You are on page 1of 76

‫تحـقيــق علـمــي حــول الشبــهـــــات‬

‫المـــثــارة‬
‫حـول زواج النــبي الكريـم وجهـاده‬
‫وشمائلــه ‪‬‬

‫‪0‬‬
‫تحقيق علمي حول الشبهات المثارة حول زواج النبي الكريم وجهاده وشمائله ‪‬‬

‫تأليف‬
‫انجوغو امبكي صمب‬

‫جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف‬

‫مطبعة دار الكتاب يمبل دكار – السنغال‬


‫‪1427‬هـ ‪2006‬م‬

‫التنسيق والخإراج‬
‫مركز السلفية للحاسوب‬
‫‪29 77 534 / 20 75 851‬‬

‫دكار ‪ -‬السنغال‬

‫‪1‬‬
‫ن‬‫د‬ ‫م‬
‫م‬ ‫ل‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ك‬ ‫ر‬
‫قَ‬ ‫م‬
‫د‬ ‫ك‬ ‫ك‬ ‫ء‬
‫قَ‬ ‫جا‬ ‫قَ‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ق‬
‫قَ‬ ‫قَ‬ ‫}ل‬
‫ما‬ ‫قَ‬ ‫ك‬ ‫قَ‬
‫زيلز ع قَلي دهم قَ‬ ‫م ع قَ م‬ ‫سك د‬ ‫ف م‬ ‫أن د ك‬
‫ص ع قَل قَي دك ك د‬
‫م‬ ‫ري ل‬ ‫ح م‬ ‫م قَ‬ ‫ع قَن مت ت د‬
‫م‬
‫ل‬ ‫حي‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫قَ‬ ‫ف‬
‫ل‬ ‫ؤو‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫قَ قَ‬ ‫ن‬ ‫ني‬
‫م‬ ‫م‬
‫م‬ ‫د‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫مبال ك‬ ‫د‬
‫ي‬
‫د م قَ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ح‬
‫قَ‬ ‫د‬
‫ل‬ ‫ق‬
‫ك‬ ‫قَ‬ ‫ف‬ ‫وا‬ ‫ل‬
‫ن ت قَوقَل د‬ ‫فقَإ م د‬
‫ه إ ملل هكوقَ ع قَل قَي دهم‬ ‫ه ل إ مل قَ قَ‬ ‫الل ل ك‬
‫ش‬ ‫ر‬ ‫قَ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ك‬ ‫د‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫ت قَوقَك‬
‫د م‬ ‫قَ قَ قَ‬
‫)التوبة‪(129-129:‬‬ ‫ظيم م{‬ ‫ال دعقَ م‬

‫‪2‬‬
‫المقـــدمة‪:‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلةا والسلم على من ل نبي‬
‫بعده‪ ،‬وعلى آله صحبه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن الله تعالى خإلق النس والجن لغاية عظيمة‬
‫ومقصد جليل وهو تحقيق العبودية الخإتيارية له‬
‫ت‬ ‫خإل قَقد ك‬
‫ما قَ‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬قال الله عز وجل‪} :‬وقَ قَ‬
‫ن{ )الذاريات‪ (56:‬ولما‬ ‫دو م‬ ‫س إ ملل ل مي قَعدب ك ك‬‫ن قَوادل من د قَ‬ ‫ج ل‬ ‫ال د م‬
‫كانت العقول البشرية قاصرةا وغير مستقلة‬
‫بمعرفة صفات الخالق ومعرفة حقوقه على عباده‪،‬‬
‫وما أعده الله لمن يطيعه‪ ،‬أو توعد به من خإالف‬
‫أمره‪ ،‬كان من كمال علمه وحكمته سبحانه أن‬
‫اخإتار لتبليغ رسالته وتأدية أماناته أكمل الناس خإلقا‬
‫وخإلقا‪ ،‬وأشرفهم طبعا ومعدنا‪ ،‬قال تعالى‪} :‬الل ل ك‬
‫ه‬
‫قَ‬
‫ه{ )النعام‪ :‬من الية ‪.(124‬‬ ‫سال قَت قَ ك‬ ‫ل رم قَ‬ ‫جعقَ ك‬ ‫ث ي قَ د‬
‫حي د ك‬ ‫م قَ‬‫أع دل قَ ك‬
‫هذا‪ ،‬ولم يبعث الله إلى خإلقه ملكا ل يفتر في‬
‫عبادةا‪ ،‬ول خإلقا آخإر من عنده ل يشبع من لهو أو‬
‫لعب‪ ،‬لن مقاصد الرسالة اللهية ترمي إلى تأهيل‬
‫النسان لداء دور الخلفة في الرض التي هي‬
‫عبادةا الله وتعمير الرض على مقتضى المنهج‬
‫الرباني‪.‬‬
‫ولذلك كان رسل الله وأنبيائه عليهم الصلةا‬
‫والسلم بشرا يأكلون الطعام ويمشون في‬
‫السواق‪ ،‬ورجال لهم أزواج وذرية‪ ،‬ومتصفين بكل‬
‫كمال بشري ممكن‪ ،‬ومتجردين عن كل نقص‬
‫ورذيلة‪ ،‬ولم يكن الرسول الكريم محمد صلى الله‬
‫‪3‬‬
‫عليه وسلم بدعا من الرسل ول استثناء منهم في‬
‫مث دل كك ك د‬
‫م‬ ‫شلر م‬‫ما أ قَقَنا ب قَ قَ‬ ‫شيء من ذلك قال تعالى‪} :‬قك د‬
‫ل إ من ل قَ‬
‫يوحى إل قَ قَ‬
‫حد ل{ )الكهف‪ :‬من الية‬ ‫م إ مل قَ ل‬
‫ه قَوا م‬ ‫ما إ مل قَهكك ك د‬
‫ي أن ل قَ‬
‫م ل‬ ‫ك قَ‬
‫‪ (110‬بل كان عليه السلم أكملهم جميعا على‬
‫الطلق‪ ،‬إذ جمع الله في شخصه من الكمالت ما‬
‫لم يجتمع لحد منهم‪ ،‬فعلم البشرية دينها بكمال‬
‫إيمانه بالله وعظيم تقواه إياه‪ ،‬وأرشدهم إلى‬
‫مكارم الخإلق بنقاء شمائله‪ ،‬وهداهم إلى مصالح‬
‫الدنيا بحسن سياسته وعدالة أحكامه‪.‬‬
‫غير أن بعض الناس قد يقع ضحية تضليل إعلمي‪،‬‬
‫أو يصدق من يمتهن الكتابة والتأليف وهو عار عن‬
‫النصاف والموضوعية‪ ،‬فيؤمن بما يثير حول هذا‬
‫النبي الكريم من شبهات‪ ،‬وما يلصق بعرضه من‬
‫نقائص‪ ،‬فيعمى بصره عن جمال سيرته‪ ،‬ويحال‬
‫دون أنفه من طيب خإصاله‪ ،‬وبالتالي يصرف عن‬
‫هديه‪ ،‬وقد كان سهل عليه أن يدرك الحقيقة وأن‬
‫يزيل عن بصره الغشاوةا‪ ،‬لو سأل المحققين من‬
‫أهل العلم من المسلمين‪ ،‬أو راجع المنصفين من‬
‫الكتاب من غيرهم‪ ،‬ليجد الحقائق التاريخية‬
‫والشرعية متضافرةا لتبرئة النبي الكريم من كل‬
‫رذيلة وفضيحة‪.‬‬
‫المؤلف‬
‫انجوغو امبكي صمب‬

‫‪4‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫الواقع والواجب في الواقع‬
‫مناسبة كتابة هذا البحث هي تنامي ظاهرةا‬
‫الساءةا إلى السلم‪ ،‬وتتابع حملت الطعن في‬
‫مقدسات المسلمين‪ ،‬والسخرية من شعائرهم‬
‫وشرائعهم‪ ،‬في حملت مسعورةا يقودها ساسة‬
‫ورجال دين‪ ،‬تساندهم وسائل إعلم متنوعة‪ ،‬إلى‬
‫أن وصلت هذه الحملت للتعرض لرسول الله ‪‬‬
‫بالساءةا إلى شخصه الكريم‪ ،‬وتناول زوجاته‬
‫الطاهرات‪ ،‬والتشويه لجهاده في سبيل الله‪...‬‬
‫حيث نشرت صحيفة )‪( jyllads-posten‬‬
‫الدنمركية صورا كركتيرية تمثل رسول الله ‪ ‬في‬
‫صورةا الشهواني اللهث وراء النساء‪ ،‬والسفاح‬
‫المتعطش للدماء‪ ،‬والهمجي المتجرد من كل‬
‫قيم النسانية والحضارةا!!‬
‫وتبعتها صحف أخإرى نرويجية‪ ،‬ثم فرنسية‪،‬‬
‫وهلم جرا‪...‬‬
‫وانفجر الشارع السلمي غضبا وغيظا‪ ،‬وتعالت‬
‫الصوات بالدانة والستنكار‪ ،‬فنظمت‬
‫المظاهرات‪ ،‬وتليت الخطب الحماسية‪ ،‬بل‬
‫وأحرقت العلم والسفارات‪ ،‬ونودي‬
‫للمؤتمرات‪ ،‬غير أن الكثير من هذه العمال‬
‫بغض النظر عن مدى شرعية بعضها و جدواها أو‬
‫‪5‬‬
‫عدمهما‪ ،‬تفتقد إلى أبسط مواصفات النصرةا‬
‫الحقيقية للمصطفى ‪ ،‬إذ أن نصرته ليست‬
‫غضبة عارمة ل تلبث أن تهدأ‪ ،‬ول مظاهرةا شاغبة‬
‫ل ترمي إلى هدف‪ ،‬ول ترتيل لقائمة اللعنات‬
‫المهلكة لليهود والنصارى‪ ،‬وتارةا لحكام‬
‫المسلمين وغيرهم‪...‬‬
‫إن النصرةا الحقيقية لرسول الله ‪ ‬ينبغي أن‬
‫تكون نصرةا علمية تخاطب في الناس عقولهم‬
‫وفطرهم‪ ،‬وليست عاطفية تفقد البصيرةا ول‬
‫تهدي الخصم‪.‬‬
‫ويجب أن تكون نصرةا عملية تسلك المنهج‬
‫الشرعي في النتصار‪ ،‬وتستفيد من الساليب‬
‫والوسائل الفعالة‪ ،‬وتسعى لتحصيل المصالح‬
‫وتكثيرها‪ ،‬وتعطيل المفاسد وتقليلها‪ ،‬وليست‬
‫مثالية تحلق في خإيال جانح‪ ،‬ل تراعي قاعدةا‬
‫شرعية‪ ،‬ول مصلحة إنسانية‪ ،‬فتجني على نفسها‬
‫قبل عدوها‪.‬‬
‫ول بد أن تكون هذه النصرةا شاملة تنتظم كل‬
‫غيور من المة وكل منصف من البشر‪ ،‬ل يقوم‬
‫بها فئة دون أخإرى‪ ،‬فللعلماء دورهم في توعية‬
‫الجماهير وإرشادهم‪ ،‬وللمراء دورهم في حماية‬
‫مقدسات السلم بما في أيديهم من سلطة‬
‫ونفوذ‪ ،‬كما للتجار دورهم في نصرةا المصطفى‬
‫‪6‬‬
‫ليس فقط في مقاطعة بضائع العداء‪ ،‬ولكن‬
‫أيضا في دعم كل مشروع جاد لنصرةا النبي‬
‫الكريم ‪ ،‬فنصرةا المصطفى ‪ ‬فريضة على كل‬
‫مسلم ومسلمة)‪.(1‬‬
‫وأخإيرا يجب أن تكون نصرةا دائمة تستغرق كل‬
‫حياتنا‪ ،‬فل ننصر رسول الله في يوم دون يوم‪،‬‬
‫ول في شهر دون شهر‪ ،‬ول سنة دون أخإرى‪،‬‬
‫فننصره أول في أنفسنا بعد اليمان به باتباع‬
‫سنته وهديه وعدم التقدم بين يديه في شيء‪،‬‬
‫وترك البدع والمحدثات في الدين‪ ،‬حتى يأتينا‬
‫اليقين ونحشر يوم القيامة معه ‪ ‬ومع صحابته‬
‫الكرام رضي الله عنهم‪ ،‬فنحظى بشفاعته ‪،‬‬
‫ونسقى من حوضه شربة هنيئة ل نظمأ بعدها‬
‫أبدا‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإليكم مشاركة متواضعة في النصرةا‬
‫الحقيقية للمصطفي ‪ ،‬تشتمل على تحقيق‬
‫علمي حول ما أثير من شبهات حول تعدد‬
‫زوجاته‪ ،‬وحول جهاده‪ ،‬وحول أخإلقه وشمائله‪،‬‬
‫وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن‬
‫)‪ (1‬عند بداية كتابة هذا البحث كان هناك مباراةا ودية بين الفريق‬
‫الوطني السنغالي والفريق الوطني النرويجي ‪ ،‬مما يدل على‬
‫موت الغيرةا السلمية وغياب عقيدةا الولء والبراء لدى‬
‫المنظمين لهذه المباراةا والمساهمين في ترويجها من‬
‫المسلمين ‪ ،‬كان ذلك بتاريخ ‪ 5‬مارس ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫يتقبلها قبول حسنا‪ ،‬ويثقل بها موازين أعمالنا يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وأن ينيلنا بها ووالدينا وجميع المسلمين‬
‫شفاعة رسوله الكريم‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل الول‪:‬‬
‫القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول‬
‫الكريم ‪‬‬
‫إن من أكثر الشبهات إثــارةا حــول رســول اللــه‬
‫محمد ‪ ‬كونه متزوجا بعدد كبير من النساء‪ ،‬فــاق‬
‫العدد المسموح به في الشريعة الســلمية لكــل‬
‫مسلم‪ ،‬ولم يجد مثيرو هذه الشبهة أو لـم يريـدوا‬
‫أن يجــدوا مفســرا لهــذا المــر غيــر قــولهم‪) :‬إن‬
‫محمدا رجل شهواني‪ !(..‬وفي هذا الفصل سوف‬
‫نفند شبهتهم‪،‬ونزيل التهمة عن سيد ولد ابن آدم‪،‬‬
‫بمــــا نــــورده إن شــــاء اللــــه مــــن حقــــائق‬
‫تاريخيــة‪،‬ومقــررات شــرعية‪ ،‬تهتــك ســتر هــذه‬
‫الفرية وتكشف زيفها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المبحث الول‪:‬‬
‫كون زواجه من كمال بشريته‬
‫إن مما أجمع عليه العقلء وتواطأ عليه الفضلء‬
‫أن الزواج بالنســبة للبــالغين مــن الرجــال كمــال‬
‫وليس نقصا‪ ،‬وما ينتج عنــه مــن أولد وذريــة ممــا‬
‫طبع كل إنسان علــى محبتــه والعــتزاز بــه‪ ،‬قــال‬
‫سـاءم‬ ‫ن الن ي قَ‬ ‫مـ قَ‬ ‫ت م‬ ‫وا م‬ ‫شـهقَ قَ‬ ‫ب ال ل‬ ‫حـ ت‬ ‫س ك‬ ‫ن ملللنا م‬ ‫تعالى‪} :‬كزي ي قَ‬
‫ضــةم‬ ‫ف ل‬ ‫ب قَوال د م‬ ‫ن الذ لهقَ م‬ ‫م قَ‬ ‫قن دط قَقَرةام م‬ ‫م قَ‬‫طيرم ال د ك‬ ‫ققَنا م‬ ‫ن قَوال د قَ‬‫قَوال دب قَمني قَ‬
‫مت قَــاع ك‬‫ك قَ‬ ‫ث ذ قَل مــ قَ‬ ‫حــدر م‬ ‫مةم قَوادل قَن دعقَــام م قَوال د قَ‬ ‫ســول قَ‬‫م قَ‬ ‫ل ال د ك‬‫خي د م‬‫قَوال د قَ‬
‫ب{ )آل‬ ‫مــآَ م‬ ‫ن ال د قَ‬ ‫ســ ك‬ ‫ح د‬ ‫عدنــد قَه ك ك‬‫ه م‬ ‫حقَيــاةام الــد تن دقَيا قَوالللــ ك‬ ‫ال د قَ‬
‫عمران‪ (14:‬ولذلك نرى ذكور كل شــعب وقبيلــة‬
‫مــن البشــر يــتزوجون إذا بلغــوا مبلــغ الرجــال‪،‬‬
‫ويعدون من لم يتزوج منهــم أو لــم يقــدروا علــى‬
‫النكــاح ناقصــين غيــر كــاملين‪ ،‬وكــذلك الديــان‬
‫الســماوية شــرعت للنــاس الــزواج عنــد تــوفر‬
‫الشــروط الماديــة والمعنويــة‪ ،‬وعلــى رأس مــن‬
‫شرع لهم الزواج أنبياء اللــه تعــالى ورســله قــال‬
‫تعالى‪} :‬ول قَ قَ قَ‬
‫م‬ ‫جعقَل دقَنا ل قَهكــ د‬ ‫ك وقَ قَ‬ ‫ن ققَب دل م قَ‬ ‫م د‬ ‫سل ل م‬ ‫سل دقَنا كر ك‬ ‫قد د أدر قَ‬ ‫قَ‬
‫ة{ )الرعد‪ :‬من الية ‪.(38‬‬ ‫أ قَدزقَواجا ل وقَذ كيري ل ل‬
‫ولذلك كان زواج رسول الله ‪ ‬دليل عمليا علــى‬
‫كمــال بشــريته‪ ،‬حيــث تــزوج لمــا بلــغ الخــامس‬
‫والعشــرين مــن عمــره‪ ،‬بالســيدةا خإديجــة بنــت‬
‫خإويلد رضي الله عنها وكانت قبله تحت عائذ بــن‬
‫‪10‬‬
‫عبد الله بن مخزوم فمات عنها فتزوجها بعده أبو‬
‫هالة بن زرارةا التميمي‪ ،‬ثم مات عنها ثم تزوجهــا‬
‫رســول اللــه بعــد أن أبــدت لــه رضــي اللــه عنهــا‬
‫رغبتهـا فـي الــزواج بـه ‪ ،‬لمــا رأت مــن ســجاياه‬
‫الكريمة وشيمه النبيلة)‪ ،(1‬فبعثت إلي ه تق ول‪ :‬ي ا‬
‫ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك فــي‬
‫قومــك‪ ،‬وحســن خإلقــك وصــدق حــديثك‪ ،‬وكــانت‬
‫رضي الله عنها يومئذ مــن أوســط نســاء قريــش‬
‫نســبا وأعظمهــن شــرفا وأكــثرهن مــال‪ ،‬فــذكر‬
‫رسول الله ذلك لعمامه‪ ،‬فخرج معه عمه حمزةا‬
‫بن عبد المطلب وعمـه أبـو طـالب‪ ،‬حـتى دخإلـوا‬
‫علــى والــدها خإويلــد فخطبوهــا إليــه فزوجهــا‪,‬‬
‫وأصدقها رسول الله عشرين بكرةا‪ ،‬وحضر العقد‬
‫بنو هاشم ورؤساء مضــر‪ ،‬ورزق الرســول ‪ ‬مــن‬
‫أم المؤمنين خإديجــة رضــي اللــه عنهــا ســتة مــن‬
‫الولــد هــم القاســم وعبــد اللــه ورقيــة وزينــب‬
‫وفاطمة و أم كلثوم‪ ،‬ولم يرزق من غيرهــا ولــدا‪،‬‬
‫إل من مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلم)‪.(2‬‬
‫ولـم يـتزوج ‪ ‬بـامرأةا أخإـرى فـي حيـاةا خإديجـة‬
‫رضي الله عنها‪ ،‬ثم تزوج بمكة سودةا بنت زمعــة‬
‫وهي ثيب إذ كانت قبله تحت السكران بن عمــرو‬
‫)‪ (1‬ابن هشام‪ ،‬السيرةا النبوية ج ‪ 2‬ص ‪ 5‬ط دار الجيل ـ بيروت‬
‫‪1411‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬المصدر نفسه ج ‪ 2‬ص ‪.9‬‬
‫‪11‬‬
‫أخإــي ســهيل بــن عمــرو‪ ،‬وكــان قــد هــاجر إلــى‬
‫الحبشة فتنصر ومات بها كافرا فزوجه بها والدها‬
‫زمعة بن قيس‪ ،‬ثم تزوج بعدها عائشة بنــت أبــي‬
‫بكر الصديق‪ ،‬وكانت صغيرةا السن‪ ،‬فلم يبــن بهــا‬
‫حتى هاجر إلــى المدينــة‪ ،‬ثــم تــزوج حفصــة بنــت‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬وكانت قبله تحــت خإنيــس بــن‬
‫حذافة السهمي و استشــهد فــي غــزوةا أحــد‪ ،‬ثــم‬
‫تزوج أم سلمة بنت أبي أمية المخزومي‪ ،‬وكــانت‬
‫قبله عند أبــي ســلمة بــن عبــد الســد‪ ،‬ثــم تــزوج‬
‫زينب بنت خإزيمة أم المساكين‪ ،‬وكانت قبله عند‬
‫الطفيل بن الحارث بن عبــد المطلــب‪ ،‬ثــم تــزوج‬
‫جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية مــن‬
‫بنــي المصــطلق‪ ،‬وكــانت قبلــه عنــد مالــك بــن‬
‫صفوان المصطلقي‪ ،‬ثم تزوج أم حبيبة رملة بنت‬
‫أبى سفيان وكانت قبله عند عبيد الله بن جحــش‬
‫وهو من مهاجرةا الحبشة وتنصــر ومــات بهــا‪ ،‬ثــم‬
‫زوجه الله زينب بنت جحــش وكــانت قبلــه تحــت‬
‫زيد بن حارثة مولى رسول الله ‪ ،‬ثم تزوج صفية‬
‫بنت حيي بن أخإطب وكانت قبله عنــد ســلم بــن‬
‫مشكم ثم كنانة بن الربيع‪ ،‬ثم تزوج ميمونـة بنـت‬
‫الحارث الهللية وكانت قبله عند عمير بن عمــرو‬
‫الثقفي ثم عمير أبى زهير‪ ،‬ثم تزوج شراف بنــت‬
‫خإليفة الكلبي وتوفيت قبل أن يبني بها‪ ،‬ثم تــزوج‬
‫‪12‬‬
‫الشنباء بنت عمرو الغفارية‪ ،‬فلمــا مــات إبراهيــم‬
‫قالت‪ :‬لو كان نبيا ما مات ولده فطلقها‪ ،‬ثم تزوج‬
‫عربــة بنــت جــابر الكلبيــة‪ ،‬فلمــا قــدمت إليــه ‪‬‬
‫استعاذت منه بالله ففارقها‪ ،‬ثم تزوج العالية بنت‬
‫ظبيان‪ ،‬بنى بها ثم فارقها وردها إلــى أهلهــا لعلــة‬
‫كــانت بهــا‪ ،‬وتســرى رســول اللــه ‪ ‬بماريــة بنــت‬
‫شمعون القبطية وريحانة بنت زيد القرظية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫زوجات رسول الله ‪ ‬أمهات المؤمنين‪:‬‬
‫وكان من شرف نسائه ‪ ‬أن كن تحــت أفضــل‬
‫زوج و أعـــدله‪ ،‬وجعلهـــن اللـــه أمهـــات لجميـــع‬
‫ي‬‫المؤمنين إلى يــوم القيامــة قــال تعــالى‪} :‬الن لب مــ ت‬
‫م{‬
‫فسهم وأ قَزواجــ ك‬ ‫أ قَوقَلى بال دمؤ دممنين م قَ‬
‫مقَهــات كهك د‬ ‫هأ ل‬ ‫ن أن د ك م م د قَ د قَ ك ك‬ ‫م ك م قَ م د‬ ‫د‬
‫)الحزاب(‪ ،‬ولذلك حرم الله الزواج بهن حتى بعد‬
‫م‬ ‫ن ل قَك كــ د‬ ‫مــا ك قَــا قَ‬ ‫وفاةا رسول الله ‪ ‬فقال تعالى‪} :‬وقَ قَ‬
‫قَ‬ ‫قَ‬ ‫قَ‬
‫ن‬ ‫مــ د‬ ‫ه م‬‫جــ ك‬ ‫حــوا أدزقَوا قَ‬ ‫ن ت قَن دك م ك‬ ‫ل الل لــهم قَول أ د‬ ‫سو قَ‬ ‫ن ت كؤ دكذوا قَر ك‬ ‫أ د‬
‫ظيمــا ل{‬
‫قَ‬
‫عدنــد قَ الللــهم ع قَ م‬ ‫ن م‬ ‫كــا قَ‬‫م قَ‬ ‫كــ د‬ ‫ن ذ قَل م ك‬ ‫ب قَدعــد مهم أقَبــدا ل إ م ل‬
‫)الحزاب‪ :‬من الية ‪.(53‬‬
‫بيـــت الرســـول الكريـــم والمشـــاكل‬
‫الزوجية‪:‬‬
‫وكان بيــت زوج النبــوةا كســائر بيــوت الزوجيــة‬
‫فيما يحدث فيها من فرح وسعادةا لما تغمره مــن‬
‫ن‬ ‫خإقَلــققَ ل قَ ك‬ ‫قَ‬
‫مــ د‬ ‫م م‬ ‫كــ د‬ ‫ن قَ‬ ‫ن آقَيــات مهم أ د‬ ‫مــ د‬ ‫مــودةا ورحمــة }وقَ م‬
‫فسك ك قَ‬ ‫قَ‬
‫مــوقَد لةا ل‬ ‫م قَ‬ ‫ل ب قَي دن قَك ك د‬ ‫جعقَ قَ‬ ‫سك ككنوا إ مل قَي دقَها وقَ قَ‬ ‫م أدزقَواجا ل ل مت قَ د‬ ‫أن د ك م د‬
‫ن{‬ ‫كــكرو قَ‬ ‫ف ل‬ ‫قــودم ت ي قَت قَ قَ‬ ‫ت ل م قَ‬ ‫ك قَليــا ت‬ ‫ن مفــي ذ قَملــ قَ‬ ‫ة إم ل‬‫مــ ل‬‫ح قَ‬
‫وقَقَر د‬
‫)الــــروم‪ (21:‬و قــــد كــــان ‪ ‬يــــداعب أهلــــه‬
‫ويضاحكهن‪ ،‬ليدخإل السرور في نفوسهن‪.‬‬
‫غير أنــه كــان يحــدث فــي بيتــه مشــاكل مثــل‬
‫النقص في النفقة الواجبة أو المســتحبة‪ ،‬وكــذلك‬
‫الغيــرةا بيــن الضــرائر‪ ،‬والهجــر أو الطلق وهلــم‬

