You are on page 1of 132

¦التعدد واالنفتاح‬
‫في تجربة الفنانة‬
‫التشكيلية عرفات‬
‫العاصمي‬
‫ ¦إيقاع الصورة عند‬
‫الشاعر مريد البرغوثي‬
‫ ¦أنا راحل‪ ،‬آخر رسالة‬
‫كتبها تولستوي‬
‫ ¦حوارات‪ :‬الشاعرة مها‬
‫العتيبي‪ ،‬الشاعر حسـن‬
‫شـهــاب الدين‪ ،‬األديبة‬
‫لطيفة لبصير‬

‫عبدالرحمن الصالح الشبيلي‬


‫أيقونة في الحضور والرحيل!‬

‫‪65‬‬
‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬
‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬


‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬
‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬
‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬
‫مجاالت النشر‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬
‫شروط النشر)‪.‬‬
‫شروطه‪:‬‬
‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬
‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬
‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬
‫فصيحة‪.‬‬
‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬
‫‪ -‬البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬
‫تلك المجالت‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬
‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬
‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬
‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬
‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬
‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬
‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬
‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬
‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬
‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬
‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬
‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬
‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬
‫أكادميية‪.‬‬
‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬
‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬
‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬
‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬
‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬
‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬
‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬
‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬
‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬
‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬
‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬
‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬
‫‪ -‬ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬
‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬
‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬
‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬
‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬
‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬
‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬
‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬
‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬
‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬
‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬
‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬
‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬
‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬
‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬

‫قواعد النشر‬ ‫أسرة التحرير‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم بن موسى احلميد‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬‫محمود الرمحي‬
‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬
‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬
‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬
‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬
‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬
‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬
‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬
‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬
‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬
‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬
‫ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬
‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬
‫ال من‪( :‬دار‬
‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬
‫للنساء‪ .‬ويصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬ ‫‪0553308853‬‬
‫الـمحتويــــات‬ ‫العدد ‪ - 65‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫‪٤‬‬ ‫االفتتاحية‪ :‬إبراهيم بن موسى الحميد ‪..........................‬‬
‫‪٦‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬رُبَّ ٍأخ ‪ -‬زياد بن عبدالرحمن السديري ‪.............‬‬
‫‪٩‬‬ ‫نقش على شاهدة ‪ -‬عبدالرحمن الدرعان‪........................‬‬
‫‪١١‬‬ ‫مشيْناها‪ ..‬سطراً سطرا ‪ -‬د‪ .‬عبدالواحد الحميد ‪...............‬‬
‫‪١٦‬‬ ‫نُـــزُل الـــنّـــعـــيـــمِ ‪ -‬عبدالقادر بن عبدالحي كمال‪................‬‬
‫‪17‬‬ ‫د‪ .‬الشبيلي‪ ..‬مؤرخ اإلعالم السعودي ‪ -‬د‪ .‬عائض ال َّردَّادي ‪......‬‬
‫عبدالرحمن الشبيلي‪ :‬تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية‬
‫ألصوغ بها سيرتي ‪ -‬إبراهيم العوامرة ‪٢١ .........................‬‬
‫قراءة في سيرته الذاتية (مشيناها) ‪ -‬د‪ .‬عبداهلل الحيدري ‪24 .....‬‬
‫رسالة من تلميذ لمعلمه ‪ -‬د‪ .‬علي بن دبكل العنزي ‪٣٠ ..............‬‬
‫الشبيلي صاحب الخطوة الواثقة ‪ -‬د‪ .‬هناء بنت علي البواب ‪٣٢ ....‬‬
‫عبدالرحمن الشبيلي في ذمة اهلل ‪ -‬نواف الراشد‪٣٥ ...............‬‬
‫الشبيلي والشورى! ‪ -‬أحمد العسَّ اف ‪٣٦ .............................‬‬
‫د‪ .‬الشبيلي‪ ..‬زيارة واحدة‪ ..‬أم اثنتان؟ ‪ -‬محمد الجفري ‪40 ........‬‬
‫الشبيلي تخرج من كليتين في وقت واحد‪ ،‬وكتب سيرته بلغة الغائب‬
‫‪ -‬محمد بن عبدالرزاق القشعمي ‪42 ..............................‬‬
‫ّدة ‪ -‬محمد صوانة ‪47 .......‬‬ ‫‪‭‬متفر ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‫د‪‭ ‬.‬عبدالرحمن‬ ‪‭‬الشبيلي‪‬..‬أيقونة‬ ِ‬
‫في وداع عبدالرحمن الشبيلي ‪ -‬المحرر الثقافي ‪49 ...............‬‬
‫دراسات ونقد‪ :‬أبعاد التعدد واالنفتاح في تجربة الفنانة التشكيلية‬ ‫‪6..........................‬‬
‫السعودية عرفات العاصمي ‪ -‬إبراهيم الحجري ‪50 .................‬‬
‫إيقاع الصورة في شعر مريد البرغوثي ‪ -‬نضال القاسم ‪61 .........‬‬ ‫في وداع‬
‫اإلخوة الستة في رواية (الصيادون) ‪ -‬ليلى عبداهلل ‪70 .............‬‬
‫شعرن ُة األلم في ديوان "جنازة الغريب" لعبداهلل السفر ‪ -‬هشام‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪..‬‬
‫بنشاوي‪72 ..........................................................‬‬
‫لمعاتٌ على رواية النمر األبيض ألرافيند أديغا ‪ -‬محمد الهدوي‪78 .‬‬
‫‪82‬‬ ‫نصوص‪ :‬الهجرة ‪ -‬حليم الفرجي ‪..................................‬‬
‫‪84‬‬ ‫ورقة ‪ -‬حنان بيروتي ‪..............................................‬‬
‫‪86‬‬ ‫ومضات سريعة ‪ -‬سميرة الزهراني ‪..............................‬‬
‫‪87‬‬ ‫قمر ‪ - 50‬محمد الرياني ‪.........................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫العَصا ميراثُ المؤمنين! ‪ -‬فهد أبو حميد‪........................‬‬
‫‪92‬‬ ‫تحرير ‪ -‬سمر الزعبي ‪............................................‬‬ ‫‪61..............................‬‬
‫‪93‬‬ ‫أصبوحة جوفية ‪ -‬سعاد الزحيفي ‪................................‬‬
‫‪94‬‬ ‫ذاكرة ال تنام ‪ -‬نوره العبيري‪.................................‬‬ ‫إيقاع الصورة في شعر‬
‫‪٩٥‬‬ ‫وطني ‪ -‬مرضي الشمري ‪....................................‬‬
‫‪96‬‬ ‫مَن كمثلي ‪ -‬عبداهلل األمير‪.......................................‬‬
‫مريد البرغوثي‬
‫‪97‬‬ ‫إلى متى؟! ‪ -‬د‪ .‬سعود الصاعدي ‪............................‬‬
‫ترجمة‪ :‬أنا راحل! (آخر رسالة كتبها تولستوي إلى زوجته صونيا)‬
‫‪٩٨‬‬ ‫‪ -‬ترجمتها عن الفرنسية‪ :‬ياسمينة صالح ‪........................‬‬
‫‪١٠٠‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعرة د‪ .‬مها العتيبي ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بو قاسم‪.....‬‬
‫‪١٠٧‬‬ ‫الشاعر حسن شهاب الدين ‪ -‬حاوره‪ :‬أسامة الزقزوق ‪......‬‬
‫‪١١١‬‬ ‫األديبة لطيفة لبصير ‪ -‬حاورها‪ :‬محمد نجيم ‪..............‬‬
‫‪١١٤‬‬ ‫نوافذ‪ :‬شجرة السرح رمز األنوثة‪- !..‬‏أحمد إبراهيم البوق‪.......‬‬ ‫‪100............................‬‬
‫‪١١٨‬‬ ‫السينـمـا بين االستـهالك والفن ‪ -‬منصف القرطبي ‪........‬‬
‫‪١٢٠‬‬ ‫وادي بطحـان ‪ -‬د‪ .‬تنيضـــب الفايدي‪.............................‬‬ ‫حوار مع الشاعرة‬
‫‪١٢٧‬‬ ‫قراءات ‪.............................................................‬‬
‫‪١٢٨‬‬ ‫الصفحة األخيرة ‪................................................‬‬ ‫مها العتيبي‬
‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫يفجعنا الرحيل المفاجئ لمن نحب ونعرف عن قرب‪ ،‬هذا بالرغم من إحاطتنا بالموت من كل‬
‫جانب‪ ،‬ونحن نرى عن قرب أيضا أقارب وأعزاء لنا وأحباب ألهليهم وألصدقائهم يتزاحمون على‬
‫مقابر الموتى لحجز أماكنهم باكرا‪.‬‬
‫كنا نظن أنهم عاشوا طويال‪ ،‬وعندما يفجعنا غيابهم نكتشف كم كنا مخطئين‪ ،‬وأنهم لم يلبثوا‬
‫إال قليال‪ ،‬وأن بقاءهم كان يضيء طريقنا‪ ،‬و أن رحيلهم يعجّ ل مرور األيام‪.‬‬
‫من هؤالء الذين افتقدناهم مؤخرًا‪ ،‬وكان غيابهم موحشً ا ومفاجئًا‪ ،‬الدكتور عبدالرحمن الصالح‬
‫الشبيلي الذي كان أحد مداميك مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وكان حضوره بارزًا ومؤثرًا‬
‫في الساحة الثقافية في المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫ارتبط أبو طالل ‪-‬عبدالرحمن الشبيلي‪ -‬في سنواته األخيرة بمؤسسة عبدالرحمن السديري‬
‫الخيرية‪ ،‬وتوطدت عالقته بها‪ ،‬وكان أحد أبرز وجوه منتدى األمير عبدالرحمن السديري للدراسات‬
‫السعودية في سنواته األخيرة‪.‬‬
‫كان الشبيلي متميزًا في كتاباته للسِّ يَر‪ ،‬وللمقاالت‪ ،‬وفي قراءاته للكتب‪ ،‬ومشاركاته في مختلف‬
‫الفعاليات‪ ،‬وقد كان الحضو ُر لمنتديات األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية يُنصت‬
‫بشكل مختلف عندما يبدأ الشبيلي بإلقاء كلمته التي عوّد جمهور المنتدى على إلقائها‪ ،‬ولذا فإن‬
‫الكثيرين سيفتقدونه‪ ،‬ومنهم هذا المنتدى الرائع‪.‬‬
‫كانت سيرة الشبيلي حافلة وثرية‪ ،‬وبقدر ما كان فيها من عمق وتجربة‪ ..‬فقد كان وفيًا مع‬
‫ثرائها‪ ،‬فأفرغ كثيرًا من ذاكرته وتجربته في كتاباته التي نثرها في مقاالته ومؤلفاته‪ ،‬وآخرها‬
‫كتاب "مشيناها " لسيرة جميلة وأمينة كادت أن تأخذ صاحبها إلى كتابة الرواية التي تمنّى امتالك‬
‫مستعرضا أبرز ما م ّر به في مراحل حياته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ناصيتها‪ ،‬ولكنه آثر تسميتها "حكايات ذات"‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪4‬‬
‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬

‫بدأت قصة عبدالرحمن الشبيلي في مدينة عنيزة بالقصيم عام ‪1943‬م‪ ،‬حيث وُلد فيها من‬
‫أبوين هما‪ :‬صالح الشبيلي‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬الفتاة القادمة من تركيا‪ ،‬التي تزوجها والده عام ‪1926‬م‪،‬‬
‫ـاتـاون‬

‫وبقي في مسقط رأسه حتى إكمال دراسته الثانوية‪ ،‬ثم انتقل إلى الرياض حتى أنهى دراسته فيها‬
‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬

‫عام ‪1963‬م‪ ،‬والتحاقه بوزارة اإلعالم وبروزه كمذيع وإعالمي معروف‪ ،‬ومواكبته لبدايات اإلذاعة‬
‫والتلفزيون‪ ،‬ثم سفره إلى الواليات المتحدة األميركية لدراسة الماجستير عام ‪1969‬م‪ ،‬ومن ثم‬
‫إنجاز الدكتوراه في أمريكا عام ‪1971‬م‪.‬‬
‫تولى الشبيلي مناصب عديدة في وزارة اإلعالم‪ ،‬ثم انتقل إلى وزارة التعليم العالي ومارس العمل‬
‫األكاديمي والتأليف‪ ،‬ثم عُين عضوًا في مجلس الشورى من العام ‪1994‬م وحتى العام ‪2005‬م‪.‬‬
‫كانت حياته حافلة باإلنجازات الثقافية‪ ،‬والجوائز التقديرية‪ ،‬كما كان من الشخصيات التي لها‬
‫عال‪ ،‬وكان يحظى قلمه باالحترام والتقدير من كافة الصحف‬ ‫حضور ثقافي مرموق‪ ،‬ولها تقدير ٍ‬
‫المحلية‪ ،‬فقد كانت تبرز كتاباته في مواقع لها أهمية بارزة ‪ ،‬كما أنجز رحمه اهلل أكثر من ثالثين‬
‫كتابًا خالل مسيرته‪ ،‬منها‪ :‬الملك عبدالعزيز واإلعالم‪ ،‬ركائز التنمية السياسية في فكر الملك‬
‫عبدالعزيز‪ ،‬فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال (عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة‬
‫الجوف) بمشاركة نخبة من الباحثين‪ ،‬التجربة الشورية في المملكة العربية السعودية بين اإلطار‬
‫والتطوير‪ ،‬إبراهيم العنقري‪ ،‬عبداهلل بن خميس‪ ،‬عنيزة وأهلها في تراث حمد الجاسر‪ ،‬حديث‬
‫الشرايين‪ ،‬جريدة الدستور البصرية والشؤون السعودية والكويتية فيها‪ ،‬سوانح وأقالم في السياسة‬
‫والثقافة واإلعالم‪ ،‬محمد أسد‪ ..‬هبة اإلسالم ألوروبا‪ ،‬مجلس الشورى‪ ..‬قراءة في تجربة تحديثه‬
‫(بالمشاركة مع آخرين)‪ ،‬خالد بن أحمد السديري‪ ،‬تأسيس المملكة العربية السعودية بأقالم ‪60‬‬
‫مؤرخا‪ ،‬وأخيرًا كتاب سيرته (مشيناها‪ :‬حكايات ذات)‪.‬‬
‫وقد توفي الشبيلي رحمه اهلل مساء الثالثاء ‪ 28‬ذو القعدة ‪1440‬هـ (‪ 30‬يوليو ‪2019‬م)‪ ،‬بعد‬
‫بضعة أشهر من إنجازه لسيرته التي أسماها "مشيناها"‪.‬‬
‫خاصا بالراحل الكبير رحمه اهلل‪ ،‬فهي تحاول استعادة ذكراه‪ ،‬وفا ًء‬
‫ً‬ ‫والجوبة إذ تنشر محورًا‬
‫لما قدّمه لوطنه ولمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وكما قال الدكتور زياد بن عبدالرحمن‬
‫السديري "إننا جميعًا في المركز سنفتقد الكثير بعد رحيل أبي طالل‪ ،‬كما سيفتقده المتابعون‬
‫والمستفيدون من أعماله ومناشطه‪ ."..‬وكما كتب الدكتور عبدالواحد الحميد في العدد ‪ 64‬من‬
‫الجوبة "إن أسرة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تشعر بشكل خاص بمرارة الفقد‪ ،‬فعلى مدى‬
‫سنوات طويلة ماضية وإلى يوم رحيله المؤلم الحزين‪ ..‬كان د‪ .‬عبدالرحمن الصالح الشبيلي شعلة‬
‫من النشاط ضمن أسرة هذا المركز‪ ،‬وبهذا الرحيل المفاجئ الصاعق تشعر أسرة المركز أن ركنًا‬
‫ركينًا من أركانه قد هوى‪ ،‬تاركًا في قلوب محبيه داخل المركز وخارجه فراغً ا موحشً ا يصعب ملؤه‪".‬‬
‫‪5‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ُر َّب ٍأخ‬
‫■ زياد بن عبدالرحمن السديري*‬

‫ـاق في حياتنا‪ .‬الدكتور‬


‫نلتقي عبر األيــام أشخاص ًا يكون لهم‪ ،‬دون سواهم‪ ،‬أثرٌ كبيرٌ وبـ ٍ‬
‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي رحمه اهلل‪ ،‬كان أحد هؤالء األشخاص بالنسبة لي‪ ،‬وربما‬
‫لكثيرٍ منكم‪.‬‬
‫التقيته ألول مرة عند انضمامنا عضوين في مجلس الشورى في دورته األولى‪ ،‬وكان رحمه‬
‫اهلل صاحب المبادرة والفضل مع ًا في ذلك‪ .‬فبعد اللقاءات العابرة‪ ،‬واألخرى الرسمية‪ ،‬التي‬
‫كانت تجمع بين أعضاء المجلس‪ ،‬شاءت األقدار أن تجمعني بأبي طالل‪ ،‬وتؤسس لعالقة‬
‫صداقة وأخوّة ربطت بيننا‪ ،‬عندما تحدثت ومجموعة من الزمالء في المجلس عن تنظيم‬
‫رحلة برية في مطلع شتاء ‪١٤٢٠‬ه ــ‪٢٠٠٠/‬م‪ ،‬فعلم أبو طالل بمشروع الرحلة‪ ،‬وانضم إليها‪،‬‬
‫وغــدا قائدها المحرّك لها‪ ،‬والمهتم األول باستمرارها في كل عــامٍ الحق بعد ذلــك‪ ،‬حتى‬
‫شتاء العام الماضي‪.‬‬

‫وتبع انطالق الرحلة‪ ،‬التي غدت حولية‪ ،‬المركز الثقافي الذي كنت‪ ،‬وما زلت‪ ،‬أتولى‬
‫وأطــلــق عليها أبــو طــال اســم الشورحالة‪ ،‬متابعة أعماله‪ ،‬الوالد رحمه اهلل‪.‬‬
‫فقد بــادر أبو طالل بسؤالي عما فعلناه‬ ‫مشروع كنت أسعى إلكماله‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫حديثٌ بيننا عن‬
‫أال وهو تدوين ما تيسر من سيرة مؤسس في هذا السبيل‪ ،‬ثم شرع فاقترح خطة عمل‬
‫إلنــجــاز الــمــشــروع‪ ،‬واســتــعــد فتولى رئاسة‬
‫د زياد بن عبدالرحمن السديري‬
‫تحريره‪ ،‬واستمر فتابعه حتى صدوره بعنوان‪:‬‬
‫«تاريخ وطن وسيرة رجال»‪ ،‬وهو العنوان الذي‬
‫اختاره له‪.‬‬
‫ورغب مجلس إدارة المركز تقديم مكافأة‬
‫نقدية ألبي طالل نظير إكماله هذا العمل‪،‬‬
‫ولكنه رفض قبول المكافأة‪ ،‬موضحاً أنها ما‬
‫كانت غاية له في تصديه للمشروع‪ ،‬وما كان‬
‫يرغب لها أن تغير في ذلك‪.‬‬
‫‏ولــم تقف عــطــاءات أبــي طــال للمركز‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪6‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫يلقي كلمة هيئة منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية‪ ،‬وإلى يمينه فيصل بن عبدالرحمن السديري‬

‫الرأي‪ ،‬إيجابي التوجه‪ ،‬محب للخير‪ ،‬سامي‬ ‫ـوســعــت بعدها‬


‫عند مــشــروع الــســيــرة‪ ،‬بــل تـ ّ‬
‫الخلق‪ ،‬مؤاث ٌر على الــذات‪ .‬ال يكثر الكالم‪،‬‬ ‫ليكون له حضوره الملموس في المناشط‬
‫فإن تكلم أتى بما يوجب اإلنصات والقبول‪،‬‬ ‫الثقافية األخرى للمركز؛ المنبرية منها وغير‬
‫إلحاح أو جــدال‪ .‬ال يقصر تفكيره في‬‫ٍ‬ ‫دون‬ ‫المنبرية؛ كما انخرط في عضوية المجلس‬
‫حــدود المألوف‪ ،‬بل يفكر خــارج الصندوق‪،‬‬ ‫الــثــقــافــي فــي الــمــركــز‪ ،‬وهيئته التنفيذية‬
‫دون أن يكون في تفكيره شطط أو تجاوز غير‬ ‫ال العضوية‬‫المنظمة لهذه المناشط‪ ،‬متقب ً‬
‫مقبول‪ .‬لهذا‪ ،‬أجزم أن ما من نشاط قام به‬ ‫ورافضاً الرئاسة؛ ثم انضم لعضوية مجلس‬
‫المركز بعد انضمام أبي طالل إليه إال وكان‬ ‫إدارة المركز‪ ،‬وترأس لجنة االستثمار فيه‪،‬‬
‫ألبي طالل بصماته الخالقة الواضحة فيه‪.‬‬ ‫تحت إلــحــاح المجلس عليه بقبول رئاسة‬
‫نعم‪ ،‬سيفتقد مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫اللجنة لغايات أوضحها له المجلس‪.‬‬
‫الثقافي أبا طالل‪ ،‬وسيترك أبو طالل فراغاً‬
‫وغني عن القول‪ ،‬إننا جميعاً في المركز‬
‫ٌّ‬
‫في المركز ليس من المتيسر تعويضه‪.‬‬ ‫سنفتقد الكثير بعد رحيل أبي طــال‪ ،‬كما‬
‫مستوى آخ َر‬
‫ً‬ ‫وسأفتقد أنا أبا طالل على‬ ‫سيفتقده المتابعون للمركز والمستفيدون من‬
‫أيضاً‪ .‬فكما أشرت في مطلع هذه الورقة‪،‬‬ ‫أعماله ومناشطه‪ .‬فكما يعلم ك ُّل َم ْن عرف‬
‫وكــمــا ذكـــرت فــي مــنــاســبــات ســابــقــة؛ فقد‬ ‫أبــا طــال وعمل معه‪ ،‬فهو رج ـ ٌل فري ٌد في‬
‫ربطتني بأبي طالل عالقة الصديق بصديقه‬ ‫نوعه‪ .‬كريم النفس‪ ،‬هــادئ الطبع‪ ،‬خفيض‬
‫بــمــا انــطــوت عليه مــن حميمية وانــفــتــاح‪،‬‬ ‫الصوت‪ ،‬بليغ الخطاب‪ ،‬صادق القول‪ ،‬راجح‬
‫‪7‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫خالل مشاركته بمنتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية بدار الرحمانية في الغاط‬

‫وعالقة األخ بأخيه بما اتصفت به من متانة األثر البالغ الذي تركه رحي ُل أبي طالل‪ ،‬كما‬
‫وديمومة‪ ،‬وعالقة االبــن بــوالــده بما قامت ظهر من جمهور الحضور الكبير الذي شارك‬
‫احترام جم منّي له‪ .‬فأبو طالل لم بالصالة على جثمانه‪ ،‬وشهد دفنه‪ ،‬وقـ ّدم‬ ‫ٍ‬ ‫عليه من‬
‫يكن ليكتفي بإبداء الرأي لي فيما أستشي ُره العزاء فيه‪ .‬وكما عبرت عنه الرثائيات الكثيرة‬
‫يستجيب لما أطلبه التي كتبت فيه‪ ،‬شعراً ونثراً‪ .‬وكما تشهد به‬ ‫ُ‬ ‫به‪ ،‬فيُس ُّره لي بصدق‪ ،‬أو‬
‫منه‪ ،‬فيقدمه لي دون تردد‪ ،‬أو يقفُ معي كلما المنتديات المتتابعة التي تناولته موضوعاً‬
‫احتجت له‪ ،‬فيشد من ساعدي؛ وإنما كان لها‪ ،‬كما في هذه الندوة‪ .‬وما فعل الناس هذا‬ ‫ُ‬
‫غفلت عنه‪ ،‬اال حباً ألبي طالل‪ ،‬وتقديراً لمآثره‪ ،‬وتعبيراً‬ ‫ُ‬ ‫علي بما‬
‫فوق هذا يُباد ُر فيُشي ُر َّ‬
‫ويُقدِّم لي ما لم أجــرؤ على طلبه‪ ،‬ويح ّثني‬
‫صادقاً عن فجيعتهم بفقدانه‪ ،‬ليس إال‪.‬‬
‫على عملِ ما كان يجد ُر بي التصدِّي له‪.‬‬
‫شهدت تدفق هذه المشاعر فقلت إننا ما‬
‫ـت أو ُّد أن أق ــو َل إنــهــا عــاقــة خاصة‬
‫كــنـ ُ‬
‫نزال بخير ما دمنا نحمل هذا الحب والوفاء‬
‫ربطتني دون سواي بأبي طالل‪ .‬إنما الحقيق ُة‬
‫لنبيل كأبي طالل‪ .‬وتأملت في ذلك ففهمت‬
‫كذلك مع ُك ِ ّل َمن سعد‬
‫َ‬ ‫أن أبا طالل كان‬ ‫هي َّ‬
‫أن أبــا طــال ظـ َّـل فــي وفــاتــه‪ ،‬كما كــان في‬
‫بمعرفته‪ ،‬األ ُخ الــذي يطمئ ُن لــه الجمي ُع‪،‬‬
‫حياته‪ ،‬محركاً ألحسن ما فينا‪.‬‬
‫والصدي ُق الذي يثقو َن برأيه‪ ،‬والرج ُل الذي ال‬
‫رحم اهلل أبا طالل‪.‬‬ ‫أدل على ذلك من‬ ‫يغيب عند الحاجة إليه‪ .‬وال َّ‬ ‫ُ‬
‫* العضو المنتدب في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪8‬‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫ٌ‬
‫نقش على شاهدة‬
‫■ عبدالرحمن الدرعان*‬

‫منذ تأسيس نواته األولــى المتمثلة في مكتبة الثقافة العامة بالجوف في منتصف‬
‫الثمانينيات الهجرية كان ‪-‬وما يــزال‪ -‬مركز عبدالرحمن السديري الثقافي أشبه بينبوعٍ‬
‫تأوي إليه الطيور من كل جهات الوطن‪ ،‬وكان من حسن حظي أن عملت في هذا المركز؛ ما‬
‫هيأ لي فرصة االلتقاء بعدد من الشخصيات الثقافية الفاعلة‪ ،‬وكان أحد هؤالء المرحوم‬
‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬الــذي جمعتني به مناسبات عــديــدة‪ ،‬فضال عن مشاركتي‬
‫مع نخبة من الباحثين والكتّاب في كتابة فصل من كتاب (عبدالرحمن السديري‪ :‬فصل‬
‫من تاريخ وطن وسيرة رجال) الذي عكف رحمه اهلل على تحريره‪ ،‬وخالل تلك الفترة كنا‬
‫‪-‬استجابة لمقتضى العمل‪ -‬نتواصل باستمرار؛ فآن ًا نجتمع في منزله بالرياض‪ ،‬وآن ًا آخر‬
‫نكتفي بالتواصل الهاتفي؛ وكانت مثابرته وجهوده ومتابعته الدؤوبة سبب ًا في نجاح الكتاب‬
‫وإنجازه في الوقت المناسب‪ ،‬وفقا للخطة المقررة‪ ،‬منذ البدء حتى الختام؛ بيد إن العالقة‬
‫الشخصية بيننا امتدت وتوثّقت فيما بعد‪.‬‬
‫الفراغ الذي تركه في داخلي؛‬ ‫في زيارته األخيرة للجوف‪ ،‬دعاني الصديق‬
‫فقد شعرت حال سماع خبر‬ ‫خليفة المسعر إلى فنجان قهوة‪ ،‬بصحبة الراحل‪،‬‬
‫ســقــوطــه م ــن شــرفــة بيته‬ ‫الذي كان قادما ‪ -‬على الرغم من زحمة مشاغله‬
‫فــي ضــواحــي بــاريــس بذلك‬ ‫‪ -‬لتلبية دعوة المركز ألمسية شعرية‪ ،‬وقد أرجأ‬
‫الــدوي الهائل الذي يجعلك‬ ‫دعوتي له بسبب سفره واعدا إياي أن يشرفني‬
‫تهرع في لحظة جزع لتتفقد‬ ‫بالزيارة في مناسبة قادمة‪ ،‬اتضح اآلن أنها‬
‫نفسك في المرايا‪ ،‬متسائال‬ ‫مناسبة لن تجيء؛ فالموتى يتركون مواعيدهم‬
‫فزعا‪ :‬هل كان ذلك مناما؟‬ ‫بال رأفــة‪ ،‬كما تترك العصافير أنغامها على‬
‫مرددا ما قاله المتنبي‪:‬‬ ‫األشجار وتهاجر‪.‬‬
‫ال أدع ــي بأنني أحــطــت بمعرفته‪ ،‬لكنني ط ــوى ال ـج ــزي ــرة ح ـتــى ج ــاءن ــي خـبــرٌ‬
‫ف ــزع ــت مـ ـن ــه ب ــآم ــال ــي إلـ ـ ــى الـ ـك ــذب‬ ‫أستطيع الزعم بــأن ما عرفته يكفي للكتابة‬
‫ورأي ــت وحــش الــمــوت يعض قلبك ويــزدرد‬ ‫عن بعض سماته الشخصية؛ ولكنه بالتأكيد ال‬
‫ما تبقى فيه من فرح‪ ،‬ويغتال صفي أضالعك‬ ‫يفيه حقه من التأبين‪ ،‬بل أظن أنني وجدت في‬
‫المتقابلتين كرجال متأهبين للعرضة‪ ،‬فيا ترى‬ ‫شخصيته من اللطف والحن ّو والكياسة ولباقة‬
‫هــل ك ــان الســمــي نصيب مــن ذل ــك االرتــطــام‬ ‫الحديث‪ ،‬ما يجعلني أؤثر ‪ -‬عوضا عن الكتابة‬
‫الهائل؟! وهل تتصادى األسماء إلى ذلك الحدّ؟‬ ‫‪ -‬أن أهيل الدمع على الكلمات‪ ،‬وأحدّق في هذا‬
‫‪9‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫اإلعالمية‪ ،‬واستحضرنا صورته متحدثا على‬ ‫منذ تلك اللحظة‪ ،‬كلما نودي باسمي الحت‬
‫المنصة‪ ،‬فإننا على األرجح لن نتمكن من التقاط‬ ‫لي هاوية ســوداء‪ ،‬واعتراني الشعور بالفقدان‬
‫كلماته ما لم نُصغِ إليه بكل حواسنا‪ ،‬فقد كانت‬ ‫مجدداً وتحرّك في داخلي حطام شيء ما‪.‬‬
‫حنجرته مدوزنة على مقام األســرار‪ ،‬ويا لهول‬
‫منذ تلك اللحظة الــعــاصــفــة‪ ،‬لــم تعترِ ني‬
‫ما نكتشفه من الجمال في الكلمات التي يقولها‬
‫طمأنينة‪ ،‬ولم يؤذن األمل في داخلي‪ :‬اتئد‪ ،‬فعما‬
‫بطبقة صوته التي تضفي عليها لونا آخر‪.‬‬
‫قليل سينهض ملء قامته‪ ،‬ويقف كالمئذنة بكامل‬
‫وعبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬كما يعرف المقربون‬ ‫عافيته؛ فثمة صوت لم يكن سوى صوت الناعي‬
‫منه‪ ،‬حصا ٌن مشّ اءٌ‪ ،‬يمشي الهوينى أنيقا‪ ،‬كما لو‬ ‫يندلع في أصقاع روحي هاتفا‪( :‬اسمع الكلمات‬
‫أنه يخرج للتو عريسا من قصيدة نزار قباني‪،‬‬ ‫ولكن ال تصدق سوى الرائحة)‪ .‬وهكذا يوم نقلوه‬
‫ويجس األرض على إيقاع موسيقى أبي العالء‪:‬‬ ‫إلى المستشفى التخصصي بالرياض انتشرت‬
‫خ ــفّ ــف الـ ـ ـ ـ ــوط َء مـ ــا أظـ ـ ــن أدي ـ ـ ــم ال ـ ـ‬ ‫شائعة موته التي كذبها المقربون منه مصحوبة‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ــاألرض إال مـ ـ ــن هـ ـ ـ ــذه األجـ ـ ـس ـ ــاد‬ ‫بدعوات متوجسة كما لو أنها تسمع صدى ما‬
‫قاله المالك لي بعد أن مر بي كطيف أسود‪:‬‬
‫نــعــم‪ ،‬كــان يمضي فــي طــريــق الــحــيــاة على‬
‫صــراط الــحــب‪ ،‬ال أقــل وال أكــثــر‪ ،‬ويحيا وهو‬ ‫أنا ذاهب للقبض على اسمك‪ ،‬فانتبه‪ .‬أنساك‬
‫يرهف السمع إلى دقــات قلبه‪ ،‬مؤمنا بأن كل‬ ‫اليوم لئال تنساني أبدا‪ .‬قلت اتئد أيهذا المالك‬
‫نبضة هي احتمال النبضة األخيرة! وقد كان إذا‬ ‫فصاح‪ :‬عرفت طريقي‪ .‬وراوغني وابتعد‪ .‬وهناك‬
‫كان يسل روحه العابقة بالحب‪ ،‬ويسل معها روح‬
‫شئنا أن نصفه بدقة‪ :‬تابوت عظام م َّر كما يم ُّر‬
‫البهجة التي لم تكن أبدا تكتمل إال عندما يلقي‬
‫القمر على البحيرة! ولكنه سيظل حيا كالوشم‬
‫هالل ابتسامته على حواشي لقاءاتنا المتعاقبة‪.‬‬
‫األخضر بقدر ما كانت الحياة صغيرة وضيقة‬
‫في عينيه‪.‬‬ ‫فهل سنجرؤ بعد اآلن أن نودع أحبتنا بالجملة‬
‫الــزائــفــة‪« :‬إل ــى الــلــقــاء»‪ ،‬وه ــل س ــوف نستمر‬
‫يــجــدر بــي أن أشــيــر إلــى أنــنــي مــذ تأكدت‬
‫بالكذب‪ ،‬ونحن ندرك أن القارب الذي أقله إلى‬
‫من نبأ وفاته الح لي اثنان‪ ،‬أجــزم أنهما كانا‬
‫الضفة األخــرى لن يعود به‪ ،‬ولكنه سيعود في‬
‫أكثر ثكال وحزنا على رحيله‪ :‬الدكتور زياد بن‬
‫صيد جديدة‪.‬‬ ‫رحلة ٍ‬
‫عبدالرحمن السديري‪ ،‬والدكتور عبدالواحد‬
‫ال أتــذكــر متى التقيته وجــهــا لــوجــه للمرة الحميد؛ وعندئذ لم أجد مناصا من مواساتهما‪،‬‬
‫األولى‪ ،‬لكن ما أتذكره جيدا أنني عثرت في تلك وبين سطور رسالتي كنت أقول لهما‪ :‬قفا نبك‪،‬‬
‫اللحظة على المعنى الحقيقي لتلك الكلمة التي وقد وقفنا معا‪ ،‬وكنا نبكي‪.‬‬
‫ظلت جامدة في القاموس (دمــاثــة) األخــاق‪،‬‬
‫‏وعلى حدة‪ ،‬وقفنا نكتب على شاهدتي قبره‪:‬‬ ‫وأستطيع القول بال مبالغة إنه حرّر هذه الكلمة‬
‫من المعجم متمثال إياها؛ ولذا‪ ،‬أظن أن أحداً سالما عليك أبا طالل‪.‬‬
‫سالما على روحك‪ ،‬وأنا أكاتبك حرا من قيد‬ ‫لن يختلف معي على ذلــك الطابع الــذي طبع‬
‫شخصية الراحل‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬فسبحان الذي المجامالت‪.‬‬
‫أبا طالل‪ :‬ليتك لم تمت‪ ،‬وليت أننا لم نكتب‬ ‫سوّى‪.‬‬
‫لــو ُعــدنــا ثانية إلــى محاضراته وبرامجه رثاءك‪.‬‬
‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪10‬‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫مشيناها‪ ..‬سطر ًا سطرا‬


‫ْ‬
‫■ د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫ذات يوم من شهر ديسمبر عام ‪2012‬م كنا ‪ -‬د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي وأنا‪ -‬نأخذ مقاعدنا‬
‫في صالة المغادرين بمطار الملك خالد الدولي بانتظار إقالع الطائرة التي ستُ ِقلُّنا إلى‬
‫الجوف لالشتراك في ندوة نظمها النادي األدبي هناك عن المرحوم الدكتور عارف المسعر‪.‬‬
‫‏ليلة السفر إلى الجوف مع الدكتور الشبيلي‪ ،‬كنت أرتب أوراقــي وأغــوص ‪-‬كالعادة‪ -‬في‬
‫أرشيفي القديم مستعرض ًا الصور والمجالت والجرائد والقصاصات المتراكمة على مدى‬
‫عشرات السنين مما قد يكون له عالقة بالرحلة؛ فق َفزَتْ إلى ذهني صورة النجم عبدالرحمن‬
‫الشبيلي الذي كنت أقرأ عنه في الصحف عندما كنت طالب ًا في المدرسة المتوسطة في‬
‫الجوف في منتصف الستينيات الميالدية‪.‬‬

‫الشبيلي مدير برامج تلفزيون الرياض ‪-‬يبلغ‬ ‫‏كنت أقتني أعداداً كثيرة من مجلة «الجمهور‬
‫من العمر ‪ 24‬سنة‪ -‬يحمل شهادة الليسانس‬ ‫الجديد» اللبنانية التي كان فريد أبو شهال يرأس‬
‫من كلية اللغة العربية وشهادة البكالوريوس من‬ ‫تحريرها‪ ،‬وكانت المجلة تهتم بأخبار المملكة‬
‫قسم الجغرافيا بجامعة الرياض ‪-‬انضم إلى‬ ‫وتفرد لها صفحات كثيرة‪ ،‬بما في ذلك بعض‬
‫أســرة اإلذاعــة والتلفزيون قبل ثالث سنوات‪-‬‬ ‫األخبار المتعلقة بالتلفزيون والراديو والثقافة‬
‫عمل أوالً مذيعاً في إذاعة جدة‪ ،‬ثم انتقل إلى‬ ‫والفن بالمملكة‪ ،‬فتذكرت أنني شاهدت ذات‬
‫إذاعة الرياض حيث عمل مساعداً لمراقب عام‬ ‫مرة صورة للشبيلي في أحد أعدادها القديمة‬
‫البرامج إضافة إلى قيامه بعمله مذيعاً‪ ،‬وقبل‬ ‫وتحتها تعليق عــن نجم التلفزيون السعودي‬
‫عام تقريباً انتقل إلى التلفزيون ليعمل مديراً‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪ .‬لــم يكن مــن الصعب‬
‫للبرامج إلــى جــانــب تقديمه لبعض البرامج‬ ‫العثور على المجلة‪ ،‬فهي ضمن مجموعة من‬
‫والنشرات اإلخبارية في اإلذاعــة والتلفزيون‪..‬‬ ‫المجالت األثيرة عندي الرتباطها بمرحلة من‬
‫من برامجه التي يقدمها في التلفزيون برنامج‬ ‫العمر وبمكان وزمان وظروف ذات خصوصية‬
‫حديث األصدقاء وبرنامج األخبار في أسبوع»‪.‬‬ ‫وعمق وأثر في نفسي‪ .‬وعندما تصفحت بعض‬
‫‏صـ َوّرت الصفحة التي تتضمن الخبر‪ ،‬وفي‬ ‫أعــداد المجلة عثرت في العدد ‪ 636‬الصادر‬
‫صــالــة الــمــغــادريــن بالمطار قدمتها للدكتور‬ ‫بتاريخ ‪ 25‬آب (أغسطس) ‪1966‬م على موضوع‬
‫الشبيلي‪ ،‬ورحنا نتحدث طــويـاً‪ ،‬وغصنا في‬ ‫منشور في الصفحة التاسعة والعشرين بعنوان‬
‫ذكريات الماضي عن أحداث وشخصيات طواها‬ ‫«نجوم التلفزيون» جاء فيه تعريف بعبدالرحمن‬
‫الزمن‪ ،‬وعندما انتبهنا كانت الطائرة قد أقلعت‬ ‫الشبيلي عــلــى الــنــحــو اآلتـ ــي‪« :‬عبدالرحمن‬
‫‪11‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ودهاليز المسؤولين‪ ،‬فبين عشية وضحاها‬
‫أصــبــح مــعــروف ـاً مــن بــعــض شــرائــح المجتمع‬
‫وانغمس مخدوعاً بـ"النجومية" الزائفة في‬
‫عيون مَن عرفه‪ ،‬منذ انتقل وزمالؤه الفنيون من‬
‫بيئاتهم المحدودة (‪ )...‬لينصهروا في مجتمع‬
‫متآلف متنوع الفئات من كل أنحاء البالد؛وليقود‬
‫الــفــتــى الــقــادم مــن القصيم بــرامــج تلفزيون‬
‫الــريــاض دون ســابــق معرفة ب ــه»‪ ..‬ثــم يقول‪:‬‬
‫«يشعر البعض من استقراء نماذج معينة‪ ،‬ومن‬
‫خالل استعراض اآلثار النفسية السلبية لتلك‬
‫المظاهر على المتمتع بـ"النجومية" المضللة‪،‬‬
‫بــأن ضررها المحتمل على المستقبل يكمن‬
‫في جوانب حياتية‪ ،‬منها تعطيل تقدم نجاحاته‬
‫العلمية والثقافية فيما لو انساق وراءها وهو لم‬ ‫وتركتنا نتحدث في صالة المغادرين!‬
‫‏تذكّرتُ تلك الواقعة حين كنت أتصفح كتاب يكمل تحصيله العلمي واكتفى بما تضيفه على‬
‫السيرة الذاتية للدكتور الشبيلي الــذي صدر شخصه من تمجيد وتخدير»‪.‬‬
‫‏بالطبع لم يتخدر الدكتور الشبيلي‪ ،‬ولم يتوقف‬ ‫مــؤخــراً بعنوان‪« :‬مشيناها‪ ..‬حكايات ذات»‪.‬‬
‫فالشبيلي النجم التلفزيوني الذي كانت الصحف عــن التحصيل العلمي عند درجــة الليسانس‬
‫تتناقل أخبار نشاطاته وبرامجه‪ ،‬هو من ظلت والبكالوريوس‪ ،‬وإنما واصل مشواره التعليمي‬
‫صورته عالقة في خيال فتى من الجوف يعشق حتى نهايته‪ .‬ولم تكن مقاومة إغراء النجومية‬
‫القراءة وال يعرف عن التلفزيون إال اسمه؛ ألن أمراً سهالً‪ ،‬فقد كان عليه أن يتخلى عن أشياء‬
‫التغطية التلفزيونية لم تكن قد شملت الجوف كثيرة مما توفره النجومية للنجم؛ فغادر الوطن‬
‫في ذلك الزمان‪ .‬هذه النجومية التي ربما غبط إلى الواليات المتحدة لدراسة اإلعــام بشكل‬
‫كثيرون الشبيلي عليها هي التي تُــحـدّث عن منهجي حتى حصل على درجتي الماجستير‬
‫معاناته معها في الصفحة ‪ 151‬والصفحة ‪ 163‬والدكتوراه في اإلعالم‪ .‬لكن الشبيلي الذي أحب‬
‫وصفحات أخرى من كتابه الشيق الذي روى فيه اإلعالم من خالل الممارسة الفعلية في المملكة‬
‫رحلته عبر دروب الحياة منذ والدته في مدينة قبل البعثة‪ ،‬وعلمياً بعد التخصص األكاديمي في‬
‫أمريكا عاد مجدداً إلى حقل اإلعالم األثير إلى‬ ‫عنيزة‪.‬‬
‫‏يقول الشبيلي‪« :‬دام االرتــبــاط مع اإلذاعــة نفسه متسلحاً بما تعلمه في البعثة وبما شاهده‬
‫والتلفزيون نحو أربعة عشر عاماً‪ ،‬كانت على ما من تجارب إعالمية في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫‏ي ــروي الشبيلي فــي «مشيناها» بأسلوبه‬ ‫فيها من أضواء وشهرة‪ ،‬تمثل حياة شاب عاش‬
‫منبهراً بالحظوة واالقتراب من دروب الساسة المميز الــجــاذب تفاصيل تتجاوز كثيراً في‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪12‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫الخاص‪ ،‬ويرى أن نجاحاتها المهنية تتغذى على‬ ‫أهميتها وإدهاشها جانب النجومية الفردية التي‬
‫«إخفاقات اإلعــام الرسمي‪ ،‬وال يوجد اليوم‬ ‫هي "مفتاح" معرفة الكثير من الناس للشبيلي‪،‬‬
‫سبب وجيه يُبقي اإلعالم المهاجر الناجح خارج‬ ‫وبخاصة األجيال التي عايشت الفترة التي كان‬
‫الحدود‪ ،‬بينما البالد في مسيس الحاجة إليه‪.‬‬ ‫زمن كان التلفزيون‬ ‫يطل خاللها من الشاشة في ٍ‬
‫إنها تكاد تكون الحالة الوحيدة في العالم التي‬ ‫السعودي هو القناة التلفزيونية الوحيدة المتاحة‪.‬‬
‫يوجد فيها إعالم مهاجر مؤثّر وإعالم رسمي‬ ‫يحكي الشبيلي قصة الخطوات األولى إلنشاء‬
‫داخلي ال يقوى على التأثير باعتراف حكومي‬ ‫التلفزيون السعودي وجهود رجال مخلصين مثل‬
‫صــارت بموجبه البيانات المهمة والمقابالت‬ ‫جميل الحجيالن في حماية التجربة عندما‬
‫تُخَ ص بها القنوات المهاجرة»‪.‬‬ ‫كانت في مهدها‪ ،‬وكيف مضت التجربة صعوداً‬
‫وهبوطاً بين مـ ٍـد وجــزر‪ ،‬ومــاذا كــان يــدور في‬
‫‏ومن وزارة اإلعالم إلى وزارة التعليم العالي‬ ‫قصص‬‫ٍ‬ ‫كواليس التلفزيون ووزارة اإلعــام من‬
‫ثــم إلــى مجلس الــشــورى امــتــدت رحلته تحت‬ ‫وتناقضات وإشاعات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عايشها بحلوها ومرها‪،‬‬
‫مظلة العمل الحكومي وشــبــه الحكومي‪ ،‬ثم‬ ‫وتقاطعات ومصالح يغطيها ويطغى عليها تعاو ُن‬
‫جاءت المرحلة التي أعقبت انتهاء عضويته في‬ ‫مجموعة من اإلعالميين والفنيين الشباب من‬
‫مجلس الشورى لثالث دورات متتالية فكانت‬ ‫مختلف مناطق المملكة‪ ،‬لتقديم أقصى ما‬
‫من أجمل مراحل العمر‪ ،‬وبخاصة تفرّغه شبه‬ ‫يمكنهم تقديمه فــي ظــل مثبطات اجتماعية‬
‫وفنية ورقابية‪ .‬ولكن في النهاية يقرر الشبيلي‬
‫أن يغادر التلفزيون ووزارة اإلعالم بعد سلسلة‬
‫من المواقف‪ ،‬ويصف مغادرته قــائـاً‪« :‬خرج‬
‫(الشبيلي) من سنوات العمل في وزارة اإلعالم‬
‫صفر اليدين‪ ،‬من سيارة تنقالته التي تمتلكها‬
‫الوزارة‪ ،‬فأكرمه أحد معارفه بتوفير سيارة دوج‬
‫من وكالتها في شارع األحساء بتقسيط مريح»‪.‬‬
‫أما عن اإلعالم فيقول الشبيلي‪" :‬إن كاتب هذه‬
‫الخواطر يجدد التأكيد على أنه لم يشعر في‬
‫سنة من السنوات بالرضا عن مضمونه ومستواه‪،‬‬
‫مقتنعاً بأن دولة في مكانة المملكة وصدارتها‬
‫وموقعها‪ ،‬قمينة بإعالم داخلي وخارجي أفضل‪،‬‬
‫وبحياة فكرية أرقــى‪ ،‬لم يتسنَّ لهما الظهور"‪.‬‬
‫وعــن اإلع ــام الــســعــودي الــخــارجــي تــحــديــداً‪،‬‬
‫يــرصــد الشبيلي ظــاهــرة الصحف والقنوات‬
‫السعودية المهاجرة المدعومة بمال القطاع‬
‫‪13‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫والــدة عبدالرحمن الشبيلي التي تزوجت في‬ ‫التام للتأليف وإلقاء المحاضرات والمشاركة‬
‫القصيم‪ ،‬وذابت في مجتمع عنيزة حتى صارت‬ ‫في األعمال التطوعية من خالل بعض الهيئات‬
‫مثل أيّ امرأة قصيمية األصل والمنشأ والوالدة‪،‬‬ ‫والجمعيات والمؤسسات‪.‬‬
‫فكانت تتحدث بلهجة قصيمية خالصة‪ ،‬وتصنع‬
‫ولعل من أمتع ما يطالعه قــاري "مشيناها"‬
‫األكالت والحلويات المحلية‪ ،‬وتتعامل مع التمور‬
‫ذلــك الــوصــف ال ــذي يقدمه الــمــؤلــف لبيئات‬
‫وتــعــرف أنــواعــهــا بالرغم مــن أنها «كــانــت في‬
‫العمل المختلفة التي عمل فيها‪ ،‬فهو يفصح‬
‫األصــل نازحة من تركيا إثــر الحرب العالمية‬
‫عن معلومات جديدة ال يعرفها القارئ عن بعض‬
‫األولى أو حرب األتراك واألرمــن‪ ،‬وقَدِ مَت إلى‬
‫ـدد مــن بــنــات جنسها»‪ .‬يقول‬
‫الــجــزيــرة مــع ع ـ ٍ‬ ‫المشاهير وعن أساليبهم في العمل واإلدارة‬
‫الشبيلي‪" :‬بعد أن وضعت الــحــرب أوزاره ــا‪،‬‬ ‫والتحوالت المفاجئة التي تحدث في بيئات‬
‫لم يكن لدى بعضهن من المعلومات ما يكفي‬ ‫العمل فتقلب الموازين وتعيد ترتيب األوراق‬
‫لالستدالل على أسرهن بسبب صغر السن"‪،‬‬ ‫بشكل غير متوقع‪.‬‬
‫ويضيف‪" :‬كــان األشقاء الثمانية (أبناء وبنات‬ ‫يمس قلب القارئ حقاً هو حديث‬‫‏غير أن ما ُّ‬
‫السيدة فاطمة فيما بعد) يتمنون الحصول من‬ ‫الشبيلي عــن والــدتــه وعــن ابنه طــال‪ .‬فبعد‬
‫ذاكرة الوالدة على طرف الخيط الموصل إلى‬ ‫الوصف األخاذ لبيئة عنيزة وحاراتها وأسواقها‬
‫أخوالهم وخاالتهم من أهلها‪ ،‬من أجل االعتزاز‬ ‫ورجاالتها يتحدث بشفافية تنفذ إلــى شغاف‬
‫بهم علناً أمام المجتمع‪ ،‬وكثيراً ما كانوا يجثمون‬ ‫القلب عن الفتاة الغريبة التي جاءت من أقصى‬
‫أمام ركبتيها الستنباط مفردة أو معلومة مفيدة‬ ‫الدنيا لتجد نفسها في عنيزة بعد رحلة طويلة‬
‫يمكن أن تكمل كلماتها المتقاطعة وتقود إلى‬ ‫قادتها من مدينتها اسطنبول‪ ،‬مروراً بالقريات‬
‫معرفة منشئها الكريم الذي وفدت منه ويغبطون‬ ‫حتى عنيزة‪ .‬لم تكن تلك الفتاة سوى «فاطمة»‬
‫غيرهم الذين يحصلون على مبتغاهم المماثل"‪.‬‬
‫‏أما طالل‪ ،‬االبن الوحيد الذي رحل مبكراً في‬
‫سن الرابعة واألربعين‪ ،‬فقد كانت قصة رحيله‬
‫التي سجّ لها المؤلف عبر التنقل بين مستشفيات‬
‫المملكة والواليات المتحدة وفرنسا مؤلمة أشد‬
‫األلــم‪ ،‬ولكنها مليئة بالعبر‪ ،‬وبخاصة شجاعة‬
‫طالل ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في مواجهة المرض على‬
‫مدى ستة عشر عاماً وصبر زوجته واحتسابها‪،‬‬
‫والتفاف األسرة واألصدقاء ووقوفهم إلى جانب‬
‫والديه وزوجته‪ .‬يقول أبو طالل‪« :‬ظلت تجربة‬
‫الحزن الصامت منذ وفاته جرحاً بالغ الغور‬
‫في حياة أســرتــه‪ ،‬ودمــوع ـاً تذرفها عند ذكره‬
‫وأمــام صوره وعند زيــارة قبره (‪ ،)...‬ومنذ أن‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪14‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫ق َدّر اهلل على العائلة َف ْق َد عزيزها طالل قبل‬
‫خمسة أع ــوام‪ ،‬تغيرت أشياء كثيرة في حياة‬
‫والــده‪ ،‬بالنظرة إلى األمــور من حوله بواقعية‬
‫أعــمــق‪ ،‬صــار فيها يميز الــتــوافــه منها ويــرى‬
‫األخرى بحجمها الطبيعي‪ ،‬فالدنيا أصغر من‬
‫أن تُشغَل بالتّرهات‪ ،‬والوقت أثمن من أن يضيع‬
‫سدىً ‪ ،‬يستصغر ما يراه من منافسات وحزازات‬
‫في المناصب‪ ،‬ومن اهتمام الناس ومبالغتهم‬
‫بالمظاهر والماديات»‪.‬‬
‫‏"مشيناها" سيرة ثرية وزاخ ــرة بالمواقف‬
‫لرجل تــردد كثيراً في وضعها في‬ ‫ٍ‬ ‫واألح ــداث‬
‫جائزة الملك سلمان التقديرية للتم ّيز‬ ‫ال في مقدمة كتابه ‪-‬بكل تواضع‪-‬‬ ‫كتاب قائ ً‬
‫في دراسات تاريخ الجزيرة العربية و بحوثه عام ‪2014‬م‬ ‫إنــه «ظــل يقف موقف المتحفظ أمــام دعــوات‬
‫ـان مــا مــن الكتاب يلخص الدكتور‬ ‫‏فــي مــكـ ٍ‬ ‫ال عن تدوينها لعدم‬ ‫الحديث عن ذكرياته‪ ،‬فض ً‬
‫عــبــدالــرحــمــن الــشــبــيــلــي مــســيــرتــه الوظيفية‬ ‫اقتناعه بالمبدأ من ناحية‪ ،‬وليقينه بأن بضاعته‬
‫والعلمية والثقافية بقوله‪« :‬لقد عثر وهو في‬ ‫في هذه الحياة متواضعة ليس في استحضارها‬
‫أوائل العشرين من العمر على خارطة المستقبل‬ ‫قيمة تؤهل للرواية‪ ،‬وهي ال تقارن بتجارب كبار‪،‬‬
‫مــع اإلعـــام‪ ،‬ووج ــد فــي التعليم العالي وهو‬ ‫وال تتماهى مع تراجم مبدعين»‪ .‬هذا الرجل‬
‫فــي بحر الثالثين أفــقـاً واســعـاً فــي المعارف‬ ‫هو َم ْن كتب خمساً وخمسين كتاباً ومحاضرة‬
‫والبحوث‪ ،‬وتعلم تحت قبة الــشــورى وهــو في‬ ‫مطبوعة في اإلعالم والسيرة ومختلف الجوانب‬
‫أواســط الخمسين أدب االخــتــاف في الــرأي‬ ‫الثقافية‪ ،‬وحــاز على جــائــزة األمــيــر (الملك)‬
‫واحترامه‪ ،‬ثم اكتشف في النشاط الثقافي بعد‬ ‫سلمان لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه‪ ،‬وجائزة‬
‫تقاعده المالذ الفكري الشيِّق واآلمن»‪.‬‬ ‫األمير (الملك) سلمان التقديرية للتميز في‬
‫‏في «مشيناها»‪ ،‬يقدم الشبيلي لكتابه ببيت‬ ‫دراسات تاريخ الجزيرة العربية‪ ،‬ثم ت َوّج مسيرته‬
‫مــن الشعر (مشيناها خُ ــطــى كُتبت علينا‪..‬‬ ‫بالحصول على وســام الملك عبدالعزيز من‬
‫و َمـ ْن ُكتِبت عليه خطى مشاها)‪ ،‬ثم يمشي بنا‬ ‫الــدرجــة األولــى تقديراً إلسهاماته في مجال‬
‫سطراً سطرا؛ في رحلة ماتعة ال يمل القارئ‬ ‫الفكر والثقافة؛ وهو المؤلف‪ ،‬وأستاذ الجامعة‪،‬‬
‫من متابعتها رغم صفحاتها التي بلغت أربعمائة‬ ‫ووكيل الــوزارة‪ ،‬وعضو مجلس الشورى‪ ،‬ورجل‬
‫وأربعاً وسبعين صفحة‪ ،‬وهو ‪-‬بذلك‪ -‬يضيف‬ ‫المجتمع الذي يرتاد مجلسَ ه كل أسبوع عشراتُ‬
‫لبنة جديدة في «أدب السيرة الذاتية» المحلية‪.‬‬ ‫المثقفين والمسؤولين وأعيان المجتمع‪.‬‬
‫ * نائب وزير العمل سابقاً‪ ،‬أستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران سابقاً‪ ،‬عضو مجلس إدارة‬
‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬ورئيس هيئة النشر بالمركز‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ـــعـــيـــم‬
‫ِ‬ ‫ُن ُ‬
‫ـــزل الـــنّ‬
‫■ عبدالقادر بن عبداحلي كمال*‬

‫أس ـتــاذي وزميلي وأخ ــي‪ ،‬الـدّ كـتـور عبدالـرحـمن بـن صـالـح‬
‫ـاضــرِ ‪ْ ،‬‬
‫إلــى الـغـائ ِـب ال ـحـ ِ‬
‫الجنان‪.‬‬
‫وأسكنه ِ‬ ‫ال ّـشـبـيـلـي‪ ،‬رحـمـه اهلل‪ْ ،‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ـك ع ـ ــالِ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا ومُ ـ ـ َعـ ـ ِّلـ ـم ــأ‬ ‫ول ـ ـ ـقـ ـ ــدْ عَ ـ ـ ـ ـرَفْ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوات‬
‫ـك َن ـ ـ ِـجـ ـ ـ ّي ـ ــةُ ال ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ِ‬
‫هَ ـ ــطَ ـ ـ ـ َل ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ‬
‫َوات‬
‫ـك سَ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ـ َد ال ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـد ِ‬
‫ولـ ـ ـ ـق ـ ـ ــدْ رأ ْيـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـات‬
‫ـك سَ ـ ـ ــوابِ ـ ـ ــغُ الـ ـ ـرّحَ ـ ـ ـم ـ ـ ِ‬‫وهَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ‬
‫ـض ـ ِـل ف ــي دُ ل ـجــاتِ ـنــا‬ ‫َكـ ــمْ ُجـ ـ ــدْ تَ ل ــي ب ــال ـ َف ـ ْ‬ ‫ـك مـ ـ ـ ــن اإلل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ مَ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ٌـك‬ ‫وت ـ ـ ـق ـ ـ ـ َّب ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ َ‬
‫ـات‬
‫وجَ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َتـ ـ ـن ـ ــي فـ ـ ــي أ ْر َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع الـ ـ ـ ــدّ َرجـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات‬
‫بـ ـ ــالـ ـ ــيُ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ِـن والـ ـ ـ ّت ـ ــهْ ـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ـ ِـل والـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ِ‬
‫وأ َز ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ خَ ـ ـ ـ ْوفـ ـ ــي ع ـ ـ ــنْ رُقِ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِّ مَ ـ ـنـ ــابِ ـ ــرٍ‬ ‫ودُ ع ـ ـيـ ــتَ ف ــي ُن ـ ـ ــزُ ِل الـ ـ ّنـ ـعـ ـي ـ ِـم(‪ )١‬مُ ــخَ ـ َّل ــد ًا‬
‫ـوات‬ ‫و َد َفـ ـ ــعْ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـنـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــازِ ِل الـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ‬ ‫ع ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ َد ال ـ ــمُ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ْي ـ ـ ِـم ـ ـ ِـن غ ـ ـ ــافِ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزال ِّت‬
‫وغَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــي بِ ـ ـ ــال ـ ـ ــو ِّد يـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ َع ال ــوف ــا‬ ‫ـك الُّ ـ ـلـ ـ ْـطـ ـ ُـف مـ ــن مَ ـل ـك ــوتِ ــهِ‬ ‫وسَ ـ ـ َعـ ــى إل ـ ـيـ ـ َ‬
‫َروات‬ ‫ودَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــارِ ِف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذ ِ‬ ‫ـات‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـرِ‬‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـاط‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـك‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫َي ـ ـ ْـحـ ـ ـ ُن‬
‫وحَ ـ ـ َل ـ ـ ْلـ ــتَ ف ــي دارِ الـ ــمُ ـ ـقـ ــامَ ـ ــةِ (‪ )٢‬ع ــالِ ـي ـ ًا‬
‫(‪)4‬‬
‫ـات‬
‫ْدوس وال ـ ـ ـج ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ــي بـ ـ ــاحـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ـ ـ ـر ِ‬
‫عَ ـ ـ َّل ــمْ ـ ـ َتـ ـن ــي َص ـ ــمْ ـ ــتَ ال ــمُ ـ ـهـ ـي ـ ِـب َت ـ ـرَفُّ ـ ـع ـ ـ ًا‬
‫ـات‬‫وسَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـوْتَ أنْ َت ـ ـ ْـسـ ـ ـ َت ـ ـ ْـج ـ ـ ِـديَ الـ ـ َعـ ـ َتـ ـب ـ ِ‬ ‫(‪)2‬‬

