You are on page 1of 354

‫جامعة الجزائر(‪ -)1‬بن يوسف بن خدة‬

‫‪ -‬كلية الحقوق‪-‬‬

‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬


‫‪ -‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم‪ -‬فرع عقود ومسؤولية‪-‬‬

‫تحت إشراف األستاذ الدكتور‬ ‫تقديم الطالبة‪:‬‬


‫الغوتي بن ملحة‬ ‫أسماء مكي‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‬


‫األستاذ الدكتور‪ :‬فياللي علي ‪..........................‬رئيسا‬
‫األستاذ الدكتور‪ :‬الغوتي بن ملحة‪.............‬مشرفا ومقر ار‬
‫األستاذ الدكتور‪ :‬جعفور محمد سعيد‪..................‬ممتحنا‬
‫‪ :‬حامق ذهبية‪........................‬ممتحنة‬ ‫الدكتورة‬
‫‪ :‬ديب جمال‪.........................‬ممتحنا‬ ‫الدكتور‬
‫‪ :‬ولد خسال سليمان‪...................‬ممتحنا‬ ‫الدكتور‬

‫محضر اجتماع المجلس العلمي‪ 52:‬جوان‪ – 5112‬قرار المناقشة‪..:‬أفريل ‪5112‬‬


‫تاريخ المناقشة‪ 19:‬أكتوبر ‪5112‬‬
‫بسم اهلل الرحمان الرحيم‬

‫َربَّنَا الَ تؤَا ِخذْنَآ إِن نَِّسينَآ أَ ْو ْخطَأنا‬

‫صدق اهلل العظيم‬


‫من اآلية ‪ 682‬من سورة البقرة‬
‫كلمة شكر‬

‫من به علي ووفقني‬


‫الشكر والحمد هلل تعالى على فضله الذي ّ‬
‫إلتمام هذه األطروحة‪ ،‬التي كانت حلما وأصبحت حقيقة‪.‬‬
‫ومن بعده‬
‫أتقدم بالشكر والتقدير إلى أستاذي المشرف أستاذ التعليم العالي‬
‫الغوتي بن ملحة الذي قبل تأطيري واشرافي إلنجاز هذه‬
‫األطروحة‪.‬‬
‫كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى األساتذة أعضاء لجنة المناقشة‬
‫على تفضلهم بقراءة األطروحة قصد تصويبها واثرائها‬
‫بمالحظاتهم القيمة‬
‫وأشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا العمل ولو بكلمة‬
‫طيبة‪.‬‬
‫إهداء‬

‫الدي رحمهما اهلل اللذين حثاني على العلم وأوصياني به‪.‬‬


‫إلى و ّ‬
‫إلى حماتي وحماي رحمهما اهلل اللذين سعدا بتسجيلي هذه‬
‫األطروحة‪.‬‬
‫وولدي حفظهم اهلل ومتعهم بالصحة والعافية والهناء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى زوجي‬
‫إلى إخوتي جعلهم اهلل لي سندا وحماهم من كل سوء‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫أثارت المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة جدال في الفقه والقضاء ذلك‬
‫ألن المشرع أورد النص الذي ينظم هذه النظرية في باب حق الملكية تحت قسم القيود‬
‫التي تلحق حق الملكية‪.‬‬

‫فحاول جانب كبير من الفقه والقضاء تكييف أحكام هذه النظرية وفقا للتقسيم‬
‫الشكلي الذي تبناه المشرع‪ ،‬دون التعايش مع جوهر هذه النظرية‪ .‬فمن هذا المنطق‬
‫تفرقت وجهات نظرهم فمنهم من رأى أنها ال تخرج عن حقوق االرتفاق‪ ،‬ومنهم من‬
‫قرر إخراجها منها‪ ،‬واعتبرها قيدا يرد على حق الملكية العقارية‪.‬‬

‫ويرد على هذا االتجاه أنه لو اقتصرنا المسؤولية على مضار الجوار غير المألوفة‬
‫على فكرة االرتفاق نكون قد قيدنا من هذه النظرية وذلك ألن االرتفاق يشترط من أجل‬
‫تقريره وجود عقارين بطبيعتهما أحدهما مرتفق واآلخر مرتفق به ومن ثم ال يخرج ما‬
‫ورد في المادة ‪ 291‬مدني عن كونه ارتفاقا مقر ار على بعض العقارات لصالح البعض‬
‫اآلخر‪ .‬ويترتب عليه خروج كثير من الحاالت‪ ،‬كالمضايقات التي يشكو منا الجيران‬
‫نتيجة الضوضاء أو األغراس أو التلوث التي يحدثها الجار والتي تقلق راحتهم وتضر‬
‫بصحتهم‪ .‬وبهذا نكون قد خالفنا رغبة المشرع الذي منح الجار المضرور الحق في‬
‫المطالبة بالتعويض عما يترتب عنه من مضايقات تجاوزت الحد المألوف‪ ،‬هذا من‬
‫جهة‪ .‬من جهة أخرى فإنه يشترط لتقرير حق االرتفاق أن يكون العقاران مملوكان‬
‫لشخصين مختلفين‪ .‬وهذا ال ينطبق مع نص المادة ‪ 291‬مدني‪ .‬ألنه قد يملك شخص‬
‫عقارين متجاورين ويقوم بتأجيرهما لشخصين مختلفين‪.‬‬

‫وعليه يبدو أن االتجاه القائل بفكرة االرتفاق‪ ،‬وتكييفه أحكام نظرية مضار الجوار‬
‫غير المألوفة عليها‪ ،‬بالنظر إلى ما يثقل الشخص من التزام بتحمل األضرار‬

‫‪1‬‬
‫العادية‪ ،‬يكون قد تجاهل في نفس الوقت أن الجار محدث األضرار العادية‬
‫يستعمل حقا مشروعا ومن ثم ال يكون مسؤوال عما ينشأ عن ذلك من ضرر‪.‬‬

‫كما أننا لو اقتصرنا المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة على فكرة القيود‬
‫التي ترد على حق الملكية‪ ،‬نكون بذلك من جهة قد ألزمنا المالك بالتعويض عن‬
‫المضايقات غير المألوفة بغض النظر عن صفة محدث الضرر‪ .‬ألن منطق فكرة‬
‫القيود القانونية تعني أن المنازعات تكون بين حقين مطلقين‪ ،‬والتي ال يمكن تصور‬
‫وجودها إال بين اثنين من المالك‪ ،‬وهي نتيجة غير منطقية‪ .‬وال تتفق مع االستقرار‬
‫الفقهي والقضائي الحديث‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى لو أخذنا بالمفهوم الضيق للمادة ‪ 291‬مدني‪ ،‬فإن المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة تبقى حبيسة التفسير الضيق الذي فرضته على المالك‬
‫بأن ال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار‪ .‬وبذلك يرتبط نطاق‬
‫تطبيقها بمسؤولية المالك دون سواه‪ ،‬واذا كان هذا التفسير يستند إلى ظاهر النص‪،‬‬
‫ويبدو منسجما مع وضعه ضمن القيود الواردة على حق الملكية‪ ،‬إال أن إمعان النظر‬
‫في النص ال يحتم األخذ بهذا التفسير‪.‬‬

‫ومن جهة ثالثة أن العين في حد ذاتها قد ال تكون مصد ار للمضايقات‪ ،‬فقد تحدث‬
‫المضايقات نتيجة فعل الجار كالضوضاء التي يحدثها نتيجة نشاطه المنزلي أو‬
‫التجاري أو الصناعي‪ .‬وأن القول بوجود اللتزام على عاتق المالك المجاور مقتضاه‬
‫عدم تسبيب مضايقات غير عادية للجوار يقودنا حتما إلى ربط المسؤولية عن مضار‬
‫الجوار غير المألوفة بمفهوم الخطأ وبذلك يترتب على مخالفة أي التزام قيام الخطأ‬
‫وبالتالي قيام المسؤولية التقصيرية‪ .‬غير أن محاولة صهر نظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة بالمسؤولية التقصيرية واعتبارها تطبيقا خاصا لها‪ ،‬بافتراض الخطأ منذ لحظة‬
‫تجاوز أعباء الجوار العادية‪ ،‬يؤدي بالضرورة إلى تفجير قواعد المسؤولية التقصيرية‬
‫لتحميلها أكثر من طاقتها‪ .‬هذا ما جعل الفقه والقضاء الحديث‬

‫‪2‬‬
‫يعدل صراحة على مفهوم الخطأ ويستقر على اعتبار نظرية مضار الجوار غير‬
‫مألوفة تعد إحدى صور قواعد المسؤولية الموضوعية‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن فكرة المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة هي فكرة‬


‫قديمة نادت بها شريعتنا اإلسالمية‪ ،‬والتي بفضلها أعطى الفقه اإلسالمي للمالك‬
‫الحرية في استعمال حقه‪ ،‬وفي نفس الوقت ألزمه بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‪،‬‬
‫وهو بذلك لم يغلب جانب المالك على جاره‪ ،‬ولم يغلب مصلحة الجار المضرور على‬
‫الجار محدث الضرر‪ ،‬بل نهج انتهاجا وسطيا ‪ ،‬بتحميل الجار محدث الضرر‬
‫األضرار التي تزيد عن الحد المألوف بين الجيران‪ ،‬وحمل الجار المضرور األضرار‬
‫المألوفة التي ال يخلو منها الجوار‪ ،‬ويكون بذلك قد وفق بين مبدأين متعارضين هما‪:‬‬
‫مبدأ ضمان استعمال الحقوق الفردية‪ ،‬ومبدأ عدم اإلضرار باآلخرين في استعمال تلك‬
‫الحقوق‪ ،‬ويكون بذلك قد أقام التوازن بين الحقوق المجاورة‪ ،‬وأعطى لكل طرف حقه‪.‬‬

‫كما عرفها القضاء والفقه الوضعي‪ ،‬إال أنها لم تتخذ أهمية خاصة إال في العصر‬
‫الحديث‪ ،‬ويرجع ذلك إلى تطور الحياة وازدياد النشاط االقتصادي‪ ،‬الذي تسبب في‬
‫تزايد مضار الجوار التي تؤذي الجيران وتقلق راحتهم‪ .‬ففي فرنسا وبغياب النص‬
‫التشريعي مقابل للمادة ‪ 291‬مدني فقد لعب القضاء دو ار هاما في تكريس أحكام هذه‬
‫المسؤولية‪ ،‬فوضع لها نظاما متكامال‪ ،‬يقوم على مبدأ موضوعي بعيدا على فكرة‬
‫الخطأ مؤداه "أنه ليس ألحد الحق في أن يسبب لجيرانه مضايقات تتجاوز المضار‬
‫العادية للجوار"‪ .1‬وفي تطبيقه لهذه المسؤولية أبدى قضاء الفرنسي مرونة كبيرة في‬
‫تقريرها‪ ،‬واضعا في اعتباره أهمية ضمان الحق في السكينة والهدوء‪ ،‬ذلك الحق يتعلق‬
‫بنمط الحياة‪ ،‬والحماية الالزمة للبيئة‪ ،‬فضال عن أنه يعد السمة الجوهرية لحق الملكية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass.2e civ.31/05/2000, JCP 2000.‬‬

‫‪3‬‬
‫وأمام قلة األحكام القضائية المتعلقة بالمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫في القض اء الجزائري ألزمني التوجه إلى القضاء الفرنسي واالستعانة بأحكامه الغزيرة‬
‫التي تناولت جوانب متعددة متعلقة بموضوع البحث والتي سهلت لي الدراسة‪.‬‬