‫‪14‬‬
‫جرا‪ ،‬وهاك طرفا مما كان يحــدث مــن ذلــك فــي‬
‫بيت زوج النبوةا الطاهرةا‪:‬‬
‫قال المام البخاري رحمه اللــه تعــالى‪) :‬حــدثنا‬
‫يحيى بن بكير حدثنا الليــث عــن عقيــل عــن ابــن‬
‫شهاب قال أخإبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي‬
‫ثور عن عبـد اللـه بـن عبـاس رضـي الل ه عنهمـا‬
‫قال‪ :‬لم أزل حريصا علــى أن أســأل عمــر ‪ ‬عــن‬
‫المرأتين من أزواج النبي ‪ ‬اللتين قال الله لهمــا‪:‬‬
‫مـــا{‬ ‫ت قككلوب كك ك قَ‬
‫صـــغقَ د‬ ‫قـــد د قَ‬ ‫ن ت قَكتوب قَـــا إ مل قَـــى الل لـــهم فقَ قَ‬
‫}إ م د‬
‫)التحريــم‪ :‬مــن اليــة ‪ (4‬فحججــت معــه فعــدل‬
‫وعدلت معه بــالداوةا فتــبرز حــتى جــاء فســكبت‬
‫علــى يــديه مــن الداوةا فتوضــأ فقلــت يــا أميــر‬
‫المؤمنين من المرأتان من أزواج النــبي ‪ ‬اللتــان‬
‫ن ت قَكتوقَبا إ مل قَــى الل لــهم فقَققَــد د‬
‫قال الله عز وجل لهما‪} :‬إ م د‬
‫مــا{؟ فقــال‪ :‬وا عجــبي لــك يــا ابــن‬ ‫ت قككلوب كك ك قَ‬ ‫صــغقَ د‬ ‫قَ‬
‫عباس عائشة وحفصة‪ ،‬ثم استقبل عمر الحــديث‬
‫يسوقه فقال‪ :‬إني كنت وجار لي من النصار في‬
‫بني أمية بن زيد وهي من عــوالي المدينــة‪ ،‬وكنــا‬
‫نتناوب النزول على النــبي ‪ ‬فينــزل يومــا وأنــزل‬
‫يوما‪ ،‬فإذا نزلت جئتــه مــن خإــبر ذلــك اليــوم مــن‬
‫المر وغيــره‪ ،‬وإذا نــزل فعــل مثلــه وكنــا معشــر‬
‫قريش نغلب النساء فلما قدمنا على النصــار إذا‬
‫هم قوم تغلبهم نســاؤهم فطفــق نســاؤنا يأخإــذن‬
‫‪15‬‬
‫مــن أدب نســاء النصــار فصــحت علــى امرأتــي‬
‫فراجعتنــي فــأنكرت أن تراجعنــي فقــالت‪ :‬ولــم‬
‫تنكر أن أراجعك فــوا اللــه إن أزواج النــبي صــلى‬
‫الله عليه وســلم ليراجعنــه وإن إحــداهن لتهجــره‬
‫اليوم حــتى الليــل! فــأفزعني فقلــت خإــابت مــن‬
‫فعل منهن بعظيم‪ ،‬ثم جمعت علي ثيابي فدخإلت‬
‫على حفصة فقلت‪ :‬أي حفصة أتغاضــب إحــداكن‬
‫رسول الله ‪ ‬اليوم حــتى الليــل؟ فقــالت‪ :‬نعــم‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬خإابت وخإسرت‪ ،‬أفتــأمن أن يغضــب اللــه‬
‫لغضــب رســوله ‪ ‬فتهلكيــن‪ ،‬ل تســتكثري علــى‬
‫رسول الله ‪ ‬ول تراجعيه فــي شــيء ول تهجريــه‬
‫واسأليني ما بدا لك‪ ،‬ول يغرنك أن كــانت جارتــك‬
‫هي أوضأ منك وأحب إلى رســول اللــه ‪ ‬ـ يريــد‬
‫عائشةـــ وكنــا تحــدثنا أن غســان تنعــل النعــال‬
‫لغزونا‪ ،‬فنــزل صــاحبي يــوم نــوبته فرجــع عشــاء‬
‫فضــرب بــابي ضــربا شــديدا وقــال‪ :‬أنــائم هــو ؟‬
‫ففزعت فخرجت إليه وقــال حــدث أمــر عظيــم‪،‬‬
‫قلت ما هو أجاءت غسان؟ قال‪ :‬ل بل أعظم منه‬
‫وأطول طلق رسول الله ‪ ‬نساءه‪ ،‬قال قد خإابت‬
‫حفصة وخإسرت‪ ،‬كنــت أظــن أن هــذا يوشــك أن‬
‫يكون‪ ،‬فجمعت علي ثيابي فصليت صــلةا الفجــر‬
‫مــع النــبي ‪ ‬فــدخإل مشــربة لــه فــاعتزل فيهــا‪،‬‬
‫فــدخإلت علــى حفصــة فــإذا هــي تبكــي قلــت مــا‬
‫‪16‬‬
‫يبكيك؟ أولم أكن حذرتك أطلقكن رسول الله ‪‬؟‬
‫قــالت‪ :‬ل أدري هــو ذا فــي المشــربة‪ ،‬فخرجــت‬
‫فجئــت المنــبر فــإذا حــوله رهــط يبكــي بعضــهم‪،‬‬
‫فجلسـت معهـم قليل ثـم غلبنـي مـا أجـد فجئـت‬
‫المشــربة الــتي هــو فيهــا فقلــت لغلم لــه أســود‬
‫اســتأذن لعمــر‪ ،‬فــدخإل فكلــم النــبي ‪ ‬ثــم خإــرج‬
‫فقال‪ :‬ذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست‬
‫مع الرهط الذين عند المنــبر‪ ،‬ثــم غلبنــي مــا أجــد‬
‫فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عنــد‬
‫المنبر‪ ،‬ثــم غلبنــي مــا أجــد فجئــت الغلم فقلــت‬
‫استأذن لعمر‪ ،‬فذكر مثلــه‪ ،‬فلمــا وليــت منصــرفا‬
‫فإذا الغلم يدعوني قال‪ :‬أذن لك رســول اللــه ‪،‬‬
‫فدخإلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصــير‬
‫ليس بينــه وبينــه فــراش‪ ،‬قــد أثــر الرمــال بجنبــه‬
‫متكــئ علــى وســادةا مــن أدم حشــوها ليــف‪،‬‬
‫فســلمت عليــه ثــم قلــت وأنــا قــائم‪ :‬طلقــت‬
‫نساءك؟ فرفع بصره إلي فقال‪ :‬ل‪ ،‬ثم قلت وأنــا‬
‫قائم أســتأنس‪ :‬يــا رســول اللــه لــو رأيتنــي وكنــا‬
‫معشر قريــش نغلــب النســاء‪ ،‬فلمــا قــدمنا علــى‬
‫قوم تغلبهم نساؤهم‪ ،‬فذكره فتبسم النــبي ‪ ،‬ثــم‬
‫قلت لــو رأيتنــي ودخإلــت علــى حفصــة فقلــت ل‬
‫يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى‬
‫النــبي ‪ ‬يريــد عائشــة‪ ،‬فتبســم أخإــرى‪ ،‬فجلســت‬
‫‪17‬‬
‫حين رأيته تبسم‪ ،‬ثم رفعت بصري فــي بيتــه فــوا‬
‫الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبــة ثلثــة‪،‬‬
‫فقلت ادع الله فليوسع علــى أمتــك فــإن فــارس‬
‫والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم ل يعبدون‬
‫الله‪ ،‬وكان متكئا فقال‪ :‬أو في شــك أنــت يــا ابــن‬
‫الخطاب أولئــك قــوم عجلــت لهــم طيبــاتهم فــي‬
‫الحياةا الدنيا‪ ،‬فقلت يــا رسـول اللـه اســتغفر لــي‬
‫فــاعتزل النــبي ‪ ‬مــن أجــل ذلــك الحــديث حيــن‬
‫أفشته حفصة إلى عائشة‪ ،‬وكان قــد قــال مــا أنــا‬
‫بداخإل عليهن شــهرا مــن شــدةا موجــدته عليهــن‬
‫حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشــرون دخإــل‬
‫علــى عائشــة فبــدأ بهــا فقــالت لــه عائشــة إنــك‬
‫أقســمت أن ل تــدخإل علينــا شــهرا وإنــا أصــبحنا‬
‫لتسع وعشرين ليلة أعــدها عــدا! فقــال النــبي ‪:‬‬
‫الشهر تسع وعشرون وكــان ذلــك الشــهر تســعا‬
‫وعشرين‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فأنزلت آية التخيير فبدأ‬
‫بي أول امرأةا فقال‪ :‬إني ذاكر لك أمرا ول عليــك‬
‫أن ل تعجلــي حــتى تســتأمري أبويــك‪ ،‬قــالت قــد‬
‫أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫إن الله قال‪} :‬قَيا أ قَي تها الن لبي قك د قَ‬
‫ن‬ ‫ن ك كن دكتــ ل‬ ‫ك إم د‬ ‫ج قَ‬ ‫ل ملدزقَوا م‬ ‫م ت‬ ‫قَ‬
‫ك‬
‫ن‬ ‫كــ ل‬‫مت يعد ك‬ ‫ن أ قَ‬ ‫حقَيــاةا قَ الــد تن دقَيا وقَمزين قَت قَقَهــا فقَت قَقَعــال قَي د قَ‬
‫ن ال د قَ‬ ‫كتــرمد د قَ‬
‫ك‬
‫ن الل لــ قَ‬
‫ه‬ ‫ن ت كــرمد د قَ‬ ‫ن ك كن دت كــ ل‬ ‫ميل ل وقَإ م د‬ ‫ج م‬ ‫ســقَراحا ل قَ‬ ‫ن قَ‬ ‫حك ك ل‬ ‫ســير د‬ ‫وقَأ قَ‬
‫ت‬ ‫سـقَنا م‬ ‫ح م‬ ‫م د‬‫عـد ل ل مل د ك‬ ‫ه أ قَ قَ‬‫ن الل ل قَ‬ ‫خإقَرةا قَ فقَإ م ل‬ ‫داقَر ادل م‬‫ه قَوال ل‬ ‫سول قَ ك‬ ‫وقَقَر ك‬
‫‪18‬‬
‫ظيمــا ل{ )الحــزاب‪ (29-28:‬إلــى‬ ‫منك كــ قَ‬
‫جــرا ل ع قَ م‬
‫نأ د‬ ‫م د ل‬
‫قوله‪} :‬عظيما{ قلــت‪ :‬أفــي هــذا أســتأمر أبــوي‬
‫فإني أريد الله ورسوله والــدار الخإــرةا‪ ،‬ثــم خإيــر‬
‫نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة()‪.(1‬‬
‫ولعل القاري الكريم قــد يســتغرب ويتســاءل عــن‬
‫مغــزى ســياق هــذا الحــديث بطــوله‪ ،‬والمغــزى هــو‬
‫التنبيه إلى أن زوجات النبي الطــاهرات رضــي اللــه‬
‫عنهن لسن مجموعة من الملئكــة معصــومات ممــا‬
‫يعتري سائر النساء في حياتهن الزوجيــة وعلقتهــن‬
‫بعلتهــن‪ ،‬إذ لــو كــن كــذلك لمــا ظهــرت الحكــم‬
‫والمقاصد التي وراء تعددهن واخإتلفهن‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وبطبيعة الحال قد اكتسب رسول اللــه ‪ ‬مــن‬
‫زواجــه مــن مختلــف القبائــل والشــعوب نســبا فــي‬
‫النــاس وصــهرا‪ ،‬فــأبقى اللــه نســبه الشــريف فــي‬
‫العالمين إلى ما شــاء اللــه‪ ،‬يتعبـد المســلمين ربهـم‬
‫بمحبتهــم وإكرامهــم‪ ،‬والــدعاء لهــم دبــر كــل صــلةا‬
‫بالرحمة والمغفرةا والبركة مــن اللــه تعــالى‪ ،‬فصــل‬
‫اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما‪.‬‬