‫أرْشَ ـ ـ ـ ــدْ َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي أنّ ال ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ّز َه رِ فْ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫يـ ــا أيُّ ـ ـهـ ــا ال ـ ـ َّنـ ـ ْـجـ ــمُ ال ـ ـ ــذي ِم ـ ـ ــنْ ُشـ ـ ـ ْر َف ـ ــةٍ‬
‫ـات‬‫ـص بِ ـ ـ ــاآلهـ ـ ـ ِ‬ ‫جَ ـ ـ ـ َعـ ـ ــلَ الـ ـ ـ ُـجـ ـ ــمُ ـ ـ ــو َع َتـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ـات‬ ‫اس ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــا َم بِ ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ةٍ و َثـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ِ‬ ‫لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــنْ ْ‬
‫يـ ـ ــا أيُّ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ َّـشـ ـ ــهْ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ــذي غـ ـ ــا َد ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫ـوص ـ ـ ٍـل‬ ‫ـك أ ْل ـ ـ ـ ـ ُـف َدر ٍْب مُ ـ ـ ِ‬ ‫بـ ـ ْيـ ـن ــي وبـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َن ـ ـ َ‬
‫ـات‬ ‫ِمـ ـ ـ ـ ـ ــنْ غ ـ ـ ـيـ ـ ــرِ َتـ ـ ـ ـ ـ ـوْدي ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع وال َبـ ـ ــسَ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ‬
‫ـات‬
‫ـال وال ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاهـ ـ ـ ـ ِـل اآلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ِ‬
‫َص أنْ ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ِّد َع جَ ــمْ ـ َع ـن ــا‬ ‫أحـ ـ ـ ـ ـ ـر ُ‬ ‫أل ْن ـ ـ ـ ـ ــتَ ْ‬ ‫و َ‬
‫ـوات مـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ــي ال ـ ــتَّ ـ ــراقِ ـ ــي غُ ـ ـ َّـصـ ــةٌ‬ ‫بِ ـ ــالُّ ـ ـ ـل ـ ـ ْـط ـ ـ ِـف وال ـ ــتَّ ـ ــقْ ـ ــدي ـ ــرِ والـ ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـرات‬ ‫مَ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــوءة ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـز ِْن وال ـ ـ ــحَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـك ي ـ ــا َنـ ـبـ ـي ــلُ مُ ـ ـ َنـ ــزَّ ه ـ ـ ًا‬ ‫ولـ ـ ـ َق ـ ــدْ شَ ـ ـ ــهِ ـ ـ ــدْ ُتـ ـ ـ َ‬
‫(‪)٥‬‬ ‫ـرات‬ ‫ـوط بِ ـ ــحَ ـ ــمْ ـ ــأةِ ال ـ ـ َّن ـ ـ َعـ ـ ِ‬ ‫َت ـ ـ ـ ْأ َبـ ـ ــى الـ ـ ُّـس ـ ـقـ ـ َ‬
‫مـ ـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ـ ــي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي مَ ـ ـ ـ ـ ْأ َت ـ ـ ــمٌ‬ ‫مُ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـرَفِّ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـ ــنْ َز َّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ وخَ ـ ـ ـطـ ـ ـيـ ـ ـئ ـ ــةٍ‬
‫ـرات‬ ‫ـات وال ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـص ـ ـ ـ ِ‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ــداحُ بِ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ّ‬ ‫(‪)٣‬‬
‫ـوات‬
‫مُ ـ ـ َتـ ـ َع ــفِّ ـ ـفـ ـ ًا عـ ــن حَ ـ ـ ـ ـ ْو َب ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ‬
‫ـوك إلـ ــى ال ــثَّ ـ ـرَى‬ ‫ـصـ ـف ــوا إ ْذ أَ ْو َدعـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫م ــا أَ ْن ـ َ‬ ‫ـاهـ ــلٌ‬ ‫ـص ـ ـ ــدَّ ى جـ ـ ِ‬ ‫أ ْنـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ــحَ ـ ـل ـ ـيـ ــمُ إذا َت ـ ـ ـ ّ‬
‫ـات‬
‫ـواك فـ ـ ــي األ ْك ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــادِ والـ ـ ـ ّنـ ـ ـ َبـ ـ ـض ـ ـ ِ‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـات‬
‫ُت ـ ــغْ ـ ـ ـض ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاءً ع ـ ـ ـ ْنـ ـ ــد كُ ـ ـ ـ ـ ــلِّ هَ ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬
‫(‪ )٢(،)١‬نٌز ُل النعيم‪ ،‬دا ُر المُقامة‪ ،‬من أسماءِ الجنّة‪.‬‬
‫(‪ )٣‬حَوْبَة‪ :‬الحوبة أي الحاجة‪ ،‬وفي الدعاء‪ :‬أرفع حَوْبتي إليك أي أرفع حاجتي إليك سبحانك‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪16‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‬


‫مؤرخ اإلعالم السعودي‬
‫الر َّدادي*‬
‫■ د‪ .‬عائض َّ‬

‫قال عبدالرحمن الشبيلي فـي سيرته عن نفسه‪" :‬تجاوز األربعين دون أن يلج فـي عالم‬
‫الكتابة‪ ،‬وعندما بدأ عام ‪1412‬هـ‪1992/‬م يخوض غمار التوثيق والتأليف‪ ،‬صار يسابق الزمن‬
‫وكأنه فـي عجلة من أمــره‪ ،‬يشعر أن للوقت قيمة إنسانية‪ ،‬وأن فـي عهدته واجـبـ ًا البــد أن‬
‫ينجزه‪ ،‬متأسف ًا على ما فات من سنين إنسانية‪ ،‬قبل اكتشاف ضالّته؛ وجد أن االنشغال‬
‫بالتوثيق هو أمتع ما ينتقل به المرء من صخب الوظيفة إلى حياة ذهنية هادئة منتجة؛‬
‫واكتشف فـي البحث عالم ًا شيّق ًا من ناحية‪ ،‬وسياحة تسد فراغ ًا فـي المشهد الثقافـي من‬
‫ناحية أخرى"(‪.)1‬‬
‫هــذه بــدايــة الشبيلي فـي تــدويــن التاريخ فـي الــريــاض‪ ،‬وبين هذين التاريخين عاش‬
‫اإلعالمي للمملكة العربية السعودية‪ ،‬وتوثيق وصنع تاريخاً فـي اإلعالم (ممارسة وتاريخاً)‬
‫سير بعض أعالمها؛ فهو قد راوح بين تاريخ وفـي سير األعالم‪.‬‬
‫تنوّع تكوينه الثقافـي؛ ما جعله موسوعيَّ‬ ‫اإلعـ ــام وت ــاري ــخ األع ـ ــام‪ ،‬وق ــد كــتــبــتُ عن‬
‫ذلك مقاالً بعنوان "د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي الثقافة؛ فهو قد حصل على ليسانس من كلية‬
‫مــن اإلع ــام إلــى األع ــام" ونشر فـي نشرة اللغة العربية فـي الرياض ‪1383‬هـــ‪1963/‬م‪،‬‬
‫الخميسية فـي عددها التاسع‪ ،‬جمادى اآلخرة وبــكــالــوريــوس جغرافـيا مــن جامعة الملك‬
‫سعود فـي الرياض ‪1385‬هـــــ‪1965/‬م‪ ،‬وبعد‬ ‫‪1432‬هـ(‪.)2‬‬
‫توصف المدينة السعودية ُعـنَـيْــزة بأنها أن عمل زمــنـاً مذيعاً ممارساً للغة العربية‬
‫ب ــاري ــس نــجــد‪ ،‬وفـــــيــهــا ولـ ــد عــبــدالــرحــمــن ابتُعث لــلــواليــات المتحدة األمريكية‪ ،‬فنال‬
‫الشبيلي‪ ،‬وقد كتب فـي سيرته "كانت الوالدة الماجستير فـي اإلعالم من جامعة كانساس‬
‫على األرج ــح‪ ،‬مساء السابع من شهر شوال ‪1388‬هـ‪1968/‬م‪ ،‬ثم الدكتوراه فـي اإلعالم من‬
‫‪1363‬هـــــــــ‪1944/9/23(/‬م)‪ ،‬تزيد عاما أو جامعة والية أوهايو ‪1391‬هـ‪1971/‬م‪ ،‬ومارس‬
‫تنقص"(‪ )3‬وتوفـي فـي مدينة باريس الفرنسية اإلدارة اإلعالمية فـي التلفزيون‪ ،‬واإلدارة‬
‫يوم الثالثاء ‪1440/11/27‬هـ‪ 30 ،‬يوليو (تموز) التعليمية فـي وزارة التعليم العالي‪ ،‬ثم صار‬
‫وصلي عليه ودفن فـي مقبرة الشمال عضواً فـي مجلس الشورى‪ ،‬الذي يتيح القراءة‬
‫‪2019‬م‪ُ ،‬‬
‫‪17‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫فـي كثير من المجاالت لتنوع ما يعرض عليه السفـير محمد الحمد الشبيلي إلى أن قال ‪:‬‬
‫"أما التجربة الثالثة من تجارب كتابة السير‬ ‫ويناقشه‪.‬‬
‫هذا التكوين الثقافـي له ــ إضافة إلى إلمامه والتراجم فقد مررت بها بين عامي ‪1417‬هـ‬
‫باللغتين اإلنجليزية والفرنسية ــ مكّنه من سعة و ‪1420‬هـ (‪1997‬ــ ‪2000‬م) حينما كنت أعكف‬
‫ال على تأليف كتابي التوثيقي عن تاريخ اإلعالم‬
‫الثقافة وتنوّعها‪ ،‬فجاء أسلوبه الكتابي سه ً‬
‫شائقاً فـي اختيار المفردة‪ ،‬وتركيب الجملة؛ السعودي الصادر عام ‪1421‬هـــ‪ ،‬وقد أسفر‬
‫وصياغتُه ترتقي عن األسلوب الصحفـي إلى البحث عن التطرق إلــى عشرات من رجال‬
‫األسلوب األدبــي‪ ،‬مع جالء فـي الفكرة التي الثقافة واإلعالم فـي المجتمع السعودي؛ ما‬
‫يعبّر عنها‪ ،‬وسالمة فـي اللغة العربية‪ :‬معنى شجّ ع على كتابة مــقــاالت عــن كــل شخصية‬
‫على حــدة"(‪ )٥‬وقد نشر هذه المقاالت مفرَّقة‬ ‫وقواعد‪.‬‬
‫فـي الصحف ثم جمعها فـي كتب‪ ،‬وتأليفُه‬
‫ُقدِّر الدور الكبير لعبدالرحمن الشبيلي فـي‬
‫فـي السير والتراجم يحتاج إلى تفصيل ليس‬
‫كتابة التاريخ فنال‪:‬‬
‫مكانه هنا‪ ،‬وإن كان منها ما يتعلق بإعالميين‪،‬‬
‫ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن ك ُكتُبه عن إبراهيم العنقري‪ ،‬وعبد اهلل بلخير‪،‬‬
‫عبدالعزيز لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه وعباس غزاوي‪.‬‬
‫‪1424‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬
‫وعنوان كتابه التوثيقي عن تاريخ اإلعالم‬
‫ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن الــســعــودي "اإلعــــام فـــــي المملكة العربية‬
‫السعودية ــ دراسة وثائقية وصفـية تحليلية"‬ ‫عبدالعزيز ‪1423‬هـ‪2014/‬م‪.‬‬
‫ــ وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة األولى يقع ‪ 432‬صفحة من الحجم الكبير‪ ،‬وفـيه‬
‫فـي المهرجان الوطني الحادي والثالثين للتراث (‪ )13‬فصالً‪ ،‬تلتها مالحق باألنظمة اإلعالمية‪،‬‬
‫والسجل السنوي ألبرز الحوادث والمناسبات‬ ‫والثقافة (الجنادرية) ‪1438‬هـ‪2017/‬م(‪.)٤‬‬
‫تخصص فـي جانبين من التاريخ؛ أولهما‪ ،‬اإلعالمية فالكشافات فالمراجع‪.‬‬
‫والكتاب شمل تاريخ كل وسائل اإلعــام‬ ‫تاريخ اإلعــام السعودي‪ ،‬وثانيهما التراجم‬
‫والسير‪ .‬والثاني خرج من جعبة األول؛ فقد السعودية إلى حين صدوره فـي طبعته األولى‬
‫أشار إلى تجاربه مع كتابة التراجم التي بدأت ‪1421‬هــــــ‪2000/‬م‪ ،‬واحــتــوت فصوله الثالثة‬
‫عــام ‪1396‬هــــــــ‪1976/‬م حين سجل حلقات عشر على‪ :‬بيئة اإلعــام السعودي وظروفه‬
‫تلفزيونية عــن أعـــام خــدمــوا الــوطــن فـي وسماته‪ ،‬فالجهات الرسمية المعنية باإلعالم‪،‬‬
‫سبيل التأسيس ثم تجربته فـي كتابة سيرة فاإلعالم الداخلي والخارجي واإلعالم بالحج‪،‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪18‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫فالصحافة السعودية‪ ،‬فاإلذاعة‪ ،‬فالتلفزيون‪،‬‬
‫فوكالة األنباء السعودية‪ ،‬فالتعاون اإلعالمي‬
‫ال ــخ ــارج ــي‪ ،‬ف ــاإلع ــام والــقــطــاع الــخــاص‪،‬‬
‫فدراسات اإلعالم وأبحاثه‪ ،‬فوسائل اإلعالم‬
‫األجنبية فـي المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫وفـي الختام فصل عنوانه‪ :‬نحو فكر إعالمي‬
‫سعودي جديد"‪.‬‬
‫وق ــد أوضـ ــح فـــــي مــقــدمــتــه(‪ )٦‬أن بــدايــة‬
‫فكرة الكتاب كانت أطــروحــة علمية لدرجة‬
‫الدكتوراه عام ‪1971/1391‬م من جامعة والية‬
‫أوهايو األمريكية‪ ،‬وترجمت مقتطفات منها‪،‬‬
‫وأصبحت مــذكــرة مــقــررة على طــاب قسم‬
‫اإلعالم فـي جامعة الملك سعود الذي افتتح‬
‫خالل أبعادها الثالثة‪ :‬التاريخية والوصفـية‬ ‫عام ‪1393‬هـ‪1973/‬م‪.‬‬
‫ولشعوره بالحاجة إلــى كتاب شامل عن والتحليلية‪ ،‬وخلص إلــى فكرتين أساسيتين‬
‫تاريخ وسائل اإلعالم السعودية عاد إليه بعد يعدان محور الجانب التحليلي فـيه ومحط‬
‫ربــع قــرن مراجعاً ومستفـيداً مما صــدر من تركيزه‪ ،‬وهما‪ :‬ضعف المهنية‪ ،‬ونقص المرونة‬
‫دراسات ومؤلفات‪ ،‬ومن الوثائق الوطنية فـي المالية واإلدارية"(‪.)٧‬‬

‫كــون هــذا الكتاب أشمل كتاب فـي تاريخ‬ ‫مراكز الوثائق فـي الداخل والخارج‪ ،‬راصداً‬

‫تــاريــخ اإلعـ ــام ومــراحــلــه مــع قـ ــراءة ألوجــه اإلعالم السعودي إلى حين صدوره هي الميزة‬
‫الضعف والقصور وجــوانــب الــقــوة والتميز‪،‬‬
‫األولــى‪ ،‬أما الميزة األخــرى فإن هذا الكتاب‬
‫ُمتْبعاً كل فصل بقراءة تحليلية مطولة‪ ،‬وأحيانا‬
‫هو الوعاء الــذي تولّدت منه أعمال المؤلف‬
‫يمزج التحليل فـي سياق المتن‪ ،‬وقد وصف‬
‫األخرى حتى فـي التراجم والسير‪.‬‬
‫منهجه بأنه "ينحو منحى علمياً فـي دراسة‬
‫ويكمل هــذا الــكــتــابَ كتابان صــدرا بعده‬ ‫اإلعالم السعودي‪ ،‬ويشخّ ص حالته تشخيصاً‬
‫واقعياً بعيدا عن التنظير والخيال؛ ولذلك هما‪" :‬صفحات وثائقية من تاريخ اإلعالم فـي‬
‫اختصر كثيراً من هذه المقدمات‪ ،‬وركّز على الجزيرة العربية و"الملك عبدالعزيز واإلعالم‬
‫النظر فـي مسيرة اإلع ــام الــســعــودي‪ ،‬من ــــ دراســـة توثيقية لــبــدايــة وســائــل االتــصــال‬
‫‪19‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الحلقات تباعاً عليها بدءاً من ‪1433/6/27‬هـ‪،‬‬ ‫السعودية" والكتاب األول نتج عما توافر لديه‬
‫‪/18‬مايو ‪2012‬م‪ ،‬وأتاح له تفريغها وطباعتها‬ ‫من وثائق ومعلومات وحين تابعها أغرته بإلقاء‬
‫تــدارك ما أمكن من المعلومات الناقصة(‪،)٨‬‬ ‫محاضرات عن موضوعاتها ثم جمعها فـي‬
‫وصدر الكتاب فـي طبعته األولى فـي الرياض‬ ‫هــذا الكتاب الــذي صــدر فـي طبعته األولــى‬
‫عــام ‪1425‬هـ ـ ـــ‪2014/‬م‪ .‬وثــانــي الكتابين هو‬
‫فـي الرياض عام ‪1423‬هـ‪2002/‬م فـي (‪)346‬‬
‫كتاب "مشيناها ــ حكايات ذات" فـيما كتبه‬
‫صفحة‪.‬‬
‫عن سيرته فـي اإلعالم بشكل عام وهي أطول‬
‫ما فـي السيرة إذ بلغت (‪ )126‬صفحة‪ ،‬حاز‬ ‫أمــا الــكــتــاب الــثــانــي (الــمــلــك عبدالعزيز‬
‫التلفزيون منها قدرا كبيراً(‪.)٩‬‬ ‫واإلعالم) فهو دراسة توثيقية لبدايات وسائل‬
‫االتصال السعودية‪ ،‬صدرت طبعته األولى فـي‬
‫على أن العمل الذي لم يصدر‪ ،‬وال أعرف‬
‫الرياض ‪1424‬هـ ـــ‪2003/‬م‪ ،‬ويقع فـي (‪)175‬‬
‫إلى أي مرحلة وصل فـيه فهو "موسوعة وثائق‬
‫صفحة‪.‬‬
‫اإلعالم"‪ ،‬وقد أشار فـي كتاب "موجز تجربتي‬
‫ولقي تاريخ التلفزيون تركيزاً أكثر منه‪ ،‬فهو اإلعالمية" إلى أن االنشغال بالمحاضرات فـي‬
‫لم يكتف بما سبق‪ ،‬بل تناوله فـي كتابين‪ :‬أولهما‪:‬‬
‫المناسبات والمواسم الثقافـية أدى إلى تأخير‬
‫قصة التلفزيون‪ ،‬وهو تاريخ لنشأة التلفزيون‬
‫هذا المشروع‪ ،‬حيث كتب فيه "وكتاب من أربعة‬
‫الحكومي ما بين عامي ‪1383‬هـــــ‪1963/‬م ــ‬
‫أجزاء بعنوان (موسوعة وثائق اإلعــام) وهو‬
‫‪1397‬هـ‪1977/‬م‪ ،‬وهي الفترة التي أسهم فـيها‬
‫فـي نشأة التلفزيون وإدارتــه‪ ،‬والكتاب تفريغ مشروع مرتقب يعرض ويشرح خزينة الوثائق‬
‫لمقابالت تلفزيونية فـي سبع حلقات أجريت الخاصة التي تم جمعها من مختلف المصادر‬
‫معه فـي القناة الثقافـية السعودية وعرضت منذ مرحلة الدراسات العليا"(‪.)١٠‬‬
‫* عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬وعضو سابق بمجلس الشورى بالمملكة‪.‬‬
‫(‪ )1‬مشيناها‪ ...‬حكايات ذات‪ ،‬ط‪1440 ،1‬هـ‪2018/‬م‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫(‪ )٢‬الخميسية‪ :‬هي الندوة األسبوعية التي تعقد فـي منزل حمد الجاسر إبان حياته واستمرت فـي الموعد‬
‫نفسه بعد وفاته‪ ،‬وكانت تصدر نشرة بعنوان "الخميسية" فلما تغير اسم الخميسية إلى "مجلس حمد‬
‫الجاسر" وصار موعدها يوم السبت تغير اسم النشرة إلى "جسور" وأعداد الخميسية وجسور على موقع‬
‫حمد الجاسر ‪.http://hamadaljasser.com/‬‬
‫(‪ )3‬مشيناها (سابق) ص‪.13‬‬
‫(‪ )٤‬مشيناها (سابق)‪ ،‬ص‪ 314‬ــ ‪.316‬‬
‫(‪ )٥‬أعالم بال إعالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪1428 ،1‬هـ‪2007/‬م‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.14‬‬
‫(‪ )٦‬انظر مقدمة المؤلف من ص‪ 13‬ــ ‪.19‬‬
‫(‪ )٧‬المقدمة ص‪.16‬‬
‫(‪ )٨‬انظر مقدمة الكتاب ص‪ 7‬و ‪.8‬‬
‫(‪" )٩‬مشيناها" (سابق) ص‪.101‬‬
‫(‪ )١٠‬موجز تجربتي اإلعالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض ‪1434‬هـ‪2013/‬م ص‪.16‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪20‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫عبدالرحمن الشبيلي‪:‬‬
‫تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية‬
‫ُ‬
‫ألصوغ بها سيرتي‬
‫■ إبراهيم العوامرة*‬

‫أن يكتب الدكتور الشبيلي سيرته يعني أن الخوف قد مكث في روحــه‪ ،‬فهل خاف على‬
‫ما يعرفه‪ ،‬أو كان وف ّي ًا لما حاكتْه السنون في عباءة أيامه؛ ليقدم للقارئ مرويته المليئة‬
‫باألحداث والطموحات واإلنجازات‪.‬‬
‫مشاعا للقارئ‪ ،‬جه ٌر وبو ٌح لتوصيل فكرةٍ ما‪،‬‬ ‫أنــت تلك السيرة التي نالت تفاعال كبيرا‬
‫فكرة تشوبها صدقية عالية‪ ،‬وأذكر هنا ريادة‬ ‫من قبل مجايليه واألجيال الالحقة‪ ،‬بل شكّل‬
‫جــان جــاك روس ــو ال ــذي كتب أول كــتــاب في‬ ‫أنموذجً ا للعمل واستثمار الوقت في فِ عل الحياة‬
‫السيرة الذاتية بعنوان "اعترافات"‪ ،‬والذي القى‬ ‫بكل تناقضاتها؛ فقد دوّن ذلك الصراخ الساكن‬
‫نجاحات كبيرة في دول أوروبا وخارجها‪ ،‬كما‬ ‫في أعماقه في كتاب "مشيناها" كيراع يسير‬
‫القى قــدراً كبيراً من النجاح في قــارّة أوروبا‬ ‫ليكتب بحبر الذكريات ما وقع عليه وما فعله‬
‫وخارجها إلسهامه في تحريك مشاعر القرّاء‬ ‫هو في حياة لم تعاني من فــراغ قــط! فتذكّر‬
‫فيما يخص االنفتاح والمكاشفة الجريئة‪ ،‬التي‬ ‫ودوّن واستشار فيما كتب ليقدم ذاته صافية من‬
‫تصل الى محاسبة النفس‪.‬‬ ‫ماض‬
‫كدر الدنيا‪ ،‬مدركا أن ما يكتبه اآلن هو ٍ‬
‫وانتقلت السيرة الذاتية إلى اللغة العربية‬ ‫سيتحو ُل الى قيمةٍ ذهبيةٍ للناس فيما بعد!‬
‫فمالحقة صراخه الداخلي في كتابة سيرته‪ ،‬عــلــى يــد طــه حــســيــن فــي كــتــاب األي ـ ــام‪ ،‬ثم‬
‫إنما يــؤ ِّثــثُ منجماٍ من الذكريات واألحــداث توالت لذاذات السيرة‪ ،‬لتنتشر بين المفكرين‬
‫ماض والسياسيين واألدباء‪.‬‬ ‫والمواقف التي تعود بقارئ كتابه إلى ٍ‬
‫فحين يكتب الكائن سيرته بالضرورة أن‬ ‫جميل يدركه القارئ في تصور تلك المواقف‬
‫وأمــاكــن حدوثها؛ فالسيرةُ كشفٌ واعــتــرافٌ يكشف عــن أس ــرار كانت نائمة فــي جوارير‬
‫بجزيئيات تكون في بعضها صادمةً‪ ،‬وفي مواقع خــزانــتــه الــخــاصــة‪ ،‬تــلــك الــخــزانــة الــتــي كــان‬
‫ٍ‬
‫أخرى ماتعةً؛ المتالكها مكاشفات لذيذة؛ تلك يحمل مفتاحها في قلبه‪ ،‬ليحبّر رواية الذات‬
‫كشف نفسيٍّ وذاتــيٍّ التي كانت تروي أنهارًا من الحبر في دفاتره‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫المكاشفات هي محض‬
‫يقوم على البوح الحذِ ر في بعضه‪ ..‬والمنثال عبدالرحمن الصالح الشبيلي الــمــولــود في‬
‫فــي مــواقــع أخــــرى‪ .‬فــهــي حصيلة تــأمــات القصيم‪ ،‬عنيزة سنة "‪2019-1944‬م" هو‬
‫وخبرات تراكمت في حقيبة الــذات الساردة‪ ،‬عالمة ناشطة فــي الثقافة واإلعـــام‪ ،‬وكــان‬
‫ومجازفة في االنفتاح على الخاصوص وجعله شغوفاً في تأسيس مؤسسات تسهم في الوعي‬
‫‪21‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫مهمة للتعرف عليه من الناحية اإلنسانية‪،‬‬ ‫المجتمعي والثقافي‪ ،‬إذ أسهم في تأسيس‬
‫إضافة إلى حياته العلمية والمهنية؛ فهو كاتب‬ ‫إذاعــة الرياض وتليفزيونها‪ ،‬وقـدّم الكثير من‬
‫السيَرة التي استهوته كجزء من سردية الحياة‬ ‫البرامج التلفزيونية والمقاالت والكتب‪.‬‬
‫السيَر‬
‫المليئة بالمفارقات‪ ،‬إذ سجّ ل عددًا من ِ‬ ‫سيرةٌ مليئ ٌة بالطموح والعمل‪ ..‬فقد حصل‬
‫سعودية لها قدرها ومكانتها‪" .‬مشيناها‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫لرموزٍ‬ ‫على الدكتوراه في اإلعــام من جامعة أوهايو‬
‫حكايات ذات" هو هويته الذاتية التي رشحت‬
‫سنة ‪1971‬م ليكون أول سعودي يحصل على‬
‫من قلمه بكل لحظة من حياة محكومة بقلق‬
‫الدكتوراه في اإلعــام‪ ،‬وعمل عضواً بمجلس‬
‫اإلب ـ ــداع واإلنـــجـــاز؛ وق ــد تــعـلّــم اإلنجليزية‬
‫الشورى في السعودية اثنتي عشرة سنة لثالث‬
‫والفرنسية إضافة إلى لغته العربية؛ لكي يطلع‬
‫دورات متتالية‪ ،‬وعــضــواً في المجلس األعلى‬
‫على معارف مختلفة تفيده في حياته المهنية‬
‫لــإعــام‪ .‬ون ــال وس ــام الملك عبدالعزيز من‬
‫واألدبية‪ ،‬وفي برنامجه "حديث الذكريات"‪..‬‬
‫الدرجة األولــى‪ ،‬وجائزة الملك سلمان لخدمة‬
‫إشــارة واضحة على شغفه في سرد الماضي‬
‫التاريخ الشفوي وتوثيقه‪ ،‬ولديه نحو (‪ )51‬مؤلفاً‪.‬‬
‫وتجلياته اإلنسانية والعملية‪.‬‬
‫الحراك اإلعالمي‬‫فهذا االمتداد العميق في ِ‬
‫‏ومن أهم كتبه في اإلعالم‪ " :‬إعالم وأعالم"‪،‬‬
‫والثقافي والتعليمي يجوز له أن يرتكن إلى ذاته؛‬
‫و"الملك عبدالعزيز واإلعــام"‪ ،‬و"نحو إعالم‬
‫ليروي لنا تفاصيل مشفوع ًة بالصدق واألدب؛‬
‫أفضل"‪ ،‬فهو رائــد البدايات ومؤسسها‪ ،‬كما‬
‫لتشكل تلك السيرة مناخاً مليئاً بالبياض‪ ،‬ولذة‬
‫لو أنه يتسابق مع زمن خاف أن يتفلت منه‪،‬‬
‫السريرة وآالمها كذلك‪.‬‬
‫المستشرف في تفكيره والمبتكر في رؤاه‪،‬‬
‫فلم تــزل أفكاره مثل نسغ يسري في الحياة‬ ‫شكّلت رحلته المتنوعة في اإلعالم واألدب‬
‫اإلعالمية السعودية والعربية‪ ،‬بل هي مدار‬ ‫والتعليم مجاالً واسعًا في تأسيس مرجعيات‬
‫حكايات بين السياسيين والمثقفين‪.‬‬ ‫وازنة لإلعالم السعودي‪ ،‬من تأليف وتخطيط‬
‫ودراســات أكاديمية‪ ،‬رحلة امتدت على مدار‬
‫هذا االحتراق في كتابة السيرة هو بمثابة‬
‫أكثر من خمسة عقود‪ ،‬تشعّبت لتنهل من العلم‬
‫القلق المُر الذي يجتاح الشبيلي ليقدم‪ ..‬ليفتح‬
‫جوهره بما يفيد بلده واألجيال التي تليه‪ .‬لقد‬
‫صندوقه الخاص للعامة‪ ،‬وقد تأثرت سيرته‬
‫هَ وَتْ الشرفة الباريسية به قبل أن يكمل روايته‪،‬‬
‫عبر شغفه الكبير بفعل كل شيء‪ ،‬فكان يرى‬
‫رحل عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما ولم‬
‫أن الحياة قصيرة جـ ـدًا‪ ..‬فال بد من سباق‬
‫يزل في فمه الكثير من الكالم‪ ،‬فكانت أمنيته‬
‫يــومــي معها كــي يحقق آمــالــه‪ ،‬فــكــان لصوت‬
‫في كتابة الرواية لم تتحقق بعد‪ ،‬لكنه روى ذاته‬
‫الحياة العالي في رأسه مدعاة ليمسك بناصية‬
‫القلم ليدوّن صراخه الداخلي‪ ،‬فكان يدرك‬ ‫واضح ال لبس فيه‪ ،‬فمن درس وتتبع‬
‫ٍ‬ ‫منجز‬
‫ٍ‬ ‫عبر‬
‫تماما أن ما يكتبه اآلن هو بمثابة شهادة له‬ ‫سيرته يدرك مباشرة أن الشبيلي لم يكن لديه‬
‫ستتحول إلى أحاديث حول رحلته‪ ،‬إن مالحقتة‬ ‫ال بالعمل والطموحات‬ ‫وقتٌ للفراغ‪ ،‬فكان منشغ ً‬
‫لــهــذا الــصــراخ‪ ،‬إنــمــا يخلق ينبوعً ا سيسقي‬ ‫العريضة التي ال تنتهي‪.‬‬
‫كان لكتابه "مشيناها‪ ..‬حكايات ذات" مادة من بعده قوة اإلنجاز‪ ،‬بل تدعوهم للمجازفة‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪22‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫عبدالرحمن الشبيلي في مكتبته‬

‫والــتــي نــمــت لتصبح عــامــة مــن عــامــات‬ ‫فــي خــوض غــمــار الــحــيــاة رغــم صعوباتها‪،‬‬
‫اإلعالم السعودي‪ ،‬وكان لعائلته الدور األكبر‬ ‫وتدفعهم إلى المغامرة بالكشف عن دواخلهم‬
‫في نجاحه واستمراره في إنجاز الكم الهائل‬ ‫وخصوصياتهم فيما بعد‪.‬‬
‫من النجاحات الكبيرة‪ .‬كما أنــه لم يخلد‬ ‫فالسيرة وسيلة للتدوين المضمر لخلق‬
‫للكتب التي ألّفها‪ ،‬إذ أسهم في اللقاء الشهري‬ ‫مساحة مــن الــبــوح الثمين‪ ،‬الــذي مــا يــزال‬
‫الذي كان يُعقد في مكتبة الملك عبدالعزيز‪،‬‬ ‫الح َك ْم‬
‫يتكشف أمامنا لنغترف من معينه ِ‬
‫والــذي اشتمل على مناقشات ومداخالت‬ ‫ومصائر الحياة‪ ،‬تماماً كاعترافات الشاعر‬
‫حول القضايا اإلعالمية واألدبية الثرية‪،‬‬ ‫ميمون األعشى بتجربته في الحب‪.‬‬
‫​واختتم الدكتور الشبيلي بالقول‪:‬‬ ‫لــم يسعفه الــعــمــر كــي يكمل ســرديــاتــه‬
‫الثريّة بتنوعها‪ ،‬رحل وفي فمه كثير الكالم‬
‫"لــم أجــد أرك ــان السيرة الــذاتــيــة كافية‬
‫والذكريات؛ فلم يشتمل الكتاب على كثير‬
‫لما أكتب‪ ،‬وتمنيتُ لو صيغ الكتاب بطريقة‬
‫من المواقف السياسية واإلنسانية‪ ،‬فقد‬
‫( الــروايــة)‪ ،‬تمنيت أن أمتلك المقدرة على‬ ‫بقيت تلك األســرار في داخله‪ ،‬ليرحل وفي‬
‫ك تابة الرواية‪ ،‬لكن أركانها لم تكن متكاملة‬ ‫قلبه الكثير من المواقف‪ ،‬وكانت شرفته في‬
‫عندي وال أسلوبها وال طريقتها الفنية"‪.‬‬ ‫باريس التي كــان ينظر عبرها الــى العالم‬
‫​حاولــتْ أن تصــور مرابــع النشــأة‪ ،‬وبيئــة‬ ‫سبباً لنهايته المؤسفة‪.‬‬
‫ـأت هــذه السيرة صــدفـةً‪ ،‬فقد كان ا لدراســة‪ ،‬وظــروف الزمــن‪ ،‬وأن تبــوح‬ ‫لم تـ ِ‬
‫جــادًا منذ طفولته فيما يخص التزامه في بالممكــن مــن مكنــون الصــدر‪ ،‬فأبقــتْ بعــد‬
‫الــدراســة‪ ،‬فهي بــذرة طيبة منذ الطفولة‪ ..‬ذلــك طــيّ الكتمــان مــا هــو أكثــر‪.‬‬
‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ٌ‬
‫إطاللة على ُخطى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪:‬‬
‫ٌ‬
‫قراءة في سيرته الذاتية (مشيناها)*‬
‫■ د‪ .‬عبداهلل بن عبدالرحمن احليدري**‬
‫ولد د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي في مدينة عنيزة بالقصيم عام ‪1363‬ه ــ‪1943/‬م‪،‬‬
‫وتلقى تعليمه االبتدائي والمتوسط والثانوي بها‪ ،‬ثم التحق بكلية اللغة العربية بالرياض‬
‫وحصل منها على الشهادة الجامعية عــام ‪1383‬ه ـ ــ‪1963/‬م‪ ،‬ثم نــال شهادة جامعية أخرى‬
‫من جامعة الملك سعود‪ ،‬تخصص جغرافيا عام ‪1385‬ه ــ‪1965/‬م‪ ،‬ثم واصل دراسته العليا‬
‫وهــو على رأس العمل في وزارة اإلعــام‪ ،‬فحصل على الماجستير في اإلعــام من جامعة‬
‫كانسس عام ‪1389‬ه ــ‪1969/‬م‪ ،‬وعلى الدكتوراه في اإلعالم من جامعة أوهايو األمريكية عام‬
‫‪1391‬هــ‪1971/‬م‪ .‬تولى مناصب عديدة في وزارة اإلعالم‪ ،‬وفي وزارة التعليم العالي‪ ،‬ثم عين‬
‫عضوً ا في مجلس الشورى عام ‪1414‬هــ‪1994/‬م وحتى عام ‪1426‬هــ‪2005/‬م‪ .‬له مجموعة من‬
‫المؤلفات‪ ،‬أبرزها‪ :‬محمد الحمد الشبيلي(‪ ،)١‬ونحو إعالم أفضل‪ ،‬وأعالم وإعالم‪ ،‬وأعالم بال‬
‫إعالم‪ ،‬وقصة التلفزيون‪ ،‬وغيرها(‪ ،)٢‬وآخر كتبه صدورًا سيرته الذاتية "مشيناها‪ :‬حكاية ذات"‬
‫التي صدرت عام ‪1440‬هـ‪٢٠١٨/‬م‪.‬‬

‫انتقل إلى رحمة اهلل في شهر ذي القعدة م ـش ـي ـنــاهـ ـ ـ ــا‪ ،‬وت ـس ـب ــقُ ـن ــا خـطـ ـ ـ ــاكــا‬
‫وت ـن ـس ـك ـ ُـب ال ـم ـش ــاع ــرُ ف ــي ثــراكـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫من عــام ‪1440‬هـــ الموافق لشهر يوليو من‬
‫عـ ـ ا م ‪2019‬م عــن عمر نيّف على السابعة‬
‫فُ ـ ـجـ ــعْ ـ ـنـ ــا ح ـ ـيـ ــن ودّعَ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا طـ ــال‬
‫والسبعين‪ ،‬رحمه اهلل رحمة واسعة‪ ،‬وأسكنه‬
‫وأجـ ـه ــش َق ـل ـبــك ال ـش ــاك ــي ارت ـبــاكــا‬
‫فسيح جناته ‪.‬‬
‫(‪)٣‬‬

‫وقد منحته الدولة بعد وفاته بأمر ملكي وفـ ــاضـ ــت ْع ـي ـن ــك الـ ـ ـحـ ـ ـرّى ل ـه ـي ـ ًبــا‬
‫وحار الفكْ ر في الذكرى اصطكاكا‬ ‫وسام الملك سلمان من الدرجة الثالثة‪ ،‬وكان‬
‫ذلــك فــي شهر الــمــحـرّم مــن عــام ‪1441‬ه ـــ ت ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــادر ُل ـ ـل ـ ـم ـ ـص ـ ـيـ ــف بـ ـ ـ ــا وداعٍ‬
‫ونـ ـبـ ـح ــث ع ـ ــن نـ ـسـ ـي ــج م ـ ــن رؤاك ـ ـ ــا‬ ‫(سبتمب ر ‪2019‬م)(‪ ،)4‬وأحدثت وفاته صدى‬
‫كبيرًا في الوسط الثقافي‪ ،‬ورثاه عديد كبير‬
‫فـ ـتـ ـ ْنـ ـبـ ـئـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ــأ ّن ـ ـ ــك م ـس ـت ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح‬
‫من الك تّاب والمثقفين والشعراء‪ ،‬من بينهم‬
‫ب ـ ـع ـ ـيـ ــداً‪ ،‬كـ ــي ُتـ ـخ ــفّ ــف مـ ــن ع ـنــاكــا‬
‫الشاعر عبداهلل بن سالم الحميد الذي كتب‬
‫فيه قصيدة وظّ ف فيها عنوان سيرته الذاتية أضـ ـ ـ ـ ــأتَ حـ ـي ــاتـ ـن ــا ب ـ ـنـ ــدى حـ ـض ــورٍ‬
‫وإبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ُتـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّز ُه ي ــداك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫"مشيناها"‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪24‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫الــدريــنــي"‪ ،‬وهــو شاعر مصري‪ ،‬وعــاش في‬ ‫ـوق‬
‫وأشـ ـعـ ـ ْل ــتَ ال ـح ـن ـيــن ب ـن ـبــض ش ـ ٍ‬ ‫ْ‬
‫وإي ـ ـ ـثـ ـ ــار ل ـص ـح ـب ــك ف ـ ــي ل ـق ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ــا القرن العاشر الميالدي‪.‬‬
‫وعندما نربط بين وفــاة الشبيلي رحمه‬ ‫رسـ ــائ ـ ـلـ ــك الـ ـمـ ـضـ ـيـ ـئ ــةُ أ ّرق ـ ْت ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫اهلل خارج وطنه في باريس في حادث أليم‬
‫وأحـ ـ ــرفـ ـ ــك ال ـب ـل ـي ـغ ــة إ ْذ تبــاكىٰ‬
‫بمنزله‪ ،‬وهذين البيتين نعجب أشد العجب‬
‫وكــأنــه كــان يتوقع نهايته؛ ومــن هــنــا‪ ،‬فقد‬ ‫وع ـي ــن ُ ش ـق ـي ـقــك الـ ـحـ ـ ْزن ــى ف ــراقً ــا‬
‫وعـيــن حبيبك األغ ـلــى ‪ -‬دعــاكــا(‪ )5‬استوقف العنوان ووفاته المفاجئة العديد من‬
‫الكتّاب الذين رثوه‪ ،‬ومنهم د‪ .‬محمد العوين‬
‫مشيْ ناها‪ :‬حكاية ذات‪..‬‬
‫الــذي قــال‪" :‬ص ـدّر الفقيد د‪ .‬عبدالرحمن‬
‫كشف د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل الشبيلي رحمه اهلل سيرته الذاتية العصامية‬
‫في ندوة أ ُقيمت عن الكتاب في مكتبة الملك (مشيناها) ببيتين أراد االستشهاد بالبيت‬
‫عبدالعزيز العامة في شهر جمادى األولى األول‪ ،‬بيد أن المعنى كان يستوجب اتباعه‬
‫‪1440‬هـــ (يناير‪2019‬م) عن العنوان القديم بالبيت الثاني‪ ،‬فكان كالنبوءة الخفيّة بما‬
‫للكتاب‪ ،‬وهو "عمر بال فراغ"‪ ،‬وقال‪ :‬إنه عدل سيأتي‪ ،‬وكأنه يتوقع أو ينتظر قدرًا لم يعلمه‬
‫إال اهلل وهو وفاته بباريس"(‪.)8‬‬ ‫عنه بعد التشاور مع بعض أصدقائه(‪.)6‬‬
‫على أن الشبيلي مسبوق في هذا العنوان‪،‬‬ ‫وأما العنوان الذي طبع الكتاب به‪ ،‬وهو‬
‫وإن لــم يكن مطابقًا تــمــا ًمــا‪ ،‬فلقد سمّى‬ ‫"مشيناها‪ :‬حكاية ذات" فهو مأخوذ من بيت‬
‫عباس خضر (ت‪1407‬ه ـــ‪1987/‬م) كتابًا له‬ ‫شعري‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫بعنوان "خطى مشيناها"(‪)9‬؛ وسمّى رؤوف‬
‫م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا‬
‫عبّاس (ت‪1429‬ه ـــ‪2008/‬م) سيرته الذاتية‬
‫ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا‬
‫"مشيناها خطى"‪ ،‬وصدرت في القاهرة في‬
‫عام ‪2004‬م؛ وربما كان الشبيلي على علم به‬ ‫والبيت لعبدالعزيز الدريني‪ ،‬وقيل ألبي‬
‫فاقتصر على كلمة "مشيْناها"‪ ،‬وأضاف لها‬ ‫العالء المعري‪ ،‬وأورده الشبيلي في مقدمة‬
‫عنوانًا شارحً ا‪ ،‬وهو "حكايات ذات"‪ ،‬مستفيدًا‬ ‫سيرته ومعه بيت آخر شهير‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫من حموالت كلمة "مشيناها" إذ تستدعي‬ ‫ـأرض‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت م ـ ـن ـ ـي ـ ـتـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫مباشرة لدى القارئ البيت الشعري كامالً‪:‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫أرض س ــواه ــا‬
‫ـوت فــي ٍ‬ ‫فـلـيــس ي ـمـ ُ‬
‫وتقديم الشبيلي السم الدريني على اسم م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا‬
‫ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا‬ ‫أبي العالء يدل على أنه األرجح لديه‪ ،‬وهذه‬
‫وأول مــا يستوقفنا فــي ه ــذه الــســيــرة‬ ‫النسبة هــي األقـــرب‪ ..‬إذ ق ــرأتُ فــي بعض‬
‫المقدمة‪ ..‬إذ تكشف أسباب الكتابة ودوافعها‬ ‫المواقع اإللكترونية ما يلي‪" :‬رغم أن هذين‬
‫وظروفها؛ ولذلك نراه يقول‪" :‬كانت ترده مع‬ ‫أيضا لشعراء آخرين‪ ،‬فإن‬ ‫البيتين يُنسبان ً‬
‫كل مؤلَف يصدره دعوات محبين بأن األوان‬ ‫أقدم من نُسب إليه هذا الشعر هو عبدالعزيز‬
‫‪25‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫قد حان لمثلها‪ ،‬وصار بعضهم يقول‪ :‬اكتبها الشيم بحديث ال يليق‪.)١٣("..‬‬
‫ويــعــتــرف بــأنــه أســقــط حـ ــوادث عاشها‬ ‫واتركها للزمن؛ كناية عن أنَّ المعنيَّ بها صار‬
‫يسبح في خريف ال ُعمْر" ‪ ،‬وتكشف المقدمة وعايشها عمدًا؛ ألنه رأى محاذير في روايتها‬
‫(‪)١٠‬‬

‫كذلك عن قراءات مكثّفة في بعض األعمال وقص أحداثها؛ ومن هنا‪ ،‬رأيناه يقول‪" :‬لم تكن‬
‫السيريّة التي صــدرت لدينا أو في العالم هذه الذكريات كل ما يمكن سرده‪ ،..‬فهناك‬
‫العربي‪ ،‬إذ نــراه يــدوّن ملحوظة على بعض‬
‫مواقف سياسية أو إعالمية عدّة لم تشملها‬
‫األعمال التي اطلع عليها في هذا المجال‪،‬‬
‫الــروايــة؛ ألن اإلفــصــاح عــن تفاصيلها كان‬
‫وأنها ظهرت غير ناضجة‪ ،‬ويصفها قائالً‪:‬‬
‫مما سيؤدي ال محالة إلى التصريح بأسماء‬
‫"يستغرب اكتظاظ معارض الكتاب بسير غير‬
‫وأسرار تتعلق بالغير‪ ،‬ال يُحمد كشفها"(‪.)١٤‬‬
‫ناضجة للعديد من المستعجلين‪ ،‬فالسير‬
‫وهذه النقطة تؤكد أن األعمال السيرية‬ ‫الــذاتــيــة أمــانــة تــدويــن وضمير ومسؤولية‬
‫بشكل مجمل ال يمكنها رصد أحداث الحياة‬ ‫توثيق"(‪.)١١‬‬
‫كاملة‪ ،‬بل ال بد من االنتقاء واالختيار بما‬
‫ويصف عمله بأنه نحا فيه منحىً مغايرًا‬
‫يتناسب مع الظروف المحيطة بكاتب السيرة‪.‬‬
‫لما درجــت عليه بعض سير المشاهير في‬
‫ـواضــع الشبيلي أسهم في عدوله عن‬ ‫وتـ ُ‬ ‫العالم حين يجلس إليه محرر فيدون حديثه‬
‫ال أو كتابة‪ ،‬ثم يعيد صياغتها‪ ،‬وهو أمر الحديث عــن نفسه بضمير المتكلم‪ ،‬إلى‬ ‫تسجي ً‬
‫مألوف على مستوى العالم لمن يملك الشهرة الحديث إلى القارئ راويًا األحداث بضمير‬
‫والتأثير ويفتقد القدرة على الكتابة الجيدة‪ ،‬الغائب‪ ،‬وكأنه يقص سيرة شخص عرفه حق‬
‫أو ليس لديه وقت للكتابة‪ ،‬ومن هنا رأيناه المعرفة وبينهما صحبة وصداقة حميمة؛‬
‫يقول‪" :‬انسابت هذه الحكايات من الذاكرة لذلك تــرددت في السيرة كلمة (صاحبنا)‪،‬‬
‫دون وساطة من محرّر يحوّل الحديث إلى يقصد نفسه‪ ،‬ومن النماذج على هذا االتجاه‬
‫طرف يطرح السؤال ويدوّن لديه قوله‪" :‬كان صاحبنا حتى تجاوز الخامسة‬ ‫ٍ‬ ‫نص مكتوب‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫عشرة يجالس والده في دكّانه في غير وقت‬ ‫الجواب"(‪.)١٢‬‬
‫الدراسة‪ ،‬ويعينه في التواصل مع الزبائن‪،‬‬
‫كما نلحظ بدءًا من المقدمة‪ ،‬وفي معظم‬
‫ويتعامل نيابة عنه مع أصحاب الدكاكين‪،‬‬
‫صفحات الكتاب حضور شخصية المؤلف كما‬
‫ويحرس البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة‬
‫عرفناها‪ :‬شخصية ودودة متواضعة قريبة من‬
‫ولصالة الظهر"(‪ ،)١٥‬ومع ما في هذا األسلوب‬
‫النفس؛ لذا نجده يقلّل من شأنه ويعتذر عن‬
‫من بُعد عن األنا التي قد تبدو منفّرة لبعض‬
‫الحديث عنها ويتوجس خيف ًة من الثناء عليها‬
‫دون قصد‪ ،‬وعن هذه الجزئية يقول‪" :‬المرجو القراء‪ ،‬فإنها قلّلت من مركزية حضوره في‬
‫أ ّال تكون الصفحات وهي تنداح بالذكريات السيرة‪.‬‬
‫وإذا كــانــت ســيــرة الشبيلي "مشيناها"‬ ‫وقعت عن غير قصد في حديث عن النفس‪،‬‬
‫أو انزلقت في ثناء عليها‪ ،‬أو بتقرير أحكام الكتاب األخير له بعد سلسلة من الكتب التي‬
‫مجحفة على الغير‪ ،‬أو ارتكبت محذورًا يُنافي تناولت تاريخ الشخصيات وتاريخ اإلعــام‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪26‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫مثل‪ :‬صالح العبداهلل الشبيلي‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬األخ األكبر عبدالرحمن‪.)٢٠("..‬‬
‫وفــي إطــار اهتمامه بالتاريخ والتوثيق‪،‬‬ ‫والسفير محمد الحمد الشبيلي‪ ،‬واإلعــام‬
‫في المملكة‪ ،‬وأعالم بال إعالم‪ ،‬وغيرها؛ فإنه نجده يصف وزارة اإلعــام بأنها أصبحت‬
‫بدا في هذه السيرة متأثرًا بأعماله السابقة ومنذ عقود "ال تهتم بقضية التوثيق‪ ،‬وتعطي‬
‫وبما تتطلبه من توثيق دقيق وحضور للتواريخ‪ ،‬األولوية للمطبوعات ذات الصبغة اإلعالمية‬
‫وهذا ليس بالغريب إذ السيرة بوصفها جنسً ا والدعائية بشكل عام‪ ،‬ولكن الكتب التاريخية‬
‫أدبـ ًيــا "تشبه التاريخ في حاجتها للتحرّي نادرًا ما تصدر"(‪.)٢١‬‬
‫والصدق‪ ،‬وفي اعتمادها في بعض األحيان‬
‫كما أسهم اهتمامه بالتاريخ وبالتوثيق في‬ ‫على الوثائق والمدوّنات"(‪.)١٦‬‬
‫مراعاة التدرج الزمني في قص األحــداث‬
‫ومن هنا‪ ،‬وجدنا الدكتور الشبيلي رحمه وروايتها‪ ،‬وجاءت موضوعات الكتاب منطقية‬
‫حريصا على توثيق كل األحــداث التي فــي تسلسلها وتــرابــطــهــا‪ ،‬وجـــاءت موجزة‬ ‫ً‬ ‫اهلل‬
‫يتذكرها بالتاريخين الهجري والميالدي‪ ،‬وتــتــنــاول جــوانــب مــتــعــددة‪ ،‬واقــتــصــر على‬
‫بتاريخ تقريبيّ ‪ ،‬أو يحاول أن يقدر ثمانية عناوين رئيسة فقط لكامل الكتاب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأحيانًا‬
‫الزمن‪ ،‬وهذا بتأثير من ممارسته في التأليف وهي‪ :‬الصنقر‪ ،‬والعزيزية‪ ،‬وبين جامعتين‪،‬‬
‫والكتابة الصحفية التي اعتمد فيها على واإلعالم‪ ،‬والتعليم العالي‪ ،‬ومجالس‪ ،‬وتوثيق‪،‬‬
‫التاريخ منهجً ا وطريقة‪ ،‬ومن األمثلة قوله‪ :‬وذاتــيــات‪ ،‬كما حفل الكتاب بملحق تضمن‬
‫"كانت الوالدة على األرجح مساء السابع من‬
‫صـ ــورًا عــديــدة لــه وألس ــرت ــه؛ مــمــا أضفى‬
‫شــوال عام ‪1363‬هـــ (‪1944/9/23‬م) تزيد‬
‫على الكتاب قيمة أخــرى‪ ،‬وهي الربط بين‬
‫عامًا أو تنقص مثله"(‪ ،)١٧‬ثم يحلّل اختياره لهذا‬
‫األحداث والصور‪.‬‬
‫التاريخ مستندًا إلى روايات شفوية سمعها من‬
‫وتــحــفــل ســيــرة عــبــدالــرحــمــن الشبيلي‬ ‫والدته إذ يقول‪" :‬فأما اليوم والشهر فمؤكدان‬
‫بموجب معلومة مصدرها الوالدة‪ ،‬فهي تذكر "مشيناها" بجوانب مما يسميه نقاد السيرة‬
‫أن الوالدة مكّنتها من صيام ست من شوال‪ ،‬الذاتية "بالغة السيرة"‪ ،‬والبالغة هنا في‬
‫وأما العام فهو مبنيّ على قرينة تجديد جامع هذا السياق "لم تعد تقترن بالبعد الزخرفي‬
‫ـضــا"(‪ ،)١٨‬وهو عام للكالم"(‪ ،)٢٢‬وإنما تعني في داللتها المعاصرة‬ ‫عنيزة بحسب الوالدة أيـ ً‬
‫لدى نقاد السيرة الذاتية تحديدًا تشخيص‬ ‫‪1363‬هـ‪.‬‬
‫الذات وبناء هُويّتها‪ ،‬وبنا ًء على ذلك تصبح‬
‫وأمــا األح ــداث التي عاصرها وشهدها‬
‫هــذه المالمح فــي السيرة الــذاتــيــة "عمود‬
‫بنفسه فهي موثقة بتواريخ يجزم بها مثل‬
‫بالغة السيرة الذاتية وتميّزها"(‪.)٢٣‬‬
‫ال رعاه‬
‫قوله‪" :‬أقامت وزارة المواصالت حف ً‬
‫وربما أبرز موضع ظهر فيه هذا الملمح‪،‬‬ ‫الملك فيصل فــي عــام ‪1385‬هـــــــ‪1965/‬م‬
‫الفــتــتــاح طــريــق ال ــري ــاض الـــطـــائـــف"(‪ ،)١٩‬حديثه الصريح عن والدته وأصولها‪ ،‬وأن‬
‫وقــولــه‪" :‬تــم الـ ــزواج ليلة الــمــغــادرة للبعثة والــده تزوجها بعد طالقها من أحــد أسر‬
‫(‪1387/5/15‬هـ ـــ‪1967/8/20/‬م) في منزل عنيزة‪ ،‬وأنها تعود إلى أصول تركية‪ ،‬وأنها‬
‫‪27‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا العمل الــذي قدّمه الدكتور‬ ‫قدمت إلى المملكة بالقطار من أسطنبول‬
‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي إلى المكتبة‬ ‫مرورًا بالقريات حتى وصلت إلى عنيزة وهي‬
‫العربية عمل جدير باالهتمام والتقدير‪،‬‬ ‫صغيرة السن‪ ،‬وطالب بالكشف عن الظروف‬
‫ويعد من أفضل األعمال السعودية في حقل‬ ‫الــتــي واكــبــت جلبهن مــن بــاد بعيدة إلى‬
‫السيرة الذاتية‪ ،‬وتوافرت له عوامل النجاح‬ ‫المملكة فقال‪" :‬لم يوثّق أحد من الباحثين‬
‫إذ كتبه صاحبه فــي ســن تكاملت تجاربه‬ ‫الظروف التي أتت بأمثال هؤالء النسوة من‬
‫وخبراته وأعماله‪ ،‬وبلغت قدرته التأليفية‬ ‫جوار يُتاجر‬
‫ٍ‬ ‫بالدهن حتى تحوّل بعضهن إلى‬
‫أوجها وقوتها بعد أن طبع كتبًا عديدة قبله‬ ‫بهن‪ ،‬مع أنهن في األساس أحرار مختطفات‬
‫تشترك معظمها في حقل واحد‪ ،‬وهو حقل‬ ‫أو سبايا حروب‪.)٢٤("..‬‬
‫السيرة بمفهومها الواسع‪ ،‬وكــان أن حظي‬ ‫ونــقــف ف ــي الــســيــرة عــلــى ج ــوان ــب من‬
‫الكتاب بمقروئية عالية‪ ،‬وكان مجاالً لبعض‬ ‫البوح عمّا تعرض له في وزارة اإلعالم من‬
‫الدارسين والكتّاب الذين تناولوه معجبين به‬
‫منغصات وإحــبــاطــات ظــهــرت فــي مواقف‬
‫مادة وأسلوبًا وإخراجً ا‪ ،‬ومن أهم القراءات‬
‫عديدة‪ ،‬ومنها‪ :‬تسجيل حلقات من برنامجه‬
‫التي كُتبت عنه‪ :‬محاضرة األستاذ حسين‬
‫"شريط الذكريات"‪ ،‬وإيقاف عرض معظمها‬
‫بافقيه فــي نــادي جــدة األدب ــي‪ ،‬ومقالة د‪.‬‬
‫دون مــسـوّغ مــقــبــول(‪ ،)٢٥‬وإيــقــاف برنامجه‬
‫محمد الرميحي المنشورة في جريدة الشرق‬
‫"حديث األصــدقــاء" بعد بث حلقات قليلة‪،‬‬
‫األوسط‪ ،‬ومقالة د‪ .‬محمد العوين المنشورة‬
‫وعن البرنامج األخير يقول‪" :‬بقيت القصة‬
‫في جريدة الجزيرة‪ ،‬ومقالة األستاذ أحمد‬
‫غــصــة فــي نــفــســه‪ ،‬لــمــا قــوبــل بــه اجــتــهــاده‬
‫العسّ اف‪ ،‬ومقاالت أخــرى ليس هــذا مقام‬
‫وماضيه من تعامل أشعره بعدم التقدير‪،‬‬
‫حصرها‪.‬‬
‫وانتهى بإجراء شابه اللوم بدالً من أن يشاد‬
‫رحم اهلل فقيدنا الدكتور عبدالرحمن بن‬ ‫بموقفه"‪ ،‬ويعود بعد مرور السنوات فيسامح‬
‫صالح الشبيلي رحمة واسعة‪ ،‬وأسكنه فسيح‬ ‫من تسبب في ذلك حين يقول‪" :‬فسامح اهلل‬
‫جناته‪.‬‬ ‫من سارع بالوشاية دون تفهم الظرف"(‪،)٢٦‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫ولكن ظلت هذه المواقف مؤثرة في نفسيته‬
‫الحساسة إذ نراه بعد ذلك يقول عن نفسه‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬الكتب‪:‬‬ ‫"خرج من سنوات العمل في وزارة اإلعالم‬
‫‪ .1‬أع ــام بــا إع ــام‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بــن صالح‬ ‫صفر اليدين"(‪.)٢٧‬‬
‫الشبيلي‪ ،‬الطبعة األول ــى‪ ،‬الــريــاض‪ :‬المؤلف‪،‬‬
‫‪1438‬هـ‪2017/‬م‪ ،‬الجزء الثاني‪.‬‬ ‫ومــن هــنــا‪ ،‬يمكن الــقــول‪ :‬إن مــن دوافــع‬
‫‪ .2‬بالغة السيرة الذاتية‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬د‪ .‬محمد‬
‫مشبال‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمّان‪ :‬دار كنوز المعرفة‬
‫الكتابة السيرية لدى الدكتور عبدالرحمن‬
‫للنشر والتوزيع‪1439 ،‬هـ‪2018/‬م‪.‬‬ ‫الشبيلي رحمه اهلل التنفيس والــدفــاع عن‬
‫‪ .3‬السيرة الذاتية في األدب العربي‪ ،‬تهاني عبدالفتّاح‬ ‫النفس‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪28‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫شاكر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية ثانيً ا‪ :‬الدوريات‬
‫للدراسات والنشر‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬جريدة الرياض‪1440/5/4 ،‬هـ (‪2019/1/10‬م)‪.‬‬
‫‪ .4‬مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح‬
‫‪ .2‬جـــــريـــــدة الـ ــمـ ــديـ ــنـ ــة‪1440/11/28 ،‬هـــــــــــــــــ‬
‫الشبيلي‪ ،‬الطبعة األول ــى‪ ،‬الــريــاض‪ :‬المؤلف‪،‬‬
‫(‪2019/7/31‬م)‪.‬‬
‫‪1440‬هـ‪2019/‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬جريدة اليوم‪1441/1/24 ،‬هـ (‪2019/9/23‬م)‪.‬‬
‫‪ .5‬مــوســوعــة الــشــخــصــيــات الــســعــوديــة‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ .4‬مجلة الــيــمــامــة‪ ،‬ع ‪1440/12/21 ،2571‬هـــــــ‬ ‫الثانية‪ ،‬جدة‪ :‬مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر‪،‬‬
‫(‪2019/8/22‬م)‪.‬‬ ‫‪1434‬هـ‪2013/‬م‪.‬‬
‫(ورقة مقدمة إلى ثلوثية د‪ .‬عمر بامحسون بالرياض‪1441/2/2 ،‬هـ‪2019/10/1 /‬م)‪.‬‬ ‫ *‬
‫أستاذ األدب المشارك بكلية اللغة العربية بالرياض ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية األدب العربي‪.‬‬ ‫** ‬
‫مــوســوعــة الشخصيات الــســعــوديــة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ج ــدة‪ :‬مؤسسة عــكــاظ للصحافة والنشر‪،‬‬ ‫(‪ )١‬‬
‫‪1434‬هـ‪2013/‬م‪.515/1 ،‬‬
‫أعالم بال إعالم‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرياض‪ :‬المؤلف‪1438 ،‬هـ‪2017/‬م‪،‬‬ ‫(‪ )٢‬‬
‫الجزء الثاني‪.‬‬
‫تُنظر‪ :‬جريدة المدينة‪1440/11/28 ،‬هـ (‪2019/7/31‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬‬
‫تُنظر‪ :‬جريدة اليوم‪1441/1/24 ،‬هـ (‪2019/9/23‬م)‪.‬‬ ‫(‪) ٤‬‬
‫مجلة اليمامة‪ ،‬ع ‪1440/12/21 ،2571‬هـ (‪2019/8/22‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )٥‬‬
‫تُنظر‪ :‬جريدة الرياض‪1440/5/4 ،‬هـ (‪2019/1/10‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )٦‬‬
‫مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬الطبعة األولــى‪ ،‬الــريــاض‪ :‬المؤلف‪،‬‬ ‫(‪ )٧‬‬
‫‪1440‬هـ‪2019/‬م‪ ،‬ص‪ .5‬وقد ورد البيتان في المستطرف لألبشيهي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار القلم‪1401 ،‬هـ‪1981/‬م‪،‬‬
‫‪.491/2‬‬
‫تُنظر‪ :‬جريدة الجزيرة‪1440/12/2 ،‬هـ (‪2019/9/3‬م)‪.‬‬ ‫(‪) ٨‬‬
‫تُنظر ترجمته في مجلة الفيصل‪ ،‬ع ‪ ،123‬رمضان ‪1407‬هـ‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫(‪ )٩‬‬
‫مشيناها‪ :‬حكاية ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫(‪ )١٠‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫(‪ )١١‬‬
‫مشيناها‪ :‬حكاية ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )١٢‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪ )١٤‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(‪ )١٥‬‬
‫السيرة الذاتية في األدب العربي‪ ،‬تهاني عبدالفتّاح شاكر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪:‬المؤسسة العربية‬ ‫(‪ )١٦‬‬
‫للدراسات والنشر‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪) ١٧‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ )١٨‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.152‬‬ ‫(‪ )١٩‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.165‬‬ ‫(‪ )٢٠‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.195‬‬ ‫(‪ )٢١‬‬
‫بالغة السيرة الذاتية‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬د‪ .‬محمد مشبال‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمّان‪ :‬دار كنوز المعرفة للنشر‬ ‫(‪ )٢٢‬‬
‫والتوزيع‪1439 ،‬هـ‪2018/‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.10‬‬ ‫(‪) ٢٣‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫(‪ )٢٤‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.208‬‬ ‫(‪ )٢٥‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.213‬‬ ‫(‪ )٢٦‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.215‬‬ ‫(‪ )٢٧‬‬
‫‪29‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫تلميذ ِل ُم َع ِّل ِمه‬
‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫رسالة من‬
‫■ د‪ .‬علي بن دبكل العنزي*‬
‫التقيت بالمرحوم األستاذ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عام ‪1401‬هـ‪ ،‬كنت وقتها طالبا‬
‫في جامعة الملك سعود‪ ،‬أدرس اإلعالم‪ ،‬إذ درّسنا في ذلك الوقت مادة اإلعالم السعودي‪ ،‬وكان‬
‫وقتها وكيال لــوزارة التعليم العالي‪ .‬ومنذ اللحظة األولى التي دخل علينا في المحاضرة‬
‫أسرنا بلطفه وأخالقه الراقية‪ ،‬وهو يتحدث معنا بكل لطف واحترام وبصوته الخافت؛ فكنا‬
‫نستغرب كيف لهذه القامة الكبيرة في اإلعــام والتعليم أن يتحدث مع طالب سنة أولى‬
‫جامعة بهذا التواضع‪ ،‬وصرنا نشتاق لمحاضرته وهــو يسرد لنا قصة اإلعــام السعودي‬
‫وقصته هو مع هذا اإلعــام‪ ،‬وعمله بالتلفزيون قبل أن يُبتعث لنيل شهادة الدكتوراه في‬
‫اإلعالم‪ ،‬ويصبح أول دكتور سعودي في هذا المجال‪ .‬كنت أرى فيه المنهج الذي يتحدث من‬
‫قلب التجربة وتحديات العلم‪ .‬لقد كانت عالقتي في بدايتها هي عالقة طالب بأستاذه الذي‬
‫أنموذجا له‪ ،‬واستمرت حتى أصبحت عالقة صداقة وأخوّة‪.‬‬
‫ً‬ ‫يعدّ ه‬

