Professional Documents
Culture Documents
-كلية الحقوق-
فحاول جانب كبير من الفقه والقضاء تكييف أحكام هذه النظرية وفقا للتقسيم
الشكلي الذي تبناه المشرع ،دون التعايش مع جوهر هذه النظرية .فمن هذا المنطق
تفرقت وجهات نظرهم فمنهم من رأى أنها ال تخرج عن حقوق االرتفاق ،ومنهم من
قرر إخراجها منها ،واعتبرها قيدا يرد على حق الملكية العقارية.
ويرد على هذا االتجاه أنه لو اقتصرنا المسؤولية على مضار الجوار غير المألوفة
على فكرة االرتفاق نكون قد قيدنا من هذه النظرية وذلك ألن االرتفاق يشترط من أجل
تقريره وجود عقارين بطبيعتهما أحدهما مرتفق واآلخر مرتفق به ومن ثم ال يخرج ما
ورد في المادة 291مدني عن كونه ارتفاقا مقر ار على بعض العقارات لصالح البعض
اآلخر .ويترتب عليه خروج كثير من الحاالت ،كالمضايقات التي يشكو منا الجيران
نتيجة الضوضاء أو األغراس أو التلوث التي يحدثها الجار والتي تقلق راحتهم وتضر
بصحتهم .وبهذا نكون قد خالفنا رغبة المشرع الذي منح الجار المضرور الحق في
المطالبة بالتعويض عما يترتب عنه من مضايقات تجاوزت الحد المألوف ،هذا من
جهة .من جهة أخرى فإنه يشترط لتقرير حق االرتفاق أن يكون العقاران مملوكان
لشخصين مختلفين .وهذا ال ينطبق مع نص المادة 291مدني .ألنه قد يملك شخص
عقارين متجاورين ويقوم بتأجيرهما لشخصين مختلفين.
وعليه يبدو أن االتجاه القائل بفكرة االرتفاق ،وتكييفه أحكام نظرية مضار الجوار
غير المألوفة عليها ،بالنظر إلى ما يثقل الشخص من التزام بتحمل األضرار
1
العادية ،يكون قد تجاهل في نفس الوقت أن الجار محدث األضرار العادية
يستعمل حقا مشروعا ومن ثم ال يكون مسؤوال عما ينشأ عن ذلك من ضرر.
كما أننا لو اقتصرنا المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة على فكرة القيود
التي ترد على حق الملكية ،نكون بذلك من جهة قد ألزمنا المالك بالتعويض عن
المضايقات غير المألوفة بغض النظر عن صفة محدث الضرر .ألن منطق فكرة
القيود القانونية تعني أن المنازعات تكون بين حقين مطلقين ،والتي ال يمكن تصور
وجودها إال بين اثنين من المالك ،وهي نتيجة غير منطقية .وال تتفق مع االستقرار
الفقهي والقضائي الحديث.
ومن جهة أخرى لو أخذنا بالمفهوم الضيق للمادة 291مدني ،فإن المسؤولية عن
مضار الجوار غير المألوفة تبقى حبيسة التفسير الضيق الذي فرضته على المالك
بأن ال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار .وبذلك يرتبط نطاق
تطبيقها بمسؤولية المالك دون سواه ،واذا كان هذا التفسير يستند إلى ظاهر النص،
ويبدو منسجما مع وضعه ضمن القيود الواردة على حق الملكية ،إال أن إمعان النظر
في النص ال يحتم األخذ بهذا التفسير.
ومن جهة ثالثة أن العين في حد ذاتها قد ال تكون مصد ار للمضايقات ،فقد تحدث
المضايقات نتيجة فعل الجار كالضوضاء التي يحدثها نتيجة نشاطه المنزلي أو
التجاري أو الصناعي .وأن القول بوجود اللتزام على عاتق المالك المجاور مقتضاه
عدم تسبيب مضايقات غير عادية للجوار يقودنا حتما إلى ربط المسؤولية عن مضار
الجوار غير المألوفة بمفهوم الخطأ وبذلك يترتب على مخالفة أي التزام قيام الخطأ
وبالتالي قيام المسؤولية التقصيرية .غير أن محاولة صهر نظرية مضار الجوار غير
المألوفة بالمسؤولية التقصيرية واعتبارها تطبيقا خاصا لها ،بافتراض الخطأ منذ لحظة
تجاوز أعباء الجوار العادية ،يؤدي بالضرورة إلى تفجير قواعد المسؤولية التقصيرية
لتحميلها أكثر من طاقتها .هذا ما جعل الفقه والقضاء الحديث
2
يعدل صراحة على مفهوم الخطأ ويستقر على اعتبار نظرية مضار الجوار غير
مألوفة تعد إحدى صور قواعد المسؤولية الموضوعية.
كما عرفها القضاء والفقه الوضعي ،إال أنها لم تتخذ أهمية خاصة إال في العصر
الحديث ،ويرجع ذلك إلى تطور الحياة وازدياد النشاط االقتصادي ،الذي تسبب في
تزايد مضار الجوار التي تؤذي الجيران وتقلق راحتهم .ففي فرنسا وبغياب النص
التشريعي مقابل للمادة 291مدني فقد لعب القضاء دو ار هاما في تكريس أحكام هذه
المسؤولية ،فوضع لها نظاما متكامال ،يقوم على مبدأ موضوعي بعيدا على فكرة
الخطأ مؤداه "أنه ليس ألحد الحق في أن يسبب لجيرانه مضايقات تتجاوز المضار
العادية للجوار" .1وفي تطبيقه لهذه المسؤولية أبدى قضاء الفرنسي مرونة كبيرة في
تقريرها ،واضعا في اعتباره أهمية ضمان الحق في السكينة والهدوء ،ذلك الحق يتعلق
بنمط الحياة ،والحماية الالزمة للبيئة ،فضال عن أنه يعد السمة الجوهرية لحق الملكية.
1
Cass.2e civ.31/05/2000, JCP 2000.
3
وأمام قلة األحكام القضائية المتعلقة بالمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
في القض اء الجزائري ألزمني التوجه إلى القضاء الفرنسي واالستعانة بأحكامه الغزيرة
التي تناولت جوانب متعددة متعلقة بموضوع البحث والتي سهلت لي الدراسة.
من خالل ما سبق أجد أن دراسة المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة من
الموضوعات الهامة في المسؤولية المدنية ،ومرد ذلك ما يتميز به العصر الحاضر
من مظاهر النهضة ،والتي من أهمها النهضة صناعية والعمرانية التي اتجهت نحو
المجتمعات السكنية الضخمة حال ألزمة اإلسكان ،وما صاحب ذلك من ضوضاء
مفرطة وحرمان من الضوء والرؤية وتكاثر الغبار والدخان والنفايات التي ينبعث منها
روائ ح كريهة ومناظر ال تسر الناظرين وما يميز هذه المضار أنها تؤذي الجار أكثر
مما تضر العقار .ومن صور مضار الجوار غير المألوفة أيضا ما تقع على عقار
الجار نتيجة أعمال البناء من حفر وهدم وردم ،والتي تتسبب في تشقق أو تصدع أو
انهيار ،أو هبوط لمستوى األرض ،أو ما يحدث ه بناء العقار الجديد من حجب الرؤية
والضوء عن عقار الجار .وأمام هذه األضرار ارتأيت تناول دراستي من حيث المفهوم
الواسع للجوار الذي ال يقتصر على التالصق وال ينحصر في العقارات فيما بينها بل
يشمل إضافة إلى ذلك وفقا لالتجاهات المعاصرة الجوار بين المنقوالت والعقارات.
كما أنه أمام هذه األضرار الناتجة عن التلوث بكل صوره والذي يكون ضحيتها
الجار اآلمن في مسكنه ،الذي بات مهددا ليس فقط في طلب الهدوء والسكينة
والصحة بل في حياته أيضا .بسبب جاره الذي راح يغالى في استعمال حقه معتقدا أنه
طالما لم يرتكب خطأ التخاذه التدابير الالزمة لمنع الضرر أو لم يتعسف في استعمال
حقه وأنه قد حصل على ترخيص إداري الستعمال هذا الحق ،فإنه ال تترتب عليه أية
مسؤولية حتى ولو أضر بجاره .أمام هذه الوقائع ،هل يحق للجار المضرور المطالبة
بالتعويض؟ وهل تستجيب قواعد المسؤولية التقصيرية
4
لحماية الج ار المضرور؟ أم أنها عاجزة لعدم تمكن الجار من إثبات خطأ وتعسف
الجار محدث الضرر؟.
ولإلجابة عن هذا التساؤل البد من تحديد مفهوم الجوار وكذا الضرر غير
المألوف .وفصله عن الضرر المألوف الذي ال يقيم المسؤولية .تم تحديد أساس
وأحكام هذه المسؤولية.
وذلك من خالل تقسيم هذه األطروحة إلى بابين ،أتناول في الباب األول نظرية
الجوار والضرر غير المألوف ومن خالله أتعرض لمفهوم الجوار والضرر غير
المألوف ألصل إلى ضبط مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة.
وفي الباب الثاني أتناول أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
وأحكامها.
5
الباب األول
نظرية الجوار
و
الضرر غير المألوف
6
الباب األول
نظرية الجوار والضرر غير المألوف
لقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة البد من توافر عنصران أساسيان
وهما الجوار والضرر غير المألوف والتي ترتبط قواعدها بتحقق صفة الجار في كل
من المضرور والمسؤول ،كما أن لقيام هذه المسؤولية البد أن يكون الضرر قد تجاوز
الحد المألوف.
لذا يستلزم من خالل هذا الباب تحديد مفهوم الجوار والضرر غير المألوف وفصله
عن الضرر المألوف ألصل إلى ضبط مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة
واآلليات ضبطها.
وللكشف عن جوهر فكرة المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة البد من
الرجوع في كل مرة إلى شريعتنا اإلسالمية التي أنشأت الفكرة ومنحتها عناية خاصة فقد
أعطت للجار الحرية في استعمال حقه ،وفي نفس الوقت ألزمته بعدم اإلضرار بالجار
ضر ار فاحشا ،وهي بذلك لم تغلب مصلحة الجار المضرور عن مصلحة الجار محدث
الضرر.
ولبيان ذلك ،أقسم هذا الباب إلى فصلين على النحو التالي:
الفصل األول :مفهوم الجوار والضرر غير المألوف
الفصل الثاني :مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة.
7
الفصل األول
مفهوم الجوار والضرر غير المألوف
ال يمكنني تحديد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة دون معرفة وتحديد
مفهوم الجوار وكذا الضرر غير المألوف .وفصله عن الضرر المألوف الذي ال يقيم
المسؤولية.
لذا يمكن القول إن وضع فصل كامل لهذه الدراسة أمر يفرض نفسه لتسهيل
البحث عن قيام أو تخلف المسؤولية محل الدراسة .ويجب تناوله في مبحثين :
8
المبحث األول
مفهوم الجوار
الجوار أمر حتمي على اإلنسان باعتباره كائن اجتماعي ومدني بطبعه.ال يستطيع
أن يعيش إال في جماعة ليتعاون مع أبناء جنسه على تحقيق ضرورات الحياة العادية
لحياته وبقائه.
ومن هذا المنطق تتضح أهمية تحديد مفهوم الجوار خاصة وأن فكرة الجوار
مرتبطة بالمسؤولية التي قررها المشرع الجزائري في المادة 196مدني التي توجب
على المالك في استعمال حقه بعدم التعسف إلى حد يضر بملك الجار ضر ار غير
مألوف .وبتحديد صفة الجار تتحدد أطراف المسؤولية سواء من ناحية المسؤول عن
إحداث الضرر ،أو من ناحية المضرور المستحق للتعويض ،اللذان تربطهما رابطة
الجوار.
ومما يزيد من أهمية البحث أن المشرع الجزائري حين وضع القواعد الخاصة
بالمسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة لم يتطرق إلى مفهوم الجوار سواء من
حيث نطاقه أو من حيث مداه إذ نص في الفقرة الثانية من المادة 196مدني على:
"ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة غير أنه يجوز له أن
يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف ."...يتضح من هذا النص أن
كلمة جار جاءت مطلقة .لذا أصبح ضروريا أن نحدد مفهوم الجوار الرتباطه
بالمسؤولية التي نحن بصدد دراستها .
ومن أجل تحديد المفهوم القانوني للجوار ال بد من التطرق إلى معناه اللغوي ثم
معناه اصطالحي.
9
فالجوار لغة :بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح .وهو مصدر جاور .يقال جاور
مجاورة وجوارا :القربى في السكن والصقه في السكن وتجاور القوم أو اجتور القوم:
جاور بعضهم بعضا .وجارك هو الذي يجاورك .والجار هو المجاور أو القريب في
السكن .والجمع :جيران وجيرة وأجوار ،واالسم :الجوار.1
وقد وردت كلمتا الجوار والجار في معاجم اللغة بمعان أخرى كثيرة ،ويختلف
2
المراد بكل منها باختالف المقام الذي وردت فيه.
-1معجم نور الدين ـ الوسيط ـ عربي ـ عربي ـ تأليف د عصام نور الدين ـ إسناد العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية ـ
دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ـ الطبعة األولى ـ . 5002المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية القاهرة ،طبعة
.5000ص.651المعجم الوسيط ،ج 6مجمع اللغة العربية الطبعة 5ص .641
-2معجم الوجيز -المرجع السابق -ص ،651معجم الوسيط – المرجع السابق -ص641
3
- Petit Larousse en couleurs,Paris1972.p 980et 981. Larousse de langue française.
Lexis .Paris 1977, p 1925 . Petit Larousse Illustré. 1985. p1073.
-4المعجم الوجيز – المرجع السابق -ص .225المعجم الوسط – الجزء الثالث -مجمع اللغة العربية – الطبعة
الثانية – ص .410
10
هو لصقي وبلصقي :بجنبي وهو يلصق الحائط .واللصيق :الدعى وهو لصيقي
بجنبي ،وجار لصيق :مالصق.
وعليه يستفاد مما ورد في المعاجم اللغوية سواء العربية أو الفرنسية أن الجوار هو
القرب في المكان أو السكن وأنه ال يقتصر بين األماكن واألشياء وانما يشمل كذلك
التجاور أو التقارب بينها .فالجوار طبقا للمفهوم اللغوي ،يشمل التالصق بين األشياء
أو األماكن ،وكذلك التجاور أو التقارب بينها .بينما التالصق هو إلتحام أو التصاق
الشيء بغيره ،أي جعل الشيء أيا كانت طبيعته بجانب غيره بحيث ال يفصل بينهم
فاصل ،أي أن الجوار أشمل وأعم من التالصق فهو ينطوي على التجاور أو التقارب
بين األماكن واألشياء وكذلك على التالصق بينها .فالجوار قد يكون بالتالصق أو
بالتجاور أي التقارب بين األماكن واألشياء.1
المعنى االصطالحي للجوار :يتضح من خالل الدراسات الفقهية في هذا الصدد أن
الجوار ال يقتصر على التالصق بين األموال فقط وانما يتحقق أيضا بالتجاور بين
األموال أيا كانت طبيعتها أو بالتالصق فيما بينها وان كان هذا التالصق غير الزم
لتحقق الجوار .فالتالصق هو الصلة المادية التي تربط بين شيئين أو مالين بحيث
يتصل كل منهما باآلخر اتصاال وطيدا ال انفصال بينهما.
أما التجاور فهو التواجد في نطاق أو حيز جغرافي أو مكاني معين ،ولو لم يكن
هناك اتصاال ماديا بين األموال التي توجد في هذا النطاق أو الحيز.
-أنظر د /عطا سعد محمد حواس – المسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار – دراسة 1
مقارنة -دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية – طبعة -5066ص 95و 99و كذا د/عبد اهلل عبد العزيز المصلح
ـ قيود الملكية الخاصة ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 6999ص.209
11
وعليه فالجوار أعم وأشمل من التالصق ألنه يشمل األموال المتالصقة وغير
المتالصقة وهو بهذا ال يمكن تحديده تحديدا جامدا لمرونته واختالفه من حالة إلى
أخرى.
بعد توضيح مقصود الجوار لغة واصطالحا ،يتعين علينا البحث عن المفهوم
القانوني للجوار والذي يجب النظر إليه من جانبين :
12
الفرع األول :المفهوم القانوني لشخص الجار
ترجع أهمية البحث عن المفهوم القانوني للشخص الذي تتوفر فيه صفة الجار،
والتي تشمل كل من المضرور ومحدث الضرر باعتبارهما طرفي المسؤولية واللذين
تربطهما رابطة الجوار .خاصة وأن المادة 196مدني جزائري جاءت فيها كلمة الجار
مطلقة مما أثار خالف في الفقه والقضاء حول شخص الجار .هل يقتصر على
المالك فحسب ؟ أم يمتد إلى أشخاص آخرين قد ال يتمتعون بصفة المالك؟.
عند البحث عن المعنى القانوني للجار ظهرت بعض الحاالت التي يتصور بشأنها
خالف حول تحديد صفة الجار .كحالة األضرار الناجمة أثناء عملية البناء .حيث
يثار التساؤل من له صفة الجار في هذه الحالة هل هو رب العمل أم المقاول؟ .وحالة
األضرار الناجمة عن العين المؤجرة هل صفة الجار تكون للمؤجر أم المستأجر؟.
وكذلك بالنسبة لمشتري العين تحت اإلنشاء أو مغتصب حيازة العين هل تتوفر فيهما
صفة الجار؟ .ويثار التساؤل أيضا عن مدى اشتراط الدوام واالستقرار من أجل
إضفاء صفة الجار على الشخص ،أم يكفي تحقق الجوار المؤقت للشخص ؟
13
ار جسيمة تتجاوز الحد المألوف
بنفسه أو عن طريق مقاول يعهد إليه غالبا ،أضر ا
قسمها الفقه إلى ثالثة أنواع:1
أما النوع الثاني :فهو الذي يتعلق باألضرار التي تصيب العقار المجاور نتيجة
أعمال الحفر أو الردم التي تتم على عمق كبير في باطن األرض .كما هو الحال عند
إنشاء نفق تحت األرض قد يؤثر على استقرار العقارات المجاورة .
أما النوع األخير من األضرار :فهو الذي يتحقق لمجرد تشييد عقار جديد كما هو
الحال عند تشييد مبان مرتفعة تحجب الضوء والرؤية عن هذه العقارات
ومن هنا يثار التساؤل ،من هو الشخص الذي يعد جا ار بالنسبة لتلك المضار طبقا
لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار هل هو رب العمل أم المقاول الذي تعهد إليه
عملية البناء؟
1د /أشرف جابر سيد – المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة الناشئة عن أعمال البناء – دراسة مقارنة في
القانونين المصري و الفرنسي -دار النهضة العربية – القاهرة -5060ص 59و ما يليها.
Malinvaud (P)-Les dommages aux voisins dus aux opérations de construction- RDI,
nov/déc 2001,p479
-2د /محمد شكري سرور ـ مسؤولية مهندسي و مقاولي البناء و المنشآت الثابتة األخرى – دراسة مقارنة – في
القانون المدني المصري و القانون المدني الفرنسي -دار الفكر العربي – – 6929ص . 414
14
فكرة الحراسة .فقد جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية " ال يعقل القول بأن واقعة
تشييد المالك على أرضه تشكل استعماال غير عادي لحق الملكية؛ كما ال يمكن القول
بأن المالك يتجاوز القدر من المضار الذي جرى العرف على التسامح فيه بين
الجيران ،متى كان مشروع المبنى واألعمال المنفذة له ،ال خصوصية استثنائية فيها
ولم يكن من ورائها سوء القصد" 1.وما للجار المضرور إال الرجوع على رب العمل
متى تجاوزت األضرار الحد المألوف بين الجيران .وأهم ما يترتب على وجهة النظر
السابقة نفي صفة الجار على المقاول واضفائها على رب العمل .ويستند هذا الرأي
إلى أن محدث الضرر هو رب العمل ألنه وحده الذي يملك سلطة أخذ قرار البناء.
ومن ثم فإن المسؤولية التي تنعقد هنا هي قواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة.
وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن "مجرد وجود ضرر يتجاوز
حدود األضرار المألوفة ال يستفاد منه خطأ ...وأنه إذا كانت الملكية ،وفقا لعبارة
المادة ،244تخول المالك التصرف في األشياء على نحو مطلق ،فإن هذا مقيد بعدم
استعماله بما يتعارض مع القوانين والنظم ،ومن ثم يتعين على الجار أن يتحمل
المضايقات المألوفة نتيجة قيام جاره بتشييد بناء ،بصورة قانونية ،وفي ملكه ،ولكن في
2
المقابل يكون له الحق في التعويض إذا تجاوزت األضرار هذه الحدود"
1
Nsana ,(Roger Mevoungou) – Le préjudice cause par un ouvrage immobilier:
Réparation en nature ou par équivalent , R.T.D.Civ.1995 . p757 .Robert, (André) –Les
15
ـ وذهب الرأي اآلخر 1إلى إضفاء صفة الجار على المقاول دون رب العمل
باعتبار أن األضرار كانت نتيجة استخدام المقاول لتلك المعدات أثناء عمليات البناء.
وأن المقاول هو الذي أخذ قرار سير العمل في الورشة واستندوا في تدعيم رأيهم إلى
عدة حجج أهمها :
6ـ أن محكمة النقض الفرنسية 2أيدت قاضي الموضوع في الحكم بالتعويض على
المقاول على أساس قواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف التي نجمت
عن سير العمل في ورشة البناء والتي تسببت في إقالق راحة الجيران.3
-5ليس من المنطق في شيء أن يتحمل رب العمل المسؤولية عن الضرر غير
المألوف الذي يلحق بالجار .رغم أن ذلك قد نتج عن األشياء التي استخدمها المقاول
في عمليات البناء .ألن ذلك يعد مخالفة صريحة ألحكام مسؤولية المتبوع عن أعمال
تابعه .والتي من أهم شروطها وجود عالقة تبعية بين شخصين .بينما نالحظ أنه ال
محل لوجود هذه العالقة بين المقاول ورب العمل.
د /فيصل زكي عبد الواحد .أضرار البيئة في محيط الجوار و المسؤولية المدنية عنها ـ رسالة دكتوراه ـ جامعة 1
ممارسة المهمة ذاتها .مما يالحظ أن القضاء الفرنسي يتجه نحو ربط المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
Cass. Civ. 8-2-1972-. JCP . 72, بالفعل الذي أدى إلى اإلخالل بالتوازن بين الحقوق المتجاورة
11,17178.
Droit civil, les obligations, tome4,PUF,22 édition, في كتابه يقولCarbonnier Jean
",2000,p304,no.174.يقيم الجيران الدعوى من حيث المبدأ ضد المالك لكن يمكنهم أيضا أن يقيموها ضد
مقاول األعمال المسببة لألضرار سواء أسسوها على المادة 6/6894مدني أو أن يتمسكوا ضده بنظرية مضار
الجوار ،بالرغم من أنه ،ليس عضوا في رابطة الجوار.
16
ويقول Durryفي هذا الصدد أنه عندما يكون مصدر مضار الجوار هو العقار
تحت اإلنشاء والذي يحدث ضجيجا شديدا غير مقبول ،فإن المقاول وليس المالك هو
الذي يفرض عليه عبء تعويض األضرار.1
وقد استقر القضاء الفرنسي على هذا الرأي بعد سنة 6999حين أصدرت محكمة
النقض الفرنسية في قضية شركة أنترافور INTRAFORوحملت المقاول المسؤولية
عن األضرار الجوار غير المألوفة دون إثبات الخطأ واعتبرت مسؤولية المقاول
مسؤولية موضوعية قائمة على أساس األنشطة الضارة.
كما صدر قرار بتاريخ 5002/01/55اعتبر المقاول مسؤوال بصفته جار عرضي
3
(.)voisins occasionnels
وقد قال البعض من الفقه الفرنسي أن هذه المسؤولية الخاصة يمكن أن تتحرك
اليوم عن طريق المستأجرين أو واضعي اليد المضرورين من المضار ،وتفرض أيضا
على المالك وعلى المستأجرين وعلى المستغلين وعلى المقاولين أو على شركات
الطيران ،فهي ال تنحصر في العالقات بين العقارات ،لكن تمتد إلى العالقات
الشخصية بين محدث الضرر والمضرور منه ،ومقتضى ذلك أن المقاول يمكن أن
يضمن مضار الجوار المجاوزة للحد التي تحدث للمجاورين لموقع البناء.4
1
Durry.obc.R.T.D.civ.1974,p,611.
2
Recueil Dalloz.2006,no.1 juris.p40.
3
http://avocats.fr Le blog de Maitre Etienne Groleau spécialiste en droit immobilier
4
Jourdain , obs. R.T.D. civ. 1999.p.115
17
ثانيا :حالة األضرار الناجمة عن العين المؤجرة
ثار خالف في الفقه والقضاء حول الشخص الذي تتوفر فيه صفة الجار في حالة
إيجار العين هل هو المؤجر أم المستأجر؟ ومن الذي يحق له االستفادة من قواعد
المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بالنسبة لتلك العين المؤجرة هل هو المالك
المؤجر أو المستأجر.
ذهب رأي :1إلى أن نظرية مضار الجوار ترتبط بفكرة الملكية ومن ثم فصفة
التجاور ،تقتصر على المالك المتجاورين فقط وهذا ال يتحقق إال بين حقين مطلقين
لمالكين متجاورين يستند كل منهما إلى حقه المطلق في االنتفاع بماله من ثم فإن
المسؤولية ال تقع إال على مالك العقار الذي نجمت عنه تلك المضار غير المألوفة .
ومنه فعلى المستأجر المضرور الرجوع على المؤجر على أساس دعوى الضمان
المتولدة عن عالقة اإليجار ويجوز للمؤجر بعد ذلك الرجوع على مالك العقار
المجاور مصدر المضار غير المألوفة دون النظر ما إذا كان هذا األخير هو محدث
تلك األضرار أو كان محدثها مستأجر له .وعلى النقيض من ذلك إذا كان الضرر
مصدره فعل المستأجر ،فيجب على الجار المضرور إقامة دعواه على المؤجر لكونه
هو المالك.
وتطبيقا لهذا قضت محكمة النقض الفرنسية 2بأن الشخص المعنوي المؤجر للعقار
المملوك له ،يكون مسؤوال عن المضار التي يحدثها المستأجر
عليه فإن المالك حتى وان كان ال يشغل المكان يبقى متمتعا بصفة الجار عندما
تكون المضار صادرة من مستأجره الذي يقيم لديه في العقار وقد قضى كذلك على
1
Leyat , La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse. 1936 .p. 345 et S.
2
cass.civ.08/07/1987.Bull.civ.11.no.150..cass3civ.17/04/1996.cass.2e.civ.21/05/1997.B
ull.civ.11.no.158.
18
أنه حتى ولو لم يكن المالك مقيما في ملكه يكون له الحق في إقامة دعوى بإنهاء
مضار الجوار غير مألوفة التي مصدرها العقار المجاور.1
وذهب رأي آخر 2وهو األرجح :إلى أن صفة الجار ال ينبغي أن تقف عند
شخص المالك بل يلزم أن تتجاوزها إلى كل من يشغل العقار سواء أكان مالكا أو
1
Cass 2eciv 28/06/1995. fages. Note op.cit. p152. cass.2e civ. 21/05/1997.
Bull.civ.11.no.158.
2أنظر في الفقه العربي د /عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – حق الملكية-
المجلد – 9منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت لبنان -طبعة - 5009ص 195وما يليها -د /فيصل زكي
عبد الواحد – المرجع السابق – ص -49د محمد لبيب شنب – الموجز في الحقوق العينية األصلية -دار النهضة
العربية – القاهرة-6954-ص 585فقرة – 580د /أحمد سالمة ،الملكية الخاصة في القانون المصري،الطبعة
األولى-6919،دار النهضة العربية -القاهرة -ص – 692د/إسماعيل غانم -الحقوق العينية األصلية-حق الملكية
– الطبعة الثانية– 6916-مكتبة عبد اهلل وهبة –القاهرة -ص -659د/عبد المنعم فرج صدة -الحقوق العينية
األصلية –حق الملكية -6910-شركة مكتبة و مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أوالده= =بمصر -القاهرة-
ص -50فقرة – 25د /محمد حسين منصور -المسئولية المعمارية-دار الجامعة الجديدة للنشر باإلسكندرية –
طبعة -6999ص .50د/محمد أحمد رمضان – رسالة دكتوراه-المسئولية المدنية في بيئة الجوار ،د ارسة مقارنة
بين الفقه اإلسالمي و القوانين الوضعية -الطبعة األولى – 6992-دار الجيب للنشر والتوزيع -عمان األردن-
ص 64و .62أما الفقه الفرنسي فأنظر إلى:
Tourneau – la responsabilité civil-op.cit.p643,no.2002-Droit de la responsabilité et des
contrats-2004-Dalloz. Paris-no.7161,p,1138- Starck(Boris)-Essai d’un théorie générale
de la responsabilité civil considère en sa double fonction de garantie et de peine privé,
thèse, paris.1947,p188 et s- Caballero(F)- essai sur la notion juridique de nuisance,
thèse, paris, 1981, L.G.D.G.-p205 et s. –Girod(Patrick) – la réparation du dommage
écologique, thèse, paris, 1974, L.G.D.J.p89.-Lambert-Pieri- Construction immobilière
et dommage aux voisins, thèse, 1982 .p 41.no.106.- Tual(H) , De la responsabilité
civile dans les relation de voisinage en matière de chasse, thèse rennes;1941 .p27 et s.
Cornu, obs.dans, R.T.D.civ.1962.p217. Durry , obs. dans R.T.D.civ.1968, p725.et obs
dans même Revu . 1974.p610.no.10. Bise(Jean- Bernard) – Responsabilité et
obligations coutumière dans les rapports de voisinage. R.T.D.civ . 1965.p261.no.19 et s.
و يقولون :أن مضار الجوار ليست قاصرة فقط على الفعل بين ملكيتين فحسب ،لكن بين كل شخص يشترك في
رابطة الجوار.
19
غير مالك .وعليه فإن المستأجر يجب أن يكون مسؤوال عن األضرار غير المألوفة
التي تنتج عنه وتلحق الجار على أساس الحق باالنتفاع والتمتع بالعين المؤجرة.
وبهذا يكون أنصار هذه النظرية قد فصلوا نظرية مضار الجوار غير المألوفة عن
فكرة الملكية العقارية وربطوها بشخص الجار دون النظر إلى صفته مالكا أو مستأج ار
أو منتفعا .فالعبرة بحدوث المضار ،خاصة وأن المستأجر هو الذي يمارس النشاط في
العين المؤجرة وليس المالك .وهو محدث المضار بممارسته لذلك النشاط ومن ثم فهو
المسؤول عن األضرار الحاصلة للجار ويكون لهذا األخير الحق في مطالبته
بالتعويض على أساس مضار الجوار غير المألوفة.
وبالنسبة إلى القضاء فقد استقر هو اآلخر على إمكانية رجوع المضرور مباشرة
على محدث الضرر بصرف النظر عن كونه مالك أو مستأجر ،فقد قضى 1بأنه "
يجوز للمؤجر أن يطالب المستأجر بالتعويض عن مضار الجوار غير المألوفة التي
لحقته متى كانت ال تعتبر ضرورية لالستغالل المتفق عليه في اإلجارة" .وقضي
كذلك 2بمسؤولية المستأجر عن الروائح المنبعثة من مطبخه وذلك بسبب فتح أطفاله
نافذة المطبخ.
ويطرح التساؤل عن حالة ما إذا أجر عقار معد للسكن فاستعمله المستأجر
ألغراض مهنية أو تجارية ،وأقلق بذلك راحة الجار .فمن يكون المسؤول هنا ؟
المستأجر أو المؤجر؟
1
Civ.9/07/1954.D.1954.p.683.Esmein(Paul).note.Civ.18/07/1961.J.C.P.1961.1.1230.
Tunc(André). Obs. R.T.D. Civ.1962.p100.
2
Cass. civ. 15/04/1975.D.1976.juris.p.221.
20
بالرجوع إلى أحكام المادة 496مدني جزائري التي تنص على ":يلتزم المستأجر
بأن يستعمل العين المؤجرة حسبما وقع االتفاق عليه .فإن لم يكن هناك اتفاق وجب
على المستأجر أن يستعمل العين المؤجرة بحسب ما أعدت له".
من خالل نص المادة يجب األخذ بعين االعتبار .علم المؤجر أو عدم علمه .
-6ففي حالة علم المؤجر :أي استعمال العين المؤجرة بحسب االتفاق بتحويلها
من محل سكني إلى محل مهني أو تجاري وأدت إلى إقالق راحة الجار فإن المسؤولية
تقع على ع اتق المؤجر باعتباره محدث الضرر الرئيسي .ألن لوال تعاقده لما حدث
الضرر.
-2في حالة عدم علم المؤجر :نكون بصدد عدم استعمال العين لما أعدت له .أي
بتحويلها من محل سكني إلى محل مهني أو تجاري .ففي هذه الحالة تقوم المسؤولية
عن مضار الجوار على المستأجر باعتباره لم يستعمل العين بحسب ما أعدت له
فأقلقت راحة الجار .كما أنه لم يأخذ تصريحا من قبل المؤجر الذي له الحق الرجوع
عليه بدعوى اإلخالل االلتزام.
وعليه فإن المضار التي تحدث من المنقول أو العقار ال يتوقف حدوثها على كون
المستغل مؤج ار أو مستأجرا ،بل تتحقق المضار بحسب طريقة االستغالل ذاتها،
بصرف النظر عن الشخص إن كان مالكا أو مستأج ار أو منتفعا .فالمستأجر يملك
استنادا إلى عقد اإليجار حق االنتفاع والتمتع بالعين المؤجرة .فهو بذلك مسؤول عن
األضرار غير المألوفة التي تنتج عن استخدامه للمكان مباشرة.
كما أنه صفة ا لجار بالنسبة لألماكن المؤجرة تثبت للمستأجر نتيجة استغالله
للعين المؤجرة وبالتالي يكون له الحق في الرجوع على محدث الضرر مباشرة ،طبقا
لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة .أي أن موضوع مضار الجوار
يخرج عن النطاق الضيق للملكية والحقوق العينية إذ أنها تمثل مشكلة عامة للمسؤولية
بين الجيران.
21
ثالثا :مشتري العين تحت اإلنشاء ومغتصب الحيازة
أ :مشتري العين تحت اإلنشاء:
قد يقوم شخص أو شركة ببناء عمارة مكونة من عدة شقق على قطعة أرض
يملكها ،حسب القوانين المعمول بها .ثم يقوم ببيع شقق هذه العمارة أثناء عملية
تشييدها ،أو عقب إتمام تلك العمليات مباشرة.
ففي هذه الحالة يثار التساؤل عن الشخص الذي تتوافر فيه صفة الجار بالنسبة
لألضرار التي تحدث للجيران أثناء عملية البناء أو قبل إتمامه وكذلك الشخص الذي
تتوافر فيه الصفة بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة التي تحدث عقب عملية إتمام
البناء وقيام البائع(صاحب العمل) بتسليم العين للمشتري.
-1بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة التي تحدث أثناء عملية البناء وقبل
إتمامه :اعتبر الفقه والقضاء الفرنسي صاحب العمل(البائع) هو الذي تتوفر فيه صفة
الجار أثناء عملية البناء ،ويستوي في ذلك أن تكون الملكية الشقة قد انتقلت إلى
المشتري أم ال .فصاحب العمل هو وحده المسؤول عن األضرار غير المألوفة التي
تحدث أثناء عملية البناء ،وال يجوز بأي حال الرجوع على المشترين للشقق المتواجدة
في العمارة لكونهم ال تتوافر فيهم صفة الجار خالل هذه الفترة.1
ويقول البعض من الفقه الفرنسي" 2ال يمكن القول بأن المسؤولية عن مضار
الجوار التي تحدث أثناء عملية البناء ال تفرض على رب العمل ،بل يجب في حقيقة
األمر أن تفرض عليه وحده ويستبعد المشترين لوحدات العقار".
وعليه أرى بأن ما ذهب إليه الفقه والقضاء الفرنسي يتفق وقواعد المسؤولية عن
مضار الجوار غير المألوفة ألن المشترين للشقق في عمارة أثناء عملية البناء
22
وقبل إتمامها ال يتدخلون ال من قريب وال من بعيد في هذه العملية وال صلة لهم
بالمضار غير المألوفة التي تحدث ،وذلك الرتباطها بشخص محدثها .وبالتالي ال
يمكن إضفاء صفة الجار على المشترين.
-2بالنسبة لألضرار التي تحدث بعد إتمام البناء وتسليم الشقق للمشترين:
يمكن تصنيف هذه األضرار إلى نوعين:
-أما النوع الثاني من األضرار هي تلك التي تظهر بعد إتمام البناء وتسليم
الشقق للمشترين .والتي يكون سببها موجودا منذ لحظة القيام بأعمال البناء كالحرمان
من الضوء والهواء والشمس ،وهي التي اختلف الفقه والقضاء فيها.
فذهب البعض 1إلى تقرير المسؤولية على مالك الشقة وقت رفع دعوى التعويض،
وعلى هذا إذا تم بيع الشقق وتم نقل ملكيتها ،فإنه ال يحق للجيران الرجوع على
صاحب العمل( البائع) بالتعويض عن المضار غير المألوفة التي كان سببها موجودا
منذ لحظة القيام بأعمال البناء .أما إذا كان صاحب العمل يحتفظ لنفسه بجزء من
العقار ،فإن مسؤوليته تتقرر بجانب مسؤولية المشترين اآلخرين.
23
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية 1بتأييد حكم قاضي الموضوع
الذي قضي على المشترين لجزء من العقار بتعويض الجيران عما تحملوه من أضرار
نتجت عن خطأ في تخطيط العقار الذي لم يشاركوا في بناءه وحكم عليهم بالتعويض
على سبيل التضامم .واستن دت المحكمة في ذلك إلى أن حق الملكية مقيد بالتزام مفاده
عدم إحداث مضار غير مألوفة للجيران وطالما أنهم مالكين وقت رفع الدعوى فإنه
تتحقق مسؤوليتهم عن تلك المضار.
وعلى ذلك فإنني أرجح الرأي الثاني الذي يحمل المسؤولية لصاحب العمل(البائع)
الذي توافرت فيه صفة الجار باعتباره صاحب العمل ومحدث الضرر أثناء عملية
البناء ويستوي إن ظهر هذا الضرر أثناء عملية البناء أو ظهر بعد
1
Cass. civ. 24/01/1972.
2
Lambert-Pieri. Thèse op.cit. p.41 no.107 ; Caballero. Thèse. op.cit. p.205
3د فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص .16 ،10والذي أشار إلى حكم محكمة Liègeالصادر في
6956/06/58و الذي قضي في الدعوى التي تتلخص وقائعها في أن " شركة مدنية لبناء شقق و تمليكها ،و في
أثناء عملية الهدم و إعادة البناء حدثت مضايقات غير عادية للجيران،طالب هؤالء الجيران بالتعويض عما تحملونه
من مضار غير مألوفة ،و تم رفع دعوى التعويض ضد المتملكين للشقق و الشركة المدنية التي قامت بأعمال البناء،
قررت محكمة أول درجة و بوض وح تام أن " الشركة المدنية هي التي أخذت مبادرة القيام بأعمال البناء و من ثم
فإنها تكون مسؤولة عن هذه المضار على أساس نظرية مضار الجوار بجانب مسؤولية المقاول التي تتقرر على
أساس قواعد المسؤولية التقصيرية لعدم أخذ االحتياطات الالزمة و األكثر حداثة" و نظرا ألن الشركة المدنية كانت
مفلسة فقد تعذر على الجيران اقتضاء التعويض منها .طعن في هذا الحكم أمام محكمة االستئناف ،غير أن هذه
األخيرة رفضت الطعن على أساس أن تقرير الخبير المنتدب جاء فيه أن المضايقات غير العادية التي يشكو منها
الجيران كانت نتيجة عمليات البناء الت ي قامت بها الشركة المدنية عن طريق مقاول و أن سبب هذه المضايقات
يرجع من ناحية إلى عدم أخذه االحتياطات الالزمة من جانب هذا األخير ،و من ناحية أخرى أن عمليات البناء نفسها
قد خلقت نوعا من فقدان التوازن بين الحقوق المتجاورة ،و من ثم فإن المسؤولية عن هذه المضايقات تتقرر بناءا
على قواعد المسؤولية التقصيرية و قواعد نظرية مضار الجوار في وقت واحد ،و يكون الشخص المسؤول وفقا
لقواعد األولى هو المقاول و ذلك القترافه خطأ ،و وفقا للقواعد الثانية الشركة المدنية على أساس أن عمليات البناء
والتي قامت بها خلقت نوعا من فقدان التوازن بين الحقوق المتجاورة الذي تنظمه نظرية مضار الجوار ،و من ثم
الحكم عليه بالتعويض على سبيل التضامم .طعن في هذا الحكم أمام محكمة النقض و التي قضت برفضه و تأييد
قاضي الموضوع فيما انتهى إليه من عدم إمكانية انعقاد مسؤولية المشترين للعقار عن المضايقات غير المألوفة
الناتجة عن عمليات البناء لعدم مشاركتهم في إحداثها.
24
إتمامه ألنه حدث بسبب أعمال البناء ذاتها .وبالتالي ال يمكن مساءلة المشتري الذي
لم تتوافر فيه صفة الجار يوم حدوث الضرر خاصة وأن الشقق أصبحت تباع على
التصاميم وأن أشغال البناء ال دخل له فيها بخالف المالك الذي يتدخل في أشغال
البناء ويملك مبادرة البناء وله سلطة متابعة المشروع وأخذ الحيطة والحذر لعدم
اإلضرار بالجار.
وفي هذه الحالة يثار التساؤل عما إذا يمكن اعتبار المغتصب جارا؟ وهل يحق
للمغتصب المطالبة بالتعويض عن األضرار غير المألوفة التي يحدثها الجار له؟.
ذهب رأي 1إلى ربط فكرة الجوار بفكرة الملكية والحق العيني وبالتالي ال يمكن
للمغتصب أن يستفيد أو يسأل على أساس نظرية مضار الجوار غير المألوفة باعتباره
ال يملك حق الملكية أو أي حق عيني آخر .وعليه فإن الجار المضرور يجب أن
يكون حائ از للحق العيني حيازة قانونية حتى يمكن الحكم له أو عليه بالتعويض عن
مضار الجوار غير المألوفة.
1
Prax.A. Propriété et jurisprudence, thèse, 1933.p.182 et s.
ومن هذا الرأي د /أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،الحقوق العينية األصلية ،حق الملكية والحقوق العينية
المتفرعة عنه ،طبعة ،5004بدون دار نشر،ص 55و الذي يقول " ...العبرة في هذا الصدد بإصابة الجار بأضرار
غير مألوفة وأن يكون مستندا إلى انتفاعه بالعين التي تخصه إلى سبب قانوني كحق ملكية أو حق انتفاع أو حق
سكني أو حق إيجار أو حتى مجرد حيازة قانونية .وعلى ذلك فمن اغتصب عينا دون أن تتوافر لديه شروط الحيازة
القانونية فليس له أن يدعي إصابته بأضرار غير مألوفة .فاألولى أن يترك هذه العين لصاحب الحق عليها".
25
وذهب رأي آخر 1الذي ربط فكرة الجوار بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن
صفة محدثها أو الشخص المضرور ،إلى أن مغتصب الحيازة يمكن أن تتوافر له
صفة الجار سواء فيما يتعلق بمسؤوليته عن مضار الجوار غير المألوفة التي تسبب
فيها أو بالنسبة لحقه في التعويض عنها ألن نظرية مضار الجوار غير المألوفة يمكن
إثارتها بعيدا عن حق الملكية والحق العيني كونها تمثل مشكلة عامة للمسؤولية بين
الجيران.
1
Leyat (p) .La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse, 1936. p.345 et s
26
الناجم عن فعل الجوار ،والفرض في هذه الحالة هو انتفاء التعسف وكذا الخطأ،
والحال كذلك فإنه ليس أمامنا سوى اللجوء إلى أحكام المسؤولية عن مضار الجوار
غير المألوفة.1
وعليه إن فكرة الجوار ال ترتبط بحق الملكية أو حق عيني ؛ وأن شخص الجار
ليس شرطا أن يكون مالكا أو صاحب حق عيني إلضفاء صفة الجار عليه ،بل يكفي
أن يستغل العين ويحدث ضر ار غير مألوف أو يتضرر منه مجاوروه حتى تنطبق
عليه قواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،حتى ولو كان يفتقر إلى
السند القانوني لحيازته العين بل يكفي مجرد تواجده بالقرب لقيام المسؤولية عن
المضار غير المألوفة.
سبق أن رأينا أن الفقه والقضاء في العصر الحديث اعتنق التصور الواسع لشخص
الجار حين شمل أشخاصا ليس لهم حق الملكية أو حق عيني على العين،
كالمستأجر وكل شخص يشغل العين حتى المغتصب ذلك ألنهم ربطوا فكرة الجوار
بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن صفة محدثها أو الشخص المضرور.
وعليه فإن مشكلة المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة مرتبطة بالجوار أكبر
من أن تدور في مجال الملكية وحق العيني.
وفي هذا الشأن يثار التساؤل إلضفاء صفة الجار على شخص هل يشترط أن
تكون له اإلقامة أو شغل العين أو استغاللها بصفة دائمة ومستمرة ،أم أنه يكفى أن
1د /فيصل زكي عبد الواحد -الرسالة السابقة -ص 15و .19
27
يكون ذلك بصفة مؤقتة؟ واذا لم يشترط الدوام واالستمرار فهل يلزم مرور فترة زمنية
على اإلقامة أو شغل العين أو استغاللها للقول بتوافر صفة الجار؟
وعليه فإنه يفهم مما أورده الفقه أنه ال يشترط الدوام واالستمرار إلضفاء صفة
الجار على الشخص الذي يشغل العين بل يكفي نوع من االستقرار بصرف النظر عن
الفترة الزمنية التي يشغل أو يستغل فيها العين أو المكان طالت هذه الفترة أو قصرت
وهذا ما يطلق عليه بالجوار المؤقت .وال شك أن هذا يتفق والمفهوم الواسع للجوار
الذي اعتنقه الفقه والقضاء ،والذي ربط فكرة الجوار بنوعية األنشطة الضارة.
1
Martin(Gilles .J) De la responsabilitè civil pour faits de pollution au droit a
l’environnement, thése,1976.p.63.no.56.Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thése,
paris,1964.p4.Caballero(f), thése,op.cit,p205et s.
د/فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص .19
28
-5إن صفة الجار تتوفر في األشخاص الذين يقيمون إقامة مؤقتة مع انتفاء
نية اإلقامة الدائمة المستمرة ،كالمقيمين في المصايف والمشاتي أو المقيم لدى قريب
أو صديق لفترة قصيرة أو الطلبة المقيمين في األحياء الجامعية .تتوفر فيهم صفة
الجار بالنسبة لألضرار التي يحدثونها أو التي تحدث لهم. 1
وعليه إن اإلقامة أو االستغالل الدائم والمستمر لألماكن ليس شرطا إلضفاء صفة
الجار على الشخص بل يكفي أن يكون التواجد أو اإلقامة أو االستغالل بصفة مؤقتة
وعلى فترات محددة أو متقطعة إلضفاء صفة الجار على الشخص ليطالب أو يطلب
التعويض طبقا لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة.
خالصة القول أنه إذا كانت عبارة نص المادة 196مدني من الممكن أن يفهم
منها أن صفة الجار قاصرة على المالك دون غيره ،حيث وردت في الفقرة األولى من
المادة المذكورة عبارة " يجب على المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر
بملك الجار" وبعدها في الفقرة الثانية جاءت عبارة "وليس للجار أن يرجع على جاره
في مضار الجوار المألوفة "...فإن ذلك الفهم غير صحيح .ذلك ألن المشرع أراد من
وراء نص المادة حماية الجوار وتحقيق التوازن في العالقات الجوارية ،ويقتضي ذلك
تتبع محدث الضرر لمساءلته ،السيما أن المضار غير المألوفة ال تتغير طبيعتها
سواء أكان محدثها مالك أو مستأجر أو غيره واثارة هذه المضار واحدة بصرف النظر
عن محدثها .وعلى ذلك أعتقد أن لفظ المالك قد أورده المشرع في زمن كانت
الملكيات تمثل الوضع القائم ،كما أن المضار غير المألوفة لم تكن بالخطورة التي
هي عليها اآلن ،التي ازدادت فيه األنشطة الضارة
1و أضفى بعض من الفقه صفة الجار على األشخاص الذين يتواجدون في أماكن حدوث األضرار أو بالقرب منها
بصفة عرضية ،و مثالهم األشخاص الذين يذهبون إلى ساحات المطار من أجل توديع و استقبال أقاربهم أو
أصدقائهم أو الشخص الذي يزور صديقا له يقيم بالقرب من المطار أو المنشآت الصناعية التي تحدث العديد من
أضرار التلوث البيئي .فهؤالء جميعا يحق لهم أن يطالبوا بالتعويض طبقا لقواعد نظرية مضار الجوار غير مألوفة.
و ذلك استنادا للمفهوم الواسع لشخص الجار.أنظر في هذا د /عطا سعد محمد الحواس – المرجع السابق -ص .640
.646
وقد اعترض هذا القول د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص .480و أشاطره الرأي – بالقول أن
إضفاء صفة الجار على هؤالء يفتح الباب على مصراعيه للتحايل و التردد على األماكن الصاخبة من أجل طلب
التعويض.
29
وتفاقمت مخاطرها ،مما يستدعى في عصرنا توسيع طائفة الجيران بحيث تشمل
الشاغل للمكان أيا كان ،مالكا أو مستأج ار أو منتفعا أو مغتصبا ،وذلك بربط فكرة
الجوار بنوعية األنشطة الضارة ،بصرف النظر عن صفة محدثها أو الشخص
المضرور.
ومن هنا يطرح التساؤل هل يؤخذ بالجوار على إطالقه ليشمل العقارات والمنقوالت
على السواء أم يقتصر على العقارات دون المنقوالت؟ .وهل يكفي مجرد التجاور
والتقارب لتحديد مدى الجوار أم يشترط أن يكون الجوار تالصقا .وما مدى اعتبار
األموال العامة جوا ار بالمفهوم القانوني؟.
هذا ما أحاول دراسته في هذا الفرع من خالل تقسيمه إلى النقاط التالية :
أوال :نطاق الجوار
ثانيا :مدى الجوار.
ثالثا :الجوار واألموال العامة.
30
اختلف الفقه في ذلك .فقصر أحدهما الجوار على العقارات فقط ووسع اآلخر
الجوار ليشمل العقارات والمنقوالت .
فالرأي األول :1الذي قصر الجوار على العقارات ،يرى أن مفهوم الجوار ال يصدق
إال على األمالك المجاورة دون المنقوالت .ذلك ألن العقارات تتسم بالثبات لتشكل
التالصق والجوار .مما ينبغي وضع قيود على سلطات المالك المجاور لسلطات مالك
العقارات المجاورة .
ويبدو أن هذا االتجاه قد نظر إلى العقارات على أنها أكثر قيمة من المنقوالت ،إال
أن هذه النظرة أصبحت محال لالنتقاد .ألن التطور االقتصادي أدى إلى ظهور
الصناعات الضخمة ذات القيمة الكبيرة كالسفن والطائرات التي أصبحت تشكل جزءا
هاما من الثروات قد تفوق العقارات .وأن تخلف حماية الثروات المنقولة أصبح يشكل
خط ار مما يستدعي سرعة تدخل المشرع لفرض حمايتها .2
أما الرأي الثاني :3الذي وسع الجوار ليشمل العقارات والمنقوالت ،يرى أن مدلول
الجوار ال يجب أن يقف عند العقارات بل يجب أن يتجاوزها إلى المنقوالت .ألن
األضرار غير المألوفة مثلما تنشأ عن تجاوز العقارات فإنها تنشأ بذات القدر عن
تجاوز المنقوالت .
1أنظر بهذا الصدد عواطف ز اررة التزامات الجوار في القانون المدني الجزائري – دار هومة -5009ص . 54
ـ د /عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ الجزء -9المجلد األول -أسباب
كسب الملكية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت -لبنان 5009ـ ص . 219
-د /محمد وحيد الدين سوار – الحقوق العينية األصلية – ج 6سنة 6919ص. 689
2
- Raynaud . Les biens. 1980.2éd. P . 259.
3د /فيصل زكي عبد الواحد – المرجع السابق – ص . 55ـ د /محمد أحمد رمضان – المسؤولية المدنية عن
األضرار في بيئة الجوار – دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي و القوانين الوضعية – رسالة دكتوراه -دار الجيب
للنشر و التوزيع –عمان-األردن – الطبعة األولى .- 6992ص . 64
31
ومن جهة أخرى إذا قصرنا تطبيق المادة 196مدني على العقارات فقط فإن ذلك
يرتب نتائج تأباها قواعد العدالة ذلك باستبعاد حاالت كثيرة رغم تحقق الضرر عنها.
من ذلك مثال إفالت مستعمل المولدات الكهربائية من المسؤولية عن األضرار التي
تنشأ عنها وافالت أصحاب الحاويات المنتشرة ألغراض تجارية أو مهنية من األضرار
التي تنشأ عنها .وبالتالي حرمان الجار المضرور من طلب التعويض عن األضرار
التي تجاوزت الحد المألوف .
ومن جهة ثالثة ،إن إضفاء التجاور على العقارات فقط ،يؤدي إلى اختالل
التوازن بين الحقوق المتجاورة بيد أن القيمة المحورية التي تدور عليها نظرية مضار
الجوار هي إقامة التوازن الفعلي بين الحقوق المتجاورة .
قضى 2على شركة الطيران وقد ساير القضاء الفرنسي الفقه في ذلك حين
(ايرفرنس )Air Franceبالتعويض عن األضرار غير المألوفة الناتجة عن الضجيج
الناشئ عن محركات الطائرات والتي تعد من المنقوالت.
وعليه فإني أرجح الرأي الثاني الموسع للجوار وذلك من خالل ربط مفهوم الجوار
بنوعيه األنشطة الضارة التي تنتج سواء من العقارات أو المنقوالت ليقوم التوازن بين
الحقوق المجاورة .وذلك لالعتبارات التالية:
1
Nicolas (M.F) La protection du voisinage op.cit. p178.Blaise (J) Responsabilité et
obligation coutumières dans les rapports de voisinage,op.cit p 678.
2
Cass. Civ 17-12-1974, D.S,75,441
32
- 6أن األضرار التي قد تصيب الجيران قد يكون مصدرها المنقوالت المتواجدة
في العقارات كاألجهزة الكهربائية أو مواقد التدفئة أو اآلالت الميكانيكية الموجودة
داخل المصنع المجاور ،أو القيام بتربية الحيوانات تحدث روائح كريهة وتصدر
أصوات عالية تقلق راحة الجار.
-5إن الحجة التي قدمها أنصار الرأي األول الذين قصروا الجوار على العقارات
لثباتها واستقرارها بعكس المنقوالت مردود عليه ذلك ألن هناك الكثير من المنقوالت
تكون ثابتة مما تنشئ حالة من التجاور فيما بينها وبين العقارات ،رغم إمكانية نقلها.
مثالها الحاويات واألكشاك التي يتخذها أصحابها محالت لترويج بضائعهم .وكذا
السفن الراسية على الموانئ والتي تحدث أضرار ومضايقات لمن يقطن بجوارها.
-8إن نص المادة 196مدني إن كان ظاهره يوحى بأنه يقصر الجوار على
العقارات إال أنه يمكن استنباط أن هدف المشرع هو حماية الجيران من األضرار غير
المألوفة وتكون هذه الحماية كاملة إذا شملت العقارات والمنقوالت على حد السواء.1
ومن جهة أخرى ،إذا كان نص المادة 196مدني قد ذكر "طبيعة العقارات" من
بين االعتبارات التي يسترشد بها القاضي لتقدير المضار للوقوف على ما إذا كانت
مألوفة أو غير مألوفة فذلك أخذا بالغالب ،إذ أن غالبية األضرار تحدث من العقارات
بيد أن ذلك ليس باألمر المطلق ،إذا أن هناك العديد من األضرار يكون مصدرها
المنقوالت .كما أن تقيد القاضي بالعناصر أو االعتبارات االسترشادية الواردة بالنص
لتقدير المضار ليس تقيدا إلزاميا بالنسبة له فهي ليست واردة على
1ويؤكد هذا نص المادة 565مدني التي تنص" يجب أن تنشأ المصانع ،واآلبار ،واآلالت البخارية ،وجميع
المؤسسات المضرة بالجيران على مسافات المبينة في اللوائح وبالشروط التي تفرضها" .من خالل هذه المادة نالحظ
أن هدف المشرع حماية الجيران من األضرار الناجمة عن العقارات والمنقوالت .وبالتالي يمكن استنباط أن المشرع
أخذ بالمفهوم الواسع للجوار المرتبط بنوعية األنشطة الضارة بغض النظر عن صفتها عقارات أو منقوالت.
33
سبيل الحصر بل مجرد أمثلة لالعتبارات الموضوعية التي يجب مراعاتها في تقدير
المضار بحيث يجوز له اللجوء إلى اعتبارات وظروف أخرى.1
*موقف القضاء الجزائري :2أخذ القضاء الجزائري بمفهوم الجوار األكثر اتساعا
وذلك بربط مفهوم الجوار بنوعية النشاط الضار ،حين قضي بإزالة المنشآت الفالحية
متمثلة في تربية الحيوانات والدواجن التي أقيمت بمنطقة سكنية أحدثت أض ار ار بيئية
في المحيط وهذا الفعل أدى إلى وجود مضار الجوار غير المألوفة.
ثانيا:مدى الجوار
لتحديد معنى الجوار من حيث مداه يثار التساؤل التالي :
هل يشترط إلضفاء صفة الجوار على التالصق أم يكفي مجرد التجاور والتقارب؟.
لإلجابة عن هذا التساؤل ظهر رأيان ،أحدهما مضيق واآلخر موسع.
1د /محمد لبيب شنب ،موجز في الحقوق العينية األصلية – دار النهضة العربية القاهرة– 6994-ص .580و في
نفس المعنى د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص.59
2الغرفة العقارية ملف رقم 448150قرار بتاريخ - 5009/08/65مجلة المحكمة العليا – العدد الثاني 5009
34
يرى أنصار التضييق 1إلى اشتراط تحقق التالصق بين العقارات ،والذي قد يكون
التالصق أفقيا إذا كان العقاران متجاورين من األرض ،ويكون التالصق رأسيا إذا
كان هناك بناء مملوكا لغير مالك المقام عليها ،كذلك إذا كان هناك بناء مكون من
عدة طبقات ،وكانت كل طبقة مملوكة لمالك مختلف ،فإن كل طبقة تكون مالصقة
أي مجاورة للطبقة التي تعلو والطبقة التي أسفلها.
ويرى أنصار التوسيع 2وهو الرأي الغالب والذي أرجحه :أن تحديد مدلول الجوار
بمعناه الواسع غير مقتصر على أحوال التالصق بل يصدق على كل تجاور وتقارب
متى كان في نطاق جغرافي محدد بصرف النظر عن المسافات الواجب تركها بين
العقارات إذ أن مراعاة مسافات معينة بين العقارات ليس بكاف لمنع حدوث األضرار.
لعل دافع الفقه والقضاء في التخلي عن اشتراط التالصق بين األموال للقول بتحقق
الجوار هو ظهور مصادر المضار ال تقف آثارها الضارة عند حد الجيران المالصقين
أو القريبين منها ،بل تتعداه لتشمل حيا أو مدينة بأسرها أو
1أ /فريد عبد المعز فرج – التزامات الجوار كقيد من القيود الواردة على حق الملكية ،رسالة ماجستير،كلية
الشريعة و القانون ،القاهرة ،6959،ص .91و ما بعدها د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص
-80د /عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط – ج – 9المجلد -5المرجع السابق – ص . 219وما يليها .ز اررة
عواطف – المرجع السابق – ص 54
2د/شفيق شحاتة ،شرح القانون المدني،ط – 6926بدون دار نشر -ص 99حيث يقول " ال يهم ما إذا كان الذي
لحقه الضرر جارا مالصقا أو شخص آخر مقيما بالحي على مسافة من المحل الذي يستعمل استعماال غير مألوفا ".
د /فيصل زكي عبد الواحد -الرسالة السابقة -ص 55و ما يليها .د /محمد أحمد رمضان – الرسالة السابقة-
ص.62د /محمد محي الدين إبراهيم سليم – الظروف الخاصة بالجار المضرور و مدى تأثيرها على مبدأ المسؤولية
أو مقدار التعويض – دراسة مقارنة في إطار نظرية مضار الجوار غير المألوفة -مجلة البحوث القانونية و
االقتصادية ،تصدرها كلية الحقوق،جامعة المنوفية –مصر-العدد السادس ،السنة الثالثة –أبريل ،6994ص 595و
ما يليها.
35
يتعدى ذلك إلى أحياء أو مدن بعيدة عن مصدر الضرر ،وقد ساعد على ذلك التوسع
الحضري ،فمصانع األسمنت والكيماويات التي تلوث الهواء باألتربة والغازات والروائح
الضارة ال تقف آثارها الضارة عند حد الجيران القريبين أو المالصقين لهذه المصانع،
بل يحمل الهواء هذه الملوثات الضارة إلى أماكن بعيدة تبعا لقوة الرياح واتجاهها
وتحدث فيها آثارها الضارة ،ويكون المضرور شخصا أجنبيا عن الحي أو المنطقة
التي حدث فيها الضرر.1
ويقرر البعض 2أنه يجب أال يعتقد أن التالصق المطلق للعقارات أمر محتم للقول
بوجود مضار الجوار ،فالتجاور وحده كافيا إلضفاء صفة مضار الجوار على
المضايقات ،فاألدخنة السوداء والروائح المقززة والغبار والضجيج الفاحش يتيح
الفرصة للمنازعات بين الجيران ،بغض النظر عن المسافة الموجودة بين العقارات ،إذ
أن المسافات الواجب تركها بين العقارات ليست كافية لمنع وقوع الضرر.
وعليه فالجوار يتحقق سواء أكان جانبيا أو أفقيا أو كان رأسيا عموديا وقد يتحقق
الجوار الجانبي بين سكان المدينة الواحدة أو بين مجموعة أحياء أو مدن بمجرد
التجاور أي التواجد في إطار جغرافي محدد .ويتحقق الجوار بين مالين أو شيئين أيا
كانت طبيعة كل منهما ولو لم يكن بينهما تالصقا بل وبينهما مسافات بعيدة طالما أن
الضرر غير مألوف يمكن أن يطولها في هذا النطاق الجغرافي فقوام المسؤولية عن
مضار الجوار غير المألوفة هو توافر حالة التجاور وليس التالصق.
36
المدينة المجاورة تستحق التعويض عنها على أساس المسؤولية عن مضار الجوار
غير المألوفة .
*موقف القضاء الجزائري :1أخذ القضاء الجزائري بالمفهوم الجوار األكثر اتساعا
وذلك بعدم اقتصاره على التالصق وشموله على تقارب أو التجاور متى كان في
نطاق جغرافي حين قضى بغلق المفرغة العمومية التي تم إنجازها في وسط سكاني
دون احترام دفتر األعباء ودون اتخاذ اإلجراءات المالئمة لتجنب المساس بسالمة
المحيط واألشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرزه منها والروائح الكريهة وغيرها من
األشياء المضرة.
مجلة مجلس الدولة العدد - 09ص -94قرار رقم 085529بتاريخ . 5005/02/58 1
37
-أموال خاصة :وهي التي يقتصر الغرض منها على االستثمار المالي ،وانماء
موارد الدولة
-أموال عامة :وهي مخصصة للمنفعة العامة.
وعليه فالعقارات والمنقوالت سواء تلك المملوكة للدولة أو ألحد أشخاص القانون
العام أو ألحد أفراد القانون الخاص تشكل جوارا ،ومن ثم تنطبق عليها قواعد
المسؤولية عن مضار الجوار ،وليس هناك أي خالف في الفقه أو القضاء في هذا
الصدد .بينما تخضع األموال العامة إلى نظام قانوني خاص يكفل لها حماية خاصة.
وهنا يثار التساؤل حول مدى اعتبار األموال العامة تشكل جوا ار بالمفهوم
القانوني؟ ومن ثم ترتيب مسؤولية الدولة واألشخاص المعنوية العامة عن األضرار
التي تصيب الجيران نتيجة استخدام هذه األموال على أساس نظرية مضار الجوار؟ أم
أن هذه األموال تخرج من نطاق هذا المفهوم مما يعنى عدم مسؤولية الدولة
واألشخاص المعنوية العامة عن تلك األضرار طبقا لقواعد هذه النظرية؟ وبعبارة
أخرى ،هل تتوافر عالقة الجوار بين األموال العامة وبين ما يجاورها من عقارات
ومنقوالت؟.
تباينت اآلراء الفقهية حول ما إذا كانت األموال العامة تشكل جوا ار بالمفهوم
القانوني أم أنها تخرج من نطاق هذا المفهوم ،ومن ثم ال تخضع األضرار الناجمة
38
عنها لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة .ومرد تباين هذه اآلراء ،ما ثار من
خالف حول طبيعة حق الدولة على األموال العامة.
ويبرر أنصار هذا الرأي إلى أن عناصر الملكية الثالثة وهي االستعمال
واالستغالل والتصرف ،منعدمة فيها للدولة من حق على األموال العامة ومن ثم ال
يجوز القول بأن للدولة حق ملكية على هذه األموال .وعلى ذلك فإن حق الدولة
وغيرها من األشخاص االعتبارية العامة على األشياء يقتصر على اإلشراف والرقابة
والحفاظ على هذه األموال أو هو حق في السيادة.2
ومن جهة أخرى يبرر أنصار هذا الرأي بأن المال العام يتميز بأنه ال يمكن تملكه
ال جب ار وال اختيارا ،ومن ثم فال يمكن التحدث عن الملكية .وأن المنفعة العامة التي
خصص لها الشيء العا م تتعارض مع القول بملكية الدولة ،ألن الملكية تفترض أن
يكون االنتفاع بالشيء العام .ومن ثم فإن ما قرره القانون المدني من أحكام ال يسرى
على األشياء العامة ،ما لم يوجد نص صريح يقضى بخالف ذلك ألن خضوع هذه
األشياء لما ورد في القانون المدني من أحكام بشأن عالقة الجوار،
1
Proudhon(v) ,Traité de domaine public ,T1 , P63. Gressin, Evolution du droit de
domanialité publique sur les eaux dans les législation français, thèse, 1906, p17 et s
.Jeze, Independence du domaine public des immeubles riverains, R.D.I , 1910, p.697.
2د /إبراهيم عبد العزيز شيحا ،الوسيط في أموال الدولة العامة و الخاصة،الجزء األول ،األموال العامة ،دار
المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،بدون تاريخ النشر،ص ،819هامش رقم .5
39
يتعارض مع تخصيص الشيء للمنفعة العامة إذا ما ورد عليه ،ويأخذ طابعا مختلفا
عن طابع القانون المدني.1
وعليه أخلص من ذلك طبقا لمنطق هذا االتجاه ،أن األموال العامة ال تشكل جوا ار
بالمفهوم القانوني وال تجد قواعد المسؤولية عن مضار الجوار مجاال للتطبيق في
عالقة األموال العامة بغيرها من األموال الخاصة األخرى المملوكة لألفراد.
ذهب رأي اآلخر :2والذي يمثل غالبية الفقه إلى أن حق الشخص العام على
األموال العامة هو حق ملكية.
ولم يقبل هذا الفقه الحديث فكرة اإلشراف والرقابة السابقة ،واعتبر أن حق الدولة
واألشخاص العامة األخرى على المال العام أكبر من أن يكون حقا في اإلشراف
والرقابة ،بل هو حق ملكية حقيقي ال يختلف بطبيعته عن الحق الذي تملكه الدولة
على أموالها الخاصة ،ومن ثم تسرى عليها أحكام القانون المدني فيما ال يتعارض
والغرض المخصصة له هذه األموال.
1
Jeze,op.cit. p697.
2د /السنهوري ،الوسيط ،ج ،9الرجع السابق ،فقرة ،12ص 681و ما بعدها .د/سليمان محمد الطماوي ،الوجيز
في القانون اإلداري،ط ،6999بدون دار للنشر،ص .205د/إبراهيم عبد العزيز شيحا ،المرجع السابق.
Hauriou ,Précis de droit administratif et de droit public générale, 3éd , 1897,p61 et s.
40
وعلى ذلك فقد ذهب الفقه والقضاء 1إلى أن الجوار ال يقتصر على الملكيات
الخاصة المملوكة لألفراد أو لألشخاص العامة ،بل يمتد أيضا إلى األموال العامة
المخصصة للمنفعة العامة سواء كانت لالستعمال المباشر للجمهور أو إلدارة وتسيير
مرفق عام من مرافق الدولة .هذا الرأي هو الجدير بالتأييد السيما وأن الفقه والقضاء
قد اعتنقا المفهوم الواسع للجوار لتوسيع مجال المسؤولية عن مضار الجوار لمالحقة
المس ؤولين عن األضرار غير المألوفة المرتبطة بالجوار أيا كانت صفة هذا المسؤول،
شخصا عاما أو شخصا من أشخاص القانون الخاص .والقول بغير ذلك يمنح
األشخاص العامة ميزة عدم مسؤوليتها عن األضرار التي تحدثها األموال العامة وفي
هذا إهدار للحماية المقرر للجوار .خاصة وأن نص المادة 196مدني جاء فيها لفظ
الجار مطلقا من أي قيد فلم يستثنى منه المشرع فئة معينة من األشخاص .وطالما
انتفى القيد فيجب إعمال النص على إطالقه والقول بشمول الجوار على األموال
العامة واألموال الخاصة على السواء.
*موقف القضاء الجزائري :اعتنق القضاء الجزائري المفهوم الواسع للجوار بتوسيع
مجال المسؤولية عن مضار الجوار لمالحقة المسؤولين عن األضرار غير المألوفة
المرتبطة بالجوار واعتبر الجوار ال يقتصر على الملكيات الخاصة المملوكة لألفراد أو
لألشخاص العامة ،بل يمتد أيضا إلى األموال العامة المخصصة
1
Raymond(Pierre). Le bruit et les autorités publiques, R. Admi, 1961. p16 et s.
Lamarque (Jean), Le droit contre le bruit. LGDJ, Paris, 1975.p,176 et s.Théron ( Jean-
Pierre) ,Responsabilité pour trouble anormal de voisinage en droit public et en droit
privé, J.C.P.1976, Doct .2802. no.5 et s.
د /فيصل زكي عبد الواحد ،الرسالة السابقة ،ص .82د/محمد محي الدين سليم،البحث السابق،ص 599و .800
و في القضاء على سبيل المثال:
C.E.19mai 1961.Rec.1961.p341. C.E.16 nov.1962,Rec.1963.p614.C.E.20 décembre
1967.Rec,1967.p521.C.E.11juill.1960,Rec 1960,p478.C.E.3mai1968,Rec 1968,p1128.
و الذي قضى :بتعويض جير ان الطرق السريعة عن المضايقات المتمثلة في األصوات الفاحشة و المستمرة الناتجة
عن سير السيارات في هذه الطرق .كما قضى بمسؤولية محطة السكة الحديد عن االهتزازات التي تحدثها القطارات
أثناء جريانها و التي سببت مضايقات للجيران تجاوز التبعية العادية لجوار المنشآت العامة.و قضى بمساءلة الدولة
عن المضار التي أصابت منشأة زراعية بسبب أعمال الحفر التي أحدثت أضرار مختلفة .كما قضت بمسؤولية
الدولة و إحدى المقاطعات عن تعويض أصحاب المشاتل المجاورة للطريق العام عن األضرار التي أصابت نباتات
و زهور المشاتل و الناجمة عن اإلضاءة الموجودة على جانبي الطريق و التي أحدثت خلال و اضطرابات في نظام
نمو و ازدهار هذه النباتات مما جعلها غير صالحة لتسويقها تجاريا بمناسبة أحد األعياد.
41
للمنفعة العامة أو تسيير مرافق الدولة .حين قضى 1بإبطال قرار والي والية تيبازة
المتضمن تخصيص قطعة أرض كمفرغة عمومية واألمر بالغلق النهائي لها بسبب
السلبيات وأضرار متعددة الصفات تصيب اإلنسان والحيوان والنبات لعدم احترام
الشروط الواردة في دفتر األعباء .وزيادة على هذا ال يمكن أن تكون مزبلة في وسط
سكاني قد تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرز منها والروائح
الكريهة وغيرها من األشياء الضارة.
ولما بزغ اإلسالم ،تبنى هذه العادة وقواها ورفع من شأن الجوار فأوجب
اإلحسان إلى الجار القريب والبعيد ،ونظم حقوق الجوار ،وحث على إكرام الجار
ورعايته ومنع إيذاءه.
وعلى ذلك لم يمنح اإلسالم للمالك الحرية المطلقة في استعمال أمواله كيفما
يشاء بل قيدها بما يكفل عدم اإلضرار باآلخرين عند استعمال هذه الحقوق .هذا ما
يؤكد أن الملكية في الشريعة اإلسالمية ،حق خاص ذو وظيفة اجتماعية .بعبارة أخرى
أن اإلسالم وفق في ذلك بال إفراط أو تفريط بين ضمان استعمال الحقوق ،وعدم
اإلضرار بالغير.2
42
وعلى هذا يطرح التساؤل التالي :ما هي حقوق الجوار في الشريعة اإلسالمية ؟
وهل أخذت الشريعة اإلسالمية بالمفهوم الواسع للجوار أم بالمفهوم الضيق ؟
هذا ما أحاول توضيحه خالل الفرعين التاليين:
1اإلمام أبو زكرياء محي الدين يحي بن شرف النووي – صحيح رياض الصالحين – تحقيق مصطفى أبو المعاطي
-دار الرشيد للكتاب والقرآن الكريم -الجزائر .5001ص 686
2سورة النساء.آية .81
43
-الجار الجنب :هو الذي ليس له قرابة وكلما كان الجار أقرب بابا ،كان أكد
حقا ،فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة باألقوال
1
واألفعال ،وعدم أذيته ،بالقول أو الفعل.
وقيل" الجوار ضرب من ضروب القرابة ،فهي قرابة بالنسب ،وهو قرب بالمكان
والسكن .وقد يأنس اإلنسان بجاره القريب ما ال يأنس بنسيبه البعيد ،ويحتاجان إلى
التعاون والتناصر ما ال يحتاج الناس الذين تناءت ديارهم ،فإذا لم يحسن كل منهما
باآلخر لم يكن فيهما خير لسائر الناس .والمراد بالجار هو من تجاوره ويتراءى وجهك
ووجهه في غدوك أو رواحك إلى دارك ،فيجب أن تعامل من ترى وتعاشر بالحسنى،
فتكون في راحة معه ويكون في راحة معك".2
وقيل "المجاورة :مساكنة الرجل الرجل في محلة أو مدينة ،أو كينونة أربعين دا ار
3
كل جانب ،أو يعتبر بسماع اآلذان ،أو سماع اإلقامة".
وقيل "الجار ذي القربى :هو الذي قرب جواره وقال آخرون هو القريب بالنسب.
والجار الجنب:هو الذي بعد جواره وقال آخرون الجار األجنبي البعيد منك في
القرابة .قال عليه الصالة والسالم" ال يدخل الجنة من ال يأمن جاره بوائقه .4أال وأن
الجوار أربعون دارا" وكان الزهري يقول أربعون يمنة ،وأربعون يسرة ،وأربعون أماما
5
وأربعون خلفا".
- 1العالمة الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي -تيسير الكريم الرحمان في تفسير كالم المنان -دار ابن حزم-
بيروت .5008ص.629
2للشيخ محمد رشيد رضا -تفسير المنار -طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ،6959،الجزء ، 2ص .52
3محمد بن يوسف الشهير بأبى حبان األندلسي -تفسير البحر المحيط ،الجزء ،8طبعة مطابع النصر الحديثة
بالرياض ،ص .544
4بوائق :الغوائل و الشرور.
2اإلمام الفخر الرازي -التفسير الكبير -الجزء ، 60دار إحياء التراث العربي – بيروت-الطبعة الثالثة -ص.91
44
وعن أبى شريح الخزاعي رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال :من
كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر ،فليحسن إلى جاره ،ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر،
فليكرم ضيفه ،ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر ،فليقل خي ار أو ليسكت" رواه مسلم
1
بهذا اللفظ ،وروى البخاري بعضه
وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم":
خير األصحاب عند اهلل تعالى خيرهم لصاحبه ،وخير الجيران عند اهلل تعالى خيرهم
2
لجاره" .رواه الترمذي و قال:حديث حسن
وقد روي عن الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" الجيران ثالثة ،جار الذي له ثالثة
حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد .فأما الجار الذي له ثالثة حقوق ،فالجار
المسلم القريب ،له حق الجوار وحق القرابة وحق اإلسالم ،والجار الذي له حقان
فهو الجار المسلم فله حق اإلسالم وحق الجوار ،والجار الذي له حق واحد هو
الكافر له حق الجوار 3.وبهذا شمل حق الجوار القريب والمسلم والكافر على السواء.
وعليه فقد أمرتنا شريعتنا اإلسالمية إلى اإلحسان إلى الجار القريب والجار البعيد
سواء أكان له حق القرابة أو كان مسلما أو كاف ار وأمرت بعدم إيذائه وبإكرامه ووضعت
له حقوق لم تضعها لغيره .وهذا راجع لشدة االرتباط الذي اقتضاه االشتراك في كثير
من المرافق وتبادل المنافع بين الجيران ليعيش الناس في ألفة بعيدا عن البغضاء
والشحناء.
6اإلمام أبو زكرياء محي الدين يحي بن شرف النووي – صحيح رياض الصالحين – تحقيق مصطفى أبو المعاطي
-دار الرشيد للكتاب والقرآن الكريم -الجزائر .5001ص.685
45
وال شك أن تقرير هذه الحقوق على هذا النحو يعد من مفاخر الشريعة اإلسالمية
التي كانت سباقة عن باقي التشريعات .ويزيدنا فخ ار أن الوصية بالجار ،جاءت مع
الوصية بعدم اإلشراك باهلل في آية واحدة نظ ار ألهمية العالقة التي تربط الجار بجيرانه
في تعاليم الشريعة اإلسالمية ،ألنها الحلقة التالية بعد حلقة ذوى القربى في السلسلة
االجتماعية التي يجب أن تكون متماسكة.
من خالل الحديث الشريف نالحظ أن التالصق ليس شرطا لتحقق الجوار ،وانما
يكفي مجرد التجاور فقوام المسؤولية التي نحن بصددها هو توافر حالة التجاور ،كما
أنه يتحدد الجوار بالمدى الذي يصل إليه األذى أو الضرر ،هذا من جهة .ومن جهة
حيز
أخرى فقد أخذت الشريعة اإلسالمية بالمفهوم الواسع للجوار حين شمل الجوار ا
جغرافيا واسع لما اعتبرت أربعين دا ار جا ار من الجهات األربعة .وبمراعاة زمن الحديث
وهو عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي يغلب فيه الطابع
46
البدوي فقد كان يفصل بين الدار واألخرى مسافة كبيرة ،مما يدل على أهمية الجوار
في الشريعة اإلسالمية ومدى اتساع نطاق المسؤولية المرتبطة بالجوار فيها.
على ضوء هذه الرواية أعتقد أن الشريعة اإلسالمية أخذت بالمفهوم الواسع للجوار
وأن وصف الجار يشمل أشخاصا ال تتوافر لهم صفة المالك وذلك لقول الرجل "نزلت
محلة" هذا من جهة.
