوض باعتبار أنّ هم‬

‫أصـحابه الحقيقيون‪ ،‬وأنّهـم كانوا فـي تعـبيرهم عـن الهويّـة الوطنيّـة‬

‫وإصرارهم عليها يمثلون المّة بكافّة أطيافها‪ ،‬المسيحيين والمسلمين على‬

‫ال سواء‪ .‬ك ما من الضروري أ نّ نث بت احترام نا الكا مل لتاريخ نا ال سياسي‬

‫المعاصـر‪ ،‬ولتجربـة ثورة يوليـو خصـوصا فـي شقّهـا المتعلق بالوحدة‬

‫العربيـة وبالحفاظ على العدالة الجتماعيـة‪ ،‬مثبتيـن فيهـا مـا يثبتـه أشدّ‬

‫المتعصبين لها من جملة أخطاء أودت بالتجربة التي آمنت بها الجماهير‬

‫العربية‪ ،‬وكان غاية أمانيها أن تنجح في اختبارها أمام ذاتها‪ ،‬وأن تحقق‬

‫للمواطن العربي حريته وكرامته على الصعيد الفردي كما الجماعي على‬

‫السـواء‪ ،‬وهـو مـا ينبغـي أن يكون أسـاسا لكلّ تجربـة قطريّة أو عربيّة‬

‫مقبلة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪.4‬ل يس من المعقول الت سويق لدى الشباب بتفض يل ال ستاذ البنّا على غيره‬

‫من أساتذة جيل النهضة‪ ،‬بكونه قام "ببناء جماعة منظّمة تعمل للسلم؟"‬

‫ن فكرة تحز يب جما عة‬


‫ن ذلك م ما لم يقدر عل يه غيره؟!! إذ التحق يق أ ّ‬
‫وأ ّ‬

‫معي نة من أ جل الع مل با سم الهويّة الوطنيّة الجام عة في قبالة الجما عة‬

‫ل مـن تقديـم‬
‫الكـبرى التـي ل يمكـن نعتهـا بغيـر النتماء لهذه الهويّة‪ ،‬بد ً‬

‫الشكـر لهذه الخيرة على جهدهـا فـي الحفاظ على شخصـيتها الثقافيـة‬

‫والحضاريـة‪ ،‬لم تكـن سـوى فكرة يشوبهـا الخطـأ مـن كاف ّة جوانبهـا‪،‬‬

‫الشرعيّة من ها ق بل ال سياسيّة؟ و ما تر تب على هذا الخ طأ ب عد فعله قا طع‬

‫في الدللة على مدى سوء التقدير الذي اكتنف هذا الفعل سواء قصد إليه‬

‫الرجل أو لم يقصد‪ ،‬وقد دفع ثمنه من دمه‪ ،‬ومات عن أناس وصفهم قبيل‬

‫مو ته بأنّ هم لي سوا إخوانا ولي سوا م سلمين‪ ،‬ب عد أن كان يتطلّع لن يكونوا‬

‫روحا تسري في قلب المّة‪ ،‬وما حدث نتيجة لسوء التقدير هذا بعد موته‬

‫كان أشدّ وأنكى على ما هو معلوم‪.‬‬

‫ن شموليّة السلم إنّما‬


‫‪.5‬أن تعي جماعة الخوان وكافّة التيارات السلمية أ ّ‬

‫تتمثّل فـي شمول إرشاد السـلم للجماعـة السـلمية بجملتهـا فـي كافـة‬

‫يحقـ لهـا أن تدعـي‬


‫ّ‬ ‫شئونهـا‪ ،‬وهذا ل علقـة له بالجماعات الجزئيّة ول‬

‫القيام بهذه الشموليّة بنفسـها؛ إذ فـي هذا افتيات على الجماعـة السـلميّة‬

‫‪47‬‬
‫وعلى الدولة‪-‬الممثـل الشرعـي للجماعـة‪ -‬وعليـه فلبـد مـن أن تنشغـل‬

‫الجماعات الجزئيّة إذا أرادت العمل داخل الجماعة الكبرى (الدولة) بلون‬

‫من العمل محدد فإمّا العمل الجتماعي أو السياسي‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪.6‬إذا أرادت جه ًة مّا أن تشت غل بوظي فة التوج يه العام فعلي ها أن تفرّق جيدا‬

‫ب ين أ خذ المو قف وطلب المق عد‪ ،‬فل ي سوغ ل ها أن تطلب المق عد ب ين من‬

‫تدّعي أنّها ترشدهم‪ ،‬إذ المرشد ل يكون أوّل الساعين إلى المغنم‪ ،‬وإل فقد‬

‫حياده وإرشاده وأصبح واحدا ممن يحتاجون إلى إرشاد؟ وهذا ما ل يمكن‬

‫تصوّر حدوثه في غير المؤسسة الدينية‪ ،‬ولمّا كانت مصر بلد أزهر واحد‬

‫و جب على من ير يد القيام بوا جب الرشاد أو الرعا ية العامّة أن ينت سب‬

‫إل يه‪ ،‬وو جب على الز هر والدولة أن يضم نا حريّة انت ساب مطل قة ل من‬

‫أراد النتساب طالما أنّه تخطّى الختبارات الدالة على كونه مؤهلً نفسيا‬

‫أنـ عليهمـا أن يضمنـا السـتقللية‬


‫وخلقيّا وعلميّا للقيام بهذا الدور‪ .‬كمـا ّ‬

‫التامّة للزهـر الشريـف عـن الدولة‪ ،‬وضمان اعتباره مؤسـسة الرعايـة‬

‫العامّة لكلّ المسلمين في دولهم‪ .‬أمّا إذا أرادت الجما عة الشتغال بالعمل‬

‫إنـ هذا اللون مـن نظافـة الشوارع إسـلمي‬


‫المدنـي فليـس لهـا أن تقول ّ‬

‫والخر غير إسلمي‪ ،‬فمنظمات العمل المدني ل شأن لها بمثل هذا ولتهنأ‬

‫وتطمئنـ ‪-‬إسـلمية كانـت أو مسـيحية‪ -‬فالديـن فـي تمام‬


‫ّ‬ ‫هذه المنظمات‬

‫‪48‬‬
‫الرضـا عمّا يقومون بـه‪ .‬ولتلتفـت هذه المؤسـسات أكثـر ناحيـة الترقيـة‬

‫الجتماعيـة السـياسية وضمان الحقوق العامّة للناس إلى جانـب اهتمامهـا‬

‫المعهود بأعمال البرّ‪.‬‬

‫‪.7‬هنا أقرر أننا وغيرنا ينبغي أن نتفهّم ما يعاني منه بعض من لديهم بقيّة‬

‫من عقل داخل الجماعة من أنّ قيام الجماعة بهذا الواجب المستحق للدولة‬

‫على الخوان وعلى غيرهـم مـن شأنـه أن يعطـي الدولة أو بالحرى‬

‫حكومة الدولة فرصة لكي تتخلّص من القوّة السلميّة في الشارع دونما‬

‫مقابل‪ ،‬وساعتها سيكون أمامها الفرصة لن تفعل بالبلد ما تريد‪ .‬والح قّ‬

‫أنـ هذا الكلم فيـه تهويـل مـن جهـة ووهـن شديـد وعدم ثقـة بالذات ول‬
‫ّ‬

‫بالمّة من ج هة ثان ية‪ .‬فن حن لم نطلب ترك النضال الش عبي لك نّ هذا ل‬

‫يكون بغ ير ال صواب ول يتو صّل إل يه عبر الظهور ل الخفاء وبالدعا ية‬

‫السياسية الشفافة واضحة المعالم المحرجة للحكومة والمطمئنة للشعب بما‬

‫يز يد من ض عف الولى وتقو ية نف سيّة الخير ين وبح يث ت صل ر سالة‬

‫واضحـة للجميـع وفـي كلّ مكان بأنّـ الحكومـة ل تمثـل الشعـب كمـا أنّـ‬

‫الهويّة الوطن ية ل تحتكر ها جماعة تد فع الناس إلي ها عبر الدعا ية الدين ية‬

‫وإنّما هي طلب جماعي وشعبي عارم يلتقي عليه المسلمون والمسيحيون‬

‫ك في أ نّ المّة إذا‬
‫ل في الق سم الثا ني]‪ .‬ول نش ّ‬
‫[على ما سيأتي تف صي ً‬

‫‪49‬‬
‫دع يت با سم الو طن والتوحّد ا ستجابت‪ ،‬لكنّ ها و هو ما أثبت ته التجر بة ل‬

‫تستجيب لكل أحد يقول لها إ نّ السلم على هذه الناحية من النهر أو تلك‬

‫والنتخابات الرئاسـية والبرلمانيـة قاطعـة فـي الدللة على هذا فقـد طلب‬

‫الخوان مـن الناس الذهاب للولى فلم يسـتجب أحـد‪ ،‬ونزلوا بكلّ جهدهـم‬

‫للشارع في الثانية وأيضا لم يستجب أحد فمن حضر في الحالين بالنسب‬

‫ن من له ح قّ‬
‫الر سمية خُ مس المقيد ين بالجداول النتخاب ية فإذا علم نا أ ّ‬

‫التصويت يربوا على عدد المقيدين مرة ونصف يبقى أ نّ من استجاب ل‬

‫يفوق عدد هم الع شر إل قليلً‪ ..‬والشا هد النهائي أ نّ هذا الش عب ل ي سوقه‬

‫أحـد‪ .‬وبالتالي فل خوف عليـه‪ ،‬وهـو قميـن بالقيام بواجبـه تجاه الحكومـة‬

‫وتجاه الجميع إذا تجرّدت النخبة وأعانته في شفافية ل تثير الريبة داخله‪.‬‬

‫‪.8‬و قد دعوت الخوان في خات مة ر سالتي لن ت ستقيل المجموعات المهت مة‬

‫بال سياسة والع مل ال سياسي من بين هم‪ ،‬وأن تذ هب إلى الع مل في ال سياسة‬

‫في حزب أو مع أحزاب‪ ،‬و قد اقتر حت علي هم أن يت سمّوا با سم "الحزب‬

‫الوطني المصري الحر" وهو السم الذي شاعت تسمية الحركة الوطنية‬

‫المصـريّة بـه مـن لدن جمال الديـن الفغانـي ومرورا بمصـطفى كامـل‬

‫رحمهـم ال جميعا‪ .‬وطل بت –و هو ما أغ ضب قيادتهـم كثيرا‪ -‬أن تنبتّـ‬

‫ت أ نّ في‬
‫ال صلة المرة تماما ب ين الجما عة وب ين هؤلء ال سياسيين‪ ،‬وبيّن ُ‬

‫‪50‬‬
‫ل لمعضـل كـبير فـي الزمـة السـياسيّة المصـريّة‪ ،‬وبـه تضرب‬
‫هذا ح ً‬

‫الجما عة عدّة ع صافير ‪-‬ك ما يقولون‪ -‬بح جر وا حد‪ ،‬أوّل ها‪ :‬ا ستعادة ث قة‬

‫كافّة الفرقاء وجعلهـم يلتقون على مائدتهـا‪ .‬وثانيا‪ :‬إثراء المناخ السـياسي‬

‫بأناس مرتكز ين على قاعدة جيّدة من قراءة الموروث‪ ،‬و من الترب ية على‬

‫احترا مه‪ ،‬وإثراء هؤلء الخير ين بالندماج في الفكار ال سياسيّة الحدي ثة‬

‫مم ّا يصـقل عقولهـم واجتهاداتهـم‪ .‬ورابعا‪ :‬اكتسـاب لون مـن الشرعي ّة‬

‫المباشرة محليّا وعالميّا‪ ،‬محلّيّا‪ :‬مـن خلل ترحيـب كافـة القوى المختلفـة‬

‫بهذه الخطوة المخففـة لحالة الحتقان السـياسي فـي الشارع وتخفيـف حدّة‬

‫الدعايـة الدينيـة فـي العمليّة السـياسيّة ممّا يخفّض الحتقان ليـس عنـد‬

‫التيارات السـياسيّة فحسـب‪ ،‬وإنّمـا عنـد القليات الدينيـة أيضا‪ .‬وخارجيّا‪:‬‬

‫بوضع خطط القوى المعادية للعرب في الغرب وخطط المحافظين الجدد‬

‫قيد التجميد‪ ،‬وإفقادهم مادّة ثريّة يعتمدون عليها في دعاياتهم ضد العالمين‬

‫العر بي وال سلمي بإنهاء فكرة دار الحرب ودار ال سلم واعتبار المجت مع‬

‫النسـاني كلّة مجتمعا سـلميّا والعمـل على تفعيـل فكرة حلف الفضول‬

‫العربية القديمة واستغلل الوجود الثري للتنظيم الدولي للخوان المسلمين‬

‫فـي نشـر هذا الفكـر باعتباره ناديا عالميا داعيا للقيـم الحضاريـة العربيـة‬

‫ال سلميّة ومعرّفا جادا ومحايدا بال سلم وبالحضارة العرب ية‪ ،‬وأن ي سلك‬

‫هذا النّادي في هذا ال سبيل و في تلك الدعا ية م سلك الحر كة الما سونيّة أو‬

‫‪51‬‬
‫ك سيحظى في هذا‬
‫بالحرى أند ية الروتاري ال تي تمل العالم‪ ،‬و هو ل ش ّ‬

‫بدعـم كثيـر مـن الدول العربيـة والسـلميّة وغالب المنظمات الحكوميّة‬

‫وغير الحكوميّة بعد إذ أزال كافّة هواجس الداخل والخارج عنه‪.‬‬

‫كان ردّ الجماعة غير هادئ على من كانوا ل يزالون أعضاء بها‪ .‬ولست في حل‬
‫من الكثار من القيل والقال ول أحبّه‪ ،‬وأرجو أن ل يلجئني أحد إليه‪..‬‬

‫‪ )2‬ذهبنا للنخبة‪ ،‬فلم نجد إل ما يخجل‪..‬‬

‫يقولون إنّ فقه البخاريّ مضمّن في ترجمته (يعني في العناوين التي كان يضعها‬
‫فققي مقدّمققة الفصققول أو البواب الذي يسققرد فيهققا الحاديققث) وهذا حق قّ‪ ..‬وأنققا هنققا‬
‫أسققتأذن فققي أن أسققلك مسققلكه‪ ،‬مكتفياً بالترجمققة‪ ،‬اعتماداً على نباهققة المصققريين‪،‬‬
‫وعملً بقول القائل‪" :‬الضرب فقي الميّت حرام"‪ ،‬وأعتققد أنّق فقي هذا التنويقه الخيقر‬
‫الكفاية للجابة عن سؤال سائل عن تصريحي بذكر الخوان‪ ،‬واقتصاري مع النخبة‬
‫على هذه الحفنة القليلة من الكلمات‪.‬‬

‫واسققمح لي أن أخرج بققك هنققا إلى الرمزيّقة والهزليّقة قليلً لروّح عققن نفسققي‬
‫وعنك‪ ،‬إذ الجديّة هنا قد تجلب لي ولك مرض البول السكري‪ ،‬فضلً عن انعدام ضبط‬
‫الضغط‪ .‬ولتسمح لي أن أتفكّه معك قليلً‪ ،‬إذ الجوّ الجادّ شيء كنت قد بدأت به طريق‬
‫التعرّف على النخبة‪ ،‬وهو طريق جديد لم أسلكه في حياتي متعجّبا من كيفيّة سيطرة‬
‫قيادة الخوان على الشارع مقع أنّق الظاهقر –لي حينهقا‪ -‬هقو امتلك النخبقة للعقلنيقة‬
‫والنفتاح اللزميققن للتواصققل مققع النّاس؟ هذا اللون مققن الجديّقة بدأت بققه طريقاً ل‬
‫أصققف المسققافة الصققغيرة المعبّرة التققي قطعتهققا فيققه بغيققر أنّهققا نكدة‪ ،‬ومعبّرة‪..‬‬
‫ويؤسقفني أن أخقبرك أنقّ ال لم يخلق معدوم عققل فقي بلدنقا إل مقن اجتمعقت لديقه‪:‬‬
‫الرجولة‪ ..‬ونزاهة اليد؟‬

‫‪52‬‬
‫لمققن لم يقرأ روايققة "الزينققي بركات" يمكننققا أن نبسققّط له المسققألة السققياسيّة‬
‫المصققريّة إن كان يعدّ نفسققه ليكون مققن اللعققبين أو مققن الحكّام‪ ،‬فنقول‪ :‬إنّق العامّة‬
‫عندنققا اعتادت على سققياسة الخطققف‪ ،‬فيمكنققك طالمققا أنّك الحاكققم (أو حتّى أداة مققن‬
‫أدوات الحاكم) أن تخطف منهم كلّ شيء‪..‬‬

‫الجديد الذي قد ل تعرفه ول يعرفه حتّى الزيني بركات نفسه هو أ نّ هناك تطوّرا‬
‫حيويّا حصقل وعليقك سقيدي اللعقب الصقغير أن تنتبقه له‪ ،‬إذ أصقبح الخطقف صقنعة‬
‫شائعة يستخدمه الجميع مع الجميع‪ ،‬وصارت هناك قواعد تحكم اللعبة‪ ،‬تغذيها روح‬
‫رياضيّة زاخرة‪ ،‬تجعققل جميققع الفرق تقبققل بجميققع النتائج‪ ،‬وتلعققب بمنتهققى النظافققة‬
‫دونمقا احتكاك ببعضهقا‪ ،‬اللهمّق إل مقا يكون حادثاً عرضيّا‪ ،‬مقن أكتاف قانونيقة أو جذب‬
‫فانلت طالما كان في إطار ما يسمح به قانون اللعب‪ ،‬أو يغمض أعينهم عنه الحكّام‪.‬‬

‫هذا كلمنقا للعقبين والحكّام أمّا إذا كنقت (ثكلتقك أمّك قبقل ولدتقك‪ ،‬رحمقة بنفسقها‬
‫وبقك) مقن الجماهيقر فل سقوى أن تنضبقط بقواعقد الفرجقة‪ ،‬وتلتزم بتشجيقع فريقق مقن‬
‫الفرق‪ ،‬ول تصرخ حين يخطف أحدهم أحلمك‪ ،‬فتلك هي ضوابط الفرجة‪..‬‬

‫‪53‬‬
‫(ظهر يسار لخر ورقة في القسم الوّل)‬

‫‪54‬‬
‫القسم الثاني‬
‫في الدولة‬

‫الفصل الوّل‪ :‬في الجماعة المصرية‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬في أنّ دولتنا مدنيّة‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬في وظائف الدولة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫(ظهر القسم الثاني)‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الوّل‬
‫في الجماعة المصريّة‬

‫(‪)1‬‬
‫ن الجماعة المصريّة واحدة‪:‬‬
‫في أ ّ‬

‫‪.1‬ليس أمامنا نحن المصريين في توجهنا نحو وضع الدستور سوى أحد تصوّرين‪:‬‬

‫أولهما أنّنا جماعة مصريّة واحدة‪ ،‬والثاني أنّنا جماعتان‪ :‬الولى مسلمة‪ ،‬والثانية‬

‫م سيحية‪ .‬في الحالة الولى سنجلس كرجال دولة نب حث عن صالح بلد نا‪ ،‬و في‬

‫الثاني سنجلس كرجال عصابات بكلّ ما تعني الكلمة من معنى‪.‬‬

‫‪.2‬إذا كنّا بصدد جماعتين فستبحث كلّ جماعة عن ما تعتقد أنّه صالحها مقدمة إياه‬

‫ل شيء‪ ،‬فقل لي بال عليك ما هو أه ّم ما لدى جماعتين ل يفرّق بينهما‬


‫على ك ّ‬

‫إل الدين؟ إنّها الطلبات الدينيّة؟‬

‫‪.3‬عند المسلمين‪ :‬الشريعة‪ ،‬وسيادة السلم على الدولة‪ ،‬وبقاء النصارى بعيدا عن‬

‫مراكز التأثير إذ الدولة مسلمة بحكم الغالبيّة العارمة‪ ،‬وسيقدّمون للنصارى عهدا‬

‫وذمّة‪ ،‬وقد يكون من مفردات ذلك العقد أن يُعفى النصارى من خدمة الجيش في‬

‫مقابل دفع الجزية؟ وسيطالب النصارى بأن يزال الخط الهمايوني وأن تكون لهم‬

‫نسبة مخصصة من قيادة الدولة توازي نسبتهم على القل في عدد السكّان‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪.4‬دع عنك أنّه إذا نجحنا في التوفيق ما بين الفريقين في إطار دستوري سيكون‬

‫ـ شديـد الحسـاسية‪ ،‬وبالتالي سـتظهر دعايات العمالة‬


‫هناك اصـطفاف طائفي ّ‬

‫ل عـن حرب النجاب وزيادة النسـل المتبادل‪ ،‬إلى غيـر ذلك مـن‬
‫والخيانـة‪ ،‬فض ً‬

‫ـس‬
‫ـم الولى رئيـ‬
‫ـن يحكـ‬
‫ـتصير الدولة دولتيـ‬
‫ـطفاف‪ ،‬وتقريبا سـ‬
‫ألوان الصـ‬

‫الجمهوريّة‪ ،‬ويحكم الثانية بابا الرثوذكس‪.‬‬

‫‪ .5‬ما ينب غي التذك ير به هو أ نّ هذا الو ضع مه ما كا نت ال صراعات بداخله سيظلّ‬

‫حال "الديمو مة" م سيطرا عل يه‪ .‬أي‪ :‬أ نّ أغلبيّة الم سلمين ستظلّ غال بة‪ ،‬وأقليّة‬

‫المسيحيين ستظلّ باقية‪ .‬وهو ما سيدفع القليّة لن ل ترضى بأ نّ يكون عامل‬

‫التفرقة ما بين الجماعتين المصريتين هو الدين وحده‪ ،‬وستبحث عن مفرّق آخر‪،‬‬

‫ولن تجد إل دعاية الحقيّة الوطنيّة؟‬

‫‪.6‬فسيبدأ المسيحيون بنشر دعاية أنّ مصر ملك لبنائها الصليين‪ ،‬وبالقطع سيكون‬

‫أبناؤهـا –حسـب الدعايـة‪ -‬هـم المسـيحيون الذيـن جاء العرب المسـلمون عليهـم‬

‫كمحتليـن‪ ،‬واليوم على هؤلء المصـريين الشاوس أن يطردوا المحتليـن العرب‬

‫ويعيدو هم إلى الجزيرة العرب ية؟ (عموما هذا أف ضل من البهدلة في الب حث عن‬

‫عقود عمل)‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪.7‬هذا السيناريو بُدئ في تطبيق أجزاء منه على الرض برعاية من جماعات من‬

‫الغبياء ول أعتقد أنّنا معه سنكون بغير إزاء حرب أهليّة‪ ،‬ل داعي للدخول في‬

‫تفاصيلها‪.‬‬

‫‪.8‬ب ما أ نّ هذا ال سيناريو لن تمرّره الجما عة الم صريّة على كل حال‪ ،‬ف سنضرب‬

‫الذ كر ع نه صفحا و سنتعاطى مع الطرح الوح يد لم ستقبل الجما عة الم صرية‬

‫باعتبار ها الوح يد و هو أنّ ها جما عة واحدة موحّدة‪ ،‬يتقرّب أفراد ها إلى إله وا حد‬

‫مـن أبرز سـماته أن ّه غيـر حريـص على أن يورث عباده الكراهيـة أو يوقـع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َول َ ْ‬
‫م‬ ‫دّي ِ‬ ‫م فِي ال ِ‬ ‫م يُقَاتِلُوك ُ ْ‬‫ن لَ ْ‬
‫ن ال ّذِي َ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫البغضاء بينهم{َل يَنْهَاك ُ ُ‬
‫َ َ‬ ‫خرجوك ُم من ديارك ُ َ‬
‫ب‬‫ح ُّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫سطُوا إِلَيْه ِ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م وَتُق ْ ِ‬‫م أن تَبَُّروه ُ ْ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫يُ ْ ِ ُ‬

‫ن }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫سطِي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مقْ ِ‬

‫الجماعة (الدولة) السلمية‪:‬‬

‫يجققب هنققا أن نقرر رأينققا فققي مسققألة "الجماعققة السققلمية" لعلّه يريققح الجميققع‬
‫مسلمين‪ ،‬ومسيحيين‪ ،‬بحيث يسهل على الكلّ تصوّر أنّنا جماعة واحدة‪ ..‬فنقول‪:‬‬

‫إنّق مصقطلح "الجماعقة السقلمية" لم يكقن يوماً مصقطلحاً ديني ًا مقصقورَ الدللة‬
‫على مسققلمي الديانققة‪ ،‬وإنّمققا كان دوماً مصققطلحاً سققياسيّا يدلّ على "الدولة" التققي‬
‫اصقطبغت بالسقلم ثقافقة وفكرًا وسقلوكاً وحضارة‪ ،‬والسقلم شيقء يتجاوز "الديقن"‬
‫بمعناه العقدي المشهور إلى التعقبير عقن منظومقة ثقافيّة واجتماعيّة متكاملة تصقبغ‬
‫الجماعة المتأثرة به من دون ارتباط بمسألة انتقالها عقديّا لليمان بالسلم العقيدة‪،‬‬
‫‪)(1‬سورة الممتحنة‪ ،‬آية‪.)8( :‬‬

‫‪59‬‬
‫وقد غدت هذه الحال ذات بعد تاريخي مفروغ منه‪ ،‬وهو البعد المسئول بالساس عن‬
‫خلق القيقققم الجتماعيقققة والرابطقققة الحضاريّققة المشتركقققة بيقققن سقققائر المجتمعات‬
‫السلميّة‪ .‬ومن لدن تكوّنت الجماعة السلميّة المّق في المدينة لم نعرف أنّها كانت‬
‫نقيّة العرق تشتمقل على المسقلمين فققط؟! وعليقه فل يجوز أن يطلق المصقطلح على‬
‫أقلّ من القطر أو الدولة‪ ،‬كما ل يمكن أن يدلّ ‪-‬وهو الهم والخطر‪ -‬ل في القطر ول‬
‫فقي الدولة على مسقلمي الديانقة فققط‪ ،‬وإنّمقا تتسقع دللتقه لتشمقل جميقع المواطنيقن‬
‫الذيقن يعيشون معاً فقي ذلك القطقر أو تلك الدولة التقي تهيمقن عليهقا الثقافقة والقيقم‬
‫الحضارية السلمية بكلّ زخمها التاريخي الذي يطبع الهوية القومية بطابَع ل يمكن‬
‫التخلص منقه‪ .‬فالجماعقة السقلمية بهذا الطرح‪ :‬مفهوم سقياسي دالّ على مجموعقة‬
‫الدول السقققلمية أو على واحدة منهقققا‪ ،‬وهقققو مصقققطلح دال داخقققل هذه الدول على‬
‫مجموع الفراد المتعاقديقن على العيقش معاً دونمقا التفات إلى عقائدهقم الدينيّة‪ ،‬وققد‬
‫تفضّل علينققا المرحوم مكرم عبيققد باشققا‪ ،‬بققبيان كيققف يكون هذا الخلط الرائد بقوله‪:‬‬
‫"أنققا مسققيحيّ ديناً مسققلم وطناً"‪ ،‬فالسققلم السققياسي والحضاري قّ قيمققة وحضارة‬
‫وانتماء وطنقي وليقس للعقيدة الدينيقة مقن الناحيقة السقياسية فيقه أيّق تأثيقر على حالة‬
‫الفراد إذ هققم بنظققر السققياسة أفراد وحسققب‪ ،‬وعليهققم جميعاً أن يخدموا انتماءهققم‬
‫الوطنققي‪ .‬فمققن عمققد إلى إفسققاد فهمنققا هذا ووحدتنققا هذه عققبر أيّة دعايات وخاصقّة‬
‫الدعايققة الدينيقققة –بالفهقققم الخرق‪ -‬فل غروا أنقّق أفرض الفروض علينققا جميعاً أن‬
‫نواجهقه فقي حزم ل يليقن‪ .‬وعلى هذا ل يسقوغ لفرد‪ ،‬ول لحزب ول لجماعقة ول ليّق‬
‫أحقد أن يؤسقّس لمعارضقة سقياسيّة على أسقاس دينيقّ‪ ،‬وعليقه فل يُقبقل تشكيقل أحزاب‬
‫دينيّة ول على أساس المرجعيّة الدينيّة‪ ،‬كما ل يجوز لحد أنْ يدّعي مرجعيّة السلم‬
‫لنفسقه‪ ،‬إذ السقلم هقو مرجعيّة المّة كلّهقا‪ ،‬ول يخفقى مقا فقي الدعاء بالسقلمية مقن‬
‫طعن على الخرين‪ ،‬وهو ممّا ل تقبل به الداب العامّة ول تق ّر به السياسة الحكيمة‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فيما ينبغي أن نكون؟‬

‫‪.1‬م صريون‪ :‬ل نرى ل نا تقدما من غ ير التضا فر والمحاف ظة على وحدت نا كن سيج‬

‫واحد لشعب حرّ يقف الجميع فيه على قدم المساواة ل فرق فيه بين غني وفقير‬

‫بين مسلم وغير مسلم كلّنا في الوطن سواء‪.‬‬

‫‪.2‬عرب‪ :‬قوميون نسعى لستكمال مسيرة "عبد الناصر" في تحقيق وحدة الشعب‬

‫العربي‪ ،‬وقيادة المّة نحو استعادة دورها الحضاري‪.‬‬

‫‪.3‬مسسلمون‪ :‬ننتمـي للهويـة الحضاريّـة السـلمية‪ ،‬ول نعرف لنـا تاريخا ول‬

‫مستقبلً إل في ظلّ هذه الهويّة الوطنيّة‪ ،‬ونشعر بالفخر لنّنا ورثة أقدم وأعرق‬

‫حضارة عرف ها الن سان‪ ،‬ب ما يمثّل ل نا ماضيا مشرّفا و صدق الر سول الكر يم‬

‫"خياركـم فـي الجاهلي ّة (أي‪ :‬جهـل التعرّف على التصـورات السـاسيّة‪ :‬ال‪،‬‬

‫الن سان‪ ،‬الكون) خيار كم في ال سلم"‪ ،‬والم صريون خيار الناس في ال سلم‬

‫وأوسطهم طريقة في فهمه‪ ،‬وأكبر المدافعين عنه‪ ،‬وسدنة محرابه‪ ،‬ل يطاولهم‬

‫في هذا المر إل مكابر‪.‬‬

‫لكننا ل نعرف السلم في الميدان السياسي إل بمعنى تلك القيم التي أنتجتها‬

‫الحضارة السلمية فطبعت الشعوب المنتمية إليها بغض النظر عن اختلف‬

‫دياناتها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ول نعرف للجماعة السلمية تعريفا إل أنها‪ :‬تلك الجماعة التي تمثّل وطنا (دولة)‬

‫غلب فيه وجود المسلمين وغلبت عليه ثقافة السلم وطباعه وقيمه‪ ،‬وتوحدت‬

‫القليات غير المسلمة فيه مع المسلمين‪ ،‬وكانت لهم ل عليهم‪ .‬فما من وطن تتوفر‬

‫فيه هذه الخصائص إل مثّل جماعة إسلميّة يتمتع كلّ أعضائها بالمواطنة الكاملة‪.‬‬

‫وعليه فنحن ندعو إلى استعادة قيم وثقافة وتقدم الحضارة العربية السلمية في ذات‬

‫الوقت إلى ندعو فيه لحترام أقيم وأنبل ما في هذه الحضارة من احترام للخر‬

‫واحتواء له واعتراف به والنصهار معه في بوتقة إحراز حضاري يسعى نحو‬

‫خير الجميع‪ ،‬ويقف فيه الجميع على قدم المساواة ل يفرق بينهم اختلف العقائد‬

‫والعراق‪.‬‬

‫وأمّا "الولء والبراء" فأخف ما يمكن أن يقال فيه إنّه فكرُ أزمةٍ عاشتها قطاعات‬

‫من المفكرين المسلمين قديما وحديثا القاسم المشترك بينهم هو الشعور بهزيمة‬

‫الدولة السلميّة وفشلها‪ ،‬وقد كان حريّا بهم أن يلتفتوا إلى أصل الداء وهو فشل‬

‫هذه الدولة الذريع في ترتيب أوضاعها السياسيّة‪ ،‬فيعالجوه‪ ،‬وبذا تتقدّم هذه الدولة‬

‫في كلّ مجال‪ .‬وليس عندنا ما نقوله في هذا المصطلح إل ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬ل ولء ول براء داخل الجماعة السلمية (الوطن الواحد) فالكلّ‬

‫في إطار هذا الوطن من الناحية السياسية مسلمو الوطن‪ .‬فل‬

‫يبقى من الولء والبراء إل معنى الحفاظ على الدين أن يضيع‪،‬‬

‫وبما أنّ النشغال بالحفاظ على الدين السلمي داخل الدولة‬

‫‪62‬‬
‫السلمية طرح غير عاقل –وسبق تعليل مرضيته‪ -‬فل احترام‬

‫له‪.‬‬

‫‪ -2‬أمّا الولء والبراء خارج إطار الدولة فهو ولء وبراء سياسي‬

‫وهو شأن مفهوم بداهة من شئون السياسية‪ ،‬وخلصته أنّ الدولة‬

‫ترتب أوضاعها وعلقاتها خارج حدودها بحسب مصلحتها‬

‫التاريخية والحضارية وبما يحفظ حقوق أجيالها القادمة‪ ،‬فل‬

‫غرو أنّ أكثر الدول تخلفا في فهم السياسة تسعى إلى التقارب‬

‫والتكتل والوحدة مع الدول القريبة منها‪ .‬وهذا يتحدد بحسب‬

‫الظروف السياسيّة القائمة‪ .‬وطالما أنّه شأن بدهي معروف‪ ،‬فل‬

‫حاجة لستخدام مصطلحات ملغزة للدللة عليه‪.‬‬

‫‪.4‬إنسسانيون‪ :‬نرنـو لذلك اليوم الذي تقـف فيـه النسـانية بحزم فـي وجـه الجهلء‬

