Professional Documents
Culture Documents
¦التعدد واالنفتاح
في تجربة الفنانة
التشكيلية عرفات
العاصمي
¦إيقاع الصورة عند
الشاعر مريد البرغوثي
¦أنا راحل ،آخر رسالة
كتبها تولستوي
¦حوارات :الشاعرة مها
العتيبي ،الشاعر حسـن
شـهــاب الدين ،األديبة
لطيفة لبصير
65
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل
العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف
info@alsudairy.org.sa هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458
هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63
www.alsudairy.org.sa الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2015494 :فاكس011 2015498 :
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
رئيساً فيصل بن عبدالرحمن السديري
عضواً سلطان بن عبدالرحمن السديري
د .زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن
عضواً عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري
عضواً د .سلمان بن عبدالرحمن السديري مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
عضواً د .عبدالواحد بن خالد الحميد هيئة النشر ودعم األبحاث
عضواً أ .د .خليل بن إبراهيم المعيقل رئيساً د .عبدالواحد بن خالد الحميد
سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً عضواً أ .د .خليل بن إبراهيم المعيقل
طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً
سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً عضواً د .علي دبكل العنزي
أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً عضواً محمد بن أحمد الراشد
-1أن تكون املادة أصيلة . املشرف العام إبراهيم بن موسى احلميد
محرر ًا محمود الرمحي
-2لم يسبق نشرها ورقياً أو رقمياً.
محرر ًا محمد صوانة
-3تراعي اجلدية واملوضوعية. اإلخراج الفني :خالد الدعاس
-4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت :
-5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. فاكس)+966()14(6247780 :
ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية
-6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني
www.alsudairy.org.sa
والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية. aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566
«اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفسابقاً. سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر. االشتراك السنوي لألفراد 50ريا ًال واملؤسسات 60ريا ًال
يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثقافية،
ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،يخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة
(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً
ال من( :دار
العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر
للنساء .ويصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
Alsudairy1385 0553308853
الـمحتويــــات العدد - 65خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
٤ االفتتاحية :إبراهيم بن موسى الحميد ..........................
٦ ملف العدد :رُبَّ ٍأخ -زياد بن عبدالرحمن السديري .............
٩ نقش على شاهدة -عبدالرحمن الدرعان........................
١١ مشيْناها ..سطراً سطرا -د .عبدالواحد الحميد ...............
١٦ نُـــزُل الـــنّـــعـــيـــمِ -عبدالقادر بن عبدالحي كمال................
17 د .الشبيلي ..مؤرخ اإلعالم السعودي -د .عائض ال َّردَّادي ......
عبدالرحمن الشبيلي :تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية
ألصوغ بها سيرتي -إبراهيم العوامرة ٢١ .........................
قراءة في سيرته الذاتية (مشيناها) -د .عبداهلل الحيدري 24 .....
رسالة من تلميذ لمعلمه -د .علي بن دبكل العنزي ٣٠ ..............
الشبيلي صاحب الخطوة الواثقة -د .هناء بنت علي البواب ٣٢ ....
عبدالرحمن الشبيلي في ذمة اهلل -نواف الراشد٣٥ ...............
الشبيلي والشورى! -أحمد العسَّ اف ٣٦ .............................
د .الشبيلي ..زيارة واحدة ..أم اثنتان؟ -محمد الجفري 40 ........
الشبيلي تخرج من كليتين في وقت واحد ،وكتب سيرته بلغة الغائب
-محمد بن عبدالرزاق القشعمي 42 ..............................
ّدة -محمد صوانة 47 ....... متفر
د .عبدالرحمن الشبيلي..أيقونة ِ
في وداع عبدالرحمن الشبيلي -المحرر الثقافي 49 ...............
دراسات ونقد :أبعاد التعدد واالنفتاح في تجربة الفنانة التشكيلية 6..........................
السعودية عرفات العاصمي -إبراهيم الحجري 50 .................
إيقاع الصورة في شعر مريد البرغوثي -نضال القاسم 61 ......... في وداع
اإلخوة الستة في رواية (الصيادون) -ليلى عبداهلل 70 .............
شعرن ُة األلم في ديوان "جنازة الغريب" لعبداهلل السفر -هشام عبدالرحمن الشبيلي..
بنشاوي72 ..........................................................
لمعاتٌ على رواية النمر األبيض ألرافيند أديغا -محمد الهدوي78 .
82 نصوص :الهجرة -حليم الفرجي ..................................
84 ورقة -حنان بيروتي ..............................................
86 ومضات سريعة -سميرة الزهراني ..............................
87 قمر - 50محمد الرياني .........................................
88 العَصا ميراثُ المؤمنين! -فهد أبو حميد........................
92 تحرير -سمر الزعبي ............................................ 61..............................
93 أصبوحة جوفية -سعاد الزحيفي ................................
94 ذاكرة ال تنام -نوره العبيري................................. إيقاع الصورة في شعر
٩٥ وطني -مرضي الشمري ....................................
96 مَن كمثلي -عبداهلل األمير.......................................
مريد البرغوثي
97 إلى متى؟! -د .سعود الصاعدي ............................
ترجمة :أنا راحل! (آخر رسالة كتبها تولستوي إلى زوجته صونيا)
٩٨ -ترجمتها عن الفرنسية :ياسمينة صالح ........................
١٠٠ مواجهات :الشاعرة د .مها العتيبي -حاورها :عمر بو قاسم.....
١٠٧ الشاعر حسن شهاب الدين -حاوره :أسامة الزقزوق ......
١١١ األديبة لطيفة لبصير -حاورها :محمد نجيم ..............
١١٤ نوافذ :شجرة السرح رمز األنوثة- !..أحمد إبراهيم البوق....... 100............................
١١٨ السينـمـا بين االستـهالك والفن -منصف القرطبي ........
١٢٠ وادي بطحـان -د .تنيضـــب الفايدي............................. حوار مع الشاعرة
١٢٧ قراءات .............................................................
١٢٨ الصفحة األخيرة ................................................ مها العتيبي
■ إبراهيم بن موسى احلميد
يفجعنا الرحيل المفاجئ لمن نحب ونعرف عن قرب ،هذا بالرغم من إحاطتنا بالموت من كل
جانب ،ونحن نرى عن قرب أيضا أقارب وأعزاء لنا وأحباب ألهليهم وألصدقائهم يتزاحمون على
مقابر الموتى لحجز أماكنهم باكرا.
كنا نظن أنهم عاشوا طويال ،وعندما يفجعنا غيابهم نكتشف كم كنا مخطئين ،وأنهم لم يلبثوا
إال قليال ،وأن بقاءهم كان يضيء طريقنا ،و أن رحيلهم يعجّ ل مرور األيام.
من هؤالء الذين افتقدناهم مؤخرًا ،وكان غيابهم موحشً ا ومفاجئًا ،الدكتور عبدالرحمن الصالح
الشبيلي الذي كان أحد مداميك مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،وكان حضوره بارزًا ومؤثرًا
في الساحة الثقافية في المملكة العربية السعودية.
ارتبط أبو طالل -عبدالرحمن الشبيلي -في سنواته األخيرة بمؤسسة عبدالرحمن السديري
الخيرية ،وتوطدت عالقته بها ،وكان أحد أبرز وجوه منتدى األمير عبدالرحمن السديري للدراسات
السعودية في سنواته األخيرة.
كان الشبيلي متميزًا في كتاباته للسِّ يَر ،وللمقاالت ،وفي قراءاته للكتب ،ومشاركاته في مختلف
الفعاليات ،وقد كان الحضو ُر لمنتديات األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية يُنصت
بشكل مختلف عندما يبدأ الشبيلي بإلقاء كلمته التي عوّد جمهور المنتدى على إلقائها ،ولذا فإن
الكثيرين سيفتقدونه ،ومنهم هذا المنتدى الرائع.
كانت سيرة الشبيلي حافلة وثرية ،وبقدر ما كان فيها من عمق وتجربة ..فقد كان وفيًا مع
ثرائها ،فأفرغ كثيرًا من ذاكرته وتجربته في كتاباته التي نثرها في مقاالته ومؤلفاته ،وآخرها
كتاب "مشيناها " لسيرة جميلة وأمينة كادت أن تأخذ صاحبها إلى كتابة الرواية التي تمنّى امتالك
مستعرضا أبرز ما م ّر به في مراحل حياته.
ً ناصيتها ،ولكنه آثر تسميتها "حكايات ذات"
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 4
دراـ ـ ـ ـ ـ
س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اف ـ
بدأت قصة عبدالرحمن الشبيلي في مدينة عنيزة بالقصيم عام 1943م ،حيث وُلد فيها من
أبوين هما :صالح الشبيلي ،وفاطمة ،الفتاة القادمة من تركيا ،التي تزوجها والده عام 1926م،
ـاتـاون
وبقي في مسقط رأسه حتى إكمال دراسته الثانوية ،ثم انتقل إلى الرياض حتى أنهى دراسته فيها
حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة
عام 1963م ،والتحاقه بوزارة اإلعالم وبروزه كمذيع وإعالمي معروف ،ومواكبته لبدايات اإلذاعة
والتلفزيون ،ثم سفره إلى الواليات المتحدة األميركية لدراسة الماجستير عام 1969م ،ومن ثم
إنجاز الدكتوراه في أمريكا عام 1971م.
تولى الشبيلي مناصب عديدة في وزارة اإلعالم ،ثم انتقل إلى وزارة التعليم العالي ومارس العمل
األكاديمي والتأليف ،ثم عُين عضوًا في مجلس الشورى من العام 1994م وحتى العام 2005م.
كانت حياته حافلة باإلنجازات الثقافية ،والجوائز التقديرية ،كما كان من الشخصيات التي لها
عال ،وكان يحظى قلمه باالحترام والتقدير من كافة الصحف حضور ثقافي مرموق ،ولها تقدير ٍ
المحلية ،فقد كانت تبرز كتاباته في مواقع لها أهمية بارزة ،كما أنجز رحمه اهلل أكثر من ثالثين
كتابًا خالل مسيرته ،منها :الملك عبدالعزيز واإلعالم ،ركائز التنمية السياسية في فكر الملك
عبدالعزيز ،فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال (عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة
الجوف) بمشاركة نخبة من الباحثين ،التجربة الشورية في المملكة العربية السعودية بين اإلطار
والتطوير ،إبراهيم العنقري ،عبداهلل بن خميس ،عنيزة وأهلها في تراث حمد الجاسر ،حديث
الشرايين ،جريدة الدستور البصرية والشؤون السعودية والكويتية فيها ،سوانح وأقالم في السياسة
والثقافة واإلعالم ،محمد أسد ..هبة اإلسالم ألوروبا ،مجلس الشورى ..قراءة في تجربة تحديثه
(بالمشاركة مع آخرين) ،خالد بن أحمد السديري ،تأسيس المملكة العربية السعودية بأقالم 60
مؤرخا ،وأخيرًا كتاب سيرته (مشيناها :حكايات ذات).
وقد توفي الشبيلي رحمه اهلل مساء الثالثاء 28ذو القعدة 1440هـ ( 30يوليو 2019م) ،بعد
بضعة أشهر من إنجازه لسيرته التي أسماها "مشيناها".
خاصا بالراحل الكبير رحمه اهلل ،فهي تحاول استعادة ذكراه ،وفا ًء
ً والجوبة إذ تنشر محورًا
لما قدّمه لوطنه ولمركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،وكما قال الدكتور زياد بن عبدالرحمن
السديري "إننا جميعًا في المركز سنفتقد الكثير بعد رحيل أبي طالل ،كما سيفتقده المتابعون
والمستفيدون من أعماله ومناشطه ."..وكما كتب الدكتور عبدالواحد الحميد في العدد 64من
الجوبة "إن أسرة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تشعر بشكل خاص بمرارة الفقد ،فعلى مدى
سنوات طويلة ماضية وإلى يوم رحيله المؤلم الحزين ..كان د .عبدالرحمن الصالح الشبيلي شعلة
من النشاط ضمن أسرة هذا المركز ،وبهذا الرحيل المفاجئ الصاعق تشعر أسرة المركز أن ركنًا
ركينًا من أركانه قد هوى ،تاركًا في قلوب محبيه داخل المركز وخارجه فراغً ا موحشً ا يصعب ملؤه".
5 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ُر َّب ٍأخ
■ زياد بن عبدالرحمن السديري*
وتبع انطالق الرحلة ،التي غدت حولية ،المركز الثقافي الذي كنت ،وما زلت ،أتولى
وأطــلــق عليها أبــو طــال اســم الشورحالة ،متابعة أعماله ،الوالد رحمه اهلل.
فقد بــادر أبو طالل بسؤالي عما فعلناه مشروع كنت أسعى إلكماله،
ٍ حديثٌ بيننا عن
أال وهو تدوين ما تيسر من سيرة مؤسس في هذا السبيل ،ثم شرع فاقترح خطة عمل
إلنــجــاز الــمــشــروع ،واســتــعــد فتولى رئاسة
د زياد بن عبدالرحمن السديري
تحريره ،واستمر فتابعه حتى صدوره بعنوان:
«تاريخ وطن وسيرة رجال» ،وهو العنوان الذي
اختاره له.
ورغب مجلس إدارة المركز تقديم مكافأة
نقدية ألبي طالل نظير إكماله هذا العمل،
ولكنه رفض قبول المكافأة ،موضحاً أنها ما
كانت غاية له في تصديه للمشروع ،وما كان
يرغب لها أن تغير في ذلك.
ولــم تقف عــطــاءات أبــي طــال للمركز
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 6
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
يلقي كلمة هيئة منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية ،وإلى يمينه فيصل بن عبدالرحمن السديري
وعالقة األخ بأخيه بما اتصفت به من متانة األثر البالغ الذي تركه رحي ُل أبي طالل ،كما
وديمومة ،وعالقة االبــن بــوالــده بما قامت ظهر من جمهور الحضور الكبير الذي شارك
احترام جم منّي له .فأبو طالل لم بالصالة على جثمانه ،وشهد دفنه ،وقـ ّدم ٍ عليه من
يكن ليكتفي بإبداء الرأي لي فيما أستشي ُره العزاء فيه .وكما عبرت عنه الرثائيات الكثيرة
يستجيب لما أطلبه التي كتبت فيه ،شعراً ونثراً .وكما تشهد به ُ به ،فيُس ُّره لي بصدق ،أو
منه ،فيقدمه لي دون تردد ،أو يقفُ معي كلما المنتديات المتتابعة التي تناولته موضوعاً
احتجت له ،فيشد من ساعدي؛ وإنما كان لها ،كما في هذه الندوة .وما فعل الناس هذا ُ
غفلت عنه ،اال حباً ألبي طالل ،وتقديراً لمآثره ،وتعبيراً ُ علي بما
فوق هذا يُباد ُر فيُشي ُر َّ
ويُقدِّم لي ما لم أجــرؤ على طلبه ،ويح ّثني
صادقاً عن فجيعتهم بفقدانه ،ليس إال.
على عملِ ما كان يجد ُر بي التصدِّي له.
شهدت تدفق هذه المشاعر فقلت إننا ما
ـت أو ُّد أن أق ــو َل إنــهــا عــاقــة خاصة
كــنـ ُ
نزال بخير ما دمنا نحمل هذا الحب والوفاء
ربطتني دون سواي بأبي طالل .إنما الحقيق ُة
لنبيل كأبي طالل .وتأملت في ذلك ففهمت
كذلك مع ُك ِ ّل َمن سعد
َ أن أبا طالل كان هي َّ
أن أبــا طــال ظـ َّـل فــي وفــاتــه ،كما كــان في
بمعرفته ،األ ُخ الــذي يطمئ ُن لــه الجمي ُع،
حياته ،محركاً ألحسن ما فينا.
والصدي ُق الذي يثقو َن برأيه ،والرج ُل الذي ال
رحم اهلل أبا طالل. أدل على ذلك من يغيب عند الحاجة إليه .وال َّ ُ
* العضو المنتدب في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي.
منذ تأسيس نواته األولــى المتمثلة في مكتبة الثقافة العامة بالجوف في منتصف
الثمانينيات الهجرية كان -وما يــزال -مركز عبدالرحمن السديري الثقافي أشبه بينبوعٍ
تأوي إليه الطيور من كل جهات الوطن ،وكان من حسن حظي أن عملت في هذا المركز؛ ما
هيأ لي فرصة االلتقاء بعدد من الشخصيات الثقافية الفاعلة ،وكان أحد هؤالء المرحوم
الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ،الــذي جمعتني به مناسبات عــديــدة ،فضال عن مشاركتي
مع نخبة من الباحثين والكتّاب في كتابة فصل من كتاب (عبدالرحمن السديري :فصل
من تاريخ وطن وسيرة رجال) الذي عكف رحمه اهلل على تحريره ،وخالل تلك الفترة كنا
-استجابة لمقتضى العمل -نتواصل باستمرار؛ فآن ًا نجتمع في منزله بالرياض ،وآن ًا آخر
نكتفي بالتواصل الهاتفي؛ وكانت مثابرته وجهوده ومتابعته الدؤوبة سبب ًا في نجاح الكتاب
وإنجازه في الوقت المناسب ،وفقا للخطة المقررة ،منذ البدء حتى الختام؛ بيد إن العالقة
الشخصية بيننا امتدت وتوثّقت فيما بعد.
الفراغ الذي تركه في داخلي؛ في زيارته األخيرة للجوف ،دعاني الصديق
فقد شعرت حال سماع خبر خليفة المسعر إلى فنجان قهوة ،بصحبة الراحل،
ســقــوطــه م ــن شــرفــة بيته الذي كان قادما -على الرغم من زحمة مشاغله
فــي ضــواحــي بــاريــس بذلك -لتلبية دعوة المركز ألمسية شعرية ،وقد أرجأ
الــدوي الهائل الذي يجعلك دعوتي له بسبب سفره واعدا إياي أن يشرفني
تهرع في لحظة جزع لتتفقد بالزيارة في مناسبة قادمة ،اتضح اآلن أنها
نفسك في المرايا ،متسائال مناسبة لن تجيء؛ فالموتى يتركون مواعيدهم
فزعا :هل كان ذلك مناما؟ بال رأفــة ،كما تترك العصافير أنغامها على
مرددا ما قاله المتنبي: األشجار وتهاجر.
ال أدع ــي بأنني أحــطــت بمعرفته ،لكنني ط ــوى ال ـج ــزي ــرة ح ـتــى ج ــاءن ــي خـبــرٌ
ف ــزع ــت مـ ـن ــه ب ــآم ــال ــي إلـ ـ ــى الـ ـك ــذب أستطيع الزعم بــأن ما عرفته يكفي للكتابة
ورأي ــت وحــش الــمــوت يعض قلبك ويــزدرد عن بعض سماته الشخصية؛ ولكنه بالتأكيد ال
ما تبقى فيه من فرح ،ويغتال صفي أضالعك يفيه حقه من التأبين ،بل أظن أنني وجدت في
المتقابلتين كرجال متأهبين للعرضة ،فيا ترى شخصيته من اللطف والحن ّو والكياسة ولباقة
هــل ك ــان الســمــي نصيب مــن ذل ــك االرتــطــام الحديث ،ما يجعلني أؤثر -عوضا عن الكتابة
الهائل؟! وهل تتصادى األسماء إلى ذلك الحدّ؟ -أن أهيل الدمع على الكلمات ،وأحدّق في هذا
9 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
اإلعالمية ،واستحضرنا صورته متحدثا على منذ تلك اللحظة ،كلما نودي باسمي الحت
المنصة ،فإننا على األرجح لن نتمكن من التقاط لي هاوية ســوداء ،واعتراني الشعور بالفقدان
كلماته ما لم نُصغِ إليه بكل حواسنا ،فقد كانت مجدداً وتحرّك في داخلي حطام شيء ما.
حنجرته مدوزنة على مقام األســرار ،ويا لهول
منذ تلك اللحظة الــعــاصــفــة ،لــم تعترِ ني
ما نكتشفه من الجمال في الكلمات التي يقولها
طمأنينة ،ولم يؤذن األمل في داخلي :اتئد ،فعما
بطبقة صوته التي تضفي عليها لونا آخر.
قليل سينهض ملء قامته ،ويقف كالمئذنة بكامل
وعبدالرحمن الشبيلي ،كما يعرف المقربون عافيته؛ فثمة صوت لم يكن سوى صوت الناعي
منه ،حصا ٌن مشّ اءٌ ،يمشي الهوينى أنيقا ،كما لو يندلع في أصقاع روحي هاتفا( :اسمع الكلمات
أنه يخرج للتو عريسا من قصيدة نزار قباني، ولكن ال تصدق سوى الرائحة) .وهكذا يوم نقلوه
ويجس األرض على إيقاع موسيقى أبي العالء: إلى المستشفى التخصصي بالرياض انتشرت
خ ــفّ ــف الـ ـ ـ ـ ــوط َء مـ ــا أظـ ـ ــن أدي ـ ـ ــم ال ـ ـ شائعة موته التي كذبها المقربون منه مصحوبة
ـ ـ ـ ـ ـ ــاألرض إال مـ ـ ــن هـ ـ ـ ــذه األجـ ـ ـس ـ ــاد بدعوات متوجسة كما لو أنها تسمع صدى ما
قاله المالك لي بعد أن مر بي كطيف أسود:
نــعــم ،كــان يمضي فــي طــريــق الــحــيــاة على
صــراط الــحــب ،ال أقــل وال أكــثــر ،ويحيا وهو أنا ذاهب للقبض على اسمك ،فانتبه .أنساك
يرهف السمع إلى دقــات قلبه ،مؤمنا بأن كل اليوم لئال تنساني أبدا .قلت اتئد أيهذا المالك
نبضة هي احتمال النبضة األخيرة! وقد كان إذا فصاح :عرفت طريقي .وراوغني وابتعد .وهناك
كان يسل روحه العابقة بالحب ،ويسل معها روح
شئنا أن نصفه بدقة :تابوت عظام م َّر كما يم ُّر
البهجة التي لم تكن أبدا تكتمل إال عندما يلقي
القمر على البحيرة! ولكنه سيظل حيا كالوشم
هالل ابتسامته على حواشي لقاءاتنا المتعاقبة.
األخضر بقدر ما كانت الحياة صغيرة وضيقة
في عينيه. فهل سنجرؤ بعد اآلن أن نودع أحبتنا بالجملة
الــزائــفــة« :إل ــى الــلــقــاء» ،وه ــل س ــوف نستمر
يــجــدر بــي أن أشــيــر إلــى أنــنــي مــذ تأكدت
بالكذب ،ونحن ندرك أن القارب الذي أقله إلى
من نبأ وفاته الح لي اثنان ،أجــزم أنهما كانا
الضفة األخــرى لن يعود به ،ولكنه سيعود في
أكثر ثكال وحزنا على رحيله :الدكتور زياد بن
صيد جديدة. رحلة ٍ
عبدالرحمن السديري ،والدكتور عبدالواحد
ال أتــذكــر متى التقيته وجــهــا لــوجــه للمرة الحميد؛ وعندئذ لم أجد مناصا من مواساتهما،
األولى ،لكن ما أتذكره جيدا أنني عثرت في تلك وبين سطور رسالتي كنت أقول لهما :قفا نبك،
اللحظة على المعنى الحقيقي لتلك الكلمة التي وقد وقفنا معا ،وكنا نبكي.
ظلت جامدة في القاموس (دمــاثــة) األخــاق،
وعلى حدة ،وقفنا نكتب على شاهدتي قبره: وأستطيع القول بال مبالغة إنه حرّر هذه الكلمة
من المعجم متمثال إياها؛ ولذا ،أظن أن أحداً سالما عليك أبا طالل.
سالما على روحك ،وأنا أكاتبك حرا من قيد لن يختلف معي على ذلــك الطابع الــذي طبع
شخصية الراحل ،رحمه اهلل ،فسبحان الذي المجامالت.
أبا طالل :ليتك لم تمت ،وليت أننا لم نكتب سوّى.
لــو ُعــدنــا ثانية إلــى محاضراته وبرامجه رثاءك.
* كاتب وقاص من السعودية.
ذات يوم من شهر ديسمبر عام 2012م كنا -د .عبدالرحمن الشبيلي وأنا -نأخذ مقاعدنا
في صالة المغادرين بمطار الملك خالد الدولي بانتظار إقالع الطائرة التي ستُ ِقلُّنا إلى
الجوف لالشتراك في ندوة نظمها النادي األدبي هناك عن المرحوم الدكتور عارف المسعر.
ليلة السفر إلى الجوف مع الدكتور الشبيلي ،كنت أرتب أوراقــي وأغــوص -كالعادة -في
أرشيفي القديم مستعرض ًا الصور والمجالت والجرائد والقصاصات المتراكمة على مدى
عشرات السنين مما قد يكون له عالقة بالرحلة؛ فق َفزَتْ إلى ذهني صورة النجم عبدالرحمن
الشبيلي الذي كنت أقرأ عنه في الصحف عندما كنت طالب ًا في المدرسة المتوسطة في
الجوف في منتصف الستينيات الميالدية.
الشبيلي مدير برامج تلفزيون الرياض -يبلغ كنت أقتني أعداداً كثيرة من مجلة «الجمهور
من العمر 24سنة -يحمل شهادة الليسانس الجديد» اللبنانية التي كان فريد أبو شهال يرأس
من كلية اللغة العربية وشهادة البكالوريوس من تحريرها ،وكانت المجلة تهتم بأخبار المملكة
قسم الجغرافيا بجامعة الرياض -انضم إلى وتفرد لها صفحات كثيرة ،بما في ذلك بعض
أســرة اإلذاعــة والتلفزيون قبل ثالث سنوات- األخبار المتعلقة بالتلفزيون والراديو والثقافة
عمل أوالً مذيعاً في إذاعة جدة ،ثم انتقل إلى والفن بالمملكة ،فتذكرت أنني شاهدت ذات
إذاعة الرياض حيث عمل مساعداً لمراقب عام مرة صورة للشبيلي في أحد أعدادها القديمة
البرامج إضافة إلى قيامه بعمله مذيعاً ،وقبل وتحتها تعليق عــن نجم التلفزيون السعودي
عام تقريباً انتقل إلى التلفزيون ليعمل مديراً عبدالرحمن الشبيلي .لــم يكن مــن الصعب
للبرامج إلــى جــانــب تقديمه لبعض البرامج العثور على المجلة ،فهي ضمن مجموعة من
والنشرات اإلخبارية في اإلذاعــة والتلفزيون.. المجالت األثيرة عندي الرتباطها بمرحلة من
من برامجه التي يقدمها في التلفزيون برنامج العمر وبمكان وزمان وظروف ذات خصوصية
حديث األصدقاء وبرنامج األخبار في أسبوع». وعمق وأثر في نفسي .وعندما تصفحت بعض
صـ َوّرت الصفحة التي تتضمن الخبر ،وفي أعــداد المجلة عثرت في العدد 636الصادر
صــالــة الــمــغــادريــن بالمطار قدمتها للدكتور بتاريخ 25آب (أغسطس) 1966م على موضوع
الشبيلي ،ورحنا نتحدث طــويـاً ،وغصنا في منشور في الصفحة التاسعة والعشرين بعنوان
ذكريات الماضي عن أحداث وشخصيات طواها «نجوم التلفزيون» جاء فيه تعريف بعبدالرحمن
الزمن ،وعندما انتبهنا كانت الطائرة قد أقلعت الشبيلي عــلــى الــنــحــو اآلتـ ــي« :عبدالرحمن
11 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ودهاليز المسؤولين ،فبين عشية وضحاها
أصــبــح مــعــروف ـاً مــن بــعــض شــرائــح المجتمع
وانغمس مخدوعاً بـ"النجومية" الزائفة في
عيون مَن عرفه ،منذ انتقل وزمالؤه الفنيون من
بيئاتهم المحدودة ( )...لينصهروا في مجتمع
متآلف متنوع الفئات من كل أنحاء البالد؛وليقود
الــفــتــى الــقــادم مــن القصيم بــرامــج تلفزيون
الــريــاض دون ســابــق معرفة ب ــه» ..ثــم يقول:
«يشعر البعض من استقراء نماذج معينة ،ومن
خالل استعراض اآلثار النفسية السلبية لتلك
المظاهر على المتمتع بـ"النجومية" المضللة،
بــأن ضررها المحتمل على المستقبل يكمن
في جوانب حياتية ،منها تعطيل تقدم نجاحاته
العلمية والثقافية فيما لو انساق وراءها وهو لم وتركتنا نتحدث في صالة المغادرين!
تذكّرتُ تلك الواقعة حين كنت أتصفح كتاب يكمل تحصيله العلمي واكتفى بما تضيفه على
السيرة الذاتية للدكتور الشبيلي الــذي صدر شخصه من تمجيد وتخدير».
بالطبع لم يتخدر الدكتور الشبيلي ،ولم يتوقف مــؤخــراً بعنوان« :مشيناها ..حكايات ذات».
فالشبيلي النجم التلفزيوني الذي كانت الصحف عــن التحصيل العلمي عند درجــة الليسانس
تتناقل أخبار نشاطاته وبرامجه ،هو من ظلت والبكالوريوس ،وإنما واصل مشواره التعليمي
صورته عالقة في خيال فتى من الجوف يعشق حتى نهايته .ولم تكن مقاومة إغراء النجومية
القراءة وال يعرف عن التلفزيون إال اسمه؛ ألن أمراً سهالً ،فقد كان عليه أن يتخلى عن أشياء
التغطية التلفزيونية لم تكن قد شملت الجوف كثيرة مما توفره النجومية للنجم؛ فغادر الوطن
في ذلك الزمان .هذه النجومية التي ربما غبط إلى الواليات المتحدة لدراسة اإلعــام بشكل
كثيرون الشبيلي عليها هي التي تُــحـدّث عن منهجي حتى حصل على درجتي الماجستير
معاناته معها في الصفحة 151والصفحة 163والدكتوراه في اإلعالم .لكن الشبيلي الذي أحب
وصفحات أخرى من كتابه الشيق الذي روى فيه اإلعالم من خالل الممارسة الفعلية في المملكة
رحلته عبر دروب الحياة منذ والدته في مدينة قبل البعثة ،وعلمياً بعد التخصص األكاديمي في
أمريكا عاد مجدداً إلى حقل اإلعالم األثير إلى عنيزة.
يقول الشبيلي« :دام االرتــبــاط مع اإلذاعــة نفسه متسلحاً بما تعلمه في البعثة وبما شاهده
والتلفزيون نحو أربعة عشر عاماً ،كانت على ما من تجارب إعالمية في الواليات المتحدة.
ي ــروي الشبيلي فــي «مشيناها» بأسلوبه فيها من أضواء وشهرة ،تمثل حياة شاب عاش
منبهراً بالحظوة واالقتراب من دروب الساسة المميز الــجــاذب تفاصيل تتجاوز كثيراً في
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 12
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
الخاص ،ويرى أن نجاحاتها المهنية تتغذى على أهميتها وإدهاشها جانب النجومية الفردية التي
«إخفاقات اإلعــام الرسمي ،وال يوجد اليوم هي "مفتاح" معرفة الكثير من الناس للشبيلي،
سبب وجيه يُبقي اإلعالم المهاجر الناجح خارج وبخاصة األجيال التي عايشت الفترة التي كان
الحدود ،بينما البالد في مسيس الحاجة إليه. زمن كان التلفزيون يطل خاللها من الشاشة في ٍ
إنها تكاد تكون الحالة الوحيدة في العالم التي السعودي هو القناة التلفزيونية الوحيدة المتاحة.
يوجد فيها إعالم مهاجر مؤثّر وإعالم رسمي يحكي الشبيلي قصة الخطوات األولى إلنشاء
داخلي ال يقوى على التأثير باعتراف حكومي التلفزيون السعودي وجهود رجال مخلصين مثل
صــارت بموجبه البيانات المهمة والمقابالت جميل الحجيالن في حماية التجربة عندما
تُخَ ص بها القنوات المهاجرة». كانت في مهدها ،وكيف مضت التجربة صعوداً
وهبوطاً بين مـ ٍـد وجــزر ،ومــاذا كــان يــدور في
ومن وزارة اإلعالم إلى وزارة التعليم العالي قصصٍ كواليس التلفزيون ووزارة اإلعــام من
ثــم إلــى مجلس الــشــورى امــتــدت رحلته تحت وتناقضات وإشاعات، ٍ عايشها بحلوها ومرها،
مظلة العمل الحكومي وشــبــه الحكومي ،ثم وتقاطعات ومصالح يغطيها ويطغى عليها تعاو ُن
جاءت المرحلة التي أعقبت انتهاء عضويته في مجموعة من اإلعالميين والفنيين الشباب من
مجلس الشورى لثالث دورات متتالية فكانت مختلف مناطق المملكة ،لتقديم أقصى ما
من أجمل مراحل العمر ،وبخاصة تفرّغه شبه يمكنهم تقديمه فــي ظــل مثبطات اجتماعية
وفنية ورقابية .ولكن في النهاية يقرر الشبيلي
أن يغادر التلفزيون ووزارة اإلعالم بعد سلسلة
من المواقف ،ويصف مغادرته قــائـاً« :خرج
(الشبيلي) من سنوات العمل في وزارة اإلعالم
صفر اليدين ،من سيارة تنقالته التي تمتلكها
الوزارة ،فأكرمه أحد معارفه بتوفير سيارة دوج
من وكالتها في شارع األحساء بتقسيط مريح».
أما عن اإلعالم فيقول الشبيلي" :إن كاتب هذه
الخواطر يجدد التأكيد على أنه لم يشعر في
سنة من السنوات بالرضا عن مضمونه ومستواه،
مقتنعاً بأن دولة في مكانة المملكة وصدارتها
وموقعها ،قمينة بإعالم داخلي وخارجي أفضل،
وبحياة فكرية أرقــى ،لم يتسنَّ لهما الظهور".
وعــن اإلع ــام الــســعــودي الــخــارجــي تــحــديــداً،
يــرصــد الشبيلي ظــاهــرة الصحف والقنوات
السعودية المهاجرة المدعومة بمال القطاع
13 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
والــدة عبدالرحمن الشبيلي التي تزوجت في التام للتأليف وإلقاء المحاضرات والمشاركة
القصيم ،وذابت في مجتمع عنيزة حتى صارت في األعمال التطوعية من خالل بعض الهيئات
مثل أيّ امرأة قصيمية األصل والمنشأ والوالدة، والجمعيات والمؤسسات.
فكانت تتحدث بلهجة قصيمية خالصة ،وتصنع
ولعل من أمتع ما يطالعه قــاري "مشيناها"
األكالت والحلويات المحلية ،وتتعامل مع التمور
ذلــك الــوصــف ال ــذي يقدمه الــمــؤلــف لبيئات
وتــعــرف أنــواعــهــا بالرغم مــن أنها «كــانــت في
العمل المختلفة التي عمل فيها ،فهو يفصح
األصــل نازحة من تركيا إثــر الحرب العالمية
عن معلومات جديدة ال يعرفها القارئ عن بعض
األولى أو حرب األتراك واألرمــن ،وقَدِ مَت إلى
ـدد مــن بــنــات جنسها» .يقول
الــجــزيــرة مــع ع ـ ٍ المشاهير وعن أساليبهم في العمل واإلدارة
الشبيلي" :بعد أن وضعت الــحــرب أوزاره ــا، والتحوالت المفاجئة التي تحدث في بيئات
لم يكن لدى بعضهن من المعلومات ما يكفي العمل فتقلب الموازين وتعيد ترتيب األوراق
لالستدالل على أسرهن بسبب صغر السن"، بشكل غير متوقع.
