Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
المغرب ،تاريخ .المغرب دولة عربية إسالمية في أقصى شمال غربي إفريقيا .وقد فتح عقبة بن نافع المغرب األقصى سنة 62هـ،
681م ،لكن فتحه النهائي كان على يد موسى بن نصير سنة 88هـ707 ،م ،واستمر قطرا من أقطار إفريقية إلى سنة 172هـ788 ،م
يديره حكام تابعون لوالة القيروان .وقد شهد المغرب األقصى فيما بعد ظهور أسر حاكمة وقيام دول ،لكنه ظل مرتب ً
طا بعموم بالد
المغرب العربي إلى نهاية القرن التاسع الهجري (نهاية القرن الخامس عشر الميالدي) ألن معظم األسر الحاكمة به وبإفريقية كانت ترنو
لمد سلطانها على كامل بالد المغرب العربي .ولم ينفصل المغرب األقصى بشؤونه تما ًما إال عندما فشلت مساعي العثمانيين في ضم
الدولة السعدية ،وذلك بعد منتصف القرن الحادي عشر الهجري (منتصف القرن السادس عشر الميالدي).
مرت دولة الموحدين بفترة قوة تواصلت إلى آخر عهد الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور (580-595هـ) ،ثم مالبث أن اضطرب
الوضع السياسي بها منذ بداية القرن السابع الهجري (بداية القرن الثالث عشر الميالدي) بتدخل بني غانية وهزيمة الخليفة الناصر في
موقعة العقاب باألندلس أمام النصارى سنة 609هـ1212 ،م ،والصراع على الحكم بين أمراء الموحدين .فاختل األمر بالمغرب
واألندلس وضعفت سلطة الخلفاء بمراكش ،وقوي نفوذ الوالة والقبائل بالجهات ،ومالت الدولة إلى االنحالل .فانفصل بنو هود وبنو
األحمر باألندلس ،ووالى النصارى هجماتهم واستولوا على مدنها وحصونها ،كما استقل بنو حفص بإفريقية (تونس) سنة 634هـ،
1236م ،وبنو عبد الواد بالمغرب األوسط سنة 633هـ1235 ،م ،واستفحل أمر بني مرين بالمغرب األقصى حتى استولوا على مراكش
سنة 668هـ1269 ،م ،ثم تنملل سنة 674هـ1275 ،م.
وكان انتشار األمن إبان قوة دولة الموحدين ،واالمتداد الجغرافي لهذه الدولة ،قد ساعدا على تنوع المنتجات الفالحية والصناعية ،وبالتالي
على نمو التبادل التجاري الداخلي بين أقطار المغرب العربي واألندلس ،والتبادل التجاري الخارجي بينها وبين بالد السودان وأوروبا
النصرانية والمدن اإليطالية خاصة .كما ازدهر العمران وتطور الفن المعماري ،فظهر في اآلثار الموحدية ،وخاصة المساجد ،اجتماع
المؤثرات المغربية واألندلسية والمشرقية .ومن ذلك منارة جامع حسان بالرباط وقصبة مراكش وجامع أشبيليا األعظم ومنارة خيرالدا.
وكذلك نشطت الحياة الفكرية في عهد الموحدين ،نتيجة اعتنائهم ببناء المدارس الحكومية منذ القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر
الميالدي) ،حيث انتشر التعليم النظامي المجاني ،وتقريب الخلفاء للعلماء والفالسفة .فلمع في الفلسفة والطب أبو بكر بن طفيل (طبيب
الخليفة أبي يعقوب يوسف) ،وأبو بكر بن زهر األشبيلي (طبيب الخلفاء عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب المنصور) ،وأبو الوليد
محمد بن أحمد بن رشد .كما برز في العلوم الطبيعية والصيدلية أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرح األموي المعروف بابن الرومية،
وضياء الدين بن عبد الملك المالكي الفاسي المعروف بابن الس ّكاك ،وفي الرياضيات ابن فرحون القيسي القرطبي وأبو عبد هللا محمد بن
حجاج المعروف بابن ياسمين الفاسي .انظر :الموحدين ،دولة.
ينتمي بنو مرين إلى قبيلة زناتة ،وقد بدأ أمرهم بالظهور في جنوب المغرب األقصى بقيادة أبي محمد عبد الحق بن محيو ،الذي هزم
جيش الموحدين سنة 613هـ1216 ،م .لكن دولة بني مرين لم تتشكل فعليًا إال مع أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المعروف بالسلطان
المنصور ،الذي استولى على مراكش سنة 668هـ1269 ،م ،وانقرضت على يديه دولة الموحدين سنة 674هـ1276 – 1275 ،م.
حاولت الدولة المرينية أن تبسط نفوذها على كامل بالد المغرب ،وتؤسس دولة كبيرة على نمط الموحدين .لكنها لم تفلح في ذلك إال
لفترات قصيرة ،وسرعان ما عادت دولة إقليمية محدودة .فقد جهز أبو الحسن المريني سنة 1347م حملة على مدينة تونس ،ومني من
قبل الحفصيين بهزيمة منكرة كادت أن تطيح بأسرة بني مرين في مراكش ذاتها .كما ورثت الدولة المرينية ،بحكم موقعها الجغرافي،
تقاليد سياسة الموحدين في األندلس وتقديم المساعدات لمسلميها .لكن الخالفات التي دبت بينها وبين دولة بني األحمر ،في غرناطة ،حول
تملك بعض المواني األندلسية ،أضعفت قدرة المسلمين على المقاومة ،وعرض المغرب األقصى نفسه لغزو الدول النصرانية الناشئة ،منذ
بداية القرن التاسع الهجري (بداية القرن الخامس عشر الميالدي) ،حتى سقطت سبتة في أيدي البرتغاليين سنة 1415م ،فضعف أمر
المرينيين ،وزاد وضع دولتهم سو ًءا بتفشي المنافسات الداخلية بعد مقتل السلطان أبي سعيد سنة 1420م ،وتدخل دولتي بني األحمر وبني
عبد الواد في تلك المنافسات لتأييد هذا أو ذاك من المدعين العرش ،حتى انتقل الحكم إلى أيدي الوطاسيين في منتصف القرن التاسع
الهجري ،وأسالف الوطاسيين فرع من بني مرين سيطروا على فاس سنة 875هـ1471 ،م ،ولم يبق للمرينيين سلطان بعد ذلك تقريبًا إال
بمدينة مراكش .لكن الصراع استمر بين األسرتين الحاكمتين ،واستعان المرينيون على الوطاسيين بالغزاة البرتغاليين ،فاستولى هؤالء
سنة 956هـ1550 ،م ،على ساحل البريجة ،حيث بنوا مدينة الجديدة ،ثم على ساحل السوس ،حيث بنوا حصن فونتي قريبًا من مدينة
أغادير الحالية .ولم ينقذ البالد من الخطر البرتغالي إال ظهور األسرة السعدية.