‫الجوف والغاط‪ ،‬وكذلك مشاركته في اإلشراف‬ ‫قاس يغرب النفس ويتغرب بها‪،‬‬‫ال َف ْق ُد أم ٌر ٍ‬
‫على كتاب سيرة عبدالرحمن السديري أمير‬ ‫شيء ال يستقر في وطن‪ ،‬وال يسكن مع األهل‬
‫منطقة الــجــوف (األســبــق)‪ ،‬وتقديمه لهذا‬ ‫واألصــحــاب؛ فغياب الشبيلي بهذه القسوة‬
‫الكتاب‪ .‬لقد كان صديقاً للجميع‪ ،‬ومستمعًا‬ ‫على محبيه أمر جلل؛ إال أن الراحل الجميل‬
‫جيداً لكل اآلراء خالل الفعاليات التي يشارك‬ ‫يستعصي على هذا الغياب‪ ،‬فحضوره قصة‬
‫فيها‪.‬‬ ‫بناء ال تنتهي عند عمر أو تغيب بموت‪ ،‬فهذا‬
‫كان اللقاء المؤثر الذي جمعني بأستاذي‬ ‫المشوار الطويل من اإلبداع والجهد والتعب‬
‫القدير في عام ‪2008‬م وضمن فعاليات قمة‬ ‫أنتج جماالً أبدياً‪ .‬فالراحل له با ٌع طويل في‬
‫أوبــك الثالثة فــي الــريــاض‪ ،‬فقد طلب مني‬ ‫هــذا الحقل من خــال عمله في التلفزيون‪،‬‬
‫صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن‬ ‫وأصبح مديراً عامًا له‪ ،‬ومن خالل بصماته‬
‫سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬وزيــر الطاقة‪ ،‬إدارة‬ ‫التي تركها على هــذا الجهاز قبل انتقاله‬
‫فعاليات البرامج المصاحبة للقمة‪ ،‬وكــان‬ ‫لـــوزارة التعليم العالي والعمل فيها‪ ،‬وفي‬
‫البرنامج يتضمن دعــوة عدد من األشخاص‬ ‫المجالين كانت له بصمات واضحة جداً؛ ما‬
‫المعروفين من كل دولة من دول منظمة أوبك‪،‬‬ ‫جعل الجميع يثني عليه‪ .‬لقد تعززت العالقة‬
‫ســواء كانوا وزراء سابقين أم أمناء سابقين‬ ‫بيني وبين الشبيلي يرحمه اهلل مــن خالل‬
‫للمنظمة أم رؤســاء تحرير‪ ،‬لــزيــارة مختلف‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬فقد‬
‫مناطق المملكة قبل انعقاد القمة بأسبوع‪،‬‬ ‫كان حاضراً في فعالياته الثقافية‪ ،‬سواء في‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪30‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫من أجل المواطن‪ ،‬لقد كان مخزنا للفكر‪..‬‬ ‫وبــعــدهــا يــحــضــرون الــقــمــة‪ ،‬وفــكــرة األمــيــر‬
‫فألّف عشرات الكتب في اإلعــام والثقافة‪،‬‬ ‫عبدالعزيز هو أن يتعرفوا على ثقافة المملكة‬
‫وألــقــى عــشــرات بــل مئات المحاضرات في‬ ‫وتاريخها وتطورها‪ ،‬وإطالعهم على كيفية‬
‫مختلف مناطق المملكة؛ فهو في الحقيقة‬ ‫استثمار دخل البترول في تنمية الدولة‪ .‬وكان‬
‫بالنسبة للمتخصصين في اإلعــام مدرسة‬ ‫من ضمن األشخاص الذين يمثلون المملكة‬
‫إعالمية تجمع بين األكاديمية والمهنية‪ ،‬وله‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي إضــافــة إلــى عدد‬
‫تأثير كبير جداً في تاريخ اإلعالم السعودي‬ ‫من زمالئه‪ :‬د‪ .‬عبداهلل العسكر رحمه اهلل‪،‬‬
‫تدريساً وتأريخاً‪ ،‬فقد كان متعاوناً مع قسم‬ ‫والدكتور يزيد العوهلي‪ ،‬ود‪ .‬محمد الجفري‬
‫رحمه اهلل‪ ،‬ود‪ .‬إحسان أبو حليقة‪ ،‬والدكتورة‬
‫اإلعــام في جامعة الملك سعود في الوقت‬
‫نورة اليوسف‪ ،‬واألستاذ منير العكاس‪ ،‬وكان‬
‫ـس الحاجة لمثل‬ ‫ال ــذي كــان القسم فــي أم ـ ّ‬
‫لوجود د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي األثر الكبير‬
‫خبراته‪ ،‬فلم يبخل بعلمه ومعرفته‪ ،‬لقد كان‬
‫فــي نجاح مهمتنا فــي الجولة على مناطق‬
‫صادقاً في تقديمه للمعلومة؛ ما جعله صاحب‬
‫المملكة‪ ،‬كما أنه كان من ضمن الذين أسهموا‬
‫سيرة ملهِ مة‪ ،‬فلم تتوقف سيرته عند الجانب‬
‫في وضع ذلك البرنامج‪ .‬لقد كان يمثل األخ‬
‫المهني واألكاديمي‪ ،‬بل امتدت إلى الجانب‬
‫الكبير للجميع في تلك الرحلة‪ ،‬يشجعنا في‬
‫ال في جمعية‬ ‫اإلنساني؛ إذ كان عضواً فاع ً‬ ‫عملنا خاللها‪ ،‬يُثني على الجميع ويتحاور مع‬
‫ألزهايمر وغيرها من الجمعيات ذات الطابع‬ ‫الضيوف ومع الزمالء القائمين على البرنامج‪،‬‬
‫اإلنــســانــي‪ ،‬فلقد سطّ ر أروع معاني الوفاء‬ ‫حرصا منه على نجاحنا ونجاح الوطن‪.‬‬
‫عندما أص َّر على إقامة عزاء األستاذ ماجد‬
‫واستمرت اللقاءات مع أستاذنا القدير‬
‫الشبل رحمه اهلل في منزله‪ .‬فال غرابة أن‬
‫الــمــرحــوم عبدالرحمن الشبيلي مــن خالل‬
‫يحصل الراحل على وسام الملك عبدالعزيز‬
‫مؤلفاته التي يرسلها لنا‪ ،‬ولقاءاته في النادي‬
‫من الدرجة األولى‪.‬‬ ‫األدب ــي‪ ،‬وفــي كــل المناسبات التي يتاح لنا‬
‫وختاما‪ :‬ترك لنا الراحل نحو (‪ )23‬مؤلفاً‬ ‫حضورها ويكون هو طرفاً فيها‪.‬‬
‫بين السير الذاتية والعلم المتخصص‪ ،‬نتاج‬ ‫َمــن ينظر ويــقــرأ سيرته وتــاريــخــه يقف‬
‫عشرات السنين‪ ،‬رصد فيها الراحل مسيرة‬ ‫حــائــراً أمــام قــدرتــه على العمل المتواصل‬
‫وطن وقيادة وشعب (حكاية وطن خلق وجوده‬ ‫في كل المناشط؛ عندما كان رئيس مجلس‬
‫واستقراره) حتى أصبحت مؤلفات الشبيلي‬ ‫إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة‬
‫رحمه اهلل أعالماً وإعالماً من الوطن وإلى‬ ‫والنشر‪ ،‬وكذلك عندما كان عضواً في مجلس‬
‫الوطن‪.‬‬ ‫الشورى‪ ..‬كان محاوراً بارعاً‪ ،‬ومبادراً للعمل‬
‫ * رئيس قسم اإلعالم ‪ -‬جامعة الملك سعود‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫صاحب الخطوة الواثقة‬
‫ُ‬ ‫الشبيلي‬
‫طى‪ ..‬مشاها‬ ‫ومن ُك ْ‬
‫تبت عليه ُخ ً‬ ‫َ‬
‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫الشبيلي وحكاياته الذاتية التي خطها في سيرته الذاتية (مشيناها) والتي صدرها‬
‫بالبيتين اآلتيين‪:‬‬
‫ومــن كُ تبت عليه خطى مشاها‬ ‫مـشـيـنــاهــا خ ـط ــىً كُ ـت ـبــت علينا‬
‫أرض سواها!‬
‫فليس يموت فــي ٍ‬ ‫ـأرض‬
‫ومـ ـ ـ ــن ك ـ ــان ـ ــت مـ ـنـ ـ ّيـ ـت ــه بـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫أن تكتب عــن نفسك ليس أم ــرً ا يـسـيــرً ا‪ ،‬وأن ــت تعلم تماما أن هـنــاك مــن يتابعك في‬
‫حياتك‪ ..‬فكيف حين تـغــادر الدنيا وتـتــرك خلفك سيرة تحمل مسيرة مختلفة‪ ،‬وهــذا‬
‫الشبيلي‪ ،‬صاحب السيرة الذاتية‬ ‫الصالح ّ‬ ‫ما حــدث مع اإلعــامــي الكاتب عبدالرّحمن ّ‬
‫السعودية‪« :‬مشيناها‪ ..‬حكايات ذات»‪ ،‬والتي صــدرت طبعتها األولــى في صفر ‪1440‬ه ــ‪/‬‬
‫وتوشح غالفُ ها بشكل مميز بصورة عميقة لها داللة مختلفة‪ ،‬وهي صورة‬ ‫نوفمبر ‪٢٠١٨‬م‪ّ ،‬‬
‫«الصنقر»‪ ،‬وهو معلم تراثي أشبه ببرج المراقبة ومقصورة الحماية‪ ،‬يتجاوز عمره مئة‬ ‫ّ‬
‫سنة‪ ،‬وفي عام ‪١٤٠٧‬هـ ُشيّد عليه مركز ابن صالح الثّقافي‪.‬‬
‫ولك أن تدرك كيف لرجل مثله أن يتخيّر الوطن الذي سيحتضنه‪.‬‬
‫وحين تخطو أول خطوة لتمشي داخل‬ ‫تلك الصورة عمدًا‪ ،‬وال يمكن أن تكون سهوا‬
‫الكتاب‪ ،‬تجدك تتعرف على الفترة الزمنية‬ ‫أمام رجل بعظمة تفكيره وصالبة رأيه‪.‬‬
‫التي قضاها وهو يدوّنه‪ ،‬فقد أشار إلى أنّه‬ ‫يتكون هذا الكتاب السيروي المؤلم في‬
‫قضى سنة ونصف السنة وهو يرسم بقلبه‬ ‫مسيرة إبداعية مختلفة مــن مقدّ مة‪ ،‬ث ّم‬
‫وقلمه هذه الذّ كريات؛ ابتداء من رمضان‬ ‫ثمانية أقسام‪ ،‬وبعدها كشّ اف عام‪ ،‬فملحق‬
‫عام ‪١٤٣٨‬هـ‪ ،‬وحرص على ّأل يكون سرديًا‬ ‫صور‪ ،‬وتعريف مختصر بالمؤلف‪ .‬وكأنه كان‬
‫عاديا‪ ،‬فالتّفرّد سمة جميلة تستحق العناء‪،‬‬ ‫يرسم لنفسه طريقا يعرف أنه يمشيه‪ ،‬وأنه‬
‫وبما أن حياته مجبولة بالعناء والتعب‪ ..‬حقه‬ ‫سينتهي عنده‪ .‬وحده عبدالرحمن الشبيلي‬
‫أن يرسمها في سيرة مختلفة ال شبيه لها؛‬ ‫الرجل القويّ الخطوة‪ ،‬البارع في اإلعالم‪،‬‬
‫ألنه كان متفردًا وال شبيه لطريقته وأسلوبه‪،‬‬ ‫المتمرّد وقت الغضب‪ ،‬عرف مشي الخُ طى‪،‬‬
‫فجاء كتابه من طراز مختلف بين الرّواية‬ ‫فثبت نفسه على شرفة في باريس لتهوي‬
‫والسّ يرة‪.‬‬ ‫به وتعيده إلى مسقط رأســه‪ ،‬حيث تراب‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪32‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫يلقي محاضرة في مركز صالح بن صالح االجتماعي بعنيزة ‪ -‬القصيم‬

‫عنيزة‪ ،‬وهو يتحدث عن مسيرته أبداً؛ فهي‬ ‫غريبة بعيدة الــمــدى إلى‬
‫ٍ‬ ‫بلغة‬
‫أخَ ـ َذنَــا ٍ‬
‫البؤرة التي تسوق كل األحداث وكل أسباب‬ ‫زاوية الرواية حينًا‪ ،‬وهو يتفنّن في وصف‬
‫نجاحه‪ ،‬ويصف عنيزة التي تحب هؤالء‬ ‫سردي أشبه بسيروائية الكاتب الذي يبني‬
‫الحرفيين من أهل البلد‪ ،‬ويتغزّل بنشاط‬ ‫نصه بينه وبين نفسه خطوة خطوة‪ ،‬منذ ان‬
‫سوق المسوكف‪ ،‬وتطوّع أهله لقراءة البريد‬ ‫بدأها في وصف مراحل النّشأة والتّكوين‪،‬‬
‫الضروس وتجبير الكسور‪،‬‬ ‫وإيصاله‪ ،‬وخلع ّ‬ ‫وجعلنا نستعرض المكان في عنيزة مسقط‬
‫والصكوك‪ ،‬وإطراب العابرين‬ ‫ّ‬ ‫وكتابة الوثائق‬ ‫قلبه وهــوى حياته وأنفاسها‪ ،‬ونعيش معه‬
‫بالقصيد والمِ ل َح‪ ،‬ثم يصف ناديًا لألخبار‬ ‫ذكريات الوالدين واإلخوة‪ ،‬وكيف كان رقيقا‬
‫وبخاصة من القادمين بالطّ ائرة من الرّياض‬ ‫ّ‬ ‫وهو يصف فاطمة‪ ،‬والدته الجميلة القلب‪،‬‬
‫وجدّ ة إلى مطار عنيزة المحلي القديم‪ ،‬الذي‬ ‫ـس‪ ،‬وأنــت تقرأ تشعر وكأنك‬ ‫رقيقة الــحـ ّ‬
‫يعمل به موظف واحــد؛ فيحجز التّذاكر‪،‬‬ ‫تعرفها تمامًا‪ ،‬ومع أنّ والدته قدِ مت إلى‬
‫ويوجه الطّ ائرات للهبوط واإلقالع‪ ،‬كل ذلك‬ ‫عنيزة من بيئة اسطنبوليّة مختلفة‪ّ ،‬إل إنّها‬
‫في لغة سينمائية مشهدية معبّرة مختلفة‪.‬‬ ‫استطاعت االندماج مع عنيزة في لهجتها‬
‫ولــم يغب عنه أبـــدًا الــحــديــث عــن العمل‬ ‫وعاداتها‪ ،‬ومطبخها‪ ،‬وأن ــواع تمورها‪ ،‬بل‬
‫التّطوعي في عنيزة‪ ،‬وعن العمل التطوعي‬ ‫وفــي أنــســاب األس ــرة ومصاهراتها‪ ،‬حتى‬
‫المبكر‪ ،‬وإصالح بعض الطّ رق‪ ،‬ومتابعة تبرّع‬ ‫حفظت رثــاء زوجها لزوجته األولــى التي‬
‫الوزير عبداهلل السّ ليمان الحمدان بمشروع‬ ‫توفيت سنة الرّحمة عام ‪١٣٣٧‬هـ بقصيدة‬
‫سقيا الــمــاء‪ ،‬وغير ذلــك‪ .‬وهــذا االهتمام‬ ‫تقع في نحو مئة بيت‪.‬‬
‫المبكر يفسّ ر لنا بروز أهل عنيزة في مجال‬ ‫وتسير مرحلة الحياة به وهو ال يفارق‬
‫‪33‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫بعيدًا عن األغــراض الوظيفية ومتطلبات‬ ‫األعمال المجتمعيّة والخيريّة والتّطوعيّة‪.‬‬
‫ولم يتغافل عن المرأة أبــداً‪ ،‬كيف ذلك التّرقية‪ ،‬وليس له أربــاح مادية؛ لكنّ لذة‬
‫وهو يدور حول أمه التي عاشت لتربيتهم العلم ال يعدلها شــيء‪ ،‬وبخاصة بعد أن‬
‫على الرغم من اختالف تربيتها‪ ،‬وذكر أسماء منحته عضوية الشّ ورى مزيدًا من الوقت‬
‫نساء من عنيزة تزوجهن الملك عبدالعزيز‪ ،‬للبحث والقراءة‪ ،‬فالتفت لمكتبته المنزلية‬
‫والملك سعود‪ ،‬وهنّ من كبار عوائل البلدة‪ ،‬ليعمرها‪.‬ث ّم تحدث عن كتبه المطبوعة وهي‬
‫كما أشــاد بخمس عشرة معلّمة من نساء كثيرة‪ ،‬وذكر قصة تأليف أغلبها التي تعود‬
‫عنيزة ص َّيرْن بيوتهنّ كتاتيب لتعليم الفتيات إلى كتابة مقال أو إلقاء محاضرة‪ ،‬والكثير‬
‫قبل بداية التّعليم النّظامي؛ ومن الطّ بيعي‬
‫من األوجاع التي يبثها هنا أو هناك في ثنايا‬
‫أن يكثر الحديث عن المرأة في سيرة رجل‬
‫كتابه‪.‬‬
‫عــاش قسمًا من عمره في عالم اإلعــام‬
‫وأنت تغلق آخر صفحات الكتاب تسمع‬ ‫والثّقافة‪.‬‬
‫وتسير كثيرا داخل تلك المسيرة المميزة بكل ألــم صوته األجــش الضخم بمخارج‬
‫ليُحدثك عن تخرجه في كلية الّلغة العربيّة حــروف متميزة لم يعتليها العجز أو كبر‬
‫الذي كان سببا لدخوله إلى عالم اإلذاعة‪ ،‬الــســن‪ ،‬وتتخيل أنــه ينعي نفسه فــي آخر‬
‫ث ـ ّم اإلع ــام المرئي والمكتوب‪ ،‬ثــم تولى صفحات كتابه‪ ،‬فتظهر هناك كلمات مؤلمة‪:‬‬
‫«تنعي أسرتا الشبيلي وأبــا الخيل في‬ ‫مهمّة تسجيل خطاب العرش بعد العصر‬
‫في قصر الملك فيصل بالمِ عذر في ‪٢٧‬‬
‫مناطق المملكة فقيدها الغالي الدكتور‬
‫جمادى اآلخرة سنة ‪١٣٨٤‬هـ بحضور األمير‬
‫عبدالرحمن الصالح العبداهلل الشبيلي‪،‬‬
‫سلطان‪ ،‬والشّ يخ محمّد النّويصر‪ ،‬ود‪ .‬رشاد‬
‫داعين اهلل جل شأنه أن يتواله بإحسانه‬
‫فرعون‪ ،‬ود‪ .‬كنعان الخطيب‪ ،‬ث ّم طار إلى‬
‫وعــفــوه ورحمته‪ ،‬ويجعل مــا أصــابــه رفعة‬ ‫ليل مع نشرة األخبار‪.‬‬
‫جدّ ة إلذاعته ً‬
‫لدرجاته ويسكنه عليين‪»...‬‬
‫بألم ووجع مع‬
‫ثم تقطعك اللهفة للمتابعة ٍ‬
‫وحدها تلك الكلمات التي صــدرت عن‬ ‫مأساة وفاة ابنه طالل‪ ،‬بعد معاناة طويلة‬
‫وداع‬
‫ومؤيد ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ناف‬
‫غريبة التّسلسل مع المرض‪ ،‬ليقف هناك أسرته هزّت اإلعالمي بين ٍ‬
‫وباك عليه‪ ،‬ليس تمردًا على الموت‪،‬‬‫ومتألم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫متأثرًا بعبارات تبكي وأنت تقرأها‪.‬‬
‫ثم يعود بك سريعًا الى أهم مراحل العمر بــل خــو ًفــا مــن تصديق الخبر فــي لحظة‬
‫التي كانت مع التّوثيق والتّأليف‪ ،‬علمًا أنّه يتمسك بها اإلنسان بتراثه وأصالته‪ ،‬وهذا‬
‫كتب بعد بلوغه األربعين جُ ّل إنتاجه‪ ،‬فكان الرجل أصالة التاريخ اإلعالمي السعودي‪.‬‬
‫ * أكاديمية وناقدة من األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪34‬‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫عبدالرحمن الشبيلي في ذمة اهلل‬
‫■ نواف الراشد*‬
‫عرفت الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬منذ كنت طالب ًا بكلية اللغة العربية بجامعة اإلمام‬
‫بالرياض‪ ،‬وكان رائــد ًا من رواد اإلعــام‪ ،‬وخصوص ًا اإلذاعــة والتلفزيون‪ ،‬وكان رحمه اهلل من‬
‫خريجي الجامعة نفسها التي أدرس فيها؛ ولذا كنت أعده أنموذج ًا يمكن أن يحتذى به‪ ،‬وكان‬
‫أحد طموحاتي آِنذاك أن أكون مذيع ًا باإلذاعة والتلفزيون‪ ،‬وشغل هو مدير عام التلفزيون‬
‫ثم وكي ًال لــوزارة اإلعــام‪ .‬كانت سيرته رائعة صافية نقية كما كان طيلة أيام عمره الحقاً‪،‬‬
‫فلم يتغير ولم يتقلب‪ ..‬بل ثبت على سيرته الطيبة ومبادئه التي يؤمن بها محب ًا لوطنه‬
‫أينما عمل‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬عمل في المجلس األعلى للجامعات‪ ،‬ورئيس ًا لمجلس إدارة مؤسسة‬
‫الجزيرة للصحافة‪ ،‬وعضو ًا في المجلس األعلى لإلعالم‪ ،‬وحسب علمي أنه يتقن العربية‬
‫واإلنجليزية والفرنسية‪.‬‬
‫عبداهلل المعجب الشريف‪ ،‬رئيس كتابة العدل‬ ‫ولعل من أهم فترات حياته عمل ُه عضواً في‬
‫بالرياض سابقاً‪ ،‬وكان أبو طالل بجواري‪ ..‬نتبادل‬ ‫مجلس الشورى‪ ،‬لمدة اثني عشر عاماً‪ ،‬في فترة‬
‫الحديث لمدة ساعة ونيّف‪ ،‬سمعت فيها كثيراً من‬ ‫كان المجلس بحاجة إلى الرجال األقوياء واألمناء‬
‫اآلراء وعــامــات التعجب حــول عــدد من األمــور‬ ‫الــذيــن يبنون القواعد واألســاســات لمجلس في‬
‫الثقافية واالجتماعية‪.‬‬ ‫منتهى األهمية‪ ،‬ويمس الوطن والمواطن‪ .‬وقد ألف‬
‫مع بعض زمالئه كتاباً مهماً عن تلك الفترة‪ ،‬وكان‬
‫‏وخالصة القول‪ ،‬إنه ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كان صاحب‬
‫ال في مركز األمير‬ ‫لي شــرف أن أعمل معه زمي ً‬
‫راق رصــيــن‪ ،‬لطيف المعشر‪،‬‬ ‫خلق رفــيــع‪ ،‬وقلم ٍ‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي ودار الجوف للعلوم‪،‬‬
‫عفيف القلم واللسان‪ ،‬جــاداً في حياته وكتبه‪،‬‬ ‫عضو للجمعية العمومية فيه‪ ،‬ولمدة طويلة‪ ،‬كما‬
‫وال يخلو محياه من االبتسامة الصادقة‪ ،‬ورغم‬ ‫قرأت له العديد من الكتب والمؤلفات التي تجاوزت‬
‫هــدوئــه وصمته كــان حــاضــراً بالكلمة والكتاب‬ ‫الخمسين كتاباً‪.‬‬
‫والبحث واإلنجازات‪ ،‬وقد حصل على وسام الملك‬
‫حضرت له العديد من المحاضرات والندوات عبدالعزيز من الدرجة األولى‪ ،‬وهو بال أدنى شك‬
‫فــي الــجــوف والــغــاط وال ــري ــاض‪ ،‬وســعــدت بلقاء يستحقه‪.‬‬
‫خــاص معه فــي ملتقى ومتحف ن ــواف الــراشــد‬
‫رحــم اهلل الفقيد الــذي كتب سيرته في كتابه‬ ‫الثقافي بالجوف‪ ،‬الــذي جعلته لخدمة المجتمع‬
‫واألدب والثقافة والــتــراث‪ ،‬كما رافقته في رحلة "مشيناها"‪ ،‬وصــدق د‪ .‬عبدالواحد الحميد‪ ،‬حين‬
‫بريه من الرياض إلى الغاط ذهاباً وإياباً برفقه كتب مشيناها‪ ..‬سطراً سطراً‪ .‬يقصد قراءة السيرة‬
‫بعض الفضالء والمثقفين‪ ،‬لحضور منتدى األمير بتمعّن ودِ قــة‪ ،‬وهــا أنــا ذا أنصح الشباب المثقف‬
‫عبدالرحمن السديري السنوي‪ ،‬الــذي يقام سنة بقراءة تلك السيرة الطيبة العطرة واالستفادة منها‪.‬‬
‫رحم اهلل الفقيد رحمة واسعة‪ ،‬وأسكنه فسيح‬ ‫بالغاط وأخرى بالجوف‪.‬‬
‫كما حضرت وإياه ملتقى سنوياً يقيمه الشيخ جناته‪.‬‬
‫ * الجوف‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫*‬‫الشبيلي والشورى!‬
‫العساف**‬
‫َّ‬ ‫■ أحمد بن عبداحملسن‬
‫هل بدأت عالقة الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي بالشورى‪ ،‬منذ تعيينه عضوً ا في‬
‫أول دورة بعد تكوين المجلس الجديد عام ‪1414‬هـ؟ الجواب المتبادر للذهن مباشرة أن ال‬
‫عالقة له بالشورى قبل ذلك! وهو الرّد المنطقي االبتدائي؛ ألنه ال صلة مع غائب!‬
‫أما ما أعتقده‪ ،‬فهو وجود عالقات قديمة بينهما‪ ،‬ويستيقن قارئ سيرته التي مشيناها‬
‫معه من ذلك بتأمل ما يلي‪:‬‬
‫أول‪ :‬ارتباطه بسوق المسوكَف فــي عنيزة السليم‪.‬‬ ‫ً‬
‫والملمح الثاني‪ ،‬أن الرج َل وقّافٌ عند حدود‬ ‫وهــو منتدى أهــل البلدة‪ ،‬فيه األمير والقاضي‬
‫والتاجر والحرفي والفنان والمتسوق والمسافر ما يعلم؛ ولذلك‪ ،‬طلب من أصحاب االختصاص‬
‫والمستخبر والمخبر‪ ،‬ومــن الطبيعي أن ينجم مساندته‪ .‬وثــالــث ملمح‪ ،‬هــو بُــعــده عــن الجدل‬
‫عن اجتماع هؤالء نقاش واختالف وتداول آراء‪ ،‬والمماحكة في إدارة الــحــوارات‪ ..‬فالغاية نفع‬
‫المجتمع‪ .‬ورابعها‪ ،‬أنه ليس إقليميًا وال فئويًا‪.‬‬ ‫والطفل ث ّم الفتى يسمع ويرى ويتعلم‪.‬‬
‫وتكرّرت التجربة نفسها بعد أن انتقل للدراسة وهــذه خصال أســاس‪ ،‬ظهرت بــارزة في سجايا‬
‫في العاصمة الرياض‪ ،‬وسكن في قيصرية يغدو الشبيلي‪ ،‬عضو الشورى الحقًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مارس الكتابة في المجاالت التي له فيها‬ ‫ويروح إليها كبار التجار‪ ،‬ولمجتمع رجال األعمال‬
‫تأثير يتجاوز االقتصاد‪ ،‬وأحاديثهم ال تبدأ من خبرة ومعرفة وفي الشأن العام‪ ،‬وهذا المسلك‬
‫المال وال تنتهي عنده؛ ومن ثَمَّ‪ ،‬فهي خبرة مبكرة يتقاطع مع عمل الشورى‪ ،‬القائم على إبداء الرأي‬
‫وإس ــداء النصح والــدفــاع عن المصالح العامة‬ ‫في مستهل عمره‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عندما دخل إلى المجال اإلعالمي عبر والعليا‪.‬‬
‫راب ـ ًعــا‪ :‬بنى خــال مسيرته الوظيفية قبل‬ ‫اإلذاعة والتلفزيون سبق إلى برامج حوارية غير‬
‫معهودة‪ ،‬جعلت الناس يشاهدون المسؤول وهو الشورى عالقات تقرب أو تبعد مع خمسة ملوك‬
‫عمل وعديد من األمــراء وال ــوزراء الذين زاملهم‪ ،‬أو‬ ‫يُجادل‪ ،‬والوزير حين يُناقش‪ ،‬فكان صنيعه ً‬
‫من أعمال الشورى‪ ،‬ورأى المواطنون خلف شاشته جاورهم‪ ،‬أو ربطته بهم وشائج قربى؛ ومن ثَمَّ‪،‬‬
‫وعى المنهج المتبع في الحكم واإلدارة‪ ،‬وأدرك‬ ‫ملوكًا وأمراء ووزراء ومسؤولين كباراً‪.‬‬
‫وفــي هــذه البرامج مالمح مهمة لشخصية دقائق المزاج الرسمي‪ ،‬فانضبط لديه وبه اإليقاع‬
‫الشبيلي الشورية؛ أولها‪ ،‬أنه تشاركي بعيد عن فما وقع وال أوقع!‬
‫خامسً ا‪ :‬أوقفه عمله في اإلعالم على سؤال‬ ‫االستئثار‪ ،‬إذ استعان بآخرين تقديمًا أو إعدادًا‪،‬‬
‫وغــدا بعضهم وزيــرًا مثل أصحاب المعالي د‪ .‬حرِ ج يتأرجح بين االرتقاء بالمجتمع أو التبعية له‪،‬‬
‫عبداهلل العمران ‪ ،‬د‪ .‬غازي القصيبي ‪ ،‬د‪ .‬سليمان فصنع من الفجوة بينهما منبعًا لعمل جديد مفيد‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪36‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫أما مسيرته في التعليم العالي فكشفت له مع رئيسهم الجديد معالي الشيخ د‪ .‬صالح بن‬
‫مجتمع النخب الفكرية وبيئة الطالب‪ ،‬ث ّم ولج حميد‪.‬‬
‫إلى عالم التوثيق فرأى تاريخ البالد وعراقتها‪،‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اتكا ًء على المهارة الكتابية للشبيلي‪ ،‬أوكل‬
‫ليتسلّح بهذه المكونات تحت القبة مازجً ا بين‬
‫إليه تحرير مخرجات دراســة مقاومة اإلرهــاب‪،‬‬
‫مطالب المجتمع‪ ،‬ورؤى النخب‪ ،‬ولوازم التاريخ‪،‬‬
‫وهــي مــن اجــتــهــادات المجلس الثمينة؛ وكتب‬
‫وصنعت منه هذه المحطات الثالث عضو شورى‬
‫مقال لتفنيد رأي‬
‫بترتيب مع معالي الشيخ الجبير ً‬
‫رفيع الطراز‪.‬‬
‫أحد الكتّاب عن المجلس بُعيد انعقاده‪ ،‬ونشر‬
‫سادسً ا‪ :‬من الطريف الذي ليس سرًا أن معالي مقالته باسم قلمي هو فيصل المبارك‪ ..‬فابتسم‬
‫قائل‪ :‬ومــا يدريك أن الشيخ فيصل‬ ‫الشيخ إبراهيم العنقري أبلغه باختياره عضوًا ابــن جبير ً‬
‫في المجلس وأوص ــاه بكتم األمــر إلــى أن يُعلن المبارك هو أحد أعضاء المجلس القديم!‬
‫كالمعتاد‪ ،‬وفي جلسة باريسية ضمت صاحبنا‬
‫ثالثًا‪ :‬استثمر د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي رئاسته‬
‫مع معالي الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وصديق‬
‫للجنة التعليم‪ ..‬فاستضاف عددًا من األكاديميات‬
‫ثالث لم يسمّه‪ ..‬وألنه لم يصبر أخبرهما باتصال‬
‫والموظفات لسماع رأيهن عن تقاعد المرأة‪ ،‬في‬
‫العنقري به‪ ،‬فما كان من "أبا الخيل" إال أن أشعر‬
‫صاحبيه بأمره‪ ،‬وهكذا فعل الشبيلي‪ ،‬والشيء تجربةٍ هي األولــى خــال تاريخ المجلس فيما‬
‫بالشيء يــذكــر‪ ..‬فألبي طــال كتاب عــن سيرة أعلم‪ ،‬وبعدها توالت مشاركات المرأة فيه‪ ،‬وكان‬
‫العنقري يكاد فيما أعلم أن يكون المصدر الوحيد انتقاؤه للمشاركات بريئًا من التحيّز‪ ،‬متنائيًا عن‬
‫المستقل عن هذا الرجل الذي أبلغ جميع أو ج ّل اإلقصاء‪ ،‬حصيفًا مستندًا لخبراتهن الوظيفية‪،‬‬
‫وثقافتهن المتنوعة‪ ،‬وطريقة نظرتهن لألمور من‬ ‫أعضاء أول دورة للمجلس الجديد بترشيحهم‪.‬‬
‫زوايا غير مكررة‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬من الموافقات اللطيفة أن أول مرسلة‬
‫راب ـ ًعــا‪ :‬كــان إ ّب ــان عضويته كثير الثناء على‬ ‫إذاعــيــة وضــعــت فــي الــريــاض بجهود الــراحــل‪،‬‬
‫وثبتت فــوق منطقة مرتفعة بُــنــي عليها مقر مداخالت زمالئه الجميلة‪ ،‬قريبًا ممن استعان به‬
‫مجلس الــشــورى الــحــالــي! كما سجل الشبيلي منهم‪ ،‬ومرجعية مأمونة لمن أراد‪ ،‬يقتبسون من‬
‫وقائع انتخابات المجلس البلدي في الرياض عام هديه و ُهــداه؛ وفوق ذلك كان موضع االستشارة‬
‫الخاصة من قبل الشيخ الرئيس ابن جبير في‬ ‫(‪1384‬هـ) وأرسلها لـ جدة كي تذاع منها‪.‬‬
‫مواقف حفظتها سيرته المنشورة قبل رحيله‬
‫أما خالل عمله في المجلس‪ ،‬فقد كان الشبيلي‬
‫بشهور‪.‬‬
‫قريبًا أثيرًا من رئيسه وأكثر زمالئه‪ ،‬وأستطيع‬
‫خامسً ا‪ :‬يُحسب للشبيلي أنــه سجّ ل اللقاء‬ ‫رصد هذه المواقف‪:‬‬
‫الوحيد مع الشيخ محمد بن جبير‪ ،‬وفيه يتحدث‬
‫أول‪ :‬أُســنــدت إلــيــه صياغة كلمات رئيس‬ ‫ً‬
‫عن حياته األسرية والعائلية والعلمية والعملية‪،‬‬
‫المجلس ومكاتباته؛ ألن الرجل امتاز بسالسة‬
‫األلفاظ‪ ،‬ووضــوح المعاني‪ ،‬واختصار العبارات وصدرت الحلقتان فيما بعد بكتاب طبع مرتين‪.‬‬
‫سادسً ا‪ :‬دُعي صاحبنا من مسؤول كبير وسأله‬ ‫المجلس من خبرته‬
‫ُ‬ ‫دون إبهام أو إيهام؛ كما أفاد‬
‫إلدارة أول لقاء مفتوح بين األعضاء والموظفين عمّا نمي إليه من تقليله من شرف اللقاء بالملك!‬
‫‪37‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وأهــتــبـ ُل هــذه الــفــرصــة مقترِ حً ا على مركز‬‫فــقــال الشبيلي‪ :‬لــم أقــل ذل ــك‪ ،‬والــقــصــة وقعت‬
‫عبدالرحمن السديري الذي تفرّد بالتركيز على‬ ‫لزميل تحاور مع الرئيس بشأن هذا اللقاء‪ ،‬ولم‬
‫الشبيلي شوريًا أن يجمع ما سطّ ره راحلنا عن‬ ‫تكن الرواية دقيقة في النقل وال صائبة في الفهم‬
‫الشورى مع مقدمته لسيرة ابن جبير‪ ،‬ومقدمته‬ ‫والتسجيالت تثبت ذلك! وهذا التصرف الرشيد‬
‫لــتــجــارب األعــضــاء الــثــمــانــيــة‪ ،‬إضــافــة لكلمات‬
‫من الشبيلي غير مستغرب‪ ..‬إذ قــال الحقيقة‬
‫أصحاب المعالي والسعادة في هذه الندوة‪ ،‬وفي‬ ‫كما وقعت ودافع عن زميله الغائب‪ ،‬ولم يستثمر‬
‫ذلك حفظ لتاريخ الكيان واإلنسان والتجربة‪.‬‬ ‫الفرصة لــإســاءة لــه‪ ،‬أو يتخذه درعً ــا يتقي به‬
‫ثالثًا‪ :‬كان الشبيلي ناصحً ا أمينًا لمن سُ مّي‬ ‫غضب المسؤول‪ ،‬علمًا أن العضو المعني صار‬
‫عضوًا في الشورى بعده‪ ،‬وأذكر أني قرأت شيئًا‬ ‫وزيرًا فيما بعد‪.‬‬
‫ينس أعضاءُ الشورى وموظفوه السلة مــن هــذا بقلم األســتــاذ األدي ــب حمد العبداهلل‬ ‫سابعًا‪ :‬لن َ‬
‫األنيقة التي يحضرها مليئة بالتمر الفاخر لتكون القاضي‪ ،‬إذ بادر الشبيلي لتهنئته وتقديم خالصة‬
‫مع القهوة في االستراحة بين جلسات المجلس‪ .‬تجربته‪ ،‬كما حرص على خدمة أعضاء الشورى‪..‬‬
‫فحين أه ــداه أحــد المؤلفين كتابه عــن تجربة‬
‫وبعد انتهاء عضويته عقب اثني عشر عامًا المجلس بعد ربع قرن‪ ،‬سأله‪ :‬وأين النسخ الخاصة‬
‫أمضاها في رحــاب جامعة المجلس‪ ،‬كانت له باألعضاء الباقين في أحدية الشورى؟‬
‫أعمال متعلقة بالشورى‪ ،‬منها‪:‬‬
‫رابعًا‪ :‬ترجم الشبيلي لعدد من الشخصيات‬
‫أول‪ :‬مــشــاركــتــه مــع سبعة أعــضــاء آخــريــن الشورية ترجمة طويلة أو مختصرة‪ ،‬وبعضهم‬ ‫ً‬
‫قضوا الفترة ذاتها في نشر تجربتهم الشورية ال يوجد عنه شــيء مطبوع فيما أعلم ســوى ما‬
‫من خــال سبعة محاور‪ ،‬حتى ال يخفت حضور سطره صاحبنا‪ ،‬ويحضرني منهم معالي الشيخ‬
‫المجلس في المجتمع‪ ،‬وأفصحوا بصدق ونصح عبدالرحمن أبا الخيل‪ ،‬ومعالي د‪ .‬رضا عبيد‪،‬‬
‫عــن آرائــهــم؛ وأع ــاد صاحبنا تحرير مــا كتبوه ومعالي الشيخ حمود الفايز‪ ،‬وســعــادة األستاذ‬
‫ـض زمــاءه على تدوين‬ ‫وصياغته‪ ..‬ث ـ ّم صــدر الكتاب بأكثر من طبعة‪ ،‬عمران العمران‪ ،‬كما حـ َّ‬
‫وخلصت آراء األعضاء الثمانية إلى أربــع نقاط سيرهم الذاتية‪ ،‬ونشر منتجاتهم األدبية والفكرية‪،‬‬
‫جوهرية هي‪ :‬مدى إلزامية رأي الشورى‪ ،‬وطريقة وربما راجع بعضها‪ ،‬أو كتب تقديمًا لها‪.‬‬
‫خامسً ا‪ :‬استضاف الشبيلي في بيته أحدية‬ ‫اختيار األعضاء بين االنتخاب والتعيين‪ ،‬ومراجعة‬
‫الموازنة والميزانية‪ ،‬وأخيرًا مشاركة المرأة بنسبة الشورى‪ ،‬وشارك في مجموعات شورية أضحت‬
‫الخُ مس‪ ،‬وهو الذي تحقق من هذه المقترحات نواديَ خبرة تنفع البلد في الشأن الشوري وغيره‪.‬‬
‫المهمة‪ ،‬وليس الربع بكثير‪.‬‬
‫ســادسً ــا‪ :‬شــارك الشبيلي فــي رحلة أعضاء‬
‫ثانيًا‪ :‬ألقى الشبيلي عــددًا من المحاضرات الشورى السنوية لمدة عشرين عامًا منها ست‬
‫والكلمات عن تاريخ الشورى‪ ،‬وحول تجربته في مرات وهو ما يزال عضوًا‪ ،‬وغدت داره منطلقًا‬
‫المجلس‪ ،‬مع تعريف برئيسه األول‪ ،‬كما ألقى للشورحالة‪ ،‬مع أنه لم يعلم عن أول رحلة ّإل قبل‬
‫كلمة األعضاء المنتهية عضويتهم‪ ،‬وكلمة في حفل ساعات من انطالقتها‪ ،‬ومن أسف أن تخلو رحلة‬
‫هذا العام منه‪ ،‬واهلل يسعده في ضريحه‪ ،‬ويسعد‬ ‫تكريم خاص له‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪38‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫بعض مؤلفات د‪ .‬الشبيلي رحمه اهلل تعالى‬

‫عدد طلقات المدفعية الترحيبية بكبار الزعماء‪،‬‬ ‫رفاقه في حلهم وترحالهم‪ ،‬علمًا أن حكايات هؤالء‬
‫وهي ليست بكثيرة تجاه رجل دولة‪ ،‬عاش شغوفًا‬ ‫الرحالة ما عُرفت ّإل بعد أن نَش َر سيرته‪.‬‬
‫بالخدمة العامة حتى صار قدوة فيها‪ ،‬ث ّم تشابه‬
‫سابعًا‪ :‬أظهر الشبيلي عراقة مؤسسة الشورى‬
‫مصابه ومماته مع االستفتاء الشعبي الصادق‬
‫وسم َو أعضائها من خالل موقفين هما باختصار‪:‬‬
‫والنزيه حول أحد النماذج المجتمعية المتوازنة‬
‫االحتفاء به حيًا من قبل صحبة الشورى أكثر من أيّ‬
‫المقبولة والــمــحــبــوبــة الــتــي تــصــف الشخصية‬
‫بيئة عمل سابقة‪ ،‬وتفاعلهم المهيب مع رحيله شعرًا‬
‫الوطنية‪ ،‬خاصة بعد أن بسط سيرته للناس شفافة‬
‫يمشون في مناكبها‪ ،‬وهل االستفتاء ّإل أداة شورية؟‬ ‫ونثرًا‪ ،‬فال تكاد تخلو منهم مجالس التأبين والرثاء‪.‬‬
‫وهل الشفافية ّإل نتيجة تستلزمها الشورى؟‬ ‫هــذه مالمح تعدادها واحــد وعــشــرون‪ ،‬تماثل‬
‫ * نص كلمة ألقيت يوم الخميس ‪ 25‬صفر ‪1441‬هـ=‪ 24‬أكتوبر ‪2019‬م في دار الرحمانية بالغاط التابعة‬
‫لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬في ندوة عنوانها‪" :‬التجربة الشورية لعبدالرحمن الشبيلي ذكريات‬
‫أيضا أصحاب المعالي والسعادة‪ :‬أ‪ .‬محمد الشريف‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬فالح الفالح‪ ،‬د‪ .‬عائض‬‫ومواقف"‪ ،‬تحدث فيها ً‬
‫الردادي‪ ،‬وأدارها د‪ .‬علي الخضيري‪.‬‬
‫** باحث وكاتب من السعودية‪.‬‬
‫ ‬
‫‪39‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‬

‫زيارة واحدة‪ ..‬أم اثنتان؟‬


‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬
‫زارنــا مرتين‪ ،‬وزرنــاه مرتين إحداهما بعد وفاته‪ .‬المرة األولــى التي زارنــا فيها الدكتور‬
‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي كانت في مركز معلومات عكاظ قبل أكثر من اثني عش َر‬
‫عــامـاً‪ .‬كــان الشبيلي مــلء السمع والبصر‪ ،‬فقد كــان عضوا فــي المجلس األعـلــى لإلعالم‬
‫برئاسة األمير نايف بن عبدالعزيز‪ ،‬وزير الداخلية‪ ،‬والعديد من رجاالت اإلعالم‪ .‬وكانت له‬
‫مناصب عليا في التلفزيون السعودي وفي جامعة الملك سعود بالرياض‪.‬‬

‫في المرة الثانية شرفني بزيارة في منزلي‪ .‬الرياض‪..‬‬


‫انفرد رحمه اهلل بالسير التاريخية‪ .‬لقد كانت‬ ‫وأهداني نحو عشرة من كتبه‪ .‬وشدني في إهدائه‬
‫أ ّن خطه جميل جــدا‪ .‬وددت لو أنــي سألته مَن بصمة حياته في حياته‪ .‬فقد سجل في برنامج‬
‫علَّمه هذا اإلبداع في خط الرقعة‪ .‬وقد فات وقت "مؤتمر صحفي" لقاء مع الملك فهد بعد تعيينه‬
‫السؤال كما فات وقت الجواب‪ .‬قال لي خالل نائبا ثانيا لرئيس مجلس ال ــوزراء إضافة إلى‬
‫زيارته هذه إن أحد أجداده كان فقيهاً‪ ،‬وقد راوده منصبه وزيراً للداخلية‪.‬‬
‫الحاكم في القصيم على تولي القضاء فأبى‪ ،‬وقال‬
‫ومثل ذلك لقاء مع الملك سلمان الذي كان أمير‬ ‫تريدون أن تضعوا الشبيل (القيد) في يدي أمام‬
‫اهلل يوم القيامة؟ ال أقبل‪ .‬فلذلك سمي الشبيلي‪ .‬الرياض وقتذاك وفي شبابه ‪ ،‬ويبدو لي ‪-‬واهلل‬
‫وبقي هذا االسم في ذريته من بعده رحمه اهلل‪ .‬أعلم‪ -‬أنه غير االسم من "مؤتمر صحفي" إلى‬
‫"شريط الذكريات"‪ ،‬وقام التلفزيون السعودي ببث‬
‫ولما كانت زيــارتــه حوالي التاسعة صباحا‪ ،‬هذه المقابالت الرائعة الموثقة لسنوات مهمة من‬
‫فقد احترس بقوله إنــه ال يفطر إال على كأس تاريخ المملكة العربية السعودية المعاصر‪ .‬وفيها‬
‫من الحليب وتفاحة واحــدة‪ .‬لكني حرصت على تسجيالت مع رجال عصرنا منهم األمير فهد بن‬
‫تــقــديــم طــبــق الشكشوكة (بــيــض بالطماطم)‪ ،‬محمد بن عبدالرحمن‪ ،‬واألمير عبداهلل الفيصل‪،‬‬
‫إضافة إلى وجبته من التفاح والحليب‪ .‬وقال لي واألمير سعود بن هذلول أمير القصيم من عام‬
‫وألخي مرتضى الذي حضر الزيارة إنه يرى أن ‪1389-1378‬ه ـــ وحمد الجاسر‪ ،‬وأحمد قنديل‬
‫االقتصار على التفاح في الصباح مع كأس من الشاعر الحجازي الظريف‪ ،‬وأحمد محمد صالح‬
‫الحليب يحفظ الجسم صحيحا سليما‪ .‬أو نحو باعشن‪ ،‬رجل األعمال الشهير بمدينة جدة‪ .‬ومع‬
‫هذه العبارة‪ .‬لم يكن يدري رحمه اهلل أنه مقدور الــشــاعــر طــاهــر زمــخــشــري‪ ،‬صــاحــب القصيدة‬
‫على الجسم أن يهوي حسب رواية بعض الصحف الشهيرة‪:‬‬
‫من شرفة شقته من الدور الثاني من عمارة في‬
‫باريس في ‪ 30‬يوليو ‪2019‬م‪ ،‬وأن يأتيه األجل بعد أه ـ ـ ـيـ ـ ــم ب ـ ـ ــروح ـ ـ ــي عـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ــراب ـ ـيـ ــة‬
‫‏وع ـ ـن ـ ــد الـ ـ ـمـ ـ ـط ـ ــاف ف ـ ــي الـ ـم ــروتـ ـي ــن‬ ‫ساعات من سقوطه‪ .‬ثم لما مات كنت في غاية‬
‫كما أجرى مقابلة شريط الذكريات مع األمير‬ ‫القلق؛ ألني لن أتمكن من حضور العزاء فيه في‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪40‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫مساعد بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وزير‬
‫المالية في عهد الملك فيصل‪ ،‬وعبد اهلل بلخير‬
‫المسؤول اإلعالمي في عهد الملك سعود‪ ،‬وخالد‬
‫الــفــرج الشاعر الكويتي‪ .‬وذ ّك ـرَنــا ببيت الشعر‬
‫الحكيم لخالد الفرج الذي قال فيه رحمه اهلل‪:‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ــن ُحـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـق ـ ـ ــت ل ـ ـح ـ ـي ـ ــة ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارٍ ل ــه‬
‫فـ ـلـ ـيـ ـسـ ـك ــب ال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــاء عـ ـ ـل ـ ــى ل ـح ـي ـت ــه‬
‫‏وأخـ ــرج ســيــر علية الــقــوم فــي كــتــب لطيفة‬
‫الحجم‪ ،‬ومنها سيرة األستاذ إبراهيم العنقري‪،‬‬
‫وزير اإلعالم األسبق‪ ،‬والشيخ حمد الجاسر‪.‬‬
‫وفي محاضرة عن الشيخ عبداهلل بلخير قال‬
‫الدكتور الشبيلي‪:‬‬
‫الملك سلمان مكرما الشبيلي رحمه اهلل‬
‫مع كثير من القناعات التقليدية السائدة‪ .‬فنجح‬ ‫‏"وال يغيب عن الذهن أن عبداهلل بلخير الذي‬
‫في بعض مغامراته فيها‪ .‬ولعل في مقدمة أمثلة‬ ‫بدأ نجمه في الظهور في العقد األخير من عهد‬
‫ذل ــك رف ــع حــاجــب الــســريــة عــن أخــبــار مجلس‬ ‫الملك عبدالعزيز في مجال الترجمة‪ ،‬واستماع‬
‫الـ ــوزراء‪ ،‬ســاعــده فــي ذلــك خفة روحــه وطــاوة‬ ‫األنباء‪ ،‬ومتابعة ما ينشر ضمن قائمة راصدي‬
‫حديثه وجسارته في االقتراب من مجلس الملك‬ ‫األخــبــار والــمــتــرجــمــيــن‪ ،‬وم ــن خ ــال االقــتــراب‬
‫وديوانه‪ ،‬وهو أي االقتراب ميزة لم يحظ بها سوى‬ ‫تدريجيا من ولي العهد األمير سعود‪ ،‬قد أصبح‬
‫عبداهلل بلخير في عهد الملك سعود‪ ،‬الذي كان‬ ‫بــا مــنــازع رجــل اإلع ــام األول للملك سعود‪،‬‬
‫يقسم وقته بين عمله فــي الــديــوان وعمله في‬ ‫وكــان الناطق باسمه أحيانا‪ ،‬وربما عقد بعض‬
‫اإلعالم"‪.‬‬ ‫المؤتمرات الصحفيــــة عندما كان مرافقا له في‬
‫رحالته الخارجية "‪.‬‬
‫وقبل ســنــوات كنت فــي الــريــاض‪ ،‬ولما علم‬
‫وقد جمع في أسلوبه بين المعلومة والتحليل الدكتور أبو طالل بوجودي طلب مني زيارته في‬
‫الــمــحــايــد حــتــى ال أقـ ــول ال ــج ــاف ف ــي تــنــاولــه منزله‪ .‬وتوجهت مع أخي أحمد إلى لزيارة أبي‬
‫للشخصيات‪ .‬وقد هاتفته عندما كتب عن الدكتور طالل في منزله‪.‬‬
‫محمد عبده يماني بعد وفاته‪ .‬وكأنه لمس مني‬
‫وقد حزنت عليه وشعرت بقلق بالغ أني لن‬ ‫عدم الرضا عن المقال‪ ،‬وهو الذي عايش الرجل‬
‫وعــاصــره فــي فترة تــوزيــره‪ .‬فقال لــي أنتم في أتمكن من العزاء شخصيا فيه‪ .‬فطلبت من أخي‬
‫أحمد أن يذهب للعزاء‪ .‬فكانت زيارة بعد مماته‬ ‫الحجاز تتناولون األمور من جانب عاطفي!‬
‫رحــمــه اهلل وليست بكافية‪ .‬لكني سأعوضها‬
‫بالدعاء له وقراءة الفاتحة على روحه رحمه اهلل‪.‬‬ ‫وهذه فقرة مما كتبه د‪ .‬الشبيلي‪:‬‬
‫"خرج الدكتور يماني عن المألوف في إدارته واعتقد أن القرآن بنية وصول ثوابه إلى المتوفى‬
‫للعمل اإلعالمي‪ ،‬ومارس (الشطارة) في التعامل يصل إليه‪ ..‬يصل إليه مهما شكك متشككون‪.‬‬
‫* مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقاً‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تخرج من كليتين في وقت واحد‬
‫ّ‬ ‫الشبيلي ‪..‬‬
‫وكتب سيرته بلغة الغائب‬
‫■ محمد بن عبدالرزاق القشعمي*‬
‫عرفته من خالل شاشة التلفزيون‪ ،‬عند بدايات بثه من الرياض‪ ،‬وانقطع النتقاله فيما‬
‫بعد من وزارة اإلعــام إلــى وزارة التعليم العالي‪ ،‬وبــدأ يكتب في الصحافة‪ ،‬ولكن عالقتي‬
‫الحقيقية بدأت معه منذ عرفت طريقي إلى خميسية الشيخ حمد الجاسر بالرياض قبل‬
‫عقدين من الــزمــن؛ فتوثقت عالقتي بــه‪ ،‬فوجدت فيه من محاسن األخــاق واللطف في‬
‫التعامل واحترام اآلخرين‪ ،‬وتباسطه في الحديث‪ ،‬وتواضعه الجمّ ‪ ،‬وحبِّه للخير‪ ،‬ومبادراته‬
‫االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬ما حبّبه للكثيرين؛ فلم أجد أو أسمع يوم ًا مَن ينتقده أو يقلل من‬
‫بحب الجميع وتقديرهم‪ ،‬بال استثناء‪.‬‬
‫قيمته‪ ،‬فهو يحظى ِّ‬