‫ودعاة الخراب‪ ،‬وت سعى متحدة ن حو الخ ير وال سلم عبر "حلف فضول" عال مي‬

‫ينصر الضعيف ويعين ذا الحاجة ل فرق فيه بين الناس يرعى الجميع قول ال‬

‫م فِي الْبَّرِ وَالْب َ ْ‬


‫حرِ وََرَزقْنَاهُم‬ ‫ملْنَاهُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫تعالى {وَلَقَد ْ كََّر ْ‬
‫منَا بَنِي آد َ َ‬
‫م وَ َ‬
‫َ‬
‫ضيلً} [سـورة‬
‫خلَقْن ََا تَفْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ع َلَى كَثِيرٍ ِّ‬
‫م َّ‬
‫م َْ‬ ‫ضلْنَاهَُ ْ‬ ‫ن الط ّيِّبَا َِ‬
‫ت وَفَ َّ‬ ‫م ََ‬
‫ِّ‬

‫السراء‪ ،‬آية‪ )70( :‬وسيأتي حديث مفصّل عن ذلك في القسم الخير من الدراسة]‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫(‪)3‬‬
‫في محاور بناء شخصيّة الدولة المصريّة‬

‫الكاتبون( ) يعلنون تضامنهققم الكامققل مققع عدّة محاور أسققاسيّة لبناء الشخصققيّة‬
‫‪1‬‬

‫السقياسيّة المصقريّة‪ ،‬وتمثقل هذه المحاور فقي ظنّهقم ركيزة أسقاسيّة ومرجعيّة آمنقة‪،‬‬
‫للسير في طريق النهوض‪ ،‬وهذه المحاور هي‪:‬‬

‫أولً‪ :‬تثقبيت النتماء للسقلم الحضاريّق الذي هقو ثقافقة الجميقع مسقلمين وأقباط‬
‫والتأكيقد على عروبقة مصقر‪ ،‬والسقعي الدءوب مقن أجقل تدعيقم وصقون هذه الهويقة‬
‫الوطنيقة‪ ،‬والتأسقيس لمجتمقع صقالح يقوم على المسقاواة وعلى المواطنقة ل فرق فيقه‬
‫بيققن مسققلم ومسققيحيّ‪ .‬واللتزام بدحققر الدعوات الجاهلة والمخرّبققة مققن أيّة طائفققة‬
‫صدرت‪ ،‬وعلى رأسها الدعوة التي ل يُقرّها فقه عاقل‪ ،‬ول تقول بها سياسة حكيمة‬
‫(كدعوى أخذ المسلمين المصريين الجزية من إخوانهم القباط؟!!) والتأكيد على أ نّ‬
‫إسقلمية الدولة والحضارة إنمقا هقو شأن جمعقي للمّة كلهقا بمختلف أطيافهقا‪ ،‬وأنّه‬
‫ليقس لنتماء الهويقة هذا أيّ نوعٍق مقن التأثيقر على حالة الفراد‪ ،‬فإسقلمية الدولة ل‬
‫تعطي أ يّ لون من المتياز لمسلمي العقيدة الذين يخضعون وغيرهم لسيادة القانون‬
‫الذي تصقدره المّة‪ ،‬والذي ينبغقي مقع ذلك أن ل يتأسقس على أيّق لون مقن المغايرة‬
‫مع الذات‪ ،‬ونكران الضمير الجمعي المنتمي للسلم ولشريعته التي عاشت الطياف‬
‫المختلفقة فقي ظلّهقا وأَمِنَتْق بهقا على نفسقها‪ ،‬ودينهقا‪ ،‬وعقلهقا‪ ،‬وعرضهقا‪ ،‬ومالهقا‪.‬‬
‫[سيأتي]‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التأكيقققد على اعتماد الخيار الديمقراطقققي‪ ،‬والفصقققل بيقققن السقققلطات‪ ،‬أو‬
‫بالحرى توزيعهقا على عدد مقن المؤسقسات مقع ضمان أن يسقتبد البرلمان بالسقلطة‬
‫العليقا‪ ،‬والعلن بشكقل قاطقع عقن انتهاء فكرة المعارضقة والزدواجيّة بيقن فكرتقي‬
‫الدولة الدينيّة والمدنيّة ذلك التقاطققع غيققر المصققري وغيققر العربققي وغيققر المسققلم‪،‬‬
‫‪ )(1‬هذا المبحث منقول من الطرح الذي تقدمنا به للخوان‪ ،‬وقد أبقينا صيغة الجمع‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫والذي دخل إلى ثقافتنا عبر ظرف الزمة الثقافية والديمقراطيّة التي عايشتها بلدنا‪،‬‬
‫ونعلن أنّه إن كان ولبد أن نريح أصحاب الهواجس فإنّنا نعلن بوعي كامل أنّ الدولة‬
‫التقي نريدهقا ونسقعى إليهقا إنّمقا هقي الدولة المدنيّة‪ ،‬ول نرى الدولة فقي السقلم إل‬
‫دولة مدنيّة بقل ل نرى المسقجد إل مؤسقسة مدنيّة‪ ،‬وليقس الفقهاء عندنقا غيقر رجال‬
‫قانون عادييقن‪ ،‬ومقن نافلة القول التذكيقر بأنّه ليقس عندنقا مقا يعرف "برجال ديقن"‬
‫وإن كان لدينا مؤسسة تشتمل على المتخصصين في المسائل الدينية من المهم ومن‬
‫الضروري في كلّ دولة أن تتوافر لها قواعد الوجود المن والمؤمّن للسلم العام عبر‬
‫اسققتقلليّة مطلقققة عققن سققلطان السققاسة‪ ،‬فل يمكققن أن نقبققل بأن يكون تعييققن شيققخ‬
‫الزهر بقرار سياسيّ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ضرورة حفقظ وحمايقة الحريّات العامّة‪ ،‬والعمقل على الحفاظ على ديمومقة‬
‫شرعنقة السقلطة‪ ،‬بمعنقى أن يتقم اعتبار دوام حيازة الحكومقة للرضاء العام مقن قبقل‬
‫المحكوميققن شأناً دسققتورياً‪ ،‬والصققائب فققي هذا هققو أن يتمقّ توسققيد الحفاظ على هذه‬
‫الدسقتوريّة بيقد أحقد مجلسقي البرلمان بحيقث يكون هناك فصقل بيقن وظيفتقي القيادة‬
‫العليقا للقوّات المسقلّحة (وتكون بيقد مجلس الشيوخ) وبيقن رئاسقة السقلطة التنفيذيّة‬
‫(الحكومققة) على أن ل يسققمح لي قّ مققن أعضاء المجلس الرئاسققي (مجلس الشيوخ)‬
‫بممارسة أي من أعمال الحكومة التنفيذية –على النحو الذي سيأتي ذكره‪.-‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫ن دولتنا مدنيّة؟‬
‫في أ ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫الدولة ضرورة‪ ..‬والنّاس ل يتمايزون في الضرورات بدينهم‪:‬‬

‫الدولة ظاهرة أوليّة فقي حياة كلّ مجتمقع بشري‪ ،‬فحيثمقا توجقد الجماعقة البشريّة‬
‫يوجققد فيهققا نوع مققن التنظيققم السققياسي(‪ ،)1‬الذي يترتققب طققبيعيّا على أسققاس بداهققة‬
‫الحاجقة للجتماع وتقاطقع أمقن وصقالح هذا الجتماع مقع "طبيعقة إنسقانيّة" مفطور‬
‫عليهقا الفراد ققد تهيّئ لبعضهقم الرغبقة فقي السقتحواذ على أكقبر قدر مقن الخيرات‬
‫دون غيرهقم‪ ،‬وبالتالي تقبرز ضرورة أن ينشقأ تنظيقم لعلقات أولئك الفراد الذيقن لبدّ‬
‫لهقم مقن التفاعقل والتعامقل الذي ل مناص منقه مقن أجقل إشباع حاجاتهقم الضروريّة‪،‬‬
‫فلبققد وأن تقوم سققلطة تسققوس هذا الجتماع وفققق قواعققد ينزل النّاس جميعاً عنققد‬
‫حكمهققا فتحقققق النظام والسققتقرار والعدل فققي المعاملت‪ ،‬وهذه القواعققد لبدّ وأن‬
‫تتميّقز الهيئة الجتماعيققة القائمققة عليهققا بالقدرة على إرغام الفراد على احترامهققا‬
‫والرضوخ لحكمهققا(‪ ،)2‬ويطلق على تلك الهيئة "الحكومققة" ويطلق على باقققي أفراد‬

‫يُراجع‪ :‬د‪.‬غانم محمّد صالح‪ ،‬الفكر السياسي القديم‪ ،‬منشورات جامعة بغداد‪ ،‬كلّيّة القانون والسياسة‪( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫ن ممارسة القيادة‪ ،‬والحكم وعلم السلطة والدولة‪ ،‬وأوجه‬


‫‪1400‬هـ=‪1980‬م) ص ‪ .9‬والسياسة‪ :‬هي ف ّ‬
‫العلقة بين الحاكم والمحكوم‪ .‬تُراجع‪ :‬الموسوعة السياسيّة‪ ،‬المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر‪ ،‬ط ‪( 1‬‬
‫‪1983‬م) الجزء الثالث‪ ،‬ص ‪.362‬‬
‫‪)(2‬ولذا يعرّف القانون بأنّه‪ :‬مجموعة القواعد المتوصل إليها بالعرف أو بالفقه أو بغيرهما‪ ،‬والتي تقيم‬
‫نظام المجتمع فتحكم سلوك الفراد وعلقاتهم فيه‪ ،‬والتي تناط كفالة احترامها بما تملك السلطة العامة في‬
‫المجتمع من قوة الجبر واللزام ينظر‪ :‬د‪.‬منذر الفضل‪ ،‬تاريخ القانون‪ ،‬مكتبة دار الثقافة‪ ،‬ط ‪1998( 2‬م)‬
‫ص ‪ .11-10‬عبد الباقي البكري‪ ،‬د‪.‬علي محمد بدير‪ ،‬زهير البشير‪ ،‬المدخل لدراسة القانون‪ ،‬نشر وزارة‬

‫‪66‬‬
‫المجتمققع الخريققن اسققم "المحكوميققن"‪ ,‬ويطلق على هذا المجتمققع اسققم‪ :‬المجتمققع‬
‫السياسي "‪.)1("Societe politique‬‬

‫هذه هققي فكرة الدولة فققي نشأتهققا وبسققاطتها‪ :‬إنسققان ل يعيققش إل فققي مجتمققع‪،‬‬
‫ومجتمع ل يقوم إل على نظام ‪ ،‬ول يستوي إل على قواعد آمرة ملزمة يُحمل الفراد‬
‫على طاعتها بما تملك الجماعة من سلطة القهر والجبار الذي ل يتاح بشكله المادي‬
‫المنظم إل لسلطة عليا في الجماعة يكون لها حق احتكار هذه القوة واحتباسها بين‬
‫يديهقا"(‪ .)2‬على هذا ُشكّلت الدولة وشُكقل القانون وسقيظلن يشكلن أبرز ظاهرة فقي‬
‫الحياة الجتماعيققة للبشققر‪ .)3(..‬ول نعتقققد أن فققي كلّ هذا مققا يتعلّق بأيققّ نوع مققن‬
‫الخصققوصية أو التميّز ق الذي يفرّق مققا بيققن مجتمققع ومجتمققع‪ .‬بيققن مسققلمين وغيققر‬
‫مسلمين‪.‬‬

‫فالدولة تجمّع بحكم الضرورة تظهر به سلطة بحكم ذات الضرورة‪ ،‬وليس هناك‬
‫ديقن مسقئول عقن ابتكار هذا التجمّع لنّق الديان ل تبتدع القوام وإنّمقا تتنزل فيهقا(‪،)4‬‬
‫فل يسقوغ لجماعقة مقن المسقلمين اليوم أن تقحقم السقلم فقي التصقدّي لمقا لم يوظّف‬
‫له‪ ،‬فالدولة كمققا الطعام ل يمكققن أن يقال إن أصققل مشروعيتققه قول ال تعالى‪{ :‬ي ََا‬
‫ولَ‬ ‫شَربُوا ْ َ‬ ‫د وكُلُوا ْ َ‬
‫وا ْ‬ ‫ج ٍ‬
‫س ِ‬
‫م َْ‬
‫ل َ‬‫عندَ ك ُ ِّ‬
‫م ِ‬ ‫زينَتَك َُ ْ‬ ‫ْ‬
‫خذُوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫بَن َِي آدََ َ‬
‫ن}(‪ .)5‬إنّمقا يقال إنّق أصقل مشروعيقة‬ ‫في َ‬ ‫ر ِ‬
‫س ِ‬
‫م َْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح َُّ‬ ‫فوا ْ إِن ََّ ُ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ر ُ‬
‫س ِ‬
‫ت َُ ْ‬

‫التعليم العالي‪ ،‬والبحث العلمي العراقيّة‪1402( ،‬هـ=‪1982‬م) ص ‪ 15‬وما بعدها‪.‬‬


‫يُنظر‪ :‬د‪ .‬السيد العربي حسن‪ ،‬دراسات في تاريخ النظم القانونية والجتماعية‪ ،‬ط ‪2002‬م ص ‪.9‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫ينظر‪ :‬حسن كيرة‪ ،‬المدخل إلى القانون‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫‪ )(3‬مقدمة ملف السلم والدولة نشر موقع بلغ‪ ،‬على الشبكة الدولية للمعلومات‬
‫‪.http://www.balagh.com/islam/1i1elhxd.htm‬‬
‫‪ )(4‬وإنّ من السفسطة أن يقال‪ :‬إنّ القوام أنشأهم نبيّ هو آدم عليه السلم‪ ،‬لنّ مبدأ الخلق له منتهى‬
‫الخصوصيّة‪ ،‬وآدم عليه السلم لم يكن رسولً بل كان نبيّا فقط‪ ،‬ومصطلح "الرسول" في حدّ ذاته واضح‬
‫الدللة على ضرورة وجود القوم(الدولة) الذين يرسل الرسول إليهم‪.‬‬
‫‪)(5‬سورة العراف‪ ،‬آية‪.)31( :‬‬

‫‪67‬‬
‫الطعام الحاجة إليه والية أو اليات مرشدة في طريقة التعامل مع هذه الضرورة أو‬
‫تلك‪ .‬أمّا أن يقال إنّق الذي ابتكقر الدولة ولفقت الناس إلى ضرورتهقا أو مثقل ذلك فقي‬
‫الطعام هقققو هذا النص قّق أو ذاك‪ ،‬فذلك خلف كلّ عققققل وعلمقققة على اندثار الفهقققم‪.‬‬
‫فالسقلم ديقن يقدّم هدايقة للنّاس فقي حياتهقم فقي ظلّ القالب الطقبيعي الذي نشأت هذه‬
‫الحياة وعلى قواعده بدت السقلطة فيهقا‪ ،‬وليقس مقن شأن الرسقالت أن تغيّره ول أن‬
‫تبتكر فيه‪ ،‬ولم توجد رسالة من دون قوم(دولة)‪ ،‬وإن نشأت أقوام عديدة ول رسالة‬
‫لهقا(‪ .)1‬فالرسقالة أسقيرة الطبيعقة الحاكمقة للناس فقي أنّهقم دوماً فقي إطار مقن قوم أو‬
‫دولة‪ ،‬والنّاس في هذه الطبيعة الخيرة ل يتمايزون‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫الخلفَة انتهَت بعَد الراشديَن‪ ..‬والقول برجعتهَا تجارة بالديَن وإفسَاد‬
‫لعقول الخلق‪ ..‬والمطلوب‪ :‬العمََل لسََتعادة الرشََد‪ ،‬ل القول برجعََة‬
‫الخلفة‪..‬‬

‫ل نعرف أنّه يوجد في تاريخ المسلمين نظام يمكنه أن يعبّر عن السلمة إل نظام‬
‫"الخلفقة" قولً واحداً ل يتعدد بتعدد السقلميين‪ .‬و"الخلفقة" باختصقار‪ :‬هقي نظام‬
‫ي متعدد الوجوه اقترب في جملته من أقيم أنماط المجتمعات السياسيّة تحضّرا‬
‫سياس ّ‬
‫بحيققث إنّه رعققى دولة قانون ذات طابققع ديمقراطققي‪ ،‬ولهققا نزعققة اشتراكيققة‪ ،‬وكان‬
‫ينقصققه مققن شئون الدولة المتحضرة التققي نعاصققرها أن تتوزّع فيققه السققلطات على‬
‫مؤسسات تقوم كلّ منها بمهمّة معينة بحيث تتحوّل الدولة إلى دولة مؤسسات‪ ،‬يقف‬
‫البرلمان حاكماً أعلى بين مؤسساتها‪.‬‬

‫‪ )(1‬أمّا قول ال تعالى‪{ :‬وَإِن مّنْ ُأ ّمةٍ إِلّا خلَا فِيهَا َنذِيرٌ} (‪ )24‬سورة فاطر‪ .‬فسيأتي أنّ المّة تعني تلك‬
‫الجماعة التي أنشأت (الدولة) لكنّ هناك ممن تبع هذه المة المنشئة أمم ل عدّ لها ليس فيها نذير‪ ،‬بل هذا‬
‫الستشاد لنا ل علينا إذ لو كان المر على ظاهره لوجب أن يكون في كلّ ساعة من الزمان قبل بعثته‬
‫صلّى ال عليه وسلّم رسالة ورسول وهو ما نعلم انقطاعه بيقين‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫فإذا تذكّرنقا أنّنقا نتحدّث عقن نظام كان قائماً منقذ نحقو خمسقة عشقر قرناً‪ ،‬وعلى‬
‫غير سابق مثال‪ ،‬ولم يكن بين يديه ما يطلعه على تجارب الحضارات السابقة عليه‪،‬‬
‫لتذكّرنقا أمراً مهمّا للغايقة وهقو أنّق علينقا أن نرفقع قبعاتنقا لقادة هذا النظام وللشعقب‬
‫الذي أوجده‪ ،‬وأنقّ الهقم هقو أن نلتفقت إلى حالنقا ومسقتقبلنا قبقل أن ننشغقل بتعديقل‬
‫مسارات أناس قضوا من قديم‪.‬‬

‫أكثقر مقا يهمّنقا أن نلفقت إليقه الن ممقا ينبغقي على السقلميين وعلى غيرهقم أن‬
‫يستحضروه حين نتحدث عن نظام سياسيّ مصطبغ بالسلميّة‪ ،‬هو‪:‬‬

‫أولً‪ :‬أنقّ هذه الخلفققة التققي نتحدّث عنهققا كانققت طيلة حياتهققا "دَولةُ مَدي َنةٍ" ولم‬
‫تتحوّل لنظام الدولة الكقبيرة ذات القاليقم المشاركقة للعاصقمة فقي الحكقم‪ ،‬وبالتالي فققد‬
‫كانقت ظرفاً نادراً وخاصقّا وفريداً‪ ،‬وحالة تاريخيّة خاصقة‪ ،‬فالجماعقة السقلميّة التقي‬
‫كانققت تعيققش طور الدولة المدينققة هذا ‪-‬حتّقى بعققد الفتوحات‪ -‬كانققت تديققن لقادتهققا‬
‫بالخصققوصية الدينيققة والسققياسية والخلقيّة على السققواء مققع توفّر التسققليم العام‬
‫بعدالة هؤلء القادة وصقققفاء سقققريرتهم‪ ،‬وبالجملة اليمان الشامقققل بنقائهقققم ظاهراً‬
‫وباطناً‪ .‬وكلّ ذلك ممّا ل يوحقي اسقتمرارُ الصقرارِ على القول برجعتقه اليوم إل بلون‬
‫بالغ التدهور مققن المرض العقلي والتاريخققي على السققواء‪ ،‬ول يزيققد القول بققه على‬
‫القول بالرجعقة المنسقوب للشيعقة‪ ،‬فعلى المتشدديقن أن يحرصقوا على أن ل يضبطهقم‬
‫أحد وهم يرددون القول به؟‬

‫ثانياً‪ :‬أ نّ النصوص المتحدثة عن الخلفة بعد النبيّ صلّى ال عليه وسلّم جاءت‬
‫على نحققو يوحققي بمدى إدراكهققا لمبلغ ذلك التغيققر الذي سققيصيب الدولة بعققد هذه‬
‫الخلفقة وبأنّه سقيكون انقلباً قاتلً ققد يأتقي على كلّ معانقي السقلم العامقّ فقي الدولة‬
‫متضمّنقة الشارة إلى ضرورة التمسقّك بطريققة "الخلفاء الراشديقن" الذيقن حُدّد اثنان‬
‫منهقم بالسقم‪ ،‬وأشيقر للباقيقن جملة‪ ،‬فعرفوا بالتفاق العام بيقن المسقلمين‪ .‬فالمروي‬

‫‪69‬‬
‫عقن الرسقول الكرم( )‪" :‬الخلفقة بعدي ثلثون عاماً يكون بعدهقا الملك"(‪ .)1‬وروى‬
‫سعِيدِ‪ ٍ،‬قَالَ‪َ :‬أخْبَرَنِي جَدّي قَا َل كُنْ تُ‬
‫ع ْمرُو بْ نُ َيحْيَى بْ نِ َ‬
‫البخاري في كتاب الفتن عن َ‬
‫سجِدِ النّبِيّ صَلّى اللّهم عَلَيْهِ وَسَّلمَ بِا ْلمَدِي َنةِ َو َمعَنَا مَ ْروَا نُ‬
‫جَالِسًا َم َع أَبِي هُرَ ْيرَةَ فِي مَ ْ‬
‫س ِمعْتُ ال صّادِقَ ا ْلمَ صْدُوقَ َيقُولُ‪:‬‬
‫(يقصد‪ :‬مروان بن الحكم الموي) فقَا َل أَبُو هُرَيْرَةَ َ‬
‫علَ ْيهِ مْ غِ ْل َمةً‪َ .‬فقَالَ أَبُو‬
‫علَى يَدَ يْ غِ ْل َمةٍ مِ نْ قُرَيْ شٍ‪َ .‬فقَالَ َم ْروَا نُ‪َ :‬لعْ َن ُة الِّ َ‬
‫هَ َل َكةُ ُأمّتِي َ‬
‫ت أَ نْ أَقُولَ بَنِي ُفلَ نٍ وَبَنِي ُفلَ نٍ َلفَعَلْ تُ"‪ .‬قال الراوي‪َ :‬فكُنْ تُ َأخْرُ جُ مَ عَ‬
‫هُرَيْرَةَ َلوْ شِئْ ُ‬
‫جَدّي إِلَى بَنِي مَ ْروَا نَ (بن الحكم) حِينَق مُّلكُوا بِالشّامِق فَإِذَا رَآهُمْق غِ ْلمَانًا َأحْدَاثًا قَالَ لَنَا‬
‫عَسقَى َه ُؤلَ ِء أَنْق َيكُونُوا مِ ْنهُمْق قُلْنَا أَنْتَق أَعْلَمُق؟(‪ .)2‬كمقا روى الحاكقم فقي المسقتدرك أنّق‬
‫النققبي صققلى ال عليققه وسققلم قال لكعققب بققن عُجرة‪ :‬أعاذك ال يققا كعققب مققن إمارة‬
‫السفهاء‪ .‬قال (كعب)‪ :‬وما إمارة السفهاء يا رسول ال؟ قال‪ :‬أمراء يكونون بعدي ل‬
‫يهتدون بهديي ول يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك‬
‫ليسوا مني ولست منهم ول يردون على حوضي‪ ،‬ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم‬

‫سمِ ْعتُ َرسُولَ الّلهِ صَلّى اللّهم عَلَ ْيهِ َوسَّلمَ يَقُولُ ا ْلخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا ُثمّ‬
‫ل َ‬
‫ن سَفِي َن َة قَا َ‬
‫‪)(1‬أحمد بن حنبل‪ :‬عَ ْ‬
‫عمَرَ َرضِي اللّهم‬
‫عنْهم سَنَتَيْنِ َوخِلَا َفةَ ُ‬
‫سكْ خِلَا َفةَ أَبِي َبكْرٍ َرضِي اللّهم َ‬
‫ل سَفِي َنةُ َأ ْم ِ‬
‫ك قَا َ‬
‫َيكُونُ َب ْعدَ ذَِلكَ ا ْلمُ ْل ُ‬
‫ت سِنِينَ َرضِي اللّه‬
‫ي سِ ّ‬
‫عشْ َر سَ َنةً َوخِلَافَةَ عَِل ّ‬
‫عشْ َر سِنِينَ َوخِلَافَةَ عُ ْثمَانَ َرضِي اللّهم عَنْهم اثْ َنيْ َ‬
‫عنْهم َ‬
‫َ‬
‫عنْهمْ‪[ .‬أحمد بن حنبل‪ ،‬حديث(‪( 5/220 )21919‬وفي طبعة المحقق ‪ )36/248‬قال المحقق الستاذ‬
‫َ‬
‫الرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير سعيد بن جُمهان‪ ..‬فهو "صدوق" من رجال‬
‫أصحاب السنن‪ .‬قال ابن تيمية‪ :‬ولفظ أبي داود من رواية عبد الوارث والعوام‪" :‬تكون الخلفة ثلثون‬
‫عاما ثم يكون الملك"‪ .‬و"تكون الخلفة ثلثين سنة ثم تصير ملكا"‪ .‬قال‪ :‬وهو حديث مشهور من رواية‬
‫حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب وغيره عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ورواه أهل السنن كأبى داود و غيره واعتمد عليه المام أحمد وغيره فى‬
‫تقرير خلفة الخلفاء الراشدين الربعة‪[.‬ابن تيمية‪ ،‬الخلفة والملك‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن محمد قاسم‬
‫النجدي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬د‪.‬ت]‪.‬‬
‫‪)(2‬البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب قول النبي صلى ال عليه وسلم هلك أمتي على يدي أُغيلمة‬
‫سفهاء‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫على ظلمهقم فأولئك منقي وأنقا منهقم وسقيردون على حوضقي‪ ..‬الحديقث‪ .‬قال الحاكقم‪:‬‬
‫هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه(‪.)1‬‬

‫وقققد جاء الحديققث عققن الخلفاء الراشديققن تحديدهققم أو الشارة إليهققم أو المققر‬
‫باتباع نهجهم فيما روى أبو داود‪ ،‬والترمذي وابن ماجة‪ ،‬عن‪ :‬ا ْلعِرْبَا ضَ بْ نَ سَارِ َيةَ‬
‫قوله عقن النقبيّ صَقلّى اللّهقم عَلَيْهِق وَسَقّلمَ‪َ :‬إِنّهُق مَنْق َيعِشْق مِ ْنكُمْق َبعْدِي فَسَق َيرَى اخْتِلَفًا‬
‫علَيْهَا‬
‫كَثِيرًا َفعَلَ ْيكُمْق بِسُقنّتِي وَسُق ّنةِ ا ْلخُلَفَاءِ ا ْل َمهْدِيّينَق الرّاشِدِينَق َتمَسّقكُوا بِهَا َوعَضّوا َ‬
‫بِال ّنوَاجِذِ" (‪ .)2‬وجاء التصقريح باسقمي الشيخيقن أبقي بكقر وعمقر عليهمقا السقلم فيمقا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صل ّى‬ ‫ل الل َّ ِ‬
‫ه ََ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر َُ‬ ‫روى الترمذي رضقي ال عنقه‪ ،‬عَنْق حُذَ ْي َفةَ قَالَ‪َ « :‬‬
‫قا َ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫دي أب ِ َي بَك ْ ٍ‬ ‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬‫م َْ‬
‫ن ِ‬ ‫قتَدُوا بِالل َّ َ‬
‫ذي ْ َ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫َ‬
‫سل ّ َ‬
‫و ََ‬ ‫علَي ْ َ ِ‬
‫ه َ‬
‫َ‬
‫الل ّ َهم َ‬
‫مَر » قَا َل أَبقو عِيسقَى هَذَا حَدِيثٌق حَسَقنٌ‪ .‬وكذا رواه أحمقد بقن حنبقل‪ ،‬ورواه ابقن‬
‫ع َ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫ماجة في كتاب المقدمة(‪.)3‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مقن دون الحالتيقن المعروفتيقن بتعييقن الرشقد اسقماً فقي أبقي بكقر وعمقر‪ ،‬أو‬
‫فقي إلحاق الخليفتيقن‪" :‬عثمان بقن عفّان" و"عليّق بقن أبقي طالب" بهمقا عقن طريقق‬
‫التفاق العام أو مققا يمكققن تسققميته "الجماع" لم يقققع لواحققد فققي تاريققخ المسققلمين‬
‫إطلق الرشاد على واحد من الحاكمين‪ ،‬سوى الملك الموي "عمر بن عبد العزيز"‬
‫ممّا يدلّ على أنّق انسقحاب التفكيقر بالخلفقة وبالرشقد فقي الذهقن والمزاج السقياسي‬

‫‪)(1‬الحاكم في المستدرك‪ ،‬كتاب الفتن والملحم‪ .4/468 ،‬وهو حديث مؤيد لما أثبتناه في الحاشية قبل‪ .‬ينظر‬
‫الحاشية الولى‪ :‬ص ‪.76‬‬
‫‪)(2‬أبو داود‪ ،‬كتاب السنّة‪ ،‬باب في لزوم السنّة‪ .‬سكت عنه أبو داود‪ .‬ورواه الترمذي في السنن‪ ،‬كتاب‬
‫العلم‪ ،‬باب ما جاء في الخذ بالسنة واجتناب البدع‪ ،‬قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح‪ .‬ورواه ابن‬
‫ماجة في السنن‪ ،‬كتاب المقدمة‪ ،‬باب اتباع سنّة الخلفاء الراشدين المهديين‪.‬‬
‫‪)(3‬ينظر‪ :‬الترمذي‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب في مناقب أبي بكر وعمر‪ .‬وينظر‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪،‬‬
‫حديث (‪( 5/382 )23245‬وفي طبعة المحقق ‪ )281-38/280‬قال المحقق الستاذ شعيب الرنؤوط‪:‬‬
‫حديث حسن بطرقه وشواهده‪ .‬و ينظر‪ :‬ابن ماجة‪ ،‬كتاب المقدمة‪ ،‬باب فضائل أصحاب رسول ال(صلى‬
‫ال عليه وسلم)‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫للمسقلمين انسقحاب غيقر مقبول‪ .‬فإذا تركنقا حقائق التاريقخ جانباً إلى خيالت مقن لهقم‬
‫تخيّل خا صّ في قراءة بعض النصوص التي تبشّر بعودة الخلفة راشدة على منهاج‬
‫النبوّة‪ ،‬وراجعنا ما قاله العالمون َلعَ ِلمْنا أ نّ التأويل المقبول عند عامّتهم بهذا الوعد‬
‫هقو شخقص "عمقر بقن عبقد العزيقز" الملك الموي الذي أعاد الحكقم مقن صقلف وظلم‬
‫الموييققن إلى روح الرشققد ولم يتس قنّ له أن يتم قّ مققا بدأ فعادت بعده ملكاً عنيفاً كمققا‬
‫كانت‪.‬‬

‫المعاندة فقه غير نافع؟‬

‫مققع أنّه توفّر لدى الجميققع وعيقٌ بمبلغ ذلك التغييققر الذي يكاد يكون جذرياً فققي‬
‫المفاهيققم والممارسققات السققياسية بيققن عصققري السققياسة السققلميّة التقليديققة ذات‬
‫الطابقع الديمقراطققي‪ ،‬وبيقن عصقر الغلبققة والقهققر‪ ،‬ممّا دفعهققم بل اسقتثناء لتسقجيل‬
‫إجماع بانقضاء الرشقد بعقد خلفقة أميقر المؤمنيقن عليّق (عليقه السقلم) وابتداء عصقر‬
‫آخر بعده‪ .‬وهو ما جعل ابن خلدون يشير إلى هذا الوضع في أحد فصول "مقدمته"‬
‫بعنوان‪"‍ :‬انقلب الخلفة إلى ملك"(‪ .)1‬ولعلّه هو ذاته ما حمله على القول بأن "أكثر‬
‫الحكام السلطانية جائرة في الغالب؛ إذ العدل المحض هو في الخلفة الشرعية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وهقي قليلة اللّبقث"!(‪ .)2‬ولهذا يَعتقبر ابقن خلدون مفهوم "المُلك قق على الحقيققة قق لمقن‬
‫يسققتعبد الرعيققة‪ ..‬ول يكون فوقققه يققد قاهرة"‪ .‬وأنققّ مققن مسققتلزمات المُلك‪ :‬التغلّب‬
‫والقهقر‪ .‬وهذا‪ ،‬فقي رأيقه‪ ،‬سقرّ ذم القرآن للمُلك وللمرتبطيقن بقه‪ ،‬لمقا يتميزون بقه مقن‬
‫"السراف في غير قصد‪ ،‬والتنكّب عن صراط ال"!(‪.)3‬‬

