You are on page 1of 9

‫المغرب من دولة األدارسة (‪364 – 172‬هـ‪974 – 788 ،‬م)‬

‫الى دولة األشراف العلويين (‪1050‬هـ‪1641،‬م )‬

‫مقدمة‬

‫المغرب‪ ،‬تاريخ‪ .‬المغرب دولة عربية إسالمية في أقصى شمال غربي إفريقيا‪ .‬وقد فتح عقبة بن نافع المغرب األقصى سنة ‪62‬هـ‪،‬‬
‫‪681‬م‪ ،‬لكن فتحه النهائي كان على يد موسى بن نصير سنة ‪88‬هـ‪707 ،‬م‪ ،‬واستمر قطرا من أقطار إفريقية إلى سنة ‪172‬هـ‪788 ،‬م‬
‫يديره حكام تابعون لوالة القيروان‪ .‬وقد شهد المغرب األقصى فيما بعد ظهور أسر حاكمة وقيام دول‪ ،‬لكنه ظل مرتب ً‬
‫طا بعموم بالد‬
‫المغرب العربي إلى نهاية القرن التاسع الهجري (نهاية القرن الخامس عشر الميالدي) ألن معظم األسر الحاكمة به وبإفريقية كانت ترنو‬
‫لمد سلطانها على كامل بالد المغرب العربي‪ .‬ولم ينفصل المغرب األقصى بشؤونه تما ًما إال عندما فشلت مساعي العثمانيين في ضم‬
‫الدولة السعدية‪ ،‬وذلك بعد منتصف القرن الحادي عشر الهجري (منتصف القرن السادس عشر الميالدي)‪.‬‬

‫‪ -1-‬دولة األدارسة (‪364 – 172‬هـ‪974 – 788 ،‬م)‬


‫أسسها إدريس بن عبدهللا‪ ،‬من أحفاد الحسن بن علي ابن أبي طالب‪ ،‬كان قد التحق بالمغرب األقصى بعد نجاته من واقعة فخ سنة ‪169‬هـ‪،‬‬
‫‪785‬م‪ .‬وهناك التفّت حوله بعض القبائل فأعلن إمارة شيعية مستقلة عن القيروان سنة ‪172‬هـ‪ .‬ويُع ّد ابنه إدريس الثاني (‪– 193‬‬
‫‪214‬هـ) المؤسس الحقيقي لهذه الدولة ولعاصمتها فاس‪ .‬وقد انقسمت بعده بين أبنائه العشرة ثم استعادت وحدتها في عهد األمير يحيى‬
‫(‪234 – 221‬هـ) لتنقسم بعده‪ ،‬فبقيت كذلك إلى أن استولى الفاطميون على المغرب األقصى سنة ‪310‬هـ‪921 ،‬م‪ .‬وقضى األمويون‬
‫باألندلس على ما بقي من أثر األدارسة في الجبال المتاخمة لطنجة سنة ‪364‬هـ‪974 ،‬م‪ .‬وقد كان لدولة األدارسة دور في نشر اإلسالم‬
‫واللغة العربية بين قبائل البربر بالمغرب األقصى‪ .‬انظر‪ :‬األدارسة‪ ،‬دولة‪.‬‬

‫‪ -2-‬دولة المرابطين (‪448-541‬هـ‪1147-1056 ،‬م)‬


‫تعود في أصلها إلى حركة إصالح ديني ظهرت قبل منتصف القرن الخامس الهجري (منتصف القرن الحادي عشر الميالدي) في‬
‫صحراء جنوب المغرب األقصى بمبادرة من يحيى بن إبراهيم الجدالي شيخ قبيلة جدالة الصنهاجية‪ .‬انظر‪ :‬موريتانيا‪ ،‬تاريخ؛ تونس‪،‬‬
‫تاريخ‪ .‬وقد تزعم الحركة عبدهللا بن ياسين الجزولي وسمى أنصاره المرابطين‪ .‬ترك ابن ياسين قيادة المرابطين العسكرية ليحيى بن عمر‬
‫اللمتوني‪ .‬ولما توفي يحيى سنة ‪448‬هـ (‪1056‬م) خلفه أخوه أبوبكر وابن عمه يوسف بن تاشفين‪ .‬وعندما توفي ابن ياسين عام ‪451‬هـ‬
‫(‪1059‬م) تجنب أبوبكر وابن تاشفين الخالف بأن اتجه األول نحو الجنوب فنشر اإلسالم هناك‪ ،‬وواصل ابن تاشفين سيره شماالً‪ .‬بنى ابن‬
‫تاشفين مدينة مراكش عام ‪454‬هـ (‪1062‬م)‪ .‬وفي عهد يوسف بن تاشفين (‪500 – 480‬هـ) تم االستيالء على باقي المغرب األقصى‬
‫والمغرب األوسط إلى مشارف إمارة بني حماد الزيريين‪ .‬وعبر ابن تاشفين إلى األندلس عندما استنجد به بعض أمرائها‪ ،‬فانتصر على‬
‫ألفونسو السادس في معركة الزالقة سنة ‪479‬هـ‪1086 ،‬م‪ ،‬ثم عاد إليها في ‪481‬هـ و‪483‬هـ فأزاح ملوك الطوائف نتيجة تواصل‬
‫انقسامهم‪ ،‬وترددهم في الوالء للمرابطين‪ ،‬واستمرار الخطر النصراني‪ ،‬وألحق األندلس بدولة المرابطين‪ .‬لكن سلطة المرابطين ما لبثت‬
‫أن اختلت في عهد ابنه علي (‪500-537‬هـ) بكل من المغرب واألندلس بسبب االنتفاضات المحلية والهزائم على أيدي النصارى‪ ،‬وبدأ‬
‫أمر الموحدين بالظهور‪ .‬وقد تال األمير علي بن يوسف ثالثة أمراء من المرابطين واصلوا الصراع ضد الموحدين‪ ،‬حتى استولى هؤالء‬
‫على العاصمة مراكش‪ ،‬فقتلوا آخر األمراء المرابطين إسحاق بن علي بن يوسف‪ ،‬وقضوا على دولة المرابطين سنة ‪541‬هـ‪1147 ،‬م‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المرابطين‪ ،‬دولة‪.‬‬
‫‪ -3-‬دولة الموحدين (‪668 – 541‬هـ‪1269 – 1147 ،‬م)‬
‫أظهر محمد بن تومرت (‪514-1120‬هـ) معارضته للمرابطين بمراكش سنة ‪514‬هـ‪ .‬فلما طرده األمير علي بن يوسف منها‪ ،‬انتقل إلى‬
‫جبل درن جنوب المغرب األقصى‪ ،‬حيث أعلن دعوته سنة ‪515‬هـ‪1121 ،‬م إلى مذهب التوحيد‪ ،‬مدعيًا أنه المهدي المنتظر وأن نسبه‬
‫يتصل بالرسول ‪ ³‬من فرع الحسن بن علي‪ .‬وفي هذه السنة‪ ،‬هزم حملة مرابطية جاءت تطلبه في إجليز‪ ،‬ثم اتخذ سنة ‪518‬هـ‪1124 ،‬م‬
‫مدينة تنملل قاعدة له شن منها سنة ‪524‬هـ‪1129 ،‬م حملة فاشلة على مراكش‪ ،‬وفيها توفي فبايع أتباعه مالزمه وقائده عبد المؤمن بن‬
‫علي (‪524-541‬هـ) فتلقب بالخليفة أمير المؤمنين وواصل الصراع مستفيدًا من تفاقم مصاعب الدولة المرابطية‪ ،‬فاستولى على وهران‬
‫وفاس ثم مراكش سنة ‪541‬هـ‪1147 ،‬م‪ .‬كما عبر إلى األندلس في السنة نفسها‪ ،‬فاستولى على أشبيليا وقرطبة ثم على غرناطة‪ .‬وفي سنة‬
‫‪546‬هـ‪1151 ،‬م بدأ في التوسع شرقًا باتجاه إمارة بني حماد‪ ،‬وكان أمرها في تراجع والنورمنديون يطرقون سواحلها‪ ،‬فاستولى على‬
‫وبحرا‪ ،‬فأخضعها وحاصر المهدية حتى‬ ‫ً‬ ‫برا‬
‫بجاية وعنابة وقسنطينة ثم سطيف‪ .‬وفي سنة ‪554‬هـ ‪1159 ،‬م توجه إلى إفريقية (تونس) ً‬
‫استسلم من كان بها من النورمنديين صل ًحا سنة ‪555‬هـ‪1160 ،‬م‪ ،‬وبذلك وحد بالد المغرب العربي من جناحه الغربي‪ ،‬وأصبحت‬
‫العاصمة مراكش من عواصم العالم اإلسالمي الكبرى‪.‬‬

