You are on page 1of 23

‫المقدمة‬

‫إن الحمد ل نحمده نستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه ال فل‬
‫مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫( يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون ) آل عمران ‪102/‬‬

‫ل كثيرا ونساءً‬
‫( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجا ً‬
‫‪.‬‬ ‫واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا ) النساء ‪1/‬‬

‫ل سديدا ‪ ،‬يصلح لكم أعمالك ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع ال ورسوله‬
‫( يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قو ً‬
‫‪.‬‬ ‫فقد فاز فوزا عظيما ) الحزاب ‪71 ، 70/‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫فإن ظاهرة ضعف اليمان مما عم وانتشر في المسلمين ‪ ،‬وعدد من الناس يشتكي من قسوة قلبه وتترد‬
‫عباراتهم ‪ " :‬أحس بقسوة في قلبي " " ل أجد لذة للعبادات " " أشعر أن إيماني في الحضيض " ‪ " ،‬ل أتأثر‬
‫بقراءة القرآن " ‪ " ،‬أقع في المعصية بسهولة " ‪ ،‬وكثيرون آثار المرض عليهم بادية ‪ ،‬وهذا المرض أساس كل‬
‫مصيبة وسبب كل نقص وبلية ‪.‬‬

‫وموضوع القلوب موضوع حساس ومهم ‪ ،‬وقد سمي القلب قلبا لسرعة تقلبه قال عليه الصلة والسلم ‪ ( :‬إنما‬
‫القلب من تقلبه ‪ ،‬إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن ) رواه أحمد‬
‫‪ 4/408‬وهو في صحيح الجامع ‪ . 2364‬وفي رواية ( مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلة الريح ظهرا لبطن ) ‪ .‬أخرجه‬
‫‪.‬‬ ‫ابن أبي عاصم في كتاب السنة رقم ‪ 227‬وإسناده صحيح ‪ :‬ظلل الجنة في تخريج السنة لللباني ‪1/102‬‬

‫بقوله ‪ ( :‬لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت‬ ‫وهو شديد التقلب كما وصفه النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ .‬وفي رواية ( أشد تقلبا من القدر إذا اجتمعت‬ ‫غليانا ) المرجع السابق رقم ‪ 226‬وإسناده صحيح ‪ :‬ظلل الجنة ‪1/102‬‬
‫‪ .‬وال سبحانه وتعالى هو مقلب القلوب ومصرفها كما جاء‬ ‫غليانا ) رواه أحمد ‪ 6/4‬وهو في صحيح الجامع رقم ‪5147‬‬
‫عن عبد ال بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ( :‬إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع‬
‫الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على‬
‫‪.‬‬ ‫طاعتك ) رواه مسلم رقم ‪2654‬‬

‫وحيث ( أن ال يحول بين المرء وقلبه ) وأنه لن ينجو يوم القيامة ( إل من أتى ال بقلب سليم ) وأن الويل‬
‫( للقاسية قلوبهم من ذكر ال ) وأن الوعد بالجنة لـ ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ) كان لبد‬
‫للمؤمن أن يتحسس قلبه ويعرف مكمن الداء وسبب المرض ويشرع في العلج قبل أن يطغى عله الران فيهلك‬
‫والمر عظيم والشأن خطير فإن ال قد حذرنا من القلب القاسي والمقفل والمريض والعمى والغلف‬
‫والمنكوس والمطبوع المختوم عليه ‪.‬‬
‫وفيما يلي محاولة للتعرف على مظاهر مرض ضعف اليمان وأسبابه وعلجه ‪ ،‬أسأل ال أن ينفعني بهذا‬
‫العمل وإخواني المسلمين وأن يجزي بالجزاء الوفى من ساهم في إخراجه وهو سبحانه المسؤول أن يرقق‬
‫قلوبنا ويهدينا إنه نعم المولى وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫ل ‪ :‬مظاهر ضعف اليمان‬


‫أو ً‬

‫إن مرض ضعف اليمان له أعراض ومظاهر متعددة فمنها ‪:‬‬

‫‪ -1‬الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات ‪ :‬ومن العصاة من يرتكب معصية يصر عليها ومنهم من‬
‫يرتكب أنواعا من المعاصي ‪ ،‬وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلى تحولها عادة مألوفة ثم يزول قبحها من‬
‫القلب تدريجيا حتى يقع العاصي في المجاهرة بها ويدخل في حديث ( كل أمتي معافى إل المجاهرين ‪ ،‬وإن‬
‫من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملً ثم يصبح وقد ستره ال فيقول ‪ :‬يا فلن عملت البارحة كذا ‪ ،‬وكذا ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر ال عنه ) رواه البخاري ‪ :‬فتح ‪10/486‬‬

‫‪ -2‬ومنها ‪ :‬الشعور بقسوة القلب وخشونته ‪ :‬حتى ليحس النسان أن قلبه قد انقلب حجرا صلدا ل يترشح منه‬
‫شيء ول يتأثر بشيء ‪ ،‬وال جل وعل يقول ‪ ( :‬ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )‬
‫‪ ،‬وصاحب القلب القاسي ل تؤثر فيه موعظة الموت ول رؤية الموات ول الجنائز ‪ ،‬وربما حمل الجنازة بنفسه‬ ‫البقرة ‪74/‬‬
‫وواراها بالتراب ‪ ،‬ولكن سيره بين القبور كسيره بين الحجار ‪.‬‬

‫‪-3‬ومنها ‪ :‬عدم إتقان العبادات ‪ :‬ومن ذلك شرود الذهن أثناء الصلة وتلوة القرآن والدعية ونحوها ‪ ،‬وعدم‬
‫التدبر والتفكر في معاني الذكار ‪ ،‬فيقرؤها بطريقة رتيبة مملة هذا إذا حافظ عليها ‪ ،‬ولو اعتاد أن يدعو‬
‫( … ل يقبل‬ ‫بدعاء معين في وقت معين أتت به السنة فإنه ل يفكر في معاني هذا الدعاء وال سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫دعاء من قلب غافل له ) رواه الترمذي رقم ‪ 3479‬وهو في السلسة الصحيحة ‪594‬‬

‫‪ -4‬ومن مظاهر ضعف اليمان ‪ :‬التكاسل عن الطاعات والعبادات ‪ ،‬وإضاعتها ‪ ،‬وإذا أداها فإنما هي حركات‬
‫جوفاء ل روح فيها ‪ ،‬وقد وصف ال عز وجل المنافقين بقوله‪ ( :‬وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى ) النساء‬
‫‪ .‬ويدخل في ذلك عدم الكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الجر‪،‬‬ ‫‪142/‬‬
‫فقد يؤخر الحج وهو قادر ويتفارط الغزو وهو قاعد ‪ ،‬ويتأخر عن صلة الجماعة ثم عن صلة الجمعة وقد قال رسول اللهصلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ( :‬ل يزال قوم يتأخرون عن الصف الول حتى يخلفهم ال في النار ) رواه أبو داود رقم ‪ 679 :‬وهو في‬
‫‪ .‬ومثل هذا ل يشعر بتأنيب الضمير إذا نام عن الصلة المكتوبة ‪ ،‬وكذا لو فاتته سنة راتبة أو وِرْد‬ ‫صحيح الترغيب رقم ‪510‬‬
‫من أوراده فإنه ل يرغب في قضائه ول تعويض ما فاته ‪ ،‬وكذا يتعمد تفويت كل ما هو سنة أو من فروض الكفاية ‪ ،‬فربما ل يشهد‬
‫صلة العيد ( مع قول بعض أهل العم بوجوب شهودها ) ول يصلي الكسوف والخسوف ‪ ،‬ول يهتم بحضور الجنازة ول الصلة‬
‫عليها ‪ ،‬فهو راغب عن الجر ‪ ،‬مستغن عنه على النقيض ممن وصفهم ال بقوله ‪ ( :‬إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا‬
‫‪.‬‬ ‫رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) النبياء ‪90/‬‬

‫ومن مظاهر التكاسل في الطاعات ‪ ،‬التكاسل عن فعل السنن الرواتب ‪ ،‬وقيام الليل ‪ ،‬والتبكير إلى المساجد‬
‫ل عن ركعتي التوبة وصلة الستخارة ‪.‬‬
‫وسائر النوافل فمثلً صلة الضحى ل تخطر له ببال فض ً‬
‫‪ -5‬ومن المظاهر ‪ :‬ضيق الصدر وتغير المزاج وانحباس الطبع حتى كأن على النسان ثقلً كبيرا ينوء به ‪،‬‬
‫فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء ‪ ،‬ويشعر بالضيق من تصرفات الناس حوله وتذهب سماحة‬
‫نفسه ‪ ،‬وقد وصف النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬اليمان بقوله ‪ ( :‬اليمان ‪ :‬الصبر والسماحة ) السلسلة‬
‫الصحيحة رقم ‪ . 2/86 ، 554‬ووصف المؤمن بأنه ‪ ( :‬يألف ويؤلف ول خير فيمن ل يألف ول يؤلف ) السلسلة‬
‫‪.‬‬ ‫الصحيحة رقم ‪427‬‬

‫‪ -6‬ومن مظاهر ضعف اليمان ‪ :‬عدم التأثر بآيات القرآن ‪ ،‬ل بوعده ول بوعيده ول بأمره ول نهيه ول في‬
‫وصفه للقيامة ‪ ،‬فضعيف اليمان يمل من سماع القرآن ‪ ،‬ول تطيق نفسه مواصلة قراءته فكلما فتح المصحف‬
‫كاد أن يغلقه ‪.‬‬

‫‪ -7‬ومنها ‪ :‬الغفلة عن ال عز وجل في ذكره ودعائه سبحانه وتعالى ‪ :‬فيثقل الذكر على الذاكر ‪ ،‬وإذا رفع‬
‫يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي وقد وصف ال المنافقين بقوله ‪ ( :‬ول يذكرون ال إل قليلً ) النساء ‪/‬‬
‫‪. 142‬‬

‫‪ -8‬ومن مظاهر ضعف اليمان ‪ :‬عدم الغضب إذا انتهكت محارم ال عز وجل لن لهب الغيرة في القلب قد‬
‫انطفأ فتعطلت الجوارح عن النكار فل يأمر صاحبه بمعروف ول ينهى عن منكر ول يتمعر وجهه قط في‬
‫يصف هذا القلب المصاب بالضعف بقوله في الحديث الصحيح ‪ ( :‬تعرض‬ ‫ال عز وجل ‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا‪ ،‬فأي قلب أشربها } أي ‪ :‬دخلت فيه دخولً تاما { نكت فيه نكتة سوداء } أي ‪ :‬نقط فيه نقطة‬
‫{ حتى يصل المر إلى أن يصبح كما أخبر عليه الصلة والسلم في آخر الحديث ‪ ( :‬أسود مربادا } بياض يسير يخالطه السواد‬
‫‪ .‬فهذا زال‬ ‫{ كالكوز مجخيا } مائلً منكوسا { ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا إل ما أشرب من هواه ) رواه مسلم رقم ‪144‬‬
‫من قلبه حب المعروف وكراهية المنكر واستوت عنده المور فما الذي يدفعه إلى المر والنهي ‪ .‬بل إنه ربما سمع بالمنكر يعمل‬
‫في الرض فيرضى به فيكون عليه من الوزر مثل وزر شاهده فأقره كما ذكر عليه الصلة والسلم في الحديث الصحيح ‪ ( :‬إذا‬
‫عملت الخطيئة في الرض كان من شهدها فكرهها ‪ -‬وقال مرة أنكرها ‪ -‬كمن غاب عنها ‪ ،‬ومن غاب عنها فرضيها كان كمن‬
‫‪ .‬فهذا الرضا منه وهو ‪ -‬عمل قلبي ‪ -‬أورثه منزلة‬ ‫شهدها ) رواه أبو داود رقم ‪ ، 4345‬وهو في صحيح الجامع ‪689‬‬
‫الشاهد في الثم ‪.‬‬

‫‪ -9‬ومنها حب الظهور وهذا له صور منها ‪:‬‬

‫‪ -‬الرغبة في الرئاسة والمارة وعدم تقدير المسؤولية والخطر ‪ ،‬وهذا الذي حذر منه رسول ال صلى ال‬
‫‪ ،‬بقوله ‪ ( :‬إنكم ستحرصون على المارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئس الفاطمة ) ( قوله ‪ :‬نعم‬ ‫عليه وسلم‬
‫المرضعة أي أولها لن معها المال والجاه واللذات ‪ ،‬وقوله ‪ :‬بئس الفاطمة أي ‪ :‬آخرها لن معه القتل والعزل والمطالبة بالتبعات‬
‫‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‪ ( :‬إن شئتم أنبأتكم عن المارة وما هي ‪ ،‬أولها ملمة ‪،‬‬ ‫يوم القيامة ) رواه البخاري رقم ‪6729‬‬
‫وثانيها ندامة ‪ ،‬وثالثها عذاب يوم القيامة إل من عدل ) رواه الطبراني في الكبير ‪ 18/72‬وهو في صحيح الجامع‬
‫‪ . 1420‬ولو كان المر قياما بالواجب وحملً للمسؤولية في موضع ل يوجد من هو أفضل منه مع بذل الجهد والنصح والعدل كما‬
‫فعل يوسف عليه السلم إذا لقلنا أنعم وأكرم ‪ ،‬ولكن المر في كثير من الحيان رغبة جامحة في الزعامة وتقدم على الفضل وغمط‬
‫أهل الحقوق حقوقهم واستئثار بمركز المر والنهي ‪.‬‬
‫‪ -‬محبة تصدر المجالس والستئثار بالكلم وفرض الستماع على الخرين وأن يكون المر له ‪ ،‬وصدور‬
‫بقوله ‪ ( :‬اتقوا هذه المذابح ‪ -‬يعني‬ ‫المجالس هي المحاريب التي حذرنا منها رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬ ‫المحاريب ‪ ) -‬رواه البيهقي ‪ 2/439‬وهو في صحيح الجامع ‪120‬‬