ويضيف" :كــان األشقاء الثمانية (أبناء وبنات يمس قلب القارئ حقاً هو حديثغير أن ما ُّ
السيدة فاطمة فيما بعد) يتمنون الحصول من الشبيلي عــن والــدتــه وعــن ابنه طــال .فبعد
ذاكرة الوالدة على طرف الخيط الموصل إلى الوصف األخاذ لبيئة عنيزة وحاراتها وأسواقها
أخوالهم وخاالتهم من أهلها ،من أجل االعتزاز ورجاالتها يتحدث بشفافية تنفذ إلــى شغاف
بهم علناً أمام المجتمع ،وكثيراً ما كانوا يجثمون القلب عن الفتاة الغريبة التي جاءت من أقصى
أمام ركبتيها الستنباط مفردة أو معلومة مفيدة الدنيا لتجد نفسها في عنيزة بعد رحلة طويلة
يمكن أن تكمل كلماتها المتقاطعة وتقود إلى قادتها من مدينتها اسطنبول ،مروراً بالقريات
معرفة منشئها الكريم الذي وفدت منه ويغبطون حتى عنيزة .لم تكن تلك الفتاة سوى «فاطمة»
غيرهم الذين يحصلون على مبتغاهم المماثل".
أما طالل ،االبن الوحيد الذي رحل مبكراً في
سن الرابعة واألربعين ،فقد كانت قصة رحيله
التي سجّ لها المؤلف عبر التنقل بين مستشفيات
المملكة والواليات المتحدة وفرنسا مؤلمة أشد
األلــم ،ولكنها مليئة بالعبر ،وبخاصة شجاعة
طالل -رحمه اهلل -في مواجهة المرض على
مدى ستة عشر عاماً وصبر زوجته واحتسابها،
والتفاف األسرة واألصدقاء ووقوفهم إلى جانب
والديه وزوجته .يقول أبو طالل« :ظلت تجربة
الحزن الصامت منذ وفاته جرحاً بالغ الغور
في حياة أســرتــه ،ودمــوع ـاً تذرفها عند ذكره
وأمــام صوره وعند زيــارة قبره ( ،)...ومنذ أن
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 14
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
ق َدّر اهلل على العائلة َف ْق َد عزيزها طالل قبل
خمسة أع ــوام ،تغيرت أشياء كثيرة في حياة
والــده ،بالنظرة إلى األمــور من حوله بواقعية
أعــمــق ،صــار فيها يميز الــتــوافــه منها ويــرى
األخرى بحجمها الطبيعي ،فالدنيا أصغر من
أن تُشغَل بالتّرهات ،والوقت أثمن من أن يضيع
سدىً ،يستصغر ما يراه من منافسات وحزازات
في المناصب ،ومن اهتمام الناس ومبالغتهم
بالمظاهر والماديات».
"مشيناها" سيرة ثرية وزاخ ــرة بالمواقف
لرجل تــردد كثيراً في وضعها في ٍ واألح ــداث
جائزة الملك سلمان التقديرية للتم ّيز ال في مقدمة كتابه -بكل تواضع- كتاب قائ ً
في دراسات تاريخ الجزيرة العربية و بحوثه عام 2014م إنــه «ظــل يقف موقف المتحفظ أمــام دعــوات
ـان مــا مــن الكتاب يلخص الدكتور فــي مــكـ ٍ ال عن تدوينها لعدم الحديث عن ذكرياته ،فض ً
عــبــدالــرحــمــن الــشــبــيــلــي مــســيــرتــه الوظيفية اقتناعه بالمبدأ من ناحية ،وليقينه بأن بضاعته
والعلمية والثقافية بقوله« :لقد عثر وهو في في هذه الحياة متواضعة ليس في استحضارها
أوائل العشرين من العمر على خارطة المستقبل قيمة تؤهل للرواية ،وهي ال تقارن بتجارب كبار،
مــع اإلعـــام ،ووج ــد فــي التعليم العالي وهو وال تتماهى مع تراجم مبدعين» .هذا الرجل
فــي بحر الثالثين أفــقـاً واســعـاً فــي المعارف هو َم ْن كتب خمساً وخمسين كتاباً ومحاضرة
والبحوث ،وتعلم تحت قبة الــشــورى وهــو في مطبوعة في اإلعالم والسيرة ومختلف الجوانب
أواســط الخمسين أدب االخــتــاف في الــرأي الثقافية ،وحــاز على جــائــزة األمــيــر (الملك)
واحترامه ،ثم اكتشف في النشاط الثقافي بعد سلمان لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه ،وجائزة
تقاعده المالذ الفكري الشيِّق واآلمن». األمير (الملك) سلمان التقديرية للتميز في
في «مشيناها» ،يقدم الشبيلي لكتابه ببيت دراسات تاريخ الجزيرة العربية ،ثم ت َوّج مسيرته
مــن الشعر (مشيناها خُ ــطــى كُتبت علينا.. بالحصول على وســام الملك عبدالعزيز من
و َمـ ْن ُكتِبت عليه خطى مشاها) ،ثم يمشي بنا الــدرجــة األولــى تقديراً إلسهاماته في مجال
سطراً سطرا؛ في رحلة ماتعة ال يمل القارئ الفكر والثقافة؛ وهو المؤلف ،وأستاذ الجامعة،
من متابعتها رغم صفحاتها التي بلغت أربعمائة ووكيل الــوزارة ،وعضو مجلس الشورى ،ورجل
وأربعاً وسبعين صفحة ،وهو -بذلك -يضيف المجتمع الذي يرتاد مجلسَ ه كل أسبوع عشراتُ
لبنة جديدة في «أدب السيرة الذاتية» المحلية. المثقفين والمسؤولين وأعيان المجتمع.
* نائب وزير العمل سابقاً ،أستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران سابقاً ،عضو مجلس إدارة
مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،ورئيس هيئة النشر بالمركز.
15 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ـــعـــيـــم
ِ ُن ُ
ـــزل الـــنّ
■ عبدالقادر بن عبداحلي كمال*
أس ـتــاذي وزميلي وأخ ــي ،الـدّ كـتـور عبدالـرحـمن بـن صـالـح
ـاضــرِ ْ ،
إلــى الـغـائ ِـب ال ـحـ ِ
الجنان.
وأسكنه ِ ال ّـشـبـيـلـي ،رحـمـه اهللْ ،
()3 ()1
ـك ع ـ ــالِ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا ومُ ـ ـ َعـ ـ ِّلـ ـم ــأ ول ـ ـ ـقـ ـ ــدْ عَ ـ ـ ـ ـرَفْ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ َ ـوات
ـك َن ـ ـ ِـجـ ـ ـ ّي ـ ــةُ ال ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ِ
هَ ـ ــطَ ـ ـ ـ َل ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ
َوات
ـك سَ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ـ َد ال ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـد ِ
ولـ ـ ـ ـق ـ ـ ــدْ رأ ْيـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـات
ـك سَ ـ ـ ــوابِ ـ ـ ــغُ الـ ـ ـرّحَ ـ ـ ـم ـ ـ ِوهَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ
ـض ـ ِـل ف ــي دُ ل ـجــاتِ ـنــا َكـ ــمْ ُجـ ـ ــدْ تَ ل ــي ب ــال ـ َف ـ ْ ـك مـ ـ ـ ــن اإلل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ مَ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ٌـك وت ـ ـ ـق ـ ـ ـ َّب ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ َ
ـات
وجَ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َتـ ـ ـن ـ ــي فـ ـ ــي أ ْر َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع الـ ـ ـ ــدّ َرجـ ـ ـ ـ ِ ـات
بـ ـ ــالـ ـ ــيُ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ِـن والـ ـ ـ ّت ـ ــهْ ـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ـ ِـل والـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ِ
وأ َز ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ خَ ـ ـ ـ ْوفـ ـ ــي ع ـ ـ ــنْ رُقِ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِّ مَ ـ ـنـ ــابِ ـ ــرٍ ودُ ع ـ ـيـ ــتَ ف ــي ُن ـ ـ ــزُ ِل الـ ـ ّنـ ـعـ ـي ـ ِـم( )١مُ ــخَ ـ َّل ــد ًا
ـوات و َد َفـ ـ ــعْ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـنـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــازِ ِل الـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ ع ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ َد ال ـ ــمُ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ْي ـ ـ ِـم ـ ـ ِـن غ ـ ـ ــافِ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزال ِّت
وغَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــي بِ ـ ـ ــال ـ ـ ــو ِّد يـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ َع ال ــوف ــا ـك الُّ ـ ـلـ ـ ْـطـ ـ ُـف مـ ــن مَ ـل ـك ــوتِ ــهِ وسَ ـ ـ َعـ ــى إل ـ ـيـ ـ َ
َروات ودَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــارِ ِف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذ ِ ـات ِ ـ ـ ح ـ ـ ف
َ ـ ـ ن َّ ـ ـ ل ا ـرِـ ـ ـاط
ِ ـ ـ ع ـ ـ ـ ب ـك
َ ـ ي ـ ـ ل ـ ـ ع ـو ـ ـ َي ـ ـ ْـحـ ـ ـ ُن
وحَ ـ ـ َل ـ ـ ْلـ ــتَ ف ــي دارِ الـ ــمُ ـ ـقـ ــامَ ـ ــةِ ( )٢ع ــالِ ـي ـ ًا
()4
ـات
ْدوس وال ـ ـ ـج ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ِ فـ ـ ــي بـ ـ ــاحـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ـ ـ ـر ِ
عَ ـ ـ َّل ــمْ ـ ـ َتـ ـن ــي َص ـ ــمْ ـ ــتَ ال ــمُ ـ ـهـ ـي ـ ِـب َت ـ ـرَفُّ ـ ـع ـ ـ ًا
ـاتوسَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـوْتَ أنْ َت ـ ـ ْـسـ ـ ـ َت ـ ـ ْـج ـ ـ ِـديَ الـ ـ َعـ ـ َتـ ـب ـ ِ ()2
أرْشَ ـ ـ ـ ــدْ َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي أنّ ال ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ّز َه رِ فْ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ــةٌ يـ ــا أيُّ ـ ـهـ ــا ال ـ ـ َّنـ ـ ْـجـ ــمُ ال ـ ـ ــذي ِم ـ ـ ــنْ ُشـ ـ ـ ْر َف ـ ــةٍ
ـاتـص بِ ـ ـ ــاآلهـ ـ ـ ِ جَ ـ ـ ـ َعـ ـ ــلَ الـ ـ ـ ُـجـ ـ ــمُ ـ ـ ــو َع َتـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ُّ
ـات اس ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــا َم بِ ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ةٍ و َثـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ِ لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــنْ ْ
يـ ـ ــا أيُّ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ َّـشـ ـ ــهْ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ــذي غـ ـ ــا َد ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــا
ـوص ـ ـ ٍـل ـك أ ْل ـ ـ ـ ـ ُـف َدر ٍْب مُ ـ ـ ِ بـ ـ ْيـ ـن ــي وبـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َن ـ ـ َ
ـات ِمـ ـ ـ ـ ـ ــنْ غ ـ ـ ـيـ ـ ــرِ َتـ ـ ـ ـ ـ ـوْدي ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع وال َبـ ـ ــسَ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ
ـات
ـال وال ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ِ ـاهـ ـ ـ ـ ِـل اآلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ِ
َص أنْ ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ِّد َع جَ ــمْ ـ َع ـن ــا أحـ ـ ـ ـ ـ ـر ُ أل ْن ـ ـ ـ ـ ــتَ ْ و َ
ـوات مـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ــي ال ـ ــتَّ ـ ــراقِ ـ ــي غُ ـ ـ َّـصـ ــةٌ بِ ـ ــالُّ ـ ـ ـل ـ ـ ْـط ـ ـ ِـف وال ـ ــتَّ ـ ــقْ ـ ــدي ـ ــرِ والـ ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ـ ِ
ـرات مَ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــوءة ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـز ِْن وال ـ ـ ــحَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ِ
ـك ي ـ ــا َنـ ـبـ ـي ــلُ مُ ـ ـ َنـ ــزَّ ه ـ ـ ًا ولـ ـ ـ َق ـ ــدْ شَ ـ ـ ــهِ ـ ـ ــدْ ُتـ ـ ـ َ
()٥ ـرات ـوط بِ ـ ــحَ ـ ــمْ ـ ــأةِ ال ـ ـ َّن ـ ـ َعـ ـ ِ َت ـ ـ ـ ْأ َبـ ـ ــى الـ ـ ُّـس ـ ـقـ ـ َ
مـ ـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ـ ــي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي مَ ـ ـ ـ ـ ْأ َت ـ ـ ــمٌ مُ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـرَفِّ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـ ــنْ َز َّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ وخَ ـ ـ ـطـ ـ ـيـ ـ ـئ ـ ــةٍ
ـرات ـات وال ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِ ـص ـ ـ ـ ِ َي ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ــداحُ بِ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ّ ()٣
ـوات
مُ ـ ـ َتـ ـ َع ــفِّ ـ ـفـ ـ ًا عـ ــن حَ ـ ـ ـ ـ ْو َب ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ
ـوك إلـ ــى ال ــثَّ ـ ـرَى ـصـ ـف ــوا إ ْذ أَ ْو َدعـ ـ ـ ـ ـ َ م ــا أَ ْن ـ َ ـاهـ ــلٌ ـص ـ ـ ــدَّ ى جـ ـ ِ أ ْنـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ــحَ ـ ـل ـ ـيـ ــمُ إذا َت ـ ـ ـ ّ
ـات
ـواك فـ ـ ــي األ ْك ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــادِ والـ ـ ـ ّنـ ـ ـ َبـ ـ ـض ـ ـ ِ مَ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ َ ـات
ُت ـ ــغْ ـ ـ ـض ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاءً ع ـ ـ ـ ْنـ ـ ــد كُ ـ ـ ـ ـ ــلِّ هَ ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ
* شاعر من السعودية.
( )٢(،)١نٌز ُل النعيم ،دا ُر المُقامة ،من أسماءِ الجنّة.
( )٣حَوْبَة :الحوبة أي الحاجة ،وفي الدعاء :أرفع حَوْبتي إليك أي أرفع حاجتي إليك سبحانك.
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 16
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
قال عبدالرحمن الشبيلي فـي سيرته عن نفسه" :تجاوز األربعين دون أن يلج فـي عالم
الكتابة ،وعندما بدأ عام 1412هـ1992/م يخوض غمار التوثيق والتأليف ،صار يسابق الزمن
وكأنه فـي عجلة من أمــره ،يشعر أن للوقت قيمة إنسانية ،وأن فـي عهدته واجـبـ ًا البــد أن
ينجزه ،متأسف ًا على ما فات من سنين إنسانية ،قبل اكتشاف ضالّته؛ وجد أن االنشغال
بالتوثيق هو أمتع ما ينتقل به المرء من صخب الوظيفة إلى حياة ذهنية هادئة منتجة؛
واكتشف فـي البحث عالم ًا شيّق ًا من ناحية ،وسياحة تسد فراغ ًا فـي المشهد الثقافـي من
ناحية أخرى"(.)1
هــذه بــدايــة الشبيلي فـي تــدويــن التاريخ فـي الــريــاض ،وبين هذين التاريخين عاش
اإلعالمي للمملكة العربية السعودية ،وتوثيق وصنع تاريخاً فـي اإلعالم (ممارسة وتاريخاً)
سير بعض أعالمها؛ فهو قد راوح بين تاريخ وفـي سير األعالم.
تنوّع تكوينه الثقافـي؛ ما جعله موسوعيَّ اإلعـ ــام وت ــاري ــخ األع ـ ــام ،وق ــد كــتــبــتُ عن
ذلك مقاالً بعنوان "د .عبدالرحمن الشبيلي الثقافة؛ فهو قد حصل على ليسانس من كلية
مــن اإلع ــام إلــى األع ــام" ونشر فـي نشرة اللغة العربية فـي الرياض 1383هـــ1963/م،
الخميسية فـي عددها التاسع ،جمادى اآلخرة وبــكــالــوريــوس جغرافـيا مــن جامعة الملك
سعود فـي الرياض 1385هـــــ1965/م ،وبعد 1432هـ(.)2
توصف المدينة السعودية ُعـنَـيْــزة بأنها أن عمل زمــنـاً مذيعاً ممارساً للغة العربية
ب ــاري ــس نــجــد ،وفـــــيــهــا ولـ ــد عــبــدالــرحــمــن ابتُعث لــلــواليــات المتحدة األمريكية ،فنال
الشبيلي ،وقد كتب فـي سيرته "كانت الوالدة الماجستير فـي اإلعالم من جامعة كانساس
على األرج ــح ،مساء السابع من شهر شوال 1388هـ1968/م ،ثم الدكتوراه فـي اإلعالم من
1363هـــــــــ1944/9/23(/م) ،تزيد عاما أو جامعة والية أوهايو 1391هـ1971/م ،ومارس
تنقص"( )3وتوفـي فـي مدينة باريس الفرنسية اإلدارة اإلعالمية فـي التلفزيون ،واإلدارة
يوم الثالثاء 1440/11/27هـ 30 ،يوليو (تموز) التعليمية فـي وزارة التعليم العالي ،ثم صار
وصلي عليه ودفن فـي مقبرة الشمال عضواً فـي مجلس الشورى ،الذي يتيح القراءة
2019مُ ،
17 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
فـي كثير من المجاالت لتنوع ما يعرض عليه السفـير محمد الحمد الشبيلي إلى أن قال :
"أما التجربة الثالثة من تجارب كتابة السير ويناقشه.
هذا التكوين الثقافـي له ــ إضافة إلى إلمامه والتراجم فقد مررت بها بين عامي 1417هـ
باللغتين اإلنجليزية والفرنسية ــ مكّنه من سعة و 1420هـ (1997ــ 2000م) حينما كنت أعكف
ال على تأليف كتابي التوثيقي عن تاريخ اإلعالم
الثقافة وتنوّعها ،فجاء أسلوبه الكتابي سه ً
شائقاً فـي اختيار المفردة ،وتركيب الجملة؛ السعودي الصادر عام 1421هـــ ،وقد أسفر
وصياغتُه ترتقي عن األسلوب الصحفـي إلى البحث عن التطرق إلــى عشرات من رجال
األسلوب األدبــي ،مع جالء فـي الفكرة التي الثقافة واإلعالم فـي المجتمع السعودي؛ ما
يعبّر عنها ،وسالمة فـي اللغة العربية :معنى شجّ ع على كتابة مــقــاالت عــن كــل شخصية
على حــدة"( )٥وقد نشر هذه المقاالت مفرَّقة وقواعد.
فـي الصحف ثم جمعها فـي كتب ،وتأليفُه
ُقدِّر الدور الكبير لعبدالرحمن الشبيلي فـي
فـي السير والتراجم يحتاج إلى تفصيل ليس
كتابة التاريخ فنال:
مكانه هنا ،وإن كان منها ما يتعلق بإعالميين،
ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن ك ُكتُبه عن إبراهيم العنقري ،وعبد اهلل بلخير،
عبدالعزيز لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه وعباس غزاوي.
1424هـ2003/م.
وعنوان كتابه التوثيقي عن تاريخ اإلعالم
ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن الــســعــودي "اإلعــــام فـــــي المملكة العربية
السعودية ــ دراسة وثائقية وصفـية تحليلية" عبدالعزيز 1423هـ2014/م.
ــ وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة األولى يقع 432صفحة من الحجم الكبير ،وفـيه
فـي المهرجان الوطني الحادي والثالثين للتراث ( )13فصالً ،تلتها مالحق باألنظمة اإلعالمية،
والسجل السنوي ألبرز الحوادث والمناسبات والثقافة (الجنادرية) 1438هـ2017/م(.)٤
تخصص فـي جانبين من التاريخ؛ أولهما ،اإلعالمية فالكشافات فالمراجع.
والكتاب شمل تاريخ كل وسائل اإلعــام تاريخ اإلعــام السعودي ،وثانيهما التراجم
والسير .والثاني خرج من جعبة األول؛ فقد السعودية إلى حين صدوره فـي طبعته األولى
أشار إلى تجاربه مع كتابة التراجم التي بدأت 1421هــــــ2000/م ،واحــتــوت فصوله الثالثة
عــام 1396هــــــــ1976/م حين سجل حلقات عشر على :بيئة اإلعــام السعودي وظروفه
تلفزيونية عــن أعـــام خــدمــوا الــوطــن فـي وسماته ،فالجهات الرسمية المعنية باإلعالم،
سبيل التأسيس ثم تجربته فـي كتابة سيرة فاإلعالم الداخلي والخارجي واإلعالم بالحج،
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 18
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
فالصحافة السعودية ،فاإلذاعة ،فالتلفزيون،
فوكالة األنباء السعودية ،فالتعاون اإلعالمي
ال ــخ ــارج ــي ،ف ــاإلع ــام والــقــطــاع الــخــاص،
فدراسات اإلعالم وأبحاثه ،فوسائل اإلعالم
األجنبية فـي المملكة العربية السعودية،
وفـي الختام فصل عنوانه :نحو فكر إعالمي
سعودي جديد".
وق ــد أوضـ ــح فـــــي مــقــدمــتــه( )٦أن بــدايــة
فكرة الكتاب كانت أطــروحــة علمية لدرجة
الدكتوراه عام 1971/1391م من جامعة والية
أوهايو األمريكية ،وترجمت مقتطفات منها،
وأصبحت مــذكــرة مــقــررة على طــاب قسم
اإلعالم فـي جامعة الملك سعود الذي افتتح
خالل أبعادها الثالثة :التاريخية والوصفـية عام 1393هـ1973/م.
ولشعوره بالحاجة إلــى كتاب شامل عن والتحليلية ،وخلص إلــى فكرتين أساسيتين
تاريخ وسائل اإلعالم السعودية عاد إليه بعد يعدان محور الجانب التحليلي فـيه ومحط
ربــع قــرن مراجعاً ومستفـيداً مما صــدر من تركيزه ،وهما :ضعف المهنية ،ونقص المرونة
دراسات ومؤلفات ،ومن الوثائق الوطنية فـي المالية واإلدارية"(.)٧
كــون هــذا الكتاب أشمل كتاب فـي تاريخ مراكز الوثائق فـي الداخل والخارج ،راصداً
تــاريــخ اإلعـ ــام ومــراحــلــه مــع قـ ــراءة ألوجــه اإلعالم السعودي إلى حين صدوره هي الميزة
الضعف والقصور وجــوانــب الــقــوة والتميز،
األولــى ،أما الميزة األخــرى فإن هذا الكتاب
ُمتْبعاً كل فصل بقراءة تحليلية مطولة ،وأحيانا
هو الوعاء الــذي تولّدت منه أعمال المؤلف
يمزج التحليل فـي سياق المتن ،وقد وصف
األخرى حتى فـي التراجم والسير.
منهجه بأنه "ينحو منحى علمياً فـي دراسة
ويكمل هــذا الــكــتــابَ كتابان صــدرا بعده اإلعالم السعودي ،ويشخّ ص حالته تشخيصاً
واقعياً بعيدا عن التنظير والخيال؛ ولذلك هما" :صفحات وثائقية من تاريخ اإلعالم فـي
اختصر كثيراً من هذه المقدمات ،وركّز على الجزيرة العربية و"الملك عبدالعزيز واإلعالم
النظر فـي مسيرة اإلع ــام الــســعــودي ،من ــــ دراســـة توثيقية لــبــدايــة وســائــل االتــصــال
19 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الحلقات تباعاً عليها بدءاً من 1433/6/27هـ، السعودية" والكتاب األول نتج عما توافر لديه
/18مايو 2012م ،وأتاح له تفريغها وطباعتها من وثائق ومعلومات وحين تابعها أغرته بإلقاء
تــدارك ما أمكن من المعلومات الناقصة(،)٨ محاضرات عن موضوعاتها ثم جمعها فـي
وصدر الكتاب فـي طبعته األولى فـي الرياض هــذا الكتاب الــذي صــدر فـي طبعته األولــى
عــام 1425هـ ـ ـــ2014/م .وثــانــي الكتابين هو
فـي الرياض عام 1423هـ2002/م فـي ()346
كتاب "مشيناها ــ حكايات ذات" فـيما كتبه
صفحة.
عن سيرته فـي اإلعالم بشكل عام وهي أطول
ما فـي السيرة إذ بلغت ( )126صفحة ،حاز أمــا الــكــتــاب الــثــانــي (الــمــلــك عبدالعزيز
التلفزيون منها قدرا كبيراً(.)٩ واإلعالم) فهو دراسة توثيقية لبدايات وسائل
االتصال السعودية ،صدرت طبعته األولى فـي
على أن العمل الذي لم يصدر ،وال أعرف
الرياض 1424هـ ـــ2003/م ،ويقع فـي ()175
إلى أي مرحلة وصل فـيه فهو "موسوعة وثائق
صفحة.
اإلعالم" ،وقد أشار فـي كتاب "موجز تجربتي
ولقي تاريخ التلفزيون تركيزاً أكثر منه ،فهو اإلعالمية" إلى أن االنشغال بالمحاضرات فـي
لم يكتف بما سبق ،بل تناوله فـي كتابين :أولهما:
المناسبات والمواسم الثقافـية أدى إلى تأخير
قصة التلفزيون ،وهو تاريخ لنشأة التلفزيون
هذا المشروع ،حيث كتب فيه "وكتاب من أربعة
الحكومي ما بين عامي 1383هـــــ1963/م ــ
أجزاء بعنوان (موسوعة وثائق اإلعــام) وهو
1397هـ1977/م ،وهي الفترة التي أسهم فـيها
فـي نشأة التلفزيون وإدارتــه ،والكتاب تفريغ مشروع مرتقب يعرض ويشرح خزينة الوثائق
لمقابالت تلفزيونية فـي سبع حلقات أجريت الخاصة التي تم جمعها من مختلف المصادر
معه فـي القناة الثقافـية السعودية وعرضت منذ مرحلة الدراسات العليا"(.)١٠
* عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،وعضو سابق بمجلس الشورى بالمملكة.
( )1مشيناها ...حكايات ذات ،ط1440 ،1هـ2018/م ،الرياض ،ص.8
( )٢الخميسية :هي الندوة األسبوعية التي تعقد فـي منزل حمد الجاسر إبان حياته واستمرت فـي الموعد
نفسه بعد وفاته ،وكانت تصدر نشرة بعنوان "الخميسية" فلما تغير اسم الخميسية إلى "مجلس حمد
الجاسر" وصار موعدها يوم السبت تغير اسم النشرة إلى "جسور" وأعداد الخميسية وجسور على موقع
حمد الجاسر .http://hamadaljasser.com/
( )3مشيناها (سابق) ص.13
( )٤مشيناها (سابق) ،ص 314ــ .316
( )٥أعالم بال إعالم ،ج ،1ط1428 ،1هـ2007/م ،الرياض ،ص 11ــ .14
( )٦انظر مقدمة المؤلف من ص 13ــ .19
( )٧المقدمة ص.16
( )٨انظر مقدمة الكتاب ص 7و .8
(" )٩مشيناها" (سابق) ص.101
( )١٠موجز تجربتي اإلعالمية ،ط ،1الرياض 1434هـ2013/م ص.16
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 20
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
عبدالرحمن الشبيلي:
تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية
ُ
ألصوغ بها سيرتي
■ إبراهيم العوامرة*
أن يكتب الدكتور الشبيلي سيرته يعني أن الخوف قد مكث في روحــه ،فهل خاف على
ما يعرفه ،أو كان وف ّي ًا لما حاكتْه السنون في عباءة أيامه؛ ليقدم للقارئ مرويته المليئة
باألحداث والطموحات واإلنجازات.
مشاعا للقارئ ،جه ٌر وبو ٌح لتوصيل فكرةٍ ما، أنــت تلك السيرة التي نالت تفاعال كبيرا
فكرة تشوبها صدقية عالية ،وأذكر هنا ريادة من قبل مجايليه واألجيال الالحقة ،بل شكّل
جــان جــاك روس ــو ال ــذي كتب أول كــتــاب في أنموذجً ا للعمل واستثمار الوقت في فِ عل الحياة
السيرة الذاتية بعنوان "اعترافات" ،والذي القى بكل تناقضاتها؛ فقد دوّن ذلك الصراخ الساكن
نجاحات كبيرة في دول أوروبا وخارجها ،كما في أعماقه في كتاب "مشيناها" كيراع يسير
القى قــدراً كبيراً من النجاح في قــارّة أوروبا ليكتب بحبر الذكريات ما وقع عليه وما فعله
وخارجها إلسهامه في تحريك مشاعر القرّاء هو في حياة لم تعاني من فــراغ قــط! فتذكّر
فيما يخص االنفتاح والمكاشفة الجريئة ،التي ودوّن واستشار فيما كتب ليقدم ذاته صافية من
تصل الى محاسبة النفس. ماض
كدر الدنيا ،مدركا أن ما يكتبه اآلن هو ٍ
وانتقلت السيرة الذاتية إلى اللغة العربية سيتحو ُل الى قيمةٍ ذهبيةٍ للناس فيما بعد!
فمالحقة صراخه الداخلي في كتابة سيرته ،عــلــى يــد طــه حــســيــن فــي كــتــاب األي ـ ــام ،ثم
إنما يــؤ ِّثــثُ منجماٍ من الذكريات واألحــداث توالت لذاذات السيرة ،لتنتشر بين المفكرين
ماض والسياسيين واألدباء. والمواقف التي تعود بقارئ كتابه إلى ٍ
فحين يكتب الكائن سيرته بالضرورة أن جميل يدركه القارئ في تصور تلك المواقف
وأمــاكــن حدوثها؛ فالسيرةُ كشفٌ واعــتــرافٌ يكشف عــن أس ــرار كانت نائمة فــي جوارير
بجزيئيات تكون في بعضها صادمةً ،وفي مواقع خــزانــتــه الــخــاصــة ،تــلــك الــخــزانــة الــتــي كــان
ٍ
أخرى ماتعةً؛ المتالكها مكاشفات لذيذة؛ تلك يحمل مفتاحها في قلبه ،ليحبّر رواية الذات
كشف نفسيٍّ وذاتــيٍّ التي كانت تروي أنهارًا من الحبر في دفاتره، ٍ المكاشفات هي محض
يقوم على البوح الحذِ ر في بعضه ..والمنثال عبدالرحمن الصالح الشبيلي الــمــولــود في
فــي مــواقــع أخــــرى .فــهــي حصيلة تــأمــات القصيم ،عنيزة سنة "2019-1944م" هو
وخبرات تراكمت في حقيبة الــذات الساردة ،عالمة ناشطة فــي الثقافة واإلعـــام ،وكــان
ومجازفة في االنفتاح على الخاصوص وجعله شغوفاً في تأسيس مؤسسات تسهم في الوعي
21 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مهمة للتعرف عليه من الناحية اإلنسانية، المجتمعي والثقافي ،إذ أسهم في تأسيس
إضافة إلى حياته العلمية والمهنية؛ فهو كاتب إذاعــة الرياض وتليفزيونها ،وقـدّم الكثير من
السيَرة التي استهوته كجزء من سردية الحياة البرامج التلفزيونية والمقاالت والكتب.
السيَر
المليئة بالمفارقات ،إذ سجّ ل عددًا من ِ سيرةٌ مليئ ٌة بالطموح والعمل ..فقد حصل
سعودية لها قدرها ومكانتها" .مشيناها.. ٍ لرموزٍ على الدكتوراه في اإلعــام من جامعة أوهايو
حكايات ذات" هو هويته الذاتية التي رشحت
سنة 1971م ليكون أول سعودي يحصل على
من قلمه بكل لحظة من حياة محكومة بقلق
الدكتوراه في اإلعــام ،وعمل عضواً بمجلس
اإلب ـ ــداع واإلنـــجـــاز؛ وق ــد تــعـلّــم اإلنجليزية
الشورى في السعودية اثنتي عشرة سنة لثالث
والفرنسية إضافة إلى لغته العربية؛ لكي يطلع
دورات متتالية ،وعــضــواً في المجلس األعلى
على معارف مختلفة تفيده في حياته المهنية
لــإعــام .ون ــال وس ــام الملك عبدالعزيز من
واألدبية ،وفي برنامجه "حديث الذكريات"..
الدرجة األولــى ،وجائزة الملك سلمان لخدمة
إشــارة واضحة على شغفه في سرد الماضي
التاريخ الشفوي وتوثيقه ،ولديه نحو ( )51مؤلفاً.
وتجلياته اإلنسانية والعملية.
الحراك اإلعالميفهذا االمتداد العميق في ِ
ومن أهم كتبه في اإلعالم " :إعالم وأعالم"،
والثقافي والتعليمي يجوز له أن يرتكن إلى ذاته؛
و"الملك عبدالعزيز واإلعــام" ،و"نحو إعالم
ليروي لنا تفاصيل مشفوع ًة بالصدق واألدب؛
أفضل" ،فهو رائــد البدايات ومؤسسها ،كما
لتشكل تلك السيرة مناخاً مليئاً بالبياض ،ولذة
لو أنه يتسابق مع زمن خاف أن يتفلت منه،
السريرة وآالمها كذلك.
المستشرف في تفكيره والمبتكر في رؤاه،
فلم تــزل أفكاره مثل نسغ يسري في الحياة شكّلت رحلته المتنوعة في اإلعالم واألدب
اإلعالمية السعودية والعربية ،بل هي مدار والتعليم مجاالً واسعًا في تأسيس مرجعيات
حكايات بين السياسيين والمثقفين. وازنة لإلعالم السعودي ،من تأليف وتخطيط
ودراســات أكاديمية ،رحلة امتدت على مدار
هذا االحتراق في كتابة السيرة هو بمثابة
أكثر من خمسة عقود ،تشعّبت لتنهل من العلم
القلق المُر الذي يجتاح الشبيلي ليقدم ..ليفتح
جوهره بما يفيد بلده واألجيال التي تليه .لقد
صندوقه الخاص للعامة ،وقد تأثرت سيرته
هَ وَتْ الشرفة الباريسية به قبل أن يكمل روايته،
عبر شغفه الكبير بفعل كل شيء ،فكان يرى
رحل عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما ولم
أن الحياة قصيرة جـ ـدًا ..فال بد من سباق
يزل في فمه الكثير من الكالم ،فكانت أمنيته
يــومــي معها كــي يحقق آمــالــه ،فــكــان لصوت
في كتابة الرواية لم تتحقق بعد ،لكنه روى ذاته
الحياة العالي في رأسه مدعاة ليمسك بناصية
القلم ليدوّن صراخه الداخلي ،فكان يدرك واضح ال لبس فيه ،فمن درس وتتبع
ٍ منجز
ٍ عبر
تماما أن ما يكتبه اآلن هو بمثابة شهادة له سيرته يدرك مباشرة أن الشبيلي لم يكن لديه
ستتحول إلى أحاديث حول رحلته ،إن مالحقتة ال بالعمل والطموحات وقتٌ للفراغ ،فكان منشغ ً
لــهــذا الــصــراخ ،إنــمــا يخلق ينبوعً ا سيسقي العريضة التي ال تنتهي.
كان لكتابه "مشيناها ..حكايات ذات" مادة من بعده قوة اإلنجاز ،بل تدعوهم للمجازفة
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 22
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
والــتــي نــمــت لتصبح عــامــة مــن عــامــات فــي خــوض غــمــار الــحــيــاة رغــم صعوباتها،
اإلعالم السعودي ،وكان لعائلته الدور األكبر وتدفعهم إلى المغامرة بالكشف عن دواخلهم
في نجاحه واستمراره في إنجاز الكم الهائل وخصوصياتهم فيما بعد.
من النجاحات الكبيرة .كما أنــه لم يخلد فالسيرة وسيلة للتدوين المضمر لخلق
للكتب التي ألّفها ،إذ أسهم في اللقاء الشهري مساحة مــن الــبــوح الثمين ،الــذي مــا يــزال
الذي كان يُعقد في مكتبة الملك عبدالعزيز، الح َك ْم
يتكشف أمامنا لنغترف من معينه ِ
والــذي اشتمل على مناقشات ومداخالت ومصائر الحياة ،تماماً كاعترافات الشاعر
حول القضايا اإلعالمية واألدبية الثرية، ميمون األعشى بتجربته في الحب.