‫من خالل ما سبق أجد أن دراسة المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة من‬
‫الموضوعات الهامة في المسؤولية المدنية‪ ،‬ومرد ذلك ما يتميز به العصر الحاضر‬
‫من مظاهر النهضة‪ ،‬والتي من أهمها النهضة صناعية والعمرانية التي اتجهت نحو‬
‫المجتمعات السكنية الضخمة حال ألزمة اإلسكان‪ ،‬وما صاحب ذلك من ضوضاء‬
‫مفرطة وحرمان من الضوء والرؤية وتكاثر الغبار والدخان والنفايات التي ينبعث منها‬
‫روائ ح كريهة ومناظر ال تسر الناظرين وما يميز هذه المضار أنها تؤذي الجار أكثر‬
‫مما تضر العقار‪ .‬ومن صور مضار الجوار غير المألوفة أيضا ما تقع على عقار‬
‫الجار نتيجة أعمال البناء من حفر وهدم وردم‪ ،‬والتي تتسبب في تشقق أو تصدع أو‬
‫انهيار‪ ،‬أو هبوط لمستوى األرض‪ ،‬أو ما يحدث ه بناء العقار الجديد من حجب الرؤية‬
‫والضوء عن عقار الجار‪ .‬وأمام هذه األضرار ارتأيت تناول دراستي من حيث المفهوم‬
‫الواسع للجوار الذي ال يقتصر على التالصق وال ينحصر في العقارات فيما بينها بل‬
‫يشمل إضافة إلى ذلك وفقا لالتجاهات المعاصرة الجوار بين المنقوالت والعقارات‪.‬‬

‫كما أنه أمام هذه األضرار الناتجة عن التلوث بكل صوره والذي يكون ضحيتها‬
‫الجار اآلمن في مسكنه‪ ،‬الذي بات مهددا ليس فقط في طلب الهدوء والسكينة‬
‫والصحة بل في حياته أيضا‪ .‬بسبب جاره الذي راح يغالى في استعمال حقه معتقدا أنه‬
‫طالما لم يرتكب خطأ التخاذه التدابير الالزمة لمنع الضرر أو لم يتعسف في استعمال‬
‫حقه وأنه قد حصل على ترخيص إداري الستعمال هذا الحق‪ ،‬فإنه ال تترتب عليه أية‬
‫مسؤولية حتى ولو أضر بجاره‪ .‬أمام هذه الوقائع‪ ،‬هل يحق للجار المضرور المطالبة‬
‫بالتعويض؟ وهل تستجيب قواعد المسؤولية التقصيرية‬

‫‪4‬‬
‫لحماية الج ار المضرور؟ أم أنها عاجزة لعدم تمكن الجار من إثبات خطأ وتعسف‬
‫الجار محدث الضرر؟‪.‬‬

‫ولإلجابة عن هذا التساؤل البد من تحديد مفهوم الجوار وكذا الضرر غير‬
‫المألوف‪ .‬وفصله عن الضرر المألوف الذي ال يقيم المسؤولية‪ .‬تم تحديد أساس‬
‫وأحكام هذه المسؤولية‪.‬‬

‫وذلك من خالل تقسيم هذه األطروحة إلى بابين‪ ،‬أتناول في الباب األول نظرية‬
‫الجوار والضرر غير المألوف ومن خالله أتعرض لمفهوم الجوار والضرر غير‬
‫المألوف ألصل إلى ضبط مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫وفي الباب الثاني أتناول أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫وأحكامها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الباب األول‬

‫نظرية الجوار‬
‫و‬
‫الضرر غير المألوف‬

‫‪6‬‬
‫الباب األول‬
‫نظرية الجوار والضرر غير المألوف‬

‫لقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة البد من توافر عنصران أساسيان‬
‫وهما الجوار والضرر غير المألوف والتي ترتبط قواعدها بتحقق صفة الجار في كل‬
‫من المضرور والمسؤول ‪ ،‬كما أن لقيام هذه المسؤولية البد أن يكون الضرر قد تجاوز‬
‫الحد المألوف‪.‬‬

‫لذا يستلزم من خالل هذا الباب تحديد مفهوم الجوار والضرر غير المألوف وفصله‬
‫عن الضرر المألوف ألصل إلى ضبط مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬
‫واآلليات ضبطها‪.‬‬

‫وللكشف عن جوهر فكرة المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة البد من‬
‫الرجوع في كل مرة إلى شريعتنا اإلسالمية التي أنشأت الفكرة ومنحتها عناية خاصة فقد‬
‫أعطت للجار الحرية في استعمال حقه‪ ،‬وفي نفس الوقت ألزمته بعدم اإلضرار بالجار‬
‫ضر ار فاحشا‪ ،‬وهي بذلك لم تغلب مصلحة الجار المضرور عن مصلحة الجار محدث‬
‫الضرر‪.‬‬

‫ولبيان ذلك‪ ،‬أقسم هذا الباب إلى فصلين على النحو التالي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم الجوار والضرر غير المألوف‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل األول‬
‫مفهوم الجوار والضرر غير المألوف‬

‫ال يمكنني تحديد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة دون معرفة وتحديد‬
‫مفهوم الجوار وكذا الضرر غير المألوف‪ .‬وفصله عن الضرر المألوف الذي ال يقيم‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫لذا يمكن القول إن وضع فصل كامل لهذه الدراسة أمر يفرض نفسه لتسهيل‬
‫البحث عن قيام أو تخلف المسؤولية محل الدراسة ‪ .‬ويجب تناوله في مبحثين ‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الجوار‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية وضوابط تقديره‬

‫‪8‬‬
‫المبحث األول‬
‫مفهوم الجوار‬

‫الجوار أمر حتمي على اإلنسان باعتباره كائن اجتماعي ومدني بطبعه‪.‬ال يستطيع‬
‫أن يعيش إال في جماعة ليتعاون مع أبناء جنسه على تحقيق ضرورات الحياة العادية‬
‫لحياته وبقائه‪.‬‬

‫ومن هذا المنطق تتضح أهمية تحديد مفهوم الجوار خاصة وأن فكرة الجوار‬
‫مرتبطة بالمسؤولية التي قررها المشرع الجزائري في المادة ‪ 196‬مدني التي توجب‬
‫على المالك في استعمال حقه بعدم التعسف إلى حد يضر بملك الجار ضر ار غير‬
‫مألوف‪ .‬وبتحديد صفة الجار تتحدد أطراف المسؤولية سواء من ناحية المسؤول عن‬
‫إحداث الضرر‪ ،‬أو من ناحية المضرور المستحق للتعويض‪ ،‬اللذان تربطهما رابطة‬
‫الجوار‪.‬‬

‫ومما يزيد من أهمية البحث أن المشرع الجزائري حين وضع القواعد الخاصة‬
‫بالمسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة لم يتطرق إلى مفهوم الجوار سواء من‬
‫حيث نطاقه أو من حيث مداه إذ نص في الفقرة الثانية من المادة ‪ 196‬مدني على‪:‬‬
‫"ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة غير أنه يجوز له أن‬
‫يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف‪ ."...‬يتضح من هذا النص أن‬
‫كلمة جار جاءت مطلقة‪ .‬لذا أصبح ضروريا أن نحدد مفهوم الجوار الرتباطه‬
‫بالمسؤولية التي نحن بصدد دراستها ‪.‬‬

‫ومن أجل تحديد المفهوم القانوني للجوار ال بد من التطرق إلى معناه اللغوي ثم‬
‫معناه اصطالحي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫فالجوار لغة‪ :‬بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح‪ .‬وهو مصدر جاور‪ .‬يقال جاور‬
‫مجاورة وجوارا‪ :‬القربى في السكن والصقه في السكن وتجاور القوم أو اجتور القوم‪:‬‬
‫جاور بعضهم بعضا‪ .‬وجارك هو الذي يجاورك‪ .‬والجار هو المجاور أو القريب في‬
‫السكن‪ .‬والجمع‪ :‬جيران وجيرة وأجوار‪ ،‬واالسم ‪ :‬الجوار‪.1‬‬

‫وقد وردت كلمتا الجوار والجار في معاجم اللغة بمعان أخرى كثيرة‪ ،‬ويختلف‬
‫‪2‬‬
‫المراد بكل منها باختالف المقام الذي وردت فيه‪.‬‬

‫وفي اللغة الفرنسية وردت كلمة "الجوار" ‪ voisinage‬بمعنى‪ :‬تجاور األشخاص‬


‫الذين يسكنون بالقرب من بعضهم البعض‪proximité des personnes qui .‬‬
‫‪ habitent près les unes des autres.‬وبمعنى العالقات بين الجيران ‪des :‬‬
‫‪ . relations entre voisins‬وبمعنى األماكن التي توجد بجوار أو على مقربة من‬
‫بعضها البعض‪Lieux qui se trouvent à proximité de quelque chose .‬‬
‫كما وردت كذلك بمعنى التقارب أو التجاور في المكان‪proximité dans .‬‬
‫‪. 3 l’espace‬‬

‫بمعنى ‪ :‬لصق الشيء‬ ‫‪4‬‬


‫أما عن التالصق في اللغة ‪ :‬فقد ورد في معاجم اللغة‬
‫بغيره‪ .‬لصقا‪ -‬لصيقا ولصوقا ‪ :‬لزق به ‪ ،‬فهو الصق ولصاق‪ .‬والصق الشيء‬
‫بالشيء‪ :‬ألزقه به‪ .‬والتصق به ‪ :‬إلتصق والتحم‪ .‬تالصقا‪ :‬تالزما‪ .‬واللصق ‪ :‬يقال‬

‫‪ -1‬معجم نور الدين ـ الوسيط ـ عربي ـ عربي ـ تأليف د عصام نور الدين ـ إسناد العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية ـ‬
‫دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ـ الطبعة األولى ـ ‪ . 5002‬المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية القاهرة ‪ ،‬طبعة‬
‫‪.5000‬ص‪.651‬المعجم الوسيط‪ ،‬ج ‪ 6‬مجمع اللغة العربية الطبعة ‪ 5‬ص ‪.641‬‬
‫‪ -2‬معجم الوجيز‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪ ،651‬معجم الوسيط – المرجع السابق ‪ -‬ص‪641‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Petit Larousse en couleurs,Paris1972.p 980et 981. Larousse de langue française.‬‬
‫‪Lexis .Paris 1977, p 1925 . Petit Larousse Illustré. 1985. p1073.‬‬
‫‪ -4‬المعجم الوجيز – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ .225‬المعجم الوسط – الجزء الثالث‪ -‬مجمع اللغة العربية – الطبعة‬
‫الثانية – ص ‪.410‬‬

‫‪10‬‬
‫هو لصقي وبلصقي‪ :‬بجنبي وهو يلصق الحائط‪ .‬واللصيق‪ :‬الدعى وهو لصيقي‬
‫بجنبي‪ ،‬وجار لصيق ‪ :‬مالصق‪.‬‬

‫وعليه يستفاد مما ورد في المعاجم اللغوية سواء العربية أو الفرنسية أن الجوار هو‬
‫القرب في المكان أو السكن وأنه ال يقتصر بين األماكن واألشياء وانما يشمل كذلك‬
‫التجاور أو التقارب بينها‪ .‬فالجوار طبقا للمفهوم اللغوي‪ ،‬يشمل التالصق بين األشياء‬
‫أو األماكن ‪ ،‬وكذلك التجاور أو التقارب بينها ‪ .‬بينما التالصق هو إلتحام أو التصاق‬
‫الشيء بغيره‪ ،‬أي جعل الشيء أيا كانت طبيعته بجانب غيره بحيث ال يفصل بينهم‬
‫فاصل‪ ،‬أي أن الجوار أشمل وأعم من التالصق فهو ينطوي على التجاور أو التقارب‬
‫بين األماكن واألشياء وكذلك على التالصق بينها‪ .‬فالجوار قد يكون بالتالصق أو‬
‫بالتجاور أي التقارب بين األماكن واألشياء‪.1‬‬

