You are on page 1of 41

‫‪1‬‬

‫الكتابة العربية المعاصرة في‬


‫السيرة النبوية‪ ،‬قضايا وملحاظات‬
‫أحمد بن محمد فكير‪ -‬كلية الداب‪ -‬أكادير‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫خطة البحث ‪:‬‬

‫*‪/‬مقدمة‪:‬‬
‫*‪/‬قضايا في الكتابة العربية المعاصرة في السيرة النبوية ‪:‬‬

‫المبحث الول‪ :‬التشكيك في كتب الحديث والسيرة النبوية‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إنكار الحاديث الصحيحة‪:‬‬


‫المطلب الول ‪ :‬حديث سحر النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬حديث خوخة أبي بكر رضي ال عنه‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حديث أن النبي كان ل يشبع من الطعام‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬حديث أن النبي مات ودرعه مرهونة عند يهودي‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪:‬حديث أن النبي صلى ال عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬إنكار المعجزات والتشكيك فيها والتعسف في تأويلها‪:‬‬


‫المطلب الول ‪ :‬معجزات قبل النبوة ‪:‬‬
‫معجزة الطير البابيل‪.‬‬
‫معجزة شق الصدر‪.‬‬
‫معجزة تسليم الحجر على النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬معجزات بعد النبوة ‪:‬‬
‫معجزة السراء والمعراج ‪.‬‬
‫معجزة انشقاق القمر‪.‬‬
‫معجزات الهجرة ‪.‬‬
‫*‪/‬خاتمة‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫مقدم ــة‪:‬‬
‫ظلت سيرة رسول ال صلى ال عليه وسلم النموذج المثالي للحياة النسانية الحقة بكل أبعادهــا‪،‬والمعيــن‬
‫العــذب الــذي ل ينضــب علــى مــر العصــور والجيــال‪ ،‬ونــالت مــن عنايــة العلمــاء قــديما وحــديثا مســلمين‬
‫وغير مسلمين مـا لـم تنلـه سـيرة نـبي ول زعيـم‪،‬وتفنـن المسـلمون فـي كتابتهـا والتصـنيف فـي جزئياتهـا أيمـا‬
‫تفنن‪،‬كيف ل وهي سيرة أعظم رسول وأكرم الخلق على ال تعالى‪.‬‬
‫وهؤلء الذين كتبوا في السيرة النبوية لم تكن طريقتهم واحدة ‪ ،‬بل تفرقوا طرائق قددا‪.‬والملحــظ أن الســيرة‬
‫النبوية في عصرنا لم تكتب فيها القلم الســلمية فحســب‪ ،‬بــل كتــب فيهــا غيــر المســلمين أيضــا‪ ،‬وفــي‬
‫هؤلء وأولئك المنصف في البحث المخلص في طلب الحقيقة وفيهم الحاقد على السلم المنحــرف عــن‬
‫سـ ـواء السبـ ــيل ‪.‬وهـ ــذا الختلف مـ ــرده إلـ ــى مـ ــا يـ ــدين بـ ــه كـ ــل كـ ــاتب مـ ــن عقيـ ــدة ومـ ــا يعتقـ ــده مـ ــن آراء‬
‫وأفكار‪.‬ومن ثم تتعدد النتائج التي يتوصل إليها الكاتبون في السيرة تبعا للمنهج المتبع في دراستها‪.‬‬
‫إواذا كان عمـوم القــدمين يكتفـون بسـرد أحـداث السـيرة النبويـة ول يهتمـون بالتحليــل والسـتنباط إل قليل‬
‫منهم‪ ،‬فعلى العكس من ذلك كثير من الكتاب المعاصرين الذين قطعوا أشواطا بعيــدة فــي تحليــل أحــداث‬
‫السيرة النبوية واستنباط الدروس والعبر منها‪ ،‬ومناقشة الكثير من قضاياها‪.‬‬
‫والكتابـة المعاصـرة فـي السـيرة النبوية قـد توزعتهـا اتجاهـات شـتى ومناهج مختلفـة تبعـا لنتمـاء صـاحبها‬
‫الــديني والفكــري‪.‬ففيهــا الصــيل الــذي حــاول م ارعــاة المانــة العلميــة فــي الكتابــة‪،‬وتوثيــق الخــبر وعــدم‬
‫التعسف في التأويل‪ ،‬والستفادة من السيرة النبوية للنهوض بالمسلمين‪.‬وفيها الدخيل الــذي حــاول جاهــدا‬
‫تسخير السيرة النبوية لخدمة أهوائه وخلفياته على اختلفها‪ ،‬مادية وعلمانية وتلفيقية وشــيعية‪ ..‬وغيرهــا‪.‬‬
‫وحسب علمي فالذين اهتموا بهذا الموضوع‪ 1‬أفراد قلئل ‪ ،‬وكان المفروض أن ينال هذا الموضوع كبير‬
‫اهتمام الباحثين المسلمين ‪ ،‬أول لهمية السيرة النبوية فــي البنيــان الســلمي ‪ ،‬وثانيــا لكتســاح المناهــج‬
‫الحديثة شـرقية وغربيــة ســاحة السـيرة النبويـة بتحليلتهــا المغرضــة والـتي تشـكل خطـورة كــبيرة علــى فكــر‬
‫المة وثـقافتها‪.‬‬

‫‪ -1‬ممن أشار إلى ذلك إشارة مختصرة الدكتور محمد ياسين مظهر صديقي في كتابه ) الهجمات المغرضة على‬
‫التاريخ السلمي( تحت عنوان )التجاهات الجديدة في كتابة السيرة والتاريخ(‪.‬والدكتور عبد المهدي عبد القادر عبد‬
‫الهادي في كتابه )السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة ص ‪ .(56-49‬كما عرض الدكتور محمد سعيد رمضان‬
‫البوطي في مقدمة كتابه )فقه السيرة ص ‪( 14-9‬وفي كبرى اليقينيات الكونية )ص ‪ (228-221‬للحديث عن نشأة‬
‫المدرسة الجديدة في كتابة السيرة النبوية‪ .‬وتحدث الدكتور فاروق حمادة عن بعض الكتب المعاصرة في السيرة‬
‫النبوية)مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص ‪ ،(123-110‬وكتب الدكتور عبد الرزاق هرماس بحثا بعنوان ) التجاهات‬
‫المعاصرة في كتابة السيرة النبوية( بمجلة الشريعة والدراسات السلمية السنة ‪/18‬العدد ‪.2003-55/1424‬‬

‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫وأوفــى كتــاب تطــرق لهــذا الموضــوع حســب علمــي هــو )د ارســات فــي الســيرة النبويــة ( لمــؤلفه ســرور بــن‬
‫نــايف زيـن العابـدين‪ ،‬والــذي ركــز فيــه علــى كتابــات أصــحاب المناهــج المنحرفــة فـي كتابــة السـيرة النبويـة‬
‫‪،‬وقسمها إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬المستشـ ـرقون‪ ،‬عــرض فــي هــذا القســم كتــاب تاريــخ الشــعوب الســلمية ل ــكارل بروكلمــان‪ ،‬وكتــاب‬
‫الدعوة إلى السلم لرنولد‪.‬‬
‫‪ -2‬دع ــاة التغري ــب‪ ،‬وع ــرض في ــه لكت ــاب دروس قرآني ــة ليوس ــف إلي ــاس ح ــداد‪ ،‬وكت ــاب محم ــد الرس ــالة‬
‫والرسول لنظمي لوقا ‪،‬ولما كتبه جورجي زيدان في تاريخ التمــدن الســلمي وأيضــا لمــا كتبــه طــه حســين‬
‫في كتبه‪) :‬على هامش السيرة( و)الشيخان( و)الفتـنة الكبرى(‪.‬‬
‫‪-3‬المدرسة الصلحية‪،‬تحدث في هذا القسم عـن موقــف الصــلحيين محمــد عبــده والخضــري وهيكــل‬
‫‪ ..‬من المعجزات ‪ ،‬ومواقفهم من قضايا أخرى كحديث الحاد والسحر ونزول القرآن‪.1‬‬
‫وكثيرة هي القضايا التي عرضت لها الكتابات المعاصرة في الســيرة النبويـة‪،‬وليــس مــن شــأن هــذا البحــث‬
‫تتبعهــا و لاستقصــاؤها‪،‬فــذلك أمــر يطــول‪ .‬إوانمــا مثلــت هاهنــا بمــا أراه قضــايا رئيســة فــي هــذه الكتابــات‪،‬‬
‫والقاسم المشترك بين كثير منها‪ ،‬وحصرتها في ثلث ‪:‬‬
‫أول‪ :‬التشكيك في كتب الحديث والسيرة النبوية‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬إنكار الحاديث الصحيحة‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬إنكار المعجزات والتشكيك فيها والتعسف في تأويلها‪:‬‬

‫‪ -1‬ملحظتي على الكتاب أنه استطرد إلى قضايا ليست من صميم السيرة النبوية بل هي داخلة في موضوع التاريخ‬
‫السلمي ‪ ،‬وذلك حين عرضه لكتاب تاريخ التمدن السلمي لجرجي زيدان وكتابي الشيخان والفتنة الكبرى لطه‬
‫حسين‪.‬كما أن حديثه عن هذه الكتابات جاء موج از جدا ‪ ،‬وكان المقام يقتضي أن يتوسع بعض الشيء بإيراد الدلة‬
‫العلمية لدحض الشبهات والباطيل ‪ ،‬وهو ما أخفق فيه الكاتب فكانت ردوده في كثير من الحيان ل تكاد تروي غلة أو‬
‫تشفي علة‪.‬وأحيانا أخرى يكتفي بعرض القوال دون تعقيب !والملحظة الثالثة هي تركيزه على المناهج المنحرفة في‬
‫كتابة السيرة وعدم عرضه للمناهج الصيلة ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫أول‪/‬التشكيك في كتب الحديث والسيرة النبوية ‪:‬‬


‫وهذا التشكيك تارة يتذرع بكون مرويات هـذه الكتــب تخـالف القـرآن الكريــم‪ ،‬وتـارة باختلفهـا حـول الحـدث‬
‫الواحــد‪ ،‬وتــارة بزعــم تــأخر تــدوين هــذه الكتــب ‪،‬وتــارة أخــرى بــا تهــام مصــنفيها بالكــذب والتــدليس والعمالــة‬
‫للمويين !‬
‫ولعل من أوائل المححدثين الذين شككوا في كتب السيرة النبوية محمد عزة دروزة فـي كتــابه )سـيرة الرســول‬
‫صلى ال عليه وسلم صور مقتبسة من القرآن الكريم(‪.1‬والذي حذا به إلى تأليفه هو الختلف الحاصل‬
‫فــي مصــادر الســيرة النبويــة بحيــث لــم تعــد تبعــث فــي النفــس الطمأنينــة والثقــة بهــا ‪ ،‬فضــل عــن اليقيــن ‪،‬‬
‫ومثل لذلك بسيرة ابن هشام وطبقات ابـن سـعد ! وبنـاء عليـه يشـكك دروزة فـي كـثير مـن مرويـات السـيرة‬
‫النبويــة ‪ ،‬بحجــة أن هــذه المرويــات تختلــف حــول الحــدث الواحــد ‪ ،‬إضــافة إلــى كونهــا تنــاقض النصــوص‬
‫القرآنية‪.2‬‬
‫ونحــن نت ــفق مــع الكــاتب فــي اعتبــار الق ـرآن الكريــم المصــدر الوثــق للســيرة النبويــة ‪ ،‬بحيــث يــرد كــل مــا‬
‫يعارضـه ممــا ورد فـي مصــادر الســيرة الخـرى‪ ،‬لكــن ل نتــفق معـه فــي منهـج التشــكيك هـذا الـذي اعتمــده‬
‫بإطلق ‪ ،‬وحاول به نسف مرويات السيرة‪ ،‬لن مــا تــذرع بــه ل يكفــي للطعــن فيهــا‪ ،‬إذ إن اختلفهــا حــول‬
‫الحـ ــدث الواحـ ــد‪ ،‬والتنـ ــاقض فيمـ ــا بينهـ ــا ل يعنـ ــي ردهـ ــا كلهـ ــا‪ ،‬بـ ــل فيهـ ــا الصـ ــحيح والضـ ــعيف وال ارجـ ــح‬
‫والمرجــوح‪ ،‬فنقبــل الول ونــرد الثــاني وفــق قواعــد المحــدثين‪.‬هــذا إذا تعــذر الجمــع فيمــا بينهــا‪ ،‬بــوجه مــن‬
‫الوجوه‪،‬أما إذا أمكن ذلك فالجمع مقدم على الترجيح كما هو معلوم عند أهل الشأن‪.‬‬
‫هــذا فضــل عــن أن القـرآن الكريــم لــم يعــرض لكــل أحــداث الســيرة‪ ،‬بــل عــرض لبعضــها فقــط‪،‬أمــا تفاصــيل‬
‫الحــداث فمظنتهــا كتــب الحــديث والســيرة النبويــة‪.‬ولــو ســلمنا بــدعوى دروزة‪ ،‬لفتقــدنا كــثي ار مــن أحــداث‬
‫السيرة‪،‬وكثي ار من تفاصيلها‪.‬‬
‫وبنــاء علــى هــذا المنهــج فالســتاذ دروزة ل يســلم بوقــوع أذى بــدني علــى النــبي صــلى الـ عليــه وســلم فــي‬
‫مكة‪ ،‬بحجة اختلف نصوص الروايات مع وحدة الشخص المعزو إليه ارتكاب الثم في بعضـها‪ ،‬وعـدم‬
‫ذكــر الق ـرآن شــيئا مــا يــدل علــى وقــوع الذى فعل‪ ،‬واســتثنى المؤلــف مــن ذلــك روايــة مــا كــان مــن رجمــه‬
‫وجرحه صلى ال عليه وسلم من قبـل بعـض الرعـاع فـي الطـائف‪ ،‬وعلـل ذلـك بـأن الظـروف الـتي وقعـت‬
‫فيها الرحلة إلى الطائف‪ ،‬وما وقع له فيها مما يدخل في دائرة الحتمال كثي ار !‪.3‬‬
‫وما الذي يمنع أن تدخل روايات إذاية النبي صلى ال عليه وسلم الخرى أيضا في دائرة الحتمال‪ ،‬وقد‬
‫وردت بأسانيد صحيحة وتواترت رواياتها في كتب السيرة ؟ أخرج البخاري في صحيحه عن عبـد الـ بـن‬

‫‪ -1‬صدرت طبعته الولى عام ‪ 1948‬عن مطبعة الستقامة القاهرة‪.‬ويقع في مجلدين‪.‬‬


‫‪ -2‬انظر ‪.8-1/7‬‬
‫‪ -3‬انظر ‪.267-1/265‬‬

‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫مسعود رضي ال عنه قال ‪ ) :‬بينا النبي صلى ال عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريــش جــاء عقبــة‬
‫بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه علـى ظهـر النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم فلـم يرفـع أرسـه فجـاءت فاطمـة‬
‫عليها السـلم فأخـذته مـن ظهـره ودعـت علـى مـن صـنع فقـال النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم‪ :‬اللهـم عليـك‬
‫المل مـن قريـش أبـا جهـل بـن هشـام وعتبـة بـن ربيعـة وشـيبة بـن ربيعـة وأميـة بـن خلـف أو أبـي بـن خلـف‬
‫شعبة الشاك فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر غير أمية بن خلف أو أبي تقطعت أوصاله فلــم يلــق فــي‬
‫البئر(‪ . 1‬وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال‪) :‬قال أبو جهل ‪:‬هل يعفر محمد وجهه بين أظهركــم‬
‫؟قــال‪ :‬فقيــل ‪:‬نعــم‪ .‬فقــال‪ :‬واللت والعــزى لئــن رأيتــه يفعــل ذلــك لطــأن علــى رقبتــه أو لعفــرن وجهــه فــي‬
‫التراب‪ ،‬قال فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال ‪:‬فما فجئهـم منـه‬
‫إل وهــو ينكــص علــى عقــبيه ويتقــي بيــديه قــال فقيــل لــه مالــك فقــال إن بينــي وبينــه لخنــدقا مــن نــار وهــول‬
‫وأجنحة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لو دنا مني لختطفتـه الملئكـة عضـوا عضـوا قــال فــأنزل‬
‫ال عز وجل ل ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغــه ‪) :‬كل إن النســان ليطغــى أن رآه اســتغنى إن‬
‫إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أ أريــت إن كــان علــى الهــدى أو أمــر بــالتقوى أ أريــت إن‬
‫كــذب وتــولى‪ -‬يعنــي أبــا جهــل‪ -‬ألــم يعلــم بــأن الـ يــرى كل لئــن لــم ينتــه لنســفعا بالناصــية ناصــية كاذبــة‬
‫خاطئة فليدع نـاديه سـندع الزبانيـة كل ل تطعـه‪ -‬زاد عبيـد الـ فـي حـديثه قـال‪ :‬وأمـره بمـا أمـره بـه‪ .‬وزاد‬
‫ابن عبد العلى ‪ :‬فليدع ناديه ‪ ،‬يعنى قومه(‪.2‬‬
‫وقد ختم المشركون أذاهم للنبي صلى ال عليه وسلم بمحاولة قتله أواخــر المرحلــة المكيـة ممــا كــان سـببا‬
‫في الهجرة نحو المدينة المنورة‪.‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يـذكر مـا لقـاه مـن أذى قريـش قبـل‬
‫أن يمس الذى أحدا من أتباعه‪ ،‬يقول فيما رواه عنه أنس بن مالك‪) :‬لقــد أخفــت فـي الـ عــز وجـل ومـا‬
‫يخاف أحد ولقد أوذيت في ال وما يؤذي أحد ولقد أتت على ثلثون مــن بيــن يــوم وليلــة ومــالي ول لبلل‬
‫طعــام يــأكله ذو كبــد إل شــيء يـواريه إبــط بلل (‪.3‬فمــا الــذي يمنــع كــون النــبي صــلى الـ عليــه وســلم قــد‬
‫أوذي فــي الـ وقــد أوذي مــن قبلــه النبيــاء والرســل‪ ،‬بــل منهــم مــن قتــل؟والســتاذ دروزة يعلــم أن قريشــا قــد‬
‫تجرأت على قتل النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬أفل تجرؤ على ما هو أهون من القتل وهو الذى البدني؟‬
‫وهل لنا أن نلزم القرآن بذكر ما لقيه النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم مـن ذلـك حـتى نسـلم بـه؟وهـل اختلف‬
‫الروايات مبرر للطعن فيها وردها من أصلها؟أم المطلوب هو الجمع بينها إن أمكن ذلك‪ ،‬أو الترجيح؟‪.‬‬

‫‪ -1‬كتاب مناقب النصار باب ما لقي النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة رقم ‪ ،3854‬ومسلم‬
‫في كتاب الجهاد والسير باب ما لقي النبي صلى ال عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين ‪.3/1419‬‬
‫‪ -2‬كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب قوله ‪) :‬إن النسان ليطغى أن رآه استغنى( رقم ‪.2797‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬مسند أحمد ‪.286 /3‬‬

‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫ومم ــن اعتم ــد منه ــج التش ــكيك أيض ــا ‪ ،‬محم ــد حس ــين هيك ــل ف ــي كت ــابه )حي ــاة محم ــد ص ــلى الـ ـ علي ــه‬
‫وسلم(الذي دندن كثي ار حول ما سماه بالطريقة العلمية الحديثة في كتابة السـيرة النبويـة‪ ،‬وكـان مـن جملـة‬
‫ما دفعه إلى هذه الطريقة زعمه تأخر تدوين كتـب الحــديث والســيرة النبويـة إلـى مـا بعـد وفـاة النــبي صــلى‬
‫ال عليه وسلم بمائة عـام أو أكـثر‪ ،‬وذلـك فـي ظـروف المنازعـات السياسـية والـتي كـان اختلق الروايـات‬
‫والحاديث بعض وسائلها إلى الذيوع والغلب‪.1‬‬
‫ثم بعد ذلك بصفحات يزعم تأخر كتابة الحديث والسيرة النبوية إلى عهد المأمون وقد مضى قرابة قرنيـن‬
‫على وفاة النبي صلى ال عليه وسلم بعد شيوع الحاديث الموضــوعة بكــثرة ارعــت المســلمين‪ ،‬إذ ذاك –‬
‫يقول هيكل‪-‬قام الجامعون بجمع الحاديث‪ ،‬وتولى كتاب السيرة كتابتهـا‪ ،‬فقـد عـاش الواقـدي وابـن هشـام‬
‫والمدائني وكتبوا كتبهم أيام المأمون‪ ،‬وما كان لهم ول لغيرهم أن ينازعوا الخليفة في آرائه مخافة ما يحــل‬
‫به‪ ،‬ولذلك لم يطبقوا ‪ ،‬بما يجب من الدقـة هـذا المقيـاس الـذي روي عـن النـبي صـلى الـ عليـه وســلم مــن‬
‫وجوب عرض ما يروى عنه على القرآن‪ ،‬فما وافق القرآن فمن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما خالف‬
‫القرآن فليس منه‪.2‬‬
‫بل هو يرى أن أكثر كتب السيرة أضاف إلـى حيـاة النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم مـا ل يصـدقه العقـل‪ ،‬ول‬
‫حاجة له في ثبوت الرسالة‪ ،3‬ويرى أنه قد دس فيها خرافات ل يسيغها العقل‪ ،‬ول يقبلها الذوق‪.4‬‬
‫ثم إن مقاييس المحـدثين غيـر كافيــة فــي نظـر هيكــل لقبـول الحــديث‪ ،‬و عنــده أن )خيـر مقيـاس يقـاس بـه‬
‫الحديث وتقاس به سائر النباء الـتي ذكـرت عن النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم مـا روي عنه عليـه السـلم‬
‫أنه قال ‪ ) :‬إنكم ستختلفون من بعدي ‪ ،‬فما جاءكم عني فاعرضــوه علــى كتــاب الـ فمــا وافقـه فمنـي‪،‬ومــا‬
‫خــالفه فليــس منــي(‪.‬وهــذا مقيــاس دقيــق أخــذ بـه أئمــة المســلمين منــذ العصــور الولــى‪ ،‬ومــا زال المفكــرون‬
‫يأخذون به إلى يومنا الحاضر‪. 5‬ثم هو مقياس )يتفق مع قواعد النقد العلمي الحديث أدق اتفاق(‪.6‬‬
‫ودعوى هيكل تأخر تدوين كتابة الحديث إلى ما بعد ما بعد وفاة النــبي صــلى الـ عليــه وســلم بمائــة عــام‬
‫أو أكــثر مــردود عليــه ‪ ،‬ول أســاس لــه مــن الصــحة ‪،‬فثمــة نصــوص كــثيرة تثبــت كتابــة الحــديث علــى عهــد‬
‫الرســول صــلى الـ عليــه وســلم‪ ،‬كتلــك الــتي أخرجهــا البخــاري فــي صــحيحه فــي كتــاب العلــم بــاب كتابــة‬
‫العلــم‪.‬إضــافة إلــى كتــابته صــلى ال ـ عليــه وســلم لصــحيفة المدينــة فــي الســنة الولــى مــن الهج ـرة‪ ،‬وكتبــه‬

‫‪ -1‬حياة محمد ص ‪.49‬‬


‫‪ -2‬حياة محمد ص ‪.52‬‬
‫‪ -3‬حياة محمد ص ‪.14‬‬
‫‪ -4‬حياة محمد ص ‪.17‬‬
‫‪ -5‬ص ‪.50‬‬
‫‪ -6‬ص ‪.51‬‬

‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫ومعاهداته المدونة صلى ال عليه وسلم ‪،‬والتي كانت بينه وبين كثير من بطون العــرب وطوائــف اليهــود‬
‫ـلم‪،‬والــى عمــاله‬
‫إ‬ ‫والنصارى‪ ،‬فضل عن كتبه صلى ال عليه وسلم إلى الملوك والمراء يدعوهم إلــى السـ‬
‫وقادة جيشه فيما يتعلق بأحكام الدين وشؤون الدولة‪.1‬وقد أربت هذه الكتب على ثمانين ومائتي كتاب‪،‬‬
‫كما ذكر الدكتور محمد حميد ال في كتابه ) الوثائق السياسية(‪.‬‬
‫وخطــأ هيكــل جــاء مــن كــونه لــم يفــرق بيــن الكتابــة والجمــع والتــدوين ‪ ،‬فقــد كتــب الحــديث فــي عهــد النــبي‬
‫صــلى ال ـ عليــه وســلم ‪ ،‬وجمــع فــي عهــد عمــر بــن عبــد العزيــز‪ ،‬ودون فــي عهــد المــأمون‪.‬ثــم إن الســيرة‬
‫النبوية‪ ،‬وهي جزء من الحديث‪،‬نجد أعلم الطبقة الولــى ألفـوا فيهــا كتبــا فــي القــرن الهجــري الول أمثــال‬
‫عروة بن الزبير )ت ‪94‬هــ(‪،‬وشــرحبيل بـن ســعد) ت ‪103‬هــ(‪،‬وأبــان بـن عثمــان )ت ‪105‬هــ( ‪.‬ثــم تلتهـم‬
‫طبقة أخرى في القرن الهجري الثاني أبرز أعلمها عبد ال بن أبي بكر بن حزم )ت ‪105‬هــ(‪ ،‬وعاصــم‬
‫بن عمـر بـن قتـادة )ت ‪120‬هــ(‪،‬ومحمـد بـن شـهاب الزهـري )ت ‪124‬هـ(‪.‬فمـا كتبـه هـؤلء الـرواد الوائـل‬
‫فــي المغــازي ‪ ،‬والنقــول الــتي وصــلتنا عنهــم ‪ ،‬هــي أبلــغ رد علــى هيكــل وأمثــاله ممــن يرجمــون بــالغيب‬
‫‪،‬ويصادمون حقائق التاريخ ‪.‬‬
‫‪.‬وانمــا‬
‫علـى أن دعـوى هيكـل هـذه إنمــا تلقفهـا مـن بعــض المستشـرقين ‪،‬كمــا تلقفهــا غيـره أتبــاع كــل نـاعق إ‬
‫أتـ ــي هـ ــؤلء مـ ــن ظنهـ ــم أن أول كتـ ــاب فـ ــي الحـ ــديث هـ ــو كتـ ــاب الموطـ ــأ للمـ ــام مالـ ــك بـ ــن أنـ ــس )ت‬
‫‪179‬هـ(‪،‬وأول كتاب في السيرة كتـاب المغـازي لبـن إســحاق ‪ ،‬فــاعتبروا العقـود الولــى مـن القــرن الثـاني‬
‫بداية تدوين الخبار والسير ‪ ،‬وليس المر كذلك ‪ ،‬فإن بواكير التدوين بدأت في عهد الرسول صلى ال ـ‬
‫عليه وسلم وفي القرن الول الهجري‪.2‬‬
‫ولست أرى حاجة إلى الطالة في الرد على هذه الدعوى أكثر من هـذا‪،‬فقـد فصـل القـول فـي ذلـك علمـاء‬
‫أجلء كال ــدكتور مص ــطفى الس ــباعي ف ــي كت ــابه )الس ــنة ومكانته ــا ف ــي التشـ ـريع الس ــلمي(‪ ،‬وال ــدكتور‬
‫صبحي الصالح في كتابه )علوم الحديث ومصطلحه(‪ .. ،‬وآخرون‪.‬‬
‫أما الحديث الذي استدل به هيكل‪ ،‬وهو مــا يــروى عـن رسـول الـ صـلى الـ عليـه وســلم أنـه قــال ‪) :‬إنكــم‬
‫ســتختلفون مــن بعــدي ‪ ،‬فمــا جــاءكم عنــي فاعرضــوه علــى كتــاب ال ـ فمــا وافقــه فمنــي‪،‬ومــا خــالفه فليــس‬
‫مني(فلم أقف عليه بهـذا اللفـظ‪ ،‬وســاقه الشـافعي بلفـظ ‪) :‬مـا جــاءكم عنــي فاعرضـوه علـى كتـاب الـ فمـا‬
‫وافقه فأنا قلته‪ ،‬وما خالفه فلم أقله( ورده بقوله ‪) :‬ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صــغر ول كــبر‬
‫(‪.3‬وعلق الشيخ أحمد محمد شاكر على ذلك قائل‪) :‬هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ول حسن‪،‬‬
‫ب ــل وردت في ــه ألف ــاظ ك ــثيرة كله ــا موض ــوع أو ب ــالغ الغاي ــة ف ــي الض ــعف‪ ،‬ح ــتى ل يص ــلح ش ــيء منه ــا‬

‫‪ -1‬انظر أصول الحديث ‪ ،‬علومه ومصطلحه عجاج الخطيب ص ‪.189‬‬


‫‪ -2‬انظر الرسالة المحمدية لسليمان الندوي ص ‪.78‬‬
‫‪ -3‬الرسالة ص‪225-224 :‬‬

‫‪8‬‬
‫‪9‬‬

‫للحتجاج أو الستشـهاد‪،‬وأقــرب روايـة لمـا نقلـه الشـافعي هنـا فوهـاه وضـعفه روايـة الطـبراني فـي معجمـه‬
‫الكــبير مــن حــديث ابــن عمــرو نقلهــا الهيثمــي فــي مجمــع الزوائــد ‪ 1/170‬وقــال ‪) :‬فيــه أبــو حاضــر عبــد‬
‫الملك بن عبد ربه ‪ ،‬وهو منكر الحديث(‪.1‬‬
‫قلــت‪ :‬وخرجــه الطــبراني‪ 2‬مــن وجــه آخــر عــن ثوبــان مرفوعــا‪) :‬أل إن رحــى الســلم دائ ـرة قــال‪ :‬فكيــف‬
‫نصنع يا رسول ال ؟ قال‪ :‬اعرضـوا حـديثي علـى الكتـاب فمـا وافقـه فهــو منـي وأنـا قلتـه(‪.‬وقــال الهيثمــي‪:‬‬
‫)فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث(‪.3‬وقال اللباني ‪ :‬ضعيف جدا‪.4‬‬
‫وقــد كتــب المـام ابــن حـزم فـي هــذا المعنــى فصـل قيمــا فـي كتــابه )الحكــام فـي أصــول الحكـام(‪ ،‬وروى‬
‫بعــض ألفــاظ هــذا الحــديث المكــذوب‪ ،‬وأبــان عــن عللهــا ‪،‬ومــن جملــة مــا قــاله فــي ذلــك ‪) :‬أول مــا نعــرض‬
‫علــى القـرآن الحــديث الــذي ذكرتمــوه‪ ،‬فلمــا عرضــناه وجــدنا القـرآن يخــالفه‪ ،‬قــال الـ تعــالى ‪ ) :‬ومــا أتــاكم‬
‫الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(‪5‬وقال تعالى ‪ ) :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال(‪.7(6‬وقـال أيضـا ‪:‬‬
‫) ل سبيل إلى وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصل‪،‬وكل خبر فـي الشـريعة فهـو إمـا مضـاف‬
‫إلى مـا فـي القـرآن ومعطـوف عليـه ومفسـر لجملتـه‪ ،‬إوامـا مسـتثنى منـه مـبين لجملتـه‪ ،‬ول سـبيل إلـى وجـه‬
‫ثالث (‪.8‬‬
‫ولما كان هيكل ل يثق بكتب الحديث والسيرة‪،‬فهـو يـرى )أن أصـدق مرجـع للسـيرة إنمـا هو القـرآن الكريـم‬
‫فإن فيه إشارة إلى كل حادث من حياة النبي العربي صلى ال عليه وسلم ‪،‬يتخذها الباحث منا ار يهتــدي‬
‫به في بحثه‪ ،‬ويمحص على ضيائه ما ورد في كتب السيرة المختلفة(‪.9‬وهي كلمة حق أريد بها باطل ‪،‬‬
‫وذلك أنه ل يثق في كتب الحديث والسيرة بـدعوى أنهـا ل توافـق القـرآن الكريـم ‪،‬وكـأن القـرآن جـاء جامعـا‬
‫لكل تفاصيل السيرة النبوية! ولو جارينا هيكل في هذه الدعوى ‪ ،‬لكان من حــق كــل واحـد منـا‪-‬كمــا يقـول‬
‫مصــطفى صــبري‪)-‬أن يقــوم فيــرد كــل مــا ورد بــه كتــاب حيــاة محمــد تقريبــا بحجــة أنــه لــم يــرد بــه القـرآن !‬
‫وكان الواجب على هيكل أن يحجم عن تأليف كتابه هذا الذي أســماه حيــاة محمــد فمــن أي مصــدر كتــب‬

‫‪ -1‬الرسالة ص ‪ 224‬بالهامش‪.‬‬
‫‪-2‬المعجم الكبير ‪.2/97‬‬
‫‪ -3‬مجمع الزوائد ‪.1/170‬‬
‫‪ -4‬ضعيف الجامع الصغير رقم ‪.938‬‬
‫‪ -5‬الحشر ‪.7‬‬
‫‪ -6‬النساء ‪.79‬‬
‫‪.2/79 -7‬‬
‫‪ -8‬الحكام في أصول الحكام ‪.2/81‬‬
‫‪ -9‬حياة محمد ص ‪.18‬‬

‫‪9‬‬
‫‪10‬‬

‫ما كتبه فيه‪،‬إن كانت كتب السـيرة والحـديث غيـر جـديرة بالثقـة والتعويـل‪ ،‬وأصـحابها متهميـن بـالغراض‬
‫السياســية والدينيــة؟!(‪.1‬بــل التشــكيك فــي كتــب الحــديث والســيرة علــى الطلق يــؤدي إلــى التشــكيك فــي‬
‫القـرآن أيضــا‪ ،‬لن تلــك الكتــب هــي المرجــع أيضــا فــي مســألة جمــع القـرآن‪ ،‬ومــا الــتزم فيــه مــن الدقــة فــي‬
‫ضبط الصل‪،‬وليس لهيكل بـأن يتعــزى بــأن القـرآن جمـع قبـل طـروء الفسـاد علــى الروايــات‪ ،‬لن نبـأ هـذا‬
‫الجمع أيضا يصل إلينا من طريق رواة الحديث والسيرة المطعون في أماناتهم‪.2‬‬
‫والغريب أن هيكل في الوقت الذي يشـكك فــي كتـب الحــديث والســيرة ‪ ،‬نجــده يصــرح فـي مقدمــة كتـابه أن‬
‫كتــب المستشـرقين عــاونته كمــا عــاونته كتــب الســيرة والتفســير فــي الهتــداء إلــى غايـة يطمئــن إليهــا!‪3‬وأي‬
‫غاية يمكن الطمئنان إليها من خلل كتب المستشـرقين؟ إنهـم ينقلون عـن مصـادرنا ويحرفـون ويؤولـون‬
‫لحاجة في أنفسهم إل قليل منهم‪ ،‬فكيف نطمئن إلــى كتبهــم ‪ ،‬ول نطمئــن إلــى كتــب الحــديث والســيرة؟!إن‬
‫هذا لشيء عجاب!‬
‫وفــي كتــابه )ســيرة المصــطفى صــلى الـ عليــه وســلم ‪ ،‬نظـرة جديــدة( اتهــم هاشــم معــروف الحســيني رواد‬
‫المغازي الوائل بأنهم أضافوا إلى السيرة النبوية ما ليس منها إما عن حب وهوى ‪ ،‬إوامــا عــن حقــد وســوء‬
‫نية! وذكر منهم عروة بن الزبيــر ‪ ،‬ومحمـد بـن شــهاب الزهــري‪ ،‬وشـرحبيل بـن ســعد ‪،‬وأبــان بـن عثمــان ‪،‬‬
‫وعاصم بن عمر بن قتادة ‪،‬وموسى بن عقبة وابن إسحاق‪.‬رغم اعترافه في مقدمة الكتــاب بفضــل ســبقهم‬
‫إلى التأليف في السيرة النبوية‪.‬‬
‫ونجــده يكــرر التهمــة نفســها فــي مواضــع أخــرى مــن كتــابه ‪ ،‬حيــث يزعــم أن هــؤلء الــذين دونـوا الســيرة فــي‬
‫مطلع القرن الثاني الهجري قد أدخلوا عليها عشرات القصص والحاديث إما عن حب وهــوى‪ ،‬أو بقصــد‬
‫التشــويه والتشــويش لســنة الرســول صــلى ال ـ عليــه وسلموســيرته‪ ،4‬ويتهمهــم بالكــذب والتــدليس والعمالــة‬
‫للمويين‪.5‬ويتهم المام الزهري بالعمالة للمويين‪،6‬ووضع المرويات التي تسيء إلى الهاشميين لصـالح‬
‫المويين‪.7‬‬
‫وهــؤلء الــذين طعــن فيهــم الكــاتب هــم أعلم المغــازي‪ ،‬وروادهــا الوائــل‪ ،‬فعــروة بــن الزبيــر)ت ‪94‬ه ــ( ‪،‬‬
‫تــابعي ثقــة ‪،‬روى عنــه الســتة وهــو مــن فقهــاء المدينــة الســبعة‪ .‬وأبــان بــن عثمــان )ت ‪ 101‬أو ‪105‬هــ(‪،‬‬

‫‪ -1‬موقف العقل ‪ 80‬و ‪.84‬‬


‫‪ -2‬انظر موقف العقل ‪ 4/92‬بالهامش و ‪.4/183‬‬
‫‪ -3‬حياة محمد ص ‪.20‬‬
‫‪ -4‬سيرة المصطفى ‪ ‬ص ‪ 309‬و ‪.462‬‬
‫‪ -5‬سيرة المصطفى ‪ ‬ص ‪ 206‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -6‬سيرة المصطفى ‪ ‬ص ‪.217‬‬
‫‪ -7‬سيرة المصطفى ‪ ‬ص ‪.317‬‬

‫‪10‬‬
‫‪11‬‬

‫تــابعي ثقــة‪.‬وعاصــم بــن عمــر بــن قتــادة )ت ‪119‬هــ(‪ ،‬تــابعي ثقــة‪.‬وشــرحبيل بــن ســعد أبــو ســعد المــدني‬
‫مولى النصار )ت ‪123‬هـ(‪ ،‬صدوق اختلط بأخرة ‪،1‬قال عنه ابن عيينة‪) :‬لم يكن أحد أعلم بالمغازي‬
‫والبدريين منه(‪.2‬‬
‫وموسى بن عقبة )ت ‪140‬هـ( محدث ثقة ‪،‬وقــد أثنــى الئمــة علــى مغــازيه واعتبروهــا مـن أصــح مـا ألـف‬
‫فـ ــي السـ ــيرة‪ ،‬يقـ ــول المـ ــام مالـ ــك‪ ) :‬عليـ ــك بمغـ ــازي الرجـ ــل الصـ ــالح موسـ ــى بـ ــن عقبـ ــة فإنهـ ــا أصـ ــح‬
‫المغازي(‪3‬ويقول المام الشافعي‪) :‬ليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة مع صغره وخلوه‬
‫من أكثر ما يذكر في كتب غيره(‪.4‬‬
‫وابــن إســحاق)ت ‪151‬هــ( إمــام المغــازي‪،‬قــال المــام الشــافعي ‪ ) :‬مــن أراد أن يتبحــر فــي المغــازي فهــو‬
‫عيــال علــى محمــد بــن إســحاق(‪5‬وقــال ابــن ســيد النــاس‪) :‬هــو العمــدة فــي هــذا البــاب لنــا ولغيرنــا(‪ 6‬وقــال‬
‫الذهبي‪) :‬كان أحد أوعية العلم حب ار في معرفة المغازي والسير(‪.7‬‬
‫وأما المام ابن شهاب الزهري )ت ‪94‬هـ( فقد أجمع الئمة على جللته وثقته‪ ،‬وما اتهمه به الكاتب من‬
‫العمالة للمويين ‪ ،‬فقد سبقه إلى هذه الدعوى الباطلة المستشــرق اليهــودي جولــد تسـيهر‪،‬وفنــدها الـدكتور‬
‫مصطفى السباعي في كتابه ) السنة ومكانتها في التشريع السلمي(‪.8‬‬
‫أمــا حســين مــؤنس فقــد جعــل مغــازي الواقــدي وطبقــات ابــن ســعد فــي مقدمــة مصــادر كتــابه )د ارســات فــي‬
‫الســيرة النبويــة( ‪،‬الول لغـ ازرة مــادته مــع الصــحة والتقــان‪ ،‬والثــاني لحســن اختيــاره مــع الشــمول والفطنــة‪،‬‬
‫ولكـون كـل منهمــا علــى طريقــة المـؤرخين ل علـى منهـج المحــدثين‪.9‬ويقـول عنهمـا مـع الطــبري‪) :‬وهــؤلء‬
‫الثلث ــة ك ــانوا مــؤرخين ل يتبع ــون منه ــج المح ــدثين اتباع ــا دقيق ــا وله ــذا تعرضـ ـوا لنق ــد ش ــديد م ــن ج ــانب‬
‫المحدثين واتهموا بالكذب والتدليس!(‪.10‬‬
‫وهــذا الطلق غيــر صــحيح‪ ،‬فــالطبري وابــن ســعد كلهمــا ثقــة‪ ،‬أمــا الواقــدي فهــو متهــم فعل عنــد أهــل‬
‫الحديث ‪ ،‬إل أن الجميع يسـلم بإمـامته فـي المغـازي والسـير‪ ،‬وكـان المفـروض علـى الكـاتب وهـو المؤرخ‬