‫‪19‬‬
‫المبحث الثاني ‪:‬‬
‫خإصوصية النبي في باب الزواج ‪.‬‬
‫إنه رغم كون الــزواج ممــا شــرعه اللــه لعبــاده‬
‫وســنه نــبيه الكريــم لمتــه‪ ،‬فــإن لرســول اللــه‬
‫خإصوصــية ل يشــاركه فيهــا أحــد مــن أمتــه وهــي‬
‫زواجه بأكثر من أربع نساء‪ ،‬فقد قال اللــه تعــالى‬
‫ن‬
‫مبينا حدود مـا يبـاح للمسـلم مـن النسـاء‪} :‬وقَإ م د‬
‫ب‬‫طــا قَ‬‫مــا قَ‬ ‫حوا قَ‬ ‫مى قَفان دك م ك‬ ‫طوا مفي ال دي قَقَتا قَ‬ ‫س ك‬ ‫ق م‬ ‫م أ قَلل ت ك د‬
‫فت ك د‬‫خإ د‬
‫م‬
‫فتــم أللقَ‬
‫خإ د ك د‬ ‫ن م‬ ‫ث وقَكرقَباع قَ فقَــإ م د‬ ‫مث دقَنى وقَكثل قَ‬ ‫سامء قَ‬ ‫ن الن ي قَ‬ ‫قَ‬ ‫م‬
‫م م‬ ‫ل قَك ك د‬
‫ك أ قَد دن قَــى أ قَلل‬ ‫م ذ قَل م قَ‬‫مان كك ك د‬
‫حدةا ل أ قَو ما مل قَك قَ قَ‬
‫ت أي د قَ‬ ‫د‬ ‫د قَ قَ‬ ‫وا م قَ‬ ‫ت قَعدد مكلوا فقَ قَ‬
‫ت قَكعوكلوا{ )النساء‪ ،(3:‬ومع ذلك جمع رسول اللــه‬
‫احدى عشر امــرأةا‪ ،‬وكــان يــأمر مــن أســلم مــن‬
‫أصحابه وتحته أكثر من أربع أن يختار منهن أربعة‬
‫ويفارق سائرهن‪ ،‬فعن مالك عن ابن شــهاب أنــه‬
‫قال بلغني أن رسول الله ‪ ‬قال لرجل من ثقيف‬
‫أسلم وعنده عشــر نســوةا حيــن أســلم الثقفــي‪:‬‬
‫))أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن(()‪.(1‬‬
‫وهذه الخصوصية فضــل ومنــة مــن اللــه تعــالى‬
‫على رسوله ‪ ،‬ناسب ما كان يمتع به مــن منزلــة‬
‫وشرف على أمته‪ ،‬وما رزقه الله من قــوةا بدنيــة‬
‫وباءةا في النكاح يؤدي بها حقوق أهلــه تامــة غيــر‬

‫)‪ (1‬رواه مالك الموطأ و الترمذي وغيرهما‪.‬‬


‫‪20‬‬
‫منقوصة)‪ ،(1‬روى البخاري رحمه الله بسنده ع ن‬
‫أنــس بــن مالــك قــال‪ :‬كــان النــبي ‪ ‬يــدور علــى‬
‫نسائه فــي الســاعة الواحــدةا مــن الليــل والنهــار‬
‫وهن إحـدى عشـرةا‪ ،‬قـال‪ :‬قل ت لنـس‪ :‬أو ك ان‬
‫يطيقــه؟ قــال‪ :‬كنــا نتحــدث أنــه أعطــي قــوةا‬
‫ثلثين()‪.(2‬‬
‫ومن كمال عبوديته ‪ ‬لله تعالى وشــكره لنعمــه‬
‫سبحانه أنه وظف هــذه الخصوصــية فــي الــزواج‬
‫في تحقيق غايات جليلة وتحصيل مقاصد عظيمة‬
‫تعود على المة السلمية وعلى البشرية جمعــاء‬
‫بالخير العاجل والجل في الدنيا والخإرةا)‪.(3‬‬
‫والغريب هو أن أكثر الخائضين في هذه القضية‬
‫من أهل الكتـاب يعرفـون أن عـدد أزواج النـبي ‪‬‬
‫قليل جدا إذا قورن بأعداد بعــض مــن ســبقه مــن‬
‫أنبياء الله تعالى من بني إسرائيل حيث بلــغ عــدد‬
‫زوجات بعضهم المائة أو يقارب‪ ،‬وذلك مدون في‬
‫كتبهم إلى الن‪.‬‬
‫ثم إن التعدد في الزواج مسألة شرعية يبتلــي‬
‫الله به من آمن به من عباده بما يبيح له أو يحظر‬

‫)‪ (1‬انظر ‪ :‬زاد المعاد في هدي خإير العباد لبن قيم الجوزية ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 151‬ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت ‪.1407‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنفصل في ذكر هذه الغايات والمقاصد في الفصل الثاني‬
‫إن شاء الله‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫من عدد النساء ليعلم من يطيعه وينقــاد لوامــره‬
‫فيــثيبه علــى ذلــك‪ ،‬ومــن يعصــيه ويتمــرد عليــه‬
‫فيستحق عقابه وغضبه والعياذ بالله‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫خإل قَق ال دموت وال دحياةا قَ ل ميبل كوك كم أ قَيك ك قَ‬
‫ن‬
‫ســ ك‬
‫ح قَ‬
‫مأ د‬ ‫قَ د قَ د ت د‬ ‫ذي قَ قَ قَ د قَ قَ قَ قَ‬ ‫}ا ل ل م‬
‫فــوكر{ )الملــك‪ ، (2:‬ومهمــا‬ ‫مل ل وقَهكــوقَ ال دعقَزميــكز ال دغقَ ك‬ ‫ع قَ قَ‬
‫وصل إليه المرء من عدد الزوجــات و فــي حــدود‬
‫ما أذن الله به‪ ،‬فهو خإير ممــا يقــع فيــه كــثير مــن‬
‫الرؤساء والقادةا من غير المسلمين من الســفاح‬
‫والشذوذ الجنسي‪ ،‬فكثيرا ما نسمع من أولد لهم‬
‫مــن غيــر بيــوت الزوجيــة بــل مــن الســكرتيرات‬
‫والعشيقات وغير هن‪ ،‬في قصص غرامية فاضحة‬
‫تنشــــر فــــي الصــــحف وكتــــب الروايــــات‬
‫والجاسوسية‪...‬‬

‫‪22‬‬
‫المبحث الثالث ‪:‬‬
‫حكمة تعدد زوجاته الطاهرات‪.‬‬
‫بعد أن تحدثنا في المبحــث الول والثــاني عــن‬
‫زواج رسول الله ‪ ‬وما خإصــه اللــه بــه فــي ذلــك‪،‬‬
‫فقــد آن الوان لبــراز القيــم الحضــارية النبيلــة‪،‬‬
‫والمقاصد الشــرعية الجليلــة‪ ،‬فــي تعــدد زوجــاته‬
‫الطــاهرات رضــي اللــه عنهــن‪ ،‬ثــم نحــاكم تهمــة‬
‫)الشــهوانية( الــتي رمــي ‪ ‬بهــا إلــى تلــك القيــم‬
‫والمقاصــد الــتي كــان يهــدف إلــى تحقيقهــا فــي‬
‫زيجــاته‪ ،‬كــي نــرى مــدى التباعــد بيــن ســلوك‬
‫)الشهواني( الذي يلهث وراء النساء يتخير منهــن‬
‫ملكات الجمال مــن البكــار والصــغيرات الســن‪،‬‬
‫كلما كبرت منهـن واحـدةا بـدل بهـا غيرهـا‪ ،‬وبيـن‬
‫صاحب مشروع حضاري فيه سعادةا البشرية في‬
‫الدنيا والخإرةا‪ ،‬أنيط عليه أمانة تبليغ رســالة اللــه‬
‫وتزكية نفوس الخلق‪ ،‬وتعليمهــم كــل شــيء فــي‬
‫حياتهم‪ ،‬كما قال تعالى مبينا وظيفته الشــريفة ‪:‬‬
‫م ي قَت دل كــو‬ ‫ك‬
‫ســول ل م‬
‫من دهكــ د‬ ‫ن قَر ك‬ ‫ث فمــي ادل ي‬
‫مي ييــ قَ‬ ‫ذي ب قَعقَــ قَ‬ ‫}هكوقَ ال ل م‬
‫ة‬ ‫حك د قَ‬
‫مــ قَ‬ ‫ب قَوال د م‬ ‫م ال دك مت قَــا قَ‬
‫مهكــ ك‬‫م وقَي كعقَل ي ك‬‫كيهم د‬ ‫م آقَيات مهم وقَي كقَز ي‬ ‫ع قَل قَي دهم د‬
‫ن{ )الجمع ة‪:‬‬ ‫مب ميــ ت‬ ‫ل ك‬ ‫ضــل ت‬ ‫في قَ‬ ‫ل ل قَ م‬
‫ن ققَب د ك‬‫م د‬ ‫كاكنوا م‬ ‫ن قَ‬ ‫وقَإ م د‬
‫‪ ،(2‬فانتخب من نساء زمانه أوعية للعلم ونواقل‬
‫للداب‪ ،‬ومعينـــات علـــى الطاعـــة‪ ،‬وســـفيرات‬
‫للنساء عند بيت النبوةا الكريمة‪ ،‬ولكل حادثة مــن‬
‫‪23‬‬
‫حوادث زواج رســول اللــه بهــن حــديث ينــم عــن‬
‫حكمة ومقصد‪.‬‬
‫وقد قسم العلمــة محمــد بــن علــي الصــابوني‬
‫الحكم والمقاصد الــتي مــن أجلهــا تــزوج رســول‬
‫الله بهــذا العــدد مــن النســاء إلــى أربعــة أقســام‬
‫وهي‪:‬‬
‫الحكم التشريعية‪ ،‬والحكم التعليميــة‪ ،‬والحكــم‬
‫الجتماعي ة‪ ،‬والحك م السياس ة)‪ (1‬وس وف نت ابعه‬
‫في هذا التقسيم الذي لم نر من سبقه إليه‪ ،‬لكن‬
‫سنزيد في المثلة والشواهد والتعليقات بحســب‬
‫ما يتطلبه المقام من المقال‪.‬‬

‫أول ‪ :‬الحكمة التشريعية‪:‬‬


‫بعث الله رسوله محمد ‪ ‬إلى الناس ليــدعوهم‬
‫إلــى عبــادةا اللــه وتوحيــده‪ ،‬وأن يقــوم النــاس‬
‫بالقسط في أخإلقهم ومعاملتهم‪ ،‬وكــان رســول‬
‫اللــه يبلــغ مــا أنــزل إليــه مــن ربــه بقــوله وفعلــه‬
‫وتقريره‪ ،‬وقد كان من عادةا العرب في الجاهليــة‬
‫)التبني(‪ ،‬وقد تابعهم رسول الله ‪ ‬لمــا لــم ينــزل‬
‫من الله في ذلك شيء بعد‪ ،‬حيــث تبنــى زيــد بــن‬
‫حارثة ‪ ‬الذي اخإتار صحبته وترك أباه وقومه فــي‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول ص ‪13‬‬


‫]بدون بيانات النشر[‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫قصــة طويلــة‪ ...‬حــتى أصــبح يــدعى زيــد بــن‬
‫محمد)‪.(2‬‬
‫ولما في هذه العــادةا الجاهليــة مــن المفاســد‬
‫الدينية والدنيوية)‪ (1‬نهى الله عنها وأبطله ا بت دبير‬
‫منه سبحانه وتعالى‪ ،‬إذ قدر أن تكون خإلفات بين‬
‫زيد وزوجته زينب بنت جحش كانا يراجعــان فيهــا‬
‫رسول الله‪ ،‬وســتنتهي إلـى فــراق بينهمـا‪ ،‬وكـان‬
‫اللــه قــد أطلــع رســوله ‪ ‬علــى شــيء مــن ذلــك‬
‫وأعلمه بأنه سيتزوجها بأمره‪ ،‬و يذكر اللــه تعــالى‬
‫الفصــل الخإيــر مــن هــذه القصــة وينــص علــى‬
‫الحكمة والعلة مــن تزويــج رســوله زينــب رضــي‬
‫قَ‬
‫ه ع قَل قَي دهم‬‫م الل ل ك‬ ‫ذي أن دعقَ قَ‬ ‫ل ل مل ل م‬ ‫قو ك‬ ‫الله عنها فيقول‪} :‬وقَإ مذ د ت قَ ك‬
‫قَ‬ ‫قَ‬
‫ه‬ ‫ق الل لــ قَ‬ ‫ك قَوات لــ م‬ ‫جــ قَ‬ ‫ك قَزود قَ‬ ‫ك ع قَل قَي دــ قَ‬ ‫ســ د‬ ‫م م‬ ‫ت ع قَل قَي دــهم أ د‬‫مــ قَ‬ ‫وقَأن دعقَ د‬
‫س‬ ‫شى اللنــا قَ‬ ‫خ قَ‬ ‫ديهم وقَت قَ د‬ ‫مب د م‬
‫ه ك‬ ‫ما الل ل ك‬ ‫ك قَ‬ ‫س قَ‬ ‫ف م‬ ‫في مفي ن قَ د‬ ‫خ م‬‫وقَت ك د‬
‫طــرا ل‬ ‫من دقَها وقَ قَ‬ ‫قَ‬ ‫قَ‬
‫ضى قَزي دد ل م‬ ‫ما ققَ قَ‬ ‫شاه ك فقَل قَ ل‬ ‫خ قَ‬ ‫ن ت قَ د‬‫حق ت أ د‬ ‫ه أ قَ‬ ‫قَوالل ل ك‬

‫)‪ (2‬انظر البداية والنهاية ج ‪ 4‬ص ‪ 145‬ط مكتبة المعارف ـ‬


‫بيروت‪.‬‬
‫)‪ (1‬من المفاسد المترتبة على عادةا التبني‪:‬‬
‫‪ -‬نسبة الرجل إلى غير أبيه‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار من ليس بولد ولدا له حقوق الولد كالميراث‬
‫وغيره بدون مستند شرعي‪.‬‬
‫‪ -‬اطلع المتبنى على عورات ل يحل له الطلع عليه من‬
‫زوجات المتبني وبناته‪ ،‬لنهن في الحقيقة لسن‬
‫بمحرمات عليه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ج فمــي‬ ‫حــقَر ل‬
‫ن قَ‬
‫قَ‬ ‫ممني‬ ‫ن ع قَقَلى ال د ك‬
‫مــؤ د م‬ ‫ي ل ي قَ ك‬
‫كو قَ‬ ‫د‬ ‫جقَناك قَقَها ل مك قَ‬‫قَزول د‬
‫كــا قَ‬ ‫ج أ قَد د م‬ ‫قَ‬
‫مــكر‬
‫نأ د‬ ‫طرا ل وقَ قَ قَ‬ ‫ن وقَ قَ‬ ‫من دهك ل‬
‫وا م‬ ‫م إ مقَذا ققَ قَ‬
‫ض د‬ ‫عقَيائ مهم د‬ ‫أدزقَوا م‬
‫فكعول ل{ )الحزاب‪(37:‬‬ ‫الل لهم قَ‬
‫م د‬
‫إذن فــزواج رســول اللــه ‪ ‬لــم يكــن بمحــض‬
‫إرادته بل كان أمرا من الله تعالى ل يملك أمــامه‬
‫أي خإيار‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الحكمة التعليمية‪:‬‬


‫الحكمة الثانية من حكم تعدد زوجات الرســول‬
‫الكريم ‪ ‬هي الحكمة التعليمية‪ ،‬حيث كان ‪ ‬يبلــغ‬
‫دين الله إلى جميــع النــاس رجــال ونســاء صــغارا‬
‫وكبارا‪ ،‬ويعلمهم ما أوجب الله عليهم من أحكــام‬
‫العبادات وسائر المعاملت‪ ،‬ونظرا لما فطر عليه‬
‫النســاء المؤمنــات مــن الحيــاء‪ ،‬ولمــا اتصــف بــه‬
‫رســول اللــه مــن ســمو الخإلق وعفــة اللســان‪،‬‬
‫ناسب أن يتوفر عنده مــن نســاءه أوعيــة للعلــم‪،‬‬
‫وحملـــة للداب ينقلـــن عنـــه الحكـــام الخاصـــة‬
‫بالنساء‪ ،‬وما يتعلق بأحكام العشرةا بين الزوجيــن‬
‫ونحوها فعن عائشــة رضــي اللــه عنهــا أن امــرأةا‬
‫سألت النبي ‪ ‬عن غسلها من المحيــض‪ ،‬فأمرهــا‬
‫أن تغتســل قــال‪)) :‬خإــذي فرصــة مــن مســك‬
‫فتطهري بها(( قالت كيف أتطهر؟ قال‪) :‬تطهري‬

‫‪26‬‬
‫بها( قالت كيف؟ قال‪)) :‬سبحان اللــه تطهــري((‬
‫فاجتبذتها إلي فقلت تتبعي بها أثر الدم)‪.(1‬‬
‫ومثل هذه الوقائع كانت تتكرر في بيت رســول‬
‫الله الــذي كــانت النســاء يقصــدنه لطلــب العلــم‬
‫وسؤال رسول الله ‪ ‬وسؤال زوجاته أمور دينهن‬
‫ودنياهن‪.‬‬
‫وكانت أم المــؤمنين عائشــة رضــي اللــه عنهــا‬
‫أيضا تنقل العلم والسنة عن رسول اللــه وتبلغهــا‬
‫للنساء والرجال بواسطة زوجاتهم‪ ،‬فعــن معــاذةا‬
‫عن عائشة قالت‪ :‬مــرن أزواجكــن أن يســتطيبوا‬
‫بالمـاء‪ ،‬فــإني أســتحييهم‪ ،‬وإن رســول اللــه كـان‬
‫يفعل ذلك)‪.(1‬‬
‫ومــن يســتطيع أن يطلــع علــى هــذه الســنن‬
‫والهــدى غيــر أهــل بيتــه مــن زوجــاته الطــاهرات‬
‫ي الله عنهن‪.‬‬‫رض ي‬
‫وللمناسبة فإن أم المؤمنين عائشة رضي اللــه‬
‫عنها مدار هذين الحديثين تعد من المكــثرين فــي‬
‫الرواية عن رسول الله ‪ ،‬وكانت متميــزةا بــوفرةا‬
‫العقل وحدةا الذاكرةا رضي الله عنهــا‪ ،‬فعــن أبــي‬
‫موسى الشعري ‪ ‬قال‪ :‬ما أشكل علينا أصــحاب‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري واللفظ له برقم ‪ .303‬ومسلم برقم ‪ 499‬و‬
‫‪ 500‬والنسائي برقم ‪.251‬‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذي في كتاب الطهارةا‪ ،‬وقال حديث حسن صحيح‪،‬‬
‫ورواه النسائي وأحمد أيضا‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫رســول اللــه ‪ ‬حــديث قــط‪ ،‬فســألنا عائشــة إل‬
‫وجدنا عندها منه علما)‪.(2‬‬