‫المعنى االصطالحي للجوار‪ :‬يتضح من خالل الدراسات الفقهية في هذا الصدد أن‬
‫الجوار ال يقتصر على التالصق بين األموال فقط وانما يتحقق أيضا بالتجاور بين‬
‫األموال أيا كانت طبيعتها أو بالتالصق فيما بينها وان كان هذا التالصق غير الزم‬
‫لتحقق الجوار‪ .‬فالتالصق هو الصلة المادية التي تربط بين شيئين أو مالين بحيث‬
‫يتصل كل منهما باآلخر اتصاال وطيدا ال انفصال بينهما‪.‬‬

‫أما التجاور فهو التواجد في نطاق أو حيز جغرافي أو مكاني معين‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫هناك اتصاال ماديا بين األموال التي توجد في هذا النطاق أو الحيز‪.‬‬

‫‪ -‬أنظر د‪ /‬عطا سعد محمد حواس – المسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار – دراسة‬ ‫‪1‬‬

‫مقارنة ‪ -‬دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية – طبعة ‪ -5066‬ص ‪ 95‬و‪ 99‬و كذا د‪/‬عبد اهلل عبد العزيز المصلح‬
‫ـ قيود الملكية الخاصة ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ‪ 6999‬ص‪.209‬‬

‫‪11‬‬
‫وعليه فالجوار أعم وأشمل من التالصق ألنه يشمل األموال المتالصقة وغير‬
‫المتالصقة وهو بهذا ال يمكن تحديده تحديدا جامدا لمرونته واختالفه من حالة إلى‬
‫أخرى‪.‬‬

‫بعد توضيح مقصود الجوار لغة واصطالحا‪ ،‬يتعين علينا البحث عن المفهوم‬
‫القانوني للجوار والذي يجب النظر إليه من جانبين ‪:‬‬

‫ـ من جانب الشخص بصفته جا ار إما مسؤوال أو متضر ار ‪.‬‬


‫ـ ومن جانب األموال موضوع الجوار فينظر إليها من حيث طبيعتها لمعرفة هل‬
‫الجوار يؤخذ على العقار أو المنقول أو عليهما معا ؟‪.‬‬

‫وباعتبار أن شريعتنا اإلسالمية اهتمت بالجوار اهتماما كبي ار فال يمكني‬


‫إغفال البحث عن مفهوم الجوار في شريعتنا السمحاء باعتبارها السباقة في تناول هذا‬
‫الموضوع‪ .‬لذلك ارتأيت تبعا لذلك أن أقسم المبحث إلى مطلبين ‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المفهوم القانوني للجوار‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الجوار في الشريعة اإلسالمية‬

‫المطلب األول‪:‬المفهوم القانوني للجوار‬


‫لتحديد المفهوم القانوني للجوار البد من تحديد المفهوم القانوني لشخص الجار‬
‫وكذا مفهوم الجوار من حيث األموال وذلك من خالل تقسيم هذا المطلب إلى فرعين‬
‫أتناول في‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المفهوم القانوني لشخص الجار‬
‫الفرع الثاني مفهوم الجوار من حيث األموال‬

‫‪12‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المفهوم القانوني لشخص الجار‬
‫ترجع أهمية البحث عن المفهوم القانوني للشخص الذي تتوفر فيه صفة الجار‪،‬‬
‫والتي تشمل كل من المضرور ومحدث الضرر باعتبارهما طرفي المسؤولية واللذين‬
‫تربطهما رابطة الجوار‪ .‬خاصة وأن المادة ‪ 196‬مدني جزائري جاءت فيها كلمة الجار‬
‫مطلقة مما أثار خالف في الفقه والقضاء حول شخص الجار‪ .‬هل يقتصر على‬
‫المالك فحسب ؟ أم يمتد إلى أشخاص آخرين قد ال يتمتعون بصفة المالك؟‪.‬‬

‫عند البحث عن المعنى القانوني للجار ظهرت بعض الحاالت التي يتصور بشأنها‬
‫خالف حول تحديد صفة الجار‪ .‬كحالة األضرار الناجمة أثناء عملية البناء‪ .‬حيث‬
‫يثار التساؤل من له صفة الجار في هذه الحالة هل هو رب العمل أم المقاول؟‪ .‬وحالة‬
‫األضرار الناجمة عن العين المؤجرة هل صفة الجار تكون للمؤجر أم المستأجر؟‪.‬‬
‫وكذلك بالنسبة لمشتري العين تحت اإلنشاء أو مغتصب حيازة العين هل تتوفر فيهما‬
‫صفة الجار؟‪ .‬ويثار التساؤل أيضا عن مدى اشتراط الدوام واالستقرار من أجل‬
‫إضفاء صفة الجار على الشخص‪ ،‬أم يكفي تحقق الجوار المؤقت للشخص ؟‬

‫لإلجابة عن هذه التساؤالت ارتأيت تقسيم الفرع إلى أربعة نقاط‪.‬‬


‫أوال‪ :‬حالة األضرار الناجمة أثناء البناء‬
‫ثانيا‪ :‬حالة األضرار الناجمة عن العين المؤجرة‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬حالة مشتري العين تحت اإلنشاء ومغتصب الحيازة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬حالة شغل العين واستغاللها بصفة مؤقتة‬

‫أوال‪ :‬حالة األضرار الناجمة أثناء البناء‬


‫قد ينجم عن اآلالت المستخدمة أثناء عمليات البناء وخاصة في المنشآت‬
‫الضخمة التي تعتمد على الوسائل الحديثة في التشييد‪ ،‬التي يقوم بها المالك سواء‬

‫‪13‬‬
‫ار جسيمة تتجاوز الحد المألوف‬
‫بنفسه أو عن طريق مقاول يعهد إليه غالبا‪ ،‬أضر ا‬
‫قسمها الفقه إلى ثالثة أنواع‪:1‬‬

‫النوع األول‪ :‬هو األضرار والمضايقات الناشئة عن عملية البناء ذاتها‪،‬‬


‫كالضوضاء التي تحدثها آالت ومعدات البناء‪ ،‬والغبار الناجم عن عمليات الهدم‬
‫والردم‪ ،‬هذه األضرار تظل مستمرة طوال مدة البناء‪.‬‬

‫أما النوع الثاني ‪ :‬فهو الذي يتعلق باألضرار التي تصيب العقار المجاور نتيجة‬
‫أعمال الحفر أو الردم التي تتم على عمق كبير في باطن األرض‪ .‬كما هو الحال عند‬
‫إنشاء نفق تحت األرض قد يؤثر على استقرار العقارات المجاورة ‪.‬‬

‫أما النوع األخير من األضرار‪ :‬فهو الذي يتحقق لمجرد تشييد عقار جديد كما هو‬
‫الحال عند تشييد مبان مرتفعة تحجب الضوء والرؤية عن هذه العقارات‬

‫ومن هنا يثار التساؤل‪ ،‬من هو الشخص الذي يعد جا ار بالنسبة لتلك المضار طبقا‬
‫لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار هل هو رب العمل أم المقاول الذي تعهد إليه‬
‫عملية البناء؟‬

‫اختلف الفقه والقضاء على ذلك‪:‬‬


‫ـ فذهب رأي‪ 2‬إلى أنه ال يجوز للجار المضرور الرجوع على المقاول بالمسؤولية‬
‫استنادا ألحكام المادة ‪ 916‬مدني بل يرجع عليه وفقا للقواعد العامة في المسؤولية‬
‫التقصيرية سواء على أساس الخطأ عن العمل الشخصي‪ ،‬أو على أساس‬

‫‪1‬د‪ /‬أشرف جابر سيد – المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة الناشئة عن أعمال البناء – دراسة مقارنة في‬
‫القانونين المصري و الفرنسي‪ -‬دار النهضة العربية – القاهرة‪ -5060‬ص ‪ 59‬و ما يليها‪.‬‬
‫‪Malinvaud (P)-Les dommages aux voisins dus aux opérations de construction- RDI,‬‬
‫‪nov/déc 2001,p479‬‬
‫‪ -2‬د‪ /‬محمد شكري سرور ـ مسؤولية مهندسي و مقاولي البناء و المنشآت الثابتة األخرى – دراسة مقارنة – في‬
‫القانون المدني المصري و القانون المدني الفرنسي‪ -‬دار الفكر العربي – ‪ – 6929‬ص ‪. 414‬‬

‫‪14‬‬
‫فكرة الحراسة ‪ .‬فقد جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية " ال يعقل القول بأن واقعة‬
‫تشييد المالك على أرضه تشكل استعماال غير عادي لحق الملكية؛ كما ال يمكن القول‬
‫بأن المالك يتجاوز القدر من المضار الذي جرى العرف على التسامح فيه بين‬
‫الجيران‪ ،‬متى كان مشروع المبنى واألعمال المنفذة له‪ ،‬ال خصوصية استثنائية فيها‬
‫ولم يكن من ورائها سوء القصد"‪ 1.‬وما للجار المضرور إال الرجوع على رب العمل‬
‫متى تجاوزت األضرار الحد المألوف بين الجيران‪ .‬وأهم ما يترتب على وجهة النظر‬
‫السابقة نفي صفة الجار على المقاول واضفائها على رب العمل‪ .‬ويستند هذا الرأي‬
‫إلى أن محدث الضرر هو رب العمل ألنه وحده الذي يملك سلطة أخذ قرار البناء‪.‬‬
‫ومن ثم فإن المسؤولية التي تنعقد هنا هي قواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن "مجرد وجود ضرر يتجاوز‬
‫حدود األضرار المألوفة ال يستفاد منه خطأ‪ ...‬وأنه إذا كانت الملكية‪ ،‬وفقا لعبارة‬
‫المادة ‪ ،244‬تخول المالك التصرف في األشياء على نحو مطلق‪ ،‬فإن هذا مقيد بعدم‬
‫استعماله بما يتعارض مع القوانين والنظم‪ ،‬ومن ثم يتعين على الجار أن يتحمل‬
‫المضايقات المألوفة نتيجة قيام جاره بتشييد بناء‪ ،‬بصورة قانونية‪ ،‬وفي ملكه‪ ،‬ولكن في‬
‫‪2‬‬
‫المقابل يكون له الحق في التعويض إذا تجاوزت األضرار هذه الحدود"‬

‫‪1‬‬
‫‪Nsana ,(Roger Mevoungou) – Le préjudice cause par un ouvrage immobilier:‬‬
‫‪Réparation en nature ou par équivalent , R.T.D.Civ.1995 . p757 .Robert, (André) –Les‬‬

‫‪relations de voisinage,1991Sirey, Paris. p109, no.178. Nicolas,(Marie-France)-La‬‬


‫‪protection du voisinage, R.T.D.Civ.p 680 et s. no. 12 et s. Le Tourneau(Philippe)- La‬‬
‫‪responsabilité civil, 3e édition,1982 Dalloz, Paris. p644, no.205. Jaubert(M.F), obs.‬‬
‫‪Sous cass civ. 3e, 27 juin 1973.J.C.P . 1975, 11,1801 ;Boubli. Obs. sous cass civ. 3e. 4‬‬
‫‪nov.1971, J.C.P.1972, 17070.‬‬
‫‪Cass.civ :3/3/1976Bull.civ,76,No83,p65./cass.civ:3/11/1977,D78. p434.‬‬
‫‪civ12/4/1982,R.D.I.1982.p519.cass.civ.3e.24/3/1999.RT.D.civ.1999,p640.‬‬
‫‪civ.3e.21/07/1999.Bull.civ.111.no.182.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass3e.civ. 4/02/1971. Bull.civ.III, n°80.‬‬