‫مرت دولة الموحدين بفترة قوة تواصلت إلى آخر عهد الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور (‪580-595‬هـ)‪ ،‬ثم مالبث أن اضطرب‬
‫الوضع السياسي بها منذ بداية القرن السابع الهجري (بداية القرن الثالث عشر الميالدي) بتدخل بني غانية وهزيمة الخليفة الناصر في‬
‫موقعة العقاب باألندلس أمام النصارى سنة ‪609‬هـ‪1212 ،‬م‪ ،‬والصراع على الحكم بين أمراء الموحدين‪ .‬فاختل األمر بالمغرب‬
‫واألندلس وضعفت سلطة الخلفاء بمراكش‪ ،‬وقوي نفوذ الوالة والقبائل بالجهات‪ ،‬ومالت الدولة إلى االنحالل‪ .‬فانفصل بنو هود وبنو‬
‫األحمر باألندلس‪ ،‬ووالى النصارى هجماتهم واستولوا على مدنها وحصونها‪ ،‬كما استقل بنو حفص بإفريقية (تونس) سنة ‪634‬هـ‪،‬‬
‫‪1236‬م‪ ،‬وبنو عبد الواد بالمغرب األوسط سنة ‪633‬هـ‪1235 ،‬م‪ ،‬واستفحل أمر بني مرين بالمغرب األقصى حتى استولوا على مراكش‬
‫سنة ‪668‬هـ‪1269 ،‬م‪ ،‬ثم تنملل سنة ‪674‬هـ‪1275 ،‬م‪.‬‬

‫وكان انتشار األمن إبان قوة دولة الموحدين‪ ،‬واالمتداد الجغرافي لهذه الدولة‪ ،‬قد ساعدا على تنوع المنتجات الفالحية والصناعية‪ ،‬وبالتالي‬
‫على نمو التبادل التجاري الداخلي بين أقطار المغرب العربي واألندلس‪ ،‬والتبادل التجاري الخارجي بينها وبين بالد السودان وأوروبا‬
‫النصرانية والمدن اإليطالية خاصة‪ .‬كما ازدهر العمران وتطور الفن المعماري‪ ،‬فظهر في اآلثار الموحدية‪ ،‬وخاصة المساجد‪ ،‬اجتماع‬
‫المؤثرات المغربية واألندلسية والمشرقية‪ .‬ومن ذلك منارة جامع حسان بالرباط وقصبة مراكش وجامع أشبيليا األعظم ومنارة خيرالدا‪.‬‬
‫وكذلك نشطت الحياة الفكرية في عهد الموحدين‪ ،‬نتيجة اعتنائهم ببناء المدارس الحكومية منذ القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر‬
‫الميالدي)‪ ،‬حيث انتشر التعليم النظامي المجاني‪ ،‬وتقريب الخلفاء للعلماء والفالسفة‪ .‬فلمع في الفلسفة والطب أبو بكر بن طفيل (طبيب‬
‫الخليفة أبي يعقوب يوسف)‪ ،‬وأبو بكر بن زهر األشبيلي (طبيب الخلفاء عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب المنصور)‪ ،‬وأبو الوليد‬
‫محمد بن أحمد بن رشد‪ .‬كما برز في العلوم الطبيعية والصيدلية أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرح األموي المعروف بابن الرومية‪،‬‬
‫وضياء الدين بن عبد الملك المالكي الفاسي المعروف بابن الس ّكاك‪ ،‬وفي الرياضيات ابن فرحون القيسي القرطبي وأبو عبد هللا محمد بن‬
‫حجاج المعروف بابن ياسمين الفاسي‪ .‬انظر‪ :‬الموحدين‪ ،‬دولة‪.‬‬

‫‪ -4-‬الدولة المرينية (‪668-869‬هـ‪1465-1269 ،‬م)‬

‫ينتمي بنو مرين إلى قبيلة زناتة‪ ،‬وقد بدأ أمرهم بالظهور في جنوب المغرب األقصى بقيادة أبي محمد عبد الحق بن محيو‪ ،‬الذي هزم‬
‫جيش الموحدين سنة ‪613‬هـ‪1216 ،‬م‪ .‬لكن دولة بني مرين لم تتشكل فعليًا إال مع أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المعروف بالسلطان‬
‫المنصور‪ ،‬الذي استولى على مراكش سنة ‪668‬هـ‪1269 ،‬م‪ ،‬وانقرضت على يديه دولة الموحدين سنة ‪674‬هـ‪1276 – 1275 ،‬م‪.‬‬

‫حاولت الدولة المرينية أن تبسط نفوذها على كامل بالد المغرب‪ ،‬وتؤسس دولة كبيرة على نمط الموحدين‪ .‬لكنها لم تفلح في ذلك إال‬
‫لفترات قصيرة‪ ،‬وسرعان ما عادت دولة إقليمية محدودة‪ .‬فقد جهز أبو الحسن المريني سنة ‪1347‬م حملة على مدينة تونس‪ ،‬ومني من‬
‫قبل الحفصيين بهزيمة منكرة كادت أن تطيح بأسرة بني مرين في مراكش ذاتها‪ .‬كما ورثت الدولة المرينية‪ ،‬بحكم موقعها الجغرافي‪،‬‬
‫تقاليد سياسة الموحدين في األندلس وتقديم المساعدات لمسلميها‪ .‬لكن الخالفات التي دبت بينها وبين دولة بني األحمر‪ ،‬في غرناطة‪ ،‬حول‬
‫تملك بعض المواني األندلسية‪ ،‬أضعفت قدرة المسلمين على المقاومة‪ ،‬وعرض المغرب األقصى نفسه لغزو الدول النصرانية الناشئة‪ ،‬منذ‬
‫بداية القرن التاسع الهجري (بداية القرن الخامس عشر الميالدي)‪ ،‬حتى سقطت سبتة في أيدي البرتغاليين سنة ‪1415‬م‪ ،‬فضعف أمر‬
‫المرينيين‪ ،‬وزاد وضع دولتهم سو ًءا بتفشي المنافسات الداخلية بعد مقتل السلطان أبي سعيد سنة ‪1420‬م‪ ،‬وتدخل دولتي بني األحمر وبني‬
‫عبد الواد في تلك المنافسات لتأييد هذا أو ذاك من المدعين العرش‪ ،‬حتى انتقل الحكم إلى أيدي الوطاسيين في منتصف القرن التاسع‬
‫الهجري‪ ،‬وأسالف الوطاسيين فرع من بني مرين سيطروا على فاس سنة ‪875‬هـ‪1471 ،‬م‪ ،‬ولم يبق للمرينيين سلطان بعد ذلك تقريبًا إال‬
‫بمدينة مراكش‪ .‬لكن الصراع استمر بين األسرتين الحاكمتين‪ ،‬واستعان المرينيون على الوطاسيين بالغزاة البرتغاليين‪ ،‬فاستولى هؤالء‬
‫سنة ‪956‬هـ‪1550 ،‬م‪ ،‬على ساحل البريجة‪ ،‬حيث بنوا مدينة الجديدة‪ ،‬ثم على ساحل السوس‪ ،‬حيث بنوا حصن فونتي قريبًا من مدينة‬
‫أغادير الحالية‪ .‬ولم ينقذ البالد من الخطر البرتغالي إال ظهور األسرة السعدية‪.‬‬

‫‪ -5-‬دولة األشراف السعديين (‪956-1022‬هـ‪1613-1549 ،‬م)‬

‫لما فشل الوطاسيون في الدفاع عن أراضي المغرب‪ ،‬وآلت جميع موانئه تقريبًا إلى دولتي البرتغال وأسبانيا‪ ،‬أخذ السعديون على عاتقهم‬
‫حركة الجهاد ضد البرتغاليين في الجنوب‪ ،‬وبدأت كفتهم ترجح على بني وطاس‪ .‬وهم ينتمون إلى أسرة شريفة تنحدر من نسل محمد‬
‫النفس الزكية من أبناء الحسين بن علي رضي هللا عنه‪ .‬وقد طالب أهل السوس محمدًا القائم بأمر هللا السعدي بأن يتولى قيادتهم في حركة‬
‫الجهاد‪ ،‬واعترف به بنو وطاس على أمل أن يساعدهم‪ .‬وقد عال شأن ابنيه محمد الشيخ وأحمد األعرج بعد نجاحهما في طرد البرتغاليين‬
‫من آسفي وأزمور في الجنوب فيما بين ‪ 1539‬و‪1541‬م‪ ،‬فرفض محمد الشيخ الملقب بالمهدي عرض محمد الوطاسي‪ ،‬المشهور‬
‫بالبرتقالي‪ ،‬بتولي حكم مدينة مراكش‪ ،‬ودخل في صراع مع أخيه ومع الوطاسيين حتى دخل فاس وأعلن نفسه سلطانًا سنة ‪956‬هـ‪،‬‬
‫‪1549‬م‪ .‬ثم واصل جهوده ضد البرتغاليين واألسبان في شمال المغرب واسترد أصيلة والقصر الصغير سنتي ‪ 956‬و‪957‬هـ‪ ،‬ولم يبق‬
‫لهم سوى طنجة وسبتة ومزغان‪ .‬ومما يذكر في عالقة السعديين بالعثمانيين بالجزائر‪ ،‬أن أحد الوطاسيين‪ ،‬وهو أبو حسون علي‪ ،‬قد تمكن‬
‫من الفرار من مراكش وطلب المساعدة من البرتغاليين واألسبان والعثمانيين الستعادة الملك‪ ،‬فأرسل السلطان العثماني لصالح ريس بيلر‬
‫صب أبا حسون عليها بضعة أشهر سنة ‪961‬هـ‪1554 ،‬م‪ ،‬لكن سرعان‬ ‫باي الجزائر بغزو المغرب األقصى‪ .‬فوصل هذا األخير فاس ون ّ‬
‫ما استرد المهدي عاصمة ملكه‪ .‬وأرسل السلطان سليمان رسوالً إلى المهدي يطلب إليه الحكم تحت السيادة العثمانية‪ ،‬فرفض‪ .‬وجاءت‬
‫عنصرا جديدًا من عناصر النزاع بين السعديين والعثمانيين‪ .‬ذلك أنه عندما تدهورت األسرة الزيانية وانتهى أمرها‬
‫ً‬ ‫مسألة تلمسان فأضافت‬
‫بأن فتحت القوات األسبانية المدينة سنة ‪950‬هـ‪1543 ،‬م‪ ،‬استنجد أهل تلمسان بمحمد المهدي فأرسل قواته الحتاللها‪ .‬فاستاء صالح ريس‬
‫وسارع النتزاعها سنة ‪957‬هـ‪1550 ،‬م‪ ،‬لكنها مع ذلك بقيت مثار مشكلة حدود بين دول المغرب األقصى وحكومة الجزائر‪ .‬وقد جرت‬
‫اتصاالت بين األسبان ومحمد المهدي إلنشاء تحالف ضد العثمانيين بالجزائر‪ ،‬مما جعل صالح ريس وخلفه حسن باشا خير الدين‪ ،‬يفكران‬
‫في حرب السعديين‪ .‬وبعد ظهور المنازعات بين األسرة السعدية على الملك أصبحت مسألة استعانتهم على بعضهم باألسبان والبرتغاليين‬
‫أمرا واق ًعا‪ .‬فعبد الملك بن محمد المهدي طرد ابن أخيه المتوكل واستولى على مراكش سنة ‪984‬هـ‪1576 ،‬م بمعونة‬ ‫والعثمانيين ً‬
‫العثمانيين‪ ،‬ثم عقد تحالفًا مع األسبان في السنة التالية لها‪ ،‬منحهم فيه امتيازات على الساحل‪ ،‬والمتوكل استعان بالبرتغال‪ ،‬فجهز ملكها‬
‫سبستيان حملة انتهت بالهزيمة في معركة وادي المخازن سنة ‪986‬هـ‪1578 ،‬م وموت الملوك الثالثة (عبد الملك والمتوكل وسبستيان)‪.‬‬