‫ما يستحق الكتابة‪ ،‬وأنــه يتحفظ عن البوح‬ ‫عرضت عليه فكرة تسجيل التاريخ الشفهي‬
‫ببعض الموضوعات الحسّ اسة‪ ،‬وقد تكررت‬ ‫الذي تقوم به مكتبة الملك فهد الوطنية فأشاد‬
‫دعـــوات األصــدقــاء الــذيــن قــالــوا لــه‪ :‬اكتبها‬ ‫بالفكرة فدعوته للمشاركة فلبّى الــدعــوة‪..‬‬
‫واتركها للزمن‪ ،‬فكتبها بلغة الغائب (صاحبنا)‬ ‫وعلى مــدى ثــاث جلسات سجلت معه تسع‬
‫أو (الفتى)‪.‬‬ ‫ساعات في أيام ‪1425/3/12-3/9-3/2‬ه ـــ‪.‬‬
‫قــال إنــه لــم يلج عــالــم الكتابة قبل عام‬ ‫واســتــعــرض المحطات المهمة فــي حياته‪،‬‬
‫‪1412‬هـ ـــ‪1992/‬م؛ إذ إنه لم يعترف ببداياته‬ ‫فبهرني بمعلومات دقيقة ومرتّبة‪ ،‬فطلبت منه‬
‫معها‪ ،‬والتي َذ ّكــرتُــه بها في جريدتي (أخبار‬ ‫تدوينها ليستفيد منها الجميع فتمنّع‪ ،‬وقال‬
‫إنــه لم يفكر بهذا فهو مشغول بالكتابة عن‬
‫ال ــظ ــه ــران) عـ ــام ‪1376‬هـــــــ والــيــمــامــة في‬
‫‪1380/5/10‬هـ بعنوان‪( :‬مقابر عنيزة)‪ - ،‬وهو‬ ‫الرجال األوائل الذين بدؤوا المجال اإلعالمي‬
‫ما يزال طالباً ‪ -‬بكتابي (بداياتهم مع الكتابة)‪،‬‬ ‫المبكر بالمملكة‪ ،‬وبخاصة مَن كان لهم دور في‬
‫وقال إنه بدأ يهتم بالتوثيق «فوجد به عالماً‬ ‫تأسيس المملكة‪.‬‬
‫ـصـدَف أن يكون كتابه (مشيناها) شائقاً من ناحية‪ ،‬وسياحة تسد فــراغـاً في‬ ‫ومــن الـ ُ‬
‫هو آخر ما صدر له قبيل وفاته ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬المشهد الثقافي من ناحية أخرى»‪.‬‬
‫ولكنه مــع ذلــك «ب ــدأ فــي مطلع رمضان‬ ‫بأشهر‪.‬‬
‫يقول في مقدمة (مشيناها‪ ..‬حكايات ذات) ‪1438‬ه ـــ يونية ‪2017‬م بتدوين سطور هذه‬
‫إنه تردد كثيراً قبل أن يكتب ترجم ًة لحياته‪ ،‬الحكايات واختتمها في نحو عام ونصف العام‬
‫رغم دعوات الكثيرين له‪ ،‬بدعوى أن ليس لديه مع اهتمامه بتعزيز المعلومة بالوثائق‪ ،‬إال إنه‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪42‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬
‫بمنزل طيني صغير بسوق (المعثم) في مدينة‬
‫عنيزة‪ ،‬وكان منذ صغره يجالس والده ويساعده‬
‫‪1944-2019‬‬
‫في دكانه المتواضع في سوق المسوكف لبيع‬
‫التمر والحبوب بالتجزئة‪ ،‬وكان (صاحبنا) حتى‬
‫تجاوز الخامسة عشرة يساعد والده في غير‬
‫وقت الدراسة‪ ،‬فيتواصل مع الزبائن‪ ،‬ويحرس‬
‫البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة أو لصالة‬
‫الظهر‪ ،‬وقد جرّب البيع بدكان صغير مجاور‬
‫لوالده ولكنه فشل وقفله‪.‬‬
‫تزوج والده صالح بن عبداهلل الشبيلي من‬
‫والدته فاطمة عام ‪1345‬هـ ‪1926‬م والتي يقول‬
‫إنها تروي نتفاً مما تذكره عن ديرتها (إسطنبول)‬
‫والقطار الــذي أقلها وقت الحرب األولــى مع‬
‫خالها‪ ،‬وتتذكر المرور بالقريات‪ ..‬وقال إنها‬
‫نسيت مفردات لغتها األصل‪ .‬وقال‪« :‬لم يوثق‬ ‫فض َل الخروج بهذه الحكايات عن طابع الجفاف‬ ‫َّ‬
‫أحد من الباحثين الظروف التي أتت بأمثال‬ ‫العلميّ والهوامش الصارفة للنظر‪ ،‬فآثر إضفاء‬
‫هؤالء النسوة من بالدهن‪ ،‬حتى تحوّل بعضهن‬ ‫السالسة والعفوية على مقروئيتها‪ ،‬وكان يتمنّى‬
‫قسراً في مجتمعاتهن الجديدة إلى جوارٍ يُتاجر‬ ‫أن تخرج فــي شكل روايـــة‪ ،‬لكنه يفتقر إلى‬
‫بهن‪ ،‬مع أنهن في األســاس أحــرار مختطفات‬ ‫العناصر واألدوات الفنية لكتابتها‪.»..‬‬
‫أو سبايا ح ــروب‪ ،‬واألحــســن حظاً فيهن من‬ ‫فاستقر رأيه على تسميتها (حكايات ذات)‪،‬‬
‫لقين االحترام وأصبحن زوجات معززات‪ ،‬لكن‬ ‫مستعرضاً أبرز ما مر به في محطات حياته‬
‫أغلبهن انفصمن كلياً عن بيئتهن األصل‪ ،‬وصار‬ ‫الخمس (الدراسة ‪ 15‬عاماً‪ ،‬اإلعالم ‪ 14‬عاماً‪،‬‬
‫يطلق عليهن نعوتاً تعميمية مثل‪ :‬تركيات أو‬ ‫التعليم العالي ‪ 17‬عاماً‪ ،‬مجلس الشورى ‪12‬‬
‫أرمنيات أو شركسيات‪ ،‬أو كرجيات‪ ،»..‬وقال إن‬ ‫عاماً‪ ،‬النشاط الثقافي االجتماعي ‪ 12‬عاماً‬
‫والدته «أندمجت بمقدرة عجيبة في المجتمع‬ ‫حتى تاريخه)‪.‬‬
‫الجديد بلكنته القصيمية وعاداته‪ ..‬وأجادت‬
‫وقال إنه يؤمن بالحكمة القائلة‪( :‬ما خاب‬
‫األكالت والحلويات الشعبية‪ ...‬مع أنها كانت‬
‫من استشار)؛ ولهذا فقد طلب مشورةَ من يركَن‬
‫في األصــل نازحة من تركيا في إثــر الحرب‬
‫إلى رأيهم‪ ،‬و َذ َك ـ َر أسماءهم وشكرهم على ما‬
‫العالمية األولــى أو حــرب األت ــراك واألرمــن‪،‬‬
‫وقدِ مت إلى الجزيرة العربية مع عدد من بنات‬ ‫أضفوه على المحتوى‪.‬‬
‫جنسها‪ ..‬لم يكن لدى بعضهن من المعلومات‬ ‫ولــد في ‪1363/10/7‬ه ـ ـــ‪1944/9/23 ،‬م‬
‫‪43‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ما يكفي لالستدالل على أسرهن بسبب صغر الدراسات العليا‪ ،‬وقبلها أوفد لتغطية مؤتمر‬
‫الــســن‪ ،»..‬وقــال إن أشــقــاءه الثمانية يتمنون القمة العربي الثاني باإلسكندرية ثم مؤتمر‬
‫الحصول من ذاكرة الوالدة على طرف الخيط عدم االنحياز في القاهرة عام ‪1964‬م‪.‬‬
‫وقال إن التلفزيون بدأ البث مدة ساعة بين‬ ‫الموصل إلى أخوالهم وخاالتهم من أهلها‪ ..‬ولم‬
‫صالتي المغرب والعشاء من الرياض وجدة في‬ ‫يفلحوا‪.‬‬
‫‪1385/3/19‬هـ‪1965/7/17/‬م‪ ،‬ثم بدأ إحداث‬ ‫دخل المدرسة العزيزية في الخامسة من‬
‫برامج جديدة‪ ،‬و ُمدّد وقت البث تدريجياً‪ ،‬وقال‬ ‫عمره مرافقاً لشقيقه عبداهلل الــذي يكبره‬
‫إن المرأة بدأت المشاركة بصوتها «وفي صيف‬ ‫بسنة‪ ،‬قــال عــن نفسه‪( :‬لــم يكن كاتب هذه‬
‫عام ‪1394‬هـ ‪1974 -‬م كانت هدى عبدالمحسن‬ ‫الحكايات نابهاً وال متوقد الذهن‪ ،‬وال متميزًا‬
‫الرشيد المذيعة في إذاعة جدة ثم في إذاعة‬ ‫فــي دراســتــه‪ ،‬لكنه كمعظم لــداتــه منضبط‬
‫لندن‪ ،‬في زيارة للرياض وقدَّ مت نشرة األخبار‬ ‫المواعيد مثابر وخجول ومسالم‪ ،‬وكان لصغر‬
‫على التلفزيون هي األولى في تاريخه‪ ،‬ولم يكن‬ ‫سنه محدود الصداقات يغلب عليه االنزواء‪»..‬‬
‫لها ردة فعل تذكر» ص‪ ،133‬وأول أغنية سعودية‬ ‫ص‪.75‬‬
‫نسائية على التلفزيون للمطربة المعروفة عتاب‬
‫بعد إكماله الثانوية بالمعهد العلمي بعنيزة‬
‫من إخراج سعد الفريح عام ‪1396‬هـ‪ ،‬وقد كان‬
‫صاحبنا مديراً عاماً للتلفزيون من عام ‪1966‬م‬ ‫وهــو فــي الــســادســة عــشــرة مــن عــمــره انتقل‬
‫حتى ابتعاثه عام ‪1967‬م لشهادة الماجستير‬ ‫للعاصمة الــريــاض لــلــدراســة فــي كلية اللغة‬
‫في اإلعالم من جامعة كانساس بأمريكا عام‬ ‫العربية عام ‪1379‬هـ‪ ،‬وتعلم في دورات مسائية‬
‫‪1388‬هـ ‪1968‬م ثم الدكتوراه في اإلعالم من‬ ‫اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ما ساعده على نيل شهادة‬
‫جامعة واليــة أوهايو ‪1391‬هـ ـــ‪1971/‬م انتهى‬ ‫الثانوية العامة لنظام وزارة المعارف وهدفه‬
‫عمله باإلعالم عام ‪1397‬هـ‪1977/‬م بعد أربعة‬ ‫الــوصــول إلــى الــجــامــعــة‪ ،‬وأصــبــح يجمع في‬
‫عشر عــامـاً قضاها فــي العمل اإلعــامــي‪..‬‬ ‫دراسته بين كلية اللغة العربية والجامعة‪ ،‬فكان‬
‫وكــان إلــى جــوار والــدتــه بــالــريــاض بعد وفــاة‬ ‫يخرج من الكلية ليلحق بالدرسين األخيرين من‬
‫والده عام ‪1392‬هـ والتي توفيت بالمستشفى‬ ‫كلية اآلداب‪ ،‬وهكذا بالنسبة لالمتحانات‪ ،‬تخرج‬
‫التخصصي بــالــريــاض فــي ‪1401/2/12‬هــــــ‬ ‫عام ‪1383‬هـ ‪1963‬م في كلية اللغة العربية وفي‬
‫‪1980/12/19/‬م‪ ،‬بعد مرور تسع سنوات على‬ ‫العام التالي من جامعة الملك سعود‪..‬‬
‫وفاة والده‪ .‬وكان قد تزوج قبل بعثته للماجستير‬
‫رشح (صاحبنا) من قبل كلية اللغة العربية‬
‫من زكية بنت عبداهلل أبا الخيل‪ ،‬رزق منها ابنه‬
‫لاللتحاق بوزارة اإلعالم الجديدة التي أنشئت‬
‫الوحيد طالل وابنتاه رشا وشادن‪.‬‬
‫عام ‪1382‬هـ فعمل باإلذاعة بجدة وانتقل معها‬
‫انتقل عام ‪1397‬هـ ‪1977/‬م لوزارة التعليم‬ ‫للرياض بعد أشهر‪ ،‬وبعد ثماني سنوات وصل‬
‫إلى وظيفة قيادية فاختار تخصص اإلعالم في العالي‪ .‬وكان قبل ذلك محاضراً بقسم اإلعالم‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪44‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫مع صاحب السمو الملكي األمير وليد بن بدر بن سعود و سبطه األمير بدر بن وليد بن بدر بن سعود وسبطه فيصل بن رائد‬
‫البراهيم و حفيده عبدالرحمن بن طالل الشبيلي‬
‫‪1981/‬م حتى إلغائه عــام ‪1424‬هـ ـــ‪2003/‬م‬ ‫بجامعة الملك سعود من عام ‪1392‬هـ‪1972/‬م‪،‬‬
‫عضوية مجلس الشورى لثالث دوراته األولى‪.‬‬ ‫فــبــدأ رحــلــة الــتــألــيــف بــكــتــاب (اإلع ـ ــام في‬
‫عضويته لمجلس أمــنــاء الشركة السعودية‬ ‫المملكة العربية السعودية دراس ــة وصفية‬
‫لألبحاث والنشر‪ .‬ومدير عام مؤسسة الجزيرة‬ ‫توثيقية تحليلية)‪ ،‬أصدر عام ‪1420‬هـ‪2000/‬م‬
‫الصحفية‪ .‬وعضوية اللجنة العلمية لمركز‬ ‫أحــد الكتب المرجعية في القسم‪ .‬وكــان في‬
‫حمد الجاسر الثقافي‪ ،‬وعضوية مجلس إدارة‬ ‫ال لوزارة التعليم العالي وأميناً عاماً‬ ‫عمله وكي ً‬
‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫للمجلس األعلى للجامعات‪.‬‬
‫لقد رحل ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يوم الثالثاء ‪ 27‬ذي‬ ‫انتقل لعضوية مجلس الشورى في دورته‬
‫القعدة ‪1440‬هـ الموافق ‪ 30‬من يوليو ‪2019‬م‬ ‫األولى عام ‪1414‬هـ‪ 1994/‬بعد أن أمضى سبع‬
‫بمدينة الرياض‪ ،‬بعد نقله باإلخالء الطبي من‬ ‫عشرة سنة في وزارة التعليم العالي التي قال‬
‫باريس إثر إصابته بإغماءة‪ ،‬وقد ترك لنا كثيرًا‬ ‫عنها‪« :‬بعد أن اكتسبت خبرة ثرية في أنظمة‬
‫من األعمال الثقافية اإلعالمية‪.‬‬ ‫الجامعات ولوائحها‪ ،‬وقطف صداقات عزيزة‬
‫وت ــرج ــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة الــشــخــصــيــات‬ ‫مع عدد من أعضاء هيئة التدريس في مختلف‬
‫السعودية‪ ،‬مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر‪.‬‬ ‫الجامعات السبع»‪.‬‬
‫وشــارك في كثير من اللجان والمؤتمرات ط‪ ،2‬ج‪ .1‬قالت‪:‬‬
‫ولــد عــام ‪1363‬هــــ ‪1943‬م بعنيزة‪ ،‬تلقى‬ ‫الخاصة باإلعالم والتعليم العالي ومن أهمها‪:‬‬
‫المجلس األعــلــى لــإعــام مــن عــام ‪1401‬هـــ تعليمه االبتدائي حتى الثانوي بها‪ ،‬بكالوريوس‬
‫‪45‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫كــثــيــراً مــن الــمــآســي وال ــح ــوادث الشخصية‬ ‫آداب قــســم لــغــة عــربــيــة مــن جــامــعــة اإلم ــام‬
‫والعامة‪ ...‬بيته مفتوح للجميع‪ ،‬حضرت مرات‬ ‫محمد بن سعود اإلسالمية ‪1383‬هـ‪1963 ،‬م‪.‬‬
‫مع لقاءات ضحى أيام األحد في منزله بزمالئه‬ ‫بكالوريوس آخر في اآلداب قسم الجغرافيا من‬
‫أعضاء مجلس الــشــورى القدامى‪ ،‬وسافرت‬ ‫جامعة الملك سعود بالرياض ‪1385‬هـــ‪ ،‬نال‬
‫معه إلى عنيزة وإلــى لبنان وقابلته بالقاهرة‬ ‫الماجستير في اإلعــام من جامعة كانساس‬
‫في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام ‪2019‬م‬ ‫األمريكية ‪1389‬هـــ ‪1969 -‬م‪ ،‬والدكتوراه في‬
‫حيث ُك ـرِّم في جناح المملكة بحضور رفيقة‬ ‫اإلعالم من جامعة أوهايو األمريكية ‪1391‬هـ‬
‫دربه أم طالل‪ ،‬ورفض فكرة التكريم واستبدلها‬ ‫‪1971‬م‪ .‬أسهم في تأسيس أول إذاعة بالرياض‬
‫بإلقاء محاضرة عن أحــد مستشاري الملك‬ ‫‪1384‬هــــــ‪1964 ،‬م‪ ،‬وأول محطة تلفزيون‬
‫عبدالعزيز الشيخ األزهري حافظ وهبة‪.‬‬ ‫بالرياض في العام التالي‪ُ ،‬عيِّن مديراً عاماً‬
‫للتلفزيون ‪1397 -1391‬هـــــ‪ ،‬عمل أســتــاذاً‬
‫كــان ‪-‬رحــمــه اهلل‪ -‬ال يحب األضـ ــواء وال‬ ‫لإلعالم بجامعة الملك سعود ‪1403 -1393‬هـ‪،‬‬
‫المديح‪ ،‬رفض إقامة ندوة لتكريمه في مركز‬ ‫شغل منصب وكيل وزارة التعليم العالي‪ ،‬وأمين‬
‫حمد الجاسر الثقافي عام ‪1439‬هـ بعد منحه‬ ‫ع ــام الــمــجــلــس األعــلــى لــلــجــامــعــات ‪-1403‬‬
‫وسام الملك عبدالعزيز في الجنادرية‪ ،‬وبعد‬ ‫‪1414‬هـ ـــ ثــم تــقــاعــد‪ .‬فعين عــضــواً بمجلس‬
‫إلــحــاح اقتنع‪ ،‬وكــان قــد سبق أن رفــض فتح‬ ‫الشورى ‪1414‬هـ حتى ‪1426‬هـ‪ ،‬عضو المجلس‬
‫ملف عنه في ملحق الجزيرة الثقافي (المجلة‬ ‫األعلى لإلعالم ‪1400‬هـ ‪1980‬م‪ .‬شغل عضوية‬
‫الثقافية)‪ ،‬رغم رجاء صديقه الدكتور إبراهيم‬ ‫مجالس الجامعات السبع‪ ،‬رئيس مجلس إدارة‬
‫التركي‪.‬‬ ‫مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر ‪- 1417‬‬
‫آخر ما صدر له مذكراته (مشيناها) قبل‬ ‫‪1421‬هـ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫أشهر‪ ،‬يقول إنــه اعتنى بتصحيحها وتعديل‬ ‫تــرجــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة رواد اإلعـ ــام‬
‫طباعتها ألكثر من ‪ 14‬مرة؛ ولهذا‪ ،‬نجده يشكر‬ ‫الــســعــودي‪ ،‬جاسم الــيــاقــوت‪ ،‬ط‪1431 ،1‬ه ـــ‪.‬‬
‫مسؤولي المطبعة لسعة صدورهم‪ .‬قرأتها لم‬ ‫أول سعودي يحصل على درجة الدكتوراه في‬
‫أجد بها أي نقد أو انتقاد أو ذكر أي شخص‬ ‫اإلعالم‪ ...‬أسهم في تطوير البرامج واالبتعاث‬
‫بسوء‪ ،‬ولو بالهمز واللمز‪ .‬كان حريصاً على‬ ‫والتدريب وإنشاء المحطات التلفزيونية على‬
‫القيام بــالــواجــب الــعــام والــخــاص مهما بعد‬ ‫مستوى المملكة‪ ،‬ثــم عمل أســتــاذاً لإلعالم‬
‫المكان في حالة الفرح والترح‪ ،‬وكثيراً ما يفتح‬ ‫بجامعة الملك سعود‪.‬‬
‫بيته لتقبل العزاء في اآلخرين‪ .‬ففيه تجتمع‬ ‫كان رحمه اهلل محبوباً وودوداً لم أعرف‬
‫الصفات الحميدة ‪ -‬رحمه اهلل‪.‬‬ ‫ال له في حلمه وورعه وسعة صدره‪ ،‬وتحمل‬
‫مثي ً‬
‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪46‬‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫د‬ ‪‭.‬عبدالرحمن‬ ‪‭‬الشبيلي‬ ‪‭..‬أيقونة‬ ‪‭‬متف ِّردة‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬


‫وص ـ ‬ل ‪‭‬صــاحــب ‮«‬‬‪‭‬مـشـيـنــاهـا‬‪ ‭..‬حـكــايــات‬ ‪‭‬ذات‬‪‭‬‮» ‬إل ـى‬ ‪‭‬نـهــايـة‬ ‪‭‬رحـلـتــه‪‭ ‬،‬ب ـصــورة‬ ‪‭‬فــاجــأت‬ ‪‭‬جمي ‪‭‬ع‬
‫‬مريديه‬‪‭‬وأصدقائه‬‪‭‬من‬‪‭‬مختلف‬‪‭‬أطياف‬‪‭‬المثقفين‬‪‭‬واإلعالميين‬‪‭‬والكتّاب‬‪‭‬وضيوف‬‪‭‬أحديته‬
‫األسبوعية (‬زمالؤه‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬أعضا ‬ء ‪‭‬مجلس‬ ‪‭‬الشورى)‪ ،‬األحدية التي ظلت عامرة بأحاديثهم‪،‬‬
‫ومناقشاتهم‪ ،‬ودعاباتهم في مجلس دارتــه بالرياض؛ كان أبو طالل دائــم الترحاب بهم‪،‬‬
‫يفتح قلبه قبل بيته‪ ،‬لحاضرهم‪ ،‬مستذكر ًا غائبهم‪ ،‬مضيافا ً‪ ،‬ال يملِّ ‪ ،‬وال يكلُّ ‪ ،‬وال يمنُّ ‪،‬‬
‫منتظرا‪ ،‬مستعدا لكل ملتقى جديد بأدواته التي يحب‪ :‬طرح موضوعات للنقاش‪ ،‬وتوزيع‬
‫إصــداراتــه الجديدة‪ ،‬واستضافة عديد من الشخصيات ممن ي ــزورون الــريــاض ويتوافق‬
‫وجودهم مع موعد األحدية‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.‬‬
‫‪ρρ‬محمد صوانة*‬
‫‬يوميــن‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬تلــك‬ ‪‭‬الرســالة‬‪ ‭.‬لكــن‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬قولــه‬ ‫الدكتــور‬ ‪‭‬عبدالرحمـن‬ ‪‭‬بـن‬ ‪‭‬صالـح‬ ‪‭‬الشــبيل ‪‭‬‬
‫ي‬
‫«بعيــد‬ ‪‭‬قريــب‬»‬‪ ،‬إشــارة‬ ‪‭‬لطيفــة‬ ‪‭‬منــه‬ ‪‭‬يرحمــ ‪‭‬ه‬ ‫‮«‬‬أبــو‬ ‪‭‬طــال‬ ‪‭‬‮»‬ كمــا‬ ‪‭‬يناديــه‬ ‪‭‬محبــوه‪‭ ‬،‬فقيــد‪‭‬‬
‫‬اهلل‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬أنـه‬ ‪‭‬مهمـا‬ ‪‭‬كان‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬مهمـة‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬مشــاغ ‪‭‬ل‬ ‫‬وطــن‪‭ ‬،‬بم ـا‬ ‪‭‬ل ـه‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬آثــار‬ ‪‭‬وإســهامات‬ ‪‭‬إعالمي ـة‪‭‬‬
‫‬أو‬ ‪‭‬حتــى‬ ‪‭‬ســفر‬ ‪‭‬خــارج‬ ‪‭‬الوطــن؛‬ ‪‭‬فإنــه‬ ‪‭‬جاهــ ٌز‪،‭‬‬ ‫‬وثقافيــة‬ ‪‭‬واجتماعيــة‪‭ ‬،‬قــ َّ ‬ل ‪‭‬نظيرُهــا؛‬ ‪‭‬كيــف‬ ‪‭‬ال‪‭‬‬
‫‬ره ـن‬ ‪‭‬إشــارة‬ ‪‭‬أي‬ ‪‭‬خدم ـة‬ ‪‭‬يطلبه ـا‬ ‪‭‬األصدقــاء‪‭ ‬،‬أو‪‭‬‬ ‫‬وق ـد‬ ‪‭‬اشــتهر‬ ‪‭‬بتوثيق ـه‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬كتب ـه‬ ‪‭‬الت ـي‬ ‪‭‬عك ـف‪‭‬‬
‫‬تتطلبهــا‬ ‪‭‬األعمــال‬ ‪‭‬التــي‬ ‪‭‬يتوالهــا‬ ‪‭‬معهــم‬!‪‭‬‬ ‫‬بعــد‬ ‪‭‬تقاعــده‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬العمــل‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬تصنيفهــا‪‭‬‬
‫‬وإصدارهــا‪‭ ‬،‬فصــارت‬ ‪‭‬ل ـه‬ ‪‭‬سلســلة‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬الكت ـب‪‭‬‬
‫كان‬ ‪‭‬موســوعيّ ‬ ‪‭‬االهتمــام‪‭ ‬،‬واسـع‬ ‪‭‬األفـق‬ ‪‭‬ف ـ ‪‭‬‬
‫ي‬
‫‬التــي‬ ‪‭‬تــؤرخ‬ ‪‭‬لمســيرة‬ ‪‭‬اإلعــام‬ ‪‭‬واألعــام‬ ‪‭‬فــي‪‭‬‬
‫‬الكتابـة‬ ‪‭‬والتأليـف‬ ‪‭‬والمشــاركات‬ ‪‭‬المنبريـة‬ ‪‭‬ف ـي‪‭‬‬
‫‬المملكــة‪‭ ‬،‬وعدي ـد‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬كت ـب‬ ‪‭‬الســير‬ ‪‭‬والتراج ـم‪‭‬‬
‫‬مختل ـف‬ ‪‭‬المناب ـر‬ ‪‭‬الثقافي ـة‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬المملك ـة‬ ‪‭‬م ـن‪‭‬‬
‫‬لبع ـض‬ ‪‭‬رجــاالت‬ ‪‭‬الوطــن‪‭ ‬،‬إضاف ـة‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬كتابات ـة‪‭‬‬
‫‬شــرقيها‬ ‪‭‬إلــى‬ ‪‭‬غربيهــا‬ ‪‭‬ومــن‬ ‪‭‬شــماليها‬ ‪‭‬إلــى‪‭‬‬ ‫‬ف ـي‬ ‪‭‬مجــاالت‬ ‪‭‬اجتماعي ـة‬ ‪‭‬وتنموي ـة‬ ‪‭‬وتاريخيــة؛‪‭‬‬
‫‬جنوبيه ـا‬ ‪‭‬عل ـى‬ ‪‭‬الســواء‬‪‭.‬‬ ‫‬إذ‬ ‪‭‬لـم‬ ‪‭‬يكـن‬ ‪‭‬يمـر‬ ‪‭‬عــام‬ ‪‭‬واحـد‬ ‪‭‬مـن‬ ‪‭‬دون‬ ‪‭‬إصــدارات‪‭‬‬
‫لقــد‬ ‪‭‬فقــدت‬ ‪‭‬الســاحة‬ ‪‭‬الثقافيــة‬ ‪‭‬عَ ل َمــ‪‭‬اً‬ ‫‬جديــدة‪‭ ‬،‬حت ـى‬ ‪‭‬وص ـل‬ ‪‭‬عدده ـا‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬م ـا‬ ‪‭‬يزي ـد‪‭‬‬
‫‬تجلَّــت‬ ‪‭‬بصماتــه‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬العطــاء‬ ‪‭‬وصنــع‬ ‪‭‬تجربــة‪‭‬‬ ‫‬ع ـن‬ ‪‭‬‮‪‭ ‬‬٥٥‬إصــداراً‪‭ ‬،‬وف ـي‬ ‪‭‬ســاعاته‬ ‪‭‬األخيــرة‬ ‪‭‬كان‪‭‬‬
‫‬ثــ ّرة‬ ‪‭‬وغنيــة‬ ‪‭‬بالمنتــج‬ ‪‭‬العلمــي‬ ‪‭‬الــذي‬ ‪‭‬ســيظ ‪‭‬ل‬ ‫‬يعكــف‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬وضــع‬ ‪‭‬لمســاته‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬أعمــال‪‭‬‬
‫‬مصــدر ‬اً ‪‭‬رئيس ـ ‬اً ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬موضوعاتــه‪‭ ‬،‬ينه ـل‬ ‪‭‬منه ـا‪‭‬‬ ‫‬يعدهــا‬ ‪‭‬للنشــر‬ ‪‭.‬‬
‫‬الباحثــون‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬اإلعــام‬ ‪‭‬والســير‬ ‪‭‬والتراجــم‪‭‬‬ ‫ف ـي‬ ‪‭‬رســائل‬ ‪‭‬متبادلـة‬ ‪‭‬معـه‬ ‪‭‬بتاريـخ‬ ‪‭٢٧‬يوليـو‪‭‬‬
‫‬والثقاف ـة‬ ‪‭‬بوج ـه‬ ‪‭‬عــام‬ ‪ ‭.‬‭‬وق ـد‬ ‪‭‬شــهد‬ ‪‭‬الكثيــرون‪‭‬‬ ‫‮ ‪‭ ‬،‬‬2019‬قبــل‬ ‪‭‬يــوم‬ ‪‭‬واحــد‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬الحادثــة‬ ‪‭‬التــي‪‭‬‬
‫‬بعلــو‬ ‪‭‬كعــب‬ ‪‭‬هــذه‬ ‪‭‬القامــة‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬الصعيــد‪‭‬‬ ‫‬وقعــت‬ ‪‭‬لــه‬ ‪‭‬يرحمــه‬ ‪‭‬اهلل‪‭ ‬،‬ســألته هــل أنــت‬
‫‬الثقافــي‪‭ ‬،‬بــل‬ ‪‭‬وفــي‬ ‪‭‬كل‬ ‪‭‬عمــل‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬مســؤولية‪‭‬‬ ‫بالريــاض؟‬ ‪‭‬أجابنــي ‪‭"‬ :‬بعيــد‬ ‪‭‬قريــب‪‭ ‬،‬أعــود‪‭‬‬
‫‬أســندت‬ ‪‭‬إليــه‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬توالهــا‬ ‪‭‬طواعيــة‬‪‭.‬‬ ‫‬بــإذن‬ ‪‭‬اهلل‬ ‪‭‬نهايــة‬ ‪‭‬أغســطس‬ !"‪‭‬فعــاد‬ ‪‭‬بعــد‪‭‬‬
‫‪47‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ت ‬مجــال‬ ‪‭‬اإلعــام‪‭ ‬،‬مــا‬ ‪‭‬جعلتــه‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬أشــهر‬ ‪‭‬مــ ‪‭‬ن‬
‫ســتظل‬ ‪‭‬ألب ـي‬ ‪‭‬طــال‪‭ ‬،‬يرحمـه‬ ‪‭‬اهلل‪‭ ‬،‬بصمــا ‪‭‬‬
‫‬عديــدة‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مختلــف‬ ‪‭‬المجــاالت‬ ‪‭‬الثقافيــة‪‬ ‭‬صنّــف‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬هذيــن‬ ‪‭‬المجاليــن‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬المملكــة‪‭‬‬
‫‬واالجتماعي ـة‬ ‪‭‬والرســمية‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬المملكــة‪‭ ‬،‬تفــرغ‪‬ ‭‬العربيــة‬ ‪‭‬الســعودية‬ ‪‭‬حتــى‬ ‪‭‬تاريخــه‬‪‭.‬‬
‫‬للتصنيــف‬ ‪‭‬والتأليــف‬ ‪‭‬والمشــاركات‬ ‪‭‬الثقافيــة‪‭‬‬
‫وقــد‬ ‪‭‬عمــل‬ ‪‭‬كاتــب‬ ‪‭‬هــذه‬ ‪‭‬الســطور‬ ‪‭‬معــ ‪‭‬ه‬
‫‬فــي‬ ‪‭‬مختلــف‬ ‪‭‬المحافــل‬ ‪‭‬الثقافيــة‬ ‪‭‬والتنمويــة‪‭‬‬
‫‬خــال‬ ‪‭‬فتــرة‬ ‪‭‬عملــه‬ ‪‭‬تصنيفــه‬ ‪‭‬لكتــاب‬ ‪(‭‬فصــل‪‭‬‬
‫‬بالمملكــة‬‪‭.‬‭‬‬
‫‬مــن‬ ‪‭‬تاريــخ‬ ‪‭‬وطــن‬ ‪‭‬وســيرة‬ ‪‭‬رجــال‪‭ ‬،‬األميــر‪‭‬‬
‫إنــه‬ ‪‭‬رجــل‬ ‪‭‬فــ ّ ‬ذ ‪‭‬حفــر‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬الصخــر‬ ‪‭‬حتــى‪‬ ‭‬عبدالرحمــن‬ ‪‭‬ابــن‬ ‪‭‬أحمــد‬ ‪‭‬الســديري‬ ‪‭‬أميــر‪‭‬‬
‫‬أصبــح‬ ‪‭‬رائــدا‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مجالــه‪‭ ‬،‬وصــار‬ ‪‭‬أيقونــة‪‬ ‭‬منطقــة‬ ‪‭‬الجــوف‬" ‪‭‬األســبق‬"‪‬ )‭‬الصــادر‬ ‪‭‬فــ ‪‭‬‬
‫ي‬
‫‬طبعتـه‬ ‪‭‬األول ـى‬ ‪‭‬عــام ‪‭‬1428‬ه ـــ‪‬٢٠٠٧/‬م والطبعـة‪‭‬‬ ‫‬فريــدة‬ ‪‭‬قــل‬ ‪‭‬نظيرهــا‬‪‭.‬‬
‫‬الثانيـة‬ ‪‭‬عام ‪‭‬1437‬هـ‪‭‬2016/‬م؛‬ ‪‭‬وشــهدتُ ‬ ‪‭‬بنفس ـي‪‭‬‬ ‫ترّج ـم‬ ‪‭‬الشــبيل ي‬ ‪‭‬ح ّب ـه‬ ‪‭‬للتصني ـف‬ ‪‭‬والتأري ـخ‪‭‬‬
‫رصـه‬ ‪‭‬الكبيـر‬ ‪‭‬عل ـى‬ ‪‭‬كل‬ ‪‭‬كلمـة‬ ‪‭‬وحــرف‬ ‪‭‬يكتبــه‪‭،‬‬‫‬ح َ‬ ‫ِ‬ ‫‬وتوثيــق‬ ‪‭‬الســير‬ ‪‭‬الذاتيــة‬( ‪‭‬الغيريــة‬ )‪‭‬بتدويــن‪‭‬‬
‫‬حت ـى‬ ‪‭‬إنـه‬ ‪‭‬ال‬ ‪‭‬يتوان ـى‬ ‪‭‬عـن‬ ‪‭‬ســؤال‬ ‪َ ‭‬مـن‬ ‪‭‬لـه‬ ‪‭‬صلـة‪‭‬‬ ‫‬الكثيــر‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬المؤلفــات‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬هــذا‬ ‪‭‬المجــال‪‭،‬‬
‫‬بــأي‬ ‪‭‬معلوم ـة‬ ‪‭‬للتأك ـد‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬دقته ـا‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬تاريخهــا‪‭‬؛‬ ‫‬فكانــت‬ ‪‭‬لــه‬ ‪‭‬مؤلفــات‬ ‪‭‬ســتظل‬ ‪‭‬مراجــع‬ ‪‭‬لهــا‪‭‬‬
‫‬كم ـا‬ ‪‭‬أن ـه‬ ‪‭‬كان‬ ‪‭‬يطل ـب‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬آخري ـن‬ ‪‭‬مراجع ـة‬ ‪‭‬م ـا‪‭‬‬ ‫‬أهميتهــا‬ ‪‭‬وحضورهــا‬ ‪‭‬ســواء‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مجــال‪‭‬‬
‫‬كتبــه‬ ‪‭‬ليسترشــد‬ ‪‭‬بمرئياتهــم‬ ‪‭‬وانطباعاتهــم‪‭،‬‬ ‫‬التوثيــق‬ ‪‭‬لســير‬ ‪‭‬رجــاالت‬ ‪‭‬الوطــن‪‭ ‬،‬ممــن‬ ‪‭‬لهــم‪‭‬‬
‫‬وق ـد‬ ‪‭‬يأخ ـذ‬ ‪‭‬بملحوظاته ـم‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬يناقشــهم‬ ‪‭‬فيه ـ‪‭‬ا‬ ‫‬بصمــات‬ ‪‭‬وأعمــال‬ ‪‭‬جليل ـة‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬مجــال‬ ‪‭‬الخدمـة‪‭‬‬
‫‬عندمــا‬ ‪‭‬يكــون‬ ‪‭‬لــه‬ ‪‭‬رأي‬ ‪‭‬آخــر‬ ‪‭..‬وعلــى‬ ‪‭‬الرغــم‪‭‬‬ ‫‬العامــة‪‭ ‬،‬أو‬ ‪‭‬تصنيــف‬ ‪‭‬كتــب‬ ‪‭‬ومؤلفــات‬ ‪‭‬فــي‪‭‬‬
‫‬مــن‬ ‪‭‬طــول‬ ‪‭‬باعــه‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مجــال‬ ‪‭‬اللغــة‬ ‪‭‬العربيــة‪‭،‬‬
‫‬فقـد‬ ‪‭‬كان‬ ‪‭‬يرجـو‬ ‪‭‬مـن‬ ‪‭‬آخريـن‬ ‪‭‬تدقيـق‬ ‪‭‬نصوصــه‪‭،‬‬
‫‬مــا‬ ‪‭‬يؤكــد‬ ‪‭‬حرصــه‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬ســامة‬ ‪‭‬اللغــة‪‭‬‬
‫‬وتفــادي‬ ‪‭‬وجــود‬ ‪‭‬أي‬ ‪‭‬هفــوة‬ ‪‭‬لغوي ـة‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬إمالئي ـة‬ ‪‭‬أو‪‭‬‬
‫‬تصحيفيــة‬‪ ‭..‬ومــا‬ ‪‭‬أزال‬ ‪‭‬أحتفــظ‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مكتبــي‪‭‬‬
‫‬بمخطوطـة‬ ‪‭‬النســخة‬ ‪‭‬رقـم‬ )‪‭(‬9‭‬لكتــاب‬ ‪‭‬الســيرة‪‭‬‬
‫‬فــي‬ ‪‭‬طبعتــه‬ ‪‭‬األولــى‪‭ ‬2007‬م‬ ‪‭‬وعليهــا‬ ‪‭‬التوثيــق‪‭‬‬
‫‬بخ ـط‬ ‪‭‬يــده‪‭ ‬،‬وه ـي‬ ‪‭‬النســخة‬ ‪‭‬نفســها‬ ‪‭‬الت ـي‬ ‪‭‬ت ـم‪‭‬‬
‫‬تقديمه ـا‬ ‪‭‬للفس ـح‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬وزارة‬ ‪‭‬اإلعــام‪‭ ‬.‬ووضــع‬
‫عليه ـا‬ ‪‭‬ملحوظــة لــأخ المصمــم‪‭" ‬:‬ال‬ ‪‭‬ب ـد‬ ‪‭‬م ـن‪‭‬‬
‫‬توحيــد‬ ‪‭‬بدايــات‬ ‪‭‬كل‬ ‪‭‬فقــرة‪‭ ‬،‬داخــل‬ ‪‭‬الكتــاب‪‭،‬‬
‫‬فإمــا‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تدخــل‬ ‪‭‬كلهــا‬ ‪‭‬قليــا‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬تكــون‬ ‪‭‬كلهــا‪‭‬‬ ‫تدوين بخط يد د الشبيلي (محرر الكتاب) يوثق رقم‬
‫‬مــع‬ ‪‭‬الســطور"‪.‬‬ ‫بروفة التعديالت على مخطوطة الكتاب قبل الطبع‬

‫* كاتب وإعالمي من األردن مقيم بالسعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪48‬‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫في وداع عبدالرحمن الصالح الشبيلي‬


‫كتاب تأبيني صدرظ عن‬
‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬
‫‪ρρ‬احملرر الثقايف‬

‫مختلف المجاالت‪.‬‬
‫عَّ برت المقاالت والنصوص التأبينية التي‬
‫نــشــرتــهــا وســائــل اإلعـ ــام ووس ــائ ــل الــتــواصــل‬
‫االجتماعي عن مدى ال َفقْدِ الذي شعر به الجميع‬
‫لرحيل أبي طالل‪ .‬وقد رأى مركز عبدالرحمن‬
‫السديري الثقافي أن يجمع بعض ما كُتب في‬
‫تأبين الفقيد العزيز وإصداره في كتاب تذكاري‬
‫وفا ًء للشبيلي رحمه اهلل‪.‬‬
‫يقول الكتاب إن رحيل الدكتور عبدالرحمن‬
‫الشبيلي هــو خــســارة لــلــوطــن‪ ،‬ورحــيــلــه يمثل‬
‫بشكل خــاص خسارة يصعب تعويضها لمركز‬
‫عبدالرحمن السديري الثقافي؛ إذ ظل أبو طالل‬
‫على مدى سنوات طويله وإلى آخر يوم في حياته‬
‫يسهم في أنشطة المركز بكل حماسة‪.‬‬
‫وقد جاء الكتاب في ‪ 299‬صفحة‪ ،‬متضمنا‬
‫مقدمة ونحوًا من ‪ 80‬مقاال لشخصيات وكتّاب‬ ‫أصدر مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬
‫ومفكرين ممن تربطهم وشــائــج الــصــداقــة أو‬
‫كتاباً جــديــداً بعنوان "فــي وداع عبدالرحمن‬
‫القرابة أو العمل بالدكتور الشبيلي‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الصالح الشبيلي"‪ ،‬ضمن برنامج النشر ودعم‬
‫تقارير صحفية وملحق خاص بصور ونشاطات‬
‫االبحاث بالمركز لعام ‪1441 - 2019‬هـ‪ ،‬متضمنا‬
‫الراحل الكبير‪ ،‬ومــن بين المقاالت المشاركة‬
‫مقال الدكتور زياد ابن عبدالرحمن السديري‬ ‫عدداً من المقاالت والقصائد تم إخراجها وفق‬
‫العضو المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الترتيب الهجائي ألسماء مؤلفيها‪ ،‬متزامناً مع‬
‫الثقافي وابــنــة الــراحــل األســتــاذة ش ــادن بنت‬ ‫الندوة التي أقامها المركز لتسليط الضوء على‬
‫عبدالرحمن الشبيلي‪.‬‬ ‫جوانب من حياة الدكتور الشبيلي وعطاءاته في‬
‫‪49‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫السعودية‬
‫ِ‬ ‫التشكيلية‬
‫ِ‬ ‫الفنانة‬
‫ِ‬ ‫تجربة‬
‫ِ‬ ‫واالنفتاح في‬
‫ِ‬ ‫التعد ِد‬
‫ُّ‬ ‫أبعاد‬
‫ُ‬

‫عرفات العاصمي‬
‫■ إبراهيم احلجري*‬

‫ي ـعــرف الـمـشـهــد ال ـس ـعــودي التشكيلي حــرك ـ ّيــة مــدهـشــة عـلــى مـسـتــوى تــراكــم‬
‫الـتـجــارب‪ ،‬وتـنـوّع ال ـمــدارس‪ ،‬واالتـجــاهــات الفنية‪ ،‬وتفاعلها مــع حركية المشهد‬
‫البصري العالمي؛ لكن العنصر األهــم الــذي ال يمكن للمتتبعين‪ ،‬هــواة كانوا أم‬
‫مختصين في مجال الفنون‪ ،‬التغاضي عنه؛ هو الحضور المكثّف لإلسهام النسائي‬
‫في رفد التحوّالت الفنية‪ ،‬وإغنائها‪ ،‬وهو إسهام يتحقق فيه معيارا الكمِّ والكيف؛‬
‫فقد سطع نجم العديد من الفنانات التشكيليات في سماء المشهد التشكيلي‬
‫الـسـعــودي والـعــربــي‪ ،‬مــن خــال عملهن ال ــدؤوب على تطوير تجاربهن‪ ،‬والسعي‬
‫لتحقيق أداء مبهر‪ ،‬يستطيع زحزحة الصورة النمطية التي تشكلت حول منجز‬
‫المرأة‪ ،‬ويكون قادرًا على إقناع المتلقي‪ ،‬وإثارة اهتمامه إلى أن المراة السعودية‬
‫وحــدّ ة ذكائها‪ ،‬وحسن إنصاتها للعالم المتعدد من‬ ‫بمواهبها الفطرية الخالقة‪ِ ،‬‬
‫حولها‪ ،‬وتفاعلها اإليجابي مع ما يعتمل في محيطها السوسيوثقافي‪ ،‬وسمو‬
‫مشاعرها الوطنية والقومية واإلنـســانـيــة‪ ،‬وحساسيتها المفرطة تجاه الــذات‪،‬‬
‫والـجـســد‪ ،‬واآلخ ــر‪ ،‬وال ـكــون‪ ،‬ق ــادرة على اإلس ـهــام المعطاء فــي االرت ـقــاء بــالــذوق‪،‬‬
‫والنهوض بالمجتمع على مستوى الواجهات كلها‪.‬‬

‫والخطوط‪ ،‬والتأمل في بهاء الطبيعة‪،‬‬ ‫‪ -1‬الخلفيات الثقافية والفنية‬


‫ش ـ ّكــلــت مــنــطــقــة «عــســيــر» الملهم وتضاريسها‪ ،‬وإعــجــازهــا فــي الخلق‪،‬‬
‫الطبيعيّ األصــلــي للفنانة‪ ،‬والــرافــد وساعدتها األنشطة الموازية التي كانت‬
‫الــذي منحها شحنات التفوّق‪ ،‬وفجّ ر تقام بمؤسستها التعليمية؛ بالموازاة مع‬
‫ينابيع موهبتها‪ ،‬فتاقت نفسها إلى التحصيل الدراسيّ اليوميّ ‪ ،‬في اكتشاف‬
‫أشعة االبتكار‪ ،‬وتأتّى لها عش ُق األلوان ذاتها‪ ،‬وصقل موهبتها‪ ،‬واختيار وجهتها‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪50‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الفنانة عرفات العاصمي‪ ،‬ولوحة حروفيات مع تجسيد الخيل العربي األصيل (الخيل معقود في نواصيها الخير)‬
‫شاركت بها في معرض بقالري الفن النقي بالرياض بمعرض حداثة خيل‬

‫تخصصها في مجال الجغرافيا؛ ودراســة‬


‫ّ‬ ‫الفنية‪ ،‬وصقل مكتسباتها القبلية في هذا‬
‫التوجّ ه؛ مستفيدة من مالحظات أساتذتها‪ ،‬المجال‪ ،‬ألهب إحساسها بالكون‪ ،‬وزاد من‬
‫ومــرتــادي معارضها‪ ،‬وتشجيعات أسرتها؛ وعيها بقيمته بالنسبة للحياة؛ وطبيعة‬
‫العالقات السائدة بين عناصر الطبيعة‪،‬‬ ‫وخاصة والدها‪.‬‬
‫غير أن أهــم تحدٍّ ‪ ،‬في مسار التجربة‪ ،‬والتفاعالت الحاصلة على مستوى المجال‬
‫خاضته الــفــنــانــة؛ هــو العمل على تطوير البيئيّ ‪ ،‬لكنّها لــم تكتف بــذلــك‪ ،‬فصارت‬
‫خبرتها التشكيلية؛ وتطوير معرفتها النظرية؛ تنفتح تدريجيّا‪ ،‬على ك ّل اآلفاق التي يمكنها‬
‫تخصب تجربتها التشكيلية‪ ،‬فنهلت من‬ ‫ّ‬ ‫مع العمل على صقل موهبتها؛ وشحذ وعيها أن‬
‫بالتجربة‪ ،‬وتحوالتها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬وانتقالها التراث الفنّي العربيّ في مجال الحروفية‪،‬‬
‫من مدرسة إلى مدرسة‪ ،‬ومن مجال بصري والعمارة‪ ،‬واألرابيسك‪ ،‬والزخرفة‪ ،‬لتطور‬
‫إلــى آخــر‪ .‬فــصــارت ترتقي ب ــاألداء الفني؛ أدائها الكاليغرافيّ ‪ ،‬وأغنت ثقافتها البصرية؛‬
‫لتحقّق نجاحً ا باهرًا على مستوى رسومات‬ ‫بموازاة مع المعرفة النقدية‪.‬‬
‫ولئن كــان نشوءُها فــي طبيعة ساحرة‪ ،‬البورتريه‪ ،‬وراكمت؛ في ذلك‪ ،‬منجزات مهمة‪.‬‬
‫لقد أسهم هــذا االنفتاح على التجارب‬ ‫ألهمها عشق الجمال الذي يحيط بها؛ فإن‬
‫‪51‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ومع أن الوسط التربوي الذي نشأت في‬
‫كنفه‪ ،‬لم يتح لها التوجّ ه إلى مجالها المحبوب‬
‫منذ الصغر‪ ،‬لكون منطقتها األم (عسير) ال‬
‫تتوافر على بنيات للتكون الفني آنذاك‪ ،‬فإنها‬
‫تخصصها‬ ‫ّ‬ ‫لم تستسلم‪ ،‬وظلت بالموازاة مع‬
‫فــي الــجــغــرافــيــا ودراســــة الــمــجــال‪ ،‬ت ــزاول‬
‫نشاطها الفني بشكل مستقل‪ ،‬إرضاء لنزوعها‬

‫بدايات تجاربها في الخط مع التشكيل‬

‫لوحة تمثل مدائن صالح وقوم ثمود استوحت فيها صور‬


‫النساء من نقوش الصخور في كهوفهم‬

‫لوحة تجسِّ ُد الرجل والمرأة العسيرية والتراث الجنوبي‬


‫بالمملكة العربية السعودية‬

‫المختلفة‪ ،‬والحرص على تنويع الخلفيات‪،‬‬


‫والمنطلقات الثقافية‪ ،‬والخوض في مختلف‬
‫االتجاهات التشكيلية؛ في االرتقاء بالكفاءات‬
‫المهارية والفنية لدى الفنانة عرفات‪ ،‬والسمو‬
‫بذوقها الجمالي بشكل عام‪ ،‬واالطالع على‬
‫تجارب اآلخــريــن؛ وتفجير خبرات كامنة؛‬
‫لوحة تمثل التراث الجنوبي والرقصة الجنوبية لدى الرجال‬ ‫جعلت أفقها التشكيلي في تالقح مستمر‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪52‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫وقــود التجربة‪ ،‬وسالحها ضد المثبطات‪،‬‬
‫والــمــعــاكــســات‪ ،‬والــمــشــوشــات‪ ،‬الخارجية‬
‫والداخلية‪ ،‬وما أكثرها!‬
‫ولــقــد أفـــادت الفنانة عــرفــات‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫من الحركية الوازنة التي يعرفها المشهد‬
‫الثقافي السعودي‪ ،‬والتطور المطّ رد للتجارب‬
‫التشكيلية‪ ،‬واألهمية التي يحظى بها التشكيل‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬والفنون البصرية بصفة عامة‪،‬‬
‫في برامج النوادي والمؤسسات الثقافية‪،‬‬
‫لوحة تجسّ د الكعبة المشرفة وحمام الحرم وشخوص‬
‫والمهرجانات الفنية‪ ،‬واألدبــيــة‪ ،‬إذ تتخلل‬ ‫تجريدية للمحرمين فازت بالمركز الثاني في مسابقة‬
‫المعارض الفردية والجماعية كافة األنشطة‪،‬‬ ‫بالجمعية السعودية للفن التشكيلي بالرياض‪.‬‬

‫سواء داخل المؤسسات التعليمية والجامعية‪،‬‬

‫بداياتها في رسم الطبيعه بالزيتي‬

‫الفطري‪ ،‬وموهبتها الطبيعية‪ ،‬الشيء الذي‬


‫جعل تلك اإلرهاصات األولية تتحوّل‪ ،‬شيئا‬
‫فشيئا‪ ،‬إلى تجربة فنية رائدة‪ ،‬استقام عودها‬
‫بأسلوب تصاعديّ ‪ ،‬اعتمادًا على مقومات‬
‫الــــذات‪ ،‬وحــسّ ــهــا اإلب ــداع ــي‪ ،‬وعصاميتها‬
‫الفذة‪ ،‬وتكوين شخصي متين‪ ،‬كان اللقاء فيه‬
‫لوحة "الصداقة" شاركت بها في جاليري آرت الطائف‬
‫مع الخامات‪ ،‬واأللوان‪ ،‬والمشاهد الطبيعية‪،‬‬
‫‪53‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫في األدوات‪ ،‬واإلسناد‪ ،‬والخامات‪ ،‬والعناصر‬ ‫أو في الفضاءات الثقافية العامة‪ ،‬ناهيك عن‬
‫المؤثثة‪ ،‬والحوامل‪ ،‬وتمنحها أهلية التموقع‬ ‫الورشات التكوينية التي تُستدعى لتأطيرها‪،‬‬
‫ضمن االختصاصات‪ ،‬والمجاالت المعروفة‬ ‫والتي تشكّل محكّا للتجربة‪ ،‬ورافدًا خصبًا‬
‫عــالــمـ ًيــا‪ ،‬مــع الــســهــر عــلــى تــطــويــر الــوعــي‬ ‫للوعي بخصوصياتها الفكرية والنقدية‪،‬‬
‫بــالــتــجــربــة‪ ،‬ورفــدهــا بــاألفــكــار‪ ،‬والــمــوارد‬ ‫آفاق لتألقها‪،‬‬
‫ومعيارًا للبحث من جديد‪ ،‬عن ٍ‬
‫الــجــديــدة‪ ،‬وتقويم التجربة تقويمًا ذاتـ ًيــا‬ ‫وإشعاعها‪.‬‬
‫استناد إلــى رؤيــة متبصرة‬ ‫ٍ‬ ‫مــتــواصـاً‪ ،‬فــي‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬يسهم االطالع المتواصل‬
‫بالعالم الفنيّ لألعمال المنجزة‪ ،‬ووعي دقيق‬
‫للفنانة على المنجزات النقدية التشكيلية‪،‬‬
‫بالحدود‪ ،‬واألبــعــاد‪ ،‬والمعايير‪ ،‬واألدوات‪،‬‬
‫سواء تلك التي ترد في الصحف والمجالت؛‬
‫والخامات المستعملة‪ ،‬والرسائل المبطنة‬
‫بوصفها متابعات للحركية الفنية المحلية‬
‫التي تمررها اللوحات الفنية‪.‬‬
‫والعربية‪ ،‬أم تلك الدراسات الرصينة التي‬
‫‪ -2‬وعي تجريبي‬ ‫تؤصل للنظريات والمدارس الفنية عربيًا‪،‬‬
‫تمارس الفنانة عرفات تجربتها التشكيلية‬ ‫وعالميًا‪ ،‬في تنوير الوعي بطبيعة األداء‬
‫اس؛ فهي مهووسة بتطوير‬ ‫بوعيٍّ فنيٍّ حسّ ٍ‬ ‫الفني‪ ،‬وخصوصيته الجمالية‪ ،‬والفلسفية‪،‬‬
‫أدائــهــا الفني‪ ،‬وبالقدر نفسه‪ ،‬تسعى إلى‬ ‫ومعايير تصنيفه في هذا االتجاه الفني أو‬
‫توسيع ثقافتها النقدية التشكيلية‪ ،‬وتراهن‬ ‫ذاك؛ واألهم من ذلك كله‪ ،‬أن هذه المتابعة‬
‫عــلــى الــمــعــرفــة الفنية للسمو بــالــذائــقــة‪،‬‬ ‫تكسب الذات قدرتها على التحليل‪ ،‬والتفكير‬

‫من المعرض المقام على هامش الورشة نتائج المتدربات المبدعات من تأطير الفنانة عرفات العاصمي‬
‫وتنظيم هيئة الثقافة والفنون وجمعية الفنون بالطائف‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪54‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫والنهوض بالمنجز‪ ،‬فهي تعرف أن العالم‬
‫يتطور بشكل ملفت‪ ،‬فتتطور معه األشكال‪،‬‬
‫والبنيات‪ ،‬وتتغير وسائط التعبير‪ ،‬وتتنوع‬
‫آفـــاق الــتــصــورات‪ ،‬بــل وتــتــعــدل الــمــواقــف‬
‫والرؤى والعالقات‪ ،‬قدر معرفتها بخصوصية‬
‫المعرفية التشكيلية التي ال يمكن التغافل‬
‫عنها‪ ،‬ألنها مدخل الفنان التشكيلي إلى‬
‫القبض على المفاصل الــكــبــرى للمعنى‪،‬‬
‫والبوابة الممكنة لولوج المدرك اإلنسانيّ ‪،‬‬
‫تكريم الفنانة العاصمي من طرف صاحب السمو الملكي‬ ‫ســـواء تعلق األمـــر بــاألحــاســيــس أو ردود‬
‫عبداهلل بن سعد بن عبدالعزيز آل سعود على هامش‬ ‫األفعال‪ ،‬أو االنفعاالت‪ ،‬أو المنظورات‪ ،‬أو‬
‫المعرض الجماعي الذي نظمته بجدة نسا آرت ‪2016‬‬
‫اآلراء المختلفة من شخص إلى آخر‪ ،‬ودون‬
‫يمنحان الفنان التشكيليّ طاقة مضاعفة‬
‫هذه المعرفة التشكيلية‪ ،‬ال يمكن الحديث‬
‫تسعف الحواس على االشتغال بإيقاع متسارع‪،‬‬
‫عن تجربة مواكبة لــروح العصر ومتغيرات‬
‫وتضعه في قلب الصورة‪ ،‬ال خارجها‪ ،‬وتجعله‬
‫الكون في عالم يسير بوتيرة سريعة ال يمكن‬
‫مسكونا بالعالم ال ساكنا له؛ ومن ثَ َّم ‪ ،‬يمكن‬
‫اإلمساك بها‪ ،‬أو مجاراتها‪.‬‬
‫أن يفصح بالنيابة عنه‪ ،‬والتعبير عن مشاكل‬
‫إنّ الوعي بالعالم من حولنا‪ ،‬وبمتغيراته‪ ،‬اآلخــريــن‪ ،‬وإبـ ــراز همومهم‪ ،‬ومطامحهم‪،‬‬
‫وأســئــلــتــهــم الــحــارقــة فــي خــصــاب بــصــريّ‬
‫تعبيريّ ‪ ،‬يحمل مــن الجمالية واإلبداعية‬
‫ما يجعله مقبول التلقي‪ ،‬سلس العبور إلى‬
‫الذهن‪ .‬كما أن الوعي بخصوصية التجربة‬
‫الفنية‪ ،‬ومدارسها‪ ،‬واتجاهاتها‪ ،‬وأدواتها‪،‬‬
‫وخاماتها‪ ،‬وحــدود التصرف فيها‪ ،‬ودرجــة‬
‫االنفتاح على أشكال وأنماط الفنون األخرى‬
‫القريبة أو البعيدة‪ ،‬يُقوّي من سبل اختالق‬
‫قوالب جديدة لمحكي العين‪ ،‬وابتكار قنوات‬
‫مخالفة لما هو معتاد‪ ،‬من أجــل اإلفصاح‬
‫عن المكنون التعبيريّ والشعوريّ ‪ ،‬وإصدار‬
‫لوحة "جبل الرحمة" شاركت فيها بمسابقة الحج والعمرة مواقف وجدانية وتصورات فنية وفكرية‪ ،‬من‬
‫خالل وسيط اللوحة‪ .‬ناهيك عن كون هذا‬ ‫المقامة بالنادي األدبي بجدة‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الوعي المحايث للتجربة والممارسة الفنية‪ ،‬ومتى يستعمل تلك‪ ،‬وبــأي أســلــوب‪ ،‬ووفــق‬
‫وهذه المعرفة البصرية المواكبة لدى الفنانة أي تصور؟ وإذا لم يستطع الفنان اإلجابة‬
‫عرفات‪ ،‬يشحذان قدراتها على التوريش‪ ،‬عن هــذه األسئلة‪ ،‬وغيرها مما يُثار حول‬
‫وتأطير الــنــشء‪ ،‬وخــوض تــجــارب تكوينية الممارسة التشكيلية‪ ،‬فإنّه يكون خارج دائرة‬
‫لفائدة الشباب‪ ،‬من اكتشاف مواهب جديدة‪ ،‬إدراك ــه الــواعــي‪ ،‬منصاعً ا لسلطة لحظته‬
‫وتحريض الناس على اقتراف المزيد من‬
‫اإلبداعية التي يجهل خصوصياتها‪.‬‬
‫البهاء والجمال‪ ،‬وتهذيب الذائقة اإلنسانية‬
‫وعلى هذا األســاس‪ ،‬فالفنانة التشكيلية‬ ‫الكامنة؛ إذ ال يمكن أليّ فنان مهما شعّت‬
‫تجربته في العالم‪ ،‬أن يقوم بهذا النشاط إذا السعودية عرفات العاصمي‪ ،‬تسعى إلدراك‬
‫لم يق ِّو معرفته بمحيطه‪ ،‬وبمجال اشتغاله‪ ،‬مفاصل تشكل اللحظة اإلبــداعــيــة لديها‪،‬‬
‫وبخصوصية أدوات ـ ــه‪ ،‬وطبيعة وســائــطــه‪ ،‬ول ــدى غيرها مــن مجايليها‪ ،‬وأصدقائها‬
‫وحوامله‪ ،‬ومعيناته‪ ،‬ومتى يستخدم هذه‪ ،‬الفنانين وصديقاتها الفنانات‪ ،‬ورصد آليات‬

‫جانب من الورشات‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪56‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫لحظة استقبال األمير خالد الفيصل بمعرض تشكيلي شاركت فيه الفنانة عرفات العاصمي إلى جانب عدد من‬
‫الفنانات السعوديات على هامش مهرجان الورد بالطائف‬

‫تخصص فنيّ واحد‪ ،‬ولم تقتنع بأن تتقوقع‬ ‫ّ‬ ‫االنــتــقــال مــن مفصل إل ــى آخ ــر‪ ،‬وطــقــوس‬
‫داخل خانة تصنيفية معينة‪ ،‬أو اتجاه جمالي‬ ‫الــعــبــور‪ ،‬والــعــاقــة مــع الــخــامــات واألدوات‬
‫محدد‪ ،‬أو مدرسة تشكيلية بذاتها‪ ،‬رغم أنها‬ ‫والحوامل‪ ،‬والتقاط المسافة الفاصلة بين‬
‫تتقن العمل في كل االتجاهات والتخصصات‬ ‫الحواس والقماش لحظة االشتغال‪ ،‬وأوان‬
‫الفنية التشكيلية على حد ســواء‪ ،‬وبالقدر‬ ‫انغماس الشعور الــاواعــي في الموضوع‪،‬‬
‫نفسه مــن الــدقــة‪ ،‬والــمــســتــوى نفسه من‬ ‫أثناء االنسجام الكلّي مع عوالم اإلبــداع‪،‬‬
‫االهتمام‪ ،‬والدرجة ذاتها من التميز‪ ،‬وعيًا‬ ‫والــحــديــث الــس ـرّي بين جُ ــوان ـ ّيــات الفنان‬
‫ومعرفة وأداء‪ ،‬انطالقا من إيمانها العميق‬ ‫وتركيبته النفسية والفكرية وبياض اللوحة‪،‬‬
‫بكون القوى اإلبداعية تتأجّ ج ضمن الغنى‬ ‫كل ذلــك من أجــل نقل التجربة إلــى الجيل‬
‫والتنوّع‪ ،‬وتخفُت كلّما ضيّقنا عليها الخناق‪،‬‬ ‫الجديد‪ ،‬وتنوير مواهبه‪ ،‬وكفاياته الفنية‬
‫خاصة في مجال فنيّ بصريّ سريع التحول‪،‬‬ ‫الباطنية‪ ،‬وكأنها تريد‪ ،‬بصيغة أخــرى‪ ،‬أن‬
‫متغير األدوات‪ ،‬متداخل مع وسائط كثيرة‬ ‫تفعل مع النشء‪ ،‬ما افتقدته في طفولتها‬
‫متنوعة‪ ،‬وانطالقا مــن حسها االستباقي‬ ‫الفنية‪ ،‬وبــدايــاتــهــا األولـ ــى‪ ،‬حيث لــم يكن‬
‫الــــذي يــهــجــس بــكــون الــفــنــان التشكيلي‬ ‫يتوافر المحيط السوسيوثقافي على معاهد‬
‫المستقبلي يجب أن يــنـوّع ثقافته‪ ،‬ويفتح‬ ‫متخصصة للتكوين والمرافقة الفنية‪ ،‬والدعم‬ ‫ّ‬
‫عينيه على مختلف الوسائط التي تستدعي‬ ‫النفسيّ والمعنويّ ‪.‬‬
‫حاسة البصر‪ ،‬ويراهن على تضامن الفنون‬
‫كلها؛ انسجاما مع متغيرات الوسيط الرقمي‬ ‫‪ -3‬عوالم فنية متعددة‬
‫الجديد‪ ،‬الذي سيضرب الوسائط التقليدية‬ ‫لم تقيّد الفنانة عرفات نفسها في خندق‬
‫‪57‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وفنية‪ ،‬وثقافية وازنة؛ دون أن ننسى ميولها‪،‬‬
‫بوصفها امــرأة إلى التعبير الوجداني‪ ،‬من‬
‫خــال ابتكار لــوحــات تعبِّر عــن العواطف‬
‫الجياشة‪ ،‬والمشاعر المتضاربة تجاه ما‬
‫يــحــدث حــولــهــا فــي الــعــالــم مــن تــمــوجــات‪،‬‬
‫وأحداث‪ ،‬ومنعطفات (االتجاه الرومانسيّ )‪،‬‬
‫كما انفتحت مــؤخ ـرًا على الفن الرقميّ ‪،‬‬
‫والــعــرض االفتراضيّ عبر وضــع لوحاتها‪،‬‬
‫وجديد أعمالها رهــن إشــارة متتبعيها في‬
‫كل المعمورة‪ ،‬معتمدة على مواقع التواصل‬
‫لوحة أنا المدينة شاركت بها بمعرض عن المدينة‬
‫االجتماعي (تويتر‪ ،‬فيسبوك‪ ،‬انستجرام‪،‬‬
‫يوتيوب‪ ،)..‬من أجل تقاسم اللحظات الفنية‪،‬‬
‫في مقتل‪.‬‬
‫وتــبــادل اآلراء‪ ،‬والنقد البنّاء‪ ،‬والنقاشات‬
‫‏آم ــن ــت عـــرفـــات ب ــاالت ــج ــاه الــطــبــيــعــي الفنية المُغنية للتجربة‪.‬‬
‫(ال ــواق ــع ــي)‪ ،‬وقــدمــت فــيــه لــوحــات رائــعــة‬
‫بعضا مــن وقتها‬ ‫ً‬ ‫وخصصت «عــرفــات»‬ ‫ّ‬
‫وثّقت للحظة تفاعلها مع مجالها الطبيعي‬
‫الفنيّ ؛ لالشتغال على قضايا األمة العربية‪،‬‬
‫(منطقة عسير)‪ ،‬ومع جمال مدينة الطائف‪،‬‬
‫وأســئــلــة ال ــم ــواط ــن‪ ،‬وان ــش ــغ ــاالت الــنــاس‬
‫وانبهارها بالخَ لق اإللهي‪ ،‬واإلعجاز الرباني‬
‫بالمناسبات الوطنية‪ ،‬فعبّرت عن مواقفها‪،‬‬
‫في هندسة الكون‪ ،‬مثلما أبدعت في مجال‬
‫وأفكارها تجاه هذه القضايا‪ ،‬عبر رسومات‪،‬‬
‫الحرفية‪ ،‬وراكمت أعماال ملهمة‪ ،‬عرضتها‬
‫في عديد من المناسبات والفضاءات‪ ،‬فضال‬
‫عن كونها أبهرت متتبعيها بقدرتها على رسم‬
‫عوالم تجريدية (االتجاه التجريديّ )‪ ،‬تطلق‬
‫فيها العنان لخيالها الواسع‪ ،‬وبنات أفكارها‬
‫الــشــعــريــة‪ ،‬وثقافتها المعرفية الــواســعــة‪،‬‬
‫ناهيك عن كونها أسهمت بوعي ذكــيّ في‬
‫إثراء المشهد التشكيليّ السعوديّ ‪ ،‬ومعارضه‬
‫المتنوعة‪ ،‬ومهرجاناته‪ ،‬بمنجزات بصرية‬
‫ذات هوية مختلفة تراهن على (البورتريه‬
‫لوحة تجسد قصيدة وامعتصماة‬
‫الفني)‪ ،‬وقدمت‪ ،‬من خــال هــذا األسلوب‬
‫(السيف أصدق إنبا ًء من الكتب)‬ ‫التشكيليّ شخصيات وطــنــيــة؛ سياسية‪،‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪58‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ولــوحــات تجسيدية‪ ،‬تــوثــق اللتحامها مع‬
‫القضايا الحساسة للوطن واألمة‪ ،‬وانخراطها‬
‫في اهتمامات العرب والمسلمين اليومية‪،‬‬
‫وبــخــاصــة فيما يتعلق بــالــحــروب المُعلنة‬
‫على األمة (قضية فلسطين)‪ ،‬والصراعات‬
‫اإليديولوجية والفكرية‪ ،‬واإلرهاب والتطرف‪،‬‬
‫ـض مضجع اإلنــســان‬ ‫وغــيــر ذل ــك مــمــا يــقـ ّ‬
‫المعاصر بصفة عامة‪ ،‬حيثما وُجــد داخل‬
‫على وجه األرض‪.‬‬
‫اسكتش من بداياتها‪ ،‬لصورة انتشرت في اإلنترنت لرجل‬
‫وانسجاما مع خصوصية ك ّل اتجاه فني‪،‬‬
‫كبير بالسن‬
‫سعت‬
‫ِ‬ ‫وطبيعة كل مدرسة أو تيار تشكيلي‪،‬‬
‫الفنانة إلى تنويع أدواتها‪ ،‬وأساليبها بوعي‬
‫حاد جــدا‪ ،‬فهي تعرف كيف تختار اآلليات‬
‫التي تشتغل عبرها فــي كــل عمل‪ ،‬حسب‬
‫تصنيفه‪ ،‬وانتمائه‪ ،‬وتــفــرق بين الحوامل‬
‫الــمــمــكــنــة لــعــرض كــل تــجــربــة عــلــى حــدة‪،‬‬
‫وتوظف في كل لحظة إبداعية؛ األسلوب‬
‫األنــجــع لتبليغ الــفــكــرة‪ ،‬والــقــنــاة المالئمة‬
‫لعكس المكنونات الشعورية‪ ،‬والموضوعات‬