‫‪15‬‬
‫ـ وذهب الرأي اآلخر‪ 1‬إلى إضفاء صفة الجار على المقاول دون رب العمل‬
‫باعتبار أن األضرار كانت نتيجة استخدام المقاول لتلك المعدات أثناء عمليات البناء‪.‬‬
‫وأن المقاول هو الذي أخذ قرار سير العمل في الورشة واستندوا في تدعيم رأيهم إلى‬
‫عدة حجج أهمها ‪:‬‬

‫‪6‬ـ أن محكمة النقض الفرنسية‪ 2‬أيدت قاضي الموضوع في الحكم بالتعويض على‬
‫المقاول على أساس قواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف التي نجمت‬
‫عن سير العمل في ورشة البناء والتي تسببت في إقالق راحة الجيران‪.3‬‬
‫‪ -5‬ليس من المنطق في شيء أن يتحمل رب العمل المسؤولية عن الضرر غير‬
‫المألوف الذي يلحق بالجار‪ .‬رغم أن ذلك قد نتج عن األشياء التي استخدمها المقاول‬
‫في عمليات البناء‪ .‬ألن ذلك يعد مخالفة صريحة ألحكام مسؤولية المتبوع عن أعمال‬
‫تابعه‪ .‬والتي من أهم شروطها وجود عالقة تبعية بين شخصين‪ .‬بينما نالحظ أنه ال‬
‫محل لوجود هذه العالقة بين المقاول ورب العمل‪.‬‬

‫د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد ‪ .‬أضرار البيئة في محيط الجوار و المسؤولية المدنية عنها ـ رسالة دكتوراه ـ جامعة‬ ‫‪1‬‬

‫عين شمس ‪6999‬ـ مكتبة سيد عبد اهلل وهبة‪-‬القاهرة‪،6999‬ص ‪.24‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Durry(georges).obs,R.T.D.civ.1971,p858et1979,p609.et.s.et1968,p725.Jourdain,‬‬
‫‪obs.R.T.D.civ.1999,p114 et115 ,PrinetMarquet(Hugues),obs.surcass.3e,30 /03/1998,‬‬
‫‪J.C.P.1999.Chron.1120 ,no.13 ;Fages,(Bertrand),note.sous.cass.civ.2e,21/05/1977,D.S‬‬
‫‪.1998p.152.Cass. Civ. 10- 1- 1968-, GP . 6968 , 1 , 163‬‬
‫إال أنها وفي مرة أخرى قضت في بعض أحكامها الحديثة بمسؤولية الجار عن تلك األضرار الناجمة عن‬ ‫‪3‬‬

‫ممارسة المهمة ذاتها‪ .‬مما يالحظ أن القضاء الفرنسي يتجه نحو ربط المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬

‫‪Cass. Civ. 8-2-1972-. JCP . 72,‬‬ ‫بالفعل الذي أدى إلى اإلخالل بالتوازن بين الحقوق المتجاورة‬

‫‪11,17178.‬‬
‫‪Droit civil, les obligations, tome4,PUF,22 édition,‬‬ ‫في كتابه‬ ‫يقول‪Carbonnier Jean‬‬
‫‪",2000,p304,no.174.‬يقيم الجيران الدعوى من حيث المبدأ ضد المالك لكن يمكنهم أيضا أن يقيموها ضد‬
‫مقاول األعمال المسببة لألضرار سواء أسسوها على المادة ‪ 6/6894‬مدني أو أن يتمسكوا ضده بنظرية مضار‬
‫الجوار‪ ،‬بالرغم من أنه ‪ ،‬ليس عضوا في رابطة الجوار‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ويقول ‪ Durry‬في هذا الصدد أنه عندما يكون مصدر مضار الجوار هو العقار‬
‫تحت اإلنشاء والذي يحدث ضجيجا شديدا غير مقبول‪ ،‬فإن المقاول وليس المالك هو‬
‫الذي يفرض عليه عبء تعويض األضرار‪.1‬‬

‫وقد استقر القضاء الفرنسي على هذا الرأي بعد سنة ‪ 6999‬حين أصدرت محكمة‬
‫النقض الفرنسية في قضية شركة أنترافور‪ INTRAFOR‬وحملت المقاول المسؤولية‬
‫عن األضرار الجوار غير المألوفة دون إثبات الخطأ واعتبرت مسؤولية المقاول‬
‫مسؤولية موضوعية قائمة على أساس األنشطة الضارة‪.‬‬

‫وقد أوضحت محكمة النقض الفرنسية أن صاحب المشروع والمقاول في مشروع‬


‫التأهيل والترميم مسؤوالن عن مضار الجوار غير المألوفة التي يتسببان بها‪ ،‬باعتبار‬
‫أنهما يعتبران في فترة تنفيذ األعمال بمثابة الجيران الظرفيان أو العرضيان‪.2‬‬

‫كما صدر قرار بتاريخ ‪ 5002/01/55‬اعتبر المقاول مسؤوال بصفته جار عرضي‬
‫‪3‬‬
‫(‪.)voisins occasionnels‬‬

‫وقد قال البعض من الفقه الفرنسي أن هذه المسؤولية الخاصة يمكن أن تتحرك‬
‫اليوم عن طريق المستأجرين أو واضعي اليد المضرورين من المضار‪ ،‬وتفرض أيضا‬
‫على المالك وعلى المستأجرين وعلى المستغلين وعلى المقاولين أو على شركات‬
‫الطيران ‪ ،‬فهي ال تنحصر في العالقات بين العقارات ‪ ،‬لكن تمتد إلى العالقات‬
‫الشخصية بين محدث الضرر والمضرور منه‪ ،‬ومقتضى ذلك أن المقاول يمكن أن‬
‫يضمن مضار الجوار المجاوزة للحد التي تحدث للمجاورين لموقع البناء‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Durry.obc.R.T.D.civ.1974,p,611.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Recueil Dalloz.2006,no.1 juris.p40.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪http://avocats.fr Le blog de Maitre Etienne Groleau spécialiste en droit immobilier‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Jourdain , obs. R.T.D. civ. 1999.p.115‬‬

‫‪17‬‬
‫ثانيا‪ :‬حالة األضرار الناجمة عن العين المؤجرة‬
‫ثار خالف في الفقه والقضاء حول الشخص الذي تتوفر فيه صفة الجار في حالة‬
‫إيجار العين هل هو المؤجر أم المستأجر؟ ومن الذي يحق له االستفادة من قواعد‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بالنسبة لتلك العين المؤجرة هل هو المالك‬
‫المؤجر أو المستأجر‪.‬‬

‫ذهب رأي‪ :1‬إلى أن نظرية مضار الجوار ترتبط بفكرة الملكية ومن ثم فصفة‬
‫التجاور‪ ،‬تقتصر على المالك المتجاورين فقط وهذا ال يتحقق إال بين حقين مطلقين‬
‫لمالكين متجاورين يستند كل منهما إلى حقه المطلق في االنتفاع بماله من ثم فإن‬
‫المسؤولية ال تقع إال على مالك العقار الذي نجمت عنه تلك المضار غير المألوفة ‪.‬‬

‫ومنه فعلى المستأجر المضرور الرجوع على المؤجر على أساس دعوى الضمان‬
‫المتولدة عن عالقة اإليجار ويجوز للمؤجر بعد ذلك الرجوع على مالك العقار‬
‫المجاور مصدر المضار غير المألوفة دون النظر ما إذا كان هذا األخير هو محدث‬
‫تلك األضرار أو كان محدثها مستأجر له‪ .‬وعلى النقيض من ذلك إذا كان الضرر‬
‫مصدره فعل المستأجر‪ ،‬فيجب على الجار المضرور إقامة دعواه على المؤجر لكونه‬
‫هو المالك‪.‬‬

‫وتطبيقا لهذا قضت محكمة النقض الفرنسية‪ 2‬بأن الشخص المعنوي المؤجر للعقار‬
‫المملوك له‪ ،‬يكون مسؤوال عن المضار التي يحدثها المستأجر‬

‫عليه فإن المالك حتى وان كان ال يشغل المكان يبقى متمتعا بصفة الجار عندما‬
‫تكون المضار صادرة من مستأجره الذي يقيم لديه في العقار وقد قضى كذلك على‬

‫‪1‬‬
‫‪Leyat , La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse. 1936 .p. 345 et S.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪cass.civ.08/07/1987.Bull.civ.11.no.150..cass3civ.17/04/1996.cass.2e.civ.21/05/1997.B‬‬
‫‪ull.civ.11.no.158.‬‬

‫‪18‬‬
‫أنه حتى ولو لم يكن المالك مقيما في ملكه يكون له الحق في إقامة دعوى بإنهاء‬
‫مضار الجوار غير مألوفة التي مصدرها العقار المجاور‪.1‬‬

‫وذهب رأي آخر‪ 2‬وهو األرجح‪ :‬إلى أن صفة الجار ال ينبغي أن تقف عند‬
‫شخص المالك بل يلزم أن تتجاوزها إلى كل من يشغل العقار سواء أكان مالكا أو‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass 2eciv 28/06/1995. fages. Note op.cit. p152. cass.2e civ. 21/05/1997.‬‬
‫‪Bull.civ.11.no.158.‬‬

‫‪2‬أنظر في الفقه العربي د ‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – حق الملكية‪-‬‬
‫المجلد ‪ – 9‬منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت لبنان ‪ -‬طبعة ‪ - 5009‬ص ‪ 195‬وما يليها ‪ -‬د‪ /‬فيصل زكي‬
‫عبد الواحد – المرجع السابق – ص‪ -49‬د محمد لبيب شنب – الموجز في الحقوق العينية األصلية‪ -‬دار النهضة‬
‫العربية – القاهرة‪-6954-‬ص‪ 585‬فقرة ‪ – 580‬د‪ /‬أحمد سالمة ‪ ،‬الملكية الخاصة في القانون المصري‪،‬الطبعة‬
‫األولى‪-6919،‬دار النهضة العربية‪ -‬القاهرة‪ -‬ص‪ – 692‬د‪/‬إسماعيل غانم‪ -‬الحقوق العينية األصلية‪-‬حق الملكية‬
‫– الطبعة الثانية‪– 6916-‬مكتبة عبد اهلل وهبة –القاهرة‪ -‬ص‪ -659‬د‪/‬عبد المنعم فرج صدة‪ -‬الحقوق العينية‬
‫األصلية –حق الملكية ‪-6910-‬شركة مكتبة و مطبعة مصطفي البابي الحلبي و أوالده= =بمصر‪ -‬القاهرة‪-‬‬
‫ص‪ -50‬فقرة‪ – 25‬د‪ /‬محمد حسين منصور‪ -‬المسئولية المعمارية‪-‬دار الجامعة الجديدة للنشر باإلسكندرية –‬
‫طبعة ‪-6999‬ص‪ .50‬د‪/‬محمد أحمد رمضان – رسالة دكتوراه‪-‬المسئولية المدنية في بيئة الجوار‪ ،‬د ارسة مقارنة‬
‫بين الفقه اإلسالمي و القوانين الوضعية ‪-‬الطبعة األولى ‪– 6992-‬دار الجيب للنشر والتوزيع‪ -‬عمان األردن‪-‬‬
‫ص‪ 64‬و ‪.62‬أما الفقه الفرنسي فأنظر إلى‪:‬‬
‫‪Tourneau – la responsabilité civil-op.cit.p643,no.2002-Droit de la responsabilité et des‬‬
‫‪contrats-2004-Dalloz. Paris-no.7161,p,1138- Starck(Boris)-Essai d’un théorie générale‬‬
‫‪de la responsabilité civil considère en sa double fonction de garantie et de peine privé,‬‬
‫‪thèse, paris.1947,p188 et s- Caballero(F)- essai sur la notion juridique de nuisance,‬‬
‫‪thèse, paris, 1981, L.G.D.G.-p205 et s. –Girod(Patrick) – la réparation du dommage‬‬
‫‪écologique, thèse, paris, 1974, L.G.D.J.p89.-Lambert-Pieri- Construction immobilière‬‬
‫‪et dommage aux voisins, thèse, 1982 .p 41.no.106.- Tual(H) , De la responsabilité‬‬
‫‪civile dans les relation de voisinage en matière de chasse, thèse rennes;1941 .p27 et s.‬‬
‫‪Cornu, obs.dans, R.T.D.civ.1962.p217. Durry , obs. dans R.T.D.civ.1968, p725.et obs‬‬
‫‪dans même Revu . 1974.p610.no.10. Bise(Jean- Bernard) – Responsabilité et‬‬
‫‪obligations coutumière dans les rapports de voisinage. R.T.D.civ . 1965.p261.no.19 et s.‬‬
‫و يقولون‪ :‬أن مضار الجوار ليست قاصرة فقط على الفعل بين ملكيتين فحسب ‪ ،‬لكن بين كل شخص يشترك في‬
‫رابطة الجوار‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫غير مالك ‪ .‬وعليه فإن المستأجر يجب أن يكون مسؤوال عن األضرار غير المألوفة‬
‫التي تنتج عنه وتلحق الجار على أساس الحق باالنتفاع والتمتع بالعين المؤجرة‪.‬‬