‫تولى الحكم أحمد‪ ،‬الملقب بالمنصور‪ ،‬بعد موت أخيه عبد الملك‪ ،‬فكان عهده أزهى العهود السعدية‪ .‬تميز بتنظيم اإلدارة الداخلية ومد نفوذ‬
‫المغرب األقصى إلى حوض السنغال‪ ،‬ثم دخولها أالعيب المنافسات والتحالفات التي اتّسمت بها العالقات األوروبية في ذلك الوقت‪ .‬وبعده‬
‫تنازع أبناؤه الثالثة العرش‪ ،‬واستعان منهم المأمون بفيليب الثالث مان ًحا إياه ميناء العرائش‪ ،‬مما تسبب في مقتله على أيدي مجاهدي‬
‫تطوان سنة ‪1022‬هـ‪1613 ،‬م‪ .‬وقد تشعبت المنازعات حتى اختفت األسرة السعدية تما ًما أول النصف الثاني من القرن الحادي عشر‬
‫الهجري (منتصف القرن السابع عشر الميالدي)‪ .‬وقد ظهرت‪ ،‬في فترة الفوضى التي أعقبت وفاة المنصور‪ ،‬زعامات سياسية مستقلة‬
‫استأثرت بالسلطة في هذا اإلقليم أو ذاك من المغرب األقصى‪ ،‬وقد اعتمد بعضها على الطرق الصوفية مثل الطريقة السماللية في درعة‬
‫والسوس‪ ،‬والطريقة الدالئية في فاس وما حولها‪ ،‬في حين اعتمد بعضها اآلخر على أساس منظمات عسكرية‪ ،‬ومن ذلك حكومة سال‪ ،‬التي‬
‫تزعمها أبو عبد هللا العياشي‪ ،‬وأصبحت من أقوى الوحدات السياسية إبان العقد الخامس من القرن الحادي عشر الهجري (العقد الرابع من‬
‫القرن السابع عشر الميالدي)‪ .‬فامتد نفوذها على القسم الشمالي ما بين ساحل األطلسي حتى تطوان بما في ذلك فاس‪ ،‬واستمدت قوتها من‬
‫حركة الجهاد البحري الذي كان يقوم به المهاجرون األندلسيون‪ ،‬الذين جعلوا من السفن األسبانية اآلتية من أمريكا هدفًا ً‬
‫كبيرا لهم‪ ،‬وقد‬
‫وصلت غاراتهم إلى شواطئ جزر بحر الشمال‪.‬‬

‫‪ -6-‬دولة األشراف العلويين (‪1050‬هـ‪1641،‬م إلى اليوم)‬


‫مؤسس هذه الدولة هو محمد بن محمد الشريف (‪1075 – 1050‬هـ)‪ ،‬بايعه أهل سجلماسة حوالي سنة ‪1050‬هـ‪1641 ،‬م‪ ،‬فحارب بهم‬
‫السماللي صاحب درعة‪ ،‬فلما استقر حكمه في الجنوب أغار على الدالئي بفاس ودخلها ثم أُخرج منها منهز ًما‪ .‬خرج عليه أخوه الرشيد‬
‫وبويع بعد مقتل أخيه محمد سنة ‪1075‬هـ‪1665 ،‬م‪ ،‬فاستولى على فاس في السنة التي تليها وعلى مراكش واستقر بها‪ .‬وبذلك يُع ّد‬
‫المؤسس الحقيقي لألسرة العلوية‪ .‬حكم بعده أخوه إسماعيل (‪1139 – 1082‬هـ‪1726 – 1672 ،‬م)‪ .‬وهو يُع ّد من أشهر سالطين تلك‬
‫شا من العبيد األفارقة أصبح يُعرف بجيش عبيد البخاري‪ ،‬استطاع به أن يدعم سلطته على القبائل في‬ ‫األسرة وأطولهم عهدًا‪ .‬وقد جنّد جي ً‬
‫الداخل ويحارب األجانب على السواحل‪ ،‬فاسترد من األسبان ما بقي بحوزتهم من الموانئ‪ ،‬كما استرد طنجة من اإلنجليز‪ ،‬ولم يبق في‬
‫عهده من الجيوب األوروبية سوى سبتة ومليلة بيد األسبان‪ ،‬ومزغان لدى البرتغاليين‪ .‬وتبادل إسماعيل السفارات مع ملوك فرنسا وأسبانيا‬
‫وحكام هولندا‪ ،‬لكن الحروب األهلية اندلعت بعد وفاته بين أبنائه محمد وعبد الملك وعبد هللا إلى أن استتب األمر لألخير‪ .‬وعاد االستقرار‬
‫في عهد ابنه محمد (‪1206 – 1171‬هـ‪1792 – 1757 ،‬م) لكن التغلغل األوروبي ازداد في عهده‪ ،‬فعقد معاهدات تجارية مع جميع‬
‫الدول األوروبية التي لها معامالت مع المغرب األقصى بما فيها أسبانيا‪ ،‬وأعطى امتيازات واسعة لفرنسا‪ .‬كما منح السلطان عبد الرحمن‬
‫بن سليمان (‪1276 -1238‬هـ‪1859 – 1822 ،‬م) امتيازات لرعايا الواليات المتحدة األمريكية في بالده سنة ‪1252‬هـ‪1836 ،‬م‪،‬‬
‫وعقد معاهدة مماثلة مع بريطانيا سنة ‪1273‬هـ‪1856 ،‬م‪ ،‬وازداد في عهده الخطر الفرنسي بعد احتالل فرنسا للجزائر سنة ‪1246‬هـ‪،‬‬
‫‪1830‬م‪.‬‬

‫أما عالقة دولة األشراف العلويين مع الدول العثمانية فكان يسودها التوتر أحيانًا‪ ،‬والتعاون أحيانًا أخرى ضد عدوتهما المشتركة أسبانيا‪.‬‬
‫وكان السالطين العثمانيون حريصين على أن يعترف لهم حكام مراكش بالسيادة االسمية فقط‪ ،‬لكن هؤالء كانوا يرون أنفسهم أحق بتلك‬
‫الزعامة الروحية النتمائهم إلى النسب الشريف‪ ،‬ومن ذلك تمسكهم بلقب أمير المؤمنين‪ .‬وقد تحسنت العالقات بين الطرفين في عهد‬
‫السلطان محمد بن عبدهللا الذي اتجه في سياسته إلى توثيق الروابط مع الدولة العثمانية والمشرق العربي اإلسالمي‪.‬‬