واختتم الدكتور الشبيلي بالقول: لــم يسعفه الــعــمــر كــي يكمل ســرديــاتــه
الثريّة بتنوعها ،رحل وفي فمه كثير الكالم
"لــم أجــد أرك ــان السيرة الــذاتــيــة كافية
والذكريات؛ فلم يشتمل الكتاب على كثير
لما أكتب ،وتمنيتُ لو صيغ الكتاب بطريقة
من المواقف السياسية واإلنسانية ،فقد
( الــروايــة) ،تمنيت أن أمتلك المقدرة على بقيت تلك األســرار في داخله ،ليرحل وفي
ك تابة الرواية ،لكن أركانها لم تكن متكاملة قلبه الكثير من المواقف ،وكانت شرفته في
عندي وال أسلوبها وال طريقتها الفنية". باريس التي كــان ينظر عبرها الــى العالم
حاولــتْ أن تصــور مرابــع النشــأة ،وبيئــة سبباً لنهايته المؤسفة.
ـأت هــذه السيرة صــدفـةً ،فقد كان ا لدراســة ،وظــروف الزمــن ،وأن تبــوح لم تـ ِ
جــادًا منذ طفولته فيما يخص التزامه في بالممكــن مــن مكنــون الصــدر ،فأبقــتْ بعــد
الــدراســة ،فهي بــذرة طيبة منذ الطفولة ..ذلــك طــيّ الكتمــان مــا هــو أكثــر.
* كاتب من األردن.
انتقل إلى رحمة اهلل في شهر ذي القعدة م ـش ـي ـنــاهـ ـ ـ ــا ،وت ـس ـب ــقُ ـن ــا خـطـ ـ ـ ــاكــا
وت ـن ـس ـك ـ ُـب ال ـم ـش ــاع ــرُ ف ــي ثــراكـ ـ ـ ـ ــا من عــام 1440هـــ الموافق لشهر يوليو من
عـ ـ ا م 2019م عــن عمر نيّف على السابعة
فُ ـ ـجـ ــعْ ـ ـنـ ــا ح ـ ـيـ ــن ودّعَ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا طـ ــال
والسبعين ،رحمه اهلل رحمة واسعة ،وأسكنه
وأجـ ـه ــش َق ـل ـبــك ال ـش ــاك ــي ارت ـبــاكــا
فسيح جناته .
()٣
وقد منحته الدولة بعد وفاته بأمر ملكي وفـ ــاضـ ــت ْع ـي ـن ــك الـ ـ ـحـ ـ ـرّى ل ـه ـي ـ ًبــا
وحار الفكْ ر في الذكرى اصطكاكا وسام الملك سلمان من الدرجة الثالثة ،وكان
ذلــك فــي شهر الــمــحـرّم مــن عــام 1441ه ـــ ت ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــادر ُل ـ ـل ـ ـم ـ ـص ـ ـيـ ــف بـ ـ ـ ــا وداعٍ
ونـ ـبـ ـح ــث ع ـ ــن نـ ـسـ ـي ــج م ـ ــن رؤاك ـ ـ ــا (سبتمب ر 2019م)( ،)4وأحدثت وفاته صدى
كبيرًا في الوسط الثقافي ،ورثاه عديد كبير
فـ ـتـ ـ ْنـ ـبـ ـئـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ــأ ّن ـ ـ ــك م ـس ـت ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح
من الك تّاب والمثقفين والشعراء ،من بينهم
ب ـ ـع ـ ـيـ ــداً ،كـ ــي ُتـ ـخ ــفّ ــف مـ ــن ع ـنــاكــا
الشاعر عبداهلل بن سالم الحميد الذي كتب
فيه قصيدة وظّ ف فيها عنوان سيرته الذاتية أضـ ـ ـ ـ ــأتَ حـ ـي ــاتـ ـن ــا ب ـ ـنـ ــدى حـ ـض ــورٍ
وإبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ُتـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّز ُه ي ــداك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا "مشيناها" ،فقال:
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 24
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
الــدريــنــي" ،وهــو شاعر مصري ،وعــاش في ـوق
وأشـ ـعـ ـ ْل ــتَ ال ـح ـن ـيــن ب ـن ـبــض ش ـ ٍ ْ
وإي ـ ـ ـثـ ـ ــار ل ـص ـح ـب ــك ف ـ ــي ل ـق ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ــا القرن العاشر الميالدي.
وعندما نربط بين وفــاة الشبيلي رحمه رسـ ــائ ـ ـلـ ــك الـ ـمـ ـضـ ـيـ ـئ ــةُ أ ّرق ـ ْت ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي
اهلل خارج وطنه في باريس في حادث أليم
وأحـ ـ ــرفـ ـ ــك ال ـب ـل ـي ـغ ــة إ ْذ تبــاكىٰ
بمنزله ،وهذين البيتين نعجب أشد العجب
وكــأنــه كــان يتوقع نهايته؛ ومــن هــنــا ،فقد وع ـي ــن ُ ش ـق ـي ـقــك الـ ـحـ ـ ْزن ــى ف ــراقً ــا
وعـيــن حبيبك األغ ـلــى -دعــاكــا( )5استوقف العنوان ووفاته المفاجئة العديد من
الكتّاب الذين رثوه ،ومنهم د .محمد العوين
مشيْ ناها :حكاية ذات..
الــذي قــال" :ص ـدّر الفقيد د .عبدالرحمن
كشف د .عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل الشبيلي رحمه اهلل سيرته الذاتية العصامية
في ندوة أ ُقيمت عن الكتاب في مكتبة الملك (مشيناها) ببيتين أراد االستشهاد بالبيت
عبدالعزيز العامة في شهر جمادى األولى األول ،بيد أن المعنى كان يستوجب اتباعه
1440هـــ (يناير2019م) عن العنوان القديم بالبيت الثاني ،فكان كالنبوءة الخفيّة بما
للكتاب ،وهو "عمر بال فراغ" ،وقال :إنه عدل سيأتي ،وكأنه يتوقع أو ينتظر قدرًا لم يعلمه
إال اهلل وهو وفاته بباريس"(.)8 عنه بعد التشاور مع بعض أصدقائه(.)6
على أن الشبيلي مسبوق في هذا العنوان، وأما العنوان الذي طبع الكتاب به ،وهو
وإن لــم يكن مطابقًا تــمــا ًمــا ،فلقد سمّى "مشيناها :حكاية ذات" فهو مأخوذ من بيت
عباس خضر (ت1407ه ـــ1987/م) كتابًا له شعري ،وهو:
بعنوان "خطى مشيناها"()9؛ وسمّى رؤوف
م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا
عبّاس (ت1429ه ـــ2008/م) سيرته الذاتية
ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا
"مشيناها خطى" ،وصدرت في القاهرة في
عام 2004م؛ وربما كان الشبيلي على علم به والبيت لعبدالعزيز الدريني ،وقيل ألبي
فاقتصر على كلمة "مشيْناها" ،وأضاف لها العالء المعري ،وأورده الشبيلي في مقدمة
عنوانًا شارحً ا ،وهو "حكايات ذات" ،مستفيدًا سيرته ومعه بيت آخر شهير ،وهو:
من حموالت كلمة "مشيناها" إذ تستدعي ـأرض
وم ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت م ـ ـن ـ ـي ـ ـتـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ـ ٍ
مباشرة لدى القارئ البيت الشعري كامالً: ()7
أرض س ــواه ــا
ـوت فــي ٍ فـلـيــس ي ـمـ ُ
وتقديم الشبيلي السم الدريني على اسم م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا
ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا أبي العالء يدل على أنه األرجح لديه ،وهذه
وأول مــا يستوقفنا فــي ه ــذه الــســيــرة النسبة هــي األقـــرب ..إذ ق ــرأتُ فــي بعض
المقدمة ..إذ تكشف أسباب الكتابة ودوافعها المواقع اإللكترونية ما يلي" :رغم أن هذين
وظروفها؛ ولذلك نراه يقول" :كانت ترده مع أيضا لشعراء آخرين ،فإن البيتين يُنسبان ً
كل مؤلَف يصدره دعوات محبين بأن األوان أقدم من نُسب إليه هذا الشعر هو عبدالعزيز
25 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
قد حان لمثلها ،وصار بعضهم يقول :اكتبها الشيم بحديث ال يليق.)١٣("..
ويــعــتــرف بــأنــه أســقــط حـ ــوادث عاشها واتركها للزمن؛ كناية عن أنَّ المعنيَّ بها صار
يسبح في خريف ال ُعمْر" ،وتكشف المقدمة وعايشها عمدًا؛ ألنه رأى محاذير في روايتها
()١٠
كذلك عن قراءات مكثّفة في بعض األعمال وقص أحداثها؛ ومن هنا ،رأيناه يقول" :لم تكن
السيريّة التي صــدرت لدينا أو في العالم هذه الذكريات كل ما يمكن سرده ،..فهناك
العربي ،إذ نــراه يــدوّن ملحوظة على بعض
مواقف سياسية أو إعالمية عدّة لم تشملها
األعمال التي اطلع عليها في هذا المجال،
الــروايــة؛ ألن اإلفــصــاح عــن تفاصيلها كان
وأنها ظهرت غير ناضجة ،ويصفها قائالً:
مما سيؤدي ال محالة إلى التصريح بأسماء
"يستغرب اكتظاظ معارض الكتاب بسير غير
وأسرار تتعلق بالغير ،ال يُحمد كشفها"(.)١٤
ناضجة للعديد من المستعجلين ،فالسير
وهذه النقطة تؤكد أن األعمال السيرية الــذاتــيــة أمــانــة تــدويــن وضمير ومسؤولية
بشكل مجمل ال يمكنها رصد أحداث الحياة توثيق"(.)١١
كاملة ،بل ال بد من االنتقاء واالختيار بما
ويصف عمله بأنه نحا فيه منحىً مغايرًا
يتناسب مع الظروف المحيطة بكاتب السيرة.
لما درجــت عليه بعض سير المشاهير في
ـواضــع الشبيلي أسهم في عدوله عن وتـ ُ العالم حين يجلس إليه محرر فيدون حديثه
ال أو كتابة ،ثم يعيد صياغتها ،وهو أمر الحديث عــن نفسه بضمير المتكلم ،إلى تسجي ً
مألوف على مستوى العالم لمن يملك الشهرة الحديث إلى القارئ راويًا األحداث بضمير
والتأثير ويفتقد القدرة على الكتابة الجيدة ،الغائب ،وكأنه يقص سيرة شخص عرفه حق
أو ليس لديه وقت للكتابة ،ومن هنا رأيناه المعرفة وبينهما صحبة وصداقة حميمة؛
يقول" :انسابت هذه الحكايات من الذاكرة لذلك تــرددت في السيرة كلمة (صاحبنا)،
دون وساطة من محرّر يحوّل الحديث إلى يقصد نفسه ،ومن النماذج على هذا االتجاه
طرف يطرح السؤال ويدوّن لديه قوله" :كان صاحبنا حتى تجاوز الخامسة ٍ نص مكتوب ،أو ٍ
عشرة يجالس والده في دكّانه في غير وقت الجواب"(.)١٢
الدراسة ،ويعينه في التواصل مع الزبائن،
كما نلحظ بدءًا من المقدمة ،وفي معظم
ويتعامل نيابة عنه مع أصحاب الدكاكين،
صفحات الكتاب حضور شخصية المؤلف كما
ويحرس البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة
عرفناها :شخصية ودودة متواضعة قريبة من
ولصالة الظهر"( ،)١٥ومع ما في هذا األسلوب
النفس؛ لذا نجده يقلّل من شأنه ويعتذر عن
من بُعد عن األنا التي قد تبدو منفّرة لبعض
الحديث عنها ويتوجس خيف ًة من الثناء عليها
دون قصد ،وعن هذه الجزئية يقول" :المرجو القراء ،فإنها قلّلت من مركزية حضوره في
أ ّال تكون الصفحات وهي تنداح بالذكريات السيرة.
وإذا كــانــت ســيــرة الشبيلي "مشيناها" وقعت عن غير قصد في حديث عن النفس،
أو انزلقت في ثناء عليها ،أو بتقرير أحكام الكتاب األخير له بعد سلسلة من الكتب التي
مجحفة على الغير ،أو ارتكبت محذورًا يُنافي تناولت تاريخ الشخصيات وتاريخ اإلعــام
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 26
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
مثل :صالح العبداهلل الشبيلي :حياته وشعره ،األخ األكبر عبدالرحمن.)٢٠("..
وفــي إطــار اهتمامه بالتاريخ والتوثيق، والسفير محمد الحمد الشبيلي ،واإلعــام
في المملكة ،وأعالم بال إعالم ،وغيرها؛ فإنه نجده يصف وزارة اإلعــام بأنها أصبحت
بدا في هذه السيرة متأثرًا بأعماله السابقة ومنذ عقود "ال تهتم بقضية التوثيق ،وتعطي
وبما تتطلبه من توثيق دقيق وحضور للتواريخ ،األولوية للمطبوعات ذات الصبغة اإلعالمية
وهذا ليس بالغريب إذ السيرة بوصفها جنسً ا والدعائية بشكل عام ،ولكن الكتب التاريخية
أدبـ ًيــا "تشبه التاريخ في حاجتها للتحرّي نادرًا ما تصدر"(.)٢١
والصدق ،وفي اعتمادها في بعض األحيان
كما أسهم اهتمامه بالتاريخ وبالتوثيق في على الوثائق والمدوّنات"(.)١٦
مراعاة التدرج الزمني في قص األحــداث
ومن هنا ،وجدنا الدكتور الشبيلي رحمه وروايتها ،وجاءت موضوعات الكتاب منطقية
حريصا على توثيق كل األحــداث التي فــي تسلسلها وتــرابــطــهــا ،وجـــاءت موجزة ً اهلل
يتذكرها بالتاريخين الهجري والميالدي ،وتــتــنــاول جــوانــب مــتــعــددة ،واقــتــصــر على
بتاريخ تقريبيّ ،أو يحاول أن يقدر ثمانية عناوين رئيسة فقط لكامل الكتاب، ٍ وأحيانًا
الزمن ،وهذا بتأثير من ممارسته في التأليف وهي :الصنقر ،والعزيزية ،وبين جامعتين،
والكتابة الصحفية التي اعتمد فيها على واإلعالم ،والتعليم العالي ،ومجالس ،وتوثيق،
التاريخ منهجً ا وطريقة ،ومن األمثلة قوله :وذاتــيــات ،كما حفل الكتاب بملحق تضمن
"كانت الوالدة على األرجح مساء السابع من
صـ ــورًا عــديــدة لــه وألس ــرت ــه؛ مــمــا أضفى
شــوال عام 1363هـــ (1944/9/23م) تزيد
على الكتاب قيمة أخــرى ،وهي الربط بين
عامًا أو تنقص مثله"( ،)١٧ثم يحلّل اختياره لهذا
األحداث والصور.
التاريخ مستندًا إلى روايات شفوية سمعها من
وتــحــفــل ســيــرة عــبــدالــرحــمــن الشبيلي والدته إذ يقول" :فأما اليوم والشهر فمؤكدان
بموجب معلومة مصدرها الوالدة ،فهي تذكر "مشيناها" بجوانب مما يسميه نقاد السيرة
أن الوالدة مكّنتها من صيام ست من شوال ،الذاتية "بالغة السيرة" ،والبالغة هنا في
وأما العام فهو مبنيّ على قرينة تجديد جامع هذا السياق "لم تعد تقترن بالبعد الزخرفي
ـضــا"( ،)١٨وهو عام للكالم"( ،)٢٢وإنما تعني في داللتها المعاصرة عنيزة بحسب الوالدة أيـ ً
لدى نقاد السيرة الذاتية تحديدًا تشخيص 1363هـ.
الذات وبناء هُويّتها ،وبنا ًء على ذلك تصبح
وأمــا األح ــداث التي عاصرها وشهدها
هــذه المالمح فــي السيرة الــذاتــيــة "عمود
بنفسه فهي موثقة بتواريخ يجزم بها مثل
بالغة السيرة الذاتية وتميّزها"(.)٢٣
ال رعاه
قوله" :أقامت وزارة المواصالت حف ً
وربما أبرز موضع ظهر فيه هذا الملمح، الملك فيصل فــي عــام 1385هـــــــ1965/م
الفــتــتــاح طــريــق ال ــري ــاض الـــطـــائـــف"( ،)١٩حديثه الصريح عن والدته وأصولها ،وأن
وقــولــه" :تــم الـ ــزواج ليلة الــمــغــادرة للبعثة والــده تزوجها بعد طالقها من أحــد أسر
(1387/5/15هـ ـــ1967/8/20/م) في منزل عنيزة ،وأنها تعود إلى أصول تركية ،وأنها
27 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وبعد ،فهذا العمل الــذي قدّمه الدكتور قدمت إلى المملكة بالقطار من أسطنبول
عبدالرحمن بن صالح الشبيلي إلى المكتبة مرورًا بالقريات حتى وصلت إلى عنيزة وهي
العربية عمل جدير باالهتمام والتقدير، صغيرة السن ،وطالب بالكشف عن الظروف
ويعد من أفضل األعمال السعودية في حقل الــتــي واكــبــت جلبهن مــن بــاد بعيدة إلى
السيرة الذاتية ،وتوافرت له عوامل النجاح المملكة فقال" :لم يوثّق أحد من الباحثين
إذ كتبه صاحبه فــي ســن تكاملت تجاربه الظروف التي أتت بأمثال هؤالء النسوة من
وخبراته وأعماله ،وبلغت قدرته التأليفية جوار يُتاجر
ٍ بالدهن حتى تحوّل بعضهن إلى
أوجها وقوتها بعد أن طبع كتبًا عديدة قبله بهن ،مع أنهن في األساس أحرار مختطفات
تشترك معظمها في حقل واحد ،وهو حقل أو سبايا حروب.)٢٤("..
السيرة بمفهومها الواسع ،وكــان أن حظي ونــقــف ف ــي الــســيــرة عــلــى ج ــوان ــب من
الكتاب بمقروئية عالية ،وكان مجاالً لبعض البوح عمّا تعرض له في وزارة اإلعالم من
الدارسين والكتّاب الذين تناولوه معجبين به
منغصات وإحــبــاطــات ظــهــرت فــي مواقف
مادة وأسلوبًا وإخراجً ا ،ومن أهم القراءات
عديدة ،ومنها :تسجيل حلقات من برنامجه
التي كُتبت عنه :محاضرة األستاذ حسين
"شريط الذكريات" ،وإيقاف عرض معظمها
بافقيه فــي نــادي جــدة األدب ــي ،ومقالة د.
دون مــسـوّغ مــقــبــول( ،)٢٥وإيــقــاف برنامجه
محمد الرميحي المنشورة في جريدة الشرق
"حديث األصــدقــاء" بعد بث حلقات قليلة،
األوسط ،ومقالة د .محمد العوين المنشورة
وعن البرنامج األخير يقول" :بقيت القصة
في جريدة الجزيرة ،ومقالة األستاذ أحمد
غــصــة فــي نــفــســه ،لــمــا قــوبــل بــه اجــتــهــاده
العسّ اف ،ومقاالت أخــرى ليس هــذا مقام
وماضيه من تعامل أشعره بعدم التقدير،
حصرها.
وانتهى بإجراء شابه اللوم بدالً من أن يشاد
رحم اهلل فقيدنا الدكتور عبدالرحمن بن بموقفه" ،ويعود بعد مرور السنوات فيسامح
صالح الشبيلي رحمة واسعة ،وأسكنه فسيح من تسبب في ذلك حين يقول" :فسامح اهلل
جناته. من سارع بالوشاية دون تفهم الظرف"(،)٢٦
المصادر والمراجع ولكن ظلت هذه المواقف مؤثرة في نفسيته
الحساسة إذ نراه بعد ذلك يقول عن نفسه:
أوالً :الكتب: "خرج من سنوات العمل في وزارة اإلعالم
.1أع ــام بــا إع ــام ،د .عبدالرحمن بــن صالح صفر اليدين"(.)٢٧
الشبيلي ،الطبعة األول ــى ،الــريــاض :المؤلف،
1438هـ2017/م ،الجزء الثاني. ومــن هــنــا ،يمكن الــقــول :إن مــن دوافــع
.2بالغة السيرة الذاتية ،إعداد وتنسيق :د .محمد
مشبال ،الطبعة األولى ،عمّان :دار كنوز المعرفة
الكتابة السيرية لدى الدكتور عبدالرحمن
للنشر والتوزيع1439 ،هـ2018/م. الشبيلي رحمه اهلل التنفيس والــدفــاع عن
.3السيرة الذاتية في األدب العربي ،تهاني عبدالفتّاح النفس.
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 28
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
شاكر ،الطبعة األولى ،بيروت :المؤسسة العربية ثانيً ا :الدوريات
للدراسات والنشر2002 ،م.
.1جريدة الرياض1440/5/4 ،هـ (2019/1/10م).
.4مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح
.2جـــــريـــــدة الـ ــمـ ــديـ ــنـ ــة1440/11/28 ،هـــــــــــــــــ
الشبيلي ،الطبعة األول ــى ،الــريــاض :المؤلف،
(2019/7/31م).
1440هـ2019/م.
.3جريدة اليوم1441/1/24 ،هـ (2019/9/23م).
.5مــوســوعــة الــشــخــصــيــات الــســعــوديــة ،الطبعة
.4مجلة الــيــمــامــة ،ع 1440/12/21 ،2571هـــــــ الثانية ،جدة :مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر،
(2019/8/22م). 1434هـ2013/م.
(ورقة مقدمة إلى ثلوثية د .عمر بامحسون بالرياض1441/2/2 ،هـ2019/10/1 /م). *
أستاذ األدب المشارك بكلية اللغة العربية بالرياض ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية األدب العربي. **
مــوســوعــة الشخصيات الــســعــوديــة ،الطبعة الثانية ،ج ــدة :مؤسسة عــكــاظ للصحافة والنشر، ( )١
1434هـ2013/م.515/1 ،
أعالم بال إعالم ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،الطبعة األولى ،الرياض :المؤلف1438 ،هـ2017/م، ( )٢
الجزء الثاني.
تُنظر :جريدة المدينة1440/11/28 ،هـ (2019/7/31م). ( )٣
تُنظر :جريدة اليوم1441/1/24 ،هـ (2019/9/23م). () ٤
مجلة اليمامة ،ع 1440/12/21 ،2571هـ (2019/8/22م). ( )٥
تُنظر :جريدة الرياض1440/5/4 ،هـ (2019/1/10م). ( )٦
مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،الطبعة األولــى ،الــريــاض :المؤلف، ( )٧
1440هـ2019/م ،ص .5وقد ورد البيتان في المستطرف لألبشيهي ،بيروت :دار القلم1401 ،هـ1981/م،
.491/2
تُنظر :جريدة الجزيرة1440/12/2 ،هـ (2019/9/3م). () ٨
تُنظر ترجمته في مجلة الفيصل ،ع ،123رمضان 1407هـ ،ص.111 ( )٩
مشيناها :حكاية ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.7 ( )١٠
المصدر نفسه ،ص.7 ( )١١
مشيناها :حكاية ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.9 ( )١٢
المصدر نفسه ،ص.9 ( )١٣
المصدر نفسه ،ص.11 ( )١٤
المصدر نفسه ،ص.24 ( )١٥
السيرة الذاتية في األدب العربي ،تهاني عبدالفتّاح شاكر ،الطبعة األولى ،بيروت:المؤسسة العربية ( )١٦
للدراسات والنشر2002 ،م ،ص.17
مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.13 () ١٧
المصدر نفسه ،ص.13 ( )١٨
المصدر نفسه ،ص.152 ( )١٩
المصدر نفسه ،ص.165 ( )٢٠
المصدر نفسه ،ص.195 ( )٢١
بالغة السيرة الذاتية ،إعداد وتنسيق :د .محمد مشبال ،الطبعة األولى ،عمّان :دار كنوز المعرفة للنشر ( )٢٢
والتوزيع1439 ،هـ2018/م ،ص.7
مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.10 () ٢٣
المصدر نفسه ،ص.42 ( )٢٤
المصدر نفسه ،ص.208 ( )٢٥
المصدر نفسه ،ص.213 ( )٢٦
المصدر نفسه ،ص.215 ( )٢٧
29 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تلميذ ِل ُم َع ِّل ِمه
ٍ ٌ
رسالة من
■ د .علي بن دبكل العنزي*
التقيت بالمرحوم األستاذ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عام 1401هـ ،كنت وقتها طالبا
في جامعة الملك سعود ،أدرس اإلعالم ،إذ درّسنا في ذلك الوقت مادة اإلعالم السعودي ،وكان
وقتها وكيال لــوزارة التعليم العالي .ومنذ اللحظة األولى التي دخل علينا في المحاضرة
أسرنا بلطفه وأخالقه الراقية ،وهو يتحدث معنا بكل لطف واحترام وبصوته الخافت؛ فكنا
نستغرب كيف لهذه القامة الكبيرة في اإلعــام والتعليم أن يتحدث مع طالب سنة أولى
جامعة بهذا التواضع ،وصرنا نشتاق لمحاضرته وهــو يسرد لنا قصة اإلعــام السعودي
وقصته هو مع هذا اإلعــام ،وعمله بالتلفزيون قبل أن يُبتعث لنيل شهادة الدكتوراه في
اإلعالم ،ويصبح أول دكتور سعودي في هذا المجال .كنت أرى فيه المنهج الذي يتحدث من
قلب التجربة وتحديات العلم .لقد كانت عالقتي في بدايتها هي عالقة طالب بأستاذه الذي
أنموذجا له ،واستمرت حتى أصبحت عالقة صداقة وأخوّة.
ً يعدّ ه
الجوف والغاط ،وكذلك مشاركته في اإلشراف قاس يغرب النفس ويتغرب بها،ال َف ْق ُد أم ٌر ٍ
على كتاب سيرة عبدالرحمن السديري أمير شيء ال يستقر في وطن ،وال يسكن مع األهل
منطقة الــجــوف (األســبــق) ،وتقديمه لهذا واألصــحــاب؛ فغياب الشبيلي بهذه القسوة
الكتاب .لقد كان صديقاً للجميع ،ومستمعًا على محبيه أمر جلل؛ إال أن الراحل الجميل
جيداً لكل اآلراء خالل الفعاليات التي يشارك يستعصي على هذا الغياب ،فحضوره قصة
فيها. بناء ال تنتهي عند عمر أو تغيب بموت ،فهذا
كان اللقاء المؤثر الذي جمعني بأستاذي المشوار الطويل من اإلبداع والجهد والتعب
القدير في عام 2008م وضمن فعاليات قمة أنتج جماالً أبدياً .فالراحل له با ٌع طويل في
أوبــك الثالثة فــي الــريــاض ،فقد طلب مني هــذا الحقل من خــال عمله في التلفزيون،
صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن وأصبح مديراً عامًا له ،ومن خالل بصماته
سلمان بن عبدالعزيز ،وزيــر الطاقة ،إدارة التي تركها على هــذا الجهاز قبل انتقاله
فعاليات البرامج المصاحبة للقمة ،وكــان لـــوزارة التعليم العالي والعمل فيها ،وفي
البرنامج يتضمن دعــوة عدد من األشخاص المجالين كانت له بصمات واضحة جداً؛ ما
المعروفين من كل دولة من دول منظمة أوبك، جعل الجميع يثني عليه .لقد تعززت العالقة
ســواء كانوا وزراء سابقين أم أمناء سابقين بيني وبين الشبيلي يرحمه اهلل مــن خالل
للمنظمة أم رؤســاء تحرير ،لــزيــارة مختلف مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،فقد
مناطق المملكة قبل انعقاد القمة بأسبوع، كان حاضراً في فعالياته الثقافية ،سواء في
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 30
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
من أجل المواطن ،لقد كان مخزنا للفكر.. وبــعــدهــا يــحــضــرون الــقــمــة ،وفــكــرة األمــيــر
فألّف عشرات الكتب في اإلعــام والثقافة، عبدالعزيز هو أن يتعرفوا على ثقافة المملكة
وألــقــى عــشــرات بــل مئات المحاضرات في وتاريخها وتطورها ،وإطالعهم على كيفية
مختلف مناطق المملكة؛ فهو في الحقيقة استثمار دخل البترول في تنمية الدولة .وكان
بالنسبة للمتخصصين في اإلعــام مدرسة من ضمن األشخاص الذين يمثلون المملكة
إعالمية تجمع بين األكاديمية والمهنية ،وله د .عبدالرحمن الشبيلي إضــافــة إلــى عدد
تأثير كبير جداً في تاريخ اإلعالم السعودي من زمالئه :د .عبداهلل العسكر رحمه اهلل،
تدريساً وتأريخاً ،فقد كان متعاوناً مع قسم والدكتور يزيد العوهلي ،ود .محمد الجفري
رحمه اهلل ،ود .إحسان أبو حليقة ،والدكتورة
اإلعــام في جامعة الملك سعود في الوقت
نورة اليوسف ،واألستاذ منير العكاس ،وكان
ـس الحاجة لمثل ال ــذي كــان القسم فــي أم ـ ّ
لوجود د .عبدالرحمن الشبيلي األثر الكبير
خبراته ،فلم يبخل بعلمه ومعرفته ،لقد كان
فــي نجاح مهمتنا فــي الجولة على مناطق
صادقاً في تقديمه للمعلومة؛ ما جعله صاحب
المملكة ،كما أنه كان من ضمن الذين أسهموا
سيرة ملهِ مة ،فلم تتوقف سيرته عند الجانب
في وضع ذلك البرنامج .لقد كان يمثل األخ
المهني واألكاديمي ،بل امتدت إلى الجانب
الكبير للجميع في تلك الرحلة ،يشجعنا في
ال في جمعية اإلنساني؛ إذ كان عضواً فاع ً عملنا خاللها ،يُثني على الجميع ويتحاور مع
ألزهايمر وغيرها من الجمعيات ذات الطابع الضيوف ومع الزمالء القائمين على البرنامج،
اإلنــســانــي ،فلقد سطّ ر أروع معاني الوفاء حرصا منه على نجاحنا ونجاح الوطن.
عندما أص َّر على إقامة عزاء األستاذ ماجد
واستمرت اللقاءات مع أستاذنا القدير
الشبل رحمه اهلل في منزله .فال غرابة أن
الــمــرحــوم عبدالرحمن الشبيلي مــن خالل
يحصل الراحل على وسام الملك عبدالعزيز
مؤلفاته التي يرسلها لنا ،ولقاءاته في النادي
من الدرجة األولى. األدب ــي ،وفــي كــل المناسبات التي يتاح لنا
وختاما :ترك لنا الراحل نحو ( )23مؤلفاً حضورها ويكون هو طرفاً فيها.
بين السير الذاتية والعلم المتخصص ،نتاج َمــن ينظر ويــقــرأ سيرته وتــاريــخــه يقف
عشرات السنين ،رصد فيها الراحل مسيرة حــائــراً أمــام قــدرتــه على العمل المتواصل
وطن وقيادة وشعب (حكاية وطن خلق وجوده في كل المناشط؛ عندما كان رئيس مجلس
واستقراره) حتى أصبحت مؤلفات الشبيلي إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة
رحمه اهلل أعالماً وإعالماً من الوطن وإلى والنشر ،وكذلك عندما كان عضواً في مجلس
الوطن. الشورى ..كان محاوراً بارعاً ،ومبادراً للعمل
* رئيس قسم اإلعالم -جامعة الملك سعود.
الشبيلي وحكاياته الذاتية التي خطها في سيرته الذاتية (مشيناها) والتي صدرها
بالبيتين اآلتيين:
ومــن كُ تبت عليه خطى مشاها مـشـيـنــاهــا خ ـط ــىً كُ ـت ـبــت علينا
أرض سواها!
فليس يموت فــي ٍ ـأرض
ومـ ـ ـ ــن ك ـ ــان ـ ــت مـ ـنـ ـ ّيـ ـت ــه بـ ـ ـ ـ ٍ
أن تكتب عــن نفسك ليس أم ــرً ا يـسـيــرً ا ،وأن ــت تعلم تماما أن هـنــاك مــن يتابعك في
حياتك ..فكيف حين تـغــادر الدنيا وتـتــرك خلفك سيرة تحمل مسيرة مختلفة ،وهــذا
الشبيلي ،صاحب السيرة الذاتية الصالح ّ ما حــدث مع اإلعــامــي الكاتب عبدالرّحمن ّ
السعودية« :مشيناها ..حكايات ذات» ،والتي صــدرت طبعتها األولــى في صفر 1440ه ــ/
وتوشح غالفُ ها بشكل مميز بصورة عميقة لها داللة مختلفة ،وهي صورة نوفمبر ٢٠١٨مّ ،
«الصنقر» ،وهو معلم تراثي أشبه ببرج المراقبة ومقصورة الحماية ،يتجاوز عمره مئة ّ
سنة ،وفي عام ١٤٠٧هـ ُشيّد عليه مركز ابن صالح الثّقافي.
ولك أن تدرك كيف لرجل مثله أن يتخيّر الوطن الذي سيحتضنه.
وحين تخطو أول خطوة لتمشي داخل تلك الصورة عمدًا ،وال يمكن أن تكون سهوا
الكتاب ،تجدك تتعرف على الفترة الزمنية أمام رجل بعظمة تفكيره وصالبة رأيه.
التي قضاها وهو يدوّنه ،فقد أشار إلى أنّه يتكون هذا الكتاب السيروي المؤلم في
قضى سنة ونصف السنة وهو يرسم بقلبه مسيرة إبداعية مختلفة مــن مقدّ مة ،ث ّم
وقلمه هذه الذّ كريات؛ ابتداء من رمضان ثمانية أقسام ،وبعدها كشّ اف عام ،فملحق
عام ١٤٣٨هـ ،وحرص على ّأل يكون سرديًا صور ،وتعريف مختصر بالمؤلف .وكأنه كان
عاديا ،فالتّفرّد سمة جميلة تستحق العناء، يرسم لنفسه طريقا يعرف أنه يمشيه ،وأنه
وبما أن حياته مجبولة بالعناء والتعب ..حقه سينتهي عنده .وحده عبدالرحمن الشبيلي
أن يرسمها في سيرة مختلفة ال شبيه لها؛ الرجل القويّ الخطوة ،البارع في اإلعالم،
ألنه كان متفردًا وال شبيه لطريقته وأسلوبه، المتمرّد وقت الغضب ،عرف مشي الخُ طى،
فجاء كتابه من طراز مختلف بين الرّواية فثبت نفسه على شرفة في باريس لتهوي
والسّ يرة. به وتعيده إلى مسقط رأســه ،حيث تراب
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 32
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
عنيزة ،وهو يتحدث عن مسيرته أبداً؛ فهي غريبة بعيدة الــمــدى إلى
ٍ بلغة
أخَ ـ َذنَــا ٍ
البؤرة التي تسوق كل األحداث وكل أسباب زاوية الرواية حينًا ،وهو يتفنّن في وصف
نجاحه ،ويصف عنيزة التي تحب هؤالء سردي أشبه بسيروائية الكاتب الذي يبني
الحرفيين من أهل البلد ،ويتغزّل بنشاط نصه بينه وبين نفسه خطوة خطوة ،منذ ان
سوق المسوكف ،وتطوّع أهله لقراءة البريد بدأها في وصف مراحل النّشأة والتّكوين،
الضروس وتجبير الكسور، وإيصاله ،وخلع ّ وجعلنا نستعرض المكان في عنيزة مسقط
والصكوك ،وإطراب العابرين ّ وكتابة الوثائق قلبه وهــوى حياته وأنفاسها ،ونعيش معه
بالقصيد والمِ ل َح ،ثم يصف ناديًا لألخبار ذكريات الوالدين واإلخوة ،وكيف كان رقيقا
وبخاصة من القادمين بالطّ ائرة من الرّياض ّ وهو يصف فاطمة ،والدته الجميلة القلب،
وجدّ ة إلى مطار عنيزة المحلي القديم ،الذي ـس ،وأنــت تقرأ تشعر وكأنك رقيقة الــحـ ّ
يعمل به موظف واحــد؛ فيحجز التّذاكر، تعرفها تمامًا ،ومع أنّ والدته قدِ مت إلى
ويوجه الطّ ائرات للهبوط واإلقالع ،كل ذلك عنيزة من بيئة اسطنبوليّة مختلفةّ ،إل إنّها
في لغة سينمائية مشهدية معبّرة مختلفة. استطاعت االندماج مع عنيزة في لهجتها
ولــم يغب عنه أبـــدًا الــحــديــث عــن العمل وعاداتها ،ومطبخها ،وأن ــواع تمورها ،بل
التّطوعي في عنيزة ،وعن العمل التطوعي وفــي أنــســاب األس ــرة ومصاهراتها ،حتى
المبكر ،وإصالح بعض الطّ رق ،ومتابعة تبرّع حفظت رثــاء زوجها لزوجته األولــى التي
الوزير عبداهلل السّ ليمان الحمدان بمشروع توفيت سنة الرّحمة عام ١٣٣٧هـ بقصيدة
سقيا الــمــاء ،وغير ذلــك .وهــذا االهتمام تقع في نحو مئة بيت.