6اإلمام أبو عبد هللا أحمد ابن حنبل الشيباني – مسند اإلمام أحمد – الجزء -1مطبعة دار المعارف -ص .652
وكذا اإلمام النووي -صحيح رياض الصالحين – المرجع السابق – ص .685
2تفسير القرطبي – المرجع السابق – الجزء -1ص 692و.691
3اإلمام القرطبي -الجامع ألحكام القرآن -المرجع السابق – ص692
47
ومن جهة أخرى يمكن القول أن اآلية الكريمة رقم 81من سورة النساء ورد فيها
ب"
لفظ الجار بصفة العموم لقوله تعالى" َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ
ومن جهة ثالثة لم أجد في األحاديث النبوية الشريفة ما يشترط أن يكون الجار
مالكا.
وعليه مما يتفق ومقاصد شريعتنا اإلسالمية وهو حماية الجوار واعالء شأن
الجار ومنع اإليذاء أو اإلضرار به ،وأن تكون صفة الجار من االتساع بحيث تشمل
المال ك والمستأجر وصاحب حق االنتفاع ،بل ومغتصب حيازة الدار وكل من يدخل
في نطاق الجوار من أشخاص أيا كانت صفته ،كما أن الشريعة الغراء تأبى أن
يتحمل الجار الضرر أو األذى دون أن يكون معوضا عنه لمجرد كونه غير مالك
عمال بالحديث الشريف الذي يمثل أصال من أصول الشريعة وهو حديث"ال ضرر وال
1
ضرار".
48
إن كانت دار الرجل إلى جانب دار قوم ففتح في غرفة كوة أو بابا يشرف منها على
دور جيرانه أيمنعه مالك من ذلك أم ال؟ قال :قال مالك يمنع من ذلك".1
وأيض ا سئل مالك في رجل أحدث في ملكه ما يضر ملك جاره ضر ار بينا من
مجرى الماء ،وبيت راحة ومدخنة حمام يخرج منها الدخان ويدخل في كوات ملك
الجار وبنى سلما مركبا على حيطان الجار ألجل الصعود عليه فيرى الصاعد عليه
عورات من كان في ملك جاره من داخل الحريم واحداث أيضا حماما يلصق ملك
الجار ألجل االغتسال بمائه وغير ذلك ،فهل يمنع ذلك الرجل من إحداث ما ذكر
شرعا؟ أجاب :نعم يمنع من ذلك حيث كان الضرر بينا على ما عليه الفتوى واهلل
2
أعلم".
وعليه يبدو جليا أن شريعتنا اإلسالمية حين وسعت مفهوم الجوار وقيدت حق
الملكية بعدم اإلضرار بالجار أض ار ار غير مألوفة أو فاحشة ومنعت الجار من إحداثها
كانت تهدف إلى رعاية الفرد لحقوق المجتمع الذي يعيش فيه مما يؤدي إلى تماسكه
ش ْيئًا ۖ َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن
ش ِر ُكوا بِ ِه َ وترابطه كالجسد الواحد .لقوله تعالىَ ":وا ْعبُدُوا ه
َّللاَ َو َال تُ ْ
سا ِكي ِن َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ
ب سانًا َوبِ ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْليَتَا َم ٰى َوا ْل َم َ إِ ْح َ
َّللاَ َال يُ ِح ُّب َمنْ َكانَ ُم ْخت ًَاال سبِي ِل َو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُ ُك ْم ۗ إِنه ه
ب َوا ْب ِن ال ه ب بِا ْل َج ْن ِ
صا ِح ِ
َوال ه
فَ ُخو ًرا" 3وقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " ال ضرر وال ضرار".
وبناءا على ذلك ،فال يجوز أن تتخذ الحقوق وسيلة إلى اإلضرار بالناس بل
يجب أن يكون استعمالها مقيدا بعدم اإلضرار بالجماعة أو بالفرد وبأال تؤدي إلى
اإلضرار بصاحبها ضر ار فاحشا يسلبه حقه ،فإذا تعارض الضرران ارتكب األخف
منها درءا لألشد من الضررين ،ومن ذلك يجب أال نجعل الحقوق أداة للتسلط على
1إمام دار الهجرة اإلمام /مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى ،رواية اإلمام سحنون بن سعيد التنوخى عن
اإلمام عبد الرحمان بن القاسم العتقي عن اإلمام مالك بن أنس ،الطبعة األولى ،مطبعة السعادة ،مصر 6858هجرى،
الجزء الرابع عشر،ص 582والجزء الخامس عشر ،ص .695
2اإلمام مالك -المدونة الكبرى -الجزء الخامس عشر – المرجع السابق -ص691و615
3سورة النساء اآلية .81
49
الناس ووسيلة إلى سلبهم حرياتهم وليست الملكية إال حقا من تلك الحقوق التي منحها
1
اهلل للناس ،فكانت خاضعة لهذا األصل شأنها في ذلك شأن الحقوق األخرى.
ومن هنا يستخلص أن شريعتنا اإلسالمية وضعت معيا ار واسعا لتحديد الجوار
وهو معيار " األنشطة الضارة" ،وأن صفة الجار تلحق من كان مالصقا وغير
اللصيق بصرف النظر عن كونه مسلما أو غير مسلم أو كان مالكا أو غير مالك.
خالصة المبحث :إن الكثير من مشاكل الجيران ال تقتصر على مالك العقارات
المتجاورة ،بل تمتد إلى أشخاص يباشرون حقوقا شخصية في حيز جغرافي محدد.
وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي" Stefanie3أنه ال يجب االعتقاد بأن التالصق
المطلق للعقارات يكون محتما من أجل القول بوجود اضطرابات الجوار بل أن التجاور
وحده يكون كافيا من أجل إضفاء صفة اضطرابات الجوار على المضايقات .فاألدخنة
السوداء والروائح الكريهة والغبار والمنشآت والضجيج الفاحش يتيح الفرصة للمنازعات
بين الجيران ،بغض النظر عن المسافة الموجودة بين العقارات"
1د /عبد المجيد مطلوب – التزامات الجوار -دراسة مقارنة في الفقه اإلسالمي و القانون الوضعي ،مجلة العلوم
القانونية و االقتصادية ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس ،العدد الثاني ،السنة الثامنة عشر ،يوليو .6951ص.499
2إن شريعتنا اإلسالمية قصرت الجوار على العقارات (الدور) .ذلك ألن المنقوالت لم تكن تشكل أضرار غير
عادية بين الجيران كما هو سائد في وقتنا الحاضر.
3
Stefanie , thèse, prec,p30
50
كما أن المفهوم الضيق للجوار الذي يقتصر على الملكيات العقارية المتجاورة
وعلى المالك ال يشمل جميع المنازعات التي تثور بين الجيران ،مما جعل المفهوم
الواسع للجوار الذي ربط بين مفهوم الجوار ونوعية األنشطة الضارة بغض النظر عن
صفتها يحض بتأييد غالبية الفقه وكذا القضاء كما سبق بيانه ،ألنه يشمل العقارات
والمنقوالت سواء أكانت مملوكة ألحد أفراد القانون الخاص أو لألشخاص معنوية .كما
يشمل الجار المالصق وغير المالصق ولم يفرق بين المالك وغير المالك .أو كون
الشخص طبيعيا أو معنويا.
المبحث الثاني
الضرر الذي يوجب المسؤولية وضوابط تقديره
لتحديد فكرة الضرر غير المألوف البد من التعرض ولو بصفة وجيزة لتعريف
الضرر وتحديد أنواعه وشروطه وفقا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية ألن الضرر
هو قوام المسؤولية فال مسؤولية بدون ضرر .
كما أن تخلف الخطأ ال يرتب بالضرورة عدم قيام المسؤولية فقد تقوم بوقوع
الضرر دون حاجة إلى إثبات الخطأ كما هو الحال في المسؤولية عن مضار الجوار.
ومن جهة أخرى إن للضرر أهمية بالغة في تحديد قيمة التعويض فقد يرتكب خطأ
يسي ار يرتب ضر ار جسيما يستحق تعويضا كبي ار وقد يرتكب خطأ فادحا جسيما وال
يرتب إال ضررا يسي ار يستوجب تعويضا ضئيال .مما يستنتج أن الضرر مناط
المسؤولية والتعويض .
51
هذا ما أحاول دراسته في هذا المبحث من خالل بيان الضرر الذي يمنع ويوجب
وقوع المسؤولية في القانون الوضعي وفي الشريعة اإلسالمية ومن ثم أبين ضوابط
تقديره ذلك بتقسيم المبحث كما يلي:
وثمة أري يقول بأن الضرر ثالثة أنواع مادي يصيب اإلنسان في ماله
وجسماني يصيبه في جسمه وأدبي يصيبه في عاطفته أو شرفه.2
1للمزيد من التفصيل أنظر د /علي فياللي – االلتزامات – الفعل المستحق التعويض – المؤسسة الوطنية للفنون
المطبعية – وحدة الرغاية – الجزائر – 5005-ص 598و ما يليها .
2د /محمد حسنين – الوجيز في نظرية االلتزام – مصادر االلتزامات و أحكامها في القانون المدني الجزائري –
المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر – -6998ص 616-
52
وهناك من يرى أن الضرر نوعان قد يكون ماديا يصيب المضرور في جسمه
وماله وقد يكون أدبيا يصيب المضرور في شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه أو
1
أي معنى آخر من المعاني التي يحرص الناس عليها
أوال :النوع األول الضرر المادي :لقد أجمعت التعاريف الفقهية والقضائية
على أن الضرر المادي هو الخسارة المادية التي تلحق المضرور نتيجة المساس بحق
من حقوقه أو مصلحته المشروعة .3ويعتبر الضرر المادي في محيط الجوار وهو
الغالب واألكثر شيوعا وله عدة صور أذكر منها:
-6ضرر يصيب الجسم :فقد يصاب الشخص بضرر مادي يتمثل في أصوات
عالية التي تزيد على الحد المسموح وتؤثر على صحة اإلنسان وسمعه .4فقد
يصاب في صحته نتيجة تصاعد األدخنة السامة والغازات الضارة
واإلشعاعات
د /عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوجيز في النظرية العامة لاللتزام ( المصادر -اإلثبات – اآلثار-األوصاف- 1
االنتقال – االنقضاء) – تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغي – منشأة المعارف – اسكندرية – – 5004طبعة
تحتوي على آخر المستجدات في التشريع و القضاء و الفقه – ص – 819
2د/علي علي سليمان – النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام) -ديوان المطبوعات الجامعية – 6990ص
. 615
-د /بلحاج العربي – النظرية العامة لاللتزام في 3د /علي فياللي – المرجع السابق – ص 591و ما يليها.
القانون المدني الجزائري – الجزء الثاني – الواقعة القانونية ( الفعل غير المشروع –اإلثراء بال سبب – و القانون)
– ديوان المطبوعات الجامعية – طبعة -6999ص 649و ما يليها .
4د /راغب الحلو – قانون حماية البيئة على ضوء الشريعة – دار الجماعة الجديدة – مصر – -5004
ص849
53
الكيمائية المنبعثة من المصانع أو المخابر المجاورة .أو نتيجة رمي شيء من
شرفة الجار العلوي على رأس الجار األسفل فتصيبه بأضرار جسمانية
تستحق التعويض.
ب – ضرر ينقص من قيمة العقار :ويكون نتيجة المنشآت الجديدة التي جاورت
العقار كإنشاء مطار أو محطة للسكة الحديدية أو مفرغة أو منشآت تنبعث منها
الضوضاء أو الروائح الكريهة أو البناءات القصديرية الفوضوية التي تنقص من قيمة
العقار االقتصادية.
ج – ضرر يحرم الجار من االنتفاع بملكه :ويكون ذلك نتيجة اإلضرار بالعقار
مباشرة أو نتيجة إعاقة الجار من االنتفاع بملكه بسبب الضوضاء أو الروائح الكريهة
أو االهت اززات الناتجة عن إنشاء خط للسكة الحديدية أو مطار مما يجعل الجار
يفضل االبتعاد عن مسكنه هروبا من هذه األضرار التي تعيق االنتفاع الهادئ
بالملكية
ثانيا :النوع الثاني الضرر المعنوي أو األدبي :يترتب عن التعدي على حقوق أو
مصالح غير مالية.1
ومن صوره:
د/علي فياللي – المرجع السابق – ص .599د/بلحاج العربي – المرجع السابق -ص 649 1
54
-1ضرر أدبي يصيب الشعور والعاطفة :من أمثلته الشعور باأللم نتيجة
اإلصابة بحادث ناتج عن الجوار أدى إلى تشوه في الوجه أو عاهة مستديمة خلف
ضرر نفسي في الشعور والعاطفة.
-2ضرر أدبي يصيب الشرف واالعتبار والعرض :من أمثلته إحداث دار للدعارة
أو مخمرة في جوار أو سماع أصوات أو كلمات يتأذى اإلنسان نفسيا من سماعها.
–3ضرر أدبي ناتج عن االعتداء على حق ثابت :من أمثلته التعدي على
الملكية الذي يسبب ضر ار أدبيا للمالك ويرتب التعويض حتى ولو لم يصب المالك
بضرر مادي.
*ويشترط في الضرر في المسؤولية التقصيرية ليرتب التعويض أن يكون محققا
فال تعويض عن الضرر االحتمالي ،كما يشترط أن يكون نتيجة الفعل الذي يرتكبه
الشخص بخطئه طبقا ألحكام المادة 654مدني.
ضرر ماديا
ا فطبقا للقواعد العامة يقدر التعويض على أساس الضرر سواء أكان
أو أدبيا ،متوقعا أو غير متوقعا ،حاال أو مستقبال طالما أن الضرر محققا وناتج
مباشرة عن الخطأ وبذلك فإنه يشمل كافة األضرار المألوفة وغير المألوفة.
وعلى ذلك فإن الضرر الذي يصيب الجار يجب أن يتجاوز الحد المألوف ليقيم
المسؤولية ،أما الضرر المألوف فال يقيمها هذا ما أحاول توضيحه في الفرع الموالي.
55
الفرع الثاني:الضرر الذي يوجب المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة في القانون الوضعي
نصت المادة 5/196من القانون المدني على ما يلي ":وليس للجار أن يرجع
على جاره في مضار الجوار المألوفة ،غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار
إذا تجاوزت الحد المألوف .وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات
وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي خصصت له".
من خالل النص نالحظ أن فكرة مضار الجوار حظيت باهتمام المشرع حين قام
بتعريفها ألن مهمة التعريف ال تدخل في وظيفته بل هي من مهمة الفقه الذي له
تفسير القانون وتعريف ظواهره المختلفة.
وقد عرف المشرع مضار الجوار غير المألوفة بالمضار التي تجاوز الحد
1
المألوف وبمفهوم المخالفة فإن المضار المألوفة هي التي ال تتجاوز هذا الحد.
تقابل نص المادة 196مدني جزائري المادة 905مدني مصري ،و المادة 551مدني سوري ،و المادة 965 1
مدني ليبي و أضافت هذه القوانين عبارة ال يمكن تجنبها لتصبح المادة كما يلي ":ليس للجار أن يرجع على جاره
في مضار الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها ...وهي بذلك اعتبرت الضرر المألوف بالضرر الذي ال يمكن
تجنبه .ويرى بعض من الفقه" أن صياغة مفهوم مضار الجوار على هذا النحو ،جاءت معيبة،ألن عنصري
المسؤولية وهما :الفعل الضار و الضرر ذاته ،يصبح كل منهما بذلك متوقفا معناه على اآلخر.إذ أن الذي عليه أن
يتجنب أوال هو محدث الضرر،األمر الذي يعني أن المألوف وغير المألوف من الضرر ال يعتمد على حجم الضرر
ذاته(وهو عنصر موضوعي) بل يعتمد على سلوك محدث الضرر وكونه لم يتجنب إحداثه بالرغم من إمكانية
ذلك(وهو عنصر ذاتي) .ومن ثم يصبح عنصر المسؤولية األساسي ،هو محدث الضرر وعدم تجنبه لما يمكن
تجنبه من الضرر .وأن منطق صياغة النص على هذا النحو -من ناحية -يتعارض مع فلسفة القيد الذي نحن
بصدده .إذ أن مناط المسؤولية تقوم على أساس التفرقة بين الضرر اليسير والضرر الفاحش وليس محدث الضرر
ومن ناحية أخرى أن الفقه واال لو ثبت أن هذا السلوك سليم ،النتفت المسؤوليته حتى ولو كان الضرر فاحشا.
والقضاء عند دراسة هذا القيد ،ال ينظر إلى سلوك محدث الضرر .بل يقضي مدى تحقق الضرر المألوف و معياره
و عناصر تقييمه .و ينتهي صاحب هذا الرأي إلى اعتقاده بأن المقصود بعبارة "التي ال يمكن تجنبها" هو وصف
المشرع للمضار المألوفة بأنها تلك التي ال يمكن احتمالها ،أي المضار الشديدة التي توصف بأنها فاحشة .وبالتالي
يكون تقييم الضرر بحجمه و ليس من خالل عناصره .بهذا الصدد .د /نعمان محمد خليل جمعة ،الحقوق العينية
األصلية -مطبعة جامعة القاهرة ،6994ص 845وما يليها -وال مقابل لهذا النص في القانون المدني الفرنسي و
56
ولكي تنعقد مسؤولية الجار وفقا لقواعد مضار الجوار غير المألوفة ،يلزم أن تكون
األضرار تشكل أعباء غير مألوفة ،أي تزيد عن القدر الذي تستلزمه ضرورة الجوار
فيما يرى القاضي بعد أن يرجع إلى العرف والطبيعة العقار وموقع كل منهما بالنسبة
لآلخر وك ذا الغرض الذي خصصت له .سواء كان الضرر أدبيا كالضرر الناشئ عن
متجر للخمور ،أو الضرر ماديا صاد ار عن مصنع أو متجر تنبعث منه الروائح
1
الكريهة ،أو دخان مؤذ أو أصوات مقلقة تزعج الجيران.
وال فرق بين أن يكون الضرر ناشئا عن آلة تدار أو حركة يأتيها اإلنسان ،وال بين
أن يكون الضرر صاد ار عن عمل يديره فرد من أفراد أو تديره الدولة أو فرع من
فروعها .وال يشترط في ذلك كله إال أن يكون الضرر بالغا حد الجسامة ،وأن يكون
متكر ار أو متصال على النحو يبرر المطالبة بالتعويض ،بمعني أنه تجاوز من حيث
2
شدته واستم ارريته ما يسود في الحي من األعباء.
فإذا كان ما يشكو منه الجار من أضرار ال تتجاوز قد ار معينا من الخطورة فإن
ذلك يضفى عليها صفة المألوفية ،ومن ثم يلزم الجار بتحملها وال يجوز له طلب
التعويض عنها ألن الحياة في الجماعة تقتضى وجود قدر معين من األضرار قبل
قانون الملكية العقارية اللبناني .لكن القضاء الفرنسي عمل به مرتك از على أحكام المادة 6895المقابلة للمادة 654
مدني جزائري ،حتى في حالة عدم ارتكاب خطأ بل عندما يكون المتضرر قد لحق به ضرر يتجاوز القضايا العادية
في الجوار – .المحامي جاد يوسف خليل – مضار الجوار غير المألوفة – الميدان ،المعيار واالجتهادات الحديثة
المدنية ،الجزائية و اإلدارية (دراسة مقارنة) – دار العدالة – بيروت -لبنان – الطبعة األولى -5001 -ص 80و
ما يليها.
د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب ،المسؤولية عن األضرار الناتجة عن تلوث البيئة – رسالة دكتوراه – 1
57
نهايته ال يكون للجار حق التضرر منه ،وأن التسامح بين الجيران يفرض على الجار
أن يتحمل جاره الحد الذي تدعو إليه ضرورة الجوار.1
وفي هذا الشأن استقرت أحكام القضاء الفرنسي إلى أنه" ال يسأل اإلنسان عما قد
تسببه جيرته من أضرار لجاره ،إال إذا كانت هذه األضرار زائدة عن الحد الالزم
للجوار ،ألن للمالك أن يتصرف في ملكه على النحو الذي يريد ،وال جناح عليه في
ذلك إال إذا قصد بتصرفه اإلضرار بجاره أو فرط في اتخاذ الحيطة الالزمة لوقايته،
فإذا انتفى قصد الضرر وانتفي التقصير واإلهمال ،فال محل لمؤاخذة المالك ،ولو
ترتب على استمتاعه بحق ضرر أصاب جاره ،إال إذا زاد هذا الضرر عن الحد الالزم
للجوار ألن مشروعية استعمال حق الملكية فيما تقضى به محاكم في فرنسا تنتهي
عند هذا الحد".2
وعليه فإن المشرع ألقى على عاتق الجار التزاما بتحمل قدر معين من األضرار
حين منعه من المطالبة بالتعويض عن األضرار المألوفة بين الجيران .هذا من جهة
ومن جهة أخرى فإنه غل يد المالك في استعمال أمالكه واستغاللها ،األمر الذي
يتناقض مع ما منحه المشرع لألفراد من حقوق ومكنهم من ممارستها .وذلك حماية
للجوار وبحكم التسامح المطلوب بين الجيران.
د /ياسر محمد فاروق المناوي ،المسؤولية الناشئة عن تلوث البيئة ،دار الجامعة الجديدة،5009،ص.594 1
د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب -الرسالة السابقة -ص.281 2
58
كما مكن المشرع الجار المتضرر من المطالبة بإزالة الضرر غير المألوف إذا
تجاوز الحد المألوف ،بعد األخذ بعين االعتبار العرف وطبيعة العقارات وموقع كل
منها بالنسبة إلى اآلخر والغرض الذي خصصت له .
واالستثناء :لم ت مكن المشرع الجار المتضرر بالتذرع ضد جاره بإلحاقه ضر ار غير
مألوف إذا كان هذا الضرر يدخل ضمن المسائل العادية أي يكون مألوفا.
كما أنه من خالل نص المادة ،نفترض أن المالك قد أضر بجاره وهو يستعمل
حق ملكيته ولم يرتكب أي خطأ ،فطبقا ألحكام المسؤولية التقصيرية ال يمكن
مساءلته .أو أنه استعمل حق ملكيته ولم يتعسف في استعمال حقه ،فلم يقصد
اإلضرار بالجار ولم يهدف إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ
للجار .ولم يهدف في استعماله لحق ملكيته إلى تحقيق غرض غير مشروع .ومع ذلك
فإن المالك وهو يستعمل حق ملكيته أضر بجاره رغم أنه لم يرتكب خطأ ولم يتعسف
في استعمال حقه .هذا ما أوضحته المادة 196مدني فاعتبرت المالك مسؤوال إذا كان
الضرر الذي أصاب الجار قد تجاوز الحد المألوف أما إذا لم يتجاوزه فإن المالك ال
يسأل.
59
وعليه يمكن تعريف الضرر غير المألوف بأنه الضرر الذي يزيد على الحد
المألوف فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار .فإذا زاد الضرر
على هذا الحد كان ضر ار غير مألوف ووجب التعويض عنه.1
ومن هنا يطرح التساؤل التالي :ما هو الضابط الذي تحدد بمقتضاه المضار
المألوفة التي يجب على الجار تحملها ،والمضار غير المألوفة التي يسأل عنها
المالك وفقا لنظرية مضار الجوار غير المألوفة؟
يرى جانب من الفقه 2على وجوب التفرقة بين الحرمان من التمتع وبين االعتداء
على الحق .فاالعتداء على الحق يشكل أض ار ار غير مألوفة ،وبالتالي تنعقد مسؤولية
محدث هذه األضرار .أما الحرمان من التمتع فال يرتب المسؤولية ألن األضرار
الناتجة عنه تمثل أض ار ار مألوفة.
ويرى جانب آخر 3أنه يجب التفرقة بين الحرمان من الفائدة واالعتداء على الحق،
وأن المالك ال يكون مسؤوال إال في الحالة الثانية.
ويرى اتجاه آخر 4أنه يجب التفرقة بين االستعمال العادي لحق الملكية ،واستعمال
غير العادي ،وأن ما يرتب من أضرار في الحالة الثانية يشكل أض ار ار غير مألوفة
تنعقد مسؤولية محدثها ،على خالف الحالة األولى فإن ما ترتبه من أضرار يدخل في
نطاق مضار الجوار العادية.
1د /عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد – مجلد – 9حق الملكية – مع شرح مفصل
لألشياء و األموال – منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت – لبنان – طبعة – 5009ص . 194
2د/محمد كامل مرسي ،نطاق حق الملكية و الحقوق العينية ،الطبعة الثانية ،6959،عدم ذكر الناشر ،نبذة
،689ص.642
3د /ياسر محمد فاروق المناوي -المرجع السابق –ص .595
4د /ياسر محمد فاروق المناوي -المرجع السابق –ص 595
60
ضرر نوع عادي يجب
أما القضاء فقد فرقت المحاكم الفرنسية بين نوعين من األ ا
على الجار تحمله ،ونوع غير عادي يزيد عن الحد المألوف .يجوز للجار أن يتضرر
منه ويطلب عنه التعويض .ولم تضع المحاكم ضابطا تحدد بمقتضاه مضار الجوار
بل تركته لقاضي الموضوع بعيدا عن رقابة محكمة النقض.1
لكن يؤخذ على هذه اآلراء بأنا لم تضع تعريفا لألحوال التي يعتبر فيها عمل
المالك حرمانا من التمتع ،أو من الفائدة أو اعتداء على الحق أو األحوال التي يكون
فيها استعمال حق الملكية مألوفا أو غير مألوف.
وقد عرف الضرر لغة :النقصان يدخل في الشيء ،يقال ضره ،ضرا ،وضر ار
ألحق به مكروه أو أذى ويقال أيضا :دخل عليه ضرر في ماله أو نقص في األموال
واألنفس.
61
أما الضرر في إصالح الفقهاء فقد عرف بتعريفات متعددة منها
قيل هو إنزال األذى بالنفس أو الجسم أو المال. -
وقيل هو األلم الذي ال نفع فيه. -
وقيل هو نقص حق اإلنسان أو نفسه. -
ومن هذا نعلم أن الضرر في الشريعة قد يكون ضر ار ماديا ،وقد يكون ضر ار أدبيا
1
أو معنويا
وعند البحث عن الضرر الذي يمنعه اإلسالم البد من الرجوع إلى حديث رسول اهلل
صلي اهلل عليه وسلم " ال ضرر وال ضرار" .م ن خالل هذا الحديث نالحظ انه لم يرد
في الشرع ،ما يبين المراد بالضرر الذي يوجب المسؤولية ،كما لم يرد معيار هذه
المسؤولية وفي هذا يقول فقهاء الشريعة ،إن كل ما ورد به الشرع جاء مطلقا وال
ضابط له فيه مما يستوجب الرجوع إلى العرف .والعرف يختلف باختالف الزمان
والمكان ،فمن عنده عادة قضى بها ،واذا اختلفت العوائد في األعصار واألمصار،
وجب اختالف هذه األحكام فإن القاعدة المجمع عليها ،أن كل ما هو في الشريعة
يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغيير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة.
فاستعمال الناس ألمالكهم وتضرر الجيران من هذا االستعمال ،قد يكون ضر ار
بالنسبة ألهل زمن معين وجهة معينة ،وقد ال يعتبر ضر ار عند لآلخرين في زمن
مختلف .ومما الشك فيه أن المالك له حرية التصرف في ملكه كيف شاء إذا لم
يتعارض مع أهداف الشريعة اإلسالمية ،كما له االنتفاع بملكه على الوجه الذي يريده،
شريطة أال يؤدى استعماله لحقه إلى اإلضرار بجاره .فالضرر بالجار ممنوع ديانة
باتفاق جميع الفقهاء ،ألن الضرر اعتداء واالعتداء منهي عنه بنص القرآن والسنة
النبوية الشريفة.2
1د /زكي زكي حسن زيدان – حدود المسؤولية عن مضار الجوار في الشريعة اإلسالمية و القانون المدني رسالة
دكتوراه،كلية الشريعة والقانون ،القاهرة 6951ص.608
2د /زكي زكي حسن زيدان – الرسالة السابقة -ص 608
62
المطلب الثاني :ضوابط تقدير الضرر غير المألوف
سبق وأن عرفت الضرر غير المألوف بأنه الضرر الذي يزيد على الحد
المألوف فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار .فإذا زاد الضرر
ضرر غير مألوف ووجب التعويض عنه.
ا على هذا الحد كان
ومن هذا التعريف تعتبر فكرة الضرر غير المألوف من المفاهيم النسبية وليست
المطلقة .وإليضاحها الب د من توافر معطيات معينة لتحديد عدم مألوفية الضرر .هذه
المعطيات البد أن تراعى فيها ظروف المكان والزمان لتحديد طبيعة الضرر .لذا لم
يعط المشرع تعريفا للضرر غير المألوف وترك تقدير صفته للقاضي الذي عليه أن
يراعي في ذلك اعتبارات مختلفة منها العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة
لآلخرين والغرض الذي خصصت له.
وقد نصت على ذلك صراحة المادة 5/196حين نصت" وليس للجار أن يرجع
على جاره في المضار الجوار المألوفة غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار
إذا تجاوزت الحد المألوف وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف ،وطبيعة العقارات
وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي خصصت له".
ومن هنا نالحظ أن المشرع قد وضع معيا ار مرنا لتقدير ما إذا كان الضرر مألوفا
أو غير مألوف وحمل القاضي التكيف مع ظروف وضوابط المختلفة ومواجهة
الحاجات المتغيرة واالستجابة لمقتضيات كل منها .وله أن يستعين في تقديره بعناصر
نص عليها المشرع.
ومن هنا يثار التساؤل متى يمكن اعتبار الضرر مألوفا يجب التسامح فيه أو غير
مألوف يرتب مسؤولية محدثه؟ .وما هي الضوابط التي يقدر فيها الضرر غير
المألوف؟ هل تقديره يقتصر على ما جاءت به المادة 5/196من عناصر التقدير؟
63
أم يتكيف مع الظروف المختلفة ويواجه الحاجات المتغيرة وفقا العتبارات مرنة
تستجيب لظروف الزمان والمكان التي تضع اعتبارات معينة لكل حالة؟.
لإلجابة عن هذه التساؤالت .يجب بيان طبيعة الضوابط التي يقدر فيها الضرر
غير المألوف ثم بيان الضوابط التي نص عليها المشرع في المادة 5/196التي يتعين
على القاضي مراعاتها .ثم بيان الظروف التي لم ينص عليها المشرع إال أنها كانت
محور اهتمام الفقه.
1وقد جاء في مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري الحالي الجزء 1ص "58وقد قضت المادة...
بأن يراعى في تحديد الضرر غير المألوف اعتبارات مختلفة منها (أ) العرف( .ب) طبيعة العقارات (ج) موقع كل
منها بالنسبة لآلخر (د) الغرض الذي خصصت له .فمن ذلك يتبين أن ما يعتبر ضررا مألوفا في ناحية مكتظة
بالمصانع والمقاهي والمحالت العامة ،يعتبر ضررا غير مألوف في ناحية هادئة خصصت للمساكن دون غيرها
وسكنى العلية من الناس .فإذا فتح محل مقلق للراحة في وسط المساكن الهادئة ،كان في هذا ضرر غير مألوف تجب
إزالته"
64
ومن هذا يتبين أن ما يعتبر ضر ار مألوفا في منطقة معينة يعتبر غير مألوف في
منطقة أخرى .فالضجيج الناتج عن منطقة مكتظة بالحركة نتيجة وجود محالت
تجارية يعتبر الضرر فيها مألوفا .أما إذا حدث في منطقة سكنية هادئة بعيدة عن
المحالت التجارية وتم فتح محل مقلق للراحة كفتح مقهى أو قاعة للحفالت فإن ذلك
يعتبر ضر ار غير مألوف وجب إزالته.
ومن هنا نالحظ أن الضرر الذي يوجب اإلزالة أو التعويض ،ال ينظر في تقديره
إلى صفة الضرر وانما ينظر في تقديره إلى الظروف التي تحيط به والتي تلعب دو ار
هاما في تحديده إذا كان مما يجب التسامح فيه بين الناس أو ال يمكن التسامح فيه.
لذا فقد أحسن المشرع حين ترك األمر للقاضي في تقدير جسامته لتقوم المسؤولية.
وبذلك تكون فكرة الضرر غير المألوف فكرة نسبية غير مطلقة تستجيب ومقتضيات
الزمان والمكان الذي يتغير نتيجة التطور الحضاري والتكنولوجي.
كما أن معيار الضرر غير المألوف معيار مرن ،وليس بقاعدة جامدة .فيتكيف مع
الظروف المختلفة ،ويواجه الحاجات المتغايرة ،ويستجيب لمقتضيات كل منها ،وهو
معيار موضوعي ال معيار ذاتي ،فال اعتبار لحالة الجار الذاتية ،كأن يكون مريضا
أو منشغال بأعمال تقتضي الهدوء التام ،فينزعج ألية حركة ولو كانت مألوفة .وانما
العبرة بحالة الشخص المعتاد ،وهو الشخص من أواسط الناس يزعجه ما يزعج الناس
عادة ويتحمل ما جرى العرف بتحمله فيما بين الجيران فيقاس على هذا الشخص كل
جار فيما يعد ضر ار غير مألوف بالنسبة إليه ،ولو كان هذا الجار يحتمل أكثر مما
يحتمل الشخص المعتاد فيكون له الغنم ،أو كان يحتمل أقل مما يحتمل الشخص
المعت اد فيكون عليه الغرم .ومن ثم كانت االعتبارات التي يعتد بها في تقدير الضرر
غير المألوف كلها اعتبارات موضوعية.1
1د /عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط الجزء -5المرجع السابق.ص.199 ، 195
65
كما أن المشرع حين وضع بعض الضوابط لتقدير الضرر غير المألوف والمتمثلة
في العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي
خصصت له .كما نصت عليه المادة .5/196فقد أوردها على سبيل المثال ال
الحصر .ذلك ألنها جاءت على النحو التالي ":وعلى القاضي أن يراعى في
ذلك.1"...
وترجع أهمية عدم حصر الضرر غير مألوف على ما نص عليه المشرع إلى
نسبيته أو مرونته باعتباره يتغير بتغير الزمان والمكان.
وأن وضع المشرع لبعض الضوابط تساعد القاضي على إضافة ضوابط أخرى
مشابهة لها.
مما سبق أخلص ،أن معيار الضرر غير مألوف هو معيار موضوعي ال ينظر
فيه إلى الظروف الشخصية للجار المضرور ،كما أنه معيار مرن يتغير بتغير الزمان
والمكان ليتما شى وتطور المجتمع .وأن الظروف أو الضوابط التي نص عليها المشرع
جاءت على سبيل المثال ال الحصر لتساعد القاضي على إضافة ضوابط أخرى
مشابهة لها.
الفرع الثاني :ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر التي نصت عليها المادة
2/191
تعتبر فكرة الضرر غير مألوف من المفاهيم النسبية وليست المطلقة ،لهذا ال بد من
توافر معطيات معينة حتى يمكن القول بعدم مألوفية الضرر .فما يعد ضر ار غير
مألوف في وقت ال يعد كذلك في وقت آخر .كذلك تتحكم الظروف المكان والزمان
في تحديد طبيعة الضرر ،وقد خول المشرع للقاضي تقدير صفة الضرر،
1د /نعمان جمعة – المرجع السابق -ص .849د /محمد شكري سرور-تنظيم حق الملكية في القانون المدني
المصري ،دار النهضة العربية عدم ذكر سنة الطبع ،ص520
66
وما إذا كان مألوف أو غير مألوف ،على أن يراعى في تحديده العرف وطبيعة
العقارات ،وموقع كل منها بالنسبة لآلخرين ،والغرض الذي خصصت له.
وقد أكد ذلك القضاء ،حين قضت المحكمة العليا قي قرارها الصادر بتاريخ
15009/04/09يدخل تحديد مضار الجوار ومدى تجاوزها الحد المألوف ،في
اختصاص قضاة الموضوع ،الذين يراعون العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها.
وليس للمحكمة العليا أية مراقبة على هذه الوقائع"
هذا ما أحاول توضيحه في هذا الفرع .من خالل تقسيمه إلى نقطتين كما يلي:
أوال :الضوابط المتعلقة بالعرف.
ثانيا :الضوابط المتعلقة بالعقار.
فالعرف سنة وسلوك متبع في مسائل معينة بصفة دائمة ومتكررة من قبل المجتمع
أو بعض فئاته ،بحيث يعتقد الكل بأن ذلك السلوك إجباري .2والمقصود هنا بالعرف ليس
العرف كمصدر للقاعدة القانونية ،وانما يقصد به العادات والتقاليد التي ألفها الناس في
حياتهم ومعيشتهم .ومثال ذلك خروج المالك من داره في وقت مبكر أو رجوعه إليها في
وقت متأخر ،فيحدث حركة محسوسة ،خاصة إذا كان يستخدم السيارة في الرواح وغدو.
كل هذا جرى العرف على اعتباره ضر ار مألوفا ال يمكن تجنبه .وعلى
1قرار بتاريخ 5009/04/09تحت رقم 269102مجلة المحكمة العليا-العدد الخاص-اإلجتهاد القضائي للغرفة
العقارية،الجزء الثالث .ص .849
2د /علي فياللي االلتزامات –نظرية العامة للعقد -موفم للنشر ،5002ص . 598نقال عن أحمد محرز ،القانون
التجاري ،ج ،6المطبعة العربية الحديثة ،ص.85
67
الجيران أن يتحملوه .1وقد تختلف العادات والتقاليد من مكان إلى آخر .فما يعد مألوفا في
منطقة ما ال يعد مألوفا في منطقة أخرى .وما يعد مألوفا في زمان ما ،ال يعد كذلك في
وقت آخر.2
ونظ ار ألن العرف يؤدي إلى التفرقة بين ظرف الزمان والمكان وجب علي تناول هذه
الظروف بشيء من التفصيل بتقسيمه إلى نقطتين:
وعليه فإن تحديد طبيعة المكان ،بأن يكون المنطقة سكنية أو زراعية أو صناعية أو
تجارية .يخضع لقواعد التنظيم والتي تحدد طبيعة المنطقة ومن ثم يمكن االحتجاج
بها على الغير إيجابا أو سلبا.3
غير أنه إذا كانت قواعد تنظيم المدن تحدد طبيعة المنطقة أو الحي كونه حيا سكنيا
أو زراعيا أو صناعيا أو تجاريا فإن العرف هو الذي يحدد طبيعة هذه
1د /عبد الرزاق أحمد السنهورى ،الوسيط ،المجلد 9المرجع السابق ،ص ,199أ/جاد يوسف خليل ،المرجع
السابق،ص.660أ /ليلي طلبة – الملكية العقارية الخاصة -وفقا ألحكام التشريع الجزائري -دار هومة للطباعة
والنشر والتوزيع -5060ص.665
2د /فيصل زكي عبد الواحد -الرسالة السابقة -ص .696د/منصور صابر عبده خليفة -الرسالة السابقة -ص
.609د /السنهوري ،الوسيط الجزء ،9ص .199د /نعمان جمعة ،المرجع السابق ،ص .849
3
NICOLAS. La protection du voisinage. R.T.D.civ, 1976,p695,no35.
68
المناطق أو األحياء السكنية ،هل تشكل مناطق هادئة أو شعبية أو متوسطة .ومن ثم
وجب اللجوء إلى العرف لتحديد طبيعة هذه المناطق لتحديد الضرر غير المألوف
الذي يتميز بالنسبية وبالتغير من منطقة إلى أخرى حسب تغير نمط المنطقة السكنية.
فقد جرت العادة على أن يتحمل أهل الريف ما ال يتحمله أهل المدينة ،وأن يتحمل
أهل المدينة ما ال يتحمله أهل الريف .فمثال سقوط األوراق الجافة من األشجار في
فصل الخريف على سطح الجار تشكل أعباء عادية في الريف ،بينما ال تعد كذلك إذا
حدثت في المدينة .وتطبيقا لذلك قضى بأن سقوط األوراق الجافة على سطح الجار ال
يفتح باب التعويض عنها إذا حدثت في الريف .متى كانت األشجار مغروسة على
مسافات قانونية .ذلك ألن مثل هذه المضايقات جرت العادة بين أهل الريف من
تحملها .1وعلى النقيض من ذلك قضي بمسؤولية المالك لألشجار عن األوراق الجافة
التي تتساقط منها على سطح الجار ،وذلك على أساس أن هذه المضايقات بما أنها
ح دثت في المدينة ،فإنها تعد من األعباء غير العادية ،مما تتيح الفرصة في طلب
التعويض عنها.2
كذلك صياح الديكة ونباح الكالب ووضع أكوام الزبل والسماد التي تنبعث منها
الروائح المقززة .تشكل بالنسبة ألهل الريف أعباء عادية .إذ من المعتاد قيام أهل
الريف بتربية ال حيوانات وتجميع أكوام السماد أمام منازلهم .وعلى العكس من ذلك ال
3
يمكن تحمل هذه المضايقات في المدينة.
3د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص .694د /منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة -ص
.660 ،609د عبد الوهاب محمد عبد الوهاب -الرسالة السابقة -ص 99 ،95
69
كذلك إذا قام شخص ببناء منزل للسكن في منطقة صناعية فال يمكنه أن يشتكي
من أضرار الجوار الناتجة عن الروائح واألدخنة أو ضجيج الناتج عن المصنع
المجاور متى كانت هذه المضار مألوفة.
وعلى ذلك ،فإنه لتقدير عدم مألوفية الضرر البد من رجوع إلى طبيعة المنطقة
ألن االعتبارات المسندة في ظرف المكان ال تقتصر على التمييز بين الريف والمدينة
بل يمتد تمييزها إلى داخل نطاق المدينة والريف .وذلك الختالف طبيعة المنطقة أو
الحي في كل منهما .وعلى ذلك فإن مفهوم الضرر يختلف باختالف طبيعة الحي أو
المنطقة فقد يسكن الشخص حيا مليئا بالمحالت التجارية التي تبقي مفتوحة إلى
ساعات متأخرة من الليل ،فتجلب المارة وتحدث الصخب والضجيج الذي يقلق راحة
السكان .فإن هذا يشكل أعباء يجب على السكان تحملها ألنها تعد أض ار ار مألوفة.
بينما في حي مجاور ومن نفس المنطقة تعد هذه األضرار غير مألوفة إذا كان الحي
مخصص للسكن فقط.
وعليه إذا كان عنصر المكان يدخل في حسبان القاضي عند مشروعية النشاط أو
مألوفية السلوك ،فإنه يلعب دو ار هاما في تحديد صفة األضرار إن كانت مألوفة أو
غير مألوفة .وبذلك تكون فكرة األضرار غير مألوفة فكرة نسبية تختلف من مكان إلى
آخر .فما يعد مألوفا في منطقة معينة ال يكون كذلك في منطقة أخرى قد تكون
مجاورة لها .ومن ثم فإن األضرار التي تصيب الجيران ليست على درجة واحدة ،بل
تتفاوت تفاوتا ك بي ار من الحي السكني الراقي الذي يتميز بالهدوء ،إلى الحي الشعبي
الذي يتميز بالصخب والضجيج ،إلى الحي السكني المتوسط الذي يجمع بين هذا
وذاك .كما أنها تتفاوت بين المدينة والريف وبين المنطقة الزراعية والصناعية
والمنطقة السكنية.
والجدير بالمالحظة أنه إذا كانت ظروف المكان تلعب دو ار كبي ار في تحديد مفهوم
الضرر غير المألوف ،إال أن هذه الظروف تكون عديمة الجدوى متى كانت
70
ناتجة عن سلوك غير مألوف .ألنها تعد منذ بدايتها أض ار ار غير عادية .وذلك كأن
تكون المضايقات ناتجة عن تقصير في أخذ االحتياطات الالزمة أدت إلى إحداث
أضرار غير مألوفة للجار المجاور.
فقد يكون الضرر المرتكب من الجار يقتضي التسامح فيه في وقت معين ألنه
جرت العادة على تحمله بين الجيران ،يصبح يشكل مضا ار غير مألوفة في وقت
آخر.
وعلى ذلك فإن الضجيج أو الضوضاء ،أيا كان مصدرها التي يتسامح الجيران فيها
في أوقات النهار ال تكون كذلك في أوقات الليل ،خاصة إذا حدثت في أوقات متأخرة
من الليل .فقد قال اهلل تعالى في كتابه الكريم" َو َج َع ْلنَا نَ ْو َم ُك ْم ُ
سبَاتًا )َ (9و َج َع ْلنَا الله ْي َل
سا )َ (10و َج َع ْلنَا النه َها َر َم َعاشًا) 1" (11بل أكثر من ذلك فقد تكون الضوضاء لِبَا ً
مقبولة في وقت معين من النهار لما يتسم به من حركة ونشاط دون الوقت اآلخر،
كوقت الظهيرة مثال التي يبحث فيها الجيران على الراحة والهدوء.
71
وعلى ذلك فإن ما يعكر هدوء الليل ،خاصة في األوقات المتأخرة منه ،يعد من
األضرار غير المألوفة .وفي المقابل فإن ما يحدث في فترة النهار وفي األوقات
المناسبة منه ،يعد من األضرار المألوفة متى جرت العادة بين الجيران التسامح فيها.
وتطبيقا لذلك فقد قضى بمسؤولية القصاب عن األصوات المزعجة التي تحدث فج ار
نتيجة استخدامه لعربة التبريد.1
كما قضى بمسؤولية الجار المالك عن نباح كلبه الذي تجاوز الحد المألوف في
ساعات متأخرة من الليل والذي أقلق راحة الجيران لمنعهم من النوم.2
كما قضى بمسؤولية الجار عن الصخب الذي أحدثه أطفاله خالل لعبهم وقت
الظهيرة بالكرة واصطدامها بالحائط الفاصل للجار ،فأقلق راحته .3وعلى هذا هناك من
األضرار التي تحدث في النهار تكون غير مألوفة متى كانت في أوقات غير مناسبة.
كفترة الظهيرة.
وعليه إذا كانت طبيعة التجاور والعيش في جماعة تقتضي تحمل الجيران قد ار من
الضوضا ء والجلبة التي تحدث نهارا ،إال أنه يتعين توفير أكبر قدر ممكن من الهدوء
والراحة لهم ليال ،إذ يخصص الليل عادة للنوم والراحة أو في أوقات الظهيرة حيث
ينشدون الراحة والهدوء .فكل ما يعكر على الجيران سكون ليلهم ويقلق راحتهم يعد من
المضار غير المألوفة للجوار.4
وفي هذا اإلطار أيضا قد يقضي العرف بمراعاة ظروف الزمان ،بمعني أن هناك
العديد من األضرار ما يعد مألوفا في أوقات معينة ،وال تعد كذلك في أوقات
1
Cass.civ,17/06/1971, B.civ,71,n° 226,p610.
2
Cass.civ 31/01/1966,B.civ,66,n°.70,p.52
3
Cass.civ 24/05/1971, B.civ,71,n°189.p135.
4د /عطا سعد محمد حواس – المرجع السابق –ص.499
72
أخرى .وليس ثمة ما يمنع من االعتداد به ليس فقط في نطاق الليل والنهار بل في
نطاق األيام والفصول والمواسم
من أمثلتها األعياد والمواسم والمناسبات ،حيث جرى العرف على كثرة الحركة
والضجيج على غير ما هو معتاد ،فهي تعتبر مضار مألوفة وعلى الجيران تحمل
بعضهم البعض في مثل هذه الحاالت .1نظ ار لعدم استم ارريتها.
خالصة القول ،إن مفهوم العرف هو ما استقر عليه الجيران وما جرت العادة فيما
بينهم أن يتحمله بعضهم من بعض ،بحيث يمكن اعتبار مثل هذا العرف بمثابة قانون
الجوار ،أو بصورة أوضح قواعد اللياقة الواجب مراعاتها فيما بين المتجاورين .3وأن
فكرة مضار الجوار غير المألوفة تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان
كما أوضحنا فما يعتبر غير عادي باألمس قد يكون عاديا اليوم والعكس .وما يعتبر
عاديا في منطقة يعتبر غير عادي في منطقة أخرى لذا وجب أن نفرق بين المدن
والريف وبين المدن الصناعية والتجارية وفي نفس المدينة بين مختلف األحياء .ومن
هنا نقول معيار الضرر غير مألوف هو معيار مرن .وأن القضاء قد أكد في أحكام
كثيرة أن العرف يعد أحد المعايير الذي يجب على القاضي الموضوع أن يأخذها بعين
االعتبار عند تقديره للضرر غير المألوف.
1أ /ليلي طلبة – الملكية العقارية الخاصة -وفقا ألحكام التشريع الجزائري -دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع
-5060ص 665
2في هذا المعنى د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب – الرسالة السابقة -ص .90د /ماجد راغب الحلو -قانون حماية
البيئة -دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية .6994ص 559وما بعدها.
3د /مروان كساب ،المرجع السابق ،ص.686
73
ثانيا:ضوابط متعلقة بالعقار
إضافة إلى ضابط العرف الذي أشارت إليه الفقرة الثانية من المادة 196أشارت
إلى ظروف أخرى تتعلق بالعقار بقولها "...وعلى القاضي أن يراعي ...طبيعة
العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى األخر والغرض الذي خصصت له".
فهذه القواعد هي التي تحدد مسبقا طبيعة العقار ومن ثم يمكن االحتجاج بها
على الغير إيجابا أو سلبا .وعلى ذلك إذا قام شخص ببناء منزل سكني مخالفا لهذه
القواعد في منطقة صناعية أو تجارية ال يحق له المطالبة بالتعويض عن األضرار
التي تحدثها العقارات المجاورة ولو اكتست بطابع الخطورة .فعليه أن يتحمل الروائح
المقززة واألدخنة المتصاعدة والضجيج المستمر الناتج عن دوران المصانع أو حركة
2
وعمل التجار وذلك لمخالفته لقواعد تنظيم المدن.
كما أنه إذا قامت مجموعة من األشخاص ببناء منازل سكنية في منطقة زراعية ،ال
يحق لهم المطالبة بإزالة المضايقات التي تحدث وفقا لطبيعة المنطقة الزراعية ،فعليهم
تحملها ألن تصرفهم هذا مخالف لقواعد تنظيم المدن .وبالمقابل يحق للمزارعين
المجاورين مطالبتهم بالتعويض عن األضرار غير المألوفة.
وعلى ذلك فإن العبرة بطبيعة العقارات المتجاورة بصفة عامة .والجدير بالمالحظة
أن المشرع حين صاغ نص المادة 5/196مدني جاء بصيغة الجمع
1
Nicolas, la protection de voisinage,R.T.D.civ,1976,p697.
/ 2د فيصل زكي عبد الواحد ،الرسالة السابقة ،ص 699وكذا د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود،
الرسالة السابقة ،ص 96
74
لكلمة عقار األمر الذي يستفاد منه ،أنه أخذ بالمعيار الموضوعي بتوسيعه مفهوم
الجوار ليشمل مجموعة من العقارات قد تشكل حيا أو منطقة زراعية أو صناعية والتي
تشكل نوع االستغالل المعد لها .فهناك عقارات بطبيعتها تكثر فيها الضوضاء والجلبة
وال يمكن اعتبار هذه األخيرة مضار غير مألوفة والعكس.
كما أن لطبيعة العقار ذاته اعتبار في تقدير الضرر غير المألوف ،فإذا كان العقار
محال عاما أو مقهى أو فندقا أو حانوتا للتجارة أو نحو ذلك تحمل من الضوضاء
والجلبة أكثر مما يتحمل المسكن الهادئ .فما يعتبر ضر ار مألوفا بالنسبة إلى هذه
األمكنة العامة ،يعتبر ضر ار غير مألوفا بالنسبة إلى المسكن .وما يعتبر ضر ار مألوفا
بالنسبة لمصنع تدور فيه اآلالت ويحتشد فيه العمال وتشتد الضوضاء .قد يعتبر غير
مألوف بالنسبة إلى المدرسة أو المستشفى.1
1د /عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط الجزء ،9المرجع السابق ،ص.199
2مجلة مجلس الدولة العدد 09ص 91
75
كما قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في 5009 /08/65تعد من مضار
الجوار غير المألوفة ،األضرار الالحقة بالبيئة ،الناجمة عن منشآت فالحية ،مجاورة
1
منطقة سكنية ،غير مراعية القوانين ذات الصلة.
وعليه فإن التالصق بين العقارات يقتضي تحمل الجيران بعض األصوات التي
تستلزمها ظروف االستعمال الطبيعي للعين ،كضربات األقدام أو تشغيل آالت الطهي
أو الدق في المطبخ أو روائح األطعمة ،...أما إذ وصل األمر إلى صدور ضجيج في
أوقات الليل المتأخرة مما يزعج الجار في نومه ،فإن ذلك يعتبر ضر ار غير مألوفا،
خاصة إذا كان مصدر هذه األصوات ال يتعلق بأغراض السكن ،كتشغيل آالت
موسيقية أثناء الليل 2.أو وصلت هذه األصوات بسبب ارتفاع ضجيجها إلى العقارات
البعيدة.
كما أنه في العقار الواحد يجب على صاحب السفل أن يتحمل بحسب طبيعة موقعه
من األضرار التي تصدر من صاحب العلو ما ال يتحمله صاحب العلو من صاحب
السفل ،بهذا قضى موقع السفل من العلو.3
76
ومالك العقار الذي يجاور الطريق العام أو السكة الحديدية أو المصانع يتعود من
الضوضاء ما يزعج العقار الموجود في منطقة هادئة بعيدة عن الضوضاء .فما يكون
مألوفا لألول قد يكون غير ذلك للثاني.1
والجدير بالذكر أن األضرار غير المألوفة إذا كانت تنشأ بداهة نتيجة التالصق
بين عقارين إال أن هذا ال يكون بصورة مطلقة ،فقد تتوافر رغم التباعد النسبي بين
عقار الجار المتضرر والعقار مصدر الضرر ،فقد يتضرر الجار المقيم بعيدا عن
مصنع من األدخنة المتصاعدة منه والمنقولة بفعل الرياح كما يتضرر الجار المقيم
قريبا من المصنع .كما أنه قد يقيم شخص بالقرب من المصنع ،ومع ذلك تعد األدخنة
المنبعثة من هذا المصنع مضا ار مألوفة له لبعده عن اتجاه الريح التي تحمل تلك
األدخنة الضارة .في حين تعد تلك األضرار غير مألوفة لشخص يقيم بعيدا عن هذا
المصنع لوجود عقاره في مهب الرياح اآلتية من ناحية المدخنة الجالبة للروائح الكريهة
والمضرة ،والتي تسبب له أض ار ار غير مألوف.2
ومن هنا نستخلص أنه يجب األخذ في االعتبار موقع عقار الجار المتضرر،
بغض النظر عن مكان ونوعية األنشطة الضارة.
1د عبد الرزاق أحمد السنهوري ن الوسيط المجلد – 9المرجع السابق-ص 199و .199
2د /نعمان محمد خليل جمعة ،الحقوق العينية األصلية-المرجع السابق -ص.820ز اررة عواطف ،التزامات
الجوار في القانون المدني الجزائري -المرجع السابق -ص 95
3الغرفة العقارية قرار رقم 404019الصادر بتاريخ 5005/01/68مجلة المحكمة العليا ،العدد الخاص ،اإلجتهاد
القضائي للغرفة العقارية الجزء الثالث 5060وكذا مجلة المحكمة العليا العدد األول .5009
77
كما قضت بتاريخ " 5005/09/65ال يحق لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة
الرخص األشغال لقواعد العمران قصد إعفائه من مسؤولية مضار الجوار .ألن هذه
1
تسلم تحت شرط مراعاة حقوق الغير"
كما قضت بتاريخ " 5009/08/65تعد من مضار الجوار غير المألوفة ،األضرار
الالحق ة بالبيئة ،الناجمة عن منشآت فالحية ،مجاورة منطقة سكنية ،غير مراعية القوانين
ذات الصلة".2
1قرار رقم 460569بتاريخ 5005/09/65مجلة المحكمة العليا -العدد الخاص -الغرفة العقارية الجزء الثالث
.5060
2الغرفة العقارية قرار رقم 448150الصادر بتاريخ 5009/08/65مجلة المحكمة العليا ،العدد الثاني .5009
78
خصصت للمساكن دون غيرها ،وسكنى العلية من الناس ،فإذا فتح محل مقلق للراحة في
وسط هذه المساكن الهادئة ،كان في هذا ضرر غير مألوف تجب إزالته".
وعليه فإن العقار الذي خصص للسكن الهادئ يختلف عن العقار الذي خصص
ألغراض تقتضي دوام الحركة وتدفق الناس عليها ،فالذي يكون ضر ار غير مألوف
بالنسبة إلى األول قد يكون ضر ار مألوفا بالنسبة إلى اآلخر .وما يعتبر ضر ار مألوفا في
منطقة مكتظة بالمصانع والمقاهي والمحالت العامة يعتبر ضر ار غير مألوف في منطقة
هادئة خصصت للمساكن دون غيرها .فإذا شيد مثال مصنعا ضمن المنطقة السكنية
الهادئة ،يكون الضرر الناجم عن المصنع غير مألوف ،يجب إزالته.ألنه ال يمكن
التسامح فيه في عالقات الجوار .وبالعكس ،إذا شيد جار منزال للسكن في منطقة
مخصصة أصال للمعامل والمصانع ،فال يجوز للمالك السكنى الجديد المطالبة إلزالة
الضرر ألن الضرر يعد أصال مألوفا في تلك المنطقة الصناعية وجب التسامح فيه في
عالقات الجوار.
ومن تطبيقاته :قضى مجلس الدولة في ق ارره الصادر بتاريخ 5005/02/58أنه ال
يمكن للوالية فتح مفرغة وتخصيص لها قطعة أرض ذات مساحة 40هكتار في وسط
خصص للسكنى ألن هذا يمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرز منها
والروائح الكريهة وغيرها من األشياء المضرة .1فأمر بغلقها.
وقضت محكمة استئناف مصر بتاريخ .26940/60/65أنه إذا أنشأت الحكومة محطة
من محطات المجاري على قطعة من أمالكها أقلقت إدارتها راحة السكان في حي
مخصص للسكنى ،كان لهؤالء السكان الحق في الرجوع على الحكومة بالتعويض عما
أصابهم وأصاب أمالكهم من أضرار
79
كما أن محكمة االستئناف المختلطة المصرية في 16946/06/55قضت بأن
الشركة التي تقيم مصانع وآالت في أحياء للسكن تكون مسؤولية عما يقع من أضرار
غير مألوفة.
وكذا العقار المخصص ليكون مصحة أو مستشفي قد يكون الضرر المألوف بالنسبة
2
إليه ضر ار غير مألوف .ويبقى المعيار مع ذلك معيا ار موضوعيا ال معيا ار ذاتيا.
مما سبق أستخلص أن المسؤولية الناجمة عن مضار الجوار غير المألوفة هي
مسؤولية مستقلة ،موضوعية ،وليست ذاتية ،وأن المعيار المعتمد يرتكز على
االستقاللية بحد ذاتها السيما على:
-العرف المبني على قواعد اللياقة الواجب مراعاتها بين المتجاورين ،والمستخلصة
من العادات والتقاليد التي ألفها الناس في حياتهم ومعيشتهم.
-طبيعة العقارات إ ن استغالل العقارات يؤثر في مفهوم الجوار .فما تعد أض ار ار
مألوفة لبعض العقارات المجاورة ،ال تعد كذلك بالنسبة لعقارات مجاورة أخرى فمن
العقارات ما يمكن تحمل المضار فيها فتصبح مضار مألوفة وأخرى ال يمكنها تحمل
نفس المضار فتصبح مضا ار غير مألوفة.
-موقع كل عقار بالنسبة إلى العقار اآلخر أن األضرار غير المألوفة إذا كانت تنشأ
بداهة نتيجة التالصق بين عقارين إال أن هذا ال يكون بصورة مطلقة ،فقد تتوافر رغم
التباعد النسبي بين عقار الجار المتضرر والعقار مصدر الضرر لذا يجب األخذ في
االعتبار موقع عقار الجار المتضرر ،بغض النظر عن مكان ونوعية األنشطة
الضارة.
80
-الغرض الذي خصص له العقار التخصيص الذي يضفي على الحي أو المنطقة
طابعا عاما ،يجعل من المألوف تحمل أض ارره ،وليس بالتخصيص الفردي لنشاط
معين.
الفرع الثالث :ضوابط تقدير الضرر غير المألوف التي لم تنص عليها
المادة 2/191
سبق وأن أشرت بأن الضوابط التي نص عليها المشرع الجزائري في المادة
5/196التي يجب على القاضي مراعاتها لتقدير الضرر غير المألوف جاءت على
سبيل المثال ال الحصر .لذا يمكن للقاضي مراعاة ضوابط أخرى إذا لم تكف
العناصر السابقة لبسط سلطته التقديرية في تقدير قيام المسؤولية .ومن هنا يطرح
التساؤل هل سبق حصول المالك على ترخيص إداري يستبعد قيام المسؤولية؟ وهل
أسبقية االستغالل أو الوجود تحول دون قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة وهل تأخذ في االعتبار الظروف الخاصة بالجار المضرور أي يأخذ في
الحسبان الضوابط الشخصية أو الذاتية للجار المضرور ،أو أن الضابط أو المعيار
الذي يجب على القاضي تقديره هو معيار الرجل العادي أي المعيار الموضوعي؟.
هذا ما أحاول توضيحه في هذا المطلب من خالل تقسيمه إلى ثالثة فروع.
81
اإلدارية تبيح إدارة المحل دون أن تكون هناك مسؤولية جنائية على صاحب المحل
ومن ثم فإن المالك يعصم من أوجه أخرى للمسؤولية 1.فالتصريح مقرر لتحقيق
أغراض عامة معينة ،حتى تتمكن اإلدارة من اإلشراف والرقابة على بعض أنواع
االستغالل للنشاط ووسائله حماية للصالح العام 2.فال تمنح الرخصة إال بعد البحث
والتحقق من مراعاة اللوائح المعمول بها.
من هنا يطرح التساؤل هل سبق حصول المالك على ترخيص إداري يستبعد قيام
المسؤولية؟ .3وكيف عالجت شريعتنا اإلسالمية هذا الموضوع؟
1د عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد -حق الملكية -المجلد -9المرجع
السابق ص.500
2د منصور صابر عبده خليفة – القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة الخاصة – الرسالة السابقة -ص
. 650
3بخالف المشرع الجزائري فقد تكفل المشرع المصري في المادة 5/905صراحة على بيان هذا األثر ولم يدع
ذلك الجتهاد الفقهاء .حيث نص صراحة على أن " ...وال يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون
استعمال هذا الحق" .من خالل النص ال يكون حصول المالك على ترخيص من جهات مختصة تأثيرا على
مطالبة الجار بتعويضه عن األضرار غير المألوفة التي تلحق به نتيجة استغالل للنشاط المرخص به.
4
Martin(G) La responsabilité civil pour faits de la pollution au droit a
l’environnement, thèse, op.cit, p88 et S.
82
غير أن هذا الرأي لم يلقى قبوال لدى الفقه والقضاء الفرنسي لمنافاته لقواعد
العدالة ،وألن الغرض من الترخيص اإلداري هو حماية المصلحة العامة ،التي تهدف
إلى حماية األمن والصحة العامة ،ال مصالح األفراد الخاصة .فالترخيص إن كان
يقصد به فرض رقابة الدولة لضمان توفر قدر من األمن ومنع األضرار ،إال أنه ال
يمنع كل األضرار .ولهذا فاإلدارة ترخص باالستغالل ،على أن يتحمل المرخص له
ويراعى عدم إضرار بالجيران ضر ار يتجاوز الحد المألوف.1
وعليه فقد استقر أغلبية الفقه والقضاء على تقرير المسؤولية على األضرار غير
المألوفة عن ممارسة األنشطة الضارة سواء حصل المسؤول عن ترخيص أو لم
يحصل من الجهات اإلدارية المختصة ،وسواء احترم نطاق الترخيص الممنوح له أو
خالفه.
وقد ساير القضاء الجزائري هذا الرأي في ق ارره الصادر عن مجلس الدولة 2بتاريخ
. 5005/02/58والذي جاء فيه أنه "ال يمكن أن تكون مزبلة في وسط سكاني تمس
بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرزها والروائح الكريهة وغيرها من
األشياء المضرة .فأمر مجلس الدولة بغلقها رغم وجود ترخيص إداري" .هذا ما
تستلزمه العدالة ذلك ألن اإلدارة ال يمكنها أن تعطي ترخيصا لممارسة نشاط معين
يضر بالجار ،خاصة وأن الجار هو جزء من المجتمع ،وهدف اإلدارة هو حماية أمن
وصحة المجتمع.
وفي قرار آخر صادر عن المحكمة العليا 3بتاريخ 5005/09/65حين قضت
"ال يحق لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة األشغال لقواعد العمران قصد
83
إعفائه من مسؤولية مضار الجوار،ألن هذه الرخصة تسلم تحت شرط مراعاة حقوق
الغير"
وقد طبق فقهاء الشريعة اإلسالمية هذه المبادئ واألسس بوضع قواعد فقهية
تستنكر اإلضرار بالغير" :الضرر يزال؛ ال ضرر وال ضرار؛ الضرر األشد يزال
بالضرر األخف؛ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ."...كما طبقوا هذه القواعد
على قضايا الجوار مما جعل الترخيص الصادر من اإلمام ال يحول دون مسؤولية
المالك ومنحوا للجار المضرور حق المطالبة بإزالة الضرر .ومن ذلك:
-من يأذن له اإلمام بحفر بئر في فناء داره ،وترتب على حفرها إضرار بالجار،
ضمن صاحب البئر وال يلتفت إلى الترخيص الصادر من اإلمام بحفرها.2
6مجلة المحكمة العليا –عدد خاص -اإلجتهاد القضائي للغرفة العقارية -الجزء الثالث -قسم الوثائق سنة-5006
المشار إليه أعاله -ص ،842ملف رقم 404019قرار بتاريخ 5005/01/68
2المغني البن قدامة – الجزء الخامس – المرجع السابق – ص .105
84
ومن هنا إن شريعتن ا اإلسالمية ال تعتد بالترخيص الصادر من اإلمام في حالة ما
إذا ترتب عن النشاط المرخص به إضرار بالجار .فمنحت لهذا األخير الحق في
المطالبة بإزالة الضرر والتعويض عنه إذا لزم األمر.
فهل يحق لمالك المنزل إذا تضرر من نشاط المصنع أن يطالب بالتعويض على
أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف؟ بعبارة أخرى هل تؤثر أسبقية
االستغالل أو الوجود على المسؤولية عن األضرار الجوار؟
اختلف الفقه والقضاء بخصوص هذه المسألة
فذهب البعض وهم قلة أن الجار الذي يستجد على المالك ليس له أن يشكو من
مضار جوار ولو كانت غير مألوفة .ألنه هو الذي سعى إلى جوار المالك .وهو عالم
بما في هذا الجوار من مضار ،فيكون قد ارتضى به ضمنا 1.فاألسبقية في التملك
تعفي من المسؤولية.
وق د أسس هذا جانب من الفقه والقضاء الفرنسي القديم رأيه ،إلى القول بعدم
إمكانية المطالبة بالتعويض عن األضرار التي تجاوز أعباء الجوار العادية إذا كان
إنشاء وتشغيل المصنع سابقا على استغالل العقار المجاور ،بمعنى أنه إذا أقام
1د /عبد الرزاق السنهوري –الوسيط الجزء – 9المرجع السابق – ص 900و .906د /عبد الناصر توفيق العطار
شرح أحكام حق الملكية – طبعة -6990عدم ذكر دار النشر-ص .29وقد جاء في المذكرة اإليضاحية للمشروع
التمهيدي "أما إذا كان المحل المقلق للراحة هو قديم .وقد وجد في ناحية مناسبة له ،ثم استحدث بعد ذلك بجواره
بناء للسكنى الهادئة .فليس لصاحب هذا البناء أن يتضرر من مجاورة المحل المقلق للراحة .بل هو الذي يلزمه دفع
الضرر عن نفسه ".مجموعة األعمال التحضيرية الجزء – 1المرجع السابق -ص 88 ،85
85
شخص مصنعا في منطقة بعيدة عن العمران ،ثم امتدت إليها يد العمران ،فال يجوز
للجيران المحدثين أن يشتكوا من األضرار التي قد تلحقهم من جراء تشغيل المصنع
والتي قد تنتج عنه روائح كريهة أو أدخنة أو غبار...ألن هؤالء المحدثين حين أقدموا
على البناء بجوار المنشأة مصدر الضرر كانوا على علم بوجود هذه األضرار ،ومن
ثم كان يتعين عليهم أن يدققوا ويمتنعوا عن البناء المقصود منه السكنى بجوار هذه
المنشأة .أما وأنهم قد أقدموا على البناء والسكنى فإنهم يكونوا قد عرضوا أنفسهم
بإرادتهم لتلك األضرار ،ومن ثم ال يكون لهم الحق في الشكوى عن هذه األخيرة ألنهم
بذلك إما أن يكونوا قد اقترفوا خطأ بالبناء بجوار هذه المنشأة مصدر الضرر ،واما أن
يكونوا قد قبلوا تحمل هذه المخاطر .وأن القضاء قد قبل فكرة قبول المخاطر لإلعفاء
من المسؤولية ،وان كان قد رفض االتفاق على اإلعفاء أو التخفيف من المسؤولية،
وفي كلتا الحالتين تنتفي المسؤولية وينتفي الحق في المطالبة بالتعويض .وقد حاول
هذا الجانب من الفقه أن يستند إلى أساس تشريعي لهذه الفكرة فوجد في القرار
اإلمبراطوري الصادر في 16960/60/62السيما المادة 09منه التي تنص "…
حينما يقوم الشخص بالبناء بجوار منشأة صناعية مرخص من جانب الجهة اإلدارية
فإنه ال يقبل طلبه بسحب الرخصة واغالق المنشأة " .يعتبر هذا الجانب من الفقه إن
هذا النص تطبيق للقانون العام وهو استثناء من القواعد العامة في القانون المدني.
ولما كان القانون العام يخضع تلك المنشآت المقلقة للراحة والمضرة بالصحة لنظام
الترخيص اإلداري ،ويحظر على األشخاص القيام بإنشائها أو تشغيلها إال بعد
1
Article 9 du Décret impérial du 15/10/1860 relatif aux Manufactures et Ateliers qui
répandent une odeur insalubre ou incommode. dont voici les termes « … tout individu
qui ferait des constructions dans le voisinage de ces manufactures et ateliers, après que
» la formation en aura été permise, ne sera plus admis à en solliciter l’éloignement.
2Demolombe ; cour de code Napoléon, tome 12, 5ed 1872, p 155.156.
-و المالحظ أن المشرع الفرنسي في هذا القرار المتعلق بالمضار الناتجة عن الروائح الكريهة والمزعجة .صنف
المنشآت الصناعية إلى ثالثة أصناف :الصنف األول خص المنشآت التي يشترط فيه إبعادها عن المحيط سكني
لخطورتها ،والصنف الثاني خص المنشآت التي ال يشترط إبعادها عن المحيط السكني إال بعد التأكد من عدم إلحاقها
مضار بالجيران .والصنف الثالث :خص المنشآت التي يمكن إقامتها بجوار المساكن بدون إزعاج ،ولكن تبقي تحت
مراقبة الشرطة .غير أن تطبيق المادة التاسعة فقد خص الصنف األول الذي يشترط إلقامته أن تكون المنشأة بعيدة
عن المباني السكنية بمسافة ال تقل عن خمسة كيلومترات ،وإلقامتها يشترط أن يمنح الترخيص بموجب قرار من
وزير الداخلية.
86
الحصول على هذا الترخيص ،فإنه متى تم هذا الترخيص فال يجوز للجار المضرور
1
التظلم أو الشكوى ،وال يقبل طلبه بإغالق المنشأة كليا أو جزئيا
كما قرر مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 6919/05/65بأن الشخص الذي يقيم بناء
بجوار المنشآت العامة كانت مصدر حرمانه من الشمس ،نتيجة ارتفاعها ،فإنه يكون
ملزما بتحمل هذه األضرار دون إمكانية المطالبة بالتعويض عنها بغض النظر عن
صفتها وعلى هذا األساس رفض طلب التعويض لكون الجار المضرور قد تملك
2
مسكنه بعد بناء المنشأة مصدر الضرر.
غير أن هذا الرأي على إطالقه غير سليم ،إذ أنه يضع المالك الالحق في التملك
أمام واحد من األمرين ،إما أن يختار نوع االستغالل الذي اختاره من سبقه ،أو يتحمل
المضار الجوار دون أن يكون له حق الشكوى ،لهذا رفض جمهور الفقه والقضاء
االتجاه القديم وانتقده ،على أساس أن التضامن االجتماعي يقتضي منع الضرر عن
الجيران القائمين والقادمين على السواء ،فال تجب األسبقية المسؤولية ،وان كان من
الجائز أن يكون لها شأن في تقدير التعويض .3كما أن األخذ بها يعد مخالف لقواعد
العدالة.
87
لذا ذهب جمهور شراح القانون إلى التمييز بين وضعين ،بحيث أن األسبقية في
االستغالل والوجود يمكن أن تكون فردية أو جماعية.
كما أن فكرة قبول المخاطر ضمنيا من جانب الجار الجديد تخالف قواعد
المسؤولية التقصيرية ،ألنها من النظام العام ويبطل كل اتفاق على ما يخالفها .ألنه
88
ال يمكن القول بأن الشخص الذي يمارس حقه ممارسة عادية ومشروعة أن ينسب إليه
أنه قبل مقدما قبول المخاطر وكثي ار ما طبق القضاء الفرنسي شرط عدم اإلعفاء من
المسؤولية في كثير من منازعات الجوار.1
أما االستناد إلى القرار اإلمبراطوري الصادر في 6960 /60/62من أجل اإلقرار
بفكرة األسبقية الفردية في غير محله ألن كما سبق بيانه أن الغرض من الترخيص
اإلداري هو حماية المصلحة العامة ،التي تهدف إلى حماية األمن والصحة العامة ،ال
مصالح األفراد الخاصة .فالترخيص إن كان يقصد به فرض رقابة الدولة لضمان توفر
قدر من األمن ومنع األضرار ،إال أنه ال يمنع كل األضرار .ولهذا فاإلدارة ترخص
باالستغالل ،على أن يتحمل المرخص له ويراعى عدم إضرار بالجيران ضر ار يتجاوز
الحد المألوف.2
1
-Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse ,Toulouse
1936.op.cit.p 320.
89
6990/05/04والمعدل بموجب قانون صادر في ،15008/05/05صراحة على
إمكانية مستغلو هذه المنشآت التمسك بفكرة أسبقية االستغالل الفردي ،وأعفاهم من
األضرار غير المألوفة الناتجة عن سير العمل متى كان سير العمل والتشغيل يتم وفقا
للقوانين واللوائح المعمول بها ،وفي حدود قيود الترخيص الصادر من الجهات
المختصة.إذ نص" المضايقات التي تصيب شاغلي المبنى بفعل المضار الناجمة عن
األنشطة الزراعية ،الصناعية ،الحرفية ،التجارية أو مالحة الجوية ال تعطي الحق في
طلب التعويض عنها حينما تكون رخصة بناء المبنى المعرضة لهذه المضار كانت قد
طلبت أو العقد الناقل للملكية أو عقد اإليجار في تاريخ الحق لألنشطة المسببة لها،
ما دامت هذه األنشطة تمارس طبقا للتدابير التشريعية والتنظيمات السارية التي
استمرت بنفس الشروط".
وعليه إذا كانت المنشأة مصدر الضرر أسبق في الوجود والتشغيل على الجار
المضرور وكانت األضرار التي أحدثتها مخالفة ألحكام القوانين واللوائح المعمول بها
أو تجاوزت حدود الترخيص الممنوح لها .جاز للجار المضرور المطالبة بالتعويض
عن هذه األضرار على أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة.
كما أن األسبقية الفردية في الوجود مقتصرة على صاحب المنشأة ذات الطابع
االقتصادي ،نظ ار لما أبداه المشرع الفرنسي من اهتمام بهذه المنشأة وما أضفاه عليها
من حصانة ضد الدعاوى التي ترفع عليها بالتعويضات عن األضرار التي تتجاوز
الحد المألوف بين الجيران ،فإنه بذلك يكون قد ألحقها بالمنشآت العامة ألن
1
; code de la construction et l'habitation, Art.L.112-16 (L.no80-502 du 04/07/1980
L.n°2003- 590 du 02/07/ 2003) « Les dommages causés aux occupants d’un bâtiment
par des nuisances dues à des activités agricoles, industrielles, artisanales, commerciales
ou aéronautiques n’entrainent pas droit à réparation lorsque le permis de construire
afférent au bâtiment exposé à ces nuisances a été demandé ou l’acte authentique
constatant l’aliénation ou la pris de bail établi postérieurement à l’existence de activités
les occasionnant dès lors que ces activités s’exercent en conformité avec les dispositions
législatives ou réglementaires en vigueur et qu’elles se sont poursuivies dans les mêmes
» conditions.
90
كليها مفيدة للجماعة وفي تنمية اقتصاد الدولة .ومما يمكن معه القول بتقرير نوع من
االرتفاق للمصلحة االقتصادية– ارتفاق اقتصادي -لكن يالحظ عدم التشابه بين هذه
المنشآت اإلنتاجية والمنشآت العامة ألن لكل منهما نطاق خاص تدور فيه .فالمنشآت
العامة تخضع لقواعد القانون اإلداري ،وهي تقرر تعويضا لمن تقرر االرتفاق على
ملكيته أي من نزعت ملكيته للمنفعة العامة إال أن هذا التعويض المستحق عن نزع
الملكية ال يتناسب البتة مع الثمن الفعلي للملكية المنزوعة بعكس الحال بالنسبة
للتعويض المستحق عن األضرار غير العادية التي تسببها المنشآت االقتصادية للجار
األسبق على تشغيلها ،إذ أنه يلزم التعويض عن كافة األضرار التي تتجاوز حد
المألوف.1
ومن ناحية أخرى أن الجهة اإلدارية حين تنزع الملكية للمنفعة العامة فإنها تضع
في اعتبارها مبدأ التعويض من البداية ،بعكس الحال بالنسبة للتعويض المستحق عن
األضرار غير العادية التي تسببها المنشآت االقتصادية فإن مبدأ التعويض يكون
منتفيا ويكون محال للجدل والنقاش.
وعليه فإن الفقه والقضاء استق ار على قبول دعوى التعويض من كل جار مصاب
بأذى تجاوز الحد الذي يستلزمه الجوار ،يستوي في ذلك أن يكون مالكا أو صاحب
حق انتفاع ،ولكن ال يقضى لكل من هؤالء إال بالتعويض الذي يتالءم مع القدر الذي
أصابه من الضرر ،ويقضى بالتعويض على من أحدث الضرر وسببه ،بصرف
النظر عن صفته التي مكنت له في إحداث ما حدث.2
ويرى بعض الفقه أن التزام الجوار يعتبر تكليفا على المالك بسبب ملكيته لعين
معينة ،وهذا االلتزام يرافق الملك وينتقل معه حينما ذهب بصرف النظر عن الطريقة
التي ين تقل بها الحق العيني الوارد على هذه العين أي سواء كان انتقال الحق العيني
باالستخالف أو بالعقد .والمدين فيه ال يتحدد بشخصه كما في االلتزام
91
الشخصي ،بل بوصفه صاحب حق عيني على هذه العين وعلى ذلك فالتزام الجوار ما
هو إال التزام عيني دون إمكانية القول بكونه ارتفاقا ألن االرتفاقات ما هي إال تكاليف
على األعيان لمنفعة أعيان أخرى مملوكة لمالك آخرين أما التزامات الجوار فهي
تكاليف على شخص معين بسبب ملكيته لعين معينة ،فتكون التزاما عينيا.1
وان كان البعض يعتبرها التزامات شخصية أي تتعلق بشخص الجار ،فاعال كان أو
2
مضرورا ،بغض النظر عن صفة األول أو الثاني أو كليهما
ويمكن أن أستخلص أن المشرع نظر إلى هذه األنشطة بنظرة مختلفة ،بحيث أن
هذه األنشطة في القرن التاسع عشر كانت تشكل مصلحة شخصية خالصة بعكس
الحال في القرن الحالي فقد أصبحت ينظر إليها على أنها تساهم في اقتصاد الدولة
وتقدم منفعة للجماعة ومن هذا المنطق تدخل المشرع لحماية أصحاب المنشآت من
الدعاوى التي يرفعها الجيران عن أضرار غير المألوفة ،وحرم الجار من التعويض
متى كان الحقا في وجوده عن المبنى محدث الضرر.