‫‪ -1‬تـقريب التهذيب ص‪265 :‬‬


‫‪ -2‬تهذيب التهذيب ‪282 /4‬‬
‫‪ -3‬الجامع لخلق الراوي وآداب السامع ‪. 2/195‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه ‪. 2/164‬‬
‫‪ -5‬سير أعلم النبلء ‪.7/36‬‬
‫‪ -6‬مقدمة عيون الثر ‪.1/7‬‬
‫‪ -7‬انظر تذكرة الحفاظ ‪.1/173‬‬
‫‪ -8‬انظر ص ‪ 213‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -9‬ص ‪.120‬‬
‫‪.122 -10‬‬

‫‪11‬‬
‫‪12‬‬

‫الذي يـدعي المنهـج التـاريخي الـدقيق أن يتثبـت فـي العبـارة ول يعمـم الحكـم بهـذا الطلق‪.‬إل أن الكـاتب‬
‫ل يرى رأي المحدثين‪ ،‬ويقول‪) :‬ومعظم إسناد الواقدي من أهـل الصــدق والمانـة ‪ ،‬ولهــذا فإننــا ننزلـه منـا‬
‫منــزل الثقــة!(‪.1‬وهــو يعتمــد كــثي ار مغــازي الواقــدي ويعتبرهــا مــن أصــدق م ارجــع الســيرة‪ ،‬ويــرى أن الواقــدي‬
‫مظلــوم عنــد رجــال الحــديث المتــأخرين‪)،‬ربمــا لنــه لــم يتبــع منهجهــم فــي روايــة كــل خــبر بســنده!(‪.2‬وهــذا‬
‫الكلم ل يصح‪ ،‬فليس تضعيف الواقدي فقط لنه ل يروي كل خــبر بســنده ‪،‬وليــس هــذا التضــعيف حكـ ار‬
‫على رجال الحديث المتأخرين‪،‬بل تكلم فيه الولون أيضا‪.‬قال البخاري ‪) :‬متروك الحديث(‪ ، 3‬وكذا قــال‬
‫النسائي‪.4‬وقال ابن المديني ‪) :‬ليس بموضع للرواية‪،‬وقال إسحاق بن راهويه‪ :‬هو عندي ممن يضع(‬
‫‪.5‬فهؤلء أهل الحديث المتقدمين وهذا حكمهم فيه‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك نجد الكاتب شديد التحامل على سيرة ابن هشام كثير النقـد لهــا ويعتبرهــا شــيئا آخـر غيـر‬
‫ســيرة ابـن إســحاق وصـرح بــأنه ل يكـاد يعتمــد عليهــا إل قليل جــدا‪.6‬وذلــك لكـون ابـن هشــام أعــاد صــياغة‬
‫ســيرة ابــن إســحاق وأضــاف إليهــا وحــذف منهــا‪ ،7‬ممــا أضــر بســيرة ابــن إســحاق‪.8‬وهــذا الــذي قــاله الكــاتب‬
‫ودافع عنه ناشئ عن تأثره بمنهج المستشرقين‪،‬يقول الدكتور العمري‪) :‬وهنــاك اتجــاه خــاطئ عنــد بعــض‬
‫المستشرقين تابعهم فيه بعض مؤرخينا يعلي من شأن مغازي الواقــدي ويقــدمها علــى ســيرة ابــن إســحاق ‪،‬‬
‫والحــق أن ســيرة ابــن إســحاق أدق وأوثــق وتتطــابق معلوماتهــا مــع معلومــات كتــب الحــديث فــي كــثير مــن‬
‫الجوانب (‪.9‬‬
‫ثانيا‪ :‬إنكارالحاديث الصحيحة‪:‬‬
‫إواقدامهم على هذا النكار وجراءتهم عليه وتسرعهم فيــه دليــل علــى جهــل فاضــح بســنة رســول الـ صــلى‬
‫ال عليه وسلم‪،‬وبفقه الحديث وبأقوال أهل هذا الشأن‪.‬ولعل أعظــم مــن تــولى كــبر ذلــك هــم رواد المدرســة‬
‫الصلحية ‪،‬وقد ردوا صحاح الحاديث بدعوى أنها تعارض عصــمة النبــوة‪،‬أو لنهــا تنــاقض العقــل‪ ،‬أو‬
‫لنها أحاديث آحاد ل تقوم حجـة فـي مجـال العقائـد‪.‬وهـو بهـذه السـنة السـيئة الـتي سـنوها قـد فتحـوا البـاب‬

‫‪.121 -1‬‬
‫‪ -2‬ص ‪.233‬‬
‫‪ -3‬الضعفاء الصغير ص ‪.104‬‬
‫‪ -4‬الضعفاء والمتروكون ص ‪.92‬‬
‫‪ -5‬انظر تهذيب التهذيب ‪.9/363‬ولخص ابن حجر الحكم فيه بقوله‪) :‬متروك مع سعة علمه( تقريب التهذيب‬
‫‪.2/194‬‬
‫‪ -6‬ص ‪.79‬‬
‫‪ -7‬ص ‪.118‬‬
‫‪ -8‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -9‬السيرة النبوية الصحيحة ‪.1/42‬‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬‬

‫علــى مصـراعيه لكــل مــن جــاء بعــدهم ممــن هــب ودب ليتكلــم فــي ســنة رســول الـ صــلى الـ عليــه وســلم‬
‫‪،‬ويــرد الحــاديث الصــحاح بــدعاوى ل تقــوم علــى ســاق ول يســعفها جنــاح‪،‬بــل الدهــى مــن ذلــك أن نبتــت‬
‫نابتة من بين المسلمين تنكر السنة النبوية وتنفي عنها صفة الوحي جملة وتفصيل وتطعــن فــي رجالهــا‬
‫‪،‬وتزعم بعد ذلك أن مرجعها الول هو القرآن‪،‬وقالوا ‪ :‬حسبنا القرآن ‪ ،‬وسموا أنفسهم أو أســموا بــالقرآنيين‪،‬‬
‫وكـذبوا ‪،‬فمـا أبعـدهم عن القـرآن وعن منـزل القـرآن سـبحانه وتعـالى الـذي أمـر فـي كـثير مـن آيـاته باتبـاع‬
‫نبيه محمد صلى ال عليه وسلم واتباع سنته‪ ،‬وقرن طاعته بطاعته‪..‬‬
‫وفيما يأتي نماذج من الحاديث النبوية التي أنكرها بعض المعاصرين الذين كتبوا في السيرة النبوية‪:‬‬
‫المطلب الول ‪:‬حديث سحر النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫إنكار هذا الحديث ليس بدعا في كتابات المعاصرين ‪ ،‬بل هو أمر قديم‪ ،‬ومن قبل قال القاضــي عيـاض‬
‫)ت ‪544‬ه ــ( ‪) :‬اعلــم وفقنــا ال ـ إوايــاك أن هــذا الحــديث صــحيح متفــق عليــه وقــد طعنــت فيــه الملحــدة‪،‬‬
‫وتذرعت به ‪ ،‬لسخف عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع(‪.1‬‬
‫والموقف نفسه الـذي اتخـذه المعتزلــة قـديما مـن هــذا الحــديث‪،‬اتخـذه أيضــا دعـاة المدرسـة العقليـة الحديثــة‬
‫وفي مقـدمتهم الشـيخ محمـد عبـده الـذي أنكـره بـدعوى أن القـرآن الكريـم نفـى السـحر عنه صـلى الـ عليـه‬
‫وسلم ‪،‬وأن الحديث على فرض صحته حديث آحاد‪ ،‬والحاد ل يؤخذ بها في العقائد‪،‬وأنه إذا جاز عليــه‬
‫السحر لكان في ذلك إخلل بالتبليغ‪.2‬‬
‫ومن أقطاب هـذه المدرســة الـذين أنكــروا هــذا الحــديث هيكــل فــي كتـابه) حيـاة محمــد( يقـول‪ ) :‬وفـي هــذه‬
‫الفترة تجـري القصـة الــتي تــروي أن اليهـود ســحروا محمـدا بفعــل لبيـد حـتى كـان يحســب أنـه يفعــل الشـيء‬
‫وهو ل يفعله ‪ ،‬وهي قصة اضطربت فيها الروايات اضطرابا شديدا يؤيد رأي القائل بأنها محض اختراع‬
‫ل شيء فيها من الحق(‪.3‬‬

‫‪ -1‬الشفا ‪.2/181‬‬
‫‪ -2‬انظر العمال الكاملة للمام محمد عبده ‪/5‬تفسير سورة الفلق‪.‬وأيده في هذه الدعوى الشيخ محمد الغزالي قائل ‪:‬‬
‫)هنالك قضايا ل يجوز فيها التساهل لخطورتها ‪،‬وقد شعرت بالغيظ والحرج وأنا أق أر أن يهوديا وغدا سحر النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وأعجزه عن مباشرة نسائه مدة قدرها ابن حجر ستة شهور ‪.‬أكذلك تنال القمم؟ قالوا‪ :‬كما يستطيع سفيه أن‬
‫يحذفه بحجر أو كما يستطيع مجرم أن يصيبه بجرح! وهذا اعتذار مرفوض فإن السحر تسلط على الرادة والفكر ‪ ،‬وهذا‬
‫مستحيل‪،‬ل سيما والوسيلة تسليط أرواح شريرة أو بعض الجن على الجهاز العصبي للنسان فيوقعه في اضطراب‬
‫وحيرة‪.‬وقد سرني أن الشيخ محمد عبده رفض هذا الحديث وساءني أن الرجل الضخم هوجم في دينه لمثل هذا الموقف‬
‫الغيور ! (انظر ندوة )السنة النبوية ومنهجها في بناء المعرفة والحضارة( عمان‪-‬الردن ‪.911/ 2 .1989-1409‬‬
‫‪ -3‬حياة محمد ص ‪.274‬وانظر ص ‪ 253‬و ‪.306‬‬

‫‪13‬‬
‫‪14‬‬

‫وحبــذا لــو ســمى لنــا هيكــل هــذا القائــل بأنهــا محــض اخــتراع لنعرفــه‪ ،‬وكيــف تكــون كــذلك وهــي مرويــة فــي‬
‫أصــح كتــاب بعــد كتــاب ال ـ عــز وجــل؟ثــم أيــن هــو الضــطراب المزعــوم فــي الروايــات ؟وكيــف ينكــر أن‬
‫يكون لبيد بن العصم اليهودي سحر النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد قتلت اليهـود قبلـه زكريـا ويحيـى ‪،‬‬
‫وقتلت النبياء وطبخهم وعذبتهم أنواع العذاب‪،‬وسمت اليهودية رسول ال صلى ال عليه وســلمفي ذراع‬
‫شاة مشوية‪.‬والسحر أيسر خطبا من القتل والطبخ والتعذيب؟‪. 1‬‬
‫وممـن أنكـر هـذا الحـديث مـن المعاصـرين أيضـا حسـين مـؤنس فـي كتـابه) د ارسـات فـي السـيرة النبوية(‪،‬‬
‫فهو ل يرى ضرورة للقول بــأن محمـدا قــد سـحر‪ ،‬ويعتـبر المـر مجــرد حالــة مرضـية لــم يشخصــها أحــد ‪،‬‬
‫نزلت بالرسول وشفي منهــا‪.‬يقـول فــي ذلـك‪) :‬وفــي معــرض الكلم عـن صـحة رســول الـ صــلى الـ عليــه‬
‫وســلم نقـول دون أن نــدخل فــي تفاصــيل تهــم الفقهــاء وأهــل الحــديث وحــدهم‪ :‬إن الرســول صــلى الـ عليــه‬
‫وسلم نزلت به في أوائل السنة السادسة للهجـرة نازلــة مــرض ‪ ،‬وقــد يكــون شــكا مــن بعـض الحمــى فنســبها‬
‫الناس إلى السحر ثم أبل من مرضه هذا وعاد يتابع نشاطه المعروف(‪.2‬‬
‫وممــن ســلك مســلك النكــار أيضــا هاشــم معــروف الحســيني فــي كتــابه)ســيرة المصــطفى صــلى الـ عليــه‬
‫وسلم نظرة جديدة( ‪ ،‬وزاد فادعى أن الحديث من موضوعات المنافقين أو الصحابة بقصـد التشـكيك فــي‬
‫رسالة محمد وحتى في القرآن الكريم لنه إذا جاز على النبي صلى ال عليه وسلم أن يصبح في مرحلــة‬
‫يخيل إليه أنه يقول ويفعل بدون وعي ول تفكير يجوز عليه أن يقول ما لم يقله(‪.3‬‬
‫وليــس مســتغربا مــن رافضــي مثــل صــاحب الكتــاب أن يطعــن فــي صــحابة رســول الـ ـ صــلى ال ـ عليــه‬
‫وسلم‪،‬ويتهمهم بوضع الحديث‪.‬‬
‫والحديث الذي رده هؤلء مروي في صحيح البخاري‪4‬من حديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪ ) :‬سحر‬
‫رســول الـ صــلى الـ عليــه وســلم رجــل مــن بنــي زريــق يقــال لــه لبيــد بــن العصــم حــتى كــان رســول الـ‬
‫صــلى ال ـ عليــه وســلم يخيــل إليــه أنــه يفعــل الشــيء ومــا فعلــه حــتى إذا كــان ذات يــوم أو ذات ليلــة وهــو‬
‫عنــدي لكنــه دعــا ودعــا ثــم قــال يــا عائشــة أشــعرت أن ال ـ أفتــاني فيمــا اســتفتيته فيــه أتــاني رجلن فقعــد‬
‫أحدهما ثم رأسي والخر ثم رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل فقال مطبـوب قـال مـن طبـه قـال‬
‫لبيد بن العصم قال في أي شيء قال في مشــط ومشـاطة وجــف طلـع نخلـة ذكــر قـال وأيـن هـو قـال فـي‬
‫بئــر ذروان فأتاهــا رســول ال ـ صــلى ال ـ عليــه وســلم فــي نــاس مــن أصــحابه فجــاء فقــال يــا عائشــة كــأن‬

‫‪ -1‬تأويل مختلف الحديث لبن قتـيبة ص ‪.181-180‬‬


‫‪ -2‬دراسات في السيرة النبوية ص ‪.212‬‬
‫‪ -3‬ص ‪.290‬‬
‫‪ -4‬كتاب الطب باب السحر رقم ‪.5766‬‬

‫‪14‬‬
‫‪15‬‬

‫ماءهــا نقاعــة الحنــاء أو كــأن رؤوس نخلهــا رؤوس الشــياطين قلــت يــا رســول الـ أفل اســتخرجته قــال قــد‬
‫عافاني ال فكرهت أن أثور على الناس فيه ش ار فأمر بها فدفنت(‪.‬‬
‫أما ما تعلل به هؤلء لرد الحديث‪ ،‬فهي التعلـة نفسـها الـتي تـذرع بهـا منكـرو هـذا الحـديث قـديما‪،‬وقـد أتـى‬
‫عليهــا بــالنقض جلــة مــن العلمــاء منهــم المــام المــازري الــذي قــال‪ ) :‬أنكــر بعــض المبتدعــة هــذا الحــديث‬
‫وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها ‪ ،‬قالوا‪ :‬وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل وزعموا أن تجـويز‬
‫هذا يعـدم الثقـة بمــا شــرعوه مــن الشـرائع إذ يحتمــل علـى هـذا أن يخيــل إليـه أنـه يــرى جبريــل وليـس هـو ثـم‬
‫وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء‪ ،‬قال المازري وهذا كلــه مــردود لن الــدليل قــد قــام علــى صــدق‬
‫النبي صلى ال عليه وسـلم فيمـا يبلغـه عـن الـ تعـالى وعلـى عصـمته فـي التبليـغ ‪،‬والمعجـزات شـاهدات‬
‫بتصــديقه فتجــويز مــا قــام الــدليل علــى خلفــه باطــل ‪.‬وأمــا مــا يتعلــق ببعــض أمــور الــدنيا الــتي لــم يبعــث‬
‫لجلها ول كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضـة لمـا يعـترض البشـر بعيـد أن يخيـل إليه فـي أمـر‬
‫من أمور الدنيا ما ل حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك فـي أمور الـدين قـال وقـد قـال بعـض النـاس إن‬
‫المراد بالحديث أنه كان صلى ال عليه وسلم يخيل إليه أنه وطىء زوجاته ولم يكن وطــأهن وهــذا كــثي ار‬
‫ما يقع تخيله للنسان في المنــام فل يبعــد أن يخيــل إليـه فــي اليقظـة قلــت وهــذا قـد ورد صـريحا فــي روايـة‬
‫ابن عيينة في الباب الذي يلي هذا ولفظه حتى كان يرى أنه يأتي النساء ول يأتيهن وفي رواية الحميــدي‬
‫أن ــه ي ــأتي أهل ــه ول ي ــأتيهم (‪.1‬ومنه ــم القاض ــي عي ــاض )ت ‪544‬هـ ــ( ال ــذي اعت ــبر الس ــحر مرض ــا م ــن‬
‫المراض يجوز على النبي صـلى الـ عليـه وســلم كبقيــة المـراض ممـا ل ينكـر ‪ ،‬ول يقــدح فـي نبــوته‪.‬ثــم‬
‫قال‪) :‬وأما ما ورد أنه فعل الشيء و ل يفعله ‪ ،‬فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة فــي شـيء مـن تبليغــه‬
‫وشريعته ‪ ،‬أو يقدح في صدقه لقيام الدليل والجماع على عصمته من هذا ‪ ،‬إوانما هذا فيما يجوز طروه‬
‫علي ــه ف ــي أم ــر دني ــاه ال ــتي ل ــم يبع ــث بس ــببها ول فض ــل م ــن أجله ــا‪ ،‬وه ــو فيه ــا عرض ــة للف ــات كس ــائر‬
‫البشر‪.‬وغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما ل حقيقة له‪ ،‬ثم ينجلي عنه كما كان(‪.2‬وعقب الدكتور‬
‫البوطي على ذلك بقـوله‪) :‬وهـو كمــا يحصــل للمريـض عنــد شـدة الحمــى‪ ،‬فمــن العـراض الطبيعيــة لــذلك‬
‫أن تطوف بالذهن أخيلة وأوهام غير حقيقية لشدة وطأة الح اررة‪ ،‬والمر في ذلــك وأشــباهه مــن العـراض‬
‫البشرية التي يستوي فيها النبياء والرسل مع غيرهم من الناس(‪.3‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حديث خوخة أبي بكر رضي ال عنه‪:‬‬
‫توقــف الســتاذ دروزة فــي قبــول مــا رواه المفســرون فــي قــوله تعــالى ) إل عــابري ســبيل( أنــه كــان لبعــض‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أبواب مفتوحة على المسجد النبوي ‪ ،‬وكان ساكنوها يضطرون‬

‫‪ -1‬فتح الباري ‪.10/237‬‬


‫‪ -2‬الشفا ‪.2/181‬وانظر نفس المعنى في أضواء البيان للشنقيطي ‪.4/468‬‬
‫‪ -3‬فقه السيرة ص ‪.465‬‬

‫‪15‬‬
‫‪16‬‬

‫إلــى العبــور منهــا فرخــص لهــم‪ ،‬ومـال إلــى القـول بــأن الـترخيص إنمـا كـان لســكان بيــوت النـبي صـلى الـ‬
‫عليه وسلم ‪.‬كما استغرب الحديث‪ 1‬الذي أمر فيه صلى ال عليه وسلم بإغلق خوخات المسلمين من‬
‫المسجد إل خوخة أبي بكر‪ ،‬وعلل ذلك بكون مسكن أبي بكر كان بعيدا عن المسجد في السنح‪،‬ثم قــال‪:‬‬
‫) ونخشــى أن يكــون لمــا كــان مــن مشــادة بيــن أهــل الســنة والشــيعة حــول الخلفــة النبويــة أثــر مــا فــي هــذا‬
‫الخــبر ‪ ،‬ففــي الروايــات المرويــة أســبابا لنــزول بعــض اليــات وفــي الحــاديث المســندة أو المرفوعــة إلــى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم كثير من هذا الباب(‪.2‬‬
‫وليــس ثمــة مــا يخشــى والحمــد لــ‪ ،‬وفــي الحــديث )اختصــاص ظــاهر لبــي بكــر‪ ،‬وفيــه إشــارة قويــة إلــى‬
‫استحقاقه للخلفة(‪.3‬أما التعليل الذي استند إليه دروزة في رد الحديث فهو ضعيف‪ ،‬إذ كون منزل أبي‬
‫بكــر كــان فــي الســنح‪ ،‬ل ينفــي أن يكــون لــه منــزل مجــاور للمســجد‪ ،‬ومنزلــه الــذي كــان بالســنح هــو منــزل‬
‫أصهاره من النصار‪.4‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حديث أن النبي كان ل يشبع من الطعام‪:‬‬
‫هذا الحديث أنكره حسين مؤنس في كتابه) دراسات في السيرة النبويـة(‪،‬ورد علــى القاضــي عيـاض الـذي‬
‫ذكر في كتابه الشفا أن رسول ال خرج من الدنيا ولم يشبع من خــبز الشــعير زهــدا فــي الطعــام‪،‬فكــل ذلــك‬
‫يقــول الكــاتب )يتنــافى مــع مــا ينبغــي للنــبي مــن طبــع ليــن ل تشــدد ول تكلــف فيــه ‪ ،‬ولمــاذا وال ـ ل يشــبع‬
‫رسول ال من خبز ؟ وأي حكمة أو فضيلة في ذلك ما دام خبز الشعير ميسو ار لفقر أصحابه يمل منه‬
‫بطنه متى أراد؟ (‪.5‬‬
‫وهــذا مــردود علــى الكــاتب ومــا ذهــب إليــه القاضــي عيــاض حــق وتشــهد لــه الحــاديث الصــحيحة‪.‬روى‬
‫البخاري في صحيحه عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي ال عنه أنه مر بقوم بيــن أيــديهم شــاة‬
‫مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم مــن الــدنيا ولــم يشــبع مــن خــبز‬

