You are on page 1of 141

‫أثر التراث الشعبي‬

‫في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة‬


‫)قراءة في المكونات‬
‫والصول(‬

‫‪-2-‬‬
‫الحقوق كافة‬
‫مـحــــفــــوظـة‬
‫لتاـحــاد الـكـتـاب‬
‫الــعـرب‬
‫‪: unecriv@net.sy E-mail‬‬ ‫اللكتروني ‪:‬‬ ‫البريد‬
‫‪aru@net.sy‬‬
‫موقع اتحاد الكتتاب العرب على شبكة النترنت‬
‫‪http://www.awu-dam.org‬‬

‫‪‬‬

‫‪-3-‬‬
‫الدكتور‪ :‬كاملي بلحاج‬

‫أثر التراث الشعبي‬


‫في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة‬
‫)قراءة في المكونات والصول(‬
‫دراســة‬

‫من منشورات اتحاد الكتاب العرب‬


‫دمشق ‪2004 -‬‬

‫‪-4-‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪-5-‬‬
‫الهإداء‬

‫إلى الوالدين الكريمين )أطال ال في عمرهما(‬


‫إلى زوجتي الباررةّ‬
‫إلى أبنائي‪ :‬عماد الدين‬
‫جليلة‬
‫أنس‬
‫إلى كل من تربطني بهم علقاة قارابة وصداقاة‬
‫تقديرا وعرفانا‬
‫كاملي‬
‫***‬

‫‪-6-‬‬
-7-
‫المقدمة‪:‬‬

‫تحاول هذه الددرّاسة أن تستكشف الجوانب الفنية والدللية في الشعرّ العرّبي‬


‫المعاصرّ وبالخصوص تلك التي لها علقاة بظاهرّة توظيف الترّاث الشعبي‪ .‬إذ ل‬
‫يكاد ديوان يخلو من الشارّات الفلكلورّية والرّموز السطورّية‪ ،‬والجواء الشعبية‬
‫المعرّوفة لدى العامة والخاصة‪ ،‬أو تضمين هياكل أسطورّية وأشكال شعبية قاديمة أو‬
‫حديثة للتعبيرّ عن مضامين جديدة وتجارّب معاصرّة‪ .‬ومن ثدم باتت هذه الظاهرّة في‬
‫حاجة إلى بحث يعمق دللتها‪ ،‬ويستكشف أصولها ومرّجعياتها الفكرّية والحضارّية‪،‬‬
‫ويحدد قايمتها الفنية‪.‬‬
‫تتودجهّ هذه الدرّاسة ـ في ضوء ذلك ـ إلى محاولة إزاحة اللثام عن أسباب اهتمام‬
‫الشعرّاء المعاصرّين بالترّاث الشعبي وطرّائق توظيفهّ‪ ،‬وما اكتسبهّ النص الشعرّي من‬
‫خلل استعانتهّ بأشكال التعبيرّ الشعبي‪ .‬كما تتوجهّ في الوقات ذاتهّ إلى اقاترّاح بعض‬
‫الساليب الفنية في استخدام هذا الترّاث التي من شأنها توضيح الرّؤى والمعالم‪،‬‬
‫وبالتالي تجنيب الكتابة الشعرّية الوقاوع في الحشد والتكرّارّ وغيرّهما من المزالق‬
‫الفنية‪ ،‬كالغموض الناجم عن العجز في تمدثل هذا الترّاث‪ ،‬أو طغيان أحد الملمحين‬
‫)الترّاثي أو المعاصرّ( على الخرّ‪ ،‬أو التأويل الخاطئ لبعض الشخصيات‬
‫والحداث‪ ،‬أو التقليد الناتج من التشابهّ المفرّط في طرّائق الستخدام والتوظيف‪.‬‬
‫لم يكن لهذه الدرّاسة أن تنطلق من نتائج ومسلمات سبق التوصل إليها‪ ،‬إوانما‬
‫كان عليها أن تحدول هذه النتائج والمسلمات إلى فرّضيات وأن تشق طرّيقها بهاجسها‬
‫وطموحها‪ ،‬مستضيئةة بنورّ شموع أوقادتها‪.‬‬
‫درّاسات رّائدة‪ ،‬وبخاصة تلك التي قاددمها كل من‪:‬‬
‫أسعد رّزوق في نهاية الخمسينيات حين تناول )السطورّة في الشعرّ المعاصرّ(‬
‫متخذاة من ت‪ .‬س‪ .‬إليوت نقطة انطلقاهّ في منهج البحث والددرّاسة‪ .‬وقاد انتهى إلى‬
‫أن هناك علقاة وطيدة بين السطورّة والشعرّ من حيث نشأتهما التارّيخية‪ ،‬وأن‬

‫‪-8-‬‬
‫استحضارّ الشعرّاء المعاصرّين للسطورّة‪ ،‬هو تعبيرّ عن أزمة النسان الحضارّية‬
‫في القرّن العشرّين‪ .‬وقاد كان إليوت‪ ،‬ـ في نظرّه ـ نموذجاة رّائعاة في تجسيد هذه الزمة‬
‫حين أعلن صرّاحة‪ ،‬أن ل خلص من الرّض الخرّاب إل بالعودة إلى أحضان‬
‫الترّاث الشعبي بطقوسهّ ومعتقداتهّ‪.‬‬
‫وأنس داود في أطرّوحتهّ بعنوان )السطورّة في الشعرّ العرّبي الحديث( التي‬
‫رّاح يتتبع فيها ظاهرّة توظيف السطورّة‪ ،‬والمؤثرّات الجنبية في استخدامها في‬
‫الشعرّ الحديث والمعاصرّ‪ :‬بدءاة من مدرّسة الحياء إلى مدرّسة التجديد ممثلة في‬
‫بدرّ شاكرّ السياب‪ ،‬وصلح عبد الصبورّ‪ ،‬وخليل حاوي وغيرّهم من رّواد حرّكة‬
‫التجديد في الشعرّ المعاصرّ‪.‬‬
‫وما كتبهّ أيضاة علي عشرّي زايد حول )استدعاء الشخصيات الترّاثية في الشعرّ‬
‫العرّبي المعاصرّ( حيث عمد إلى رّصد هذه الظاهرّة رّصداة فنياة من خلل تحديد‬
‫ملمحها وتجلياتها‪ ،‬ورّبطها بمرّجعيتها العرّبية والسلمية‪ ،‬مظه اةرّ ثرّاء هذه‬
‫المرّجعية‪ ،‬وقادرّتها على العطاء الدائم والمتجدد إذا أحسن استخدامها‪.‬‬
‫وشوقاي ضيف حول )الشعرّ وطوابعهّ الشعبية على مدرّ العصورّ( من الجاهلي‬
‫إلى العصرّ الحديث‪ ،‬محاولة تصحيح الرّأي الخاطئ الذي ذاع على ألسنة العديد من‬
‫الناس‪ ،‬والذي مفاده أن شعرّاء العرّبية كانوا بمعزل عن شعوبهم‪ ،‬فهم يتغنون‬
‫بأشعارّهم للطبقات العليا دون سواها من عامة الناس‪.‬‬
‫ولعل أبرّز شيء يمكن ملحظتهّ على هذه المكتبة‪ ،‬اقاتصارّها على السطورّة‬
‫دون غيرّها من أشكال التعبيرّ الشعبي الخرّى‪ ،‬واعتمادها على الطرّح العام الذي‬
‫بإمكانهّ إغفال الكثيرّ من القضايا الجوهرّية التي تميز قاضيةة عن أخرّى أو شاع اةرّ‬
‫عن آخرّ‪.‬‬
‫على الرّغم من هذا كلهّ‪ ،‬فقد كانت هذه المكتبة‪ ،‬خيرّ معين لهذه الددرّاسة بما‬
‫وفدرّتهّ لها من أفكارّ وملحظات أنارّت العديد من الجوانب المظلمة‪ ،‬فمهدت الطرّيق‬
‫وسهلت سبيل السيرّ فيهّ‪ .‬وقاد كان ذلك من جهة أخرّى دافعاة رّئيساة لختيارّ هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬إذ حرّكتهّ القناعة المطلقة بأن ما أثيرّ حول ظاهرّة توظيف الترّاث الشعبي‬
‫في القصيدة المعاصرّة‪ ،‬وما كتب عنها‪ ،‬لم يعط الظاهرّة حقها بعد من الددرّاسة‬
‫والتحليل والستنتاج‪ ،‬وأن جدل ما كتب‪ ،‬كان منصباة حول السطورّة في جوانبها‬
‫الجتماعية والفكرّية دون غيرّها من الشكال الترّاثية الخرّى‪ ،‬من هنا جاءت هذه‬
‫الددرّاسة محاولة سدد هذا الفرّاغ‪ ،‬معالجة الظاهرّة برّؤية يرّاد بها أن تكون جديدة‬
‫وشاملة‪ ،‬وذلك بالترّكيز على الجوانب الفنية فيها‪ .‬لن الظاهرّة‪ ،‬كما تبين لي‪،‬‬

‫‪-9-‬‬
‫حضارّية )تعبيرّ عن أزمة النسان والحضارّة المعاصرّة( وفنية )البحث عن أشكال‬
‫جديدة للتعبيرّ عن هذه الزمة(‪.‬‬
‫أما عن السباب التي شجعتني للخوض في غمارّ الشعرّ المعاصرّ ومعالجة‬
‫هذا الجانب منهّ‪ ،‬إيماني القوي بأن هذه الناحية‪ ،‬إذا ما عولجت بطرّيقة علمية‬
‫ومنهجية‪ ،‬ستفتح العديد من القضايا والفاق المتعلقة بالنص المعاصرّ‪ ،‬سواء تلك‬
‫التي تتعلق بهّ بوصفهّ بنية لغوية وشكلة جديداة من الكتابة الشعرّية‪ ،‬أو تلك التي‬
‫ترّبطهّ بالقارّئ والمتلقي عمومةا‪ .‬ومن ثدم كان الهدف من هذه الددرّاسة‬
‫‪ :‬الوقاوف عند النص الشعرّي المعاصرّ والكشف عن مكوناتهّ الفنية‬ ‫أولل‬
‫ومرّجعياتهّ الفكرّية‪.‬‬
‫‪ :‬تقرّيب هذا النص من القارّئ بإزاحة بعض غموضهّ الناجم عن‬ ‫ثانيال‬
‫توظيف الساطيرّ والرّموز ذات المناحي الفلكلورّية‪.‬‬
‫وثالثال ‪ :‬تقرّيب القارّئ من النص بتزويده ببعض الليات التي تمدكنهّ من‬
‫الولوج إلى أعماق القصيدة واستكشاف أسرّارّها‪.‬‬
‫يؤمن الددارّس إيماناة قاوياة بصعوبة قارّاءة النص الشعرّي المعاصرّ وفهمهّ فهماة‬
‫صحيحاة في غياب مثل هذه الدرّاسات واللمام بالترّاث الميثولوجي النساني عمومةا‪،‬‬
‫لن هذا النص تأسس ـ في اعتقادنا ـ أصلة عندما انفتح على هذا الترّاث فتأثرّ بهّ‬
‫وأثرّ فيهّ‪ .‬وذلك بعض آفاق هذه الدرّاسة التي تطمح إلى التأسيس لقرّاءة جديدة‬
‫تستحضرّ السياق دون أن تغض الطرّف عن نسقية النص حين يتحدول السطورّي‬
‫إلى شعرّي‪.‬‬
‫وبعد فحص المادة واللمام بجل جوانبها ترّاءى لي أن أتناول الموضوع انطلقااة‬
‫من خطة كانت تبدو أنها ستقود إلى الغايات التي رّسمت‪ ،‬وهي الكشف عن بنية هذه‬
‫القصيدة ومرّجعياتها الفكرّية والجمالية‪ ،‬من خلل الوقاوف عند المصادرّ والخلفيات‬
‫التي كان يستقي منها الشعرّاء مادتهم‪ ،‬والساليب التي كانوا يستعملونها‪.‬‬
‫وانطلقااة من طبيعة الموضوع نفسهّ والغايات التي حاولت تحقيقها‪ ،‬كان من‬
‫الضرّورّي الشتغال على النصوص الشعرّية‪ ،‬وآرّاء الشعرّاء حول الظاهرّة‪ ،‬دون‬
‫النسياق ورّاء الجوانب النظرّية إل في الحالت التي تقتضيها الضرّورّة‪ .‬ولعل ذلك‬
‫ما جعل الدرّاسة تغض الطرّف عن كثيرّ من القضايا النظرّية للليات التي اختارّتها‬
‫أن تكون مصاحبة لها في قارّاءة المتون الشعرّية على الرّغم من قايمتها في مثل هذه‬
‫الحالت‪ .‬غيرّ أن طبيعة الموضوع كانت تقتضي البتعاد عن التنظيرّ ومقارّبة‬

‫‪- 10 -‬‬
‫النصوص مباشرّة‪ .‬كما أن اصطحاب النظرّيات من شأنهّ أن يحد من حرّية الددارّس‬
‫في قارّاءة النصوص ويجعلهّ سائ اةرّ وفقهّ‪ .‬وتلك بعض معضلت النقد المعاصرّ الذي‬
‫يغوص في التعارّيف دون أن يمكنهّ ذاك من الولوج إلى عالم النص الذي ل يرّتضي‬
‫دائماة قاواعد عامة قاد تصلح لنص ول تصلح لخرّ‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق الذي يجعل الجانب النظرّي في خدمة الجانب التطبيقي في‬
‫الدرّاسة‪ ،‬والذي ل يحاول فهم الدللت إل في سياقااتها العامة‪ ،‬جاءت خطة البحث‬
‫نتائج استقرّاء للنصوص‪ .‬وعلى هذا القدرّ من الفهم والستيعاب تم تقسيم هذه‬
‫الدرّاسة في جزئها الول إلى تمهيد وفصلين وخاتمة‪.‬‬
‫وتجنباة لجترّارّ ما أ صبح شائعاة اقاتصرّ التمهيد على عرّض أهمية الترّاث‬
‫الشعبي في الكتابات المعاصرّة مرّكك اةز على الرّهاصات الولى لتوظيف الترّاث‬
‫الشعبي في حرّكات التجديد الشعرّي الولى‪.‬‬
‫الفصل الول أفرّدتهّ للمكدونات والصول‪ ،‬فتطرّقات فيهّ لعلقاة الفن والشعرّ‬
‫بالطقوس السحرّية والسطورّية‪ ،‬ورّأينا فيهما تلزماة قاوياة منذ أن كان الفن والسحرّ‬
‫ممارّسة وشكلة تعبيرّياة واحداة ليس إل‪ .‬ومما ل شك فيهّ أن القصيدة الجاهلية تثبت‬
‫في كثيرّ من وجوهها ذاك القرّان الشرّعي بين الشعرّ والطقوس الشعبية سواء من‬
‫حيث النشأة أو الوظيفة‪ ،‬أو الجواء العامة التي كانت تصاحبهما‪ .‬وعلى الرّغم من‬
‫النفصال الظاهرّي الذي حدث بينهما بعد ذلك‪ ،‬فإن العلقاة بينهما ـ كما أوضحت‬
‫هذه الدرّاسة ـ قاوية ومتينة‪ ،‬ول عجب أن تكون القصيدة المعاصرّة حاملة لزخم الترّاث‬
‫الشعبي تتوارّى باليماء واليحاء حينةا‪ ،‬وتقيم علقاات مباشرّة معهّ حيناة آخرّ‪.‬‬
‫أما الفصل الثاني فخصصتهّ للحديث عن الدرّوافد الترّاثية التي أقاام الشاعرّ‬
‫المعاصرّ عليها علقاتهّ مع الترّاث الشعبي‪ ،‬فلم يستثن في بحثهّ الدائم عن أشكال‬
‫تعبيرّية جديدة مصد اةرّ ومرّجعةا‪ .‬فكل المشارّب صالحة للرّتواء ما دامت تعيده إلى‬
‫اللغة البكرّ والخيال الواسع‪ .‬وقاد كان للغصن الذهبي لصاحبهّ جيمس فرّيزرّ فضل‬
‫بالغ في تعرّيف الشعرّاء المعاصرّين بترّاث النسانية الشعبي‪ ،‬وتقديم أشكال تفكيرّ‬
‫الشعوب عبرّ مرّاحلها الطويلة‪ ،‬فلم يعد يخفى على الشاعرّ أساطيرّ ومعتقدات‬
‫أجناس بشرّية كانت توصف بالبدائية‪ ،‬وأصبح من المتيسرّ استحضارّ تلك‬
‫النجازات الحضارّية للدللة على القيم النسانية العليا التي ل تختلف إوان تناءت‬
‫الماكن واختلفت الزمنة‪ .‬ولم يعد برّومثيوس وتموز وسيزيف والسندباد غرّباء في‬
‫المجتمعات الحديثة‪ ،‬بل إن بعضها أصبح دائم الحضورّ وأقارّب عند الشاعرّ من‬
‫إنسان هذا الزمان‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫ثدم انتهيت في الخاتمة إلى بلورّة بعض نتائج الدرّاسة‪ .‬فإذا وفقت فمن ال إوان‬
‫صرّت عن عمد‪.‬‬ ‫أخفقت فما قا د‬

‫وال ولي التوفيق‪....‬‬


‫بلحاج كاملي‬

‫***‬

‫‪- 12 -‬‬
‫مدخل‪:‬‬

‫كان المنتصف الثاني من القرّن التاسع عشرّ إيذاناة بظهورّ تيارّات فكرّية‬
‫ومذاهب أدبية تعددت مشارّبها وتنوعت مرّجعياتها الفكرّية؛ فتباينت تبعاة لذلك‬
‫أشكالها التعبيرّية وآلياتها الفنية وفق أسس شعرّية رّأى فيها أصحابها القدرّة على‬
‫حمل تجارّب العصرّ الجديدة التي ل تقوى الشكال التقليدية حملها بالضرّورّة‪ ،‬مما‬
‫حذا ببعض الشعرّاء)‪ (1‬إلى العلن صرّاحة عن ضرّورّة استحداث أشكال شعرّية‬
‫جديدة ل تتطابق مع الشكل الذي ارّتضاه الشاعرّ الجاهلي‪.‬‬
‫فرّضت تلك المستجدات على الشاعرّ أن يعيد النظرّ في منطلقاتهّ البداعية‬
‫ووسائلهّ الفنية التي اعتاد عليها منذ قارّون طويلة‪ ،‬ليتحول بذلك تعاملهّ مع الترّاث من‬
‫الذعان والستسلم إلى القلق والسؤال‪ .‬فكان طبيعياة أن تتصف مرّجعيتهّ بنوع من‬
‫الضطرّاب واللتجانس الفكرّي‪ ،‬وهذا ما حدث فعلة خلل السنوات الخيرّة بحيث‬
‫اختلف الشعرّاء في اختيارّاتهم إوابداعاتهم‪ ،‬فهناك من بالغ في الستسلم لهذه‬
‫التغيرّات وتلقى إنتاج كل ما يصدرّه الغرّب من تصورّات وأفكارّ‪ ،‬معرّضاة نفسهّ إلى‬
‫مخاطرّ التغرّيب والمثاقافة السلبية‪ ،‬متخلياة عن هويتهّ وخصوصيتهّ الحضارّية‪.‬‬
‫وهناك من حاول أن يبلورّ مشرّوعاة شعرّياة حداثياة يزاوج فيهّ بين الترّاث‬
‫ومتطلبات العصرّنة‪ ،‬وبشكل خاص في مجال إبداع أشكال جديدة تسمح للقيم‬
‫الترّاثية أن تعيش فيهّ بكل أبعادها الفكرّية والنسانية‪.‬‬

‫‪1‬ـ مرحلة الصراع بين العامي والفصيح‪:‬‬


‫تبلورّت في خضم هذه الحداث اتجاهات متصارّعة حول الشعرّ العرّبي‬
‫الحديث بين أنصارّ الدب الفصيح أو التجاه المحافظ وأنصارّ الدعوة إلى الدب‬
‫)( أمثال يوسف الال ف قوله ))كما أبدع الشاعر الاهلي شكله الششعري للتعشبي عشن حيشاته‪ ،‬علينشا نشن‬ ‫‪1‬‬

‫كذلك أن نبدع شكلنا الشعري للتعشبي عشن حياتنشا((‪ :‬ملشة ششعر العشدد ‪ 3‬ش ‪ 1957‬ص ‪) 114‬أخبشار‬
‫وقضايا(‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫العامي أو التجاه التمرّدي الداعي إلى )التجاوز والتخطي(‪ ،‬فاحتدم الصرّاع بين‬
‫الفرّيقين وظهرّ في شكل معارّك أدبية اتخذت من مصرّ ولبنان موطنين لها‪.‬‬
‫في تلك الظرّوف أيضاة عرّف شعرّ العامية في هذين البلدين تطو اةرّ كبي ةرّا‪،‬‬
‫فبصدورّ ديوان )كلمة سلم( للشاعرّ المصرّي صلح جاهين‪ ،‬كانت العامية بما‬
‫تسلحت بهّ من ترّاث ابن عرّوس وبيرّم التونسي قاد قاطعت شوطاة ل يستهان بهّ‪،‬‬
‫استطاعت من خللهّ أن تلبي احتياجات السليقة الفنية عند الشعرّاء‪ ،‬بحيث اتخذت‬
‫لنفسها أشكالة ساذجة تدورّ حول العمود الخليلي تارّة‪ ،‬ومقتحمة إياه تارّة أخرّى بأنغام‬
‫جديدة وموضوعات شعبية عامة تدورّ حول الحياة العادية البسيطة‪ ،‬أو حول‬
‫الحكايات والساطيرّ)‪.(1‬‬
‫وقاد تمكن فؤاد حداد ـ الب الشرّعي للحرّكة الشعرّية العامية في مصرّ الحديثة ـ‬
‫من تخليص شعرّ العامية من خصائص النشيد القومي والغنية المذاعة‪ ،‬وينتهي بهّ‬
‫إلى ما يمكن تسميتهّ بالمضمون الفني الذي يعالج التجرّبة النسانية في أبعد‬
‫حدودها‪ ،‬فاكتسب هذا الشعرّ على يديهّ قايمتهّ الفنية الخاصة)‪ ،(2‬والتي كانت بدورّها‬
‫من رّوافد التجرّبة الشعرّية العرّبية المعاصرّة‪.‬‬
‫كما استطاعت مجموعة من الشعرّاء الشعبيين في مختلف البلد العرّبية نذكرّ‬
‫منهم ميشال طرّاد في )دولرّ( ومورّيس عواد في )أغنارّ( وعبد ال غانم في‬
‫)العندليب( أن تكون حلقة وصل بين الشعرّ العامي والشعرّ الفصيح عن طرّيق‬
‫التحدول الذي أحدثتهّ على مستوى القصيدتين )الفصيحة والعامية( سواء من حيث‬
‫المضامين أو من حيث البنية التعبيرّية والقيم اليقاعية والموسيقية‪ .‬وقاد استمرّت‬
‫كوكبة أخرّى من الشعرّاء والدباء تؤسس لهذا التجاه وتعمل على تزكيتهّ وتطويرّه‬
‫من أمثال المازني إوالياس أبو شبكة وأحمد زكي أبو شادي وعلي محمود طهّ ولطفي‬
‫السيد وعبد العزيز فهمي وسلمة موسى وغيرّهم ممن كانوا يصدرّون أحياناة عن‬
‫مفهوم جديد لمعنى اللغة والفكرّ‪.‬‬
‫إذا كان الشكل القديم مقبولة في زمن كان غرّض القصيدة محصو اةرّ في التعبيرّ‬
‫عن العواطف إواعادة صياغة الشياء كما هي‪ ،‬فإن فكرّة تشكيل القصيدة أصبحت‬
‫تنبع من القارّارّ بأن هذه الخيرّة لم تعد مجموعة من الخواطرّ والفكارّ أو الصورّ‪،‬‬
‫ولكنها بناء منظم ومندمج الجزاء‪ .‬ومن ثدم كان الغرّض من تغييرّ الشكل الشعرّي‬

‫)( ينظششر غششال شششكري‪ :‬شششعرنا الششديث إلش أيششن ش منشششورات دار الفآشاق الديششدة بيوت ط ‪ 2‬ش ‪1978‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.56‬‬
‫)( ينظر غال شكري‪ :‬شعرنا الديث إل أين ش ص ‪ 57‬ش ‪58‬؟‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫المتوارّث هو جعل هذا البناء أكثرّ تنظيماة وتماسكةا‪ ،‬وخلق نوع من النسجام والترّابط‬
‫العضوي بين التجرّبة الشعرّية المعاصرّة والدوات الفنية المعبرّة عنها‪ .‬ذلك أن فلسفة‬
‫الشعرّ الجديدة أصبحت قاائمة على حقيقة جوهرّية وهي أننا ل نشد المضمون على‬
‫)‪(1‬‬
‫القالب أو في الطارّ‪ ،‬إوانما نترّك المضمون يحقق لنفسهّ وبنفسهّ الطارّ المناسب ‪.‬‬
‫وهو أيضاة ما يرّاه غالي شكرّي من أن فلسفة الشعرّ المعاصرّ الجمالية تنبع من‬
‫صميم الخلق الشعرّي وطبيعتهّ الفنية‪ ،‬وما على الشاعرّ إل أن يشكل القالب‬
‫الموسيقي الذي تقتضيهّ الدفعة الشعورّية في مجملها)‪.(2‬‬
‫من هذا المنطلق الجديد لمفهوم الشعرّ وطبيعتهّ بات من الضرّورّي على‬
‫الشاعرّ المعاصرّ ـ إذا أرّاد ألد يكون مقلداة لسابقيهّ ـ أن يجدد في طرّق تعبيرّه وأدواتهّ‬
‫الفنية تماشياة مع هذا المفهوم وهذه الفلسفة الرّامية إلى تغييرّ الرّؤى والشكال‬
‫والقوالب‪ .‬ومن ثدم كانت العودة إلى الترّاث الشعبي والثقافات القديمة بمختلف أشكالها‬
‫التعبيرّية أم اةرّ ضرّورّياة لتجاوز المرّحلة‪ .‬وكان التمرّد والتحرّرّ من القيود والشكال‬
‫القديمة هما أولى مداخل هذا العهد الجديد‪.‬‬

‫‪2‬ـ مرحلة التمرد على القيود‪:‬‬


‫كانت الكلسيكية في بدء نشأتها حرّكة شعرّية سليمة قاامت على إحياء الترّاث‬
‫القديم واحتذاء أشكالهّ ونماذجهّ‪ ،‬وقاد نجحت في إنتاج آثارّ شعرّية ونثرّية عظيمة‪ ،‬إل‬
‫أن خطرّ تقوقاعها ضمن القوالب الجاهزة والقواعد الصارّمة كان يهدد رّوادها بالسقوط‬
‫في التقليد والتباع‪ ،‬فكانت النتيجة أن ترّدى الشعرّ في هاوية الشكلية والجترّارّ‪،‬‬
‫وبرّزت الحاجة إلى ثورّة فنية تقوض أرّكان الكلسيكية وتفتح أفق إبداع جديد‪.‬‬
‫وقاد ظهرّت هذه الثورّة أول ما ظهرّت بأشكال مختلفة في أورّبا‪ ،‬وكان جون‬
‫جاك رّوسو )‪1712‬ـ ‪ (1778‬ـ الداعية الكبرّ إليها‪ ،‬بفلسفتهّ الرّامية إلى أن النسان‬
‫مخلوق ذو غرّائز خيرّة وميول بسيطة‪ ،‬لكن الحضارّة أفسدتهّ وحرّمتهّ من السعادة‬
‫وبخاصة حياة المدينة‪ .‬وقاد اتبعتهّ سلسلة من الرّاء المماثلة التي كانت تقف على‬
‫النقيض التام مع الكلسيكية وتمجد النسان الفرّد المتحرّرّ من القيود الخلقاية‬
‫والجتماعية‪ ،‬المعتد بخصوصيتهّ و تفرّده واختلفهّ عن الخرّين‪.‬‬
‫وما أن حدل القرّن التاسع عشرّ حتى تشكلت مجموعة من الظواهرّ الدبية كرّدد‬
‫فعل مباشرّ على الكلسكية تمثلت في‪:‬‬
‫)( ينظششر‪ :‬عششز الششدين إسششاعيل‪ :‬الشششعر العربش العاصششر قضششاياه وظشواهره الفنيششة والعنويششة دار العششودة بيوت‬ ‫‪1‬‬

‫ط ‪ 1981 :3‬ص ‪.16‬‬


‫)( ينظر غال شكري‪ :‬شعرنا الديث إل أين؟ ص ‪.115‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫‪1‬ـ الدعوة إلى التحرّرّ من الشكال القديمة والساليب الجاهزة‪.‬‬
‫‪2‬ـ تقديم الخيال على العقل‪ ،‬والهرّوب من الواقاع‪ ،‬واللتجاء إلى الحلم‪ ،‬وطلب‬
‫النعتاق‪ ،‬والرّحيل عبرّ الزمان بالرّتداد إلى القرّون الغابرّة‪.‬‬
‫‪3‬ـ العودة إلى الساطيرّ والتمسك بالدين والمعتقدات الشعبية‪ ،‬والميل إلى‬
‫الغوامض والخوارّق‪ ،‬ورّؤية الطبيعة ملذاة ورّفيقاة)‪.(1‬‬
‫كان الهدف من ورّاء هذه الثورّة الدبية تجاوز الشكال الجاهزة والعزوف عن‬
‫اللغة المتحجرّة‪ ،‬والدعوة إلى الهتمام بالداب الشعبية والحياة البدائية‪ ،‬وكل ما من‬
‫شأنهّ إثارّة الحساس بالجمال الطبيعي والعفوية والبساطة‪ .‬لقد ))صاغت‬
‫الرّومنطيقية‪ ...‬مفهوم الفلكلورّ والفن الشعبي الذي يشكل عنص اةرّ من أهم‬
‫عناصرّها‪ ..‬ففي بحثها عن الوحدة الضائعة وعن تأليف الشخصية والجماعة‪ ،‬وفي‬
‫احتجاجها ضد الستلب الرّأسمالي‪ ،‬اكتشفت الرّومنطيقية الغاني الشعبية‪ ،‬والفن‬
‫الشعبي‪ ،‬والفولكلورّ‪ ،‬ونادت بها بل موارّبة‪ ،‬إنجيلة )للشعب( باعتبارّها وحدة‬
‫متجانسة ومتطورّة عضويةا(()‪.(2‬‬
‫هكذا قادمت الرّومانسية الفن الشعبي بوصفهّ مقابلة لجميع أشكال الفن الخرّى‪،‬‬
‫وبوصفهّ أيضاة ظاهرّة تستحق الهتمام والتشجيع‪ ،‬بل أصبحت وظيفة السطورّة‬
‫ومفهومها مثل مفهوم الشعرّ‪ ،‬ل تتنافس والحقيقة العلمية أو التارّيخية‪ ،‬بل إحدى‬
‫رّوافدها الساسية)‪.(3‬‬
‫وقاد استطاعت الفنون الشعبية بعامة والسطورّة بصفة خاصة أن تأخذ مكانتها‬
‫الهامة من خلل النقد السطورّي الذي أرّسى دعائمهّ نورّثرّوب فرّاي‪ ،‬كما كان‬
‫لنظرّية إرّنست كاسيرّرّ )‪1874‬ـ ‪ (1954‬في الترّميز التي عرّضها في كتابهّ )فلسفة‬
‫الصورّ الرّمزية( أثرّ كبيرّ في تعزيز موقاع السطورّة في الدب والنقد‪ .‬فقد رّأى‬
‫نورّثرّوب فرّاي ))أن استلهام السطورّة وتحويلها إلى إطارّ فكرّي يضم الدب‪ ،‬يحدول‬
‫النقد الدبي إلى درّاسة منهجية‪ ،‬فيكتشف الناقاد الدللة الكبرّى التي يحملها تكرّارّ‬
‫صيغ معينة في آداب الشعوب المختلفة عبرّ الزمن‪ ،‬وهي أن هذه الصيغ رّموز‬
‫تهجع في اللوعي النساني تعبرّ عن ذاتها في الحلم على مستوى الفرّد‪ ،‬والسطورّة‬

‫)( ينظششر نسششيب نشششاوي‪ :‬مششدخل إلش دراسششة الششدارس الدبيششة فش الشششعر العربش العاصششر ش مطششابع ألششف بششاء‬ ‫‪1‬‬

‫دمشق ‪ 1980‬ص ‪.157‬‬


‫)( إرنست فآيشر‪ :‬ضرورة الفن ش ترجة ميشال سليمان ش دار القيقة بيوت ش د‪ .‬ت ص ‪75‬ش ‪.76‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ينظر‪ :‬رينيه ويليك‪ :‬نظرية الدب ش ترجة مي الدين صشبحي ش الؤمسسشة العربيشة للدراسشات والنششر ط ‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫ش ‪ 1981‬ص ‪.246‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫على مستوى الجماعة‪ ،‬وتسمى النماذج الصلية(()‪ .(1‬ومن ثم فإن اكتشاف هذه‬
‫النماذج سيساعد الناقاد الدبي على أن ينظرّ إلى الدب في امتداده المكاني والزماني‬
‫بوصفهّ كياناة حدياة يمكن أن يدرّس درّاسة دقايقة‪.‬‬
‫إن أهمية تشرّيح النقد عند فرّاي ل تنحصرّ في دعوتهّ إلى تحويل النقد الدبي‬
‫إلى درّاسة منهجية وعلمية فحسب‪ ،‬ولكن في استلهام النماذج الصلية من حيث هي‬
‫أسس وقاواعد يرّتكز عليها النقد الدبي في تحليل النصوص إوارّجاعها إلى أصولها‬
‫السطورّية‪ ،‬ذلك أن الدب من وجهة نظرّه هو أسطورّة قاد أزيحت من مكانها‪،‬‬
‫وأفضل طرّيقة لفهمهّ هو العودة بهّ إلى نصهّ السطورّي الصحيح)‪ ،(2‬وهنا يتخطى‬
‫الدب الحدود المحلية والنية ويغدو تعبي اةرّ رّمزياة عن حقائق إنسانية شاملة‪.‬‬
‫ولئن كانت الرّومانسية قاد حرّرّت الشعرّ من قايود الكلسيكية وضوابطها‬
‫الصارّمة وأكسبتهّ قادرّة على خلق أشكال فنية جديدة مستقاة من الثقافات الشعبية‪،‬‬
‫فإن الفضل يعود إلى العلماء الذين أسسوا لعلم النفس والناسة والفلكلورّ وغيرّها من‬
‫العلوم المهتمة بالثقافات القديمة كالنثرّوبولوجية‪ ،‬التي فتحت المجال واسعاة أمام‬
‫الشعرّاء والمبدعين على هذه الناحية الغنية بالشكال والمعارّف والخبرّات‪.‬‬

‫‪3‬ـ الرهإاصات الولى لتوظيف التراث الشعبي‪:‬‬


‫قابل الحديث عن عوامل توظيف الترّاث الشعبي في الشعرّ العرّبي الحديث‪،‬‬
‫نرّى أنهّ ل بد من الشارّة إلى حقيقة جوهرّية‪ ،‬وهي أن الشعرّ المعاصرّ لم يشكل‬
‫السابقة الشعرّية الولى في توظيفهّ لهذا الترّاث‪ ،‬فقد كان هناك رّعيل أول سبقهّ في‬
‫هذا الميدان‪ ،‬مهد الطرّيق وذلل الصعوبات‪ ،‬فشدكل بحضورّه أث اةرّ في تجرّبة الشعرّاء‬
‫اللحقين‪ .‬وكانت أسبقية الشعرّ المعاصرّ في كيفية تناول هذا الترّاث وآليات توظيفهّ‬
‫واختيارّ رّموزه التي تضفي على التجرّبة الشعرّية بعدها الفني والنساني‪.‬‬
‫ومن ثدم ل مفدرّ من الوقاوف عند إرّهاصات هذا التوظيف وبخاصة عند أولئك‬
‫الذين كان الشاعرّ المعاصرّ يق أرّ لهم ويتأثرّ بهم أمثال شوقاي‪ ،‬المازني‪ ،‬العقاد‪،‬‬
‫إلياس أبو شبكة‪ ،‬أحمد زكي أبو شادي‪ ،‬علي محمود طهّ‪ ،‬جبرّان خليل جبرّان‪،‬‬
‫وآخرّين‪.‬‬
‫على أن اختيارّ هؤلء للحديث عنهم لم يكن اعتباطاة إوانما لتأثيرّهم في حرّكة‬
‫)( ‪Northrope Frye; Anatomy of Criticism (Princeton 1957 p 17‬‬ ‫‪1‬‬

‫نقلل عششن ريتششا عششوض‪ :‬أسششطورة الششوت والنبعششاث ف ش الشششعر العرب ش الششديث ش الؤمسسششة العربيششة للدراسششات‬
‫والنشر بيوت ط ‪ 1‬ش ‪ 1978‬ص ‪.8‬‬
‫)( ريتا عوض‪ :‬أسطورة الوت والنبعاث ف الشعر العرب الديث ص ‪.16‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫الشعرّ المعاصرّ وتأثرّهم بألوان من الترّاث الشعبي بالضافة إلى وضوح الرّؤيا‬
‫السطورّية في أشعارّهم‪ ،‬وانتسابهم إلى حرّكات شعرّية كانت تنادي بالتغييرّ والتجديد‬
‫والنفتاح على الثقافات والفنون الشعبية المختلفة‪ .‬وحتى ل نقع في تكرّارّ بعض ما‬
‫ذكرّناه سلفةا‪ ،‬سنشيرّ إلى أبرّز عوامل توظيف الترّاث الشعبي في الشعرّ المعاصرّ‪،‬‬
‫محاولين تقييم تلك التجارّب أو الرّهاصات من خلل منظارّ موضوعي فني‪ ،‬آخذين‬
‫بعين العتبارّ كل محاولة على انفرّاد‪.‬‬
‫أ‪ -‬تأثير حركة النقل والترجمة‪ :‬كانت حرّكتا النقل والترّجمة عند العرّب منذ‬
‫القديم بوابة النفتاح وعلى الفكرّ النساني وتصورّاتهّ‪ ،‬من خللها تدم التعدرّف على‬
‫حضارّات الشعوب وعاداتها وآدابها وطرّائق تفكيرّها‪ .‬وقاد ازداد الهتمام بهما في‬
‫بداية النهضة الحديثة لما رّآه العرّب من تقدم وازدهارّ عند الغرّب في شتى العلوم‬
‫والفنون‪ ،‬فانعكف بعض الكدتاب والشعرّاء ممن ذكرّنا سابقاة ـ في ظل حرّكة التصال‬
‫والبعثات العلمية التي عرّفتها مصرّ ولبنان ـ على الترّجمة ينهلون من معين الداب‬
‫الغرّبية وفنونها‪.‬‬
‫وسرّعان ما تجلت آثارّ هذه الحرّكة في أدب جيل ما بعد الحرّب العالمية‬
‫الولى‪ .‬فقد ))انتقل هذا الجيل بالترّجمة نقلة دانت حد الكمال بما أوتي من قادرّة‬
‫لغوية وأدبية(()‪ (1‬كبيرّة‪ ،‬ويأتي على رّأسهم طهّ حسين بدعوتهّ إلى ضرّورّة انفتاح‬
‫الثقافة العرّبية الحديثة على الثقافة اليونانية العرّيقة التي تعدد من السس الهامة‬
‫للثقافة المعاصرّة في العالم كلهّ‪ .‬ففي كتابيهّ )من الدب التمثيلي اليوناني( عن‬
‫مآسي سوفوكليس و)أوديب وثيسيوس من أبطال الساطيرّ اليونانية( الذي ترّجمهّ‬
‫عن أندرّه جيد‪ ،‬دعوة صرّيحة للرّجوع إلى الدب اليوناني القديم ممثلة في رّوائع‬
‫المسرّح الترّاجيدي المليء بالساطيرّ والجواء الساحرّة‪ .‬يقول طهّ حسين في هذا‬
‫الصدد ))ولست أدرّي أمخطئ أنا أم مصيب‪ ،‬ولكني أعتقد أن هاتين القصتين‪:‬‬
‫قاصة سوفوكل وقاصة أندرّه جيد هما وحدهما اللتان تشهدان بأن محنة أوديب خليقة‬
‫حقاة بأن تكون موضوعاة للتفكيرّ الذي يغذو العقل‪ ،‬والفن الذي يغذو القلب‪ ،‬وبأن‬
‫تكون من أجل ذلك صالحة لتفكيرّ الفلسفة وابتكارّ الدباء على مرّ العصورّ‬
‫واختلف الجيال(()‪.(2‬‬
‫ويمكننا أن ندرّج ضمن هذا العامل أيضاة ما قاام بهّ البستاني في أوائل هذا القرّن‬

‫)( شوقي ضيف‪ :‬الدب العرب العاصر ف مصر ش دار العارف مصر ش ط ‪ /3‬ص ‪.27‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أن ششدره جي ششد‪ :‬أودي ششب وثيس ششيوس ش ش ترج ششة ط ششه حس ششي ش ش دار العل ششم للملييش ش بيششوت ط ‪ 4‬ش ش ‪1980‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.32‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫)‪ (1904‬بترّجمتهّ للياذة هوميرّوس في صورّة شعرّية رّائعة وذلك بعد أن تجدشم‬
‫الكثيرّ من العناء في سبيل نقلها عن اليونانية‪ ،‬وتطويع الشعرّ العرّبي للمواقاف‬
‫والحداث‪ .‬وقاد قادم لها ببحث أسباب انحرّاف العرّب عن ترّجمة الشعرّ اليوناني‬
‫وتذوقاهّ جاعلة خرّافات اللهة وأساطيرّها أحد هذه السباب‪ .‬فكان لهذه الترّجمة أثرّ‬
‫عظيم في نفوس الشعرّاء والدباء بحيث تلقوها بحفاوة كبيرّة ونوهوا بفضل مترّجمها‪،‬‬
‫بل أن جمال الدين الفغاني تمنى لو أن الدباء الذين جمعهم المأمون بادرّوا إلى‬
‫نقل اللياذة‪ ،‬حتى إوان أدى ذلك بهم إلى إهمال نقل الفلسفة اليونانية برّمتها)‪ ،(1‬لن‬
‫الفائدة التي كان سيجنيها منها أكبرّ بكثيرّ من الفائدة التي جناها من الفلسفة المنقولة‬
‫عن اليونانية‪.‬‬
‫ول بد أن نندوه في هذا السياق أيضاة بالجهد الذي قاام بهّ درّيني خشبة بترّجماتهّ‬
‫العديدة حين أرّاد أن يقدم الدب اليوناني إلى القرّاءة في أحسن ثوب وأجمل صورّة‪،‬‬
‫فترّجم اللياذة ثم الوديسة‪ ،‬وكتب عن أساطيرّ الحب والجمال عند الغرّيق‪)) :‬كان‬
‫يحزنني أل يعرّفها قارّاءة العرّبية‪ ،‬على طول ما سمعوا بها‪ ،‬وعلى كثرّة ما داعبت‬
‫خيالهم وغازلت أحلمهم فأنا أقادمها إليهم اليوم‪ ،‬بالطرّيقة التي آثرّت أن أرّوي بها‬
‫هذه الساطيرّ(()‪ .(2‬وهذا يعني أن درّيني خشبة قاد تصدرّف في الصل واتبع طرّيقة‬
‫جورّج تشابمان وهي إعادة كتابة ملحمة هوميرّوس بالسلوب والبناء اللذين يعتقد‬
‫أنهما أصلح لعصرّه وأكثرّ ملءمة للغتهّ)‪ .(3‬غيرّ أن هذه الطرّيقة ـ في رّأينا ـ جعلت‬
‫الملحمتين بعيدتين بعض الشيء عن أصلهما الفني الذي أرّاده لهما هوميرّوس‪.‬‬
‫لقد كانت هذه الترّجمات وغيرّها مما سوف نذكرّه لحقةا‪ ،‬إحدى رّوافد الشعرّ‬
‫العرّبي المعاصرّ وعاملة من عوامل انفتاحهّ على الثقافات العالمية وفي مقدمتها‬
‫الثقافة اليونانية بترّاثها وأساطيرّها المتنوعة‪ .‬ومن هذه الترّجمات نذكرّ جهود أحمد‬
‫شوقاي والمازني والعقاد‪:‬‬
‫ـ أحمد شوقي‪ :‬كانت الترّجمة والمحاكاة عاملين فاعلين في اهتمام شوقاي‬
‫بالترّاث الشعبي وتوظيفهّ‪ ،‬فقد أعجب بخرّافات لفونتين وأسلوبهّ وهذا ما جعلهّ يقول‪:‬‬
‫))جرّبت خاطرّي في نظم الحكايات على أسلوب لفونتين الشهيرّ‪ ،‬فكنت إذا فرّغت‬
‫من وضع أسطورّتين أو ثلث اجتمع بأحداث المصرّيين‪ ،‬وأقا أرّ عليهم شيئاة منها‬
‫فيفهمونهّ لول وهلة‪ ،‬ويأنسون إليهّ ويضحكون من أكثرّه‪ ،‬وأنا أستبشرّ لذلك‪ ،‬وأتمنى‬

‫)( ينظر‪ :‬هوميوس‪ :‬اللياذة ش تعريب سليمان البستان ش مطبعة اللل مصر ‪ 1904‬ص ‪.25‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( درين خشبة‪ :‬أساطي الب والمال عند الغريق ش دار اللل العدد ‪ 171‬سنة ‪ 1965‬ص ‪.12‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( هوميوس‪ :‬اللياذة ش ترجة درين خشبة ش دار العودة بيوت ص ‪.6‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫لو وفقني ال لجعل لطفال المصرّيين مثلما جعل الشعرّاء للطفال في البلد‬
‫المتمدنة‪ ،‬منظومات قارّيبة المتناول‪ ،‬يأخذون الحكمة والدب من خللها على قادرّ‬
‫عقولهم(()‪.(1‬‬
‫ويناشد شوقاي أدباء عصرّه أن يسهموا في هذه المهمة‪ ،‬ويخص بالذكرّ منهم‬
‫الشاعرّ خليل مطرّان فيقول‪)) :‬وهنا ل يسعني إل الثناء على صديقي خليل مطرّان‪،‬‬
‫صاحب المنن على الدب والمؤلف بين أسلوب الفرّنج في نظم الشعرّ وبين منهج‬
‫العرّب‪ .‬والمأمول أن نتعاون على إيجاد شعرّ للطفال‪ ،‬وأن يساعدنا سائرّ الدباء‬
‫والشعرّاء على إدرّاك هذه المنية(()‪.(2‬‬
‫يتضح من هذا الكلم أن الهدف الرّئيس ورّاء اهتمام شوقاي بالترّاث الشعبي‪،‬‬
‫وبالخصوص قاصص الحيوان منهّ‪ ،‬إنما هو الرّغبة في إيجاد أدب للطفال‪ ،‬وتتأكد‬
‫هذه الرّغبة إذا علمنا بأن تارّيخ حياة هذا الشاعرّ وجزءاة كبي اةرّ من شعرّه يؤكدان حبهّ‬
‫للطفال بعامة وأبنائهّ بخاصة‪ ،‬وحرّصهّ على تثقيفهم ل فيما يقدمهّ من خرّافات‬
‫وأساطيرّ فحسب‪ ،‬إوانما في قاصائد ومقطوعات من شعرّه)‪.(3‬‬
‫يبدو أن هذه الرّغبة كانت صادقاة إلى حد بعيد‪ ،‬بل لعلها أكثرّ صدقااة مما كتبهّ‬
‫لفونتين نفسهّ‪ ،‬إذ يرّى بعض الدارّسين أن لفونتين في حياتهّ الخاصة كان بعيداة‬
‫عن حبهّ للطفال والعناية بهم)‪.(4‬‬
‫إن اهتمام شوقاي بهذا النوع من الترّاث يذكرّنا بما قاام بهّ الخوان جرّيم حينما‬
‫أرّادا أن يقدما كتاباة حقيقياة للبيت اللماني وأطفالهّ‪ ،‬بإصدارّ أول جزء منهّ تحت‬
‫عنوان ))حكايات الطفال والبيوت(()‪ (5‬سنة )‪ .(1812‬غيرّ أن شوقاي يختلف عنهما‬
‫في كونهّ لم يهتم بلغة الترّاث الشعبي أي العامية لظرّوف معينة وأسباب دينية‬
‫واجتماعية‪ ،‬واكتفى بتوظيف الترّاث بوصفهّ قايماة حضارّية وتارّيخية ينبغي أن تعيش‪،‬‬
‫وقاد ازداد اهتمامهّ بهّ بعد أن جرّب بنفسهّ تأثيرّه على النفوس كما أشرّنا سابقةا‪.‬‬
‫اهتم شوقاي إلى جانب هذا‪ ،‬بتارّيخ مصرّ الشعبي فنظم فرّعونياتهّ المشهورّة في‬
‫)( نفوسي زكريا سعيد‪ :‬خرافآات لفآونتي ف الدب العرب ش مؤمسسة الثقافآة الامعية مصشر ش ‪ 1976‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.76‬‬
‫)( الرجع السابق ص ‪.76‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ينظر‪ :‬أحد شوقي‪ :‬ديوان الشوقيات ش دار العشودة بيوت‪ ،‬اللشد ‪ 2‬ش الشزء الرابشع )قصشيدة أمينشة ش طفلشة‬ ‫‪3‬‬

‫لهية ش لعبة ش ديوان الطفال(‪.‬‬


‫)( ينظر‪ :‬نفوسي زكريا سعيد‪ :‬خرافآات لفآونتي ف الدب العرب ص ‪.76‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( ينظششر‪ :‬فآردريششش فآششون ديرليششن‪ :‬الكايششة الرافآيششة ش ترجششة نبيلششة إبراهيششم دار القلششم بيوت‪ ،‬ط ‪/1‬ش ‪1973‬‬ ‫‪5‬‬

‫ص ‪.26‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫أبي الهول والنيل وتوت عنخ آمون‪ ،‬كما أنهّ رّبط شعرّه بينابيع الترّاث العرّبي ورّموزه‪،‬‬
‫فاستقى منهّ مسرّحيات وقاصائد عديدة مثل )مجنون ليلى( التي تحدث في الفصل‬
‫الرّابع منها عن رّواسب المعتقدات الجاهلية حول الجن وصلتها بالنس‪ ،‬وقايامها‬
‫باللهام للشعرّاء‪ ،‬وما يشيع عنها في الترّاث الشعبي من بنائها للمعابد والمدن الكبيرّة‪،‬‬
‫كبنائها لهيكل سليمان‪ ،‬ومدينة تدمرّ‪...‬‬
‫إن الدارّس لشعرّ شوقاي يلحظ بيسرّ أنهّ قاد استفاد كثي اةرّ من الترّاث الشعبي‬
‫العرّبي والعالمي‪ ،‬كما استفاد من لفونتين وابن المقفع فجاء توظيفهّ لهذا الترّاث‬
‫))على طرّيقة من الستطرّاد وعدم الدقاة الفنية في استخدام الحيوانات كأقانعة للفكارّ‬
‫وكرّموز للحياة النسانية‪ ..‬حيث ينسى الحاكي أنهّ يتقمص شخصية حيوان‪،‬‬
‫فيتحدث عن النسان مباشرّة‪ ،‬وبذلك يخرّج عن حدوده الحيوانية المفرّوضة فنيةا‪ ،‬إلى‬
‫الحدود النسانية التي كان من المفرّوض أن يومئ إليها دون أن يصرّح(()‪.(1‬‬
‫إواذا كان أنس داود ل يرّى فضلة لحمد شوقاي كونهّ اكتفى بصياغة بعض‬
‫الحكايات وترّتيبها في مقطوعات شعرّية غنائية بالضافة إلى انعدام الرّؤية‬
‫المعاصرّة التي تعمد إلى تفجيرّ الترّاث واستغلل طاقااتهّ الحية‪ ،‬لنارّة بعض جوانب‬
‫حياتنا‪ ،‬فإننا نعتقد أن ما فعلهّ شوقاي كان يمثل مرّحلة أولى ل بد منها وخطوة حاسمة‬
‫في مجال تطويع الشعرّ العرّبي للموضوعات الشعبية والحداث الدرّامية والمسرّحية‪،‬‬
‫ومن ثدم فإن لـهّ فضل المبتدئ الذي مهد الطرّيق وأنارّ السبيل وألفت النتباه إلى هذا‬
‫الترّاث‪.‬‬
‫ـ المازني والعقاد‪ :‬قاام كل من المازني والعقاد إلى جانب طهّ حسين وشوقاي‬
‫بترّجمة بعض القصائد الشعرّية بشيء من التصرّف والتعديل الذي تقتضيهّ الظرّوف‬
‫والحوال الجتماعية‪ .‬فقد ترّجم المازني قاصيدة )الرّاعي المعبود()‪ (2‬إل أنهّ لم يهتم‬
‫بأصلها الميثولوجي الذي يبدو أنهّ لم يكن يعرّف عنهّ شيئةا‪ ،‬فهو ل يشيرّ مثلة إلى أن‬
‫هذا الرّاعي هو أورّفيوس)‪ (3‬وأن قاصتهّ الشجية ترّمز إلى المحبة والجمال وسحرّ‬

‫)( أنس داود‪ :‬السطورة ف الشعر العرب الديث ش مكتبة عي شس ش مصر ش ص ‪.166‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( إبراهيم الازن‪ :‬الديوان ش مطبعة ممد ممد مطر ش القاهرة ‪ 1917‬ص ‪.161‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تروي عنه السطورة أنه كان صاحب ألان موسشيقية سشحرية تشرك اليشوان والنبشات والجحشر‪ ،‬لا مشاتت‬ ‫‪3‬‬

‫زوجته يوريدايسي متأثرة بعضة أفآعى‪ ،‬ذهب إل عال الموات حيشث بلوتشو وبرسشفون معتمشدال علشى ألشانه‬
‫وأنغام موسيقاه ف مناشدتما إرجاع زوجته‪ ،‬فآسمح لشه بإعادتا إل عال الحيشاء ششريطة أل يلتفششت إليهششا‬
‫أو يدثها حت يتازا بوابة عال الموات‪ ،‬غي أن حبه ولفته لرؤيتها جعلته يفشل‪ ،‬وتعود يوريدايسششي إلش‬
‫عششال المشوات دون أن يسششتطيع إخراجهششا مششرة ثانيششة‪ .‬وتششذكر السششطورة أن امشرأة "تراشششية" أغضششبها نشواحه‬
‫علششى زوجتششه فآقتلتششه‪ .‬ينششزر‪ :‬ك‪ .‬ك راثقيشش‪ :‬السششطورة ش ترجششة جعفششر صششادق الليلششي ش منشششورات عويششدات ش‬

‫‪- 21 -‬‬
‫الصوت‪ ،‬لنهّ لم يذكرّ شيئاة من ذلك واكتفى بالشارّة إلى قاوة عزف هذا الرّاعي‬
‫وحسن غنائهّ‪ .‬ولعل أهم شيء يمكن استنتاجهّ بعد قارّاءة هذه القصيدة هو إعجاب‬
‫الشاعرّ بها وعدم إفادتهّ من عناصرّ هذه السطورّة وأبعادها اليحائية والدللية‪.‬‬
‫وكما أسلفنا القول فإن عملية النقل والترّجمة كانتا عاملين أساسيين في إقاحام الترّاث‬
‫الشعبي في النصوص الشعرّية العرّبية الحديثة‪.‬‬
‫ومن القصائد التي تؤكد هذا التجاه أيضاة قاصيدة العقاد )فينوس على جثة‬
‫أدونيس()‪ (1‬التي ترّجمها عن شكسبيرّ‪ .‬غيرّ أن العقاد أحس بأهمية تعرّيف هذه‬
‫السطورّة للمتلقي‪ ،‬فأشارّ في الهامش إلى قاصة حب فينوس لدونيس‪ ،‬وكيف أنهّ‬
‫كان ولوعاة بالصيد لدرّجة أنهّ أبى نصيحة عشيقتهّ بالقالل منهّ‪ ،‬وبقي على حالهّ‬
‫حتى قاتلهّ خنزيرّ برّي‪ ،‬فوقافت على جثتهّ تبكي وتذرّف دموع الحزن والسى)‪.(2‬‬
‫يبدو أن العقاد بفعل ثقافتهّ الواسعة واطلعهّ على الداب الغرّبية‪ ،‬كان على‬
‫وعي بما يقدمهّ الترّاث الشعبي للشعرّ من أجواء خيالية رّحبة ورّموز متجددة‪ ،‬فما‬
‫لبث أن استخدمهّ في شعرّه‪ ،‬فكانت النتيجة أن ترّاوح استخدامهّ لـهّ بين الشارّة‬
‫العابرّة‪ ،‬والتشبيهّ‪ ،‬ونظم القصة الشعبية)‪.(3‬‬
‫لم يكن العقاد منفرّداة في طرّيقة هذا الستخدام‪ ،‬بل كان ظاهرّة عامة عند معظم‬
‫شعرّاء العصرّ الحديث الذين لم يتمكنوا من توظيف الترّاث توظيفاة فنياة يسمح لهم‬
‫بطرّح البديل في عالم التجرّبة الشعرّية الحديثة‪ .‬ول نعتقد أن السبب في ذلك يعود‬
‫إلى أن هؤلء الشعرّاء لم يكونوا من أصحاب الخيال المجنح أو الخلق والعاطفة‬
‫العميقة المتغلغلة في مظاهرّ الوجود كما يرّى ذلك أنس داود)‪ ،(4‬بقدرّ ما يعود إلى‬
‫أسباب فنية‪ ،‬وتقاليد شعرّية رّاسخة‪ ،‬كانت تحول بينهم وبين التجديد الكامل والتغييرّ‬
‫الشامل‪.‬‬
‫إن ما قاام بهّ الرّعيل الول من شعرّاء حرّكة التجديد يعد خطوة هامة في تارّيخ‬
‫الشعرّ العرّبي الحديث بالنظرّ إلى تلك الصرّاعات الفكرّية والحضارّية التي شهدها‬