‫ثالثا‪ :‬الحكمة السياسية‪:‬‬


‫ومن الحكم أيضا في تعدد أزواج النبي الكريــم‬
‫‪ ‬مــا يتعلــق بتــدبير شــؤون النــاس بمــا يصــلحها‪،‬‬
‫سواء ما تعلق بما يربطه بأتباعه والمــؤمنين مــن‬
‫أمته‪ ،‬أو ما تعلق بغيرهم‪ ،‬فقــد كــان رســول اللــه‬
‫يراعي في جميع تصــرفاته السياســية مــا يحقــق‬
‫المصلحة ويكثرها‪ ،‬وما يــدفع المفســدةا ويقللهــا‪،‬‬
‫وقد أدرك ‪ ‬أن المجتمع العربي في ذلك الزمــن‬
‫مجتمع قبلي‪ ،‬يوالي فيه الفرد ويعادي من تــوالي‬
‫أو تعادي القبيلة‪ ،‬وينصر فيه النسان أخإاه ظالمــا‬
‫أو مظلوما‪ ،‬ويتابع المرء قومه إن علــى الحــق أو‬
‫على الباطل‪ ،‬فعمد ‪ ‬إلى ما في القبلية العربيــة‬
‫من فوائد فرام تحصيلها‪ ،‬فأمر بنصرةا الخأ ظالما‬
‫أو مظلوما على الــوجه الــذي يقــره الشــرع بــان‬
‫ينصر الظالم و يأخإذ على يديه وينتزع منه حقــوق‬
‫النــاس الــتي ســلبها إيــاهم‪ ،‬وينصــر المظلــوم‬
‫بالسعي للمطالبــة بحقــوقه‪ ،‬كمــا أرشــدهم إلــى‬
‫اتباع الحق ولو خإالفك فيه من خإالفك من قومــك‬
‫وأهل قرابتك‪.‬‬

‫)‪ (2‬رواه الترمذي وقال‪" :‬حديث حسن صحيح غريب"‪.‬‬


‫‪28‬‬
‫ومــن هــذا البــاب كــان زواج رســول اللــه بــأم‬
‫ي الله عنهما‬ ‫المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رض قَ‬
‫لما تنصر ومات زوجها عبيد الله بــن جحــش فــي‬
‫الحبشة‪ ،‬فأرســل رســول اللــه ‪ ‬إلــى النجاشــي‬
‫ليخطبهــا لــه‪ ،‬ففرحــت بــذلك رضــي اللــه عنهــا‪،‬‬
‫وفـــرح أبوهـــا أبـــو ســـفيان وقـــال كـــالمفتخر‬
‫بمصاهرته لرسول الله ‪) ‬هو الفحل ل يقــدح‬
‫أنفه()‪ ،(1‬ول يخفى على قارئ السيرةا النبوية ما‬
‫كان لبي سفيان مـن درجـة ومنزلـة فـي قـومه‪،‬‬
‫وما كان للمصاهرةا عند العرب وغيرهم مــن آثــار‬
‫اجتماعية‪ ،‬فهي إحدى وشائج القرابة بين الناس‪،‬‬
‫ومن أسباب التراحم و التوادد بينهــم‪ ،‬لســيما إذا‬
‫أدى الطرفان ما عليهما من حقوق وواجبات‪.‬‬
‫وقل مثل ذلك في زواجه بجويرية‪ ،‬فقــد كــانت‬
‫من الســيرات فــي غــزوةا بنــي المصــطلق‪ ،‬فــي‬
‫ش هر ش عبان م ن الس نة السادس ة الهجري ة)‪،(1‬‬
‫فأراد رسول الله ‪ ‬إكرام هذا الصنف من النساء‪،‬‬
‫)‪ (1‬نسب هذا القول الشيخ محمد بن علي الصابوني إلى أبي‬
‫سفيان في مناسبة زواج رسول الله ببنته أم حبيبة وذلك في‬
‫كتابه شبهات وأباطيل ص ‪ ،31‬غير أني لم أجده منسوبا إل إلى‬
‫عمرو بن أسد في مناسبة خإطبة رسول الله لخديجة ورواجه‬
‫بها‪ ،‬انظر‪ :‬السيرةا الحلبية في سيرةا المين المأمون ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 224‬ط دار المعرفة ـ بيروت ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬الدرر في اخإتصار المغازي والسير ليوسف بن عبد‬
‫البر النمري ج ‪ 1‬ص ‪ 188‬ط دار المعارف القاهرةا ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫فسوى بينهن وبين الحرائر‪ ،‬وضرب للنــاس أروع‬
‫المثلة على سماحة السلم‪ ،‬فأزال من الذهــان‬
‫ما كان قد علق بها من احتقار للمــاء‪ ،‬واتخــاذهن‬
‫فقط للبيع أو للخدمة‪ ،‬وحرمانهن من نعمة العتق‬
‫إل بالمكاتبة وشراء أنفسهن مــن مــالهن‪ ،‬فتعلــم‬
‫المسلمون من هذه الزيجة كيفية صيانة ســيدات‬
‫السر الكريمة بين قومها‪ ،‬ورحمة عزيز قــوم ذل‬
‫وغني قوم افتقر‪ ،‬وقد زخإر التاريخ السلمي بعد‬
‫هذا بالسبايا اللئي تزوجهن أسيادهن من الخلفاء‬
‫والمــراء والســادةا والكــبراء‪ ،‬وأنجبــن الخلفــاء‬
‫والمراء والقادةا والعظماء وتأمل ذلك في تاريــخ‬
‫خإلفاء بني العباس)‪.(2‬‬
‫وهناك حكمة سياسية أخإرى مهمــة تظهــر فــي‬
‫زواج رسول الله بأم المؤمنين صــفية بنــت حيــي‬
‫بن أخإطب وهي الرد علــى تهمــة عنصــرية النــبي‬
‫والسلم ضد اليهــود أو غيرهــم‪ ،‬وكــان ذلــك )أي‬
‫زواجه بأم المؤمنين جويريــة( إثــر هزيمتهــم فــي‬
‫خإيبر عام ‪ 6‬هـ وقيل ‪ 5‬هـ)‪ ،(1‬فقد دل هذا الزواج‬
‫على أن العنصــرية لــم تكــن واردةا فــي قــاموس‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬السيرةا النبوية وفق المصادر الصلية لمهدي رزق‬
‫الله‪ ،‬ص ‪ 704‬ط مطبعة مركز الملك فيصل للبحوث‬
‫والدراسات السلمية – السعودية ‪ 1412‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (1‬راجع اخإتلف العلماء في تاريخ غزوةا خإيبر في‪ :‬الدرر في‬
‫اخإتصار المغازي والسير ج ‪ 1‬ص ‪ 197‬و السيرةا الحلبية ج ‪2‬‬
‫ص ‪.726‬‬
‫‪30‬‬
‫رسول الله ‪ ‬السياسي والجتماعي‪ ،‬وإل فكيــف‬
‫يتزوج من ابنة زعيم من زعماء اليهــود مــات هــو‬
‫وزوجها وأخإوها في صراعهم ضده ‪.((2‬‬

‫رابعا‪ :‬الحكمة الجتماعية‪:‬‬


‫كان أبو بكر وعمــر رضـي اللـه عنهمـا وزيريـن‬
‫لرسول الله ‪ ‬يوكلهما بتنفيــذ كــثير مــن المهــام‪،‬‬
‫ويستشيرهما في عويص المسائل والقضايا‪ ،‬وقد‬
‫يحتاج للدخإول عليهما فــي أوقــات ل يــدخإل فيهــا‬
‫أحد على أحد إل من كان مــن بطــانته و خإاصــته‪،‬‬
‫وقد كانا بحق كذلك‪ ،‬وليس مــن شــك فــي تــأثير‬
‫آصرةا المصاهرةا على مرونة العلقة بين رســول‬
‫الله ‪ ‬ووزيريه‪ ،‬انظر إلــى حادثــة الهجــرةا وكيــف‬
‫رتب لها في بيت أبي بكر ‪ ‬بكــل ســرية وأمــان‪،‬‬
‫حــتى خإــرج رســول اللــه ‪ ‬وأبــو بكــر مــن مكــة‪،‬‬
‫ومازالت قضية الهجرةا بيد أفراد أسرةا أبــي بكــر‬
‫تنفيذا ومتابعــة‪ ،‬مــا بيــن إيصــال للطعــام وأخإبــار‬
‫قريش تتولها أسماء بنــت أبــي بكــر رضــي اللــه‬
‫عنها‪ ،‬وتعمية لمن يطارد الرسول وأبا بكــر يقــوم‬
‫به راعي غنم أبي بكر م وله ع امر ب ن فهي رةا)‪،(1‬‬
‫واقرأ إن شئت من سيرةا الفاروق ما يدلك علــى‬
‫)‪ (2‬المصدر نفسه ص ‪.708‬‬
‫)‪ (1‬انظر تفصيل قصتهما ودورهما في الهجرةا في السيرةا‬
‫النبوية لبن هشام ج ‪ 1‬ص ‪.12‬‬
‫‪31‬‬
‫عنايته الفائقة رضي الله عنه بأهــل بيــت رســول‬
‫الله ومتابعته الدقيق لما يحدث فيــه‪ ،‬وقــد ســبق‬
‫أن ذكرنا لك من استغرابه لمراجعة نساء رسول‬
‫الله رسول الله ‪ ،‬وتحذيره إياهن من غضب الله‬
‫ورســوله‪ ،‬وكــان أيضــا هــو الــذي رأى أن يحجــب‬
‫رسول اللــه نســائه فنــزل القــرآن فــوافقه علــى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫كل ذلك وغيره من الثار يعد مــن نتائــج وعلــل‬
‫زواجه ‪ ‬بــابنتي وزيريــه أبــي بكــر وعمــر عائشــة‬
‫وحفصة رضي الله عنهم جميعا‪.‬‬
‫وكذلك زواجه ‪ ‬بأم سلمة رضي الله عنها وهي‬
‫أرملــة عبــد اللــه بــن عبــد الســد مــن الســابقين‬
‫الولين‪ ،‬واستشهد في غزوةا أحد وخإلــف أيتامهــا‬
‫الربعة‪ ،‬ولم ير عليه الســلم عــزاء ول كــافل لهــا‬
‫ولولدها غير أن يتزوج بها‪ ،‬ولمــا خإطبهــا لنفســه‬
‫اعتذرت إليه‪ ،‬وقالت إني مسنة‪ ،‬وإنــي أم أيتــام‪،‬‬
‫وأني شديدةا الغيرةا‪ ،‬فأجابها عليه السلم وأرسل‬
‫لها يقول‪)) :‬أما اليتام فأضمهم إلي‪ ،‬وأسال الله‬
‫أن يذهب عن قلبك الغيــرةا((‪ ،‬ولــم يعبــا بالســن‪،‬‬
‫فتزوجها بعد موافقتها‪ ،‬وقام على تربيــة أيتامهــا‪،‬‬
‫ووسعهم قلبه الكبير‪ ،‬حــتى أصــبحوا ل يشــعرون‬

‫‪32‬‬
‫بفقد الب‪ ،‬إذ عوضهم أبا أرحم من أبيهم صلوات‬
‫الله وسلمه عليه)‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول ص ‪50‬‬


‫و ‪.51‬‬
‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني ‪:‬‬
‫القيم الحضارية النبيلة في جهاد النبي الكريم‬
‫الشــبهة الثانيــة مــن الشــبهات المثــارةا حــول‬
‫رسول الله ‪ ‬وسيرته الكريمـة هـي )أنـه دمـوي(‬
‫متهور في قتــل النفــس وإزهــاق الرواح‪ ،‬وهــذه‬
‫التهمة متهافتـة كأخإتهـا أمـام الحقـائق التاريخيـة‬
‫في ســيرةا رســول اللــه‪ ،‬فــي غزواتــه وســراياه‪،‬‬
‫وفتوحــات خإلفــائه مــن بعــد‪ ،‬وســاقطة أمــام‬
‫مقــررات الشــريعة الســلمية‪ ،‬ومــا تــوجبه مــن‬
‫آداب وضــوابط فــي ممارســة الجهــاد )القتــال(‪،‬‬
‫وإليك تفصيل ذلك في المباحث التالية‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫)‪(1‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مشروعية الجهاد‬
‫إن الحــرب أو القتــال عمــل يقــوم بــه أغلــب‬
‫شــعوب العــالم إن لــم نقــل كلهــا‪ ،‬يلجــأ إليــه‬
‫المتحضر منها عندما تخفق الوســائل والســاليب‬
‫الســلمية فــي مــا يطلبــه أو يــدفعه عنــه‪ ،‬والــذي‬
‫يحكــم علــى هــذا العمــل بالحســن أو القبــح هــو‬
‫شــرعية رايتــه‪ ،‬ونبــل أهــدافه‪ ،‬وســلمة أســاليبه‬
‫ووسائله‪.‬‬
‫وقد دل على مشروعية الجهاد )القتال( القرآن‬
‫والسنة والجماع والعقل‪.‬‬
‫ه‬‫ن الل لــ قَ‬ ‫أما من القرآن فمنه قــوله تعــالى‪} :‬إ م ل‬
‫قَ‬ ‫قَ‬ ‫ن أ قَن د ك‬
‫م‬ ‫ن ل قَكهــ ك‬ ‫م ب مأ ل‬ ‫وال قَهك د‬ ‫م قَ‬ ‫م وقَأ د‬ ‫سه ك د‬ ‫ف قَ‬ ‫ممني قَ‬ ‫ن ال د ك‬
‫مؤ د م‬ ‫م قَ‬ ‫شت قَقَرى م‬ ‫ا د‬
‫ن‬ ‫قت قَل كــو قَ‬ ‫ن وقَي ك د‬ ‫قت كل كــو قَ‬ ‫ل الل لــهم فقَي قَ د‬ ‫سمبي م‬ ‫ن مفي قَ‬ ‫قات مكلو قَ‬ ‫ة ي ك قَ‬ ‫ال د قَ‬
‫جن ل قَ‬
‫ن‬ ‫قــدرآ م‬ ‫ل قَوال د ك‬ ‫جيــ م‬ ‫قــا ل فمــي الت لــودقَراةام قَوادل من د م‬ ‫ح ي‬ ‫عدا ل ع قَل قَي دهم قَ‬ ‫وقَ د‬
‫وم قَ‬
‫م‬ ‫شــكروا ب مب قَي دعمك كــ ك‬ ‫ست قَب د م‬ ‫ن الل لــهم قَفا د‬ ‫مــ قَ‬ ‫ن أودقَفى ب معقَهدــد مهم م‬ ‫قَ قَ د‬
‫م{ )التوبــة‪:‬‬ ‫ظي ك‬‫فودكز ال دعقَ م‬ ‫ك هكوقَ ال د قَ‬ ‫م ب مهم وقَذ قَل م قَ‬ ‫ذي قَباي قَعدت ك د‬ ‫ال ل م‬
‫ل الللـهم‬ ‫ســمبي م‬ ‫‪ ، (111‬وقوله تعـالى‪} :‬وقَقَقـات مكلوا مفـي قَ‬
‫ب‬ ‫حــ ت‬ ‫ه ل يك م‬ ‫ن الللــ قَ‬ ‫دوا إ م ل‬ ‫م قَول ت قَعدقَتــ ك‬ ‫قــات مكلون قَك ك د‬ ‫ن ي ك قَ‬ ‫ذي قَ‬ ‫اللــ م‬
‫م‬ ‫ن{ )البقــرةا‪ ،(190:‬وقــوله‪} :‬وقَققَــات مكلوهك د‬ ‫دي قَ‬ ‫معدت قَ م‬ ‫ال د ك‬
‫)‪ (1‬تنبيه‪ :‬استعملت هنا في العنوان الرئيسي مصطلح الجهاد‬
‫لخصوصيته في الدللة على معنى القتال في السلم وفلسفته‬
‫و أهدافه‪ ،‬ولشموله لمعاني الجهاد الخإرى من جهاد النفس‬
‫وجهاد المنافقين وغيره‪ ،‬واستعملنا في العناوين الفرعية‬
‫المندرجة تحت المبحث لفظ القتال لكونه المقصود هنا ك‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫وا قَفل‬ ‫ن ل مل لهم فقَإ م م‬
‫ن ان دت قَهقَ د‬ ‫دي ك‬
‫ن ال ي‬ ‫كو قَ‬‫ة وقَي قَ ك‬
‫ن فمت دن قَ ل‬ ‫حلتى ل ت قَ ك‬
‫كو قَ‬ ‫قَ‬
‫ن{ )البقرةا‪.(193:‬‬ ‫مي قَ‬ ‫ظال م م‬ ‫ن إ ملل ع قَقَلى ال ل‬ ‫ع كد دقَوا قَ‬
‫ودل على مشروعة الجهاد من الســنة أحــاديث‬
‫كثيرةا‪ ،‬ومنها ما روي عن أبي هريرةا ‪ ‬قال ســئل‬
‫رســول اللــه أي العمــال أحــب إلــى اللــه قــال‪:‬‬
‫))إيمــان بــالله ورســوله(( قيــل‪ :‬ثــم أي؟ قــال‪:‬‬
‫))جهــاد فــي ســبيل اللــه(( قيــل‪ :‬ثــم أي؟ قــال‪:‬‬
‫))حجج مبرور(()‪ ، (1‬وعنه أيضا ‪ ‬عن رسول الله‬
‫‪ ‬قــال‪)) :‬مــن خإيــر معــاش النــاس لهــم رجــل‬
‫ممسك عنان فرسه في ســبيل اللــه يطيــر علــى‬
‫متنه كلما سمع هيعة أو فزعــة طــار عليــه يبتغــي‬
‫القتل والموت مظانه(()‪.(2‬‬
‫وهذه النصوص كلها متضافرةا في الدللة علــى‬
‫فضل و مشروعية الجهاد والقتال في سبيل اللــه‬
‫تعالى‪ ،‬ول جرم أن المفســرين وشــراح الحــديث‬
‫النبوي والفقهــاء اخإتلفــوا فــي حكــم القتــال فــي‬
‫سبيل الله هل هو فــرض كفايــة أم فــرض عيــن‪،‬‬
‫وذلك بعد إجماعهم على مشروعيته‪ ،‬وليس هــذه‬
‫الدراسة موضع التفصيل في هذه المسألة)‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪.‬‬


