Professional Documents
Culture Documents
اعلم ب أ�ن:
﴾
الفهر�س
تقديم 9 .........................................................................................................................................
مقدمة 11 .........................................................................................................................................
الق�سم أالول :الحد إاليجابي للعولمة - -فر�ص العولمة 15 ..................................................
تمهيد 17 ...................................................................................................................................
العولمة جلبت الحرية و�ضابطها �صحة العبودية 25 ................................................................
تمهيد 27 ...............................................................................................................................
(الحرية) و�ضابطها �سالمة (العبودية) 31 ..........................................................................
�سالمة العبودية ك�ضابط للحرية 38 .................................................................................
الناتج أالكبر لحرية م�سئولة وعبودية م�ستقيمة - -اختيار بال تجاوز 47 ....................
خاتمــة 53 ............................................................................................................................
العولمة جلبت اال�ستقاللية و�ضابطها فعالية االتكالية �أو االعتمادية 55 .............................
تمهيد 57 ...............................................................................................................................
(اال�ستقاللية) و�ضابطها فعالية (االعتمادية) 59 ............................................................
�صحة االعتمادية ك�ضابط للحرية 67 ..............................................................................
الناتج أالكبر ال�ستقاللية مح�سوبة واعتمادية معتدلة � - -إختيار نوع الخير بعد التمييز 75
خاتمة 81 ................................................................................................................................
العولمة جلبت المو�ضوعية و�ضابطها حالة حقيقية من الالمظلومية 83 .....................................
تمهيد 85 ...............................................................................................................................
(المو�ضوعية) و�ضابطها حالة حقيقية من (الالمظلومية) 87 ............................................
93 تحقيق الالمظلومية ك�ضابط للمو�ضوعية
100 ................ الناتج أالكبر لمو�ضوعية محمودة والمظلومية مطلوبة - -قرار بال ّ
تحيز
105 ................................................................................................................................ خاتمة
العولمة جلبت االنفتاح الثقافي ،و�ضابطها فهم آالخرين واال�ستفادة منهم مع
المحافظة على الهوية 107 .........................................................................................................
تمهيد 109 ...............................................................................................................................
(النفتاح الثقافي) و�ضابطه (فهم آالخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية) 111 إ
120 فهم آالخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية ك�ضابط لالنفتاح الثقافي
الناتج أالكبر لفهم آالخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية - -االنتفاع
بالخر بغر�ض الزيادة في التميز 127 .................................................................................... آ
خاتمة 134 ................................................................................................................................
137 .............. الق�سم الثاني :إالفادة الفعالة من الحد إاليجابي للعولمة - -فر�ص العولمة
139 ............................................................................................................................... تمهيد
141 ............................... التربية نحو اال�ستقاللية ك�آلية إ
للفادة من الحد إاليجابي للعولمة
143 ............................................................................................................................... تمهيد
149 .................................................................................... فكرة التربية نحو إال�ستقاللية
163 .................................................................................. �شروط التربية نحو إال�ستقاللية
201 .................................................................................. عوائد التربية نحو إال�ستقاللية
239 ................................................................................................................................ خاتمة
243 ............................................................................................................................ المراجع
مركز �شباب الدوحة
�شكر وتقدير
الول» كواحد ال�رسية يف عامل مليء بالفر�ص-املجلد أ مبنا�سبة �صدور كتاب «الرتبية أ
من �سل�سلة الكتب التي د�أب املركز على �إ�صدارها ،ي�رسه �أن يتوجه بال�شكر والتقدير
والعرفان لكافة ال�رشكات وامل ؤ��س�سات التي كان لها الف�ضل والدور أ
الكرب يف ؤ
ر�ية
هذا الكتاب للنور.
وهذه اجلهات هي:
يبدو للوهلة أالولى �أن أال�سرة والعولمة م�صطلحان نقي�ضان ..كالهما نقي�ض ،بل
والمر في للخر؛ وك�أنهما في حالة �صراع ومواجهة بين بع�ضهما البع�ض ..أ و�ضد آ
الحقيقة لي�س بال�ضرورة كذلك ..فالعولمة �ساحة ِن�شطة� ..ساحة مليئة بكل �شيئ،
مليئة بالخير وال�شر ،مليئة بما ينفع وما ي�ضر ..
وهذا بطبيعته ي�ستدعي �أن يكون ألل�سرة موقف من العولمة ،وبتعبير �أدق،
تقدمه ..وهنا ي�أتي �أ�ستاذنا الدكتور يكون لها ا�ستجابة لما قدمته العولمة وما زالت ِّ
يوجه من خاللها طريقة ا�ستجابة يو�سف العبد اهلل ليقترح طريقة تفكير جديدةِّ ،
أال�سرة لمعطيات العولمة وتحدياتها ،فيجعلها ْتخ ُرج م�ستفيدة ال مت�أذ َِّية ،و ُم ْن َت ِف َعة
ال ُم َت َ�ض ِّر َرة ..
كتاب ثمين ،يوفِّر ألل�سرة والكتاب الذي بين يديك �أيها القارئ العزيز هو ٌ
�أفكاراً و�أدوات ،ت�ساعدها على التعامل الفعال والنافع مع العولمة ،والتي تم ِّثل �أكبر
تحديات الع�صر ..فالكتاب يعرِ�ض للبعد إاليجابي للعولمة ،للفر�ص المرتبطة به؛
ويبين كيفية قراءة هذا البعد ،وكيفية �إقتنا�ص الفر�ص المترتبة عليه .. ّ
وي�سر مركز �شباب الدوحة تبني هذا الكتاب لما فيه قيمة عظيمة إلن�ساننا
والمة ،كلٌ منهمَ ،م ْو ِ�ضع وال�سرة ،المجتمع أ فالن�سان أ
و�أ�سرنا ،مجتمعنا و�أمتنا ..إ
والدراك ،و�إنما كذلك على م�ستوى ت�أثر بالعولمة ،لي�س فقط على م�ستوى الوعي إ
ال�سعي وال�سلوك ..والكتاب يقترح مخرجاً �إ�ستراتيجياً ،واقياً و ُم َن ِّمياً ..
أ�حمد بن محمد الزويدي
رئي�س مجل�س الإ دارة ــ مركز �شباب الدوحة
مقــــــدمــة
11
مقدمــة
العولمة هي الظاهرة أالكبر ،وقد تكون أالخطر في هذا الع�صر ..هي الظاهرة التي
اختلط فيها الخير بال�شر ،والنافع بال�ضار ..هي الظاهرة التي جاءت بالمزيد من الفر�ص
والمخاطر ..هي الظاهرة التي وفّرت مناخاً �أكبر ،لخير �أكثر ول�ش ٍر م�ستطر ..باخت�صار
هي ظاهرة الظواهر ،ظاهرة وفّرت �شروطاً ت�سمح لكل ظواهر الخير وظواهر ال�شر في
�أن تنت�شر وت�ؤثِّر..
العولمة ظاهرة �شمولية تتعدد �أبعادها بتعدد �أبعاد الحياة في ع�صرها ،و�إن كانت
في حدودها الدنيا هي عولمة �سيا�سية واقت�صادية من ناحية ،وعولمة اجتماعية وثقافية
"لر�ض بال حدود" ،و"�سوق بال حدود"، ت�سوق أ من ناحية �أخرى� ،أي هي عولمة ِّ
ت�سوق "لتغير بال حدود"..و"ثقافة بال حدود" ..باخت�صار هي عولمة ِّ
العولمة هي عولمة ذات خطين :خط مبا�شر ،يتمثل في عولمة االقت�صاد ،وخط
�آخر غير مبا�شر ،يتمثل في عولمة االعتقاد ..مع أالخذ في االعتبار �أن العولمة
ت�ستعين باالقت�صاد كمدخل على االعتقاد ..هذا االعتقاد الذي ال يقت�صر �أثره على
"ما هو ديني" ،و�إنما يمتد �أثره لي�شمل كذلك "ما هو دنيوي"..
وطريقة العولمة في جعل االقت�صاد مدخ ًال على الت�أثير في االعتقاد هي طريقة
"االختراق" ،والذي ي�ستعين ب�آليات مركّ بة ،اختلط فيها االقت�صاد بالثقافة ،مع التنبيه
على دور عولمة ال�سيا�سة في التمكين بين الحين والحين لحدوث هذا االختراق
االقت�صادي ،وبالتالي االختراق االعتقادي..
"ال�سرة" ،ف�إن هناك دوراً وانطالقاً من �أن االختراق ي�ستهدف بالدرجة أالولى أ
كبيراً ُملْقاً على عاتق هذه أال�سرة لي�س فقط بق�صد تربية �أبنائها على مواجهة
13
االختراق ومخاطره ،و�إنما كذلك بق�صد توجيه أالبناء �إلى االلتفات �إلى الحد آالخر
للعولمة وهو "حد الفر�ص" ،فر�ص النمو التي تتيحها هذه العولمة ،واال�ستفادة منها..
ليبين كيف تكون "التربية أال�سرية في زمن والكتاب الذي بين يديك ي�أتي ِّ
عولمة مليئة بالفر�ص" ،حيث يبد�أ هذا الكتاب بالتمهيد لفكرة �أن العولمة ت�ضخ
للجميع فر�ص نمو ،و�إن كانت فر�ص النمو تتفاوت في كمها ونوعها ،عددها وكيفيتها،
والفراد؛ �أي من دولة لدولة �أخرى ،ومن عبر الدول والجماعات والم�ؤ�س�سات أ
مجموعة لمجموعة �أخرى ،ومن م�ؤ�س�سة لم�ؤ�س�سة �أخرى ،ومن فرد لفرد �آخر.
الكتاب �أي�ضاً يم�ضي ليعر�ض �أبرز ميزات العولمةّ ،ثم ينتقل ِّ
ليقدم مجموعة
ال�شروط التي يمكن �أن ت�سهم أال�سرة من خاللها في اال�ستفادة من تلك الميزات،
المرجوة والمتوقعة من تربية �أ�سرية فعالة في عولمة مليئة بالفر�ص،
ّ وتبيين العوائد
والتي باغتنامها تحقق أال�سرة مكا�سبها ،وتزداد في قوتها وت�أثيرها ومكانتها..
و�أخيراً �أتقدم بجزيل ال�شكر لكل الزمالء الذين �ساهموا ب�آرائهم ال�سديدة و�أفكارهم
النيرة في هذا الكتاب ،و�أخ�ص بالذكر أال�ستاذ الدكتور محمد عيا�ش الكبي�سي ِّ
وال�ستاذ الدكتور محمد �أبو مخلوف ،ع�ضو �أ�ستاذ العقيدة إال�سالمية بجامعة قطر أ
هيئة التدري�س في جامعة قطر �سابقاً ،و�أ�ستاذ علم االجتماع بجامعة الجزائر حالياً..
و�أ�س�أل اهلل العلي العظيم �أن يجعل في هذا الكتاب النفع الكثير لكل من يقر�أه..
واهلل ولي التوفيق..
د .يو�سف حممد العبداهلل
الدوحـة-قطر
14
الق�ســـم أ
الول:
الحـد ا إليجابي للعولمة --فر�ص العولمة
15
تمهيــد
17
متهيــد
تطرقنا في كتابنا "التربية أال�سرية في زمن مليء بالمخاطر" �إلى ال�صورة ال�سلبية
والم�سيئة للعولمة� ،أي عن مخاطر العولمة ،وفي هذا الكتاب �سيكون التركيز على
اليجابية والم�شرقة للعولمة� ،أي عن الفر�ص التي تتيحها العولمة ..فالعولمة
ال�صورة إ
هي لي�ست فقط مخاطر ،و�إنما هي مخاطر وفر�ص ومكا�سب ..العولمة لي�ست كلها
مخاطر قد يترتب عليها م�صائب ،و�إنما فيها كذلك فر�ص تهيء لتحقيق مكا�سب..
وال�سرة عليها م�سئولية كبيرة في هذا المجال ،مجال اقتنا�ص الفر�ص وا�ستثمارها، أ
وتزداد هذه الم�س�ؤولية في �أهميتها وحجمها في زمن العولمة وما قد ي�شهده العالم
من �أزمنة �أ ّ�شد من العولمة ..والم�س�ؤولية أال�سرية في هذا ال�صدد هي م�سئولية تربوية
بالدرجة أالولى ..فمدخل أال�سرة على اقتنا�ص فر�ص العولمة وا�ستثمارها يكمن
في وعيها بقيمة الخير الكامنة في العولمة وفي �آلياتها ..والوعي هو ثمرة للفهم،
الذي يمكن �أن يم ِّهد الطريق ألل�سرة لكي ِّ
تطور �آليات تتنا�سب مع �آليات العولمة،
من �أجل تحقيق مكا�سب عظمى بدون خ�سائر قدر إالمكان..
19
والتربية أال�سرية هي التربية التي تفطن �أو ًال �إلى �أن �آليات العولمة (مثل االنترنت
والف�ضائيات والهواتف المحمولة ) هي التي يمكن �أن ت�سهم في ا�سترداد وا�سترجاع
إالن�سان لوعيه ،وبالذات عندما ال ُي ْح ِ�سن �أو يجيد ا�ستخدام تلك آالليات ا�ستخداماً
نافعاً ..وبالتالي ،ف�إن التربية أال�سرية الذكية هي التي ت�ستفيد من �آليات العولمة في
خلق الوعي بفر�ص العولمة وبكيفية اال�ستفادة الفعالة منها ،ب�شكل مبا�شر وغير
مبا�شر..
وبناء على ما تقدم ،ف�إنه بالرغم من �أن العولمة لها مخاطرها القاتلة� ،إال �أنها كذلك
ً
تقدم �آليات للنجاح والتفوق ..وهذا آالليات ،و�إن كانت في �أ�صلها ملكاً للعالم ِّ
المتقدم� ،إال �أنها فلتت من يد ذلك العالم ،و�أ�صبحت متاحة في �سوق العولمة،
تنتظر من ي�ضع يده عليها ،في�ستثمرها ويح�سن ا�ستخدامها بما فيه منفعة له وللعالم
وال�سرة ينبغي �أن تلتفت �إلى هذه الم�س�ألة وتدرك قيمتها ،وت�سعى �إلى من حوله ..أ
ا�ستثمارها في عملية التربية ألبنائها؛ مع مالحظة �أنه قد تكون هناك �أ�سر لم ِ
تفطن
بعد لهذه القيمة العملية التربوية آلليات العولمة ،مما ي�ستدعي ن�شر وعي عام في
المجتمع من طرف �أهل االخت�صا�ص� ،أفراداً وم�ؤ�س�سات ،بهذه القيمة وبكيفية
االنتفاع بها..
وانطالقاً من �أن أ
ال�سرة تتعر�ض ل�ضغوط داخلية و�أخرى خارجية� ،ضغوط محلِّية
و�أخرى عولمية ،قد تُ ْف ِق ُدها قدرتها على الت�أثير إاليجابي على �أفرادها ،ف�إنها في حاجة
20
تنظم ذاتها والتوا�صل بين عنا�صرها ،و�أن ت�ستفيد من معطيات العولمة في �إلى �أن ِّ
تهمها ،وبالذات مجال التربية ..هذه التربية ،التي �إذا ما �أ ُْح ِ�سن المجاالت التي ُّ
الترتيب لها وتوظيفها ،ف�إنها يمكن �أن ُت ْن ِتج �أفراداً ينتجون �أكثر مما ي�ستهلكون ،و�إذا
ما ا�ستهلكوا ،ف�إنهم ال ي�ستهلكون �إال المباح المهم ،وباعتدال ..ومما ال �شك �أن
(كالبناء) �أحراراً ال عبيدا ،عقالنيين ال غرائزيين ،م ؤ�ثرين
هذا بدوره �سيجعل أالفراد أ
ال �إمعيين" ،ال تكونوا �إمعة تقولون �إن �أح�سن النا�س �أح�سنا ،و�إن ظلموا ظلمنا ،ولكن
ِّوطنوا �أنف�سكم� .إن �أح�سن النا�س �أن ُت ْح ِ�سنوا و�إن �أ�سا�ؤوا فال تظلموا" رواه الترمذي
وقال هذا حديث ح�سن غريب ال نعرفه �إال من هذا الوجه(�أبي العلي محمد بن
عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري ،طبعـة " 1965مج � ،"6ص ..)146
كل ذلك مر ُّده ب�شكل �أ�سا�سي �إلى فكرة �أن العولمة جلبت معها ميزات ،بل �أدت
تطور ميزات ،حذفت " ِب ُك َرة الم�س ؤ�ولية" في ملعب إالن�سان ،وب�شكل �أدق:
� إلى ّ
جعلت من "كُ َرة الم�س�ؤولية" �إلى حد كبير في ملعب إالن�سان بعد �أن كان محروماً
21
منها لفترة طويلة من الزمن ،بحكم �سيادة (الت�سلط) واالعتالل) بد ًال من (التو�سط)
و(االعتدال)� ،سيادة �سمة (طغى) و(�آذى) و(ابتلى) بد ًال من �سيادة �سمة (وعى)
و(اتقى) و(تعافى)..
مهمة يمكن �أن ت�ؤديوبتعبير �أدق ،العولمة �أبرزت ميزات �أو جوانب �إيجابية ِّ
�إلى ا�سترجاع المخلوق لعافيته ،والحق لقوته وفعاليته� ،أو قل :ا�سترجاع القلب
لعافيته ،وال�صواب لقوته وفعاليته ..وهذا كلُّه يعتمد على مدى رغبة إالن�سان وقدرته
على اال�ستفادة من ميزات العولمة ..فاالنطالق يكون من الرغبة ،والتحقق يكون
بالقدرة ،وبهما ينجح إالن�سان في "اال�ستفادة من ميزات العولمة"..
هذه الميزات هي التي يمكن �أن تقلب الميزان ،فتجعل الزوجية ال�صحية
َت ْر ُجح العزوبية غير ال�صحية ،والتما�سك َي ْر ُجح التفكك ،وال�ضوابط ال�شرعية َت ْر ُجح
رجح اال�ستهالكية الخاطئة والمفرطة ،و�أخيراً والنتاجية المفيدة َت ُ
ال�ضغوط الزائدة ،إ
ولي�س �آخراً ،تجعل إالقدام المح�سوب َي ْر َجح إالحجام الهارب..
وهذه الميزات ،ميزات العولمة� ،أو قل الميزات التي �أ�سهمت العولمة في َم ْن ِحها
وجود �أكثر وامتداد �أكبر ،عديدة ،ولعل �أبرزها:
-الحرية و�ضابطها �صحة العبودية.
-اال�ستقاللية و�ضابطها فعالية االتكالية �أو االعتمادية.
-المو�ضوعية و�ضابطها حالة حقيقية من الالمظلومية.
22
-االنفتاح الثقافي و�ضابطه فهم آالخرين واال�ستفادة منهم مع المحافظة على
الهوية(٭)..
(٭) مما ال �شك فيه �أن "المحافظة على الهوية" يمثل �ضابطاً ،انطالقاً من �أن ال�ضابط هو تكليف ،والمحافظة على الهوية هي تكليف،
ال من الفهم واال�ستفادة على �أنهما هما ا آلخران يدخالن �ضمن ال�ضوابط، وبالتالي هي �ضابط ..ولكن نحن هنا �أي�ضاً نق ِّدم ك ً
ألننا قد ننفتح وال ن�ستفيد �أو قد ننفتح ونت�ضرر �أكثر مما ن�ستفيد ،ولذلك كان لزاماً علينا� ،أي �أننا مكلَّفين ب�أن نُ ْح ِ�سن فهم ا آلخر
قبل االنفتاح عليه وبعده ،و�أن نُ ْح ِ�سن عملية �سعينا نحو ما يفيدنا حتى نح�صد فقط ما يفيدنا ..ونق�صد بعبارة" :فهم ا آلخرين
و"ح ْ�سن اال�ستفادة منه" ،انطالقاً من قوله تعالى ﴿ لنبلوكم �أيكم �أح�سن "ح ْ�سن فهم ا آلخر" ُ واال�ستفادة منهم" ..نق�صد بها ُ
ال �سلوكياً كال�سعي � إلى اال�ستفادة وتح�صيلها.. أ
ال عقلياً كالفهم �و عم ً عمال ﴾ الملك ،]2 :عم ً
مف�صل لكل ميزة من تلك الميزات التي وفي ال�صفحات القادمة� ،سيتم تو�ضيح َّ
تطورت في �أح�ضان العولمة ،بحيث �أنها ترتبت عليها �آثار ،لها �أول ولي�س لها �آخر، ّ
�آثار قد ُت َعد ،ولكن ال ُت ْح َ�صى ..وفي الجزء القادم من هذا الكتاب� ،سنعرِ�ض لنماذج
معرفية هدفها خلق وعي بكل من هذه الميزات ،وبما يمكن �أن تجلبه من خير في
أال�سرة ،ودور التربية أال�سرية في كيفية التعامل الفعال مع معطيات تلك المميزات
الم�ضرة ..وهذا ي�ستدعي من أال�سرة �أن تكون
ّ بما يجلب لها المنفعة ،وي�صرف عنها
التربية فيها هي "تربية من �أجل المنفعة ،والمنفعة فقط" ،تربية ت�ستهدف جعل �أفراد
والبناء في أال�سرة ،يتعلمون كيف ي�ستفيدون من ميزات العولمة ،وهكذا أال�سرة أ
ينبغي �أن تكون التربية" ،تربية نافعة" ،تع ِّلم النا�س كيفية النفع واالنتفاع ،تربية
تتبنى مبد�أ "خير النا�س �أنفعهم للنا�س" حديث نبوي ح�سن اال�سناد(محمد
نا�صر الدين أاللباني" 1982 ،مج � ،"3ص ..)124
23
العـولمـــة
جلـــبت الحـــــريــة،
و�ضــابطها �سـالمة العبـــودية
25
متهيــد
والمحا�سبة هي دالة م�سئولية ..المحا�سبة :م�ساءلة تتبع عدم الفعالية �أو نق�ص
حقيقي في الفعالية ،دالة تتبع ال�سلوك غير المرغوب فيه ،ومعاقبته ..والفعالية هنا
تفيد "�أن يعرف إالن�سان ما له وما عليه ،في�أخذ ما له وي�ؤدي ما عليه" ..وهذه الفكرة
28
يعرفها ابن قيم الجوزية رحمه اهلل هي:
هي ذاتها فكرة المحا�سبة ..وفالمحا�سبة كما ِّ
"التمييز بين ما لك وما عليك ،و�إعطاء كل ذي حقٍ ح َّقه"(طبعة " 1972مج ،"1
�ص ..)173وهذه محا�سبة ذاتية..
وكما �أن المحا�سبة َتطال من ي�سيء التعامل مع ميزات العولمة �أو يتعامل معها
خارج نطاق �أخالقيات العولمة ،ف�إن التعزيز من ن�صيب من ُي ْح ِ�سن اال�ستفادة من
هذه المميزات ،مع التنبيه على �أن التعزيز �أي�ضاً هو من ن�صيب من ينا�صر �ص ّناع
العولمة و�أن�صارها ،والتهديد ي�صيب من يناه�ض العولمة..
وفي ت�صورنا �أن أال�سرة ينبغي �أن تربي �أفرادها و�أبناءها على كيفية اال�ستفادة من
ميزات العولمة ،ولكنها وهي تفعل ذلك ،في حاجة �إلى �أن تمنح �أفرادها و�أبناءها
�ضوابط مبدئية و�إجرائية تنتهي بتحويل تلك الميزات �إلى خيرات� ،أي تربي أالفراد
والبناء على كيفية اال�ستفادة من الحد إاليجابي (المحمود) لميزات العولمة، أ
حدها ال�سلبي (المذموم).. وتج ّنب ّ
تقدم ألبنائها ميزات العولمة عملياً -ب�شكلولذلك كان لزاماً على أال�سرة �أن ِّ
ُم ْن َ�ض ِبط -بعد �أن تقوم بتوعيتهم نظرياً ..بمعنى �أن تتم ّثل قيادات أال�سرة و�أفرادها
المهمين فيها ميزات العولمة بعد التوعية بها وبمخاطرها ،وبكيفية اال�ستفادة منها
بعيداً عن التعر�ض لمخاطرها �أو �سلبياتها ..وفيما يلي ميزات العولمة و�ضوابطها،
والتي مثلْناها هنا بنقائ�ضها ،التي تمنع انحرافها� ،أي تجعلها تتمتع با�ستقامتها..
والميزات ب�ضوابطها هي:
29
-العولمة جلبت (الحرية) ،و�ضابطها �سالمة (العبودية)..
-العولمة جلبت (اال�ستقاللية) ،و�ضابطها �صحة وفعالية (االعتمادية)..
-العولمة جلبت (المو�ضوعية) ،و�ضابطها حالة حقيقية من (الالمظلومية)..
-العولمة جلبت (االنفتاح الثقافي) ،و�ضابطه فهم آالخر واال�ستفادة منه مع
المحافظة على الهوية.
ومت�ضم ٌن في كل تلك الميزات ميزة خام�سة وهي جلب (الفر�ص) و�ضابطها َّ
حكم ال�شرع قبل االقتنا�ص وحكم الواقع بعد االقتنا�ص؛ �أي م�شروعية الفر�صة قبل
اقتنا�صها ومدى منفعيتها بعد اقتنا�صها..
وتجدر إال�شارة �إلى �أن كل ميزة من الميزات أالربع ،لها نتائجها التي ِّ
تعبر عنها،
ولعلّ �أبرزها ما يلي:
-العولمة جلبت (الحرية) ،و�ضابطها �سالمة (العبودية) ..والناتج أالكبر هو
(اختيار بال تجاوز).
-العولمة جلبت (اال�ستقاللية) ،و�ضابطها �صحة وفعالية (االعتمادية) ..والناتج
أالكبر هو (خير بعد تمييز).
-العولمة جلبت (المو�ضوعية) ،و�ضابطها حالة حقيقية من (الالمظلومية)..
والناتج أالكبر هو (قرار بال ِّ
تحيز).
-العولمة ّرجحت (االنفتاح الثقافي) و�ضابطه (فهم آالخرين واال�ستفادة منهم مع
بالخر بغر�ض التميز)..المحافظة على الهوية) ..والناتج أالكبر هو (االنتفاع آ
30
(احلرية) و�ضابطها �سالمة (العبودية)
وبناء عليه ،ف�إن العولمة من خالل الت�سويق لحرية مفتوحة في كل االتجاهات، ً
�أدت �إلى والدة عبودية ممتدة في كل االتجاهات ..وبتعبير �آخر ،ف�إن الحرية عندما
ت�صبح مطلقة ن�سبياً ،فالناتج الطبيعي الذي يمكن �أن يترتب عليها هي العبودية
المعوجة نف�سياً واجتماعياً ..وبالتالي ،ي�صبح العالم م�ضاعف البالء ..بالء وافد من
ّ
معوجة نف�سياً واجتماعياً..
حرية مطلقة ن�سبياً ،وبالء وافد من عبودية ّ
31
فكلمة التوحيد" ،ال �إله �إال اهلل" ،ت�ضمنت �شقين� :شق نفي ،وهو "ال �إله" ،و�شق
�إثبات ،وهو "�إال اهلل" ..وبين النفي واالثبات� ،أي بين "ال" و"�إال" ،حرية م�س�ؤولة..
فمن منظور "ال �إله �إال اهلل" ،من منظار التوحيد ،العبودية تحت�ضن الحرية� ،أي حرية
في �إطار العبودية ..والحرية في �إطار العبودية هي الحرية الم�س�ؤولة ،الحرية التي
تتعاطى الحياة ب�ضوابط ،الحرية المتخ ِّلقة ب�أخالقيات التوحيد� ،أخالقيات ال �إله
�إال اهلل� ..إذاً� :ضبط (الحرية) يكون ب�صحة (العبودية)..
"الحرية� :إقامة حقوق العبودية ،فتكون هلل عبداً وعند غيره حراً"
(�أبو حامد الغزالي ،طبعة " 1980مج � ،"6ص ..)3044
"وهاتان الحريتان مترابطتان ترابطاً قوياً ،ولكن االخفاق في التمييز بينهما ي�ؤدي
�إلى ت�شوي�ش فل�سفي و�سيا�سي ..والمعنى أالول قريب في الت�صور لنظرية حرية
إالرادة ،والمعنى الثاني يت�صل بم�سائل ال�ضبط وبال�سلطة االجتماعية ،وال�سلطة
والموقف ال�سلوكي عن دور التعزيز"(جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي،
33
" 1990مج � ،"3ص ..)133و"حرية إالرادة :Freedom of Willيق�صد بها عند
ف .فرانكل� ،إرادة ي�شعر بها �صاحبها �أو قدرة على االختيار الحر التجاه اجتماعي-
نف�سي �أو لم�سار الفعل ،عند فرانكل ال تت�أثر حرية إالرادة بالعوامل الال�شعورية �أو
بالظروف البيئية"(جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1990 ،مج ،"3
�ص ..)133
الحرية كمفهوم عولمي :الحرية كمفهوم مو�صول بالعولمة تفيد "المزيد من
القدرة على االختيار في كل االتجاهات" ..فمث ًال في زمن العولمة ،تزداد حرية ابداء
آالراء والتعبير بدون تدخل ،والتي ت�شتمل على "حرية البحث عن المعلومات �أو
أالفكار من �أي نوع وتلقيها ونقلها بغ�ض النظر عن الحدود ،وذلك �إما �شفاهة �أو
كتابة �أو طباعة ،و�سواء كان ذلك في قالب فني �أو ب�أية و�سيلة �أخرى يختارها"(�أحمد
زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)168
من أ�ين ت أ�تي الحرية :الحرية في �أ�سا�سها ت�أتي من إالرادة والقدرة على التمييز
مثل القدرة على التمييز بين أال�شياء ،التمييز بين الحق والباطل ،النافع وال�ضار،
والخير وال�شر ،الحالل والحرام ،الكامل والناق�ص ،وهكذا� ..إذاً إالرادة تلد الحرية..
وحديثاً قال �أبو القا�سم ال�شابي:
فالبد �أن ي�ستجيب القدر) (� إذا ال�شعب يوماً �أراد الحياة
وهذا البيت يفيد فكرة �أن اهلل قد كتب على من ي�أخذ أ
بال�سباب ،ف�إنه يجني
عواقب من جن�س تلك أال�سباب ..ولكن نود �أن ننبه هنا �إلى �أنه لي�س بال�ضرورة �أن
34
ي�ستجيب القدر دائماً للب�شر ..ولذلك هذا البيت ،بالرغم من جودته الفنية� ،إال �أنه
قد يحتاج �إلى تعديل لكي ُي ْن َفى عنه ما فيه من خلل فكري غير مق�صود ..وقد تكون
الفكرة ال�صحيحة لهذا البيت هي:
(�إذا ال�شعب يوماً �أراد الحياة فالبد "�إن �شاء الخالق" �أن ي�ستجيب القدر)..
والتعبير أالدبي "ال�شعري" من حيث المعنى والنحو والوزن هو:
ِفبَ ْ�سم إالله يجيب القدر) (� إذا ال�شعب يوماً �أراد الحياة
ميزات الحرية :الحرية لها ميزات ..والميزات تفيد "كل ما فيه نفع لل�شيء
�أو ال�شخ�ص �أو الفكر �أو للمجتمع" ..الميزات هي �صورة عملية من �صور الرزق..
هي تعبير عملي عن الرزق� ،إنطالقاً من �أن الرزق يعني كل ما فيه نفع للنا�س ..وك�أن
الحرية هنا هي مادة غذائية ي�ستنفع بها الفكر والبدن ،الب�شر والتمدن ،ألن بدونها
ي�صبح كل �شيء معطّ ل ،ت�صبح كل الطاقات المادية والمعنوية والفكرية والروحية
معطّ لة..
للبداع وما يترتب عليه من نفع؛ وف�سح المجال ومن ميزات الحرية :ف�سح المجال إ
للرادة وما يترتب عليها من مبادرة؛ وف�سح المجال للنمو الذاتي واالجتماعي؛ إ
ناهيك �أنها ذاتها �أ�سا�س لبناء الح�ضارة؛ بل �إن الحرية قد تكون هي ذاتها الح�ضارة،
فال ح�ضارة بال حرية ..باخت�صار الحرية ال ت�ساوي فقط الح�ضارة ،بل �إنها تخطو خطوة
�أخرى �إلى أالمام ،فت�صنع الح�ضارة ..والحرية التي نق�صدها هنا هي الحرية التي لها
�ضوابط� ،أي الحرية المن�ضبطة �أو الحرية الم�س�ؤولة..
35
م�ؤ�شرات تعك�س ا�ستمتاع الفرد بميزات الحرية :الفرد الحر هو ذلك الكائن
بناء على قناعاته ..فهو يح�صد الذي تتقدم قناعته منافعه� ،أي ت�أتي مجمل منافعه ً
ما يق�صد ،يجني ما يعي ..ومن هذه الم�ؤ�شرات التي تعك�س ا�ستمتاع الفرد بميزات
الحرية ما يلي:
-تفكير الفرد بال خوف �أو �ضغط �أو �إح�سا�س بالتهديد.
� -إعالن الفرد عن أالفكار في الق�ضايا التي هي مو�ضع �أهمية له ولمجتمعه.
-مبادرة الفرد بالفعل لو�ضع أالفكار حيز التنفيذ.
-م�ساعدة الفرد كل من يبادر �إلى تبني �أفكاره في حدود و�سعه.
-م�شاركة الفرد آالخرين في ما هو مقتنع به ،وكذلك في احتفاالتهم ب�إنجازاتهم
�إذا كان مقتنعاً بها ،وبالذات تلك االنجازات المو�صولة ب�أفكاره.
ال�سرة بميزات الحرية :أ
ال�سرة الحرة هي ذلك م�ؤ�شرات تعك�س ا�ستمتاع أ
الكائن االجتماعي الذي تتقدم قناعاته منافعه� ،أي يمار�س قناعاته ويج�سدها في �صيغة
�أفعال ملمو�سة في �أر�ض الواقع ..ومن هذه الم�ؤ�شرات التي تعك�س ا�ستمتاع أال�سرة
بميزات الحرية ما يلي:
-التفكير الحر داخل أال�سرة بال خوف.
� -إعالن �أفراد أال�سرة عن �أفكارهم في الق�ضايا التي هي مو�ضع �أهمية لهم
ول�سرتهم ولمجتمعهم. أ
-مبادرة �أفراد أال�سرة ب�أفعال ت�ضع �أفكارهم حيز التنفيذ.
36
-م�ساعدة �أفراد أال�سرة بع�ضهم لبع�ض في تبني أالفكار ،ولكن عن قناعات وفي
حدود الو�سع.
-م�شاركة �أفراد أال�سرة آالخرين في ما هو مقتنع به ،وكذلك في احتفاالتهم
ب�إنجازاتهم �إذا كان مقتنعاً بها.
37
�سالمة العبودية ك�ضابط للحرية
وتورثه
بدون �ضابط العبودية هلل ،ت�ضل الحرية طريقها ،وتنحرف ب�صاحبهاِّ ،
�أمرا�ضاً و�آالماً ،قد يكون لها �أ ّو ًال ،وال يكون لها �آخراً �إال الموت ..وانطالقاً من �أن
الحرية ،والتي من ثمراتها المحتملة "الثروة" ،يمكن �أن تن�شط وتتو�سع ب�شكل �أكبر
بفعل تلك الثروة التي َ�ص َن َع ْتها ..فالحرية ت�ساعد على تنمية الثروة ،والثروة بدورها
يمكن �أن ت�ساعد من تو�سيع م�ساحات الحرية..
تبنــى الحريــة
الثروة
الحريــة تغــذى
ال�شكل رقم ( )1يبين �أن الحرية يمكن �أن تكون عام ًال ي�سهم في بناء الثروة ،والثروة بدورها يمكن
�أن تغذي تلك الحرية وتنميها.
38
فالحرية ت�ساعدك في �أن ت�أكل وت�شرب كل ما تريد ،وبالكمية التي تريد،
والعبودية تقت�ضي �أن يكون كل ذلك هلل ،وبغر�ض التقوي على عبادة اهلل ،وهذا يعني
﴾ �أن العبودي��ة ت�ستل��زم االعت��دال ف��ي التعاط��ي﴿ ،
أالعراف ، 31 :و�أن يكون هذا التعاطي هو "تعاطي ُم َّقوي" لل�شخ�صية على القيام
بالعبادة ،القيام بكل ما يحقق الغاية ،الغاية من هذا الوجود وهي غاية العبادة ،ويقول
الر�سول محمد " :بح�سب ابن �آدم لقيمات يقمن �صلبه" جزء من حديث رواه
�أحمد والترمذي والن�سائي وابن ماجه ،وقال الترمذي :حديث ح�سن(ابن رجب
البغدادي ،طبعة � ،1993ص ..)424
مفهوم العبودية :المفهوم العام للعبودية هو الخ�ضوع المطلق هلل بدون قيد
�أو�شرط ،وكحد �أدنى ألوامر ونواهي ال�شرع ..ولذلك �صنف العباد �إلى ثالثة �أنواع،
�أحدهم هو العابد الحر ،الذي يعبد بال �شرط ،وعبوديته هذه هي ما ت�سمى بعبودية
أالحرار ،وتفيد في جوهرها كما يقول ال�شيخ عبداهلل أالن�صاري رحمه اهلل� :أن الفرد
"حياء من اهلل تعالى ،وت�أدية لحق العبودية وت�أدية لل�شكر ...وهذه
ً يفعل ما يفعل
هي عبادة أالحرار ،و�إليها �أ�شار ر�سول اهلل لما قالت له عائ�شة -ر�ضي اهلل عنه-
تورمت قدماه :يا ر�سول اهلل! �أتتكلف هذا وقد غفر اهلل حين قام من الليل حتى ّ
لك ما تقدم من ذنبك وما ت�أخر؟ قال�( :أفال �أكون عبداً �شكورا؟) (النووي ،طبعة
1399هـ� ،ص �ص ..)13-12
39
﴾.. ﴾ ،و�أثرها في ﴿ العبودية �أ�صلها في ﴿
ف�إياك نعبـد تقــوم على "�أربع قواعد:
التحقق بما يجبه اهلل ور�سوله وير�ضاه،
من قول الل�سان والقلب ،وعمل القلب والجوارح..
فالعبودية :ا�سم جامع لهذه المراتب أالربع"
(ابن قيم الجوزية ،طبعة " 1972مج � ،"1ص ..)100
معنى �آخر اجتماعي-ديني للعبودية يفيد �أن العبودية هي نظام مفهومي يت�ضمن
المتعبد كدور اجتماعي ذي �صفة دينية �شاملة تنطلق
ِّ العبادة كغاية ،والعابد �أو
من المعنى الغائي ال�شمولي للعبادة ،والذي حدده ابن تيمية رحمه اهلل في قوله:
القوال أ
والعمال الباطنة والظاهرة... "العبادة :هي ا�سم لكل ما يحبه اهلل وير�ضاه من أ
40
والعبادة :هي الغاية المحبوبة له ،والمر�ضية له ،التي َخلق الخالق لها"(طبعة
1399هـ� ،ص �ص " ..)39-38فالعبد �إنما ُخ ِلق لعبادة ربه"(ابن تيمية ،طبعة 1398
هـ "مج � ،"14ص ..)32
معنى نف�سي �آخر للعبودية يكمن في �أن إالن�سان بحكم طبيعته الب�شرية
﴾الن�ساء ،]28 :يحتاج بما ت�شتمل عليـه من �ضعـف﴿ ،
�إلـى االرتباط بقوة �أكبر ،وال توجد قوة �أكبر ت�ستحق االرتباط كالخالق ..فالقــوة كل القـوة
﴾هود ،]66 :وبـه يقـوى إالن�سان على كل فـي الخــالـق﴿ ،
﴾ الروم..]54 : �شيء حوله ،فهو �سبحـانه وتعالى الذي يجعـل ﴿
41
ت�سوق لعبوديات زائفة متعددة ،ال تر ّدها �إال العبودية الح ّقة،
العولمة في يومنا هذا ِّ
﴾ ﴿
أ
النعام ..]153 :و�سبيل العبادة ال�صحيح هو �أن "العبادة التي كُ ِّلف بها إالن�سان
ت�شمل ال�صالة والن�سك �-أي ال�شعائر التعبدية -وت�شتمل معها كل الحياة"(محمد
قطب� ،1987 ،ص ..)179ونحن هنا نق�صد العبادة من منظور إال�سالم.
العبودية ت�أتي من رغبة الفرد وحاجته �إلى اللجوء واالعتياد على عوامل و�أ�شياء
ي�سترجع بها توازنه ،وبالتالي عافيته ،وبالتالي قوته ،فيرتد �إلى عالم الواقع ن�شيطاً
منتجا ..وهذا في حد ذاته قد يكون مفيداً عندما يكون م�شروعاً ومعتد ًال ..لكن
اال�شكال هو لي�س في اللحوء �أو إالعتياد ،و�إنما في تحول ذلك االعتياد �إلى اعتقاد،
متعود �إلى كائن م�ستعبد ،من كائن ممار�س لل�شيء �إلى كائن يحول الفرد من كائن ِّ
ِّ
مقد�س له ،ومنا ِف�س لما لديه من معتقدات ثابتة وقطعيات يقينية ..وهنا تكمن ِّ
فالن�سان الذي يدمن على �شيء ي�صبح عبداً له ..وقديماً قال إالمام الخطورة ..إ
ال�شافعي رحمه اهلل" :من غلبته �شدة �شهوة الدنيا ،لزمته العبودية ألهلها"(�صالح
�أحمد ال�شامي�1998 ،أ� ،ص .)65
ميزات العبودية هلل :العبودية هلل لها ميزات ،وميزاتها قد يكون لها �أول ولكن
لي�س لها �آخر ،فالميزات ِنعم ،والنعم بطبيعتها تعد وال تح�صى﴿ ،
﴾النحل ..]18 :ومن هذه الميزات:
42
-التحرر الحقيقي ،والذي هو �إخراج العباد من عبادة العباد �إلى عبادة رب
العباد.
-التحرر من جور أالديان والمذاهب أ
واليديولوجيات والفل�سفات المعا�صرة
�إلى عدل إال�سالم.