‫‪ -‬محبة أن يقوم له الناس إذا دخل عليهم لشباع حب التعاظم في نفسه المريضة وقد قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ( :‬من سره أن يمثل } أي ينتصف ويقوم { له عباد ال قياما فليتبوأ بيتا من النار ) رواه البخاري في الدب‬
‫‪ .‬ولذلك لما خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن‬ ‫المفرد ‪ 977‬انظر السلة الصحيحة ‪357‬‬
‫الزبير } وفي رواية ‪ :‬وكان أرزنهما { فقال معاوية لبن عامر ‪ :‬اجلس فإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ( :‬من‬
‫أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ) رواه أبو داود رقم ‪ 5229‬والبخاري في الدب المفرد ‪977‬‬
‫‪ .‬ومثل هذا النوع من الناس يعتريه الغضب لو طبقت السنة فبدئ باليمين ‪ ،‬وإذا دخل مجلسا‬ ‫وهو في السلسلة الصحيحة ‪357‬‬
‫فل يرضى إل بأن يقوم أحدهم ليجلس هو رغم نهيه صلى ال عليه وسلم عن ذلك بقوله ‪ ( :‬ل يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم‬
‫‪.‬‬ ‫يجلس فيه ) رواه البخاري فتح ‪11/62‬‬

‫‪ -10‬ومنها ‪ :‬الشح والبخل ولقد مدح ال النصار في كتابه فقال ‪ ( :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم‬
‫خصاصة ) وبين أن المفلحين هم الذين وقوا شح أنفسهم ول شك أن ضعف اليمان يولد الشح بل قال عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ( :‬ل يجتمع الشح واليمان في قلب عبد أبدا ) رواه النسائي ‪ :‬المجتبي ‪ 6/13‬وهو في‬
‫‪ .‬أما خطورة الشح وآثاره على النفس فقد بينها النبي صلى ال عليه وسلم بقوله ‪ ( :‬إياكم والشح فإنما‬ ‫صحيح الجامع ‪2678‬‬
‫هلك من كان قبلكم بالشح ‪ ،‬أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا ) رواه أبو داود ‪2/324‬‬
‫‪ .‬وأما البخل فإن صاحب اليمان الضعيف ل يكاد يخرج شيئا ل ولو دعى داعي‬ ‫وهو في صحيح الجامع رقم ‪2678‬‬
‫الصدقة وظهرت فاقة إخوانه المسلمين وحلت بهم المصائب ‪ ،‬ول أبلغ من كلم ال في هذا الشأن قال عز وجل ‪ ( :‬ها أنتم هؤلء‬
‫تدعون لتنفقوا في سبيل ال فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما عن نفسه وال الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل‬
‫‪.‬‬ ‫يكونوا أمثالكم ) سورة محمد ‪38/‬‬

‫‪ -11‬ومنها ‪ :‬أن يقول النسان ما ل يفعل قال ال تعالى ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون ‪ ،‬كبر‬
‫‪ .‬ول شك أن هذا نوع النفاق ‪ ،‬ومن خالف قوله عمله صار مذموما‬ ‫مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون ) الصف ‪2،3/‬‬
‫عند ال مكروها عند الخلق ‪ ،‬وأهل النار سيكتشفون حقيقة الذي يأمر بالمعروف في الدنيا ول يأتيه ‪ ،‬وينهاهم عن المنكر ويأتيه ‪.‬‬

‫‪ -12‬ومنها ‪ :‬السرور والغبطة بما يصيب إخوانه المسلمين من فشل أو خسارة أو مصيبة أو زوال نعمة ‪،‬‬
‫فيشعر بالسرور لن النعمة قد زالت ‪ ،‬ولن الشيء الذي كان يتميز عليه غيره به قد زال عنه ‪.‬‬

‫‪ -13‬ومن مظاهر ضعف اليمان ‪ :‬النظر إلى المور من جهة وقوع الثم فيها أو عدم وقوعه فقط وغض‬
‫ل من العمال ل يسأل عن أعمال البر وإنما‬
‫البصر عن فعل المكروه ‪ ،‬فبعض الناس عندما يريد أن يعمل عم ً‬
‫يسأل ‪ :‬هل هذا العمل يصل إلى الثم أم ل؟ هل هو حرام أم أنه مكروه فقط ؟ وهذه النفسية تؤدي إلى الوقوع‬
‫في شرك الشبهات والمكروهات ‪ ،‬مما يؤدي إلى الوقوع في المحرمات يوما ما ‪ ،‬فصاحبها ليس لديه مانع من‬
‫ارتكاب عمل مكروه أو مشتبه فيه ما دام أنه ليس محرما ‪ ،‬وهذا عين ما أخبر عنه النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬بقوله ‪ ( :‬من وقع في الشبهات وقع في الحرام ‪ ،‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ‪ ) ..‬الحديث في الصحيحين‬
‫بل إن بعض الناس إذا استفتى في شيء وأخبر أنه محرم ‪ ،‬يسأل هل حرمته شديدة أو ل ؟! وكم الثم‬ ‫واللفظ لمسلم رقم ‪1599‬‬
‫المترتب عليه ؟ فمثل هذا ل يكون لديه اهتمام بالبتعاد عن المنكر والسيئات بل عنده استعداد لرتكاب أول مراتب الحرام ‪،‬‬
‫واستهانة بمحقرات الذنوب مما ينتج عنه الجتراء على محارم ال ‪ ،‬وزوال الحواجز بينه وبين المعصية ولذلك يقول الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم في الحديث الصحيح ‪ ( :‬لعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا ‪ ،‬فيجعلها ال عز‬
‫وجل هباء منثورا ) قال ثوبان ‪ :‬يا رسول ال صفهم لنا ‪ ،‬جلهم لنا ‪ ،‬أن ل نكون منهم ونحن ل نعلم قال ‪ ( :‬أما أنهم إخوانكم ومن‬
‫جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم ال انتهكوها ) رواه ابن ماجة رقم ‪ 4245‬قال في‬
‫‪.‬‬ ‫الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات وهو في صحيح الجامع ‪5028‬‬

‫فتجده يقع في المحرم دون تحفظ ول تردد ‪ ،‬وهذا أسوأ من الذي يقع في الحرام بعد تردد وتحرج وكل‬
‫الشخصين على خطر ‪ ،‬ولكن الول أسوأ من الثاني ‪ ،‬وهذا النوع من الناس يستسهل الذنوب نتيجة لضعف‬
‫إيمانه ول يرى أنه عمل شيئا منكرا ولذلك يصف ابن مسعود رضي ال عنه حال المؤمن وحال المنافق بقوله‬
‫‪ ( :‬إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ‪ ،‬وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على‬
‫أنفه فقال به هكذا ) أي دفعه بيده ‪ .‬رواه البخاري فتح ‪ ، 11/102‬وانظر تغليق التعليق ‪ 5/136‬المكتب‬
‫‪.‬‬ ‫السلمي‬

‫أن ل نكون‬ ‫‪ -14‬ومنها ‪ :‬احتقار المعروف ‪ ،‬وعدم الهتمام بالحسنات الصغيرة وقد علمنا صلى ال عليه وسلم‬
‫كذلك فقد روى المام أحمد رحمه ال عن أبي جري الهجيمي قال ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقلت يا رسول ال ؟ إنا‬
‫قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا ال تبارك وتعالى به فقال ‪ ( :‬ل تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء‬
‫‪ .‬فلو جاء يريد‬ ‫المستقي ‪ ،‬ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسطا ) مسند أحمد ‪ 5/63‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪1352‬‬
‫أن يستسقي من بئر وقد رفعت دلوك فأفرغته له ‪ ،‬فهذا العمل وإن كان ظاهره صغيرا ل ينبغي احتقاره ‪ ،‬وكذا لقيا الخ بوجه طلق‬
‫‪ ،‬وإزالة القذر والوساخ من المسجد ‪ ،‬وحتى ولو كان قشة فلعل هذا العمل يكون سببا في مغفرة الذنوب ‪ ،‬والرب يشكر لعبده مثل‬
‫هذه الفعال فيغفر له ‪ ،‬ألم تر أنه صلى ال عليه وسلم قال ‪ ( :‬مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال ‪ :‬وال لنحين هذا‬
‫‪.‬‬ ‫عن المسلمين ل يؤذيهم فأًدخل الجنة ) رواه مسلم رقم ‪1914‬‬

‫إن النفس التي تحقر أعمال الخير اليسيرة فيه سوء وخلل ويكفي في عقوبة الستهانة بالحسنات الصغيرة‬
‫‪ ( :‬من أماط أذى عن طريق المسلمين كتب له حسنة‬ ‫الحرمان من مزية عظيمة دل عليها قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬ ‫ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة ) رواه البخاري في الدب المفرد رقم ‪ 593‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪5/387‬‬
‫وكان معاذ رضي ال عنه يمشي ورجل معه فرفع حجرا من الطريق فقال { أي الرجل } ما هذا ؟ فقال سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪ ( :‬من رفع حجرا من الطريق كتب له حسنة ومن كانت له حسنة دخل الجنة ) المعجم الكبير للطبراني‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ، 20/101‬السلسلة الصحيحة ‪5/387‬‬

‫‪ -15‬عدم الهتمام بقضايا المسلمين ول التفاعل معها بدعاء ول صدقة ول إعانة ‪ ،‬فهو بارد الحساس تجاه‬
‫ما يصيب إخوانه في بقاع العالم من تسلط العدو والقهر والضطهاد والكوارث ‪ ،‬فيكتفي بسلمة نفسه ‪ ،‬وهذا‬
‫‪ ( :‬إن المؤمن من أهل اليمان‬ ‫نتيجة ضعف اليمان ‪ ،‬فإن المؤمن بخلف ذلك ‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بمنزلة الرأس من الجسد ‪ ،‬يألم المؤمن لهل اليمان كما يألم الجسد لما في الرأس ) مسند أحمد ‪ 5/340‬وهو في السلسلة‬
‫‪.‬‬ ‫الصحيحة ‪1137‬‬

‫‪ -16‬ومن مظاهر ضعف اليمان ‪ :‬انفصام عرى الخوة بين المتآخيين ‪ ،‬يقول عليه الصلة والسلم ‪ ( :‬ما‬
‫تواد اثنان في ال عز وجل أو في السلم فيفرق بينهما أول ذنب { وفي رواية ‪ :‬ففرق بينهما إل بذنب }‬
‫يحدثه أحدهما ) البخاري في الدب المفرد رقم ‪ 401‬وأحمد في المسند ‪ 2/68‬وهو في السلسلة الصحيحة‬
‫‪ . 637‬فهذا دليل على شؤم المعصية قد يطال الروابط الخوية ويفصمها ‪ ،‬فهذه الوحشة التي يجدها النسان بينه وبين إخوانه‬
‫أحيانا هي نتيجة لتدني اليمان بسبب ارتكاب المعاصي لن ال يسقط العاصي من قلوب عباده ‪ ،‬فيعيش بينهم أسوأ عيش ساقط‬
‫القدر زري الحال ل حرمة له ‪ ،‬وكذلك يفوته رفقة المؤمنين ودفاع ال عنهم فإن ال يدافع عن الذين آمنوا ‪.‬‬

‫‪ -17‬ومنها ‪ :‬عدم استشعار المسئولية في العمل لهذا لدين ‪ ،‬فل يسعى لنشره ول يسعى لخدمته على النقيض‬
‫الذين لما دخلوا في الدين شعروا بالمسئولية على الفور ‪ ،‬وهذا الطفيل بن عمرو‬ ‫من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫رضي ال عنه كم كان بين إسلمه وذهابه لدعوة قومه إلى ال عز وجل ؟! لقد نفر على الفور لدعوة قومه ‪ ،‬وبمجرد دخوله في‬
‫الدين أحس أن عليه أن يرجع إلى قومه فرجع داعية إلى ال سبحانه وتعالى‪ ،‬والكثيرون اليوم يمكثون فترات طويلة ما بين التزامهم‬
‫بالدين حتى وصولهم إلى مرحلة الدعوة إلى ال عز وجل ‪.‬‬

‫كان أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم يقومون بما يترتب على الدخول في الدين من معاداة الكفار والبراءة‬
‫منهم ومفاصلتهم ‪ ،‬فهذا ثمامة بن أثال رضي ال عنه ‪ -‬رئيس أهل اليمامة ‪ -‬لما أسر وجيء به فربط إلى‬
‫السلم ثم قذف ال النور في قلبه فأسلم وذهب إلى العمرة فلما‬ ‫المسجد وعرض عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وصل مكة قال لكفار قريش ‪ " :‬ل يصلكم حبة حنطة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم " رواه البخاري‬
‫‪ .‬فمفاصلته للكفار ومحاصرته لهم اقتصاديا وتقديم كافة المكانات المتاحة لخدمة الدعوة حصلت على الفور ‪ ،‬لن‬ ‫فتح ‪8/87‬‬
‫إيمانه الجازم استوجب منه هذا العمل ‪.‬‬

‫‪ -18‬ومن مظاهره الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة فتراه مرتعد الفرائص ‪ ،‬مختل‬
‫التوازن ‪ ،‬شارد الذهن ‪ ،‬شاخص البصر ‪ ،‬يحار في أمره عندما يصاب بملمة أو بلية فتنغلق في عينيه‬
‫المخارج وتركبه الهموم فل يستطيع مواجهة الواقع بجنان ثابت ‪ ،‬وقلب قوي وهذا كله بسبب ضعف إيمانه ‪،‬‬
‫ولو كان إيمانه قويا لكان ثابتا ‪ ،‬ولواجه أعظم الملمات وأقسى البليات بقوة وثبات ‪.‬‬

‫‪ -19‬ومنها ‪ :‬كثرة الجدال والمراء المقسي للقلب ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم في الحديث الصحيح ‪ ( :‬ما ضل‬
‫‪.‬‬ ‫قوم بعد هدى كانوا عليه إل أتوا الجدل ) رواه أحمد في المسند ‪ 5/252‬وهو في صحيح الجامع ‪5633‬‬
‫فالجدل بغير دليل ول قصد صحيح يؤدي إلى البتعاد عن الصراط المستقيم ‪ ،‬وما أكثر جدال الناس اليوم بالباطل يتجادلون بغير‬
‫علم ول هدى ول كتاب منير ‪ ،‬ويكفي دافعا لترك الخصلة الذميمة قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن‬
‫‪.‬‬ ‫ترك المراء وإن كان محقا ) رواه أبو داود ‪ 5/150‬وهو في صحيح الجامع ‪1464‬‬