لما فشل الوطاسيون في الدفاع عن أراضي المغرب ،وآلت جميع موانئه تقريبًا إلى دولتي البرتغال وأسبانيا ،أخذ السعديون على عاتقهم
حركة الجهاد ضد البرتغاليين في الجنوب ،وبدأت كفتهم ترجح على بني وطاس .وهم ينتمون إلى أسرة شريفة تنحدر من نسل محمد
النفس الزكية من أبناء الحسين بن علي رضي هللا عنه .وقد طالب أهل السوس محمدًا القائم بأمر هللا السعدي بأن يتولى قيادتهم في حركة
الجهاد ،واعترف به بنو وطاس على أمل أن يساعدهم .وقد عال شأن ابنيه محمد الشيخ وأحمد األعرج بعد نجاحهما في طرد البرتغاليين
من آسفي وأزمور في الجنوب فيما بين 1539و1541م ،فرفض محمد الشيخ الملقب بالمهدي عرض محمد الوطاسي ،المشهور
بالبرتقالي ،بتولي حكم مدينة مراكش ،ودخل في صراع مع أخيه ومع الوطاسيين حتى دخل فاس وأعلن نفسه سلطانًا سنة 956هـ،
1549م .ثم واصل جهوده ضد البرتغاليين واألسبان في شمال المغرب واسترد أصيلة والقصر الصغير سنتي 956و957هـ ،ولم يبق
لهم سوى طنجة وسبتة ومزغان .ومما يذكر في عالقة السعديين بالعثمانيين بالجزائر ،أن أحد الوطاسيين ،وهو أبو حسون علي ،قد تمكن
من الفرار من مراكش وطلب المساعدة من البرتغاليين واألسبان والعثمانيين الستعادة الملك ،فأرسل السلطان العثماني لصالح ريس بيلر
صب أبا حسون عليها بضعة أشهر سنة 961هـ1554 ،م ،لكن سرعان باي الجزائر بغزو المغرب األقصى .فوصل هذا األخير فاس ون ّ
ما استرد المهدي عاصمة ملكه .وأرسل السلطان سليمان رسوالً إلى المهدي يطلب إليه الحكم تحت السيادة العثمانية ،فرفض .وجاءت
عنصرا جديدًا من عناصر النزاع بين السعديين والعثمانيين .ذلك أنه عندما تدهورت األسرة الزيانية وانتهى أمرها
ً مسألة تلمسان فأضافت
بأن فتحت القوات األسبانية المدينة سنة 950هـ1543 ،م ،استنجد أهل تلمسان بمحمد المهدي فأرسل قواته الحتاللها .فاستاء صالح ريس
وسارع النتزاعها سنة 957هـ1550 ،م ،لكنها مع ذلك بقيت مثار مشكلة حدود بين دول المغرب األقصى وحكومة الجزائر .وقد جرت
اتصاالت بين األسبان ومحمد المهدي إلنشاء تحالف ضد العثمانيين بالجزائر ،مما جعل صالح ريس وخلفه حسن باشا خير الدين ،يفكران
في حرب السعديين .وبعد ظهور المنازعات بين األسرة السعدية على الملك أصبحت مسألة استعانتهم على بعضهم باألسبان والبرتغاليين
أمرا واق ًعا .فعبد الملك بن محمد المهدي طرد ابن أخيه المتوكل واستولى على مراكش سنة 984هـ1576 ،م بمعونة والعثمانيين ً
العثمانيين ،ثم عقد تحالفًا مع األسبان في السنة التالية لها ،منحهم فيه امتيازات على الساحل ،والمتوكل استعان بالبرتغال ،فجهز ملكها
سبستيان حملة انتهت بالهزيمة في معركة وادي المخازن سنة 986هـ1578 ،م وموت الملوك الثالثة (عبد الملك والمتوكل وسبستيان).
تولى الحكم أحمد ،الملقب بالمنصور ،بعد موت أخيه عبد الملك ،فكان عهده أزهى العهود السعدية .تميز بتنظيم اإلدارة الداخلية ومد نفوذ
المغرب األقصى إلى حوض السنغال ،ثم دخولها أالعيب المنافسات والتحالفات التي اتّسمت بها العالقات األوروبية في ذلك الوقت .وبعده
تنازع أبناؤه الثالثة العرش ،واستعان منهم المأمون بفيليب الثالث مان ًحا إياه ميناء العرائش ،مما تسبب في مقتله على أيدي مجاهدي
تطوان سنة 1022هـ1613 ،م .وقد تشعبت المنازعات حتى اختفت األسرة السعدية تما ًما أول النصف الثاني من القرن الحادي عشر
الهجري (منتصف القرن السابع عشر الميالدي) .وقد ظهرت ،في فترة الفوضى التي أعقبت وفاة المنصور ،زعامات سياسية مستقلة
استأثرت بالسلطة في هذا اإلقليم أو ذاك من المغرب األقصى ،وقد اعتمد بعضها على الطرق الصوفية مثل الطريقة السماللية في درعة
والسوس ،والطريقة الدالئية في فاس وما حولها ،في حين اعتمد بعضها اآلخر على أساس منظمات عسكرية ،ومن ذلك حكومة سال ،التي
تزعمها أبو عبد هللا العياشي ،وأصبحت من أقوى الوحدات السياسية إبان العقد الخامس من القرن الحادي عشر الهجري (العقد الرابع من
القرن السابع عشر الميالدي) .فامتد نفوذها على القسم الشمالي ما بين ساحل األطلسي حتى تطوان بما في ذلك فاس ،واستمدت قوتها من
حركة الجهاد البحري الذي كان يقوم به المهاجرون األندلسيون ،الذين جعلوا من السفن األسبانية اآلتية من أمريكا هدفًا ً
كبيرا لهم ،وقد
وصلت غاراتهم إلى شواطئ جزر بحر الشمال.
أما عالقة دولة األشراف العلويين مع الدول العثمانية فكان يسودها التوتر أحيانًا ،والتعاون أحيانًا أخرى ضد عدوتهما المشتركة أسبانيا.