‫ملحق‪:‬‬

‫األطماع االستعمارية في المغرب األقصى‬

‫بدأت أطماع فرنسا في المغرب األقصى تظهر منذ احتاللها الجزائر وإبان مقاومة األمير عبد القادر‪ ،‬وقد أسفرت هزيمة جيش السلطان‬
‫عبد الرحمن بمعية األمير والقبائل في معركة إسلي سنة ‪1260‬هـ‪1844 ،‬م عن استسالم السلطان لمطالب فرنسا سواء فيما يخص األمير‬
‫عبد القادر أو الحدود أو االمتيازات التجارية‪ .‬وكانت مشكلة الحدود أهم عنصر استخدمه الفرنسيون في الضغط على المغرب حتى انتهوا‬
‫باحتالله‪ ،‬زد على ذلك حق منح حمايتهم للمغاربة الذي حصل بموجب معاهدة سنة ‪1863‬م‪ .‬ورغم أن بريطانيا كانت قد سبقت إلى‬
‫الحصول على هذا الحق سنة ‪1856‬م‪ ،‬وتلتها أسبانيا سنة ‪1861‬م‪ ،‬لكن فرنسا توسعت في استخدام ذلك الحق دون غيرها فكان تهديدها‬
‫لسيادة المغرب أشد خطورة‪ .‬ذلك أنها لم تحترم قرارات مؤتمر مدريد لسنة ‪1298‬هـ‪1880 ،‬م‪ ،‬وصارت تعطي حمايتها لشخصيات ذات‬
‫نفوذ فتحرضهم على العصيان‪.‬‬

‫عندما تولى الحكم السلطان الحسن بن محمد (‪1312 – 1291‬هـ) حاول أن ينقذ البالد‪ ،‬فأنشأ جي ً‬
‫شا نظاميًا استطاع أن يبسط به نفوذ‬
‫الحكومة المركزية في كل المناطق التي تعترف له بالسيادة االسمية (بالد السيبة) وشملت إصالحاته القضاء واإلدارة‪ ،‬وكان هدفه في‬
‫حد لألطماع الخارجية‪ .‬واعتقد هذا السلطان أن خير وسيلة هي إيجاد توازن بين مصالح الدول‪،‬‬ ‫جميعها تدعيم سلطاته في الداخل َو َوضْع ّ‬
‫كبيرا لسياسته‪ ،‬لما تصور من أنه يحقق الموازنة بين المصالح‪ ،‬فيحمي البالد من أطماع فرنسا وأسبانيا‪.‬‬
‫فرأى في مؤتمر مدريد نجا ًحا ً‬
‫لكنه أدرك بعد التجربة أن فتح باب الحمايات لجميع الدول ليس أقل خطورة‪ .‬وقد ازدادت أطماع فرنسا في عهد أبناء الحسن؛ عبد العزيز‬
‫(‪1325 – 1312‬هـ) وعبد الحفيظ (‪1331 – 1325‬هـ) ويوسف (‪1346 – 1331‬هـ) خاصة أن سياسة عبد العزيز قد اضطرت‬
‫المغرب إلى االستدانة من تلك الدولة بالذات منذ سنة (‪1321‬هـ‪1903 ،‬م) وأثارت االنتفاضات الداخلية‪ ،‬وأهمها انتفاضة بوحمارة‪ ،‬التي‬
‫اندلعت في المناطق الشرقية سنة (‪1320‬هـ‪1902 ،‬م) واستمرت حتى دخول الفرنسيين البالد‪ ،‬وانتفاضة الشريف أحمد بن محمد‬
‫الرسولي في الشمال‪ ،‬والتي بلغت ذروتها سنة ‪1322‬هـ‪1904 ،‬م‪ ،‬وقد تعاون الرسولي مع األسبان لما بدأوا غزوهم سنة ‪1329‬هـ‪،‬‬
‫‪1911‬م‪ .‬وفي سنة ‪1318‬هـ‪1900 ،‬م‪ ،‬اتفقت فرنسا مع أسبانيا على اقتسام األجزاء الجنوبية من المغرب األقصى‪ ،‬فنالت أسبانيا‬
‫الصحراء الغربية ونالت فرنسا موريتانيا‪ ،‬واضطر السلطان للقبول باألمر الواقع‪ .‬وفي نفس السنة ‪1318‬هـ عقدت فرنسا اتفاقية سرية مع‬
‫إيطاليا نصت على إبعاد إيطاليا من المسألة المغربية مقابل إطالق يدها للتصرف في طرابلس وبرقة‪ .‬كما عقدت مع بريطانيا االتفاق‬
‫الودي سنة ‪1322‬هـ‪1904 ،‬م الذي سلمت فيه بريطانيا بأطماع فرنسا في المغرب األقصى مقابل اعترافها بوضع بريطانيا في مصر‪.‬‬
‫وعقدت فرنسا اتفاقًا آخر في نفس السنة مع أسبانيا على مقتضى ما جاء في اتفاقها الودي مع بريطانيا‪ ،‬األمر الذي جعل السلطان عبد‬
‫العزيز يرسل وفدًا إلى برلين يستحث حكومتها على مساعدته إزاء الدول الطامعة‪ ،‬فحضر اإلمبراطور األلماني ولهلم إلى طنجة في‬
‫‪1323‬هـ‪ ،1905 ،‬ليؤكد صداقته للسلطان‪ .‬وعقد مؤتمر الجزيرة سنة ‪1324‬هـ‪1906 ،‬م بحضور وفود نفس الدول التي حضرت‬
‫مؤتمر مدريد سنة ‪1298‬هـ بما فيها المغرب األقصى‪ .‬وقد أصدر قراراته في وثيقة عُرفت بميثاق الجزيرة نصت على االعتراف بسيادة‬
‫السلطان واستقالله ووحدة أراضيه‪ ،‬مع المساواة التجارية لجميع الدول في المغرب األقصى ومساعدة السلطان على تنفيذ برامج‬
‫اإلصالح‪ .‬كما نصت على تأسيس بنك مركزي برأسمال دولي‪ ،‬وتشكيل شرطة أسبانية فرنسية بقيادة سويسيري للموانئ المغربية‪ .‬وكانت‬
‫النتيجة ازدياد االنتفاضات الداخلية‪ ،‬وأهمها انتفاضة ماء العينين في الجنوب‪ ،‬التي كان هدفها تخليص المغرب األقصى من الضغط‬
‫األجنبي وإيقاف التوغل الفرنسي في موريتانيا‪ .‬وقد استغلت فرنسا مقتل طبيب فرنسي بمدينة مراكش في صفر ‪1325‬هـ (مارس‬
‫طا وتحتل مدينة وجدة وما حولها من الجهة الشرقية‪ ،‬كما استغلت مقتل ثمانية عمال‬ ‫‪ )1907‬لتفرض على السلطان عبد العزيز شرو ً‬
‫مؤتمرا بمراكش‬
‫ً‬ ‫أوروبيين في ميناء الدار البيضاء في جمادى اآلخرة من نفس السنة واحتلت المدينة‪ ،‬فعقد الوطنيون في الشهر التالي‬
‫أعلن الجهاد وخلع السلطان‪ .‬وامتدت الحركة إلى فاس باستسالم السلطان إلى فرنسا‪ ،‬فأعلن علماؤها خلعه وتعيين أخيه عبد الحفيظ في‬
‫جمادى األولى ‪1326‬هـ (يونيو ‪1908‬م) فقضى على انتفاضة بوحمارة وأضعف الرسولي وطلب من فرنسا سحب قواتها‪ ،‬لكنها فرضت‬
‫شرو ً‬
‫طا قبلها فوقَّع معها اتفاقية سنة ‪1328‬هـ‪ ،‬مما أطمع أسبانيا بدورها‪ .‬وأثار استسالم السلطان القبائل فانتفضت وأصبح المنتفضون في‬
‫ربيع ‪1329‬هـ‪1911 ،‬م يهددون العاصمة فاس وأعلنوا زينًا سلطانًا في مكناس‪ ،‬فقبل عبدالحفيظ بتدخل القوات الفرنسية لنجدته‪ .‬فاحتلت‬
‫فرنسا فاس في ‪ 21‬ربيع الثاني ‪1329‬هـ‪ 21 ،‬أبريل ‪1911‬م)‪ ،‬وكذلك مكناس والرباط‪ ،‬كما أنزلت أسبانيا قواتها في العرائش والقصر‬
‫واحتلتهما‪ .‬فدخلت ألمانيا مساومة مع فرنسا بأن أرسلت سفينة حربية للتظاهر أمام أغادير‪ ،‬مما أحدث أزمة تدخلت فيها بريطانيا ووقع‬
‫حلها بإرضاء ألمانيا بقطعة من الكاميرون‪ ،‬وأعلنت فرنسا حمايتها للمغرب األقصى في ‪ 11‬ربيع الثاني ‪1330‬هـ‪ 30 ،‬مارس ‪1912‬م‪،‬‬
‫ووقَّع السلطان عبد الحفيظ معاهدة الحماية‪.‬‬