‫‪ -20‬ومنه ‪ :‬التعلق بالدنيا ‪ ،‬والشغف بها ‪ ،‬والسترواح إليها ‪ ،‬فيتعلق القلب بالدنيا إلى درجة يحس صاحبه‬
‫باللم إذا فاته شيء من حظوظها كالمال والجاه والمنصب والمسكن ‪ ،‬ويعتبر نفسه مغبونا سيء الحظ لنه لم‬
‫ينل ما ناله غيره ‪ ،‬ويحس بألم وانقباض أعظم إذا رأى أخاه المسلم قد نال بعض ما فاته هو من حظوظ‬
‫‪(:‬ل‬ ‫الدنيا ‪ ،‬وقد يحسده ‪ ،‬ويتمنى زوال النعمة عنه ‪ ،‬وهذا ينافي اليمان كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬ ‫يجتمعان في قلب عبد اليمان والحسد ) ‪ .‬رواه أبو داود ‪ 5/150‬وهو في صحيح الجامع ‪1464‬‬

‫‪ -21‬ومنها ‪ :‬أن يأخذ كلم النسان وأسلوبه الطابع العقلي البحت ويفقد السمة اليمانية حتى ل تكاد تجد في‬
‫كلم هذا الشخص أثرا لنص من القرآن أو السنة أو كلم السلف رحمهم ال ‪.‬‬
‫‪ -22‬ومنها ‪ :‬المغالة في الهتمام بالنفس مأكلً ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ‪ ،‬فتجده يهتم بالكماليات‬
‫اهتماما بالغا ‪ ،‬فينمق هندامه ويجهد نفسه بشراء الرقيق من اللباس ويزوق مسكنه وينفق الموال والوقات في‬
‫هذه التحسينات ‪ ،‬وهي مما ل ضرورة له ول حاجة ‪ -‬مع أن من إخوانه المسلمين من هم في أشد الحاجة‬
‫لهذه الموال ‪ -‬ويعمل هذا كله حتى يغرق في التنعيم والترفه المنهي عنه كما في حديث معاذ بن جبل رضي‬
‫إلى اليمن وأوصاه فقال ‪ ( :‬إياك والتنعيم ‪ ،‬فإن عباد ال ليسو بالمتنعمين )‬ ‫ال عنه لما بعث به النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬ ‫رواه أبو نعيم في الحلية ‪ 5/155‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪ 353‬وعند أحمد بلفظ إياي ‪ :‬المسند ‪5/243‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أسباب ضعف اليمان‬

‫إن لضعف اليمان أسبابا كثيرة ومنها ما هو مشترك مع العراض مثل الوقوع في المعاصي والنشغال‬
‫بالدنيا وهذا ذكر لبعض السباب مضافا إلى ما سبق ‪- :‬‬

‫‪ -1‬البتعاد عن الجواء اليمانية فترة طويلة وهذا مدعاة لضعف اليمان في النفس ‪ ،‬يقول ال عز وجل ‪:‬‬
‫( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ال وما نزل من الحق ول يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل‬
‫‪ .‬فدلت الية الكريمة على أن ‪ :‬طول الوقت في‬ ‫فطال عليهم المد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) الحديد ‪16/‬‬
‫البعد عن الجواء اليمانية مدعاة لضعف اليمان في القلب ‪ ،‬فمثلً ‪ :‬الشخص الذي يبتعد عن إخوانه في ال لفترة طويلة لسفر أو‬
‫وظيفة ونحو ذلك فإنه يفتقد الجو اليماني الذي كان يتنعم في ظلله ‪ ،‬ويستمد منه قوة قلبه والمؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه ‪ ،‬يقول‬
‫الحسن البصري رحمه ال تعالى ‪ ( :‬إخواننا أغلى عندنا من أهلينا فأهلونا يذكروننا الدنيا ‪ ،‬وإخواننا يذكروننا بالخرة ) وهذا‬
‫البتعاد إذا استمر يخلف وحشة تقلب بعد حين إلى نفرة من تلك الجواء اليمانية ‪ ،‬يقسو على أثرها القلب ويظلم ‪ ،‬ويخبو فيه نور‬
‫اليمان ‪ .‬وهذا مما يفسر حدوث النتكاسة لدى البعض في الجازات التي يسافرون فيها أو عقب انتقالهم إلى أماكن أخرى للعمل أو‬
‫الدراسة ‪.‬‬

‫‪ -2‬البتعاد عن القدوة الصالحة ‪ ،‬فالشخص الذي يتعلم على يدي رجل صالح يجمع بين العلم النافع والعمل‬
‫الصالح وقوة اليمان ‪ ،‬يتعاهده ويحذيه مما عنده من العلم والخلق والفضائل ‪ ،‬لو ابتعد عنه فترة من الزمن‬
‫ووري التراب قال الصحابة ‪:‬‬ ‫فإن المتعلم يحس بقسوة في قلبه ‪ ،‬ولذلك لما توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫( فأنكرنا قلوبنا ) ‪ ،‬وأصابتهم وحشة لن المربي والمعلم والقدوة عليه الصلة والسلم قد مات ‪ ،‬وجاء وصفهم أيضا في بعض‬
‫الثار ( كالغنم في الليلة الشاتية المطيرة ) ولكنه عليه الصلة والسلم ترك فيمن ترك وراءه جبالً كل منهم يصلح للخلفة وصار‬
‫بعضهم لبعض قدوة ‪ ،‬أما اليوم فالمسلم في أشد الحاجة إلى قدوة يكون قريبا منه ‪.‬‬

‫‪ -3‬ومن السباب ‪ :‬البتعاد عن طلب العلم الشرعي والتصال بكتب السلف والكتب اليمانية التي تحيي القلب‬
‫‪ ،‬فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه اليمان ‪ ،‬وتحرك الدوافع اليمانية الكامنة في‬
‫نفسه وعلى رأسها كتاب ال تعالى وكتب الحديث ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ والذين‬
‫يحسنون عرض العقيدة بطريقة تحيي القلب ‪ ،‬مثل كتب العلمة ابن القيم وابن رجب وغيرهم ‪ ،‬والنقطاع‬
‫عن مثل هذه الكتب مع الغراق في قراءة الكتب الفكرية فقط أو كتب الحكام المجردة عن الدلة أو كتب‬
‫اللغة والصول مثلً من الشياء التي تورث أحيانا قسوة القلب ‪ ،‬وهذا ليس ذما في كتب اللغة أو الصول‬
‫ونحوها بل هو تنبيه لمن أعرض عن كتب التفسير والحديث ‪ ،‬فل تكاد تجده يقرأ فيها مع أنها هي الكتب التي‬
‫ل ) تشعر أنك تعيش في أجواء العصر الول مع‬
‫تصل القلب بال عز وجل فعندما تقرأ في الصحيحين ( مث ً‬
‫ومع الصحابة ‪ ،‬وتتعرض لنفحات إيمانية ‪ ،‬من سيرتهم ‪ ،‬وحياتهم ‪ ،‬وتلك الحداث التي جرت‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫في عصرهم ‪:‬‬

‫أهل الحديث هم أهل الرسول وإن لم يصحبوا نفسه ‪ ،‬أنفاسه صحبوا‬

‫وهذا السبب ‪ -‬وهو البتعاد عن الكتب اليمانية ‪ -‬آثاره بادية على أولئك الذين يدرسون دراسات ل علقة لها‬
‫بالسلم كالفلسفة وعلم النفس والجتماع وغيرها من الموضوعات التي صيغت بمعزل عن السلم ‪ ،‬وكذا‬
‫من يعشق قراءة القصص الخيالية وقصص الحب والغرام وهواة تتبع الخبار غير النافعة من الصحف‬
‫والمجلت والمذكرات وغيرها من الهتمام بها والمداومة على متابعتها ‪.‬‬

‫‪ -4‬ومنها ‪ :‬وجود النسان المسلم في وسط يعج بالمعاصي فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها وآخر يترنم بألحان‬
‫أغنية وكلماتها وثالث يدخن ورابع يبسط مجلة ماجنة وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم وهكذا ‪،‬‬
‫أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما ل يحصى كثرة ‪.‬‬

‫وبعض الوساط ل تذكّر إل بالدنيا كما هو الحال في كثير من مجالس الناس ومكاتبهم اليوم ‪ ،‬فأحاديث‬
‫التجارة والوظيفة والموال والستثمارات ومشكلت العمل والعلوات والترقيات والنتدابات وغيرها تحتل‬
‫الصدارة في اهتمامات كثير من الناس وأحاديثهم ‪.‬‬

‫وأما البيوت ‪ -‬فحدث ول حرج ‪ -‬حيث الطامات والمور المنكرات مما يندى له جبين المسلم وينصدع قلبه ‪،‬‬
‫فالغاني الماجنة ‪ ،‬والفلم الساقطة ‪ ،‬والختلط المحرم وغير ذلك مما تمتلئ به بيوت المسلمين ‪ ،‬فمثل هذه‬
‫البيئات تصاب فيها القلوب بالمرض وتصبح قاسية ول شك ‪.‬‬

‫يقول ‪:‬‬ ‫‪ -5‬ومنها ‪ :‬الغراق في الشتغال بالدنيا حتى يصبح القلب عبدا لها والرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ .‬ويقول عليه الصلة والسلم ‪ ( :‬إنما يكفي أحدكم ما كان في‬ ‫( تعس عبد الدينار ‪ ،‬وعبد الدرهم ) رواه البخاري رقم ‪2730‬‬
‫‪ .‬يعني الشيء اليسير الذي‬ ‫الدنيا مثل زاد الراكب ) رواه الطبراني في الكبير ‪ 4/78‬وهو في صحيح الجامع ‪2384‬‬
‫يبلغه المقصود ‪ .‬وهذه الظاهرة واضحة في هذه اليام التي عم فيها الطمع المادي والجشع في الزدياد من حطام الدنيا وصار الناس‬
‫يركضون وراء التجارات والصناعات والمساهمات وهذا مصداق ما أخبر به صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إن ال عز وجل قال ‪ :‬إنا‬
‫أنزلنا المال لقام الصلة وإيتاء الزكاة ولو كان لبن آدم واد لحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لحب أن يكون إليهما ثالث‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬ول يمل جوف ابن آدم إل التراب ثم يتوب ال على من تاب ) رواه أحمد ‪ 5/219‬وهو ففي صحيح الجامع ‪1781‬‬

‫‪ -6‬ومن السباب أيضا ‪ :‬النشغال بالمال والزوجة والولد ‪ ،‬يقول ال عز وجل ‪ ( :‬واعلموا أنما أموالكم‬
‫‪ .‬ويقول عز وجل ‪ ( :‬زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب‬ ‫وأولدكم فتنة ) النفال ‪28/‬‬
‫ومعنى هذه الية أن‬ ‫والفضة والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا وال عنده حسن المآب ) آل عمران ‪14/‬‬
‫حب هذه الشياء وفي مقدمتها النساء والبنون إذا كان مقدما على طاعة ال ورسوله فإنه مستقبح مذموم صاحبه ‪ ،‬أما إن كان حب‬
‫ذلك على وجهه الشرعي المعين على طاعة ال فهو محمود صاحبه وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬حبب إليّ من الدنيا‬
‫‪ .‬وكثير من الناس‬ ‫النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلة ) رواه أحمد ‪ 3/128‬وهو في صحيح الجامع ‪3124‬‬
‫ينساق وراء الزوجة في المحرمات وينساق وراء الولد منشغلً عن طاعة ال ‪ ،‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬الولد‬
‫‪ .‬قوله مبخلة ‪ :‬إذا‬ ‫محزنة مجبنة مجهلة مبخلة ) رواه الطبراني في الكبير ‪ 24/241‬وهو في صحيح الجامع ‪1990‬‬
‫أراد النسان أن ينفق في سبيل ال ذكره الشيطان بأولده فيقول ‪ :‬أولدي أحق بالمال أبقيه لهم يحتاجونه من بعدي فيبخل عن‬
‫النفاق في سبيل ال ‪ ،‬وقوله ‪ :‬مجبنة أي إذا أراد الرجل أن يجاهد في سبيل ال يأتيه الشيطان فيقول تقتل وتموت فيصبح الولد‬
‫ضياعا يتامى ‪ ،‬فيقعد عن الخروج للجهاد ‪ ،‬وقوله ‪ :‬مجهلة أي يشغل الب عن طلب العلم والسعي في تحصيله وحضور مجالسه‬
‫وقراءة كتبه ‪ .‬وقوله ‪ :‬محزنة أي إذا مرض حزن عليه وإذا طلب الولد شيئا ل يقدر عليه الب حزن الب ‪ ،‬وإذا كبر وعق أباه‬
‫فذلك الحزن الدائم والهم اللزم ‪.‬‬

‫وليس المقصود ترك الزواج والنجاب ول ترك تربية الولد ‪ ،‬وإنما المقصود التحذير من النشغال معهم‬
‫بالمحرمات ‪.‬‬

‫وأما فتنة المال فيقول عليه الصلة والسلم ‪ ( :‬إن لكل أمة فتنة ‪ ،‬وفتنة أمتي المال ) رواه الترمذي ‪2336‬‬
‫‪ .‬والحرص على المال أشد إفسادا للدين من الذئب الذي تسلط على زريبة غنم وهذا معنى‬ ‫وهو في صحيح الجامع ‪2148‬‬
‫قول النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬ما ذئبان جائعان أرسل في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ) رواه‬
‫‪ .‬ولذلك حث النبي صلى ال عليه وسلم على أخذ الكفاية دون توسع‬ ‫الترمذي رقم ‪ 2376‬وهو في صحيح الجامع ‪5620‬‬
‫يشغل عن ذكر ال فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل ال ) رواه أحمد‬
‫‪ .‬وقد تهدد النبي صلى ال عليه وسلم المكثرين من جمع الموال إل أهل الصدقات‬ ‫‪ 5/290‬وهو في صحيح الجامع ‪2386‬‬
‫فقال ‪ ( :‬ويل للمكثرين إل من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا أربع عن يمينه وعن شماله ومن قدامه ومن ورائه ) رواه ابن ماجه‬
‫‪ .‬يعني في أبواب الصدقة ووجوه البر ‪.‬‬ ‫رقم ‪ 4129‬وهو في صحيح الجامع ‪7137‬‬