وعليه فإن هذا النص ال يستبعد مسؤولية أصحاب هذه المنشآت بصفة مطلقة عن
المضار غير المألوفة ،بل مكن الجار المضرور من المطالبة بالتعويض متى كان
الجار أسبق في الوجود على المنشأة محدثة المضار ،أو كان الحقا في الوجود عن
المنشأة لكن األضرار ناتجة عن عدم مراعاة التدابير التشريعية والتنظيمات السارية.3
أو عدم مراعاة طبيعة النشاط المرخص به حيث قضت محكمة النقض الفرنسية على
أنه إذا كانت المضار ناتجة عن نشاط ذي طبيعة غير مهنية ولم يخضع صاحب
المنشأة للتنظيمات الخاصة بذلك النشاط مثل تنظيمات استغالل
1د /عبد المجيد مطلوب – مقالة – التزامات الجوار – بحث مقارن بين الفقه اإلسالمي و القانون الوضعي -مجلة
العلوم القانونية واالقتصادية 6951.ص 20 ،49
2د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص 565
3
ENDREO, La théorie des trouble de voisinage après les lois du 31/12/1976 et du
04/07/1980, R.D.immob, 1980, p462
92
مساحة الغولف .يحق للجار المتضرر المطالبة بالتعويض حتى ولو كان الحقا في
1
الوجود عن صاحب هذا النشاط،
كما قضت محكمة النقض الفرنسية على أنه على الرغم من أن المضار المتعلقة
بالروائح والضجيج والدخان واالهت اززات وغيرها ...الناتجة عن التشغيل العادي
والمطابق لتنظيم االستغالل آللة أو جهاز فهذا قد ال ينفي قيام المسؤولية عن مضار
الجوار غير المألوفة .لذا فإن القاضي ال يمكنه رفض طلب التعويض عن المضار
المترتبة عن تسرب الدخان وسواد الدخان التي تعتبر نتيجة عادية الستغالل مطعم (
بيزيريا) أثناء استعماله آلة للطهي بالخشب والتي لم تحضر قانونا ،دون البحث ما إذا
كانت هذه التسربات المذكورة لم تتجاوز الحد المألوف للجوار.2
ويمكن أن أستخلص بأن األنشطة التي نص عليها قانون البناء واإلسكان الفرنسي
المؤرخ في 6990/05/04:والمعدل بموجب قانون صادر في 5008/05/05سواء
كانت الزراعية ،الصناعية ،الحرفية ،التجارية أو مالحة الجوية ،أتى بها على سبيل
االستثناء عن القواعد العامة والهدف منه حماية تنمية اقتصاد الدولة.
وقد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن األنشطة المذكورة قد وردت على سبيل
الحصر ومنه فنشاط الطبيب والمحامي والمقاول ال يدخل ضمن مضمون هذه المادة
3
وبالتالي ال يتمتع بحق اإلعفاء من المسؤولية.
1
Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op cit, p 38.cass2e civ.10/06/2004,RJDA 11/4
n°128.
2
Cass civ 3e 24/10/1990,Bull civ III n° 205
3
Lambert-pieri :thèse ,op.cit. Construction immobilière et dommage aux voisins. p60.
93
-أن تكون المنشأة مصدر الضرر من المنشآت ذات الطابع االقتصادي متمثل
في النشاط الزراعي أو الصناعي أو الحرفي أو التجاري أو المالحة الجوية .
-أن تكون المنشأة المسببة للضرر سابقة في تشغيلها عن الجار المضرور.
-أن تمارس هذه األنشطة ذات الطابع االقتصادي طبقا للقوانين والتنظيمات
المعمول بها.1
بتوفر هذه الشروط يكون مستغل المنشأة ذات طابع اقتصادي في منجى من
مسؤولية األضرار التي تجاوزت الحد المألوف متى كانت هذه األنشطة أسبق في
التشغيل على الجار المضرور وفقا لما قرره المشرع الفرنسي وطبقه القضاء الذي ال
2
يلزم المتسبب في الضرر في حالة توفر هذه الشروط من إثبات خطأ المضرور.
ويتم تحديد أسبقية االستغالل طبقا لما قرره المشرع الفرنسي في نفس المادة المذكورة
أعاله بإحدى الوسائل التالية :برخصة البناء ،بالعقد الناقل للملكية ،أو بعقد اإليجار.
فبالنسبة لرخصة البناء فقد قررت محكمة النقض الفرنسية لتحديد أسبقية االستغالل
3
بتاريخ تسليم هذه الرخصة
أما بالن سبة لعقد البيع وعقد اإليجار فقد أخذ المشرع بتاريخ العقد الرسمي الناقل
للملكية ،غير أنه يعاب على هذا بأن الوعد بالبيع هو عقد ملزم لجانبين رغم عدم
توثيقه وافراغه في شكل رسمي .وبالتالي يمكن تحديد أسبقية الوجود بمجرد
1
Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op cit, p90. cass 2e civ 05/10/2006 Bull.civII,
n°225 p659.
2
Cass 3e 24/04/2000. Bull.civIII.n° 92p 625.
3
Cass 3e 24/04/2000. Bull.civIII.n° 92p 625 .
94
إبرام عقد الوعد بالبيع .كما أن عقد اإليجار ال يشترط فيه المشرع إفراغه في شكل
1
رسمي بل يكفي النعقاده أن يكون مكتوبا وثابت التاريخ
ومن هنا يطرح التساؤل هل أسبقية االستغالل الجماعي تعفي من قيام المسؤولية
أم ال؟
فإذا كانت األسبقية الجماعية في االستغالل والوجود ،قد ترتب عليها طابع الحي
بصبغة معينة ،ككونه حيا صن اعيا ،أو تجاريا ،فإن من شأن هذه األسبقية أن تمنع
الجيران الجدد من الرجوع على القدامى بالتعويض بسبب ما يلحقهم من أضرار ،ألن
هذا الضرر يعتبر ضر ار مألوفا في هذا الحي.3
فالعبرة في تحديد هذه المضار وتقدير المسؤولية عنها تكون بطبيعة الحي الذي
توجد به العق ارات ،ونوع نشاط استغالل المعدة له ،ومدى اعتبارها مألوفة أو غير
مألوفة في هذا الحي طبقا للعرف السائد والغرض الذي خصصت له.
والحقيقة أننا هنا نعود إلى تطبيق المعيار الموضوعي للضرر غير المألوف ،ألن
المدينة إذا أصبحت في غالبها مصانع أو محالت تجارية ،فإن طبيعة العقارات
1
Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op cit, p90
2
; Leyat, thése, préc, p336 et s ; Caballero, thése, préc, p261 ; Cosmas, thése, préc, p65
Robert, (André) –Les relations de voisinage, préc, p650 et s.
د /زكي زكي حسين زيدان،حدود المسؤولية عن مضار الجوار في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني -الرسالة
السابقة -ص .654
3د /منصور صابر عبده خليفة ،القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة الخاصة – الرسالة السابقة -ص662
95
والغرض الذي خصصت له هو الذي يجعل المضار مضا ار مألوفة بالنسبة لهذا
المكان.1
وعليه فقد قرر الفقه والقضاء لتحديد نوع الضرر ،كونه مألوفا يجب على الجيران
تحمله أو غير مألوف يلزم التعويض عنه يتم بتحديد طبيعة المنطقة ونوع االستغالل،
مع األخذ بعين االعتبار عرف المنطقة أو المدينة أو الحي المتواجدة به هذه العقارات
وهل تعد منطقة صناعية أو تجارية أم سكنية .وهل تعد المنطقة السكنية منطقة هادئة
أو متوسطة أم شعبية.
وقد قررت محكمة استئناف الفرنسية بعدم قيام مسؤولية صاحب مصنع الصلب
المتواجد في منطقة صناعية عن األضرار الناتجة عن األصوات والغبار المتصاعد
عن دخول وخروج الشاحنات إلى المصنع في أوقات العمل وليس في الليل وعطل
نهاية األسبوع واعتبرت هذه األضرار عادية خاصة وأن السكان المجاورين رفضوا
بناء جدار عازل للصوت على طول ملكيتهم.3
رغم استقرار الفقه والقضاء في فرنسا على االعتداد بفكرة أسبقية االستغالل
الجماعي وذلك عند تقدير المضار ،إال أنهم لم يأخذوا بهذا الحل بصفة مطلقة ،بل
أن محكمة النقض قررت بأن ظاهرة سبق االستغالل الجماعي ال تقود قاضي
1د /سعيد جبر ،حق الملكية ،جامعة القاهرة ،طبعة ، 5005ص ، 856 ، 850د /عبد الرزاق السنهوري ،حق
الملكية ،ج - 9المرجع السابق -ص .505
2د /أنور سلطا ن ،نظرية التعسف في استعمال حق الملكية ،مجلة القانون واالقتصاد ،السنة 65العدد األول،
،6945المرجع السابق -ص .02
3
CA Pau 23/01/2006 Bull inf .C.cass 671/2007.
96
الموضوع إلى اعتبار المضار المطابقة لطبيعة المنطقة ،بأنها مضار مألوفة ال يجوز
التعويض عنها بصفة مطلقة ،بل يتعين النظر إلى درجة المضار وما إذا كانت
تجاوز الحد الذي يجب تحمله من عدمه .فليس معنى إقامة شخص في منطقة
صناعية هو رفض منحه التعويض عن المضايقات التي تهيمن على المنطقة وذلك
بمقولة أنها تعد من األعباء العادية المطابقة لطبيعة المنطقة ،بل يلزم النظر إلى
درجة هذه المضايقات وكثافتها وما إذا كانت تتسم بالشدة واالستم اررية مما يجعل
معها الحياة مستحيلة وعلى ضوء ذلك التحديد يتم تقييم المضايقات.1
-6إن تطور مفهوم الجوار تطو ار مذهال ،وما صاحبه من امتداد الجوار لمدن
وأحياء مجاورة يجعل من الصعوبة بمكان وضع فكرة سبق الوجود أساسا لجعل
المضار مألوفة ،أو غير مألوفة.
-5أن القول بأن الشريعة اإلسالمية 2هي أصل النظرية ،وهي تأخذ بمسألة سبق
الوجود الفردي مردود عليه من ناحيتين :األولى أن المسألة اجتهادية ومحل خالف وال
يحسمها إال انحياز الجانب األكبر من الفقهاء إلى اتجاه معين .أما الثانية
1د /عطا سعد محمد حواس -المسؤولية عن أضرار التلوث في نطاق الجوار -المرجع السابق -ص . 299 ،295
Cass civ 3e 24/10/1990,Bull civ III n° 205.
2ذهب رأي في الفقه اإلسالمي إلى أنه يجب على الجار القديم أن يراعي وجود جاره الجديد بجواره ،فيلتزم بما
تلزمه به قيود الجوار ،وذلك بناء على أن التزام الجار بهذه القيود والحدود التزام مطلق غير مقيد بقيد القدم أو
الحدوث ،وإذا لم يكن الجار القديم أي المالك القديم ملزما بشيء من تلك القيود والحدود لعدم وجود من له الحق في
االستفادة منها ،فإنه يصبح ملتزما بها عند وجود صاحب الحق فيها(.د/عبد المجيد مطلوب .المقال السابق -التزامات
الجوار -مجلة العلوم القانونية واالقتصادية .6951ص. 26
97
فهي أن معظم فقهاء المسلمين يرفضون مسألة سبق الوجود إذ ال يمكن االحتجاج بأن
سبب الضرر قديم ،فيجب على الجار الحديث تحمله ،ألنه ال فرق بين القديم
والحديث ألن العلة في المنع هو توافر الضرر الفاحش .وشأن الضرر الفاحش أن
يزال ،ولو كان قديما ،ذلك أن الضرر الفاحش واجب الرفع قديمه كحديثه .ومن كانت
تعود أن يلقى فيها بالقاذورات ،ثم أنشئت بجوارها مساكن تأذىله أرض فضاء ّ
قاطنوها من الروائح المقززة الناتجة عن تلك القاذورات وجب عليه أن يدفع الضرر،
أما بالبناء عليها ،أو ببيعها لمن يبنى عليها ،أو يمتنع عن إلقاء القاذورات بها .ويرى
هذا االتجاه أن في هذا الفرض األخير أن األرض قديمة والجيران محدثون ،ومع ذلك
يمنع صاحبها من اإلضرار بجيرانه ،بصرف النظر عن مسألة سبق الوجود ألن العلة
كما قلنا هي بتوافر الضرر الفاحش من عدمه
-8أن األخذ بفكرة سبق الوجود قد يوقع المالك الجديد في حرج شديد فإما أن
يتعايش مع طبيعة الحي ويتحمل الضرر بحسبانه مألوفا ،واما أن يساير السابقين
على وجوده ويوظف ملكه على هذا أساس ،وقد ال يجيد المهنة الجديدة ،واما أن يترك
الحي ويبيع أرضه تخلصا من هذا ،وفي هذه الحالة قد يكون الثمن بخسا ،وهو ما ال
يقصده المشرع حينما أخذ بنظرية مضار الجوار غير المألوفة.1
وخالصة لما سبق أنه ثمة إجماع من الفقه والقضاء على حلول فكرة أسبقية
االستغالل الجماعي محل فكرة أسبقية االستغالل الفردي ،كما أن المشرع الفرنسي قد أخذ
بفكرة أسبقية االستغالل الفردي بالنسبة لبعض األنشطة االقتصادية ،الصناعية والتجارية
والزراعية ذات النفع العام وهي األنشطة التي ينتج عنها أضرار لها صفة الخطورة
فأعطى للجار السابق فرصة المطالبة بالتعويض عن تلك األضرار ومنع الجار الالحق
من اإلقدام على مجاورة هذه األنشطة بأنشطة تتأثر بهذه األضرار الناجمة عن األنشطة
األولى ورفض الفقه والقضاء لفكرة أسبقية االستغالل الفردي له
1د /محمد محي الدين إبراهيم سليم – الظروف الخاصة بالجار المضرور ومدى تأثيرها على مبدأ المسؤولية ،أو
مقدار التعويض – دراسة مقارنة في إطار نظرية مضار الجوار غير المألوفة -مقال منشور في المجلة البحوث
القانونية واالقتصادية – العدد السادس -أفريل . 6994ص 94و ما بعدها
98
ما يبرره حيث أوردوا أن تخويل الجار القديم سلطة استعمال ملكيته بطريقته الخاصة
وتخويله االحتجاج في مواجهة المضرورين بأسبقية االستغالل ،معناه فرض إرادته على
مستقبل الحي وتقرير امتياز له دون سند وتسبيبه أضرار للجيران تتجاوز الحد العادي
والمألوف دون إمكانية المطالبة بالتعويض وبذلك يضع المالك الالحقين أمام أحد أمرين
إما أن يختاروا نفس النشاط الذي يقوم به الجار القديم وقد ال يكون ذلك ميسو ار لهم أو
غير مرغوب فيه من طرفهم ،واما أن يختاروا نشاطهم بإرادتهم دون إمكانية المطالبة
بالتعويض عما يصيبهم من أضرار تتجاوز الحد العادي والمألوف بينهم ويتضح أنه في
كال الحاليين في منجى من المسؤولية ،وتلك نتيجة ليست منطقية وغير عادلة .وينتهي
غالبية الفقه والقضاء إلى رفض فكرة أسبقية االستغالل الفردي من حيث المبدأ ،وال ضير
مما أطلق عليه من إحالل فكرة أسبقية االستغالل الجماعي محلها.1
والرأي عندي أن فكرة االستغالل الفردي أو الجماعي تخالف قواعد العدالة وكذا
القواعد العامة في القانون .إذ ليس من العدالة حرمان الجار المضرور من مضار الجوار
غير المألوفة من التعويض عما لحقه من أضرار بمجرد أسبقية استغالل الجار مصدر
المضار .ألن قواعد المسؤولية متعلقة بالنظام العام ،الذي ال يجوز مخالفتها ص ارحة أو
ضمنا.هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن القانون المدني سمح لألفراد أن يستعملوا حقهم كما يشاؤون
بشرط عدم مخالفة أحكام القانون .وعليه في حالة ما إذا لم يمنع الشخص بموجب القانون
أو اللوائح من البناء أمام المنشأة محدثة الضرر فإنه ال يمكن اعتباره مقترفا لخطأ البناء
بقربها.
ومن جهة ثالثة يكفي لتحديد هذه المضار وتقدير المسؤولية عنها الرجوع إلى طبيعة
الحي الذي توجد به العقارات ،ونوع نشاط استغالل المعدة له ،ومدى اعتبارها
د /ياسر محمد فاروق المنياوى -المسؤولية الناشئة عن تلوث البيئة -المرجع السابق -ص 845و.849د /عبد 1
99
مألوفة أو غير مألوفة في هذا الحي طبقا للعرف السائد والغرض الذي خصصت له.
ب الرجوع إلى تطبيق المعيار الموضوعي للضرر غير المألوف ،ألن المدينة إذا أصبحت
في غالبها مصانع أو محالت تجارية ،فإن طبيعة العقارات والغرض الذي خصصت له
هو الذي يجعل المضار مضا ار مألوفة بالنسبة لهذا المكان .وعلى ذلك فإن جوهر
المشكلة يكمن ليس في مدى اإلعفاء من المسؤولية في حالة األسبقية الفردية أو الجماعية
وانما في تقدير أو تحديد مستوى المضار وهل تجاوزت أو لم تتجاوز الحد المألوف .
وعليه حسنا فعل المشرع حين لم يتعرض لفكرة أسبقية االستغالل وترك تقدير الضرر
للقاضي بالرجوع إلى العرف ،وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين
والغرض الذي خصصت له.1
وبعبارة أخرى إن األضرار العادية ال أثر لها على الجيران بصفة عامة ،إال أنها قد
تكون غير محتملة لشخص مرهف الحس أو ضعيف األعصاب أو مريض يناشد الهدوء
أو المشتغل بعمل عقلي تمنعه من التركيز فيه ...فهل الظروف الشخصية الخاصة
بالجار المضرور أو االستعداد الشخصي له أثر في تقدير الضرر غير المألوف الذي
يحدثه جاره؟ أو يتعين تقدير الضرر وفقا لمعيار موضوعي مجرد وهو معيار الرجل
العادي؟.
اختلف الفقه في هذه المسألة:
100
فذهب االتجاه األول :1أنه على القاضي عند تقويمه المضايقات الجوار أن يأخذ
في االعتبار ظروف الشخص الذاتية ،وانفعاالته النفسية وحساسيته المفرطة باعتبار
أن هذه الظروف ما هي إال جزء من كل ،وهي جميعا من نفس الدرجة من األهمية،
خاصة بالنسبة لألضرار الجوار التي بدأت تسيطر في الوقت الحاضر نتيجة التقدم
التكنولوجي في كافة المجاالت ،كالضوضاء ،والضجيج الناتج عن تشغيل المصانع
أو من عمليات البناء والتشييد أو من محركات وسائل النقل باختالف أنواعها ،وكذا
الروائح الكريهة واألتربة والغبار واالهت اززات الناجمة عن سير العمل في بعض
المنشآت .فهذه النوعية من المضار ،فإن كانت ال تؤثر في بعض األحوال على
الشخص العادي فإنها تؤثر دون شك على األشخاص المرضى الذين يرجون الهدوء،
أو ضعفاء األعصاب .لذا يرى أنصار هذا االتجاه إلى ضرورة األخذ بالظروف
الخاصة بالمضرور لتقدير الضرر غير المألوف .بغض النظر عن حالة الشخص
العادي الذي يوضع في نفس الظروف وما إذا كان يمكنه تحملها من عدمه.
-أنه عند تقويم األضرار يكون القاضي أمام اعتبارات شخصية ليس فقط من جانب
الجار المضرور ولكن أيضا من جانب الجار محدث الضرر ،لذا يتعين
1
Cosmas, Les troubles de voisinage, these, op.cit. p67. Tunc (André).R.T.D. Civ.1962,
« Lesوالذي يقول في هذا الصددop.cit, p100. Jaubert(M.F), op.cit. ,J.C.P. 1975, 11,18014.:
tribunaux, tiennet aussi compte, dans l’appréciation du dommage de ce que l’on appelle
la réceptivité de la victime, c'est-à-dire de la situation personnelle de cette dernière ».
101
تفضيل األول باعتباره الطرف الضعيف ،وهذا يقتضى األخذ في االعتبار حالته
الذاتية ،وبغض النظر عما يمكن أن يتحمله أو ال يتحمله الشخص العادي.
-أنه إذا كان القانون يعمل على إقامة التوازن بين حريات األفراد ومتطلباتهم
االجتماعية وبين األنشطة المختلفة والتوفيق بينها ،فإنه يجب أن يضع الشخص في
حسبانه عند ممارسته ألنشطته المختلفة المضار التي تحدث لجيرانه وأن يبذل
قصارى جهده في سبيل الحيلولة دون حدوثه .فالجار الذي لديه مثال آلة موسيقية أو
جهاز راديو يجب أن يعمل على أن ال يصدر منه أي ضوضاء ،السيما إذا كان جاره
يحتاج إلى كثير من الهدوء والراحة بسبب حالته الشخصية ،وبالتالي يجب أن يراعي،
أثناء ممارسة أنشطته الحالة الشخصية للمضرور .ويتعين على القاضي وضعها في
االعتبار عند تقويمه األضرار.1
وذهب االتجاه الثاني 2وهو الغالب :إلى رفض فكرة األخذ بالمعيار الشخصي
للمضرور ،ووجوب األخذ بالمعيار الموضوعي .أي االعتداد بمعيار الرجل العادي
وليس على أساس حالة الشخص المريض أو مفرط الحساسية ،ويرى أنصار هذا
االتجاه أنه إذا كانت الظروف الشخصية المتعلقة بالجار ال يجوز أن تكون محل
اعتبار عند تحديد وصف المضار ،وما إذا كانت مألوفة أو غير مألوفة ،إال أن هذه
الظروف تدخل في تقدير التعويض المستحق له إذا ما تبين على ضوء االعتبارات
الموضوعية ،أن المضايقات التي نتجت عنها األضرار هي غير مألوفة .فالظروف
الشخصية للجار ال تعتبر ظرفا مشددا في وصف المضار وانما تعتبر عنص ار في
تقدير التعويض .فلو تقرر أن المضار غير مألوفة ،فإن التعويض يشمل كل ما
أصاب الجار.
1د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص . 628د/محمد محي الدين إبراهيم سليم – البحث السابق-
ص .854وقد أشار كل منهما إلى:
Hérve, les troubles de voisinage en matière urbain, mémoir,1971,p 91 et s. Tunc
(André).R.T.D. Civ.1962, op.cit, p100
2
-Nicolas,(Marie-France)-La protection du voisinage, art, op cit, p689.
د /السنهوري ،الوسيط ،المرجع السابق ،المجلد ، 9ص .195د /أحمد سالمة ،الملكية الخاصة،المرجع
السابق،ص .695د /إسماعيل غانم ،حق الملكية ،المرجع السابق ،ص .684 ،688منصور مصطفي منصور،
حق الملكية ،المرجع السابق ،ص ,15د /عبد المنعم فرج الصدة ،حق الملكية ،المرجع السابق،ص .15
102
ويستند أنصار هذا االتجاه على الحجج التالية:
-إن األخذ بالظروف الشخصية للجار المضرور ،يقيد حق الجار في استعمال حقه
الذي يمارسه ممارسة عادية ومشروعة ،وهذا يتنافي وقواعد العامة التي تأخذ بمعيار
الرجل العادي.
-أن األخذ في االعتبار الحالة الشخصية للجار المضرور لتقدير المضار ،يتيح
الفرصة للجار المضرور من تقييد الجار في استعمال حقه ولو كان استعماال عاديا
ومشروعا .وهذا مخالف لقواعد العدالة.1
وقد أخذ القضاء الفرنسي بهذا االتجاه مؤكدا عدم األخذ بالظروف الخاصة بالجار
المضرور عند تقدير المضار غير المألوفة التي يجب تقديرها على أساس معيار
الرجل العادي وليس الشخص مفرط الحساسية أو المريض.
وتطبيقا لذلك:
-قضى بعدم مسؤولية مشغل المنشأة الصناعية التي ترسل ضجيجا خفيفا والذي
ال يسبب أض ار ار مفرطة للجار المضرور ،وأن انزعاجه المفرط ناتج عن حالته
2
العصبية.
-كما قضت برفض طلب التعويض المقامة من المستأجر عن األصوات الناجمة
عن سير المياه في مواسير موقد التدفئة الخاص بالجار ،وذلك على أساس
1
LeTourneau(Philippe)-La responsabilité civil, op cit. p650.
2
Cass.civ, 22/01/1969
103
أن هذه المضايقات يجب أن يتم تقديرها وفقا لما يتحمله أو ال يتحمله الشخص العادي
1
ذو صحة جيدة .وليس على أساس الشخص المريض أو مفرط الحساسية.
-كما قضت برفض طلب التعويض المقامة من الجار السفلى على الجار
العلوي عن األصوات الناجمة عن دبدبة األقدام وسحب الكراسي واعتبرت هذه
األصوات أضرار عادية ناتجة عن العيش في البناية المشتركة .وجب على الجار
2
تحملها.
وذهب االتجاه الثالث وهو جانب من الفقه الفرنسي :3إلى التوسط بين االتجاهين
السابقين ،ففرق بين حالتين:
الحالة األولى :حالة الشخصية للجار المضرور التي ترجع خطأ من جانبه،
كتعاطيه المخدرات أو الخمور ،مما يؤثر على حالته الصحية والعصبية وتجعله مفرط
الحساسية لكل ضوضاء نتيجة إدمانه ،ففي هذه الحالة ال يجوز للقاضي أخذها في
اعتبار ،عند تقويم األضرار المدعاة والحكم بالتعويض عنها ،بل يتعين النظر إلى ما
يتحمله الشخص العادي من عدمه.
الحالة الثانية :حالة ما إذا كانت الظروف الخاصة بالجار المضرور أو حالته
الذاتية تجعله مفرط الحساسية لسبب خارج عن إرادته ،كمرض القلب أو الربو أو
المصاب بمرض عصبي .ففي هذه الحالة يتعين على القاضي أخذها في االعتبار
عند تقويم األضرار المدعاة ،بغض النظر عما يتحمله الشخص العادي من عدمه.
ويستند هذا اال تجاه إلى القول بأن سبب اإلعفاء من المسؤولية ال يكون إال إذا كان
فعل المضرور يشكل خطأ .وفيما عدا ذلك فإن المسؤول عن األضرار يلزم
1
Trib.gra. ist. Riom, 17/03/1965.R.T.D.civ. 1965,p832.
2
Cass.3e civ 15/06/2005 . Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op.cit. p166 et 258.
3
Rémond- Gouilloud (Martiene) : Du préjudice écologique, D.S. 1989, Chron, p 259.
104
بتعويض الجار عما لحقه من أضرار ،بغض النظر عما إذا كانت تجاوز أو ال تجاوز
1
أعباء الجوار العادية ،وفقا لما يتحمله الشخص العادي.
والرأي عندي هو األخذ باالتجاه الثاني الذي ذهب إليه غالبية الفقه ،والذي أخذ
بالمعيار الموضوعي لتقدير الضرر غير المألوف .ألن هذا يتفق مع ما أتي به
المشرع في المادة .5/196حين وضع االعتبارات التي يجب مراعاتها عند تقدير
األضرار ،وكلها اعتبارات موضوعية ،ال تتغير بتغير الظروف الخاصة بالجار
المضرور ،وهذا يتفق مع مقتضيات العدالة وروح التشريع.
ومن جهة أخرى إن األخذ بالظروف الخاصة بالجار المضرور .تقيد من استعمال
الجار لممارسة حقه المقرر له قانونا ،خاصة وأن المشرع حين منح الحقوق لألفراد
فرض عليهم بالمقابل االلتزام بسلوك الرجل العادي وهو الرجل المعتدل ،أثناء
ممارستهم لحقوقهم .ومنه فإن اإلفراط في الحساسية ليست من صفات الرجل العادي.
خالصة المبحث
أخلص من كل ما تقدم في هذا المبحث ،أن المشرع أشار في المادة 5/196إلى
عدة ظروف يجب على القاضي مراعاتها عند تقديره للضرر غير المألوف والتي
أوردها على سبيل المثال ،وأن معيار الضرر غير مألوف يتصف بأنه معيار مرن
يصلح لمواجهة التطورات التي يمر بها المجتمع ،وعلى القاضي أن يتكيف مع
الظروف المختلفة ويواجه الحاجات المتغيرة ويستجيب لمقتضيات كل منها .وللقاضي
أن يستعين بع ناصر أخرى في تحديد مدى اعتبار الضرر مألوفا ،أو غير مألوف،
ألن الظروف المذكورة في النص ليست واردة على سبيل الحصر كما سبق بيانه .بل
هي مجرد أمثلة للظروف الموضوعية التي يجب على القاضي
د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص.629، 629 1
105
مراعاتها ،وأن تقدير الضرر غير المألوف هي مسألة يستقل بها قاضي الموضوع
دون رقابة من المحكمة العليا.
وعلى ذلك فإن الظروف التي ذكرها المشرع في المادة ، 5/196بصدد تقدير عدم
مألوفية الضرر ،هي ظروف موضوعية بحته ،تنطبق في كل الحاالت ،وأن ما ذهب
إليه بعض من الفقه إلى عدم إمكانية إدخال ظروف المتضرر الشخصية في تقدير
التعويض ،يستحق الترجيح ،نظ ار ألن المشرع حين منح الحقوق لألفراد فرض عليهم
بالمقابل االلتزام بسلوك الرجل العادي وهو الرجل المعتدل ،وعليه فإن اإلفراط في
الحساسية ليست من صفات الرجل العادي.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن تعريف الظروف أو العناصر التي على القاضي
مراعاتها في تقدير ال ضرر غير المألوف .بأنها تلك الظروف أو العناصر أو الوقائع
التي تؤثر على صفة الضرر فتجعله أشد أو أقل جسامة فتضفي عليه صفة عدم
المألوفية أو ال تضفيها عليه حسب األحوال المحيطة من حيث الموقع والغرض
المخصص له ،باإلضافة إلى زمان ومكان وقوع الفعل الضار .ومدى إمكانية تجنبه.
وينتج عن تلك األفعال قيام المسؤولية حال توافر صفة الضرر غير مألوف فيها ،أو
انتفاء المسؤولية حال عدم توافر هذه الصفة.
106
الفصل الثاني
مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة
تمهيد
تعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة من النظريات التي اعتمد عليها الفقه
والقضاء لجبر الضرر الذي تحدثه األنشطة الضارة نتيجة التطور الذي عرفه اإلنسان
والذي أدى إلى زيادة أضرار الجوار التي ال تقف عند حد معين ،بل تزداد يوما بعد
يوم .
ومن تلك األضرار التي تجاوزت الحد المألوف تعليق المقعرات الهوائية على
الشرفات والنوافذ وتغيير المظهر الخارجي للشقق المملوكة بغلق الشرفات أو توسيع
النوافذ ،وما ينتج عنها من ضرر بصري يضر بالجار أو إقامة مصنع بالجوار وما
ينتج عنه من أدخنة وروائح وضوضاء .فكلما تقدمت المدنية ظهرت معها صور
جديدة من األضرار.
ومن أجل هذا اتجهت أنظار الفقه والقضاء إلى قواعد المسؤولية الموضوعية
القائمة على أساس الضرر .بعد أن وجدت قصو ار في المسؤولية التقصيرية القائمة
على أساس الخطأ الواجب اإلثبات أو المفترض وكذا قواعد نظرية التعسف في
استعمال الحق .وقد فضل الفقه والقضاء نظرية مضار الجوار للفصل في النزاعات
القائمة بين الجيران ألنها أكثر حماية للمضرور الذي ال يلزم بإثبات خطأ الجار
محدث الضرر المتجاوز الحد المألوف.
وقد اهتم المشرع الجزائري بهذه النظرية ومنحها عناية خاصة وذلك بتخصيص
نصا خاصا لها ،بعد أن وضع فيه مبدأ عاما يلزم المالك أال يتعسف في استعمال
حقه إلى حد يضر بجاره .وميز بين مضار الجوار المألوفة التي ال تمكن الجار
107
المضرور من الرجوع بالتعويض على المالك .وبين المضار التي تجاوزت الحد
المألوف التي تمكن الجار من المطالبة بإزالتها.
ومن هنا وجب البحث عن مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة .من خالل
عرضه في مبحثين.
المبحث األول :مضمون نظرية مضار الجوار غير المألوفة
المبحث الثاني :آليات تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة في القانون
المدني الجزائري
108
المبحث األول
مضمون نظرية مضار الجوار غير المألوفة
يثار التساؤل هل تكفي قواعد المسؤولية التقصيرية لحماية الجار المضرور من
األضرار التي تصيبه نتيجة التطور الذي عرفه المجتمع المعاصر في المجال
الصناعي واالقتصادي والتكنولوجي ؟ أم ثمة صعوبات لجبر الضرر الذي يلحق
بالجار المضرور؟ واذا كانت اإلجابة بوجود صعوبة لجبر الضرر ولم تسعفنا قواعد
المسؤولية التقليدية؛ فهل يمكن تحقيق هدف تعويض الجار المضرور من خالل
التطور الحاصل لطبيعة المسؤولية المدنية ،من مسؤولية محورها الخطأ إلى مسؤولية
موضوعية محورها الضرر ،وذلك باعتبار أن تطور المسؤولية المدنية يجب أن
ينعكس ليس في التعويض عن األضرار التي تجد سببا لها في الخطأ ،ولكن اعتدادا
بالضرر أكثر من االعتداد بدرجة الذنب وبالمخاطر االجتماعية لهذا الخطأ.1
ونظ ار لألهمية البالغة للجوار فإن فقهاء الشريعة اإلسالمية اهتموا بهذا الموضوع
كونه سبب الكثير من األضرار التي تلحق بالجار المجاور وملكه .واتفقوا على أن
االلتزام بعدم اإلضرار بالجار هو واجب ديني يتعين على المالك مراعاته من تلقاء
نفسه .إال أنهم اختلفوا في مدى إمكانية اللجوء للقضاء لمنعه من اإلضرار بجاره.
ومن هذا المنطلق وجب إلقاء الضوء على هذه التساؤالت من خالل التعرض إلى:
المطلب األول :المضمون القانوني لنظرية مضار الجوار غير المألوفة.
المطلب الثاني :مضمون نظرية مضار الجوار في الشريعة اإلسالمية.
1د /محسن عبد الحميد البيه – حقيقة أزمة المسؤولية المدنية و دور تأمين المسؤولية ،مكتبة الجالء ،المنصورة،
،6998ص 665و ما بعدها.
109
المطلب األول :المضمون القانوني لنظرية مضار الجوار غير
المألوفة
ب اعتبار أن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة تتميز عن غيرها من
أنواع المسؤولية في كثير من الجوانب سواء ما تعلق باألساس أو األحكام التي
تنظمها والذي سيأتي بيانه الحقا .فهذا يلزمني من إلقاء المزيد من الضوء عليها وذلك
من خالل التعرض إلى:
110
وعليه إذا وجدت األضرار التي تصيب الجار مجاال في تطبيق قواعد المسؤولية
التقصيرية يحق للجار المضرور اتخاذها سبيال لجبر الضرر الذي أصابه.
غير أنه أمام التطور الذي عرفه المجتمع المعاصر وأمام المخاطر التي يتعرض
لها الجار تجعل تلك القواعد عاجزة عن توفير الحماية الفعلية للجار المضرور ومرد
ذلك يعود إلى صعوبة نسبة الخطأ إلى الجار محدث الضرر الذي لم يتجاوز حدود
حقه ولم يت عسف فيه إال أنه ألحق ضر ار بجاره ومثاله أن يفتح الجار مقهى بعد إتباعه
جميع الشروط المنصوص عليها قانونا كحصوله على رخصة إدارية واتباع الشروط
الفنية الخاصة بفتح مقهى إال أن الضوضاء التي يحدثها المقهى ألحقت ضر ار بالجار
المجاور .ففي هذه الحالة لو طبقنا القواعد المسؤولية التقصيرية فإن الجار ال يمكنه
جبر الضرر الذي لحقه وذلك لعدم تمكنه من إثبات الخطأ الذي هو أساس قيام
المسؤولية التقليدية ،ومن ثم فإن الجار المضرور مجبر على تحمل هذه المضار.
ومن جهة ثالثة يكون جبر الضرر طبقا للقواعد العامة للتعويض األصل فيه هو
دفع تعويض نقدي أما في المسؤولية عن مضار الجوار األصل فيها هو التعويض
العيني المتمثل في اإلزالة.
وعليه يبدو واضحا أن قواعد المسؤولية التقصيرية أصبحت غير كافية وعاجزة
على توفير الحماية الفعالة للجار المضرور الذي يصعب عليه إثبات خطأ الفاعل.
111
األمر الذي يعرضه إلى فقدان حقه في التعويض .لذا أصبح لزاما األخذ بفكرة
المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة واللجوء إلى قواعدها لجبر ضرر الجار.
إال أنه في بداية العصر الثامن ومع االنتشار الواسع لمبدأ الفردية ،ومع تطور
الحياة الريفية والمدنية ،السيما مع قيام التحوالت الواسعة النطاق التي تأثر بها
استغالل العقارات ،نتيجة تطور واتساع الصناعة والتجارة ،نشأت عندئذ المنازعات،
وتفاقمت أكثر فأكثر ،مما أدى إلى ظهور قضية الجوار كمشكلة واقعية وقانونية ال
مفر من مواجهتها .فبدأ تنظيم الملكية الفردية.
ففي اليونان تم فصل الملكية الفردية عن الملكية الجماعية ولم تكن ثمة
نصوص ،سوى بعض األضرار الناجمة عن األغراس القائمة على العقار المجاور،
كذلك األمر بالنسبة لبعض النصوص المتعلقة بالمنشآت التي كان بإمكان المالك أن
يقيمها على عقاره الخاص.
فلم يكن مسموحا للجار أن يقيم أغراسا على عقاره ،إال ضمن مسافة معينة عن
الحد الفاصل بين العقارين المتجاورين .كما أن البناء لم يكن ممكنا إال مع
112
مراعاة المسافة الالزمة التي كانت خاضعة للتغيير وفقا لطبيعة األبنية المراد
تشييدها .1وقد حدد القانون اليوناني جزاءات تصل إلى حد إزالة البناء مع دفع
تعويض مناسب للجار المضرور .كما حدد القواعد التي تنظم المنازعات بين الجيران،
والمتعلقة بحدود الملكية أو حالة الشكوى من األمطار السائلة من عقار عال إلى
عقار األدنى.2
وفي روما و بعد صدور قانون األلواح اإلثنى عشر قيد حق الملكية بمجموعة من
القيود وااللتزامات التي يتحملها المالك مراعاة للمصلحة سواء كانت عامة أو خاصة.
فألزم الجار من تحمل مضايقات الجوار التي تترتب على استعمال جيرانه حقوقهم
استعماال طبيعيا .أما إذا أقام احدهم منشآت تبعث الدخان الكثيف فوق ملك جيرانه
لغرض مضايقتهم فإنه يسأل عن ذلك.3
وقد عرف القانون الروماني القيد الذي يمنع المالك من استعمال ملكيته بطريقة
تضر بجاره ضر ار غير مألوفا كفتح مصنع تنبعث منه الروائح أو السوائل أو
الدخان.4
ومن هنا فقد الحظ الفقهاء الرومان أن ثمة أض ار ار تصيب الجوار ويقتضي
إصالحها باعتبار أنها تقيد حق الجار ،في حين أن ثمة أض ار ار أخرى تستوجب
التسامح كونها تعتبر من األضرار المتكررة والمعتادة.
فبالنسبة للحالة األولى ،يقتضى إقامة دعوى نفي االرتفاق .أما الحالة الثانية
يقتضي عدم سماع هذه الدعوى.5
113
وفي فرنسا إذا أردنا البحث في القانون الفرنسي القديم ،من خالل التشريعات
البدائية ،فإننا ال نلبث أن نواجه موضوع إزعاجات الجوار ،عبر العادات واألعراف التي
كانت سائدة في فرنسا القديمة؛ ونالحظ أيضا أنه بالرغم من اختالف الحضارات وبالتالي
تفاوت الحاجيات االجتماعية ،فإن العالقات بين المالكين المجاورين ظلت محتفظة
بخصائص جوهرية .ذلك أنه بالنسبة لطريقة استعمال العقارات ،فإن حق الملكية شأنه
شأن أي نظام آخر ،إذ أنه تأثر تأث ار بارزا ،من جراء التطور الحضاري ،على غرار ما
حصل في روما ،بحيث ظل هذا الحق كما كان عليه في المرحلة البدائية ،باعتبار أن
استغالل األراضي كان دائما زراعيا ،كما أن وسائل الحراثة لم تتغير إال بنسبة ضئيلة،
وكذلك األمر بالنسبة للصناعة فقد ظلت محتفظة بطابعها البدائي.
وعليه فإن المنازعات في عالقات الجوار ،لم تختلف إال بالقدر القليل عن طبيعة
ال منازعات التي كانت تنشأ بين الجيران في روما ،وهذا االختالف البسيط مرده إلى
التطور الصناعي البسيط الذي برز في ذلك العصر.1
غير أنه أجمع الفقه الفرنسي القديم على فرض بعض القيود على حق الملكية العقارية
لمصلحة الجيران ،وذلك بالحد من حق المالك في استعمال ملكيته.
فذهب الفقيه"بوتييه" إلى أن الجوار يقتضى من المالك وهو ينتفع بملكه ،أال يضر
جاره ،فإنه وان كان للمالك الحرية التامة في أن يباشر على ملكه ما يشاء من األعمال،
إال أنه مقيد بأال يترتب شيئ من ذلك ضرر بالمالك المجاور.2
114
فال يجوز للمالك أن يعمل عمال مض ار بالجار ومناقضا اللتزامات الجوار .أي أن
استعمال حق الملكية يحده حق الجار ،فإذا تعدى هذا الحد انقلب إلى تعسف موجب
المسؤولية.
كما قرر الفقيه "دوما" أنه ال يسوغ للمالك أن يأتي عمال في عقاره من شأنه مضايقة
العقار المجاور أو اإلضرار به ،كإحداث دخان كثيف من فرن.
وقرر الفقيه " دى لهومو" بأنه ال يسوغ إلنسان أن يأتي في عقاره عمال يضر
بالغير كسد مطالته وحرمانه من الضوء ،إذا لم يكن له من وراء هذا العمل نفع.
ولم تقف آراء الفقهاء عند حد الجدل الفقهي والبحث العلمي ،بل كان لها حظ كبير
من الناحية العلمية .والدليل ذلك المبدأ الذي استخلصه األستاذ "آبر" Appertمن
قضاء البرلمانات " ال يجوز إلنسان ولو عند مزاولة صناعة مفيدة ،أن يعطل عمل
الجيران ،أو أن يجعل منازلهم غير صالحة للسكنى ،أو أن يضر على األخص
1
بالمصلحة العامة.
وقد صدرت عدة ق اررات ما بين القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر التي
تناولت في معظمها األضرار الصادرة عن صناعيين تجاه الجيران .من بينها القرار
الصادر في 6491/66/4الذي يقضي بمنع أحد صانعي الخزف في باريس من
2
متابعة طبخ المواد بسبب الروائح التي تزعج الجيران.
وثمة قرار آخر صادر في 6250يقضي بمنع جزار من ذبح المواشي في
المدينة ،بسبب شكوى تقدم بها أحد المحامين الذي كان جا ار لهذا الجزار ،ولكي ال
يزعج هذا األخير سائر الجيران أيضا.
1أشار إلى هؤالء الفقهاء د /أنور سلطان ،في مقاله نظرية التعسف في استعمال حق الملكية ،مجلة القانون
واالقتصاد ،مارس ،6945العدد األول ،السنة السابعة عشرة .ص 60و.66
2
Fournel, Traité du voisinage, Tome2 ,videcoq libraire ,Paris1834,P338
115
وبقي الحال على حاله حتى وبعد صدور القانون المدني الفرنسي عام 6904فال
يوجد فيه أي نص يقرر نظرية المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة .وذلك
راجع لبساطة وسائل العيش وعدم قيام الثورة الصناعية .وبالتالي لم تكن تثور مشكلة
األضرار بين الجيران والمسؤولية عنها متى اتخذ الجار احتياطاته الالزمة بما يتفق
وسلوك الرجل العادي .فكانت مسؤولية الجار مرتبطة بقواعد المسؤولية التقصيرية.
وقد قرر القضاء 1في هذه المرحلة وأيده في ذلك الفقه بأن الجار له الحق في
التصرف في ملكه بشرط عدم اإلضرار بالغير ،وبالتالي إذا تسبب خالل ممارسته
لحقه بإحداث أض ار ار غير عادية للجيران ،فإنه يكون مسؤوال عن هذه المضايقات،
وذلك باعتباره منحرفا عن سلوك الرجل العادي ،مما يستوجب انعقاد مسؤوليته وفقا
لقواعد المسؤولية التقصيرية؛ ألن استعماله لحقه وبصفة خاصة حق الملكية بحالة
ضارة للملكيات المجاورة يكون كافيا من أجل إبراز مسؤوليته عن هذه األضرار،
باعتبار أن حق الملكية ال يمكن استعماله إال باحترام حقوق اآلخرين.
وتطبيقا لذلك أيضا قرر القضاء بمسؤولية الجار الذي أقام فوق سطح منزله مدخنة
ال عمل لها ،وال تعطي لهيئة المنزل الخارجية أي رونق ،بل وضعها بقصد إضرار
بالجار وحجب النور عنه.2
كما قضى بمسؤولية مالك الحيوانات التي يستخدمها في الصيد وانتهازه فرصة
استبع اد جاره من الصيد في أرضه المجاورة ،فأحدث بسوء قصد ضوضاء بقصد
تنفير حيوانات الصيد.3
1
METZ , 10/11/1808 ,S,cher, 1808,2,438 . Req,11/7/1826,S.H. 1826,1, 388.
2
COLMAR,02/05/1855,D,1856,2,9
3
Paris,02/12/1871,D,73,1,185
116
وقضى أيضا أن المالك يكون مسؤوال إذا امتد الحريق من منزله إلى منزل جاره ولم
1
يتخذ االحتياطات الضرورية لمنع انتشار الحريق
وقد ظل هذا النظام الذي يأخذ بالتصور الضيق لمفهوم الخطأ والذي يقرر
مسؤولية الجار في مواجهة جاره استنادا إلى نص المادة 6895مدني فرنسي التي
تستوجب وقوع الخطأ من جانب المسؤول مطبقا حيث كان يقدم نتائج تستريح لها
األذهان ،وذلك لمعايشته للمناخ آنذاك نظ ار ألن وسائل العيش في تلك اآلونة من
2
الزمن كانت في الغالب بدائية ،كما سبق اإلشارة إليه.
غير أنه وفي منتصف القرن التاسع عشر ونتيجة الندالع الثورة الصناعية ،التي
أدت إلى تطور العالقات االجتماعية واالقتصادية والتطور الصناعي والتكنولوجي
وتحول المجتمعات من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي ،جعلت المسؤولية
التقصيرية تعجز عن استيعاب منازعات الجيران وتوفير الحماية للجار المضرور .مما
جعل الفكر القانوني يتحول نحو قواعد المسؤولية الموضوعية ألن الكثير من األضرار
التي يشكو منها الجيران قد تحدث دون التمكن من إثبات خطأ الفاعل الذي يهدف
إلى تحقيق مصلحة مشروعة وجدية تتفق وسلوك الرجل العادي.
وقد كانت أول مرحلة لالنتقال هي تخلي محكمة النقض الفرنسية في قرارها
الصادر في 36944/66/55عن التصور الضيق لمفهوم الخطأ ،وأعلنت صراحة
مبدأ مسؤولية المالك المجاور عن األضرار التي يشكو منها الجيران متى كانت هذه
األضرار تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها أعباء الجوار الواجب تحملها ،بغض
النظر عما إذا كان الجار محدثها أخذ أو لم يأخذ االحتياطات الالزمة ،راعى أو لم
يراعى القوانين واللوائح.
1
Cass Civ, 17/12/1878,D,79,1,83,S,79,1,83,S,79,1,53.
2
Blais, précité, p 263
3
Cass Civ,27/11/1844.S,44,p811
117
وبذلك تكون محكمة النقض الفرنسية قد تخلت صراحة عن التصور الضيق لمفهوم
الخطأ ،وتحولت نحو معيار موضوعي وهو تجاوز األضرار من حيث شدتها
واستم ارريتها التزامات الجوار العادية 1.فتوالت األحكام بعد ذلك إلى أن استقرت تماما
فكرة الضرر غير المألوف وحلت محل الخطأ لقيام مسؤولية الجار .فقضى بمسؤولية
مستأجر مصنع عما يلحقه الغبار والدخان الناتج عن تشغيل المصنع من أضرار غير
مألوفة بجيرانه.2
كما قضت بمسؤولية مالك مدرسة عن األضرار التي تلحق صاحب فندق مجاور
والتي تجاوزت الحد المألوف نتيجة الضوضاء التي يحدثها التالميذ خالل صعودهم و
نزولهم ثماني مرات في اليوم.3
كما قضت بالتعويض على صاحب مصحة للمصابين بداء السل ،إذ بمجرد إنشاء
المصحة أدى إلى االعتراض عن استئجار المنازل المجاورة لها و بالتالي هبوط
قيمتها اإليجارية .بالرغم من مراعاته كافة االحتياطات الطبية الالزمة.4
كما قضت بمسؤولية شركات السكك الحديدية عما تحدثه القطارات من مضار
غير المألوفة نتيجة ال ضوضاء التي تحدثها حركة القطارات وكذا التلف الناتج عن
تصاعد الدخان وتطاير الشرر منها على للجيران التي تقع مساكنهم بالقرب من
مسارها.5
1
Louis-Bergel, obs , propriété et droit réels, R.D.immob.1979, p 32. Alvaréz –Correa ,
Aperçu de la responsabilité civil pour les dommages causés par le buit des aeronefs en
droit américain et en droit français . R.F.D.A. 1973.p142. Leyat , thèse, précité ,p158 et
s.
2
Paris 19/04/1898 ,D,1898,2,124.
3
Req,20/02/1849,S,1,1849,1,346,Paris,09/10/1904,S,1905,2.32.
4
Limoges,05/02/1902,D,1902,2,95.
5
Bordeaux, 21/06/1859,D,P,1859,2,187.
118
فنظرية مضار الجوار إذن ،ذات نشأة قضائية فهي وليدة القضاء الفرنسي .ذلك
ألنه لم يكن أمام الفقه والقضاء نظ ار لعجز المسؤولية التقصيرية عن مواجهة كافة
منازعات الجوار ناتجة عن تطور العالقات االجتماعية واالقتصادية والصناعية
والتكنولوجية الذي أدى إلى تحول اهتمام المجتمع من النشاط الزراعي إلى النشاط
الصناعي ،إال اللجوء إلى قواعد موضوعية وذلك بإعالنهم نظرية مضار الجوار غير
1
المألوفة واعتبارها إحدى صور المسؤولية الموضوعية
وعليه يمكن القول إن نظرية مضار الجوار في الوقت الحاضر هي التي يستند إليها
القضاء الفرنسي في حالة األضرار غير المألوفة لتقرير مسؤولية الجار حيث قضت
بمنع أي كان من أن يسبب للغير مضا ار للجوار غير مألوفة .2وبذلك تكون النظرية
قد شكلت دعامة أساسية للمسؤولية المدنية عن تعويض أضرار الجوار غير المألوفة
رغم غياب نص تشريعي في القانون المدني الفرنسي ينظمها .وبهذا يكون القضاء
الفرنسي قد سلك مسلكا عمليا بلجوئه إلى الحل الذي تقتضيه العدالة عن طريق
تطوير نظرية مضار الجوار بحيث أصبح القضاء يفصل في القضايا المتعلقة بمضار
الجوار دون البحث عن إثبات الخطأ 3ودون الرجوع ألحكام المادتين 6895و6894؛
ومن هنا أصبحت المسؤولية عن مضار الجوار مسؤولية مستقلة تقوم على أساس
موضوعي قوامه تجاوز الضرر الحد العادي أو المألوف دون اشتراط إثبات الخطأ.4
1
Nicolas, R.T.D.préc.p685 et s.Stefani, thése, préc, p72 et s.Girod, thése, préc .p77et s.
Martin, thése, préc ,p20 et s. Francis Lefebvre, trouble de voisinage, éditions, Francis
Lefebvre 2008. P15.
2
Cass 2 Civ, 19/11/1986. Bull.Civ.II,n°172. Cass 2 Civ, 19/02/1992, Bull.civ II,n°60.
Cass 3 Civ,11/05/2000.RJDA,n°1061,P,626.
3
Cass. 3e civ. 12 février 1992, Resp. civ. et assur. 1992, comm. n°179.Cass. 2e civ. 20
juin 1990, Bull. civ. II, n°140.
4
VINEY, Le préjudice écologique, in Resp. civ. et assur. Mai 1998, n° spécial, p.6 et s.
Cass.2e civ.20/06/1990,Bull.civ.II,n° 140
119
وقد عرف القضاء الفرنسي 1مضار الجوار بأنها األضرار غير العادية أو غير
المألوفة التي تلحق بالجار وتلزم المتسبب في إحداثها بإزالتها .ولو كان الفعل الضار
ناتج عن نشاط مشروع وال يمكن اللجوء ألحكام المادة 6895لنفي المسؤولية في
حالة عدم إثبات الخطأ.2
كما أن أنصار الفكرة -االتجاه الغالب -الذي اعترفوا بوجود الضرر غير المألوف
أو كما سموه الضرر غير العادي تفرقت وجهات نظرهم حول أساسها ومدى عالقتها
مع قواعد المسؤولية الخطئية المنصوص عليها في المادتين 6895و 6/6894مدني
فرنسي .فمنهم من قرر أن فكرة الضرر غير المألوف وان كانت تعد عنص ار جوهريا
من أجل إبراز المسؤولية وفقا لقواعد نظرية مضار الجوار ،إال أن قواعد المسؤولية
4
األخرى تنفر منها تماما .ومنهم من أنكر هذا التنافر.
حتى بالنسبة لهذا االتجاه األخير حاول توحيد مفهومها ،ونادي باعتبارها تشكل
قاعدة عامة في المنازعات الجوار بغض النظر عن األساس القانوني الذي تؤسس
5
عليه دعوى الجار المتضرر.
1
CA Paris, 2e ch. B, 27 mars 1997, Juris-data n°020969.
2www.troublesdevoisinage.com/index.php?option=com. CLAIRANCE Avocats
3بخالف شريعتنا اإلسالمية التي القت ترحابا بالفكرة والتي تبنتها من عادات العرب قبل اإلسالم.
4د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص .600
5المرجع نفسه – ص .600
120
ويرجع هذا االختالف حسب رأيي إلى أن الفقه والقضاء الفرنسي في غياب نص
تشريعي يحدد المسؤولية عن مضار الجوار واعتماد المشرع على المسؤولية الخطئية
جعلهم يبحثون عن األساس التشريعي لهذه المسؤولية يتوافق مع المسؤولية التي
قوامها الخطأ دون النظر إلى جوهر فكرة النظرية هذا ما جعل بعض الفقه يرفض
فكرة الضرر غير المألوف.
سأحاول خالل هذا الفرع عرض وجهات نظر القفه و القضاء من فكرة نظرية
مضار الجوار وذلك من خالل تبيان رافضو فكرة عدم مألوفية الضرر رغم قلتهم ثم
التعرض إلى أنصار تبرير فكرة النظرية على أساس التسامح .و ذلك في مايلي:
ويضيف أنصار هذا االتجاه أنه إذا كانت محكمة النقض الفرنسية حين أظهرت
تجاوز أضرار التزامات الجوار فإن ذلك ال يعني إظهار لون الخطأ وانما الهدف منه
هو تأكيد تواجد أضرار حقيقية قابلة للتعويض لتجاوزها درجة معينة من األهمية
إلضفاء عليها صفة الجسامة .وأن هذه الصفة ال تقيم بصفة مطلقة بل يؤخذ في
االعتبار فيها المحيط التي وجدت فيه .كما أن هذا ال يعني األخذ ببعض
1
RODIERE, Responsabilité civile. Obs, R.T.D. civ. 1965,p 643.
121
األضرار ورفض األخرى بل يعني فقط تحديد الضرر في وجوده و ليس فقط في
مداه.1
القى رافضو فكرة عدم مألوفية الجوار عدة انتقادات تتلخص فيما يلي:
-1إذا كانت عدم عادية الضرر ال تضيف شيئا إلى الخصائص الضارة لكل
فعل مادي؛ فلماذا تواتر عليها القضاء بصفة مستمرة ومجمعة.
-2أنه من الصعب على الجار المضرور أمام بعض أنواع األضرار أن يؤكد
وجود الضرر الذي لحق به .ومع ذلك يرفض في طلبه بمقولة أن عادية الضرر
تختلف مع عدم وجوده.
-3أن جانب من الفقه بدل من أن يقول أنه أمام غياب عدم عادية الضرر ال
توجد أضرر؛ يقولون بأنه ال توجد أضرار معترف بها قانونا.
-4أن القاضي حين يرفض طلب التعويض بسبب عدم تجاوز األضرار الحد
المألوف عند الجيران؛ فإنه يؤكد شيئين هما :من جهة أن الضرر موجود .ومن جهة
2
أخرى أن الضرر ال يقدم الخصائص المطلوبة في اضطرابات الجوار.
ثانيا:أنصار تبرير عدم مألوفية الضرر على أساس فكرة التسامح بين
الجيران
يذهب الجانب الكبير من الفقه و القضاء إلى أن الفكرة التي تقوم عليها نظرية
مضار الجوار هي فكرة "التسامح بين الجيران" 3ومقتضاها ضرورة تجاوز المضار
الحد المألوف واال وجب التسامح بين الجيران في حالة المضار المألوفة ألن حياة
الجماعة تستلزم بعض التضحية والتسامح وأن أي عالقة جوار تولد حتما أض ار ار
1
Larroumet, note, sur cass, civ. 17/12/1974 ,D.S 1975 ,P441. Rodiere ,op,cit ,p 642.
2
Martin (G.J), De la responsabilité civile pour faits de pollution au droit à
l’Environnement, 1976. Thèse, op. cit. p 14 et 15. Caballero, thèse, op.cit .p230.
3
Raymond, note sur, cass. civ.2. 27/10/1964,D.65,344
122
للجيران كما أن فرصة العيش في جوار طيب ليست متاحة لكل الناس .1مما يستوجب
تحمل الجيران على سبيل التبادل المضار المألوفة.
وقد عبرت محكمة النقض الفرنسية عن هذه الفكرة في بعض أحكامها ،فتحدثت تارة
وتارة أخرى قررت بأنها األض ارر التي تفرضها 2
عن التسامح المقبول بين الجيران
كما عبرت محكمة مرسيليا في حكمها الصادر في 6902/8/60 3
عالقة التجاور
"أنه في عالقات الجوار ،يكون مالك العقارات المتجاورة ملتزمين بتسامح معين بسبب
المضايقات الطارئة والعابرة المحتم وجودها نتيجة لتجاور أموالهم .كذلك قرر مجلس
الدولة الفرنسي في " 6905/2/61بشأن المضايقات الناتجة من الجوار للمنشآت
العامة ،بأن جيران هذه المنشآت يكونون ملزمين بتحمل األضرار التي ال تتجاوز
4
التبعة العادية لجوار هذه المنشآت"
وعليه فإن عدم مألوفية المضار تعد شرطا جوهريا من أجل إبراز مسؤولية الجار
تجاه جاره وأن نظرية مضار الجوار تقوم على التسامح في المضار المألوفة ،لذا
يجب التفرقة بين المضار المألوفة و المضار غير المألوفة التي تصيب الجيران
فالمضار المألوفة :هي التي يستلزمها الجوار ويجب التسامح فيها حتى ال تتعطل
أنشطة الجيران أو يتعطل استعمالهم لحقوقهم المشروعة ،لذا وجب على كل جار
تحملها باعتبارها من ضرورات الجوار وتلزمها حياة الجماعة .ومن أمثلتها :الضجيج
الذي يحدثه األطفال أثناء لعبهم أو الذي يحدثه الجار خالل المناسبات الدينية أو
األفراح أو الجنائز .وكذا الضوضاء التي يحدثها الجار خالل أشغال الترميم في ملكه
والتي أدت إلى إزعاج الجار؛ فهي مضار مألوفة تفرضها حياة الجماعة .وبذلك ال
يحق للجار أن يرجع على جاره فيها باعتبارها مضار مألوفة
1
Sit, http:// www. educaloi.qc. les rapports de voisinage, 18 juin 2006
2
Req, 16/7/1902,D.P. 1902,1,481.
3
Req 14/7/1875.D.76 ,1,447, cass .civ. 19/1/1961.
4د /فيصل زكي عبد الواحد – المرجع السابق – ص 609و .609
123
وجب تحملها بين الجيران كما نصت عليه المادة 5/196مدني" وليس للجار أن
يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة ."...
وعليه فال يمكن تقرير المسؤولية عن أضرار الجوار بناءا على قواعد نظرية مضار
الجوار إذا ثبت أن الضرر لم يتجاوز الحد المألوف ويجب التسامح فيه بين الجيران
عادة.
أما المضار غير المألوفة للجوار :فهي تلك التي تجاوزت الحد المألوف،
وتجاوزت الحد الذي يجب على الجيران تحمله والتسامح فيه .فهذه المضار ال يكون
الجار ملزما بتحملها فله أن يطلب إزالتها .ومن أمثلتها الضجيج التي يحدثه األطفال
أثناء لعبهم في بيت جعله صاحبه دار للحضانة في مجمع سكني أو تحويل بيت
الجار إلى قاعة حفالت تتم فيها األفراح طوال أيام األسبوع مما يقلق راحة الجيران
أو أشغال البناء التي تحجب النور والهواء على الجار المجاور.
وعليه يمكن تقرير المسؤولية بناءا على قواعد نظرية مضار الجوار إذا تجاوزت
األضرار حد المضار المألوفة التي ال يمكن للجار تحملها والتسامح فيها .
وخالصة القول إن فكرة مضار الجوار غير المألوفة القت اهتمام الفقه بعد أن تأثر
بالقضاء.فأصبحت نظرية ثابتة ال يستطيع أحد أن ينكرها باعتبارها تهدف إلى تحقيق
العدالة والتوازن بين الحقوق المتعارضة في نطاق عالقات الجوار.ذلك ألن وقوع
األضرار في الحياة االجتماعية ال يمكن منعها كلية ألنها تالزم نشاط األفراد ،بمعنى
أن كثي ار من األضرار تكون لصيقة بنشاطهم وال يمكن تجنبها مثالها أن يقيم المالك
على أرضه مصنعا فإن المالك رغم أخذ جميع االحتياطات الالزمة فإنه ال يمكنه منع
األدخنة المتصاعدة أو الروائح الكريهة التي تصيب الجيران بأضرار تجاوزت الحد
المألوف .كما أنه من أجل تحقيق العدالة ال يمكن مساءلة الجار عن كل األضرار
التي يحدثها خالل ممارسته نشاطه حتى ال تتعطل أنشطة الجيران أو
124
يتعطل استعمالهم لحقوقهم المشروعة ،لذا وجب على كل جار تحملها باعتبارها من
ضرورات الجوار وتلزمها حياة الجماعة .لذا كان الحل العملي العادل هو إجراء موازنة
بين النشاطين ،والتفرقة بين األضرار المألوفة واألضرار غير المألوفة ومن ثم تحميل
الجيران األولى بناءا على فكرة التسامح بينهم .وتمكينهم من المطالبة بالتعويض عن
الثانية ،وبذلك يتحقق نوع من التوازن بين الحقوق المتجاورة.
لكن الخالف ثار بين فقهاء الشريعة 2بالنسبة للضرر الناتج عن االستعمال العادي
والمشروع للحقوق إذا تجاوزت األضرار الحد المألوف بين الجيران .وأطلق فقهاء
الشريعة على هذا النوع من الضرر بالضرر الفاحش .فقد حرصت الشريعة اإلسالمية
على رعاية الجار وحسن معاملته ،والنهي على إلحاق الضرر به ،خاصة ما كان
منه فاحشا .فعن عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال" :ما
زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" .بل علق عليه الصالة والسالم
اإليمان باهلل واليوم اآلخر بإكرامه .فعن أبى أيوب األنصاري
125
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال":من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم
جاره" 1.كما ربط عليه الصالة والسالم اإليمان باهلل واليوم اآلخر بعدم إيذاء الجار.
فعن أبى هريرة أن رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم قال" :وهلل ال يؤمن ،واهلل ال يؤمن
،واهلل ال يؤمن .قيل من يا رسول اهلل؟ قال :الجار الذي ال يأمن جاره بوائقه".2
ونظ ار لألهمية البالغة للجوار فإن فقهاء الشريعة اإلسالمية اهتموا بهذا الموضوع
كونه سبب الكثير من األضرار التي تلحق بالجار المجاور وملكه .واتفقوا على أن
االلتزام بعدم اإلضرار بالجار هو واجب ديني يتعين على المالك مراعاته من تلقاء
نفسه .إال أنهم اختلفوا في مدى إمكانية اللجوء للقضاء لمنعه من اإلضرار بجاره.
ويمكن حصر وجهات النظر التي قيلت في ثالثة آراء ،فذهب جانب إلى إطالق
حق الملكية وذهب جانب آخر إلى تقييده ،وذهب جانب ثالث إلى تقييده بدرجة معينة
هي عدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا.
ومنه وجب علي أن أتطرق إلى وجهات النظر الفقهية – باختالف مذاهبهم-
بشأن مدى إطالق وتقييد حق الملكية لمنع األضرار بين الجيران عند تجاوزها الحد
الفاحش أو المألوف ،ثم ترجيح وجهة النظر التي تتفق وموضوع الدراسة.
1اإلمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي ،إحياء علوم الدين ،ج ،5مكتبة عبد هللا الوكيل ،ص . 565وقد أجمل
اإلمام الغزالي حقوق الجار بقوله" أن يبدأه بالسالم و ال يطيل معه الكالم وال يكثر عن حاله بالسؤال.ويعوده في
مرضه.ويعزيه في مصيبته .ويقوم معه في العزاء .ويهنئه في الفرح ،ويظهر الشركة في السرور معه ،و يصفح عن
زلته ،وال يطلع من السطح على عوراته،وال يضايقه في وضع الجذع على جداره.وال في صب الماء في ميزابه ،وال
في طرح التراب في فنائه .وال يضيق طريقه إلى الدار،وال يتتبعه بالنظر فيما يحمله إلى داره ،ويستر ما ينكشف له
من عوراته،ويعينه من صرعته إذا نابته نائبة ،وال يغفل عن مالحظة داره عند غيبته ،وال يسمع عليه كالما،
ويغض بصره عن حرمته،وال يديم النظر إلى خادمته ،ويتلطف بولده في كلمته ،ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه
ودنياه .المرجع .إحياء علوم الدين .ج، 5ص568
2البوائق جمع بائقة و هي الشر الشديد .اإلمام محي الدين أبى زكريا يحي بن شرف بن مري النووي ،صحيح
المسلم بشرح النووي -ج ،5المطبعة المصرية و مكتبتها ،بدون تاريخ النشر ،ص . 556
126
وعليه ارتأيت تقسيم المطلب إلى أربعة فروع على النحو التالي:
الفرع األول :أنصار إطالق حق الملكية
الفرع الثاني :أنصار تقييد حق الملكية
الفرع الثالث :أنصار تقييد حق الملكية بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا.
الفرع الرابع :الموازنة بين اآلراء والترجيح.
1وقد ورد عن اإلمام أحمد روايتان ،المشهورة منها منع مضار الجوار ،والثانية ال منع .أنظر بهذا الصدد د /زكي
زكي زيدان -الرسالة السابقة -ص .609
2للمزيد من التفصيل أنظر الشيخ محمد أبو زهرة الملكية و نظرية العقد ،عدم ذكر الناشر ،سنة ، 6922ص 665
وما بعدها .د /عبد الحميد حسن شرف ،حق العلو و السفل و ملكية الشقق ،دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية
والقانون المدني المصري ،رسالة دكتوراه ،حقوق القاهرة .6999ص 60وما بعدها.
127
بل أكثر من ذلك له أن يفعل في ملكه ما يشاء ،حتى ولو سقط جدار جاره وال
ضمان عليه في مثل هذه الحالة ،طالما تصرف في دائرة ملكه ألنه ليس معتديا .وال
ضمان إال على المعتدي الذي يتجاوز حدود حقه.
وليس للقاضي أن يمنع المالك من التصرف في ملكه بما يريد؛ ألن مقتضي
الملك أن يكون للمالك حرية التصرف في ملكه كيفما شاء ولكن ذلك ال يعفيه من
اإلثم والمسؤولية الخلقية ألن رعاية حق الجار واإلحسان إليه من الفضائل التي حث
ش ْيئًا ۖ َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن
ش ِر ُكوا ِب ِه َ عليها القرآن الكريم 1في قوله تعالىَ ":وا ْعبُدُوا ه
َّللاَ َو َال تُ ْ
سا ِكي ِن َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ
ب سانًا َوبِ ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْليَتَا َم ٰى َوا ْل َم َ إِ ْح َ
َّللاَ َال يُ ِح ُّب َمنْ َكانَ ُم ْخت ًَاال سبِي ِل َو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُ ُك ْم ۗ إِنه ه
ب َوا ْب ِن ال ه ب بِا ْل َج ْن ِ
صا ِح ِ
َوال ه
فَ ُخو ًرا ".2
وقد استند أصحاب هذا الرأي إلى عدة حجج لتبرير وجهة نظرهم:
-6إن المالك له مطلق التصرف في ملكه بما شاء ،حيث لم يرد شيء في كتاب
اهلل ،وال من سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،رواية صحيحة وال قول صحابي يقيد
تصرفات المالك إذا كانت في خالص ملكه.
-5إن مقتضي الملك التام أن يكون المالك منتفعا بملكه انتفاعا كامال .فكل منع
من هذا االنتفاع يكون فيه مخالفة لألحكام الثابتة ،بمقتضى الشرع ،فال يصح أن يدفع
الضرر عن غير المالك على أن يصاب هو به ،واال لما كان هناك معنى للملك ألن
معنى الملك يقتضي إطالق التصرف فيما ُيملك .3فمن ملك شيئا ملك جميع منافعه
وملك التصرف فيه دون معارضة أحد.
إن تشابك وتبادل المنافع والمصالح بين الجيران يجعلهم حريصين على -8
عدم اإلضرار ببعضهم البعض ،وأن إطالق حرية كل منهم في التصرف في ملكه
كيفما شاء تجعلهم يتوقعون الضرر من بعضهم البعض ألن لكل منهم القدرة على
1األستاذ الشيخ علي الخفيف ،الملكية في الشريعة اإلسالمية مع مقارنة بالشرائع الوضعية ،منشورات معهد
الدراسات العربية ،القاهرة ،6911ص 654
2سورة النساء آية .81
8مجلة األحكام العدلية ،الصادرة بين 6591هـ و 6898هـ في أواخر عهد الخالفة العثمانية – المادة .96
128
أن يفعل ما يضر باآلخر .ما دامت حرية التصرف مطلقة للجميع .فالضرر يدفع
الضرر ،فال يقدم أحدهما على اإلضرار باألخر .والدليل على ذلك ما روي عن
أبى حنيفة النعمان أن رجال شكا إليه من بئر حفرها جاره في داره ،فقال له:احفر
في دارك بجوار تلك البئر بالوعة ،ففعل فنزت البئر األولى فكبسها صاحبها.
وبهذا يكون اإلمام أبى حنيفة لم يفته بمنع الحافر بل دله على حيلة ليدفع عن
نفسه الضرر وهو تصرف خالص في ملكه .فمعنى الملك عند أبى حنيفة النعمان
هو حرية التصرف وتقييد هذه الحرية نقص ألصل الملكية.
-4إن عدم اإلضرار بالجار ،واجب ديني ،عمال بقول الرسول صلي اهلل عليه
وسلم "ال ضرر وال ضرار" فالدين يوجب على الجار أن ال يؤدي جاره .وبالتالي فإن
الوازع الديني يغني في كثير من الحاالت عن تدخل القضاء.1
1د/عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة -ص .659د فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة
السابقة -ص 54و.52
2اإلمام السرخسي(،شمس الدين أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي) المبسوط ،طبعة دار
المعرفة،بيروت6884،هـ ،الجزء62ص . 56د/عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة –
ص .686 ،680د /مراد محمود محمود حسن حيدر -الرسالة السابقة -ص. 519
129
ويقول أيضا " للمالك أن يتصرف في ملكه ،أي تصرف يشاء كان تصرفا يتعدى
ضرره للغير أو ال يتعدى ،فله أن يبنى في ملكه مرحاضا أو حماما أو تنورا ،وأن يقعد
في بنائه حدادا أو قصارا ،وأن يحفر في ملكه بئ ار أو بالوعة ،وان كان يوهن في ذلك
البناء ،ويتأذى به جاره ،وليس لجاره أن يمنعه ،ولو فعل ذلك حتى وهن البناء أو سقط
حائط الجار ال يضمن ألنه ال صنع في ملك الغير.1
ويسند إلى اإلمام الشافعي القول" بأنه ال يحق للجار على جاره يقيد تصرفه في
ملكه ،بل لكل منهما أن يتصرف في ملكه كيفما شاء ،فللجار أن يفتح ما شاء من
النوافذ واألبواب في ملكه وأن يحفر بئرا ،أو بالوعة ،ولو كان ذلك يوهن بناء جاره،
ولو فعل شيئا من ذلك فوهن الجدار ،فال ضمان عليه ،وليس للقاضي أن يمنع المالك
من التصرف في ملكه بما يريده ألن مقتضى الملك أن يكون للمالك التصرف في
ملكه كيفما يشاء .ولكن الديانة توجب عليه أال يضر بالجار لتسود المودة بين
الناس.2
1د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص .54د /مراد محمود محمود حسن حيدر -الرسالة السابقة-
ص .519اإلمام الكاساني(،عالء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ،طبعة دار
الكتاب العربي ،بيروت ،الجزء 1ص .518
2الشيخ عيسوي أحمد عيسوي ،نظرية التعسف في الحق في الفقه اإلسالمي ،مجلة العلوم القانونية و اإلقتصادية ،
السنة الخامسة ،العدد األول ،سنة . 6915ص.609 ،605
3د /مراد محمود محمود حسن حيدر -الرسالة السابقة -ص. 515اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس
الرملي الشهير بالشافعي الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج،مطبعة الحلبي ،القاهرة ،الجزء،2ص .26
130
مما سبق يستخلص أن أنصار هذا االتجاه انتهوا إلى أن األصل هو عدم تقيد
حق الملكية بما يضر الغير شريطة أن يكون التصرف في نطاق حق الملكية الخاص
به .فإذا تعلق بحق الملكية حق للغير ،تقيد األول بما ال يضر الثاني.
131
حرية التصرف مطلقة للجميع فالضرر يدفع الضرر ،فإن ذلك ربما يصح بين الجيران
الذي يوجد بينهم تكافؤ في التفكير والحيل وحسن الرد فماذا عن الجار الذي ال توجد
لديه تلك المكنات.1
يعد هذا المذهب أوسع المذاهب الفقهية في منع الضرر .فهو يمنع التصرف
الذي يقصد به اإلض ارر بالجار ولو كان يسيرا .كما يمنع التصرف الذي يلحق بالجار
ضر ار أكبر من الفائدة التي تعود على المالك.
والمرجع في تقدير الضرر هو العرف السائد بين الناس ،الذي يختلف باختالف
الزمان والمكان واألشخاص ،فقد يكون ضر ار فاحشا بالنسبة لبعض األشخاص ،وليس
كذلك بالنسبة آلخرين ،وقد يكون فاحشا في مكان أو زمان دون آخر.
وقد استند أصحاب هذا الرأي إلى عدة حجج لتبرير وجهة نظرهم:
1د /منصور صابر عبده خليفة – القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة الخاصة ،دراسة مقارنة في الشريعة
اإلسالمية -رسالة دكتوراه -جامعة القاهرة ،سنة ،5066ص 640و.645
2ورد عن اإلمام أحمد روايتان ،المشهور منهما منع مضار الجوار ،والثانية ال يمنع .أنظر بهذا الصدد د /زكي
زكي حسن زيدان -المرجع السابق-ص.609
3برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون(،فقيه مالكي) -تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام-
الجزء ،5طبعة دار المعرفة ،بيروت ،ص .815عبد هللا بن محمد ابن قدامة المقدسي (فقيه حنبلي) -المغني -الجزء
4دار البصائر للطبع و النشر و التوزيع .ص .899د/منصور صابر عبده خليفة -الرسالة السابقة -ص648 ،645
132
-6إن النهي عن المضار وارد في القرآن الكريم ،بحيث قال اهلل تعالىَ ":وا ْعبُدُوا
سا ِكي ِن سانًا َوبِ ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْليَتَا َم ٰى َوا ْل َم َ ش ْيئًا ۖ َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َ
ش ِر ُكوا بِ ِه َ ه
َّللاَ َو َال تُ ْ
س ِبي ِل َو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُ ُك ْم ۗ ب بِا ْل َج ْن ِ
ب َوا ْب ِن ال ه صا ِح ِب َوال ه َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ
َّللاَ َال يُ ِح ُّب َمنْ َكانَ ُم ْخت ًَاال فَ ُخو ًرا «.1 إِنه ه
من خالل هذه اآلية الكريمة نستخلص أن اهلل سبحانه وتعالى قد أمر باإلحسان
إلى الجار ومنه .واإلحسان يكون بعدم إض ارره.
-5إن النهي عن المضار وارد في السنة النبوية ،بما روي عن سمرة بن جندب،
أنه كان له عذق 2من نخل في حائط 3رجل من األنصار ،قال :ومع الرجل أهله،
قال :وكان سمرة بن جندب يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه ،فطلب إليه أن
يبيعه فأبى ،فطلب إليه أن يناقله فأبى .فأتى النبي صلى اهلل عليه وسلم ،فذكر له
ذلك ،فطلب إليه النبي صلى اهلل عليه وسلم أن يبيعه فأبى ،أو يناقله فأبى ،فطلب
منه أن يهب هذا النخل وله في الجنة مثله ،فأبى ذلك أيضا .فقال رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم":إنما أنت مضار" ثم أمر الرسول صلى اهلل عليه وسلم األنصاري
وقال :اذهب فأقلع نخله.4
ويستدل من هذا الحديث أن الرسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم بعد أن رفض
سمرة الحلول المعروضة عليه أمر األنصاري بقلع النخل إلزالة الضرر عن نفسه وهذا
دليل على جواز تقييد استعمال المالك لملكه إذا أضر بجيرانه.