‫‪)(1‬المقدمة‪ ،‬الفصل ‪28‬‬


‫‪)(2‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪656-655‬‬
‫‪)(3‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪ .358‬ويُراجع‪ :‬عبد المجيد الصغير‪ ،‬التجربة السياسية في السلم جدلية المفهوم‬
‫والممارسة‪ ،‬مقال منشور بموقع بلغ ‪ ،http://www.balagh.com/islam/1i1elhxd.htm‬عن كتاب‬
‫"الفكر الصولي وإشكالية السلطة العلمية في السلم"‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫مققع هذا الوعققي فإنقّ إهمال الفقيققه والمفكققر لخصققوصية الرشققد والصققرار على‬
‫ابتناء تنظيره عليقه على الرغقم ممقا ققد رآه واقعاً أمامقه وقرره هقو نفسقه مقن تغيّر‬
‫أنماط الحكقم‪ ،‬وظلمهقا فقي الجملة شيقء يصقعب تفسقيره اللهقم إل على قاعدة أن نأخقذ‬
‫بالعتبار حجققم الصققدمة التقي انتابققت الجميقع (الفقيققه والعاميقّ والمفكققر) مققن جرّاء‬
‫ضياع الحلم السققياسي السققلمي بعققد أقلّ مققن نصققف قرن مققن مطلعققه‪ ،‬ذلك الضياع‬
‫الذي صحبته أحداث حفرت في ذاكرة المّة ما يصعب عليها نسيانه (الفتنة الكبرى)‬
‫فقرر الجميقققع معاندة فكرة انقضاء الدولة المثال‪ ،‬وأصقققروا فقققي ابتناء تصقققوّراتهم‬
‫السققياسية على هذا السققاس المثالي قّ معانديققن موت النققبي(‪ )r‬وتحول الخلفققة إلى‬
‫ملك؟ وبدلً مقن البحقث عقن حلّ واقعيقّ لعدم شرعيّة حكومات التغلّب الموجودة فقي‬
‫السققلطة تم قّ التسققليم بشرعيتهققا‪ ،‬مققع الصققرار على اسققتدامة التعويققل على النموذج‬
‫الراشد كمرجع سياسي لصورة ونظام الحكم المطالب به والمأمول الرجوع إليه(‪.)1‬‬

‫كلّ ذلك يدفققع بنققا لوضقع علمققة اسققتفهام إن لم تكققن علمققة تعجّب أمام تمسقّك‬
‫الذهقن المسقلم بصقورة الرشقد كأسقاس للطرح السقياسي‪ .‬هذا اللون مقن التمسقك الذي‬
‫دفع بالفقه السياسي المسلم لقياس غير الراشد على الراشد‪ ،‬وغير المشمول بالنّص‬
‫على المشمول بققه‪ ،‬فأعطيققت للملوك والسققلطين كافققة صققلحيات الخلفاء‪ ،‬وطولبققت‬
‫المّة بكافة الواجبات التي كانت مطالبة بها أمام الراشدين من السمع والطاعة لهم‬
‫والحرص على عدم شقق عصقا الجماعقة عنهقم‪ .‬لكنّه فات الجميقع أنّه فقي مقابقل هذا‬
‫الذي طولبت به المّة ضاعت حقوقها بموجب القوّة العسكريّة المحتبسة بيد الحاكم‬
‫المطلق الذي لم يكن يعرف في غالب الحيان من الرشد حتّى اسمه‪ ،‬وهو وضع أقلّ‬
‫ما يقال فيه أنّه ظالم؛ لنّ الخلفة في عرف الجميع عقد تراض بين طرفين‪ ،‬وقد فقد‬
‫العققد شرط التراضقي‪ ،‬كمقا فققد العوض مقا بيقن المتعاقديقن‪ ،‬فمقا الذي بققي فيقه حتّى‬
‫‪)(1‬يراجع‪ :‬عبد المجيد الصغير‪ ،‬التجربة السياسية في السلم جدلية المفهوم والممارسة‪ ،‬مقال منشور‬
‫بموقع بلغ ‪ ،http://www.balagh.com/islam/1i1elhxd.htm‬عن كتاب "الفكر الصولي‬
‫وإشكالية السلطة العلمية في السلم"‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫نصرّ على البناء عليه بدل اللتفات ناحية معالجة الظرف في جوّه الحقيقي أي الجو‬
‫غيقر الراشقد‪ .‬فتسقتق ّل مؤسقسات الدولة عقن بعضهقا ويُعمقد إلى توزيقع السقلطات على‬
‫هذه المؤسقسات‪ ،‬ويوضقع دسقتور يضبقط الدولة حتّى ل تبعقد كثيراً عقن الرشقد‪ ،‬لبقد‬
‫أن نعي أنّ فكرة انتظار الفرج على يد كائن فخم ضخم شديد الثراء في كلّ شيء هي‬
‫فكرة غيققر عربيققة وغيققر إسققلمية‪ ،‬وغيققر عاقلة إنّهققا فكرة تفسققير الحداث بمنطققق‬
‫البطولة المطلقققة‪ ،‬وتدخققل السققماء إلى جوار البطال تحرسققهم وتؤيدهققم إنّهققا فكرة‬
‫مرضيّة تصيب تلك المم المولعة بحب القديم والبكاء على الطلل‪ .‬ولسنا بصدد هذا‬
‫الترف‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫اسََتعادة الرشََد اليوم ل يكون بغيََر إقامََة دولة مدنيََة تفيََد مََن دولة‬
‫ما أنتجته الحضارة المعاصرة‪..‬‬
‫الرشد‪ ،‬وم ّ‬

‫الملحقظ للتجربقة وللتنظير السقياسي المسقلم يلحقظ بشكقل ظاهر أنّه بإزاء تجربقة‬
‫وتنظيققر كلهمققا فققي غايققة الضعققف‪ ،‬ول يعبققأ فيهققا بفترتققي النبوة والرشققد‪ ،‬لشدّة‬
‫خصقوصيتهما وقلّة زمانهمقا‪ .‬وبالجملة فمسقألة تردّي أوضاع الدراسقات السقياسية‪،‬‬
‫ودراسات القانون العام عندنا ‪-‬نحن المسلمين‪ -‬مسألة ل ينبغي أن يأخذنا الكبر فيها‬
‫كثيرًا إذ أوّل الدواء معرفة الداء‪ ،‬وقد علم كلّ من لديه نيّة صالحة مع عقل يعي أ نّ‬
‫الزمة السياسيّة يساندها عدم وجود تصوّر نظري متكامل لمسألة الحكم الصالح هما‬
‫بيت داء المسلمين منذ انتهت حقبة الحكم –الستثنائي‪ -‬النبوي والراشد‪.‬‬

‫ففي رسالته عن الخلفة كتب العلمة أ‪.‬د‪ .‬عبد الرازق السنهوري عبارة شهيرة‬
‫مفادها‪" :‬أنّ الفقه السلمي في ميدان القانون العام –النظريّة السياسية‪ -‬ل يزال في‬
‫دور الطفولة‪ .)1(" ..‬وعلّق أ‪.‬د‪ .‬عبد الحميد متولّي بعد ذلك في مقدّمة الطبعة الولى‬

‫‪)(1‬عبد الرازق السنهوري ‪ ،‬فقه الخلفة وتطوّرها لتصبح عصبة أمم إسلميّة ‪ ،‬ص ‪.50‬‬

‫‪74‬‬
‫من كتابه "مبادئ نظام الحكم في السلم" بقوله‪" :‬كان ذلك منذ أربعين من السنين‪،‬‬
‫وبعقد أربعيقن مقن السقنين مقن ذلك الحيقن ل يزال ذلك الطفقل فقي المهقد يحبقو ل يكاد‬
‫ينهض حتّى يكبو"(‪ .)1‬وأتبعه أ‪.‬د‪ .‬حازم عبد المتعال الصعيدي بعد أن اعترف بفضل‬
‫علماء المسلمين في تقرير غير قليل من المبادئ السياسية والدستورية الهامة التي‬
‫لم يدركهقا الفققه الغربيّق إل بعقد قرون‪ ،‬بقوله‪ .." :‬إل أننقا نجقد رغقم ذلك أنّق الفققه‬
‫السلمي في ميدان القانون العام يعاني من التخلف الشديد‪.)2("...‬‬

‫وفققي ذات التجاه يلفققت السققيد الدكتور عبققد الملك الجعلي ‪-‬فققي رسققالته حول‬
‫"النظريّة السقلمية فقي السقلطات العامّة للدولة"‪ -‬النظرَ إلى أنّق المؤلّفات الفقهيّة‬
‫التراثيّة وإن أسقدت معروف ًا كقبيراً للدراسقات النسقانية باهتمامهقا بشأن نظقم الحكقم‬
‫والسقياسة وأحوال العمران البشريقّ‪ ...‬فققد اتّسققمت دراسقاتهم بالجمال بالقدر الذي‬
‫كانقت تدعوا إليقه الحاجقة آنذاك‪ ،‬ربّمقا لنّق الموضوع يمسّق سقلطة الحكام‪ ...‬لذا ظلّت‬
‫الدراسقات السقياسية مجملة بعيدة عقن التعمّق والتفصقيل فلم يقبرز منهقا سقوى هذا‬
‫القليقققل الذي ل غناء فيقققه‪ ...‬ثمقققّ إنقققّ فقهاء الشريعقققة قديماً وحديثاً إذا كانوا قتلوا‬
‫ببحوثهم المستفيضة فروعها في العبادات والمعامقلت وأحقوال السرة‪ ...‬فإنّ مجال‬
‫البحقث فقي الفققه العام أو الفققه الدسقتوري أو السقياسة الشرعيقة ل يزال بكراً متلهّفا‬
‫إلى الشبقققاع مَشوقاً إلى الرتواء ‪ ،‬ذلك أنّقه ل يتأتّقى قيام لتلك الفروع بدون وجود‬
‫الدولة بسلطاتها والتي هي محور البحث في نطاق الفقه العام أو الفقه الدستوري(‪.)3‬‬

‫‪)(1‬مبادئ نظام الحكم في السلم‪ ،‬منشأة المعارف بالسكندريّة‪ ،‬ط ‪1978(4‬م)‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪)(2‬حازم عبد المتعال الصعيدي‪ ،‬السلم والخلفة في العصر الحديث ‪ ،‬مكتبة الداب‪ ،‬ط ‪( 1‬‬
‫‪1404‬هـ= ‪1984‬م ) ص ‪.8‬‬
‫‪)(3‬عبد الملك الجعلي‪ ،‬النظرية السياسية السلمية في السلطات العامة للدّولة (السلطة التشريعية والسلطة‬
‫التنفيذية و السلطة القضائية )‪ ،‬دكتوراه غير منشورة بإشراف أ‪.‬د‪.‬محمد محمد جبر نصّار‪ ،‬من كلّيّــة‬
‫الشريعة والقانون بجامعة الزهر الشريف‪ ،‬ص "و" من المقدّمة‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫والواققع ‪-‬حسقب عبقد الحميقد متولي‪ -‬أنّق الحركقة العلميقة السقلمية حيقن عنيقت‪،‬‬
‫لسيما في العصر العباسي‪ ،‬بترجمة ما كان لدى اليونان من فلسفة وعلم لم تُعن بما‬
‫كان لديهققم مققن مؤلفات فققي العلوم السققياسية‪ ،‬وفققي مقدمتهققا مققا يتصققل بالناحيققة‬
‫الدسققتورية‪ ،‬ككتاب الجمهوريققة لفلطون وكتاب السققياسة لرسققطو‪ .‬قال‪ :‬ويُرجققع‬
‫بعضُق العلماء سقببَ هذه الظاهرة إلى النظام السقتبدادي الذي سقاد الحكقم السقلمي‬
‫بعقد عهقد الخلفاء الراشديقن؛ إذ أن الخلفقة إنمقا تقوم –لدى العلماء المسقلمين– على‬
‫أسقاس المبايعقة الختياريقة الحُرّة‪ .‬قال‪ :‬ولكننقا إذا رجعنقا إلى التاريقخ نجقد أنّهقا إنمقا‬
‫كانقت تقوم فقي الواققع على أسقاس القوة والقهقر‪ .‬فلم تكقن المبايعقة لولي العهقد حيقن‬
‫تحدث سوى مجرد مظهر أو ستار يخفي وراءه ما تستند إليه القوة من ستار‪ .‬قال‪:‬‬
‫والفققه الدسقتوري أو السقياسي بوجقه عام ل تنبقت بذوره إل فقي تربقة الحريقة‪ ,‬ول‬
‫تزدهر وتورق غصونه إل في جو من الحرية‪ .‬قال‪ :‬وحسبنا أن نشير إلى فقيه كبير‪،‬‬
‫وهققو أبققو الحسققن الماوردي الذي عاش فققي العصققر العباسققي وتوفققي عام ‪540‬هققق‪.‬‬
‫ووضع كتابه "الحكام السلطانية"(‪ )1‬ثم أوصى أل ينشر إل بعد وفاته!! (‪.)2‬‬

‫والحقّق أنّه يلحقظ فقي غيقر مقا عناء أنّق المسقائل السقياسيّة لم تحقظ مقن الفقهاء‬
‫المسلمين بنفس العناية التي بذلوها لغيرها‪ ،‬كما أنّه ملحظ أيض ًا أ نّ عدد المؤلفين‬
‫المسققلمين فققي العلوم السققياسية قليققل جدّا إذا مققا قورن بالعدد الضّخققم مققن العلماء‬

‫‪ )(1‬مع أنّ الرجل ابتعد في كتابه هذا عن جُل ما يغضب أو يثير‪ ،‬ومن عجيب ما فعله فيه مما يسمح‬
‫للخيال أن يأخذ المجال الرحب في رؤية نكدة للجو السياسي الذي عاناه المسلمون ‪-‬وما يزالون‬
‫يعانونه‪ -‬أنّ الرجل أقام النظام السياسي السلمي على منصب الخلفة ‪-‬الذي هو عندهم نيابة عامة عن‬
‫النبي ( ) في الدين والدنيا‪ ،‬وهو ل شك كلم فيه كثير من المبالغة التي ل مبرر لها‪ ،‬ويراجع في هذا‬
‫كتابنا السلطة المدنية في السلم – ث ّم أقام منصب الخلفة على من دعاهم بـ"أهل العقد والحل"‪ ،‬ثم‬
‫تناول الرجل بالتفصيل الحديث عن النظام السياسي بكل ما أمكنه التفصيل فيه‪ ،‬وكذلك تناول منصب‬
‫الخلفة‪ ،‬ثم تستطيع أن تقول إنه تجاهل الكلم عن ماهية الصل الذي ارتضاه لها وهو "العقد‬
‫والحل"؟!!!‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬عبد الحميد متولي‪ ،‬مبادئ نظام الحكم في السلم‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫‪76‬‬
‫المسققققلمين فققققي المجالت الخرى كعلماء العقيدة واللغققققة والفقهاء والرياضييققققن‬
‫والطققبيعيين والكيميائييققن والفلكييققن ‪ ،‬أو حتققى مؤلفققي الشققق الخاص مققن القانون‬
‫أنفسهم(‪.)1‬‬

‫وعليققه فلبققد مققن الفادة مققن كلّ معطيات الحضارة النسققانيّة فققي بناء الدولة‬
‫الصالحة‪ ،‬وأوّل هذه المعطيات‪:‬‬

‫‪.1‬اعتماد مبادئ الحكم السلمي الرشيد وهي‪:‬‬

‫‪ ‬سيادة القانون‪ :‬بمع نى أن يخ ضع له جم يع المواطن ين دون‬

‫تفرقة بين أمير وفقير‪ .‬بين مسلم وغير مسلم‪ ،‬والمثلة على‬

‫هذا تن ّد عن الحصر‪.‬‬

‫‪‬الشورى‪ :‬بمعنـى التداول مـا بيـن نواب الشعـب فـي اتخاذ‬

‫القرار السياسي‪ ،‬وإلزاميته للجميع‪.‬‬

‫‪‬الشتراكية‪ :‬بمعنى سيادة الجماعة على مقدّراتها المالية‪ ،‬مع‬

‫احترام الملكيّـة الفرديّـة‪ ،‬والميزان هنـا هـو أن ل تسـمح‬

‫الجما عة ل حد من أ صحاب رؤوس الموال بالت صرّف في‬

‫أمواله على نحـو سـفيه أو ضا ّر بالجماعـة‪ ،‬فإن اسـتشعرت‬

‫الجما عة أو أيّا من أفراد ها ت صرّفا بالموال ل يل يق و جب‬

‫عليه أن يغير ذلك عبر الطرق القانونيّة‪.‬‬

‫‪)(1‬ينظر‪ :‬د‪ .‬توفيق محمد الشاوي تعليق بالهامش رقم "‪ ، "12‬من كتاب أ‪.‬د‪ .‬عبد الرازق السنهوري ‪ ،‬فقه‬
‫الخلفة وتطوّرها لتصبح عصبة أمم إسلميّة ‪ ،‬ص ‪.50‬‬

‫‪77‬‬
‫‪.2‬اعتماد الليات الديمقراطيّة المعاصرة‪:‬‬

‫‪‬النتخابات‪ :‬باعتبارها اللية المتوفرة للختيار‪.‬‬

‫‪‬توزيـع السـلطات‪ :‬إلى سـلطتين‪ :‬رقابي ّة وتنفيذيـة وانقسـام‬

‫السلطة التنفيذية إلى حكومة وهيئة قضائية لها سلطة التنفيذ‪.‬‬

‫‪‬هيمنة السلطة الرقابيّة(البرلمان) على الهيئات التنفيذية‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫(‪)1‬‬
‫"الدولة السلمية" الولى لم تكن سوى دولة مدنيّة‬

‫حيقث نظرنقا لطرائق الحكقم السقلميّة وهقي المحصقورة تقريباً بمقا اسقتعمل فقي‬
‫العهديققن النبوي والراشققد لن نجققد إل دولة مدنيّقة‪ .‬ووفقاً لقراءتنققا لتص قرّفات دولة‬
‫الرشد فإنّا وجدنا العمل السياسي فيها يقوم على شقين‪:‬‬

‫الشقّ الول‪:‬‬

‫التصرّف السياسيّ ما عدا التشريع‪:‬‬

‫أي‪ :‬التص قرّف مققن السققلطة الحاكمققة على جهققة السققتصلح ‪-‬مققا عدا التشريققع‬
‫القانونقي‪ -‬وهذا الشقّق مقن العمليّة السقياسيّة جرى العمقل فيقه‪ ،‬حتّى فقي زمقن النبوّة‪،‬‬
‫على توسقققققيد السقققققيادة فيقققققه للنّاس على أنفسقققققهم‪ ،‬والتأسقققققيس على ضرورة‬
‫المداولة(المشاورة) فيقه فيمقا بينهقم‪ ،‬وعليقه جرت كلّ تصقرّفات النقبيّ( ) السقياسيّة‬

‫‪)(1‬حيث ل يمكننا التفصيل في هذا الشأن هنا‪ ،‬فمن الضروري مراجعة كتابنا‪ ،‬السلطة المدنيّة في السلم‪،‬‬
‫وكذا رسالتنا للدكتوراه‪ ،‬وعنوانها‪ :‬السلطة التشريعية في الفقه الدستوري السلمي دراسة مقارنة‪،‬‬
‫ممنوحة من جامعة عين شمس بالقاهرة‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫فققي كلّ مققا حزب الدولة مققن المور بدءاً مققن إعلن وثيقققة الدسققتور المدني قّ مروراً‬
‫بمشاورات الغزوات مققع التأصققيل فققي كلّ ذلك لوجود مراجققع للنّاس ونقباء وعرفاء‬
‫يعبّرون عن آراء مَن وراءَهم‪ ،‬جرى اختيارهم ممّن وراءَهم ولم يُعيّنهم أحد عليهم‪.‬‬

‫فالنقبيّ( ) شاور فقي شأن الوثيققة(دسقتور المدينقة) وشاور فقي بدر وقَبِل الرأي‬
‫العسقكريّ مقن العلم بقه والتزمقه فقي تحرّك الجيقش ناحيقة آخقر ماء ببدر‪ ،‬وقَبِله فقي‬
‫عدم المشاركة في القتال والتزام العريش‪ .‬والتزم رأي الجماعة في الخروج لق"أحد"‬
‫على الرغققم مققن سققبق علمققه أنقّ القعود أفضقل‪ ،‬والتزم القرآن نتيجققة هذه المشاورة‬
‫ح َمةٍ‬
‫وأكّد على ضرورة اللتزام بهقا حتّى وإن حصقل مقن ورائهقا مقا حصقل " {فَ ِبمَا َر ْ‬
‫حوْلِ كَ فَاعْ فُ عَ ْنهُ مْ وَا سْ َتغْفِرْ‬
‫ن َ‬
‫ن الّ لِنتَ َلهُ مْ وَ َل ْو كُن تَ َفظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَنفَضّواْ مِ ْ‬
‫مّ َ‬
‫علَى الّ إِنّ الّ ُيحِبّ ا ْلمُ َتوَكّلِي نَ} (‪)159‬‬
‫َلهُ مْ َوشَاوِرْهُ مْ فِي ا َلمْرِ فَإِذَا عَ َزمْ تَ فَ َت َو ّكلْ َ‬
‫سورة آل عمران‪ .‬وهو الذي التزم رأي سلمان الفارسيّ في حفر الخندق‪ .‬وهو الذي‬
‫التزم بقرار ولة المققر معققه مققع أنّه كان قققد كتققب كتاب الصققلح بينققه وبيققن غطفان‬
‫ليخفف من وطأة الحصار على المدينة‪ ،‬في غزوة الخندق فمزقوه بين ناظريه‪ ،‬وهو‬
‫الذي تعرّض لحالة العصقققيان فقققي الحديبيقققة فلم يزد القرآن على أن طيّققب خواطقققر‬
‫العاصققين ورضّاهققم‪ ،‬وأقرّ لهققم بص قحّة موقفهققم وحقّهققم فققي أن ل يتجاوز أحققد فققي‬
‫ن المر لم يكن بيد محمّد (صلى ال عليه وسلّم) وإنّما هو‬
‫السياسة وليتهم‪ ،‬مبين ًا أ ّ‬
‫شأن قضته السماء بسبق علمها محبّة وكرامة لهم أن يصيبهم غ ّم وكمد إذ يعلمون‬
‫أنّهم بحماستهم هذه إنّما تورطوا في قتل إخوانٍ لهم في مكّة ل جريرة لهم إل معاناة‬
‫ن َكفَرُوا‬
‫الستضعاف والقهر مشيراً إلى أنّه كان ليوافقهقم لول هذا السبب "{هُ مُ الّذِي َ‬
‫وَصَقدّو ُكمْ عَنِق ا ْلمَسْقجِدِ ا ْلحَرَامِق وَا ْلهَدْيَق َمعْكُوفًا أَن يَبْلُغَق َمحِلّهُق وَ َل ْولَ ِرجَالٌ ّم ْؤمِنُونَق‬
‫خلَ الُّ فِي‬
‫طؤُوهُمْ فَتُصِي َبكُم مّ ْنهُم ّمعَرّةٌ ِبغَيْرِ عِلْمٍ لِيُ ْد ِ‬
‫وَنِسَاء ّم ْؤمِنَاتٌ لّمْ َتعْ َلمُوهُ ْم أَن َت َ‬
‫حمَتِهِق مَن َيشَاء َلوْ تَزَيّلُوا َلعَذّبْنَا الّذِينَق َكفَرُوا مِ ْنهُمقْ عَذَابًا أَلِيمًا}(‪ .)1‬فالقرآن الذي‬
‫َر ْ‬

‫‪)(1‬سورة الفتح‪ ،‬آية‪.)25(:‬‬

‫‪79‬‬
‫هدد رافعي الصوت عليه في الحجرات بإحباط العمل‪ ،‬وصبر على حادث الفك شهراً‪،‬‬
‫لم يوجّه لهم تهمة هنا‪ ،‬ولم يصبر على غضبهم سويعات؛ لنّ ذلك من حقّهم‪.‬‬

‫ق الثاني من العمل السياسي‪ :‬وهو التشريع‪:‬‬


‫الش ّ‬

‫يستعمل مصطلح "التشريع" بمعنيين‪ ،‬معنى عام‪ :‬يقصد به وضع أو استنباط أو‬
‫تفسير القواعد القانونية وهي عملية نظرية لها رجال مخصوصون ومناهج محددة‪،‬‬
‫وتتمثققل هذه العمليققة بدرجققة كققبيرة فيمققا تنتجققه قرائح الفقهاء مققن اسققتثمار للمادة‬
‫القانونيقة‪ ،‬ومصقادرها الموجودة بيقن أيديهقم‪ .‬ومعنقى خاص‪ :‬يقصقد بقه التعقبير عقن‬
‫إرادة السققلطة العامققة بقصققد إصققدار قاعدة قانونيققة وإلزام الناس باحترامهققا‪ ،‬ول‬
‫اختلف فقي الحقيققة فقي ذلك بيقن مجتمقع مسقلم‪ ،‬وبيقن أي مجتمقع آخقر‪ ،‬وعليقه فلبقد‬
‫مقن التفرققة بيقن هذيقن النّوعيقن مقن التشريقع‪ ،‬وبيقن الهيئتيقن القائمتيقن عليهمقا‪،‬‬
‫والتركيقز على إيجاد الحلول العمليّة لضبقط العلققة بينهمقا‪ .‬ومقع أنّه ققد تنشقأ شبهقة‬
‫عندنققا تعوّق تفرقققة على هذا النحققو بيققن الفقققه وبيققن التشريققع السققياسي تقوم على‬
‫اعتبار أنقّ الفققه الذي عرفتقه الدراسقات القانونيقة هقو فققه النصقّ القانونقي ل فققه‬
‫النقص الشرعقي‪ ،‬وعليقه فل يمكقن حمقل الفققه المسقلم على الفققه القانونقي والتسقوية‬
‫بينهمقا فقي هذا الشأن؟ فالحقّق أنّق هذا مقن جهقة التحقيقق لن يعدو أن يكون نوعاً مقن‬
‫ن الفقه واحد‪ ،‬وهو يشمل كل عمليتي العمال هذه‪،‬‬
‫الخلط غير المقبول؛ فالمعروف أ ّ‬
‫وهقو عنقد الجميقع ل يزيقد على كونقه إعمال عققل وبذل جهقد فكري مقن أجقل اكتسقاب‬
‫ملكقة مخصقوصة للتعامقل مقع نصقوص أو أصقول قانونيقة‪ ،‬وققد سقبق وعرّفقه الفقهاء‬
‫الرومان ‪-‬قبقل السقلم‪ -‬بأنّه معرفقة المور اللهيّة والمور البشريقة والعلم بمقا هقو‬
‫حقّ شرعاً‪ ،‬وبما هو غير حقّ(‪.)1‬‬

‫مدوّنة جوستنيان في الفقه الروماني‪ ،‬ص ‪. 5‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪80‬‬
‫فالتشريققع السققياسي هققو مققا تلجققأ إليققه السققلطة العامّة اسققتجابة لحاجققة قائمققة‪،‬‬
‫ومصقلحة حالّة ترى الصقالح فقي معالجتهقا عقبر سقلوك هذا الطريقق أو ذاك‪ ،‬وققد تجقد‬
‫فقي هذا نصقّا يعينهقا‪ ،‬وققد ل تجقد‪ ،‬فتجتهقد فقي تحقيقق الصقالح السقياسي‪ ،‬ل فقي حلّ‬
‫المعضل الفقهي الذي ليس من شأنها‪ ،‬ول من واجبها القيام عليه‪.‬‬

‫وهناك جانقب مقن الحكام ذا بعقد سقياسيّ عمقل بقه الصقحابة‪ ،‬ومنقه مسقألة قتال‬
‫مانعقي الزكاة‪ ،‬وكيقف توجّه عمقل الصقحابة بالسقاس ناحيقة ح ّل المعضقل السقياسي‬
‫دونما كبير توقف عند حدود الشكال الفقهي وهو شأن السلطة العامّة وواجبها في‬
‫سرعة الحسم بالعتبار السياسي التي هي أدرى به‪ ،‬ومن أبرز صور هذا اللون من‬
‫التشريع في عهد الصحابة‪:‬‬

‫‪‬تعليق العمل بسهم المؤلفة قلوبهم‪ ،‬وهو تشريع كلّي مستمر‪.‬‬

‫‪‬استخدام أسلوب التكييف القانونيّ للعقوبات على نحو ما حصل‬

‫من تعليق حد القطع في عام الرّمادة‪ ،‬ومن إلغاء تطبيقها على‬

‫غلمان حاطب ابن أبي بلتعة وتغريمه بدلً من إيقاع العقوبة‬

‫على الغلمان‪.‬‬

‫‪‬ابتداع تعامل جديد متناسب مع طبيعة فتوح العنوّة بعدم المساس‬

‫بحرّيّة النّاس‪ ،‬ول المساس بممتلكاتهم‪ .‬فقد أصرّ السياسيون‬

‫ي ابن أبي طالب وعمر بن الخطاب على‬


‫معاذ بن جبل وعل ّ‬

‫عدم استساغة إجراء القانون القديم في التعامل مع الرض‬

‫‪81‬‬
‫المفتوحة عنوة‪ ،‬نظرا لتغير حال البلدان المفتوحة سعة وكثرة‬

‫رعايا‪.‬‬

‫‪‬ابتداع عقوبات وتطوير أخرى‪ :‬كابتداع عقوبة السجن‪ ،‬وتطوير‬

‫عقوبة شرب الخمر‪.‬‬

‫‪‬تضييق السلطة العامّة حدود المسموح به كمنع أمير المؤمنين‬

‫) حج التمتع حماية لمدينة "مكّة" من التفريغ السكاني‬ ‫"عمر"(‬

‫لطول غياب النّاس عنها العام برمّته‪.‬‬

‫‪‬ابتداع نظام التسعير على الرغم من أنّه كان مرفوضا على عهد‬

‫النبي( )‪.‬‬

‫‪‬منع بيع أمّهات الولد من العبيد مع أنّ العمل على بيعهنّ كان‬

‫جاريا على عهد النبيّ( ) وعهد أبي بكر عليه السلم‪.‬‬

‫وقد انشغل شيخا السلم ابن تيمية وابن القيم باستجلء هذه القيمة منذ ما يزيد‬
‫على نصقف عمقر السقلم حيقن فرقوا تفرققة عجيبقة بيقن نوعيقن مقن التشريقع يقوم‬
‫عليهمققا نوعان مققن المؤسققسات‪ ،‬فالتشريققع الكلّي‪ :‬هققو ذلك التشريققع الدينققي الثابققت‬
‫الذي ترعاه المؤسسة الفقهيّة‪ .‬والتشريع السياسي أو الجزئي‪ :‬هو ذلك الذي تتعامل‬
‫به المؤسسة السياسيّة مع الظرف القائم‪ ،‬وهو تشريع قائم على المصلحة‪ ،‬وقد أل حّ‬
‫ابن القيّم على هذه الضرورة الوجوديقة لهذا اللون من التشريع السقياسي‪ ،‬فنققل عن‬
‫المام ابققن عقيققل الحنبلي فققي الفنون قوله‪" :‬جرى فققي جواز العمققل فققي السققلطنة‬
‫بالسققياسة الشرعيققة أنققه هققو الحزم ول يخلو مققن القول بققه إمام"‪ .‬فقال شافعققي‪ :‬ل‬
‫‪82‬‬
‫سياسة إل ما وافق الشرع‪ .‬فقال ابن عقيل‪ :‬السياسة ما كان فعل يكون معه الناس‬
‫أقرب إلى الصلح‪ ،‬وأبعد عن الفساد‪ ،‬وإن لم يضعه الرسول (صلى ال عليه وسلم)‬
‫ول نزل بققه وحققي‪ ،‬فإن أردت بقولك إل مققا وافققق الشرع أي لم يخالف مققا نطققق بققه‬
‫الشرع فصحيح‪ ،‬وإن أردت ل سياسة إل ما نطق به الشرع‪ ،‬فغلط وتغليط للصحابة‪،‬‬
‫فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما ل يجحده عالم بالسنن(‪.)1‬‬

‫قال ابقن القيّم رضقي ال تعالى عنقه‪ :‬فإن ال سقبحانه أرسقل رسقله وأنزل كتبقه‬
‫ليقوم الناس بالقسقققط وهقققو العدل الذي قامقققت بقققه الرض والسقققماوات فإذا ظهرت‬
‫أمارات العدل وأسقفر وجهقه بأي طريقق كان ف َثمّ شرعُق ال ودينُه‪ .‬وال سقبحانه أعلم‬
‫وأحكققم وأعدل أن يخققص طرق العدل وأماراتققه وأعلمققه بشيققء (ضوابققط الفقققه‪،‬‬
‫وقواعد المذهب) ُثمّ يَنفِي ما هو أظهرُ منها وأقوى دلل ًة وأَبْيَن أمارةً فل يجعله منها‬
‫ول يحكقم عنقد وجودهقا وقيامهقا بموجبهقا‪ .‬بقل قد بيقن سقبحانه بمقا شرعقه من الطرق‬
‫أنّق مقصقوده إقامقة العدل بيقن عباده وقيام الناس بالقسقط فأي طريقق اسقتخرج بهقا‬
‫العدل والقسققط فهققي مققن الديققن وليسققت مخالفةً له فل يقال‪ :‬إن "السققياسة العادلة"‬
‫مخالفةٌ لما نطق به الشرعُ بل هي موافقةٌ لما جاء به بل هي جزء من أجزائه ونحن‬
‫نسقميها سقياسة تبعقا لمصقطلحهم وإنمقا هقي عدل ال ورسقوله ظهقر بهذه المارات‬
‫والعلمات(‪.)2‬‬

‫وقققد اتفققق الفقهاء على أنققّ هذا اللون مققن التشريققع هققو مققن حقوق السققلطة‬
‫العامّقة(‪ ،)3‬كمقققا اتفقوا على أنققّ هذه السقققياسة أو التشريعات السقققياسية إنمقققا هقققي‬

‫‪ )(1‬ابن القيم‪ ،‬الطرق الحكميّة‪ ،‬ص ‪ .18-16‬ويراجع‪ :‬إعلم الموقعين ‪.373 / 4‬‬
‫‪ )(2‬ابن القيم‪ ،‬الطرق الحكميّة‪ ،‬ص ‪19-18‬‬
‫‪)(3‬المعروف معرفة الضرورة أنّ كلّ أعلم المؤسسة الفقهية المسلمة في كلّ مدوّناتهم صريحون في‬
‫إحالة كلّ ما هو من الشأن السياسي إلى وليّ المر (الحكومة) حتّى إنّ بعضهم لم يرَ أنّ للقاضي‪ ،‬وهو‬
‫المعروف بأنّ شرطه الول وربّما الوحد أن يكون فقيها‪ ،‬ليس له أن يمارس سياسة التعزير باعتبارها‬
‫شأنا سياسيّا موكولً للساسة (للمام) يراجع‪ :‬ابن نجيم المصري‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪،‬‬