‫‪ -7‬طول المل ‪ :‬قال ال تعالى ‪ ( :‬ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون) وقال علي رضي ال‬
‫عنه ‪ ( :‬إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول المل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول‬
‫‪ .‬وجاء في الثر ‪ ( :‬أربعة من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول المل‬ ‫المل فينسي الخرة ) فتح الباري ‪11/236‬‬
‫والحرص على الدنيا ) " ويتولد من طول المل الكسل عن الطاعة والتسويف والرغبة في الدنيا والنسيان للخرة والقسوة في القلب‬
‫لن رقته وصفاءه إنما يقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال القيامة كما قال تعالى ‪ ( :‬فطال عليهم المد فقست‬
‫‪.‬‬ ‫قلوبهم ) وقيل ‪ :‬من قصر أمله قل همه وتنور قلبه لنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة … " فتح الباري ‪11/237‬‬

‫‪ -8‬ومن أسباب ضعف اليمان وقسوة القلب ‪ ( :‬الفراط في الكل والنوم والسهر والكلم والخلطة ‪ ،‬فكثرة‬
‫الكل تبلد الذهن وتثقل البدن عن طاعة الرحمن وتغذي مجاري الشيطان في النسان وكما قيل ‪ " :‬من أكل‬
‫كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا وخسر أجرا كبيرا " فالفراط في الكلم يقسي القلب ‪ ،‬والفراط في مخالطة‬
‫الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في تدبير أمرها ‪ ،‬وكثرة الضحك تقضي على مادة‬
‫الحياة في القلب فيموت ‪ ،‬يقول عليه الصلة والسلم في الحديث الصحيح ‪ ( :‬ل تكثروا الضحك فإن كثرة‬
‫‪ .‬وكذلك الوقت الذي ل يمل بطاعة ال تعالى‬ ‫الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه ‪ 4193‬وهو في صحيح الجامع‬
‫ينتج قلبا صلدا ل تنفع فيه زواجر القرآن ول مواعظ اليمان ‪.‬‬

‫وأسباب ضعف اليمان كثيرة ليس بالوسع حصرها ‪ ،‬ولكن يمكن أن يسترشد بما ذكر على ما لم يذكر منها ‪،‬‬
‫والعاقل يدرك ذلك من نفسه ‪ ،‬نسأل ال أن يطهر قلوبنا ويقينا شر أنفسنا ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬علج ضعف اليمان‬


‫أنه قال ‪ ( :‬إن اليمان ليخلق في‬ ‫روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫جوف أحدكم كما يخلق الثوب فأسالوا ال أن يجدد اليمان في قلوبكم ) رواه الحاكم في المستدرك ‪ 1/4‬وهو في السلسلة‬
‫‪ .‬يعني بذلك أن‬ ‫الصحيحة ‪ 1585‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ 1/52‬رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن‬
‫اليمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب إذا اهترأ وأصبح قديما ‪ ،‬وتعتري قلب المؤمن في بعض الحيان سحابة من سحب المعصية‬
‫فيظلم وهذه الصورة صورها لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح ‪ ( :‬ما من القلوب قلب إل وله سحابة‬
‫كسحابة القمر ‪ ،‬بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فاظلم ‪ ،‬إذ تجلت عنه فأضاء ) رواه أبو نعيم في الحلية ‪ 2/196‬وهو في‬
‫‪ .‬فالقمر تأتي عليه أحيانا سحابة تغطي ضوءه ‪ ،‬وبعد برهة من الزمن تزول وتنقشع فيرجع ضوء‬ ‫السلسلة الصحيحة ‪2268‬‬
‫القمر مرة أخرى ليضيء في السماء ‪ ،‬وكذلك قلب المؤمن تعتريه أحيانا سحب مظلمة من المعصية ‪ ،‬فتحجب نوره ‪ ،‬فيبقى النسان‬
‫في ظلمة ووحشة ‪ ،‬فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بال عز وجل انقشعت تلك السحب ‪ ،‬وعاد نور قلبه يضيء كما كان ‪.‬‬

‫ومن المرتكزات المهمة في فهم قضية ضعف اليمان وتصور علجها هو معرفة أن اليمان يزيد وينقص‬
‫وهذا من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة ‪ ،‬فإنهم يقولون أن اليمان نطق باللسان واعتقاد بالجنان ( أي‬
‫القلب ) وعمل بالركان ( أي الجوارح ) يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان ‪ ،‬وقد دلت على هذا الدلة من‬
‫الكتاب والسنة فمنها قوله تعالى ‪ ( :‬ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) وقوله ‪ ( :‬أيكم زادته هذه إيمانا ) وقوله صلى‬
‫عليه وسلم ‪ ( :‬من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان )‬ ‫ال عليه وسلم‬
‫‪ .‬وأثر الطاعة والمعصية في اليمان زيادة ونقصانا أمر معلوم مشاهد ومجرب فلو أن شخصا خرج يمشي‬ ‫البخاري فتح ‪1/51‬‬
‫في السوق ينظر إلى المتبرجات ويسمع صخب أهل السوق ولغوهم ثم خرج فذهب إلى المقبرة فدخلها فتفكر ورق قلبه فإنه يجد‬
‫فرقا بينا بين الحالتين فإذا القلب يتغير بسرعة‪.‬‬

‫وعن علقة المفهوم بموضوعنا يقول بعض السلف ‪ " :‬من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه ‪ ،‬وما ينقص منه ‪ ،‬ومن‬
‫فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه ؟ أو ينقص ؟ وإن من فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه ؟ " شرح‬
‫‪.‬‬ ‫نونية ابن القيم لبن عيسى ‪2/140‬‬

‫ومما ينبغي معرفته أن نقص اليمان إذا أدى إلى ترك واجب أو فعل محرم فهذا فتور خطير مذموم يجب‬
‫عليه التوبة إلى ال والشروع في علج نفسه أما إذا لم يؤد الفتور إلى ترك واجب أو فعل محرم وإنما كان‬
‫تراجعا في عمل مستحبات مثلً فعلى صاحبه أن يسوس نفسه ويسدد ويقارب حتى يعود إلى نشاطه وقوته في‬
‫‪ ( :‬لكل عمل شرة ‪ -‬يعني نشاط وقوة ‪ -‬ولكل شرة فترة ‪ -‬يعني‬ ‫العبادة وهذا مما يستفاد من قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫ضعف وفتور ‪ -‬فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك ) رواه أحمد ‪ 2/210‬وهو في صحيح‬
‫‪.‬‬ ‫الترغيب رقم ‪55‬‬

‫وقبل الشروع في الكلم عن العلج يحسن ذكر ملحظة وهي ‪ :‬أن كثيرا من الذين يحسون بقسوة قلوبهم‬
‫يبحثون عن علجات خارجية يريدون العتماد فيها على الخرين مع أن بقدورهم ‪ -‬لو أرادوا ‪ -‬علج‬
‫أنفسهم بأنفسهم وهذا هو الصل لن اليمان علقة بين العبد وربه وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية‬
‫التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه ويزيل قسوة قلبه بعد العتماد على ال عز وجل وتوطين‬
‫النفس على المجاهدة ‪- :‬‬
‫‪ -1‬تدبر القرآن العظيم الذي أنزله ال عز وجل تبيانا لكل شيء ونورا يهدي به سبحانه من شاء من عباده ‪،‬‬
‫ل قال ال عز وجل ‪ ( :‬وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة‬
‫ول شك أن فيه علجا عظيما ودواء فعا ً‬
‫للمؤمنين ) أما طريقة العلج فهي التفكر والتدبر ‪.‬‬

‫‪ ،‬يتدبر كتاب ال ويردده وهو قائم بالليل ‪ ،‬حتى إنه في إحدى الليالي قام يردد‬ ‫( وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫آية واحدة من كتاب ال ‪ ،‬وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهي قوله تعالى ‪ { :‬إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت‬
‫‪.‬‬ ‫العزيز الحكيم } سورة المائدة ‪ ) 118/‬رواه أحمد ‪ 4/149‬وفي صفة الصلة لللباني ص ‪102 :‬‬

‫وكان عليه الصلة والسلم يتدبر القرآن وقد بلغ في ذلك مبلغا عظيما ‪ ،‬روى ابن حبان في صحيحه بإسناد‬
‫جيد عن عطارة قال ‪ :‬دخلت أنا وعبيد ال بن عمير على عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬فقال عبيد ال بن عمير ‪( :‬‬
‫فبكت وقالت ‪ :‬قام ليلة من الليالي ‪ -‬تعني يصلي ‪ -‬فقال ‪:‬‬ ‫حدثنا بأعجب شيء رأيته من رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يا عائشة ‪ ،‬ذريني أتعبد لربي ‪ ،‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬وال إني لحب قربك وأحب ما يسرك قالت ‪ :‬فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي‬
‫حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الرض ‪ ،‬وجاء بلل يؤذنه بالصلة فلما رآه يبكي قال ‪ :‬يا رسول ال تبكي وقد غفر‬
‫ال لك تقدم من ذنبك وما تأخر قال ‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا ‪ ،‬لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ‪ { :‬إن في‬
‫خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في‬
‫‪ .‬وهذا يدل على وجوب تدبر هذه اليات ‪.‬‬ ‫خلق السماوات والرض … } آل عمران ‪ ) 190/‬السلسلة الصحيحة ‪1/106‬‬

‫والقرآن فيه توحيد ووعد ووعيد وأحكام وأخبار وقصص وآداب وأخلق وآثارها في النفس متنوعة وكذلك‬
‫‪ ( :‬شيبتني هود‬ ‫من السور ما يرهب النفس أكثر من سور أخرى ‪ ،‬يدل على ذلك قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ .‬وفي رواية (هود والواقعة والمرسلت وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت‬ ‫وأخواتها قبل المشيب ) السلسلة الصحيحة ‪2/679‬‬
‫‪ .‬لقد شيبت رسول ال صلى ال عليه وسلم لما احتوته‬ ‫) رواه الترمذي ‪ 3297‬وهو في السلسلة الصحيحة برقم ‪955‬‬
‫من حقائق اليمان والتكاليف العظيمة التي ملت بثقلها قلب الرسول صلى ال عليه وسلم فظهرت آثارها على شعره وجسده ‪،‬‬
‫( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ) ‪.‬‬

‫يقرأون ويتدبرون ويتأثرون وكان أبو بكر رضي ال عنه رجلً أسيفا رقيق القلب إذا‬ ‫وقد كان صحابته صلى ال عليه وسلم‬
‫صلّى بالناس وقرأ كلم ال ل يتمالك نفسه من البكاء ومرض عمر من أثر تلوة قول ال تعالى ‪ ( :‬إن عذاب ربك لواقع ماله من‬
‫‪ .‬وسمع نشيجه من وراء الصفوف لما قرأ قول ال عن يعقوب عليه‬ ‫دافع ) الثر بأسانيده في تفسير ابن كثير ‪7/406‬‬
‫‪ .‬وقال عثمان رضي ال عنه ‪ :‬لو طهرت قلوبنا‬ ‫السلم ‪ ( :‬إنما أشكو بثي وحزني إلى ال ) مناقب عمر لبن الجوزي ‪167‬‬
‫ما شبعت من كلم ال ‪ ،‬وقتل شهيدا مظلوما ودمه على مصحفه وأخبار الصحابة في هذا كثيرة ‪ ،‬وعن أيوب قال سمعت سعيدا ‪-‬‬
‫‪.‬‬ ‫ابن جبير ‪ -‬يردد هذه الية في الصلة بضعا عشرين مرة ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى ال ) سير أعلم النبلء ‪4/324‬‬
‫وهي أخر آية نزلت من القرآن وتمامها ( ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون ) ‪ .‬وقال إبراهيم بن بشار ‪ :‬الية التي مات‬
‫فيها علي بن الفضيل ‪ ( :‬ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ) في هذا الموضع مات وكنت فيمن صلّى عليه رحمه ال ‪.‬‬
‫‪ .‬وحتى عند سجدات التلوة كانت لهم مواقف فمنها قصة ذلك الرجل رحمه ال الذي قرأ قول ال‬ ‫سير أعلم النبلء ‪4/446‬‬
‫‪ .‬فسجد سجدة التلوة ثم قال معاتبا نفسه ‪ :‬هذا السجود‬ ‫عز وجل‪ ( :‬ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) السراء ‪109/‬‬
‫فأين البكاء ؟ ‪.‬‬
‫ومن أعظم التدبر أمثال القرآن لن ال سبحانه وتعالى لما ضرب لنا المثال في القرآن ندبنا إلى التفكر‬
‫والتذكر فقال ‪ ( :‬ويضرب ال المثال للناس لعلهم يتذكرون ) وقال ‪ ( :‬وتلك المثال نضربها للناس لعلهم‬
‫يتفكرون ) ‪.‬‬

‫تفكر أحد السلف مرة في مثل من أمثال القرآن فلم يتبين له معناه فجعل يبكي ‪ ،‬فسئل ما يبكيك ؟ فقال ‪ :‬إن‬
‫‪ .‬وأنا لم أعقل المثل‬ ‫ال عز وجل يقول ‪ ( :‬وتلك المثال نضربها للناس وما يعقلها إل العالمون ) العنكبوت ‪43/‬‬
‫‪ ،‬فلست بعالم ‪ ،‬فأبكي على ضياع العلم مني ‪.‬‬