‫وبهذا يكون أنصار هذه النظرية قد فصلوا نظرية مضار الجوار غير المألوفة عن‬
‫فكرة الملكية العقارية وربطوها بشخص الجار دون النظر إلى صفته مالكا أو مستأج ار‬
‫أو منتفعا‪ .‬فالعبرة بحدوث المضار‪ ،‬خاصة وأن المستأجر هو الذي يمارس النشاط في‬
‫العين المؤجرة وليس المالك‪ .‬وهو محدث المضار بممارسته لذلك النشاط ومن ثم فهو‬
‫المسؤول عن األضرار الحاصلة للجار ويكون لهذا األخير الحق في مطالبته‬
‫بالتعويض على أساس مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫وبالنسبة إلى القضاء فقد استقر هو اآلخر على إمكانية رجوع المضرور مباشرة‬
‫على محدث الضرر بصرف النظر عن كونه مالك أو مستأجر‪ ،‬فقد قضى‪ 1‬بأنه "‬
‫يجوز للمؤجر أن يطالب المستأجر بالتعويض عن مضار الجوار غير المألوفة التي‬
‫لحقته متى كانت ال تعتبر ضرورية لالستغالل المتفق عليه في اإلجارة"‪ .‬وقضي‬
‫كذلك‪ 2‬بمسؤولية المستأجر عن الروائح المنبعثة من مطبخه وذلك بسبب فتح أطفاله‬
‫نافذة المطبخ‪.‬‬

‫ويطرح التساؤل عن حالة ما إذا أجر عقار معد للسكن فاستعمله المستأجر‬
‫ألغراض مهنية أو تجارية‪ ،‬وأقلق بذلك راحة الجار‪ .‬فمن يكون المسؤول هنا ؟‬
‫المستأجر أو المؤجر؟‬

‫‪1‬‬
‫‪Civ.9/07/1954.D.1954.p.683.Esmein(Paul).note.Civ.18/07/1961.J.C.P.1961.1.1230.‬‬
‫‪Tunc(André). Obs. R.T.D. Civ.1962.p100.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Cass. civ. 15/04/1975.D.1976.juris.p.221.‬‬

‫‪20‬‬
‫بالرجوع إلى أحكام المادة ‪ 496‬مدني جزائري التي تنص على‪ ":‬يلتزم المستأجر‬
‫بأن يستعمل العين المؤجرة حسبما وقع االتفاق عليه‪ .‬فإن لم يكن هناك اتفاق وجب‬
‫على المستأجر أن يستعمل العين المؤجرة بحسب ما أعدت له"‪.‬‬

‫من خالل نص المادة يجب األخذ بعين االعتبار‪ .‬علم المؤجر أو عدم علمه ‪.‬‬

‫‪ -6‬ففي حالة علم المؤجر‪ :‬أي استعمال العين المؤجرة بحسب االتفاق بتحويلها‬
‫من محل سكني إلى محل مهني أو تجاري وأدت إلى إقالق راحة الجار فإن المسؤولية‬
‫تقع على ع اتق المؤجر باعتباره محدث الضرر الرئيسي ‪.‬ألن لوال تعاقده لما حدث‬
‫الضرر‪.‬‬
‫‪ -2‬في حالة عدم علم المؤجر‪ :‬نكون بصدد عدم استعمال العين لما أعدت له‪ .‬أي‬
‫بتحويلها من محل سكني إلى محل مهني أو تجاري‪ .‬ففي هذه الحالة تقوم المسؤولية‬
‫عن مضار الجوار على المستأجر باعتباره لم يستعمل العين بحسب ما أعدت له‬
‫فأقلقت راحة الجار‪ .‬كما أنه لم يأخذ تصريحا من قبل المؤجر الذي له الحق الرجوع‬
‫عليه بدعوى اإلخالل االلتزام‪.‬‬

‫وعليه فإن المضار التي تحدث من المنقول أو العقار ال يتوقف حدوثها على كون‬
‫المستغل مؤج ار أو مستأجرا‪ ،‬بل تتحقق المضار بحسب طريقة االستغالل ذاتها‪،‬‬
‫بصرف النظر عن الشخص إن كان مالكا أو مستأج ار أو منتفعا‪ .‬فالمستأجر يملك‬
‫استنادا إلى عقد اإليجار حق االنتفاع والتمتع بالعين المؤجرة‪ .‬فهو بذلك مسؤول عن‬
‫األضرار غير المألوفة التي تنتج عن استخدامه للمكان مباشرة‪.‬‬

‫كما أنه صفة ا لجار بالنسبة لألماكن المؤجرة تثبت للمستأجر نتيجة استغالله‬
‫للعين المؤجرة وبالتالي يكون له الحق في الرجوع على محدث الضرر مباشرة‪ ،‬طبقا‬
‫لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬أي أن موضوع مضار الجوار‬
‫يخرج عن النطاق الضيق للملكية والحقوق العينية إذ أنها تمثل مشكلة عامة للمسؤولية‬
‫بين الجيران‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ثالثا‪ :‬مشتري العين تحت اإلنشاء ومغتصب الحيازة‬
‫أ‪ :‬مشتري العين تحت اإلنشاء‪:‬‬
‫قد يقوم شخص أو شركة ببناء عمارة مكونة من عدة شقق على قطعة أرض‬
‫يملكها‪ ،‬حسب القوانين المعمول بها‪ .‬ثم يقوم ببيع شقق هذه العمارة أثناء عملية‬
‫تشييدها‪ ،‬أو عقب إتمام تلك العمليات مباشرة‪.‬‬

‫ففي هذه الحالة يثار التساؤل عن الشخص الذي تتوافر فيه صفة الجار بالنسبة‬
‫لألضرار التي تحدث للجيران أثناء عملية البناء أو قبل إتمامه وكذلك الشخص الذي‬
‫تتوافر فيه الصفة بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة التي تحدث عقب عملية إتمام‬
‫البناء وقيام البائع(صاحب العمل) بتسليم العين للمشتري‪.‬‬

‫‪ -1‬بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة التي تحدث أثناء عملية البناء وقبل‬
‫إتمامه‪ :‬اعتبر الفقه والقضاء الفرنسي صاحب العمل(البائع) هو الذي تتوفر فيه صفة‬
‫الجار أثناء عملية البناء‪ ،‬ويستوي في ذلك أن تكون الملكية الشقة قد انتقلت إلى‬
‫المشتري أم ال‪ .‬فصاحب العمل هو وحده المسؤول عن األضرار غير المألوفة التي‬
‫تحدث أثناء عملية البناء‪ ،‬وال يجوز بأي حال الرجوع على المشترين للشقق المتواجدة‬
‫في العمارة لكونهم ال تتوافر فيهم صفة الجار خالل هذه الفترة‪.1‬‬

‫ويقول البعض من الفقه الفرنسي‪" 2‬ال يمكن القول بأن المسؤولية عن مضار‬
‫الجوار التي تحدث أثناء عملية البناء ال تفرض على رب العمل‪ ،‬بل يجب في حقيقة‬
‫األمر أن تفرض عليه وحده ويستبعد المشترين لوحدات العقار"‪.‬‬

‫وعليه أرى بأن ما ذهب إليه الفقه والقضاء الفرنسي يتفق وقواعد المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة ألن المشترين للشقق في عمارة أثناء عملية البناء‬

‫‪ 1‬د‪/‬فيصل زكي عبد الواحد‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 21‬و ما يليها‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Lambert-Pieri. Thèse. Op.cit. p.41. no. 107.‬‬

‫‪22‬‬
‫وقبل إتمامها ال يتدخلون ال من قريب وال من بعيد في هذه العملية وال صلة لهم‬
‫بالمضار غير المألوفة التي تحدث‪ ،‬وذلك الرتباطها بشخص محدثها‪ .‬وبالتالي ال‬
‫يمكن إضفاء صفة الجار على المشترين‪.‬‬

‫‪ -2‬بالنسبة لألضرار التي تحدث بعد إتمام البناء وتسليم الشقق للمشترين‪:‬‬
‫يمكن تصنيف هذه األضرار إلى نوعين‪:‬‬

‫‪ -‬النوع األول‪ :‬متمثل في األضرار الناشئة عن استعمال واستغالل الشقة‬


‫كالضوضاء الشديد والروائح الكريهة ورمي القمامات وتغيير وجه العمارة بتغيير شكل‬
‫الشرفات والنوافذ أو تغيير لونها‪ .‬هذه األضرار تنسب إلى المشتري باعتباره مالكا‬
‫للشقة ومحدث الضرر فهو وحده الذي يسأل عنها مدنيا طبقا لنظرية مضار الجوار‬
‫غير مألوفة‪ .‬وال خالف في الفقه والقضاء في ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬أما النوع الثاني من األضرار هي تلك التي تظهر بعد إتمام البناء وتسليم‬
‫الشقق للمشترين‪ .‬والتي يكون سببها موجودا منذ لحظة القيام بأعمال البناء كالحرمان‬
‫من الضوء والهواء والشمس‪ ،‬وهي التي اختلف الفقه والقضاء فيها‪.‬‬

‫فذهب البعض‪ 1‬إلى تقرير المسؤولية على مالك الشقة وقت رفع دعوى التعويض‪،‬‬
‫وعلى هذا إذا تم بيع الشقق وتم نقل ملكيتها‪ ،‬فإنه ال يحق للجيران الرجوع على‬
‫صاحب العمل( البائع) بالتعويض عن المضار غير المألوفة التي كان سببها موجودا‬
‫منذ لحظة القيام بأعمال البناء‪ .‬أما إذا كان صاحب العمل يحتفظ لنفسه بجزء من‬
‫العقار‪ ،‬فإن مسؤوليته تتقرر بجانب مسؤولية المشترين اآلخرين‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص ‪.29‬‬