‫‪ -1‬أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال ‪) :‬خطب النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن ال خير عبدا‬
‫بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند ال فبكى أبو بكر رضي ال عنه فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ إن يكن ال‬
‫خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند ال فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم هو العبد وكان أبو بكر‬
‫أعلمنا قال ‪ :‬يا أبا بكر ل تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليل من أمتي لتخذت‬
‫أبا بكر ولكن أخوة السلم ومودته ل يـبقين في المسجد باب إل سد إل باب أبي بكر( كتاب الصلة باب الخوخة‬
‫والممر في المسجد رقم ‪.466‬‬
‫‪ -2‬سيرة الرسول ‪.  /-‬‬
‫‪ -3‬الفتح ‪.7/18‬‬
‫‪ -4‬الفتح ‪.7/18‬‬
‫‪ -5‬ص ‪.229‬‬

‫‪16‬‬
‫‪17‬‬

‫الشــعير‪.1‬وفــي صــحيح مســلم مــن حــديث عائشــة قــالت‪ ) :‬مــا شــبع آل محمــد مــن خــبز شــعير يــومين‬
‫متتــابعين حــتى قبــض رســول ال ـ صــلى ال ـ عليــه وســلم(‪.2‬وقــد وردت اليــات فــي هــذا المعنــى بألفــاظ‬
‫مختلفــة ‪ ،‬ولمــن أراد التوســع فــي ذلــك أن يرجــع إلــى كتــب الشــمائل فقــد اشــتملت مــن ذلــك علــى جملــة‬
‫صــالحة‪.‬ولقــد كــان مــن اليســير علــى النــبي لــو أراد أن يعيــش كمــا يعيــش الغنيــاء والمــترفون‪ ،‬لكنــه آثــر‬
‫الخـرة علـى الـدنيا لعلمـه بحقيقـة الـدنيا‪،‬ولـذلك لمـا اشـتكت إليه زوجـاته رضـي الـ عنهـن شـظف العيـش‬
‫الذي هن فيه وسألنه النفقه آلى منهن شــه ار لشـدة موجــدته عليهـن ‪ ،‬ونـزل فـي ذلــك قـرآن يتلـى ‪) :‬يـا أيهــا‬
‫النبي قل لزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميل إوان كنتن‬
‫تــردن الـ ورســوله والــدار الخـرة فــإن الـ أعــد للمحســنات منكــن أجـ ار عظيمــا( ‪ .3‬وفــي صــحيح البخــاري‬
‫عــن أبــي هري ـرة قــال‪ ) :‬اللهــم اجعــل رزق آل محمــد قوتــا(‪،4‬قــال ابــن بطــال‪ ) :‬فيــه دليــل علــى فضــل‬
‫الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الخـرة إوايثــا ار لمـا يبقـى علــى مــا‬
‫يفنى فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك(‪.5‬وهذه هي الحكمة الجليلة التي فاتت الدكتور حسين مؤنس !‬
‫المطلب الرابع‪ :‬حديث أن النبي مات ودرعه مرهونة عند يهودي‪:‬‬
‫وهذا الحديث أيضا مما أنكـره حسـين مـؤنس فـي كتـابه المـذكور‪،‬وعلـل ذلـك بـأن )رسـول الـ عـاش عمـره‬
‫كله قبل النبوة وبعدها ميسور الحال من كسبه أو عمله أو ممــا أفــاء الـ عليـه مــن المـال الحلل‪ ،‬وكيـف‬
‫يعقل أن رسول ال يرهن درعه وهو المحارب الباسل ؟ ول يجوز للفارس أن يرهن درعه قط‪ .‬ثم يبــالغون‬
‫ف ــي ذل ــك فيقول ــون‪ :‬إن ال ــدرع ك ــانت مرهون ــة عن ــد يه ــودي‪ ،‬ومث ــل ه ــذا الكلم في ــه إس ــاءة ومس ــاس إل ــى‬
‫المصطفى ‪ ،‬ولهذا فنحن ل نقبله ونرفضه من موقع اليمان والحب للرسول(‪. 6‬‬
‫والحـديث الـذي رده الكـاتب خرجـه البخـاري فـي صـحيحه مـن حـديث عائشـة قـالت‪) :‬تـوفي النـبي ودرعـه‬
‫مرهونــة عنــد يهـودي بثلثيـن يعنـي صــاعا مــن شـعير(‪ .7‬ولــم يكــن الكـاتب بـدعا فــي رد هـذا الحـديث فقـد‬
‫سبقه إلى ذلك أقوام )قالوا رويتم أن رسول ال صـلى الـ عليـه وسـلم تـوفي ودرعـه مرهونـة عنـد يهـودي‬
‫بأصواع من شعير‪ .‬فيا سبحان ال أما كان في المسلمين مواس ول مــؤثر ول مقــرض وقــد أكــثر الـ عــز‬
‫وجــل الخيــر وفتــح عليهــم البلد ‪ ..‬وهــذا كــذب وقــائله أراد مدحــة النــبي صــلى ال ـ عليــه وســلم بالزهــد‬

‫‪ -1‬كتاب الطعمة باب ما كان النبي وأصحابه يأكلون رقم ‪.5414‬‬


‫‪ -2‬كتاب الزهد والرقائق رقم ‪.2970‬‬
‫‪ -3‬الحزاب ‪.29-28‬وانظر تفسير ابن كثير ‪.411-3/410‬‬
‫‪ -4‬كتاب الرقاق باب كيف كان عيش النبي وأصحابه وتخليه عن الدنيا رقم ‪.6460‬‬
‫‪ -5‬فتح الباري ‪.299/ 11‬‬
‫‪ -6‬ص ‪.202‬‬
‫‪ -7‬كتاب المغازي رقم ‪.4467‬‬

‫‪17‬‬
‫‪18‬‬

‫وبالفقر وليس هكذا تمدح الرسل‪ .‬قال ابــن قتيبـة ردا عليهــم ‪):‬ونحـن نقـول إنـه ليــس فـي هــذا مــا يســتعظم‬
‫بل مـا ينكـر لن النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم كـان يـؤثر علـى نفسـه بـأمواله ويفرقهـا علـى المحقيـن مـن‬
‫أصحابه وعلى الفقراء والمساكين وفي النوائب التي تنوب المسلمين ول يرد سائل ول يعطــي إذا وجــد إل‬
‫كثي ار ول يضع درهما فوق درهم ‪ ..‬وكيف يعلم المسلمون وأهل اليسار من صحابته بحاجته إلى الطعــام‬
‫وهو ل يعلمهم ول ينشط في وقتـه ذلـك إليهـم ‪ ،‬وقـد نجـد هـذا بعينـه فـي أنفسـنا وأشـباهنا مـن النـاس ونـرى‬
‫الرجل يحتاج إلى الشيء فل ينشط فيه إلى ولــده ول إلــى أهلــه ول إلــى جــاره ويــبيع العلــق ويســتقرض مــن‬
‫الغريــب والبعيــد إوانمــا رهــن درعــه عنــد يهــودي لن اليهــود فــي عصـ ـره كــانوا يــبيعون الطعــام ولــم يكــن‬
‫المسلمون يبيعونه لنهيه عن الحتكار فمـا الـذي أنكـروه مـن هـذا حـتى أظهـروا التعجـب منـه وحـتى رمـى‬
‫بعض المرقة العمش بالكذب من أجله(‪.1‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬حديث أن النبي صلى ال عليه وسـلم أغـار علـى بنـي المصـطلق وهـم غـارون‪ :‬وهـذا‬
‫الحديث ثابت في الصحيحين‪،2‬لكن الشيخ الغزالي رد هذا الحديث بدعوى أنه يشعر بأن الرسول صلى‬
‫الـ عليــه وســلم بــاغت القــوم علــى غـرة وهــذا أمــر مســتنكر فــي ســيرة رســول الـ صــلى الـ عليــه وســلم ‪،‬‬
‫واطمأن الكاتب إلى رواية ابن جرير على ضعفها لنها تـتـفق مع قواعد السلم أنـه ل عــدوان إل علــى‬
‫الظـالمين ‪ ،‬وأول حـديث الصـحيحين علـى أنـه مرحلـة ثانيـة مـن مـر احـل السـلم‪.3‬واعـتراض الشـيخ ل‬
‫يســلم لــه‪ ،‬ذلــك أن كتــب الحــديث بحكــم عــدم تخصصــها ل تــورد تفاصــيل المغــازي وأحــداث الســيرة ‪ ،‬بــل‬
‫تقتصر على بعض ذلك‪ ،‬مما ينضوي تحت شرط المؤلـف أو وقعـت له روايتـه‪ ،‬ومـن ثـم فإنهـا ل تعطـي‬
‫صورة كاملة لما حدث وينبغي إكمال الصورة من كتب السيرة المختصة‪.4‬وكتب السيرة توضح أنه أنذر‬
‫بنــي المصــطلق ‪ ،‬فلــو اقتصـ ـرنا علــى روايــة الصــحيحين دون أن نتــبين حكــم الســلم فــي إنــذار العــدو‬
‫لوقعنا في خطأ ولبس ‪.‬والشيخ الغزالي نفسه يقول ‪) :‬إن الحكم الديني ل يؤخذ من حديث واحد مفصول‬
‫عن غي ره إوانما يضم الحديث إلى الحديث ثم نقارن الحاديث بما دل عليه الق رآن الكريم(‪.5‬فكيف فاته‬
‫ذلك هاهنا ؟ ورواية مسلم تدل على أن الغارة على بني المصــطلق وقعــت دون إنــذار لنهـم ممــن بلغتهـم‬
‫دعوة السلم‪ ،‬وقد كانوا يعتبرون فـي حــرب مـع المســلمين منــذ اشــتراكهم مــع قريـش فـي غــزوة أحــد‪ ،‬كمـا‬

‫‪ -1‬تأويل مختلف الحديث ص‪.146-142 :‬‬


‫‪ -2‬البخاري كتاب العتق باب من ملك من العرب رقيقا‪ ،‬رقم ‪ 2541‬ومسلم كتاب الجهاد والسير باب جواز الغارة على‬
‫الكفار الذين بلغتهم دعوة السلم من غير تقدم العلم بالغارة ‪ ،‬رقم ‪.1730‬‬
‫‪ -3‬فقه السيرة ص ‪.11-10‬‬
‫‪ -4‬انظر المجتمع المدني في عهد النبوة‪ ،‬خصائصه وتنظيماته الولى‪ ،‬د‪.‬أكرم ضياء العمري ص ‪.37-36‬‬
‫‪ -5‬السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث ص ‪.118‬‬

‫‪18‬‬
‫‪19‬‬

‫كانوا يجمعون الجموع لحرب المسلمين ‪ ،1‬فقد أخرج في صحيحه من حديث ابن عون قال‪) : :‬كتبت‬
‫إلى نافع أسأله عن الـدعاء قبـل القتـال‪ -‬أي دعـوة النـاس إلـى السـلم‪ -‬قـال‪ :‬فكتـب إلـي إنمـا كـان ذلـك‬
‫في أول السلم قد أغار رسول ال صلى ال عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون ‪،‬وأنعامهم‬
‫تســقى علــى المــاء فقتــل مقــاتلتهم وســبى ســبيهم وأصــاب يومئــذ ‪-‬قــال يحيــى‪ -‬أحســبه قــال جويريــة(‪. 2‬‬
‫ويوضح ابن إسحاق سبب الغزوة فيقول رواية عن شيوخه‪) :‬بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم أن بني‬
‫المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبـو جويريــة بنــت الحــارث زوج رســول الـ صــلى‬
‫الـ عليـه وسـلم فلمـا سـمع رسـول الـ صـلى الـ عليـه وسـلم بهـم ‪،‬خـرج إليهـم حـتى لقيهـم علـى مـاء لهـم‬
‫يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل‪ ،‬فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم ال بني المصطلق وقتــل مــن‬
‫قتل منهم ‪،‬ونفل رسول ال صلى ال عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأم والهم فأفاءهم عليه(‪ .3‬وذكر ابن‬
‫ســعد أن رســول الـ صــلى الـ عليــه وسـلم لمـا بلغـه ذلــك )بعــث بريـدة بــن الحصـيب السـلمي يعلــم علـم‬
‫ذلــك ‪ ،‬فاســتأذنه أن يقــول فــأذن لــه ‪،‬فأتــاهم ولقــي الحــارث بــن أبــي ض ـرار وكلمــه ‪ ،‬فوجــدهم قــد جمع ـوا‬
‫الجمــوع ‪ ،‬قــالوا مــن الرجــل؟ قــال ‪ :‬منكــم ‪ ،‬قــد بلغنــي مــن جمعكــم لهــذا الرجــل فأســير فــي قــومي ومــن‬
‫أطــاعني فنكــون يــدا واحــدة حــتى نستأصــله‪ ،‬قــال الحــارث‪ :‬فنحــن علــى ذلــك فعجــل علينــا ‪ ،‬فقــال بريــدة‪:‬‬
‫أركــب الن وآتيكــم بجمــع كــثير مــن قــومي ‪ ،‬فســروا بــذلك ‪،‬ورجــع إلــى رســول الـ صــلى الـ عليــه وســلم‬
‫فأخبره خبرهم فندب رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس وخرج مسرعا( ‪.4‬‬
‫وتؤكــد هاتــان الروايتــان مــا ســبق ‪ ،‬مــن أن بنــي المصــطلق قــد بيتـوا العــدوان علــى النــبي صــلى الـ عليــه‬
‫وسلم ‪،‬فكانت المباغتة ردا للعدوان‪.‬ومثلهم في ذلك مثل الحزاب الذين قصدوا القضاء عليه‪ ،‬والفرق أن‬
‫النبي صـلى الـ عليـه وسـلم اسـتطاع أخـذ زمـام المبـادرة قبـل وصول بنـي المصـطلق إلـى المدينـة‪ ،‬فهـل‬
‫كان يوم الحزاب بحاجة إلى دعوة القوم وقد جاءوا للقضاء عليه؟!‪.5‬‬
‫ثالثا‪ :‬إنكار المعجزات والتشكيك فيها والتعسف في تأويلها‪:6‬‬
‫وهذا ميدان زلت فيه أقدام كثير ممن كتب في السيرة النبوية في هـذا العصـر‪ ،‬وكـان مـن أبـرز مـن تـولى‬
‫كبر ذلك رواد المدرســة العقليـة الحديثـة‪ ،‬أو مـا يمكـن تســميته بالتجــاه التــوفيقي فــي كتابـة الســيرة النبويـة‬

‫‪ -1‬السيرة النبوية الصحيحة ‪.2/407‬‬


‫‪ -2‬كتاب الجهاد والسير باب جواز الغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة السلم من غير تقدم العلم بالغارة رقم‬
‫‪.1730‬‬
‫‪ -3‬السيرة النبوية لبن هشام ‪.3/334‬‬
‫‪ -4‬الطبقات الكبرى ‪.2/63‬‬
‫‪ -5‬انظر أضواء على دراسة السيرة ص ‪.46‬‬
‫‪ -6‬للتوسع في هذه المسألة ينظر ) منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير( للدكتور فهد الرومي ص ‪.596-545‬‬

‫‪19‬‬
‫‪20‬‬

‫‪،‬وهـ ــو التجـ ــاه الـ ــذي حـ ــاول التوفيـ ــق بيـ ــن معطيـ ــات الـ ــدين السـ ــلمي و معطيـ ــات الحضـ ــارة الغربيـ ــة‬
‫الحديثــة‪.‬ولقــد كــانت مســالة المعجـزات مــن أكــثر قضــايا الســيرة النبويــة الــتي بــرز فيهــا هــذا التجــاه‪ ،‬تــارة‬
‫بإنكارهـ ــا وعـ ــدم ذكرهـ ــا أصـ ــل‪،‬وتـ ــارة بالتشـ ــكيك فيهـ ــا‪ ،‬وتـ ــارة أخـ ــرى بتأويلهـ ــا حـ ــتى تصـ ــبح مـ ــن قبيـ ــل‬
‫المألوف‪.‬فالطير البابيل تؤول بالجراثيم والملئكة التي أمد ال تعالى بها المؤمنين في غزوة بــدر تفســر‬
‫بالم ــدد المعن ــوي ورحل ــة السـ ـراء والمعـ ـراج ت ــؤول بوح ــدة الوج ــود وس ــياحة ال ــروح ‪ ،‬ب ــل إن بعض ــهم أوول‬
‫المعجـ ـزات النبويــة كلهــا علــى أنهــا ضــرب مــن الحــظ الــذي ارفــق النــبي ! واعتــبر هــؤلء القـ ـرآن الكريــم‬
‫المعج ـزة الوحيــدة والقطعيــة الــتي تثبــت نبــوة محمــد‪،‬وحــتى هــذا العتبــار مــن هــؤلء فيــه نظــر‪ ،‬إذ حــتى‬
‫المعجزات و الغيبيات التي أوردها القرآن الكريم كالسـراء والمعـراج ومــدد الملئكــة يــوم بــدر أعملـوا فيهــا‬
‫التأويــل العقلــي حــتى توافــق المــألوف‪ ،‬وتســاير العقليــة الغربيــة‪ .‬فهــذا الشــيخ رشــيد رضــا وهــو مــن تلميــذ‬
‫الشــيخ محمــد عبــده ومــن رواد هــذه المدرســة يــرى أنــه لــول حكايــة القـرآن ليــات ال ـ الــتي أيــد بهــا موســى‬
‫وعيس ــى عليهم ــا الس ــلم لك ــان إقب ــال الحـ ـرار علي ــه أك ــثر واهت ــداؤهم ب ــه أع ــم وأس ــرع! وي ــرى ك ــذلك أن‬
‫العجــائب لكونيــة والمقصــود بهــا المعجـزات النبويــة هــي مثــار شــبهات وتــأويلت كــثيرة فــي روايتهــا وفــي‬
‫صحتها وفي دللتها إضافة إلى أنها من منفرات العلماء عن الدين في هذا العصر!‪.1‬‬
‫وكأن الشيخ يريد مـن القـرآن الكريـم أن يجامـل أحـرار الفرنـج هـؤلء فيـذكر مـا يرضـون ويعـرض عمـا ل‬
‫تستسيغه عقولهم‪ ،‬حـتى ينقـادوا لـدين السـلم‪ ،‬والـ عـز وجـل يقـول‪ ) :‬ولـو اتبـع الحـق أهـواءهم لفسـدت‬
‫السماوات والرض(‪.2‬‬
‫وقد سرت عدوى هذا النكار والتعسف في التأويل إلى كثير ممن كتبوا في الســيرة النبويــة مــن المحــدثين‬
‫‪، 3‬منهم الشيخ عبد الحليم محمود الذي ترجم كتاب) محمد رسول ال (‪ ،‬للفرنسي المسلم إتين دينيه ‪،‬‬
‫وعلق على بعض كلمه قائل‪) :‬على أن بعـض المعجـزات الـتي تنسـب إلـى محمـد ليسـت مـن نصـوص‬
‫القرآن إوانما قد نسبها إليه مؤرخو العصور المتأخرة تقليدا للمعجزات‬
‫التي تنسب إلى المسيح فهي ليست من الدين في شيء!(‪.4‬‬

‫‪ -1‬انظر تفسير المنار ‪.11/155‬‬


‫‪ -2‬المؤمنون ‪.72‬‬
‫‪ -3‬إواني لعجب من رجل في مقام الشيخ محمد الغزالي –رحمه ال تعالى‪ -‬يدعي أن ل صلة للعقيدة ول للعمل بمسألة‬
‫المعجزات‪ ،‬فالرجل الفاسد –يقول‪-‬ل يغفر له فساده إيمانه بأن الرسول صلى ال عليه وسلم أظلته غمامة أو كلمه جماد‬
‫‪ ،‬والرجل الصالح ل يغمز مكانته إنكاره لهذه الخوارق !)فقه السيرة ص ‪(48‬‬
‫‪4‬قلت‪ :‬بل للعقيدة صلة بهذه البحوث إذ من مقتضيات اليمان بنبوة محمد صلى ال عليه وسلم اليمان بما أكرمه اله‬
‫تعالى به من معجزات ‪ ،‬وكيف يستقيم إيمان الرجل الصالح إذا هو أنكر ما ثبت قطعا من معجزاته صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهي أكثر من أن تعد وتحصى‪.‬فالمطلوب هاهنا هو الثبوت فقط ‪ ،‬فمتى صحت نسبة معجزة ما إلى النبي صلى‬