‫لوحة تجسد الظلم شاركت بها في معرض أجنحه عربيه بجده‬

‫ـواز للسياق‬
‫الــبــصــريــة‪ ،‬فــي استحضار مــتـ ٍ‬
‫السوسيوثقافي‪ ،‬وللحظة التعبيرية‪ ،‬وللفضاء‬
‫المحتضن للتجربة‪ ،‬ومستوى المتلقين للعمل‬
‫الفني‪.‬‬
‫ولــم يــتــأتّ هــذا الــتــعـدّد وه ــذا االنفتاح‬
‫داخل التجربة التشكيلية من فراغ؛ بل هما‬
‫اختياران نابعان من قناعة فنية راسخة؛‬
‫جمال الورد بتجريد لوني‪ ،‬شاركت بها في مهرجان الورد‬
‫تــراهــن عــلــى االســتــمــراريــة‪ ،‬والــشــمــولــيــة‪،‬‬ ‫بالطائف في حديقة الردف‬

‫‪59‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مشروع واسع المشارب‬ ‫ٍ‬ ‫وتعمل على تنفيذ‬
‫والخلفيات‪ ،‬واألدوات؛ فالتعدد سمة الرؤية‬
‫الــشــامــلــة الــمــؤمــنــة بــإمــكــانــيــات الــتــاقــي‪،‬‬
‫والــتــمــاســك‪ ،‬والــتــاقــح‪ ،‬وانــتــقــال األفــكــار‬
‫والتجارب من مجال إلى آخر‪ ،‬ومن تجربة‬
‫إنسانية إلى أخرى؛ أما االنفتاح‪ ،‬فهو ميزة‬
‫فنية توحي باالعتقاد في الكلّيات‪ ،‬والتعالي‬
‫عــن الــخــصــوصــي‪ ،‬والــمــحــدود فــي الــزمــان‬
‫لوحة الكعبة المشرفة للفنانة العاصمي المشاركة بمعرض‬
‫والمكان‪ -‬مع أن الفنانة شديدة االلتصاق‬
‫تواصل ‪ ٢‬بالرياض لعام ‪١٤٣٨‬هـ‬ ‫بالوطني‪ ،‬والمجالي‪ ،‬واإلقليمي من حيث‬
‫انتماءاتهم الجغرافية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬والعقدية‪،‬‬ ‫التمظهر الــهــويــاتــي‪ -‬واالشــتــغــال بــاألفــق‬
‫والثقافية‪.‬‬ ‫اإلنسانيّ في جوهره المشترك‪ ،‬وبخاصة‬
‫مع هيمنة الوسائط والميديا الجديدة التي‬
‫خــاصــة الــقــول‪ ،‬إنّ الفنانة «عــرفــات‬
‫قربت الجغرافيا‪ ،‬وقهرت المسافات‪ ،‬وجعلت‬
‫العاصمي» تعي جيدًا خصوصيات تجربتها‪،‬‬
‫مــن الــعــالــم قــريــة صــغــيــرة‪ ،‬بــل إ ّنــهــا محت‬
‫وتؤمن بالخلفيات الفكرية والثقافية التي‬
‫الــحــدود والحواجز التي كانت تفصل بين‬
‫وتفان‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تصدر عنها اختياراتها‪ ،‬وتعمل‪ ،‬بجدٍّ‬
‫الهويات الثقافية والفنية‪ ،‬وصار الفنان معنيا‬
‫مــن أجــل عكسها جميعا ضمن أعمالها‬
‫بالسّ ؤال الوجودي لكافة البشر على اختالف‬
‫المتنوعة التجليات‪ ،‬والمختلفة القوالب‪،‬‬
‫والحوامل‪ ،‬والفضاءات‪ ،‬انسجامًا مع طبيعة‬
‫المشروع الفني المتكامل الــذي صممته‬
‫وعناية شديدين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ـرار‬
‫قبليًا‪ ،‬مع سبق إصـ ٍ‬
‫ومع االعتقاد البالغ في أحقيّة الفنّ بخدمة‬
‫الرسالة اإلنسانية السامية‪ ،‬وتنقية العالم‬
‫من مظاهر الكراهية‪ ،‬وأشــكــال الفساد‪،‬‬
‫ومكامن القبح‪ ،‬إلح ــال قيم السماحة‪،‬‬
‫لوحة جمل للفنانة عرفات العاصمي المقتناة في معرض‬
‫والتعايش‪ ،‬والنبل‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والسلم‪،‬‬
‫مبدعات ‪ 4‬معرض تجريد تنظيم هيئة الثقافة والفنون‬
‫والسالم‪ ،‬واألمن واألمان‪.‬‬ ‫وجمعية الثقافة والفنون بالطائف‬

‫ * ناقد وروائي من المغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪60‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الصورة في شعر مريد البرغوثي‬


‫ِ‬ ‫إيقاع‬
‫ُ‬
‫والحنين إلى الجذور‬
‫ِ‬ ‫واأللم‬
‫ِ‬ ‫االغتراب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫شعرية‬
‫■ نضال القاسم*‬

‫فــي الـثــامــن مــن تــمّ ــوز (يــولـيــو) ع ــام ‪1944‬م‪ ،‬ول ــد الـشــاعــر الفلسطيني مريد‬
‫غسانة‪ ،‬قرب مدينة رام اهلل‪ ،‬وأنهى فيها دراسته الثانوية‪،‬‬ ‫البرغوثي في قرية دير ّ‬
‫ثم التحق بجامعة القاهرة‪ ،‬وحصل على ليسانس اللغة اإلنجليزية سنة ‪1967‬م‪،‬‬
‫وقــد عمل في التدريس وفــي الحقول الثقافية واإلعالمية‪ ،‬وكــان ممث ًال التحاد‬
‫كتّاب فلسطين في اتحاد الشباب العالمي لمدة عشر سنوات‪.‬‬
‫وبـعــد هزيمة عــام ‪1967‬م‪ ،‬منع االح ـتــال اإلســرائـيـلــي الفلسطينيين الذين‬
‫تصادف وجودهم خارج البالد من العودة إليها‪ ،‬وقد كان مريد واحد ًا من هؤالء‪ ،‬إذ‬
‫كان ما يزال حينها على مقاعد الدراسة في جامعة القاهرة‪.‬‬

‫وف ــي ه ــذا الــصــدد يــقــول مــريــد‪ :‬وت ــزوّج من الكاتبة الروائية الدكتورة‬
‫"نــجــحــت فــي الــحــصــول عــلــى شــهــادة "رضوى عاشور"‪ ،‬وهو يحدثنا في كتابه‬
‫تخرّجي‪ ،‬وفشلت في العثور على حائط النثري الرائع "رأيت رام اهلل" عن سيرته‬
‫الذاتية وعن تميم وأم تميم‪ ،‬إذ عادت‬ ‫أعلق عليه شهادتي"!‬
‫السيدة رضوى بالدكتوراه ورزقهما اهلل‬
‫نعم فشل في العثور على جدار كما‬
‫بتميم في ‪1977/6/13‬م؛ أي كما يقول‬
‫فشل بكل محاوالته بالعودة إلى الوطن‬
‫قبل ترحيله من مصر بخمسة أشهر‪.‬‬
‫ورؤية األهل واألصدقاء‪ ،‬إال بعد ثالثين‬
‫"كانت الوالدة متعسرة‪ .‬رأيت بعينيّ وجع‬
‫عاما‪.‬‬
‫ال ــوالدة‪ ،‬فشعرت أن من الظلم أن ال‬
‫من هنا‪ ،‬فقد بقي مريد في مصر‪ ،‬ينسب األطفال إلى األم! ال أدري كيف‬
‫‪61‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫واإلب ــداع الفني‪ ،‬إضافة إلــى كونه شاعراً‬ ‫اغتصب الرجل حق نسبة المولود لنفسه؟‬
‫متألقاً ومستمراً في اإلبــداع وكتابة الشعر‬ ‫لتبدأ بعد ذلك حركات سياسية في الشارع‬
‫منذ خمسين عاماً‪ ،‬وهو يهتم في قصائده‬ ‫المصري‪ ،‬احتجاجاً على زي ــارة الــســادات‬
‫بالمشترك اإلنساني؛ ما يجعل شعره بالغ‬ ‫إلسرائيل‪ ،‬ليطرد على إثرها (مــريــد) من‬
‫التأثير في قارئه أي ـاً كانت جنسيته؛ فهو‬ ‫أرض الكنانة عندما كــان ابــنــه تميم في‬
‫حسية مادية ملموسة ينقل من‬ ‫يكتب بلغة ِ ّ‬ ‫شهره الخامس‪ ،‬مخلِّفاً وراءه وطناً ثانياً‬
‫خاللها حواسّ ه‪ ،‬إنّها لغة بديعة مغتربة في‬ ‫وزوجة وابناً‪ ،‬وقد منع بعد ذلك من العودة‬
‫الجمال‪ ،‬كما أنه يعمل أيضاً على ما يسميه‬ ‫إلى مصر لمدة سبع عشرة سنة؛ فبدأ في‬
‫تــبــريــد الــلــغــة‪ ،‬أي إبــعــادهــا عــن البطولية‬ ‫هذه المرحلة مر ًة أخرى بالتنقل بين المنافي‬
‫والطنين‪ .‬وتخلو قصيدته من التهويمات‬ ‫العربية واألوروب ــي ــة‪ ،‬الــقــاهــرة وبودابست‬
‫والهذيان‪ ،‬فشعره عفوي الصياغة‪ ،‬مطبوع‬ ‫ومناف أخــرى‪ ،‬عمل فيها وامتدت‬ ‫ٍ‬ ‫وباريس‬
‫العبارة‪ ،‬قوامه الرمز والــصــورة‪ ،‬وهــذا ما‬ ‫عالقاته وذاع صيت كتاباته‪ ،‬وكان ال يستطيع‬
‫أسهم في توسيع دائــرة قرائه في العالم‪،‬‬ ‫أن يرى ابنه وزوجته إال في اإلجازات‪ ،‬حين‬
‫وأتـ ــاح لــه الــمــشــاركــة فــي عــديــد كبير من‬ ‫كانت (رضوى) تأخذ بيد (تميم) وتذهب به‬
‫اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى‬ ‫لزيارة زوجها الــذي طــرده الرئيس الراحل‬
‫فــي الــعــالــم‪ ،‬وقــدم مــحــاضــرات عــن الشعر‬ ‫محمد أنور السادات من مصر‪.‬‬
‫الفلسطيني والعربي في جامعات القاهرة‬ ‫ومــمــا ال شــك فــيــه‪ ،‬أن الــشــاعــر مريد‬
‫وفاسو أكسفورد ومانشستر وأوسلو ومدريد‬ ‫البرغوثي من أبرز الشعراء الذين دافعوا عن‬
‫وغيرها‪ .‬فمريد من األسماء التي وجهت‬ ‫عدالة القضية الفلسطينية بالكتابة والشعر‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪62‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫مسار الخريطة الشعرية في العالم العربي‪ ،‬رياض الريّس‪ ،‬بيروت‪2018 ،‬م)‪.،‬‬
‫وفــي كتابه النثري ذائــع الصيت "رأيــت‬ ‫بالنظر إلــى أدواتـــه المتفردة واللحظات‬
‫المفصلية التي عاصرها وكتب عنها‪ .‬وقد رام اهلل‪1997 ،‬م" الــفــائــز بــجــائــزة نجيب‬
‫اختير في عام ‪2015‬م رئيساً للجنة التحكيم محفوظ لــإبــداع األدب ــي للعام (‪1997‬م)‬
‫والذي يعد سيرة وطن‪ ،‬وتاريخ شعب‪ ،‬والذي‬ ‫لجائزة الرواية العربية‪.‬‬
‫صدر للشاعر البرغوثي خالل السنوات تمت ترجمته إلى العديد من اللغات‪ ،‬ومنها‬
‫الــمــاضــيــة الــعــديــد مــن األعــمــال الشعرية على سبيل المثال ال الحصر‪ :‬اإلنجليزية‬
‫والنثرية‪ ،‬ومنها‪( :‬الطوفان وإعادة التكوين‪ ،‬والهولندية واإلسبانية‪ ،‬وثَّق البرغوثي سيرته‬
‫دار العودة‪ ،‬بيروت‪1972 ،‬م)‪ ،‬و (فلسطيني الذاتية وتفاصيل رحلة العودة إلى موطنه‬
‫في الشمس‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪1974 ،‬م)‪ ،‬بعد ثالثين عاماً من الغربة واالشتياق‪ ،‬فبدأ‬
‫و (نشيد للفقر المسلّح‪ ،‬اإلعــام الموحد‪ ،‬الحكاية من على مشارف جسر العودة‪ ،‬جسر‬
‫بيروت‪1977 ،‬م)‪ ،‬و (األرض تنشر أسرارها‪ ،‬الملك حسين‪ ،‬الذي اجتازه قبل ثالثين عاماً‬
‫دار اآلداب‪ ،‬بــيــروت‪1978 ،‬م)‪ ،‬و (قصائد إلنهاء سنته الدراسية األخيرة وعاد إليه بعد‬
‫الــرصــيــف‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات طــول غياب وعــذاب وشــوق ليلملم شتاته‪،‬‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪1980 ،‬م)‪ ،‬و (طال الشتات‪ ،‬وبمشاعر متناقضة يحاول اجتيازه‪ ،‬حيث‬
‫دار الــكــلــمــة‪ ،‬ب ــي ــروت‪ ،‬نيقوسيا قــبــرص‪ ،‬بدأ كتابه بوصف قصصي شاعري دقيق لكل‬
‫جف ماؤه‪ ،‬للجسر الخشبي‬
‫‪1987‬م)‪ ،‬و (رنة اإلبــرة‪ ،‬المؤسسة العربية شيء‪ ،‬للنهر الذي َّ‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1993،‬م)‪ ،‬و (ليلة القصير المشبع برائحة األه ــل والمترع‬
‫مجنونة‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بالصور القديمة الساكنة فــي الــوجــدان‪،‬‬
‫‪1995‬م)‪ ،‬و (منطق الكائنات‪ ،‬دار المدى‪ ،‬والـ ــذي عــبــر خــالــه آالف الفلسطينيين‬
‫عمان‪1995 ،‬م)‪ ،‬و (الناس في ليلهم‪ ،‬دار مهجّ رين وعائدين بتصريح زيــارة‪ ،‬للجندي‬
‫اآلداب‪ ،‬ب ــي ــروت‪1999 ،‬م)‪ ،‬و (منتصف اإلسرائيلي المرتبك الــذي رآه ألول مرة‪،‬‬
‫الليل‪ ،‬دار رياض الريّس‪ ،‬بيروت‪2005 ،‬م)‪ ،‬هناك وقــف وقــال "ورائـــي العالم وأمامي‬
‫و (مــجــلــد األعــمــال الــشــعــريــة‪ ،‬المؤسسة عالمي"‪ .‬ثم أخذنا إلى عالمه‪ ،‬إلى فلسطين‬
‫العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1997،‬م)‪ ،‬وتحديداً إلى رام اهلل‪ ،‬الّتي وصفها بعمق‬
‫و (األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬في كتابه‪ ،‬وأوضح طباع أهلها‪ ،‬قبل هجرته‪،‬‬
‫دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪2013 ،‬م)‪ ،‬و (األعمال وبعد عودته إلى الوطن بعد ثالثة عقود من‬
‫الشعرية الكاملة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الخيبة والوجع‪ ،‬من الحنين واالنتماء إلى‬
‫القاهرة‪2013 ،‬م)‪ ،‬و (استيقظ كي تحلم‪ ،‬دار مكان هو في األصل‪ ،‬جغراف ّيًا‪ ،‬استحقاقيّة‬
‫‪63‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫للفرد‪ ،‬كبقعة هو ينتمي إلى حدودها‪ !..‬تلك‬
‫المدينة التي تغيّرت مالمحها‪ ،‬تغيّر ناسها‬
‫وأهلها‪ ،‬فقد كبُر الصغير وشاب فيها الكبير‪،‬‬
‫وصفها بدقة فجعل القارئ كأنه يعيش فيها‪،‬‬
‫يمرجحه بين الماضي ال ــذي انــهــال على‬
‫رأســه وبين الحاضر الــذي فــاجــأه‪ ،‬أخذنا‬
‫إلى شوارعها‪ ،‬إلى بيوتها القديمة والحديثة‪،‬‬
‫إلــى تاريخها وحــاضــرهــا‪ ..‬فجعل كــل من‬
‫يقرأ الكتاب يعيش تفاصيله‪ .‬بين الماضي‬
‫النجوم‪ ،‬الماء‪ ،‬الضوء‪ ،)..‬وهي مفردات تخلق‬ ‫والحاضر‪ .‬في مجمله هو نص إنساني إلى‬
‫معها األلفة ما دامت تبعث فينا الحياة‪ .‬ومن‬ ‫أبعد حد‪ ،‬إذ نجد أن البرغوثي يصف طبيعة‬
‫األمثلة على ذلك في شعره قصيدة "مشهد‬ ‫رام اهلل‪ ،‬ويــغـرّد جمال ّيًا‪" :‬رام اهلل السرو‬
‫يومي"‪ ،‬وهي قصيدة تتكامل أمام القارىء في‬ ‫والصنوبر‪ ،‬أراجــيــح المهابط والمصاعد‬
‫خط تصاعديّ يتجه تدريجياً باتجاه الذرْوة‪،‬‬ ‫الجبليّة‪ ،‬اخضرارها الّذي يتحدّث بعشرين‬
‫بنبرة خافتة ولغة دقيقة‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫لغة من لغات الجمال‪.‬‬
‫ووراء النافذة‬ ‫ومن المعروف أن الشاعر مريد البرغوثي‬
‫اليومي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫استمرَّ المشهد‬ ‫يــمــتــاز ع ــن غ ــي ــره م ــن ال ــش ــع ــراء الــعــرب‬
‫أوالدٌ يعدون المقاليع‬ ‫المعاصرين بقدرته االستثنائية على وصف‬
‫ورايات‬
‫ٌ‬ ‫وأصوات هتافات‬ ‫المشاهد اليومية‪ ،‬بصياغات ذكيّة وصور‬
‫وعسكر‬ ‫عفوية تنحا ُز للحقيقة والجمال ودفق الحياة‬
‫يطلقون النار في زهوٍ وفوضى‬ ‫بعيداً عن الغموض‪ ،‬فهو شاع ٌر يمتّح من‬
‫وصبي آخرٌ يهوي شهيد ًا‬ ‫ٌّ‬ ‫الثقافة البصرية وينتصر إليقاع الصورة؛‬
‫فوق إسفلت الطريق!‬ ‫ومما يضفي بعداً جمالياً على شعره انفتاح‬
‫لكنّه بأسلوبه الــشــعــريّ الممتع‪ ،‬الــذي‬ ‫الرؤية على المعجم الطبيعي المكثف الذي‬
‫يقترب من قصيدة السيناريو‪ ،‬والذي يتداخل‬ ‫انعكس في أغلب األحيان على إيقاع اللغة‬
‫فيه الشخصي مع العام والنص النثري مع‬ ‫والصورة في شعره؛ فهو يؤكد غير ما مرة‬
‫الشعر‪ ،‬وقدرته على صياغة الدهشة في‬ ‫أنــه صــديــق حميم لــأشــيــاء والــمــوجــودات‬
‫تركيب الجملة‪ ،‬جعل مــا ق ـدّمــه كتلة من‬ ‫(األشــجــار‪ ،‬الــفــراشــات‪ ،‬الــزهــور‪ ،‬الزنابق‪،‬‬
‫الجمال‪ ،‬المحمّلة بالوعي المطلوب اقتناؤه‬ ‫الــنــوارس‪ ،‬النوافذ‪ ،‬الــغــزالن‪ ،‬الريح‪ ،‬النار‪،‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪64‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫عتمة الــيــأس ظــل يشعل مصابيح األمــل‬
‫ويغنّي للعودة‪ ،‬كما في قصيدته المعنونة بـــ‬
‫"دار رعد" إحدى قصائد ديوانه "الناس في‬
‫ليلهم"‪ ،‬يقول في هذه اللوحة الشعرية التي‬
‫تصوّر أجواء المكان‪:‬‬
‫أصابَهُ الجَ مالْ‬ ‫لمنزل َ‬
‫ٍ‬
‫عدْ ُت مُ تعباً‪ ،‬كَكُ لِّ منْ يَعود‬
‫وقــد ح ــاول مــريــد فــي شــعــره أن يفضح‬
‫الغربة بك ّل ما فيها من أحاسيس‪ ،‬ويعرّيها‬ ‫للشباب الفلسطينيّ ‪ ،‬حول قضيّتهم‪ ،‬وحول‬
‫لمن يطمح إليها‪ ،‬وحاول أن يحاكمها‪ ،‬لكنّها‬ ‫ما يواجهونه من تضليل؛ لحرف نظرهم عن‬
‫أمل‬‫مرضه الخبيث الّذي تكاثر وتحوّل إلى ٍ‬ ‫الرؤية األقرب إلى الشموليّة‪ .‬كما يظهر في‬
‫ضائع‪ ،‬وهو في اغترابه عن الواقع‪ ،‬مُضط ٌر‬ ‫قصيدته المشهدية "بوابة البلد"‪ ،‬من ديوان‬
‫دائماً للبحث عن الطمأنينة في الماضي‪،‬‬ ‫"الناس في ليلهم"‪ ،‬والتي تتحدث عن واقع‬
‫وها هو يرسم لنا لوحة مدهشة في واحدة‬ ‫مــؤلــم ينقل فيه الشاعر ص ــورة مــن صور‬
‫من قصائد ديوانه (الناس في ليلهم)‪ ،‬حيث‬ ‫عذبة‬
‫ٍ‬ ‫بلغة‬
‫عذابات وطنه الجريح‪ ،‬إذ يقول ٍ‬
‫ينتقل بنا من الحاضر إلى الماضي ليحدثنا‬ ‫سلسة‪:‬‬
‫مغرقة في‬
‫ٍ‬ ‫بلغة‬
‫عن طفولته‪ ،‬ويبثّ انفعاالته ٍ‬ ‫هذا هو الغد ُر األنيقُ أناقة اإلنصاف‬
‫الشفافية والبساطة‪ ،‬ضمن صــورة شعرية‬ ‫أصواتُهم‬‫ترجني ْ‬ ‫عدت ُّ‬‫ُ‬
‫رائعة‪ ،‬تصف واقعاً مجبوالً باأللم واألمل‪،‬‬ ‫ب ّواَبَة األْبواب‬
‫يقول‪:‬‬ ‫ال مفتا َح في ي َِدنا‬
‫نسيت غ ْي َم الدهْ ر لحظةً‬‫ُ‬ ‫ولكنا دخلنا الجئينَ على منازلنا‬
‫وعدت للطفل الذي‬ ‫ُ‬ ‫التي كانت منازلنا‬
‫هذا ما حاول مريد البرغوثي طرحه؛ من من مَ هْ ده القوطيّ تا َه في البالدِ مُ غْ رم ًا‬
‫خالل تسليط الضوء على تجربته‪ ،‬وتجربة وَمُ رْغم ًا وعا ْد‬
‫ويستبد الحنين بالشاعر بسبب ابتعاده‬ ‫من حوله من أبناء جيله في الغربة‪ ،‬حين‬
‫عن وطنه‪ ،‬فنراه يوظِّ ف أسلوب االستفهام‬ ‫العودة وبعدها‪ ،‬ورؤيــة رام اهلل وقريته بعد‬
‫للتعبير عــن هــذا الحنين‪ ،‬بألق تصويري‬ ‫ثالثة عقود من المنع اإلجباريّ عن مسقط‬
‫وحنكة نسقية في تفعيل األنساق اللغوية‪،‬‬ ‫رأسه‪ .‬ولم يكن شيء‪ ،‬مهما قسا بقادر على‬
‫فيسأل بمهارة فنيّة عالية ونبرةٍ تجمع بين‬ ‫انتزاع روح األمل من نفسه الشاعرة‪ ،‬فمن‬
‫‪65‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الشجى والسخرية والــســؤال عــن الغائب يربطها الفيض الشّ عوريّ ‪ ،‬ويختتمها بقصيدة‬
‫الغريب والمكان ليبدو المشهد الشعري مهداة للشاعر محمود درويــش‪ .‬أمّا الجزء‬
‫بغاية المباغتة‪ /‬والتفعيل النسقي‪ ،‬وهذا الثاني فقد أدرج ــه تحت عــنــوان أســاســيّ‬
‫األســلــوب في التفعيل النسقي‪ ،‬يزيد بؤرة وهو "منطق الكائنات مرّة أخــرى"‪ .‬والجزء‬
‫ـص نــثــري في‬‫التخييل الشعري عمقاً وانفتاحاً رؤيــويـاً‪ ،‬الــثــالــث اختتمه الــشــاعــر بــنـ ّ‬
‫استذكار زوجته الروائية والناقدة المصرية‬ ‫وللتدليل على ذلك نأخذ قوله‪:‬‬
‫الــراحــلــة الــدكــتــورة رض ــوى عــاشــور‪ ،‬تحت‬ ‫الغريب حي ُْث كانْ‬
‫ُ‬ ‫هلْ يْرجعُ‬
‫عنوان "افتحوا األبــواب‪ ..‬لتدخل السيدة"‪،‬‬ ‫وهل يعودُ نفسَ ه المكانْ ؟‬
‫وفي هذا الجزء يواصل الشاعر تنغيم لحنه‬
‫ويظهر الــبــرغــوثــي مــن خــال نصوصه‬
‫في دفقات متتابعة كالبلورات الصغيرة أو‬
‫الحديثة كما عرفناه دائماً‪ ،‬أي إنساناً يسعى‬
‫الورود الناضرة الشائكة‪ ،‬مستحضراً رفيقة‬
‫باستمرار إلــى تــجــاوز نفسه ويستمد من‬
‫دربه رضوى‪ ،‬ومعلناً انشغاله بها لتظل حية‪،‬‬
‫الالنهائي المفتوح أمامنا سبباً الندفاعه‪،‬‬
‫وليدفئها من البرد‪ ،‬كما جاء في قوله في‬
‫بمخيلة جامحة وأحالم‬ ‫ٍ‬ ‫مستعيناً في ذلك‬
‫قصيدة "خلود صغير"‪:‬‬
‫ليله ونهاره‪ ،‬وذاكــرة صورية لألشياء‪ ،‬وقد‬
‫مُ فرداً‪ ،‬شاهقاً‪،‬‬
‫نجح البرغوثي في ديوانه األخير "استيقظ‬
‫شرفتي غيمة دللتها السماء‪،‬‬
‫كــي تحلم" فــي نقل نبض الحياة اليومية‬
‫أطلّ على شاطئ جنة‪،‬‬
‫وعذاب الناس‪ ،‬فهو شاع ٌر مختلف‪ ،‬يبحث في‬
‫قال أخضرها كل أقواله هامساً‪ ،‬هادر ًا‬
‫المعيش اليومي وفي كالم الناس ومفرداتهم‬
‫فُ ستقي الذوائب‪ ،‬يوشك يلمع‪،‬‬
‫وإيقاعات حياتهم‪ ،‬وهذا ما ارتكز عليه طوال‬
‫أخضر يرضع‪ ،‬يحبو‪،‬‬
‫حياته ولم يتزحزح عنه قيد أ ُنمله‪ .‬وقد عاد‬
‫يكاد يشيب إلى المشمشي المضيء‪،‬‬
‫من خالل ديوانه األخير إلى حيويته النابضة‬
‫ويــدخــل فــي الصدئي الموشى كما قشر‬
‫والــثــابــتــة عــلــى معايير الــجــمــال المشبعة‬
‫رمانة أوغلت في النضوج‬ ‫بالحنين واألمــل؛ فالديوان يسودهُ الحني ُن‬
‫وأخضر فيه الدخاني‪،‬‬ ‫للماضين‪ :‬ابتدا ًء بمنيف البرغوثي‪ ،‬مروراً‬
‫يهرب من زرقة خالطته‬ ‫بــاألب واألم واألخ مجيد ومحمود درويــش‪،‬‬
‫خ ـل ــف أزرار ه ـ ــذا ال ـق ـم ـيــص ال ـخ ـف ـيــف‪،‬‬ ‫وقوفاً في حضرة "السيّدة" والحبيبة رضوى‬
‫أواصل أشغال من ظل حيا‪ :‬أدفئ رضوى‬ ‫عاشور‪ ،‬التي أهدى لها مري ُد الديوان‪ .‬ويض ّم‬
‫من البرد‪.‬‬ ‫الديوان ثالثة أجزاء‪ :‬يتكوّن الجزء األوّل من‬
‫كما أن قصائد الــديــوان تعبّر عن اله ّم‬ ‫مجموعة قصائد تحمل عناوين مختلفة‪،‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪66‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫وإن نحا في بعض القصائد إلى األسلوب‬ ‫ِصيَغِ بليغة‪ ،‬وتحمل رسائل عميقة‬
‫اإلنسانيّ ب ِ‬
‫االنــفــعــالــي ال ــذي يكشف طبيعة الشاعر‬ ‫طغت عليها شعرية عالية تالمس الروح‪ ،‬وهي‬
‫الثائرة‪ ،‬وهذا ليس جديداً في دواوينه‪ .‬أما‬ ‫قصائ ُد لم ينَ ْل الحز ُن من جماليتها فنياً‪ ،‬فقد‬
‫النصي‪ ،‬فقد اعتمد الشاعر‬‫ّ‬ ‫على المستوى‬ ‫تحكّم البرغوثي بشعره‪ ،‬فكان من الطّ بيعيّ‬
‫في كثير من قصائده على البنى الحوارية‬ ‫أن يستم ّد مفرداته من الواقع المعاش‪ ،‬من‬
‫بصيغة المخاطب‪ ،‬ولكنه في معظمه جاء‬ ‫طين األرض ومالمح الناس البسطاء‪ ،‬فاللغة‬
‫حــواراً ذاتياً‪ ،‬وأعتقد أن سبب ذلك يرجع‬ ‫طيّعة له يقودها كيفما شاء‪ /‬ويشكلها كيفما‬
‫إلى رغبته في ممارسة الحريّة الخاصة التي‬ ‫بحس جماليٍّ شــعــوريٍّ عميق‪ ،‬فهو‬
‫ٍّ‬ ‫يــشــاء‪،‬‬
‫يجب أن يمارسها في النص الشعري‪ ،‬حتى‬ ‫يعبر بلغة شفيفة‪ ،‬تثير القارئ بسالستها‪،‬‬
‫يمن َح لنفسه القدرة على التعبير عما يريد‪.‬‬ ‫وعذوبتها‪ ،‬وإيقاعها الداخلي‪ ،‬وكأنها نغمات‬
‫إن كتابة الشاعر مريد البرغوثي كتابة‬ ‫موسيقية تبث أنغامها بــأصــداء العبارة‪،‬‬
‫تفاعلية؛ ذات خصوصية تجريبية تقوم على‬ ‫لتحولّها من نسق انسيابي إلى آخر‪ ،‬لدرجة‬
‫التداعي‪ ،‬واالنفتاح الداللي‪ ،‬والجمالي بين‬ ‫يثير القارئ إلى األبعاد اإليحائية التي تحمله‬
‫الفنون‪ ،‬واألنـــواع‪ ،‬والحكايات‪ ،‬واألصــوات‬ ‫الجملة الشعرية‪ .‬والمتابع لقصائد الديوان‬
‫الممتدة من المعارف‪ ،‬والذاكرة الجمعية‪،‬‬ ‫يلحظ أن البرغوثي يكتب ذاته وألمه وألم‬
‫واإليقاعات‪ ،‬والمؤثرات التشكيلية المباغتة‬ ‫اآلخــريــن‪ ،‬يصوّر الحب واألســى بعيداً عن‬
‫التي تسهم في تعميق فضاءات المتخيالت‬ ‫اإليديولوجيا البائسة التي كانت سبباً في‬
‫الشعرية‪ ،‬واألصــوات التي تؤكد االختالف‪،‬‬ ‫انحطاط كثير من الشعر العالمي‪ ،‬ويكفي‬
‫والتجدد‪ ،‬ودوال الكتابة نفسها في صيرورتها‬ ‫أن نُور َد من القصيدة االفتتاحية التي جاءت‬
‫المستقبلية‪ ،‬كما أن شعره يمتاز بفاعلية‬ ‫تحت عنوان "خلو ٌد صغير" هذا المقطَ ع‪:‬‬
‫التخيل في توليد الصور الشعرية؛ ورغم أن‬ ‫الشوقَ ِمن لُغتي‪،‬‬ ‫ها أنا اطرُ دُ ّ‬
‫جملته الشعرية مكثفة للغاية‪ ،‬إال أنها تنحو‬ ‫المكان‬
‫ِ‬ ‫ـراف بِ ـ َكـســرِ‬
‫وهــل الـ ّـشــوقُ إال اع ــتِ ـ ٌ‬
‫أحياناً إلى األسلوب السردي‪ ،‬الذي يروي‬ ‫مكانَينْ‬
‫بكلمات موجزة مثقلة بالمعاني واإلسقاطات‪،‬‬ ‫والواح ِد اث َني ِْن؟‬
‫ِ‬ ‫ين‬
‫سم ِجسمَ ِ‬ ‫والج ِ‬‫ِ‬
‫كقوله في قصيدة (أسْ ما ُؤهُم)‪:‬‬ ‫ومـــا يــمــيــز الـــديـــوان ه ــو ات ــس ــاع رقــعــة‬
‫لم تعد أرقامُ هُ م تصغي لصوتي‬ ‫الموضوعات والقضايا التي تشغل الشاعر‪،‬‬
‫في صباح القهوة األولى‬ ‫وعلى رأسها القضايا الوطنية والوجودية‪،‬‬
‫وأكداس الورَق‬ ‫والــوجــدانــيــة‪ ،‬فــجــاءت الــقــصــائــد مكثفة‪،‬‬
‫أطلب منهم أنْ‬
‫ُ‬ ‫لم أعدْ‬ ‫ومعمّقة‪ ،‬وترتفع فيها القيمة األسلوبية‪،‬‬
‫‪67‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ذات تأثير قوي في العالم الداخلي للمتلقي‪،‬‬ ‫يالقوني على المقهى‬
‫كــمــا أن ص ــوره الــشــعــريــة لــهــا الــعــديــد من‬ ‫حوالي السادسة‬
‫الخصائص المائزة لها وأهم هذه الخصائص‬
‫إن شعرية مريد البرغوثي واضحة الرؤى‪،‬‬
‫هــي إيقاعية الــصــورة‪ ،‬أو بــاألحــرى اتجاه‬ ‫جلية المداليل‪ ،‬يستقطبها القارئ منذ الوهلة‬
‫الصورة من منطلقي الماضي والحاضر إلى‬ ‫األولى‪ ،‬وإن هذه السهولة لم تُفقِ د نصوصه‬
‫استشراف المستقبل‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‬ ‫نبضها الشعوري‪ ،‬وإنما ساعدت القارئ على‬
‫في شعره قصيدة (المخبأ)‪:‬‬ ‫فهمها وتأملها بعمق في مساراتها المتنوعة‪،‬‬
‫الطائر األزرق الرّيش‬ ‫‪ ..‬خذ ّ‬ ‫لتبدو لغته متقدة‪ ،‬بالوضوح المقصدي‪،‬‬
‫خــذ ك ــلّ أع ـيــادنــا ال ـقــافــزات إل ــى زركـشــات‬ ‫والــرؤيــة الجليّة الــتــي يستقطبها الــقــارئ‬
‫القرى‬ ‫بسهولة ويسر‪ ،‬وهذا ما يحسب للشاعر في‬
‫خذ متاحف أسالفك الغامضين‬ ‫كافة أعماله الشعرية أنها ذات ألق تشكيلي‪،‬‬
‫والقش‪ ..‬خذ قلبي الهش‬ ‫ّ‬ ‫العش‬
‫ّ‬ ‫خذ‬ ‫ووضــوح مقصديّ ‪ ،‬وإثــارة مشحونة بكثافة‬
‫خذ رعشة االرتباك إذا ما التقى عاشقان‪،‬‬ ‫الـــرؤى وعــمــق الــمــدالــيــل‪ ،‬فالشعرية عند‬
‫الصبية القافزين إلى بركة النّضج‪،‬‬ ‫خذ ّ‬ ‫‪-‬مريد البرغوثي‪ -‬تتألق من نص آلخر‪ ،‬فال‬
‫وخذ ثنية الرّكبتين‪ ..‬إذا حاولت مهرةٌ أن‬ ‫نلحظ تكراراً ممضاً في قصائده‪ ،‬وإنما نجد‬
‫تطير‪،‬‬ ‫تآلفاً نسقياً يقود حركة نصوصه الداللية‪،‬‬
‫وخذ حلو ًة حنّنتنا بذيل الحصان‬ ‫لتبدو بغاية التحفيز النسقي‪ ،‬واالكتناز‬
‫التشكيليّ الجماليّ ‪ ،‬بما يفاجىء القارىء‪،‬‬
‫ويستحضر البرغوثي في أغلب قصائده‬
‫ويكس ُر توقّعاته‪ ،‬كما في قصيدة (نزاهة) من‬ ‫ِ‬
‫الــمــوروث الــديــنــي والشعبي واألســطــوري‬
‫ديوان (منطق الكائنات)‪:‬‬
‫والتراثي والتاريخي والوقائعي‪ ،‬حيث يطغى‬
‫التوتر والتضاد من خــال االستحضارات‬ ‫قال صندوق االنتخابات‬
‫الغائبة والــمــدلــوالت الحاضرة التي تكون‬ ‫عداد التاكسي‬
‫طاقات مولدة تغذي النص‪ ،‬وقد أفاد البرغوثي‬ ‫وبائع الحليب‬
‫من تجربته الغنية الحافلة‪ /‬وثقافته الواسعة‬ ‫وأنا‬
‫في اللغة اإلنجليزية من االطالع على تراث‬ ‫لو راقبتنا المالئكة والشياطين معا‬
‫الغرب الشعري‪ ،‬وأساليبهم المبتكرة في‬ ‫سنغشكم‬
‫إن الــشــاعــر يــرتــكــز فــي تــكــراره لبعض التشكيل النصي‪ ،‬من خالل ابتداع نصوص‬
‫الدالالت على إحداث األثر الجماليّ للصور‪ ،‬ذات طاقات أسلوبية متجددة‪ ،‬تؤكد براعته‪،‬‬
‫واألص ــوات‪ ،‬ومــا تحويه من نغمات مجردة وتحريكها النسقي ضمن النسق الشعري‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪68‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫الواحد‪ ،‬وهذه الخصيصة تعد من خصائص التجدد‪ ،‬ال يستقر على حال شعريّ أبــداً‪،‬‬
‫النصوص البديعة ذات التكثيف اإليحائي‪ /‬فيه من العاطفة الفنية الصادقة بمقدار ما‬
‫فيه من الصدق الوطني والصدق الثوري‪،‬‬ ‫والومض الشعوري العميق‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬
‫وهــو عالمة مضيئة ذات إشعاع بــاذخ بهيّ‬ ‫‪ ..‬يا حبيب المحبّين‪:‬‬
‫في مجموع المدوّنة الشعريّة الفلسطينية‬
‫إنّا امتحنّا كثيراً‪ ،‬وإنّا امتحنّا طويالً‪،‬‬
‫المعاصرة‪ ،‬وتبقى عوالم البرغوثي أوسع‬
‫فرحماك يا خالق الحاكمين‪ ،‬ويا خالق‬
‫وأغنى من أن تفتحها هذه القراءة‪ ،‬كما أنها‬
‫النّاس‪،‬‬
‫تتطلب المزيد من الجرأة على ارتياد آفاقها‬
‫والسوسنه‬
‫يا خالق الوحش‪ّ ..‬‬
‫والكشف عن مرجعياتها‪ ،‬وربما كان الكشف‬
‫كلّما كسر البرق بلّوره في األعالي‬
‫عن عالقتها بالمنفى هو األشــد إلحاحاً‪،‬‬
‫اشتهيت أقلّ قليل الحياة‪،‬‬
‫إذ ما تزال طبيعة هذه العالقة وتفاصيلها‬
‫تــنــطــوي عــلــى مــا يفتح الــمــجــال لــقــراءات‬ ‫فما الح لي غير موتى‪..‬‬
‫واجتهادات كثيرة‪.‬‬ ‫بالد ًا أسمّ يك‪ ..‬أم غولةً ‪ ..‬يا بالدي!!؟‬
‫فهل تركت لنا فسحةً كــي نطيل البكاء‬
‫ّ‬
‫ونستخلص من هذا كله‪ ،‬أنه وعلى الرغم‬
‫ُ‬
‫قلي ًال على الميّتين!!؟‬
‫من مــرارة المنفى فقد ظــلَّ الشاعر مريد‬
‫البرغوثي عظيم التفاؤل واألمل بالعودة إلى‬
‫وه ـ ّـا تــركــت لـنــا فـسـحــةً كــي ن ـهــيّ ء فــوجـ ًا‬
‫وطنه السليب‪ ،‬آمن بذلك إيمانه بالحياة‪،‬‬ ‫جديداً‪:‬‬
‫من الذّ اهبين إليك بأكفانهم راكضين!!؟ وصــوّر صــادقـاً في شعره‪ ،‬أحاسيس أبناء‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد استطاع البرغوثي باقتدار شعبه العظيم وآمالهم في التحرر؛ ومهما‬
‫ووعــي كبيرين منذ مطلع السبعينيات من يكن من أمر‪ ،‬فإن شعر مريد البرغوثي بسيط‬
‫القرن العشرين وإلى اآلن‪ ،‬أن يشق لنفسه األلــفــاظ‪ ،‬سهل التعبير‪ ،‬سلس التركيب‪،‬‬
‫خاصاً به في أرخبيل الشعر العربي‪ ،‬واضح الداللة‪ ،‬يعتمد الصورة البسيطة في‬
‫ّ‬ ‫مجرىً‬
‫ال كما تجسيد الموقف وشــرح الفكرة‪ ،‬وهو شع ٌر‬
‫وظل شعره ينبجس من نفسه سلس ً‬
‫ينبجس الماء من النبع في قلب الصحراء يتصل فــي معظمه بالمقاومة والتضحية‬
‫والفداء واالغــتــراب والحنين إلى الجذور‪،‬‬ ‫لينشر الحياة من حوله‪.‬‬
‫صفوة القول‪ ،‬إن صوت الشاعر (مريد ويمثل اللهفة الحارة للعودة إلى حضن الوطن‬
‫البرغوثي) صوت ثــوريّ نقيّ وأصيل ودائم السليب‪.‬‬
‫ * ناقد من األردن‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الستة في رواية (الصيادون)‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلخوة‬
‫■ ليلى عبداهلل*‬

‫األدب النيجيري لسنوات مديدة مرتبط باسم الروائي "تشينوا أتشيبي"‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بات‬
‫أبو األدب اإلفريقي‪ ،‬والواجهة األوضح لولوج عالم الثقافة النيجيرية المعاصرة‪،‬‬
‫والشاعر والكاتب المسرحي" وول سوينكا" الذي حاز على جائزة نوبل في األدب‪،‬‬
‫وهــو أول إفريقي تــم تكريمه فــي هــذا المجال‪ ،‬ينظر إليه على أنــه أفضل كاتب‬
‫مسرحي في إفريقيا‪ ،‬وقد لعب دورًا فاع ًال في تاريخ نيجيريا وكفاحها السياسي‪.‬‬
‫لكن األدب النيجيري وعبر الترجمات الحديثة يثبت أن هذا األدب تفرّع منه‬
‫غصون مورفة‪ ،‬لها صوتها‪ ،‬ومالمحها‪ ،‬وخصوصيتها األدبية‪ ،‬وعلى رأس من برز‬
‫عالم ال يؤمن بقوة النساء‪ ،‬بل ال‬
‫نسائي في ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫حكائي‬
‫ٌّ‬ ‫صوت‬
‫ٌ‬ ‫نوعهِ ‪،‬‬
‫صوت فريدٌ في ِ‬
‫ٌ‬
‫يؤمن بمدى فاعلية وجودهن‪ .‬وهنا‪ ،‬تكمن الغرابة‪ ..‬لكونها امرأة تنافس الرجال‬
‫في الكتابة في مجتمعات تغدو مكانة المرأة فيها في الحضيض‪ ،‬كما أشرنا آنفً ا‪،‬‬
‫هذه المرأة هي الروائية "تشيماماندا نغوزي أديشي"‪.‬‬

‫تقول عن نفسها‪" :‬أدركت أن أشخاصا ‪2015‬م‪.‬‬


‫روايته "الصيادون"‪ ..‬تتحدث عن عائلة‬ ‫مثلي‪ -‬فتيات‪ ،‬بشرتهن لها لون الشكوالتة‪،‬‬
‫والالتي ال يمكن عقد شعورهن المفلفلة نيجيرية من قبيلة اإلغبو؛ أبٌ يعم ُل في‬
‫على هيئة ذيل حصان‪ -‬يمكن أن يظهرن البنك النيجيري الوطني‪ ،‬وأ ٌم تعم ُل أيضا‬
‫في األدب أيضا‪ .‬فبدأتُ الكتابة عن أمور في متجر‪ ،‬لهما ستة أطفال‪ ،‬هم‪ :‬إيكينا‪،‬‬
‫وبوجا‪ ،‬وأوبمبي‪ ،‬وبنجامين‪ ،‬والصغيرين‬ ‫أعرفها"‪.‬‬
‫األدب النيجيري يظل يفاجئ القارئ‪ ،‬ديفيد ونكيم‪.‬‬
‫أســرة تعيش بــود‪ ،‬وتسود روح األخــوة‬ ‫هو أدب والّد وخالّق‪ ،‬ها هو يدهشنا باسم‬
‫جديد‪ ،‬له حسّ ه الخاص‪ ،‬يــروي حكايات والمحبة بين أفرادها رغم صرامة األب‬
‫من صميم المجتمع النيجيري‪ ،‬وتطلعات الدائمة‪ ،‬لكن كل شيء ينقلب حين يسافر‬
‫هذا الشعب نحو مستقبل فريد في نوعه األب للعمل فــي مــكــان بعيد عــن البيت‬
‫وله خصوصيته‪ ،‬هذا الصوت هو الروائي وتغدو زيارته أسبوعية مع األيــام‪ ..‬تصير‬
‫الشاب "تشيغوزي أوبيوما" وروايته العامرة كل أسبوعين‪ ،‬فيخرج األخــوة للصيد في‬
‫بالتفاصيل "الصيادون" وصلت إلى القائمة غــيــاب األب وانــشــغــال األم فــي عملها‪،‬‬
‫القصيرة لجائزة مان بوكر البريطانية عام يحملون صنانيرهم للصيد في نهر تالحقه‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪70‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫عنيف في أحد الصباحات‪ ،‬حيث ال أحد في‬ ‫الــشــائــعــات عن‬
‫البيت سوى "أوبمبي" و"بنجامين" اللذين يسعيان‬ ‫لــعــنــتــه‪ ،‬ويــبــقــى‬
‫لرجل بالغ ليفك بين األخوين المتعاركين‪ ،‬لكن‬ ‫األمــــــــــر ســــــرًا‬
‫حين يعودان مع المساعدة يكون كل شيء قد‬ ‫حـــتـــى يــكــشــف‬
‫انتهى‪ ،‬ايكينا يسبح في بركة من الدماء الحمراء‬ ‫أم ـ ــره ـ ــم لـــأم‬
‫كما تنبأ المجنون " أوبولو"‪ ،‬و"بوجا" يختفي عن‬ ‫عن طريق جارة‬
‫األنظار سرعان ما يجدون جثته المنتفخة من‬ ‫تـــتـــعـــرف عــلــى‬
‫ماء البئر حيث أوقع نفسه!‬ ‫أبنائها حيث هم‬
‫قابعون للصيد‪،‬‬
‫استعان الروائي لسرد حكايته بصوت واحد‪،‬‬ ‫تتكشف الحكاية‬
‫الراوي هو "بنجامين" أو "بن" الذي يدفع ثمن‬ ‫وي ـ ـ ــت ـ ـ ــع ـ ـ ــرض‬
‫صــراع أخوته طــوال الــروايــة‪ ،‬ويدخل السجن‬ ‫األخـــوة للعقاب‬
‫ليقضي فيه ستة أعوام؛ فبعد موت أخوته يعزم‬ ‫عــلــى يـــد األب‬
‫"أوبمبي" على االنتقام ألخوته من المجنون‬ ‫الصارم والسيما‬
‫"أب ــول ــو"‪ ،‬ويمضي فــي انــتــقــامــه‪ ،‬ويقنع أخيه‬ ‫أكبرهم إيكينا‪،‬‬
‫الصغير "بن" الذي يصغره بعامين‪ ،‬حيث يكون‬ ‫الـــــــــذي يــمــثــل‬
‫في الثانية عشرة‪ ،‬وحين يتم فضح جريمتهما‬ ‫ثقل الرواية وعقدتها األكبر‪ ،‬ويستحيل من أخ‬
‫يختار "أويمبي" الفرار بينما يختار "بن" البقاء؛‬ ‫طيب وحنون إلــى مسخ حقيقي بسبب نبوءة‬
‫إكراماً لوالديه‪ ..‬السيما أمه المكلومة‪ .‬فيقع في‬ ‫يطلقها رجــل مــعــروف بالجنون‪ ،‬رجــل يدعى‬
‫قبضة القضاء‪ ،‬ويقضي مدة عقوبته في الحبس‬ ‫"أبولو" الذي يصادفونه عند النهر‪ ،‬حيث كانوا‬
‫حتى يبلغ السن القانونية‪.‬‬ ‫يصطادون‪ ،‬هــذا الرجل الــذي عــرف بالغرابة‬
‫"الــصــيــادون" رواي ــة مــروّعــة‪ ،‬تعكس صــراع‬ ‫واشتهاء النساء‪ ..‬حتى أنه يغتصبهن على مرأى‬
‫األخ ــوة‪ ،‬وكيف أن المحبة قــد ال تشفع حين‬ ‫من الجميع دون أن يجسر أحد على التعرض‬
‫تتنامى األوهام العبثية في العقول وتتمكن منها‬ ‫له خوفا من إطالق لعناته التي تصيب غايتها‬
‫بمجرد ما يخرج من فمه‪ ،‬هو نفسه الذي يفاجئ‬
‫كل ّيًا‪ ،‬تجرف معها كل شيء‪ ،‬فال تخلف وراءها‬
‫ايكينو بنهايته‪ ،‬بموته على يد أحد الصيادين‪،‬‬
‫ســوى الدمار القاتل‪ ،‬الدمار المهول‪ ،‬الدمار‬
‫فيعيش ايكينو على وهم أن الصيادين الذين‬
‫يوشم الذاكرة ندوبًا في األفئدة المحطمة‪.‬‬
‫سوف يقتلونه هم إخوته السيما " بوجا" الذي‬
‫رواية تمثل الوطن وخالف أبنائه فيما بينهم‬ ‫يصغره بعامين‪ ،‬فهو في الخامسة عشرة وبوجا‬
‫رغم أنهم متوحدون في كل شــيء‪ ،‬وأرضعتهم‬ ‫في الثالثة عشرة‪ ،‬تبدأ هنا بداية المأساة التي‬
‫األم نفسها‪ ،‬وكانوا يهتفون باسم األب نفسه‪،‬‬ ‫تحيق بالعائلة كلها وتدمرها‪ ،‬بدءًا من معاداة‬
‫لكنها األوه ــام والمطامع التي تدمر الكيان‬ ‫ايكينو أخيه "بوجا"‪ ،‬تتملك عليه فكرة هالكه‬
‫اإلنساني وتحطم أواصر المحبة لتكون النهاية‬ ‫على يديه وهــذا ما سيحدث‪ ،‬الخيال السيئ‬
‫مأساوية ومدبوغة بلعنة أبدية!‬ ‫الذي ينهيه حقا على يد أخيه "بوجا " بعد عراك‬
‫* كاتبة من عُمان مقيمة باإلمارات‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ُ‬
‫شعرنة األلم‬
‫‏في ديوان "جنازة الغريب" لعبداهلل السفر‬