المبكر يفسّ ر لنا بروز أهل عنيزة في مجال وتسير مرحلة الحياة به وهو ال يفارق
33 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
بعيدًا عن األغــراض الوظيفية ومتطلبات األعمال المجتمعيّة والخيريّة والتّطوعيّة.
ولم يتغافل عن المرأة أبــداً ،كيف ذلك التّرقية ،وليس له أربــاح مادية؛ لكنّ لذة
وهو يدور حول أمه التي عاشت لتربيتهم العلم ال يعدلها شــيء ،وبخاصة بعد أن
على الرغم من اختالف تربيتها ،وذكر أسماء منحته عضوية الشّ ورى مزيدًا من الوقت
نساء من عنيزة تزوجهن الملك عبدالعزيز ،للبحث والقراءة ،فالتفت لمكتبته المنزلية
والملك سعود ،وهنّ من كبار عوائل البلدة ،ليعمرها.ث ّم تحدث عن كتبه المطبوعة وهي
كما أشــاد بخمس عشرة معلّمة من نساء كثيرة ،وذكر قصة تأليف أغلبها التي تعود
عنيزة ص َّيرْن بيوتهنّ كتاتيب لتعليم الفتيات إلى كتابة مقال أو إلقاء محاضرة ،والكثير
قبل بداية التّعليم النّظامي؛ ومن الطّ بيعي
من األوجاع التي يبثها هنا أو هناك في ثنايا
أن يكثر الحديث عن المرأة في سيرة رجل
كتابه.
عــاش قسمًا من عمره في عالم اإلعــام
وأنت تغلق آخر صفحات الكتاب تسمع والثّقافة.
وتسير كثيرا داخل تلك المسيرة المميزة بكل ألــم صوته األجــش الضخم بمخارج
ليُحدثك عن تخرجه في كلية الّلغة العربيّة حــروف متميزة لم يعتليها العجز أو كبر
الذي كان سببا لدخوله إلى عالم اإلذاعة ،الــســن ،وتتخيل أنــه ينعي نفسه فــي آخر
ث ـ ّم اإلع ــام المرئي والمكتوب ،ثــم تولى صفحات كتابه ،فتظهر هناك كلمات مؤلمة:
«تنعي أسرتا الشبيلي وأبــا الخيل في مهمّة تسجيل خطاب العرش بعد العصر
في قصر الملك فيصل بالمِ عذر في ٢٧
مناطق المملكة فقيدها الغالي الدكتور
جمادى اآلخرة سنة ١٣٨٤هـ بحضور األمير
عبدالرحمن الصالح العبداهلل الشبيلي،
سلطان ،والشّ يخ محمّد النّويصر ،ود .رشاد
داعين اهلل جل شأنه أن يتواله بإحسانه
فرعون ،ود .كنعان الخطيب ،ث ّم طار إلى
وعــفــوه ورحمته ،ويجعل مــا أصــابــه رفعة ليل مع نشرة األخبار.
جدّ ة إلذاعته ً
لدرجاته ويسكنه عليين»...
بألم ووجع مع
ثم تقطعك اللهفة للمتابعة ٍ
وحدها تلك الكلمات التي صــدرت عن مأساة وفاة ابنه طالل ،بعد معاناة طويلة
وداع
ومؤيد ٍ
ٍ ناف
غريبة التّسلسل مع المرض ،ليقف هناك أسرته هزّت اإلعالمي بين ٍ
وباك عليه ،ليس تمردًا على الموت،ومتألم ٍ
ٍ متأثرًا بعبارات تبكي وأنت تقرأها.
ثم يعود بك سريعًا الى أهم مراحل العمر بــل خــو ًفــا مــن تصديق الخبر فــي لحظة
التي كانت مع التّوثيق والتّأليف ،علمًا أنّه يتمسك بها اإلنسان بتراثه وأصالته ،وهذا
كتب بعد بلوغه األربعين جُ ّل إنتاجه ،فكان الرجل أصالة التاريخ اإلعالمي السعودي.
* أكاديمية وناقدة من األردن.
عدد طلقات المدفعية الترحيبية بكبار الزعماء، رفاقه في حلهم وترحالهم ،علمًا أن حكايات هؤالء
وهي ليست بكثيرة تجاه رجل دولة ،عاش شغوفًا الرحالة ما عُرفت ّإل بعد أن نَش َر سيرته.
بالخدمة العامة حتى صار قدوة فيها ،ث ّم تشابه
سابعًا :أظهر الشبيلي عراقة مؤسسة الشورى
مصابه ومماته مع االستفتاء الشعبي الصادق
وسم َو أعضائها من خالل موقفين هما باختصار:
والنزيه حول أحد النماذج المجتمعية المتوازنة
االحتفاء به حيًا من قبل صحبة الشورى أكثر من أيّ
المقبولة والــمــحــبــوبــة الــتــي تــصــف الشخصية
بيئة عمل سابقة ،وتفاعلهم المهيب مع رحيله شعرًا
الوطنية ،خاصة بعد أن بسط سيرته للناس شفافة
يمشون في مناكبها ،وهل االستفتاء ّإل أداة شورية؟ ونثرًا ،فال تكاد تخلو منهم مجالس التأبين والرثاء.
وهل الشفافية ّإل نتيجة تستلزمها الشورى؟ هــذه مالمح تعدادها واحــد وعــشــرون ،تماثل
* نص كلمة ألقيت يوم الخميس 25صفر 1441هـ= 24أكتوبر 2019م في دار الرحمانية بالغاط التابعة
لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،في ندوة عنوانها" :التجربة الشورية لعبدالرحمن الشبيلي ذكريات
أيضا أصحاب المعالي والسعادة :أ .محمد الشريف ،أ .د .فالح الفالح ،د .عائضومواقف" ،تحدث فيها ً
الردادي ،وأدارها د .علي الخضيري.
** باحث وكاتب من السعودية.
39 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الدكتور عبدالرحمن الشبيلي
ما يستحق الكتابة ،وأنــه يتحفظ عن البوح عرضت عليه فكرة تسجيل التاريخ الشفهي
ببعض الموضوعات الحسّ اسة ،وقد تكررت الذي تقوم به مكتبة الملك فهد الوطنية فأشاد
دعـــوات األصــدقــاء الــذيــن قــالــوا لــه :اكتبها بالفكرة فدعوته للمشاركة فلبّى الــدعــوة..
واتركها للزمن ،فكتبها بلغة الغائب (صاحبنا) وعلى مــدى ثــاث جلسات سجلت معه تسع
أو (الفتى). ساعات في أيام 1425/3/12-3/9-3/2ه ـــ.
قــال إنــه لــم يلج عــالــم الكتابة قبل عام واســتــعــرض المحطات المهمة فــي حياته،
1412هـ ـــ1992/م؛ إذ إنه لم يعترف ببداياته فبهرني بمعلومات دقيقة ومرتّبة ،فطلبت منه
معها ،والتي َذ ّكــرتُــه بها في جريدتي (أخبار تدوينها ليستفيد منها الجميع فتمنّع ،وقال
إنــه لم يفكر بهذا فهو مشغول بالكتابة عن
ال ــظ ــه ــران) عـ ــام 1376هـــــــ والــيــمــامــة في
1380/5/10هـ بعنوان( :مقابر عنيزة) - ،وهو الرجال األوائل الذين بدؤوا المجال اإلعالمي
ما يزال طالباً -بكتابي (بداياتهم مع الكتابة)، المبكر بالمملكة ،وبخاصة مَن كان لهم دور في
وقال إنه بدأ يهتم بالتوثيق «فوجد به عالماً تأسيس المملكة.
ـصـدَف أن يكون كتابه (مشيناها) شائقاً من ناحية ،وسياحة تسد فــراغـاً في ومــن الـ ُ
هو آخر ما صدر له قبيل وفاته -رحمه اهلل -المشهد الثقافي من ناحية أخرى».
ولكنه مــع ذلــك «ب ــدأ فــي مطلع رمضان بأشهر.
يقول في مقدمة (مشيناها ..حكايات ذات) 1438ه ـــ يونية 2017م بتدوين سطور هذه
إنه تردد كثيراً قبل أن يكتب ترجم ًة لحياته ،الحكايات واختتمها في نحو عام ونصف العام
رغم دعوات الكثيرين له ،بدعوى أن ليس لديه مع اهتمامه بتعزيز المعلومة بالوثائق ،إال إنه
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 42
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
بمنزل طيني صغير بسوق (المعثم) في مدينة
عنيزة ،وكان منذ صغره يجالس والده ويساعده
1944-2019
في دكانه المتواضع في سوق المسوكف لبيع
التمر والحبوب بالتجزئة ،وكان (صاحبنا) حتى
تجاوز الخامسة عشرة يساعد والده في غير
وقت الدراسة ،فيتواصل مع الزبائن ،ويحرس
البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة أو لصالة
الظهر ،وقد جرّب البيع بدكان صغير مجاور
لوالده ولكنه فشل وقفله.
تزوج والده صالح بن عبداهلل الشبيلي من
والدته فاطمة عام 1345هـ 1926م والتي يقول
إنها تروي نتفاً مما تذكره عن ديرتها (إسطنبول)
والقطار الــذي أقلها وقت الحرب األولــى مع
خالها ،وتتذكر المرور بالقريات ..وقال إنها
نسيت مفردات لغتها األصل .وقال« :لم يوثق فض َل الخروج بهذه الحكايات عن طابع الجفاف َّ
أحد من الباحثين الظروف التي أتت بأمثال العلميّ والهوامش الصارفة للنظر ،فآثر إضفاء
هؤالء النسوة من بالدهن ،حتى تحوّل بعضهن السالسة والعفوية على مقروئيتها ،وكان يتمنّى
قسراً في مجتمعاتهن الجديدة إلى جوارٍ يُتاجر أن تخرج فــي شكل روايـــة ،لكنه يفتقر إلى
بهن ،مع أنهن في األســاس أحــرار مختطفات العناصر واألدوات الفنية لكتابتها.»..
أو سبايا ح ــروب ،واألحــســن حظاً فيهن من فاستقر رأيه على تسميتها (حكايات ذات)،
لقين االحترام وأصبحن زوجات معززات ،لكن مستعرضاً أبرز ما مر به في محطات حياته
أغلبهن انفصمن كلياً عن بيئتهن األصل ،وصار الخمس (الدراسة 15عاماً ،اإلعالم 14عاماً،
يطلق عليهن نعوتاً تعميمية مثل :تركيات أو التعليم العالي 17عاماً ،مجلس الشورى 12
أرمنيات أو شركسيات ،أو كرجيات ،»..وقال إن عاماً ،النشاط الثقافي االجتماعي 12عاماً
والدته «أندمجت بمقدرة عجيبة في المجتمع حتى تاريخه).
الجديد بلكنته القصيمية وعاداته ..وأجادت
وقال إنه يؤمن بالحكمة القائلة( :ما خاب
األكالت والحلويات الشعبية ...مع أنها كانت
من استشار)؛ ولهذا فقد طلب مشورةَ من يركَن
في األصــل نازحة من تركيا في إثــر الحرب
إلى رأيهم ،و َذ َك ـ َر أسماءهم وشكرهم على ما
العالمية األولــى أو حــرب األت ــراك واألرمــن،
وقدِ مت إلى الجزيرة العربية مع عدد من بنات أضفوه على المحتوى.
جنسها ..لم يكن لدى بعضهن من المعلومات ولــد في 1363/10/7ه ـ ـــ1944/9/23 ،م
43 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ما يكفي لالستدالل على أسرهن بسبب صغر الدراسات العليا ،وقبلها أوفد لتغطية مؤتمر
الــســن ،»..وقــال إن أشــقــاءه الثمانية يتمنون القمة العربي الثاني باإلسكندرية ثم مؤتمر
الحصول من ذاكرة الوالدة على طرف الخيط عدم االنحياز في القاهرة عام 1964م.
وقال إن التلفزيون بدأ البث مدة ساعة بين الموصل إلى أخوالهم وخاالتهم من أهلها ..ولم
صالتي المغرب والعشاء من الرياض وجدة في يفلحوا.
1385/3/19هـ1965/7/17/م ،ثم بدأ إحداث دخل المدرسة العزيزية في الخامسة من
برامج جديدة ،و ُمدّد وقت البث تدريجياً ،وقال عمره مرافقاً لشقيقه عبداهلل الــذي يكبره
إن المرأة بدأت المشاركة بصوتها «وفي صيف بسنة ،قــال عــن نفسه( :لــم يكن كاتب هذه
عام 1394هـ 1974 -م كانت هدى عبدالمحسن الحكايات نابهاً وال متوقد الذهن ،وال متميزًا
الرشيد المذيعة في إذاعة جدة ثم في إذاعة فــي دراســتــه ،لكنه كمعظم لــداتــه منضبط
لندن ،في زيارة للرياض وقدَّ مت نشرة األخبار المواعيد مثابر وخجول ومسالم ،وكان لصغر
على التلفزيون هي األولى في تاريخه ،ولم يكن سنه محدود الصداقات يغلب عليه االنزواء»..
لها ردة فعل تذكر» ص ،133وأول أغنية سعودية ص.75
نسائية على التلفزيون للمطربة المعروفة عتاب
بعد إكماله الثانوية بالمعهد العلمي بعنيزة
من إخراج سعد الفريح عام 1396هـ ،وقد كان
صاحبنا مديراً عاماً للتلفزيون من عام 1966م وهــو فــي الــســادســة عــشــرة مــن عــمــره انتقل
حتى ابتعاثه عام 1967م لشهادة الماجستير للعاصمة الــريــاض لــلــدراســة فــي كلية اللغة
في اإلعالم من جامعة كانساس بأمريكا عام العربية عام 1379هـ ،وتعلم في دورات مسائية
1388هـ 1968م ثم الدكتوراه في اإلعالم من اللغة اإلنجليزية ،ما ساعده على نيل شهادة
جامعة واليــة أوهايو 1391هـ ـــ1971/م انتهى الثانوية العامة لنظام وزارة المعارف وهدفه
عمله باإلعالم عام 1397هـ1977/م بعد أربعة الــوصــول إلــى الــجــامــعــة ،وأصــبــح يجمع في
عشر عــامـاً قضاها فــي العمل اإلعــامــي.. دراسته بين كلية اللغة العربية والجامعة ،فكان
وكــان إلــى جــوار والــدتــه بــالــريــاض بعد وفــاة يخرج من الكلية ليلحق بالدرسين األخيرين من
والده عام 1392هـ والتي توفيت بالمستشفى كلية اآلداب ،وهكذا بالنسبة لالمتحانات ،تخرج
التخصصي بــالــريــاض فــي 1401/2/12هــــــ عام 1383هـ 1963م في كلية اللغة العربية وفي
1980/12/19/م ،بعد مرور تسع سنوات على العام التالي من جامعة الملك سعود..
وفاة والده .وكان قد تزوج قبل بعثته للماجستير
رشح (صاحبنا) من قبل كلية اللغة العربية
من زكية بنت عبداهلل أبا الخيل ،رزق منها ابنه
لاللتحاق بوزارة اإلعالم الجديدة التي أنشئت
الوحيد طالل وابنتاه رشا وشادن.
عام 1382هـ فعمل باإلذاعة بجدة وانتقل معها
انتقل عام 1397هـ 1977/م لوزارة التعليم للرياض بعد أشهر ،وبعد ثماني سنوات وصل
إلى وظيفة قيادية فاختار تخصص اإلعالم في العالي .وكان قبل ذلك محاضراً بقسم اإلعالم
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 44
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
مع صاحب السمو الملكي األمير وليد بن بدر بن سعود و سبطه األمير بدر بن وليد بن بدر بن سعود وسبطه فيصل بن رائد
البراهيم و حفيده عبدالرحمن بن طالل الشبيلي
1981/م حتى إلغائه عــام 1424هـ ـــ2003/م بجامعة الملك سعود من عام 1392هـ1972/م،
عضوية مجلس الشورى لثالث دوراته األولى. فــبــدأ رحــلــة الــتــألــيــف بــكــتــاب (اإلع ـ ــام في
عضويته لمجلس أمــنــاء الشركة السعودية المملكة العربية السعودية دراس ــة وصفية
لألبحاث والنشر .ومدير عام مؤسسة الجزيرة توثيقية تحليلية) ،أصدر عام 1420هـ2000/م
الصحفية .وعضوية اللجنة العلمية لمركز أحــد الكتب المرجعية في القسم .وكــان في
حمد الجاسر الثقافي ،وعضوية مجلس إدارة ال لوزارة التعليم العالي وأميناً عاماً عمله وكي ً
مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،وغيرها. للمجلس األعلى للجامعات.
لقد رحل -رحمه اهلل -يوم الثالثاء 27ذي انتقل لعضوية مجلس الشورى في دورته
القعدة 1440هـ الموافق 30من يوليو 2019م األولى عام 1414هـ 1994/بعد أن أمضى سبع
بمدينة الرياض ،بعد نقله باإلخالء الطبي من عشرة سنة في وزارة التعليم العالي التي قال
باريس إثر إصابته بإغماءة ،وقد ترك لنا كثيرًا عنها« :بعد أن اكتسبت خبرة ثرية في أنظمة
من األعمال الثقافية اإلعالمية. الجامعات ولوائحها ،وقطف صداقات عزيزة
وت ــرج ــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة الــشــخــصــيــات مع عدد من أعضاء هيئة التدريس في مختلف
السعودية ،مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر. الجامعات السبع».
وشــارك في كثير من اللجان والمؤتمرات ط ،2ج .1قالت:
ولــد عــام 1363هــــ 1943م بعنيزة ،تلقى الخاصة باإلعالم والتعليم العالي ومن أهمها:
المجلس األعــلــى لــإعــام مــن عــام 1401هـــ تعليمه االبتدائي حتى الثانوي بها ،بكالوريوس
45 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
كــثــيــراً مــن الــمــآســي وال ــح ــوادث الشخصية آداب قــســم لــغــة عــربــيــة مــن جــامــعــة اإلم ــام
والعامة ...بيته مفتوح للجميع ،حضرت مرات محمد بن سعود اإلسالمية 1383هـ1963 ،م.
مع لقاءات ضحى أيام األحد في منزله بزمالئه بكالوريوس آخر في اآلداب قسم الجغرافيا من
أعضاء مجلس الــشــورى القدامى ،وسافرت جامعة الملك سعود بالرياض 1385هـــ ،نال
معه إلى عنيزة وإلــى لبنان وقابلته بالقاهرة الماجستير في اإلعــام من جامعة كانساس
في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2019م األمريكية 1389هـــ 1969 -م ،والدكتوراه في
حيث ُك ـرِّم في جناح المملكة بحضور رفيقة اإلعالم من جامعة أوهايو األمريكية 1391هـ
دربه أم طالل ،ورفض فكرة التكريم واستبدلها 1971م .أسهم في تأسيس أول إذاعة بالرياض
بإلقاء محاضرة عن أحــد مستشاري الملك 1384هــــــ1964 ،م ،وأول محطة تلفزيون
عبدالعزيز الشيخ األزهري حافظ وهبة. بالرياض في العام التاليُ ،عيِّن مديراً عاماً
للتلفزيون 1397 -1391هـــــ ،عمل أســتــاذاً
كــان -رحــمــه اهلل -ال يحب األضـ ــواء وال لإلعالم بجامعة الملك سعود 1403 -1393هـ،
المديح ،رفض إقامة ندوة لتكريمه في مركز شغل منصب وكيل وزارة التعليم العالي ،وأمين
حمد الجاسر الثقافي عام 1439هـ بعد منحه ع ــام الــمــجــلــس األعــلــى لــلــجــامــعــات -1403
وسام الملك عبدالعزيز في الجنادرية ،وبعد 1414هـ ـــ ثــم تــقــاعــد .فعين عــضــواً بمجلس
إلــحــاح اقتنع ،وكــان قــد سبق أن رفــض فتح الشورى 1414هـ حتى 1426هـ ،عضو المجلس
ملف عنه في ملحق الجزيرة الثقافي (المجلة األعلى لإلعالم 1400هـ 1980م .شغل عضوية
الثقافية) ،رغم رجاء صديقه الدكتور إبراهيم مجالس الجامعات السبع ،رئيس مجلس إدارة
التركي. مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر - 1417
آخر ما صدر له مذكراته (مشيناها) قبل 1421هـ ..إلخ.
أشهر ،يقول إنــه اعتنى بتصحيحها وتعديل تــرجــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة رواد اإلعـ ــام
طباعتها ألكثر من 14مرة؛ ولهذا ،نجده يشكر الــســعــودي ،جاسم الــيــاقــوت ،ط1431 ،1ه ـــ.
مسؤولي المطبعة لسعة صدورهم .قرأتها لم أول سعودي يحصل على درجة الدكتوراه في
أجد بها أي نقد أو انتقاد أو ذكر أي شخص اإلعالم ...أسهم في تطوير البرامج واالبتعاث
بسوء ،ولو بالهمز واللمز .كان حريصاً على والتدريب وإنشاء المحطات التلفزيونية على
القيام بــالــواجــب الــعــام والــخــاص مهما بعد مستوى المملكة ،ثــم عمل أســتــاذاً لإلعالم
المكان في حالة الفرح والترح ،وكثيراً ما يفتح بجامعة الملك سعود.
بيته لتقبل العزاء في اآلخرين .ففيه تجتمع كان رحمه اهلل محبوباً وودوداً لم أعرف
الصفات الحميدة -رحمه اهلل. ال له في حلمه وورعه وسعة صدره ،وتحمل
مثي ً
* كاتب من السعودية.
مختلف المجاالت.
عَّ برت المقاالت والنصوص التأبينية التي
نــشــرتــهــا وســائــل اإلعـ ــام ووس ــائ ــل الــتــواصــل
االجتماعي عن مدى ال َفقْدِ الذي شعر به الجميع
لرحيل أبي طالل .وقد رأى مركز عبدالرحمن
السديري الثقافي أن يجمع بعض ما كُتب في
تأبين الفقيد العزيز وإصداره في كتاب تذكاري
وفا ًء للشبيلي رحمه اهلل.
يقول الكتاب إن رحيل الدكتور عبدالرحمن
الشبيلي هــو خــســارة لــلــوطــن ،ورحــيــلــه يمثل
بشكل خــاص خسارة يصعب تعويضها لمركز
عبدالرحمن السديري الثقافي؛ إذ ظل أبو طالل
على مدى سنوات طويله وإلى آخر يوم في حياته
يسهم في أنشطة المركز بكل حماسة.
وقد جاء الكتاب في 299صفحة ،متضمنا
مقدمة ونحوًا من 80مقاال لشخصيات وكتّاب أصدر مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
ومفكرين ممن تربطهم وشــائــج الــصــداقــة أو
كتاباً جــديــداً بعنوان "فــي وداع عبدالرحمن
القرابة أو العمل بالدكتور الشبيلي ،إضافة إلى
الصالح الشبيلي" ،ضمن برنامج النشر ودعم
تقارير صحفية وملحق خاص بصور ونشاطات
االبحاث بالمركز لعام 1441 - 2019هـ ،متضمنا
الراحل الكبير ،ومــن بين المقاالت المشاركة
مقال الدكتور زياد ابن عبدالرحمن السديري عدداً من المقاالت والقصائد تم إخراجها وفق
العضو المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري الترتيب الهجائي ألسماء مؤلفيها ،متزامناً مع
الثقافي وابــنــة الــراحــل األســتــاذة ش ــادن بنت الندوة التي أقامها المركز لتسليط الضوء على
عبدالرحمن الشبيلي. جوانب من حياة الدكتور الشبيلي وعطاءاته في
49 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
السعودية
ِ التشكيلية
ِ الفنانة
ِ تجربة
ِ واالنفتاح في
ِ التعد ِد
ُّ أبعاد
ُ
عرفات العاصمي
■ إبراهيم احلجري*
ي ـعــرف الـمـشـهــد ال ـس ـعــودي التشكيلي حــرك ـ ّيــة مــدهـشــة عـلــى مـسـتــوى تــراكــم
الـتـجــارب ،وتـنـوّع ال ـمــدارس ،واالتـجــاهــات الفنية ،وتفاعلها مــع حركية المشهد
البصري العالمي؛ لكن العنصر األهــم الــذي ال يمكن للمتتبعين ،هــواة كانوا أم
مختصين في مجال الفنون ،التغاضي عنه؛ هو الحضور المكثّف لإلسهام النسائي
في رفد التحوّالت الفنية ،وإغنائها ،وهو إسهام يتحقق فيه معيارا الكمِّ والكيف؛
فقد سطع نجم العديد من الفنانات التشكيليات في سماء المشهد التشكيلي
الـسـعــودي والـعــربــي ،مــن خــال عملهن ال ــدؤوب على تطوير تجاربهن ،والسعي
لتحقيق أداء مبهر ،يستطيع زحزحة الصورة النمطية التي تشكلت حول منجز
المرأة ،ويكون قادرًا على إقناع المتلقي ،وإثارة اهتمامه إلى أن المراة السعودية
وحــدّ ة ذكائها ،وحسن إنصاتها للعالم المتعدد من بمواهبها الفطرية الخالقةِ ،
حولها ،وتفاعلها اإليجابي مع ما يعتمل في محيطها السوسيوثقافي ،وسمو
مشاعرها الوطنية والقومية واإلنـســانـيــة ،وحساسيتها المفرطة تجاه الــذات،
والـجـســد ،واآلخ ــر ،وال ـكــون ،ق ــادرة على اإلس ـهــام المعطاء فــي االرت ـقــاء بــالــذوق،
والنهوض بالمجتمع على مستوى الواجهات كلها.
الفنانة عرفات العاصمي ،ولوحة حروفيات مع تجسيد الخيل العربي األصيل (الخيل معقود في نواصيها الخير)
شاركت بها في معرض بقالري الفن النقي بالرياض بمعرض حداثة خيل
من المعرض المقام على هامش الورشة نتائج المتدربات المبدعات من تأطير الفنانة عرفات العاصمي
وتنظيم هيئة الثقافة والفنون وجمعية الفنون بالطائف
جانب من الورشات
لحظة استقبال األمير خالد الفيصل بمعرض تشكيلي شاركت فيه الفنانة عرفات العاصمي إلى جانب عدد من
الفنانات السعوديات على هامش مهرجان الورد بالطائف
تخصص فنيّ واحد ،ولم تقتنع بأن تتقوقع ّ االنــتــقــال مــن مفصل إل ــى آخ ــر ،وطــقــوس
داخل خانة تصنيفية معينة ،أو اتجاه جمالي الــعــبــور ،والــعــاقــة مــع الــخــامــات واألدوات
محدد ،أو مدرسة تشكيلية بذاتها ،رغم أنها والحوامل ،والتقاط المسافة الفاصلة بين
تتقن العمل في كل االتجاهات والتخصصات الحواس والقماش لحظة االشتغال ،وأوان
الفنية التشكيلية على حد ســواء ،وبالقدر انغماس الشعور الــاواعــي في الموضوع،
نفسه مــن الــدقــة ،والــمــســتــوى نفسه من أثناء االنسجام الكلّي مع عوالم اإلبــداع،
االهتمام ،والدرجة ذاتها من التميز ،وعيًا والــحــديــث الــس ـرّي بين جُ ــوان ـ ّيــات الفنان
ومعرفة وأداء ،انطالقا من إيمانها العميق وتركيبته النفسية والفكرية وبياض اللوحة،
بكون القوى اإلبداعية تتأجّ ج ضمن الغنى كل ذلــك من أجــل نقل التجربة إلــى الجيل
والتنوّع ،وتخفُت كلّما ضيّقنا عليها الخناق، الجديد ،وتنوير مواهبه ،وكفاياته الفنية
خاصة في مجال فنيّ بصريّ سريع التحول، الباطنية ،وكأنها تريد ،بصيغة أخــرى ،أن
متغير األدوات ،متداخل مع وسائط كثيرة تفعل مع النشء ،ما افتقدته في طفولتها
متنوعة ،وانطالقا مــن حسها االستباقي الفنية ،وبــدايــاتــهــا األولـ ــى ،حيث لــم يكن
الــــذي يــهــجــس بــكــون الــفــنــان التشكيلي يتوافر المحيط السوسيوثقافي على معاهد
المستقبلي يجب أن يــنـوّع ثقافته ،ويفتح متخصصة للتكوين والمرافقة الفنية ،والدعم ّ
عينيه على مختلف الوسائط التي تستدعي النفسيّ والمعنويّ .
حاسة البصر ،ويراهن على تضامن الفنون
كلها؛ انسجاما مع متغيرات الوسيط الرقمي -3عوالم فنية متعددة
الجديد ،الذي سيضرب الوسائط التقليدية لم تقيّد الفنانة عرفات نفسها في خندق
57 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وفنية ،وثقافية وازنة؛ دون أن ننسى ميولها،
بوصفها امــرأة إلى التعبير الوجداني ،من
خــال ابتكار لــوحــات تعبِّر عــن العواطف
الجياشة ،والمشاعر المتضاربة تجاه ما
يــحــدث حــولــهــا فــي الــعــالــم مــن تــمــوجــات،
وأحداث ،ومنعطفات (االتجاه الرومانسيّ )،
كما انفتحت مــؤخ ـرًا على الفن الرقميّ ،
والــعــرض االفتراضيّ عبر وضــع لوحاتها،
وجديد أعمالها رهــن إشــارة متتبعيها في
كل المعمورة ،معتمدة على مواقع التواصل
لوحة أنا المدينة شاركت بها بمعرض عن المدينة
االجتماعي (تويتر ،فيسبوك ،انستجرام،
يوتيوب ،)..من أجل تقاسم اللحظات الفنية،
في مقتل.
وتــبــادل اآلراء ،والنقد البنّاء ،والنقاشات
آم ــن ــت عـــرفـــات ب ــاالت ــج ــاه الــطــبــيــعــي الفنية المُغنية للتجربة.
(ال ــواق ــع ــي) ،وقــدمــت فــيــه لــوحــات رائــعــة
بعضا مــن وقتها ً وخصصت «عــرفــات» ّ
وثّقت للحظة تفاعلها مع مجالها الطبيعي
الفنيّ ؛ لالشتغال على قضايا األمة العربية،
(منطقة عسير) ،ومع جمال مدينة الطائف،
وأســئــلــة ال ــم ــواط ــن ،وان ــش ــغ ــاالت الــنــاس
وانبهارها بالخَ لق اإللهي ،واإلعجاز الرباني
بالمناسبات الوطنية ،فعبّرت عن مواقفها،
في هندسة الكون ،مثلما أبدعت في مجال
وأفكارها تجاه هذه القضايا ،عبر رسومات،
الحرفية ،وراكمت أعماال ملهمة ،عرضتها
في عديد من المناسبات والفضاءات ،فضال
عن كونها أبهرت متتبعيها بقدرتها على رسم
عوالم تجريدية (االتجاه التجريديّ ) ،تطلق
فيها العنان لخيالها الواسع ،وبنات أفكارها
الــشــعــريــة ،وثقافتها المعرفية الــواســعــة،
ناهيك عن كونها أسهمت بوعي ذكــيّ في
إثراء المشهد التشكيليّ السعوديّ ،ومعارضه
المتنوعة ،ومهرجاناته ،بمنجزات بصرية
ذات هوية مختلفة تراهن على (البورتريه
لوحة تجسد قصيدة وامعتصماة
الفني) ،وقدمت ،من خــال هــذا األسلوب
(السيف أصدق إنبا ًء من الكتب) التشكيليّ شخصيات وطــنــيــة؛ سياسية،
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 58
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ولــوحــات تجسيدية ،تــوثــق اللتحامها مع
القضايا الحساسة للوطن واألمة ،وانخراطها
في اهتمامات العرب والمسلمين اليومية،
وبــخــاصــة فيما يتعلق بــالــحــروب المُعلنة
على األمة (قضية فلسطين) ،والصراعات
اإليديولوجية والفكرية ،واإلرهاب والتطرف،
ـض مضجع اإلنــســان وغــيــر ذل ــك مــمــا يــقـ ّ
المعاصر بصفة عامة ،حيثما وُجــد داخل
على وجه األرض.
اسكتش من بداياتها ،لصورة انتشرت في اإلنترنت لرجل
وانسجاما مع خصوصية ك ّل اتجاه فني،
كبير بالسن
سعت
ِ وطبيعة كل مدرسة أو تيار تشكيلي،
الفنانة إلى تنويع أدواتها ،وأساليبها بوعي
حاد جــدا ،فهي تعرف كيف تختار اآلليات
التي تشتغل عبرها فــي كــل عمل ،حسب
تصنيفه ،وانتمائه ،وتــفــرق بين الحوامل
الــمــمــكــنــة لــعــرض كــل تــجــربــة عــلــى حــدة،
وتوظف في كل لحظة إبداعية؛ األسلوب
األنــجــع لتبليغ الــفــكــرة ،والــقــنــاة المالئمة
لعكس المكنونات الشعورية ،والموضوعات
ـواز للسياق
الــبــصــريــة ،فــي استحضار مــتـ ٍ
السوسيوثقافي ،وللحظة التعبيرية ،وللفضاء
المحتضن للتجربة ،ومستوى المتلقين للعمل
الفني.
ولــم يــتــأتّ هــذا الــتــعـدّد وه ــذا االنفتاح
داخل التجربة التشكيلية من فراغ؛ بل هما
اختياران نابعان من قناعة فنية راسخة؛
جمال الورد بتجريد لوني ،شاركت بها في مهرجان الورد
تــراهــن عــلــى االســتــمــراريــة ،والــشــمــولــيــة، بالطائف في حديقة الردف
فــي الـثــامــن مــن تــمّ ــوز (يــولـيــو) ع ــام 1944م ،ول ــد الـشــاعــر الفلسطيني مريد
غسانة ،قرب مدينة رام اهلل ،وأنهى فيها دراسته الثانوية، البرغوثي في قرية دير ّ
ثم التحق بجامعة القاهرة ،وحصل على ليسانس اللغة اإلنجليزية سنة 1967م،
وقــد عمل في التدريس وفــي الحقول الثقافية واإلعالمية ،وكــان ممث ًال التحاد
كتّاب فلسطين في اتحاد الشباب العالمي لمدة عشر سنوات.
وبـعــد هزيمة عــام 1967م ،منع االح ـتــال اإلســرائـيـلــي الفلسطينيين الذين
تصادف وجودهم خارج البالد من العودة إليها ،وقد كان مريد واحد ًا من هؤالء ،إذ
كان ما يزال حينها على مقاعد الدراسة في جامعة القاهرة.