‫وقد ضرب ال لنا في القرآن أمثلة كثيرة منها ‪ :‬مثل الذي استوقد نارا ‪ ،‬ومثل الذي ينعق بما ل يسمع ‪ ،‬ومثل‬
‫الحبة التي أنبتت سبع سنابل ‪ ،‬ومثل الكلب الذي يلهث ‪ ،‬والحمار يحمل أسفارا ‪ ،‬والذباب ‪ ،‬والعنكبوت ‪،‬‬
‫ومثل العمى والصم ‪ ،‬والبصير والسميع ‪ ،‬ومثل الرماد الذي اشتدت به الريح ‪ ،‬والشجرة الطيبة ‪ ،‬والشجرة‬
‫الخبيثة ‪ ،‬والماء النازل من السماء ومثل المشكاة التي فيها مصباح ‪ ،‬والعبد المملوك الذي ل يقدر على شيء‬
‫والرجل الذي فيه شركاء متشاكسون ‪ ،‬وغيرها ‪ ،‬والمقصود الرجوع إلى آيات المثال والعتناء بها عناية‬
‫خاصة ‪.‬‬

‫ويلخص ابن القيم رحمه ال ما على المسلم أن يفعله لعلج قسوة قلبه بالقرآن فيقول ‪ " :‬ملك ذلك أمران ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الخرة ‪ ،‬ثم تقبل به كله على معاني القرآن‬
‫واستجلئها ‪ ،‬وتدبر وفهم ما يراد منه ‪ ،‬وما نزل لجله ‪ ،‬وأخذ نصيبك من كل آياته ‪ ،‬وتنزلها على داء‬
‫قلبك ‪ ،‬فإذا نزلت هذه الية على داء القلب برئ القلب بإذن ال " ‪.‬‬

‫‪ -2‬استشعار عظمة ال عز وجل ‪ ،‬ومعرفة أسمائه وصفاته ‪ ،‬والتدبر فيها ‪ ،‬وعقل معانيها ‪ ،‬واستقرار هذا‬
‫الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب فهو ملكها وسيدها وهي‬
‫بمثابة جنوده وأتباعه فإذا صلح صلحت وإذا فسد فسدت ‪.‬‬

‫والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة ال كثيرة إذا تأملها المسلم ارتجف قلبه وتواضعت نفسه للعلي العظيم‬
‫وخضعت أركانه للسميع العليم وازداد خشوعا لرب الولين والخرين فمن ذلك ما جاء من أسمائه الكثيرة‬
‫وصفاه سبحانه فهو العظيم المهيمن الجبار المتكبر القوي القهار الكبير المتعال ‪ ،‬هو الحي الذي ل يموت‬
‫والجن والنس يموتون ‪ ،‬وهو القاهر فوق عباده ويسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ‪ ،‬عزيز ذو انتقام ‪،‬‬
‫قيوم ل ينام ‪ ،‬وسع كل شيء علما ‪ ،‬يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور ‪ ،‬وقد وصف سعة علمه بقوله ‪:‬‬
‫( وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول حبة في‬
‫‪ .‬ومن عظمته ما أخبر عن نفسه بقوله‪ ( :‬وما‬ ‫ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في كتاب مبين ) النعام ‪59/‬‬
‫‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه‬ ‫قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) الزمر‪67/‬‬
‫وسلم ‪ ( :‬يقبض ال الرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض " رواه البخاري ‪6947‬‬
‫‪.‬ويتضعضع الفؤاد ويرجف القلب عند التأمل في قصة موسى عليه السلم لما قال ‪ ( :‬رب أرني أنظر إليك ) فقال ال ‪ ( :‬لن تراني‬
‫‪.‬‬ ‫ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) العراف ‪143/‬‬
‫ولما فسر النبي صلى ال عليه وسلم هذه الية قرأها وقال بيده ‪ ( :‬هكذا ‪ -‬ووضع البهام على المفصل العلى من الخنصر ‪ -‬ثم‬
‫قال عليه الصلة والسلم ‪ ( :‬فساخ الجبل ) الحديث رواه الترمذي برقم ‪ 3074‬وأحمد ‪ 209 ، 3/125‬وساق ابن‬
‫كثير طرق الحديث في تفسيره ‪ ، 3/466‬قال ابن القيم ‪ :‬إسناده صحيح على شرط مسلم ‪ ،‬وخرجه اللباني‬
‫‪ .‬وال سبحانه وتعالى ‪ ( :‬حجابه النور ‪ ،‬لو كشفه لحرقت‬ ‫وصححه في تخريج السنة لبن أبي عاصم حديث ‪480‬‬
‫‪ .‬ومن عظمة ال ما حدث به الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) رواه مسلم برقم ‪197‬‬
‫‪ ،‬فقال ‪ ( :‬إذا قضى ال المر في السماء ضربت الملئكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم‬
‫‪ .‬والنصوص في هذا كثيرة والمقصود أن‬ ‫قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير) رواه البخاري ‪7043‬‬
‫استشعار عظمة الرب بالتأمل في هذه النصوص وغيرها من أنفع الشياء في علج ضعف اليمان ويصف ابن القيم رحمه ال‬
‫عظمة ال بكلم عذب جميل فيقول ‪ ( :‬يدبر أمر الممالك ويأمر وينهى ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويقلب الليل‬
‫والنهار ‪ ،‬ويداول اليام بين الناس ‪ ،‬ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى ‪ ،‬وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها وفي‬
‫الرض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو ‪ ،‬قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ‪ ..‬ووسع سمعه الصوات فل‬
‫تختلف عليه ول تشتبه عليه ‪ ،‬بل يسمع ضجيجها باختلف لغاتها على تفنن حاجاتها ‪ ،‬فل يشغله سمع عن سمع ‪ ،‬ول تغلطه كثرة‬
‫المسائل ‪ ،‬ول يتبرم بإلحاح الملحين ذوي الحاجات ‪ ،‬وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة‬
‫الصماء في الليلة الظلماء ‪ ،‬فالغيب عنده شهادة والسر عنده علنية ‪ ( ..‬يسأله من في السماوات والرض كل يوم هو في شأن )‬
‫يغفر ذنبا ‪ ،‬ويفرج هما ‪ ،‬ويكشف كربا ‪ ،‬ويجبر كسيرا‪ ،‬ويغني فقيرا ‪ ،‬ويهدي ضالً ‪ ،‬ويرشد حيرانا ‪ ،‬ويغيث لهفانا ‪ ،‬ويشبع جائعا‬
‫‪ ،‬ويكسو عاريا ‪ ،‬ويشفي مريضا ‪ ،‬ويعافي مبتلى ‪ ،‬ويقبل تائبا ‪ ،‬ويجزي محسنا ‪ ،‬وينصر مظلوما ‪ ،‬ويقصم جبارا ‪ ،‬ويستر عورة ‪،‬‬
‫ويؤمن روعة ‪ ،‬ويرفع أقواما ‪ ،‬ويضع آخرين ‪ ...‬لو أن أهل سماواته وأهل أرضه ‪ ،‬وأول خلقه وأخرهم ‪ ،‬وإنسهم وجنهم ‪ ،‬كانوا‬
‫على أتقى قلب رجل منهم ‪ ،‬ما زاد ذلك في ملكه شيئا ولو أن أول خلقه وأخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما‬
‫نقص ذلك من ملكه شيئا ‪ ،‬ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه ‪ ،‬وأول خلقه وأخرهم ‪ ،‬وإنسهم وجنهم ‪ ،‬وحيهم وميتهم ‪ ،‬ورطبهم‬
‫ويابسهم ‪ ،‬قاموا على صعيد واحد فسألوه فأعطى كل منهم ما سأله ‪ ،‬ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة ‪ ..‬هو الول الذي ليس قبله‬
‫شيء ‪ ،‬والخر الذي ليس دونه شيء ‪ ،‬تبارك وتعالى أحق من ذكر ‪ ،‬وأحق من عبد ‪ ،‬وأولى من شكر ‪ ،‬وارأف من ملك ‪ ،‬وأجود‬
‫من سئل … هو الملك الذي ل شريك له ‪ ،‬والفرد فل ند له ‪ ،‬والصمد فل ولد له ‪ ،‬والعلي فل شبيه له ‪ ،‬كل شيء هالك إل وجهه ‪،‬‬
‫وكل شيء زائل إل ملكه ‪ ..‬لن يطاع إل بأذنه ‪ ،‬ولن يعصى إل بعلمه ‪ ،‬يطاع فيشكر ‪ ،‬ويعصى فيغفر‪ ،‬كل نقمة منه عدل ‪ ،‬وكل‬
‫نعمة منه فضل ‪ ،‬أقرب شهيد ‪ ،‬وأدنى حفيظ ‪ ،‬أخذ بالنواصي‪ ،‬وسجل الثار ‪ ،‬وكتب الجال ‪ ،‬فالقلوب له مفضية ‪ ،‬والسر عنده‬
‫‪.‬‬ ‫علنية ‪ ،‬عطاؤه كلم وعذابه كلم ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) الوابل الصيب ص ‪ 125 :‬بتصرف‬

‫‪ -3‬طلب العلم الشرعي ‪ :‬وهو العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية ال وزيادة اليمان به عز وجل كما قال‬
‫ل من عباده العلما ُء ) فل يستوي في اليمان الذين يعلمون والذين ل يعلمون ‪،‬‬
‫ال تعالى ‪ ( :‬إنما يخشى ا َ‬
‫فكيف يستوي من يعلم تفاصيل الشريعة ومعنى الشهادتين ومقتضياتهما وما بعد الموت من فتنة القبر وأهوال‬
‫المحشر ومواقف القيامة ونعيم الجنة وعذاب النار وحكمة الشريعة في أحكام الحلل والحرام وتفصيل سيرة‬
‫‪ ،‬وغير ذلك من أنواع العلم كيف يستوي هذا في اليمان ومن هو جاهل بالدين وأحكامه وما جاءت‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫به الشريعة من أمور الغيب ‪ ،‬حظه من الدين التقليد وبضاعته من العلم مزجاة ‪ ( ،‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون )‬
‫‪.‬‬

‫‪ -4‬لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة اليمان لعدة أسباب منها ما يحصل فيها من ذكر ال ‪ ،‬وغشيان‬
‫الرحمة ‪ ،‬ونزول السكينة ‪ ،‬وحف الملئكة للذاكرين ‪ ،‬وذكر ال لهم في المل العلى ‪ ،‬ومباهاته بهم‬
‫‪ ( :‬ل يقعد قوم‬ ‫الملئكة ‪ ،‬ومغفرته لذنوبهم ‪ ،‬كما جاء في الحاديث الصحيحة ومنه قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬ ‫يذكرون ال إل حفتهم الملئكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم ال فيمن عنده ) صحيح مسلم رقم ‪2700‬‬
‫وعن سهل بن الحنظلية رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إل قيل‬
‫‪.‬قال ابن حجر رحمه ال ‪ :‬ويطلق ذكر ال ويراد به المواظبة على العمل بما‬ ‫لهم ‪ :‬قوموا مغفورا لكم ) صحيح الجامع ‪5507‬‬
‫‪ .‬ومما يدل على أن مجالس الذكر‬ ‫أوجبه أو ندب إليه كتلوة القرآن ‪ ،‬وقراءة الحديث ‪ ،‬ومدارسة العلم ‪ .‬فتح الباري ‪11/209‬‬
‫تزيد اليمان ما أخرجه المام مسلم رحمه ال في صحيحه عن حنظلة السيدي قال ‪ :‬لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال ‪:‬‬
‫قلت نافق حنظلة ‪ ،‬قال ‪ :‬سبحان ال ما تقول قال ‪ :‬قلت نكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا‬
‫رأي عين ‪ ،‬فإذا خرجنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عافسنا الزواج والولد والضيعات ‪ -‬يعني المعاش من مال أو‬
‫حرفة أو صنعة ‪ -‬فنسينا كثيرا ‪ ،‬قال أبو بكر فو ال إنا لنلقى مثل هذا ‪ ،‬فانطلقت أنا أبو بكر حتى دخلنا على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قلت ‪ :‬نافق حنظلة يا رسول ال ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬ما ذاك ) قلت ‪ :‬يا رسول ال نكون عندك‬
‫تذكرنا بالنار والجنة حتى كانا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الزواج والولد والضيعات ‪ ،‬نسينا كثيرا ‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي‬
‫‪.‬‬ ‫طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) ثلث مرات صحيح مسلم رقم ‪2750‬‬

‫وكان الصحابة رضوان ال عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيمانا ‪ ،‬قال معاذ رضي ال عنه‬
‫‪.‬‬ ‫لرجل ‪ ( :‬اجلس بنا نؤمن ساعة ) إسناده صحيح ‪ :‬أربع مسائل في اليمان ‪ ،‬تحقيق اللباني ص ‪72 :‬‬

‫‪ -5‬ومن السباب التي تقوي اليمان الستكثار من العمال الصالحة وملء الوقت بها‪ ،‬وهذا من أعظم أسباب‬
‫العلج وهو أمر عظيم وأثره في تقوية اليمان ظاهر كبير ‪ ،‬وقد ضرب الصديق في ذلك مثلً عظيما لما سأل‬
‫‪ ،‬أصحابه ( من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر أنا ‪ ،‬قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫قال أبو بكر أنا ‪ ،‬قال‪ ،‬فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ‪ ،‬قال أبو بكر أنا ‪ ،‬قال فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر أنا ‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ما اجتمعن في امرئ إل دخل الجنة ) رواه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب ‪ 1‬حديث‬
‫‪. 12‬‬

‫فهذا القصة ‪ ،‬تدل على أن الصديق رضي ال عنه كان حريصا على اغتنام الفرص ‪ ،‬وتنويع العبادات ولما‬
‫مفاجئا دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي ال عنه كانت حافلة بالطاعات ‪ ،‬وقد‬ ‫وقع السؤال من النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بلغ السلف رحمهم ال في ازديادهم من العمال الصالحة وملء الوقت بها مبلغا عظيما ‪ ،‬ومثال ذلك عبارة كانت تقال عن جماعة‬
‫من السلف منهم حماد بن سلمة قال فيه المام عبد الرحمن بن مهدي ‪ " :‬لو قيل لحماد بن سلمة ‪ :‬أنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في‬
‫‪.7/447‬‬ ‫العمل شيئا " سير أعلم النبلء‬