‫)‪ (2‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬
‫)‪ (3‬راجع المغني ‪ 162 / 9‬تأليف المام ابن قدامة المقدسي ط‬
‫دار الفكر ـ بيروت ‪ 1405‬هـ وغيره من كتب الخلف‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫أما دللــة العقــل علــى مشــروعية الجهــاد فــي‬
‫الســلم فمنهــا مــا ذكــره الســتاذ مصــطفى‬
‫السباعي رحمه الله تعالى في محاضرته القيمــة‬
‫عن نظام السلم والحرب في السلم‪ ،‬إذ يقــول‪:‬‬
‫)وأما نظام الحرب في السلم فل ريب فــي أنــه‬
‫يقوم على النظرةا التي يقوم عليهــا كــل شــريعة‬
‫واقعية أقرت فكرةا الحرب وهــي أن فــي النــاس‬
‫من ل تردعهم التربيــة ول القــانون عــن العــدوان‬
‫والطغيــان‪ ،‬وأن فــي المــم مــن تغريهــا قوتهــا‬
‫وضعف جيرانها بالعدوان والستعمار‪ ،‬ل جــرم إن‬
‫كــان مــن الخيــر أن يشــرع اســتعمال القــوةا‬
‫حينئذ‪.(1)(...‬‬
‫فليــس الســلم إذن أول مــن شــرع القتــال‬
‫والحــرب بــل ســبقه وتله غيــره مــن الديــان‬
‫والحضارات ‪ ،‬والحاصـل أن السـلم يتميـز علـى‬
‫غيره في هــديه فــي القتــال فيحــرص علــى نبــل‬
‫أهدافه ونزاهة وسائله وأساليبه ‪ ،‬وشرعية رايتــه‬
‫‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬نظام السلم في السلم والحرب ص ‪ 7‬ط مكتبة‬


‫الوراق ـ السعودية ـ الرياض ‪ 1419‬هـ النشرةا اللكترونية‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫المبحث الثاني ‪:‬‬
‫مراتب تشريع القتال‬
‫ليس السلم رسالة يكره النــاس علــى قبولهــا‬
‫والتصديق بها‪ ،‬بل هي دعوةا ذات قــوةا ذاتيــة بمــا‬
‫تشتمل عليه من حقائق ناصعة وتعــاليم ســامية‪،‬‬
‫شــد ك‬ ‫ن التر د‬ ‫ن ققَد د ت قَب قَليــ قَ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ل إ مك دقَراه قَ مفي ال ي‬
‫دي م‬
‫ن مبالل لهم فقَققَــد م‬ ‫م د‬ ‫ت وقَي كؤ د م‬ ‫غو م‬ ‫فدر مبال ل‬
‫طا ك‬ ‫ن ي قَك د ك‬ ‫ي فقَ قَ‬
‫م د‬ ‫ن ال دغقَ ي‬ ‫م قَ‬ ‫م‬
‫م ل قَهقَــا قَوالل لــ ك‬
‫ه‬ ‫صــا قَ‬ ‫ف قَ‬ ‫قى ل ان د م‬ ‫ك ب مــال دعكدروقَةام ال دــوكث د قَ‬
‫س قَ‬ ‫م قَ‬‫ست قَ د‬ ‫ا د‬
‫م{ )البقــرةا‪ ،(256:‬غيــر أن العــادات‬ ‫ميعل ع قَل ميــ ل‬ ‫س م‬ ‫قَ‬
‫والتقاليد الموروثة لسيما إذا اقــترنت بهــا أهــواء‬
‫أصحابها فإنهــا تمثــل عقبــات جســيمة تمنــع مــن‬
‫قبول الحق وترك الباطل‪ ،‬وقد يبلغ الصلف بالمل‬
‫المستكبر ممن يستعبدون الناس بغير الحــق‪ ،‬أن‬
‫يعلــن الحـرب علــى دعـاةا الحــق وأهلـه‪ ،‬ويــؤلب‬
‫عليهـم مــن ليــس لـه فــي قتـال أهــل الحــق أيـة‬
‫مصلحة‪ ،‬وما دامت هذه سنة اللـه فــي الـدعوات‬
‫فليس مــن المعقــول أن يبقــى الــدعاةا مكتــوفي‬
‫اليدي‪ ،‬ل يردون ظالما ول يرهبون عدوا‪.‬‬
‫ولذلك شرع القتال في ســبيل اللـه علــى أربـع‬
‫ومراحل وهي‪:‬‬
‫الولى‪ :‬المنع من القتال‪:‬‬
‫وقــد اســتغرقت هــذه المرحلــة جميــع العهــد‬
‫المكــي أي طيلــة ثلثــة عشــر ســنة مــن الظلــم‬
‫والضـــطهاد والتضـــييق والمحاصـــرةا‪ ،‬وكـــان‬
‫‪38‬‬
‫الصحابة يراجعون فيها رسول اللــه ‪ ‬ليســتأذنوه‬
‫برد الظلــم عنهــم فيمنعهــم عــن ذلـك‪ ،‬ويــأمرهم‬
‫بالصــبر وباســتكمال مراحــل التربيــة اليمانيــة‬
‫الواجبة في الطلئــع الولــى مــن حملــة الــدعوةا‪،‬‬
‫ولننصت إلى حديث الصحابي الجليــل خإبــاب بــن‬
‫الرت ‪ ‬وهو أحد السابقين الولين فــي الســلم‪،‬‬
‫ومن الذين ذاقوا مرارةا هــذه المرحلــة وويلتهــا‪،‬‬
‫وهو شاهد عيان على فصــولها الليمــة‪ ،‬يقــول ‪:‬‬
‫)شكونا إلى رسول الله ‪ ‬وهو متوســط بــردةا لــه‬
‫في الكعبة‪ ،‬فقلنا له أل تستنصر لنا؟ أل تــدع اللــه‬
‫لنا؟ قال‪)) :‬كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في‬
‫الرض فيجعل فيه‪ ،‬فيجاء بالمنشار فيوضع علــى‬
‫رأسه‪ ،‬فيشق باثنتين‪ ،‬وما يصده ذلــك عــن دينــه‪،‬‬
‫ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم‬
‫أو عصب‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬واللــه ليتمــن‬
‫الله هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلــى‬
‫حضر موت ل يخاف إل اللـه والــذئب علـى غنمــه‬
‫ولكنكــم تســتعجلون(()‪ ،(1‬ولــم يكــن شــخص‬
‫الرسول الكريم ‪ ‬بمنأى عــن الذى والظلــم مــن‬
‫قومه فقد كان يصيبه من ذلك ما يصيب أصحابه‪،‬‬
‫ومع ذلك لم يأذن الله له ول لتباعه بالقتــال ولــو‬
‫لهدف الدفاع عن أنفسهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد‪.‬‬


‫‪39‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬مرحلة الذإن بالقتال‪:‬‬
‫وبدأت هذه المرحلة بعد الهجرةا إلــى المدينــة‪،‬‬
‫وذلك لمنع الظلــم عــن أنفســهم‪ ،‬وتــوفر القــدرةا‬
‫في العدد والعدةا‪ ،‬وذلــك لمــا نــزل قــوله تعــالى‪:‬‬
‫ه ع قَقَلــى‬ ‫قَ‬ ‫ك‬
‫ن الللــ قَ‬ ‫م ظ كل م ك‬
‫موا وقَإ م ل‬ ‫قات قَكلو قَ‬
‫ن ب مأن لهك د‬ ‫ن ي ك قَ‬
‫ذي قَ‬ ‫ن ل مل ل م‬
‫}أذ م قَ‬
‫ديلر{ )الحج‪ ،(39:‬حيث أن الطمع في‬ ‫ق م‬‫م ل قَ قَ‬ ‫صرمه م د‬ ‫ن قَ د‬
‫القضاء على الدعوةا لم يزل يراود صناديد الكفــر‬
‫من قريش‪ ،‬يقول الدكتور مهدي رزق الله أحمد‪:‬‬
‫)وعندما أذن الله لنبيه والمؤمنين بالقتال‪ ،‬أخإــذوا‬
‫في إعداد القوةا لرد عــدوان قريــش‪ ،‬ومــن علــى‬
‫شاكلتها‪ ،‬فلما أرادت قريش أن تــري المســلمين‬
‫أن لها يدا في داخإل المدينة‪ ،‬أراد المســلمون أن‬
‫يروا قريشا أن المســلمين ليســوا بــذلك الهــوان‬
‫الذي تتصور قريش‪ ،‬وأنهــم قــادرون علــى كســر‬
‫شوكة قريش وحصــارها سياســيا واقتصــاديا ورد‬
‫حقوقهم المسلوبة()‪.(1‬‬
‫وليس بعيدا أيضا أن يكون من أســرار الذن‬
‫بالقتال في هذه المرحلة وحكمها إرهــاب حركــة‬
‫النفاق المتربصة في المدينة‪ ،‬والتي كان رئيســها‬
‫عبد الله بن أبي متحســرا مــن فــوات ملــك كــان‬
‫يرجــوه ويطمــع فيــه‪ ،‬وفــي هــذه الفــترةا وقعــت‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬السيرةا النبوية وفق المصادر الصلية ص ‪.327 ،326‬‬


‫‪40‬‬
‫غزوةا بدر وغزوةا أحد وسبقتها مناورات عسكرية‬
‫في شكل سرايا وبعوث‪.‬‬
‫المرحلــة الثالثــة‪ :‬المــر بقتــال مــن‬
‫يقاتلهم‪:‬‬
‫ل‬‫سمبي م‬ ‫وذلك منذ نزل قوله تعالى‪} :‬وقَقَقات مكلوا مفي قَ‬
‫ب‬ ‫حــ ت‬‫ه ل يك م‬ ‫ن الل لــ قَ‬‫دوا إ م ل‬‫م قَول ت قَعدت قَــ ك‬ ‫قــات مكلون قَك ك د‬ ‫ن ي ك قَ‬ ‫ذي قَ‬ ‫الل لهم ال ل م‬
‫ن{ )البقرةا‪ ،(190:‬وهذه مرحلة مناسبة‬ ‫دي قَ‬ ‫معدت قَ م‬ ‫ال د ك‬
‫لتقدم الدولة السلمية وتطورها‪ ،‬وكــون جيشــها‬
‫في طور الجيوش المنظمة والمدربة لسيما بعد‬
‫معركة بدر وأحد‪.‬‬
‫المرحلــة الرابعــة‪ :‬المــر بقتــال جميــع‬
‫الكفار‪:‬‬
‫وذلــك منــذ نــزل قــوله تعــالى‪} :‬وقَقَقــات مكلوا‬
‫قَ‬
‫ن‬
‫مــوا أ ل‬ ‫ة قَواع دل قَ ك‬ ‫كافل ل‬ ‫قات مكلون قَك ك د‬
‫م قَ‬ ‫ما ي ك قَ‬ ‫ة ك قَ قَ‬ ‫ن قَ‬
‫كافل ل‬ ‫كي قَ‬ ‫شرم م‬ ‫م د‬ ‫ال د ك‬
‫ن{ )التوبة‪ :‬من الية ‪ ،(36‬ونظــرا‬ ‫قي قَ‬ ‫مت ل م‬ ‫معقَ ال د ك‬ ‫ه قَ‬ ‫الل ل قَ‬
‫للبعد الدولي للــدعوةا الســلمية حينئــذ‪ ،‬وســماع‬
‫الملوك بهــا ووقــوفهم فــي طريقهــا نحــو تحريــر‬
‫الشعوب من الظلم والضطهاد)‪.(1‬‬
‫والجــدير بالشــارةا هنــا أن ليــس بيــن هــذه‬
‫المراحل تناسخ‪ ،‬بل لكل مرحلة ظروفها الخاصة‬
‫ومبرراتها الموضوعية‪ ،‬من حيث القوةا والضعف‪،‬‬
‫وتغير موقف العدو في السلم والحــرب‪ ،‬ونوعيــة‬

‫)‪ (1‬راجع‪ :‬زاد المعاد ج ‪ 3‬ص ‪ 70‬فما بعدها‪.‬‬


‫‪41‬‬
‫الكفار من أهل كتاب وغيرهم‪ ،‬إلى أمــور عديــدةا‬
‫ليس هنا موضع تفصيلها‪.‬‬
‫يقول الستاذ مصطفى الســباعي رحمــه اللــه‪:‬‬
‫)وتاريخ الرسول فــي حروبــه أوضــح دليــل علــى‬
‫المعنى النبيل الذي خإاض من أجله رسول اللــه ‪‬‬
‫حروبه ومعاركه‪ ،‬فمـا أعلــن الرسـول الحــرب إل‬
‫بعــد أن اضــطهد هــو وجمــاعته فــي عقيــدتهم‪،‬‬
‫وأخإرجوا من أوطانهم‪ ،‬فجاءت معركــة بــدر ومــا‬
‫تلهــا مــن معــاركه فــي ســبيل الحريــة الدينيــة‪،‬‬
‫وإقرار السلم والمن في ربوع الجزيرةا العربية‪،‬‬
‫ذلك السلم الــذي حــاربه الوثنيــون مــن العــرب‪،‬‬
‫فأحالوا بطاح مكــة ورمالهــا إلــى ميــادين لتذبيــح‬
‫المــؤمنين وتعــذيبهم ومطــاردتهم فــي أرزاقهــم‬
‫وأوطانهم وأموالهم()‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬نظام السلم والحرب في السلم ص ‪.9‬‬


‫‪42‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫هدي النبي الكريم في قتال العداء‬
‫لم تعرف الدنيا رئيسا لدولة مثــل محمــد ‪ ،‬ول‬
‫غازيا أو فاتحا أرحم منه بمحاربيه و من يقــع فــي‬
‫يديه من السرى‪ ،‬وهذه دعوى قــد تبــدو عريضــة‬
‫ومبالغ فيهــا‪ ،‬إذا لــم نــذكر لهــا البينــات الشــاهدةا‬
‫على صدقها‪ ،‬وفــي هــذا المبحــث ســوف نتنــاول‬
‫هدي النبي الكريم ‪ ‬قبــل القتــال وأثنــائه وبعــده‪،‬‬
‫لنقــرأ مــن ذلــك أجمــع أعظــم دروس النســانية‬
‫وأروع قيم الحضارةا‪.‬‬
‫أول‪ :‬هديه قبل القتال‪:‬‬
‫لم يكن رسول الله ‪ ‬ينظر إلى مخالفيه جميعــا‬
‫نظرةا عدائية ل تفرق بين معاهد ومحــارب وأهــل‬
‫ذمة‪ ،‬ولم يكن ينقض العهود أو يغدر بأعدائه‪ ،‬بــل‬
‫كان يعامل كل فريق من هؤلء بمقتضى ما يربط‬
‫بينهما من علقات السلم والحــرب‪ ،‬ولقــد لخــص‬
‫العلمة ابن القيم مجمل هديه في ذلك في كتــابه‬
‫زاد المعاد فقال‪« :‬ثم كان الكفار معه بعــد المــر‬
‫بالجهاد ثلثــة أقســام‪ :‬أهــل صــلح وهدنــة‪ ،‬وأهــل‬
‫حــرب وأهــل ذمــة‪ ،‬فــأمر أن يتــم لهــل العهــد‬
‫عهدهم‪ ،‬وأن يوفي لهم ما استقاموا على العهــد‪،‬‬
‫فــإن خإــاف منهــم خإيانــة نبــذ إلــى عهــدهم‪ ،‬ولــم‬
‫يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد‪ ،‬وأمر أن يقاتل‬
‫‪43‬‬
‫كل من نقــض عهــده‪ ،‬ولمــا نزلــت ســورةا بــراءةا‬
‫ببيــان حكــم هــذه القســام كلهــا فــأمره فيهــا أن‬
‫يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطــوا الجزيــة‬
‫أو يــدخإلوا فــي الســلم‪ ،‬وأمــره بجهــاد الكفــار‬
‫فجاهــد الكفــار بالســيف والســنان والمنــافقين‬
‫بالحجة واللسان‪.(1)»...‬‬
‫هــذه هــي الحكــام الــتي كــانت تنظــم علقتــه‬
‫بمخــالفيه مــن مســالمين ومحــاربين‪ ،‬المســالمة‬
‫علــى شــروط معينــة‪ ،‬وإعلن للحــرب وقبلهــا‬
‫مقدمات موضوعية ترجح جانب السلم من دعوةا‬
‫إلى الدخإول في السلم طواعية‪ ،‬أو دفع الجزيــة‬
‫للدولة السلمية‪ ،‬فإن أبوا إل القتال والســتمرار‬
‫في العناد ومحاربة الدعوةا كان لهم ما يريدون‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬هديه أثناء القتال‪:‬‬
‫رغــم كــون القتــال عمليــة تزهــق فيهــا الرواح‬
‫وتجرح فيهــا البــدان‪ ،‬ويقصــد فيهــا إلحــاق أنــواع‬
‫الذية بالعــداء‪ ،‬فــإن رســول اللــه ‪ ‬شــرع لمتــه‬
‫آداب ســـامية وضـــوابط حاكمـــة علـــى ســـلوك‬
‫المقاتل المسلم‪ ،‬توجب عليه مخالفتهــا عقوبــات‬
‫زاجرةا قي الدنيا والخإرةا‪.‬‬
‫فل يســتخدم فــي الجهــاد فــي ســبيل اللــه إل‬
‫الوســائل المشــروعة والســاليب النزيهــة‪ ،‬فعــن‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬زاد المعاد ج ‪ 1‬ص ‪.160‬‬
‫‪44‬‬
‫صفوان بن عسال رضي الله عنــه قــال‪) :‬بعثنــي‬
‫رسول الله ‪ ‬في سرية فقال‪)) :‬اغزوا باسم الله‬
‫في سبيل الله ل تغلوا ول تغدروا ‪ (1)((..‬؟‬
‫وعن يحيى بن سعيد قال‪ :‬حدثت أن أبــا بكــر ‪‬‬
‫بعث جيوشا إلى الشام فخرج يتبع يزيــد بــن أبــي‬
‫سفيان فقــال‪) :‬إنــي أوصــيكم بعشــر‪ :‬ل تخربــن‬
‫عامرا‪ ،‬ول تعقــرن شــاةا ول بعيــرا إل لمأكلــة‪ ،‬ول‬
‫تغرقن نخل‪ ،‬ول تحرقنه‪ ،‬ول تغلل‪ ،‬و ل تجبــن‪ ،‬ول‬
‫تقتلـــن صـــبيا‪ ،‬ول امـــرأةا‪ ،‬ول كـــبيرا هرمـــا‪ ،‬ول‬
‫تقطع ن ش جرا مثم را()‪ (2‬وف ي رواي ة‪) :‬وس وف‬
‫تمرون بأقوام قد فرغــوا أنفســهم فــي الصــوامع‬
‫فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له(‪.‬‬
‫وهذه النصوص وغيرها من دستور العســكرية‬
‫السلمية التي وضعها رسول الله ‪ ‬تشتمل على‬
‫الصول الخإلقية للحرب‪ ،‬وهذه جملتها‪:‬‬
‫‪ -1‬الخإلص والتجــــرد للهــــداف الحقيقيــــة‬
‫للحرب وترك ما يخالف ذلك من غلول وغدر وثأر‬
‫وانتقام‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه الطبراني في المعجم الكبير ج ‪ 8‬ص ‪ 70‬ط دار إحياء‬