-التحرر من �ضيق الدنيا �إلى �سعتها.
-التحرر من عبادة المادة وم�ستخرجاتها (من تقنية وغيرها) �إلى عبادة خالق
�صانع ال�صنعة.
-التحرر من ال�ضعف والخوف ،وال�شعور بالقوة ،ألنه ي�ستمدها من خالقه.
43
وهذه م�ؤ�شرات تعك�س ا�ستمتاع أ
ال�سرة بميزات العبودية ال�صحيحة:
بحيث ينعك�س ذلك على محتواها التعريفي وبرامجها التربوية العملية ..ومن ال�صور
المعبرة عن هذه اال�ستفادة ما يلي:
ِّ
-التربية أال�سرية الفعالة هي التي تع ِّلم �أبنائها �أن العبودية الح ّقة ال تكون �إال هلل
وحده.
-التربية أال�سرية الفعالة هي التي تجعل منطلق حرية أالبناء هي العبودية هلل،
وتترجم ذلك في مظاهرها العملية من �إتاحة فر�صة للحوار ولحرية التعبير
وغيرها من مظاهر� ،أي ال ت�سلب الفرد حقه في التفكير والتعبير.
44
-التربية أال�سرية الفعالة هي التي تخ ِّل�ص أالبناء من االرتباط بعالم المادة
وال�سمو بهم �إلى ما هو �أ�سمى و�أعلى.
-التربية أال�سرية الفعالة هي التي تخ ِّل�ص أالبناء من ا�ستعباد إالدمان ال�سلبي
بكافة �أ�شكاله.
-التربية أال�سرية الفعالة هي التي تقي أالبناء من ا�ضطرابات نف�سية واجتماعية
في أال�سرة و�أفرادها.
45
"�أن تكون العبودية هلل يعني �أن تكون ِرقاً له �سبحانه ال لغيره"..
والن�سان الذي ال يكون عبداً هلل� ،سيكون "بال�ضرورة" عبداً لغيره مثل:
إ
-عبادة الطواغيت ( وفرعون خير مثال).
-عبادة المال (تع�س عبد الدرهم).
﴾الجاثية.23 : -عبادة الهوى ﴿
�إذاً نَ ْخ ُل�ص مما تقدم �إلى "�أن �إفراد اهلل بالعبادة والطاعة هو أال�سا�س الحقيقي
للرادة نحو كمالها في اختيار الحق والعدل، للحرية ال�صحيحة ،والمحرك الوحيد إ
فت�صبح �إرادة م�ستعلية بكمالها ال�سماوي فوق كل أالهواء والم�صالح ال�شخ�صية،
ال ينال من حريتها ولد وال �أهل وال ع�شيرة وال جاه وال تجارة وال ملء أالر�ض ذهباً،
خيره قومه بين المال والجاه وال�سلطان ،وبين الحق، حرية الر�سول (�ص) ،الذي ّ
فكان جوابه( :يا عم :واهلل لو و�ضعوا ال�شم�س في يميني ،والقمر في ي�ساري ،على
�أن �أترك هذا أالمر حتى يظهره اهلل �أو �أهلك فيه ،ما تركته) �صحيح البخاري ،ج،4
�ص ،129باب التوا�ضع(حمدي عبدالعال� ،1985 ،ص .)151
وهكذا ينبغي �أن يكون موقف أال�سرة في زمن العولمة وغير العولمة :فلو و�ضعت
العولمة ال�شم�س في يمينها والقمر في ي�سارها ،على �أن تترك دين اهلل ،ما تركته..
وال�سرة تنطلق في ذلك من ك َْون الحرية الح ّقة لي�ست فيما نملك من دوالر و�إنما أ
وحية وفعالة؛ وبتعبير �أعم ،لي�ست فيما نملك
فيما نملك من �أفكار� ..أفكار م�ستقيمة ّ
مادياً �أو فيما نتمتع به مادياً ،و�إنما هي فيما نملك معنوياً ..هي لي�ست في الو�سيلة
التي نم ِلكها ،و�إنما في الغاية التي نتجه �إليها..
46
الناجت أ
الكرب حلرية م�سئولة وعبودية م�ستقيمة - -
اختيار بال جتاوز
فمث ًال يتعلم أالبناء و�أفراد في نطاق أال�سرة كيف يختارون في حدود ال�ضوابط
ال�شرعية ،ومعطيات العلم المتجددة ،كما في الموبايل �أو الجوال �أو المتحرك ،حيث
�أن هناك �إ�شارات �إلى احتمالية وجود �أ�ضرار مترتبة على ا�ستخدام هذا الهاتف
الجوال ب�شكل مبا�شر وم�ستمر ،مما ي�ستدعي تر�شيد أال�سرة ألبنائها ب�شراء هواتف
متحركة ذات ميزات تلغي �إمكانية واحتمالية ال�ضرر بهم� ،أي تر�شيد أالبناء في
ا�ستخدامات الهاتف النقال ،تر�شيداً يزيد في المنفعة ويلغي الم�ضرة� ،أو يقلل منها
ويجعل �أثرها هام�شياً� ،أثر لي�س له ذكر..
�أي�ضاً االختيار بال تجاوز يعني �إلغاء القيود (التي تعيق الحركة والمنا�شط) ،وعدم
تجاوز وتعدي الحدود (عن طريق الفرملة وال�ضوابط) ،بما ي�ؤدي �إلى تعزيز فكرة
الحرية الم�س�ؤولة ..فالحرية الم�س�ؤولة من الناحية العملية هي "اختيار بال تجاوز"،
"انتفاع بال م�ضرة" ..وبالتالي ف�إن �صفة الم�س�ؤولية هي التي تمنح الحرية قيمة
المنفعية الحقيقية..
47
وبتعبير �آخر :الحرية الم�س�ؤولة ،والتي تنعك�س في هيئة عبودية م�ستقيمة ،ت�ؤدي
ب�صاحبها �إلى ح�سن االختيـار ،بعـد تبيـن الحـق﴿ ،
وبالتوقف عند آالية ال�سابقة﴿ ،ال �إكراه في الدين قد تبين الر�شد من الغي.
فمن يكفر بالطاغوت وي�ؤمن باهلل فقد ا�ستم�سك بالعروة الوثقى ال انف�صام لها .واهلل
ابتداء ب�أن هذه
�سميع عليم﴾ ،والنظر في عمقها ال�ست�شفاف المعاني منها ،نقول ً
آالية ت�ؤ�س�س للحرية في �إطار من العبودية ،وتجعل من العلم مرجعية لوالدة حرية
الخذ في االعتبار �أن ا�ستقامة الم�س ؤ�ولية ذاتها هي �صورة
في �إطار من الم�س�ؤولية ،مع أ
من �صور �صحة العبودية..
48
و"لكن هناك �أ�شياء قد نفعلها مع من حولنا ل�صالحهم ،ك�أن يرغم أالبناء على
المذاكرة ،وهذا �أمر ل�صالح أالبناء ،وك�أن نجبر أالطفال المر�ضى على تناول
الدواء ..مثل هذه أالمور لي�ست �إكراهاً ،و�إنما هي �أمور نقوم بها ل�صالح من حولنا،
ألن �أحداً ال ي�سره �أن يظل مري�ضاً"(محمد متولي ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج ،"2
�ص ..)1112مثل هذه أالمور ال تعد �إكراهاً و�إنما تعد �إ�صالحاً ونفعا..
�إذاً " إ
الك��راه :هو �أن تحمل الغير على فعل من أ
الفع��ال ال يرى فيه هو الخير بمنطق
﴾ ..ومعنى هذه العقل ال�سليم ..ولذلك يقول الحق �سبحانه﴿ :
آالية �أن اهلل لم ُيكره خلقه -وهو خالقهم -على دين ،وك�أن من الممكن �أن اهلل يقهر
إالن�سان المختار ،كما قهر ال�سماوات أ
والر�ض والحيوان والنبات والجماد ،وال �أحد
ي�ستطيع �أن يع�صي �أمره ..فيقول﴿ :لو ي�شاء اهلل لهدى النا�س جميعا﴾"(محمد
متولي ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج � ،"2ص ..)1112
"لكن اهلل يريد �أن يعلم من ي�أتيه محباً مختاراً ولي�س مقهوراً� ،أن المجيء
قهراً يثبت له القدرة ،وال يثبت له المحبوبية ،لكن من يذهب له طواعية وهو قادر
﴾ �أي �أنا �أال يذهب فهذا دليل على الحب ،فيقول تعالى﴿ :
لم �أ�ضع مبد�أ إالكراه ،و�أنا لو �شئت آلمن من في أالر�ض جميعاً .فهل الر�سل الذين
�أر�سلهم �سبحانه يتطوعون ب�إكراه النا�س؟ ال� ،إن الر�سول جاء لينقل عن اهلل ال ليُكره
49
النا�س ،وهو �سبحانه قد جعل خلقه مختارين(٭) ،و�إال لو �أكرههم لما �أر�سل الر�سل،
ولذلك يقول المولى عز وجل﴿ :ولو ي�شاء اهلل آلمن من في أالر�ض جميعا� ,أف�أنت
ُتكْ رِه النا�س حتى يكونوا م�ؤمنين﴾"(محمد متولي ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج
� ،"2ص ..)1112
(٭) مع تحملهم لم�س ؤ�ولية هذا االختيار .فالمح�سن يُثاب والمذنب يُعاقب.
"لن اهلل لم وهذا يعني �أن الر�سول ُب ِعث مبلغا ولم يبعث ُمكْ رِها ..مبلغاً عن اهلل؛ أ
يرد خلقه مكرهين على التدين� ،إذاً فالمبلغ عنه ال ُيكره خلقه على التدين� ،إال �أن هنا
لب�ساً .فهناك فرق بين القهر على الدين والقهر على مطلوب الدين .هذا هو ما يحدث
فيه الخالف"(محمد متولي ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج � ،"2ص ..)1113
وح�سم الخالف هو �أن إالن�سان حر �أن ي�ؤمن �أو ال ي�ؤمن(٭) ،ولكن حين التزم
ح�سب ت�صرفك �أنه لي�س من إاليمان ،فعليه م�س�ؤولية تنفيذ مطلوب إاليمان ،و�إال ُ
ت�صرفات إال�سالم" ،ف�إذا كنت ت�شرب خمراً ف�إنك حر ،ألنك كافر مثالً ،لكن �أت�ؤمن ثم
ت�شرب خمراً!؟ ال� ..أنت بذلك تك�سر حداً من حدود اهلل ،وعليك العقاب"(محمد
متولي ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج � ،"2ص ..)1113
تحمل �صاحبها الم�س ؤ�ولية ،فمن يختار �أن ال ي ؤ�من
(٭) الحرية ال تلغي الم�س ؤ�ولية ،وحرية اختيار الدين هي حرية �شخ�صية ،لكن مع ّ
اليمان بعد �أن تبيّن
يتحمل الم�س ؤ�ولية كاملة يوم القيامة ،وهذا يعني �أن غير الم ؤ�من يعاقب على رف�ض إ
بال�سالم ،فهو حر ،ولكن ّ
إ
له الحق �﴿ ،إن اهلل ال يغفر �أن يُ ْ�شرك به﴾[الن�ساء 48 :و.]116
50
�إذاً العاقل الر�شيد الذي ي�ؤمن ويعرف مطلوب إاليمان ،فعليه �أن يلتزم به..
"لذلك لم يكلف اهلل إالن�سان قبل �أن ين�ضج عقله بالبلوغ ،حتى ال يقال� :إن اهلل قد
باليمان و�ألزمه به قبل �أن يكتمل عقله ،بل ترك التكليف حتى ين�ضج �أخذ �أحداً إ
إالن�سان ويكتمل ،حتى �إذا ما دخل �إلى دائرة التكليف عرف مطلوباته ،وهو حر
حا�سب"(محمد متولي �أن يدخل �إلى إاليمان �أو ال يدخل ،لكن �إذا دخل ُ
�سي َ
ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج � ،"2ص ..)1113
�إذاً آالية ت�ؤ�س�س لحرية في �إطار من العبودية ،واختيار بال تجاوز ،وا�ستقامة بعد
إاليمان ،وفي الحديث ال�صحيح" :قل �آمنت باهلل ثم ا�ستقم" رواه م�سلم(ابن رجب
اليمان
البغدادي "الحنبلي" ،طبعة � ،1993ص ..)202وهذه اال�ستقامة بعد إ
تجلب للنف�س التوازن واالطمئنان� ،إطمئنان �إلى �أن الجهد الم�ستقيم ي�أتي بالوعد
والنعيم﴿،
﴾ف�صلت..30 :
وال�ستقامة في � إطار الحرية والعبودية تعني �أن تهتدي الحرية بتوجيهات العبودية..
إ
فالهدى ال�شرعي يت�سق مع اال�ستقامة ،والهوى غير ال�شرعي ينافيها ،و�إلى هذا �أ�شار
الح�سن وغيره في تف�سير قوله تعالى ﴿�أفر�أيت من اتخذ �إلهه هواه﴾" :هو الذي
ال يهوى �شيئاً �إال ركبـه ،وهذا ينافي اال�ستقامة على التوحيد"(ابن رجب البغدادي
"الحنبلي" ،طبعة � ،1993ص ..)203
51
وفيما يلي مجموعة من الم�ؤ�شرات المد ِّللة على اختيار بال تجاوز� ،أي اختيار
نا�ضج ورا�شد ..ومن هذه الم�ؤ�شرات:
-التزام حدود ال�شرع في اال�ستهالك.
-االطالع الم�ستمر على معطيات العلم الحديث واال�ستفادة منها في جلب
المنافع ودفع الم�ضار.
-االبتعاد عن اال�سراف.
-و�ضع �ضوابط للدوافع ،بما فيها الدوافع ال�شرائية.
-تغليب المو�ضوعية على الذاتية ،والقرارات المبنية على �أ�س�س علمية على
القرارات االرتجالية �أو المزاجية.
52
خامتــة
وبناء عليه ،فنحن �أمام نوعين من الحرية ..حرية ي�صبح بها المرء عبداً لغير ربه،
ً
وحرية ي�صبح المرء بها عبداً لربه ..حرية ت�ستعبده ،وحرية ي�سترد بها �إن�سانيته وكرامته..
حرية تجعل م�أ�ساته ومعاناته يتحققان من خالل �إدمانه ،وحرية تجعل �إ�سالمه و�إيمانه
يتحققان من خالل ا�ستقامته ..باخت�صار :حرية مهتدية ،تجعل إالن�سان في �أح�سن
تقويم ،وحرية هاوية َت ْه َوى وت�سقط ب�صاحبها �إلى �أ�سفل �سافلين..
وبناء عليه ،فالمطلوب من أال�سر في زمن العولمة ،وفي �أزمنة �أخرى تتمثل نف�س هذه
ً
النتائج �أن تن�شط في الت�أ�سي�س لفكرة "التربية نحو اال�ستقامة"� ،أي "التربية نحو إ
اليمان
والبرهنـة العملية على إاليمان"� ،أي نحو إاليمان وما يترتب عليه من عمل �صالح،
﴿
﴾التين� ،]6-4 :أي غير مقطوع.
53
وفكرة "التربية نحو اال�ستقامة" هي فكرة تفيد "مجموعة الجهود المنظمة التي
تزيد في �إيمان أالفراد ،وتجعل من العمل ال�صالح �أ�سا�ساً لتلك الزيادة" ..مثل هذا
المفهوم هو الذي يمكن �أن يحمي الفرد لي�س فقط من �سوء ا�ستخدامه لحريته،
و�إنما تحميه كذلك من �إمكانية �سوء ا�ستخدام غيره لحريته� ،أي من �إمكانية �سوء
توجيه غيره له ،فيدفعونه �إلى مقارفة ما فيه �ضرر به ،وقد يكون �أي�ضاً بغيره (مثل
ت�شجيعه على تعاطي المحرمات من مف ِّترات �أو م�سكرات �أو مخدرات وغيرها من
م�ضرات).
يبين �أن الحرية تثمر عندما تكون من�ضبطة ب�سالمة العبودية ،و�إال ف�إن ناتجها م�ضار
ال�شكل رقم (ّ )2
بال ثمار �أو ثمار مخلوطة بم�ضار .
54
العـــولـمـة
جلبت اال�ستقـاللية،
و�ضابطها �صحة االعتمادية
55
متهيــد
�أما �إعادة هيكلة �آلياتها عملياً من منظور عولمي ،فهي "منح المجتمع المدني حرية
�أو�سع وم�ساحة ن�شاط �أكبر للتفاعل ب�شكل �إيجابي مع معطيات العولمة وع�صرها"..
جارف و�إن لم يتم تفعيل دور المجتمع المدني و�أفراده، ٌ تيار
وهذا يعني �أن العولمة هي ٌ
ف�ستتحول �إيجابيات العولمة �إلى �سلبيات ُم ْت ِعبَة ،ومميزاتها �إلى م�ساوئ ُم ْه ِل َكة ..وهذا
يعني كذلك �ضرورة وجود دور �إيجابي للمجتمع المدني لكي يحمي م�صالحه من
مطامع ال�شركات الكبرى ،والتعامل معها على �أ�سا�س �أولوياته التنموية.
57
وتجدر إال�شارة �إلى �أن مفهوم اال�ستقاللية في زمن العولمة ،ببعديه ،النظري
حده ..ومعلو ٌم بمنطق العقل والخبرة �أن واللياتي ،قد تجاوز ّوالعملي ،الفكري آ
�ضده� ،إن عاج ًال �أو �آجال ..وهذا بالتالي ي�ستدعي
حده ،ينقلب ّ كل �شيء يتجاوز ّ
�إحياء مفهوم �آخر يلغي "طغيان اال�ستقاللية" ،وبالتالي ي�ضع حد ًّا لذلك التجاوز..
المر�شح هنا هو مفهوم "�صحة االعتمادية"� ،أي االعتمادية على آالخر والمفهوم َّ
حدة �سمةبقد ِرها ال�صحيح ،بقدرها الذي يمكن �أن ي�سهم في التخفيف من ّ َ
اال�ستقاللية ويمنحها تكاملها..
58
(اال�ستقاللية) و�ضابطها �صحة (االعتمادية)
تمهيد :ازداد في زمن العولمة إالن�سان ا�ستقال ًال وبالذات فيما يتعلق بنمط
الحياة ..ا�ستقال ًال يجلب معه المزيد من الحركة والن�شاط ،االنتاج والعطاء ،اال�شباع
والر�ضا ..اال�ستقالل يمكن �أن يكون �أ�سا�س للعمل ..اال�ستقالل يمكن �أن ي�ؤدي
�إلى أالف�ضل� ..إلى تح�صيل أالف�ضل ..اال�ستقالل �أف�ضل �إذا �أدى �إلى ما هو �أف�ضل..
اال�ستقالل لي�س فقط مفهوماً اجتماعياً عاماً �أو مفهوماً خا�صاً بالفرد ،و�إنما هو
كذلك مفهوم �سيا�سي خا�ص بالدول ..ومن هذه الناحية� ،أي الناحية ال�سيا�سية،
59
"ينطوي ا�ستقالل الدولة على تمتعها بال�سيادة �أي ما لها من �سلطان تواجه به
أالفراد داخل اقليمها وتواجه به الدول أالخرى في الخارج"(�أحمد زكي بدوي،
� ،1983ص ..)212
والعولمة لم ُت َن ِّم فقط مفهوم الحرية لدى إالن�سان ،و�إنما ّنمت عنده كذلك فكرة
اال�ستقاللية و�صورها المتعددة كا�ستقاللية إالن�سان في �أفكاره ،وفي مواقفه ،وفي
ت�صرفاته ..والناتج هو اعتماد على الذات واكتفاء ذاتي ..الخ؛ مع التنبيه على �أن هذه
اال�ستقاللية لن تُ ؤ�تي �أُ ُك َلها �إال �إذا �صاحبها مفهوم �آخر هو مفهوم "المبادرة الذاتية".
والمبادرة تعني المباد�أة ،وتعريفها هو "قيام الفرد مدفوعاً بنـزعة ا�ستقاللية ببدء
عمل �أو �سل�سلة من أالعمال وخا�صة في المجال االجتماعي مع االبتكار �أو دونه..
وقد تكون المباد�أة من االلحاح �إلى الحد الذي يركِّ ز فيه إالن�سان كل طاقاته لتحقيق
غاية بعينها يراها حيوية بالن�سبة له ال منا�ص من التم�سك بها والعمل على بلوغها
حتى ولو بذل في ذلك ذاته"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)219
واال�ستقاللية ،والتي تترجم ذاتها في �صيغة مباد�أة مركّ زة على هدف محدد،
هي التي يمكن �أن تخلق إ
للن�سان العظمة عندما يكون الهدف الذي تتجه �إليه
تلك المبادرة عظيماً ..أ
والعمال العظيمة هي التي تجعل من �أ�صحابها �أبطا ًال� ..أبطا ًال
60
ألنهم ا�ستقلوا وبادروا ،ركزوا و�أنجزوا ..وهذا يذكرنا بمقولة هربرت للمالكم العالمي
وكر�س
همك ِّ محمد علي كالي" :عملك �أن تكون بط ًال في حلبة المالكمة� ...ضع ّ
وقتك في التدريب لتطوير مهاراتك"(محمد علي كالي� ،1977 ،ص ..)10
اال�ستقاللية �أي�ضاً من منظور التفاعلية الرمزية(٭) تفيد "�أن يكون الفرد حر في
61
تفاعله مع غيره ،وفي ا�ستخدامه للرموز التي يبلورها باال�شتراك مع آالخرين" ..فمث ًال
في �إطار أال�سرة ،وانطالقاً من �أن التفاعلية الرمزية تعتمد على االثارة واال�ستحابة ،ف�إن
حر في طريقة �أو �أ�سلوب تفاعله وا�ستجابته للمثيرات �أو الرموز الفرد داخل أال�سرة ٌّ
التي ت�صدر من آالحرين" ..و�صورة من �صور الحرية هنا هي �صورة اتخاذ القرار
كا�ستجابة لتفاعله مع مثيرات �أو رموز بيئته..
(٭) التفاعلية الرمزية = التفاعل مع المعاني� ،أي �أن الفعل االجتماعي يحمل في ذاته معنى اجتماعي ،والتفاعل يتم وفقاً لذلك المعنى
من أ�ين ت أ�تي اال�ستقاللية :اال�ستقاللية ت�أتي من الحرية ،ومنح أالفراد الثقة
بمنحهم ال�صالحية ..اال�ستقاللية �أي�ضاً ت�أتي من حاجة إالن�سان �إلى التفرد ،حاجته
والتميز ،والمو�صولة بالنـزعة الذاتية للفرد ..فالفرد له نـزعتان فطريتان،
�إلى البروز ّ
والخرى النـزعة الجماعية ..ومو�صولٌ �أي�ضاً باال�ستقاللية�أحدهما النـزعة الذاتية أ
مفهوم نف�سي �آخر وهو "وجهة ال�ضبط الداخلية ،"Internal Locus of Control
والتي تمثل المحرك الداخلي لل�سلوك إالن�ساني ..فمحركات �سلوك إالن�سان
ثالثة �أنواع :محركات داخلية ،Internal Locus of Controlومحركات خارجية،
ومحركات مرتبطة بالقدر �أو الحظ .. Luck Factor
ميزات اال�ستقاللية :اال�ستقاللية لها ميزات ..ولعل �أحد �أبرز هذه الميزات
هي �أن اال�ستقاللية تغذي الحرية ،وتزيد في قوتها ..فكما �أن الحرية مهمة لجلب
اال�ستقاللية ،ف�إن اال�ستقاللية هي أالخرى مهمة لتكوين الحرية وجلب المزيد منها..
و�إذا ما اجتمعت مع الحرية :ر�ؤية و�إرداة وقدرة وترجمة� ،أي ترجمة الر�ؤية �إلى واقع،
تحركه إالرادة وتحققه القدرة ،ف�إن الناتج "عظمة" ،نتائج عظيمة ..ميزات واق ٌع ِّ
�أخرى لال�ستقاللية هي:
-منح إالن�سان الثقة بنف�سه وتعزيزها.
-ت�ؤ�س�س لفكرة المبادرة �أو المباد�أة.
للبداع واالبتكار. -ت�ؤ�س�س إ
64
-تحفظ االعتمادية من التطرف ،بحكم �أنها تخلق توازن.
-تحقق لل�شخ�ص حاجاته للتفرد والتمايز ،وبالتالي تحقق لديه نـزعته الذاتية.
-توفر �سبل لتنمية ال�شخ�صية.
66
�صحة االعتمادية ك�ضابط لال�ستقاللية
تمهيد :ازداد في زمن العولمة إالن�سان اعتماداً على العوامل الخارجية وبالذات
فيما يتعلق ب�سلوكيات نمط الحياة ..وهذا االعتماد ي�سير في اتجاهاين بارزين:
�أحدهما �إيجابي ،ويتمثل في عدة جوانب من �أبرزها :جانب "االعتماد كنـزعة فطرية
تقرب النا�س من بع�ضهم البع�ض ،وتجعلهم ي�ستفيدون من بع�ضهم البع�ض"؛ ِّ
وجانب "االعتماد ك�آلية �ضرورية ي�ستعين بها المرء عند الحاجة"..
االتجاه آالخر لالعتماد هو اتجاه �سلبي يرى في االعتماد نـزعة تتحول �إلى �سلوك،
الدمان ووراثة ا�ضطراب ي�سمى با�ضطراب يكرره إالن�سان ،فيعتاد عليه �إلى حد إ
االعتمادية ،ب�صوره المتعددة مثل اال�ضطرابات المتعلقة بتعاطي مواد متعددة
من العقاقير والمخدرات ،وما يترتب عليها من اعتمادية و�سوء ا�ستخدام ..وهناك
تفا�صيل علمية حول هذه أالنواع من التعاطي في "�سل�سلة ت�شخي�ص اال�ضطرابات
النف�سية"(مكتب إالنماء االجتماعي" 2000 ،مج ..)"5
وبغ�ض النظر عن الت�صنيف ،ف�إن االعتمادية تظل نـزعة مهمة ،مطلوب تن�شيطها،
لتخفف من حدة النـزعة لال�ستقاللية ،ولتخلق هي مع مقابلها حالة من التعادل في النف�س
إالن�سانية �أو ًال وفي واقع الب�شر ثانيا ..معادلة المتقابلين ،اال�ستقاللية واالعتمادية..
وفي زمن العولمة ،حيث التحالف �سنة م�ؤكّ دة فيه ،ف�إن التعادل حاجة �ضرورية فيه،
فالن�سان بالتعادل الذي يعي�شه في ذاته ونمط حياته يتمكن من مواجهة التحالف إ
الفاعل في خارجه..
67
وفعالية المواجهة م�شروطة بفعالية توظيف التعادل بين النـزعتين ،ا�ستقاللية
الذات واالعتماد على آالخر ،في واقع الحياة ..هذه الفعالية التي تجد �ضمانها في
والخرة ،ب�أن الدنيا مطية آللخرة ،وبالتالي
للن�سان لمفهوم الدنيا آ إالدراك ال�صحيح إ
فالن�سان ي�ستقل بذاته فيها بقدر ويعتمد فيها على غيره بقدر" ،والعمر �أنفا�س ت�سير بلإ
تطير"(عبدالرحمن بن الجوزي ،طبعة � ،1981ص ،)241فاالنتباه مطلوب والتزود
با�ستخدام النـزعتين ،اال�ستقاللية واالعتمادية� ،أمر مرغوب ..والناتج المتوقع من
والخرة ،هو خير ذلك التعادل �أو التوازن ،الم�شروط ب�إدراك �صحيح لمفهوم الدنيا آ
ي�صيب ذاته �أو ًال ،و�أ�سرته ثانياً ،ومجتمعه وعالمه بعد ذلك..
االعتمادية"حاجة"،بلمجموعةمنالحاجات،وحاجاتاالعتماديةتفيد"حاجات
�شخ�صية ينبغي �أن ت�شبع من جانب آالخرين ،وتت�ضمن الحاجة �إلى العاطفة والحب
والمن ..وتعتبر هذه الحاجات والم�أوى والرعاية الج�سمية والطعام والدفء والحماية أ
عامة وعالمية وطبيعية لكال الجن�سين ومن كل أالعمار ،ولكن يالحظ �أن االعتمادية
يمكن �أن تكون مفرطة مع البحث عن الت�شجيع المبالغ فيه كما يحدث غالباً مع أالفراد
غير النا�ضجين والعاجزين �أو الذين يك�شفون عن حاجة قهرية �إلى �أن يطم�سوا ذواتهم
70
ويغمطوها حقها ويتنازلوا عنه��ا ل�شخ�ص قوي( ،وهي الحال الذي ا�سمتها (هورني)
المر�ضي��ة ("))Morbid Dependencyجابر عبدالحميد جابر وعالء (االعتمادية ِ
الدين كفافي" 1990 ،مج � ،"3ص �ص ..)914-913
االعتمادية كمفهوم عولمي :االعتمادية كمفهوم مو�صول بالعولمة له معنيان:
معنى اجتماعي-نف�سي ومعنى �إكلينيكي وغير �صحي ..ونبد�أ بالمعنى إالكلينيكي
وغير ال�صحي ،فنحن �أمام عولمة �أ�س�ست للمزيد من االعتمادية المفرطة على المواد
والفيونية والهيروينية والكحولية وغيرها، الخارجية مثل المواد الدوائية والكيميائية أ
بل �إن العولمة �أ�س�ست لتنامي ما ي�سمى علمياً "با�ضطراب ال�شخ�صية-المعتمدة
،"Dependent-Personality Disorderوالذي يفيد" :ا�ضطراب �شخ�صية
للخرين يف�صح عن نف�سه من خالل نمط طويل المدى من ال�سلبية التي ت�سمح آ
�أن يتحملوا الم�س�ؤولية عنه في المجاالت أال�سا�سية في الحياة ،وتجعل حاجات
الفرد في مرتبة ثانوية بالن�سبة لحاجات آالخرين ،و ُي ْع َزى هذا �إلى نق�ص الثقة بالنف�س
ونق�ص االعتماد على النف�س"(جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي1990 ،
"مج � ،"3ص ..)914
واالعتمادية كمفهوم عولمي اجتماعي-نف�سي يفيد نـزعة الفرد أ
وال�سرة
والم�ؤ�س�سة والمجتمع �إلى االعتماد على غيره عندما ت�ستدعي الحاجة وال�ضرورة
�إلى ذلك ..واالعتمادية بهذا المعنى يمكن �أن تكون �إيجابية �شريطة �أن تن�ضبط
ب�ضوابط ال�ضرورة ،فلل�ضرورة �أحكامها ،و�أن ال تتحول �إلى تبعية..
71
االعتمادي��ة ت أ�تي منحاج��ة �أ�سماها إالمام �أبو حام��د الغزالي "بالحاجة �إلى
فالن�سان خلق بحيث ال يعي�ش لوحده، الن�سان �إلى االجتماع " ،إ االجتم��اع" ،بحاجة إ
ب��ل ي�ضط��ر �إل��ى االجتم��اع م��ع غيره"(�أبو حام��د الغزالي ،طبع��ة " 1975مج ،"3
���ص ..)197وكذلك ت�أتي من اال�ستف��ادة من قدرات آالخري��ن ..ومو�صول بهذه
الحاجة فكرة النـزعة الجماعية للفرد ..فالفرد كما �سبق �أن ّبينا له نـزعتان فطريتان:
النـزعة الذاتية والنـزعة الجماعية ..ومو�صولٌ �أي�ضاً باالعتمادية مفهوم نف�سي �آخر وهو
"وجهة ال�ضبط الخارجية ،"External Locus of Controlوالتي تمثل المحرك
الخارجي لل�سلوك إالن�ساني ،والذي هو �أحد �أبرز محركات ال�سلوك إالن�ساني الثالثة:
مح��ركات داخلي��ة ،Internal Locus of Controlومحركات خارجية ،ومحركات
مرتبط��ة بالقدر �أو الحظ � .. Luck Factorأي�ض��اً االعتمادية يمكن �أن تُ ْع َزى �إلى نق�ص
الثق��ة بالنف�س ونق�ص االعتماد على النف�س؛ �أو تعزى �إلى حاجة حقيقية ال ي�ستطيع �أن
ي�شبعها الفرد بذاته ،في�ضطر �إلى اللجوء �إلى غيره..
73
التريية أال�سرية ينبغي أ�ن ت�ستفيد من هذه الميزات ،ميزات االعتمادية،
بحيث ينعك�س ذلك على محتواها التعريفي وبرامجها التربوية العملية ..ومن ال�صور
المعبرة عن هذه اال�ستفادة ما يلي:
ِّ
� -أن التربية أال�سرية تمنح االعتمادية المعتدلة مكانة داخلية هامة بين �أفراد
أال�سرة.
� -أن التربية أال�سرية تبني في �أفرادها روح العمل كفريق متكامل.
� -أن التربية أال�سرية تنمي في �أفرادها احترام ميزات آالخرين وخ�صو�صياتهم،
واال�ستفادة منها.
� -أن التربية أال�سرية تجمع بين االعتمادية على آالخر بدون تبعية ،بحيث
ال تكون أال�سرة �أو يكون �أفرادها َت َبع ورهائن لدى غيرهم.
� -أن التربية أال�سرية تجعل من جانب االعتمادية في الفرد ،مت�ضامناً ومتكام ًال
مع جوانبه ال�شخ�صية أالخرى ،وانعكا�س ذلك على ت�ضامنه مع بقية �أفراد
�أ�سرتهم.
74
الناجت أ
الكرب
�إ�ستقاللية مح�سوبة واعتمادية معتدلة - -اختيار نوع الخير بعد التمييز
أال�سرة مطالبة ب�أن تربي �أبنائها على ا�ستقاللية يح�سبون عواقبها ،واعتمادية
يعتدلون في تعاطيها ..و�إذا ما تم ذلك ،فالناتج هو بناء �شخ�صيات متزنة ،م�س�ؤولة من
ناحية وغير اتكالية من ناحية �أخرى ..وقد ّنبه القدماء كابن خلدون على ذلك عندما
�أ�شار �إلى عدم المبالغة في الرعاية ،وجعل االعتدال فيها بديالً..
�إذاً ك ًال من اال�ستقاللية واالعتمادية �أو التوظيف الفعال لهما كفيل بجلب فر�ص
للن�سان و�أ�سرته ..ولكن إالن�سان في حاجة �إلى �أن يميز و�أبواب جديدة للخير إ
بين �ألوان الخير ومجاالته� ،أي �أبوابه ،فال يدخل من كل �أبواب الخير ،و�إنما يتخير
75
منها ما يتفق مع �أهدافه و�أولوياته و�إمكاناته ،بحكم �أن إالن�سان طاقة و�أن هذه الطاقة
ال ت�ستطيع �أن تلج كل منا�شط الخير ،ولذلك فاالختيار من بينها مطلوب ..وح�سن
االختيار �أ�سا�س فعالية التمييز بين �أبواب الخير ..
ولذلك قال ر�سول اهلل �"ِ :إن �أبواب الخير كثيرة("....محمد قطب،1980 ،
�ص ..)108وعبارة "�أبواب الخير كثيرة" تحمل في ذاتها �أفكار منها :فكرة
"التنوع" ،وفكرة "االنتفاع بما �شئت من هذا التنوع" ،وفكرة "�أن النفع كل النفع
في التنوع" ،وفكرة "�أن في التنوع نفع للجميع" ،وي�شير القر�آن �إلى فكرة التنوع
النعام..]99 :﴾ أ في ن�صو�ص عديدة منها قوله تعالى ﴿
فهناك من يريد �أن يدخل �أبوب الخير من باب العبادات "النوافل" �أكثر ،و�آخر
يريد �أن يدخل من باب المعامالت "�أقوال و�أفعال" �أكثر؛ وهناك من يريد �أن يدخل
من �أبوب الخير المادية �أكثر ،و�آخر يريد �أن يدخل من �أبواب الخير المعنوية �أكثر؛
وهناك من يريد �أن يدخل من �أبواب الخير الفردية �أكثر ،و�آخر يريد �أن يدخل من
وقدم لنماذج من�أبواب االجتماعية �أكثر ..والحديث النبوي �أعاله �أكّ د على ذلكّ ،
هذه أالبواب ،وترك غيرها لالجتهاد إالن�ساني إ
والبداع الب�شري..
والحديث ب�أكمله" :عن �أبي ذر ر�ضي اهلل عنه �أن ر�سول اهلل ( ،قال :لي�س من
نف�س ابن �آدم �إال عليها �صدقة في كل يوم طلعت فيه ال�شم�س .قيل :يا ر�سول اهلل
من �أين لنا �صدقة نت�صدق بها؟ فقال� :إن �أبواب الخيرة لكثيرة :الت�سبيح والتحميد
76
والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وتميط أالذى عن الطريق والتكبير والتهليل أ
وت�سمع أال�صم وتهدي أالعمى وتدل الم�ستدل عن حاجته ..وت�سعى ب�شدة �ساقيك
مع اللهفان الم�ستغيت ،وتحمل ب�شدة ذراعيك مع ال�ضعيف ..فهذا كله �صدقة
منك على نف�سك) رواه ابن حبان في �صحيحه والبيهقي مخت�صراً .وزاد في رواية:
(وتب�سمك في وجه �أخيك �صدقة ،و�إماطتك عن الحجر وال�شوكة والعظم من طريق
النا�س �صدقة ،وهديك الرجل في �أر�ض ال�ضالة لك �صدقة"(محمد قطب،1980 ،
�ص ..)108
جانب ثاني نود إال�شارة �إليه من خالل هذا الحديث وهو �أن "ال�صدقة في مفهومها
التقليدي نقود و�أ�شياء مح�سو�سة ي�ساعد بها الغني الفقير ،ويمنحها القوي لل�ضعيف..
وهي بهذا المعنى �ضيقة المفهوم جداً ،و�أثرها في حياة المجتمع محدود ...ولكن
الحديث النبوي يخرج ال�صدقة من معناها التقليدي ال�ضيق ،من معناها الح�سي� ،إلى
معناها النف�سي ..وهنا تتفتح على عالم رحب لي�ست له حدود ...كل خير �صدقة..
وعلى كل امرئ �صدقة ..هكذا في �شمول وا�سع ال يترك �شيئـاً وال ي�ضيق عن
�شيء"(محمد قطب� ،1980 ،ص ..)109
جانب ثالث ّنود التركيز عليه ،وهو مو�صول بجانب ال�صدقة ..وال�صدقة �أمر
للن�سان حرية في فعله ،و�إذا ما فعله إالن�سان"طوعي"� ،أي �أمر فيه "اختيار"� ،أي إ
ف�إنه يفعله بدافع ذاتي وقرار م�ستقل ..فال�صدقة منبعها النف�س ،هي حركة تحدث
داخل النف�س ،حركة دافعها أال�سا�سي نف�سي ،و�إن اعتمد إالن�سان في �إنفاذه على
غيره ..فقد يطلب فرد من فرد �آخر �أن ُي ِ
و�صل �سالمه �أو كلمة طيبة �إلى فرد �آخر..
77
وانطالقاً من �أن التطوع مو�صول بدافع واقتناع ،ف�إن اهلل حث خلقه على هذا
﴾البقرة،]158 : التطوع ،مخاطباً قلوبهم﴿ ،
﴾البقرة]184 :؛ وعندما يخاطب القر�آن قلوبهم، ﴿
فهو حقيق ًة يخاطب عقولهم ،انطالقاً من العقل وظيفة من وظائف القلب﴿ ،
﴾الحج ،]46 :والقر�آن ي�ؤ�س�س هنا لفكرة �أن "الفعل الم�ستقل
ينبغي �أن يكون �أ�سا�سه اقتناع العقل"..
والعقل بطبيعته ال يفعل �إال ما ي�أتي له بالنتائج التي يحبها ،التي فيها خير
﴾ ..فالحب �أ�سا�س للتطوع ،وللفعل ل�صاحبها﴿ ،
الم�ستقل ..الحب �أ�سا�س لال�ستقالل والعمل الم�ستقل ..ومثل هذا الحب يجعلنا
ن�أتي بما هو �أكثر من الواجب ،والناتج هو �شكر من اهلل لعبده ،بمنحه المزيد
﴾.. من نعمه﴿ ،
ولل�شيخ ال�شعراوي رحمه اهلل كالم في هذا ،يقول رحمه اهلل�" :إن الم�ؤمن عندما
ي�ؤدي ما افتر�ضه اهلل عليه ،فهو ي�ؤدي الفر�ض ،ولكن عندما يزيد بالتطوع حباً في
الن�سك ذاته ،فهذه زيادة ي�شكره اهلل عليها� ،إذن فال�شكر من اهلل عز وجل يفيد �أن
نعمه �ستجيء"(محمد متولى ال�شعراوي ،بال تاريخ "مج � ،"2ص ..)672
لذلك كان لزاماً على أال�سرة �أن تعنى بهذا الجانب ،جانب الحب ،وجانب
اال�ستقالل الم�ستمد من رجاحة العقل ،لكي تجعل من �أفرادها و�أبنائها ي�أتون
�أفعالهم ال�سليمة من ِق َبل �أنف�سهم الحرة ال�سوية ..فالتطوع هو "ما ي�أتيه الم�ؤمن من
78
ِق َبل نف�سه"(�أبي عبداهلل محمد بن �أحمد أالن�صاري القرطبي ،طبعة " 2003مج ،"2
�ص ،)180ما ي�أتيه الم�ؤمن بعد �أداء واجبه ..فالتطوع هو الزيادة "على قدر الواجب
عليه"(عالء الدين علي بن محمد البغدادي ،طبعة " 1994مج � ،"1ص ..)101
ي�شجع على لفته �أخيرة �أ ّود �أن �أ�شير �إليها هنا وهي �أنه بالرغم من �أن إال�سالم ِّ
التطوع� ،إال �أن الم�سلم لم ي�ستجب بعد لهذا الت�شجيع ،لم ي�ستجب بفعالية ،لم
وال�صل كاف ..وال�سبب في ذلك هو �أن التطوع من إالح�سان ،أ ي�ستجب ب�شكل ٍ
الح�سان �أن ال يفعله �إال ال�شبعان ،بمعنى �أنه "في غياب الحرمان ،يَ ْق َوى في إ
إالح�سان"..