‫‪83‬‬
‫تصقرفات جزئيّة غيقر كليّة قابلة للنققض وإن توفّرت لهقا صقورة الجماع السقكوتي‪،‬‬
‫فققد ارتدت عقوبقة الخمقر إلى حدّ الربعيقن على عهقد أميقر المؤمنيقن "عثمان"( )‪،‬‬
‫بعققد أن كانققت ثبتققت على الثمانيققن فققي عهققد "عمققر"( ) ردّهققا "علي قّ"( ) وهققو‬
‫المشهور فقققي بعقققض الروايات أنّققه الذي اقترح على عمقققر مقققن قبقققل زيادتهقققا إلى‬
‫الثمانيقن‪ ،‬ثمّق جاء فقي بعضهقا أنّق عليّا نفسقه ضرب فقي عهده مائة؟ كلّ ذلك بحسقب‬
‫الحاجقة ومصقلحة السقياسة‪ .‬كذلك شرع أميقر المؤمنيقن "عليقّ"( ) فقي السقماح بقبيع‬
‫أمّهات الولد مققع أنّه كان مشاركاً فققي تشريققع المنققع على أيّام عمققر‪ ،‬ولم يردّه إل‬
‫اعتراض قاضيقه شريقح‪ .‬وققد رجقع الصقحابة بعقد أميقر المؤمنيقن "عمقر"( ) عقن‬
‫إيقاع طلق الثلث ثلثاً‪ ،‬مع أنّه شاع من فعل عمر بل اعتراض‪.‬‬

‫ومهمققا يكققن مققن أمققر تصقوّر الفقهاء المسققلمين لشكققل السققلطة العامّة(‪ ،)1‬فإنقّ‬
‫مناقشاتهم حول هذا اللون من التشريع تقطع بقناعتهم بأ نّ هناك لون ًا مخصوصاً من‬
‫التشريقع تفرضقه على السقلطة العامّة حاجقة فرض النظام‪ ،‬وإقرار العدل‪ .‬وهقو لون‬
‫ليس بالضرورة أن يُتوصّل إليه عبر الطرق الفقهيّة المعروفة‪ ،‬كما أنّ هذه الضرورة‬
‫في الصدار وفي مجاوزة الطرق المعروفة إنّما هي من الشريعة‪ ،‬وأنّ الشريعة ‪-‬ول‬
‫شكقّ‪ -‬جاءت بهقا‪ .‬وهقم بذا يُفرّقون بيقن أداء نظريّق أكاديمقي وآخقر عمليّق سقياسي‪،‬‬

‫‪ .2/249‬أبو الحسن‪ ،‬علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغيناني‪ ،‬الهداية شرح بداية المبتدي‬
‫في الفقه على مذهب المام العظم أبي حنيفة النعمان‪ ،‬مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ .1/106‬الجصّاص‪ ،‬أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقيق محمّد الصادق‬
‫قمحاوي‪ ،‬دار المصحف‪.273-4/270 ،‬‬
‫‪ )(1‬يراجع كتابنا‪ " :‬السلطة المدنية في السلم" في مسألة شكل السلطة في الدولة السلميّة‪" .‬ولقد كان‬
‫الفقهاء على وشك أن يصلوا للمطلوب لو أنّهم ألقوا وراء ظهرانيهم بفكرة السعي وراء استنساخ خلفة‬
‫راشدة‪ ،‬وصرفوا جهدهم ناحية التعامل الواقعي مع الخلفة غير الراشدة بحيث يدركون أنّ إدارة شأني‬
‫الدين والدنيا على نحو ما كان على عهد النبي صلى ال عليه وسلم أضحت مسألة مستحيلة على الفراد‬
‫بعد عهد الراشدين‪ ،‬وعليه فلبد من النتقال إلى دولة المؤسسات‪ ،‬فتشغلهم مسألة توزيع المسئوليّة على‬
‫سلطات متعددة ومتكافئة من النشغال بوضع شروط للخليفة الفرد غير القابل للوجود؟!‬

‫‪84‬‬
‫ويرون أنّق الفئة المؤهلة للقيام على هذا اللون ليسققت ‪-‬بالضبققط‪ -‬متطابقققة مققع الفئة‬
‫الخرى‪ ،‬ولذا فرقوا تفرققة رشيدة بيقن مؤسقسة "أهقل العققد والحقل" وبيقن مؤسقسة‬
‫"المجتهدين"‪.‬‬

‫وقبل أن أختم هذه النقطة أودّ التأكيد على أنّ التشريع السياسي غير المنضبط ل‬
‫يقبقل بقه أحقد‪ ،‬فإنّق كثيراً مقن المفكريقن والمنظريقن السقياسيين الغربييقن ل يرون أنّق‬
‫السقلطة التشريعيقة مطلققة اليقد فقي أن تشرّع مقن القوانيقن مقا تشاء‪ ،‬فهقي مقيّدة فيمقا‬
‫تقدمقه مقن تشريعات بالثوابقت العامّة والقيقم الخلقيّة‪ .‬فمفكقر مثقل "جون لوك" وهقو‬
‫ممن يرون قداسة خا صّة للسلطة التشريعية على بقية السلطات‪ ،‬مع ذلك فإنّه لم ير‬
‫أن يُطلَق لها الحبل على الغارب بحيث يكون للمشرع فيها أن يفعل ما يشاء دون أن‬
‫يلتزم بحدود معينقققة‪ .‬بقققل هقققو يرى أن هذه السقققلطة لبقققد وأن تلتزم فقققي مباشرة‬
‫اختصقققاصاتها بمراعاة مقققا ورد بالقوانيقققن الطبيعيقققة (الديقققن – العرف – العققققل –‬
‫المصلحة) من حدود‪.‬‬

‫(‪)5‬‬
‫أصول الواجبات والمحظورات في الشريعة‪ ،‬يمكن أن يتأسس عليه‬
‫قانون مدني عام ل يفّرق بين المواطنين ول يحرجهم‬

‫الدولة المسلمة قديماً كانت تقوم على أساس اعتبار التقسيم الطبيعي للمواطنين‬
‫المقيميقن بهقا إلى مسقلمين وغيقر مسقلمين‪ ،‬يخضقع الولون لكلّ مقا تطلبقه الشريعقة‬
‫دون تفرققة بيقن مقا خصّق الفرد ومقا خصّق الجماعقة مقن متطلبات الشريعقة‪ ،.‬وغيقر‬
‫المسقققلمين ل يطالبون بشيقققء مقققن الشريعقققة إل إذا كان هنالك طرف مسقققلم فقققي‬
‫أقضياتهققم‪ ،‬وفققي غيققر هذه الحالة يحقققّ لهققم عمققل قضاء خاصققّ بهققم‪ ،‬ومدارس‬
‫خاصققّة‪...‬الخ‪ .‬وهذا الوضققع كأنّقه تقنيققن لوجود دولة داخققل الدولة‪ ،‬وتكريققس لعدم‬

‫‪85‬‬
‫المتزاج بيققن أبناء الجماعققة الواحدة‪ ،‬وهققو وضققع قققد يكون ناسققب ظرفاً تاريخياً‬
‫وتطورياً معيناً للجماعات أو الدول القديمة‪.‬‬

‫الذي نسقعى إليقه اليوم هقو اعتبار الجماعقة السقلميّة على النحقو الذي كررناه‪:‬‬
‫جماعة تتطابق والدولة‪ ،‬واعتماد الطرائق الحضارية المعاصرة في بناء هذه الدولة‪،‬‬
‫فل ولء ول براء‪ ،‬ول دول للقليات داخققققل الدولة الكققققبرى‪ ،‬ول قانون يفرّق بيققققن‬
‫مواطقن ومواطقن‪ ،‬ول نظاميقن قضائييقن‪...‬الخ‪ .‬فالدولة السقلميّة المدنيقة أو الحديثقة‬
‫دولة ذات قانون واحقد‪ .‬ول سقبيل للتوصقّل إلى ذلك إل بالتفرققة فقي أحكام الشريعققة‬
‫السقلمية بيقن حقوق ال وحقوق الجماعقة فقي كلّ مقن الواجبات والمحظورات التقي‬
‫أتقت بهقا‪ ،‬فمقا كان حقّق ال فيقه أظهقر مقن حقّق الجماعقة فهقو يلزم الفراد المسقلمين‪،‬‬
‫ول شأن للدولة بقه‪ ،‬إل فقي تنظيقم مقا خصّق الجماعقة منقه‪ .‬ومقا كانقت حقوق الجماعقة‬
‫فيه أظهر َوجَبَ على الدولة التعاطي معه باعتباره خطاب ًا موجّها لها وفيه صالحها‪.‬‬

‫وعلى هذا نقول‪ :‬إنّ التكليفات في الشرائع الدينية كلّها تنقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫القسقم الوّل‪ :‬تكليفات محضقة‪ :‬أي ل علّة لهقا إل طلب "الله" أن يقوم له النّاس‬
‫بهقا‪ :‬وهذه منتفيقة فقي الشريعقة السقلميّة‪ ،‬إذ ل يعرف فيهقا حققّ محقض ل‪ ،‬يقوم‬
‫ن ال طلبه منهم من دون أن يفهموا علّته‪[ .‬وسيأتي]‪ .‬وكلّ‬
‫النّاس به ل لشيء إل ل ّ‬
‫مققا فهمققت علّتققه انتفققت محضيّتققه‪ .‬وهذا شأن كلّ عبادة أو طلب طلبققه الشارع فققي‬
‫السلم‪ .‬فوجود العلّة شرط لزم لكون الواجب أو الحظر منسوباً لله المسلمين‪ ،‬وقد‬
‫تكون العلّة خافيقة كمقا فقي حال الصقلة والحجّق ل يقدر المخاطقب على تقبيان الرابقط‬
‫بينها وبين أثرها ربطاً مباشراً‪ ،‬كمثل أنّه يصعب على العامّي إيجاد رابط مباشر بين‬
‫أداء الصقلة وبيقن النتهاء عقن إتيان الفواحقش والمنكرات(‪ ،)1‬لكنّه أمقر ليقس بعيقد‬

‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪ )(1‬كما في قول ال تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬


‫منكَرِ وَلَذِكُْر الل ّهِ أكْبَُر وَالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شاء وَال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الْفَ ْ‬
‫صَلةَ تَنْهَى عَ ِ‬ ‫ن ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ُ ْ‬
‫وا‬ ‫نآ َ‬‫ن}(‪ )45‬سورة العنكبوت‪ .‬وكما في قوله تعالى في الصيام‪{:‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫صنَعُو َ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫يَعْل َ ُ‬
‫م َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}(‪ )183‬سورة البقرة‪.‬‬ ‫م تَتَّقُو َ‬
‫م لَعَل ّك ُ ْ‬
‫من قَبْل ِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ب عَلَى ال ّذِي َ‬ ‫ما كُت ِ َ‬ ‫م كَ َ‬
‫صيَا ُ‬ ‫ب عَلَيْك ُ ُ‬
‫م ال ِّ‬ ‫كُت ِ َ‬

‫‪86‬‬
‫الطلب‪ ،‬ويمكن حتّى لعلماء النفس والجتماع التو صّل إليه دونما حاجة لفذلكة رجال‬
‫الدين‪.‬‬

‫والقسقم الثانقي‪ :‬تكليفات معللة بعلّة ظهرت أو خفيقت‪ ،‬وهقو القسقم الموجود فقي‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬وهو على نوعين‪:‬‬

‫حقـ ال فيهـا هـو الظهـر‪ :‬وذلك كواجبات الصـلة‬


‫ّ‬ ‫‪.1‬النوع الوّل‪ :‬تكليفات‬

‫والصيام والحج‪ ،‬وما يشبهها من العبادات والشعائر‪ .‬وهذه ليس للدولة عليها‬

‫ق ال‪،‬‬
‫سلطان لنّ حقّ الجماعة فيها مغمور غير ظاهر والظاهر فيها هو ح ّ‬

‫ل على الم سامحة(‪ ،)1‬فإنّه ل يس من المقبول‬


‫ل عن كو نه مبن يّ أ ص ً‬
‫و هو فض ً‬

‫من الدولة أن تجعل من نفسها قيّما عليه‪ ،‬فل رقيب على أدائه سوى ضمير‬

‫المؤمنين به‪ ،‬وعليه فل يجوز للدولة أن تحشر أنفها في أداء هذه الواجبات‪،‬‬

‫ول أن تشرع ل ها عقوبات قانون ية‪ .‬و قد كان ش يخ ال سلم ا بن تيم ية ر ضي‬

‫ل في بيان هذا –وهو بطبيعة الحال يحتاج إلى كبير دراسة‬


‫ال عنه عقد فص ً‬

‫وتطوير‪ -‬قال في عنوانه‪ :‬فصلٌ‪ :‬فيما جعل ال للحاكم أن يحكم فيه‪ ،‬وما لم‬

‫يجعل لواحد من المخلوقين الحكم فيه‪ ،‬بل الحكم فيه على جميع الخلق ل‬

‫تعالى ولر سوله‪ .‬ول يس ل حد من الحكام أن يح كم ف يه على غيره ولو كان‬

‫ذلك الش خص من آحاد العا مة"‪ .‬وف سّر هذا الذي ل يجوز للحاكم ين التدخّل‬

‫ف يه بقوله‪" :‬وهذا م ثل المور العامسة الكليسة ال تي أمسر ال جميسع الخلق أن‬

‫سيأتي كلم المام تاج الدين ابن السبكي في هذا الشأن في حديثنا عن الهيئة القضائية في خاتمة القسم‬ ‫‪)(1‬‬

‫الثاني بإذن ال‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫يؤمنوا بها ويعملوا بها وقد بينها في كتابه وسنّة رسوله صلى ال عليه‬

‫وسلم بما أجمعت عليه المة أو تنازعت المة فيه(‪.)1‬‬

‫وغايقة مقا للدولة فقي هذا اللون مقن الواجبات جملة منافقع لهقا أن تحرص عليهقا‬
‫بكلّ سقبيل مقا خل العقوبات‪ ،‬اللهمّق إل أن تُهان قيقم الجماعقة فهنقا تققع العقوبقة لحقق‬
‫الجماعقققة الذي يلزم الجميقققع ‪-‬ل لحقققّق ال الذي ل يلزم سقققوى المسقققلمين فققققط‬
‫‪-‬والجماعقة ليسقت جماعقة مسقلمين فققط‪ ،‬فل اعتبار فيهقا بمقا خصقّهم وحدهقم‪ .-‬وذلك‬
‫كأن يزدري واحدٌ صيام شهر رمضان‪ ،‬فإنّما يعاقب لزدرائه لقيم الجماعة‪ ،‬ل لنّه لم‬
‫يققم بأداء واجقب‪ ،‬إذ الواجقب هنقا واجقب على المسقلمين وحدهقم‪ ،‬وهقو شأن فردي ل‬
‫يجوز للدولة حشر أنفها فيه(‪.)2‬‬

‫ومثقل الصقلة والحجّق كلّ مقا يعدّ علمقة على أهقل ديقن بعينقه فمقا كان مقن شعار‬
‫المسقلمين وإن ظهرت فيقه مصقلحة الجماعقة أُلحِق بالعبادات ومثقل ذلك فرض وضقع‬
‫النسققاء المسققلمات للخُمُقر‪ ،‬فليققس هذا إلى الدولة‪ ،‬ول لهققا أن تفرض لباسققاً بعينققه‬
‫باعتباره واجباً قومياً‪ ،‬وإنّما عليها أن تطلب من المواطنين مراعاة الحتشام ورعاية‬
‫الداب العامّة لحق قّ الجماعققة‪ .‬والحشمققة هنققا مققن الدولة فرض واجققب على جميققع‬
‫المواطنين تتوصّل إليها بأكثر الطرق تحضّرا وتأدّبا وتوجيهاً‪ ،‬وينبغي أن ل يبدأ ذلك‬

‫تراجع‪ :‬كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ‪ .407-357 / 35‬وأنبّه هنا إلى أنّني لم استشهد بما‬ ‫‪)(1‬‬

‫قاله الرجل لكي أثبت أنّني سُبقت بما أثبتّه هنا‪ ،‬وقد كان لكلم الرجل أثره في لفْت انتباهي لتفرقة ينبغي‬
‫أن تكون بين ما للدولة أن تتدخل فيه‪ ،‬وما ل يجوز لها حشر أنفها فيه‪ ،‬وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه‪.‬‬
‫وأنا ل أخرج الشيخ من القول هنا لثبت لنفسي فضلً وإنّما لكي أعفي الشيخ من متسكعي السلمة أن‬
‫يتسكعوا بالتساؤل إن كان الشيخ قال أو لم يقل؟‬
‫‪)(2‬إذا كنت ممن ل يملّون الخذ والرد فاعلم أنّ أكثر الحاكمين فسقا يمكنه أن يدعي عليك أنّك تركت‬
‫الصلة ثلثة أيّام ويستحضر لك من السكّيرين من يشهد عليك باسم ال‪ ،‬ومن ثمّ يقوم بقتلك‪ .‬والشواهد‬
‫على ذلك الفجور في تاريخنا أكبر من أن تُحصر‪ ..‬وقد قتل الحجاج يوما سعيد بن جبير؟ فهل تعرف‬
‫لماذا؟‬

‫‪88‬‬
‫بمنطققق العقوبقققة بققل بالتوجيققه والقناع والتربيققة‪ ،‬كلّ ذلك رعايققة للداب العامّقة‬
‫المنسقجمة مقع الشخصقيّة القوميّة‪ ،‬أمّا تفصقيل مسقائل الخُمُر هذه مقن كونهقا تغطقي‬
‫الرأس أو خلفقه فأمقر مرجعقه للعلماء والمربييقن فقي المسقاجد والكنائس دونمقا إلزام‬
‫من الدولة على أحد‪ ،‬ول ينبغي لحد هنا أن يسم المسيحيين بما هم براء منه‪ ،‬فليس‬
‫المسقيحيون دعاة عريقّ ول هقم سقِكّيرون‪ ،‬فل ينبغقي ونحقن نعالج هذه المسقائل أن‬
‫يسقتحضر أحقد فقي مخيلتقه أنّق إخوان الوطقن مقن القباط ققد يعترضون عليهقا لدينهقم‬
‫فحاشاهقم ودينهقم أن يكونوا كذلك‪ .‬وللدولة أن تتعاطقى وفقق قواعقد السقتصلح التقي‬
‫تراهقا مقع مسقألة وضقع المرأة غطاءاً يُخفقي الوجقه (النقاب)‪ ،‬فعليهقا أن تأخقذ بعيقن‬
‫العتبار مصالح المن وخلفه‪ ،‬مع احترام كامل لح قّ النساء في الحفاظ بأقصى قدر‬
‫ممكن على حيائهنّ طالما أردن ذلك‪.‬‬

‫‪.2‬وأمّا النوع الثاني‪ :‬فتكليف يختلط فيه ح ّ‬


‫ق ال تعالى بح قّ الجماعة لك نّ ح قّ‬

‫الخيرة يكون ظا هر ال ثر ظا هر العلّة حتّى لكأ نّ التكل يف إنّ ما جاء لحقّ ها‬

‫هـي وحدهـا‪ ،‬وذلك كواجـب أداء الزكاة‪ .‬وهذا النوع مـن الحقوق على‬

‫ينصـ‬
‫ّ‬ ‫الجماعـة أن تشرع العقوبات الرادعـة على عدم اللتزام بـه‪ ،‬وإن لم‬

‫الشارع ع ند الم سلمين على عقو بة له‪ ،‬ل نّ المع تبر ف يه هو ح قّ الجماعة ل‬

‫ق ال‪ ،‬و هو ما اع تبره ال صديق صلوات ال عل يه‪ ،‬وأ ص ّر عل يه‪ ،‬و هي‬
‫ح ّ‬

‫النكتة في الخلف الذي وقع بينه وبين الصحاب رضوان ال عليهم‪ ،‬فإنّهم‬

‫ق ال‪ ،‬ولمّا كانوا يعلمون أنّه ح قّ مبن يّ على المسامحة‬


‫إنّما نظروا لجانب ح ّ‬

‫لكنـ الصـديق عليـه‬


‫أرادوا ترك المانعيـن ومـا هـم فيـه حتّى تهدأ نفوسـهم‪ّ ،‬‬

‫ق ال‪ ،‬فشرع في أ خذ‬


‫ن ال ُم َعوّل عل يه هو ح قّ الجما عة ل ح ّ‬
‫ال سلم رأى أ ّ‬

‫‪89‬‬
‫المو قف ال صائب إلى نهاي ته‪ ،‬وعلى موق فه اجتم عت كل مة ال صحابة علي هم‬

‫الرضوان‪.‬‬

‫ول تقف المطالبة بالمتثال لهذا الواجب هنا ول العقوبة على تركه على مسلمي‬
‫الديانقة فققط فإنّق الدولة ل يعنيهقا اختلف الديانات فقي ظلّ قيامهقا بمقا يخصقّها‪ ،‬وبمقا‬
‫أنّق غيقر المسقلمين ليسقوا سقوى مواطنيقن لدى الدولة‪ ،‬وعلى الدولة أن تجمقع الزكاة‬
‫فهقم مطالبون بأداء الزكاة مثلهقم مثقل غيرهقم‪ ،‬ل لنّهقا فرض دينقي وإنّمقا لنّهقا حقّق‬
‫واجب على أفراد الجماعة أقرّته الدولة في ظلّ الشريعة العامّة‪.‬‬

‫وإذا كنّا رفضنقا طلب غيقر المسقلمين اسقتبدال الزكاة بأمقر سقواها‪ ،‬فطلب بعقض‬
‫المسلمين أخذ الجزية من غير المسلمين أشدّ رفضاً من الناحية الدستوريّة‪.‬‬

‫وللدولة أن تتدخّل فقي هذا القسقم تدخّل إيجابيّا بحسقب قواعقد السقتصلح على‬
‫نحو ما عرضنا له في المبحث الثالث من هذا الفصل‪ ،‬فلها أن تزيد في مقادير الزكاة‬
‫عقن المقاديقر المقرّرة بحسقب الحاجقة‪ ،‬أو أن تحصقّلها فقي صقورة ضرائب تحدد هقي‬
‫مواعيقد بدء حولِهقا ونهايتقه‪ ،‬على أن ل تقلّ نسقب الخقذ عقن النسقب المتفقق عليهقا‬
‫عنقد علماء الشريعقة‪ ،‬وإن جازت الزيادة‪ ،‬كمقا ل تمتنقع الدولة مقن قبول زكاة مسقلم‬
‫حان وققت سقداد زكاتقه قبقل وققت الجمقع الحكومقي‪ ،‬ويخصقم القدر الذي دفعقه ممقا‬
‫تفترضه عليه الدولة وقت المطالبة‪.‬‬

‫ل‬
‫سبِي ِ‬ ‫في َََ‬ ‫قاتِلُوا ْ ََِ‬‫و َ‬ ‫ومققققن هذا النوع فرض الجهاد قال ال تعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫ح ََّ َِ‬ ‫ن الل َََّ َ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫عتَدُوا ْ إ َََِ َّ‬
‫ول َ ت َ ْ‬ ‫قاتِلُونَك َََُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي ََََ‬ ‫الل َََّ ِ‬
‫ن}(‪ .)1‬وضابقط ظهور حقّق الجماعقة فيقه أنّهقا إذا لم تققم بقه وققع الذى‬
‫دي ََ‬
‫عت َ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫عليهقا رأسقاً فكأنّهقا ليسقت بحاجقة لمقن يلفقت انتباههقا له أصقلً‪ .‬وعلى الدولة أن تقوم‬
‫بهذا الفرض لنّه واجبها ودورها وأن تعاقب من تخلّف عنه‪ .‬ول يعرض هنا أ نّ في‬

‫‪)(1‬سورة البقرة‪ ،‬آية‪.)190( :‬‬

‫‪90‬‬
‫الدولة كافريققن ومشركيققن وأنققّ اليات جاء بعضهققا بقتالهققم‪ ،‬إذ هذا كلم مخمور‪،‬‬
‫فالفرق بين من أتت اليات بقتالهم من أعداء الجماعة السلمية وبين المقيمين بين‬
‫ظهرانيها ممن َنعُدّهم منها أظهر من أن يسأل عنه أحد؟ وقد يجوز لنا أن نطرح هنا‬
‫فهماً لعلّه قمين بالنقاش وهو أن يُترجم لفظ "الكافرين" وما شابهه(المشركون) في‬
‫آيات القتال بالنسبة للدولة بلفظ العداء‪ ،‬ومفهوم أنّه عندما تقوم العداوة ‪-‬خصوصاً‬
‫المسقلحة منهقا‪ -‬بيقن طائفتيقن فإنّق مقن الجائز فقي عقول العقلء أن يسقم العدوّ عدوّه‬
‫بمقققا هقققو قبيقققح فيسقققمه بالكفقققر ومقققا شابقققه‪ .‬وعليقققه يكون المفهوم مقققن قول ال‬
‫َ‬
‫ولَ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ومَ ِ ال ِ‬ ‫ول َ بِالْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِالل َّ ِ‬ ‫منُو ََ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ل َ يُ ْ‬ ‫ذي ََ‬‫قاتِلُوا ْ ال ّ ِ‬ ‫تعالى‪َ {:‬‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ن ِدي َ‬ ‫دينُو َ‬ ‫ول َ ي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حَّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ح ِّ‬ ‫يُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ََْ‬‫و ُ‬ ‫د َ‬ ‫عن ي َ ٍ‬ ‫ة َََ‬ ‫عطُوا ْ ال ْ ِ‬
‫جْزي َ َ‬ ‫حت َََّى ي ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوتُوا ْ الْكِتَا َََ‬ ‫ذي َََ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن}(‪ )1‬هققو مقاتلة كلّ عدوّ وإيقاع الهزيمققة بجيشققه حتّى يقققع فققي الذلة‬
‫غُرو َ‬
‫صا ِ‬
‫ََ‬
‫والصققغار‪ .‬وإنّمققا ذكرت رأيققي هذا بصققيغة التمريققض على الرغققم مققن قناعتققي بققه‬
‫واطمئناني إليه وقيام الشواهد الكثيرة على الحاجة إليه‪ ،‬حتّى أتحلّى بالدب الواجب‬
‫مققع العلماء أن ينظروا مققا فيققه خيققر النّاس فيثبتوه‪ .‬وال يهدينققا جميعاً إلى سققواء‬
‫الصراط‪ ،‬وأنا هنا أُذَكّر أنني أجتهد في ح ّل المعضل السياسي‪ ،‬ويمكن للنقاش داخل‬
‫الحوزة الدينيققة أن يأخققذ مداه لكققن مققن المهققم أن نبحثققه ونحققن واعيققن إلى ضرورة‬
‫التوصققّل لحلّ لبناء دولة محترمققة وقققد فققي كتاب السققلطة المدنيققة وفققي رسققالتي‬
‫للدكتوراه بوضوح كيقف أنّق أصقل السقتصلح ينبغقي أن يقدّم الخقذ بقه فقي اسقتنباط‬
‫الفقه السياسي على نحو يصعب إعادة سرده أو تفصيل القول به هنا‪ ،‬فليُرجع إليه‪.‬‬

‫وممّا يظهقر فيقه حقّ الجماعقة جميقع المحظورات فقي الشريعقة السقلمية تقريباً‬
‫فكلّهقا علتهقا ظاهرة‪ .‬ولسقنا بحاجقة لبيان ظهور حظقر القتقل‪ ،‬أو السقرقة أو الزنقا‪ ،‬أو‬
‫شرب المسقكرات‪ ،‬وهذه كلّهقا محظورات يغلب فيهقا حقّق الجماعقة‪ ،‬وعليقه يجقب على‬

‫‪)(1‬سورة التوبة‪ ،‬آية‪.)29( :‬‬

‫‪91‬‬
‫الدولة إيقاع العقوبة عليها دونما نظر لختلف ديانات أعضاء الجماعة‪ .‬ل نّ الحظر‬
‫هنا هو حقّ الجماعة‪ ،‬وهو ظاهر العلّة مدني التقدير‪ ،‬أساسه إزالة الضرر الظاهر‪.‬‬

‫المباحات‪:‬‬

‫المباحات هققي الشياء التققي ليسققت بواجبققة ول محظورة وهققي فققي الشريعققة‬
‫السققلميّة كلّ مسققائل الحياة تقريباً‪.،‬وعليققه فالدولة مققن واجبهققا أن تتدخّل فققي هذه‬
‫المسقائل وفقق منهقج السقتصلح فتتعامقل معهقا تبعاً لمصقلحتها وعليهقا أن تسقنّ فيهقا‬
‫مقن القوانيقن مقا ينظّمهقا باعتبارهقا مسقائل مدنيّة‪ ،‬تخلص السقيادة عليهقا للجماعقة‪،‬‬
‫فيجوز للحكومقة مثلً لضبقط حالت التغالي فقي المهور التدخقل لتحديدهقا‪ ،‬ويجوز لهقا‬
‫أن تتدخّل لضبققط عقققد الزواج بحيققث يكون شاملً لكافّة الحتمالت بدلً مققن شغققل‬
‫المحاكقم بهذه المشكلت‪ .‬ومثقل ذلك فقي كلّ مباح موجود‪ ،‬للدولة القدرة على ضبطقه‬
‫بما تراه مناسباً وأقرب للصلح[تراجع بالضرورة رسالتنا للدكتوراه‪ ،‬وكتاب السلطة‬
‫المدنية في السلم]‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫في وظائف الدولة‬

‫(‪)1‬‬
‫مفاهيم تحدد وظائف الدولة‬

‫الدولة‪ :‬كيان اعتباري يمثّل شعباً من الشعوب‪.‬‬

‫مة‪ :‬تطلق على معنيين‪:‬‬


‫ال ّ‬

‫‪92‬‬
‫‪.1‬المعنى الول‪ :‬جملة أصحاب الوطن‪ :‬من حلقات السابقين الذين أسسوا‬

‫الوطن‪ ،‬ومن الشعب الموجود في الزمن الحاضر‪ ،‬ومن البناء الذين‬

‫سيقدمون في مستقبل اليّام‪.‬‬

‫‪.2‬والمع نى الثا ني‪ :‬جملة من يت صلون بهذا الش عب من الشعوب المتف قة‬

‫معه في التاريخ أو اللغة أو الح سّ العام أو العادات والعراف‪ ،‬أو في‬

‫الطبائع‪ ،‬أو في الدين‪ ..‬وبالجملة في واحد أو أكثر ممّا سبق‪.‬‬

‫الشعب‪ :‬يرتبط تعريف الشعب بتعريف المّة‪ ،‬فهو إمّا دلّ على‪:‬‬

‫‪.1‬مجموعـة المواطنيـن القائميـن فـي زمـن مـا‪ ،‬والذيـن ورثوا دولة لهـا‬

‫تاريخ وتملكها أمّة معروفة ومتميزة بين المم‪.‬‬

‫‪.2‬أو هـو ذلك الجزء مـن المّـة الكـبيرة متعددة الشعوب والوطان‪،‬‬

‫والقائمة في الزمن القائم موزع ًة على جملة من الوطان‪.‬‬

‫وعلى هذا فلدى الشعب مهمّات تتعدد بتعدد توصيفاته‪:‬‬

‫‪.1‬مهمة تلقاء نفسه‪ :‬تحقيق الرفاه والسلم في عيشه المشترك‪.‬‬

‫‪.2‬ومهمّة تلقاء أمّته في وطنه‪ :‬فأن يحافظ على تاريخها ودورها وأن ل‬

‫يأ تي من الفعال ما يش ين ذلك التار يخ أو يض يع هذا الدور‪ ،‬أو يم سّ‬

‫الجيال التي ستأتي في الزمان المستقبلة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪.3‬وأمّا بالنسبة لمّته في الوطان الواسعة من حوله‪ :‬فالدفاع عن أمنها‪،‬‬

‫والعمل على تحقيق مصالحها‪ ،‬وتحقيق الرفاه لكافّة شعوبها‪.‬‬

‫التاريَخ‪ :‬التاريققخ المعتققبر الذي يلزم شعباً مققن الشعوب أن يلتزمققه هققو ذلك‬
‫التاريقخ الذي مقا يزال حاضراً ومؤثراً فقي شأن الدولة‪ ،‬ول يتوقّع له زوال فقي المدى‬
‫المنظور‪ ،‬وهو ذلك الشيء المعنوي الذي يربط بين أبناء المّة بحيث لو تصوّرنا أنّ‬
‫الفئة الفاعلة بينهم أرادت أن تغيّر الميل إليه أو الرتباط به بينهم لما استطاعت‪ .‬أمّا‬
‫مقا حدث مقن تصقرّفات المقم فقي غابر اليّام بمقا يحويقه مقن أسقاطير أو حقائق ول‬
‫تأثيقر له فقي يومهقا وفقي تعاملهقا مقع غيرهقا مقن الدول فهقو بالنسقبة لهقا "ماضقٍ"‬
‫يحترم وليس تاريخاً يُلتزم‪.‬‬

‫والتاريقخ فقي شأن المّة المصقريّة اليوم هقو العروبقة والسقلم‪ ،‬ول يمكقن لعاققل‬
‫أن يفكقر أنّق مقن الممكقن أن تقيقم مصقر علقاتهقا‪ ،‬أو مصقالحها أو أن تتصقرّف فقي‬
‫نزاعاتها بعيدا عن هذا المؤثّر وهو أمر من الجلء بحيث ل يحتاج لكبير مناقشة‪.‬‬