‫المقاومة المسلحة لالحتالل‪ .‬اندلعت انتفاضة في فاس بعد أيام من فرض الحماية‪ .‬وقد بدأت شرارتها األولى بين صفوف الجند‪ ،‬وذلك‬
‫عندما أرادت السلطات الفرنسية تخفيض مرتباتهم إلى الثلث وإخضاعهم للقيادة الفرنسية وأنظمتها‪ ،‬ولم يستمع السلطان لشكاواهم‪ ،‬فأعلنوا‬
‫في ‪ 29‬ربيع الثاني ‪1330‬هـ (‪ 17‬أبريل ‪1912‬م) الخروج على سلطة حكومة المخزن الخاضعة للنفوذ األجنبي‪ .‬وسرعان ما تجاوب‬
‫السكان المدنيون وانضموا لالنتفاضة‪ ،‬كما عمت الحركة الثورية المناطق المحيطة بفاس رغم أن الجنرال موانيي تمكن من دخول المدينة‬
‫حصارا حول فاس حيث الحامية‬
‫ً‬ ‫بعد ثالثة أيام وقمع االنتفاضة‪ .‬وكانت النتيجة أن احتشدت عدة قبائل من األطلس وضربت مع الشاوية‬
‫الفرنسية‪ ،‬فلم ينقذها إال تعيين الجنرال بيير ليوتي قائدًا لجيش االحتالل إلى جانب منصبه مقي ًما عا ًما في ‪ 7‬جمادى اآلخرة (‪ 24‬مايو)‪،‬‬
‫فعمل على استرضاء أهل فاس وتقرب من علماء جامعة القرويين ونجح في فك الحصار عن المدينة بدهائه‪ .‬وقد دفعت هذه الحوادث عبد‬
‫الحفيظ للتنازل عن العرش في ‪ 27‬شعبان ‪1330‬هـ‪ 12 ،‬أغسطس ‪1912‬م ألخيه يوسف‪ .‬وقد تركزت مقاومة المغاربة للفرنسيين في‬
‫منطقتين هما الجنوب وجبال أطلس األوسط‪ .‬ففي الجنوب حمل هبة هللا بن ماء العينين دعوة أبيه في الجهاد والتف أهل السوس بما في‬
‫ذلك كثير من القادة الذين كانوا يمثلون حكومة فاس‪ ،‬وتمكن في شعبان ‪1330‬هـ‪ ،‬أغسطس ‪1912‬م‪ ،‬من دخول مدينة مراكش واعترف‬
‫له األعيان بالرئاسة‪ .‬ورغم أن ليوتي أرسل قوة كبيرة بقيادة الجنرال مانجان استطاعت االستيالء على مراكش في شوال واحتالل أغادير‬
‫أن الوجود الفرنسي في الجنوب ظل‬ ‫وقلعة تارودن سنة ‪1331‬هـ‪ ،‬سبتمبر ‪1913‬م‪ ،‬مما اضطر هبة هللا للتراجع إلى موريتانيا‪ ،‬إال َّ‬
‫منحصرا بين الموانئ والحصون‪ ،‬ولم يتم احتالل السوس إال سنة ‪1353‬هـ‪1934،‬م‪ ،‬وبذلك ربط الفرنسيون محمية المغرب بمستعمرة‬ ‫ً‬
‫موريتانيا‪ .‬وقد استمرت القبائل النازلة في جبال األطلس األوسط من صنهاجة وزناتة وزاير في صمودها‪ ،‬وظل بعضها ممتنعًا على‬
‫السلطات الفرنسية حتى سنة ‪1352‬هـ‪1933 ،‬م‪ .‬ولم يتمكن ليوتي من دخول مدينة تازة في رجب ‪1332‬هـ‪ ،‬يونيو ‪1914‬م‪ ،‬إال‬
‫بصعوبات كبيرة‪ ،‬لكنه أجل عملياته في منطقة األطلس األوسط عمو ًما إلى ما بعد الحرب العالمية األولى‪ .‬ومع ذلك فقد جند ليوتي‬
‫عشرات اآلالف من المغاربة خالل الحرب‪ ،‬وأرسل بهم إلى جبهات القتال األوروبية ليخوضوا المعارك تحت الراية الفرنسية‪ ،‬وسحبت‬
‫كبيرا من قواتها بالمغرب‪ ،‬مما اضطر ليوتي إلى فتح باب التطوع للمغاربة للخدمة في جيش السلطان الرسمي‪ ،‬واستقدام عدد‬ ‫فرنسا جز ًءا ً‬
‫كبير من الجزائريين لسد النقص‪ ،‬مع التظاهر بالقوة للتمويه‪.‬‬

‫وقد واجه الفرنسيون بعد الحرب مقاومة بالخصوص في تادلة‪ ،‬وهي القسم الشرقي من جبال األطلس األوسط‪ ،‬وفي إقليم تافياللت‬
‫بالجنوب الشرقي من المغرب األقصى‪ .‬وقد تزعم المقاومة في تافياللت الشريف السماللي معتمدًا على قبيلة آيت عطا‪ ،‬فلم يتمكن‬
‫الفرنسيون من الدخول إلى تلك المناطق النائية إال في ‪1350-1349‬هـ‪1931-1930 ،‬م بعد وفاة السماللي ودخول الوحدات الميكانيكية‬
‫في جيش االحتالل‪ .‬وبصفة عامة فإن عدم التنسيق بين حركات المقاومة المختلفة واتصاف كثير منها بالنزعة القبلية واإلقليمية كانا من‬
‫أهم عوامل ضعفها‪.‬‬

‫أما بالنسبة لالحتالل األسباني‪ ،‬فقد بدأت أسبانيا تحتل منطقة الريف على مقتضى اتفاقها مع فرنسا سنة ‪1322‬هـ‪1904 ،‬م‪ ،‬فثار الشريف‬
‫أحمد الرسولي (من قبيلة بني عروة) على السلطان واختطف القنصل األمريكي وعائلته‪ .‬وقد عينه السلطان عبد الحفيظ بعد ذلك حاك ًما‬
‫على الجبالة من سكان الريف‪ ،‬وسهل نزول القوات األسبانية في ميناء العرائش في شوال ‪1330‬هـ‪ ،‬سبتمبر ‪1911‬م طمعًا في أن‬
‫يعترف له األسبان باالستقالل بإدارة الجبالة‪ ،‬ويتولى منصب خليفة السلطان في منطقة النفوذ األسباني‪ .‬لكن خاب ظنه فعين السلطان أحد‬
‫أقاربه خليفة في تطوان سنة ‪1331‬هـ‪1913 ،‬م‪ ،‬واحتل األسبان أصيلة ثم تطوان في نفس السنة‪ .‬وخالل الحرب العالمية األولى عقد‬
‫األسبان هدنة مع الرسولي سنة ‪1333‬هـ‪1915 ،‬م‪ ،‬فبقي حاك ًما على إقليم الجبالة‪ .‬وقد اتصل الرسولي باأللمان أثناء الحرب‪ ،‬مما جعل‬
‫أسبانيا تغير سياستها معه إرضاء لفرنسا وتتوغل في إقليم الجبالة‪ ،‬فتحتل شفشاون في صفر ‪1339‬هـ‪ ،‬أكتوبر ‪1920‬م‪ ،‬بعد تكبدها‬
‫خسائر فادحة‪ .‬لكن الرسولي فضل التعاون مع األسبان رغم ذلك على أن يخضع لمحمد بن عبد الكريم الخطابي‪ ،‬إلى أن تمكن الخطابي‬
‫من طرد األسبان وأسره سنة ‪1343‬هـ‪1925 ،‬م‪ .‬وقد بدأ الخطابي حركة المقاومة بعد أن استولت أسبانيا على شفشاون وأخذت تركز‬
‫قواتها على بالد الريف‪ ،‬فانتصر عليها عند إبرن في رمضان ‪1339‬هـ‪ ،‬مايو ‪1921‬م‪ ،‬وشجعه ذلك االنتصار على مهاجمة المراكز‬
‫األسبانية األخرى‪ ،‬وساهمت انتصاراته في توسيع نفوذه بين األهالي وتدعيم زعامته لقبيلة ورياغل التي انتقلت إليه بعد وفاة أبيه سنة‬
‫‪1338‬هـ‪1920 ،‬م‪.‬‬

‫وفي شهر ذي القعدة‪ ،‬بينما كان األمير الخطابي يحاصر إجربين‪ ،‬وصل القائد العام سلفستر لنجدة الحامية المحصورة‪ ،‬لكنه قرر‬
‫االنسحاب عندما وجدها قد سقطت‪ ،‬فتتبعته قوات األمير والتحمت معه في ‪ 12‬ذي القعدة ‪1339‬هـ‪ 18 ،‬يوليو ‪1921‬م‪ ،‬في معركة‬
‫األنوال‪ ،‬حيث أبادت هذه األخيرة الحملة األسبانية بأسرها بما فيها القائد سلفستر نفسه‪ ،‬فكانت أكبر هزيمة ألحقها جيش عربي بجيش‬
‫أوروبي في التاريخ الحديث والمعاصر‪ .‬وقد ذاعت شهرة األمير بعدها وسلمت له قبائل الريف األخرى بالزعامة وهبت لمحاصرة‬
‫مقتصرا على مدينة تطوان والموانئ‬
‫ً‬ ‫كبيرا من األسبان الذين أصبح وجودهم‬‫المراكز األسبانية‪ ،‬فطهرت بالد الريف تقريبًا وأسرت عددًا ً‬
‫وبعض الحصون في الجبالة‪.‬‬