ويتضح من هذه الرواية أن الضرر الواقع على صاحب البستان أشد من
الضرر الذي يعود على سمرة بقلع نخله .ومن ثم فإن القضاء من الرسول الكريم
صلى اهلل عليه وسلم يدل على أنه يصار إلى التوفيق بين مصلحتين ما أمكن ،فإن
اإلمام أبى وليد سليمان الباجي المنتقي شرح الموطأ ،طبعة الكتاب العربي،بيروت.الجزء ،1ص .864 4
133
لم يستطع وجب دفع أعظم الضررين ،فاألمر بالقلع كان ناتجا عن اإلصرار على
1
المضارة واالمتناع عن قبول ما يدفع الضرر للمالك
ومن هنا نستخل ص أن أنصار هذا الرأي اعتبروا حق الملكية ليس حقا مطلقا بل
أنه مقيد بعدم اإلضرار بالجار
1في ذلك أيضا د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص 59
2عرصة :بفتح العين وسكون الراء ،و الجمع عراص بكسر العين وفتح الراء .تعني البقعة الواسعة التى ليس فيها
بناء.
3اإلمام مالك بن أنس ،المدونة الكبرى ،برواية سحنون بن سعيد ،المرجع السابق ،الجزء 64ص 582وكذا
الجزء 62ص .695د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب –الرسالة السابقة -ص.685
4المنتقي شرح موطأ مالك ألبى الوليد الباجي،المرجع السابق ،الجزء ،1ص .45وما بعدها.
134
-وقد ورد عن اإلمام الشافعي ،رضي اهلل عنه "تقييد صاحب الحق عند استعمال
حقه إن ألحق ضر ار بالملك ال بالمالك فهو ال يعتبر الضرر في حق المالك الحتماله
1
وامكان االحتراز منه بخالف الملك.
ومن هنا يستخلص أن أنصار هذا الرأي يقرون مبدأ المسؤولية عن أضرار
الجوار دون تقييدها بدرجة معينة من األضرار ،فتقوم بالضرر القليل طالما قصد
اإلضرار بالجار ،كما تقوم إذا كان الضرر الذي يلحق بالجار أكبر من الفائدة التي
تعود على المالك .هذا يعني أن إلقرارهم المسؤولية عن مضار الجوار بصفة مطلقة
يكفي الضرر كركن لقيامها دون اشتراط أن يكون الضرر فاحشا أو غير مألوف.
1اإلمام شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ،المرجع السابق،ص،888
.884
2عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي ،المغني ،دار البصائر للطبع والنشر والتوزيع،الجزء ،4ص.629
ولمزيد من التفصيل أنظر د عبد الوهاب محمد عبد الوهاب ،المرجع السابق ،ص .684 ،688 ،685
3اتفق فقهاء الحنفية على أن الحكم بإطالق عدم منع مضار الجوار هو القياس ،أما قول غالب المتأخرين بالمنع فهو
االستحسا ن .ووجه القياس :القاعدة التي تقضي" أن من ملك شيئا ملك جميع منافعه وملك التصرف فيه دون
معارضة أحد "فاإلمام أبو حنيفة اعتمد على هذه القاعدة وعلى قوة الوازع الديني وهيمنة سلطان العقيدة ،أما
المتأخرون فقد تركوا القياس استحسانا،ألجل المصلحة،وقالوا إن ما يبرر األخذ باالستحسان ضعف الوازع الديني
في األزمنة المتأخرة ،وعدم االرتداع والكف عما يضر بالجار فاستنبط حكم المنع قضاء من الحديث الشريف "ال
ضرر وال ضرار" استحسانا .وقد جاء في الفتاوى البزازية تعليال لإلجبار على منع الضرر" إن الزمان زمان فساد
والزمان األول كان زمان إصالح" د/زكي زكي حسن زيدان -الرسالة السابقة -ص.602
135
هذا المنع يخص بالضرر الفاحش ،أو البين ،وهو المعتبر عندهم أما ما عداه من
الضرر ،فال يمنع وذلك دون النظر إلى نية المالك قصد اإلضرار أم لم يقصده.1
وعلى ذلك فإن حق الملكية يكون مقيدا بعدم اإلضرار بالغير ضر ار فاحشا .وأن
المالك له الحق في استعمال ملكه ،فإن استعمل حقه وترتب عليه إضرار بالجار
ضر ار غير مألوف كان ضامنا لذلك الضرر وكان للمضرور أن يرفع األمر إلى
القضاء ،وللقاضي أن يمنعه منه .ويلزمه بضمان الضرر الناشئ عن فعله ،سواء كان
الضرر مباش ار أو بطريق التسبب ،2ويكون الضرر بطريق التسبب إذا اختار المالك
وجها الستعمال ملكه يسبب ضر ار لجاره يمنع من ذلك .ويطلب منه أن يختار وجها
آخر من االستعمال ال يسبب ذلك .ولتحديد وجود الضرر من عدمه مرده إلى العرف
والخبراء.3
وقد عرف هؤالء الفقهاء الضرر الفاحش الذي يمنع منه الجار .بأنه ما يوهن
البناء أو يخرج عن االنتفاع بالكلية ،وهو ما يمنع من الحوائج األصلية ،والمراد بها
المنفعة األصلية المقصودة.4
1فخر الدين عثمان بن على الزيلعي(فقيه حنفي) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق .الجزء 4المطبعة األميرية،
القاهرة 6862.هـ.ص .611د/منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة -ص .646د /زكي زكي حسن زيدان –
الرسالة السابقة -ص .604د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود -الرسالة السابقة -ص .685
2د/عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة – ص.685د /مراد محمود محمود حسن حيدر-
الرسالة السابقة -ص .511د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص.55
3د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب –الرسالة السابقة -ص.685
4كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام ،شرح الفتح القدير على الهداية ،الجزء ،2المطبعة
دار إحياء التراث العربي .6950ص .201د/عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة – ص685
د/منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة -ص.645
136
وألجل المصلحة ،أي درء المفسدة الناجمة عن اإلضرار في الموضع الذي يضر
بالجار ضر ار فاحشا.
كما أن التوسع في منع كل ضرر يسد باب انتفاع اإلنسان بملكه ،ومن -5
ذلك :الدخان الدائم الناتج عن الطبخ والذي قد يتأذى به جيرانه الفقراء ،وكذلك لو كان
له شجرة يستظل بها جيرانه ،فلو قلنا بالمنع من كل ضرر ألزمه قطعها ،وبالتالي فال
بد من تقييد المنع بالضرر الفاحش ،أو البين.
-5أما القول بأن التوسع في منع كل ضرر يسد باب انتفاع اإلنسان بملكه ،فإن
هذا القول يمكن األخذ به في حالة الضرر غير الفاحش ،أما األمثلة التي ذكرت في
هذا الدليل فهي من الضرر اليسير ،وقد سبق القول أن مثل هذا معفو عنه.1
137
خصوص الضرر ،وهو ما يؤدى إلى هدم بيت الجار ونحوه من الضرر البين
الفاحش.1
-وقد أخذت مجلة األحكام العدلية بهذا الرأي في المادة ،6695فقيدت والية
المالك في التصرف في ملكه بقيد عدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا بقولها" ال يمنع
أحد من التصرف في ملكه أبدا ،إال إذا كان ضرره لغيره فاحشا" وبعد أن قررت هذا
المبدأ ،وضعت أحكاما تفصيلية اللتزامات الجوار في باب خاص بعنوان" في حق
المعامالت الجوارية" في المواد 6699إلى .6565
أستخلص مما سبق أنه لكي تقوم المسؤولية عن مضار الجوار حسب أنصار
هذا الرأي ال بد أن يكون الضرر فاحشا فال يكفي مجرد الضرر .وأن المعيار لتقدير
جسامة الضرر هو معيار موضوعي .معتبر فيه أثر التصرف بالنسبة إلعداد
6كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام ،شرح الفتح القدير على الهداية ،الجزء 2طبعة
دار إحياء التراث العربي 6899هـ6950 ،م ص641
2اإلمام فخر الدين عثمان بن علي الزيلعى -المرجع السابق -ص .691
138
العقار ومنافعه المخصص لها ،وليس حالة المالك وظروفه الشخصية .وقد أوضح
1
ذلك بعض فقهاء الشافعية بقولهم " والحاصل منعه مما يضر الملك ال المالك"
فذهب البعض إلى إطالق حق الملكية بتمكين المالك من التصرف في ملكه دون
قيد .فال يمنع المالك من التصرف المضر بالجار طالما كان المالك يتصرف في
خالص ملكه.
وذهب البعض اآلخر إلى أنه ليس لإلنسان أن يتصرف في ملكه تصرفا يضر
بجاره ،ولو كان قليال طالما قصد اإلضرار بالجار أما إذا لم يقصد اإلضرار به ،فال
يمنع في حالة الضرر اليسير ،ويمنع في الضرر الفاحش إذا كان التصرف الذي
1اإلمام الرملي الشهير بالشافعي الصغير ،نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ،المرجع السابق ،ص .884
139
يض ر بجاره ضر ار أكبر مما يلحق المالك من ضرر يسبب منعه من التصرف في
ملكه .والمرجع إلى العرف في تقدير الضرر إذا كان فاحشا أو مألوفا.
وذهب البعض الثالث إلى أن المالك يمنع من التصرف في ملكه بما يضر بجاره.
إذا كان الضرر الناتج عن التصرف فاحشا .ودون النظر إلى نية المالك أي قصد
اإلضرار أو لم يقصد .فالعبرة بحجم الضرر ال نية المالك.
وعند الموازنة بين آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية .نجد أن هناك من ضيق من حدود
المسؤولية عن مضار الجوار إلى أبعد الحدود مراعيا في ذلك الجار المالك وحفاظا
على حقه في التصرف مطلقا في ملكه .ومنهم من وسع من حدود المسؤولية عن
مضار الجوار مراعيا في ذلك جانب الجار المضرور وذلك بمساءلة الجار المتسبب
في الضرر ولو كان الضرر قليال إذا قصد اإلضرار بجاره أما إذا لم يقصد اإلضرار
به فيسأل عن الضرر البين أو الفاحش .ومنهم من توسط في وضع حدود المسؤولية
مراعيا في ذلك المالك محدث الضرر والجار المضرور .وذلك بمساءلة محدث
الضرر إذا كان الضرر معتب ار أي فاحشا سواء قصد المالك إحداثه أو لم يقصد.
وسبب الخالف بين فقهاء الشريعة اإلسالمية راجع إلى ثالثة أمور:
األول :صحة أو عدم صحة الدليل الخاص في المسألة.
الثاني :اختالف األعراف الخاصة في البيئات المختلفة وأثر هذا االختالف في
االجتهاد الفقهي.
الثالث :اختالف ما يؤثره كل فقيه من قواعد الشريعة في المسألة عما يؤثره
اآلخر.1
140
كما تبين من العرض السابق ،فإن من موجب القياس .بعض الفقهاء يأخذ بعموم
الحديث" ال ضرر وال ضرار" في حين أن البعض األخر يؤثر قاعدة أن حق الملك
جامع مانع فهو جامع لكل سبل التصرف في المال ،مانع غيره من مزاحمته في
ذلك.1
هذه المقاصد والغايات أريد بها صالح المجتمع وصالح أفراده ،على أن يجعل
صالح الفرد أساسا لصالح المجتمع ،ووسيلة إليه دون تعارض وتنافر بين
المصلحتين ،وذلك بتقديم صالح المجتمع على صالح الفرد عند التعارض .ومن ثم
فإن تقرير الحقوق في الشريعة اإلسالمية لم يكن إال نتيجة الزمة لما صدر عن
الشارع من أوامر ونواه ،أريد بها أن يحذر الناس ما للهوى ونزعات النفس األمارة
بالسوء من سلطان ،وأن تكون تصرفاتهم في حدود تلك األوامر والنواهي التي جاء بها
خطاب اهلل تعالى لعباده ،مقيدة بما تضمنته من قيود .وأنه لمن المحال على اهلل أن
ج ۚ 3"...وقوله
يشرع للناس ما يضرهم .لقوله اهللَ ...":و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الدِّي ِن ِمنْ َح َر ٍ
س َر .4"...ذلك ما فيه الداللة الواضحة س َر َو َال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ا ْلعُ ْ تعالى...":يُ ِري ُد ه
َّللاُ بِ ُك ُم ا ْليُ ْ
على أن ما جاءت به الشريعة الغراء من حقوق وأحكام مقيد بعدم
141
الضرر ،حتى ال تكون الحقوق مطية للشر ،أي ال تتخذ الحقوق وسيلة لألضرار
بالناس ،بل يجب أن يكون استعمالها مقيدا بعدم اإلضرار بالجماعة أو الفرد .وبعبارة
أخرى الحقوق يجب أن ال تكون أداة للتسلط على الناس ووسيلة إلى سلب حرياتهم.
وليست الملكية إال حق ا من تلك الحقوق التي منحها اهلل الناس ،فكانت خاضعة لهذا
1
األصل شأنها شأن الحقوق األخرى .ألن الشريعة "كل متسق ال تتناقض أجزاؤه"
وبناءا على ذلك ،فال يجوز أن تتخذ الحقوق وسيلة إلى اإلضرار بالغير ،بل يجب
أن يكون استعمالها مقيدا بعدم اإلضرار باألفراد ،وأال يؤدى ذلك إلى اإلضرار
بصاحبها ضر ار فاحشا يسلبه حقه ، ،وبقدر ما هي ميزة لصاحبها ،فإن لها وظيفة
اجتماعية مما يقتضى أن تقيد بما يكفل لها تحقيق هذه الوظيفة.
كما أن ترتيب المسؤولية الدينية والخلقية ليست كافية ألن تقوم الملكية بوظيفتها
االجتماعية فمن المقرر أن حق الملكية من الحقوق المالية رسم الشارع حدوده وبين
قيوده ،فمن خرج على هذه الحدود وخالف تلك القيود وجب حمله عليها بسلطان
القضاء ،فالناس لسوء أخالقهم وضعف دينهم تركوا ما أوجبه اهلل عليهم خلقا وأدبا من
رعاية جانب الجار ،فوجب حملهم على ذلك بسلطان القضاء واال عمت الفوضى
وانتشر الفساد.2
مما تقدم فإنني أرجح الرأي الذي يرى بتقييد مالك في تصرفه وانتفاعه بملكه بما ال
يضر غيره ضر ار فاحشا وذلك بغية إقامة التوازن بين حقوق األفراد التي تجب
مباشرتها على أساس التضامن االجتماعي ،والذي ال يستقيم مع مبدأ إطالق حق
الملكية وعدم مساءلة المالك في جميع األحوال قضاءا .ألن تحقيق التوازن يتطلب
142
مراعاة جميع األطراف ،التي يستوجب فيها أن نقيد تصرفات المالك إذا ألحق بجاره
ضر ار فاحشا .وبالمقابل تحمل الجار األضرار العادية أو المألوفة.
وعليه فإذا تعارض الضرران ارتكب األخف منها د أر لألشد من الضررين .وذلك
من أجل أن ال تخرج الحقوق عن النطاق والمجال المخصص لها .ونكون بذلك
استندنا للحديث الشريف " ال ضرر وال ضرار" مراعين كل من المالك والجار
المتضرر.
143
أنصار هذا االتجاه قد حافظوا على حق الملكية ،وفي نفس الوقت قيدوه بعدم
اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا.
وعليه فإنني أرى بأن أنصار هذا االتجاه حين أخذوا بالوسطية وهي من
خصائص ديننا اإلسالمي الذي منهجه ال إفراط وال تفريط يكونون قد خصوا كل من
الجار محدث الضرر والجار المضرور بحماية خاصة .وذلك بالسماح للمالك بالتمتع
بحق ملكيته حتى ولو ألحق ضر ار مألوفا بجاره بقصد أو دون قصد .وبالمقابل حمي
الجار المضرور من الضرر الفاحش وذلك بمساءلة المحدث الضرر.
144
المبحث الثاني
آليات تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة في القانون
المدني الجزائري
145
وتتمثل هذه الشروط في:
-توافر صفة الجار
-مشروعية التصرف من جانب الجار
-تجاوز المضار أعباء الجوار
هذا ما أحاول تناوله فيما يلي:
أوال :توفر صفة الجار كشرط لتطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة
يستفاد من نص المادة 5/196أن المشرع اشترط النعقاد المسؤولية بناءا على
نظرية مضار الجوار أن يملك كل من المضرور والمسؤول صفة الجار ،فإذا لم
تتوافر هذه الصفة في المسؤول ،فال تنعقد مسؤوليته وفقا لنظرية مضار الجوار غير
المألوفة .وذلك حين نصت "...وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار
المألوفة."...
كما اشترط المشرع من أجل طلب التعويض عن األضرار غير المألوفة توافر
صفة الجار في شخص المضرور ،وقد أجمع الفقه والقضاء على أن التجاور يعد
عنص ار أساسيا النعقاد هذه المسؤولية.
وقد أشرت سابقا أن الفقه اختلف في تحديد مفهوم الجوار ،حيث ذهب اتجاه إلى
األخذ بالمفهوم الضيق للجوار وربط نظرية مضار الجوار غير المألوفة بفكرة الملكية
،لذلك فإن صفة الجار تكون قاصرة على المالك المتجاورين فقط .وأن المنازعة في
هذه الحالة تكون بين حقين مطلقين والتي ال يمكن تصورها إال بين المالك.
وقد ربط أنصار هذا االتجاه نظرية مضار الجوار غير المألوف بالملكية لورود
النص تحت عنوان القيود التي تلحق حق الملكية.
146
بينما ذهب اتجاه آخر ،كما أشرت سابقا إلى األخذ بالتصور الواسع لهذا المفهوم،
واستندوا في تصورهم كون أن لفظ الجار في المادة 195مدني جاء مطلقا وهو ما
رجحته ،ألنه األقرب إلى احتواء كافة المشاكل والمنازعات التي تشب بين الجيران.
ومن ثم فإن الجوار ال يقت صر على الجار المالصق .بل يمتد ليشمل غير المالصق
متى تأثر بتلك األضرار .وفي هذا النطاق أيضا ال يقتصر الجوار على المالك فقط
بل يشمل المنتفع والمستأجر وغيرهم من الجيران .وال يهم كذلك أن يكون الشيء الذي
يستعمل عقا ار أو منقوال .إذ كما ينجم الضرر عن األول ،فإنه ينتج عن استعمال
الثاني.
وعلى ذلك ،فإن األخذ بالمفهوم الواسع للجوار ،يشمل ليس فقط الملكيات
المتالصقة ،وانما أيضا العالقة بين األشخاص الذين يباشرون حقوقا شخصية في
إطار جغرافي محدد أيا كانت صفاتهم.
وبناءا على ذلك أن المفهوم القانوني لشخص الجار حسب هذا االتجاه كما
أشرت سابقا ال يرتبط بفكرة الملكية ،بل يكفي أن يشغل الشخص عينا معينة ،وأن
يسبب بفعله العادي مضايقات غير مألوفة للجيران ،أو يتحمل من هؤالء اآلخرين
مضايقات تجاوزت الحد المألوف.
ثانيا :مشروعية التصرف من جانب الجار كشرط لتطبيق نظرية مضار الجوار غير
المألوفة
إن مشروعية التصرف من جانب الجار يعد أهم شرط من شروط تطبيق نظرية
مضار الجوار ،إذ به تتميز حالة مضار الجوار غير المألوفة عن الحاالت األخرى
التي تقترب منها.
147
ويعني هذا الشرط لزوم إضفاء صفة المألوفية على سلوك الجار أو تصرف
األشياء التي ت كون تحت حراسته ،تحقيقا لمصلحة جدية مشروعة ،متخذا جميع
االحتياطات الالزمة وأكثر حداثة حتى ال يترتب على نشاطه ضر ار للغير.1
وبناءا على ذلك إذا أضر الجار جاره وهو يستعمل حقه ،وهو في هذا االستعمال
لم يرتكب أي خطأ .وذلك بعدم مخالفته لنصوص القانون وعدم انح ارفه عن سلوك
المألوف للشخص العادي ،ولم يفرض القانون خطأ في جانبه ،ولم يتعسف في
استعمال حقه ،وذلك بقصد اإلضرار بالجار أو هدف من استعماله لحقه هو تحقيق
غرض غير مشروع .ولم تكن له مصلحة قليلة بالنسبة للضرر الذي يصيب جاره.
فإن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة تتحقق نتيجة أفعال مشروعة.
وعليه إذا ترتب الضرر نتيجة عيب في سلوك المالك فإن المسؤولية تخرج عن
نطاق نظرية مضار الجوار غير المألوفة لتندرج في نطاق صورة أخرى من صور
المسؤولية .وذلك ألنه لو كان أساس المسؤولية عن المضار الجوار غير المألوفة هو
الخطأ في اس تعمال الحق أو التعسف فيه ،لما أورد المشرع نصا خاصا بها لتتميز
عن باقي المسؤوليات.
وقد ذهب البعض من الفقه إلى القول إن التحليل الدقيق لنص المادة المتعلقة
بمضار الجوار غير المألوفة يكشف عن وجوب تقصى سلوك الجار محدث الضرر.
فإذا كانت األضرار ناتجة عن سلوك غير مألوف ،استبعدت من نطاق النص
وخضعت لنظام قواعد المسؤولية األخرى ،أما إذا كانت تلك األضرار ناتجة عن
سلوك مألوف خضعت لنص المادة ،وبذلك يتحدد نطاق النص تحديدا دقيقا .وآية
ذلك ،أن المشرع لم يكتف بالقول بأنه " وليس للجار أن يرجع على جاره في
1د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب – الرسالة السابقة – ص . 285د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة–
ص .455
148
مضار الجوار المألوفة .غير أنه يجوز أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد
المألوف" .فهذه العبارة تفيد استبعاد األضرار المألوفة من نطاق هذا النص ولزوم
انعقاد مسؤولية محدثها وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية ،أما إذا تجاوزت هذه المضار
الحد المألوف وجب تطبيق أحكام هذا النص.1
أستخلص مما سبق أن األضرار الناتجة عن سلوك مشوب بعيب ،ال تخضع
لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة .بل تخضع لقواعد المسؤولية األخرى .وأنه
لقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،ال بد أن يكون السلوك المسبب
للضرر مألوفا يهدف إلى تحقيق مصلحة مشروعة وجدية ،مع اتخاذ كافة االحتياطات
الممكنة لتجنب اإلضرار بالجار .وبهذا فإن هذه المسؤولية تخرج عن نطاق فكرة
الخطأ .كما سبق بيانه.
ثالثا :تجاوز المضار أعباء الجوار المألوفة كشرط لتطبيق نظرية مضار الجوار غير
المألوفة
كما سبق بيانه أن وجود الضرر هو شرط ضروري لقيام المسؤولية المدنية .لكنه
شرط غير كاف لقيام المسؤولية محل الدراسة ،التي يشترط فيها أن يكون الضرر
غير مألوف ،وهو الذي يزيد عن الحد المعهود فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من
بعض بحكم الجوار ،فإذا زاد الضرر على هذا الحد ،جاز للجار المضرور أن يطلب
إزالته ،على أن يراعي في ذلك العرف ،وطبيعة العقارات ،وموقع كل منها بالنسبة إلى
اآلخر ،والغرض الذي خصصت له.
على ذلك يجب أن يتسم هذا الضرر بقدر من الجسامة والخطورة ،بحيث
يتجاوز من حيث شدته واستم ارريته ما يسود في الحي من أعباء ،حتى يضفى عليه
صف ة عدم المألوفية .ومن ثم ،فإذا لم يتجاوز هذا الضرر حد الجوار المألوف ،فإن
1في هذا المعنى د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص 446 ، 440
149
الجار المضرور يلتزم بتحمله دون تعويض ،وذلك بعكس القواعد العامة ،التي تقضى
بجبر كافة األضرار المباشرة والمحققة ولو كانت مستقبلة.
أما إذا تواجد في منطقة سكنية خصصت بطبيعتها للمساكن ،واستحدث فيها
شخص مصنعا أو محال تجاريا مقلقا للراحة ،يصدر منه روائح أو أصوات أو مناظر
غير طبيعية ،فيكون الضرر الناتج من تلك األعمال هو ضرر غير مألوف يجب
إزالته كون المنطقة مخصصة للسكنى ال األعمال الصناعية أو التجارية .كما أنها
تتنافي مع أعراف المنطقة وطبيعة عقاراتها.
وعلى ذلك إذا كانت مسؤولية الجار عن مضار الجوار ال تتقرر إال إذا كانت
المضار قد تجاوزت الحد المألوف للجوار ،فإنه يطرح التساؤل حول العناصر التي
على ضوئها يتم قياس درجة مجاوزة هذا الحد ؟
استخلص الفقه الفرنسي من أحكام القضاء أن قياس درجة مجاوزة المضار للحد
المألوف يتوقف على عنصرين هما :شدة أو جسامة المضار من جهة واستم ارريته من
جهة أخرى
150
وتعني جسامة المضار أن تكون قد تجاوزت الحدود والمعدالت المسموح بها
التي يتعين على الجيران تحملها والتسامح فيها باعتبارها من ضرورات الحياة في
المجتمع .وتتيح بالتالي الفرصة للجيران في المطالبة بالتعويض .وللقاضي أن يقدر
هذه الجسامة على ضوء الظروف كل حالة على حدة ،باعتبارها مسألة موضوعية
1
تخضع لسلطته.
وتطبيقا لذلك قضى بأن الضوضاء الليلية التي تجاوز الحدود المسموح بها لشدة
2
الصوت ،والناشئة عن استغالل ملهى ليلي تشكل مضايقات غير مألوفة للجوار.
أما العنصر الثاني وهو عنصر االستم اررية فقد اعتبره الفقه أنه من العناصر التي
يتوقف عليها وصف عدم مألوفية المضار .وبناءا على ذلك ال يكفى أن تكون
المضار على درجة معينة من الجسامة بل يجب أن تكون مستمرة .أي ممتدة لفترة
معينة أو متجددة أثناء وقت معين .وعلى ذلك ال يمكن أن تكون الظاهرة العابرة أو
االستثنائية أو الطارئة ،مضا ار غير مألوفة ،بل يجب أن تأخذ المضار طابع
االستم اررية.
وعلى ذلك فإن المضار الناتجة عن العرس الذي احتفل به الجار في بيته وأحدث
ضوضاء في الجوار ال يعد ضر ار غير مألوف ألنه ال يتوفر فيه عنصر االستم اررية.
أما المضار الناتجة عن نباح الكلب المستمر ليال والذي يقلق راحة الجيران ،فإنه
يتيح الفرصة في التعويض للجيران عما لحقهم من أضرار بسببه.
1
Girod(Patrick)la réparation du dommage écologique, thèse, op.cit. p 74. Rémond-
Gouilloud (Martiene) : Du préjudice écologique, D.S. 1989,op.cit, p 261.
2
C.A. Besançon.22/03/1994, Juris –Data. No 041105
151
وعلى ذلك إذا كانت المضار مؤقتة أو عرضية من شأنها أن تزول بسرعة ،فإنه ال
تؤخذ في االعتبار وال تشكل مضا ار غير مألوفة ووجب تحملها والتسامح فيها.
وبالرجوع لنص المادة 196مدني نجد أن المبدأ األساسي الذي وضعه النص هو
نهي المالك من التعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك جاره .فهناك شرطان
لقيام مسؤولية المالك وهما :تعسفه في استعمال حقه وضرر يصيب الجار.
من خالل هذين الشرطين يتبين أن العمل الضار الذي يصيب الجار ال يوجب
المسؤولية في جميع األحوال ،بل البد أن يتعسف الجار في استعمال حقه ،وقد
حددت الفقرة الثانية من المادة 196مدني معيار التعسف المالك فوصفته بكل عمل
يحدث ضر ار غير مألوفا للجار ،فمعيار التعسف في أضرار الجوار طبقا لنص هذه
المادة هو معيار مرن متمثل في الضرر غير المألوف ،1وهو الذي يزيد عن الحد
المعهود فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار ،على أن يراعي
في ذلك العرف ،وطبيعة العقارات ،وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخر ،والغرض الذي
خصصت له.
ويتبين مما سبق أن المشرع قد وزع أض ار ار الجوار على طرفي المسؤولية ،فألزم
الجار المضرور بتحمل والتسامح عن األضرار المألوفة التي تصيبه .وألزم الجار
المسؤول باألضرار التي تجاوز الحد المألوف ،ومكن المضرور من المطالبة بإزالتها.
ذلك ألنه ليس من المعقول منع الجار من استعمال حق ملكيته في كل ما يضر
بجاره .وليس من المعقول أيضا تحمل الجار كل األضرار الناتجة عن هذا
االستعمال .فالعدالة تقتضى تقدير األضرار وتحميل المالك مسؤولية األضرار التي
تزيد عن الحد المعهود به فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار.
1في هذا المعني مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري -الجزء -1المرجع السابق – ص .86
152
وخالصة لما سبق .أنه لكي تتحقق المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة البد
من توافر شروط ثالثة وهي:
تحقق صفة الجار لكل من المضرور والمسؤول. -
أن يتصرف الجار محدث الضرر تصرفا مشروعا. -
أن يكون الضرر الذي لحق بالجار المضرور قد تجاوز الحد المألوف. -
وقد أخذ القضاء الجزائري كما سبق اإلشارة إليه بالمفهوم الجوار األكثر اتساعا
وذلك بعدم اقتصاره على التالصق وشموله على تقارب أو التجاور متى كان في
نطاق جغرافي حين قضى بغلق المفرغة العمومية التي تم إنجازها في وسط سكاني
1
: Riperet –De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports avec les propriétésفي هذا المعني
voisines.P 287. Paris, 1902
153
دون احترام دفتر األعباء ودون اتخاذ اإلجراءات المالئمة لتجنب المساس بسالمة
المحيط واألشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرزه منها والروائح الكريهة وغيرها من
األشياء المضرة:1.
كما أن الجوار يشمل العقارات والمنقوالت على حد السواء ،وعليه تتحقق واقعة
التجاور بين العقارات فيما بينها أو بينها وبين المنقوالت أو بين هذه األخيرة فيما بينها
ويسأل الجار عن األضرار غير المألوفة التي تصيب الجيران سواء كان مصدرها
عقا ار أو منقوال ،السيما وأن الفقه والقضاء قد أخذا بالمفهوم الواسع للجوار المرتبط
بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن صفتها وكونها عقارات أو منقوالت،
فيتحدد نطاق الجوار بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر هذه األنشطة الضارة.
وقد أخذ القضاء الجزائري كما سبق اإلشارة إليه بمفهوم الجوار األكثر اتساعا وذلك
بربط مفهوم الجوار بنوعية الفعل الضار ،حين قضي بإزالة المنشآت الفالحية متمثلة
في تربية الحيوانات والدواجن التي أقيمت بمنطقة سكنية أحدثت أض ار ار بيئية في
المحيط وهذا الفعل أدى إلى وجود مضار الجوار غير المألوفة .2
مجلة مجلس الدولة العدد - 09ص -94قرار رقم 085529بتاريخ . 5005/02/58 1
2الغرفة العقارية ملف رقم 448150قرار بتاريخ - 5009/08/65مجلة المحكمة العليا – العدد الثاني 5009
154
وعليه يمكن القول إن في مثل هذه الحالة أن مضار الجوار بالنسبة للنشاط
الممارس والتي ال يمكن تجنبها رغم الحيطة والحذر التي يبذلها محدث الضرر هي
الخاصة األساسية لمضار الجوار .وأن المحاكم تبذل جهدا إلظهار هذه االستحالة
الذي يجد المالك محدث الضرر نفسه ضمن إطارها .وال يمكن إزالة الضرر إال
بإيقاف هذا النشاط ووضع حد له ألن ممارسة هذا النشاط هي مصدر لهذا الضرر.
وقد كانت بداية التحول نحو قواعد المسؤولية الموضوعية عام 6944حيث قررت
محكمة باريس في قضية تتلخص وقائعها في أن الجيران يشكون من األصوات
الفاحشة التي تقلق راحتهم وتعكر صفو حياتهم ،وتبدد سكون الليل ،والناتجة عن سير
العمل في المصنع المجاور ،فقررت المحكمة مسؤولية المالك على أساس أن هذه
المضايقات تجاوز معيار التزامات الجوار العادية .طعن في هذا الحكم أمام محكمة
النقض ،فقضت هذه األخيرة بنقض الحكم على أساس أن قاضي الموضوع لم يوضح
أن األصوات الضارة بالجوار كانت مصدر لضرر مستمر يصل إلى درجة تجاوز
معيار االلتزامات العادية للجوار .فقررت إحالة القضية إلى محكمة اإلحالة .لكن هذه
األخيرة تبنت وجهة نظر قاضي الموضوع وانتهت محكمة النقض إلى تقرير مبدأ "
تجاوز األضرار أعباء الجوار العادية الواجب تحملها يستوجب انعقاد مسؤولية فاعلها،
دون حاجة إلى البحث عما إذا كان قد بذل أو لم يبذل العناية الواجبة ،راعى أو لم
يراع القوانين واللوائح المعمول بها"
155
وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي ": LARROUMETأن الخطأ يمحو بالضرورة
1
الضرر الفاحش ،وهذا األخير يمحو بالضرورة الخطأ"
ومنذ هذا التاريخ والفقه والقضاء مستقر على مبدأ انعقاد مسؤولية الجار متى كانت
المضايقات الناتجة عن ممارسته لحقه ،تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها الحد
المألوف بين الجيران.
وعليه فإن فكرة الضرر المستمر مفترض توفرها في النشاط الضار الذي يقوم به
الجار .وأن الضرر اآلني أو الظرفي أو بعبارة أخرى المؤقت ال يحقق شرط
االستم اررية.
وعليه فإن المضايقات الخاصة باألدخنة البسيطة الصادرة من مدخنة الجار ،وكذا
الروائح البسيطة المنبعثة من مطبخه وكذا األصوات البسيطة الناجمة عن استخدام
األدوات الكهربائية المنزلية كالراديو والتلفاز وغيرها ،تشكل أعباء مألوفة باعتبارها ال
تتصف باالستم اررية .وعلى العكس من ذلك إذا كانت هذه المضايقات تجاوزت الحد
المألوف من حيث شدتها واستم ارريتها .كإنشاء مفرغة في وسط سكاني نتج عنها
انبعاث الروائح المقززة والغازات السامة التي تضر بصحة الجار.فإنها تتيح الفرصة
في طلب إزالتها.
156
المؤرخ في 50رمضان عام 6892الموافق 51سبتمبر .6952والتي نصها ":يجب
على المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة ،غير أنه يجوز له
أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف .وعلى القاضي أن يراعي في
ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي
1
خصصت له".
من خالل نص هذه المادة نالحظ أن المشرع الجزائري اهتم بنظرية مضار الجوار
غير المألوفة ومنحها عناية خاصة وذلك بتخصيص نصا خاصا لها ،بعد أن وضع
فيه مبدأ عاما يلزم المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجاره .وميز
بين مضار الجوار المألوفة التي ال تمكن الجار المضرور من الرجوع بالتعويض على
المالك .وبين المضار التي تجاوزت الحد المألوف التي تمكن الجار من المطالبة
بإزالتها .وللتمييز بين المضار المألوفة والمضار غير المألوفة وجه القاضي إلى
مراعاة العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين ،وكذا الغرض
الذي خصصت له.
وال شك أن المشرع الجزائري ،قد أحسن صنعا حين قنن هذه المسؤولية فيكون قد
حقق كسبا تشريعيا حين استجاب لما استقر عليه الفقه والقضاء وما عليه من أحكام
في الشريعة اإلسالمية بخالف المشرع الفرنسي الذي لم يمنح لهذه المسؤولية سندا
تشريعيا فجعل القضاء أمام غياب النص التشريعي يبحث عن سند قانوني في
النصوص .فذهب تارة إلى إسناده لنص المادة 6895وتارة أخرى توسع في
1خالفا عن القانون المدني الفرنسي الذي لم ينظم هذه المسؤولية بحيث ال يوجد نص تشريعي كنص المادة 196
مدني جزائري التي تقرر مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة والتي كانت من خلق القضاء كما سبق
بيانه .كما يقابل هذا النص المادة 905مدني مصري والذي أضاف عبارة ال يمكن تجنبها ...لتصبح المادة
"5/905ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها ."...وهي بذلك اعتبرت
الضرر غير المألوف بالضرر الذي ال يمكن تجنبه.
157
تفسيرها محاوال إظهار فكرة الضرر غير المألوف .كما سبق بيانه.
ثار خالف فقهي حول موقع وصياغة المادة 196مدني 1وذلك على النحو الذي
سأوضحه من خالل الفرعين التالين:
1تقابل المادة 196مدني جزائري المادة 905مدني مصري و التي تنص" ()6علي المالك أال يغلو في استعمال
حقه إلى حد يضر بملك جاره ( )5ولي س للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها،
وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف ،على أن يراعي في ذلك العرف ،وطبيعة العقارات،
وموقع كل منها بالنسبة إلى لآلخر ،والغرض الذي خصصت له ،و ال يحول الترخيص الصادر من الجهات
المختصة دون استعمال هذا الحق".وجاء في المذكرة اإليضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري" أن
هذا النص جوهري يقرر التزامات الجوار فيجعلها التزامات قانونية بعد أن كانت التزامات مصدرها القضاء .فقد
قررها المشرع المصري مهتديا في تقريرها بالشريعة اإلسالمية ،فقررها المشرع كما هي مقررة في القضاء
المصري وفي الشريعة اإلسالمية معا .فأصبحت التزامات مستقرة ثابتة لها مصدر معروف و نص القانون"المرجع:
( مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري،الجزء 1ص .86
2وضع المشرع الجزائري المادة 196في نفس الموقع الذي وضعها المشرع المصري .أي في الفصل األول (حق
الملكية بوجه عام) من الباب األول (حق الملكية) وذلك تحت عنوان (القيود التي ترد على حق الملكية).ويقول
الدكتور فيصل زكي عبد الواحد في رسالته أضرار البيئة في محيط الجوار ،الرسالة السابقة ،ص 91و "95نقترح
نقل هذا النص من موضعه،إذ أن وجوده على هذا النحو يوحى – كما يذهب إليه جمهور الفقه و القضاء -بأنه يشكل
قيدا قانونيا يرد على حق الملكية لوروده في باب قيود حق الملكية ،مع أن هذا النص ينظم صورة للمسؤولية
المدنية،ومن جهة أخرى توجد كثير من العقبات التي تحول دون اعتبار هذا النص يشكل قيدا يرد على حق الملكية .
ومن ثم يتعين وضع هذا النص في باب مصادر االلتزام تحت فصل مصادر االلتزام المقررة بنص القانون.
158
وهذه االلتزامات ما هي إال تكاليف على المالك بسبب ملكيته للعين تنتقل معه بصفته
مالكا بصرف النظر عن الطريقة التي ينتقل بها الحق العيني الوارد على العين،
ويستطيع المدين بهذا االلتزام أن يب أر منه بالتخلي عن العين باعتبار أن هذا االلتزام
هو تكليف على المالك ال على شخصه.
وعليه فان ما ورد في نص هذه المادة يشمل كل من يشغل العقار ،ألن االلتزام
العيني يحمل الملكية وليس المالك.
وعليه فإن وضع المادة في القسم الثالث المتضمن القيود التي ترد على حق
بأن النص يشكل قيدا قانونيا من 1
الملكية ،يوحي كما ذهب إليه أنصار هذا الرأي
القيود التي ترد على حق الملكية.
وذهب الفريق اآلخر من الفقه إلى مخالفة األول -وهو الرأي الذي أرجحه -أن
األحكام التي أتت بها المادة 196مدني من صميم االلتزامات الشخصية ويجب
إبعادها عن فكرة االلتزامات العينية .ألن هذه االلتزامات تفرض على الشخص الذي
تتوفر فيه صفة الجار سواء أكان مالكا أو غير مالك .فتحمله األضرار المألوفة من
جهة .وتمنحه الحق في المطالبة باإلزالة عما يجاوز الحد المألوف من جهة أخرى.
فهدف المشرع هو تنظيم التزامات الجوار وجعلها التزامات قانونية مستقرة وثابتة لها
مصدر معروف وهو نص القانون وبالتالي تنظيم المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة الناتجة عن الممارسة العادية والمشروعة للحقوق .وليس تنظيم حق الملكية.
1د /نعمان محمد خليل جمعة ،الحقوق العينية األصلية – المرجع السابق – ص . 842و قريب من ذلك د/عبد
الرزاق أحمد السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني،حق الملكية ،المجلد -9المرجع السابق -ص. 191حيث
يقول ":النص كما نرى يعرض لمضار الجوار غير المألوفة ،ويوجب مسؤولية المالك عنها.و من هنا كان التزام
المالك بأال يحدث ضررا غير مألوف لجاره قيدا يرد على حق الملكية ،و هو أقرب إلى أن يكون التزاما عينيا ألنه
يرافق الملك و ينتقل معه أين ذهب.
159
كما أن فكرة االلتزامات الشخصية التي تهدف إليها نظرية مضار الجوار هي
تحميل الجار األضرار المألوفة دون طلب التعويض عنها ،يقابل هذا حق الجار في
إحداث أضرار شريطة عدم تجاوزها الحد المألوف هذا من جهة .ومن جهة أخرى إن
االلتزام بالتعويض عن األضرار غير المألوفة يقابله حق للجار المضرور في المطالبة
بالتعويض عما لحقه من ضرر تجاوز الحد المألوف .وخلص هذا الرأي إلى أن كال
االلتزامين السابقين فيهما ربط بين شخصين أحدهما دائن(المضرور) واآلخر
مدين(محدث الضرر) .وان كانت هذه الرابطة تبدو بصورة أوضح في االلتزام الثاني
منه في االلتزام األول .1إذ أن الجار ال يقتضي التعويض عما تحمله من أضرار غير
مألوفة ،إال بتدخل المدين بااللتزام الشخصي ،أي محدث الضرر
وعليه فالنص يهدف إلى تنظيم قواعد المسؤولية عن مضار الجوار وتمييز
المضار المألوفة عن المضار غير المألوفة ومن ثم تقريره تحمل الجار المضار
المألوفة وحقه في المطالبة بإزالة المضار غير المألوفة .وبالتالي فإنه يهدف إلى تنظم
صورة من صور المسؤولية المدنية ،لذا أقترح وضعه في القسم الرابع تحت عنوان
المسؤولية عن مضار الجوار من الفصل الثالث الفعل المستحق للتعويض باب األول
مصادر االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود.
1د /فيصل زكي عبد الواحد –المرجع السابق -ص 598وما بعدها.
160
كالمنتفع وصاحب حق االستعمال وصاحب حق السكنى والمستأجر وغيرهم من
1
الجيران كما سبق بيانه.
و عليه فإن المنازعات بين الحقوق المتجاورة ،ال تقتصر فقط على المنازعات
بين حقوق ملكية مطلقة ،وأن ربط نظرية مضار الجوار بفكرة حق الملكية وقصر
صفة الجار على المالك قد يؤدي بنا إلى نتائج غير منطقية تتنافي وروح القانون.
لذا أقترح تغيير صياغة الفقرة األولى لتكون أقرب إلى الدقة كما يلي" يجب
على الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجاره" .فإعادة صياغتها على
هذا النحو يحقق تناسقا بين الفقرة األولى والثانية من النص .ألن لفظ الجار في الفقرة
الثانية جاء مطلقا يصعب صرفه إلى صفة المالك وحده دون غيره .كما أن قصر
صفة الجار على المالك يعني حرمان الجار المضرور من المطالبة بالتعويض عن
أضرار الجوار غير المألوفة التي تلحق به متى نتجت من غير المالك.
1كما سبق بيانه عند دراسة المفهوم القانوني لشخص الجار .وفي ذلك أيضا د /مراد محمود محمود حسن حيدر،
التكييف الشرعي القانوني للمسؤولية المدنية الناشئة عن مضار الجوار غير المألوفة – دراسة مقارنة في الفقه
اإلسالمي والقانون المدني -رسالة دكتوراه – دار المطبوعات الجامعية -اإلسكندرية -5009ص .655،658د
محمد لبيب شنب –الموجز في الحقوق العينية األصلية -المرجع السابق -ص ،585د /نعمان جمعة ،الحقوق
العينية -المرجع السابق-ص .825د/شفيق شحاتة ،شرح القانون المدني -المرجع السابق -ص .19د عبد الرزاق
أحمد السنهوري ،الجزء – 1المرجع السابق-هامش ص.159
2د /محمود عبد الرحمان المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة –دراسة مقارنة –دار النهضة العربية،
القاهرة ،دون تاريخ النشر ،ص 66و.65
161
ثانيا :بالنسبة لصياغة للفقرة الثانية من النص:
صيغت الفقرة الثانية من المادة "196وليس للجار أن يرجع على جاره في
مضار الجوار المألوفة ،غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت
الحد المألوف .وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل
منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي خصصت له".
عند قراءة الفقرة الثانية من النص نالحظ أن ظاهرها يوحي بقصر األضرار غير
المألوفة على العقارات المتجاورة دون المنقوالت .وهذا مخالف للواقع العملي خاصة
مع التطور التكنولوجي الذي عرفه المجتمع المعاصر .إذ أصبح استخدامهما متداخل
في كافة المجاالت مما جعل الفقه والقضاء يتخليا عن التصور الضيق لمفهوم
الجوار ،واستق ار على األخذ بالمفهوم الواسع له ،وذلك بربط مفهوم الجوار بنوعية
األنشطة الضارة بصرف النظر عن طبيعتها وكونها عقارات أو منقوالت .فالجوار
يتحدد بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر هذه األنشطة الضارة .وأفضل مثال
على ذلك ما تسببه ضوضاء الطائرات والقطارات على الجار الساكن بالقرب من
المطار أو السكة الحديدية والتي ينتج عنها ضرر معنوي ناتج عن إقالق راحته
وحرمانه من التمتع الهادئ باإلقامة في عقاره ،وضرر مادي ناتج عن انخفاض قيمة
العقار.1
وعليه فإنني أقترح استبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء 2حتى
تكون عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير المألوفة .الذي
استقر الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر عن صفتها
وكونها عقا ار أو منقوال.
1وقد أصدر مجلس الدولة قرار يقضي "بتأييد القرار المستأنف مبدئيا وإضافة له القضاء بغلق المفرغة العمومية
موضوع النزاع المتواجدة في وسط سكاني التي تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرز منها
والروائح الكريهة و غيرها من األشياء المضرة" – قرار منشور في مجلة مجلس الدولة رقم -09و بذلك نالحظ أن
القضاء الجزائري أخذ بالمفهوم الواسع للجوار وذلك بربط مفهوم الجوار بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر
عن طبيعتها كونها عقارات أو منقوالت.
2وقد ذهب إلي ذلك أيضا د /فيصل زكي عبد الواحد حين اقترح تعديل نص المادة 5/905مدني مصري .التي
نصت على نفس العبارة –الرسالة السابقة -ص .91
162
ثالثا :فيما يتعلق بعالقة الفقرة األولى بالثانية:
اختلف الفقه حول عالقة الفقرة األولى بالثانية من نص.
ذهب جانب من الفقه 1إلى أن صياغة النص على هذا النحو سليمة وأن عباراتها
مستقيمة .فالفقرة األولى من النص وضعت حدا قانونيا ينتهي عنده حق المالك في
استعمال حقه ،بحيث إذا تعداه يكون قد أخل بحكم هذا النص وبالتالي خرق االلتزام
القانوني إلى ما يجاوز حقه .ومن ذلك يبين الفرق الدقيق بين اإلخالل بااللتزام المتمثل
في التعسف ومجاوزة حدود حق الملكية .ذلك ألن اإلخالل مرحلة تسبق مجاوزة الحق
ولو في التصور الذهني .ومجاوزة حدود الحق تقع دائما بعد اإلخالل بااللتزام .ومن ثم
فإن الفقرة األولى تضع حدا الستعمال المالك المشروع لملكه بحيث لو تعداه يكون قد
أخل بحكم هذا النص بمجرد التعسف في استعمال حقه.
أما الفقرة الثانية فقد قصد المشرع بها استبعاد تطبيق األحكام العامة في المسؤولية
التقصيرية بالمفهوم السائد في مجال التزامات الجوار .وبذلك تستقيم عبارة النص ويكون
بعيدا عن الشعور بوجود عيب في صياغته مما اقتضى من البعض القول بوجوب
استبعاد الفقرة األولى من النص .وال شك أن إعمال النص خير من إهماله.
وقريب من هذا الرأي ،ذهب البعض 2إلى القول أن الصياغة الحالية سليمة ألن
المشرع قد وزع نص المادة على فقرتين تضمنت كل فقرة حكما ينظم نوع المضار غير
التي ينظمها اآلخر ،ومع ذلك فإن كل فقرة تعاضد األخرى .وأن التفصيل الذي تضمنته
الفقرة الثانية من المادة اآلنفة الذكر أوحى إلى البعض أنه يمكن االستغناء بها على
نص الفقرة األولى على الرغم من وضوح أحكام كلتيهما.
1د /عبد العزيز عبد القادر أبو غنيمة ،االلتزام العيني في الشريعة والقانون -رسالة دكتوراه -جامعة القاهرة ،سنه
.6955
2د /عبد الحميد عثمان محمد ،أحكام حق الملكية ،دار النهضة العربية ،6999ص.96،95
163
وذهب جانب اآلخر 1إلى مخالفة الرأي السابق بالقول إلى أنه إذا كان المشرع قد
أوجب على المالك في الفقرة األولى أن ال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر
بملك جاره .فإن حدود هذا الحق ال تتضح إال من خالل الفقرة الثانية ،ذلك ألن المالك
ال يسأل أيا كانت صفة األضرار الناجمة عن استعمال حقه كما يبدو من الفقرة
األولى وانما يجب أن تتجاوز األضرار الحد المألوف .ولهذا تبدو صياغة النص على
هذا النحو معيبة.
إضافة إلى ذلك فإن الفقرة األولى تعتبر تزايدا ال فائدة منها مع وجود الفقرة الثانية،
فإنها تؤدى إلى اللبس عند البحث في شروط المسؤولية عن مضار الجوار ،بما قد
توحي به من ضرورة وجود الخطأ كشرط لقيامها واتخاذه أساسا لها ،بينما الواقع كما
يظهر من الفقرة الثانية أنه ليس هناك مجال للبحث في سلوك المالك المسؤول عند
توافر المسؤولية وأساسها ،وانما البحث يكون في الضرر الذي أصاب الجار ومدى
2
مألوفيته
وعليه يرى أنصار هذا الرأي أنه لكي تستقيم عبارات النص يجب الخيار بين
أمرين .إما استبعاد الفقرة األولى واكتفاء بالفقرة الثانية ،واما إضافة إلى الفقرة األولى
عبارة ضرر يتجاوز الحد المألوف .لتصبح كاآلتي" على المالك أن ال يتعسف في
استعمال حقه إلى حد يضر بملك جاره ضرار يتجاوز الحد المألوف" .ثم تعدل الفقرة
الثانية لتقتصر على بيان الضوابط التي تراعى عند تقدير الضرر المألوف.
وذهب رأي ثالث 3إلى القول بتأييد من حيث المبدأ االتجاه القائل بوجود عيب
في صياغة النص ويختلف معه في تقريره فكرة االختيار بين حذف الفقرة األولى،
1د /منصور مصطفي منصور :حق الملكية في القانون المدني المصري،مكتبة وهبة .6912ص.22
2د /مصطفي جمال ،نظام الملكية ،دار النهضة العربية.6999
3د /فيصل زكي عبد الواحد ،أضرار البيئة في محيط الجوار والمسؤولية المدنية عنها،الرسالة السابقة ص 95وما
بعدها.
164
أو اإلبقاء عليها مع إضافة عبارة "ضرر يتجاوز الحد المألوف" مع تعديل الفقرة
الثانية بقصرها على بيان الضوابط التي تراعى عند تقدير بإضافة العبارة السالفة
الذكر لها ،يوحى بأن مسؤولية الجار وفقا لهذا النص تقوم على فكرة الخطأ المفترض
منذ تجاوز األضرار أعباء الجوار العادية .إذ أن النهي يفيد التحريم ،ومن ثم فإن
إحداث الجار مضايقات غير عادية لجاره يفيد وفقا لمنطق التحريم وجود خطأ ،مع أن
هناك كثي ار من العقبات التي تحول دون اعتبار هذا النص يعد تطبيقا خاصا لقواعد
المسؤولية التقصيرية .فضال عن ذلك يتضح من الفقرة الثانية التي تناولت ما استقر
عليه الفقه والقضاء في وضع نظرية مضار الجوار غير المألوفة أنها أصبحت مصد ار
مستقال للمسؤولية المدنية بعيدة كل البعد عن مفهوم الخطأ الثابت أو المفترض.
وينتهي هذا الرأي إلى وجوب حذف الفقرة األولى من النص حتى تستقيم مع جوهر
نظرية مضار الجوار غير المألوفة.
وعليه يرى أنصار هذا الرأي إن حذف الفقرة األولى من نص المادة 196يجعلنا:
-نبتعد عن مشكلة تفسير أو تأويل النص الستقامته مع جوهر نظرية مضار
الجوار غير المألوفة .وبالتالي نتجنب الخالف الفقهي أو القضائي حول نطاق تطبيقه
-كما يجعلنا ال نربط قواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بقواعد
المسؤولية التقصيرية ألنها ال تعد تطبيقا من تطبيقاتها .ألن المسؤولية عن مضار
الجوار غير المألوفة ال تقوم على فكرة الخطأ في جميع األحوال ،بل ينحصر نطاق
تطبيقها على األضرار الناجمة مباشرة من السلوك غير المألوف.
-كما أنه وحسب االتجاه الثاني الذي يرى أن الصياغة الحالية للنص معيبة
ويقترح لعالج ذلك الخيار بين حذف الفقرة األولى واالكتفاء بالفقرة الثانية.أو اإلبقاء
على الفقرة األولى مع إضافة عبارة "ضرر يتجاوز الحد المألوف" وقصر الفقرة الثانية
على بيان ما يجب مراعاته عند تقييم الضرر غير المألوف .فإن األخذ بالخيار الثاني
ال يحقق تناسقا بين الفقرتين.ألن الفقرة األولى بالرغم من إضافة
165
العبارة السابقة يبقى الخطأ شرطا أساسيا لقيام المسؤولية وهذا خالفا لنظرية مضار
الجوار التي ال تقوم على فكرة الخطأ في جميع األحوال.
-كما أن ما يلحق بالجار من ضرر غير مألوف ،ليس بالضرورة أن يكون نتيجة
تعسف المالك في استعمال حقه ،بل قد يكون نتيجة الستعماله العادي لملكه ،ومع
ذلك يسأل عنه إذا أصاب الجار ضرر غير مألوف.
وعليه فإن حذف الفقرة األولى من النص يجعله يستقيم مع جوهر نظرية مضار
الجوار غير المألوفة .ومن ثم يتحقق ما كان يبتغيه المشرع من وراء إق ارره لهذه
النظرية.
والرأي عندي – إن صياغة النص على هذا النحو سليمة ألن المشرع حين
وضع فقرتين لنص المادة ربط بينهما بحرف عطف "وليس للجار "...وحرف العطف
يفيد اإلضافة .فالفقرة األولى جاءت عامة وبالتالي فهي تشمل الضرر المألوف
والضرر غير المألوف وألزمت الجار المضرور من إثبات تعسف الجار لقيام
المسؤولية .أما الفقرة الثانية أضافت فكرة أخرى هي تمكين الجار المضرور الذي
يصعب عليه إثبات تعسف الجار في جميع األحوال من حق المطالبة بإزالة الضرر
غير المألوف دون الضرر المألوف مع مراعاة بعض الشروط والهدف من ذلك حماية
الجار المضرور بتوسيع مجال تطبيق أحكام المسؤولية عن مضار الجوار .خاصة
وأن فقرة األولى تنظم حكما للضرر غير التي تنظمه الفقرة الثانية.
166
األول مصادر االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود .وذلك ألنه يتضمن
أحكاما تنظم صورة للمسؤولية الموضوعية.
وأقترح تغيير صياغة الفقرة األولى لتكون أقرب إلى الدقة كما يلي" يجب على
الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجاره" .فإعادة صياغتها على هذا
النحو يحقق تناسقا بين الفقرة األولى والثانية من النص .ألن لفظ الجار في الفقرة
الثانية جاء مطلقا يصعب صرفه إلى صفة المالك وحده دون غيره .كما أن قصر
صفة الجار على المالك يعني حرمان الجار المضرور من المطالبة بالتعويض عن
أضرار الجوار غير المألوفة التي تلحق به متى نتجت من غير المالك.
كما أقترح استبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء حتى تكون
عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير المألوفة .الذي استقر
الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر عن صفتها وكونها
عقا ار أو منقوال .لتقوم على فكرة إقامة نوع من التوازن بين الحقوق المتجاورة.
خالصة المبحث
أستخلص مما سبق أن األضرار الناتجة عن سلوك مشوب بعيب ،ال تخضع
لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة .بل تخضع لقواعد المسؤولية التقصيرية.
وأن من شروط تطبيق نظرية مضار الجوار غير مألوفة:
-6توافر صفة الجار لكل من الجار محدث الضرر والجار المضرور
-5مشروعية التصرف من جانب الجار محدث الضرر ،ويعد هذا الشرط من أهم
شروط تطبيق نظرية مضار الجوار ،إذ به تتميز حالة مضار الجوار غير المألوفة،
وذلك بجعل سلوك المسبب للضرر مألوفا يهدف إلى تحقيق مصلحة مشروعة وجدية،
مع اتخاذ كافة االحتياطات الممكنة لتجنب اإلضرار بالجار .وبهذا فإن هذه المسؤولية
تخرج عن نطاق فكرة الخطأ.
167
-8تجاوز المضار أعباء الجوار المألوفة :على ذلك يجب أن يتسم هذا الضرر
بقدر من الجسامة والخطورة ،بحيث يتجاوز من حيث شدته واستم ارريته ما يسود في
الحي من أعباء ،حتى يضفى عليه صفة عدم المألوفية .ويتوقف قياس درجة مجاوزة
المضار للحد المألوف على عنصرين هما :شدة أو جسامة المضار من جهة
واستم ارريته من جهة أخرى.
وعليه فإن المشرع الجزائري حين قنن المادة 196كان يهدف إلى تنظم قواعد
المسؤولية عن مضار الجوار وتمييز المضار المألوفة عن المضار غير المألوفة ومن
ثم تقريره تحمل الجار المضار المألوفة وحقه في المطالبة بإزالة المضار غير المألوفة
وهي صورة من صور المسؤولية المدنية.
لذا اقترحت وضع المادة 196في القسم الرابع تحت عنوان المسؤولية عن
مضار الجوار من الفصل الثالث الفعل المستحق للتعويض باب األول مصادر
االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود .وتغيير صياغة الفقرة األولى لتكون
أقرب إلى الدقة كما يلي" يجب على الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد
يضر بجاره " .فإعادة صياغتها على هذا النحو يحقق تناسقا بين الفقرة األولى والثانية
من النص .ألن لفظ الجار في الفقرة الثانية جاء مطلقا يصعب صرفه إلى صفة
المالك وحده دون غيره .كما أن قصر صفة الجار على المالك يعني حرمان الجار
المضرور من المطالبة بالتعويض عن أضرار الجوار غير المألوفة التي تلحق به متى
نتجت من غير المالك .واستبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء حتى
تكون عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير
168
المألوفة .الذي استقر الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر
عن صفتها.
169
الباب الثاني
170
الباب الثاني
أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة وأحكامها
رغم اتفاق فقهاء القانون وشراحه على قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة إال أنهم اختلفوا في تحديد األساس القانوني الذي يبررها ويردها إلى فكرة
محددة تقتضي الجزاء .ذلك ألن الضرر يمنح المضرور الحق في المطالبة بالتعويض
غير أنه ال بد من البحث باإلضافة إلى تحقق الضرر عن سبب آخر يمكن على
أساسه إلقاء عبء التعويض على عاتق صاحب الحق.
وسبق وأن أشرت أن نظرية مضار الجوار غير مألوفة تمثل صورة من صور
المسؤولية ولها كيان مستقل عن غيرها من المسؤوليات األخرى .لذا وجب دراسة
االتجاهات الفقهية التي حددت أساس هذه المسؤولية .ألتمكن بعد ذلك من تحديد
أحكامها.
ولبيان ذلك ،أقسم هذا الباب إلى فصلين على النحو التالي:
الفصل األول :أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة.
الفصل الثاني :أحكام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة.
171
الفصل األول:
أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
بوجود نص المادة 196أصبح لمضار الجوار غير المألوفة مصدر ثابت .ولم
يعد أمام الفقه والقضاء سوى االنصياع لصراحة النص بتطبيقه وتفسيره .فأقاموا
المسؤولية عن مضار الجوار إذا استعمل الجار ملكه قصد تحقيق مصلحة جدية
ومشروعة وألحق مضا ار لجاره جرت عادات الناس وأعرافهم على عدم تحملها
والتسامح فيها .ورغم اتفاق فقهاء القانون وشراحه على قيام هذه المسؤولية إال أنهم
اختلفوا في تحديد أساسها القانوني.
فأساس المسؤولية هو تبرير هذه المسؤولية ،وردها إلى فكرة محددة تقتضي الجزاء
المحدد لها .وقد فرق الفقهاء بين مصدر المسؤولية وأساسها .واعتبروا مصدر
المسؤولية السبب الذي يلزمنا بتعويض الضرر الحاصل للغير .وبناءا على ذلك ،ال
تخرج مصادر القانون منطقيا عن اإلرادة والقانون ،أما أساس المسؤولية فيقصد به
السبب الذي من أجله يضع عبء تعويض الضرر الحاصل على عاتق شخص
هو أساس معين .1وباعتبار أن الضرر نتيجة ،البد لها من سبب ،فالسبب
المسؤولية.
وقد عرف الفقه أساس المسؤولية بأنه التأصيل الفني للمسؤولية ،ومحاولة ردها
إلى نظام من األنظمة القانونية المعروفة ،أو خلق نظام مناسب يمكن نسبته إليه ،إذا
استعصى ردها إلى أي من األنظمة.2
1د /محمد لبيب شنب ،المسؤولية عن األشياء ،دراسة مقارنة – رسالة دكتوراه – جامعة القاهرة سنة .6925
ص . 516د/منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة – ص.650 ، 669
2د /نعمان محمد خليل جمعة – المرجع السابق -ص .828
172
وعليه إذا كان تحقق الضرر غير مألوف يكفي في حد ذاته على تعويض
المضرور فإنه ال يصلح وحده كأساس لمساءلة صاحب الحق والزامه بتعويض هذا
الضرر ،فالضرر الحاصل يخول المضرور الحق في المطالبة بالتعويض ،لكن عليه
أن يبحث باإلضافة إلى تحقق الضرر عن سبب آخر يمكن على أساسه إلقاء عبء
التعويض على عاتق صاحب الحق .فما هو هذا السبب؟ .هو على وجه التحديد
أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة .فالضرر نتيجة البد لها من سبب،
هو أساس المسؤولية التي نحن بصددها ،وليس صحيحا أن نعتد بالسبب من خالل
النتيجة التي يؤدى إليها واال كان في ذلك خلط بين فكرتي الخطأ والضرر.1
وعلى ذلك فإن النص القانوني ال يمكن اعتباره أساسا للمسؤولية بل إنه المصدر
والسند تشريعي لها.2
ومن هنا يطرح التساؤل إذا كان نص المادة 196من القانون المدني يبرر
حصول المضرور على تعويض لجبر الضرر الذي أصابه ،فما هو األساس الذي
تقوم عليه مسؤولية الجار عن مضار الجوار غير المألوفة؟
سبق وأن أشرت أن نظرية مضار الجوار غير مألوفة تمثل صورة من صور
المسؤولية ولها كيان مستقل عن غيرها من المسؤوليات األخرى .وباعتبار أنه ال
يمكن تقرير أية مسؤولية دون إسنادها ألساس قانوني وجب دراسة االتجاهات الفقهية
التي حددت أساس هذه المسؤولية وتطبيقها على القواعد العامة ثم على
د /محمد زهرة ،مقال :الطبيعة القانونية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،دراسة خاصة حول مسألة 1
الخيرة في القانون المصري والكويتي والفرنسي ،مجلة المحامي السنة الحادية عشرة ،أعداد جويلية ،أوت ،سبتمبر،
6999ص 55و 59
د /أبو زيد عبد الباقي ،مقال ،تحديد األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،مجلة الحقوق، 2
173
قواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة ،للتوصل إلى األساس القانوني لهذه
المسؤولية.
المبحث األول :موقف الفقه من أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
المبحث الثاني :أساس المسؤولية في القانون الجزائري
174
المبحث األول:
موقف الفقه من أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة
سبق وأن أشرت أن نظرية مضار الجوار غير مألوفة لم يتناولها القانون المدني
الفرنسي بل هي من نشأة القضاء الذي كان يسعى للبحث عن أساس المسؤولية
لتبرير أحكامه وقد كانت أول مرحلة لالنتقال هي تخلي محكمة النقض الفرنسية في
قرارها الصادر في 16944/66/55عن التصور الضيق لمفهوم الخطأ ،وأعلنت
صراحة مبدأ مسؤولية المالك المجاور عن األضرار التي يشكو منها الجيران متى
كانت هذه األضرار تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها أعباء الجوار الواجب تحملها،
بغض النظر عما إذ ا كان الجار محدثها أخذ أو لم يأخذ االحتياطات الالزمة ،راعى
أو لم يراعى القوانين واللوائح .ومنذ هذا التاريخ ومحاوالت الفقه والقضاء الفرنسي لم
تتوقف من البحث على أساس النظرية فتعددت وتنوعت اتجاهاتهم الفقهية .فهل
تستوعب المسؤولية القائمة على فكرة الخطأ جميع المنازعات الجوار؟ أم أن قواعد
هذه المسؤولية أصبحت عاجزة في توفير الحماية الكاملة للجار المضرور؟
وأمام خلو التشريع من نص خاص يحدد أساس المسؤولية ،فإنه ال مفر من
االتجاه للفقه لتحديد أساسها .وبالتالي هل تقوم المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة على أساس الخطأ أم تقوم على أساس الموضوعي؟ .وذلك لتبرير أحكام
القضاء في غياب النص التشريعي ينظمها.
1
Cass Civ,27/11/1844.S,44,p811
175
هذا ما أحاول بيانه في هذا المبحث من خالل تقسيمه إلى مطلبين
176
مجتمع طالما أن هذه المضار لم تتجاوز قدر معين من الضرر ،وأن بتجاوز المالك
المضار المألوفة يكون قد أرتكب خطأ.1
وقد ميز أنصار هذا االتجاه بين نوعين من األضرار :أضرار مألوفة يجب على
الجار تحملها والتسامح فيها ،حيث ال يمكنه أن يعيش في مجتمع بدون تحملها ،وفي
حدودها ال يعتبر الجار قد ارتكب خطأ ما وبالتالي ال مسؤولية عليه .وأضرار غير
مألوفة متى تجاوزت حد المألوفية ال يجوز للجار أن يفرضها على جيرانه ألنها ال
تنتج إال من تصرف خاطئ .أي أن تحديد الخطأ ال يكون إال بالنظر إلى مدى
الضرر الذي وقع فإذا تجاوز الحد المتسامح فيه تحقق الخطأ.
وذهب جانب من الفقه المصري 2أنه بوجود نص المادة 905مدني مصري الذي
أورد قيدا على حق الملكية المتمثل في عدم غلو المالك في استعمال حقه حتى ال
يلحق الجار من جراء هذا االستعمال ضر ار غير مألوف ،وعليه فإن المالك الذي غال
في استعمال حقه وألحق بجاره ضر ار غير مألوف قد خرج عن حدود الحق .والخروج
عن حدود الحق خطأ بالمعنى المعروف ،إذ هو انحراف عن سلوك المألوف للشخص
المعتاد .فتكون مسؤولية المالك في هذا القول قائمة على الخطأ بمعناه المعروف
1
Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse,op.cit,p158.
Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse,op.cit. p49. Mazeaud(H.L) et Tunc(A), par
H.Capitant,Traité théorique et pratique de la responsabilité civil, tome1,6e 2d. Paris,
1962.p708.Genevieve viney et patrice jourdain, traité de droit civil, Les condition de la
responsabilité, édition Dalta, Paris, 1998.p1066.Frédéric Rouvière, LA pseudo-
« autonomie des troubles anormaux de voisinage Manuscrit auteur, publié dans
variations sur le thème du voisinage, J- Ph.Tricoire, PUAM 2012. p73 et s
2د /السنهوري ،الوسيط ج 9حق الملكية -المرجع السابق -ص .509د /إسماعيل غانم ،الحقوق العينية األصلية-
المرجع السابق -ص.686،685د /عبد المنعم فرج صدة ،الحقوق العينية األصلية –المرجع السابق -ص.96
د/شحاتة شفيق ،شرح القانون المدني-المرجع السابق -ص. 95
177
وذهب فريق آخر 1إلى أن األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة يكمن في الخطأ بمفهوم االعتداء المادي على ملك الجار ألن المالك إذا أتى
فعال في حدود حقه وضمن نطاق ملكه وترتب عليه مضار غير مألوفة تعدت ماديا
ملكه إلى ملك جاره بحيث انتقلت من الحيز المادي لملكه واخترقت الحيز المادي
لملك ذلك الجار فإن التعدي من قبل المالك يعد خطأ تبنى عليه المسؤولية ،ذلك ألنه
ينبغي على المالك وهو يستعمل حق ملكيته مراعاة أال يترتب على ذلك تعد مادي أو
مساس مباشر بملك الجار.
وذهب البعض اآلخر 2إلى أنه ال أهمية إذا كان الغلو في استعمال الملكية خروجا
عن حدود الحق أو تعسفا فيه ،ألنه في جميع الحاالت صورة من الخطأ الموجب
للمسؤولية ،ذلك أن معايير التي وضعها القانون للتعسف تنطوي على الخطأ في
جميع الحاالت ،فهي تعني خروج الشخص في استعمال حقه على ما يفرضه عليه
واجب التزام سلوك الشخص المعتاد ،أي تعني ارتكاب هذا الشخص لخطأ موجب
للمسؤولية وعليه فإن أساس المسؤولية في حالة التعسف هو الخطأ .والخطأ أيضا هو
األساس في حالة الخروج عن الحدود المرسومة للحق.
1د /محمد أحمد رمضان المسؤولية المدنية عن األضرار في بيئة الجوار -المرجع السابق -ص .54د /عبد العزيز
عبد القادر أبو غنيمة،االلتزام العيني بين الشريعة والقانون-المرجع السابق -ص98
2د /جميل الشرقاوي دروس في الحقوق العينية األصلية ،الكتاب األول ،حق الملكية ،دار النهضة العربية
.6950ص91
178
مثل هذه الحالة؟ خاصة وأن الجار محدث الضرر استعمل حقه استعماال عاديا
ومشروعا .ولم ينحرف عن سلوك الرجل العادي.
- 5لو كان أساس المسؤولية عن مضار الجوار هو الخطأ لجاز للجار محدث
الضرر دفع المسؤولية عنه بإثبات أنه استعمل حقه استعماال عاديا ومشروعا ،ولم
ينحرف عن السلوك المألوف ولم يخالف القوانين ،بل اتخذ كافة االحتياطات الالزمة
لمنع الضرر ورغم ذلك وقع .فكيف يمكن نسبة الخطأ إليه؟ .لهذا يمكن القول بأن
هذه المسؤولية تحققت ليس نتيجة االنحراف عن سلوك الرجل العادي بل نتيجة
األضرار غير المألوفة التي أصابت الجار من استعمال الحق بدليل ما قضي به في
مسؤولية صاحب المصنع لتجفيف الجلود عن الروائح الكريهة التي يسببها للجيران
رغم اتخاذ كافة االحتياطات الالزمة لمنع انتشار هذه الروائح ،وبمسؤولية صاحب
المصنع عما يلحقه الغبار والدخان المنبعث منه رغم احتياطه في منعه .1ومن ناحية
أخرى أن تقيد الجار محدث الضرر بجميع القيود التي تفرضها عليه القوانين كمراعاته
الحدود والمسافات القانونية وحصوله على ترخيص إداري عندما يستدعي استعماله
لملكه ذلك .لكنها تقع رغم ذلك وتقوم المسؤولية عنها بدليل ما قضي به من مسؤولية
صاحب المصنع عن األضرار غير المألوفة رغم حصوله على ترخيص إداري بإدارة
المصنع من الجهة اإلدارية المختصة 2.ومن هنا فال يمكننا إقامة المسؤولية عن
مضار الجوار غير المألوفة على الخطأ بالمفهوم التقليدي.
-4من حيث الضرر الواجب التعويض عنه :وفقا للقواعد المسؤولية التقصيرية فإنه ال
يشترط درجة معينة من الضرر لقيام مسؤولية محدثه .فالتعويض يقاس على قدر
الضرر سواء أكان جسيما أو يسيرا .وبالتالي تترتب المسؤولية في كل حاالت
1د /أبو زيد عبد الباقي تحديد األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة -المقال السابق-
ص96
2أ/غسان محمد مناور أبو عاشور ،أساس مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة في القانون المدني
األردني والفقه المقارن -رسالة السابقة -ص.60،66
179
التعدي والتعويض يشمل كافة األضرار مألوفة كانت أو غير مألوفة .بينما في
المسؤولية محل البحث يشترط فيها أن تكون األضرار غير مألوفة .كما أن التمييز
بين درجات الضرر مسألة تعني المضرور ال المسؤول لتأثيرها في تقدير التعويض
ال في تقدير المسؤولية طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية التي ال تقوم على حدوث
الضرر في ذاته وانما على الخطأ الذي يرتب المسؤولية وحده .ومن ثم فإن
المسؤولية ال تقوم نتيجة وقوع الضرر ولو كان جسيما وانما تقوم على الخطأ الذي
نتج عنه الضرر وهنا يبرز االختالف بين المسؤوليتين.1
-4أنه يجب التمييز بين أساس المسؤولية ومصدر المسؤولية ،إذ يستخلص
أولهما بتطبيق فكرة تنتمي إلى الثاني .ذلك أن القول أن أساس المسؤولية هو التزام
قانوني الذي يقرره النص التشريعي ،ال يصلح لتأصيل المسؤولية محل البحث .ألن
النص القانوني بصفة عامة ليس أساسا ألي مسؤولية .فهو قد يكون مصد ار لها
وسندها التشريعي .أما أساس المسؤولية ،فعلى العكس من ذلك تماما .إذ يقصد به
التأصيل الفني للمسؤولية ،ومحاولة ردها إلى نظام من األنظمة القانونية المعروفة أو
نظام مناسب ،يمكن نسبتها إليه ،إذا استعصى إسنادها إلى أي من هذه األنظمة.
والقول بخالف ذلك يؤدي إلى اعتبار نصوص القانون هي أساس لكل مسؤولية.
األمر الذي يترتب عليه هدم كافة األنظمة القانونية كالخطأ وتحمل التبعة ،وغيرها
من األفكار التي توصل إليها الفقه لتأصيل المسؤولية.2
1
Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse,op cité, p29 et122,
Starck, Starck(Boris)-Essai d’un théorie générale de la responsabilité civil considère en
sa double fonction de garantie et de peine privé ,thèse,op cité,p185.
2د /نعمان محمد خليل جمعة ،حقوق العينية األصلية– المرجع السابق -ص .828د /أبو زيد عبد الباقي تحديد
األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة -المقال السابق-ص604
180
الفرع الثاني :التعسف في استعمال الحق كأساس للمسؤولية
عن مضار الجوار غير المألوفة
لم يبن الفقه اإلسالمي على النظريات وال على القواعد عامة ،بل كان بناؤه
على الجزئيات وهي حلول لمشاكل علمية ،فكان الفقه يتألف من مجموعة فتاوى
الصحابة واجتهادهم في القضايا التي طرحت عليهم ،ومن تفسيراتهم آليات القرآن
الكريم ونقلهم لسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .وكان تدوين الفقه اإلسالمي على
أساس الجزئيات وفروع ومسائل توصلوا إليها من خالل السماع أو االجتهاد أو
بالتخريج عن أصول أئمتهم ،فالفقه اإلسالمي يختلف في نشأته عن القوانين الوضعية
التي تعنى بالمبادئ والنظريات التي صاغها فقهاؤها ،إذ أن هذا األسلوب لم يكن
معروفا في عصر تدوين الفقه اإلسالمي وبعد تدوينه صارت منهجية التدوين تتطور
وانتقل التدوين من المسائل والجزئيات والفروع إلى القواعد والضوابط والنظريات ،فقد
انصرف الفقهاء إلى فن جديد في علم الفقه هو علم القواعد الكلية ،حيث انصرف
اهتمامهم إلى استخراج ضوابط عامة وقواعد كلية من المسائل والجزئيات تمهيدا
لالنتقال إلى طور جديد في التدوين وهو النظريات العامة ،وبهذا التسلسل التاريخي
ظهرت القواعد الكلية .1والقاعدة لغة تعني األساس ،واصالحا هي حكم كلي ينطبق
على جميع جزئياته لتعرف أحكامه منه.2
وعليه فقد ذهب جانب من الفقه اإلسالمي إلى أن أساس مسؤولية مضار الجوار
في الفقه اإلسالمي يكمن في التعسف في استعمال الحق .وذلك تأسيسا على أن
الحقوق ليست إال وسائل لتحقيق المصالح التي شرعت من أجلها ،وأن مشروعية
استعمال الحق مرتهنة بالمصلحة التي شرع من أجلها ،وأن مشروعية استعمال
1د /رشيد شميشم ،التعسف في استعمال الملكية العقارية – دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والشريعة
اإلسالمية -دار الخلدونية ،عدم ذكر سنة ورقم الطبعة ،ص 668 ،665نقال من د /عبد الرحمان
الصابوني،محاضرات في الملكية ونظرية العقد في التشريع اإلسالمي ،بدون رقم الطبعة ،جامعة حلب ،كلية
الحقوق 6912 -6914 ،ص .581
2د /رشيد شميشم -المرجع السابق -ص .668
181
الحق ترتبط بغاية الحق ال بحدوده الموضوعية ،وأنه ينبغي على صاحب الحق عند
استعماله أن يسعى إلى تحقيق المصلحة التي يهدف الشرع إلى تحقيقها.1
وقد تعرض هذا الرأي للنقض ،بالقول أن التعسف ليس هو األساس المالئم الذي
يستقى من الفقه اإلسالمي لتبرير المسؤولية عن مضار الجوار الفاحشة أو غير
المألوفة .وذلك تأسيسا على أن تكييف التعسف بأنه من باب التعدي بالتسبيب يفيد
أن في معنى التعدي المسلك المعيب للشخص ،سواء تحقق ذلك من خالل المعيار
الموضوعي ،أي مجاوزة الحدود المشروعة للحق أو بالمعيار الشخصي ،الذي يستلزم
قصد اإلضرار أو اإلهمال أو التقصير .في حين أن فكرة الضرر الفاحش تختلف عن
فكرة التعسف إذ أن الجار حينما استعمل حقه لم يسئ استعماله ،وانما استعمله
2
استعماال عاديا ،بل واتخذ كافة االحتياطات الالزمة لعدم اإلضرار بجاره
ويضيف البعض 3أن تأصيل التعسف على أساس ارتباطه بالغرض أو الغاية
من الحق ،ال يصلح أيضا أساسا للمسؤولية عن مضار الجوار الفاحشة أو غير
المألوفة ،الختالف كل من الفكرتين عن األخرى .فمعيار التعسف هو النظر إلى
الفعل أو السلوك في حد ذاته ،وما إذا كان متفقا مع الغاية أو الغرض من الحق أم
ال ،بينما معيار مضار الجوار ،يكون بالنظر إلى النتيجة بصرف النظر عن الفعل،
ألن الفرض أنه مشروع في حد ذاته ،وما إذا كانت تؤدي إلى تحميل الجار أض ار ار
تجاوز الحد المألوف أم ال .فليس هناك أي تقييم لمسلك المالك ،وانما يكفى بالنظر
إلى نتيجة فقط ،أي الضرر.