المتقدم ،نجد �أن التطوع في
ِّ وبالمقارنة بين ثقافة العالم النامي وثقافة العالم
متقدم جداً ،وفي معظم أالو�ساط العالم المتقدم هو عمل فردي ون�شاط م�ؤ�س�سي ِّ
�إن لم يكن كلها ،وال�سبب في ذلك مناخ الحرية التي يتمتع بها إالن�سان في العالم
المتقدم ،وما يترتب عليه من و�ضع اجتماعي يجعل من إالن�سان اجما ًال كائن
�شبعان� ..أما في العالم النامي ،ف�إن إالن�سان يعي�ش في بيئة ومناخ يو ِّلد الحرمان..
والن�سان المظلوم المحروم هو �إن�سان �إذن إالن�سان المظلوم هو �إن�سان محروم ،إ
لديه ح�س باالنتقام ،وبقدر قوة الظلم ،بقدر قوة ح�س االنتقام� ..إذا ال نتوقع إالح�سان
ممن يعي�ش الحرمان؛ وفي المقابل نتوقع من ال�شبعان �أن يتنامى لدية االح�سان..
فاجما ًال ،نخل�ص �إلى �أن "الحرمان واالح�سان ال يلتقيان" ،و"ال�شبعان واالح�سان
يتوافقان"..
79
المتقدم
العالم ِّ العالم الثالث
إالح�ســان
إالن�سان فيه ي�سوده
(�شبعان) (الحرمان)
ال�شكل رقم ( )3يبين �أن العالم الثالث ي�سوده (الحرمان) ،وبالتالي فيه (ق ِّلة �إح�سان)؛ في حين �أن
المتقدم �إن�سانه اجما ًال �أو �إلى حد كبير (�شبعان) ،وبالتالي فهو منظّ م و(كثير إالح�سان)..
العالم ِّ
80
خامتــة
للن�سان با�ستقاللية جعلته ي�أتينخل�ص مما �سبق �إلى �أننا �أمام عولمة جاءت إ
بمنتوجات غير م�سبوقة ،وبالمزيد منها ..ا�ستقاللية جعلت إالن�سان يفكر ما يريد هو
يفكر فيه ،ويقرر ما هو يريد �أو يقرر ب�ش�أنه ،ويختار ما هو يريد �أن يختاره ..ا�ستقاللية
�أن ِّ
جعلت أال�صل في كل ذلك للذات ال للغير..
وطبعاً بحكم ب�شرية إالن�سان ،ف�إن اال�ستقاللية ي�ستحيل �أن تكون مائة في المائة
ذاتية المن�ش�أ ..بمعنى �أن آللخر �أثر على اختيارات الذات ..وهذا أالثر قد يكون مبا�شراً
عندما يكون الفرد ذو طبيعة اجتماعية عالية الجرعة� ،أي عندما يكون للجماعة ت�أثير
على الفرد؛ وقد يكون غير مبا�شر عندما يكون الفرد ذو طبيعة انفرادية عالية الجرعة،
�أي عندما يكون للنـزعة الفردية ت�أثير �أكبر بكثير من النـزعة الجماعية على قرارات
الفرد..
81
وفكرة "التربية نحو المعادلة بين النـزعة الذاتية والنـزعة الجماعية" هي فكرة
تفيد "مجموعة الجهود المنظمة التي ت�سير أ
بالفراد في اتجاه ت�شغيل كال النـزعتين،
ول�سرتهم ولمحيطهم وعالمهم" ..معادلة تجعل الفرد وجعلهما مفيدتين ،لهم أ
ويقويه ،ويخرج منهما بمنتج يرتد
يميز مجتمعه ّ ي�ستفيد مما يمي ِّزه ويتفرد به ،ومما ّ
بالخير على ذاته �أو ًال ،وعلى مجتمعه وعالمه ثانيا..
82
العولمـــة
جلبت المو�ضوعيــة،
و�ضابطها تحقيق الالمظلومية
83
متهيــد
86
(املو�ضوعية) و�ضابطها حتقيق (الالمظلومية)
تمهيد :العولمة جاءت بقدر �أكبر من المو�ضوعية ..قدر �أكبر وحالة تطور م�ستمر..
ولعل �أحد �شواهد هذه المو�ضوعية فكرة "تكاف ؤ� الفر�ص" ،والتي ترتبط بها فكرة
�أخرى وهي فكرة "البقاء ألل�صلح ،"Survival of the Fittestفيعرف الفرد �أن
هناك تكاف�ؤ فر�ص ،و�أن الذي �سيبقى هو الذي �سي�ستفيد من الفر�ص..
وننبه هنا �إلى تح ُّفظ بخ�صو�ص فكرة "تكاف�ؤ الفر�ص" ..وهذا التحفظ هو
التفاوت في أالر�ضية ،وفي الخلفيات ،وفي المنطلقات؛ وهذا التفاوت يلغي عملياً
مبد�أ تكاف� ؤ الفر�ص �أو على أالقل يخرِق هذا المبد�أ ..بمعنى �أننا قد نكون �أمام
تتقدم �شركة محلية مع �شركة دولية لم�شروع ما ،فتقول لهما ب�أن لديكم �شركتينّ :
فر�ص متكافئة في المناف�سة ،والحقيقة �أن في هذا نوع من الت�ضليل ،فال�شركة الدولية
في الغالب لها من الم�ؤهالت والخبرات ما ِّ
يرجح تفوقها على ال�شركة المحلية.
وبناء عليه ،ظاهرياً قد يكون هناك تكاف�ؤ ،ولكن واقعياً ال يوجد تكاف�ؤاً حقيقياً،
ً
�أي ي�صعب تحقيق التكاف�ؤ ..وك�أننا �أمام مو�ضوعية ظالمة �أو عدالة ظاهرية تنتج
ظلم ..مو�ضوعية ظاهرها عدالة ،ولكن باطنها �أو حقيقتها ظلم ..المو�ضوعية المرغوب
فيها هي تلك المو�ضوعية التي يترتب عليها عدالة ت�ضمن تكاف�ؤ فر�ص حقيقية
ال ظاهرية..
87
وتكاف�ؤ الفر�ص الحقيقي له �شواهد �أو م�ؤ�شرات تد ِّلل عليه ،ولعل �أبرز هذه
الم�ؤ�شرات ما يلي ،ففر�ص التكاف�ؤ الحقيقي
ُ -ت َوفر للنا�س نف�س الحظوظ ونف�س إالمكانيات للتفوق.
-ت�ضمن توزيع الموارد على الجميع ب�صورة عادلة.
-ت�ضمن تقديم الخدمات للجميع ب�صورة متكافئة.
-تلغي الظلم االجتماعي العام.
-تلغي التهمي�ش واالق�صاء االجتماعي.
متحيز
وت�سوق لنمط حياة ِّ
�سوقت ِّ مفهوم المو�ضوعية :بالرغم من �أن العولمة ّ
لما هو غربي� ،إال �أنها هي كذلك عولمة �أ�س�ست إلمكانية والدة نمط حياة مو�ضوعي،
وبتعبير �أدق نمط حياة ت�سوده المو�ضوعية ..والمو�ضوعية هنا هي مفهوم تجريدي
يج�سد ذاته من خالل فكرة العدالة و�آلياتها ..فعلى م�ستوى التجريد ،نحن �أمامِّ
مو�ضوعية؛ وعلى م�ستوى التج�سيد ،نحن �أمام عدالة..
88
الذي ينطوي على ابعاد االنحرافات في إالدراك �أو التف�سير الناتجين عن التحيز
االجتماعي �أو ال�سيكولوجي للجماعة �أو للفرد وتحقيق �أكثر التعميمات العامة حياداً
في �صورة المعرفة المتوفرة"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)290والمو�ضوعية
لها عنا�صرها التي تنطلق منها مثل الحياد ،والذي يمثِّل عدم التحيِّز �أحد �صوره..
89
المو�ضوعية كمفهوم عولمي :المو�ضوعية كمفهوم مو�صول بالعولمة يفيد
فكرة �أن العولمة وفّرت �سوقاً مليئاً بالخيارات ،ال�صحية و�شبه ال�صحية وغير ال�صحية،
�أو قل خيارات عالية ال�صحة و�أخرى متدنية ال�صحة ،وبين هذا وهذا درجات متفاوتة
في علو ال�صحة وتدنيها ..ومهمة أال�سرة و�أفرادها �أن يتعاملوا مع هذه الخيارات
ت�ضرها ..وال�صحة
بطريقة م�ستقيمة تحقق ذاتها في �صيغة مو�ضوعية تخدم ال�صحة ال ّ
هنا ال تقت�صر فقط على �صحة أالبدان ،و�إنما كذلك �صحة الوجدان أ
والذهان؛
ال تقت�صر فقط على ال�صحة الف�سيولوجية والنف�سية ،بل تمتد لت�شمل كذلك على
كافة المجاالت الحياتية ،وبالذات الحيوية منها..
من أ�ين ت أ�تي المو�ضوعية :المو�ضوعية ت�أتي من المنهجية ،من تنهيج العقل،
من اكت�ساب العقل للمنهج ..المو�ضوعية ت�ستمد قوتها من العقلية المنهجية ..وهذا
يعني �أنه عندما تتراجع المو�ضوعية ،ففي ذلك �إ�شارة �إلى تراجع في العقلية المنهجية،
والذي هو تعبير عن �ضعف في تركيب العقلية ..وقوة تركيب العقلية تت�أتى عن طريق
وجود نظام ومنهج ي�سير عليه العقل �أكثر من مجرد ح�شوه بالمعلومات ،وهذا يعني
"تنهيج العقل قبل م ِّده بالمعلومات"(خال�ص جلبي� ،1984 ،ص ..)156
92
حتقيق الالمظلومية ك�ضابط للمو�ضوعية
والالمظلومية ينبغي �أن تكون نمط �شائع ي�شق طريقه في كافة �أرجاء المجتمع،
وبين كافة �أفراده و�شرائحه وم�ؤ�س�ساته ..وهذا يعني �أن الالمظلومية ينبغي �أن تجد
طريقها �إلى تعامل المخلوق مع الخالق (�أي إال�ساءة للخالق) ،والمخلوق مع ذاته
(�أي اال�ساءة للذات) ،والمخلوق مع غيره (�أي اال�ساءة آ
للخرين)؛ واال�ساءة للغير
ال تقف فقط عند إالن�سان آالخر ،و�إنما ت�شمل كذلك الحيوان والنبات والجماد
وكل موجودات البيئة..
وعك�س الالمظلومية :الظلم ..وقد ّق�سم ابن رجب البغدادي "الحنبلي" رحمه
93
اهلل الظلم �إلى نوعين �أ�سا�سين�" ،أحدهما :ظلم النف�س و�أعظمه ال�شرك كما قال
﴾ ،ف���إن الم�شرك جعل المخل��وق في منـزلة تعال��ى ﴿
الخالق ،فعبده وت�ألهه ،فهو و�ضع أال�شياء في غير موا�ضعها ...ثم يليه المعا�صي
على اختالف �أجنا�سها من كبائر و�صغائر ..والثاني :ظلم العبد لغيره"(طبعة ،1993
�ص ..)223
أ
وال�سرة في حاجة �إلى �أن تنتبه �إلى الظلم و�إلى �إمكانية ت�سربه بين �أفرادها
وفي داخل �شبكة عالقاتها ،فيتجاوز �أحد �أفراد أال�سرة حدوده ويت�صرف في ملك
الخر بدون وجه حق ،وهذا �أ�صل من �أ�صول الظلم ،حيث �أن "الظلم: وممتلكات آ
هو مجاوزة الحد والت�صرف في ملك الغير" كما يقول ال�شيخ عبداهلل أالن�صاري
رحمه اهلل في �شرحه أللربعين النووية(النووي ،طبعة 1399هـ� ، ،ص ..)110
99
الناجت أ
الكرب ملو�ضوعية حممودة والمظلومية مطلوبة
- -قرار بال حت ِّيز
هو وجود بدائل لالختيار بينها"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)98و"التحيز
:Biasهو اتجاه عقلي للحكم على أالمور قبل الوقوف تماماً على حقيقتها ،وذلك
تحت ت�أثير التجارب ال�سابقة �أو بع�ض العوامل االنفعاليـة الذاتيـة التي ت�سبب الخط�أ في
الحكم"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)39
المتحيز هو تعبير عملي
ِّ المتحيز هو القرار العادل ..القرار غير
ِّ والقرار غير
لمو�ضوعية مح�سوبة ،مو�ضوعية ال ظلم فيها ..والمو�ضوعية التي ال ظلم فيها هي
التي تجد جذورها في عدالة م�س َت َم َّدة من تقوى ..وهذا �أمر منطقي ،فالعدالة هي
دالة التقوى ..العدالة هي ال�صورة العملية للتقوى� ،أو قل ب�أن التقوى تحقق ذاتها من
خ�لال العدال��ة ،و�إل��ى ه��ذا �أ�ش��ار المولى ع�� ّز وجل في قول��ه ﴿
﴾المائدة..]8 :
الية �أن التقوى جاءت بعد العدل ،وهذا يدل على �أن "التقوى نهاية
ويالحظ من آ
ال�سيد محمود أاللو�سي البغدادي ،طبعة 2001
الطاعة"(�أبي الف�ضل �شهاب الدين ّ
الكثر من هذا� ،أن "العدل من �صميم
"مج � ،"3ص ،)255والعدل �أن�سب الطاعات ..أ
100
التقوى"(محمد �أبو زهرة ،بدون تاريخ "مج � ،"4ص ،)2060ومفردة ﴿�أقرب﴾
في آالية ال تدلل فقط على �أن التقوى �سقف يتجه الب�شر نحوه بال انقطاع ،فيقتربون
منه �أكثر و�أكثر مع ا�ستقامة النف�س وتطور العلم ون�ضج المو�ضوعية الب�شرية ،و�إنما
يدلل كذلك على محدودية الطبيعة الب�شرية ،و�صعوبة هذه الطبيعة للو�صول �إلى
التقوى التامة ..وهذا يعني �أن العدل الب�شري يقترب من �صميمه ،وهي التقوى..
يقترب بتطوره كمفهوم وك�آليات� ،أنظمة وم�ؤ�س�سات..
نخل�ص مما �سبق �إلى �أن "التقوى تحقق ذاتها من خالل العدالة ...والعدالة
�أ�سا�س للعزة ،فعندما يكون المجتمع عاد ًال ي�صبح إالن�سان فيه عزيزاً" ..و�صدق
إالمام ال�شافعي رحمه اهلل عندما قال" :من لم تعزه التقوى ،فال ع ّز له"(�صالح �أحمد
للن�سان هي "التقوى التي ال�شامي�1998 ،أ� ،ص ..)60والتقوى التي فيها ع ّز إ
هي التزام الم�أمورات واجتناب المنهيات"(وهبة الزحيلي" 2003 ،مج ،"13
�ص ..)597والتقوى بهذا المعنى تنتج العدل ،والتي �أ�سا�سها في االعتدال..
وهذا يقودنا �إلى جانب �آخر وهو �أن التقوى لي�ست م�س�ألة ذاتية �أو تحيزية،
بدليل �أن القر�آن يجعل من المو�ضوعية �أو العدالة �شاهداً يد ِّلل عليها﴿ ،
﴾المائدة ..]8 :فالعدالة �أو المو�ضوعية هي نقي�ض الذاتية..
وب�صياغة �أخرى تو�ضيحية �أكثر" ،تعتبر المو�ضوعية والذاتية على طرفي نقي�ض من
�ألوان الطيف ...عندما يكون المتحدث ذاتياً ،ف�إنه يتحدث بل�سان م�صالحه الخا�صة؛
وعندما يكون مو�ضوعياً ،ف�إنه يتحدث بل�سان م�صالح م�ستمعه ،وهو في تلك الحالة
يملك االعتناق �أو التعمق العاطفي"(ويليام .ج .ماكوالف� ،1994 ،ص ..)79
101
وتجدر إال�شارة هنا �إلى �أن الذاتية نوعان :ذاتية محمودة وذاتية مذمومة ..والذاتية
المناق�ضة للمو�ضوعية هي الذاتية بمحتوياتها المذمومة مثل أ
الهواء ..هذه الذاتية
المذمومة هي التي تجر النا�س �إلى المعا�صي ،وبالتالي توقعهم في م�آ�سي ،بل تجرهم
وتوقعهم فيما هو �أكبر ..ومثال على الهوى ك�شاهد على تلك الذاتية المذمومة،
﴾الق�ص�ص﴿ ، 50: ﴿
﴾الجاثيـة﴿ ،23 :
﴾النعام..150 : أ
وننبه هنا �إلى �أن الهوى لي�س كله مذموماً ،فالهوى نوعان :هوى محمود مو�صول ِّ
بالمو�ضوعية ال�شرعية ،قال ر�سول اهلل " :ال ُي�ؤ ِمن �أحدكم حتى يكون َه َواه تبعاً لما
جئت به" �أخرجه الطبراني و�أبو النعيم في �أربعينه ،وهو ح�سن �صحيح(عبدالرحمن
بن الجوزي ،طبعة � ،1962ص )18؛ وهوى مذموم مو�صول بالذاتية غير ال�شرعية
﴾..وفيالمقابل ،الذاتية المحمودة ﴿
هي الذاتية التي تت�ضمن محتويات مرغوب فيها ..محتويات يمكن �أن ت�ؤدي �إلى
تطور الب�شرية واتجاهها �إلى ما هو �أف�ضل ..ومثال على المحتويات الذاتية إاليجابية
�أو المحمودة :الخيال والحلم والطموح� ،إذا �أ ْح ِ�سن ا�ستخدامهم..
المو�ضوعية تلغي المظلومية ،ولكنها ال تلغي وبناء عليه ،فيمكننا القول ب�أن
ً
الذاتية ..فالمو�ضوعية معايير ،ولكن الذاتية هي التي تميز بين النا�س في تبنيهم
للمو�ضوعية ..الذاتية هي التي تخرق �سقف المو�ضوعية وتتجاوزه �إلى �آفاق �أو�سع..
الذاتية تعك�س الفروق الفردية بين النا�س ..كلهم لديهم معايير مو�ضوعية واحدة،
102
ولكن الفارق بين �أحدهم آ
والخر هو في ا�ستخدام م�صادره الذاتية ب�شكل �أكبر
و�أكثر فعالية مثل الت�أمل والخيال وغيرها..
وبناء على معطيات هذا الجزء من الكتاب ،ف�إن أال�سرة في حاجة �إلى العزف ً
على نغمة "المو�ضوعية غير الظالمة ،والعادلة"� ،أي المو�ضوعية الحقيقية ولي�س
وتحيزية مق ّننة� ،أي
المو�ضوعية الظاهرة ،والتي ظاهرها مو�ضوعية ،ولكن باطنها ذاتية ِّ
ذاتية وتحيزية يخدمها القانون ..بمعنى �أن ال ن ْل ِب�س الباطل بالحق..
وعندما تتمكن أال�سرة من توطين المو�ضوعية( ،غير الظالمة) من جهة،
و(العادلة) من جهة �أخرى ..توطينها داخل م�ساحات أال�سرة و�أرجائها و�أفنياتها ،ف�إن
ذلك ي�ؤدي �إلى �إفراز حالة �إيجابية ،ذات �شواهد مرغوب فيها ،منها:
� -إعطاء كل ذي حق حقه.
� -إلغاء �أو التقليل الكبير من الحد ال�سلبي لم�شاعر الغيرة بين أالبناء داخل
أال�سرة.
-تقليل كبير لكل من العنف وال�سلوك العدواني بين أالبناء داخل العائلة.
-تقوى �شخ�صية أالبناء ،وتتجه جهودهم نحو ما ينميهم ويزيدهم نموا.
-تحول أالبناء في الم�ستقبل �إلى �آباء عادلين.
�أي�ضاً ،أال�سرة في حاجة �إلى العزف على نغمة "الذاتية النافعة ،وغير ال�ضارة"،
وذلك ب�شجيع أالبناء على الت�أمل الذاتي بعد خروجهم من مواقف الحياة اليومية،
بالبناء �إلى الت�صرف ب�شكلت�أم ًال يترتب عليه تقييم ،يثمر �أفكار ذاتية �إيجابية ،ت�ؤدي أ
ذاتي م�ستقل ،ذو جودة عالية ومنفعة متنامية..
103
كذلك عندما تتمكن أال�سرة من توطين الذاتية( ،النافعة) من جهة ،و(غير
ال�ضارة) من جهة �أخرى ..توظينها داخل م�ساحات أال�سرة و�أرجائها و�أفنيتها ،ف�إن
ذلك يمكن �أن ي�ؤدي �إلى �إفراز حالة �إيجابية ،ذات �شواهد محمودة ،منها ما يلي:
� -إلغاء الحواجز التي تعيق أالبناء عن �إبداء �آرائهم الخا�صة.
-ت�شجيع االبتكار وت�شكيل الر�ؤى الذاتية داخل العائلة.
-توفير أال�سرة لتغذية راجعة تعزز من الر�ؤى الذاتية إاليجابية لدى أالبناء.
-تعليم أالبناء كيفية تحويل �أفكارهم ال�سلبية �أو غير المفيدة �إلى �أفكار �إيجابية
نافعة.
-تب ِّني أال�سرة ألفكار أالبناء و�إتاحة الفر�ص لتحققها في �أر�ض الواقع.
خيرية تامة
تحيز
بال ِّ قــرار
104
خامتــة
نخل�ص مما �سبق �إلى �أننا �أمام عولمة جاءت للعالم بقدر عالي من المو�ضوعية..
وبتعبير �أدق ،جاءت للعالم بخليط من الظروف ،والتي منها تلك الظروف التي
ت�ؤ�س�س لدرجة عالية من المو�ضوعية ..وهذه الظروف ال تقت�صر فقط على قدر �أكبر
من الحرية واال�ستقاللية ،وتقدم في مجال العلم والقانون ،وقدر كبير لم�ؤ�س�سات
المجتمع المدني ،بل تمتد لت�شمل وعي إالن�سان وامتثاله �أمام معطيات ي�ستطيع من
خاللها �أن يتخذ موقفاً واختياراً مو�ضوعياً في الحياة..
وانطالقاً من �أن العولمة جاءت بخليط من الظروف� ،أي خلطت عم ًال �صحيحاً
و�آخر �سيئا ،وكذلك انطالقاً من احتمالية حقيقية للوقوع في فخ الظروف ال�سيئة،
ف�إنه من الواجب على أال�سر في زمن العولمة ،وفي �أي زمان تتكرر فيه مثل هذه
الحالة �أو الو�ضع� ،أن ت�ؤ�س�س لفكرة "التربيـة نحو ال�ضميرية والمثل العليـا" ،والتي
يمكن �أن ت�ضع في أالفراد -كحد �أدنى� -ضميراً يميزون به بين المو�ضوعية والذاتية،
وبين النافع وال�ضار ،وبين الكامل والناق�ص..
وفكرة "التربيـة نحـو ال�ضميرية والمثل العليا" تفيد "مجمـوعة الجهــود المنظمـة
التـ��ي تمنـح أ
الفراد ُمثــ ً
ال عليا يتجهـو بهــا نحــو مـا ينفعهــم ،و�ضميــراً فعــا ًال يميـزون
ي�ضــرهم"..
ُّ به ما ينفعهــم مما
105
فالمثل العليا هي محركات ال�سلوك القويم ،في حين �أن ال�ضمير هو ال�سلطة الداخلية
التي بها ت�ستقيم أالخالق عملياً� ..إن ال�ضمير هو المنبع الذي يحت�ضن الم ُثل العليا
أ
والخالق ال�سامية..
مثل هذه التربية يمكن �أن تمنح الفرد الم�س�ؤولية ،وبتعبير �أدق ،تمنحه �إح�سا�ساً
حقيقياً بالم�س�ؤولية� ،أي تجعله ي�صدر عنه �سلوكاً م�س�ؤو ًال ،منفعته بائنة ّ
وم�ضرته غير
واردة ،مع التنبيه على �أن مثل هذا ال�ضمير وما يتبعه من �سلوك م�س�ؤول يحتاج �إلى
مرجعية ي�ستند عليها ،في�ستمد منها معاييره ..ونحن هنا نق�صد المرجعية إال�سالمية..
هذه المرجعية هي التي تمنح ال�ضمير �إح�سا�سه بالر�ضى عند فعل الخير و�إح�سا�سه
بالذنب عند فعل ال�شر..
106
العــولـمــــة
جلبت االنفـتاح الثقافــي،
الخـر واال�سـتفادة منهو�ضابطها فهـم آ
مع المحافظــة على الهــــوية
107
108
متهيــد
وللمزيد من التو�ضيح نقول ب�أن العولمة من ناحية "فتحت كل �شيء على كل
�شيء" ،وال�سبب في ذلك �أن العولمة ،ب�شكل تلقائي "تطوري تاريخي" وب�شكل
ِ
ق�صدي "م�ؤ�س�ساتي عبر قاراتي"� ،أخذت على عاتقها قرار فتح كل أالبواب،
و�شرها..
�صالحها وطالحها ،خيرها ِّ
و�س ّنة اهلل في كونه ومجتمعات خل ِقه تقت�ضي �أن "التغيَّر الذي ن�شهده في الخارج
هو انعكا�س للتغير الذي ي�شهده �صاحبه في الداخل"﴿ ،
﴾الرعد﴿ ،]12:
أ
﴾النعام..]44 :
109
في ال�شرق النامي هو تعبير عن قرار فوقي ،ف�إنه كذلك بقرار فوقي يمكن �أن تتم
عملية �ضبط هذا االنفتاح ،لكي يكون انفتاحاً على الخير ال انفتاحاً على ال�شر..
وهذا ال يكون �إال بالمحافظة على الهوية ..ودور القيادة ال�سيا�سية في المحافظة على
الهوية ال يق ِّلل من �ش�أن دور القاعدة ال�شعبية في ذلك� ،أي دور المجتمع المدني
المتقدم قطع �أ�شواطاً هائلة في ميدان
في ذلك ..مع التنبيه على �أن المجتمع الغربي ِّ
العالقات االجتماعية وفق فل�سفة انطلق منها مع بداية ع�صر النه�ضة ،ويريد �أن يعمم
تلك الفل�سفة في ظل زمن العولمة ،وب�إمكانيات و�آليات العولمة على المجتمع
ال�شرقي� ،أي يريد �أن يعمم هويته على هوية المجتمع ال�شرقي ،وذلك من خالل
ال�ضغط الم�ستمر ،المبا�شر وغير المبا�شر� ،ضغط الترغيب و�ضغط الترهيب� ،ضغط
الغراء و�ضغط التهديد..
إ
110
(الإ نفتاح الثقافي)
و�ضابطه (فهم آ
الخر واال�ستفادة منه مع املحافظة على الهوية)
تمهيد :الفهم الم�شترك �أو االنفتاح الثقافي و�ضابطه فهم آالخرين واال�ستفادة
ال م�ضرة فيه ..فاالنفتاح بطبيعته
َّ منهم مع المحافظة على الهوية� ،أ�سا�س لنجاح نافع
مفتاح للنجاح� ،إذا تم فهمه وا�ستيعابهّ ،ثم ُح ْ�سن اال�ستفادة منه ..والنجاح ،النافع
وغير ال�ضار ،الذي ي�أتي من االنفتاح م�شروط ب�أحد �أمرين �أو كالهما :انفتاح عاقل
�أوتعامل مع االنفتاح ب�شكل عاقل..
وفي زمن العولمة ،والذي ال يتوفر فيه �أو ي�صعب �أن يتوافر فيه انفتاح عاقل
ال م�ضرة فيه ،ف�إن المراهنة ينبغي �أن تكون على التعامل العاقل مع االنفتاح
ّ
ن�سان ُيح ِ�سن ا�ستخدامه لعقله،
"المتاح" ..فالمراهنة في زمن العولمة على �إ ٌ
ف�صل بين الح�سنات وال�سيئات"(�أبي الح�سن فـ"بالعقل تُعرف حقائق أ
المور ،ويُ َ
المام ال�شافعي رحمه اهلل "العاقل
الماوردي ،طبعة � ،1978ص ..)20وكما يقول إ
من َع َق َله عق ُله عن كل مذموم"(�صالح �أحمد ال�شامي�1998 ،أ� ،ص ..)64
و�إذا كان العقل �أ�سا�ساً لال�ستفادة من االنفتاح ،ف�إن االنفتاح في �أ�صله م�صدره
التفاعل ،وبتعبير �إجرائي ،م�صدره �أن يفهم النا�س بع�ضهم البع�ض ،و�إذا ما فهم النا�س
بع�ضهم البع�ض ،ف�إن الناتج هو �إمكانية والدة وتطور نوع من االنفتاح الثقافي ،والذي
به يمكن �أن ي�ستفيد الكل من الكل..
111
وف��ي مقاب��ل فكرة "االنفت��اح الثقاف��ي" ،هناك فك��رة �أخرى وه��ي "االنغالق
الثقاف��ي" ،وال��ذي بدوره يزي��د الكراهية بين النا���س ،بحكم �أنه��م ال يفهمون بع�ضهم
البع���ض ..واالنغ�لاق الثقاف��ي ه��و انغ�لاق اجتماعي قب��ل �أن يك��ون انغالق��اً عقلياً،
بل �إن االنغالق االجتماعي الثقافي �أ�سا�س لالنغالق العقلي﴿ ،
﴾الزخــرف﴿ ،]22 :
﴾
الزخرف ،]23 :ومقتدون� :أي متبعون..
مفهوم االنفتاح الثقافي :ونق�صد باالنفتاح الثقافي "انفتاح ثقافة على غيرها
من الثقافات بق�صد زيادة فعالية �أفرادها والم�صحوبة بزيادة في نموها �أو في انقا�ص
تخلفها" ..فالزيادة في فعالية الفرد ،يعني الزيادة من نمو المجتمع ،و" إ
النقا�ص
من عدم فعالية الفرد ،يعني إالنقا�ص من تخ ُّلف المجتمع"(مالك بن نبي،1991 ،
وبناء عليه ،ف�إن تقدم الثقافة �أو تخلفها م�شروطة بمعطيات تقدمها �ص ً ..)71
"محددة
محددة بوا�سطة كل معطيات التقدم ،وهي كذلك َّ �أو تخلفها ..فالثقافة َّ
بوا�سطة معطيات التخلف"(مالك بن نبي� ،1991 ،ص ..)72
112
يعني إال�صالح ،والذي �أ�سا�سه �أن ال ين�سى الم�صلح "مثل أالب �أو أالم �أو المعلم"
الذي يقوم ب�إ�صالح غيره� ،أن ي�صلح نف�سه ..ففاقد ال�شيء ال يعطيه..
االنفتاح الثقاقي من منظور اجتماعي يفيد حالة من "التثاقف" ،والتي تعني
�أخذ عن�صر من ثقافات �أخرى لتغذية وتنمية الثقافة المحلية ..وهي بذلك تكون
�شبيهة بالتزاوج الثقافي� ،أي تزاوج ثقافتين ،يترتب عليهما ثقافة جديدة ثالثة ،تكون
�أكثر قو ًة وفعالية� ،إبداعاً وتجديدا..
االنفتاح الثقافي كمفهوم �سيكولوجي "نف�سي" يفيد تلك اال�ستجابة المرنة
لتحدي ت�ست�شعره النف�س ،التي تريد �أن يكون لها مكاناً بين النا�س ..فاالنفتاح
في �أ�صله ثمرة مرونة ..والمرونة تفيد "قدرة الفرد على التكيف مع المواقف
المتغيرة والجديدة"(جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1990 ،مج ،"3
�ص ..)1301
االنفتاح الثقاقي من منظور نف�سي يفيد �أننا �أمام �إن�سان مكبوت ،ينفتح على
آالخرين ظاهرياً بغر�ض ا�شباع حاجاته ال�ضاغطة عليه ،بقوة ولفترات طويلة من
الزمن ..و"الكبت :هو عملية ال�شعورية ،مقت�ضاها منع الميول والدوافع الكائنة
في الال�شعور من �أن تظهر في حيز ال�شعور ،فبد ًال من �أن يقوم �صراع بين الرغبة
والذات ،تفر الذات ،فتظل الرغبة قائمة بكامل عنفوانها ،ولكن بعيداً عن متناول
عج َز أ
(النا) عن مواجهته فتجاهله ،فالذ ب�أعماق ال�شعور ...والكبت هو �صراع نف�سي ِ
الال�شعور"(�سمير عبده� ،1983 ،ص ..)337
113
االنفتاح الثقافي كمفهوم عولمي :االنفتاح الثقافي كمفهوم مو�صول بالعولمة
ينطلق من فكرة �أن العولمة �أدت �إلى انفتاح الثقافات على بع�ضها البع�ض ،وتنوع �صور
التفاعل فيما بينها مثل �صورة التكتل و�صورة التناف�س وغيرها ..االنفتاح الثقافي
من منظور عولمي يفيد �أي�ضاً �أننا �أمام باب ُي ْف َتحُ ،
فتدخل منه الثقافة ،بل ثقافات
متعددة متنوعة ،تدخل مندفعة ومتدافعة ..وحتى ال ينتهي هذا االندفاع والتدافع
�إلى �ضرر ،ف�إن الترتيب �أمر مهم ..بمعنى يجب �أن تنظم عملية دخول الثقافات حتى
يكون دخولها مرتباً ،فال تكون هناك حوادث �أو �إ�صابات ،ت�صادمات �أو �صراعات..
115
وهذه م�ؤ�شرات تعك�س ا�ستمتاع أ
ال�سرة بميزات االنفتاح الثقافي:
بحيث ينعك�س ذلك على محتواها التعريفي وبرامجها التربوية العملية ..ومن ال�صور
المعبرة عن هذه اال�ستفادة ما يلي:
ِّ
� -أن التربية أال�سرية ينبغي �أن تعمل على ت�أ�سي�س حالة من االنفتاح على آالخر
في محاولة لفهمه والتفاهم معه ،واال�ستفادة منه.
116
� -أن التربية أال�سرية ينبغي �أن تعمل على مكافحة �صور االنغالق والتقوقع
والحياة ال�سلبية.
� -أن التربية أال�سرية ينبغي �أن تعمل على تنمية روح الحياة االيجابية المبنية على
والخذ عن آالخرين ،وتكيف كل ذلك مع احتياجات أال�سرة. المبادرة أ
� -أن التربية أال�سرية ينبغي �أن تعمل على اال�ستفادة من ميزات االنفتاح لتعزيز
المحافظة على الهوية وتقويتها.
� -أن التربية أال�سرية ينبغي �أن تعمل على اال�ستفادة من االنفتاح بغر�ض تنمية
كل ما هو �إيجابي في أال�سرة و�ضمان امتدادها ال�صحي والفعال عبر الزمن.
� -أن التربية أال�سرية ينبغي �أن تعمل على اال�ستفادة من االنفتاح لن�شر ما هو
جيد في أال�سرة والمجتمع� ،أي ت�سويق ثقافة أال�سرة الم�سلمة فتتحول من
�أ�سرة م�ستهلكة لعنا�صر ثقافات �أخرى �إلى �أ�سرة ِّ
م�صدرة لعنا�صر ثقافتها مثل
المحاوالت االبداعية في �شكل الدمية "�سارة" وغيرها.
نخل�ص مما تقدم �إلى تقرير فكرة �أن االنفتاح الثقافي هي فكرة َت ْقبل ال�سلب
مثلما �أنها َت ْقبل إاليجاب ..وكما �أن ال�سلب له ما ينتجه ،ف�إن إاليجاب هو آالخر
لليجاب وال�سلب هو عامل (ذكر- له ما يو ّلده ..وقد يكون �أحد العوامل ِّ
المحددة إ
ن�سيان) ..فاالنفتاح الثقافي إاليجابي مو�صولٌ بذكر اهلل ،في حين �أن االنفتاح
117
الثقافي ال�سلبي مو�صولٌ بن�سيان اهلل ..إ
فالن�سان الذي يذكر ربه لي�س كالذي ين�سى
والخير ٌ
هالك خا�سر.. ناج رابح ،أ
ربه ،أالول ٍ
مت�ضمن في المعنى إاليجابي لالنفتاح الثقافي فكرة "الذكر" فيٌ وبتعبير �آخر:
مقابل فكرة "الن�سيان" ..ففي حين �أن الذكر �أ�سا�س للنجاة ،ف�إن الن�سيان يمكن �أن
يكون �أ�سا�ساً للهلكة ..ونحن نق�صد بالن�سيان هنا هو "ن�سيان إالن�سان لنف�سه ولما
في نف�سه" ..و"هذا الن�سيان -ن�سيان إالن�سان لنف�سه ولما في نف�سه -ح�صل بن�سيانه
لربه ولما �أنزله ،فال تعالى ﴿وال تكونوا كالذين ن�سوا اهلل ف�أن�ساهم �أنف�سهم� ،أولئك
هم الفا�سقون﴾ ،وقال في حق المنافقين ﴿ن�سوا اهلل فن�سيهم﴾ ،وقال ﴿كذلك
�أتتك �آياتنا فن�سيتها ،وكذلك اليوم تن�سى﴾"(ابن تيمية ،طبعة 1398هـ "مج
� ،"16ص .)348
"وقوله تعالى ﴿وال تكونوا كالذين ن�سوا اهلل ف�أن�ساهم �أنف�سهم﴾ يقت�ضي ن�سيان
اهلل كان �سبباً لن�سيانهم �أنف�سهم ،و�أنهم لما ن�سوا اهلل عاقبهم ب�أن �أن�ساهم �أنف�سهم...
ون�سيانهم �أنف�سهم يت�ضمن �إعرا�ضهم وغفلتهم وعدم معرفتهم بما كانوا عارفين به
قبل ذلك من حال �أنف�سهم ،كما �أنه يقت�ضي تركههم لم�صالح �أنف�سهم .فهذا يقت�ضي
�أنهم يذكرون �أنف�سهم ذكراً ينفعها وي�صلحها ،و�أنهم لو ذكروا اهلل لذكروا �أنف�سهم"
(ابن تيمية ،طبعة 1398هـ "مج � ،"16ص �ص ..)349-348
�إذاً ن�سيان الرب ُم ْو ِجب لن�سيان القلب﴿ ،ن�سوا اهلل ف�أن�ساهم �أنف�سهم﴾� ..أي
118
�أن آالية دلت على �أن "ن�سيان إالن�سان نف�سه م�سبب عن ن�سيانه لربه ،دل ذلك
على �أن الذاكر ال يح�صل له هذا الن�سيان لنف�سه ..والذكر يت�ضمن ذكر ما قد علمه،
فمن ذكر ما يعلمه من ربه ذكر ما يعلمه من نف�سه"(ابن تيمية ،طبعة 1398هـ "مج
� ،"16ص ..)350هذا الذكر هو �أ�سا�س للهوية إ
وللفادة من العولمة ..إالفادة من
للفادة من فر�ص فر�صها ومعطياتها ..أ
وال�سرة التي ذكرت ربهاَ ،قو ِيت هويتها ،وتهي�أت إ
ومعطيات عولمة ع�صرها..
االنفتاح الثقافي
ي�أتي من
يترتب عليه
االنفتاح الثقافي
119
فهم آ
الخر واال�ستفادة منه
مع املحافظة على الهوية ك�ضابط لالنفتاح الثقايف
تعر�ضت له ّزة كبيرة في ع�صر العولمة ،والذي ي�سمى �أحياناً (ع�صر والهوية ّ
ال�شك) و�أحياناً �أخرى ي�سمى (ع�صر ال�ضياع) ..وهذا االهتزاز للهوية ،ي�ستدعي
تدخ ًال �سيا�سياً و�أ�سرياً إلنقاذها �أو ًال ،ثم للمحافظة عليها ثانياً ،ولجعلها منطلقاً إ
للفادة
من غيرها� ،أي منحها حالة عالية من الفعالية ،ترتد على المجتمع بحالة عالية من
التح�ضر المفيد اجتماعياً ،محلياً وعالميا.. ّ
جانب �آخر نود إال�شارة �إليه بخ�صو�ص انقاذ الهوية ثم المحافظة عليها وتنميتها،
ت�ضيع وهو �أن العولمة �سحبت من الثقافة �إيجابياتهاّ ،
وورثتها �سلبياتها ..جعلتها ِّ
أالن�شطة التي تزيد في قوتها ،وتتبع ال�شهوات "�أي المعا�صي" ،التي تزيد في
120
�ضعفها ..ولذلك لي�س م�ستغرباً �أن ي�سمى هذا الع�صر (ع�صر ال�ضياع و�سوء االتباع)،
(ع�صــر فقـدان الوعـي وتنامي الغـي)﴿ ،
﴾مريم" ،]59 :غياً� :أي َ�ش ّراً"(عالء الدين علي بن محمد البغدادي،
طبعة " 1994مج � ،"2ص ..)995
والمخرج من ذلك ال�ضياع و�سوء االتباع ،فقدان الوعي وتنامي الغي ،هو ا�ستعادة
الثقافة لعنا�صر اكت�شاف أالمة لذاتها ،وتد�شين هويتها من جديد ..وهذه العنا�صر
�أوجزها القر�آن الكريم في ثالثة �أفكار وهي :فكرة "التوبة" ،وفكرة إ
"اليمان"،
وفـكـرة "العـمــل ال�صـالـح"﴿ ،
﴾مريم..]60-59 :
مفهوم فكرة "فهم آ
الخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية"
بال�سباب التي ت�ؤدي �إلى فعالية الفرد و�أ�سرته ومجتمعه مع المحافظة "الخذ أ
يفيد أ
على هويته" ..هذا المفهوم يفيد �أي�ضاً أالخذ من آالخر كل ما يمكن �أن يقوي
الذات ،ويبعث الروح في الهوية ..فالهوية مفتاح نجاح في زمن االنفتاح� ..أي �أن
الهوية لي�ست فقط �أداة نجاة ،و�إنما الهوية هي �أي�ضاً �أداة تنمية..