‫التراث العربي‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه ابن أبي شيبة في المصنف ج ‪ 7‬ص ‪ 645‬ط دار الفكر‬
‫ت بيروت ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ -2‬المحافظة على البيئة واجتناب الفساد فــي‬
‫الرض بتحريــق الشــجار وقتــل الحيوانــات لغيــر‬
‫ضرورةا‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم التعرض لغيــر المقــاتلين مــن النســاء‬
‫والصبيان والشيوخأ‪.‬‬
‫‪ -4‬الســـماحة الدينيـــة واحـــترام مقدســـات‬
‫الخإرين‪ ،‬بعدم قتل الرهبان والقسيســين مــا لــم‬
‫يقــاتلوا أو يعينــوا علــى القتــال‪ ،‬وعــدم التعــرض‬
‫كذلك لبيعهم وكنائسهم بسوء‪.‬‬
‫أما الذين يرمون رسول اللــه ‪ ‬وأتبــاعه بتهمــة‬
‫الدمويــة والهمجيــة فل يعرفــون هــذه الصــول‬
‫والداب‪ ،‬ول يراعونها في حروبهم‪) ،‬فلقــد عهــدنا‬
‫شــرائع تعلــن للنــاس أصــدق آيــات الــبر والخيــر‬
‫والرحمة في تشريعها وفلسفتها وأدبها‪ ،‬حــتى إذا‬
‫حكمت نسيت ذلك كله‪ ،‬وانقلبت إلى أبشع صــور‬
‫الحقد والقســوةا والســتهزاء لحقــوق الشــعوب‪،‬‬
‫والمعان في سفك الدماء وإثارةا الحروب‪ ،‬ولعل‬
‫أقــرب المثلــة علــى ذلــك فــي العصــر الحــديث‬
‫التنـاقض الواضـح بيـن مبـادئ الـثروةا الفرنسـية‬
‫وبين أعمال الفرنسيين فـي البلد الواقعـة تحــت‬
‫حكمهــم كبلد الشــمال الفريقــي العربــي الــتي‬
‫ذاقــت ومــا تــزال تــذوق أمــر صــنوف الضــطهاد‬
‫والعسف والذلل و النكال‪ ،‬ومثل ذلك يقال فــي‬
‫‪46‬‬
‫الدول الكبرى التي أعلنت شرعة حقوق النسان‬
‫في هيئة المــم‪ ،‬ثــم هــي اليــوم أول مــن يــدوس‬
‫حقوق النســان ويعتــدي علــى حرمــاته وكرامتــه‬
‫وسيادته‪ ،‬على أرضه ومقدراته()‪.(1‬‬
‫وأين الحروب الستباقية‪ ،‬والبــادات الجماعيــة‬
‫الــتي يمارســها الــدول الكــبرى ضــد مخالفيهــا‬
‫بـــدعوى محاربـــة الرهـــاب وتحريـــر الشـــعوب‬
‫وتصدير الديمقراطية‪ ،‬وغيرها من الــدعاوي‪ ،‬و ل‬
‫ترحم فيها صغيرا ول كبيرا‪ ،‬ول شــيخا ول امــرأةا‪،‬‬
‫وتهلــك الحــرث والنســل‪ ،‬وأيــن فضــائح معتقــل‬
‫غوانتنامو وسجن أبو غريب؟؟؟ وغيرها‪ ...‬نمــاذج‬
‫صارخإة من سلوكهم وأخإلقياتهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬هديه بعد القتال‪:‬‬
‫وإذا وضع الحرب بين الجيشين أوزارها‪ ،‬وصــار‬
‫الفريقين بين غالب ومغلــوب‪ ،‬وإذا كــانت الغلبــة‬
‫للسلم ووقع المقاتلون من العداء وما بأيــديهم‬
‫في سيطرةا المســلمين‪ ،‬وســقطت دولهــم أمــام‬
‫جحافل السلم طبق الرســول ‪ ‬أحكــام الســلم‬
‫العادلة في أسرى الحروب‪ ،‬والــتي تراعــي فيهــا‬
‫مصــلحة الجماعــة المســلمة و معــاني الكرامــة‬
‫النسانية وملف السرى المني تجاه المسلمين‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬نظام السلم في السلم والحرب ص ‪.14‬‬


‫‪47‬‬
‫وقد بين فقهاء الســيرةا النبويــة هــدي الســلم‬
‫وسنة الرسول بعد القتال‪ ،‬فقالوا‪) :‬أما المغلوب‬
‫عليهــم فتحــترم عقائــدهم ودمــائهم وأمــوالهم‬
‫ومعابــدهم‪ ،‬وهــم فــي حمايــة الدولــة وحقــوق‬
‫المواطنين‪ ،‬ول يكلفون إل بالخإلص للدولة ودفع‬
‫مبلغ زهيد يسمى الجزية كانت المم الغالبة قبـل‬
‫السلم وبعده تفرضه علــى المــم المغلوبــة‪ ،‬ول‬
‫تزال الدول في عصرنا الحاضر تفرضه في كــثير‬
‫من الحالت على أبناء شــعبها كضــريبة شخصــية‬
‫على الرؤوس‪.(1)(...‬‬
‫وقد لخص ابن قيم الجوزية الكلم فــي هــديه ‪‬‬
‫فــي الســرى فقــال‪) :‬وكــان يمــن علــى بعــض‬
‫السرى‪ ،‬ويقتل بعضهم‪ ،‬ويفادي بعضهم بالمــال‪،‬‬
‫وبعضهم بأسرى المسلمين‪ ،‬وقد فعــل ذلــك كلــه‬
‫بحسب المصلحة‪ ،‬ففادى أسارى بدر بمال‪ ،‬وقال‬
‫لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلء‬
‫النتنى لتركتهم له‪ ،‬وهبط عليه في صلح الحديبية‬
‫ثمانون متسلحون يريــدون غرتــه‪ ،‬فأســرهم‪ ،‬ثــم‬
‫من عليهم‪ ،‬وأسر ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة‪،‬‬
‫ثم أطلقه فأسلم‪.(2)(...‬‬
‫وواقــع معــاملت الرســول ‪ ‬مــع الســرى فــي‬
‫غزواته مطابق لما قاله هؤلء العلماء وإليــك نبــذ‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬نظام السلم في السلم والحرب ص ‪.18‬‬
‫)‪ (2‬زاد المعاد ‪.110 / 3‬‬
‫‪48‬‬
‫من مــواقفه الحكيمــة مــن الســرى مــن ســيرته‬
‫العطرةا‪:‬‬
‫‪ -‬موقفه من أسرى بدر‪ :‬وكان عدد أولئــك‬
‫السرى سبعين‪ ،‬ولقد استشار فيهم رسول اللــه‬
‫‪ ‬أبــا بكــر وعمــر رضــي اللــه عنهمــا‪ ،‬فــاخإتلف‬
‫الصاحبان في القضية‪ ،‬فقال أبو بكر بأخإذ الفديــة‬
‫منهــم لمكــان قرابتهــم‪ ،‬ورجــاء دخإــولهم فــي‬
‫الســلم‪ ،‬وقــال عمــر بقتلهــم لســابقتهم فــي‬
‫اضطهاد المسلمين‪ ،‬وكــان رأي رســول اللــه مــع‬
‫قول أبي بكر‪ ،‬وفي الغد أنزل اللــه قــوله تعــالى‪:‬‬
‫كون ل قَ قَ‬ ‫كان ل منب قَ‬
‫ن فمــي‬ ‫حلتى ي كث د م‬
‫خــ قَ‬ ‫سقَرى قَ‬ ‫هأ د‬ ‫ن ي قَ ك قَ ك‬ ‫يأ د‬ ‫ما قَ قَ قَ م ي‬ ‫} قَ‬
‫ه ي كرميــد ك ادل م‬ ‫قَ‬
‫خإــقَرةا قَ‬ ‫ض الــد تن دقَيا قَوالل لــ ك‬
‫ن ع قَقَر قَ‬ ‫دو قَ‬ ‫ري ك‬
‫ض تك م‬ ‫الدر م‬
‫د‬
‫م{ )لنفال‪ (67:‬ليرجح بذلك مــا‬ ‫كي ل‬ ‫ح م‬ ‫زيلز قَ‬ ‫قَوالل ل ك‬
‫ه ع قَ م‬
‫قاله عمر‪ ،‬وكان الفداء يومئــذ بــأربع مائــة درهــم‬
‫إلى أربع ة آلف)‪ ،(1‬ومم ن ف اداهم المطل ب ب ن‬
‫حنطــب‪ ،‬وصــيفي بــن أبــي رفاعــة‪ ،‬وأبــوعزةا‬
‫الجمحي‪ ...‬ومن على خإتنـه أبـي العـاص بشـرط‬
‫أن يخلي زينب ويتركها لتهاجر إلى المدينة‪.(2)(...‬‬
‫‪ -‬مـــوقفه مـــن أســـرى غـــزوة بنـــي‬
‫المصطلق‪ :‬حيث سبى المسلمون منهـم نسـاء‬
‫)‪ (1‬انظر البداية والنهاية ‪ 300 ،297 / 3‬للمام ابن كثير ط‬
‫مكتبة المعارف ـ بيروت‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر الرحيق المختوم ص ‪ 318‬للستاذ صفي الرحمن‬
‫المباركفوري ط دار الكتاب والسنة ـ باكستان ‪ 1417‬هـ‬
‫‪49‬‬
‫وذرية‪ ،‬كان من بينهم جويريــة بنــت الحــارث بــن‬
‫أبــي الحــارث ســيد بنــي المصــطلق‪ ،‬وكــان قــد‬
‫وقعت فــي ســهم ثــابت بــن قيــس بــن شــماس‪،‬‬
‫فكاتبها فأدى عنها رسول الله وتزوجها‪ ...‬فما هو‬
‫إل أن علم المسلمون بذلك فقالوا أصهار رسول‬
‫الله ‪ ‬بأيدينا؟؟! فــأعتقوا كــل مــن بأيــديهم مــن‬
‫السرى‪ ،‬وأسلم سائر بني المصطلق)‪.(3‬‬
‫‪ -‬حكمه على بني قريظة‪ :‬كان بنوا قريظة‬
‫في معسكر الحزاب المتحالفة لغزو رسول الله‬
‫‪ ،‬وكانوا من قبل في عهد مع رسول الله ‪ ،‬وبعد‬
‫غزوةا الحزاب مباشرةا ذهب إليهم رسول اللــه ‪‬‬
‫وحاصــرهم خإمــس وعشــرين ليلــة‪ ،‬فلمــا اشــتد‬
‫حصارهم واشتد البلء‪ ،‬قيل لهم انزلوا على حكم‬
‫رسول الله‪ ،‬فاستشاروا أبا لبابة بــن عبــد المنــذر‬
‫فأشار إليهم أنــه القتــل‪ ،‬قــالوا ننــزل علــى حكــم‬
‫سعد بن معاذ ‪ ‬فوافقهم على ذلك رسول الله ‪،‬‬
‫فــأتي بســعد علــى حمــار‪ ،‬فلمــا وصــل جعلــوا‬
‫يستعطفونه فــي تخفيــف الحكــم عليهــم‪ ،‬وحكــم‬
‫فيهم ‪ ‬بحكم الله من فوق ســبع ســماوات‪ :‬بــأن‬
‫يقتل الرجال‪ ،‬وتسبى الذريــة‪ ،‬وتقســم المــوال‪،‬‬
‫وكان هذا الحكم في غاية العدل والنصاف‪ ،‬فــإن‬
‫بني قريظة بالضافة إلى ما ارتكبــوا مــن جريمــة‬

‫)‪ (3‬راجع الدرر ‪ 190 / 1‬فما بعدها‪...‬‬


‫‪50‬‬
‫الخيانة‪ ،‬كانوا قــد جمعــوا لبــادةا المســلمين ألفــا‬
‫وخإمسمائة سيف‪ ،‬وألفين من الرمــاح‪ ،‬وثلثمائــة‬
‫درع‪ ،‬وخإمســمائة تــرس وحجفــة‪ ،‬حصــل عليهــا‬
‫المسلمون بعد فتح ديارهم)‪.(1‬‬
‫‪ -‬موقف رسول الله ‪ ‬من أهل مكة يــوم‬
‫فتحهــا‪ :‬لمــا فتــح النــبي ‪ ‬مكــة وتــم ســيطرته‬
‫عليهــا‪ ،‬وتمكــن مــن صــناديدها الــذين فعلــوا بــه‬
‫وبأصحابه ما فعلــوا‪ ،‬أمــن النــاس علــى أمــوالهم‬
‫ودمائهم‪ ،‬إل طائفة منهــم لجرائــم ارتكبوهــا ضــد‬
‫المسلمين‪ ،‬وهم عبد العزى بن خإطل‪ ،‬وعبد اللــه‬
‫بن سعد ابن أبي ســرح‪ ،‬والحــارث بــن نفيــل بــن‬
‫وهب‪ ،‬وعكرمة بن أبي جهل‪ ،‬ومقيس بن صبابة‪،‬‬
‫وهبار بن السود‪ ،‬وقينتان كانتا لبــن خإطــل كانتــا‬
‫تغنيان بهجو النــبي ‪ ،‬وســارةا مــولةا لبعــض بنــي‬
‫عبد المطلب وهي التي وجد معها كتاب حــاطب‪،‬‬
‫فأما ابن أبي سرح فجاء به عثمان بن عفان إلــى‬
‫النبي ‪ ‬وشفع فيه فحقن دمــه‪ ،‬وكــان قــد أســلم‬
‫قبل ذلك وهاجر‪ ،‬ثم ارتد ورجــع إلــى مكــة‪ ،‬وأمــا‬
‫عكرمة بن أبي جهل ففر إلـى اليمـن فاسـتأمنت‬
‫لــه امرأتــه‪ ،‬فــأمنه النــبي ‪ ‬فتبعتــه‪ ،‬فرجــع معهــا‬
‫وأسلم وحسن إســلمه‪ ،‬وأمــا ابــن خإطــل فكــان‬
‫متعلقا بأستار الكعبة فجاء رجل إلى رسول اللــه‬

‫)‪ (1‬انظر الرحيق المختوم ‪.424‬‬


‫‪51‬‬
‫‪ ‬فأخإبره فقال‪« :‬اقتله»‪ ،‬فقتله‪ ،‬وأما مقيس بن‬
‫صبابة فقتله نميلة بن عبد الله‪ ،‬وكان مقيــس قــد‬
‫أسلم قبل ذلك‪ ،‬ثم عدا علــى رجــل مــن النصــار‬
‫فقتله‪ ،‬ثم ارتد ولحق بالمشركين‪ ،‬وأمــا الحــارث‬
‫فكــان شــديد الذى برســول اللــه ‪ ‬بمكــة فقتلــه‬
‫علي ‪ ،‬وأما هبار بن السود فهو الذي كان عرض‬
‫لزينب بنت رسول الله ‪ ‬حيــن هــاجرت‪ ،‬فنخــس‬
‫بها حتى سقطت على صخرةا وأســقطت جنينهــا‪،‬‬
‫ففر هبار يوم فتح مكة‪ ،‬ثم أسلم وحسن إسلمه‪،‬‬
‫وأما القينتان فقتلت إحداهما‪ ،‬واستؤمن للخإــرى‬
‫فأسلمت كما استؤمنت لسارةا وأسلمت)‪ ،(1‬وبعد‬
‫ذلك جمع أهل مكة وخإطب فيهم فقــال‪)) :‬ل إلــه‬
‫إل الله وحده ل شريك لــه‪ ،‬صــدق وعــده‪ ،‬ونصــر‬
‫عبده‪ ،‬وهزم الحزاب وحده‪ ،‬أل كــل مــأثرةا أو دم‬
‫أو مال يدعى فهو تحت قدمي هــاتين‪ ،‬إل ســدانة‬
‫البيت وسقاية الحاج‪ ,‬أل وقتيل الخطأ شبه العمد‬
‫بالسوط أو العصا ففيــه الديــة مغلظــة مائــة مــن‬
‫البل‪ ،‬أربعون منها في بطونها أولدها‪ ،‬يــا معشــر‬
‫قريش إن الله قــد أذهــب عنكــم نخــوةا الجاهليــة‬
‫وتعظمها بالباء‪ ،‬الناس من آدم وآدم مــن تــراب‪،‬‬
‫ن ذ قَك قَــرت وقَأ كن دث قَــى‬
‫د‬ ‫مــ‬
‫م م‬ ‫خإل قَ د‬
‫ققَناك ك د‬ ‫س إ ملنا قَ‬ ‫قَ‬
‫ثم تل }يقَا أي تقَها اللنا ك‬
‫ل ل متعــاركفوا إ قَ‬
‫مك كــ د‬
‫م‬ ‫ن أك دقَر قَ‬ ‫م ل‬ ‫شــكعوبا ل وقَققَقَبائ مــ قَ قَ قَ قَ‬
‫م ك‬ ‫جعقَل دن قَــاك ك د‬
‫وقَ قَ‬

‫)‪ (1‬راجع الرحيق المختوم ص ‪.539 ،538‬‬


‫‪52‬‬
‫م{ )الحجرات‪ :‬من الية ‪ ،(13‬ثــم‬ ‫عن دد قَ الل لهم أ قَت د قَ‬
‫قاك ك د‬ ‫م‬
‫قال‪)) :‬يا معشر قريش ما ترون أني فاعــل بكــم‬
‫اليــوم؟(( قــالوا‪ :‬خإيــرا‪ ،‬أخأ كريــم ابــن أخأ كريــم‪،‬‬
‫قال‪)) :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء‪.(1)((...‬‬
‫ول شك أنه لو قتلهم وأخإذ أموالهم ما كان لهم‬
‫بظالم‪ ،‬كيــف وهــم الــذين اضــطهدوه وأصــحابه‪،‬‬
‫وقتلـــوا مـــن قتـــل منهـــم‪ ،‬وأخإـــذوا أمـــوالهم‪،‬‬
‫وأخإرجوهم من ديارهم بغير حق‪ ،‬وقــاتلوهم فــي‬
‫الدين‪ ،‬وأعانوا على قتــالهم‪ ،‬وهجــاهم شــعرائهم‬
‫ونال منهم سفهائهم!!‬
‫فمـــا أرحمـــه بـــأمته! ومـــا أرفقـــه بأعـــدائه‬
‫ومخالفيه! بأبي هو وأمي!!!‬

‫)‪ (1‬انظر السيرةا النبوية لبن هشام ‪ 74 ،73 / 5‬ط دار الجيل‬
‫ت بيروت ‪ 1411‬هـ‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫خضوع لله وشكر بعد النصر والتمكين‪:‬‬
‫إن من عادةا ملوك الرض وسادةا العــالم أنهــم إذا‬
‫انتصـروا فــي غزواتهــم علــى أعـدائهم ومكنـوا فــي‬
‫الرض‪ ،‬افتخروا ببطــولتهم‪ ،‬وتلــوا الخطــب الرنانــة‬
‫فــي بيــان قــدراتهم القتاليــة‪ ،‬ومــدحهم الشــعراء‬
‫بالقصائد الرنانــة‪ ،‬وتحــدثت عــن مفــاخإرهم وســائل‬
‫العلم المختلفة‪ ،‬وكل ذلك لما يعتريهم مــن نشــوةا‬
‫النتصار‪ ،‬و لما نسوا أو جحدوا بأن النصــر بيــد اللــه‪،‬‬
‫ومن ينصره الله فل غالب له‪.‬‬
‫أما رسول الله ‪ ‬فقد سن للفاتحين والغزاةا ســنة‬
‫التواضع لله والشكر له بعد نعمة النصر و التمكيــن‪،‬‬
‫فقد دخإل مكة مطأطأ رأسه وخإاضــعا للــه ســبحانه‪،‬‬
‫حين رأى ما أكرمه الله بــه مــن الفتــح‪ ،‬وكــان يضــع‬
‫رأسه تواضعا لله حتى أن شــعر لحيتــه ليكــاد يمــس‬
‫واسطة رحله ‪.(...(1‬‬
‫قال الشيخ صفي الرحمن المبــاركفوري‪) :‬ودخإـل‬
‫رســول اللــه يومئــذ دار أم هــانئ بنــت أبــي طــالب‬
‫فاغتســل وصــلى ثمــاني ركعــات فــي بيتهــا‪ ،‬وكــان‬
‫ضحى‪ ،‬فظنها من ظنهــا صــلةا الضــحى‪ ،‬وإنمــا هــي‬
‫صلةا الفتح‪.(2)(...‬‬
‫وكل ذلك امتثال لمر الله تعالى الوارد في سورةا‬
‫النصر إذ يقول جل شأنه‪} :‬إذا جاء نصر الله والفتــح‬