1د /عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق -ص .808نقال عن د /محمد السيد عمران ،حسن الجوار –
دراسة مقارنة في الفقه اإلسالمي والقانون المصري والقانون الفرنسي ص.460
2د /أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق -ص .685
3د /محمد زهرة – المقال السابق -ص.62
182
ذهب جانب منه إلى أن أساس نظرية مضار فقد 1
أما في الفقه الفرنسي
الجوار غير المألوفة هو التعسف في استعمال الحق ،2فال يجوز أن نقف عند حاالت
التعسف المتمثلة في حالة قصد اإلضرار بالغير أو حالة الحصول على فائدة قليلة
بالنسبة للضرر الناشئ للغير أو الحالة التي يرمي صاحب الحق من ورائها إلى
تحق يق مصلحة غير مشروعة .بل يجب أن يمتد تطبيقها ليشمل حالة التي ال يقصد
فيها الجار إضرار بجاره باتخاذه كافة االحتياطات الضرورية خالل مباشرته لسلطته
على ما يملك ،لكن طبيعة استغالله لحق ملكيته حالت دون تجنب الضرر.
1
Colin Ambroise et Capitant Henri, Cours élémentaire de droit Civil Français, T,1,11éme
éd, par leon de la Morandier,1974. p,1025. H.Lalou, Traité pratique de la responsabilité
civil, 6éme éd. Par P.Azard ,Paris, Dalloz,1962 ,p531.
2لقد عرفت نظرية التعسف في استعمال الحق بادئ ذي بدء في صورتها الضيقة – قصد اإلضرار بالغير -في
القانون الروماني بصدد بعض الحقوق فقط ،ولكن مثل هذا التضييق في نطاق نظرية التعسف في استعمال الحق لم
يستمر في الشريعة اإلسالمية التي توسعت في هذه النظرية وأعطتها أوسع وأفضل تطوير وصلت إليه الشرائع
والمذاهب الفقهية الحديثة ،فهي لم تعد في هذه الشريعة الغراء مقتصرة على صورة تعمد اإلضرار بالغير فقط ،وانما
اتسعت لتشمل صو ار أخرى كتخلف المصلحة المشروعة والضرر العام والضرر الفاحش الذي ينجم عن استعمال
المالك .وانتقلت هذه النظرية كذلك من القانون الروماني إلى القانون الفرنسي القديم الذي أعطاها تصو ار أوسع مما
كانت عليه في القانون المذكور ،وذلك من حيث أنها لم تعد مقتصرة على صورة قصد اإلضرار بالغير وانما امتدت
لتشمل صورة عدم مشروعية المصلحة فيه .لكن هذا االتساع لم يلبث أن تأثر بمبادئ الثورة الفرنسية وما تبعها من
سيادة النزعة الفردية التي تخول لألفراد حقوق مطلقة في ملكياتهم ،وهذا ليس بغريب ،ألن هذه الثورة ما نشأت إال
لمنح أفراد الشعب حريات وحقوقا أكثر مما كان لهم .وبذلك أصبح األفراد في ظل هذا القانون يتمتعون بحق
التصرف بملكهم على النحو ما يريدون ووفق الطريقة التي تروق لهم ،وان ترتب على ذلك مضار تلحق غيرهم من
األفراد اآلخرين ،ولكن هذا بدوره جر على المجتمع مشاكل ال طائل لها بعد ذلك .األمر الذي حدا بالمشرعين إلى
الحد من هذا اإلطالق في التصرف واالتجاه ولو قليل نحو المذهب االجتماعي الذي يقيد تصرف الفرد بملكه بما ال
يضر بغيره ،وهذا ما حدث فعال ،وبذلك أخذت نظرية التعسف تظهر من جديد وبشكل أوسع مما كانت عليه في
القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم وذلك من خالل تطبيقات معينة لها في هذا القانون -أي القانون الحديث-
وتبع القانون الفرنسي الحديث كثير من القوانين األخرى في األخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق كالقانون
األلماني ،والقانون السوفيتي ،والسويدي ،والمصري ،والجزائري ،والسوري واألردني الذي اعتمد على الشريعة
اإلسالمية في صياغة نظرية عامة للتعسف في استعمال الحق(أ/غسان محمد مناور أبو عاشور -األساس
القانوني لمسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة في القانون المدني األردني والفقه المقارن -رسالة
ماجستير -كلية الدراسات الفقهية والقانونية -جامعة آل البيت األردن -سنة . (2003
183
كأن يستغل الجار محال للشواء التي تتصاعد منه الروائح والدخان تلحق أض ار ار
بالجيران.
وينتهي أنصار هذا االتجاه إلى أن الجار الذي يستعمل حق ملكيته استعماال
يؤدى إلى إلحاق مضار غير مألوفة بجيرانه رغم اتخاذه لكافة االحتياطات الالزمة
لمنع هذه المضار يعتبر متعسفا في استعمال حقه.
د /حسن كيرة (متزعم هذا االتجاه) ،الموجز في القانون المدني ،الحقوق العينية األصلية ،أحكامها ومصادرها، 1
طبعة ،6999منشأة المعارف اإلسكندرية ,ص 644وما بعدها .د أنور سلطان :نظرية التعسف في استعمال
الحق ،مجلة القانون واالقتصاد ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة مارس ، 6945العدد األول ،السنة السابعة عشرة.
ص 664و 650وما بعدها .د منصور مصطفي منصور ،حق الملكية في القانون المدني المصري،مكتبة وهبة
6912ص . 18د /علي علي سليمان شرح القانون المدني الليبي ،الحقوق العينية األصلية والتبعية ،منشورات
الجامعة الليبية 6910ص 49وما يليها .د /مراد محمود محمود حسن حيدر ،الرسالة السابقة ،ص .442
كان المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري الجديد يحدد خمسة ضوابط لسوء استعمال الحق في المادة 2
وهي – 6 :إذا لم الخامسة من المشروع التمهيدي ،مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء 6ص506
يقصد باستعمال الحق سوى اإلضرار بالغير -5.إذا كان هذا االستعمال متعارضا مع مصلحة عامة جوهرية -8
إذا كانت المصالح التي يرمي هذا االستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة -4.إذا كانت المصالح المقصودة من
استعمال الحق قليلة األهمية بحيث ال تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها -2.إذا كان استعمال
الحق من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيال يحول دون استعمالها على الوجه المألوف ".وقد
حذفت لجنة مراجعة المشروع معيارين من هذه المعايير .ليصبح نص المادة الخامسة من القانون المدني المصري
مقتص ار على ثالثة حاالت .حيث أصبحت تنص على ":يكون استعمال الحق غير مشروع في الحاالت التالية:أ-
إذا لم يقصد به سوى اإلضرار بالغير ب) -إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة األهمية بحيث ال
تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة"
وبذلك فقد استبعد معيار االستعمال المتعارض مع مصلحة عامة جوهرية ،ومعيار االستعمال الذي يحول دون
استعمال حقوق أخرى على الوجه المألوف .وقد برر الدكتور السنهوري استبعاد المعيار االستعمال المتعارض مع
مصلحة عامة جوهرية ،بأنه معيار أقرب إلى أن يكون خطة تشريعية ،ينهج المشرع على مقتضاها في وضع
تشريعات استثنائية تقتضيها ظروف خاصة ،من أن يكون معيا ار يتخذه القاضي للتطبيق العملي في األقضية
اليومية .وبرر استبعاد معيار استعمال الحق استعماال من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيال
184
الجوار ليست من قبيل تجاوز حدود الحق ،وانما هي من قبيل سوء استعمال الحق،
وآية ذلك أن مجاوزة حدود الحق تفترض أصال فعال غير مشروع في ذاته ،بينما فعل
المالك هنا مشروع في ذاته بحسب األصل ،ولكنه ينقلب ،حسب ظروف الحال
ومالبساته إلى فعل غير مشروع بالنظر إلى نتيجته غير المألوفة .لذلك يكون من
األفضل في تبرير استبعاد مضار الجوار غير المألوفة من المادة الخامسة أن يقال:
إن أحكام مضار الجوار التي هي تطبيق لمعيار الضرر الفاحش المنصوص عليها
في المادة 905مدني مصري ،بصدد حق الملكية .فلم يكن هناك ما يدعو إلى ذكر
هذا المعيار في المادة الخامسة ،واستبعد منها منعا للتكرار وان كان هو في ذاته أحد
معايير التعسف في استعمال الحق.1
غير أن أصحاب هذا االتجاه وان كانوا يتفقون من حيث المبدأ على اعتبار
التعسف أساسا للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،إال أنهم يختلفون من
حيث مدى اعتباره صورة من صور الخطأ.
فذهب رأي :إلى أن نظرية التعسف ال تدخل دائرة المسؤولية التقصيرية ،ومن ثم
التعسف ليس خطأ ،وانما له أساس ووجود مستقل عن فكرة الخطأ وبمعزل عنها ،ألن
التعسف يعنى تخلف غاية الحق أو مناقضتها ،بينما الخطأ يعني االنحراف عن سلوك
المألوف .وعليه فإن أساس المسؤولية عن أضرار الجوار هو التعسف في استعمال
الحق ،يشكل معيا ار رابعا لمعايير التعسف في استعمال الحق
يحول دون استعمالها على الوجه المألوف .بأنه ليس إال المعيار الذي يطبق في حقوق الجوار .وهو معيار الضرر
الفاحش .ونظرية الجوار تخرج من نطاق نظرية التعسف في استعمال الحق .ألن الضرر الفاحش فيما بين الجيران
ليس تعسفا في استعمال الحق ،بل هو خروج عن حدود الحق ( .د /السنهوري ،الوسيط ،ج ،6المجلد ،5ص،915
)918
1د /مراد محمود محمود حسن حيدر – الرسالة السابقة -ص .442 ،444
185
بصورة أو بمعيار األضرار الفاحشة ،والتعسف بهذا االتجاه فكرة مستقلة عن
الخطأ.1
وذهب رأي آخر :إلى أن أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة هو
التعسف في استعمال الحق ،ولكنهم اعتبروا التعسف خطأ يدخل ضمن دائرة
المسؤولية التقصيرية
وقد استند أنصار تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة على التعسف
في استعمال الحق على الحجج التالية:
-أن النص الوارد في المادة 905مدني مصري ليس إال مجرد تطبيق لفكرة
التعسف في استعمال الحق .ألنه بالرجوع لمجموعة األعمال التحضيرية للقانون
المدني المصري 2نجده قد فسح مكانا لهذا المعيار إلى جوار المعايير العامة للتعسف
إذ جاء فيها" إن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا كان من شأنه أن يعطل
استعمال حقوق تتعارض معه تعطيال يحول دون استعمالها على الوجه المألوف".
ومنه إذا كان هذا المعيار قد حذف لم يظهر في المعايير التي تناولها المشرع في
نظرية التعسف في استعمال الحق يرى البعض أن المشرع لم يعدل عن اعتباره فيما
يعنيه من فكرة الضرر غير المألوف من تطبيقات هذه النظرية ولكن ألنه اكتفى
بالتطبيق الخاص الموجود له في حق الملكية في المادة 905مدني مصري ،وهو
موطن تطبيقه الرئيسي.3
-أن المشرع حين صاغ نظرية التعسف في استعمال الحق اعتمد على أحكام
الشريعة اعتمادا كبيرا ،والتي تعتبر معيار الضرر الفاحش بالغير أو بالجار معيا ار من
معايير التعسف في استعمال الحق.
1د /حسن كيرة – أصول القانون المدني،الجزء األول ،الحقوق العينية األصلية ،منشأة المعارف باإلسكندرية سنة
. 6912ص 524
2مجموعة األعمال التحضيرية الجزء األول ص .500 ،699
3د /مراد محمود محمود حسن حيدر ،الرسالة السابقة ،ص.415
186
-إن تبرير مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة باللجوء لفكرة
التعسف .يغني عن تبريرات أخرى تستهدف النتقادات كثيرة ،خاصة وأن فعل المالك
هنا مشروع وأنه قام باتخاذ كل االحتياطات الالزمة لمنع وقوع الضرر بغض النظر
عن نتيجته غير المألوفة.
-أنه يجب عدم إغفال بأن األضرار التي تسبب بها الجار لجاره إنما كانت نتيجة
أفعال مشروعة في ذاتها وهي ضمن استعمال المالك لحق ملكيته ،فارتباط هذه
المسؤولية بفكرة الحق ومدى مشروعيته أمر ظاهر.1
وقد تعرضت الحجج التي استند إليها أنصار تأسيس المسؤولية عن مضار
الجوار غير المألوفة على التعسف في استعمال الحق إلى انتقادات تركزت على ما
يلي:
-أنه ليس هناك ما يثبت أن حذف تطبيق فكرة مضار الجوار غير المألوفة من
حاالت التعسف يعني عدم عدول المشرع من وضع فكرة مضار الجوار غير المألوفة
ضمن حاالت التعسف .وأن األخذ بهذه الحجة هو تأويل غير صائب لقصد الشارع
.2ألن فكرة "حالة التعارض مع حقوق أخرى يتعطل استعمالها على وجه المألوف"
التي حذفها المشرع هي خروج عن الحق وليس تعسف في استعماله وهو
1د /أبو زيد عبد الباقي ،المقال السابق،مجلة الحقوق ،ص.659 ، 659
2ويرى البعض أن المشرع قد تناول حاالت التعسف على سبيل الحصر .وحصرها في حاالت ثالثة فتلك إرادته
التي يجب احترامها .والقول بغير ذلك يعد مخالفة صريحة لقصد الشارع(د /محمد زهرة ،الطبيعة القانونية للمسؤولية
عن مضار الجوار غير المألوفة ،المقال السابق ،ص.68د /السنهوري – الوسيط – الجزء- 9المرجع السابق -ص
. 504ويرى البعض اآلخر أن حاالت التعسف التي أتى بها المشرع جاءت على سبيل المثال وليس على سبيل
الحصر د /علي فياللي -االلتزامات – الفعل المستحق للتعويض -المرجع السابق -ص .18حسن كيرة -المدخل
إلى القانون-منشأة المعارف اإلسكندرية سنة ،6954ص 556و.555د /منصور مصطفى منصور -حق الملكية-
المرجع السابق -ص 18و.14
187
معيار يطبق على حقوق الجوار وأن مضار الجوار تخرج من نطاق نظرية التعسف
في استعمال الحق.1
كما أن المشرع لو قصد أن يعتبر المادة 905مدني مصري تطبيقا رابعا للتعسف
لما خصص مادة مستقلة وفي باب مستقل لها .ولكان أوردها كحالة رابعة من حاالت
التعسف هذا من جهة .ومن جهة أخرى أن مضمون المادة 905مصري ال يوجد في
مضمونها ما يفيد أن المشرع يحيل بشأنه إلى نظرية التعسف .بل أن روح النص
ينطق بنظرية مضار الجوار غير المألوفة ،التي تعد صورة خالصة للمسؤولية
الموضوعية .بخالف التعسف في استعمال الحق ،الذي يكون مبناه عامل شخصي
2
هو فساد الباعث
-كما أن القول بأن المشرع حين صاغ نظرية التعسف اعتمد على أحكام
الشريعة ،وما جرى عليه الفقه اإلسالمي .إال أنه لم يأخذ بتلك األحكام على إطالقها.
والدليل على ذلك أن الشريعة اإلسالمية تجنبت أسلوب تصنيف قواعد المسؤولية
واكتفت بوضع قواعد كلية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان .بينما أخذ المشرع
بأسلوب تصنيف قواعد المسؤولية ،فتارة يتبنى قواعد المسؤولية الشخصية التي منها
قواعد المسؤولية عن الفعل الشخصي ،وتارة أخرى يتبنى قواعد المسؤولية شبه
الموضوعية كالمسؤولية الناشئة عن األشياء ،وتارة ثالثة يتبنى قواعد المسؤولية
الموضوعية القائمة على فكرة المخاطر ،كما هو الحال بالنسبة إلصابات العمل.3
د /عبد رزاق أحمد السنهوري– الوسيط في شرح القانون المدني الجديد-الجزء األول( المجلد الثاني) نظرية 1
االلتزام بوجه عام -مصادر االلتزام -منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت -لبنان.5009ص918 ،915 ،942
188
-كما أن القول بأن األخذ بنظرية التعسف كأساس للمسؤولية عن مضار الجوار
غير المألوفة يغني عن التبريرات األخرى التي تقدم في هذا الشأن ،فهو قول غير
صحيح من ناحيتين:
الناحية األولى :ليس معنى اختالف الفقه حول األساس السليم لتلك المسؤولية
يؤد ي إلى الهروب من الواقع وعدم البحث الجاد عن التكييف القانوني الصحيح
ألساس تلك المسؤولية ،ومن ثم اعتبار نص المادة 905مدني مصري تطبيقا رابعا
للتعسف .فالواقع أنه ال يمكن التسليم بهذا المنطق بصفة مطلقة ،بل يلزم عدم
التقاعس عن السعي وراء استظهار األساس القانوني السليم لتلك المسؤولية.
ومن ناحية ثانية :ليس معنى تعرض التبريرات األخرى للنقد ،أن فكرة التعسف
سليمة في حد ذاتها كأساس قانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة .فقد
تكون نظرية التعسف بدورها منتقدة كغيرها من التبريرات ،ومن ثم فإن الحل يتمثل في
البحث عن تأصيل آخر صحيح.1
189
تحقيق مصلحة تافهة أو غير مشروعة ،بل أنه اتخذ كافة االحتياطات الضرورية لمنع
حدوث الضرر
كما أن نظرية التعسف ما هي إال صورة من صور الخطأ وفقا لما استقر
عليه أغلب الفقه والقضاء والذي يتمثل في االنحراف سلوك الشخص العادي عند
ممارسة الحق ،رغم عدم الخروج عن الحدود المادية المرسومة لهذا الحق ،سواء تمثل
ذلك االنحراف في قصد اإلضرار بالغير ،أو في قصد تحقيق مصلحة تافهة أو غير
مشروعة.1
1
- Starck(B) domaine et fondement de la responsabilité sans faute, R.T.D.C,1958 p175
د/عبد الرحمان على حمزة ،مضار الجوار غير المألوفة والمسؤولية عنها -دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي
والقانون الوضعي ،رسالة دكتوراه،القاهرة ،نشر دار النهضة العربية5001،
2
Bersson (A) La notion de garde dans la responsabilité du fait des choses, thèse, Dijon
1927.p127 et 128. Frossard(J), La distinctions des obligations de moyens et obligations
de resultat, thèse, Lyon 1965,p246
190
وأضاف جانب كبير من الفقه والقضاء الفرنسي المؤيدين لهذا االتجاه 1إلى
تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة على قواعد المسؤولية عن فعل
الشيء الخطر بالنسبة للمنشآت الصناعية بصفة خاصة ،ورأى هذا الفريق من الفقه
والقضاء أن مستغل المنشأة الصناعية ،التي تكون مصد ار لمضايقات كثيرة ومتنوعة
عليه االلتزام باتخاذ كافة االحتياطات الالزمة من أجل تفادي أضرار الجوار ،وأن
حصول مستغل المنشأة على ترخيص من الجهة اإلدارية ،ال يعفيه من المسؤولية التي
تنتج عن المضايقات غير العادية التي تلحق بالجيران ودفعهم لذلك غياب النص
القانوني الذي يقرر وجود هذه النظرية ،واعتبروا أن النص الذي يقرر المسؤولية عن
فعل الشيء الخطر يعد الشريعة العامة للمسؤولية عن فعل الشيء ،وأن الملكية تعتبر
من األشياء ،وبالتالي فإن األضرار غير العادية التي يشكو منها الجيران تدخل في
مضمون نص المادة 6894مدني فرنسي ،فمتى نتج عن سير العمل في المنشأة
مضايقات للجيران تجاوزت الحد المألوف كالروائح المقززة أو األدخنة السوداء أو
الضجيج الشديد المست مر ليال ونها ار فإن مستغل هذه المنشأة يكون مخال بالتزامه
بالحراسة ألنه كان يتعين عليه اتخاذ االحتياطات الالزمة من أجل منع الضرر .وبهذا
يكون هذا االتجاه قد وسع من مضمون الحراسة حيث قرروا بأن هذا النص يطبق
على العقارات والمنقوالت على حد السواء بدون أن يوجد مكان للتمييز يقضي أن
يكون الشيء المسبب للضرر مدار بواسطة يد اإلنسان من عدمه ،أو وجود عيب في
2
الشيء من عدمه ،بل يكفي إثبات رابطة السببية بين فعل الشيء والضرر.
وأضاف جانب من مؤيدي هذا االتجاه 3تفاديا لما أثير حول مدى اعتبار
الشخص حارسا لالهت اززات واألدخنة السوداء والروائح المقززة واألصوات المزعجة إلى
القول بأن هذه األشياء تعد منقوالت ،مما يمكن حيازتها ،ومن ثم ال
1
Lanbert-Pieri, Marie-Claire. construction immobilière et dommage aux voisins,Paris
1982,p47 et s.
2
Brun, A.J.P.I, 1974,p388
3
Esmein(Paule),note sousCass. Civ 27/10/1964.J.C.P,65,11,14288.
191
يوجد خروج عن مضمون الحراسة .واستندوا في ذلك إلى ما استقر عليه الفقه والقضاء
بشأن سرقة التيار الكهربائي ،الذي اعتبر شيئا يمكن حيازته .مقاسا لما قرره المشرع
بأن اختالس يكون على المال المنقول المملوك للغير ،ومن ثم يمكن أن ترد عليه
السرقة .ومن هذا المنطق قاسوا الروائح واألدخنة واألصوات المزعجة ...وقرروا بما
أن القضاء اعتبر التيار الكهربائي شيئا منقوال يمكن حيازته ،فإن المضايقات تعد
أيضا من األشياء المنقولة التي يمكن حيازتها ،ومن ثم ال يوجد خروج عن مضمون
النص الخاص بحراسة الشيء الخطر.
أما من ناحية أن نظرية مضار الجوار غير المألوفة يشترط من أجل انعقاد
المسؤولية وفقا لقواعدها أن تكون األضرار على درجة من األهمية والخطورة ،بحيث
استمرريتها أعباء الجوار الواجب تحملها .فقد رأى أنصار هذا
ا تجاوز من شدتها و
االتجاه أن هذا الشرط ال يكون متناف ار مع قواعد المسؤولية عن فعل الشيء الخطر إذ
أنه يلزم وضع قاعدة عامة في مادة اضطرابات الجوار ،وهي أنه ال يجب األخذ بها
إال إذا تجاوزت درجة معينة من الخطورة لتكتسي طابع الشيء الخطر.
192
المجاور من تلقي النشرات وربط المسؤولية بالمادة 6898واستنادا للخطأ المتمثل في
اإلهمال.
وما قضت محكمة باريس بتاريخ 6981/06/55بمسؤولية مالك الجهاز
الكهربائي الذي يصدر صخبا ال يطاق على أساس حراسة األشياء الخطرة ،والذي
أقلق راحة الجيران وبدد سكون الليل بالنسبة لهم.
وقد تعرض هذا االتجاه إلى انتقادات من الفقه الحديث تركزت على ما يلي:
-إن هذه النظرية لها مفهوم قانوني محدد ال يمكن دمجه ضمن قواعد المسؤولية
عن فعل الشيء الخطر ،وأن محاولة دمجها يؤدي إلى طمس معالمها .كما أن
إعطاء المسؤولية عن فعل الشيء تصو ار واسعا من أجل محاولة التوفيق بينها وبين
هذه النظرية ،فيه تحميل لهذا النص ألكثر من طاقته.
-إن دمج نظرية مضار الجوار غير المألوفة ضمن المسؤولية عن فعل الشيء
الخطر ،يقتضي وجوب التعويض عن كافة األضرار بغض النظر إن كانت بسيطة أو
جسيمة .مع أن الفقه والقضاء مجتمعان منذ القدم على وجود قدر معين من األضرار
يلزم تحملها من جانب الجيران المتضررين على سبيل التسامح بينهما ودون إمكانية
طلب التعويض عنه .فاألخذ بهذه الفكرة يصطدم بقواعد المسؤولية عن تجاوز
األضرار المألوفة.1
1
Starck(Boris) Droit civil "Les obligations" Paris 1972.p137.
193
-أن نظرية الحراسة تقتصر عن استيعاب كثير من الحاالت ،التي يكون فيها
الضرر غير المألوف بفعل اإلنسان ،وليس بفعل الشيء ،كحالة الصخب الذي يحدث
عند انصراف المتفرجين من المسرح أو الضوضاء التي تحدث من تالميذ المدرسة
فتسبب أض ار ار غير مألوفة للجيران ناتج عن فعل صدر من اإلنسان وليس عن فعل
الشيء
-إذا كان المقصود بالشيء هو الشيء ذاته كاآلالت الميكانيكية التي تسبب في
حدوث الضرر فال صعوبة في األمر .أما إذا كان المقصود ما يخرج من هذا الشيء
فإن الصعوبة تثور ألنه يشترط طبقا لنظرية الحراسة وجوب أن يلتزم الحارس بإبقاء
الشيء تحت سيطرته الفعلية .أي إلزامه بإبقاء األدخنة والروائح الكريهة وكذا
الضوضاء تحت سيطرته الفعلية وهذا يستحيل تحققه.1
-أن حارس الشيء ال يمكنه نفي المسؤولية عنه بإثبات أنه بذل العناية الواجبة
بما يتفق والسلوك المألوف ،وال يكون أمامه سوى إثبات السبب األجنبي الذي أدى إلى
حدوث الضرر .وعليه فإن محاولة دمج نظرية مضار الجوار غير المألوفة بنظرية
حراسة األشياء يؤدي إلى خروج عن مضمونها.
-أما القول بوجوب وضع قاعدة عامة في مادة اضطرابات الجوار ،وهي أنه ال
يجب الكالم عنها إال إزاء األضرار التي تكون على درجة من الخطورة أو األهمية،
وأن هذا ا لشرط ال يتنافى مع قواعد المسؤولية عن فعل الشيء الجامد ،إال أنه يضع
مفهومين لقواعد الحراسة أحدهما خاص بمنازعات الجوار واآلخر خاص بالعالقات
التي تخرج عن نطاق الجوار وهذا مخالف إلرادة المشرع الذي وضع النص ليطبق
على كافة المنازعات بغض النظر عما إذا كانت قد حدثت بين الجيران ،أو بين
الجيران وشخص من الغير ،أو بين الغير.
1
Stefani(p) la nature de la responsabilité en matière de trouble de voisinage, thèse,
op.cit,p 62et s.
194
-إذا كانت نظرية الحراسة بما تتضمنه من خطأ مفترض يعتبر خطوة في طريق
اإلفالت من أسر نظرية الخطأ الواجب اإلثبات ،إال أنها تعرضت للنقد الشديد ،من
جانب كبير من الفقه ،من عدة جوانب ،تتركز حول عدم توافر شروط المسؤولية على
1
أساس الحراسة
أمام هذه االنتقادات انصرف الفقه والقضاء الحديث عن فكرة دمج نظرية
مضار الجوار غير المألوفة عن نظرية الحراسة والتسليم بفصل هذه النظرية عن تلك
القواعد.2
فرأى هذا الفقيه أن المالك يكون مسؤوال عن األضرار على أساس الفعل الضار،
وذلك متى كانت ناتجة عن تهاون أو تقصير في أخذ االحتياطات الالزمة ،أو مخالفة
القوانين والتنظيمات .كأن يمارس المالك نشاطه بدون أخذه لالحتياطات الالزمة ،مما
يسبب مضايقات لجيرانه ،فإنه يكون مسؤوال أمامهم عن فعله غير المشروع .أو
يخالف القوانين والتنظيمات المعمول بها أثناء ممارسته لحق ملكيته ،كأن يقوم ببناء
عمارة شاهقة مخالفا بذلك تنظيم المدن ،مما يؤدى إلى حرمان الجار من الضوء أو
الهواء أو الشمس.أو يستعمل حقه من أجل مضايقة جاره.
1د أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق -ص ،681مراد محمود محمود حسن حيدر -الرسالة السابقة -ص،202
2د فيصل زكي عبد الواحد ،أضرار البيئة في محيط الجوار – المرجع السابق -ص.492
3
Picard (M) Traité pratique de droit civil français TomeIII, Les biens, 2éd,
Paris1952,p471. Stefani,Thése op.cit.p46.
195
ففي مثل هذه الحاالت تقوم مسؤولية المالك عما يشكو منه الجيران وذلك بناء
على قواعد المسؤولية التقصيرية.
أما إذا كان الجار أثناء ممارسته لحقه قد اتخذ كافة االحتياطات الالزمة ،وراعى
القوانين والقواعد التنظيمية المعمول بها ،وانتفى التعسف من جانبه .ففي هذه الحالة
األصل أن استعماله لملكه ال رتب أية مسؤولية حتى ولو ترتب عليه أضرار مألوفة
بالجيران .لكن تتقرر مسؤوليته عما يشكو منه الجيران من مضايقات غير العادية
على أساس أنه استعمل حق ملكيته استعماال استثنائيا .فهذا االستعمال يستلزم من
المالك أن يعوض جاره عن هذه المضار غير المألوفة .فإذا رفض تعويض الجار عن
هذا الضرر ،فإنه يعد مرتكبا لخطأ .أي أن أساس النظرية هو الخطأ المتمثل في
رفض تعويض الجار.
وبهذا حسب هذا االتجاه فإن الخطأ ال يكون بسبب الفعل الضار ،ألن ممارسته
لحقه مشروعة ولكن يكون ناتج عن رفض إصالح الضرر الناتج عن هذه الممارسة.
فالفعل الذي يسبب اضطرابات رغم أنه ليس خطأ ،إال أنه يتيح الفرصة في طلب
التعويض عن هذه المضايقات متى كانت غير مألوفة.وأن الجار محدث الضرر له
أن يتخلص من مسؤوليته بإثبات السبب األجنبي الذي أدى إلى حدوث الضرر.
196
-إن هذا الرأي لم يستطع أن يثبت أي أساس قانوني يفرض االلتزام على عاتق
المالك بعدم استعمال ملكه استعماال استثنائيا ،كما ال يوجد نص قانوني يفرض هذا
االلتزام.
-إن القول باعتبار الشخص مخطئا إذا امتنع عن تعويض الضرر الذي أصاب
الجار نتيجة األضرار التي تجاوزت الحد المألوف فيه خلط بين الخطأ والضرر،
واعتبار المسؤولية موضوعية وليست شخصية قوامها تجاوز األضرار للنطاق الواجب
تحمله ،وهذا أقرب لفكرة المخاطر منه لقواعد المسؤولية التقصيرية ،مع أن هذا
االتجاه يحاول ربط المسؤولية بمفهوم الخطأ.1
-أن األخذ بمنطق هذا الرأي فيه إهدار لقواعد المسؤولية التقصيرية وذلك
باعتبار الشرط األوحد لها هو وجود الضرر ،مع أن الخطأ يعتبر العنصر األساسي
لهذه القواعد.
-إن صاحب هذه النظرية أجاز لمحدث االضطرابات غير عادية أن يتخلص من
مسؤوليته بإثبات السبب األجنبي الذي أدى إلى حدوث الضرر مع أن الفقه والقضاء
مست قر على عدم إمكانية دحض المسؤولية المؤسسة بناء على قواعد نظرية مضار
الجوار غير المألوفة .وذلك بإثبات السبب األجنبي النتفاء عنصر عدم إمكانية التوقع
الذي يعد العمود الفقري للقوة القاهرة أو الحادث المفاجئ.
-إن القول بتقدير مسؤولية المالك على أساس الخطأ في رفض التعويض ،وذلك
ألنه يستعمل حق ملكيته استعماال استثنائيا يؤدى بنا في نهاية المطاف إلى تقرير
مسؤولية المالك في جميع األحوال ،بغض النظر عما إذا كان هو الفاعل لهذه
االضطرابات من عدمه .كما أن التعويض عن هذه االضطرابات يكون مستحقا
1
Stefani,Thése op.cit.p46 et s. Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de
voisinage, thèse,op.cit p92
د /أحمد سالمة ،الملكية الخاصة في القانون المصري-المرجع السابق ص . 699
197
للشخص الذي يملك العقار المجاور ،بغض النظر عما إذا كان هو المضرور
الحقيقي منها أو مستأجره ،أو من كان ينازعه في العين ،مع أن الفقه و القضاء
مستقر على إمكانية رجوع المضرور على فاعل االضطرابات مباشرة ،بغض النظر
عن صفة األول أو الثاني وكونه أو كونهما مالكا أو مستأجرين....1
1د /فيصل زكي عبد الواحد ،أضرار البيئة في محيط الجوار -الرسالة السابقة -ص299و .299د /عطا سعد
محمد الحواس– األساس القانوني للمسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار– دراسة مقارنة -
دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية – طبعة .5065ص.659
2د /كامل المرسي ،الملكية والحقوق العينية األصلية -المرجع السابق-ص .529أ /غسان محمد مناور أبو
عاشور-الرسالة السابقة-ص.68
3
Capitant(H), Des obligations de voisinage et spécialement de l’obligation qui pèse sur
le propriétaire de ne causer aucun dommage au voisin, Revue Critique,1900,p156 et s
198
يقع على عاتق المالك في استعماله لحق ملكيته مقتضاه عدم تسبب أضرار للجيران
تجاوز المضار العادية للجوار أثناء ممارسته لحق ملكيته ،فمالك العقارات المتجاورة
ملزمون تجاه بعضهم البعض بالتزامات متبادلة .وأن هذه االلتزامات أنشئت بواسطة
نص القانون ،وهو االلتزام الع ام المفروض على كل مالك باالمتناع عن كل عمل من
شأنه اإلضرار بالغير ،ومن ثم يكون اإلخالل بهذا االلتزام خطأ يستوجب المسؤولية.
وقد حاول أنصار هذا الرأي البحث عن المصدر القانوني لهذا االلتزام في نص
المادة 126والمادة 6850مدني فرنسي .1حيث تضمنت المادة 126بأن القانون
يخضع المالك اللتزامات مختلفة لبعضهم البعض ،بغض النظر عن كل اتفاق
يحصل بينهم .وتضمنت المادة 6850بأن االلتزامات تنشأ بغير أن يحصل اتفاق بين
الملتزم والملتزم له .واألولى هي االلتزامات التي تترتب قصرا ،كااللتزامات التي تقوم
بين المالك المتجاورين.
وقد رأى Capitantأن القانون الفرنسي وان كان ال يتضمن نصا خاصة،
يفرض التزامات بعدم اإلضرار بالجار ،إال أن هذا االلتزام يمكن استخالصه من المواد
السابقة ،وذلك بأن يلتزم الجار باالمتناع عن عمل متمثل في عدم اإلضرار بالجار
ضرار غير مألوف .ويترتب على وجود هذا االلتزام ،أنه متى لحق ضرر بالجار فإنه
يستحق التعويض .وال يلتزم الجار المضرور إال بإثبات الضرر لتتحقق مسؤولية
الجار محدث الضرر بحكم القانون وال يمكنه التخلص منها إال بإثبات السبب
األجنبي.
1
Article 651 « La loi assujettit les propriétaires à différentes obligations l’un à l’égard
» de l’autre, indépendamment de toute convention.
Article 1370 «Certains engagements se forment sans qu’il intervienne aucune
convention, ni de la part de celui envers lequel il est obligé. Les uns résultent de
l’autorité seule de la loi ; les autres naissent d’un fait personnel à celui qui se trouve
obligé. Les premiers sont les engagements formés involontairement, tels que ceux entre
» …propriétaires voisins,
199
كما أن هذا االلتزام له خصائص تميزه عن سائر االلتزامات الشخصية األخرى،
فطبيعة هذا االلتزام هو التزام عيني وان كان يشبه حق االرتفاق إال أنه يجب أال
يختلط به .فهذا االلتزام يكون نتيجة لحيازة الشيء وأنه مرتبط بحق الملكية ويعد تابعا
لهذا الحق ،مثل الرهن العقاري ،ويشغل ذمة الحائز أو المالك لهذا الحق كامل ،وأنه
نظ ار ألن هذا االلتزام يعد تابعا للحق ،فانه ينتقل معه ،ويثقل كاهل المالك الجديد.
ورأى أيضا أن هذا االلتزام ينشأ عن فعل الجوار ،فقد تالقى مع بوتيه في أن
الجوار يفرض التزامات متبادلة بين المالك ،أو الحائزين لألموال المتجاورة ،وأن
يستعمل كل منهم حقه باألسلوب الذي يروق له بشرط أن ال يسبب أي منهم أضرار
لآلخر تجاوز النطاق الواجب تحمله ،إال أنه اختلف مع بوتييه الذي يرى أن هذا
االلتزام ينشأ عن شبه عقد .ألنه ال يشكل سوى واقعة مادية بحثه تتناقض مع فكرة
شبه عقد الجوار التي نص عليها المشرع.
ويضيف صاحب هذا االتجاه إذا كان الجوار ال يعطي ميالدا لاللتزام بعدم تسبيب
لمضار الجوار غير العادية التي تصيب الجار ،فمعنى ذلك أن المالك ال يكون
مسؤوال تجاه جاره ،إال وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية .لكن هذه األخيرة غير كافية
من أجل توفير حماية فعالة للجار ضد األضرار التي يمكن أن تنتج عن الممارسة
المتضاربة لحقوق ملكيتهم ،والتي قد تجاوز أعباء الجوار العادية.ألن العمل الضار
في مفهوم المادة 6895ال يبرز مسؤولية الفاعل للضرر إال بمقدار تكوين ركن
الخطأ إذ أن ممارسة الحق ال تتحول إلى خطأ إال في حالتين :الخطأ العمدي كأن
يستعم ل المالك حقه بقصد اإلضرار بالجار .والخطأ التقصيري كعدم أخذ الملك أثناء
ممارسته لحق ملكيته االحتياطات الالزمة من أجل منع األضرار بالجيران .ففي هاتين
الحالتين يوجد خطأ مما يستوجب انعقاد مسؤولية الجار فاعل األضرار وفقا لقواعد
المسؤولية التقصيرية .لكن ليس كل األضرار التي يشكو منها الجيران ،والتي قد
تجاوز أعباء الجوار العادية ،تكون بالضرورة ناتجة عن خطأ
200
عمدي أو تقصيري ،بل على النقيض من ذلك ،فقد يتخذ الجار كافة االحتياطات
الالزمة واألكثر حداثة ،ولم يستعمل حقه بسوء نية ،ومع ذلك ينتج عن ممارسته لحقه
أض ار ار تجاوز نط اق المألوفية .ففي مثل هذه الحاالت ال يمكن انعقاد المسؤوليته وفقا
لقواعد المسؤولية التقصيرية النتفاء ركن الخطأ من جانبه ،مما يترتب عليه تحميل
الجيران أض ار ار غير عادية ،بدون إمكانية طلب التعويض عنها لفقد األساس
القانوني.1
ومن أجل هذا رأى أنصار هذا االتجاه األساس القانوني لهذا االلتزام في نص
المادتين 6850 ،126من التقنين المدني الفرنسي ،وأنه وفقا لهذا االلتزام ال يكلف
المضرور-الجار -بإثبات الخطأ ،بل يكفي أن يثبت األضرار غير العادية التي
تحملها ،وال يستطيع محدث األضرار غير العادية التخلص من هذه المسؤولية بإثبات
أنه لم يقترف أي خطأ حيث بدل من العناية الواجبة بما يتفق والسلوك المألوف ،ولم
يقصد اإلضرار بالجار ،وليس أمامه للتخلص من مسؤوليته سوى إثبات السبب
األجنبي الذي أدى إلى حدوث األضرار غير العادية.
وبفضل هذا االلتزام فإن المالك المتجاورين يشكلون وحدة واحدة بواسطة رابطة
الحق التي خلفها القانون بينهم ،ويكونون ملتزمين الواحد تجاه اآلخر باستعمال
حقوقهم بشرط أن ال يسبب أض ار ار لجاره تجاوز أعباء الجوار الواجب تحملها.2
وبناءا على ذلك ،وفي حالة اإلخالل بهذا االلتزام ال تطبق المادة 6895مدني
فرنسي فقد نادي هذا الرأي بوجود التزام قانوني ،يمكن استخالصه من المادتين ،ومفاد
هذا االلتزام ،هو عدم اإلضرار بالجار .وبعبارة أخرى أنه يقع على الجار عند
استعماله لحقه ،التزام باالمتناع عن عمل ،مقتضاه عدم اإلضرار بالجار.
201
ويترتب على وجود هذا االلتزام ،أنه متى لحق ضرر بالجار ،فإنه يستحق التعويض
وفقا لنص المادتين( 6642و 1 ) 6645من القانون المدني الفرنسي .وال يلتزم الجار
المضرور إال بإثبات تحقق الضرر ،وحينئذ تنعقد مسؤولية جاره بحكم القانون ،وال
يستطيع التخلص منها إال بإثبات السبب األجنبي الذي ال يمكن تجنبه كالقوة القاهرة
والحادث المفاجئ.2
وقد أخذ جانب من الفقه المصري بهذا االتجاه واعتبر أساس المسؤولية عن
مضار الجوار هو التزام قانوني تقرر بمقتضى نص المادة 905مدني مصري
بخالف التقنين المدني الفرنسي الذي لم يضع نص لهذه المسؤولية بحيث رسم المشرع
حدا على حق الملكية ،ال يجوز للمالك أن يجاوزه هذا الحد هو المضار المألوفة التي
ال يمكن تجنبها أما إذا تجاوز هذا الحد بأن غال في استعمال ملكه ،إلى حد يضر
بالجار ضر ار يجاوز المضار المألوفة ،فإنه يكون قد خرج على حدود الحق ،وهو فعل
خاطئ يستوجب المسؤولية .وأن هذا الخطأ ليس هو الخطأ العادي ،ال وفقا للقواعد
العامة في المسؤولية التقصيرية ،وال وفقا لقواعد التعسف في استعمال الحق ،وانما
يأخذ الخطأ وضعا خاصا يتمثل في الغلو في استعمال الحق بمخالفة نص القانون.3
1
Article 1145 « Si l’obligation est de ne pas faire, celui qui y contrevient doit des
» dommages et intérêts par le seul fait de la contravention.
Article 1147 « Le débiteur est condamné, s’il ya lieu, au paiement de dommages et
intérêts soit à raison de l’inexécution de l’obligation, soit à raison du retard dans
l’exécution, toutes les fois qu’il ne justifie pas que l’exécution provient d’une cause
étrangère qui ne peut lui être imputée, encore qu’il n’y ait aucune mauvaise foi de sa
part.
2عبد الرحمان على حمزة –الرسالة السابقة -ص 888
3ومن هذا االتجاه :د /أبو زيد عبد الباقي -المقال السابق-ص .608 ،605د/عبد المنعم فرج صدة -الحقوق العينية
األصلية ص .96د /جميل الشرقاوي دروس في الحقوق العينية األصلية -المرجع السابق-ص ،91د /السنهوري-
الوسيط – الجزء– 9المرجع السابق ،ص .501نالحظ أن د /السنهوري قد أسس المسؤولية على أساس إخالل
المالك بااللتزام القانوني ولم يستبعد تأسيسها على تحمل التبعة .فقد أسس المسؤولية على أساس إخالل المالك
لاللتزام القانوني متمثل في عدم الغلو في استعمال حق الملكية ،فإذا ألحق المالك بجاره ضررا غير مألوف يكون قد
خرق التزامه القانوني ،فخالف القانون .ثم أضاف بأن هذه المخالفة ليست خطأ بالمعنى المعروف ألن المالك لم
ينحرف عن سلوك الشخص المعتاد ،فهو مسؤول ال ألنه ارتكب خطأ ،بل ألنه يتحمل تبعة نشاطه .ويضيف أن
القانون الفرنسي حين يقيم مسؤولية المالك على تحمل التبعة ال يستقيم لغياب النص القانوني الذي ينشئ هذه
المسؤولية ،أما القانون المصري فاألمر يختلف بوجود النص.
202
وقد تعرض هذا الرأي لالنتقادات تركزت على ما يلي:
أن القانون المدني الفرنسي ال يعرف أي التزام قانوني للجوار ولم ينص -
عليه ،وبالتالي ال يمكن أن يوجد هذا االلتزام دون نص تشريعي.
إن نص المادتين 6850و 126اللتان اعتمد عليهما أنصار هذا االتجاه ال -
يمكن أن يستنتج منهما االلتزام الذي ينادي به أنصار هذا االتجاه .ألنهما تتكلمان
على التزام عام يفرضه الجوار على المالك باالمتناع عن كل عمل من شأنه اإلضرار
بالجار .وأن النصين وردا في خصوص ما يسمى باالرتفاقات القانونية ،كارتفاق
المطل والمسيل وحق المرور والحائط المشترك .وهي ارتفاقات محددة على سبيل
الحصر ولم ينص المشرع ضمن هذه االرتفاقات التزام قانوني على المالك بعدم
إحداث مضار غير مألوفة للجار .ومن ثم ينعدم األساس القانوني لهذا االلتزام .وعليه
ال يمكن تأسيس مسؤولية المالك عن تجاوز مضار الجوار العادية على أساس
المادتين السابقتين ألن ما ذهب إليه هذا الرأي هو محض افتراض ال أساس له.
إن إسناد المسؤولية عن مضار الجوار إلى النصين السالفين يضيق من -
نطاقها ،ويقصرها على المسؤولية عن األضرار التي تقع بين المالك العقارات فقط.
دون غيرهم من أصحاب الحقوق األخرى ،لورودهما بشأن الملكية العقارية .بينما
االلتزام بعدم اإلضرار بالجار ضر ار غير مألوف يقع على كل جار سواء أكان مالكا
أم غير مالك .أي المنتفع وصاحب حق االستعمال وصاحب حق السكنى ،بل إن
المستأجر يلتزم بعدم اإلضرار بجيرانه ضر ار يجاوز حد المألوفية.1
1
Starck(B) domaine et fondement de la responsabilité sans faute, R.T.D.C,1958. op.cit.
Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse op.cit. p147.
203
أنه على فرض التسليم بإمكانية استنتاج التزام قانوني بعدم تسبيب أضرار -
غير عادية للجيران من المادتين السالفتين إال أن هذا االستنتاج يتعارض مع جوهر
نظرية مضار الجوار غير العادية حيث أن األضرار غير العادية يلزم وفي جميع
األحوال أن تكون ناتجة عن تصرف عادي من جانب الجار باتخاذه كافة االحتياطات
الالزمة واألكثر حداثة .مما يستحيل معه القول بانعقاد مسؤولية المالك على أساس
أنه قد خرق االلتزام القانوني المفروض عليه ،وأنه ال يمكنه التخلص من المسؤولية
إال بإثبات السبب األجنبي .وبناءا على ذلك ال يمكن دفع هذه المسؤولية بإثبات
السبب األجنبي لتعارض ذلك مع نظرية مضار الجوار غير المألوفة .وعلى ذلك
أجمع الفقه والقضاء الحديث على أن األضرار غير المألوفة التي تؤسس عليها
المسؤولية عن مضار الجوار غير العادية تنتج عن ممارسة عادية ومشروعة للحق
في جميع األحوال ،عكس الحال في االلتزام القانوني الذي يمثل اإلخالل به خطأ دون
أن يعتبر هذا اإلخالل ممارسة عادية ومشروعة ،وفي نفس الوقت تخالف التزاما
1
قانونيا؟.
أن فكرة االلتزام القانوني في عالقات الجوار ال يمكن اعتبارها أساسا -
للمسؤولية الناشئة عن مضار الجوار غير المألوفة ،ذلك ألن النص القانوني ال يصلح
أن يكون أساسا للمسؤولية ،بل يصلح فقط ألن يكون مصد ار لها ،والمصدر غير
األساس ،فالمصدر هو نص المادة الذي يعد سندا إلقرار القانون للمسؤولية ،أما
األساس فهو يعني تأصيل المسؤولية وردها إلى سبب معين وواضح يحدد توافرها أو
2
نفيها
1د /فيصل زكي عبد الواحد –الرسالة السابقة -ص ,161د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة
السابقة -ص.495
2د /زرارة عواطف – الرسالة السابقة -ص.541
204
ثانيا :أساس المسؤولية االلتزام الناشئ عن شبه عقد الجوار
عرف الفقه شبه العقد بأنه عمل اختياري مشروع ينشأ عنه التزام نحو الغير،
وقد ينشأ عنه أيضا التزام مقابل من في جانب ذلك الغير.1
وقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن أساس مسؤولية المالك في حالة
تجاوزه مضار الجوار المألوفة هو التزام عام مفروض على كل مالك باالمتناع عن
عمل من شأنه اإلضرار بالغير هذا االلتزام تكلم عنه بوتييه 2Pothierفي دراسته
لعقد الشركة والتي خالصتها أن عقد الشركة يخلق التزامات تفرض على مجموعة
الشركاء ،يجب عليهم احترامها وااللتزام بتنفيذها ،وقد حاول بوتييه أن يطبق ما سبق
على حالة الجوار .إال أنه بما أن حالة الجوار ال يمكن اعتبارها شركة تولد التزامات
تثقل كاهل الجيران لفقد االتفاق فيما بينهم .لكن حالة الجيران تشبه حالة الشركاء.
ومن ثم يوجد نوع من الشبه العقد بينهم يطلق عليه شبه عقد الجوار .وهذا األخير
تتولد عنه التزامات متبادلة بين الجيران ،أي بين المالك أو حائزي العقارات المتجاورة
كل في مواجهة اآلخرين .فكأن الجيران قد ارتبطوا ،فيما بينهم بشبه عقد جوار يلزم
كل منهم بأال يلحق مضا ار غير مألوفة باآلخرين.3
وبناءا عليه وحسب هذا الرأي فإن الجار إذا أضر بجاره ضر ار غير مألوف خالل
استعماله لحق ملكيته يترتب عليه قيام مسؤوليته نتيجة إخالله بالتزامه الشبه
التعاقدي.
1د /عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط ،مصادر االلتزام الجزء األول-المرجع السابق -ص.669
2
Pothier(Robert Joseph) Traité du contrat de société(suivi de deux appendices, l’un sur
la communauté qui est formée sans contrat de société, et l’autre sur les obligations qui
naissent du voisinage, op cit ,p 230.
3
Stefani,Thése op.cit.p56
205
ب عض األعمال التي قد يجريها المالك وتضر بغيره ال تدخل في هذا االلتزام ،ألن
االلتزامات التي تنص عليها المادة 6850والتي فرضها القانون على المالك تجاه
بعضهم البعض ال توجد إال بين الجيران المتالصقين ،على أنه قد تضر بعض
أعمال المالك بغير من الجيران ممن ال يكون متالصقا.1
أنه ال يمكن اعتبار التزامات الجوار ناشئة عن شبه العقد ألن الجوار ليس -
إال واقعة مادية بحتة ،ال تقوم على أي فكرة تعاقدية ،بينما شبه العقد يستلزم لوجوده
فعال إراديا من جانب شخص الملزم به .ويؤكده ذلك تعريف المشرع لشبه العقد في
المادة 6856مدني فرنسي الذي اعتبره فعال إراديا محضا من جانب الشخص.2
إن األخذ بشبه العقد في المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،تثير -
تساؤال عن مضمون ما يرتبه هذا االلتزام ،ولماذا يسأل الجار عن األضرار غير
المألوفة دون األضرار المألوفة ،كما يثير تساؤل حول الشخص الذي يتقرر عليه أو
لصالحه هذا االلتزام وهل يعد المالك أو الشاغل الفعلي للعين ،فإذا قيل بأن هذا
االلتزام يتقرر على المالك أو لصالحه ،فمعنى ذاك إضفاء صفة الجار على هذا
األخير فقط ،وبالتالي فإنه يكون هو المسؤول أو المستحق للتعويض في جميع
األحوال ،بغض النظر عما إذا كان هو الفاعل الحقيقي لألضرار ،أو المضرور منها
من عدمه ،مع أن هذه النتيجة ليست منطقية وغير عادية وال تتفق مع ما استقر عليه
الفقه والقضاء مؤخرا .أما إذا قيل بأن هذا االلتزام يتقرر لصالح الشاغل الفعلي للعين
أو على عاتقه ،فمعنى ذلك وفقا لمنطق هذا االتجاه ،أن المستأجر يعد طرفا في
العالقة التأجيرية ،وفي نفس الوقت طرفا في عالقة شبه العقد .نظ ار الستقالل نظرية
مضار الجوار غير المألوفة عن قواعد دعوى الضمان .وهذه النتيجة ليست منطقية
خاصة إذا كان المؤجر هو الفاعل الحقيقي
1د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة -ص. 204
2د/محمد كامل مرسي ،نطاق حق الملكية والحقوق العينية -المرجع السابق -هامش ص.649
Stefani,Thése op.cit.p56 et s/
206
لالضطرابات المدعاة .ففي هذه الحالة كيف يمكن القول بوجود عالقة تعاقدية،
وشبه تعاقدية متولدة من عالقة قانونية واحدة.1
أن القول بوجود التزام بعدم الضرار بالجار منشؤه العقد ال يجدي .إذ لو -
كان حقا التزام بعدم اإلضرار بالجار ،لوجب أن يكون محددا في محله ومداه حتى ال
يستعصى على الضبط والتحديد .والقول بخالف ذلك يفضي إلى تحكم القضاء
وتضارب أحكامه ،حيث تتسع دائرة االلتزام تارة ،وتضيق تارة أخرى .ومن ثم تغدو
المسؤولية التي تقع على محدث الضرر في المجتمع الواحد محكومة بوجهات نظر
متباينة .ال بقواعد محددة ثابتة .وهو ما يعرض العدالة ألفدح األخطار.2
فذهب البعض من الفقه الفرنسي 4إلى القول بأن نظرية مضار الجوار غير
المألوفة تجد أساسها في القواعد العرفية ،باعتبارها مصد ار للقانون .بيد أنه ال يلجأ
إليها إال في حالة غياب النص التشريعي .وأنه نظ ار لفقد هذا النص في القانون
المدني الفرنسي ،فليس هناك ما يمنع من اللجوء إلى القواعد العرفية ،باعتبارها
مصد ار للقاعدة القانونية من الدرجة الثانية.
واستند هذا الرأي إلى ما كان سائدا في الفقه الروماني من وجوب عدم
اإلضرار بالجار ،باعتبار أن العرف جرى منذ القدم على إلزام الجار بعدم إحداث
207
مضايقات لجاره تجاوز نطاق المألوفية وذلك بعدم إرسال األدخنة السوداء الخانقة ،أو
انبعاث الروائح المقززة والضارة بالصحة أو الصخب الفاحش مما يضر بالجار
المجاور .كما جرى العرف على منع الجار من الشكوى من األضرار الخفيفة التي ال
تتجاوز قد ار معينا من األهمية والخطورة .ومن ثم فإن نظرية مضار الجوار غير
المألوفة تجد أساسها في العرف الجاري.
وانتهى هذا الرأي ،إلى أن الجار أثناء الممارسة العادية والمشروعة لحقه ،إذا
ألحق بجاره أض ار ار غير مألوفة فإنه يكون بذلك قد خالف االلتزام العرفي الذي يقع
على كاهله ،ومن ثم ،فإن مخالفة هذا االلتزام تشكل خطأ يستوجب تطبيق نص المادة
6895من القانون المدني الفرنسي .إذ أن العرف يعد قانونا ،وبالتالي فهو ملزم شأنه
في ذلك شأن النصوص التشريعية.1
إن ما انتهى إليه هذا الرأي ،من أن الجار حين يخالف االلتزام العرفي -
بإلحاقه مضايقات غير عادية للجار ،فإن هذا يشكل خطأ يستوجب المسؤولية ،هو
قول يصعب التسليم به .إذ أن إرجاع المسؤولية إلى الخطأ الذي يستلزم تطبيق نص
المادة 6895مدني فرنسي ،هو رجوع للبداية القول بأن الخطأ هو أساس المسؤولية،
بينما الواقع ،أن الجار محدث الضرر قد استعمل حقه استعماال عاديا
1
Blaise(Jean- Bernard) Op cit, p 285. Martin(Gilles .J) De la responsabilité civil pour
faits de pollution au droit à l’environnement, thèse, op cit.27 p
208
ومشروعا ولم ينحرف عن مسلك الشخص المعتاد باتخاذه كافة االحتياطات
الالزمة لتفادي الضرر .فأين الخطأ؟.
إن مثل هذا القول مغالطة منطقية .إذ كيف يمكن اعتبار ممارسة الحق -
عادية ومشروعة ،وحينما تترتب عليها أضرار للجار تجاوز حد المألوفية تشكل خطأ.
الواقع أن هذا يشكل الجمع بين نقيضين ،هما اعتبار ممارسة الحق مشروعة ،وذات
الوقت ،ممارسة غير مشروعة إذا ما ترتب عليها أضرار غير عادية أو مألوفة.1
أن العرف ال ينشأ إال بعد اعتياد األفراد على سلوك معين مع االعتقاد -
بلزومه قانونا ،كما أنه ال يخرج على النظام العام واآلداب في المجتمع .والعرف
المخالف للنظام العام واآلداب هو عرف فاسد ال يجوز إتباع حكمه.2
أن القانون حين تناول العرف اعتبره أحد معايير التفرقة بين المضار -
المألوفة والمضار غير المألوفة .وبذلك ال يمكن اعتبار أحد المعايير الذي تناولها
القانون أساسا تقوم عليه المسؤولية.
وعليه فإن هذا االتجاه كسابقيه ألن العرف ال يصلح أن يكون أساسا
للمسؤولية عن مضار الجوار رغم أنه أكثر المعايير التي يمكن أن يستعين بها
القاضي للتفرقة بين المضار المألوفة والمضار غير المألوفة .خاصة وأن معيار
الضرر غير مألوف هو معيار مرن يتغير بتغير المجتمع أو المنطقة.
1د /عبد الرحمان على حمزة – الرسالة السابقة -ص . 889د /أبو زيد عبد الباقي -المقال السابق-ص.609
2د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود –الرسالة السابقة -ص.206
209
تارة تأسيسها على أساس الخطأ الواجب اإلثبات وتارة أخرى على أساس الخطأ
المفترض وتارة ثالثة على أساس افتراض عالقة سببية بين الخطأ المفترض والضرر.
إال أن هذا االتجاه القى انتقادات كثيرة من جانب الفقه الحديث ألن أنصار هذا
االتجاه اخلطوا بين فكرتي الخطأ والضرر .هذا ما دفع محكمة النقض الفرنسية إلى
ا لرفض فكرة الخطأ صراحة كأساس لنظرية مضار الجوار غير المألوفة وذلك بتقريرها
أن القاضي الموضوع ال يلتزم بالتحقق من خطأ رب العمل من أجل الحكم عليه
بالتعويض عن المضايقات غير المألوفة الناتجة عن عمليات البناء ،بناءا على نظرية
مضار الجوار .1كما قضت بإعفاء المضرور في سقوط جدار مشترك من إثبات
الخطأ واالكتفاء بإثبات الضرر غير المألوف الذي سببه المبنى المجاور .2كما قضت
بأن تقدير وجود الخطأ في نظرية مضار الجوار غير مألوفة يخضع للسلطة التقديرية
مع العلم أن الخطأ يخضع 3
لقضاة الموضوع وال رقابة لمحكمة النقض في ذلك
لمراقبة محكمة النقض .4وعليه إذا كان أساس نظرية مضار الجوار غير المألوفة هو
الخطأ فلماذا ال يخضع لرقابة المحكمة النقض؟.5
وبسبب ذلك ذهب الفقه إلى البحث عن أساس آخر تبنى عليه هذه المسؤولية
رغم انتفاء الخطأ .فاتجه إلى إقامة المسؤولية على أساس موضوعي الذي ال يشترط
وجود الخطأ بل يقوم على أساس تحقق الضرر.
1
Cass. civ, 8/05/1979, G.P,80,2.p684
2
Civ. 1ère 23/03/1982, Bull. I, n°120.
3
Civ 3ème 31/05/2000,Bull.II, n° 94.
4
Civ 2ème 16/07/1953,JCP,1953,II,note,Rodière(R) .
5
Frédéric Rouvière La pseudo-autonomie des troubles anormaux de voisinage.
Manuscrit auteur, publié dans « Variation sur le thème du voisinage,J-Ph. Tricoire.ed
2012. p10.htt://halshs.archives-ouvertes.fr
210
المطلب الثاني :االتجاه الذي يقيم المسؤولية على أساس
موضوعي
نظ ار لالنتقادات التي وجهها الفقه إلى االتجاهات التي حاولت تأسيس نظرية
مضار الجوار على فكرة ا لخطأ ،اتجه جانب من الفقه إلى البحث عن أساس لهذه
المسؤولية بعيدا عن فكرة الخطأ ،فأقاموا المسؤولية على فكرة الالخطئية ،أي بعبارة
أخرى مسؤولية موضوعية أساسها الضرر .وذلك لتوفير أكبر قدر من الحماية للجار
المضرور .غير أن هذا الجانب من الفقه لم يتفق حول األساس الموضوعي الذي
تقوم عليه هذه المسؤولية.
فرأى البعض أن أساس المسؤولية ،هو االستعمال االستثنائي أو غير العادي لحق
الملكية.
وذهب فريق آخر إلى أن أساس المسؤولية قائم على فكرة إعادة التوازن بين حقوق
الملكية الواردة على العقارات المتجاورة
وذهب فريق ثالث إلى أن أساس المسؤولية قائم على فكرة الضمان
أما الفريق الرابع فقد أسس المسؤولية على أساس فكرة تحمل التبعة أو المخاطر.
أتناول في هذا المطلب هذه اآلراء وذلك بتخصيص فرع لكل رأي.
1
Ripert (G) De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports avec les propriétés
voisines. Thèse, Aix en provence. 1902. p 295 et s
211
متى كانت هذه الممارسة مطابقة للقوانين والتنظيمات المعمول بها .إال أن هذا الحق
ليس مطلقا من كل قيد ،بل يلزم ممارسته مثل أي حق آخر تحت قيد ممارسة الجيران
1
لحقوقهم .وهذا يقضى عدم السماح بالممارسة المطلقة للحق
وعليه يجب على كل المالك استعمال حقه ،وفقا للشروط العادية للنشاط اإلنساني،
ليتمكن جاره بدوره من ممارسة حقوقه .ومتى تمت هذه الممارسة في صورتها العادية
فلن يتحقق الضرر ألي من المالك.
أما إذا استعمل المالك حقه استعماال استثنائيا أو غير عادي ،فإن هذا االستعمال
ينتج عنه إهدار التوازن الذي ينبغي أن يسود بين حقوق المالك المتجاورين نتيجة
اإلفراط أو المغاالة في هذا االستعمال إلى درجة إحداث مضار غير مألوفة للجيران.
األمر الذي يخول للجار المضرور طلب التعويض عما يتحمله من أضرار غير
عادية ،دون اعتبار لكون محدث تلك األضرار قد ارتكب خطأ أم لم يرتكب .وانما
على أساس أنه لم يستعمل لملكيته استعماال عاديا ،وخرج عن واجب االعتدال
واالستعمال العادي مما يشكل استعماال استثنائيا وينتج عنه نوعا من مفهوم المخاطر.
وبما أن المسؤول يستفيد من االستعمال االستثنائي لحق الملكية فعليه تحمل تبعة هذه
اإلفادة.
وعليه فإنه رغم اتخاذ المالك لكافة االحتياطات الالزمة وحصوله على ترخيص
من الجهة اإلدارية المختصة بأن يقوم باستعمال ملكه استعماال استثنائيا أو غير
عادي ليحصل منه على فائدة أكبر .فهنا المالك ال يكون قد ارتكب خطأ من وجهة
نظر هذا الفريق سواء تمثل هذا الخطأ بمخالفة سلوك الرجل المعتاد أو بمخالفة
القوانين واألنظمة ومع ذلك فقد يترتب على استعماله االستثنائي مضار تلحق جاره،
ولذلك تقوم مسؤوليته عن هذه المضار ليس على أساس أن محدث الضرر قد
د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة -ص .226 1
212
ارتكب خطأ وانما على أساس أنه استعمل حقه استعماال استثنائيا أي على أساس
االستثنائي أو غير العادي لحق الملكية وهو ما يمثل منطق هذه النظرية.1
غير أن هذه النظرية لم تلق قبوال فتعرضت للنقد من الفقه والقضاء الحديث.
تركزت على ما يلي:
أن فكرة االستعمال االستثنائي فيها نوع من المصادرة على المطلوب .حيث -
أنها ال تقرر إال إذا وجد نص يلزم المالك بعدم استعمال ملكيته استعماال استثنائيا.3.
إن التفرقة بين االستعمال العادي وغير العادي ليس لها معايير منضبطة -
وذلك في حالة الممارسة المخولة وفقا للقوانين واألنظمة.
إن هذا االتجاه وان كان ينادي بفكرة المخاطر في هذا المقام مع إعطائها -
تصو ار واسعا ،إال أن منطقه في حقيقة األمر ،يؤدي إلى ربط المسؤولية بمفهوم
الخطأ .فاالستعمال االستثنائي ما هو إال شذوذ عن السلوك غير العادي ،حيث أن
الفعل غير العادي يق ابل الفعل الخاطئ وأن هذا األخير تنفر منه نظرية مضار
الجوار غير المألوفة.4
213
أنه على فرض تقبل منطق هذا الرأي ،الذي يأخذ بفكرة المخاطر في نطاق -
المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،فإن هذا التكييف غير سليم ،للفروق
الجوهرية التي تفصل بين هذه األخيرة ومفهوم المخاطر الذي يقوم على عنصر
االحتمال ،وهو ما يكون مفتقدا في حالة مضار الجوار ،ألنه يلزم أن تكون ناتجة عن
تصرف عادي ،أي يستبعد عنصر االحتمالية .كما أنه يترتب على مفهوم المخاطر
المطالبة بالتعويض عن كافة األضرار .بينما في حالة مضار الجوار فإن التعويض
يكون عن األضرار غير المألوفة فقط.1
أن القول بأن حق الملكية ما هو إال عالقة بين شخصين شأنه في ذلك -
شأن سائر الحقوق األخرى كحق الدائنية مثال ،قول ليس صحيحا على اطالقه .ألنه
وان كان يوجد في حقيقة األمر التزام عام يقضى باحترام حق الملكية مثل الذي
يقضى باحترام حق الدائن على مدينه ،إال أن ذلك ال يعني سوى اإلقرار القانوني
للحقوق التي اعترف بها المشرع لنا ،هذا فضال عن أن السير وراء منطقه يؤدى إلى
الخلط بين الحق العيني والحق الشخصي ،وأضاف األول مع أنه ال يزال له مركز
الصدارة بالنسبة لكافة الحقوق األخرى .حيث أنه يعطي لصاحبه سلطة مباشرة على
الشيء ،بخالف الحق الشخصي.2
أن هذا الرأي ينطوي على الخطأ الفادح بين الهدف من المسؤولية -
وأساسها .فما قيل عن فكرة المساواة التي ينبغي أن تسود بين الحقوق والحرص على
عدم اإلخالل بالتوازن بين تلك الحقوق ،يمثل الهدف من المسؤولية .أما األساس التي
تبنى عليه هذه المسؤولية فهو أمر آخر.3
أن نظرية مضار الجوار غير المألوف تحدد الضرر إذا كان مألوفا أو -
غير مألوف لقيام المسؤولية بينما هذا الرأي يستند على االستعمال لحق الملكية
214
فيما إذا كان عاديا أو استثنائيا .كما أن االستعمال االستثنائي لحق الملكية رغم
أن أنصار هذا الرأي ال يعتبرونه خطأ إال أنه في حقيقة األمر يعود إلى نظرية
الخطأ.1
الفرع الثاني :أساس المسؤولية قائم على فكرة إقامة التوازن بين حقوق
الملكية الواردة على العقارات المتجاورة:
ذهب جانب من الفقه 2إلى محاولة ربط المسؤولية عن اضطرابات الجوار غير
المألوفة بفكرة إقامة التوازن بين حقوق الملكية الواردة على العقارات المتجاورة .والتي
مؤداها أن التعويض عن أضرار الجوار غير المألوفة ،يكون مستحقا ليس على سبيل
إصالح الضرر ،لكن من أجل إقامة التوازن بين العقارات المتجاورة الذي اختل نتيجة
وجود اضطرابات الجوار التي ال تعد أض ار ار تصيب حالة الفرد ،بل إنها أضرار
تصيب الجار في ذمته المالية وبالتالي فهي أضرار تتمثل في اختالل األحكام
القانونية لحقه نتيجة وجود هذه المضايقات.
ويعتبر أنصار هذا االتجاه أن حق الملكية يعد حقا أساسيا وجوهريا ومطلقا وذلك
وفقا لما تقضى به المادة 244مدني فرنسي 3التي تنص بأن حق الملكية هو حق
التمتع والتصرف في الشيء باألسلوب األكثر إطالقا بشرط ال يقوم بعمل تحظره
القوانين واللوائح.
وبناء عليه تكون حقوق الملكيات المتجاورة هي حقوق مطلقة ومن ثم فإن
االضطرابات التي تحدث نتيجة الستعمال أحدها ،والتي تصيب األخرى تشكل منازعة
بين حقوق ملكية مطلقة ومتساوية في نفس الوقت .مما يستوجب انعقاد المسؤولية عن
1أ /غسان محمد مناور أبو عاشور -الرسالة السابقة -ص .24
2
Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse.op.cit.p125
3تقابل المادة 244مدني فرنسي المادة 154مدني جزائري.
215
هذه المضايقات ،وذلك من أجل إعادة التوازن الذي أختل بسبب وجودها وتتقرر
المسؤولية لصالح وعلى عاتق المالك أو الحائز للحق العيني ،نظ ار ألن هذا األخير
يكون محميا بمقتضى المادة السالفة الذكر.
ويضيف أنصار هذا االتجاه إذا كان حق الملكية يفيد صاحبه إال أنه يقدم في
نفس الوقت فائدة للجماعة .ومن ثم فإن هذا الحق يكون له جانبان:أحدهما شخصي
واآلخر جماعي.
كما أن فكرة إقامة التوازن بين العقارات المتجاورة تجد أساس لها في نص المادة
244مدني فرنسي ،وكذلك في مبدأ مساواة أمام القانون واألعباء العامة التي تتطلبها
الحياة في المجتمع الذي نادي به اإلعالن الشامل لحقوق اإلنسان .ومفاد هذا المبدأ،
أن لإلنسان الحق في التعويض في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة ،وأن ذلك يسرى
في جميع الحاالت دون استثناء .ومن ثم تسري ذات االعتبارات أمام أعباء الحياة في
المجتمع ،وبصفة خاصة أمام األعباء المتفرعة من الجوار ،وبالتالي فإن عدم
التعويض عن األضرار غير المألوفة ،يشكل إخالال بمبدأ المساواة بين المالك ،كما
هو في حالة األضرار الناتجة عن األعمال العامة.1
وقد أخذت بعض المحاكم الفرنسية بهذا الرأي في بعض أحكامها.فقد قررت
محكمة النقض الفرنسية بأن حق الملكية وان كان يعد حقا مطلقا ،ويخول للمالك
سلطة التمتع والتصرف في الشيء الذي يملكه باألسلوب األكثر إطالقا ،وباستثناء
األعمال المحظورة المنصوص عليها في القوانين واللوائح .إال أنه مع ذلك يكون مقيدا
بالتزام قانوني وطبيعي ،مقتضاه عدم تسبيب أضرار للجار ،تجاوز أعباء الجوار
العادية 2غير أن هذه النظرية تعرضت للنقض كسابقاتها كما يلي:
1
Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse.op.cit.p 130.
2
Cass.civ 03/11/1977. J.C.P.78,11.
216
أن هذا االتجاه وأن كان قد أنار الطريق للوصول إلى أساس نظرية مضار -
الجوار غير المألوفة ،وذلك بتقرير فكرة إقامة التوازن بين الملكيات المتجاورة إال أنه
قصر تلك الفكرة على حق الملكية فقط ،مما يحتم تماشيا مع منطق هذا االتجاه ربط
نظرية مضار الجوار غير المألوفة بفكرة الملكية ،وهذا يقضى إلقاء عبء المسؤولية
على عاتق المالك فقط ،وتقرير الحق في طلب التعويض لصالح المالك للعقار
المجاور ،وهذا يؤدي إلى نتيجة خطرة وهي إمكانية اختالف الشخص المسؤول عن
اضطرابات الجوار غير العادية عن الفاعل الحقيقي لها ،وأيضا إمكانية اختالف
الشخص المضرور ،عن الشخص الذي يتقرر له التعويض .ويتحقق ذلك كله في
حالة ما إذا كان الفاعل لالضطرابات غير العادية ،أو المضرور منها مستأجرا ،أو
شاغال بسيطا للعين.
أن المادة التي استند إليها هذا االتجاه ال تخص المسؤولية عن مضار -
الجوار غير العادية ،فهي ال تشير ال من قريب وال من بعيد لفكرة إعادة التوازن بين
الحقوق المتجاورة الذي اختل نتيجة للممارسة العادية والمشروعة للحقوق .ومن ثم
فهي ال تخص المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة.1
وبناء على ذلك إذا كان هذا االتجاه قد أنار لنا الطريق من أجل الوصول إلى
جوهر هذه النظرية إال أن تحليله يشوبه القصور.
-إن فكرة إعادة التوازن بين حقوق الملكية تمثل هدف هذه المسؤولية وأثرها ،لذا
فهي تصلح باعثا على تقريرها لتحقيق التوازن بين هذه الحقوق من ناحية ،كما أنها
تتحقق بعد انعقاد المسؤولية وتترتب عليها ولذا فهي ال تصلح أن تكون أساسا لها من
ناحية أخرى.2
217
الفرع الثالث :أساس المسؤولية قائمة على فكرة الضمان:
حاول بعض الفقه الفرنسي 1تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
على فكرة الضمان بتقديره أن منازعات الجوار ليست فقط بين الحقوق الملكية بل إنها
تتناول الحقوق الشخصية وحريات أفراد ،ويرى أن الحياة في المجتمع ال تسير إال
بتحمل قدر معين من األضرار ،وعند تجاوز األضرار لهذا الحد فإنها تخول للجار
المضرور الحق في طلب التعويض على أساس أن القانون خول له الحق في طلب
الهدوء والسكينة ،وتنعقد مسؤولية محدث الضرر غير المألوف على أساس ضمانه
عدم حدوث هذه المضايقات لجيرانه والتي تقلق الهدوء والسكينة.
1
Starck, Essai d’un théorie générale de la responsabilité civile considérée en sa double
fonction de garantie et de peine privé. thèse ,op.cit P 187.
يعتبر الفقيه Starckحامل لواء هذه النظرية ،حيث يتلخص مضمون فكرته في الضمان في أنه يصنف الحقوق
من جواز المساس بها من عدمه إلى صنفين:
الصنف األول ،وهي تلك الحقوق التي يسب المساس بها ضررا بحياة اإلنسان أو بسالمته الجسدية أو المادية،
كالحق في الحياة ،والحق في سالمة جسده ،والحق في السالمة أمواله ،حيث تقوم المسؤولية بشأن المساس بهذه
الحقوق بمجرد تحقق الضرر وبصرف النظر عن مسلك الشخص خاطئا أو غير خاطئ ،وذلك ألن هذه األضرار
غير مشروعة دائما وفي جميع األحوال ودون اعتبار للنحو الذي وقع عليه الضرر أو لطبيعة النشاط أو لمسلك
الشخص ،فهو ال يمتلك حقا بممارسة ما تنطوي عليه هذه األضرار مطلقا ،وبذلك تقوم المسؤولية عنها ويكون ذلك
على أساس الضمان ،ألن محدث الضرر ضامن لعدم إحداث هذه األضرار غير المشروعة .
الصنف الثاني :وهي تلك الحقوق التي يسبب المساس بها ضررا اقتصاديا أو أدبيا لإلنسان ،كالحق في التجارة،
والحق في العمل ،والحق في سالمة شرفه واعتباره .حيث تنقسم هذه الحقوق في هذا الصنف من حيث المساس بها
إلى فئتين:
الفئة األولى :وهي تلك الحقوق التي يستند المساس بها إلى حق بحيث يترتب الضرر كنتيجة طبيعية لممارسة هذا
الحق ،كحق المنافسة المشروعة ،وحق اإلضراب ،وحق النقد ،فهي تصدر من شخص يملك ذلك وبهذا تقع على
النحو مشروع وتكون أضرارا مشروعة ،وعليه فال تقوم المسؤولية عنها.
الفئة الثانية :وهي تلك الحقوق التي ال يستند المساس بها إلى حق ،كالمنافسة غير المشروعة ،والنقد والذي يهدف
إلى اإلساءة إلى شخص من وجه إليه النقد ،فهذه األضرار تقع على النحو غير مشروع ،ألن النشاط أو الفعل الذي
أدى إليها غير مشروع ،وبصرف النظر عن مسلكه سواء كان خاطئا أم ال ،فتكون بذلك غير مشروعة ،ومن ثم تقوم
المسؤولية عنها على أساس الضمان ،ألن محدث الضرر ضامن لعدم إلحاق هذه المضار.
ويستخلص من ذلك أن الصنف األول من األضرار تكون غير مشروعة في جميع األحوال وتقوم المسؤولية عنها
دائما ،في حين أن الصنف الثاني من األضرار تكون مشروعة أحيانا معينة ،وغير مشروعة أحيانا أخرى حسب
مقتضى الحال ،فضال عن أنه ينظر في هذه األضرار إلى شخص المتضرر ،وليس إلى شخص محدث الضرر كما
في نظريتي الخطأ وتحمل التبعة حيث تنظر األولى إلى مدى وقوع الشخص بخطأ من عدمه ،وتنظر الثانية إلى
مدى ما عاد عليه من نفع وإمكانية جبر الضرر من عدمه.ولذلك فقد قام Starckبتطبيق نظريته في الضمان على
مضار الجوار (.أ /غسان محمد مناور أبو عاشور – الرسالة السابقة -ص 89و) 40
218
النوع األول :مضار مألوفة ،هي تلك المضار التي تتطلبها طبيعة الحياة
االجتماعية بحيث تستحيل الحياة في المجتمع بدون تحملها ،نظ ار لضرورتها في
تحمل أعباء الحياة االجتماعية المشتركة ،وعليه تستند هذه المضار إلى حق ،يكون
الفعل أو النشاط الذي يؤدي إليها مشروعا ،وبالتالي تكون أض ار ار مشروعة وال تقوم
المسؤولية عنها.
النوع الثاني :مضار غير مألوفة ،وهي تلك المضار التي تجاوز الحد المألوف
الذي ينبغي تحمله ،ومن ثم فهي ال تستند إلى حق ،ويتصف الفعل أو النشاط الذي
يؤدي إليها بعدم المشروعية وبصرف النظر عن مسلك الشخص سواء أكان ينطوي
على الخطأ أم ال ،فتكون بذلك أض ار ار غير مألوفة ،يجوز للمضرور أن يطلب
التعويض عنها ما دام أن الضرر قد تجاوز الحد الذي ينبغي على الجيران تحمله،
واال أصبحت الحياة مستحيلة في المجتمع من ناحية ،وما دام أن القانون خوله الحق
1
في طلب الهدوء والسكينة من ناحية أخرى
الجوار ليس إال واقعة مادية بحتة ،أما بالنسبة لعالقات الجوار التي تنشأ -
عن العالقات التعاقدية مثل عالقة المؤجر بالمستأجر فال يمكن ربط المسؤولية عن
األضرار الناتجة عنها بفكرة الضمان بصفة مطلقة لما في ذلك من خلط بين دعوى
2
الضمان وقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة.
219
-أن لكل منهما نطاق خاص ومجال محدد .ال يجوز تعديه وال التعدي عليه.