‫وينبغي أن يراعي المسلم في مسألة العمال الصالحة أمورا منها ‪:‬‬

‫المسارعة إليها لقوله تعالى ‪ ( :‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والرض ) وقال‬
‫تعالى ‪ ( :‬سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والرض ) ومدلول هذه اليات كان‬
‫‪ ،‬وروى المام مسلم رحمه ال تعالى في صحيحه عن أنس‬ ‫محركا للمسارعة عند أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بن مالك في قصة غزوة بدر لما دنا المشركون قال ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬قوموا إلى جنة عرضها السماوات‬
‫والرض ) قال يقول عمير بن الحمام النصاري يا رسول ال جنة عرضها السموات والرض قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬بخ بخ ‪ -‬كلمة‬
‫تطلق لتفخيم المر وتعظيمه ‪ -‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬ما يحملك على قولك بخ بخ ) قال ‪ :‬ل وال يا رسول ال‬
‫إل رجاءة أن أكون من أهلها قال ‪ :‬فإنك من أهلها ‪ ،‬فاخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال ‪ :‬لئن أنا حييت حتى أكل‬
‫‪ .‬ومن قبل أسرع موسى‬ ‫تمراتي هذه لحياة طويلة قال ‪ :‬فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل ‪ .‬صحيح مسلم ‪1901‬‬
‫للقاء ال وقال ‪ ( :‬وعجلت إليك ربي لترضى ) وامتدح ال زكريا وأهله فقال ‪ ( :‬إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا‬
‫ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) وقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬التؤدة في كل شيء ‪ -‬وفي رواية خير ‪ -‬إل في عمل الخرة )‬
‫‪.‬‬ ‫رواه أبو داود في سننه ‪ 5/157‬وهو في صحيح الجامع ‪3009‬‬
‫‪ ،‬عن ربه في الحديث القدسي ‪ ( :‬ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل‬ ‫الستمرار عليها بقول الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ .‬وكلمة ( ما يزال ) تفيد الستمرارية ‪ ،‬ويقول النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬تابعوا الحج‬ ‫حتى أحبه ) صحيح البخاري ‪6137‬‬
‫‪ .‬والمتابعة تعني كذلك الستمرار وهذا المبدأ مهم‬ ‫والعمرة ) رواه الترمذي رقم ‪ 810‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪1200‬‬
‫في تقوية اليمان وعدم إهمال النفس حتى ل تركن وتأسن ‪ ،‬والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع ‪ .‬والمداومة على العمال‬
‫الصالحة تقوي اليمان وقد سئل النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أي العمال أحب إلى ال ؟ قال ‪ ( :‬أدومها وإن قل ) رواه البخاري‬
‫فتح ‪ .11/194‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إذا عمل عملً أثبته ‪ .‬رواه مسلم كتاب صلة المسافرين ‪ ،‬باب ‪18‬‬
‫‪.‬‬ ‫حديث ‪141‬‬

‫الجتهاد فيها ‪ :‬إن علج قسوة القلب ل يصلح أن يكون علجا مؤقتا يتحسن فيه اليمان فترة من الوقت ثم‬
‫ل باليمان وهذا لن يكون إل بالجتهاد في العبادة ‪ .‬وقد‬
‫يعود إلى الضعف بل ينبغي أن يكون نهوضا متواص ً‬
‫ل عدة فمنها ‪ ( :‬إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها‬
‫ذكر ال في كتابه من اجتهاد أوليائه في عبادته أحو ً‬
‫خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم ل يستكبرون ‪ ،‬تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا‬
‫ل من الليل ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون‬
‫ومما رزقناهم ينفقون ) ‪ .‬وقال ال تعالى عنهم ‪ ( :‬كانوا قلي ً‬
‫وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) ‪ .‬والطلع على حال السلف في تحقيق صفات العابدين شيء يبعث على‬
‫سبُع من القرآن يختمونه كل يوم وكانوا يقومون الليل في‬
‫العجاب ويقود إلى القتداء فمن ذلك أنه كان لهم ُ‬
‫الغزو والقتال ويذكرون ال ويتهجدون ‪ ،‬حتى في السجن ‪ ،‬يصفون أقدامهم ‪ ،‬تسيل دموعهم على خدودهم ‪،‬‬
‫يتفكرون في خلق السموات والرض ‪ ،‬يخادع أحدهم زوجته كما تخادع المرأة صبيها ‪ ،‬فإذا علم أنها نامت‬
‫انسل من لحافها وفراشها لصلة القيام ‪ ،‬يقسمون الليل على أنفسهم وأهليهم ونهارهم في الصيام والتعلم‬
‫والتعليم واتباع الجنائز وعيادة المرضى وقضاء حوائج الناس تمر على بعضهم السنون ل تفوتهم تكبيرة‬
‫الحرام مع المام ينتظرون الصلة بعد الصلة يتفقد أحدهم عيال أخيه بعد موته سنوات ينفق عليهم ‪ ،‬ومن‬
‫هذا حاله فإيمانه في ازدياد ‪.‬‬

‫عدم إملل النفس ‪ :‬ليس المقصود من المداومة على العبادات أو الجتهاد فيها إيقاع النفس بالسآمة وتعريضها‬
‫للملل وإنما المقصود عدم النقطاع عن العبادات ما يطيق ويسدد ويقارب وينشط إذا رأى نفسه مقبلة ويقصد‬
‫عند الفتور ‪ ،‬ويدل على هذه التصورات مجموعة من الحاديث منه قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إن الدين‬
‫‪ .‬وفي رواية ‪ ( :‬والقصد القصد‬ ‫يسر ‪ ،‬ولن يشاد الدين أحد إل غلبه فسددوا وقاربوا ‪ ) ..‬صحيح البخاري ‪39‬‬
‫‪ ،‬وقال البخاري رحمه ال باب ما يكره من التشديد في العبادة ‪ ،‬عن أنس رضي ال عنه قال‬ ‫تبلغوا ) صحيح البخاري ‪6099‬‬
‫‪ :‬دخل النبي صلى ال عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال ‪ ( :‬ما هذا الحبل ) قالوا هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت‬
‫‪ .‬ولما علم النبي‬ ‫قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬ل ‪ ،‬حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد ) صحيح البخاري ‪1099‬‬
‫صلى ال عليه وسلم أن عبد ال بن عمرو بن العاص يقوم الليل كله ويصوم النهار متتابعا نهاه عن ذلك وبين السبب بقوله ‪ ( :‬فإنك‬
‫إذا فعلت هجمت عينك ‪ -‬يعني غارت أو ضعفت لكثرة السهر ‪ -‬ونفهت نفسك ‪ -‬يعني كلت ) ‪ .‬وقال الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ( :‬اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن ال عز وجل ل يمل حتى تملوا وإن أحب العمال إلى ال عز وجل أدومه وإن قل ) رواه‬
‫‪.‬‬ ‫البخاري ‪ ،‬فتح ‪3/38‬‬

‫استدراك ما فات منها ‪ :‬فعن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ( :‬من نام‬
‫عن حزبه من الليل ‪ ،‬أو شيء منه فقرأه فيما بين صلة الفجر وصلة الظهر ‪ ،‬كتب له كأنما قرأه من الليل )‬
‫‪ .‬وعن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬كان رسول‬ ‫رواه النسائي وغيره ‪ ،‬والمجتبي ‪ ، 2/68 :‬صحيح الجامع ‪1228‬‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إذا صلى صلة داوم عليها وكان إذا فاته القيام من الليل غلبته عيناه بنوم أو وجع صلى ثنتي عشرة ركعة‬
‫‪ .‬ولما رأته أم سلمة رضي ال عنها يصلي ركعتين بعد العصر وسألته أجابها عليه الصلة‬ ‫من النهار ) رواه أحمد ‪6/95‬‬
‫والسلم بقوله ‪ ( :‬يا ابنة أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد‬
‫الظهر فهما هاتان ) رواه البخاري فتح ‪ ( . 3/105‬وكان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلهن بعده ) رواه الترمذي رقم‬
‫‪ 427‬وصحيح سنن الترمذي رقم ‪ ( . 350‬وكان إذا فاته الربع قبل الظهر صلها بعد الظهر ) صحيح الجامع ‪4759‬‬
‫‪ .‬فهذا الحاديث تدل على قضاء السنن الرواتب ‪ ،‬وقد ذكر ابن القيم رحمه ال في صومه صلى ال عليه وسلم شعبان أكثر من‬
‫غيره ثلث معان أولها ‪ :‬أنه كان يصوم ثلثة أيام من كل شهر فربما شغل عن الصيام أشهرا فجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل‬
‫‪ ،‬وكان صلى ال عليه وسلم يعتكف العشر الواخر من‬ ‫صيام الفرض " أي رمضان " تهذيب سنن أبي داود ‪3/318‬‬
‫‪.‬‬ ‫رمضان ‪ ،‬فلما فاته العتكاف مرة لعارض السفر اعتكف في العام المقبل عشرين يوما ‪ .‬فتح الباري ‪4/285‬‬

‫رجاء القبول مع الخوف من عدم القبول ‪ ،‬وبعد الجتهاد في الطاعات ‪ ،‬ينبغي الخوف من ردها على صاحبها‬
‫‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن هذه الية ‪ ( :‬والذين يؤتون ما‬
‫آتوا وقلوبهم وجلة ) قالت عائشة ‪ :‬هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال ‪ ( :‬ل يا ابنة الصديق ولكنهم‬
‫الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن ل يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات ) رواه‬
‫‪ .‬وقال أبو الدرداء رضي ال عنه ‪ " :‬لن أستيقن أن ال قد تقبل مني‬ ‫الترمذي ‪ 3175‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪1/162‬‬
‫‪ .‬ومن صفات‬ ‫صلة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها ‪ ،‬إن ال يقول ‪ ( :‬إنما يتقبل ال من المتقين ) تفسير ابن كثير ‪3/67‬‬
‫المؤمنين احتقار النفس أمام الواجب من حق ال تعالى ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬لو أن رجلً يجر على وجهه من يوم‬
‫ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة ال عز وجل لحقره يوم القيامة ) رواه المام أحمد ‪ ،‬المسند ‪ 4/185‬وهو في صحيح‬
‫‪.‬فمن عرف ال وعرف النفس يتبين له أن ما معه من البضاعة ل يكفي ولو جاء بعمل الثقلين ‪ ،‬إنما يقبله سبحانه‬ ‫الجامع ‪5249‬‬
‫وتعالى بكرمه وجوده وتفضله ويثيب عليه بكرمه وجوده وتفضله ‪.‬‬

‫‪ -6‬تنويع العبادات ‪ :‬من رحمة ال وحكمته أن نوع علينا العبادات فمنها ما يكون بالبدن كالصلة ومنها ما‬
‫يكون بالمال كالزكاة ومنها ما يكون بهما معا كالحج ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء وحتى النوع الواحد‬
‫ينقسم إلى فرائض وسنن مستحبة والفرائض تتنوع وكذلك السنن مثل الصلة فيها رواتب ثنتي عشرة ركعة‬
‫في اليوم ومنها ما هو أقل منزلة كالربع قبل العصر وصلة الضحى ومنها ما هو أعلى كصلة الليل وهو‬
‫كيفيات متعددة منها مثنى مثنى أو أربع ثم أربع ثم يوتر ومنها خمس أو سبع أو تسع بتشهد واحد ‪ ،‬وهكذا من‬
‫يتتبع العبادات يجد تنويعا عظيما في العداد والوقات والهيئات والصفات والحكام ولعل من الحكمة في ذلك‬
‫أن ل تمل النفس ويستمر التجدد‪ ،‬ثم إن النفس ليست متماثلة في انجذابها وإمكاناتها وقد تستلذ بعض النفوس‬
‫بعبادات أكثر من غيرها ‪ ،‬وسبحان الذي جعل أبواب الجنة على أنواع العبادات كما جاء في حديث أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ( :‬من أنفق زوجين في سبيل ال نودي من‬
‫أبواب الجنة ‪ :‬يا عبد ال هذا خير فمن كان من أهل الصلة دعي من باب الصلة ومن كان من أهل الجهاد‬
‫دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب‬
‫‪ .‬والمقصود المكثرون من أصحاب النوافل في كل عبادة أما الفرائض فل بد من تأديتها‬ ‫الصدقة ) رواه البخاري رقم ‪1798‬‬
‫للجميع ‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬الوالد أوسط أبواب الجنة ) رواه الترمذي رقم ‪ 1900‬وهو في صحيح الجامع‬
‫‪ . 7145‬أي بر الوالدين ‪ ،‬يمكن الستفادة من هذا التنوع في علج ضعف اليمان والستكثار من العبادات التي تميل إليها النفس‬
‫مع المحافظة على الفرائض والواجبات التي أمر ال بها ‪ ،‬وهذا ويمكن للمرء المسلم إذا استعرض نصوص العبادات أن يجد أنواعا‬
‫فريدة لها آثار ومعان لطيفة في النفس قد ل توجد في غيرها وهذان مثالن ‪:‬‬

‫روى أبو ذر رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ( :‬ثلثة يحبهم ال ‪ ،‬وثلثة يشنؤهم ال ‪-‬‬
‫أي يبغضوهم ‪ -‬أما الثلثة الذين يحبهم ال الرجل يلقى العدو في الفئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح‬
‫لصحابه ‪ ،‬والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى‬
‫يوقظهم لرحيلهم والرجل يكون له الجار يؤذيه جواره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن )‬
‫‪.‬‬ ‫مسند أحمد ‪ 5/151‬وهو في صحيح الجامع ‪3074‬‬

‫أتى النبي صلى ال عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فقال له صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أتحب أن يلين قلبك‬
‫وتدرك حاجتك ؟ أرحم اليتيم ‪ ،‬وامسح رأسه ‪ ،‬وأطعمه من طعامك ‪ ،‬يلن قلبك وتدرك حاجتك ) الحديث رواه‬
‫‪ .‬وهذا شاهد مباشر لموضوع علج ضعف اليمان ‪.‬‬ ‫الطبراني وله شواهد ‪ ،‬انظر السلسلة الصحيحة ‪2/533‬‬