"فهم آ
الخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية" كمفهوم �سو�سيولوجي
يفيد تلك الظاهرة االجتماعية الثقافية التي تعك�س حالة من التوافق بين المحافظة
121
والفادة من خير آالخر ..والهوية كمفهوم اجتماعي عام يفيد "عملية
على الهوية إ
تمييز الفرد لنف�سه عن غيره"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)208
يفيد حاجة نف�سية لدى الفرد لفهم آالخرين واال�ستفادة منهم بما ي�ؤدي �إلى
تقويته وتقوية هويته ..ومن الناحية النف�سية ،تعتبر "الهوية :الم�شاعر ب�أننا نف�س
أال�شخا�ص الذين كنا أ
بالم�س وفي العام الما�ضي ..وهي إالح�سا�س باال�ستمرارية
الم�ستمد من �أحا�س�سينا الج�سمية� ،صورتنا عن �أج�سامنا ،وال�شعور ب�أن ذكرياتنا
والح�سا�س بالفردية واال�ستقاللية (�أنني
و�أهدافنا وقيمنا وخبراتنا تخ�صنا نحن ،إ
ذاتي الخا�صة)"(جابر عبدالحميد حابر وعالء الدين كفافي" 1991 ،مج ،"4
�ص ..)1659
122
"فهم آالخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية" من منظور نف�سي
يفيد وقاية الذات وتنميتها ،بدون اال�ضرار بذاتية آالخرين� ،أي احترام م�شاعر
آالخرين ..تلك الفكرة �أي�ضاً تفيد االتجاه نحو آالخر بغر�ض تقوية الذات ،ومعها
"والحاجة �إلى الهوية: يقوى آالخر ..و(الهوية) من ناحية نف�سية هي (حاجة)..
هي الحاجة �إلى إالح�سا�س بالفردية والتفرد والذاتيـة ،واال�ستقالل النف�سي"(جابر
عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1991 ،مج � ،"4ص ،)1660والذي هو
عامل �أ�سا�سي في نمو الفردية ال�صحية ،والتي هي عك�س "الفردية غير ال�صحية
والزائفة ،والتي ِّ
تعبر عن نف�سها في الم�سايرة"(جابر عبدالحميد جابر وعالء
الدين كفافي" 1991 ،مج � ،"4ص ..)1660الم�سايرة الخاطئة..
"فهم آ
الخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية" كمفهوم عولمي:
"فهم آالخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية" كمفهوم مو�صول بالعولمة
ينطلق من فكرة �أن العولمة دفعت في اتجاهين :اتجاه التوا�صل مع آالخر "الغربي
المتقدم" وفهمه ،وذلك بغر�ض تبني نمط حياته ،مع ال�سماح للمحافظة على هوية ِّ
المتقدم..
ّ في غالبها ظاهرية (�أي هوية مظاهر) ،حتى ال تناف�س هوية العالم الغربي
وبالتالي ،فالمفرو�ض �أن ن�ؤ�س�س لهوية حقيقية ال هوية ظاهرية� ،أي تعزيز العنا�صر
الثقافية ل�شخ�صية أال�سرة والمجتمع ،بد ًال من تعزيز عنا�صر ثقافية ل�شخ�صيات
مجتمعات �أخرى..
123
من أ�ين ي أ�تي "فهم آ
الخر واال�ستفادة منه مع المحافظة على الهوية"؟
والجابة هي �أنه ي�أتي من التوا�صل مع آالخر توا�ص ًال �إيجابياً ي�سمح بوجود حالة إ
من (الت�أثير والت�أثر) ،ت�ؤدي �إلى جعل الفرد من ثقافة ما مع ِّلماً ومتعلما ،م�ستفيداً
ومفيدا ..وننبه هنا �إلى �أن المحافظة على الهوية هي م�صدر ت�أثير مبا�شر وغير مبا�شر في
الغير ..كذلك المحافظة على الهوية ت�أتي من االنطالق من قواعد قوية في �شخ�صية
الفرد و�أ�سرته ومجتمعه..
-تج ّنب االغتراب النف�سي واالجتماعي ،والذي يفيد "انهيار �أي عالقات
اجتماعية �أو بينية �شخ�صية �أو تجريبية"(جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين
كفافي" 1988 ،مج � ،"1ص .)125
-تج ّنب التغريب.
-تج ّنب الذوبان وال�ضياع في هويات �أخرى.
-تقوية روح االنتماء.
-تنمية الذات فكرياً وعملياً.
-االعتزاز بالذات وعدم االنهزام �أمام آالخر.
ال�سرة بميزات "فهم آ
الخر واال�ستفادة منه مع م�ؤ�شرات تعك�س ا�ستمتاع أ
المحافظة على الهوية":
-تجنب أال�سرة لالغتراب في عالم وا�سع ومنفتح بع�ضه على البع�ض ،وهذا
يعني عدم فقدانها لروابطها االجتماعية أال�صلية.
-تجنب أال�سرة �أثناء احتكاكها بالعنا�صر الثقافية أالخر ،بحيث �أنها ِ
تك�سب وال
تف ِقد.
-تنمية روح االنتماء المحلي والح�ضاري داخل أال�سرة.
-تنمية أال�سرة لذاتها ،من خالل تعاملها وانفتاحها على آالخر.
-اعتزاز أال�سرة ب�شخ�صيتها ومقوماتها وخ�صائ�صها الذاتية.
125
التريي��ة أ
ال�س��رية ينبغ��ي أ�ن ت�س��تفيد م��ن ه��ذه المي��زات ،مي��زات
فه��م آالخ��ر واال�س��تفادة منه م��ع المحافظة عل��ى الهوية ،وه��ذا يعني �أنه:
تج�سد الميزات ال�سابقة عملياً� ،أي �أن تجد لها -ينبغي على التربية أال�سرية �أن ِّ
مناهج ومنافذ لغر�سها في الن�شء.
-ينبغي على التربية أال�سرية على �أن تعمل على تعزيز االعتزاز بالذات.
-ينبغي على التربية أال�سرية على �أن تعمل على تنمية روح االنتماء الح�ضاري
لدى أالبناء ،ال �شرقية وال غربية ،و�إنما عربية ا�سالمية.
-ينبغي على التربية أال�سرية على �أن تعمل على تجهيز أالبناء معرفياً و�إيمانياً
ومهارياً لكي يكونوا قادرين على الحياة في �أي بيئة مجتمعية في العالم.
-ينبغي على التربية أال�سرية على �أن تعمل على جعل أالبناء �شخ�صيات قوية
وم�ؤثِّرة محلياً وعالمياً� ،أي منتجة ولي�ست فقط م�ستهلكة.
مواجهة ال�شر ال تكون �إال بالخير؛ ومواجهة �أعمال ال�شر ال تكون �إال ب�أعمال الخير
126
الكرب لفهم آ
الخر واال�ستفادة منه الناجت أ
مع المحافظة على الهوية - -االنتفاع آ
بالخر بغر�ض الزيادة في التميز
الخيار ا آلخر هو �أن نخطط للتالقي ،فنجعل �آثاره ت�أتي من�سجمة مع قيمنا،
ومتجهة نحو خدمة �أهدافنا ..وقد �أ�شار القر�آن �إلى حتمية التالقي ،على أالقل في
العالم الحقيقي ،وما �أنتجه من عالم افترا�ضي ،في قـوله ﴿
﴾الحجرات]13 :؛ و�إلى احتمالية إالفادة �أو على أالقل تغليب المنفعة
الم�ضرة ،لمن خطط لذلك� ،أي تعامل مع آالخر ومع منتجاته على �أ�سا�س من ّ على
تميز ،يجعل �صاحبه هو أالكرم ،بد ًال من �أن ي�صبح مهزوماً التقوى ..والناتج هو ّ
الكرم ..بالتقوى ينال إالن�سان التكريم، ومنتقما ..فبالتقوى ي�صبح إالن�سان هو أ
وبدونها ي�صبح هو المنهزم ،ويتو ّلد لديه �شعوراً و�إح�سا�ساً باالنتقام﴿ ،
﴾ الحجرات ..]13 :فكن مُكَ رَّ ماً وال تكن ُم ْن َهزِماً ..كن ُم َك َّرماً
و�إال �أ�صبحت منهزماً..
127
وبناء عليه ،ف�إن أال�سرة في حاجة �إلى �أن ّ
توجه عقول �أبنائها و�أن ت�ضع فيها فكرة �أن ً
إالفادة ال تكون في االنفتاح على آالخر بقدر ما تكون في االنفتاح على خير آالخر،
�أي �أن يكون االنفتاح انفتاحاً م�شروطاً ..وفرقٌ بين االثنين ..االنفتاح المقيِّد هو انفتاح
على الحالل ،والخير كل الخير في الحالل؛ في حين �أن االنفتاح غير المقيد ،فهو
انفتاح على التحلل واالنحالل ،وال�شر كل ال�شر في التحلل واالنحالل..
�إذاً نحن �أمام نوعين من أال�سر� :أ�سر لها هوية تحفظها ،وبالتالي هي �أ�سر ناجية؛
و�أ�سر لي�س لها هوية تحفظها ،وبالتالي هي �أ�سر هاوية "هالكة"� ..أ�سر تدفع ب�أبنائها
�إلى االنفتاح على آالخر ،و�أ�سر تدفع ب�أبنائها نحو االنفتاح على الخير �أو على
﴾ خــير آالخـــر﴿ ..
الحجرات ،13 :وهكذا ينبغي �أن تكون �أ�سرنا� ..أن تكون �أ�سر تقية حتى تكون
�أ�سراً قوية "كريمة"..
وحتى ينفتح أالبناء على الخير الموجود لدى آالخر بد ًال من االنفتاح كل
ما لدى آالخر من خير و�شر ،ف�إنهم في حاجة �إلى "تربية تفكيرهم" ،بحيث يكون
انعكا�س �إيجابي على اختياراتهم ..ومعلو ٌم �أن "�صحة الفكر م�س�ؤولة عن �صحة
فالن�سان في حاجة �أن
االختيار" ،و"�صحة اال�ستدالل م�س�ؤولة عن �صحة الفعل" ،إ
ُي ْح ِ�سن التفكير واال�ستدالل ،بمعنى "�أن يُ ْح ِ�سن اال�ستدالل من �أ�صغر اال�شارات على
�أكبر أالخطار والخطوب"(عبا�س محمود العقاد� ،1974 ،ص �ص ..)425-424
128
وهذا يعني �أن نربي عقل أالبناء ،تربي ًة تجعلهم يرون في العقل ،طاقة من �أكبر
طاقات إالن�سان ،ونعمة من �أكبر نعم اهلل عليه ..فبالعقل ،ي�ستطيع إالن�سان "�أن
يميز بين أال�شياء ،ويدرك خ�صائ�صها ،وي�ستنبط فوائدها ،وي�شكل �صوراً جديدة من
(المادة) التي وجد نف�سـه محاطاً بهـا على ظهر أالر�ض �أو في ال�سماوات"(محمد
قطب" 1983 ،مج � ،"1ص ..)76
وبالتالي تطالب أال�سر �أبناءها ب�أن يوظفوا عقولهم لي�س فقط في تح�صيل
ي�ضرهم ..وفي حين �أن جلب المنفعة مو�صول ما ينفعهم ،و�إنما كذلك في دفع ما ّ
باالنتفاع بالهدى ،ف�إن دفع المف�سدة مو�صول بدفع الهوى ..هذا الهوى الذي عندما
والن�سان �أ�سيراً له ،وال�ضرر كثيراً في
ي�سيطر على إالن�سان ي�صبح �أميراً عليه ،إ
حياته..
ولذلك فقد "قيل في م�أثور الحكم :من �أطاع هواه� ،أَ ْع َطى عدوه مناه ..وقال بع�ض
الحكماء :العقل �صديق مقطوع ،والهوى عدو متبوع ..وقال بع�ض البلغاء� :أف�ضل
النا�س من ع�صى هواه ،و�أف�ضل منه من رف�ض دنيـاه"(�أبي الح�سن الماوردي ،طبعة
� ،1978ص ..)34وقديماً قال �أحد "بع�ض ال�شعراء:
مالك قد ُ�س َّد ْت عليك أالمور (يا عاق ًال �أر َدى الهـوى َعق َل ُه
مـير)"
و�إنـمـــا العقـــلُ عليـ ِه �أ ُ
�سير الهوى �أتج َعلُ العقلَ �أ َ
(�أبي الح�سن الماوردي ،طبعة � ،1978ص ..)35فالعقل ينبغي �أن يكون �أميراً،
والهوى ينبغي �أن يكون �أ�سيراً ،ولي�س العك�س..
129
ولك��ي يكون العقل �أميراً ال �أ�سيراً ،مثمراً ال مدمرا ،ف�إن أال�سرة تحتاج �إلى تربية
أالبن��اء روحياًْ ،تح ِ�سن تربية قلوبه��م ،ففي تربية قلوبهم تربي�� ًة لعقولهم� ،إنطالقاً من
�أن القل��ب وظيفة من وظائف ال��روح ،وظيفة من وظائف القل��ب ،بدليل قوله تعالى
﴾الح��ج ..]46 :فالقل��ب ،ب��ل "ال��روح ه��ي التي ﴿
وت�سخر العقل لي�سير في طريقه... تقرر! ..الروح الوا�صلة المهتدية تقرر طريق الخيرّ ،
والروح المنقطعة ال�ضالة تقرر طريق ال�شر ،وتدفع بالعقل في ذلك الطريق"(محمد
قطب" 1983 ،مج � ،"1ص ..)76
وتربية الروح ،وما يرتبط بها من تربية للعقل ،بل وللج�سد ،هي م�س�ألة بيئة ،م�س�ألة
الر ِحم بالن�سبة
ثقافة ،بل �إن الثقافة ذاتها بيئة ..الثقافة بيئة ،وهذه "البيئة بمثابة َّ
�إلى القيم الثقافية"(مالك بن نبي� ،1991 ،ص ..)80و"الثقافة كبيئة مكونة من
وال�شكال ،والحركات ،أ
وال�شياء الم�أنو�سة ،والمناظر ،وال�صور، أاللوان ،أال�صوات ،أ
والفكار المتف�شية في كل اتجاه ...هي بيئة تمار�س مفعولها على الراعي وعلى العالم أ
�سواء ..هي الو�سط الذي يت�شكل داخله الكيان النف�سي للفرد ،بال�صورة نف�سها التي
يتم ت�شكل كيانه الع�ضوي داخل المجال الجوي الحيوي الذي ينتظمه ..فنحن
ال نتلقى الثقافة ،و�إنما نتنف�سها ونتمثلها بالطريقة نف�سها التي يتم بمقت�ضاها تنف�سنا
وتمثلّنا ألك�سجين الهواء"(مالك بن نبي� ،1991 ،ص ..)80
وال�سرة عامل مهم من عوامل تلك الثقافة ،وهذه أال�سرة يمكن �أن يكون لها دور أ
في حل م�شكلة الثقافة ..وفعالية دور أال�سرة في بناء الثقافة م�شروطة بمدى قدرة
130
هذه أال�سرة على دمج وظيفتها �ضمن الخطوط الكبرى لم�شروع الثقافة في مجتمع
ما ،والقر�آن الكريم يق ِّدم لنا ن�صو�صاً تبين كيف يمكن أ
لل�سرة �أن تدمج وظائفها �ضمن
الخط��وط الكب��رى للم�ش��روع الثقاف��ي إال�سالم��ي﴿ :
أ
﴾لحزاب..]37-32 :
131
وعندما يكون الم�شروع الثقافي �سليماً في غايته وو�سائله ،معتقداته ومحتوياته،
وتندمج وظائف أال�سرة فيه ،ف�ستجد ذاتها رابحة على م�ستوى المحافظة على الهوية
والفادة من الحداثة ..لماذا؟ ألن الم�شروع الثقافي ال�سليم يمنحنا "ثقافة" في إ
مقابل "ال ثقافة" ،وهذه الثقافة تت�ضمن ثروة ،ت�ؤ�س�س لوالدة فعالية ،عالية الجودة..
والثقافة بذلك المعنى إاليجابي تفيد مجموعة أال�سباب التي تزيد المجتمع في
حركته ونموه و�إزدهاره ..وعك�س ذلك هو "الفراغ الثقافي �أو الالثقافة ،والتي تفيد
مجموعة أال�سباب التي ت�ستبقي المجتمع على ما هو عليه من ركود"(مالك بن نبي،
� ،1991ص ..)84
نخل�ص مما �سبق� ،إلى �أن الناتج أالكبر لفهم آالخر واال�ستفادة منه مع المحافظة
بالخر بغر�ض الزيادة في التميز" ،تميزاًوالتميز" ،االنتفاع آ
على الهوية هو "االنتفاع ّ
يخدم مبد�ًأ �أو هدفاً �سامياً ..وحتى يتم لنا هذا ،فنحن في حاجة �إلى التخل�ص من
المبالغة في فكرة "م�صارعة آالخر ،وبالتالي هزيمته لنا" ،واالخال�ص �أكثر لفكرة
"تنمية الذات ،وبالتالي �صناعتها لح�ضارتنا"؛ �أي التحول من معتقد متمركز حول
المواجهة وال�صراع �إلى معتقد متمركز حول التنمية واالنتفاع ،وبالتالي نتجنب فكرة
�أننا دخلنا في �صراع مع غيرنا ،فانهزمنا ،فورثتنا الهزيمة �شعوراً بالمهزومية و�شعوراً
باالنتقامية� ..شعور المهزوم �أو �شعور المنتقم..
والتغيير الذي يمكن �أن يخدم الهوية وي�أتي بالمنفعة والفائدة هو التغيير الذي
نف�س �أمارة بال�سوء �إلى نف�س را�ضية ،مع التنبيه على �أن يحول النف�س في داخلها من ٍ ِّ
النفو�س من حيث مقا�صدها ونياتها �إما �أن تكون �أمارة �أو لواّمة �أو را�ضية ،و�إن كانت
النفو�س الرا�ضية في زماننا هذا نادرة ،بل هي بطبيعتها قد تكون نادرة عندما ُنقارنها
بالنفو�س أال ّمارة بال�سوء والنفو�س ّ
اللوامة..
وكما يقول ابن القيم رحمه اهلل ب�أن النف�س "هي نف�س واحدة ،تكون �أ ّمارة تارة
ول ّوامة �أخرى ومطمئنة �أخرى ،و�أكثر النا�س الغالب عليهم أال ّمارة .و�أما المطمئنة،
فهي �أقل النفو�س الب�شرية عدداً و�أعظمها عند اهلل قدراً ،وهي التي يقال لها ﴿
﴾الفجر"]30-28 :
(طبعة � ،1994ص �ص .)566-565ولذلك ،ف�إن على أال�سرة �أن تعمل على جعل
نفو�س �أبنائها نفو�ساً مطمئنة �إلى ربها ،عاكفة بهمتها عليه ،راهبة منه راغبة فيما
لديه ..هذه النف�س التي �أحوج ما يحتاج �إليها إالن�سان في هذا الزمان �أكثر من �أي
زمان كان..
133
خاتمــة
نخل�ص مما �سبق �إلى �أننا �أمام عولمة جاءت بانفتاح ثقافي هائل للمجتمع
إالن�ساني ،مما �أدى �إلى تفاعل الكل مع الكل ب�شكل �أو ب�آخر� ..أدى �إلى وجود
حالة من التعارف العالمية ،بين كل الثقافات وفي كافة االتجاهات ،و�إن كانت هناك
ثقافات �أقوى ت�أثيراً من ثقافات �أخرى ،بل ثقافات غالبة و�أخرى مغلوبة..
وبحكم �أن العالم من الناحية العملية يلعب لعبة �أثر الغالب في المغلوب ،و�إن
�أنكرها بين الحين والحين لفظياً ،ف�إنه ي�ستوجب على الثقافات المغلوبة �أن تغير من
طريقة تعاملها مع معطيات الثقافات الغالبة ،بحيث تزيد من تعاطي ما يمنحها قوة،
وتقلل من تعاطي ما يزيدها �ضعفا..
وهذا يعني �أننا في حاجة �إلى �أ�سرة تتبنى فكرة "التربية نحو الهوية" ،و�أن تجعل
الخر واالفادة منه ..والتربية نحو الهوية بهذا
للنفتاح على آ من هذه التربية �أ�سا�س إ
المعنى تفيد "مجموعة الجهود المنظمة التي ت ؤ��س�س لهوية دافعة في اتجاه إالفادة من
العولمة والع�صرنة والحداثة ..هوية نافعة فردياً وجماعياً ،قائمة على �أ�سا�س من العقيدة
واللغة والتاريخ"..
والفادة من الحداثة" هي تربية تنطلق من وبتعبير �آخر ،ف�إن "التربية نحو الهوية إ
فكرة �أن حال أال�سرة و�أفرادها ،بل أالمة و�أبنائها ،ال ي�صلح فقط بما َ�ص ُلح به �أ ّوله،
بل وبما َ�ص ُلح به �آخره ..إالفادة من قطعيات الهوية ومعطياتها ،ومن نفعيات الحداثة
وم�ستجداتها� ،أ�سا�سين ال يبرهنان فقط على المواءمة بين أال�صالة والمعا�صرة ،و�إنما
134
يبرهنان كذلك على �أمة تريد �أن تناف�س على �أ�سا�س ما هو �أف�ضل� ..أف�ضل ما لديها
وما لدى ع�صرها وعالمها..
وال�سرة عليها دور في جعل هذا أالمر ممكن الحدوث في محيطها ومجتمعها أ
بتبني �أف�ضل ما في زمانها وزمان غيرها ،مع جعل الكتاب وال�سنة الثابتة أال�سا�س في
الحكم ،فكل ما يوافقهما فهو مقبول ،وكل ما يتعار�ض معهما فهو مرفو�ض ..فالحالل
ما �أحله ال�شرع والحرام ما حرمه ال�شرع..
المقدرة على المواءمة
إالفادة من
نفعيات الحداثة وم�ستجداتها قطعيات الهوية ومعطياتها
�أ�سا�س للمقدرة على المناف�سة
135
والفادة من الحداثة" هي تربية تنطلق من وبتعبير �آخر ،ف�إن "التربية نحو الهوية إ
فكرة �أن حال أال�سرة و�أفرادها ،بل أالمة و�أبنائها ،ال ي�صلح فقط بما َ�ص ُلح به �أ ّوله،
بل وبما َ�ص ُلح به �آخره ..إالفادة من قطعيات الهوية ومعطياتها ،ومن نفعيات الحداثة
وم�ستجداتها� ،أ�سا�سين ال يبرهنان فقط على المواءمة بين أال�صالة والمعا�صرة ،و�إنما
يبرهنان كذلك على �أمة تريد �أن تناف�س على �أ�سا�س ما هو �أف�ضل� ..أف�ضل ما لديها
وما لدى ع�صرها وعالمها..
136
الق�ســم الثانــي:
الفــــادة الفعــالة من
إ
اليجابي للعوملة - -فر�ص العوملة احلد إ
137
138
تمهيــد
الحد إاليجابي لل�شيء ال يمكن معرفته على وجه الحقيقة �إال �إذا كان هناك
م�صداقاً عملياً ي�ؤكِّ ده ..بمعنى �أن أال�شياء �أو الظواهر من حيث �إيجابيتها ومقدار
تلك إاليجابية يحتاجان �إلى م�صداق لهما� ،أي م�ؤ�شرات تد ِّلل على م�صداقية
تلك إاليجابية وحجمها﴿ ،
﴾�آل عمران ،]31 :واالتباع هو البرهنة العملية على الحب ،االتباع هو
الم ْ�ص َداق العملي لذلك الحب.. ِ
و�إذا ما تمت البرهنة العملية على ال�شيء ،ف�إن الناتج له منفعتان :منفعة �أولى
ت�أتي في هيئة "جلب الخير" ،ومنفعة �أخرى ت�أتي في هيئة "تجنب ال�شر"..
وا�ضح في الن�ص �أعاله حيث �أن البرهنة العملية على الحب باالتباع يترتب
وهذا ٌ
عليها منفعتان" :حب" من جهة ،و"غفران ذنب" من جهة �أخرى﴿ ،
﴾�آل عمران..]31 :
وبتطبيق فكرة "ال�شيء وم�صداقه" على ظاهرة العولمة ،ف�إننا نقول :إ
"اليمان ب�أن
العولمة لي�س لها حد �سلبي فقط ،و�إنما لها كذلك حد �إيجابي" ي�ستلزم منا البرهنة
عملياً على ذلك إاليمان ..والبرهنة ال تكفي �أن تكون بالل�سان ،و�إنما هي تظهر على
حقيقتها وبكامل قوتها وت�أثيرها عندما نلحظها في الميدان ،عندما نلحظها على أالر�ض
مرغوب فيها..
ٌ في �صيغة نتائج
139
والثر على أالر�ض ،ف�إن وحتى تتم الترجمة في الميدان� ،أي ح�صول الفعل أ
وال�سرة مطلوب منها �أن تجري ذلك التدخل التربوي، هذا يتطلب تدخ ًال تربوياً ..أ
بحيث ي�ؤدي �إلى �صياغة عقول أالبناء لي�س فقط في اتجاه النظر معرفياً �إلى �أن
العولمة تت�ضمن �إيجابيات م�شروطة باغتنام فر�ص النمو التي تتيحها ،و�إنما كذلك في
اتجاه تربية ه�ؤالء أالبناء على كيفية إالفادة �أو اال�ستفادة عملياً من ميزات العولمة
وفر�ص الخير المت�ضمنة فيها �أو التي تتيحها..
�إذاً االفادة ال تكون �إال بالتربية والمعلومات النافعة ..وفي هذا الق�سم من الكتاب
نعر�ض لثالث �أنواع من التربية ،والمرفقة بمعلومات نافعةِّ ،
تبين عملياً الكيفية التي
بناء مهيئين إلدراك الحد إاليجابي من العولمة ،واال�ستفادة منه يمكن �أن ت�صنع �أ ً
�إلى �أق�صى حد ممكن ..وهذه أالنواع الثالثة من التربية هي:
-التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية.
-التربية أال�سرية نحو الفعالية.
-التربية أال�سرية نحو الم�س�ؤولية والرقابة الذاتية.
140
الرتبية نحو اال�ستقاللية
ك�آلية أ�وىل
اليجابي للعوملة
للفادة من احلد إ
إ
141
142
تمهيــد
التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي م�س�ألة مهمة انطالقاً من ن�صو�ص قر�آنية ت�ؤكِّ د
ب�شكل �أو ب�آخر على دور أال�سرة في تعزيز اال�ستقاللية ،وب�شكل �أدق اال�ستقاللية
العقالنية ،لدى �أبنائها ،ألنهم مقبلين في الدنيا على الدخول في مرحلة التكليف
ال�شرعي ،ومنتهين في آالخرة �إلى مرحلة الح�ساب الفردي ..وهذا �أمر منطقي ،فاهلل
منح إالن�سان عق ًال ُلي ْح ِ�سن الت�صرف به ،في مواقف الحياة المختلفة ،التي يكون هو
فيها حا�ضراً بنف�سه �أو معه �أهله وغيره..
ومن هذه الن�صو�ص قول اهلل تعالى ﴿
﴾ إ
ال�سراء..15-13 :
143
هـذه آاليات ت�سـتمر في ت�أكــيدها على اال�ســتقالل﴿ ،
﴾" ،يعن��ي �أن ثواب العم��ل ال�صالح ّ
مخت�ص
بفاعله ،وعقاب الذنب مخت�ص بفاعله �أي�ضاً وال يتعدى منه �إلى غيره"(عالء الدين
علي بن محمد البغدادي ،طبعة " 1994مج � ،"2ص ،)940وقوله تعالى ﴿
﴾� ،أي "ال تحمل حاملة ثقل �أخرى من آ
الثام ،وال ي ؤ�اخذ �أحد بذنب
�أحد ،بل كل مخت�ص بذنبه"(عالء الدين علي بن محمد البغدادي ،طبعة 1994
"مج � ،"2ص �ص ..)940
(٭)
ابتداء ب�أن مفهوم "التربية"
وتمهيداً للتربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ،نقول ً
كمفهوم "الحكمة" ،كالهما �إيجابي� ،أي ال يقبالن ال�سلب ..وهذا على العك�س من
مفهوم "التعلم" ومفهوم "الموعظة" ،فكليهما يقبالن إاليجاب وال�سلب ..بمعنى في
حين �أن التعلم يقبل �أن يكون تعلماً ايجابياً و�آخر �سلبياً ،وكذلك الموعظة تقبل �أن
تكون موعظة ح�سنة و�أخرى غير ح�سنة ،ف�إن التربية والحكمة كالهما �إيجابيتين..
٭ وجهة نظر أ�خرى ترى أ�ن التربية يمكن أ�ن تكون �سليمة ،ويمكن أ�ن تكون خاطئة� ،إال �إذا كانت التربية
بمعنى التزكية ،ف�إنها ال تكون �إال �إيجابية ،قال تعالى ﴿ قد �أفلح من زكاها ﴾ ال�شم�س� ،]9 :أما في غياب
مفهوم التزكية ،ف�إن هناك وجهة نظر �أخرى ترى �أن التربية كالتعلم تقبل �أن تكون �إيجابية �أو �سلبية ،وذلك
انطالقاً من �أن و�سائل التربية هي ذاتها تقبل �أن تكون ح�سنة �أو �سيئة ،وفي قوله تعالى ﴿ وبالموعظة الح�سنة ﴾
النحل� ]125 :إ�شارة �إلى �أن هناك �إمكانية وجود تربية بالموعظة ال�سيئة مثلما �أن هناك تربية بالموعظة الح�سنة.
144
و�آخـرون� ،1996 ،ص ﴿ ،)37
﴾ ﴾الكهف﴿ ،]66 :
﴾ البقــرة﴿، ]102:
البقرة..]102 :
كذل��ك الحكم��ة طريق��ة دائم��اً ح�سنة ،ف��ي حي��ن �أن الموعظة لي�س��ت دائماً
وا�ض��ح في قوله تعالى :
ٌ ح�سن��ة� ،أي تقب��ل �أن تكون ح�سن��ة �أو �سيئة ،وهذا التمييز
﴾ ﴿
﴾ البقرة: النحل﴿ ،]125 :
..]269فالحكمة دائماً ح�سنة� ،أما الموعظة فقد تكون ح�سنة مثلما �أنها يمكن �أن تكون
�سيئة..
و�إجراء مقارنة ومقاربة بين التربية والحكمة هو لي�س �إجراء المقارنة للمقارنة
وتبيين المقاربة للمقاربة ،و�إنما هو �إجراء ن�سعى من خالله �إلى ربط الحكمة بالتربية،
وبالذات التربية أال�سرية في زمن العولمة ..فالتربية أال�سرية تحتاج �إلى �أن تكون
تربية حكيمة ،تربية ر�شيدة ،وهذه الحكمة مهم اال�ستعانة بها في زمن العولمة �أكثر
من �أي وقت م�ضى ،وذلك بحكم حجمها ،وحجم �إغراءاتها ،وحجم مخاطرها..
وبالرغم من �أن الحكمة مهمة في كافة �أ�شكال التربية ،ف�إنها �أكثر �أهمية في حالة التربية
نحو اال�ستقاللية ..فاال�ستقاللية قد ت�أخذ �صاحبها في اتجاه �سلبي على ذاته (مثل التكبر)
وعل��ى غيره (مثل اال�ض��رار) ،والحكمة هي الجان��ب الذي يمكن �أن يق��ي اال�ستقاللية
م��ن انحرافها ،ب��ل ويمكن كذل��ك �أن ينمي اال�ستقاللي��ة ِّ
وين�ضجها ،ويجعله��ا مثمرة..
145
ومرتب��ط بمفه��وم "الحكمة" مفه��وم "الم�صلح��ة" ،والتي عندما ن�أخ��ذ بها نكون
بذل��ك قد �سرنا في الطريق نحو المنفع��ة ،بل �إن الم�صلحة هي ذاتها المنفعة ..فالحكمة
﴾ هـي طـريقنا �إلى المنفعـة﴿ ،
البقرة ،]269 :ولكن الحكمة ال تحقق المنفعة دائماً بطريقة مبا�شرة ،و�إنما تحققها
كذلك بطريق��ة غير مبا�شرة ،وذلك عن طريق �إجراء ح�سب��ة عقلية عملية ،من�ضبطة
فقهياً ..وهذه الح�سبة ت�أخذ في االعتبار "الم�صلحة"..
فالحكيم يح�سب الم�صلحة قبل �أن ينطق بر�أيه �أو ي�أتي بموقفه ،وبالذات عندما يكون
هذا إالن�سان في مو�ضع قيادي كالوالد والوالدة ،والمطالب ب�أن يت�صرف بحكمة في
�إدارة �أو رعاية �ش�ؤون �أ�سرته �أو م�ؤ�س�سته{ ،كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته ،إالمام
راع وم�س�ؤول عن رعيته ،والرجل راع في �أهله ،وهو م�س�ؤول عن رعيته ،والمر�أة راعية
في بيت زوجها ،وم�س�ؤولة عن رعيتها" رواه البخاري(علي �أحمد الندوي،1998 ،
�ص ..)319ولذلك جاءت القاعدة الفقهية التالية م�ؤكِّ دة على ذلك" :الت�صرف
وط بالم�صلحة"(علي �أحمد الندوي� ،1998 ،ص ..)317 على الرَّ عِ يَّة َمنُ ٌ
وهذه القاعدة مهمة ،وذات م�سا�س بال�سيا�سة ال�شرعية لي�س فقط للدولة ،و�إنما
كذلك ألل�سرة مع الفارق في العالقة بين القيادة والقاعدة ،بين الدولة أ
وال�سرة..
وتكمن �أهمية هذه القاعدة في �أنها ت�ضع حداً ووازعاً للراعي �أو القائد في كافة
عبر عنها العالمة تاج الدين ال�سبكي بال�صيغة التالية" :كل مت�صرف ت�صرفاته ،وقد ّ
عن الغير ،فعليه �أن يت�صرف بالم�صلحة"(علي �أحمد الندوي� ،1998 ،ص ،)317
146
وهذه القاعدة لها �سندها في القر�آن الكريم ،مثل ﴿
﴾الن�ساء ،]58 :فالم�س�ؤولية
تقت�ضي �أداء الواجب مع النظر في الم�صلحة ،والت�صرف في أالمر ب�أمانة"(علي
�أحمد الندوي� ،1998 ،ص ..)320
فالحكمة �آلية �أخالقية مهمة ل�ضبط اال�ستقاللية ،وجعلها �سمة فاعلة وفعالة ،مثمرة
بالمر الغريب ،فهي "ف�ضيلة ،بل ف�ضيلة الف�ضائل" ..ولذلك ومعمرة ..ولي�س هذا أ
ِّ
و�ضعها ابن م�سكويه رحمه اهلل في �صدارة الف�ضائل التي �أجمع عليها الحكماء..
يقول رحمه اهلل" :الف�ضائل �أربعة:
- 1الحكمة.
- 2العفة.
- 3ال�شجاعة.
- 4العدالة...
148
فكرة "الرتبية نحو اال�ستقاللية"
تعتبر التربية من �أهم ركائز التنمية ،ببعديها الذاتي واالجتماعي ..التنمية الذاتية
والتنمية المجتمعية ..والتربية لها �أهداف وغايات ت�سعى �إليها ،ولها كذلك و�سائل
و�آليات تحقق �أهدافها وغاياتها ..و�أحد �أبرز هذه آالليات هي �آلية "التربية نحو
اال�ستقاللية" ،نحو "القرار الذاتي واالختيار الذاتي والت�أثير الذاتي"..
ومن المفيد هنا �أن نتعر�ض لها �سريعاً ،وذات ارتباط بالتربية نحو اال�ستقاللية..
و�أول هذه المفاهيم هو مفهوم التعلم الم�ستقل ..و"التعلم الم�ستقل :هو تعلم الطالب
بمعدل �سرعة يتفق و�إمكانياته وقدراته ودون ارتباط بمعدل �سرعة تعلم زمالئه"(جابر
عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1991 ،مج � ،"4ص ..)1701
مفهوم �آخر هو مفهوم التربية الم�ستقلة ..و"التربية الم�ستقلة :هي التربية الحرة،
التربية المتحررة من �ضغوط آالخر ،من �ضغوط العولمة" ..هي التربية التي
ال ت�سمح بتدخل آالخرين في تحديد ر�ؤيتها ور�سالتها و�أهدافها ..هي التربية التي
ت�ستبعد التبعية ،وتعتمد على الذاتية ..هي التربية ،التي محدداتها ذاتية ال خارجية،
محددات تم اختيارها بحرية ال ب�ضغوط �أو ت�أثيرات خارجية..
والتربية اال�ستقاللية من منظور �إ�سالمي هي تلك التربية التي ت�ستمد جذورها
و�أ�س�س �سيرها من كتاب ربها ،و�سنة نبيها ،وال�صفحات الم�ضيئة في تاريخ �أمتها
و�أمم غيرها ،وباختيارها ..فهي كال�شجرة المباركة الموقدة ،التي ال ت�ستمد ق ُُو َتها
149
وال وقودها ،ال من ال�شرق وال من الغرب ،و�إنما ت�ستمده من نور اهلل﴿ ،
﴾
النور..35 :
والتربية الم�ستقلة ،بتلك المعاني ،هي من ناحية تربية مثالية ،ومن ناحية �أخرى
هي تربية واقعية ..هي تربية مثالية لي�س فقط ألنها تنطلق من ُم َثل عليا ،و�إنما كذلك
ألنها تعي�ش في عولمة ت�سعى �إلى فر�ض ُم ُثلها الدنيا على غيرها ..ولذلك ،ف�إن هذه
التربية تحتاج "تربية" تم ِّهد لها ،لوالدتها ،ولتطورها ..وهذه التربية التي يمكن
�أن ت�سهم في التهيئة للتربية الم�ستقلة هي التربية نحو اال�ستقاللية ..وهذا يعني
�أن التربية الم�ستقلة هي واجب غائي ن�سبي ،بينما التربية نحو اال�ستقاللية هي واجب
و�سيلي نوعي ،والقاعدة تقول" :ما ال يتم الواجب به فهو واجب"..
فعندما يتعلم أالبناء اال�ستقاللية ،يتعلمون اال�ستقاللية في التفكير ،اال�ستقاللية
في التعبير ،اال�ستقاللية في القرار ،اال�ستقاللية في االختيار ،اال�ستقاللية في
الت�أثير ،اال�ستقاللية في التغيير ..عندما يتعلم أالبناء كل ذلك ،ي�صبحون م�ؤهلين
ل�صناعة تربية م�ستقلة ،يم ِّهد الطريق ل�صناعة �سيا�سة م�ستقلة واقت�صاد م�ستقل و�إعالم
م�ستقل ..الخ ..ومعلو ٌم �أن فاقد ال�شيء ال يعطيه ..وننبه هنا �إلى �أن اال�ستقاللية والقوة
المت�ضمنة فيها ال تلغي االعتمادية واالفادة منها ،بل �إن اال�ستقاللية َتَ ْق َوى باالعتمادية
إاليجابية وتتنامى في �سقفها ..و�سن�أتي على هذا الجانب بالتو�ضيح فيما بعد..
150
فكرة التربية نحو وال�س�ؤال هنا :ما هي فكرة "التربية نحو اال�ستقاللية"؟
اال�ستقاللية تنطلق من �أن اال�ستقاللية يمكن �أن تكون �أ�سا�ساً في نفي كل ما هو
�سلبي عن النف�س وبالذات �سلبية "ال�شك" ،فال�شك نقي�ض اال�سقاللية ..ولذلك،
"علينا �أن نعلم أالطفال على اال�ستقاللية في تناول وجبات طعامهم ولبا�سهم
واالعتناء ب�صحتهم� .إذ �أن الف�شل في تعليمهم ذلك ي�ؤدي �إلى تزايد ال�شك لديهم
في قدراتهم ،ويجعلهم ي�شعرون بالخجل تجاه �أنف�سهم ..ويعد آالباء هم الم�س�ؤولون
عن هذا الجانب"(منذر عبدالحميد ال�ضامن� ،2005 ،ص ..)85
فكرة "التربية نحو اال�ستقاللية" �أي�ضاً تنطلق من فكرة الحرية ..تنطلق من فكرة
�أن الحرية هي �أ�سا�س لال�ستقاللية ،و�أن كلتيهما عمل من �أعمال التربية ،فهي �أ�سا�س
تنميتهما ..وبتعبير �آخر :كما �أن تنمية فكرة اال�ستقاللية عمل من �أعمال التربية،
ف�إن تنمية فكرة "الحرية والعمل على ممار�ستها ممار�سة فعلية عمل من �أعمال
التربية"(محمد لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)345
وال�سبب ب�شكل �أ�سا�سي يعود �إلى �أن "التربية تقوم على احترام ال�شخ�صية
إالن�سانية ومعاملة الطفل على �أنه غاية في ذاته ،وهذا يعني �أن توجه تربيته لكي
ي�ستطيع �أن يكون عاق ًال مفكراً ذكياً ي�ستطيع �أن ي�ستغله في ممار�سة حريته ممار�سة
فعلية ...و�إذا كانت تنمية العقل تُ َك ِّون حجراً �أ�سا�سياً في تربية الرجل الحر ،ف�إن التربية
تعمل على تنمية هذا العقل"(محمد لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)345
151
�أما عن تعريف التربية نحو اال�ستقاللية ،ف�إنها تعني "تنمية الذات والقدرة ال�شخ�صية
ابتداء
على المواجهة" ..ومن منطلق هذا التعريف ،ف�إن التربية نحو اال�ستقاللية هي ً
تربية للذات ،وثانياً تربية على المهارات ..هي تربية داخلية وخارجية ،بنيوية ووظيفية،
معرفية-وجدانية و�سلوكية-مهارية..
والذات هي مفهوم يفيد "كل ما في إالن�سان من خير و�شر� ،صحة ومر�ض� ،شعور
وال�شعور ،خ�صائ�صه البدنية وال�سيكولوجية ،نظرته �إلى الحياة ،ما يقبله وما يرف�ضه...