-أن الضمان يستحق بصرف النظر عن جسامة الضرر سواء أكان جسيما أم يسيرا.
-إن نظرية الضمان تفترض أن هناك ضر ار قد وقع ومن ثم تقيم المسؤولية عنه
على أساس الضمان ،وهذا يعني وفق منطق هذه النظرية أن الضرر هو األصل الذي
يرتب المسؤولية وهو مرحلة سابقة ،والضمان هو التزام بتعويض ذلك الضرر وهو
مرحلة تالية ،فالضرر هو العلة والضمان هو المعلول ،وعليه فليس من المنطق أن
يكون المعلول هو أساس العلة .ألن ذلك يعني القول بأن أساس االلتزام بالتعويض
(الضمان) هو الضمان أي أن الشيء أساس نفسه ،وهذا مرفوض منطقيا.
-إن نظرية الضمان ليست بعيدة عن نظرية الخطأ ،وذلك ألن النظرية األولى تبنى
على أساس المساس بالغير بدون حق والذي يمثل ذات األساس الذي اعتمد عليه
فقهاء نظرية الخطأ في تعريفهم لهذا األخير ،وبالتالي فإن المنادين بهذه النظرية لم
يبتكروا شيئا جديدا سوى أنهم أضفوا اسما جديدا هو نظرية الضمان.1
1أ /غسان محمد مناور أبو عاشور – الرسالة السابقة -ص 42و41
2في هذا المعنى د /عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق -ص862 ،864
220
كما تحدث فقهاء الشريعة عن الفعل الضار واعتبروه كل فعل ترتب عليه بذاته
ضرر للغير ،سواء أكان بطريق المباشر أم التسبب .ويرى البعض أن الفعل الضار،
هو األساس الصريح لنظرية تحمل التبعة ،إذ أن كل فعل ضار تقع تبعته على
فاعله ،وهذا هو الفارق الجوهري بين النظرية الخطئية القائمة على الخطأ ،وبين
نظرية تحمل التبعة.1
وعلى هذا يرى البعض أن األساس المالئم للمسؤولية عن مضار الجوار غير
مألوف أو كما يسمونه مضار الجوار الفاحشة ،التي تلحق بالجار هو فكرة تحمل
التبعة ،حيث أن هذه الفكرة تتفق إلى حد كبير مع القاعدة الفقهية "الغنم بالغرم" والتي
نصت عليها مجلة األحكام العدلية .2ومن التطبيقات الفقهية ما أتى به الفقه المالكي
بعدم جواز القيام بفعل يحدث ضر ار للجيران ،كإحداث فرن أو حمام أو دكان حدادة
أو مجبرة أو مجبسة أو مدبغة بجوار بيت أو مزرعة.3
وفي أواخر القرن التاسع عشر حاول جانب من الفقه الفرنسي يترأسهم
4Saleillesوضع نظرية عامة للمسؤولية تشمل المسؤولية الشخصية والموضوعية
على حد السواء.
فقرر هذا االتجاه بأن المادة 6895مدني فرنسي ال تخص فقط قواعد المسؤولية
الشخصية ،بل أنها تضع قاعدة عامة للمسؤولية عن فعل الشخص سواء أكان هذا
الفعل يشكل خطأ من عدمه .بدليل أنه ورد في نص المادة السالفة الذكر " كل فعل
أي كان صادر من الشخص يسبب ضر ار للغير "...فقد رأى هذا االتجاه
1د /عبد الرحمان على حمزة – المرجع السابق – هامش 4ص 862نقال عن د /عبد الحميد محمود البعلي ،نظرية
تحمل التبعة بين الشريعة والقانون رسالة دكتوراه ،كلية الشريعة والقانون ،جامعة القاهرة ،ص ،526هامش.6
2د /أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق -ص .625د /أبو زهرة ،المقال السابق ،ص.50
3إمام دار الهجرة اإلمام /مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى -المرجع السابق -ص .892
4
Saleilles(R), les accidents de travail et la responsabilité civile : essai d’une théorie
objective de la responsabilité délictuelle,Paris,Rousseau 1897,p5.
221
أن المشرع نظر إلى فعل الشخص أيا كان ،وعليه فإن ما ينتج عن هذا الفعل من
ضرر تنعقد المسؤولية ،بغض النظر عما إذا كان الفعل يشكل خطأ أو ال.
وقد أسند الفقيه Saleillesحالة تجاوز مضار الجوار العادية إلى نظرية تحمل
التبعة ألنه من األعمال المشروعة المتفقة مع الغرض االجتماعي للحق ما ينتج عنه
ضرر للغير ،كحالة المصنع الذي ال يمكن تشغيله إال باستعماله آالت خطرة وال
يمكن إدارته دون ضرر يصيب العمال والمالك المتجاورين ،قد يكون مرجع هذا
الضرر خطأ صاحب المصنع سواء كان الخطأ مباشر أم غير مباشر مما يجعل قيام
مسؤوليته على أساس المادة 6895مدني فرنسي سهال ميسورا .لكن في بعض
الحاالت قد ال يكون من المستطاع تقليل أو منع الضرر وعند ذلك ال يمكن الكالم
عن الخط أ ألن ما أتاه صاحب المصنع كان عمال مشروعا ،ولو لم يكن كذلك لكان
للقضاء أن يحكم بغلق المصنع ربما ألنه ال يمكن تعطيل حق بسبب األخطار الناتجة
عن استعماله ،فيكفي بوضع المخاطر الناشئة عن تشغيل المصنع على عاتق
صاحبه ،كمقابل لما يفيده من المصنع وبذا تتحقق العدالة االجتماعية وهذه هي
1
نظرية تحمل التبعة التي تستبعد فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية
222
الحال ة ال يكون مصدرها خطأ عقدي أو تقصيري ،لكن على أساس أن هذه المسؤولية
تفرض على الشخص بواسطة القانون مباشرة.
وبذلك فإن أساس نظرية مضار الجوار حسب الفقيه Josserandال يتمثل في
الخطأ على أي صورة من صوره؛ انحراف عن السلوك المألوف للشخص المعتاد أو
التعسف في استعمال الحق وانما يقع الضرر برغم ممارسة النشاط في الحدود
المشروعة للحق بدون تعسف ،وهنا يجب التعويض ال للخطأ وانما إعماال لفكرة أخرى
قوامها أن من يستفيد من نشاط معين يلحق ضر ار بغيره عليه أن يتحمل النتائج
الضارة التي تقع للغير بتعويضها .فالجار قد استحدث مخاطر غير عادية بنشاطه
الذي يستفيد من أرباح .وينتهي جوسران إلى أن هذه المسؤولية موضوعية العبرة فيها
الضرر الذي يحدث للغير ،ال مسؤولية شخصية التي تقوم على الخطأ .وهي تجد
مبرراتها في فكرتي العدالة والمساواة التي ينبغي أن تسود في عالقات الجوار.1
وقد ساير جانب من الفقه والقضاء الحديث هذه الفكرة خاصة بعد اعترافهم
بتفجر قواعد المسؤولية التقصيرية لتحملها أكثر من طاقتها
فذهب بعض فقهاء القانون 2إلى تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة على أساس نظرية المخاطر أو تحمل التبعة ،وليس على أساس نظرية الخطأ
الواجب اإلثبات .فاعتبر المالك الذي يستفيد من استعماله لحق ملكيته ،ويستأثر
بالمواد التي تنتج عن هذا الحق ،عليه مقابل ذلك أن يتحمل ما يصيب الغير من
أضرار غير المألوفة بسبب هذا االستعمال ،ولو لم يصدر منه خطأ أو تعسف في
هذا االستعمال .وذلك على أساس فكرة الغنم بالغرم .فمن ينتفع من
1د /عطا سعد محمد حواس – األساس القانوني للمسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار-
المرجع السابق -ص 692 ،694نقال عن :
Josserand,not sur Poitiers, 29 janv.1923,D.2,1923 ;P53.et, De l’esprit des droit et de
leur relativité » Théorie dit de l’abus de droits », 2e éd,Paris, 1939,P21
2
Ripert (G) De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports avec les propriétés
voisines. Thèse. Op.cit. p336.
223
عمل ،البد أن يتحمل مغارمه ،كما كان له مغانمة .إذ أن العدالة تأبى أن يتحمل
الغير الذي لم ينتفع بشيء هذه األضرار.
كما أخذ بعض الفقه المصري 1بهذه النظرية ويرى أن الجار لم يتعسف ولم
يرتكب خطأ ،حتى يمكن القول بإخضاعه للمسؤولية وفقا للقواعد العامة ومن ثم فإن
هذه المسؤولية تجد أساسها الصحيح وتأصيلها السليم على أساس موضوعي قائم على
فكرة المخاطر أو تحمل التبعة بعيدا عن أي خطأ أو تعسف ،فالجار الذي يقوم
باستعمال حقه عليه أن يتحمل تبعة نشاطه ،فطالما أنه يستفيد من هذا االستعمال
وقد ألحق بجاره ضر ار غير مألوف من جراء هذا النشاط العادي ،فعليه الغرم كما كان
عليه الغنم.
ويتفق هذا التأصيل مع األساس الذي تقوم عليه فكرة التزامات الجوار بوجه عام،
ومضار الجوار بوجه خاص ،فالجوار ضرورة اجتماعية تستلزم التضامن بين الجيران،
وبمقتضى هذا التضامن ،يتحمل الجار ما يعتبر من األضرار المألوفة التي ال يمكن
تجنبها بين الجيران ،لكنه يقتضى أيضا أن يتحمل صاحب الحق ما يصيب الجار من
أضرار غير المألوفة تتجاوز الحد المسموح به .أي أن هذا التضامن يعنى وجود نوع
من توزيع األضرار بين الجيران ،جزء يتحمله صاحب الحق ،األضرار غير المألوفة،
وهو في هذا التوزيع ال ينظر إلى مسلك كل منهما ،وانما يعتد فقط بالضرر وما إذا
كان مألوفا أم غير مألوف ،فالمخاطر التي يخلقها الجوار يجب بمقتضى التضامن
1د /محمد زهرة ،الطبيعة القانونية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،دراسة خاصة حول مسألة الخيرة
في القانون المصري والكويتي والفرنسي ،مجلة المحامي -مقال السابق -ص .59- 59د /نعمان محمد خليل جمعة،
الحقوق العينية األصلية – المرجع السابق -ص .50د /أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق -ص .642ويبدو أن د
عبد الرزاق أحمد السنهوري ،في الوسيط الجزء - 9المرجع السابق -لم يستبعد تأسيس المسؤولية على فكرة تحمل
التبعة ،هذا ما يستنتج من رأيه إذ يقول" فإذا قلنا بأن نص المادة 905مدني مصري ينشئ التزاما قانونيا في جانب
المالك ،بعدم إصابة الجار بضرر غير مألوف .قامت مسؤولية المالك في هذا القول على إخالل المالك بهذا االلتزام
القانوني ،فوجب التعويض ويكون المالك الذي ألحق بجاره ضررا غير مألوف ،قد خرق التزامه القانوني ،فخالف
القانون .ولكن هذه المخالفة القانونية ليست (خطأ) بالمعنى المعروف ،فالخطأ هو انحراف عن سلوك الشخص
المعتاد .وهنا لم ينحرف المالك عن هذا السلوك ،فهو مسؤول ،ال ألنه ارتكب الخطأ ،بل ألنه يتحمل تبعة نشاطه،
فهو الذي يفيد من استعماله لملكه استعماال استثنائيا ،فمن العدل أن يتحمل تبعة هذا االستعمال ،والغرم بالغنم "...
224
بين الجيران تحمل تبعتها معا والتجاوز فيها هو المألوف من األضرار ،والزام صاحب
الحق بتعويض ما هو فاحش أو غير مألوف بغض النظر عن تقرير مسلكه.
كما يرى هذا الجانب أن هذا التأصيل يتفق واألحكام الخاصة بالمسؤولية عن
مضار الجوار غير المألوفة .إذا أن المسؤول عن األضرار ،تنعقد مسؤوليته بمجرد
تحقق الضرر غير المألوف دون أن يكون له دحضها بإثبات أنه لم يرتكب خطأ ،أو
أنه اتخذ االحتياطات الضرورية لمنع الضرر .ومن ثم ،فهي مسؤولية موضوعية
قوامها تحقق الضرر وحده ،وبالتالي فليس له دفع هذه المسؤولية.
1
وقد أخذت بعض المحاكم الفرنسية بهذا االتجاه فقضت محكمة نيس الفرنسية
وأيدتها في ذلك محكمة النقض .بمسؤولية شركة Air Franceعن الصخب الناتج
عن هبوط واقالع الطائرات من مطار نيس ،والذي سبب مضايقات للجيران تجاوز
النطاق الواجب تحمله .وربطت المسؤولية بفكرة مخاطر المالحة الجوية ،ذلك ألن
األضرار تجاوزت حدا معينا من الخطورة.
إن األخذ بها يقتضي وجوب التعويض عن كافة األضرار التي تصيب -
الجار .سواء أكانت هذه األضرار يسيرة أو جسيمة .مألوفة أو غير مألوفة .وذلك
عمال بالقاعدة العامة التي تقضي بالتعويض عن جميع األضرار .بينما يختلف
1
Nice 09/12/1964, J.C.P.65,11. op.cit
225
الوضع فيما يتعلق بمضار الجوار ،حيث أجمع الفقه والقضاء على وجود قدر معين
من المضار يجب تحملها دون إمكانية التعويض عنها.
أن هذه النظرية تؤدي إلى تعطيل الحياة االقتصادية ،إذ أن األفراد -
سيتقاعسون عن ممارسة حقوقهم خشية المسؤولية دون خطأ يرتكبونه .فلو مارس
شخص حقه المشروع باتخاذ كافة االحتياطات الضرورية لتحاشى اإلضرار بالغير ،ثم
ألحق بعض المضار بجاره من جراء نشاطه هذا .فلو ألزم صاحب الحق هذا
التعويض تأسيسا على نظرية تحمل التبعة .لكان معنى ذلك هو قتل الحافز الفردي
لديه ،ألن في كل عمل أو نشاط للفرد ما يلحق بالغير ضررا ،ومن ثمن فإنه بدال من
أن يعود عليه النشاط بالفائدة ،فإنه سيعرضه للمطالبة بالتعويض ،األمر الذي يكلفه
ما ال يطيق.1
1
Carbonnier Jean, Droit civil, les obligations, op.cit.p59. -Cosmas(y),Les troubles de
voisinage, thèse. Op.cit. p107. Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de
voisinage, thèse.op.cit.p74.
2د /أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق -ص 620
226
أنه ليس معنى األخذ بنظرية تحمل التبعة كأساس للمسؤولية عن مضار -
الجوار غير المألوف ،هو تحمل المسؤول عن األضرار دائما لكافة النتائج الضارة
المترتبة على نشاطه الذي يستفيد منه .فليس هناك ما يمنع المشرع من تقييد نطاق
تطبيق النص ،بحيث يحدد مقدار الضرر الذي يتحمله ويحصره في حدود معينة.
وهذا ما فعلته بعض التشريعات حين ألزمت الجار على تحمل قدر معين من مضار
الجوار التي جرت العادة بين الجيران على التسامح فيها ،دون إمكانية طلب التعويض
عنها ،وقصرت التعويض على حالة المضار غير المألوفة فقط بنص القانون وال
اجتهاد مع صراحة النص.1
إن األخذ بنظرية تحمل التبعة لتأصيل المسؤولية عن مضار الجوار غير -
المألوفة يجب أن يكون في حدود الفكرة التي تقوم عليها التزامات الجوار بوجه عام،
وهي التضامن االجتماعي ،وهي تعني توزيع األضرار على الطرفين معا.2
-أن الخوف من تقاعس األفراد ،وما يترتب على ذلك من انعدام المبادرة
والسلبية والجمود ،خشية شبح المسؤولية وتفاديا للتعويض المرهق الذي يطالب به
الجار المضرور ال محل له من ناحيتين:
األولى :أن التعويض ال يشمل الضرر الذي لم يتجاوز الحد المألوف .أما إذا
تجاوز الضرر الحد المألوف ،وبقي في نطاق الضرر غير المألوف ،فهذا هو الذي
يشمله التعويض فقط.
الثانية :أن الضرر غير المألوف الذي يحدث ،ويكون جبره كبيرا ،كما في حالة
األضرار الناتجة عن االستغالل الصناعي أو التجاري ،فإنه لتجنب مغبة المطالبة
المرهقة بالتعويض ،يمكن اللجوء إلى التغطية التأمينية ،المتمثلة في التأمين
227
من المسؤولية المتعل قة بالنشاط الذي يمارس ،ومن ثم لم يعد هناك ما يدعو إلى
الخوف من شبح المسؤولية.1
خالصة المبحث:
تنوعت اآلراء الفقهاء وتعددت واختلفت حول األساس القانوني للمسؤولية عن
مضار الجوار غير المألوفة .فأسسها فقهاء الشريعة تارة على أساس التعسف في
استعمال الحق وتارة أخرى على أساس تحمل التبعة
كما ترتب على غياب النص التشريعي المتعلق بنظرية مضار الجوار في فرنسا
تضارب اآلراء حول تحديد األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية في حالة
مضار الجوار غير المألوفة .لكن تكريس القضاء الفرنسي لهذه النظرية ترتب عليه
مساءلة كل من يتجاوز الحد المألوف من األضرار المتعارف عليها في محيط
الجوار .2مما جعل جانب من الفقه الفرنسي إلى إقامتها على أساس فكرة الخطأ
باعتبارها مالذ كثير من الفقهاء وسندا يلجأ إليه القضاء لتبرير كثير من الحلول
القانونية .إال أنهم اختلفوا في مضمون الخطأ المرتكب من قبل محدث الضرر.
فتعددت آرائهم في هذا الشأن فمنهم من أسسها على الخطأ الواجب اإلثبات ،ومنهم
من أسسها على فكرة التعسف ،ومنهم من افترض الخطأ ،وآخر أسسها على رفض
المالك التعويض ،وآخر أسسها على اإلخالل بالتزام الجوار .غير أن كل هذه
االتجاهات ا لتي أسست المسؤولية على أساس الخطأ لم تسلم من النقد .نظ ار ألنهم لم
يبينوا الخطأ من خالل مسلك الجار في هذه المسؤولية فقد استنتجوا الخطأ من خالل
الضرر غير المألوف الذي لحق الجار المضرور فالمالك الذي استعمال حقه وألحق
بجاره ضر ار غير مألوف قد خرج عن حدود الحق .والخروج عن حدود الحق خطأ
بالمعنى المعروف ،إذ هو انحراف عن سلوك المألوف للشخص المعتاد.
2د /زليخة لحميم ،المسؤولية الناجمة عن األضرار البيئية في ضوء القوانين الوضعية واالتفاقيات الدولية – رسالة
دكتوراه-كلية الحقوق جامعة الجزائر 6سنة . 5064
228
وقد وجهت لهذا االتجاه االنتقادات الشديدة ألن الضرر نتيجة البد أن يكون لها سبب
هو أساس المسؤولية محل الدراسة وال يمكن االعتداد بالسبب من خالل النتيجة التي
يؤدى إليها .والعمل بهذا يشكل خلطا واضحا بين فكرتي الخطأ والضرر .كما فشل
أنصار فكرة الخطأ من تأسيس المسؤولية على أساس افتراض الخطأ والذي القى
بدوره نقدا وجيها كما وضحت.
أمام عدم تمكن فكرة الخطأ من استيعاب المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة لتحميلها فوق طاقتها لجأ البعض اآلخر إلى تأسيس المسؤولية على أساس
موضوعي بعيدا عن فكرة الخطأ فذهب البعض إلى تأسيس المسؤولية على أساس
االستعمال االستثنائي أو غير العادي لحق الملكية وذهب البعض اآلخر إلى أن
أساس المسؤولية قائم على فكرة إعادة التوازن بين حقوق الملكية الواردة على العقارات
المتجاورة وذهب فريق آخر إلى أن أساس المسؤولية قائمة على فكرة الضمان ،
وذهب فريق رابع إلى أن أساس المسؤولية هو فكرة المخاطر أو تحمل التبعة وهو
الرأي المرجح عندي كما سيأتي بيانه.
أما بالنسبة للفقه المصري فبوجود النص التشريعي الذي نظم هذه المسؤولية متأث ار
بالفقه اإلسالمي والقضاء الفرنسي فال يوجد خالف كبير فيه فانحصر في تأسيس
البعض لهذه المسؤولية على أساس فكرة التعسف والذي اعتباره البعض خطأ واستبعد
البعض اآلخر أن يكون التعسف خطأ .كما اختلفوا في دمج المادة 905مدني
مصري ضمن صور التعسف المنصوص عليها في المادة الخامسة مدني مصري.
وهناك اتجاه أقام المسؤولية على أساس موضوعي بعيدا عن فكرة التعسف أو الخطأ
فرآه البعض أنه قائما على فكرة إقامة التوازن بين حقوق المتجاورة .وآخر أقامه على
أساس تحمل التبعة وهو االتجاه الذي أرجحه كما سيأتي بيانه.
229
المبحث الثاني:
أساس المسؤولية في القانون الجزائري
نظم المشرع الجزائري العالقات الجوارية ،وأقر مسؤولية المالك عن مضار الجوار
غير المألوف ،وميز بين المضار غير المألوفة التي ال يمكن تسامح فيها فأقام
مسؤولية المالك عليها وألزمه بتعويضها ،وبين المضار المألوفة التي ال تقيم المسؤولية
والتي يجب على الجار تحملها.
فبوجود نص المادة 196مدني جزائري التي نظمت هذه المسؤولية لم يعد أمام
الفقه والقضاء سوى االنصياع لصراحة النص وتفسيره وتطبيقه ،إال أن الفقه الجزائري
لم يتفق على تأصيل هذه المسؤولية .خاصة وقد سبق اإلشارة إلى أن المقصود من
أساس المسؤولية هو تبرير هذه المسؤولية وردها إلى فكرة محددة تقضى الجزاء
المحدد لها ،وقد فرق بعض الفقهاء كما سبق بيانه بين مصدر المسؤولية وأساسها،
حيث يقصد بمصدر المسؤولية السبب الذي ُيلزمنا بتعويض الضرر الحاصل للغير.
وبناء عليه ال تخرج مصادر القانون عن اإلرادة والقانون .أما أساس المسؤولية فيقصد
به السبب الذي من أجله يضع القانون عبء تعويض الضرر الحاصل على عاتق
شخص معين.
ومنه وجب علينا البحث عن أساس المسؤولية في القانون الجزائري وذلك بتقسيم
هذا المبحث إلى مطلبين
230
المطلب األول :موقف المشرع الجزائري من نظرية مضار الجوار
غير المألوفة
يرى البعض إذا كان الفقه الفرنسي قد اختلف في أساس مسؤولية المالك عن
مضار الجوار غير المألوفة بسبب عدم وجود نص قانوني بشأن ذلك ،واذا كانت
عبارة " الغلو" في القانون المصري قد أثارت جدال فقهيا بشأن تكييفها ،فإن المادة
196من القانون المدني الجزائري في فقرتها األولى صريحة في قولها " يجب على
المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر الجار "...يكون بذلك المشرع
الجزائري قد فصل في المسألة وحدد لنا أساس مسؤولية المالك عن مضار الجوار
غير المألوفة وهو التعسف.1
وبذلك يكون المشرع الجزائري قد أقام مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير
المألوفة التي يلحقها بجاره على قيد عام ،هو عدم استعمال حق الملكية استعماال
تعسفيا ،وقد اختار المشرع لفظ التعسف في وصف األفعال التي تؤدي إلى اإلضرار
بالجار أض ار ار غير مألوفة .والتعسف حسب نص هذه المادة هو كل عمل يحدث
ضر ار غير مألوف بالجار .فالمعيار هو الضرر غير المألوف ،وهو معيا ار مرنا ال
قاعدة جامدة كما سبق اإلشارة له ،ألن المشرع وضع بعض المعايير التي تساعد
القاضي في تحديد مدى مألوفية الضرر من عدمه إلقامة المسؤولية أو استبعادها.
لذا ذهب جمهور من الفقه القانوني إلى القول بأن أساس المسؤولية عن مضار
الجوار غير المألوفة هو التعسف في استعمال الحق .وأن المادة 196ليست سوى
تطبيقا من تطبيقات نظرية التعسف ،وقد أضاف النص معيا ار جديدا إلى المعايير
الثالثة المذكورة في المادة 654مكرر .وهو عدم مألوفية الضرر.
1د /رشيد شميشم – المرجع السابق -نقال عن د /فريدة محمدي زواوي -نظرية الحق ،الجزء الثاني ،المؤسسة
الوطنية للفنون والطباعة ،وحدة الرغاية،الجزائر،6999،ص.624
231
ولمناقشة هذا الرأي البد من التطرق للتعسف في استعمال الحق في التشريع
الجزائري ،ثم البحث عن مدى عالقة التعسف في استعمال الحق بنظرية مضار
الجوار غير المألوفة وذلك في فرعين
أدت هذه الصياغة إلى انتقاد شديد للمشرع وذلك من الجانبين الشكلي
والموضوعي.
فمن الناحية الشكلية انتقد تنظيم المشرع لهذه النظرية حين أوردها قبل التعديل
في الفصل األول األشخاص الطبيعية من الباب الثاني األشخاص الطبيعية
واالعتبارية من الكتاب األول أحكام عامة من القانون المدني .ألن تناول هذه النظرية
في المادة 46من الفصل األول المعنون باألشخاص الطبيعية ،ويستنتج أنها ال تسري
على األشخاص االعتبارية ما دامت قد خصص لها الفصل الثاني هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ،فقد وضع هذا النص ضمن مواد متعلقة بأحكام األهلية التي
232
ليس لها عالقة بنظرية التعسف .وتجدر اإلشارة أن المشرع الجزائري قد خالف
التشريعات العربية بما فيها التشريع المصري التي أوردت النص ضمن الباب
التمهيدي للقانون المدني
ومن الناحية الموضوعية فقد خالف المشرع الجزائري نظيره المصري 1الذي
استمد منه أحكام نظرية التعسف ،بعدم تناوله القاعدة العامة التي تقضي بأنه من
استعمل حقه استعماال مشروعا ال يكون مسؤوال عما ينشأ عن ذلك من ضرر يصيب
الغير ،فنظرية التعسف هي استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بأن األصل في
األفعال هو اإلباحة لذا وجب ذكر القاعدة العامة.
كما أورد المشرع حاالت التعسف على سبيل الحصر باستعمال عبارة تدل على
ذلك وهي عبارة " يعتبر استعمال الحق تعسفيا في األحوال التالية" ،فعبارة األحوال
التالية تفيد الحصر ،وبذلك لم يترك فرصة للقاضي إلمكانية استنباط معايير أخرى
للتعسف ،ويكون بذلك قد قيد حرية القاضي في االجتهاد.
غير أنه رغم االنتقادات الموجهة إلى المشرع الجزائري ،إال أن تنظيمه لهذه
النظرية يتضمن مزايا التي جاوز بها مضمون النظرية في القانون المصري وهي
استعمال المشرع الجزائري عبارة التعسف متفاديا بذلك عبارة العمل غير المشروع
على عكس كل التشريعات العربية األخرى .وبهذا يكون المشرع قد أعطى للنظرية
مدلوال أوسع من المدلول التي أعطته لها التشريعات العربية وخاصة القانون المصري
وهو المصدر التاريخي الذي استمدت منه ،كما أن المشرع الجزائري حذف كلمة"
سوى" التي أدرجها المشرع المصري في المعيار األول ،مما أعطى للنظرية مجاال
أوسع ،كذلك الحال بالنسبة لعبارة "ال تتناسب البتة" التي أسقطها من المعيار الثاني.
إذ يالحظ أن المشرع المصري قد ضيق من مجال النظرية في هذا
1تنص المادة 4من القانون المدني المصري" من استعمل حقه استعماال مشروعا ال يكون مسؤوال عما ينشأ عن
ذلك من ضرر"
وتنص المادة 2من القانون المدني المصري" يكون استعمال الحق غير مشروع في األحوال التالية( :أ) إذا لم
يقصد به سوى اإلضرار بالغير (ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة األهمية ،بحيث ال تتناسب البتة
مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها(.ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة".
233
المعيار حين صاغها على هذا النحو "إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير
مشروعة" وفي المقابل فإن المشرع الجزائري قد صاغها على هذا النحو" إذا كان يرمي
إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير" .فاشترط فقط اختالل
التوازن بينما المشرع المصري اشترط انهيار التوازن وبالتالي فإن ذلك يضيق من دائرة
تطبيق هذه النظرية.1
يرى البعض أن الموقع الذي اختاره المشرع لنظرية التعسف وهو المادة
654مكرر يجعلها تنطبق على األشخاص الطبيعية واألشخاص المعنوية خاصة إذا
علمنا أن المشرع قد أعاد صياغة المادة 654ذاتها وأدخل فيها عبارة الشخص بدال
من عبارة المرء وذلك للتدليل على إمكانية قيام مسؤولية الشخص االعتباري المدنية
تماما مثل الشخص الطبيعي .وأن المشرع قد نجح في اختيار المكان المناسب
للنظرية وهو الفصل الثالث من الباب األول من الكتاب الثاني من القانون المدني
تحت عنوان الفعل المستحق للتعويض ،ألن التعسف في استعمال الحق هو عمل
يترتب عليه ضرر يصيب الغير ويولد التزاما بالتعويض فإن أنسب مكان للنظرية ،إن
لم يكن في النصوص األولى من الباب التمهيدي ،هو هذا المكان ولو من الناحية
الشكلية .والمالحظ أن الموقع الذي اختاره المشرع لنظرية التعسف أحدث تأثي ار
1د /بوبكر مصطفى ،الطبيعة القانونية لنظرية التعسف في استعمال الحق على ضوء تعديل القانون المدني رقم
60-02الموافق ل 50يونيو ،5002المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية ،كلية الحقوق ،جامعة تيزي وزو،
العدد 6سنة 5066ص 552وما يليها.
234
واضحا على طبيعتها القانونية وحسم االختالف الفقهي بطريقة صريحة حين نص في
المادة 654مكرر على أنه يشكل استعمال التعسفي للحق خطأ وعدد بعض صور
التعسف.1
وقد أثار موقع النص قبل التعديل تساؤالت الفقه حول عالقة التعسف في
استعمال الحق بالمسؤولية التقصيرية وال سيما عنصر الخطأ.
فذهب البعض إلى أنه ال عالقة بين األمرين ،ألن المشرع الجزائري أخذ بنظرية
التعسف في استعمال الحق كنظرية مستقلة عن نظام المسؤولية التقصيرية قبل تعديل
القانون المدني سنة .5002وما يؤكد ذلك عدم النص على النظرية ضمن نصوص
المسؤولية التقصيرية .لكن المشرع سنة 5002حين ألغى نص المادة 46ونقله إلى
المادة 654مكرر ،أصبح التعسف تطبيقا من تطبيقات العمل غير المشروع .ورغم
أن التعديل كان جوهريا إال أنه بقي محافظا على المعايير نفسها التي نصت عليها
2
المادة ،46فالتعديل شمل مسألة التكييف القانوني للفعل التعسفي ولم يشمل معاييره.
في حين يرى البعض اآلخر أن عالقة التعسف في استعمال الحق بالمسؤولية
المدنية هي عالقة طبيعية ،حيث يتمثل جزاء التعسف في استعمال الحق في
التعويض الذي هو جوهر المسؤولية المدنية .كما أن حاالت التعسف ما هي إال
صورة من صور الخطأ .3وأكد ذلك المشرع الجزائري حين اعتبر التعسف خطأ بعد
التعديل الذي أورده على القانون المدني بتغييره لموقع المادة .46وحسنا فعل بتغييره
هذا ألن النص كان ضمن النصوص التي تناولت األهلية.
235
كما أن المشرع الجزائري حين ألغى وغير من موقع المادة 46وأدرجها في
654مكرر تحت عنوان القسم األول المسؤولية عن األفعال الشخصية من الفصل
الثالث الفعل المستحق للتعويض من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود ،عدل الفقرة
األولى فحسم اتجاهه باتخاذه الرأي الذي يعتبر التعسف خطأ وأن حاالت التعسف ما
هي إال صورة من صور الخطأ حين نص " يشكل االستعمال التعسفي للحق خطأ
السيما في الحاالت."...
والجدير بالذكر أنه طبقا لقواعد المسؤولية عن األفعال الشخصية فإن على
المضرور أن يثبت بأن صاحب الحق وهو يستعمله قصد إلحاق الضرر به .وهذا
القصد يثبت بجميع طرق اإلثبات ،منها القرائن المادية.1
وقد أورد المشرع الجزائري قبل التعديل حاالت التعسف في استعمال الحق
على سبيل الحصر حكمه حكم المشرع المصري وذلك لنصه في المادة " 46يعتبر
استعمال الحق تعسفيا في األحوال اآلتية" وهو بهذه العبارة يكون قد حصر حاالت
التعسف في الحاالت الثالثة التي ذكرها .غير أن المشرع بعد إلغاء المادة 46
واضافة المادة 654مكرر غير من هذه العبارة وذلك كما يلي " يشكل االستعمال
التعسفي للحق خطأ ال سيما في الحاالت التالية .فعبارة ال سيما تفيد المثال ال
الحصر .وبذلك يكون المشرع الجزائري فتح المجال لحاالت أخرى تضاف إلى نظرية
التعسف.
236
العامة للتعسف محددة على سبيل الحصر ،والمعايير الخاصة غير محددة ألن
المشرع يستطيع أن يضيف أي معيار يراه مناسبا بشرط أن يحدد مجال تطبيقه،
وبالتالي يرى أن معيار تجاوز مضار الجوار غير المألوفة يدخل ضمن الطائفة الثانية
أي أنه معيار خاص بالملكية العقارية فحسب.1
والرأي عندي أن معيار تجاوز مضار الجوار غير المألوفة يدخل ضمن طائفة
المعيار الخاص بالجوار لكنني أوسع فيه ليشمل العقارات والمنقوالت ذلك ألن التجاور
أصبح يشمل كل منهما كما سبق اإلشارة إليه في الباب األول.
237
وهذه المعايير منها ما هو شخصي ومنها ما هو موضوعي.
أ-استعمال الحق بنية اإلضرار بالغير:
يعد هذا المعيار من أقدم المعايير وأكثرها انتشا ار في الشرائع المختلفة ،وذلك ناتج
عن كثرة استعمال األفراد لحقوقهم من القدم بهدف اإلضرار بالغير .ويكون الشخص
متعسفا في حقه إذا لم يقصد به سوى اإلضرار بالغير .فالحقوق تتقرر لتحقيق
المصالح ال لإلضرار باآلخرين .فمعيار التعسف قوامه وجود قرينة اإلضرار لدى
صاحب الحق حيث يكون قصد اإلضرار ،وهو العامل األساسي الذي دفع صاحب
الحق إلى استخدام السلطات التي يتضمنها فيعتبر صاحب الحق متعسفا ولو نتج عن
1
هذا االستعمال منفعة غير مقصودة ولكن بصفة ثانوية
وعليه فمن المتفق عليه في جل الفقه العربي والمقارن وجل التشريعات أن
استعمال الحق بقصد اإلضرار بالغير يعتبر تعسفا ،والذي من خالله يتحمل المتعسف
المسؤولية عن األضرار التي عرضها للغير .كما أن استعمال الحق بقصد اإلضرار
يعد خطأ تقصيري .وعليه من السهل القول بأن التعسف يعد تطبيق لمفهوم الخطأ،2
الذي يعتمد على نية صاحب الحق ،وأمام صعوبة إثباته اتخذ القضاء والفقه قرائن
على هذا القصد من بينها انتفاء المصلحة أو ضآلتها بالمقارنة مع الضرر الالحق
بالغير ،أو إذا كان صاحب الحق يتخير الطرق األكثر إض ار ار بالغير أي أنه كان
بإمكانه استعمال حقه على نحو آخر يجنبه اإلضرار بالغير ،وال يكلفه خسائر.3
1بلحورابي سعاد ،نظرية التعسف في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي -رسالة
ماجستير -كلية الحقوق والعلوم السياسية،جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ،سنة .5064ص 68نقال عن أحمد
شوقي محمد عبد الرحمان ،النظرية العامة للحق ،منشأة المعارف ،مصر .5002ص. 569
2في هذا المعني ،عبد الرحمان محجوبي -التعسف في استعمال الحق وعالقته بالمسؤولية المدنية -رسالة
ماجستير -كلية الحقوق ،جامعة الجزائر،6سنة . 5005نقال عن:
Mazeaud(H.L) et Tunc(A), par H.Capitant,Traité théorique et pratique de la
responsabilité civil, tome1,op cit, p434.
3حجاج مبروك ،التعسف في استعمال الحق بين نظام المسؤولية التقصيرية والنظام المستقل -رسالة ماجستير-
كلية الحقوق ،جامعة الجزائر ،6سنة ،5064ص99
238
وعليه يعد تعسفا إذا كان قصد اإلضرار هو القصد الرئيسي لصاحب الحق ،ولو
صاحب هذا القصد نفع له .وأن معيار استعمال الحق بقصد اإلضرار بالغير هو
معيار شخصي .1فليس من السهل إثباته ألنه يقتضي البحث في ضمير الشخص.
لكن يمكن أن يستدل عليه بمسلك الشخص العادي.
فإذا استعمل شخص حقه ولم يقصد به سوى اإلضرار بالغير تحمل مسؤولية
فعله الضار ،كما لو أقام الجار جدا ار ال يحقق له أي منفعة ،وانما فعل ذلك بقصد
اإلضرار بجاره بحجب النور والهواء عن الغرفة المواجه للجدار ،أو أن يقيم شخص
مدخنة في داره لإلضرار بجاره ،أو أن يغرس أشجا ار في أرضه بقصد حجب النور
عن جاره .كان متعسفا في استعمال حقه وأن هذه الحالة تعتد بمعيار شخصي أو
نفسي في تقرير إساءة استعمال الحق وهو قصد اإلضرار ،وعلى المضرور إثبات أن
الجار محدث الضرر لم يقصد من استعمال حقه سوى اإلضرار به ،أما إذا لم يقم
دليل على قصد اإلضرار ،فإن القضاء جرى على استخالص هذه النية من انتفاء كل
مصلحة من استعمال الحق متى كان صاحبه على بينة من ذلك.2
ب -إذا كان استعمال الحق يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر
الناشئ للغير:
ال يكفي أن تكون لصاحب الحق مصلحة ولو مشروعة في استعمال حقه حتى
تنقضي عنه شبهة التعسف ،بل ينبغي أن تكون هذه المصلحة ذات قيمة تبرر ما قد
يصيب الغير من ضرر من جراء استعمال الحق ،أما إذا كانت المصلحة تافهة
1
Terki, Les obligation (Responsabilité civile et régime général. O.P.U. Alger 1982.p 57
et 58.
2د /مالك جابر حميدي الخزاعي – إساءة استعمال الحق خطأ تقصيريا يلزم من صدر منه بتعويض الضرر الناشئ
عنه – مجلة جامعة بابل ،العلوم اإلنسانية ،مجلد، 65العدد، 5سنة .5009ص.800 ،599
239
بالقياس إلى الضرر الذي يعود على الغير ،بحيث ال يوجد تناسب بينهما يصبح
استعمال الحق أم ار غير مشروع ،فنرجع مصلحة الغير على استعمال حق الفرد.1
وعليه فإن استعمال الحق أمر مشروع ،بغض النظر عن أهمية الفائدة التي يسعى
الفرد للحصول عليها ،ما لم يترتب عن ذلك ضرر للغير .غير أن الضمير
االجتماعي ال يسمح باستعمال الحق إذا كان يلحق ضر ار بالغير ،وذلك عندما تكون
الفائدة التي يسعى الفرد للحصول عليها ،من خالل مباشرته لحقه قليلة بالنسبة
للضرر الناشئ للغير .وبعبارة أخرى إذا كان تعارضا بين حق الفرد ومصلحة الغير،
كأن يترتب على استعمال الفرد لحقه ضرر للغير ،فيجب القيام بمقارنة بين
المصلحتين ،واذا تبين أن الفائدة التي يرمي إليها استعمال الحق ضئيلة بالنسبة
للضرر الذي يصيب الغير فنرجح مصلحة الغير على استعمال حق الفرد ،ويصبح
استعمال الحق أم ار غير مشروع .والعبرة هنا بالمعيار الموضوعي يقدر بالسلوك
المألوف للرجل العادي وال يأخذ بنية صاحب الحق .2ويرى البعض أن إضافة شرط
التفاوت بين المصلحتين وتضييقه هو قرينة على اإلهمال وعدم التبصر يسند إلى
فكرة الخطأ .فليس من سلوك الرجل العادي أن يقدم على مصلحة قليلة وال يبالي بما
يلحق الغير من ضرر من وراء ذلك ،ومن يفعل ذلك ما هو إما عابث مستهتر ال
يبالي بما يصيب الناس من ضرر بليغ لقاء منفعة ضئيلة يصيبها لنفسه ،واما منطوي
على نية خفية يضمر اإلضرار بالغير تحت ستار مصلحة غير جدية أو محدودة
األهمية يتظاهر أنه يسعى بها ،وفي الحالتين قد انحرف عن سلوك الرجل العادي،
3
وبالتالي يكون قد ارتكب خطأ يوجب المسؤولية
وعليه يقوم هذا المعيار على أساس أن القانون يقوم على التوازن بين المصالح
المختلفة ،فإذا أخل أحد الطرفين بهذا التوازن اختالال كبي ار وجب تغليب المصلحة
1بلحورابي سعاد ،نظرية التعسف في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي -رسالة
السابقة -ص.50
2د/على فياللي ،اإللتزامات ،الفعل المستحق للتعويض-المرجع السابق-ص .11خنوف حضرية-الرسالة السابقة-
ص.50
3حجاج مبروك –الرسالة السابقة -ص .99
240
التي تكون أكثر أهمية من غيرها من المصالح القليلة األهمية .مثال ذلك أن يقيم
الشخص جدا ار عاليا يحجب النور والهواء عن مسكن أو عمارة متعددة الطوابق
لتحقيق مصلحة بسيطة له في حجب حديقته المجاورة عن أنظار السكان .أو إذا كان
الحائط الفاصل بين الجارين مملوكا ملكية خالصة ألحدهما ،فاألصل أن لمالك
الحائط الحق في ال تصرف فيه بالهدم إال أنه لما كان بناء الجار مستت ار بهذا الحائط،
فيجب حتى يكون الهدم مشروعا أن تكون مصلحة المالك في هدم هذا الحائط راجحة
على الضرر الذي يلحق بالجار جراء هذا الهدم .ومن األمثلة أيضا انتشار الغاز
المحروق اآلتي من ملكية الجار يضر بجاره مع إمكانية تحويل مدخل البناية بعيدا
عن مسكن الجار إلبعاد الضرر المحدق بالجار 1فإنه ال يكفي وجود مصلحة
مشروعة لصاحب الحق إلعفائه من الضمان إذا تسبب استعماله لحقه في ضرر
يصيب الغير وانما يجب أن تكون هذه المصلحة على قدر من األهمية يزيد على
الضرر الالحق بالغير .وتقدير تناسب المصلحة مع الضرر مسألة وقائع تخضع
للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع .وأن معيار تقدير هذه المسؤولية هو معيار
موضوعي ال يعتد بالباعث النفسي الدافع إلى استعمال الحق وانما يعتد بالموازنة بين
المصلحة والضرر .وهو معيار يبرز النزعة االجتماعية في نظرية التعسف في
استعمال الحق.
ج -إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة:
قد يسعى الفرد من خالل استعمال حقه الحصول على غاية غير مشروعة ،كأن
تكون مخالفة للنظام العام وحسن اآلداب وهذا مناقض لروح الحق والغاية التي تقرر
من أجلها .ومثل هذا الغرض غير المشروع ما جاء في نص المادة 509من التقنين
المدني الجزائري "غير أنه ليس لمالك الحائط أن يهدمه مختا ار دون عذر قانوني إن
كان هذا يضر الجار الذي يستتر ملكه بالحائط".2
241
وعليه فإن الغرض من تقرير الحقوق ألصحابها هو أن تحقيق مصالح مشروعة
يحميها القانون ،فإذا استعمل شخص حقه لتحقيق مصلحة غير مشروعة اعتبر
متعسفا في استعمال حقه إذا تعارض تحقيقها مع النظام العام واآلداب وكان مخالفا
لحكم نص آمر .وهذا المعيار هو تطبيق لفكرة الخطأ .فتقوم مسؤولية صاحب الحق
أو المالك ويلزم بالتعويض .ومثال ذلك المالك الذي يتخذ من مسكنه منزال للدعارة أو
ملتقي للمشتبه في سلوكهم لمضايقة جاره وحمله على بيع مسكنه أو إقالق راحته
وراحة أهله.
ثانيا :عدم إمكانية دمج المادة 2/191مدني جزائري ضمن أحد معايير
التعسف المنصوص عليها في المادة 124مكرر
قد يتبادر إلى الذهن أنه ما دام المشرع الجزائري نص على أن مضار الجوار
غير المألوفة التي يلحقها الجار بجاره تعسفا في استعمال الحق وقد نص على نظرية
التعسف في المادة 654مكرر فإن أساس المسؤولية واحد .ومنه كان عليه أال ينص
عن التعسف في موضعين مختلفين ألنه لم يأت بجديد.1
غير أن هذا الوجه غير صحيح فالفرق واضح بين ما تتطلبه المادة 654
مكرر من معايير للتعسف وبين المعيار المنصوص عليه في المادة .5/196فالمادة
654مكرر ال تستغرق المادة 5/196وال تغني عنها ،والقول أن معيار تجاوز مضار
الجوار العادية يدخل ضمن معيار رجحان الضرر الذي ينزل بالغير عن المصلحة
التي يحققها المالك ،قول خاطئ ألن هذا المعيار يتطلب ضآلة المصلحة مقارنة
بالضرر ،بينما ما تتطلبه المادة 5/196هو مصلحة جدية للمالك يحدث ضرر غير
مألوف بالجار ،وعليه يمكن اعتبار هذا المعيار جديد .2وبسبب هذا اللبس نجد
المشرع المصري وحسنا فعل قد تفادي هذا اإلشكال وذلك بحذف هذا
1دغنوش عبد الرحمان،حق الملكية والقيود القانونية واالتفاقية التي ترد عليه في القانون الجزائري – رسالة
ماجستير ،معهد الحقوق والعلوم السياسية واإلدارية ،جامعة الجزائر ،سنة 6955ص58
2د /رشيد شميشم – المرجع السابق -ص .616
242
المعيار من نص المادة الخامسة كما سبق اإلشارة له ونقله إلى المادة 905مدني
مصري ،كما استعمل مصطلح الغلو في استعمال الحق محاوال بذلك قطع العالقة
القائمة بين نصين .وتكون بذلك المضار الجوار غير المألوفة منفصلة على نظرية
التع سف في استعمال الحق .وبهذا يكون للمالك ثالثة صور للمسؤولية على أساس
الخطأ والثانية على أساس التعسف في استعمال الحق والثالثة على أساس مضار
الجوار غير المألوفة.1
أما القضاء الجزائري فقد أسس المسؤولية عن مضار الجوار إذا تجاوزت الحد
المألوف تارة على أساس الخطأ ،في القرار الصادر .26994/66/80حين قرر" إن
دعوى كانت مبنية على أساس المادتين 196و .654وأن صرف المياه القذرة أو
وضع النفايات قرب الجار يعتبر استعماال تعسفيا لحق الملكية يجب النهي عنه
وتعويضه في حالة تسبيب ضرر للغير وفقا للمادة 654ق،م".
كما أسسها على أساس الضرر وليس على أساس إثبات الخطأ بمفهوم المادة
654من قانون المدني .4حين قرر" أن الطاعن أعاب على قضاة الموضوع مخالفة
تطبيق المادة 654من القانون المدني على أساس أنهم لم يعاينوا الخطأ سبب الضرر
الالحق بالمطعون ضده ،لكن حيث إن األمر يتعلق بمضار الجوار المحدد
243
بالمادة 196من القانون المدني المتمثل في المضارة التي تجاوز الحد المألوف في
عالقة الجوار وال مجال إلثبات أي خطأ بمفهوم المادة 654من القانون المدني مادام
أنه يقع على القضاة تقدير ثبوت تجاوز هذه المضايقات للدرجة العادية المقبولة في
عالقة الجوار ،وحتى ولو كان الطاعن قد أنجز بناءه بصفة مشروعة ملتزما قواعد
التعمير ،فإنه ال يعفي من مسؤولية تعويض هذه المضار".
وفي القرار آخر صادر في " 15009/08/65أن الدعوى ترمي إلى إزالة
منشآت فالحية أقيمت في منطقة سكنية وأحدثت أضرار بيئية في المحيط وهذا الفعل
أدى إلى وجود مضار الجوار،حيث أن المطعون ضده تمسك بوجود ترخيص يمنح له
ممارسة نشاط تربية الحيوانات والدواجن مع أن هذا الترخيص يمنح تحت التحفظ
حقوق الغير وبعدم أحداث مضارة الجوار والحال أن تقريري الخبرة المنجزة أبرزت تلك
األضرار طبقا للمادة 196مدني"
وفي قرار آخر صادر في " 25005/09/65أن قضاة المجلس اعتمدوا على
وثائق إدارية للقول بأن الجدار أنجز بصفة شرعية ،وال يشكل أي ضرر للغير،
بدعوى أن إثبات العكس ال يمكن أن يكون أمام القضاء العادي الذي ال يسوغ له
مناقشة هذه الوثائق ،والحال أن موضوع النزاع يخص مضار الجوار حسب نتائج
الخبرتين وأن وجود وثائق إدارية ال تعطي لمالك العقار حق التمسك بالرخص
ومطابقة األشغال لقواعد العمران بغرض إعفائه من مسؤولية مضار الجوار بمفهوم
المادة 196من القانون المدني ألنها تسلم تحت التحفظ ،لحماية الغير".
وعليه بعد أن أسس القضاء الجزائري المسؤولية عن مضار الجوار إذا تجاوزت
الحد المألوف على أساس الخطأ تراجع وأقامها على أساس موضوعي قوامه تحقق
الضرر غير المألوف.
1مجلة المحكمة العليا -العدد الثاني 5009 -قرار رقم 448150بتاريخ .5009/08/65ص 525
2مجلة المحكمة العليا -العدد الخاص -الجزء -8قرار رقم 460569بتاريخ .5005/09/65ص821
244
ثالثا :التمييز بين المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق
والمسؤولية الناجمة عن الضرر غير المألوف
تقوم المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق على أساس توفر الخطأ
الشخصي من جا نب المالك ،ويتمثل هذا الخطأ في الحالة التي يلتزم فيها المالك
بالحدود الموضوعية التي رسمها له القانون ،بحيث أنه يستعمل حقه ضمن هذه
الحدود ولكنه يتعسف في هذا االستعمال ،فيشكل خطأ يقاس بمعيار عام هو السلوك
المألوف للشخص العادي التي تقوم عليه المسؤولية عن الفعل الشخصي .في حين أن
المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،قد تقوم دون أن يتعسف المالك في
استعمال حق ملكيته ،ودون أن يكون قاصدا اإلضرار بالغير ،وانما قد ينشأ الضرر
غير المألوف وهو يستعمل حقه بصورة طبيعية ،وفي حدود الممارسة الطبيعية .فمثال
يستعمل المالك آلة ثاقبة تحدث من الضجيج ومن ارتجاج مثلما تقتضي أصول
أعمال البناء أو الترميم استعمال مثل هذه اآللة .فالفرق األساسي والجوهري بين كل
من المسؤوليتين يتجلى في أن المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق
تبقى ضمن إطار مفهوم المسؤولية الشخصية الناجمة عن الخطأ الشخصي في حين
أن المسؤولية الناجمة عن مضار الجوار غير المألوفة تبقي ضمن إطار المسؤولية
الموضوعية ،وبالتالي يمكن إثارة هذه المسؤولية عند االقتضاء في كل مرة يتوفر
الضرر بمعناه غير المألوف أي بدون حاجة الفتراض مثل هذا الخطأ .وهذا ما يؤدي
إلى القول بوجود هذه المسؤولية دون خطأ.2
245
المطلب الثاني :استبعاد نظرية الخطأ وترجيح نظرية تحمل التبعة
إن األضرار الناجمة عن الجوار لها خصوصيتها التي تمتاز بها عن باقي
األضرار ،ويعد شرط عدم مألوفيتها سبب تلك الخصوصية .1لذا اشتد الخالف حول
تأسيس هذه النظرية.
وباعتبار أن المشرع الجزائري تناول لفظ تعسف 2المالك في الفقرة األولى من
المادة 196مما أثار اتجاه البعض إلى تأسيس هذه النظرية على أساس نظرية
التعسف وادماجها ضمن حاالت التعسف أو إضافتها إليه خاصة وأن المشرع نص
على هذه الحاالت على سبيل المثال .فالقول أن معيار تجاوز مضار الجوار العادية
يدخل ضمن معيار رجحان الضرر على المصلحة التي يحققها المالك رجحانا كبيرا،
قول خاطئ ألن هذا المعيار يتطلب ضآلة المصلحة مقارنة بالضرر ،بينما ما تتطلبه
الفقرة الثانية من المادة 196هو مصلحة جدية للمالك .فقد يكون الضرر الذي
يصيب الجار أقل بكثير من المصلحة التي يسببها المالك ،وعليه يمكن اعتبار أن
هذا المعيار يخالف المعيار الذي تناوله المشرع في المادة 654مكرر .مما يستوجب
استبعاده عن هذا المعيار من معايير التعسف كي ال تتعارض أو تتناقض معاييرها.
أما المعياريين الباقيين التي تناولتهما المادة 654مكرر فإنه يشترط لتحقيقهما إثبات
خطأ المالك ،في حين أنه ال يشترط إثبات عدم مألوفية الضرر إال بالرجوع إلى
المعايير التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة .196مما يستبعد دمج مضار
الجوار غير المألوفة ضمن معايير التعسف أو إضافتها إلى حاالت التعسف كي ال
تناقضها.
246
وبالتالي فإذا كان الجار محدث الضرر لم يقصد بهذا االستعمال اإلضرار
بالغير ،ولم تكن المصلحة التي تعود عليه قليلة األهمية ،بل إنها مصلحة راجحة ،وال
يمكن االستغناء عن هذا االستعمال لمباشرة نشاطه .كما أن المصلحة التي يحققها
هي مصلحة مشروعة .فال يمكن القول بأننا أمام صورة من صورة التعسف في
استعمال الحق .وبالتالي فإن مضار الجوار غير المألوفة ليست من تطبيقات نظرية
التعسف .ذلك ألن الجار الذي يستعمل حقه بطريقة مشروعة تنعقد مسؤوليته بمجرد
تحقق الضرر غير المألوف دون أن يكون بإمكانه دفعها بإثباته أنه لم يرتكب خطأ أو
أنه اتخذ االحتياطات الضرورية لمنع الضرر .ومن ثم فهي مسؤولية موضوعية قوامها
تحقق الضرر غير المألوف.
ومن هنا يكون للجار ثالثة صور للمسؤولية تقوم األولى على أساس الخطأ
والثانية على أساس التعسف في استعمال الحق والثالثة على أساس مضار الجوار
غير المألوفة.
1يرى األستاذ حجاج مبروك في رسالته التعسف في استعمال الحق بين نظام المسؤولية التقصيرية والنظام المستقل
-الرسالة السابقة -ص 94وما يليها " أنه للتنسيق بين نصوص القانون ،وفق منطق قانوني سليم ينبغي التسليم بأن
المضار غير العادية للجوار هي معيار من معايير التعسف في استعمال الحق ،ال ينطبق إال في حالة خاصة جدا،
ومجال محدود جدا ،هو الملكيات المتجاورة ،في حالة تجاوز المضار غير المألوفة للجوار ،دون اإلخالل بواجب
الحيطة والحذر ،فتكون حالة المضار غير المألوفة للجوار حالة خاصة من التعسف وتمثل استثناءا على المبدأ العام
فيه ،فيكون التعسف باق على أصله على أنه خطأ إال أن المضار غير المألوفة فهي غير ذلك ...لينتهي في األخير
ويقول أنه من الحكمة عدم النص عليها في صلب المادة 654مكرر ،لكي ال يكون معيارا عاما ،وإنما جاء النص
عليه في باب القيود التي ترد على حق الملكية ،حيث مجاله الخاص ،والمشرع أخذ هذا الحل عن المشرع المصري
حيث نقل هذا المعيار من المادة الخامسة إلى المادة ،905فلو تركه في صلب المادة الخامسة ألصبح معيارا عاما
ينطبق على كل الحقوق ،فبنقله إ لى المكان المخصص بالقيود التي ترد على حق الملكية العقارية ،يكون قد حصر
تطبيقه في ذلك المجال".
247
وقد أكد القضاء الجزائري وجود هذه الصور الثالثة في القرار الصادر عن
المحكمة العليا بتاريخ .5066/08/60جاء فيه :أنه مادامت مضار الجوار غير
المألوفة في مفهوم المادة 196مدني مرتبطة أساسا بالملكية ،وما يتفرع عنها من
حقوق ،منها حق االستغالل الذي قد ينحرف به عن غاية هذا الحق ،ومن ثم كان
على قضاة الموضوع أن يبينوا في أسباب قضائهم ،حتي يمكن ضبط تكييف النزاع
في إطاره القانوني السليم ،وما إذا يناقش في إطار التعسف في استعمال الملكية
العقارية(المادة654مكرر مدني) ،أو مضار الجوار الغير المألوفة (المادة 196مدني)،
إذا تعلق األمر بالبناية المملوكة والمرخصة ،أم يناقش في إطار المسؤولية التقصيرية
(المادة 654مدني) ،إذا كان النزاع يتعلق بالبناية المشيدة من غير مصدر الحق وال
رخصة.1
وعليه باعتبار أن مضار الجوار غير مألوفة ناتجة عن نشاطات مشروعة يقوم
بها الجار أصبح لهذه النظرية كيانها الخاص بعيدا عن نظرية التعسف أو نظرية
الخطأ .فطالما أن ا لجار الذي يستعمل حقه بطريقة مشروعة ويستفيد من هذا
االستعمال عليه بتحمل تبعة نشاطه إذا ألحق ضرر غير مألوف بجاره .فإن األساس
السليم للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة هو أساس موضوعي قائم على
فكرة تحمل التبعة التي تهدف إلى تحقيق التضامن االجتماعي بين الجيران بغية
تحقيق العدل االجتماعي ،الذي هو ضرورة يقتضيها التجمع اإلنساني .وباعتبار أن
الجوار ضرورة اجتماعية تستلزم التضامن والتسامح بين الجيران كما سبق اإلشارة
إليه .فعلى الجار محدث المضار أن يتحمل ما يصيب الجار من أضرار غير
مألوفة ،وبالمقابل أن يتحمل الجار األضرار المألوفة التي ال يمكن تجنبها بين
الجيران ،وهو ما يتفق مع الفقرة الثانية من نص المادة 196مدني.
1قرارغير منشور صادر عن المحكمة العليا -الغرفة العقارية -القسم الثاني -تحت رقم .160951
248
الفصل الثاني
أحكام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
مما سبق اتضح أن مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة تتحقق
نتيجة ممارسة نشاط م شروع .بخالف نظرية الخطأ التي تقوم على أساس مخالفة أحد
معايير التعسف أو على أساس الخطأ في استعمال الحق .وأن حالة مضار الجوار
غير المألوفة لها شروطها الخاصة ومن ثم فهي مستقلة ومتميزة تماما عن الحالتين
السابقتين ،ألن عدم تعسف الجار محدث الضرر وعدم خطئه ال يعصمه من
المسؤولية إذا نتج على استعماله لحقه ضرر غير مألوف .وبذلك يكون للجار ثالثة
صور للمسؤولية تقوم األولى على أساس الخطأ تنظمها المادة 654مدني والثانية
على أساس التعسف في استعمال الحق تنظمها المادة 654مكرر مدني والثالثة على
أساس مضار الجوار غير المألوفة تنظمها المادة 196مدني .فكل نص من هذه
المواد له مجاله المختلف عن اآلخر كما سبق توضيحه.
وبذلك إذا توفرت شروط المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،ترتب
عليها آثار ،فوجب على الجار المسؤول تعويض الجار المضرور ،فالتعويض هو
األثر الذي يترتب على تحقق المسؤولية وهو جزاؤها.
ومن هنا يثار التساؤل هل التعويض الذي يقضي به القاضي لجبر الضرر
غير المألوف الذي لحق بالجار يخضع ألحكام القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية أم
أن المشرع وضع له أحكام خاصة تخرج على القواعد العامة للتعويض؟ .وهل يمكن
دفع هذه المسؤولية؟.
وبعد اإلجابة على هذه التساؤالت من خالل دراسة نظرية .البد من التطرق ألهم
تطبيقات هذه المسؤولية في المجال العملي من خالل إلقاء الضوء على األحكام
249
التي صدرت من القضاء ،والتي استقر بشأنها إمكانية المطالبة بالتعويض عن مضار
الجوار غير المألوفة .وذلك من خالل تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين:
250
المبحث األول
آثار المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
إن التعويض عن األضرار التي تلحق باألشخاص أو أموالهم ،ال يثير صعوبة
في تقديره كما هو الحال في التعويض عن مضار الجوار غير المألوفة ،الذي يثير
صعوبة في تقديره نظ ار لخصوصية الضرر ومراعاة القاضي لكل من الجار محدث
الضرر والجار المضرور .خاصة وأن الضرر غير المألوف كان نتيجة لنشاط مشروع
كما سبق اإلشارة إليه.
ومن هنا البد من دراسة التعويض المستحق للمضرور ثم بيان مدى إمكانية
دفع هذه المسؤولية وذلك من خالل تقسيم المبحث إلى مطلبين:
تنص الفقرة الثانية من المادة " 196ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار
الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها وانما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت
الحد المألوف".
من خالل نص هذه الفقرة متى أحدث الجار هو يستعمل حقه مضا ار غير
مألوفة لجاره .كان مسؤوال عن تعويض تلك المضار.
251
لذا يمكن القول بأن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة تدور حول
الضرر وجودا وعدما ،فمتى تجاوز الضرر الحد المألوف وجب التعويض.
وطبقا للقواعد العامة األصل فيها أن يكون التعويض نقديا ،أما بالنسبة
للمسؤولية عن مضار الجوار فاألصل فيها أن يكون التعويض عينا ،يتمثل في إزالة
المضار .ألن الغاية من التعويض هو اإلصالح.
وعليه فعلى القاضي أال يتأثر وقت تقديره للضرر إال بالضرر المطلوب
إصالحه ليكون ما يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه من ضرر ،وله
السلطة التقديرية في طريقة التعويض ال يتقيد فيها إال بنوع الضرر ،وطبيعته ،ودرجة
الجسامة.2
فقد يحكم القاضي بالتنفيذ العيني مع التعويض النقدي ،ويكون الغرض من
ذلك التعويض عن الضرر السابق مع إزالة الضرر الالحق ،كالحكم على المالك
باإلزالة المدخنة التي أقامها والتي أضرت بالجار مع تعويض هذا الجار عن الخسارة
التي لحقته من األدخنة المتصاعدة .أو يقضي بالتنفيذ العيني ،كالحكم على المالك
بتعلية جدار الشرفة إلزالة المطل على الجار المجاور.أو يحكم بالتعويض النقدي
لتعارض التنفيذ العيني مع طبيعة العمل المخالف للقانون .كحالة األضرار الناتجة
عن صعود وهبوط الطائرات على مدار اليوم والتي تلحق مضا ار غير مألوفة للسكان
المجاورين للمطار.
252
فالتعويض جزاء اإلخالل ،فال يتصور إال بعد وقوع هذا اإلخالل وتحقق
المسؤولية.
وعليه أقسم هذا المطلب إلى فرعين:
الفرع األول :التعويض بإزالة الضرر ( التعويض العيني)
الفرع الثاني :التعويض النقدي
فالتعويض باإلزالة يقصد به إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حدوث الضرر
ووقف األنشطة الضارة.2
وعليه إذا كان ما يشكو منه الجار من مضايقات غير عادية الناتجة عن الجوار
فإن للقاضي أن يحكم بالتنفيذ العيني بإزالة الضرر .وتطبيقا لذلك قضت المحكمة
العليا في قرارها الصادر في 395/01/52بأن المجلس لما قضي بتأييد الحكم المعاد
المصادق على الخبرة القاضي بوجوب فتح الممر الذي تم غلقه من قبل المالك
المؤدي إلى منزل الجيران المتضررين الذين لم يتمكنوا من دخول
1أ /ولد خصال محمد – قيود الجوار على األمالك الخاصة المتالصقة في ضوء األعمال القضائية -رسالة
ماجستير كلية الحقوق -جامعة الجزائر -6سنة .5064
2د /ياسر محمد فاروق المنياوي – المرجع السابق -ص.899
253
منزلهم بفعل غلقه مما ألزمهم بالدخول إلى منزلهم مرو ار بطريق بعيد والذي سبب
مضا ار تجاوزت مضار الجوار المألوفة يكونوا قد طبقوا صحيح القانون مما يعرض
الطعن للرفض
وعليه فحين يقرر القاضي مسؤولية الجار عن مضار الجوار غير المألوفة طبقا
ألحكام المادة 196عليه أن يقضي أوال بالتنفيذ العيني متى كان ذلك ممكنا .طالما
أن صاحب الحق قد اغتنم من استعمال حقه ،فعليه الغرم فيما تسببه من أضرار غير
مألوفة لجيرانه الناتجة عن هذا االستعمال وأن للقضاء بإزالة المضار يجب مراعاة
الضرر المطلوب إصالحه ليكون ما يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه
من ضرر .ألن التنفيذ العيني يعني وقف ممارسة الجار محدث الضرر لحقه مصدر
الضرر غير المألوف ،األمر الذي يعد حرمانه لحق المقرر له بنص قانوني.
254
وقد يتخذ التعويض العيني حين يطلبه الجار المضرور صو ار شتى بحسب
الظروف كل حالة .فقد يحكم بمنع االستعمال أو االستغالل جزئيا كمنع تشغيل
المص نع ليال بسبب الضوضاء التي أقلقت راحة الجار وأضرت بصحته أو يحكم
بمجرد منع الضرر مع بقاء االستعمال أو االستغالل في صورة غير ضارة ،كالقضاء
بتحويل مدخنة الحمام بعيدا عن مسكن المطعون ضده بسبب الضرر الذي لحقه .وقد
يقضي بمنع االستعمال الضار منعا باتا ،كالقضاء بغلق المفرغة التي تسببت بمضا ار
غير مألوفة للسكان أو القضاء بفتح الممر الذي تم غلقه من قبل المالك.
كما يمكن أن يقضى باإلزالة بتعديل طريقة االستعمال من حيث الزمان أو المكان
كتحديد زمان تشغيل المصنع بمنع تشغيله بسبب الضوضاء التي يحدثها في الصباح
الباكر أو ا لمساء المتأخر أو أثناء أوقات الراحة ،أو إطالة المدخنة إلى ارتفاع كاف
لتجنب مضايقة الجيران أو نقلها إلى موضع ال تحدث فيه مضايقات لهم.
ومن هذا فعلى القاضي في تقدير اإلزالة أال يتأثر وقت تقديره للضرر إال
بالضرر المطلوب إصالحه ليكون ما يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه
من ضرر ،وله السلطة التقديرية في طريقة اإلزالة ،ال يتقيد فيها إال بنوع الضرر،
وطبيعته ،ودرجة الجسامة .كما يمكنه إضافة لحكم اإلزالة أن يحكم بالتعويض النقدي
عما لحق الجار من ضرر في الماضي.
ويثار التساؤل في حالة وجود ترخيص إداري باالستغالل الذي أدى إلى الضرر،
هل يجوز للقاضي المدني أن يحكم بإزالة الضرر أي بالتنفيذ العيني؟
ذهب غالب من الفقه والقضاء الفرنسي إلى أن القاضي المدني ال يمكنه أن
يحكم بإزالة مصدر الضرر ،كغلق المنشأة المرخص بها أو فرض تدابير معينة
255
على صاحبها تجعل استمرارها مستحيال .وذلك على أساس أن هذا يعد تدخال في
عمل السلطة التنفيذية ،ويحول دونه مبدأ الفصل بين السلطات ،ومن ثم ،فإن الجزاء
يقتصر على التعويض النقدي أو أي تدبير آخر ،ال يعوق سير المنشأة المرخص بها.
وقد أكدت هذا االتجاه محكمة النقض الفرنسية ،حيث نقضت الحكم الذي قضي
بخصوص دعوى الجار عن األضرار المدعاة الناتجة عن سير العمل في منشأة
مجاورة والذي حكم باإلضافة إلى التعويض بمنع االضطرابات والحكم بالغرامة.1
كما تأكد هذا االتجاه تشريعيا ،وذلك بإضافة المشرع الفرنسي المادة
( )L 409-68إلى تقنين البيئة الصادر في 6951/65/86والتي تنص على أنه"
عندما يكون البناء قد شيد طبقا لرخصة البناء ،فإنه ال يمكن إدانة المالك بواسطة
القضاء العادي لمخالفته ارتفاقات ذات منفعة عامة ،إال إذا ألغي الترخيص لتجاوز
السلطة أو لعدم المشروعية بواسطة القضاء اإلداري".
ذهب البعض إلى أن الترخيص اإلداري وان كان ال يؤثر على مبدأ المسؤولية
إال أنه يؤثر على مدى الحكم ،حيث ال يجوز للمحاكم المدنية أن تحكم بالتنفيذ
العيني ،ألن ذلك يحمل معني إلغاء القرار اإلداري ،وهذا ممنوع على القاضي تطبيقا
لمبدأ الفصل بين السلطات ،ولذا فإنه يجب أن يقتصر حكمه على التعويض النقدي
فقط ،وال يجوز له أن يلجأ إلى طريقة التنفيذ العيني ،كالقيام
1د /عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق-ص 422و .421نقال عن
Lambert-Guy, cour de droit civil, 1971,P193.
256
باألعمال التي تناقض القرار اإلداري ،مثل الحكم باإلزالة لما في ذلك من مساس
بموضوع العمل اإلداري ،ولكن إذا رأى أن المنشأة تعد مصدر خطر بالنسبة للجيران،
فإنه يتعين عليه إحالة األمر إلى القضاء اإلداري.1
وعلى العكس من ذلك ،ذهب جمهور الفقه المصري إلى أن الترخيص اإلداري،
ال يمنع القاضي من الحكم بالتنفيذ العيني المتمثل في اإلزالة مصدر الضرر أو
تعديله ،ألن موضوع الدعوى ليس الطعن في قرار إداري المانح الترخيص ،وانما
موضوعها هو المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة فضال عن أن الجهات
اإلدارية تمنح الترخيص تحت مسؤولية صاحبه .كما أن المادة 5/ 905مدني مصري
تنص على أن الجار له أن" يطلب إزالة المضار .....وال يحول الترخيص اإلداري
دون استعمال هذا الحق" فهذا النص يجرد الترخيص اإلداري من كل أثر على
مسؤولية المالك عن مضار الجوار ،سواء فيما يتعلق بقيامها أو فيما يتعلق بآثارها.
وعلى ذلك يكون المشرع المصري قصد بوضع هذا النص إعطاء الجار
المضرور الحق في مطالبة إزالة المضار غير المألوفة بغض النظر عما إذا كانت
المنشأة مصدر الضرر قد تحصلت على ترخيص إداري من عدمه ألن القاضي حين
يقضي باإلزالة فإنه ال يقضي بإلغاء األمر اإلداري الصادر بالترخيص ،وانما يقضي
بتعويض الجار عن الضرر الذي أصابه ،وبالتالي فإن القضاء باإلزالة يباشر
2
اختصاصه بعيدا عن نطاق األمر القضائي
وقد أخذ القضاء الجزائري بهذا االتجاه حين قضى 3إن الجدار الذي شيده
الطاعن قد تسبب في إلحاق ضرر بالغ بجيرانه ،إذ أدى إلى حجب النور والهواء
1د /عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق – نقال عن :د محمد جمال جبريل ،الترخيص اإلداري ،دراسة
مقارنة ،عدم اإلشارة لدار النشر أو سنة الطبع ،ص .594د /فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة -ص .159
2د /عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق-ص 425و 429
3ملف رقم 201962قرار بتاريخ 5009 /04/09مجلة المحكمة العليا –العدد الخاص – االجتهاد القضائي
للغرفة العقارية – الجزء الثالث -ص845
257
عن مسكنهم ،وجعله غير الئق للسكن ،ولو تم ذلك طبقا لرخصة البناء والتصاميم،
فإنه يعد من مضار الجوار غير المألوفة طبقا لنص المادة 196من القانون المدني،
علما بأن رخصة البناء تسلم بشرط مراعاة حقوق الغير"
وبذلك يكون القضاء الجزائري قد ربط الرخص بشرط مراعاة حقوق الغير .فال
يمكن لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة األشغال لقواعد العمران قصد إعفائه
من المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ألنه تسلم هذه الرخص يكون تحت
شرط مراعاة حقوق الغير.
وعليه فإن القاضي حين يقضي باإلزالة فإنه ال يقضي بإلغاء األمر اإلداري
الصادر بالترخيص ،وانما يقضي بتعويض الجار عن الضرر الذي أصابه ،وبالتالي
فإن القضاء باإلزالة يباشر اختصاصه بعيدا عن نطاق األمر القضائي.
1ملف رقم 460569مجلة المحكمة العليا –العدد الخاص – االجتهاد القضائي للغرفة العقارية – الجزء الثالث-
ص 828
258
الفرع الثاني :التعويض النقدي
التعويض أو الضمان كما يعبر عنه الفقه اإلسالمي هو جزاء المسؤولية المدنية
والوسيلة لجبر الضرر أو تخفيف وطأته.1
غير أنه ال يمكن للمضرور التمسك بالتعويض النقدي إذا كان الحكم بإزالة
المضار ممكنة وغير مستحيلة ،ألن التنفيذ العيني هو أساس التعويض في هذه
المسؤولية التي يجب أن يراعي القاضي فيها الضرر المطلوب إصالحه ليكون ما
يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه من ضرر .ألن التنفيذ العيني يعني
وقف ممارسة الجار محدث الضرر لحقه مصدر الضرر غير المألوف ،األمر الذي
يعد حرمانه من حق المقرر له بنص قانوني كما سبق بيانه.
1د /زرارة عواطف – الرسالة السابقة -ص 625نقال عن بشار مكاوي وفيصل العمري ،مصادر االلتزام (الفعل
الضار) عدد ،1دار وائل للنشر ،الطبعة األولى ،عمان األردن5001،
2د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة -ص 588
259
وعلى ذلك فقد قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في .15066/08/60
بأن قضاة الموضوع وما لديهم من سلطة تقديرية .أروا أن تلك المضار التي لحقت
سكن الطاعنة مضار جوار غير مألوفة .ولهذا قرروا جبر الضرر المادي الذي
أصاب مسكنها من جراء األشغال التي قام بها الجار وذلك بمنحها تعويضا مناسبا
للضرر الذي أصابها وبقضائهم هذا يكونون قد رفضوا ضمنيا طلبها الخاص بهدم ما
أنجزه الجار من أشغال التعلية في مسكنه ،وبقضائهم على هذا النحو يكونون قد
أعطوا لقرارهم األساس القانوني األمر الذي يتعين معه رفض الطعن.
1قرار غير منشور الصادر عن الغرفة العقارية – القسم األول -تحت رقم . 155505
260
الحالة األولى :إذا تعذر عليه الحكم بالتعويض العيني بسبب قيود تمنع إزالة
الضرر ،قد تتمثل في مصالح اقتصادية واجتماعية لألنشطة الجوارية المتنازعة،
كحالة إزالة األضرار الناجمة عن مصنع يشكو منها الجيران ،وتتمثل اإلزالة في هذه
الحالة في غلق المصنع والذي قد يكون له آثار سلبية نظ ار ألهمية وحيوية منتوجه،
وكذا العدد الهائل من العمال الذي يشغلهم ذلك المصنع ،مما يجعل القاضي يفضل
الحكم بتعويض نقدي للجيران المتضررين ،قد يدفع مرة واحدة وقد يقسط في شكل
إيراد طوال مدة وجود المصنع مقابل قبول الجيران وتعايشهم إلى جانب ذلك المصنع.
الحالة الثانية :هي الحالة التي يكون فيها الهدف من الدعوى المرفوعة بشأن
تعويض الضرر غير المألوف هو مضايقات حصلت في الماضي ،جعل من
التعويض العيني مستحيال ألنه في هذه الحالة غالبا ما يكون مصدر الضرر غير
موجود وبالتالي تصبح الدعوى الرامية إلى إزالة الضرر غير ممكنة.1
فحصول الشخص على ترخيص لممارسة مهنة أو نشاط معين أو بناء معين
وعدم مجاوزته حدود هذا الترخيص ال يعفيه من المسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة .ألن الترخيص اإلداري يسلم تحت شرط مراعاة حقوق الغير.
261
كما أن مراعاة الجار للقوانين واألنظمة المعمول بها واتخاذه كامل االحتياطات
الالزمة بما يتفق وسلوك الرجل العادي ،ال يعفيه من المسؤولية عن مضار الجوار
التي تجاوزت المألوفية .كما سبق اإلشارة إليه.
ومن هنا يطرح التساؤل هل يحق للجار أن يدفع المسؤولية عنه بإثبات السبب
األجنبي وهل يمكنه دفعها بالتمسك بتقادم الدعوى ؟
لم يعرف المشرع السبب األجنبي ،وانما ذكر مواصفاته وصوره في المادة
655مدني.
من خالل هذا النص نستخلص أن السبب األجنبي تعبير عام يشمل عدة
أفعال ال يد للشخص فيها .فقد يكون من فعل اإلنسان كخطأ المضرور ،وخطأ الغير،
وقد يكون من فعل الطبيعة ،وهو ما يطلق عليه اصطالح القوة القاهرة أو الحادث
المفاجئ .ويعتقد بعض الفقهاء أن المشرع أورد األسباب التي جاء بها هذا
262
النص على سبيل المثال .1فقد يكون السبب األجنبي أم ار غير هذه األسباب ،كما لو
كان عيبا في الشيء الذي أتلف ،أو مرضا لدى المضرور .2بينما يرى آخرون أنه
3
ورد على سبيل الحصر حيث تنعدم صور أخرى للسبب األجنبي
وقد حاول بعض الفقه تعريف السبب األجنبي انطالقا من غرضه بالنسبة
للشخص المسؤول فقد بين المقصود بالسبب األجنبي بأنه كل فعل أو حادث ال يد
للمدعى عليه فيه ويكون هذا السبب قد جعل منع وقوع العمل الذي أفضى إلى
الضرر مستحيال .وللسبب األجنبي ركنان :ركن السببية ،وركن انتفاء اإلسناد.
فركن السببية يقصد به أن المدعى عليه كان من المستحيل عليه استحالة مطلقة
أ ن يتصرف بخالف ما فعل .وهذه االستحالة معيارها موضوعي هو معياره الرجل
العادي الذي تحيطه الظروف التي أحاطت بالمدعى عليه .والقاضي ال يخضع في
تقديره هذه االستحالة لرقابة المحكمة العليا ،إال من حيث تسبيب حكمه تسبيبا سائغا.