‫بيوت ش ط ‪ 1‬ش ‪ 1981‬ص ‪ ،138‬وكششذلك درينش خشششبة‪ :‬أسششاطي الششب والمششال عنششد الغريششق‪ ،‬دار‬
‫اللل مصر العدد ‪ 171‬ص ‪.74‬‬
‫)( ممود عباس العقاد‪ :‬الديوان ش مطبعة وحدة الصيانة والنتاج ش مصر ‪ 1967‬ص ‪.25‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ينظر‪ :‬ممود عباس العقاد‪ :‬الديوان ص ‪.25‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( هنششاك أسششاطي أخششرى كششثية اسششتخدمها العقششاد فش شششعره كتلششك الششت أشششار إليهششا أنششس داود فش كتششابه‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫السطورة ف الشعر العرب الشديث دار اليشل القشاهرة ‪ 1975‬ص ‪ ،234‬وعبشد الرضشا علشي فش كتشابه‪:‬‬
‫السطورة ف شعر السياب دار الرائد العرب بيوت ط ‪ 1984 ،2‬وما بعدها‪.‬‬
‫)( ينظر‪ :‬أنس داود‪ :‬السطورة ف الشعر العرب الديث ص ‪.237‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫العصرّ‪ ،‬والتي ما كان لحد أن يتمرّد عليها أو يخرّج عن دائرّتها‪ ،‬بحيث كان النظرّ‬
‫إلى ))كل محاولة لدخال فن من الفنون الشعبية في مجال الحترّاف محاولة‬
‫مشبوهة ومتحمسة‪ ،‬ل تستند على أساس من الدرّاسة الصحيحة والثقافة الجادة‬
‫والنظرّ الموضوعية(()‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬التأثير الرومانسي والرمزي‪ :‬كان من أهداف الرّومانسية‪ ،‬كما سبقت‬
‫الشارّة‪ ،‬تحرّيرّ الدب من القيود وكسرّ الحواجز التي وقافت دون تطورّه وفي مقدمتها‬
‫تلك الشكال والقوالب الفنية الجاهزة التي ورّثها الشعرّاء عن أسلفهم‪ ،‬والتي أصبحت‬
‫ل تعبرّ عن مضامين التجرّبة الشعرّية الحديثة بح ارّرّة وصدق‪.‬‬
‫أما الحاجز الثاني فيتمثل في اللغة إذ يرّى أقاطاب المذهب الرّمزي أن اللغة‬
‫العادية عاجزة عن احتواء التجرّبة الشعرّية‪ ،‬إواخرّاج ما في اللشعورّ‪ ،‬وتوليد الفكارّ‬
‫في ذهن المتلقي‪ .‬لكن الرّمز يمنحها القدرّة على نقل هذه التجرّبة‪ ،‬واجتياز عالم‬
‫النفس الخفية‪ ،‬لن الرّمز يتضمن قادرّة فنية عالية تساعد على التكثيف واليحاء‬
‫والتخيل‪ .‬وبما أن موطن الرّمز الصلي‪ ،‬هو السطورّة والشعرّ بوصفهما أرّقاى صورّ‬
‫التعبيرّ الرّمزي المنحدرّة عن التفكيرّ السحرّي والمجازي‪ ،‬فإن العودة إليهّ أصبحت‬
‫أم اةرّ ضرّورّياة لتجاوز مرّحلة التقليد‪.‬‬
‫حاول بعض الشعرّاء العرّب من هاتين المدرّستين )الرّومانسية والرّمزية( أن‬
‫يتخذوا من الساطيرّ مادة للتلميح واليحاء‪ ،‬إواغناء العمل الدبي بطاقاات رّمزية‬
‫جديدة‪ ،‬كاستخدام جبرّان خليل جبرّان لسطورّة أدونيس وعشترّوت في لقاء دمعة‬
‫وابتسامة )‪ ،(1914‬واستخدام زكي أبو شادي لسطورّة أورّفيوس ويورّديس‪ ،‬وعلي‬
‫محمود طهّ في )أرّواح وأشباح( التي عمد فيها إلى استخدام بعض الساطيرّ‬
‫الغرّيقية كأسطورّة )هرّميس( و)تاييس( و)سافو( و)أورّفيوس(‪ ،‬وسعيد عقل في‬
‫مسرّحيتيهّ الشعرّيتين )بنت يفتاح ‪ (1935‬مستمداة موضوعها من التورّاة‪ ،‬و)قادموس‬
‫‪ (1944‬التي ترّوي قاصة حب بين زوس وأورّوب ابنة ملك صورّ‪.‬‬
‫ومن هؤلء أيضاة نجد إلياس أبو شبكة )‪1904‬ـ ‪ (1947‬الذي حاول من خلل‬
‫ث بعض آرّائهّ‬ ‫لمحاتهّ السطورّية المستوحاة من الكتاب المقدس )العهد القديم( ب د‬
‫وأفكارّه كتلك التي تحدث فيها عن شرّورّ جمال المرّأة وما يجرّه من ويلت للرّجال‬
‫من خلل قاصيدتهّ )شمشون( مستخدماة أسطورّة دليلة)‪ (2‬للتعبيرّ عن فجورّ المرّأة‬

‫)( فآاروق خورشيد‪ :‬الوروث الشعب ش دار الشروق القاهرة ش ط ‪ 1‬ش ‪ 1992‬ص ‪6‬ش ‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ينظر‪ :‬جيمس فآرايزر‪ :‬الفولكلور ف العهد القدي )التوراة( ترجة نبيلششة إبراهيششم ش دار العشارف ش مصشر ش ط‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 2‬ش ‪/2‬ش ‪ .551‬دليلشة كمشا تشذكر السشطورة قشد خشانت عششيقها بشأن أفآششت سشرر قشوته لعشدائه‪ ،‬فآكشانت‬

‫‪- 23 -‬‬
‫وخداعها للرّجل من خلل إثارّة شهوتهّ‪ .‬وقاد حاول إلياس أبو شبكة بطرّيقة ذكية أن‬
‫يجمع في هذه القصيدة بين أسطورّتين متقارّبتين في الدللة‪ ،‬فرّبط بين خيانة دليلة‬
‫لشمشون وخيانة ديانيرّة لهرّقال‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ملقيه بحسنك المأجور‬


‫وادفعيه للنتقام الكبير‬
‫إن في الحسن‪ ،‬يا دليلة‪ ،‬أفعى‬
‫كم سمعنا فحيحها في سرير‬
‫أسكرت خدعة الجمال هرقل‬
‫قبل شمشون بالهوى الشرير‬
‫والبصير البصير يخدع بالحسن‬
‫)‪(1‬‬
‫وينقاد كالضرير الضرير‬
‫يرّى أنس داود أن إلياس أبا شبكة قاد حرّص على صياغة السطورّة كما ورّدت‬
‫في الصل دون تحليلها أو اكتشاف أسرّارّ الحياة النسانية الخالدة من خللها‪ ،‬أو‬
‫)‪(2‬‬
‫إضافة عناصرّ فنية أخرّى إليها‪ ،‬مما جعلها خطابية الطابع كالحكام المجرّدة‬
‫التي ل يستخلص منها القارّئ أي بعد من أبعادها النسانية‪.‬‬
‫إل أن أبا شبكة لم يكن ـ في نظرّنا ـ بصدد تحليل أسطورّة شمشون ودليلة بقدرّ‬
‫ما كان يهدف إلى نقل موقاف معين وتجرّبة معينة‪ .‬فالسطورّة ليست غاية إوانما‬
‫وسيلة فنية لجأ إليها الشاعرّ ليؤكد موقافاة معينةا‪ ،‬علماة أن هذه الوسيلة ـ كما يرّى ذلك‬
‫خليل حاوي ـ كانت تفتقرّ في بعض أجزائها للتوهج الشعرّي‪ ،‬كما كانت عادة تنتهي‬
‫إلى عبرّة أخلقاية خارّجة عن طبيعة الشعرّ)‪ .(3‬لكن على الرّغم من كل هذا فقد‬
‫استطاع هذا الشاعرّ أن يتقدم خطوة إلى المام في استخدامهّ للترّاث الشعبي مقارّنة‬
‫مع شعرّاء عصرّه‪ ،‬لنهّ حاول أن يوحد بين السطورّة والتجرّبة في لحمة شعرّية‬
‫واحدة‪ ،‬إوان كان ينقصهّ التوهج الشعرّي في بعض الحيان كما أشارّ إلى ذلك خليل‬

‫سببال ف هلكه‪.‬‬
‫)( إلياس أبو شبكة‪ :‬أفآاعي الفردوس ش منشورات دار الكشوف ش بيوت ط ‪ 1948 /2‬ص ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ينظر‪ :‬أنس داود‪ :‬السطورة ف الشعر العرب الديث ص ‪384‬ش ‪.385‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ينظش ششر‪ :‬يوسش ششف حلوي‪ :‬السش ششطورة ف ش ش الشش ششعر العرب ش ش العاصش ششر ش ش ش دار الداب ش ش ش ط ‪ /1‬ش ش ‪1994‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.16‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫حاوي‪.‬‬

‫ـ أحمد زكي أبو شادي )‪ 1892‬ـ ‪:(1955‬‬


‫كان أبو شادي‪ ،‬بفعل تأثرّه بالدب النجليزي بالخصوص‪ ،‬شديد الهتمام‬
‫بالترّاث الميثولوجي بوصفهّ أحد الكنوز النسانية التي يفتقرّ إليها شعرّنا أشد‬
‫الفتقارّ‪ ،‬ويستغرّب أمرّ الذين يرّفضون استخدامهّ‪)) :‬ويبلغ الشطط ببعض النقاد أن‬
‫يستنكرّ تطعيم أدبنا العرّبي بالميثولوجيا الغرّيقية الرّائعة التي نفتقرّ إليها أشد‬
‫الفتقارّ بينما النجليز وقاد استوفوا نقل الرّوائع الجنبية الورّوبية القديمة يرّقاصون‬
‫لترّجمة الخيام والمعرّي والبهاء زهيرّ وابن الفارّض وغيرّهم من شعرّاء الشرّق إلى‬
‫لغتهم(()‪.(1‬‬
‫لقد اتجهّ هذا الشاعرّ نحو الساطيرّ اليونانية والفرّعونية‪ ،‬يغترّف منها ليضفي‬
‫على شعرّه طابعاة إنسانياة عامةا‪ ،‬فكتب قاصائده )أورّفيوس ويورّديس()‪) (2‬هرّقال‬
‫وديانيرّة()‪) ،(3‬دانيال في جب السود()‪) ،(4‬الرّابات الرّاقاصات()‪) ،(5‬أوزيرّيس‬
‫والتابوت()‪) ،(6‬إيزيس والطفل()‪ (7‬وغيرّها من القصائد الخرّى التي حفلت بها دواوينهّ‬
‫وأعداداة من مجلة أبولو التي كان يشرّف عليها‪.‬‬
‫يتضح من هذه القصائد أن منهج أبي شادي في توظيف الترّاث وبالخصوص‬
‫السطورّة منهّ يقوم على نقلها وتقديمها في شكل قاصة شعرّية‪ ،‬ولذا ألفناه يهتدم كثي اةرّ‬
‫بالسماء والتفاصيل‪ ،‬وكأنهّ يرّيد للسطورّة أن تستوفي كل شخوصها وأجوائها‪ ،‬فهو‬
‫ل يكتفي مثلة بذكرّ )أورّفيوس ويورّديس( إوانما يعرّض علينا أسماء أخرّى مثل‬
‫)برّسفون( ملكة العالم السفلي و)بلوتو( زوجها و)سرّبرّوس( كلب الجحيم وحارّس‬
‫مملكة الموتى‪ ،‬و)أبولو( إلهّ الشعرّ والفنون‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫لقد كان هدف أبو شادي من ورّاء توظيفهّ لهذا الرّكام من الترّاث الشعبي‬
‫الفلكلورّي‪ ،‬جعل القصيدة العرّبية تنحو منحى القصيدة الغرّبية في اتساع دائرّتها‬
‫وشمول موضوعاتها ))غيرّ أن أسلوبهّ لم يستطع أن يخرّج بالقصيدة إلى مصاف‬

‫أحد زكي أبو شادي‪ :‬الينبوع ش مطبعة التعاون ش القاهرة ‪ 1934‬ص‪ :‬ي‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫أحد زكي أبو شادي‪ :‬الينبوع ص ‪.22‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫أحد زكي أبو شادي‪ :‬الينبوع ص ‪.37‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫أحد زكي أبو شادي‪ :‬الينبوع ص ‪.51‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫أحد زكي أبو شادي‪ :‬فآوق العباب ش مطبعة التعاون ش القاهرة ‪ 1934‬ص‪.12 :‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫أحد زكي أبو شادي‪ :‬فآوق العباب ص ‪.39‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫أحد زكي أبو شادي‪ :‬فآوق العباب ص ‪.41‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫التجرّبة النسانية العالمية‪ ،‬لخلو تجرّبتهّ من دللتها الجتماعية التي كان يمكن أن‬
‫يفجرّها الموقاف البدائي‪ ،‬لو أنهّ فطن إليهّ‪ ،‬ثم إن اهتمامهّ بالمحافظة على شكل‬
‫الساطيرّ وتفصيلتها أحال قاصائده إلى قاصص أسطورّية ل تملك غيرّ موهبة‬
‫التشكيل والداء والنظم‪ .‬ليس غيرّ(()‪.(1‬‬

‫ـ علي محمود طه )‪1902‬ـ ‪:(1949‬‬


‫وجد علي محمود طهّ في الترّاث الشعبي الغرّيقي وقاصص التورّاة مادة خصبة‬
‫ومجالة رّحباة لبسط أفكارّه وتأملتهّ الشعرّية‪ ،‬فكتب قاصيدتهّ الطويلة )أرّواح وأشباح(‬
‫مستمداة شخصياتها من الساطيرّ الغرّيقية والفرّيقية والعرّبية‪ ،‬كشخصية )هرّميس(‬
‫و)ثاييس( و)سافو( و)أورّفيوس(‪ ،‬و)ماتا( و)السامرّي( صانع العجل الذهبي الذي‬
‫فتن بهّ بنو إسرّائيل وعبدوه حين توجهّ موسى إلى رّبهّ‪ .‬غيرّ أن بعض هذه‬
‫الشخصيات كانت مجرّدة من ماضيها التارّيخي والسطورّي‪ ،‬فهي تترّك بتأثيرّ من‬
‫الشاعرّ وميولهّ‪ ،‬لذا بدت جاهزة‪ ،‬مخالفة في كثيرّ من سماتها وحقائقها لنسجها‬
‫السطورّي القديم على حد تعبيرّ شوقاي ضيف)‪.(2‬‬
‫ومهما قايل عن هؤلء الشعرّاء فإن الشيء الثابت لديهم أنهم أخذوا الساطيرّ‬
‫بوصفها ميرّاثاة ثقافياة عن الولين‪ ،‬فاستعملوها استعمالة قاصصياة حينةا‪ ،‬وأشارّوا إليها‬
‫حيناة آخرّ دون مرّاعاة شرّوط التوظيف وآلياتهّ‪ ،‬بل دون مرّاعاة المحتوى الوجداني‬
‫أحياناة الكامن في هذه الساطيرّ‪.‬‬
‫إن الترّاث الشعبي بوصفهّ معطى حضارّياة وشكلة فنياة في بناء العملية الشعرّية‪،‬‬
‫لم يعرّفهّ الشاعرّ العرّبي إل بعد الخمسينيات من هذا القرّن بظهورّ جيل جديد احتك‬
‫بالثقافة الغرّبية وتأثرّ بها تأث اةرّ قاوياة وعميقةا‪.‬‬

‫***‬

‫عبد الرضا علي‪ :‬السطورة ف شعر السياب ش ص‪.41 :‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬شوقي ضيف‪ :‬الدب العرب العاصر ف مصر ش دار العارف مصر ش ط ‪ 3‬ش ص‪.166 :‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫الفصل الول‬

‫ونات والصول‬
‫المك ت‬

‫ـ الفن والسحر‬
‫ـ السطورة والشعر‬
‫ـ الجذور السطورية للقصيدة العربية‬
‫ـ اللغة وأشكال التراث الشعبي‬

‫‪- 27 -‬‬
- 28 -
‫ونات والصول‪:‬‬
‫المك ت‬

‫‪1‬ـ الفن والسحر‪:‬‬


‫إن أهم شيء يعنى بهّ البحث في حقل نظرّية الدب أو تارّيخ الفن‪ ،‬نشأتهّ‬
‫ووظيفتهّ وتشكيل صورّه ورّموزه‪ .‬وبما أن الشعرّ يعد من بين أولى النشاطات الفنية‬
‫للعقلية البشرّية)‪ ،(1‬فإن البحث في أصول الفن ومصادرّه هو نفسهّ البحث عن بدايات‬
‫الشعرّ ومكدوناتهّ‪ .‬ولن يتأتى هذا البحث على الوجهّ الصحيح ما لم يتجهّ في اعتقادنا‬
‫صوب ميادين علوم النسان )النثرّوبولوجيا( والساطيرّ )الميثولوجيا( وعلم‬
‫الشعوب والحضارّات )الثنولوجيا( ممثلة فيما تجمع لدى الباحثين في هذه الحقول‬
‫من نتائج وآثارّ تدل دللة واضحة على أن الفن )الشعرّ( نشأ نشأة دينية من خلل‬
‫الطقوس والشعارّ التعبدية القديمة‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫تذكرّ بعض هذه النتائج أن الفن‪ ،‬عند نشأتهّ‪ ،‬كان ضرّباة من السحرّ‬
‫والممارّسة الطقوسية الكلمية التي تستهدف أغرّاضاة سحرّية )اجتماعية واقاتصادية(‬
‫مباشرّة‪ ،‬وناد اةرّ ما تستهدف أغرّاضاة جمالية لن ))الغرّض من النظرّة السحرّية ومن‬
‫النظرّة الفنية كان واحداة في الحياة البدائية(()‪ .(3‬ومن ثدم فإنهّ من الصعوبة بمكان‬
‫التمييز بين ما هو نفعي وما هو فني عند النسان البدائي الذي كان يفعل كل شيء‬
‫لجل هدف معين ضماناة لحياتهّ وعيشهّ‪.‬‬

‫)( ينظر‪ :‬عبد الفرتاح ممد أحد‪ :‬النهج السطوري ف تفسشي الشعر الاهلي دار الناهشل للطباعشة والنششر‬ ‫‪1‬‬

‫والتوزيع بيوت ط ‪ 1987 ،1‬ص ‪.56‬‬


‫)( حششول علقششة الفششن بالسششحر‪ ،‬والفنششان بوصششفه سششاحرلا‪ .‬ينظششر‪ :‬هربششرت ريششد‪ :‬الفششن والتمششع‪ ،‬ترجششة‪ :‬فآششارس‬ ‫‪2‬‬

‫مششتي ضششاهر دار القلششم بيوت ط ‪ 1975 ،1‬ص ‪ .19‬إرنسششت فآيشششر‪ :‬ضششرورة الفششن‪ ،‬ترجششة‪ :‬ميشششال‬
‫سششليمان دار القيقششة للطباعششة والنششر بيوت ص ‪ .15‬أرنولششد هششاوزر‪ :‬الفششن والتمشع عشب التاريشخ‪ ،‬ترجشة‪:‬‬
‫فآؤماد زكريا الؤمسسة العربية للدراسات والنشر ط ‪.33 /2 ،1981 ،2‬‬
‫)( عبد النعم تليمة‪ :‬مقدمة ف نظرية الدب دار العودة بيوت ط ‪ 1983 ،3‬ص ‪.32‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫وهذا ما تؤكده النقوش والرّسومات القديمة‪ ،‬التي هي برّمتها حيوانية تقرّيبةا‪،‬‬
‫والتي يذهب الفترّاض إلى القول إن البدائيين كانوا يعتقدون أنهّ في حال تجسيدهم‬
‫للحيوان‪ ،‬إنما يكتسبون قاوة السيطرّة عليهّ‪ ،‬ولم يكن التمثيل التصويرّي لديهم سوى‬
‫استباقااة للنتيجة المطلوبة‪ ،‬فالفنان القديم عندما كان يرّسم حيواناة على صخرّة أو داخل‬
‫معبد أو كهف‪ ،‬كان ينتج حيواناة حقيقيةا‪ ،‬ذلك أن عالم الخيال والصورّ ومجال الفن‬
‫)‪(1‬‬
‫والتذوق والمحاكاة المجرّدة‪ ،‬لم يكن قاد أصبح في نظرّه ميداناة خاصاة قاائماة بذاتهّ‬
‫مختلفاة عن الواقاع ومنفصلة عنهّ‪.‬‬
‫تؤكد النظرّة السرّيعة على أقادم مخلفات الفرّاعنة والغرّيق في هذا المجال‬
‫بشكل واضح أن ))أصول الفن إنما ترّجع إلى السحرّ(()‪ (2‬بوصفهّ إحدى الرّكائز‬
‫العتقادية والمعرّفية في تلك المرّحلة من حياة المجتمعات البشرّية‪ ،‬إوالى الممارّسات‬
‫الشعبية المعدبرّ عنها بواسطة الساطيرّ والمثال والتعاويذ والغاني الفلحية‬
‫وغيرّها‪ ،‬إذ كانت الطقوس والمعتقدات مهداة للفنون والثقافات‪.‬‬
‫وقاد رّافق الشعرّ والغناء والرّقاص والتمثيل دوماة المرّاسيم الدينية والحتفالت‬
‫الفلكلورّية‪ .‬ومع إدرّاك النسان لفكرّة الحياة والموت‪ ،‬نشأت العمارّة في المقابرّ‬
‫والهياكل‪ ،‬وانتشرّت الرّسوم والمنحوتات رّمو اةز تجسد قاوة غيبية ل تدرّكها الحواس‪.‬‬
‫وقاد توصلت البحاث التارّيخية في هذا الشأن إلى أن أقادم الساطيرّ كانت غناء‬
‫دينيةا‪ ،‬ثم صارّت ملحم شعرّية بفعل ترّاجع العنصرّ الديني فيها‪ ،‬وخيرّ مثال نقدمهّ‬
‫على هذا التحدول )من السطورّي إلى الشعرّي(‪ ،‬الملحم اليونانية القديمة التي عمل‬
‫المنشدون على إعادة إخرّاجها وخلقها في صيغة مألوفة ومعدة خصيصاة لمناسبة‬
‫معينة تتماشى وميول الناس من حولهم)‪ .(3‬والمرّ نفسهّ نرّاه عند البابليين وغيرّهم من‬
‫الشعوب القديمة ذات الحضارّات العرّيقة‪.‬‬
‫قاد يطول الحديث إذا أوغلنا في ضرّب المثلة عن أصل الفن وعلقاتهّ بالسحرّ‬
‫ل‪ ،‬لكن‬‫وبالخصوص أن مجال اهتمامنا في هذه الدرّاسة هو الشعرّ وليس الفن إجما ة‬
‫كخلصة عامة نقول إن الفنان القديم ظل يعتمد السحرّ بواسطة عبقرّيتهّ إوابداعهّ‬
‫الفني ليضمن العيش والبقاء‪ .‬وقاد كانت الحرّف والصناعات والزخارّف والفنون‬

‫)( ينظر‪ :‬أرنولد هاوزر‪ :‬الفن والتمع عب التاريخ‪ ،‬ترجة فآؤماد زكريا ‪.18 /1‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( إرنست فآيشر‪ :‬الشتاكية والفن‪ ،‬ترجة‪ :‬أسعد حليم دار القلم بيوت ط ‪ 1973 ،1‬ص ‪.23‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ينظر‪ :‬أحد عثمشان‪ :‬الشعر الغريقشي تراثشال إنسشانيال وعاليشلا‪ ،‬سلسشلة عشال العرفآشة ‪ 77‬الكشويت ‪1984‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.67‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫الشعبية جزءاة هاماة من هذه الطقوس أو العبادات التي كان لها مظهرّ سحرّي منذ‬
‫فجرّ التارّيخ‪ ،‬حيث كان ))الفنان ينتج فنهّ ليدعم عقيدتهّ أو ليؤثرّ على القوى‬
‫الخارّجية فيجعلها صالحة لهّ‪ ،‬محققة لمانيهّ‪ ،‬موطدة لقادامهّ في الطبيعة التي يعيش‬
‫فيها(()‪ ،(1‬وقالما نجد فناة من هذه الفنون بعيداة عن الغرّاض السحرّية‪.‬‬
‫فكل ما أنتجهّ النسان البدائي من رّسومات أو صناعات فخارّية ونسيجية أو‬
‫غيرّها من الصناعات المرّتبطة بحياتهّ اليومية‪ ،‬كان لها مظهرّ سحرّي وأهداف‬
‫معينة‪ .‬ولذا فإن النظرّ إلى هذه الفنون على أنها محض نتاج فني أو جمالي شغل بهّ‬
‫النسان القديم نفسهّ في أوقاات فرّاغهّ‪ ،‬نظرّة تجانب الصواب وتبتعد عن الحقيقة‪.‬‬

‫‪2‬ـ السطورة والشعر‪:‬‬


‫لعلنا ل نخطئ إن قالنا إن المهتمين بالسطورّة ودارّسيها لم يتوصلوا إلى اعتماد‬
‫تعرّيف جامع مانع لها‪ ،‬يمكنهّ السهام في توضيح بعض المسائل المتعلقة بطبيعتها‬
‫وعلقاتها بغيرّها من النساق التي قاد تتداخل معها في الكثيرّ من الجوانب كالشعرّ‬
‫ل‪.‬‬
‫مث ة‬
‫ولعل صعوبة الوصول إلى هذا التعرّيف الجامع المانع هو الذي جعل سنت‬
‫أوغسطين يقول عندما سئل عن ماهية السطورّة ))إنني أعرّف جيداة ما هي‪ ،‬بشرّط‬
‫ألد يسألني أحد عنها‪ ،‬ولكن إذا ما سئلت‪ ،‬وأرّدت الجواب‪ ،‬فسوف يعترّيني التلكؤ((‬
‫)‪ .(2‬وقاد أشارّ إرّنست كاسيرّرّ كذلك إلى هذه الصعوبة فذكرّ أن المشكلة ل تكمن في‬
‫نقص المادة بل في وفرّتها وتعدد مصادرّها‪ ،‬فقد اشترّك الدباء والفلسفة وعلماء‬
‫النثرّوبولوجيا وعلم النفس وعلم الجتماع في هذه الدرّاسات)‪ ،(3‬كدل من وجهة نظرّه‬
‫واختصاصهّ‪.‬‬

‫ليس الهدف في هذا المقام الوقاوف عند هذه الرّاء ووجهات النظرّ‪ ،‬لن ذلك‬
‫يستلزم جهداة كبي ةرّا‪ ،‬ليس هذا موطنهّ‪ ،‬إوانما نرّيد سبرّ أغوارّ مواطن التلقاي‬

‫)( سعد الادم‪ :‬الفن الشعب والعتقشدات السشحرية‪ ،‬سلسشلة اللف كتشاب ‪ ،477‬مكتبشة النهضشة الصشرية‬ ‫‪1‬‬

‫القاهرة ص ‪.2‬‬
‫)( ك‪ .‬ك‪ .‬راثقي‪ :‬السطورة‪ ،‬ترجة جعفر صادق الليلي منشورات عويدات بيوت )سلسلة زدن علملا(‬ ‫‪2‬‬

‫ط ‪ 1981 ،1‬ص ‪.9‬‬


‫)( ينظششر‪ :‬إرنسششت كاسششير‪ :‬الدولششة والسششطورة‪ ،‬ترجششة أحششد حششدي ممششود اليئششة الص شرية العامششة للكتششاب‬ ‫‪3‬‬

‫القاهرة ‪ ،1975‬ص ‪.18‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫والختلف بين الشعرّ السطورّة‪ ،‬وهل الشعرّ هو فعلة كما قايل ))السليل المباشرّ‬
‫للسطورّة وابنها الشرّعي(()‪(1‬؟‬
‫إن علقاة الشعرّ بالسطورّة علقاة قاديمة تشهد لها العديد من المخلفات الفنية‬
‫كالملحم البابلية والغرّيقية والصينية‪ .‬فقد أجمع مؤرّخو الصين على أن معتقداتهم‬
‫السطورّية كانت المضمون الوحيد لقادم صورّ التأليف الشعرّي عندهم)‪ ،(2‬والجماع‬
‫نفسهّ ينطبق على ملحمة جلجامش واللياذة والوديسة التي استقت موضوعاتها من‬
‫الترّاث الشعبي العرّيق‪ .‬وليس من المستبعد أن تكون بذورّ الشعرّ الملحمي قاد جاءت‬
‫من الترّاتيل والبتهالت الدينية التي كان يؤيدها الكهنة وسدنة المعابد‪ ،‬أو من تلك‬
‫الشعارّ الشعبية التي كان يرّويها المنشدون في المحافل والمناسبات الدينية‪ ،‬يرّوون‬
‫فيها للناس تارّيخ الوقاائع والساطيرّ التي تصدورّ بطولت أسلفهم‪ .‬وقاد يعود الفضل‬
‫إلى هوميرّوس في جمع هذا الترّاث وتنسيق عناصرّه في شكل شعرّي متكامل قايل إنهّ‬
‫))قامة العمال السطورّية في إطارّها الدبي(()‪ ،(3‬إوالى غيرّه من المسرّحيين‬
‫اليونانيين المعرّوفين كإسخيلوس وسوفوكليس ويورّوبيدس‪.‬‬
‫ل أحد ينكرّ أن الشعرّ تجرّبة رّوحية وجمالية عميقة تتصل بأعمق مكونات‬
‫المة ومشاعرّها‪ ،‬وتستخدم من اللغة أقارّب ألفاظها وكلماتها إلى الحس‪ ،‬وأكثرّها قادرّة‬
‫على الترّميز والشعاع بهذه المكونات‪ .‬وهذه النظرّة ل تختلف ـ في اعتقادنا ـ عن‬
‫النظرّة التي ترّى في السطورّة شكلة من أشكال التعبيرّ العذرّي عن التجرّبة النسانية‬
‫في مغامرّتها الولى مع الطبيعة والحياة‪ .‬ومن ثدم فإن كليهما )الشعرّ والسطورّة(‬
‫متصل بالتجرّبة النسانية‪ ،‬حافل بمنطوقاها وأسرّارّها‪ ،‬معدبرّ عن مكوناتها وبواعثها‬
‫النفسية والجمالية‪ .‬ومن ثدم أيضةا‪ ،‬يمكن القول إن عودة الشاعرّ المعاصرّ إلى‬
‫استخدام السطورّة في الشعرّ‪ ،‬هو في واقاع المرّ‪ ،‬عودة حقيقية إلى منابع التجرّبة‬
‫النسانية‪ ،‬ومحاولة التعبيرّ عن امتداداتها في وقاتنا الرّاهن‪ ،‬بوسائل عذرّاء‪ ،‬لم‬
‫يمسسها الستعمال اليومي فيمحي عنها صفة القداسة والسحرّ‪.‬‬
‫ورّبما كانت السطورّة من هذه الناحية بالذات‪ ،‬في زمانها‪ ،‬أعمق الشكال‬
‫وأكثرّها استجابة لحاجات النسان في تلك المرّحلة‪ ،‬فهي من حيث الشكل قاصة‪،‬‬
‫تحكمها مبادئ السرّد القصصي من حبكة وشخصيات وعقدة‪ .‬وكثي اةرّ ما تأتي في‬
‫)( فآراس السرواح‪ :‬السطورة والعنش دراسشات فش اليثولوجيشا والشديانات الششرقية‪ ،‬دار علء الشدين دمششق ط‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1997 ،1‬ص ‪.22‬‬


‫)( ينظ ششر‪ :‬أح ششد كم ششال زك ششي‪ :‬الس ششاطي دراس ششة حض ششارية مقارن ششة دار الع ششودة بيششوت ط ‪1979 ،2‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.200‬‬
‫)( أحد كمال زكي‪ :‬الساطي دراسة حضارية مقارنة ص ‪.203‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫قاالب شعرّي يساعد على رّوايتها وتداولها في المناسبات الدينية‪ .‬أما من حيث التأثيرّ‬
‫فهي تتمتع بقداسة كبيرّة وسلطة عظيمة على عقول الناس‪ ،‬وهي سلطة تضاهي‬
‫سلطة العلم في العصرّ الحديث‪ ،‬أضف إلى ذلك أنها ))ذات مضمون عميق يشف‬
‫عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة النسان(()‪ .(1‬ثم كونها الوعاء الذي‬
‫تفاعل فيهّ السحرّ بالدين‪ ،‬والشعرّ بالطقوس‪ ،‬والحلم بالوهام‪.‬‬
‫بهذا الخليط من الفكارّ والتصورّات والخيال الواسع والظلل السحرّية للكلمات‪،‬‬
‫استطاعت السطورّة أن تعبرّ عن قالق النسان وتساؤلتهّ‪ ،‬فكانت أول محاولة لفهم‬
‫قاوى الطبيعة والسيطرّة عليها ولو بطرّيقة وهمية وخيالية‪ ،‬لكنها كانت على درّجة‬
‫بالغة من الهمية في حياة النسان‪ .‬يقول كلود ليفي شترّاوس في هذا الصدد إن‬
‫السطورّة ))ل نصيب لها من النجاح في إعطاء النسان قاوة مادية أشد للسيطرّة‬
‫على البيئة‪ ،‬لكنها مع ذلك تعطي النسان وهم القدرّة على فهم الكون‪ ،‬وأنهّ فعلة يفهم‬
‫الكون وهذا بالغ الهمية‪ .‬لكنهّ مجرّد وهم بالطبع(()‪ .(2‬وهنا تلتقي السطورّة بالشعرّ‬
‫من حيث أنهما يوهمان النسان بامتلك السلطة على الشياء‪ ،‬ذلك أن اللغة عند‬
‫مبدعي الساطيرّ والشعرّ ليس أداة اتصال فحسب إوانما هي أداة سحرّية للسيطرّة‬
‫على الشياء والكائنات‪.‬‬
‫بمعنى آخرّ إن قاوة هؤلء المبدعين تكمن أولة وقابل كل شيء في اللغة التي‬
‫يتحدثون بها‪ ،‬فهي لغة تختلف عن اللغة العادية من حيث الكثافة واليحاء والقدرّة‬
‫على الترّميز والثارّة‪ ،‬فهي تمتلك شحنة من الحساسات والعواطف ما يجعلها تقرّع‬
‫الصمت وتبث الحياة‪ ،‬بل وأكثرّ من ذلك تنفث في النسان ما يعطيهّ القدرّة على‬
‫استدعاء الشياء وامتلكها‪.‬‬
‫يقول مارّتن هيدجرّ ‪1889) MARTIN HEIDEGGER‬ـ ‪ (1976‬في‬
‫هذا الشأن ))اللغة هي التي تفتح لنا العالم‪ ،‬لنها وحدها التي تعطينا إمكان القاامة‬
‫بالقرّب من موجود منفتح من قابل‪ ...‬وكل ما هو كائن ل يمكن أن يكون إل في‬
‫)معبد اللغة(‪ ...‬اللغة تقول الوجود‪ ،‬كما يقول القاضي القانون‪ .‬واللغة الصحيحة هي‬
‫خصوصاة تلك التي ينطق بها الشاعرّ‪ ،‬بكلمهّ الحافل‪ .‬أما الكلم الزائف فهو كلم‬
‫المحادثات اليومية‪ .‬إن هذا الكلم سقوط‪ ،‬وانهيارّ(()‪ .(3‬ومن ثدم كانت مهمة الشعرّاء‬

‫)( فآراس السرواح‪ :‬السطورة والعن دراسات ف اليثولوجيا والديانات الشرقية ص ‪.14‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ينظر كتابه‪ :‬السطورة والعن‪ ،‬ترجة‪ :‬صبحي حديدي الدار البيضاء ‪ 1986‬ص ‪17‬ش ‪.18‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عبد الرحن بدوي‪ :‬موسوعة الفلسفة‪ ،‬الؤمسسة العربية للدراسات والنشر ط ‪604 /2 ،1984 ،1‬‬ ‫‪3‬‬

‫)مادة هيدجر(‪.‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫ومنتج الساطيرّ‪ ،‬مهمة صعبة وشاقاة‪ ،‬لنها تتطلب لغة خاصة قاادرّة على اختزال‬
‫الفعل النساني‪.‬‬
‫وثانياة في طرّيقة استعمال هذه اللغة‪ ،‬وهي طرّيقة ـ كما حدثنا عنها بعض‬
‫الدارّسين ـ سحرّية وغرّيبة في الوقات ذاتهّ‪ ،‬يصعب تقنينها أو القبض عليها‪ ،‬بل‬
‫ووصفها في بعض الحيان‪ .‬لن كل قاصيدة أو أسطورّة لها حياتها الخاصة التي‬
‫هي مصدرّ قاوتها وبقائها وجمالها‪ .‬وهذا يعني بعبارّة أخرّى أن كل قاصيدة أو أسطورّة‬
‫هي بمثابة مولود جديد يحمل جيناتهّ وسماتهّ التي تحفظ لـهّ وجوده وتجعلهّ مستقلة‬
‫عن الخرّين‪.‬‬
‫والغرّيب في هذه اللغة‪ ،‬المستعملة بهذه الطرّيقة‪ ،‬أن بإمكانها هدم كل ما هو‬
‫أمامها من أفكارّ وتصورّات مؤسسة‪ ،‬بفعل تأثيرّها السحرّي واستخدامها المفاجئ غيرّ‬
‫المكرّورّ‪ .‬وهنا يكمن السدرّ الذي تتمدتع بهّ السطورّة والشعرّ على حد سواء‪ .‬ورّبما‬
‫لهذا السبب دعا أفلطون في كتابهّ الجمهورّية إلى ضرّورّة استبعاد الشعرّاء من‬
‫مدينتهّ)‪ (1‬التي تقوم على العقل‪ ،‬حتى ل يستبدون بها وبشبابها‪ .‬والدسماح بالشعرّ‬
‫يعني فتح الطرّيق أمام السطورّة والخيال‪ ،‬وهما عنصرّان ل يرّيد أفلطون أن تقوم‬
‫عليهما جمهورّيتهّ‪.‬‬
‫إواذا كانت اللغة هي مفتاح العالم على حد تعبيرّ هيدجرّ أو ))فعل خلق للوجود‬
‫إواعادة تشكيلهّ تجرّيديةا(()‪ (2‬على حد قاول غيرّه‪ ،‬فإنها لن تكون كذلك إل في السطورّة‬
‫والشعرّ بوصفهما أرّقاى الشكال ترّمي اةز إوايحاء‪ ،‬وكونهما رّسالة سرّمدية موجهة‬
‫للنسان‪ ،‬تبين عن حقائق خالدة وتؤسس لصلة عميقة بين الماضي والحاضرّ‬
‫والمستقبل‪ ،‬بين الحياة والموت‪.‬‬

‫فالسطورّة مثلة ل ترّوي أحداثاة جرّت في الماضي وانتهت‪ ،‬إوانما ترّوي كذلك‬
‫أحداثاة ل تتحول إلى ماض أبدةا‪ .‬ففعل الخلق الذي تدم في الزمنة المقدسة‪ ،‬يتجدد في‬
‫كل عام ويجدد معهّ الكون وحياة النسان)‪ .(3‬إوالهّ الخصب )تموز( الذي قاتل ثم بعث‬
‫إلى الحياة‪ ،‬موجود على الدوام في دورّة الطبيعة وتتابع الفصول‪ ،‬وصرّاع )بعل( مع‬

‫)( ينظر أفآلطون‪ :‬جهورية أفآلطون ش ترجة وتقدي نظلة الكيم وممد مظهر سعيد ش دار العشارف ش مصشر‬ ‫‪1‬‬

‫ط ‪ 2‬ش ص‪.56 :‬‬


‫)( ممششد الزايششد‪ :‬العن ش والعششدم بششث ف ش فآلسششفة العنشش‪ ،‬منشششورات عويششدات بيوت )سلسششلة زدن ش علم شلا(‬ ‫‪2‬‬

‫ط ‪ ،1975 ،1‬ص ‪.205‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫الوحش‪ ،‬هو صرّاع دائم بين قاوى الخيرّ وقاوى الشرّ‪ .‬وحتى تلك الساطيرّ التي ترّوي‬
‫أحداثاة تارّيخية مضت كأسطورّة الطوفان)‪ (1‬أو )الدمارّ الشامل(‪ ،‬فهي في الواقاع ل‬
‫تخفي اهتمامها بالمستقبل‪ ،‬فالطوفان الذي ددمرّ الرّض وخدرّب من حولها‪ ،‬تحذيرّ‬
‫دائم من أن غضب اللهة وانتقامها قاد يصيب النسان في أي وقات من الوقاات‪.‬‬
‫ومن هنا يمكننا القول إن هدم السطورّة والشعرّ ل يكمن في التعبيرّ عن الشياء‬
‫العارّضة‪ ،‬المنتهية في الزمان والمكان‪ ،‬إوانما في التعبيرّ عن القيم الخالدة والنماذج‬
‫الكبرّى في حياة البشرّ‪ ،‬وقاد أشارّ كارّل يونغ إلى هذه الفكرّة حين تحدث عن‬
‫الساطيرّ بوصفها أكثرّ نتاج البشرّية البدائية نضجاة وتعبي اةرّ عن هذه النماذج‪،‬‬
‫والشعرّ العظيم عنده يستمد قاوتهّ من حياة النوع البشرّي)‪ ،(2‬تلك الحياة التي تبدو‬
‫بعيدة لكنها تختفي في ذات كل واحد منا‪ ،‬تظهرّ من حين إلى آخرّ في أعمالنا‬
‫الدبية إوابداعاتنا الفنية بل وفي أحلمنا الليلية أيضةا‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن كلة من الشاعرّ وصانع السطورّة يستمد خبرّاتهّ ورّموزه من‬
‫الحياة النفسية والفكرّية للنوع البشرّي‪ .‬والمعرّوف عن هذه الحياة ـ كما يصفها علماء‬
‫النفس والنثرّوبولوجيا ـ أنها غنية بالصورّ والخيالت والرّموز‪ ،‬وهي تضرّب في‬
‫أرّض خصبة‪ ،‬عميقة الجذورّ والمتاهات والغوارّ‪ .‬وبقدرّ ما يكون غوص الفنان في‬
‫هذه الغوارّ والمتاهات‪ ،‬يكون أصيلة وقارّيباة من طبيعة الفن‪ ،‬ومن طبيعة هذه‬
‫النماذج التي يعتبرّها نورّثرّوب فرّاي)‪ (3‬أساس توحيد تجرّبتنا الدبية وتكاملها‪.‬‬
‫ومن الواضح أن الفنانين يتفاوتون في مقدارّ هذا الغوص‪ ،‬فمنهم من يصل إلى‬
‫العماق ومنهم من يبقى على السطح‪ ،‬كل على قادرّ موهبتهّ وعبقرّيتهّ بل واستعداده‬
‫للغوص‪ .‬وقاد ل يكون النجاح حليفاة في كل مرّة‪ ،‬فهناك من الفنانين من بلغ هذه‬
‫العماق في بعض أعمالهّ الفنية‪ ،‬وخاب في بعضها الخرّ‪ ،‬والعكس‪ .‬لن ذلك‬

‫)( حول هذه الفكرة ينظر‪ :‬ميسيا إيلياد‪ :‬أسطورة العود البشدي ترجشة حسشيب كاسشوحة‪ ،‬منششورات وزارة‬ ‫‪3‬‬

‫الثقافآ ششة دمش ششق ‪ 1990‬ص ‪ 33‬وم ششا بع ششدها‪ .‬م ششن بيش ش الفآك ششار ال ششت يطرحه ششا ه ششذا الك ششاتب أن البش ششر‬
‫يلجحششأون إلش تششأمي حيششاتم عششن طريششق تكشرار الفعششل اللششي التمثششل فش خلششق العششال والنسششان إذ ))بفضششل‬
‫تكشرار فآعششل اللششق الكششون يششري إسششقاط الزمششان الششادي الشواقعي‪ ...‬فش الزمششان السششطوري‪ ،‬فش ذلششك الزمششان‬
‫الذي فآيه حصل إنشاء العال‪ .‬هكذا يري ضمان الواقعية وتأمي الديومة(( ص ‪.38‬‬
‫)( حششول هششذه السششطورة ينظششر‪ :‬فآ شراس الس شواح‪ :‬مغششامرة العقششل الول ش دراسششة ف ش السششطورة‪ .‬سششوريا‪ .‬أرض‬ ‫‪1‬‬

‫الرافآدين‪ ،‬دار علء الدين دمشق ط ‪ 1996 ،11‬ص ‪ 153‬وما بعدها‪.‬‬


‫)( ينظ ششر‪ :‬ك‪ .‬غ‪ .‬يون ششغ‪ :‬عل ششم النف ششس التحليل ششي‪ ،‬ترج ششة ن ششاد خياط ششة‪ ،‬دار الش شوار للنش ششر والتوزي ششع س ششوريا‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1985‬ص ‪.206‬‬
‫)( ينظر‪ :‬تشريح النقد‪ ،‬ترجة مي الدين صبحي الدار العربية للكتاب ‪ 1991‬ص ‪.145‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫مطلب عسيرّ يتطلب استعداداة رّوحياة ونفسياة خاصةا‪ ،‬وهو ما ل يتوفرّ دائمةا‪ .‬ولنا في‬
‫كبارّ الفنانين والشعرّاء الصوفيين والرّمزيين من أمثال محي الدين بن عرّبي وابن‬
‫الفارّض وأبو العلء المعرّي وبودليرّ )‪1821‬ـ ‪ (1867‬ورّامبو )‪1845‬ـ ‪(1891‬‬
‫ومالرّميهّ )‪1842‬ـ ‪ (1898‬خيرّ مثال على ذلك‪.‬‬
‫يبدو أن التقارّب الشديد بين السطورّة والشعرّ من حيث اللغة والوظيفة‪ ،‬كما‬
‫رّأينا سابقةا‪ ،‬ناتج من الرّضية الواحدة أو المتشابهة التي ينطلق منها كل من الشعرّاء‬
‫ومبدع الساطيرّ‪ ،‬فهما ))يعيشان في عالم واحد‪ ،‬ولديهما موهبة أساسية واحدة هي‬
‫القدرّة على التشخيص‪ ،‬ول يستطيعان أن يتأمل شيئاة دون أن يمنحاه حياة داخلية‪،‬‬
‫وشكلة إنسانيةا(()‪ (1‬متمي ةزا‪ ،‬وكأنهما ينفثان في الشياء من رّوحيهما فيهبونها القدرّة‬
‫على الفصاح عن نفسها‪ .‬ونعتقد أنهّ بغيرّ هذا النفث أو البقية من السحرّ في‬
‫السطورّة والشعرّ‪ ،‬فإنهما يكدفان عن أن يكونا فناة عظيمةا‪ ،‬لن من طبيعة الفن‬
‫الصلية أن يكون فيهّ شيئاة من السحرّ إوال أصبح كلماة عاديةا‪ .‬وبقدرّ ما يشع هذا‬
‫السحرّ في العمل الفني‪ ،‬تكون عظمتهّ وقايمتهّ‪ ،‬بل وتأثيرّه في النفوس والرّواح‪.‬‬
‫ورّبما هذا ما جعل بعضهم‪ ،‬كما أشرّنا سابقةا‪ ،‬يرّبط بين الفن والسحرّ رّبطاة قاويةا‪.‬‬
‫إن ما يرّبط الشاعرّ المعاصرّ بالساطيرّ والترّاث الشعبي القديم عمومةا‪ ،‬هو‬
‫تلك السمات الفنية التي تتمتع بها هذه الساطيرّ ومنها القدرّة على التشخيص‬
‫والتمثيل‪ ،‬ومنح الحياة للشياء الجامدة‪ ،‬واستخدامها الظلل السحرّية للكلمات‬
‫والصورّ البيانية القادرّة على الحاطة والكشف‪ ،‬أضف إلى ذلك‪ ،‬هذه الطاقاة الخيالية‬
‫الجامحة القادرّة على ارّتياد عالم الطبيعة والنسان‪.‬‬

‫إلى جانب هذا فالسطورّة ))ضرّب من الشعرّ(()‪ (2‬تبني الحقيقة التي تعلن‬
‫عنها بطرّيقتها الخاصة التي هي فوق مستوى التعبيرّ اللغوي المعتاد على حد تعبيرّ‬
‫كلود ليفي سترّاوس)‪ (3‬فهي‪ ،‬بعبارّة أوضح‪ ،‬ذات طبيعة لغوية خاصة ل نجدها في‬
‫تعبيرّ لغوي آخرّ‪ ،‬سوى الشعرّ‪ ،‬وأعني التعبيرّ المجازي عن الحياة والوجود‪ .‬فهذه‬
‫المجازية في الرّؤية والتعبيرّ هي القاسم المشترّك بين السطورّة والشعرّ‪.‬‬

‫)( أرنست كاسشير‪ :‬فآلسشفة الضارة النسشانية أو مقال فش النسشان‪ ،‬ترجشة إحسان عبشاس‪ ،‬دار النشدلس‬ ‫‪1‬‬

‫بيوت ‪ 1961‬ص ‪.266‬‬


‫)( هشش‪ .‬فآرانكفشورت وآخشرون‪ :‬مشا قبشل الفلسشفة‪ ،‬ترجشة جشبا إبراهيشم جشبا الؤمسسشة العربيشة للدراسشات والنششر‬ ‫‪2‬‬

‫بيوت ط ‪ 1980 ،2‬ص ‪.19‬‬


‫)( ينظش ششر كتش ششابه‪ :‬الناسش ششة البنيانيش ششة‪ ،‬ترجش ششة حسش ششن قبيسش ششي‪ ،‬الركش ششز الثقش ششاف العربش ش الش ششدار البيضش ششاء ط ‪،1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1995‬ص ‪.230‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫وهذا شبيهّ بما أشارّ إليهّ إرّنست كاسيرّرّ ‪1874) Ernst Cassirer‬ـ ‪(1945‬‬
‫حينما رّأى أن السطورّة تتضمن عنص اةرّ من الخلق وهي ذات قارّابة وثيقة بالشعرّ‪،‬‬
‫لكونهما شكلة رّمزياة أصليةا‪ ،‬وهي ليست لغة استطرّادية كثيفة التصويرّ‪ ،‬كما قاد‬
‫يتبادرّ إلى بعض الذهان‪ ،‬بل هي أشبهّ بلغة الحلم عند فرّويد)‪ .(1‬ويذهب كاسيرّرّ‬
‫إلى أبعد من ذلك حينما يتبنى الرّأي القائل بأن الشعرّ الحديث تحدرّ من السطورّة‬
‫بعد عمليات من التطورّ البطيء‪ ،‬وأن عقل الشاعرّ ما يزال أساساة عقل صانع‬
‫للساطيرّ)‪.(2‬‬
‫قاد ينطبق هذا الفترّاض على القصائد والملحم الشعرّية القديمة‪ ،‬العرّبية منها‬
‫أو الجنبية‪ ،‬لكنهّ ل ينطبق على الشعرّ كلهّ‪ .‬ومن ثم فالمسألة ليست مسألة تطورّ أو‬
‫انتقال من منهج عقلي إلى منهج رّمزي‪ ،‬كما يعتقد البعض)‪ ،(3‬بقدرّ ما هي مسألة‬
‫إبداع وطبيعة‪ ،‬فالتشابهّ الحاصل بين الشعرّ والسطورّة يعود‪ ،‬في رّأينا‪ ،‬إلى الطبيعة‬
‫ل‪.‬‬
‫الواحدة التي تجمع بينهما لغة وخيا ة‬

‫فعلى مستوى اللغة نجد كل منهما يعتمد على تلك اللغة التصويرّية المجنحة‬
‫التي توحي بالحقيقة ول تقبض عليها‪ .‬وهي لغة الشعورّ أو الذات في إحساسها‬
‫بالشياء على نحو غامض‪ .‬أما الخيال‪ ،‬فهو أداة التشكيل الولى فيهما‪ ،‬ومكتشف‬
‫الوسائل الفنية لتجسيد الفكارّ والمشاعرّ من صورّ ولغة ورّموز إوايقاعات‪ ،‬ويصوغ‬
‫التجرّبة النفسية في إطارّها الخاص وشكلها الملئم‪.‬‬
‫وانطلقااة من هذا التصورّ الجديد لعلقاة الشعرّ بالسطورّة يمكننا القول إن‬
‫السطورّة بطبيعتها تلك وبواعثها ومكوناتها‪ ،‬رّؤى شعرّية عميقة‪ ،‬وصل بها النسان‬
‫الول إلى التعبيرّ عن أفكارّه ومشاعرّه‪ .‬ولهذا نجد في كثيرّ من الحيان ))أن‬
‫الموقاف السطورّي في صميمهّ موقاف شعرّي(()‪ (4‬درّامي‪ ،‬لنهّ موقاف صرّاع دائم‬

‫)( ينظر‪ :‬ك‪ .‬ك‪ .‬راثقي‪ :‬السطورة‪ ،‬ترجة جعفر صادق الليلي ص ‪.122‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ينظششر‪ :‬أرنسششت كاسششير‪ :‬فآلسششفة الضششارة النسششانية أو مقششال ف ش النسششان‪ ،‬ترجششة إحسششان عبششاس ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .145‬لقراءة هذه الشكال )السطورة‪ ،‬الششعر‪ ،‬الشدين‪ ،‬اللغششة( يقشتح علينشا كاسشير ))فآلسشفة الششكال‬
‫الرمزية(( الت هشي برأيشه ل تلغشي القشراءات السشابقة ولكنهشا تكملهشا‪ ،‬وتبقشي الهأيشة الساسشية للوظيفشة الشت‬
‫تقوم با الشكال الرمزية‪.‬‬
‫)( ينظششر‪ :‬عششز الششدين إسششاعيل‪ :‬الشششعر العربش العاصششر )قضششاياه وظشواهره الفنيششة والعنويششة( دار العششودة بيوت‬ ‫‪3‬‬

‫ط ‪ 1981 ،3‬ص ‪.224‬‬


‫)( أنس داود‪ :‬السطورة ف الشعر العرب الديث‪ ،‬دار اليل القاهرة ‪ ،1975‬ص ‪.41‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫بين الخيرّ والشرّ‪ .‬وهذا الصرّاع في حقيقة المرّ هو جوهرّ كل فن عظيم‪.‬‬
‫ليست السطورّة وهماة أو خيالة ل معنى لهّ‪ ،‬كما قاد يعتقد البعض‪ ،‬بل هي‬
‫منطوق النفس النسانية‪ ،‬مثلها مثل الشعرّ‪ ،‬تنشأ من حاجات إنسانية ورّوحية‪ ،‬تتخذ‬
‫من اليحاء والرّمز بنية لها‪ ،‬وتجنح كالشعرّ‪ ،‬إلى أن تخلع على التجرّبة نوعاة من‬
‫السحرّ والرّهبة‪.‬‬
‫ورّبما لهذا السبب قاال شليكل ))السطورّة والشعرّ شيء واحد ل انفصال‬
‫بينهما(()‪ ،(1‬فهما ينبعان من مصدرّ واحد )الذات(‪ ،‬وينتسبان إلى أسرّة رّمزية واحدة‬
‫هي التكوين الرّمزي واللغة الرّمزية‪ ،‬ويؤديان وظيفة واحدة هي التطهيرّ الرّوحي‬
‫والتعبيرّ عن مكنونات النفس‪ .‬ومن هنا كانت حياة ومصيرّ كل منهما متعلقة‬
‫بالخرّ‪)) ،‬فالسطورّة أساس ل غنى للشعرّ عنهّ‪ ...‬والشعرّ أساس ل غنى للسطورّة‬
‫عنهّ(()‪ ،(2‬ووجود أحدهما يعني حتماة وجود الخرّ والعكس صحيح‪.‬‬
‫ويبدو أن الذين ل يفرّقاون بين الشعرّ والسطورّة‪ ،‬من أمثال‪ :‬شليكل ومارّك‬
‫شورّرّ إوايرّيك فرّوم‪ ،‬ينطلقون من تصورّ فلسفي أساسهّ أن السطورّة أم الفنون‬
‫ومصدرّها الخصيب‪ ،‬وهو تصورّ صحيح‪ ،‬لكنهّ غيرّ عام‪ ،‬بمعنى أنهّ ينطبق على‬
‫الفنون القديمة بما في ذلك الشعرّ‪ ،‬لكون هذه الفنون‪ ،‬كما سبق وأن أشرّنا‪ ،‬كانت عند‬
‫نشأتها ذات صلة قاوية بالساطيرّ والمعتقدات السحرّية‪ .‬لكن هذه الفنون سرّعان ما‬
‫انفصلت عن السطورّة‪ ،‬كما انفصلت هذه الخيرّة بدورّها عن الدين‪ ،‬بسبب تطورّ‬
‫المجتمعات البشرّية وتحضرّها‪ .‬غيرّ أن هذه الفنون‪ ،‬والشعرّ منها على وجهّ‬
‫الخصوص‪ ،‬ظل يحتفظ بهذه العلقاة فيحدن إلى السطورّة من حين إلى آخرّ‪ ،‬كلما‬
‫شعرّ بطغيان المادة وتدهورّ العلقاات على نحو ما نجد في شعرّنا العرّبي المعاصرّ‬
‫وغيرّه من أشعارّ المم والحضارّات‪.‬‬
‫أما الذين يفرّقاون بينهما ـ هرّبرّت رّيد على سبيل المثال ـ فهم ينطلقون من‬
‫تصورّ آخرّ مفاده أن ))السطورّة تحيا بالمجاز‪ ،‬وهذا يمكن إيصالهّ بالرّموز اللفظية‬
‫لية لغة‪ ...‬إل أن الشعرّ يحيا بفضل لغتهّ‪ ،‬فجوهرّه مرّتبط بتلك اللغة ول يمكن‬
‫ترّجمتهّ(()‪ .(3‬وعلى الرّغم مما في هذا الكلم من صحة‪ ،‬إل أنهّ يفتقرّ إلى الدقاة في‬
‫فهم طبيعة العلقاة بين الشعرّ والسطورّة من حيث التعبيرّ اللغوي‪ .‬فهو صحيح إذا‬