‫)‪ (1‬انظر الرحيق المختوم ص ‪.534‬‬


‫)‪ (2‬المصدر السابق ص ‪.538‬‬
‫‪54‬‬
‫ورأيت الناس يدخإلون في ديــن اللــه أفواجــا فســبح‬
‫لحمد ربك واستغفره إنه كان توابا{‪ .‬سورةا النصر‪.‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬‬
‫أروع القيم الحضارية في شمائله الكريمة‬
‫يحسن بنــا بعــد ســرد القيــم الحضــارية النبيلــة‬
‫الــتي تضــمنها زواج النــبي الكريــم وجهــاده ‪ ،‬أن‬
‫نتعــرض لبعــض شــمائله الكريمــة‪ ،‬لنشــاهد مــن‬
‫جمال خإلقه ومكارم خإلقه ما لم يحوه قــط أحــد‬
‫من البشر قبله ول بعده‪)) ،‬فقــد كــان يمتــاز مــن‬
‫جمال خإلق ه وكمـال خإلق ه بمـا ل يحيـط بوصـفه‬
‫البيان‪ ،‬وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلله‪،‬‬
‫والرجال تفانوا في حياطته وإكباره‪ ،‬بما ل تعــرف‬
‫الدنيا لرجل غيره‪ ،‬فالــذين عاشــروه أحبــوه إلــى‬
‫حد الهيام ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ول يخــدش‬
‫له ظفر‪.(1)((...‬‬

‫)‪ (1‬انظر الرحيق المختوم ص ‪.632‬‬


‫‪55‬‬
‫المبحث الول‪:‬‬
‫جمال خإلقه وحسن هندامه‬
‫أجمع كل من رأى رسول الله ‪ ‬من المســلمين‬
‫والكفار‪ ،‬والعــرب والعجــم‪ ،‬علــى وصــفه بأجمــل‬
‫الصفات وأحسن النعوت‪ ،‬ممــا يــدل علــى تبــوئه‬
‫على أعلى منزلة من الكمال البشري‪.‬‬
‫النبي الكريم في ريشــة علــي بــن أبــي‬
‫طالب‪:‬‬
‫قــال ‪ ‬وهــو ينعــت رســول اللــه ‪) :‬ل م يكــن‬
‫بالطويــل الممغـط‪ ،‬ول بالقصــير المــتردد‪ ،‬وكــان‬
‫ربعة من القــوم‪ ،‬ولــم يكــن بالجعــد القطــط‪ ،‬ول‬
‫بالسبط‪ ،‬وكان جعدا رجل‪ ،‬ولم يكن بالمطهم‪ ،‬ول‬
‫بالمكلثم‪ ،‬وكان على الــوجه تــدوير‪ ،‬وكــان أبيضــا‬
‫مشــربا‪ ،‬أدعــج العينيــن‪ ،‬أهــدب الشــفار‪ ،‬جليــل‬
‫المشاش والكتد‪ ،‬دقيق المســربة‪ ،‬أجــرد ششــن‬
‫الكفين‪ ،‬والقدمين‪ ،‬إذا مشى تقلــع كأنمــا يمشــي‬
‫مـن صـبب‪ ،‬وإذا التفـت التفـت معـا‪ ،‬بيـن كتفيـه‬
‫خإاتم النبوةا‪ ،‬وهو خإاتم النبيين‪ ،‬أجود الناس كفــا‪،‬‬
‫وأجرأ الناس صدرا‪ ،‬وأصدق الناس لهجة‪ ،‬وأوفى‬
‫الناس ذمة‪ ،‬وألينهــم عريكــة‪ ،‬وأكرمهــم عشــرةا‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫من رآه بديهة هــابه‪ ،‬ومــن خإــالطه معرفــة أحبــه‪،‬‬
‫يقول ناعته‪ :‬لم أر قبله ول بعده مثله ‪.(1)(‬‬
‫رسول الله في عيني أم معبد‪:‬‬
‫قالت أم معبد عــن رســول اللــه ‪ ‬وهــي تصــفه‬
‫لزوجها حين مــر بخيمتهــا مهــاجرا إلــى المدينــة‪:‬‬
‫ظاهر الوضاءةا أبلج)‪ (2‬الوجه‪ ،‬حس ن الخل ق‪ ،‬ل م‬

‫)‪ (1‬انظر السيرةا النبوية ‪ 247 ،246 / 2‬ت قال المام أبو‬
‫عيسى الترمذي رحمه الله تعالى‪)) :‬سمعت أبا جعفر محمد‬
‫بن الحسين يقول سمعت الصمعي يقول‪ :‬في تفسير صفة‬
‫النبي ‪) :‬الممغط(‪ :‬الذاهب طول‪ ،‬وقال سمعت أعرابيا يقول‬
‫في كلمه‪ :‬تمغط في نشابته‪ .‬أي مدها مدا شديدا‪ ،‬و‬
‫)والمتردد(‪ :‬الداخإل بعضه في بعض قصرا‪ ،‬وأما )القطط(‪:‬‬
‫فالشديد الجعودةا و الرجل(‪ :‬الذي في شعره جحونة أي تثن‬
‫قليل‪ .‬وأما )المطهم(‪ :‬فالبادن الكثير اللحم‪ .‬و)المكلثم(‪:‬‬
‫المدور الوجه‪ .‬و )المشرب(‪ :‬الذي في بياضه حمرةا‪ .‬و‬
‫)الدعج(‪ :‬الشديد سواد العين‪ .‬و)الهدب(‪ :‬الطويل الشفار‪ .‬و‬
‫)الكتد(‪ :‬مجتمع الكتفين وهو الكاهل‪ .‬و )المسربة(‪ :‬هو الشعر‬
‫الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرةا‪ .‬و )الشثن(‪:‬‬
‫الغليظ الصابع من الكفين والقدمين‪ .‬و )التقلع(‪ :‬أي يمشي‬
‫بقوةا‪ .‬و )الصبب(‪ :‬الحدور‪ ،‬يقال انحدرنا في صبوب و صبب‪.‬‬
‫وقوله‪) :‬جليل المشاش(‪ :‬يريد رؤوس المناكب‪ .‬و)العشرةا(‪:‬‬
‫الصحبة‪ .‬و )العشير(‪ :‬الصاحب‪ .‬و)البديهة(‪ :‬المفاجأةا‪ ،‬يقال‬
‫بدهته بأمر أي فاجأته‪ .‬انظر‪ :‬مختصر الشمائل المحمدية ص‬
‫‪ 18 ,17‬تأليف الشيخ محمد ناصر الدين اللباني ط مكتبة‬
‫المعارف للنشر والتوزيع ـ الرياض ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (2‬البلج‪ :‬هو مسفر الوجه ومشرقه ]انظر لسان العرب‪ ،‬باب‬
‫الباء لبن منظور[‪ ،‬الناشر دار إحياء التراث العربي ـ بيروت‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫تعبه ثجلة)‪ ،(1‬ولم ت زر ب ه ص لعة‪ ،‬وس يم قس يم‪،‬‬
‫ف ي عيني ه دع ج‪ ،‬وف ي أش فاره وط ف)‪ ،(2‬وف ي‬
‫صوته صحل)‪ ،(3‬وفي عنفه سطح‪ ،‬أح ور‪ ،‬أكح ل‪،‬‬
‫أزج)‪ ،(4‬أقرن)‪ ،(5‬شديد سواد الش عر‪ ،‬إذا ص مت‬
‫عله الوقار‪ ،‬وإن تكلم عله البهاء‪ ،‬أجمــل النــاس‬
‫وأبهاهم مــن بعيــد‪ ،‬وأحســنه وأحله مــن قريــب‪،‬‬
‫حلو المنطق‪ ،‬فضل‪ ،‬ل نزر ول هذر‪ ،‬كأن منطقــه‬
‫خإرزات نظمن يتحدرن‪ ،‬ربعة ل تقحمه عيــن مــن‬
‫قصر‪ ،‬ول تشنؤه من طول‪ ،‬غصــن بيــن غصــنين‪،‬‬
‫فهو أنظر الثلثة منظرا‪ ،‬وأحسنهم قدرا‪.(6)...‬‬

‫)‪ (1‬الثجلة هي‪ :‬عظم البطن ]لسان العرب‪ ،‬باب الثاء[‪.‬‬


‫)‪ (2‬أي‪ :‬طول‪] ،‬لسان العرب‪ ،‬باب الواو[‪.‬‬
‫)‪ (3‬الصحل هو‪ :‬الصوت فيه بحة ]العين‪ ،‬باب الصاد والحاء‬
‫واللم[ للخليل بن أحمد الفراهيدي ط دار الكتب العلمية ـ‬
‫بيروت‪.‬‬
‫)‪ (4‬أزج‪ :‬دقيق الحاجبين ]مختار الصحاح للرازي‪ ،‬باب الزاي[ ط‬
‫دار الكتب العلمية ـ بيروت‪.‬‬
‫)‪ (5‬أقرن‪ :‬أي مقرون الحاجبين ]الصحاح‪ ،‬فصل القاف[‬
‫للجزهري ط المركز العربي للثقافة والعلوم‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر زاد المعاد ‪.54 / 3‬‬
‫‪58‬‬
‫مقارنة بين الوصفين‪:‬‬
‫ل ريب أن كل من أم معبد وعلي بن أبي طالب‬
‫ذكر ما شاهده من الجمال و الكمال في شــخص‬
‫رسول الله ‪ ، ‬وهناك بين الوصفين اخإتلف تنــوع‬
‫اقتضه اخإتلف الواصفين وهــاكم مقارنــة لطيفــة‬
‫بين الوصفين‪:‬‬
‫‪ -1‬إن وصــف أم معبــد لرســول اللـه ‪ ‬ل يمــت‬
‫إلى أي معتقد ديني في رسول اللــه‪ ،‬حــتى يقــال‬
‫أن وصفها له جاء من باب الغلــو والطــراء الــذي‬
‫يحدث غالبا عندما يصف النسان من يقدسه من‬
‫نبي أو رجل صالح‪ ،‬وعليه فإن موافقتها لما قــاله‬
‫علي بن أبي طــالب فــي وصــف الرســول ‪ ‬يــدل‬
‫أيضا على أنه لم يكــن مبالغــا فــي ذكــر محاســنه‬
‫عليه الصلةا والسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬إن لكل من الرجــال والنســاء مقــاييس قــد‬
‫تتحد وقد تختلف في اعتبار الجمال والكمال فــي‬
‫النسان‪ ،‬ومع ذلك لم يذكر واحد منهمــا مــا يــدل‬
‫على صفة غير مرغوبة في رسول الله ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن وصف أم معبــد لرســول اللــه كــان فــي‬
‫أول لقاء له وهو في سفر خإائفا يترقب‪ ،‬وجــائع و‬
‫عطشــان‪ ،‬أضــف إلــى ذلــك أنــه فــي الثــالث‬
‫والخمسين من عمره‪ ،‬ولــم يختلــف وصــفها إيــاه‬
‫عن قول من عرفه شابا يافعــا‪ ،‬مقيمــا بيــن أهلــه‬
‫‪59‬‬
‫مطمئنا‪ ،‬مما يشهد على استواء أحواله في الحل‬
‫والترحــــال‪ ،‬والخــــوف والمــــن‪ ،‬والشــــباب‬
‫والشيخوخإة‪ ،‬نور على نور‪.‬‬
‫حسن هندامه‪:‬‬
‫كان رسول الله ‪ ‬حسن الهندام وكامــل الزينــة‬
‫ومرتب الزرةا‪ ،‬غير مفرط في تجمل‪ ،‬ول مفـرط‬
‫في تقشف‪ ،‬بل كان كل أمره وسطا‪.‬‬
‫وهذه بعض الصور الجميلــة لهنــدامه بــأبي هــو‬
‫وأمي‪:‬‬
‫عنــايته بشــعره‪ :‬فقــد كــان يرتــب شــعره‬
‫ويعتني به )فعن عائشة رضــي اللــه عنهــا قــالت‪:‬‬
‫كن ت أرج ل رس ول الل ه وأن ا ح ائض()‪ ،(1‬وعنه ا‬
‫رضي الله عنها أيضا قالت‪) :‬إن كان رسـول اللـه‬
‫‪ ‬ليحب التيمن في طهوره إذا تطهر‪ ،‬وفي ترجله‬
‫إذا ترجل‪ ،(2)(...‬وذلك ليجمع بي ن جم ال الظ اهر‬
‫والبــاطن‪ ،‬وبيــن رعايــة حــق اللــه فــي اســتعمال‬
‫يمينــه فــي المحترمــات‪ ،‬وبيــن حــق الخلــق فــي‬
‫الظهور أمامهم بشكل أنيق‪.‬‬
‫)‪ (1‬أخإرجه البخاري في )اللباس( باب ترجيل الحائض زوجها‪،‬‬
‫وأخإرجه مسلم في كتاب الحيض برقم ‪ 297‬وعند أبي داود‬
‫في الترجل برقم ‪ 4189‬وعند ابن ماجه في )اللباس( برقم‬
‫‪] 3633‬انظر‪ :‬مختصر الشمائل المحمدية لللباني ص ‪.[36‬‬
‫)‪ (2‬أخإرجه البخاري في )الطهارةا( باب التيمن في الوضوء وزاد‬
‫فيه‪) :‬وفي شأنه كله(‪ ،‬ومسلم حديث رقم ‪] ...258‬المرجع‬
‫السابق ‪.[37‬‬
‫‪60‬‬
‫صفة ثوبه‪ :‬حيث كان لــه ذوقــه الخــاص فــي‬
‫جنس الثياب وألوانها )فعن أم سلمة رضــي اللــه‬
‫عنها كان أحب الثيــاب إلــى رســول اللــه يلبســه‬
‫القميص()‪ ،(1‬وعن أنس بن مالك قال‪) :‬كان أحب‬
‫الثياب إلى رسول الله يلبسه الحبرةا()‪) ، (2‬وعن‬
‫أبي جحيفة ‪ ‬قال رأيت النبي وعليه حلة حمــراء‪،‬‬
‫كــأني أنظــر إلــى بريــق ســاقيه()‪) ،(3‬وعــن ابــن‬
‫عبــاس قــال رســول اللــه ‪ ‬عليكــم بالبيــاض مــن‬
‫الثيــاب ليلبســها أحيــائكم‪ ،‬وكفنــوا فيهــا موتــاكم‪،‬‬
‫فإنها من خإير ثيابكم()‪.(4‬‬
‫نوع نعلــه وخفــه‪ :‬فقــد لبــس منهمــا شــتى‬
‫الصناعات والماركات )فعن عبــد اللــه بــن بريــدةا‬
‫عــن أبيــه أن النجاشــي أهــدى النــبي ‪ ‬خإفيــن‬
‫أســودين ســاذجين فلبســهما‪ ،‬ثــم توضــأ ومســح‬
‫عليهما()‪) ،(5‬وعن عيسى بن طهمان قال‪ :‬أخإ رج‬

‫)‪ (1‬أخإرجه أبوداود في كتاب اللباس رقم ‪ 4025‬والترمذي في‬


‫كتاب اللباس رقم ‪ 1762‬وصححه اللباني ]المرجع السابق‬
‫ص ‪.[46‬‬
‫)‪ (2‬أخإرجه البخاري في )اللباس‪ ،‬باب البرود والحبرةا والشملة(‪،‬‬
‫ومسلم في )اللباس برقم ‪ ،(4060‬والترمذي في اللباس‬
‫برقم ‪ 1788‬والنسائي‪] .‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪.[48 :‬‬
‫)‪ (3‬أخإرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخإرجه أبو داود وابن ماجة‪.‬‬
‫)‪ (5‬أخإرجه أبو داود في )الطهارةا برقم ‪ ،(155‬والترمذي في‬
‫)الدب برقم ‪ ،(2821‬وابن ماجه في )الطهارةا وفي اللباس‬
‫‪61‬‬
‫إلينا أنس بن مالك نعلين جرداويــن لهمــا قبــالن‪،‬‬
‫قال‪ :‬فحدثني ثابت – بعد – عن أنس‪ :‬أنهما نعلي‬
‫النبي ‪.(1)(‬‬
‫نوع خاتمه‪ :‬وكان للفضــة حضــورا فــي زيتــه‬
‫وهندامه‪ ،‬غير أنها لم تطغه ‪ ‬أو تلحقه فــي عــداد‬
‫المسرفين‪ ،‬وكان تزينه بها من جانب آخإر يعكس‬
‫حاجته إليه‪) ،‬فعن بن عمر رضــي اللــه عنهمــا أن‬
‫النبي اتخذ خإاتما من فضة وجعل فصــه ممــا يلــي‬
‫كفه‪ ،‬ونقــش فيــه محمــد رســول اللــه‪ ،‬ونهــى أن‬
‫ينقش أحد عليه‪.(2)(...‬‬

‫‪ (3620‬قال اللباني‪« :‬وفيه ضعف‪ ،‬لكن له شاهد ذكرته من‬


‫أجله في صحيح أبي داود )‪ ...(144‬انظر‪ :‬المرجع السابق‬
‫‪.51‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري‪.‬‬
‫)‪ (2‬أخإرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أخإلقه الكريمة‬
‫لقد جمع الله لرسول اللــه الكريــم بيــن حســن‬
‫الخلق وحسن الخلـق‪ ،‬حيـث يحبـه كـل مـن رآه‪،‬‬
‫ويــألفه كــل مــن عاشــره‪ ،‬وكفــاه شــرفا أن اللــه‬
‫مدحه بحسن خإلقــه فــي القــرآن الكريــم‪ ،‬فقــال‬
‫ق ع قَظ ميــم ت{ )القلــم‪،(4:‬‬ ‫ك ل قَعقَقَلى ك ك‬
‫سبحانه‪} :‬وقَإ من ل قَ‬
‫خإلــ ت‬
‫وقد تحدث صحابته الكرام عــن أخإلقــه الكريمــة‬
‫وشمائله الجليلة‪ ،‬فلنصغ إلى أحاديثهم عن‪:‬‬
‫‪ -1‬كرمه‪ :‬حيــث بلــغ مــن الجــود والكــرم مــا‬
‫أنسى العرب حاتم الطائي الــذي كـانوا يضــربون‬
‫به المثل في تلك الخصلة‪ ،‬فعن جابر بن عبد الله‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬ما سئل رسول الله ‪ ‬شيئا‬
‫على السلم إل أعطاه‪ ،‬سأله رجل فأعطاه غنما‬
‫بين جبلين‪ ،‬فأتى الرجل قومه فقال لهم يــا قــوم‬
‫اسلموا فإن محمــدا يعطــي عطــاء مــن ل يخــاف‬
‫الفاقة)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬حلمه‪ :‬المنقطع النظيــر‪ ،‬فقــد جــذبه يومــا‬
‫أعرابــي جذبــة شــديدةا حــتى أثــرت فــي صــفحة‬
‫عنقه‪  ،‬وقال‪ :‬احمل لي على بعيــري هــذين مــن‬
‫مال الله الذي عندك‪ ،‬فإنك ل تحمل لي من مالك‬
‫ومــال أبيــك‪ ،‬فحلــم عليــه‪ ،‬ولــم يــزد أن قــال‪:‬‬
‫))المــال مــال اللــه‪ ،‬وأنــا عبــده‪ ،‬ويقــاد منــك يــا‬