‫على هذا يع ّد كلّ تصقققرّف مناف لحدود احترام التاريقققخ أو المسقققتقبل مقققن أيّققة‬
‫حكومقة تصرّفا غيقر قانوني‪ ،‬فضلً عن كونقه غير لئق‪ .‬وعلى كلّ حكومقة أن تحترم‬
‫التاريخ وأن تحترم المستقبل‪ ،‬وعلى الهيئات الدوليّة أن تضع في حسبانها أن تلتزم‬
‫كافّة التفاقيّات التققي توقّعهققا حكومات الدول بهذا الضابققط حتّى يتس قنّى لهققا الدوام‬
‫والسقتقرار؛ لنّق مقن حقّق الجيقل التالي إذا رأى حيفاً على حقوققه المسقتقبليّة أو على‬
‫تاريخه أن ينسلخ من هذه التفاقات باعتبار أنّها غير قانونيّة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫(‪)2‬‬
‫في الوظائف والمؤسسات والضوابط‬

‫البرلمان‪:‬‬

‫تتلخقص واجبات البرلمان فقي رعايقة مصقالح الشعقب وحفقظ الدسقتور‪ ،‬وحمايقة‬
‫الدولة خارجياً‪ ،‬ومراقبقققة أداء المؤسقققسات التنفيذيقققة ومحاكمقققة هذه المؤسقققسات‪،‬‬
‫وتوقيقع العقوبقة عليهقا‪ ،‬ووضقع القوانيقن التقي تضبقط اسقتقامتها‪ ،‬وقيامهقا بواجبهقا‪.‬‬
‫ويجوز للبرلمان اعتماد توقيققع العقوبات القاسققية الموجودة فققي الشريعققة السققلميّة‬
‫على مسئولي الدولة أياً يكن دينهم‪ .‬وعليه الشراف على عمليّة بسط سيادة الشعب‬
‫على الملكية العامّة وتحقيق سيادته على سائر أموال الجماعة‪.‬‬

‫مجلس العموم‪:‬‬

‫هققو المجلس التشريعققي والرقابققي العام‪ ،‬ووظيفتققه بالسققاس مراقبققة الحكومققة‬


‫ومحاسققبتها‪ ،‬وهققو المخوّل بمنحهققا الثقققة وبإسقققاطها‪ ،‬وهققو المسققئول عققن طرح‬
‫مشروعات القوانيقن والتداول فقي المشاريقع المقترحقة والموافققة عليهقا أو رفضهقا‪،‬‬
‫ويتمّق انتخاب أعضائه كلّهقم بالنتخاب الحرّ المباشقر‪ ،‬وذلك تبعاً لتقسقيم البلد لقاليقم‬
‫جغرافيققة كققبيرة‪( ،‬لفققت المرحوم أ‪.‬د جمال حمدان إلى توصققيفها‪ ،‬ونرجققو أن تأتققي‬
‫معالجة واسعة لها في تصور إقليمي واقتصادي أوسع بإذن ال)‪ ،‬ويراعى في قانون‬
‫النتخاب أن ل يُسققمح للمسققألة القبليّقة أو العائليّقة بلعققب دور متميّقز فققي المسققألة‬
‫النتخابية‪ .‬ويقترح أن ينتخب أعضاؤه عضو لكل ‪ 300‬ألف مواطن‪.‬‬

‫ينبغقي أن يوضقع حدّ أعلى لملكيات المرشحيقن بحيقث ل تزيقد ملكياتهقم عليقه مقع‬
‫ضمان عدم اللتفاف على هذا الشرط‪ .‬ويحظققر على كلّ عضققو فققي البرلمان قائم أو‬

‫‪95‬‬
‫سابق ممارسة أيّ من أعمال الكسب‪ ،‬وعلى الدولة أن تؤمّن لكلّ عضو سابق معاشاً‬
‫يكفيه إذا انقضت وليته‪.‬‬

‫يمكقن أن تتاح للقطاعات القليميقة الصقغيرة التقي تمثقل القبليّة حاكمقا كقبيراً فيهقا‬
‫فرصة التعبير عن نفسها في إطار ما يمكن تسميته مجلس "أعيان" تتاح العضوية‬
‫فيقه لصقحاب رءوس الموال ولصقحاب العصقبيات الكقبيرة‪ ،‬وهقو أقرب لوراثقة فكرة‬
‫مجلس الشعققب القائم فققي مصققر اليوم‪ ،‬ومققن خلله تتاح الفرصققة لصققحاب رؤوس‬
‫الموال لتقديققم العمال الخيريققة والخدميّة لبناء دوائرهققم‪ ،‬والمسققاهمة فققي تنشيققط‬
‫العمل الهلي‪ ،‬ورعاية السلم الجتماعي‪.‬‬

‫مجلس الشيوخ (المجلس الرئاسي)‪:‬‬

‫ل سنّ أعضائه عن أربعين سنة)‪ .‬ويقترح أن ينتخب أعضاؤه‬


‫‪ .1‬هو مجلس للشيوخ (ل يق ّ‬

‫عضو لكل مليون مواطن‪.‬‬

‫‪.2‬هـو المجلس الممث ّل لشخصـيّة الم ّة وهـو المسـئول عـن ضبـط سـياسات الحكومـة‬

‫وتشريعات مجلس النوّاب بما يتلءم مع الرّوح المصريّة بمميزاتها العربيّة والسلميّة‪،‬‬

‫وهـو يمتلك حـق العتراض "‪ "Vito‬على القوانيـن التـي يُصـدرها مجلس العموم‪ ،‬أو‬

‫السـياسات التـي تمارسـها الحكومـة‪ ،‬ويحيلهـا إلى مجلس العموم لمراجعتهـا ومحاسـبة‬

‫الوزارة عليها‪.‬‬

‫ل الحكو مة بالغالب ية المطل قة إذا رأى تق صيرا‬


‫‪.3‬يح قّ للمجلس التو صية بإقالة وز ير أو بح ّ‬

‫أو تعمّد مخالفـة مـا عليـه القواعـد المعـبرة عـن الشخصـيّة الوطنيّة المصـريّة ويمكنـه‬

‫‪96‬‬
‫ل الحكو مة برمّت ها‪-‬‬
‫ال صرار على ذلك شري طة أن يتح صّل ‪-‬حال كا نت التو صية بح ّ‬

‫على موافقة ثلث أعضاء المجلس النيابي‪.‬‬

‫‪ .4‬هو المسئول الول عن القوات المسلّحة‪ ،‬وحالت السلم والحرب‪ ،‬والعلقات الخارجيّة‪،‬‬

‫ومسـائل المـن القومـي‪ ،‬وتشارك الحكومـة فـي هذه المهام عـبر مشاركتهـا فـي مجلس‬

‫المن القومي‪.‬‬

‫‪.5‬يتكوّن من عدد من العضاء يت مّ اختيار هم بالقائ مة الموحّدة على طول الق طر كلّه‪ ،‬ول‬

‫ي من‬
‫يجوز أن تتكوّن هذه القائ مة على أ ساس حزب يّ‪ ،‬ويشترط أن يم ّر على ا ستقالة أ ّ‬

‫ليـ مـن أعضاء‬


‫ّ‬ ‫حزبيـ له مدّة خمـس سـنوات‪ .‬ول يجوز‬
‫ّ‬ ‫مرشّحيهـا مـن آخـر نشاط‬

‫المجلس بعد أداء مهمّتهم العودة للمارسة الحزبيّة‪ .‬ويجوز استخدامهم من قبل المجالس‬

‫ل رئيـس جمهوريّة سابق على العضويّة‬


‫الرئا سيّة فقـط كمسـتشارين‪ .‬على أن يحوز ك ّ‬

‫حقـ رئاسـته ول‬


‫ّ‬ ‫الدائمـة بمجلس الشيوخ مـن دون انتخاب‪ ،‬وليـس له فـي هذه الحالة‬

‫رئاسة أيّة لجنة دائمة فيه‪.‬‬

‫‪.6‬يتقدم قائمـة مرشحـي هذا المجلس اسـم رئيـس الجمهوريـة‪ ،‬ونائب له على القـل‪ ،‬ول‬

‫يجوز للمجلس ول لرئيس الجمهورية أن يمارس أيا من أعمال الحكومة‪.‬‬

‫‪.7‬تتقدّم القوائم المرش حة وعلى رأ سها رئ يس الجمهور ية للمجلس بطلبات ترشيح ها قبـل‬

‫عام ين من انتهاء ولي ته‪ ،‬ويع قد البرلمان بمجل سيه جل سات خا صة لل ستماع ل من يق بل‬

‫قائمت هم‪ ،‬وي حق له الد مج ما ب ين قائمت ين أو أك ثر‪ .‬ك ما يح قّ له إعداد قائ مة ب ما في ها‬

‫رئيس البلد وإلزام من فيها بالتقدم للنتخابات‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪.8‬مجلس الشيوخ الوّل يتقدّم بأسماء مرشحيه للجمعية التأسيسية‪ ،‬وهي التي تمرر القوائم‬

‫للنتخاب العام‪ .‬وبعـد ذلك تتقدم القوائم للمجلس مباشرة فـي العام السـادس مـن وليتـه‬

‫التي تكون لفترة واحدة مدّتها ثمانية أعوام غير قابلة للتكرار‪.‬‬

‫الحكومة‪:‬‬

‫‪.1‬ينتخب رئيس الوزراء‪ ،‬ووزراؤه على مرحلتين الولى عبر البرلمان والمجالس القومية‬

‫ل من يرى في نفسه‬
‫المتخصصة والثانية بالقائمة الموحّدة بالنتخاب الحرّ المباشر‪ ،‬ولك ّ‬

‫القدرة على قيادة البلد أن يتقدّم للبرلمان بــبرنامجه‪ ،‬وأســماء الوزراء المشكليــن‬

‫لحكومته‪ ،‬ومساعديه في موعد غايته عام قبل النتخابات ‪-‬أو كما يحدد البرلمان‪ -‬على‬

‫أن يحدّد البرلمان بمجلسيه جلسات استماع لكلّ مترشح يعتمد برنامجه وترشّحه‪ ،‬ويح قّ‬

‫للمجلس إلزام الفائز بالنتخابات بكلّ إيجابية اعتمدها البرلمان من برامج منافسيه‪ ،‬كما‬

‫يحق له أن يقرّب بين قائمتين أو أكثر أو يأمرهما أن يتحدا على نحو يرضيه‪ ،‬ويرضي‬

‫المجالس القومية‪.‬‬

‫ي مسئول سياسي الستمرار في أداء نفس الدرجة من‬


‫‪.2‬ل يجوز لرئيس الوزراء ول ل ّ‬

‫العمل أكثر من دورتين (تقدر الدورة لغير أعضاء مجلس الشيوخ بمدّة خمس سنوات)‪.‬‬

‫الهيئة القضائيّة‪:‬‬

‫الميزة الساسيّة للتفرقة بين الشريعة السقلميّة وبين غيرها من الشرائع ليس‬
‫مقا يشاع مقن الكلم السقخيف الذي يتواتقر على ألسقنة العامّة ‪-‬أخذا مقن ألسقنة بعقض‬

‫‪98‬‬
‫مقن رضوا بتسقويق أنفسقهم لذى العامّة على قول الحققّ‪ -‬أنّهقا الحكام العقابيّة التقي‬
‫تحتوي الشريعققة المسققلمة عليهققا‪ .‬ذلك أن قّ المحرمات فققي الشريعققة المسققلمة تتفققق‬
‫الشريعقة السقلمية فيهقا مقع كلّ شريعقة معروفقة‪ ،‬بقل إنّق هناك مقن الشرائع ‪-‬إن كان‬
‫المعرض معرض حديقث عقن التشديقد فقي العقوبقة‪ -‬مقا كانقت أكثقر تشدداً مقن السقلم‬
‫وتعنتاً فقي ميدان العقوبات‪ .‬فالموضوع ليقس موضوع تشدد فقي العقوبقة إذ ل ينشغقل‬
‫بهذا غير مريضي النفوس‪ ،‬إنّما الموضوع هو إقامة العدل وتحقيق النصفة ولو من‬
‫غيققر شغققل ذهققن بإيقاع العقوبققة‪ ،‬وقققد قرأت للمام تاج الديققن ابققن السققبكي فققي هذا‬
‫الشأن رأي ًا يبعقث على الفتخار أثبَتَه رحمقه ال فقي كتاب "معيقد ال ّنعَم ومبيقد ال ّنقًم"‪،‬‬
‫فقي حديثقه عقن وظيفقة‪" :‬البوّاب"‪ :‬وهقو شخقص يمكقن أن يترجقم له اليوم بضابقط‬
‫المباحققث الجنائيّة يكون لديققه معرفققة بأولئك المشبوهيققن الذيققن تقققع التهمققة عليهققم‬
‫خصقوصاً فقي جرائم السقرقة‪ .‬قال ابقن السقبكي‪ :‬إنّق هذا البوّاب إن علم بسقرقة شيقء‬
‫تقع فيه عقوبة قطع اليد‪ ،‬فاستطاع أن يحتال في إعادة المسروق من غير شغل ذهن‬
‫بإيقاع التهمة على الفاعل كان ذلك جيداً ل بأس به‪ .‬قال ابن السبكي‪ :‬لنّ القطع حقّ‬
‫ال‪ ،‬وهو مبن يّ على المسامحة(‪ .)1‬فيال ال ممّن يتقعرون ويدّعون فهماً وفقهاً؟ أين‬
‫هم في فقه الشريعة من هذا الكلم؟ أم لنّه كلم نظيف ل زفر فيه فهو ل يُشبِع؟‪.‬‬

‫الميزة فقي الشريعقة السقلمية هقي أنّهقا اعتمدت حضاريّا نظاماً قضائيّا هقو فيمقا‬
‫نعلم الكثقر تقدّمقا وتميزاً فقي تاريقخ النظقم القضائيّة ل لكونقه الكثقر تنظيماً بقل لنّه‬
‫الكثقر بسقاطة‪ ،‬فلكون هذه الشريعقة هقي شريعقة الفطرة كان قضاؤهقا متّجها ناحيقة‬
‫المطلوب رأسقاً‪ ،‬فلم تعرف الرسقوم والشكليّات طريقاً إلى طرق التقاضقي فيقه‪ ،‬كمقا لم‬
‫تحتج وسائل تطبيق العدالة فيه إلى ما عرف في تاريخ الشرائع من التحايل لتطبيق‬
‫العدل بققل هقي تتفقق مباشرة مقع قواعققد القانون الطقبيعي الذي ينبغققي على القاضققي‬
‫المسقلم إعماله فقي كلّ حال دونمقا كقبير توقّف عنقد حدود النصّق القانونقي فمِن واجقب‬
‫‪)(1‬ابن السبكي‪ ،‬تاج الدين‪ ،‬معيد النعم ومبيد النقم‪ ،‬مكتبة الخانجي بالقاهرة‪ ،‬تحقيق وضبط‪ :‬محمد على‬
‫النجّار‪ ،‬وأبو زيد شلبي‪ ،‬ومحمد أبو العيون‪ ،‬ط ‪1413(2‬هـ=‪1993‬م) ص ‪.46‬‬

‫‪99‬‬
‫القاضققي أن يتوص قّل إلى العدالة آمرًا ومنفذاً ومشرّعا إذا اقتضققت الحاجققة إلى ذلك‪،‬‬
‫فإذا ما جاوز نصّا قانونيا أو عدّله وجب على المحكمة العليا أن تعيد النظر في حكمه‬
‫فإن أثبتتقه أحالت الحكقم وتعديقل النصّق أو إضافقة النصّق الجديقد للبرلمان الذي يجقب‬
‫عليقققه إصققداره دونمققا مداولة باعتباره سقققابقة قضائيّقة تحترم وباعتبار أنققّ قضاة‬
‫المجلس هم أنفسهم أعضاء في المحكمة العليا التي أقرّت صواب هذه السابقة‪.‬‬

‫ل يلي القضاء أحد دون سنّ الربعين ول يجوز انتقال أحد من الشرطة القضائيّة‬
‫إلى القضاء ويجوز العكس بضوابطه‪.‬‬

‫وعليقه نرى أنّق مقن الممكقن أن يتمثّل القضاء بثلث دوائر‪ ،‬دائرتان متوازيتان‪،‬‬
‫والثالثة فوقهما‪:‬‬

‫‪.1‬الدائرة الولى‪ :‬دائرة المور الوقتيّـة وهـي أوسـع الدوائر القضائيـة‪ ،‬وهـي على‬

‫درجت ين‪ :‬وتن ظر في كلّ نزاع يقوم ما ب ين أفراد وأفراد أو أفراد ودولة ب ما في ذلك‬

‫تختصـ بهـا الدائرتان الثانيـة والثالثـة‪.-‬‬


‫ّ‬ ‫النزاعات الماليـة –مـا عدا النزاعات التـي‬

‫يتمـ حسـمها فيمـا ل يجاوز شهرا مـن وقـت رفعهـا‪،‬‬


‫وقضايـا هذه الدرجـة ينبغـي أن ّ‬

‫ويكون الن ظر في ها في الموضوع رأ سا وتل غى كافّة الشكليات ول يكلّف المدّ عي إل‬

‫ادعاءه فإن بان كذب ادعائه و جب على المحك مة أن تعاق به‪ ،‬وعلي ها أن تت خذ إجراء‬

‫العقو بة دون ما حا جة لطلب من المتضرر ين ودون متاب عة من هم‪ .‬وعلى القا ضي أن‬

‫يتو صّل لت طبيق العدالة في ها بكلّ طر يق ولو بع قد ال صلح ب ين المتنازع ين بنف سه أو‬

‫بالعتماد على العيان فـي كلّ قريـة أو حيـّ‪ ،‬وعليـه أن يسـتعمل جهاز الشرطـة‬

‫القضائي ّة المعاون له فـي تطـبيق العدالة على كلّ أحـد‪ ،‬ول ين ّد عـن يده إل أعضاء‬

‫‪100‬‬
‫مجلس الشيوخ وحد هم‪ ،‬فإن كان التنازع مع أحد هم طلب إلى المحك مة العل يا (الدائرة‬

‫الثال ثة) الن ظر في الموضوع أو ا ستدعاء ع ضو المجلس أما مه فإن أمرت المحك مة‬

‫العل يا ع ضو مجلس الشيوخ بالحضور ح ضر‪ ،‬ول اعتبار ب سخافة الح صانة إذ العدل‬

‫والستقامة هما الحصانة الدائمة لكلّ أحد‪ .‬وعلى القاضي الطمئنان إلى إيصال الحكم‬

‫إلى الدر جة الثان ية من دائر ته فإن وافقت على حك مه فورا و جب عل يه القيام لت طبيقه‬

‫بنف سه عبر جهاز الشر طة التا بع له‪ ،‬فإن لم توا فق الدر جة العلى كان علي ها إنجاز‬

‫الح كم في مو عد غاي ته ش هر آ خر‪ .‬وينب غي على جهات التفت يش القضائيّة (بالدر جة‬

‫الثالثة) محاسبة كلّ قاض يخطئ في أحكامه عددا معينا من المرات‪ ،‬وأن تمنعه من‬

‫ن لها فصله من العمل القضائي إن رأت فيه‬


‫النظر المباشر في القضايا إلى حين‪ ،‬ث ّم إ ّ‬

‫قصورا عن إمكانيّة النظر في القضاء‪.‬‬

‫تُحس قَم المنازعات الماليققة بمعاونققة هيئة الرقابققة على الممتلكات الماليققة والتققي‬
‫يكون لديهققا حصققر بكلّ ممتلك مالي فققي الدولة‪ ،‬ول يجوز لمحكمةٍ النظققر فققي أيّقة‬
‫ادعاءات ماليققة خارج زمام هذه الهيئة‪ ،‬فإن لم يُثبققت مقرِض قرضَقه فققي الهيئة لم‬
‫يجز له المطالبة به أمام القضاء‪.‬‬

‫وتختصّق الدرجقة الثانيقة مقن هذه الدائرة بمراقبقة قاضقي المور الوقتيّة والنظقر‬
‫فقي أحكامقه على كلّ حال‪ ،‬ولقاضقي الدرجقة الولى إحالة القضيّة إلى الدرجقة العلى‬
‫إذا أعياه حكمها على أن تثبت المحكمة العلى أنّه كان محقاً في حيرته وإل عدّ ذلك‬
‫خطأ قضائي ًا يستوجب المحاسبة على النحو سالف الذكر‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪.2‬الدائرة الثانية‪ :‬وهي دائرة الفصل في القضايا الجنائيّة‪ ،‬والجنايات المالية وهي على‬

‫درجات تنظر في موضوع واستئناف ونقض القضايا‪.‬‬

‫‪.3‬الدائرة الثال ثة‪ :‬وت قع فوق الدائرت ين الولي ين و هي دائرة قضاة المحك مة العل يا‪ ،‬يت مّ‬

‫الترقية إليها عبر الدائرتين الدنى‪ ،‬وتقوم بعمليّة التفتيش والرقابة القضائية ومعاونة‬

‫مجلس الشيوخ في ال بت في القضا يا ال كبرى و في التحقيقات القانون ية ال تي يقوم ب ها‬

‫وتع مل على رقا بة كافّة الت صرفات القضائيّة ول ها أن تق ضي في القضا يا ال كبرى‬

‫بنف سها أو بإحالة من مجلس الشيوخ ك ما ل ها الح قّ في الن ظر في د ستوريّة القوان ين‬

‫ومحاسبة المسئولين السياسيين ويرأسها قضاة خمسة يكونون أعضاء دائمين بمجلس‬

‫الشيوخ‪ .‬كمـا أنّـ مـن مهامّهـا أن تشرف على جامعـة الشريعـة بالتعاون مـع الز هر‬

‫الشريف‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫المن القومي‪:‬‬

‫مققن أبرز مققا كتققب عققن "المققن" مققا أوضحققه "روبرت مكنمارا" وزيققر الدفاع‬
‫المريكقي السقبق وأحقد مفكري السقتراتيجية البارزيقن فقي كتابقه "جوهقر المقن"‪..‬‬
‫حيقث قال‪" :‬إن المقن يعنقي التطور والتنميقة‪ ،‬سقواء منهقا القتصقادية أو الجتماعيقة‬
‫أو السقياسية فقي ظقل حمايقة مضمونقة"‪ .‬واسقتطرد قائلً‪" :‬إن المقن الحقيققي للدولة‬
‫ينبقع مقن معرفتهقا العميققة للمصقادر التقي تهدد مختلف قدراتهقا وقيامهقا بمواجهتهقا؛‬
‫لعطاء الفرصققة لتنميققة تلك القدرات تنميققة حقيقيققة فققي كافققة المجالت سققواء فققي‬
‫الحاضر أو المستقبل"‪.‬‬

‫ولعقل المفهوم الذي ورد فقي قول ال تعالى ممتناً بقه على القرشييقن بمكّة وأنّق‬
‫ت*‬‫هذَا الْبَي ْ ِ‬
‫ب َ‬‫عبُدُوا َر َّ‬‫فلْي َ ْ‬
‫عليهم عبادته شكرًا لكونه ضمن لهم أمرين‪َ { :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف}(‪.)1‬هققو مققن أدققّ‬ ‫و ٍَ‬‫خ ْ‬
‫ن َ‬‫م َْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َْ‬
‫من َ ُ‬
‫ع وآ َ‬
‫جو ٍَ‬
‫ن ُ‬
‫م َْ‬
‫هم ِ‬
‫م َُ‬ ‫ذي أطْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫المفاهيقم المعقبرة عقن حقيققة ذلك المقن الذي ترجوه الدول‪ .‬مقن هنقا نؤكقد أن المقن‬
‫هققو ضققد العوز إلى الحاجات الضروريّقة وأهمّهققا الطعام‪ .‬وضققد الخوف‪ ،‬والخوف‬
‫بالمفهوم الحديقققث يعنقققي التهديقققد الشامقققل‪ ،‬سقققواء القتصقققادي أو الجتماعقققي أو‬
‫السياسي‪ ،‬الداخلي منه أو الخارجي‪.‬‬

‫وعلى ضوء هذا المفهوم الشامققل للمققن‪ ،‬فإنققه لبققد مققن حفققظ أبعاده المتعددة‪،‬‬
‫وأولها‪ :‬ال ُبعْد السياسي والعسكري‪ :‬ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة‪،‬‬
‫وامتلك ما تحقق الدولة به الردع الواجب لتحقيق المن‪ .‬وال ُبعْد القتصادي‪ :‬والذي‬
‫يرمققي إلى توفيققر المناخ المناسققب للوفاء باحتياجات الشعققب وتوفيققر سققبل التقدم‬
‫والرفاهيقة له‪ .‬والبُعقد الجتماعقي‪ :‬ويرمقي إلى توفيقر المقن للمواطنيقن بالقدر الذي‬
‫يزيققد مققن تنميققة الشعور بالنتماء والولء‪ .‬والبُعْد المعنوي أو اليديولوجققي‪ :‬والذي‬

‫‪)(1‬سورة قريش‪ ،‬اليات‪.)4-3( :‬‬

‫‪103‬‬
‫يؤمّنق الفكقر والمعتقدات ويحافقظ على العادات والتقاليقد والقيقم‪ .‬وأخيراً البُعْد البيئي‪:‬‬
‫وهقو يوفّرق التأميقن ضقد أخطار البيئة خاصقة التخلص مقن النفايات ومسقببات التلوث‬
‫حفاظاً على المن(‪.)1‬‬

‫المن السياسي والعسكري‪:‬‬

‫الحدود الجغرافية للمن القومي‪:‬‬

‫الحدود القصقوى للمقن القومقي المصقري هقي باختصقار حدود العالم السقلمي‬
‫وإلى أقصققى جنوب القارة الفريقيققة‪ ،‬وذلك أنقّق كلّ مققا يحدث على هذه الرقعققة مققن‬
‫العالم يمقس رأسقًا حدود المقن القومقي المصقري‪ ،‬فلو كان هناك إدراك لحدود المقن‬
‫القومققي لمققا تركققت أفغانسققتان بيققد طالبان أو أسققامة بققن لدن‪ ،‬ولو كان هناك إدراك‬
‫لكانقت الجمهوريات السقلمية المسقتقلة عقن التحاد السقوفيتي فقي أحضان مصقر ل‬
‫في أحضان الغرب وإسرائيل؟‬

‫هذه الحدود هناك مقا هقو أضيقق منهقا وإذا اقترب الخطقر منقه صقارت الدولة فقي‬
‫حالة اسققتنفار وهققي حدود العالم العربققي المعروفققة‪ .‬وهناك حدّ ل يمكققن تص قوّر أن‬
‫تكون الدولة المصقريّة فيقه فقي حالة سقلم وهقو حدّ شمال النققب الفلسقطينية‪ ،‬ومنابقع‬
‫النيل في وسط القارة الفريقية‪.‬‬

‫الكيان العبري في فلسطين‪:‬‬

‫‪)(1‬يراجع في الفقرات الثلث‪ :‬د‪ .‬زكريا حسين‪-‬أستاذ الدراسات الستراتيجية‪ ،‬المدير السبق لكاديمية‬
‫ناصر العسكرية‪ ،‬مصر مقال بعنوان المن القومي منشور على العنوان الليكتروني‪:‬‬
‫‪http://www.khayma.com/almoudaress/takafah/amnkaoumi.htm‬‬
‫‪104‬‬
‫وفقاً لهذا الفهقققم لحدود أمننقققا القليمقققي وتبعاً للظروف القليميّققة فإن ققّ طرحنقققا‬
‫السققاس فققي قضيّقة فلسققطين هققو طرح الدولة الواحدة‪ ،‬وعودة النازحيققن إليهققا‪،‬‬
‫والتعامققل بنظرة متفهمققة لظروف اليهود غيققر الضالعيققن فققي الحركققة الصققهيونية‬
‫والذين جيء بهم لفلسطين بطريقة أو بأخرى‪ ،‬ولظروف كثيرة –عسكرية وسياسية‪-‬‬
‫لعل من المفيد النظر إلى طرح بإمكانية القبول بوجود دولتين عربيّة وعبرية ضمن‬
‫إطار عملية سياسية وعسكرية مع المستفيد الغربي‪ ،‬وفقاً للتصور التالي‪:‬‬

‫‪.1‬أن تكون حدود الدولة العبريّة خارج ما ت مّ ضمّه للكيان ال عبري عام‬

‫‪1967‬م‪.‬‬

‫‪.2‬خارج صحراء النقب‪ ،‬بما يشمل قطعا ميناء أ ّم الرشراش‪.‬‬

‫‪.3‬أن ل تلمـس حدود الدولة العبري ّة أيّا مـن الحدود العربي ّة المجاورة‬

‫لفلسـطين‪ ،‬فل التقاء مـع حدود أيّـ مـن دول الجوار العربيّة‪ :‬مصـر‪،‬‬

‫ـل إطار‬
‫ـث تكون الدولة العبريّـة داخـ‬
‫ـوريا‪ ،‬لبنان‪ .‬بحيـ‬
‫الردن‪ ،‬سـ‬

‫فلسطيني من جميع الجهات العربيّة‪.‬‬

‫أمّا التسقوية التقي وقعهقا الرئيقس السقادات مقع الكيان العقبري فمقا قلناه هنقا ل‬
‫يتعارض معهقا؛ إذ ل يوجقد فقي التفاقيقة ضبقط لحدود الدولة العبريقة ‪-‬التقي لم تحدد‬
‫إلى اليوم‪ -‬وقد أعطينا تصورنا للتعاطي مع حدود تضمن أمننا القومي‪ .‬مع ضرورة‬
‫ضبط خرق الكيان العبري لكثير من بنود التسويات الموقعة معه‪.‬‬

‫السودان‪ ،‬والتحاد العربي‪:‬‬

‫‪105‬‬
‫ل ترى مصقر لنفسقها مسقتقبلً مقن دون إعادة الوحدة مقع السقودان باعتبارهمقا‬
‫إقليماً واحداً وشعب ًا واحداً بالصققالة يشهققد لذلك تاريققخ الفراعنققة‪ .‬وتعرف مصققر أنقّ‬
‫مسألة انفصقال القليميقن إنّما كانقت ‪-‬كمقا هي العادة‪ -‬إحدى مكائد السقتعمار الغربي‪،‬‬
‫وهي خسارة فادحة للجانبين المرتبطين حيوي ًا ببعضهما‪ .‬وستسعى مصر بكلّ سبيل‬
‫لكسب تأييد الشقاء السودانيين لتحقيق هذه الضرورة‪.‬‬

‫ل يمكن لمصر مواصلة التعاطي مع الجامعة العربيّة على هذا الوضع وينبغي أن‬
‫تأخققذ خطوة متقدّمققة بحيققث تبدأ فوراً فققي إنشاء كيان أكثققر تمثيلً واسققتجابة لرغبققة‬
‫الشارع العربي قائم على اجتماع الشعوب ل الحكومات‪ ،‬وعلى مصر باعتبار ريادتها‬
‫العربيقققة أن تبدأ إجراءات تكويقققن التحاد العربقققي وإعلن الدسقققتور العربقققي العام‪،‬‬
‫ووضققع الليات المؤسققسية لهذا المشروع الذي نرى أنققّ النجققع فيققه أن يقوم على‬
‫إدماج المؤسقسات الخارجيقة والقتصقاديّة والعسقكريّة معاً مقع ترك الدارات الداخليّة‬
‫الخاصققّة بكلّ قطققر على حالهققا‪ .‬وينبغقققي اللتزام بالمحافظقققة الكاملة على العراف‬
‫والعادات والتقاليد الخا صّة بكلّ إقليم‪ ،‬وبحقّه في إدارة شئون نفسه والتمتّع بثرواته‬
‫بعد أداء ح قّ التحاد‪ ،‬وينبغي أن تكون لدينا رؤية وتهيّؤ للتعاطي مع إرادة جماعات‬
‫تعيققش بيننققا لهققا تاريخهققا المحترم الذي يكفققل لهققا العتراف بلسققانها المختلف عققن‬
‫العربية‪.‬‬

‫كمققا ينبغققي أن يتعامققل هذا التحاد بحزم مققع كلّ مققا مققن شأنققه بثقّ أفكار التميّز‬
‫والسققتعلء بيققن الشعوب وبعضهققا أو بيققن بعققض مكونات هذه الشعوب وبعضهققا‬
‫البعقض‪ ،‬والتقي ققد تؤثقر فقي صقفاء الوحدة والتقارب فمقن دعقا أو أشاع بيننقا فكرة‬
‫تميّز بعروبتقه النّسقَبيّة على غيره ‪-‬ممّا هقو شائع كثيقر الشيوع للسقف فقي كثيقر مقن‬
‫القطار العربيققة‪ -‬فينبغققي أن يوقققف أمامققه بحسققم؛ إذ العربيّة باللسققان ل بالنسققاب‪.‬‬
‫وينبغقي أن يحسقم التحاد كذلك كلّ مقن ادّعقى نسقباً شريفاً متميزاً بقه عقن النّاس ولو‬

‫‪106‬‬
‫صحّ نسبه‪ ،‬فمن حاز نسباً شريفاً فليحتفظ به لنفسه‪ ،‬أمّا في إطار الدولة أو التحاد‬
‫فهو مواطن كسائر المواطنين ل يتميز عنهم بشيء(‪.)1‬‬

‫إيران‪:‬‬

‫تدعقو مصقر وتؤيّد الختلفات المذهبيّة التقي تثري الفكقر الدينقي‪ ،‬وتكون بمثابقة‬
‫توسققعة على المسققلمين فققي اختلف الرؤى الجتهاديققة‪ ،‬وتعمققل مققن خلل أزهرهققا‬
‫الشريف على الحفاظ على ذلك التراث التعددي للمذاهب الفقهيّة والفلسفيّة السلميّة‬
‫بمققا فيهققا المذهققبين الزيدي والجعفري‪ ،‬لكنّقه ل يسققع مصققر وهققي فققي مقدم العالم‬
‫السققلمي وقائدتققه أن تحتمققل إثارة لنعرات الفرقققة والوقيعققة بيققن المسققلمين تحققت‬
‫دعاوى أنّق بعقض المسقلمين مشايعون لهقل البيقت النبوي الشريقف‪ ،‬إذ ذلك ل يفهقم‬
‫منقه إل إرادة إحداث الوقيعقة‪ ،‬والعودة باللئمقة على جملة باققي المّة بأنّهقا ل تشايقع‬
‫أل البيت‪ ،‬أو أنّها في صفّ أعدائهم‪ ،‬وهو كلم مردود على أصحابه من جهتنا نحن‬
‫المصققريين بالذات‪ .‬وبنفققس درجققة الرفققض ل تقبققل مصققر لحققد مققن المسققلمين أن‬
‫يسقتخدم غيقر كلمقة مسقلم‪ ،‬وبحيقث ل يتسقمّى فريقق مقن المسقلمين بالسقنّي ويتسقمّى‬
‫الخقر بالشيعقي‪ .‬أمّا الصقحابة والسقنّة النبويّة والحاديقث الشريفقة وجهود العلماء‬
‫والرواة مققن غيققر أهققل البيققت فققي حفظهققا والقيام عليهققا ينبغققي أن تحظققى باحترام‬
‫الجميع‪.‬‬