‫)( ينظر‪ :‬ك‪ .‬ك‪ .‬راثقي‪ :‬السطورة‪ ،‬ترجة جعفر صادق الليلي ص ‪.93‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ينظر‪ :‬ك‪ .‬ك‪ .‬راثقي‪ :‬السطورة‪ ،‬ترجة جعفر صادق الليلي ص ‪.93‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ينظر‪ :‬ك‪ .‬ك‪ .‬راثقي‪ :‬السطورة‪ ،‬ترجة جعفر صادق الليلي ص ‪.96‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫نظرّنا إلى السطورّة على أنها مرّض من أمرّاض اللغة كما سماه ماكس موللرّ)‪،(1‬‬
‫ونظرّنا إلى المجاز على أنهّ افتقارّ اللغة إلى القدرّة على إيجاد المعنى‪ ،‬أما إذا نظرّنا‬
‫إلى المجاز على أنهّ الصل في التعبيرّ الشعرّي والسطورّي على حد سواء‪ ،‬فإننا‬
‫سندرّك أن العلقاة بين الشعرّ والسطورّة علقاتهّ متينة وقاوية تكشف عنها المجازات‬
‫والرّموز المستخدمة فيهما‪.‬‬
‫وعلى الرّغم من هذا الخلف بين الباحثين حول علقاة السطورّة بالدب بعامة‬
‫والشعرّ بخاصة‪ ،‬فإن النتيجة التي انتهى إليها أغلب هؤلء تكمن في أن السطورّة‬
‫تلتقي مع الشعرّ والحلم في كونها المفتاح الوحيد المتبقي في حضارّتنا الذي من‬
‫شأنهّ أن يميط اللثام عن أسرّارّ اللغة الرّمزية‪ ،‬تلك اللغة التي ما لبثت أن نسيتها‬
‫البشرّية قابل أن تتمكن من الرّتقاء بها إلى حيز الكلم الصطلحي الجامع على حد‬
‫تعبيرّ إرّيك فرّوم)‪ .(2‬لكن هذا النسيان ل يعني استحالة قارّاءة الساطيرّ‪ ،‬فهناك العديد‬
‫من المحاولت)‪ (3‬التي استطاعت أن تلج إلى بحرّ هذه اللغة وتكشف عن أسرّارّها‪،‬‬
‫بفضل علم اللغة المقارّن وعلم النفس اللغوي واللسانيات والنثرّوبولوجيا اللغوية وغيرّها‬
‫من العلوم اللغوية والنسانية الخرّى‪.‬‬

‫‪3‬ـ الجذور السطورية للقصيدة العربية‪:‬‬


‫اصطدم جل الباحثين الذين تصدوا لدرّاسة الشعرّ العرّبي في نشأتهّ الولى‬
‫بصعوبات جمة حين حاولوا تصورّ البداية التي نشأ عليها هذا الشعرّ‪ ،‬بحيث أصبح‬
‫فيما بعد على قادرّ كبيرّ من النضج والكتمال‪ .‬غيرّ أن هذه الصعوبات لم تنل من‬
‫عزيمة بعض هؤلء الباحثين)‪ (4‬الذين رّاحوا ينقبون عن هذه الجذورّ مستعينين‬
‫بمختلف العلوم والمعارّف‪.‬‬
‫وكانت النتيجة التي انتهى إليها هؤلء أن للقصيدة العرّبية جذو اةرّ في المعتقدات‬
‫الشعبية القديمة‪ ،‬فقد ظل ))الشعرّ العرّبي يتمثل في وضوح حياة العرّب وطوابعها‬

‫)( ينظششر‪ :‬يششوري سششوكولوق‪ :‬الفولكلششور قضششاياه وتششاريه‪ ،‬ترجششة حلمششي شششعراوي وعبششد الميششد حشواس اليئششة‬ ‫‪1‬‬

‫الصرية العامة للتأليف والنشر ‪ 1971‬ص ‪.73‬‬


‫)( ينظششر كتششابه‪ :‬اللغششة النسششية )مششدخل إل ش فآهششم الحلم والكايششات والسششاطي(‪ ،‬ترجششة حسششن قبيسششي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الركز الثقاف العرب الدار البيضاء ط ‪ 1995 ،1‬ص ‪.22‬‬


‫)( نذكر منها ماولة ماكس مولر‪ ،‬كارل يونغ‪ ،‬كلود ليفي شتاوس وغيهم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( مششن هششؤملء نششذكر‪ :‬نصششرت عبششد الرحششن‪ :‬الصششورة الفنيششة ف ش الشششعر الششاهلي‪ .‬وعلششي البطششل‪ :‬الصششورة ف ش‬ ‫‪4‬‬

‫الشعر العرب حت آخر القرن الثان الجحري‪.‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫الشعبية طوال عصورّه(()‪ (1‬المختلفة‪ ،‬من هذه الطوابع ما ذكرّه كارّل برّوكلمان)‪ (2‬عن‬
‫وظائف الشعرّ وكيف أنهّ كان ينشد لغرّاض سحرّية تساعد على تحمل مشاق‬
‫العمل )الجني‪ ،‬الصيد(‪ .‬ولم يكن شعرّ الرّجز بعيداة عن تلك الغرّاض والممارّسات‬
‫)‪(3‬‬
‫المرّتبطة بالدعية والتعاويذ‪ .‬وليس بعيداة عن هذا الفترّاض‪ ،‬ما ذكرّه علي البطل‬
‫حول بداية الشعرّ العرّبي وصلتهّ بالساطيرّ والطقوس معتمداة على خبرّ أورّده ابن‬
‫الكلبي مفاده أن قابيلة )عك( كانت تلبيتها إذا خرّج أفرّادها حجاجاة تتمثل في تقديم‬
‫غلمين أسودين من غلمانها ليكونا أمام الرّكب فيقولن‪:‬‬
‫نحن غرابا عك‪ ،‬فتقول عك من بعدهما‪:‬‬
‫)‪(4‬‬
‫عك إليك عانية ـ عبادك اليمانية ـ كيما نحج ثانية‬
‫)‪(5‬‬
‫ويعلق علي البطل على هذا الخبرّ ذي الوظيفة السحرّية بقولهّ ))المهم أننا‬
‫نجد في هذه الشعيرّة الطقوسية آثا اةرّ شعرّية في تلبية عك‪ ،‬وهي ثلث شطرّات من‬
‫الرّجز الذي تتجهّ إليهّ أنظارّ الباحثين رّائين فيهّ البداية الولى للشعرّ العرّبي(()‪،(6‬‬
‫وبالخصوص أن هذه الشطرّ جاءت موزونة‪ ،‬متساوية‪ ،‬مسجوعة‪ ،‬منسجمة في‬
‫ألفاظها وحرّوفها‪ ،‬مما يجعلها أقارّب إلى سجع الكهان الذي هو أصل الكلم الشعرّي‬
‫فيما يعتقد‪ .‬وللكشف أكثرّ عن هذه الجذورّ نعرّض لغرّضي الرّثاء والهجاء بوصفهما‬
‫أقادم الغرّاض الشعرّية ارّتباطاة بالممارّسات السحرّية والشعبية‪.‬‬

‫أ‪ -‬الرثاء وطقوس الموت‪:‬‬


‫يعد الرّثاء من أكثرّ الشكال الشعرّية ارّتباطاة بالمورّوث الشعبي لما يتميز بهّ من خصائص شفهية‬
‫كشدة الهتمام بالقافية والتجنيس السجعي والترّديد والترّصيع بأنواعهّ‪ .‬ورّبما خيرّ مثال نقدمهّ على هذا‬
‫الرّتباط بعض قاصائد الخنساء التي ل يستبعد أن تكون منحدرّة من الشعرّ الشعبي الترّنيمي الذي يتميز‬
‫بجرّسهّ ونغمهّ أكثرّ من تميزه بأفكارّه ودللتهّ‪ .‬فعندما تقول النساء‪:‬‬

‫)( شوقي ضيف‪ :‬الشعر وطوابعه الشعبية على مرر العصور‪ ،‬دار العارف مصر ط ‪ ،1984 ،2‬ص ‪.6‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ينظر كتابه‪ :‬تاريخ الدب العربش‪ ،‬ترجشة عبشد الليشم النجحشار دار العارف مصر ط ‪/1 ،1959 ،4‬ش‬ ‫‪2‬‬

‫‪.45‬‬
‫)( ينظششر كتششابه‪ :‬الصششورة فش الشششعر العربش حششت آخششر القششرن الثششان الجحششري دراسششة فش أصششولا وتطورهششا‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫الندلس للطباعة والنشر والتوزيع ط ‪ 1981 ،2‬ص ‪.50‬‬


‫)( ابن الكلب‪ :‬الصنام‪ ،‬تقيق أحد زكي الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة ‪ 1965‬ص ‪.7‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( يبششدو أن هششذه القبيلششة كششانت تعتقششد أن هششذين الغلميش سششوف يملن السششوء عنهششا‪ ،‬ومششا صششياحهما إل‬ ‫‪5‬‬

‫للفششت أنظششار الرواح الش شريرة إليهمششا بششدل القبيلششة‪ .‬بعن ش أن وظيفششة هششذا الطقششس كششانت وظيفششة سششحرية‬
‫تطهيية‪.‬‬
‫)( الصورة ف الشعر العرب حت آخر القرن الثان الجحري دراسة ف أصولا وتطورها‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫نهد التليل لصعب المر رككابا‬ ‫يهدي الرعيل إذا ضاق السبيل بهم‬
‫والصدق حوزته‪ ،‬إن قرنه هابا‬ ‫المجد حلته‪ ،‬والجود عكلته‬
‫إن هاب معضلة سكنى لها بابا‬ ‫طاب محفلة‪ ،‬فراج مظلمة‬
‫خك‬
‫لبا‬
‫شهاد أندية‪ ،‬للوتر ط ك‬ ‫حمال ألوية‪ ،‬قطاع أودية‬
‫)‪(1‬‬
‫لقى الوغى لم يكن للموت هيابا‬ ‫سكم العداة‪ ،‬وفكاك العناة‪ ،‬إذا‬
‫يمكن للدارّس أن يلحظ في هذا المقطع شيئين أساسيين‪:‬‬
‫أولل‪ :‬ابتعاد الشاعرّة عن الصوات الصاخبة والمتنافرّة واعتمادها على الحرّوف‬
‫المهموسة‪ ،‬المتقارّبة والصوات المتماثلة‪ ،‬وأيضاة اعتمادها على التكرّارّ‬
‫والحوارّ وقاوة التخييل العاطفي‪ ،‬وهي السمات نفسها التي تميز الشعرّ‬
‫الشعبي في مجال العديد والرّثاء)‪.(2‬‬
‫ثانيال‪ :‬اعتماد الخنساء على الجمل القصيرّة والتقسيم المتساوي أو المتجانس‬
‫مما يساعد على ترّديد الصوت في تكرّارّ بطيء‪ ،‬وكأن الشاعرّة كانت‬
‫تهذي بقصائدها زمناة قابل أن ترّويها شع ةرّا‪.‬‬
‫وما يقال عن الخنساء يقال أيضاة عن المهلهل في رّثاء أخيهّ‪ ،‬وابنة عم النعمان‬
‫بن بشيرّ في رّثاء زوجها‪ ،‬مما يدل على أن أشعارّهم أو على القال بعض قاصائدهم‬
‫أعدت خصيصاة لطقوس الموت كالنواح والدتفدجع وغيرّهما مما يندرّج ضمن‬
‫الحتفالت الجنائزية التي كانت تقوم على الرّاجيز ذات الموضوعات الشعبية التي‬
‫يناح بها على القتلى والموتى بهدف طمأنتهم في قابورّهم إوابعاد الرّواح الشرّيرّة‬
‫عنهم)‪ .(3‬فالنياحة والبكاء وحلق الشعرّ وغيرّها من الطقوس التي أشارّ إليها شعرّ‬
‫الرّثاء في مواطن كثيرّة‪ ،‬كفكرّة الثأرّ والخلود والنتقال من مكان إلى آخرّ‪ ،‬كلها‬
‫معتقدات ورّموز لبقايا أساطيرّ شعبية عرّفها العرّب في جاهليتهم‪.‬‬

‫)( النساء‪ :‬الديوان ش دار بيوت للطباعة والنشر ش بيوت ش ‪ 1986‬ش ص ‪.8‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( حول خصائص قصيدة العديشد ينظشر‪ :‬عبشد الليشم حفنش‪ :‬الراثشي الششعبية )العديشد( اليئشة الصشرية العامشة‬ ‫‪2‬‬

‫للكتاب ‪ 1982‬ص ‪.272‬‬


‫)( ينظ ششر‪ :‬مص ششطفى عب ششد الش ششاف الش ششوري‪ :‬ش ششعر الرث ششاء ف ش العص ششر ال ششاهلي دراس ششة فآني ششة‪ ،‬ال ششدار الامعي ششة‬ ‫‪3‬‬

‫للطباعة والنشر بيوت ‪ 1983‬ص ‪.157‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫ب‪ -‬الهجاء وطقوس السحر‪:‬‬
‫وفي الهجاء مثال آخرّ عن علقاة الشعرّ بالترّاث الشعبي‪ ،‬وهذه المرّة‬
‫بالممارّسات السحرّية على وجهّ الخصوص‪ ،‬فقد ذهب بعضهم)‪ (1‬إلى القول بأن‬
‫الهجاء بدأ طقساة سحرّياة وممارّسة قاائمة بذاتها يرّاد بها إلحاق الذى والضرّرّ بالعدو‪،‬‬
‫مستدلين على ذلك بأخبارّ كثيرّة منها ما ذكرّه الشرّيف المرّتضي في أماليهّ من أن‬
‫الشاعرّ كان إذا أرّاد الهجاء لبس حلة وحلق شعرّ رّأسهّ إل ذؤابتين‪ ،‬ودهن أحد شقي‬
‫رّأسهّ‪ ،‬وانتعل نعلة واحدة)‪ ،(2‬كما فعل لبيد بن رّبيعة عندما أرّاد أن يتصدى لموقاف‬
‫الرّبيع بن زياد حين أوغرّ صدرّ النعمان على بني عامرّ‪.‬‬
‫وقاد قايل إن حسان بن ثابت كان يخضب شارّبهّ بالحناء حتى تتخذ لون الدم)‪،(3‬‬
‫اعتقاداة منهّ أن هذا اللون يضاعف من قادرّة الرّجل على الهجاء وبالتالي إصابة‬
‫الهدف‪ ،‬وهو اعتقاد قاديم كانت تلجأ إليهّ الجماعات الفرّيقية حينما تعمد إلى تلوين‬
‫أجسادها بالخطوط والشكال المختلفة حين خرّوجها إلى الصيد أو مواجهة العداء‪.‬‬
‫كل هذا يدفعنا إلى العتقاد بأن الهجاء كان ضرّباة من ضرّوب السحرّ‬
‫)‪(4‬‬
‫التشاكلي الذي تحدث عنهّ سيرّ جيمس فرّايزرّ‬
‫الذي يهدف إلى إحداث أثرّ الشعيرّة بجزأيها‬
‫العملي والقولي في التأثيرّ على الخرّ‪ .‬يقول عبيد بن البرص‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫خضعت لها‪ ،‬فالقلب منها جريض‬ ‫صقعتك بالغر الوابد صقعة‬
‫لو تأملنا قاليلة هذا البيت لوجدناه يرّتكز على معتقد سحرّي قاديم يعطي للكلمة‬
‫الصدارّة الولى بوصفها القوة التي يستطيع بها النسان أن يقهرّ عددوه‪ ،‬لن الكلمة‬
‫عند البدائيين ل تعني القول فقط‪ ،‬إوانما الفعل أيضةا‪ ،‬وبعبارّة أخرّى فإن الكلمات عند‬
‫)‪(6‬‬
‫هؤلء ل تصف الشياء فحسب‪ ،‬إوانما تحاول إحداث أثرّ فيها لنها ترّتبط ارّتباطاة‬
‫وثيقاة بجوهرّ الشياء والمخلوقاات التي تعبرّ عنها‪ .‬فالشاعرّ هنا صقع عددوه بالكلمة‪،‬‬

‫)( مششن هششؤملء نششذكر‪ :‬كششارل بروكلمششان‪ :‬تاريششخ الدب العربشش‪ ،‬ترجششة‪ :‬عبششد الليششم النجحششار ‪ /1‬ش ‪ ،46‬علششي‬ ‫‪1‬‬

‫البطل‪ :‬الصورة ف الشعر العرب حت آخر القرن الثان الجحري دراسة ف أصولا وتطورها ص ‪.192‬‬
‫)( ينظر‪ :‬علي البطل‪ :‬الصورة ف الشعر العرب حت آخر القرن الثان الجحري دراسشة فش أصشولا وتطورهشا‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.193‬‬
‫)( ينظر أبو الفرج الصفهان‪ :‬الغان ش تح‪ :‬لنة من الدباء ش دار الثقافآة ش بيوت ش ‪.140 /4‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ينظششر‪ :‬الغصششن الششذهب )دراسششة ف ش الششدين والسششحر( ترجششة أحششد أبششو زيششد اليئششة الص شرية العامششة للتششأليف‬ ‫‪4‬‬

‫والنشر ‪ 1971‬ص ‪.109‬‬


‫)( الديوان‪ ،‬تقيق كرم البستان بيوت ‪ 1964‬ص ‪ ،103‬الريض‪ :‬الغصة عند الوت‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( ينظر‪ :‬إرنست كاسير‪ :‬الدولة والسطورة‪ ،‬ترجة أحد حشدي ممشود اليئشة الصشرية العامشة ‪ 1975‬ص‬ ‫‪6‬‬

‫‪.373‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫لن الوابد‪ ،‬الوارّدة في البيت تعني الكلمات أو القصائد‪ ،‬فكانت النتيجة خضوع‬
‫العدو وتقهقرّه أمامها‪ .‬ورّبما لهذه السباب وصفت قاصيدة الهجاء بأنها قاصيدة‬
‫غرّيبة)‪ (1‬يخاف منها الجميع‪.‬‬
‫قاد يطول الحديث إن نحن تتبعنا كل الغرّاض الشعرّية وكشفنا عن علقاتها‬
‫بجانب من جوانب الثقافة الشعبية أو بالحرّى الحياة الشعبية البسيطة بمعتقداتها‬
‫وتصورّاتها‪ .‬ويكفي هنا أن نشيرّ إلى ما كتبهّ شوقاي ضيف حول هذه العلقاات‬
‫وكيف أن الشعرّ العرّبي ظل على مدرّ العصورّ يحمل طوابع شعبية قاديمة وحديثة‪،‬‬
‫وأنهّ عما قارّيب ))ستتم للشعرّ الفصيح طوابعهّ الشعبية وتتكامل‪ ،‬ول يعود يشعرّ‬
‫بمزاحم لـهّ من الشعرّ العامي(()‪ ،(2‬ويبدو أن الهتمام المتزايد من طرّف الشعرّاء‬
‫المعاصرّين بالترّاث الشعبي بمختلف أنواعهّ وأشكالهّ‪ ،‬هو الذي أوحى للكاتب بمثل‬
‫هذا العتقاد‪.‬‬
‫قاد ل نكون مخطئين إن قالنا إن الشيء الذي نمى هذا العتقاد سواء عند شوقاي‬
‫أو غيرّه‪ ،‬هو تلك الدعوات التي كان يدعو إليها بعض أنصارّ الحداثة وحاملو لواء‬
‫التجديد في الشعرّ ـ وعلى رّأسهم يوسف الخال ـ حين دعوا إلى ضرّورّة النفتاح على‬
‫الثقافة الشعبية واللغة اليومية بوصفها ثقافة حدية قاادرّة على التعبيرّ عن هموم‬
‫النسان المعاصرّ‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك ما كتبهّ بعض المنظرّين للشعرّ المعاصرّ من أنهّ ))ليس ظاهرّة‬
‫شاذة معزولة تحتكرّها طبقة من الناس تترّفع على سائرّ الناس وتنقطع عنهم فتتخذ‬
‫ما يحلو لها من لغة تامة الصطناع‪ ،‬تامة النبتارّ عن لغة البشرّ العاديين(()‪ (3‬فمما‬
‫ل شك فيهّ أن مثل هذه التصرّيحات هي التي شجعت على تبني هذا العتقاد والقول‬
‫بأن الشعرّ المعاصرّ سيحتل مزيداة من مكانة الشعرّ العامي بتخليهّ عن لغتهّ واقاترّابهّ‬
‫من لغة الحديث اليومي‪.‬‬
‫لكننا ل نعتقد أن الشعرّ الفصيح سيتخلى نهائياة عن مكانتهّ‪ ،‬في يوم ما‪ ،‬للشعرّ‬
‫الشعبي‪ ،‬لن للفصيح أنصارّه وتارّيخهّ‪ ،‬كما أن للعامي أنصارّه وتارّيخهّ أيضةا‪ ،‬لكن‬
‫هذا ل يمنع من تأثرّ أحدهما بالخرّ أو العكس‪ ،‬كما حصل في العصورّ السابقة‪،‬‬
‫والمقصود بالتأثرّ هنا‪ ،‬عملية التوظيف‪ ،‬أي أن يستخدم أحد الشاعرّين عناصرّ‬
‫)( ينظر‪ :‬عباس بيومي عجحلن‪ :‬الجحاء الاهلي صوره وأساليبه الفنية ص ‪.136‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( شوقي ضيف‪ :‬الشعر وطوابعه الشعبية على مرر العصور ص ‪.243‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ممششد النششويهي‪ :‬قضششية الشششعر الديششد ش نقلل عششن يوسششف الشال ش نششو شششكل جديششد لششعر عربش جديششد ش‬ ‫‪3‬‬

‫ملة شعر ع ‪ 32 /31‬لبنان ش ‪ 1964‬ش ص ‪.124‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫)صورّة‪ ،‬فكرّة‪ ،‬رّمز( من الخرّ أو العكس مما يخدم شعرّه وأفكارّه‪ .‬ويبقى الفرّق‬
‫بينهما يكمن في أيهما كان بارّعاة في عملية التوظيف والستخدام‪ .‬لن جودة الشعرّ‬
‫وجمالهّ‪ ،‬سواء كان فصيحاة أم شعبيةا‪ ،‬من هذه الناحية بالذات‪ ،‬تتوقاف على حسن‬
‫توظيف الخرّ توظيفاة فنياة بارّعةا‪.‬‬
‫ومن الدلة الخرّى عن علقاة الشعرّ بالمورّوث الشعبي ما ذكرّ عن عملية‬
‫البداع الشعرّي من أساطيرّ وحكايات وقاصص عجيبة سواء عند العرّب قاديماة أو‬
‫غيرّهم من المم والحضارّات‪ ،‬فالغموض الذي أحاط بهذه العملية‪ ،‬جعل العرّب‬
‫يحيطونها بجملة من التصورّات الميتافيزيقية حيث أنزلوا الشاعرّ منزلة كهنوتية‬
‫فأخرّجوه من دائرّة عالم النس إلى عالم الجن‪ ،‬فهم ))يزعمون أن كلب الجن هم‬
‫)‪(1‬‬
‫الشعرّاء(( ‪ ،‬وأن لكل شاعرّ جن أو شيطان يوحي إليهّ الشعرّ ويقولهّ على لسانهّ‪ ،‬يقول امرّؤ القيس‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫شئت من شعرهن اصطفيت‬ ‫تخيرني الجن أشعارها فما‬
‫فالجن هي الموحي والمؤثرّ في عملية البداع‪ ،‬وحضورّ الشاعرّ هو كحضورّ‬
‫الجن باعتبارّ أن هذا الخيرّ بمثابة القرّين الذي يلزم الشاعرّ ول يبارّحهّ‪ ،‬أو قال هو‬
‫الذات الشاعرّة متلبسة بالشاعرّ)‪ .(3‬والغرّيب أن الشعرّاء أنفسهم تبدنوا هذه الفكارّ‬
‫واعتقدوا أن هناك قاوة عجيبة خفية ترّافقهم وتعينهم على قاول ما يتعذرّ على غيرّهم‬
‫من سائرّ الناس‪ ،‬وهي رّوح تختارّهم من بين أترّابهم‪ ،‬تعطف عليهم وتلهمهم رّائع‬
‫الكلم في قاالب موزون مقفى)‪ ،(4‬وأن هذه الرّواح )الجن( تسكن بواد يسمى )عبقرّ(‬
‫ـ أقاام عبقرّ في المجتمع الجاهلي مقام الولمب في المجتمع اليوناني ـ فجعلوه مصد اةرّ‬
‫لجمل الشعارّ وأرّدئها‪ ،‬فنسبوا الجيد منها إلى جني يسمى )الهوبرّ(‪ ،‬وخصوا‬
‫الرّديء بآخرّ يسمى )الهوجل(‪ ،‬ووصفوا الشاعرّ بالكاهن والساحرّ لن كلهما يتلقى‬
‫الوحي من الجن والشياطين‪ ،‬وكلهما يمتهن لغة السرّارّ والرّموز‪.‬‬
‫بل الشاعرّ عندهم أقاوى تأثي اةرّ وأوسع مجالة من الكاهن‪ ،‬فإذا كان تأثيرّ هذا‬
‫الخيرّ ل يتعدى دائرّة المعبد وطقوسهّ‪ ،‬فإن تأثيرّ الشاعرّ يشمل القبيلة كلها بل قاد‬
‫يتعداها إلى غيرّها فيتسامع بهّ الناس في كل مكان‪ .‬ومن هنا كان الحتفال بهّ عند‬

‫)( الششاحظ )أبششو عثمششان عمششرو بششن بششر(‪ :‬الي شوان‪ ،‬تقيششق عبششد السششلم ممششد هششارون دار اليششل‪ ،‬بيوت‬ ‫‪1‬‬

‫‪1996‬ش ‪.229 /6‬‬


‫)( ام ششرؤ القي ششس‪ :‬ال ششديوان‪ ،‬تقي ششق مم ششد أب ششو الفض ششل إبراهي ششم‪ ،‬دار الع ششارف مص ششر ط ‪ 1969 ،3‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.183‬‬
‫)( ينظر‪ :‬ناد توفآيق نعمة‪ :‬الن ف الدب العرب‪ ،‬بيوت ‪ 1961‬ص ‪.150‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ينظر‪ :‬ناد توفآيق نعمة‪ :‬الن ف الدب العرب ص ‪.149‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫القبائل الجاهلية أقاوى وأعظم من الحتفال بالساحرّ أو الكاهن)‪ .(1‬ومهما ذكرّنا عن‬
‫علقاة الشعرّ بالمأثورّ الشعبي عمومةا‪ ،‬وعلقاة الشاعرّ بالساحرّ أو الكاهن‪ ،‬وهي‬
‫علقاة وطيدة ومتينة تشترّك فيها جميع الداب‪ ،‬كما أوضحنا سابقةا‪ ،‬فإن القصيدة‬
‫العرّبية عند الجاهلي كانت شبيهة بتميمة الساحرّ وطقوس العابد‪ ،‬يصدرّها بدوافع‬
‫رّوحية وفكرّية‪ ،‬قااصداة بها إصلح الخلل‪ ،‬حماية لحياتهّ وحياة عشيرّتهّ‪.‬‬
‫وعلى الرّغم مما ذكرّه بعض المحدثين المهتدمين بالنص الشعرّي العرّبي القديم‬
‫حول علقاة الشاعرّ الجاهلي بالجن والتي يقولون فيها بأن ))صورّة الجن التي‬
‫التبست بذات الشاعرّ الجاهلي‪ ،‬يستدعي أمرّها ذكرّ نوبة الختلل وعدم التزان‬
‫التي تعترّي المبدع في جو من النفعال الشديد الذي يرّنو إلى كوة التزان والتطهيرّ‪،‬‬
‫ذلك أن عالم النفعال يكون شبيهاة بعالم الحلم أو عوالم الجنون(()‪ ،(2‬فإن هذا ل ينفي‬
‫مثل هذه العتقادات وبالخصوص إذا علمنا أن العقلية البدائية تدعو إلى العتقاد‬
‫بأن العالم الذي يحيط بها عبارّة عن لغة تستعملها الرّواح والجن في مخاطبة بعض‬
‫العقول)‪ ،(3‬أضف إلى ذلك أن الثقافة تلك المرّحلة كانت تستلزم مثل هذا العتقاد‪،‬‬
‫لنها ثقافة قاائمة على التصورّات الغيبية والطقوس الشعبية‪ ،‬إوال كيف نفسرّ إيمان‬
‫الشعرّاء أنفسهم بهذه الفكارّ‪.‬‬
‫فعلقاة الشاعرّ بالجن‪ ،‬والشعرّ بالسحرّ وغيرّه من الفنون والشكال القولية‬
‫الشعبية‪ ،‬علقاة يكشف عنها الذهن القديم بكل ما يحملهّ من رّواسب وأفكارّ وخيالت‬
‫ورّؤى وترّاكمات مثيودينية مختلفة‪.‬‬
‫لم يكن هذا العتقاد مقتص اةرّ على العرّب وحدهم‪ ،‬ففي اليونان كان الشعرّاء‬
‫يتوسلون لرّبات الشعرّ وآلهة الفنون ‪ muses‬ليتلقوا منها الوحي‪ ،‬وكانوا يستهلون‬
‫قاصائدهم بعبارّة ))غني غني رّبات الشعرّ(()‪ (4‬معترّفين بأنهم ليسوا أكثرّ من وسطاء‬
‫وأن كلماتهم ليست سوى كلمات هذه اللهة‪ .‬وقاد ازداد هذا العتقاد اتساعاة عندما‬

‫)( ينظر‪ :‬ممود شكري اللوسي‪ :‬بلوغ الرب ف معرفآة أحوال العشرب‪ ،‬دار الكتشاب العربش مصر ط ‪،3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.84 /3‬‬
‫)( حول علقة الشن بالبشداع الششعري ينظشر‪ :‬اسشطنبول ناصشر‪ :‬تشداعي الشوعي فش الشعر الاهلي‪ ،‬مطشوط‬ ‫‪2‬‬

‫رسالة ماجستي‪ ،‬معهد اللغة والدب العرب جامعة وهران ‪ 1985‬ش ‪ 1986‬ص ‪.150‬‬
‫)( ينظر‪ :‬ليفي بريل‪ :‬العقلية البدائية‪ ،‬ترجة ممد القصاص مكتبة مصر‪ ،‬د‪ .‬ت ص ‪.52‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( بششذه العبششارة أو مثلهششا كششانت تبششدأ معظششم قصششائد الشششعر الغنششائي‪ ،‬ومنهششا الليششاذة والدويسششة لششوميوس‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫حول هذه الربات أو اللة وعلقتها بالشعراء ينظر‪ :‬أحشد عثمشان‪ :‬الششعر الغريقشي تراثشال إنسشانيال وعاليشلا‪،‬‬
‫سلسلة كتب عال العرفآة الكويت ع ‪ 1984 ،77‬ص ‪ 57‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫ساد الظن بأن الشعرّاء هم أبناء هذه اللهة)‪.(1‬‬
‫تذكرّنا عبارّة )غني غني رّبات الشعرّ( بكثيرّ من مطالع الشعرّ الشعبي‬
‫الجزائرّي)‪ (2‬التي تبدأ بذكرّ اسم ال والرّسول‪ ،‬كقولهم‪)) :‬بسم ال نبدأ هذا العنوان((‬
‫)‪)) ،(3‬باسم ال نبدأ هذوا الشعارّ‪ ...‬بجاه النبي شفيع المذنبين(()‪)) ،(4‬بسم ال‬
‫أبديت كلمي بالتعبيرّ‪ .(5)((...‬وهي مطالع ضرّورّية كتلك التي ألفناها في الشعرّ‬
‫الجاهلي‪ ،‬لنها أشبهّ ما تكون بالطقس الذي ل يستقيم الشعرّ بدونهّ‪.‬‬
‫والغرّيب أن هذا العتقاد ظل سائداة إلى عصرّنا الحديث عند بعض الشعرّاء‪،‬‬
‫فقد اعتقد مالرّميهّ أن اللهة هي التي توحي لنا بالبيات الولى من القصيدة‪ ،‬أما‬
‫البقية فينبغي أن نعتمد فيها على أنفسنا)‪ .(6‬وشبيهّ بهذا التصورّ ما ذكرّه شلي من أن‬
‫الشعرّ ليس قاوة خاضعة لحكام الرّادة‪ ،‬إوانما لقوة خفية)‪.(7‬‬
‫ومهما ذكرّنا من هذه التصورّات‪ ،‬فإن الفضل يعزى إلى الرّومانتيكية في إحيائها‬
‫وترّسيخها في أذهان الشعرّاء والمبدعين بسبب ما اتصفت بهّ من أفكارّ غامضة‬
‫وخيالت واسعة وأحلم مجهولة‪ .‬فقد حاول أنصارّ هذا المذهب الكشف عن طبيعة‬
‫عملية البداع الفني‪ ،‬فرّبطوا بين الشعرّ والسطورّة من جهة‪ ،‬وبين الخيال والحلم‬
‫من جهة أخرّى‪ ،‬واعتبرّوا السطورّة والحلم منشأ الشعرّ ومهده الذي يترّعرّع فيهّ‪،‬‬
‫فالحلم عندهم كالشعرّ تنتزعنا من حياة العزلة وتصلنا بالعماق النفسية وترّبطنا‬

‫)( قيششل عششن هششوميوس أنششه ابششن بوسششيدون إلششه البحششر مششرة‪ ،‬وابششن أبولششو إلششه الشششعر مششرة أخششرى‪ ،‬وقيششل أن أمششه‬ ‫‪1‬‬

‫كانت حورية من حوريات الاء ينظر‪ :‬أحد كمال زكي‪ :‬الساطي ص ‪.119‬‬
‫)( ينظششر‪ :‬ابششن مسششايب‪ :‬الششديوان‪ ،‬إعششداد‪ :‬الفنششاوي أمق شران السششحنون وأسششاء سششيفاوي‪ ،‬الؤمسسششة الوطنيششة‬ ‫‪2‬‬

‫للكتاب الزائر ‪ 1989‬ص ‪ .74 ،71 ،29‬وأيضال التلي بن الششيخ‪ :‬دور الششعر الششعب الزائشري فش‬
‫الثورة الؤمسسة الوطنية للكتاب ش الزائر ش ص‪.494 ،320 :‬‬
‫)( أحد حدي‪ :‬ديوان الشعر الشعب )شعر الثورة السلحة( منششورات التحشف الشوطن للمجحاهشد ‪1994‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪ ،102‬والقصششيدة بعن شوان )علششى الزائششر ذقششت الغب ششان( للشششاعر قيششوس اليلل ش الول ششود بتاريششخ ‪9‬‬
‫سبتمب ‪ 1930‬بوادي الي بستغان الزائر‪.‬‬
‫)( أحد حدي‪ :‬ديوان الشعر الشعب )شعر الثورة السلحة( ص ‪.105‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( أحد حدي‪ :‬ديوان الشعر الشعب )ششعر الثشورة السشلحة( ص ‪ 111‬مشن قصشيدة )معركشة جبشل مارقشة(‬ ‫‪5‬‬

‫للشاعر ممد شبية الولود بتاريخ ‪ 14‬أكتوبر ‪ 1927‬بالسيلة الزائر‪ ،‬والت نظمها سنة ‪.1957‬‬
‫)( ينظششر‪ :‬نششور ثششروب فآ شراي‪ :‬تش شريح النقششد‪ ،‬ترجششة مششي الششدين صششبحي الششدار العربيششة للكتششاب ‪ 1991‬ص‬ ‫‪6‬‬

‫‪) 385‬من الامش(‪.‬‬


‫)( أحششد الطريسششي أع شراب‪ :‬التصششور النهجحششي ومسششتويات الدراك ف ش العمششل الدب ش والشششعري‪ ،‬شششركة بابششل‬ ‫‪7‬‬

‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط ‪ 1989‬ص ‪.14‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫برّوابط خفية مع مصيرّنا البدي)‪ .(1‬وبهذا أعاد هؤلء النصارّ إلى حقل الشعرّ‬
‫والذاكرّة‪ ،‬العديد من الفكارّ والتصورّات القديمة التي سوف ينشأ في أحضانها الشعرّ‬
‫المعاصرّ‪.‬‬
‫في ظل هذا التصورّ المتميز بالغموض والغرّاق في الذاتية ظهرّت القصيدة‬
‫المعاصرّة وهي تشق طرّيقها إلى أعماق النفس من خلل لغة الرّموز والساطيرّ‬
‫والحلم التي وصفت بأنها المنافذ المطلة بالنسان على عوالم البداية والخلود‪.‬‬
‫فأصبحت للكلمة الشعرّية على لسان الشاعرّ المعاصرّ مكانة عالية ل تختلف عن‬
‫المكانة التي كانت لها عند النسان )الشاعرّ( الول‪ ،‬ل يدرّي كنهها وتأثيرّها إل‬
‫أولئك الذين اكتووا بنارّها‪:‬‬
‫ولنك ل تدري معنى اللفاظ‪ ،‬فأنت تناجزني باللفاظ‬
‫اللفظ حجر‬
‫)‪(2‬‬
‫اللفظ منية‬
‫أما الرّؤيا الشعرّية فقد أصبحت هي الخرّى ))تتكون بفعل عملية سحرّية غرّيبة‬
‫عن قاواعد المنطق(()‪ (3‬والمألوف‪ ،‬أو كما قاال أدونيس ))قافزة خارّج المفهومات‬
‫السائدة(()‪ ،(4‬فهي أقارّب إلى منطق الحلم والنبوءة‪ .‬ونتيجة لذلك وصف الشعرّ بأنهّ‬
‫كالسحرّ)‪ (5‬أو الممارّسة الميتافيزيقية التي تضرّب صوب الخارّق والفائق‪.‬‬
‫كل هذا‪ ،‬يجعلنا نذهب إلى القول إن القصيدة المعاصرّة أصبحت تنحدرّ لحظة‬
‫تشكلها ونهوضها‪ ،‬من الرّحاب ذاتها التي كانت تنحدرّ منها المعتقدات والساطيرّ‪،‬‬
‫وأصبحت نظرّة الشاعرّ المعاصرّ كنظرّة النسان الول حينما كان يخاطب الشياء‬
‫وكأنها أرّواح تسمع وتستجيب لندائهّ ودعائهّ‪ ،‬يقول أدونيس‪:‬‬
‫لو أنني أعرف أن أكلم الشياء‪..‬‬
‫وقلت للشياء والفصول‬
‫تواصلي كهذه الجواء‬

‫)( ينظر‪ :‬ممد غنيمي هلل‪ :‬الرومانتيكية دار العودة بيوت ‪ 1973‬ص ‪99‬ش ‪.100‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان دار العودة بيوت ط ‪ ،1983 ،4‬ص ‪.265‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الس ششعيد ال ششورقي‪ :‬لغ ششة الش ششعر العربش ش ال ششديث مقرومات ششا الفني ششة وطاقات ششا البداعي ششة‪ ،‬دار النهض ششة العربي ششة‬ ‫‪3‬‬

‫للطباعة والنشر بيوت ط ‪ 1984 ،3‬ص ‪.87‬‬


‫)( زمن الشعر‪ ،‬دار العودة بيوت ط ‪ 1983 ،3‬ص ‪.9‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( أدونيس )علي أحد سعيد(‪ :‬زمن الشعر ص ‪.31‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫مدي لي الفرات‬
‫)‪(1‬‬
‫خكليه ماء دافقال أخضر كالزيتون‬
‫يتمنى الشاعرّ لو أنهّ يعرّف كيف يكلم الشياء‪ ،‬كما كان يكلمها أسلفهّ‪،‬‬
‫ليتمدكن من الغوص في أعماقاها فيشعرّ بأنهّ جزء منها‪ ،‬أو من هذا العالم الغرّيب‬
‫لنسان وزنةا‪ .‬إن عجز الشاعرّ عن تكليم الشياء والتواصل‬ ‫الذي أصبح ل يقيم ل ل‬
‫معها‪ ،‬يفسرّ عمق الهوة التي تفصلنا عن الكون من جهة‪ ،‬وعن المجتمع والخرّين‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬كما أنهّ يكشف غرّبة الشاعرّ المعاصرّ ووحدتهّ‪ .‬وهذا القصورّ في‬
‫التواصل مع الشياء أو العالم بصورّة عامة‪ ،‬سببهّ الفقرّ الرّوحي الذي أصاب‬
‫حضارّة القرّن العشرّين من جرّاء طغيان المادة وترّاجع القيم‪.‬‬
‫ورّبما خيرّ مثال نقدمهّ على هذا الفقرّ قاصيدة )البئرّ المهجورّة( ليوسف الخال‬
‫التي هي محاولة بحث عن انبعاث رّوحي يخلص النفس من عمقها ومأساتها‪،‬‬
‫فالرّض صحرّاء قااحلة بل هي كالجثة الهامدة التي ل حياة فيها‪ ،‬والبشرّ عليها‬
‫عطاش أو كالموتى ل يدرّون ما يصنعون‪ ،‬والبئرّ من حولهم تفيض بالمياه‪ ،‬لكن من‬
‫ذا الذي يلتفت إليها‪ ،‬أو على القال يرّمي فيها بحجرّ‪:‬‬
‫عرفت إبراهيم‪ ،‬جاري العزيز‪ ،‬من زمان‪.‬‬
‫عرفته بئ ارل يفيض ماؤها‬
‫وسائر البشر‬
‫تمكر ل تشرب منها‪ ،‬ل ول‬
‫)‪(2‬‬
‫ترمي بها‪ ،‬ترمي بها حجر‬
‫وتزداد مأساة الشاعرّ عندما ينظرّ إلى الطرّيق فل يرّى إل الشباح السوداء‪:‬‬
‫وفي الطريق ألف شبح وشبح‪،‬‬
‫وهاهي الوجوه خزف‪ ،‬قماقم‬
‫والخاتم اللبيك صدئ‪،‬‬
‫والبسط الريح استحالت طائرلا‪،‬‬
‫عجلة تدور والزمان واحد‪،‬‬

‫)(‪-‬أدونيس )علي أحد سعيد(‪ :‬الثار الكاملة‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت ط ‪.2/35 -1971 ،2‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬يوسف الال‪ :‬العمال الشعرية الكاملة ‪ 1979‬دار العودة‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ 1979 ،2‬ص ‪.203‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫وشهرزاد ما تزال تسرد الحياة ههنا حكاية‪.‬‬
‫وشهرزاد جسد‪،‬‬
‫كالورق الذي يهر‪ ،‬جسد‬
‫والسر في الجذور‪.‬‬
‫وعبثال نصيح‪ :‬نحن كالرياح‬
‫حرة تجيء من مكانها وحرة تروح‪.‬‬
‫لنا التراب بيت رحم وكفن‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والموت وحده البقاء‬
‫فشهرّزاد التي استطاعت – كما ترّوي حكايات ألف ليلة وليلة – أن تنقذ النساء‬
‫من بطش شهرّيارّ وتخلصهن من الموت المحتوم عليهن‪ ،‬لم تعد قاادرّة على بعث‬
‫الحياة من جديد‪ ،‬لنها لم تستطع إنقاذ البشرّ من الموت الذي خديم على كل شيء‪..‬‬
‫فشهرّزاد الرّوح أو الحياة انتهت ولم يعد لها أثرّ‪ ،‬ولم يبق منها إل الجسد الذي‬
‫صارّ كالورّق الذي يهدرّ لكن بدون جدوى‪ .‬بهذه الطرّيقة أو السلوب دخل الشاعرّ‬
‫في تناص عكسي مع حكاية شهرّزاد‪ ،‬فجاء توظيفهّ لها مخالفاة للصل‪ ،‬وهذا يعني‬
‫أن الشاعرّ لم يكن من المقلدين أو الناقالين للترّاث كما هو‪ ،‬إوانما رّاح يغيرّ منهّ‬
‫تماشياة مع تجرّبتهّ وما يتطلبهّ الموقاف منهّ من تبديل وتغييرّ‪.‬‬
‫فالكل يعرّف أن شهرّزاد في ألف ليلة وليلة كانت رّم اةز للحياة والسعادة والحرّية‬
‫والمن والمستقبل‪ .‬لكن هل كانت كذلك في المقطع؟ ماذا فعل إذن يوسف الخال‬
‫بهذا الرّمز؟‬
‫ذكرّنا فيما سبق أن شهرّزاد الرّوح‪ ،‬الفكرّة‪ ،‬الموقاف‪ ،‬الجذرّ‪ ،‬قاد انتهت ولم يعد‬
‫لها حضورّ في هذا الزمن البائس‪ ،‬وبقيت شهرّزاد الجسد رّمز الشهوة والثارّة الجنسية‬
‫والفتنة والغواية)‪ ،(2‬فهي ل تستطيع أن تفعل شيئةا‪ ،‬لن الشاعرّ جرّدها من كل‬
‫الصفات الحيوية التي ذكرّت بها في حكايتها الصلية التي كان بإمكانها أن تكون‬
‫من خللها بطلة هذا العصرّ أو على القال من نماذجهّ المتميزة‪ ،‬لكنهّ أرّاد لها أن‬
‫)(‪-‬يوسف الال‪ :‬العمال الشعرية الكاملة ‪ 1979‬ص ‪.210‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬بشذه الرمزيششة وظفشت ششهرزاد فش الداب الغربيشة‪ ،‬ويبشدو أن جشالن مششتجم الليشال كشان سششببال فش تششويه‬ ‫‪2‬‬

‫هذه الرمزية أو النموذج الصلي لكايشة ششهرزاد بالصشوص حشت تتلءم مشع بيئشة الغشرب وتقاليشده‪ ..‬حشول‬
‫هذا الوضوع ينظر‪ :‬مصطفى عبد الغنش‪ :‬ششهرزاد فش الفكر العربش الشديث دار الششروق‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،1985‬ص ‪.25 -24‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫تكون كذلك ليعبرّ من خللها عن الموت الشامل الذي أصاب المة ورّموزها الخالدة‪.‬‬
‫لم تكن شهرّزاد الشخصية الترّاثية الوحيدة التي عرّفت هذا التحدول‪ ،‬فهناك‬
‫العديد من الرّموز والشخصيات التي شهدت هذا التغييرّ نفسهّ داخل النصوص‬
‫طمت‬‫الشعرّية‪ ،‬وبالخصوص تلك التي كتبت بعد هزيمة حزيرّان ‪ 1967‬التي ح د‬
‫العزائم وأذهبت كل المال‪ ،‬وامتد أثرّها إلى رّموز المة فأصابها الضعف والوهن‪.‬‬
‫فالسندباد المغامرّ قاد توقاف عن المرّحلة وعنترّة بن شداد الفارّس العرّبي المعرّوف‬
‫بالشجاعة والبسالة‪ ،‬تحدول إلى شخص ضعيف مستكين‪ ،‬وخالد بن الوليد )سيف ال‬
‫المسلول( صارّ )سيف ال المغمد()‪ ،(1‬وسيف بن ذي يزن في بادية العرّاق‬
‫يحتضرّ)‪.(2‬‬
‫أما إبرّاهيم والبحرّ )الماء( كما يتضح من هذه القصيدة )البئرّ المهجورّة( فهما‬
‫رّمزان للخلص والنبعاث‪ .‬لكن السؤال المطرّوح‪ ،‬لماذا اختارّ يوسف الخال إبرّاهيم‬
‫ل‪ ،‬علماة أن هذه الخيرّة كانت من بين‬
‫رّم اةز للنبعاث ولم يخترّ شهرّزاد مث ة‬
‫)‪(3‬‬
‫الشخصيات الترّاثية التي استقطبت أنظارّ الدباء والشعرّاء في تلك الفترّة؟‬
‫هل أرّاد هذا الشاعرّ بالشارّة إلى إبرّاهيم أن يبحث عن رّمز جديد لم يستخدمهّ‬
‫الشعرّاء؟ أم أنهّ كان تحت تأثيرّ تصورّ غرّبي مفاده أن النبعاث لن يتحقق على يد‬
‫عرّبية كشهرّزاد؟ أم لن إبرّاهيم رّمز الدين وأب النبياء‪ ،‬وأن الخلص ل يكون بغيرّ‬
‫الدين والعودة إلى ال؟ أم لنهّ أرّاد أن يجمع بين الدين ممثلة في إبرّاهيم‪ ،‬والترّاث‬
‫السطورّي ممثلة في تموز وأدونيس بوصفهما رّم از الموت والنبعاث‪ ،‬بهدف تشويهّ‬
‫الحقائق والفكارّ؟‬
‫يبدو أن كل هذه الحتمالت وارّدة‪ ،‬لكن الشيء الذي استطاع يوسف الخال أن‬
‫يتوصل إليهّ‪ ،‬بخلف غيرّه من الشعرّاء‪ ،‬هو لإيمانهّ بأن الخلص ل يكون بغيرّ‬
‫العودة إلى الدين )المسيح وال( بكل ما يستلزمهّ من صبرّ وتضحيات‪ ،‬لكن البشرّ‬
‫)(‪-‬ينظششر‪ :‬علششي عشششري زايششد‪ :‬اسششتدعاء الشخصششيات التاثيششة ف ش الشششعر العرب ش العاصششر دار الفكششر العرب ش‬ ‫‪1‬‬

‫القاهرة ‪ 1997‬ص ‪.127‬‬


‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان دار العودة‪ ،‬ط ‪ ،1983 ،3‬ص ‪.313‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(‪-‬ل ش يتبششع يوسششف الششال أسششلوب الكششثي مششن الشششعراء ف ش السششطو علششى الرمششوز الكتشششفة حششت ل يقششع ف ش‬ ‫‪3‬‬

‫النمطيششة والتكشرار‪ ،‬فآكششان يكتشششف رمششوزه بنفسششه ول يع شرول علششى غيه مششن الشششعراء‪ ،‬عكششس أولئششك الششذين‬
‫كشانوا يلجحشأون إلش التقليشد‪ ،‬فآمشا إن ينجحشح ششاعر فش توظيشف شخصشية أو رمشز لليشاء ببعشض أبعاد تربتشه‬
‫حششت يتصششارع إليهششا بقيششة الشششعراء فآيوظفونششا بالششدلول نفسششه‪ ،‬وعنششدها تفقششد تلششك الشخصششية كششل طاقششاته‬
‫اليائية وقدراتا على التميز‪ .‬ويعد هشذا التقليشد مشن أخطشر الزالشق الفنيشة الشت تشدد عمليششة توظيشف الشتاث‬
‫بعامة ف الشعر العرب العاصر‪.‬‬

‫‪- 50 -‬‬
‫يرّفضون هذه التضحيات‪ ،‬وفي ظل هذا الرّفض يتساءل الشاعرّ عن مصيرّ هذه‬
‫المة أو البشرّية الرّعناء‪:‬‬
‫ترى‪ ،‬يحكول الغدير سيره كأن‬
‫تبرعم الغصون في الخريف أو ينعقد الثمر‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ويطلع النبات في الحجر؟‬
‫و)البئرّ المهجورّة( قاصيدة أسطورّية تتقاطع مشاهدها مع مشاهد )الرّض‬
‫الخرّاب( لليوت ورّموزها‪)) ،‬فإبرّاهيم أشبهّ بتموز أو أدونيس‪ ،‬ورّمز الماء ل تخفى‬
‫أهميتهّ في القصيدتين‪ .‬ومفهوم العقم الرّوحي في سياق القصيدة ووجوب النطلق‬
‫منهّ لبعث الرّض والنفس هو صلب موضوع قاصيدة إليوت‪ .‬بالضافة إلى هذا تم‬
‫الترّكيز على مفهوم الخصب ورّمزه )الماء( عند كل الشاعرّين(()‪ ،(2‬غيرّ أن يوسف‬
‫الخال يحدمل هذا الرّمز )الماء( أو البحرّ كما يشيرّ إليهّ في هذه القصيدة‪ ،‬بعداة‬
‫حضارّياة جديدةا‪ ،‬فالبحرّ في شعرّه هو طرّيق النفتاح على العالم الغرّبي وحضارّتهّ‪،‬‬
‫وهو الهاجس الذي ينبغي رّكوبهّ وخوض غمارّه لنهّ سبيل الخلص والتحرّرّ من‬
‫الفكارّ القديمة‪.‬‬
‫إن التخلص من ثقافة الصحرّاء )رّمز الحضارّة العرّبية(‪ ،‬والعودة إلى ثقافة‬
‫البحرّ )رّمز الحضارّة الغرّبية( هي إحدى الساسيات الجوهرّية التي ينطلق منها‬
‫يوسف الخال في تصورّه لفكرّة النبعاث‪)) ،‬فالحضارّة الغرّبية هي حضارّتنا نحن‬
‫بقدرّ ما هي حضارّة الفرّنسي واللماني والرّوسي‪ ...‬ونحن ل قايمة ول مستقبل لنا‪،‬‬
‫في العالم العرّبي‪ ،‬إن بقينا خارّجها ولم نتبدنها من جديد ونتفاعل معها ونفعل فيها‪.‬‬
‫إنها لنا وهي نحن(()‪ (3‬ول سبيل للنبعاث بغيرّها‪ .‬ذلك هو طرّيق الخلص إذن الذي‬
‫خطهّ الشاعرّ‪ ،‬وهو طرّيق انتهى إليهّ بعد معاناة طويلة وخيبة أمل من انبعاث داخلي‬
‫يقوم بهّ أفرّاد المة‪.‬‬

‫‪-4‬اللغة وأشكال التراث الشعبي‪:‬‬


‫عندما توقاف صلح عبد الصبورّ عند ت‪ .‬س‪ .‬إليوت قاال‪)) :‬لم تستوقافني‬

‫)(‪-‬يوسف الال‪ :‬العمال الشعرية الكاملة ‪ 1979‬ص ‪.203‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬ديزيشره سشرقال‪ :‬الرض الشراب والششعر العربش الشديث )دراسشة تشأثي قصشيدة ت‪ .‬س‪ .‬إليشوت فش الششعر‬ ‫‪2‬‬

‫العرب الديث( ص ‪.81‬‬


‫)(‪-‬ملة شعر العدد ‪ 15‬صشيف ‪ 1960‬ص ‪ 139‬مشن رسشالة كتبهششا يوسششف الشال إلش سششلمى الضشراء‬ ‫‪3‬‬

‫اليوسي يرد فآيها على بعض استفساراتا وتجحمها عليه‪.‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫أفكارّه أول المرّ بقدرّ ما استوقافتني جسارّتهّ اللغوية(()‪ (1‬لكن ما المقصود بالجسارّة‬
‫اللغوية تلك؟ وهل فعلة أن لغة إليوت هي أهم ما يميز أعمالهّ الشعرّية؟ ثم ما هي‬
‫خصائص هذه اللغة التي استوقافت العديد من الشعرّاء العرّب وليس صلح عبد‬
‫الصبورّ فحسب‪ ،‬فرّاحوا يقلدونهّ ويكتبون على منوالهّ؟ يبدو أن صلح عبد الصبورّ‬
‫كان على وعي تام بالمسألة الشعرّية‪ ،‬وهي مسألة لغوية بالدرّجة الولى‪ ،‬لن ما‬
‫يميز القصيدة المعاصرّة ليس هو خرّوجها عن الوزان القديمة وطرّيقة الكتابة والبناء‬
‫فحسب‪ ،‬بل الذي يميزها فعلة عن القصيدة الكلسيكية هو لغتها وقااموسها الشعرّي‪،‬‬
‫وهو قااموس أسطورّي وترّاثي بالساس‪ ،‬فأغلب الشعرّاء –كما سيأتي الحديث لحقةا‪ً-‬‬
‫كانوا يدرّكون أن اللغة الشعرّية القديمة لم تعد تجدي نفعاة في هذا العصرّ‪ ،‬ومن ثدم‬
‫كان القابال على لغة الترّاث الشعبي وأساطيرّه لما يزخرّ من رّموز وصورّ شعرّية‪.‬‬
‫فلو تأملنا قاليلة شعرّ الرّواد‪ ،‬وأعني السياب‪ ،‬صلح عبد الصبورّ‪ ،‬خليل حاوي‪،‬‬
‫يوسف الخال‪ ،‬عبد الوهاب البياتي‪ ...‬لدرّكنا فعلة أن الساطيرّ والمعتقدات الشعبية‬
‫كانت عند هؤلء قااموسهم الثرّي الذي يستخرّجون منهّ مفرّدات لغتهم‪ ،‬ويثرّون بهّ‬
‫دللتهّ الفكرّية والشعورّية ويفجرّون في نفوس قارّائهم –من خللهّ‪ ً-‬طاقاات من‬
‫الحساس بتارّيخ البشرّية عبرّ قارّونها الطويلة‪ ،‬وبهموم النسان المعاصرّ‪ ،‬ومصيرّ‬
‫المة العرّبية الممزقاة بين الماضي والحاضرّ‪.‬‬
‫إن الجسارّة اللغوية التي كان يعنيها صلح عبد الصبورّ هي هذا القاموس‬
‫الشعرّي أو بالحرّى هذا الترّاث النساني الذي كان يستقي منهّ ت‪.‬س‪.‬إليوت رّموزه‬
‫وصورّه‪ ،‬يقول هذا الخيرّ في معرّض حديثهّ عن اللغة الشعرّية إن‪)) :‬اللغة التي‬
‫تتداولها كل الطبقات‪ ،‬هي التي تعبرّ أصدق تعبيرّ عن النفعال والوجدان(()‪ (2‬وقاد‬
‫دفعهّ هذا العتقاد إلى اعتماد هذه اللغة في شعرّه لما تحملهّ من إرّث حضارّي‬
‫عميق‪ .‬فكانت النتيجة أن خرّج بلغة جديدة قادرّبتهّ من الواقاع والحياة المعاصرّة إلى حد‬
‫اللتحام بها‪ ،‬ولعل أصدق شاهد على هذه اللغة بصورّة خاصة والترّاث الشعبي‬
‫النساني بعامة‪ ،‬قاصيدتهّ )الرّض والخرّاب( التي تظهرّ فيها استعمالتهّ الفنية‬
‫لمختلف أشكال هذا الترّاث‪.‬‬
‫يتضح مما سبق أن اللغة التي كان يبحث عنها الشاعرّ العرّبي المعاصرّ هي‬
‫نفسها تلك اللغة التي حدثنا عنها إليوت‪ ،‬لغة الترّاث الشعبي بل لغة الشعوب والمم‬