‫)‪ (1‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫‪63‬‬
‫أعرابي ما فعلت بي(( فقــال العرابــي ل‪ ،‬فقــال‬
‫النــبي ‪)) ‬ل م؟(( ق ال‪ :‬لن ك ل تكــافئ الســيئة‬
‫بالسيئة‪ ،‬فضحك ‪ ، ‬ثــم أمــر أن يحمــل لــه علــى‬
‫بعير شعير وعلى آخإر تمر)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬حيائه‪ :‬الفطري الذي لــم يحــل بينــه وبيــن‬
‫الحق قط‪ ،‬روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري‬
‫‪ ‬قال‪ :‬كان رسول الله ‪ ‬أشد حياء من البكر في‬
‫خإدرها‪ ،‬وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬مزاحه‪ :‬الــذي لــم يخرجــه عــن طــوره أو‬
‫يخدش في فضله‪ ،‬فعن النعمان بن بشــير رضــي‬
‫الله عنهما قــال‪ :‬اســتأذن أبــو بكـر علــى النـبي ‪‬‬
‫فسمع صوت عائشة عاليــا علــى رســول اللــه ‪، ‬‬
‫فلما دخإل تناولها ليلطمها وقال‪ :‬أل أراك ترفعين‬
‫صوتك على رسول اللــه‪ ،‬فجعــل النــبي يحجــزه‪،‬‬
‫وخإرج أبو بكر مغضبا‪ ،‬فقال رســول اللــه ‪ ‬حيــن‬
‫خإــرج أبــو بكــر ))كيــف رأيتنــي أنقــذتك مــن‬
‫الرجل؟(( فمكث أبو بكر أياما ثــم اســتأذن علــى‬
‫رسول الله ‪ ‬فوجدهما قد اصطلحا‪ ،‬فقــال لهمــا‪:‬‬
‫أدخإلني في سلمكما كما أدخإلتماني في حربكما‪،‬‬
‫فقال رسول الله ‪ )) ‬قد فعلنا قد فعلنا(()‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬هذا الحبيب يا محب ص ‪.341‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أبو داود في كتاب الدب‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ -5‬وفائه‪ :‬الــذي لــم بفــرق فيــه بيــن الحيــاء‬
‫والموات‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬كان النــبي‬
‫‪ ‬إذا أتي بهدية قال‪)) :‬اذهبوا بها إلى بيــت فلنــة‬
‫فإنهــا كــانت صــديقة لخديجــة‪ ،‬إنهــا كــانت تحــب‬
‫خإديجة((‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫دالية حسان في مدح الرسول ورثائه‬
‫كــان لرســول اللــه ‪ ‬مجموعــة مــن الشــعراء‬
‫المجيدين‪ ،‬يجاهدون المشركين ببيانهم‪ ،‬ويــذبون‬
‫عن رسول الله‪ ،‬ويدافعون عن المسلمين‪ ،‬وكان‬
‫دورهم في ذلك الزمن بمثابة دور وسائل العلم‬
‫في عصرنا الحاضر‪ ،‬و أشعارهم هي مادةا خإصــبة‬
‫لعلماء السير والمغازي يستفيدون منهــا شــمائل‬
‫رسول الله‪ ،‬ومشــاعر الصــحابة ومــواقفهم مــن‬
‫الحــداث المختلفــة‪ ،‬كمــا تعتــبر مدرســة لــرواد‬
‫الدب السلمي يستلهمون منها أغــراض الشــعر‬
‫النبيلـــة‪ ،‬وأســاليب اللغــة الســليمة‪ ،‬ومقياســـا‬
‫وأنموذجا يحتذي بــه الراشــدون فــي مــدح النــبي‬
‫دون غلو في حقه أو إطراء‪.‬‬
‫وهذه الدالية الرائعة لحسان بن ثــابت شــاعر‬
‫رسول الله المؤيد بروح القدس أهديها إلى كــل‬
‫مسلم غيور دمعت عيناه وآلــم قلبــه مــا فعلــت‬
‫الصحف الدنمركية والنرويجية وغيرهما بشخص‬
‫رسول الله ‪ ، ‬إذ فيها من ذكر محاسنه وسوق‬
‫شمائله ما يثلج قلب كل حبيب‪ ،‬ويغص حلق كل‬
‫عنيد‪ ،‬يقول ‪: ‬‬
‫منيــر وقــد تعفــوا‬ ‫بطيـبة رسم‬
‫للرســــــول ومعهـــــد الرســوم وتهمــد‬
‫‪66‬‬
‫ول تمحي اليــات مــن بهــا منبــر الهادي الذي‬
‫كان يصعد‬ ‫دار حرمــة‬
‫وربــع لــه فيــه مصلــى‬ ‫وواضــح آثــــار‬
‫ومسجــــد‬ ‫وباقــــي معـــــالم‬
‫مـن الله نــور‬ ‫بها حجرات كان ينــزل‬
‫يستضــــاء ويـــوقــــد‬ ‫وسطــــهـا‬
‫أتاهــا البلــى فالي‬ ‫معارف لم تطمس على‬
‫منـــها تجـــدد‬ ‫العهد آيـــها‬
‫وقرا بها واراه في‬ ‫عرفت بها رســـم‬
‫التــــرب ملحــــد‬ ‫الرســول وعهــده‬
‫عيــون ومثــلها من‬ ‫ظللت بها أبكي‬
‫الجفن تسعــد‬ ‫الرسول فأسعـــدت‬
‫لها محصـــيا نفســي‬ ‫تذكــــرن آلء‬
‫فنفســي تبلــد‬ ‫الرســــول ومـــا أرى‬
‫فظلــت للء‬ ‫مفجعة قد شفهـا‬
‫الرســـــول تعــــدد‬ ‫فقــــد أحمـــد‬
‫ولكن لنفسـي بعــــد‬ ‫وما بلغت من كـــل‬
‫ما تــوجــد‬ ‫أمــر عشيــره‬
‫علــى طلل القبر الذي‬ ‫أطالت وقوفا تذرف‬
‫فيه أحمــد‬ ‫العين جهدهــــا‬
‫عليه بناء مــــن‬ ‫وبورك لحد منك‬
‫صفيــــح منضــد‬ ‫ضــــم طيـــبا‬
‫عليــه وقــد غــارت‬ ‫تهيل عليه التــــرب‬
‫بذلك أسعـد‬ ‫أيد و أعين‬
‫‪67‬‬
‫عشية علوه الثــرى ل‬ ‫لقد غيبوا حلما‬
‫يــوســـد‬ ‫وعلــــما ورحمــة‬
‫ومن قد بكته الرض‬ ‫يبكون من تبكي‬
‫فالناس أكمــــد‬ ‫السماوات يومــــه‬
‫رزية يوم مات فيــــه‬ ‫وهل عدلت يوما‬
‫محمـــد‬ ‫رزيــــة هالــك‬
‫وقــد كــان ذا نـور‬ ‫تقطع فيه منزل‬
‫يغور وينجد‬ ‫الوحــي عنــهم‬
‫معلم صــدق إن‬ ‫إمام لهم يهديهم‬
‫يطيعــوه يسعــدوا‬ ‫الحق جاهـــدا‬
‫وإن يحسنوا فالله‬ ‫عفو عن الزلت‬
‫بالخير أجـــود‬ ‫يقبــــل عذرهــم‬
‫فمن عند ه تيسيــر مــا‬ ‫وإن ناب أمر لم‬
‫يتشــدد‬ ‫يقومــــوا بحملــه‬
‫دليــل بـــه نهج‬ ‫فبينا هم في نعمـة‬
‫الطريقة يقصـد‬ ‫الله بينهــــم‬
‫حريص على أن‬ ‫عزيز عليه أن يجــوروا‬
‫يستقيمــوا ويهتــدوا‬ ‫عن الهــدى‬
‫إلى كنف يحنـــوا‬ ‫عطوف عليهم ل يثنـــي‬
‫عليهــم ويمهـد‬ ‫جناحــه‬
‫إلى نورهم سهم من‬ ‫فبيناهم في ذلك‬
‫المــــوت مقصــد‬ ‫النـــــور إذ غــدا‬
‫لغيــبة ما كانت من‬ ‫وأمست بلد الحرم‬
‫الوحي تعهد‬ ‫وحشا بقاعــــها‬
‫‪68‬‬
‫يبكيه حق المرسـلت‬ ‫فأصبح محمـــــودا إلى‬
‫)‪(1‬‬
‫ويحمــد‪...‬‬ ‫الله راجــــعا‬

‫)‪ (1‬انظر بقيتها في السيرةا النبوية ‪ 89 / 6‬فما بعدها‪.‬‬


‫‪69‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫وبعد هذه الجولة الســريعة فــي ظلل الســيرةا‬
‫النبويــة المطهــرةا‪ ،‬استعرضــنا فيهــا مــن مظــاهر‬
‫كماله وآيات جماله ما يشهد على أن أروع القيــم‬
‫الحضارية وأنبل المشــاعر النســانية تتمثــل فــي‬
‫سيرةا نبينــا الكريــم‪ ،‬وقــد دل علــى ذلــك حقــائق‬
‫التاريـخ ومقـررات الشـريعة‪ ،‬وقـد وقـع اخإتيارنـا‬
‫وانتخابنــا علــى نبــذ يســيرةا مــن حيــاته تتعلــق‬
‫بزواجه‪ ،‬وجهاده‪ ،‬وشــمائله‪ ،‬وذلــك نظــرا لكونهــا‬
‫محل الشبهات المثارةا حول شخصــيته الكريمــة‪،‬‬
‫و إل فإن بقية جوانب حياته الخإرى ل تقل أهميــة‬
‫ول تخف وزنا مما ذكر وتنوول بالعرض والتحليل‪.‬‬
‫وهذه خإلصة لما توصلت إليه من نتائج أسجلها‬
‫لله ثم للتاريخ‪ ،‬وأرجوا الله أن يهدي بها البشــرية‬
‫التائهــة فــي ديــاجير الكفــر والشــرك والظلــم‬
‫والرهـــاب والميوعـــة والنحلل‪ ،‬إلـــى اليمـــان‬
‫والتوحيد والمن والسعادةا‪ ،‬والصلح والرشاد‪:‬‬
‫‪ -1‬إن عقيــدةا المســلمين فــي محمــد ‪ ‬أنــه‬
‫رسول الله وخإاتم النبيين‪ ،‬وبشر مثلهم‪ ،‬غيــر أنــه‬
‫أكمل الناس خإلقا وخإلقا وأرفعهم منزلــة ودرجــة‬
‫عند الله‪.‬‬
‫‪ -2‬إن أداء الرسول الكريم ‪ ‬لوظائف البشرية‬
‫الضرورية من أكل وشــرب وزواج ونحوهــا دليــل‬
‫‪70‬‬
‫على كمال بشريته‪ ،‬وليس عيبا يحط من درجتــه‪،‬‬
‫فضل أن يقدح في رسالته‪.‬‬
‫‪ -3‬تعتــبر الســيرةا النبويــة المطهــرةا مدرســة‬
‫للبشــرية جمعــاء‪ ،‬يقتبــس منهــا كــل صــنف مــن‬
‫النــاس‪ ،‬و مــن كــل جنــس‪ ،‬وفــي أي موقــع فــي‬
‫المجتمع‪ ،‬ما يسترشد به للنجاح في رسالته‪.‬‬
‫‪ -4‬السباب الحقيقيــة لتعــدد زوجــات النــبي ‪‬‬
‫ترجع إلى تحقيق مقاصد جليلــة وغايــات ســامية‪،‬‬
‫وتتمثــل فيمــا ذكرنــاه مــن الحكــم التشــريعية‬
‫والحكــم التعليميــة والحكــم الجتماعيــة والحكــم‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪ -5‬إن هدف رسول اللــه فــي جهــاده هــو إعلء‬
‫كلمة الله ونشر دينه وتحرير شــعوب الرض مــن‬
‫الظلم والضطهاد‪.‬‬
‫‪ -6‬ورغم نبل أهدافه وسمو غاياته فــي الجهــاد‬
‫لــم يســتعمل وســائل أو يســتخدم أســاليب غيــر‬
‫نظيفة في قتاله مع أعداءه وخإصومه ‪.‬‬
‫‪ -7‬شمول رحمة الرسول الكريم للبر والفاجر‬
‫والمؤمن والكافر والصغير والكــبير‪ ،‬بــل شــموله‬
‫لجميع الكائنات من بشر وحجر وشجر وحيوان‪.‬‬
‫‪ -8‬كان رسول الله محترما لمقدسات الخإرين‬
‫ومراعيا للعهود والمواثيق الــتي بينــه وبينهــم لــم‬
‫ينتهك حرمة ولم ينكث عهدا‪ ،‬إل حرمة من انتهك‬
‫‪71‬‬
‫حرمات الله ورسوله ولم يرقب في مؤمن إل ول‬
‫ذمة‪ ،‬أو من أراد خإيانته‪.‬‬
‫‪ -9‬منح الله سبحانه رسوله الكريم مــن جمــال‬
‫الخلـق والخلـق مـا يحببـه إلـى الخلـق ويجعلهـم‬
‫يــألفونه ويأنســون بمعاشــرته والتعامــل معــه‬
‫والتأمل في سيرته‪.‬‬
‫‪ -10‬ومع ذلك كله كان وسطا فــي كــل أمــوره‬
‫وعمليــا فــي كــل شــؤونه‪ ،‬ل يتكلــف شــيئا مــن‬
‫القوال أو الفعال أو الطباع‪ ،‬بل كان كل خإصــاله‬
‫ومكرماته بالسجية‪ .‬فصلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫المؤلـف‪ /‬انجــوغو امبـــاكي صمب‬


‫‪Masyer@maktoob.com‬‬
‫‪09 12 512 – 67 97 516‬‬

‫‪72‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفح‬ ‫الموضوعات‬ ‫التسل‬
‫ة‬ ‫سل‬
‫‪3‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪1‬‬
‫‪5‬‬ ‫الواقع والواجب في الواقع‬ ‫‪2‬‬
‫‪8‬‬ ‫القيم الحضارية في تعدد أزواج‬ ‫‪3‬‬
‫الرسول الكريم ‪‬‬
‫‪9‬‬ ‫كون زواجه من كمال بشريته‬ ‫‪4‬‬
‫‪12‬‬ ‫زوجات الرسول ‪ ‬أمهات‬ ‫‪5‬‬
‫المؤمنين‬
‫‪12‬‬ ‫بيت الرسول الكريم والمشاكل‬ ‫‪6‬‬
‫الزوجية‬
‫‪17‬‬ ‫خإصوصية النبي في باب الزواج‬ ‫‪7‬‬
‫‪20‬‬ ‫حكمة تعدد زوجاته الطاهرات‬ ‫‪8‬‬
‫‪21‬‬ ‫أول‪ :‬الحكمة التشريعية‬ ‫‪9‬‬
‫‪23‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الحكمة التعليمية‬ ‫‪10‬‬
‫‪24‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الحكمة السياسية‬ ‫‪11‬‬
‫‪27‬‬ ‫رابعا‪ :‬الحكمة الجتماعية‬ ‫‪12‬‬
‫‪30‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬القيم النبيلة في‬ ‫‪13‬‬
‫جهاد النبي الكريم‬
‫‪31‬‬ ‫مشروعية الجهاد‬ ‫‪14‬‬
‫‪34‬‬ ‫مراتب تشريع القتال‬ ‫‪15‬‬
‫‪34‬‬ ‫الولى‪ :‬المنع من القتال‬ ‫‪16‬‬
‫‪36‬‬ ‫الثانية‪ :‬الذن بالقتال‬ ‫‪17‬‬
‫الصفح‬ ‫الموضوعات‬ ‫التسل‬

‫‪73‬‬
‫ة‬ ‫سل‬
‫‪37‬‬ ‫الثالثة‪ :‬المر بقتال من يقاتلهم‬ ‫‪18‬‬
‫‪37‬‬ ‫الرابعة‪ :‬المر بقتال جميع الكفار‬ ‫‪19‬‬
‫‪39‬‬ ‫هدي النبي الكريم في قتال‬ ‫‪20‬‬
‫العداء‬
‫‪39‬‬ ‫قديه قبل القتال‬ ‫‪21‬‬
‫‪40‬‬ ‫هديه أثناء القتال‬ ‫‪22‬‬
‫‪43‬‬ ‫هديه بعد القتال‬ ‫‪23‬‬
‫‪44‬‬ ‫موقفه من أسرى بدر‬ ‫‪24‬‬
‫‪45‬‬ ‫موقفه من أسرى غزوةا بني‬ ‫‪25‬‬
‫مصطلق‬
‫‪46‬‬ ‫حكمه على بني قريظة‬ ‫‪26‬‬
‫‪46‬‬ ‫موقفه من أهل مكة يوم فتحها‬ ‫‪27‬‬
‫‪49‬‬ ‫خإضوع لله وشكر بعد النصر‬ ‫‪28‬‬
‫والتمكين‬
‫‪50‬‬ ‫‪ 29‬الفصــــل الثــــالث‪ :‬أروع القيــــم‬
‫الحضارية في شمائله الكريمة ‪‬‬
‫‪51‬‬ ‫جمال خإلقه وحسن هندامه‬ ‫‪30‬‬
‫‪51‬‬ ‫النبي الكريم في ريشة علي بن‬ ‫‪31‬‬
‫أبي طالب‬
‫‪52‬‬ ‫رسول الله ‪ ‬في عيني أم معبد‬ ‫‪32‬‬
‫‪54‬‬ ‫مقارنة بين الوصفين‬ ‫‪33‬‬
‫‪55‬‬ ‫حسن هندامه‪ ...‬عنايته بشعره‪...‬‬ ‫‪34‬‬
‫صفة ثوبه‪...‬‬
‫الصفح‬ ‫الموضوعات‬ ‫التسل‬
‫ة‬ ‫سل‬
‫‪74‬‬
‫‪56‬‬ ‫نوع نعله وخإفه ‪‬‬ ‫‪35‬‬
‫‪57‬‬ ‫نوع خإاتمه ‪‬‬ ‫‪36‬‬
‫‪58‬‬ ‫أخإلقه الكريمة‪ ...‬كرمه‪ ..‬حلمه‪...‬‬ ‫‪37‬‬
‫‪59‬‬ ‫حيائه‪ ...‬مزاحه‪...‬‬ ‫‪38‬‬
‫‪60‬‬ ‫وفائه‪...‬‬ ‫‪39‬‬
‫‪61‬‬ ‫دالية حسان في مدح الرسول‬ ‫‪40‬‬
‫ورثائه‪...‬‬
‫‪65‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫‪42‬‬
‫‪67‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬ ‫‪43‬‬

‫‪‬‬

‫‪75‬‬

You might also like