وكان السالطين العثمانيون حريصين على أن يعترف لهم حكام مراكش بالسيادة االسمية فقط ،لكن هؤالء كانوا يرون أنفسهم أحق بتلك
الزعامة الروحية النتمائهم إلى النسب الشريف ،ومن ذلك تمسكهم بلقب أمير المؤمنين .وقد تحسنت العالقات بين الطرفين في عهد
السلطان محمد بن عبدهللا الذي اتجه في سياسته إلى توثيق الروابط مع الدولة العثمانية والمشرق العربي اإلسالمي.
ملحق:
بدأت أطماع فرنسا في المغرب األقصى تظهر منذ احتاللها الجزائر وإبان مقاومة األمير عبد القادر ،وقد أسفرت هزيمة جيش السلطان
عبد الرحمن بمعية األمير والقبائل في معركة إسلي سنة 1260هـ1844 ،م عن استسالم السلطان لمطالب فرنسا سواء فيما يخص األمير
عبد القادر أو الحدود أو االمتيازات التجارية .وكانت مشكلة الحدود أهم عنصر استخدمه الفرنسيون في الضغط على المغرب حتى انتهوا
باحتالله ،زد على ذلك حق منح حمايتهم للمغاربة الذي حصل بموجب معاهدة سنة 1863م .ورغم أن بريطانيا كانت قد سبقت إلى
الحصول على هذا الحق سنة 1856م ،وتلتها أسبانيا سنة 1861م ،لكن فرنسا توسعت في استخدام ذلك الحق دون غيرها فكان تهديدها
لسيادة المغرب أشد خطورة .ذلك أنها لم تحترم قرارات مؤتمر مدريد لسنة 1298هـ1880 ،م ،وصارت تعطي حمايتها لشخصيات ذات
نفوذ فتحرضهم على العصيان.
عندما تولى الحكم السلطان الحسن بن محمد (1312 – 1291هـ) حاول أن ينقذ البالد ،فأنشأ جي ً
شا نظاميًا استطاع أن يبسط به نفوذ
الحكومة المركزية في كل المناطق التي تعترف له بالسيادة االسمية (بالد السيبة) وشملت إصالحاته القضاء واإلدارة ،وكان هدفه في
حد لألطماع الخارجية .واعتقد هذا السلطان أن خير وسيلة هي إيجاد توازن بين مصالح الدول، جميعها تدعيم سلطاته في الداخل َو َوضْع ّ
كبيرا لسياسته ،لما تصور من أنه يحقق الموازنة بين المصالح ،فيحمي البالد من أطماع فرنسا وأسبانيا.
فرأى في مؤتمر مدريد نجا ًحا ً
لكنه أدرك بعد التجربة أن فتح باب الحمايات لجميع الدول ليس أقل خطورة .وقد ازدادت أطماع فرنسا في عهد أبناء الحسن؛ عبد العزيز
(1325 – 1312هـ) وعبد الحفيظ (1331 – 1325هـ) ويوسف (1346 – 1331هـ) خاصة أن سياسة عبد العزيز قد اضطرت
المغرب إلى االستدانة من تلك الدولة بالذات منذ سنة (1321هـ1903 ،م) وأثارت االنتفاضات الداخلية ،وأهمها انتفاضة بوحمارة ،التي
اندلعت في المناطق الشرقية سنة (1320هـ1902 ،م) واستمرت حتى دخول الفرنسيين البالد ،وانتفاضة الشريف أحمد بن محمد
الرسولي في الشمال ،والتي بلغت ذروتها سنة 1322هـ1904 ،م ،وقد تعاون الرسولي مع األسبان لما بدأوا غزوهم سنة 1329هـ،
1911م .وفي سنة 1318هـ1900 ،م ،اتفقت فرنسا مع أسبانيا على اقتسام األجزاء الجنوبية من المغرب األقصى ،فنالت أسبانيا
الصحراء الغربية ونالت فرنسا موريتانيا ،واضطر السلطان للقبول باألمر الواقع .وفي نفس السنة 1318هـ عقدت فرنسا اتفاقية سرية مع
إيطاليا نصت على إبعاد إيطاليا من المسألة المغربية مقابل إطالق يدها للتصرف في طرابلس وبرقة .كما عقدت مع بريطانيا االتفاق
الودي سنة 1322هـ1904 ،م الذي سلمت فيه بريطانيا بأطماع فرنسا في المغرب األقصى مقابل اعترافها بوضع بريطانيا في مصر.
وعقدت فرنسا اتفاقًا آخر في نفس السنة مع أسبانيا على مقتضى ما جاء في اتفاقها الودي مع بريطانيا ،األمر الذي جعل السلطان عبد
العزيز يرسل وفدًا إلى برلين يستحث حكومتها على مساعدته إزاء الدول الطامعة ،فحضر اإلمبراطور األلماني ولهلم إلى طنجة في
1323هـ ،1905 ،ليؤكد صداقته للسلطان .وعقد مؤتمر الجزيرة سنة 1324هـ1906 ،م بحضور وفود نفس الدول التي حضرت
مؤتمر مدريد سنة 1298هـ بما فيها المغرب األقصى .وقد أصدر قراراته في وثيقة عُرفت بميثاق الجزيرة نصت على االعتراف بسيادة
السلطان واستقالله ووحدة أراضيه ،مع المساواة التجارية لجميع الدول في المغرب األقصى ومساعدة السلطان على تنفيذ برامج
اإلصالح .كما نصت على تأسيس بنك مركزي برأسمال دولي ،وتشكيل شرطة أسبانية فرنسية بقيادة سويسيري للموانئ المغربية .وكانت
النتيجة ازدياد االنتفاضات الداخلية ،وأهمها انتفاضة ماء العينين في الجنوب ،التي كان هدفها تخليص المغرب األقصى من الضغط
األجنبي وإيقاف التوغل الفرنسي في موريتانيا .وقد استغلت فرنسا مقتل طبيب فرنسي بمدينة مراكش في صفر 1325هـ (مارس
طا وتحتل مدينة وجدة وما حولها من الجهة الشرقية ،كما استغلت مقتل ثمانية عمال )1907لتفرض على السلطان عبد العزيز شرو ً
مؤتمرا بمراكش
ً أوروبيين في ميناء الدار البيضاء في جمادى اآلخرة من نفس السنة واحتلت المدينة ،فعقد الوطنيون في الشهر التالي
أعلن الجهاد وخلع السلطان .وامتدت الحركة إلى فاس باستسالم السلطان إلى فرنسا ،فأعلن علماؤها خلعه وتعيين أخيه عبد الحفيظ في
جمادى األولى 1326هـ (يونيو 1908م) فقضى على انتفاضة بوحمارة وأضعف الرسولي وطلب من فرنسا سحب قواتها ،لكنها فرضت
شرو ً
طا قبلها فوقَّع معها اتفاقية سنة 1328هـ ،مما أطمع أسبانيا بدورها .وأثار استسالم السلطان القبائل فانتفضت وأصبح المنتفضون في
ربيع 1329هـ1911 ،م يهددون العاصمة فاس وأعلنوا زينًا سلطانًا في مكناس ،فقبل عبدالحفيظ بتدخل القوات الفرنسية لنجدته .فاحتلت
فرنسا فاس في 21ربيع الثاني 1329هـ 21 ،أبريل 1911م) ،وكذلك مكناس والرباط ،كما أنزلت أسبانيا قواتها في العرائش والقصر
واحتلتهما .فدخلت ألمانيا مساومة مع فرنسا بأن أرسلت سفينة حربية للتظاهر أمام أغادير ،مما أحدث أزمة تدخلت فيها بريطانيا ووقع
حلها بإرضاء ألمانيا بقطعة من الكاميرون ،وأعلنت فرنسا حمايتها للمغرب األقصى في 11ربيع الثاني 1330هـ 30 ،مارس 1912م،
ووقَّع السلطان عبد الحفيظ معاهدة الحماية.