‫وكان من نتائج نصر األنوال التمهيد لوقوع انقالب عسكري في أسبانيا قام به بريمو دي ريفيرا في صفر ‪1342‬هـ‪ ،‬سبتمبر‪1923‬م‪.‬‬
‫وطلب الخطابي من األسبان الجالء عن المناطق التي احتلوها واالنسحاب إلى سبتة ومليلة‪ ،‬فلما رفضوا هاجم تطوان في صيف‬
‫‪1343‬هـ‪1924 ،‬م‪ ،‬األمر الذي دعا بريمو دي ريفيرا إلى الحضور واإلشراف على القتال بنفسه‪ .‬وانسحب األسبان من شفشاون في‬
‫ربيع اآلخر ‪1343‬هـ‪ ،‬نوفمبر ‪1924‬م‪ ،‬بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة وبدوا عاجزين عن النيل من األمير وقواته‪ .‬وعندها قررت فرنسا‬
‫التدخل‪ ،‬وقد بدأ التحضير لذلك ببناء المراكز الحربية في وادي ورغة منذ رمضان ‪1342‬هـ‪ ،‬أبريل ‪1924‬م‪ ،‬وقابل األمير ذلك‬
‫باالحتجاج واتخاذ االحتياطات الحربية الالزمة للدفاع‪ .‬كما أخذ الفرنسيون يمدون زعماء الطرق الصوفية بالمال واألسلحة إلثارة‬
‫االضطرابات في المناطق المحررة‪ ،‬فلما هاجم الريفيون إحدى زوايا الطريقة الدرقاوية قرب الحدود في ‪ 19‬رمضان ‪1343‬هـ‪ ،‬أبريل‬
‫‪1925‬م‪ ،‬تدخل الفرنسيون بحجة حماية أنصارهم‪ .‬ثم اتسعت العمليات الحربية ففاجأت قوات األمير بقدرة رجالها وكفاءة زعمائها‪ ،‬حيث‬
‫ألزموا الفرنسيين موقف الدفاع على مدى أربعة أشهر وحاصروا مراكز قيادتهم في عين عائشة‪ ،‬ووصلت بعض قوات الريف إلى مسافة‬
‫‪ 20‬ميالً من فاس‪ ،‬وهددت تازة‪ ،‬كما كبدت العدو خسائر فادحة‪.‬‬

‫واستطاعت قوات الريف أن تصمد سنة كاملة (شوال ‪-1343‬ذو القعدة ‪1344‬هـ) في وجه ثالثة مارشاالت وأربعين جنراالً والقوات‬
‫األساسية لدولتين أوروبيتين‪ ،‬فضالً ع ّمن استقدمتهم من طيارين أمريكيين مرتزقة الستخدام أحدث وسائل قاذفات القنابل‪ .‬ولم يتحول‬
‫الفرنسيون إلى الهجوم في صفر ‪1344‬هـ‪ ،‬سبتمبر ‪1925‬م‪ ،‬إال بعد أن استقدموا إمدادات هائلة حتى بلغت القوة الفرنسية األسبانية ‪280‬‬
‫ألف جندي و‪ 132‬طائرة‪ ،‬وأغروا السلطان يوسف بإعالن أمير الريف أحد العصاة الخارجين على السلطة الشرعية واستنفار القبائل‬
‫مؤتمرا بمدريد قرر تنسيق العمليات الحربية بين القيادتين‪ ،‬ومكافحة تجارة األسلحة بين دولة الريف‬
‫ً‬ ‫للقتال‪ .‬كما عقد الفرنسيون واألسبان‬
‫وأوروبا بتنظيم الدوريات على طول السواحل الشمالية للمغرب‪ ،‬وقد شارك األسطول البريطاني بالمراقبة في مياه طنجة اإلقليمية‪ .‬كما‬
‫تعهد الطرفان بعدم القيام بعمل دبلوماسي أو توقيع صلح منفرد مع العدو دون االتفاق مع الطرف اآلخر‪ .‬وقبل القيام بالهجوم الكبير‬
‫غا رسميًا في ‪ 22‬محرم ‪1344‬هـ‪ 12 ،‬أغسطس ‪1925‬م أبدتا فيه استعدادهما للتسليم باستقالل الريف إداريًا‬ ‫أصدرت الحكومتان بال ً‬
‫بشرط أن يعترف األمير الخطابي للسلطان بالسيادة العليا الممثلة في شخص خليفة تطوان‪ .‬وذلك من قبيل المناورة السياسية فيما يبدو‪.‬‬

‫وفي ‪ 16‬صفر ‪1344‬هـ‪5 ،‬سبتمبر ‪1925‬م‪ ،‬نجح األسبان بمعاونة البحرية الفرنسية في إنزال جنودهم إلى مكان قرب خليج الحسيمات‬
‫واستطاعوا في بداية الشتاء االستيالء على أغادير عاصمة األمير‪ .‬واغتنم الفرنسيون توقف العمليات الحربية في فصل الشتاء باستمالة‬
‫القبائل الموالية له‪ ،‬فبدأت هذه األخيرة تنفض من حوله وتسارع للحصول على أفضل الشروط من الفرنسيين واألسبان‪ ،‬ولما فشلت‬
‫محاوالت األمير الخطابي إليقاف هذا االنحالل لم يتردد في طلب عقد هدنة إلنهاء النزاع عن طريق المفاوضات‪ .‬ووضعت الحكومتان‬
‫طا قاسية تتمثل في االعتراف باستقالل الريف اإلداري في حدود المعاهدات الدولية (أي قبول معاهدة‬ ‫الفرنسية واألسبانية لذلك شرو ً‬
‫الحماية)‪ ،‬واالعتراف بسيادة السلطان‪ ،‬ومغادرة الخطابي للبالد وتجريد قبائل الريف من السالح‪ .‬فلما قبلها األمير على أمل أن يحفظ‬
‫قدرا من االستقالل الذاتي‪ ،‬وانعقدت المفاوضات بوجدة في ‪ 5‬شوال ‪1344‬هـ‪ 18 ،‬أبريل ‪1926‬م‪ ،‬راح المفاوضون‬ ‫ألهل الريف ً‬
‫الفرنسيون واألسبان يعرقلونها بتقديم مزيد من المطالب المتعسفة مما أدى إلى فشل المحادثات واستئناف القتال‪ .‬فسقط مقر األمير‬
‫الخطابي في حصن ترجست في ‪ 10‬ذي القعدة‪ 23 ،‬مايو‪ ،‬واستسلم هو بدوره للفرنسيين بعد يومين‪ ،‬فاعتبروه أسير حرب ونفوه مع أخ‬
‫له وبعض أقربائهما إلى جزيرة ريونيون في المحيط الهندي‪ .‬وحين أرادوا نقلهم إلى فرنسا بعد عشرين سنة استغل األمير وصول السفينة‬
‫التي تقلهم إلى السويس فلجأ إلى السلطات المصرية سنة ‪1366‬هـ‪1947 ،‬م‪ ،‬واستقر بالقاهرة إلى أن توفي بها سنة ‪1382‬هـ‪1963 ،‬م‪،‬‬
‫وهو ال يؤمن بغير الكفاح المسلح وسيلة لتحرير بالد المغرب العربي‪.‬‬