‫■ هشام بنشاوي*‬

‫يغمر نصوص أضمومة الشاعر عـبــداهلل السفر "جـنــازة الـغــريــب" شعور أليم‬
‫بــالـغـبــن واالغـ ـت ــراب‪ ،‬وك ــأن صــاحــب "يـفـتــح ال ـنــافــذة ويــرحــل" يصغي إل ــى نحيبه‬
‫الجوانيّ المكتوم‪ ،‬وقد كتبت هذه النصوص الشعرية بــروح متمردة‪ ،‬ونبرة حزن‬
‫وجودي‪ ،‬وقلق‬
‫ّ‬ ‫فادح‪ ،‬تتأرجح بين "قلق التجريب وطمأنينة المحاكاة"‪ ،‬تشي بألم‬
‫أنطولوجيّ يسكنان الذات الشاعرة ويعتصرانها؛ والسبب "لوعة الغياب" الضارية‪،‬‬
‫التي يتكشف عنها رحيل األحبة‪ ،‬واألشياء الجامعة مع من غادر أو بقي‪ ،‬لكن زمن‬
‫التحوالت جعله برسم المغادرة‪ ،‬واختفاء األمكنة وعوالم الطفولة؛ كل ذلك حفر‬
‫بابًا للنزيف وفتحه‪ ،‬وال سبيل لرده وإحكام الرتاج‪" .‬وربما هذا ما يضرم من جهة‬
‫غير معلومة روح االحتجاج و(الـحــرد) لعل غائبا يعود أو طيفه؛ يلطف جهامة‬
‫الفقد والنقص الــذي يثغر الـفــؤاد والجسد"‪ ،‬كما صــرح بذلك الشاعر في أحد‬
‫حواراته‪.‬‬
‫فـ ــي ن ــص ــوص "جــــنــــازة ال ــغ ــري ــب" األلم والوحدة‪ ،‬ويطلب اللجوء الوجداني‬
‫يحتفي عــبــداهلل السفر بالتفاصيل‪ ،‬إلــى الطفولة‪ ،‬الزمن البكر الجميل‪..‬‬
‫التي تستوطن ذات الشاعر‪ ،‬المتخمة ويرثي الزمن الحاضر‪ ،‬الرتيب والكئيب‪،‬‬
‫بالحنين‪" ،‬وتحكي للعابر سيرة الجرّاح"‪ ،‬بــ"لغة مسترسلة‪ ،‬تقوم نواتها الداخلية‬
‫وهو ينهل من معين التجربة اإلنسانية‪ ،‬على ســرد نــاقــص‪ ،‬تغيب فيه الحبكة‬
‫يهرب من رتابة اليومي‪ ،‬وقتامة سجن ويحضر الترميز"‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪72‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫والعنوان العتبة يلعب هنا وظيفة اإليحاء‬
‫بالطقس الشعري الــعــام‪ ،‬وفــي اآلن نفسه‬
‫يختزل العالم في عبارة تحفّز على البكاء‪،‬‬
‫بتعبير د‪ .‬إبراهيم الحجري‪" ،‬والموضوعات‬
‫النصية متعددة‪ ،‬لكنها في الغالب توحي بهذا‬
‫اإلحساس‪ :‬األثر المحزن الذي يبثه طقس‬
‫إقامة جنازة لإلنسان البراني‪ ،‬بعيدا عن‬
‫ال على‬‫وطنه‪ ،‬الــذي قد يكون مجازًا محي ً‬
‫المغترب الفعلي‪ ،‬وحينما يصدر الديوان‬
‫بهذا الــدال الرمزي الغني‪ ،‬يصبح له طعم‬
‫مــرارة خاصة‪ ،‬تختزل مساحات هائلة من‬
‫الحزن واألسى واأللم"‪.‬‬
‫وبنبرته الكئيبة‪ ،‬المتشائمة‪ ،‬يسحبنا‬
‫هــذا الــتــكــرار للفعل الــمــاضــي الناقص‬
‫عبداهلل السفر إلى أتــون عالمه الداخلي‪،‬‬
‫ومــرادفــاتــه‪ ،‬يشير إل ــى أزم ــة الــكــائــن في‬
‫فنصغي إلى نحيبه الخافت‪ ،‬المدعّ م بثراء‬
‫الــكــيــنــونــة‪ ،‬حــيــث تــتــحــول الــلــحــظــة حــدث ـاً‬
‫الصورة‪ ،‬وزخم العاطفة‪ ،‬وكثافة الموضوع‪.‬‬
‫يمضي باستمرار‪ ،‬ما يسهم في رفع وتيرة‬ ‫وعلى رغم اعتماده تقنية التداعي السّ ردي‬
‫النوستالجيا فــي الــديــوان‪ ،‬ويــع ـزّز مسافة‬ ‫الحرّ‪ ،‬إ ّال أنّ بصمته كصانع استعارات ظلّت‬
‫التوتّر بين األنا وموضوعها؛ فتكثر إشارات‬ ‫مهيمنة‪ ،‬حتى إننا نظنّ أن هذا األلم الوجودي‬
‫الحنين والوحشة والفقدان‪" ،‬كأن الزّم َن لم‬ ‫ال ــذي يعتصر األنـ ــا‪ ،‬وتـ ــدور حــولــه معظم‬
‫يكن"!‬ ‫القصائد‪ ،‬كما يقول عابد إسماعيل‪":‬ينب ُع‬
‫فــي الــقــصــيــدة الــثــانــيــة "يــخــلــون سرير‬ ‫أساساً من اللّغة التي تتضوّر وتبكي وتنتحب‪،‬‬
‫متجاوز ًة القلب المكلوم الذي يدقّ من خلف مــحـ ّبــتــهــم"‪ ،‬يــســتــعـ ّد الــمــتــكـلّــم لطقس من‬
‫الهجران الطويل‪ ،‬وتطل األشرعة الممزّقة‬ ‫الحروف"‪.‬‬
‫هذا الشعور بالال إنتماء يفتتح القصيدة على الشاطئ‪ ،‬إيذاناً بسفر غامض‪ ،‬ويتهافت‬
‫األولى "عبير النعناع"‪ ،‬ويرسم طقساً فاحماً‪ ،‬الــعــالــم بــر ّمــتــه إلــى مــراكــب مخلّعة‪ ،‬حيث‬
‫المهاجرة‪":‬ريش‬
‫ٌ‬ ‫الغياب يطرّز شغاف الروح‬ ‫يقلق طمأنينة الذات في العالم‪:‬‬
‫يحط‪ .‬يأتيه الدّمع من ك ّل‬ ‫ّ‬ ‫ـف في الهواء‪ .‬يثقلُ‪.‬‬ ‫"كـ ــان ل ـ ّل ـيـ ِـل كـثـيــرٌ م ــن الـجـمــر لـيـضــاعـ َ‬
‫يحط"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المهب الجميل‪ /‬كنا على مكان‪ .‬يثقل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الهبوب‪ /.‬كنا في‬
‫في قصيدة أخرى‪ ،‬أكثر ذاتية‪ ،‬في عنوان‬ ‫ربوة مختلسة‪ /‬كنّا نحضنُ أيامنا"‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫"المنسي في دفتره‪ ،‬وحيداً"‪ ،‬يتصاعد هذا في اللفظ وتسرف في الــداللــة واإليــحــاء‪،‬‬
‫الــشــجــن‪ ،‬وتــبــرز رغــبــة الــنــزول إلــى قيعان بــل إن اإلحــســاس بالزمن هــو مصدر آخر‬
‫الجحيم‪ ،‬ورسم صورة دامية لمصير اإلنسان لشاعريتها‪.‬‬
‫وهي بدورها مصدر ثرٌّ للحياة بحضورها‬ ‫على األرض‪":‬الهاوية تلته ُم روحكَ ‪ ،‬والصورة‬
‫مخلوع ٌة من مائها"‪ .‬هذا الدوران حول الذات‪ ،‬الكثيف في نسغ المجموعة‪ .‬األلم والجفاف‬
‫والتشرنق حولها‪ ،‬يسهم في ابتكار رومانسية‬
‫وسواهما مــن الــمــفــردات التي تقترب من‬
‫تشاؤمية ترى العالم جحيماً قوامه القحط‬
‫معناهما عنده‪ ،‬تشير بصور كبيرة إلى الصلة‬
‫واليباب‪ .‬تبكي الــذاتُ خسرانها لمركزها‪،‬‬
‫بهذا اإلحساس‪ ،‬ولكنها إشارة تح ّو ُل المفردة‬
‫وترثي األرض التي هوت عن محورها‪ ،‬أو‬
‫إلى رؤيا تشد النص إلى نفسه‪ ،‬وليس إلى‬
‫سقطت عن قرنيّ الوحش‪ ،‬وغرقت في ظالم‬
‫مجرد لحظة عابرة؛ أي أن مفردة األلم على‬
‫الخطيئة‪" :‬بــا بوصلة‪ .‬بال مرفأ‪ .‬يتركُنا‬
‫سبيل المثال ال تتموضع في النص بوصفها‬
‫الوحش"‪ .‬حتى إنّ الذات تتعرض لالنشطار‬
‫مفردة ال تتجاوز دالالتها الجملة الشعرية‪،‬‬
‫الداخلي‪ ،‬وتصبح مــطــارد ًة بالفخاخ‪ ،‬حيث‬
‫وإنما تتموضع بوصفها نسيجاً من المجازات‬
‫أمــام كـ ّل خطوة حفرة‪ ،‬وفــي كـ ّل ليل شبح‪:‬‬
‫تتلون داللتها بتلون مــســار الــنــص نفسه؛‬
‫حط قدماً‪ ،‬تناهبته الفخاخ‪ .‬واندلعت‬ ‫"كلما ّ‬
‫وبالتالي هنا ال يكون األلم تعبيراً عن مجرد‬
‫شفة الهذيان عن أشباح يخطّ ون المراسيم"‪.‬‬
‫تفجّ عات ضد مثالب الحياة وقسوتها‪ ،‬وإنما‬
‫إن األنا المغتربة‪ ،‬المفكّكة‪ ،‬المنزاحة عن‬
‫هو تعبير عن موقف ضد األلم نفسه بحيث‬
‫مركزها‪ ،‬تجد نفسها دوماً سابحة في فراغ‬
‫يتخطى به من داللة األلم الجسدي إلى ما‬
‫الالمعقول‪ ،‬طافية على سطح الوجود‪ ،‬مثل‬
‫يمكن أن نسميه بـــ"داللــة األلــم الشعري"‪.‬‬
‫قشة في مهبّ الريح‪ ،‬حيث تتفتّت الموجودات‬
‫انــظــر إل ــى نــص"تــســديــد األلـــم فــي مرمى‬
‫إلى صور غائمة‪ ،‬ضبابية‪ ،‬محكومة برحيلها‬
‫األحبة"‪ ،‬وكذلك نص"الجرة" فهما يشيران‬
‫الوشيك‪ ،‬ما يعيد إلى الذهن تلك األجواء‬
‫إلى ذلك بوضوح‪.‬‬
‫المكفهرّة لعوالم سارتر التي تتّسم بالعبث‬
‫إن ضــغــط اإلحــســاس بــالــزمــن وم ــن ثم‬ ‫والقسوة‪ ،‬حيث الكائن اإلنساني يولد في‬
‫فراغ‪ ،‬ويعي مصيره المأسوي عبر سقوطه بالحياة على اعتبار أن األول ــى هــي آلية‬
‫التدريجي في وحل الالمعنى‪ .‬هذا ما يشير الحركة للثانية ونبضها‪ ،‬ال تكف عن العمل‬
‫إليه السفر في حديثه عن بطله المهزوم‪ ،‬بطرق ثالثة جميعها تفضي إلــى شاعرية‬
‫األنفاس عبداهلل السفر في مجموعته سالفة الذكر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قــائـاً‪" :‬يفضح ُه ال ــدوار‪ ،‬تكش ُف ُه‬
‫أولــى الطرق اإلحــســاس بزمن األصــدقــاء‪،‬‬ ‫المخذولة‪ .‬تغيم الوجوه في الضباب"(‪.)١‬‬
‫ثانيها اإلحساس بزمن األمكنة والطفولة‪،‬‬
‫ويــعــد محمد الــحــرز شــاعــريــة نصوص‬
‫"جــنــازة الغريب" ال تُــمــدح مــن كونها فقط وثالثها اإلحساس بزمن تحوّالت الذات(‪.)٢‬‬
‫إن أنـ ــا شــعــريــة مــوصــولــة بــخــصــالــهــا‬ ‫تشد خيط المخيلة عالياً‪ ،‬بلغة تقتصد كثيراً‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪74‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫األونطولوجية العالية ومنذورة لزمن شعري‬
‫مستحيل لتنوجد مــورّطــة في زمــن أرضي‬
‫يقتضي منها اعتناق مواطنة أرضية صالحة‬
‫وخانعة ال ينغّص عليها قلق كياني خالّق‬
‫أو ارتجاج روحي صميم؛ مّا يصنع وجدان‬
‫األنــوات األصيلة‪ ،‬المتطلّبة‪ ،‬مواطنة يتخذ‬
‫فيها المعيش نكهة موت مقسّ ط أو باألدقّ ‪،‬‬
‫دربة على موت عن اآلخر لن يفلت ميقاته‬
‫المرصود‪ ،‬يخبط خبط عشواء في رهافة‬
‫خــزف الكينونة ويعيث فتكا فــي األب ــدان‬
‫والمهج‪ ،‬أنــا شعرية كهذه ليس من مخرج‬
‫الصلد‬‫تلتف على زمنها ّ‬ ‫أمامها‪ ،‬إذاً‪ ،‬سوى أن ّ‬
‫امتصاصا منها لسطوته‬ ‫ً‬ ‫هــذا‪ ،‬أن تــنــاوره‪،‬‬
‫وتــجـ ّبــره‪ ،‬وذلــك باستالل بــرهــات حميمة‪،‬‬
‫الصداقة الــوارفــة وتــزدهــي ببهاء‬ ‫تغمرها ّ‬
‫هبطت الذكريات‪.‬‬ ‫االستذكار‪ ،‬يؤثّتها الحلم الحبوري وتتدثّر‬
‫بشجيّ الغناء‪ ،‬تحفر في جسد اليومي‪ ،‬الذي‬
‫ن ـع ـيــد ت ــرت ـي ــب ال ـم ـش ـه ــد‪ .‬ن ــرف ــع الـقـطــع‬
‫الذّ ابلة من السنوات‬ ‫يلبس داخل هذه البرهات الخاطفة لبوسً ا‬
‫نصب زبدة المشاعر‬ ‫ّ‬ ‫نرفو ما كان مهترئا‪.‬‬ ‫كون ّيًا مستعرا‪ ،‬إذ "‪ ..‬اليومي في قصيدة‬
‫النثر (‪ )...‬يمثّل الجوهر وليس العرض (‪)...‬‬
‫ليلمع المكان‬
‫فتفيض أنواره‬‫وهو بمثابة ذلك يع ّد مدخال لقراءة الوجود‬
‫بالكامل‪ ،‬من زاوية كونه يحقّق مقاربة تقوم‬
‫‪................................‬‬
‫إبريق الشاي يوشك على النفاد‬ ‫على تحويل اليومي إلــى كوني وبالعكس"‪،‬‬
‫ســبــا بــديــلــة إل ــى الــطّ ــزاجــة‪ ،‬االعــتــفــاف‪،‬‬
‫أع ــواد الـ ّنـعـنــاع تــرتـخــي أعـنــاقـهــا فــي قعر‬
‫والمحبّة‪ ،‬المضمخّ ة بعبير نعناع مقتطف من‬
‫الكؤوس‬
‫اب ـي ـضــاض الـفـجــر يبلغنا تـعــب ال ـن ــادل‪.‬‬ ‫نضارة فردوس الدّخيلة‪ .‬ال من بوار وقحط‬
‫وفوطته تكنس‬ ‫زمــن أرض ــي‪ .‬قــد يتقنّع بقناع نــادل يدمن‬
‫محو الكينونات‪ .‬واإلعفاء على آثارها الدّالة‬
‫الرّاحلين‪.‬‬
‫عبثا نقاوم‬ ‫والجميلة‪:‬‬
‫دارت كؤوس الشاي‪ .‬طاف عبير النّعناع‪ .‬نـج ـ ّر أقــدام ـنــا‪ .‬نـعـلــم‪ ،‬يـقـيـ ًنــا‪ ،‬أنّ الـنــادل‬
‫سيكنس ما بقي‬ ‫ومن كلّ فجّ‬
‫‪75‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫مـ ّنــا ماكثا مــن أثــر ك ــؤوس الـشــاي وعبير والزّعتر‪ .." ،‬فنصوص السّ فر تتوارى خلف‬
‫النّعناع‪( .‬قصيدة "عبير النّعناع"‪ ،‬ص ‪ .)8-7‬لغة شعرية صالتها رحيمة بالمكان وثقافة‬
‫المكان والشاعر مسكون بصوت تلك اللغة‬
‫وبالمثل‪ ،‬ون ــزوالً عند مشيئة القصيدة‬
‫(‪ )...‬صورته الشعرية طافية برماد المكان(‪.)٣‬‬
‫لمكانيّتها المستهامة‪ ،‬فــإن "أن ــا" شعرية‬
‫مــن قصيدة‪" :‬هــا أنــت على المشارف"‬ ‫مجبولة على خصالها تلك لــن تــتــورّع عن‬
‫التأفّف من مكانها األرضــي الممنوح‪ ،‬من نقرأ‪:‬‬
‫تترجل في الغبار‬ ‫ّ‬ ‫مسقط رأسها الرمزي الذي ليس أكثر من مــاذا كنت تظن‪ ،‬وأنــت‬
‫صحراء مترامية‪ ،‬بياض حالك‪ ،‬من انفصاح وتدفع بقدميك في أرض تميد‪.‬‬
‫وتلغّز فــي آن مــعـاً‪ ،‬وذلــك ح ـ ّد االنصعاق‪،‬‬
‫ح ـ ـ ــراس ـ ـ ــك الـ ـ ـ ــوحـ ـ ـ ــدة وبـ ـ ـضـ ـ ـع ـ ــة وج ـ ـ ــوه‬
‫فتستعيد الــذات الكاتبة‪ ،‬من موقف التآزر‬
‫ت ـس ـت ـح ـضــرهــا م ــن ه ـم ــس ال ـ ـ ــورق بـحـبــر‬
‫مــع أنــاهــا‪ /‬قناعها الشعري‪ ،‬عين التّمثل‬
‫باهت؛‬
‫الفجائعي العتيق الذي كان أن انبثقت منه‬
‫قصائد أولئك األسالف المبهرين‪ ،‬النّيرين‪ :‬ي ـخ ـف ــى‪ ..‬ي ـت ـخ ـفــى ح ـت ــى ع ـن ــك‪ .‬أتـظـنــه‬
‫امــرؤ القيس‪ ،‬الــحــارث بــن ح ـلّــزة‪ ،‬النابغة الـعـمــر ه ــذه الـكـتـلــة ال ـتــي تــداري ـهــا وهــي‬
‫الــذبــيــانــي‪ ،‬زهــيــر بين أبــي سلمى‪ ،‬طرفة تنفش ريشها‬
‫ـصــلــت‪..‬؛ وهم ال ـ ــذاوي ال ــذاه ــب ف ــي ال ــرم ــاد واالت ـس ــاخ‪.‬‬ ‫ابــن العبد‪ ،‬أمـ ّيــة بــن أبــي الـ ّ‬
‫يموضعون الكالم الشعري موضع ندّية بإزاء سوف تعجز‪ .‬يضربك العجز‪ .‬هل نظرت‬
‫وحشة وشراسة صحراء في هول صحراء إلـ ــى الـ ـي ــدي ــن‪ ،‬شــقّ ـق ـه ـمــا س ـ ــواد ال ـت ـعــب‪.‬‬
‫شبه الجزيرة‪ ،‬أو األحفاد النّجباء‪ ،‬من أمثال س ــددتَ السهم إليهما تحمالن الحطام‬
‫الــشــاعــر اإليــطــالــي جويسيبي أونغاريتي م ــن ب ــاب ال ـع ــام إل ــى ب ــاب الـ ـع ــام‪ .‬ال ـشــرخ‬
‫(قــصــائــده فــي صــحــراء مــصــر) والــشــاعــر طويل وموجع‪.‬‬
‫الــفــرنــســي لـ ــوران غــاســبــار (قــصــائــده في تـ ـق ــف بـ ـجـ ـن ــاحـ ـي ــن ضـ ــاوي ـ ـيـ ــن وسـ ــريـ ــرة‬
‫صحراء تونس)‪ ،‬وهم يستمرئون معضالت مـشـقــوقــة؛ ن ـثــارهــا ب ـعــدد أوراق التقويم‬
‫راهــن الوجود اإلنساني وكبريات مؤرّقاته محقونة‬
‫في تراحبها وصمتها الميثولوجيين‪ .‬هكذا‬
‫بالخيبات النتظار ما عاد انتظارا سوى‬
‫تتراكب‪ ،‬في الموقف الشعري الذي يعنينا‪،‬‬
‫أنك تعوّدت على طعمه الم ّر‬
‫فالتان اثنتان‪ ،‬فالة مسقط الرأس الرمزي‬
‫وحيث انمساخ المكان وتحوّله‪ ،‬ضـ ّداً على كشايك الذي تقترفه كل صباح مخلوطا‬
‫ما تودّه له الذات كموئل للذاكرة‪ ،‬إلى مجرد بمرارة التكرار‬
‫خراب مبهرج‪ ،‬اصطناعي‪ ،‬ومرسمل تلطّ خ ومـقـعــد الــوظـيـفــة س ـتــرة األوالد ولقمة‬
‫فيه عفونة النّفط نــداوة النخل واليقطين الحياة‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪76‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ت ـت ـع ـقــل كـ ـثـ ـي ــرً ا ق ـب ــل أن ت ــرك ــل الـمـقـعــد عـلــى ط ــاول ــة ال ـم ـنــادمــة وال ـح ـكــايــة الـتــي‬
‫وت ـل ـت ـمــس هـ ـ ــواء ال ـج ـن ــون لـ ـم ــرة واحـ ــدة أزه ــرت قـبــة؛ حبستها أضــاعً ــا تقيك ما‬
‫يلي‬ ‫وحيدة‬
‫تدفع بالمتكأ وتهمس للريح أن تضمك‬
‫مــن ب ــرد يتفلت مــن ورق الـتـقــويــم ينيخ‬
‫تطويك إلى غير هذه األرض‪.‬‬
‫عليك ورقة إثر ورقة‪.‬‬
‫تـ ـق ــف‪ ..‬زادك ال ـل ـع ـث ـمــة وب ـح ــر ال ـح ـيــرة‬
‫ي ـص ـف ـعــك ب ـم ـل ـحــه أيـ ـ ــة حـ ـف ــرة ج ــدي ــدة ك ــأن أيــامــك لــم ُتــرصــد إال لليل يتنفس‬
‫ال ـ ـعـ ــراء ي ـق ـ ّل ــب ه ـ ــذا الـ ـن ــائ ــم فـ ــي ذهـ ــول‬ ‫تستضيف أيامك‪.‬‬
‫أح ـ ًّـق ــا ب ـقــي ل ــك أيـ ــام ت ـس ـت ـضــاف‪ .‬لكنها الصحوة واالنتباه؛ أنه ال يمر‪.‬‬
‫حفرة وعليك أال تستمهلها وأال تطمع‪ ..‬فــي هــذه الحلكة أنــت الــمُ ـبــدد فــي سرير‬
‫ت ـع ــرف مـهـمــا داورت وأبـ ـط ــأت الـخـطــى؛ الوحشة ال بريق ال رنين‪.‬‬
‫فالحواف الزلقة تجذبك بدبقها‬
‫ه ــو الـحـنـيــن فـحـســب ف ــي ه ــذه الـحـلـكــة‪،‬‬
‫الذي حسبته يوما العسل والبهجة وحلو‬
‫عبرتَ النهر مرة وإلى األبد‪،‬‬
‫القطاف‪.‬‬
‫كـ ـ ـ ّن ـ ــاس ال ـ ــذك ـ ــري ـ ــات ي ـت ـق ـص ــى أوراقـ ـ ـ ــك أقـمــت عند شـجــرة مسلوخة تــدعــي أنها‬
‫عمرك تنفض عليك صفرة األوراق‬ ‫بممسحة ومقص وبرميل‬
‫تتداعى لهبوب ال يستره ثوبك المشقوق‪ .‬وتهيل وجوها قضت في النسيان‪.‬‬
‫المنديل الرطب ال يجف أبدً ا من الوداع‪ .‬ه ــا أنـ ــت ع ـلــى ال ـم ـش ــارف ال تـنـتـظــر من‬
‫يدفعك‬ ‫تهزه مرات تلوح به في مرارة الهواء‬
‫ح ـ ـيـ ــث ال ـ ـ ـعـ ـ ــابـ ـ ــرون يـ ـحـ ـمـ ـل ــون شـ ـم ــوس‬
‫حفيف الورقة األخيرة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ورقةُ التقويم‪.‬‬
‫ضحكاتهم وظالل األيدي التي استرخت‬
‫النفس الفقيرة‪ .‬أُلهيةُ األمل وضجره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طوي ًال‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬
‫(‪ )١‬عابد إسماعيل‪ ،‬الشاعر السعودي عبداهلل السفر في ديوان جديد‪" .‬جنازة الغريب" بين قلق التجريب‬
‫وطمأنينة المحاكاة‪ ،‬جريدة الحياة‪ ،‬الرياض‪ 2 ،‬يوليو ‪2008‬م‪.‬‬
‫(‪ )٢‬محمد الحرز‪ ،‬جنازة الغريب‪ ..‬االرتفاع بالواقع إلى مصافي المخيلة‪ ،‬جريدة الحياة‪ ،‬الرياض‪ 5 ،‬مايو‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫(‪ )٣‬بنعيسى بوحمالة‪ ،‬نداء الهاويّة‪ ،‬مقاربة لديوان «جنازة الغريب» لعبداهلل السّ فر‪ ،‬جريدة العلم‪ ،‬الرباط‪8 ،‬‬
‫مارس ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ٌ‬
‫موضوعية على رواية‬ ‫ٌ‬
‫لمعات‬

‫النمر األبيض‬
‫ألرافيند أديغا الهندي‬
‫■ محمد منصور الهدوي*‬

‫"النمر األبيض" الرواية الهندية الحائزة على البوكر عام ‪2008‬م‪ ،‬وهي بداية‬
‫كتابات آرافيند أديغا الكاتب الهندي‪ ،‬والتي تعد بداية موفّ قة للغاية‪ ،‬وقد اختار‬
‫موقعً ا من الهند وجانبا من الحياة الواقعية التي لمسها‪ ،‬فأراد إخبارنا بما في‬
‫الهند من مجاعات وفقر وحــرمــان‪ ،‬بكلمات مستوحاة من الحقيقة تحدث عن‬
‫طبقات المجتمع‪ ،‬فمنهم مَن يعيش على هامش الحياة! ومنهم مَن ال يستطيع‬
‫توفير وجبة واحــدة ليومه؛ في المقابل‪ ،‬ثمة فئة تعيش الثراء الفاحش‪ ،‬ببطل‬
‫صبي يكافح من أجل العيش‪ ...‬فالرواية بمثابة حكايات إنسانية تكشف عن واقع‬
‫مرير وفساد مشبع بالمؤامرات‪،‬‬

‫خالل روايته الممتازة "النمر األبيض"‬ ‫الــروايــة لها طــابــع خــاص يتميز به‬
‫أو الهند في زمن التحوّالت باستمرار‬ ‫الكاتب مــن تفرد فــي الــســرد ومحاكاة‬
‫انــتــشــار الــفــســاد فــي جميع مؤسسات‬ ‫األلم عبر حروف بسيطة سلسة للقارئ‬
‫الــهــنــد؛ ف ــال ــم ــدارس والــمــســتــشــفــيــات‬ ‫وإن كان صغيرًا فحسب! وهنا أحاول أن‬
‫والشرطة واالنتخابات والصناعات وكل‬ ‫أتجاذب أطــراف الحديث نحو أبعادها‬
‫جانب من جوانب الحكومة فاسدة تمامًا!‬ ‫الموضوعية ومحاورها المركزية كما‬
‫فــي حــيــن أن مــمــارســات مــثــل الــرشــوة‬ ‫يأتي‪:‬‬
‫واالحتيال شائعة تمامًا‪ .‬نهج بالرام في‬
‫هذه الحقيقة ينطوي إلى حد كبير على‬ ‫‏البرطلة في الهند‬
‫دعابة ساخرة للغاية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هناك‬ ‫يعرض أرافيند أديغا طوال سرد بالرام‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪78‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫الــحــراك االجتماعي في التسلسل الهرمي‬ ‫عنصر قبيح إلى قوس شخصيته‪ .‬من أجل‬
‫االجتماعي الجديد في الهند‪ .‬بعد أن عثر‬ ‫الهروب من "الظالم" والدخول في "النور"‪،‬‬
‫على فيجاي مــن الطفولة‪ ،‬يعترف بــالــرام‬ ‫يجب أن يصبح بالرام نفسه جــزءًا من هذا‬
‫بإمكانية التحرك صعودًا في العالم‪ ،‬ولكن‬ ‫النظام؛ ومن ثَمَّ‪ ،‬فإن فوزه مرموق‪ .‬في حين‬
‫عليه أن يــواجــه واق ــع هــذه الــحــركــة طــوال‬ ‫أنه نجح في رفع وضعه االجتماعي‪ ،‬فإنه ما‬
‫قصته‪ .‬واحدة من القضايا الكبيرة هي كيف‬ ‫يزال يعيش في بلد مشلول بالفساد؛ ما يحول‬
‫تغير النظام االجتماعي في الهند‪ .‬في ظل‬ ‫دون حــدوث تقدم حقيقي‪ .‬يبدو أن نقطة‬
‫نظام الطبقات‪ ،‬مصير الناس كــان محدداً‬ ‫أديغا النهائية هي أن الفساد يولّد بالضرورة‬
‫سلفا‪ ،‬لكنها كانت سعيدة‪ ،‬معتقدين أنها‬ ‫الفساد‪ ،‬إال إذا كان هناك ثورة أكبر تستعيد‬
‫تنتمي إلى مكان ما‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الهيكل‬ ‫المجتمع‪.‬‬
‫االجتماعي الجديد يعد بإمكانية الحراك‬ ‫العولمة أو الوافدين األجانب‬
‫االجتماعي‪ ،‬ولكنه في الواقع ال يقدم سوى‬
‫الهند التي وصفها بالرام في خضم تحول‬
‫قسمين اجتماعيين‪ :‬األغــنــيــاء والــفــقــراء‪.‬‬
‫كبير‪ ،‬بشرت جزئيا من قبل ظهور العولمة‪.‬‬
‫ويحتفظ الفقراء في حالة أبدية من الخضوع‬
‫وتجد الهند نفسها على مفترق طرق التطورات‬
‫والعبودية لألغنياء من قبل اآللية التي دعاها‬
‫في ميادين التكنولوجيا واالستعانة بمصادر‬
‫بالرام ب "الديك التعاون"‪ .‬ومع ذلــك‪ ،‬فهي‬
‫خارجية‪ ،‬حيث تتكيف البالد لتلبية احتياجات‬
‫اآلن أكثر سعادة؛ ألن هناك إمكانية للحراك‬
‫االقتصاد العالمي‪ .‬يعترف بالرام ويأمل في‬
‫االجتماعي التي ما تزال مع ذلك من متناول‬ ‫ركوب هذه الموجة من المستقبل مع شركته‬
‫أيديهم‪ .‬يجد بالرام في نهاية المطاف وسيلة‬ ‫البيضاء النمر سائقي تكنولوجيا األعمال‬
‫للكسر من كوب الديك‪ ،‬لكنه يتطلب منه أن‬ ‫فــي بنغالور‪ ،‬ولكن هــذه الــقــوة مــن العولمة‬
‫يطعن في أخالقه وشخصيته ‪ -‬عليه أن يقتل‬ ‫لديها عنصر أغمق بالنسبة له أيضا‪ .‬فهو‬
‫سيده ويخون عائلته‪ .‬إن الحراك االجتماعي‬ ‫يهدد ويحرم أولئك الذين يلتزمون بالطريقة‬
‫هو شبح يتم القبض عليه فقط من خالل‬ ‫التقليدية للحياة‪ ،‬مثل أسرته في الكسمانغاره‪.‬‬
‫هذه الوسائل الصعبة‪ ،‬هو تعليق على الواقع‬ ‫وبالتالي‪ ،‬يجب عليه تغيير مَن هو من أجل‬
‫المؤسف لعالم يبنى أكثر على القيود من‬ ‫المنافسة في هذا العالم الجديد‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫اإلمكانية‪.‬‬ ‫يستحضر أديغا بشكل واضح التوتر بين الهند‬
‫القديمة والجديدة؛ ما يشير إلى أن النجاح‬
‫الهوية‬
‫في هذا العالم (كما فعل بالرام) يتطلب موجة‬
‫النمر األبيض هو إلى حد كبير قصة من‬ ‫من التنازالت األخالقية والشخصية‪.‬‬
‫األزياء الذاتية‪ ،‬كما تمر بالرام رحلة تحويلية‬
‫لبناء هويته الــخــاصــة‪ .‬مستوحاة مــن بطل‬ ‫الحراك االجتماعي‬
‫يناقش بالرام في كثير من األحيان قضايا طفولته‪ ،‬فيجاي‪ ،‬الذي ارتفع أيضا من خلفية‬
‫‪79‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫متواضعة لتحقيق النجاح في المستويات‬
‫العليا من المجتمع الهندي‪ ،‬بلر يكرس نفسه‬
‫لتحسين الــذات‪ ،‬لدرجة أنــه على استعداد‬
‫لتدمير ال ــذي كــان مــرة واحـ ــدة‪ .‬وهــو يرى‬
‫الهوية كسوائل وقابلة لالرتداء‪ ،‬وهي حقيقة‬
‫موضحة مــن خــال العديد مــن التغييرات‬
‫التي يستخدمها في جميع أنحاء القصة‪ .‬في‬
‫نهاية المطاف‪ ،‬حتى أنه يختار هوية جديدة‬
‫لنفسه في التقليد من سيده‪ ،‬ودعــا نفسه‬
‫أشوك شارما‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الرواية مليئة‬
‫بالسخرية المذهلة التي تكشف عن أن بالرام‬
‫ال يمكن أن ينكر تماما الشخص الــذي كان‬
‫في السابق‪ .‬وهو ما يزال مليئا بالذنب الذي‬
‫لم يتم حله والخرافات اإلقليمية‪ ،‬يذكرنا بأنه‬
‫يعتقد نفسه ليكون فــوق القيود األخالقية‬
‫في حين أن الهوية قد تكون مائعة تماما‪،‬‬
‫والقانونية للمجتمع‪ .‬أديغا يطرح سؤاال من‬
‫فإنها أيضا غير منقولة تماما أيضا‪.‬‬
‫خالل بالرام‪ :‬هل نلوم المجرم على قراراته‪،‬‬
‫أو أننا نحاول أن نفهم تلك القرارات كردود‬ ‫األخالقيات‬
‫فــي نهاية الــمــطــاف‪ ،‬النمر األبــيــض هو فعل على مجتمع قمعي وتقييد مفرط؟ على‬
‫حكاية عن األخالق؛ ما يشير إلى أن األخالق افتراض أن القارئ ليس لديه إجابة نهائية‪،‬‬
‫يمكن النظر إليها إما جامدة أو مرنة‪ .‬تحتضن يقترح أديغا أن األخالق هو مفهوم السوائل‬
‫بالرام في نهاية المطاف الخيار األخير‪ .‬من وغير المثبتة‪.‬‬
‫أجــل تبرير قتل أشــوك والمخاطرة بحياة‬
‫أزواج وثنائيات‬
‫عائلته‪ ،‬يطور بالرام نظاما أخالقيًا بديال‪.‬‬
‫الــنــمــر األبــيــض يــزخــر بــحــاالت األزواج‬ ‫وهو يفسر أن المال الذي يسرقه من أشوك‬
‫هو حقه‪ ،‬ألن الخدم يستغلهم األغنياء‪ ،‬ويقنع المزدوجة والثنائيات‪ ،‬كل منها يقابل نصف‬
‫نفسه من استثنائيته باسم "النمر األبيض" من االنــقــســام الــمــركــزي‪ :‬نصف الهند الغنية‬
‫أجل ترشيد قراراته‪ .‬االعتقاد أنه هو الوحيد والفقيرة‪ .‬بالرام يطرح الهند كما كسر إلى‬
‫الذي استيقظ حقا إلى حقيقة "روسر كوب"‪ ،‬قسمين‪" ،‬الظالم" و"النور"‪ .‬ومن أمثلة األزواج‬
‫وقــال إنه يشعر مضطرًا لتغيير حياته‪ .‬في التوأمة من كل من هذين النصفين‪" :‬الرجال‬
‫هذا المعنى‪ ،‬أصبح بالرام نسخة من نيتشه ذوو البطون الصغيرة" و"الرجال ذوو البطون‬
‫"أوبيرمنشش"‪ ،‬أو اإلفراط في الرجل‪ ،‬الذي الكبيرة"؛ المستشفى الذي يموت فيه والد‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪80‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بالرام ومستشفى المدينة الذي زاره اللقلق؛ الحالة األخيرة وجد السلطة لتكون ممثلة للـ‬
‫عاهرة شقراء جميلة زارها أشوك والقبيح‪" ،‬ضوء" أكثر حظا‪.‬‬
‫عاهرة شقراء "فو" التي استأجرها بالرام؛‬
‫األسرة‬
‫والمبنى السكني في دلهي وأربابها أربــاع‬
‫األسرة الهندية الممتدة تلعب دورًا مهما‬ ‫أدناه؛ وإصدارين من جميع األسواق في الهند‬
‫(واحد لألغنياء‪ ،‬وأصغر طبق األصل للخدم)‪ .‬بشكل ال يصدق في الطريقة التقليدية للحياة‬
‫أهم هذه األزواج التوائم هي‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬في الظالم‪ .‬األسرة هي الوحدة االجتماعية‬
‫أشــوك وبــالــرام أنفسهم‪ .‬تقول إ ّن بــالــرام‪ ،‬األس ــاس؛ لــذلــك‪ ،‬مــن المتوقع أن يتصرف‬
‫جميع أعضائها مــع التفاني نــكــران الــذات‬
‫الراوي‪ ،‬ينظر إلى العالم على أنه منقسم إلى‬
‫لمصالحها‪ .‬على الرغم من أن الفقراء ينظرون‬
‫نصفين‪ .‬وهو يكشف إلى أي مدى أدى القمع‬
‫ظاهريًا إلى هذا البناء بوصفه قوة‪ ،‬ويأتي‬
‫إلى تدمير رؤيته للعالم‪.‬‬
‫بالرام فيرى أنها طريقة أخــرى من خاللها‬
‫وهناك وسيلة أخرى تستكشف أديغا هذا يتم احتفاظ الفقراء في "الديك التعاون"‪.‬‬
‫الموضوع مــن خــال مــرآة الــرؤيــة الخلفية أوال‪ ،‬توقعات األسرة فرض القيود التي يمكن‬
‫الرمزية‪ ،‬التي تضاعف كل شيء من خالل أن تلغي الطموح الفردي (كما يفعلون تقريبا‬
‫انعكاس‪ ،‬وبالتالي تعمل كقناة للمواجهة بين مع بالرام)‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬بما أن عصيان‬
‫أشــوك وبالرام‪ .‬هذه الصورة بالذات تشير العبيد ي ــزور عــائــلــتــه‪ ،‬ف ــإن الــخــدم يظلون‬
‫إلى أن الهوية يمكن نقلها عبر االنقسام ‪ -‬محاصرين بأهواء أسيادهم؛ ويصبح التنقل‬
‫يمكن للمرء أن ينتقل من منطقة إلى أخرى‪ .‬االجتماعي مستحيال‪ .‬من أجل تحرير الحياة‬
‫وهــنــاك ح ــاالت أخ ــرى مــن االزدواج ــي ــة في والعيش‪ ،‬حياة رجل أعمال ناجح في بنغالور‪،‬‬
‫النص تسلط الضوء على مدى تحول بالرام؛ وهي مدينة تمثل الهند الجديدة‪ ،‬يجب على‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬فإن حادثين من السيارات بالرام التضحية بعائلته‪ .‬ويبدو أن هذه العبارة‬
‫(ضرب بينكي مدام ووفــاة طفل عند ركوب تشير إلى أنه من أجل أن تزدهر في العالم‬
‫الدراجات) تثبت فقط أنه آن األوان ليصبح الحديث وتقبُّل إمكانات الهند الجديدة‪ ،‬يجب‬
‫"بالرام" رجل أعمال ناجح‪ .‬وكان بالرام مرة التخلي عن هذا االرتباط التقليدي باألسرة‬
‫واحدة بيدق في اللعبة‪ ،‬في حين أنه في هذه لصالح التركيز الجديد على الفردية!‬
‫* ‪.‬‬
‫(‪ )١‬أرافيند أديغا ‪ :Aravind Adiga‬روائي هندي ولد في مدراس عام ‪1974‬م‪ ،‬ونشأ في مانغالور في جنوبي‬
‫الهند‪ ،‬ثم تلقى تعليما جامعيًا مرموقًا في جامعة كولومبيا األمريكية‪ ،‬وواصل بعدها تعليمه في كلية‬
‫ماكدالين ‪ Magdalen‬في جامعة أكسفورد البريطانية‪ .‬يكتب مقاالت تظهر على نحو منتظم في النيويورك‬
‫والصنداي تايمز والفاينانشيال تايمز‪ .‬وحازت روايته األولى «النمر األبيض» على جائزة المان بوكر عام‬
‫‪2008‬م‪ ،‬ونشرت روايته الثانية «بين االغتياالت" عام ‪2008‬م‪ ،‬ثم نشرت روايته الثالثة» الرجل األخير في‬
‫البرج" ‪ Last Man in Tower‬عام ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الهجرة‬
‫■ حليمة الفرجي*‬

‫أخبرتني أُمّ ي ذات مساء أنَّ هناك امرأة فارعة الطول تقطن شمال هذا العالم‬
‫تسحر الرجال‪ ،‬تسرقهم من بيوتهم‪ ،‬أخبرتني أن تلك السيدة تملك قلب ًا كالبوصلة‬
‫ذات األصبع الوحيد‪ ،‬يشير دائم ًا إلى الشمال‪ ،‬حيث الحياة والربيع الدائم‪.‬‬
‫نسمع دائم ًا أنَّ هناك بيوت ًا مرتفعة ذات ساللم كهربائية‪ ،‬وأن ــوار ًا ال تنطفئ‪،‬‬
‫فالليل في المدن يصبح نهار ًا بفضلها‪.‬‬

‫كان السفر هو الحلم لجميع اآلباء‪ ،‬تلك الــمــرأة الــتــي حكت لــي عنها قد‬
‫والـــخـــوف ال ـ ــذي يــشــتــعــل ف ــي قــلــوب سرقت أبي بينما كنت نائماً‪..‬‬
‫األمهات‪.‬‬
‫هــا قــد رحــل أب ــي‪ ..‬إذاً‪ ،‬رحــل ولم‬
‫أبي وأمي لم يكونا سعيدين كأغلب يقبِّلنِ كالعادة عند خروجه ولم يودعنِ ‪.‬‬
‫فقراء هذا العالم‪.‬‬
‫اكــتــفــت أم ــي بالصمت وكــفــت عن‬
‫كــنــت أتــنــصــت عــلــى شــجــارهــمــا كل الشجار‪.‬‬
‫مساء‪ ،‬تبكي أمي كثيراً في الليل وعند‬
‫مضت األيام تلو األيام ؛ انقطعت كل‬
‫الفجر تنهض خائرة الــقــوى‪ ،‬مسلوبة‬
‫األخبار التي تأتي من الشمال‪.‬‬
‫اإلرادة‪ ،‬مثقلة الجفن‪.‬‬
‫تخبئ أمــي مشطاً تحت وسادتها‬
‫وكــأغــلــب نــســاء الــقــرى الــفــقــيــرات‬
‫وصورة قديمة‪ ،‬كنت أغافلها كل صباح‬
‫أصــبــحــت أمـــي تــعــيــســة‪ ،‬فــقــد كــثــرت‬
‫ألق ـ ِّبــل تــلــك الــصــورة وأعــيــدهــا تحت‬
‫شكواها ودموعها أيضاً‪ .‬فالمرأة في‬
‫وسادتها ثانية‪.‬‬
‫كل بقاع األرض ال تكثر الشكوى إال إذا‬
‫سنون كثيرة مضت‪..‬‬ ‫سُ لبت الحب‪.‬‬
‫بعض اآلبــاء عــادوا وبعضهم أرسل‬ ‫ـارد أخبرتني أمــي أن‬
‫صباح بـ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪82‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫النساء رحيل قريب‪.‬‬ ‫ألسرته فلحقت به‪.‬‬
‫مضت األعــوام تلو األعــوام والشمال ال‬ ‫صديقي مسعود أخبرني هــذا الصباح‬
‫ونحن فــي طريقنا للمدرسة أن أبــاه عاد يشرق عن مقدم غائب أبــداً‪ ،‬وحتى طيور‬
‫في الليل‪ ،‬وكان يحمل معه الحلوى ومالبس السماء العائدة ألعشاشها آثــرت الصمت‬
‫كثيرة‪ ،‬وحل ّياً تتزين بها أمه‪ ،‬عاد وقد أبيض‬
‫المحمل بالخيبات‪..‬‬
‫وجهه وأصبح يرتدي بدلة وحذاء مثل تلك‬
‫مضت األعوام‪ ،‬كبرت جداً‪..‬‬ ‫التي يرتديها طبيب المركز‪ ،‬أخبرني أيضاً‬
‫علمت هذا عندما صغر حذائي وقميصي‬ ‫أن أمه قد اغتسلت أخيراً ومشطت شعرها‬
‫واكتحلت‪.‬‬
‫الــوحــيــد‪ ،‬وبــدت سيقاني أكثر رشــاقــة من‬
‫تمنيت أن يعود أبي ليس من أجل الحلوى طرف بنطالي‪ ،‬كبرت وكبر عقلي وأدركــت‬
‫فقط‪.‬‬
‫حينها ل َم كان الشمال يسلب رجالنا ويترك‬
‫نساءنا أرامل وأزواجهن أحياء‪.‬‬ ‫‏‪ -‬أمي‪ِ :‬ل َم ال يعود أبي؟‬

‫أدركت أنه كلما توغلت جنوباً تجد بيوتاً‬ ‫تبك هــذه الــمــرة‪ ،‬رغم‬
‫نظرت إلــيّ ولــم ِ‬
‫انكسار األنثى والكثير من الخيبة التي كانت‬
‫تمتلئ بالكثير من الفقر‪ ،‬وتصير النساء أكثر‪.‬‬
‫بداخلها‪..‬‬
‫رجالنا ال يخونون نساءهم ولكن الفقر هنا‬
‫‪ -‬لن يعود‪ ،‬كنت أدرك هذا عندما عزم‬
‫يخون الجميع‪ ،‬ويجبر الرجال على السفر‬ ‫على الذهاب‪.‬‬
‫بعيداً لــشــراء ضحكات أطفالهم وأس ــاور‬
‫‏ثم رفعت بصرها لألعلى حيث يختفي‬
‫نسائهم‪..‬‬
‫سرب الطيور المهاجرة‪ :‬تلك لن تدعه يعود‪.‬‬
‫أدركت أن الحياة شجرة‪ ،‬تنبت جنوباً ولها‬ ‫كانت أمي تشير كثيراً في حديثها إلى‬
‫(تلك) المجهولة التي تسرق اآلباء وال تسمح فروع طويلة عاقّة‪ ،‬عاقّة جداً‪ ..‬دائماً ما تنمو‬
‫وتمتد شماالً فتبنى بها البيوت والمصانع‬ ‫لهم بالعودة‪.‬‬
‫‏ولكني لم أعِ ما تقصده تماماً وظلت تلك التي تأخذ منا رجالنا‪.‬‬
‫هنا فقط‪ ..‬كلما توغلتَ جنوباً ستجد‬ ‫المجهولة تلقي بظلها األسود علينا دائماً‪.‬‬
‫ذات صباح لم تفق أمي‪ ..‬فقد رحلت هي ال ــدفء‪ ،‬بعيداً عن صقيع الغربة‪ ،‬ولكنك‬
‫أيضاً وإن بقيت آثار دمعتها‪ ،‬مشطها وصورة حتماً ستجد نساء يفضلن الــمــوت جوعاً‬
‫على أ ّال تشاركهن أخرى أزواجهن وضحكات‬ ‫أبي‪.‬‬
‫كنت أدرك أنــهــا ســتــرحــل‪ ،‬فــإن صمت أطفالهن‪.‬‬
‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ورقة‬
‫■ حنان بيروتي*‬

‫ـك أن تكون فــي هــذه المكان؟ أنــت؟ مــا الــذي جــاء بــك إلــى هنا؟‬‫ال يفترض بـ َ‬
‫حي أم ميت؟ أال تعرف؟ أال يمكنك المساعدة؟ كيف‬ ‫أأنت ٌّ‬
‫هذا المكان ليس لك‪ّ ،‬‬
‫شخص‬
‫ٌ‬ ‫ال تـعــرف َمــن ال ــذي يـعــرف‪ ،‬إذاً؟ مــن ال ـنــوادر طيلة إقامتي هنا أن يــأتــي‬
‫بالخطأ أو بالمصادفة إلــى هــذا المكان‪ ،‬مكان لمن سيموتون قريبًا وهــم على‬
‫القائمة األخيرة التي أُعدت لهذه الغاية‪ ،‬كيف؟ كما ترى هم ال يعرفون بعضهم‪،‬‬
‫لغات مختلفةً ‪ ،‬ويقيمون في أماكن بعيدة ويتفاوتون في‬ ‫على األغلب يتحدثون ٍ‬
‫األعـمــار‪ ،‬أكيد الموت ال يفرِّق بين صغير وكبير‪ ،‬هم ال يعرفون بالضرورة أنّهم‬
‫سيموتون قريبا جدً ا وأنّهم في القائمة النهائية‪.‬‬

‫ربما يأتي األمر لهم كخاطر أو فكرة‪ ،‬لــغــايــة أخــــرى‪ ..‬ربــمــا الس ــت ــدرار عطف‬
‫لكنهم يستبعدونها سريعا ويُقصونها اآلخر‪ ،‬أو لقراءة وقع الكلمة عليه أو على‬
‫عن مرمى التصديق وإمكانية الحدوث أنفسنا‪ ،‬أو‪ ..‬احتماالت عديدة كلها تعني‬
‫الوشيك؛ فالموتُ أم ٌر بعي ٌد يحدث لآلخرين زيف الكلمة غير الصادقة‪ ،‬لنا نحن وحدنا‬
‫تحس بزيف‬ ‫ّ‬ ‫فقط‪ .‬نجمعهم في الحلم أو نسرقهم من مقياس صدقها من كذبه‪ ،‬أال‬
‫صحوتهم فــي الحياة‪ ،‬نسرق انتباههم الكلمات التي تقال أحيانًا؟ الناس تزيّف‬
‫فيهيمون للحظات هي كافية لالجتماع البضائع واالبتسامات والمالمح! وتركّب‬
‫هنا؛ الوقت يختلف‪ ..‬يشبه المطاط الذي الشّ عر‪ ،‬تستعيره من الموتى ومن الفقراء‬
‫يمكنك ذهنيًا التحكم به‪ ،‬ليس كما يُشاع‬
‫األحــيــاء‪ ،‬وتــبــدل لــون العيون واألســنــان‬
‫لكم فقط أنَّ السعادة تشعرك بقصره‬
‫وتنفخ الخدود والشفاه واألرداف‪ ..‬حتى‬
‫والــحــزن يجعله يبدو طويال‪ ،‬يتصرفون‬
‫المشاعر يمكن تقليدها ومحاكاتها طبق‬
‫كأنّهم في بيتهم بأريحية‪ ،‬هل مررت بحالة‬
‫األصل‪ ..‬طبق األصل!‬
‫مشابهة؟ ال يمكن‪ ،‬وحــده َمــن سيموت‬
‫بصعوبة أفتح عينيّ ‪ ،‬رائــحــة القهوة‬ ‫قريبًا يمكنه ذلك تهيئة لخوض التجربة‪،‬‬
‫لهذا تسمع مَن يقول إنه يحس بأ ّن نهايته تزكم أنفي‪ ،‬وصوت زوجتي ماجدة‪ ،‬أنتشل‬
‫قريبة‪ ،‬بعضها زائف‪ ..‬الزيف يأتي عندما نفسي من النعاس‪ ،‬كنتُ أحلم لكني ال‬
‫ال نصدق الكلمة التي ننط ُق بها‪ ،‬ننطقها أتــذكــر‪ ،‬كــان ثمة صــوت يسألني عني‪..‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪84‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫ومتى؟ قبل أن‪ ...‬وقبل‪...‬‬ ‫ماذا أفعل هنا و‪ ..‬طبق األصل‪.‬‬
‫عليّ الكثير من األمــور المعلقة واألحــام‬ ‫‏تمتصني تفاصي ُل اليوم ويضي ُع الحلم بين‬
‫تالفيف الذّاكرة‪ ،‬نحتاج أحيانًا للحظة صفاء قيد االنتظار‪ ،‬ما أوسع األحالم وأضيق الحياة‪،‬‬
‫نبض خوفها‪ ،‬الحياة قصيرة يا صاحبي!‬ ‫نجلس فيها مع أنفسنا ونتذوق َ‬
‫أقــولــهــا وكــأنــي أص ــدق األح ـ ــام‪َ ..‬م ــن ال‬ ‫ربما كــان عليّ تــدويــن مــفــردات مــا رأيـتُــه أو‬
‫تفاصيل صغيرة حتى وإن كانت غير مترابطة يصدقها؟‬
‫كما يظهر للوهلة األولـ ــى‪ ،‬لكن التفاصيل‬
‫‏رحلت "سارة" بعد فترة قصيرة‪ ،‬كان موتُها‬
‫المهمشة تج ّر لتفاصيل أكثر وترسم المشهد‬
‫مفاجئا رغم أنها مرضت ألسبوع قبله‪ ،‬وأ ُجريت‬
‫بلحظة واحــدة‪ ،‬كمشهد مكان الجتماع‪ ..‬أيّ‬
‫لها الفحوصات‪ ..‬لكن كأنما كانت األعــراض‬
‫اجتماع؟‬
‫تتوارى عن أعين األطــبــاء‪ ،‬فلم يكتشف أح ٌد‬
‫‏كنا نقف في المقبرة في زيارة قبور الموتى منهم ما كانت تعانيه من مشكلة خطيرة في‬
‫وقت العيد‪ ،‬تلك الزيارة ال يمكنني نسيانها؛ القلب‪ ،‬ماتت في صبيحة كئيبة وهــي تشرب‬
‫كانت "ســارة" وهي إحدى قريباتي تقف قرب قهوة الصباح‪ ،‬وتتحدث بفرح كأنما تخطط‬
‫قبر أخيها وتتحدث عندما قطعت كلماتها فجأة لنهارها‪ ،‬بلحظات أصابتها الجلطة الماحقة‪،‬‬
‫ووجهتْ نظرها إلى السماء‪ ،‬وبدت مالمحها ربــمــا هــي ذاتــهــا لــم تــصــدق خبر موتها غير‬
‫تلك اللحظات مثل التائهة‪ ،‬كأنّما تنظر لشيء المتوقع‪ ،‬هل كان االجتماع قصيرًا جدًا‪ ،‬لماذا‬
‫مجهول‪ ،‬سألت‪ :‬أنا لم تفهم؟ لكن مَن منا يفهم ويصدق الموت‪ ،‬مَن؟‬ ‫ً‬ ‫بعيد غامض أو تتبع ندا ًء‬
‫تداعيات الحلم ما تــزال تطاردني تزعج‬ ‫تهت‪ ،‬أين نحن؟!‬
‫تلك اللحظات ربما التي سُ رقت فيها من رقدتي وصحوتي‪ ،‬تنقر سكينتي مثل عصفور‬
‫الواقع ليتم إخبارها أو إشعارها بأنّها ستموت جائع‪ ،‬وجوعي ال يهدأ للسكون‪ ،‬ليتني أرتاح من‬
‫قريبًا‪ ،‬وأ ّن قبرها على بعد خطوتين من المكان ك ِّل ذلك حتى لو كان الموت‪..‬‬
‫***‬ ‫الذي تقف فيه اآلن‪.‬‬

‫وزوجته "ماجدة" تعيد ترتيب الفراش بعد‬ ‫لو خطر لها أن تمشي تلك اللحظة خطوتين‬
‫لوقفتْ فو َق قبرها الحالي‪ ،‬كأنّها إشارة تومض الدفن بيومين‪ ،‬وتش ُّم رائحته على الوسادة‪،‬‬
‫عثرت على أوراق كُتب عليها‪:‬‬ ‫لها عن موتها القريب‪.‬‬
‫‏"ال يفترض بك أن تكون في هذه المكان؟‬ ‫ما الذي جعلني أتذكرها اآلن؟ أهي تداعيات‬
‫ما حلمت به؟ يا إلهي هل سأموت قريبًا! كيف؟ أنت؟ ما الذي جاء بك إلى هنا‪..‬؟"‪.‬‬
‫* قاصة وشاعرة من األردن‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ومضات سريعة‬
‫■ سميرة الزهراني*‬

‫بغيره‪ ..‬فاشترى البيت المالصق لمنزلها‬ ‫تعاويذ‪..‬‬


‫أقام حولها تعاويذ وشراك؛ لئال يمسها وبنى ببنت عمه‪.‬‬
‫سوء‪ ،‬نسيها فقتلتها الوحدة‪.‬‬
‫حرمان‪..‬‬
‫دَ يْ ن‪..‬‬
‫اخشوشنت في وجهه الحياة‪ ،‬أذاقته‬
‫جرت لدكان العم سالم لتنقده ما تبقى‬
‫صنوف الحرمان وجرعته كؤوس الفقد‪،‬‬
‫من ثمن العلك الذي ابتاعته منه باألمس‪..‬‬
‫عبثت بقلبه الصغير فحرمته ما يتمناه‬
‫وجدته مغلقا ورجال الحي يحملون على‬
‫بل وحتى ما يحتاج إليه‪ ..‬سار حافيًا في‬ ‫أكتافهم جنازة‪.‬‬
‫الطرقات حتى أن قدمه الصغيرة تعودت‬
‫هدايا‪..‬‬
‫ذلك‪ ..‬فلم تعد تؤثر فيها نتوءات الطرق‪..‬‬
‫دخل بيتها مسرعاً في الخفاء‪ ،‬ووضع‬
‫تمنى ذات ليلة أن تمطر السماء عليه‬ ‫فــي يــدهــا إسـ ــورة؛ كتلك الــتــي يحملها‬
‫الحُ جاج هدايا من مكة لحبيباتهم‪ ..‬خرج فرحً ا وأن تثمر شجرة التفاح‪ ..‬تمنى أن‬
‫يلتقي أمــه‪ ،‬وأن يرتمي في حضنها ولو‬ ‫مسرعا كما جاء‪..‬‬
‫وفي صبيحة اجتماع العيد وجدت ذات لساعات‪ ..‬تمنى أن يهبها وريده لتعيش‪،‬‬
‫وأن يطعمها مــن شجرته التي أثمرت‪،‬‬ ‫األسورة في يد مثيالتها‪.‬‬
‫لكنها أب ــت إال الــرحــيــل‪ ،‬وظـــ َّل بعدها‬ ‫تقاليد‪..‬‬
‫أحبها رغم كل أعراف القبيلة واختالف يأكل تفاحته بيدين متسختين‪ ،‬وعينين‬
‫النسب‪ ..‬أرادها حالال له‪ ،‬لكنها تزوجت مغرورقتين‪ ،‬وباب تواربه الرياح‪.‬‬
‫* قاصة من السعودية ‪ -‬الطائف‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪86‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫قمر ‪50‬‬
‫■ محمد الرياني*‬

‫نــاداهــا تعالي! اقتربت مـنــه‪ ،‬قــال لـهــا‪ :‬اجلسي‪ .‬جلست‪ ،‬الكرسي يتسع الثنين‬
‫جــالـسـيــن‪ ،‬قــال لـهــا فــي ليلة ب ــدر‪ :‬أنــت قـمــر فــي الخمسين‪ ،‬ضحكت بـصــوت يشبه‬
‫عمرها‪ ،‬نظرت إلى السماء والقمر مستدير‪ ،‬يكاد يشق األرض إطالال‪ ،‬ضحكت من‬
‫قمر الخمسين‪ ،‬وفي ثناياها شيء من ابتسامة منتصف الشهر‪.‬‬

‫مضى الليل‪ ،‬حضر السكون بقوة‬ ‫تجاورا على الكرسي القديم يتذكران‬
‫عــمـرًا مضى‪ ،‬ســردا قصة طويلة؛ بل والهدوء يعم المكان آخر الليل‪ ،‬هدأت‬
‫رواية بدأت منذ الصغر‪.‬‬
‫حركة المقعد الخشبي‪ ،‬توقف الحديث‬
‫‏ألول مــرة‪ ،‬تشعر بإحساس غريب‪ ،‬الماتع‪ ،‬وضعت يدها على يده‪ ،‬شعرت‬
‫غزل في منتصف القرن‪ ،‬وجلوس يوحي‬
‫بــبــرودة عجيبة‪ ،‬وضــعــت رأســهــا على‬
‫بشيء ما‪ ،‬بات يحدثها عن كل شيء‪،‬‬
‫صدره لتستمع إلى دقات قلبه‪ ،‬عرفت‬
‫عن الحياة‪ ،‬وعن الجمال‪ ،‬وعن الدار‬
‫التي احتضنت قمرين تحت طل القمر‪ .‬أن النبض توقف عن الحديث‪ ،‬نزعت‬
‫كانت تتأمله وتتعجب من الكالم البديع‪ ،‬خــمــارهــا‪ ،‬هــمــرت بقية دمــوعــهــا على‬
‫تضحك تــارة‪ ،‬وتبكي في داخلها تارة صـــدره‪ ،‬ذهــب القمر الــعــلــوي باتجاه‬
‫أخرى‪ ،‬وتمسح بطرف خمارها عندما الغروب‪ ،‬لن تجد مَن يقول لها بعد تلك‬
‫تخشى أن تفضحها دموعها‪ ،‬لم ترد‬
‫الليلة‪:‬‬
‫على حديثه بحديث‪ ،‬اكتفت بالفرجة‬
‫يا قمر الخمسين‪.‬‬ ‫واالستماع‪.‬‬
‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ُ‬
‫ميراث المؤمنين!‬ ‫العصا‪..‬‬
‫َ‬
‫‪ρρ‬فهد أبو حميد*‬
‫ـات ع ـ ـ ـلـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ِـم مَ ـ ـ ـح ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـاك رواي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫ـص ـ ـ ـ ـ َ‬
‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫إذا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ال ـ ـ ـ ِّت ـ ـ ـل ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــذُ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ َزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ و َل ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫أي رِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬
‫ـش بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا! وال ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ّ‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ـرح مـ ـ ـص ـ ــقُ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ات ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ِ‬ ‫َت ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـشـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ ُ‬
‫ـاس شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫وأي اج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازٍ لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ّ‬
‫ـات مَ ـ ـ ـسـ ـ ـح ـ ــول ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ــه‬ ‫ـف ال ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا َو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت األف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً! وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ل ــي‬
‫حَ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ٌـث حَ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ُـث ال ـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ ِـك م ـ ـ ـ ــا ِصـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َغ لِ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــدُّ و َلـ ـ ـ ــه‬
‫وأذْهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ًا ِح ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــرُ عَ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ــيَّ ! هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ رأوا‬
‫َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ َة أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ــارٍ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوِ مَ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫وسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوٌ هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوا ُه َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذُ َر َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬
‫وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــورةٍ َتـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــدو مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب مَ ـ ـ ـع ـ ـ ـقـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاس! ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ ص ـ ـ ـ ـ ـ ــورتـ ـ ــي!‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـ ــا َذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٌـح ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــنَّ الـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاط ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌّـي بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ الـ ـ ـ ـ ــدِّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ و ُر َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونُ دمـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم الـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِـب مَ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ُلـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـك ال ـ ـ ـ ِّتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــذُ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ َدفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــري‬
‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫رِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًال عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــى ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّر الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ِـديـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــدو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو أنَّ (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ اللَ ) ذَريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ‬
‫ـاجـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـل) مَ ـ ـ ـ ــوصـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ــه‬ ‫ـوالت (الـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـك وجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫إلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـاجـ ـ ـ ـ ٍـد‬
‫ـك فـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ٍـل ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ مـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ٌة ِع ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ِـح مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪88‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫ـرغ ـ ـ ـ ــي ِمـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ــدُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ؤى‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــلُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيُ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــوةٍ َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّت ـ ـ ـ ـ ــراتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـل ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬
‫ـات الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزاءِ َره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ‬
‫َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنَّ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ِ‬
‫ـاط ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن مَ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ُلـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ وأج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا َم الـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ِ‬
‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ ي ولـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ِحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬
‫وح مَ ـ ـ ـخـ ـ ــذو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ْـت إلـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ِ‬ ‫َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ُتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا أف ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَا َوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ــي ِظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ــا وهَ ـ ـ ــواجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي‬
‫ـات مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــزو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـان ال ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ُبـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــودٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ــي‬‫ـاك! و َت ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــدو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٍـد مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫َص ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ك ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــارٍ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ مـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـك إال قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــد ًة‬ ‫حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ َك َلـ ـ ـ ـ ـ ــم َيـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـظ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـاذخ ال ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــرِ مَ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫عَ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى نَـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــةٍ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوَزتَ لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرد ًا ولـ ـ ـلـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ــا‬
‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــامٌ ي ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ ال ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ُـب ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ َيـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــو َلـ ـ ــه‬

‫طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ بـ ـ ـ ـ ِـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ــى أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقَ ُش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ‬
‫بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ـ ــوب ـ ـ ـ ـ ــي وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ــاألعـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـب أمـ ـ ـ ــثُ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـاك!! ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ــا ُر الـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـف َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــل رأى‬
‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـارات مَ ـ ـ ـك ـ ـ ـفـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ح ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ــوظ ـ ـ ـ ـ ًا عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى َن ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـل اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ذاك الـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ ؟! قـ ـ ـ ـ ــد اس ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـوَى‬
‫َف ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َ‬
‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب حـ ـ ـ ـت ـ ـ ــى َر َّد لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب مَ ـ ـ ــدل ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـاط ـ ـ ـ ــرِ ي‬ ‫وأ َّذ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ! ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلل! جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـا ِت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـاب واألذانُ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـاك رِ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫ـصـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـس مَ ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫وص ـ ـ ـ ــو ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـ ـ ــا ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَمُ الـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫‪89‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ـاض َصـ ـ ـ ـ ـ ــداقـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬
‫ـك! مـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس؟ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫و َرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ت ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ الـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـم مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـك َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أزَلْ‬
‫ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫أراك! وروحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬
‫َ‬
‫ـك اآلنَ سـ ـ ـ ــاكـ ـ ـ ـ ٌـن!‬
‫حـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدُ َك ِطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــلٌ ! ِجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـأل َق ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه!‬
‫وجَ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٍـف! وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـراش َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬
‫ـاك هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا! قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــربَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـك ي ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ َـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ًا ع ـ ـ ـلـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّرف ـ ـ ـ ـ ـ ِـق مَ ـ ـ ـجـ ـ ـب ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـاجـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ‬
‫ُتـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ِ‬
‫أفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ‪ ..‬إنَّ َض ـ ـ ـي ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ الـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــابَ ب ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا‬
‫ـأن حَ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه!‬
‫ـس فـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـك أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى! لـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ‬
‫َفـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ــا ُب ـ ـ ـ ـ َ‬

‫ـك إنـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـمـ ـ ــا‬


‫وح ـ ـ ـ ـ ـ ــا َول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت! َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ ُـت ُس ـ ـ ـ ـ ــؤال ـ ـ ـ ـ ــي َم ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــرِ بَ الـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِـس أحـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬
‫َن ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـأش الـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــارِ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـدت بـ ـ ـ ـِـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ر َ‬
‫وُ ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومُ أب ـ ـ ـ ـ ـ ــي َر ّداً! فـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــم أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ــم ُط ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ـضـ ـ ـ ــى فـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــوكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب ال ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــقِّ ! إ َّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقٍّ ي ـ ـ ـ ـ ـُ ـ ـ ــوفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ اتَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــذُ و َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ن ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـروف َتـ ـ ـ ـ ـ ـو ََّخ ـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دَى غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــر مَ ـ ـ ـش ـ ـ ـكـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫ـات ب ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ــةٌ‬
‫وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َد أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ..‬ل ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذِّ ك ـ ـ ـ ـ َريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫أوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرُ مـ ـ ـفـ ـ ـص ـ ــو َل ـ ــه‬
‫ـك الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـص ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ــي ِ‬
‫وت ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ َ‬