المقاومة المسلحة لالحتالل .اندلعت انتفاضة في فاس بعد أيام من فرض الحماية .وقد بدأت شرارتها األولى بين صفوف الجند ،وذلك
عندما أرادت السلطات الفرنسية تخفيض مرتباتهم إلى الثلث وإخضاعهم للقيادة الفرنسية وأنظمتها ،ولم يستمع السلطان لشكاواهم ،فأعلنوا
في 29ربيع الثاني 1330هـ ( 17أبريل 1912م) الخروج على سلطة حكومة المخزن الخاضعة للنفوذ األجنبي .وسرعان ما تجاوب
السكان المدنيون وانضموا لالنتفاضة ،كما عمت الحركة الثورية المناطق المحيطة بفاس رغم أن الجنرال موانيي تمكن من دخول المدينة
حصارا حول فاس حيث الحامية
ً بعد ثالثة أيام وقمع االنتفاضة .وكانت النتيجة أن احتشدت عدة قبائل من األطلس وضربت مع الشاوية
الفرنسية ،فلم ينقذها إال تعيين الجنرال بيير ليوتي قائدًا لجيش االحتالل إلى جانب منصبه مقي ًما عا ًما في 7جمادى اآلخرة ( 24مايو)،
فعمل على استرضاء أهل فاس وتقرب من علماء جامعة القرويين ونجح في فك الحصار عن المدينة بدهائه .وقد دفعت هذه الحوادث عبد
الحفيظ للتنازل عن العرش في 27شعبان 1330هـ 12 ،أغسطس 1912م ألخيه يوسف .وقد تركزت مقاومة المغاربة للفرنسيين في
منطقتين هما الجنوب وجبال أطلس األوسط .ففي الجنوب حمل هبة هللا بن ماء العينين دعوة أبيه في الجهاد والتف أهل السوس بما في
ذلك كثير من القادة الذين كانوا يمثلون حكومة فاس ،وتمكن في شعبان 1330هـ ،أغسطس 1912م ،من دخول مدينة مراكش واعترف
له األعيان بالرئاسة .ورغم أن ليوتي أرسل قوة كبيرة بقيادة الجنرال مانجان استطاعت االستيالء على مراكش في شوال واحتالل أغادير
أن الوجود الفرنسي في الجنوب ظل وقلعة تارودن سنة 1331هـ ،سبتمبر 1913م ،مما اضطر هبة هللا للتراجع إلى موريتانيا ،إال َّ
منحصرا بين الموانئ والحصون ،ولم يتم احتالل السوس إال سنة 1353هـ1934،م ،وبذلك ربط الفرنسيون محمية المغرب بمستعمرة ً
موريتانيا .وقد استمرت القبائل النازلة في جبال األطلس األوسط من صنهاجة وزناتة وزاير في صمودها ،وظل بعضها ممتنعًا على
السلطات الفرنسية حتى سنة 1352هـ1933 ،م .ولم يتمكن ليوتي من دخول مدينة تازة في رجب 1332هـ ،يونيو 1914م ،إال
بصعوبات كبيرة ،لكنه أجل عملياته في منطقة األطلس األوسط عمو ًما إلى ما بعد الحرب العالمية األولى .ومع ذلك فقد جند ليوتي
عشرات اآلالف من المغاربة خالل الحرب ،وأرسل بهم إلى جبهات القتال األوروبية ليخوضوا المعارك تحت الراية الفرنسية ،وسحبت
كبيرا من قواتها بالمغرب ،مما اضطر ليوتي إلى فتح باب التطوع للمغاربة للخدمة في جيش السلطان الرسمي ،واستقدام عدد فرنسا جز ًءا ً
كبير من الجزائريين لسد النقص ،مع التظاهر بالقوة للتمويه.
وقد واجه الفرنسيون بعد الحرب مقاومة بالخصوص في تادلة ،وهي القسم الشرقي من جبال األطلس األوسط ،وفي إقليم تافياللت
بالجنوب الشرقي من المغرب األقصى .وقد تزعم المقاومة في تافياللت الشريف السماللي معتمدًا على قبيلة آيت عطا ،فلم يتمكن
الفرنسيون من الدخول إلى تلك المناطق النائية إال في 1350-1349هـ1931-1930 ،م بعد وفاة السماللي ودخول الوحدات الميكانيكية
في جيش االحتالل .وبصفة عامة فإن عدم التنسيق بين حركات المقاومة المختلفة واتصاف كثير منها بالنزعة القبلية واإلقليمية كانا من
أهم عوامل ضعفها.