‫االستعمار وتقسيم المغرب األقصى‪ .‬فرضت فرنسا في ‪ 11‬ربيع اآلخر ‪1330‬هـ‪ 30 ،‬مارس ‪1912‬م على السلطان عبد الحفيظ توقيع‬
‫معاهدة حماية من تسع مواد جعلت من المغرب األقصى محمية وصفها شبيه بما آلت إليه تونس سنة ‪1300‬هـ‪1883 ،‬م‪ ،‬بعد توقيع‬
‫معاهدتي باردو والمرسي‪ .‬ذلك ألن مواد المعاهدة جردت السلطان من كل سلطاته الفعلية في الداخل والخارج‪ ،‬وأحالتها إلى إدارة الحماية‬
‫وعلى رأسها المقيم العام الفرنسي‪ ،‬وسمحت لها بإدخال ما تراه نافعًا من إصالحات إدارية وقضائية ومالية وعسكرية‪ ،‬كما جعلت تمثيل‬
‫المغرب األقصى في الخارج بأيدي ممثلي فرنسا وقناصلها‪ .‬ولم تبق للسلطان إال السلطة االسمية المتمثلة في توقيع المراسيم التشريعية‬
‫التي كانت تقدم له‪ ،‬كما لم تبق من حكومة المخزن سوى المظهر الشكلي التقليدي‪ .‬وجلعت المقيم العام ممثالً لفرنسا لدى السلطان يسهر‬
‫على تنفيذ المعاهدة‪ ،‬ووسيط السلطان في عالقاته مع ممثلي الدول األجنبية‪ ،‬ومكلفًا بكل المسائل المتعلقة باألجانب‪ ،‬ولديه سلطة الموافقة‬
‫ونشر كل المراسيم الصادرة عن السلطان‪ .‬وقد دفعت هذه القيود التي فرضتها معاهدة الحماية وسخط األهالي السلطان عبد الحفيظ إلى‬
‫التنازل سنة ‪1330‬هـ‪1912 ،‬م ألخيه يوسف بن الحسن‪ .‬ووقَّعَتْ فرنسا في ‪ 17‬ذي الحجة ‪1330‬هـ‪ 27 ،‬نوفمبر ‪1912‬م اتفاقية مع‬
‫أسبانيا القتسام المغرب بينهما‪ .‬وقد ميزت االتفاقية بين قسمين في منطقة النفوذ األسباني من حيث وضعهما القانوني‪ ،‬فيشمل القسم األول‬
‫جيبي سبتة ومليلة ومنطقة إفني في الجنوب حيث تمارس أسبانيا حقوق السيادة بدون قيد‪ ،‬ويشمل القسم الثاني شمال المغرب من الحدود‬
‫الجزائرية إلى نقطة جنوب ميناء العرائش على ساحل األطلسي تستمد أسبانيا وجودها فيه من معاهدة الحماية بين فرنسا والسلطان‪،‬‬
‫ويمثله به خليفة يقيم بتطوان ويخضع إلشراف اإلدارة األسبانية‪ ،‬كما يخضع هو نفسه لإلقامة العامة الفرنسية‪ ،‬وتمارس فيه أسبانيا‬
‫صالحيات الحماية‪ .‬كما تؤكد االتفاقية على جعل طنجة منطقة محايدة‪ ،‬ثم تطور أمرها إلى التدويل في جمادى األولى ‪1342‬هـ‪ ،‬ديسمبر‬
‫‪1923‬م‪ .‬وبذلك أصبح المغرب األقصى في عهد الحماية مقس ًما إلى أربع مناطق تختلف كل منها عن األخرى من حيث الوضع القانوني‪.‬‬
‫وفي منطقة الحماية الفرنسية‪ ،‬قسم المقيم العام إدارة المغرب إلى ثالثة أجهزة هي‪ :‬إدارة المخزن التي احتفظت بطابعها القديم‪ ،‬واإلدارة‬
‫الشريفية الجديدة التي يقوم بها مثقفون مغاربة إلدارة الشؤون الفنية الخاصة باألهالي‪ ،‬واإلقامة العامة التي تهيمن على سياسة البالد العليا‬
‫في مجاالت الخارجية والدفاع واألمن العام‪ .‬ولم يبق في مجلس الوزراء سوى ثالثة مغاربة‪ ،‬هم الصدر األعظم الذي انتقلت معظم‬
‫اختصاصاته إلى الكاتب العام للحماية‪ ،‬ووزير العدل الذي صارت سلطاته الحقيقية على المحاكم الشرعية والمعاهد الدينية بيد رئيس‬
‫مراقبة العدل باإلدارة الشريفية‪ ،‬في حين كانت إدارة العدل فرنسية محضة‪ ،‬ووزير األوقاف الذي كانت سلطته الفعلية بيد موظف فرنسي‬
‫لدى اإلدارة الشريفية‪ ،‬في الوقت الذي وضعت فيه إدارات الفالحة والمالية واألشغال العامة والبريد والصناعة بأيدي مديرين فرنسيين‬
‫يديرونها إدارة مباشرة‪ .‬كما عين مراقبون فرنسيون خارج العاصمة بالجهات لمراقبة الباشوات وقادة األقاليم المغاربة‪ .‬وفي ظل هذه‬
‫اإلدارة‪ ،‬دخل المغرب األقصى مستوطنون زراعيون فرنسيون وأصحاب حرف ورجال أعمال وتجارة‪ ،‬ورغم أن المقيم العام ليوتي لم‬
‫يكن يشجع الهجرة‪ ،‬فقد بلغت مساحة األراضي التي امتلكها فرنسيون في عهده ‪ 400‬ألف هكتار‪ .‬وقد فتح باب الهجرة واالستيطان بعده‬
‫على مصراعيه‪ ،‬فاستغل مستوطنو الجزائر سهل الملوية في الشرق‪ ،‬وتركز عدد كبير من المعمرين في سهل الشاوية‪ .‬وفي رجب‬
‫ظهيرا بجواز استغالل أراضي القبائل غير المزروعة في مقابل إيجار رمزي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪1337‬هـ‪ ،‬أبريل ‪1919‬م‪ ،‬استصدرت اإلقامة العامة‬
‫وبلغت الملكيات األوروبية في األربعينيات من القرن العشرين نحو مليون هكتار استأثرت بنصيب األسد في توزيع المياه‪ ،‬مما أوقع‬
‫كبيرا بالزراعة األهلية‪ .‬كما قامت شركات رأسمالية فرنسية خاصة بالبحث عن الثروات الباطنية واستغلت مناجم للفوسفات‬ ‫ضررا ً‬‫ً‬
‫والمعادن كالحديد والمنجنيز والرصاص والكوبالت والنحاس وغيرها بالمغرب‪.‬‬

‫ظهيرا (قانونا) في ‪1332‬هـ‪،‬‬‫ً‬ ‫الحركة الوطنية المغربية‪ .‬سعت فرنسا إلثارة النعرة البربرية في المغرب األقصى‪ ،‬فاستصدرت اإلقامة‬
‫صا بنظر الشؤون المدنية‪ .‬وكان المقيم لوسيان‬‫شرعي ويجعل مجلس الجماعة أو القبيلة مخت ً‬ ‫‪1914‬م‪ ،‬يخرج البربر من دائرة القضاء ال َّ‬
‫طا بجماعة من مستشارين عُرفت بالكتلة البربرية ألنها تدعو إلى فصل البربر عن حكومة المخزن تمهيدًا إلدماجها في البيئة‬ ‫سان محا ً‬
‫الفرنسية‪ ،‬وتضمنت خطتهم إحياء اللهجات البربرية بكتابتها بحروف التينية‪ ،‬كما ركز المنصرون نشاطهم في مناطق البربر‪ .‬وفي‬
‫ظهيرا جديدًا أعطى مجالس الجماعة صفة رسمية حولها إلى محاكم مدنية‪ ،‬وقضى بتسجيل‬ ‫ً‬ ‫‪1349‬هـ‪1930 ،‬م‪ ،‬استصدر المقيم العام‬
‫عرف البربر ليصبح قانونًا معترفًا به لتلك المحاكم‪ .‬كما نزع النظر في الجنايات من قضاء القادة والباشوات الذين يمثلون السلطان‪ ،‬وأنشأ‬
‫محاكم جديدة في مناطق البربر من قضاة فرنسيين لتطبيق القانون الجنائي الفرنسي فيها‪ .‬فاصطدم ذلك الظهير بمعارضة شديدة من قبائل‬
‫البربر ذاتها ورد فعل عنيف في المغرب وعامة العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫وقد بدأت الحركة السياسية الوطنية في المغرب على هيئة جمعيات خاصة ذات أهداف تعليمية واجتماعية أسسها شباب من خريجي‬
‫المدارس الفرنسية في الرباط أمثال أحمد بالفريج‪ ،‬إلى جانب جمعيات دينية سلفية أنشأها شباب القرويين بفاس أمثال عالل الفاسي‬
‫لمقاومة الطرق الصوفية وعقائدها‪ .‬وتقارب شباب الرباط وفاس حتى كونوا نواة كتلة العمل المغربي‪ ،‬التي برزت حركة سياسية واسعة‬
‫النطاق بعد صدور الظهير البربري‪ .‬فأصدرت سنة ‪1351‬هـ‪1932 ،‬م مجلة باللغة الفرنسية كانت بباريس تحت اسم مجلة المغرب‪ ،‬وفي‬
‫المغرب باسم مجلة العمل المغربي‪ ،‬كما نزلت الكتلة إلى ميدان العمل الجماهيري في ‪1353‬هـ‪1934 ،‬م بمناسبة زيارة السلطان محمد‬
‫صا‬
‫بن يوسف (‪1380- 1346‬هـ) لفاس‪ .‬وكان برنامجها يتلخص في إلغاء مظاهر الحكم المباشر الفرنسي وتطبيق معاهدة الحماية ن ً‬
‫ورو ًحا‪ ،‬وقيام حكم ملكي دستوري وإلحاق المغاربة بالوظائف‪ ،‬والفصل بين السلطات‪ ،‬وتأسيس مجالس بلدية وإقليمية ومجلس وطني‬
‫جميع أْعضائه من المغاربة‪ .‬وقد حاولت الكتلة االستفادة من قيام حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا سنة ‪1355‬هـ‪1936 ،‬م فأصدرت‬
‫جريدتي األطلس بالعربية والعمل الشعبي بالفرنسية‪ ،‬وشرع عالل الفاسي ومحمد الوزاني في تنظيم حزب حقيقي‪ ،‬انتخبت له لجنة مؤقتة‬
‫ريثما تسمح الظروف بعقد مؤتمر وطني فكانت الرئاسة للفاسي واألمانة العامة للوزاني‪ .‬بيد أن هذا األخير أعلن انسحابه من الكتلة على‬
‫إثر ذلك وتأسيس حزب مستقل باسم حزب الشعب‪ ،‬فحل محله في األمانة العامة للكتلة أحمد بالفريج‪ .‬وتزعم فرع الكتلة في منطقة‬
‫االحتالل األسباني عبد الخالق الطريس‪ ،‬لكن هذا الفرع انفصل بعد انقالب فرانكو في أسبانيا‪ .‬ولما عمدت السلطات الفرنسية إلى حل‬
‫الكتلة في ‪ 25‬ذي الحجة ‪1355‬هـ‪ 8 ،‬أغسطس ‪1937‬م‪ ،‬أعاد قادتها تكوينها باسم الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية الذي‬
‫استطاع أن يظفر باالعتراف الرسمي‪ .‬غير أن تأييد هذا الحزب لحركة مكناس ضد تحيز اإلدارة في توزيع مياه الري للمعمرين‬
‫الفرنسيين سنة ‪1356‬هـ‪1937 ،‬م عرضه للحل من قبل المقيم العام نوجيس الذي نفى قادة الحزب‪ ،‬بمن فيهم عالل الفاسي‪ ،‬إلى خارج‬
‫البالد أيضًا‪ .‬وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية أعلن السلطان محمد بن يوسف في ‪ 18‬رجب ‪1358‬هـ‪ 3( ،‬سبتمبر ‪1939‬م) عن‬
‫تأييده ودعمه لفرنسا وحلفائها‪ ،‬لكن سياسة حكومة فيشي تجاه المستعمرات أفقدته الثقة بفرنسا‪ .‬كما رحب بالجيوش األمريكية عند نزولها‬
‫بالمغرب سنة ‪1361‬هـ‪1942 ،‬م‪ ،‬مما جعل الرئيس روزفلت ينتهز فرصة لقائه بتشرتشل بالدار البيضاء في صفر ‪1362‬هـ‪ ،‬ديسمبر‬
‫‪1943‬م‪ ،‬ليقابل السلطان بدون وساطة المقيم العام الفرنسي‪ .‬وقد ساهمت الفرق المغربية في العمليات الحربية للحلفاء بأوروبا مساهمة‬
‫مشهودة ضمن جيوش فرنسا الحرة إلى جانب إخوانهم الجزائريين والتونسيين‪.‬‬