‫ـك ك ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــت نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ًة وهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت‬


‫هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى َزن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــةِ م ـ ـ ـف ـ ـ ـتـ ـ ــو َلـ ـ ــه‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪90‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــى ت ـ ـ ـ ـ ـُـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ــةٌ‬
‫عَ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ و َتـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ِـل م ـ ـ ـع ـ ـ ـسـ ـ ــو َلـ ـ ــه‬

‫ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ دَربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرافِ ـ ـ ـ ـ ــئُ و َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد تـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــحُ الـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ َر أسـ ـ ـ ـط ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬

‫ويـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ دَربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأذ َِان ت ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬


‫ـوت مَ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــؤو َل ـ ـ ــه‬
‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ــا ُه ال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي َبـ ـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي!! َقـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف مَ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬
‫إذا طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْـت ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ رِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َويـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ــو َل ـ ــه‬

‫ـاف ظ ـ ـ ـ ِـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬


‫ـاف أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً! أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا دار ًا مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ــزمِ مـ ـ ــأه ـ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬

‫و َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ ! لـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ــالَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ‬
‫ـوت َف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــا َء مَ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــولـ ـ ـ ـ َـ ـ ــه‬
‫ت ـ ـ ـ ـ ُـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّل ـ ـ ــقُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ـان غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــا ذِ ك ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـُـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ِ‬
‫ـون ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرِ مَ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ــزو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫أرام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ِ‬

‫أذان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا! مـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــراهـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا! وكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬


‫(‪)١‬‬
‫(أب ـ ـ ـ ـ ــو نـ ـ ـ ــاصـ ـ ـ ــرٍ ) ف ـ ـ ــي سَ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ِـغ الـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـجـ ـ ــوِ (مَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـم ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه)‬

‫سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ ي سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى أب ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬


‫ـك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ــا كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ َقـ ـ ـيـ ـ ـل ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى تِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬
‫(‪ )١‬هذه الكلمة جاءت مؤنثة حتى تالئم مؤنثاً تأنيثاً مجازياً مقدّراً مفهوماً من السياق وهي‬
‫(الكنية) والمعنى (أن الكنية مشمولة)‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫تحرير‬
‫■ سمر الزعبي*‬

‫وجلس على مقعده الوثير‪ .‬المكتب‬ ‫َ‬ ‫َظ أنفاسَ هُ األخـيــرة‪ ،‬ثــمّ ترَكهم يبكونَه‪،‬‬‫لف َ‬
‫قصةٍ شر َع بكتابتها قبل أن يموت‪،‬‬‫مكتظ بالحكايات؛ فتناول آخر ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مليءٌ بــاألوراق‪،‬‬
‫وراح يكملها بعدما جعل البطلين يتشاجران بسبب عــراك ابنَيهما في الحديقة‬
‫العامّ ة‪ ،‬هناك حيث تعارفا‪ ،‬فور ما أحسّ ا بسذاجة موقفَيهما واعتذر كلٌ منهما لآلخر‪.‬‬

‫سنيّ الحب والشّ وق‪ ،‬مبقيًا على صوره‬ ‫كان كالهما وحيدًا‪ ،‬مُطلّ ٌق وأرمل َة‪ ،‬أو‬
‫الفنيّة الكثيرة؛ لكنه حذف المفردات‬ ‫أرم ٌل ومطلّقة‪ ،‬وغير ذلك من االحتماالت‬
‫التقليديّة‪ ،‬واستغنى عن مشاهد العالقة‬ ‫ّبض وال ُقبَ َل والتدخين‬‫ممكن‪ ،‬تشاركا الن َ‬
‫المحرّمة‪ ،‬فقد خشي أن يُعاقَب عليها‬ ‫من سيجارةٍ واحــدة‪ .‬غالى في وصف‬
‫مشاعرهما تجاه بعضهما بعضاً على‬
‫بــع ـ َد الــدّف ــن‪ ،‬لــكــن لــيــس إل ــى حــ ِّد أن‬
‫يشطب مشاهد السجائر التي تبادالها‬ ‫غير عــاد ِة ال ُكتّاب من ال ـرّجــال؛ فكان‬
‫بوحُ ه رومانس ّيًا للغاية‪ ،‬واستخدم صورًا‬
‫ذات ُقبَل‪.‬‬
‫فن ّي ًة تقليديّة‪ ،‬فكانت مفرداته‪ :‬الشّ مس‬
‫بالضجر‪ ،‬فعائلته مــا تــزال‬
‫ّ‬ ‫ـس‬
‫أح ـ َّ‬
‫والنّجوم والبحر والــغــيــوم‪ ..‬ث ـ ّم لمعت‬
‫بصوت مرتفع‪ ،‬وتُفقده تركيزَه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تبكيه‬
‫في ذهنه فكرة أن يقي َم بينهما عالق ًة‬
‫رف َع الورق َة من طرفها بإصبعين اثنَين‪،‬‬ ‫محرّمة‪ ..‬وفعل‪.‬‬
‫ّف‪ ،‬ثم حذف المشهد األوّل الذي‬ ‫وتأف َ‬
‫أسطر شع َر بفتور تجاهَ‬ ‫ٍ‬ ‫بعد ع ـدّة‬
‫صار األخي َر بعد ما قلبَ الحكاية‪ ..‬فلم‬
‫الـ ّنــص‪ ،‬فنقل َه إلــى الـمُـتحابَّين‪ ،‬حتّى‬
‫يلتقِ البطالن حتى هذه اللحظة‪.‬‬
‫اشــت ـ ّد بهما وافــتــرقــا‪ .‬قـ ـرّر أن يكتب‬
‫عاد يتمدّد في فراشه يت ُّم مراسي َم‬ ‫النص بالمقلوب‪ ،‬فتراجعت األحــداث‬ ‫َّ‬
‫منذ جلسا على حافّتيّ السّ رير‪ ،‬يولّيان موته‪ ،‬وفي نيّته كتاب ُة نصوص أخرى‪،‬‬
‫ظهرَيهما لبعضهما بعضاً‪ ،‬يتعاتبان لكن لن تكون في المشاعر‪ ،‬بعدما تيقّن‬
‫على الفتور واإلهمال‪ ،‬يلقي ك ٌل منهما أن كتابته عن الحب ال تق ّل رداء ًة عن‬
‫اللو َم على اآلخر‪ ،‬ث ّم عاد بلسانيهما إلى أدائه فيه‪.‬‬
‫ * قاصة من األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪92‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ٌ‬
‫جوفية‬ ‫ٌ‬
‫أصبوحة‬
‫‪ρρ‬سعاد الزحيفي*‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫وأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ وزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس دِ ّل‬
‫ـات‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫‏تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل زك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيٍّ‬
‫‏وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا رِ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاح نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ن ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫‏ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارع ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزال‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّو َع ري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب ن ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــا‬
‫‏ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوق مـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ك ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف‬
‫‏وال سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأوه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدال‬
‫ـس ع ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه‬ ‫وخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــز الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫‏تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ه ـ ـ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذٌ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ط ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬
‫‏وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك) ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار أحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى‬
‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــه كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوس ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬
‫‏ي ـ ـ ـ ـ ـ ــرقِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ) حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــث ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا‬
‫‏وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دارا وأهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫* شاعرة من الجوف‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ذاكرة ال تنام‬
‫‪ρρ‬نوره العبيري*‬

‫لحظ ـ ال ينتهي‬ ‫أحاول النوم‬


‫امنحني ذاكرة تجعلني‬ ‫أو‬
‫أكتب إليك رسالة تصلك‬ ‫الخلود إلى ذاكرة ال أعرفُ ها‬
‫ب ــأن ــك ال ـح ــظ ال ـج ـم ـيــل ال ـ ــذي أب ـ ــاح س ـ ّر‬ ‫أسألتني يوم ًا‬
‫شتاتي‬ ‫كيف بدلت ردائي‬

‫ليت كل العابرين الذين مسحوا دمعي‬ ‫وأسقط وجهي‬


‫ُ‬
‫وبت أخيط الغفلة منك‬
‫‏منديلك‬
‫فوق تجاهل أشيائي‬
‫ليت كل صبح أبهجهم‬
‫وجالست الوريد الذي أحبك‬
‫ببذخ جمالي عين قنديلك‬
‫ونصحني باالنتهاء‪..‬‬
‫ليتك تطيل الوقوف مر ًة امامي‬
‫لكنني تماديت بغبائي‬
‫كن لي مرآة‪..‬‬
‫كم مرة مددت للمطر السريع؟‬
‫يا مَ ن كلما استدار نهارك ليعكس ليلي‬
‫أسالتني‬
‫أضل كفراشة ال تخاف النار‬
‫ِ‬ ‫كم مرة مددت للمطر السريع‬
‫حول وترك المشتعل‬ ‫كوبي‪ ..‬ومعطفي‪ ..‬وشالي‪..‬؟‬
‫تُغني تُغني تُغني‬ ‫احترقت قهوة شوقي‬
‫حتى تذوب في حديقة ليلك‬ ‫جف منك اغترابي‬
‫حتى َّ‬
‫وأنت نائم‬ ‫أنساك‬
‫امنحني ذاكرة تجعلني أنام‬ ‫وأنت بين الخطوة والخطوة‬
‫ * كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪94‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫وطني‬
‫‪ρρ‬مرضي الشمري*‬

‫وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ــي‬
‫‏ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي آت ِ‬
‫‏ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــن دف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري‬
‫‏م ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــج ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬
‫‏أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ــرِ ص ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــو ًة‬
‫‏دريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـرح مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزةٌ‬‫ـوخ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫‏ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َح وروع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬
‫‏وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َدى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـف ـ ـ ــهِ‬
‫‏أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ تـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوات ِ‬
‫‏ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــر ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ص ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــةٌ‬
‫ـرات‬
‫ـذب فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫‏ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى روح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫‏مـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونُ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ٍ‬
‫ـول س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬
‫‏يـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــو بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫‏ف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــورى‬
‫‏بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل واآلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬
‫‏وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫اآلت‬
‫ِ‬ ‫‏ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحٌ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ‬
‫ـض قـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدت ـ ـ ــي‬ ‫ـزف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬‫‏عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذري إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫‏يـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ــي‬

‫* شاعر من حائل ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫َمن كمثلي‬
‫‪ρρ‬عبداهلل األمير*‬

‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـب ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ــةً َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫ـف يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ انـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟‬ ‫‏ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأ َُت حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًة‬
‫ـأس واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـضـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫‏حَ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ـوب‬ ‫هلل ِض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ا ُ‬
‫‏ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ َزي ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ اعُ‬
‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو هَ ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫‏حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ أَص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َرغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي ا َ‬
‫ـس ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ال ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــي‬
‫ـرت عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫‏وِ ْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراعُ‬
‫هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبَ مُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ًا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫‏ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت و َُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونٌ‬ ‫خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫‏ وَرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ضـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا‬
‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ َب ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ‬
‫‏وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ْت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ُخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه ال ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫ألمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َي ـ ـ ـك ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـض ا َ‬
‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫‏زِ دتَ َرك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـث الـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا َيـ ـ ـ ـ ــا‬
‫‏ال أَج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت وَال لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــري ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫ـراب‬
‫ـام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫روب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫‏وَسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ِ‬
‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َي ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ٌـح‬
‫‏خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب وَاقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاعُ‬
‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي أطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ را َم َقـ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــي‬
‫‏مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َكـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟!!‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪96‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫إلى متى؟!‬
‫‪ρρ‬د‪ .‬سعود الصاعدي*‬

‫وانفتحت له اآلفاق!‬ ‫اهلل يعلم أنني مشتاق‬


‫‪..‬‬ ‫حتى تكاد تشفّ ني األوراق!‬
‫وإزاء حبي‬ ‫‪..‬‬
‫ليس شيءٌ في يدي‬ ‫آثرت صمتي مثلما‬ ‫لكنني ُ‬
‫إال له في داخلي أحداقُ !‬ ‫آثرت أن تتكلّم األشواقُ !‬
‫ُ‬
‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫فإلى متى‬
‫فكأنَّ لي من كل شيءٍ فكرة‬
‫يهت ّز قلبي مورقً ا‬
‫حتى العناق له عليَّ عناق!‬
‫شوقً ا إليها‬
‫‪..‬‬
‫وهي ال تشتاق؟!‬
‫عازف‬
‫ٌ‬ ‫جناس‬
‫ٌ‬ ‫لي من أحبّائي‬
‫‪..‬‬
‫ومن الجفاة المبغضين طباق!‬
‫وإلى متى‬
‫‪..‬‬
‫وأنا أفيض‬
‫ومن الحقيقة‬ ‫كأنما‬
‫يعف عن القذى‬
‫ما ّ‬ ‫في داخلي‬
‫ومن المجاز المستفيض براق!‬ ‫العشاق؟!‬
‫يتزاحم ّ‬
‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫فإذا كتبت قصيدة‬ ‫فأنا إزاء الحب‬
‫أرفو بها وجعي‬ ‫أعذ ُر من مشى‬
‫فكل الموجعين رفاق!‬ ‫في األرض‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫*‬ ‫ٌ‬
‫راحل!‬ ‫أنا‬
‫رسالة كتبها تولستوي إلى زوجته صونيا)‬
‫ٍ‬ ‫(آخر ُ‬
‫■ ترجمتها عن الفرنسية‪ :‬ياسمينة صالح**‬

‫في ‪ 20‬نوفمبر ‪1910‬م‪ ،‬وبعد حياة طويلة وثرية أنتج فيها روايتين تعدان من‬
‫أعظم ما كتب في األدب العالمي‪( ،‬الحرب والسلم‪ ،‬أنا كارنينا)‪ ،‬محدث ًا ثورة في‬
‫فارضا نفسه كواحد من أبرز حكماء عصره‪،‬‬ ‫التعليم‪ ،‬ومؤسس ًا مجتمعا طوبوياً‪ً ،‬‬
‫توفي ليو تولستوي في محطة استابوفو القريبة من بيته! عن عمر ناهز الـ ‪82‬‬
‫عام ًا بالتهاب في صدره‪.‬‬
‫‏الرسالة اآلتية كتبها تولستوي الى زوجته صونيا معلنا فيها قراره الرحيل‪/‬‬
‫االنفصال‪ ،‬بعد ‪ 48‬سنة من الحياة الزوجية التي أثمرت ‪ 13‬ابنا‪ ،‬وهي مورخة في‬
‫‪ 31/30‬أكتوبر ‪1910‬م؛ إال إن الموت فاجأه قبل وصول الرسالة الى زوجته لتصبح‬
‫هذه الرسالة‪ ،‬رسالة وداع لواحد من أعظم الروائيين الذين عرفتهم البشرية‪.‬‬

‫ال تكرهينني‪ ،‬عليك أن تضعي نفسك‬ ‫بمقابلة أو مهما بــدا السبب قويا‬
‫مكاني‪ .‬بــأال تدينينني‪ ،‬إنــمــا تسعين‬ ‫للمقابلة‪ ،‬فــإن رجوعي بــات مستحيالً‪،‬‬
‫إلى مساعدتي ألحصل على الراحة‪.،‬‬ ‫أعرف أن األمر سيكون كما يقول الجميع‬
‫وإمــكــانــيــة الــعــيــش عــيــشــة إنــســانــيــة‪.‬‬
‫لك‪ ،‬أما بالنسبة لي فاألمر سيكون‬
‫موجعاً ِ‬
‫ستحاولين مساعدتي ببذل جهد على‬ ‫فظيعا لمعرفتي بعصبيتك‪ ،‬بغضبك‬
‫نفسك‪ ،‬لكنك أنــت نفسك ال تريدين‬ ‫ووضعك الصحي‪ .‬األمــر سيكون أسوأ‬
‫عودتي اآلن‪.‬‬ ‫من ذي قبل‪ .‬إن جاز لي ذلك أنصحك‬
‫حالتك الراهنة‪ ،‬رغباتك‪ ،‬ومحاوالت‬ ‫بأن تأخذي مسؤوليتك مما جرى‪ ،‬وأن‬
‫تتأقلمي مع وضعك الجديد‪ ،‬وأنصحك االنــتــحــار الــتــي قــمــت بــهــا ‪ -‬والــتــي‬
‫تظهر أكثر مــن أي شــيء آخــر ‪ -‬أنك‬ ‫خصوصا أن تعالجي نفسك‪.‬‬
‫إن كنت تحبينني‪ ،‬أو لنقل إن كنت فقدت السيطرة على نفسك‪ ،‬كل هذا‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪98‬‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫لك عمل ما ترغبين به‪ .‬فاألمر ال يتعلق‬ ‫أنت يتيح ِ‬‫يجعل عودتي غير واردة اآلن‪ .‬وحدك ِ‬
‫تستطيعين توفير كــل هــذه المعاناة على برغباتي أو عمل ما يرضيني‪ ،‬بل بتوازنك‪،‬‬
‫أقاربك وعليّ وخصوصا عليك أنت‪.‬‬
‫بما يجعل طبيعتك معقولة ومرنة‪ .‬طالما‬
‫استغلي طاقتك ليس لتجعلي كل شيء األمر غير هذا فإن الحياة المشتركة بيننا‬
‫يسير وفق رغباتك‪ ،‬بل استغليها لتستعيدي‬
‫غير واردة‪ .‬الــعــودة وأنــت في هــذه الحالة‬
‫هدوءك‪ ،‬لتريحي روحك‪ ،‬ووقتها ستحصلين‬
‫معناه التخلي عن الحياة‪ ،‬وال حق لي في‬
‫على ما ترغبين فيه‪.‬‬
‫التخلي عن الحياة!‬
‫بــعــد يــومــيــن قضيتهما فــي شــمــارديــنــو‬
‫وداعــا عزيزتي صونيا‪ ،‬وليكن اهلل في‬ ‫وأوبتينا‪ ،‬أنــا راح ــل‪ .‬سأضع الرسالة في‬
‫لك عــونــك‪ .‬الــحــيــاة ليست مــزحــة‪ ،‬ولــيــس لنا‬‫صندوق البريد وأنا في طريقي‪ ،‬ولن أقول ِ‬
‫إلى أين أنا ذاهب؛ ألني أعتقد أن االنفصال حق تركها بإرادتنا‪ ،‬مثلما ال يجوز قياسها‬
‫لك مثلما هو ضروري لي‪.‬‬ ‫صار ضروريا ِ‬
‫بمدتها‪ .‬الشهور التي تبقت من حياتنا ربما‬
‫ال تعتقدي أنني قــررت الرحيل ألنــي ال‬
‫ستكون أهــم من كل السنين التي عشناها‬
‫عليك من كل قلبي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أحبك وأشفق‬
‫ِ‬ ‫أحبك‪ .‬أنا‬
‫وعلينا أن نحياها بكرامة‪.‬‬
‫لكني ال أستطيع القيام بغير هذا‪ .‬أعرف أن‬
‫‏ليو تولستوي‬ ‫لكنك لست في وضع‬ ‫ِ‬ ‫رسالتك لي صادقة‪،‬‬‫ِ‬
‫‪1986‬م‪ .‬‏(‪Tolstoï, Lettres‬‬ ‫ * المصدر‪ :‬كتاب تولستوي الرسالة ‪ 2‬الصادر عن منشورات غاليمار بباريس‬
‫‪.)II, Gallimard, 1986‬‬
‫** كاتبة روائية جزائرية‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الشاعرة مها العتيبي‪:‬‬
‫أميل في بعض القصائد الحديثة إلى كتابة قصيدة التفعيلة‬
‫ذات الجمل الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع السريع‬
‫لموسيقى النص ولكن لم أكتب قصيدة النثر‪!..‬‬
‫الدكتورة مها محمد العتيبي شاعرة سعودية‪ ،‬أهدت المكتبة الشعرية خمسة‬
‫دواويــن شعرية‪ ،‬ميّزت بها صوتها الشعري وحضورها المنبري؛ "مقام‪ -‬االنتشار‬
‫العربي ‪-‬بـيــروت‪2017 -‬م"‪" ،‬تشرين والـحــب واألغـنـيــات االنتشار العربي‪ -‬بيروت‬
‫(مطبوعات نــادي تبوك األدبــي) ‪2016-‬م"‪ ،‬لوعة الطين‪2014 -‬م‪ ،‬جميرا للنشر‪،‬‬
‫"عــرائــس الـحــب ‪2010-‬م ‪ -‬ال ــدار العربية للعلوم ن ــاش ــرون"‪" ،‬نـقــوش على مرايا‬
‫الــذاكــرة" ‪2009 -‬م‪ .‬ولها الكثير مــن المشاركات فــي األمـسـيــات الشعرية محليًا‬
‫وعربيا‪ ،‬طموحها يتفوق على مدى قصيدتها‪ ،‬وهي تتسلّح بثقافة أصيلة‪ ،‬وبروح‬
‫تنتشي بإيقاعها المتفرد‪ .‬تقول‪" :‬بدأت بعدها في القراءة العميقة للشعر بكافة‬
‫أشكاله‪ ،‬وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة‪ ،‬لكني كثفت الـقــراءة للقصيدة‬
‫المراس في الكتابة بدأت استكشف في قصيدتي متسعً ا لرهافة‬ ‫المعاصرة‪ ،‬ومع ِ‬
‫اللغة والبنية اللغوية الجيدة‪ ،‬و أساليب الصياغة وابتكار الصور الشعرية‪ ،‬والولوج‬
‫إلى عالم التجريب الشعري في إطــار القصيدة العمودية الحديثة"‪ ،‬وهنا نقف‬
‫لنطل معً ا على فضاء الحوار مع ضيفة الجوبة الشاعرة مها العتيبي‪..‬‬
‫■ حاورها‪ :‬عمر بو قاسم‬
‫طبعاً‪ ،‬مالمح تجربتك الشعرية بدت‬ ‫الشعر سمير الليالي‪!..‬‬
‫ديوانك األول بخصوصية‬ ‫ِ‬ ‫تتشكل من‬
‫ ¦"م ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــام‪2017‬م"‪" ،‬تـ ـش ــري ــن والـ ـح ــب‬
‫الـبــوح وتـمـيــزه‪ ،‬وبـمـغــايــرة أيـضـ ًا على‬
‫واألغ ـن ـيــات ‪2016‬م"‪" ،‬لــوعــة الـطـيــن‪-‬‬
‫الـمـسـتــوى الـمــوضــوعــي وال ـف ـنــي‪ .‬هل‬
‫نـحـظــى م ـنـ ِـك ب ـبــوح خ ــاص ع ــن هــذه‬ ‫‪2014‬م"‪" ،‬ع ــرائ ــس ال ـح ــب‪2010 -‬م"‪،‬‬
‫التجربة؟‬ ‫"نقوش على مرايا الذاكرة‪2009 -‬م‪"..‬‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪100‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫التجريب الــشــعــري فــي إط ــار القصيدة‬ ‫‪ρ ρ‬كتبت فــي مقدمة ديــوانــي األول "نقوش‬
‫العمودية الحديثة‪ ،‬وكان ذلك في ديوانَيْ‬ ‫على مرايا الذاكرة" إنني وإذ أقدم لديواني‬
‫"عــرائــس الحب" و"لــوعــة الطين"‪ ،‬بحيث‬ ‫األول‪ ،‬استحضر م ــدى مــا ك ــان الشعر‬
‫تميّز ديوان لوعة الطين بالكثافة الشعرية‪،‬‬ ‫بالنسبة لي سمير الليالي‪ ،‬ونافذة البوح‪،‬‬
‫واالش ــت ــغ ــال عــلــى بــنــاء ال ــص ــورة داخ ــل‬ ‫ومعبر األلم‪ ،‬فكانت القصائد غناء للجرح‪،‬‬
‫القصيدة‪ ،‬وكتابة القصائد الطويلة‪ ،‬والتي‬ ‫وتراتيل للحنين‪ ،‬وزخات للفرح مكلّلة بشوق‬
‫ال تفقد وحدتها الموضوعية أو أسلوبها‬ ‫ال يتوقف وال ينتهي‪ .‬كانت القصائد هي‬
‫الشعري ولغتها الشعرية المتناغمة‪.‬‬ ‫بوح خالص معبّرة عن حالة شعورية ينفث‬
‫فيها الشعر فيتركها حيّة وطازجة في قالب‬
‫فــي دي ــوان "تــشــريــن والــحــب واألغــنــيــات"‬
‫اعتمد على بساطة اإليقاع‪ ،‬وسهولة اللغة‬
‫وديوان "مقام" بدأت تكتمل مالمح القصيدة‬
‫الشعرية منذ البداية في بناء شعري مُحكم‪.‬‬
‫بعض الشيء‪ ،‬وكانت مرحلة تحتوي العمق‬
‫لــم يكن الــهــاجــس حينها ســوى الشغف‪،‬‬
‫المعرفي مع الصياغة الشعرية اللغوية‬
‫الشغف بالشعر‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والتمعّن في‬
‫والــفــنــيــة‪ ،‬وه ــذا مــا أرج ــو أن أكــمــلــه في‬
‫هــذه القصائد بما هــي نــوافــذ للمعرفة‬
‫الدواوين الشعرية القادمة‪.‬‬
‫والبوح‪ .‬منذ سن مبكرة أكتب الشعر‪ ،‬ولكن‬
‫قصائد للتلحين‪!..‬‬ ‫حتى عام ‪2005‬م‪ ،‬كان الشعر لديَّ شغفاً؛‬
‫ق ــراءة وكتابة؛ ولكن بــدأت أشعر حينها ¦أذك ــر أن ــي ق ــرأت ل ـ ِـك إجــابــة ضـمــن حــوار‬
‫نُشر في إحدى الصحف الخليجية‪ ،‬أنك‬ ‫أن الشعر بالنسبة لي ليس هواية عابرة‬
‫ضمن هــوايــات أخــرى‪ ،‬بل صــار هاجسً ا؛‬
‫ـصـيــن تـجــربـتــك ال ـج ــدي ــدة لـمـشــروع‬
‫تـخـ ّ‬
‫فبدأت في ذلك الوقت أتفتح على قدرتي‬
‫لقصائد مغناة‪ ،..‬ماذا تقصدين بقصائد‬
‫على صياغة الشعر بشكل مختلف‪ ،‬وبدأت‬
‫أخلص للشعر وللكتابة‪ ..‬فكان ديواني القصيــدة تمثلنــي فــي بنيتهــا‬
‫األول "نقوش على مرايا الــذاكــرة" يمثل المعرفيــة وأفكارهــا ومــا تحملــه مــن‬
‫تلك المرحلة بشكل جيد‪ ،‬ثم بدأت بعدها رؤيــة‪ ،‬فــإذا جــاء النقــد بعــد ذلــك‬
‫في القراءة العميقة للشعر بكافة أشكاله‪ ،‬فليــس هنــاك مــا أخشــاه حينهــا‪.‬‬
‫وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة؛‬
‫المــرأة أصبحــت حاضــرة بصــورة‬
‫لكني كثفت القراءة للقصيدة المعاصرة‪،‬‬
‫مشــرقة فــي المنابــر الثقافيــة‬
‫ومع المِ راس في الكتابة بدأت استكشف‬
‫واإلعالميــة‪ ،‬وهــذا ناتــج إيجابــي‬
‫في قصيدتي متسعًا لرهافة اللغة والبنية‬
‫للتحــوّ الت المجتمعيــة التــي نعيشــها‬
‫اللغوية الجيدة‪ ،‬وكذلك أساليب الصياغة‬
‫فــي هــذا الوطــن‪ ،‬وهلل الحمــد‪.‬‬
‫وابتكار الصور الشعرية والولوج إلى عالم‬
‫‪101‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫السعودية والعربية مهم‪ ..‬أتابع عــددًا‬ ‫مغناة؟‬
‫من الكتابات النقدية التي تتناول المنتج‬
‫‪ρ ρ‬طُ لب مني عدة مــرات قصائد للتلحين‬
‫األدبي بشكل عام‪ ،‬وليس بشكل خاص ما‬
‫من قبل بعض الملحنين‪ ،‬في البداية كنت‬
‫يتعلق بكتاباتي الشعرية‪ .‬النقد بالمجمل‬
‫أرفض الفكرة لخوفي على القصائد أن‬
‫يضيء للشاعر مناطق مدهشة وإبداعية‬
‫ال تنتج فــي قالب لحنيّ جميل؛ ألنني‬
‫متجليّة‪ ،‬وفي ذات الوقت ينتبه الشاعر‬
‫أستسيغ موسيقى القصيدة في سياق‬
‫إلى بعض المكرر من الكتابة أو الضعف‬
‫إيقاعها‪ ،‬ولكن قبل نحو سنتين تم تلحين‬
‫ف ــي م ــواط ــن أخـ ــرى فــيــصــقــل إبــداعــه‬
‫إحدى قصائد ديوان "مقام" لتكون بداية‬
‫وتجربته‪ ،‬أنا أستفيد من النقد بشكل عام‬
‫لقصائد مغناة‪ ،‬تم اكتمال اللحن وإلى‬
‫في تشذيب بعض الكتابات‪ ،‬ولكن النقد‬
‫اآلن القصيدة لم تُ َذ ْع كأغنية‪.‬‬
‫ليس قيدًا بالنسبة في لحظة الكتابة‪ ،‬أنا‬
‫ال أفكر بالنقد أبدًا حينها‪ ،‬أطلق العنان‬ ‫النقد األدبي ودوره‪!..‬‬
‫للقصيدة؛ ألن صدق القصيدة وحــرارة‬ ‫ ¦هـنــاك ق ــراءات نقدية حــاولــت أن تدخل‬
‫عاطفتها‪ ،‬وجــمــال بنيتها أن أتركها‬ ‫ع ــال ــم الـ ـش ــاع ــرة مـ ــن خ ـ ــال ال ـق ـص ـيــدة‬
‫تأتي بدون حدود أو أن أضمنها أفكاراً‬ ‫وعوالمها وفنياتها؛ فهل استطاع النقد‬
‫تجريبية أو فلسفية‪ ،‬أو قيوداً معرفية من‬ ‫أن يصل أو يضيء للشاعرة مها العتيبي‬
‫أي نوع‪.‬‬ ‫زاوي ــة "م ــا" فــي فـضــاء الشعر‪ ،‬أم أن ـ ِـك ال‬
‫وبالتالي القصيدة تمثلني فــي بنيتها‬ ‫تهتمين أو تخشين النقد؟‬
‫المعرفية وأفكارها وما تحمله من رؤية؛‬ ‫‪ρ ρ‬بــالــتــأكــيــد الــنــقــد األدبــــي مــهــم‪ ،‬ودوره‬
‫فإذا جاء النقد بعد ذلك‪ ،‬فليس هناك ما‬ ‫في تنشيط الحركة األدبــيــة والشعرية‬
‫أخشاه حينها‪.‬‬

‫التواصل المباشر مع الجمهور‪!..‬‬


‫ ¦أق ـم ـ ِـت أم ـس ـيــات ش ـعــريــة ف ــي ع ــدي ــد من‬
‫المنابر في األندية األدبية والمهرجانات‬
‫الثقافية‪ ،‬طبعا هــذا التواصل المباشر‬
‫مع الـقــارئ "الـجـمـهــور"‪ ..،‬له الكثير من‬
‫األه ـم ـيــة ل ـل ـشــاعــر‪ ،‬ف ـهــو ي ـت ـعــرف كيفية‬
‫وص ــول قصيدته لــآخــريــن وم ــدى األثــر‬
‫ال ــذي تركته القصيدة مــن خــال درجــة‬
‫التفاعل‪ .‬هــل تــؤيــديــن وتــؤكــديــن أهمية‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪102‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ ¦ربما كان حضور المرأة يتفاوت من مجتمع‬ ‫مثل هذه األمسيات الشعرية أم؟‬
‫آلخر‪ ..‬قد يكون أحد أسباب هذا التفاوت‬ ‫‪ρ ρ‬األمــســيــات الــشــعــريــة والــمــشــاركــة في‬
‫التكوين المجتمعي‪ ،‬ولكن من المالحظ‬ ‫المهرجانات الشعرية مهمة للشاعر‬
‫أن حـضــور ال ـمــرأة فــي الـمـنــابــر اإلعــامـيــة‬ ‫عندما يالمس وهــو على منبر الشعر‬
‫والثقافية ومشاركتها فــي الفعاليات في‬ ‫مدى تلقي القصيدة‪ ،‬التواصل المباشر‬
‫تزايد اآلن‪ ،‬ما رأيك؟‬ ‫مــع الــجــمــهــور كــمــا ذكـ ــرت والمتلقين‬
‫ض ــروري لتعزير فرصة أكبر لحضور ‪ρ ρ‬المرأة أصبحت حاضرة بصورة مشرقة‬
‫حاليًا في المنابر الثقافية واإلعالمية‪،‬‬ ‫الــشــعــر‪ .‬رســالــتــي حينها هــو أن يجد‬
‫المتلقي في هذا الشعر ما يستحق أن‬
‫يسمع‪ ،‬وأن يشعر بشيء يعنيه من خالل مهــارات النقــد والتحليــل‪ ،‬يمكــن‬
‫تعلمهــا ودراســتها وتطبيقهــا فــي‬
‫هذه القصيدة أو تلك؛ ومن جهة أخرى‬
‫نمــاذج نقديــة علــى النصــوص‬
‫وجــود التواصل المباشر بين الشاعر‬
‫المختلفــة فــي المجــال األدبــي‬
‫والجمهور مباشرة هو فرصة الستكمال تحد ً‬
‫يــد ا ‪! . .‬‬
‫ثقة الشاعر في قصيدته من جهة‪ ،‬وفتح‬
‫القصيــدة هــي التــي تفــرض طقوســها‬
‫نوافذ جديدة للتواصل ونشر القصيدة‬
‫ووقتهــا‪ ،‬ال أكتــب مــن وحــي خيالــي‬
‫والتعريف بها من جهة أخرى‪.‬‬
‫وال مــن موقــف يومــي‪ ،‬ولكــن هــي‬
‫تراكمــات تتجلــى فــي لحظــة الكتابــة‬ ‫زادت مشاركتها لنشر ثقافتها‬
‫التــي تختارهــا القصيــدة‪!..‬‬ ‫وإبداعها‪!..‬‬
‫‪103‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ذلك على أي علم نظري آخر‪ ،‬وال يقتصر‬ ‫وهذا ناتج إيجابي للتحوّالت المجتمعية‬
‫تعلم هذه المهارات وإتقانها على الرجال‬ ‫واإليجابية التي نعيشها في هذا الوطن‪،‬‬
‫دون النساء؛ أما لو نظرنا لواقع المشهد‬ ‫وهلل الــحــمــد‪ ،‬كــانــت الـــمـــرأة مــشــاركــة‬
‫النقدي‪ ،‬سنجد أن عدد النقاد المجيدين‬ ‫وزادت مشاركتها لنشر ثقافتها وإبداعها‬
‫هو أكبر من عــدد الناقدات المجيدات‪،‬‬ ‫وحــضــورهــا ودوره ــا الثقافي والمعرفي‬
‫قد ال تكون العاطفة أو اللين في تناول‬ ‫والحضاري‪.‬‬
‫األعــمــال األدبــيــة هي السبب‪ ،‬ولكن قلة‬
‫مهارات النقد والتحليل‪ ،‬يمكن تعلمها‬
‫عــدد الــنــاقــدات المتمكنات مــن مهارات‬
‫ودراستها وتطبيقها‪!..‬‬
‫النقد العلمي‪ ،‬متى ما أتقنت المرأة هذه‬
‫الــمــهــارات تخلّصت مــن قــيــود العاطفة‬ ‫ ¦"م ـ ــا أجـ ـمـ ـل ــه"‪" ..‬كـ ـ ــام يـ ـجـ ـن ــن"‪" ..‬ي ـف ــوق‬
‫واتّبعت منهجً ا علميا سليما سيؤدي إلى‬ ‫الــوصــف ويــأخــذ ال ـع ـقــل"‪ ..‬ه ــذه الـعـبــارات‬
‫اكتمال قدرتها النقدية‪.‬‬ ‫تخص المرأة وطبيعتها وأقصد العاطفة‬
‫عندما تعجب بشيء مــا‪ ،‬وهنا استحضر‬
‫لم أكتب قصيدة النثر‪..‬‬ ‫مقولة لروبين الك ــوف‪( :‬إن الـمــرأة تتردد‬
‫وتستخدم أسلوب ًا أقل حزم ًا من الرجل)؛ ¦مـ ــن ال ـ ــواض ـ ــح أن ـ ـ ـ ِـك ت ــو ّث ـق ـي ــن ت ـجــرب ـتــك‬
‫الشعرية بين سماءين "القصيدة العمودية‬ ‫من هنا‪ ،‬يستغرب بعضهم حضور المرأة‬
‫وقصيدة التفعيلة"‪ ،..‬هل لديك تجربة في‬ ‫رأيك في ذلك؟‬ ‫في الفضاء النقدي‪ ،‬ما ِ‬
‫فضاء قصيدة النثر؟‬ ‫ال موضوعياً‬ ‫‪ρ ρ‬ال أعلم إذا كان النقد مقاب ً‬
‫‪ρ ρ‬أصبحت أميل في بعض القصائد الحديثة‬ ‫لــلــحــزم‪ ،‬وأن ال ــم ــرأة أقـــل ح ــزمـ ـاً‪ .‬في‬
‫إلــى كتابة قصيدة التفعيلة ذات الجمل‬ ‫الحقيقة‪ ،‬مهارات النقد والتحليل يمكن‬
‫الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع‬ ‫تعلمها ودراســتــهــا وتطبيقها فــي نماذج‬
‫السريع لموسيقى‪ ..‬ولكن لم أكتب قصيدة‬ ‫نقدية أو نظريات على النصوص المختلفة‬
‫النثر‪.‬‬ ‫في المجال األدبي تحديدًا‪ ،‬كما ينسحب‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪104‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الثقافية‪ .‬الشاعرة مها العتيبي‪ ،‬ماذا تقول‬ ‫تويتر الموقع األول‪!..‬‬


‫في هذا االتجاه؟‬ ‫ ¦ما المواقع التي تتصدر مفضلة الشبكة‬
‫برأيي أن يستهويك السرد ربما يجذبك‬ ‫العنكبوتية لديك؟‬
‫لنقطة أبعد مما تؤمل أو مما تظن أنك‬ ‫‪ρ ρ‬حاليًا أصبح موقع تويتر ‪ Twitter‬هو الموقع‬
‫كنته في يوم من األيام؛ عمقا ولغة وقدرة‬ ‫األول الذي تتضمنه المفضلة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫على الكتابة‪ .‬وحينها سأقول‪ :‬ومــاذا بعد‬ ‫مواقع التواصل األخرى مثل الفيس بوك‪،‬‬
‫الرواية؟ هل سيظل الشاعر ممسكًا بنور‬ ‫وكذلك مواقع تعليمية وبحثية‪.‬‬
‫القصيدة كما كان؟‬
‫أن يستهويك السرد‪!..‬‬
‫لذلك بالنسبة لي أنا مخلصة للشعر كثيرا‪،‬‬
‫وليس لدي على األقل في الوقت الحالي‬ ‫ ¦أن يكتب شاعر "ما" روايــة أو عم ًال سردياً‪،‬‬
‫االتجاه لكتابة الرواية أو الخوض في كتابة‬ ‫لم يعد شيئا غريبا‪ ،‬فهذه الحالة أصبحت‬
‫أخرى بأي شكل إبداعي بخالف الشعر‪.‬‬ ‫منتشرة فــي الـســاحــات الثقافية العربية‪،‬‬
‫أما في المشهد الثقافي‪ ..‬فكتابة الشاعر‬ ‫فمن الكتّاب مَن يرفض وصف هذه الحالة‬
‫للرواية أو أن يظل يكتب الشعر فقط‪ ،‬ليس‬ ‫بــالـتـحـوّل‪ ،‬بــل يـعــدّ ه تــواص ـ ًا طبيعيًا بين‬
‫لها عالقة بعقدة التصنيف‪ ،‬وهي حرية لمن‬ ‫فـ ـض ــاءات ال ـك ـتــابــة‪ ،‬وم ــن ح ــق ال ـشــاعــر أن‬
‫يرى ذلك ولديه القدرة واألدوات الالزمة‬ ‫يـحـضــر ف ــي أي ف ـضــاء إب ــداع ــي‪ ،‬وأن هــذه‬
‫للسرد‪ ،‬وقبل ذلك الرغبة في خوض هذا‬ ‫الـحــالــة ليست بــالـجــديــدة عـلــى الـشــاعــر‪..‬‬
‫المجال‪ .‬وفي النهاية هذا منتجه األدبي‬ ‫وم ـن ـهــم َمـ ــن يـ ــرى أن ـه ــا ع ـق ــدة الـتـصـنـيــف‬
‫الذي سيقدمه وفق قناعته ورؤيته‪.‬‬ ‫ولها سلبياتها التي تعاني منها الساحة‬
‫‪105‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫باألدب والشعر على وجه الخصوص‪ ،‬يضم‬ ‫هذا الرأي غير دقيق في الواقع‪!..‬‬
‫مجموعة من الدواوين الشعرية ومختارات‬ ‫ ¦ومــن الـمــاحــظ أن قصيدة النثر هــي من‬
‫من الشعر العربي على م ِّر العصور‪ ،‬وخاصة‬ ‫تتصدر المشهد الـشـعــري فــي الكثير من‬
‫شــعــراء القصيدة الحديثة‪ :‬الــجــواهــري‪،‬‬ ‫الـمـحــافــل الـثـقــافـيــة ف ــي ال ــوق ــت الـحــالــي‪،‬‬
‫ودرويــش‪ ،‬ونــزار قباني‪ ،‬ومجموعة أخرى‬ ‫فماذا تقولين؟‬

‫كبيرة من شعراء العصر الحديث وعدد من‬ ‫‪ρ ρ‬ال أعتقد أن هذا الرأي دقيق في الواقع‪،‬‬
‫العودة للقصيدة األصيلة ما يزال في أوج‬
‫الروايات‪ ،‬وكذلك الكتب التي تعنى بالثقافة‬
‫وهجه‪ ،‬قصيدة النثر لها مريدوها‪ ،‬ولكن‬
‫واألدب‪.‬‬
‫أعتقد أن مــا بعد األلــفــيــة تغيرت هذه‬
‫أما القسم الثاني‪ ،‬فيتعلق بالعلوم واألحياء‬ ‫الفكرة ولــم تعد قصيدة النثر هــي التي‬
‫بحكم التخصص ‪ biology‬كتب الفسيولوجيا‬ ‫تتصدر المشهد الثقافي العربي‪ ،‬والدليلت‬
‫هو كثرة الشعراء المجيدين الذين ازدهرت‬
‫والحيوان والنبات واألنسجة والبيئة وما إلى‬
‫بهم كتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة ما‬
‫ذلك‪ ،‬كما يتضمن هذا القسم كتب المناهج‬
‫بعد األلفية في جميع أرجاء الوطن العربي‪،‬‬
‫وتدريس العلوم وهــذا مجال دراستي في‬ ‫وفي المملكة على وجه الخصوص‪.‬‬
‫الدراسات العليا‪ ،‬إضافة إلى عدد ال بأس‬
‫ال أكتب من وحي خيال خالص‪!..‬‬
‫به من البحوث والدراسات المتعلقة بهذا‬
‫ ¦بـعــض الـشـعــراء والـمـبــدعـيــن بصفة عامة‬
‫المجال‪.‬‬
‫يلتزمون بطقس معين أثناء الكتابة‪ ،‬مها‬
‫ ¦وم ــن ال ـم ـهــم ج ــدا أن أس ــال ــك أي ـض ـ ًا هــذا‬ ‫العتيبي‪ :‬كيف تكتب ومتى؟‬
‫السؤال التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليست هناك طقوس معينة للكتابة‪ ،‬متى ما‬
‫جاءت القصيدة هي التي تفرض طقوسها ‪ρ ρ‬جديدي القصيدة‪ ،‬في الفترة الماضية‪،‬‬
‫ووقتها‪ ،‬ال أكتب من وحي خيال خالص‪ ،‬وال‬
‫أنــجــزت ديوانين جديدين أحدهما قدم‬
‫من موقف يومي أو شعوري خالص‪ ،‬ولكن‬
‫للنشر في العام ‪2019‬م‪ ،‬وأنتظر صدوره‬
‫هي تراكمات تتجلى في لحظة الكتابة التي‬
‫في األيام القريبة القادمة‪ ،‬واآلخر سيتبعه‬ ‫تختارها القصيدة‪.‬‬
‫قريبا‪ .‬وهناك بمشيئة اهلل أمسيات شعرية‬ ‫ ¦غ ــال ـب ــا أسـ ـ ــأل ه ـ ــذا ال ـ ـسـ ــؤال ف ـه ــو ي ـضــيء‬
‫قــادمــة إحــداهــا فــي ســوق عــكــاظ ضمن‬ ‫للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف‬
‫الــبــرنــامــج الثقافي بمشيئة اهلل تعالى‪،‬‬ ‫"ال ـ ـج ـ ــوب ـ ــة"‪ ،..‬هـ ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى‬
‫وما يزال للشعر نافذة الجمال والحضور‬ ‫محتويات مكتبة الشاعرة الدكتورة مها؟‬
‫والتلقي‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬مكتبتي منوعة في قسمين‪ ..‬األول يتعلق‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪106‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعر حسن شهاب الدين‪:‬‬


‫ُ‬
‫فتبعته!‬ ‫الشعر لي بعصاه‬
‫ُ‬ ‫أشار‬
‫َ‬
‫مالم ُحه ال تشبه ُالما َء‬
‫ِ‬ ‫الغيب‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫إنـ َّما‪..‬‬ ‫ص‬‫يتلص ُ‬
‫ِمنْ ِمرْآتِ ه َّ‬
‫ص‬
‫مالئكة النهر التي يتقمَّ ُ‬ ‫َّص‬‫سماوات به تترب ُ‬
‫ٍ‬ ‫وسبعُ‬
‫األوراق‬
‫ِ‬ ‫يفجرُ في‬ ‫ِّ‬
‫له جدَّ ٌة خضراءُ ‪..‬‬
‫لـُغ َم مجازِ ه‬
‫أرضهِ‬
‫قمح ِ‬
‫ِمنْ ِ‬
‫ص‬
‫حال‪ ..‬فيقنِ ُ‬‫وينصب فخـًّا للمُ ِ‬
‫ُ‬
‫تقصص‬
‫ُ‬ ‫السنابل‬
‫ِ‬ ‫عليه حكايات‬
‫صبي‪..‬‬
‫ٌّ‬
‫وأحرفـُه‪..‬‬ ‫على ماءِ األساطيرِ سائرٌ‬
‫الحزن قامة ً‬
‫ِ‬ ‫أعلى من‬ ‫وأطفالـُها‪..‬‬
‫ألوجاعِ كلِّ المُ تعبين تلخـ ُِّص‬ ‫تشخص‬
‫ُ‬ ‫في ُح ِلم عينيه‬
‫هذه األبيات صدرت في ديوان "طفل يركض في األساطير"‪ ،‬وبها يُعرِّف الشاعر‬
‫خط أول حرف في كتاب الحياة‪.‬‬
‫الذي يشبهُ ني نفسه منذ َّ‬
‫■ حاوره‪ :‬أسامة الزقزوق‬

‫حتى الديوان األحدث كأوَّلِ شاعر‬ ‫ ¦مــاهــي أه ــم الـمـحـطــات األدب ـي ــة في‬
‫في األرض أخــط جغرافيا الكالم‬ ‫حياتك؟‬
‫حسب رؤيتي للعالم‪ ،‬وال أرى لي إال‬
‫القصيدة كي أُأَرِ ُخ بها ذاتي وكذلك‬ ‫‪ρ ρ‬محطاتي األدبية هي دواويني منذ‬
‫الزمن الذي أحياه‪.‬‬ ‫الديوان األول "شُ رفة للغيم المتعب"‬
‫‪107‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫أنــا أح ــاول تــأريــخ الحياة التي أحياها‬ ‫ ¦كيف بدأ مشوارك األدبي؟ ولماذا الشعر‬
‫والعصر الذي أعيشه؛ لذا‪ ،‬فمشاكل كل‬ ‫بالذات؟‬
‫إنسان في الحياة هي مشاكلي كأديب‪،‬‬
‫أشار الشعر لي بعصاه فتبعتُه‪ ..‬هذا كل ما‬
‫فأنا أريد أن أضمِّد كل جرح‪ ..‬أن أربِّت‬
‫في األمر؛ فأنا لم أختر الشعر وال توقعت‬
‫على كل قلب‪ ..‬أن أنطق بكل لسان‪ ..‬هذه‬
‫قبل قصيدتي األولى أن أكون شاعرًا‪ ،‬وال‬
‫هي مشاكلي‪ ،‬وال أدري هل هذه الكلمات‬
‫أدري كيف تــم األم ــر‪ ،‬ولــكــن قبل ذلك‬
‫تصلح كإجابة على سؤالك أم ال‪.‬‬
‫بسنوات كنت أغرق في مكتبة بيت والدي‬
‫الثرية التي أتاحت لي اإلطالع على تراث ¦ما هو تقييمك لــأدب في مصر‪ ،‬بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬والعالم العربي‪ ،‬بصفة عامة؟‬ ‫إنساني ضخم من أدب (روايات خاصة)‬
‫ودي ــن وتــاريــخ وســيــاســة؛ ل ــذا‪ ،‬وضعت ‪ρ ρ‬األدب ‪-‬والــشــعــر خــاصــة‪ -‬الشعر في‬
‫مصر في توهج‪ ،‬ويتسع ليشمل ويحمل‬ ‫قدمي في طريق الشعر متسلحا بثقافة‬
‫قــدرًا من الثقل الفكري والحضاري ما‬ ‫تسبق عمري بكثير‪ ،‬والمفارقة أن تلك‬
‫يؤهله للريادة‪ ،‬وهــو كغيره من تجارب‬ ‫المكتبة الخطيرة كانت تفتقر للشعر‪،‬‬
‫الشعر العريقة في البالد العربية يضج‬ ‫ولكن تأثير ديستوفسكي‪ ،‬ومحفوظ‪،‬‬
‫باختالط األصوات بسبب انتشار وسائل‬ ‫وماركيز‪ ،‬وديكنز‪ ،‬والتراث اإلنساني من‬
‫النشر والتواصل االجتماعي؛ ولكنني أرى‬ ‫المعرفة الدينية والتاريخية كان هائال‪.‬‬
‫أن هذه الضجة صحية‪ ،‬وال بد أن تثمر‬
‫ ¦ما هي طقوس الكتابة لديك؟‬
‫تجارب ناضجة‪ ،‬والقارئ الواعي قادر‬
‫على انتقاء أصفى األص ــوات ومتابعة‬ ‫‪ρ ρ‬لــكــل شــاعــر طــقــوســه لــحــظــة اإلبــــداع‪،‬‬
‫إبداعه من وسط هذا الضجيج الجميل‬ ‫وطقوسي ترتبط بالحبر والورقة كثيرا‪..‬‬
‫والــعــذب‪ ..‬وأظ ــن هــذا ال ــرأي ينسحب‬ ‫فــالــورقــة والقلم وبعض الــهــدوء وشــيء‬
‫أيضا على التجربة اإلبداعية في غيرها‬ ‫من الموسيقى الهادئة تعني لي الكثير‪،‬‬
‫من البالد العربية‪.‬‬ ‫إال إنني أتعجب من قصائد أعدها من‬
‫أفضل ما كتبت تخالف تلك المقاييس‪،‬‬
‫فمثال هناك قصائد كتبت على الــورق ¦إن كانت لــك فرصة ألن تصرخ غاضبا‪،‬‬
‫ماذا تقول؟‬ ‫وفي الطريق وأمــام شاشة الكمبيوتر‪..‬‬
‫وقصائد كتبت في العمل وقد كتبت أيضا ‪ρ ρ‬ســوف أصــرخ في وجــه العالم قائال له‬
‫كفى دمـ ــاءً‪ !!..‬دع فرصة ألطفالنا كي‬ ‫في الطائرة وفي الفنادق‪ ،‬إال إنني أشعر‬
‫تنبت أحالمهم البريئة‪.‬‬ ‫باأللفة والحنين مع الورقة والقلم‪ ..‬أو قُل‬
‫أشعر بالثقة أكثر فيما أكتبه على الورقة ¦أمـيــر ال ـش ـعــراء أحـمــد شــوقــي لــه مقولة‬
‫يقول فيها (أخـشــى على الفصحى من‬ ‫وبهذا الساحر (القلم)!‬
‫عامية الـتــونـســي) هــل هــذه المقولة ما‬ ‫ ¦كأديب‪ ،‬ما هي المشكالت التي تواجهك؟‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪108‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫‪ρ ρ‬تجربة ثرة منحت شعري ما كنت أريده من‬ ‫تزال قائمة؟ وما هي األسباب من وجهة‬
‫ضوء في تلك الفترة‪ ،‬وحملته بجناحين‬ ‫ن ـظــركــم ف ــي ت ــراج ــع ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة في‬
‫إلى آفاق المتلقي العربي الواعي الباحث‬ ‫المجتمعات العربية؟‬
‫عن ِش ٍعر جيد ربما تــواريــه الجغرافيا‬ ‫‪ρ ρ‬أرى أن العبء األكبر يقع على مناهج‬
‫وتحجبه المجايلة‪..‬‬ ‫الــتــعــلــيــم الــســقــيــمــة‪ ،‬وطـ ــرق الــتــدريــس‬
‫العقيمة‪ ،‬التي ال تقدم للطالب خاصة ¦هل ترى أن هناك أزمة حقيقية في النقد‬
‫األدبي؟ وما هي أسبابها؟‬ ‫في مراحل التعليم األولى أجمل إبداعات‬
‫لغتنا العربية الساحرة بطريقة مبسطة‬
‫‪ρ ρ‬الرؤى النقدية كثيرة ومختلطة‪ ..‬وربما‬
‫وجميلة؛ ما يُخرج لنا مبدعين أو على‬
‫متناقضة‪ ،‬وكثير من النقد المطروح على‬
‫األقل محبين لإلبداع؛ كما أن لإلعالم‬
‫الساحة هو ترجمات لصيغ نقدية توافق‬
‫دورًا كبيرًا أيضا‪ ،‬وال تنس كذلك دور‬
‫عليها الغرب‪ ..‬وربما هي بعيدة كل البعد‬ ‫األسرة‪ ..‬ولكن أرى أن التعليم هو حجر‬
‫عن طينة حضارتنا؛ لذا‪ ،‬ال تثمر‪ ،‬ولكن‬ ‫الزاوية في ذلك‪.‬‬
‫النقد الذي أؤمن به هو الذي ينبع من‬
‫ ¦اللغة العربية هويتنا وهــي لغة القرآن‬
‫النص نفسه ال مــن نظريات مقتبسة‪،‬‬
‫الكريم‪ ،‬فكيف نحافظ على هذه الهوية؟‬
‫وهنا تكمن المشكلة‪ ..‬حيث يبدو تماما‬
‫لكل متابع أن النقد واإلبداع يسيران في‬ ‫‪ρ ρ‬اللغة العربية لغة إلهية‪ ..‬ولها سماوات‬
‫خطين متوازيين ال يلتقبان أبدا‪.‬‬ ‫إبداع ال انتهاء لها‪ .‬وهذا أكثر ما يميز‬
‫القصيدة العربية‪ ..‬وهــو اتكاؤها على‬
‫ ¦بعد هذا المشوار الطويل في اإلبداع هل‬
‫لــغــة إلــهــيــة مــرصــودة لــإبــداع والخلق‬
‫هناك قصيدة لم تكتبها بعد؟‬
‫واإليجاد‪ ..‬إنها لغة التكوين‪ ..‬وصلصال‬
‫للغات؛ ولذا‪ ..‬هي تحمل جينات الخلود ‪ρ ρ‬بعد عشرة دواوين أستطيع أن أقول إنني‬
‫خططت جيدا لمسودة قصيدتي األولى‬ ‫والبقاء‪ ،‬وطالما وجد القرآن الكريم وهو‬
‫التي لم أكتبها بعد‪.‬‬ ‫باق خالد‪ ..‬فسوف تبقى اللغة العربية‪،‬‬
‫وفي كل جيل يقيُّض اهلل لثلّة مبدعة أن‬
‫ ¦هـ ــل ت ـ ــرى أن م ــؤسـ ـس ــات ال ـ ــدول ـ ــة ت ـقــوم‬
‫تؤكد ذلك بإبداعاتها المتفردة‪.‬‬
‫بواجبها تجاه الثقافة والمثقفين؟‬
‫ ¦حـصــدت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة‪..‬‬
‫‪ρ ρ‬الجهد األدب ــي يبدأ فــرديــا حين يكوِّن‬
‫أيهما اقرب إلى قلبك؟‬
‫األديب نفسه بالقراءة واإلطالع واإلبداع‪،‬‬
‫ثــم يــأتــي بــعــد ذل ــك دور الــمــؤســســات‬ ‫‪ρ ρ‬الــقــلــوب الــتــي تــحــيــط بقصيدتي هي‬
‫الثقافية في رعاية المواهب‪ ،‬وربما تكون‬ ‫جائزتي األغلى‪.‬‬
‫المؤسسات تقوم بدور ما‪ ،‬ولكن أظن أن‬ ‫ ¦حــدثـنــا عــن تجربتك مــع بــرنــامــج أمير‬
‫الشباب من المبدعين يحتاجون دورًا‬ ‫الشعراء؟‬
‫‪109‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫‪ρ ρ‬دواويني بال شك مثل أبنائي‪ ..‬لذا فلها‬ ‫أكبر لها‪.‬‬
‫في القلب مكانة واحدة‪ ،‬ولكن االختالف‬ ‫ ¦قـصـيــدة الـنـثــر كـيــف ت ــرى مــوقـعـهــا على‬
‫يكون في إحساسك بالديوان األول الذي‬ ‫خريطة األدب العربي؟‬
‫وضع اسمك على الساحة‪ ،‬وحمل طفولة‬ ‫‪ρ ρ‬شــريــك حــيــوي ومــؤثــر‪ ،‬وشــكــل إبــداعــي‬
‫قلمك‪ ،‬أو الديوان األحدث الذي تنتظر‬ ‫ساحر ال يجب أن نتهمه‪ ،‬بل أن نستضيء‬
‫به ونسمح له أن يأخذ بأيدينا في طريق‬
‫منه أن يكون إسهامًا جادًا في الساحة‬
‫التجريب الجميل‪ ،‬وقصيدة النثر شريك‬
‫الشعرية العربية‪ ،‬أو الديوان الذي حصل‬ ‫لي ال ينفك عني‪ ،‬وفي مؤملي أن أصنع‬
‫على جائزة‪ ،‬أو هــذا الــذي تكتبه اآلن‪،‬‬ ‫قصيدة تنحاز لــإبــداع الكبير الــذي‬
‫وهكذا‪ ..‬فكل تلك الدواوين هي أنا!‬ ‫ينتظم هذه الحياة بأسرها‪ ،‬ولذا أحب‬
‫التجريب في قصيدة النثر‪ ،‬وأرى أنها‬
‫شريك إبــداعــي لقصيدة العمود‪ ..‬أما ¦ما هو النص الذي تتغنى به لنفسك أو‬
‫لغيرك‪ ..‬ويجول بذهنك حاليا؟‬ ‫كون قصيدة النثر تمثل شكال شعريا أو‬
‫ال فهذا سؤال ترد عليه األجيال القادمة‪،‬‬
‫‪ρ ρ‬عندما أكون في حالة إبــداع‪ ..‬فعادة ما‬
‫راق ال‬
‫وهي بالنسبة لي شك ٌل إبداعيٌ ٍ‬
‫أترنم بأبيات من نصي الجديد الذي‬ ‫يجب أن تخسره الحياة‪.‬‬
‫أكتبه‪ ،‬ولــذا ســأدع هــذه األبــيــات هدية‬ ‫ ¦دواوينك الشعرية هل كلها على مسافة‬
‫لقارئ ديواني الجديد بإذن اهلل تعالى‪.‬‬ ‫واحدة من قلبك؟‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪110‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫لطيفة لبصير‪:‬‬
‫ما أزال بصدد تكوين رؤية عن كتابة المرأة‬

‫الكاتبة والناقدة واألكاديمية المغربية الدكتورة لطيفة لبصير؛ اسم بارز في‬
‫الساحة األدبية المغربية؛ أصدرت العديد من الكتب والمجاميع القصصية التي‬
‫استحسنها النقاد كما القراء‪ ،‬وتُرجمت أعمالها القصصية إلى عدد من اللغات‪.‬‬
‫عن تجربتها في الكتابة القصصية؛ وكيف يمكن تحويل األحــداث اليومية إلى‬
‫كتابة قصصية؟ وعن مجموعتها القصصية الجديدة "يحدث في تلك الغرفة‪"،‬‬
‫وكتابها "الجنس الملتبس" كان لـ"الجوبة "معها هذا الحوار‪.‬‬