أما بالنسبة لالحتالل األسباني ،فقد بدأت أسبانيا تحتل منطقة الريف على مقتضى اتفاقها مع فرنسا سنة 1322هـ1904 ،م ،فثار الشريف
أحمد الرسولي (من قبيلة بني عروة) على السلطان واختطف القنصل األمريكي وعائلته .وقد عينه السلطان عبد الحفيظ بعد ذلك حاك ًما
على الجبالة من سكان الريف ،وسهل نزول القوات األسبانية في ميناء العرائش في شوال 1330هـ ،سبتمبر 1911م طمعًا في أن
يعترف له األسبان باالستقالل بإدارة الجبالة ،ويتولى منصب خليفة السلطان في منطقة النفوذ األسباني .لكن خاب ظنه فعين السلطان أحد
أقاربه خليفة في تطوان سنة 1331هـ1913 ،م ،واحتل األسبان أصيلة ثم تطوان في نفس السنة .وخالل الحرب العالمية األولى عقد
األسبان هدنة مع الرسولي سنة 1333هـ1915 ،م ،فبقي حاك ًما على إقليم الجبالة .وقد اتصل الرسولي باأللمان أثناء الحرب ،مما جعل
أسبانيا تغير سياستها معه إرضاء لفرنسا وتتوغل في إقليم الجبالة ،فتحتل شفشاون في صفر 1339هـ ،أكتوبر 1920م ،بعد تكبدها
خسائر فادحة .لكن الرسولي فضل التعاون مع األسبان رغم ذلك على أن يخضع لمحمد بن عبد الكريم الخطابي ،إلى أن تمكن الخطابي
من طرد األسبان وأسره سنة 1343هـ1925 ،م .وقد بدأ الخطابي حركة المقاومة بعد أن استولت أسبانيا على شفشاون وأخذت تركز
قواتها على بالد الريف ،فانتصر عليها عند إبرن في رمضان 1339هـ ،مايو 1921م ،وشجعه ذلك االنتصار على مهاجمة المراكز
األسبانية األخرى ،وساهمت انتصاراته في توسيع نفوذه بين األهالي وتدعيم زعامته لقبيلة ورياغل التي انتقلت إليه بعد وفاة أبيه سنة
1338هـ1920 ،م.
وفي شهر ذي القعدة ،بينما كان األمير الخطابي يحاصر إجربين ،وصل القائد العام سلفستر لنجدة الحامية المحصورة ،لكنه قرر
االنسحاب عندما وجدها قد سقطت ،فتتبعته قوات األمير والتحمت معه في 12ذي القعدة 1339هـ 18 ،يوليو 1921م ،في معركة
األنوال ،حيث أبادت هذه األخيرة الحملة األسبانية بأسرها بما فيها القائد سلفستر نفسه ،فكانت أكبر هزيمة ألحقها جيش عربي بجيش
أوروبي في التاريخ الحديث والمعاصر .وقد ذاعت شهرة األمير بعدها وسلمت له قبائل الريف األخرى بالزعامة وهبت لمحاصرة
مقتصرا على مدينة تطوان والموانئ
ً كبيرا من األسبان الذين أصبح وجودهمالمراكز األسبانية ،فطهرت بالد الريف تقريبًا وأسرت عددًا ً
وبعض الحصون في الجبالة.
وكان من نتائج نصر األنوال التمهيد لوقوع انقالب عسكري في أسبانيا قام به بريمو دي ريفيرا في صفر 1342هـ ،سبتمبر1923م.
وطلب الخطابي من األسبان الجالء عن المناطق التي احتلوها واالنسحاب إلى سبتة ومليلة ،فلما رفضوا هاجم تطوان في صيف
1343هـ1924 ،م ،األمر الذي دعا بريمو دي ريفيرا إلى الحضور واإلشراف على القتال بنفسه .وانسحب األسبان من شفشاون في
ربيع اآلخر 1343هـ ،نوفمبر 1924م ،بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة وبدوا عاجزين عن النيل من األمير وقواته .وعندها قررت فرنسا
التدخل ،وقد بدأ التحضير لذلك ببناء المراكز الحربية في وادي ورغة منذ رمضان 1342هـ ،أبريل 1924م ،وقابل األمير ذلك
باالحتجاج واتخاذ االحتياطات الحربية الالزمة للدفاع .كما أخذ الفرنسيون يمدون زعماء الطرق الصوفية بالمال واألسلحة إلثارة
االضطرابات في المناطق المحررة ،فلما هاجم الريفيون إحدى زوايا الطريقة الدرقاوية قرب الحدود في 19رمضان 1343هـ ،أبريل
1925م ،تدخل الفرنسيون بحجة حماية أنصارهم .ثم اتسعت العمليات الحربية ففاجأت قوات األمير بقدرة رجالها وكفاءة زعمائها ،حيث
ألزموا الفرنسيين موقف الدفاع على مدى أربعة أشهر وحاصروا مراكز قيادتهم في عين عائشة ،ووصلت بعض قوات الريف إلى مسافة
20ميالً من فاس ،وهددت تازة ،كما كبدت العدو خسائر فادحة.
واستطاعت قوات الريف أن تصمد سنة كاملة (شوال -1343ذو القعدة 1344هـ) في وجه ثالثة مارشاالت وأربعين جنراالً والقوات
األساسية لدولتين أوروبيتين ،فضالً ع ّمن استقدمتهم من طيارين أمريكيين مرتزقة الستخدام أحدث وسائل قاذفات القنابل .ولم يتحول
الفرنسيون إلى الهجوم في صفر 1344هـ ،سبتمبر 1925م ،إال بعد أن استقدموا إمدادات هائلة حتى بلغت القوة الفرنسية األسبانية 280
ألف جندي و 132طائرة ،وأغروا السلطان يوسف بإعالن أمير الريف أحد العصاة الخارجين على السلطة الشرعية واستنفار القبائل
مؤتمرا بمدريد قرر تنسيق العمليات الحربية بين القيادتين ،ومكافحة تجارة األسلحة بين دولة الريف
ً للقتال .كما عقد الفرنسيون واألسبان
وأوروبا بتنظيم الدوريات على طول السواحل الشمالية للمغرب ،وقد شارك األسطول البريطاني بالمراقبة في مياه طنجة اإلقليمية .كما
تعهد الطرفان بعدم القيام بعمل دبلوماسي أو توقيع صلح منفرد مع العدو دون االتفاق مع الطرف اآلخر .وقبل القيام بالهجوم الكبير
غا رسميًا في 22محرم 1344هـ 12 ،أغسطس 1925م أبدتا فيه استعدادهما للتسليم باستقالل الريف إداريًا أصدرت الحكومتان بال ً
بشرط أن يعترف األمير الخطابي للسلطان بالسيادة العليا الممثلة في شخص خليفة تطوان .وذلك من قبيل المناورة السياسية فيما يبدو.