وف ــي ه ــذا الــصــدد يــقــول مــريــد :وت ــزوّج من الكاتبة الروائية الدكتورة
"نــجــحــت فــي الــحــصــول عــلــى شــهــادة "رضوى عاشور" ،وهو يحدثنا في كتابه
تخرّجي ،وفشلت في العثور على حائط النثري الرائع "رأيت رام اهلل" عن سيرته
الذاتية وعن تميم وأم تميم ،إذ عادت أعلق عليه شهادتي"!
السيدة رضوى بالدكتوراه ورزقهما اهلل
نعم فشل في العثور على جدار كما
بتميم في 1977/6/13م؛ أي كما يقول
فشل بكل محاوالته بالعودة إلى الوطن
قبل ترحيله من مصر بخمسة أشهر.
ورؤية األهل واألصدقاء ،إال بعد ثالثين
"كانت الوالدة متعسرة .رأيت بعينيّ وجع
عاما.
ال ــوالدة ،فشعرت أن من الظلم أن ال
من هنا ،فقد بقي مريد في مصر ،ينسب األطفال إلى األم! ال أدري كيف
61 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
واإلب ــداع الفني ،إضافة إلــى كونه شاعراً اغتصب الرجل حق نسبة المولود لنفسه؟
متألقاً ومستمراً في اإلبــداع وكتابة الشعر لتبدأ بعد ذلك حركات سياسية في الشارع
منذ خمسين عاماً ،وهو يهتم في قصائده المصري ،احتجاجاً على زي ــارة الــســادات
بالمشترك اإلنساني؛ ما يجعل شعره بالغ إلسرائيل ،ليطرد على إثرها (مــريــد) من
التأثير في قارئه أي ـاً كانت جنسيته؛ فهو أرض الكنانة عندما كــان ابــنــه تميم في
حسية مادية ملموسة ينقل من يكتب بلغة ِ ّ شهره الخامس ،مخلِّفاً وراءه وطناً ثانياً
خاللها حواسّ ه ،إنّها لغة بديعة مغتربة في وزوجة وابناً ،وقد منع بعد ذلك من العودة
الجمال ،كما أنه يعمل أيضاً على ما يسميه إلى مصر لمدة سبع عشرة سنة؛ فبدأ في
تــبــريــد الــلــغــة ،أي إبــعــادهــا عــن البطولية هذه المرحلة مر ًة أخرى بالتنقل بين المنافي
والطنين .وتخلو قصيدته من التهويمات العربية واألوروب ــي ــة ،الــقــاهــرة وبودابست
والهذيان ،فشعره عفوي الصياغة ،مطبوع ومناف أخــرى ،عمل فيها وامتدت ٍ وباريس
العبارة ،قوامه الرمز والــصــورة ،وهــذا ما عالقاته وذاع صيت كتاباته ،وكان ال يستطيع
أسهم في توسيع دائــرة قرائه في العالم، أن يرى ابنه وزوجته إال في اإلجازات ،حين
وأتـ ــاح لــه الــمــشــاركــة فــي عــديــد كبير من كانت (رضوى) تأخذ بيد (تميم) وتذهب به
اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى لزيارة زوجها الــذي طــرده الرئيس الراحل
فــي الــعــالــم ،وقــدم مــحــاضــرات عــن الشعر محمد أنور السادات من مصر.
الفلسطيني والعربي في جامعات القاهرة ومــمــا ال شــك فــيــه ،أن الــشــاعــر مريد
وفاسو أكسفورد ومانشستر وأوسلو ومدريد البرغوثي من أبرز الشعراء الذين دافعوا عن
وغيرها .فمريد من األسماء التي وجهت عدالة القضية الفلسطينية بالكتابة والشعر
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 62
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
مسار الخريطة الشعرية في العالم العربي ،رياض الريّس ،بيروت2018 ،م).،
وفــي كتابه النثري ذائــع الصيت "رأيــت بالنظر إلــى أدواتـــه المتفردة واللحظات
المفصلية التي عاصرها وكتب عنها .وقد رام اهلل1997 ،م" الــفــائــز بــجــائــزة نجيب
اختير في عام 2015م رئيساً للجنة التحكيم محفوظ لــإبــداع األدب ــي للعام (1997م)
والذي يعد سيرة وطن ،وتاريخ شعب ،والذي لجائزة الرواية العربية.
صدر للشاعر البرغوثي خالل السنوات تمت ترجمته إلى العديد من اللغات ،ومنها
الــمــاضــيــة الــعــديــد مــن األعــمــال الشعرية على سبيل المثال ال الحصر :اإلنجليزية
والنثرية ،ومنها( :الطوفان وإعادة التكوين ،والهولندية واإلسبانية ،وثَّق البرغوثي سيرته
دار العودة ،بيروت1972 ،م) ،و (فلسطيني الذاتية وتفاصيل رحلة العودة إلى موطنه
في الشمس ،دار العودة ،بيروت1974 ،م) ،بعد ثالثين عاماً من الغربة واالشتياق ،فبدأ
و (نشيد للفقر المسلّح ،اإلعــام الموحد ،الحكاية من على مشارف جسر العودة ،جسر
بيروت1977 ،م) ،و (األرض تنشر أسرارها ،الملك حسين ،الذي اجتازه قبل ثالثين عاماً
دار اآلداب ،بــيــروت1978 ،م) ،و (قصائد إلنهاء سنته الدراسية األخيرة وعاد إليه بعد
الــرصــيــف ،المؤسسة العربية للدراسات طــول غياب وعــذاب وشــوق ليلملم شتاته،
والنشر ،بيروت1980 ،م) ،و (طال الشتات ،وبمشاعر متناقضة يحاول اجتيازه ،حيث
دار الــكــلــمــة ،ب ــي ــروت ،نيقوسيا قــبــرص ،بدأ كتابه بوصف قصصي شاعري دقيق لكل
جف ماؤه ،للجسر الخشبي
1987م) ،و (رنة اإلبــرة ،المؤسسة العربية شيء ،للنهر الذي َّ
للدراسات والنشر ،بيروت1993،م) ،و (ليلة القصير المشبع برائحة األه ــل والمترع
مجنونة ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة ،بالصور القديمة الساكنة فــي الــوجــدان،
1995م) ،و (منطق الكائنات ،دار المدى ،والـ ــذي عــبــر خــالــه آالف الفلسطينيين
عمان1995 ،م) ،و (الناس في ليلهم ،دار مهجّ رين وعائدين بتصريح زيــارة ،للجندي
اآلداب ،ب ــي ــروت1999 ،م) ،و (منتصف اإلسرائيلي المرتبك الــذي رآه ألول مرة،
الليل ،دار رياض الريّس ،بيروت2005 ،م) ،هناك وقــف وقــال "ورائـــي العالم وأمامي
و (مــجــلــد األعــمــال الــشــعــريــة ،المؤسسة عالمي" .ثم أخذنا إلى عالمه ،إلى فلسطين
العربية للدراسات والنشر ،بيروت1997،م) ،وتحديداً إلى رام اهلل ،الّتي وصفها بعمق
و (األعمال الشعرية الكاملة ،الجزء األول ،في كتابه ،وأوضح طباع أهلها ،قبل هجرته،
دار الشروق ،القاهرة2013 ،م) ،و (األعمال وبعد عودته إلى الوطن بعد ثالثة عقود من
الشعرية الكاملة ،الجزء الثاني ،دار الشروق ،الخيبة والوجع ،من الحنين واالنتماء إلى
القاهرة2013 ،م) ،و (استيقظ كي تحلم ،دار مكان هو في األصل ،جغراف ّيًا ،استحقاقيّة
63 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
للفرد ،كبقعة هو ينتمي إلى حدودها !..تلك
المدينة التي تغيّرت مالمحها ،تغيّر ناسها
وأهلها ،فقد كبُر الصغير وشاب فيها الكبير،
وصفها بدقة فجعل القارئ كأنه يعيش فيها،
يمرجحه بين الماضي ال ــذي انــهــال على
رأســه وبين الحاضر الــذي فــاجــأه ،أخذنا
إلى شوارعها ،إلى بيوتها القديمة والحديثة،
إلــى تاريخها وحــاضــرهــا ..فجعل كــل من
يقرأ الكتاب يعيش تفاصيله .بين الماضي
النجوم ،الماء ،الضوء ،)..وهي مفردات تخلق والحاضر .في مجمله هو نص إنساني إلى
معها األلفة ما دامت تبعث فينا الحياة .ومن أبعد حد ،إذ نجد أن البرغوثي يصف طبيعة
األمثلة على ذلك في شعره قصيدة "مشهد رام اهلل ،ويــغـرّد جمال ّيًا" :رام اهلل السرو
يومي" ،وهي قصيدة تتكامل أمام القارىء في والصنوبر ،أراجــيــح المهابط والمصاعد
خط تصاعديّ يتجه تدريجياً باتجاه الذرْوة، الجبليّة ،اخضرارها الّذي يتحدّث بعشرين
بنبرة خافتة ولغة دقيقة ،كما في قوله: لغة من لغات الجمال.
ووراء النافذة ومن المعروف أن الشاعر مريد البرغوثي
اليومي:
ُّ استمرَّ المشهد يــمــتــاز ع ــن غ ــي ــره م ــن ال ــش ــع ــراء الــعــرب
أوالدٌ يعدون المقاليع المعاصرين بقدرته االستثنائية على وصف
ورايات
ٌ وأصوات هتافات المشاهد اليومية ،بصياغات ذكيّة وصور
وعسكر عفوية تنحا ُز للحقيقة والجمال ودفق الحياة
يطلقون النار في زهوٍ وفوضى بعيداً عن الغموض ،فهو شاع ٌر يمتّح من
وصبي آخرٌ يهوي شهيد ًا ٌّ الثقافة البصرية وينتصر إليقاع الصورة؛
فوق إسفلت الطريق! ومما يضفي بعداً جمالياً على شعره انفتاح
لكنّه بأسلوبه الــشــعــريّ الممتع ،الــذي الرؤية على المعجم الطبيعي المكثف الذي
يقترب من قصيدة السيناريو ،والذي يتداخل انعكس في أغلب األحيان على إيقاع اللغة
فيه الشخصي مع العام والنص النثري مع والصورة في شعره؛ فهو يؤكد غير ما مرة
الشعر ،وقدرته على صياغة الدهشة في أنــه صــديــق حميم لــأشــيــاء والــمــوجــودات
تركيب الجملة ،جعل مــا ق ـدّمــه كتلة من (األشــجــار ،الــفــراشــات ،الــزهــور ،الزنابق،
الجمال ،المحمّلة بالوعي المطلوب اقتناؤه الــنــوارس ،النوافذ ،الــغــزالن ،الريح ،النار،
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 64
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
عتمة الــيــأس ظــل يشعل مصابيح األمــل
ويغنّي للعودة ،كما في قصيدته المعنونة بـــ
"دار رعد" إحدى قصائد ديوانه "الناس في
ليلهم" ،يقول في هذه اللوحة الشعرية التي
تصوّر أجواء المكان:
أصابَهُ الجَ مالْ لمنزل َ
ٍ
عدْ ُت مُ تعباً ،كَكُ لِّ منْ يَعود
وقــد ح ــاول مــريــد فــي شــعــره أن يفضح
الغربة بك ّل ما فيها من أحاسيس ،ويعرّيها للشباب الفلسطينيّ ،حول قضيّتهم ،وحول
لمن يطمح إليها ،وحاول أن يحاكمها ،لكنّها ما يواجهونه من تضليل؛ لحرف نظرهم عن
أملمرضه الخبيث الّذي تكاثر وتحوّل إلى ٍ الرؤية األقرب إلى الشموليّة .كما يظهر في
ضائع ،وهو في اغترابه عن الواقع ،مُضط ٌر قصيدته المشهدية "بوابة البلد" ،من ديوان
دائماً للبحث عن الطمأنينة في الماضي، "الناس في ليلهم" ،والتي تتحدث عن واقع
وها هو يرسم لنا لوحة مدهشة في واحدة مــؤلــم ينقل فيه الشاعر ص ــورة مــن صور
من قصائد ديوانه (الناس في ليلهم) ،حيث عذبة
ٍ بلغة
عذابات وطنه الجريح ،إذ يقول ٍ
ينتقل بنا من الحاضر إلى الماضي ليحدثنا سلسة:
مغرقة في
ٍ بلغة
عن طفولته ،ويبثّ انفعاالته ٍ هذا هو الغد ُر األنيقُ أناقة اإلنصاف
الشفافية والبساطة ،ضمن صــورة شعرية أصواتُهمترجني ْ عدت ُُّ
رائعة ،تصف واقعاً مجبوالً باأللم واألمل، ب ّواَبَة األْبواب
يقول: ال مفتا َح في ي َِدنا
نسيت غ ْي َم الدهْ ر لحظةًُ ولكنا دخلنا الجئينَ على منازلنا
وعدت للطفل الذي ُ التي كانت منازلنا
هذا ما حاول مريد البرغوثي طرحه؛ من من مَ هْ ده القوطيّ تا َه في البالدِ مُ غْ رم ًا
خالل تسليط الضوء على تجربته ،وتجربة وَمُ رْغم ًا وعا ْد
ويستبد الحنين بالشاعر بسبب ابتعاده من حوله من أبناء جيله في الغربة ،حين
عن وطنه ،فنراه يوظِّ ف أسلوب االستفهام العودة وبعدها ،ورؤيــة رام اهلل وقريته بعد
للتعبير عــن هــذا الحنين ،بألق تصويري ثالثة عقود من المنع اإلجباريّ عن مسقط
وحنكة نسقية في تفعيل األنساق اللغوية، رأسه .ولم يكن شيء ،مهما قسا بقادر على
فيسأل بمهارة فنيّة عالية ونبرةٍ تجمع بين انتزاع روح األمل من نفسه الشاعرة ،فمن
65 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الشجى والسخرية والــســؤال عــن الغائب يربطها الفيض الشّ عوريّ ،ويختتمها بقصيدة
الغريب والمكان ليبدو المشهد الشعري مهداة للشاعر محمود درويــش .أمّا الجزء
بغاية المباغتة /والتفعيل النسقي ،وهذا الثاني فقد أدرج ــه تحت عــنــوان أســاســيّ
األســلــوب في التفعيل النسقي ،يزيد بؤرة وهو "منطق الكائنات مرّة أخــرى" .والجزء
ـص نــثــري فيالتخييل الشعري عمقاً وانفتاحاً رؤيــويـاً ،الــثــالــث اختتمه الــشــاعــر بــنـ ّ
استذكار زوجته الروائية والناقدة المصرية وللتدليل على ذلك نأخذ قوله:
الــراحــلــة الــدكــتــورة رض ــوى عــاشــور ،تحت الغريب حي ُْث كانْ
ُ هلْ يْرجعُ
عنوان "افتحوا األبــواب ..لتدخل السيدة"، وهل يعودُ نفسَ ه المكانْ ؟
وفي هذا الجزء يواصل الشاعر تنغيم لحنه
ويظهر الــبــرغــوثــي مــن خــال نصوصه
في دفقات متتابعة كالبلورات الصغيرة أو
الحديثة كما عرفناه دائماً ،أي إنساناً يسعى
الورود الناضرة الشائكة ،مستحضراً رفيقة
باستمرار إلــى تــجــاوز نفسه ويستمد من
دربه رضوى ،ومعلناً انشغاله بها لتظل حية،
الالنهائي المفتوح أمامنا سبباً الندفاعه،
وليدفئها من البرد ،كما جاء في قوله في
بمخيلة جامحة وأحالم ٍ مستعيناً في ذلك
قصيدة "خلود صغير":
ليله ونهاره ،وذاكــرة صورية لألشياء ،وقد
مُ فرداً ،شاهقاً،
نجح البرغوثي في ديوانه األخير "استيقظ
شرفتي غيمة دللتها السماء،
كــي تحلم" فــي نقل نبض الحياة اليومية
أطلّ على شاطئ جنة،
وعذاب الناس ،فهو شاع ٌر مختلف ،يبحث في
قال أخضرها كل أقواله هامساً ،هادر ًا
المعيش اليومي وفي كالم الناس ومفرداتهم
فُ ستقي الذوائب ،يوشك يلمع،
وإيقاعات حياتهم ،وهذا ما ارتكز عليه طوال
أخضر يرضع ،يحبو،
حياته ولم يتزحزح عنه قيد أ ُنمله .وقد عاد
يكاد يشيب إلى المشمشي المضيء،
من خالل ديوانه األخير إلى حيويته النابضة
ويــدخــل فــي الصدئي الموشى كما قشر
والــثــابــتــة عــلــى معايير الــجــمــال المشبعة
رمانة أوغلت في النضوج بالحنين واألمــل؛ فالديوان يسودهُ الحني ُن
وأخضر فيه الدخاني، للماضين :ابتدا ًء بمنيف البرغوثي ،مروراً
يهرب من زرقة خالطته بــاألب واألم واألخ مجيد ومحمود درويــش،
خ ـل ــف أزرار ه ـ ــذا ال ـق ـم ـيــص ال ـخ ـف ـيــف، وقوفاً في حضرة "السيّدة" والحبيبة رضوى
أواصل أشغال من ظل حيا :أدفئ رضوى عاشور ،التي أهدى لها مري ُد الديوان .ويض ّم
من البرد. الديوان ثالثة أجزاء :يتكوّن الجزء األوّل من
كما أن قصائد الــديــوان تعبّر عن اله ّم مجموعة قصائد تحمل عناوين مختلفة،
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 66
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
وإن نحا في بعض القصائد إلى األسلوب ِصيَغِ بليغة ،وتحمل رسائل عميقة
اإلنسانيّ ب ِ
االنــفــعــالــي ال ــذي يكشف طبيعة الشاعر طغت عليها شعرية عالية تالمس الروح ،وهي
الثائرة ،وهذا ليس جديداً في دواوينه .أما قصائ ُد لم ينَ ْل الحز ُن من جماليتها فنياً ،فقد
النصي ،فقد اعتمد الشاعرّ على المستوى تحكّم البرغوثي بشعره ،فكان من الطّ بيعيّ
في كثير من قصائده على البنى الحوارية أن يستم ّد مفرداته من الواقع المعاش ،من
بصيغة المخاطب ،ولكنه في معظمه جاء طين األرض ومالمح الناس البسطاء ،فاللغة
حــواراً ذاتياً ،وأعتقد أن سبب ذلك يرجع طيّعة له يقودها كيفما شاء /ويشكلها كيفما
إلى رغبته في ممارسة الحريّة الخاصة التي بحس جماليٍّ شــعــوريٍّ عميق ،فهو
ٍّ يــشــاء،
يجب أن يمارسها في النص الشعري ،حتى يعبر بلغة شفيفة ،تثير القارئ بسالستها،
يمن َح لنفسه القدرة على التعبير عما يريد. وعذوبتها ،وإيقاعها الداخلي ،وكأنها نغمات
إن كتابة الشاعر مريد البرغوثي كتابة موسيقية تبث أنغامها بــأصــداء العبارة،
تفاعلية؛ ذات خصوصية تجريبية تقوم على لتحولّها من نسق انسيابي إلى آخر ،لدرجة
التداعي ،واالنفتاح الداللي ،والجمالي بين يثير القارئ إلى األبعاد اإليحائية التي تحمله
الفنون ،واألنـــواع ،والحكايات ،واألصــوات الجملة الشعرية .والمتابع لقصائد الديوان
الممتدة من المعارف ،والذاكرة الجمعية، يلحظ أن البرغوثي يكتب ذاته وألمه وألم
واإليقاعات ،والمؤثرات التشكيلية المباغتة اآلخــريــن ،يصوّر الحب واألســى بعيداً عن
التي تسهم في تعميق فضاءات المتخيالت اإليديولوجيا البائسة التي كانت سبباً في
الشعرية ،واألصــوات التي تؤكد االختالف، انحطاط كثير من الشعر العالمي ،ويكفي
والتجدد ،ودوال الكتابة نفسها في صيرورتها أن نُور َد من القصيدة االفتتاحية التي جاءت
المستقبلية ،كما أن شعره يمتاز بفاعلية تحت عنوان "خلو ٌد صغير" هذا المقطَ ع:
التخيل في توليد الصور الشعرية؛ ورغم أن الشوقَ ِمن لُغتي، ها أنا اطرُ دُ ّ
جملته الشعرية مكثفة للغاية ،إال أنها تنحو المكان
ِ ـراف بِ ـ َكـســرِ
وهــل الـ ّـشــوقُ إال اع ــتِ ـ ٌ
أحياناً إلى األسلوب السردي ،الذي يروي مكانَينْ
بكلمات موجزة مثقلة بالمعاني واإلسقاطات، والواح ِد اث َني ِْن؟
ِ ين
سم ِجسمَ ِ والج ِِ
كقوله في قصيدة (أسْ ما ُؤهُم): ومـــا يــمــيــز الـــديـــوان ه ــو ات ــس ــاع رقــعــة
لم تعد أرقامُ هُ م تصغي لصوتي الموضوعات والقضايا التي تشغل الشاعر،
في صباح القهوة األولى وعلى رأسها القضايا الوطنية والوجودية،
وأكداس الورَق والــوجــدانــيــة ،فــجــاءت الــقــصــائــد مكثفة،
أطلب منهم أنْ
ُ لم أعدْ ومعمّقة ،وترتفع فيها القيمة األسلوبية،
67 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ذات تأثير قوي في العالم الداخلي للمتلقي، يالقوني على المقهى
كــمــا أن ص ــوره الــشــعــريــة لــهــا الــعــديــد من حوالي السادسة
الخصائص المائزة لها وأهم هذه الخصائص
إن شعرية مريد البرغوثي واضحة الرؤى،
هــي إيقاعية الــصــورة ،أو بــاألحــرى اتجاه جلية المداليل ،يستقطبها القارئ منذ الوهلة
الصورة من منطلقي الماضي والحاضر إلى األولى ،وإن هذه السهولة لم تُفقِ د نصوصه
استشراف المستقبل ،ومن األمثلة على ذلك نبضها الشعوري ،وإنما ساعدت القارئ على
في شعره قصيدة (المخبأ): فهمها وتأملها بعمق في مساراتها المتنوعة،
الطائر األزرق الرّيش ..خذ ّ لتبدو لغته متقدة ،بالوضوح المقصدي،
خــذ ك ــلّ أع ـيــادنــا ال ـقــافــزات إل ــى زركـشــات والــرؤيــة الجليّة الــتــي يستقطبها الــقــارئ
القرى بسهولة ويسر ،وهذا ما يحسب للشاعر في
خذ متاحف أسالفك الغامضين كافة أعماله الشعرية أنها ذات ألق تشكيلي،
والقش ..خذ قلبي الهش ّ العش
ّ خذ ووضــوح مقصديّ ،وإثــارة مشحونة بكثافة
خذ رعشة االرتباك إذا ما التقى عاشقان، الـــرؤى وعــمــق الــمــدالــيــل ،فالشعرية عند
الصبية القافزين إلى بركة النّضج، خذ ّ -مريد البرغوثي -تتألق من نص آلخر ،فال
وخذ ثنية الرّكبتين ..إذا حاولت مهرةٌ أن نلحظ تكراراً ممضاً في قصائده ،وإنما نجد
تطير، تآلفاً نسقياً يقود حركة نصوصه الداللية،
وخذ حلو ًة حنّنتنا بذيل الحصان لتبدو بغاية التحفيز النسقي ،واالكتناز
التشكيليّ الجماليّ ،بما يفاجىء القارىء،
ويستحضر البرغوثي في أغلب قصائده
ويكس ُر توقّعاته ،كما في قصيدة (نزاهة) من ِ
الــمــوروث الــديــنــي والشعبي واألســطــوري
ديوان (منطق الكائنات):
والتراثي والتاريخي والوقائعي ،حيث يطغى
التوتر والتضاد من خــال االستحضارات قال صندوق االنتخابات
الغائبة والــمــدلــوالت الحاضرة التي تكون عداد التاكسي
طاقات مولدة تغذي النص ،وقد أفاد البرغوثي وبائع الحليب
من تجربته الغنية الحافلة /وثقافته الواسعة وأنا
في اللغة اإلنجليزية من االطالع على تراث لو راقبتنا المالئكة والشياطين معا
الغرب الشعري ،وأساليبهم المبتكرة في سنغشكم
إن الــشــاعــر يــرتــكــز فــي تــكــراره لبعض التشكيل النصي ،من خالل ابتداع نصوص
الدالالت على إحداث األثر الجماليّ للصور ،ذات طاقات أسلوبية متجددة ،تؤكد براعته،
واألص ــوات ،ومــا تحويه من نغمات مجردة وتحريكها النسقي ضمن النسق الشعري
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 68
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الواحد ،وهذه الخصيصة تعد من خصائص التجدد ،ال يستقر على حال شعريّ أبــداً،
النصوص البديعة ذات التكثيف اإليحائي /فيه من العاطفة الفنية الصادقة بمقدار ما
فيه من الصدق الوطني والصدق الثوري، والومض الشعوري العميق ،كما في قوله:
وهــو عالمة مضيئة ذات إشعاع بــاذخ بهيّ ..يا حبيب المحبّين:
في مجموع المدوّنة الشعريّة الفلسطينية
إنّا امتحنّا كثيراً ،وإنّا امتحنّا طويالً،
المعاصرة ،وتبقى عوالم البرغوثي أوسع
فرحماك يا خالق الحاكمين ،ويا خالق
وأغنى من أن تفتحها هذه القراءة ،كما أنها
النّاس،
تتطلب المزيد من الجرأة على ارتياد آفاقها
والسوسنه
يا خالق الوحشّ ..
والكشف عن مرجعياتها ،وربما كان الكشف
كلّما كسر البرق بلّوره في األعالي
عن عالقتها بالمنفى هو األشــد إلحاحاً،
اشتهيت أقلّ قليل الحياة،
إذ ما تزال طبيعة هذه العالقة وتفاصيلها
تــنــطــوي عــلــى مــا يفتح الــمــجــال لــقــراءات فما الح لي غير موتى..
واجتهادات كثيرة. بالد ًا أسمّ يك ..أم غولةً ..يا بالدي!!؟
فهل تركت لنا فسحةً كــي نطيل البكاء
ّ
ونستخلص من هذا كله ،أنه وعلى الرغم
ُ
قلي ًال على الميّتين!!؟
من مــرارة المنفى فقد ظــلَّ الشاعر مريد
البرغوثي عظيم التفاؤل واألمل بالعودة إلى
وه ـ ّـا تــركــت لـنــا فـسـحــةً كــي ن ـهــيّ ء فــوجـ ًا
وطنه السليب ،آمن بذلك إيمانه بالحياة، جديداً:
من الذّ اهبين إليك بأكفانهم راكضين!!؟ وصــوّر صــادقـاً في شعره ،أحاسيس أبناء
وهكذا ،فقد استطاع البرغوثي باقتدار شعبه العظيم وآمالهم في التحرر؛ ومهما
ووعــي كبيرين منذ مطلع السبعينيات من يكن من أمر ،فإن شعر مريد البرغوثي بسيط
القرن العشرين وإلى اآلن ،أن يشق لنفسه األلــفــاظ ،سهل التعبير ،سلس التركيب،
خاصاً به في أرخبيل الشعر العربي ،واضح الداللة ،يعتمد الصورة البسيطة في
ّ مجرىً
ال كما تجسيد الموقف وشــرح الفكرة ،وهو شع ٌر
وظل شعره ينبجس من نفسه سلس ً
ينبجس الماء من النبع في قلب الصحراء يتصل فــي معظمه بالمقاومة والتضحية
والفداء واالغــتــراب والحنين إلى الجذور، لينشر الحياة من حوله.
صفوة القول ،إن صوت الشاعر (مريد ويمثل اللهفة الحارة للعودة إلى حضن الوطن
البرغوثي) صوت ثــوريّ نقيّ وأصيل ودائم السليب.
* ناقد من األردن.
األدب النيجيري لسنوات مديدة مرتبط باسم الروائي "تشينوا أتشيبي"، ُ بات
أبو األدب اإلفريقي ،والواجهة األوضح لولوج عالم الثقافة النيجيرية المعاصرة،
والشاعر والكاتب المسرحي" وول سوينكا" الذي حاز على جائزة نوبل في األدب،
وهــو أول إفريقي تــم تكريمه فــي هــذا المجال ،ينظر إليه على أنــه أفضل كاتب
مسرحي في إفريقيا ،وقد لعب دورًا فاع ًال في تاريخ نيجيريا وكفاحها السياسي.
لكن األدب النيجيري وعبر الترجمات الحديثة يثبت أن هذا األدب تفرّع منه
غصون مورفة ،لها صوتها ،ومالمحها ،وخصوصيتها األدبية ،وعلى رأس من برز
عالم ال يؤمن بقوة النساء ،بل ال
نسائي في ٍ
ٌّ حكائي
ٌّ صوت
ٌ نوعهِ ،
صوت فريدٌ في ِ
ٌ
يؤمن بمدى فاعلية وجودهن .وهنا ،تكمن الغرابة ..لكونها امرأة تنافس الرجال
في الكتابة في مجتمعات تغدو مكانة المرأة فيها في الحضيض ،كما أشرنا آنفً ا،
هذه المرأة هي الروائية "تشيماماندا نغوزي أديشي".
■ هشام بنشاوي*
يغمر نصوص أضمومة الشاعر عـبــداهلل السفر "جـنــازة الـغــريــب" شعور أليم
بــالـغـبــن واالغـ ـت ــراب ،وك ــأن صــاحــب "يـفـتــح ال ـنــافــذة ويــرحــل" يصغي إل ــى نحيبه
الجوانيّ المكتوم ،وقد كتبت هذه النصوص الشعرية بــروح متمردة ،ونبرة حزن
وجودي ،وقلق
ّ فادح ،تتأرجح بين "قلق التجريب وطمأنينة المحاكاة" ،تشي بألم
أنطولوجيّ يسكنان الذات الشاعرة ويعتصرانها؛ والسبب "لوعة الغياب" الضارية،
التي يتكشف عنها رحيل األحبة ،واألشياء الجامعة مع من غادر أو بقي ،لكن زمن
التحوالت جعله برسم المغادرة ،واختفاء األمكنة وعوالم الطفولة؛ كل ذلك حفر
بابًا للنزيف وفتحه ،وال سبيل لرده وإحكام الرتاج" .وربما هذا ما يضرم من جهة
غير معلومة روح االحتجاج و(الـحــرد) لعل غائبا يعود أو طيفه؛ يلطف جهامة
الفقد والنقص الــذي يثغر الـفــؤاد والجسد" ،كما صــرح بذلك الشاعر في أحد
حواراته.
فـ ــي ن ــص ــوص "جــــنــــازة ال ــغ ــري ــب" األلم والوحدة ،ويطلب اللجوء الوجداني
يحتفي عــبــداهلل السفر بالتفاصيل ،إلــى الطفولة ،الزمن البكر الجميل..
التي تستوطن ذات الشاعر ،المتخمة ويرثي الزمن الحاضر ،الرتيب والكئيب،
بالحنين" ،وتحكي للعابر سيرة الجرّاح" ،بــ"لغة مسترسلة ،تقوم نواتها الداخلية
وهو ينهل من معين التجربة اإلنسانية ،على ســرد نــاقــص ،تغيب فيه الحبكة
يهرب من رتابة اليومي ،وقتامة سجن ويحضر الترميز".
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 72
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
والعنوان العتبة يلعب هنا وظيفة اإليحاء
بالطقس الشعري الــعــام ،وفــي اآلن نفسه
يختزل العالم في عبارة تحفّز على البكاء،
بتعبير د .إبراهيم الحجري" ،والموضوعات
النصية متعددة ،لكنها في الغالب توحي بهذا
اإلحساس :األثر المحزن الذي يبثه طقس
إقامة جنازة لإلنسان البراني ،بعيدا عن
ال علىوطنه ،الــذي قد يكون مجازًا محي ً
المغترب الفعلي ،وحينما يصدر الديوان
بهذا الــدال الرمزي الغني ،يصبح له طعم
مــرارة خاصة ،تختزل مساحات هائلة من
الحزن واألسى واأللم".
وبنبرته الكئيبة ،المتشائمة ،يسحبنا
هــذا الــتــكــرار للفعل الــمــاضــي الناقص
عبداهلل السفر إلى أتــون عالمه الداخلي،
ومــرادفــاتــه ،يشير إل ــى أزم ــة الــكــائــن في
فنصغي إلى نحيبه الخافت ،المدعّ م بثراء
الــكــيــنــونــة ،حــيــث تــتــحــول الــلــحــظــة حــدث ـاً
الصورة ،وزخم العاطفة ،وكثافة الموضوع.
يمضي باستمرار ،ما يسهم في رفع وتيرة وعلى رغم اعتماده تقنية التداعي السّ ردي
النوستالجيا فــي الــديــوان ،ويــع ـزّز مسافة الحرّ ،إ ّال أنّ بصمته كصانع استعارات ظلّت
التوتّر بين األنا وموضوعها؛ فتكثر إشارات مهيمنة ،حتى إننا نظنّ أن هذا األلم الوجودي
الحنين والوحشة والفقدان" ،كأن الزّم َن لم ال ــذي يعتصر األنـ ــا ،وتـ ــدور حــولــه معظم
يكن"! القصائد ،كما يقول عابد إسماعيل":ينب ُع
فــي الــقــصــيــدة الــثــانــيــة "يــخــلــون سرير أساساً من اللّغة التي تتضوّر وتبكي وتنتحب،
متجاوز ًة القلب المكلوم الذي يدقّ من خلف مــحـ ّبــتــهــم" ،يــســتــعـ ّد الــمــتــكـلّــم لطقس من
الهجران الطويل ،وتطل األشرعة الممزّقة الحروف".
هذا الشعور بالال إنتماء يفتتح القصيدة على الشاطئ ،إيذاناً بسفر غامض ،ويتهافت
األولى "عبير النعناع" ،ويرسم طقساً فاحماً ،الــعــالــم بــر ّمــتــه إلــى مــراكــب مخلّعة ،حيث
المهاجرة":ريش
ٌ الغياب يطرّز شغاف الروح يقلق طمأنينة الذات في العالم:
يحط .يأتيه الدّمع من ك ّل ّ ـف في الهواء .يثقلُ. "كـ ــان ل ـ ّل ـيـ ِـل كـثـيــرٌ م ــن الـجـمــر لـيـضــاعـ َ
يحط".
ّ المهب الجميل /كنا على مكان .يثقل. ّ الهبوب /.كنا في
في قصيدة أخرى ،أكثر ذاتية ،في عنوان ربوة مختلسة /كنّا نحضنُ أيامنا".
73 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
"المنسي في دفتره ،وحيداً" ،يتصاعد هذا في اللفظ وتسرف في الــداللــة واإليــحــاء،
الــشــجــن ،وتــبــرز رغــبــة الــنــزول إلــى قيعان بــل إن اإلحــســاس بالزمن هــو مصدر آخر
الجحيم ،ورسم صورة دامية لمصير اإلنسان لشاعريتها.
وهي بدورها مصدر ثرٌّ للحياة بحضورها على األرض":الهاوية تلته ُم روحكَ ،والصورة
مخلوع ٌة من مائها" .هذا الدوران حول الذات ،الكثيف في نسغ المجموعة .األلم والجفاف
والتشرنق حولها ،يسهم في ابتكار رومانسية
وسواهما مــن الــمــفــردات التي تقترب من
تشاؤمية ترى العالم جحيماً قوامه القحط
معناهما عنده ،تشير بصور كبيرة إلى الصلة
واليباب .تبكي الــذاتُ خسرانها لمركزها،
بهذا اإلحساس ،ولكنها إشارة تح ّو ُل المفردة
وترثي األرض التي هوت عن محورها ،أو
إلى رؤيا تشد النص إلى نفسه ،وليس إلى
سقطت عن قرنيّ الوحش ،وغرقت في ظالم
مجرد لحظة عابرة؛ أي أن مفردة األلم على
الخطيئة" :بــا بوصلة .بال مرفأ .يتركُنا
سبيل المثال ال تتموضع في النص بوصفها
الوحش" .حتى إنّ الذات تتعرض لالنشطار
مفردة ال تتجاوز دالالتها الجملة الشعرية،
الداخلي ،وتصبح مــطــارد ًة بالفخاخ ،حيث
وإنما تتموضع بوصفها نسيجاً من المجازات
أمــام كـ ّل خطوة حفرة ،وفــي كـ ّل ليل شبح:
تتلون داللتها بتلون مــســار الــنــص نفسه؛
حط قدماً ،تناهبته الفخاخ .واندلعت "كلما ّ
وبالتالي هنا ال يكون األلم تعبيراً عن مجرد
شفة الهذيان عن أشباح يخطّ ون المراسيم".