‫‪20‬‬
‫‪21‬‬

‫ومنهم عبد المنعم ماجد الـذي كتـب يقـول ‪..) :‬لكــن محمـدا لــم يــرض أن ينســب إليـه معجـزة غيـر معجـزة‬
‫نزول الوحي عليه من قبل ال فكان يرد عليهم بقوله ‪) :‬قل سبحان ربي هل كنت إل بش ار رسول(‪ 1‬ومع‬
‫ذلك لم يحل رفض النـبي التيـان بـالمعجزات مـن أن ينسـب إليه صـفات خارقـة‪.‬فبعضــهم يؤكـد أنـه حيـن‬
‫ولدته خرج نور أضـاء الشـام وأنـه وهو صـغير شـقت الملئكـة بطنـه وغسـلوا قلبـه بالثلـج‪..‬وأيضـا فسـروا‬
‫سورة السراء بأن ال رفعه إلى السماء‪ ،‬وأنه قطع رحلة سماوية في بضع ساعات من الليل(‪.2‬‬
‫ولعــل أبــرز مــن يمثــل هــذا التجــاه الــدكتور هيكــل فــي كتــابه )حيــاة محمــد( ‪ ،‬وحيــن صــدور هــذا الكتــاب‬
‫انبرى الشيخ مصطفى المراغي للثناء عليه والشادة بالطريقة العلمية التي سار عليها هذه الطريقة الــتي‬
‫تستبعد كل ما أوردته كتب الحديث والسيرة من معجزات ‪ ،‬إوانما هو القرآن والقرآن فقط‪.‬‬
‫وممـا جـاء فـي تقـديم الم ارغـي قـوله‪) :‬ولـم تكـن معجـزة محمـد القـاهرة إل فـي القـرآن وهـي معجـزة عقلية ‪،‬‬
‫وما أبدع قول البوصيري‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم(‬ ‫لم يمتحنا بما تعيا العقول به‬
‫ونسي الشيخ أو تناسى أن يقف عند كثير من المعجزات التي أشار إليها البوصيري فــي القصــيدة نفســها‬
‫مثل قوله‪:‬‬
‫تمشي إليه على ساق بل قدم‬ ‫جاءت لدعوته الشجار ساجدة‬
‫وممن وقف مدافعا عن هيكل أيضا الشيخ رشيد رضا الذي يقول ‪) :‬أهم مــا ينكـره الزهريــون والطرقيــون‬
‫على هيكل أو أكثره مسألة المعجــزت أو خـوارق العــادات ‪ ،‬وقـد حررتهــا فــي كتـاب الـوحي المحمــدي مـن‬
‫جميــع مناحيهــا ومطاويهــا فــي الفصــل الثــاني وفــي المقصــد الثــاني مــن الفصــل الخــامس بمــا أثبــت بــه أن‬
‫القـرآن وحــده هــو حجــة الـ علــى ثبــوت نبــوة محمــد بالــذات ونبــوة غيـره مــن النبيــاء ‪ ،‬وآيــاتهم بشــهادته ل‬
‫يمكــن فـي عصـرنا إثبــات آيـة إل بهــا‪ ،‬وأن الخـوارق الكونيـة شــبهة عنـد علمـاءه ل حجـة‪ ،‬لنهـا موجـودة‬
‫في زماننا ككل زمان مضى وأن المفتونين بها هم الخرافيون من جميع الملل !(‪.4‬‬
‫والعجيـ ــب حقـ ــا هـ ــذا الفصـ ــل الـ ــذي يقيمـ ــه الم ارغـ ــي ورشـ ــيد رضـ ــا وهيكـ ــل وغيرهـ ــم بيـ ــن معجـ ـزة القـ ـرآن‬
‫والمعج ـزات الخــرى )إذ لــم تبلغنــا معج ـزات رســول ال ـ المختلفــة إل مــن حيــث بلغتنــا منــه معج ـزة الق ـرآن‬

‫ال عليه وسلم وجب اليمان بها ‪ ،‬ول معنى لنكارها ‪ ،‬إوال فهو إنكار لسنة ثابتة‪ ،‬وفي ذلك من الخطورة ما فيه‪.‬‬
‫‪ -‬ص ‪ 63‬بالهامش‪.‬‬
‫‪ -1‬السراء ‪.93‬‬
‫‪ -2‬التاريخ السياسي للدولة العربية ص ‪.1/101‬‬
‫‪ -3‬حياة محمد ‪ ،‬ص‪) :‬ك‪-‬ل(‪.‬‬
‫‪ -4‬انظر منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير للدكتور فهد الرومي ص ‪ 558‬نقل عن مجلة المنار مجلد ‪،34‬‬
‫الجزء ‪. 10/793‬‬

‫‪21‬‬
‫‪22‬‬

‫والقــدام علــى تأويــل هــذا وتســليم ذاك طبــق مــا يســتهوي النفــس ويت ــفق مــع الغــرض إســفاف غريــب فــي‬
‫تصنع البحث والفهم ل يقدم عليه من كان كريما على نفسه معت از بعقله(‪.1‬‬
‫وممن سار في ركاب هيكل محمد جميل بيهم في كتابه )تاريخ فلسفة محمد( ‪ ،‬وتحت عنـوان ) هــل قــام‬
‫الســلم علــى المعجـزات( يقـول‪) :‬الواقـع أن ثقـات العلمــاء مــن المسـلمين كـابن رشــد فــي كتـابه ) مناهــج‬
‫الدلــة( أجمعـوا علــى أن محمــدا كــان فــي دعــوته إنمــا يعتمــد علــى القنــاع واليمــان ‪ ،‬وكــان كمــا وصــفه‬
‫حسين هيكل في كتابه حياة محمد حريصا على أن يقدر المسلمون أنه بشر مثلهم يوحى إليه حـتى كـان‬
‫ل يرض ــى أن تنس ــب إلي ــه معجـ ـزة غي ــر القـ ـرآن !وأنك ــر ه ــؤلء الثق ــات عل ــى أمث ــال ال ــبيهقي وأب ــي نعي ــم‬
‫والقاضي عياض تكديسهم المعجزات فيما وضعوه من أسـفار‪..‬وكـان اســتناد هـؤلء الثقــات يقتصـر علـى‬
‫القرآن الذي بين أيدينا وعلى الحديث الصحيح وهما وحدهما المرجع في هذا الشأن والحكم(‪.2‬‬
‫وليــت هــؤلء ‪،‬والكــاتب منهــم‪ ،‬يصــدقون فــي هــذه الــدعوى‪ ،‬فقــد تضــمن القـرآن الكريــم الشــارة إلــى بعــض‬
‫المعجزات ‪،‬كالسراء وانشقاق القمــر والخبــار بالمغيبــات‪ ،‬وحفلــت كتــب الصــحاح وعلــى أرســها البخــاري‬
‫ومسلم بالحاديث الوفيرة عن معجزاته ‪ ،‬فإذا كان القرآن الكريم والحديث الصحيح هما حقا مرجع هــؤلء‬
‫الثقات في هذا الشأن فل سبيل إلى إنكار ما ورد فيها مــن معجـزات أو التعســف فــي تأويلهــا بمــا ل يقبلــه‬
‫الشرع‪.‬وهل صـحيح مـا ادعـاه الكـاتب أن الرسـول كـان ل يرضــى أن تنسـب إليـه معجـزة؟ إذن لكـان نهـى‬
‫أصـحابه عن روايـة الحـاديث الـتي تشـير إلـى ذلـك‪،‬ولوصـلنا ذلـك النهـي‪ ،‬كمـا وصـلتنا نـواهيه الخـرى‪،‬‬
‫ولما وصلتنا تلـك المعجـزات إطلقـا‪ ،‬فلمـا لـم يصـلنا مـن ذلـك النهـي شـيء ووصـلنا مـن معج ازتـه الشـيء‬
‫الكثير ‪ ،‬تبين لكل عاقل أن كلم هيكل الذي تبناه الكاتب مجرد دعوى ل تستند إلى دليل‪.‬‬
‫أمــا هــؤلء الــذين ذكرهــم الكــاتب وأنكــر عليهــم تكــديس المعجـ ـزات فيمــا وضــعوه مــن أســفار كــأبي نعيــم‬
‫العدالة‪،‬واذا كــانت كتبهــم الــتي ألفوهــا فــي‬
‫إ‬ ‫والبيهقي والقاضي عياض فهم علماء ثقات مشهود لهم بالعلم و‬
‫دلئل النبوة قد شابها الضعيف والموضوع ‪،‬فــإن الصـحيح فيهـا هـو الغــالب‪،‬والمنطـق الســليم يقضـي بــأن‬
‫نميز هذا عن ذاك ‪ ،‬ل أن نلغي الكل جملة وتـفصيل‪.‬‬
‫ولقــد حــاول الكــاتب وضــع الســيرة النبويــة بأســلوب يعتمــد علــى الن ـواميس الطبيعيــة الــتي تربــط الســباب‬
‫بالمسببات وترتب النتائج على المقدمات ‪ ،‬وأرجع نجاح دعوة محمد إلى أسباب تتصل بهذه النواميس ‪،‬‬
‫لكــن مــا ينتــقد عليــه أنــه اتخــذ هــذه النـواميس تكــأة لنكــار المعجـزات ‪،‬وأغفــل أســبابا أخــرى تتصــل بعــالم‬
‫الغيب كان لها أثر حاسم في هـذا النجـاح‪،‬فهنـاك عناية الـ تعـالى ورعـايته ونصـره الـذي يتنـزل‪ ،‬وجنـوده‬
‫الــتي ل تــرى‪ ..‬فــي الهج ـرة مثل اتخــذ النــبي جميــع الحتياطــات الممكنــة لتــأمين هــذه الرحلــة المباركــة ‪،‬‬

‫‪ -1‬فقه السيرة للبوطي ص ‪.10‬‬


‫‪ -2‬ص ‪.226-225‬‬

‫‪22‬‬
‫‪23‬‬

‫وتربــص المشــركون بالرســول ليقتلــوه فخــرج مــن بينهــم وقــد أعمــى الـ أبصــارهم فلــم يــروه‪ ،‬وفــي الغــار هـو‬
‫وصاحبه أبو بكر وقد وقف المشركون على حافته حـتى لـو أبصـر أحــدهم موضـع قـدميه لرآهمـا ‪ ،‬لكنهــا‬
‫العناية اللهيـة تحـوط نـبيه الكريـم وصـاحبه‪.‬وفـي طريقهمـا إلـى المدينـة يطاردهمـا سـراقة فتتـدخل العنايـة‬
‫اللهيــة مـرة أخــرى ‪ ،‬وتغـوص قـوائم فرســه فـي الرمــال ‪..‬ومـا أكـثر المثلــة فـي الســيرة النبويـة الـتي تـبرز‬
‫فيها هذه الحقيقة واضحة للعيان ‪،‬ول يردها إل معاند مكابر‪.‬وكم مرة حاول الكفار قتله واغتياله ‪،‬وكــانت‬
‫عين ال تحوطه وترعاه ‪ ،‬أليس قد قال ال تعالى ) وال يعصمك من الناس(‪.1‬‬
‫ثــم إن الكــاتب انفــرد ب ـرأي لعلــه لــم يســبق إليــه ‪ ،‬ولــم أجــد مــن تــابعه فيــه مــن الكــاتبين المعاص ـرين‪،‬حيــث‬
‫اعتبر المعجزات التي أكرم ال تعالى بها نبيه الكريم مجرد حظ كان ي ارفــق النـبي ! يقول‪ ) :‬كـان محمـد‬
‫من المحظوظين الذين رافقهم حسـن الطـالع ‪ ،‬فبالضـافة إلـى العناصـر الكـثيرة الخارجيـة والداخليـة الـتي‬
‫خدمته‪ ،‬فقد عرضت في حيـاته حـوادث متعـددة رافقهــا الحـظ عفـوا علـى غيـر انتظـار وكـان الحـظ وسـيلة‬
‫لســلمته‪ ،‬وكــان أيضــا وســيلة لخروجــه منهــا منتصـرا(‪.2‬وســاق الكــاتب أمثلــة لهــذه الــدعوى منهــا يــوم لجــأ‬
‫النبي وأبو بكــر إلـى غـار ثـور‪ ،‬يقـول ‪) :‬وهكــذا فــإن محمــدا وصـاحبه مــا كانــا يســلمان مــن الغـدر لــول أن‬
‫الحــظ أو القــدر إن شــئت أن تقــول‪،‬صــرف هــؤلء الفتيــان عنهمــا وحــول ارئــدهم عــن دخــول الغــار(‪.‬وبعــد‬
‫ذكـره بعــض محــاولت اغتيــال النــبي عقــب قــائل‪ ) :‬ولكــن كــل هــذه المحــاولت بــاءت بالفشــل لن الحــظ‬
‫كان يرافقه‪:‬‬
‫نم فالمخاوف كلهن أمان(‪.3‬‬ ‫إواذا العناية لحظتك عيونها‬
‫فانظر كيف يتهرب الكاتب من تسمية هذا الذي يحدث معجزة ليسميه حظـا‪،‬والـبيت الـذي استشـهد بـه ل‬
‫يسعفه‪ ،‬إذ مقصود قائله العناية اللهية‪،‬والتي تمثل المعجزات أحد مظاهرها الكبرى‪.‬‬
‫وأغـرب مـن هــذا أن طـه حســين يطلــع علينـا بتعريــف غريــب للمعجـزة لـم يسـبق إليـه‪ ،‬يقـول عـن معجـزات‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪..) :‬ثم ل يخلو أمره مـن هــذه المعجـزات الـتي تبهـر العقـول وتســحر اللبــاب‬
‫دون أن تحدث في طبيعة الشياء حدثا أو تتجاوز بعادات الناس الجارية طريقها المألوف!(‪ .4‬ول أدري‬
‫كيف وفق الكاتب بين كون المر معجزة أي خارقا للعادة وبين كونه ل يحدث فـي طبيعــة الشــياء حــدثا‬
‫أو يخرج عادات الناس عن المألوف ! إن هذا الكلم هو التناقض بعينه ‪.‬‬
‫وممــن نحــا هــذا المنحــى أيضــا محمــد ع ـزة دروزة فــي كتــابه )ســيرة الرســول‪ :‬صــور مقتبســة مــن الق ـرآن‬
‫الكريم( فهـو ل يسـلم بصـحة المعجـزات المرويـة فـي مصـادر السـيرة ‪ ،‬خاصـة تلـك الـتي وقعـت فـي مكـة‬

‫‪ -1‬المائدة ‪.69‬‬
‫‪ -2‬ص ‪.198‬‬
‫‪ -3‬ص ‪.199‬‬
‫‪ -4‬على هامش السيرة ‪.3/558‬‬

‫‪23‬‬
‫‪24‬‬

‫بناء على تحدي الكفار‪ ،‬وحجته في ذلك )سكوت القرآن عنها مع فترة تحــدي الكفــار‪ ،‬واقتصــار الجوبــة‬
‫القرآنية على السلب‪،‬هذا إلى أن الروايات غير متواترة ول وثيقة‪ ،‬وكثير منها إن لم نقل أكثرها لم ترد في‬
‫المدونات القديمة إلى ما فيها من تخالف كبير في الوقت نفسه!(‪.1‬‬
‫والعجيب كيف يدعي الكاتب أن هذه المعجزات غير متـواترة‪ ،‬وكيـف يفهـم التـواتر ‪ ،‬وقـد وقـع أكثرهـا فـي‬
‫محافل المســلمين وجمــوعهم ورواهــا الجمـاء الغفيـر ‪ ،‬وتـواترت رواياتهــا فـي كتــب الحـديث وفـي مقـدمتها‬
‫الصحيحان‪ ،‬وأجمعت عليها كتب السيرة؟‪.‬‬
‫ثــم إن الكــاتب قــد ســبق لــه الطعــن فــي مــدونات الســيرة القديمــة فكيــف اطمــأن إليهــا الن فــي تأييــد أريــه‬
‫بدعوى أن أكثر هذه المعجزات لم يرد في هذه المدونات!مع أن واقع هذه المدونات واشتمالها على أكثر‬
‫قاله‪.‬وان استناد دروزة للموقف السلبي للقرآن إزاء تحدي الكفار فــي‬
‫إ‬ ‫المعجزات النبوية مفصح بخلف ما‬
‫إنكار كثير من المعجزات ل يسلم له‪ ،‬فالقرآن الكريم صريح في تعليل ذلك ‪،‬قال عز وجــل ‪) :‬ومــا منعنــا‬
‫أن نأتي باليات إل أن كذب بها الولون(‪ 2‬فل معنى لجابة قوم ديدنهم التكذيب والعناد ل التصديق‬
‫واليمان‪.‬‬
‫وممن سار في هذا المسار أيضا محمود عباس العقاد في كتابه )عبقرية محمـد( ‪،‬يقـول‪ ) :‬إنمـا نجحـت‬
‫دعــوة محمــد لنهــا دعــوة طلبتهــا الــدنيا ومهــدت لهــا الحـ ـوادث ‪ ،‬وقــام بهــا داعيــة تهيــأت لــه بعنايــة ربــه‬
‫وموافقــة أح ـواله وصــفاته‪ ،‬فل حاجــة بهــا إلــى خارقــة ينكرهــا العقــل أو إلــى علــة عوجــاء يلتــوي بهــا ذوو‬
‫الهواء‪ ،‬فهي أوضح شيء لمن أحب أن يفهم وهي أقوم شيء سبيل لمن استقام(‪.3‬‬
‫والذي جعل العقاد يركب هذا المركب أنـه أراد أن يجلــو صـور العظمـة كمـا يفهمهـا البشـر‪،‬وتــوجه بكتــابه‬
‫ل للمــؤمنين برســالة محمــد فحســب بــل وأيضــا لغيــر المــؤمنين بهــا‪،‬ولــذلك جــاء كتــابه خل ـوا مــن كــل أثــر‬
‫ات‪.‬واذا كــان العقــاد قــد وفــق فــي إب ـراز ج ـوانب العظمــة والعبقريــة وملكــة التخطيــط والتنظيــم فــي‬
‫للمعج ـز إ‬
‫شــؤون الحــرب عنــد النــبي ‪ ،‬فــإنه أخطــأ حيــن جعــل العامــل الســاس فــي ذلــك امتيــازه الــذاتي ومـ ـواهبه‬
‫الفطريــة‪ ،‬وتغافــل عــن عوامــل أخــرى تتصــل بعــالم الغيــب)فهنــاك وعــد الـ ـ ورعــايته وتــوفيقه وملئكتــه‬
‫المقــاتلون والنعــاس الــذي يغشــيه النــاس أمنــة والمطـر الــذي يطهرهــم والريــاح الـتي تقتلـع خيــام المشـركين‬
‫وتثبيته لفئدة المقاتلين وقذفه الرعب في قلـوب الكــافرين وقــدره النافـذ‪ ،‬مائــة عامـل وعامـل هيـأت أســباب‬
‫النصر فكانت الغلبة لجند اليمان جند ال (‪.4‬‬

‫‪.1/230 -1‬‬
‫‪ -2‬السراء ‪.59‬‬
‫‪ -3‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -4‬الفكر السلمي المعاصر دراسة وتقويم ‪ ،‬غازي التوبة ص ‪.145‬‬