‫■ حوارها‪ :‬محمد جنيم ‪ -‬املغرب‬

‫م ــازم ــا لــلــشــخــصــيــة‪ ،‬ت ــح ــاول أن‬ ‫ ¦مــاذا حــدث فــي غرفتك القصصية‬
‫تخفيه عن كل اآلخرين‪ .‬ومن هنا‪،‬‬ ‫"يحدث في تلك الغرفة"؟‬
‫يبدأ الــســؤال‪ :‬لماذا أدّى التحوّل‬ ‫‪ρ ρ‬الذي يحدث هو أن هذه األشخاص‬
‫الفيزيائي إلى البحث عن أسباب‬ ‫وجدت نفسها أمام عطب فيزيائي‬
‫نفسية‪ ،‬وك ــان ال ــذي يــحــدث على‬ ‫غيّر من مالمحها‪ ،‬مثل الشخصية‬
‫مستوى الشكل الخارجي ال يمكن‬ ‫التي عانت من التبسم بشكل دائم‪،‬‬
‫أن يفسره أو يضيئه إال العطب‬ ‫والذي أصبح معه هذا الفرح عطبًا‬
‫‪111‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الداخلي الكامن‪ ،‬والذي يتأتى سواء من‬
‫الطفولة أو العالم الخارجي الذي كثرت‬
‫فيه الحروب أو أشكال العنف‪ ،‬أو الذات‬
‫التي تنتفض هي أيضا ضد الشخص‬
‫نفسه حين يعلن جسد طبيبة تشريح‬
‫انتفاضته القصوى بعشق شفتي جسد‬
‫رجل على طاولة التشريح‪ .‬الذي يحدث‬
‫هو ما يحدث في ذلــك العرض اآلخر‬
‫الذي يحرك العديد من النوازع النفسية‬
‫التي ال نجد لها في بعض األحيان تأويال‬
‫مباشرًا في الواقع‪.‬‬
‫ ¦تـ ـط ــورت ال ـق ـص ــة ال ـق ـص ـي ــرة الـمـغــربـيــة‬
‫بشكل كبير جــدا؛ بالنسبة للكاتبة‪ ،‬هل‬
‫تجد نفسها بأسلوب الحياة نفسها الذي‬ ‫تساير طرق التحديث التي يعمل عليها‬
‫يملي على األعصاب هذا الجدل القائم‬ ‫ال ــرج ــل‪ ،‬أم أن ـهــا وج ــدت لنفسها نسقً ا‬
‫بين األفق والحياة التي تحياها‪ .‬ومن حق‬ ‫خاصاً؟‬
‫الكتابة أن تنزع نحو أحالم أخرى‪ ،‬وأن‬ ‫‪ρ ρ‬أرى أن الكاتبة المغربية تخوض تيمات‬
‫شخوصا ظلوا لفترة حبيسي‬
‫ً‬ ‫تشاكس‬ ‫أخــرى رغم التشابه في بعض األحيان‬
‫ذواتهم؛ ألنهم يشعرون بالخوف‪.‬‬ ‫بينها وبين الرجل‪ ،‬لكن الرؤية مختلفة‪.‬‬

‫ونحن في حاجة إلى هذه الزاوية التي ¦نـلـ ِـت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة التي‬
‫تطرق أبوابًا أخرى ظلت معتمة رغم كل‬
‫تمنح في اإلمارات؛ كيف تقرأين المشهد‬
‫شــيء‪ ،‬وال أحصرها في الجنس؛ ألنه‬
‫الثقافي هناك؟‬
‫يظل ج ــزءًا فقط مما تعيشه األنــثــى‪،‬‬
‫فهناك العديد من المواقف والبناءات ‪ρ ρ‬قبل سنوات‪ ،‬تعرفت إلى الكاتبة ميسون‬
‫صــقــر‪ ،‬وقــــرأت إبــداعــاتــهــا الشعرية‬ ‫النفسية ما تزال معقدة‪ ،‬والسبب كامن‬
‫الجميلة‪ ،‬كما قــرأت روايتها التي تعد‬ ‫وراء ضيق أفــق الــقــواعــد الــتــي تملى‬
‫سيرة ذاتــيــة "ريــحــانــة"‪ ،‬وأعجبت بهذا‬ ‫كقانون يُسيّر حيوات النساء؛ ولذا‪ ،‬فإن‬
‫النص‪ ،‬كما عرفت الكاتبة ظبية خميس‪،‬‬ ‫الكاتبة مهما ابتعدت عن ذاتها‪ ،‬فإنها‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪112‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫الجملة المستقيمة التي نبحث عنها‬ ‫واآلن أتعرف إلى تجارب نسائية أخرى‬
‫ضمن ما نقرأ في السير الذاتية عموما‬ ‫بــدأتُ بالفعل بالقراءة لها‪ ،‬و ُهــنَّ على‬
‫كتعاقد ضمني بيننا وبين كتاب السيرة‪،‬‬ ‫التوالي‪ :‬أسماء الزرعوني‪ ،‬فتحية النمر‪،‬‬

‫لكننا ال نجد مــا نتوقعه‪،‬؛ وبــاألحــرى‪،‬‬ ‫لولوة المنصوري‪ ،‬فاطمة المزروعي‪..‬وما‬


‫أزال بصدد تكوين رؤية عن الكتابة التي‬
‫فنحن نقرأ عوالم أخرى تصنع سيرًا غير‬
‫تكتبها المرأة‪ ،‬وأرى أن هذه التجارب‬
‫حقيقية بالمعنى التقليدي‪ ،‬ولكنها تفسح‬
‫ستأخذ مسارًا آخر قادمًا‪ ،‬عبر التنويع‬
‫المجال لكي تتدخل أساليب أخرى من‬
‫الكمي والنوعي‪.‬‬
‫قبيل القلب والتهوين والتلطيف والمجاز‬
‫ ¦ك ـتــابــك "ال ـج ـن ــس ال ـم ـل ـت ـبــس"‪ ،‬الـسـيــرة‬
‫الــمــرســل إل ــى غــيــرهــا مــن األســالــيــب‪.‬‬
‫الــذات ـيــة الـنـســائـيــة سـيـكــون ح ــاض ــرً ا في‬
‫والكتاب فيه العديد من العناصر التي‬
‫مـ ـع ــرض ال ـ ــري ـ ــاض‪ ،‬ح ــدث ـي ـن ــا عـ ــن ه ــذا‬
‫تــتــحــدث عــن المحكي الــذاتــي وصنع‬
‫الكتاب؟‬
‫الــروايــة األســريــة التي هــي أســاس كل‬
‫‪ρ ρ‬نعم سيكون حاضرًا في جناح المركز‬
‫إبداع وخلق وشخصية أيضا‪.‬‬
‫بتوقيع له‬
‫ٍ‬ ‫الثقافي للكتاب‪ ،‬وقــد قمت‬
‫خــال معرض أبــو ظبي للكتاب الــذي ¦ما هو اإلبداع في نظر الدكتورة لطيفة‬
‫لبصير؟‬ ‫حضرته مؤخرًا‪ ،‬كما قدمت محاضرة‬
‫تقترب مــن هــذه الــتــجــربــة‪ ..‬وهــي عن‬
‫‪ρ ρ‬أتــصــور أن اإلب ـ ــداع هــو ذل ــك الكيف‬
‫عالقة السيرة الذاتية بالتحليل النفسي‪.‬‬
‫الهجين لمجموعة من األحــام وأحالم‬
‫الكتاب هو دراسة للسير الذاتية النسائية‬
‫اليقظة واألعــطــاب النفسية والكتب‬
‫التي تكتبها النساء‪ ،‬والذي يخلق جمالية‬
‫التي نقرأ أيــضــا‪ ،‬وأتخيل أنني أكتب‬
‫خاصة‪ ،‬مثل وجــود العديد من عناصر‬
‫مما يتشكل من أعصابي وأليافها التي‬
‫المشابهة بين الذات التي تتكلم والذات‬
‫تورق هذه التفاصيل دون تلك؛ لذا‪ ،‬ال‬
‫ال ــم ــوص ــوف ــة؛ م ــا جــعــل هـ ــذه الــســيــر‬
‫أتخيل أنني أختار موضوعً ا ما بمحض‬ ‫أشبه بشخوص أخــرى غير الشخوص‬
‫المصادفة‪ ،‬بل هو نتاج تالقح كل هذه‬ ‫الحقيقية‪ ،‬وهو اشتغال على األسلوب‬
‫العناصر جميعها‪ ،‬وهي مَن يتحدث عبر‬ ‫واللغة ودورانها وكيف تعمل على مستوى‬
‫أشخاص آخرين‪.‬‬ ‫الشكل قبل المحتوى على إخفاء حقيقة‬
‫‪113‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫شجرة‬
‫السرح رمز‬
‫األنوثة‪!..‬‬

‫■ ‏أحمد إبراهيم البوق*‬

‫ليس غريبا أن ترتبط الشجرة بــاألنـثــى‪ ،‬فكالهما مـصــدر للحياة والبهجة‪،‬‬


‫وبينهما تـقــاطـعــات كـثـيــرة ليست رمــزيــة‪ ،‬مـحـصــورة فــي الـظــل الـ ــوارف والـعـطــاء‬
‫المستمر؛ ولكن‪ ،‬أحيانا ثمة تقاطعات شكلية وصفات مشتركة‪ .‬وفي الشعر كثير‬
‫من الوصف المشترك بين المرأة والشجرة‪ ،‬وتسرب ذلك في الغناء من القدود‬
‫الحلبية و (قــدك المياس يا عمري‪ ..‬يا غصين البان كاليسر)‪ ،‬إلى الموشحات‬
‫األنــدلـسـيــة عند أبــي بكر محمد بــن زهــر األشـبـيـلــي‪( :‬غـصــن بــان مــال مــن حيث‬
‫استوى‪/‬بات مَن يهواه من فرط الجوى‪ /‬خافق األحشاء موهون القوى)‪.‬‬

‫تتحمل الجفاف بكثرة وان كانت تنمو‬ ‫رمز لألنوثة والشعر‪!..‬‬


‫ولكن كيف تحولت شجرة صحراوية أحيانا في الجبال‪ ،‬وقد يصل ارتفاعها‬
‫دائمة الخضرة كشجرة السرح إلى رمز الى (‪ )6‬أمتار أو تزيد‪ ،‬وربما يرجع اسم‬
‫لألنوثة فــي الشعر العربي وتحديدا السرحة الى انسراح اغصانها وذهابها‬
‫فــي صــدر اإلس ــام؟ وتسمى الشجرة في الجهات‪ .‬ومن أسمائها المرو‪ ،‬وقد‬
‫الواحدة سرحة‪ ،‬وهي أشجار صحراوية استخدم هذا االسم في تصنيفها العلمي‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪114‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫من غرام الطائفين‪ ،‬فال هو قاد ٌر أن يستظل‬ ‫‪ ،Maeruacrassifolia‬وكان المصنف الفرنسي‬
‫بظلها فــي الــضــحــى‪ ،‬وال هــو ذائ ــق فيْأها‬ ‫بيتر فورسكال ‪ Peter Forskal‬قد زار اليمن‬
‫بالعشي برغم وجــده على ظلها‪ .‬وفي ذلك‬ ‫عام ‪1760‬م‪ ،‬وهو من صنفها علميًا‪ ،‬تحت‬
‫يقول‪:‬‬ ‫النوع العربي‪ .‬وربما تكرست رمزية شجرة‬
‫السرح للداللة على األنــثــى؛ عندما حظر‬
‫عال النبت حتى طال أفنانها العال‬
‫الخليفة عمر بن الخطاب رضــي اهلل عنه‬
‫وف ـ ــي الـ ـم ــاء أص ـ ــل ث ــاب ــت وع ـ ــروق‬
‫على الــشــعــراء التعريض بــأســمــاء النساء‬
‫ف ـي ــا ط ـي ــب ري ــاه ــا ويـ ــا بـ ــرد ظـلـهــا‬ ‫في شعرهم‪ ،‬فاستعاضوا عن ذلك بشجرة‬
‫إذا ح ــان مــن شـمــس الـنـهــار وديــق‬ ‫الــســرح‪ .‬ومــن أشهر القصائد التي رمزت‬
‫وهــل أنــا إن عللت نفسي بسرحة‬ ‫للمرأة بشجرة السرح قصيدة حميد بن ثور‬
‫م ــن ال ـس ــرح م ـس ــدود ع ـل ــيَّ طــريــق‬ ‫الهاللي‪ ،‬وهو من الشعراء المخضرمين (في‬
‫الجاهلية وصدر اإلسالم)‪ ،‬وعاصر الخليفة‬
‫حمى ظلها شكس الخليقة خائف‬
‫عمر بن الخطاب ويقول في قصيدته‪:‬‬
‫ع ـل ـي ـهــا غـ ـ ــرام ال ـطــائ ـف ـيــن شـفـيــق‬
‫سقى السرحة المحالل واألبطح الذي‬
‫فال الظل منها بالضحى تستطيعه‬
‫ب ــه الـ ـش ــري غ ـي ــث م ــدج ــن وبـ ــروق‬
‫وال ال ـف ــيء مـنـهــا بــال ـع ـشــي ت ــذوق‬
‫فما ذهبت عرضا وال فــوق طولها‬
‫ومـ ــا وجـ ــد م ـش ـتــاق أص ـي ــب فـ ــؤاده‬
‫م ـ ــن الـ ـ ـس ـ ــرح إال عـ ـش ــة وسـ ـح ــوق‬
‫أخـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـهـ ـ ــوات بـ ــال ـ ـع ـ ـنـ ــاق ل ـب ـيــق‬
‫وهــو يصف هــذه الشجرة‪/‬المرأة التي‬
‫يــدعــو لها بالمطر‪ ،‬وب ــأن أفنانها عالية‪،‬‬
‫وجذورها عميقة تصل لمنابع الماء‪ ،‬وهو‬
‫وصف دقيق واقعي ألشجار السرح الدائمة‬
‫الخضرة‪ ،‬والتي تتعمق جذوها في األرض‬
‫لثالثين مترا أو تزيد‪ .‬ويصف طيب ريحها‬
‫وبرد ظلها في الظهيرة‪ ،‬وهو كذلك وصف‬
‫مشترك ودقيق؛ إذ إن لزهور أشجار السرح‬
‫شذىً طيب الرائحة يجذب إليه النحل وينتج‬
‫أبيض شفافًا غالي الثمن‪ .‬ولكن‬
‫َ‬ ‫منه عسال‬
‫الطريق إلى سرحة حميد بن ثور مسدود‪،‬‬
‫فحول سرحته رجــال أشــداء يحمون ظلها‬
‫‪115‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الهندية وتــحــدي ـدًا فــي المناطق الجافة‪.‬‬
‫وتستخدم أخــشــاب أشــجــار الــســرح قديمًا‬
‫فــي بناء البيوت لصالبتها‪ ،‬وفــي صناعة‬
‫السواني‪ .‬كما تستخدم أغصانها كسواك‬
‫في بعض المناطق البرية‪ .‬ولكنها ال تحتطب‬
‫كوقود‪ ،‬ألن دخان أخشابها يترك نكهة غير‬
‫مستساغة في الغذاء‪ .‬كما تستخدم أشجار‬
‫السرح في الزينة في المناطق الجافة‪ ،‬فهي‬
‫ال تحتاج إلى رعاية كبيرة‪.‬‬

‫الطيور الصحراوية‪!..‬‬
‫بأكثر من وجدي على ظل سرحة‬
‫وتعشش عليها الطيور الصحراوية الكبيرة‬
‫مــن ال ـســرح إذ أضـحــى عـلــيَّ رفيق‬
‫كالنسور والحدات والغربان‪ .‬وتنتمي للعائلة‬
‫الكبرية ‪ ،Capparaceae‬وكبقية أفــراد هذه‬ ‫السرح دواء‪!..‬‬
‫العائلة النباتية جيدة لرعي المواشي كاإلبل‬ ‫وألشجار السرح قيم طبية‪ ،‬كما تداوي‬
‫وآكــات األوراق كالظباء والنعام‪ .‬وقد ورد‬ ‫الــنــســاء ج ــروح الــرجــال وتجبر كسورهم‪،‬‬
‫في الشعر الجاهلي إشــارات لتغذي النعام‬ ‫فــأوراقــهــا غنية بــمــادة الــكــالــســيــوم؛ لــذا‪،‬‬
‫على ثمارها والتي تسمى (اآلء) وواحدتها‬ ‫تستخدم في الطب الشعبي لمداواة كسور‬
‫(آءة) ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي ثعلبة‬ ‫الــعــظــام‪ .‬وتــســتــخــدم ب ــذوره ــا فــي الطب‬
‫بن صعير يصف غذاء النعام عليه‪:‬‬ ‫الشعبي قديما‪ ،‬وكانت شجرة السرح مقدسة‬
‫ط ــرف ــت م ـ ــراوده ـ ــا وغ ـ ـ ــرد سـقـبـهــا‬ ‫في مصر الفرعونية‪ ،‬ويستخدم مسحوق‬
‫ب ـ ـ ــاآلء والـ ـ ـح ـ ــدج ال ـ ـ ـ ــرواء الـ ـح ــادر‬ ‫األوراق في عالج الحمى واألمراض المعدية‬
‫والجلدية‪ .‬وللقيمة الغذائية لــأوراق يمكن‬
‫وكذلك قول ذي الرمة (ت ‪735‬م) يصف‬
‫أن تستخدم في أوقات الشح كغذاء‪ ،‬وبعض‬
‫التهاء النعام بالتغذي على ثــمــار السرح‬
‫القبائل اإلفريقية تخلط أوراق السرح مع‬
‫وأوراقه‪ ،‬وعلى نبات التنوم‪:‬‬
‫حليب األغــنــام وتشربه كــغــذاء رئيس لها‪.‬‬
‫الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــاه آء وتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــوم وع ـ ـق ـ ـب ـ ـتـ ــه‬ ‫وثمارها سائغة المذاق لإلنسان والحيوان‪،‬‬
‫من الئح المرو والمرعى له عقب‬ ‫وتستخدم فــي إفريقيا لصناعة الحساء‬
‫وم ــن أســمــاء ثــمــار ال ــس ــرح‪ :‬ال ــدوال ــي‪،‬‬ ‫وأطباق أخرى‪ .‬إذ تنتشر هذه األشجار من‬
‫والهدال‪ ،‬وفي جازان يسمى المصيص‪ .‬وقد‬ ‫إفريقيا والشرق األوســط إلــى شبه القارة‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪116‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫وصف الشاعر المخضرم تميم بن أبي بن للمحمية‪ ،‬ورسمها وكتب شــعـرًا يستنطق‬
‫فيه السرحة التي تسأل عن ضيفها العزيز‬ ‫مقبل غذاء اإلبل وطيور القطا عليه‪:‬‬
‫الفيصل بن عبدالعزيز‪ ،‬ومما قال فيها‪:‬‬ ‫إذا ظلت العيس الخوامس والقطا‬
‫مــعً ــا فــي ه ــدال يتبع الــريــح مائله ي ـ ــا سـ ــرحـ ــة ال ـف ـي ـص ــل ق ـص ــدن ــاك‬
‫تـ ــدف ـ ـع ـ ـنـ ــي الـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ــرى ل ـ ـن ـ ـجـ ــواك‬ ‫وألش ــج ــار الــســرح حــضــور فــي الشعر‬
‫الشعبي في الجزيرة العربية‪ ،‬وعرفت بين ي ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ــرح ـ ـ ــة بـ ـ ـ ـ ـ ــاهلل ق ـ ـ ــول ـ ـ ــي ل ــي‬
‫أبناء البادية كمقيل للظباء والطيور‪ ،‬ومن‬
‫كـ ـي ــف اسـ ـتـ ـقـ ـم ـ ِـت ل ـ ــه إذا ج ـ ــاك؟‬
‫ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫والــســرح شجر ط ــوال‪ ،‬وهــي كــذلــك من‬ ‫سرحة وتسريحة مقيل الظبيات‬
‫والسرحة القصيا مقيل القماري صــفــات الــجــمــال عند الــمــرأة‪ ،‬وفــي طول‬
‫أشجار السرح يصف عنترة بن شداد أحد‬
‫والتسريحة نوع آخر من األشجار وقريب‬
‫األبطال وكأن ثيابه معلقة في سرحة‪:‬‬
‫من السرح‪ .‬والسرح مــاذ لبدو الصحراء‬
‫لالستظالل بفيئها الوفير‪ ،‬واحتساء القهوة‪ ،‬ب ـ ـطـ ــل كـ ـ ـ ــأن ث ـ ـيـ ــابـ ــه فـ ـ ــي س ــرح ــة‬
‫ي ـحــذى ن ـعــال الـسـبــت لـيــس بـتــوأم‬ ‫ومن ذلك قولهم‪:‬‬
‫ونعود لربط السرحة بالمرأة في قول‬ ‫يــا محال الفنجان ب ــأرض براحي‬
‫ريــح العويدي ذاعــرة عقب ما فاح الشاعر إن ظلها البارد مقصد الركبان في‬
‫هجير الصحراء‪ ،‬ولكن ماءها العذب ال يحل‬ ‫في ظل سرحة والركايب ضواحي‬
‫والبال من كثر الهواجيس من ساح لوارد‪:‬‬
‫وفي محمية محازة الصيد‪ /‬اإلمام سعود ف ـيــا س ــرح ــة ال ــركـ ـب ــان ظ ـلــك ب ــارد‬
‫ـذب ال ي ـ ـحـ ــل لـ ـ ـ ــوارد‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ــاؤك ع ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ابــن عبدالعزيز حــالــيــا‪ ،‬والــتــي تبعد نحو‬
‫‪ 150‬كم شرق مدينة الطائف شجرة سرح‬
‫ونختم ببيت لحميد بن ثور يرى فيه أن‬
‫شهيرة كان يستظل بفيئها الملك فيصل بن‬
‫ال كما يفوق‬
‫سرحته تفوق كل السرحات ظ ً‬
‫عبدالعزيز رحمه اهلل عندما كان نائبا للملك‬
‫جمال الحبيبة جمال كل النساء في عيون‬
‫عبدالعزيز على الحجاز‪ ،‬وكان مقناصه في‬
‫عاشقها‪:‬‬
‫تلك المنطقة المشهورة بكثرة الظباء‪ .‬وقد‬
‫أب ـ ـ ــى اهلل إال أن سـ ــرحـ ــة م ــال ــك‬ ‫وقــف على ســرحــة الفيصل األمــيــر خالد‬
‫عـ ـل ــى كـ ــل أف ـ ـنـ ــان الـ ـعـ ـض ــاة تـ ــروق‬ ‫الفيصل قبل سنوات قليلة في إحدى زياراته‬
‫* باحث وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫والفن‬
‫ِّ‬ ‫االستـهالك‬
‫ِ‬ ‫السينـمـا بين‬
‫■ منصف القرطبي*‬

‫‏يجري التعامل اليوم مع السينما وماهيتها ولغتها الخاصة كما لو أنها مجال‬
‫انتهى البحث في مــوارده المادية والرمزية‪ ،‬وانتهت األسئلة التي يطرحها على‬
‫الباحثين والسينمائيين والمهتمين بسؤال المعرفة واإلب ــداع‪ .‬إذا سألت أحــد ًا‬
‫‪-‬يشاهد األفالم ويهتم بها‪ -‬عن مفهوم السينما‪ ،‬قد يجيبك ‪ -‬لألسف ‪ -‬بالقول‪:‬‬
‫السينما هي لقطات ومشاهد وشخصيات وزمن و‪!..‬‬
‫‏وهــو ســؤال يقودنا إلــى أسئلة أخــرى‪ :‬هل يكفي أن تتوافر في الفيلم لقطات‬
‫ومشاهد وشخصيات وفضاءات حتى ننسبه إلى السينما وعوالمها؟ وما عالقة‬
‫توظف السينما الصورة والكادر‬
‫السينما بالفن؟ ما عالقة السينما بالصورة؟ كيف ِّ‬
‫واإلضاءة؟‬

‫ال من األسئلة أل ــي ــس ــت ال ــش ــخ ــص ــي ــات واألزمــــنــــة‬‫‏هكذا‪ ،‬يجد الباحث سي ً‬
‫العلمية والمعرفية التي تحتاج إلى تأمل والفضاءات من خصائص السينما؟‬
‫طــويــل‪ ،‬وب ــدالً مــن البحث عــن تحديد‬
‫نــســألــه‪ :‬أال تحضر هــذه العناصر‬
‫السينما مــن الــخــارج (الــعــوامــل التي‬
‫في الرواية والمسرح وباقي األجناس‬
‫تحيط بالسينما‪ ،‬وتؤثر فيها داخليا؛ من‬
‫األدبية؟ ما الفرق بين السينما والرواية؟‬
‫عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية‬
‫ونفسية‪ ...‬إلــخ) يجب إيجاد التعريف وهل يمكن أن نقارن بينهما؟‬
‫مــن ال ــداخ ــل‪ ،‬أي مــن بنيتها ولغتها ‏ي ــرى الــنــاقــد الــســيــنــمــائــي حــمــادي‬
‫وتقنياتها‪ ،‬ومــا يميّزها عــن األشكال كيروم أنــه ال يمكن أن نطرح الرواية‬
‫التعبيرية والفنية األخرى‪ ،‬مثل‪ :‬الرواية‪ ،‬والسينما للمقارنة‪ ،‬والبحث فيهما عن‬
‫المشابهة واالختالف؛ ذلك أن للرواية‬ ‫المسرح‪ ،‬القصة‪..‬‬
‫وقد يطرح القارئ ســؤاالً مشروعا‪ :‬نسقها الخاص الذي هو اللغة األدبية؛‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪118‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫أي ما هو مكتوب ومدوّن‪ ،‬ما خطّ ه الروائي تقنياته الخاصة‪.‬‬
‫وبعد هذا‪ ،‬يطر ُح التساؤل حول السينما؛‬ ‫من كلمات لها داللتها الثقافية والمعجمية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬في حين نجد نسق السينما‬
‫متى تكون ف ّنًا ومتى تكون منتوجً ا استهالكيًا؟‬
‫مختلفًا جدًا؛ فهو نسق سيميولوجي‪ ،‬نسق‬
‫يقتضي هذا طرح سؤال آخر‪ :‬هل غاية‬ ‫متعدد (أو أنــســاق صــغــرى)‪ :‬نجد النسق‬
‫التشكيلي‪ :‬من خطوط وألوان تشكيلية‪ ،‬لها الفن االستهالك والتسلية والمتعة فقط‪ ،‬أم‬
‫داللتها السيميائية‪ ،‬من إطار وتكوينات‪..‬كما أنَّ له غايات جمالية وفكرية وفلسفية؟‬
‫يحضر النسق البصري‪ :‬من خالل األيقونة‪ ،‬‏ذلــك أنَّ أشــكــاال تعبيرية كثيرة تحقق‬
‫أي شيء نبصره ويحيل على معطى خارجي‪ ،‬التسلية والفرجة والمتعة (النكتة‪ ،‬الكوميديا‪،‬‬
‫والنسق اللساني‪( :‬من خالل الحوار والكالم الحلقة‪)..‬؛ بينما حــاول السينمائيون منذ‬
‫الذي يدور بين الشخصيات)؛ أي ما يتعلق زمن أن يتجاوزوا التسلية والمتعة فقط إلى‬
‫باللغة المنطوقة والمكتوبة فــي الفيلم‪ .‬تحقيق غايات روحية ووجدانية وفكرية‪،‬‬
‫والنسق الرمزي‪ :‬الذي نجد فيه شيئا يحيل‬
‫تسمو بالذوق وترتقي بالمجتمع وأفــراده‪.‬‬
‫على شيء‪ ،‬يحيل هو بدوره على داللة ثقافية‬
‫لــذلــك‪ ،‬نالحظ أن المجتمعات المتخلّفة‬
‫أو سياسية أو اجتماعية‪ ..‬أي أنه يخضع‬
‫ال تنتج أعماال سينمائية ذات قيمة فنية‬
‫للعالمة كما نظر لها السيميائي بيرس‬
‫تفضل التسلية‬ ‫ّ‬ ‫وفــكــريــة؛ فهي مجتمعات‬
‫(مأثول يحيل على موضوع من خالل مؤول)‪.‬‬
‫السطحية واالستهالك النهم لألفالم التي‬
‫‏تــتــمــيــز الــســيــنــمــا بــلــغــتــهــا السينمائية تــحــرك بعض الــغــرائــز (األكـــل والــشــراب‪،‬‬
‫أو الــبــصــريــة؛ أي "الــســيــنــمــاتــوغــرافــيــا" الجنس‪.)..‬‬
‫‪ :cinematographie‬تأطير اللقطة‪ ،‬زاويــة‬
‫للفن قيمته التاريخية والفكرية والفلسفية‬ ‫الكاميرا والرؤية‪ ،‬اإلضاءة‪ ..‬إلخ‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن‬
‫مجتمعات رأت في‬
‫ٍ‬ ‫توظيف هذه العناصر في مكانها ووضعها التي رفعت مستوى وعي‬
‫الداللي الموضوعي ‪ -‬الذي يخدم الدراما الفنّ وسيل ًة جبار ًة لتنمية األفراد ودعوتهم‬
‫‪ -‬هو الذي يميّز السينما عن باقي األجناس إلى اإلبداع واالبتكار والنقد‪.‬‬
‫‏حــيــن تـجتـمع فــي الفيلم السينمائي‬ ‫األخرى‪.‬‬
‫العناصر التي ذكرناها آنفا‪ ،‬ويوظف المخرج‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن سؤال المقارنة بين السينما‬
‫"السينـماتوغرافيا" توظيفًا خالقًا‪ ،‬يمكننا‬ ‫وأي جــنــس أدبـــي آخ ــر غــيــر وارد؛ نظرا‬
‫أن نــتــحــدث عــن الــفــن والــجــمــال‪ ،‬الـلّــذيْــن‬ ‫لالختالف بين الرواية ‪ -‬مثال ‪ -‬ذات النسق‬
‫حــرص مخرجون عظماء على ابتكارهما‬ ‫الوحيد (اللغوي) والسينما (ذات األنساق‬
‫وتأسيسهما‪ ،‬بعيدًا من االستهالك األعمى‬ ‫المتعددة)‪ ،‬وأيضا‪ ،‬ألن السينما تنتمي إلى‬
‫والتسلية الساذجة!‬ ‫الفن وجمالياته؛ بينما الرواية جنس أدبي له‬
‫ * باحث في السينما من المغرب‪.‬‬

‫‪119‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وادي بطحـان‬
‫جزء من ثقافة شعراء محبي طيبة قديما‬
‫■ د‪ .‬تنيضـــب الفايدي*‬

‫تحيط المدينة النبوية الكثير من الجبال والحرار من جميع جهاتها؛ لذا‪،‬‬


‫تكثر األودية فيها‪ ،‬ويمكن تصنيفها إلى قسمين(‪:)١‬‬
‫أودي ــة شـهـيــرة وه ــي‪ :‬وادي العقيق أو الـ ــوادي ال ـم ـبــارك‪ ،‬وادي بـطـحــان‪ ،‬وادي‬
‫الرانوناء‪ ،‬وادي مهزور‪ ،‬وادي قناة‪ ،‬وادي مذينيب‪ .‬وأوديــة أقل شهرة وهــي‪ :‬وادي‬
‫شظاه‪ ،‬وادي الصرار‪ ،‬وادي جفاف‪ ،‬وادي العريض‪.‬‬

‫وت ــم ــت ــاز ت ــل ــك األوديــــــــة بــمــيــزات التاريخ والثقافة؛ لذا‪ ،‬فإنها من مثيرات‬
‫وخصائص جعلت اإلنسان يحرص على األشـ ــواق إليها منذ الــقــدم‪ ،‬فكم من‬
‫السكنى فيها‪ .‬ومــن أهــم خصائصها‪ :‬الشعراء تغلغل حبّها في قلوبهم فنفثوا‬
‫وفرة المياه‪ ،‬وخصوبة التربة‪ ،‬ونظافة هذا الحب شعراً ونثراً‪.‬‬
‫البيئة‪ ،‬وجوّها اللطيف؛ فشهدت تلك‬
‫ومن أبرز تلك األودية وادي بطحـــان‬
‫األودية حضارات قديمة‪ ،‬حيث سكنت‬
‫على ضفافها قبائل عربية أرست دعائم الــذي يسير من جنوبها وحتى غربها‪،‬‬
‫التطور الحضاري‪ ،‬وبعضها ورد ذكره وهو من أشهر أوديــة المدينة المنورة‬
‫في أحاديث الرسول ‪ ،‬وهناك أودية بعد العقيق‪ ،‬إن لم يكن متساوياً معه‬
‫أخــرى ارتبطت بــالــحــوادث التاريخية فــي الشهرة‪ ،‬ولما قــدم اليهود اختار‬
‫اإلسالمية‪ .‬وتتمتع تلك األوديــة بعمق بــنــو النضير بــطــحــان‪ ،‬فــاتــخــذوا بها‬
‫حــضــاري بوصفها حاضن ًة لجزء من الحدائق واآلط ــام وبقوا فيها إلــى أن‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪120‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫صورة المدينة المنورة عند ما كانت تذكر أوديتها في التاريخ وتوصف بأن بعضها يقع غرب المدينة وبعضها في الشرق وبعضها‬
‫ال‬
‫في الشمال‪ ،‬أما اآلن فإن تلك األودية تقع في قلب المدينة المنورة حيث أصبحت هذه الصورة حالياً تمثل الحرم كام ً‬

‫أجــاهــم رســـول اهلل  بسبب غــدرهــم الحالتين حالتي صعب على بعد سبعة أميال‬
‫وخيانتهم ونقضهم العهد‪ ،‬وذلك في غزوة من المدينة تقريبا‪ ،‬ثم يصل إلى وادي جفاف‬
‫شرقي مسجد قباء‪.‬‬ ‫بني النضير(‪.)٢‬‬

‫وعلى جانبي وادي بطحان كانت منازل‬ ‫ووادي بطحان يخترق المدينة المنورة‪،‬‬
‫األوس وال ــخ ــزرج‪ ،‬وتــحــدد مواقعهم بهذا‬ ‫ويطلق عليه هذه التسمية (وادي بطحان)‬
‫الوادي‪ ،‬إضافة إلى بعض المساجد الشهيرة‬ ‫بدءاً من شرق مسجد قباء‪ ،‬ويتشكل من أودية‬
‫كمسجد الفضيخ (مسجد الشمس) الذي‬ ‫عديدة‪ ،‬وهو يبدأ بشعب العجوز الذي يأتي‬
‫يقع على شفير الــوادي (عندما يكون شرق‬ ‫من ظاهر المدينة المنورة من حرة شوران‪،‬‬
‫ثم وادي مذينيب يرفده من الجنوب الشرقي‬
‫قباء)‪ ،‬وغير بعيد عن شاطئه الشرقي توجد‬
‫ويلتقي مع وادي بطحان شرق مسجد قباء‬
‫آبــار مباركة عديدة‪ ،‬مثل‪ :‬بئر العهن‪ ،‬وبئر‬
‫تقريباً عند تكونه‪ ،‬أوله من الماجشونية(‪،)٣‬‬
‫غــرس‪ ،‬وفي منتصفه (تربة صعيب)‪ ،‬وهي‬
‫ثم يمر كذلك إلى أن يمر غربي سور المدينة‬
‫من المواقع التي يستشفى بإذن اهلل بترابها‬
‫إلى طرف المصلى‪ ،‬ثم يخرج إلى غربي سلع‬
‫وبغيرها من األماكن في المدينة المنورة‪.‬‬
‫وقــرب مساجد الفتح‪ ،‬ثــم يمر كذلك إلى‬
‫وبين قباء وصــدر بطحان توجد العين‬ ‫أن يلتقي مع العقيق بالغابة‪ ،‬حيث مجتمع‬
‫األســيــال(‪ .)٤‬وروى ابــن زبالة أنــه يأتي من الزرقاء‪ ،‬و كانت العين الزرقاء تع ُّد المصدر‬
‫‪121‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وادي بطحان أثناء السيل‬

‫ْصارِ يُّ ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫األساس للماء داخل المدينة المنورة من عهد‬


‫عَ دِ ٍي أخبرني بَ ْك ُر ب ُن ُمبَشِّ ٍر اْألَن َ‬
‫اب رسولِ اهلل  ِإلَى‬ ‫َصحَ ِ‬ ‫كنتُ أَغْ دُو مع أ ْ‬
‫معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬وحتى‬
‫َضحَ ى‪َ ،‬فنَسْ ل ُكَ‬
‫ُصلَّى يَ ْو َم الْفِ طْ رِ َويْو َم األ ْ‬ ‫الم َ‬
‫عهد قريب‪ ،‬وقــد أجــرى مــروان بن الحكم‬
‫ُصلَّى َفن َُصلِّيَ مع‬ ‫بَطْ َن بَطْ حَ ا َن حتَّى نَ ْأتِيَ الم َ‬
‫أمير المدينة المنورة في عهد معاوية بن‬
‫رســولِ اهلل  ثُ َّم نَر ِْج ُع مِ ْن بَطْ نِ بَطْ حَ ا َن‬
‫أبي سفيان رضي اهلل عنه‪ ،‬وجعل لها مناهل‬
‫ِإلَى بُيُو ِتنَا‪.‬‬
‫عديدة داخل المدينة‪ ،‬ينزل إليها بدرج‪ ،‬وقد‬
‫كما ورد ذكر بطحان في حديث عقبة بن‬ ‫أطلق على (العين) عين األزرق نسبة إليه‬
‫عامر رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪« :‬خرج رسول اهلل‬ ‫لزرقة في عينيه(‪.)٥‬‬
‫ ونحن في الصفّة‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم يحب أن‬
‫أما تسمية بطحان فقيل‪ :‬سمي بطحان‬
‫يغدو كل يوم إلى بطحان‪ ،‬أو إلى العقيق‪،‬‬
‫ألن القسم الذي يجري فيه داخل المدينة‬
‫فيأتي منه بناقتين كوماوين‪ ،‬في غير إثم‪ ،‬وال‬
‫سهل منبطح‪.‬‬
‫قطع رحم‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل نحب ذلك‪،‬‬
‫وقد وردت بعض األحاديث الشريفة حول قال‪ :‬أفال يغدو أحدكم إلى المسجد‪ ،‬فيعلم‬
‫وادي بطحان‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل عنها أو يقرأ آيتين من كتاب اهلل عز وجل خير له‬
‫عن النبي  قال‪« :‬بطحا ُن على ترعة من من ناقتين‪ ،‬وثالث خير له من ثالث‪ ،‬وأربع‬
‫خير له من أربع‪ ،‬ومن أعدادهن من اإلبل‪.‬‬ ‫ترع الجنة»(‪.)٦‬‬
‫وقــد روي أن النبي  توضأ من هذا‬ ‫وعــن إِسْ ــحَ ــا ُق بـ ُن سَ ــا ِلـ ٍـم َمـ ْولَــى نَـ ْو َفــلِ بنِ‬
‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪122‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫في ري النخيل والمزروعات‪.‬‬ ‫الوادي يوم غزوة األحزاب‪.‬‬
‫ويقول أحد الشعراء وهو يستعرض أهم‬ ‫ووادي بطحان اشتاق إليه الناس وصافوه‬
‫الــود‪ ،‬بل إن أحدهم يدفع أحزانه بأخرى أودي ــة المدينة استعراضا شــام ـاً‪ ،‬ومنها‬
‫وادي بطحان‪ ،‬وركز فيه على الدور الكبير‬ ‫شوقاً إلى «أهل بطحان وما يحيط به»‪.‬‬
‫لألودية في ريّ النخيل والمزروعات ودور‬ ‫أبـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـعـ ـ ـي ـ ـ ٍـد ل ـ ـ ــم أزل َب ـ ـعـ ــدكـ ــم‬
‫ف ـ ـ ــي كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٍَب لـ ـ ـلـ ـ ـش ـ ــوق تـ ـغـ ـش ــان ــي األقنية والعيون في توفير مياه الشرب ألهل‬
‫المدينة(‪:)٨‬‬
‫ك ـ ـ ـ ــم مـ ـ ـجـ ـ ـل ـ ــس و ّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـل ـ ـ ـذَاتـ ـ ــه‬
‫ل ـ ــم َيـ ــهْ ـ ـ َن ـ ـنـ ــي إذ غ ـ ـ ــاب ُنـ ــدْ مـ ــانـ ــي أيـ ـ ــا ن ـس ـي ــم ال ـصـ ـب ــا بـ ـ ّل ــغ أح ـب ـت ـنــا‬
‫أنــي مقيمٌ على "الـعـلـيــاء" أرعــاهــا‬
‫سـ ـ ـقـ ـ ـيـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ٍـع ول ـ ـسـ ــاحـ ــات ـ ـهـ ــا‬
‫وال ـ ـع ـ ـيـ ــش ف ـ ــي أكـ ـ ـن ـ ــاف ُب ـ ْـطـ ـح ــان حيث "العقيق" و "بطحان" وأقنية‬
‫تروي النخيل ويروي الناس ريّاها‬
‫أم ـ ـس ـ ـيـ ـ ُـت م ـ ــن شـ ـ ــوق إلـ ـ ــى أه ـل ـهــا‬
‫(‪)٧‬‬
‫أدفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ أح ـ ـ ـ ـ ــزانـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ــزان وحـيــث وادي "قـبــا" وال ـمــاءُ يلبسهُ‬
‫ـادات أل ـف ـن ــاه ــا‬
‫بـ ـ ــرد الـ ــرب ـ ـيـ ـ ِـع وع ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ويقول أحد الشعراء وهو يستعرض أهم‬
‫أودية المدينة استعراضاً شامالً‪ ،‬ومنها وادي وفي "العوالي" وفي "قربان" أودية‬
‫وس ـك ـنــاهــا‬
‫ي ــا ح ـب ــذا ه ــي مُ ـ ــرت ـ ــاد ًا ُ‬ ‫بطحان‪ ،‬وركّز فيه على الدور الكبير لألودية‬

‫مسار وادي بطحـان‬

‫‪123‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫عين النقا‪ :‬عين (بكسر العين) جمع عيناء‬ ‫أنس وادي السد يجمعنا‬ ‫ما أنس ال َ‬
‫ـال طـ ــاب م ـثــواهــا أي‪ :‬واسعات األعين حسانها‪ ،‬وحسن عيد‬
‫وكـ ــم ب ــه م ــن لـ ـي ـ ٍ‬
‫األنــثــى يعد مجمع الحسن وأعــظــم األدلــة‬ ‫م ـ ـرّت ك ـح ـلـ ٍـم ول ــم ت ـبــرح معالمها‬
‫فــي الـقـلــب مــاثـلــةٌ تحيا ونحياها على جمالها‪ ،‬والسيما إذا كانت حوراء (حور‬
‫عين)‪ ،‬والحوراء التي في عينها كحل ومالحة‬
‫وقال ابن ُم ْقبِل‪:‬‬
‫وحسن وبهاء‪.‬‬
‫عفا َبـ ِـطــحَ ــانُ مــن ُس َليْمَ ى ف َيثْرِ ُب‬
‫وكـــم تـ ــردد ذكــرهــمــا م ــع غــيــرهــمــا في‬
‫فملقى الرحال من ِمنَى فالمُ حَ َّص ُب‬
‫شعر الحنين المعبر عــن أنــبــل العواطف‬
‫وأرق المشاعر إلى المدينة الحبيبة‪ ،‬فهذه‬ ‫وقد قسّ م بعض الشعراء وادي بطحان‬
‫الكلمات قيلت في تذكّر أهل وادي بطحان‬ ‫إلــى (المنحنى‪ ،‬النقا‪ ،‬وحــاجــر) وهــذه ترد‬
‫والسيما أهل النقا‪ ،‬إذ بدأ قصيدته‪:‬‬ ‫كثيراً في حب المدينة المنورة‪ ،‬فالبد من‬
‫ذكر بعض الكلمات حولها‪:‬‬
‫مَ ــن ع ــذي ــري ي ــوم ش ــرق ــيّ الـحـمــى‬
‫ـوى جـ ـ ـ ــدّ ب ـ ـق ـ ـلـ ـ ٍـب م ــزح ــا‬
‫مـ ـ ــن هـ ـ ـ ـ ـ ً‬ ‫المنحنى‪ :‬يقابل النقا من الجهة الشرقية‬
‫من وادي بطحان‪ ،‬أي‪ :‬جنوب وشرق مسجد‬
‫ن ـ ـ ـظـ ـ ــرةٌ ع ـ ـ ـ ـ ــادتْ فـ ـ ـ ـع ـ ـ ــادتْ ح ـ ـسـ ــر ًة‬
‫الغمامة حالياً‪ ،‬وقــد تغير وضعه وأصبح‬
‫َق ـ ـ ـ َتـ ـ ــلَ الـ ـ ــرامـ ـ ــي بـ ـه ــا م ـ ــن جـ ـ َرح ــا‬ ‫موقعه عمارات شاهقة‪.‬‬
‫النقا‪ :‬الجانب األيسر لــوادي بطحان عند قـلــن يـسـتـطــردن بــي (عـيــن النقا)‬
‫رجـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ ُجـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ وقـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ــان ص ـح ــا‬ ‫دخوله المدينة المنورة القديمة حتى باب العنبرية‬
‫والنقا وحاجر مع المنحنى أكثر الكلمات‬ ‫حالياً‪ ،‬ثم تبدأ (حاجر) حتى وادي العقيق‪.‬‬

‫وادي بطحان بالمدينة المنورة‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪124‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫سد وادي بطحان‬

‫اذكـ ـ ـ ـ ــرونـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـث ـ ــل ذك ـ ـ ـ ــران ـ ـ ـ ــا ل ـك ــم‬ ‫ذكراً عند البكاء شوقاً للمدينة المنورة‪.‬‬
‫رب ذكـ ـ ـ ـ ـ ــرى قـ ـ ــربـ ـ ــت م ـ ـ ــن نـ ــزحـ ــا‬ ‫والنقا مــقــصــوراً مــا بين وادي بطحان‬
‫والمنـزلة التي بها السقيا‪ ،‬وهناك أشعار ورد واذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروا صـ ـ ـبـ ـ ـ ًا إذا غ ـ ـنـ ــى ب ـكــم‬
‫ش ـ ـ ــرب الـ ـ ــدمـ ـ ــع‪ ،‬وعـ ـ ـ ــاف ال ـق ــدح ــا‬ ‫فيها النقا فمن ذلك(‪:)٩‬‬
‫وقال الشاب الظريف(‪:)11‬‬ ‫أال يـ ـ ــا س ـ ـ ــائ ـ ـ ــر ًا فـ ـ ــي ق ـ ـفـ ــر عُ ـ ــمْ ـ ــرٍ‬
‫ي ـكــابــد ف ــي ال ـ ُّـسـ ـرَى وَعْ ـ ـ ــر ًا وسَ ــهْ ــا ول ـ ـقـ ــد رأيـ ـ ـ ــت ب ـ ــرام ـ ــةٍ بـ ـ ــان ال ـن ـقــا‬
‫ف ـم ـن ـعـ ُـت ط ــرف ــي م ـنــه أن يـتـمـ ّتـعــا‬ ‫ب ـل ـغــتَ ن ـقــا ال ـم ـشـيــب وج ـ ــزت عنه‬
‫وم ـ ـ ــا بـ ـع ــد ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا إال ال ـم ـص ـ ّل ــى وم ــا ذاك م ــن َورَعٍ ول ـكــن م ــن رأى‬
‫أشـ ـب ــاه ِع ـط ـف ــك ُحـ ـ ــقّ أن ي ـت ــو ّرع ــا‬ ‫وقال أبو محاسن الشوا(‪:)١٠‬‬
‫وقال إليها زهير(‪:)١٢‬‬ ‫ـاح ربـ ـ ـ ــى ل ــعْ ـ ـل ــع‬ ‫هـ ــات ـ ـيـ ــك يـ ـ ــا صـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ن ـ ـ ــاش ـ ـ ــد ُت ـ ـ ــك اهلل فـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرَّ جْ م ـع ــي ولـ ـ ــي ف ـي ــه ق ـل ــب بـ ــال ـ ـغـ ــرام مُ ـق ـ ّي ــد‬
‫لـ ــه خـ ـب ــرٌ يـ ــرويـ ــه ط ــرف ــي مـطـلـقــا‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ــزل ب ـ ـنـ ــا ب ـ ـيـ ــن بـ ـ ـي ـ ــوت الـ ـ َّنـ ـق ــا‬
‫فـ ـ ـق ـ ــد غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَتْ آهـ ـ ـ ـل ـ ـ ــة الـ ـ ـمـ ـ ـ ْرب ـ ــع ومن فرط و َْجــدي في لَما ُه وثغره‬
‫أعـ ـ ّل ــل ق ـل ـبــي ب ــال ــعُ ــذي ــب وبــال ـ َّن ـقــا‬ ‫حـتــى نـطـيــل ال ـيــوم وق ـف ـ ًا عـلــى ال ـ‬
‫وقال ابن الحُ الوي(‪:)١٣‬‬ ‫ـ ـســاكــن أو ع ـط ـف ـ ًا ع ـلــى الـمــوضــع‬
‫وها هو الشاعر يحنُّ إلى أهل النقا بوادي يقولون‪ :‬ي َْحكى البد َر في الحسن وجهُ هُ‬
‫الحسن مُ نحَ ٌط‬
‫ِ‬ ‫وبد ُر الدجى عن ذلك‬ ‫بطحان‪:‬‬
‫‪125‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الــــوداع‪ ،‬وذي ســلــم‪ ،‬وشــــوران‪ ،‬تــذكــر هذه‬ ‫كـ ـم ــا ش ـ ـ َّب ـ ـهـ ــوا غـ ـص ــن ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا بـ ـق ــوام ــه‬
‫وذل ــك تشبيه عــن ال ـحــقّ مُ ـ ْـشـتــط الكلمات يولّد الحبّ فيقبل الناس بقلوبهم‬
‫وعواطفهم إلى المدينة وكم من محب وقف‬
‫وقال آخر(‪:)١٤‬‬
‫بها‪ ،‬وقد طفرت دمعة صامتة تظهر كوامن‬
‫النفس ومكنون الضمير وخبايا الشعور‪.‬‬ ‫قـ ــرب ال ــدي ــار ي ــزي ــد ش ـ ــوقَ ال ــوال ــهِ‬
‫الس ـ ـ ّي ـ ـمـ ــا إن الح ن ـ ـ ـ ــو ُر جـ ـم ــال ــهِ‬
‫يـ ـ ــا نـ ـسـ ـي ــم الـ ـ ــريـ ـ ــح مـ ـ ــن ك ــاظ ـم ــة‬
‫ش ـ ــد م ـ ــا هـ ـج ــت األسـ ـ ـ ــا والـ ـب ــرح ــا‬ ‫أو ب ـ ّـش ــر الـ ـح ــادي بـ ــأن الح ال ـ َّن ـقــا‬
‫وبـ ـ ــدت ع ـل ــى ُبـ ـع ـ ٍـد رءوس جـبــالــه‬
‫ال ـ ـص ـ ـبـ ــا إن كـ ـ ـ ــان ال بـ ـ ــد ال ـص ـب ــا‬
‫إنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت ل ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي أروح ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫فهناك ِعيلَ الصبرُ من ذي صبوةٍ‬
‫وب ـ ــدا ال ـ ــذي يـخـفـيــه م ــن أح ــوال ــه‬
‫اختفى اآلن وادي بطحان واختفت معه‬
‫األوديـــة المكوّنة لــه‪ ،‬وغــابــت عــن األنظار‬ ‫وتذكر كلمات مثل‪ :‬المنحنى‪ ،‬وحاجر‪،‬‬
‫الكثير من المآثر المرتبطة به‪ ،‬فقد غُطي‬ ‫والنقا‪ ،‬وسلع‪ ،‬وأحد‪ ،‬ووادي بطحان‪ ،‬ووادي‬
‫مجرى بطحان قبل عــدة سنوات بــدءاً من‬ ‫الرانوناء‪ ،‬وادي العقيق‪ ،‬وادي قناة‪ ،‬وإضم‪،‬‬
‫منطقة قربان‪.‬‬ ‫وقــبــاء‪ ،‬والــعــوالــي‪ ،‬والــجــزع‪ ،‬وسليع‪ ،‬ثنيات‬

‫* كاتب ومؤلف سعودي‪.‬‬


‫(‪ )١‬دفاعاً عن الحبيب للدكتور تنيضب الفايدي (ص‪.)72‬‬
‫(‪ )٢‬األودية واآلبار يف مدينة املختار (بني األدب والتاريخ)‪ ،‬للدكتور تنيضب الفايدي‪ ،‬حتت الطبع‪.‬‬
‫(‪ )٣‬املاجشونية‪ :‬نسبة إلى ماجشون وهو موضع بوادي بطحان من املدينة‪ ،‬وبقربه تربة صعيب‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬املاجشونية هي احلديقة املعروفة اليوم باملدشونية (وقد أزيلت حالياً) ‪ .‬املغامن املطابة‬
‫يف معالم طابة للفيروزآبادي‪ ( ،‬ص ‪.)366‬‬
‫(‪ )٤‬نـزهة األنظار يف فضل علم التاريخ واألخبار للورثالني (ص ‪.)526‬‬
‫(‪ )٥‬التعريف مبا آنست الهجرة من معالم دار الهجرة للمطري‪( ،‬ص ‪ .)162‬التحفة الشماء يف تاريخ‬
‫العني الزرقاء‪ :‬تعليق‪ :‬عبيد اهلل محمد كردي (ص ‪.)250‬‬
‫(‪ )٦‬التاريخ الكبير (‪ )51/2‬والبزار كما يف كشف األستار (‪ ،)58/2‬واحلديث حسن مبجموع طرقه‪،‬‬
‫وانظر سلسلة األحاديث الصحيحة (‪.)411/2‬‬
‫(‪ )٧‬املغامن املطابة يف معالم طابة للفيروزآبادي‪.)668/2( ،‬‬
‫(‪ )٨‬مجلة اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬العدد (‪.)52‬‬
‫(‪ )٩‬اجلواهر الثمينة يف محاسن املدينة للكبريت‪.)336/1( ،‬‬
‫(‪ )١٠‬وفيات األعيان يف أنباء أبناء الزمان‪ :‬البن خلكان (‪.)232/7‬‬
‫(‪ )١١‬اجلواهر الثمينة يف محاسن املدينة للكبريت‪ ،‬مصدر سابق‪.)337/1( ،‬‬
‫(‪ )١٢‬املصـدر السـابق (‪.)337/1‬‬
‫(‪ )١٣‬املصـدر السـابق (‪.)337/1‬‬
‫(‪ )١٤‬املصـدر السـابق (‪.)338/1‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪126‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫الوفــــــــاء‬
‫ُ‬
‫وأبعاده االجتماعية‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫موضوعية‬ ‫ٌ‬
‫حديثية‬ ‫ٌ‬
‫دراسة‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬إقبال محمد الوقيد‬


‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬
‫السنة ‪٢٠١٩ :‬م‬

‫‪ρρ‬كتب جهاد أبو مهنا‬


‫الدراســة‪.‬‬ ‫صــدر حديثـاً ضمــن برنامــج النشــر ودعــم األبحــاث‬
‫كمــا أكــدت السُّ ــ َّن ُة النبويــة علــى أهميــة الوفــاء‬ ‫فــي مركــز عبدالرحمــن الســديري الثقافــي كتــاب‬
‫بأســاليب متعــددة مــن خــال الترغيــب والترهيــب‬ ‫الوفــاء وأبعــاده االجتماعيــة‪ ،‬لمؤلفتــه د‪ .‬إقبــال‬
‫واإلغــراء والمــدح‪ ،‬وكشــفت الدراســة عــن‬ ‫الوقيــد‪ ،‬وهــو فــي األصــل رســالة قدمتهــا المؤلفــة‬
‫أهــم المعاييــر والضوابــط اإليمانيــة والســلوكية‬ ‫اســتكماال لمتطلبــات درجــة الدكتــوراه فــي جامعــة‬
‫واالجتماعيــة الموجهــة لهــذا الخُ لُــق‪ ،‬والتــي وضعتهــا‬ ‫اليرمــوك‪.‬‬
‫السُّ ـ َّن ُة النبويــة وأيدتهــا اآليــات القرآنيــة‪ ،‬مــن خــال‬ ‫يتنــاول هــذا الكتــاب موضــوع الوفــاء فــي الســنة‬
‫تقريــر مبــدأ االســتطاعة‪ ،‬والنهــي عــن تعذيــب‬ ‫النبويــة وأبعــاده االجتماعيــة‪ ،‬الــذي لــم تســبق‬
‫النفــس‪ ،‬وتح ـرّي النفــع المجتمعــي وشــمول الوفــاء‬ ‫دراســته دراســة حديثيــة مســتقلة‪ ،‬تأكيــداً ألثــر‬
‫لجميــع فئــات المجتمــع‪.‬‬ ‫الوفــاء فــي تحقيــق البعــد االجتماعــي‪ .‬وجــاء‬
‫وكشــفت هــذه الدراســة أثــر الوفــاء فــي تحقيــق‬ ‫الكتــاب فــي مقدمــة وتمهيــد وبابيــن‪ ،‬البــاب األول‪،‬‬
‫البعــد المجتمعــيّ مــن خــال إزالــة المعوقــات‬ ‫تعريــف الوفــاء وأهميتــه‪ ،‬والبــاب الثانــي فــي‬
‫كالكفــر والنفــاق‪ ،‬ورذائــل األخــاق والســلوكيات‬ ‫مجــاالت الوفــاء ومنظــور الســنة النبويــة فــي تحقيــق‬
‫والتدابيــر الخاطئــة‪ ،‬وأثــره فــي بنــاء المجتمعــات‬ ‫البعــد االجتماعــي‪ ،‬ومنهــا الوفــاء بالعهــود مــع اهلل‬
‫مــن خــال تطبيــق الوفــاء مــن الشــكر واإلحســان‬ ‫ســبحانه وتعالــى ورســوله صلــى اهلل عليــه وســلم‪،‬‬
‫واإلخــاص وأداء الحقــوق فــي جميــع الجوانــب‪.‬‬ ‫والمعاهــدات‪ ،‬والوفــاء بالعقــود والنــذور واأليمــان‬
‫يأتــي هــذا اإلصــدار لغــرض اإلســهام فــي رفــد‬ ‫والوعــود‪ ،‬والوفــاء بــرد الجميــل واالعتــراف بالنعمــة‪،‬‬
‫المكتبــة فــي المملكــة بالدراســات العلميــة الجامعيــة‬ ‫وكشــفت الدراســة عــن منظــور الســنة النبويــة فــي‬
‫فــي مختلــف المجــاالت وتوفيــر مراجــع علميــة‬ ‫تحقيــق الوفــاء لبعــده االجتماعــي وإحــداث التغييــر‪،‬‬
‫محكّمــة بيــن أيــدي الباحثيــن والمهتميــن مــن القرّاء‪.‬‬ ‫ثــم الخاتمــة وأهــم النتائــج التــي توصلــت إليهــا‬
‫‪127‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬
‫بيتر هاندكه‬
‫■ صالح القرشي*‬
‫هل يستطيع القارئُ الفص َل بين إبداع الكاتب ومواقفه في الحياة العامة بكافة أشكالها؟‬
‫هل تؤثر المواقف التي يتخذها الكاتب في تفاعل القراء والنقاد مع منجزه األدبي؟‬
‫هذه األسئلة وغيرها عادت مرة أخرى‪ ،‬مع منح نوبل جائزتها في األدب للروائي النمساوي‬
‫بيتر هاندكه‪.‬‬
‫التي تعطيها مدينة دسلدورف‪ ،‬والتي تبلغ قيمتها‬ ‫ويمكن تلخيص الجدل الذي دار بشأن هذا‬
‫خمسين ألف يورو؛ لكن االنتقادات ثارت‪ ،‬واحتج‬ ‫األمر إلى موقفين بارزين‪ :‬فهنالك مَن يرى أن‬
‫مجلس المدينة على قــرار اللجنة المستقلة‪،‬‬ ‫ليس من شأن جائزة أدبية أن تبحث فيما هو‬
‫وعندها شعر هاندكه باإلهانة وتخلى طواعية‬ ‫خارج اإلبداع األدبي مما يختلف حوله الناس‪.‬‬
‫عن الجائزة ونقودها؛ ومن هنا‪ ،‬تبدو صعوبة‬
‫ليس لها أن تنظر إلى أمثال بيتر هاندكه‪،‬‬
‫الفصل‪ ..‬فالمواقف التي يتخذها الكاتب تطغى‬
‫وقبله غونتر غــراس وغيرهما إال مــن زاويــة‬
‫أحيانا على إبداعه األدبي‪ ،‬وعندما يتخذ الكاتب‬
‫اإلبداع األدبي فقط؛ فيما يرى آخرون أن هذا‬
‫موقفاً تراه الغالبية خاطئاً‪ ،‬فإن هذا الموقف‬
‫الفصل يبدو صعبًا بل وأحيانًا يبدو مستحيال‪.‬‬
‫يــؤثــر فــي النظر إلــى أدب الكاتب مهما كان‬
‫عظيماً‪.‬‬ ‫وهناك مَن يعتقد أن الجائزة التي تسامحت‬
‫مع هاندكه لم تفعل هذا مع األلباني إسماعيل‬
‫لكن أصحاب الرأي األول يرون أن كل هذه‬
‫قــادري الــذي يعتقد كثيرون أن ارتباط اسمه‬
‫اإلشــكــاالت المصاحبة للجوائز ســرعــان ما‬
‫بديكتاتور البانيا السابق أنور خوجة قد أسهم‬
‫يتجاوزها الــزمــن وتتالشى‪ ،‬فيما يبقى الفن‬
‫في عدم حصوله على جائزة نوبل‪.‬‬
‫حاضرًا‪ ،‬وقيمة جائزة نوبل بالنسبة لروائي مهم‬
‫هــؤالء يستشهدون بــأن هاندكه نفسه قد كـ «بيتر هاندكه» هي أنها تقدمه لقراء جدد في‬
‫واجه هتافات تتهمه بالفاشية وهو يتجه وقتها مختلف أنحاء العالم‪ ،‬وكذلك ألجيال قادمه لن‬
‫الستالم جائزة الكاتب المسرحي هنريك إبسن تحكم عليه إال من خالل ما قدم من إبداع‪ ،‬بعيدًا‬
‫عن كل المواقف اإلشكالية‪.‬‬ ‫المرموقة عام ‪2014‬م‪.‬‬

‫بقي أن نذكر أن صاحب «المرأة العسراء»‪،‬‬ ‫وقبلها في عــام ‪2006‬م ‪-‬وهــو العام الذي‬
‫و«خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء» من‬ ‫شــــارك فــيــه ف ــي ج ــن ــازة الــرئــيــس الــصــربــي‬
‫الشخصيات التي اعتبرت أنه ينبغي إلغاء جائزة‬ ‫مــيــلــوســوفــيــتــش الـ ــذي م ــات فــي ســجــنــه وهــو‬
‫نوبل األدبية‪ ،‬وقد قال عن هذه الجائزة «إنها‬ ‫يحاكم كمجرم حــرب‪ -‬فــي ذلــك الــعــام قــررت‬
‫شكل من أشكال التقديس الزائف‪ ،‬الذي ال يفيد‬ ‫لجنة تحكيم مستقلة االحتفاء بالمنجز األدبي‬
‫القارئ بشيء»!‬ ‫لهاندكه‪ ،‬ومنحه جائزة الشاعر هاينريش هاينه‬
‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪128‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬
‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثاً‬

You might also like