الذات هي ما يعيه إالن�سان من طبيعته الفريدة ،وما يعيه من البيئة من حوله ،وعالقته
بالبيئة ،وت�أثير البيئة فيه ...ذات إالن�سان هي إالن�سان ،كما هو عليه كائناً بيولوجياً
واجتماعياً و�إن�سانياً"(بت�صرف عن ب�شير الر�شيدي..)1999 ،
"فالذات هي كل ما يخ�ص �شخ�صية الفرد في �أبعادها الج�سمية والنف�سية
واالجتماعية� ...إن الذات تت�ضمن كل ما يدخل في مجال حياة الفرد المادية
والمعنوية ،وكل ما يمت �إلى حياة الفرد ب�صلة� ،إنها ت�شمل الج�سم والنف�س وما يرتبط
بالخرين وعالقته بالو�سط المحيط به عموماً"(ب�شير بهما ،كما ت�شمل عالقات الفرد آ
الر�شيدي� ،1999 ،ص ..)17هذه الذات تحتاج �إلى تربية تدعم من مكانتها عند
�صاحبها ،بل تربية ت�سهم في تنمية مكانة الذات عند �صاحبها ،وفي مجتمعها..
وال�سرة ينبغي �أن تحر�ص على العناية بالذات ،بذوات �أفرادها ،العناية بكلأ
ما يخ�ص هذه الذات ..هذه العناية أال�سرية بالذات التي يمكن �أن نلحظ م�ؤ�شراتها
فيما يلي:
152
-توفر أال�سرة كل ما ي�ؤدي �إلى تنمية �أج�ساد �أفرادها �صحياً ووقايتها مما قد ي�ضر
بها.
-رعاي��ة أال�س��رة لعق��ول �أفرادها بما ي���ؤدي �إلى تنمي��ة �إمكانات ه��ذه العقول
وقدراتها.
� -شحذ أال�سرة لعزائم وهمم �أفرادها بما ي�ؤدي �إلى �صالحهم دنيا و�آخرة.
-تنمية أال�سرة للجانب العقائدي لدى �أفرادها بحيث تتحول العقيدة �إلى �سلوك
نافع.
-ت�أكي��د أال�سرة عل��ى ال�صحة النف�سية لدى �أفراده��ا ووقايتهم من اال�ضطرابات
النف�سية.
-ربط أال�سرة �أفرادها ب�شبكة عالقات اجتماعية �صحية وفعالة.
-تقوي��ة روح تعاي�ش �أفراد أال�سرة مع آالخري��ن ،وقبولهم وح�سن تعاملهم معهم
وفق مبادئ وثوابت و�ضوابط محددة مثل مبد�أ "ال �ضرر وال �ضرار"..
وبناء عليه ،ف�إن التربية نحو اال�ستقاللية هي أ�و ًال تنمية للذات ،لكيً
153
وانطالقاً من �أن الذات العقلية هي ذات مح�سوبة على الذات الروحية ومو�صولة
بالذات الج�سمية ،ف�إنها -من ناحية بناء الذات الم�ستقلة -ينبغي �أن تكون محط
تركيز� ،أي �أن تكون و�سيط ي�صل الذات الروحية بالذات الج�سمية ..لذلك ،من
منظور التربية نحو اال�ستقاللية ،ف�إن "غاية التربية النهائية هي تكوين عقل منطقي
منظّ م ي�ستغل الذكاء في تحديد أالهداف واختيار الو�سائل ،ولكن في �سبيل هذا
الهدف النهائي البد من خبرات متعددة مختلفة يمر بها هذا العقل ويقطع خاللها،
وي�ستطيع �أن ي�صل في النهاية �إلى �شكله الفعال"(محمد لبيب النجيحي،1981 ،
�ص ..)346
�إن معنى الحرية ،والتي منها ت�أتي اال�ستقاللية ،يكمن في تمييزنا بين نوعين
من الخبرات ..خبرات فيزيقية عمياء وخبرات هادفة مق�صودة ،وهذه أالخيرة هي
الطريقة الذكية للتفاعل مع أالحداث ،ونحن "ن�صبح �أحراراً بامتالكنا لهذه الخبرة
أالخيرة الهادفة� ،أي �أننا ن�صبح �أحراراً بتعلمنا كيف نفكر ..وجوهر التفكير هو القدرة
على الو�صول �إلى نتائج تزيد من قدرتنا على التحكم في أالحداث ل�صالحنا،
وال يمكن �أن يكون هناك نمو في الحرية دون �أن يكون هناك ن�شاط ذلك ألن نمو
العقل ال يحدث دون ن�شاط"(محمد لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)346
وبناء عليه ،ف�إن التربية نحو اال�ستقاللية تنطلق من ذات قادرة على التفكير..
ً
تنطلق من جعل تنمية القدرة على التفكير هدف �أ�سا�سي من �أهداف التربية نحو
اال�ستقاللية ،بل وو�سيلة من و�سائلها ..فالقدرة على التفكير هي القدرة على البحث،
154
وهي القدرة على ممار�سة الحرية ال�سليمة ،وهي القدرة على ممار�سة اال�ستقاللية
بطريقة حكيمة..
وانطالقاً من �أن الخبرة بطبيعتها "خبرة مرنة متطورة ،كان هدف التفكير دائماً
هو �أن يعيد بناء هذه الخبرة ،و�أن يحدد منها حتى ت�ستطيع �أن تواجه المواقف
المختلفة ..ومن هنا كانت �إعادة بناء الخبرة ح�سب هدف معين معناها نمو العقل،
فالعقل ينمو �إذا ما ازدادت خبراته عدداً ونوعاً وعمقاً ،والعقل هو مجموعة الخبرات
التي يكت�سبها إالن�سان نتيجة تعامله مع البيئة التي يعي�ش فيها ،ونموالعقل هو نمو
هذه الخبرات"(محمد لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)347
وطبعاً لما كان �أحد أالهداف أال�سا�سية للتربية هو تنمية التفكير وا�ستثمار الذكاء،
فمعنى هذا �أن التربية تعمل من �أجل اال�ستقاللية ألنها في �أ�صلها تعمل من �أجل الحرية..
"فالت�أكيد على نمو الطفل �إنما هو ت�أكيد على تحرير قدراته العقلية من قيودها ،و�إتاحة
الفر�صة لها لالنطالق حتى ت�ستطيع �أن ت�ستخدم بطريقة فعالة �إمكانيات البيئة التي
يعي�ش فيها"(محمد لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)347
وهنا �أود �أن �أنبه �إلى �أن العقلية الحرة الم�ستقلة هنا هي لي�ست فقط عقلية منطقية
منظّ مة ،قادرة على ا�ستثمار ذكائها بما فيه نفع لها ولغيره ،و�إنما هي كذلك عقلية
�إبداعية مرنة ،قادرة على ا�ستثمار �إبداعها بما فيه نفع لها ولغيره ..بمعنى �أن العقلية
الحرة الم�ستقلة هي عقلية منطقية من ناحية وابداعية من ناحية �أخرى..
155
وال�سرة ينبغي �أن تحر�ص على تنمية العقلية الحرة الم�ستقلة لدى �أفرادها، أ
وذلك من خالل ت�أكيدها على جوانب منها:
-تنمية أال�سرة إلمكانات ذكاء �أفرادها ،بما ينمي فيهم ال�شعور باال�ستقاللية
والحرية والم�س�ؤولية.
-تنمية أال�سرة للمنطق العقلي والعملي لدى �أفرادها ،بما ي�ؤدي �إلى فعالية
إالجراءات التي يتخذونها عملياً في مواقف الحياة اليومية.
-تنمية أال�سرة للقدرات إالبداعية لدى �أفرادها ،من خالل اكت�شاف ميولوهم
وابداعاتهم ،ثم رعايتها وت�شجيعها.
-تنمية أال�سرة لروح النقد الذاتي لدى �أفرادها بحيث يكون لمراجعة �سلوكياتهم
وتح�سينها ب�شكل دوري.
-تنمية أال�سرة الروح النقدية حتى ال يكون �ضحية آالراء الخاطئة أ
والهواء
ال�ضالة.
الجانب آ
الخر في التربية نحو اال�ستقاللية هو جانب "تنمية القدرة
على المواجهة" ..والقدرة على المواجهة تبد�أ ببناء القدرة على التفكير بكافة
�أ�شكاله ،المنطقية واالبداعية وغيرها ..وقد تطرقنا في الفقرات ال�سابقة �إلى هذه
القدرة ،م�ؤكدين على �أنها �شرط لال�ستقالل ،والتفكير اال�ستقاللي �أو التفكير
الم�ستقل ..هذا التفكير الذي يمكن �أن ي�صبح تفكيراً �سليماً م�ستقيماً من ناحية،
وتفكيراً ممتعاً ومفيداً من ناحية �أخرى� ،إذا ا�ستبعدت معوقاته ،والتي منها:
156
" - 1أالخطاء المنطقية....
- 2العوامل االنفعالية والوجدانية....
- 3المعلومات الخاطئة....
- 4التقبل ال�سلبي آلراء ال�سلطة دون تمحي�ص �أو نقد ،ويق�صد ب�أ�صحاب ال�سلطة
أالفراد الذين يعتبرون حججاً في مجاالتهم....
- 5انتقاء المعلومات واال�ستنتاجات ...يميل ال�شخ�ص �إلى انتقاء المعلومات
التي ت�ؤيد وجهة نظره ،و�إلى تجاهل المعلومات التي تناق�ضها ،كما يميل
للو�صول �إلى اال�ستنتاجات التي تت�سق مع كمية المعلومات التي انتفاها،
وت�ؤكد على نجاح تنب�ؤاته التي بناها على هذه اال�ستنتاجات و�إلى تجاهل
التنب�ؤات الخاطئة التي قامت على هذه اال�ستنتاجات"(وليم عبيد وعزو عفانة،
� ،2003ص �ص ..)34-33
و�سعي التربية نحو اال�ستقاللية �إلى تنمية الذات وقدرتها على التفكير الفعال
�أ�سا�س لتنمية قدرة الذات على المواجهة ،والتي تفيد "اال�ستجابة المنا�سبة
والمالئمة للتحديات التي تواجه الذات في عالم تكاثرت فيه المتغيرات"" ،في عالم
يبدو فيه التغيير ال�شيء الوحيد الذي يظل ثابتاً"(بيتر هان�سون� ،1998 ،ص ..)1
ومفهوم الذات يلعب دوراً في طريقة ا�ستجابة الفرد للتحديات التي تواجهه..
وال�سبب في ذلك يعود �إلى �أن "مفهوم الذات لدى الفرد يحدد نوع الخبرات التي
يتعر�ض لها �أو يدركها وكيفيتها"(واال�س د .البيين وبيرت جرين� ،1981 ،ص ،)29
157
وبالتالي ،ف�إنه� ،أي ف�إن "مفهوم الذات عامل �أ�سا�سي وهام يتحكم في كل ال�سلوك
الب�شري"(واال�س د .البيين وبيرت جرين� ،1981 ،ص ..)28
وال�سلوك إالن�ساني بطبعيته يم ِّثل "ظاهرة معقدة تتحدد بعدد العوامل الداخلية
والخارجية ،العوامل الداخلية التي ترتبط بالفرد ذاته وتكوينه ودوافعه وميوله واتجاهاته
وخبراته ال�سابقة ،والعوامل الخارجية التي تتعلق بالظروف والم�ؤثرات المحيطة به،
والمواقف التي يتعر�ض لها"(�أنور ريا�ض عبدالرحيم و�آخرون� ،1996 ،ص ..)8
وال�سلوك إالن�ساني الم�ستقل ،والذي ينطلق من تلك الطبيعة ،هو اختيار ذاتي
�أو �سلوك اختياري ذاتي ي�ستفيد �أو ًال من الذات ومحتوياتها�( ،أي تكوين الفرد
ودوافعه وميوله واتجاهاته وخبراته ال�سابقة) ،وي�ستفيد ثانياً من عوامل البيئة والمحيط
(بما تت�ضمنه من م�ؤثرات وظروف ومتغيرات �أ�سرية) ..وعن�صر اال�ستفادة هو الذي
يجعل من ال�سلوك إالن�ساني الم�ستقل �سلوكاً فعا ًال..
هذا ال�سلوك الم�ستقل الفعال ي�صبح هو أال�سا�س العملي للقدرة على المواجهة..
بمعنى �أن القدرة على المواجهة تحقق ذاتها من خالل "ال�سلوك الم�ستقل"� ،سلوك
المواجهة ..ونجاح القدرة على المواجهة ،بما فيه ال�سلوكيات المترجمة لها ،هو
نجاح م�شروط ،ت�أتي ال�شروط النف�سية في �صدارتها..
وقد �سبق �أن ذكرنا �أحد �أهم ال�شروط النف�سية للقدرة الفعالة على المواجهة،
وهو �شرط بناء القدرة على التفكير ..وهنا ّنود �أن ن�ضيف �شرطاً مهماً �آخر ،وهو �شرط
158
فعالية ال�ضمير ،والذي هو في حد ذاته قدرة ..فال�ضمير كتعريف يفيد "القدرة على
التمييز بين الخير وال�شر ،النافع وال�ضار ،الكامل والناق�ص ،العلم والجهل ،الطاعة
والمع�صية ،ال�سلوك ال�صحي وال�سلوك غير ال�صحي"..
فال�ضمير بهذا المعنى مرتبط بالقدرة على التفكير ،من حيث �أن القدرة على
التفكير �أ�سا�س لفعالية ال�ضمير ..فانطالقاً من �أن ال�ضمير قدرة على التمييز ،و�أن هذه
القدرة على التمييز عملية معرفية ،فن�ستنتج ب�أن البعد المعرفي �أ�سا�س لل�ضمير ،لي�س
فقط ألن البعد المعرفي ِّيزود ال�ضمير بالمعرفة التي على �أ�سا�سها يميز ،و�إنما كذلك
ِّ
ألن البعد المعرفي يزود ال�ضمير بالقدرات العقلية التي بها يتحقق التمييز ..هذا
التمييز الذي ي�صبح تمييزاً ذي جدوى عندما يكون تمييزاً ُم َت َخ ِّلقاً ،تمييزاً ي�ستمد
نفعيته من �أخالقيات �صاحبه..
وللمزيد من التو�ضيح ،نقول ب�أن أال�سرة و�أبناءها في هذه الحياة يمكن �أن يتعر�ضوا
لتحديات ..وهذه التحديات تحتاج �إلى مواجهة ،والمواجهة قدرة ..وهذه القدرة
على المواجهة تتجلّى في �صورة ا�ستجابة ..وهذه اال�ستجابة بنبغي �أن ال تكون فقط
�صادرة عن تفكير ،و�إنما �أن تكون �صادرة كذلك من �ضمير..
وال�سبب في ذلك �أن "التحدي يتوجه �إلى �ضمير الفرد �أو الجماعة ،وتكون
مواجهته له بالقدر الذي تكون عليه �أهمية اال�ستفزاز وخطورته ،فهناك تنا�سب بين
طبيعة اال�ستفزاز وبين الموقف الذي يتخذه ال�ضمير في مواجهته ...ف�إذا افتر�ضنا �أن
159
(الجابة) عليه �ستكون
التحدي كان �ضعيفاً يحيث لم ي�صل �إلى م�ستوى معين ،ف�إن إ
هي �أي�ضاً �ضعيفة ،وبعبارة �أخرى ،ال لزوم لهذه إ
(الجابة) ،وبذلك يفقد التحدي
معناه كعامل في �إحداث التغيير"(مالك بن نبي� ،1974 ،ص ..)19
حد ينبغي �أن يبد�أ منه التحدي لكي يكون تحدياً مفيداً في بناء �إذاً هناك ٌّ
ال�شخ�صية الم�ستقلة الفعالة ،بناء ال�شخ�صية القادرة على االعتماد على نف�سها ،بناء
ال�شخ�صية الحرة ذات المبادرة الذاتية الناجحة واال�ستجابة الذاتية الناجحة ..وهذا
الحد يطلق عليه توينبي "(التحدي المنا�سب) ،الذي ي�ستلزم ن�شوء (�إجابة) كافية
لتحريك �أ�سباب التغيير"(مالك بن نبي� ،1974 ،ص ..)19
"ثم �إن فاعلية إالجابة تنمو متنا�سبة مع قيمة التحدي ،حتى ي�صل �إلى حد معين،
ف�إن ا�ستمر في نموه ،ف�إنه ي�صبح منعدم الت�أثير ،ألنه ين�صب �أمام ال�ضمير ا�ستحالة لي�س
فالجابة في هذه الحال ت�صبح عديمة الجدوى ...وهكذا ي�ضع في طوقه �أن يحلها .إ
توينبي التغيير االجتماعي بين حدين ،ال يتم خارج نطاقهما ،وذلك في حالة �شبيهة
بالفراط تن�ش�أ عن زيادته على قدر
بالتفريط تن�ش�أ من نق�ص في التحدي� ،أو �شبيهة إ
معين"(مالك بن نبي� ،1974 ،ص ..)20
�إذاً أال�سرة ت�سطيع �أن تبني �أبناء م�ستقلين فعالين عن طريق منظومة (تحدي-
ا�ستجابة) ،و�أن ك ًال من التفكير وال�ضمير لهما ن�صيب أال�سد في نجاح هذه المنظومة
في مهمتها ،مهمة بناء االبن الم�ستقل �أو ًال والفعال ثانيا� ،شريطة �أن يكون التحدي
160
لل�ستجابة له� ،أي لمواجهته ..ومعلو ٌم �أن أالبناء ،الذين ٍ
كاف لدفع طاقة إالن�سان إ
يواجهون التحدي عن طريق تغيير �شرائط حياتهم تغييراً تاماً ،هم المر�شحون إلقامة
�أ�سرة متح�ضرة ومجتمع متح�ضر ،ي�شهد على غيره ،ور�سوله يكون �شاهداً عليه،
﴾الحج..]78 : ﴿
وفيما يلي مجموعة من ال�شواهد التي تد ِّلل على دور أال�سرة في انجاح ا�ستجابات
�أفرادها اتجاه ما يواجههم من تحديات:
-تهيئة أال�سرة �أبنائها للحياة وتحدياتها.
-توفير أال�سرة المعلومات الالزمة والكافية حول المحيط والتاريخ.
-توفير أال�سرة الدعم النف�سي-االجتماعي ألبنائها بحيث ي�شعرون بالقوة حتى
في �أ�صعب أالوقات.
بالمكانيات المتاحة في بيئتهم وتعليمهم كيفية اال�ستفادة -توعية أال�سرة �أبنائها إ
منها.
-م�ساعدة أال�سرة �أبنائها على �إنجاح مبادراتهم الذاتية وتوفير كافة ال�سبل
الممكنة من �أجل ذلك.
نخل�ص مما تقدم �إلى �أن إالفادة من فر�ص العولمة تحتاج �إلى �إن�سان تعلّم كيف
يكون م�ستق ًال من ناحية ،ومفيداً من ناحية �أخرى ..مثل هذا إالن�سان هو َّ
المر�شح
القتنا�ص فر�ص العولمة وتحويلها �إلى منافع ،ذاتية من ناحية واجتماعية �أو مجتمعية
من ناحية �أخرى ..والطريق �إلى �صناعة هذا إالن�سان يكون عن طريق ما �أ�سميناه
161
بالتربية نحو اال�ستقاللية ،والتي نرى ب�أن هدفها الرئي�سي هو "�أن ي�صبح إالن�سان
حراً من ناحية ،وم�س�ؤو ًال من ناحية �أخرى ،بحيث تكون الم�س ؤ�ولية �ضابطاً لتلك
الحرية"؛ مع أالخذ في االعتبار �أن التربية نحو الحرية ذاتها تعني تنمية ا�ستقاللية
الذات..
وتجدر إال�شارة �إلى �أن التربية نحو اال�ستقاللية لها �أ�سبابها الم�س�ؤولة عنها وعن
�إنتاجها ونجاحها ،ونتائجها المترتبة على فعالية حركة �أ�سبابها وعوامل وجودها..
ويمكن قراءة أال�سباب والمترتبات من خالل زوايا عديدة ،ولعل �أحد هذه الزوايا
هي الزاوية النف�سية ،و�سن�أخذ مث ًال �إريك �أريك�سون ك�أحد ِّ
المعبرين عن هذه الزاوية..
وزاوية ثانية �سنركِّ ز عليها هي الزاوية االجتماعية ،نر�صدها من منظورها العام ومنظور
إال�سالم� ،إ�ضافة �إلى الزاوية التربوية..
162
�شروط الرتبية نحو اال�ستقاللية
أال�سرة هي آاللية االجتماعية التي يمكن �أن تمنح أالبناء ا�ستقال ًال ينفعهم
�أو تمنحهم ا�ستقال ًال ي�ضرهم ،وهذا يعتمد على مدى تمتعها بنمط حياة ،بثقافة،
تحكمه معايير �إ�سالمية ،ت�ؤ�س�س لجو من المودة والرحمة ،يحمي أال�سرة من دفع
فاتورة م�شكالتها الداخلية وتهديدات العولمة الخارجية..
و�إعادة بناء أال�سرة لكي تكون من�ضبطة �إ�سالمياً ،وبالتالي قادرة تربوياً ،هو ال�ضمان
لتمكينها من بناء �أبناء يتمتعون باال�ستقاللية النافعة ،يتمتعون ب�شخ�صيات م�ستقلة،
قادرة على النفع ،بل و�ساعية في طريقه� ،إما ب�شكل مبا�شر� ،أي بالفعل� ،أو ب�شكل غير
مبا�شر� ،أي با ّلدل ،وفي الحديث ال�صحيح�" :إن الدال على الخير كفاعله"(محمد
نا�صر الدين أاللباني" 1982 ،مج � ،"2ص ..)59وهذا يقودنا �إلى أال�سرة والتربية
الم�شروطة نحو اال�ستقاللية..
163
حرة ،وللعقلية لكي فالتربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية للذات لكي تكون ّ
تكون م�ستقلة ،وللقدرة لكي تكون فعالة في المواجهة ..التربية نحو اال�ستقاللية
هي تربية في االعتماد على الذات وعلى التجريب والقيام بمبادرات ..التربية نحو
ت�شجع أالبناء على اتخاذ القرارات ..وهذه التربية تحتاج
اال�ستقاللية هي التربية التي ِّ
�إلى �شروط ت�سهم في مجيئها �إلى الوجود ،وعوامل ت�سهم في منحها نجاحاً �إلى �أبعد
الحدود ..وفيما يلي �أهم هذه ال�شروط..
164
ال�شرط رقم ( :)1التربية نحو الحرية..
التربية نحو الحرية هي �شرط �أ�سا�س من ال�شروط التي تلد التربية نحو اال�ستقاللية
بالمر الم�ستغرب ،فالحرية هي أال�سا�س في بناء وتمنحها فعاليتها ..ولي�س هذا أ
إالن�سان وتطوره ،بقاء المجتمع وتنميته ..هي أال�سا�س ال�ستقاللية ال�شخ�صية ،ولدفع
عجلة الح�ضارة دائماً �إلى أالمام ..ولذلك ف�إن الـ"حرية هذه هدف تربوي يجب �أن
تعمل التربية على تحقيقه ،ألنه يكون عن�صراً �أ�سا�سياً في �شخ�صية الفرد إالن�ساني
المعا�صر ،الذي يتعامل مع بيئة مع ّقدة متميزة ،والذي يعمل على �أن ي�صنع حياته
بنف�سه ،و�أن ي�ستغل هذه البيئة �إلى �أق�صى حد ممكن حتى ي�ستطيع �أن ي�صنع حياته
وي�شكل تاريخه ويحدد م�صيره"(محمد نجيب لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)319
وفي الفقرات التالية تو�ضيح لفكرة التربية نحو الحرية ولدورها في التربية نحو
اال�ستقاللية..
ابت��داء نق��ول ب���أن الحري��ة َم ْعلَم م��ن معال��م التفكير ف��ي إال�سالم ،وه��و �أحد
ً
وال�سالم منح المعال��م "للتفكي��ر الم�سلم"(زهير المن�صور��� ،1985 ،ص .. )197إ
الحري��ة مقاماً عالياً ،بحيث –كم��ا يقول عمر عبيد ح�سنه" -جع��ل حرية التدين،
والت��ي تعتبر من �أرقى الحق��وق إالن�سانية ،وت�أ�صيل كرامة إالن�س��ان ،خياراً ال �إكراه
فيه"(�أحم��د الري�سون��ي ومحمد الزحيل��ي ومحمد عثمان �شبي��ر� ،2002 ،ص ،)5
﴾ ﴾البقرة﴿ ،]256 : فقال تعالى﴿ :
﴾يون�س﴿ ،]99 : الغا�شية﴿ ،]22 :
﴾النور..]54 : ﴾�آل عمران﴿ ،]20 :
165
�إذاً حرية إالن�سان وا�ستقالليته تكت�سب م�شروعيتها من كرامة هذا إالن�سان ،من
فالن�سان -كما�إن�سانية هذا إالن�سان ،والتي هي ت�سبق في �أهميته حقوق إالن�سان ..إ
مكرم بتكريم اهلل له ،قال تعالى ﴿
يو�ضح عمر عبيد ح�سنه -هو "مخلوق ّ ِّ
﴾ال�سراء ،]70 :يمتلك العقل الذي يجعله �أه ًال لالختيار ،فهو مختار
إ
كذلك� ،أراد اهلل له �أن يريد ويختار ،واالختيار من �أعلى درجات التكريم ،وبذلك
فهو المخلوق المكلّف الم�س�ؤول ،وال م�س�ؤولية بدون حرية ،ف�إذا �سقطت أالهلية
(العقل) رفعت الم�س�ؤولية ،و�إذا �أخذ ما وهب �سقط ما وجب"(�أحمد الري�سوني
ومحمد الزحيلي ومحمد عثمان �شبير� ،2002 ،ص �ص ..)6-5
ولذلك -كما يقول عمرعبيد ح�سنه -ب�أن تعريف إالن�سان وتمييزه عن �سائر
المخلوقات يكمن في كونه "المخلوق المكلف� ،أي الم�س�ؤول ،و�أن �أي انتهاك
لحرية االختيار اعتداء على �إن�سانية إالن�سان و�إهدار آلدميته"(�أحمد الري�سوني
ومحمد الزحيلي ومحمد عثمان �شبير� ،2002 ،ص ..)6
والحرية التي نق�صدها هنا ،والتي هي محط تركيز التربية- ،هي في حدودها
الدنيا" -حرية الذكاء وحرية العمل وحرية اختيار أالهداف والو�سائل ..ولهذه
الحرية عنا�صر ثالثة :العن�صر أالول كفاية في العمل وقدرة على التنفيذ و�إزالة
فالن�سان حر �إذن في القيام بعمل معين �إذا كانت لديه للعقبات وال�صعاب ....إ
القدرة الالزمة للقيام بهذا العمل ...والقدرة للقيام بعمل معين تعتمد �أ�سا�ساً على
الذكاء ،ذلك ألن الذكاء هو مفتاح الحرية في العمل ،فنحن نكون قادرين على التقدم
بنجاح في عمل معين �إذا كنا قد ا�ست�شرنا الظروف و�شكلنا المخطط الذي ي�ستغل
هذه الظروف ويتعاون معها"(محمد نجيب لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)320
166
وننتقل �إلى العن�صر الثاني من عنا�صر الحرية ،وهو "القدرة على تنويع المخططات
حتى يتغير مجرى العمل ،وحتى ن�ستطيع ممار�سة الجديد ..فالجديد والمخاطرة
والتغير من مكونات الحرية أال�سا�سية التي يرغبها إالن�سان� ..إن التنويع في
المخططات هو الذي يظهر الفرق بين الحر والم�ستعبد ..فالفرد الذي يتبع مخططات
جامدة ال ي�ستطيع �أن يغير فيها ح�سب الظروف والمالب�سات ال يتمتع بالحرية ..وما
لم تظهر ال�شخ�صية إالن�سانية تغلبها على �صعوبة جديدة �أو قهرها إلغراء غير متوقع،
ف�إننا ن�شك في تمتعها بحريتها ،ذلك �أن القدرة على تنويع المخططات ت�ؤدي �إلى
فالن�سان الذيالقدرة على االختيار ،وال يكون هناك اختيار دون �إمكانيات متغيرة ..إ
ي�ستطيع �أن يت�صرف ح�سب الظروف و�أن يغير من القواعد في �إطار معين� ،إنما يتمتع
هذا ال�شخ�ص بالحرية"(محمد نجيب لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)321
�أما العن�صر الثالث من عنا�صر الحرية ،ف�إنه القدرة على �أن ت�صبح الرغبة واالختيار
عاملين في ما يقوم به الفرد من �أعمال ..وهذا يعني "�أن ت�صبح الرغبة قوة ،واالختيار
عام ًال فعا ًال ،وت�صبح بذلك إالرادة �أو الن�شاط الق�صدي الذي يقوم به إالن�سان
عاك�ساً لهذا العالم ،مقيا�س حريتنا على هذا أال�سا�س هو التنب�ؤ ب�أنواع االختيار
المو�ضوعية الم�ستقبلة ،والقدرة على اختيار واحد منها عن طريق المداولة الفكرية
حتى ن�ستطيع بذلك �أن نعرف فر�صته في النجاح �أو في الف�شل في الم�ستقبل..
وعندما ت�صبح الرغبة قوة ،واالختيار و�سيلة �أ�سا�سية ،ف�إننا ن�ستطيع ال�سيطرة على
إالمكانيات الم�ستقبلة التي تتكون �أمامنا ،وهذه ال�سيطرة هي جوهر حريتنا"(محمد
نجيب لبيب النجيحي� ،1981 ،ص ..)322
167
ووفقاً لما تقدم ،نقول ب�أن التربية أال�سرية نحو الحرية ينبغي �أن تنطلق من تربية
أالبناء على اال�ستقالل ،وعلى العمل ،وعلى التعامل الفعال ..تربية على اال�ستقالل
في التفكير والقرار واالختيار ،وعلى العمل المترجم لمعطيات ذلك اال�ستقالل،
وعلى التعامل الفعال مع ما يمكن �أن تواجه ذلك العمل من م�شاكل ..ومجموع
هذه العمليات فيها �إ�شارة �إلى قدرته في ال�سيطرة ..ال�سيطرة على ذاته والمحيط
الذي يعي�ش فيه ،بل وت�أثيرات المحيط القريب والبعيد ..وهذه ال�سيطرة ت�صبح هي
�أ�سا�س حريته ،وبالتالي �أ�سا�س ا�ستقالليته..
نخل�ص مما تقدم �إلى �أن التربية أال�سرية نحو الحرية هي تربية ت�ؤ�س�س للتربية نحو
اال�ستقاللية ،وال�شواهد على ذلك عديدة ،منها:
-تعويد أالبناء على االعتماد على الذات.
-تعويد أالبناء على �أخذ المبادرات (مثل من خالل ا�شراكهم في القرارات
أال�سرية).
-تعويد أالبناء على بناء ت�صورات ذاتية لم�ستقبلهم ،مع توجيه أال�سرة لذلك.
-تعويد أالبناء على االعتماد على آالخرين ب�شكل نافع ومعتدل.
-تطوير أال�سرة لعادات أالبناء ال�صحية ،ال�سابقة وغيرها مثل النظامية واالن�ضباط
بما ي�ؤدي �إلى تمتع أالبناء بحياة منظّ مة ،وكذلك تطوير مهاراتهم العقلية
والوجدانية والعملية.
168
ال�شرط رقم ( :)2الرغبة الذاتية في اال�ستقالل..
الرغبة �أ�سا�س لال�ستقالل ..الرغبة �شرط ل�ضمان تربية �أ�سرية قادرة على منح
أالبناء ا�ستقالليتهم ،منحهم ال�شعور باال�ستقالل ..والرغبة هنا لي�ست فقط قا�صرة
على رغبة أال�سرة في تن�شئة �أبنائهم على اال�ستقالل ،و�إنما رغبة ه�ؤالء أالبناء �أو
ا�ستعدادهم لال�ستقالل� ..إذاً نحن في حاجة �إلى نوعين من الرغبات :رغبة جماعية،
نابعة من أال�سرة ،ورغبة فردية ،نابعة من الفرد ..فالرغبة هي �أحد محركات ال�سلوك،
�سواء �أكان �سلوكاً فردياً �أم �سلوكاً جمعياً..
ً
وننبه هنا �إلى �أنه في حين �أن التربية أال�سرية نحو الحرية تمثل �شرطاً خارجياً مهماً،
ف�إن الرغبة الذاتية في اال�ستقالل تمثل �شرطاً داخلياً مهماً ..واال�ستقالل يمكن �أن
يجلب معه المال� ،إذا �أ ُْح ِ�سن التعامل معه ..ومعلو ٌم ب�أن "ت�سعة �أع�شار الرزق في
التجارة ،وال ُع ْ�شر في الموا�شي" حديث نبوي ح�سن إال�سناد(عبدالر�ؤوف المناوي،
طبعة بدون تاريخ "مج � ،"3ص ،)244عندما تكون هذه التجارة مح�سوبة في ابتدءها
وخطواتها وعواقبها ،عندما ت�سير هذه التجارة ب�شكل مرتب في ح�صد المكا�سب،
في تخطي الم�صاعب وفي تحويل المواهب �إلى مكا�سب" ..واال�ستقاللية هي �آلية
هامة من آالليات التي تم ِّهد الطريق لوالدة التجارة وتطورها..
170
(ال�سمع والب�صر والف ؤ�اد)"(جودت �سعيد� ،1987 ،ص ..)83وهنا نود �أن ِّنبين ب�أن
ك ًال من ال�شعور والال�شعور� ،إ�ضاف ًة �إلى م�ؤثرات الطفولة والبيئة ،قد يتدخالن في
�سالمة هذه إالرادة" ،ومع ذلك ،ف�إن العقل قادر -حين ُي ْ�س َت ْخدم ا�ستخداماً �سليماً-
�أن يميز الخط�أ من ال�صواب ،ويعرف �أدلة ال�صواب والخط�أ؛ وبذلك ت�ستمر �سالمة
إالرادة مع �سالمة جهاز المعرفة في إالن�سان"(جودت �سعيد� ،1987 ،ص ..)83
فالرادة تتمثل في �صورة عقل ..فمث ًال �إذا ُعرِ�ض "ال�شيء الح�سن �أو القبيح على إ
العقل ،فيقبله �أو يرف�ضه"(جودت �سعيد� ،1987 ،ص ..)80وقبول العر�ض لل�شيء
من عدمه يرجع �إلى م ُث ُله العليا� ..إذاً " إالرادة وظيفة العقل الذي يميز إالن�سان عن
�سائر الحيوانات"(جودت �سعيد� ،1987 ،ص ،)80والعقل يت�صرف وفقاً ُ
للم ُثل
�سواء �أكانت ُم ُثل عليا �أو ُم ُثل دنيا..
التي ت�ؤثر فيه ً
االختيار
إالرادة
العقـل
الم�ستتر الظــاهر
وال﴾ال�سراء]36 :
إ ﴿�إن ال�سمع والب�صر والف�ؤاد كل �أولئك كان عنه م�س� ؤ
171
ال�شكل رقم ( )7يبين �أن إالرادة تحقق ذاتها من خالل االختيار ،والذي هو في �أ�سا�سه اختيار
ِّ
العقل ،وهذا العقل يم ِّثل جهاز التمييز في إالن�سان ،ببعيديه ،الظاهر (�سمع-ب�صر) وغير الظاهر (�أي
الف�ؤاد) ،والذي به نف�سر ما ن�صل �إليه عن طريق ال�سمع والب�صر (مثل المعلومات وال�صور ،الم�ؤثرات
أ
وال�صوات).
وننبه هنا �إلى نقطة �أخيرة وهي �أن إالرادة تتحول �إلى فعل �إذا �صاحبتها
"الرادة الجازمة هي التي يجب وقوع
و�ساندتها القدرة ..يقول ابن تيمية رحمه اهلل :إ
الفعل معها �إذا كانت القدرة حا�صلة ،ف�إنه متى وجدت إالرادة الجازمة مع القدرة
التامـة وجب وجود الفعل لكمال وجود المقت�ضي عن المعار�ض المقاوم"(طبعـة
1382هـ "مج � ،"10ص ..)722والمق�صود بعبارة "لكمال وجود المقت�ضي عن
المعار�ض المقاوم"� ،أي" :ا�ستيفاء ال�شروط وانتفاء الموانع"(جودت �سعيد،1987 ،
�ص ..)12
للرادة الن�شطة" ،والتي هي �أ�سا�سوا�ضح مما تقدم �أن "الرغبة :هي �أ�سا�س إ
ٌ
لالختيار ،والذي ي�ؤ�س�س للتنفيذ ..فالرغبة ت�سبق إالرادة ،واالختيار يلحق إالرادة،
يو�ضح ذلك:والتنفيذ هو نهاية العملية ،والمخطط التالي ِّ
تنفيذ] .. اختيار �إرادة رغبة
ون�ضيف هنا ب�أن "الرغبة :هي كذلك ثمرة للرجاء الن�شط" ..وبتعبير َّ
مو�سع
�أكثر" ،الرغبة :هي من الرجاء بالحقيقة ،ألن الرجاء طمع يحتاج �إلى تحقيق،
والرغبة �سلوك على التحقيق"(ابن قيم الجوزية ،طبعة " 1973مج � ،"2ص ..)56
�إذاً "(الرجاء) طمع ،والرغبة طلب ،فهي ثمرة الرجاء ،ف�إنه �إذا رجا ال�شيء طلبه..
172
والرغبة من الرجاء كالهرب من الخوف ،فمن رجا �شيئاً طلبه ورغب فيه ،ومن خاف
�شيئاً هرب منه"(ابن قيم الجوزيـة ،طبعة " 1973مج � ،"2ص ..)55
ووفقاً لما تقدم ،نقول ب�أن التربية أال�سرية نحو الحرية ينبغي �أن تنطلق بتربية
والرادة ،والتف�ضيل واالختيار ،وعلى ما يترتب عليهما من عمل،أالبناء على الرغبة إ
أ
﴾النبياء،]90 : يكون �أ�سـا�ساً لكل خـير ينالـه المـرء﴿ ،
يقرب �إليهما من عمل ،ورهب ًة من العقاب والنار
رغب ًة في الثواب والجنة وكل ما ِّ
يقرب �إليهما من عمل..وكل ما ِّ
والتربية أال�سرية ينبغي �أن تربي أالبناء على �أن الذي يقف بينهم وبين نفعهم
ونفع غيرهم هو وجود رغبة لديهم من عدمها ..ومثال على ذلك فكرة "الحرج
االجتماعي" ،فهناك من يريد �أو يرغب في الخروج من الحرج نافعاً لذاته ولغيره،
وهناك من يريد �أو يرغب في الخروج من الحرج نافعاً لذاته فقط� ،أو قل غير راغباً في
�إحراج نف�سه ،فال ي�سعى �إلى البحث عن مخرج لغيره بما يعود عليهم بالنفع..
�إذاً التربية أال�سرية ينبغي �أن تبني لدى �أبنائها رغبة في الخروج من الحرج من
يفكرون من خالل منظار "الحرج" ،في�ؤدي ذلكخالل ابتكار مخرج ..فهناك �أبناء ِّ
يفكرون منبهم �إلى ت�ضييع الفر�ص على �أنف�سهم وعلى غيرهم ،وهناك �أبناء ِّ
خالل منظار البحث عن "مخرج من الحرج" ،حتى ال تفوت الفر�ص بدون اقتنا�ص
مفيد لهم ولغيرهم ولمن حولهم..
173
نخل�ص مما تقدم �إلى �أن التربية أال�سرية نحو تكوين الرغبة الذاتية في اال�ستقالل
لدى أالبناء هي تربية ت�ؤ�س�س �أ�ص ًال للتربية نحو اال�ستقاللية ،وال�شواهد على ذلك
عديدة ،منها:
-تعويد أالبناء على التعبير عن رغباتهم ب�شكل مقبول اجتماعياً.
وتعدل من �أفكارهم. -عدم كبت أال�سرة لرغبات �أبنائها ،بل تحاورهم ِّ
-توفير فر�ص الحوار للتعبير عن الرغبات والح�صول على تغذية راجعة لتن�ضيج
تلك الرغبات.
-توفير مناج خالي من القهر وال�شدة والغلظة داخل أال�سرة.
-توفير جو من الرحمة واللين والرفق والمودة داخل أال�سرة.
174
ال�شرط رقم ( :)3الثقة بالنف�س..
التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية م�شروطة بتوفر عامل نف�سي �آخر،
بال�ضافة �إلى العامل النف�سي ال�سابق� ،أي عامل "الرغبة في اال�ستقالل" ..وهذا إ
العامل النف�سي الجديد هو "الثقة بالنف�س"� ،إح�سا�س أالبناء بثقتهم ب�أنف�سهم..
وهذا يعني �أن �إرادة اال�ستقالل قد تكون موجودة لدى أالبناء ،ولكن في غياب
الثقة بالنف�س ،ف�إن هذه إالرادة �ستف ِقد فاعليتها ولن ت�أتي بالثمرة ُ
المرج َّوة منها..
�آية وفكرة
﴾النعام]12 :
أ في قوله تعالى ﴿
حرة وم�ستقلة،
دليل على �أن إاليمان قرار �شجاع ينبع من نف�س ّ
ودليل على �أن الذي خ�سر نف�سه ،فال يثق بها �أو جعلها �أ�سيرة للعادات و�أهواء
آالخرين ،ف�إنه ال يقدر على اتخاذ مثل هذا القرار ال�شجاع.
ابتداء نقول ب�أن اكت�ساب إالح�سا�س بالثقة ي�ؤ ِّ�س�س الكت�ساب االح�سا�س ً
باال�ستقالل الذاتي ،ومعه �ضبط الذات ..وهذه الثقة م�شروطة بنوعية التربية التي
يتعر�ض لها االبن في �أ�سرته ،ف�إذ كانت التربية التي يتلقاها الطفل تتميز بالقبول
واالت�ساق ،ف�إن الطفل �سينظر �إلى العالم على �أنه مكان �آمن ،تتوفر فيه الثقة..