وفي 16صفر 1344هـ5 ،سبتمبر 1925م ،نجح األسبان بمعاونة البحرية الفرنسية في إنزال جنودهم إلى مكان قرب خليج الحسيمات
واستطاعوا في بداية الشتاء االستيالء على أغادير عاصمة األمير .واغتنم الفرنسيون توقف العمليات الحربية في فصل الشتاء باستمالة
القبائل الموالية له ،فبدأت هذه األخيرة تنفض من حوله وتسارع للحصول على أفضل الشروط من الفرنسيين واألسبان ،ولما فشلت
محاوالت األمير الخطابي إليقاف هذا االنحالل لم يتردد في طلب عقد هدنة إلنهاء النزاع عن طريق المفاوضات .ووضعت الحكومتان
طا قاسية تتمثل في االعتراف باستقالل الريف اإلداري في حدود المعاهدات الدولية (أي قبول معاهدة الفرنسية واألسبانية لذلك شرو ً
الحماية) ،واالعتراف بسيادة السلطان ،ومغادرة الخطابي للبالد وتجريد قبائل الريف من السالح .فلما قبلها األمير على أمل أن يحفظ
قدرا من االستقالل الذاتي ،وانعقدت المفاوضات بوجدة في 5شوال 1344هـ 18 ،أبريل 1926م ،راح المفاوضون ألهل الريف ً
الفرنسيون واألسبان يعرقلونها بتقديم مزيد من المطالب المتعسفة مما أدى إلى فشل المحادثات واستئناف القتال .فسقط مقر األمير
الخطابي في حصن ترجست في 10ذي القعدة 23 ،مايو ،واستسلم هو بدوره للفرنسيين بعد يومين ،فاعتبروه أسير حرب ونفوه مع أخ
له وبعض أقربائهما إلى جزيرة ريونيون في المحيط الهندي .وحين أرادوا نقلهم إلى فرنسا بعد عشرين سنة استغل األمير وصول السفينة
التي تقلهم إلى السويس فلجأ إلى السلطات المصرية سنة 1366هـ1947 ،م ،واستقر بالقاهرة إلى أن توفي بها سنة 1382هـ1963 ،م،
وهو ال يؤمن بغير الكفاح المسلح وسيلة لتحرير بالد المغرب العربي.
االستعمار وتقسيم المغرب األقصى .فرضت فرنسا في 11ربيع اآلخر 1330هـ 30 ،مارس 1912م على السلطان عبد الحفيظ توقيع
معاهدة حماية من تسع مواد جعلت من المغرب األقصى محمية وصفها شبيه بما آلت إليه تونس سنة 1300هـ1883 ،م ،بعد توقيع
معاهدتي باردو والمرسي .ذلك ألن مواد المعاهدة جردت السلطان من كل سلطاته الفعلية في الداخل والخارج ،وأحالتها إلى إدارة الحماية
وعلى رأسها المقيم العام الفرنسي ،وسمحت لها بإدخال ما تراه نافعًا من إصالحات إدارية وقضائية ومالية وعسكرية ،كما جعلت تمثيل
المغرب األقصى في الخارج بأيدي ممثلي فرنسا وقناصلها .ولم تبق للسلطان إال السلطة االسمية المتمثلة في توقيع المراسيم التشريعية
التي كانت تقدم له ،كما لم تبق من حكومة المخزن سوى المظهر الشكلي التقليدي .وجلعت المقيم العام ممثالً لفرنسا لدى السلطان يسهر
على تنفيذ المعاهدة ،ووسيط السلطان في عالقاته مع ممثلي الدول األجنبية ،ومكلفًا بكل المسائل المتعلقة باألجانب ،ولديه سلطة الموافقة
ونشر كل المراسيم الصادرة عن السلطان .وقد دفعت هذه القيود التي فرضتها معاهدة الحماية وسخط األهالي السلطان عبد الحفيظ إلى
التنازل سنة 1330هـ1912 ،م ألخيه يوسف بن الحسن .ووقَّعَتْ فرنسا في 17ذي الحجة 1330هـ 27 ،نوفمبر 1912م اتفاقية مع
أسبانيا القتسام المغرب بينهما .وقد ميزت االتفاقية بين قسمين في منطقة النفوذ األسباني من حيث وضعهما القانوني ،فيشمل القسم األول
جيبي سبتة ومليلة ومنطقة إفني في الجنوب حيث تمارس أسبانيا حقوق السيادة بدون قيد ،ويشمل القسم الثاني شمال المغرب من الحدود
الجزائرية إلى نقطة جنوب ميناء العرائش على ساحل األطلسي تستمد أسبانيا وجودها فيه من معاهدة الحماية بين فرنسا والسلطان،
ويمثله به خليفة يقيم بتطوان ويخضع إلشراف اإلدارة األسبانية ،كما يخضع هو نفسه لإلقامة العامة الفرنسية ،وتمارس فيه أسبانيا
صالحيات الحماية .كما تؤكد االتفاقية على جعل طنجة منطقة محايدة ،ثم تطور أمرها إلى التدويل في جمادى األولى 1342هـ ،ديسمبر
1923م .وبذلك أصبح المغرب األقصى في عهد الحماية مقس ًما إلى أربع مناطق تختلف كل منها عن األخرى من حيث الوضع القانوني.
وفي منطقة الحماية الفرنسية ،قسم المقيم العام إدارة المغرب إلى ثالثة أجهزة هي :إدارة المخزن التي احتفظت بطابعها القديم ،واإلدارة
الشريفية الجديدة التي يقوم بها مثقفون مغاربة إلدارة الشؤون الفنية الخاصة باألهالي ،واإلقامة العامة التي تهيمن على سياسة البالد العليا
في مجاالت الخارجية والدفاع واألمن العام .ولم يبق في مجلس الوزراء سوى ثالثة مغاربة ،هم الصدر األعظم الذي انتقلت معظم
اختصاصاته إلى الكاتب العام للحماية ،ووزير العدل الذي صارت سلطاته الحقيقية على المحاكم الشرعية والمعاهد الدينية بيد رئيس
مراقبة العدل باإلدارة الشريفية ،في حين كانت إدارة العدل فرنسية محضة ،ووزير األوقاف الذي كانت سلطته الفعلية بيد موظف فرنسي
لدى اإلدارة الشريفية ،في الوقت الذي وضعت فيه إدارات الفالحة والمالية واألشغال العامة والبريد والصناعة بأيدي مديرين فرنسيين
يديرونها إدارة مباشرة .كما عين مراقبون فرنسيون خارج العاصمة بالجهات لمراقبة الباشوات وقادة األقاليم المغاربة .وفي ظل هذه
اإلدارة ،دخل المغرب األقصى مستوطنون زراعيون فرنسيون وأصحاب حرف ورجال أعمال وتجارة ،ورغم أن المقيم العام ليوتي لم
يكن يشجع الهجرة ،فقد بلغت مساحة األراضي التي امتلكها فرنسيون في عهده 400ألف هكتار .وقد فتح باب الهجرة واالستيطان بعده
على مصراعيه ،فاستغل مستوطنو الجزائر سهل الملوية في الشرق ،وتركز عدد كبير من المعمرين في سهل الشاوية .وفي رجب
ظهيرا بجواز استغالل أراضي القبائل غير المزروعة في مقابل إيجار رمزي، ً 1337هـ ،أبريل 1919م ،استصدرت اإلقامة العامة
وبلغت الملكيات األوروبية في األربعينيات من القرن العشرين نحو مليون هكتار استأثرت بنصيب األسد في توزيع المياه ،مما أوقع
كبيرا بالزراعة األهلية .كما قامت شركات رأسمالية فرنسية خاصة بالبحث عن الثروات الباطنية واستغلت مناجم للفوسفات ضررا ًً
والمعادن كالحديد والمنجنيز والرصاص والكوبالت والنحاس وغيرها بالمغرب.