‫‪ -7‬ومن علجات ضعف اليمان ‪ :‬الخوف من سوء الخاتمة ‪ ،‬لنه يدفع المسلم إلى الطاعة ويجدد اليمان في‬
‫القلب ‪ ،‬أما سوء الخاتمة فأسبابها كثيرة منها ‪ :‬ضعف اليمان والنهماك في المعاصي وقد ذكر النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم لذلك صورا مثل قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ ‪-‬‬
‫أي يطعن ‪ -‬بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه ‪ -‬أي‬
‫يشربه في تمهل ويتجرعه‪ -‬في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في‬
‫‪ .‬وقد حدثت في عهده صلى ال عليه وسلم وقائع من هذا فمنها‬ ‫نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) صحيح مسلم رقم ‪109‬‬
‫قصة الرجل الذي كان مع عسكر المسلمين يقاتل الكفار قتالً لم يقاتله أحد مثله فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أما إنه من أهل‬
‫النار ) فتتبعه رجل من المسلمين فأصاب الرجل جرح شديد فاستعجل الموت فوضع سيفه بين ثديه واتكأ عليه فقتل نفسه ‪ .‬القصة‬
‫‪ .‬وأحوال الناس في سوء الخاتمة كثيرة سطر أهل العلم عددا منها ‪ ،‬فمن ذلك ما ذكره‬ ‫في صحيح البخاري ‪ ،‬فتح ‪7/471‬‬
‫ابن القيم رحمه ال تعالى في كتاب " الداء والدواء " أنه قيل لبعضهم عند موته قل ل إله إل ال فقال ‪ :‬ل أستطيع أن أقولها‪ ،‬وقيل‬
‫لخر قل ل إله إل ال فجعل يهذي بالغناء ‪ ،‬وقيل لتاجر ‪ -‬ممن ألهته تجارته عن ذكر ال ‪ -‬لما حضرته الوفاة قل ل إله إل ال‬
‫‪ ،‬ويروى أن‬ ‫فجعل يقول هذه قطعة جيدة هذه على قدرك هذه مشتراها رخيص حتى مات ‪ .‬طريق الهجرتين ص ‪308 :‬‬
‫بعض جنود الملك الناصر نزل به الموت فجعل ابنه يقول له ‪ :‬قل ل إله إل ال فقال ‪ :‬الناصر مولي فأعاد عليه القول وأبوه يكرر‬
‫الناصر مولي ‪ ،‬الناصر مولي ثم مات ‪ ،‬وقيل لخر قل ل إله إل ال فجعل يقول الدار الفلنية أصلحوا فيها كذا والبستاني الفلني‬
‫افعلوا فيه كذا ‪ ،‬وقيل لحد المرابين عند موته قل ل إله إل ال فجعل يقول عشرة بأحد عشر يكررها حتى مات ‪ .‬الداء والدواء‬
‫‪ .‬وبعضهم قد يسود لونه أو يتحول عن القبلة وقال ابن الجوزي رحمه ال لقد سمعت بعض من كنت أظن‬ ‫ص ‪289 ، 170 :‬‬
‫فيه كثرة خير وهو يقول في ليالي موته " ربي هو ذا يظلمني " ‪ -‬تعالى ال عن قوله‪ -‬فاتهم ال بالظلم وهو على فراش الموت ثم‬
‫‪ .‬وسبحان ال كم‬ ‫قال ابن الجوزي رحمه ال ‪ :‬فلم أزل منزعجا مهتما بتحصيل عدة ألقى بها هذا اليوم ‪ .‬صيد الخواطر ‪137‬‬
‫‪.‬‬ ‫شاهد الناس من هذا عبرا ؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم ‪ .‬الداء والدواء ‪171‬‬

‫‪ -8‬الكثار من ذكر الموت ‪ :‬يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أكثروا من ذكر هاذم اللذات يعني الموت‬
‫‪ .‬وتذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ول‬ ‫) رواه الترمذي رقم ‪ 2307‬وهو في صحيح الجامع ‪1210‬‬
‫يذكره أحد في ضيق من العيش إل وسعه عليه ول ذكره في سعة إل ضيقها عليه ومن أعظم ما يذكر بالموت زيارة القبور ولذلك‬
‫أمر النبي صلى ال عليه وسلم بزيارتها فقال ‪ ( :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور ‪ ،‬أل فزوروها فإنها ترق القلب ‪ ،‬وتدمع العين ‪،‬‬
‫‪ .‬بل يجوز للمسلم أن يزور‬ ‫وتذكر الخرة ‪ ،‬ول تقولوا هجرا ) رواه الحاكم ‪ 1/376‬وهو في صحيح الجامع ‪4584‬‬
‫مقابر الكفار للتعاظ والدليل على ذلك ما ورد في الصحيح أنه صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال ‪:‬‬
‫استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي ‪ ،‬واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ‪ ،‬فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه‬
‫‪ .3/65‬فزيارة القبور من أعظم وسائل ترقيق القلوب وينتفع الزائر بذكر الموت وكذلك ينتفع الموتى بالدعاء لهم ومما ورد‬ ‫مسلم‬
‫في السنة في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬السلم عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم ال المستقدمين منا‬
‫‪ .‬وينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها ويحضر‬ ‫والمستأخرين وإنا إن شاء ال بكم للحقون ) رواه مسلم رقم ‪974‬‬
‫قلبه في إتيانها ويقصد بزيارته وجه ال وإصلح فساد قلبه ثم يعتبر بمن صار تحت التراب وانقطع عن الهل والحباب فليتأمل‬
‫الزائر حال من مضى من إخوانه ودرج من أقرانه الذين بلغوا المال وجمعوا الموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم‬
‫ومحا التراب محاسن وجوههم وافترقت في القبور أجزاؤهم وترمل بعدهم نساؤهم وشمل ذل اليتيم أولدهم وليتذكر آفة النخداع‬
‫بالسباب والركون إلى الصحة والشباب والميل إلى اللهو واللعب وأنه ل بد صائر إلى مصيرهم ‪ ،‬وليتفكر في حال الميت كيف‬
‫تهدمت رجله ‪ ،‬وسالت عيناه ‪ ،‬وأكل الدود لسانه ‪ ،‬وأبلى التراب أسنانه ‪ .‬التذكرة للقرطبي ص ‪ 16 :‬وما بعدها بتصرف‬
‫‪.‬‬

‫يا من يصيح إلى داعي الشقاء وقد ******** نادى به الناعيان الشيب والكبر‬

‫إن كنت ل تسمع الذكرى ففيم ترى ****** في رأسك الواعيان السمع والبصر‬

‫ليس الصم ول العمى سوى رجل ********* لم يهده الهاديان العين والثر‬

‫ل الدهر يبقي ول الدنيا ول الفلك ******** العلى ول النيران الشمس والقمر‬

‫ليرحلن عن الدنيا وإن كرها ************* فراقها الثاويان البدو والحضر‬

‫‪.‬‬ ‫البيات لعبد ال بن محمد الندلسي الشنتريني ‪ :‬تفسير ابن كثير ‪5/436‬‬

‫ومن أكثر ذكر الموت أكرم بثلثة أشياء ‪ :‬تعجيل التوبة ‪ ،‬وقناعة القلب ‪ ،‬ونشاط العبادة ‪ ،‬ومن نسي الموت‬
‫عوقب بثلثة أشياء ‪ :‬تسويف التوبة ‪ ،‬وترك الرضا بالكفاف‪ ،‬والتكاسل بالعبادة ‪ ،‬ومما يؤثر في النفس من‬
‫مشاهد الموت رؤية المحتضرين فإن النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته وتأمل صورته بعد مماته ما‬
‫يقطع عن النفوس لذاتها ويمنع الجفان من النوم والبدان من الراحة ويبعث على العمل ويزيد في الجتهاد ‪.‬‬
‫دخل الحسن البصري على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه وشدة وما نزل به فرجع‬
‫إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم فقالوا له الطعام يرحمك ال فقال ‪ :‬يا أهله عليكم بطعامكم‬
‫‪.‬‬ ‫وشرابكم وال لقد رأيت مصرعا ل أزال أعمل له حتى ألقاه ‪ .‬التذكرة ‪17‬‬

‫ومن تمام الشعور بالموت الصلة على الجنازة ‪ ،‬وحملها على العناق والذهاب بها إلى المقبرة ودفن الميت ‪،‬‬
‫ومواراة التراب عليه وهذا يذكر بالخرة قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬عودوا المرضى واتبعوا الجنائز‬
‫‪ .‬وبالضافة إلى ذلك فإن في اتباع الجنازة أجرا‬ ‫تذكركم الخرة ) رواه أحمد ‪ 3/48‬وهو في صحيح الجامع ‪4109‬‬
‫عظيما ذكره النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بقوله ‪ ( :‬من شهد الجنازة من بيتها ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا‬
‫‪ -‬حتى يصل عليها فله قيراط ‪ ،‬ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان من الجر ) قيل يا رسول ال وما القيراطان قال ‪ ( :‬مثل‬
‫الجبلين العظيمين ) ( وفي رواية كل قيراط مثل أحد ) ‪ .‬رواه الشيخان وغيرها والسياق مجموع من الروايات ‪ :‬أحكام‬
‫‪.‬‬ ‫الجنائز لللباني ص ‪67 :‬‬

‫وكان السلف رحمهم ال يذكرون الموت عند نصح رجل يواقع معصية ‪ ،‬فهذا أحد السلف رحمه ال وكان في‬
‫مجلسه رجل ذكر آخر بغيبة فقال واعظا الذي يغتاب ‪ " :‬اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك " أي عند‬
‫التكفين ‪.‬‬

‫‪ -9‬ومن المور التي تجدد اليمان بالقلب ‪ :‬تذكر منازل الخرة ‪ ،‬يقول ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ " :‬فإذا‬
‫صحت فكرته أوجبت له البصيرة فهي نور في القلب ‪ ،‬يبصر به الوعد والوعيد ‪ ،‬والجنة والنار ‪ ،‬وما أعد ال‬
‫في هذه لوليائه وفي هذه لعدائه ‪ ،‬فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق ‪ ،‬وقد نزلت‬
‫ملئكة السماوات فأحاطت بهم ‪ ،‬وقد جاء ال وقد نصب كرسيه لفصل القضاء ‪ ،‬وقد أشرقت الرض بنوره‬
‫ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ‪ ،‬وقد نصب الميزان وتطايرت الصحف ‪ ،‬واجتمعت الخصوم ‪،‬‬
‫وتعلق كل غريم بغريمه ولح الحوض وأكوابه عن كثب ‪ ،‬وكثرة العطاش ‪ ،‬وقل الوارد ‪ ،‬ونصب الجسر‬
‫للعبور ‪ ،‬ولز الناس إليه وقسمت النوار دون ظلمته للعبور عليه والنار يحطم بعضها بعضا تحته ‪،‬‬
‫والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين ‪ ،‬فينفتح في قلبه عين يرى بها ذلك ويقوم بقلبه شاهد من شواهد‬
‫‪ .‬والقرآن العظيم فيه ذكر كثير‬ ‫الخرة يريه الخرة ودوامها والدنيا وسرعة أنقضائها ‪ .‬مدارج السالكين ‪1/123‬‬
‫لمشاهد اليوم الخر في سورة ق والواقعة والقيامة والمرسلت والنبأ والمطففين والتكوير ‪ ،‬وكذلك في مصنفات الحديث مذكورة‬
‫فيها تحت أبواب مثل القيامة ‪ ،‬والرقاق ‪ ،‬والجنة ‪ ،‬والنار ومن المهم كذلك في هذا الجانب قراءة كتب أهل العلم المفردة لهذا‬
‫الغرض مثل حادي الرواح لبن القيم ‪ ،‬والنهاية في الفتن والملحم لبن كثير ‪ ،‬والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة للقرطبي‬
‫‪ ،‬والقيامة الكبرى والجنة والنار لعمر الشقر وغيرها ‪ ،‬والمقصود أن مما يزيد اليمان العلم بمشاهد القيامة كالبعث والنشور ‪،‬‬
‫والحشر ‪ ،‬والشفاعة ‪ ،‬والحساب ‪ ،‬والجزاء ‪ ،‬والقصاص ‪ ،‬والميزان ‪ ،‬والحوض ‪ ،‬والصراط ‪ ،‬ودار القرار ‪ ،‬والجنة أو النار ‪.‬‬

‫‪ -10‬ومن المور التي تجدد اليمان ‪ :‬التفاعل مع اليات الكونية روى البخاري ومسلم وغيرهما ‪ ( :‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ) فقالت عائشة ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ‪ ،‬وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك‬
‫الكراهية ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا ‪:‬‬
‫‪ .‬وكان صلى ال عليه وسلم يقوم فزعا إذا رأى الكسوف كما جاء في صحيح‬ ‫( هذا عارض ممطرنا ) رواه مسلم ‪899‬‬
‫البخاري عن أبي موسى رضي ال عنه قال ‪ ( :‬خسفت الشمس فقام النبي صلى ال عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة ) ‪.‬‬
‫‪ .‬وأمرنا عليه الصلة والسلم عند الكسوف والخسوف أن نفزع إلى الصلة وأخبر أنهما من آيات ال التي‬ ‫فتح الباري ‪2/545‬‬
‫يخوف بها عباده ‪ ،‬ول شك أن تفاعل القلب مع هذه الظواهر والفزع منها يجدد اليمان في القلب‪ ،‬ويذكر بعذاب ال ‪ ،‬وبطشه ‪،‬‬
‫وعظمته ‪ ،‬وقوته ‪ ،‬ونقمته ‪ ،‬وقالت عائشة ‪ ( :‬أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي ثم أشار إلى القمر فقال ‪ :‬يا عائشة ‪:‬‬
‫‪ .‬ومن أمثلة ذلك‬ ‫استعيذي بال من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب ) رواه أحمد ‪ 6/237‬وهو في السلسلة الصحيحة‬
‫أيضا ‪ :‬التأثر عند المرور بمواضع الخسف والعذاب وقبور الظالمين ‪ ،‬فقد روى ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال لصحابه لما وصلوا الحجر ‪ ( :‬ل تدخلوا عليهم هؤلء المعذبين إل أن تكونوا باكين ‪ ،‬فإن لم تكونوا باكين فل‬
‫‪ .‬هذا والناس اليوم يذهبون إليها للسياحة والتصوير فتأمل !!‪.‬‬ ‫تدخلوا عليهم ل يصيبكم ما أصابهم ) رواه البخاري رقم ‪423‬‬
‫‪ -11‬ومن المور بالغة الهمية في علج ضعف اليمان ذكر ال تعالى وهو جلء القلوب وشفاؤها ‪،‬‬
‫ودواؤها عند اعتللها ‪ ،‬وهو روح العمال الصالحة وقد أمر ال به فقال ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا ال‬
‫ذكرا كثيرا ) ووعد بالفلح من أكثر منه فقال ‪ ( :‬واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون ) وذكر ال أكبر من كل‬
‫شيء قال ال تعالى ‪ ( :‬ولذكر ال أكبر ) وهو وصية النبي صلى ال عليه وسلم لمن كثرت عليه شرائع‬
‫السلم فقال له ‪ ( :‬ل يزال لسانك رطبا من ذكر ال ) رواه الترمذي ‪ 3375‬وقال حديث حسن غريب وهو‬
‫‪ .‬وهو مرضاة للرحمن مطردة للشيطان مزيل للهم والغم وجالب للرزق فاتح لبواب المعرفة وهو غراس‬ ‫في صحيح الكلم ‪3‬‬
‫الجنة وسبب لترك آفات اللسان ‪ ،‬وهو سلوة أحزان الفقراء الذين ل يجدون ما يتصدقون به فعوضهم ال بالذكر الذي ينوب عن‬
‫الطاعات البدنية والمالية ويقوم مقامها ‪ ،‬وترك ذكر ال من أسباب قسوة القلب ‪:‬‬