وفي المقابل�" ،إذ كانت التربية التي يتلقاها الطفل تتميز بالرف�ض وعدم االت�ساق،
ف�إن الطفل �سينظر �إلى العالم على �أنه مكان خطير ال تتوافر فيه الثقة ..فالقائمين
175
على تربية الطفل ( )Caregiversهم الم�س�ؤولون اجتماعياً عن ت�شكيل الطفل بهذا
االتجاه� ..إن تقليل المخاوف لدى الطفل وتوفير أالمن له يجعله ينظر �إلى العالم ب�أنه
مكان جيد للعي�ش فيه"(منذر عبدالحميد ال�ضامن� ،2005 ،ص ..)85
والثقة بالنف�س كمفهوم يرتبط بالخوف ..ومعلو ٌم �أن الخوف في بع�ض أالحيان
م�س ؤ�ول عن ال�ضعف ك�ضعف الثقة بالنف�س ،والتي تم ِّثل �أ�سا�ساً ل�ضعف روح
اال�ستقاللية في أالبناء؛ وقد �أ�شارت الدرا�سات النف�سية �إلى ذلك ،حيث ّبينت
ب�أن هناك �صفة كثيرة ال�شيوع ترتبط "بمو�ضوع الخوف ...وهي �ضعف الروح
اال�ستقاللية في أالفراد ..ويكون هذا دا ًال في الغالب على فقد أالمن �أو وجود
الخوف"(عبدالعزيز القو�صي� ،1975 ،ص ..)327
وهناك مظاهر ل�ضعف اال�ستقاللية المترتب على �ضعف الثقة بالنف�س" ،ومن
مظاهر هذا ال�ضعف :التردد ،وانعقاد الل�سان في المجتمعات والتهتهة واللجلجلة،
واالنكما�ش ،والخجل وعدم القدرة على التفكير الم�ستقل ،وعدم الجر�أة ،وتوقع ال�شر
و�شدة الحر�ص ،وت�ضييع الوقت بعمل �ألف ح�ساب لكل �أمر �-صغيراً وزيادة الخوف ّ
كان �أو كبيراً -قبل البدء فيه حتى ال يخرج منحرفاً قيد �شعرة عن الكمال ...ومن
والجرام ...وهذه الغريب �أن من مظاهره كذلك التهاون واال�ستهتار و�سوء ال�سلوك إ
ال�صفات كلها يجمعها �أو يجمع ما وراءها ما ي�سميه النا�س �شعوراً بالنق�ص �أو �ضعف
ثقة بالنف�س �أو جبنا� ..أو ما �إلى ذلك"(عبدالعزيز القو�صي� ،1975 ،ص ..)327
176
ويرى علم النف�س ب�أن إالح�سا�س العام بالثقة في آالخرين ،ينبغي �أن تتجه التربية
ابتداء من ال�سنة أالولى من عمره ..وال�سبب في ذلك أال�سرية �إلى بنائه في الطفل ً
ال�سا�سي لل�شخ�صية ال�صحيحة ...والطفل هو �أن "االح�سا�س العام بالثقة هو المحور أ
الذي لديه ثقة �أ�سا�سية داخلية ،يرى العالم االجتماعي عالَماً �آمناً ،ومكاناً م�ستقراً ،ويرى
النا�س عطوفين ،موثوقاً بهم ،و�أن هذا إالح�سا�س بالثقة واليقين يكون خالل هذه
الفترة �شعورياً �إلى حد ما"(�سهير كامل �أحمد� ،2004 ،ص ..)236
ويرى عالم النف�س اريك �أريك�سون ب�أن "مدى قدرة أالطفال على اكت�ساب الثقة
في آالخرين وفي العالم يتوقف على نوعية رعاية أالم لهم"(�سهير كامل �أحمد،
� ،2004ص ..)236أ
فالم هي م�صدر �إ�شباع الطفل و�أمنه ،و�أن ثقة هذا الطفل ال تعتمد
على مقدار الطعام الذي يتلقاه الطفل ،و�إنما على قدرة والديه ،وبالذات �أمه" ،على
باللفة للطفل وباالت�ساقية وباال�ستمرارية وبتماثل الخبرة"(�سهير توفير إالح�سا�س أ
كامل �أحمد� ،2004 ،ص ..)236
هذا وي�ؤكد �أريك�سون �أن أالطفال ينبغي �أن ال يتعلموا -عبر تربية �أ�سرهم لهم� -أن
يثقوا فقط في العالم الخارجي ،و�إنما ينبغي "�أن يتعلموا الثقة في �أنف�سهم"(�سهير
كامل �أحمد� ،2004 ،ص ،)236وفي قدرتهم على التعامل ب�شكل �صحي وفعال
مع رغباتهم الج�سدية ،و"يظهر هذا ال�سلوك حين ي�ستطيع الطفل �أن يتحمل غياب
أالم دون �أن يعاني من قلق االنف�صال بمعناه الكبير"(�سهير كامل �أحمد،2004 ،
�ص ..)236
177
�إن ما يثير أالزمة النف�سية االجتماعية أالولى في حياة الطفل� ،أي �أزمة الثقة
في مقابل عدم الثقة ،هي نوعية رعاية أالم" ،ف�إذا كانت رعاية أالم تت�سم بعد
الثبات وعدم الموائمة ،وكذلك النبذ -ف�إن الطفل يعاني �أزمة نف�سية اجتماعية،
�أ�سا�سها اتجاه م�ضمونه الخوف وال�شك والرهبة من المجتمع والنا�س ،وتظهر آالثار
ال�سلبية لهذا االتجاه في مراحل النمو الالحقة ،ويوجد هذا االتجاه ويتدعم عندما
تن�شغل أالم عن الطفل"(ب�شير �صالح الر�شيدي و�إبراهيم محمد الخليفي،1997 ،
�ص ..)471
طبعاً من ناحية �أخرى ،ف�إن م�شاعر عدم الثقة لدى الوليد تكون في حالة تباين
�أ�ساليب رعاية الوالدين له ،ونق�ص ثقتهم في دورهم الوالدي ،وتباين القيم بينهما
وتعار�ض ن�سق القيم ال�سائدة في المجتمع –كل هذه أالمور قد تف�ضي �إلى ق�صور نمو
إالح�سا�س بالثقة ،في�صبح الطفل عر�ضة للت�شو�ش الذهني ،والغمو�ض ،واالكتئاب
الحاد ،وال يتحمل ما يخبره من �إحباطات خالل مراحل نموه المختلفة"(ب�شير
�صالح الر�شيدي و�إبراهيم محمد الخليفي� ،1997 ،ص ..)471
كذلك يرى عالم النف�س اريك�سون ب�أن أ
"المهات في الثقافات المختلفة ،ومن
الطبقات االجتماعية المتباينة� ،سوف يع ِّلمون الثقة وعدم الثقة ألطفالهم ،بطرق
مختلفة ،وبالتالي يعك�سون �أثر التباين الثقافي ،ومع ذلك ف�إن اكت�ساب إالح�سا�س
بالثقة عامي في جوهره ،بمعنى �أن الفرد ي�ستطيع �أن يثق في العالم االجتماعي من
خالل �أ ِّمه ،و�أنها �سوف ُت َع ِّوده وتطعمه الطعـام المنا�سب في الوقت المنا�سب"(�سهير
كامل �أحمد� ،2004 ،ص ..)237
178
وكخال�صة ،نقول ب�أن التربية أال�سرية التي تنجح في زرع الثقة بالنف�س والنا�س
لدى �أبنائها� ،ستمنحهم �أمالً" ..فالثقة تعني قدرة الطفل على ا�ست�شراق أالمل ،وهذا
بدوره هو �أ�سا�س �إيمان الرا�شدين"(�سهير كامل �أحمد� ،2004 ،ص � ،)236إيمانهم
بالدين؛ أ
والمل هو عن�صر مفيد لالبن ،يفيده في المحافظة على �إيمانه ،وعلى "اعتقاده
بعالم ثقافي م�شترك له معناه وقيمه"(�سهير كامل �أحمد� ،2004 ،ص ..)236
فالتربية أال�سرية نحو تكوين الثقة لدى أالبناء هي تربية ت�ؤ�س�س للتربية نحو
اال�ستقاللية ،وال�شواهد على ذلك عديدة ،منها:
-تربية أالبناء على الثقة بالنف�س.
-تربية أالبناء على االتجاه نحو النا�س واالبتعاد عن االنعزالية ال�سلبية.
-تربية أالبناء على تمثل الحياء ونبذ الخجل ،حيث �أن ال�شخ�ص الخجول
"اليرى جيداً ،و�أفكاره م�ضطربة م�شو�شة ،وال يعود قادر على المالحظة ،وك�أن
�ضباباً ي�شتمل نف�سه ...وال يفكر �إال في �شيء واحد :وهو كيفية التخل�ص من
الم�أزق الحرج واالختباء"(�سمير عبده� ،1983 ،ص ..)97
-تربية أالبناء على التخل�ص� ،أي التغلب من الخوف من النا�س.
-تربية أالبناء على ُح ْ�سن التكيف.
179
ال�شرط رقم ()4
التفكير "فوق المعرفي "Metacognitive Thinking
التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية م�شروطة بتوفر عامل نف�سي ثالث،
ولكنه ذو طبيعة معرفية ،وهو عامل "التفكير فوق-المعرفي" ..وهذا العامل النف�سي
المعرفي الجديد ،يم ِّثل �أ�سا�ساً في للتربية نحو اال�ستقاللية ،لماذا؟ ألنه في �أب�سط
وظائفه يغذي اال�ستقالل ،بل يغذي اال�ستقالل الفعال..
ابتداء نقول ب�أن مفهوم "الماوراء -معرفي �أو ما فوق المعرفة "Metacognition ً
يعن��ي "التفكي��ر ف��ي التفكي��ر (� )Thinking about thinkingأو وع��ي الف��رد
بعملي��ات التفكير الت��ي تح�صل �أثناء التفكير� ،أو مراقبة التفكي��ر� ،أو وعي أالفراد ب�آلية
معرفتهم وتفكيرهم ،وكيف تعمل هذه آاللية ،وكيف يتطور ذلك �إلى الوعي بتفكير
آالخرين"(وليم عبيد وعزو عفانة� ،2003 ،ص ..)90
والتفكير (فوق المعرفي) ،والذي هو �أحد �أعلى م�ستويات التفكير" ،يو�صف ب�أنه
م�ستوى من التفكير المعقد ،يتعلق بمراقبة الفرد بكيفية ا�ستخدام عقله ،فالفرد القادر
على حل م�شكالته بفاعلية ي�ستطيع �أن يتحدث مع نف�سه ب�صورة م�ستمرة ،ويت�أكد
ويقيم فيما �إذا كان تحركه �أو توجهه �صحيحاً �أم ال"(وليم
من التقدم الذي �أحرزهِّ ،
عبيد وعزو عفانة� ،2003 ،ص ..)90
180
�إن مفهوم (فوق المعرفي) ،ي�شير في نهاية المطاف �إلى معرفة الفرد المتعلقة
بعملياته المعرفية ونواتجها ،فعلى الفرد "�أن يراقب ا�ستخدامه لعمليات التفكير
مراقبة ن�شطة و�أن ينظمها وفقاً ألهدافها المعرفية ،وهذا التنظيم يمثل �أ�سا�س التعلم
الذاتي الم�ستقل"(وليم عبيد وعزو عفانة� ،2003 ،ص ..)90
هذا ومفهوم فوق المعرفية له خ�صائ�ص ،والتي منها "�أنها تت�ضمن وعياً متنامياً،
حيث ي�صبح الفرد �أكثر وعياً بعمليات التفكير ،و�إجراءاتها النوعية ،و�أكثر وعياً بنف�سه
كمفكر ،وبازدياد وعي المتعلمين لماهية عمليات التفكير المختلفة تزداد قدرتهم
على فهمها وتوظيفها"(وليم عبيد وعزو عفانة� ،2003 ،ص ..)90
وننبه هنا �إلى م�س�ألة مهمة وهي �أن مفهوم "فوق المعرفية" ،والذي هو في حقيقته
ت�أمالت عن المعرفة �أو التفكير فيما نفكر وكيف نفكر ،يرتبط "بثالثة �صنوف من
ال�سلوك العقلي:
- 1معرفة ال�شخ�ص عن عمليات تفكيره ومدى دقته في و�صف هذا التفكير.
181
- 2التحكم وال�ضبط الذاتي ومدى متابعة ال�شخ�ص لما يقوم به عند ان�شغاله
بعمل عقلي ،مثل حل م�شكلة معينة ومراقبة جودة ا�ستخدامه لهذه المتابعة
في توجيه و�إر�شاد ن�شاطه الذهني في حل هذه الم�شكلة.
- 3معتقدات ال�شخ�ص وحد�سياته الوجدانية فيما يتعلق بفكرة عن المجال
الذي يفكر فيه ومدى ت�أثير هذه المعتقدات في طريقة تفكيره"(وليم عبيد
وعزو عفانة� ،2003 ،ص �ص ..)92-91
و�أخيراً �أود �أن �أ�شير �إلى �أن "التفكير فوق المعرفي ي�شتمل على �أن�شطة عقلية
متنوعة مثل التخطيط ،ومراقبة التقدم ،وبذل جهود ذهنية لتقويم طريقة و�سرعة
أالداء ،واتخاذ القرارات ،واختيار �سالمة العمل و�سالمة وجودة اال�ستراتيجيات
المتبعة في �أدائه ،والخال�صة �أنه �إدارة جيدة لعملية التفكير ،وال �شك �أن ذلك
ما يتطلبه ع�صر إالن�سان المتميز ،وهو التحدي الذي يواجه م�ستقبل التربية التي
�أ�صبحت في مو�ضع ت�سا�ؤل في القيام بدورها في �إعداد المواطن الذي يمتلك لي�س
فقط المعرفة بل وما فوق المعرفة ،والقادر لي�س فقط على التفكير بل التفكير في
التفكير"(وليم عبيد وعزو عفانة� ،2003 ،ص ..)92
نخل�ص مما تقدم �إلى �أن تربية أال�سرة للبعد "فوق-المعرفي" لدى أالبناء يم ِّثل
�أ�سا�ساً مهماً للتربية نحو اال�ستقاللية ،وال�شواهد على ذلك عديدة ،منها:
-و�ضع أال�سرة لفكرة "الم�ستقبل" في �أذهان أالبناء.
-تعويد أال�سرة �أبناءها على النظر في العواقب.
-تعليم أال�سرة �أبناءها على التخطيط وو�ضع أالهداف.
-توجيه أال�سرة �أبناءها نحو التفكير في التفكير ،والوعي بالوعي ،بما ي�ؤدي �إلى
تح�سين �أفكارهم وطرائق تفكيرهم.
-تعليم أال�سرة �أبناءها على إالدارة الجيدة لتفكيرهم.
-تعليم أال�سرة �أبناءها على الت�أمل ،وكذلك تنمية مخيلتهم.
-تعليم أالبناء على اكت�شاف ذواتهم.
-تعليم أالبناء على القراءة ال�صحيحة أللحدث والعالقات وال�سلوكيات
بما ي�ؤهله للتنب�ؤ الدقيق.
183
ال�شرط رقم ( :)5احترام الذات وتقديرها..
التربي��ة أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية م�شروطة بتوفر عامل نف�سي رابع ،رفيع
الم�ست��وى ،وهو عامل "احت��رام الذات وتقديرها" ..وهذا العام��ل النف�سي ،الرفيع
الم�ست��وى ،يم ِّثل �أ�سا�س��اً للتربية نح��و اال�ستقاللية ،لماذا؟ ألنه ف��ي �أب�سط وظائفه
يغذي اال�ستقالل ،ويجعل منه �آلية للو�صول �إلى حلول..
ونق��ول للوالد "كي ت�ساعد �أبناءك على إالح�سا�س باال�ستقالل ،وعلى النظر �إلى
الحي��اة نظرة واقعية ،والتفاع��ل معها من خالل هذه النظرة ،علي��ك باتباع الن�صائح
والمهات الخبراء:التالية من آالباء أ
� --إن احترام الذات وتقديرها لي�س هبة �أو منحة نعطيها �أو نمنحها ألي فرد� ،إنها
�شيء البد من اكت�سابه ..ع ِّلم طفلك �أن يتحمل م�سئولية �سعادته ،و�أن يخرج للعالم
وي�ض��ع قدرته مو�ض��ع التنفيذ بتجربته ألل�شي��اء ..قال �أحد آالب��اء �إن القول الم�أثور
المف�ضل لديه هو (ال ت�أ�سف �أبداً ل�شيء فعلته ،بل من أالف�ضل �أن ت�أ�سف ل�شيء لم َّ
تفعله)....
�ساع��د �أطفالك ال�صغار على تحقيق نجاحات تكون في م�ستوى قدراتهم ..تقول
واح��دة من أالمه��ات( :ابحث عن أال�شياء التي ي�ستطيع��ون �إنجازها بنجاح� ،أوجد
تحدي��ات تكون في مقدورهم)� ..إن فر�صاً كهذه تمكنهم من اكت�ساب المقدرة التي
تقنعهم ب�أنهم �أقوياء....
--كُ ن حذراً في اختيار أالن�شطة التي يمار�سها طفلك ،ألنك بال �شك ال تريد
�أن تهدر فر�صه في النجاح باختيارك �أن�شطة تكون فوق م�ستوى قدراته ،وعليك
185
�أي�ضاً �أن تراقب اختياراته ألن�شطته الخا�صة ،ف�إذا اختار �أن�شطة �صعبة وخارج حدود
قدراته �سيكت�شف �أنه لن ي�ستطيع اال�ستمرار ويفقد حما�سه ويتوقف في منت�صف
الطريق....
--راقب �أي �إ�شارة تدل على اهتمام طفلك بن�شاط بعينه...فهناك بع�ض أالن�شطة
التي لن تثير لديه �أي اهتمام ،بينما �أن�شطة �أخرى قد تثير اهتماماً متزايداً لديه ،وقد
يكون عالمة لموهبة متوارية في هذا المجال� ،إذا مار�س الطفل ن�شاطاً ما و�أ�صبح
متميزاً في هذا الن�شاط ،ف�إن �شعوره باال�ستقالل �سوف ينمو ب�شكل هائل..
--امتدح في طفلك تميزه في مجال ما ،و�أ�ضف �إلى هذا �أن ت�س�أله الن�صيحة �أو
الر�أي في �أمور تتعلق بهذا المجال....
� --شجع �أبناءك على اتخاذ القراراتِّ ..عود نف�سك على �أن تقول لهم عندما
يطرحون �أ�سئلة( :ماذا تعتقد �أنت؟) �أو (قرر �أنت)�("...آالن ديفيد�سون وروبرت
ديفيد�سون� ،2004 ،ص �ص ..)221-218
�إن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية تكت�سب فعاليتها من �شرط هام وهو "احترام
الذات وتقديرها" ..وهذا ال�شرط هو في حد ذاته حاجة نف�سية ،بل هو منظومة
تت�ضمن مجموعة من الحاجات النف�سية ،فحاجات التقدير عديدة منها "الحاجة �إلى
النجاح ،واالحاجة �إلى احترام الذات ،والحاجة �إلى المكانة االجتماعية ،والحاجة
�إلى تجنب الرف�ض"(عالء الدين كفافي� ،1990 ،ص ..)296
186
كل هذه الحاجات ت�ؤكد في نهاية المطاف على حقيقة ،ي�صوغها لنا كل من ماثيو
ماكاي وباتريك فالنينج كالتالي" :يعد تقدير الذات �أمراً �ضرورياً من �أجل �سالمة
إالن�سان من الناحية النف�سية� ،إ�ضافة �إلى كونه �ضرورة عاطفية ،فبدون وجود قدر
معين من تقدير الذات ،من الممكن �أن تكون الحياة �شاقة وم�ؤلمة �إلى حد كبير،
مع عدم ا�شباع كثير من الحاجات أال�سا�سية"(� ،2005ص ..)1
وترتبط الحاجة �إلى تقدير الذات ب�إدراك الذات ،والذي يعتبر �أحد العوامل
الرئي�سية التي تميز إالن�سان عن الحيوان" ،والمق�صود ب�إدراك الذات هو قدرة
إالن�سان على ت�شكيل هوية خا�صة به ،ثم بعد ذلك �إلحاق قيمة بهذه الهوية ..بمعنى
فالن�سان لديه القدرة على تحديد هويته الخا�صة ،ثم ي�ستطيع بعد ذلك �أن �آخر ،إ
يقرر ما �إذا كان يحب هويته تلك �أم يكرهها ..وم�شكلة تقدير الذات تكمن في تلك
المقدرة إالن�سانية على �إ�صدار أالحكام ،ولكن �شتان بين �أن تكره �ألواناً �أو �أ�صواتاً �أو
�أ�شكا ًال �أو �أحا�سي�س معينة ،و�أن ترف�ض جوانب معينة في �شخ�صيتك ،ف�أنت عندما
تفعل ذلك� ،إنما تلحق �أ�ضراراً فادحة بالبنية النف�سية التي تحافظ على بقائك"(ماثيو
ماكاي وباتريك فالنينج� ،1995 ،ص ..)1
على الوالدين �أن يَ ِعيَا ب�أن �إ�صدار أالحكام ورف�ض الذات يمكن �أن ت ؤ�دي أ
بالبناء
�إلى اللجوء �إلى و�سائل دفاعية ،فيها �ضرر بهم مثل المداومة على �إلقاء اللوم على
آالخرين ،واللجوء �إلى الغ�ضب ،والتواري "خلف الرغبة في المثالية في انجاز
أالعمال� ،أو تعمد التباهي والتفاخر �أو اللجوء �إلى أالعذار والمبررات ،و�أحياناً �إلى
187
المفترات
الكحول والمخدرات"(ماثيو ماكاي وباتريك فالنينج� ،1995 ،ص ِّ ،)2
وغيرها من الم�ضرات..
ِّ
لذلك يجب �أن يعمل الوالدان على �إيقاف �إ�صدار أالحكام على الذات ،و�أن
ي�سعوا �إلى بذل جهود جادة و�صادقة لمعالجة الجروح القديمة الناجمة عن تجريح
ورف�ض الذات ..وليذكِّ ر آالباء أالبناء ب�أن كل ما يدركونه وي�شعرون به ،يمكن تغييره،
و�أنه عندما تتغير �صورتهم عن ذواتهم وم�شاعرهم تجاهها ،ف�إن ذلك �سيكون له �أثر
على كافة جوانب حياتهم ،مع �شعور متزايد بالحرية واال�ستقاللية..
نخل�ص مما تقدم �إلى �أن تربية أال�سرة ألبنائها هي تربية تقوم على �أ�سا�س �إ�شباع
الحاجات ..ومما ال �شك فيه �أن �أحد �أهم هذه الحاجات هي "حاجات التقدير"،
وال�شواهد التي تدلل على ذلك عديدة ،منها:
-م�ساعدة أال�سرة �أبناءها على �إ�شباع حاجتهم للنجاح.
� -إحترام أال�سرة ألبناءها وانعكا�س ذلك على �إيجابياً على م�شاعر االحترام تجاه
ذواتهم.
-م�ساعدة أال�سرة �أبناءها على الح�صول على مكانة اجتماعية بين �أقرانهم.
-م�ساعدة أال�سرة أالبناء على �إدراك ذواتهم �إيجابياً ينعك�س على تحديدهم
لهوية خا�صة بهم يحبونها.
-م�ساعدة أال�سرة أالبناء على تنمية م�شاعر تقدير الذات ،وال�صعود بهم �إلى
�إ�شباع حاجات عليا مثل الحاجة �إلى تحقيق الذات.
188
ال�شرط رقم ()6
توفري مناخ أ��سري وجمتمعي ي�شجع على اال�ستقاللية يف التفكري..
التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية م�شروطة بتوفر عامل بيئي ،ي�ستمد قوته
من ثقافة أال�سرة التي تحت�ضن تلك البيئة و ُت ْ�س ِهم في ت�شكيلها و�إعادة ت�شكيلها..
وهذا العامل هو "المناخ ،أال�سري والمجتمعي" ،والذي به تنمو م�شاعر اال�ستقاللية
لدى أالبناء ،ومعها تنمو �سلوكياتهم الم�ستقلة..
ابتداء نقول� ،أن أال�سرة التي ت�ستطيع �أن ت�صنع مناخاً ي�شجع على اال�ستقاللية في
ً
التفكير البد و�أن تكون "�أ�سرة م�صلحة" ،ير�أ�سها "�إن�سان م�صلح"� ..أ�سرة ت�ستحق
ال�صالح ..وهذا الم�صلح ينبغي �أن "يت�صل �إ�صالحه بالتفكير كما �أن ُت ْم َنح و�سام إ
يت�صل بالعمل"(عبا�س محمود العقاد� ،1971 ،ص .)189
والن�سان يُ ْ�ص ِلح غيره بقيمه ،والتي ينبغي �أن تتجلى في قدوته ..والقدوة هنا تعني
إ
النموذج أالف�ضل ،ال�شخ�ص مو�ضع االقتداء والمحاكاة ،أال�سوة الح�سنة ،المثل
الح�سن ،هي كل من يتطلع �إليها ،ويقتدي بها ،ويحذو حذوها ..وهذا �أمر منطقي،
فالفراد بطبيعتهم "ينظرون دائماً ويتطلعون �إلى قادتهم ك�أمثلة يقتدون بها ،ويحذون أ
حذوها"(فتحي يكن� ،1980 ،ص ..)79القدوة هو في �أ�صله م�ص ِلح� ،إ�صالحاً
واع �أو غير واعي ..المهم في نهاية المطاف �أننا �أمام �إ�صالح
مبا�شراً �أو غير مبا�شرٍ ،
حقيقي� ..أثر فعلي للقدوة على الجماعة..
189
�إذاً هذا الم�صلح يمكن �أن يكون م�صلحاً حقيقياً ،م�صلحاً مفيداً ،يفعل الخير
ويلد أالبطال ،مثلما �أنه يمكن �أن يكون م�صلحاً زائفاً ،م�صلحاً ِّ
م�ضراً ،يفعل ال�شر ويلد
القتلة﴿،
﴾البقرة ،]12-11 :و"الف�ساد :خروج ال�شيء
ع��ن ح��ال ا�ستقامت��ه وكونه منتفع��اً به ،و�ض��ده ال�صالح وه��و :الح�صول عل��ى الحال
الم�ستقيم��ة النافعة ،والم��راد بالف�ساد في آالية الكريم��ة -واهلل �أعلم -الكفر والعمل
بالمع�صية ،فه�ؤالء المنافقون يعملون بالكفر والمع�صية ويدعون �إليهما ،ويزعمون �أن
ما يفعلون وما يدعون �إليه �إ�صالح وهو عين الف�ساد ،ولكن من جهلهم ال ي�شعرون �أنـه
ف�ساد"(�سعيد حوى" 1991 ،مج � ،"1ص ..)71
م�ضرة"..
والقدوة من الناحية إال�سالمية هي "�صالح بال ف�ساد"" ،ومنفعة بال ّ
"الخالق في �صورتها العملية"" ،لب القدوة هو أالخالق" ..ولذلك كانتهي أ
عائ�شة ر�ضي اهلل تقول ب�أن "خلق ر�سول اهلل كان القر�آن"(ابن كثير ،طبعة
" 1982مج � ، ،"4ص ،)402وفي رواية "كان خلقه القر�آن"جزء من حديث رواه
م�سلم في �صحيحه(ابن كثير ،طبعة " 1982مج � ، ،"4ص ﴿ ،)402
﴾القلم ،4 :وهذا يعني "�أنه عليه ال�صالة وال�سالم �صار امتثال القر�آن
تطبعه ،وترك طبعه الجبلي ،فمهما �أمره القر�آن فعله،
�آمراً ونهياً �سجية له ،وخلقاً ّ
190
ومهما نهاه عنه تركه ،هذا مع ما جبله اهلل عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم
وال�شجاعة وال�صفح والحلم وكل خلق جميل"(ابن كثير ،طبعة " 1982مج ،"4
�ص ..)402
القدوة من منظور �إ�سالمي �أي�ضاً تم ِّثل عام ًال من العوامل االجتماعية التي ت�صنع
مناخاً واعداً نافعاً ،وتدعم من قوة ذلك المناح ..فالمناخ االجتماعي نوعان :مناخ
يمكن �أن ي�صنع الفرد (البطل) ومناخ يمكن �أن ي�صنع الفرد (القاتل) ..وب�صياغة
البطال ،وكما يقال" ،حليب �أخرى :يمكن �أن يلد القتلة مثلما �أنه يمكن �أن يلد أ
أالم ير�ضع القتلة ،تماماً كما ير�ضع أالبطال"(كولن ويل�سون� ،1982 ،ص ..)334
فالحليب كالمناخ يمكن �أن يغذي االتجاهين..
ور�سالة الم�ص ِلح ألبنائه تت�ضمن توعيتهم ب�أن "الكتاب وال�سنة م�شتمل على ن�صو�ص
الوعد والوعيد ،كما ذلك م�شتمل على ن�صو�ص أالمر والنهي ،وكل من الن�صو�ص
ويبينه ،فكما �أن ن�صو�ص الوعد على أالعمال ال�صالحة م�شروطة بعد يف�سر آالخر ّ ِّ
أ
الكفر المحبط ،لن القر�آن قد دل على �أن من ارتد فقد حبط عمله ،فكذلك ن�صو�ص
الوعيد للكفار والف�ساق م�شروطة بعدم التوبة؛ ألن القر�آن قد دلّ على �أن اهلل يغفر
الذنوب جميعاً لمن تاب ،وهذا متفق عليه بين الم�سلمين ،فكذلك في موارد
النـزاع ،ف�إن اهلل قد ّبين بن�صو�ص معروفة �أن الح�سنات يذهبن ال�سيئات ،و�أن من
يعمل مثقال ذرة خيراً يره ،ومن يعمل مثقال ذرة �شراً يره ،و�أنه يجيب دعوة الداعي
�إذا دعاه ،و�أن م�صائب الدنيا تكفر الذنوب ،و�أنه يقبل �شفاعة النبي (�ص) في �أهل
الكبائر ،و�أنه ال يغفر �أن ي�شرك به ،ويغفر ما دون ذلك لمن ي�شاء ،كما ّبين �أن ال�صدقة
والذى ،و�أن الربا يبطل العمل ،و�أنه �إنما يتقبل اهلل من المتقين؛ �أييبطلها المن أ
في ذلك العمل ونحو ذلك ...فجعل لل�سيئات ما يوجب رفع عقابها ،كما جعل
للح�سنات ما يبطل ثوابها ،لكن لي�س �شيء يبطل جميع ال�سيئات �إال التوبة ،كما �أنه
192
لي�س �شيء يبطل جميع الح�سنات �إال الر ّدة"(ابن تيمية ،طبعة " 1398مج ،"12
�ص �ص ..)483-482
الح�سنة ال�سيئة
هذه التوعية ينبغي تكون جزء ُم َد ِّعم للمناخ أال�سري والمجتمعي ال�صحي الذي
ي�شجع على اال�ستقاللية في التفكير والقرار ،الحكم واالختيار ..فاال�ستقالل ينمو
في "�إطار اجتماعي ،ي�شع عليه با�ستمرار بجوانب من ال�سلوك والقيم واالتجاهات،
وتعتبر بع�ض جوانب هذه اال�شعاعات بمثابة قوى الجذب واالحت�ضان لالمكانيات
والفكار"(عبدال�ستار �إبراهيم� ،1978 ،ص ..)197 االبداعية ،و�إثارتها في العقول أ
ومهما يقال عن دور العوامل الوراثية في إالبداع ،بل وفي اال�ستقالل الم�ساعد
القل -ب�أن
على االبداع" ،ف�إن المناخ االجتماعي العام يبقى كحقيقة ت�ؤكد -على أ
ا�ستعدادات إالن�سان الوراثية يمكن �أن تخبو وتن�شط بمقدار الفر�ص التي يتيحها المجتمع
�أمام الفرد ،وما يقدمه من ا�شباعات لالحتياجات العقلية والتعبيرية المختلفة"(عبدال�ستار
�إبراهيم� ،1978 ،ص ..)197
193
فالتربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ينبغي �أن تت�أكد من توفير مناخ اجتماعي� ،إطار
اجتماعي تنمو فيه م�شاعر اال�ستقاللية ،م�شاعر �إيجابية نحو اال�ستقاللية ،ترتد ذاتها
بتعزيز جوانب نف�سية كانت في �أ�سا�سها �أ�سباب لها مثل "الثقة بالنف�س" ،بمعنى كما
�أن الثقة بالنف�س �شرط لال�ستقالل ،ف�إن الدافع لال�ستقالل هو آالخر �شرط مع ِّزز للثقة
بالنف�س ،فمعلو ٌم �أن "الدافع لال�ستقالل يمنح ال�شخ�صية الثقة بالنف�س"(عبدال�ستار
�إبراهيم� ،1978 ،ص ،)90وبالذات في مواجهة المواقف الغام�ضة..
نخل�ص مما تقدم �إلى �أن اتخاذ أال�سرة من مناخها االجتماعي محيطاً لتربية أالبناء
على اال�ستقاللية يم ِّثل �أ�سا�ساً مهماً للتربية نحو اال�ستقاللية ،وال�شواهد على ذلك
عديدة ،منها:
-قيام أال�سرة بت�صميم محيطها االجتماعي ب�شكل واعي وا�ستراتيجي.
-عدم ترك أال�سرة محيطها االجتماعي فري�سة لم�ضار التلقائية ،بمعنى �أن
تتحكم أال�سرة بقدر كبير في مجريات الحياة أال�سرية (مثل و�ضع نظام أللكل
و�آخر للدرا�سة و�آخر للتوا�صل مع آالخرين).
� -إ�شراك أالبناء في ت�صميم محيط �أ�سري واعي وا�ستراتيجي ،بما يجعلهم
يتقبلون ويتبنون ويتفاعلون مع �إجراءات هذا الت�صميم بعك�س لو كان مفرو�ضاً
عليهم.
-تجديد أال�سرة الم�ستمر للنموذج الذي يحكم نوعية المحيط الذي تعي�ش فيه
أال�سرة.
� -أن تتخذ أال�سرة من أال�صالة مرجعية لكل تطوير ي�صيب ت�صميماتها
االجتماعية ،فالت�صميم من الحداثة أ
وال�صالة ت�ضبط تلك الحداثة.
194
ال�شرط رقم ( :)7ال�ضوابط ال�شرعية لال�ستقالل..
195
بفعل واحد مما خير فيه"(علي �أحمد الندوي� ،1998 ،ص � ،)68أي�ضاً من القواعد
أال�صولية�" :إذا اجتمع حظر و�إباحة غلب جانب الحظر ...و�إذا اجتمع الحالل
والحرام ،غُ ِّلب الحرام؛ ومن ا�ستعجل ال�شيء قبل �أوانه عوقب بحرمانـه"(علي �أحمد
الندوي� ،1998 ،ص �ص ..)245 ،242
"المور بمقا�صدها ...ال�ضرر يزال ...العادة ومن �أمثلة القواعد الفقهية :أ
ُم َح َّك َمة ...الم�شقة تجلب التي�سير� ...إذا تعار�ض َم ْف َ�س َد َتان روعي �أعظمهما �ضرراً
بارتكاب �أخ ّفهما؛ ال�ضرر أال�شد ُيزال بال�ضرر أالخف؛ ُي ْختار �أهون َّ
ال�شرين...
بال�شك� ...إذا �سقط أال�صل
الت�صرف على الرعية َم ُنوطٌ بالم�صلحة ...اليقين ال يزال ّ
�سقط الفرع"(علي �أحمد الندوي� ،1998 ،ص �ص ،302 ،293 ،287 ،282
� ،)391 ،351 ،317 ،313أي�ضاً من القواعد الفقهية�" :إعمال الكالم �أولى من
�إهماله ...أالمر �إذا �ضاق ات َّ�سعُ ...يتحمل ال�ضرر الخا�ص لمنع ال�ضرر العام"(علي
�أحمد الندوي� ،1998 ،ص �ص ..)422 ،394 ،393
ابتداء نقول ب�أن ال�ضبط ال�شرعي لال�ستقالل في مجال التفكير ومجال ال�سلوك
ً
�أمر �أ�سا�سي يعني من الناحية العملية ال�ضبط ال�شرعي كل ما يترتب على اال�ستقالل
في التفكير وال�سلوك ،وبالتالي �ضبط كل العوائد المعرفية والميدانية ،العقلية
والعملية ،التي يمكن �أن تت�أتى من ذلك اال�ستقالل..
ولتو�ضيح كيفية تربية أال�سرة �أبناءها على االلتزام بالقواعد ال�شرعية كو�سائل
نقدم نماذج من تلك القواعد تربية ت�سهم في تنمية جانب اال�ستقالل فيهمِّ ،
196
ال�شرعية ،ون�أخذ القواعد الفقهية كنماذج تو�ضيحية عملية ..ولن�أخذ مث ًال قاعدة
" أالمور بمقا�صدها" ،والتي ت�ستمد �أ�صولها من الحديث ال�صحيح الم�شهور�" :إنما
أالعمال بالنيات"(النووي ،طبعة 1399هـ� ،ص ..)8
فعندما نع ِّلم أالبناء ب�أن أالمور بمقا�صدها ،ف�إن هذا �سيعزز لديهم ا�ستقالليتهم
من ناحية ،و�ضبط تلك اال�ستقاللية من ناحية �أخر ،حتى ال ينحرف ال�سلوك عن
بناء على دليل
مق�صده ال�شرعي ،وبالتالي ال ي�ستقل االبن لال�ستقالل ،و�إنما ي�ستقل ً
ُمع َت َبر ،ينتهي ب�صاحبه �إلى خير بال �ضرر..
"المور بمقا�صدها" ،والن�ص الذي ت�ستند �إليه�- ،أي "�إنما أالعمال فقاعدة أ
بالنيات ،و�إنما لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته �إلى اهلل ور�سوله ،فهجرته �إلى
اهلل ور�سوله .ومن كانت هجرته لدنيا ي�صيبها �أو امر�أة ينكحها ،فهجرته �إلى ما هاجر
�إليه" -فيه "بيان �أن ت�صرفات إالن�سان و�أعماله تختلف �أحكامها ونتائجها
والعمال"(علي �أحمد الندوي، باختالف مق�صود إالن�سان من تلك الت�صرفات أ
� ،1998ص ..)282
ولذلك ،ف�إن أالبناء مطالبون ب�أن تكون لهم �أعمال وت�صرفات تعبر عن ا�ستقالليتهم،
ِّ
ع��ن جوانب تعك�س تفر ّدهم وتمي ّزهم ،وب�أن تكون لهم نية ح�سنة في جميع أالعمال
والت�صرفات ،تمنحها م�شروعية داخلية وم�صداقية خارجية� ،إنطالقاً من �أن الم�شروعية
الداخلي��ة تحقق ذاتها من خالل الم�صداقية الخارجية� ،أي �أن النوايا تحقق ذاتها من
خالل أالعمال ..فالبرهنة على النوايا تكون أ
بالعمال.
197
مث��ال �آخر لقاع��دة فقهية يمكن �أن ت�ستعين بها لتربي��ة �أبنائهم على اال�ستقاللية
الحافظ��ة م��ن جهة ،والمنمي��ة من جهة �أخرى ..وه��ذه القاعدة مو�صول��ة بالقاعدة
ِّ
أال�سا���س ،وهي قاعدة "�إنما المور بمقا�صدها" ..ه��ذه القاعدة الخرى هي قاعدة
أ أ
"ال�ض��رر يُ��زال" ،حيث �أنه��ا تت�ضمن من الفقه ما ال ح�صر ل��ه ،و"لعلها تت�ضمن
والح��كام �إما لجلب المنافع �أو دف��ع الم�ضار ،فيدخل ن�صف��ه� ،أي ن�صف الفقه] ،أ
فيه��ا دف��ع ال�ضروريات الخم���س التي هي حف��ظ الدين والنف���س والن�سب والمال
والعر�ض"(علي �أحمد الندوي� ،1998 ،ص ..)287
"(وهذه القاعدة ترجع �إلى تح�صيل المقا�صد وتقريرها بدفع المفا�سد
�أو تخفيفها) ...و�أ�صلها قوله ( :ال �ضرر وال �ضرار) ،وقد �سار م�سير القواعد
وال�ضرار �إلحاق َم ْف َ�سدة
الفقهية الكلية ...وال�ضرر� :إلحاق َم ْف َ�سدة بالغير ُمطلقاً؛ ِّ
الم ْ�شروع ...ال�ضرر :الذي لك فيه منفعة ،وعلى جارك وجه الجزاء َ بالغير ال على ْ
الم�ضرة"(علي �أحمد ّ م�ضرة ،وال�ضرار :الذي لي�س فيه منفعة ،وعلى جارك فيه فيه ّ
الندوي� ،1998 ،ص �ص ..)288-287
�إذاً التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ت�ستوجب تعليم أالبناء مهارات التفكير
الم�ستقل� ،شريطة �أن تن�ضبط حركة وعمل هذه المهارات بقواعد ال�شرع ،وعلى
ر�أ�سها قاعدة "ال �ضرر وال �ضرار"� ،أي "ال فعل �ضرر وال �ضرار ب�أحد في ديننا� ،أي
ال يجوز �شرعاً ألحد �أن يلحق ب�آخر �ضرراً وال �ضراراً"(�أحمد بن ال�شيخ محمد الزرقا،
� ،1998ص ..)165هذا ناهيك عن �أن "(ال�ضرر يزال) �أي تجب �إزالتـه"(�أحمد
بن ال�شيخ محمد الزرقا� ،1998 ،ص ..)179
198
نخل�ص مما تقدم �إلى �أن اتخاذ أال�سرة من ال�ضوابط ال�شرعية �آليات إلنجاح فكرة
التربية نحو اال�ستقاللية ،وال�شواهد على ذلك عديدة ،منها:
-أالمور بمقا�صدها :تتفاوت �أقوال �أو ت�صرفات أالبناء بتفاوت مقا�صدهم ،ومهمة
أال�سرة �أن تع ِّلم أالبناء على تمييز المقا�صد الح�سنة من المقا�صد ال�سيئة حتى
يتم تجنب �أو ًال مخالفة قواعد ال�شرع ،وثانياً تجنب حدوث �صراع بين أالبناء
على �أر�ض الواقع.