‫)(‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬حيات ف الشعر دار اقرأ‪ ،‬بيوت‪ ،1992 ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬ت‪ .‬س‪ .‬إليوت‪ :‬مقالت ف النقد الدب ترجة لطيفة الزيات دار اليل للطباعة القاهرة‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫المكافحة من أجل البقاء‪ ،‬تلك اللغة التي ل تزال تحتفظ بح ارّرّتها وتتسم بطابعها‬
‫السحرّي الخلب‪ ..‬اللغة التي تستطيع أن تنفذ إلى أعماق النفوس والشياء فتترّك‬
‫أث اةرّ فيها أو عليها‪ .‬إن ))اللغة التي يتداولها الناس قاد تكون أحياناة أقاوى من لغة‬
‫)‪(1‬‬
‫القاموس لنها‪ ،‬عندما تندرّج في سياق القصيدة‪ ،‬تتصفى فتصيرّ رّم ةزا(( شعرّياة‬
‫يحمل في ذاتهّ أبعاداة نفسية وحضارّية ل حد لها‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك فإن من ميزات هذا الترّاث اتصافهّ بالجدية والرّمزية والشمول‪،‬‬
‫والخيال الواسع والعاطفة الصادقاة والصورّ الحية المتحرّكة‪ ،‬وهو إلى جانب هذا‬
‫يتمتع بلغة ذات طابع سحرّي عجيب وقاداسة كبيرّة)‪ .(2‬وفي أساطيرّ التكوين‬
‫والصول‪ ،‬والموت والنبعاث والخلود خيرّ مثال على ذلك‪ .‬كل هذا دفع الشعرّاء إلى‬
‫اللتفات إلى الترّاث والهتمام بهّ‪ ،‬بغية البحث فيهّ عما يثرّي إبداعاتهم الفنية ويخرّج‬
‫بها إلى طورّ الجدة والمعاصرّة)‪ .(3‬ويبدو أن القليل من هؤلء الشعرّاء الذين عرّفوا‬
‫كيف يستغلون هذه الكنوز ويستثمرّونها في قاصائدهم استثما اةرّ فنياة يجنبهم الوقاوع في‬
‫التقليد والجترّارّ‪.‬‬
‫ومن أبرّز هذه الكنوز نجد السطورّة والحكاية والمثل والغنية والمعتقدات‬
‫والسيرّ الشعبية‪ .‬وقاد كانت السطورّة أكثرّ هذه الشكال عناية لما تزخرّ بهّ من رّموز‬
‫ودللت فلسفية عامة‪ ،‬وتأتي بعدها الحكاية والقصة الشعبية ثم بقية الشكال‬
‫الخرّى ومنها السيرّ الشعبية التي كان حظها قاليل إذا ما قايس بثرّائها الفني والفكرّي‬
‫وامتلئها بالحداث والشخصيات المتنوعة ذات التجاهات المختلفة‪ .‬وقاد يعود‬
‫السبب في ذلك إلى طولها المفرّط وعدم اتضاح بعض المواقاف فيها والشخصيات‪،‬‬
‫في حين نجد الشعرّ يعتمد الكثافة واليحاء واللمحة المرّكزة‪ ،‬وهو ما لم ترّكز عليهّ‬
‫السيرّ الشعبية‪ ،‬ولذا فإنهّ من الصعب على الشاعرّ اختصارّ هذه المواقاف والحداث‬
‫في موقاف أو حدث واحد‪ .‬ومن بين الشعرّاء الذين اهتموا بهذا الشكل الدبي نجد‬

‫)(‪-‬ديزيشرة سشرقال‪ :‬الرض الشراب والششعر العربش الشديث )دراسشة تشأثي قصشيدة ت‪ .‬س‪ .‬إليشوت فش الششعر‬ ‫‪1‬‬

‫العرب الديث( منشورات ميي لبنان‪ ،‬ط ‪ ،1992 ،1‬ص ‪.23‬‬


‫)(‪-‬م ششا ي ششروى ف ش ه ششذا الش ششأن أن أح ششد الب ششاحثي س ششأل أح ششد الن ششود الم ششر مششن قبيل ششة إي ششو ع ششن لغ ششة ق ششبيلته‬ ‫‪2‬‬

‫وأساطيها فآقال له‪)) :‬إن هذه المشور مقدسشة ول أريشد الشديث عنهشا‪ .‬كمشا أنشه ليسشت مشن عادتنشا ذكرهشا‬
‫إل ف ش الناسششبات الدينيششة الاصششة(( فآ شراس الس شرواح‪ :‬السششطورة والعن ش )دراسششات ف ش اليثولوجيششا والششديانات‬
‫الشرقية( دار علء الدين‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ ،1997 ،1‬ص ‪.14‬‬
‫)(‪-‬يق ششول يوس ششف س ششامي اليوس ششف فش ش ه ششذا الش ششأن‪)) :‬أن الش ششعر العاص ششرة ق ششد تأس ششس من ششذ أن ول ششت‬ ‫‪3‬‬

‫السششطورة كبعششد بنيششوي شششعوري إل ش جسششد القصششيدة(( الشششعر العرب ش العاصششر‪ ،‬منشششورات اتششاد الكتششاب‬
‫العرب‪ ،‬دمشق‪ ،1980 ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫عبد العزيز المقالح في قاصيدتهّ المطدولة )رّسائل إلى سيف بن ذي يزن()‪.(1‬‬
‫تتكون القصيدة من ست رّسائل‪ ،‬كلها موجهة إلى سيف بن ذي يزن‪ ،‬كتبها‬
‫الشاعرّ ما بين عامي ‪ 1971ً-1961‬في أماكن وظرّوف مختلفة‪ .‬يدورّ مضمون‬
‫الرّسالة الولى والثالثة حول فكرّة انتظارّ عودة سيف بن ذي يزن من المنفى‬
‫للستنجاد بهّ‪ ،‬يقول في مقدمة الرّسالة الولى‪:‬‬
‫سفحنا عند ظل الدهر تحت قيودنا ألفا‬
‫ونصف اللف‬
‫من أعوامنا العجفا‬
‫وأنت مشرد‬
‫وبلدنا تدعوك وا ))سيفا((‬
‫‪........................‬‬
‫أغانيك الحزينة لم تعد نا ار‬
‫لقد خمدت‬
‫تكاد على المدى تخفى‬
‫فحطم حائط المنفى‬
‫وجئنا فارسال متوهجال سيفا‬
‫نثور به‬
‫نصول به‬
‫)‪(2‬‬
‫لعل بلدنا من ليلها تشفى‬
‫وفي الرّسالة الثالثة‪:‬‬
‫متى تهل من سمائنا الحزينة السواد‬
‫متى نرى وجهك يا ))بن ذي يزن((‬
‫أنهش في انتظارك القيود‬
‫أطيل في انتظارك الصلة‪ ..‬والسجود‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان دار العودة‪ ،‬بيوت ط ‪ ،1983 ،3‬ص ‪.281‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان ص ‪.294 -282‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫أقبل التراب والحجار والدمن‬
‫‪........................‬‬
‫متى تعود؟‬
‫متى تهز في أقدامنا القيود؟‬
‫تقرحت أجفاننا‬
‫تقرحت أجساد شوقنا الغريب‬
‫ونحن في انتظار الشمس‬
‫)‪(1‬‬
‫في انتظار القادم العظيم‬
‫وتتعرّض الرّسالة الثانية إلى خيبة أمل الشاعرّ لن سيف بن ذي يزن لن يعود‪،‬‬
‫لقد مات في منجم الفحم يصارّع وحش السعال –كما جاء في الرّسالة الرّابعة‪ً-‬‬
‫يقولون‪ :‬مات‬
‫أقام لـه الليل قب ارل على شاطئ البحر في ))زنزبار((‬
‫بل كفن تحت وجه النهار‬
‫ومن حوله ترقد الذكريات‬
‫‪........................‬‬
‫يقولون‪ :‬عند ))ثلوج الشمال((‬
‫وفي ليلة من ليالي الشتاء الحزين‬
‫وفي منجم الفحم مات يصارع وحش السعال‬
‫وماتت بعينيه أشواقه والحنين‬
‫وأطفاله عند أقصى الجنوب عرايا‬
‫يطلون من خلف كوخ الرمال‬
‫)‪(2‬‬
‫وينتظرون الهدايا‬
‫أمــا الرّســالة الخامســة فهــي نــدب وبكــاء علــى الــوطن والهــل المشــرّدين‪ ،‬وتفجــع‬
‫وحزن كثيرّ‪:‬‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.303 -301‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.306 -305‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫بكيت إذ بكيتك الوطن‬
‫بكيت أهلنا المشردين‪ ،‬حلمنا الغريب‪ ،‬ذا يزن‬
‫بكيت حاض ارل يضج بالجراح‬
‫ماضيال يعج بالمحن‬
‫‪........................‬‬
‫نزحت فوق القبر دمع العين‬
‫شطرته نصفين‬
‫أسقيت نصفه لحزاني‬
‫ونصفه الخر‬
‫)‪(1‬‬
‫أسقيت اليمانيين في الشطرين‬
‫أما الرّسالة السادسة فهي عبارّة عن جواب‪ ،‬أو الدرّد الخيرّ‪ ،‬الذي أنهى المل‬
‫وقاطع النتظارّ وأسال الدموع‪ .‬يبدو من هذه الرّسالة وكأن الشاعرّ كان في حالة حلم‬
‫أو غيبوبة طويلة ثم استفاق على وقاع هذه الكلمات قااطعة الرّجاء‪:‬‬

‫ل تنتظر‪..‬‬
‫ل تنتظر‪..‬‬
‫لن تمطر السماء أبطالل‬
‫وسيف في بادية العراق يحتضر‬
‫أحلمه‪ ،‬عيناه‪ ،‬في الظلم تنفجر‬
‫وقدماه للدجى موثقتان‬
‫سيفه جريح‬
‫وصوته ذبيح‬
‫يبكي‪،‬‬
‫يثور‪،‬‬
‫يشتكي‪ ،‬يصيح‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.312 -310‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫‪........................‬‬
‫ل تنتظر‪..‬‬
‫فبرق الشام خكلب‬
‫)‪(1‬‬
‫والفارس القديم لن يعود‬
‫والكلمة الخيرّة هذه )لن يعود( تذكرّنا بقول بدرّ شاكرّ السياف في قاصيدتهّ‬
‫رّحل النهارّ ))هو لن يعود(()‪ ،(2‬هل هو تشابهّ في التعبيرّ؟ أم إيمان رّاسخ لدا‬
‫الشاعرّين بعدم النبعاث والنهوض من الغفوة والتدهورّ الذي أصاب المة العرّبية‬
‫في هذا العصرّ؟‬
‫مما ل شك فيهّ أن هذه الجملة تعبرّ عن استفاقاة الشعرّاء من الحلم الذي رّسمتهّ‬
‫النهضة العرّبية في بدايتها‪ ،‬فالتحدول الذي بدا في الفق مع مطلع هذه النهضة‪،‬‬
‫والذي عبرّ عنهّ الشعرّاء بوسائل فنية كثيرّة منها أساطيرّ الموت والنبعاث‪ ،‬سرّعان‬
‫ما تكدشف عن خيبة أمل حادة‪ ،‬لن ))التفاؤل الناشئ عن هذا الضرّب من التحول‪،‬‬
‫ل يمكن أن يكون إل تفاؤلة وهميةا‪ ،‬لنهّ ناتج عن ثقة ل متناهية بقدرّة الكلمة على‬
‫إحداث تغييرّ مادي في الواقاع المعيش‪ ،‬مع أن مهمة الكلمة‪ ،‬مهما كانت قايمتها‪ ،‬إنما‬
‫تنحصرّ في إحداث تغييرّ نسبي(()‪ (3‬على مستوى الفكرّ والشعورّ‪ ،‬لكن الواقاع شيء‬
‫آخرّ أكبرّ من أن تؤثرّ فيهّ الكلمات والخطب‪.‬‬
‫فسيف بن ذي يزن المعدول عليهّ في هذا النبعاث قاد مات كما مات غيرّه من‬
‫البطال‪ ،‬ومن العبث انتظارّه أو الستنجاد بهّ‪ .‬وفي هذا إشارّة من الشاعرّ إلى أن‬
‫العتماد على الماضي في بعث هذه المة وهم وزيف‪ ،‬فالنبعاث ل يتحقق بغيرّ‬
‫)‪(4‬‬
‫العمل والتضحية‪ .‬وتكاد هذه الفكرّة أن تكون عامة عند الشعرّاء فالسياب‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.314 -313‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬بدر شاكر السرياب‪ :‬الديوان‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت ‪.1/229 -1971‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(‪-‬أحد العداوي‪ :‬أزمة الداثة ف الشعر العربش الشديث منشششورات دار الفآشاق الديشدة‪ ،‬الغششرب‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1993‬ص ‪.189‬‬
‫)(‪-‬ينظ ششر‪ :‬ال ششديوان‪ ،‬دار الع ششودة‪ ،‬بيششوت ‪ 1/457 -1971‬التض ششحية عن ششد الس ششياب ه ششي القب ششال عل ششى‬ ‫‪4‬‬

‫الوت‪ ،‬والنبعاث ف نظره ل يكون بغي الصلب وتمل الطيئة‪.‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫وأدونيس)‪ (1‬وحاوي)‪ (2‬كلهم عانوا من زيف النبعاث الطبيعي كما ترّسمهّ الساطيرّ‪،‬‬
‫وعادوا إلى القول بالتضحية لن ل شيء يأتي بغيرّها‪ .‬ذكرّنا فيما سبق أن من‬
‫الصعب على الشاعرّ اختصارّ كل الحداث والمواقاف التي تزخرّ بها السيرّة في‬
‫حدث أو موقاف واحد‪ ،‬فما صنع عبد العزيز المقالح بقصة سيف بن ذي يزن في‬
‫قاصيدتهّ تلك؟ هل وظف الشاعرّ بعض العناصرّ وأغفل بعضها الخرّ أم أنهّ استلهم‬
‫رّوح هذه القصة ومغزاها فقط؟‬
‫ليس من مهمة الشاعرّ أن يتمسك بكل ما جاء في القصة من تفاصيل وأحداث‬
‫ومواقاف‪ ،‬فهو يختارّ ما يخدم تجرّبتهّ الشعرّية ويزيدها عمقاة في نفسية قاارّئهّ‪ .‬فعندما‬
‫نق أرّ هذه القصيدة نشعرّ وكأننا نعيش أجواء هذه السيرّة بأحداثها وتفاصيلها بل‬
‫ومواقاف بطلها سيف في صرّاعهّ مع الحباش والرّوم‪ ،‬لن الشاعرّ كان يعتمد على‬
‫تقنية )الفلش بك(‪ ،‬فهو من حين إلى آخرّ يفتح نافذة تارّيخية على حدث من‬
‫أحداثها كذكرّة لكسرّى ملك الفرّس وأبرّهة ومنية النفوس محبوبة سيف‪ ،‬فيشعرّ القارّئ‬
‫وكأنهّ يتابع السيرّة ذاتها بأسلوب شعرّي رّصين‪ .‬أضف إلى ذلك الجو المسيطرّ على‬
‫القصيدة وهو جو مأساوي )حزن‪ ،‬بكاء(‪ ،‬الذي يذكرّنا بدورّه ببعض الحالت النفسية‬
‫التي كان يمدرّ بها سيف بن ذي يزن نفسهّ)‪ .(3‬وهي حالت تشبهّ الحالت التي كان‬
‫يمرّ بها الشاعرّ من شدة حزنهّ على وطنهّ‪.‬‬
‫إواذا كانت السيرّة تصورّ سيف بن ذي يزن فارّساة قاوياة وشجاعاة ل تقف أمامهّ‬
‫الحدود ول تثني من عزيمتهّ الشدائد والخطوب‪ ،‬فإن القصيدة تقدمهّ في صورّة أخرّى‬
‫مخالفة للولى‪ ،‬إن لم نقل مناقاضة لها في كل شيء إل السم‪:‬‬
‫الفارس القديم لن يعود‬
‫قوائم الحصان في الرمال غرقت‬

‫)(‪-‬ينظر‪ :‬العمال الشعرية الكاملة‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ 1/163 -1988 ،5‬من قصيدة )البعششث‬ ‫‪1‬‬

‫والرمششاد( حيششث يقششول‪)) :‬مششا أروع الريششق‪ ،‬مششا أجلرششه‪ ..‬مششا أعظششم الع شراك‪ ،‬أي بطششل سششينتهي(( النششار عنششد‬
‫أدونيس هي طريق البعث واللص‪ ،‬وهي الور الساس الذي يدور حوله معظم شعره‪ ،‬وهشي مثلشة عنشده‬
‫ف أسطورة الفينيق‪.‬‬
‫)(‪-‬ينظر‪ :‬الديوان‪ ،‬دار العشودة‪ ،‬بيوت‪ ،1993 ،‬ص ‪ 126‬حيشث يقشول‪)) :‬فآلنعشان من جحيشم النشار‪..‬‬ ‫‪2‬‬

‫ما ينحنا البعث اليقينا(( بعن أن البعث القيقي معاناة وتضحية‪.‬‬


‫)(‪-‬ينظششر‪ :‬سششية فآششارس اليمششن اللششك سششيف بششن ذي يششزن‪ ،‬دار الكتششب الشششعبية‪ ،‬بيوت‪ .‬تقششول أن سششيف‬ ‫‪3‬‬

‫حزن حزنال عميقال عندما سع بنبأ وفآشاة منيشة النفشوس‪ ،‬حشت أن هشذا الشزن هشد كيشانه وبشان ضشعفه وسشاءت‬
‫حاله‪ ،‬ص ‪.109‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫تحولت إلى حجر‬
‫وفارس الحصان موثق القيود‬
‫أيامه تناثرت على صخور الحزن‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وجه عمره انكسر‬
‫في هذه الصورّة إشارّة من الشاعرّ إلى أن اليمن لم يعد ينجب أبطالة مثل سيف‬
‫بن ذي يزن يستطيعون تحرّيرّه من القيود‪ ،‬ولذا فليس بوسعهّ الن إل الحزن والبكاء‪.‬‬
‫وتزداد صورّة اليمن قاتامة عندما يتساءل الشاعرّ عن قابرّ سيف وقابرّ أختهّ عاقاصة‬
‫وخادمهّ عيرّوط‪ ،‬فل يجد جواباة عند أحد‪ ،‬فكيف لهذا المجتمع أن ينهض وهو ل‬
‫يدرّي تارّيخهّ وأبطالهّ‪.‬‬
‫أين ينام مثخن الجفون سيف‬
‫أين تنام )عاقصة(‬
‫أين اختفى‬
‫في أي قمقم ثوى )عيروط(‬
‫الفق غام والدروب عابسة‬
‫والنفق الرهيب لم يزل يمتد‪...‬‬
‫)‪(2‬‬

‫بهذه الكلمات المحزنة ينتهي مشهد سيف صانع البطولة والمجد‪ ،‬وينتهي معهّ‬
‫أمل الشاعرّ بل وأمل المة العرّبية جمعاء‪.‬‬
‫وبالضافة إلى هذه السيرّة فقد استعان عبد العزيز المقالح في قاصيدتهّ تلك‬
‫ببعض الساطيرّ اليونانية كأسطورّة )سيزيف( وأسطورّة )عوليس( وزوجهّ )بنيلوب(‬
‫وأسطورّة )برّومثيوس( و)أخيل(‪ ،‬وأسطورّة السندباد العرّبية‪ ،‬وبعض السماء‬
‫التارّيخية مثل )مأرّب( و)زنزبارّ( وهما أسماء أمكنة‪ ،‬و)يكسوم( الحاكم الحبشي‬
‫لليمن في ظل الحتلل‪ ،‬و)بدرّبان( المدينة التي كان بها عدد كبيرّ من المهاجرّين‬
‫اليمنيين في جنوب إفرّيقيا)‪.(3‬‬
‫لكن على الرّغم من ذكرّ الشاعرّ لكل هذه الشارّات والرّموز السطورّية‪ ،‬فإن‬
‫أسطورّة سيف بن ذي يزن ظلت هي المسيطرّة على أحداث القصيدة وأجوائها‪ ،‬إن لم‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.314‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.324‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(‪-‬عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.307‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫نقل أنها كانت العنصرّ الساسي في بنائها وتشكيل نسيجها‪ .‬والشاعرّ ل يقوم‬
‫بتضمين عناصرّ هذه السطورّة فحسب بل يستنطقها ويستلهمها للتعبيرّ عن رّؤيتهّ‬
‫للواقاع الرّاهن‪ .‬أما بقية هذه الرّموز فقد كانت بمثابة الرّوافد التي تصب في بحرّ هذه‬
‫القصة فتغذيها برّمزيتها مبرّزة كفاح النسان الطويل من أجل وطنهّ وكرّامتهّ‪.‬‬
‫فيرّومثيوس وسيزيف وعوليس والسندباد أوجهّ أخرّى لسيف بن ذي يزن وغيرّه من‬
‫البطال الثائرّين على الظلم والستبداد والتقاعس عن طلب الحرّية‪.‬‬
‫وانطلقااة من هذه القصيدة يمكن القول بأن مرّجعية عبد العزيز المقالح الشعرّية‬
‫مرّجعية ترّاثية يمانية في الدرّجة الولى‪ .‬وعليهّ فإن ))قارّاءة نصوصهّ ورّبما نصوص‬
‫غيرّه من الشعرّاء المحدثين في اليمن‪ ،‬تبدأ من هذه العلقاة‪ .‬أي من رّؤية هذه‬
‫النصوص في الواقاع الثقافي اليمني(()‪ (1‬فسيف بن ذي يزن بطل يماني وحضورّه في‬
‫القصيدة يعني حضورّ الشخصية اليمانية بكل أبعادها النفسية والحضارّية‬
‫والنسانية‪ .‬ويمكن اعتبارّ هذا الستخدام أيضاة شكلة من أشكال إثبات الوجود عن‬
‫طرّيق الفعل الشعرّي المهاجرّ عبرّ الثقافات والنصوص‪.‬‬

‫لكن هذا ل يعني أن الشاعرّ ل يهتم بالثقافات الخرّى‪ ،‬فهو إلى جانب هذا يفيد‬
‫من الثقافي العرّبي والنساني كما رّأينا في استخداماتهّ للساطيرّ اليونانية والعرّبية‪،‬‬
‫لكن هاجس إحياء الترّاث اليمني ونشرّه كان دائماة شغلهّ الشاغل)‪ ،(2‬وبالخصوص إذا‬
‫علمنا أن هذا الترّاث –بحكم ظرّوفهّ وتارّيخهّ‪ ً-‬يعاني من صعوبة التواصل مع‬
‫الثقافات الخرّى حتى العرّبية منها‪.‬‬
‫وفي مقابل هذه الصورّة نجد صورّة أخرّى للبطل الشعبي عنترّة العبسي يصنعها‬
‫محمد الفيتورّي من السودان‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬

‫)(‪-‬ينش العيششد وآخششرون‪ :‬النششص الفتششوح )قشراءة فش شششعر عبششد العزيششز القالشش(‪ ،‬دار الداب‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1991‬ص ‪.139‬‬
‫)(‪-‬لقششد اهتششم هششذا الشششاعر والناقششد كششثيال بشتاث وطنششه فآنشششر العديششد مششن الدراسششات الدبيششة والنقديششة حشوله‬ ‫‪2‬‬

‫نذكر منها كتابه‪ :‬شعر العامية ف اليمن دراسة تاريية ونقدية وهشو كتششاب ضشخم تعشرض فآيشه صششاحبه إلش‬
‫نشأة الشعر العامي ف اليمن وإل أغراضه وخصائصه‪ ،‬ثش ملحشق عشن ششعرائه‪ .‬ومشا ينشدرج فش هشذا الطار‬
‫أيضال شكره وعرفآشانه بشالهود الشذي قشام بشه فآاروق خورششيد بإحيشائه لسشية سشيف بشن ذي يشزن‪ ،‬فآهشو يقشول‬
‫فش مقدمششة نثريششة يسششتهل بششا الرسششالة الثانيششة ))إلش فآششاروق خورشششيد‪ ،‬تيششة مششن بلد سششيف للمجحهششود الكششبي‬
‫من جانبه ف إحياء سية البطل‪ ..‬السطورة القيقية(( عبد العزيز القال‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.295‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫نحن العرب‪..‬‬
‫عنترة العبسي فوق صهوة الفرس‬
‫يصرخ في الشمس فيعلو الصفرار وجهها‬
‫وترجف الجبال رهبة‪ ،‬وتجمد السحب‬
‫لنه قهقه أو غضب‬
‫لنه ثرثر أو خطب‬
‫لنه النار التي‬
‫)‪(1‬‬
‫تفرخ ذرات الرماد والحطب‬
‫إذا كان سيف بن ذي يزن كما تصورّه قاصيدة عبد العزيز المقالح السابقة غيرّ‬
‫قاادرّة على تلبية النداء بسبب ضعفهّ واحتضارّه‪ ،‬فإن عنترّة يبدو في صورّة مخالفة لـهّ‬
‫تمامةا‪ ،‬فهو البطل الشجاع القوي الذي ترّجف الجبال رّهبة منهّ وتجمد السحب‪.‬‬
‫وبالتالي فنحن أمام صورّتين مختلفتين كل واحدة منهما تعكس حالة حضارّية‬
‫واجتماعية معينة‪ ،‬ضعف في اليمن وقاوة في السودان‪ .‬لكن أليست هذه مفارّقاة‬
‫عجيبة في بلدين عرّبيين ينتميان إلى تارّيخ مشترّك؟ أم أن السياسة في اليمن غيرّها‬
‫في السودان؟‬
‫على العموم فإن ذكرّ الشاعرّ لسم عنترّة بطل السيرّة الشعبية المعرّوفة في‬
‫جميع أنحاء العالم العرّبي‪ ،‬هو بشكل ما تأكيد للبعد التارّيخي لهذه الشخصية‪ ،‬وهو‬
‫بعد يمكنها من التحول دون النزلق إلى فيافي اللوجود‪ .‬فبعد أن أثبت الشاعرّ هذا‬
‫البعد أو الوجود الحقيقي لهذه الشخصية‪ ،‬انتقل بها إلى بعد آخرّ هو البعد السطورّي‬
‫حيث تحولت هذه الشخصية إلى إلهّ أو نصف إلهّ يتحكم في مظاهرّ الطبيعة‪،‬‬
‫يصرّخ في الشمس فيعلو الصفرّارّ وجهها وترّجف الجبال وتجمد السحب عن‬
‫الحرّكة‪ .‬ولكي يحافظ الشاعرّ على البعد التارّيخي داخل البعد السطورّي لجأ إلى‬
‫جملة من الفعال المستعملة من طرّف النسان كقولهّ )يصرّخ‪ ،‬يعلو‪ ،‬ترّجف‪ ،‬تجمد(‬
‫فهذه الفعال مرّتبطة بالفعل النساني أكثرّ من ارّتباطها بالفعل اللهي‪.‬‬
‫وبالجمع بين هذين البعدين )التارّيخي أو الواقاعي والسطورّي( استطاع محمد‬
‫الفيتورّي أن ينتج شخصية غيرّ قاابلة للموت أو النكسارّ‪ ،‬فعنترّة‪ ،‬بفعل تلك‬
‫السطورّية‪ ،‬أصبح شخصية مقدسة وخالدة‪ .‬وفي هذا دللة على أن البطولة في‬

‫)(‪-‬ممد الفيتوري‪ :‬الديوان‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪.1/611 -1979 ،3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫العرّب ل يمكن أن تنتهي أو تزول‪ ،‬فالمة التي أنجبت عنترّة ل تزال تنجب من‬
‫أمثالهّ في الشجاعة والقوة‪ .‬وهنا يظهرّ تفاؤل الشاعرّ بالواقاع العرّبي ومستقبلهّ‪،‬‬
‫بخلف عبد العزيز المقالح الذي أبدى تشاؤماة كبي اةرّ من هذا الواقاع كما سبق وأن‬
‫أشرّنا إلى ذلك‪.‬‬
‫أما أمل دنقل فيوظف هذه الشخصية )عنترّة( للتعبيرّ عن الصرّاع الحاد بينهّ‬
‫وبين السلطة‪ ،‬فسادة القبيلة وكبرّاؤها‪ ،‬هم السلطة‪ ،‬وعنترّة العبد الذي يقع على عاتقهّ‬
‫الدفاع عن هذه السلطة بكل الوسائل التي يمتلكها‪ ،‬وعندما يحقق لها النصرّ‪ ،‬ل يلقى‬
‫شك اةرّ ول عرّفانةا‪ ،‬بل مزيداة من الهجرّ والنسيان‪:‬‬
‫ظللت في عبيد )عبس( أحرس القطعان‬
‫أجتكز صوفها‪..‬‬
‫أركد نوقها‪..‬‬
‫أنام في حظائر النسيان‬
‫طعامي‪ :‬الكسرة‪ ..‬والماء‪ ..‬وبعض التمرات اليابسة‪.‬‬

‫وهاأنا في ساعة الطعان‬


‫ساعة أن تخاذل الكماة‪ ..‬والرماة‪ ..‬والفرسان‬
‫دعيت للميدان!‬
‫أنا الذي ما ذقت لحم الضأن‪..‬‬
‫أنا الذي ل حول لي أو شأن‪..‬‬
‫أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان‪،‬‬
‫أدعى إلى الموت‪ ..‬ولم أدع إلى المجالسة !!‬
‫)‪(1‬‬

‫ل يزال عنترّة )المثقف العرّبي(‪ ،‬كما يصورّه هذا المقطع‪ ،‬يعاني من الحرّمان‬
‫والهجرّان‪ ،‬وهو سبيل التقدم والتحرّرّ‪ ،‬يدعى إلى الموت ول يدعى إلى المجالسة‬
‫والمشاورّة‪ .‬وفي استخدام الشاعرّ لهذه الشخصية إشارّة ذكية إلى أن السياسة‬
‫والسلطة في الوطن العرّبي لم تتغيرّ منذ العصرّ الجاهلي‪ ،‬فهي ل تزال تسيرّ وفق‬

‫)(‪-‬أمل دنقل‪ :‬العمال الشعرية الكاملة‪ ،‬مكتبة مدبول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1987 ،3‬ص ‪.124 -123‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫التمييز العنصرّي والعصبية القبلية‪ .‬وقاد يرّمز )عنترّة( هنا إلى الشعب العرّبي الذي‬
‫ترّكهّ الحكام في صحرّاء الهمال يسوق النوق إلى المرّاعي ويحلب الغنام وينام في‬
‫الحظائرّ‪ ،‬حتى إذا ما أنشبت الحرّب أظفارّها‪ ،‬أسرّعوا إليهّ مستصرّخين يدعونهّ‬
‫للدفاع عن أموالهم وأنفسهم‪.‬‬
‫إوالى جانب سيرّة عنترّة‪ ،‬فقد استخدم أمل دنقل سيرّة )الزيرّ سالم( في قاصيدتهّ‬
‫)ل تصالح( ليعدبرّ من خللها عن قاضية الصرّاع العرّبي السرّائيلي محذ اةرّ رّئاسة‬
‫مصرّ من مغبة الوقاوع في قابضة إسرّائيل بإقاامة الصلح معها‪ .‬تتألف هذه القصيدة‬
‫من عشرّة مقاطع أو وصايا على غرّارّ وصايا كليب العشرّة‪ ،‬يبدأ كل منها بنهي )ل‬
‫تصالح!(‪ ،‬بل الشاعرّ نفسهّ ل يتوانى في التصرّيح بأن ما يكتبهّ هو ذاتهّ ما جاء‬
‫ل‪:‬‬
‫على لسان كليب‪ ،‬فهو يقدم لقصيدتهّ بهذه الوصايا قاائ ة‬
‫))‪ ..‬فنظرّ )كليب( حواليهّ وتحسرّ‪ ،‬وذرّف دمعة وتعدبرّ‪ ،‬ورّأى عبداة واقافاة فقال‬
‫لهّ‪ :‬أرّيد منك يا عبد الخيرّ‪ ،‬قابل أن تسلبني‪ ،‬أن تسحبني‪ ،‬إلى هذه البلطة القرّيبة‬
‫من هذا الغديرّ‪ ،‬لكتب وصيتي إلى أخي الميرّ سالم الزيرّ‪ ،‬فأوصيهّ بأولدي وفلذة‬
‫كبدي‪ ..‬فسحبهّ العبد إلى قارّب البلطة‪ ،‬والرّمح غارّس في ظهرّه‪ ،‬والدم يقطرّ من‬
‫جنبهّ‪ ..‬فغمس )كليب( إصبعهّ في الدم‪ ،‬وخطد على البلطة وأنشأ يقول‪:(1)((..‬‬
‫ل تصالح!‬
‫‪ ..‬ولو منحوك الذهب‬
‫أترى حين أفقأ عينيك‪،‬‬
‫ثم أثبت جوهرتين مكانهما‪..‬‬
‫هل ترى‪..‬؟‬
‫هي أشياء ل تشترى‪..‬‬
‫‪........................‬‬
‫ل تصالح على الدم‪ ..‬حتى بالدم‬
‫ل تصالح! ولو قيل رأس برأس‪،‬‬
‫أكل الرؤوس سواء؟!‬
‫أقلب الغريب كقلب أخيك؟!‬

‫)(‪-‬أمل دنقل‪ :‬العمال الشعرية الكاملة‪ ،‬ص ‪.323‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 63 -‬‬
‫أعيناه عينا أخيك؟!‬
‫وهل تتساوى يد‪ ..‬سيفها كان لك‬
‫بيد سيفها أثكلك؟‬
‫أول شيء يمكن لقارّئ هذا النص أن يلحظهّ‪ ،‬استعمال الشاعرّ لبعض‬
‫المفرّدات والمعاني نفسها الوارّدة في نص السيرّة الشعبية مثل لفظة )ل تصالح( التي‬
‫تكرّرّت كثي اةرّ في النصين )السيرّة والقصيدة( وكانت بمثابة البؤرّة التي تنجذب نحوها‬
‫جميع المعاني والصورّ‪ .‬وقاول الشاعرّ في مطلع هذا النص‪)) :‬ل تصالح‪ ..‬ولو‬
‫منحوك الذهب(( ل يختلف عن قاول كليب للمهلهل ل تصالح ولو أعطوك مالة مع‬
‫عقود‪ .‬لكن هذا ل يعني أن الشاعرّ قاد وقاع في التكرّارّ أو التقليد لما جاء في السيرّة‬
‫الشعبية‪ ،‬بل العكس هو الصحيح‪ ،‬لن الشاعرّ منح هذه الشكال حياة جديدة‬
‫باستخدامهّ لها ضمن إطارّ معاصرّ وقاضايا حديثة‪ .‬وقاد أطلق علي عشرّي زايد على‬
‫هذه الطرّيقة في التعامل مع الترّاث اسم )مرّحلة‬

‫التعبيرّ بالمورّوث(‪ ،‬أي‪) :‬توظيف الترّاث توظيفاة فنياة للتعبيرّ عن التجارّب الشعرّية‬
‫المعاصرّة()‪ (1‬بدل )التعبيرّ عن المورّوث( الذي هو شكل من أشكال استنساخهّ أو‬
‫تسجيلهّ‪ ،‬وهذه الصيغة الخيرّة )التعبيرّ عن المورّوث( هي التي حكمت علقاة‬
‫الشاعرّ بالترّاث فترّة طويلة‪.‬‬

‫***‬

‫)(‪-‬اسششتدعاء الشخصششيات التاثيششة ف ش الشششعر العرب ش العاصششر‪ ،‬دار الفكششر العربشش‪ ،‬القششاهرة‪ ،1997 ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.25‬‬

‫‪- 64 -‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫الروافد التراثية‬

‫‪-‬الساطير والحكايات‬
‫‪-‬الطقوس والمعتقدات‬

‫‪- 65 -‬‬
- 66 -
‫الروافد التراثية‪:‬‬

‫إن الحديث عن الرّوافد الترّاثية التي أغنت القصيدة المعاصرّة برّموزها ودللتها‬
‫حديث صعب متشعب‪ ،‬ل يمكن بأي حال من الحوال اللمام بهّ أو اختزالهّ في‬
‫صفحات مثل هذه‪ ،‬وذلك رّاجع في اعتقادنا إلى تعدد هذه الرّوافد وتنوعها واختلف‬
‫طبيعتها ومصادرّها‪ ،‬فمنها القديم والحديث‪ ،‬العرّبي وغيرّ العرّبي‪ ،‬التارّيخي‬
‫والسطورّي‪ ،‬وهي في كل الحوال تحمل في طياتها خصائص وسمات متباينة‬
‫حسب بيئتها وتارّيخها وهويتها‪ .‬بالضافة إلى انتماء هذه الرّوافد إلى أشكال تعبيرّية‬
‫مختلفة‪ :‬أساطيرّ‪ً-‬حكايات‪ً-‬أمثال‪ً-‬أغاني‪ً-‬معتقدات‪ً-‬وسيرّ‪ ،‬لكل منها مميزات‬
‫وخصائص‪.‬‬
‫لكن على الرّغم من صعوبة هذا الحديث وتشعبهّ فإنني‪ .‬سأحاول الوقاوف عند‬
‫أهم تلك الرّوافد لكشف النقاب عنها‪ ،‬وبالخصوص تلك التي استفاد منها الشاعرّ‬
‫العرّبي المعاصرّ‪ ،‬وتجلت ملمحها على بنية قاصيدتهّ ومضمونها أكثرّ من غيرّها‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪-1‬الساطير والحكايات‪:‬‬
‫تعد الساطيرّ والحكايات قاديمها وحديثها من كنوز المعرّفة التي ل تقدرّ بثمن‪،‬‬
‫فمضمونها وقاف على تارّيخ النسان إوادرّاكهّ للعالم وتصورّه إياه‪ ،‬لذلك عدت مصد اةرّ‬
‫خصباة من مصادرّ درّاسة نمط تفكيرّ الشعوب ورّؤيتها للكون ومعرّفة مواقافها من‬
‫القضايا الجوهرّية التي عانت منها وشغلتها رّدحاة من الزمن كالموت والخلود‬
‫والمقدس وغيرّها‪ .‬غيرّ أن الوصول إلى فهم تلك الساطيرّ والحكايات وكشف النقاب‬
‫عنها مطلب عسيرّ في كثيرّ من الحيان‪ .‬ذلك أن الساطيرّ من أشد حقول المعرّفة‬
‫غموضاة وضبابية‪ ،‬فهي تضرّب بجذورّها في عمق الماضي السحيق‪ ،‬وفي عالم‬
‫فسيح وغرّيب في الوقات ذاتهّ‪ ،‬كل شيء فيهّ ممكن مهما بدا منافياة للعقل والمنطق‬
‫والتفكيرّ السليم‪ ،‬إنها شهادة عن مرّحلة بدائية من مرّاحل التفكيرّ الميتافيزيقي‪،‬‬

‫‪- 67 -‬‬
‫اختلطت فيها الحقائق التارّيخية بالمعتقدات والطقوس والتصورّات الفلسفية الولى‬
‫التي حاول اللنسان آنذاك بواسطتها إقاناع نفسهّ بحقيقة ما يشاهد ويسمع من مظاهرّ‬
‫هذا الكون العجيب‪.‬‬
‫إن الطابع الفكرّي والديني للساطيرّ‪ ،‬وارّتباطها بالممارّسات الشعائرّية‬
‫والسلوكية‪ ،‬جعلها تحتل مكانة مرّموقاة –تشبهّ مكانة الشعرّ عند العرّب‪ ً-‬في‬
‫الحضارّات القديمة كالحضارّة المصرّية والسومرّية والبابلية والشورّية واليونانية‬
‫وغيرّها من الحضارّات القديمة‪ .‬حيث كانت الساطيرّ لدى تلك الشعوب قاصصاة‬
‫مقدسة‪ ،‬وأحداثاة حقيقية ل مجال للشك فيها‪ ،‬وقاعت في الزمان الول)‪ (1‬زمن البدايات‬
‫الخرّافي‪ ..‬فهي ترّوي قاصة أصل النسان والحيوان‪ ،‬وخلق العالم والكون والحياة‪،‬‬
‫وصرّاع اللهة‪ ،‬وعلقاتها باللنسان وما يحيط بهّ من مظاهرّ وأشياء مهمة‪.‬‬
‫صحيح أن السطورّة ل نصيب لها من النجاح في إعطاء النسان قاوة مادية‬
‫أشد للسيطرّة على البيئة‪ ،‬لكنها مع ذلك تعطيهّ وهم القدرّة على فهم الكون والسيطرّة‬
‫عليهّ)‪ (2‬وهذا شيء بالغ الهمية لنهّ استطاع أن يخفف من قالق ذلك النسان وحيرّتهّ‬
‫ويحدث لديهّ قاليلة من التوازن والنسجام بينهّ‪.‬‬
‫وعلى الرّغم من تباين آرّاء الباحثين حول مفهوم السطورّة وأنواعها)‪ ،(3‬وما‬
‫يندرّج تحتها من أشكال سرّدية أخرّى مشابهة كالخرّافة والقصة الشعبية‪ .‬فإنهم‬
‫يكادون ييجمعون على وحدة التصورّ والخيال التي تجمع بين هذه الشكال الدبية‬
‫كلها‪ ،‬وتجعلها أقارّب إلى لغة الحلم والرّموز والشعرّ‪ ،‬وهو الشيء الذي شد الشاعرّ‬
‫المعاصرّ إليها محاولة استنطاقاها والستفادة منها في نصوصهّ للخرّوج بها إلى دائرّة‬
‫الكتابة الجديدة إواعطاء التجارّب النسانية‪ ،‬على مدرّ العصورّ‪ ،‬آفاقااة أرّحب تتيح‬
‫مجالة واسعاة لحرّية التصرّف في الحداث وفق ما يخدم فلسفة النسان المعاصرّ‬
‫ووجهة نظرّه‪.‬‬
‫فالشاعرّ المعاصرّ حين يعود إلى الساطيرّ ـ وهي في رّأيهّ ضرّب من الشعرّ‬
‫‪1‬‬ ‫)(‬
‫‪-Mircea Eliade: Aspects du mythe. Gallimard 1963 p9‬‬
‫‪-() 2‬ينظش ششر‪ :‬كلش ششود ليفش ششي شش شتاوس‪ :‬السش ششطورة والعنش شش‪ :‬ترجش ششة‪ :‬صش ششبحي حديش ششدي‪ ،‬منشش ششورات عيش ششون‪ ،‬دار‬
‫البيضاء‪ ،1986 ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ - () 3‬م ششن ه ششذه الن شواع ن ششد الس ششطورة الطقوس ششية‪ ،‬التعليلي ششة‪ ،‬الرمزي ششة‪ ،‬التكويني ششة أو أس ششطورة الص ششل كم ششا‬
‫يسششميها صششموئيل هنششري هششووك‪ ،‬أسششطورة البطششل الؤملششة‪ ،‬أسششطورة الصششيت‪ ،‬أسششطورة البعششث‪ .‬ينظششر‪ :‬نبيلششة‬
‫إبراهيششم‪ :‬أششكال التعششبي فش الدب الششعب دار نضشة مصشر للطبشع والنششر‪ ،‬القشاهرة ص ‪ 15‬ومشا بعشدها‪.‬‬
‫وأيضشال صششموئيل هنششري هششووك‪ :‬منعطششف الخيلششة البششرية )بششث فش السششاطي( ترجششة صششبحي حديششدي دار‬
‫الوار للنشر والتوزيع سوريا ط ‪ 1983 1‬ص ‪.9‬‬

‫‪- 68 -‬‬
‫البدائي ـ فإنهّ ل يعود إلى تلك الحداث والجزئيات التي تتألف منها هذه الساطيرّ إل‬
‫ل‪ ،‬بسبب تغيرّها وقاابليتها للتطورّ بفعل الرّواية‪ .‬إوانما يعود إلى تلك الجواء‬
‫قالي ة‬
‫والظلل الشعرّية المصاحبة لها‪ ،‬ليرّى في خيالها الساذج البسيط‪ ،‬عمق صلة‬
‫النسان بالكون‪ ،‬ويستشف من خللهّ صدق التعبيرّ عن بواكيرّ المعرّفة النسانية‬
‫وهي في طورّ الطفولة والنشوء‪ ،‬ويصوغ من تلك الظلل والحداث البسيطة نسيجاة‬
‫شعرّياة في تشكيل جمالي جديد غيرّ مألوف في بلغة الكتابة العرّبية‪ ،‬يتيح لـهّ أن‬
‫يصورّ ويثبت أو ينفي ما شاء من مضامين العصرّ ووجهات نظرّه‪.‬‬
‫إن تعلق البدائي بهذا النوع من التخيل والتصورّات‪ ،‬جعلهّ يعتقد بنظام ثنائي‬
‫للحياة فالطبيعة عنده ))قاوة سرّية مفيدة ومدمرّة معةا‪ ،‬جذابة ومرّعبة‪ ،‬نافعة للصحة‬
‫ومميتة‪ ،‬وباختصارّ لها كل ازدواجية "المقدس" وهي في النهاية لغزية معماة" )‪ (1‬مما‬
‫سبب لـهّ اضطرّاباة وقالقاة وشعرّ بالغترّاب الرّوحي وأحس بضرّورّة الشعائرّ والطقوس‬
‫كوسيلة للخلص إوانقاذ الحياة من الموت والندثارّ‪ .‬وتأتي في مقدمة هذه الطقوس‬
‫أساطيرّ الموت والنبعاث وأساطيرّ الخلق والولدة أو أساطيرّ الصل والتكوين كما‬
‫يسميها البعض وأساطيرّ الرّمز‪ ،‬وكل ما يتعلق بهذه النواع من معتقدات ترّمز إلى‬
‫الخصب والعطاء وما لـهّ صلهّ بدورّة الحياة والموت والبعث كأسطورّة تموز وعشتارّ‬
‫والفينيق والعنقاء وبرّوميثيوس وسيزيف وغيرّها‪.‬‬
‫على الرّغم مما يذكرّه بعض الدارّسين عن الساطيرّ والحكايا من أنها لعب‬
‫ولهو وأباطيل ل طائل من ورّائها)‪ ،(2‬فقد كانت بالنسبة للنسان البدائي تمتلك قاوى‬
‫سحرّية خارّقاة‪ ،‬وقادرّات غيرّ عادية‪ ،‬تسمح لـهّ بالسيطرّة على الكائنات والشياء‪ .‬بل‬
‫أكثرّ من هذا فإن العتقاد السائد آنذاك هو أن معرّفة أسطورّة ظاهرّة ما‪ ،‬يساعد على‬
‫إعادة خلق هذه الظاهرّة)‪ .(3‬وعلى العموم فقد استطاعت السطورّة بوسائلها التعبيرّية‬
‫الخاصة‪ ،‬آنذاك‪ ،‬أن تقدم العديد من الجابات عن تساؤلت النسان واستفسارّاتهّ‬
‫حول هذا الكون المرّعب‪ ،‬الذي ل يملك عنهّ أدنى أشكال المعرّفة واليقين‪.‬‬
‫من هنا أحس الشاعرّ المعاصرّ بما أحس بهّ أسلفهّ من قالق وحيرّة كنتيجة لما‬
‫وصلت إليهّ حضارّة القرّن العشرّين من وسائل الدمارّ الشامل وآلت إليهّ المجتمعات‬
‫البشرّية من انحلل خلقي يكون في يوم ما سبباة في هلكها وانقرّاضها‪ ،‬كما حصل‬

‫)( ‪ -‬هيق ششة روس ششو‪ :‬ال ششديانات‪ ،‬ترج ششة‪ :‬م ششتي ش ششاس‪ ،‬النش ششورات العربي ششة )سلس ششلة م ششاذا أع ششرف ‪ (25‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.20‬‬
‫)( ‪ -‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب )مادة سطر(‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ‪ -‬ينظر‪ :‬علي عشري زايد‪ :‬استدعاء الشخصيات التاثية ف الشعر العرب العاصر‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫مع قاوم عاد وثمود‪ ،‬وشعرّ بالخطرّ يهدد الحياة النسانية وينذرّ بخرّابها‪ ،‬فأسرّع إلى‬
‫الساطيرّ يعيد لها طاقااتها الخارّقاة وقادرّاتها السحرّية التي فقدتها في عصرّ العلم‬
‫والتكنولوجيا‪ ،‬كما أسرّع إلى الطقوس يلتمس فيها بعثاة وتجديدةا‪ ،‬كما كان أسلفهّ‬
‫يفعلون‪ ،‬وكأنهّ يرّيد بهذا الفعل الرّمزي إيقاف صيرّورّة هذا التدميرّ المحتمل‪ ،‬وبعث‬
‫الحياة من جديد بواسطة طقوس وشعائرّ خاصة تتلخص في تكرّارّ أعمال الخلق كما‬
‫صورّتها المعتقدات وحكت عنها الساطيرّ‪.‬‬
‫قابل البدء في تقديم نماذج شعرّية لبرّاز تلك الساطيرّ وطرّق تعامل الشعرّاء‬
‫معها‪ ،‬علينا أن نشيرّ إلى أن الفضل في ذلك يعود إلى تلك الجهود التي بذلها‬
‫الناسيون والفلسفة وعلماء النفس‪ ،‬والتي فتحت أعين المبدعين والشعرّاء على هذا‬
‫الكنز الثمين من الفكارّ والتخيلت‪ .‬ويأتي على رّأس هؤلء السيرّ جيمس فرّيزرّ‬
‫)‪ SIR JAMES FRAZER (1941 - 1854‬في كتابهّ الشهيرّ )الغصن‬
‫الذهبي(‪ ،‬وبرّونسلف مالينوفسكي )‪BRONISLAW - (1884 ً- 1943‬‬
‫‪ MALINOWSKI‬وكلود ليفي شترّاوس ‪CLAUDE LIVI - 1908‬‬
‫‪ STRAUSS‬وأرّنست كاسيرّ )‪ERNST CASSIRER (1945 ً- 1874‬‬
‫ومارّتين هيدجرّ )‪ MARTIN HEIDEGGER (1889 ً- 1976‬وغيرّهم‪.‬‬
‫تعد درّاسات العالمين النفسيين سيغمون فرّويد ‪1856 ً- 1939‬‬
‫‪ ،SIGMUND FRAUS‬وكارّل يونغ ‪CARL GUSTAV 1875 ً- 1961‬‬
‫‪ JUNG‬المتمثلة في اكتشافهما اللشعورّ الفرّدي والجمعي من بين النجازات‬
‫العلمية العامة في التعدرّف على الرّموز والذكرّيات والعادات والمعتقدات والساطيرّ‬
‫وطرّائق التفكيرّ والسلوك التي خلفتها الجيال عبرّ آلف السنين‪ ،‬ول زالت قاابعة في‬
‫عمق اللشعورّ تتحرّك من حين إلى آخرّ بفعل دوافع معينة‪ ،‬على شكل رّموز‬
‫وصورّ تجسدها لغة الشعرّ والحلم‪ ،‬أطلق عليها يونغ اسم النماذج العليا )‬
‫‪.(1)(Archetypes‬‬
‫الفضل إذن‪ ،‬يعود إلى هؤلء العلماء الذين أخرّجوا هذا الترّاث من دائرّة النسيان‬
‫والمفهوم الشعبي البسيط إلى دائرّة العلم والمعرّفة النسانية الواسعة‪ ،‬يمكن بواسطتهّ‬
‫الوصول إلى فهم أنساق الثقافات البدائية وأشكالها المتنوعة‪ ،‬تلك الثقافات التي‬
‫أصبحت تغرّي الشاعرّ المعاصرّ لما تتميز بهّ من طبيعة سحرّية وقايم جمالية عالية‪،‬‬
‫وقاوالب فنية وتقاليد شفهية يكون العتماد فيها على نظام الصيغ أكثرّ من أي نظام‬

‫)( ‪ -‬حول هذا الصطلح ينظر‪ :‬جلل الدين سعيد‪ :‬معجحم الصطلحات والششواهد الفلسشفية دار النشوب‬ ‫‪1‬‬

‫للنشر‪ ،‬تونس ‪ ،1998‬ص ‪.388‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫لغوي آخرّ‪ ،‬وأنماط من التعبيرّ الرّمزي يجعل منها أنظمة معقدة إواشارّات من الدرّجة‬
‫الثانية‪.‬‬

‫أ ـ الغصن الذهإبي‪:‬‬
‫كان لهذا الكتاب الذي ظهرّ في أثني عشرّ مجلداة ما بين ‪ 1890‬و ‪1915‬‬
‫الدرّيادة في لفت انتباه الشعرّاء إلى الترّاكم الفلكلورّي الواسع‪ ،‬المليء بالرّموز‬
‫والشارّات‪ .‬والكتاب ليس فقط معالجة موسوعية للحياة البدائية‪ ،‬إوانما هو أيضاة‬
‫الكتاب الذي يعود إليهّ الفضل في الهتمام الدبي الرّاهن بموضوع السطورّة‪ .‬وهو‬
‫كما ذكرّ البرّوفيسورّ "بكلي" مصدرّ يكاد ل ينضب للساطيرّ الرّموز والمرّكزية في‬
‫أدب القرّن العشرّين)‪.(1‬‬
‫قاال جب ارّ إبرّاهيم جب ارّ في مقدمة ترّجمتهّ لجزء منهّ تحت عنوان )أدونيس( سنة‬
‫‪)) :1957‬كان لهذا الجزء ـ أدونيس ـ فضلة عن خطورّتهّ النثرّوبولوجية الظاهرّة‪،‬‬
‫أثرّ عميق في البداع الدبي في أورّبا في السنين الخمسين الخيرّة بما هيأه للشعرّاء‬
‫والكتاب من ثرّوة رّمزية وأسطورّية نرّجو أن ييقبل عليها أدباؤنا أيضاة لغناء أدبنا‬
‫الحديث(()‪ (2‬فاستجاب العديد من الشعرّاء لهذه الدعوة‪ ،‬وعلى رّأسهم شاعرّ العرّاق‬
‫بدرّ شاكرّ السدياب الذي أفاد من الساطيرّ البابلية والفينيقية التي تضمنها الكتاب‪،‬‬
‫وجعلها تؤدي أغرّاضاة عديدة ودللت متنوعة داخل قاصائده التموزية‪ ،‬ورّأى فيها‬
‫رّمو اةز لولدة جديدة لولئك المعذبين الذين يقارّعون الظلم والطغيان‪ ،‬في انتظارّ ثورّة‬
‫تعيد لهم المل والحياة الكرّيمة‪.‬‬
‫يقول جب ارّ إبرّاهيم جبرّا‪)) :‬لقد كان من المصادفات أن اطلع بدرّ على هذه‬
‫السطورّة )يقصد أسطورّة تموز( في فصلين من مجلد كنت ترّجمتهّ من كتاب‬
‫)الغصن الذهبي( لسيرّ جيمس فرّيزرّ )‪ (...‬ولما قارّأهما بدرّ وجد فيهما وسيلتهّ‬
‫الشعرّية الهائلة التي سخرّها فيما بعد لفكرّتهّ‪ ،‬لكثرّ من ست سنين‪ ،‬كتب فيها أجمل‬
‫وأعمق شعرّه(()‪.(3‬‬
‫وضمن هذا التصورّ أيضاة يندرّج كتاب فرّانكفورّت )ما قابل الفلسفة( الذي‬
‫ترّجمهّ جب ارّ إبرّاهيم جب ارّ إلى اللغة العرّبية‪ ،‬وهو عبارّة عن درّاسة هامة في الساطيرّ‬

‫)( ‪ -‬ينظر‪ :‬جبا إبراهيم جبا‪ :‬السطورة والرمز ودراسات نقدية لمسة عشر ناقدلا‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪ -‬جيمس فآريزر‪ :‬أدونيس‪ ،‬ترجشة جشبا إبراهيشم جشبا‪ ،‬منششورات الصشراع الفكشري‪ ،‬بيوت ‪ ،1957‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.6‬‬
‫)( ‪ -‬جبا إبراهيم جبا‪ :‬الرحلشة الثامنشة الؤمسسشة العربيشة للدراسشات والنششر‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ ،1979 ،2‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.19‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫والمعتقدات التي ظهرّت في مصرّ ووادي الرّافدين والتي نشأت عنها العديد من‬
‫المذاهب والفلسفات في الحضارّات اللحقة‪.‬‬
‫وباختصارّ شديد فقد كان لهذين الكتابين‪ ،‬وبالخصوص أنهما مترّجمان من‬
‫شاعرّ وناقاد معاصرّ‪ ،‬أثرّ كبيرّ في دفع حرّكة الشعرّ المعاصرّ إلى المام بتقديمها‬
‫مجموعة من الرّموز والساطيرّ بنى عليها الشعرّاء فيما بعد قاصائدهم وجعلتهم‬
‫يتجاوزون أشكال البناء الشعرّي القديم وقاوالبهّ الجاهزة‪ ،‬ويقترّبون من نبع الشعرّ‬
‫ومفهومهّ كما تمليهّ الظرّوف الجديدة ودواعي الحداثة والمعاصرّة‪.‬‬
‫ومما زاد في اهتمام هؤلء الشعرّاء بالترّاث‪ ،‬إقابال ت‪.‬س إليوت عليهّ يغترّف من‬
‫مادتهّ لييثرّي تجرّبتهّ الشعرّية ويشكل أدواتهّ الفنية‪ .‬لقد استطاع هذا الشاعرّ بما‬
‫يمتلكهّ من عبقرّية وموهبة وشعرّية أن يفجرّ ما في الساطيرّ والحكايات من قايم‬
‫وطاقاات يمكن التكاء عليها في التعبيرّ عن قايم العصرّ وقاضاياه بأسلوب فني جديد‬
‫لم تألفهّ الكتابة الشعرّية من قابل‪ .‬علماة أن توظيف الساطيرّ والترّاث الشعبي عموماة‬
‫بدأ منذ أن كتب هوميرّوس اللياذة والدويسة وهما من الشعرّ الملحمي المرّتكز على‬
‫الترّاتيل الدينية والناشيد السطورّية التي تتغنى بأمجاد اللهة وأنصاف اللهة‪ ،‬التي‬
‫كانت يتنشد في العياد والمناسبات من طرّف أجيال متتالية من الشعرّاء المتجولين‪.‬‬
‫تعد أساطيرّ الموت والنبعاث‪ ،‬وما يتعلق بهما من طقوس حكائية كما سبقت‬
‫الشارّة‪ ،‬المصدرّ الساسي الذي عدول عليهّ الشاعرّ العرّبي المعاصرّ في اتقاء رّموزه‬
‫وبناء أفكارّه وتجسيد رّؤيتهّ‪ .‬أما بقية النواع السطورّية الخرّى‪ ،‬فهي ل ترّد إل‬
‫عرّضاة أو تقحم في صلب أسطورّة من هذه الساطيرّ‪ ،‬مما يجعلها تحتل مكانة أدنى‬
‫من الولى‪ ،‬غيرّ أن هذا ل يعني أننا نقلل من وظائفها الدللية أو الفنية داخل النص‬
‫الشعرّي‪ ،‬فهي بمثابة الرّوافد التي تقوي الدللة وتعطي القصيدة أبعاداة جديدة وزخماة‬
‫شعرّياة يكسبها ح ارّرّة التواصل بين الجيال عبرّ أساطيرّها وترّاثها الفلكلورّي‪.‬‬

‫ب ـ أسطورة تموز )التجاوز والنبعاث(‪:‬‬


‫إذا كان تموز هو إلهّ الخصب عند البابليين‪ ،‬فهو عند المصرّيين )اوزيرّيس(‬
‫وعند الفينيقيين والغرّيق )أدونيس(‪ .‬وقاد كانت هذه اللهة الثلثة ذات دللة واحدة‬
‫فهي ترّمز إلى النماء والخصب‪ ،‬وللقوة التي تدفع الطبيعة إلى النبعاث والتجدد‬
‫والتي يتم من خللها التحكم في دورّية الزمن وتعاقاب الفصول وما ينجم عنهما من‬
‫نمو في الزرّع وكثرّة المحاصيل‪ .‬وللشارّة فقد كان النسان البدائي يعتقد أن موت‬
‫الطبيعة سببهّ موت اللهّ‪ ،‬ولنقاذها يتوجب إنقاذ اللهّ عن طرّيق إقاامة الطقوس‬