‫وتتفهّم مصر طبيعة المشكلة التاريخية التي ما تزال عالقة في الذهنيّة الفارسيّة‬
‫ضققد العرب وتحاول حلّهققا على قاعدة أنققّ المور تجاوزهققا الزمققن ولم يبققق سققوى‬

‫‪)(1‬ول يجوز التصريح بعمل نقابات لصحاب النساب يدّعون بها تميزا عن غيرهم‪ .‬ول يقال هنا‪ :‬إنّ‬
‫ق أحد سلب مال أحد منه؟‬
‫النسب كما الغنى فضل من ال تعالى يؤتيه من يشاء من عباده‪ ،‬وليس من ح ّ‬
‫إذ إننا لم نطالب بسلب نسب أحد منه ولكننّا حجرنا عليه استخدام نسبه في الضرار بغيره بإظهار التميز‬
‫عليهم كما حجرنا على السفيه إساءة استخدام ماله فيما يضرّ به‪ ،‬والضرر بمشاعر النّاس أشدّ من‬
‫الضرار بمالهم‪ ،‬فل يعقل أن نمنع ما يؤذيهم في مالهم وبطونهم ونسمح بما يؤذي مشاعرهم وكبرياءهم‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫انتسابنا جميعاً للسلم‪ ،‬ول يجب أن ينسى النّاس أ نّ قائدة العرب اليوم دولة لم تكن‬
‫مقن العرب‪ ،‬فيقا ليقت إيران تقوم للعرب بمثقل مقا تقوم بقه مصقر دونمقا إثارة لزمقة‬
‫تاريخيققة ليققس مققن النصققاف نسققبة التأزم الذي حصققل للفرس فيهققا للعرب فلم يكققن‬
‫العرب بأبعققد مققن الفرس عققن ظلم "بنققي أميّة" كمققا أن قّ مققا عاناه العرب مققن ظلم‬
‫العباسقيين الذيقن صقنعتهم فلسقفة وسقيوف الفرس ممّا لم يعلق بأذهانهقم‪ ،‬فلنتجاوز‬
‫جميعاً الماضقي إلى حقائق الوحدة السقلمية التقي ل يجوز البحقث عقن مقا يقوّضهقا‪.‬‬
‫كمقا ل يمكقن قبول طرح فكرة‪" :‬إيران أولً‪ "..‬الشهيرة؟ كمقا إنّق مصقر ل يريحهقا جوّ‬
‫القداسة ومحاولة اصطناع فكرة رجال الدين في السلم‪ ،‬ول يمكن لمصر أن تسمح‬
‫بأن يكون وضع المرشد العلى في إيران وهو ليس إل واحد من الفقهاء المسلمين‬
‫قد يكون في المؤسسة الزهريّة من هو أكثر منه فقهاً بمكان يفهم منه أنّه أعلى من‬
‫المؤسقسة الدينيقة لغالبيّة المسقلمين السقاحقة والتقي يمثلهقا الزهقر الشريقف فإنّق هذا‬
‫ممّا ل تقبققل بققه أدنققى قواعققد البروتوكول‪ .‬وسققتسعى مصققر لدى طهران للعتراف‬
‫بالسقلطان الروحقي للزهقر والسقعي نحقو تقريقب المذاهقب السقلمية بالندماج ضمقن‬
‫المذاهقب الفروعيّة الغالبقة فقي العالم السقلمي ل على قاعدة التسقنن والتشيقع وإنّمقا‬
‫على قاعدة الختلف الفروعقي الفقهققي بيقن المسققلمين الموحديققن‪ .‬وترى مصقر أنقّ‬
‫الشيعة العرب في لبنان يمثّلون سبيلً جيّدا للتفاهم مع إيران‪ ،‬كما إنّها تقدّر ما يكنّه‬
‫الشعقب اليرانقي للشعقب المصقري مقن أواصقر المحبّة التقي تتجاوز أزمات السقياسة‬
‫ولذا تحرص مصر على إقامة علقات كاملة ومتميزة مع إيران‪.‬‬

‫المن العلمي والتقني‪:‬‬

‫مشكلة التعليم والتعليم الجامعي والبحث العلمي في مصر اليوم أعمق من أن تتمّ‬
‫مناقشتها في إطار إصلح فهي بحاجة إلى إعادة هيكلة ولوضع عقيدة علميّة جديدة‬
‫إن جاز التعبير‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫ولسقنا نرى مانع ًا أبداً بقل ل نرى أمامنقا طريقاً آخقر سقوى التعاطقي بيقن الحكومقة‬
‫ومجلس المن القومي في استقدام معلمين وخبراء هيكلة وتطوير يضعون الساس‬
‫السقليم لبدء حياة علميقة وبحثيقة جيدة فقي مصقر‪ ،‬وليكقن فقي صقدارة هؤلء الباحثيقن‬
‫أولئك الذيقن طردتهقم البيروقراطيّة‪ ،‬وسقاعد على هروبهقم انحطاط المراكقز البحثيّة‬
‫والجامعيققة عندنققا‪ ،‬ولتتوسققع هذه الدائرة لتشمققل أبناء الجاليات العربيققة السققلمية‬
‫وأبناء المققم الفقيرة (أفريقيققا‪ -‬آسققيا‪ -‬أمريكققا اللتينيققة) إضافققة لمققن يرغققب مققن‬
‫الوربييقن والمريكييقن‪ ،‬وينبغقي أن تتوفّر لهؤلء كافّة وسقائل الجذب الممكنقة‪ ،‬كمقا‬
‫ينبغقي أن تتوفقر لهقم كامقل وسقائل المان‪ ،‬ولهقم الحققّ فقي التحصقل على الجنسقيّة‬
‫المصقريّة‪ .‬وعلى مجلس المقن القومقي القيام بواجبقه فقي التدقيقق فقي شأنهقم فقي كلّ‬
‫حال‪.‬‬

‫أول مقا يجقب عمله فقي الجامعات ومراكقز البحوث عندنقا أن تبنقى الدراسقة على‬
‫أسقاس وحدة القسقم على مسقتوى القطقر ومركزيتقه والتئامقه وبحيقث تتجاور القسقام‬
‫المتقاربقققة فقققي جامعقققة تضمّهقققا فتتجاور أقسقققام الفيزياء والكهرباء والميكانيكقققا‬
‫والجيولوجيقا والتعديقن فقي جامعقة بعينهقا‪ .‬وهكذا ول يجوز أن يتكرر هذا الجمقع فقي‬
‫مكان آخققر وتتحوّل جميققع الجامعات إلى هذا النمققط المتخصققص ويتحدد عدد الطلب‬
‫المقبوليققن بالعدد الذي تراه مجالس هذه الجامعات التققي تخضققع لشراف لجنققة مققن‬
‫مجلس المن القومي‪.‬‬

‫وعلى كلّ حال فشأن القسققام أو الجامعات العمليّقة نراه ميسققور الصققلح أمّقا‬
‫القسققام النظريّقة فمصققيبتها أكققبر مققن كلّ تص قوّر وينبغققي أن تتشكّقل لجان لبحققث‬
‫الصلحية تضع قواعد للختبار فتطرد من هذه القسام من ل صلة له بالتفكير أصلً‪،‬‬
‫وتلحقق بهقا كلّ مقن كان أهلً له مهمقا تكقن مرتبتقه‪ ،‬ثمقّ على لجان إعادة الهيكلة أن‬
‫تعيققد بناء القسققام النظريّة على نحققو مققا ذكرنققا مققن وحدة القسققم وتجاور القسققام‬
‫المتقاربة‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫ومثقل ذلك قُله فقي كلّ مراحقل التعليقم التقي تحتاج لثورة شاملة نرى مقن الواجقب‬
‫على الحكومقة وعلى مجلس المقن القومقي أن يعتقبر أنّه فقي حالة اسقتنفار قصقوى‬
‫وهقو يعالج أمرهقا ونكرر أنّه ل مانقع عندنقا أبداً مقن اسقتقدام خقبراء أجانقب يدققق فقي‬
‫شأنهققم مجلس المققن القومققي يقومون بعمليّة إعادة الهيكلة هذه‪ ،‬ونرى بحسققم أنقّ‬
‫التوققف التام مقن أجقل إعادة الهيكلة لسقنة أو لسقنتين أكثقر فائدة عشرات المرات مقن‬
‫الترقيع بعد إذ اتسع الفتق‪ .‬كما نكرر أ نّ ذلك من أعجل مهام المن القومي‪ .‬ويلحق‬
‫بالجامعات ومراكز البحوث والتعليم الهيئات الصحيّة والمستشفيات وصناعة الدوية‬
‫وسائر القطاعات النتاجيّة وقطاعات التخطيط والتصنيع العسكري‪...‬الخ‪.‬‬

‫دار الحكمة‪:‬‬

‫من الضروري العتراف بأن الدراسة باللغة القومية تمثل أعلى معدل نمو عقلي‬
‫في الجامعات الخمسمائة الولى على العالم ‪...........‬‬

‫المن القتصادي والجتماعي‪:‬‬

‫*المن المالي‪:‬‬

‫الملكيقة الشخصقية حقق مكفول للجميقع ولبقد للجميقع مقن احترامقه‪ .‬لكنّق الملكيّة‬
‫الماليققة كمققا الملكيّة الدسققتوريّة ل تعطققي السققيادة المطلقققة‪ ،‬ولبققد مققن رقيققب على‬
‫التصرفات التي يجريها المالك ل نّ آثارها ل تقف عليه وحده بل تتعدّاه لسائر المّة‪،‬‬
‫ق معلوم‪ ،‬أمّا‬
‫وعليه فلمن تقع آثار الفعقل عليهقم نوع من المشاركقة مكفول‪ ،‬ولهم ح ّ‬
‫الحقق المعلوم فهقو الزكاة أو الضريبقة التقي ينبغقي على المالكيقن دفعهقا للجماعقة أو‬
‫الدولة‪ .‬وأمّا نوع المشاركقة فهقو تحقيقق للرقابقة والرقابقة علمقة السقيادة وسقيادة‬
‫الجماعققة على الموال والممتلكات الموجودة بحوزتهققا عامّة كانققت أو خاصققّة أمققر‬
‫َ‬
‫والَك َُ ُ‬
‫م‬ ‫م َ‬
‫هاء أ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ؤتُوا ْ ال َُّ‬
‫س َ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬
‫ل بقول ال تعالى‪َ { :‬‬
‫ثابقت فقي الشريعقة عم ً‬

‫‪110‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫سو ُ‬‫واك َْ ُ‬
‫ها َ‬‫في ََ‬‫م ِ‬‫ه َْ‬ ‫واْرُز ُ‬
‫قو ُ‬ ‫قيَاما ً َ‬ ‫ه لَك َُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل الل َّ ُ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬‫ال ّت َِي َ‬
‫عُرو ًَ‬
‫فا}(‪ .)1‬فإنقّ ال تعالى أثبققت السقيادة على حفقظ‬ ‫ول ً َّ‬
‫م ْ‬ ‫ق ْ‬‫م َ‬ ‫ه َْ‬‫قولُوا ْ ل َ ُ‬
‫و ُ‬ ‫َ‬
‫الموال للجماعقة ولو كانقت أموالً خاصقّة‪ ،‬كمقا أنّق إقرار القرآن للملكيّة الخاصقة فقي‬
‫صدَ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ق ً‬ ‫م ََ‬ ‫ه َْ‬
‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م َْ‬ ‫خذْ ِ‬ ‫نسققبة الموال لصققحابها فققي قول ال تعالى‪ُ { :‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫ن لّ ُ‬‫سك َ ٌ‬‫ك َ‬ ‫صلَت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِ َّ‬
‫ه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ص ِّ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫وتَُزكِّي ِ‬
‫هم ب ِ َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫تُطَ ِّ‬
‫هُر ُ‬
‫م}(‪ .)2‬محتمل فيه أن يكون الضمير في كلمة أموالهم عائداً‬
‫علِي ٌ‬
‫ع َ‬
‫مي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫لجماعقة الغنياء الذيقن بيدهقم الملكيّة الخاصقّة أو أن يكون عائداً للجماعقة الوطنيّة‬
‫صقاحبة السقيادة الصقيلة على مقدّرات الدولة‪ .‬والحاصقل أنّه ليقس كلّ أحقد حرّا فقي‬
‫التصرّف في أمواله دون رقيب‪ ،‬على أن يكون ذلك في إطار المعروف والعدل بحيث‬
‫ل تجور الجماعقققة أو الدولة على حق ققّ الملك حمايقققة للجماعقققة فإن قّق العدل ل يكون‬
‫بالجور‪ .‬وعلى البرلمان وضع الضوابط القانونية لهذا‪.‬‬

‫والخلصقة أنّق جرائم المال التقي ل تقرّهقا الشريعقة وعلى الجماعقة أن تسقنّ مقن‬
‫القوانين ما يحسم أمر التعاطي معها هي‪:‬‬

‫‪.1‬الترف‬

‫‪.2‬السفه‪.‬‬

‫‪.3‬الحتكار‪.‬‬

‫‪.4‬الستغلل‪.‬‬

‫‪.5‬منع الضريبة عن الدولة‪.‬‬

‫‪)(1‬سورة النساء‪ ،‬آية‪.)5( :‬‬


‫‪)(2‬سورة التوبة‪ ،‬آية‪.)103( :‬‬

‫‪111‬‬
‫‪.6‬الخلل بالمن القتصادي الستراتيجي‪ ،‬بما في ذلك تهديد‬

‫المن الحيوي للفقراء‪.‬‬

‫فأمّا الترف فالسقلم ل يعرف التعامقل معقه‪ ،‬ول يقرّه‪ ،‬ويعتقبره مسقئولً أكقبر عقن‬
‫فساد المجتمع‪ ،‬فما أتخمت بطن إل بجوع جارتها‪ ،‬وقد ورد من اليات عدد كبير نوّه‬
‫قري ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مْرن َََا‬ ‫ةأ َ‬ ‫ك َ ْ َ‬ ‫هل ََِ َ‬ ‫وإِذَا أَردْن َََا أن ن ُّ ْ‬ ‫بخطورة الترف ومدى سقققوئه‪َ { :‬‬
‫ها‬‫مْرنَا َ َ‬ ‫د َّ‬‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬‫ها ال ْ َ‬ ‫علَي ْ َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ ََ‬ ‫ف َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ َ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ََ‬ ‫ف َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ َ‬ ‫متَْر ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫وكَذَّبُوا‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َََ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م ََِ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬‫من َ‬ ‫مَل ُ ََِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫ميًرا} ‪َ { .‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تَدْ ِ‬
‫شٌر‬ ‫هذَا إَِّل ب َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة الدُّنْي َا َ‬ ‫حيَا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫فنَا ُ‬ ‫وأَتَْر ْ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫قاء اْل ِ‬ ‫بِل ِ َ‬
‫ْ‬ ‫م يَأْك ُ ُ‬
‫ن}(‪.)2‬‬ ‫شَربُو ََ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ََّ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر َُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من َْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما تَأكُلُو ََ‬ ‫م ََّ‬ ‫ل ِ‬ ‫مثْلُك َُ ْ‬ ‫ِّ‬
‫ما‬‫ها إِن َّا ب ِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫متَْر ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ر إَِّل َ‬ ‫ذي ٍ‬ ‫من ن َّ ِ‬ ‫ة ِّ‬ ‫قْري َ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫سلْنَا ِ‬ ‫ما أْر َ‬
‫َ‬
‫و َ‬ ‫{ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫في‬ ‫ك ِ‬ ‫قبْل ِ َ‬ ‫من َ‬ ‫سلْنَا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫وكَذَل ِ َ‬ ‫ن} ‪َ { .‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فُرو َ‬ ‫ه كَا ِ‬ ‫سلْتُم ب ِ ِ‬ ‫أْر ِ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬‫علَى أ ُ َّ‬ ‫جدْن َا آبَاءن َا َ‬ ‫و َ‬ ‫ها إِن َّا َ‬ ‫فو َ‬ ‫متَْر ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ر إَِّل َ‬ ‫ذي ٍ‬ ‫من ن َّ ِ‬ ‫ة ِّ‬ ‫قْري َ ٍ‬ ‫َ‬
‫ن}(‪ .)4‬كما إ ّ‬
‫ن السلم ل يق ّر الغنى البارد‪ ،‬وقد‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫هم ُّ‬
‫م ْ‬ ‫علَى آثَا ِ‬
‫ر ِ‬ ‫وإِن َّا َ‬
‫َ‬
‫أورد الهيثمققي فققي مجمققع الزوائد عققن أنققس بققن مالك رضققي ال عنققه أنّه قال‪ :‬قال‬
‫رسققول ال صققلى ال عليققه وسققلم‪" :‬مققا آمققن بققي مققن بات شبعان وجاره جائع إلى‬
‫جنبه وهو يعلم به" قال الهيثمي‪ :‬رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن(‪.)5‬‬

‫‪)(1‬سورة السراء‪ ،‬آية‪.)16( :‬‬


‫‪)(2‬سورة المؤمنون‪ ،‬آية‪.)33( :‬‬
‫‪)(3‬سورة سبأ‪ ،‬آية‪.)34( :‬‬
‫‪)(4‬سورة الزخرف‪ ،‬آية‪.)23( :‬‬
‫‪)(5‬الهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬دار الريان للتراث بالقاهرة‪ ،‬ودار الكتاب العربي ببيروت‪1407 ،‬هـ‬
‫‪.8/167‬‬

‫‪112‬‬
‫ومع ذلك فالسلم ل يطلب من الغني أن يسير بين الناس ممزق الثياب متصوّفا‬
‫زاهداً اللهمّق إل إذا قرر هقو ذلك‪ ،‬لذا دفقع عقن الغنياء شبهقة أنّق ال يريقد منهقم ذلك‬
‫َ‬
‫ه‬‫عبَاِد َََِ‬ ‫ج لِ ِ‬ ‫ي أَ ْ‬
‫خَر ََََ‬ ‫ه ال ّت َََِ َ‬ ‫ة الل َََّ ِ‬
‫زين َ َ‬ ‫حَّر ََََ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬‫م َََْ‬‫ل َ‬ ‫بقوله‪ُ { :‬‬
‫ق ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫حيَا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫منُوا ْ َِ‬‫نآ َ‬‫ذي ََ‬ ‫هي لِل ّ ِ‬ ‫ل َِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق ُ‬‫رْز َِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م ََ‬ ‫ت ِ‬‫والْطّيِّبَا َِ‬
‫َ‬
‫وم ٍَ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل اليَا َِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف َِّ‬ ‫ة كَذَل َِ َ‬
‫ك نُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قيَا َ‬ ‫و ََ‬
‫ة يَ ْ‬
‫ص ً‬‫خال َِ َ‬‫الدُّنْي ََا َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ع َ‬ ‫وأ ََ َّ‬
‫ما بِن ِ ْ‬ ‫ن} ‪ .‬كمققا طلب منهققم أن يظهروا نعمققة ال عليهققم‪َ { :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مو ََ‬‫عل َ ُ‬‫يَ ْ‬
‫د‬‫ج ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عندَ ك ُ ِّ‬
‫م ِ‬ ‫زينَتَك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك َ‬‫َرب ِّ َ‬
‫خذُوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ث} ‪{ .‬ي َا بَن ِي آد َ َ‬ ‫دّ ْ‬‫ح ِ‬‫ف َ‬
‫(‪)2‬‬

‫ن}(‪ )3‬وفي‬‫في َ‬‫ر ِ‬


‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ُّ‬ ‫فوا ْ إِن َّ ُ‬
‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ر ُ‬
‫س ِ‬ ‫شَربُوا ْ َ‬
‫ول َ ت ُ ْ‬ ‫وكُلُوا ْ َ‬
‫وا ْ‬
‫ن السلم‬‫هذه الخيرة يظهر ضابط السلم الكبير كلوا واشربوا ول تسرفوا‪ .‬كما وأ ّ‬
‫يحب قّ للنّاس أن يحرصققوا على مققا فوق الكفاف ويرفققض لهققم العوز والحاجققة‪ ،‬فقققد‬
‫رفقض النقبيّ مقن سقيّدنا سقعد بقن أبقي وقّاص أن يتقبرّع بأكثقر مقن ثلث ماله‪ ،‬مقبيّنا أنّق‬
‫الثلث نفسقققه كثيقققر‪ ،‬وملفتاً إلى أفضليّقة ترك العيال أغنياء خيراً مقققن تركهقققم فقراء‬
‫يتكففون النّاس‪ .‬فققد روى البخاري عَنْق عَا ِمرِ بْنِق سَقعْدِ بْنِق أَبِى وَقّاصٍق عَنْق أَبِيهِق ‪-‬‬
‫جةِ ا ْلوَدَا عِ‬
‫حّ‬‫رضي ال عنه ‪ -‬قَا َل كَا نَ رَ سُولُ الِّ صلى ال عليه وسلم َيعُودُني عَا مَ َ‬
‫مِ نْ َوجَ ٍع اشْتَدّ بي َفقُلْ تُ إني قَدْ بَلَ غَ بي مِ نَ ا ْل َوجَ عِ َوأَنَا ذُو مَالٍ‪َ ،‬ولَ يرثني ِإلّ ابْ َنةٌ ‪،‬‬
‫ث كَبِيرٌ‬
‫شطْرِ َفقَالَ «لَ» ُثمّ قَالَ «الثّلُ ثُ وَالثّلْ ُ‬
‫أَفَأَتَ صَدّقُ بثلثي مالي قَالَ «لَ»‪َ .‬فقُلْ تُ بِال ّ‬
‫ن أَ نْ تَذَ َرهُ مْ عَا َلةً يَ َت َكفّفُو نَ النّا سَ‪َ ،‬وإِنّ كَ‬
‫ك أَغْنِيَاءَ خَ ْيرٌ مِ ْ‬
‫ك أَ نْ تَذَرَ َورَثَتَ َ‬
‫‪َ -‬أوْ كَثِيرٌ‪ -‬إِنّ َ‬
‫ي امْ َرأَتِكَ» (أي‬
‫ج َعلُ في فِ ّ‬
‫َلنْ تُ ْنفِقَ َنفَ َقةً تَبْ َتغِى ِبهَا َوجْ َه الِّ ِإ ّل أُجِرْتَ ِبهَا ‪ ،‬حَتّى مَا َت ْ‬
‫في فم امرأتك) (‪.)4‬‬

‫‪)(1‬سورة العراف‪ ،‬آية‪.)32( :‬‬


‫‪)(2‬سورة الضحى‪ ،‬آية‪.)11( :‬‬
‫‪)(3‬سورة العراف‪ ،‬آية‪.)31( :‬‬
‫‪)(4‬البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب رثاء النبي (صلّى ال عليه وسلّم) سعد بن خولة‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫وأمّا السفه فتحريمه في الدين أصل في تسييد الجماعة على أموالها وتوسيدها‬
‫حقّق الدفاع عنهقا ضقد كلّ فعقل قبيقح يسقيء إليهقا‪ ،‬وعليقه تصقير الوليقة على منقع‬
‫السقفه وليقة عامّة يكفلهقا حقّق الحتسقاب شريطقة أن يضبطقه القانون فل يمكقن أن‬
‫تقبل الدولة من غني أن ينفق في ليلة على طعامه وشرابه وفرحه ما يتح صّل عليه‬
‫جماعات مقن الفقراء فقي عام مقن الكدّ هذا غيقر مقبول البتقة وعلى كلّ مقن البرلمان‬
‫والحكومقة والهيئة القضائيقة أن تنشقئ ك ّل جهقة على حدة جهازاً يردع هذا التصقرّف‬
‫الخبيث بأموال الجماعة المصريّة وينبغي أن ينسحب هذا على نظم التحاد العربي‪.‬‬

‫وأمّا السققتغلل فقققد أفرد البخاري فققي ضمققن مسققألة السققتغلل هذه كتاباً كاملًَ‬
‫سقمّاه "الجارة"‪ ،‬جاء فيقه فقي باب "إِثْمِق مَنْق مَنَعَق َأجْ َر ا َلجِيرِ" مقا اشتمقل على شديقد‬
‫الزجر لمقن تعدّى على حقق المسقتخدمين لديقه فقال صقلّى ال عليقه وسقلّم‪ « :‬قَا َل الُّ‬
‫جلٌ بَاعَق حُرّا َفَأ َكلَ‬
‫عطَى بِى ُثمّ غَ َدرَ‪َ ،‬و َر ُ‬
‫جلٌ أَ ْ‬
‫َتعَالَى‪ :‬ثَلَ َث ٌة أَنَا خَصْق ُم ُهمْ َيوْمَق ا ْلقِيَا َمةِ‪َ :‬ر ُ‬
‫ج ٌل اسقْتَ ْأجَ َر َأجِيراً فَاسْق َتوْفَى مِنْهُق وَلَمقْ ُي ْعطِهِق َأجْرَهقُ»(‪ .)1‬كمقا جاء بتحميقل‬
‫َثمَنَهقُ‪ ،‬وَ َر ُ‬
‫المالك تبعقة عدم كفايقة العامليقن عنده‪ ،‬فققد مقا روى مالك فقي الموطقأ عَنْق ِهشَامِق بْنِق‬
‫حمَنِق بْنِق حَاطِبٍق أَنّ َرقِيقًا ِلحَاطِبٍق سَقرَقُوا نَا َقةً‬
‫ع ْروَةَ عَنْق أَبِيهِق عَنْق َيحْيَى بْنِق عَبْدِ ال ّر ْ‬
‫ُ‬
‫جلٍ مِنْق مُزَيْ َنةَ فَانْ َتحَرُوهَا (أي فذبحوهقا بغرض أن يطعموا منهقا) قال‪َ :‬فرُفِعَق َذلِكَق‬
‫ِل َر ُ‬
‫ع َمرُ(يعني‬
‫ت أَ نْ َي ْقطَ عَ أَيْدِ َيهُمْ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ ُ‬
‫عمَ ُر كَثِيرَ بْ نَ الصّلْ ِ‬
‫عمَرَ بْ نِ ا ْلخَطّابِ‪ ،‬فَ َأمَرَ ُ‬
‫إِلَى ُ‬
‫لحاطقب‪-‬صقاحب هؤلء الغلمان‪ ،‬وكان المعروف مقن شأنقه أنّه شحيقح على غلمانقه)‪:‬‬
‫عمَرُ‪( :‬لسقيّد الغلمان لمّا اطمأنّق إلى أنّق الغلمان إنّمقا فعلوا هذا‬
‫أَرَاكَق ُتجِي ُعهُمقْ‪ُ .‬ثمّ قَالَ ُ‬
‫غ ْرمًا َيشُقّ عَلَ ْي كَ؟ فعدل عن سلوك السبيل المعتاد من‬
‫لسدّ جوعتهم) وَالِّ لَُغَ ّرمَنّ كَ ُ‬
‫توجيققه العقوبققة للسققارق إلى توجيههققا لمققن ألجأه إلى ارتكاب الجرم بحيققث لم يكققن‬
‫أمامقه غيقر الوقوع فقي الخطقأ‪ ،‬ول يغيقب أنّق أميقر المؤمنيقن راعقى ظروف الجانقي‬
‫الذهنيقة والثقافيّة إذ ققد ل يُقبقل هذا فقي حقّق الحرار أو العلى رتبقة مقن حيقث حقظ‬

‫لجِيرِ"‪.‬‬
‫‪)(1‬البخاري‪ ،‬كتاب الجارة‪ ،‬باب "إِ ْثمِ مَنْ مَنَعَ َأجْرَ ا َ‬

‫‪114‬‬
‫العقل والثقافة‪ُ ،‬ثمّ انظر كيف يكون العدول الموفق من ترضية وتحقيق قصد وإيلم‬
‫مذنقب دونمقا شغقل ذهقن بإيقاع العقوبقة ضرورة على الظاهقر المعروف مقن مدلولت‬
‫اللفقظ‪ ،‬أو سقوابق القضاء‪ ،‬فققد سقأل أميقر المؤمنيقن اِ ْل ُمزَنِيّ (صقاحب الناققة) كَمْق َثمَنُق‬
‫ن أَرْ َب عِ مِا َئةِ ِدرْهَ مٍ‪ ،‬فاطمأ نّ إلى ما يرضيه‬
‫نَاقَتِ كَ َفقَالَ ا ْلمُزَنِيّ قَ ْد كُنْ تُ وَالِّ َأمْنَ ُعهَا مِ ْ‬
‫عمَرُ رضي ال عنه‪:‬‬
‫قبل أن يوجع المذنب الذي أمره بدفع ضعف هذا الثمن َفقَالَ له ُ‬
‫طهِ َثمَانَ مِا َئةِ ِدرْ َهمٍ"(‪..)1‬‬
‫عِ‬‫أَ ْ‬

‫وأمّا الحتكار فممّا أفرد له الفقهاء المسققلمون أبواباً طويلة فققي ضبطققه اتفقوا‬
‫فيهقا جميعاً على منعقه‪ ،‬وعلى أحقيّة الدولة أن تتدخّل لترغقم صقاحب المال على عدم‬
‫اسققتخدامه فققي الضرار بالجماعققة وأن تسققتخدم عنققف الدولة فققي هذا إذا لزم المققر‬
‫ومثقل ذلك اتفاقهقم فقي مسقألة منع الضرائب فكلّهقم مجمعون على حلّ قتال مقن منعهقا‬
‫والمعنقى أنّق مقن حقّق الدولة أن تسقنّ أقسقى القوانيقن لحسقم هذا اللون مقن الجرائم‬
‫الذي هقو أداة الفسقاد الكقبر فيمقا يحلّ بالمجتمقع مقن خراب لنّه باب العوز والعوز‬
‫طريقق الجريمقة‪ .‬والشعقب مقن حققه أن يفرض مقن القوانيقن مقا يضبقط بهقا تحصقيل‬
‫الضرائب مققن الغنياء بمققا يحقققق بققه كفاف المسققاكين وهنققا يكون الغنققم بالغُرم فل‬
‫يطالب من يملك أقل بمثل ما يطالب به من هو أغنى وإنّما تفرض الضرائب بضابط‬
‫الحاجة من جهقة وضابط القدرة من جهة ثانية وبنظامّق المقاصقّة بحيقث إ نّ مقن يملك‬
‫أكثر يدفع أكثر شريطة أن تضمن الدولة صالح المال نفسه وبحيث ل تأخذ من جهة‬
‫بحيقث تفسقدها وإذا فسقد حال جهقة تؤدّي حقق الجماعقة فعلى الدولة أن تؤدّي إليهقا‬
‫ق واجب عليها ل على سبيل القرض‬
‫حتّى تقف على أقدامها ويكون ما أدّته الدولة ح ّ‬
‫طالمقا أنّق الجهقة تقوم بواجقب الجماعقة عليهقا ول تتصقرف فقي سقفه؛ أذا الخقذ أصقل‬
‫للنصققاف فل يجوز أن يترتققب عليققه جور‪ .‬ول يحققق للدولة بعققد إذ تضمققن الكفاف‬
‫للجميققع أن تنقققم على غنققى أدّى حققق الفقراء أو أن تحيققف على أمواله مهمققا تكققن‬
‫‪)(1‬الموطأ‪ ،‬كتاب القصية‪ ،‬باب القضاء في الضواري والحريسة‪ .‬والضواري‪ :‬العوادي‪ ،‬وهي البهائم التي‬
‫تفسد زروع الناس‪ ،‬والحريسة‪ :‬البهائم المحروسة‪ .‬يراجع الموطأ بتحقيق سعيد محمد اللحام ص ‪.568‬‬

‫‪115‬‬
‫السققباب بققل عليهققا أن توفققر له ولغيرة المان والعدل والنّصقْفة‪ ،‬وعلى المؤسققسات‬
‫الرقابية والبرلمان والمحكمة العليا مراقبة هذا والفصل فيه‪.‬‬

‫أمّا أمن الوطن الستراتيجي في الممتلكات العامّة والستراتيجية فل سبيل لحفظ‬


‫ن يكون مملوكاً للجماعة وتقوم الدولة بإدارته كنائب عنها ل‬
‫ح قّ الجماعة فيه إل بأ ّ‬
‫كمالك بديقققل ول مانقققع أن تكون إحدى هذه الممتلكات ملكاً خاصقققاً لفرد أو لفراد أو‬
‫شركات لكنهققم جميعاً يلتزمون بالدارة الرقابيققة الشاملة بالخضوع للقرار والتص قوّر‬
‫السقياسي للدولة وإل كانوا فقي حالة خروج عليهقا وينبغقي أل تأخقذ الدولة بهقم أيقة‬
‫شفقة لنهم ليسوا إل منقلبين على سلطانها في هذه الحال‪.‬‬

‫وأمّا المن الوطني في الحفاظ على المن الحيوي للفقراء بوجوب توفير الطعام‬
‫والسترة لكلّ أحد ث مّ تتميم هذا بتوفير الزواج فممّا ينبغي عدم تهديده بحال لنّه أه مّ‬
‫مهمّات المن القومي‪ ،‬وعلى أموال الغنياء أن تعاون الدولة في تحقيقه‪.‬‬