‫‪23‬‬
‫وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية‪ 1‬بتأييد حكم قاضي الموضوع‬
‫الذي قضي على المشترين لجزء من العقار بتعويض الجيران عما تحملوه من أضرار‬
‫نتجت عن خطأ في تخطيط العقار الذي لم يشاركوا في بناءه وحكم عليهم بالتعويض‬
‫على سبيل التضامم‪ .‬واستن دت المحكمة في ذلك إلى أن حق الملكية مقيد بالتزام مفاده‬
‫عدم إحداث مضار غير مألوفة للجيران وطالما أنهم مالكين وقت رفع الدعوى فإنه‬
‫تتحقق مسؤوليتهم عن تلك المضار‪.‬‬

‫وذهب البعض األخر‪2‬على أن دعوى التعويض عن مضار الجوار غير مألوفة‬


‫ترفع ضد مالك العقار الذي أحدث الضرر‪ ،‬وليس على مشتري العقار‪ .‬وعلى ذلك‬
‫فإذا كانت المضار ناجمة عن فعل البناء وتضرر منها الجيران‪ ،‬فإن صاحب العمل‬
‫‪3‬‬
‫وليس المشتري يكون مسؤوال عن تعويضها‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإنني أرجح الرأي الثاني الذي يحمل المسؤولية لصاحب العمل(البائع)‬
‫الذي توافرت فيه صفة الجار باعتباره صاحب العمل ومحدث الضرر أثناء عملية‬
‫البناء ويستوي إن ظهر هذا الضرر أثناء عملية البناء أو ظهر بعد‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass. civ. 24/01/1972.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Lambert-Pieri. Thèse op.cit. p.41 no.107 ; Caballero. Thèse. op.cit. p.205‬‬
‫‪ 3‬د فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ .16 ،10‬والذي أشار إلى حكم محكمة ‪ Liège‬الصادر في‬
‫‪ 6956/06/58‬و الذي قضي في الدعوى التي تتلخص وقائعها في أن " شركة مدنية لبناء شقق و تمليكها‪ ،‬و في‬
‫أثناء عملية الهدم و إعادة البناء حدثت مضايقات غير عادية للجيران‪،‬طالب هؤالء الجيران بالتعويض عما تحملونه‬
‫من مضار غير مألوفة ‪ ،‬و تم رفع دعوى التعويض ضد المتملكين للشقق و الشركة المدنية التي قامت بأعمال البناء‪،‬‬
‫قررت محكمة أول درجة و بوض وح تام أن " الشركة المدنية هي التي أخذت مبادرة القيام بأعمال البناء و من ثم‬
‫فإنها تكون مسؤولة عن هذه المضار على أساس نظرية مضار الجوار بجانب مسؤولية المقاول التي تتقرر على‬
‫أساس قواعد المسؤولية التقصيرية لعدم أخذ االحتياطات الالزمة و األكثر حداثة" و نظرا ألن الشركة المدنية كانت‬
‫مفلسة فقد تعذر على الجيران اقتضاء التعويض منها ‪.‬طعن في هذا الحكم أمام محكمة االستئناف‪ ،‬غير أن هذه‬
‫األخيرة رفضت الطعن على أساس أن تقرير الخبير المنتدب جاء فيه أن المضايقات غير العادية التي يشكو منها‬
‫الجيران كانت نتيجة عمليات البناء الت ي قامت بها الشركة المدنية عن طريق مقاول و أن سبب هذه المضايقات‬
‫يرجع من ناحية إلى عدم أخذه االحتياطات الالزمة من جانب هذا األخير‪ ،‬و من ناحية أخرى أن عمليات البناء نفسها‬
‫قد خلقت نوعا من فقدان التوازن بين الحقوق المتجاورة ‪ ،‬و من ثم فإن المسؤولية عن هذه المضايقات تتقرر بناءا‬
‫على قواعد المسؤولية التقصيرية و قواعد نظرية مضار الجوار في وقت واحد‪ ،‬و يكون الشخص المسؤول وفقا‬
‫لقواعد األولى هو المقاول و ذلك القترافه خطأ‪ ،‬و وفقا للقواعد الثانية الشركة المدنية على أساس أن عمليات البناء‬
‫والتي قامت بها خلقت نوعا من فقدان التوازن بين الحقوق المتجاورة الذي تنظمه نظرية مضار الجوار‪ ،‬و من ثم‬
‫الحكم عليه بالتعويض على سبيل التضامم‪ .‬طعن في هذا الحكم أمام محكمة النقض و التي قضت برفضه و تأييد‬
‫قاضي الموضوع فيما انتهى إليه من عدم إمكانية انعقاد مسؤولية المشترين للعقار عن المضايقات غير المألوفة‬
‫الناتجة عن عمليات البناء لعدم مشاركتهم في إحداثها‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫إتمامه ألنه حدث بسبب أعمال البناء ذاتها‪ .‬وبالتالي ال يمكن مساءلة المشتري الذي‬
‫لم تتوافر فيه صفة الجار يوم حدوث الضرر خاصة وأن الشقق أصبحت تباع على‬
‫التصاميم وأن أشغال البناء ال دخل له فيها بخالف المالك الذي يتدخل في أشغال‬
‫البناء ويملك مبادرة البناء وله سلطة متابعة المشروع وأخذ الحيطة والحذر لعدم‬
‫اإلضرار بالجار‪.‬‬

‫ب‪ :‬مغتصب الحيازة‬


‫وهو الشاغل العين دون سند قانوني‪ ،‬أو بسند غير صحيح‪ ،‬كوجود عقد بيع قضي‬
‫ببطالنه أو فسخه أو عقد إيجار الصادر من شخص غير المالك أو بالتعدي على‬
‫ملك الغير‪ .‬فقام مغتصب العين باستعمالها واستغاللها بطريقة أضرت الجار ضر ار‬
‫غير مألوف‪.‬‬

‫وفي هذه الحالة يثار التساؤل عما إذا يمكن اعتبار المغتصب جارا؟ وهل يحق‬
‫للمغتصب المطالبة بالتعويض عن األضرار غير المألوفة التي يحدثها الجار له؟‪.‬‬

‫ذهب رأي‪ 1‬إلى ربط فكرة الجوار بفكرة الملكية والحق العيني وبالتالي ال يمكن‬
‫للمغتصب أن يستفيد أو يسأل على أساس نظرية مضار الجوار غير المألوفة باعتباره‬
‫ال يملك حق الملكية أو أي حق عيني آخر‪ .‬وعليه فإن الجار المضرور يجب أن‬
‫يكون حائ از للحق العيني حيازة قانونية حتى يمكن الحكم له أو عليه بالتعويض عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Prax.A. Propriété et jurisprudence, thèse, 1933.p.182 et s.‬‬
‫ومن هذا الرأي د‪ /‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ‪ ،‬الحقوق العينية األصلية ‪ ،‬حق الملكية والحقوق العينية‬
‫المتفرعة عنه‪ ،‬طبعة ‪ ،5004‬بدون دار نشر‪،‬ص‪ 55‬و الذي يقول "‪ ...‬العبرة في هذا الصدد بإصابة الجار بأضرار‬
‫غير مألوفة وأن يكون مستندا إلى انتفاعه بالعين التي تخصه إلى سبب قانوني كحق ملكية أو حق انتفاع أو حق‬
‫سكني أو حق إيجار أو حتى مجرد حيازة قانونية ‪ .‬وعلى ذلك فمن اغتصب عينا دون أن تتوافر لديه شروط الحيازة‬
‫القانونية فليس له أن يدعي إصابته بأضرار غير مألوفة ‪ .‬فاألولى أن يترك هذه العين لصاحب الحق عليها"‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وذهب رأي آخر‪ 1‬الذي ربط فكرة الجوار بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن‬
‫صفة محدثها أو الشخص المضرور‪ ،‬إلى أن مغتصب الحيازة يمكن أن تتوافر له‬
‫صفة الجار سواء فيما يتعلق بمسؤوليته عن مضار الجوار غير المألوفة التي تسبب‬
‫فيها أو بالنسبة لحقه في التعويض عنها ألن نظرية مضار الجوار غير المألوفة يمكن‬
‫إثارتها بعيدا عن حق الملكية والحق العيني كونها تمثل مشكلة عامة للمسؤولية بين‬
‫الجيران‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإنني أرجح الرأي الثاني لألسباب التالية‪:‬‬


‫_ أن محدث الضرر هو وحده المطالب بالتعويض‪ .‬وعليه فإن غالبية الفقه‬
‫والقضاء حين اعتنقا المفهوم الواسع للجوار الذي يربطه بنوعية األنشطة الضارة‬
‫بصرف النظر عن محدثها كونه مالكا أو حائ از أو مستأج ار أو مجرد شاغل للعين‬
‫وتخليا عن المفهوم الضيق للجوار الذي يربطه بالملكية والحق العيني قد أحسنا صنعا‬
‫لكي ال يفلت الفاعل من فعله‪.‬‬
‫_ إن ورود لفظ جار في المادة ‪ 196‬مدني جاء عاما بحيث يشمل كل من يشغل‬
‫العين بصرف النظر إن كان مالكا أو حائ از بسند أو دون سند‪ .‬وأعتقد أن غرض‬
‫المشرع في ذلك هو حماية لنظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬
‫_ إن انتفاء صفة الجار عن مغتصب العين ‪ ،‬هو خروج عن مبدأ العدالة‪،‬‬
‫بحيث ال يمكن مساءلته عن األضرار الذي يحدثها طبقا ألحكام المادة ‪ 196‬مدني‬
‫وكذا ألحكام المسؤولية التقصيرية إذا لم يثبت خطأه‪ .‬في حين أن غيره الذي يحوز‬
‫العين بسند يسأل عن نفس األضرار طبقا لنظرية مضار الجوار غير المألوفة وهذا‬
‫يعد خروجا عن العدالة ‪.‬‬
‫_ إن نفي صفة الجار عن الحائز للعين بدون سند قانوني يؤدي بنا إلى نتائج‬
‫ليست منطقية وغير عادلة ‪ ،‬فقد يشغل شخص عين معينة بدون سند قانوني صحيح‬
‫على إطالقه ‪ ،‬كوجود عقد بيع حكم ببطالنه أو عدم صدوره من مالك ‪ ،‬ثم تسبب‬
‫أثناء شغله للعين في إحداث أضرار للجيران أو أن يكون هو المضرور من ضرر‬

‫‪1‬‬
‫‪Leyat (p) .La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse, 1936. p.345 et s‬‬

‫‪26‬‬
‫الناجم عن فعل الجوار‪ ،‬والفرض في هذه الحالة هو انتفاء التعسف وكذا الخطأ‪،‬‬
‫والحال كذلك فإنه ليس أمامنا سوى اللجوء إلى أحكام المسؤولية عن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة‪.1‬‬

‫وعليه إن فكرة الجوار ال ترتبط بحق الملكية أو حق عيني ؛ وأن شخص الجار‬
‫ليس شرطا أن يكون مالكا أو صاحب حق عيني إلضفاء صفة الجار عليه‪ ،‬بل يكفي‬
‫أن يستغل العين ويحدث ضر ار غير مألوف أو يتضرر منه مجاوروه حتى تنطبق‬
‫عليه قواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬حتى ولو كان يفتقر إلى‬
‫السند القانوني لحيازته العين بل يكفي مجرد تواجده بالقرب لقيام المسؤولية عن‬
‫المضار غير المألوفة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬حالة شغل العين واستغاللها بصفة مؤقتة‬