‫‪- 72 -‬‬
‫والشعائرّ‪)) .‬وسواء كانت هذه القوة التي تدفع الحياة إلى الستمرّارّ هي أدونيس أو‬
‫تموز أو إيزيس وأوزيرّيس أو كانت ملكاة بالفعل‪ ،‬فإن نسيج القصة واحد‪ ،‬وطقوس‬
‫الحتفال بموتهّ وبعثهّ واحدة‪ .‬ويتألف نسيج القصة أساساة من النقيضين‪ :‬الموت‬
‫والبعث‪ ،‬والجدب والخصب‪ ،‬والحزن والبهجة(()‪.(1‬‬
‫وبما أن هذه الساطيرّ تسعى إلى غاية واحدة‪ ،‬تتلخص في تجديد دورّة الحياة‬
‫وبعث فعل الخصب والنماء في الطبيعة فإن الشاعرّ المعاصرّ حاول أن يجعل منها‪،‬‬
‫على اختلف أسمائها ومصادرّها لقباة لتموز‪ ،‬فتجاوز السماء ليغترّف من النبع‬
‫مباشرّة‪ ،‬فالسدياب على سبيل الذكرّ‪ ،‬حاول أن يجعل من السطورّة السومرّية ـ‬
‫بوصفها أقادم هذه الساطيرّ نشأة ـ مجالهّ في استلهام رّمز البطل القتيل لكنهّ كان في‬
‫كل مرّة ييضفي عليهّ طابعاة ولوناة خاصةا‪ ،‬فهو مرّة ذو لون بابلي‪ ،‬ومرّة كنعاني‪ ،‬ومرّة‬
‫فينيقي ويوناني‪ ،‬وأخرّى مصرّي‪.‬‬
‫وليس من المستبعد أن يكون هذا الشاعرّ على درّجة عالية من الثقافة‬
‫الفلكلورّية والرّموز الميثولوجية فهو يدرّك أصول تلك الساطيرّ ومواطن تداخلها‬
‫والتقائها‪ ،‬لذا ألفيناه يجمع بين أبطالها وشخصياتها‪ .‬فأدونيس بطل السطورّة‬
‫الفينيقية والغرّيقية كان لقباة من ألقاب تموز‪ ،‬الذي كان يعبد عند ))القاوام السامية‬
‫في بابل وسورّيا ثم أخذ الغرّيق عنهم عبادتهّ حوالي القرّن السابع قابل الميلد وكان‬
‫اسم اللهّ الحقيقي )تموز(‪ .‬وما التسمية )أدونيس( إل الكلمة السامية ومعناها‬
‫)السيد( وهو لقب احترّام كان يطلقهّ عليهّ عباده(()‪ .(2‬ورّبما كان هذا التداخل بين‬
‫الميثولوجيات المختلفة حول أسطورّة واحدة‪ ،‬من السباب التي أثرّت هذا التنويع في‬
‫التعامل مع الساطيرّ‪ ،‬بل وساعدت على اكتشاف مناطق مجهولة من تلقاي‬
‫الحضارّات وهجرّة الثقافات‪.‬‬
‫ومثل ما ارّتبط )تموز( )بعشتارّ(‪ ،‬ارّتبط )أدونيس( )بأفرّوديت( مرّة بوصفهّ‬
‫إغرّيقيةا‪ ،‬و)بفينوس( مرّة أخرّى بوصفهّ رّومانيةا‪ ،‬وكذا الحال في السطورّة المصرّية‬
‫والكنعانية‪ ،‬حيث ارّتبط )أوزيرّيس ببايزيس( و)بعل بآنات(‪ .‬وقاد جسدت هذه اللهة‬
‫)رّبات العشق والجمال والحكمة( معنى البعث والحياة عبرّ سلوك دال على عمق‬
‫التضحية والخلص للزوج اللهّ‪ ،‬في زمن كان فيهّ الناس ))يعتقدون أن تموز يموت‬
‫كل سنة متنقلة من أرّض المرّح إلى العالم المظلم تحت الرّض‪ ،‬وأن قارّينتهّ اللهية‬

‫)( ‪ -‬نبيلة إبراهيم‪ :‬النسان والزمن ف التاث الششعب‪ ،‬ملشة القلم‪ ،‬بغششداد أيشار ‪ ،1976‬العششدد ‪ ،8‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.24‬‬
‫)( ‪ -‬جيمس فآريزر‪ :‬أدونيس‪ ،‬ترجة جبا إبراهيم جبا‪ ،‬دار الصراع الفكري‪ ،‬بيوت ‪ ،1957‬ص ‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫ترّحل كل سنة في البحث عنهّ إلى البلد التي ل عودة منها‪ ،‬إلى دارّ الظلم حيث‬
‫الترّاب مكوم على البواب‪ .‬وفي أثناء غيبتها تنقطع عاطفة الحب عن الشبوب في‬
‫)‪(1‬‬
‫الصدرّ‪ ،‬فينسى النسان والحيوان على السواء تكثيرّ جنسهّ‪ ،‬ويهدد الفناء الحياة(( ‪،‬‬
‫وهنا يتحتم القيام بطقوس موت تموز من أجل عودتهّ وانبعاثهّ مع عشيقتهّ‪ ،‬إوال‬
‫سيحل الخرّاب والفناء‪.‬‬
‫من هنا أطل الشاعرّ العرّبي المعاصرّ على عمق المعاناة النسانية عبرّ‬
‫مسارّها التارّيخي الطويل منذ أن كان النسان يقدم نفسهّ قارّباناة لللهة حفاظاة على‬
‫حياتهّ وحياة أبنائهّ‪) ،‬فتموز(‪ ،‬من الناحية الرّمزية‪ ،‬يموت لييبعث مرّة ثانية‪ ،‬لن في‬
‫موتهّ حياة لهّ‪ ،‬وفي حياتهّ موت لهّ‪ ،‬هكذا أرّادت لـهّ اللهة مغتصبة الخلود‪ ،‬لكنهّ على‬
‫الرّغم من ذلك سيبقى مضحياة واهباة الحياة للطبيعة ومجدداة لفصولها وتكاثرّها‪.‬‬
‫ومن العبث في تصورّ الشاعرّ المعاصرّ‪ ،‬أن ل تكون لهذه التضحية التي‬
‫بطلها تموز أكثرّ من معنى‪ ..‬ولبد للجدب والعقم في الحياة المعاصرّة من تموز‬
‫ينهض بعبء الولدة والنبعاث‪ .‬ومن ثدم كان لهتمام الشاعرّ بأسطورّة )تموز(‬
‫مبرّرّاتهّ الشعرّية ومصدوغاتهّ الفكرّية‪ ،‬أضف إلى ذلك أنها السطورّة التي تلتقي‬
‫عندها جميع أساطيرّ الفداء والتضحية من أجل إعادة الحياة ودفع الموت بشكل‬
‫مأساوي حاد‪.‬‬
‫من الفكرّة ذاتها انطلق معظم الشعرّاء المعاصرّين كالسدياب وخليل حاوي‬
‫وأدونيس في توظيفهم لهذه السطورّة بحيث أفادوا منها كثي ةرّا‪ ،‬وجعلوها تؤدي أغرّاضاة‬
‫دللية وفنية متعددة‪ .‬و أرّوا فيها رّم اةز لثورّة عارّمة تعيد الحياة الكرّيمة للشعوب‬
‫المضطهدة التي تقارّع الظلم والطغيان‪ ،‬وانبعاثاة شاملة لهذه المة من غفوتها‬
‫وانحطاطها‪.‬‬
‫وقاد ازداد تمسك هؤلء الشعرّاء بهذه السطورّة وغيرّها من البعث والخلص بعد‬
‫جملة من الحداث والتغيرّات العميقة في بنية المجتمع العرّبي وذهنيتهّ من جرّاء‬
‫النكبة التي أصابتهّ‪ .‬وهذا ما جعل أحد النقاد يرّى أن عملية توظيف الرّموز‬
‫والساطيرّ التي شحن بها الشعرّاء كتاباتهم‪ ،‬إنما هي من فعل النكبة)‪ .(2‬هذه النكبة‬
‫والساطيرّ التي أوحت إلى بعضهم بضرّورّة النهوض والوقاوف إلى جانب النموذج‬
‫الغرّبي‪ ،‬غيرّ أن التصدع كان أقاوى من كل رّؤية متفائلة في البحث عن ميلد جديد‪،‬‬

‫)( ‪ -‬جيمس فآريزر‪ :‬أدونيس‪ ،‬ترجة جبا إبراهيم جبا‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪ -‬ينظش ششر جش شبا إبراهيش ششم جش شبا‪ :‬الرحلش ششة الثامنش ششة الؤمسسش ششة العربيش ششة للدراسش ششات والنشش ششر‪ ،‬بي ششوت‪ ،‬ط ‪،2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1979‬ص ‪.74‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫وبذلك انهارّ حلم النبعاث والخلص الذي زكاه عدم التكافؤ بين الغرّب والشرّق‪.‬‬
‫وكانت النتيجة أن اضمحلت هذه الساطيرّ والرّموز )رّموز النبعاث(‪ ،‬لتحل‬
‫محلها رّموز أخرّى )معظمها صوفية(‪ .‬وهناك من بقي متمسكاة بها لكن موظفاة إياها‬
‫بطرّيقة عسكرّية أو ضدية كما جاء في قاول السدياب بعد أن تسرّب إليهّ الشك في قادرّة‬
‫تموز على النهوض ونفض أكفان الموت عن نفسهّ‪:‬‬
‫ق يدي‬
‫ناب الخنزير يش ك‬
‫ويغوص لظاه إلى كبدي‪،‬‬
‫ودمي يتدكفق‪ ،‬ينساب‪:‬‬
‫لم يغد شقائق أو قمحال‬
‫لكن ملحلا‪.‬‬
‫"عشتار"‪ ..‬وتخفق أثواب‬
‫وترف حيالي أعشاب‬
‫من نعل يخفق كالبرق‬
‫كالبرق الخلب ينساب‬
‫لو يومض في عرقي‬
‫نور‪ ،‬فيضيء لي الدنيا‬
‫لو أنهض‪ ،‬لو أحيا‬
‫لو أسقى! آه لو أسقى!‬
‫لو أكن عروقي أعناب!‬
‫وتقكبل ثغري عشتار‪،‬‬
‫فكأكن على فمها ظلمة‬
‫تنثال علكي وتنطبق‪،‬‬
‫فيموت بعينكي اللق‬
‫)‪(1‬‬
‫أنا والعتمة‬
‫هكذا تبدو فكرّة النبعاث بعيدة‪ ،‬ويبدو الشاعرّ حزيناة يخيم عليهّ اليأس ـ من‬
‫الوضع الجتماعي والحضارّي ـ والمرّض‪ ،‬ويحس بناب الظلم ينفذ إلى كبده‪ ،‬بعد أن‬

‫ش بدر شاكر السياب‪ :‬الديوان ‪ 1/410‬ش ‪.411‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫عادت حياتهّ ملحاة ل نبت فيهّ‪ ،‬ورّم اةز للبوارّ والجدب‪ .‬أما )عشتارّ( واهبة الحياة‬
‫والنورّ فصارّت هي الخرّى عاجزة مثلهّ ل تستطيع أن تفعل شيئةا‪ ،‬بل أكثرّ من ذلك‬
‫أصبحت الظلمة تنثال من فيها‪ ،‬دون أن تترّك بسمة للمل والرّجاء في أفق )تموز(‪.‬‬
‫إن أمل الشاعرّ ـ المتحد بتموز ـ قاليل جدةا‪ ،‬ول يمكنهّ رّسم الطرّيق فتموز عاجز عن‬
‫النبعاث‪ .‬وسبل الخلص من اليأس والمرّض الذي قاهرّه سنين عدة‪ ،‬وباتت نفسهّ‬
‫قااب قاوسين أو أدنى من الموت‪ ،‬أمرّ بعيد المنال‪ ،‬وهذا على الرّغم من إيمانهّ‬
‫بالنبعاث والنهوض الذي تؤكده بعض قاصائده‪ .‬فهو في هذه القصيدة يفضل العدم‬
‫والرّاحة البدية لنفسهّ و)لجيكورّ( التي ترّمز إلى كل ما يحبهّ على الطلق‪.‬‬
‫هيهات‪ .‬أينبثق النور‬
‫ودمائي تظلم في الوادي؟‬
‫أيسقسق فيها عصفور‬
‫ولساني كومة أعواد؟‬
‫والحقل‪ ،‬متى يلد القمحا‬
‫والورد‪ ،‬وجرحي مغفور‬
‫وعظامي ناضحة ملحلا؟‬
‫ل شيء سوى العدم العدم‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والموت هو الموت الباقي‬
‫يتضح أن تموز القصيدة غيرّ تموز السطورّة إوان اشترّكا في السم‪ ،‬فقد‬
‫استطاع السدياب من خلل هذا المزج بين الشعرّي والسطورّي أن يبرّز المنحى‬
‫الجديد لعملية توظيف الترّاث‪ ،‬ويضفي على تجرّبتهّ الشعرّية بعداة فكرّياة يسمح لـهّ‬
‫بتجسيد رّؤيتهّ للحياة والموت‪ .‬أما من الناحية الفنية فيتضح أن الرّمز الشعرّي‪ ،‬سواء‬
‫أكان أسطورّياة أم تارّيخيةا‪ ،‬فهو ليس قاالباة جاه اةز أو نظاماة إشارّيةا‪ ،‬يتكرّرّ بدللتهّ‬
‫ومعناه في جميع النصوص‪ ،‬بل هو نتيجة لكل ممارّسة شعرّية جديدة تطمح لن‬
‫تكون متفرّدة في طرّيقتها وأسلوبها‪ .‬فالشاعرّ أثناء عملية البداع والكتابة يصنع‬
‫رّموزه بطرّيقتهّ الخاصة وفق ما تمليهّ عليهّ تجرّبتهّ ورّؤيتهّ‪ .‬فإن عدنا إلى القصيدة‬
‫مرّة ثانية‪ ،‬نجد أن السدياب قاد دخل في عملية تناص عكسي مع النص السطورّي‪،‬‬
‫فلم يأخذ الرّمز بدللتهّ السطورّية‪ ،‬إوانما رّاح يبني إلى جانب تلك الدللة‪ ،‬دللة‬
‫أخرّى مخالفة لها تمامةا‪ ،‬وهذا ليس من باب التقليد أو المحاكاة كما اعتقد أحمد‬

‫‪ -‬بدر شاكر السياب‪ :‬الديوان ‪ 1/412‬ش ‪.413‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫المعداوي)‪ (1‬إوانما هو عملية إنتاج لمعنى جديد‪ ،‬مما يؤكد أن الرّمز عند بعض‬
‫الشعرّاء المعاصرّين ينبغي أن ل يفهم ويق أرّ بالعودة إلى سياقااتهّ القديمة‪ ،‬بل بالرّجوع‬
‫إلى معناه إوايحاءاتهّ التي ابتناها الشعرّ في الكلم وبالكلم‪ .‬لكن ل ينبغي أن يفهم‬
‫أننا ننفي تماماة الدللة الولى للرّمز‪.‬‬
‫فالرّمز السطورّي يظل محافظاة على إيحاءاتهّ وظللهّ مهما كانت عملية‬
‫توظيفهّ في الشعرّ‪ ،‬حتى إوان بدت خافتة في بعض النصوص‪ ،‬فبمجرّد ذكرّ رّمز‬
‫معين وليكن )تموز( على سبيل المثال‪ ،‬فإن ذكرّ السم )تموز( يظل يحمل تلك‬
‫البعاد والدللت التي زخرّت بها السطورّة‪ ،‬مما يجعل المتلقي داخل فضاء معين‬
‫يصعب عليهّ النتقال منهّ إلى فضاء شعرّي آخرّ ما لم تكن هناك قارّائن تسمح‬
‫)‪(2‬‬
‫بتجاوز المعنى الول إلى المعنى الثاني على حد تعبيرّ عبد القاهرّ الجرّجاني ‪.‬‬
‫لقد أدرّك الشعرّاء هذا المرّ في بداية الرّحلة‪ ،‬فكانوا يشرّحون رّموزهم ويشيرّون‬
‫إلى أصولها في هوامش نصوصهم‪ ،‬وكانوا يتدرّجون بالرّمز من معناه الصلي إلى‬
‫معان جديدة تسمح للمتلقي بالولوج إلى عالم القصيدة بتدرّج في غيرّ كلل أو غموض‬
‫يفسدان عليهّ متعة الفهم والتذوق‪ .‬وانطلقااة من إيمان الشعرّاء المعاصرّين بضرّورّة‬
‫التغييرّ والنبعاث حاول خليل حاوي استثمارّ الشخصيات والرّموز السطورّية‬
‫اليهودية والمسيحية لتحقيق هذا التغييرّ‪ ،‬ففي ديوانهّ )نهرّ الرّماد( ـ النهرّ رّمز الحياة‬
‫والرّماد رّمز الموت ـ الذي شدخص فيهّ معاناة مجتمعهّ وهو يزحف بخطى متعثرّة نحو‬
‫النهوض والنبعاث وقاد أصابهّ ما أصابهّ من التدهورّ والتخلف والسأم‪ ،‬إشارّة واضحة‬
‫ودعوة إلى الغترّاف من منابع الثقافات وأصولها‪.‬‬
‫كان خليل حاوي‪ ،‬كما يوحي بذلك عنوان هذا الديوان يعاني من الزدواجية‬
‫والنفصام بين الواقاع والمثال‪ ،‬الصورّة والمادة‪ ،‬الوجهّ والقناع‪ ،‬وكأنهّ مفرّوض عليهّ‬
‫أن يمرّ بالمصيرّ نفسهّ الذي مرّ بهّ )برّوميثيوس( و)سيزيف( اللذان ظل يحملن‬
‫الهموم والعذاب‪ .‬ونعتقد أن ليس هناك قاصيدة في شعرّه إل وتوحي بهذين الصوتين‬
‫البديين الذين يتجاذبانهّ ويفرّيان في أحشائهّ وأعماق رّوحهّ‪ ،‬وهذا على الرّغم من‬
‫الحلم الذي كان يرّاوده والمتمثل في حبهّ للحياة والنتصارّ‪ ،‬ويبدو ذلك جلياة في هذا‬
‫التوسل الصرّيح إلى آلهة الخصب والنبعاث‪:‬‬
‫يا إله الخصب‪ ،‬يا بعلل يفض‬

‫)( ‪ -‬ينظر‪ :‬أزمة الداثة ف الشعر العرب الديث‪ ،‬ص ‪.178‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪ -‬ينظششر‪ :‬دلئششل العجحششاز )ف ش علششم العششان(‪ ،‬تقيششق ممششد عبششده‪ ،‬دار العرفآششة للطباعششة والنشششر‪ ،‬بيوت‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1981‬ص ‪.207‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫التربة العاقر‬
‫يا شمس الحصيد‬
‫يا إلهال ينفض القبر‬
‫ويا فصحال مجيد‪.‬‬
‫أنت يا تموز‪ ،‬يا شمس الحصيد‬
‫نكجنا‪ ،‬نكج عروق الرض‬
‫)‪(1‬‬
‫من عقم دهاها ودهانا‬
‫يكاد يكون هذا المقطع طقساة سحرّياة وممارّسة رّمزية لشعائرّ الخصب والنماء‪،‬‬
‫فالرّض العاقارّ ترّوى ببذارّ بعل‪ ،‬والشمس تشرّق بانبعاث تموز‪ ،‬والمسيح يفض‬
‫القبرّ عبرّ الفصح إنها شبكة من الطقوس والرّموز التي كان يؤمن بها البدائيون‪،‬‬
‫اهتدى إليها حاوي بهدي من معاناتهّ وتجرّبتهّ التي انبنت أساساة على المل وفعل‬
‫التجاوز والتخطي‪ ،‬غيرّ أن هذا المل في رّأيهّ‪ ،‬ـ كما سيتضح في قاصيدتهّ السندباد‬
‫في رّحلتهّ الثامنة ـ ل يمكن أن يولد إل من خلل الحساس التام بالنهيارّ والزوال‬
‫الشامل بواسطة نارّ محرّقاة أو طوفان جارّف‪:‬‬
‫إن يكن‪ ،‬ركباه‪،‬‬
‫ل يحيي عروق المكيتينا‬
‫غير نار تلد العنقاء‪ ،‬نار‬
‫تتغكذى من رماد الموت فينا‪،‬‬
‫في القرار‪،‬‬
‫فلنعان من جحيم النار‬
‫)‪(2‬‬
‫ما يمنحنا البعث اليقينا‬
‫تسهم أسطورّة العنقاء التي تموت ثم يلتهب رّمادها فتحيا ثانية في تأكيد هذا‬
‫المعنى أو المل المتوخى عند الشاعرّ‪ ،‬فموت العنقاء وانبعاثها إشارّة رّمزية إلى‬
‫ضرّورّة القاتناع بالتضحية من أجل النجاة والخلص‪ ،‬وقاد جاءت كلمة )فلنعان(‬
‫صعاب والمشاق‪ ،‬لترّجح الكفة وترّبط‬ ‫وهي لفظة مثقلة بدللت الستعداد لتحمل ال د‬
‫بين الرّؤيا وحقيقة المعاناة في الواقاع‪ ،‬فالنبعاث عند الشاعرّ ل يمكن أن يتحقق‬

‫‪ -‬خليل حاوي‪ :‬الديوان‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت ‪ ،1993‬ص ‪119‬ش ‪.120‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬خليل حاوي‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪125‬ش ‪.126‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫بغيرّ تطهرّ‪ ،‬والتطهرّ ل يمكن أن يكون بغيرّ معاناة الحترّاق والغتسال‪.‬‬
‫كان في الفاق والرض سكون‬
‫ثم صاحت بومة‪ ،‬هاجت خفافيش‬
‫دجا الفق اكفهكار‬
‫ودكوت جلجلة الرعد‬
‫فشكقت سحبال حمراء حكرى‬
‫أمطرت جم ارل وكبريتال وملحال وسموم‬
‫وجرى السيل براكين الجحيم‬
‫أحرق القرية‪ ،‬عكراها‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫طوى القتلى ومكار‬
‫وفي )أنشودة المطرّ( ما يؤكد هذا المعنى‪ ،‬حيث يشيرّ السدياب من خلل مأساة‬
‫العرّاق والواقاع المترّدي فيها إلى ملمح الغد الجديد‪:‬‬
‫أكاد أسمع العراق يذخر الرعود‬
‫سهول والجبال‪،‬‬
‫ويخزن البروق في ال ك‬
‫ض عنها ختمها الكرجال‬
‫حتى إذا ما ف ك‬
‫لم تترك الرياح من ثمود‬
‫)‪(2‬‬
‫في الواد من أثر‬
‫وخلصة القول‪ ،‬فإن اكتشاف الشعرّاء المعاصرّين لهذه السطورّة وما يتعلق‬
‫بها من رّموز وطقوس‪ ،‬قاد مكنهم من التعبيرّ عن تجارّبهم بطرّق فنية سمحت لهم‬
‫بنقل الشعرّ إلى دائرّة أوسع بعيداة عن التقليد واجترّارّ المكرّورّ ومحاكاة الموضوعات‬
‫المستهلكة‪ ،‬وفتح لهم باب البداع وتجسيد الرّؤى وعرّض التأملت والفكارّ‪ .‬ولعلنا‬
‫ل نبالغ إن قالنا إن أكثرّ من ثلثي الشعرّ العرّبي المعاصرّ قاد يبني على بقايا هذه‬
‫الساطيرّ والمعتقدات التي أبدعتها المخيلة الشعبية واحتفظت بها الجيال على مرّ‬
‫العصورّ‪.‬‬

‫‪ -‬خليل حاوي‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪111‬ش ‪.112‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬بدر شاكر السياب‪ :‬الديوان ‪.1/477‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 79 -‬‬
‫ج ـ أسطورة بروميثيوس)‪) (1‬الثورة والتمرد(‪:‬‬
‫تعد أسطورّة برّميثيوس من الساطيرّ التي استهوت الشاعرّ العرّبي المعاصرّ‬
‫في بحثهّ عن نموذج قاوي يستطيع أن يجسد من خللهّ رّغبتهّ في النتصارّ والتحرّرّ‬
‫من القيود والحواجز‪ ،‬والتطلع إلى المعرّفة بهدف تخليص النسان من التبعية اللهية‬
‫وجعلهّ سيداة ح اةرّ يصنع حياتهّ ويقرّرّ مصيرّه بنفسهّ‪.‬‬
‫وقاد صارّت أسطورّة برّميثيوس‪ ،‬منذ قاديم الزمان‪ ،‬معيناة ل ينضب اغترّف منها‬
‫الشعرّاء والفنانون فتحدث عنهّ هيزيودوس في قاصيدتهّ )العمال واليام( على أنهّ‬
‫الرّحيم الذي يرّى الناس ويعطف عليهم‪ ،‬ورّأى فيهّ أفلطون في )فيتاغورّس( أباة لكل‬
‫الجناس البشرّية‪ .‬كما أشارّ إليهّ الشاعرّ اليوناني أسخيلوس وجعلهّ بطلة لمسرّحيتهّ‬
‫)برّميثيوس في القيد( و)برّميثيوس الطليق( حيث نجد هذا الخيرّ يفخرّ بما فعلهّ من‬
‫خيرّ في سبيل إسعاد البشرّ)‪ ،(2‬وحملهم على كسرّ القيود بواسطة المعرّفة وحمل‬
‫مشعل النارّ رّمز الحرّكة والحياة‪.‬‬
‫ولعل من أشهرّ الدباء الذين وظفوا هذا الشخصية في أعمالهم الدبية في‬
‫العصرّ الحديث "جوتهّ" في مسرّحيتهّ )برّوميثيوس( ‪ ،1873‬والشاعرّ الرّومانتيكي‬
‫النجليزي "شيلي" في مسرّحيتهّ المترّجمة إلى العرّبية تحت عنوان )برّوميثيوس‬
‫الطليق( التي وظف فيها برّوميثيوس رّم اةز لمن يضحي في سبيل مستقبل النسانية‬
‫وفجرّها الجديد‪ .‬وقاد كان "شيلي" يحلم بهذا الفجرّ الذي يحمل لواءه الحكماء والشعرّاء‬
‫والمضحون في سبيل النسانية‪ ،‬لن كل واحد من هؤلء إنما هو برّوميثيوس‬
‫جديد)‪.(3‬‬

‫)( ‪ -‬بطششل أسششطوري مششن صششنع الخيلششة البدائيششة اليونانيششة‪ ،‬تششروي السششطورة أنششه رأى بثششاقب فآكششره أنششه يكششن‬ ‫‪1‬‬

‫للبشششر أن يعيششوا سششعداء إذا مششا تصششلوا علششى النششار‪ ،‬فآاسششتعطف زوس كششبي اللششة أن ينحششه إياهششا‪ ،‬إل أن‬
‫زوس أجششابه قششائلل ))بالنششار سششوف يصششبح بنششو البشششر فش غايششة الهششارة فآيظنششون أنفسششهم أنششدادال لللششة((‪ .‬لش‬
‫يكتث بروميثيوس بغضب زوس وقرر أن ينزل النشار إلش الرض‪ .‬غضشب عليشه هشذا الخيش وأمشر اللشة أن‬
‫تأخششذه إل ش جبششل كيقششاوس‪ ،‬وتشششده إل ش صششخرة ضششخمة يؤممهششا نسششر بششري متششوحش ينقششر جسششده العششاري‬
‫ويلتهم كبده كل صباح‪ ،‬لينمو لشه كبد جديد فش السشاء‪ .‬وعلشى الرغشم مشن هشذا العشذاب فآقشد ظشل البطشل‬
‫صششامدلا‪ ،‬ل ش يطلششب الرحششة والصششفح إل ش أن خلصششه هياكليششز‪ .‬حششول هششذه السششطورة ينظششر‪ :‬شششوقي عبششد‬
‫الكيم‪ :‬موسوعة الفلكلور والساطي العربية‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ ،1982 ،1‬ص ‪ ،100‬وأيضلا‪،‬‬
‫مششاكس شششابيو‪ :‬معجحششم السششاطي‪ ،‬ترجششة‪ :‬حنششا عبششود منشششورات دار علء الششدين‪ ،‬دمشششق ‪ ،1999‬ص‬
‫‪ ،209‬برنارد ايفلسن ‪ :‬ميثولوجيا البطال واللشة والوحششوش‪ ،‬ترجشة‪ :‬حنشا عبشود‪ ،‬منششورات وزارة الثقافآششة‪،‬‬
‫دمشق ‪ ،1997‬ص ‪.63‬‬
‫)( ‪ -‬ينظر‪ :‬ممد غنيمي هلل‪ :‬الدب القارن‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت ‪ ،1983‬ص ‪.310‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ‪ -‬ينظر‪ :‬ممد غنيمي هلل‪ :‬الدب القارن‪ ،‬ص ‪.310‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫وقابل الحديث عن هذه السطورّة في الشعرّ العرّبي المعاصرّ وما ترّمز إليهّ من‬
‫دللت وأبعاد أغنت النص وأضفت عليهّ طابعاة إنسانياة وشمولياة عامةا‪ ،‬نشيرّ إلى أن‬
‫هذه السطورّة تشبهّ في أكثرّ من نقطة القصة الشعبية التي نسجت حول صلب‬
‫المسيح عليهّ السلم)‪ ،(1‬فكلهما قادم نفسهّ فداء لتخليص البشرّية من العناء والقهرّ‪،‬‬
‫وكلهما حاول أن يجسد حكائياة فكرّة الستشهاد من أجل الخرّين‪ ،‬فأصبحا رّمزين‬
‫من رّموز الفداء والتضحية‪ ،‬وبهذه الرّمزية أو الدللة يوظفان في أغلب القصائد‬
‫الشعرّية‪ ،‬حتى إوان لم يذكرّ اسميهما‪ ،‬لن ما يهم الشاعرّ هو سرّيان هذه الرّوح ـ رّوح‬
‫التضحية والستشهاد أو الرّوح البرّوميثيوسية إن صح هذا التعبيرّ ـ في القصيدة ول‬
‫يهم سواء ذكرّ برّوميثيوس أو غيرّه يقول محمد جميل شلش‪:‬‬
‫سارق النار‪ ،‬رفيقي في المصير‪،‬‬
‫لم يزل يحلم بالفجر الكبير‪،‬‬
‫كبدلا‪ ،‬أقوى من اللم‪..‬‬
‫والحزان‪..‬‬
‫والصمت المرير‬
‫كبدال منصدعة‪،‬‬
‫ينهش النسر بقاياها‪..‬‬
‫وتترو‪..‬‬
‫‪..........‬‬
‫سارقال ما زال فينا‪،‬‬
‫يحمل المشعل في العماق دينلا‪،‬‬
‫ويغني لعبير الشمس‪..‬‬
‫في أعماق ليل "العاشرة"*‬
‫يا عدو الفجر‪ ،‬إن الفجر آت‪،‬‬
‫وعلى البلغي تدور الدائرة)‪.(2‬‬
‫يستلهم محمد شلش في هذا المقطع عذاب برّوميثيوس ليعبرّ من خللهّ عن‬
‫عذابهّ وآلمهّ وهو داخل الزنزانة يستصرّخ ويحلم بفجرّ جديد‪ .‬إن توحد الشاعرّ‬

‫)( ‪ -‬قال تعال‪. :         :‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪ -‬ممد جيل شلش‪ :‬الديوان‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ ،1197 ،8‬ص ‪102‬ش ‪.103‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫ل‪ ،‬وأضفى عليهّ‬ ‫بسارّق النارّ ـ كما فضل هو التعبيرّ عنهّ ـ أكسب عذابهّ غنى ومدلو ة‬
‫بعداة إنسانياة وأسطورّيةا‪ ،‬وجعل وقاعهّ في الملتقى حياة متدفقةا‪ .‬فالشاعرّ المدتحد‬
‫ببرّوميثيوس يرّفض الستسلم ويأبى الخضوع والنسياق ويحلم بالنتصارّ على‬
‫الرّغم من العذاب الشديد‪ ،‬ما دام هناك بقايا حياة في كبده‪:‬‬
‫يا عدو الفجر‪ ...‬يا نسل النسور الفاجرة‪،‬‬
‫لم تزل بقايا حياة‬
‫في دمي‪ ،‬في فلذة من كبدي المنصدعة‪،‬‬
‫لم يزل يخفق قلبي للفصول الربعة‪،‬‬
‫لم أزل أؤمن بالنسان‬
‫)‪(1‬‬
‫في وهران‬
‫إن المعنى الولي الذي يوحي بهّ هذا المقطع‪ ،‬بالضافة إلى رّوح التضحية‬
‫والستشهاد‪ ،‬هو هذا العنصرّ الجديد المتمثل في القدرّة على النبعاث والتعاقاب )لم‬
‫يزل يخفق قالبي للفصول الرّبعة(‪ ،‬وفي توحد الذات المبدعة )الشاعرّ( بالزمان‪،‬‬
‫إشارّة إلى عمق المعاناة والرّغبة في التمسك بخيط اللحظة البدية‪ ،‬وهو إلى جانب‬
‫هذا المعنى يكشف إصرّارّ الشاعرّ إوايمانهّ بطرّيق الستشهاد والتضحية الذي ل‬
‫يمكن أن يؤدي إلى مسلك آخرّ غيرّ مسلك الخلود والبقاء)‪.(2‬‬
‫غيرّ أن النسان المعاصرّ كما يرّى عبد الوهاب البياتي قاد خان بطولة‬
‫برّوميثيوس لنهّ يسعى إلى الطعام أكثرّ من سعيهّ إلى الحرّية التي منحهّ إياها هذا‬
‫البطل‪ .‬ولو أن برّوميثيوس عاد إلى الرّض كما يقول ألبيرّ كاموا )‪(1913ً-1960‬‬
‫لوقاف الناس منهّ الن مثلما وقاف الرّباب منهّ بالمس‪ ،‬سيرّبطونهّ إلى الصخرّة باسم‬
‫النسانية‪ ،‬مع أنهّ أقادم رّمز لها)‪ (3‬وقاد تجلت هذه الصورّة واضحة عند البياتي حيث‬
‫ظهرّ برّوميثيوس وقاد بلغ حداة من اليأس والبكاء والضعف‪:‬‬
‫داروا مع الشمس فانهارت عزائهم‬
‫وعاد أكولهم ينعي على الثاني‬

‫‪‬‬ ‫)( ‪ -‬ممد جيل شلش‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪ -‬قال تعال ‪           ‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪. :   ‬‬


‫)( ‪ -‬ينظر إحسان عباس‪ :‬من الذي سرق النار )خطشرات فش النقششد والدب( الؤمسسشة العربيشة للدراسششات‬ ‫‪3‬‬

‫والنشر‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ ،1970 ،1‬ص ‪.112‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫وسارق النار لم يبرح كعادته‬
‫يسابق الريح من حان إلى حان‬
‫ولم تزل لعنة الباء تتبعه‬
‫وتحجب الرض عن مصباحه القاني‬
‫ولم تزل في السجون السود رائحة‬
‫وفي الملجئ من تاريخه العاني‬
‫مشاعل كلما الطاغوت أطفأها‪،‬‬
‫عادت تضيء على أشلء إنسان‬
‫عصر البطلت وقد وكلى‪ ،‬وها أنذا‬
‫أعوذ من عالم الموتى بخذلن‬
‫وحدي احترقت! أنا وحدي! وكم عبرت‬
‫بي الشموس ولم تحفل بأحزاني‬
‫إني غفرت لهم‬
‫إني رثيت لهم!‬
‫إني تركت لهم‬
‫)‪(1‬‬
‫يا ركب أكفاني!‬

‫د ـ أسطورة سيزيف)‪) (2‬رمز الدانة المطلقــة‬


‫والفشل الزلي(‪:‬‬
‫إن الوقاوف عند هذه السطورّة في الشعرّ العرّبي المعاصرّ‪ ،‬إواحصاء القصائد‬

‫)( ‪ -‬عبششد الوهششاب البي ششات‪ :‬الششديوان‪ ،‬دار الع ششودة‪ ،‬بيششوت‪ ،‬ط ‪ ،1979 ،3‬ص ‪180‬ش ش ‪ ،181‬مششن‬ ‫‪1‬‬

‫قصيدة )سارق النار(‪.‬‬

‫)( ‪ -‬تششروي السششطورة أ‪ ،‬اللششة حكمششت علششى سششيزيف‪ ،‬لفآشششائه سششر زوس الششذي خطششف ريينششا لبيهششا‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫بالعمال الشاقة وحل الصخرة إل رأس البل ليلقي با إلش السفح‪ ،‬فآيعشود لملهشا ثانيشة‪ ،‬وهكشذا إلش ما‬
‫ل نايش ششة ل ش ششه‪ .‬حش ششول هش ششذه السش ششطورة ينظش ششر‪ :‬مش ششاكس شش ششابيو‪ :‬معجحش ششم السش ششاطي ترجش ششة حنش ششا عبش ششود‪،‬‬
‫ص ‪.229‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫التي وظفت فيها‪ ،‬ييبرّز مدى اهتمام الشعرّاء المعاصرّين على اختلف توجهاتهم‬
‫وأفكارّهم‪ ،‬بهذه السطورّة التي تكاد تكون سمة مميزة لبعضهم‪ ،‬كما سيتضح بعد‬
‫قاليل‪.‬‬
‫ترّمز أسطورّة سيزيف باختصارّ إلى مجانية العمل النساني وضياع الجهد‪،‬‬
‫كما أنها تجسيد للحسان بالعبث واللجدوى ))بانعدام التوافق أو النسجام بين حاجة‬
‫الذهن إلى الترّابط المنطقي‪ ،‬وبين انعدام المنطق في ترّكيب العالم(()‪ ،(1‬وهو إحساس‬
‫رّافق النسان منذ أن استعمل ذهنهّ وفكرّه في فلك اللغاز التي تواجههّ في هذه‬
‫الحياة‪ ،‬وقاد ازداد هذا الحساس حدة في العصرّ الحديث بسبب التغيرّات الكبيرّة التي‬
‫طرّأت على الواقاع النساني على صعيد التفكيرّ والتصورّ مما عدمق هذا الحساس‪،‬‬
‫أو بالحرّى هذه الرّؤية العبثية عند بعض الشعرّاء‪.‬‬
‫إواذا كان ألبيرّ كامي وهو من المعجبين بهذه السطورّة كما يظهرّ من خلل‬
‫كتابهّ )أسطورّة سيزيف( ـ الذي نقلهّ إلى العرّبية الستاذ أنيس زكي حسن ـ يأخذها‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬دون أن يضيف إليهّ شيئةا‪ ،‬ليقيم عليهّ جوهرّ فلسفتهّ حول نظرّتهّ إلى‬
‫النسان والمجتمع‪ ،‬مثلهّ مثل الدباء العبثيين الذي يؤمنون بانعدام الهدف انعداماة‬
‫مطلقاة من الحياة‪ .‬فإن الشاعرّ العرّبي المعاصرّ كان خلفاة لذلك بحكم الرّواسب‬
‫)‪(2‬‬
‫الثابتة المستمدة من الفكرّ العرّبي والعقيدة التي ترّفض أن تكون الحياة عبثاة ولهواة ‪.‬‬
‫غيرّ أن تأثرّ هذا الشاعرّ بالشعرّ الغرّبي وفلسفاتهّ بحكم الحتكاك والتأثيرّ والتأثرّ‬
‫الحاصل بين الثقافات والحضارّات‪ ،‬جعل هذا الحساس بالعبث واللجدوى يتفاقام‬
‫لدى بعض الشعرّاء الذين عاشرّوا حالت من التقلب الفكرّي نتيجة انتماءاتهم‬
‫المختلفة‪ ،‬أو نتيجة هذا التساؤل المستمرّ الذي طرّحهّ الفكرّ البشرّي عبرّ أسطورّة‬
‫)سيزيف( وهو يقوم برّفع الصخرّة من سفح الجبل إلى قامتهّ دون غاية ول هدف‪.‬‬
‫يقول صلح عبد الصبور وهو يطرح السؤال نفسه‪:‬‬
‫ما غاية النسان من أتعابه‪ ،‬ما غاية الحياة؟‬
‫يا أيها الله)‪!(3‬‬
‫ل يرّيد صلح عبد الصبورّ من طرّحهّ لهذا السؤال الوصول إلى إجابة‪ ،‬بقدرّ‬
‫ما يرّيد التعبيرّ عن رّؤية فلسفية تؤكد عبثية الجهد النساني المبذول‪ ،‬ما دام هذا‬

‫)( ‪ -‬جون كروكششاتك‪ :‬ألشبي كشامي وأدب التمشرد‪ ،‬ترجشة جلل العنشتي‪ ،‬دار الشوطن العربش‪ ،‬دون تاريشخ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.58‬‬
‫)( ‪ -‬قال تعال ‪///‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط ‪ ،1983 ،4‬ص ‪.30‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫الجهد ل ينتهي إلى غاية أو هدف‪ .‬والواقاع أن هذا التساؤل نابع عن تساؤل آخرّ‬
‫مفاده أنهّ إذا كان النسان محكوم عليهّ مسبقاة بالموت والجحيم فلماذا كل هذا الجهد‬
‫والتعب؟ وهو سؤال طرّحهّ من قابل أبو العلء المعرّي بشيء من التهكم والسخرّية‪.‬‬
‫ويزداد هذا الحساس بالعبث ومجانية التجرّبة النسانية حين يقول‪:‬‬
‫أموت ل يعرفني أحد‬
‫أموت ل يبكي أحد‬
‫وقد يقال‪ ،‬بين صحبى‪ ،‬في مجامع المسامرة‬
‫مجلسه كان هنا‪ ،‬وقد عبر‬
‫فيمن عبر‪...‬‬
‫)‪(1‬‬
‫يرحمه ال‪...‬‬
‫لقد تمكنت هذه الرّؤيا‪ ،‬وهي في جوهرّها رّؤيا سيزيفية كما أسلفنا‪ ،‬من نفسية‬
‫صلح عبد الصبورّ فطبعت العديد من قاصائده وبالخصوص تلك التي كتبها حين‬
‫استشعرّ موت النسان النسان‪ ،‬فأدى بهّ هذا الشعورّ إلى التسليم بأن هذا الكون‬
‫موبوء‪ ،‬ل يصلحهّ شيء)‪ ،(2‬والرّض فيهّ بغي طامث)‪ (3‬أيامهّ مرّيضة)‪ ،(4‬دنياه‬
‫عجوز عقيم)‪ ،(5‬وعالمهّ يموج بالتخليط والقمامة)‪ ،(6‬وبأن إنسان هذا العصرّ إنسان‬
‫أجوف مزيف‪ ،‬غيرّ أصيل‪:‬‬
‫يا صاحبي!‪...‬‬
‫ما نحن إل نفضة رعناء من ريح سموم‬
‫أو منية حمقاء‬
‫)‪(7‬‬
‫والشيطان خالقنا ليجرح قدرة ال العظيم‬
‫أما‪:‬‬
‫النسان النسان عبر‬

‫‪194‬ش ‪.195‬‬ ‫‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫‪.267‬‬ ‫‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫‪.297‬‬ ‫‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫‪.334‬‬ ‫‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪.137‬‬ ‫‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪.246‬‬ ‫‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪.38‬‬ ‫‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪- 85 -‬‬
‫من أعوام‬
‫ومضى لم يعرفه البشر‬
‫حفر الحصباء‪ ،‬ونام‬
‫)‪(1‬‬
‫وتغطى باللم‪...‬‬
‫هكذا استطاع صلح عبد الصبورّ أن يحدول مضمون السطورّة اليونانية إلى‬
‫رّؤيا شعرّية وفلسفية مكنتهّ من الغوص في غورّ حياتنا المعاصرّة ليجلي سمتها‬
‫البرّاق وجوهرّها المزيف‪ ،‬ومن ثم فل غرّو أن يكون سيزيف هو البطل الذي يطل من‬
‫هذه المقاطع الشعرّية معب اةرّ عن وحدة الشعورّ النساني حين ينتابهّ السأم والملل‪.‬‬

‫هإـ ـ ألف ليلة وليلة‪:‬‬


‫إن الحديث عن أثرّ الليالي في الداب الحديثة‪ ،‬حديث يطول وليس بوسعنا أن‬
‫نخوض فيهّ الن‪ ،‬فقد أفرّدت لـهّ درّاسات خاصة‪ ،‬و))يكفي أن نعرّف أن الليالي‬
‫طبعت أكثرّ من ثلثين مرّة مختلفة في فرّنسا إوانجلت ارّ في القرّن الثامن عشرّ وحده‪،‬‬
‫وأنها نشرّت نحو ثلثمائة مرّة في لغات أورّبا الغرّبية منذ ذلك الحين تتصورّ إلى أي‬
‫حد تغلغل هذا الثرّ في نفوس هؤلء القرّاء‪ ،‬وخاصة الدباء منهم(()‪ (2‬الذين حملوا‬
‫شخصيات الليالي‪ ،‬وبخاصة شهرّزاد‪ ،‬الكثيرّ من القضايا الرّومانتيكية كتقديس الذات‬
‫وتأكيد الشخصية إوايثارّ الحرّية وترّجيح العاطفة على العقل في الهتداء إلى‬
‫الحقائق‪ ،‬والسخرّية بالملوك إذ إن ))شهرّزاد قاد هدت الملك إلى إنسانيتهّ‪ ،‬ورّدتهّ عن‬
‫غرّيزتهّ الوحشية‪ ،‬ل بوساطة المنطق‪ ،‬بل العاطفة‪ ،‬فصارّت رّم اةز للحقيقة التي يعرّفها‬
‫المرّء عن طرّيق هذا الشعورّ والحب‪ ،‬وبهذا المعنى الخيرّ انتقلت "شهرّزاد" إلينا في‬
‫أدبنا المعاصرّ بفضل تأثيرّ الداب الورّوبية(()‪.(3‬‬
‫وقاد تجاوز هذا التأثيرّ المجال الدبي إلى الفنون الخرّى كالسينما والموسيقى‬
‫والرّسم‪ ،‬وذلك لما في الليالي من مادة غزيرّة ومتعة فنية ل يتضاهى‪ ،‬فهي تجمع بين‬
‫النثرّ والشعرّ‪ ،‬وبين العامية والفصحى‪ ،‬وبين سهولة الحديث وعمق الفكرّة‪ ،‬فهي‬
‫تغذي الرّوح والخيال وتخاطب العقل والعاطفة‪.‬‬

‫)( ‪ -‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪ -‬سهي القلماوي‪ :‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬دار العارف‪ ،‬مصر ‪ ،1966‬ص ‪.75‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ‪ -‬ممد غنيمي هلل‪ :‬الدب القارن‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيوت ‪ ،1983‬ص ‪.222‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 86 -‬‬
‫و ـ أسطورة السندباد)‪) (1‬البحث والتجلي(‪:‬‬
‫إذا كان الغرّبيون قاد اهتموا كثي اةرّ بشهرّزاد وأولوها العناية الكاملة لسباب معينة‬
‫كما سوف يتضح في الصفحات القادمة من هذا البحث‪ ،‬فإن الشعرّاء العرّب قاد‬
‫رّكزوا اهتمامهم على السندباد بوصفهّ رّم اةز من رّموز مورّثنا الشعبي‪ ،‬ونموذجاة عرّبياة‬
‫جدسد من خللهّ النسان طموحاتهّ ورّغباتهّ‪ ،‬ولعلنا ل نبالغ إن قالنا مع علي عشرّي‬
‫زايد)‪ ،(2‬إنهّ من بين الرّموز والشخصيات الكثرّ استحواذاة على اهتمام شعرّائنا‪ ،‬فما‬
‫من ديوان نفتحهّ من دواوين هؤلء إل ويطالعنا وجهّ السندباد من خلل قاصيدة أو‬
‫أكثرّ وما من شاعرّ إل وقاد اعتبرّ نفسهّ سندباد في مرّحلة من مرّاحل تجرّبتهّ‬
‫الشعرّية‪.‬‬
‫والسندباد كما تصورّه ألف ليلة وليلة هو ذلك البطل السطورّي المغامرّ‬
‫الذي ل يهدأ لـهّ بال‪ ،‬ل يكاد ينتهي من رّحلة حتى يشرّع في أخرّى‪ ،‬لذا فهو‬
‫يمتاز عن غيرّه من البطال برّحلتهّ الطويلة عبرّ البحارّ والجزرّ‪ ،‬وارّتياده آفاقااة‬
‫غرّيبة وعوالم مجهولة تقول عنها المرّويات الشعبية الجزائرّية "إلي رّايح إليها مفقود‬
‫ولي رّاجع منها مولود" )‪ .(3‬وعلى الرّغم من تلك الخطارّ والمخاوف المهلكة التي‬
‫كانت تسد طرّيقهّ وتدفع بهّ إلى الموت بالغرّق أو الختطاف والسرّ في الجزرّ‬
‫النائية‪ ،‬فإنهّ كان يعود دائماة من رّحلتهّ ظاف اةرّ منتص اةرّ محملة بالموال والكنوز‬
‫العجيبة‪.‬‬
‫في الليلة الثامنة والخمسين بعد الخمسمائة من ليالي ألف ليلة وليلة يبدأ‬
‫السندباد البحرّي في سرّد أولى سفرّاتهّ على السندباد الحمال وجلسائهّ‪ ،‬مبتدئاة من‬
‫حيث النهاية "إني ما وصلت إلى هذه السعادة وهذا المكان إل بعد تعب شديد ومشقة‬
‫)( ‪ -‬تعشدد هششذه الشخصششية مششن أكششثر شخصششيات ألششف ليلششة وليلششة تششأثيال علششى الدب الغرب ش والعربشش‪ ،‬فآقششد‬ ‫‪1‬‬

‫أوحششت إلش كتششاب الششرحلت أن يؤملرفشوا حولششا كتبشال قيرمششة‪ ،‬كالششذي نشراه فش )روبنسششون كششروزو( و)رحلت‬
‫جاليفر( وهأا كتابان صادفآا ناحال كشبيلا‪ .‬ومشن الشذين تشأثروا بذه الشخصشية أيض ال )جشون فآشرن( و)هربشرت‬
‫جششورج ويلششز(‪ .‬أمششا العششرب فآلششم يهتم شوا بششا إل بعششد مضششي أكششثر مششن قرني ش مششن اهتمششام الغششرب بششا‪ .‬ويعششد‬
‫الشاعر الصري صلح عبد الصبور من بي الشعراء العاصرين الوائل‪ ،‬اكتشافآال لرمز السندباد‪.‬‬
‫)( ‪ -‬ينظر كتابه‪ :‬استدعاء الشخصيات التاثية ف الشعر العرب العاصر‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(‪ -‬مششن السششتبعد أن يكششون رواة ال شتاث الشششعب الزائششري قششد اقتبس شوا هششذه العبششارة مششن ألششف ليلششة وليلششة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وبالصوص إذا علمنا أن هذه الخية قد تركت آثارال واضحة على القصة الشعبية الزائريششة‪ .‬تقششول روزليش‬
‫ليلششى قريششش ف ش هششذا الصششدد‪" :‬ول ش يقتصششر تششأثي كتششاب "ألششف ليلششة وليلششة" فش الوسششاط الشششعبية الزائريششة‪،‬‬
‫عل ششى رواج قص ششص مقتبس ششة من ششه‪ ..‬ب ششل يتع ششدى إلش ش التح ششوير الل ششي نفس ششه ال ششذي يل ششق قصص شال بأس ششلوب‬
‫مصطبغ بصفة "ألشف ليلشة وليلشة" القصشة الششعبية الزائريشة ذات الصشل العربش‪ ،‬ديشوان الطبوعشات الامعيشة‬
‫الزائر ‪ 1980‬ص ‪. 190‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫عظيمة وأهوال كثيرّة‪ ،‬وكم قااسيت في الزمن الول من التعب والنصب‪ ،‬وقاد سافرّت‬
‫سبع سفرّات وكل سفرّة لها حكاية تحيرّ الفكرّ‪ ،‬وكل ذلك بالقضاء والقدرّ وليس من‬
‫المكتوب مفرّ ول مهرّب" )‪ .(1‬ثم يبدأ من جديد في قاص حكاياتهّ‪" :‬اعلموا يا سادة يا‬
‫كرّام أنهّ كان لي أب تاجرّ وكان من أكابرّ الناس والتجارّ‪ ،‬وكان عنده مال كثيرّ‬
‫ونوال جزيل‪ .‬وقاد مات وأنا ولد صغيرّ‪ ،(2) "..‬لينتهي منها في الليلة الواحدة بعد‬
‫ل‪ ....." :‬ثم دخلت حارّتي وجئت دارّي وقاابلت أهلي وأصحابي‬ ‫الستمائة قاائ ة‬
‫وأحبائي‪ ،‬وخزنت جميع ما كان معي من البضائع وخواصلي‪ ،‬وقاد حسب أهلي مدة‬
‫غيابي عنهم في السفرّة السابعة فوجدوها سبعاة وعشرّين سنة‪ ،‬حتى قاطعوا الرّجاء‬
‫مني‪ ،‬فلما جئتم وأخبرّتهم بجميع ما كان من أمرّي وما جرّى لي صارّوا كلهم‬
‫يتعجبون من ذلك المرّ عجباة كبي اةرّ وهنؤني بالسلمة‪ ،‬ثم إني تبت إلى ال تعالى‬
‫عن السفرّ في البرّ والبحرّ بعد هذه السفرّة السابعة التي هي غاية السفرّات وقااطعة‬
‫الشهوات‪ ،‬وشكرّت ال سبحانهّ وتعالى وحمدتهّ وأثنيت عليهّ حيث أعادني إلى أهلي‬
‫)‪(3‬‬
‫وبلدي وأوطاني‪"...‬‬

‫كان الدافع واضحاة ورّاء رّحلت السندباد‪ :‬التجارّة والمغامرّة والفضول‪ ،‬يؤكد‬
‫ذلك قاولهّ‪" :‬فاشتاقات نفسي إلى الفرّجة في البلد إوالى رّكوب البحرّ وعشرّة التجارّة‬
‫وسماع الخبارّ" )‪ (4‬بالضافة إلى الطمع الذي تؤكده الحكاية نفسها في قاولهّ‪" :‬وهذا‬
‫الذي أقااسيهّ من طمعي" )‪ ،(5‬فالسندباد من حيث هذه الدوافع وغيرّها رّمز لقلق‬
‫النسان وطموحهّ اللمتناهي إلى الحرّية والنسلخ من القيود‪ ،‬والرّغبة في الكشف‬
‫عن المجهول والغامض بالمغامرّة ورّكوب الخطرّ وتخطى الصعاب‪ ،‬وتجاوز‬
‫المكرّورّ السائد‪.‬‬
‫هذه الشياء كلها استهوت الشاعرّ العرّبي المعاصرّ‪ ،‬فكان توظيفهّ لهذا الرّمز‬
‫المتعدد الدللت والقيم‪ ،‬مسلكاة إلى تجاوز الواقاع العرّبي المهزوم‪ ،‬واستشرّافاة إلى‬
‫عوالم أكثرّ رّحابة تمكنهّ من تحقيق ذاتهّ الفرّدية والجماعية‪ ،‬لن دللة السندباد من‬
‫الناحية الرّمزية ذات بعدين‪ ،‬بعد فرّدي يجلي من خللهّ فرّادتهّ الشخصية‪ ،‬وبعد‬
‫جماعي تتفرّع قايمتهّ في حقل التجرّبة النسانية التي تتمثل في رّحابة حضورّها عبرّ‬

‫)(‪-‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورات دار مكتبة الياة بيوت ‪399 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورات دار مكتبة الياة بيوت ‪399 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(‪-‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورات دار مكتبة الياة بيوت ‪23 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ‪-‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورات دار مكتبة الياة بيوت ‪14 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( ‪-‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورات دار مكتبة الياة بيوت ‪16 / 4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬وهذا ما أدى بعز الدين إسماعيل إلى تأكيد هذه الثنائية‪ ،‬فهي في‬
‫نظرّه "عادية على المستوى الجمعي للنسان‪ ،‬لن قاصة النسانية إجمالة هي قاصة‬
‫المغامرّة في سبيل كشف المجهول‪ ،‬وهي غيرّ عادية على المستوى الفرّدي‪ ،‬لننا‬
‫ألفنا الفرّد الذي تتلخص فيهّ التجرّبة النسانية ناد ةرّا" )‪ ،(1‬ولهذه السباب نجد هذه‬
‫السطورّة تفجرّ لدى المتلقي حقولة دللية متعددة وتجليات ل نهائية‪ ،‬وهذا ما جعل‬
‫الشاعرّ العرّبي المعاصرّ يتماهى بها إبداعيةا‪ ،‬متخذاة منها رّم اةز لتجسيد رّؤيتهّ‬
‫والتعبيرّ عن جوانب تجرّبتهّ التي تعد مغامرّة مستمرّة في سبيل الكشف وارّتياد‬
‫المجهول بحثاة عن كنوز الشعرّ طو ةرّا‪ ،‬والنبعاث من التخلف والتقليد طو اةرّ آخرّ‪.‬‬
‫وتبعاة لتعدد ملمح السندباد ووجوههّ في الشعرّ المعاصرّ فقد اتخذ دللت عدة‬
‫فنية وحضارّية وذاتية‪ ،‬كما سيتضح عند عبد الصبورّ وخليل حاوي وبدرّ شاكرّ‬
‫السياب‪.‬‬
‫‪-‬صلح عبد الصبور )البحث عن كنوز الشعر والمعرفة(‪:‬‬
‫يعد صلح عبد الصبورّ من الشعرّاء الرّواد الدين أسهموا في تأصيل هذا‬
‫التوظيف برّؤيا معاصرّة تتواشج فيها جملة من العلئق الحكائية التي تنم عن تداخل‬
‫عدة نصوص بطرّيقة فنية وسليمة‪ ،‬وهي تؤدي تعدداة دللياة يترّاوح حضورّه بين حقلي‬
‫الشعرّ والمسرّح الشعرّي‪ .‬ومن ثم يمكن القول إن توظيف صلح عبد الصبورّ‬
‫لسطورّة السندباد لم يتم عبرّ صيغ ميكانيكية إسقاطية جاهزة‪ ،‬بقدرّ ما تم عبرّ إبداع‬
‫لغة حكائية معاصرّة تتمفصل مع دللة‬
‫السندباد‪.‬‬
‫ففي قاصيدتهّ )رّحلة في الليل( )‪ (2‬من ديوانهّ الول )الناس في بلدي(‪ ،‬يتجلى‬
‫اهتمامهّ المبكرّ بهذا الرّمز‪ ،‬حيث جعلهّ البؤرّة الساسية التي تحكم جميع خيوط‬
‫القصيدة سواء من حيث الدللة أو البناء الفني‪ ،‬فمن حيث الدللة نجد السندباد هو‬
‫البديل الموضوعي لصديقة الشاعرّ إوان جاء في المستوى الثاني من مستويات‬
‫الخطاب‪ .‬تبدأ القصيدة بهذا العنوان الفرّعي )بحرّ الحداد( وكلمة )بحرّ( كما هو‬
‫معرّوف في حكاية السندباد‪ ،‬من السمات الجوهرّية الدالية عليهّ لذا قارّن الرّاوي اسمهّ‬
‫بالبحرّ فقال )السندباد البحرّي(‪ ،‬فالسندباد والبحرّ تيمتان متلزمتان ل يمكن الفصل‬
‫بينهما‪ ،‬إن لم نقل أن البحرّ )الماء( هو عنصرّ التزامن الذي يمكن أن نق أرّ هذه‬
‫السطورّة على أساسهّ‪ ،‬لنهّ السياق المؤدي إلى تشاكل عناصرّها وتكوين بنيتها‬