-ال�ضرر أال�شد يُزال بال�ضرر أالخف :تعويد أال�سرة �أبنائها على منطق أالولويات
وما يترتب على ذلك من تحمل �ضرر خفيف في مقابل تجنب �أو دفع �ضرر
�أكبر �أو �شديد مثل تعليم االبن في حالة ال�شجار على تقبل الظلم النف�سي
الخفيف عو�ضاً عن الظلم البدني ال�شديد الذي قد يهلكه في بع�ض الحاالت
وبالذات �إذا كان الطرف آالخر في مو�ضع قوة ،مع أالخذ في االعتبار �أن يكون
ان�صراف االبن لي�س ب�سبب الخوف بقدر ما هو ب�سبب تجنب ال�ضرر� ،أي لي�س
الخوف من الفعل بقدر ما هو النظر في العواقب.
� -إعمال الكالم �أولى من �إهماله :تعليم أالبناء على �أن معاني آالراء التي هي
مو�ضع خالف ينبغي �أن يعلّموا كيفية اال�ستفادة منها جميعا (مث ًال عن طريق
الجمع �أو التوفيق بينها) ،بد ًال من ترجيح �أحدها واهمال الباقي ،مع أالخذ في
االعتبار �أن معاني آالراء ب�شرية ،و�أن �أي منها يخالف الن�ص ال�شرعي القطعي
الداللة ،القطعي الثبوت ،يهمل ،و ُي َّبين مو�ضع حرمته و�ضرره.
199
-أالمر يقت�ضي الوجوب :تعليم أال�سرة �أبنائها على عدم الخ�ضوع للرغبات
ال�شخ�صية "الظرفية" عندما يتعلق الموقف ب�ضرورة االلتزام ب�أمر �شرعي
�أو �أ�سري مثل عدم تفويت أالبناء لل�صالة في الم�سجد من �أجل اال�ستمرار
في م�شاهدة مباراة ،مهما كانت مهمة.
-النهي يقت�ضي التحريم :تعليم أال�سرة �أبنائها على �أن هناك معامالت وتعامالت
تقت�ضي النهي ألنها في �أ�صلها محظورة ،وفي نتائجها ِّبينة ّ
الم�ضرة مثل الدخول
بالخالق على إالنترنت.على مواقع مخ ِّلة أ
-من ا�ستعجل ال�شيء قبل �أوانه عوقب بحرمانه :تعويد أال�سرة �أبنائها على عدم
اال�ستعجال وبد ًال من ذلك تعزز لديهم ال�سير بخطى ثابتة نحو �أهدافهم،
ألن قطف الثمرة قبل �أوانها يحرمك من نفعها �أو من �أوج نفعها (مثل �أن
ال ي�ستعجل أالبناء التفوق �إال �أذا �أخذوا ب�شروطه ،و�أن يكون اهتمامهم على
التكوين ال�صحيح والمتين درا�سياً كتمهيد للتفوق).
200
عوائد الرتبية نحو اال�ستقاللية
التربية نحو اال�ستقاللية �ضمان لتمتع �أفراد أال�سرة ،وبالتالي �أفراد المجتمع،
باال�ستقاللية وبتعزيز الحرية؛ وما يترتب على ذلك من بناء مجتمع �أ�سري مفتوح،
يتبعه بناء المجتمع أالكبر المفتوح ،والذي "ي�سعى عن ق�صد وت�صميم في
�سبيل تطوره ،وال يعمل فقط على المحافظة على الو�ضع الراهن"(محمد لبيب
النجيحي� ،1981 ،ص ..)347
هذا المجتمع أال�سري الحر الم�ستقل المفتوح ،والذي هو نواة للمجتمع أالكبر
الحر الم�ستقل المفتوح ،ي�ؤ�س�س لمكا�سب كبيرة وعديدة يمكن �أن يجنيها �أفراد
أال�سرة في مجتمعهم ..والتربية نحو الحرية واال�ستقاللية �أ�سا�س لكل ذلك..
وفيما يلي �أهم المكا�سب �أو العوائد التي يمكن �أن تترتب على "التربية نحو
اال�ستقاللية"..
201
وقبل �أن نخطو في اتجاه العوائد ،نود �أن ن�ضيف فكرة هنا ،وهي �أن قيمة كل
من الحرية واال�ستقاللية واالنفتاحية في طاعتها وعطائها ..حرية طائعة معطاءة،
وا�ستقاللية طائعة معطاءة ،وانفتاحية طائعة معطاءة ..وهذا يعني �أن ي�أتي العطاء
تبعاً للطاعة ،و�إال �أ�صبح ا�ستدراج للعقوبة ..وفي الحديث النبوي" ،قال ر�سول
اهلل �( :إذا ر�أيت اهلل عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معا�صيه ما يحب ،ف�إنما هو
ا�ستدراج) ،ثم تال قوله عز وجل﴿ :
﴾النعام]44:
أ
"رواه �أحمد(ابن قيم الجوزية ،طبعة بدون تاريخ "ب"� ،ص "،)37مبل�سون� :أي
هالكون"..
202
العائد رقم ( :)1مكا�سب نف�سية-اجتماعية Psycho-Social Gains
وفيم��ا يلي تو�ضيح موجز لكل بعد نف�سي-اجتماعي مترتب على التربية أال�سرية
نح��و اال�ستقاللي��ة ..ونبد�أ بالمب��ادرة ،ونقي�ضها "ال�شعور بالذن��ب" ،والمبادرة تعني
"المب��ادءة"� ،أن نبادر ونب��ادئ بالقيام ب�أعمال �صالحة ،في ذاته��ا ومن حيث توقيتها
بالعمال "...جزء من حديث نبوي �صحيح(محمد �أو تاريخها ،وفي الحديث" :بادروا أ
بالعمال هنا "ال�صالحةنا�صر الدين أاللباني" 1982 ،مج � ،"3ص ..)3والمق�صود أ
منها"..
وج��ذور فكرة المب��ادرة تت�أ�س�س ف��ي ال�صغر ،وب�ش��كل محدد في فت��رة ما قبل
المدر�سة ،حيث يواجه أالطفال في هذه الفترة الكثير من التحديات في ظل العالم
االجتماعي الوا�سع ،الحقيقي واالفترا�ضي ،مما يح ِّتم عليهم �أن "يطوروا �سلوكاً هادفاً
وفعا ًال للتعاطي مع هذه التحديات ،وتزايد م�س�ؤولياتهم تنمي لديهم المباد�أة ،والطفل
203
غير الم�س�ؤول الذي ي�شعر بالخوف ِّ
يطور �شعوراً بالعار وعدم االرتياح ....وتم ِّثل هذه
المرحلة ما بين (� )6-3سنوات ،ويقوم أالطفال في هذه المرحلة �أحياناً بعمل �أ�شياء
يختلف��ون معها مع أالهل مما يجعلهم ي�شعون بالذنب ،و�إن الحل لهذه الم�شكلة هو
بالعم��ال التي ال ت�ؤذي آالخرين"(منذر �إيج��اد التوازن ب�أن ي�سمح أللطفال القيام أ
عبدالحميد ال�ضامن� ،2005 ،ص ..)86
بعد نف�سي-اجتماعي رابع مترتب على التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية� ،أي
مترتب على اال�ستقالل وما يتبعه من مبادرة وفاعلية واجتهاد وهوية ،وهو أاللفة،
ونقي�ضها "العزلة" ،أ
واللفة تعني "�أن ت�ألَف وت ؤ�لَف ،وال خير فيمن ال ي�ألف وال ي ؤ�لف"،
حيث يتعلم الفرد في هذه المرحلة ،والتي تمتد من (� )30-20سنة�" ،أن ي�شارك
آالخرين ويرعاهم دون فقدان نف�سه ،و�إذا �أخفق �شعر بالوحدة والعزلة"(جابر
عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1991 ،مج � ،"4ص ..)1799فالعمل
في هذه المرحلة يتمحور على "�إقامة عالقات �صداقة مع آالخرين �أو ما ي�سميه
�أريك�سون (بم�شاركة الهوية) �أو تكامل ال�شخ�ص مع �شخ�ص �آخر ،ف�إذا ما ح�صلت
هذه الم�شاركة تتكون أاللفة"(منذر عبدالحميد ال�ضامن� ،2005 ،ص ..)87
207
العائد رقم ( :)2االنجاز ال�شخ�صي أ
والكاديمي والمهني..
تقدم لنا من خالل أالبعاد النف�سية-االجتماعية التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ِّ
للعائد رقم (�- ،)1أي �أبعاد المبادرة ،الفاعلية واالجتهاد ،الهوية ،أاللفة ،االنتاجية،
التكامل �أو االكتمال -عائداً مت�ضمناً فيها وهو "االنجاز" ،ال�شخ�صي أ
والكاديمي
والمهني واالجتماعي ،حيث �أن "االنجاز :هو التقدم نحو الهدف المرغوب"(�أحمد
زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)7
والتن�شئة نحو االنجاز ينبغي �أن تعتمد �أ�ساليب �صحية ،بمعنى ينبغي �أن تبتعد
عن أ
"ال�ساليب التالي:
-الرف�ض
-الق�سوة
-الحماية الزائدة
-التذبذب
-التحكم
-إالهمال
-التفرقة
� -إثارة القلق وال�شعور بالذنب"(عالء الدين كفافي� ،1989 ،ص �ص ،)57-56
و�أن تتبنى أال�ساليب ال�صحيحة ،والتي هي �صحية في ذاتها �أو تم ِّثل و�سط محمود
بين طرفين مذمومين� ..أ�ساليب فيها تقبل ودفء وديموقراطية في التعامل..
209
�إن غياب أال�ساليب ال�صحية في التن�شئة و�سيادة نقي�ضها غير ال�صحي كفيل ب�أن
يد ِّمر أالبناء ،وقد يقودهم �إلى االنتحار ،وبالتالي ف�إن تن�شئة آالباء أللبناء نحو إالنجاز
ينبغي �أن تكون تن�شئة معتدلة ،تن�شئة ال تطرف فيها ،و�إال ف�إنها قد ت�سير باالبن،
الذي لم ي�صل �إنجازه �إلى توقعات �آبائه ،ت�سير به نحو االنتحار ..فاالبن الذي ُيطا َلبه
والديه ب�أن يكون �أدائه ُم ْن ِتج لتقدير امتياز ّ ،%100ثم لم يتمكن من ذلك ،ف�إنه قد
ابتداء باالكتئاب ،والذي قد ي�ؤدي به �إلى التفكير في االنتحار ،بل ومحاولة ُي�صاب ً
االنتحار..
�إذاً نحن في حاجة �أن ن�ؤ�س�س لتن�شئة �صحية ومعتدلة وفعالة نحو االنجاز..
والعامل الذي يمكن �أن ي�ساعد في نجاح ذلك الت�أ�سي�س هو �أن تقوم أال�سرة وتبني
في داخلها ثقافة تت�سق مع التن�شئة نحو االنجاز ،وهذه الثقافة هي "ثقافة االنجاز"،
والتي ينبغي �أن تكون حقيقة في ذات أالبناء قبل �أن تتحول �إلى حقيقة في
خارجهم..
وتحول الثقافة �إلى حقيقة في النف�س يعني �أن تكون القيم هي التي ِّ
ت�شكل
منطق ال�سلوك ،و"بالتالي ت�شكل م�ضمون الفعل الثقافي"(مها زحلوق وعلي
وطفة� ،2000 ،ص ،)8فالحقيقة الثقافية تتج�سد في قيم واتجاهات وعقائد ومواقف،
والحقيقة الثقافية بهذا المعنى ت�صبح �أ�سا�ساً "في عملية التنظيم االجتماعي ،وفي
عملية ال�سيطرة على الذات ،و�إدراك الهوية وال�سيطرة على الم�صير"(مها زحلوق
وعلي وطفة� ،2000 ،ص ..)10
210
ونود �أن ننبه هنا �إلى �أن كل هذه العنا�صر الثقافية الكامنة في دواخلنا هي �أ�سا�س
لدوافعنا ..فالثقافة ت�صنع دافعية ،و�إن كانت الفطرة �أ�سا�س لتلك الدافعية ..فالدافعية
�أثر للتفاعل كل من الثقافة مع الفطرة ،متبوعين ب�أثر عامل مهم من عوامل الذات،
وهو عامل االختيار..
وهذا يعني �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية للدافعية ،من ناحية
تن�شيطها وتوجيهها ،لكي ت�أتي بثمارها ..وهذه التربية تبد�أ من خالل تن�شيط الدافع
لال�ستقالل ،وجعله متغيراً و�سيطاً ي�صل الدافع للتميز بالدافع لالنجاز� ،أو قل عام ًال
وا�ص ًال للدافع للتفرد بالدافع الذي يلد العائد ..طبعاً هناك دوافع اجتماعية م�ساندة
ومع ِّززة للدوافع الذاتية في �سيرها نحو هدفها..
وهنا �أود �أن �أ�ضيف فكرة مهمة ت�صوغها لنا �سوزان كويليام ..والفكرة هي �أنه
"عندما يكون المرء مدفوعاً بحبه لالنجاز ،يكون �أهم ما ي�سعى �إليه هو تحقيق النتائج،
وقد تعني (النتائج) هنا النجاح في العمل"(�سوزان كويليام� ،2004 ،ص ..)6ولعل
ال�سبب في ذلك يكمن في �أن محبي االنجاز يرغبون في �إتمام أالعمال ،وعندما
211
ينجحون في ذلك �-سواء �أكان العمل الذي ي�سعون �إلى اتمامه هو الح�صول
على ترقية �أو كي مالب�سهم -ف�إنهم ي�شعرون ب�سعادة ال تعادلها �أية �سعادة في هذا
العالم"(�سوزان كويليام� ،2004 ،ص ..)6
نخل�ص �إلى �أن ،التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية تبني جوانب �إيجابية
في أالبناء من خالل تعزيز �أبعاد حيوية في ذواتهم مثل المبادرة والفاعلية واالجتهاد
واللفة واالنتاجية والتكامل ،وتجعلهم �أكثر قدرة على االنجاز والمزيد من والهوية أ
االنجاز ..وفيما يلي م�ؤ�شرات �سلوكية تعك�س تحقق تلك التربية:
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على تحقيق ر�ؤاهم الخا�صة بهم.
-تنمي أال�سرة روح المبادرة لدى أالبناء.
ت�شجع على التعلم أالف�ضل.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على توفير بيئة تربوية ِّ
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على التفوق الدرا�سي واالمتياز أالكاديمي �أو التح�صيل
المرتفع.
212
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على النجاح في تكوين عالقات اجتماعية �صحية في
و�سطهم المهني.
-تدفع أال�سرة �أبناءها �إلى �أن يكونوا قادرين على �إنجاز مهامهم المهنية بكفاءة
وفعالية.
-ت�سعى أال�سرة �إلى جعل �أبناءها ن�شطين ومفيدين اجتماعياً.
-ت�سعى أال�سرة �إلى التمكين أللبناء من القيام بكل ال�شروط التي تمنحهم
مكانة اجتماعية عالية في المجتمع.
213
العائد رقم ( :)3المكانة أ
الدبية واالجتماعية..
تقدم لنا من خالل أالبعاد النف�سية-االجتماعية التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ِّ
للعائد رقم (�- ،)1أي �أبعاد المبادرة ،الفاعلية واالجتهاد ،الهوية ،أاللفة ،االنتاجية،
التكامل �أو االكتمال -عائداً مت�ضمناً فيها وهو "المكانة" ،علمية واجتماعية ،حيث
�أن "المكانة االجتماعية :هي المركز االجتماعي ،الذي ي�شغله الفرد في جماعة"(�أحمد
زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)410
ويرتبط بالمكانة� ،أي بكل مركز �أدوار محد ّدة يقوم بها الفرد طبقاً للقواعد
المقررة ...وقد يكون المركز َمن�سوباً �أو َمف ُْرو�ضاً Ascribed Status ال�سلوكية ّ
ال ي�ستطيع الفرد �أن يغير منه ،وهو يرتبط عادة بمولد ال�شخ�ص �أو �أ�صله ون�سبه
ال Achieved Status �أو جن�سه �أو ديانته ...كما قد يكون المركز مكت�سباً �أو ُم َح َّ�ص ً
وهو المركز الذي ي�صل �إليه الفرد بجهوده وقدرته وكفاءته ال�شخ�صية ...وتنت�شر في
المجتمعات المتخلفة المراكز المفرو�ضة بينما تنت�شر في المجتمعات المتقدمة
المراكز المكت�سبة"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)410
وتجدر إال�شارة �إلى �أنه "كلما زادت مكانة الفرد داخل الجماعة� ،أو كلما زادت
المكانة التي يحتمل �أن يح�صل عليها �إذا ان�ضم للجماعة ،كلما زادت القوى التي
تدفعه �إلى االن�ضمام للجماعة ..وقد تو�صل كيللي ( )Kelleyفي �إحدى تجاربه �إلى
نتيجة م�ؤداها �أن �أكثر �أفراد الجماعة آالخرين هم أالفراد آالمنون على مراكزهم في
214
المكانات العالية و�أولئك الذين يقدرون احتمال ترقيتهم من مكاناتهم المنخف�ضة..
كذلك وجد �أن �أقل المكانات في الجماعة جاذبية أللفراد هي المكانات العالية
المهددة بالتنـزيل ،والمكانات المنخف�ضة غير القابلة للترقية"(مختار حمزة،1982 ،
�ص �ص ..)137-136
�إذاً المكانة االجتماعية تترجم ذاتها في �صيغة �أدوار اجتماعية ..وهذه الترجمة
إالجرائية تح ِّتم على أال�سرة �أن ت�ساعد أالبناء على �أن تكون لديهم مكانة من خالل
تعزيز �أدوارهم االجتماعية ،والتي تم ِّثل الدالالت الوظيفية للفرد في الجماعة
�أو "ال�شخ�صية كما تك�شف عن نف�سها في نمط معين من ال�سلوك نحو الجماعة"(زين
العابدين دروي�ش� ،1999 ،ص ..)59
ال��دور االجتماعي هو "الجان��ب الدينامي لمركز الفرد �أو و�ضع��ه �أو مكانته في
الجماع��ة ...ه��و وظيفة الف��رد في الجماعة �أو ال��دور الذي يلعبه الف��رد في جماعة
�أو موق��ف اجتماع��ي ....والدور �شيء م�ستق��ل عن الفرد الذي يق��وم بهذا الدور.
فالف��رد ب�ش��ر �أم��ا الدور فه��و (�سيناريو) يح��دد ال�سل��وك �أو يعبر عن االنفع��ال ويحدد
ِّ
أالقوال"(مخت��ار حم��زة��� ،1982 ،ص ،)185الف��رد ب�شر ل��ه دور يعبر عن فكر
ِّ
﴾الكهف� ،]110 :إذاً نحـن في هــذه �أو ت�صـور ﴿
آالية �أمام ب�شر يقوم بدور الر�سول ،ودور الر�سول ي�شمل نمطاً منتظماً ،م�ستقيماً
و ُمب ِلغاً ،من جانب الر�سول ..وما يقال في هذا الدور يقال في بقية أالدوار مثل دور
القائد..
215
ولكن "يالحظ �أن لي�س للفرد دور اجتماعي واحد ،بل تتعدد أالدوار االجتماعية
ح�سب الجماعات المختلفة التي ي�شترك فيها الفرد"(مختار حمزة،1982 ،
�ص " .)193فالقائد مث ًال وهو يقوم بدوره هذا هو �أي�ضاً زوج و�أب في �أ�سرته ،وع�ضو
في ناد ريا�ضي وع�ضو في جماعة �سيا�سية ..ونف�س الفرد قد يكون مدر�ساً في ال�صباح
وطالباً للدرا�سات العليا في الم�ساء ،والموظف دائماً نجده رئي�ساً ومر�ؤو�ساً في نف�س
الوقت"(مختار حمزة� ،1982 ،ص ..)193
ولذلك على أال�سرة �أن تع ِّلم االبن ب�أن "يجد طريقاً ينظم فيه �أدواره العديدة في
ن�سق منتظم مترابط متكامل ،ويختلف أالفراد اختالفاً كبيراً في �إيجاد تكامل بين
أالدوار المختلفة ...وتختلف أالدوار االجتماعية ،فنجد بع�ضها مفرو�ضاً على الفرد
وبع�ضها اختيارياً"(مختار حمزة� ،1982 ،ص ،)193بل �إن الدور يت�ضمن عدة �أدوار
متفرعة عنه ،كما هو مو ّثق في دور النبي الر�سول والذي يتفرع منه دور ال�شاهد ودور
المنذر ودور الداعية ودور ال�سراج المنير﴿ ، المب�شر ودور ِ
ِّ
﴾
الحزاب..46-45 : أ
بال�ضافة �إلى �أدوار النبي الر�سول أالخرى حيث �أنه �أب ،وزوج ،وقائد هذا إ
لجماعة الم�سلمين ،وع�ضو ن�شط فيها ،ي�ست�شير وي�صنع قرار﴿ ،
﴾�آل عمران ،159 :ومع كل هذه أالدوار ،ف�إن النبي
الر�سول يو�صي �أتباعه ب�أن يوفقوا بين �أدورهم ويعطوا كل دور حقه ،ويوافقهم على
مقوالتهم التي تقر مبد�أ "التوفيق في الحقوق"� ،أي مبد�أ "�أعط كل ذي حق حقه"،
216
والذي نطق به �سلمان عندما قال ألبي الدرداء�" :إن لربك عليك حقا ،ولنف�سك عليك
ولهلك عليك حقا .ف�أعط كل ذي حق حقه" ،وذ ُِكر هذا للنبي محمد ، حقا ،أ
فقال�" :صدق �سلمان"(البخاري في �صحيحه ،طبعة " 1981مج � ،"1ص ..)243
وينبغي على أال�سرة وهي تربي �أبناءها على اال�ستقاللية ب�أن تع ِّلمهم ب�أن
اال�ستقاللية الفعالة ال تلغي االعتمادية عندما تكون معتدلة� ،أي ال توجد ا�ستقاللية
مطلقة ،فاالبن "ال�شاب قد يكون قائداً في جماعة وتابعاً في جماعة �أخرى ..وقد
يكون الرجل م�سيطراً في عمله ألنه مركز قيادي ،ولكن �سلوكه يختلف عن هذا
عندما يكون في النادي �أو في بيته"(مختار حمزة� ،1982 ،ص ..)193
و�أود �أن �أنبه �أخيراً هنا �إلى �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ينبغي �أن َت ْع َنى
بالدوافع االجتماعية ،فهي �أ�سا�س لبناء المكانة أالدبية واالجتماعية ..ومن هذه
الدوافع الدافع للقوة ،والذي يمثل "مقدار الرغبة في ال�سيطرة وفر�ض الت�أثير في
المواقف االجتماعية"(مي�شيل ارجايل� ،1982 ،ص )39؛ �إ�ضافة �إلى الدافع للنفوذ
والدافع لالنتماء ،والذي "يخت�ص بحافز البحث عن مواقف اجتماعية عميقة ،ودافئة
ووثيقة ،والبحث عن التقبل وحب آالخرين"(مي�شيل ارجايل� ،1982 ،ص ..)39
ودعوتنا ألل�سرة باالعتناء بالدوافع االجتماعية تنطلق من فكرة �أن �أ�صول الحوافز
والدوافع االجتماعية تكمن في التعلم ..فالدرا�سات العلمية ك�شفت عن "اكت�ساب
بالثابة"(مي�شيل ارجايل� ،1982 ،ص )42وغيرها من الحوافز بطريق التعلم إ
217
مرده �إلى �أن ال�شخ�صية لي�ست فقط ً
بناء �سلوكياً ،و�إنما �أ�شكال التعلم ..وهذا كله ُّ
"بناء دافعياً"(علي عبدالرزاق جلبي� ،1984 ،ص ،)181يح ِّفز ذلك
هي كذلك ً
ويوجهه..
ال�سلوك ِّ
نخل�ص �إلى �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية تبني جوانب �إيجابية في
أالبناء من خالل تعزيز �أبعاد حيوية في ذواتهم مثل المبادرة والفاعلية واالجتهاد
واللفة واالنتاجية والتكامل ،وتجعلهم ذوي �أدوار �إنجازية تبني لهم مكانة والهوية أ
اجتماعية ..وفيما يلي م�ؤ�شرات �سلوكية تعك�س تحقق تلك التربية:
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على معرفة زمانهم والتعامل معه ب�شكل �إيجابي.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على اال�ستقامة في الحياة.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءهم على فهم محيطهم القريب والبعيد ،وتقديره.
-توعي أال�سرة �أبناءها ب�أن ي�ستعينون بو�سائل م�شروعة ألهداف م�شروعة.
-تعويد أال�سرة �أبناءها على التخيل االجتماعي النافع ،بما ي�ؤدي �إلى �صناعة
�أهداف جديدة نافعة وو�سائل تحقق تلك أالهداف� ،أي يت�صور االبن الهدف
ويت�صور و�سيلته.
-تع ِّلم أال�سرة �أبناءها على �أن المكانة االجتماعية ُتكْ َت َ�سب وال ُت ْو َهب.
-تع ِّلم أال�سرة �أبناءها على �أن مفاتيح المكانة االجتماعية هي الثقة االجتماعية
والعالقة الح�سنة آ
بالخرين واالنجاز.
-تع ِّلم أال�سرة �أبناءها �أن الجزاء من جن�س العمل.
218
العائد رقم ( :)4الثروة المالية والمادية..
تقدم لنا من خالل أالبعاد النف�سية-االجتماعية التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ِّ
للعائد رقم (�- ،)1أي �أبعاد المبادرة ،الفاعلية واالجتهاد ،الهوية ،أاللفة ،االنتاجية،
التكامل �أو االكتمال -عائداً مت�ضمناً فيها وهو "بناء الثروة" ،المادية والمالية ،حيث
�أن "الثروة :كل الممتلكات التي لها قيمة تبادلية ،فالثروة الفردية ت�شمل الموارد
ال�صالحة إل�شباع الحاجات �سواء كانت �سلعاً مادية �أو حقوقاً� ...أما من وجهة نظر
المجتمع فت�شمل الثروة الموارد الطبيعية وال�سلع المملوكة ملكية جماعية كالمرافق
العامة والطرق والمناجم وال�سكك الحديدية ..الخ"(�أحمد زكي بدوي،1982 ،
�ص ..)445
"والثروة في اال�ستعمال ال�ضيق م�ساوية لر�أ�س المال ،و�إن كانت تعطي معنى
القابلية لال�شباع ،في حين �أن ر�أ�س المال يركِّ ز على الطاقة االنتاجية للر�صيد
من أال�شياء ذات القيمة االقت�صادية"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص ..)445
�أما المال� ،أو قل "النقود :هو كل و�سيط للمبادلة بقبول عام مع الوفاء بااللتزامات،
وتدخل فيها العملة التي هي النقود التي يعترف لها بقوة �إبراء محدودة �أو غير
محدودة ...والنقود :هي أال�سا�س الذي يقوم عليه جهاز الثمن ،حيث يتم تقويم
�أثمان ال�سلع والخدمات بالنقود ،كما تقوم بها معظم نفقات االنتاج"(�أحمد زكي
بدوي� ،1982 ،ص ..)272
219
والتربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية تنطلق من مبد�أ �أن "اال�ستقالل يمكن �أن
يكون مدخل على جلب المال؛ و�أن المال يمكن �أن ي�ساعد في تح�سين الحال"،
بمعنى مثلما �أن المال يمكن �أن يكون �آلية تدمير للحال ،هو كذلك يمكن �أن يكون
�آلية لتعمير الحال ..وطبعاً هذا م�شروط باال�ستعمال العاقل والفعال للمال ،والذي
ال ُي ْح ِ�سنه بحق وحقيقة �إال من كان �صالح العمل ..لذلك جاء في الحديث النبوي:
"نعم المال ال�صالح للعبد ال�صالح" رواه �أحمد(�أبو حامد الغزالي ،طبعة " 1980مج
� ،"4ص �ص ..)1766-1765
وطبعاً ال�سبب في ذلك يرجع �إلى �أن "المال� :ضروري في المعي�شة"(�أبو حامد
الغزالي ،طبعة " 1980مج � ،"5ص � ،)2482أي �أن انفاق المال �ضروري لتح�سين
الحال ،ولكن مع التنبيه �إلى �أن "للمنفق حالتان ،تبذير واقت�صاد ..والمحمود هو
االقت�صاد"(�أبو حامد الغزالي ،طبعة " 1980مج � ،"4ص ،)21761هو االعتدال..
220
التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ينبغي �أن ِّ
تنبه �إلى �أن اال�ستقالل ال ي�أتي فقط
بالمال ،و�إنما المال هو آالخر يمكن �أن ي�أتي باال�ستقالل ،ويزيد في قوته ..وكما
يقال "المال قوة" ،وفي تناميه تنامي للقوة ..أ
والقوى بال تقوى :يَ ْه َوى� ،أي يقع..
ولذلك جاءت الن�صيحة تقول�" :إياك �أن تجمع من الدنيا ما ال ت ؤ�دي �شكره" (�أبو
﴾ حامد الغزالي ،طبعة " 1980مج � ،"4ص ﴿ ،)1763
�إبراهيم..]7 :
التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية �أي�ضاً ينبغي �أن ت�ضبط م�سار النـزعة لال�ستقالل
ب�ضبط طريقة التعامل مع المال ،بحيث يكون هذا المال و�سيلة ال غاية ،وكما
يقول �أحمد �أمين رحمه اهلل" :لي�س المال يُطلب لذاته ،ألنه و�سيلة للح�صول على
ما يُرغَب"(� ،1969ص ،)229ولذلك ينبغي �أن ال تلهينا الو�سيلة عن الغاية� ،أي المادة
عن العبادة﴿ ،
﴾ المنافقـ��ون﴿،9 :
﴾التغابن..15 :
و�ضابط �آخر مترتب على ال�ضابط �أعاله هو �أن المال ت�ضبطه نوعية الحال التي
يرجـوها إالن�سان في عالم آالخرة﴿ ،
221
﴾�آل عمران﴿ ،]15-14 :
﴾
الكهف..]46 :
و�إن دلت هذه آاليات كلها على �شيء ف�إنما تدل على �أن المال و�سيلة لغيره؛
وغيره يفيد �أغرا�ضه و�أهدافه وغاياته ..ومعلو ٌم �أن الو�سائل جزء من الدنيا والغايات
الخرة ..ولذلك ،عندما يموت إالن�سان تبقى الو�سائل في الدنيا ،وتذهب جزء من آ
الغايات والمقا�صد �إلى ا آلخرة..
وبتعبير �آخر" :المال والبنون لن يدخال معك القبر ،ولن ينفعاك من العذاب،
ولن ينفعك �إال الباقيات ال�صالحات"(محمد متولي ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج
� ،"14ص ..)8926والباقيات نوعان :باقيات �صالحات وباقيات �سيئات ،والن�ص هنا
ليميزها عن الباقيات ال�سيئات ..و�أن هذه الباقيات حدد الباقيات بال�صالحات ِّ
ال�صالحات خير عند اهلل ..أ
"والمل :ما يتطلع �إليه إالن�سان مما لم تكن به حالته،
فالمل أالعلى عند اهلل تبارك وتعالى ،كلف�إن كان عنده خير تطلَّع �إلى �أعلى منه .أ
باق"(محمد متولي ال�شعراوي، يبين �أن هذه الدنيا زائلة ،و�أننا ذاهبون �إلى يوم ٍ
هذا ِّ
بدون تاريخ "مج � ،"14ص ..)8928
�إذاً التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي مجموعة الجهود المبذولة لت�أ�سي�س
فكرة مركَّ بة لدى أالبناء ،وهي �أن "اال�ستقالل و�سيلة للمال ،و�أن هذا المال يغذي
ويقويه؛ و�أن المال في حد ذاته و�سيلة لغيره ،و�أن ُّ
محكه يكمن في منافعه، اال�ستقالل ِّ
222
للخرة ،وو�سيلة لحياة باقية دائمة ناعمة ُم ْ�س ِعدة ،ال تنتهي
وفي جعل "الدنيا مزرعة آ
�أنت من النعيم فتتركه ،وال ينتهي منك النعيم فيتركك� ،إنه نعيم الجنة"(محمد
متولي ال�شعراوي ،بدون تاريخ "مج � ،"14ص ..)8927
نخل�ص �إلى �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية تبني جوانب �إيجابية في
أالبناء من خالل تعزيز �أبعاد حيوية في ذواتهم مثل المبادرة والفاعلية واالجتهاد والهوية
واللفة واالنتاجية والتكامل ،وتجعلهم ذوي �أدوار �إنجازية تبني لهم مكانة اجتماعية، أ
ومعها ثروة مادية ومالية ..وفيما يلي م�ؤ�شرات �سلوكية تعك�س تحقق تلك التربية:
� -أن ت�ضع أال�سرة فكرة الم�ستقبل في عقول �أبناءها.
� -أن ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على التخطيط ِّ
المبكر للم�ستقبل.
� -أن ت�ساعد أال�سرة أالبناء على تنفيذ خططهم بخ�صو�ص م�ستقبلهم.
تقدم أال�سرة توجيهات وتغذية راجعة أللبناء �أثناء تنفيذهم لخططهم. � -أن ِّ
� -أن ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على تعديل خططهم الم�ستقبلية ً
بناء على معطيات
خبراتهم مع خططهم في �أر�ض الواقع.
� -أن توجه أال�سرة �أبناءها نحو قيا�س فاعلية خططهم ،والتح�سين الم�ستمر لهذه
الفاعلية.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على بناء ثروة مادية من خالل تنفيذهم ال�سليم
لمخططاتهم.
-تذكِّ ر أال�سرة �أبناءها ب�ضرورة �شكر النعمة ،والمراجعة الذاتية لكي ال تنحرف
بهم مكت�سباتهم �إلى ما ي�ضرهم وي�ضر ب�سمعتهم.
223
العائد رقم ( :)5ال�سعادة الحياتية ،ال�شخ�صية والزوجية والمهنية..
تقدم لنا من خالل أالبعاد النف�سية-االجتماعية التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ِّ
للعائد رقم (�- ،)1أي �أبعاد المبادرة ،الفاعلية واالجتهاد ،الهوية ،أاللفة ،االنتاجية،
التكامل �أو االكتمال -عائداً مت�ضمناً فيها وهو "تح�صيل ال�سعادة" ،حيث �أن
"ال�سعادة :حالة تن�ش�أ من �إ�شباع الرغبات إالن�سانية كماًّ وكيفاً ،وقد ت�سمو �إلى م�ستوى
الر�ضا الروحي ونعيم الت�أمل والنظر"(�أحمد زكي بدوي� ،1982 ،ص )191والعمل
تحرك هذا العمل ال�صالح..
ال�صالح ،وكل قيمة نف�سية ِّ
ولذلك اعتبر الب�شر �أن "ال�سعادة هي ج ّنة أالحالم التي ين�شدها كل ب�شر"(يو�سف
القر�ضاوي� ،1990 ،ص ..)76وهناك من زعم واعتبر ال�سعادة هي المقيا�س� ،أي "�أن
ال�سعادة هي الغاية أالخيرة للحياة ،و�إن �شئت فقل هي غاية الغايات إللن�سان"(�أحمد
�أمين� ،1969 ،ص ..)89
وال�سعادة في داخلك قبل �أن تظهر في خارجك ،ولذلك فقد قال " أال�ستاذ (كولن
ول�سون) الذي و�صف عمران نيويورك وازدهارها ب�أنه (غطاء جميل لحالة من التعا�سة
وال�شقاء)"(يو�سف القر�ضاوي� ،1990 ،ص ..)76وبالتالي ،ف�إن المال ،بالرغم من
�أنه يمكن �أن يكون م�صدر م�ساعد على ال�سعادة عندما ُي ْح ِ�سن ا�ستخدامه إالن�سان،
�إال �أن كثرته "لي�ست هي ال�سعادة ،وال العن�صر أالول في تحقيقها ،بل ربما كانت
كثرة المال �أحياناً وبا ًال على �صاحبها في الدنيا قبل آالخرة ،لذلك قال اهلل في �ش�أن
224
قوم من المنافقين﴿ :
والهم
واللم ّ﴾التوبة ...]55 :والعذاب هنا هو الم�شقة والن�صب أ
وال�سقم ،فهو عذاب دنيوي حا�ضر"(يو�سف القر�ضاوي� ،1990 ،ص ..)79
وقد �أ�شار برتراند َرا�سل �إلى �أن "�سعادة المرء تتوقف على ظروفه الخارجية ،من
ناحية ،وعلى نف�سه هو ،من ناحية ثانية"(� ،1981ص ..)169وال�سعادة من منظور
�إ�سالمي تفيد �أن ال�سعادة في �أ�صلها نف�سية �إيمانية روحية ،وفي دالئلها اجتماعية
ال�صل الداخلي لل�سعادة ،قال �أحد ال�صالحين�" :إننا نعي�شومادية وعملية ..وعن أ
في �سعادة لو ع ِلم بها الملوك لجالدونا عليها بال�سيوف"(يو�سف القر�ضاوي،1978 ،
�ص ..)91
�أي�ضاً يدخل �ضمن الو�سائل الم�ؤدية �إلى ال�سعادة �أو الم�ساعدة عليها هي الو�سائل
المعرفية مثل ُب ْعد النظر ..يقول �أحمد �أمين رحمه اهلل" :من �أهم و�سائل ال�سعادة
في الحياةُ :بعد النظر ،وتوجيه أالعمال ح�سب ما يقت�ضيه النظر البعيد ...فالزارع
�إنما ينجح بنظره �إلى م�ستقبل زراعته وما �سيحتاج �إليه ،وت�شكيل �أعماله وفق ذلك..
والطالب �إنما ينجح في درا�سته �إذا هو نظر �إلى م�ستقبله وا�ستعد ألداء ما �سيمتحن
وعدل حياته وفق الغر�ض الذي يرمي �إليه ،وهكذا ...كذلك ال�ش�أن في حياة فيهّ ،
إالن�سان المالية ،البد �أن ينظمها الفكر والنظر البعيد ،و�إال ا�ضطربت معي�شته و�ساء
حاله"(� ،1969ص ..)229
فالمال في حد ذاته لي�س م�صدر �سعادة ،و�إنما الذي يجعله كذلك هو اال�ستخدام
الح�س��ن والفع��ال للمال ..ولذلك ق��ال �أحمد �أمين رحمه اهلل" :لي���س المال لذاته
�شيئ��اً ح�سن��اً ،و�إنم��ا ه��و ح�س��ن �أو قبي��ح ح�س��ب ا�ستعمال��ه؛ فهو ح�سن ف��ي يد من
ُي ْح ِ�س��ن ا�ستعمال��ه ،وقبيح في يد م��ن ي�سيئه ،ويجب �أن نتعلم ف��ن ا�ستعمال المال
226
وطرق ك�سبه وتوفيره ،ولذلك عالقة أ
بالخالق ،فكثير من الف�ضائل والرذائل عمادها
المال"(� ،1969ص ..)230
وبناء على ما تقدم ،ف�إن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية تجعل منً
اال�ستقالل و�سيلة جلب لل�سعادة ،ولكل �أمر محمود ي�ؤدي �إليها ..هذه ال�سعادة التي
ت�ستمد منابعها في �أعمال القلب ومعنوياته ،ومعيناتها في �أعمال الجوارح ومادياتها..
فال �سعادة بال �سكينة و�سكن� ،سكينة في قلبه و�سكن عند زوجه وعند كل خير جنته
يداه..
227
﴾ إاليمان بال �سكينة﴿ ،
واليمان وال�سكينة يلدان ال�سعادة؛ والتي بها
فاليمان يلد ال�سكينة ،إ الفتح ..]4 :إ
ي�أتي أالمن ،وكل ما يتبعه من ِن َعم..
نخل�ص �إلى �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية تبني جوانب �إيجابية في
أالبناء من خالل تعزيز �أبعاد حيوية في ذواتهم مثل المبادرة والفاعلية واالجتهاد
واللفة واالنتاجية والتكامل ،وتجعلهم ذوي �أدوار �إنجازية تبني لهم مكانة والهوية أ
اجتماعية ،ومعها ثروة مادية ومالية ،و�سعادة �أبدية� ،أولها في ِن َعم الدنيا وم�ستقرها في
نعيم آالخرة ..وفيما يلي م�ؤ�شرات �سلوكية تعك�س تحقق تلك التربية:
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على فهم المعنى الحقيقي لل�سعادة.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على فهم فكرة �أن الجانب المادي يغذي ال�سعادة ،ولكن
قد ال ي�ضمنها بذاته.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على �ضرورة البحث عن �شروط �أخرى لل�سعادة� ،أي
مكملة لها.
�شروط ِّ
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على فهم �أن ال�سعادة الدنيوية ينبغي �أن تكون مدخل
على ال�سعادة أالخروية ،و�أال تفقد معناها وقيمتها.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على الوعي ب�أن �سعادتهم في �سعادة محيطهم وو�سطهم
االجتماعي ،وخا�صة القريب منهم..
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على فهم �أن االنجاز والمكانة هي مقدمات لل�سعادة.
228
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على الوعي بفكرة �أن ال�شعور بال�سعادة �أمر ن�سبي ،قابل
للتغير ،وبالتالي اال�ستعداد نف�سياً لهذا التغير.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على �أن جزء كبير من ال�سعادة ي�أتي من قدرتهم على
إالدارة الفعالة للتغيرات التي تحدث حولهم �أو في حياتهم.
وفيما يلي مجموعة من النقاط المهمة ذات ال�صلة بالم�ؤ�شرات المو ّثقة �أعاله،
والمتمركزة حول فكرة "ال�سعادة" ،ومنها:
-ال تتوفر ال�سعادة �إال باكتمال جميع �أ�سبابها .فالمال بال �صحة ال ي�ؤدي �إلى
ال�سعادة ،وكالهما بال �أمن ال ي�ؤديان �إلى ال�سعادة وهكذا.
-امتالك كل �أ�سباب ال�سعادة ،بالرغم من �أنه نادر� ،إال �أنه قد ال يحقق ال�سعادة،
يكدر عليه ال�شعور بال�سعادة .فالغني يخاف �إذ خوفه من فوات هذه أال�سباب ِّ
الخ�سارة وال�صحيح يخاف المر�ض وغيرها..