‫‪24‬‬
‫‪25‬‬

‫وقس على هذا سائر جوانب العبقرية الخرى التي تحدث عنها العقاد فقد اكتفــى بــذكر الســباب الماديــة‬
‫وأظهره مجـرد إنسـان يعمـل بمـواهبه الناميـة وملكـاته المتــفتحة وأغفـل ذكـر السـباب الغيبيـة الـتي شـكلت‬
‫مكونا رئيسا في حياته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقــد أعجــب الشــيخ مصــطفى صــبري بكتــاب العقــاد فــي بعــض مبــاحثه‪،‬لكنــه عارضــه لكــونه مــن دعــاة‬
‫العبقريــة ومروجيهــا بــدل النبــوة ومعجزاتهــا‪.‬إل أن مــؤلفه فــي نظــر الشــيخ مصــطفى صــبري لــم يتــورط فــي‬
‫السخافات الـتي تورط فيهـا غيـره مـن دعـاة العبقريـة ومنكـري المعجـزات أمثـال زكـي مبـارك وفريـد وجـدي‬
‫ومحمد حسين هيكل والشيخ شلتوت‪.1‬‬
‫وحــتى يتجلــى موقــف هــؤلء واضــحا مــن مســألة المعجـزات‪ ،‬أســوق هاهنــا أمثلــة علــى ذلــك‪،‬وقســمتها إلــى‬
‫معجزات قبل النبوة وأخرى بعدها‪:‬‬
‫المطلب الول ‪:‬معجزات قبل النبوة‪:‬‬
‫‪ -1‬معجزة الطير البابيل‪:‬‬
‫وهي معجزة ثابتة بنص القرآن‪ ،‬قـال تعـالى ‪) :‬ألــم تـر كيـف فعــل ربــك بأصـحاب الفيــل‪،‬ألــم يجعـل كيـدهم‬
‫في تضليل وأرسل عليهم طي ار أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول(‪.2‬‬
‫فـ ــي تفسـ ــيره لهـ ــذه السـ ــورة جـ ــوز الشـ ــيخ محمـ ــد عبـ ــده أن تكـ ــون الطيـ ــر البابيـ ــل هـ ــي مـ ــا يسـ ــمى اليـ ــوم‬
‫بالميكروبات‪ ،‬كما جوز أن تكون الحجارة هي جراثيم بعـض المـراض ‪ ،‬وذلـك حــتى يجعلهــا أمـ ار مألوفـا‬
‫تستسيغه أذهان من ل يؤمنون بالخوارق‪.‬وزاد فادعى أن ذلك مما اتـفقت عليه الروايات ويصح العتقــاد‬
‫بــه‪ ،‬يقــول ‪) :‬وفــي اليــوم الثــاني فشــا فــي جنــد الحبشــي داء الجــدري والحصــبة ‪ ،‬قــال عكرمــة‪ :‬وهــو أول‬
‫جــدري ظهــر فــي بلد العــرب‪ ،‬وقــال يعقــوب بــن عتبــة فيمــا حــدث‪ :‬أن أول مــا رؤيــت الحصــبة والجــدري‬
‫ببلد العرب ذلك العام‪..‬هذا مااتـفقت عليه الروايات ويصح العتقــاد بـه ‪ ..‬فيجــوز لــك أن تعتقــد أن هـذا‬
‫الطيــر مــن جنــس البعــوض أو الــذباب الــذي يحمــل جراثيــم بعــض المـراض وأن تكــون هــذه الحجــارة مــن‬
‫الطين اليابس الذي تحمله الريح فيعلق بأرجـل هـذه الحيوانـات فـإذا اتصـل بجسـد دخـل فـي مسـامه فأثـار‬
‫فيه تلك القروح التي تنتهي بإفسـاد الجسـم وتسـاقط لحمـه‪ ،‬إوان كـثي ار مـن هـذه الطيـور الضـعيفة يعـد مـن‬
‫أعظـم جنـود الـ فـي إهلك مـن يريـد إهلكـه مـن البشـر ‪ ،‬إوان هـذا الحيـوان الصـغير الـذي يسـمونه الن‬
‫بالمكروب ل يخرج عنه ‪ ،‬وهو فرق وجماعات ل يحصي عددها إل بارئها‪.‬هذا ما يصح العتمــاد عليـه‬
‫في تفسير السورة وما عدا ذلك فهو مما ل يصح قبوله إل بتأويل إن صحت روايته!(‪.3‬‬

‫‪ -1‬موقف العقل ‪ 4/11‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -2‬سورة الفيل اليات ‪.5-1‬‬
‫‪ -3‬العمال الكاملة للمام محمد عبده ‪،‬جمع وتحقيق محمد عمارة ‪.529-5/528‬‬

‫‪25‬‬
‫‪26‬‬

‫وما زعمه المام من كون الروايات اتـفقت على ما ذكر غريب في باب العلم وعجيب في تفسير القـرآن‬
‫‪،‬بل الروايات مختلفة في ذلك‪،‬وكذا أمر الجدري لم تـتـفق الروايات على وقوعه فــي جيــش أبرهــة ‪ ،‬بــل لــم‬
‫تشر أي رواية إشارة صريحة إلى وقـوعه فيهـم إل روايـة عكرمـة‪.‬ثـم إن القضـية ليسـت فـي وقـوع الجـدري‬
‫في جيش أبرهة أو عدم وقوعه ‪ ،‬فهذا أمر لم يشر إليه القرآن ل بإثبــات ول نفــي ‪،‬بــل القضــية هــي تأويــل‬
‫الطير على أنه البعوض أو الذباب ‪ ،‬وتأويل الحجارة من سجيل بالجراثيم‪.1‬والحال أن السورة ص ريحة‬
‫بإرسال الطير‪ ،‬وهــي مكيــة‪،‬والمخــاطبون بهــا‪ ،‬وفيهـم كــثير مـن أعـداء الرســول ‪ ،‬أروا هــذه الطيـور‪ ،‬ولـو لـم‬
‫يروهــا لبــادروا إلــى تكــذيب القـرآن‪)،‬ول يقبــل أن يقــال إنهــم أروا المكــروب أو الجراثيــم لنهــم ل يســتطيعون‬
‫رؤيتها‪ ،‬ول يقال إنهم أروا الذباب أو البعـوض لنهـم ل يـرون الحجـارة الـتي تحملهـا فكـان لبـد أن يكونـوا‬
‫أروا طي ار و أروا الحجارة الـتي تحملهـا‪،‬و أروا الرمــي‪ ،‬ول يهــم بعــد ذلــك أن يكـون هلك الجيــش بمجــرد وقــوع‬
‫الحجر أو أن تكون هذه الحجارة قد أصابته بمرض مــن المـراض ‪ ،‬فــالقرآن لـم يصــرح بـذلك ‪ ،‬بــل ذكـر‬
‫هلكهم بهذا العقاب الشديد(‪.2‬‬
‫هــذا فضــل عــن أن هــذه الجراثيــم ل علــم للعــرب بهــا وقــت نــزول الق ـرآن بــل هــي مــن مكتشــفات الطــب‬
‫الحــديث ‪،‬و)العربــي إذا ســمع لفــظ الحجــارة فــي هــذه الســورة –الفيــل‪ -‬لينصــرف ذهنــه إلــى تلــك الجراثيــم‬
‫بحال من الحوال ‪ ،‬وقد جاء القرآن بلغة العرب ‪ ،‬وخاطبهم بما يعهدون ويألفون(‪.3‬‬
‫وقد وافق العقاد الشيخ محمـد عبـده فـي أريـه لكـن علـى سـبيل الجـواز ل علـى سـبيل الجـزم‪ ،‬قـائل ‪) :‬فـإذا‬
‫قــال المفســر إن هزيمــة أصــحاب الفيــل ربمــا كــانت مــن فعــل هــذه الجراثيــم فــذلك قــول مــأمون علــى ســبيل‬
‫الجواز والترجيح ‪ ،‬ولكنـه غيـر مـأمون علـى الجـزم والتوكيـد‪ ،‬لن الحفريـات التاريخيـة قـد تكشـف لنـا غـدا‬
‫عن حجارة من سجيل أصيب بها أصحاب الفيل فجعلتهم كعصف مأكول(‪.4‬‬
‫إوالـ ــى نحـ ــو هـ ــذا التأويـ ــل الـ ــذي ذكـ ـره الشـ ــيخ محمـ ــد عبـ ــده ذهـ ــب الشـ ــيخ أحمـ ــد مصـ ــطفى الم ارغـ ــي فـ ــي‬
‫تفســيره‪،5‬وقـال محمـد فريــد وجـدي‪) :‬و ليبعـد أن تكـون تلـك الطيـور ميكروبـات الطـاعون إذ ل مــانع مــن‬
‫تسميتها طيورا(‪.6‬‬

‫‪ -1‬انظر منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير للدكتور فهد الرومي ص ‪.725-724 :‬‬
‫‪ - 2‬المرجع نفسه ص ‪.726‬‬
‫‪ -3‬التفسير والمفسرون الدكتور محمد حسين الذهبي ‪.2/569‬‬
‫‪ -4‬مقال )في البيان القرآني والطير البابيل ( الدكتور محمد رجب البيومي مجلة الزهر العدد ‪ ،62‬سنة ‪-1410‬‬
‫‪ ،1989‬ص ‪115 :‬‬
‫‪ -5‬تفسير المراغي ‪.30/243‬‬
‫‪ -6‬المصحف المفسر ص ‪.811‬‬

‫‪26‬‬
‫‪27‬‬

‫وأمــا الــدكتور هيكــل فقــال‪..) :‬كــان وبــاء الجــدري قــد تفشــى بــالجيش وبــدأ يفتــك بــه‪ ،‬وكــان فتكــه ذريعــا لــم‬
‫يعهد من قبل قط ‪،‬ولعل جراثيم الوباء جاءت مع الريح من ناحية البحر!( ‪ .1‬والغريب أن هيكل الذي‬
‫يتكلــف هــذا التأويــل الغريــب يــأتي بعــد ذلــك فيســوق ســورة الفيــل الــتي تــؤرخ لهــذا الحــدث المعج ـزة‪،‬وهــي‬
‫صريحة فـي أن هلك أبرهـة وجيشـه كـان بفعـل الطيـر الـتي تحمـل حجـارة مـن سـجيل‪ ،‬فكيـف يعـدل عـن‬
‫صريح السورة إلى تأويل هذه المعجزة بجراثيم الوباء التي ربما جاءت مع الريح من ناحية البحر!‬
‫ومم ــن نح ــا ه ــذا المنح ــى أيض ــا ال ــدكتور جـ ـواد عل ــي ف ــي كت ــابه )تاري ــخ الع ــرب ف ــي الس ــلم –الس ــيرة‬
‫النبوية‪2(-‬حيث ع از هزيمة الحباش إلى انتشار وباء خبيث فتك فيهم وأهلك أكثرهم‪.‬والغريب أن هذا‬
‫الذي تبناه الكاتب هو نفسه داخل في جملة ما عابه على من يفسر القرآن بالهواء أي ما يطلقــون عليــه‬
‫الطريقة العصرية للموافقة بينه وبين العلم الحديث‪.‬‬
‫‪ -2‬معجزة شق الصدر‪:‬‬
‫وقــد صــح بهـا الحـديث‪ ،‬أخــرج المـام مســلم مـن حــديث أنــس )أن رســول الـ صــلى الـ عليــه وسـلم أتـاه‬
‫جبريــل صــلى ال ـ عليــه وســلم وهــو يلعــب مــع الغلمــان فأخــذه فصــرعه فشــق عــن قلبــه فاســتخرج القلــب‬
‫فاستخرج منه علقة فقال ‪:‬هذا حظ الشـيطان منـك ثـم غسـله فـي طســت مــن ذهـب بمــاء زمــزم ثـم لمـه ثــم‬
‫أعــاده فــي مكــانه وجــاء الغلمــان يســعون إلــى أمــه يعنــي ظئ ـره فقــالوا‪ :‬إن محمــدا قــد قتــل‪ ،‬فاســتقبلوه وهــو‬
‫منتـقع اللون‪ .‬قال أنس‪ :‬وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره(‪.3‬‬
‫لكن هذه المعجزة لم تصح عند نفر من كتاب السيرة في العصر الحديث أمثال طه حســين وهيكــل‪.‬يقــول‬
‫طه حسين‪) :‬وأي بأس على المسـلمين فـي أن يسـمعوا أن نفـ ار مـن الملئكـة أقبلـوا إلـى النـبي وهو يلعـب‬
‫فأضجعوه وشقوا عن قلبه وغسلوه حتى طهروه ثم ردوه كما كان‪،‬وأقــاموه كــأنه لــم يصــبه مكــروه؟لــم يصــح‬
‫الحديث بهذا ! ولكن المسلمين يتحــدثون بـه ويسـتمعون لـه منــذ أكــثر مـن اثنــي عشــر قرنــا لــم يفســد لــذلك‬
‫ذوقهم ولم يضعف إيمانهم (‪.4‬‬

‫‪ -1‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪.102‬‬


‫‪.1/73 -2‬‬
‫‪ -3‬كتاب اليمان باب السراء برسول ال ‪.1/147،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬مقال )السيرة النبوية بين الخيال والتاريخ الشعبي( نبيلة إبراهيم سالم ‪ ،‬مجلة عالم الفكر المجلد ‪ ،12‬العدد ‪ ،4‬السنة‬
‫‪ ،1982‬ص‪ .368-367 :‬وهذا الكلم قاله ردا على وزير الوقاف المصري آنذاك محمد نجيب الغرابلي الذي أحب‬
‫تخليص المسلمين من كتب السيرة المعروفة بالموالد لما فيها من أكاذيب‪ ،‬ودعا سنة ‪ 1353‬هـ إلى وضع صيغة جديدة‬
‫للمولد تراعى فيها الصحة‪ ،‬فقوبلت دعوته بالترحيب من الهيئات العلمية والدبية ‪ ،‬ولم يعارضه من رجال الدب إل طه‬
‫حسين ‪ ،‬فكتب يرد على الوزير ! انظر )طه حسين في ميزان العلماء والدباء( لمحمود مهدي الستانبولي ص‪.236 :‬‬

‫‪27‬‬
‫‪28‬‬

‫وأما هيكل فساق هذه القصة‪ ،‬وذكر احتياط ابن إسحاق والطبري في روايتها‪،‬ثم شكك في صحتها ورآها‬
‫ضعيفة السند‪ ،‬اعتمادا على المستشرقين‪ ،‬وذكر منهم سير وليم موير ودرمنجــم‪ ،‬ثــم بــرر مـواقفهم قــائل‪:‬‬
‫)وانمــا يــدعو المستش ـرقين ويــدعو المفكريــن مــن المســلمين إلــى هــذا الموقــف مــن ذلــك الحــديث أن حيــاة‬
‫إ‬
‫محمد كانت كلها إنسانية سامية وأنه لم يلجـأ فـي إثبـات رسـالته إلـى مـا لجـأ إليه مـن سـبقه مـن أصـحاب‬
‫الخوارق‪ ،‬وهم يجدون في هذا من المؤرخين العرب والمسلمين سندا حين ينكرون من حياة النبي العربــي‬
‫كل ما ل يدخل في معروف العقل ويـرون مـا ورد مـن ذلـك غيـر متفـق مـع مـا دع إليه القـرآن مـن النظـر‬
‫في خلق ال‪ ،‬وأن سنة ال لن تجد لها تبديل(‪ .1‬وليس غريبا أن ينكر هيكل هذه المعج زة‪ ،‬لكن الغريب‬
‫حقا أن يعتمد علـى ابـن إسـحاق والطـبري فـي التشـكيك فيهـا‪،‬وهـو الـذي أعلن مـن قبـل تشـكيكه فـي كتـب‬
‫الحــديث والســيرة‪ ،‬وأغــرب مــن ذلــك اعتمــاده علــى المستشـرقين فــي رد هــذه المعجـزة‪،‬مــع أنهــا مرويــة فــي‬
‫الصحاح وغيرها من كتب الحديث‪.‬وكم كان الدكتور حســين مــؤنس موفقــا فــي إثبــات هــذه المعجـزة‪،‬علــى‬
‫خلف كثير من المحدثين الذين أنكروا المعجزات وظنوا ذلك حصافة ونفـاذ فكـر‪ ،‬قـال‪) :‬ولـم يعجبنـا أن‬
‫يتعــالم بعــض المححــدثين ممــن ظنـوا أن إنكــار حادثــة شــق الصــدر حصــافة ونفــاذ فكــر‪.‬ونقــول لهــؤلء‪ :‬يــا‬
‫قوم ما دمتم قد سلمتم بأن رسول ال نبي ال الذي اصطفاه ربه ليوحي إليه قرآنه ليــبينه للنــاس ويفتــح بــه‬
‫للنســانية عص ـ ار جديــدا‪ ،‬فمــا معنــى إنكــاركم لشــق الصــدر وحنيــن الجــذع؟ أليــس هــذا مــن ذاك؟ إواذا لــم‬
‫يــدخل دماغــك شــق الصــدر لنــه خــارج عـن المعهــود‪ ،‬فكيــف يــدخل دماغــك وحــي الـ لرســوله فــي الغــار‬
‫بقرآن عربي مبين ‪ ،‬وهو أيضا خارج عن المعهود؟!(‪. 2‬‬
‫‪ -3‬معجزة تسليم الحجر على النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫إوانكار هذه المعجزة مـن الم ازلــق الـتي وقـع فيهـا الـدكتور حسـين مـؤنس‪ ،‬وعلـل ذلـك بـأن الشـجر والحجـر‬
‫إذا كان يناديه قبل مشهد الغار أنه رسول ال فما معنى فزعه وخوفه على نفسه بعد أن نـزل عليـه الملـك‬
‫أول مـرة؟ وخطــأ ابــن إســحاق فــي الخــبر الــذي ســاقه بخصــوص ذلــك‪. 3‬وقــد فــات الكــاتب أن الخــبر رواه‬
‫مسلم في صحيحه من حديث جابر بن ســمرة قـال‪ :‬قـال رســول الـ صــلى الـ عليــه وسـلم )إننــي لعـرف‬
‫حج ار بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث‪ ،‬إني لعرفه الن(‪.4‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬معجزات بعد النبوة ‪:‬‬
‫‪-1‬معجزة السراء والمعراج ‪:‬‬

‫‪ -1‬حياة محمد ص ‪.112‬‬


‫‪.‬وان كان قد وقع هو الخر في مثل ما عابه حين أنكر معجزة تسليم‬
‫‪ -‬دراسات في السيرة النبوية ص ‪ 200-199‬إ‬
‫‪2‬‬

‫الحجر على النبي ‪، ‬كما سيأتي بيانه بعد هذا‪.‬‬


‫‪ -3‬انظر المرجع السابق ‪ 87-86‬و ‪.98-97‬‬
‫‪ -4‬كتاب الفضائل باب فضائل النبي وتسلين الحجر عليه قبل النبوة رقم ‪.2277‬‬

‫‪28‬‬
‫‪29‬‬

‫وهــي معجـزة ثابتــة بنــص القـرآن الكريــم والحــاديث الصــحيحة‪،‬لكــن نفـ ار مــن الكــاتبين المحــدثين أنكروهــا‬
‫علــى حقيقتهــا ‪،‬وتأولوهــا علــى أنهــا رؤيــا منــام ليــس إل!مــن هــؤلء الشــيخ محمــد الخضــري فــي كتــابه‬
‫)محاض ـرات فــي تاريــخ المــم الســلمية( حيــث مــال إلــى القــول بــأن الس ـراء كــان رؤيــا صــادقة وكــان‬
‫)واطلع الـ نـبيه فـي النـوم علـى مـا يريـد إطلعه عليـه ل يختلـف شـيئا عن‬
‫بالروح ل بالجسـد ‪ ،‬يقـول‪ :‬إ‬
‫إطلعــه إيــاه فــي يقظتــه لن رؤيــا النبيــاء حــق تنــام أعينهــم ول تنــام قلــوبهم فل يمنــع هــؤلء مــن رأيهــم‬
‫إضــافة الس ـراء إلــى عبــده والــروح إذا جلــي لهــا المســجد القصــى تتمكــن مــن رؤيتــه ومعرفــة ت ــفاصيله‬
‫ومشاهدة آيات عجائبه أكثر من الرؤية العينية ليل(‪.1‬‬
‫والغريــب أن هــذا الموقــف الــذي تبنــاه الشــيخ مخــالف لمــا ســطره مــن قبــل فــي كتــابه الســابق )نــور اليقيــن(‬
‫حيــث ذكــر قــول جمهــور أهــل الســنة مــن أن السـ ـراء كــان بجســمه الشـ ـريف‪ ،‬وســاق حــديث أنــس عنــد‬
‫الشيخين الدال على ذلك‪.2‬بل ورد على الذين ينكرون المعج زات‪،‬فقال بعد سياق معج زة شق الصدر‪:‬‬
‫)وليس هذا بالعجيب على قدرة ال تعالى ‪ ،‬فمن استبعد ذلك كان قليل النظر ل يعرف من قوة ال شيئا‪،‬‬
‫لن خرق العادات للنبياء ليس بالمر المستحدث ول المستغرب( ‪.3‬‬
‫ولعــل الســبب فــي هــذا الختلف أن الشــيخ ألــف كتــابه )نــور اليقيــن( فــي المنصــورة ولــم تكــن علقتــه قــد‬
‫توطــدت مــع الصــلحيين‪ ،‬ولــذا أورد عــددا مــن المعجـزات كشــق الصــدر والسـراء وانشــقاق القمــر‪ ..‬بــل‬
‫وأورد جملة منها في آخر كتابه‪.‬أما كتابه )محاضرات في تاريخ المم السلمية( فقد ألفــه عنــدما انتــقل‬
‫إلــى القــاهرة وأصــبح مدرســا للتاريــخ الســلمي ‪ ،‬وتوث ــقت صــلته بالشــيخ محمــد عبــده وغي ـره مــن رواد‬
‫المدرسة الصلحية‪ ،‬ومن ثـم لـم يشـر فيـه إلـى عـدد مـن المعجـزات النبويـة كحـادث الفيـل وشـق الصـدر‬
‫ومعجزات الهجرة‪.4‬‬
‫وأما زعم الكاتب بأن السراء كان بالروح ل بالجســد فهــو مخــالف لمــا عليــه جمهــور الســلف والخلــف مــن‬
‫أن السـراء كــان ببــدنه وروحــه صــلى ال ـ عليــه وســلم ‪.‬قــال القاضــي عيــاض بعــد أن ســاق مقــالت أهــل‬
‫العلم في ذلك ‪) :‬والحق من هذا والصحيح إن شاء ال تعالى أنه إسراء بالجسد والروح فـي القصـة كلهـا‬
‫وعليــه تــدل اليــة وص ــحيح الخبــار والعتبــار‪ ،‬ول يعــدل عــن الظ ــاهر والحقيقــة إلــى التأويــل إل عن ــد‬
‫الستحالة ‪ ،‬وليس في السراء بجسده وحال يقظته استحالة ‪ ،‬إذ لو كان مناما لقال )بروح عبده(ولم يقل‬
‫)بعبده( وقوله تعـالى ) مـا زاغ البصـر ومـا طغـى ( ‪.‬ولو كـان منامـا لمـا كـانت فيـه آيـة ول معجـزة‪ ،‬ولمـا‬
‫استبعده الكفار ول كذبوه ول ارتد به ضعفاء من أسلم وافتتــنوا بـه‪ ،‬إذ مثــل هــذا مــن المنامـات ل ينكـر بــل‬