‫)( ‪-‬ينظر‪ :‬عز الدين إساعيل‪ :‬الشعر العرب العاصر ص ‪203‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫الموحدة‪ ،‬فالبحرّ هو المجال الذي كان سندباد يصنع من خللهّ مغامرّاتهّ ويحقق‬
‫رّغباتهّ وأحلمهّ‪.‬‬
‫إذا كان بحرّ السندباد مصد اةرّ للغنى والجواهرّ والكنوز‪ ،‬فإن بحرّ صلح عبد‬
‫الصبورّ‪ ،‬كما يوحي بذلك العنوان‪ ،‬عكس ذلك تمامةا‪ ،‬فهو بحرّ الحداد والعدم والظلمة‬
‫والضياع‪ ،‬مات فيهّ الرّخ‪ ،‬سبيل النجاة والخلص وتقطعت فيهّ السبل‪.‬‬
‫بهذه المفارّقاة‪ ،‬ومن داخل أسطورّة السندباد نفسها يبدأ صلح عبد الصبورّ‬
‫ينسج خيوط أسطورّة جديدة منسجمة مع تجرّبتهّ وآفاق تطلعاتهّ إلى غد تولد فيهّ نفسهّ‬
‫من جديد‪.‬‬
‫تتشكل القصيدة من ستة مقاطع تفصل بينها عناوين فرّعية‪ ،‬لكنها تصب جميعاة‬
‫في منبع واحد لتصنع دفق القصيدة ومشهدها العام‪ ،‬ففي المقطع الرّابع تحت عنوان‬
‫)السندباد( يقول صلح عبد الصبورّ‪:‬‬
‫في آخر المساء يمتلي الوساد بالورق‬
‫كوجه فأر ميت طلسم الخطوط‬
‫وينضح الجبين بالعرق‬
‫ويلتوي الدخان أخطبوط‬
‫في آخر المساء عاد السندباد‬
‫ليرسي السفين‬
‫وفي الصباح يعقد الندمان مجلس الندم‬
‫ليسمعوا حكاية الضياع في بحر العدم‬
‫السندباد‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫)ل تحك للرفيق عن مخاطر الطريق(‬
‫)إن قلت للصاحي انتشيت قال‪ :‬كيف؟(‬
‫)السندباد كالعصار إن يهدأ يمت(‬
‫الندامى‪:‬‬
‫هذا محال سندباد أن نجوب في البلد‬
‫إنا هنا نضاجع النساء‬

‫)( ‪-‬يذكرنا هذا الكلم بالثل العرب القدي )الرفآيق قبل الطريق( ما يدل على تشبع الشاعر بالتاث‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 90 -‬‬
‫ونغرس الكروم‬
‫ونعصر النبيذ للشتاء‬
‫ونق أر )الكتاب( في الصباح والمساء‬
‫وحينما تعود نعدو نحو مجلس الندم‬
‫)‪(1‬‬
‫تحكى لنا حكاية الضياع في بحر العدم‬
‫سندباد هذا المقطع الشعرّي غيرّ سندباد السطورّة أو ألف ليلة وليلة‪ ،‬لنهّ لم‬
‫يعد ذاك البطل المغامرّ الذي تحرّكهّ الشواق إلى رّكوب البحرّ وتخطي الصعاب‪،‬‬
‫فهو هنا شخصية عادية ترّوى للندامى حكاية السندباد البحرّي ومغامرّاتهّ لعلها تحرّك‬
‫فيهم رّغبة التمرّد والنعتاق من القيود‪ .‬لكن هيهات أن يخرّج هؤلء ويجوبوا البلد‬
‫مثلما فعل السندباد‪ ،‬إنهم هنا يضاجعون النساء ويعصرّون النبيذ ويستمتعون‬
‫بالحكايات‪ .‬لم يعد السندباد قااد اةرّ على بعثهم من جديد أو حتى تحرّيك عواطفهم‬
‫وانفعالتهم‪ ،‬وفي ذلك إشارّة من الشاعرّ إلى الواقاع المهزوم الذي آثرّ الستقرّارّ وألف‬
‫الثبات‪ ،‬واكتفى أفرّاده بالسماع عن البطال والشخصيات دون محاكاتهم أو التأثرّ‬
‫بهم‪.‬‬
‫إواذا كانت هذه هي حال المجتمع العرّبي المعاصرّ الرّافض للتغييرّ والنبعاث‬
‫فإن حال الشاعرّ غيرّ ذلك لنهّ ينشد الميلد والتجدد اللذين كان يطلبهما السندباد‬
‫في كل سفرّة من سفرّاتهّ‪:‬‬
‫في الفجر يا صديقتي تولد نفسي من جديد‬
‫كل صباح أحتفي بعيدها السعيد‬
‫ما زلت حيلا! فرحتي! ما زلت والكلم والسباب‬
‫والسعال‬
‫وشاطئ البحار ما يزال يقذف الصداف واللل‬
‫والسحب ما تزال‬
‫)‪(2‬‬
‫تسح‪ ،‬والمخاض يلجئ النساء للوساد‬
‫ولو عدنا مرّة ثانية إلى قاصيدة )رّحلة في الليل( وتأملنا قاليلة مقطعها الرّابع‬
‫)السندباد( لرّأينا أنها تتكون من ثلث حرّكات من حيث السلوب المعتمد في‬

‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪11 - 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪12‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫توظيف هذا الرّمز أو الشخصية‪ ،‬ففي الحرّكة الولى تحدث عنها بضميرّ الغائب‪،‬‬
‫وفي الثانية بضميرّ المتكلم‪ ،‬وفي الثالثة بضميرّ المخاطب وفي "الحوال الثلثة كان‬
‫السندباد موجودةا‪ ،‬أي أن الشاعرّ خلق الشخصية وحملها تجرّبتهّ المعاصرّة في‬
‫الحرّكة الولى‪ ،‬وحين استوت على سوقاها تلبس بها كقناع في الحرّكة الثانية فأصبح‬
‫هو هي‪ ،‬وبعد أن تقنع بها حاول إغرّاء الجماعة أن تصنع صنيعهّ فلم تستجب‬
‫لدعواه" )‪ .(1‬ويمكن إدرّاج هذا السلوب ضمن أساليب )اللتفات( )‪ (2‬المعرّوفة في‬
‫البلغة العرّبية القديمة بشيء من التوسع‪.‬‬
‫إن اهتمام صلح الصبورّ بأسطورّة السندباد وغيرّها من كنوز الترّاث الشعبي‬
‫المحلي والعالمي في هذه المرّحلة المبكرّة من إنتاجهّ الشعرّي دليل واضح على تقييمهّ‬
‫لهذا الترّاث وما يحملهّ من قايم جمالية ومعاني سامية بإمكانها إغناء القصيدة وتفجيرّ‬
‫طاقاات المبدع وعبقرّيتهّ الفنية‪.‬‬
‫لقد وجد صلح عبد الصبورّ في أسطورّة السندباد التي اتخذ منها قاناعاة ومجالة‬
‫رّحباة لبسط أفكارّه وتأملتهّ الفلسفية على مدى تطورّ مرّاحل حياتهّ الشعرّية التي‬
‫يمكن تقسيمها إلى ثلث مرّاحل؛ كان السندباد في كل واحدة منها يظهرّ بوجهّ معين‬
‫وصورّة مخالفة لما ألفناه من قابل‪.‬‬
‫تبدأ المرّحلة الولى بديوانهّ الول )الناس في بلدي(‪ :‬يتجلى السندباد في رّحلة‬
‫لهثة ورّاء كنوز المعرّفة‪ ،‬ورّغبة جامحة في امتلك ينبوع القول وناصية العطاء‬
‫الشعرّي‪ ،‬إنها رّحلة الشاعرّ نفسهّ في سبيل البداع والبحث عن الكلمات والحرّوف‪،‬‬
‫فهو يرّحل كما رّحل السندباد رّغبة في الكشف عن عوالم شعرّية أخرّى‪ ،‬تمكنهّ من‬
‫النفلت من قابضة التقليد إواعادة ما أبدعهّ القدماء‪ ،‬صانعاة سفينتهّ )أورّاقاهّ‬
‫وخطاطاتهّ( ناش اةرّ قالعهّ )خيالهّ(‪ ،‬رّاحلة عبرّ المجهول )عوالم الفن والفكرّ(‪ ،‬باحثاة‬
‫عن الثرّوة والجواهرّ )الحقيقية(‪.‬‬
‫صنعت مركبال من الدخان والمداد والورق‬
‫ربانها أمهر من قاد سفينا في خضم‬
‫وفوق قمة السفين يخفق العلم‬

‫)(‪-‬متار علشي أبشو غشال‪ :‬سشندباد صشلح عبشد الصشبور )نقشد أسشطوري( ملشة عشال الفكشر‪ ،‬الكشويت‪ ،‬اللشد‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 24‬العدد ‪ 4‬أفآريل ‪/‬يونيو ‪1996‬‬


‫)(‪-‬اللتفششات كمششا يعرفآششه ابششن العششتز )هششو انص شراف التكلششم عششن الخاطبششة إل ش الخبششار‪ ،‬وعششن الخبششار إل ش‬ ‫‪2‬‬

‫الخاطبشة ومشا يشششبه ذلشك‪ .‬ومششن اللتفشات النصشراف عششن معنش يكششون فآيششه إلش معنش آخشر" كتشاب البشديع‪،‬‬
‫تقيق إغناطيوس كراتشقوفآسكي‪ ،‬دار السية بيوت ط ‪ 1982 3‬ص ‪58‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫وجه حبيبي خيمة من نور‬
‫وجه حبيبي بيرقي المنشور‬
‫جبت الليالي باحثال في جوفها عن لؤلؤه‬
‫وعدت في الجراب بضعة من المحار‬
‫وكومة من الحصى‪ ،‬وقبضة من الجمار‬
‫وما وجدت اللؤلؤه‬
‫سيدتي‪ ،‬إليك قلبي‪ ،‬واغفري لي‪ ،‬أبيض كاللؤلؤة‬
‫وطيب كاللؤلؤة‬
‫ولمع كاللؤلؤة‬
‫هدية الفقير‬
‫)‪(1‬‬
‫وقد ترينه يزين عشك الصغير‬
‫نلحظ في هذا المقطع مزجاة واضحاة وتداخلة نصياة بارّ اةز بين عناصرّ الرّحلة‬
‫عند كل من الشاعرّ والسندباد‪ ،‬يكشف عنها السطرّ الول حين يذكرّ الشاعرّ الدخان‬
‫والمداد والورّق‪ ،‬بجانب السفين والرّبان‪ .‬ولعل أول ملحظة تستوقاف قاارّئ هذا‬
‫المقطع هو عزوف صلح عبد الصبورّ عن ذكرّ شخصية السندباد صرّاحة‪،‬‬
‫واكتفاؤه بالتلميح‪ ،‬وهو ما نجده أيضاة في قاصيدتهّ )أناشيد غرّام(‪ ،‬وتعد هذه الطرّيقة‬
‫من الساليب الفنية التي اعتمد عليها الشاعرّ في توظيف الشخصيات الترّاثية‪ ،‬فهو‬
‫ل يصرّح بالساطيرّ والشخصيات والحداث إوانما يومئ إليها خفية مستعملة اللفاظ‬
‫والكلمات التي ترّمز إليها‪ ،‬فكلمة )مرّكب‪ ،‬سفين‪ ،‬خضم‪ ،‬ليالي‪ ،‬لؤلؤ‪ ،‬محارّ‪(..‬‬
‫تحمل من الدللة ما يكفي للكشف عن هذه الشخصية السطورّية المخبوءة‪.‬‬
‫من الملمح السطورّية الخرّى في هذا المقطع )التكرّارّ( و)العطف( اللذان‬
‫يعدان من أبرّز عناصرّ الصياغة في الترّاث الشعبي عمومةا‪ .‬فعبارّة )وجهّ حبيبتي(‬
‫تكرّرّت مرّتين ولفظة )اللؤلؤة( خمس مرّات‪ ،‬إلى جانب عطف الجمل إلى بعضها‬
‫البعض‪ ،‬مما يعمق الحساس لدى القارّئ بالعودة إلى ينابيع اللغة في نسجها‬
‫السطورّي‪.‬‬
‫إذا كان السندباد قاد عاد من رّحلتهّ محملة بالجواهرّ واللؤلؤ‪ ،‬فإن الشاعرّ قاد‬
‫ظل غارّقااة في لياليهّ يبحث عن الكلمات يقدمها لؤلؤا لحبيبتهّ معتذ اةرّ لها عن ذلك لنهّ‬

‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪69 - 68‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 93 -‬‬
‫ل يملك إل إياها‪ ،‬إنها هدية الشعرّاء لمن يحبون ويعشقون‪.‬‬
‫قاصارّى القول إن رّحلة صلح عبد الصبورّ هي رّمز لرّحلة الشاعرّ في سبيل‬
‫المعرّفة والبداع‪ ..‬رّحلة البحث عن الحرّف المضيء والكلمة النابضة بالحياة‪،‬‬
‫النتقال من عوالم البحارّ إلى عوالم الشعرّ والبداع‪ ..‬رّحلة يقوم بها الشاعرّ وهو‬
‫على يقين بأنها ضرّورّة حياتية ل يمكن الستغناء عنها‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫السندباد كالعصارّ إن يهدأ يمت‬
‫ذلك هو قادرّ الشاعرّ العظيم‪ ،‬وتلك هي طبيعتهّ الجامحة في البحث المستمرّ‬
‫عن الحرّف‪ ،‬والرّحلة الدائمة من أجل اخترّاق الواقاع وتجاوزه وهدم اللحظة الرّاكدة‪.‬‬
‫أما في المرّحلة الثانية فإننا نصادف وجهاة آخرّ للسندباد غيرّ الوجهّ الذي‬
‫عرّفناه بهّ في المرّحلة الولى من حياة الشاعرّ‪ .‬إنهّ السندباد المهزوم الضعيف الذي‬
‫تبددت مغامرّاتهّ‪ ،‬وانتهت طموحاتهّ وآمالهّ واستكان في القاع باكيةا‪.‬‬
‫ملحنا هوى إلى قاع السفين‪ ،‬واستكان‬
‫وجاش بالبكا بل دمع‪ ..‬بل لسان‬
‫ملحنا مات قبيل الموت‪ ،‬حين ودع الصحاب‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ ...‬والحباب والزمان والمكان‬
‫هكذا عاش السندباد في صورّتهّ الثانية عبرّ قاصائد صلح عبد الصبورّ رّم اةز‬
‫للنسان المقهورّ‪ ،‬المهزوم حضارّياة ومصيرّيةا‪ ،‬كارّهاة خائفاة يرّتجف رّعبةا‪ ،‬لنهّ يحيا –‬
‫كما يذكرّ الشاعرّ في القصيدة نفسها –في زمن الحق الضائع والسأم الجاثم‪:‬‬
‫هذا زمان السأم‬
‫نفخ الراجيل سأم‬
‫‪.....‬‬
‫هذا زمن الحق الضائع‬
‫ل يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله‬
‫ورؤوس الحيوانات على جثث الناس‬
‫فتحسس رأسك‬
‫فتحسس رأسك‬
‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪11‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪152‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫يعلق أنس داود على هذا النعطاف في حياة السندباد )النسان المعاصرّ(‬
‫ل‪" :‬ولعل الهرّب من محنة الستشهاد‪ ،‬هي المأساة الحقيقية لسندباد عصرّنا‪ ،‬لكل‬ ‫قاائ ة‬
‫مفكرّ وفنان‪ ،‬لنهّ يرّيد أن يعيش في سلم شخصي" دون أن يرّيق قاطرّة من دم" فل‬
‫تكون النتيجة سوى أن يموت دون أن يصارّع التيارّ" )‪ .(1‬إواذا كانت هذه هي محنة‬
‫النسان المعاصرّ الرّافض للستشهاد‪ ،‬كما يصورّها صلح عبد الصبورّ في‬
‫قاصيدتهّ )الظل والصليب( في ديوانهّ الثاني‪ ،‬فل غرّابة في أن تزول فكرّة البطولة من‬
‫ذهنهّ وتنتهي المغامرّة ويموت السندباد وتتلشى ملمحهّ على غيرّ ما عهدنا في‬
‫ديوانهّ الول‪.‬‬
‫يا شيخنا الملح‪..‬‬
‫‪..‬قلبك الجريء كان ثباتال فما لـه استطير؟‬
‫أشار بالصابع الملوية العناق نحو المشرق البعيد‪..‬‬
‫ثم قاال‪:‬‬
‫‪-‬هذي جبال الملح والقصدير‬
‫فكل مركب تجيئها تدور‬
‫تحطمها الصخور‬
‫‪..............‬‬
‫ملح هذا العصر سيد البحار‬
‫لنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم‬
‫)‪(2‬‬
‫لنه يموت قبل أن يصارع التيار‬
‫إن رّوح الهزيمة والنكسارّ اللتين رّكز عليهما الشاعرّ ليسـت مـن سـمات سـندباد‬
‫ألـ ــف ليلـ ــة وليلـ ــة‪ ،‬إوانمـ ــا هـ ــي مـ ــن سـ ــمات النسـ ــان العرّبـ ــي المعاصـ ــرّ الممـ ــزق بيـ ــن‬
‫الحضارّات‪ ،‬فاقاداة بطولتهّ ونخوتهّ وطموحهّ‪.‬‬
‫هذه الصورّة ذاتها نجدها عند عبد الوهاب البياتي مع اختلف جوهرّي مؤداه أن‬
‫موت السندباد عند صلح عبد الصبورّ وانهزامهّ سببهّ ضياع الحق والسأم الذي‬
‫أصاب إنسان هذا العصرّ من جرّاء هموم الحياة ومشاكلها‪ .‬في حين نجد أن خيبة‬
‫أمل سندباد البياتي وانهزامهّ –ويندرّج ضمن هذا التصورّ كافة الشخصيات‬

‫)( ‪-‬أنس داود‪ :‬السطورة ف الشعر العرب الديث‪ ،‬مكتبة عي شس ص ‪319‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان دار العودة بيوت ط ‪ 1983 4‬ص – ‪153 – 152‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 95 -‬‬
‫السطورّية كبرّوميثوس وسيزيف –يعودان إلى المرّاحل الولى من حياة النسان‬
‫حين ارّتكابهّ أول خطيئة‪ ،‬وممارّسة العقاب عليهّ كنتيجة لتمرّده عليها وعدم‬
‫الستسلم لوامرّها‪ ،‬ومن ثم فل وجود لشيء اسمهّ البطولة أو القيادة عند البياتي‪،‬‬
‫إوانما هناك عقاب مصيرّي محتوم ل مفرّ منهّ إل بالرّجوع إلى اللهة والدخول معها‬
‫في صلح دائم‪.‬‬
‫يأتي ديوان )البحارّ في الذاكرّة( أو النكفاء على الذات ليرّسم نقطة تحول‬
‫كبيرّ في مسارّ حياتهّ الفكرّية والدبية‪ ،‬أدرّك من خل لـهّ أن الرّحلة عبرّ العالم‬
‫الخارّجي طرّيقها مسدود ونفقها مظلم ل ينتهي إلى شيء سوى الضياع والتيهّ‪.‬‬
‫وأن التجرّبة تحتم عليهّ أن يبدأ الرّحلة من جديد عبرّ عالمهّ الداخلي ليسبرّ‬
‫أغوارّ ذاتهّ ويعرّف نفسهّ بنفسهّ‪ ،‬تلك المقولة التي نطق بها سقرّاط منذ آلف السنين‬
‫فجعلها خلصة فلسفتهّ ونهاية مقصده‪ ،‬واتخذها المتصوفة مسلكاة لبلوغ أعلى مرّاتب‬
‫السالكين ومدارّج العارّفين‪.‬‬
‫الواقاع أن صلح عبد الصبورّ قاد اهتدى إلى هذه التجرّبة أو المرّحلة بعد أن مرّ‬
‫بتجارّب عدة أكسبتهّ معرّفة واسعة بأمورّ النظمة السياسية والجتماعية التي لم‬
‫تشبع رّغبتهّ في التطلع إلى عالم الرّوح وعالم النسان كإنسان لـهّ مرّكز ووجود في‬
‫هذه الحياة "لقد فتشت عن معبود آخرّ غيرّ المجتمع‪ ،‬فاهتديت إلى النسان‪ ،‬وقاادتني‬
‫فكرّة النسان بشمولها الزمني والمكاني إلى التفكيرّ من جديد في الدين" )‪ (1‬وبعد‬
‫بحث شاق وعناء طويل تم النتقال من الخارّج إلى الداخل‪ ..‬من المجتمع إلى‬
‫النسان‪ ..‬ومن النسان إلى ال‪.‬‬
‫ومن نتاج هذا النتقال تلك الصورّة التي قادمها صلح عبد الصبورّ عن بطلهّ‬
‫السطورّي السندباد وهو يتحول عن الرّحلة في الخارّج إلى الرّحلة في الداخل باحثاة‬
‫عن المن والستقرّارّ اللذين طالما بحث عنهما في أعماق البحارّ وقامم الجبال‪.‬‬
‫وتأتي قاصيدة )البحارّ في الذاكرّة( لترّسم ملمح هذا التحول المفاجئ في حياة‬
‫السندباد وصلح عبد الصبورّ على حد السواء ‪.‬‬
‫أول شيء يمكن ملحظتهّ على هذه القصيدة هو عدم الشارّة إلى السندباد‬
‫بشكل مباشرّ وصرّيح وهذه من تقنيات صلح عبد الصبورّ في توظيف الترّاث‬
‫الشعبي كما سبق وأن أشرّنا‪ ،‬والكتفاء بالشارّة إلى الرّحلة والبحرّ والملحين‬
‫والعقبان وبعض القرّابين‪ ،‬مستبعداة سيميوطيقات أخرّى ليست في رّأيهّ مهمة أو‬
‫ملهمة‪ ،‬وكأن صلحاة يرّيد أن يستحضرّ السندباد الرّمز ويغيب السندباد السطورّة‬
‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬حيات ف الشعر دار اقرأ بيوت ‪ 1992‬ص ‪81‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 96 -‬‬
‫والمقولة‪ ،‬وهذه من التقنيات الفنية التي انتهى جيمس جويس في رّوايتهّ الشهيرّة‬
‫)عوليس( واستفاد منهّ فيما بعد إليوت في )لرّض الخرّاب(‪.‬‬
‫البحارّ في الذاكرّة شكل من أشكال الرّفض للواقاع ومحاولة للنسحاب منهّ‪،‬‬
‫ذلك أن الذاكرّة عالم يختلف عن عالم الواقاع‪ ،‬إوان كان متشكلة من عناصرّه ومواده‪،‬‬
‫والرّجوع إليهّ قاد يوفرّ شيئاة من الحساس بالستقرّارّ والخلص من عالم يموج‬
‫بالمفاسد والتناقاضات‪.‬‬
‫أتأهب للميعاد –الرحلة –في آخر كل مساء‬
‫أتقرى أورادي‪ ،‬أتزيا شاراتي‬
‫في أهداب الغيم‪ ،‬أنشر أشرعتي‬
‫أتلقى في صفحتها نذر الريح‪ ،‬نبوءات النباء‬
‫البحارة يصطخبون‬
‫الملحون‪ ..‬الفئران‪ ..‬التذكارات‪ ..‬المحبوسون‬
‫في أوردة المركب يضطربون‬
‫وأخوض رماد الفاق‬
‫إلى جزر المعلوم المجهول الدكناء‬
‫)‪(1‬‬
‫يتكشف تحتي مرج الموج‪ ،‬وتمضى بي الريح رخاء‬
‫هذا المشهد المشحون بالحرّكة العارّمة التي يمثلها الملحون بمرّاكبهم والمواج‬
‫المصطخبة‪ ،‬ل يتم خارّج الذات‪ ،‬بل في داخلها‪ ،‬أو لنقل إنها صورّة من صورّ صرّاع‬
‫النفس مع الخارّج وهي تعمل جاهدة لتخليص نفسها من قابضتهّ‪ ..‬إنهّ التأهب للميعاد‬
‫والستعداد للرّحلة في أعماق النفس والذكرّيات حيث المعلوم والمجهول‪ ..‬إنهّ‬
‫الخلص بالعودة إلى الذات والبحارّ في أغوارّها وأعماقاها‪ ،‬هذا البحارّ الذي أوجد‬
‫حالة من الستقرّارّ عبرّ عنها السطرّ الخيرّ )وتمضى الرّيح رّخاء(‪ ،‬وقارّيب من هذا‬
‫ما جاء في قاصيدتهّ تجرّيدات‪:‬‬
‫حال قد كنت رقيت إليها أمس‬
‫ل تأتيني اليوم‬
‫هي حال أعطتني نعمى النوم‬

‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬البار ف الذاكرة‪ ،‬الوطن العرب للنشر والتوزيع ط ‪65 - 1979 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 97 -‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ويقين الصحو‬
‫إن السفرّ في أعماق الذات أشبهّ ما يكون بحال المتصوف‪ ،‬فهو كالبرّق يلمع‬
‫ويختفي‪ ،‬ول ندرّي متى يأتي ومتى يذهب‪ .‬وصلح عبد الصبورّ يدرّك أن هذه‬
‫حالت نفسية غامضة ل يمكن القبض عليها‪ ،‬فمجيئها مشرّوط بظرّوف معينة )ل‬
‫تأتي اليوم( لكن عند قادومها فهي تبعده عن موطن المأساة وتعطيهّ كما قاال )نعمى‬
‫النوم( و)يقين الصحو( وهما حالتان تنمان عن الشعورّ بالستقرّارّ والمن‪ ،‬ولو أنهّ‬
‫شعورّ آني‪ ،‬لكنهّ يوفرّ بعض الرّاحة‪ ،‬ويعطي الذات قاوة المجاهدة والرّتقاء نحو‬
‫اليقين‪.‬‬
‫هكذا استطاع صلح عبد الصبورّ أن يقدم في قاصيدتهّ )البحارّ في الذاكرّة(‬
‫ومن قابلها قاصيدة )الخرّوج( قاناعهّ السطورّي السندباد وهو يتحول عن الرّحلة في‬
‫الخارّج إلى الرّحلة في الداخل؛ وقاد تزود بالمعارّف الصوفية ما يؤهلهّ للفوز بعالمهّ‬
‫المنشود )المدينة المنيرّة( )‪ (2‬الذي طالما كان يحلم بهّ وهو طفل صغيرّ‪ .‬إوان كان‬
‫في قا ارّرّة نفسهّ يساورّه في رّحيلهّ بعض الشك في وجود هذا العالم المنشود أو المرّفأ‬
‫المن‪:‬‬
‫هل أنت وهم واهم تقطعت به السبل‬
‫أم أنت حق؟‬
‫)‪(3‬‬
‫أم أنت حق؟‬
‫والسندباد من هذه الناحية هو الوجهّ الخرّ لصورّة الحلج وبشرّ الحافي اللذين‬
‫كانا يساورّهما بعض الشك في حياتهما‪ ،‬بحثاة عن الحقيقة واليقين‪ ،‬وقاد ل نخطئ إن‬
‫قالنا أن صلح عبد الصبورّ أرّاد من خلل توظيفهّ لهذه الشخصيات‪ ،‬كأقانعة بارّزة‬
‫ل‪ ،‬عن الفلسفة في الحياة ورّؤيتهّ للشياء‪ ،‬وثانيةا‪ ،‬عن‬‫في شعرّه‪ ،‬أن يعبرّ‪ ،‬أو ة‬
‫شخصيتهّ التي تشبهّ في بعض وجوهها شخصية هؤلء وبالخصوص فيما يتعلق‬
‫بالبحث الدائب عن الحقيقة‪ .‬بل إن حياة الشاعرّ نفسها تشيرّ إلى أنهّ عاش ممزقااة‬
‫ومصدوماة وجودياة وحضارّياة )‪ ،(4‬أضف إلى ذلك أن التجرّبة الرّوحية )الصوفية( التي‬
‫انتهى إليها في أواخرّ حياتهّ‪ ،‬كان لديهّ شبيهة بالرّحلة أو السفرّ المضني المليء‬

‫)( ‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬البار ف الذاكرة ص ‪102‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪237‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪237‬‬ ‫‪3‬‬

‫)(‪ -‬ينظششر أحششد يوسششف‪ :‬تليششات القلششق فش شششعر صششلح عبششد الصششبور )مطششوط( رسششالة ماجسششتي نوقشششت‬ ‫‪4‬‬

‫بعهد اللغة والدب العرب جامعة وهران ‪ 1989‬ص ‪) 80‬صدمة الوجود(‪) 153 ،‬صدمة الضارة(‬

‫‪- 98 -‬‬
‫بالمفاجآت والمخاوف‪.‬‬
‫والمتتبع لفكرّة الرّحلة عند هذا الشاعرّ يلحظ أنها من أساسيات تكوين تجرّبتهّ‬
‫وفلسفتهّ في الحياة‪ ،‬فهي ترّتبط حيناة بتجرّبتهّ الشعرّية وحيناة تتجاوزها إلى معنى‬
‫أشمل هو التجرّبة الرّوحية‪ ،‬أو ترّتبط بأبعاد وجودية ومصيرّية‪ ،‬وهي في كل الحوال‬
‫تنم عن نفس تواقاة‪ ،‬منجذبة نحو آفاق مجهولة‪.‬‬
‫الكتابة الشعرّية عند صلح عبد الصبورّ مغامرّة ورّحلة مضنية في طرّيق قالق‪،‬‬
‫محفوف بالمزالق والمخاطرّ لنهّ أشبهّ بطرّيق الصوفي الباحث عن الجوهرّ والطهرّ‬
‫في رّكام المفاسد والشرّورّ‪.‬‬
‫يقول صلح عبد الصبورّ في هذا المعنى "وقاد ظل معنى الرّحلة ينمو في‬
‫نفسي‪ ،‬منذ ذلك الحين‪ ،‬ويكتسب أبعاداة جديدة من المفارّقاة والنصب‪ ،‬والولء فيها‬
‫للشعرّ‪ ،‬والرّحلة تبدأ بعد التأهب الساكن لزورّة الشعرّ التي ل تجيء‪ ،‬فيخرّج إليهّ‬
‫الشاعرّ طالباة عطاءه‪ ،‬بعد أن ينزع عن نفسهّ كل شارّات الحياة متجرّداة كتجرّد الحاج‬
‫إلى قادس القاداس" )‪ .(1‬هكذا تبدو رّحلة الشاعرّ العظيم في نظرّه‪ ،‬فهي ل تتم إل بعد‬
‫جملة من الشرّوط منها‪ :‬التأهب والخرّوج والتجرّد وترّك شارّات الحياة‪.‬‬
‫وهي من هذه الناحية تشبهّ رّحلة المتصوف التي ل تتم هي الخرّى إل بعد‬
‫شوط واجتياز العقبات‪.(2) .‬‬
‫وما دام النسان يعيش في انكسار وقهر دائمين‪:‬‬
‫ولننكسر في كل يوم مرتين‬
‫فمرة حين نقابل الضياء‬
‫)‪(3‬‬
‫ومرة حين تذوب الشمس في الغروب‬
‫فل خلص لـهّ مــن هـذا القهــرّ والنكســارّ إل بالرّتحــال والمغــامرّة وتــأهب للســفرّ‬
‫الطويل‪.‬‬
‫‪-‬خليل حاوي )البحث عن الذات الحضارية(‪:‬‬
‫كان خليل حاوي من أشد الشعرّاء توظيفاة لشخصية السندباد‪ ،‬وذلك لما وجد‬
‫فيها من قايم ورّموز صالحة للتعبيرّ عن شتى أبعاد تجرّبتهّ الرّوحية والشعرّية‬

‫)(‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬حيات ف الشعر دار اقرأ بيوت ‪ 1992‬ص ‪17‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(‪-‬حول هذه الششروط والعقبشات ينظشر‪ :‬عبشد الكريش القششيي‪ :‬الرسشالة القششيية فش علشم التصشوف‪ ،‬تقيشق‬ ‫‪2‬‬

‫معروف زريق وعلي عبد الميد بلطجحي دار اليل بيوت ط ‪ 2‬ص ‪) 97‬باب الاهدة(‬
‫)(‪-‬صلح عبد الصبور‪ :‬الديوان ص ‪204‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 99 -‬‬
‫وبالخصوص في تلك الفترّة الحاسمة من فترّات تطورّه الفكرّي‪ ،‬وهي فترّة البحث عن‬
‫الذات عبرّ مجموعة من المغامرّات الوجودية‪ .‬ولعلنا ل نجانب الصواب إن قالنا إن‬
‫مغامرّة الشاعرّ الفنية –عبرّ دواوينهّ الثلثة الولى –كانت تحمل طابع مغامرّات‬
‫السندباد‪ ،‬وتتقمص شخصيتهّ‪ ،‬وأن شعرّه كان رّحلة متواصلة من أجل المعرّفة‬
‫والكشف عن ماهية الوجود من جهة‪ ،‬وبحثاة دائماة عن مصادرّ النبعاث والتحرّرّ من‬
‫قابضة التخلف والنحطاط من جهة ثانية‪.‬‬
‫إن ما كتبهّ الشاعرّ عن هذه الشخصية التي رّافقتهّ على امتداد مرّحلة كاملة من‬
‫مرّاحل تطورّه البداعي‪ ،‬وبسطت ظللها على رّؤياه الشعرّية‪ ،‬يعد من أنجح النماذج‬
‫وأكثرّها نضجاة واكتمالة من الوجهة الفنية‪ ،‬وذلك رّاجع في رّأينا لعدة أسباب نذكرّ‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ ً-1‬نجاح الشاعرّ في تحقيق المتزاج في عملية البناء والتعبيرّ بين ما هو‬
‫ترّاثي وما هو معاصرّ‪.‬‬
‫‪ ً-2‬تطويرّ الشاعرّ لشخصية السندباد من داخل قاصائده الشعرّية كما تمليهّ‬
‫التجرّبة‪ ،‬فالسندباد عنده ليس شخصية جاهزة مسبقاة كما رّسمتها السطورّة‪،‬‬
‫إوانما هو شخصية نامية‪ ،‬صنعت رّمزيتها وملمحها تجرّبة الشاعرّ‬
‫ومعاناتهّ‪ ،‬ولذا نجد سندباد القصيدة غيرّ سندباد السطورّة إوان اشترّك معهّ‬
‫في بعض السمات والملمح التي تضفي عليهّ طابع الصالة‪.‬‬
‫إذا كان خليل حاوي قاد كشف بوضوح في ديوانهّ الثاني )الناي والرّيح( في‬
‫قاصيدتهّ )وجوه السندباد( و)السندباد في رّحلتهّ الثامنة( عن التقائهّ المباشرّ‬
‫بالسندباد‪ ،‬فإننا نرّى هذه الشخصية تخالهّ منذ ديوانهّ الول )نهرّ الرّماد( في قاصيدة‬
‫)البحارّ والدرّويش( على الرّغم من أن ملمحها لم تكن قاد تحددت بعد‪ .‬وكأن‬
‫الشاعرّ كان في مرّحلة البحث عن القناع أو الرّمز الذي يستطيع أن يحمل عنهّ‬
‫عبء التجرّبة ويجسد أبعاد الرّحلة ومعاناتها‪.‬‬
‫على الرّغم من عدم تصرّيح خليل حاوي بشخصية السندباد في هذه القصيدة‪،‬‬
‫كما أسلفنا‪ ،‬إل أننا نجد ما يرّمز إليها‪ ،‬فالبحارّ يحمل بعض ملمح هذه الشخصية‬
‫كما أن البحرّ والغول والمغامرّة والشعورّ الدائم بعدم الستقرّارّ‪ ،‬كلها تيمات سندبادية‬
‫ستزداد تجلياة ووضوحاة في ديوانهّ الثاني‪.‬‬
‫تأتي قاصيدة )السندباد في رّحلتهّ الثامنة( من ديوانهّ الثاني )الناي والرّيح(‬
‫لترّسم هذا الرّحلة من بدايتها إلى نهايتها‪ ،‬وتختصرّ المسافة وكأنها القصيدة الم أو‬
‫المعلقة التي اتضحت عندها الرّؤيا واكتملت التجرّبة وازدادت نضجاة وتبلو ةرّا‪،‬‬

‫‪- 100 -‬‬


‫وازدادت معها ملمح ذلك البحارّ المجهول الهوية تحديداة وتبلو ةرّا‪ ،‬فإذا بهّ )السندباد‬
‫البحرّي( بكل ما يحملهّ هذا المغامرّ في الترّاث الشعبي من ملمح وسمات‪ .‬وبهذا‬
‫التدرّج في البحث عن الوسائل الفنية استطاع الشاعرّ أن يعثرّ في "هذه الشخصية‬
‫على الصوت الترّاثي الذي سينهض بعبء التعبيرّ عن كل ما حاولت شخصية‬
‫البحارّ أن تعبرّ عنهّ في نهرّ الرّماد بعد أن اكتسب أبعاداة وأعماقااة فكرّية ووجودية‬
‫)‪(1‬‬
‫جديدة"‬
‫نظمت هذه القصيدة ما بين سنة ‪ 1956‬و ‪ 1958‬وهي المرّحلة التي بدأت‬
‫فيها بوادرّ التحرّرّ من القيود الجنبية تعم مختلف الدولة العرّبية التي شعرّت‬
‫بضرّورّة النهوض والبناء‪ ،‬كما أنها مرّحلة العودة إلى الماضي لسترّجاعهّ وتثمينهّ‬
‫والحتماء بهّ‪ ،‬إنها باختصارّ شديد مرّحلة إعادة النظرّ في التارّيخ والحضارّة‬
‫ومحاولة النهوض بهما وتخليصهما مما أصابهما من تشويهّ وفساد‪.‬‬
‫يقدم الشاعرّ لقصيدتهّ هذه باستهلل يشيرّ فيهّ إلى السطورّة المحورّية الموظفة‬
‫فيها وهي أسطورّة السندباد فيقول‪" :‬كان في نيتهّ أن ل ينزعج عن مجلسهّ في بغداد‬
‫بعد رّحلتهّ السابعة‪ ،‬غيرّ أنهّ سمع ذات يوم عن بحارّة غامرّوا في دنيا لم يعرّفها من‬
‫قابل‪ ،‬فكان أن عصف بهّ الحنين إلى البحارّ مرّة ثامنة‪ .‬ومما يحكى عن السندباد‬
‫في رّحلتهّ هذه أنهّ رّاح يبحرّ في دنيا ذاتهّ‪ ،‬فكان يقع هنا وهنا على أكداس من‬
‫المتعة العتيقة والمفاهيم الرّثة‪ ،‬رّمى بها جميعاة في البحرّ ولم يأسف على خسارّة‪،‬‬
‫تعرّى حتى بلغ بالعرّبي إلى جوهرّ فطرّتهّ‪ ،‬ثم عاد يحمل إلينا كن اةز ل شبيهّ لـهّ بين‬
‫الكنوز التي اقاتنصها في رّحلتهّ السالفة‪ .‬والقصيدة رّصيد لما عاناه عبرّ الزمن في‬
‫نهوضهّ من دهاليز ذاتهّ إلى أن عاين إشرّاقاة النبعاث وتم لـهّ اليقين" )‪.(2‬‬
‫في هذا المحورّ تتحرّك القصيدة ويتحرّك معها السندباد لتمتد عبرّ مساحة‬
‫شاسعة موزعة على عشرّ مقاطع‪ ،‬كل منها يرّتبط بسابقة ويؤدي إلى لحقهّ‪.‬‬
‫تنبعث القصيدة من شعورّ مزدوج‪ ،‬شعورّ بالحيرّة والضياع في دارّ يتضح من‬
‫أوصافها أنها تعج بالفسق والفجورّ‪ ،‬وشعورّ بالرّغبة في التطهرّ والنبعاث والتخلص‬
‫من الفساد والشرّ‪ .‬ولعل أول ما يلحظ في هذا المجال هو انقسام القصيدة إلى‬
‫محورّية رّئيسيين مختلفين في التجاه‪ :‬المحورّ الول تمثلهّ دارّ السندباد القديمة‪،‬‬
‫والثاني تمثلهّ دارّه الجديدة‪.‬‬
‫أما الدارّ القديمة –كما يتضح من أوصافها –فهي تحوي من السموم والشرّورّ‬
‫)( ‪-‬علي عشري زايد‪ :‬استدعاء الشخصيات التاثية ف الشعر العرب العاصر ص ‪246‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪-‬خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪253‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 101 -‬‬


‫ما يكفي لهجرّها والبتعاد عنها‪:‬‬
‫وكان في الدار رواق‬
‫رصعت جدرانه الرسوم‬
‫موسى يرى‬
‫إزميل نار صاعق الشرر‬
‫يحفر في الصخر‬
‫وصايا ربه العشر‪:‬‬
‫الزفت والكبريت والملح على سدوم‬
‫هذا على الجدار‬
‫على جدار آخر إطار‪:‬‬
‫وكاهن في هيكل البعل‬
‫يربي أفعوانال فاج ارل وبوم‬
‫يفتض سر الخصب في العذارى‬
‫يهلل السكارى‬
‫وتخصب الرحام والكروم‬
‫تفكور الخمرة في الجرار‬
‫على جدار آخر إطار‬
‫هذا المعري‪،‬‬
‫خلف عينيه‪،‬‬
‫وفي دهليزه السحيق‬
‫دنياه كيد امرأة لم تغتسل‬
‫من دمها‪ ،‬يشتم ساقيها وما يطيق‬
‫شطي خليج الدنس المطلي بالرحيق‬
‫تكويرة النهدين من رغوته‬
‫وسوسن الجباة‪،‬‬
‫المجرم العتيق‬

‫‪- 102 -‬‬


‫والثمر المر الذي اشتهاه‬
‫من هذه الرسوم‬
‫يرسخ سيل‬
‫)‪(1‬‬
‫مثقل بالغاز والسموم‬
‫يتضح من هذه أن الدارّ كانت مليئة بأنواع الخطايا والفجورّ؛ فالوصايا العشرّ‬
‫تنتهك وتخرّق حدودها؛ وسدوم تغرّق في شتى أنواع الموبقات‪ ،‬يغضب عليها الرّب‬
‫ويمطرّها زفتاة وكبرّيتاة وملحةا‪ .‬أما على الجدارّ الثاني فهناك صورّة لكاهن في هيكل‬
‫البعل يرّبي أفعواناة فاج اةرّ وبومةا؛ ويرّتكب المعاصي ويفتك سرّ الخصب في العذارّى‬
‫تحت ستارّ الورّع والتقى‪ .‬أما الجدارّ الثالث فنرّى فيهّ المعرّى الذي حقد على المرّأة‬
‫بوصفها بؤرّة الشرّورّ والثام؛ فنادى بقطع النسل البشرّي‪ .‬تلك هي مواصفات دارّ‬
‫السندباد القديمة‪ ،‬وهي دارّ تدل على الفساد والشرّ كما ترّسمهّ صورّ جدرّانها التي‬
‫علقت على رّواقاها‪.‬‬
‫في هذه الدارّ قاضى السندباد أيام طفولتهّ يرّضع من تلك السموم ويشرّب من‬
‫الثام والشرّورّ حتى سرّت في عرّوقاهّ وانطبعت في صدرّه‪ ،‬وأصبح مدمناة عليها؛‬
‫منغمساة في وحولها ورّذائلها‪ ،‬متفنناة في أساليب الخداع والمكرّ والنفاق‪:‬‬
‫بلوت ذاك الرواق‬
‫طفلل جرت في دمه الغازات والسموم‬
‫وانطبعت في صدره الرسوم‬
‫وكنت فيه والصحاب العتاق‬
‫نرفه اللؤم‪ ،‬نحلي طعمه بالنفاق‬
‫بجرعة من )عسل الخليفة(‬
‫)وقهوة البشير(‬
‫أغلف الشفاه بالحرير‬
‫بطانة الخناجر الرهيفة‬
‫)‪(2‬‬
‫لحلوتي الحية الحرير‬
‫وفي المقطع الثالث يستفيق السندباد من غفوتهّ فنرّاه يشد أزرّه‪ ،‬ويصمم على‬

‫)( ‪-‬خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪261 – 258‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪-‬خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪267 - 266‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 103 -‬‬


‫مغادرّة رّفاق السوء والتخلص من شرّهم‪ ،‬فيلجأ إلى دارّه ينظفها ويطهرّها من صدى‬
‫أشباحهم ويغوص في أعماق ذاتهّ ليزيل عنها فجورّها لعلهّ يرّقاى إلى مصاف النبياء‬
‫والمتطهرّين‪.‬‬
‫سلخت ذاك الرواق‬
‫خليته مأوى عتيقال للصحاب العتاق‬
‫طهرت داري من صدى أشباحهم‬
‫في الليل والنهار‬
‫من غل نفسي‪ ،‬خنجري‪،‬‬
‫ليني‪ ،‬ولين الحية الرشيقة؛‬
‫عشت على انتظار‬
‫لعله إن مر أغويه‪،‬‬
‫فما مر‬
‫)‪(1‬‬
‫وما أرسل صوبي رعده؛ بروقه‬
‫لكن على الرّغم من كل هذا‪ ،‬فقد ظلت الدارّ مختنقة بالصمت والغبارّ كأنها‬
‫صحرّاء كلس مالح بوارّ‪ ،‬لن ما كان ينتظرّه السندباد لم يأت بعد؛ والنبوة مطلب‬
‫عسيرّ ل يتحقق بمجرّد تطهيرّ الدارّ‪ ،‬إوان كان خطوة ل بد منها‪ ،‬كما أن العثورّ على‬
‫البديل أمرّ في غاية الصعوبة في زمن كثرّ فيهّ الشرّ والفساد وفقد فيهّ النسان‬
‫إنسانيتهّ ومكانتهّ‪ ،‬وأصبح النبعاث أم اةرّ يتطلب التضحيات الجسام‪ .‬رّفع السندباد‬
‫يديهّ إلى السماء يشكو الضيق ويطلب صحو الصبح والمطارّ‪ ،‬لكن هيهات‪ ،‬لقد‬
‫عادت الدارّ لما كانت عليهّ من قابل واحتلت الوساخ ساحتها‪:‬‬
‫طلبت صحو الصبح والمطار‪ ،‬ربي‪،‬‬
‫فلماذا اعتكرت داري‬
‫لما اختنقت بالصمت والغبار‬
‫صحراء كلس مالح بوار‪.‬‬
‫‪................‬‬
‫وكأن في داري التقت‬

‫)( ‪-‬خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪268 - 267‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 104 -‬‬


‫وانسكبت أفنية الوساخ في المدينة‪،‬‬
‫تفور في الليل والنهار‬
‫)‪(1‬‬
‫يعود طعم الكلس البوار‬
‫لم يستسلم السندباد؛ لن بواعث التغييرّ والتجديد كانت تدفعهّ إلى المام وتلح‬
‫عليهّ‪ .‬وأيقن أن البعث الحقيقي يقتضي الهدم الكلي للدارّ‪ .‬فرّاح يقوض السقف‬
‫ويحطم الجدرّان ويرّمي بها للموج السود والرّياح‪:‬‬
‫وذات ليل أرغت العتمة‬
‫واجترت ضلوع السقف والجدار‬
‫كيف انطوى السقف وانطوى الجدار‬
‫كالخرقة المبتلة العتيقة‬
‫وكالشراع المرتمي‬
‫على بحار العتمة السحيقة‬
‫حف الرياح السود يحفيه‬
‫وموج أسود يعلكه‬
‫)‪(2‬‬
‫يرميه للرياح‬
‫يــدخل الســندباد فــي بدايــة المقطــع ال ارّبــع فــي حالــة مــن الغيبوبــة المفاجئــة‪ ،‬وفيمــا‬
‫يشـبهّ المنـام يــرّى أن دارّه قاـد تغيـرّ حالهــا مــن صـحرّاء كلـس مالـح يـوارّ إلـى جنـة تمـوج‬
‫بالثلج والزهرّ والثمارّ‪:‬‬
‫صحراء كلس مالح؛ بوار؛‬
‫تمرج بالثلج وبالزهر وبالثمار‬
‫داري التي تحطمت‬
‫تنهض من أنقاضها‬
‫تختلج الخشاب‬
‫)‪(3‬‬
‫تلتم تحت قبة خضراء في الربيع‬

‫)( ‪-‬خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪270 - 269‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪-‬خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪271 - 270‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ‪-‬خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪272‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 105 -‬‬


‫لم تتحقق هذه الرّؤيا بعد في عالم الواقاع؛ إنها مجرّد حلم من أحلم السندباد‬
‫التي كانت ترّاوده أثناء معاناتهّ ورّغبتهّ في التطهيرّ‪ ،‬فالدارّ ما زالت على ما كانت‬
‫عليهّ‪ ،‬معتمة المسالك‪ ،‬تعز على الترّميم؛ والسندباد الن في حاجة إلى أن يسلخ عن‬
‫نفسهّ ذلك الزيف الذي ورّثهّ وتشرّب سمومهّ وهو طفل صغيرّ‪ ،‬فهو مصمم على‬
‫تحرّيرّ نفسهّ وتنظيف دارّه من جديد‪:‬‬
‫أفرغت داري مرة ثانية‬
‫أحيا على جمر طري طيب وجوع‬
‫كأن أعضائي طيور‬
‫عبرت بحار‬
‫)‪(1‬‬
‫وحدي على انتظار‬
‫ويأتي المقطع الخامس ليكشـف مقامـاة آخـرّ مــن مقامـات الرّحلــة‪ ،‬ويتحقـق بعـض‬
‫حلم السندباد؛ إواذا بصوت امـرّأة طـاهرّة تنــاديهّ وتقبــل عليـهّ بخطـوات تـزرّع الخضـرّارّ‬
‫والطمأنينة‪:‬‬
‫في ساحة المدينة‬
‫كانت خطاها‬
‫زورقال يجيء بالهزيج‬
‫من مرح المواج في الخليج‬
‫كانت خطاها تكسر الشمس‬
‫على البلور‪ ،‬تسقيه الظلل‬
‫الخضر والسكينة‬
‫لم يرها غيري ترى‬
‫في ساحة المدينة؟‬
‫)‪(2‬‬
‫لم ترها عين من العيون‬
‫ل‪:‬‬
‫تعم الفرّحة نفس السندباد‪ ،‬ينسى معها عذاب السنين العجاف‪ ،‬ويطيرّ قاائ ة‬
‫ألعمر لن يقول‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪276‬ش ‪.277‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪277‬ش ‪.278‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 106 -‬‬


‫يا ليت من سنين‬
‫ملء دمي وساعدي‬
‫)‪(1‬‬
‫أطيب ما تزهو به الفصول‬
‫هــذه الم ـرّأة ل تشــبهّ النســاء فــي شــيء؛ ول ح ـواء الــتي أغــرّت آدم بأكــل التفاحــة؛‬
‫لنها شقت من ضلوع السندباد؛ فهي نفسهّ ورّوحهّ في برّاءتها وطهرّها‪:‬‬
‫كأنها في الصبح‬
‫شقت من ضلوعي‬
‫نبتت من زنبق البحار‬
‫ما عكر الشلل ضحكتها‬
‫والخمر في حلمتها‬
‫رعب من الخطيئة‬
‫وما درت كيف تروغ الحية‬
‫)‪(2‬‬
‫الملساء في القبية الوطيئة‬
‫إن حنين السندباد إلى هذه المرّأة؛ إنما هو حنين الكل إلى جزئهّ والشيء إلى‬
‫نفسهّ؛ كما أن حنين المرّأة إليهّ؛ هو حنين الشيء إلى وطنهّ‪ .‬وهذا النجذاب أو‬
‫النوستالجيا المتناظرّة هي أول خطوة يخطوها السندباد في رّحلتهّ‪ .‬ولما كانت النثى‬
‫هنا تجسيداة للنفس؛ ومعرّفة النفس هي معرّاج النسان إلى الحقيقة؛ لزم أن تكون‬
‫معرّفة المرّأة‪ ،‬من خلل عاطفة الحب المتوهج‪ ،‬سبيل الولدة والنبعاث‪ .‬لكن هل‬
‫استطاعت هذه المرّأة أن تحقق النبعاث حقةا؟ وهل غيرّت من حياة السندباد؛ أم أنها‬
‫كانت مقاماة يشبهّ مقامات الصوفية‪ .‬اجتيازه ضرّورّة للصعود إلى مقام آخرّ أعلى‬
‫وأرّقاى درّجة؟‬
‫يبدو أن الحلم لم يتحقق بعد؛ وأن هذه المرّأة ليست هي طرّيق الخلص الذي‬
‫يبحث عنهّ؛ لن القضية تخص أمة وحضارّة بكاملها‪ .‬وكيف يمكن لهذه المرّأة أن‬
‫تكون وسيلة خلص وتحرّرّ؟ رّبما اعتبرّها السندباد الرّد على تلك الشرّيرّة الفاسقة‬
‫التي ترّوغ كالحية الملساء‪ .‬أما إيليا حاوي فيفسرّ تخلي الشاعرّ عن تلك المرّأة بقولهّ‪:‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪.278‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪280‬ش ‪.281‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 107 -‬‬


‫))أن خليلة كان يقول أن أية امرّأة تقع في الدرّجة العاشرّة من اهتمامهّ(()‪ (1‬ثم بقولهّ‪:‬‬
‫)) المرّأة كانت مرّحلة تطواف لشاعرّ؛ أقاام معها ولم يدعها تذهب كما فعل قابل في‬
‫)نهرّ الرّماد(‪ ،‬إل أنهّ ظل يحس معها أن نفسهّ ليست معهّ كلها؛ وأنها مازالت تبث‬
‫حنينها للمرّ الغامض المستترّ‪ .‬المرّأة ليست إل المرّحلة لنها ليست المطلق‬
‫)‪(2‬‬
‫وليست الحرّية وليست الحضارّة وليست الكلمة ذات الحرّوف الكاملة((‬
‫فالسندباد ما يزال يتوق إلى ذلك الشيء الذي يحسهّ ول يعيهّ؛ لذا نرّاه يفرّغ بيتهّ‬
‫من جديد ويطهرّ نفسهّ في انتظارّ ذلك الشيء‪:‬‬
‫ولم أزل أمضي وأمضي خلفه‬
‫أحسه عندي ول أعيه‬
‫أود لو أفرغت داري عله‬
‫إن من تغويه وتدعيه‬
‫)‪(3‬‬
‫أحسه عندي ول أعيه‬
‫هكذا يطول النتظارّ وتستمرّ معهّ معاناة السندباد؛ ويزداد بكاؤه وصمتهّ؛ لقد‬
‫جفت شفتاه ولم تسعفهّ العبارّة؛ وها هو يتساءل في حزن عميق عن أسباب تأخرّ‬
‫البشارّة‪ .‬ألنهّ لم يستطيع تحملها؟ أم لن الوقات لم يحن بعد؟‬
‫كيف ل أقوى علي البشارة؟‬
‫شهران؛ طال الصمت‪،‬‬
‫جفت شفتي‪،‬‬
‫متى متى تسعفني العبارة ؟‬
‫)‪(4‬‬

‫إن هذا التساؤل المتكرّرّ الدال على جفاف القرّيحة وبعد البشارّة‪ ،‬يشبهّ في واقاع‬
‫المرّ العصارّ الذي يسبق العاصفة‪ ،‬لن السندباد يشعرّ بشيء ما يسرّي في دمهّ‪،‬‬
‫ويلوح لـهّ من بعيد كالبرّق اللمع الذي يصعب القبض عليهّ‪ ...‬أهي البشارّة وموعد‬
‫النبعاث؟ أم طيف من أطياف الرّحلة الطويلة وهواجسها التي لم تنتهّ بعد؟‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬الرؤيا تغنى في دمى‬

‫)( ش ايليا حاوي‪ :‬متارات من شعره ونثره‪ ،‬دار الثقافآة بيوت ط ‪2/52 1984 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ش ايليا حاوي‪ :‬خليل حاوي ف سطور من سيته وشعره‪ ،‬دار الثقافآة ص ‪.147‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪.287‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪.288‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫برعشة البرق صحو الصباح‬
‫وفطرة الطير التي تشتم‬
‫ما في نية الغابات والرياح‬
‫تحس ما في رحم الفصل‬
‫تراه قبل أن يولد في الفصول‬
‫تفور الرؤيا‪ ،‬وماذا‪،‬‬
‫سوف تأتي ساعة‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أقول ما أقول‬
‫في المقطع التاسع تتحقق البشارّة ويطل السندباد على دارّه الجديدة التي تشكل‬
‫المحورّ الرّئيسي الثاني في القصيدة‪:‬‬
‫تحتل عيني مروج‪ ،‬مدخنات‬
‫إواله بعضه بعل خصيب‬
‫بعضه جبار فحم ونار‬
‫مليون دار مثل داري ودار‬
‫تزهو بأطفال غصون الكروم‬
‫والزيتون‪ ،‬جمر الربيع‬
‫)‪(2‬‬
‫غب ليالي الصقيع‬
‫إنهّ النبعاث حقةا‪ ،‬وصل إليهّ السندباد بعد تجرّبة طويلة ومعاناة كبيرّة‪ ،‬سالت‬
‫من خللها دماؤه على حجارّة الطرّيق‪ ،‬وتلقى من العذاب ما تلقى‪ ،‬وهي أيضاة بشارّة‬
‫من الشاعرّ لمتهّ التي ينبغي عليها أن تعاني وتتألم كي يتم لها النبعاث الحقيقي‪،‬‬
‫إوال سوف تعيش على الهامش متخلفة عن الرّكب والتطورّ‪.‬‬
‫لقد أضحت دارّ السندباد وغيرّها من الدورّ تموج بالخصب والخضرّارّ‪ ،‬فيها‬
‫أطفال كالبرّاعم يتفتحون‪ ،‬ومرّوج ومدخنات دللة على الحرّكة النتاج ودورّ النسان‬
‫الفاعل في الحياة‪ .‬إذ لم يعد السندباد ذلك الشخص الذي عرّفناه في مطلع القصيدة‪،‬‬
‫لقد تغيرّت شخصيتهّ بعد أن غاص في أعماق ذاتهّ فطهرّها من الزيف والشوائب‪.‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪289‬ش ‪.290‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ‪290‬ش ‪.291‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 109 -‬‬