‫لقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬ال بد من توافر صفة الجار عند‬
‫المسؤول أو المضرور على السواء‪ ،‬وفي حالة تخلف هذه الصفة فال مجال لتطبيق‬
‫أحكام المادة ‪ 5/196‬مدني‪.‬‬

‫سبق أن رأينا أن الفقه والقضاء في العصر الحديث اعتنق التصور الواسع لشخص‬
‫الجار حين شمل أشخاصا ليس لهم حق الملكية أو حق عيني على العين‪،‬‬
‫كالمستأجر وكل شخص يشغل العين حتى المغتصب ذلك ألنهم ربطوا فكرة الجوار‬
‫بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن صفة محدثها أو الشخص المضرور‪.‬‬
‫وعليه فإن مشكلة المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة مرتبطة بالجوار أكبر‬
‫من أن تدور في مجال الملكية وحق العيني‪.‬‬

‫وفي هذا الشأن يثار التساؤل إلضفاء صفة الجار على شخص هل يشترط أن‬
‫تكون له اإلقامة أو شغل العين أو استغاللها بصفة دائمة ومستمرة‪ ،‬أم أنه يكفى أن‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ 15‬و ‪.19‬‬

‫‪27‬‬
‫يكون ذلك بصفة مؤقتة؟ واذا لم يشترط الدوام واالستمرار فهل يلزم مرور فترة زمنية‬
‫على اإلقامة أو شغل العين أو استغاللها للقول بتوافر صفة الجار؟‬

‫أنه ال بد من وجود بعض االستقرار إلضفاء صفة الجار‬ ‫‪1‬‬


‫يرى بعض من الفقه‬
‫على الشخص أيا كانت صفته‪.‬‬

‫وعليه فإنه يفهم مما أورده الفقه أنه ال يشترط الدوام واالستمرار إلضفاء صفة‬
‫الجار على الشخص الذي يشغل العين بل يكفي نوع من االستقرار بصرف النظر عن‬
‫الفترة الزمنية التي يشغل أو يستغل فيها العين أو المكان طالت هذه الفترة أو قصرت‬
‫وهذا ما يطلق عليه بالجوار المؤقت‪ .‬وال شك أن هذا يتفق والمفهوم الواسع للجوار‬
‫الذي اعتنقه الفقه والقضاء‪ ،‬والذي ربط فكرة الجوار بنوعية األنشطة الضارة‪.‬‬

‫يترتب على الجوار المؤقت النتائج التالية‪:‬‬


‫‪ -6‬يمكن إضفاء صفة الجار على التجار أو األشخاص الذين يمارسون‬
‫نشاطهم في جزء من اليوم وبقية اليوم ينعدم النشاط تماما كأصحاب شاحنات بيع‬
‫الخضر والفواكه وغيرهم الذين يجوبون األحياء واتخذوها سوقا لهم في أوقات معينة‬
‫لعرض سلعهم لبيعها وتصريفها‪ ،‬وهذا قد يقلق راحة سكان المنطقة بصفتهم جيران‬
‫نتيجة ضوضاء وصخب السوق وكذا األوساخ التي يخلفونها في بعض األحيان عند‬
‫مغادرتهم‪ .‬وعلى هذا يجوز للجار المضرور أن يرجع عليهم طبقا لقواعد المسؤولية‬
‫عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Martin(Gilles .J) De la responsabilitè civil pour faits de pollution au droit a‬‬
‫‪l’environnement, thése,1976.p.63.no.56.Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thése,‬‬
‫‪paris,1964.p4.Caballero(f), thése,op.cit,p205et s.‬‬
‫د‪/‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص ‪.19‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -5‬إن صفة الجار تتوفر في األشخاص الذين يقيمون إقامة مؤقتة مع انتفاء‬
‫نية اإلقامة الدائمة المستمرة‪ ،‬كالمقيمين في المصايف والمشاتي أو المقيم لدى قريب‬
‫أو صديق لفترة قصيرة أو الطلبة المقيمين في األحياء الجامعية‪ .‬تتوفر فيهم صفة‬
‫الجار بالنسبة لألضرار التي يحدثونها أو التي تحدث لهم‪. 1‬‬

‫وعليه إن اإلقامة أو االستغالل الدائم والمستمر لألماكن ليس شرطا إلضفاء صفة‬
‫الجار على الشخص بل يكفي أن يكون التواجد أو اإلقامة أو االستغالل بصفة مؤقتة‬
‫وعلى فترات محددة أو متقطعة إلضفاء صفة الجار على الشخص ليطالب أو يطلب‬
‫التعويض طبقا لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫خالصة القول أنه إذا كانت عبارة نص المادة ‪ 196‬مدني من الممكن أن يفهم‬
‫منها أن صفة الجار قاصرة على المالك دون غيره ‪ ،‬حيث وردت في الفقرة األولى من‬
‫المادة المذكورة عبارة " يجب على المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر‬
‫بملك الجار" وبعدها في الفقرة الثانية جاءت عبارة "وليس للجار أن يرجع على جاره‬
‫في مضار الجوار المألوفة ‪"...‬فإن ذلك الفهم غير صحيح ‪ .‬ذلك ألن المشرع أراد من‬
‫وراء نص المادة حماية الجوار وتحقيق التوازن في العالقات الجوارية‪ ،‬ويقتضي ذلك‬
‫تتبع محدث الضرر لمساءلته‪ ،‬السيما أن المضار غير المألوفة ال تتغير طبيعتها‬
‫سواء أكان محدثها مالك أو مستأجر أو غيره واثارة هذه المضار واحدة بصرف النظر‬
‫عن محدثها‪ .‬وعلى ذلك أعتقد أن لفظ المالك قد أورده المشرع في زمن كانت‬
‫الملكيات تمثل الوضع القائم‪ ،‬كما أن المضار غير المألوفة لم تكن بالخطورة التي‬
‫هي عليها اآلن‪ ،‬التي ازدادت فيه األنشطة الضارة‬

‫‪ 1‬و أضفى بعض من الفقه صفة الجار على األشخاص الذين يتواجدون في أماكن حدوث األضرار أو بالقرب منها‬
‫بصفة عرضية ‪ ،‬و مثالهم األشخاص الذين يذهبون إلى ساحات المطار من أجل توديع و استقبال أقاربهم أو‬
‫أصدقائهم أو الشخص الذي يزور صديقا له يقيم بالقرب من المطار أو المنشآت الصناعية التي تحدث العديد من‬
‫أضرار التلوث البيئي ‪.‬فهؤالء جميعا يحق لهم أن يطالبوا بالتعويض طبقا لقواعد نظرية مضار الجوار غير مألوفة‪.‬‬
‫و ذلك استنادا للمفهوم الواسع لشخص الجار‪.‬أنظر في هذا د‪ /‬عطا سعد محمد الحواس – المرجع السابق‪ -‬ص ‪.640‬‬
‫‪.646‬‬
‫وقد اعترض هذا القول د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص ‪ .480‬و أشاطره الرأي – بالقول أن‬
‫إضفاء صفة الجار على هؤالء يفتح الباب على مصراعيه للتحايل و التردد على األماكن الصاخبة من أجل طلب‬
‫التعويض‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وتفاقمت مخاطرها‪ ،‬مما يستدعى في عصرنا توسيع طائفة الجيران بحيث تشمل‬
‫الشاغل للمكان أيا كان‪ ،‬مالكا أو مستأج ار أو منتفعا أو مغتصبا‪ ،‬وذلك بربط فكرة‬
‫الجوار بنوعية األنشطة الضارة‪ ،‬بصرف النظر عن صفة محدثها أو الشخص‬
‫المضرور‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مفهوم الجوار من حيث األموال‬


‫لم تشر المادة ‪ 196‬مدني إلى األموال التي يجب أن نضفي عليها صفة التجاور‬
‫رغم أنها وضعت القواعد الخاصة بالمسؤولية عن مضار الجوار‪.‬‬

‫ومن هنا يطرح التساؤل هل يؤخذ بالجوار على إطالقه ليشمل العقارات والمنقوالت‬
‫على السواء أم يقتصر على العقارات دون المنقوالت؟‪ .‬وهل يكفي مجرد التجاور‬
‫والتقارب لتحديد مدى الجوار أم يشترط أن يكون الجوار تالصقا‪ .‬وما مدى اعتبار‬
‫األموال العامة جوا ار بالمفهوم القانوني؟‪.‬‬

‫هذا ما أحاول دراسته في هذا الفرع من خالل تقسيمه إلى النقاط التالية ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نطاق الجوار‬
‫ثانيا‪ :‬مدى الجوار‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الجوار واألموال العامة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نطاق الجوار‬


‫بالرجوع إلى نص المادة ‪ 916‬مدني نجد أن المشرع قد اقتصر على تحديد القواعد‬
‫الخاصة بالمسؤولية عن مضار الجوار ولم يتعرض إلى تحديد نطاق الجوار‪.‬‬
‫لذا يثار التساؤل هل الجوار يشمل العقارات والمنقوالت معا أم يقتصر على‬
‫العقارات دون المنقوالت‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫اختلف الفقه في ذلك‪ .‬فقصر أحدهما الجوار على العقارات فقط ووسع اآلخر‬
‫الجوار ليشمل العقارات والمنقوالت ‪.‬‬

‫فالرأي األول‪ :1‬الذي قصر الجوار على العقارات‪ ،‬يرى أن مفهوم الجوار ال يصدق‬
‫إال على األمالك المجاورة دون المنقوالت ‪ .‬ذلك ألن العقارات تتسم بالثبات لتشكل‬
‫التالصق والجوار‪ .‬مما ينبغي وضع قيود على سلطات المالك المجاور لسلطات مالك‬
‫العقارات المجاورة ‪.‬‬

‫ويبدو أن هذا االتجاه قد نظر إلى العقارات على أنها أكثر قيمة من المنقوالت‪ ،‬إال‬
‫أن هذه النظرة أصبحت محال لالنتقاد‪ .‬ألن التطور االقتصادي أدى إلى ظهور‬
‫الصناعات الضخمة ذات القيمة الكبيرة كالسفن والطائرات التي أصبحت تشكل جزءا‬
‫هاما من الثروات قد تفوق العقارات‪ .‬وأن تخلف حماية الثروات المنقولة أصبح يشكل‬
‫خط ار مما يستدعي سرعة تدخل المشرع لفرض حمايتها ‪.2‬‬

‫أما الرأي الثاني‪ :3‬الذي وسع الجوار ليشمل العقارات والمنقوالت‪ ،‬يرى أن مدلول‬
‫الجوار ال يجب أن يقف عند العقارات بل يجب أن يتجاوزها إلى المنقوالت‪ .‬ألن‬
‫األضرار غير المألوفة مثلما تنشأ عن تجاوز العقارات فإنها تنشأ بذات القدر عن‬
‫تجاوز المنقوالت ‪.‬‬

‫‪1‬أنظر بهذا الصدد عواطف ز اررة التزامات الجوار في القانون المدني الجزائري – دار هومة ‪ -5009‬ص ‪. 54‬‬
‫ـ د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ـ الجزء ‪ -9‬المجلد األول ‪ -‬أسباب‬
‫كسب الملكية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت‪ -‬لبنان‪ 5009‬ـ ص ‪. 219‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد وحيد الدين سوار – الحقوق العينية األصلية – ج ‪ 6‬سنة ‪ 6919‬ص‪. 689‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Raynaud . Les biens. 1980.2éd. P . 259.‬‬

‫‪ 3‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – المرجع السابق – ص ‪ . 55‬ـ د‪ /‬محمد أحمد رمضان – المسؤولية المدنية عن‬
‫األضرار في بيئة الجوار – دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي و القوانين الوضعية – رسالة دكتوراه ‪ -‬دار الجيب‬
‫للنشر و التوزيع –عمان‪-‬األردن – الطبعة األولى ‪ .- 6992‬ص ‪. 64‬‬