أما ركن انتفاء اإلسناد فيقصد به عدم إمكان إسناد الفعل والحادث إلى المدعى
عليه بأي حال من األحوال.4
وعرفه البعض اآلخر" بأنه كل فعل أو حادث غير متوقع وغير ممكن الدفع من
قبل المسؤول وخارجيا عنه ،نشأ عنه الضرر".5
1منهم الدكتور محمد صبري السعدي الواضح في شرح القانون المدني -النظرية العامة لاللتزامات ،مصادر
االلتزام ،المسؤولية التقصيرية:الفعل المستحق للتعويض -دراسة مقارنة في القوانين العربية .دار الهدى،عين مليلة-
الجزائر-سنة الطبع 5066ص .609د /بلحاج العربي النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري-الجزء
الثاني– المرجع السابق-ص 695وقد أشار كل من د/محمد صبري ود/بلحاج العربي إلى د/سليمان
مرقص،المسؤولية المدنية ص 494ود /السنهوري .الوسيط ،الجزء 6فقرة 295
2المذكرة اإليضاحية في مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ،ج .5ص .859
3من أنصار هذا الرأي د /علي فياللي-االلتزامات-الفعل المستحق التعويض -المرجع السابق-ص .886د /علي
علي سليمان -النظرية العامة لاللتزام -المرجع السابق -ص 692
4د /محمد صبري السعدي – المرجع السابق -ص . .609،609د /بلحاج العربي – المرجع السابق-ص695
5د /علي فياللي – االلتزامات – الفعل المستحق التعويض -المرجع السابق -ص 859
263
واقتصر البعض اآلخر في تعريفه على ذكر صوره بقوله السبب األجنبي هو
القوة القاهرة والحادث المفاجئ ،وخطأ المضرور وخطأ الغير.1
من خالل هذه التعاريف يطرح التساؤل هل يمكن اللجوء للسبب األجنبي لدفع
المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة؟ بعبارة أخرى هل يمكن اللجوء للسبب
األجنبي المنصوص عليه لدفع المسؤولية القائمة على أساس الخطأ لدفع المسؤولية
عن مضار الجوار غير المألوفة التي رجحت قيامها على أساس نظرية تحمل التبعة؟.
هذا ما سأبحث فيه من خالل الصور المذكورة في المادة 655مدني والمتمثلة
في:
القوة القاهرة و الحادث المفاجئ. -
خطأ المضرور -
خطأ الغير -
حاول بعض الفقه التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ ،واختلفوا في ذلك.
فذهب البعض إلى أن القوة القاهرة هي أمر خارج غير متصل بنشاط المدعى
264
عليه كالرياح والزالزل والبراكين .أما الحادث المفاجئ فيحدث من أمر داخلي متصل
بنشاط المدعى عليه كانفجار آلة ،أو خروج قطار عن قضبان السكة الحديدية.
ويرى البعض اآلخر أن القوة القاهرة يستحيل دفعها استحالة مطلقة ،أما الحادث
المفاجئ فيستحيل دفعه استحالة نسبية
ويرى فريق ثالث أن القوة القاهرة هي التي يستحيل دفعها ،أما الحادث المفاجئ
فيستحيل توقعه.1
أما غالبية الفقه الحديث يرى أن التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ ال
يقوم على أساس صحيح ولذلك فإنه ال يميز بينهما واعتبر كالهما شيء واحد ألنهما
ال يختلفان ال من حيث شروط وال من حيث الوجود واآلثار المترتبة ،يتميزان بعدم
إمكان نسبتهما إلى المدعى عليه وبعدم إمكان توقعهما وباستحالة دفعهما.2
على الرغم من أن غالبية الفقه يرى بأنه ال مجال للتفرقة بين القوة القاهرة والحادث
المفاجئ ،إال أن بعضهم ذهب إلى أن هذه التفرقة ذات أهمية مع من يؤسسون
المسؤولية على نظرية تحمل التبعة ،3ألن الشخص يكون مسؤوال عن الحادث
المفاجئ دون القوة القاهرة .وقد أيد بعض الفقه الحديث هذه التفرقة بالقول بأن القوة
القاهرة تعتبر حادثا خارجيا عن الشيء ويستحيل دفعه كالعاصفة أو
1د/محمد صبري السعدي – المرجع السابق -ص . 660د /على فياللي – الفعل المستحق للتعويض -المرجع
السابق ،ص885
2د/محمد صبري السعدي – المرجع السابق -ص . 660د /على فياللي – الفعل المستحق للتعويض -المرجع
السابق ،ص885
3تقوم نظرية تحمل التبعة على عنصر الضرر فقط دون الخطأ ،والسبب األجنبي الهدف منه هو قطع العالقة بين
الخطأ والضرر أي بنفي الرابطة السببية بينهما ،وعليه في حالة غياب الخطأ فال يكون للسبب األجنبي مجال في
نطاق هذه المسؤولية ،لذا لجأ البعض إلى التفريق بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ ،ألن الضرر غير المألوف
يصدر من فعل اإلنسان وبالت الي يمكن أن يحدث حادثا مفاجئ ومنه يمكن األخذ السبب األجنبي في المسؤولية
الالخطئية.
265
ا لزلزال ،بينما الحادث المفاجئ هو حادث داخلي ينجم عن دائرة نشاط المدين يستحيل
توقعه ،ومن ثم يكون مسؤوال ويتحمل تبعته طبقا لنظرية تحمل التبعة باعتبار أن
الحادث كان داخليا .غير أنه يمكنه دفع المسؤولية عنه بسبب القوة القاهرة ،ألن
الحادث كان خارجيا يستحيل دفعه .ومثال ذلك انفجار آلة من المصنع المجاور أدى
إلى تطاير أجزائها على الجيران رغم حداثتها واتخاذ االحتياطات الوقائية الالزمة،
فتقوم المسؤولية على أساس تحمل التبعة.
و يقع عبء إثبات خطأ المضرور على عاتق المدعى عليه الذي حدث منه
الضرر ،فإذا أثبت أن خطأ المضرور هو السبب الوحيد في حدوث الضرر ،يعفى
كليا من المسؤولية .أما إذا أثبت أن خطأ المضرور ساهم جزئيا في إحداث الضرر،
فإنه يعفي من المسؤولية في حدود تلك المساهمة وهذا طبقا ألحكام المادة 655مدني
التي تنص" يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض ،أو ال يحكم بالتعويض إذا كان
الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه".
وتطبيقا لذلك ،فقد أيدت محكمة النقض الفرنسية 1قاضي الموضوع في اعتباره
التهاون أو التقصير من جانب الشخص المضرور ،والمتمثل في البناء بالقرب من
مطار نيس الذي كان موجودا من قبل مع عدم أخذه االحتياطات الالزمة واألكثر
حداثة كاستخدام مواد عازلة للصوت يعد خطأ من جانبه ،يتيح الفرصة أمام شركة
1
Cass.civ 08/05/1968,op cit.
266
الخطوط الجوية الفرنسية إلبعاد مسؤوليتها كليا أو جزئيا عن الضجيج التي تحدثه
محركات الطائرات أثناء هبوطها واقالعها من المطار.
وعليه إذا كان وقوع الضرر ناتجا عن خطأ المضرور فإن المسؤولية تنفي في
حالة ما إذا كان خطأ المضرور هو السبب الوحيد في حدوث الضرر ،وتخفف
المسؤولية في حالة مساهمة المضرور في إحداث الضرر
غير أنه إذا انعقدت المسؤولية على أساس تحمل التبعة أي طبقا لقواعد نظرية
مضار الجوار غير المألوفة ،فإن غالبية الفقه يرى بعدم إمكان دفع المسؤولية ،لعدم
تماشيه مع الطبيعة الخاصة والمستقلة لمضار الجوار ،التي تجد أساس لها في فكرة
تحمل التبعة.
وتطبيقا لذلك:
فقد قررت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 6955/60/52بأن فعل
الغير ال يعتبر سببا لإلعفاء من المسؤولية .وأن قاضي الموضوع حين رفض الطعن
المقدم من قبل رب العمل ،الرامي إلعفائه من المسؤولية ،مرتك از على أن أضرار
الجوار نتجت عن استخدام اآلالت والمعدات المستخدمة في عملية البناء .والتي كان
المقاول حارسا لها .كان صائبا .ألن مسؤولية رب العمل تنعقد بمجرد حدوث األضرار
وتجاوزها أعباء الجوار العادية ،دون الحاجة إلى البحث عما إذا
267
كانت شروط انعقاد المسؤولية عن حراسة الشيء متوافرة من عدمه ،ألن على رب
العمل االلتزام بالتعويض عن األضرار غير المألوفة.
وخالصة لما سبق يمكن للمسؤول عن مضار الجوار أن يدفع مسؤوليته بإثبات
خطأ المضرور والقوة القاهرة ،وال يمكنه دفع المسؤولية عنه في حالة خطأ الغير
والحادث المفاجئ.
ومن هنا يطرح التساؤل هل يمكن للمسؤول أن يدفع المسؤولية عنه بتقادم دعوى
الجار؟ هذا ما أحاول عرضه في الفرع الثاني
أمام غياب النص الذي يحدد مدة تقادم دعوى المسؤولية عن مضار الجوار
غير المألوفة علينا أن نرجع للقواعد العامة ،فنجد المادة 809مدني تنص" يتقادم
االلتزام بانقضاء خمسة عشرة سنة فيما عدا الحاالت التي ورد فيها نص خاص في
القانون"...
268
وعليه في غياب النص الخاص الذي ينظم تقادم المسؤولية عن مضار الجوار
غير المألوف ،فإن هذه المسؤولية تتقادم بانقضاء خمسة عشرة سنة كاملة .وتسرى
عليها أحكام التقادم من بدء سريانه وانقطاعه .رغم أنني أرى بأن هذه المدة طويلة
بالنسبة لبعض المنازعات الجوارية غير المألوفة كالضوضاء التي قد يحدثها الجار
بسبب تشغيله لألجهزة منزلية ليال أو قيامه بأشغال الترميم ليال أقلقت راحة الجار
مثال .فإن مثل هذه التصرفات تكون قد انقضت قبل انقضاء مدة التقادم .وقد ينساها
الجار محدث الضرر غير أن حق الجار المضرور في المطالبة بالتعويض يبقى.
لكن بالرجوع ألحكام المادة 196مدني التي أسست التعويض على إزالة
المضار ،فإن هذه المدة ال تؤثر باعتبار أن الضرر يكون قد زال بالنسبة لبعض
المضار غير المألوفة .وعلى القاضي أن ال يحكم بالتعويض النقدي .بل يقضي
برفض الدعوى لعدم التأسيس .ويكون بذلك قد حقق التوازن بين مصلحة الجار
المضرور ومصلحة المسؤول.
المبحث الثاني:
تطبيقات المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
بعد تقديم دراسة نظرية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،ال بد من
أن تتبع هذه الدراسة بدراسة تطبيقية ،لتضع أثرها لمواجهة المشاكل في الواقع العملي،
لتتم المزاوجة بين النظري والعملي .ومن أجل ذلك ،سأتعرض ألهم تطبيقات هذه
المسؤولية .من خالل إلقاء الضوء على األحكام التي يصدرها القضاء ،والتي استقر
بشأنها على إمكانية الحصول على تعويض ،متى تجاوزت مضار الجوار الحد
المألوف ،بغض النظر عن سلوك الجار محدث األضرار.
269
غير أنه على الرغم من األهمية البالغة التي تحتلها نظرية مضار الجوار غير
المألوفة ،نالحظ قلة األحكام القضائية الجزائرية المنشورة .ولعل ذلك راجع لعدم
وصول هذه المنازعات إلى القضاء ،بسبب عدم رغبة المضرور مخاصمة جاره
مراعاة منه لعالقة الجوار ،مما جعل الجار المضرور يتكيف مع واقع الجوار المليء
بالصخب والضجيج وكذا المناظر التي تؤذي حواسه .أو أن القضاء الجزائري لم يهتم
بنشر األحكام القضائية المتعلقة بهذه المسؤولية.
وأمام قلة األحكام القضائية الجزائرية المنشورة ألزمني اللجوء إلى القضاء
الفرنسي الذي يتصف بغ ازرة أحكامه رغم عدم وجود نص تشريعي في قانونه المدني
ينظم هذه المسؤولية بخالف المشرع الجزائري الذي أقرها صراحة في المادة 196
مدني.
والجدير بالذكر أن القضاء الفرنسي كما سبق اإلشارة إليه ،تهيب في بداية
األمر الحكم بالتعويض عن هذه المضار بقوله " أنه ال يعقل أن تكون واقعة تشييد
المالك على أرضه تشكل استعماال غير عادي لحق الملكية ،كما ال يمكن القول بأن
المالك يتجاوز القدر من المضار الذي جرى العرف على التسامح فيه بين الجيران،
متى كان مشروع المبنى واألعمال المنفذة له ،ال خصوصية استثنائية فيهما ،ولم يكن
من ورائهما سوء قصد .1غير أنه أمام تزايد المضار الناجمة عن التوسع في عمليات
البناء والتشييد ،فقد أصبح من المسلم به ،قضاء اليوم ،إمكان تعويض الجار عن
مضار الجوار غير المألوفة .على أساس فكرة ال يجوز ألي شخص أن يسبب للغير
وبهذا المبدأ أصبح القضاء الفرنسي يقرر المسؤولية عن مضار 2
مضا ار للجوار
الجوار دون إثبات الخطأ .3فأصبحت المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
غريبة عن المسؤولية التقصيرية .4فالجار الذي استعمل حقه بطريقة
270
مشروعة دون وجود نية اإلضرار أو وجود تعسف في استعماله لحقه ،ال يعفى من
المسؤولية ،ألن إثبات مشروعية الحق وغياب نية اإلضرار بالجار ،هي حجج ناقصة
إلثبات غياب الضرر الذي لحق بالجار .1وبهذا أصبحت مسؤولية عن مضار الجوار
مسؤولية موضوعية القائمة على تجاوز الحد المألوف الذي يخضع تقديره لقضاة
الموضوع .2أما قضاة القانون فلهم مراقبة تسبيب تكييف عدم مألوفية الضرر
واستم ارره.3
ومن هذا المقام ال يمكنني عرض كافة مضار الجوار غير مألوفة على سبيل
الحصر بل سأتناول بعض تطبيقاتها على سبيل المثال والتي غالبا ما يتعرض لها
الجار المضرور ،وذلك ألن مصادر هذه األضرار تتنوع باختالف الزمان والمكان،
خاصة وأن المجتمع في تطور مستمر .كما أن ما يطبق من قواعد وأحكام على
صور ومصادر مضار الجوار غير المألوفة التي سأتناولها يمكن تطبيقها على تلك
التي لم أتناولها أو التي يمكن أن تحدث مستقبال.
غير أنه يمكن حصر تطبيق هذه المسؤولية بتحديد الجوار من خالل البحث
عن مصادر المضار غير المألوفة الناتجة عن التالصق بسبب زيادة السكان وبناء
المساكن والعمارات المتالصقة والمرتفعة .ثم البحث عن مصادر المضار الناتجة عن
التجاور والتي من أهمها األضرار الناتجة عن تلوث بيئة الجوار ،الذي قد يتضرر منه
مجموع من الجيران باعتبارها من األضرار األكثر شيوعا في الوقت الحالي.
وذلك من خالل تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين
المطلب األول :تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناتجة عن التالصق
المطلب الثاني :تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناتجة عن التجاور
1
Cass.3e civ. 27/11/1996. Juris-Data n°004617
2
Cass 3e civ.4/01/1990.Resp.civ.et assur.1990,comm.n°107. Cass 2e civ 27/05/1999.
Resp.civ.et assur1999,comm..n°261.
3
Cass 2e civ,18/06/1997, Juris-Data n°002938.
271
المطلب األول :تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناتجة عن
التالصق.
يثير التالصق نزاعات عديدة بين الجيران ،في عالم اليوم ،ويرجع ذلك إلى ما
تميز به العصر الحاضر من نهضة عمرانية ،وتطور أساليب الفن المعماري ،الذي
أصبح يهتم بتشييد المباني الضخمة ،والعمارات العالية ،التي ساعدت على ازدياد
مضار الجوار ،بسبب تواجد كتلة سكانية في منطقة واحدة متالصقة .وبسبب هذا
كثرت النزاعات الجوار أمام القضاء ،الذي أصدر عدة أحكام قضت بتعويض الجار
عما لحقه من أضرار نتيجة التالصق غير أن القضاء ميز بين األضرار التالصق
الناتجة عن الخطأ واألضرار التالصق الناتجة عن مضار الجوار غير المألوف.
هذا ما سأوضحه من خالل عرض التطبيقات القضائية ليتجلى لنا كل لبس بينهما
وذلك بتقسيم المطلب إلى فرعين أتعرض في:
272
وتطبيقا لذلك ،قضت المحكمة العليا:
قانونية المطل تتوقف على احترام المسافة المقررة قانونا وليس الضرر.1 -
على قضاة الموضوع مراعاة احترام المسافة المحددة قانونا عند فتح -
المطالت في البناية ،وفقا ما هو وارد بنص المادة 509من القانون المدني ،وشرعية
وجودها غير مرتبطة بوجود ضرر أو عدم وجود ضرر.2
إن القضاة لما استبعدوا تطبيق أحكام المادة 509من القانون المدني -
المتعلق بحق المطل وباحترام قواعد الجوار واعتمدوا في إصدار قرارهم على أحكام
المادة 54من المرسوم التنفيذي رقم 652-96المؤرخ في 6996/02/59المطبق
لبعض مواد قانون التهيئة والتعمير يكونوا قد أساءوا فهم المادة وأخطأوا في تطبيق
القانون الذي استندوا إليه المتعلق بإنشاء واقامة العمارات وتعليتها وترك المسافة
المطلوبة بين العمارات وهي تمثل مقاييس تقنية ،فكلما زادت التعلية فيها تزداد ترك
المسافة بما ال يقل عن أربعة أمتار وكلما انخفضت قلصت هذه المسافة إلى ما ال
يقل عن متريين .وهي تشكل ارتفاق المنظر .وفضال عن ذلك فإن هذه المادة مقرونة
بالمواد 58 ،55 ،56من نفس المرسوم ،وبهذا المفهوم ال تعني حق المطل
المنصوص عليه في المادة 509مدني والتي تظل هذه األخيرة هي الواجبة التطبيق.
مما يعرض قرارهم للنقض واإلبطال.
ال يجوز للجار أن يكون على جاره مطل مواجه على مسافة تقل عن -
مترين ،وعليه فإن قضاة الموضوع الذين منعوا الجار من فتح النوافذ المطلة على جاره
طبقوا صحيح القانون.3
إن القرار المطعون فيه الذي أمر بغلق النافذة وبناء جدار يفصل بين -
الجارين على علو مترين ،بعد التأكد من أن النافذة محل النزاع لها مطل مباشر على
منزل المدعى عليه في الطعن ،قد طبق القانون تطبيقا سليما.4
1قرار رقم 890461مؤرخ في ،5005/05/64مجلة المحكمة العليا ،العدد الثاني ،سنة 5005ص.405
2قرار رقم 865195مؤرخ في ، 5002/09/64نشرة القضاة ،مديرية الدراسات القانونية و الوثائق لوزارة
العدل ،العدد،15ص895
3قرار رقم 88909مؤرخ في . 6992/02/59المجلة القضائية ،العدد الرابع 6995 ،ص.55
4قرار رقم 699908مؤرخ في .6999/05/59المجلة القضائية ،العدد األول ،سنة 5000ص .645
273
إن اكتساب الحق في المطل يمنع الجار من البناء على مسافة تقل عن -
مترين ،فال يكفي إثبات أسبقية البناء وانما يجب استمرار الحيازة القانونية طيلة 62
سنة.1
ال يجيز حق ارتفاق المطل المكتسب قانونا بالتقادم ،لصاحبه فتح مطالت -
أخرى بدون مراعاة المادة 509من القانون المدني.2
ال يجوز لمالك الحائط المشترك ،إحداث فتحات فيه أو االنتقاص من علوه -
أو من سمكه أو القيام بأي عمل يمس بمتانته ،وال يجوز التمسك بالمادة 955مدني
واألولوية في انجاز الفتوحات مادام أنها غير مشروعة ومخالفة للمادتين 504و502
من القانون المدني.3
لكل مالك أن يجبر جاره على وضع معالم حدود ألمالكهما المتالصقة ،وال -
تقتصر المطالبة بوضع الحدود على المالك كما يؤخذ من ظاهر نص المادة 508
مدني ،بل تكون المطالبة أيضا لكل من له سلطة فعلية على العقار كالحائز ،ألن
حقه ينصب مباشرة على األرض .إذ أن المشرع رتب هذا الحق على حالة واقعية هي
التالصق بين األراضي المتجاورة ،وعليه فإن هذا الحق يثبت بقوة القانون بمجرد قيام
حالة التالصق.4
إن تأسيس القضاة قرارهم على ما تضمنه تقرير الخبرة من نتائج مقنعة -
جعلتهم يتأكدوا من عدم وجود الجوار بين ملكية الطرفين ويقررون بناء على ذلك
رفض طلب الطاعنين وضع معالم الحدود بين الملكيتين ،إذ ال يعقل أن توضع معالم
حدود لملكيتين غير متجاورتين ،قد طبقوا صحيح القانون.5
1قرار رقم 554841مؤرخ في .5005/05/50مجلة االجتهاد القضائي للغرفة العقارية ،الجزء الثاني5004،
ص.408
2قرار رقم 499802مؤرخ في . 5009/06/64مجلة المحكمة العليا،العدد الخاص ،االجتهاد القضائي الغرفة
العقارية ،الجزء الثالث ،قسم الوثائق 5060ص.811
3قرار رقم 889582مؤرخ في .5001/08/62مجلة المحكمة العليا،العدد األول 5001 ،ص.459
4حكم صادر عن محكمة تمالوس فهرس رقم 95/55مؤرخ في .6995/02/04نقال عن حمدي باشا عمر القضاء
العقاري -في ضوء أحدث القرارات الصادرة عن مجلس الدولة والمحكمة العليا ومحكمة التنازع ،دار هومة،
الطبعة الثالثة عشرة 5064ص.459
5قرار رقم 59584مؤرخ في ،6998/60/51المجلة القضائية ،العدد الثالث ،لسنة ،6999ص .50
274
دعوى وضع معالم الحدود مقرر قانونا لمالك العقار ،وليس للحائز -
العرضي.1
إن القضاء ببطالن الخبرة الرامية لتحديد رسم معالم الحدود بين ملكية -
الجارين المتخاصمين ،والتي أثبتت وقوع االعتداء ،بحجة أنها مؤسسة على عقد
ملكية باطل ،وما بني على باطل فهو باطل ،في حين أن البيع لم يكن محل جدال
لوقوعه مع أشخاص آخرين أجانب عن الخصومة ،فقد خرقوا القانون ،وعرضوا قرارهم
للنقض .ذلك ألن دعوى الحال هي دعوى حيازة ،وعلى القضاة أن يتقيدوا بالحدود
التي سطرها الخصوم ألنفسهم وأن يفصلوا في قضية الحيازة دون التعرض للملكية.2
إذا كان الجار أثناء ممارسته لنشاطه ،لم يخالف القوانين والتنظيمات المعمول
بها ،ولم يتعسف في استعمال حقه ،رغم ذلك نتج عن ممارسته لحقه ضر ار لجاره،
ففي هذه الحالة تنعقد المسؤولية وفقا لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة
إذا تجاوزت األضرار الحد المألوفية .وبالمقابل على الجار أن يتحمل القدر العادي
من األضرار التي وجب التسامح فيها.
ونظ ار لقلة تنوع الق اررات القضائية الجزائرية المنشورة في هذا الموضوع ووفرتها
وتنوعها في القضاء الفرنسي .ارتأيت أن أعرض ما تناوله القضاء الجزائري ثم
أتعرض لما تناوله القضاء الفرنسي وذلك ألن المبادئ التي تناولها القضاء الجزائري
تكاد تتفق مع القضاء الفرنسي سواء من حيث شروط المسؤولية وكيفية تقدير الضرر
غير المألوف ،كما سبق بيانه.
275
أوال :تطبيقات القضاء الجزائري.
يدخل تحديد مضار الجوار ومدى تجاوزها الحد المألوف ،في اختصاص -
قضاة الموضوع ،الذين يراعون العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها.
وعليه فإن اعتماد قضاة الموضوع على الخبرتين األصلية والتكميلية المتعلقة
بالمعاينة المادية للشرفتين ،وعلى خالصة الخبير الذي أثبت أن الشرفة الثانية تشكل
مصدر رؤية مباشرة على مسكن المطعون ضده ،كما أخذوا بعين االعتبار وجود
الممر مشترك بين ملكيتي الطرفين .وصادقوا على اقتراح الخبير المتمثل في تعلية
الجدار واعتبروه الحل المناسب لفك النزاع .يدخل ضمن سلطتهم التقديرية والتي ليس
للمحكمة العليا أي رقابة عليها.1
تقوم المسؤولية في مضار الجوار ،إذا تجاوزت الحد المألوف ،على أساس -
2
الضرر وليس على أساس إثبات الخطأ بمفهوم المادة 654من القانون المدني
يندرج تشييد جدار ولو برخصة بناء متسبب في حجب النور والهواء عن -
مسكن الجار ،ضمن مضار الجوار غير المألوفة.3
يشكل صورة من صور مضار الجوار غير المألوفة ،البناء المتسبب في -
جعل مسكن الجار غير الئق للسكن ،حتى ولو تم انجاز هذا البناء طبقا لرخصة
البناء والتصاميم.4
كما تشكل صورة من صور مضار الجوار غير المألوفة ،العيوب الموجودة -
في بعض أطراف البناية التي تسبب أض ار ار للجار ومسكنه ،بإعاقة المرور وتوجيه
مياه األمطار نحو فنائه.5
1قرار رقم 201962مؤرخ في ،5009/04/09مجلة المحكمة العليا ،العدد الخاص ،االجتهاد القضائي للغرفة
العقارية ،الجزء الثالث ،لسنة 5060ص.849
2قرار رقم 842019مؤرخ في ، 5001/04/65مجلة المحكمة العليا ،العدد الثاني ،5001 ،ص .898
3قرار رقم 401145مؤرخ في 5005/09/65مجلة المحكمة العليا ،العدد الخاص ،االجتهاد القضائي للغرفة
العقارية ،الجزء الثالث ،لسنة 5060ص. 846
4قرار رقم 404019مؤرخ في ،5005/01/68مجلة المحكمة العليا ،العدد األول،لسنة 5009ص .695بخالف
للقضاء الفرنسي الذي يعتبر ال مضار للجوار غير مألوفة بوجود رخصة بناء ومطابقة البناء للتصاميم :
CA. Aix-en-Provence 17/05/1989, Juris-Data n°045260
5قرار رقم 195905مؤرخ في .5066/66/60قرار غير منشور.
276
ال يحق لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة األشغال لقواعد العمران -
قصد إعفائه من المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة .تسلم هذه الرخص تحت
1
شرط مراعاة حقوق الغير
يجب على قضاة الموضوع ،عند األمر بهدم بناء لمخالفته رخصة البناء، -
واإلضرار بالجار ضر ار غير مألوف ،تحديد مضار الجوار غير المألوفة.2
قضي بإلزام المالك بتحويل مدخنة حمامه على األقل بخمسة أمتار بعيدا -
عن مسكن الجار بسبب انتشار الغاز المحترق منها رغم شرعية بناء ومطابقته مع
المخططات الموقعة من طرف المصالح اإلدارية.3
أ -بالنسبة للمضار غير المألوفة الناتجة عن حجب النور والهواء والرؤية:
-فقد قضى بالتعويض عما أحدثه الجار من مضار تفوق الحد المألوف الذي
يمكن احتماله والتي تمثلت في الحرمان من الهواء والشمس ،نتيجة إنشاء عقار
مجاور ،األمر الذي أدى إلى جعل السكن غير الئق ،إضافة إلى تدهور القيمة
اإليجارية له.4
1قرار رقم 460569مؤرخ في 5005 /09/65مجلة المحكمة العليا ،العدد الخاص ،االجتهاد القضائي للغرفة
العقارية ،الجزء الثالث ،لسنة 5060ص.828
2قرار رقم 401145مؤرخ في ،5005/09/65مجلة المحكمة العليا ،العدد الخاص ،االجتهاد القضائي للغرفة
العقارية ،الجزء الثالث ،5060.ص .846
3المجلة القضائية العدد األول لسنة 6992قرار رقم 90948مؤرخ في .6995/01/61ص.602
4
Cass.civ.18/07/1972,J.C.P,72,11,17203.
277
-ال يعد من مضار الجوار غير المألوفة حجب الرؤية والشمس الناتج عن بناء
عمارات لتعمير وتوسعة المدينة.1
-يعد من مضار الجوار ودون البحث عن الخطأ ،حجب الشمس ورؤية المدينة
عن الجار الناتج عن تشييد مبنى ضخم لتجاوز المضار الحد المألوف.2
-إن وضع حواجز ذات ارتفاع مترين أدى إلى حجب رؤية الجار يعد من مضار
الجوار غير المألوفة.3
-إن الشجرة المغروسة في حديقة الجار الطابق األرضي التي حجبت الرؤية
الجار الساكن في الطابق األول تستوجب قطع أغصانها على أساس المسؤولية عن
مضار الجوار غير المألوفة.4
-قضي برفض الطلب الرامي بقطع األشجار نتيجة حجب الشمس على حوض
السباحة .لعدم توافر شرط عدم مألوفية المضار .ذلك ألن األشجار غرست قبل
حوض السباحة وأن نموها أمر متوقع كما أن حجب الشمس قليل األهمية ومقبول.5
-قضى بأن تركيب هوائي لإلرسال اإلذاعي ارتفاعه 51متر والذي نتج عنه
مضار غير مألوفة نتيجة تشويه وحجب الرؤية الجميلة للمدينة والميناء رغم أن الجار
المضرور لم يكمل تهيئة قطعة أرضه ،فهذا ال ينفي الضرر الناتج عن نقص قيمة
العقار ولو بصفة مؤقتة.6
-كما يعد من مضار الجوار غير المألوفة تركيب الفتة إشهارية مضيئة التي
أخفت واجهة عيادة طبيب العيون فعرقلت نشاطها.7
-قضى بمسؤولية الجار الذي قام بزراعة مجموعة من أشجار الصنوبر على حد
ملك الجاره ،والتي تسببت في انخفاض محصول الجار الزراعي بسبب الحرمان من
أشعة الشمس والضوء و بقاء نباتاته في الظل.8
1
C.A. Paris,19 ch.A, 28/03/1995.Juris-Data, n° 020964.
2
C.A.Paris.2e ch.B,29/10/1998. Juris-Data, n°023123.
3
C.A.Metz,23/01/1986. Juris-Data,n°042377.
4
Cass 2e civ. 17/03/2005 n°04-11.279.Bull.civII.n°73.
5
Cass2e civ 17/10/1990 n°89-14.309.
6
C.A Papeete,ch.civ,26/09/1996.Juris-Data n°047445.
7
Cass2e civ 28/06/ 2007 n° 06-10.025 : RDI sep/oct2007 p391.
8
C.A. Angers, 16/01/1996, Juris-Data,n°044127.
278
ب -بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن ضوضاء التالصق:
يقصد بالضوضاء التغير المستمر في أشكال حركة الموجات الصوتية ،بحيث
تتجاوز شدة الصوت المعدل الطبيعي المسموح به لألذن بالتقاطه وتوصيله إلى
الجهاز العصبي .وبذلك تختلف الضوضاء عن األصوات العادية والمألوفة ،حيث أن
األخيرة هي أصوات طبيعية اعتاد اإلنسان على سمعها ،وهي التي تسير بها الحياة،
ولها صفة االنتظام والطابع المتناسق ،وتنتظم بها حركة الحياة دون إحداث ضرر.1
كاستخدام الجيران العادي اليومي لألماكن المخصصة للسكنى ،وممارستهم لحياتهم
وأنشطتهم المعيشية .واألصل أن هذه االستخدامات وتلك الممارسات ليس من شأنها
أن تحدث مضا ار للجوار.غير أنه في بعض األحوال قد يلحق الجار بجاره أض ار ار
غير مألوفة خالل ممارسته لنشاطه فتقوم مسؤوليته عن مضار الجوار غير المألوفة.
وتطبيقا لذلك:
1د /عبد الرحمان على حمزة –الرسالة السابقة -ص .265نقال عن محمد عبد القادر الفقى ،البيئة ومشاكلها
وقضاياها وحمايتها من التلوث ص.90
279
بحفالت منزلية دون الحصول على ترخيص ،أو بسبب فعل الحيوان ،كنباح كلب
الجار لمدة طويلة بسبب ربطه وعدم تقديم له الطعام.
كما تنعقد المسؤولية عن ضوضاء الجوار وفقا لنظرية التعسف في استعمال الحق
عند توفر حالة من حاالت التعسف فيسأل الجار طبقا لقواعد هذه النظرية كحالة
حدوث ا لضوضاء من بيت الجار نتيجة إدارة منزله لممارسة الدعارة وسبب بذلك
أضرار أدبية للجيران وقد تصل إلى أضرار مادية في حالة إنقاص من قيمة العقار.
كما تقوم مسؤولية الجار عن مضار الجوار غير المألوفة وهو موضوع الدراسة،
إذا تجاوز استخدامه لهذه األماكن ،وتجاوزت ممارسته لحياته وأنشطته الحد المألوف
المتسامح فيه بين الجيران بعيدا عن إثبات الخطأ .وذلك على سبيل المثال من خالل
استخدامه لألجهزة المنزلية كالمصعد والراديو والتلفاز وأجهزة التكييف والتدفئة وأبواب
وشبابيك إلى غير ذلك ،وما يصدر عنها من ضوضاء تجاوز الحد مألوف.
1
Cass. civ 29/05/1937, www.juricaf.org/.../FRANCE-COURDECASSATION-19370529.
C.A.Pau,31/05/1989. Juris-Data.n°042753.
2
C.A Agen 16/01/2001 n°98-1795.
280
-الضوضاء الحاصلة عن استعمال الطائش للراديو تتيح الفرصة في طلب
1
التعويض عن مضار الجوار غير المألوفة
-تعد من مضار الجوار غير المألوفة أيضا الضوضاء الناتجة عن وقع األقدام
خالل السير على أرضية الشقة العلوية التي نزع منها السجاد والمواد التي تمنع
صوت.2
-وفي المقابل ،قضي بعدم قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير العادية في
حالة ما إذا اشتكى شخص من الضوضاء الناتجة عن وقع األقدام وكذا تحريك
الكراسي من الشقة العلوية ،متى أثبتت الخبرة أن درجة الضرر الناتج عن الصوت
صادر من هذه الشقة سببه هيكل البناء وترميم تلبيسها ،وليس صاد ار عن الضوضاء
التي تجاوز الحد المسموح به .وأن الحياة االجتماعية في العمارة تحتم على القاطنين
تحمل األصوات العادية الصادرة من الشقق المجاورة ،عندما ال تتعدى الحدود
الموضوعية المتسامح فيها والتي ال يمكن تجنبها.3
-تعد من مضار الجوار غير المألوفة الضوضاء الحاصلة من تشغيل المصعد
الكهربائي والتي تجاوزت الحد المألوف بين الجيران.4
-تعد من أضرار الجوار غير المألوفة األضرار الناتجة عن انبعاث األدخنة
السوداء من أجهزة التدفئة التي قام الجار بتركيبها في منزله.5
-تعد من مضار الجوار غير المألوفة الضوضاء الصادرة من أجهزة التكييف
القديمة متى تجاوزت الحد المألوف.6
-إن الضوضاء الصادر عن نشاط مطعم متواجد في الطابق السفلى لعمارة قديمة
الُ يبرر بنشاط المحل متى تجاوز الضجيج الحد المألوف المعتاد في العمارات
السكنية.7
1
Trib, lyon, 23/12/1980,D.S.1983.
2
C.A.Paris,11/07/1986. Juris-Data n° 023855.
3
Cass 3e Civ. 15/06/2005 n°04-13.434.
4
C.A Paris,26/03/1985. Juris-Data,n°022008.
5
Cass.Civ 01/03/1977.Bull. Civ.1977,1,n°112.
6
Cass.Civ 03/01/1969,Bull.Civ. 1969,11,
7
C.A Paris 07/04/2004 n° 03-6511.
281
-وبأن جيران األشخاص الذين يحدثون ضوضاء عالية تكون دعواهم بالتعويض
عن مضار الجوار غير عادية مقبولة حتى وان كانت هذه الضوضاء تحدث في حي
شائع في ه انتشار الضوضاء ،ذلك أن الحق في السكينة والهدوء ليس من المقبول أن
يحميه القانون بالنسبة للساكنين في األحياء السكنية دون غيرها من األحياء األخرى.1
-2ضوضاء الحيوانات:
قد يقوم الجار باقتناء حيوانات سواء أكانت أليفة أو دواجن أو طيور ،لهواية في
نفسه أو كان ا لغرض من اقتنائها ،الحراسة أو الصيد أو التجارة ،وقد ينتج عن تلك
الحيوانات ضوضاء شديدة وروائح كريهة تقلق راحة الجيران فهل تقوم مسؤولية الجار
المقتني لهذه الحيوانات على أساس مضار الجوار غير المألوفة؟.
1
C.A Bordeaux 04 /06/1992. Juris-Data. n°042869
2
C.A.Paris,04/12/1985, Juris-Data,n°0028100.
3
C.A Paris 26/10/2006, Juris-Data, n° 05-1748.2e ch.B,
4
Cass.2eCiv 06/12/1995, Juris-Data, n° 93-21.720.
5
C.A. Nancy, 23/11/1997, Juris-Data, n° 0419202.
282
قضى بأن الحاجة إلى اقتناء الكالب للحراسة ال تبرر عدم اتخاذ مالكها -
لالحتياطات والتدابير التي من شأنها منع اإلضرار بالجيران ،فإذا أحدثت تلك الكالب
للجيران مضايقات تجاوزت حد المألوف بسبب نباحها المستمر وما تسببه من أضرار
أخرى ،كان مالك هذه الكالب مسؤوال عن تعويض هؤالء الجيران عنها.1
قضى بمسؤولية الجار ،المالك على الشيوع ،عن األضرار غير المألوفة -
التي لحقت بالمالك اآلخرين ،نتيجة الروائح الكريهة المنبعثة من فضالت مجموعة
كبيرة من القطط ،التي تنتشر ف ي األجزاء المشتركة من العقار والتي يربيها الجار في
شقته في العقار المملوك على الشيوع.2
قضى أنه لوضع التوازن بين الحاجيات الريف ونوعية المعيشة التي -
يتمناها الجار القادم من المدينة ُيلزم مربى األبقار ،أخذ كل االحتياطات إلبعاد بقره
حاملة األجراس على مسافة 600متر عن بيت الجار وذلك من الساعة 09مساءا
إلى 05صباحا.3
أجاب القضاء الفرنسي على هذا من خالل تطبيقاته القضائية التي نذكر منها:
1
C.A. Aix-en-Provence, 04/02/1988,Juris-Data,n°045300.
2
C.A. Paris,27/09/1998, Juris-Data,n°023176.
3
Juge proximité Aix-les-Bains 09/11/2006 n°91-06-000051.
283
وتطبيقا لذلك:
-قضت بمسؤولية عازف البيانو والمغني المحترف ،الذي يصدر أثناء تدريباته
ضوضاء تجاوزت الحد المألوف ،رغم وضعه لصفائح بوليستران polystyrèneالتي
لم تكن مجدية لعزل الضوضاء.1
-قضت بأن الضوضاء الصادرة عن التدريب المتواصل على آلة الطبل والنوافذ
والشبابيك مفتوحة يعد من مضار الجوار غير المألوفة بالنسبة للجار المباشر.2
قضى بأن استعمال البيانو لساعات عديدة طوال اليوم ،بما ينتج عنه من
ضوضاء وأصوات ،تشكل مضايقات غير مألوفة للجوار.3
كما قضت في شكوى طبيب مختص في األمراض العصبية المقدمة ضد -
جيرانه في الطابق العلوي الذين أحدثوا ضوضاء بعزفهم على آلة البيانو مدعيا بأن
هذه الضوضاء قد أضرت به نظ ار لطبيعة النشاط الطبي الذي يمارسه ،قضى مجلس
باريس بأن هذه األصوات ال تتجاوز الحد المألوف فيجب على الطبيب التسامح فيها.4
-قضت بأن تشغيل الموسيقى من قبل عيادة طبية لمرضاها باستعمال مكبرات
الصوت ،في حديقة العيادة من الساعة العاشرة صباحا إلى غاية السادسة والنصف
مساءا يوميا عندما يكون الطقس جميال ،تسبب إزعاجا للجيران وتضر بهم .تعد
للجوار.5. مضا ار غير مألوفة
قضت بأن دروس العزف على آلة البيانو والحفالت المقامة من طرف -
الجارة ال يمكن تصنيفه ا بأنها مضار غير مألوفة للجوار بل تعتبر مضا ار مألوفة
يجب تحملها ألنها أصوات من نفس الدرجة التي يحدثها شريط غنائي أو حفل
1
C.A Paris 13e ch,13/07/1988. Juris-Data n° 024955.
2
C.A Reims, 17/12/1986, Juris-Data, n°045821.
3
C.A .Paris,09/02/1984, Juris-Data, n°021971.
4
C.A Paris, 8e ch.A,02/05/1984. Juris-Data, n°022426
5
C.A Pau, 14/05/1992 Juris-Data, n°041775.
284
تلفازي .مع العلم أن الجارة المتسببة في الضرر صرحت بأنها اتخذت كافة
االحتياطات الالزمة لعزل الصوت الصادر من مسكنها.1
قضت بمسؤولية األولياء الطفل الصغير اللذين يزعمان بأن ابنهما -
الصغير يملك موهبة موسيقية خاصة بالنفخ على آلة البوق ،والذي كان يتدرب عليها
باستمرار ،مما ألحق مضار غير مألوفة بالجوار.2
قضت بأن تجربة آالت البيانو القديمة والمعروضة للبيع بصفة مستمرة -
وفي أوقات غير مناسبة ،يسبب إزعاجا للجيران ويضر بهم .مما يلحق مضا ار غير
مألوفة للجوار.3
وفي المقابل كثي ار ما يضار الجار من مباشرة جاره لملكه دون استطاعة نسبة
الخطأ إلى هذا األخير ،التخاذه كافة االحتياطات الممكنة لتفادي حدوث
1
C.A Bordeaux, 06/06/1991. Juris-Data n° 044183.
2
C.A Lyon,23/12/1980. D1983.Jurispr.p.605,note critique AUBERT .
3
C.A Montpellier,1rech.B,26/03/1997. Juris-Data, n°034556.
4عبد الرحمان على حمزة-المرجع السابق -ص 252و251
285
أضرار ،ومراعاته للقوانين المنظمة لسير العمل في هذه المنشآت .فهل تقوم مسؤولية
محدث الضرر على أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة؟
أجاب القضاء الفرنسي على هذا من خالل تطبيقاته القضائية التي نذكر منها:
سكنية -قضت بمسؤولية صاحب المطعم الكائن في الطابق األرضي لعمارة
1
عن الضوضاء التي تفوق الحد المألوف الصادرة عن نشاطه التجاري
-قضت بمسؤولية مالك القطعة األرضية الذي أجرها لمدة ستة سنوات في فترة
الصيف إلقامة ألعاب تسلية متنقلة والتي أحدث أض ار ار للجار نتيجة الضوضاء التي
تجاوزت الحد المألوف.2
-قضت بمسؤولية التاجر الذي قام بوضع مولد كهربائي ومبرد في قبو دكانه
واللذان أحدثا ضوضاء تجاوزت الحد المألوف وأضرت بالجار.3
-وبالمقابل تم استبعاد هذا الوصف بالنسبة للصوت الهادئ والمنتظم الصادر
4
عن مولد موضوع في قبو المخبزة المجاورة.
-قضت بمسؤولية الحلواني عن الضوضاء الشديدة التي تحدث ليال وتقلق راحة
الجيران وتمنع نومهم.5
-قضى بمسؤولية القصاب عن األصوات الشديدة التي تحدثها المبردات التي
يستخدمها في عمله في وقت مبكر قبل طلوع النهار.6
-قضى بمسؤولية مالك المطبعة عن الضوضاء الشديدة والمستمرة نتيجة سير
العمل في المطبعة ،والتي تشكل أض ار ار غير مألوفة للجيران.7
1
CA Paris 07/04/2004.n° 03-6511 :Loyers et copr.2004comm.n°156 note G.Vigneron.
2
Cass.2e civ.31/05/2000 n°98-17.532 :RJDA.
3
Cass.3e civ. 15/04/1975.n°74-10.109: Bull.civ.lll n°124.
4
Cass.2eciv.19/11/1986.n°84-16.379 : Bull.civ.ll n°172.
5
Cass.civ 30/05/1969 :Bull.civ.ll n°25
6
Cass.civ.24/03/1966, D.66,43.
7
Cass.civ 11/05/1966. D66.
286
ج -مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األغراس.
إن األغراس المتواجدة في حدود الملكية يمكن أن تقيم المسؤولية عن مضار
للجوار غير مألوفة القائمة على عدم إثبات خطأ صاحبها الذي احترم المسافة المقرر
قانونا .1وللقاضي أن يختار التعويض المالئم إليقاف الضرر الذي قد يصل إلى قطع
األشجار إذا لم يكف قطع أغصانها أو تغيير موقعها إلزالة هذه المضار.
وتطبيقا لذلك:
قضى بقطع األغصان الشجرة المغروسة في حديقة الجار الطابق األرضي -
التي حجبت الرؤية الجار الساكن في الطابق األول.2
قضي بقطع الشجرة المتواجدة في حديقة جار البالغ طولها أزيد من مترين -
وتبعد مترين عن حدود الملكية المجاورة نتيجة امتداد جذورها إلى حديقة الجار
المجاور وأسفل منزله .وألحقت مضار غير مألوفة به.3
إن األشجار التي سببت مضار غير مألوفة للجوار نتيجة تساقط أوراقها -
على ملك الجار يجب إزالتها حتى ولو كانت هذه األشجار مغروسة في المسافة
القانونية للحد الفاصل بين الملكيتين.4
قضي بتغيير موقع األغراس المالصقة لجدار الجار نتيجة الرطوبة التي -
تحدثها في جدار الجار بسبب سقيها.5
وفي المقابل :قضي برفض الطلب الرامي بقطع األشجار نتيجة حجب -
الشمس على حوض السباحة .لعدم توافر شرط عدم مألوفية المضار .ذلك ألن
1
Cass 1e Civ 06/04/1985,D 1985. Cass3e Civ 04/01/1990. Bull.civ III, n°4.C.A
Versailles 21/09/1991. JCP G 1991 II note J. Prévault.
2
Cass 2e civ. 17/03/2005 n°04-11.279.Bull.civII.n°73.
3
Cass 3eciv 11/12/2007 n°07-11.610.
4
Jean- Michel Guérin avec la collaboration de Nathalie Giraud, GERER LES
RELATION DE VOISINAGE. EYROLLES,2011,p77, Cass 3e civ 04/01/1990
Bull.civ.lll n°4. C.A Versailles 21/09/1991 JCP G II ,1991
5
CA Versailles,21/09/1991.JCP G1991 II n°21772. not J.Prévault.
287
الشجيرات غرست قبل حوض السباحة وأن نموها أمر متوقع كما أن حجب
الشمس قليل األهمية ومقبول.1
قضى بمسؤولية الجار الذي قام بزراعة مجموعة من أشجار الصنوبر على -
حد ملك الجاره ،والتي تسببت في انخفاض محصول الجار الزراعي بسبب الحرمان
2
من أشعة الشمس والضوء و بقاء نباتاته في الظل
288
-2مسؤولية شاغلي األمالك المشتركة:
-قضى بأن خصوصية عدم مألوفية المضار في األمالك المشتركة تنحصر في
البناء المشترك.2
-قضي بإلزام الجار بإزالة واعادة األشغال بوضع عازل للصوت بسبب أنه أحدث
تغيرات في شقته بتغيير موقع المطبخ ووضعه فوق غرفة نوم جاره السفلى فتسبب في
ضوضاء الناتجة عن وقع األقدام بسبب تغييره للبالط دون وضع عازل للصوت.3
-قضى بقيام مسؤولية الجار بسبب عيب في تركيب المواسير التي أحدثت
4
أضرار بسبب تسرب المياه
-وبالمقابل قضى بعدم قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة في حالة
5
ما إذا ترتب عليها نفع لكل الشاغلين ،كالضوضاء الناتجة عن تغيير بالط العمارة
وال شك أن التلوث يعد من األخطار الرئيسية التي تهدد البيئة في محيط الجوار،
خاصة مع تقدم المجتمعات .فيحدث أض ار ار غير مألوفة بالجوار نتيجة تلوث الهواء،
أو تلوث للمياه ،أو تلوث للتربة ،أو الضوضاء التي تضر بسمع الجيران.
1
Cass 3e civ.06/03/1991 n°88-16.770 :Bull.civ.lll n°81
2
Cass 3e civ 28/02/2001 n°98-21.030.
3
CA Paris 22/10/2003 n°02-6481.
4
CA Paris 16/01/2008 n°06-15564 et CA Lyon 20/01/2004 n°01-5999.
5
CA Paris 22/10/2003 n°02-6481.
289
هذا ما سأوضحه من خالل عرض التطبيقات القضائية ،وذلك بتقسيم المطلب إلى
أربعة فروع أتعرض في:
يعتبر الهواء ملوثا ،إذا حدث تغيير كبير في تركيبه لسبب من أسباب ،أو إذا اختلط
به بعض الشوائب أو الغازات بقدر يضر بحياة الكائنات التي تستنشق هذا الهواء.
ومن المعلوم أن احتياج الكائنات الحية وعلى رأسها اإلنسان للهواء النقي يفوق
احتياجاتها إلى الماء والغذاء ،فهي تفقد حياتها إذا منع عنها الهواء لدقائق معدودات،
بينما تستطيع العيش بدون ماء لبضعة أيام وبدون غذاء لمدة أطول من
1عرفت المادة 04الفقرة 09من قانون 60-08المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة جريدة رسمية
رقم 48بتاريخ ،5008/05/50التلوث بأنه" كل تغيير مباشر أو غير مباشر للبيئة ،يتسبب فيه كل فعل يحدث أو قد
يحدث وضعية مضرة بالصحة وسالمة اإلنسان والنبات والحيوان والهواء والجو والماء واألرض والممتلكات
الجماعية والفردية" كما عرفت البيئة من حيث تكوينها في الفقرة 05من نفس المادة" تتكون البيئة من المواد
الطبيعية الالحيوية والحيوية كالهواء والجو والماء واألرض وباطن األرض والنبات والحيوان ،بما في ذلك الثراث
الوراثي ،وأشكال التفاعل بين هذه الموارد ،وكذا األماكن والمناظر والمعالم الطبيعية".
اهتمت التشريعات الوطنية والدولية بالتلوث الهوائي وقد تناوله المشرع الجزائري في المواد من 44إلى 41من
القانون 60-08المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة .حيث جاء في المادة 44التلوث الجوي يحدث في
الحاالت التي يتم فيها إدخال بصفة مباشرة أو غير مباشرة في الجو ،وفي الفضاءات المغلقة ،مواد من طبيعتها
تشكل خطر على الصحة البشرية ...أو إزعاج السكان أو إفراز روائح كريهة شديدة"...كما تعتبر األصوات
الصاخبة من ملوثات الهواء الضارة بصحة اإلنسان .كما نص المشرع المصري على التلوث الجوي في المادة
60/6من القانون 04لسنة 6994المتعلق بحماية البيئة بأنه "كل تغيير في خصائص ومواصفات الهواء الطبيعي،
يترتب عليه خطرا على صحة اإلنسان ،والبيئة سواء كان هذا التلوث ناجما عن عوامل طبيعية أو نشاط إنساني بما
في ذلك الضوضاء" وقد عرفه المجلس األوربي " تلوث الهواء سنة ،6919بأنه يتمثل في إدخال مادة غريبة في
الهواء أو حدوث خلل كبير في نسب مكوناته على النحو الذي يمكن أن يؤدي إلى آثار ضارة أو إيذاء أو تضرر".
كما عرف المشرع الفرنسي التلوث الجوي في المادة L 550-5من قانون البيئة المعدلة بمقتضى القانون -5060
" 599إدخال مواد ضارة في الهواء من طرف اإلنسان سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .ويكون لها
تأثير على المواد البيولوجية والنظم البيئية وعلى صحة اإلنسان كما يكون لها تأثير على التغيرات المناخية" .لمزيد
من التفصيل راجع د /زليخة لحميم المسؤولية المدنية عن األضرار البيئية ( في ضوء القوانين واالتفاقات الدولية)
أطروحة دكتوراه –المرجع السابق -ص 45 ،46وما يليها.
290
ذلك .وأن رئتي اإلنسان الطبيعي في الظروف المناخية العادية ،تستقبل حوالي 62
كلغ من الهواء الجوي يوميا.1
وقد عرفت المادة 4الفقرة 60من قانون 60-08المتعلق بحماية البيئة في إطار
التنمية المستدامة .التلوث الجوي بأنه إدخال أية مادة في الهواء أو الجو بسبب
انبع اث غازات أو أبخرة أو أدخنة أو جزيئات سائلة أو صلبة ،من شأنها التسبب في
أضرار وأخطار على اإلطار المعيشي".
وألزمت المادة 41من نفس القانون المتسببين باتخاذ التدابير الضرورية إلزالة أو
إنقاص هذه اإلنبعاثات الملوثة للجو إذ تنص" عندما تكون اإلنبعاثات الملوثة للجو
تشكل تهديدا لألشخاص والبيئة أو األمالك ،يتعين على المتسببين فيها اتخاذ التدابير
الضرورية إلزالتها أو تقلصها".
ونظ ار ألن تلوث الهواء غالبا ما يكون نتيجة لألدخنة والغازات الضارة ،والروائح
الكريهة أو الغبار واألتربة .أحاول توضيحها بالتعرض إلى:
1د/أحمد مدحت إسالم ،التلوث مشكلة العصر ،سلسلة عالم المعرفة رقم ،625المجلس الوطني للثقافة والفنون
واآلداب ،الكويت ،أغسطس ،6990ص 55وما بعدها.
291
وقد تعرض فقهاء الشريعة لمضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األدخنة
والغازات المؤذية.
ففي فقه المالكي :روي أنه منع مضار الدخان بمنع إحداث ذي دخان ،إذا ألحق
الضرر بالجيران ،وذلك بسبب تلوث الثياب والحوائط وما شاكل ذلك .ومن يحدث في
عرصته ما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن للخبز أو سبك الذهب أو الفضة ،أو
كير لعمل الحديد يمنع .أما دخان مطبخ البيت فضرره خفيف ،ال يستغنى عنه في
المعاش ويكون في بعض األوقات وال يستدام أمره ،فال يمنع منه .1فجسامة الضرر
طبقا للفقه المالكي تست خلص من استدامته .وعليه يمنع اتخاذ دكان للطبخ إذا ألحق
مضار للجوار غير مألوفة نتيجة الدخان المصاعد.
وفي الفقه الحنفي روي عن اإلمام أبى يوسف ،أن من اتخذ داره حماما وتأذى
الجيران من دخانه ،فلهم منعه ،إال أن يكون دخان الحمام مثل دخانهم .2وعليه ال
يمكن للجار أن يطلب إزالة ضرر أحدث مثله.
وفي الفقه الحنبلي :ال يجوز للمالك أن يجعل داره حماما يضر بعقار جاره،
بسبب ناره ورماده ودخانه ،وال أن يجعل مخب از في وسط العطارين حيث يمنع من
ذلك .بخالف الطبخ والخبز في ملكه لدعاء الحاجة إليه ،فضرره يسير.3
أما الفقه الشافعي :فقد منع من اتخاذ الدار المحفوفة بمساكن فرنا ونحوه.4
1إمام دار الهجرة اإلمام /مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى -الجزء -64المرجع السابق -ص .804
2اإلمام السرخسي ،المبسوط – المرجع السابق -ص .56فخر الدين عثمان بن على الزيلعي ،تبيين الحقائق شرح
كنز الدقائق ،المرجع السابق-ص.691
3اإلمام عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي -المغني-المرجع السابق -ص.695
4اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي الشهير بالشافعي الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح
المنهاج -المرجع السابق -ص.888
292
أما بالنسبة للقضاء فال شك أن هذه األدخنة والغازات الضارة الناتجة عن
المنشآت الصناعية ،تمكن المضرور من المطالبة بالتعويض عن األضرار التي لحقته
نتيجة األدخنة السوداء ،إذا خالف صاحبها القانون والتنظيم المعمول به ،أو تهاون
في اتخاذ االحتياطات الالزمة .فيشكل تصرفه هذا خطأ ،يمكن المضرور من
المطالبة بالتعويض وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية.
وتطبيقا لذلك:
قضى بمسؤولية مستغل المنشأة الصناعية عن األدخنة المتصاعدة منها -
لعدم اتخاذه االحتياطات الالزمة وذلك بسبب النقص في المواد العازلة.1
كما قضت المحكمة اإلدارية Dijonبالمسؤولية المشتركة عن األضرار -
المدعاة للجيران بسبب األدخنة الكثيفة ،التي تؤثر على اإلنتاج الزراعي نتيجة حرق
النفايات ومخلفات المستشفيات في المزبلة العمومية ،والتي تحدث عمليات تلوث في
الجو ،على أن يشمل التعويض كل األضرار المدعاة ،كاأللم الجسماني وهالك
الحيوانات وافساد نوعية األلبان ونقص إنتاج الحيوانات من العجول نتيجة عمليات
اإلجهاض وتكاليف البيطرة .وقد أكدت المحكمة على وجود عالقة السببية المباشرة
بين النشاط واإلضرار.2
وفي المقابل كثي ار ما يضار الجيران من مباشرة جارهم لملكه دون استطاعة
نسبة الخطأ إلى هذا األخير ،التخاذه كافة االحتياطات الممكنة لتفادي حدوث
أضرار ،ومراعاته للقوانين المنظمة لسير العمل في هذه المنشآت .فليس معنى انتفاء
الخطأ من جانب مستغل المنشأة ،إعفاءه من المسؤولية ،بل على العكس من ذلك،
يمكن أن تقوم مسؤوليته وفقا لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة متى تجاوزت
األدخنة الحد المألوف.
وتطبيقا لذلك:
1
Cass civ 06/06/1972,D,72,Somm,187.
2
Trib,admi,Dijon,14/11/1969.J.C.P.1970-11-16533.
293
قضي بمسؤولية صاحب مصنع الطوب عن األدخنة السوداء الصادرة عنه -
والتي أدت إلى تلوث غسيل الجيران.1
وقضى بمسؤولية صاحب المصنع للكيماويات عن الغازات المتسربة منه -
2
والتي أدت إلى موت أحد األشخاص
كما قضت محكمة Toulouseبإلزام شركة األلمنيوم التي تنتشر منها -
بعض الغازات الضارة على المحاصيل الزراعية المجاورة ،وذلك بتركيب أجهزة
ومعدات فنية لمنع بث هذه الغازات في الجو ،كما ألزمتها بأن تدفع للمزارعين
تعويضات سنوية ،بقدر الضرر الذي يصيبهم على أساس األسعار السنوية
للحاصالت الزراعية.3
قضى بمسؤولية صاحب مصنع الفحم الحجري عن الدخان والغبار -
المتطاير منه والذي أدى إلى تعذر سكنى المنازل المجاورة ،وموت النباتات الموجودة
في المزارع والحدائق المجاورة.4
قضى بأن استغالل محطة لخدمة السيارات والذي ينتج عنه تسرب للمواد -
البترولية في باطن األرض المقامة عليها المنزل المجاور وكذلك انبعاث األبخرة
والروائح والضوضاء الشديدة ،مما يتيح لجيران تلك المحطة الفرصة في طلب
التعويض عن األضرار التي يحدثها استغاللها.5
1
Req,17/11/1931.D,H,32-1-2.
2
Civ 17/12/1969, Bull.civ.11n°353.p281.
3
Trib Toulouse 17/03/1970,J.C.P.1970,11,16534.
4
Civ 22/10/1964.Gaz.Pal.1965,1,12. T.G.I. Caen 12/06/1973. A.J.P.I, 1974,p241
5
C.A.Paris ,17/05/1985, Juris-Data,n°022791.
294
العضوية الناتجة عن تربية الدواجن والحيوانات ،أو التي تتسرب من المجاري الصحية
خاصة في األماكن السكنية...
وقد تعرض فقهاء الشريعة لمضار الروائح الكريهة من خالل التطبيقات التالية:
-ففي الفقه المالكي :ال يجوز إحداث كل ذي رائحة كريهة ،إذا تضرر بها
الجيران ،كالمدبغة والمجيرة والمجبسة والمذبح بجوار بيت أو مزرعة ،أو فتح مرحاض
قرب الجار دون تغطيته واحداث إسطبل عند دار الجار بسبب الروائح المتصاعدة من
إف ارزات الدواب.1
وفي الفقه الشافعي :جاء بمنع الشخص الذي يتخذ داره المحفوفة بمساكن -
كمدبغة ،كذلك المنع من الوقود بنحو العظم والجلود ،مما يؤذي حيث كان من يتأذى
به ،كذلك أفتى بتضمين من جعل داره بين الناس معمل نشادر ،وشمه أطفال فماتوا
بسبب ذلك،عد مسؤوال لمخالفته العادة ،وما قيل عن معمل النشادر ينسحب على
معمل البارود.2
وفي الفقه الحنفي :أنه يمنع من يريد أن يمارس الدباغة في داره إن كان -
يحصل من ذلك أذى للجيران على الدوام.3
وفي الفقه الحنبلي :يمنع ما يضر بالسكان برائحته الخبيثة .ومن ذلك -
أيضا منع المالك من أن يجعل داره مدبغة ،أو أن يلقي في ساحته الحيوانات الميتة،
أو أن يحدث حماما أو مرحاضا يتأذى جاره برائحته.4
1إمام دار الهجرة اإلمام /مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى -الجزء -64المرجع السابق -ص.259
2اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي الشهير بالشافعي الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح
المنهاج -المرجع السابق -ص.888
3اإلمام السرخسي ،المبسوط – المرجع السابق -ص .56فخر الدين عثمان بن على الزيلعي ،تبيين الحقائق شرح
كنز الدقائق ،المرجع السابق-ص691
4اإلمام عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي -المغني-المرجع السابق -ص.698
295
أما بالنسبة للقضاء :فقد أصدر عدة أحكام قضى فيها بالتعويض ،فأسسها على
الخطأ في حالة ما إذا كانت األضرار التي لحقت بالجار نتيجة إهمال أو تقصير
وذلك بعدم اتخاذ االحتياطات والتدابير الضرورية من قبل الجار محدث الضرر
المنصوص عليها في القانون والتنظيمات المعمول بها .ففي هذه الحالة إذا نتج عن
تشغيل المصنع أو المنشأة روائح كريهة ألحقت أض ار ار بالجار ،له أن يطلب التعويض
عن كل أضرار ولو كانت بسيطة ،متى أثبت خطأ صاحب المصنع أو المنشأة.
وتطبيقا لذلك:
قضى بقيام مسؤولية مربي الدواجن عن الروائح الكريهة التي أضر -
بالجيران المنبعثة من المدجنة بسبب نقص النظافة.1
الروائح المزعجة المنبعثة من استغالل مطعم الذي سبب مضار للجوار -
2
نتيجة تعديالت التي قام بها صاحبه والمخالفة للتنظيم
أما إذا كانت هذه األضرار ناتجة عن تصرف مشروع ،فإنه يحق للجار أن
يطلب التعويض متى تجاوزت هذه األضرار الحد المألوف.
وتطبيقا لذلك:
-قرر مجلس الدولة 3بتاريخ .5005/02/58والذي جاء فيه أنه "ال يمكن أن
تكون مزبلة في وسط سكاني تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي
تفرزها والروائح الكريهة وغيرها من األشياء المضرة .فأمر مجلس الدولة بغلقها رغم
وجود ترخيص إداري.
1
C.A Dijon,ch.corr,21/01/1999. .Juris-Data n°040675.
2
C.A Versailles,15/10/1993. .Juris-Data n°045970.
3مجلة مجلس الدولة العدد – 09قرار رقم 085529الصادر 5005/02 /58المشار إليه سابقا.
296
-قضى بأن استغالل نشاط جمع النفايات المنزلية والقمامة وتصريفها ،إذا كان له
فائدة اجتماعية غير مشكوك فيها إال أنه يكون مصد ار لألضرار البيئة بسبب أكوام
القمامة المختلفة ذات الشكل القبيح ،وبسبب التفاعل الكيميائي والروائح المقززة التي
تنبعث منها ،فإن المستغل لهذا النشاط ملزم بتعويض أضرار التلوث التي أصابت
جيرانه.1
-قضت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية صاحب المخبزة عن الروائح الكريهة
الناتجة عن استخدامه لمادة المازوت ،والتي سببت مضايقات غير مألوفة لنزالء في
الفندق المجاور.2
قضى بمسؤولية شركة عصير الزيت عن الروائح الناتجة عن سير العمل -
فيها والتي سببت مضايقات لسكان مدينة مرسيليا تجاوزت أعباء الجوار الواجب
تحملها.3
قضى بقيام المسؤولية بسبب الروائح القذرة المنبعثة من شبكة المجاري -
والتي تصل إلى درجة ال تطاق بالنسبة للجيران.4
قضى بقيام المسؤولية بالتضامن بين صاحب محل المخبزة والحلويات -
والمستأجر المتسبب المباشر لمضار الجوار غير المألوفة بسبب الروائح القوية غير
5
المرغوبة والتي من شدتها تسبب غثيان للجيران
قضى بالمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بسبب الضوضاء -
والروائح القوية المنبعثة من مصنع للدهان التي تسبب إزعاجا للجيران.6
ال يعد من قبيل مضار الجوار غير المألوفة تركيب مشواة على الرصيف -
أمام محالت الج ازرة في منطقة تجارية بناءا على رخصة ،إذا كان جهاز الشواء
مطابق للمواصفات.7
1
C.A. Rouen,19/02/1992.Juris-Data,n°040377
2
Cass civ,30/11/1961.D,62,p168.
3
Cass civ 27/10/1964. Cass civ 22/10/1964, D,1965,p344.
4
C.E 19/03/1915.
5
C.A Paris, 2eCh A,03/02/1998. Juris-Data n°020370.
6
C.A Versailles, 01/10/1993.Juris-Data n°044455.
7
C.A Versailles,22/10/1986 .Juris-Data n° 045500.
297
ال تقوم المسؤولية عن مضار الجوار عن الروائح والصوت المنبعث من -
ورشة صناعية مواد التجميل ،خاصة وأن هذه الروائح ضعيفة ال تتعدي المضار
المألوفة التي يجب التسامح فيها,1
قضى بأنه تشكل مضايقات غير مألوفة للجوار ،الروائح الكريهة المنبعثة -
من حظيرة لتربية الطيور والدواجن ،والتي تؤذي الجيران والذين يكون لهم الحق في
المطالبة بالتعويض.2
قضى بمسؤولية الجار الذي قام بإنشاء مخزن للغالل وبيدر للزبل بسبب ما -
ينجم عنها من روائح كريهة وتشويه للمنظر الجمالي في المنطقة والتي تجاوز حد
المضايقات المألوفة للجوار.3
قضى بمسؤولية الجار عن تعويض األضرار الناتجة عن الروائح الكريهة -
التي لحقت بساكني العقارات المجاورة بسبب تخزين الزبل ومخلفات الحيوانات على
سطح المنزل الجار محدث الضرر ،والذي يبعد عن الطريق العام حوالي سبعة
أمتار.4
وأيضا األتربة الناتجة من عمليات الهدم والتي قد تصل إلى خلق نوع من
السحابات القاتمة والتي تعطي فرص في طلب التعويض عنها خاصة إذا كانت ناتجة
عن تهاون أو تقصير في أخذ االحتياطات الالزمة.
1
C.A Metz, 29/09/1994. .Juris-Data n°045607.
2
C.A. Paris 13/09/1994 , Juris-Data,n°022480.
3
C.A. Bordeaux, 12/09/ 1991,Juris-Data,n°046489.
4
C.A. Metz, 17/12/1985, Juris-Data,n°043118.
298
أما بالنسبة لألتربة البسيطة الناتجة عن عمليات الهدم ،والتي ال تصل إلى
مرحلة الخطورة مما يضفي عليها صفة العادية فإنه ال يجوز التضرر من وجودها
ألنها تعد من أعباء الجوار الحتمية التي ال تخلو منها المناطق السكنية .1وتطبيقا
لذلك قضى بأن األضرار التي تنتج بالضرورة عن هدم أو بناء المنشآت الخاصة أو
العامة مثل الغبار تشكل أعباء عادية ،وال يمكن أن تكون سببا للمطالبة بالتعويض
عنها ،إذا كان الهدم والبناء مطابق للقانون واتخذ صاحبه كافة االحتياطات الالزمة.2
وعليه يعتبر الغبار واألتربة صورة من صور تلوث الهواء ،ويقصد به تلك
الدقائق الصلبة من المواد المختلفة العالقة بالهواء ،والتي تتصاعد من المناجم وأعمال
البناء والهدم ،وبعض المصانع كمصانع األسمنت والطوب ،وأيضا العمليات
الصناعية التي تعتمد على خامات زراعية كالصناعات القطنية ،وكذا الغبار المتطاير
الناتج عن بعض المفروشات البيتية وما نحوها.3
وفي هذا الصدد بين فقهاء الشريعة هذه الصورة من صور تلوث الهواء ،بناءا
على قاعدة الفقهية "كل ما يمنع الحوائج األصلية للسكنى يعد ضر ار فاحشا يجب
رفعه" .ومن الحوائج األصلية للجار أن يكون الهواء الذي يستنشقه خاليا مما يفسده،
خاصة إذا كان مستمرا .وقد أخذ فقهاء الشريعة بهذا
ففي الفقه المالكي :ورد منع إحداث أندر 4قرب جنان أو بيت أو دكان .إذ -
أن إحداث األندر جوار الدار ونحوه ،يلحق بالجيران األذى مما تطاير من
-
-
1د /فيصل زكي عبد الواحد – أضرار البيئية في محيط الجوار -الرسالة السابقة -ص ,526 ،520
2
Rec Bordeaux 17/03/1902,1902-1-254.
3د /علي زين العابدين ود /محمد عبد المرضي :تلوث البيئة ثمن المدنية ،مكتبة األكاديمية ،القاهرة.6995
4أندر وهو بيدر للقمح وهو المكان الذي تداس فيه الحبوب.
299
أغبرة ،ويمنع باتفاق .كذلك ذكروا منع نفض الحصير ،عند االستمرار على باب
الدار لتضر الجار بغباره.1
أما في الفقه الحنفي :فقد ورد ما يفيد منع المالك من هدم داره ،إذا ترتب -
عليه ضرر بالجيران .ويشير ذلك إلى ضرر األتربة التي ال تطاق وال تحتمل معها
السكنى ،خاصة إذا استمرت مدة طويلة .ومن ثم فإن على المالك إتباع الوسائل التي
تكفل دفع هذا الضرر واال منع .وهذا ما نصت عليه مجلة األحكام العدلية في المادة
6500بقولها لو أحدث رجل بيد ار في دار آخر ،وبمجئ الغبار منه يتأذي صاحب
الدار حتى ال يطيق اإلقامة فيه ،فله أن يكلفه رفع ضرره.2
أما في الفقه الحنبلي :فقد ورد فيه أنه من كانت له ساحة يلقى فيها -
التراب ويتضرر الجيران بذلك ،أنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران
بعمارتها أو بإعطائها لمن يعمرها أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران.3
أما بالنسبة للقضاء :فقد أصدر عدة أحكام قضى فيها بالتعويض ،أذكر منها:
قضى بمسؤولية صاحب مصنع الفحم الحجري عن الغبار المتطاير منه -
والذي أدى إلى تعذر سكنى المنازل المجاورة ،وموت النباتات الموجودة في المزارع
والحدائق المجاورة.4
قضى بقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بسبب غبار -
المتصاعدة من النجارة والتي أضرت بصحة الجار والجوار.5
1د /عبد الرحمان على حمزة -المرجع السابق-ص 209نقال عن تبصرة األحكام في أصول األقضية ومناهج
األحكام ،برهان الدين أبراهيم بن فرحون ،طبعة دار المعرفة ،بيروت .ص .865وكذا البهجة في شرح التحفة
ألبى الحسن على بن عبد السالم التسولى ،طبعة دار الفكر ،بيروت،6926الجزء ،5ص81,8
2كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام ،شرح الفتح القدير على الهداية -الرجع السابق-
الجزء – 1ص.465
3د /عبد الرحمان على حمزة -المرجع السابق-ص -507نقال عن منصور بن يونس بن ادريس البهوني ،كشاف
القناع على متن اإلقناع ،طبعة دار الفكر ،ص669
4
Req 19/04/1905,D.1905,1,256.
5
CA Grenoble,26/05/1992: Juris-Data, n°042269.
300
قضى بأن استغالل مصنع لأللمنيوم في منطقة صناعية والذي تسبب في -
انبعاث الدخان وتساقط الغبار وكذا الروائح المزعجة ،يلزم المسؤول بإصالح المضار
التي تجاوزت الحد المألوف والتي أضرت بالجوار.1
قضى بأن الضوضاء المستمرة في النهار والليل وكذا التلوث الناتج عن -
انبعاث الدخان والغبار ،واصدارات المواد المهيجة والمتقلبة ،وانتشار الروائح الناتجة
من مصنع الفحم الخشبي والتي أضرت بصحة الجيران وكذا أنقصت من قيمة منازلهم
تعد من مضار الجوار غير المألوفة وتوجب اإلصالح الضرر.2
قضى بقيام المسؤولية نتيجة حرق وترميد النفايات بصفة مستمرة التي -
3
لوثت الهواء دون اتخاذ االحتياطات الالزمة لمنع أو تقليل هذه األضرار
قضى بقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة والزام مركز -
الفروسية بتغيير موقعه.بسبب تسببه في انتشار األتربة والغبار كثيف الذي لوث الجو
وصعب التنفس ،كما لطخ العقارات المجاورة .رغم اتخاذ مسؤولي المركز كافة التدابير
لتجنب األضرار.4
قضى بالتعويض عن األضرار البيئة الناتجة عن ملعب للتنس موجود في -
حي سكنى ،بسبب انتشار األتربة على العقار المجاور وكذلك الضوضاء الصادرة
منه ،نتيجة ممارسة لعبة التنس عليه.5
قضى بتعويض الجيران عن األضرار التي أصابتهم من جراء تشغيل معمل -
للطاقة الح اررية ،وما ينجم عنها من غبار وكربونات تجاوزت الحد المألوف للجوار.6
وفي المقابل:
1
CA Paris 23e ch.A, 01/06/1994 : Juris-Data n°021813.
2
CA Dijon,12/04/1991 : Juris-Data n°041172.
3
Trub Nancy 13/03/1986: Juris-Data n°042250.
4
CA Caen 18/10/1994 : Juris-Data n°049193.
5
C.A. Pau 05/06/1985, Juris-Data, n°041225.
6
C.E.16/11/1962, Rec.1963, P 614.
301
قضى أن استغالل مؤسسة سحق وغربلة الحجارة والتي ينتج عنها ضجيج -
وكذا غبار الذي ال يمكن تجنبه نتيجة العمل المتواصل بها ال يعد من مضار الجوار
غير المألوفة طالما أن هذه المؤسسة تعمل وفقا للرخصة الممنوحة لها.1
قضى بأنه ال يمكن نقض قرار المجلس الذي قرر بعدم تأسيس طلب -
إصالح مضار الجوار التي تسببت فيها آلة صناعة الخرسانة ،خاصة وأنه تم إحداث
فيها تغييرات خالل تركيبها إلنقاص مضايقات الجوار.2
ففي هذه الحاالت وغيرها يمكن لكل لجار المضرور المطالبة بالتعويض عن
األضرار الناتجة عن الغبار واألتربة التي تسببت في تلويث الجو تجاوز الحد المألوف
الذي وجب التسامح فيه بين الجيران.
أما الغبار واألتربة البسيطة فوجب التسامح فيها ألنها تعتبر من األعباء
الحتمية كما سبق بيانه.
وقد عرفت الفقرة التاسعة من المادة الرابعة من قانون حماية البيئة في إطار
التنمية المستدامة " تلوث المياه يكون بإدخال أية مادة في الوسط المائي ،من شأنها
تغيير الخصائص الفيزيائية والكيميائية و/أو البيولوجية للماء ،وتتسبب في مخاطر
على صحة اإلنسان ،وتضر بالحيوانات والنباتات البرية والمائية وتمس بجمال
المواقع ،أو تعرقل أي استعمال طبيعي آخر للمياه".
وعليه يقصد بالتلوث المائي ،إحداث إتالف أو إفساد في نوعية الماء ،مما
يؤدي إلى تدهور نظامها االيكولوجي ،بصورة أو بأخرى لدرجة تؤدي إلى خلق نتائج
مؤذية من استخدام المياه.
1
Cass 2e civ 17/07/1991 :Bull.civ ll,n°234 ; JCP G1991,IV,p367.
2
Cass 2e civ, 15/03/1989 : Juris-Data n°001223.
302
فرغم األهمية الكبيرة للماء فإن اإلنسان لم يعبأ بها ،بل راح يلوثه ،فألقى
بمخلفاته في مياه األنهار والبحار ،مع أن هذه المخلفات تحتوي على الكثير من المواد
العضوية وغير العضوية ،صلبة أو سائلة .وتأتي خطورة هذه المخلفات في أنها تغير
طبيعة المياه وتحولها ،في كثير من األحيان ،من مياه باعثة على الحياة إلى مياه
مسببة لألمراض والموت.
وتساهم ناقالت النفط بدور كبير في تلوث المياه بما ينسكب منها من نفط
أثناء التفريغ والشحن وتنظيف خزاناتها أو حوادث تتعرض له ناقالته. ...
وال يقتصر تدفق النفط على الحوادث السابقة فحسب بل يمتد إلى حوادث
انفجار آبار النفط البحرية ،أو أجهزة إنتاج النفط الموجودة في البحر أو إلقاء
مخلفات الصناعات البترولية والبتروكيمائية المطلة على المسطحات المائية.
2مخلفات المصانع:
تساهم المصانع أيضا بتلوث المياه بما تقذفه من مخلفاتها الشديدة الخطورة
لتضمنها الكثير من المواد العضوية وغير العضوية سائلة كانت أو صلبة الضارة
باإلنسان.
303
وتتمثل المخلفات العضوية فيما تلقيه هذه المصانع من نفايات األغذية ونشارة
الخشب . ...أما المخلفات غير العضوية فهي شديدة الخطورة الحتوائها على مواد
مخلفات معدنية وكيماوية مثل مركبات الرصاص والزئبق والزنك والنحاس .حيث
ي ؤدي وصولها لجسم اإلنسان إلى أضرار كبيرة .وهي تصل إليه إما عن طريق مياه
الشرب ،أو عن طريق الغذاء إذا تم سقي المزارع بهذه المياه الملوثة. ...
3نفايات المدن:
ويقصد بها الفضالت السائلة المتخلفة عن النشاطات المنزلية اليومية ،والمتمثلة
في مياه صرف الصحي التي تقذف في البحار واألنهار ،أو القمامات والقاذورات التي
يلقى بها في مجاري المياه ،وهي ظاهرة ملموسة في أيامنا هذه.
وبدون شك أن إلقاء هذه النفايات يفسد المياه حيث تفقد المسطحات المائية
قدرتها على إعادة األحياء البحرية فضال عن تلوث المياه بالكثير من المكروبات
الشرب واالستحمام في هذه المياه خط ار على الصحة والفيروسات حيث يصبح
العامة.
وعليه فإن تلوث المياه له انعكاسات على مجال الزراعة ،والحياة العادية
للبشرية التي تستخدم هذه المياه للشرب ومن ثم فإن هذا النوع من التلوث يوجب
مسؤولية محدثها وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية في أغلب األحيان متى توفر ركن
الخطأ المتمثل في التقصير والتهاون في أخذ االحتياطات الالزمة .أما إذا تخلف هذا
العنصر فإنه يمكن اللجوء إلى قواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة من أجل
إقامة مسؤولية محدث الضرر متى تجاوزت هذه األضرار الحد المألوف المتسامح
فيه.