‫مؤتمرا شكل تحوالً في تاريخ الحركة الوطنية المغربية‪ ،‬بسبب‬ ‫ً‬ ‫وفي ‪ 16‬محرم ‪1363‬هـ‪ 11 ،‬ديسمبر ‪1944‬م عقد الوطنيون المغاربة‬
‫ً‬
‫تأسيسه حزب االستقالل وقراره العدول عن سياسة االستقالل على مراحل ومطالبته بإسقاط الحماية مباشرة شرطا مقد ًما للتفاوض مع‬
‫فرنسا‪ .‬وقد رفع الحزب ثالثة مبادئ إلى السلطان تتمثل في المطالبة باستقالل المغرب ووحدة أراضيه‪ ،‬وبتوثيق الروابط مع دول العالم‬
‫عامة والدول العربية واإلسالمية خاصة‪ ،‬وبالمحافظة على الملكية مع جعلها ملكية دستورية‪ .‬فأظهر السلطان عطفه على الحزب ومبادئه‬
‫وظل كذلك حتى حصول المغرب على استقالله‪ ،‬في حين رد المقيم العام الفرنسي جبريل بيو على بيان الحزب باعتقال الزعماء وقمع‬
‫المظاهرات الجماهيرية التي خرجت تأييدًا له في الدار البيضاء وفي فاس خالل شهر صفر ‪1363‬هـ‪ ،‬فبراير ‪1944‬م‪ ،‬وأرسلت حكومة‬
‫باريس تهدد السلطان‪ .‬ولكنها اضطرت أمام التصميم الشعبي واحتجاجات السلطان‪ ،‬إلى تعيين االشتراكي إريك لوبون مقي ًما عا ًما جديدًا‬
‫في أوائل ‪1365‬هـ‪1946 ،‬م‪ ،‬فبادر بإطالق سراح معظم المعتقلين السياسيين وإعادة الزعماء المنفيين ومن بينهم عالل الفاسي وأحمد‬
‫بالفريج ومحمد الوزاني‪ ،‬وباشر إصالحات إدارية واقتصادية لم ترض الوطنيين وأغضبت المستوطنين‪ .‬فاستغل وزير الخارجية الفرنسية‬
‫خطاب السلطان في طنجة سنة ‪1366‬هـ‪1947 ،‬م الذي أعلن فيه عن وحدة أراضي المغرب وأشاد بجامعة الدول العربية‪ ،‬ليقنع الحكومة‬
‫بإرسال الجنرال الفونس جوان مقي ًما عا ًما جديدًا‪ ،‬وهو ابن أحد المستوطنين بالجزائر‪ ،‬إلرهاب السلطان والوطنيين‪ .‬فامتد عهده من‬
‫‪ 1366‬إلى ‪1371‬هـ‪ 1947 ،‬إلى‪1951‬م‪ ،‬قضى خالله على جميع الحريات‪ ،‬كما باشر برنامج إصالحات ترمي إلى إرساء مبدأ السيادة‬
‫المزدوجة الذي لم يسبق أن صرح به الفرنسيون بالنسبة للمغرب األقصى‪ ،‬بعكس ما فعلوا في تونس‪.‬‬

‫ولما فشلت كل محاوالت حزب االستقالل للتفاوض مع باريس مباشرة وإقناعها بحسن نواياه‪ ،‬وضاق الخناق على زعمائه بالمغرب التحق‬
‫عالل الفاسي بالقاهرة في جمادى اآلخرة ‪1366‬هـ‪ ،‬مايو ‪1947‬م‪ ،‬وفي نفس السنة حل بها األمير محمد بن عبدالكريم الخطابي وتولى‬
‫زعامة مكتب المغرب العربي‪ ،‬وذلك في الوقت الذي كان السلطان يقاوم ما استطاع سياسة المقيم العام ويرفض توقيع الظهائر (القوانين)‬
‫التي يقدمها إليه‪ ،‬األمر الذي جعل الحكومة الفرنسية تدعوه لزيارة باريس لعلها تحوله عن موقف المعارضة‪ .‬لكنه قدم مذكرتين في ذي‬
‫الحجة ‪1369‬هـ‪ ،‬أكتوبر ‪1950‬م‪ ،‬عبّر فيهما عن رغبته في إطالق الحريات العامة وتغيير طبيعة العالقات مع فرنسا‪ ،‬وذلك معناه إلغاء‬
‫الحماية‪ .‬فدفع المقيم العام تهامي الجالوي‪ ،‬صاحب النفوذ في الجنوب‪ ،‬لجمع القبائل الموالية له والزحف على الرباط في ربيع اآلخر‬
‫إنذارا يطالبه فيه‬
‫ً‬ ‫‪1370‬هـ‪ ،‬يناير ‪1951‬م‪ .‬وعندها حاصرت القوات الفرنسية القصر بدعوى حماية السلطان‪ ،‬وقدم المقيم العام إليه‬
‫بإصدار بيان إدانة لحزب االستقالل أو التنازل عن العرش وإال عزله‪ .‬واضطر السلطان مكرهًا لتوقيع االستنكار المطلوب دون ذكر‬
‫للحزب‪ .‬واستغلت اإلقامة العامة التصريح العتقال مزيد من الوطنيين وإجبار السلطان على عزل الموظفين المشتبه في ميلهم لحزب‬
‫االستقالل وإبعاد عدد منهم عن البالد‪ .‬وكان لذلك صدى في البالد العربية والعالم‪ ،‬فأبدت الجامعة العربية تأييدها للمغرب ورفعت قضيته‬
‫إلى هيئة األمم المتحدة‪ ،‬التي رفضت التدخل في المسألة‪.‬‬

‫وفي نهاية ‪1371‬هـ‪ 18 ،‬أغسطس ‪1951‬م‪ ،‬عينت فرنسا الجنرال جيوم مقي ًما عا ًما جديدًا بالمغرب فلم تختلف سياسته عن سياسة سلفه‪،‬‬
‫مما جمد العالقات بين فرنسا والسلطان‪ ،‬وتشكلت جبهة وطنية من األحزاب المغربية قدمت في ‪ 17‬ربيع اآلخر ‪1371‬هـ‪ ،‬يناير ‪1952‬م‬
‫مذكرة إلى هذا األخير تضمنت األماني الوطنية كما قدمت الدول العربية المستقلة احتجا ًجا إلى هيئة األمم المتحدة وفرنسا عن الحالة‬
‫بالمغرب‪ ،‬مما شجع السلطان على توجيه مذكرة جديدة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية في ‪14‬جمادى اآلخرة‪ 14 ،‬مارس أيد فيها‬
‫المطالب الوطنية‪.‬‬

‫وأثيرت القضية المغربية من جديد أمام األمم المتحدة‪ ،‬وفي تلك األثناء اغتيل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد فأعلن حزب االستقالل‬
‫اإلضراب العام تضامنًا‪ .‬وواجهت السلطات االستعمارية المظاهرات الشعبية في الدار البيضاء بالرصاص فأحدثت مذبحة‪ ،‬واعتقلت‬
‫أعدادًا كبيرة بمن فيهم قادة الحزب‪ ،‬كما أعلنت حل الحزب وتعطيل الصحف العربية‪.‬‬

‫ولما تولت الحكم في باريس حكومة النييل اليمينية في رمضان ‪1372‬هـ‪ ،‬مايو ‪1953‬م التي شغل وزارة الخارجية فيها الصليبي بيدو‪،‬‬
‫ي الكتاني رئيس الطريقة الكتانية‪ ،‬فقدم عرائض‬
‫تجددت فكرة خلع السلطان‪ .‬ونشط تهامي الجالوي من جديد في الجنوب‪ ،‬يساعده عبدالح ّ‬
‫إلى الحكومة الفرنسية تطالب بعزل السلطان فأقدمت على األمر بخلعه يوم عيد األضحى ‪1372‬هـ‪ 20 ،‬أغسطس ‪1953‬م‪ ،‬ونقل إلى‬
‫كورسيكا‬

You might also like