‫‪.1/90-91 -1‬‬
‫‪ -2‬ص ‪.70‬ط دار المروج ‪.1987 -1408‬‬
‫‪ -3‬ص ‪،18‬ط دار الفكر ‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -4‬انظر دراسات في السيرة النبوية محمد سرور بن نايف ص ‪.281‬‬

‫‪29‬‬
‫‪30‬‬

‫لـم يكـن ذلـك منهـم إل وقـد علمـوا أن خـبره إنمـا كـان عـن جسـمه وحـال يقظتـه(‪. 1‬ثـم إن ظـاهر السـياقات‬
‫يدل على ذلك من ركوبه وصـعوده فـي المعـراج وغيـر ذلـك‪ ،‬ولهـذا قـال عـز وجـل‪) :‬سـبحان الـذي أسـرى‬
‫بعبده ليل من المسجد الح رام إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا(‪. 2‬والتسبيح إنما‬
‫يكون عند اليات العظيمة الخارقة فدل على أنه بالروح والجسد‪ ،‬والعبد عبارة عنهما ‪.3‬‬
‫أما هيكل فساق هذه القصة من رواية المستشرق درمنغم كما قال ‪،‬والـذي استخلصـها مـن كتــب السـيرة ‪،‬‬
‫وكــان المفــروض والــذي يحتمــه المنهــج العلمــي أن يرجــع إلــى كتــب الحــديث والســيرة الــتي تــروي هــذه‬
‫الحادثــة ل إلــى كتــب المتش ـرقين ‪،‬لكنــه ل يطمئــن إلــى تلــك الكتــب إل بقــدر مــا ينقــل عنهــا هــؤلء‪،‬وهــذا‬
‫عجيب في ميدان البحث العلمي‪،‬وغريب‪.‬بل يطالعنا الدكتور هيكل برأي غريب وتساءل هل ســبق إليــه‬
‫أم ل ‪،‬وخلصــته أن فــي الس ـراء والمع ـراج تحققــت وحــدة الوجــود فــي شــخص محمــد صــلى ال ـ عليــه‬
‫وســلم!‪،‬يقــول‪) :‬فهــذا الــروح القــوي قــد اجتمعــت فيــه فــي ســاعة السـراء والمعـراج وحــدة هــذا الوجــود بالغــة‬
‫غاية كمالها‪ ..‬تداعت في هذه الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمد واجتمع الكون كله في روحه فوعاه‬
‫منذ أزله إلى أبده‪ ،‬والسراء بالروح هو في معناه كالسـراء والمعـراج بـالروح جميعـا سـموا وجلل وجمـال‬
‫‪ ،‬فهو تصوير قوي للوحدة الروحية من أزل الوجود إلى أبده(‪.4‬‬
‫واضــح أن هيكــل تــأول هــذه المعج ـزة علــى أنهــا إس ـراء بــالروح فحســب‪ ،‬ولــو وقــف عنــد هــذا الحــد لهــان‬
‫المر‪،‬لكن أن يتأولها بوحدة الوجود فهذا غاية الضـلل ومنتهـى الخبـال‪.‬يقول الشـيخ مصـطفى صـبري‪:‬‬
‫)وانــي جــد متعجــب مــن أن كاتبــا كــبي ار فــي طليعــة الدبــاء والعقلء فــي مصــر مثــل الــدكتور هيكــل باشــا‬
‫إ‬
‫يأبى عقله أن يؤمن بمعجزات أنبياء ال الكونية فينكرها‪،‬في حين أنه يقبل خرافة الوجود المستحيلة حتى‬
‫يفسر بها معجزة السراء‪ ،‬ومعناه أنـه ل يــؤمن بــالمعجزة حالــة كونهـا ممكنـة ‪ ،‬ويـؤمن بهــا عنــد تصـويرها‬
‫في صورة المحال(‪.5‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا غاية الجهل والضلل وطمس البصـيرة ‪ ،‬ولو كـان هيكـل يحـترم عقله ويلـتزم المنهـج العلمـي‬
‫كما يدعي‪ ،‬لما سمح لنفسه أن يذهب في تأويل هذه المعجـزة البـاهرة هــذا المــذهب البعيــد‪ ،‬ويفتخـر بــذلك‬
‫ويتساءل هل سبق إليه أم ل ‪.‬بل حتى منطق العلم الذي يدعي هيكل أنه ل يقر المعجزات أصــبح اليــوم‬
‫يؤكــد هــذه الحقيقــة ‪ ،‬حقيقــة السـراء والمعـراج بعــد غــزو الفضــاء وتفــتيت الــذرة وتحويــل المــادة إلــى طاقــة‬

‫‪ -1‬الشفا ‪.1/189‬‬
‫‪ -2‬السراء ‪.1‬‬
‫‪ -3‬السيرة النبوية لبن كثير ‪.2/104‬‬
‫‪ -4‬حياة محمد ص ‪.194-193‬‬
‫‪ -5‬موقف العقل ‪ 4/197‬بالهامش‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪31‬‬

‫وتحويــل الطاقــة إلــى مــادة‪.1‬علمــا بــأن مثــل هــذه المعج ـزات ل تتوقــف صــحتها علــى مــا تتمخــض عنــه‬
‫الكتشــافات العلميــة الحديثــة ‪ ،‬إوانمــا المقيــاس المعتــبر فــي ذلــك أن تصــلنا عــن طريــق صــحيح‪ ،‬أمــا هــذه‬
‫الكتشــافات فتــأتي لتؤكــد الحقــائق الدينيــة ل لتثبتهــا مــن الصــل‪ .‬إواذا كنــا نســلم اليــوم بارتيــاد النســان‬
‫للفضاء مع ضعفه وجهله وقصوره‪ ،‬فكيف نستبعد على ال عز وجل العليم القدير أن يسري بنبيه محمد‬
‫ليل مــن المســجد الحـ ـرام إلــى المســجد القصــى‪ ،‬ويعــرج بــه إلــى الســماوات العلــى؟ إن التســليم بــالول‬
‫واســتبعاد الثــاني دليــل علــى جهــل النســان بربــه‪ ،‬وعــدم إد اركــه لطلقــة القــدرة اللهيــة)ومــا قــدروا الـ حــق‬
‫قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون( ‪.2‬‬

‫‪/2‬معجزة انشقاق القمر‪:‬‬


‫وهــي معج ـزة ثابتــة بنــص الق ـرآن ‪ ،‬وبالحــاديث الصــحيحة‪.‬أمــا الق ـرآن فقــوله تعــالى ‪) :‬اقــتربت الســاعة‬
‫وانشــق القمــر(‪.3‬وأمــا الحــاديث فقــد صــحت عنــد الشــيخين مــن حــديث عبــد ال ـ بــن مســعود‪ 4‬وأنــس بــن‬
‫مالك‪ 5‬وعبد ال بن عباس‪ ،6‬ومن حديث عبد ال بن عمر عند مسـ ــلم والترمذي‪ ،7‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد أنكر هذه المعجزة جمهور الفلسفة قديما ومتمسكهم أن اليات العلوية ل يتهيأ فيها الخرق واللتئام‬
‫‪،‬وهــو جهــل منهــم بقــدرة ال ـ عــز وجــل فــي هــذا الكــون‪ ،‬ومطلــق تص ـرفه فــي مخلوقــاته‪ ،‬قــال الزجــاج فــي‬

‫‪ -1‬انظر مقال )المعراج وصداه في التراث النساني( مجلة عالم الفكر أحمد مختار عبادي مجلد ‪ 12‬عدد ‪ 4‬السنة‬
‫‪ 1982‬ص ‪.264‬‬
‫‪ -2‬الزمر ‪.64‬‬
‫‪ -3‬القمر ‪.1‬‬
‫‪ -4‬البخاري كتاب النبياء باب سؤال المشركين أن يريهم النبي آية فأراهم انشقاق القمر رقم ‪ 3636‬ومسلم كتاب‬
‫صفات المنافقين باب انشقاق القمر رقم ‪.2800‬‬
‫‪ -5‬كتاب مناقب النصار باب انشقاق القمر رقم ‪،3868‬ومسلم كتاب صفات المنافقين باب انشقاق القمر رقم ‪)2802‬‬
‫‪.(46‬‬
‫‪ -6‬البخاري في تفسير سورة القمر باب)وانشق القمر( رقم ‪ 4866‬ومسلم كتاب صفات المنافقين باب انشقاق القمر رقم‬
‫‪.2803‬‬
‫‪ -7‬مسلم كتاب صفات المنافقين باب انشقاق القمر رقم ‪ 2801‬والترمذي كتاب التفسير باب ومن سورة القمر رقم‬
‫‪.3299‬‬

‫‪31‬‬
‫‪32‬‬

‫معاني القرآن ‪) :‬أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ول إنكار للعقــل فيــه لن‬
‫القمر مخلوق ل يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه(‪.1‬‬
‫وحديثا أنكر بعض رواد المدرسة العقليـة الحديثــة هــذه المعجـزة جريــا علـى نهجهـم فــي إنكـار المعجـزات‪،‬‬
‫وفي مقدمتهم رشيد رضا الذي شكك في تـواتر روايـات هـذه الحادثـة‪ ،‬واعتـبر القـول به زعمـا بـاطل‪،‬وأنـه‬
‫لو وقع لتوفرت الـدواعي علـى نقلـه بـالتواتر لشــدة غرابتـه‪،‬ولنقلـه جميــع مــن شـاهده‪ .2‬ورد روايـة الشــيخين‬
‫لها بدعوى أن حديث أنس وابن عبــاس مـن م ارســيل الصـحابة‪،‬وأن حـديث ابـن عمــر ليـس فيــه أنـه حـدث‬
‫عــن رؤيــة‪،‬ثــم لختلف هــذه الروايــات وتعــذر الجمــع بينهــا‪،3‬فضــل عمــا فيهــا مــن خــبر بوقــوع تغيــر فــي‬
‫النظام الكوني العام‪ ،‬وهو ما ل يصدق إل بخــبر قطعــي ثــابت‪.4‬كمــا أن الموقــف القرآنــي مــن عــدم إجابــة‬
‫الكفار إلى ما طالبوا به من اليات يـرد حـديث أنـس الـذي فيـه أن هـذه المعجـزة وقعـت جوابـا علـى سـؤال‬
‫المشركين‪.5‬‬
‫هــذه جملــة الــدعاوى الــتي اســتند إليهــا رشــيد رضــا لنكــار هــذه المعج ـزة‪،‬وشــاركه القــول فــي عــدم تواترهــا‬
‫الشيخ أحمد مصـطفى الم ارغــي فــي تــفسيره‪،‬وزعــم أنـه مــا ادعــى أحـد مـن المســلمين تواترهــا إل مــن شـذ !‬
‫وقال ‪) :‬إن انشقاق القمر من الحداث الكونية الهامة التي لـو حصـلت لرآهـا مــن النـاس مـن ل يحصــى‬
‫كثرة من العرب وغيرهم‪ ،‬ولبلغ حدا ل يمكن أحدا أن ينكره(‪.6‬‬
‫أما تواتر هذه المعجزة الباهرة فهذا مما قد قال به جماهير العلماء قديما وحــديثا‪ ،‬قــال القاضــي عيــاض‪:‬‬

‫أمــا انشــقاق القمــر فــالقرآن نــص بوقــوعه ‪ ،‬و أخــبر‬ ‫}‬

‫عــن و جــوده ‪ ،‬و ل يعــدل عــن ظــاهر إل بــدليل ‪ ،‬و‬


‫جاء برفع احتماله صحيح الخبار من طرق كثيرة ‪،‬‬
‫‪ -1‬الفتح ‪.7/224‬‬
‫‪ -2‬انظر منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير للدكتور فهد الرومي ص ‪ 584‬نقل عن مجلة المنار مجلد ‪،30‬‬
‫الجزء ‪. 267-4/266‬‬
‫‪ -3‬انظر المرجع السابق ص ‪ 583-581‬نقل عن مجلة المنار مجلد ‪ ،30‬الجزء ‪. 268-4/267‬‬
‫‪ -4‬انظر المرجع السابق ص ‪ 585‬نقل عن مجلة المنار مجلد ‪ ،30‬الجزء ‪. 5/363‬‬
‫‪ -5‬انظر المرجع السابق ص ‪ 586-585‬نقل عن مجلة المنار مجلد ‪ ،30‬الجزء ‪. 368-5/364‬وهذا الستدلل‬
‫الخير هو نفسه الذي اعتمده الشيخ دروزة كما سيأتي‪.‬‬
‫‪ -6‬انظر تفسير المراغي ‪.27/77‬‬

‫‪32‬‬
‫‪33‬‬

‫و ل يوهن عزمنا خلف أخرق منحــل عــرى الــدين ‪،‬‬


‫و ل يلتفـ ــت إلـ ــى سـ ــخافة مبتـ ــدع يلقـ ــي الشـ ــك علـ ــى‬
‫قل ــوب ضــعفاء المــؤمنين ‪ ،‬بــل نرغ ــم به ــذا أنفــه ‪ ،‬و‬
‫ننب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالعراء سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخفه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫{ وق ــال أيض ــا ‪ ):‬أخ ــبر تع ــالى بوق ــوع انش ــقاقه بلف ــظ الماض ــي ‪ ،‬إواعـ ـراض الكفـ ـرة عــن آي ــاته ‪،‬وأجم ــع‬

‫المفســرون وأهــل الســنة علــى وقــوعه(‪.2‬وقــال ابــن كــثير‪ ) :‬وقــد اتفــق العلمــاء مــع بقيــة الئمــة علــى أن‬
‫انشـ ــقاق القمـ ــر كـ ــان فـ ــي عهـ ــد رسـ ــول ال ـ ـ وقـ ــد وردت الحـ ــاديث بـ ــذلك مـ ــن طـ ــرق تفيـ ــد القطـ ــع عنـ ــد‬
‫المة(‪.3‬وقال عنه أيضا ‪) :‬وهذا متواتر عنه عند أهل العلم بالخبار وقــد رواه غيــر واحــد مــن الصــحابة‬
‫رضي ال عنهم(‪.4‬وممن نص علـى تـواتره مـن المتـأخرين الشـوكاني‪ 5‬ومحمـد بـن جعفـر الكتـاني‪.6‬فكيـف‬
‫يكــون القــول بتـواتره زعمــا بــاطل كمــا يــدعي رشــيد رضــا؟ أل إن مــا زعمــه هــو الباطــل حقــا‪.‬وكيــف يزعــم‬
‫الشيخ المراغي أنه ما ادعى أحد من المسلمين تواترها إل من شذ‪ .‬أل إن قوله هذا هو الشذوذ بعينه!‬
‫وأما ما استندوا إليه لنفي تواتره بأنه لو وقع لرآه من الناس من ل يحصى كثرة من العرب وغيرهم‪ ،‬ولبلــغ‬
‫حــدا ل يمكــن أحــدا أن ينكـره ‪،‬ولنقلــه جميــع مــن شــاهده‪ ،‬فقــد أحســن فــي الــرد علــى ذلــك ثلــة مــن العلمــاء‬
‫‪،‬وأحكموا الستدلل له‪ ،‬منهم أبو إسحاق الزجاج في كتابه ) معاني القرآن( قــال‪) :‬أمــا قــول بعضـهم لـو‬
‫وقع لجاء متوات ار واشترك أهل الرض فـي معرفتـه ولمـا اختـص بهـا أهـل مكـة‪ ،‬فجـوابه أن ذلـك وقـع ليل‬
‫وأكــثر النــاس نيــام والبـواب مغلقــة وقــل مــن ي ارصــد الســماء إل النــادر وقــد يقــع بالمشــاهدة فــي العــادة أن‬
‫ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلـك فـي الليــل ول يشــاهدها إل الحـاد فكــذلك النشـقاق كــان‬
‫آيــة وقعــت فــي الليــل لقــوم ســألوا واقــترحوا فلــم يتــأهب غيرهــم لهــا ويحتمــل أن يكــون القمــر ليلتئــذ كــان فــي‬

‫‪ - 1‬الشفا ‪.1/255‬‬
‫‪ -2‬الشفا ‪.1/281‬‬
‫‪ -3‬البداية والنهاية ‪.6/74‬‬
‫‪ -4‬فصول من السيرة ص‪.206 :‬‬
‫‪ -5‬فتح القدير ‪.5/120‬‬
‫‪ -6‬نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص ‪.223-222‬‬

‫‪33‬‬
‫‪34‬‬

‫بعض المنازل التي تظهــر لبعـض أهــل الفـاق دون بعــض كمـا يظهـر الكســوف لقـوم دون قـوم(‪.1‬وبنحــو‬
‫ه قال القاضي عياض ‪،‬وزاد ‪) :‬وكثي ار مــا يحــدث الثقــات بعجــائب يشــاهدونها مــن أنـوار ونجــوم وطوالــع‬
‫عظام تظهر في الحيان بالليل في السماء و لعلم عند أحد بها(‪.2‬‬
‫وأمــا رد روايــاته بــدعوى أنهــا مــن م ارســيل الصــحابة‪ ،‬وأن رواتهــا لــم تحصــل لهــم رؤيــة هــذا النشــقاق‬
‫باستثناء عبد ال بن مسعود‪،‬فليس على إطلقه‪،‬لن من رواته جبير بن مطعم‪ 3‬وحذيفة بــن اليمــان‪،4‬وقــد‬
‫حصلت لهم المشاهدة كما حصلت لعبد ال بن مسعود‪. 5‬‬
‫وأمـا الـدعوى بـأن هـذا ممـا ل يصـدق إل بخـبر قطعـي ثـابت إذ فيـه خـب ار بوقـوع تغيـر فـي النظـام الكـوني‬
‫الع ــام‪ ،‬ف ــأي خ ــبر أقط ــع م ــن القـ ـرآن وق ــد أخ ــبر بوق ــوعه؟وتـ ـواترت عل ــى ذل ــك الح ــاديث عن ــد الش ــيخين‬
‫وغيرهما‪.‬وأجمع عليه علماء المة سلفا وخلفا‪.‬أل يكفي هذا كله لفادة القطع واليقين؟!‬
‫وممن أنكر أيضا هذه المعجزة الباهرة الشيخ دروزة‪ ،‬ومستنده في ذلك الموقف السلبي للقرآن إزاء تحــدي‬
‫الكف ــار‪،‬أي ع ــدم إجاب ــة القـ ـرآن مطالب ــة الكف ــار بالي ــات ‪.‬ورد م ــا رواه ك ــثير م ــن المفسـ ـرين م ــن أن ه ــذه‬
‫المعجزة وقعت جوابا على تحدي الكفار كمارد ما ذهب إليه جمهورهم من كون اليات الولى من ســورة‬
‫القمر تشير إلى هذه المعجزة‪،‬ورأى هذا القول موضـع نظـر لمريـن‪ :‬لكـون السـورة مـن المبكـرات الولـى‬
‫للنزول‪ ،‬وثانيا لم يحك في السور النازلة قبلها عن الكفار تحد وطلب بإتيان معجزة‪.‬ورجــح مــا ذهــب إليــه‬
‫بعض المفسرين من حمل قوله تعـالى ‪) :‬اقـتربت السـاعة وانشـق القمـر(‪6‬علـى معنـى أنه مقـترب‪،‬أي أنـه‬
‫من أشراط الساعة‪،‬واعتبر هذا المذهب وجيها وينسجم مع الموقف السلبي للقرآن الكريم‪.7‬‬
‫أمــا دعـوى أن النشــقاق مــا كــان جوابــا علــى سـؤال المشــركين فباطلــة‪ ،‬والمعتمــد مــا فــي الصــحيح‪ ،‬أخــرج‬
‫البخــاري مــن حــديث أنــس بــن مالــك )أن أهــل مكــة ســألوا رســول الـ صــلى الـ عليــه وســلم أن يريهــم آيــة‬
‫فــأراهم القمــر شــقتين حــتى أروا ح ـراء بينهمــا(‪.8‬والحــديث ص ـريح فــي أن انشــقاق القمــر كــان جوابــا علــى‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬فتح الباري ‪. 7/224‬‬