تفجّ عات ضد مثالب الحياة وقسوتها ،وإنما
إن األنا المغتربة ،المفكّكة ،المنزاحة عن
هو تعبير عن موقف ضد األلم نفسه بحيث
مركزها ،تجد نفسها دوماً سابحة في فراغ
يتخطى به من داللة األلم الجسدي إلى ما
الالمعقول ،طافية على سطح الوجود ،مثل
يمكن أن نسميه بـــ"داللــة األلــم الشعري".
قشة في مهبّ الريح ،حيث تتفتّت الموجودات
انــظــر إل ــى نــص"تــســديــد األلـــم فــي مرمى
إلى صور غائمة ،ضبابية ،محكومة برحيلها
األحبة" ،وكذلك نص"الجرة" فهما يشيران
الوشيك ،ما يعيد إلى الذهن تلك األجواء
إلى ذلك بوضوح.
المكفهرّة لعوالم سارتر التي تتّسم بالعبث
إن ضــغــط اإلحــســاس بــالــزمــن وم ــن ثم والقسوة ،حيث الكائن اإلنساني يولد في
فراغ ،ويعي مصيره المأسوي عبر سقوطه بالحياة على اعتبار أن األول ــى هــي آلية
التدريجي في وحل الالمعنى .هذا ما يشير الحركة للثانية ونبضها ،ال تكف عن العمل
إليه السفر في حديثه عن بطله المهزوم ،بطرق ثالثة جميعها تفضي إلــى شاعرية
األنفاس عبداهلل السفر في مجموعته سالفة الذكر. ُ قــائـاً" :يفضح ُه ال ــدوار ،تكش ُف ُه
أولــى الطرق اإلحــســاس بزمن األصــدقــاء، المخذولة .تغيم الوجوه في الضباب"(.)١
ثانيها اإلحساس بزمن األمكنة والطفولة،
ويــعــد محمد الــحــرز شــاعــريــة نصوص
"جــنــازة الغريب" ال تُــمــدح مــن كونها فقط وثالثها اإلحساس بزمن تحوّالت الذات(.)٢
إن أنـ ــا شــعــريــة مــوصــولــة بــخــصــالــهــا تشد خيط المخيلة عالياً ،بلغة تقتصد كثيراً
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 74
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
األونطولوجية العالية ومنذورة لزمن شعري
مستحيل لتنوجد مــورّطــة في زمــن أرضي
يقتضي منها اعتناق مواطنة أرضية صالحة
وخانعة ال ينغّص عليها قلق كياني خالّق
أو ارتجاج روحي صميم؛ مّا يصنع وجدان
األنــوات األصيلة ،المتطلّبة ،مواطنة يتخذ
فيها المعيش نكهة موت مقسّ ط أو باألدقّ ،
دربة على موت عن اآلخر لن يفلت ميقاته
المرصود ،يخبط خبط عشواء في رهافة
خــزف الكينونة ويعيث فتكا فــي األب ــدان
والمهج ،أنــا شعرية كهذه ليس من مخرج
الصلدتلتف على زمنها ّ أمامها ،إذاً ،سوى أن ّ
امتصاصا منها لسطوته ً هــذا ،أن تــنــاوره،
وتــجـ ّبــره ،وذلــك باستالل بــرهــات حميمة،
الصداقة الــوارفــة وتــزدهــي ببهاء تغمرها ّ
هبطت الذكريات. االستذكار ،يؤثّتها الحلم الحبوري وتتدثّر
بشجيّ الغناء ،تحفر في جسد اليومي ،الذي
ن ـع ـيــد ت ــرت ـي ــب ال ـم ـش ـه ــد .ن ــرف ــع الـقـطــع
الذّ ابلة من السنوات يلبس داخل هذه البرهات الخاطفة لبوسً ا
نصب زبدة المشاعر ّ نرفو ما كان مهترئا. كون ّيًا مستعرا ،إذ " ..اليومي في قصيدة
النثر ( )...يمثّل الجوهر وليس العرض ()...
ليلمع المكان
فتفيض أنوارهوهو بمثابة ذلك يع ّد مدخال لقراءة الوجود
بالكامل ،من زاوية كونه يحقّق مقاربة تقوم
................................
إبريق الشاي يوشك على النفاد على تحويل اليومي إلــى كوني وبالعكس"،
ســبــا بــديــلــة إل ــى الــطّ ــزاجــة ،االعــتــفــاف،
أع ــواد الـ ّنـعـنــاع تــرتـخــي أعـنــاقـهــا فــي قعر
والمحبّة ،المضمخّ ة بعبير نعناع مقتطف من
الكؤوس
اب ـي ـضــاض الـفـجــر يبلغنا تـعــب ال ـن ــادل. نضارة فردوس الدّخيلة .ال من بوار وقحط
وفوطته تكنس زمــن أرض ــي .قــد يتقنّع بقناع نــادل يدمن
محو الكينونات .واإلعفاء على آثارها الدّالة
الرّاحلين.
عبثا نقاوم والجميلة:
دارت كؤوس الشاي .طاف عبير النّعناع .نـج ـ ّر أقــدام ـنــا .نـعـلــم ،يـقـيـ ًنــا ،أنّ الـنــادل
سيكنس ما بقي ومن كلّ فجّ
75 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مـ ّنــا ماكثا مــن أثــر ك ــؤوس الـشــاي وعبير والزّعتر .." ،فنصوص السّ فر تتوارى خلف
النّعناع( .قصيدة "عبير النّعناع" ،ص .)8-7لغة شعرية صالتها رحيمة بالمكان وثقافة
المكان والشاعر مسكون بصوت تلك اللغة
وبالمثل ،ون ــزوالً عند مشيئة القصيدة
( )...صورته الشعرية طافية برماد المكان(.)٣
لمكانيّتها المستهامة ،فــإن "أن ــا" شعرية
مــن قصيدة" :هــا أنــت على المشارف" مجبولة على خصالها تلك لــن تــتــورّع عن
التأفّف من مكانها األرضــي الممنوح ،من نقرأ:
تترجل في الغبار ّ مسقط رأسها الرمزي الذي ليس أكثر من مــاذا كنت تظن ،وأنــت
صحراء مترامية ،بياض حالك ،من انفصاح وتدفع بقدميك في أرض تميد.
وتلغّز فــي آن مــعـاً ،وذلــك ح ـ ّد االنصعاق،
ح ـ ـ ــراس ـ ـ ــك الـ ـ ـ ــوحـ ـ ـ ــدة وبـ ـ ـضـ ـ ـع ـ ــة وج ـ ـ ــوه
فتستعيد الــذات الكاتبة ،من موقف التآزر
ت ـس ـت ـح ـضــرهــا م ــن ه ـم ــس ال ـ ـ ــورق بـحـبــر
مــع أنــاهــا /قناعها الشعري ،عين التّمثل
باهت؛
الفجائعي العتيق الذي كان أن انبثقت منه
قصائد أولئك األسالف المبهرين ،النّيرين :ي ـخ ـف ــى ..ي ـت ـخ ـفــى ح ـت ــى ع ـن ــك .أتـظـنــه
امــرؤ القيس ،الــحــارث بــن ح ـلّــزة ،النابغة الـعـمــر ه ــذه الـكـتـلــة ال ـتــي تــداري ـهــا وهــي
الــذبــيــانــي ،زهــيــر بين أبــي سلمى ،طرفة تنفش ريشها
ـصــلــت..؛ وهم ال ـ ــذاوي ال ــذاه ــب ف ــي ال ــرم ــاد واالت ـس ــاخ. ابــن العبد ،أمـ ّيــة بــن أبــي الـ ّ
يموضعون الكالم الشعري موضع ندّية بإزاء سوف تعجز .يضربك العجز .هل نظرت
وحشة وشراسة صحراء في هول صحراء إلـ ــى الـ ـي ــدي ــن ،شــقّ ـق ـه ـمــا س ـ ــواد ال ـت ـعــب.
شبه الجزيرة ،أو األحفاد النّجباء ،من أمثال س ــددتَ السهم إليهما تحمالن الحطام
الــشــاعــر اإليــطــالــي جويسيبي أونغاريتي م ــن ب ــاب ال ـع ــام إل ــى ب ــاب الـ ـع ــام .ال ـشــرخ
(قــصــائــده فــي صــحــراء مــصــر) والــشــاعــر طويل وموجع.
الــفــرنــســي لـ ــوران غــاســبــار (قــصــائــده في تـ ـق ــف بـ ـجـ ـن ــاحـ ـي ــن ضـ ــاوي ـ ـيـ ــن وسـ ــريـ ــرة
صحراء تونس) ،وهم يستمرئون معضالت مـشـقــوقــة؛ ن ـثــارهــا ب ـعــدد أوراق التقويم
راهــن الوجود اإلنساني وكبريات مؤرّقاته محقونة
في تراحبها وصمتها الميثولوجيين .هكذا
بالخيبات النتظار ما عاد انتظارا سوى
تتراكب ،في الموقف الشعري الذي يعنينا،
أنك تعوّدت على طعمه الم ّر
فالتان اثنتان ،فالة مسقط الرأس الرمزي
وحيث انمساخ المكان وتحوّله ،ضـ ّداً على كشايك الذي تقترفه كل صباح مخلوطا
ما تودّه له الذات كموئل للذاكرة ،إلى مجرد بمرارة التكرار
خراب مبهرج ،اصطناعي ،ومرسمل تلطّ خ ومـقـعــد الــوظـيـفــة س ـتــرة األوالد ولقمة
فيه عفونة النّفط نــداوة النخل واليقطين الحياة.
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 76
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ت ـت ـع ـقــل كـ ـثـ ـي ــرً ا ق ـب ــل أن ت ــرك ــل الـمـقـعــد عـلــى ط ــاول ــة ال ـم ـنــادمــة وال ـح ـكــايــة الـتــي
وت ـل ـت ـمــس هـ ـ ــواء ال ـج ـن ــون لـ ـم ــرة واحـ ــدة أزه ــرت قـبــة؛ حبستها أضــاعً ــا تقيك ما
يلي وحيدة
تدفع بالمتكأ وتهمس للريح أن تضمك
مــن ب ــرد يتفلت مــن ورق الـتـقــويــم ينيخ
تطويك إلى غير هذه األرض.
عليك ورقة إثر ورقة.
تـ ـق ــف ..زادك ال ـل ـع ـث ـمــة وب ـح ــر ال ـح ـيــرة
ي ـص ـف ـعــك ب ـم ـل ـحــه أيـ ـ ــة حـ ـف ــرة ج ــدي ــدة ك ــأن أيــامــك لــم ُتــرصــد إال لليل يتنفس
ال ـ ـعـ ــراء ي ـق ـ ّل ــب ه ـ ــذا الـ ـن ــائ ــم فـ ــي ذهـ ــول تستضيف أيامك.
أح ـ ًّـق ــا ب ـقــي ل ــك أيـ ــام ت ـس ـت ـضــاف .لكنها الصحوة واالنتباه؛ أنه ال يمر.
حفرة وعليك أال تستمهلها وأال تطمع ..فــي هــذه الحلكة أنــت الــمُ ـبــدد فــي سرير
ت ـع ــرف مـهـمــا داورت وأبـ ـط ــأت الـخـطــى؛ الوحشة ال بريق ال رنين.
فالحواف الزلقة تجذبك بدبقها
ه ــو الـحـنـيــن فـحـســب ف ــي ه ــذه الـحـلـكــة،
الذي حسبته يوما العسل والبهجة وحلو
عبرتَ النهر مرة وإلى األبد،
القطاف.
كـ ـ ـ ّن ـ ــاس ال ـ ــذك ـ ــري ـ ــات ي ـت ـق ـص ــى أوراقـ ـ ـ ــك أقـمــت عند شـجــرة مسلوخة تــدعــي أنها
عمرك تنفض عليك صفرة األوراق بممسحة ومقص وبرميل
تتداعى لهبوب ال يستره ثوبك المشقوق .وتهيل وجوها قضت في النسيان.
المنديل الرطب ال يجف أبدً ا من الوداع .ه ــا أنـ ــت ع ـلــى ال ـم ـش ــارف ال تـنـتـظــر من
يدفعك تهزه مرات تلوح به في مرارة الهواء
ح ـ ـيـ ــث ال ـ ـ ـعـ ـ ــابـ ـ ــرون يـ ـحـ ـمـ ـل ــون شـ ـم ــوس
حفيف الورقة األخيرة.
ُ ورقةُ التقويم.
ضحكاتهم وظالل األيدي التي استرخت
النفس الفقيرة .أُلهيةُ األمل وضجره.
ُ طوي ًال
* كاتب من المغرب.
( )١عابد إسماعيل ،الشاعر السعودي عبداهلل السفر في ديوان جديد" .جنازة الغريب" بين قلق التجريب
وطمأنينة المحاكاة ،جريدة الحياة ،الرياض 2 ،يوليو 2008م.
( )٢محمد الحرز ،جنازة الغريب ..االرتفاع بالواقع إلى مصافي المخيلة ،جريدة الحياة ،الرياض 5 ،مايو
2009م.
( )٣بنعيسى بوحمالة ،نداء الهاويّة ،مقاربة لديوان «جنازة الغريب» لعبداهلل السّ فر ،جريدة العلم ،الرباط8 ،
مارس 2011م.
77 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ٌ
موضوعية على رواية ٌ
لمعات
النمر األبيض
ألرافيند أديغا الهندي
■ محمد منصور الهدوي*
"النمر األبيض" الرواية الهندية الحائزة على البوكر عام 2008م ،وهي بداية
كتابات آرافيند أديغا الكاتب الهندي ،والتي تعد بداية موفّ قة للغاية ،وقد اختار
موقعً ا من الهند وجانبا من الحياة الواقعية التي لمسها ،فأراد إخبارنا بما في
الهند من مجاعات وفقر وحــرمــان ،بكلمات مستوحاة من الحقيقة تحدث عن
طبقات المجتمع ،فمنهم مَن يعيش على هامش الحياة! ومنهم مَن ال يستطيع
توفير وجبة واحــدة ليومه؛ في المقابل ،ثمة فئة تعيش الثراء الفاحش ،ببطل
صبي يكافح من أجل العيش ...فالرواية بمثابة حكايات إنسانية تكشف عن واقع
مرير وفساد مشبع بالمؤامرات،
خالل روايته الممتازة "النمر األبيض" الــروايــة لها طــابــع خــاص يتميز به
أو الهند في زمن التحوّالت باستمرار الكاتب مــن تفرد فــي الــســرد ومحاكاة
انــتــشــار الــفــســاد فــي جميع مؤسسات األلم عبر حروف بسيطة سلسة للقارئ
الــهــنــد؛ ف ــال ــم ــدارس والــمــســتــشــفــيــات وإن كان صغيرًا فحسب! وهنا أحاول أن
والشرطة واالنتخابات والصناعات وكل أتجاذب أطــراف الحديث نحو أبعادها
جانب من جوانب الحكومة فاسدة تمامًا! الموضوعية ومحاورها المركزية كما
فــي حــيــن أن مــمــارســات مــثــل الــرشــوة يأتي:
واالحتيال شائعة تمامًا .نهج بالرام في
هذه الحقيقة ينطوي إلى حد كبير على البرطلة في الهند
دعابة ساخرة للغاية .ومع ذلك ،هناك يعرض أرافيند أديغا طوال سرد بالرام
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 78
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الــحــراك االجتماعي في التسلسل الهرمي عنصر قبيح إلى قوس شخصيته .من أجل
االجتماعي الجديد في الهند .بعد أن عثر الهروب من "الظالم" والدخول في "النور"،
على فيجاي مــن الطفولة ،يعترف بــالــرام يجب أن يصبح بالرام نفسه جــزءًا من هذا
بإمكانية التحرك صعودًا في العالم ،ولكن النظام؛ ومن ثَمَّ ،فإن فوزه مرموق .في حين
عليه أن يــواجــه واق ــع هــذه الــحــركــة طــوال أنه نجح في رفع وضعه االجتماعي ،فإنه ما
قصته .واحدة من القضايا الكبيرة هي كيف يزال يعيش في بلد مشلول بالفساد؛ ما يحول
تغير النظام االجتماعي في الهند .في ظل دون حــدوث تقدم حقيقي .يبدو أن نقطة
نظام الطبقات ،مصير الناس كــان محدداً أديغا النهائية هي أن الفساد يولّد بالضرورة
سلفا ،لكنها كانت سعيدة ،معتقدين أنها الفساد ،إال إذا كان هناك ثورة أكبر تستعيد
تنتمي إلى مكان ما .ومع ذلك ،فإن الهيكل المجتمع.
االجتماعي الجديد يعد بإمكانية الحراك العولمة أو الوافدين األجانب
االجتماعي ،ولكنه في الواقع ال يقدم سوى
الهند التي وصفها بالرام في خضم تحول
قسمين اجتماعيين :األغــنــيــاء والــفــقــراء.
كبير ،بشرت جزئيا من قبل ظهور العولمة.
ويحتفظ الفقراء في حالة أبدية من الخضوع
وتجد الهند نفسها على مفترق طرق التطورات
والعبودية لألغنياء من قبل اآللية التي دعاها
في ميادين التكنولوجيا واالستعانة بمصادر
بالرام ب "الديك التعاون" .ومع ذلــك ،فهي
خارجية ،حيث تتكيف البالد لتلبية احتياجات
اآلن أكثر سعادة؛ ألن هناك إمكانية للحراك
االقتصاد العالمي .يعترف بالرام ويأمل في
االجتماعي التي ما تزال مع ذلك من متناول ركوب هذه الموجة من المستقبل مع شركته
أيديهم .يجد بالرام في نهاية المطاف وسيلة البيضاء النمر سائقي تكنولوجيا األعمال
للكسر من كوب الديك ،لكنه يتطلب منه أن فــي بنغالور ،ولكن هــذه الــقــوة مــن العولمة
يطعن في أخالقه وشخصيته -عليه أن يقتل لديها عنصر أغمق بالنسبة له أيضا .فهو
سيده ويخون عائلته .إن الحراك االجتماعي يهدد ويحرم أولئك الذين يلتزمون بالطريقة
هو شبح يتم القبض عليه فقط من خالل التقليدية للحياة ،مثل أسرته في الكسمانغاره.
هذه الوسائل الصعبة ،هو تعليق على الواقع وبالتالي ،يجب عليه تغيير مَن هو من أجل
المؤسف لعالم يبنى أكثر على القيود من المنافسة في هذا العالم الجديد .وبالتالي،
اإلمكانية. يستحضر أديغا بشكل واضح التوتر بين الهند
القديمة والجديدة؛ ما يشير إلى أن النجاح
الهوية
في هذا العالم (كما فعل بالرام) يتطلب موجة
النمر األبيض هو إلى حد كبير قصة من من التنازالت األخالقية والشخصية.
األزياء الذاتية ،كما تمر بالرام رحلة تحويلية
لبناء هويته الــخــاصــة .مستوحاة مــن بطل الحراك االجتماعي
يناقش بالرام في كثير من األحيان قضايا طفولته ،فيجاي ،الذي ارتفع أيضا من خلفية
79 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
متواضعة لتحقيق النجاح في المستويات
العليا من المجتمع الهندي ،بلر يكرس نفسه
لتحسين الــذات ،لدرجة أنــه على استعداد
لتدمير ال ــذي كــان مــرة واحـ ــدة .وهــو يرى
الهوية كسوائل وقابلة لالرتداء ،وهي حقيقة
موضحة مــن خــال العديد مــن التغييرات
التي يستخدمها في جميع أنحاء القصة .في
نهاية المطاف ،حتى أنه يختار هوية جديدة
لنفسه في التقليد من سيده ،ودعــا نفسه
أشوك شارما .ومع ذلك ،فإن الرواية مليئة
بالسخرية المذهلة التي تكشف عن أن بالرام
ال يمكن أن ينكر تماما الشخص الــذي كان
في السابق .وهو ما يزال مليئا بالذنب الذي
لم يتم حله والخرافات اإلقليمية ،يذكرنا بأنه
يعتقد نفسه ليكون فــوق القيود األخالقية
في حين أن الهوية قد تكون مائعة تماما،
والقانونية للمجتمع .أديغا يطرح سؤاال من
فإنها أيضا غير منقولة تماما أيضا.
خالل بالرام :هل نلوم المجرم على قراراته،
أو أننا نحاول أن نفهم تلك القرارات كردود األخالقيات
فــي نهاية الــمــطــاف ،النمر األبــيــض هو فعل على مجتمع قمعي وتقييد مفرط؟ على
حكاية عن األخالق؛ ما يشير إلى أن األخالق افتراض أن القارئ ليس لديه إجابة نهائية،
يمكن النظر إليها إما جامدة أو مرنة .تحتضن يقترح أديغا أن األخالق هو مفهوم السوائل
بالرام في نهاية المطاف الخيار األخير .من وغير المثبتة.
أجــل تبرير قتل أشــوك والمخاطرة بحياة
أزواج وثنائيات
عائلته ،يطور بالرام نظاما أخالقيًا بديال.
الــنــمــر األبــيــض يــزخــر بــحــاالت األزواج وهو يفسر أن المال الذي يسرقه من أشوك
هو حقه ،ألن الخدم يستغلهم األغنياء ،ويقنع المزدوجة والثنائيات ،كل منها يقابل نصف
نفسه من استثنائيته باسم "النمر األبيض" من االنــقــســام الــمــركــزي :نصف الهند الغنية
أجل ترشيد قراراته .االعتقاد أنه هو الوحيد والفقيرة .بالرام يطرح الهند كما كسر إلى
الذي استيقظ حقا إلى حقيقة "روسر كوب" ،قسمين" ،الظالم" و"النور" .ومن أمثلة األزواج
وقــال إنه يشعر مضطرًا لتغيير حياته .في التوأمة من كل من هذين النصفين" :الرجال
هذا المعنى ،أصبح بالرام نسخة من نيتشه ذوو البطون الصغيرة" و"الرجال ذوو البطون
"أوبيرمنشش" ،أو اإلفراط في الرجل ،الذي الكبيرة"؛ المستشفى الذي يموت فيه والد
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 80
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بالرام ومستشفى المدينة الذي زاره اللقلق؛ الحالة األخيرة وجد السلطة لتكون ممثلة للـ
عاهرة شقراء جميلة زارها أشوك والقبيح" ،ضوء" أكثر حظا.
عاهرة شقراء "فو" التي استأجرها بالرام؛
األسرة
والمبنى السكني في دلهي وأربابها أربــاع
األسرة الهندية الممتدة تلعب دورًا مهما أدناه؛ وإصدارين من جميع األسواق في الهند
(واحد لألغنياء ،وأصغر طبق األصل للخدم) .بشكل ال يصدق في الطريقة التقليدية للحياة
أهم هذه األزواج التوائم هي ،بطبيعة الحال ،في الظالم .األسرة هي الوحدة االجتماعية
أشــوك وبــالــرام أنفسهم .تقول إ ّن بــالــرام ،األس ــاس؛ لــذلــك ،مــن المتوقع أن يتصرف
جميع أعضائها مــع التفاني نــكــران الــذات
الراوي ،ينظر إلى العالم على أنه منقسم إلى
لمصالحها .على الرغم من أن الفقراء ينظرون
نصفين .وهو يكشف إلى أي مدى أدى القمع
ظاهريًا إلى هذا البناء بوصفه قوة ،ويأتي
إلى تدمير رؤيته للعالم.
بالرام فيرى أنها طريقة أخــرى من خاللها
وهناك وسيلة أخرى تستكشف أديغا هذا يتم احتفاظ الفقراء في "الديك التعاون".
الموضوع مــن خــال مــرآة الــرؤيــة الخلفية أوال ،توقعات األسرة فرض القيود التي يمكن
الرمزية ،التي تضاعف كل شيء من خالل أن تلغي الطموح الفردي (كما يفعلون تقريبا
انعكاس ،وبالتالي تعمل كقناة للمواجهة بين مع بالرام) .وعالوة على ذلك ،بما أن عصيان
أشــوك وبالرام .هذه الصورة بالذات تشير العبيد ي ــزور عــائــلــتــه ،ف ــإن الــخــدم يظلون
إلى أن الهوية يمكن نقلها عبر االنقسام -محاصرين بأهواء أسيادهم؛ ويصبح التنقل
يمكن للمرء أن ينتقل من منطقة إلى أخرى .االجتماعي مستحيال .من أجل تحرير الحياة
وهــنــاك ح ــاالت أخ ــرى مــن االزدواج ــي ــة في والعيش ،حياة رجل أعمال ناجح في بنغالور،
النص تسلط الضوء على مدى تحول بالرام؛ وهي مدينة تمثل الهند الجديدة ،يجب على
على سبيل المثال ،فإن حادثين من السيارات بالرام التضحية بعائلته .ويبدو أن هذه العبارة
(ضرب بينكي مدام ووفــاة طفل عند ركوب تشير إلى أنه من أجل أن تزدهر في العالم
الدراجات) تثبت فقط أنه آن األوان ليصبح الحديث وتقبُّل إمكانات الهند الجديدة ،يجب
"بالرام" رجل أعمال ناجح .وكان بالرام مرة التخلي عن هذا االرتباط التقليدي باألسرة
واحدة بيدق في اللعبة ،في حين أنه في هذه لصالح التركيز الجديد على الفردية!
* .
( )١أرافيند أديغا :Aravind Adigaروائي هندي ولد في مدراس عام 1974م ،ونشأ في مانغالور في جنوبي
الهند ،ثم تلقى تعليما جامعيًا مرموقًا في جامعة كولومبيا األمريكية ،وواصل بعدها تعليمه في كلية
ماكدالين Magdalenفي جامعة أكسفورد البريطانية .يكتب مقاالت تظهر على نحو منتظم في النيويورك
والصنداي تايمز والفاينانشيال تايمز .وحازت روايته األولى «النمر األبيض» على جائزة المان بوكر عام
2008م ،ونشرت روايته الثانية «بين االغتياالت" عام 2008م ،ثم نشرت روايته الثالثة» الرجل األخير في
البرج" Last Man in Towerعام 2011م.
أخبرتني أُمّ ي ذات مساء أنَّ هناك امرأة فارعة الطول تقطن شمال هذا العالم
تسحر الرجال ،تسرقهم من بيوتهم ،أخبرتني أن تلك السيدة تملك قلب ًا كالبوصلة
ذات األصبع الوحيد ،يشير دائم ًا إلى الشمال ،حيث الحياة والربيع الدائم.
نسمع دائم ًا أنَّ هناك بيوت ًا مرتفعة ذات ساللم كهربائية ،وأن ــوار ًا ال تنطفئ،
فالليل في المدن يصبح نهار ًا بفضلها.
كان السفر هو الحلم لجميع اآلباء ،تلك الــمــرأة الــتــي حكت لــي عنها قد
والـــخـــوف ال ـ ــذي يــشــتــعــل ف ــي قــلــوب سرقت أبي بينما كنت نائماً..
األمهات.
هــا قــد رحــل أب ــي ..إذاً ،رحــل ولم
أبي وأمي لم يكونا سعيدين كأغلب يقبِّلنِ كالعادة عند خروجه ولم يودعنِ .
فقراء هذا العالم.
اكــتــفــت أم ــي بالصمت وكــفــت عن
كــنــت أتــنــصــت عــلــى شــجــارهــمــا كل الشجار.
مساء ،تبكي أمي كثيراً في الليل وعند
مضت األيام تلو األيام ؛ انقطعت كل
الفجر تنهض خائرة الــقــوى ،مسلوبة
األخبار التي تأتي من الشمال.
اإلرادة ،مثقلة الجفن.
تخبئ أمــي مشطاً تحت وسادتها
وكــأغــلــب نــســاء الــقــرى الــفــقــيــرات
وصورة قديمة ،كنت أغافلها كل صباح
أصــبــحــت أمـــي تــعــيــســة ،فــقــد كــثــرت
ألق ـ ِّبــل تــلــك الــصــورة وأعــيــدهــا تحت
شكواها ودموعها أيضاً .فالمرأة في
وسادتها ثانية.
كل بقاع األرض ال تكثر الشكوى إال إذا
سنون كثيرة مضت.. سُ لبت الحب.
بعض اآلبــاء عــادوا وبعضهم أرسل ـارد أخبرتني أمــي أن
صباح بـ ٍ
ٍ ذات
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 82
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
النساء رحيل قريب. ألسرته فلحقت به.
مضت األعــوام تلو األعــوام والشمال ال صديقي مسعود أخبرني هــذا الصباح
ونحن فــي طريقنا للمدرسة أن أبــاه عاد يشرق عن مقدم غائب أبــداً ،وحتى طيور
في الليل ،وكان يحمل معه الحلوى ومالبس السماء العائدة ألعشاشها آثــرت الصمت
كثيرة ،وحل ّياً تتزين بها أمه ،عاد وقد أبيض
المحمل بالخيبات..
وجهه وأصبح يرتدي بدلة وحذاء مثل تلك
مضت األعوام ،كبرت جداً.. التي يرتديها طبيب المركز ،أخبرني أيضاً
علمت هذا عندما صغر حذائي وقميصي أن أمه قد اغتسلت أخيراً ومشطت شعرها
واكتحلت.
الــوحــيــد ،وبــدت سيقاني أكثر رشــاقــة من
تمنيت أن يعود أبي ليس من أجل الحلوى طرف بنطالي ،كبرت وكبر عقلي وأدركــت
فقط.
حينها ل َم كان الشمال يسلب رجالنا ويترك
نساءنا أرامل وأزواجهن أحياء. -أميِ :ل َم ال يعود أبي؟
أدركت أنه كلما توغلت جنوباً تجد بيوتاً تبك هــذه الــمــرة ،رغم
نظرت إلــيّ ولــم ِ
انكسار األنثى والكثير من الخيبة التي كانت
تمتلئ بالكثير من الفقر ،وتصير النساء أكثر.
بداخلها..
رجالنا ال يخونون نساءهم ولكن الفقر هنا
-لن يعود ،كنت أدرك هذا عندما عزم
يخون الجميع ،ويجبر الرجال على السفر على الذهاب.
بعيداً لــشــراء ضحكات أطفالهم وأس ــاور
ثم رفعت بصرها لألعلى حيث يختفي
نسائهم..
سرب الطيور المهاجرة :تلك لن تدعه يعود.
أدركت أن الحياة شجرة ،تنبت جنوباً ولها كانت أمي تشير كثيراً في حديثها إلى
(تلك) المجهولة التي تسرق اآلباء وال تسمح فروع طويلة عاقّة ،عاقّة جداً ..دائماً ما تنمو
وتمتد شماالً فتبنى بها البيوت والمصانع لهم بالعودة.
ولكني لم أعِ ما تقصده تماماً وظلت تلك التي تأخذ منا رجالنا.
هنا فقط ..كلما توغلتَ جنوباً ستجد المجهولة تلقي بظلها األسود علينا دائماً.
ذات صباح لم تفق أمي ..فقد رحلت هي ال ــدفء ،بعيداً عن صقيع الغربة ،ولكنك
أيضاً وإن بقيت آثار دمعتها ،مشطها وصورة حتماً ستجد نساء يفضلن الــمــوت جوعاً
على أ ّال تشاركهن أخرى أزواجهن وضحكات أبي.
كنت أدرك أنــهــا ســتــرحــل ،فــإن صمت أطفالهن.
* قاصة من السعودية.
ـك أن تكون فــي هــذه المكان؟ أنــت؟ مــا الــذي جــاء بــك إلــى هنا؟ال يفترض بـ َ
حي أم ميت؟ أال تعرف؟ أال يمكنك المساعدة؟ كيف أأنت ٌّ
هذا المكان ليس لكّ ،
شخص
ٌ ال تـعــرف َمــن ال ــذي يـعــرف ،إذاً؟ مــن ال ـنــوادر طيلة إقامتي هنا أن يــأتــي
بالخطأ أو بالمصادفة إلــى هــذا المكان ،مكان لمن سيموتون قريبًا وهــم على
القائمة األخيرة التي أُعدت لهذه الغاية ،كيف؟ كما ترى هم ال يعرفون بعضهم،
لغات مختلفةً ،ويقيمون في أماكن بعيدة ويتفاوتون في على األغلب يتحدثون ٍ
األعـمــار ،أكيد الموت ال يفرِّق بين صغير وكبير ،هم ال يعرفون بالضرورة أنّهم
سيموتون قريبا جدً ا وأنّهم في القائمة النهائية.
ربما يأتي األمر لهم كخاطر أو فكرة ،لــغــايــة أخــــرى ..ربــمــا الس ــت ــدرار عطف
لكنهم يستبعدونها سريعا ويُقصونها اآلخر ،أو لقراءة وقع الكلمة عليه أو على
عن مرمى التصديق وإمكانية الحدوث أنفسنا ،أو ..احتماالت عديدة كلها تعني
الوشيك؛ فالموتُ أم ٌر بعي ٌد يحدث لآلخرين زيف الكلمة غير الصادقة ،لنا نحن وحدنا
تحس بزيف ّ فقط .نجمعهم في الحلم أو نسرقهم من مقياس صدقها من كذبه ،أال
صحوتهم فــي الحياة ،نسرق انتباههم الكلمات التي تقال أحيانًا؟ الناس تزيّف
فيهيمون للحظات هي كافية لالجتماع البضائع واالبتسامات والمالمح! وتركّب
هنا؛ الوقت يختلف ..يشبه المطاط الذي الشّ عر ،تستعيره من الموتى ومن الفقراء
يمكنك ذهنيًا التحكم به ،ليس كما يُشاع
األحــيــاء ،وتــبــدل لــون العيون واألســنــان
لكم فقط أنَّ السعادة تشعرك بقصره
وتنفخ الخدود والشفاه واألرداف ..حتى
والــحــزن يجعله يبدو طويال ،يتصرفون
المشاعر يمكن تقليدها ومحاكاتها طبق
كأنّهم في بيتهم بأريحية ،هل مررت بحالة
األصل ..طبق األصل!
مشابهة؟ ال يمكن ،وحــده َمــن سيموت
بصعوبة أفتح عينيّ ،رائــحــة القهوة قريبًا يمكنه ذلك تهيئة لخوض التجربة،
لهذا تسمع مَن يقول إنه يحس بأ ّن نهايته تزكم أنفي ،وصوت زوجتي ماجدة ،أنتشل
قريبة ،بعضها زائف ..الزيف يأتي عندما نفسي من النعاس ،كنتُ أحلم لكني ال
ال نصدق الكلمة التي ننط ُق بها ،ننطقها أتــذكــر ،كــان ثمة صــوت يسألني عني..
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 84
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
ومتى؟ قبل أن ...وقبل... ماذا أفعل هنا و ..طبق األصل.