‫فنسيان ذكر ال موت قلوبهم *********** وأجسامهم قبل القبور قبور‬

‫وأرواحهم في وحشة من جسومهم******* وليس لهم حتى النشور نشور‬

‫ولذلك ل بد لمن يريد علج ضعف إيمانه من الكثار من ذكر ال قال تعالى ‪ ( :‬واذكر ربك إذا نسيت ) ‪.‬‬
‫‪ .‬وقال ابن القيم رحمه ال‬ ‫وقال ال تعالى مبينا أثر الذكر على القلب ‪ ( :‬أل بذكر ال تطمئن القلوب ) الرعد ‪28/‬‬
‫تعالى عن العلج بالذكر ‪ " :‬في القلب قسوة ل يذيبها إل ذكر ال تعالى فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر ال تعالى‪ .‬وقال‬
‫رجل للحسن البصري رحمه ال ‪ :‬يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي قال أذبه بالذكر ‪ .‬وهذا لن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت‬
‫به القسوة ‪ ،‬فإذا ذكر ال تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ‪ ،‬فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر ال عز وجل و "‬
‫الذكر شفاء القلب ودواؤه ‪ ،‬والغفلة مرضه وشفاؤها ودواؤها في ذكر ال تعالى قال مكحول ذكر ال تعالى شفاء ‪ ،‬وذكر الناس داء "‬
‫‪.‬‬ ‫الوابل الصيب رافع الكلم الطيب ‪142‬‬

‫وبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان ‪ .‬قال بعض السلف ‪ :‬إذا تمكن الذكر‬
‫من القلب ‪ ،‬فإذا دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع النسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين ‪-‬‬
‫أي يجتمعون على الشيطان الذي حاول أن يتقرب من قلب المؤمن ‪ -‬فيقولون ما لهذا ‪ ،‬فيقال ‪ :‬قد مسه‬
‫‪ .‬وأكثر الناس الذين تمسهم الشياطين هم من أهل الغفلة الذين لم يتحصنوا بالوراد‬ ‫النسي ! مدارج السالكين ‪2/424‬‬
‫والذكار ‪ ،‬ولذلك سهل تلبس الشياطين بهم ‪.‬‬

‫وبعض الذين يشكون من ضعف اليمان تثقل عليهم بعض وسائل العلج كقيام الليل والنوافل فيكون من‬
‫المناسب لهم البدء بهذا العلج والحرص عليه فيحفظون من الذكار المطلقة ما يرددونه باستمرار مثل ‪ " :‬ل‬
‫إله إل ال ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير " و " سبحان ال وبحمده ‪ ،‬وسبحان‬
‫ال العظيم " و " ل حول ول قوة إل بال " وغيرها ‪ ،‬ويحفظون كذلك من الذكار المقيدة التي جاءت في السنة‬
‫ما يرددونه إذا حان وقته زمانا أو مكانا مثل أذكار الصباح والمساء والنوم والستيقاظ والرؤى والحلم‬
‫والكل والخلء والسفر والمطر والذان والمسجد والستخارة والمصيبة والمقابر والريح ورؤية الهلل‬
‫وركوب الدابة والسلم والعطاس وصياح الديكة والنهيق والنباح وكفارة المجلس ورؤية أهل البلء وغيرها ‪،‬‬
‫ول ريب أن من حافظ على هذه سيجد الثر مباشرا في قلبه ‪ .‬لشيخ السلم ابن تيمة رسالة مفيدة في الذكار‬
‫اسماها الكلم الطيب اختصرها اللباني باسم صحيح الكلم الطيب ‪.‬‬
‫‪ -12‬ومن المور التي تجدد اليمان مناجاة ال والنكسار بين يديه عز وجل ‪ ،‬وكلما كان العبد أكثر ذلة‬
‫وخضوعا كان إلى ال أقرب ولهذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أقرب ما يكون العبد من ربه وهو‬
‫‪ .‬لن حال السجود فيها ذلة وخضوع ليست في بقية الهيئات والوضاع ‪ ،‬فلما ألزق‬ ‫ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم ‪482‬‬
‫العبد جبهته في الرض ‪ -‬وهي أعلى شيء فيه ‪ -‬صار أقرب ما يكون من ربه ‪ .‬يقول ابن القيم رحمه ال في كلم جميل بلسان‬
‫الذلة والنكسار للتائب بين يدي ال ‪ " :‬فلله ما أحلى قول القائل في هذه الحال ‪ :‬أسألك بعزك وذلي إل رحمتني ‪ ،‬أسألك بقوتك‬
‫وضعفي ‪ ،‬وبغناك عني وفقري إليك ‪ ،‬هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك ‪ ،‬عبيدك سواي كثير ‪ ،‬ل ملجأ ول منجا منك إل‬
‫إليك ‪ ،‬أسألك مسألة المساكين ‪ ،‬وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل ‪ ،‬وأدعوك دعاء الخائف الضرير ‪ ،‬سؤال من خضعت لك رقبته‬
‫ورغم لك أنفه ‪ ،‬وفاضت لك عيناه ‪ ،‬وذل لك قلبه " فعندما يأتي العبد بمثل هذه الكلمات مناجيا ربه فإن اليمان يتضاعف في قلبه‬
‫أضعافا مضاعفة ‪.‬‬

‫وكذلك إظهار الفتقار إلى ال مما يقوي اليمان وال سبحانه وتعالى قد أخبرنا بفقرنا إليه وحاجتنا له فقال‬
‫سبحانه ‪ ( :‬يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى ال وال هو الغني الحميد ) فاطر ‪. 15/‬‬

‫‪ -13‬قصر المل ‪ :‬وهذا مهم جدا في تجديد اليمان ‪ ،‬يقول ابن القيم رحمه ال ‪ " :‬ومن أعظم ما فيها هذه‬
‫الية ( أفرأيت إن متعناهم سنين ‪ ،‬ثم جاءهم ما كانوا يوعدون‪ ،‬ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) الشعراء ‪/‬‬
‫‪ ( 205‬كأن لم يلبثوا إل ساعة من نهار ) فهذه كل الدنيا فل يطول النسان المل ‪ ،‬يقول ‪ :‬سأعيش وسأعيش ‪ ،‬قال بعض السلف‬
‫لرجل صلّي بنا الظهر ‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬إن صليت بكم الظهر لم أصل بكم العصر ‪ ،‬فقال ‪ :‬وكأنك تؤمل أن تعيش لصلة العصر ‪،‬‬
‫نعوذ بال من طول المل ‪.‬‬

‫‪ -14‬التفكر في حقارة الدنيا حتى يزول التعلق بها من قلب العبد قال ال تعالى ‪ ( :‬وما الحياة الدنيا إل متاع‬
‫الغرور ) وقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلً ‪ ،‬فانظر ما يخرج من‬
‫ابن آدم وإن قزحه وملحه ‪ ،‬قد علم إلى ما يصير ) رواه الطبراني في الكبير ‪ 1/198‬وهو في السلسلة‬
‫‪ .‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ( :‬الدنيا ملعونة ملعون‬ ‫الصحيحة رقم ‪382‬‬
‫ما فيها إل ذكر ال وما واله أو علما أو متعلما ) رواه ابن ماجه رقم ‪ 4112‬وهو في صحيح الترغيب والترهيب رقم‬
‫‪. 71‬‬

‫‪ -15‬ومن المور المجددة لليمان في القلب ‪ :‬تعظيم حرمات ال ‪ ،‬يقول ال تعالى ‪ ( :‬ومن يعظم شعائر ال‬
‫‪ .‬وحرمات ال هي حقوق ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬وقد تكون في الشخاص وقد تكون في‬ ‫فإنها من تقوى القلوب ) الحج ‪32/‬‬
‫المكنة وقد تكون في الزمنة‪ ،‬فمن تعظيم حرمات ال في الشخاص القيام بحق الرسول صلى ال عليه وسلم مثلً ‪ ،‬ومن تعظيم‬
‫شعائر ال في المكنة تعظيم الحرم مثلً ‪ ،‬ومن تعظيم شعائر ال في الزمنة تعظيم شهر رمضان مثلً ‪ ( :‬ومن يعظم حرمات ال‬
‫‪ ،‬ومن التعظيم لحرمات ال عدم احتقار الصغائر وقد روى عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‬ ‫فهو خير له عند ربه ) الحج ‪30/‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ ( :‬إياكم ومحقرات الذنوب ‪ ،‬فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ) وإن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ضرب لهن مثلً كمثل قوم نزلوا أرض فلة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ‪ ،‬والرجل‬
‫يجيء بالعود ‪ ،‬حتى جمعوا سوادا فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها ‪ .‬رواه أحمد ‪ 1/402‬وهو في السلسلة الصحيحة‬
‫‪.389‬‬

‫خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى‬

‫واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى‬


‫ل تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى‬

‫يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر ‪ " :‬كثير من الناس يتسامحون في أمور يظنونها هينة وهي تقدح في‬
‫الصول ‪ ،‬مثل إطلق البصر في المحرمات ‪ ،‬وكاستعارة بعض طلب العلم جزءا ل يردونه ) وقال بعض‬
‫السلف ‪ " :‬تسامحت بلقمة فتناولتها فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف " وهذا من تواضعه رحمه ال ‪.‬‬

‫‪ -16‬ومن المور التي تجدد اليمان في القلب ‪ :‬الولء والبراء أي موالة المؤمنين ومعاداة الكافرين ‪ ،‬وذلك‬
‫أن القلب إذا تعلق بأعداء ال يضعف جدا وتذوى معاني العقيدة فيه ‪ ،‬فإذا جرد الولء ل فوالي عباد ال‬
‫المؤمنين وناصرهم ‪ ،‬وعادى أعداء ال ومقتهم فإنه يحيى باليمان ‪.‬‬

‫‪ -17‬وللتواضع دور فعال في تجديد اليمان وجلء القلب من صدأ الكبر ‪ ،‬لن التواضع في الكلم والمظهر‬
‫دال على تواضع القلب ال ‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬البذاذة من اليمان ) رواه ابن ماجه ‪4118‬‬
‫‪ .‬وقال‬ ‫وهو في السلسلة الصحيحة رقم ‪ 341‬ومعناه أراد التواضع في الهيئة واللباس انظر النهاية لبن الثير ‪1/110‬‬
‫أيضا ‪ :‬من ترك اللباس تواضعا ل وهو يقدر عليه ‪ ،‬دعاه ال يوم القيامة على رؤوس الخلئق حتى يخيره من أي حلل اليمان شاء‬
‫‪ .‬وقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي ال ل‬ ‫يلبسها ) رواه الترمذي رقم ‪ 2481‬وهو في السلسلة الصحيحة ‪718‬‬
‫يعرف من بين عبيده ‪.‬‬

‫‪ -18‬وهناك أعمال للقلوب ‪ ،‬مهمة في تجديد اليمان مثل محبة ال والخوف منه ورجائه وحسن الظن به‬
‫والتوكل عليه ‪ ،‬والرضا به وبقضائه ‪ ،‬والشكر له والصدق معه واليقين به ‪ ،‬والثقة به سبحانه ‪ ،‬والتوبة إليه‬
‫وما سوى ذلك من العمال القلبية ‪.‬‬

‫وهناك مقامات ينبغي على العبد الوصول إليها لستكمال العلج كالستقامة والنابة والتذكر والعتصام‬
‫بالكتاب والسنة والخشوع والزهد والورع والمراقبة وقد أفاض في هذه المقامات ابن القيم رحمه ال تعالى في‬
‫كتابه مدارج السالكين ‪.‬‬

‫‪ -19‬ومحاسبة النفس مهمة في تجديد اليمان يقول جل وعل ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولتنظر نفس ما‬
‫وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ " :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " ويقول الحسن ل تلقى‬ ‫قدمت لغد ) الحشر ‪18/‬‬
‫المؤمن إل وهو يحاسب نفسه‪ ،‬وقال ميمون بن مهران إن التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬وهلك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها ‪.‬‬

‫فل بد أن يكون للمسلم وقت يخلو فيه بنفسه فيراجعها ويحاسبها وينظر في شأنها ‪ ،‬وماذا قدم من الزاد ليوم‬
‫المعاد ‪.‬‬

‫‪ -20‬وختاما فإن دعاء ال عز وجل من أقوى السباب التي ينبغي على العبد أن يبذلها كما قال النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ( :‬إن اليمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا ال أن يجدد اليمان في‬
‫قلوبكم ) ‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد اليمان في قلوبنا ‪ ،‬اللهم حبب إلينا اليمان وزينه في‬
‫قلوبنا ‪ ،‬وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ‪ ،‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون‬
‫وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين ‪.‬‬

You might also like