ظهيرا (قانونا) في 1332هـ،ً الحركة الوطنية المغربية .سعت فرنسا إلثارة النعرة البربرية في المغرب األقصى ،فاستصدرت اإلقامة
صا بنظر الشؤون المدنية .وكان المقيم لوسيانشرعي ويجعل مجلس الجماعة أو القبيلة مخت ً 1914م ،يخرج البربر من دائرة القضاء ال َّ
طا بجماعة من مستشارين عُرفت بالكتلة البربرية ألنها تدعو إلى فصل البربر عن حكومة المخزن تمهيدًا إلدماجها في البيئة سان محا ً
الفرنسية ،وتضمنت خطتهم إحياء اللهجات البربرية بكتابتها بحروف التينية ،كما ركز المنصرون نشاطهم في مناطق البربر .وفي
ظهيرا جديدًا أعطى مجالس الجماعة صفة رسمية حولها إلى محاكم مدنية ،وقضى بتسجيل ً 1349هـ1930 ،م ،استصدر المقيم العام
عرف البربر ليصبح قانونًا معترفًا به لتلك المحاكم .كما نزع النظر في الجنايات من قضاء القادة والباشوات الذين يمثلون السلطان ،وأنشأ
محاكم جديدة في مناطق البربر من قضاة فرنسيين لتطبيق القانون الجنائي الفرنسي فيها .فاصطدم ذلك الظهير بمعارضة شديدة من قبائل
البربر ذاتها ورد فعل عنيف في المغرب وعامة العالم اإلسالمي.
وقد بدأت الحركة السياسية الوطنية في المغرب على هيئة جمعيات خاصة ذات أهداف تعليمية واجتماعية أسسها شباب من خريجي
المدارس الفرنسية في الرباط أمثال أحمد بالفريج ،إلى جانب جمعيات دينية سلفية أنشأها شباب القرويين بفاس أمثال عالل الفاسي
لمقاومة الطرق الصوفية وعقائدها .وتقارب شباب الرباط وفاس حتى كونوا نواة كتلة العمل المغربي ،التي برزت حركة سياسية واسعة
النطاق بعد صدور الظهير البربري .فأصدرت سنة 1351هـ1932 ،م مجلة باللغة الفرنسية كانت بباريس تحت اسم مجلة المغرب ،وفي
المغرب باسم مجلة العمل المغربي ،كما نزلت الكتلة إلى ميدان العمل الجماهيري في 1353هـ1934 ،م بمناسبة زيارة السلطان محمد
صا
بن يوسف (1380- 1346هـ) لفاس .وكان برنامجها يتلخص في إلغاء مظاهر الحكم المباشر الفرنسي وتطبيق معاهدة الحماية ن ً
ورو ًحا ،وقيام حكم ملكي دستوري وإلحاق المغاربة بالوظائف ،والفصل بين السلطات ،وتأسيس مجالس بلدية وإقليمية ومجلس وطني
جميع أْعضائه من المغاربة .وقد حاولت الكتلة االستفادة من قيام حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا سنة 1355هـ1936 ،م فأصدرت
جريدتي األطلس بالعربية والعمل الشعبي بالفرنسية ،وشرع عالل الفاسي ومحمد الوزاني في تنظيم حزب حقيقي ،انتخبت له لجنة مؤقتة
ريثما تسمح الظروف بعقد مؤتمر وطني فكانت الرئاسة للفاسي واألمانة العامة للوزاني .بيد أن هذا األخير أعلن انسحابه من الكتلة على
إثر ذلك وتأسيس حزب مستقل باسم حزب الشعب ،فحل محله في األمانة العامة للكتلة أحمد بالفريج .وتزعم فرع الكتلة في منطقة
االحتالل األسباني عبد الخالق الطريس ،لكن هذا الفرع انفصل بعد انقالب فرانكو في أسبانيا .ولما عمدت السلطات الفرنسية إلى حل
الكتلة في 25ذي الحجة 1355هـ 8 ،أغسطس 1937م ،أعاد قادتها تكوينها باسم الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية الذي
استطاع أن يظفر باالعتراف الرسمي .غير أن تأييد هذا الحزب لحركة مكناس ضد تحيز اإلدارة في توزيع مياه الري للمعمرين
الفرنسيين سنة 1356هـ1937 ،م عرضه للحل من قبل المقيم العام نوجيس الذي نفى قادة الحزب ،بمن فيهم عالل الفاسي ،إلى خارج
البالد أيضًا .وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية أعلن السلطان محمد بن يوسف في 18رجب 1358هـ 3( ،سبتمبر 1939م) عن
تأييده ودعمه لفرنسا وحلفائها ،لكن سياسة حكومة فيشي تجاه المستعمرات أفقدته الثقة بفرنسا .كما رحب بالجيوش األمريكية عند نزولها
بالمغرب سنة 1361هـ1942 ،م ،مما جعل الرئيس روزفلت ينتهز فرصة لقائه بتشرتشل بالدار البيضاء في صفر 1362هـ ،ديسمبر
1943م ،ليقابل السلطان بدون وساطة المقيم العام الفرنسي .وقد ساهمت الفرق المغربية في العمليات الحربية للحلفاء بأوروبا مساهمة
مشهودة ضمن جيوش فرنسا الحرة إلى جانب إخوانهم الجزائريين والتونسيين.