عليّ الكثير من األمــور المعلقة واألحــام تمتصني تفاصي ُل اليوم ويضي ُع الحلم بين
تالفيف الذّاكرة ،نحتاج أحيانًا للحظة صفاء قيد االنتظار ،ما أوسع األحالم وأضيق الحياة،
نبض خوفها ،الحياة قصيرة يا صاحبي! نجلس فيها مع أنفسنا ونتذوق َ
أقــولــهــا وكــأنــي أص ــدق األح ـ ــامَ ..م ــن ال ربما كــان عليّ تــدويــن مــفــردات مــا رأيـتُــه أو
تفاصيل صغيرة حتى وإن كانت غير مترابطة يصدقها؟
كما يظهر للوهلة األولـ ــى ،لكن التفاصيل
رحلت "سارة" بعد فترة قصيرة ،كان موتُها
المهمشة تج ّر لتفاصيل أكثر وترسم المشهد
مفاجئا رغم أنها مرضت ألسبوع قبله ،وأ ُجريت
بلحظة واحــدة ،كمشهد مكان الجتماع ..أيّ
لها الفحوصات ..لكن كأنما كانت األعــراض
اجتماع؟
تتوارى عن أعين األطــبــاء ،فلم يكتشف أح ٌد
كنا نقف في المقبرة في زيارة قبور الموتى منهم ما كانت تعانيه من مشكلة خطيرة في
وقت العيد ،تلك الزيارة ال يمكنني نسيانها؛ القلب ،ماتت في صبيحة كئيبة وهــي تشرب
كانت "ســارة" وهي إحدى قريباتي تقف قرب قهوة الصباح ،وتتحدث بفرح كأنما تخطط
قبر أخيها وتتحدث عندما قطعت كلماتها فجأة لنهارها ،بلحظات أصابتها الجلطة الماحقة،
ووجهتْ نظرها إلى السماء ،وبدت مالمحها ربــمــا هــي ذاتــهــا لــم تــصــدق خبر موتها غير
تلك اللحظات مثل التائهة ،كأنّما تنظر لشيء المتوقع ،هل كان االجتماع قصيرًا جدًا ،لماذا
مجهول ،سألت :أنا لم تفهم؟ لكن مَن منا يفهم ويصدق الموت ،مَن؟ ً بعيد غامض أو تتبع ندا ًء
تداعيات الحلم ما تــزال تطاردني تزعج تهت ،أين نحن؟!
تلك اللحظات ربما التي سُ رقت فيها من رقدتي وصحوتي ،تنقر سكينتي مثل عصفور
الواقع ليتم إخبارها أو إشعارها بأنّها ستموت جائع ،وجوعي ال يهدأ للسكون ،ليتني أرتاح من
قريبًا ،وأ ّن قبرها على بعد خطوتين من المكان ك ِّل ذلك حتى لو كان الموت..
*** الذي تقف فيه اآلن.
وزوجته "ماجدة" تعيد ترتيب الفراش بعد لو خطر لها أن تمشي تلك اللحظة خطوتين
لوقفتْ فو َق قبرها الحالي ،كأنّها إشارة تومض الدفن بيومين ،وتش ُّم رائحته على الوسادة،
عثرت على أوراق كُتب عليها: لها عن موتها القريب.
"ال يفترض بك أن تكون في هذه المكان؟ ما الذي جعلني أتذكرها اآلن؟ أهي تداعيات
ما حلمت به؟ يا إلهي هل سأموت قريبًا! كيف؟ أنت؟ ما الذي جاء بك إلى هنا..؟".
* قاصة وشاعرة من األردن.
قمر 50
■ محمد الرياني*
نــاداهــا تعالي! اقتربت مـنــه ،قــال لـهــا :اجلسي .جلست ،الكرسي يتسع الثنين
جــالـسـيــن ،قــال لـهــا فــي ليلة ب ــدر :أنــت قـمــر فــي الخمسين ،ضحكت بـصــوت يشبه
عمرها ،نظرت إلى السماء والقمر مستدير ،يكاد يشق األرض إطالال ،ضحكت من
قمر الخمسين ،وفي ثناياها شيء من ابتسامة منتصف الشهر.
مضى الليل ،حضر السكون بقوة تجاورا على الكرسي القديم يتذكران
عــمـرًا مضى ،ســردا قصة طويلة؛ بل والهدوء يعم المكان آخر الليل ،هدأت
رواية بدأت منذ الصغر.
حركة المقعد الخشبي ،توقف الحديث
ألول مــرة ،تشعر بإحساس غريب ،الماتع ،وضعت يدها على يده ،شعرت
غزل في منتصف القرن ،وجلوس يوحي
بــبــرودة عجيبة ،وضــعــت رأســهــا على
بشيء ما ،بات يحدثها عن كل شيء،
صدره لتستمع إلى دقات قلبه ،عرفت
عن الحياة ،وعن الجمال ،وعن الدار
التي احتضنت قمرين تحت طل القمر .أن النبض توقف عن الحديث ،نزعت
كانت تتأمله وتتعجب من الكالم البديع ،خــمــارهــا ،هــمــرت بقية دمــوعــهــا على
تضحك تــارة ،وتبكي في داخلها تارة صـــدره ،ذهــب القمر الــعــلــوي باتجاه
أخرى ،وتمسح بطرف خمارها عندما الغروب ،لن تجد مَن يقول لها بعد تلك
تخشى أن تفضحها دموعها ،لم ترد
الليلة:
على حديثه بحديث ،اكتفت بالفرجة
يا قمر الخمسين. واالستماع.
* قاص من السعودية.
طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ بـ ـ ـ ـ ِـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ــى أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقَ ُش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ
بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ـ ــوب ـ ـ ـ ـ ــي وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ــاألعـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـب أمـ ـ ـ ــثُ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه
ـاك!! ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ــا ُر الـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـف َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــل رأى
عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
ـارات مَ ـ ـ ـك ـ ـ ـفـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه
ح ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ــوظ ـ ـ ـ ـ ًا عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى َن ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـل اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ذاك الـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ ؟! قـ ـ ـ ـ ــد اس ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـوَى
َف ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َ
عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب حـ ـ ـ ـت ـ ـ ــى َر َّد لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب مَ ـ ـ ــدل ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ــه
ـاط ـ ـ ـ ــرِ ي وأ َّذ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ! ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلل! جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـا ِت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه
ـاب واألذانُ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ــةٌ ـاك رِ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ
ـصـ ـ ـ ـ ـ َ
عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
ـس مَ ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه وص ـ ـ ـ ــو ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـ ـ ــا ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَمُ الـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ُ
89 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ـاض َصـ ـ ـ ـ ـ ــداقـ ـ ـ ـ ـ ــةً
ـك! مـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس؟ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
و َرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
ت ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ الـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـم مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه
ـك َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أزَلْ
ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
أراك! وروحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه
َ
ـك اآلنَ سـ ـ ـ ــاكـ ـ ـ ـ ٌـن!
حـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدُ َك ِطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــلٌ ! ِجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
ـأل َق ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه!
وجَ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٍـف! وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـراش َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ
ـاك هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا! قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــربَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ َ
ـك ي ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ َـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ًا ع ـ ـ ـلـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّرف ـ ـ ـ ـ ـ ِـق مَ ـ ـ ـجـ ـ ـب ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه
ـاجـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ
ُتـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ِ
أفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ..إنَّ َض ـ ـ ـي ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ الـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــابَ ب ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا
ـأن حَ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه!
ـس فـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـك أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى! لـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ
َفـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ــا ُب ـ ـ ـ ـ َ
ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ دَربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ
مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرافِ ـ ـ ـ ـ ــئُ و َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد تـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــحُ الـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ َر أسـ ـ ـ ـط ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه
عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي!! َقـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف مَ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً
إذا طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْـت ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ رِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َويـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ــو َل ـ ــه
و َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ ! لـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ــالَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ
ـوت َف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــا َء مَ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــولـ ـ ـ ـ َـ ـ ــه
ت ـ ـ ـ ـ ُـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّل ـ ـ ــقُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـان غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــا ذِ ك ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـُـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ِ
ـون ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرِ مَ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ــزو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه
أرام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ
ِ
* شاعر من السعودية.
( )١هذه الكلمة جاءت مؤنثة حتى تالئم مؤنثاً تأنيثاً مجازياً مقدّراً مفهوماً من السياق وهي
(الكنية) والمعنى (أن الكنية مشمولة).
91 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تحرير
■ سمر الزعبي*
وجلس على مقعده الوثير .المكتب َ َظ أنفاسَ هُ األخـيــرة ،ثــمّ ترَكهم يبكونَه،لف َ
قصةٍ شر َع بكتابتها قبل أن يموت،مكتظ بالحكايات؛ فتناول آخر ّ ٌ مليءٌ بــاألوراق،
وراح يكملها بعدما جعل البطلين يتشاجران بسبب عــراك ابنَيهما في الحديقة
العامّ ة ،هناك حيث تعارفا ،فور ما أحسّ ا بسذاجة موقفَيهما واعتذر كلٌ منهما لآلخر.
سنيّ الحب والشّ وق ،مبقيًا على صوره كان كالهما وحيدًا ،مُطلّ ٌق وأرمل َة ،أو
الفنيّة الكثيرة؛ لكنه حذف المفردات أرم ٌل ومطلّقة ،وغير ذلك من االحتماالت
التقليديّة ،واستغنى عن مشاهد العالقة ّبض وال ُقبَ َل والتدخينممكن ،تشاركا الن َ
المحرّمة ،فقد خشي أن يُعاقَب عليها من سيجارةٍ واحــدة .غالى في وصف
مشاعرهما تجاه بعضهما بعضاً على
بــع ـ َد الــدّف ــن ،لــكــن لــيــس إل ــى حــ ِّد أن
يشطب مشاهد السجائر التي تبادالها غير عــاد ِة ال ُكتّاب من ال ـرّجــال؛ فكان
بوحُ ه رومانس ّيًا للغاية ،واستخدم صورًا
ذات ُقبَل.
فن ّي ًة تقليديّة ،فكانت مفرداته :الشّ مس
بالضجر ،فعائلته مــا تــزال
ّ ـس
أح ـ َّ
والنّجوم والبحر والــغــيــوم ..ث ـ ّم لمعت
بصوت مرتفع ،وتُفقده تركيزَه،
ٍ تبكيه
في ذهنه فكرة أن يقي َم بينهما عالق ًة
رف َع الورق َة من طرفها بإصبعين اثنَين، محرّمة ..وفعل.
ّف ،ثم حذف المشهد األوّل الذي وتأف َ
أسطر شع َر بفتور تجاهَ ٍ بعد ع ـدّة
صار األخي َر بعد ما قلبَ الحكاية ..فلم
الـ ّنــص ،فنقل َه إلــى الـمُـتحابَّين ،حتّى
يلتقِ البطالن حتى هذه اللحظة.
اشــت ـ ّد بهما وافــتــرقــا .قـ ـرّر أن يكتب
عاد يتمدّد في فراشه يت ُّم مراسي َم النص بالمقلوب ،فتراجعت األحــداث َّ
منذ جلسا على حافّتيّ السّ رير ،يولّيان موته ،وفي نيّته كتاب ُة نصوص أخرى،
ظهرَيهما لبعضهما بعضاً ،يتعاتبان لكن لن تكون في المشاعر ،بعدما تيقّن
على الفتور واإلهمال ،يلقي ك ٌل منهما أن كتابته عن الحب ال تق ّل رداء ًة عن
اللو َم على اآلخر ،ث ّم عاد بلسانيهما إلى أدائه فيه.
* قاصة من األردن.
ٌ
جوفية ٌ
أصبوحة
ρρسعاد الزحيفي*
صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
وأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ وزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ
يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس دِ ّل
ـات
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل زك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيٍّ
وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا رِ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
ـاح نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ن ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارع ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزال
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّو َع ري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب ن ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــا
ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوق مـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا
بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ك ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف
وال سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأوه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدال
ـس ع ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه وخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــز الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ه ـ ـ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـ ـ ــا
ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذٌ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ط ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ًا
وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك) ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار أحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى
ب ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــه كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوس ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا
ي ـ ـ ـ ـ ـ ــرقِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ) حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــث ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـا
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا
وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دارا وأهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
* شاعرة من الجوف.
وطني
ρρمرضي الشمري*
وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ــي
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي آت ِ
ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــن دف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري
م ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــج ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ
أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ــرِ ص ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــو ًة
دريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ــي
ـرح مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزةٌـوخ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َح وروع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ
وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َدى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـف ـ ـ ــهِ
أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ تـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوات ِ
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــر ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ص ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــةٌ
ـرات
ـذب فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى روح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
مـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونُ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ٍ
ـول س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ
يـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــو بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــورى
بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل واآلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ
وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ـ ــه
اآلت
ِ ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحٌ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ
ـض قـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدت ـ ـ ــي ـزف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذري إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ
يـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ــي
مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـب ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ــةً َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــاعُ
ـف يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ انـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأ َُت حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًة
ـأس واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـضـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ حَ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ
ـوب هلل ِض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ا ُ
َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ َزي ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ اعُ
َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو هَ ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ـ ـ ــي
ألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ
حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ أَص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َرغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي ا َ
ـس ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ال ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــي
ـرت عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ
وِ ْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراعُ
هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبَ مُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ًا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ــا
ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت و َُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ
ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونٌ خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
وَرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ضـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا
خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ َب ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ
وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ْت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ُخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه ال ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ
ألمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َي ـ ـ ـك ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــي
ـض ا َ
َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ
زِ دتَ َرك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاعُ
ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـث الـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا َيـ ـ ـ ـ ــا
ال أَج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت وَال لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــري ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ
ـراب
ـام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ
َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
روب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ
وَسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ِ
َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َي ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ٌـح
خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب وَاقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاعُ
ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي أطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ را َم َقـ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــي
مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َكـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟!!
* شاعر من السعودية.
إلى متى؟!
ρρد .سعود الصاعدي*
في 20نوفمبر 1910م ،وبعد حياة طويلة وثرية أنتج فيها روايتين تعدان من
أعظم ما كتب في األدب العالمي( ،الحرب والسلم ،أنا كارنينا) ،محدث ًا ثورة في
فارضا نفسه كواحد من أبرز حكماء عصره، التعليم ،ومؤسس ًا مجتمعا طوبوياًً ،
توفي ليو تولستوي في محطة استابوفو القريبة من بيته! عن عمر ناهز الـ 82
عام ًا بالتهاب في صدره.
الرسالة اآلتية كتبها تولستوي الى زوجته صونيا معلنا فيها قراره الرحيل/
االنفصال ،بعد 48سنة من الحياة الزوجية التي أثمرت 13ابنا ،وهي مورخة في
31/30أكتوبر 1910م؛ إال إن الموت فاجأه قبل وصول الرسالة الى زوجته لتصبح
هذه الرسالة ،رسالة وداع لواحد من أعظم الروائيين الذين عرفتهم البشرية.
ال تكرهينني ،عليك أن تضعي نفسك بمقابلة أو مهما بــدا السبب قويا
مكاني .بــأال تدينينني ،إنــمــا تسعين للمقابلة ،فــإن رجوعي بــات مستحيالً،
إلى مساعدتي ألحصل على الراحة.، أعرف أن األمر سيكون كما يقول الجميع
وإمــكــانــيــة الــعــيــش عــيــشــة إنــســانــيــة.
لك ،أما بالنسبة لي فاألمر سيكون
موجعاً ِ
ستحاولين مساعدتي ببذل جهد على فظيعا لمعرفتي بعصبيتك ،بغضبك
نفسك ،لكنك أنــت نفسك ال تريدين ووضعك الصحي .األمــر سيكون أسوأ
عودتي اآلن. من ذي قبل .إن جاز لي ذلك أنصحك
حالتك الراهنة ،رغباتك ،ومحاوالت بأن تأخذي مسؤوليتك مما جرى ،وأن
تتأقلمي مع وضعك الجديد ،وأنصحك االنــتــحــار الــتــي قــمــت بــهــا -والــتــي
تظهر أكثر مــن أي شــيء آخــر -أنك خصوصا أن تعالجي نفسك.
إن كنت تحبينني ،أو لنقل إن كنت فقدت السيطرة على نفسك ،كل هذا
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 98
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
لك عمل ما ترغبين به .فاألمر ال يتعلق أنت يتيح ِيجعل عودتي غير واردة اآلن .وحدك ِ
تستطيعين توفير كــل هــذه المعاناة على برغباتي أو عمل ما يرضيني ،بل بتوازنك،
أقاربك وعليّ وخصوصا عليك أنت.
بما يجعل طبيعتك معقولة ومرنة .طالما
استغلي طاقتك ليس لتجعلي كل شيء األمر غير هذا فإن الحياة المشتركة بيننا
يسير وفق رغباتك ،بل استغليها لتستعيدي
غير واردة .الــعــودة وأنــت في هــذه الحالة
هدوءك ،لتريحي روحك ،ووقتها ستحصلين
معناه التخلي عن الحياة ،وال حق لي في
على ما ترغبين فيه.
التخلي عن الحياة!
بــعــد يــومــيــن قضيتهما فــي شــمــارديــنــو
وداعــا عزيزتي صونيا ،وليكن اهلل في وأوبتينا ،أنــا راح ــل .سأضع الرسالة في
لك عــونــك .الــحــيــاة ليست مــزحــة ،ولــيــس لناصندوق البريد وأنا في طريقي ،ولن أقول ِ
إلى أين أنا ذاهب؛ ألني أعتقد أن االنفصال حق تركها بإرادتنا ،مثلما ال يجوز قياسها
لك مثلما هو ضروري لي. صار ضروريا ِ
بمدتها .الشهور التي تبقت من حياتنا ربما
ال تعتقدي أنني قــررت الرحيل ألنــي ال
ستكون أهــم من كل السنين التي عشناها
عليك من كل قلبي، ِ أحبك وأشفق
ِ أحبك .أنا
وعلينا أن نحياها بكرامة.
لكني ال أستطيع القيام بغير هذا .أعرف أن
ليو تولستوي لكنك لست في وضع ِ رسالتك لي صادقة،ِ
1986م .(Tolstoï, Lettres * المصدر :كتاب تولستوي الرسالة 2الصادر عن منشورات غاليمار بباريس
.)II, Gallimard, 1986
** كاتبة روائية جزائرية.
99 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الشاعرة مها العتيبي:
أميل في بعض القصائد الحديثة إلى كتابة قصيدة التفعيلة
ذات الجمل الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع السريع
لموسيقى النص ولكن لم أكتب قصيدة النثر!..
الدكتورة مها محمد العتيبي شاعرة سعودية ،أهدت المكتبة الشعرية خمسة
دواويــن شعرية ،ميّزت بها صوتها الشعري وحضورها المنبري؛ "مقام -االنتشار
العربي -بـيــروت2017 -م"" ،تشرين والـحــب واألغـنـيــات االنتشار العربي -بيروت
(مطبوعات نــادي تبوك األدبــي) 2016-م" ،لوعة الطين2014 -م ،جميرا للنشر،
"عــرائــس الـحــب 2010-م -ال ــدار العربية للعلوم ن ــاش ــرون"" ،نـقــوش على مرايا
الــذاكــرة" 2009 -م .ولها الكثير مــن المشاركات فــي األمـسـيــات الشعرية محليًا
وعربيا ،طموحها يتفوق على مدى قصيدتها ،وهي تتسلّح بثقافة أصيلة ،وبروح
تنتشي بإيقاعها المتفرد .تقول" :بدأت بعدها في القراءة العميقة للشعر بكافة
أشكاله ،وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة ،لكني كثفت الـقــراءة للقصيدة
المراس في الكتابة بدأت استكشف في قصيدتي متسعً ا لرهافة المعاصرة ،ومع ِ
اللغة والبنية اللغوية الجيدة ،و أساليب الصياغة وابتكار الصور الشعرية ،والولوج
إلى عالم التجريب الشعري في إطــار القصيدة العمودية الحديثة" ،وهنا نقف
لنطل معً ا على فضاء الحوار مع ضيفة الجوبة الشاعرة مها العتيبي..
■ حاورها :عمر بو قاسم
طبعاً ،مالمح تجربتك الشعرية بدت الشعر سمير الليالي!..
ديوانك األول بخصوصية ِ تتشكل من
¦"م ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــام2017م"" ،تـ ـش ــري ــن والـ ـح ــب
الـبــوح وتـمـيــزه ،وبـمـغــايــرة أيـضـ ًا على
واألغ ـن ـيــات 2016م"" ،لــوعــة الـطـيــن-
الـمـسـتــوى الـمــوضــوعــي وال ـف ـنــي .هل
نـحـظــى م ـنـ ِـك ب ـبــوح خ ــاص ع ــن هــذه 2014م"" ،ع ــرائ ــس ال ـح ــب2010 -م"،
التجربة؟ "نقوش على مرايا الذاكرة2009 -م"..
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 100
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
التجريب الــشــعــري فــي إط ــار القصيدة ρ ρكتبت فــي مقدمة ديــوانــي األول "نقوش
العمودية الحديثة ،وكان ذلك في ديوانَيْ على مرايا الذاكرة" إنني وإذ أقدم لديواني
"عــرائــس الحب" و"لــوعــة الطين" ،بحيث األول ،استحضر م ــدى مــا ك ــان الشعر
تميّز ديوان لوعة الطين بالكثافة الشعرية، بالنسبة لي سمير الليالي ،ونافذة البوح،
واالش ــت ــغ ــال عــلــى بــنــاء ال ــص ــورة داخ ــل ومعبر األلم ،فكانت القصائد غناء للجرح،
القصيدة ،وكتابة القصائد الطويلة ،والتي وتراتيل للحنين ،وزخات للفرح مكلّلة بشوق
ال تفقد وحدتها الموضوعية أو أسلوبها ال يتوقف وال ينتهي .كانت القصائد هي
الشعري ولغتها الشعرية المتناغمة. بوح خالص معبّرة عن حالة شعورية ينفث
فيها الشعر فيتركها حيّة وطازجة في قالب
فــي دي ــوان "تــشــريــن والــحــب واألغــنــيــات"
اعتمد على بساطة اإليقاع ،وسهولة اللغة
وديوان "مقام" بدأت تكتمل مالمح القصيدة
الشعرية منذ البداية في بناء شعري مُحكم.
بعض الشيء ،وكانت مرحلة تحتوي العمق
لــم يكن الــهــاجــس حينها ســوى الشغف،
المعرفي مع الصياغة الشعرية اللغوية
الشغف بالشعر ،والكتابة ،والتمعّن في
والــفــنــيــة ،وه ــذا مــا أرج ــو أن أكــمــلــه في
هــذه القصائد بما هــي نــوافــذ للمعرفة
الدواوين الشعرية القادمة.
والبوح .منذ سن مبكرة أكتب الشعر ،ولكن
قصائد للتلحين!.. حتى عام 2005م ،كان الشعر لديَّ شغفاً؛
ق ــراءة وكتابة؛ ولكن بــدأت أشعر حينها ¦أذك ــر أن ــي ق ــرأت ل ـ ِـك إجــابــة ضـمــن حــوار
نُشر في إحدى الصحف الخليجية ،أنك أن الشعر بالنسبة لي ليس هواية عابرة
ضمن هــوايــات أخــرى ،بل صــار هاجسً ا؛
ـصـيــن تـجــربـتــك ال ـج ــدي ــدة لـمـشــروع
تـخـ ّ
فبدأت في ذلك الوقت أتفتح على قدرتي
لقصائد مغناة ،..ماذا تقصدين بقصائد
على صياغة الشعر بشكل مختلف ،وبدأت
أخلص للشعر وللكتابة ..فكان ديواني القصيــدة تمثلنــي فــي بنيتهــا
األول "نقوش على مرايا الــذاكــرة" يمثل المعرفيــة وأفكارهــا ومــا تحملــه مــن
تلك المرحلة بشكل جيد ،ثم بدأت بعدها رؤيــة ،فــإذا جــاء النقــد بعــد ذلــك
في القراءة العميقة للشعر بكافة أشكاله ،فليــس هنــاك مــا أخشــاه حينهــا.
وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة؛
المــرأة أصبحــت حاضــرة بصــورة
لكني كثفت القراءة للقصيدة المعاصرة،
مشــرقة فــي المنابــر الثقافيــة
ومع المِ راس في الكتابة بدأت استكشف
واإلعالميــة ،وهــذا ناتــج إيجابــي
في قصيدتي متسعًا لرهافة اللغة والبنية
للتحــوّ الت المجتمعيــة التــي نعيشــها
اللغوية الجيدة ،وكذلك أساليب الصياغة
فــي هــذا الوطــن ،وهلل الحمــد.
وابتكار الصور الشعرية والولوج إلى عالم
101 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
السعودية والعربية مهم ..أتابع عــددًا مغناة؟
من الكتابات النقدية التي تتناول المنتج
ρ ρطُ لب مني عدة مــرات قصائد للتلحين
األدبي بشكل عام ،وليس بشكل خاص ما
من قبل بعض الملحنين ،في البداية كنت
يتعلق بكتاباتي الشعرية .النقد بالمجمل
أرفض الفكرة لخوفي على القصائد أن
يضيء للشاعر مناطق مدهشة وإبداعية
ال تنتج فــي قالب لحنيّ جميل؛ ألنني
متجليّة ،وفي ذات الوقت ينتبه الشاعر
أستسيغ موسيقى القصيدة في سياق
إلى بعض المكرر من الكتابة أو الضعف
إيقاعها ،ولكن قبل نحو سنتين تم تلحين
ف ــي م ــواط ــن أخـ ــرى فــيــصــقــل إبــداعــه
إحدى قصائد ديوان "مقام" لتكون بداية
وتجربته ،أنا أستفيد من النقد بشكل عام
لقصائد مغناة ،تم اكتمال اللحن وإلى
في تشذيب بعض الكتابات ،ولكن النقد
اآلن القصيدة لم تُ َذ ْع كأغنية.
ليس قيدًا بالنسبة في لحظة الكتابة ،أنا
ال أفكر بالنقد أبدًا حينها ،أطلق العنان النقد األدبي ودوره!..
للقصيدة؛ ألن صدق القصيدة وحــرارة ¦هـنــاك ق ــراءات نقدية حــاولــت أن تدخل
عاطفتها ،وجــمــال بنيتها أن أتركها ع ــال ــم الـ ـش ــاع ــرة مـ ــن خ ـ ــال ال ـق ـص ـيــدة
تأتي بدون حدود أو أن أضمنها أفكاراً وعوالمها وفنياتها؛ فهل استطاع النقد
تجريبية أو فلسفية ،أو قيوداً معرفية من أن يصل أو يضيء للشاعرة مها العتيبي
أي نوع. زاوي ــة "م ــا" فــي فـضــاء الشعر ،أم أن ـ ِـك ال
وبالتالي القصيدة تمثلني فــي بنيتها تهتمين أو تخشين النقد؟
المعرفية وأفكارها وما تحمله من رؤية؛ ρ ρبــالــتــأكــيــد الــنــقــد األدبــــي مــهــم ،ودوره
فإذا جاء النقد بعد ذلك ،فليس هناك ما في تنشيط الحركة األدبــيــة والشعرية
أخشاه حينها.
¦ربما كان حضور المرأة يتفاوت من مجتمع مثل هذه األمسيات الشعرية أم؟
آلخر ..قد يكون أحد أسباب هذا التفاوت ρ ρاألمــســيــات الــشــعــريــة والــمــشــاركــة في
التكوين المجتمعي ،ولكن من المالحظ المهرجانات الشعرية مهمة للشاعر
أن حـضــور ال ـمــرأة فــي الـمـنــابــر اإلعــامـيــة عندما يالمس وهــو على منبر الشعر
والثقافية ومشاركتها فــي الفعاليات في مدى تلقي القصيدة ،التواصل المباشر
تزايد اآلن ،ما رأيك؟ مــع الــجــمــهــور كــمــا ذكـ ــرت والمتلقين
ض ــروري لتعزير فرصة أكبر لحضور ρ ρالمرأة أصبحت حاضرة بصورة مشرقة
حاليًا في المنابر الثقافية واإلعالمية، الــشــعــر .رســالــتــي حينها هــو أن يجد
المتلقي في هذا الشعر ما يستحق أن
يسمع ،وأن يشعر بشيء يعنيه من خالل مهــارات النقــد والتحليــل ،يمكــن
تعلمهــا ودراســتها وتطبيقهــا فــي
هذه القصيدة أو تلك؛ ومن جهة أخرى
نمــاذج نقديــة علــى النصــوص
وجــود التواصل المباشر بين الشاعر
المختلفــة فــي المجــال األدبــي
والجمهور مباشرة هو فرصة الستكمال تحد ً
يــد ا ! . .
ثقة الشاعر في قصيدته من جهة ،وفتح
القصيــدة هــي التــي تفــرض طقوســها
نوافذ جديدة للتواصل ونشر القصيدة
ووقتهــا ،ال أكتــب مــن وحــي خيالــي
والتعريف بها من جهة أخرى.
وال مــن موقــف يومــي ،ولكــن هــي
تراكمــات تتجلــى فــي لحظــة الكتابــة زادت مشاركتها لنشر ثقافتها
التــي تختارهــا القصيــدة!.. وإبداعها!..
103 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ذلك على أي علم نظري آخر ،وال يقتصر وهذا ناتج إيجابي للتحوّالت المجتمعية
تعلم هذه المهارات وإتقانها على الرجال واإليجابية التي نعيشها في هذا الوطن،
دون النساء؛ أما لو نظرنا لواقع المشهد وهلل الــحــمــد ،كــانــت الـــمـــرأة مــشــاركــة
النقدي ،سنجد أن عدد النقاد المجيدين وزادت مشاركتها لنشر ثقافتها وإبداعها
هو أكبر من عــدد الناقدات المجيدات، وحــضــورهــا ودوره ــا الثقافي والمعرفي
قد ال تكون العاطفة أو اللين في تناول والحضاري.
األعــمــال األدبــيــة هي السبب ،ولكن قلة
مهارات النقد والتحليل ،يمكن تعلمها
عــدد الــنــاقــدات المتمكنات مــن مهارات
ودراستها وتطبيقها!..
النقد العلمي ،متى ما أتقنت المرأة هذه
الــمــهــارات تخلّصت مــن قــيــود العاطفة ¦"م ـ ــا أجـ ـمـ ـل ــه"" ..كـ ـ ــام يـ ـجـ ـن ــن"" ..ي ـف ــوق
واتّبعت منهجً ا علميا سليما سيؤدي إلى الــوصــف ويــأخــذ ال ـع ـقــل" ..ه ــذه الـعـبــارات
اكتمال قدرتها النقدية. تخص المرأة وطبيعتها وأقصد العاطفة
عندما تعجب بشيء مــا ،وهنا استحضر
لم أكتب قصيدة النثر.. مقولة لروبين الك ــوف( :إن الـمــرأة تتردد
وتستخدم أسلوب ًا أقل حزم ًا من الرجل)؛ ¦مـ ــن ال ـ ــواض ـ ــح أن ـ ـ ـ ِـك ت ــو ّث ـق ـي ــن ت ـجــرب ـتــك
الشعرية بين سماءين "القصيدة العمودية من هنا ،يستغرب بعضهم حضور المرأة
وقصيدة التفعيلة" ،..هل لديك تجربة في رأيك في ذلك؟ في الفضاء النقدي ،ما ِ
فضاء قصيدة النثر؟ ال موضوعياً ρ ρال أعلم إذا كان النقد مقاب ً
ρ ρأصبحت أميل في بعض القصائد الحديثة لــلــحــزم ،وأن ال ــم ــرأة أقـــل ح ــزمـ ـاً .في
إلــى كتابة قصيدة التفعيلة ذات الجمل الحقيقة ،مهارات النقد والتحليل يمكن
الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع تعلمها ودراســتــهــا وتطبيقها فــي نماذج
السريع لموسيقى ..ولكن لم أكتب قصيدة نقدية أو نظريات على النصوص المختلفة
النثر. في المجال األدبي تحديدًا ،كما ينسحب
كبيرة من شعراء العصر الحديث وعدد من ρ ρال أعتقد أن هذا الرأي دقيق في الواقع،
العودة للقصيدة األصيلة ما يزال في أوج
الروايات ،وكذلك الكتب التي تعنى بالثقافة
وهجه ،قصيدة النثر لها مريدوها ،ولكن
واألدب.
أعتقد أن مــا بعد األلــفــيــة تغيرت هذه
أما القسم الثاني ،فيتعلق بالعلوم واألحياء الفكرة ولــم تعد قصيدة النثر هــي التي
بحكم التخصص biologyكتب الفسيولوجيا تتصدر المشهد الثقافي العربي ،والدليلت
هو كثرة الشعراء المجيدين الذين ازدهرت
والحيوان والنبات واألنسجة والبيئة وما إلى
بهم كتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة ما
ذلك ،كما يتضمن هذا القسم كتب المناهج
بعد األلفية في جميع أرجاء الوطن العربي،
وتدريس العلوم وهــذا مجال دراستي في وفي المملكة على وجه الخصوص.
الدراسات العليا ،إضافة إلى عدد ال بأس
ال أكتب من وحي خيال خالص!..
به من البحوث والدراسات المتعلقة بهذا
¦بـعــض الـشـعــراء والـمـبــدعـيــن بصفة عامة
المجال.
يلتزمون بطقس معين أثناء الكتابة ،مها
¦وم ــن ال ـم ـهــم ج ــدا أن أس ــال ــك أي ـض ـ ًا هــذا العتيبي :كيف تكتب ومتى؟
السؤال التقليدي ،ما هو جديدك؟ ρ ρليست هناك طقوس معينة للكتابة ،متى ما
جاءت القصيدة هي التي تفرض طقوسها ρ ρجديدي القصيدة ،في الفترة الماضية،
ووقتها ،ال أكتب من وحي خيال خالص ،وال
أنــجــزت ديوانين جديدين أحدهما قدم
من موقف يومي أو شعوري خالص ،ولكن
للنشر في العام 2019م ،وأنتظر صدوره
هي تراكمات تتجلى في لحظة الكتابة التي
في األيام القريبة القادمة ،واآلخر سيتبعه تختارها القصيدة.
قريبا .وهناك بمشيئة اهلل أمسيات شعرية ¦غ ــال ـب ــا أسـ ـ ــأل ه ـ ــذا ال ـ ـسـ ــؤال ف ـه ــو ي ـضــيء
قــادمــة إحــداهــا فــي ســوق عــكــاظ ضمن للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف
الــبــرنــامــج الثقافي بمشيئة اهلل تعالى، "ال ـ ـج ـ ــوب ـ ــة" ،..هـ ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى
وما يزال للشعر نافذة الجمال والحضور محتويات مكتبة الشاعرة الدكتورة مها؟
والتلقي. ρ ρمكتبتي منوعة في قسمين ..األول يتعلق
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 106
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
حتى الديوان األحدث كأوَّلِ شاعر ¦مــاهــي أه ــم الـمـحـطــات األدب ـي ــة في
في األرض أخــط جغرافيا الكالم حياتك؟
حسب رؤيتي للعالم ،وال أرى لي إال
القصيدة كي أُأَرِ ُخ بها ذاتي وكذلك ρ ρمحطاتي األدبية هي دواويني منذ
الزمن الذي أحياه. الديوان األول "شُ رفة للغيم المتعب"
107 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
أنــا أح ــاول تــأريــخ الحياة التي أحياها ¦كيف بدأ مشوارك األدبي؟ ولماذا الشعر
والعصر الذي أعيشه؛ لذا ،فمشاكل كل بالذات؟
إنسان في الحياة هي مشاكلي كأديب،
أشار الشعر لي بعصاه فتبعتُه ..هذا كل ما
فأنا أريد أن أضمِّد كل جرح ..أن أربِّت
في األمر؛ فأنا لم أختر الشعر وال توقعت
على كل قلب ..أن أنطق بكل لسان ..هذه
قبل قصيدتي األولى أن أكون شاعرًا ،وال
هي مشاكلي ،وال أدري هل هذه الكلمات
أدري كيف تــم األم ــر ،ولــكــن قبل ذلك
تصلح كإجابة على سؤالك أم ال.