‫‪ -2‬الشفا ‪.283/ 1‬وانظر أيضا رد الخطابي في الفتح ‪.225-7/224‬‬


‫‪ -3‬أخرج حديثه أحمد ‪ 82-4/81‬والترمذي ‪ 3300‬في التفسير باب ومن سورة القمر‪،‬والبيهقي في الدلئل ‪. 2/268‬‬
‫‪ -4‬أخرج حديثه ابن أبي شيبة في المصنف ‪ 1/450‬و الطبري في جامع البيان ‪.27/86‬‬
‫‪ -5‬انظر فتح الباري ‪.7/221‬‬
‫‪ -6‬القمر ‪.1‬‬
‫‪ -7‬انظر ‪ 1/226‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -8‬كتاب مناقب النصار باب انشقاق القمر رقم ‪.3868‬‬

‫‪34‬‬
‫‪35‬‬

‫تحدي الكفار‪.‬قال ابن حجر ‪ ) :‬ولم أر في شيء من طرقـه أن ذلـك كـان عقـب سـؤال المشـركين إل فـي‬
‫حديث أنس فلعله سمعه من النبي صلى ال عليه وسلم(‪.1‬‬
‫وأما ما رجحه دروزة من حمل بعض المفسـرين اليـة علـى أنه مـن أشـراط السـاعة‪،‬فمرجـوح‪ ،‬وال ارجـح مـا‬
‫ذهب إليه الجمهور من وقوع النشقاق حقيقة على عهـد النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم‪،‬بـدليل مـا بعـده مـن‬
‫)وان يــروا آيــة يعرض ـوا ويقول ـوا ســحر مســتمر(‪،2‬فــإنه ظــاهر فــي أن الم ـراد بقــوله تعــالى‪:‬‬
‫قــوله تعــالى ‪ :‬إ‬
‫ـة‪،‬وانمــا قــالوه فــي الــدنيا بعــد وقــوعه‬
‫)انشــق القمــر( وقــوع انشــقاقه‪،‬لن الكفــار ل يقولــون ذلــك يــوم القيامـ إ‬
‫إعراضا عن الية وزعما منهم بأنها سحر‪.3‬‬
‫يقول الشوكاني ‪) :‬والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتـاب الـ فقـد أخبرنـا بـأنه انشــق ولــم يخبرنــا بــأنه سينشـق‬
‫إوان نظرنا إلى سنة رسول ال صلى ال عليـه وآلـه وسـلم فقـد ثبـت فـي الصـحيح وغيـره مـن طـرق متـواترة‬
‫أنه قد كان ذلك في أيـام النبـوة إوان نظرنــا إلـى أقـوال أهـل العلـم فقـد اتفقـوا علـى هـذا ول يلتفـت إلـى شـذوذ‬
‫من شــذ واســتبعاد مـن اســتبعد (‪ .4‬ويقـول الشــيخ مصـطفى صــبري‪) :‬لـو لــم ينشــق القمـر فـي عصــر نبينــا‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم ولم يشاهده أعداؤه المشركون فــي مكـة لكــذبوا محمــدا صـلى الـ عليـه وســلم‬
‫في هذه الية وصار تكذيبهم المؤدي إلى تبين كـذبهم حادثـة هامـة أدعـى إلـى تناقـل السـنة والقـوام لهـا‬
‫من تناقل حادثة النشقاق نفسه الـتي ربمـا ل يطلـع عليهـا غيـر أهـل مكـة لهمـال ترصـدها فـي وقتهـا أو‬
‫لغيم يسترها أو لحسبانها حادثة من الحوادث العجيبة التي تدرك أسبابها ول تضبط في ذلك الحين(‪.5‬‬
‫‪/3‬معجزات الهجرة ‪:‬‬
‫كإخبار ال عز وجل رسوله بمؤامرة قتله ‪،‬وخروجه على المل الــذين تربصـوا بـه ‪ ،‬وقصــة سـراقة ‪ ..‬لكــن‬
‫عبد الرحمان الشرقاوي في كتابه )محمد رسول الحرية( تغافل عن ذكر هذه المعجزات‪ ،‬كمــا تغافــل عــن‬
‫غيرها‪ ،‬وذلك لنه يكتب عن محمد النسان وليس عن محمـد النـبي!‪6‬وتسـاءل قـائل‪ ) :‬أيـن محمـد إذن؟‬
‫كيــف خــرج إوالــى أيــن مضــى ‪ ،‬أيكــون قــد تســلل مــن كــوة فــي ظهــر بيتــه؟ أيكــون قــد عــبر مــن ســطح إلــى‬
‫سطح حتى بيت أبي بكـر ؟ وكيـف عـرف مـا أعـدوا له؟ أيكـون أحـد الـذين اتفقـوا بالمسـجد قـد رق لمحمـد‬
‫فأبلغه؟(‪.7‬ولحاجة في نفسه يطرح الكاتب السؤال بهـذا الشـكل‪،‬ذلـك أنه أقصـي عنصـر الـوحي مـن حيـاة‬

‫‪ -1‬فتح الباري ‪.7/221‬‬


‫‪ -2‬القمر ‪.2‬‬
‫‪ -3‬انظر الفتح ‪.7/225‬‬
‫‪ -4‬فتح القدير ‪.5/120‬‬
‫‪ -5‬موقف العقل ‪.4/171‬‬
‫‪ -6‬انظر مقدمة الكتاب ص ‪6-5‬‬
‫‪ -7‬ص ‪.142‬‬

‫‪35‬‬
‫‪36‬‬

‫النــبي صــلى ال ـ عليــه وســلم وجعلــه يتصــرف مــن عنــده كمــا يتصــرف ســائر البشــر‪ ،‬وليــس نبيــا أوحــى‬
‫إليه‪.‬وما كان لمحمد صلى ال عليه وسلم وهو بشر ل يعلم الغيب أن يعلم بمــا يــدبره المشــركون لــول أن‬
‫)واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلــوك أو يخرجــوك‬
‫أعلمه ال إياه‪ ،‬كما هو صريح القرآن الكريم‪ :‬إ‬
‫ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين(‪.1‬‬
‫وعن قصة سراقة في مطاردته للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يقول ‪) :‬وفرح قائد الفرسان وانـدفع بحصـانه‬
‫إلى محمد صلى ال عليه وسلم عبر صخور جرداء وعرة منحد ار إلى الخدود ولكن الحصان تعــثر بــه‪،‬‬
‫وأوشـك أن يطرحـه علـى الصـخور فيـدق عنقه‪ ،‬وتشـاءم قائـد الفرسـان فعـاد مـن فـوره دون أن يخـبر أحـدا‬
‫ممن كانوا معه بما رأى!(‪.2‬‬
‫فانظر كيف لوى عنق هذه المعجزة ‪،‬وكيف جعـل المـر مجـرد حصـان تعـثر‪،‬ول شـيء بعـد ذلـك!وقريـب‬
‫مــن هــذا مــا ذهــب إليــه هيكــل فــي شــأن هــذه المعج ـزة إذ اعتــبر المــر مجــرد إجهــاد لحــق الفــرس‪،‬وخطــأ‬
‫ارتكبه الفارس ‪،‬يقول‪) :‬وكان جواد سراقة قد كبا به قبل ذلك مرتين لشدة ما جهده‪ ،‬فلمــا رأى الفــارس أنــه‬
‫وشك النجاح وأنه مدرك الرجلين فرادهما إلـى مكـة أو قاتلهمـا إن حـاول عـن نفسـيهما دفاعـا نسـي كبـوتي‬
‫جواده ولزه ليمسك به ساعة الظفر ‪ ،‬لكن الجواد في قوته كبا كبوة عنيفة ألقى بها الفارس من فوق ظهره‬
‫يتدحرج في سلحه(‪.3‬‬
‫فانظر رعاك ال شأن معجـزات النبـوة عنـد هـؤلء الكـاتبين الـذين لمعـت أسـماؤهم فـي سـماء مصـر وبلد‬
‫إوايهـامه أن‬ ‫العرب‪،‬وكيف يتكلفون الكلم وينمقونه ويتمحلـون فـي محاولة يائسـة للتلـبيس علـى القـارئ‬
‫المر في هذه القصة وأضرابها ل يعدو ما جرت به العادة فــي حيــاة النــاس ‪،‬ويــألفه العقــل‪ ،‬وأن ل مكــان‬
‫لشيء اسمه المعجزة حتى ولو نطق بذلك القرآن الكريم وصحت به الحاديث !‪.‬ألم يقل سراقة ‪ ،‬بعــد أن‬
‫حكى محاولته اليائسة اللحاق بالنبي صلى ال عليه وسلم ‪..) :‬ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من‬
‫الحبس عنهم أن سيظهر أمــر رســول الـ صــلى الـ عليــه وسـلم(‪.4‬لقــد أيقـن سـراقة بعـدما لقــي مـا لقـي أن‬
‫في المر سرا‪،‬وأنه فوق طاقة البشر‪،‬وأن هذا الذي يطارده ليس بش ار عاديا‪ ،‬بل هو رسول ال صلى الـ‬
‫عليــه وســلم وأنــه ممنــوع منــه ‪ ،‬فلــم يتمالــك أن نــادى بالمــان‪.‬أفيكــون الش ـرقاوي وهيكــل وأض ـرابهما أدرى‬
‫بأمر سراقة من سراقة نفسه؟!‪.‬‬
‫تلكم كانت نماذج من موقف بعــض المعاصـرين مـن المعجـزات النبويـة ‪،‬وهـي مواقـف تعــبر عـن ضــعف‬
‫اليمان وجهل بالدين وبالنبوات‪،‬كما تعبر عن انهزام مؤســف وانصــياع ذليــل للعقليــة الغربيــة‪ .‬إوان إنكــار‬

‫‪ -1‬النفال ‪.30‬‬
‫‪ -2‬ص ‪.145‬‬
‫‪ -3‬حياة محمد ص ‪.215-214‬‬
‫‪ -4‬صحيح البخاري كتاب مناقب النصار باب هجرة النبي ‪ ‬وأصحابه إلى المدينة رقم ‪.3906‬‬

‫‪36‬‬
‫‪37‬‬

‫المعجزات بدعوى خروجها عن المألوف‪ ،‬أو كونها ل تـتـفق والمعقول‪ ،‬أمـر غيـر منطقـي‪ ،‬لن المعجـزة‬
‫أصــل مــا ســميت كــذلك إل لخروجهــا عــن المــألوف‪ ،‬وعــدم خضــوعها لمقــاييس العقــل‪ .‬يقــول الــدكتور‬
‫محمد محمد حسين‪) :‬من الواضح أن الـذي ينكـر المعجـزة لغرابتهــا عـن المـألوف خليـق أن ينكـر الــوحي‬
‫نفسه لنه أمعن في الغرابة وفي الشذوذ عن المـألوف‪ ،‬والـذي يعتقـد حقـا أن النـبي صـلى الـ عليـه وسـلم‬
‫ينـزل جبريـل عليـه السـلم مرسـل مـن عنـد الـ سـبحانه وتعـالى كيـف يكـبر عليـه أن يسـلم بمـا يجـري الـ‬
‫على يديه من غرائب وما يحفه من أسباب الرعاية التي تخالف مألوف العادة ؟(‪.1‬‬

‫‪ -1‬اتجاهات هدامة في الفكر العربي المعاصر ص ‪.24‬‬

‫‪37‬‬
‫‪38‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬
‫نخلص من هذه الدراسة إلى الملحظات التية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الكتابة العربية المعاصرة في السيرة النبوية قد توزعتها اتجاهات شتى‪،‬وحاول كل اتجــاه توظيــف‬
‫السيرة النبوية لخدمة أغراضه وأهدافه‪،‬وهذه الكتابة بحاجة إلى مزيد اهتمام من قبل الباحثين والدارسين‬
‫تحليل ونقدا‪ ،‬لبيان مالها وما عليها خدمة للسيرة النبوية ‪،‬وبيانا للحق‪.‬‬
‫‪-2‬اقتصــرت هــذه الد ارســة علــى ثلث قضــايا رئيســة فــي هــذه الكتابــات ‪ ،‬وتمثــل قاســما مشــتركا بينهــا‬
‫وهي‪ :‬التشكيك في كتب الحـديث والسـيرة إوانكــار الحـاديث ا لصــحيحة إوانكــار المعجـزات والتعسـف فــي‬
‫تأويلها ‪.‬وحاولت تتبعها عند أصحابها بإيراد أقوالهم ‪ ،‬والرد عليها من غير تطويل‪.‬‬
‫‪-3‬إن الجهل بحقائق الدين والنبوات ‪ ،‬والنصياع الذليل للغرب ولمناهج المستشرقين واتبــاع خطـواتهم‪،‬‬
‫هــي أبــرز العوامــل وراء هــذا التشــكيك وهــذا النكــار‪.‬وليــس غريبــا بعــد هــذا أن تجــد ثلــة مــن المعاص ـرين‬
‫الكاتبين في السيرة النبوية يلتقون في مثل هذه القضـايا علـى اختلف توجهـاتهم ‪ ،‬سـواء أكـانت ماديـة أم‬
‫علمانية أم عقلنية أم غيرها‪.‬وقد ضرب أصحاب المدرسة الصلحية أوالمدرسـة العقلية الحديثـة بسـهم‬
‫وافر في هذا الباب‪ ،‬وسنوا سنة سيئة تبعهم فيها من بعدهم‪ .‬وال تعالى المستعان‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪39‬‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫اتجاه ــات هدام ــة ف ــي الفك ــر العرب ــي المعاص ــر د‪.‬محم ــد محم ــد حس ــين دار الرش ــاد بي ــروت ط الثاني ــة‬
‫‪.1980‬‬
‫أصول الحديث ‪ ،‬علومه ومصطلحه عجاج الخطيب دار الفكر ط الثالثة ‪.1975-1395‬‬
‫أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن محمد المين الشنقيطي عالم الكتب بيروت بدون تاريخ‪.‬‬
‫العمــال الكاملــة للمــام محمــد عبــده ‪،‬جمــع وتحقيــق محمــد عمــارة المؤسســة العربيــة للد ارســات والنشــر‬
‫بيروت ‪.1973‬‬
‫تاريخ العرب في السلم )السيرة النبوية( د‪.‬جواد علي مطبعة الزعيم بغداد ‪.1961‬‬
‫تأويل مختلف الحديث لبن قتـيبة دار التوصية العربية للطباعة والنشر ‪.1966‬‬
‫تفسير المراغي أحمـد مصـطفى الم ارغـي ط الولـى ‪ ، 1946-1365‬مطبعـة مصـطفى البـابي الحلـبي‬
‫مصر‪.‬‬
‫تقري ــب التهــذيب الحــافظ ابــن حج ــر تحقيــق عبــد الوه ــاب عبــد اللطي ــف دار المعرف ــة بيــروت ط الثانيــة‬
‫‪.1975‬‬
‫تهذيب التهذيب الحافظ ابن حجر دار صادر بيروت‪.‬‬
‫الجــامع لخلق الـ ـراوي وآداب الســامع الخطيــب البغــدادي تحقيــق د‪.‬محمــود الطحــان مكتبــة المعــارف‬
‫الرياض ‪.1403‬‬
‫حياة محمد د‪.‬محمد حسين هيكل مكتبة النهضة المصرية القاهرة ط الثالثة عشر ‪.1968‬‬
‫دراسات في السيرة النبوية د‪.‬حسين مؤنس الزهراء للعلم العربي ط الثانية القاهرة ‪.1985‬‬
‫دراسات في السيرة النبوية محمد سرور بن نايف زين العابدين دار الرقم برمنجهام ط الثالثة ‪.1988‬‬
‫الرسالة المام محمد بن إدريس الشافعي تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر‪.‬‬
‫الرسالة المحمدية لسليمان الندوي مكتبة دارالفتح دمشق ‪.1973‬‬
‫الســنة النبويــة ومنهجهــا فــي بنــاء المعرفــة والحضــارة أعمــال نــدوة صــدرت عــن المجمــع الملكــي لبحــوث‬
‫الحضارة السلمية‪ ،‬و المعهد العالمي للفكر السلمي ‪،‬عمان‪-‬الردن ‪.1989-1409‬‬
‫سيرة الرسول صور مقتبسة من القرآن الكريم محمد عزة دروزة ‪،‬الطبعة الولى مطبعة الســتقامة القــاهرة‬
‫‪.1948‬‬
‫الســيرة النبويــة عبــد الملــك ابــن هشــام تحقيــق محمــد محيــي الــدين عبــد الحميــد دار الفكــر بيــروت بــدون‬
‫تاريخ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪40‬‬

‫السيرة النبوية الحافظ ابن كثير تحقيق مصطفى عبد الواحد دار المعرفة بيروت ‪.1976‬‬
‫الســيرة النبويــة الصــحيحة د‪ .‬أكــرم ضــياء العمــري مركــز بحــوث الســنة والســيرة جامعــة قطــر ‪-1411‬‬
‫‪.1991‬‬
‫السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة د‪ .‬عبد المهدي عبد القادر عبـد الهـادي المؤسسـة العربيـة الحديثـة‬
‫مصر بدون تاريخ‪.‬‬
‫سيرة المصطفى صلى ال عليــه وسـلم نظـرة جديـدة هاشـم معــروف الحسـيني دار القلـم بيــروت ط الولــى‬
‫‪.1975‬‬
‫الشفا بتعريف حقوق المصطفى القاضي عياض دار الكتب العلمية بيروت بدون تاريخ‪.‬‬
‫الطبقات الكبرى لبن سعد دار صادر بيروت ‪.1957‬‬
‫ط ــه حس ــين ف ــي ميـ ـزان العلم ــاء والدب ــاء‪ ،‬محم ــود مه ــدي الس ــتانبولي المكت ــب الس ــلمي ط الول ــى‬
‫‪.1983‬‬
‫عبقرية محمد صلى ال عليه وسلم محمود عباس العقاد دار نهضة مصر القاهرة بدون تاريخ‪.‬‬
‫علــى هــامش الســيرة د‪.‬طــه حســين ضــمن المجموعــة الكاملــة لمؤلفاتــدن طــه حســين دار الكتــاب اللبنــاني‬
‫بيروت ط الولى ‪.1973‬‬
‫عيون الثر في فنون المغازي والشمائل والسير ابن سيد الناس دار المعرفة بيروت بدون تاريخ‪.‬‬
‫فتح الباري الحافظ ابن حجر طبعة دار الريان للتراث القاهرة ط الثانية ‪.1987-1407‬‬
‫فقه السيرة د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي دار الفكر ط الثامنة ‪.1980‬‬
‫الفكر السلمي المعاصر دراسة وتقويم ‪ ،‬غازي التوبة دار القلم بيروت ط الثالثة ‪.1975‬‬
‫كــبرى اليقينيــات الكونيــة د‪ .‬محمــد ســعيد رمضــان البــوطي طبعــة مصــورة ‪،‬دار الفكــر ســوريا ‪-1405‬‬
‫‪.1985‬‬
‫المجتمع المدني في عهد النبوة‪ ،‬خصائصه وتنظيماته الولى ‪،‬د‪ .‬أكــرم ضــياء العمــري المجلــس العلمــي‬
‫بالمدينة المنورة ط الولى ‪.1983‬‬
‫مصادر السيرة النبوية وتقويمها د‪ .‬فاروق حمادة دار الثقافة الدار البيضاء ط الولى ‪.1980-1400‬‬
‫المصحف المفسر محمد فريد وجدي مطبعة محمد علي صبيح مصر ‪.1953-1372‬‬
‫منه ــج المدرس ــة العقلي ــة الحديث ــة ف ــي التفس ــير د‪ .‬فه ــد ب ــن عب ــد الرحم ــان الروم ــي ط الرابع ــة ‪1414‬ه ـ ـ‬
‫مؤسسة الرسالة بيروت لبنان‪.‬‬
‫موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين الشيخ مصطفى صــبري دار إحيــاء الكتــب‬
‫العربية ‪.1950‬‬

‫‪40‬‬
‫‪41‬‬

‫*المجلت‪:‬‬
‫‪ -‬مجلة عالم الفكر المجلد ‪ ،12‬العدد ‪ ،4‬السنة ‪.1982‬‬
‫‪ -‬مجلة الزهر العدد ‪ ،62‬سنة ‪.1989-1410‬‬

‫‪41‬‬

You might also like