304
وقد اهتم فقهاء الشريعة بهذا الموضوع لما له من أهمية بالغة تتعلق بصحة
ٍ
اإلنسان وتطبيقا لما قال اهلل تعالى " َو َج َع ْلنا م َن الماء ُك َّل َش ْيء َح ٍّي أَفَال ُي ْؤم ُن َ
ون".1
-ففي الفقه المالكي :أفتى بمنع إحداث كنيفا يضر ببئر جاره ،فإنه يمنع من
ذلك.2
وفي الفقه الحنفي :أفتي بمنع ضرر تسرب ما ينزل من مجرى أوساخ في -
باطن األرض إلى بئر ماء في دار المجاورة .وقضت المادة 6565من مجلة األحكام
العدلية بمنع مثل هذا الضرر ،ولو بالردم .وفي هذا تقول " إذا كان لشخص بئر ماء
حلو وأراد جاره أن يبنى في قربه كنيفا أو سياقا مالحا وكان ذلك يفسد ماء البئر ،فإن
ضرره يدفع ،وان كان ضرره ال يقبل الدفع بوجه ،فذلك الكنيف أو السياق يردم .كذلك
إذا كان طريق الماء حلو فبني آخر عنده سياقا مالحا وقذره يضر بالماء الحلو ضر ار
فاحشا ولم يمكن دفع ضرره إال بالردم فإنه يردم".
في مذهب الحنابلة :أورد القاضي أبو يعلى عن اإلمام أحمد روايتين فيمن -
حفر بئ ار لماء أو طهور بعد حريم بئر أخرى ،فنصب ماء األول أو تغير ،أو حفر
قناة جنب قناة اآلخر ،أو حفر البئر في داره ،فجرت ماء بئر في داره مجاورة ،أو
حفر كنيفا جنب حائط الجار ,وفي إحدى الروايتين ليس للجار أن يمنعه من ذلك إذا
جاوز حريمه أضر به أو لم يضر .وفي الرواية األخرى ال يقر الحافر على ذلك،
ويطم ما حفر.
وذكروا في اعتبار أسبقية اإلنشاء ،أنه لو حفر مرحاضا أفسد ماء بئر سابقه
وجب إزالته ،أما إذا كان قد وجد قبل البئر ،فال يزال ،ويعتبر صاحب البئر مفرطا
305
في حفره .وذكر الحافظ ابن رجب في ذلك أن إزالة الضرر ظاهر مذهب اإلمام
أحمد".1
وتجدر المالحظة ،بأنه إذا كانت معظم األضرار الناشئة عن تلوث المياه ،قد
ذكرها الفقهاء في معرض مضار الجوار حسب ما وقع في عصرهم ،فأنه يمكن
القياس عليها بالنسبة لألضرار التي أفرزها التقدم التكنولوجي في العصر الحديث,
2
فمرونة الفقه اإلسالمي وقواعده تتسع لكل ما هو جديد
أما بالنسبة للقضاء :فقد أصدر عدة أحكام قضى فيها بالتعويض عن أضرار
الجوار الناتجة عن تلوث المياه ،فأوجب قيام المسؤولية التقصيرية متى توافر ركن
الخطأ المتمثل في التقصير أو التهاون في أخذ االحتياطات الالزمة ،كما أقام
مسؤولية محدثها في حالة غياب الخطأ باللجوء إلى قواعد نظرية مضار الجوار متى
تجاوزت هذه المضار الحد المألوف.
وتطبيقا لذلك:
قد ينتج عن تشغيل محطات تنقية وتطهير المياه حدوث تلوث بيئي يجاوز -
الحد المألوف للجوار .لذا قضت محكمة النقض الفرنسية بالتعويض الجيران عن
األضرار التي لحقت بهم نتيجة تلوث المياه بسبب تصريف المواد والسوائل الملوثة
خالل عملية التنقية في محطة التنقية وتطهير المياه.3
كما قضت بالمسؤولية عن التلوث في مجاري المياه بسبب عدم اتخاذ -
اإلجراءات والتدابير الالزمة للوقاية من التلوث.4
1اإلمام عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي -المغني-المرجع السابق -ص695
2د /عبد الرحمان على حمزة -المرجع السابق -ص .268
3 e
Cass civ3 ,12/02/1974. Bull.Civ.III,n°72. Et voir : CA.Pau,24/03/1992, Juris-
Data,n°040771.
4
Cass.civ 12/02/1974.Bull civ II,n°72.
306
قضى بمسؤولية الوراقة المتواجدة على ضفاف النهر والتي كانت تلقى -
نفاياتها في النهر لتذوب في مياهه ،والتي تسببت في تدمير مزرعة بلح البحر
المتواجد في فوهة النهر ترتب عنه هجر استغالل هذه الثروات المائية.1
قضى بتلوث مستوى المياه الجوفية الصالحة للشرب من قيل مزرعة -
صناعية.2
1
Cass 2e civ,11/03/1976 : BuII.civ,II,n°78.
2
CA Aix-en-Provence, 21/06/1988 :Juris-Data n°045322.
3د /أحمد مدحت إسالم ،التلوث مشكلة العصر -المرجع السابق -ص 645وما يليها.
307
يؤدي إلى تكوين أجنة مشوهة .كما أن هناك عدة أنواع من مبيدات اآلفات تتصف
بصفة الثبات الكيميائي ولها القدرة على االنتقال والتراكم في حلقات السلسلة الغذائية
المختلفة.1
واألصل أن تلوث التربة ،يوجب مسؤولية محدثه غالبا وفقا لقواعد المسؤولية
التقصيرية .متى توافر ركن الخطأ والمتمثل في عدم اتخاذ االحتياطات الالزمة لتوقى
هذه األضرار .واذا لم يتوافر هذا الخطأ ،فإنه يمكن اللجوء إلى قواعد المسؤولية عن
أضرار الجوار غير المألوفة متى توافرت شروطها.
وتطبيقا لذلك:
قضى بمسؤولية الجار المزارع الذي يستخدم هرمونات زراعية والتي سببت -
أضرار تلوث بيئي للجار تمثلت في إتالف حقل الكروم المجاور.2
قضى بمسؤولية الناقل الذي أجرى عمليات تعبئة وتفريغ سيارات الشحن -
وتسبب في تلويث الطريق العمومي بزيت الجازول مما سبب لمالك األرض المجاورة
أضرار تجاوزت الحد المألوف بين الجيران.3
قضي بمسؤولية الجار عن األضرار التي أصابت الحيوانات والحاصالت -
4
الزراعية لجاره ،بسبب استعمال بعض المبيدات في اإلنتاج الزراعي
تنص المادة 55من قانون بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة " تهدف
مقتضيات الحماية من األضرار السمعية إلى الوقاية أو القضاء أو الحد من انبعاث
308
وانتشار األصوات أو الذبذبات التي قد تشكل أخطا ار تضر بصحة األشخاص،
وتسبب لهم اضطرابا مفرطا ،أو من شأنها أن تمس بالبيئة".
وتنص المادة 58من نفس القانون " دون اإلخالل باألحكام التشريعية المعمول
بها ،تخضع إلى المقتضيات العامة ،النشاطات الصاخبة التي تمارس في المؤسسات
والشركات وم اركز النشاطات والمنشآت العمومية أو الخاصة ،المقامة مؤقتا أو دائما،
والتي ال توجد ضمن قائمة المنشآت المصنفة لحماية البيئة ،وكذا النشاطات الرياضية
الصاخبة والنشاطات التي تجري في الهواء الطلق والتي قد تتسبب في أضرار
سمعية".
وتنص المادة " 54في حالة إمكانية تسبب ضخب األنشطة المذكورة في المادة
58أعاله ،في إحداث األخطار أو اإلضرابات المذكورة في المادة 55أعاله ،فإنها
تخضع إلى ترخيص.
يخضع منح هذا الترخيص إلى إنجاز دراسة التأثير واستشارة الجمهور طبقا
لشروط محددة.
تحدد قائمة النشاطات التي تخضع للترخيص وكيفيات منحه ،وكذا األنظمة
المفروضة على هذه النشاطات ،وتدابير الوقاية والتهيئة والعزل الصوتي ،وشروط
إبعاد هذه النشاطات عن السكنات وطرق المراقبة ،عن طريق التنظيم".
وعليه سبق وأن أشرت بأنه يقصد بالضوضاء أو الصخب التغير المستمر في
أشكال حركة الموجات الصوتية ،بحيث تتجاوز شدة الصوت المعدل الطبيعي
المسموح به لألذن بالتقاطه وتوصيله إلى الجهاز العصبي .وبذلك تختلف الضوضاء
عن األصوات العادية والمألوفة ،حيث أن األخيرة هي أصوات طبيعية اعتاد اإلنسان
على سمعها ،وهي التي تسير بها الحياة ،ولها صفة االنتظام والطابع المتناسق،
وتنتظم بها حركة الحياة دون إحداث ضرر.
309
للقضاء تطبيقات كثيرة ألضرار التلوث الضوضائي في محيط الجوار خاصة
بعد الزيادة الكبيرة في إنتاج اآلالت الميكانيكية ،والمحركات ،والمركبات ،التي صعبت
على اإلنسان أن ينعم بالراحة والهدوء.
ونظ ار ألن هذه ا لمضار تزداد وتتنوع كلما تقدمت المدنية وتطورت التكنولوجيا،
واتسع نطاقها من نطاق التالصق إلى نطاق التجاور .وسأتعرض خالل هذه الدراسة
إلى الضوضاء األكثر شيوعا وهي:
األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من المنشآت الصناعية والتجارية -
األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من أعمال التشييد والبناء. -
األضرار الناتجة عن الضوضاء المالحة الجوية. -
ونظ ار لقلة تنوع الق اررات القضائية الجزائرية المنشورة في هذا الموضوع ووفرتها
وتنوعها في القضاء الفرنسي .ارتأيت أن أعرض ما تناوله القضاء الفرنسي وذلك ألن
المبادئ التي تناولها الق ضاء الجزائري تكاد تتفق مع القضاء الفرنسي سواء من حيث
شروط المسؤولية وكيفية تقدير الضرر غير المألوف ،كما سبق بيانه.
قد ينتج عن ممارسة األنشطة التجارية والصناعية حدوث ضوضاء نتيجة تشغيل
اآلالت والمحركات في هذه المنشآت ،كالمصانع والورش الميكانيكية ،تجعل من
الصعب على الجيران أن ينعموا بالراحة والهدوء .األمر الذي يمكنهم من المطالبة
بالتعويض ،إذا ارتكب مستغل هذه المنشأة خطأ نتيجة إهماله بعدم أخذ االحتياطات
الالزمة لمنع أو تقليل هذا الضجيج ،أو يكون قد خالف القوانين
310
المعمول بها لسير العمل بتلك المنشأة ،مما يبرر الحكم بالتعويض عن األضرار
الناتجة عن األصوات الصاخبة ،بتطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية .وهنا تنعقد
المسؤولية مهما كان شأن الضرر ولو كان يسي ار أو مألوفا ،طالما تحققت شروط
المسؤولية ،من خطأ وضرر وعالقة سببة.
وتطبيقا لذلك:
قضى بأن مستغل المنشآت الصناعية والتجارية ،يكون قد اقترف خطأ ،إذا -
تهاون في اتخاذ االحتياطات الالزمة ،من أجل تفادي حدوث أضرار للجيران.1
قضى بمسؤولية المالك الذي سبب للعمارات المجاورة أضرار ،ببنائه -
مصنعا واستخدامه اآلالت الثقيلة ،دون أخذ االحتياطات الكافية لحالة األرض من
حيث كونها صلبة أو رخوة ،وحكم عليه بالتعويض ،عالوة على ضمان األضرار التي
2
يمكن حدوثها في المستقبل
وفي المقابل كثي ار ما يضار الجيران من مباشرة جارهم لملكه دون استطاعة
نسبة الخطأ إليه ،التخاذه كافة االحتياطات الممكنة لتفادي حدوث أضرار ،ومراعاته
للقوانين المنظمة لسير العمل في هذه المنشآت .فتقوم مسؤولية محدث الضرر على
أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة.
وتطبيقا لذلك:
-قضت بمسؤولية الشركة عن مضار الجوار غير المألوفة عن الضوضاء التي
تحدثها ليال والتي ال يمكن تحملها حتى في النهار ،والناتجة عن محركات شاحناتها
خالل عملية شحن البضاعة لمدة تفوق ثمانية سنوات.3
1
Cass.civ,27/05/1975,D.76,318.
2
Cass.civ 02/12/1981.G.P,82.
3
Cass 2e civ.17/11/1971. n°70-11.221: Bull.civ.ll n°226
311
-قضى بمسؤولية الشركة المستغلة لدار سينما عن الضوضاء المفرطة الصادرة
عن تشغيل الصالة وحركة روادها والتي سببت للجيران مضار غير مألوفة.1
-قضت بمسؤولية صاحب المدرسة عن الصخب الفاحش والزحام الشديد الذي
يحدثه األطفال أثناء دخولهم وخروجهم من المدرسة أو صعودهم ونزولهم الساللم نحو
ثماني مرات يوميا وما صاحب ذلك من ضوضاء .2
-قضى بمسؤولية صاحب مدرسة للرقص عن الضوضاء الشديدة الصادرة منها،
والتي أضرت بساكني العقار التي توجد فيه.3
-قضى مجلس قضاء باريس بمسؤولية المستثمر صاحب الدرجات الثلجية عن
مضار الجوار غير المألوفة نتيجة الضوضاء التي تحدثها هذه الدراجات خالل نقلها
لعدد كبير من المتزحلقين حوالي من 80إلى 40متزحلق في الساعة في وسط ريفي
هادئ لفترة ممتدة من أكتوبر إلى أفريل باإلضافة إلى أن هذا المستثمر يقوم خالل
عطل نهاية األسبوع بتظاهرات رياضية مصحوبة بحفالت موسيقية مستعمال مكبرات
للصوت ضوضاؤها تفوق الحد المألوف مما أقلق راحة سكان المنطقة.4
-قضى بأن إنشاء مطبعة في حي مخصص للسكنى الهادئة ،تعتبر األصوات
الصادرة من آالتها غير مألوفة ،مما يتيح الفرصة لسكانها من طلب التعويض.5
-قضى بمسؤولية صاحب المركز التجاري الذي سبب مضايقات للجيران بسبب
التشغيل المستمر أثناء الليل والنهار ألجهزة التبريد وضوضاء الثالجات التي تزيد
قوتها عن الحد المتسامح به. 6
1
CA Paris 13/01/1984. Juris-Data, n° 020213.
2
Trub Paris, 19/12/1904,D.P.1905,2.p32.
3
C.A.Paris24/10/1997, Juris-Data, n°023436.
4
CA Paris 28/02/2008.n°04-6830,Bost c/SA Anor
5
Cass civ,11/05/1966.Bull.Civ.1966,11,n°549.
6
C.A.Bordeaux,24/06/1998, Juris-Data.n°021447.
312
ثانيا :األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من أعمال التشييد
والبناء.
قد ينتج خالل أعمال البناء والتشييد ضوضاء نتيجة أصوات اآلالت المستخدمة
للبناء مثل آلة الحفر وجرافة وأصوات المطارق وكذا حركة الشاحنات وما ينتج عنها
من تحميل األنقاض وانزال مواد البناء ،والتي تعيق حركة المرور ،عالوة على
الصخب والضجيج الذي يحدثه العمال والذي يعاني منه الجيران بسبب عملية البناء
والتي قد تكون طوال اليوم ليال ونهارا.
وعليه إذا كانت هذه األضرار نتيجة اقتراف خطأ تقصيري من جانب المالك
نفسه حين يقوم بعملية ا لتشييد والبناء بنفسه .أو من جانب المقاول ،كأن تكون نتيجة
عيب في المحركات أو تشغيل اآللة والمعدات ،أو يكون الخطأ في مخالفة القوانين
المنظمة للتشغيل ومواعيد العمل .ومن ثم تنعقد المسؤولية تجاه محدث هذه األضرار.
الرتكابه الخطأ بسبب عدم أخذه االحتياطات الالزمة وفقا لقواعد المسؤولية
التقصيرية ،كما سبق اإلشارة إلى ذلك في الباب األول.
وفي المقابل قد تحدث هذه المضار رغم أخذ محدثها االحتياطات الضرورية
وعدم مخالفته للقوانين وتنظيمات المعمول بها .ومع ذلك فإنها تتيح للمضرور
المطالبة بالتعويض إذا تجاوزت هذه المضار الحد المألوف.
وتطبيقا لذلك:
قضى بأنه ال يصح لقضاة الموضوع استنتاج وجود مضار الجوار غير -
المألوفة لمجرد وجود مخالفة إدارية ،دون البحث فيما إذا كانت هذه األضرار تتجاوز
الحد المألوف أم ال.1
1
Cass.2e civ , 17/01/1993. Bull.civ.II,n°68. Cass 3e civ, 11/02/1998,Bull.civ.III,n°34.
313
قضى بأنه ال يشترط لتعويض مضار الجوار الناتجة عن أعمال البناء ،أن -
تكون دائمة أو مستمرة ،بل يمكن قيام المسؤولية عنها ،ولو كانت عارضة أو طارئة.
كتلك المصاحبة ألعمال البناء والتشييد ،مثل األتربة المتصاعدة نتيجة أعمال الحفر
والردم ،والضوضاء المفرطة نتيجة استعمال آالت ومعدات البناء.1
قضت بمسؤولية صاحب ورشة بناء المتواجدة في منطقة سياحية عن -
مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن الضوضاء والغبار واألوراق المتناثرة أثناء
مزاولته لنشاطه خالل الفترة المخصصة للراحة والسياحة.2
3
ثالثا :األضرار الناتجة عن الضوضاء المالحة الجوية .
تنص المادة 06/68من القانون " 01-99ال ينبغي بأي حال من األحوال أن
يشكل استعمال الطائرات في المجال الجوي الجزائري مصدر ضرر للغير على
السطح"
وتنص المادة 55من نفس القانون" ال يمكن أية طائرة التحليق فوق مدينة أو
تجمع سكاني إال بارتفاع يسمح لها بأن تتوجه دوما خارج التجمع السكاني حتى في
حالة تعطل وسيلة "
وتنص المادة "59تخضع رحالت الطائرات األسرع من الصوت لشروط تحليق
خاصة تحدد عن طريق التنظيم"
1
Cass.3e civ. 30/06/1998.R.T.D.civ.1999.p114.
2
Cass. 2eciv.22/01/1969 :Bull.civ.ll n°25.
3عرفت المادة 60/ 05من قانون 01- 99المؤوخ في .6999/01/55المتضمن تحدد القواعد العامة المتعلقة
بالطيران المدني -جريدة رسمية رقم -49المالحة الجوية بأنها " مجمل الطائرات المحلقة في الجو أو على األرض
الموجودة في مساحة التحرك بالمحطة الجوية وفقا للقواعد المحددة ".
314
التحليق والتي قد تتجاوز حدا معينا من الخطورة مما يضفي عليها صفة عدم
المألوفية ،نتيجة ما تحدثه محركات الطائرات أثناء هبوطها أو إقالعها من المطارات
أو نتيجة ما تحدثه أثناء سيرها على خطوط المالحة الجوية ،مما تتيح هذه األضرار
الفرصة في المطالبة بالتعويض عنها.
وال شك أن هذه األصوات واستم ارريتها ،تحدث مضايقات للجوار متمثلة في
حرمانهم من التمتع الهادئ باألماكن التي يشغلونها ،مما يؤدي إلى انخفاض ثمن
العقارات أو القيمة اإليجارية لها .وهذا يعد في حد ذاته ضر ار يصيب الشخص في
ذمته المالية.
في بادئ األمر كانت هذه األضرار التي تحدثها الطائرات للغير على السطح،
والمتمثلة في األصوات الشديدة والمستمرة ،محال لنقاش حاد في الفقه والقضاء ،وذلك
بين مؤيدين ومعارضين لمبدأ التعويض عنها .وحتى بالنسبة ألنصار االتجاه األول
اختلفوا فيما بينهم .فمنهم من يرى قصر مبدأ التعويض على تلك التي تحدث في
المناطق المجاورة للمطارات ،أما بالنسبة للمناطق البعيدة عن المطارات ،فيرى انتفاء
مبدأ التعويض عنها ،حكمها حكم الضوضاء التي تحدثها وسائل المواصالت األخرى،
كالسيارات والقطارات وذلك على أساس أنها تعد من ارتفاقات الحياة العصرية .1غير
أن الرأي استقر مؤخ ار على مبدأ التعويض عنها.
ويرد البعض- 2وأؤيده -على ضرورة قابلية أضرار التلوث البيئي التي تحدثها
الطائرات للغير على السطح للتعويض ما كان منها حادثا في المناطق المجاورة
والمحيطة بالمطارات ،وما كان منه حادثا في المناطق البعيدة عن المطارات ،متى
كانت هذه األضرار نتيجة تلوث أو مضايقات تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها
1د /فيصل زكي عبد الواحد -الرسالة السابقة -ص 551نقال عن د /أبو زيد رضوان ،القانون الجوي ،قانون
الطيران التجاري ،دار الفكر العربي بالقاهرة ،ص 628وما يليها.
2د /عطا سعد محمد الحواس -المرجع السابق -ص 894وما يليها ،د /فيصل زكي عبد الواحد -الرسالة السابقة-
ص 551وما يليها.د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب-الرسالة السابقة-ص 651وما يليها,
315
أعباء الجوار الواجب تحملها .فخطوط المالحة الجوية ،شأنها شأن خطوط السكة
الحديدية والطرق البرية .وقد خول الفقه والقضاء ،من يقطن على جانبي خطوط
السكك الحديدية أو الطرق البرية الحق في طلب التعويض عما تحدثه القطارات أو
السيارات من أضرار غير العادية أثناء سيرها.
عالوة على أن التفرقة بين المناطق القريبة من المطارات والمناطق البعيدة عنها،
قاصرة عن استيعاب كل صور األضرار الناجمة عن الصخب والضوضاء الحادثة
عن المطارات .وأن الفقه والقضاء قد توسعا في مفهوم الجوار ولم يعد قاص ار على
التصور الضيق لمفهومه ،فلم يعد قاص ار على حالة الملكيات المالصقة ،حيث ربط
مفهوم الجوار بنوعية األنشطة ا لضارة ،أيا كانت المسافة التي توجد بين هذه األخيرة
والشخص المضرور وبهذا يتحقق الجوار بين خطوط المالحة الجوية والشخص
المضرور.
وبناء على ذلك ،فإن أضرار التلوث البيئي الناتجة عن الضوضاء واالهت اززات
الناجمة عن سير العمل في خطوط المالحة الجوية ،تتيح الفرصة في المطالبة
بالتعويض عنها متى كانت هذه األخيرة غير مألوفة ،بغض النظر عما إذا كان
المضرور يقطن بالقرب من المطارات أو موازيا لهذه الخطوط ،شأنه في ذلك من
يقطن موازيا للطرق البرية أو خطوط السكك الحديدية.
وتطبيقا لذلك:
-قضى بربط المسؤولية عن مضار التحليق المتمثلة في األصوات الفاحشة
التي تصدر من محركات الطائرات أثناء هبوطها واقالعها من المطارات بمفهوم
المالحة الجوية المنصوص عليها في المادة 1 5/646من قانون الطيران المدني
الفرنسي .فيكون مستغل 2الطائرة مسؤوال بقوة القانون عن تلك المضار ،على
1
Loi 30/03/1967 sur l’aviation civil.
2عرفت المادة 66/ 05من قانون 01- 99يحدد القواعد العامة المتعلقة بالطيران المدني المشار إليه أعاله
المستغل" -كل شخص اعتباري مرخص له باستغالل خدمات النقل العمومي أو العمل الجوي .وكل مؤجر طائرة
316
أساس الضرر وحده طبقا للنص المذكور دون حاجة إلى إثبات الخطأ في جانبه .وأنه
ال يشترط من أجل انعقاد مسؤولية المستغل وجود اتصال مادي مع المضرور.1
قضى على شركة AIR FRANCEبالتعويض عن الصخب الناتج عن -
هبوط واقالع الطائرات من المطارات والذي سبب مضايقات للجيران المقيمين بالقرب
من المطارات ،تجاوز مدخال معينا للخطورة مما يضفى عليها صفة عدم المألوفية.2
قضى بالتعويض للجيران عن المرور المستمر للطائرات النفاثة التي سببت -
لهم مضايقات تجاوز أعباء الجوار المألوفة.3
قضى بعدم قيام مسؤولية المطار بسبب الضوضاء الناتجة عن المالحة -
والتي ألحقت مضار بالجار المتواجد بعد بناء المطار وذلك تطبيقا لمبدأ الجوية
أسبقية الوجود.4
-كما قضت برفض الدعوى التي رفعها السكان المجاورين لمطار Tahiti-faa
الذين ادعوا تضررهم من ارتفاع ضوضاء المطار مؤسسة رفضها بأنه حقيقة أن
السكان شغلوا األماكن قبل إنشاء المطار .غير أن مناقصة إنشائه كانت قبل
تواجدهم .وأنهم استغلوا انخفاض أسعار القطعة األرضية لشرائها وبناء مساكنهم.5
احتفظ بالتسيير التقني وبقيادة طاقم الطائرة أثناء مدة التأجير .وكل مستأجر طائرة بدون طاقم يتولى قيادتها التقنية
بواسطة طاقم يختاره بنفسه".
1
Trib. Gra.Inst.Nice 09/12/1964, D,1965,p221.
2
Trib Aix17/02/1966,D,1966,p281.
3
Nice, 23/03/1962,D,1962,p57.
4
Cass 2e civ 08/05/1968 n°66-11.568 :Bull. civll n°122 :cass.3e civ. 08/07/1992n°90-
11.170:Bull.civ.lll n°245.
5
Cass 2eciv 14/06/2007 n°05-19.616 :Bull.civ.lln°164,RDI sept/oct.2007.p393.
317
النزاعات المتعلقة بالجوار ،فوضعت تدابير وقائية خاصة وذلك بمنع إنشاء مطار في
منطقة سكانية أو باتخاذ التدابير الوقائية للحد أو إنقاص الضوضاء التي تحدثها
الطائرات خالل إقالعها أو هبوطها .مما جعل النزاعات المتعلقة بضوضاء المالحة
تكاد تنعدم بعد هذا التاريخ .كما أن مناطق إنشاء المطارات محدد بمخطط قياس
الصوت ( 1)PEBخاص بكل مطار ومن حق الجار المتضرر االستفادة إما من مبالغ
مالية لوضع عوازل الصوت في مسكنه أو تعويضه بمسكن بعيد عن المطار مع
التعويض النقدي في كال الحالتين .كما ألزمت المؤجر بذكر في عقد اإليجار أن
العين المؤجرة واقعة في منطقة قريبة من المطار.2
خالصة المبحث
من خالل ما سبق نالحظ أن فقهاء شريعتنا اإلسالمية كانوا سباقين في وضع
أحكام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،وذلك من خالل الحلول التي
وضعوها ،والتي لم تقتصر على المشاكل التي تحدث بين الجيران بسبب التالصق بل
تعدته لتشمل مشاكل التجاور .والتي لم تتالشى بفعل الزمن ألنه يمكن تطبيقها
والرجوع إليها في عصرنا الحاضر وبذلك يبقى سريان اجتهاد الفقه اإلسالمي عبر
الزمان ليؤكد مدى سبقه وشموله لكافة األحكام العملية التي تصلح لتطوير أي نظام
مستحدث في عصرنا الحاضر.
أما بالنسبة للتطبيقات القضائية التي أوردتها ،فإن القضاء الفرنسي له نفس
الموقف القضاء الجزائري بالنسبة لهذه المسؤولية بحيث ميزها عن المسؤولية
التقصيرية التي تشترط لقيامها ركن الخطأ والمتمثل في مخالفة القوانين والتنظيم
المعمول به وكذا عدم إتخاذ جميع االحتياطات الالزمة لمنع وقوع الضرر .بخالف
المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف التي تقوم بمعزل عن أي خطأ ينسب إلى
الجار فبمجرد تجاوز المضار الحد المألوف المتسامح به بين الجيران تقوم المسؤولية.
كما أنه اعتمدت التطبيقات القضائية إلقامة المسؤولية عن مضار
1
PEB = plan d’exposition au bruit
2
Francis Lefebvre, dossiers pratiques, trouble de voisinage, op cit,p166 et s.
318
الجوار غير المألوفة على النشاط الضار والذي ال يقتصر على المشاكل التي تحدث
بين الجيران بسبب التالصق بل تعدته لتشمل مشاكل التجاور.
319
خاتمة:
إن موضوع األضرار في نطاق الجوار أصبح من الموضوعات التي تأخذ
طابعا هاما في وقتنا الحاضر .بحيث أصبحت أضرار الجوار ال تقتصر على تلك
التي تصيب أشخاص الجيران أو أموالهم الخاصة وانما تصل إلى اإلضرار بعناصر
البيئة الطبيعية من ماء وهواء وتربة وكائنات الحية نباتية أو حيوانية التي تحيط
بالجوار.
واذا كانت المسؤولية المدنية هي مهد لحل مشكالت القانون المدني وتعتبر
مجاال واسعا وخصبا الجتهاد الفقه والقضاء لحسم النزاع .فإن مضار الجوار قد
استحدث نوعا من المشكالت القانونية الخاصة بالمسؤولية المدنية عن تلك األضرار
والتي تشكل عصب مشكالت القانون المدني في الوقت الحاضر ألنها تثير العديد من
المسائل تستدعي إيجاد حلول قانونية مناسبة لها.
ونظ ار لعجز المسؤولية التقليدية ،عن تحقيق الحماية الفعالة للجار المضرور،
في مواجهة األضرار غير المألوفة التي تلحق بالجار نتيجة لممارسة الحقوق من قبل
الجار المجاور ،فقد ظهرت نظرية مضار الجوار غير المألوفة ،القائمة على الجوار
والضرر غير المألوف ،وهي صورة جديدة للمسؤولية المدنية التي استقر عليها الفقه
والقضاء.
ونظ ار ألن هذه المسؤولية هي صورة من صور المسؤولية المدنية فقد ثار
خالف في تحديد مفهوم الجوار .فذهب اتجاه إلى تضييق مفهومه وذهب آخر إلى
توسيعه ورجحت خالل دراستي االتجاه القانوني الحديث الموسع لمفهوم الجوار الذي
ربط الجوار بنوعية األنشطة الضارة فلم يقصره على العقارات فقط بل شمل كل من
العقارات والمنقوالت ،كما حدد نطاق الجوار بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر
األنشطة الضارة فلم يقتصره على التالصق بل يصل إلى أي مكان يصل إليه الضرر
غير المألوف الناتج عن النشاط الضار طالما أنه يشكل نطاقا جغرافيا
320
محددا .فيكون بذلك محدث الضرر مسؤوال عن األضرار غير المألوفة مهما بعدت
عن مصدر حدوثها.
كما أنه قد يفهم من نص المادة 196مدني أن صفة الجار قاصرة على المالك
دون غيره حين أوردت الفقرة أولى منها " يجب على المالك "...ثم جاءت الفقرة
الثانية بعبارة " وليس للجار أن يرجع على جاره "...فإن ذلك الفهم غير صحيح ،ألن
المشرع أراد من وراء هذا النص حماية الجوار وتحقيق التوازن في العالقات الجوارية
الذي يقتضي تتبع محدث الضرر ،السيما أن المضار غير المألوفة ال تتغير طبيعتها
سواء أكان محدثها مالك أو مستأج ار أو غيره ،لذا توصلت إلى االعتقاد أن لفظ المالك
أورده المشرع في زمن كانت الملكيات تمثل الوضع القائم ،وأن مضار الجوار غير
المألوفة لم تكن بالخطورة التي هي عليه اآلن ،التي ازدادت فيه األنشطة الضارة
وتفاقمت مخاطرها ،مما يستدعى توسيع طائفة الجيران لتشمل كل شاغل سواء أكان
مالكا أو غيره .وذلك بربط فكرة الجوار بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن
صفة محدثها أو الشخص المضرور.
وتناولت في دراستي أيضا مدلول الضرر غير المألوف وتوصلت بأن الضرر
غير المألوف هو الضرر الذي يزيد على الحد المألوف فيما يتحمله الجيران عادة
بعضهم بحكم الجوار .فإذا زاد الضرر على هذا الحد كان ضر ار غير مألوف ووجب
التعويض عنه .كما حددت ضوابط تقدير الضرر ،وتعرضت للضوابط التي نصت
عليها المادة 5/196والتي تناولتها على سبيل المثال ،والضوابط التي لم تنص عليه
المادة . 5/691مما يجعل معيار الضرر غير المألوف يتصف بالمرونة يصلح
لمواجهة التطورات التي يمر بها المجتمع ،وعلى القاضي أن يتكيف مع الظروف
المختلفة ويواجه الحاجات المتغيرة ويستجيب لمقتضيات كل منها.
321
وبعد أن تناولت مفهوم الجوار والضرر غير المألوف تعرضت لمفهوم نظرية
مضار الجوار غير المألوفة .فأمام عدم كفاية قواعد المسؤولية التقصيرية في حماية
الجار المضرور ،كان على الفقه والقضاء البحث عن حل لتحقيق هذه الحماية والتي
تحققت بصفة تدريجية .حيث استقر الفقه والقضاء الفرنسي على االعتراف بمسؤولية
الجار عن األضرار غير المألوفة ،رغم عدم وجود نص تشريعي يقررها صراحة ،وقد
اتجهت التشريعات الحديثة إلى االعتراف بها فأورد المشرع الجزائري لها نص المادة
196مدني متأث ار بما القته فكرة مضار الجوار غير المألوفة من تأثير من قبل الفقه
والقضاء لتصبح نظرية ثابتة ال يمكن تجاهلها باعتبارها تهدف إلى تحقيق العدالة
والتوازن بين الحقوق المتعارضة في نطاق عالقات الجوار .ذلك ألن وقوع األضرار
في الحياة االجتماعية ال يمكن منعها كلية ألنها تالزم نشاط األفراد .كما أنه ال يمكن
من أجل تحقيق العدالة مساءلة الجار عن كل األضرار التي يحدثها خالل ممارسة
نشاطه حتى ال تتعطل أنشطة الجيران ويتعطل بالتالي استعمالهم لحقوقهم المشروعة،
لذا وجب إجراء موازنة بين النشاطين ،والتفرقة بين األضرار المألوفة واألضرار غير
المألوفة .ومن ثم تحميل الجيران األولى بناءا على فكرة التسامح ،وتمكينهم من
المطالبة بالتعويض عن الثانية ،وبذلك يتحقق نوع من التوازن بين الحقوق المجاورة.
كما أنه من أجل تحديد مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة قمت ببيان
آليات تطبيق هذه النظرية من خالل تحديد شروطها وخصائصها .فيشترط لتحقيقها
توافر صفة الجار ومشروعية تصرف الجار محدث الضرر وتجاوز أعباء الجوار أما
بالنسبة لخصائص النظرية فتتمثل في تحقق المضار مرتبط بالتجاور وليس التالصق
وكذا أن النشاط الذي تنجم عنه المضار هو نشاط ضار حكما وأن النشاط الضار هو
مصدر لضرر مستمر.
كما أنني خالل هذه الدراسة لم أغفل عن التعرض لموقف فقه الشريعة
اإلسالمية حول هذه النظرية وأوضحت بأن فكرة المسؤولية عن مضار الجوار هي
322
فكرة قديمة ترجع جذورها وأصولها إلى الشريعة اإلسالمية التي صاغتها وعالجت
مسائلها معالجة تساير الزمان والمكان .فقد أطلق فقهاء الشريعة على الضرر الناتج
عن االستعمال العادي والمشروع للحقوق إذا تجاوزت الحد المألوف بالضرر الفاحش.
كما أن الشريعة اإلسالمية حرصت على رعاية الجار وحسن معاملته ،والنهي على
إلحاق الضرر به ،خاصة ما كان منه فاحشا .ونظ ار لألهمية البالغة للجوار فإن فقهاء
الشريعة اإلسالمية اتفقوا على أن االلتزام بعدم اإلضرار بالجار هو واجب ديني يتعين
على المالك مراعاته من تلقاء نفسه ،إال أنهم اختلفوا في مدى إمكانية اللجوء للقضاء
لمنعه من اإلضرار بجاره .فذهب رأي إلى إطالق حق الملكية وذلك بتمكين المالك
من التصرف في ملكه دون قيد .وذهب رأي آخر إلى تقييد المالك من التصرف في
ملكه تصرفا يضر بجاره .وذهب رأي ثالث إلى أن المالك يمنع من التصرف في ملكه
بما يضر بجاره إذا كان الضرر الناتج عن التصرف فاحشا.
323
على فكرة إعادة التوازن بين حقوق الملكية الواردة على العقارات المتجاورة ،وأسسها
فريق آخر على فكرة الضمان ،وفريق رابع أسسها على فكرة المخاطر أو تحمل التبعة
وهو الرأي الذي رجحته ذلك ألن مبادئ المسؤولية المدنية التي قوامها الخطأ ال تكفي
ألن تكون األساس القانوني الوحيد لهذه النظرية ألنه وكما بينت خالل هذه الدراسة
هناك من المعايير التي ال يمكن إدراجها تحت الخطأ التقصيري وانما تميل إلى نظرية
تحمل التبعة .
324
ذلك ألن المشرع أراد تتبع محدث الضرر لمساءلته بغية تحقيق التوازن في
العالقات الجوارية.
إن معيار الضرر غير المألوف هو معيار موضوعي ال ينظر فيه إلى -
الظروف الشخصية للجار المضرور ،كما أنه معيار مرن يتغير بتغير الزمان والمكان
ليتماشي وتطور المجتمع ،وقد تناول المشرع الجزائري ضوابط تقديره على سبيل
المثال لتمكن القاضي من إضافة معايير أخرى إلثبات الضرر.
أن القانون الوضعي يتفق مع الفقه اإلسالمي في كيفية تقدير الضرر غير -
المألوف الذي أخذ بالمعيار الموضوعي في تقديره ال المعيار الشخصي حيث ينظر
علماء الشريعة اإلسالمية إلى واقعة التعدي ذاتها بغض النظر عن الظروف
الشخصية للجار المضرور.
إن المسؤولية الناجمة عن مضار الجوار غير المألوفة هي مسؤولية -
مستقلة ،موضوعية ،وليست ذاتية .تعتمد على معايير نصت عليها المادة5/196
مدني.
أنه ال يمكن دمج المادة 5/196مدني ضمن معايير التعسف المنصوص -
عليه في المادة 654مكرر مدني .ذلك ألن المسؤولية الناجمة عن التعسف في
استعمال الحق تقوم على أساس توافر الخطأ الشخصي من جانب المالك ،ويتمثل
الخطأ في الحالة التي يلتزم فيها المالك بالحدود الموضوعية التي رسمها له القانون،
بحيث أنه يستعمل حقه ضمن هذه الحدود ولكنه يتعسف في هذا االستعمال فيشكل
خطأ يقاس بمعيار عام هو سلوك الشخص العادي الذي تقوم عليه المسؤولية عن
الفعل الشخصي ،في حين أن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ،تقوم دون
أن يتعسف المالك في استعمال حقه ،ودون أن يقصد اإلضرار بالغير ،وانما قد ينشأ
الضرر غير المألوف وهو يستعمل حقه بصورة طبيعية ،وفي حدود نشاطه العادي.
تختلف المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة عن المسؤولية -
الشخصية القائمة على الخطأ باعتبارها ال تقتضي إثبات الخطأ ،وفي نفس الوقت
تختلف عن المسؤولية القائمة على التعسف في استعمال الحق باعتبار أن هذه
المسؤولية تستلزم توافر معايير ال يمكن إضافة لها معيار الضرر غير المألوف
325
واال ناقضتها .مما يقتضى علينا أن نضفي على المسؤولية عن مضار الجوار
غير المألوفة طابعها الموضوعي بعيدا عن فكرة الخطأ
إن تحديد أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة أثارت خالفا -
فقهيا كبي ار فانقسموا إلى اتجاهين :اتجاه أسس المسؤولية على أساس فكرة الخطأ
واتجاه آخر أسسها على أساس موضوعي .كما انقسم كل اتجاه إلى عدة آراء
تضاربت حول األساس القانوني السليم .وبعد دراسة هذه اآلراء ارتأيت استبعاد نظرية
الخطأ وترجيح نظرية تحمل التبعة ألن األضرار الناجمة عنها لها من الخصوصية
التي تمتاز بها عن باقي األضرار ،ويعد شرط عدم مألوفية المضار سبب تلك
الخصوصية.
إن المشرع حين وضع فقرتين لنص المادة 196مدني وربط بينهما بحرف -
العطف أراد أن يحقق أكبر حماية للجار المضرور بحيث أن الفقرة األولى تناولت
الضرر بصفة عامة حين اشترطت على المالك بأن ال يتعسف في استعمال حقه إلى
حد يضر بجاره فلم تحدد نوع الضرر .فمن خالل هذه الفقرة على الجار المضرور
إثبات تعسف الجار لقيام المسؤولية .أما الفقرة الثانية فقد مكنت الجار المضرور بحق
المطالبة بإزالة المضار إذا تجاوزت الحد المألوف دون إثبات خطأ الجار محدث
الضرر .وبذلك تكون الفقرة األولى قد نظمت حكما للضرر غير الذي نظمته الفقرة
الثانية .ومن هنا يكون للجار ثالثة صور للمسؤولية تقوم األولى على أساس الخطأ
وتقوم الثانية على أساس التعسف في استعمال الحق والثالثة على أساس مضار
الجوار غير المألوفة.
اقتراحات:
أقترح تغيير موقع المادة 196مدني ،وذلك بوضعها في القسم الرابع تحت -
عنوان المسؤولية عن مضار الجوار من الفصل الثالث الفعل المستحق للتعويض من
الباب األول مصادر االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود.
تغيير كلمة المالك في الفقرة األولى بكلمة الجار لتصبح صياغة الفقرة -
األولى كما يلي" يجب على الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجار"
326
وذلك بغية األخذ بالمفهوم الواسع للجوار .خاصة وأن في الفقرة الثانية جاء مفهوم
الجار مطلقا ،وبذلك يمكن صرفه إلى المالك أو غيره .كما أن قصر صفة الجار على
المالك يعني حرمان الجار المضرور من المطالبة بالتعويض عن مضار الجوار غير
المألوفة التي تلحق به متى نتجت من غير المالك.
كما أقترح استبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء حتى تكون -
عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير المألوفة التي استقر
الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر عن صفتها.
327
بيان المختصرات
- A.J.P.I : Actualité juridique de la propriété immobilière.
-B.civ : Bulletin des arrêts de cour de cassation (chambres
civiles)
-Bull.inf.C.cass : Bulletin d’information de la Cour de cassation
-D P : Dalloz Périodique
-D : Recueil Dalloz de doctrine et jurisprudence et de législation
- D.S : Dalloz, Sirey
-G P : Gazette du palais
-JCP : Juris classeur périodique (semaine juridique)
- juris- data : La Banque de données informatique des éditions
du Juris- Classeur.
-Rec : Recueil des arrêts du conseil d’etat
-R.D.Immo : Revue de droit Immobilière
-RJDA : Revue de jurisprudence de droit des affaires
- T.G.I : Tribunal de grande instance.
- R.T.D.civ : Revue Trimestrielle de Droit Civile
- S : Recueil Sirey.
328
قائمة المراجع
أوال :باللغة العربية
)1قوانين
-قانون 60-08المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة جريدة رسمية
بتاريخ 5008/05/50رقم.48
-قانون 01- 99المؤوخ في .6999/01/55المتضمن تحدد القواعد العامة المتعلقة
بالطيران المدني -جريدة رسمية رقم.48
)2المراجع العامة
– د /أحمد سالمة ،الملكية الخاصة في القانون المصري ،دار النهضة العربية،
الطبعة األولى ،القاهرة .6919
-د /أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،الحقوق العينية األصلية ،حق الملكية والحقوق
العينية المتفرعة عنه ،منشأة المعارف،اإلسكندرية طبعة .5004
-د /إبراهيم عبد العزيز شيحا ،الوسيط في أموال الدولة العامة والخاصة،الجزء
األول ،األموال العامة ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،بدون تاريخ النشر
– د/إسماعيل غانم ،الحقوق العينية األصلية-حق الملكية – مكتبة عبد اهلل وهبة،
الطبعة الثانية ،القاهرة.6916
-د /بلحاج العربي ،النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ،الجزء
الثاني – الواقعة القانونية ( الفعل غير المشروع –اإلثراء بال سبب – والقانون) –
ديوان المطبوعات الجامعية ،طبعة .6999
-د /جميل الشرقاوي دروس في الحقوق العينية األصلية ،الكتاب األول ،حق
الملكية ،دار النهضة العربية .6950
-د /حسن كيرة ،أصول القانون المدني،الجزء األول ،الحقوق العينية األصلية ،
منشأة المعارف باإلسكندرية سنة . 6912
-د /حسن كيرة ،المدخل إلى القانون-منشأة المعارف اإلسكندرية سنة 6954
-د /حسن كيرة ،الموجز الموجز في القانون المدني ،الحقوق العينية األصلية ،
أحكامها ومصادرها ،منشأة المعارف اإلسكندرية ،طبعة .6999
329
-د /رشيد شميشم ،التعسف في استعمال الملكية العقارية – دراسة مقارنة بين
القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية -دار الخلدونية ،عدم ذكر سنة ورقم الطبعة
. 5005 -د /سعيد جبر ،حق الملكية ،جامعة القاهرة ،طبعة
-د/سليمان محمد الطماوي ،الوجيز في القانون اإلداري ،طبعة ،6999بدون دار
للنشر.
-د/شفيق شحاتة ،شرح القانون المدني،طبعة – 6926بدون دار نشر.
-د /عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوجيز في النظرية العامة لاللتزام (المصادر-
اإلثبات – اآلثار-األوصاف -االنتقال – االنقضاء) ،تنقيح المستشار أحمد مدحت
المراغي ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية 5004
-د /عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء
األول( المجلد الثاني) نظرية االلتزام بوجه عام -مصادر االلتزام -منشورات الحلبي
الحقوقية ـ بيروت -لبنان.5009
-د /عبد الرزاق أحمد السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء-9
حق الملكية -منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت -لبنان5009
-د /عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء(9
المجلد األول) -أسباب كسب الملكية -منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت-
لبنان.5009
-د/عبد اهلل عبد العزيز المصلح ،قيود الملكية الخاصة ،مؤسسة الرسالة،
بيروت.6999
-د/عبد المنعم فرج صدة ،الحقوق العينية األصلية ،حق الملكية،شركة مكتبة
ومطبعة مصطفي البابي الحلبي وأوالده ،القاهرة.6910
-د /عبد الناصر توفيق العطار ،شرح أحكام حق الملكية – طبعة -6990عدم
ذكر دار النشر.
-األستاذ الشيخ علي الخفيف ،الملكية في الشريعة اإلسالمية مع مقارنة بالشرائع
الوضعية ،منشورات معهد الدراسات العربية ،القاهرة 6911
330
-د /علي زين العابدين ود /محمد عبد المرضي :تلوث البيئة ثمن المدنية ،مكتبة
األكاديمية ،القاهرة.6995
-د/علي علي سليمان ،النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام) -ديوان
المطبوعات الجامعية – .6990
-د /عل ي علي سليمان شرح القانون المدني الليبي ،الحقوق العينية األصلية
والتبعية ،منشورات الجامعة الليبية .6910
-د /علي فياللي االلتزامات – نظرية العامة للعقد -موفم للنشر . 5002
-د /علي فياللي – االلتزامات – الفعل المستحق التعويض – المؤسسة الوطنية
للفنون المطبعية – وحدة الرغاية – الجزائر .– 5005-
التزامات الجوار في القانون المدني الجزائري – دار هومة -أ/عواطف ز اررة
.5009
-د /فتحي الدريني ،نظرية التعسف في استعمال الحق ،مؤسسة الرسالة .6955
-د /فريدة محمدي زواوي -نظرية الحق ،الجزء الثاني ،المؤسسة الوطنية للفنون
والطباعة ،وحدة الرغاية،الجزائر.6999
-أ /ليلي طلبة – الملكية العقارية الخاصة -وفقا ألحكام التشريع الجزائري -دار
هومة للطباعة والنشر والتوزيع .5060
-د /محسن عبد الحميد البيه – حقيقة أزمة المسؤولية المدنية ودور تأمين المسؤولية
،مكتبة الجالء ،المنصورة .6998
-د /محمد حسنين – الوجيز في نظرية االلتزام – مصادر االلتزامات وأحكامها في
القانون المدني الجزائري – المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر .6998
– د /محمد حسين منصور ،المسئولية المعمارية ،دار الجامعة الجديدة للنشر
باإلسكندرية ،طبعة .6999
-د /محمد شكري سرور ـ مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء و المنشآت الثابتة
األخرى – دراسة مقارنة – في القانون المدني المصري والقانون المدني الفرنسي ،دار
الفكر العربي .6929
331
-د /محمد شكري سرور -تنظيم حق الملكية في القانون المدني المصري -دار
النهضة العربية ،عدم ذكر سنة الطبع
-د /محمد صبري السعدي -الواضح في شرح القانون المدني -النظرية العامة
لاللتزامات ،مصادر االلتزام ،المسؤولية التقصيرية:الفعل المستحق للتعويض -دراسة
مقارنة في القوانين العربية -دار الهدى،عين مليلة،الجزائر.5066
-د/محمد كامل مرسي ،نطاق حق الملكية والحقوق العينية ،الطبعة الثانية،
،6959عدم ذكر الناشر.
-د محمد لبيب شنب – الموجز في الحقوق العينية األصلية -دار النهضة العربية،
القاهرة.6954
-د /محمد وحيد الدين سوار – الحقوق العينية األصلية – ج 6سنة .6919
-الشيخ محمد أبو زهرة الملكية ونظرية العقد ،عدم ذكر الناشر ،سنة .6922
-د /مصطفى مرعى ،المسؤولية المدنية في القانون المصري ،الطبعة الثانية ،مزيدة
ومنقحة،مكتبة عبد اهلل وهبة ،مصر.6988
-د /منصور مصطفي منصور ،حق الملكية في القانون المدني المصري،مكتبة
وهبة .6912
-د/نعمان محمد خليل جمعة ،الحقوق العينية األصلية ،مطبعة جامعة
القاهرة.6994
)8رسائل ومذكرات.
-أ /بلحورابي سعاد ،نظرية التعسف في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي
والقانون الوضعي -مذكرة ماجستير -كلية الحقوق والعلوم السياسية،جامعة مولود
معمري ،تيزي وزو ،سنة .5064
_أ/حجاج مبروك ،التعسف في استعمال الحق بين نظام المسؤولية التقصيرية
والنظام المستقل -مذكرة ماجستير -كلية الحقوق ،جامعة الجزائر ،6سنة .5064
-د /حميدة جميلة-النظام القانوني للضرر البيئي وآليات تعويضه–رسالة دكتوراه-
جامعة الجزائر .5009مطبعة دار الخلدونية طبعة.5066
332
-أ /خنوف حضرية ،تطور فكرة الخطأ في المسؤولية التقصيرية والعقدية – مذكرة
ماجستير -كلية الحقوق جامعة يوسف بن خدة الجزائر 6سنة.5060
-أ /دغنوش عبد الرحمان،حق الملكية والقيود القانونية واالتفاقية التي ترد عليه في
القانون الجزائري ،مذكرة ماجستير ،معهد الحقوق والعلوم السياسية واإلدارية ،جامعة
الجزائر ،سنة 6955
-د /ز اررة عواطف ،مسؤولية مالك العقار عن مضار الجوار غير المألوفة -رسالة
دكتوراه -جامعة الحاج لخضر -باتنة.5068 /5065 -
-د /زكي زكي حسن زيدان – حدود المسؤولية عن مضار الجوار في الشريعة
اإلسالمية و القانون المدني – رسالة دكتوراه ،كلية الشريعة والقانون ،القاهرة .6951
-د /زليخة لحميم ،المسؤولية الناجمة عن األضرار البيئية في ضوء القوانين
الوضعية واالتفاقيات الدولية – أطروحة دكتوراه-كلية الحقوق جامعة يوسف بن خدة،
الجزائر 6سنة 5064
-د /عبد الحميد حسن شرف ،حق العلو والسفل وملكية الشقق ،دراسة مقارنة بين
الشريعة اإلسالمية و القانون المدني المصري ،رسالة دكتوراه ،حقوق القاهرة 6999
-د /عبد السالم داود العبادي ،الملكية في الشريعة اإلسالمية ،طبيعتها ،وظيفتها،
قيودها-دراسة مقارنة بالقوانين الوضعية -رسالة دكتوراه ،كلية الشريعة و القانون،
القاهرة.6952،
-د /عبد الرحمان على حمزة ،مضار الجوار غير المألوفة والمسؤولية عنها -دراسة
مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي ،رسالة دكتوراه،القاهرة ،نشر دار
النهضة العربية5001،
-أ /عبد الرحمان مجوبي -التعسف في استعمال الحق وعالقته بالمسؤولية المدنية-
مذكرة ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة الجزائر،6سنة .5005
-د /عبد العزيز عبد القادر أبو غنيمة ،االلتزام العيني في الشريعة والقانون -رسالة
دكتوراه -جامعة القاهرة ،سنه .6955
333
-د /عبد الوهاب محمد عبد الوهاب ،المسؤولية عن األضرار الناتجة عن تلوث
البيئة – رسالة دكتوراه – القاهرة،سنة ،6994
-أ /غسان محمد مناور أبو عاشور،األساس القانوني لمسؤولية المالك عن مضار
الجوار غير المألوفة في القانون المدني األردني والفقه المقارن -مذكرة ماجستير-
كلية الدراسات الفقهية والقانونية -جامعة آل البيت األردن سنة. 5008
-أ /فريد عبد المعز فرج – التزامات الجوار كقيد من القيود الواردة على حق الملكية،
مذكرة ماجستير،كلية الشريعة و القانون ،القاهرة.6959،
-د /فيصل زكي عبد الواحد -أضرار البيئة في محيط الجوار والمسؤولية المدنية
عنها -رسالة دكتوراه -جامعة عين شمس 6999ـ الناشر،مكتبة سيد عبد اهلل وهبة-
القاهرة .6999
-د /محمد لبيب شنب ،المسؤولية عن األشياء ،دراسة مقارنة – رسالة للحصول
على دكتوراه – جامعة القاهرة سنة .6925
-د /مراد محمود محمود حسن حيدر ،التكييف الشرعي القانوني للمسؤولية المدنية
الناشئة عن مضار الجوار غير المألوفة – دراسة مقارنة في الفقه اإلسالمي والقانون
المدني -رسالة دكتوراه – دار المطبوعات الجامعية -اإلسكندرية -5009
-د /منصور صابر عبده خليفة – القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة
الخاصة ،دراسة مقارنة في الشريعة اإلسالمية -رسالة دكتوراه -جامعة القاهرة ،سنة
.5066
-أ /ولد خصال محمد – قيود الجوار على األمالك الخاصة المتالصقة في ضوء
األعمال القضائية -مذكرة ماجستير كلية الحقوق -جامعة الجزائر -6سنة .5064
334
-المحامي /جاد يوسف خليل – مضار الجوار غير المألوفة – الميدان ،المعيار
واالجتهادات الحديثة المدنية ،الجزائية و اإلدارية ( دراسة مقارنة) – دار العدالة –
بيروت -لبنان – الطبعة األولى.5001 -
-د /راغب الحلو – قانون حماية البيئة على ضوء الشريعة – دار الجماعة الجديدة
– مصر – -5004
-د /ماجد راغب الحلو -قانون حماية البيئة -دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية
.6994
-د /عبد الرحمان علي حمزة – مضار الجوار غير المألوفة -دراسة مقارنة بين
الفقه اإلسالمي والقانون المدني -دار النهضة العربية ،سنة .5001
-د /عطا سعد محمد حواس – المسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في
نطاق الجوار– دراسة مقارنة -دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية – طبعة .5066
-د /عطا سعد محمد حواس – األساس القانوني للمسئولية المدنية عن أضرار
التلوث البيئي في نطاق الجوار– دراسة مقارنة -دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية
– طبعة .5065
-د/محمد أحمد رمضان المسئولية المدنية عن األضرار في بيئة الجوار ،دراسة
مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقوانين الوضعية -الطبعة األولى -دار الجيب للنشر
والتوزيع -عمان األردن. 6990
-د /محمود عبد الرحمان المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة -دراسة
مقارنة -دار النهضة العربية ،القاهرة ،دون تاريخ النشر.
كساب – المسؤولية عن مضار الجوار – الطبعة األولى ،بيروت -د /مروان ّ
-6999عدم ذكر الناشر.
-د /ياسر محمد فاروق المناوي ،المسؤولية الناشئة عن تلوث البيئة ،دار الجامعة
الجديدة.5009
335
)2بحوث و مقاالت:
-د/أحمد مدحت إسالم ،التلوث مشكلة العصر ،سلسلة عالم المعرفة رقم،625
المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،أغسطس 6990
-د أبو زيد عبد الباقي تحديد األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير
المألوفة ،مجلة الحقوق،الكويتية ،السنة السابعة ،العدد الثاني ،يونيو 6998
-د /أنور سلطان،مقال ،نظرية التعسف في استعمال حق الملكية ،مجلة القانون
واالقتصاد ،تصدرها كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،العدد األول ،السنة السابعة عشرة،
مارس .6945
-د /بوبكر مصطفى ،الطبيعة القانونية لنظرية التعسف في استعمال الحق على
ضوء تعديل القانون المدني رقم 60-02الموافق ل 50يونيو ،5002المجلة النقدية
للقانون والعلوم السياسية ،كلية الحقوق ،جامعة تيزي وزو ،العدد 6سنة 5066
-الشيخ عيسوي أحمد عيسوي ،نظرية التعسف في الحق في الفقه اإلسالمي ،مجلة
العلوم القانونية واالقتصادية ،السنة الخامسة ،العدد األول ،سنة 6915
-د /عبد المجيد مطلوب – مقالة -التزامات الجوار -دراسة مقارنة في الفقه
اإلسالمي والقانون الوضعي ،مجلة العلوم القانونية واالقتصادية ،كلية الحقوق ،
جامعة عين شمس ،العدد الثاني ،السنة الثامنة عشر ،يوليو .6951
-د /مالك جابر حميدي الخزاعي – إساءة استعمال الحق خطأ تقصيريا يلزم من
صدر منه بتعويض الضرر الناشئ عنه – مجلة جامعة بابل ،العلوم اإلنسانية،
مجلد، 65العدد، 5سنة.5009
-د /محمد محي الدين إبراهيم سليم – الظروف الخاصة بالجار المضرور ومدى
تأثيرها على مبدأ المسؤولية ،أو مقدار التعويض – دراسة مقارنة في إطار نظرية
مضار الجوار غير المألوفة -مقال منشور في المجلة البحوث القانونية واالقتصادية
–تصدرها كلية الحقوق ،جامعة المنوفية ،مصر ،العدد الثالث -أفريل 6994
-د /محمد زهرة ،مقال :الطبيعة القانونية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
،دراسة خاصة حول مسألة الخيرة في القانون المصري والكويتي
336
والفرنسي ،مجلة المحامي السنة الحادية عشرة ،أعداد جويلية ،أوت ،سبتمبر،
.6999
337
)7مراجع شرعية:
مسند اإلمام أحمد – الجزء-1 -اإلمام أبو عبد اهلل أحمد ابن حنبل الشيباني –
مطبعة دار المعارف
-اإلمام/أبى عبد اهلل محمد بن أحمد األنصاري القرطبي -الجامع ألحكام القرآن،
الجزء ،2دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان6992 ،
-اإلمام أبو زكرياء محي الدين يحي بن شرف النووي – صحيح رياض الصالحين
– تحقيق مصطفى أبو المعاطي -دار الرشيد للكتاب والقرآن الكريم -الجزائر
.5001
-اإلمام أبى وليد سليمان الباجي المنتقي شرح الموطأ ،طبعة الكتاب
العربي،بيروت.الجزء 1
-اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي الشهير بالشافعي
الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ،الجزء ،2مطبعة الحلبي ،القاهرة،
-اإلمام السرخسي(،شمس الدين أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي) المبسوط،
الجزء ،62طبعة دار المعرفة،بيروت 6884،هـ،
-العالمة الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمان في تفسير
كالم المنان -دار ابن حزم-بيروت .5008
-فخر الدين عثمان بن على الزيلعي(فقيه حنفي) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق.
الجزء 4المطبعة األميرية ،القاهرة 6862.هـ
-اإلمام الفخر الرازي -التفسير الكبير،الجزء ،60دار إحياء التراث العربي،
بيروت-الطبعة الثالثة.
-اإلمام الكاساني(،عالء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني) بدائع الصنائع في
ترتيب الشرائع،طبعة دار الكتاب العربي ،بيروت ،الجزء .1
-كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام ،شرح الفتح القدير
على الهداية ،الجزء 2و ،1المطبعة دار إحياء التراث العربي 6950
-إمام دار الهجرة اإلمام /مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى ،رواية اإلمام
سحنون بن سعيد التنوخى عن اإلمام عبد الرحمان بن القاسم العتقي عن اإلمام
338
مالك بن أنس ،الطبعة األولى ،مطبعة السعادة ،مصر 6858هجرى ،الجزء الرابع
عشر ،والجزء الخامس عشر،
-مجلة األحكام العدلية ،الصادرة بين 6591هـ و 6898هـ في أواخر عهد الخالفة
العثمانية
-محمد بن يوسف الشهير بأبى حبان األندلسي -تفسير البحر المحيط ،الجزء،8
طبعة مطابع النصر الحديثة بالرياض
-للشيخ محمد رشيد رضا -تفسير المنار،الجزء، 2طبعة الهيئة المصرية العامة
للكتاب .6959،
-اإلمام محي الدين أبى زكريا يحي بن شرف بن مري النووي ،صحيح المسلم بشرح
النووي -ج ،5المطبعة المصرية و مكتبتها ،بدون تاريخ النشر
-اإلمام عبد اهلل بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي -المغني -دار البصائر
للطبع والنشر والتوزيع ،الجزء الرابع والخامس.
)8معاجم لغوية
-معجم نور الدين ـ الوسيط ـ عربي ـ عربي ـ تأليف د عصام نور الدين ـ إسناد
العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية ـ دار الكتب العلمية -بيروت لبنان ـ الطبعة األولى ـ
. 5002
-المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية القاهرة ،طبعة 5000
-المعجم الوسيط ،الجزء األول ،و الجزء الثالث مجمع اللغة العربية الطبعة .5بدون
دار النشر.
1)Ouvrages généraux
- Carbonnier Jean, Droit civil, les obligations, tome 4,
collection Thémis, Presse universitaire de France PUF 22e
édition, 2000.
339
- Colin Ambroise et Capitant Henri, Cours élémentaire de droit
Civil Français, T,1,11éme éd, par leon de la Morandier,1974.
- Cuq-Les institution juridiques des romains, Paris, 1902, T11
-Demolombe ; cour de code Napoléon, tome 12, 5ed 1872.
- Genevieve viney et patrice jourdain, traité de droit civil, Les
condition de la responsabilité, édition Dalta, Paris
-Jean- Michel Guérin avec la collaboration de Nathalie Giraud,
GERER LES RELATION DE VOISINAGE. EYROLLES,2011.
-Hauriou, Précis de droit administratif et de droit public
générale, 3éd , Paris 1897.
-Josserand(L), Responsabilité du fait des choses inanimées,
Paris, A. Rousseau 1898
-Lanbert-Pieri, Marie-Claire. construction immobilière et
dommage aux voisins,Paris 1982
- Lamarque (Jean), Le droit contre le bruit. LGDJ, Paris, 1975.
-LeTourneau(Philippe), La responsabilité civil, 3e édition,
1982.Dalloz, Paris.
-LeTourneau(Philippe)Droit de la responsabilité et des contrats-
2004-Dalloz. Paris.
- Marcovitch, La théorie de l’abus de droits en droit
comparé.LGD . Paris,1936
- Malaurie( Philippe) et Aynés(Laurent) , Cours de droit civil, les
biens, T4.CUJAS, Paris, 1998
-Mazeaud(H.L) et Tunc(A), par H.Capitant,Traité théorique et
pratique de la responsabilité civil, tome1,6e éd. Paris, 1962..
- Picard (M) Traité pratique de droit civil français TomeIII, Les
biens, 2éd, Paris1952
Pothier(Robert Joseph) Traité du contrat de société(suivi de
deux appendices, l’un sur la communauté qui est formée sans
contrat de société, et l’autre sur les obligations qui naissent du
voisinage, Paris 1807
- Proudhon(v) ,Traité de domaine public ,T1
-Raymond(Pierre). Le bruit et les autorités publiques, R. Admi,
1961.
- Raynaud (P) . Les biens. 2éd Paris , 1980.
340
-Riperet –De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports
avec les propriétés voisines .Paris, 1902.
- Saleilles(R), les accidents de travail et la responsabilité civile :
essai d’une théorie objective de la responsabilité
délictuelle,Paris,Rousseau 1897
- Starck(Boris) Droit civil "Les obligations" Paris 1972.
- Terki, Les obligation (Responsabilité civile et régime général.
O.P.U. Alger 1982
-Théron ( Jean-Pierre) ,Responsabilité pour trouble anormal de
voisinage en droit public et en droit privé, J.C.P.1976, Doct
.2802.
-.Jeze, Independence du domaine public des immeubles
riverains, R.D.I , 1910
2) thèses
- Bersson (A) La notion de garde dans la responsabilité du fait
des choses, thèse, Dijon 1927
-Caballero(F) essai sur la notion juridique de nuisance, thèse,
paris, 1981, L.G.D.J.
-Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse, paris,6914,
éd1966.
- Frossard(J) La distinctions des obligations de moyens et
obligations de resultat, thèse,Lyon 1965
-Gressin, Evolution du droit de domanialité publique sur les eaux
dans les législation français, thèse, 1906
-Girod(Patrick)la réparation du dommage écologique, thèse,
paris, 1974, L.G.D.J
-Lambert-Pieri, Construction immobilière et dommage aux
voisins, thèse, 1982
- Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage,
thèse, Toulouse1936.
- Martin(Gilles .J) De la responsabilité civil pour faits de
pollution au droit à l’environnement, thèse, Nice1976.
- Ripert (G) De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports
avec les propriétés voisines. Thèse, Aix en provence. 1902
- Prax.(André). Propriété et jurisprudence, thèse, 1933.
341
-Starck(Boris)-Essai d’un théorie générale de la responsabilité
civil considère en sa double fonction de garantie et de peine
privé ,thèse,Paris.1947.
- Stefani(p) la nature de la responsabilité en matière de trouble
de voisinage, thèse, Montpellier,1941
-Tual(H), De la responsabilité civile dans les relation de
voisinage en matière de chasse, thèse rennes;1941
3) Périodiques :
- Alvaréz –Correa , Aperçu de la responsabilité civil pour les
dommages causés par le buit des aeronefs en droit américain et
en droit francais . R.F.D.A. 1973.
- Blaise(Jean- Bernard), Responsabilité et obligations
coutumière dans les rapports de voisinage. R.T.D.civ . 1965.
- Boutelet,(Marguerite) La place de l’action pour trouble de
voisinage dans l’évolution du droit de la responsabilité civile en
matière d’environnement, J.C.P.éd, E,1999
- Capitant(H), Des obligations de voisinage et spécialement de
l’obligation qui pèse sur le propriétaire de ne causer aucun
dommage au voisin, Revue Critique,1900
- Endreo, La théorie des trouble de voisinage après les lois du
31/12/1976 et du 04/07/1980, R.D.immob, 1980
-Fournel, Traité du voisinage, Tome2 ,videcoq
libraire ,Paris1834
- Francis Lefebvre, dossiers pratiques, trouble de voisinage,
éditions, Francis Lefebvre 2008
- Frédéric Rouvière, LA pseudo-autonomie des troubles
anormaux de voisinage Manuscrit auteur, publié dans .Variations
sur le thème du voisinage, J- Ph.Tricoire, PUAM 2012.
- Guy Courtieu et Denis Courtieu ,Les troubles de voisinage,
Litec Immo jurisclasseur, Groupe LexisNexis, éd 2002.
- Lamarque (Jean), Le droit contre le bruit. LGDJ, Paris, 1975.
- Malinvaud (P)-Les dommages aux voisins dus aux opérations
de construction- RDI, nov/déc 2001.p 479
-Nicolas,(Marie-France)-La protection du voisinage, R.T.D.Civ.
1976.p675 et s.
342
- Nsana ,(Roger Mevoungou) – Le préjudice cause par un
ouvrage immobilier: Réparation en nature ou par équivalent ?
R.T.D.Civ.1995 . p.733 et s.
- Raymond(Pierre). Le bruit et les autorités publiques, R. Admi,
1961.
- Rémond- Gouilloud (Martiene) : Du préjudice écologique, D.S.
1989, Chron, p 259 et S.
-Robert, (André) –Les relations de voisinage,1991,Sirey, Paris.
- Théron ( Jean-Pierre) ,Responsabilité pour trouble anormal de
voisinage en droit public et en droit privé, J.C.P.1976, Doct
.2802. no.5 et s.
- Starck(B) domaine et fondement de la responsabilité sans faute,
R.T.D.C,1958.
-VINEY, Le préjudice écologique, in Resp. civ. et assur. Mai
1998, n° spécial
- 5)Dictionnaires Languiers :
6) Internet :
- http://www.educaloi. les rapports de voisinage,
- www.juricaf.org/ arret/France- cour de cassation Trouble de
voisinage anormal
-www.troublesdevoisinage.com/index.php?option=com.
CLAIRANCE Avocats
- http://avocats.fr Le blog de Maitre Etienne Groleau spécialiste
en droit immobilier
- http://halshs.archives-ouvertes.fr
343
الفهرس
مقدمة.......................................................... ..............ص6
الباب األول:نظرية الجوار والضرر غير المألوف.............................ص7
الفصل األول :مفهوم الجوار والضرر غير المألوف...........................ص8
المبحث األول :مفهوم الجوار.................................................ص9
المطلب األول:المفهوم القانوني للجوار.......................................ص12
الفرع األول :المفهوم القانوني لشخص الجار................................ص13
أوال :حالة األضرار الناجمة أثناء البناء .....................................ص13
ثانيا :حالة األضرار الناجمة عن العين المؤجرة .............................ص18
ثالثا :مشتري العين تحت اإلنشاء ومغتصب الحيازة .........................ص55
أ :مشتري العين تحت اإلنشاء...............................................ص55
:6بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة التي تحدث أثناء عملية البناء.......ص55
:5بالنسبة لألضرار التي تحدث بعد إتمام البناء وتسليم الشقق للمشترين......ص58
ب :مغتصب الحيازة........................................................ص52
رابعا :حالة شغل العين واستغاللها بصفة مؤقتة .............................ص55
الفرع الثاني :مفهوم الجوار من حيث األموال................................ص80
أوال :نطاق الجوار..........................................................ص80
ثانيا :مدى الجوار .........................................................ص84
ثالثا :الجوار واألموال العامة ...............................................ص85
المطلب الثاني :مفهوم الجوار في الشريعة اإلسالمية ........................ص45
الفرع األول :حقوق الجوار في الشريعة اإلسالمية..........................ص48
الفرع الثاني :المفهوم الواسع للجوار في الشريعة اإلسالمية...................ص41
خالصة المبحث.............................................................ص20
المبحث الثاني :الضرر الذي يوجب المسؤولية وضوابط تقديره..............ص26
المطلب األول :الضرر الذي يوجب المسؤولية...............................ص25
الفرع األول :الضرر الذي يوجب المسؤولية التقصيرية .....................ص25
344
الفرع الثاني :الضرر الذي يوجب المسؤولية عن مضار الجوار في القانون
الوضعي...................................................................ص21
الفرع الثالث :الضرر الذي يوجب المسؤولية عن مضار الجوار في الفقه اإلسالمي
.ص16
المطلب الثاني :ضوابط تقدير الضرر غير المألوف........................ص18
الفرع األول :طبيعة ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر......................ص14
الفرع الثاني :ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر التي نصت عليها المادة 5/196
ص11
ضوابط متعلقة بالعرف...............................................ص15 أوال:
أ :االعتبارات المستمدة من ظروف المكان .................................ص 19
ص56 ب :االعتبارات المستمدة من ظروف الزمان............................
ثانيا :ضوابط متعلقة بالعقار ...............................................ص 54
.ص54 أ :طبيعة العقارات....................................................
ص51 ب :موقع كل عقار بالنسبة لآلخر......................................
ج :الغرض الذي خصصت له العقارات ....................................ص59
الفرع الثالث :ضوابط تقدير الضرر غير المألوف التي لم تنص عليها المادة
.................................................................. 5/ 196ص96
أوال :أسبقية الحصول على ترخيص إداري................................ص96
أ :موقف الفقه والقضاء من أسبقية الحصول على ترخيص إداري…....….ص95
ب:موقف فقهاء الشريعة اإلسالمية من الترخيص الصادر من اإلمام على حق
الجار ......................................................................ص94
ثانيا :أسبقية االستغالل والوجود.............................................ص92
أ :األسبقية الفردية في االستغالل والوجود..................................ص99
-6موقف الفقه والقضاء في ألسبقية الفردية في االستغالل والوجود..........ص99
345
-5موقف المشرع الفرنسي الحديث في ألسبقية الفردية في االستغالل والوجود
ص 99
ب :األسبقية الجماعية في االستغالل والوجود..............................ص92
ج :رافضو فكرة أسبقية االستغالل والوجود بنوعيها .......................ص95
ثالثا :الظروف الخاصة بالجار المضرور................................ص600
خالصة المبحث...........................................................ص602
346
ب -بالنسبة ألنصار تقييد حق الملكية......................................ص648
ج :بالنسبة ألنصار تقييد حق الملكية بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا
ص648
المبحث الثاني :آليات تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة في القانون المدني
ص642 الجزائري
المطلب األول :شروط وخصائص تطبيق نظرية مضار الجوار غير مألوفة
ص642
الفرع األول :شروط تطبيق نظرية مضار الجوار غير مألوفة..............ص642
أوال :توافر صفة الجار....................................................ص641
ثانيا :مشروعية التصرف الجار............................................ص645
ثالثا :تجاوز المضار أعباء الجوار المألوفة ................................ص649
الفرع الثاني :خصائص نظرية مضار الجوار غير المألوفة................ص628
أوال :تحقق المضار مرتبطة بالتجاور وليس التالصق.....................ص628
ثانيا :النشاط الذي تنجم عنه المضار هو نشاط ضار حكما.................ص624
ثالثا :النشاط الضار هو مصدر لضرر مستمر.............................ص622
المطلب الثاني :موقع النص المادة 196وصياغته في القانون المدني الجزائري
ص621
الفرع األول :موقع نص المادة .......................................196ص625
الفرع الثاني :صياغة نص المادة .....................................196ص610
أوال :بالنسبة لصياغة الفقرة األولى من النص..............................ص616
ثانيا :بالنسبة لصياغة الفقرة الثانية من النص,..............................ص615
ثالثا :فيما يتعلق بعالقة الفقرة األولى بالثانية...............................ص618
خالصة المبحث ..........................................................ص615
الباب الثاني :أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة وأحكامها.......ص650
الفصل األول :أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة ...................ص655
المبحث األول :موقف الفقه من أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة
ص652
347
المطلب األول:االتجاه الذي يقيم المسؤولية على فكرة الخطأ ......................ص651
الفرع األول :الخطأ الواجب اإلثبات كأساس للمسؤولية.............................ص651
الفرع الثاني :التعسف في استعمال الحق كأساس للمسؤولية........................ص696
الفرع الثالث :الخطأ المفترض كأساس للمسؤولية....................................ص690
الفرع الرابع :رفض المالك التعويض كأساس للمسؤولية..........................ص692
الفرع الخامس :اإلخالل بالتزامات الجوار كأساس للمسؤولية.....................ص699
أوال :أساس المسؤولية التزام قانوني……………………………… .ص699
ثانيا :أساس المسؤولية االلتزام الناشئ عن شبه عقد الجوار……………..ص502
ثالثا :أساس المسؤولية القواعد العرفية ………………………………ص505
خالصة المطلب .........................................................................ص509
المطلب الثاني :االتجاه الذي يقيم النظرية على أساس موضوعي …….…...ص566
الفرع األول :أساس المسؤولية هو االستعمال االستثنائي أو غير العادي لحق الملكية
ص566
الفرع الثاني :أساس المسؤولية قائم على فكرة إقامة التوازن بين حقوق الملكية الواردة
على العقارات المتجاورة ................................................................ص562
الفرع الثالث :أساس المسؤولية قائمة على فكرة الضمان ..........................ص565
الفرع الرابع :أساس المسؤولية هو فكرة المخاطر أو تحمل التبعة ...............ص550
خالصة المبحث ..........................................................................ص 559
المبحث الثاني :أساس المسؤولية في القانون الجزائري ..................ص580
المطلب األول :موقف المشرع الجزائري من نظرية مضار الجوار غير المألوفة
ص586
الفرع األول :التعسف في استعمال الحق في التشريع الجزائري ............ص585
الفرع الثاني :عالقة المادة 654مكرر بالمادة 196من القانون المدني .........ص585
أوال :معايير التعسف المنصوص عليها في المادة 654مكرر ..................ص585
أ -استعمال الحق بنية اإلضرار بالغير........................................ص589
ب -إذا كان استعمال الحق يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر
الناشئ للغير ................................................................ص589
ج -إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة .................ص540
ثانيا :عدم إمكانية دمج المادة 196مدني جزائري ضمن أحد معايير التعسف
المنصوص عليها في المادة 654مكر ......................................ص545
ثالثا :التمييز بين المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق والمسؤولية
الناجمة عن الضرر غير المألوف .........................................ص542
348
المطلب الثاني :استبعاد نظرية الخطأ و ترجيح نظرية تحمل التبعة ........ص541
349
-4الضوضاء الناتجة عن النشاطات التجارية والصناعية .................ص592
ج -مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األغراس .....................ص595
د -مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األجزاء المشتركة..............ص599
-6مسؤولية النقابة التي تمثل شاغلي األمالك المشتركة .................ص599
-5مسؤولية شاغلي األمالك المشتركة.....................................ص599
المطلب الثاني :مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن التجاور ...........ص599
الفرع األول :أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث الهواء........ص590
أوال :مضار األدخنة والغازات المؤذية …...........................…..ص596
ثانيا :مضار الروائح الكريهة …….. ...................................ص592
ثالثا :مضار الغبار واألتربة …......................................…..ص599
الفرع الثاني :أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث المياه .......ص805
أوال :تسرب النفط ومشتقاته ….......................................…..ص808
ثانيا :مخلفات المصانع ..............................................…..ص808
ثالثا :نفايات المدن …................................................….ص802
الفرع الثالث :أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث التربة ........ص805
الفرع الثالث :أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن التلوث الضوضائي ......ص809
أوال:األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من المنشآت الصناعية والتجارية
...................................................................... …..ص860
ثانيا :األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من أعمال التشييد والبناء
.....................................................................…...ص868
ثالثا :األضرار الناتجة عن الضوضاء المالحة الجوية................... .ص862
خالصة المبحث ...........................................................ص869
خاتمة ...................................................................ص856
بيان المختصرات .........................................................ص859
قائمة المراجع .............................................................ص859
الفهرس ..................................................................ص844
350