‫إواذا كان سندباد السطورّة قاد عاد إلى بغداد من سفرّاتهّ محملة بالجواهرّ‬
‫والكنوز‪ ،‬وأزمع أن ل يرّحل أبداة)‪ (1‬وخلد إلى السكينة مستعيداة مع سمارّه حكاياتهّ‬
‫وطرّائف رّحلتهّ‪ ،‬وما حصل لـهّ من غرّائب المورّ وعجائبها‪ .‬فإن سندباد القصيدة ـ‬
‫إوان دخل في تقاطع واضح مع سندباد السطورّة ـ ظل يشق طرّيقهّ إلى وجدانهّ‪،‬‬
‫فكانت رّحلتهّ بحثا في أعماق ذاتهّ وتارّيخ حضارّتهّ‪ ،‬ل للحصول على الكنوز‬
‫والموال‪ ،‬إوانما لكتشاف ما بقي في هذه الذات من قايم تساعد على تجاوز المحنة‬
‫وتخطي النحطاط‪ .‬وهنا يكمن الفرّق الجوهرّي بين سندباد السطورّة وسندباد‬
‫القصيدة‪ ،‬كلهما يرّحل في الزمن‪ ،‬الول نحو الخارّج أو المستقبل لن هاجس‬
‫الرّحلة لديهّ هو المسيطرّ‪ ،‬والثاني نحو الداخل أو الماضي‪ ،‬لن زاد الرّحلة ل يتم في‬
‫رّأيهّ إل بذلك‪ .‬والسفرّ نحو المستقبل ل يتحقق إل بالنطلق من الماضي‪ ،‬وأن‬
‫النبعاث والتوق الدائم إلى تغييرّ الواقاع وتجاوز الممكن والمتاح‪ ،‬ل يتم إل بالمعرّفة‬
‫والهدم الشامل للفكارّ واليديولوجيات البالية والقيم الرّثة‪ ،‬تمهيداة لبناء جديد‪ ،‬وتلك‬
‫هي مهمة الشعرّاء والفلسفة‪.‬‬
‫لقد أدرّك خليل حاوي هذا الدورّ المنوط بالشعرّاء المعاصرّين‪ ،‬فجعل بشارّة‬
‫السندباد الحقيقية تكمن في شاعرّيتهّ وعبقرّية أفكارّه‪:‬‬
‫عدت إليكم شاع ارل في فمه بشارة‬
‫يقول ما يقول‬
‫بفطرة تحس ما في رحم الفصل‬
‫)‪(2‬‬
‫تراه قبل أن يولد في الفصول‬
‫بهذا التحول أو الولدة الجديدة أكتسب السندباد شخصية ثانية قاادرّة على تغييرّ‬
‫الفكارّ وبناء واقاع جديد‪ ،‬بعد أن هدم دارّه )رّمز الحضارّة القديمة(‪ ،‬وقاضى على‬
‫مفاسدها وتناقاضاتها وبنى دا اةرّ جديدة )رّمز الحضارّة الجديدة أو المنتظرّة(‪ .‬وقاد‬
‫لحظنا كيف أنهّ وصل إلى ذلك بعد معاناة كبيرّة وانتظارّ طويل‪ ،‬كشفت عنهّ‬
‫المقاطع الثمانية للقصيدة‪ ،‬حيث كان في كل مرّة يعود بنا إلى المشكلة نفسها‪ ،‬إلى‬
‫الشيء الذي يحسهّ عنده ول يعيهّ‪.‬‬
‫وهذه العودة إلى البداية أو المشكلة هي التي كانت تصنع الموقاف الترّاجيدي‬
‫وتشكل مفاصل القصيدة وانعطافاتها حيث جعلت منها بنية حلزونية دائرّية تتشابك‬
‫)(ش ينظششر‪ :‬ألششف ليلششة وليلششة ‪ 4/23‬يقششول فآيهششا السششندباد ))ثش إنش تبششت إلش الش عششن السششفر فش الششب والبحششر‬ ‫‪1‬‬

‫بعد هذه السفرة السابعة الت هي غاية السفرات وقاطعة الشهوات((‬


‫)(ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪.299‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 110 -‬‬


‫فيها عدة خيوط أو عناصرّ لكل منها قايمة خاصة‪ ،‬وقايمة يستمدها من تفاعلهّ مع‬
‫العناصرّ الخرّى‪ ،‬التي تجعل منفتحاة على إيحاءات كثيرّة وقارّاءات متعددة‪.‬‬
‫لم يكن الشاعرّ عند اختيارّه رّمز سندباد‪ ،‬كقناع لهّ‪ ،‬إزاء عملية بسيطة يستبدل‬
‫فيها صوتاة مباش اةرّ بصوت آخرّ غيرّ مباشرّ على سبيل الكناية‪ ،‬بل نحن في الحقيقة‪،‬‬
‫إزاء صوت جديد متميز‪ ،‬يعتمد تميزه ـ كجدتهّ ـ على درّجة تفاعل كل الصوتين على‬
‫السواء)‪ .(1‬هذا ما حققهّ حاوي وهو يلتحم بموضوعهّ من خلل قاناعهّ السطورّي‬
‫)السندباد( حيث ألغى المسافة التي تفصل بينهما‪ ،‬وألقى نفسهّ في خضكم الموقاف‬
‫الترّاجيدي ليصنع كما يفعل بعض الشعرّاء ذوي التجارّب المحدودة‪ ،‬إوانما رّاح يلقي‬
‫بنفسهّ في قالب المعترّك‪ ،‬بل وأكثرّ من ذلك فإنهّ يرّشح نفسهّ نبياة أو منقذاة للمة‪ ،‬لذا‬
‫نرّاه يلجأ في كل مقطع من مقاطع القصيدة إلى تطهيرّ ذاتهّ في انتظارّ النبوءة أو‬
‫الوحي‪.‬‬
‫ومن ثم كان هاجسهّ قاضية أمة وحضارّة تعاني النحطاط والتخلف من جررّاء‬
‫الدعارّة المتفشية والزدواجية المقنعة كما رّسمتها مقاطع القصيدة‪ ،‬فالمرّأة الفاسقة‬
‫التي ترّاوغ الحية‪ ،‬والكاهن رّمز الطهارّة يمارّس الدعارّة في المعبد‪ ،‬و)خليج الدنس‬
‫المطلي بالرّحيق(‪ ،‬كل هذا يكشف عن حقيقة مرّة متجذرّة في عمق ذوات مجتمعاتنا‬
‫وحضارّتنا‪ ،‬لزلنا نتعامل معها بالتسترّ والكذب‪ ،‬وهو الشيء الذي يرّفضهّ خليل‬
‫حاوي لنهّ سبب محنتهّ وتألمهّ‪ ،‬وشعرّه صرّخة مدوية في النفوس والذان‪ :‬لم ل نملك‬
‫الجرّأة على كسرّ القيود واخترّاق الحواجز التي تعوق تطورّنا؟‪.‬‬
‫إن السندباد في هذه القصيدة هو الشاعرّ‪ ،‬وهو أيضاة رّمز للمة العرّبية‪ ،‬فبعد‬
‫أن كان غارّقااة في مستنقع حضارّتهّ السن‪ ،‬كما صورّتهّ القصيدة‪ ،‬نرّاه الن قاد ولد‬
‫من جديد وعاد يحمل معهّ بشارّة ميلد حضارّة جديدة‪ ،‬تبنى على سواعد النسان‬
‫الفاعل في هذا الوجود‪.‬‬
‫قاد تكون المعاناة التي مرّ بها خليل حاوي ))هي التي ساقاتهّ إلى اليمان‬
‫بالحضارّة على أنها فعل تقدم‪ ،‬وأن إلهّ التقدم هو إلهّ النسان الحقيقي‪ ،‬كما آمن بهّ‬
‫مفكرّو القرّن الثامن عشرّ في فرّنسا(()‪ .(2‬ومن ثم فالنسان وحده قاادرّ على كسرّ‬
‫الحواجز وتجاوز الصعاب لتقرّيرّ مصيرّه وبناء حضارّتهّ‪ ،‬فهو المحورّ الذي يبدأ منهّ‬
‫كل شيء وينتهي إليهّ‪ .‬وهذا الطرّح يشبهّ‪ ،‬في بعض جوانبهّ طرّح الفيلسوف اللماني‬

‫)(ش ينظششر‪ :‬جششابر عصششفور‪ :‬أقنعششة الشششعر العاصششر‪ ،‬ملششة فآصششول‪ ،‬اللششد الول‪ ،‬العششدد ‪ 4‬يوليششو ‪ 1981‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.124‬‬
‫)(ش ايليا حاوي‪ :‬خليل حاوي ف سطور من سيته وشعره ص ‪135‬ش ‪.136‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫)فرّيدرّش نيتشهّ ‪1844‬ـ ‪ (1900‬حول فكرّتهّ )النسان العلى()‪.(1‬‬
‫النسان العرّبي المعاصرّ‪ ،‬في نظرّ حاوي‪ ،‬ل قايمة لـهّ في ذاتهّ‪ ،‬ول مكانة لـهّ‬
‫في هذا العالم‪ ،‬وكل ما بقي منهّ أنهّ وسيلة لبعث إنسان آخرّ من النوع العلى على‬
‫حد تعبيرّ نتشهّ‪ .‬ومن ثم كان بعث السندباد أول محاولة يقوم بها الشاعرّ بوصفها‬
‫رّم اةز لبعث النسان‪ ،‬لن هذا الخيرّ ل يستطيع أن يفعل شيئاة ما لم يبعث من جديد‬
‫كما بعث السندباد‪ .‬غيرّ أن السؤال الذي يطرّح نفسهّ بإلحاح هو‪ :‬كيف يمكن لهذا‬
‫النسان أن يحقق هذا التحول أو النبعاث؟ وما هو الطرّيق الذي ينبغي لـهّ أن يسلكهّ‬
‫لبلوغ غايتهّ؟‪.‬‬
‫وبشيء من التأمل في النص‪ ،‬نرّى كيف أن هذا التحول قاد تم انطلقااة من ذات‬
‫السندباد‪ ،‬وبالتالي من ذات الجماعة أو المة عن طرّيق التطهرّ واجتناب المفاسد‬
‫والشرّورّ‪ .‬وخليل حاوي نفسهّ يعلق على رّمز السندباد في استهلل قادم بهّ قاصيدتهّ‬
‫هذه يقول فيهّ‪)) :‬ومما يحكى عن السندباد أنهّ رّاح يبحرّ في دنيا ذاتهّ‪ ،‬فكان يقع هنا‬
‫وهناك على أكداس من المتعة العتيقة والمفاهيم الرّثة‪ ،‬رّمى بها جميعاة في البحرّ ولم‬
‫يأسف على خسارّة‪ ،‬تعرّى حتى بلغ بالعرّي إلى جوهرّ فطرّتهّ‪ ،‬ثم عاد يحمل إلينا كن اةز‬
‫ل شبيهّ لـهّ بين الكنوز التي اقاتنصها في رّحلتهّ السالفة(( )‪.(2‬‬
‫يتضح مما سبق أن هذا التحول الحاصل في ذات السندباد‪ ،‬أو الحل الذي قادمهّ‬
‫حاوي لمتهّ‪ ،‬يتسم بالطابع الصوفي أو المثالي القائم على مجاهدة النفس وتطهيرّها‬
‫من الشوائب‪ .‬ولهذه الرّؤية جذورّ خفية تعود إلى تلك الفترّة‪ ،‬التي نظم فيها الشاعرّ‬
‫قاصيدتهّ‪ ،‬وهي فترّة ))كان خليل قاد تشبع من الفلسفة الفلطونية والفلطونية‬
‫المحدثة والغنوصية والبيثاغورّية والورّفية ودرّس وددرّس المتصوفة وعرّف عبرّ هذه‬
‫المذاهب كيف يرّجع النسان إلى ذاتهّ‪ ،‬يهدمها ويرّفع من أنقاضها بناةء جديدةا‪،‬‬
‫أضف إلى ذلك كلهّ تنشئتهّ على يد بعض الرّهبان اليسوعيين الذين كانوا في ذلك‬
‫الزمن شديدي الحرّج بأمرّ الخطيئة وكانوا يدرّبون الفتيان على ما كانوا يسمونهّ‬
‫)الماتة( أي قاتل النفس لتحيا طاهرّة ووأد النزوات كي يكون المرّء ابن حرّيتهّ‬
‫)‪(3‬‬
‫واختيارّه((‬

‫)(ش ينظر‪ :‬عبد الرحن بدوي‪ :‬موسوعة الفلسفة الؤمسسة العربية للدراسششات والنشششر بيوت ط ‪1984 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.2/515‬‬
‫)(ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪.253‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(ش ايليا حاوي‪ :‬خليل حاوي ف سطور من سيته وشعره ص ‪135‬ش ‪.136‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫يعلق يوسف حلوي)‪ (4‬على هذا الحل بأنهّ ل يقوى على الصمود أمام تحديات‬
‫الواقاع لن النحطاط النابع من الذات هو انعكاس للواقاع الجتماعي‪ ،‬وبالتالي ل‬
‫يمكن بناء النسان من الداخل إل من خلل التغييرّ الجتماعي في الخارّج‪ ،‬أي‬
‫بتغييرّ البنية التحتية التي يرّتكز عليها المجتمع‪ .‬وهذه في اعتقادنا نظرّة مارّكسية ل‬
‫تستطيع أن تقدم حل متكامل لمشكلة التخلف والنحطاط في الوطن العرّبي‪.‬‬
‫فالتحول يبدأ من الداخل )الذات( نحو الخارّج )الجماعة( وليس العكس‪ ،‬أي أنهّ يبدأ‬
‫من ذات الفرّد ليتحول إلى ذات الجماعة من خلل تفاعل الفكارّ وتلقاحها‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى ظهورّ نمط من التفكيرّ والوعي بإمكانهما إحداث النقلب أو الثورّة لمحق‬
‫القيم الرّثة واليديولوجيات الفاسدة‪.‬‬
‫لقد استطاع خليل حاوي من خلل رّموزه التارّيخية والسطورّية أن يتغلغل إلى‬
‫عمق الذات العرّبية ويكشف الزيف الذي يكتنفها ويحيط بها‪ ،‬وهو زيف ل يمكن‬
‫إزالتهّ إل عن طرّيق فيلسوف أو شاعرّ محنك كما اتضح من القصيدة في مقطعها‬
‫الخيرّ‪.‬‬
‫ومهما يكن فإن الشاعرّ قاد وفق إلى حد كبيرّ في إعطاء نصهّ شكلة ترّاجيدياة‬
‫وبعداة إنسانياة من خلل صرّاع السندباد مع نفسهّ‪ ،‬كما أنهّ استثمرّ هذه السطورّة‬
‫استثما اةرّ فنياة بارّعةا‪ ،‬بحيث لم ينقلها كما هي عليهّ في الصل‪ ،‬إوانما رّاح يضفي‬
‫عليها طابعاة مغاي اةرّ أكسبها أبعاداة جديدة‪ ،‬مكنتهّ من أن يمارّس لعبة الحضورّ‬
‫والغياب‪ ،‬وأن يحدمل السندباد )القناع( عناء تجرّبتهّ بحيث أمسى رّم اةز لرّحلة النسان‬
‫العرّبي وهو يتخطى الحواجز ليصنع حضارّتهّ ويقرّرّ مصيرّه‪.‬‬
‫وخلصة القول فإن خليل حاوي قاد وجد في رّمز السندباد القناع والعلم على‬
‫تجرّبتهّ الشعرّية وذلك منذ مطلع ديوانهّ الول )نهرّ الرّماد( في قاصيدتهّ )البحارّ‬
‫والدرّويش( إذ كان يصف حياتهّ وشعرّه بأنهما رّحلة دائمة من أجل المعرّفة‪ ،‬وبحث‬
‫مستمرّ عن مصادرّ التحرّرّ والنماء‪ .‬وقاد استطاع الشاعرّ عبرّ هذه الرّحلة أن يعثرّ‬
‫على اللغة البكرّ التي تستطيع أن تحمل عنهّ عبء التجرّبة‪ ،‬ففي قاصيدتهّ )الناي‬
‫والرّيح في صومعة كيمبرّدج( من ديوانهّ الثاني كشف عن أسلوبهّ الشعرّي وتفهمهّ‬
‫لدواتهّ الفنية وللغة الشعرّ حين قادم لتلك القصيدة بقول مالرّميهّ ))يجب أن نبعث لغة‬
‫القبيلة لنشتق منها العبارّة التي تصنع الوجود(()‪ .(2‬وديوانهّ )الناي والرّيح( تعبيرّ عن‬
‫مرّحلة جديدة يمكن أن ندعوها المرّحلة التطهيرّية أو الصوفية عبرّ أسفارّ في أنفاق‬

‫)(ش ينظر‪ :‬يوسف حلوي‪ :‬السطورة ف الشعر العاصر‪ ،‬دار الداب بيوت ط ‪1994 1‬ص ‪.179‬‬ ‫‪4‬‬

‫)(ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪.195‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 113 -‬‬


‫النفس وخباياها‪ ،‬كان السندباد من خللها يسقط عن نفسهّ الذوات الزائفة التي‬
‫ترّاكمت عليهّ طيلة قارّون من النحطاط والجمود‪.‬‬
‫وخليل الحاوي‪ ،‬في نظرّنا‪ ،‬أحد الشعرّاء الذين نجحوا في استغلل حكايات‬
‫السندباد‪ ،‬ووظفوها توظيفاة فنياة تجدلت ملمحهّ على المحورّيين‪ :‬السياقاي والدللي‪،‬‬
‫ولنهّ من الشعرّاء التموزيين‪ ،‬فقد أضفى على سندباده صفات الديمومة والنبعاث‬
‫والقدرّة على حمل البشارّة‪ ،‬وذلك بعد أن انتشلهّ من الفشل والستسلم للرّاحة والجمود‬
‫باقاترّاحهّ لـهّ رّحلة ثامنة تختلف عن بقية رّحلتهّ السبع التي قاام بها في ألف ليلة‬
‫وليلة‪ ،‬من حيث أنها تتجهّ نحو الداخل أو الذات‪.‬‬
‫بهذا يمهد الشاعرّ لظهورّ أسطورّة جديدة ل تكون شهرّزاد رّاوية لحداثها‪ ،‬إوانما‬
‫سترّويها الجيال للتارّيخ‪ ..‬إنها أسطورّة النسان العرّبي الضائع‪ ،‬الباحث عن ذاتهّ‬
‫وقايمهّ وحضارّتهّ‪ .‬وتشبث الشاعرّ العرّبي المعاصرّ بهذا الرّمز‪ ،‬في تلك الفترّة‬
‫بالذات‪ ،‬دليل على تعطشهّ للحرّية ورّغبتهّ في كسرّ القيود للرّتحال نحو آفاق رّحبة‬
‫تسمح لـهّ بتحقيق وجوده وكينونتهّ‪.‬‬
‫يرّى حاتم الصكرّ)‪ (1‬أن عزوف الشعرّاء عن استثمارّ الجانب البطولي في‬
‫ل‪ ،‬ولن رّحلتهّ تشكل دورّة غيرّ تامة‬ ‫شخصية السندباد يعود لصلتهّ البدية بمدينتهّ أو ة‬
‫ثانيةا‪ ،‬ويستثني من هؤلء بعض الشعرّاء الشباب في الخليج العرّبي‪ ،‬ولسيما البحرّين‬
‫الذين اهتموا بهذا الجانب وأعطوه العناية الكاملة‪ .‬والواقاع أن عدم استثمارّ الشعرّاء لهذا‬
‫الجانب وغيرّه من الجوانب البطولية في شخصيات أخرّى‪ ،‬يعود إلى كون الوعي‬
‫الثورّي لدا الجماهيرّ العرّبية لم يتبلورّ بعد حول شخصية بطولية تستطيع تحرّيرّها‪ ،‬أو‬
‫لن النموذج البطولي لم يكن ينطبق على الظرّوف العرّبية حيث التمزق والتخلف‬
‫والحتلل‪ ،‬كما قاد يعود إلى التجاه الرّومانسي الذي كان سائداة آنذاك الداعي إلى‬
‫الهرّوب من الواقاع نحو آفاق أخرّى‪.‬‬

‫‪2‬ـ الطقوس والمعتقدات‪:‬‬


‫يقصد بالطقوس والمعتقدات‪ ،‬تلك التصورّات والفكارّ والمعارّف التي أنتجتها‬
‫المخيلة الشعبية‪ ،‬والتي لها صلة بالجانب الرّوحي من حياة النسان‪ .‬ويندرّج ضمن‬
‫هذا التعرّيف تلك الممارّسات والشعائرّ السطورّية التي كان يقوم بها البدائيون لتأمين‬
‫حياتهم من الشرّورّ والخطارّ‪ .‬والمعتقدات من هذه الناحية‪ ،‬ظاهرّة حضارّية تعبرّ‬

‫)(ش ينظ ششر‪ :‬كت ششابه‪ :‬كتاب ششة ال ششذات دراس ششات فش ش وقائعي ششة الش ششعر‪ ،‬دار الش ششرق للنش ششر والتوزي ششع الردن ط ‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1994‬ص ‪78‬ش ‪.79‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫عن تكيف النسان مع محيطهّ الغامض في حدود ثقافتهّ ووعيهّ‪ .‬وهي بالضافة إلى‬
‫ذلك تكشف عن جوانب مختلفة من حياة المة ومرّاحل تطورّها‪ ،‬لنها تحمل إرّثها‬
‫الثقافي والفلكلورّي الذي صنعتهّ أجيالها في تواصلها مع بعضها البعض عبرّ القول‬
‫والفعل في لحظة التقاء الماضي مع الحاضرّ عبرّ المقدس‪ .‬وهي من هذا المنظورّ‬
‫أيضاة جزء من ممارّسات النسان وتصورّاتهّ في علقاتهّ بوضعهّ الجتماعي‬
‫والقاتصادي والنفسي والثقافي‪ .‬كما أنها دعوة لستمرّارّ الحياة‪ ،‬ومحاولة لفهمها‬
‫وتسخيرّها‪.‬‬
‫أما المعتقدات من وجهة التحليل النثرّوبرّلوجي فهي عبارّة عن بقايا أساطيرّ‬
‫اندثرّت وبقي أثرّها مستم اةرّ عبرّ العصورّ نتيجة تمسك النسان بها خوفاة من المكرّوه‬
‫وطمعاة في جلب الرّزق والخيرّ‪ .‬كما أنها قاد تكون بقايا وثنية وطوطمية لها علقاة‬
‫بمستوى الطبقات التي تؤمن بها‪.‬‬
‫ومهما اختلفت أنواع هذه المعتقدات والطقوس)‪ (1‬فهي تعود إلى أصول ذات‬
‫بنى رّمزية تعاكسية مبنية على مزيج من تفاعلت قاوى الخصب والعطاء من جهة‪،‬‬
‫وقاوى الجدب والمنع من جهة ثانية‪ ،‬وهي في كل هذه الحوال تنبع من اتجاهين‬
‫متعاكسين يؤدي كل منهما وظيفة معينة‪.‬‬
‫يرّمز التجاه الول إلى كل ما هو خيرّ‪ ،‬مقدس‪ ،‬متاح‪ ،‬في حين يرّمز التجاه‬
‫الثاني إلى كل ما هو شرّ‪ ،‬مدنس‪ ،‬محظورّ‪ ،‬وهذا التقسيم التبوي إن صح التعبيرّ ل‬
‫ينبع ـ في نظرّنا على القال ـ من سلطان ديني أو أخلقاي بإمكانهّ التعليل السباب‬
‫والنتائج المترّتبة عنها‪ ،‬بقدرّ ما ينبع من ذاتهّ ولذاتهّ‪ ،‬ولذا نجده يفتقرّ إلى التعليل ول‬
‫يعرّف لـهّ مصدرّ‪ ،‬فهو أقادم من اللهة وأسبق من الديان كما يقول فونت)‪ (2‬لكنهّ‬
‫على الرّغم من ذلك يبدو بديهيا لمن يقع تحت سلطانهّ‪.‬‬
‫في هذه النقطة بالذات تكمن فاعلية المعتقد وقاوتهّ التي تجعلهّ يشمل العديد من‬
‫المجالت الرّوحية والنفسية‪ ،‬ويتقلد مقام الصدارّة في حياة الشعوب والفرّاد‪.‬‬
‫فهو ينتقل من جيل إلى آخرّ عبرّ قانوات الممارّسة والفعل الطقوسي دون أن‬
‫يتخلى عن سمتهّ الرّمزية التي ترّبطهّ بعوالم التحرّيم والتقديس‪.‬‬

‫)(ش ينظ ششر‪ :‬فآ شراس س شواح‪ :‬الس ششطورة والعن ش دراس ششات ف ش الثيولوجي ششا وال ششديانات الش شرقية‪ ،‬دار علء ال ششدين‬ ‫‪1‬‬

‫دمشق ط ‪ 1997 1‬ص ‪130‬ش ‪.131‬‬


‫)( ش ينظششر‪ :‬سششعيد فآرويششد‪ :‬الطششوطم والتششابو‪ ،‬ترجششة بششو علششي ياسششي‪ ،‬دار الشوار للنشششر والتوزيششع سششوريا ط ‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1983‬ص ‪.42‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫أـ الشعر والمعتقد الشعبي‪:‬‬
‫وعلقاة الشعرّ بالمعتقدات والطقوس علقاة قاديمة جددةا‪ ،‬كما سبق وأن أشرّنا إلى‬
‫ذلك في الفصل الول‪ ،‬سواء من حيث نشأتهما وارّتباط أحدهما بالخرّ‪ ،‬أو من حيث‬
‫وظيفتهما واعتمادهما على لغة الرّموز‪ .‬ولتوضيح هذه الفكرّة أكثرّ نقف قاليلة عند‬
‫هذه السطورّة التي تقول أن البدائيين كانوا يعتقدون أن العالم مهدد دورّياة بالتدميرّ‬
‫والخرّاب بسبب تآكل الزمن‪ ،‬وليقاف صيرّورّة هذا التدميرّ يجب خلق الكون‪ ،‬دورّيةا‪،‬‬
‫من جديد بواسطة طقوس وشعائرّ معينة تتلخص في تكرّارّ أعمال الخلق)‪.(1‬‬
‫وأول هذه الدورّات‪ ،‬دورّة الليل والنهارّ‪ ،‬فالغرّوب تهديد للحياة بانتهاء أجلها‪.‬‬
‫وارّتقاب مطلع الشمس أمرّ ضرّورّي يستلزم طقوساة وأدعية‪ ،‬كتلك التي كان يقوم بها‬
‫فرّعون)‪ (2‬عند كل فجرّ حيث يقيم شعائرّ الشرّاق معتقداة أنهّ بهذا الفعل سيحرّرّ‬
‫الشمس من قابضة الموات‪.‬‬
‫يا روح الشمس‪ ...‬استيقظ بسلم‪..‬‬
‫أنت يا ذا النور المضيء الطاهر‪..‬‬
‫إنك أنت الذي تشرق على كل مكان بنورك‪..‬‬
‫ونور عجلة النار التي تركبها‪.‬‬
‫ل تغضب علينا وتنزل بنا نقمتك‬
‫أظهر في سلم‪..‬‬
‫يا حسن الوجه‪..‬‬
‫يا ركب الشعة‪..‬‬
‫)‪(3‬‬
‫يا خالق النور‬
‫فالشمس هنا تعني ميلد حياة جديدة‪ ،‬لن غيابها يرّمز إلى موت اللهّ‪،‬‬
‫وبالتالي إلى العذاب ونزول النقمة‪ .‬والنص عبارّة عن طقس سحرّي فيهّ تضرّع‬
‫وتقديس لهذه الرّوح المتحكمة في الشرّاق‪ ،‬وبغض النظرّ عن الترّكيبة اللغوية لهذا‬
‫النص‪ ،‬فإن قامتهّ الحقيقية تكمن في وظيفة الرّمزية ودللتهّ كرّسالة متميزة ل تفصح‬
‫عنها اللغة إل من حيث هي شفرّة‪.‬‬

‫)( ش ينظششر‪ :‬هيقششة رورسششو‪ :‬الششديانات ترجششة مششتي شششاس النشششورات العربيششة‪ ،‬سلسششلة مششاذا أعششرف ‪ 25‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.70‬‬
‫)( ش ينظر‪Sylvia bates religion dumonde edition gamma 1981 p154 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(ش سليمان مظهر‪ :‬قصة الديانات‪ ،‬دار الوطن العرب )د‪.‬ت( من القدمة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 116 -‬‬


‫وثانيها دورّة الفصول )الشتاء والرّبيع(‪ ،‬فيغدو العالم ميتاة خلل الفصل الول‪،‬‬
‫مما يجعل النسان يسارّع إلى الطقوس التي من شأنها أن تعيد لـهّ الحياة‪ ،‬كالرّقاص‬
‫الشعائرّي في البساتين والحقول‪ ،‬فتخصب الرّض رّبيعاة وينمو الزرّع ويحي العالم‬
‫من جديد‪ .‬لن العتقاد السائد عند البدائيين هو أن موت الطبيعة وحياتها جزء ل‬
‫يتج أز من موتهّ وحياتهّ‪ ،‬ومن ثم فهما معاة في حاجة إلى تجديد حياتهما عن طرّيق‬
‫إقاامة طقوس ومرّاسيم شعائرّية سنوية تسمح بإعادة الخلق والتصال بالزمن الول‪،‬‬
‫زمن الخلق‪ .‬وللشارّة فإن تكرّارّ تلك الطقوس عبرّ اليام والسنوات‪ ،‬لم يكن مجرّد‬
‫فعل آلي رّوتيني‪ ،‬كما قاد يتبادرّ إلى بعض الذهان‪ ،‬إوانما هو إعادة حقيقتهّ للحياة‬
‫في نظرّ البدائيين)‪.(4‬‬
‫كانوا البدائيون ـ بهذا السلوب الرّمزي ـ يواجهون عصف الحياة‪ ،‬وهم ل يملكون‬
‫أدنى شرّوط العيش‪ ،‬وعلى الرّغم من بساطة هذا السلوب فإنهّ استطاع أن يكون‬
‫وسيلة خلص‪ ،‬تعيد المل للنفوس‪ ،‬وترّغبها في التجدد والنبعاث‪ .‬وهو ما يفسرّ‬
‫اليوم تمسك الشعوب بمعتقداتها ومعارّفها ـ إوان بدت ظاهرّياة متخيلة عنها ـ فهي تلجأ‬
‫إليها من حين إلى آخرّ في المناسبات والولئم لتحقيق غايتها وأهدافها الرّوحية‬
‫والسحرّية على الخصوص‪.‬‬
‫ول غرّورّ أن نجد هذا الخلص مبحث الشاعرّ المعاصرّ الذي رّأى في ذلك‬
‫الرّث الطقوسي والمعرّفي الذي أنتجهّ أسلفهّ‪ ،‬طرّيقاة لنقاذ الحياة من الخرّاب‬
‫المحتمل‪ ،‬بسبب الخطايا والشرّورّ التي يرّتكبها النسان دون أن يعبأ بنتائجها‪ .‬وقاد‬
‫جاءت صيحة كبارّ شعرّاء العصرّ الحديث لتؤكد هذا التجاه وتعمل على تأسيسهّ‬
‫وترّسيخهّ‪ ،‬بعد أن مهد لـهّ شعرّاء المذهب الرّومانسي بنزعاتهم التأملية والصوفية‪.‬‬
‫والنص الشعرّي المعاصرّ الذي سنورّده بعد قاليل يشبهّ إلى حدد كبيرّ في‬
‫مضمونهّ هذه الطقوس والمعتقدات‪ ،‬مما يؤكد الطرّح الذي يقول بتواشج النصوص‬
‫وتعالقها‪ ،‬وأن النسان واحد إوان تطدورّ حضارّيةا‪ ،‬فهو ل يزال إلى يومنا هذا يصنع‬
‫المعتقدات والساطيرّ‪ ،‬ويواجهّ الحياة والكون بالسلوب نفسهّ الذي كان سائداة عند‬
‫أسلفهّ‪ ،‬بل وأكثرّ من ذلك فهو يعتقد أن الحياة في حاجة إلى بعث جديد بواسطة‬
‫التوسل إلى اللهة والتقرّب منها‪:‬‬
‫يا إله الخصب‪ ،‬يا بعل يفض‬
‫التربة العاقر‬

‫)(ش ينظر‪ :‬هيقة روسو‪ :‬الديانات‪ ،‬ترجة متي شاس‪ ،‬النشورات العربية‪ ،‬سلسلة ماذا أعرف ص ‪.53‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 117 -‬‬


‫يا شمس الحصيد‬
‫يا إلها ينفض القبر‬
‫ويا فصحا مجيد‪،‬‬
‫أنت يا تموز‪ ،‬يا شمس الحصيد‬
‫نجينا‪ ،‬نج عروق الرض‬
‫من عقم دهاها ودهانا‬
‫أدفئ الموتى الحزانى‬
‫والجلميد العبيد‬
‫عبر صحراء الجليد‬
‫)‪(1‬‬
‫أنت يا تموز‪ ،‬يا شمس الحصيد‬
‫هذا المقطع من قاصيدة )بعد الجليد( التي تعبرّ‪ ،‬كما جاء في المقدمة التي‬
‫استهل بها حاوي قاصيدتهّ عن معاناة الموت والبعث‪ ،‬من حيث هي أزمة ذات‬
‫وحضارّة‪ ،‬وظاهرّة كونية‪ .‬والقصيدة صورّة مصغرّة لمأساة النسان العرّبي في تخلفهّ‬
‫وانحطاطهّ‪ ،‬وعجزه عن بعث حضارّتهّ‪ .‬حاول خليل حاوي من خللها أن يجسد‬
‫رّؤيتهّ للواقاع العرّبي المعاصرّ‪ ،‬الذي أصبح في نظرّه كومة جليد ل تنبت إل البرّد‬
‫والصقيع‪.‬‬
‫وأمام هذا الواقاع المتجمد‪ ،‬ومظاهرّ الحياة التي تعطلت وأصابها التعفن‬
‫والنحلل‪ ،‬والشمس التي غابت وانطفأ نورّها‪ ،‬لم يكن أمام الشاعرّ من طرّيق سوى‬
‫طرّيق استعطاف آلهة الخصب والتقرّب منها بصلة توسلية مليئة بالرّموز الوثنية‬
‫الكنعانية والبابلية والبتهالت التي تعم زمن الجدب والجفاف‪.‬‬
‫وقاد اهتدى الشاعرّ بوحي من تجرّبتهّ الرّوحية والوجودية إلى تلك الرّموز التي‬
‫كان يؤمن بها البدائيون‪ ،‬فهو يتوسل لللهّ بعل كي يشق الرّض ويفض رّحمها‪،‬‬
‫وكأنها امرّأة عاقارّ ل تنجب إل ببذارّ بعل مغتصب الرّحام عبرّ الكهان‪ ،‬ثم يتوجهّ‬
‫إلى الشمس إلهة الحصيد والغلل‪ ،‬ويناشد المسيح أن يشق القبرّ ويبعثرّ ترّبتهّ‪،‬‬
‫ويبث الحياة عبرّ الفصح‪ .‬ثم يقف أمام باب تموز يسألهّ نجاة وخصبا‪ ،‬لن الرّض‬
‫صارّت صحرّاء كلس يغطيها الجليد ويسيطرّ فيها العقم‪ .‬لقد ماتت العرّوق وجف‬
‫ماؤها‪ ،‬وانتشرّت جثث الموات مترّاكمة يدفع بعضها بعضةا‪ ،‬وتحدول الناس إلى‬

‫)(ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪119‬ش ‪.120‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫جلميد من العبيد ل يقوون على شيء‪.‬‬
‫يصحو الشاعرّ فجأة من غفوتهّ ودعائهّ كالنسان البدائي الذي فقد الثقة بآلهتهّ‪،‬‬
‫لن هذه اللهة هي الخرّى عاجزة عن بعث الحياة من جديد بسبب عمق الفاجعة‬
‫وشدة الخرّاب الذي أصابها‪:‬‬
‫عبثا كنا نصلي ونصلي‬
‫غرقتنا عتمة الليل المهل‬
‫عبثا نعوي ونعوي ونعيد‬
‫عبر صحراء الجليد‬
‫)‪(1‬‬
‫نحن والذئب الطريد‬
‫لم تفلح الدعية والبتهالت‪ ،‬لنها تشبهّ أصوات الذئاب الطرّيدة الجائعة وسط‬
‫ظلمة الليل وصقيعهّ الجاثم على الرّض‪ .‬بهذا اليأس ينتهي حاوي إلى أن البعث‬
‫مستحيل والنتظارّ حلم عقيم‪ ،‬وماذا يمكن أن يجدي ضحايا السأم لملعون؟‬
‫وليموتوا مثلما عاشوا‬
‫)‪(2‬‬
‫بل تاريخ‪ ،‬موتى ل يحسون الهلك‬
‫وبقليل من التأمل في هذا المقطع يتضح أن هذه المعتقدات لم تأت جزءاة‬
‫إضافياة مكملة للمعنى‪ ،‬أو موضحاة لهّ‪ ،‬يمكن الستغناء عنهّ‪ ،‬كما هي الحال في‬
‫الشعرّ القديم‪ ،‬بل هي من مكونات القصيدة وأجزائها الساسية التي قاام عليها المعنى‬
‫والمبنى بحيث استطاعت أن تجسد رّؤيا الشاعرّ من جهة‪ ،‬وتعبرّ عن المعاناة التي‬
‫يمرّ بها المجتمع العرّبي المعاصرّ من جهة أخرّى‪.‬‬
‫فالطقس التموزي وما يرّمز إليهّ من غلبة الحياة والخصب على الموت‬
‫والجدب‪ ،‬والعنقاء التي تموت ثم يلتهب رّمادها فتحيا ثانية‪ ،‬هما المحورّان اللذان‬
‫تتفرّع عنهما خيوط القصيدة لتجسيد الرّؤيا وترّسم الظلل‪ ،‬وذلك عبرّ النتقال من‬
‫الشعرّي إلى السطورّي‪ ،‬حيث تشحن الكلمة بالسحرّ وقاوة اليحاء والترّميز التي‬
‫تجعل منها سلحاة شديدةا‪ ،‬ل شيء يستطيع مقاومة أثرّها)‪.(3‬‬
‫وهذا النزياح من اللغة الشعرّية إلى اللغة السطورّية‪ ،‬هو ما يميز التجرّبة‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪120‬ش ‪.121‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ش خليل حاوي‪ :‬الديوان ص ‪.157‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(ش ينظششر‪ :‬أرنسششت كاسششير‪ :‬الدولششة والسششطورة‪ ،‬ترجششة أحششد ممششود‪ ،‬اليئششة الصشرية العامششة للكتششاب القششاهرة‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 1975‬ص ‪.373‬‬

‫‪- 119 -‬‬


‫الشعرّية المعاصرّة التي أصبحت قااب قاوسين أو أدنى من تجرّبة النسان البدائي‬
‫حين كان يواجهّ الكون والعالم بالكلمة‪ ،‬ويرّى أنها سبيل خلصهّ وفرّض وجوده‪ .‬لقد‬
‫أدرّك الشاعرّ المعاصرّ هذا السبيل وعرّف ما تزخرّ بهّ الكلمات من قاوة وأثرّ‪ ،‬إن‬
‫أزيح عنها الصدأ الذي أصابها من جرّاء استعمالها المكرّورّ والمنتظم‪ .‬ومن ثم فهو‬
‫ل ينظرّ إلى الكلمة على أنها وسيلة لغوية للتعبيرّ عن شيء ما‪ ،‬أو مجرّد صوت‬
‫ودللة جاهزة مسبقةا‪ ،‬إوانما هي وجود وحضورّ لـهّ كيان وجسم)‪ .(1‬وهنا تلتقي نظرّتهّ‬
‫بنظرّة الساحرّ أو صانع السطورّة‪ ،‬لن كليهما ينظرّ إلى الكلمات على أنها كائن‬
‫حي قاادرّ على التغييرّ إواحداث الثرّ‪.‬‬
‫إن ارّتكاز خليل حاوي على ثنائية الموت )عصرّ الجليد( والحياة )بعد الجليد(‪،‬‬
‫جعل القصيدة تنقسم إلى حرّكتين‪ ،‬تندفع الولى منهما من منبع الحساس بالمأساة‬
‫وصورّها‪ ،‬وتأتي الثانية لتنمي هذا الحساس إلى درّجة الكمال حيث تتجلى شبكة من‬
‫علقاات التبادل‪ ،‬تفاعلت من خللها الدللت والرّموز وتبادلت الدوارّ فيما بينها‪.‬‬
‫فمن خلل الترّابط المتبادل بين بعل وتموز والعنقاء والمسيح من جهة‪ ،‬والرّمز‬
‫المرّكزي للقصيدة )الجليد( من جهة ثانية‪ ،‬وتودحد الذات بالموضوع من جهة ثالثة‪،‬‬
‫تبرّز رّؤيا الشاعرّ وتنكشف طرّيقتهّ في التعامل مع المورّوث الثقافي والحضارّي‪.‬‬
‫وهي طرّيقة ترّتكز على امتصاص القيم الحضارّية الخالدة التي أفرّزتها المخيلة‬
‫الشعبية عبرّ مسارّها التارّيخي الطويل إواعادتها بشكل جديد تتجلى من خللهّ وكأنها‬
‫تظهرّ أول مرّة‪.‬‬
‫إذا كان أحمد المعداوي)‪ (2‬يرّى شرّخاة عميقاة في هذه القصيدة بين الواقاع المادي‬
‫والواقاع السطورّي الغيبي‪ ،‬وأن الذات الشاعرّة ليست طرّفاة فاعلة في صنع الحداث‪،‬‬
‫إوانما هي من نصيب البطل السطورّي‪ ،‬لن المرّ كلهّ معلق بقوى غيبية هي التي‬
‫تقرّرّ وتحدد النتائج‪ ،‬فإن هذا الرّأي قاد يصبح صحيحاة إذا ما سلمنا سلفاة بهذه‬
‫التجزئة‪ ،‬ونظرّنا إلى ذلك المورّوث على أنهّ جزء إضافي مكمل للمعنى‪ ،‬لجأ إليهّ‬
‫الشاعرّ لتوضيح أفكارّه‪ ،‬كما سبق وأن أشرّنا‪.‬‬
‫أما إذا نظرّنا إليهّ على أنهّ جزء ل يتج أز من القصيدة ومكدوناتها الدللية‪ ،‬فحينئذ‬
‫سندرّك هذا الرّتباط بين الواقاع المادي والواقاع السطورّي‪ ،‬وكيف أنهما يشكلن‬
‫لحمة واحدة‪ ،‬وأن ما نسميهّ واقاعاة أسطورّيةا‪ ،‬ما هو في الحقيقة إل واقاع مادي حقيقي‪،‬‬

‫)(ش ينظر‪ :‬عز الدين إساعيل‪ :‬الشعر العرب العاصر ص ‪.181‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ش ينظر‪ :‬كتابه‪ :‬أزمة الداثة ص ‪.181‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 120 -‬‬


‫ذلك أن السطورّة‪ ،‬كما يقول مالينوفسكي)‪ (3‬رّكن أساسي من أرّكان الواقاع والتارّيخ‬
‫والحضارّة النسانية‪ ،‬فهي تعزز المعتقدات‪ ،‬وتصون المبادئ الخلقاية‪ ،‬وتنطوي‬
‫على قاوانين عملية لحماية النسان من الخطارّ والمكارّه‪.‬‬
‫وبهذا يتضح أن اعتماد خليل حاوي على هذا الجانب الثقافي المتأصل في‬
‫عمق تارّيخنا وحضارّتنا‪ ،‬إنما محاولة منهّ رّبط الماضي بالحاضرّ عبرّ رّؤيا شعرّية‬
‫بإمكانها تقديم صورّة واضحة عن واقاعنا ومستقبلنا‪.‬‬

‫ب ـــ محمــد الخمــار الكنــوني والبحــث عــن‬


‫الحقيقة بين الموات‪:‬‬
‫إذا كان معظم الشعرّاء يتحدثون عن الحياء والمدن‪ ،‬ويتجدولون في السواق‬
‫يكتشفون خبايا النسان وما تنطوي عليهّ نفسهّ من جشع وطمع‪ ،‬كما حصل مع‬
‫صلح عبد الصبورّ وبشرّ الحافي لما نزل السوق‪ .‬فإن محمد الخمارّ في القصيدة‬
‫التالية قاد توجهّ شطرّ عالم الموات والقبورّ ليعيد الذاكرّة إلى الورّاء ويقف بالنسان‬
‫لحظة على مشارّف ماضية داعياة إياه إلى أن يسأل نفسهّ عن حقيقة تارّيخ أسلفهّ‬
‫وأجداده‪ ،‬فيستغل ترّاثاة منسياة محفو اةرّ على شواهد القبورّ المشتتة هنا وهناك‪ ،‬ويورّد ما‬
‫جاء مكتوباة عليها فيقول‪:‬‬
‫ل حول‬
‫ول قوة إل بال‬
‫هذا مرقد زين الناس‪ ،‬وجيه الناس‪،‬‬
‫غريب الوجه بين هجين الكلمات‬
‫المولود ))ببرج الوردة‬
‫عام اجتاح جراد السهب مدائن هذا الغرب‬
‫وصادف عام الجوع‪ ،‬فكان الكل والمأكول‬
‫إذ صار الناس بطاقات‪ ،‬أرقاملا‪ ،‬وصفوفلا‪،‬‬
‫وقت اجتاح الجدري الوجه والنفس‪،‬‬
‫أعمى الناس الرمد التي‪ ،‬بص ارل وبصيرة‬
‫أيام غدت في الدور بنات الغرب سبايا‬
‫)( ش ينظر‪bronilaw malinowski Myth in primitive psychology Kegan :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.paul London 1926 p23‬‬

‫‪- 121 -‬‬


‫وواحدة للرضع وثالثة للوطء((‬
‫المتوفى ))عام اجتاز البوغاز رجال العرب‬
‫إلى المدن الدكناء يبيعون الدم والعرق الفوار‪،‬‬
‫وكان المنبت‪ :‬أجدر‪ ،‬أجمل‪ ،‬أغنى‪ ،‬أصفى‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬من غضب أوفر‪ ،‬والميناء‬
‫مناديل ودموع ودعاء‪:‬‬
‫بلدي‪ :‬شرفي‪ ،‬دين عيشي‪.‬‬
‫أيام الحرف المجروح‪ ،‬وحرب المقهى والحانات‬
‫حروب العصر بكاس وكراسي‬
‫)‪(1‬‬
‫زمن التلقيح‪ ،‬ونقد الذات وسب الباء‬
‫أول شيء نلحظهّ على هذه القصيدة‪ ،‬هو محافظة الشاعرّ على النموذج‬
‫المقرّوء في الشاهد من الناحية البصرّية والشكل العام المتمثل في التقديم والتأخيرّ‬
‫وترّتيب الكلمات والحرّوف‪ .‬أما الملحظة الثانية فتتمثل في عدم ذكرّه لسم الميت‬
‫واكتفائهّ بقولهّ ))هذا مرّقاد زين الناس‪ ،‬وجيهّ الناس‪ ((...‬ليخرّج من الخاص إلى العام‬
‫لن القضية ليست قاضية شخص بقدرّ ما هي قاضية شعب وأمة بكاملها‪.‬‬
‫تتشكل هذه القصيدة‪ ،‬ذات البساطة الظاهرّة‪ ،‬من ثلثة مقاطع‪ ،‬يشغل‬
‫المقطعان الخيرّان منها الحيز الكبيرّ‪ ،‬في حين يتألف المقطع الول من شطرّين‬
‫فقط ))ل حول((ـ))ول قاوة إل بال((‪ ،‬إل أن المقطع الشد تأثي اةرّ في اعتقادنا‪ ،‬منهّ‬
‫تتصاعد خيوط القصيدة ومعانيها لتفجرّ كل إدعاء كاذب يؤمن بقوة النسان‬
‫)السلطان( وجبرّوتهّ‪ ،‬وتؤكد أن القوة ل وحده‪.‬‬
‫بهذا الستهلل الصرّيح والتمرّد الصادق يعلن الكنوني عن جانب مهم في‬
‫رّؤيتهّ وتحولهّ الفكرّي الغاضب على السلطة وما تمارّسهّ من تزييف وقاهرّ‪ .‬وبغض‬
‫النظرّ عن الدللت الدينية والجتماعية والسياسية التي يمكن أن يوحي بها هذا‬
‫الستهلل‪ ،‬الذي يأخذ من الناحية الفنية طابع الشارّة والتنبيهّ‪ ،‬فإن قايمتهّ الحقيقية‬
‫تكمن في كونهّ حرّكة انفعالية حادة نابعة من اقاتناع ميتافيزيقي دال على ضعف‬
‫النسان وعجزه أمام قاوة الخالق‪.‬‬

‫)(ش مم ششد بني ششس‪ :‬ظ ششاهرة الش ششعر العاص ششر فش ش الغ ششرب مقارب ششة بنيوي ششة تكويني ششة‪ ،‬دار الع ششودة بيششوت ط ‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1979‬ص ‪.190‬‬

‫‪- 122 -‬‬


‫يأتي المقطع الثاني والثالث ليؤرّخ لمرّحلتين متتاليتين‪ :‬مرّحلة الجوع والفقرّ‬
‫والمرّض ومرّحلة الهجرّة إلى المدن الدكناء وحرّب المقاهي والحانات‪ ،‬وبما أن‬
‫مرّجعية هذا النص شعبية فإن الشاعرّ قاد اتبع طرّيقة التأرّيخ الشعبي‪ ،‬وهي طرّيقة ل‬
‫تعتمد على لغة الحساب والرّقاام بل على رّبط الزمن بالحداث التي جرّت فيهّ‪ ،‬أي‬
‫أن الزمن في الفكرّ الشعبي ل يقاس أو يتحدد بالشهورّ والسنوات‪ ،‬إوانما بالحداث‬
‫التي وقاعت فيهّ‪ ،‬فلكل زمن أو تارّيخ حدث أو أحداث تدل عليهّ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫سمحت هذه الطرّيقة للشاعرّ بأن يحول الخطاب الشفوي إلى خطاب تارّيخي‬
‫موجهّ للجيال اللحقة فكشف عن تلك الحقب السوداء والمعاناة التي مرّت بها‬
‫الجيال ول تزال لن هذا الخطاب ))كذاكرّة تارّيخية‪ ،‬ل يكتفي بنقل المعلومات‪ ،‬إنما‬
‫يعمل على إنتاج وقاائع اجتماعية وحالت نفسية جديدة(()‪.(2‬‬
‫إن توجهّ الشاعرّ نحو المقبرّة للبحث عن الحقيقة التارّيخية الضائعة في كنف‬
‫الزيف والمغالطة‪ ،‬يكشف عن المأساة التي تمرّ بها الدول العرّبية في كتابة تارّيخها‪،‬‬
‫كما يكشف عن يأس الشاعرّ ورّفضهّ القاطع للتارّيخ الرّسمي الذي تسجلهّ هذه الدول‬
‫لنهّ تارّيخ مزيف وغيرّ صحيح‪.‬‬
‫يلفت الشاعرّ بهذا الرّفض القاطع انتباهنا إلى كنز ثمين من الترّاث والمعارّف‬
‫التارّيخية المنسية‪ ،‬سجلتها الطبقات الشعبية بطرّيقتها الخاصة عبرّ معتقداتها‬
‫وطقوسها‪ ،‬واختارّت لها المقبرّة تجنباة للضياع وخوفاة من الحاكم‪ .‬فهو يحفرّ في‬
‫الذاكرّة ويغوص في ماضي الجيال ليفتش عن حقائقها وتارّيخها كما عاشتهّ‪ ،‬ل كما‬
‫كتبتهّ عنها الدول والحكومات‪ .‬ورّبما الشيء الذي يؤكد صحة هذا التارّيخ في نظرّ‬
‫الشاعرّ أنهّ كتب في مكان مقدس )المقبرّة(‪ ،‬ومن ثم فهو أشبهّ بالكلمات الخالدة‬
‫والرّسالة المقدسة التي ينبغي أن تطلع عليها الجيال اللحقة كي تدرّك الحقيقة‬
‫وتعرّف صانعيها ومنكرّيها‪.‬‬
‫والقصيدة‪ ،‬كما سبقت الشارّة‪ ،‬بصرّية يشكل الحيز الذي تشغلهّ الكتابة الشعرّية‬
‫فيها المعمارّ الرّئيسي لبنيتها العامة‪ ،‬وهو معمارّ خاضع في ترّكيبهّ إلى رّؤية خاصة‬
‫وهندسة جديدة مغايرّة لبنية القصيدة القديمة‪ ،‬ومن ثم فهو يسهم في تحطيم النموذج‬

‫)( ينظر عبد الميد بورايو‪ :‬البطل اللحمي والبطل الضحية ف الدب الشفوي الزائري الزائششري‪ -‬دراسششة‬ ‫‪1‬‬

‫حشول خطاب الرويشات الششفوية الداء‪ ،‬الششكل‪ ،‬الدللشة –ديشوان الطبعشات الامعيشة‪ -‬الزائشر ‪-1998‬‬
‫ص‪.22 :‬‬
‫)( عبششد الميششد بورايششو‪ :‬البطششل اللحمششي والبطششل الضششحية ف ش الدب الشششفوي الزائششري الزائششري‪ -‬دراسششة‬ ‫‪2‬‬

‫حول خطاب الرويات الشفوية الداء‪ ،‬الشكل‪ ،‬الدللة –ص‪.23 :‬‬

‫‪- 123 -‬‬


‫الشعرّي الكلسيكي المرّتبط بعملية اللقاء والنصات أو السماع‪ ،‬بخلف النموذج‬
‫المعاصرّ المتعلق بعملية الكتابة والمشاهدة‪ ،‬أكثرّ من تعلقهّ بالنشاد‪.‬‬
‫إذا كانت الكتابة الحداثية عند بعض الشعرّاء قاد تجاوزت حدود الممارّسة‬
‫الواعية لقواعد البنية المكانية وشرّوط التواصل بين المكتوب والمفهوم إلى شكلنية‬
‫زائفة تحتشد فيها الخطوط دون انتظام بشكل ينافي طبيعة الشعرّ‪ .‬فإن الكنوني قاد‬
‫حافظ على النموذج المقرّوء أو المرّئي من حيث الشكل العام والمساحة المكتوبة‪ ،‬إن‬
‫لم نقل إنهّ ألزم نفسهّ بهّ حتى ل يقع في التزويرّ والتحويرّ اللذين يرّفضهما ويرّى أنهما‬
‫سبب غياب الحقيقة وضياعها‪.‬‬
‫وبما أن القصيدة بصرّية ترّتكز فيها عملية التواصل على المشاهدة بالساس‪،‬‬
‫فإنها بعيدة عن الغموض والتعقيد‪ ،‬أسلوبها أقارّب إلى السرّد والوصف‪ ،‬لنهّ السلوب‬
‫الملئم والشائع بين الناس‪ ،‬وكأن الشاعرّ حاول أن يحافظ على النموذج ل من حيث‬
‫المعنى فحسب بل حتى من حيث اللغة أيضةا‪ .‬وقاد اكتفى الشاعرّ بذكرّ الحداث‬
‫دون الشارّة إلى الزمن‪ ،‬لن المكان مكان موت يتعطل فيهّ الزمن والقيمة فيهّ للحدث‬
‫)ما عمل النسان(‪.‬‬

‫ول نحــو الســحري واســتقراء الغيــب‬


‫ج‪-‬التحــ ت‬
‫)التدمير من أجل البناء(‪:‬‬
‫تشكل المعتقدات عند مختلف الشعوب النمط الصلي والترّميز الولي الذي‬
‫ينبغي المحافظة عليهّ عن طرّيق إحيائهّ في المناسبات ومظاهرّ الحياة اليومية‪ ،‬فهي‬
‫المادة التي تتشكل منها الفكارّ وتطبع التصورّات والمواقاف‪ ،‬وبالخصوص في‬
‫المجتمعات المتخلفة ذات الساليب السطورّية في مواجهة الواقاع‪ .‬وتأتي في مقدمة‬
‫هذه المعتقدات‪ ،‬الممارّسات السحرّية بوصفها أرّقاى الشكال وأضمنها‪ ،‬من المنظورّ‬
‫الشعبي‪ ،‬في الحصول على النتائج المرّغوب فيها‪ ،‬واستعلم الغيب ومعالجة‬
‫المشاكل الجتماعية والنفسية كاستجلب الحظ والنجاح إوابعاد الشرّ والضرّرّ‪.‬‬
‫إلى جانب هذا فإن للسحرّ وظائف معرّفية تتمثل في سد الثغرّات في المعرّفة‬
‫الناتجة من عجز النسان في فهم الظواهرّ الطبيعية وما غمض منها‪ .‬وهو من هذه‬
‫الناحية رّد فعل لشعورّ هذا الخيرّ بقصورّه وقالة علمهّ بالمستقبل والغيب‪ .‬ويعدد‬
‫الشعرّاء‪ ،‬بفعل وعيهم الثقافي والمعرّفي‪ ،‬أول الناس شعو اةرّ بهذا القصورّ وأشدهم‬
‫حرّصاة على المعرّفة والتنبؤ بالغيب)‪ ،(1‬لذا رّاح بعضهم يشبهّ نفسهّ بالساحرّ والعرّاف‬

‫)(يقول زهي بن أب سلمى ف معلقته معبال عن هذا القصور والعجحز ف معرفآة الغيب‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 124 -‬‬