‫*الزواج‬

‫العفاف في المجتمعات الشرقية ينبغي أن يُعد من مسائل المن القومي الواجب‬


‫على الدولة رعايتهقا على أدق مقا تكون الرعايقة‪ .‬ويلزم على الدولة أن تتخقذ كافّة مقا‬
‫يمكنهقا مقن إجراءات لجقل العمقل على إعفاف الشباب وهقم صقغار السقنّ‪ ،‬وأن تتخقذ‬
‫من الجراءات ما يوفّر لهم السكن والعمل وضمان النفقة‪.‬‬

‫هيئة الزواج‪:‬‬

‫تقوم الهيئة برعايققة الخطبققة ورعايققة الشباب المقبليققن على الزواج وتعريفهققم‬
‫بنظرائهم من الجنس الخر على نحو منضبط تفصيل في القانون‪ .‬وتعتبر هذه الهيئة‬
‫"ولي قّ" الزوجققة وتصققبح مسققئولية حفققظ حقوق البنات مسققئولية خاصققة منوطققة‬
‫بالدولة‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫يلزم كل شابين مقبلين على الزواج اللجوء إلى المؤسسة القومية للزواج سواء‬
‫تمقت خطبتهمقا مقن خللهقا أو عُرفاً وعليهمقا الخضوع لعمليات الفحقص غيقر المؤثرة‬
‫قانوناً فققي قرارهمققا بالقتران‪ .‬كمققا أنققّ عليهمققا اللتزام باللتحاق بمعاهققد رعايققة‬
‫المخطوبين والزواج و تبدأ مدّة الخيرة قبل الدخول بشهر وحتى شهر بعده‪.‬‬

‫العراس مناسقبات اجتماعيقة على الدولة اسقتغللها للتقريقب مقا بيقن مواطنيهقا‬
‫وإزالة الفوارق بينهم‪ ،‬ويمكن للدولة استغلل القرى الترفيهية والسياحية والفنادق‬
‫في مواسم فراغها في تأمين حاجة المقبلين على الزواج ومعاهدهم وأعراسهم وفي‬
‫كلّ حال تنظّم التبعات المالية في كلّ هذا من قبل الدولة‪.‬‬

‫عقد الزواج‪:‬‬

‫الزواج عقد مراضاة مدني والذي يعني الدولة أن يكون العقد عقد اتفاق ما بين‬
‫طرفي الزواج وبين الجماعة أو الدولة‪ ،‬فل يسوغ اقتران رجل وامرأة من دون أخذ‬
‫إذن الجماعققة وموافقتهققا وإشهادهققا‪ .‬وهققو عقققد خاضققع للقانون المدنققي‪ ،‬فققي ظققل‬
‫الشريعقة العامّة‪ ،‬وعليقه فل يجوز التفرققة بيقن المواطنيقن فقي بنوده‪ ،‬كمقا يلغقى قيام‬
‫أيقّ مققن رجال الديققن بققه‪ ،‬وتحدد الدولة الجهققة التققي تحفظققه وتقوم عليققه‪ ،‬ول يقبققل‬
‫ادعاء بزواج خارج وليتهققا‪ ،‬ويعتققبر كلّ زواج غيققر مثبققت لديهققا زناً يوقققع تحققت‬
‫العقوبقة‪ .‬كمقا ل يجوز إيقاع طلق خارج هذه المؤسقسة وبإشرافهقا لمقا ققد علمنقا أنّق‬
‫الطلق الحرّ وفتاواه يتسقببون بالنسقبة الكقبر مقن الشكالت الجتماعيقة فقي مصقر‬
‫وربّمققا كلّ العالم السققلمي‪ .‬ولبققد أن ينتهققي هذا فل يقققع طلق إل أمام الدولة‪ ،‬إذ‬
‫الدولة أصقلً طرف فيقه‪ .‬وينبغقي أن ينصّق القانون على عقوبقة رادعقة جدًا لكلّ مقن‬
‫تسقوّل له نفسقه الفتوى بغيقر هذا القانون إذا أقرّه البرلمان وضمقن دسقتوريته لمقا ل‬
‫يترتققب على فتواه غيققر الضرر العام الذي أصققبح معلوماً بالضرورة‪ ،‬ومقطوع أنققّ‬
‫الشريعة ل تحكم بما مقطوع أنّه ضرر(قاعدة الضرر يزال)‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ل يعتدّ في بنود عقد الزواج بغير الشريعة العامّة والقانون المدني الذي يصدره‬
‫البرلمان‪ ،‬وكلّ مقا أباحقه القانون فقي عققد الزواج تبعاً للشريعقة العامّة كان مباح ًا لكلّ‬
‫المواطنين دون النظر لدياناتهم‪ ،‬ذلك أنّه إنّما يبيح لهم ما أباحه لغيرهم دون فرض‪،‬‬
‫وللمؤسقسات الدينيقة غيقر المسقلمة المعترف بهقا مقن قبقل الدولة التصقريح بفتاواهقا‬
‫الدينيقة فقي هذا الشأن مقن دون إلزام‪ .‬وعليقه فيجوز لكلّ مواطقن فقي الدولة أن يطلق‬
‫زوجتقه ولكلّ زوجقة أن تختلع نفسقها مقن زوجهقا ولكلّ رجقل أن يعدد الزواج بمقا ل‬
‫يجاوز الربعقة‪ .‬على أن يققع هذا كلّه فقي إطار قانون الزواج وقانون حظقر الضرار‬
‫المالي والسفه‪.‬‬

‫ينبغققي أن يشمققل عقققد الزواج كافققة التفاقات مدونققا مققن الدولة ول يجوز تغييققر‬
‫بنوده أو الضافققة عليققة أو الحذف منققه إل فققي الخانات المخصققصة لهذا الغرض‪،‬‬
‫ويجقب أن يتضمقن تحديقد المقدم والمؤخقر‪ ،‬وتلغقى كلّ معاملة خارجقه‪ ،‬على أن تقوم‬
‫الدولة وحدهققا بمسققألة التقديققر المالي وفقاً لدخققل الزوج‪ ،‬بحيققث تكون هناك مراتققب‬
‫مالية (أ) و(ب) و(ج)‪ ...‬ويكون هذا البند سريّا غير جائز وضعه في الوثيقة المعلنة‬
‫(وكذا كلّ بند ماليّ فيها)‪.‬‬

‫كمقا ينبغقي أن يتضمقن العققد مقدار نفققة المتعقة محددة عينقا أو كنسقبة مقن دخقل‬
‫الزوج المحدد فقي الوثيققة ويلزم إعلم هيئة الزواج بكلّ تغييقر يققع فقي دخقل الزوج‪،‬‬
‫ويندب أن تكون نفقة الزوجة طيلة عام كامل من بعد الطلق بحيث يتسنى للحكومة‬
‫إيجاد دخل للمطلقة كما ينبغي أن يتضمن نفقة الولد عينا أو نسبة من دخل الزوج‬
‫كقل ذلك تحدده الدولة ول دخقل للزوجيقن فيققه‪ ،‬وتقوم هيئة الزواج بمراجعققة النسققب‬
‫المقررة دورياً دون طل بٍ من أحد‪ .‬وتلزم الدولة بصرف ما يكفي السرة فورياً وفي‬
‫أول شهر من انفصال الزوج عنها (ل قدر ال) وعليها هي محاسبة الزوج وإيصال‬
‫النفققة للمطلققة دونمقا سقعى مقن الخيرة أو إعلم لمؤسقسات الدولة وتقضقى محكمقة‬
‫الشئون الوقتية في هذا و تنفذه في يومه‪ ،‬وتعاقب المسئول عنه دون حاجة لدّعاء‬

‫‪118‬‬
‫من الزوجة الله مّ إل دعوى مرور شهر من تاريخ النفصال من دون وصول نفقتها‬
‫وأولدها إليها‪ ،‬ويكون وصول النفقة تبعة على الدولة لباب مسكن الزوجة –وينبغي‬
‫أن يصققير هذا فققي كلّ معاش‪ ،‬كمققا ينبغققي أن يكون فققي كلّ غياب للزوج إن فققي هذه‬
‫الحالة أو فققي غيرهققا‪ .-‬ول يجوز قبول أيققة تنازلت ول النظققر القضائي فيهققا خارج‬
‫هذه اللتزامات (ل يجوز تنازل الزوجة عن نفقتها أو نفقة أولدها)‪.‬‬

‫كما ينبغي أن يتضمن العقد أحكاما واضحة للخلع بحيث يسمح للزوجة أن تختلع‬
‫نفسقها مقن العققد مقابقل عوض عينقي تحدده الدولة‪ -‬بمثقل مقا أوردناه فقي الحالت (أ)‬
‫و(ب) و(ج) من دخل الزوج‪ -‬على أن يصير عليه نفس درجة عدم العلن‪.‬‬

‫المن اليديولوجي‪:‬‬

‫الحالة الدينية‪:‬‬

‫حريّة العقيدة أمقر مكفول فقي إطار مقن احترام الديقن العام وسقلمته‪ .‬والمسقيحية‬
‫أسقبق فقي مصقر مقن السقلم‪ ،‬فلهقا وأهلهقا كامقل الحترام‪ .‬وتبققى حريّة المعتققد بعقد‬
‫هذا مسقألة دسقتوريّة لهقا ضوابقط ينبغقي أن يتعاطقى معهقا البرلمان‪ ،‬فليقس مقن حريّة‬
‫العقيدة استحداث معتقد جديد في السلم ينكر أساساته التي يُجمع عليها المسلمون‪،‬‬
‫وليقس مقن حريقة المعتققد أن يفرّق بيقن المسقلمين باعتبار أنّق بعضهقم أكثقر مشايعقة‬
‫لميقر المؤمنيقن عليّق عليقه السقلم وابنقه الحسقين؟ أمّا الخلفات فقي الفروع الفقهيّة‬
‫فمن سجايا السلم ومن علمات التحضّر عند المسلمين‪ .‬ول يجوز لفرد أو لجماعة‬
‫داخقل مصقر كائناً مقن كان أن يتميّز بتدينقه على الجماعقة العامّة أو أن يهينهقا فقي‬
‫تدينها‪ ،‬والتميّز في الدين ل يكون إل بالعلم‪ ،‬فمن علم حجّة على من لم يعلم‪ ،‬وميدان‬
‫هذا الزهققر الشريققف والفيصققل فيققه المحكمققة العليققا‪ .‬وليققس لحققد أن يتص قدّر لبيان‬
‫التحريقم أو الباحقة مقن دون سقند‪ ،‬وعلى مقن يملك السقند أن ل يشهره على العامّة‪،‬‬
‫وليققس هناك محلّ لظهار السققندات الدينيققة إل الزهققر الشريققف وجامعققة الشريعققة‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫وليقس هناك مرجقع تعرف منقه الحكام الفروعيقة سقوى الزهقر‪ ،‬أمّا الحكام العقديّة‬
‫عند المسلمين فممّا ابتَدَع التو سّع في الكلم فيها جماعات من المبتدعة الذين يجب‬
‫زجرهم بغاية الحسم‪ ،‬وتعتبر معاقرة الحديث في علم الكلم وفي السقماء والصفات‬
‫وغيرها ممّا يعاقره المبتدعة خارج الحوزة العلميّة جريمة تهدد السلم العام‪.‬‬

‫يحققّ لكققل أحققد أن يذهققب إلى الزهققر وأن يناققش مققا يعتمققل بصققدره مققن الدلة‬
‫الفرعيققة وغيرهققا وينبغققي تكليققف لجان مققن كبار العلماء تعمققل على اللتقاء بهؤلء‬
‫النّاس ومناقشتهم على أن تثبت المناظرات العلميّة بمحاضرها وعلى المحكمة العليا‬
‫البقت فيهقا إذا وققع نزاع بأن خالف فرد يدّعقي العلم الجماعقة الزهريّة أو ثبقت تعنّت‬
‫لجنة المناقشة معه وعدولها عن الصواب بحقّه‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫دور العبادة‪:‬‬

‫لكلّ حيّ من الحياء (بحسب ما يتم تحديده) مسجد جامع واحد وله كنيسة كبيرة‬
‫واحدة شريطقة أل يقلّ عدد السقر المسقيحية فيقه عقن ألف أسقرة‪ .‬فإن قلّ العدد عقن‬
‫اللف سقققمح بإنشاء دور عبادة فرعيّقة تضبققط بالخمسقققمائة أسقققرة مثلً (للمسققجد‬
‫الفرعققي والكنيسققة الفرعيققة على السققواء)‪ .‬ول تقام الجمعققة ول المناسققبات الدينيققة‬
‫الكقققبرى إل فقققي المسقققاجد والكنائس الجامعقققة‪ ،‬ول يقام فققي الفروع إل الصقققلوات‪،‬‬
‫وللدولة أن تسققتغل المبانققي الفرعيققة على النحققو الذي يحفققظ كرامتهققا‪ ،‬كأن تسققتغلّ‬
‫أسققطحها أو الحديقققة الملحقققة بهققا‪ .‬ويلزم على الدولة إنشاء الكنيسققة الكققبرى أو‬
‫المسقجد الجامقع فقي الحيّق إذا لم يسقتطع أهله إقامتقه‪ ،‬ويحال أبناء الحيّق مقن القليات‬
‫الدينيقققة إلى الحياء المجاورة طالمقققا لم يكقققن لديهقققم محقققل عبادة جامقققع تقام فيقققه‬
‫الحتفالت الدينيقة‪ .‬وإذا خل حيّق مقن كنيسقة جامعقة وجقب ترك مبنقى فرعقي خالص‬
‫للطائفة ل تستغله الدولة‪.‬‬

‫جمَع بالنسقبة للمسقلمين فقي المِصقْر الواحقد (الحيّق الواحقد)‪ ،‬ول‬


‫ول يجوز تعدد ال ُ‬
‫يجوز الفصل في المسجد الجامع بين أماكن النساء والرجال‪ ،‬إل ما كان معروفاً من‬
‫فعققل الصققحابة حال الصققلة فقققط مققن وقوف النسققاء خلف الرجال‪ .‬وتعتققبر رحاب‬
‫المسجد الجامع حرم ًا لك ّل أحد ول يجوز غلقه بحال‪ ،‬وعلى الجامع الزهر أن يشرف‬
‫عليقه‪ .‬وعلى الدولة أن تسقتغلّ السقاحات الكقبرى للمسقاجد الجامعقة ودور المناسقبات‬
‫الملحقة به لقامة الندوات التثقيفية وحفلت النشاد الديني والستماع للقرآن الكريم‬
‫وإقامقة سقرادقات العزاء بشكققل جماعقي سقعياً للتقريقب الجتماعقي بيقن الناس‪ ،‬ول‬
‫يمنقع أصقحاب الديانات الخرى مقن اسقتغلل سقاحة المسقجد الجامقع وقاعاتقه فقي كقل‬
‫مناسبة ما خل الدينية إل بإذن من جمهور المسجد الجامع‪.‬‬

‫المناسبات الدينية‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫تلتزم الدولة بإحياء المناسقبات الدينيقة الكقبرى فقي سقائر أنحاء البلد‪ ،‬ويلزمهقا‬
‫الحتفال بميلد السقيد المسقيح عليقه الصقلة والسقلم باعتباره العيقد الكقبر للطائفقة‬
‫المسيحية‪ ،‬وعليها مراعاة اختلف الطوائف المسيحية فيه‪ .‬وقد ورد أ نّ النبيّ صلّى‬
‫ال عليقه وسقلّم احتفقل بيوم عاشوراء وققد كان عيداً عنقد اليهود‪ ،‬ويلزم اعتباره إذا‬
‫وجد في الدولة يهود‪ ،‬وتسير عليهم ذات قوانين دور العبادة‪.‬‬

‫الوقاف‬

‫الوقاف ملكيّة عامّقة يحترم فيهققا شرط الواقققف ول يلتزم بققه حرفاً‪ ،‬ولئن نُقِقل‬
‫الجماع على ضرورة تنفيقققذ شرط الواققققف فإنققّق المعلوم ضرورة أنّققه كان إجماعاً‬
‫مسقبّبا بظلم الدولة‪ ،‬وك ّل حكقم زال سقببه زال أثره‪ ،‬فل التزام بشرط الواققف فقي دولة‬
‫مؤسسات قانونية‪.‬‬

‫تلتزم الدولة بسلطتيها الرقابية والتنفيذية بمراقبة أموال الوقاف وعلى البرلمان‬
‫تحديد النسبة التي تتحصّل عليها الحكومة منها للنفاق منها على وجوه النفع العام‪،‬‬
‫كمقا عليقه القيام بمراقبقة جميقع التصقرفات الماليقة التقي تقوم بهقا المؤسقسات الدينيقة‬
‫من نسبة ما تتحصّل عليه من هذه الوقاف ومن غيرها‪ .‬وإذا كان ثمّة استثمار لهذه‬
‫الوقاف فتشرف عليه هيئة مستقلة تخضع لرقابة البرلمان‪.‬‬

‫التمثيل الطائفي‪:‬‬

‫ل يكون لدور العبادة أي تمثيققل سققياسي باسققم الطائفققة الدينيققة التققي يديرون‬
‫شئونهقا الدينيقة أو الروحيّة‪ .‬ويلجقأ المواطنون للمؤسقسات الدسقتوريّة للتعقبير عقن‬
‫مطالبهم‪ ،‬ومن يخالف ذلك تحت أيّة دعاية يعرّض للعقوبة‪.‬‬

‫المدارس العامّة والدينية‪:‬‬

‫‪122‬‬
‫ل يسمح بإقامة مدارس إسلمية أو مسيحية‪ ،‬وتدرّس في المدارس العامّة جميع‬
‫الدراسققات العربيّة والسققلميّة (غيققر المتعلقققة بالعتقاد) فتدرّس الشريعققة‪ ،‬واللغققة‬
‫العربية والقرآن الكريم‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬والتفسير والحديث‪ ،‬والفلسفة؛ لنّها بالجملة‬
‫ليسققت علوماً دينيققة‪ ،‬وإنّمققا هققي علوم حضاريّة‪ ،‬ويدرس الطلب أشياء مققن تاريققخ‬
‫الديان ومققن نصققوص الكتققب المقدّسققة بمققا يؤكّقد وحدة ديققن ال‪ ،‬ووحدة طريققق‬
‫المرسققلين‪ ،‬ويدرس سققماحة التعايققش الحضاري العربققي مققا بيققن أصققحاب الديان‬
‫المختلفقة وكيقف أنّق هذا مقن بدائع الحضارة السقلميّة التقي ينتسقب إليهقا مسقلماً كان‬
‫أو غيققر مسققلم‪ .‬ويدرس مققا يرسققخ فققي ذهنققه دور القليات الدينيققة فققي إنشاء هذه‬
‫الحضارة‪ ،‬ومققا يرسققخ لديققه احترام هذه القليات إن كان مسققلماً‪ ،‬والطمأنينققة لجوار‬
‫المسقلمين إن كان مسقيحياًَ‪ ،‬ويبتعقد فقي مناهقج الدراسقة العامّة عقن كلّ مقا مقن شأنقه‬
‫دراسقققة العقائد الخاص ققّة‪ ،‬واللهوتيّققة ومقارنقققة الديان إل فقققي مراحقققل الدراسقققة‬
‫الجامعيّقة‪ .‬وتقوم بتعويضققه المؤسققسات الدينيققة كلّ فققي مكانققه‪ ،‬على أن يكون هذا‬
‫بمراقبة من الدولة (مجلس الشيوخ) بما يسمح بكفالة احترام الغير‪ ،‬وتربية الجيال‬
‫على قبول التعددية الطبيعية‪.‬‬

‫الزهر الشريف‪:‬‬

‫تتشكّل الهياكقل السقاسيّة ومناهقج العمقل والدراسقة والترقيقة والنتخاب للجامقع‬


‫الزهقر زاده ال تشريفاً وفقق قانون أسقاسي تضعقه جمعيّة تأسقيسيّة تضمقن كلّ مقن‬
‫شاع صقيته باعتباره مقن أئمّة المسقلمين تدعوهقم الحكومقة المصقريّة للحضور فقي‬
‫جناب الزهققر لوضققع القانون السققاسي له ول يسققتثنى مققن ذلك علماء الجعفريّقة‬
‫والزيديقة ويعتقبر حضورهقم موافققة صقريحة منهقم على رفقض المسقلمين لن يعلن‬
‫واحقد منهقم تميزه بمشايعقة أميقر المؤمنيقن عليّق وولده الحسقين عليهمقا السقلم دون‬
‫سققائر المسققلمين‪ ،‬كمققا يعتققبر اعتداداً بشرف الصققحبة لكلّ الصققحاب عليهققم السققلم‬
‫واعتداداً بجهود علماء الحديققث رضوان ال تعالى عليهققم‪ .‬كمققا يعتققبر حضور مققن‬
‫‪123‬‬
‫حضققر إقراراً بالمنهققج المصققري الزهري الوسققطي فققي دراسققة العلوم السققلمية‬
‫وإقراراً بانتهاء فكرة تقسيم العالم لدار حرب ودار سلم‪ ،‬واعتبار المعمورة كلّها دار‬
‫سققلم ل تلجققأ الدول فيققه إلى الحرب إل دفاعاً عققن نفسققها‪ ،‬أو نصققرة للمظلوميققن‬
‫والمستضعفين على أساس من نظام حلف الفضول الدولي [سيأتي في القسم الثالث]‬
‫ويعتبر هذا ميثاق شرف دائم للزهر الشريف‪.‬‬

‫ت ضع الهيئ ُة القانو نَ التأ سيسي للجا مع الز هر الشر يف بمعاو نة الهيئة القضائ ية الم صريّة‪،‬‬

‫وبرعاية مجلس الشيوخ‪.‬‬

‫ل ترتبققط الهيئة فققي تصقرّفاتها بأيّة قيود وعليهققا أن تضققع نظاماً عالميّا بحيققث‬
‫يسمح بأن تخضقع له كافّة الجامعات السقلمية والمسقاجد الجامعقة والفرعيّة وتتحدد‬
‫به الحتفالت الدينية ومطالع الشهور العربيّة والجماعات الفقهيّة ومناهج الدراسة‬
‫الشرعيّة‪.‬‬

‫تضطلع هيئة كبار العلماء المنتخبققة بالتعاون مققع كلّ أحققد لحفققظ السققلم الدولي‬
‫والتقريقب بيقن البشقر على اختلف دياناتهقم‪ .‬والتقريقب بيقن أصقحاب الديانات وغيقر‬
‫الدينييققن‪ ،‬وبالجملة أن تحمققل على عاتقهققا مهمّة المققن والسققلم الدولييققن وتحقيققق‬
‫التعارف والتعاون ما بين الشعوب وبعضها‪.‬‬

‫ن الدول تعتبر من الناحية القانونية ذات شخصيّة قانونيّة يت مّ التعامل معها‬


‫بما أ ّ‬
‫أمام القانون كمقا لو كانقت أحقد الفراد المخاطقبين بقه‪ ،‬فيمكقن بالتالي اعتبارهقا مقن‬
‫حيث إقامة السلم‪" ،‬شخصيّة إسلميّة" ويكون هذا هو الضابط الرئيس لهيئة كبار‬
‫العلماء في الزهر في التصريح بحلّ شيء ممّا تتعاطاه الدول أو حرمته‪ ،‬بمعنى أنّه‬
‫طالمقا كان للفرد المسقلم الحقّق فقي أن يختار مقن فتاوى الفقهاء مقا يشاء‪ ،‬وليقس مقن‬
‫حقّق أحقد إلزامقه برأي محدّد أو بمذهقب معيّن‪ ،‬فمقن الحقّق الدول أيضاً أن تفعقل نفقس‬

‫‪124‬‬
‫الشيققء‪ .‬وعليققه فل يحققّ لهيئة كبار العلماء العلن عققن اعتراضهققا على قانون أو‬
‫ي معيّن مقن أيّة حكومقة إل إذا ثبقت لديهقا بمقا ل يدع مجالً للشكّق أنّه‬
‫تصقرّف سقياس ّ‬
‫ليققس بقول أحققد‪ ،‬وأنّقه غيققر مرضي قّ عنققه فققي الشريعققة بإطلق‪ ،‬على أن ل يكون‬
‫لعتراضهقا أدنقى أثقر قانونقي إل مقن خلل المؤسقستين القضائيّة أو النيابيّة‪ ،‬وعلى‬
‫المؤسستين أن تأخذا بعين العتبار هذا الضابط في مقاضاتهما الدستوريّة للحكومة‪.‬‬

‫ينبغي للحكومة المصريّة مساندة الزهر الشريف في إدارة الشأن الديني المسلم‬
‫فقققي كافّققة أرجاء المعمورة‪ ،‬وعليهقققا أن تسقققهّل له مهامّققه فقققي هذا الشأن‪ .‬وعلى‬
‫الدبلوماسيّة المصريّة أن تسعى بالتعاون مع سائر حكومات العالم للعتراف بسلطة‬
‫الزهققر الروحيققة على المسققلمين داخققل الوطان السققلمية وخارجهققا‪ .‬وتعطققى هيئة‬
‫كبار علماء الزهققر الشريققف أيققا تكققن جنسققيتهم جوازات سققفر مصققريّة دبلوماسققية‬
‫خا صّة يظهر عليها كونهم تابعين لجناب الزهر الشريف وتسعى الحكومة المصريّة‬
‫بالتعاون مقع سقائر الدول لعطاء الزهقر الشريقف صقفة مراققب فقي كافّة التجمعات‬
‫الدوليّة تمهيداً للبت في انفصاله كدولة على غرار "الفاتيكان"‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫جامعة الشريعة‪:‬‬

‫تدرس الحقوق فققي مصققر فققي جامعققة واحدة هققي جامعققة الشريعققة‪ ،‬وهققي تقوم‬
‫بدراسقة العلوم العربيّة والسقلميّة كلّهقا دراسقة وافيقة وتدرس القرآن الكريقم وآيات‬
‫الحكام والحديققث الشريققف وأصققول الشريعققة السققلمية (فقهاً وأصققولً ومقارنققة‬
‫مذاهققب) وتدرس اللغتيققن النجليزيققة والفرنسققيّة‪ ،‬وأصققول الشريعتيققن الرومانيققة‬
‫والنجلوسقكسونية‪ ،‬وأصقول الشرائع القديمقة كلّهقا‪ ،‬وتدرس تطوّر القوانيقن‪ ،‬وأصقول‬
‫القضاء المسققلم وغيققر المسققلم وتطوره‪ ،‬وتسققعى إلى تطويققر الشريعققة السققلميّة‬
‫والقضاء السقلمي وإعادة الجتهاد الفقهقي إن على صقعيد دراسقة أصقول الفققه أو‬
‫دراسة الفروع الفقهيّة‪.‬‬

‫يسمح لكل من أراد الدراسة في هذه الجامعة أن يقوم بالدراسة فيها دون النظر‬
‫لديانتقه‪ .‬وهقي تمنقح درجتهقا حسقب قواعقد الجازة السقلميّة المعروفقة مقع تطويرهقا‬
‫بكلّ مقا هقو مناسقب‪ .‬ويقوم على رعايتهقا الزهقر الشريقف بالصقالة بالتعاون مقع كلّ‬
‫مقن مجلس الشيوخ والهيئة القضائيّة ويكون فيهقا قسقم لتخريقج دفعات مقن الشرطقة‬
‫القضائيّة‪ .‬كمقا أنّق عليهقا أن تدرس بتوسقّع تامّق قسقم القانون الدسقتوري ملحققة بقه‬
‫قسماً للعلوم السياسيّة‪ .‬وتتحدد سنوات الدراسة ونظامها واختبارات القبول وفق ما‬
‫تراه هيئة كبار العلماء العالميّة للزهر الشريف –على ما سيأتي‪.-‬‬

‫تسقعى الجهات القائمقة على هذه الجامعقة لنشقر الدراسقة بهقا فقي مختلف بلدان‬
‫العالم وتعمقد إلى اسقتقطاب الطلب مقن كلّ الجنسقيات وعلى الدولة والزهقر الشريقف‬
‫أن يوفرا مدينققة كققبيرة لخدمققة هذه البعوث بحيققث تنتشققر دراسققة علوم الشريعققة‬
‫ويتوسقّع فقي تطبيقهقا على المسقتوى الدولي دون النظقر لمسقألة الديانقة ول الرتباط‬
‫بها فالشريعة السلميّة شريعة مدنيّة أنتجتها قرائح العلماء المسلمين تأسيساً على‬
‫أصققول قرآنيّقة وحديثيّقة تطبيقيققة ونظريّقة‪ ،‬وهذا كلّه تراث إنسققانيّ عام ل ينبغققي‬
‫للمسلمين احتكاره‪ ،‬ول يجوز للعاقلين في العالم إهداره‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫(‪)1‬‬
‫القسم الثالث‬

‫حلف الفضول‬
‫(ضرورة التأسيس لقانون دولي محترم)‬

‫‪)(1‬اعتمدنا فيها اعتمادا كبيرا على ما جاء في الفصل الخامس عشر‪ ،‬من مذكرات أستاذ الجيل‪ ،‬أحمد‬
‫لطفي السيد (قصة حياتي)‪ ،‬مكتبة السرة‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 172‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫(ظهر غلف القسم الثالث)‬

‫‪128‬‬
‫مشروعنا مشروع سلام عالمي‪:‬‬

‫نؤكّد أنقّ مشروعنقا الحضاري الداعقي إلى تفعيقل الجامعقة العربيّة‪ ،‬والتأسقيس‬
‫لجامعة دوليّة قويّة إنّما ينبع من قيمنا الحضاريّة‪ ،‬ومشاركتنا الصيلة لخواننا في‬
‫النسقانيّة‪ .‬كمقا نؤكّد أنّه ليقس لدينقا أدنقى وجقه للتعارض ول لمناقشقة التعارض بيقن‬
‫مشروعي الجامعة العربية‪ ،‬والجامعة السلميّة‪ ،‬بل إنّنا نجاوز المزايدين والمعيقين‬
‫للمناداة بالجامعققة العالميّة‪ ،‬مجدّديققن الدعوة الكريمققة لجدادنققا العرب الكارم ليجاد‬
‫حلف للفضيلة والشرف بيقققن المقققم والشعوب المختلفقققة‪ ،‬غايتقققه نصقققرة الضعيقققف‬
‫والمظلوم‪ ،‬وقضاء حاجة ذوي الحاجات‪.‬‬

‫إنققّ الجماعققة الدوليّقة ينبغققي أن تؤسققس علقاتهققا على التعارف بيققن الشعوب‬
‫والدول وعلى التعاون فيما بينها‪ ،‬وعلى أن ينصر أعضاء المجتمع الدوليّق الضعيف‬
‫حتّى نأخقذ الحقّق له‪ ،‬وأن يقفوا فقي وجقه القويّق حتّى يؤخَذ الحقّق منقه‪ .‬وأن تكون‬
‫علقات الشعوب والدول مؤسقّسة على الندّيقة وعلى التسقاوي فيمقا بينهقا دون نظقر‬
‫لقوّة قوي أو لضعقف ضعيقف‪ ،‬على أسقاس مقن قانون دوليقّ قوي‪ ،‬ومحترم أسقاسه‬
‫فكرة "حلف الفضول" العربيّة التقي شارك فقي تنفيذهققا رسققول ال( ) قبقل البعثقة‪،‬‬
‫وتمنّى بعد أن أقام الدولة لو وُجد هذا الحلف كإطار ما بين الدول أن يشارك فيه‪.‬‬

‫ونؤكّد أ نّ مشروع الجامعة العربية أو حتّى السلميّة ل يسعى إلى العودة لفكرة‬
‫تقسققيم العالم إلى دار إسققلم ودار حرب‪ .‬كمققا نؤكّد أنّق "الجهاد السققلمي" اليوم ل‬
‫يمكقن أن يوظّف فقي إخضاع الشعوب الخرى لحكقم المسقلمين‪ ،‬وإنّمقا للجهاد مجال‬
‫واحقد هقو حمايقة أرضنقا ومقدّسقاتنا داخقل حدودنقا المعروفقة‪ .‬ونعلن بوضوح أنّه ل‬
‫مجال للحديث عن ميراث للمسلمين في أرض غَلبوا عليها ثمّ غَلبهم عليها أصحابُها‬
‫الصقليين‪ ،‬وأقاموا بهقا دولً ل تديقن بالسقلم‪ ،‬إذ الجهاد خارج أراضقي المسقلمين ل‬
‫يهدف بالقطع لنشر السلم‪ ،‬ول لكسب مغنم‪ ،‬وإنّما لنشر العدالة‪ ،‬فإن كان لغير نشر‬

‫‪129‬‬
‫العدل‪ ،‬فهقو ليقس جهاداً ول هقو فقي سقبيل ال( تحقيقق العدل)‪ .‬فإذا ثبقت أنّق أصقحاب‬
‫هذه الدول يقيمون بهقا مقن العدل مقا ل نقيمقه فقي بلدنقا فإنّق الحديقث عقن فتحهقا لمقن‬
‫عدم الحياء‪ .‬ولئن لم تكقققن هذه الدول عادلة فل سقققبيل لنشاء العدل وفرضقققه خارج‬
‫سياق قانون دولي عادل ومحترم‪.‬‬