� -إن امتالك كل �أ�سباب ال�سعادة قد ي�صيب إالن�سان بالملل حيث اللذة بالندرة
ولي�س بالوفرة.
-من النقاط الثالثة �أعاله ،ن�صل �إلى �أن أال�سباب المادية ال يمكن �أن يحقق
ال�سعادة ،ولكن التقي هو ال�سعيد.
229
العائد رقم ( :)6الت أ�ثير المحلي أ
والثر العالمي..
التربية نحو اال�ستقاللية تنجح في �صناعة �أبناء ُي ْح ِ�سنون إالفادة بالت�أثير عندما
تنجح في �صناعة �أبناء ُي ْح ِ�سنون اال�ستفادة من الت�أثر ..وما يم ِّهد لذلك هو "تزايد
ا�ستقالل الطفل عن الرا�شدين مع عودة ثقته فيهم ،وتبدو تلك الثقة في قبوله
لتوجيهاتهم"(�أ�سامة �سعد �أبو �سريع� ،1993 ،ص )91ال�سليمة واال�ستفادة منها..
وك ًال من اال�ستماع واالقناع ي�ؤ�س�سان لفل�سفة "�إفادة وا�ستفادة" ،فل�سفة "ا�ستفاد
�-سواء �أكانت �سيا�سية �أو فكرية -تتيح
ً ألن مجتمعه يتمتع بالتعدد" ..فالتعددية
فر�صة آ
للراء المختلفة لكي تظهر في المجتمع ،في�سمعها الجميع ،ويتبعون �أح�سنها،
وبهذه الطريقة يتمكن المجتمع من الت�أ�سي�س لثقافة "االتباع بعد اال�ستماع"،
230
"اال�ستماع �إلى الكل واتباع أالف�ضل"" ،اال�ستماع �إلى منطق الل�سان ،واتباع المنطق
﴾الزمر..18 : أالح�سن"﴿ ،
واالجتهاد الذي نريده هو اجتهاد تعدد ال اجتهاد ت�ضاد ..وهذا يعني �أن ال يتحول
التعدد �إلى ت�ضاد ،واالختالف �إلى عنف ..مثل �أن ال تتحول االختالفات في الحياة
الزوجية �إلى �أ�شكال و�صور من العنف مثل العنف أال�سري ،والذي بدوره قد ي�ؤدي
�إلى ا�ستمرار دوامة العنف بين الن�ساء والرجال عبر أالجيال..
واجتهاد "التعدد" هو الذي يمكن �أن يجعل أللبناء ت�أثيراً محلياً و�أثراً عالمياً
�إيجابيين ومحمودين ،مع التنبيه على �أن "االجتهاد الم�شروع والنافع يكون فيما
ال ن�ص فيه" ..وبتعبير �أو�سع :االجتهاد هو "ما لي�س بن�ص وال �إجمـاع وال قيا�س
ال�سيد" 1983 ،مج � ،"2ص ..)6هذا من ناحية ،ومن ناحية علة"(الطيب خ�ضري ِّ
ّ
�أخرى" :االجتهاد فيما ورد فيه ن�ص هو �أمر مقبول بل وواجب ،ولكن لفهم الن�ص ذاته
وتطبيقه ،و�أغلب اجتهادات الفقهاء من هذا النوع".
231
والتربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ينبغي �أن توعي أالبناء ب�أن ت�أثيرهم ي�صل �إلى
غيرهم من خالل �إيمانهم ،وفكرهم ،وعملهم؛ و�أن االجتهاد ال ي�ستطيعه �إال �صاحب
والن�سان في نهاية المطاف ي�ؤثر في غيره العقل الم�ستقل ،وبه يتم تح�سين العمل ،إ
بعمله ..بعمله يربح الخير ،وبعمله يكافح ال�شر ..بعمله ي�ؤثِّر محلياً وبعمله يترك �أثراً
عالمياً..
والعمل الذي ي�أتي بالت�أثير المحلي ويترك �أثر عالمي هو العمل ال�صالح ،وكما
قيل" :الرجل ال�صالح يترك �أثراً �صالحاً حيثما حل" ..والعمل ال�صالح هو �أثر مترتب
على إاليمان ..أالعمال ال�صالحة ُت ْن ِب ُتها تربة �صالحة ..تخرج من �شجرة �صالحة،
﴿مثل �شجرة طيبة ككلمة طيبة �أ�صلها ثابت وفرعها في ال�سماء ت�ؤتي �أكلها كل حين
ب�إذن ربها﴾�إبراهيم..]24 - 23 :
والعمل ال�صالح هو نتاج تفاعل رغبة �أو �إرادة +قدرة ..وما يقال عن العمل ال�صالح
232
يقال عن العمل الناجح ..والمعادلة ال�شرعية هي" :ا إلرادة الجازمة +القدرة التامة =
العمل الناجح"(جودت �سعيد� ،)1987 ،شريطة �أن يكون هذا العمل الناجح باهلل
﴾ وهلل﴿ ،
الكهف ،]110 :وبهذا يكون العمل الناجح عم ًال �صالحاً..
والتربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية الم�ستقيمة ينبغي �أن تدفع �أبنائها نحو تبني
�آليات جالبة للعمل الناجح ال�صالح ..فالعمل الناجح ال�صالح يتحقق من خالل
�آليات� ،أولها �آلية الت�سخير ،والذي "ي�أتي نتيجة العلم ب�سنن اهلل في خلقه"(جودت
�سعيد� ،1987 ،ص ،)59و"يزداد بازدياد العلم"(جودت �سعيد� ،1987 ،ص ،)57
﴾ ﴿
الجاثية..]13 :
والت�سخير كمفهوم يفيد" :نتاج المعرفة ب�سنن اهلل في خلقه"" ..فال�سنة قانون اهلل،
والعلم هو معرفة هذه ال�سنن ،والت�سخير نتيجة هذه المعرفة"(جودت �سعيد،1987 ،
والن�سان يمكن �أن ي�ؤثِّر في غيره بت�سخيره لعلمه إ
ولمكانياته وعنا�صر �ص ..)59إ
بيئته ..فالت�أثير ي�أتي في الت�سخير ..وقوة الت�أثير تكون في قوة الت�سخير..
نخل�ص مما �سبق �إلى �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية تنطلق من
اال�ستقالل ك�أ�سا�س للعمل ،وهذا العمل ي�ستند �إلى الت�سخير ،والذي به ي�أتي
الت�أثير ..ت�أثير محلي ،يمتد فيثمر �أثر عالمي ،ويعين هذا الت�أثير عنا�صر حيوية كامنة
233
واللفة واالنتاجية والتكامل، في ذواتهم مثل المبادرة والفاعلية واالجتهاد والهوية أ
وتجعلهم ذوي �أدوار �إنجازية تبني لهم مكانة اجتماعية ،ومعها ثروة مادية ومالية،
و�سعادة �أبدية� ،أولها في ِن َعم الدنيا وم�ستقرها في نعيم آالخرة ..وفيما يلي م�ؤ�شرات
�سلوكية تعك�س تحقق تلك التربية:
-توعي أال�سرة �أبناءها ب�أن قيمة إالن�سان في ت�أثيره و�أثره الذي يتركه في بيئته.
-توعي أال�سرة �أبناءها ب�أن للت�أثير خ�صائ�ص تمنحه وجوده (مثل خا�صية
الم�صداقية).
-توعي أال�سرة �أبناءها ب�أن الت�أثير يبد�أ من الداخل ،ويتجه نحو الخارج.
﴾ -توعــي أال�ســرة �أبناءها ب�أن ﴿
الرعد.]11 :
-ت�سعى أال�سرة �إلى تهيئة �أبناءها لكي يكونوا ذوي ت�أثير محلي قوي.
-ت�سعى أال�سرة ألن يتخذ أالبناء من ت�أثيرهم المحلي �أ�سا�س للت�أثير العالمي.
-ت�سعى أال�سرة �إلى �أن يكون لت�أثير أالبناء ً
معنى ح�ضارياً� ،أي ر�سالياً ،تجعلهم
ي�شعرون ب�أنهم حاملي ر�سالة ،ولي�سوا مهم�شين وال بهائم.
-ت�سعى أال�سرة �إلى و�ضع فكرة في �أذهان أالبناء ب�أن الذي يخ ِّلدهم هي �أعمالهم،
العظيمة منها.
-ت�سعى أال�سرة �إلى دفع أالبناء ل�ضرورة مراجعة الذات ومقا�صد الت�أثير لديها.
234
الجر أ
الحروي.. العائد رقم ( :)7أ
التربية نحو اال�ستقاللية تعتبر فعالة عندما ال تتمكن فقط من جعل اال�ستقالل
�آلية ل�صناعة أالثر ،و�إنما عندما تجعله كذلك �آلية يترتب عليها �أجر ..ف�صناعة أالثر
الجر ،في�أتي بفعل العبادة ..العادة الناجحة تثمر �أثر
ي�أتي بفعل العادة� ،أما ح�صد أ
دنيوي ،لكن العبادة ال�صالحة تثمر �أجر �أخروي ،مع التنبيه �إلى �أن العادة الناجحة عندما
تكون هلل ت�صبح عبادة �صالحة� ،أي عندما تنطلق من نية تترجم ذاتها في �صيغة �أعمال
�صالحة ،وفي الحديث�" :إنما أالعمال بالنيات" جزء من حديث �صحيح رواه
البخاري وم�سلم(النووي ،طبعة 1399هـ� ،ص ..)8
فالنية هي تمييز العادة من العبادة ،وهذا التمييز هو �شرط لتحول أالثر �إلى �أجر..
ومعلو ٌم ب�أن "نية العبادة لها مرتبتان:
�إحداهما :تمييز العبادة عن العادة.
والثانيـة :تمييز مراتب العبادات بع�ضها عن بع�ض"(ابن قيم الجوزية ،طبعة 1972
"مج � ،"1ص ..)110
والتربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية ت�ؤكِّ د على دور اجتماعي رباني أللبناء ،عندما
يدخلوا طور التكليف ،وهو دور الخالفة﴿ ،
﴾البقرة ،]30 :والذي يترجمه دور غائي وهو دور العابد القائم بالعبادة،
المعمر القائم بالعمارة ..وهذان الدوران مت�ضمنين في قوله
ودور و�سائلي وهو دور ِّ
﴾الفاتحلة..]5 : تعالى ﴿
235
ومفردة "﴿ ﴾ معناه :من يخلف ...قال الح�سن� :إنما �سمى اهلل بني �آدم
خليفة ألن كل قرن منهم يخلف الذي قبله ،والجيل بعد الجيل ...قال القا�ضي �أبو محمد
رحمه اهلل :ففي هذا القول يحتمل �أن تكون بمعنى خالفة وبمعنى مخلوفة"(�أبي محمد
عطية أالندل�سي ،طبعة " 1977مج � ،"1ص �ص ،)228-227وي�ؤ ِّيد عبدالحق بن ّ
﴾ هـذا قـوله تعـالى ﴿
﴾النعام133:
أ النور﴿ ،]55 :
والخالفة تعني �أن هناك دورين ،دور �إلهي هو دور "الم�ستخ ِلف" ودور ب�شري هو
"الم�ستخلَف" ..وهذا دور الم�ستخلَف الب�شري يت�ضمن معياراً و�سلوكاً ،ف�إذا ْ دور
ما خالف �سلوكه معياره�ُ ،س ِح َب منه دوره ،وا�ستبدل ُبم ْ�س َت ْخلَف �آخرُ ،م ْ�س َت ْخلَف
﴾مري��م]59 :؛ جديد﴿ ،
و�أما �إذا ات�سق دوره مع المعيار الذي حدده له ربه ،فن�صيبه �أن ُي َو َّرث هذا
الدور وي�ستمر فيه �إلى ما �شاء اهلل ﴿
﴾النور..]55 :
�شرطا اال�ستخالف ..وبتعبير �آخر :ا�ستيفاء �شروط وااليمان والعمل ال�صالح هما ْ
﴾ �أ�سا�س لال�ستخالفُ ،
فالم ْ�س َت ْخ َلف العبادة واال�ستعانة﴿ ،
هو عابد من جهة وم�ستعين من جهة �أخرى ،وبعبادته يع ِّمر �آخرته ،وبا�ستعانته يع ِّمر
236
دنياه؛ مع أالخذ في االعتبار �أن العمارة ّ
مت�ضمنة في العبادة ،فهي جزء منها وتعبير
مدني وح�ضاري عنها..
وبناء على ما تقدم ،ف�إن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية أالبناء على
ً
تبني هذين المعنيين ،معنى العبادة ومعنى اال�ستعانة ،والحياة وفقاً لهما ،في حالة
237
ا�ستقالل الذات وفي حالة االعتماد على آالخر؛ فا�ستقالل الذات مو�صول بالعبادة
واالعتماد على آالخر مو�صول باال�ستعانة ،وفي كال الحالتين نحن �أمام مفهومين
يكمل بع�ضهما البع�ض آالخر ،و�إن كانت المحطة أالخيرة هي محطة العبادة بالن�سبةِّ
لال�ستعانة ،ومحطة ا�ستقالل الذات بالن�سبة لالعتماد على آالخر..
نخل�ص مما �سبق �إلى �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية تنطلق من
اال�ستقالل ك�أ�سا�س للعمل؛ وكالهما �أ�سا�سان لي�س فقط لخلق أالثر ،و�إنما كذلك
لجعل الرزق هو أالجر ..هذا اال�ستقالل الذاتي الذي ي�ستمد قوته من الغاية،
من العبادة؛ والعمل إالجرائي ي�ستمد قوته من الو�سيلة ،من اال�ستعانة .وفي كال
الحالتين ،ف�إن اال�ستقالل والعمل مرتبطين بكل من المبادرة والفاعلية واالجتهاد
واللفة واالنتاجية والتكامل ..وفيما يلي م�ؤ�شرات �سلوكية تعك�س تحقق والهوية أ
تلك التربية ودور اال�ستقالل الذاتي في جني أالجر أالخروي:
-ت�أ�سي�س أال�سرة لفكرة آالخرة في �أذهان أالبناء.
-ت�أ�سي�س أال�سرة لفكرة الوعد والوعيد ،جعلها حا�ضرة في كل �أعمال أالبناء.
-ت�ساعد أال�سرة �أبناءها على �ضبط �سلوكياتهم من خالل قواعد أالخالق.
-تر�سيخ أال�سرة في نفو�س �أبنائها قوة إاليمان.
للخرة. -تعليم أال�سرة �أبناءها على كيفية جعل الدنيا مطية آ
-توعية أال�سرة �أبناءها ب�أن ال يبيعوا �آخرتهم بعر�ض من الدنيا.
-توعية أال�سرة �أبناءها ب�أن مكانهم في آالخرة م�شروط ب�إح�سانهم في الدنيا،
فالمراهنة على الخلق الح�سن.
238
خامتة الرتبية نحو اال�ستقاللية..
�أود �أن �أنهي حديثي عن العوائد ،بفكرة "التجديد" ،فكرة "تنامي الرغبة في
التجديد" ..فالتجديد هو �أحد عوائد التربية نحو اال�ستقالل ،مع التنبيه �إلى �أن
التجديد يمكن �أن يكون تجديداً في ال�شر مثلما يمكن �أن يكون تجديداً في الخير،
مقيد �أم ا�ستقالل بال حد؟..
ومرد ذلك �إلى نوع اال�ستقالل ،هل هو ا�ستقالل ّ
فاال�ستقالل بال قيد ي�أتي بتجديد متجاوز للحد..
الفكرة أال�سا�سية هنا �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي في حقيقتها تربية
للدافعية ،تربية للدافع لال�ستقالل ،والذي به ُي ْ�ص َنع الم�ستقبل ..وللتو�ضيح ،نقول
ب�أنه "من خالل الدافع لال�ستقالل يتمكن المفكر من التفتح على ذاته وتنمية
�إمكانياتها االبداعية .فبدون الثقة بالنف�س التي تدور في فلك هذا الدافع ال يجر� ؤ
الفرد على مواجهة المواقف الغام�ضة �إال بالتف�سيرات ال�شائعة وال ي�ستطيع �أن يمتحن
بنف�سه أالفكار ال�صحيحة"(عبدال�ستار �إبراهيم� ،1978 ،ص .)84
ولكن نود �أن نلفت االنتباه �إلى �أن القائمين على أال�سر ينبغي �أن يعوا ب�أن كل
من "الدافعية العامة والدافع لال�ستقالل ال يكفيان لخلق مفكر ابداعي ألنها عوامل
ت�ساعد في �أح�سن الظروف على �إثارة الطاقة وتوجيهها وجهة م�ستقلة �شجاعة،
وا�ستقالل الحكم والتفكير ال يخلق فكراً جديداً ،ولو �أنه يحقق للمفكر يقيناً
بالخطار وال�صواب"(عبدال�ستار �إبراهيم� ،1978 ،ص .)85 أ
239
ولهذا ف�إن المفكر يحتاج "�إلى �أن ي�صوغ من خالل عمله وفكره حلو ًال مالئمة
وجديدة ،ويتحقق هذا بف�صل الدافع لتقديم م�ساهمات مبتكرة و�أ�صيلة"(عبدال�ستار
�إبراهيم� ،1978 ،ص ،)85فيتفاعل هذا الدافع بالدوافع أالخرى ،وبالتالي يتمكن
المفكر من تقديم �صياغة خالقة ابداعية لما يم�س به من م�شكالت"(عبدال�ستار
�إبراهيم� ،1978 ،ص .)85
لال�ستقالل الدافع
الحــل المنافع
ال�شكل رقم ( )10يبين �أو ًال �أن الدافع م�س�ؤول عن جلب المنافع ،وثانياً �أن الدافع لال�ستقالل
عامل م�ساعد ي�سير بالفرد في اتجاه المبادرة لالتيان بحل نافع..
نخل�ص مما �سبق �إلى �أن التربية أال�سرية نحو اال�ستقاللية هي تربية أللبناء على
اال�ستقالل كمفتاح لل�سعادة ،والعلم الحديث ي�ؤكِّ د على ذلك ..فال�شخ�ص "الذي
يهوى اال�ستقالل ي�شعر ب�سعادة �أكبر عندما يعمل بمفرده"(�سوزان كويليام،2004 ،
�ص ..)167وهذه ال�سعادة يمكن �أن تتنامى في نوعها وقوتها عندما ال تكتفي الذات
فقط باال�ستفادة با�ستقالليتها ،و�إنما ت�ضيف منافع جديدة �إليها �أو ت�ضاعف من منافعها
من خالل اال�ستفادة من غيرها ..فباالعتماد يت�ضاعف العائد ..باالعتماد على الذات
وا آلخر يت�ضاعف الخير ..وفيما يلي م�ؤ�شرات تدلل على قيمة هذه التربية في اقتنا�ص
240
الفر�ص في زمن العولمة واال�ستفادة منها وتحقيق �أكبر عائد ذاتي واجتماعي منها:
� -أن تزرع أال�سرة عادات الم�س�ؤولية والتخيل والمبادرة لكي يدرك الفر�ص
ويغتنمها.
� -أن تعين أال�سرة �أفرادها على �إدراك �أن المحيط مليء بالفر�ص ،و�إن بدى للبع�ض
�أنها نادرة الوجود.
� -أن تنمي أال�سرة في �أبنائها ا�ستبعاد أالفكار ِّ
المبررة للف�شل.
� -أن تنمي أال�سرة لدى أالبناء �سرعة اتخاذ القرار الغتنام الفر�ص؛ ف�إذا حانت
الفر�صة ،فاغتنمها.
� -أن تنمي أال�سرة لدى �أبنائها قناعة عقلية ب�أن يغتنموا فر�ص القوة قبل �أن
يدركهم ال�ضعف.
241
242
املراجــــع
243
244
املراجع
( )1ابن تيمية( .طبعة 1382هـ "مج .)"10الفتاوى .المجلد العا�شر .طبعة
الريا�ض.
( )2ابن تيمية( .طبعة 1398هـ "مج .)"12الفتاوى .المجلد الثاني ع�شر.
بيروت-لبنان :دار العربية.
( )3ابن تيمية( .طبعة 1398هـ "مج .)"14الفتاوى .المجلد الرابع ع�شر.
بيروت-لبنان :دار العربية.
( )4ابن تيمية( .طبعة 1398هـ "مج .)"16الفتاوى .المجلد ال�ساد�س ع�شر.
بيروت-لبنان :دار العربية.
( )5ابن تيمية( .طبعة 1399هـ) .العبودية .بيروت-لبنان :المكتب إال�سالمي.
( )6ابن قيم الجوزيـة( .طبعة بدون تاريخ) .طريق الهجرتين وباب ال�سعادتين.
تحقيق :عبداهلل بن �إبراهيم أالن�صاري .الدوحة-قطر :مطابع الدوحة
الحديثة.
( )7ابن قيم الجوزيـة( .طبعة بدون تاريخ "ب") .الجواب الكافي لمن �س�أل عن
الدواء ال�شافي .بيروت-لبنان :دار الندوة الجديدة.
( )8ابن قيم الجوزيـة( .طبعة " 1972مج .)"1مدارج ال�سالكين .المجلد أالول.
تحقيق :محمد حامد الفقى .بيروت-لبنان :دار الكتاب العربي.
( )9ابن قيم الجوزيـة( .طبعة " 1973مج .)"2مدارج ال�سالكين .المجلد الثاني.
تحقيق :محمد حامد الفقى .بيروت-لبنان :دار الكتاب العربي.
245
القيم .تحقيق :محمد حامد ( )10ابن قيم الجوزيـة( .طبعة .)1978التف�سير ِّ
الفقى .بيروت-لبنان :دار الكتاب العربي.
( )11ابن قيم الجوزيـة( .طبعة .)1994الروحّ .قدم له وحق ّقه وعلّق عليه :محمد
�شريف �سكر .بيروت-لبنان :دار �إحياء العلوم.
والحكم في �شرح ( )12ابن رجب البغدادي( .طبعة .)1993جامع العلوم ِ
خم�سين حديثاً من جوامع الك ِلم .الريا�ض-المملكة العربية ال�سعودية:
مكتبة العبيكان.
( )13ابن كثير( .طبعة " 1982مج .)"1تف�سير القر�آن العظيم .المجلد أالول.
بيروت-لبنان :دار المعرفة.
( )14ابن كثير( .طبعة " 1982مج .)"4تف�سير القر�آن العظيم .المجلد الرابع.
بيروت-لبنان :دار المعرفة.
(� )15أبي الح�سن الماوردي( .طبعة � .)1978أدب الدنيا والدين .حققه وعلّق
ال�سقا .بيروت-لبنان :دار الكتب العلمية.عليه المرحوم :م�صطفى َّ
(� )16أبي الح�سن الماوردي( .طبعة " 1993مج .)"3كتاب الحاوي .المجلد
الثالث .تحقيق :راوية بنت �أحمد بن عبدالكريم الط ّهار .جدة-المملكة
العربية ال�سعودية :دار المجتمع للن�شر والتوزيع.
ال�سيد محمود أاللو�سي البغدادي( .طبعة 2001 (� )17أبي الف�ضل �شهاب الدين ّ
"مج .)"3روح المعاني .المجلد الثالث� .ضبطه ّ
و�صححه :علي عبدالباري
عطية .بيروت-لبنان :دار الكتب العلمية.
246
(� )18أبي العلي محمد بن عبدالرحمن بن عبدالرحيم المبـاركفوري( .طبعـة
" 1965مج .)"6تحفة أالحوذي ب�شرح جامع الترمذي .المجلد ال�ساد�س.
الطبعة الثانية .المدينة المنورة-المملكة العربية ال�سعودية :المكتبة ال�سلفية.
(� )19أبي حامد الغزالي( .طبعة " 1975مج � .)"3إحياء علوم الدين .المجلد
الثالث .بيروت-لبنان :دار الفكر.
(� )20أبو حامد الغزالي( .طبعة " 1980مج � .)"4إحياء علوم الدين .المجلد
الرابع .دار الفكر.
(� )21أبو حامد الغزالي( .طبعة " 1980مج � .)"5إحياء علوم الدين .المجلد
الخام�س .دار الفكر.
(� )22أبو حامد الغزالي( .طبعة " 1980مج � .)"6إحياء علوم الدين .المجلد
ال�ساد�س .دار الفكر.
(� )23أبي عبداهلل محمد بن �أحمد أالن�صاري القرطبي( .طبعة " 2003مج
.)"2الجامع ألحكام القر�آن (تف�سير القرطبي) .المجلد الثاني .تحقيق:
عبدالرزاق المهدي .بيروت-لبنان :دار الكتاب العربي.
(� )24أبي علي �أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي "م�سكويه"( .طبعة 1398هـ).
تهذيب أالخالق وتطهير أالعراق .تقديم :ح�سن تميم .بيروت-لبنان:
من�شورات دار مكتبة الحياة.
عطية أالندل�سي( .طبعة " 1977مج .)"1تف�سير ابن (� )25أبي محمد عبدالحق بن ّ
المحرر الوجيز في تف�سير الكتاب العزيز .المجلد أالول .تحقيق وتعليق:
عطيةّ :
247
ّالرحالي الفاروق وعبداهلل بن �إبراهيم أالن�صاري وال�سيد عبدالعال ال�سيد �إبراهيم
ومحمد ال�شافعي �صادق العناني .الدوحة-قطر :م�ؤ�س�سة دار العلوم.
(� )26أحمد الري�سوني ومحمد الزحيلي ومحمد عثمان �شبير .)2002( .حقوق
إالن�سان ..محور مقا�صد ال�شريعة� .سل�سلة كتاب أالمة .الدوحة-قطر :وزارة
أالوقاف وال�ش�ؤون إال�سالمية.
(� )27أحمد �أمين .)1969( .أالخالق .بيروت-لبنان :دار الكتاب العربي.
(� )28أحمد بن ال�شيخ محمد الزرقا� .)1998( .شرح القواعد الفقهية .دم�شق-
�سورية :دار القلم.
(� )29أحمد بن حنبل( .طبعة .)1978كتاب الزهد .بيروت-لبنان :دار الكتب
العلمية.
(� )30أحمد زكي بدوي .)1982( .معجم م�صطلحات العلوم االجتماعية .بيروت-
لبنان :مكتبة لبنان.
( )31البخاري( .طبعة " 1981مج � .)"1صحيح البخاري.
(� )32آالن ديفيد�سون وروبرت ديفيد�سون .)2004( .كيف ين�شئ آالباء أالكفاء
بناء عظاماً .الريا�ض-المملكة العربية ال�سعودية :مكتبة جرير. �أ ً
( )33ال�سيد الح�سيني .)1985( .مفاهيم علم االجتماع .الدوحة-قطر :دار قطري
بن الفجاءة.
ال�سيد" 1983( .مج .)"2االجتهاد فيما ال ن�ص فيه .الجزء الطيب خ�ضري ِّ (ّ )34
الثاني .الريا�ض-المملكة العربية ال�سعودية :مكتبة الحرمين.
248
( )35النووي( .طبعة 1399هـ) .كتاب �شرح أالربعين النووية .حققه و�أكمل
�شرحه وتعليقاته :عبداهلل بن �إبراهيم أالن�صاري .الدوحة-قطر� :إدارة �إحياء
التراث إال�سالمي.
(� )36أ�سامة �سعد �أبو �سريع .)1993(.ال�صداقة من منظور علم النف�س .الكويت:
والداب.�سل�سة عالم المعرفة :المجل�س الوطني للثقافة والفنون آ
(� )37أ�سعد رزوق .)1979( .مو�سوعة علم النف�س .مراجعة :عبداهلل الدايم.
بيروت-لبنان :الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر.
(� )38أنور ريا�ض عبدالرحيم وح�صة عبدالرحمن فخرو و�سبيكة الخليفي و�آمنة عبداهلل
تركي .)1996( .علم النف�س التربوي .الدوحة-قطر :مطابع دار ال�شرق.
(� )39أنور ريا�ض عبدالرحيم وهدى تركي .)2000( .مهارات التعلم واال�ستذكار.
الدوحة-قطر :دار الثقافة.
(� )40أمينة الجابر و�صالح �إبراهيم ال�صنيع وال�شيخة العنود بنت ثامر �آل ثاني.
( .)2001التفكك االجتماعي :أال�سباب والحلول المقترحة� .سل�سلة
كتاب أالمة .الدوحة-قطر :وزارة أالوقاف وال�ش�ؤون إال�سالمية.
( )41برتراند را�سل .)1981( .كيف تك�سب ال�سعادة .تعريب :منير البعلبكي.
بيروت-لبنان :دار العلم للماليين.
( )42ب�شير الر�شيدي .)1999( .التعامل مع الذات .الكويت.
( )43ب�شير الر�شيدي و�إبراهيم الخليفي� .)1997( .سيكولوجية أال�سرة والوالدية.
الكويت :ذات ال�سال�سل.
249
( )44بيتر هان�سون� .)1998( .ضغط العمل طريقك �إلى النجاح .الريا�ض -
المملكة العربية ال�سعودية :مكتبة جرير.
( )45جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1988( .مج .)"1معجم علم
النف�س والطب النف�سي .الجزء أالول .القاهرة-م�صر :دار النه�ضة العربية.
( )46جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1990( .مج .)"3معجم علم
النف�س والطب النف�سي .الجزء الثالث .القاهرة-م�صر :دار النه�ضة العربية.
( )47جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1991( .مج .)"4معجم علم
النف�س والطب النف�سي .الجزء الرابع .القاهرة-م�صر :دار النه�ضة العربية.
( )48جابر عبدالحميد جابر وعالء الدين كفافي" 1992( .مج .)"5معجم علم
النف�س والطب النف�سي .الجزء الخام�س .القاهرة-م�صر :دار النه�ضة العربية.
( )49جا�سم حاجيه .)2004( .العالج بالر�سم لت�شخي�ص حاالت �إ�ساءة معاملة
الطفل .الحلقة النقا�شية 13حول �إ�ساءة معاملة الطفل�( ،ص �ص .)43-42
دليل الحلقة .من 14-12دي�سمبر 2004بغرفة تجارة و�صناعة الكويت.
الكويت :مكتب إالنماء االجتماعي.
( )50جواد الم�ؤمن .)2004( .دور الطبيب في التعامل مع حاالت �إ�ساءة معاملة
الطفل .الحلقة النقا�شية 13حول �إ�ساءة معاملة الطفل�( ،ص �ص .)41-40
دليل الحلقة .من 14-12دي�سمبر 2004بغرفة تجارة و�صناعة الكويت.
الكويت :مكتب إالنماء االجتماعي.
( )51جودت �سعيد .)1987( .العمل قدرة �إرادة .دم�شق�-سورية :دار الثقافة للجميع.
250
( )52خال�ص جلبي .)1984( .في النقد الذاتي .بيروت-لبنان :م�ؤ�س�سة الر�سالة.
( )53حارث �سليمان الفاروقي .)1982( .المعجم القانوني .بيروت-لبنان :مكتبة لبنان.
( )54حمدي عبدالعال .)1985( .أالخالق ومعيارها بين الو�ضعية ِّ
والدين.
الكويت :دار القلم.
( )55كروز تراحيب �سالم العجمي .)2004( .دور أالمم المتحدة �ضد المعاملة
ال�سيئة أللطفال .الحلقة النقا�شية 13حول �إ�ساءة معاملة الطفل�( ،ص
�ص .)68-65دليل الحلقة .من 14-12دي�سمبر 2004بغرفة تجارة
و�صناعة الكويت .الكويت :مكتب إالنماء االجتماعي.
( )56كولن ويل�سون� .)1982( .سقوط الح�ضارة .نقله �إلى العربية� :أني�س زكي
ح�سن .بيروت-لبنان :دار آالداب.
( )57زهير المن�صور .)1985( .مقدمة في منهج إالبداع .الكويت :دار ذات
ال�سال�سل.
( )58زين العابدين دروي�ش .)1999( .علم النف�س االجتماعي� :أ�س�سه وتطبيقاته.
القاهرة-م�صر :دار الفكر العربي.
(� )59سعيد حوى" 1991( .مج .)"1أال�سا�س في التف�سير .المجلد أالول.
القاهرة-م�صر :دار ال�سالم.
(� )60سوزان كويليام .)2004( .الدوافع المحركة للب�شر .الريا�ض-المملكة
العربية ال�سعودية :مكتبة جرير.
(� )61سهير كامل �أحمد� .)2004( .سيكولوجية ال�شخ�صية .اال�سكندرية-م�صر:
مركز اال�سكندرية للكتاب.
251
(� )62سمير عبده .)1983( .تحليل مائة حالة نف�سية .بيروت-لبنان :دار آالفاق
الجديدة.
(� )63صالح �أحمد ال�شامي�1998( .أ) .مواعظ إالمام ال�شافعي .بيروت-لبنان:
المكتب إال�سالمي.
(� )64صفاء أالع�سر و�إبراهيم ق�شقو�ش ومحمد �سالمة .)1983( .برنامج لتنمية
دافعية االنجاز لدى التالميذ والطالب القطريين في مختلف مراحل
التعليم .درا�سات في تنمية دافعية إالنجاز(�ص �ص .)68-65الدوجة-
قطر :ال�شركة الحديثة للطباعة.
( )65عبا�س محمود العقاد .)1971( .عبقري إال�صالح والتعليم إالمام محمد
عبده .بيروت-لبنان :دار الكتاب العربي.
( )66عبا�س محمود العقاد .)1974( .قيم ومعايير .بيروت-لبنان :دار الجيل.
( )67عبدالعزيز القو�صي� .)1975( .أ�س�س ال�صحة النف�سية .القاهرة-م�صر :مكتبة
النه�ضة الم�صرية.
( )68عبدالرحمن بن الجوزي( .طبعة .)1962ذم الهوى .تحقيق :م�صطفى
عبدالواحد .مرجعة :محمد الغزالي .م�صر :دار الكتب إال�سالمية.
( )69عبدالر�ؤوف المناوي( .طبعة بدون تاريخ "مج .)"3في�ض القدير �شرح
الجامع ال�صغير .بيروت-لبنان :دار المعرفة.
( )70عبدال�ستار �إبراهيم� .)1978( .آفاق جديدة في درا�سة إالبداع .الكويت -
وكالة المطبوعات .توزيع دار القلم :بيروت -لبنان.
252
والمرا�ض النف�سية .م�صر:( )71عالء الدين كفافي .)1989( .التن�شئة الوالدية أ
هجر للطبعة والن�شر والتوزيع واالعالن.
( )72عالء الدين كفافي .)1990( .ال�صحة النف�سية .م�صر :هجر للطبعة والن�شر
والتوزيع واالعالن.
( )73عالء الدين علي بن محمد البغدادي( .طبعة " 1994مج .)"1مخت�صر
تف�سير الخازن .المجلد أالول .اخت�صره وهذّ به :ال�شيخ عبدالغني ّ
الدقر.
دم�شق�-سورية :اليمامة للطباعة والن�شر والتوزيع.
( )74عالء الدين علي بن محمد البغدادي( .طبعة " 1994مج .)"2مخت�صر
تف�سير الخازن .المجلد الثاني .اخت�صره وهذّ به :ال�شيخ عبدالغني ّ
الدقر.
دم�شق�-سورية :اليمامة للطباعة والن�شر والتوزيع.
( )75عبداهلل �شحاته( .بدون تاريخ "مج .)"14تف�سير القر�آن الكريم .المجلد
الرابع ع�شر .القاهرة-م�صر :دار غريب للطباعة والن�شر والتوزيع.
( )76عبدالرحمن بن الجوزي( .طبعة .)1981المده�ش .بيروت-لبنان :دار
الكتب العلمية.
( )77علي �أحمد الندوي .)1998( .القواعد الفقهية .تقديم :م�صطفى الزرقا.
دم�شق�-سورية :دار القلم.
( )78علي عبدالرزاق جلبي .)1984( .درا�سات في المجتمع والثقافة وال�شخ�صية.
بيروت-لبنان :دار النه�ضة العربية.
( )79فتحي يكن .)1980( .م�شكالت الدعوة والداعية .بيروت-لبنان :م�ؤ�س�سة
الر�سالة.
253
( )80ماثيو ماكاي وباتريك فالنينج .)2005( .تقدير الذات .الريا�ض-المملكة
العربية ال�سعودية :مكتبة جرير.
( )81مالك بن نبي .)1974( .ميالد مجتمع� :شبكة العالقات االجتماعية.
ترجمة :عبدال�صبور �شاهين .دم�شق�-سورية :دار الفكر.
( )82مالك بن نبي .)1991( .الق�ضايا الكبرى .دم�شق�-سورية :دار الفكر.
( )83محمد �أبو زهرة( .بدون تاريخ " .)"4زهرة التفا�سير .المجلد الرابع ،القاهرة-
م�صر :دار الفكر العربي.
( )84محمد �أحمد الرا�شد .)1981( .الرقائق .بيروت-لبنان :م�ؤ�س�سة الر�سالة.
( )85محمد بن �إدري�س ال�شافعي( .طبعة " 1973مج ُ .)"1أال ُّم .الجزء أالول.
بيروت-لبنان :دار المعرفة.
( )86محمد علي كالي .)1977( .محمد علي كالي يتذكر .نقله �إلى العربية:
و�سمية علي محمود .بيروت-لبنان :دار الم�سيرة.منير بهجت ّ
( )87محمد لبيب النجيحي .)1981( .مقدمة في فل�سفة التربية .بيروت-لبنان:
دار النه�ضة العربية.
( )88محمد قطب .)1980( .قب�سات من الر�سول .بيروت-لبنان :دار ال�شروق.
( )89محمد قطب .)1987( .مفاهيم ينبغي �أن ت�صحح .بيروت-لبنان :دار ال�شروق.
( )90محمد قطب" 1983( .مج .)"1منهج التربية إال�سالمية .الجزء أالول.
بيروت-لبنان :دار ال�شروق.
( )91محمد نا�صر الدين أاللباني" 1969( .مج � .)"1صحيح الجامع ال�صغير
وزيادته .المجلد أالول .بيروت-لبنان :المكتب إال�سالمي.
254
( )92محمد نا�صر الدين أاللباني" 1982( .مج � .)"2صحيح الجامع ال�صغير
وزيادته .المجلد الثاني .بيروت-لبنان :المكتب إال�سالمي.
( )93محمد نا�صر الدين أاللباني" 1982( .مج � .)"3صحيح الجامع ال�صغير
وزيادته .المجلد الثالث .بيروت-لبنان :المكتب إال�سالمي.
( )94محمد نا�صر الدين أاللباني" 1982( .مج � .)"4صحيح الجامع ال�صغير
وزيادته .المجلد الرابع .بيروت-لبنان :المكتب إال�سالمي.
( )95محمد نا�صر الدين أاللباني" 1974( .مج � .)"6صحيح الجامع ال�صغير
وزيادته .المجلد الثامن .بيروت-لبنان :المكتب إال�سالمي.
( )96محمد متولي ال�شعراوي( .بدون تاريخ "مج .)"2تف�سير ال�شعراوي .المجلد
الثاني .القاهرة-م�صر� :أخبار اليوم.
( )97محمد متولي ال�شعراوي( .بدون تاريخ "مج .)"14تف�سير ال�شعراوي.
المجلد الرابع ع�شر .القاهرة-م�صر� :أخبار اليوم.
( )98محمد مندور .)1980( .الم�سرح .القاهرة-م�صر :دار المعارف.
( )99مختار حمزة� .)1982( .أ�س�س علم النف�س االجتماعية .جدة-المملكة
العربية ال�سعودية :دار البيان العربي.
( )100م�صطفى �صادق الرافعي�1974( .أ) .تحت راية القر�آن .بيروت-لبنان :دار
الكتاب العربي.
( )101مكتب إالنماء االجتماعي" 2000( ،مج � .)"5سل�سلة ت�شخي�ص اال�ضطرابات
النف�سية .المجلد الخام�س .هيئة التحرير ال�سل�سلة :ب�شير الر�شيدي و�آخرون.
( )102مها زحلوق وعلي وطفة .)2000( .ال�شباب قيم واتجاهات ومواقف .دم�شق-
�سورية :مطبعة االتحاد.
255
( )103منذر عبدالحميد ال�ضامن .)2005( .علم نف�س النمو .الكويت :مكتبة الفالح.
( )104مي�شيل ارجايل .)1982( .علم النف�س وم�شكالت الحياة االجتماعية.
ترجمة :عبدال�ستار �إبراهيم .القاهرة-مكتبة مدبولي.
( )105هاري ميلز .)2001( .فن االقناع .الريا�ض-المملكة العربية ال�سعودية:
مكتبة جرير.
( )106واال�س د .البيين وبيرت جرين .)1981( .مفهوم الذات� :أ�س�سه النظرية
والتطبيقية .ترجمة :فوزي بهلول .مراجعة و�إ�شراف� :سيد خير اهلل .بيروت-
لبنان :دار النه�ضة العربية.
( )107وليم عبيد وعزو عفانة .)2003( .التفكير والمنهاج المدر�سي .الطويت:
مكتبة الفالح.
( )108وهبة الزحيلي" 2003( .مج .)"13التف�سير المنير .المجلد الثالث ع�شر.
دم�شق�-سورية :دار الفكر.
( )109وداد العي�سى .)2004( .تف�سير الخالفات الزواجية في �ضوء خبرة إال�ساءة
�أثناء مرحلة الطفولة .الحلقة النقا�شية 13حول �إ�ساءة معاملة الطفل�( ،ص
�ص .)24-19دليل الحلقة .من 14-12دي�سمبر 2004بغرفة تجارة
و�صناعة الكويت .الكويت :مكتب إالنماء االجتماعي.
( )110ويليام .ج .ماكوالف .)1994( .فن التحدث واالقناع .ترجمة :وفيق مازن.
القاهرة-م�صر :دار المعارف.
( )111يو�سف القر�ضاوي .)1978( .إاليمان والحياة .بيروت-لبنان :م�ؤ�س�سة الر�سالة.
( )112يو�سف القر�ضاوي .)1990( .إاليمان والحياة .القاهرة-م�صر :مكتبة وهبة.
256