بسنوات كنت أغرق في مكتبة بيت والدي
الثرية التي أتاحت لي اإلطالع على تراث ¦ما هو تقييمك لــأدب في مصر ،بصفة
خاصة ،والعالم العربي ،بصفة عامة؟ إنساني ضخم من أدب (روايات خاصة)
ودي ــن وتــاريــخ وســيــاســة؛ ل ــذا ،وضعت ρ ρاألدب -والــشــعــر خــاصــة -الشعر في
مصر في توهج ،ويتسع ليشمل ويحمل قدمي في طريق الشعر متسلحا بثقافة
قــدرًا من الثقل الفكري والحضاري ما تسبق عمري بكثير ،والمفارقة أن تلك
يؤهله للريادة ،وهــو كغيره من تجارب المكتبة الخطيرة كانت تفتقر للشعر،
الشعر العريقة في البالد العربية يضج ولكن تأثير ديستوفسكي ،ومحفوظ،
باختالط األصوات بسبب انتشار وسائل وماركيز ،وديكنز ،والتراث اإلنساني من
النشر والتواصل االجتماعي؛ ولكنني أرى المعرفة الدينية والتاريخية كان هائال.
أن هذه الضجة صحية ،وال بد أن تثمر
¦ما هي طقوس الكتابة لديك؟
تجارب ناضجة ،والقارئ الواعي قادر
على انتقاء أصفى األص ــوات ومتابعة ρ ρلــكــل شــاعــر طــقــوســه لــحــظــة اإلبــــداع،
إبداعه من وسط هذا الضجيج الجميل وطقوسي ترتبط بالحبر والورقة كثيرا..
والــعــذب ..وأظ ــن هــذا ال ــرأي ينسحب فــالــورقــة والقلم وبعض الــهــدوء وشــيء
أيضا على التجربة اإلبداعية في غيرها من الموسيقى الهادئة تعني لي الكثير،
من البالد العربية. إال إنني أتعجب من قصائد أعدها من
أفضل ما كتبت تخالف تلك المقاييس،
فمثال هناك قصائد كتبت على الــورق ¦إن كانت لــك فرصة ألن تصرخ غاضبا،
ماذا تقول؟ وفي الطريق وأمــام شاشة الكمبيوتر..
وقصائد كتبت في العمل وقد كتبت أيضا ρ ρســوف أصــرخ في وجــه العالم قائال له
كفى دمـ ــاءً !!..دع فرصة ألطفالنا كي في الطائرة وفي الفنادق ،إال إنني أشعر
تنبت أحالمهم البريئة. باأللفة والحنين مع الورقة والقلم ..أو قُل
أشعر بالثقة أكثر فيما أكتبه على الورقة ¦أمـيــر ال ـش ـعــراء أحـمــد شــوقــي لــه مقولة
يقول فيها (أخـشــى على الفصحى من وبهذا الساحر (القلم)!
عامية الـتــونـســي) هــل هــذه المقولة ما ¦كأديب ،ما هي المشكالت التي تواجهك؟
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 108
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ρ ρتجربة ثرة منحت شعري ما كنت أريده من تزال قائمة؟ وما هي األسباب من وجهة
ضوء في تلك الفترة ،وحملته بجناحين ن ـظــركــم ف ــي ت ــراج ــع ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة في
إلى آفاق المتلقي العربي الواعي الباحث المجتمعات العربية؟
عن ِش ٍعر جيد ربما تــواريــه الجغرافيا ρ ρأرى أن العبء األكبر يقع على مناهج
وتحجبه المجايلة.. الــتــعــلــيــم الــســقــيــمــة ،وطـ ــرق الــتــدريــس
العقيمة ،التي ال تقدم للطالب خاصة ¦هل ترى أن هناك أزمة حقيقية في النقد
األدبي؟ وما هي أسبابها؟ في مراحل التعليم األولى أجمل إبداعات
لغتنا العربية الساحرة بطريقة مبسطة
ρ ρالرؤى النقدية كثيرة ومختلطة ..وربما
وجميلة؛ ما يُخرج لنا مبدعين أو على
متناقضة ،وكثير من النقد المطروح على
األقل محبين لإلبداع؛ كما أن لإلعالم
الساحة هو ترجمات لصيغ نقدية توافق
دورًا كبيرًا أيضا ،وال تنس كذلك دور
عليها الغرب ..وربما هي بعيدة كل البعد األسرة ..ولكن أرى أن التعليم هو حجر
عن طينة حضارتنا؛ لذا ،ال تثمر ،ولكن الزاوية في ذلك.
النقد الذي أؤمن به هو الذي ينبع من
¦اللغة العربية هويتنا وهــي لغة القرآن
النص نفسه ال مــن نظريات مقتبسة،
الكريم ،فكيف نحافظ على هذه الهوية؟
وهنا تكمن المشكلة ..حيث يبدو تماما
لكل متابع أن النقد واإلبداع يسيران في ρ ρاللغة العربية لغة إلهية ..ولها سماوات
خطين متوازيين ال يلتقبان أبدا. إبداع ال انتهاء لها .وهذا أكثر ما يميز
القصيدة العربية ..وهــو اتكاؤها على
¦بعد هذا المشوار الطويل في اإلبداع هل
لــغــة إلــهــيــة مــرصــودة لــإبــداع والخلق
هناك قصيدة لم تكتبها بعد؟
واإليجاد ..إنها لغة التكوين ..وصلصال
للغات؛ ولذا ..هي تحمل جينات الخلود ρ ρبعد عشرة دواوين أستطيع أن أقول إنني
خططت جيدا لمسودة قصيدتي األولى والبقاء ،وطالما وجد القرآن الكريم وهو
التي لم أكتبها بعد. باق خالد ..فسوف تبقى اللغة العربية،
وفي كل جيل يقيُّض اهلل لثلّة مبدعة أن
¦هـ ــل ت ـ ــرى أن م ــؤسـ ـس ــات ال ـ ــدول ـ ــة ت ـقــوم
تؤكد ذلك بإبداعاتها المتفردة.
بواجبها تجاه الثقافة والمثقفين؟
¦حـصــدت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة..
ρ ρالجهد األدب ــي يبدأ فــرديــا حين يكوِّن
أيهما اقرب إلى قلبك؟
األديب نفسه بالقراءة واإلطالع واإلبداع،
ثــم يــأتــي بــعــد ذل ــك دور الــمــؤســســات ρ ρالــقــلــوب الــتــي تــحــيــط بقصيدتي هي
الثقافية في رعاية المواهب ،وربما تكون جائزتي األغلى.
المؤسسات تقوم بدور ما ،ولكن أظن أن ¦حــدثـنــا عــن تجربتك مــع بــرنــامــج أمير
الشباب من المبدعين يحتاجون دورًا الشعراء؟
109 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ρ ρدواويني بال شك مثل أبنائي ..لذا فلها أكبر لها.
في القلب مكانة واحدة ،ولكن االختالف ¦قـصـيــدة الـنـثــر كـيــف ت ــرى مــوقـعـهــا على
يكون في إحساسك بالديوان األول الذي خريطة األدب العربي؟
وضع اسمك على الساحة ،وحمل طفولة ρ ρشــريــك حــيــوي ومــؤثــر ،وشــكــل إبــداعــي
قلمك ،أو الديوان األحدث الذي تنتظر ساحر ال يجب أن نتهمه ،بل أن نستضيء
به ونسمح له أن يأخذ بأيدينا في طريق
منه أن يكون إسهامًا جادًا في الساحة
التجريب الجميل ،وقصيدة النثر شريك
الشعرية العربية ،أو الديوان الذي حصل لي ال ينفك عني ،وفي مؤملي أن أصنع
على جائزة ،أو هــذا الــذي تكتبه اآلن، قصيدة تنحاز لــإبــداع الكبير الــذي
وهكذا ..فكل تلك الدواوين هي أنا! ينتظم هذه الحياة بأسرها ،ولذا أحب
التجريب في قصيدة النثر ،وأرى أنها
شريك إبــداعــي لقصيدة العمود ..أما ¦ما هو النص الذي تتغنى به لنفسك أو
لغيرك ..ويجول بذهنك حاليا؟ كون قصيدة النثر تمثل شكال شعريا أو
ال فهذا سؤال ترد عليه األجيال القادمة،
ρ ρعندما أكون في حالة إبــداع ..فعادة ما
راق ال
وهي بالنسبة لي شك ٌل إبداعيٌ ٍ
أترنم بأبيات من نصي الجديد الذي يجب أن تخسره الحياة.
أكتبه ،ولــذا ســأدع هــذه األبــيــات هدية ¦دواوينك الشعرية هل كلها على مسافة
لقارئ ديواني الجديد بإذن اهلل تعالى. واحدة من قلبك؟
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 110
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
لطيفة لبصير:
ما أزال بصدد تكوين رؤية عن كتابة المرأة
الكاتبة والناقدة واألكاديمية المغربية الدكتورة لطيفة لبصير؛ اسم بارز في
الساحة األدبية المغربية؛ أصدرت العديد من الكتب والمجاميع القصصية التي
استحسنها النقاد كما القراء ،وتُرجمت أعمالها القصصية إلى عدد من اللغات.
عن تجربتها في الكتابة القصصية؛ وكيف يمكن تحويل األحــداث اليومية إلى
كتابة قصصية؟ وعن مجموعتها القصصية الجديدة "يحدث في تلك الغرفة"،
وكتابها "الجنس الملتبس" كان لـ"الجوبة "معها هذا الحوار.
م ــازم ــا لــلــشــخــصــيــة ،ت ــح ــاول أن ¦مــاذا حــدث فــي غرفتك القصصية
تخفيه عن كل اآلخرين .ومن هنا، "يحدث في تلك الغرفة"؟
يبدأ الــســؤال :لماذا أدّى التحوّل ρ ρالذي يحدث هو أن هذه األشخاص
الفيزيائي إلى البحث عن أسباب وجدت نفسها أمام عطب فيزيائي
نفسية ،وك ــان ال ــذي يــحــدث على غيّر من مالمحها ،مثل الشخصية
مستوى الشكل الخارجي ال يمكن التي عانت من التبسم بشكل دائم،
أن يفسره أو يضيئه إال العطب والذي أصبح معه هذا الفرح عطبًا
111 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الداخلي الكامن ،والذي يتأتى سواء من
الطفولة أو العالم الخارجي الذي كثرت
فيه الحروب أو أشكال العنف ،أو الذات
التي تنتفض هي أيضا ضد الشخص
نفسه حين يعلن جسد طبيبة تشريح
انتفاضته القصوى بعشق شفتي جسد
رجل على طاولة التشريح .الذي يحدث
هو ما يحدث في ذلــك العرض اآلخر
الذي يحرك العديد من النوازع النفسية
التي ال نجد لها في بعض األحيان تأويال
مباشرًا في الواقع.
¦تـ ـط ــورت ال ـق ـص ــة ال ـق ـص ـي ــرة الـمـغــربـيــة
بشكل كبير جــدا؛ بالنسبة للكاتبة ،هل
تجد نفسها بأسلوب الحياة نفسها الذي تساير طرق التحديث التي يعمل عليها
يملي على األعصاب هذا الجدل القائم ال ــرج ــل ،أم أن ـهــا وج ــدت لنفسها نسقً ا
بين األفق والحياة التي تحياها .ومن حق خاصاً؟
الكتابة أن تنزع نحو أحالم أخرى ،وأن ρ ρأرى أن الكاتبة المغربية تخوض تيمات
شخوصا ظلوا لفترة حبيسي
ً تشاكس أخــرى رغم التشابه في بعض األحيان
ذواتهم؛ ألنهم يشعرون بالخوف. بينها وبين الرجل ،لكن الرؤية مختلفة.
ونحن في حاجة إلى هذه الزاوية التي ¦نـلـ ِـت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة التي
تطرق أبوابًا أخرى ظلت معتمة رغم كل
تمنح في اإلمارات؛ كيف تقرأين المشهد
شــيء ،وال أحصرها في الجنس؛ ألنه
الثقافي هناك؟
يظل ج ــزءًا فقط مما تعيشه األنــثــى،
فهناك العديد من المواقف والبناءات ρ ρقبل سنوات ،تعرفت إلى الكاتبة ميسون
صــقــر ،وقــــرأت إبــداعــاتــهــا الشعرية النفسية ما تزال معقدة ،والسبب كامن
الجميلة ،كما قــرأت روايتها التي تعد وراء ضيق أفــق الــقــواعــد الــتــي تملى
سيرة ذاتــيــة "ريــحــانــة" ،وأعجبت بهذا كقانون يُسيّر حيوات النساء؛ ولذا ،فإن
النص ،كما عرفت الكاتبة ظبية خميس، الكاتبة مهما ابتعدت عن ذاتها ،فإنها
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 112
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الجملة المستقيمة التي نبحث عنها واآلن أتعرف إلى تجارب نسائية أخرى
ضمن ما نقرأ في السير الذاتية عموما بــدأتُ بالفعل بالقراءة لها ،و ُهــنَّ على
كتعاقد ضمني بيننا وبين كتاب السيرة، التوالي :أسماء الزرعوني ،فتحية النمر،
الطيور الصحراوية!..
بأكثر من وجدي على ظل سرحة
وتعشش عليها الطيور الصحراوية الكبيرة
مــن ال ـســرح إذ أضـحــى عـلــيَّ رفيق
كالنسور والحدات والغربان .وتنتمي للعائلة
الكبرية ،Capparaceaeوكبقية أفــراد هذه السرح دواء!..
العائلة النباتية جيدة لرعي المواشي كاإلبل وألشجار السرح قيم طبية ،كما تداوي
وآكــات األوراق كالظباء والنعام .وقد ورد الــنــســاء ج ــروح الــرجــال وتجبر كسورهم،
في الشعر الجاهلي إشــارات لتغذي النعام فــأوراقــهــا غنية بــمــادة الــكــالــســيــوم؛ لــذا،
على ثمارها والتي تسمى (اآلء) وواحدتها تستخدم في الطب الشعبي لمداواة كسور
(آءة) ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي ثعلبة الــعــظــام .وتــســتــخــدم ب ــذوره ــا فــي الطب
بن صعير يصف غذاء النعام عليه: الشعبي قديما ،وكانت شجرة السرح مقدسة
ط ــرف ــت م ـ ــراوده ـ ــا وغ ـ ـ ــرد سـقـبـهــا في مصر الفرعونية ،ويستخدم مسحوق
ب ـ ـ ــاآلء والـ ـ ـح ـ ــدج ال ـ ـ ـ ــرواء الـ ـح ــادر األوراق في عالج الحمى واألمراض المعدية
والجلدية .وللقيمة الغذائية لــأوراق يمكن
وكذلك قول ذي الرمة (ت 735م) يصف
أن تستخدم في أوقات الشح كغذاء ،وبعض
التهاء النعام بالتغذي على ثــمــار السرح
القبائل اإلفريقية تخلط أوراق السرح مع
وأوراقه ،وعلى نبات التنوم:
حليب األغــنــام وتشربه كــغــذاء رئيس لها.
الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــاه آء وتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــوم وع ـ ـق ـ ـب ـ ـتـ ــه وثمارها سائغة المذاق لإلنسان والحيوان،
من الئح المرو والمرعى له عقب وتستخدم فــي إفريقيا لصناعة الحساء
وم ــن أســمــاء ثــمــار ال ــس ــرح :ال ــدوال ــي، وأطباق أخرى .إذ تنتشر هذه األشجار من
والهدال ،وفي جازان يسمى المصيص .وقد إفريقيا والشرق األوســط إلــى شبه القارة
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 116
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
وصف الشاعر المخضرم تميم بن أبي بن للمحمية ،ورسمها وكتب شــعـرًا يستنطق
فيه السرحة التي تسأل عن ضيفها العزيز مقبل غذاء اإلبل وطيور القطا عليه:
الفيصل بن عبدالعزيز ،ومما قال فيها: إذا ظلت العيس الخوامس والقطا
مــعً ــا فــي ه ــدال يتبع الــريــح مائله ي ـ ــا سـ ــرحـ ــة ال ـف ـي ـص ــل ق ـص ــدن ــاك
تـ ــدف ـ ـع ـ ـنـ ــي الـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ــرى ل ـ ـن ـ ـجـ ــواك وألش ــج ــار الــســرح حــضــور فــي الشعر
الشعبي في الجزيرة العربية ،وعرفت بين ي ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ــرح ـ ـ ــة بـ ـ ـ ـ ـ ــاهلل ق ـ ـ ــول ـ ـ ــي ل ــي
أبناء البادية كمقيل للظباء والطيور ،ومن
كـ ـي ــف اسـ ـتـ ـقـ ـم ـ ِـت ل ـ ــه إذا ج ـ ــاك؟
ذلك قول الشاعر:
والــســرح شجر ط ــوال ،وهــي كــذلــك من سرحة وتسريحة مقيل الظبيات
والسرحة القصيا مقيل القماري صــفــات الــجــمــال عند الــمــرأة ،وفــي طول
أشجار السرح يصف عنترة بن شداد أحد
والتسريحة نوع آخر من األشجار وقريب
األبطال وكأن ثيابه معلقة في سرحة:
من السرح .والسرح مــاذ لبدو الصحراء
لالستظالل بفيئها الوفير ،واحتساء القهوة ،ب ـ ـطـ ــل كـ ـ ـ ــأن ث ـ ـيـ ــابـ ــه فـ ـ ــي س ــرح ــة
ي ـحــذى ن ـعــال الـسـبــت لـيــس بـتــوأم ومن ذلك قولهم:
ونعود لربط السرحة بالمرأة في قول يــا محال الفنجان ب ــأرض براحي
ريــح العويدي ذاعــرة عقب ما فاح الشاعر إن ظلها البارد مقصد الركبان في
هجير الصحراء ،ولكن ماءها العذب ال يحل في ظل سرحة والركايب ضواحي
والبال من كثر الهواجيس من ساح لوارد:
وفي محمية محازة الصيد /اإلمام سعود ف ـيــا س ــرح ــة ال ــركـ ـب ــان ظ ـلــك ب ــارد
ـذب ال ي ـ ـحـ ــل لـ ـ ـ ــوارد
وم ـ ـ ـ ـ ــاؤك ع ـ ـ ـ ـ ٌ ابــن عبدالعزيز حــالــيــا ،والــتــي تبعد نحو
150كم شرق مدينة الطائف شجرة سرح
ونختم ببيت لحميد بن ثور يرى فيه أن
شهيرة كان يستظل بفيئها الملك فيصل بن
ال كما يفوق
سرحته تفوق كل السرحات ظ ً
عبدالعزيز رحمه اهلل عندما كان نائبا للملك
جمال الحبيبة جمال كل النساء في عيون
عبدالعزيز على الحجاز ،وكان مقناصه في
عاشقها:
تلك المنطقة المشهورة بكثرة الظباء .وقد
أب ـ ـ ــى اهلل إال أن سـ ــرحـ ــة م ــال ــك وقــف على ســرحــة الفيصل األمــيــر خالد
عـ ـل ــى كـ ــل أف ـ ـنـ ــان الـ ـعـ ـض ــاة تـ ــروق الفيصل قبل سنوات قليلة في إحدى زياراته
* باحث وشاعر سعودي.
يجري التعامل اليوم مع السينما وماهيتها ولغتها الخاصة كما لو أنها مجال
انتهى البحث في مــوارده المادية والرمزية ،وانتهت األسئلة التي يطرحها على
الباحثين والسينمائيين والمهتمين بسؤال المعرفة واإلب ــداع .إذا سألت أحــد ًا
-يشاهد األفالم ويهتم بها -عن مفهوم السينما ،قد يجيبك -لألسف -بالقول:
السينما هي لقطات ومشاهد وشخصيات وزمن و!..
وهــو ســؤال يقودنا إلــى أسئلة أخــرى :هل يكفي أن تتوافر في الفيلم لقطات
ومشاهد وشخصيات وفضاءات حتى ننسبه إلى السينما وعوالمها؟ وما عالقة
توظف السينما الصورة والكادر
السينما بالفن؟ ما عالقة السينما بالصورة؟ كيف ِّ
واإلضاءة؟
ال من األسئلة أل ــي ــس ــت ال ــش ــخ ــص ــي ــات واألزمــــنــــةهكذا ،يجد الباحث سي ً
العلمية والمعرفية التي تحتاج إلى تأمل والفضاءات من خصائص السينما؟
طــويــل ،وب ــدالً مــن البحث عــن تحديد
نــســألــه :أال تحضر هــذه العناصر
السينما مــن الــخــارج (الــعــوامــل التي
في الرواية والمسرح وباقي األجناس
تحيط بالسينما ،وتؤثر فيها داخليا؛ من
األدبية؟ ما الفرق بين السينما والرواية؟
عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية
ونفسية ...إلــخ) يجب إيجاد التعريف وهل يمكن أن نقارن بينهما؟
مــن ال ــداخ ــل ،أي مــن بنيتها ولغتها ي ــرى الــنــاقــد الــســيــنــمــائــي حــمــادي
وتقنياتها ،ومــا يميّزها عــن األشكال كيروم أنــه ال يمكن أن نطرح الرواية
التعبيرية والفنية األخرى ،مثل :الرواية ،والسينما للمقارنة ،والبحث فيهما عن
المشابهة واالختالف؛ ذلك أن للرواية المسرح ،القصة..
وقد يطرح القارئ ســؤاالً مشروعا :نسقها الخاص الذي هو اللغة األدبية؛
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 118
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
أي ما هو مكتوب ومدوّن ،ما خطّ ه الروائي تقنياته الخاصة.
وبعد هذا ،يطر ُح التساؤل حول السينما؛ من كلمات لها داللتها الثقافية والمعجمية
واالجتماعية ،في حين نجد نسق السينما
متى تكون ف ّنًا ومتى تكون منتوجً ا استهالكيًا؟
مختلفًا جدًا؛ فهو نسق سيميولوجي ،نسق
يقتضي هذا طرح سؤال آخر :هل غاية متعدد (أو أنــســاق صــغــرى) :نجد النسق
التشكيلي :من خطوط وألوان تشكيلية ،لها الفن االستهالك والتسلية والمتعة فقط ،أم
داللتها السيميائية ،من إطار وتكوينات..كما أنَّ له غايات جمالية وفكرية وفلسفية؟
يحضر النسق البصري :من خالل األيقونة ،ذلــك أنَّ أشــكــاال تعبيرية كثيرة تحقق
أي شيء نبصره ويحيل على معطى خارجي ،التسلية والفرجة والمتعة (النكتة ،الكوميديا،
والنسق اللساني( :من خالل الحوار والكالم الحلقة)..؛ بينما حــاول السينمائيون منذ
الذي يدور بين الشخصيات)؛ أي ما يتعلق زمن أن يتجاوزوا التسلية والمتعة فقط إلى
باللغة المنطوقة والمكتوبة فــي الفيلم .تحقيق غايات روحية ووجدانية وفكرية،
والنسق الرمزي :الذي نجد فيه شيئا يحيل
تسمو بالذوق وترتقي بالمجتمع وأفــراده.
على شيء ،يحيل هو بدوره على داللة ثقافية
لــذلــك ،نالحظ أن المجتمعات المتخلّفة
أو سياسية أو اجتماعية ..أي أنه يخضع
ال تنتج أعماال سينمائية ذات قيمة فنية
للعالمة كما نظر لها السيميائي بيرس
تفضل التسلية ّ وفــكــريــة؛ فهي مجتمعات
(مأثول يحيل على موضوع من خالل مؤول).
السطحية واالستهالك النهم لألفالم التي
تــتــمــيــز الــســيــنــمــا بــلــغــتــهــا السينمائية تــحــرك بعض الــغــرائــز (األكـــل والــشــراب،
أو الــبــصــريــة؛ أي "الــســيــنــمــاتــوغــرافــيــا" الجنس.)..
:cinematographieتأطير اللقطة ،زاويــة
للفن قيمته التاريخية والفكرية والفلسفية الكاميرا والرؤية ،اإلضاءة ..إلخ .لذلك ،فإن
مجتمعات رأت في
ٍ توظيف هذه العناصر في مكانها ووضعها التي رفعت مستوى وعي
الداللي الموضوعي -الذي يخدم الدراما الفنّ وسيل ًة جبار ًة لتنمية األفراد ودعوتهم
-هو الذي يميّز السينما عن باقي األجناس إلى اإلبداع واالبتكار والنقد.
حــيــن تـجتـمع فــي الفيلم السينمائي األخرى.
العناصر التي ذكرناها آنفا ،ويوظف المخرج وهكذا ،فإن سؤال المقارنة بين السينما
"السينـماتوغرافيا" توظيفًا خالقًا ،يمكننا وأي جــنــس أدبـــي آخ ــر غــيــر وارد؛ نظرا
أن نــتــحــدث عــن الــفــن والــجــمــال ،الـلّــذيْــن لالختالف بين الرواية -مثال -ذات النسق
حــرص مخرجون عظماء على ابتكارهما الوحيد (اللغوي) والسينما (ذات األنساق
وتأسيسهما ،بعيدًا من االستهالك األعمى المتعددة) ،وأيضا ،ألن السينما تنتمي إلى
والتسلية الساذجة! الفن وجمالياته؛ بينما الرواية جنس أدبي له
* باحث في السينما من المغرب.
وت ــم ــت ــاز ت ــل ــك األوديــــــــة بــمــيــزات التاريخ والثقافة؛ لذا ،فإنها من مثيرات
وخصائص جعلت اإلنسان يحرص على األشـ ــواق إليها منذ الــقــدم ،فكم من
السكنى فيها .ومــن أهــم خصائصها :الشعراء تغلغل حبّها في قلوبهم فنفثوا
وفرة المياه ،وخصوبة التربة ،ونظافة هذا الحب شعراً ونثراً.
البيئة ،وجوّها اللطيف؛ فشهدت تلك
ومن أبرز تلك األودية وادي بطحـــان
األودية حضارات قديمة ،حيث سكنت
على ضفافها قبائل عربية أرست دعائم الــذي يسير من جنوبها وحتى غربها،
التطور الحضاري ،وبعضها ورد ذكره وهو من أشهر أوديــة المدينة المنورة
في أحاديث الرسول ،وهناك أودية بعد العقيق ،إن لم يكن متساوياً معه
أخــرى ارتبطت بــالــحــوادث التاريخية فــي الشهرة ،ولما قــدم اليهود اختار
اإلسالمية .وتتمتع تلك األوديــة بعمق بــنــو النضير بــطــحــان ،فــاتــخــذوا بها
حــضــاري بوصفها حاضن ًة لجزء من الحدائق واآلط ــام وبقوا فيها إلــى أن
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 120
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
صورة المدينة المنورة عند ما كانت تذكر أوديتها في التاريخ وتوصف بأن بعضها يقع غرب المدينة وبعضها في الشرق وبعضها
ال
في الشمال ،أما اآلن فإن تلك األودية تقع في قلب المدينة المنورة حيث أصبحت هذه الصورة حالياً تمثل الحرم كام ً
أجــاهــم رســـول اهلل بسبب غــدرهــم الحالتين حالتي صعب على بعد سبعة أميال
وخيانتهم ونقضهم العهد ،وذلك في غزوة من المدينة تقريبا ،ثم يصل إلى وادي جفاف
شرقي مسجد قباء. بني النضير(.)٢
وعلى جانبي وادي بطحان كانت منازل ووادي بطحان يخترق المدينة المنورة،
األوس وال ــخ ــزرج ،وتــحــدد مواقعهم بهذا ويطلق عليه هذه التسمية (وادي بطحان)
الوادي ،إضافة إلى بعض المساجد الشهيرة بدءاً من شرق مسجد قباء ،ويتشكل من أودية
كمسجد الفضيخ (مسجد الشمس) الذي عديدة ،وهو يبدأ بشعب العجوز الذي يأتي
يقع على شفير الــوادي (عندما يكون شرق من ظاهر المدينة المنورة من حرة شوران،
ثم وادي مذينيب يرفده من الجنوب الشرقي
قباء) ،وغير بعيد عن شاطئه الشرقي توجد
ويلتقي مع وادي بطحان شرق مسجد قباء
آبــار مباركة عديدة ،مثل :بئر العهن ،وبئر
تقريباً عند تكونه ،أوله من الماجشونية(،)٣
غــرس ،وفي منتصفه (تربة صعيب) ،وهي
ثم يمر كذلك إلى أن يمر غربي سور المدينة
من المواقع التي يستشفى بإذن اهلل بترابها
إلى طرف المصلى ،ثم يخرج إلى غربي سلع
وبغيرها من األماكن في المدينة المنورة.
وقــرب مساجد الفتح ،ثــم يمر كذلك إلى
وبين قباء وصــدر بطحان توجد العين أن يلتقي مع العقيق بالغابة ،حيث مجتمع
األســيــال( .)٤وروى ابــن زبالة أنــه يأتي من الزرقاء ،و كانت العين الزرقاء تع ُّد المصدر
121 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وادي بطحان أثناء السيل
اذكـ ـ ـ ـ ــرونـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـث ـ ــل ذك ـ ـ ـ ــران ـ ـ ـ ــا ل ـك ــم ذكراً عند البكاء شوقاً للمدينة المنورة.
رب ذكـ ـ ـ ـ ـ ــرى قـ ـ ــربـ ـ ــت م ـ ـ ــن نـ ــزحـ ــا والنقا مــقــصــوراً مــا بين وادي بطحان
والمنـزلة التي بها السقيا ،وهناك أشعار ورد واذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروا صـ ـ ـبـ ـ ـ ًا إذا غ ـ ـنـ ــى ب ـكــم
ش ـ ـ ــرب الـ ـ ــدمـ ـ ــع ،وعـ ـ ـ ــاف ال ـق ــدح ــا فيها النقا فمن ذلك(:)٩
وقال الشاب الظريف(:)11 أال يـ ـ ــا س ـ ـ ــائ ـ ـ ــر ًا فـ ـ ــي ق ـ ـفـ ــر عُ ـ ــمْ ـ ــرٍ
ي ـكــابــد ف ــي ال ـ ُّـسـ ـرَى وَعْ ـ ـ ــر ًا وسَ ــهْ ــا ول ـ ـقـ ــد رأيـ ـ ـ ــت ب ـ ــرام ـ ــةٍ بـ ـ ــان ال ـن ـقــا
ف ـم ـن ـعـ ُـت ط ــرف ــي م ـنــه أن يـتـمـ ّتـعــا ب ـل ـغــتَ ن ـقــا ال ـم ـشـيــب وج ـ ــزت عنه
وم ـ ـ ــا بـ ـع ــد ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا إال ال ـم ـص ـ ّل ــى وم ــا ذاك م ــن َورَعٍ ول ـكــن م ــن رأى
أشـ ـب ــاه ِع ـط ـف ــك ُحـ ـ ــقّ أن ي ـت ــو ّرع ــا وقال أبو محاسن الشوا(:)١٠
وقال إليها زهير(:)١٢ ـاح ربـ ـ ـ ــى ل ــعْ ـ ـل ــع هـ ــات ـ ـيـ ــك يـ ـ ــا صـ ـ ـ ـ ـ ِ
ن ـ ـ ــاش ـ ـ ــد ُت ـ ـ ــك اهلل فـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرَّ جْ م ـع ــي ولـ ـ ــي ف ـي ــه ق ـل ــب بـ ــال ـ ـغـ ــرام مُ ـق ـ ّي ــد
لـ ــه خـ ـب ــرٌ يـ ــرويـ ــه ط ــرف ــي مـطـلـقــا وأن ـ ـ ـ ـ ــزل ب ـ ـنـ ــا ب ـ ـيـ ــن بـ ـ ـي ـ ــوت الـ ـ َّنـ ـق ــا
فـ ـ ـق ـ ــد غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَتْ آهـ ـ ـ ـل ـ ـ ــة الـ ـ ـمـ ـ ـ ْرب ـ ــع ومن فرط و َْجــدي في لَما ُه وثغره
أعـ ـ ّل ــل ق ـل ـبــي ب ــال ــعُ ــذي ــب وبــال ـ َّن ـقــا حـتــى نـطـيــل ال ـيــوم وق ـف ـ ًا عـلــى ال ـ
وقال ابن الحُ الوي(:)١٣ ـ ـســاكــن أو ع ـط ـف ـ ًا ع ـلــى الـمــوضــع
وها هو الشاعر يحنُّ إلى أهل النقا بوادي يقولون :ي َْحكى البد َر في الحسن وجهُ هُ
الحسن مُ نحَ ٌط
ِ وبد ُر الدجى عن ذلك بطحان:
125 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الــــوداع ،وذي ســلــم ،وشــــوران ،تــذكــر هذه كـ ـم ــا ش ـ ـ َّب ـ ـهـ ــوا غـ ـص ــن ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا بـ ـق ــوام ــه
وذل ــك تشبيه عــن ال ـحــقّ مُ ـ ْـشـتــط الكلمات يولّد الحبّ فيقبل الناس بقلوبهم
وعواطفهم إلى المدينة وكم من محب وقف
وقال آخر(:)١٤
بها ،وقد طفرت دمعة صامتة تظهر كوامن
النفس ومكنون الضمير وخبايا الشعور. قـ ــرب ال ــدي ــار ي ــزي ــد ش ـ ــوقَ ال ــوال ــهِ
الس ـ ـ ّي ـ ـمـ ــا إن الح ن ـ ـ ـ ــو ُر جـ ـم ــال ــهِ
يـ ـ ــا نـ ـسـ ـي ــم الـ ـ ــريـ ـ ــح مـ ـ ــن ك ــاظ ـم ــة
ش ـ ــد م ـ ــا هـ ـج ــت األسـ ـ ـ ــا والـ ـب ــرح ــا أو ب ـ ّـش ــر الـ ـح ــادي بـ ــأن الح ال ـ َّن ـقــا
وبـ ـ ــدت ع ـل ــى ُبـ ـع ـ ٍـد رءوس جـبــالــه
ال ـ ـص ـ ـبـ ــا إن كـ ـ ـ ــان ال بـ ـ ــد ال ـص ـب ــا
إنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت ل ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي أروح ـ ـ ـ ـ ــا فهناك ِعيلَ الصبرُ من ذي صبوةٍ
وب ـ ــدا ال ـ ــذي يـخـفـيــه م ــن أح ــوال ــه
اختفى اآلن وادي بطحان واختفت معه
األوديـــة المكوّنة لــه ،وغــابــت عــن األنظار وتذكر كلمات مثل :المنحنى ،وحاجر،
الكثير من المآثر المرتبطة به ،فقد غُطي والنقا ،وسلع ،وأحد ،ووادي بطحان ،ووادي
مجرى بطحان قبل عــدة سنوات بــدءاً من الرانوناء ،وادي العقيق ،وادي قناة ،وإضم،
منطقة قربان. وقــبــاء ،والــعــوالــي ،والــجــزع ،وسليع ،ثنيات
الوفــــــــاء
ُ
وأبعاده االجتماعية
ُ
ٌ
موضوعية ٌ
حديثية ٌ
دراسة
بقي أن نذكر أن صاحب «المرأة العسراء»، وقبلها في عــام 2006م -وهــو العام الذي
و«خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء» من شــــارك فــيــه ف ــي ج ــن ــازة الــرئــيــس الــصــربــي
الشخصيات التي اعتبرت أنه ينبغي إلغاء جائزة مــيــلــوســوفــيــتــش الـ ــذي م ــات فــي ســجــنــه وهــو
نوبل األدبية ،وقد قال عن هذه الجائزة «إنها يحاكم كمجرم حــرب -فــي ذلــك الــعــام قــررت
شكل من أشكال التقديس الزائف ،الذي ال يفيد لجنة تحكيم مستقلة االحتفاء بالمنجز األدبي
القارئ بشيء»! لهاندكه ،ومنحه جائزة الشاعر هاينريش هاينه
* كاتب وقاص من السعودية.
صدر حديثاً