‫كمقا نؤكّد بالنهايقة أنّه ل مجال لحروب الديان اليوم‪ ،‬فنحقن فقي عصقر مقا بعقد‬
‫ثبوت الديان‪ ،‬ولئن دارت الحروب قديماً للدفاع عققن العقائد‪ ،‬فليققس مققن عاقققل اليوم‬
‫يظنّق أنّق بإمكانقه عقبر اسقتخدام القوّة أن يهاجقم عقيدة‪ ،‬أو أن يدافقع عنهقا؟ فتغييقر‬
‫ديانات النّاس‪ ،‬أو إخضاع الكفار‪ ،‬أيّا كانوا‪ ،‬لحكققم المؤمنيققن‪ ،‬أيّا كانوا؟!! كلم بعيققد‬
‫إن لم يكقن سقخيفاً‪ .‬فلتققم التحالفات اليوم على أسقاس إرادة العيقش المشترك‪ ،‬وعلى‬
‫التعاون على البر والخيقققر‪ ،‬فأمّققا الدعوة إلى المعتقدات فهقققي اليوم مقققن مسقققئوليّة‬
‫المؤمنيققن بهذه المعتقدات‪ ،‬ول طريققق للدعوة إليهققا إل عققن طريققق القدوة والكلمققة‬
‫والمثقل الصقالح‪ ،‬أمّا القوّة فلفرض العدالة‪ ،‬ونشقر المقن ممّا هقو مقن حقوق النّاس‬
‫فقققط على نحققو مققا أثبتناه‪[ .‬ينظققر‪ :‬المبحققث الخامققس مققن الفصققل الثالث مققن القسققم‬
‫الثاني]‪.‬‬

‫التعاون العالمي من أجل السلم‬

‫ل شكقّ أنّنققا حيققن ندعققو إلى التعاون مققا بيققن الشعوب فإنّنققا إنّمققا ندعققو إلى ذلك‬
‫النوع مقن التعاون المسقتمر الذي يمنقع العتداء ويؤدى إلى السقلم الدائم‪ .‬ول ينبغقي‬
‫أن نخدع أنفسنا بسهولة ويسرِ ما يعترض هذا التعاون من صعوبات أعسرها تذليل‬
‫عدم إيمان قادة الشعوب المختلفة بهذا الفكر‪.‬‬

‫إن قّ الرتقاء الجتماعققي والضرورات النسققانيّة وإدراك العالم أنقّ الحرب ليسققت‬
‫هي الوسيلة المثلى لتحقيق الهداف‪ ،‬كلّ ذلك يدفع اليوم لَِن تختمر في ضمير العالم‬
‫فكرة التعاون والتعرف السققلميّ المققن مققا بيققن الشعوب‪ .‬إل أنّه ينبغققي أن ل يفوت‬

‫‪130‬‬
‫علينا ما ألفناه من أخلق القبيلة الحاكمة للعلقات الدولية بين المم‪ ،‬وما سجّله لنا‬
‫التاريقخ مقن ألعيقب السقياسة وغدرِهقا‪ ،‬كمقا ينبغقي أنّق نقدّر حقّق التقديقر قوة أنصقار‬
‫الحرب والعاملين عليها والمنتفعين من ورائها‪.‬‬

‫لقققد جاوز النّاس أخلق القققبيلة‪ ،‬وطريقققة التعادي فققي أخذهققم للحققق أو إثباتققه‬
‫بوازع من القانون الذي نشأ بنشوء الدولة‪ ،‬محتمياً بسلطان البوليس والقضاء‪ ،‬فقد‬
‫اعتاد النّاس أن يتعاونوا فقي معايشهقم المدنيقة بعيقد ظهور الدولة بالحسقنى تاركيقن‬
‫عاداتهقم الولى فقي العدوان والجري على أحكام "حقق القوى" التقي ألفوهقا أزمانقا‬
‫طوال فيمققا قبققل المدنيات المنظمققة‪ .‬على هذا جرى حال أفراد الناس بحيققث أصققبحوا‬
‫يرون مقا كانوا يتمدحون بقه فقي حال البداوة ويجعلونقه مناطقا للعزة ومجلبقة للفخار‬
‫‪-‬مققن أعمال العدوان‪ -‬جريمققة مسققتحقة للعقاب‪ .‬هذا حصققل للفراد داخققل الجماعققة‬
‫الواحدة بينمقا م تجقد المقم أو بالولى الحكومات كمقا وجقد الفراد قانوناً ول محاكقم‬
‫تفقض النزاع بينهقا‪ ،‬ول "بوليسقاً" يمنقع مقن اعتداء بعضهقا على بعقض‪ ،‬فبقيقت فيهقا‬
‫جاهليّة الحياة البدائيّة الولى‪ ،‬مقن أسقاليب القصقاص الهمجيقّ‪ ،‬وسقيادة روح الققبيلة‬
‫بالعتداء على الغيققر اسققتعلء عليققه واسققتعبادا له وطمعققا فققي أرضققه ومَرافِقققه‪،‬‬
‫وبالجملة فقد بقيت كل حكومة حتى في هذه المدنية الحاضرة تضمر أن تنتزع بالقوة‬
‫مققن أمققة أخرى مالهققا مققن الحقوق مققن غيققر وازع ول حياء‪ ..‬وإذاً فقققد ظفرنققا مققن‬
‫(‪)1‬‬
‫المدنيات القديمة بأدب للفراد ولم نظفر بأدب لحكوماتهم؟‬

‫هل الحرب طبيعية؟‬

‫‪)(1‬الحق أنّ الذي يراجع أفكار الفقهاء المسلمين يجدها واضحة جدّا في بيان هذه الفلسفة في منع التعادي‬
‫بين النّاس وبعضهم وإحالة الفصل في هذه الخصومات للسلطان(الحكومة) وحده ل ينازعه في هذا الحق‬
‫أحد إل اعتبروه خارجا يستحق أعظم العقاب‪ ،‬وقد أشرت في كتابي "السلطة المدنية في السلم" غير‬
‫ل إفراد بجمع‪ ،‬فيفسر‬
‫مرّة إلى أنّ حلّ المعضل السياسي عندنا يمكن اختصاره لحد بعيد لو فُسّر ك ّ‬
‫السلطان بالسلطة والخليفة بخلفة المّة والحاكم بالحكومة‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫انتزع بعض من الكتا بٌ والفلسفةٌ مما هو واقع من تصرّفات الدميين فكره أ نّ‬
‫الحرب مقن طبقع النسقان‪ ،‬ومقن طريقف مقا يؤثقر عقن أنصقار الحرب مقا نقله "إيميقل‬
‫فاجققى" عققن أحدهققم قوله‪" :‬الحرب إلهيّقة فققي ذاتهققا؛ لنهققا قانون العالم‪ .‬الحرب‬
‫"إلهيقة" فقي المجقد الخفقي الذي يحيقط بهقا وفقى الجاذبيقة الخفيقة أيضقا التقي تجذبنقا‬
‫إليهققا‪ .‬الحرب "إلهيققة" فققي الحمايققة الموهوبققة للقواد العظام"‪ ..‬الحرب "إلهيققة"‬
‫بنتائجها التي تعزب عن تقديرات الناس؟؟‪ .‬قال إميل فاجى‪" :‬كل هذه الجمل تساوى‬
‫أنّه يقول‪" :‬الحرب إلهية؛ لنها سخيفة؟"‬

‫والذي يراه أنصقار السقلم هقو أن الحرب ليسقت مقن طبقع النسقان‪ ،‬بقل هقي عادة‬
‫تأصقلت فقي نفوس الناس يمكقن القضاء عليهقا كمقا قضقى على الرق ونحوه بوسقائل‬
‫ن العالم يتقدم في أمرها على أثر تفكير المفكرين فيما يصلح‬
‫التربية التي لشك في أ ّ‬
‫حال النسقان‪ .‬فلبقد مقن ثورة على القديقم فقي هذه الناحيقة مقن حياة البداوة والجهقل‬
‫التي ما تزال تحكم النّاس كجماعات بعد أن زالت عنهم كأفراد؟‪.‬‬

‫أدب السلم في السياسة الدولية؟‬

‫أوّل ما خطر في موضوع السلم الدائم في الثورة الحضارية الحديثة صوت أتى‬
‫مقن جامعقة "كونجسقبرج" حيقن اقترح أسقتاذ الفلسقفة فيهقا "ايمانويقل كنقت" إنشاء‬
‫حكومققة أمققم تمنققع اعتداء بعضهققا على بعققض‪ .‬ووجّه "كنققت" نداءً للمققم والملوك‬
‫طالبهققم فيققه بأن تنظققم المققم سققلوكَها على قواعققد الخلق والقانون‪ ،‬وأن تحترم‬
‫الخرين وأن يسود قانون يحكم علقات الدول‪.‬‬

‫ن حكومات المم الكبرى حين اجتمعت في مؤتمر "فيينا"‬


‫لك نّ الذي حصل هو أ ّ‬
‫بعقد هذا النداء بتسقعة عشقر عامقا‪ ،‬معلنقة أهميّة مبادئ "كنقت" لم يكقن ذلك إل مقن‬
‫قبيققل خداع الرأي العام للشعوب الضعيفققة والفقيرة‪ .‬وهاكققم مذكرة رئيققس المؤتمققر‬
‫المؤرخققة فققي نوفمققبر سققنة ‪1815‬م‪ .‬يقول فيهققا‪" :‬إن أولئك الذيققن اجتمعوا فققي‬

‫‪132‬‬
‫المؤتمر وكانوا يعلمون حق العلم طبيعته وأغراضه ل يكادون يخدعون بتلك الكلمات‬
‫الفخمققة مثققل‪ :‬إعادة النظام الجتماعققي وتجديققد المذهققب السققياسي لوربققا وتحقيققق‬
‫السقلم الدائم بيقن الدول الخ‪ ..‬فهذه الكلمات إنمقا نطقق بهقا لتطميقن الناس ولتفيقض‬
‫على هذا الجتماع الحافقل كرامقة وعظمقة‪ .‬لكقن الغرض الحقيققي للمؤتمقر هقو توزيقع‬
‫أسلب المقهورين بين القاهرين"؟!!‪.‬‬

‫كان هذا ومققا يزال نموذجاً مققن أدب السققياسة الدوليققة يتخذه السققاسة ليلقوا بققه‬
‫دروسا في الشر والظلم على الناس أجمعين‪ .‬وإذن فإنّ الدب السياسي لم يتغير على‬
‫يقد أصقحاب الحضارة المعاصقرة مقن الغربييقن عمقا كان عليقه فقي العصقور الهمجيّة‬
‫القديمة‪ .‬قال الكاتب المعروف "ألدوس هكسلى" عشيّة الحرب العالمية الثانية‪" :‬إن‬
‫أدب السقققياسة الدوليقققة هقققو أدب القرصقققان‪ .‬أدب الخداع‪ .‬لم يتغيقققر هذا الدب منقققذ‬
‫عشريقن قرنقا حيقن قال الفيلسقوف "سقنيك"‪ :‬هذا هقو قانون النسقانية‪ :‬كقل مقا هقو‬
‫محرم عليك اتباعه وأنت فرد‪ ،‬مطلوب منك إتيانه وأنت مدافع عن الدولة؟!‪.‬‬

‫س أنّ ما نجحت به أمم أوربا إنّما كان في علقات الفراد الغربيين في‬
‫فتكاد تح ّ‬
‫إقامة علقات غير همجيّة فيما بينهم‪ ،‬لك نّ الواقع يقول إ نّ العطاء الحضاري الغربي‬
‫لم ينجقح فقي ضبقط العلقات الدوليّة بيقن المقم ونشقر السقلم العالمقي‪ .‬لققد رسقّخت‬
‫أوربقا في الضميقر النسقاني فكرة أنّق ضابقط قانون العلقات الدوليقة ليس موكولً إلى‬
‫قانون أو ميثاق شرف‪ ،‬وإنّمقا رهيقن بضميقر سقاسة الدول القويّة‪ ،‬الذيقن رسقخ فقي‬
‫أدبهم السياسي أ نّ السياسة ل ضمير لها؟ وبالتالي فلم يعد للسياسة الدولية محكمة‬
‫إل الحرب؟‬

‫لققد اسقتمرار هذا الحال على مقا هقو عليقه ولم يتعقظ العالم مقن الدروس القاسقية‬
‫التقي تلقّاهقا منقذ الحرب العالميقة الولى والتقي على أسقاسها شرع فقي إنشاء جمعيقة‬
‫المققم‪ ،‬فلم تنجققح تجربتهققا وجاءت الحرب الثانيققة بويلتهققا التققي ل تطاق‪ .‬وتلقاء‬
‫تجربتهقا القاسقية صقدر ميثاق الطلنطقى فقي أغسقطس سقنة ‪1941‬م‪ .‬فشرعوا فقي‬

‫‪133‬‬
‫إنشاء عصبة أمم جديدة خير من عصبة المم القديمة؟ ولنا أن نتساءل‪ :‬هل أوصل‬
‫إنشاء المقم المتحدة بعقد حربيقن عالميتيقن إلى الغايقة النقبيلة التقي أشار إليهقا المسقتر‬
‫"إيدن" بقوله‪" :‬إن غايتنققا هققي إنشاء نظام عالمققي يحقققق التقدم السققلمي لجميققع‬
‫الشعوب"؟ وإذا لم يكن فما هو القانون الذي يضمن عدم التعادي؟‪.‬‬

‫هذا أدبنا في التحالف نسوقه إليكم‬

‫ذكقر ابقن إسقحق وغيره(‪ :)1‬أنقّ قبائل مقن قريقش اجتمعقت فقي دار عبقد ال بقن‬
‫جدعان فتعاقدوا على أل يجدوا بمكقة مظلومقا إل قاموا معقه حتقى ترد عليقه مظلمتقه‬
‫سمّت قريشُ ذلك الحلفَ حلفَ الفضول أي‪ :‬حلف الفضائل(‪.)2‬‬
‫َف َ‬

‫وكان من شأن هذا الحلف أ نّ رجلً من "زبيد" (اليمن) قَدِ مَ بتجارة له على مكة‬
‫غلَبقه عليهقا‪ ،‬فجاء إلى بنقي سقهم‬
‫فباعهقا "للعاص بقن وائل السقهمي" َف َمطَله بهقا و َ‬
‫يستعديهم على ابنهم فأغلظوا عليه‪ ،‬فعرف أن ل سبيل إلى ماله‪ ،‬فحمله ذلك على أن‬
‫أشرف على "أبقي ققبيس" (جبقل بمكّة) حيقن أخذت قريقش مجالسقها ثقم أنشقأ قصقيدة‬
‫يقول في مطلعها‪:‬‬

‫يا آل فهر ِلمَظلوم بضاعتقُه * ببطن مكة نائى الهل والنفققرِ‬

‫حجَر‬
‫و ُمحْ ِر ٍم أشعث لم يقض عمرَتَه * أمسى يناشد حول الحِجْر وال َ‬

‫فلما سمعت ذلك قريش تحالفوا "حلف الفضول"‪ ،‬فاجتمعت في دار "عبد ال بن‬
‫جدعان" بنقو هاشقم وبنقو المطلب وأسقد بقن عبقد العزي وزهرة بقن كلب وتيقم بقن‬
‫مرة‪ -‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ معهم قبل أن يوحى إليه وهو ابن‬
‫خمققس وعشريققن سققنة‪ -‬وكان الذي تعاقققد عليققه القوم وتحالفوا‪" :‬أن ل يُظلم‬

‫‪)(1‬يراجع‪ :‬السيرة النبويّة لبن هشام ‪ 1/264‬وما بعدها‪ ،‬أخبار مكّة ‪ 5/190‬وما بعدها‪ .‬معتصر‬
‫المختصر من مشكل الثار ‪.376-2/375‬‬
‫‪)(2‬الفضول هنا جمع فضل للكثرة كفلس وفلوس‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫بمكة غريب ول قريب ول حر ول عبد إل كانوا معه حتى‬
‫يأخذوا له بحقَه ويردوا إليَه مظلمتَه مَن أنفسَهم ومَن‬
‫غيرهم"‪.‬‬

‫وهذا الحلف هققو المراد بقوله صققلى ال عليققه وسققلم شهدت حلفققا فققي دار ابققن‬
‫جدعان‪ ،‬مققا أحققب أن أخيققس بققه وإن لي حمققر النعققم‪ ،‬ولو أُدعققى بققه فققي السققلم‬
‫لجبقت(‪ .)1‬قال القرطقبي‪ :‬وهذا الحلف هقو المعنقى المراد فقي قوله عليقه السقلم "ل‬
‫حلف فقققي السقققلم‪ ،‬وأيمقققا حلف كان فقققي الجاهليقققة لم يزده السقققلم إل شدة" قال‬
‫القرطقبي‪ :‬لنّق ذلك الحلف موافقق للشرع إذا أمقر بالنتصقاف مقن الظالم‪ ،‬فأمقا مقا كان‬
‫مقققن أحلف وعهود الفسقققاد وعقود الباطقققل القائمقققة على التعاون على الظلم وعلى‬
‫ن بعضهم فهم من ظاهر بعض الروايات إنكار فكرة‬
‫الغارات فقد هدمه السلم‪ .‬ومع أ ّ‬
‫الحلف بعمومها في السلم إل أنّ فهم استمرار الحاجة لعمل أحلف الخير‪ ،‬ومتابعة‬
‫العرب الكارم فققي هذه الس قنّة الكريمققة‪ ،‬هققو الفهققم البرز لهذه الروايات‪ ،‬فقققد روى‬
‫البخاري عقن عاصقم قَالَ‪ :‬قُلْتُق لَنَسٍق رضقى ال عنقه‪ :‬أَبَ َلغَكَق أَنّ النّبِىّ صقلى ال عليقه‬
‫لمِ؟ » ‪َ .‬فقَالَ‪( :‬يعنقي‪ :‬أنقس) قَدْ حَالَفَق النّبِىّ صقلى ال‬
‫وسقلم قَالَ « لَ حِلْفَق فِى الِسْق َ‬
‫عليققه وسققلم بَيْنقَ ُقرَيْش قٍ وَالَنْصقَارِ فِى دَارِى(‪ .)2‬كذلك بقيققت الفكرة الرئيسققة لحلف‬
‫الفضول‪ ،‬وهي الوقوف بوجه الظالمين‪ ،‬حاضرة في ذهن أبناء الصحابة رضوان ال‬
‫تعالى عليهم‪ ،‬وهذا سيّد الثائرين "الحسين" عليه السلم لمّا تحامل عليه الوليد بن‬
‫عتبقة فقي مال له وكان الوليقد أميراً على المدينقة اتكاء على سقلطانه‪ ،‬قال له الحسقين‬
‫‪ -‬كما روى ابن إسحق(‪ -)3‬أحلف بال لتنصفني من حقي أو لخذن بسيفي ثُم لقومن‬

‫‪)(1‬إسناده صحيح‪ ،‬ينظر المتن في‪ :‬المستدرك على الصحيحين ‪ .2/239‬صحيح ابن حبّان ‪.10/216‬‬
‫موارد الظمآن ‪ .1/504‬مجمع الزوائد ‪ .8/172‬مسند الشاشي ‪.1/271‬‬
‫‪)(2‬البخاري‪ ،‬كتاب الكفالة‪ ،‬باب(‪ )2‬قول ال تعالى والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم‪ ،‬ح‪.2294:‬‬
‫طرفاه ‪ - 7340 ، 6083‬تحفة ‪. 126/3 - 930‬‬
‫‪)(3‬يراجع‪ :‬السيرة النبويّة لبن هشام ‪ 1/264‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ع َونّ بحلف الفضول‪ ،‬وكان عبد ال‬
‫في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم لد ُ‬
‫بقن الزبيقر شاهداً فلمّا سقمع مقالة الحسقين قال‪ :‬وأنقا أحلف بال لئن دعانقي لخذن‬
‫بسقيفي ثقم لقومَنّ معقه حتقى ينتصقف مقن حققه أو نموت جميعقا‪ ،‬وبلغ ذلك "المسقور‬
‫بقن مخرمقة" فقال مثقل ذلك وبلغقت "عبقد الرحمقن بقن عثمان بقن عبيقد ال التيمقي"‬
‫فقال مثل ذلك‪ .‬فلما بلغ ذلك الوليد أنصَفه‪ ،‬وأوصل له حقّه‪.‬‬

‫يجب أن تعمل الدول المتمدينة على القضاء على أخلق الستعلء والستكبار‪:‬‬

‫العققل والتجربقة متفقان على أنقّ قيقم التجربقة الحضاريقة الغربيقة المعاصقرة لم‬
‫تنجح في مضمار تحقيق المساواة بين المم‪ ،‬وضمان عدم تعاديها على بعضها‪ ،‬بل‬
‫الواققع أنّق حكومات المقم الوربيقة هقي مقن حمقل لواء التعادي وسقعى لنهقب ثروات‬
‫الشعوب الفقيرة والمسقتضعفة‪ ،‬وواضقح أنّه مقا لم تكقن وسقيلة لتربيقة أجيال تؤمقن‬
‫بفكرة إلغاء اسققتعلء قوم على قوم؛ تلك الفكرة التققي هققي أفسققد مققا يفسققد أخلق‬
‫الجتماع العالمقي‪ ،‬فسقتظلّ الحرب وسقيلة المسقتضعفين والمسقتكبرين على السقواء‪،‬‬
‫كلّ فقي غرضقه‪ .‬ولن يمكقن التوصقّل بحال إلى قانون دولي محترم يضبقط العلقات مقا‬
‫بين الدول‪.‬‬

‫مقن المهقم جدّا أن نشيقر هنقا إلى شيقء ممّا يعتقده كثيقر مقن الدعاة ومقن الكتاب‬
‫مققن أن قّ السققتعلء والوطنيققة أو أن قّ السققتعلء والديققن أمران متلزمان‪ ،‬وأن قّ مققن‬
‫العسير أنْ يُحبّ قو ٌم وطنهم أو دينهم دون أن يقترن هذا الحب بالستعلء على المم‬
‫المغايرة‪ ،‬أو أصقحاب الديانات الكافرة؟ أو مقن دون إثبات بغضهقم لهقم –كحدّ أدنقى‪-‬؟‬
‫والحقّق أنّق هذا اللون مقن الحبّق للديقن أو الوطقن ققد يكون حققا فقي أمقر الوطنيّات أو‬
‫الديانات الحادة الجامحة التي هي من سللة عصبية القبيلة‪ .‬أما الوطنيات المدنية أو‬
‫الديانات الحقّة فأنّهقا ل تتنافقى مقع حقب النسقانية جمعاء‪ .‬والواققع أننقا نرى الرجقل‬
‫الفاضققل مققع حبققه لنفسققه يسققعى إلى سققعادة غيره‪ ،‬فل مانققع إذاً يمنققع قوم ًا يحبون‬

‫‪136‬‬
‫وطنهققم أو يعتزّون بدينهققم مققن أن يسققعوا فققي إسققعاد الوطان الخرى‪ ،‬أو أصققحاب‬
‫المعتقدات الخرين‪ ،‬إن في داخل أوطانهم أو خارجها؟‬

‫التعاون العالمي ممكن ‪..‬‬

‫_ أيها السادة ‪ :‬نسوق كل هذه المقدمات للوصول إلى نتيجتين ‪:‬‬

‫الولى‪ :‬أن التعاون العالمققي ممكققن متققى اقترن بققه إلغاء السققتعمار والسققتعلء‬
‫على الوجه الذي ذكرناه ‪ .‬ومن المهم أن نشير هنا إلى أن مِن الفلسفة الغربيين مَن‬
‫تعرض لفكرة إلغاء السقققتعمار مثقققل "بنتام" فإنّققه هقققو وأنصقققار مذهبقققه يبغضون‬
‫السققتعمار ويرونققه غيققر نافققع للمققم المسققتعمَرة‪ ،‬فوق أنققه مفسققد لخلق المققم‬
‫المستعمِرة‪.‬‬

‫الثانيققة‪ :‬أن أدب السققياسة والعلقات الدوليققة الذي جرى عليققه العرف إلى الن‬
‫بعيد عليه أن يحقق التعاون العالمي‪ ،‬بل لبد لهذا التعاون من أدب دولي جديد‪.‬‬

‫ونظرا لن أسققباب الحروب مهمققا اختلفققت فإنققّ مردّهققا كلهققا إنّمققا يكون للحالة‬
‫الخلقيققة للمققم وعلى الخصققوص لقادة هذه المققم‪ .‬فقققد بحققث أنصققار السققلم فققي‬
‫الوسقائل التقي تؤدى إلى منقع العتداء‪ ،‬متفقيقن على أنّق أفضقل الوسقائل لذلك وسقيلة‬
‫التسقامي بالطبيعقة البشريّة التقي كمقا يقول "كنقت"‪ :‬ليقس فيهقا مقن اسقتعداد طقبيعي‬
‫للشقر‪ ،‬وأنّق السقبب الوحيقد لتجاههقا نحقو التعادي والشرّ هقو أل ُيرَدّ الطبعُق فيهقا إلى‬
‫قواعد تهذّبه‪ ،‬وأقرب ما يوصل إلى ذلك التربية‪.‬‬

‫والملحظ أ نّ الدكتاتوريات سواء أكانت دو ًل أو جماعات دائماً ما تُنشّئ أجيالها‬


‫تنشئة "إسقبرطية" محضقة؛ فتراهقا تجرّ أبناءهقا مقن حريقة التفكيقر الشخصقي وحريقة‬
‫النقققد وحريققة الجتماع لتبادل الراء‪ ،‬إلى ناحيققة تنميققة مبادئ القوميققة الحادة فققي‬
‫نفوسققهم‪ ،‬والسققتهانة بحقوق الغيققر والطاعققة العمياء للرؤسققاء والقادة؛ ذلك أنققّ‬
‫الديكتاتوريقة دائماً ليسقت إل لوناً مقن المرض النفسقي والعقلي يورث القلب نهماً إلى‬

‫‪137‬‬
‫الشرّ‪ ،‬واسقتساغة له‪ ،‬فيتّجقه صقاحبه بجلّ همّه إلى توظيقف مقا يسقتطيع مقن قوة مقن‬
‫أجل بسط سلطانه على العالم كله أو بعضه؟ فتكون غاية التربية عندهم غاية حربية‬
‫صِرفة أو بعبارة أدقّ غاية اعتداء على الغير وفقط‪.‬‬

‫وأنقا حيقن أذكقر الديكتاتوريات هنقا ل أجنّب الديمقراطيات بشاعقة هذه السقمة إذ‬
‫أثبتقت تجربقة الحضارة الغربيقة القائمقة أنّق الديمقراطيات مقع السقف ليسقت بأحسقن‬
‫حالً مققن الديكتاتوريات حيققن يتعلّق المققر بظلم الخققر وأخققذ مققا بيده‪ .‬والتربيققة فققي‬
‫الديمقراطيات وإن كانققت موجّهققة فققي الداخققل نحققو تدعيققم الحريات الفرديققة فإنّهققا‬
‫موجهقة فقي الوققت ذاتقه حيقن يتعلّق المقر بالغيقر إلى السقتعلء والكقبر المؤديان إلى‬
‫الحرب أيضاً؟‬

‫ل شك في أن هذه التربيقة القائمة ل يمكن أن يكون غايتهقا تحقيق التعاون العام‬


‫أو السققلم الدائم‪ ،‬بققل لبققد مققن تغييققر غايققة التربيققة بمققا يؤدى إلى احترام الخققر‪،‬‬
‫واحترام قناعاتقه وممتلكاتقه‪ .‬يحرس هذا ويؤيّده حبّق السقّلم وحبّق التعاون مقا بيقن‬
‫الشعوب‪ ،‬والحرص على تحقيققق العدالة الجتماعيققة والشتراكيّقة النسققانيّة العادلة‬
‫والمقسققطة فيمققا يمثّل حاجققة ضروريّة للنّاس جميعاً وفققق قوانيققن تحترمهققا الدول‪،‬‬
‫وتقرّها بمحض إرادتها‪ ،‬كلّ ذلك مؤدّ بالنهاية إلى تحقيق الخاء النساني‪ ،‬وإلى ترك‬
‫المبالغقققة فقققي العتزاز بالجناس والديان وإلى تعضيقققد المحاورة الصقققادقة الهادئة‬
‫المؤدية لتعارف كلّ على ما لدى الخر‪ ،‬وإفادته منه‪.‬‬

‫بالجملة إذن ينبغقققي أن نتّجقققه جميعاً فقققي تربيتنقققا للجيال الصقققاعدة نحقققو ترك‬
‫العصققبية الولى للقققبيلة ولمعبودهققا المحلّي ناحيققة مققا يقتضيققه الخاء النسققاني‬
‫والتعاون العالمققي مققن احترام لجميققع الجناس وسققعى فققي إسققعاد مققن قضققت عليققه‬
‫المصادفات الشقية بأن يكون في سلم المدنية متأخرا عن سواه‪ ،‬أيّا يكن دينه‪ ،‬وأيّا‬
‫تكن جنسيّته‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫ي‪:‬‬
‫واجبات أمم السلم العالم ّ‬

‫لدى ك ّل أمّة واجب نحو ذاتها وآخر نحو مثيلتها‪ .‬فأمّا ما يجب على ك ّل أمّة نحو‬
‫ذاتها أمران‪ :‬تربية أبنائها‪ .‬وتحسين الحكم بما يكفل مصالحتها مع نفسها‪.‬‬

‫فأمّا تربيقة وإعداد أبنائهقا فبأن تكون غايتهقا "النسقان المثققف" ووسقيلتها إلى‬
‫ذلك‪:‬‬

‫‪_1‬تثقيقققف ملكات الفرد الطبيعيقققة‪ :‬ملكات الجسقققم والعققققل والنفقققس بأن يقوم‬
‫بمقتضيات حفقظ الذات وحفقظ النوع بالعتدال التام ثقم بواجقب الصقدق الذي يسقبب له‬
‫القتناع بكرامتققه وواجققب السققخاء الشخصققي بأن ل يقتققر ول يسققرف‪ ،‬بققل ينفققق‬
‫بالمعروف‪ .‬وواجب كرامته من حيث هو إنسان فيرفض أن يكون تبعا لغيره في غير‬
‫الحدود المفروضقة عليقه مقن جهقة كونقه عضواً فقي جمعيقة مدنيقة لهقا قوانيقن مرعيقة‬
‫الداء وواجب محاسبة نفسه على كل ما يخطر له من فكر أو يلفظ من قول أو يأتي‬
‫مقن عمقل‪ .‬ثقم ينبغقي أن يؤخقذ الناشقئ بتثقيقف ملكات عقله بأن يتعلم مقا هقو ميسقر له‬
‫من العلوم والفنون‪ .‬قال "كنقت"‪ :‬مقن ليقس مثقفقا فهو بهيمقة‪ .‬ومن ليقس مؤدبقا فهو‬
‫متوحش‪.‬‬

‫‪_2‬كذلك ينبغقي أن يؤخقذ الفراد فقي التربيقة بتعلم القيام بواجباتهقم نحقو الغيقر‪،‬‬
‫بواسطة العدل وعرفان الجميل والسخاء والمواساة في الضراء واحترام الغيار في‬
‫أشخاصهم وشرفهم وأموالهم واحترام قوانين البلد سراً وعلنية‪.‬‬

‫وينبغققي أن يكون ذلك على يققد أسققاتذة أحرار فققي مدارس حرة‪ ،‬وبحيققث يكون‬
‫التنسققيق التربوي ذا طابققع عالمققي بيققن هذه المدارس وبعضهققا‪ ،‬وبمشاركققة حكماء‬
‫الديانات‪.‬‬

‫وأمقا واجبات المقة مقن حيقث صقورة الحكقم داخلهقا فينبغقي أن تكون المقة دائمقا‬
‫مصقدر السقلطات فقي وطنهقا وأن يشترك أفرادهقا فقي الحكقم بالطرق الديمقراطيقة وأن‬

‫‪139‬‬
‫يكون الحكقم لمنفعقة المحكوميقن ل لمنفعقة الحكام‪ .‬وأن تكون وليات الحكقم ضرائب‬
‫يؤدّيها الكْفاء من أبناء المّة ل مزايا يختص بها المقربون من السلطات‪.‬‬

‫وأمقا واجبات المقم بعضهقا نحقو بعقض‪ ،‬فأوّل مقا ينبغقي هقو أبطال تلك المذاهقب‬
‫العتيققة فقي العلقات الدوليقة‪ ،‬مذهقب السقتعلء والسقتكبار على الغيقر‪ ،‬وأن تسقتبدل‬
‫المقققم بذلك التعارف والتعاون‪ ،‬واحترام مقققا لدى الخقققر‪ ،‬وإثبات الكرامقققة للنسقققان‬
‫بمحقض الخلق‪ ،‬والعمقل على أنسقنة وتحضيقر الجتماع النسقاني الدولي والتقدّم بقه‬
‫بعيداً عن طور الجاهليّة المستكبرة‪ ،‬والتعادي الخرق‪ ،‬إلى ناحية وضع قانون عادل‬
‫يحكقم علقات المقم‪ ،‬يكون الضعيقف فيقه قويّا حتّى يؤخقذ الحقق له‪ ،‬والقويّق ضعيفاً‬
‫حتّى يؤخذ الحقّ منه‪ ،‬وأن تحترم الواجبات الدبية التي يفرضها قانون الخلق على‬
‫المم نحو غيرها والتي تتلخص في احترام حقوق الغير والسعي في إسعاده‪.‬‬

‫على مثل هذا النحو يتحقق التعاون العالمي وتعم نعمة السلم كل بني النسان‪،‬‬
‫ويرنوا النّاس إلى ربّهم آمنين‪..‬‬

‫تَم بحمَد الله وحوله‪..‬ميلد الهادي البشيَر صَلّى الله وسَلّم‬


‫وبارك عليَه وعلى صَاحبيه وإخوانَه مَن النَبياء والمرسَلين ‪،‬‬
‫وعلى سَائر أصَحابه المهتديَن للعام الثامَن والعشريَن بعَد‬
‫الربعمائة وألف مََن هجرتََه المباركََة الموافََق مطلع شهََر‬
‫إبريََل نيسََان مََن العام ‪ 2007‬لميلد سََيدنا المسََيح عليََه‬
‫م التسليم‪..‬‬
‫أفضل الصلة وأت ّ‬

‫للتواصل مع المؤلف‬

‫الموقع‪ali@pnopility.net)) www.pnopility.net :‬‬

‫‪ali_mursi@hotmail.com‬‬ ‫اليميل‪:‬‬

‫‪ali_hfeez@yahoo.com‬‬

‫‪888 65 10 012‬‬ ‫الهاتف‪:‬‬

‫‪140‬‬
10 35 792 092

141

You might also like