مؤتمرا شكل تحوالً في تاريخ الحركة الوطنية المغربية ،بسبب ً وفي 16محرم 1363هـ 11 ،ديسمبر 1944م عقد الوطنيون المغاربة
ً
تأسيسه حزب االستقالل وقراره العدول عن سياسة االستقالل على مراحل ومطالبته بإسقاط الحماية مباشرة شرطا مقد ًما للتفاوض مع
فرنسا .وقد رفع الحزب ثالثة مبادئ إلى السلطان تتمثل في المطالبة باستقالل المغرب ووحدة أراضيه ،وبتوثيق الروابط مع دول العالم
عامة والدول العربية واإلسالمية خاصة ،وبالمحافظة على الملكية مع جعلها ملكية دستورية .فأظهر السلطان عطفه على الحزب ومبادئه
وظل كذلك حتى حصول المغرب على استقالله ،في حين رد المقيم العام الفرنسي جبريل بيو على بيان الحزب باعتقال الزعماء وقمع
المظاهرات الجماهيرية التي خرجت تأييدًا له في الدار البيضاء وفي فاس خالل شهر صفر 1363هـ ،فبراير 1944م ،وأرسلت حكومة
باريس تهدد السلطان .ولكنها اضطرت أمام التصميم الشعبي واحتجاجات السلطان ،إلى تعيين االشتراكي إريك لوبون مقي ًما عا ًما جديدًا
في أوائل 1365هـ1946 ،م ،فبادر بإطالق سراح معظم المعتقلين السياسيين وإعادة الزعماء المنفيين ومن بينهم عالل الفاسي وأحمد
بالفريج ومحمد الوزاني ،وباشر إصالحات إدارية واقتصادية لم ترض الوطنيين وأغضبت المستوطنين .فاستغل وزير الخارجية الفرنسية
خطاب السلطان في طنجة سنة 1366هـ1947 ،م الذي أعلن فيه عن وحدة أراضي المغرب وأشاد بجامعة الدول العربية ،ليقنع الحكومة
بإرسال الجنرال الفونس جوان مقي ًما عا ًما جديدًا ،وهو ابن أحد المستوطنين بالجزائر ،إلرهاب السلطان والوطنيين .فامتد عهده من
1366إلى 1371هـ 1947 ،إلى1951م ،قضى خالله على جميع الحريات ،كما باشر برنامج إصالحات ترمي إلى إرساء مبدأ السيادة
المزدوجة الذي لم يسبق أن صرح به الفرنسيون بالنسبة للمغرب األقصى ،بعكس ما فعلوا في تونس.
ولما فشلت كل محاوالت حزب االستقالل للتفاوض مع باريس مباشرة وإقناعها بحسن نواياه ،وضاق الخناق على زعمائه بالمغرب التحق
عالل الفاسي بالقاهرة في جمادى اآلخرة 1366هـ ،مايو 1947م ،وفي نفس السنة حل بها األمير محمد بن عبدالكريم الخطابي وتولى
زعامة مكتب المغرب العربي ،وذلك في الوقت الذي كان السلطان يقاوم ما استطاع سياسة المقيم العام ويرفض توقيع الظهائر (القوانين)
التي يقدمها إليه ،األمر الذي جعل الحكومة الفرنسية تدعوه لزيارة باريس لعلها تحوله عن موقف المعارضة .لكنه قدم مذكرتين في ذي
الحجة 1369هـ ،أكتوبر 1950م ،عبّر فيهما عن رغبته في إطالق الحريات العامة وتغيير طبيعة العالقات مع فرنسا ،وذلك معناه إلغاء
الحماية .فدفع المقيم العام تهامي الجالوي ،صاحب النفوذ في الجنوب ،لجمع القبائل الموالية له والزحف على الرباط في ربيع اآلخر
إنذارا يطالبه فيه
ً 1370هـ ،يناير 1951م .وعندها حاصرت القوات الفرنسية القصر بدعوى حماية السلطان ،وقدم المقيم العام إليه
بإصدار بيان إدانة لحزب االستقالل أو التنازل عن العرش وإال عزله .واضطر السلطان مكرهًا لتوقيع االستنكار المطلوب دون ذكر
للحزب .واستغلت اإلقامة العامة التصريح العتقال مزيد من الوطنيين وإجبار السلطان على عزل الموظفين المشتبه في ميلهم لحزب
االستقالل وإبعاد عدد منهم عن البالد .وكان لذلك صدى في البالد العربية والعالم ،فأبدت الجامعة العربية تأييدها للمغرب ورفعت قضيته
إلى هيئة األمم المتحدة ،التي رفضت التدخل في المسألة.
وفي نهاية 1371هـ 18 ،أغسطس 1951م ،عينت فرنسا الجنرال جيوم مقي ًما عا ًما جديدًا بالمغرب فلم تختلف سياسته عن سياسة سلفه،
مما جمد العالقات بين فرنسا والسلطان ،وتشكلت جبهة وطنية من األحزاب المغربية قدمت في 17ربيع اآلخر 1371هـ ،يناير 1952م
مذكرة إلى هذا األخير تضمنت األماني الوطنية كما قدمت الدول العربية المستقلة احتجا ًجا إلى هيئة األمم المتحدة وفرنسا عن الحالة
بالمغرب ،مما شجع السلطان على توجيه مذكرة جديدة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية في 14جمادى اآلخرة 14 ،مارس أيد فيها
المطالب الوطنية.
وأثيرت القضية المغربية من جديد أمام األمم المتحدة ،وفي تلك األثناء اغتيل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد فأعلن حزب االستقالل
اإلضراب العام تضامنًا .وواجهت السلطات االستعمارية المظاهرات الشعبية في الدار البيضاء بالرصاص فأحدثت مذبحة ،واعتقلت
أعدادًا كبيرة بمن فيهم قادة الحزب ،كما أعلنت حل الحزب وتعطيل الصحف العربية.
ولما تولت الحكم في باريس حكومة النييل اليمينية في رمضان 1372هـ ،مايو 1953م التي شغل وزارة الخارجية فيها الصليبي بيدو،
ي الكتاني رئيس الطريقة الكتانية ،فقدم عرائض
تجددت فكرة خلع السلطان .ونشط تهامي الجالوي من جديد في الجنوب ،يساعده عبدالح ّ
إلى الحكومة الفرنسية تطالب بعزل السلطان فأقدمت على األمر بخلعه يوم عيد األضحى 1372هـ 20 ،أغسطس 1953م ،ونقل إلى
كورسيكا