‫والمنجم الذي يستقرّئ الغيب ويطلع على السرّارّ يقول أدونيس‪:‬‬
‫ساحر أنا واسمها البخور والجرن‬
‫ساحر وهي مجامري وهيكلي في بدايات الجمر‬
‫أتطاول في كثافة الدخان‬
‫راسمال شارات السحر‬
‫)‪(1‬‬
‫ساح ارل جرجها‬
‫ويقول‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫أنا هو الواضع كالعراف‬
‫ويقول‪:‬‬
‫قرأت النجوم‪ ،‬كتبت عناوينها ومحوت‬
‫راسمال شهوتي خريطة‬
‫)‪(3‬‬
‫ودمي حبرها وأعماقي البسيطة‬
‫يحي أدونيس في هذه المقاطع علقاة الشاعرّ بالساحرّ ويعيد للشعرّ وظائفهّ‬
‫التي رّافقتهّ منذ نشأتهّ في زمن كان الحتفال فيهّ بالشعرّاء عند القبائل العرّبية أعظم‬
‫من الحتفال بالسحرّة أو الكهنة)‪ .(4‬إواذا كان العتقاد العرّبي القديم يعتبرّ الشاعرّ‬
‫وسيطاة بين عالم الجن وعالم النس‪ ،‬وأن دورّه ل يتعدى نقل الخبارّ التي توحي لـهّ‬
‫بها الجن‪ .‬فإن أدونيس قاد تجاوز هذا العتقاد إلى طرّح أكبرّ يمنح الشاعرّ الرّيادة‬
‫والتفرّد في الخلق والبداع والتغييرّ بحيث يصبح تأثيرّه أعمق وأوسع‪ ،‬يتسامع بهّ‬
‫الناس في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫إن تقمص أدونيس شخصية الساحرّ دليل على رّغبتهّ الجامحة في امتلك سرّ‬
‫الكلمة‪ ،‬لن العتقاد السائد لدى بعض الشعرّاء –وهو اعتقاد قاديم‪ ً-‬أنهّ من امتلك‬
‫الكلمة‪ ،‬فقد امتلك القوة والسلطة‪ ،‬بل وأكثرّ من ذلك فهو يمتلك ناصية الشياء التي‬

‫لسل ل لقابلدلل ل لعلل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل للمله‬


‫الل لملللللللللل ل ل لليل ل ل لغلل لل لل لل لل لل لل لل لل ل ل ل ل ل‬
‫لوم ل ل ل لول ل ل ل‬
‫ولكنل لنللللللللللللللللللل ل للمل ل ل لملل ل ل لليل ل ل لعلل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل للال ل لفل للنل ل ل ل لع لللل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل لل ل ل لليللماليل لملللللللللللللللللللللللللللللللللل للال فل ل‬
‫أعلل ل ل ل ل ل ل ل ل ل‬
‫ينظر الزوزن‪ :‬شرح العلقات السبع دار بيوت للطباعة والنشر بيوت ‪ 1980‬ص‪.86 :‬‬
‫‪ () 1‬أدونيس‪ :‬الثار الكاملة ‪.2/146‬‬
‫‪ () 2‬أدونيس‪ :‬الثار الكاملة ‪.2/38‬‬
‫‪ () 3‬أدونيس‪ :‬الثار الكاملة ‪.2/34‬‬
‫‪ () 4‬ينظ ششر‪ :‬مم ششود ش ششكري اللوس ششي‪ :‬بل ششوغ الرب فش ش معرفآ ششة أحش شوال الع ششرب‪ ،‬دار الكت ششاب العربش ش مص ششر‬
‫ط ‪.3/84 3‬‬

‫‪- 125 -‬‬


‫يصبح بها قااد اةرّ على التأثيرّ والتغييرّ واخترّاق الجاهز والمألوف‪ .‬ومن ثدم كانت‬
‫الكلمة عند أدونيس رّحم لخصب جديد ومجامرّ تحترّق فيها الذات لتتطاول دخاناة‬
‫رّاسماة التحول والنبعاث‪.‬‬

‫د‪-‬محمــد الفيتــوري والبحــث عــن الجــذور‬


‫الضائعة‪:‬‬
‫إن البحث عن الجذورّ والرّتداد إلى الذات اقاتضى من الفيتورّي العودة إلى‬
‫زمن الطفولة عبرّ المقدس الشعبي الذي تشبع بهّ وهو صغيرّ يستمع لقااصيص‬
‫جدتهّ الزنجية وخيالتها الفلكلورّية‪ ،‬فقد قا أرّ سيرّة البطل الشعبي عنترّة فأعجب بهّ‬
‫ووجد في شخصهّ ما يماثلهّ‪ ،‬وطالع رّحلة بني هلل وتعرّف إلى أبطالها‪ ،‬وسيرّة حمزة‬
‫البهلوان‪ ،‬والميرّة ذات الهمة‪ ،‬وسيف بن ذي يزن‪ ،‬وفيرّوز شاه‪ ،‬وألف ليلة وليلة)‪،(1‬‬
‫وأشبع احتياجاتهّ الرّوحية والعاطفية بقرّاءات كتب التصوف التي عثرّ عليها في‬
‫مكتبة أبيهّ‪ ،‬فتجدلت تلك الثارّ واضحة على كتاباتهّ وشعرّه‪ ،‬فهو يقول مشي اةرّ إلى ما‬
‫كانت تمارّسهّ الطبقات الشعبية من حولهّ‪:‬‬
‫كإفريقيا في ظلم العصور‬
‫عجوز ملفعة بالبخور‬
‫وحفرة نار عظيمة‬
‫ومنقار بومة‬
‫وقرن بهيمة‬
‫)‪(2‬‬
‫وتعويذة من صلة قديمة‬
‫على الرّغم من أن هذا المقطع جاء ليوضح فكرّة سابقة على سبي التشبيهّ‬
‫والتمثيل‪ ،‬فهو يصورّ بدقاة وصدق‪ ،‬واقاعاة اجتماعيةا‪ ،‬كثي اةرّ ما يتحكم في مواقاف الناس‬
‫وتصرّفاتهم‪ ،‬بل وتشبث الذهنية الشعبية الفرّيقية بهذه الطقوس والميل إلى ممارّستها‬
‫عند الحاجة‪ .‬إواذا كان الشاعرّ يلح على ذكرّ هذه الممارّسات وما يرّافقها من تعاويذ‬
‫وأدوات سحرّية كالبخورّ والنارّ ومناقارّ الطيورّ وقارّون البهائم‪ ،‬فما ذلك إل دليل على‬
‫تلك النزعة الرّتدادية نحو الذات الجماعية المسكونة بهاجس البحث عن الجذورّ‪.‬‬
‫يبدو من هذا المقطع أن الشاعرّ لم يوظف هذا المعتقد توظيفاة فنياة لذاتهّ لنهّ‬

‫)(ممد الفيتوري‪ :‬الديوان دار العودة بيوت ط ‪.2/47 1979 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫)(ممد الفيتوري‪ :‬الديوان دار العودة بيوت ط ‪2/57 1979 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 126 -‬‬


‫أورّده كنص تشبيهي على طرّيقة القدماء‪ .‬لكنهّ على الرّغم من ذلك فقد استطاع أن‬
‫يجعل منهّ وسيلة مساعدة لبناء الحدث ورّسم الجواء المحيطة بهّ‪ .‬ويصادف قاارّئ‬
‫شعرّ الفيتورّي مقاطع أخرّى مشابهة تتحدث عن السحرّ وكتابة التعاويذ‪ ،‬كحديث‬
‫العرّافة لحدى بنات الحي‪:‬‬
‫عند القمر الرابع‬
‫ثم اغتسلي عند السابع‬
‫وخذي هذه الشمعات السود‬
‫أضيئيها في المقبرة المهجورة عند الظهر‬
‫وأعيدي كلماتي‬
‫ل تنسيها‬
‫)‪(1‬‬
‫فلسوف تفيد‬
‫ثم تقول‪:‬‬
‫يا بنتي هذا حق السياد علينا‬
‫إن شاءوا شئنا‬
‫)‪(2‬‬
‫إواذا امروا أذعنا‬
‫أول شيء نسجلهّ على هذا النص‪ ،‬هو حرّص الشاعرّ على نقل هذا المعتقد‬
‫دون الخلل بنظامهّ أو إسقاط أحد شرّوطهّ ولوازمهّ‪ ،‬وذكرّ كل التفاصيل المتعلقة بهّ‬
‫سواء من حيث التوقايت والزمن‪ ،‬أو من حيث ما يجب فعلهّ وترّكهّ‪ .‬أما من الناحية‬
‫اللغوية فالنص يحاول أن يجارّي المتلقي‪ ،‬أو الشخصية الشعبية وهي المقصودة‪,‬‬
‫لن الكلم موجهّ إليها‪ ،‬ومن ثم وجب مسايرّة تفكيرّها ومستوى ثقافتها إوايمانها ببعض‬
‫الغيبيات‪ ،‬واعتقادها فيما يجوز ول يجوز‪ .‬لذا نجده يصطنع بعض اللفاظ والتعابيرّ‬
‫الشعبية مثل )خذي هذه الشمعات السود‪ ً-‬ل تنسيها السياد‪ ،(..‬وكأن الرّسالة أو‬
‫الهدف هو إيصال المعنى إلى المتلقي في غيرّ غموض أو التباس‪.‬‬
‫أما الشيء الثاني الذي نلحظهّ في هذا النص هو ترّكيزه على العناصرّ التالية‪:‬‬
‫)الزمن‪ ً-‬العدد‪ ً-‬اللون( وهي عناصرّ أساسية ذات حضورّ قاوي في معظم‬
‫المعتقدات والتصورّات الفلكلورّية بصورّة عامة‪ .‬إواذا ما رّبطنا بين هذه العناصرّ وما‬

‫)( ممد الفيتوري‪ :‬الديوان دار العودة بيوت ط ‪.2/251 1979 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ممد الفيتوري‪ :‬الديوان دار العودة بيوت ط ‪.2/251 1979 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 127 -‬‬


‫ترّمز إليهّ من أبعاد سحرّية ندرّك الوظيفة التي يمكن أن تنتج من تفاعلها وتلقاح‬
‫أجزائها وتداخلها‪ .‬فانتظارّ القمرّ الرّابع‪ ،‬والغتسال عند السابع‪ ،‬يعني البحث عن‬
‫نقطة البداية‪ ،‬لن في الغتسال طهارّة وفي الطهارّة تخلص من الشوائب والخطايا‪..‬‬
‫فالزمن من الناحية الطقوسية هي القوة المحرّكة التي ترّبط البدايات والنهايات‪،‬‬
‫وهو العنصرّ المتحكم في جميع الممارّسات‪ ،‬بدونهّ تتعطل دورّة الحياة ويتوقاف‬
‫التواصل والسيلن‪ ،‬والعدد حذرّ كل الشياء منهّ تولد الحقيقة وينبثق اليقين)‪ ،(1‬وللعدد‬
‫سبعة ارّتباط وثيق ببداية الخلق أو الحياة‪ ،‬كما تحدثنا عن ذلك الكتب الدينية‪ ،‬فال‬
‫خلق السماوات والرّض في ستة أيام ثم استوى على العرّش في اليوم السابع)‪ .(2‬وفي‬
‫الصحاح الثاني أنهّ اليوم الذي استرّاح فيهّ الرّب بعد أن أفرّغ من عملهّ وهو خلق‬
‫العالم‪ .‬ول يقل العدد أرّبعة عن سابقهّ دللة فهو رّمز الثبات والشمول)‪ ،(3‬ولذا كان‬
‫أول نقطة يرّتكز عليها في مثل هذه العملية‪.‬‬
‫أما اللون –وقاد أشارّ النص إلى السود منهّ‪ ً-‬فهو رّمز الحداد والتشاؤم وكل‬
‫الشياء الدالة على العدمية والفناء‪ .‬وللقمرّ مكانة رّفيعة في المعتقد الشعبي‪ ،‬فهو‬
‫كوكب إيقاعات الحياة‪ ،‬واللهّ والزوج)‪ ،(4‬وقاد تمتد رّمزيتهّ لكل ما يبدو أنهّ مسيطرّ‬
‫عليهّ كالماء‪ ،‬المطرّ‪ ،‬النبات‪ ،‬الخصوبة‪ ،‬ودورّة الطمث النسوية‪ .‬أما المقبرّة فهي‬
‫رّمز السكون والموت‪.‬‬
‫بعد هذه المقدمة الموجزة عن الزمن والعدد واللون‪ ،‬نعتقد أننا قاادرّون الن‪ ،‬على‬
‫قارّاءة هذا النسج الرّمزي الذي يقوم عليهّ هذا المعتقد والذي يعكس بصورّة شبهّ‬
‫غامضة رّغبة النسان في تجديد حياتهّ والنتصارّ على ضعفهّ وفشلهّ عن طرّيق‬
‫القوى السحرّية والغيبية‪ .‬إن النص وهو يتحدث عن هذه الممارّسة السحرّية كأنهّ‬
‫يستحضرّ السطورّة الشعبية الجزائرّية التي تقول بـ )سحورّ المحبة بتنزيل القمرّة(‬
‫وهي من أصعب الممارّسات السحرّية المستعملة في طقوس الحب والزواج‪ ،‬لنها‬
‫كما تذكرّ السطورّة‪) ،‬تنزل برّقابة وتصعد برّقابة( أي أن نزول القمرّ بهذا الفعل‬
‫السحرّي يؤدي إلى موت شخصين‪ ،‬الول عند نزولهّ‪ ،‬والثاني عند صعوده‪.‬‬

‫)( ينظششر فآيليششب س شينج‪ :‬الرمششوز ف ش الفششن –الديششان‪ -‬اليششاة ترجششة‪ :‬عبششد الششادي عبششاس دار دمشششق ط ‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1992‬ص ‪.444‬‬
‫)( سورة العراف الية ‪.53‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ينظر فآيليب سينج‪ :‬الرموز ف الفن –الديان‪ -‬الياة ترجة‪ :‬عبد الادي عباسص ‪.451‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ينظششر‪ :‬الب جرجششس داود داود‪ :‬أديششان العششرب قبششل السششلم ووجههششا الضششاري والجتمششاعي الؤمسسششة‬ ‫‪4‬‬

‫الامعيششة للدراسششات والنشششر بيوت ط ‪ 1981 1‬ص ‪ 340‬حيششث جششاء ف ش السششطورة أن الششدبران أراد‬
‫أن يتزوج الثريا‪ ،‬غي أن العيوق عاق هذا الزوج فآسمي العيوق لنه يعوق الدبران عن لقاء الثريا‪.‬‬

‫‪- 128 -‬‬


‫وحتى ل ننصرّف عن سبيلنا ونلج في أمورّ ليس هذا موطنها‪ ،‬نقول إن‬
‫الفيتورّي استطاع أن يحول ببساطة المعتقد الشعبي بأبنيتهّ التعبيرّية ورّموزه إلى زخم‬
‫شعرّي عن طرّيق إثارّة أخطرّ القضايا المعاصرّة التي تعاني منها المة‪ ،‬وهي الجهل‬
‫والمية والعتماد على الساليب السطورّية في معالجة الواقاع‪.‬‬
‫إن اجتهاد الفيتورّي في نقل هذه النصوص دون إجهاضها أو تغييرّ ملمحها‪،‬‬
‫إل بقدرّ ما يخدم نصهّ الشعرّي‪ ،‬دليل على حرّصهّ واقاتناعهّ بما في النص الشعبي‬
‫من شعرّية زاخرّة تجرّ ورّاءها خبرّة الجيال عبرّ الزمان والمكان‪.‬‬
‫وفي نص آخرّ من مسرّحية )أحزان إفرّيقيا( ينقل الفيتورّي ابتهالة سحرّياة على‬
‫لسان ادجارّ سول ارّ يتقدم بهّ إلى العاصفة وقاد اشتد غضبها يقول فيهّ‪:‬‬
‫الموت والنسان والقدر الساخر‬
‫والبحر يا ربان ليس لـه آخر‬
‫فاذهب مع التيار‬
‫وعد مع التيار‬
‫أقدار‪ ...‬أقدار‬
‫الموت في القلع‬
‫والريح في القواقع‬
‫يا سمكات القاع‬
‫عدنا إلى المنابع‬
‫أمطار أمطار‬
‫الريح عطور‬
‫والبرق جسور‬
‫للنور والنار‬
‫للنور والنار‬
‫)‪(1‬‬
‫أجوى‪ ..‬أجوى‪ ..‬أجوى‬
‫يوظف الفيتورّي في هذا النص عدداة من التقنيات المتمثلة في هذا المتداد‬
‫اليقاعي المتحكم في نظام الجمل من حيث الطول والقصرّ‪ ،‬فهي تطول مع بداية‬

‫)(ممد الفيتوري‪ :‬الديوان ‪.2/241‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 129 -‬‬


‫المقطع وتتصاعد تصاعد إيقاع العاصفة لتصل إلى ذرّوة الحتدام في الموقاف‬
‫المصوغ )الموت في القلع(‪ ،‬ثم تقصرّ في ترّاجع وتكرّارّ متباطئ دال على هدوء‬
‫العاصفة وتلشيها‪.‬‬
‫ل‪،‬‬
‫وهكذا يتضح أن النص عبارّة عن ترّديد لبتهال سحرّي فيهّ توسل للتيارّ أو ة‬
‫ثم للسماك والقاع والمطارّ والرّيح والبرّق والنورّ والنارّ ثانيةا‪ .‬وبانتهاء النص‪ ،‬كما‬
‫تشيرّ على ذلك الناحية اليقاعية والترّكيبية منهّ‪ ،‬نشعرّ وكأن العاصفة قاد تلشت‬
‫رّويداة وساد الصمت والهدوء‪.‬‬
‫بالضافة إلى ذلك نلحظ أن اليقاع والتكرّارّ هما العلمتان البارّزتان في هذا‬
‫المقطع الذي بدأ بجمل طويلة وانتهى بجمل قاصيرّة تتألف من متواليات اسمية‬
‫تمضي في الظاهرّ على نسق شعرّي‪ ،‬بينما يشيرّ نظامها إلى مستويات مختلفة في‬
‫هذا النسق بحيث نجد أنفسنا أمام تقلبات دللية أفلح الشاعرّ –جماليةا‪ ً-‬في إبرّازها‪،‬‬
‫وهي هذا النزياح من السحرّي إلى الشعرّي عبرّ قانوات مشترّكة )اليقاع والتكرّارّ(‬
‫اللذين هما خاصيتان في النصوص السحرّية والشعرّية على حد سواء‪.‬‬
‫إلى جانب هذا كلهّ‪ ،‬فالنص يعكس من بعض وجوههّ‪ ،‬بل من كثيرّ منها‪ ،‬فلسفة‬
‫التفكيرّ لدا النسان البسي‪ ،‬وهي فلسفة تقوم أساساة على جملة من العتقادات‬
‫والتصورّات الغيبية والممارّسات السحرّية‪ .‬فالتوسل للتيارّ بهذه الطرّيقة أسلوب بدائي‬
‫في مواجهة الطبيعة‪ ،‬إذ ترّوي الساطيرّ والخبارّ كيف كان الوائل يتوجهون إلى‬
‫الناحية التي يرّون أنها تهدد بالعواصف والمطارّ‪ ،‬بكلمات سحرّية ونداءات توسلية‬
‫يعتقدون أنها ستوقاف العاصفة وتغيرّ اتجاه الطبيعة)‪.(1‬‬

‫***‬

‫)( ينظر‪ :‬ارنست كاسير‪ :‬الدولة والسطورة‪ ،‬ترجة أحد حدي ممود ص ‪.373‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 130 -‬‬


‫الخاتمة‬

‫يظل الترّاث بعامة والشعبي منهّ بخاصة محتفظاة بعلو منزلتهّ وسمو مكانتهّ‬
‫وثرّاء قايمهّ‪ ،‬وما كان لجذوتهّ أن تخبو إذا تعامل معهّ من يحسن بعثهّ ويجيد استثمارّه‪،‬‬
‫ويقصد معالم القوة فيهّ ومكامن الغنى والشرّاق‪ ،‬فالترّاث إذا جنبناه الفرّاط والتفرّيط‪،‬‬
‫ونظرّنا إليهّ بعين العتدال والنصاف‪ ،‬ورّبطناه بالحاضرّ أمكننا أن نرّى فيهّ أشياء‬
‫جديدة‪ ،‬ووظائف وقايماة غيرّ التي ارّتبطت بهّ في القديم‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫ثانية فإن الشيء الذي رّبطناه بهّ يكتسي ملمح متفرّدة في ظاهرّها وباطنها‪ .‬هذان‬
‫المرّان لمحناهما جيداة ونحن نلمس حضورّ الترّاث الشعبي في جانبهّ السطورّي‬
‫في الشعرّ العرّبي المعاصرّ‪.‬‬
‫إن الصرّوح الجديدة والتضارّيس المتميزة التي عرّف بها هذا الشعرّ‪ ،‬لم يسهم‬
‫في إنجازها فقط‪ :‬اللغة الشعرّية الموحية المرّتبطة بتجرّبة شعرّية مستقاة من الحاضرّ‬
‫الذاتي والجماعي أو الصورّة ذات التشكيلت الحرّة المفتوحة على بلغة من صياغة‬
‫الهدم الشعرّي المتخلق مع الموهبة والذوق والرّؤية‪ ،‬أو الموسيقى المتساوقاة مع طقوس‬
‫الفكرّة الغازية للرّوح‪ ،‬إواشعاعات الوجدان المنتفضة ضد السكون‪ ،‬إوانما كان للترّاث‬
‫الشعبي قادرّ معتبرّ وقاسط وافرّ في بناء صرّح الشعرّ العرّبي المعاصرّ وتشكيل‬
‫تضارّيسهّ من عدة جوانب نذكرّ منها‪ :‬المعجمي‪ ،‬السلوبي‪ ،‬التصويرّي واليقاعي‪.‬‬
‫إن المرّاجعة الموضوعية لثرّ السطورّة بمختلف أشكالها وأنواعها ووظائفها‬
‫في الشعرّ العرّبي المعاصرّ تكشف بقوة ووضوح أن الترّاث بعامة والشعبي منهّ‬
‫بخاصة خلق للحياة والخلود‪ ،‬يحتضن التجرّبة ويقدم الرّؤية‪ ،‬ذلك كلهّ في أسلوب‬
‫قاوامهّ التلميح والترّميز‪ ،‬ولغة أساسها اليجاز والتكثيف تشع باليحاء والظلل في‬
‫إحالة بليغة ومستمرّة على ما عداه من العوالم والفضاءات‪.‬‬

‫إن التودجهّ إلى الترّاث الشعبي والستعانة بهّ في تشكيل معالم النص الشعرّي‬

‫‪- 131 -‬‬


‫المعاصرّ لم يكن وليد الترّف الفكرّي أو العبث الفكرّي‪ ،‬إنما كان لحاجة ملحة هي‬
‫الباعث والمحرّك‪ .‬فقد وجد الشاعرّ المعاصرّ في النص الشعبي النموذج والمثال‪،‬‬
‫والملجأ والملذ‪ ،‬يعبرّ بواسطتهّ عن جرّاح الذات والجماعة وتصدعات الواقاع‪ ،‬كما‬
‫يجسد من خللهّ القهرّ الرّوحي الناجم عن اختلل القيم‪ ،‬والكبت الفكرّي الناتج عن‬
‫الفساد الجتماعي‪ ،‬ويفضح الستبداد السياسي من خلل ضياع الحقوق وغياب‬
‫العدل‪ ،‬فيستعين بهّ على الخرّوج من مستنقعات الواقاع السن إلى رّحاب آفاق الخيال‬
‫الواسعة النقية يستمد من قاواها ويتزود بقيمها لمجابهة الحتمية‪.‬‬
‫يرّغب الشاعرّ العرّبي المعاصرّ بهذا الصنيع رّبط القديم بالمعاصرّ‪ ،‬الغائب‬
‫والشاهد‪ ،‬كما يسعى إلى تبصيرّنا بتجرّبتهّ الفكرّية والشعورّية الضارّبة في أعماق‬
‫الوجود النساني التليد‪ .‬فالترّاث لم يستنفد أغرّاضهّ بعد‪ ،‬على الرّغم من الفوارّق‬
‫الزمنية الزمنية والمادية الكبيرّة والعميقة التي تفصلنا عنهّ في عالم المادة‪.‬‬
‫إن عملية توظيف الترّاث الشعبي في النص الشعرّي عمل قاديم‪ ،‬حاولهّ بعض‬
‫الشعرّاء في العصورّ العرّبية القديمة )الجاهلي‪ ،‬السلمي‪ ،‬الموي والعباسي( إل أن‬
‫محاولتهم كانت في مجملها وصفية خارّجية ل تتعدى الشارّات القصصية التارّيخية‬
‫لسباب عديدة سبق وأن أشرّنا إليها‪ ،‬لكن الشعرّاء المعاصرّين تودسعوا في استخدام‬
‫عناصرّ الترّاث الشعبي‪ ،‬ولقد مرّت هذه العملية بعدة مرّاحل‪ :‬تسجيل الترّاث أو‬
‫التعبيرّ عنهّ‪ ،‬توظيف الترّاث الشعبي أو التعبيرّ بهّ‪ ،‬البحث عن القانعة أو النماذج‬
‫السطورّية‪ ،‬إلى أن وصلت إلى مرّحلة السطرّة‪ ،‬وفيها تحول المألوف إلى أسطورّة‪،‬‬
‫وهي أرّقاى منازل التعامل مع الترّاث الشعبي‪ ،‬فيها انتقل الشاعرّ من واقاع المستعين‬
‫بالترّاث إلى واقاع المنتج والمبدع لهذا الترّاث‪ ،‬تصبح اللغة فيهّ مثخنة بالسحرّ‬
‫والترّميز‪ ،‬يتداخل فيها السطورّي بالشعرّي‪ ،‬فيتطافرّان على صياغة النص صياغة‬
‫عضوية نكاد ل نفصل فيها بين الول والثاني‪.‬‬
‫لم تكن هذه العملية كلها إيجابيات ومزايا‪ ،‬بل هي كأي محاولة فنية لم تنج من‬
‫بعض المزالق والسلبيات بخاصة في المرّاحل الولى‪ ،‬لكن إشكالية الغموض التي‬
‫نتجت عن استعمال بعض النصوص الترّاثية الشعبية من ضمن القضايا المثيرّة‬
‫للجدل في النقد المعاصرّ‪ ،‬فكل طرّف يرّاها بمنظارّه الخاص في انعكاساتها على‬
‫النص الشعرّي والسطورّي‪ ،‬وعلى المتلقي‪ ،‬ومن ورّائها الشاعرّ‪.‬‬
‫ومهما قايل في المحاسن والسلبيات الناجمة عن توظيف الترّاث الشعبي في‬
‫الشعرّ المعاصرّ‪ ،‬فإن ما يمكن التأكيد عليهّ أن النص الشعرّي بموجب ذلك التوظيف‬
‫يتحول إلى بناء ل يشبهّ بناء النصوص الشعرّية التي غاب عنها الترّاث الشعبي‪،‬‬

‫‪- 132 -‬‬


‫المعجم اللغوي تتنازعهّ الديان والطبيعة‪ ،‬النس والجن‪ ،‬الغيب والشهادة‪ ،‬الساطيرّ‬
‫والخرّافات والحكايات‪ ،‬ينتابهّ النغلق طو اةرّ والنفتاح طو اةرّ آخرّ‪ ،‬ل يحيل إلى ذاتهّ‬
‫أبداة إوانما إلى الخرّ الحاضرّ والغائب‪ ،‬المتخيل والواقاع؛ الساليب والترّاكيب فيهّ‬
‫متباينة التضارّيس والتشكلت يغمرّها اليجاز‪ ،‬والحذف والتكرّارّ‪ ،‬والتقديم والتأخيرّ‪،‬‬
‫طرّح لـهّ مكنوناتها إل بعد عسرّ‬
‫ل تستسلم للقارّئ لول وهلة بيسرّ وسهولة‪ ،‬ول ت د‬
‫متابعة وطول مرّاجعة‪ ،‬يتصاعد فيهّ الخيال والل معقول‪ ،‬وتتكاثف فيهّ الصورّ‬
‫وتتداخل المشاهد‪ ،‬يتجاذبهّ البيض والسود‪ ،‬المل واليأس‪ ،‬الرّغبة والرّهبة‪ ،‬العرّاك‬
‫والعناق‪ .‬كل شيء فيهّ ينبض باليقاع تنتفض بموجبهّ الحرّوف والكلمات لتقرّع‬
‫السماع وتنبهّ المشاعرّ والفكارّ؛ والموسيقى فيهّ تتكاثرّ فيها الوزان والنغام تسلي‬
‫الكل وترّيحهّ‪ ،‬تطهرّه وتزكيهّ‪ ،‬ترّمي بهّ بين أحضان الخيال والحلم لتعود بهّ ممتلئاة‬
‫مزوداة لمواجهة اللحظة والن؛ هذا البناء يجعل من النص متناة مفتوحاة خصباة أمام‬
‫مختلف القرّاءات في ارّتباطاتها بمختلف المكنة والزمنة والمناهج وقايود أخرّى‬
‫ترّتبط بالقرّاءة‪ .‬القارّئ لـهّ يحاول ويكرّرّ ويبذل الجهد‪ ،‬يفكك ويشرّح‪ ،‬يلم ويجمع‪ ،‬في‬
‫خصام إيجابي وجدل بدناء‪ ،‬يق أرّ النص ويق أرّ مقدرّتهّ على التحصيل والتفكيرّ وتحليل‬
‫للخطاب والمخالطب‪.‬‬
‫إن كان من رّسالة يرّيد هذا البحث تمرّيرّها لكل قاارّئ‪ ،‬فهي أنهّ ل بد من‬
‫مرّاجعة الترّاث وتثمينهّ وحسن محاورّتهّ‪ ،‬لستجلء ما فيهّ من قايم وقاوى‪ ،‬بغية‬
‫استثمارّها وتوظيفها جمالياة وفكرّيةا‪ ،‬وذلك برّبطها بالزمان والمكان‪ ،‬بالذات والجماعة‪،‬‬
‫بالواقاع والمحتمل‪ .‬فالترّاث في بعض جوانبهّ زينة للنص ولبنة تحكم بناءه ورّوح تعمق‬
‫فيهّ الوجود والصلت وتؤصل فيهّ البلغ والرّسالت‪.‬‬

‫***‬

‫‪- 133 -‬‬


‫مكتبة البحث‪:‬‬

‫‪ً-1‬غالي شكرّي‪ :‬شعرّنا الحديث إلى أين‪ ً-‬منشورّات دارّ الفاق الجديدة بيرّوت ط ‪.1978 ً-2‬‬
‫‪ً-2‬عز الدين إسماعيل‪ :‬الشعرّ العرّبي المعاصرّ قاضاياه وظواهرّه الفنية والمعنوية دارّ العودة‬
‫بيرّوت ط ‪.1981 :3‬‬
‫‪ً-3‬نسيب نشاوي‪ :‬مدخل إلى درّاسة المدارّس الدبية في الشعرّ العرّبي المعاصرّ‪ ً-‬مطابع ألف باء‬
‫دمشق ‪.1980‬‬
‫‪ً-4‬إرّنست فيشرّ‪ :‬ضرّورّة الفن –ترّجمة ميشال سليمان‪ ً-‬دارّ الحقيقة بيرّوت‪ ً-‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ً-5‬رّينيهّ ويليك‪ :‬نظرّية الدب –ترّجمة محي الدين صبحي‪ ً-‬المؤسسة العرّبية للدرّاسات والنشرّ ط‬
‫‪.1981 ً-2‬‬
‫‪ً-6‬رّيتا عوض‪ :‬أسطورّة الموت والنبعاث في الشعرّ العرّبي الحديث‪ ً-‬المؤسسة العرّبية للدرّاسات‬
‫والنشرّ بيرّوت ط ‪.1978 ً-1‬‬
‫‪ً-7‬شوقاي ضيف‪ :‬الدب العرّبي المعاصرّ في مصرّ‪ ً-‬دارّ المعارّف مصرّ‪ ً-‬ط ‪.3‬‬
‫‪ً-8‬أندرّه جيد‪ :‬أوديب وثيسيوس‪ ً-‬ترّجمة طهّ حسين‪ ً-‬دارّ العلم للمليين بيرّوت ط ‪.1980 ً-4‬‬
‫‪ً-9‬هوميرّوس‪ :‬اللياذة –تعرّيب سليمان البستاني‪ ً-‬مطبعة الهلل مصرّ ‪.1904‬‬
‫‪ً-10‬درّيني خشبة‪ :‬أساطيرّ الحب والجمال عند الغرّيق‪ ً-‬دارّ الهلل العدد ‪ 171‬سنة ‪.1965‬‬
‫‪ً-11‬هوميرّوس‪ :‬اللياذة –ترّجمة درّيني خشبة‪ ً-‬دارّ العودة بيرّوت‪.‬‬
‫‪ً-12‬نفوسي زكرّيا سعيد‪ :‬خرّافات لفونتين في الدب العرّبي‪ ً-‬مؤسسة الثقافة الجامعية مصرّ‪ً-‬‬
‫‪.1976‬‬
‫‪ً-13‬أحمد شوقاي‪ :‬ديوان الشوقايات – دارّ العودة بيرّوت‪ ،‬المجلد ‪.2‬‬
‫‪ً-14‬فرّدرّيش فون ديرّلين‪ :‬الحكاية الخرّافية‪ ً-‬ترّجمة نبيلة إبرّاهيم دارّ القلم بيرّوت‪ ،‬ط ‪/1‬‬
‫‪.1973‬‬
‫‪ً-15‬إبرّاهيم المازني‪ :‬الديوان –مطبعة محمد محمد مطرّ‪ ً-‬القاهرّة ‪.1917‬‬
‫‪ً-16‬ك‪ .‬ك رّاثقين‪ :‬السطورّة –ترّجمة جعفرّ صادق الخليلي‪ ً-‬منشورّات عويدات‪ ً-‬بيرّوت‪ ً-‬ط‬
‫‪.1981 ً-1‬‬
‫‪ً-17‬محمود عباس العقاد‪ :‬الديوان –مطبعة وحدة الصيانة والنتاج‪ً-‬مصرّ ‪.1967‬‬

‫‪- 134 -‬‬


‫‪ً-18‬عبد الرّضا علي في كتابهّ‪ :‬السطورّة في شعرّ السياب دارّ الرّائد العرّبي بيرّوت ط ‪2‬‬
‫‪.1984‬‬
‫‪ً-19‬فارّوق خورّشيد‪ :‬المورّوث الشعبي‪ ً-‬دارّ الشرّوق القاهرّة‪ ً-‬ط ‪.1992 ً-1‬‬
‫‪ً-20‬جيمس فرّايزرّ‪ :‬الفولكلورّ في العهد القديم )التورّاة( ترّجمة نبيلة إبرّاهيم –دارّ المعارّف‪ً-‬‬
‫مصرّ‪ ً-‬ط ‪.2‬‬
‫‪ً-21‬إلياس أبو شبكة‪ :‬أفاعي الفرّدوس –منشورّات دارّ المكشوف‪ ً-‬بيرّوت ط ‪.1948 /2‬‬
‫‪ً-22‬يوسف حلوي‪ :‬السطورّة في الشعرّ العرّبي المعاصرّ –دارّ الداب‪ ً-‬ط ‪.1994 /1‬‬
‫‪ً-23‬أحمد زكي أبو شادي‪ :‬الينبوع‪ ً-‬مطبعة التعاون‪ ً-‬القاهرّة ‪.1934‬‬
‫‪ً-24‬أحمد زكي أبو شادي‪ :‬فوق العباب –مطبعة التعاون‪ ً-‬القاهرّة ‪.1934‬‬
‫‪ً-25‬عبد الفدتاح محمد أحمد‪ :‬المنهج السطورّي في تفسيرّ الشعرّ الجاهلي دارّ المناهل للطباعة‬
‫والنشرّ والتوزيع بيرّوت ط ‪.1987 1‬‬
‫‪ً-26‬هرّبرّت رّيد‪ :‬الفن والمجتمع‪ ،‬ترّجمة‪ :‬فارّس مترّي ضاهرّ دارّ القلم بيرّوت ط ‪.1975 1‬‬
‫‪ً-27‬عبد المنعم تليمة‪ :‬مقدمة في نظرّية الدب دارّ العودة بيرّوت ط ‪.1983 3‬‬
‫‪ً-28‬إرّنست فيشرّ‪ :‬الشترّاكية والفن‪ ،‬ترّجمة‪ :‬أسعد حليم دارّ القلم بيرّوت ط ‪.1973 1‬‬
‫‪ً-29‬أحمد عتمان‪ :‬الشعرّ الغرّيقي ترّاثاة إنسانياة وعالميةا‪ ،‬سلسلة عالم المعرّفة ‪ 77‬الكويت‬
‫‪.1984‬‬
‫‪ً-30‬سعد الخادم‪ :‬الفن الشعبي والمعتقدات السحرّية‪ ،‬سلسلة اللف كتاب ‪ ،477‬مكتبة النهضة‬
‫المصرّية القاهرّة‪..‬‬
‫‪ً-31‬إرّنست كاسيرّرّ‪ :‬الدولة والسطورّة‪ ،‬ترّجمة أحمد حمدي محمود الهيئة المصرّية العامة للكتاب‬
‫القاهرّة ‪.1975‬‬
‫‪ً-32‬فرّاس السدواح‪ :‬السطورّة والمعنى درّاسات في الميثولوجيا والديانات المشرّقاية‪ ،‬دارّ علء الدين‬
‫دمشق ط ‪.1997 1‬‬
‫‪ً-33‬أحمد كمال زكي‪ :‬الساطيرّ درّاسة حضارّية مقارّنة دارّ العودة بيرّوت ط ‪.1979 2‬‬
‫‪ً-34‬عبد الرّحمن بدوي‪ :‬موسوعة الفلسفة‪ ،‬المؤسسة العرّبية للدرّاسات والنشرّ ط ‪.1984 1‬‬
‫‪ً-35‬جمهورّية أفلطون – ترّجمة وتقديم نظلة الحكيم ومحمد مظهرّ سعيد‪ ً-‬دارّ المعارّف‪ ً-‬مصرّ‬
‫ط ‪.2‬‬
‫‪ً-36‬محمد الزايد‪ :‬المعنى والعدم بحث في فلسفة المعنى‪ ،‬منشورّات عويدات بيرّوت )سلسلة زدني‬
‫علمةا( ط ‪.1975 1‬‬
‫‪ً-37‬ميرّسيا إيلياد‪ :‬أسطورّة العود البدي ترّجمة حسيب كاسوحة‪ ،‬منشورّات و ازرّة الثقافة دمشق‬
‫‪.1990‬‬
‫‪ً-38‬فرّاس السواح‪ :‬مغامرّة العقل الولى درّاسة في السطورّة‪ .‬سورّيا‪ .‬أرّض الرّافدين‪ ،‬دارّ علء‬
‫الدين دمشق ط ‪.1996 11‬‬

‫‪- 135 -‬‬


‫‪ً-39‬ك‪ .‬غ‪ .‬يونغ‪ :‬علم النفس التحليلي‪ ،‬ترّجمة نهاد خياطة‪ ،‬دارّ الحوارّ للنشرّ والتوزيع سورّيا‬
‫‪.1985‬‬
‫‪ً-40‬أرّنست كاسيرّرّ‪ :‬فلسفة الحضارّة النسانية أو مقال في النسان‪ ،‬ترّجمة إحسان عباس‪ ،‬دارّ‬
‫الندلس بيرّوت ‪.1961‬‬
‫‪ً-41‬فرّانكفورّت وآخرّون‪ :‬ما قابل الفلسفة‪ ،‬ترّجمة جب ارّ إبرّاهيم جب ارّ المؤسسة العرّبية للدرّاسات‬
‫والنشرّ بيرّوت ط ‪.1980 2‬‬
‫‪ً-42‬كلودليفي سترّوس‪ :‬الناسة البنيانية‪ ،‬ترّجمة حسن قابيسي‪ ،‬المرّكز الثقافي العرّبي الدارّ‬
‫البيضاء ط ‪.1995 1‬‬
‫‪ً-43‬أنس داود‪ :‬السطورّة في الشعرّ العرّبي الحديث –مكتبة عين شمس‪ ً-‬مصرّ‪.‬‬
‫‪ً-44‬يورّي سوكولوق‪ :‬الفولكلورّ قاضاياه وتارّيخهّ‪ ،‬ترّجمة حلمي شعرّاوي وعبد الحميد حواس الهيئة‬
‫المصرّية العامة للتأليف والنشرّ ‪.1971‬‬
‫‪ً-45‬إيرّيك فرّوم‪ :‬اللغة المنسية )مدخل إلى فهم الحلم والحكايات والساطيرّ(‪ ،‬ترّجمة حسن‬
‫قابيسي‪ ،‬المرّكز الثقافي العرّبي الدارّ البيضاء ط ‪.1995 1‬‬
‫‪ً-46‬شوقاي ضيف‪ :‬الشعرّ وطوابعهّ الشعبية على مدرّ العصورّ‪ ،‬دارّ المعارّف مصرّ ط ‪2‬‬
‫‪.1984‬‬
‫‪ً-47‬علي البطل‪ :‬الصورّة في الشعرّ العرّبي حتى آخرّ القرّن الثاني الهجرّي درّاسة في أصولها‬
‫وتطورّها‪ ،‬دارّ الندلس للطباعة والنشرّ والتوزيع ط ‪.1981 2‬‬
‫‪ً-48‬ابن الكلبي‪ :‬الصنام‪ ،‬تحقيق أحمد زكي الدارّ القومية للطباعة والنشرّ القاهرّة ‪.1965‬‬
‫‪ً-49‬الخنساء‪ :‬الديوان –دارّ بيرّوت للطباعة والنشرّ‪ ً-‬بيرّوت‪.1986 ً-‬‬
‫‪ً-50‬عبد الحليم حفنى‪ :‬المرّاثي الشعبية )العديد( الهيئة المصرّية العامة للكتاب ‪.1982‬‬
‫‪ً-51‬مصطفى عبد الشافي الشورّي‪ :‬شعرّ الرّثاء في العصرّ الجاهلي درّاسة فنية‪ ،‬الدارّ الجامعية‬
‫للطباعة والنشرّ بيرّوت ‪.1983‬‬
‫‪ً-52‬كارّل برّوكلمان‪ :‬تارّيخ الدب العرّبي‪ ،‬ترّجمة‪ :‬عبد الحليم النجارّ دارّ المعارّف مصرّ ط ‪4‬‬
‫‪.1959‬‬
‫‪ً-53‬أبو الفرّج الصفهاني‪ :‬الغاني‪ ً-‬تح‪ :‬لجنة من الدباء‪ ً-‬دارّ الثقافة‪ ً-‬بيرّوت‪.‬‬
‫‪ً-54‬الغصن الذهبي )درّاسة في الدين والسحرّ( ترّجمة أحمد أبو زيد الهيئة المصرّية العامة للتأليف‬
‫والنشرّ ‪.1971‬‬
‫‪ً-55‬عبيد بن البرّص‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق كرّم البستاني بيرّوت ‪.1964‬‬
‫‪ً-56‬الجاحظ )أبو عثمان عمرّو بن بحرّ(‪ :‬الحيوان تحقيق عبد السلم محمد هارّون دارّ الجيل‬
‫بيرّوت ‪.1996‬‬
‫‪ً-57‬امرّؤ القيس‪ :‬الديوان تحقيق محمد أبو الفضل إبرّاهيم‪ ،‬دارّ المعارّف مصرّ ط ‪.1969 3‬‬
‫‪ً-58‬نهاد توفيق نعمة‪ :‬الجن في الدب العرّبي‪ ،‬بيرّوت ‪.1961‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫‪ً-59‬محمود شكرّي اللوسي‪ :‬بلوغ الرّب في معرّفة أحوال العرّب‪ ،‬دارّ الكتاب العرّبي مصرّ ط‬
‫‪.3‬‬
‫‪ً-60‬اسطنبول ناصرّ‪ :‬تداعي الوعي في الشعرّ الجاهلي‪ ،‬مخطوط رّسالة ماجستيرّ‪ ،‬معهد اللغة‬
‫والدب العرّبي جامعة وهرّان ‪.1986 ً-1985‬‬
‫‪ً-61‬ليفي برّيل‪ :‬العقلية البدائية‪ ،‬ترّجمة محمد القصاص مكتبة مصرّ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ً-62‬ابن مسايب‪ :‬الديوان‪ ،‬إعداد‪ :‬الحفناوي أمقرّان السحنوني وأسماء سيفاوي‪ ،‬المؤسسة الوطنية‬
‫للكتاب الجزائرّ ‪.1989‬‬
‫‪ً-63‬التلي بن الشيخ‪ :‬دورّ الشعرّ الشعبي الجزائرّي في الثورّة المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ً-‬الجزائرّ‪.‬‬
‫‪ً-64‬أحمد حمدي‪ :‬ديوان الشعرّ الشعبي )شعرّ الثورّة المسلحة( منشورّات المتحف الوطني للمجاهد‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ً-65‬نورّ ثرّوب فرّاي‪ :‬تشرّيح النقد‪ ،‬ترّجمة محي الدين صبحي الدارّ العرّبية للكتاب ‪.1991‬‬
‫‪ً-66‬أحمد الطرّيسي أعرّاب‪ :‬التصورّ المنهجي ومستويات الدرّاك في العمل الدبي والشعرّي‪،‬‬
‫شرّكة بابل للطباعة والنشرّ والتوزيع‪ ،‬الرّباط ‪.1989‬‬
‫‪ً-67‬محمد غنيمي هلل‪ :‬الرّومانتيكية دارّ العودة بيرّوت ‪.1973‬‬
‫‪ً-68‬صلح عبد الصبورّ‪ :‬الديوان دارّ العودة بيرّوت ط ‪.1983 4‬‬
‫‪ً-69‬السعيد الورّقاي‪ :‬لغة الشعرّ العرّبي الحديث مقدوماتها الفنية وطاقااتها البداعية‪ ،‬دارّ النهضة‬
‫العرّبية للطباعة والنشرّ بيرّوت ط ‪.1984 3‬‬
‫‪ً-70‬أدونيس )علي أحمد سعيد(‪ :‬زمن الشعرّ‪ ،‬دارّ العودة بيرّوت ط ‪.1983 3‬‬
‫‪ً-71‬أدونيس )علي أحمد سعيد(‪ :‬الثارّ الكاملة‪ ،‬دارّ العودة بيرّوت ط ‪.2/35 1971 2‬‬
‫‪ً-72‬يوسف الخال‪ :‬العمال الشعرّية الكاملة ‪ 1979‬دارّ العودة بيرّوت ط ‪.1979 2‬‬
‫‪ً-73‬مصطفى عبد الغني‪ :‬شهرّزاد في الفكرّ العرّبي الحديث دارّ الشرّوق بيرّوت ط ‪.1985 1‬‬
‫‪ً-74‬علي عشرّي زايد‪ :‬استدعاء الشخصيات الترّاثية في الشعرّ العرّبي المعاصرّ دارّ الفكرّ العرّبي‬
‫القاهرّة ‪.1997‬‬
‫‪ً-75‬عبد العزيز المقالح‪ :‬الديوان دارّ العودة ط ‪.1983 3‬‬
‫‪ً-76‬صلح عبد الصبورّ‪ :‬حياتي في الشعرّ دارّ اقا أرّ بيرّوت ‪.1992‬‬
‫‪ً-77‬ت‪ .‬س إليوت‪ :‬مقالت في النقد الدبي ترّجمة لطيفة الزيات دارّ الجيل للطباعة القاهرّة‪.‬‬
‫‪ً-78‬ديزيرّة سدقال‪ :‬الرّض الخرّاب والشعرّ العرّبي الحديث )درّاسة تأثيرّ قاصيدة ت‪ .‬س‪ .‬إليوت في‬
‫الشعرّ العرّبي الحديث( منشورّات ميرّيم لبنان ط ‪.1992 1‬‬
‫‪ً-79‬يوسف سامي اليوسف‪ :‬الشعرّ العرّبي المعاصرّ‪ ،‬منشورّات اتحاد الكتاب العرّب دمشق‬
‫‪.1980‬‬
‫‪ً-80‬بدرّ شاكرّ السدياب‪ :‬الديوان دارّ العودة بيرّوت ‪.1/229 1971‬‬
‫‪ً-81‬أحمد المعداوي‪ :‬أزمة الحداثة في الشعرّ العرّبي الحديث منشورّات دارّ الفاق الجديدة المغرّب‬

‫‪- 137 -‬‬


‫ط ‪.1993 1‬‬
‫‪ً-82‬سيرّة فارّس اليمن الملك سيف بن ذي يزن دارّ الكتب الشعبية بيرّوت‪.‬‬
‫‪ً-83‬يمنى العيد وآخرّون‪ :‬النص المفتوح )قارّاءة في شعرّ عبد العزيز المقالح( دارّ الداب بيرّوت‬
‫ط ‪.1991 1‬‬
‫‪ً-84‬محمد الفيتورّي‪ :‬الديوان دارّ العودة بيرّوت ‪ 1979‬ط ‪.1/611 3‬‬
‫‪ً-85‬أمل دنقل‪ :‬العمال الشعرّية الكاملة مكتبة مدبولي القاهرّة ط ‪.1987 3‬‬
‫‪ً-86‬كلود ليفي شترّاوس‪ :‬السطورّة والمعنى‪ ،‬ترّجمة‪ :‬صبحي حديدي منشورّات عيون دارّ البيضاء‬
‫‪.1986‬‬
‫‪ً-87‬نبيلة إبرّاهيم‪ :‬أشكال التعبيرّ في الدب الشعبي دارّ نهضة مصرّ للطباع والنشرّ القاهرّة‪.‬‬
‫‪ً-88‬صموئيل هنرّي هووك‪ :‬منعطف المخيلة البشرّية )بحث في الساطيرّ( ترّجمة صبحي حديدي‬
‫دارّ الحوارّ للنشرّ والتوزيع سورّيا ط ‪.1983 1‬‬
‫‪ً-89‬هيرّقاة رّوسو‪ :‬الديانات‪ ،‬ترّجمة‪ :‬مترّي شماس‪ ،‬المنشورّات العرّبية )سلسلة ماذا أعرّف ‪(25‬‬
‫‪ً-90‬ابن منظورّ‪ :‬لسان العرّب )مادة سطرّ(‬
‫‪ً-91‬جب ارّ إبرّاهيم جبرّا‪ :‬السطورّة والرّمز درّاسات نقددية لخمسة عشرّ ناقادةا‪.‬‬
‫‪ً-92‬جميس فرّايزرّ‪ :‬أدونيس‪ ،‬ترّجمة جب ارّ إبرّاهيم جبرّا‪ ،‬منشورّات الصرّاع الفكرّي بيرّوت ‪.1957‬‬

‫‪ً-93‬جب ارّ إبرّاهيم جبرّا‪ :‬الرّحلة الثامنة المؤسسة العرّبية للدرّاسات والنشرّ بيرّوت‬
‫ط ‪.1979 2‬‬
‫‪ً-94‬الجرّجاني‪ :‬دلئل العجاز )في علم المعاني(‪ ،‬تحقيق محمد عبده‪ ،‬دارّ المعرّفة للطباعة‬
‫والنشرّ بيرّوت ‪.1981‬‬
‫‪ً-95‬خليل حاوي‪ :‬الديوان‪ ،‬دارّ العودة بيرّوت ‪.1993‬‬
‫‪ً-96‬شوقاي عبد الحكيم‪ :‬موسوعة الفلكلورّ والساطيرّ العرّبية‪ ،‬دارّ العودة بيرّوت ط ‪.1982 1‬‬
‫‪ً-97‬ماكس شابيرّو‪ :‬معجم الساطيرّ‪ ،‬ترّجمة حنا عبود منشورّات دارّ علء الدين دمشق ‪.1999‬‬
‫‪ً-98‬برّنارّد ايفسلن‪ :‬ميثولوجيا البطال واللهة والوحوش‪ ،‬ترّجمة‪ :‬حنا عبود منشورّات و ازرّة الثقافة‬
‫دمشق ‪.1997‬‬
‫‪ً-99‬محمد غنيمي هلل‪ :‬الدب المقارّن دارّ العودة بيرّوت ‪.1983‬‬
‫‪ً-100‬محمد جميل شلش‪ :‬الديوان‪ ،‬دارّ العودة بيرّوت ط ‪.1978‬‬
‫‪ً-101‬إحسان عباس‪ :‬من الذي سرّق النارّ )خطرّات في النقد والدب( المؤسسة العرّبية للدرّاسات‬
‫والنشرّ بيرّوت ط ‪.1970 1‬‬
‫‪ً-102‬عبد الوهاب البياتي‪ :‬الديوان دارّ العودة بيرّوت ط ‪.3‬‬
‫‪ً-103‬جون كرّوكشاتك‪ :‬ألبيرّ كامي وأدب التمرّد‪ ،‬ترّجمة جلل العنترّي‪ ،‬دارّ الوطن العرّبي‪ ،‬دون‬
‫تارّيخ‪.‬‬

‫‪- 138 -‬‬


‫‪ً-104‬سهيرّ القلماوي‪ :‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬دارّ المعارّف مصرّ ‪.1966‬‬
‫‪ً-105‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورّات دارّ مكتبة الحياة بيرّوت‪.‬‬
‫‪ً-106‬صلح عبد الصبورّ‪ :‬حياتي في الشعرّ دارّ اقا أرّ بيرّوت ‪.1992‬‬
‫‪ً-107‬صلح عبد الصبورّ‪ :‬البحارّ في الذاكرّة‪ ،‬الوطن العرّبي للنشرّ والتوزيع ط ‪.1979 1‬‬
‫‪ً-108‬أحمد يوسف‪ :‬تجليات القلق في شعرّ صلح عبد الصبورّ )مخطوط( رّسالة ماجستيرّ‬
‫نوقاشت بمعهد اللغة والدب العرّبي جامعة وهرّان‪.‬‬
‫‪ً-109‬عبد الكرّيم القشيرّي‪ :‬الرّسالة القشيرّية في علم التصوف‪ ،‬تحقيق معرّوف زرّيق وعلي عبد‬
‫الحميد بلطجي دارّ الجيل بيرّوت ط ‪.2‬‬
‫‪ً-110‬إيليا حاوي‪ :‬مختارّات من شعرّه ونثرّه‪ ،‬دارّ الثقافة بيرّوت ط ‪.1984 1‬‬
‫‪ً-111‬إيليا حاوي‪ :‬خليل حاوي في سطورّ من سيرّتهّ وشعرّه‪ ،‬دارّ الثقافة‪.‬‬
‫‪ً-112‬جابرّ عصفورّ‪ :‬أقانعة الشعرّ المعاصرّ‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬العدد ‪ 4‬يوليو‬
‫‪.1981‬‬
‫‪ً-113‬حاتم الصحرّ‪ :‬الذات درّاسات في وقاائعية الشعرّ‪ ،‬دارّ الشرّوق للنشرّ والتوزيع الرّدن ط ‪1‬‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ً-114‬سيغموند فرّويد‪ :‬الطوطم والتابو‪ ،‬ترّجمة بو علي ياسين‪ ،‬دارّ الحوارّ للنشرّ والتوزيع سورّيا‬
‫ط ‪.1983 1‬‬
‫‪ً-115‬سليمان مظهرّ‪ ،‬قاصة الديانات‪ ,‬دارّ الوطن العرّبي‪.‬‬
‫‪ً-116‬محمد بنيس‪ :‬ظاهرّة الشعرّ المعاصرّ في المغرّب مقارّبة بنيوية تكوينية‪ ،‬دارّ العودة بيرّوت‬
‫ط ‪.1979 1‬‬
‫‪ً-117‬الزوزني‪ :‬شرّح المعلقات السبع دارّ بيرّوت للطباعة والنشرّ بيرّوت ‪.1980‬‬
‫‪ً-118‬فيليب سيرّنج‪ :‬الرّموز في الفن –الديان‪ ً-‬الحياة ترّجمة‪ :‬عبد الهادي عباس دارّ دمشق ط‬
‫‪.1992 1‬‬
‫‪ً-119‬الب جرّجس داود داود‪ :‬أديان العرّب قابل السلم ووجهها الحضارّي والجتماعي المؤسسة‬
‫الجامعية للدرّاسات والنشرّ بيرّوت ط ‪.1981 1‬‬
‫‪120- Mircea Eliade: Aspects du mythe. Gallimard 1963.‬‬
‫‪121- Sylvia bate s religion du monde edition gamma 1981.‬‬
‫‪122- bronilaw malinowski Myth in primitive psychology kegan paul‬‬
‫‪London 1926.‬‬
‫‪ً-123‬مجلة شعرّ العدد ‪) 1957 ً-3‬أخبارّ وقاضايا(‪.‬‬
‫‪ً-124‬مجلة شعرّ العدد ‪ 15‬صيف ‪.1960‬‬
‫‪ً-125‬مجلة القالم‪ ،‬بغداد أيارّ ‪ 1976‬العدد ‪.8‬‬
‫‪ً-126‬مجلة عالم الفكرّ‪ ،‬الكويت‪ ،‬المجلد ‪ 24‬العدد ‪ 4‬أفرّيل‪ /‬يونيو ‪.1996‬‬

‫‪- 139 -‬‬


***

- 140 -
‫الفهرست العام‬
‫الهداء ‪5............................................................................‬‬
‫المقدمة‪7........................................................................ :‬‬
‫مدخل‪12........................................................................ :‬‬
‫الفصل الول المككونات والصول‪27.................................................‬‬
‫‪1‬ـ الفن والسحرّ‪29 ........................................................:‬‬
‫‪2‬ـ السطورّة والشعرّ‪31 ....................................................:‬‬
‫‪3‬ـ الجذورّ السطورّية للقصيدة العرّبية‪40 ................................... :‬‬
‫أ‪ ً-‬الرّثاء وطقوس الموت‪41...................................... :‬‬
‫ب‪ ً-‬الهجاء وطقوس السحرّ‪42................................... :‬‬
‫‪ً-4‬اللغة وأشكال الترّاث الشعبي‪53 .........................................:‬‬
‫الفصل الثاني الروافد التراثية‪67......................................................‬‬
‫‪ً-1‬الساطيرّ والحكايات‪69 ................................................:‬‬
‫أ ـ الغصن الذهبي‪73.............................................:‬‬
‫ب ـ أسطورّة تموز )التجاوز والنبعاث(‪75..........................:‬‬
‫ج ـ أسطورّة برّوميثيوس )الثورّة والتمرّد(‪83......................... :‬‬
‫د ـ أسطورّة سيزيف )رّمز الدانة المطلقة والفشل الزلي(‪87..........:‬‬
‫هـ ـ ألف ليلة وليلة‪89............................................. :‬‬
‫و ـ أسطورّة السندباد )البحث والتجلي(‪90...........................:‬‬
‫‪2‬ـ الطقوس والمعتقدات‪119 ...............................................:‬‬
‫أـ الشعرّ والمعتقد الشعبي‪120.....................................:‬‬
‫ب ـ محمد الخمارّ الكنوني والبحث عن الحقيقة بين الموات‪125....:‬‬
‫ج‪ً-‬التحدول نحو السحرّي واستقرّاء الغيب )التدميرّ من أجل البناء(‪....:‬‬
‫‪129‬‬
‫د‪ً-‬محمد الفيتورّي والبحث عن الجذورّ الضائعة‪130................:‬‬
‫الخاتمة ‪136......................................................................‬‬
‫مكتبة البحث‪139................................................................:‬‬
‫***‬

‫‪- 141 -‬‬

You might also like