‫‪31‬‬
‫ومن جهة أخرى إذا قصرنا تطبيق المادة ‪ 196‬مدني على العقارات فقط فإن ذلك‬
‫يرتب نتائج تأباها قواعد العدالة ذلك باستبعاد حاالت كثيرة رغم تحقق الضرر عنها‪.‬‬
‫من ذلك مثال إفالت مستعمل المولدات الكهربائية من المسؤولية عن األضرار التي‬
‫تنشأ عنها وافالت أصحاب الحاويات المنتشرة ألغراض تجارية أو مهنية من األضرار‬
‫التي تنشأ عنها‪ .‬وبالتالي حرمان الجار المضرور من طلب التعويض عن األضرار‬
‫التي تجاوزت الحد المألوف ‪.‬‬

‫ومن جهة ثالثة‪ ،‬إن إضفاء التجاور على العقارات فقط ‪ ،‬يؤدي إلى اختالل‬
‫التوازن بين الحقوق المتجاورة بيد أن القيمة المحورية التي تدور عليها نظرية مضار‬
‫الجوار هي إقامة التوازن الفعلي بين الحقوق المتجاورة ‪.‬‬

‫على األخذ بمفهوم الجوار األكثر اتساعا وذلك من‬ ‫‪1‬‬


‫وقد استقر الفقه الفرنسي‬
‫خالل ربط مفهوم الجوار بنوعية األنشطة الضارة ليسوي بذلك بين العقارات والمنقوالت‬
‫‪.‬‬

‫قضى‪ 2‬على شركة الطيران‬ ‫وقد ساير القضاء الفرنسي الفقه في ذلك حين‬
‫(ايرفرنس ‪ )Air France‬بالتعويض عن األضرار غير المألوفة الناتجة عن الضجيج‬
‫الناشئ عن محركات الطائرات والتي تعد من المنقوالت‪.‬‬

‫وعليه فإني أرجح الرأي الثاني الموسع للجوار وذلك من خالل ربط مفهوم الجوار‬
‫بنوعيه األنشطة الضارة التي تنتج سواء من العقارات أو المنقوالت ليقوم التوازن بين‬
‫الحقوق المجاورة‪ .‬وذلك لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Nicolas (M.F) La protection du voisinage op.cit. p178.Blaise (J) Responsabilité et‬‬
‫‪obligation coutumières dans les rapports de voisinage,op.cit p 678.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Cass. Civ 17-12-1974, D.S,75,441‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ - 6‬أن األضرار التي قد تصيب الجيران قد يكون مصدرها المنقوالت المتواجدة‬
‫في العقارات كاألجهزة الكهربائية أو مواقد التدفئة أو اآلالت الميكانيكية الموجودة‬
‫داخل المصنع المجاور‪ ،‬أو القيام بتربية الحيوانات تحدث روائح كريهة وتصدر‬
‫أصوات عالية تقلق راحة الجار‪.‬‬

‫‪ -5‬إن الحجة التي قدمها أنصار الرأي األول الذين قصروا الجوار على العقارات‬
‫لثباتها واستقرارها بعكس المنقوالت مردود عليه ذلك ألن هناك الكثير من المنقوالت‬
‫تكون ثابتة مما تنشئ حالة من التجاور فيما بينها وبين العقارات‪ ،‬رغم إمكانية نقلها‪.‬‬
‫مثالها الحاويات واألكشاك التي يتخذها أصحابها محالت لترويج بضائعهم‪ .‬وكذا‬
‫السفن الراسية على الموانئ والتي تحدث أضرار ومضايقات لمن يقطن بجوارها‪.‬‬

‫‪ -8‬إن نص المادة ‪ 196‬مدني إن كان ظاهره يوحى بأنه يقصر الجوار على‬
‫العقارات إال أنه يمكن استنباط أن هدف المشرع هو حماية الجيران من األضرار غير‬
‫المألوفة وتكون هذه الحماية كاملة إذا شملت العقارات والمنقوالت على حد السواء‪.1‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬إذا كان نص المادة ‪ 196‬مدني قد ذكر "طبيعة العقارات" من‬
‫بين االعتبارات التي يسترشد بها القاضي لتقدير المضار للوقوف على ما إذا كانت‬
‫مألوفة أو غير مألوفة فذلك أخذا بالغالب‪ ،‬إذ أن غالبية األضرار تحدث من العقارات‬
‫بيد أن ذلك ليس باألمر المطلق‪ ،‬إذا أن هناك العديد من األضرار يكون مصدرها‬
‫المنقوالت‪ .‬كما أن تقيد القاضي بالعناصر أو االعتبارات االسترشادية الواردة بالنص‬
‫لتقدير المضار ليس تقيدا إلزاميا بالنسبة له فهي ليست واردة على‬

‫‪ 1‬ويؤكد هذا نص المادة ‪ 565‬مدني التي تنص" يجب أن تنشأ المصانع‪ ،‬واآلبار‪ ،‬واآلالت البخارية‪ ،‬وجميع‬
‫المؤسسات المضرة بالجيران على مسافات المبينة في اللوائح وبالشروط التي تفرضها"‪ .‬من خالل هذه المادة نالحظ‬
‫أن هدف المشرع حماية الجيران من األضرار الناجمة عن العقارات والمنقوالت‪ .‬وبالتالي يمكن استنباط أن المشرع‬
‫أخذ بالمفهوم الواسع للجوار المرتبط بنوعية األنشطة الضارة بغض النظر عن صفتها عقارات أو منقوالت‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫سبيل الحصر بل مجرد أمثلة لالعتبارات الموضوعية التي يجب مراعاتها في تقدير‬
‫المضار بحيث يجوز له اللجوء إلى اعتبارات وظروف أخرى‪.1‬‬

‫*موقف القضاء الجزائري‪ :2‬أخذ القضاء الجزائري بمفهوم الجوار األكثر اتساعا‬
‫وذلك بربط مفهوم الجوار بنوعية النشاط الضار ‪ ،‬حين قضي بإزالة المنشآت الفالحية‬
‫متمثلة في تربية الحيوانات والدواجن التي أقيمت بمنطقة سكنية أحدثت أض ار ار بيئية‬
‫في المحيط وهذا الفعل أدى إلى وجود مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫خالصة القول أن الجوار يشمل العقارات والمنقوالت على حد السواء‪ ،‬وتتحقق‬


‫واقعة التجاور بين العقارات أو بينها وبين المنقوالت أو بين هذه األخيرة‪ .‬ويسأل‬
‫الجار عن األضرار غير المألوفة التي تصيب الجيران سواء كان مصدرها عقا ار أو‬
‫منقوال‪ ،‬السيما وأن الفقه والقضاء أخذا بالمفهوم الواسع للجوار المرتبط بنوعية‬
‫األنشطة الضارة بصرف النظر عن صفتها وكونها عقارات أو منقوالت‪ ،‬فيتحدد نطاق‬
‫الجوار بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر هذه األنشطة الضارة‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬مدى الجوار‬
‫لتحديد معنى الجوار من حيث مداه يثار التساؤل التالي ‪:‬‬
‫هل يشترط إلضفاء صفة الجوار على التالصق أم يكفي مجرد التجاور والتقارب؟‪.‬‬
‫لإلجابة عن هذا التساؤل ظهر رأيان ‪ ،‬أحدهما مضيق واآلخر موسع‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬محمد لبيب شنب‪ ،‬موجز في الحقوق العينية األصلية – دار النهضة العربية القاهرة‪– 6994-‬ص‪ .580‬و في‬
‫نفس المعنى د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص‪.59‬‬
‫‪2‬الغرفة العقارية ملف رقم ‪ 448150‬قرار بتاريخ ‪ - 5009/08/65‬مجلة المحكمة العليا – العدد الثاني ‪5009‬‬

‫‪34‬‬
‫يرى أنصار التضييق‪ 1‬إلى اشتراط تحقق التالصق بين العقارات‪ ،‬والذي قد يكون‬
‫التالصق أفقيا إذا كان العقاران متجاورين من األرض ‪ ،‬ويكون التالصق رأسيا إذا‬
‫كان هناك بناء مملوكا لغير مالك المقام عليها‪ ،‬كذلك إذا كان هناك بناء مكون من‬
‫عدة طبقات ‪ ،‬وكانت كل طبقة مملوكة لمالك مختلف‪ ،‬فإن كل طبقة تكون مالصقة‬
‫أي مجاورة للطبقة التي تعلو والطبقة التي أسفلها‪.‬‬

‫ويرى أنصار التوسيع‪ 2‬وهو الرأي الغالب والذي أرجحه‪ :‬أن تحديد مدلول الجوار‬
‫بمعناه الواسع غير مقتصر على أحوال التالصق بل يصدق على كل تجاور وتقارب‬
‫متى كان في نطاق جغرافي محدد بصرف النظر عن المسافات الواجب تركها بين‬
‫العقارات إذ أن مراعاة مسافات معينة بين العقارات ليس بكاف لمنع حدوث األضرار‪.‬‬
‫لعل دافع الفقه والقضاء في التخلي عن اشتراط التالصق بين األموال للقول بتحقق‬
‫الجوار هو ظهور مصادر المضار ال تقف آثارها الضارة عند حد الجيران المالصقين‬
‫أو القريبين منها‪ ،‬بل تتعداه لتشمل حيا أو مدينة بأسرها أو‬

‫‪ 1‬أ‪ /‬فريد عبد المعز فرج – التزامات الجوار كقيد من القيود الواردة على حق الملكية ‪،‬رسالة ماجستير‪،‬كلية‬
‫الشريعة و القانون ‪ ،‬القاهرة‪ ،6959،‬ص‪ .91‬و ما بعدها د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة ‪ -‬ص‬
‫‪-80‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط – ج ‪ – 9‬المجلد‪ -5‬المرجع السابق – ص ‪. 219‬وما يليها‪ .‬ز اررة‬
‫عواطف – المرجع السابق – ص ‪54‬‬

‫‪ 2‬د‪/‬شفيق شحاتة‪ ،‬شرح القانون المدني‪،‬ط ‪– 6926‬بدون دار نشر‪ -‬ص‪ 99‬حيث يقول " ال يهم ما إذا كان الذي‬
‫لحقه الضرر جارا مالصقا أو شخص آخر مقيما بالحي على مسافة من المحل الذي يستعمل استعماال غير مألوفا "‪.‬‬
‫د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 55‬و ما يليها‪ .‬د‪ /‬محمد أحمد رمضان – الرسالة السابقة‪-‬‬
‫ص‪.62‬د‪ /‬محمد محي الدين إبراهيم سليم – الظروف الخاصة بالجار المضرور و مدى تأثيرها على مبدأ المسؤولية‬
‫أو مقدار التعويض – دراسة مقارنة في إطار نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ -‬مجلة البحوث القانونية و‬
‫االقتصادية‪ ،‬تصدرها كلية الحقوق‪،‬جامعة المنوفية –مصر‪-‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثالثة –أبريل ‪ ،6994‬ص ‪ 595‬و‬
‫ما يليها‪.‬‬

‫‪Stefani(p) la nature de la responsabilité en matière de trouble de voisinage, thèse,‬‬


‫‪Montpellier,1941,p30.Tual(h) De la responsabilité civil dans les relations de voisinage‬‬
‫‪en matière de chasse, thèse ,Rennes .1941,p27 et s. Nicolas, art,op,cit.p,678.no,9. Le‬‬
‫)‪Tourneau. Doit de la responsabilité et des contrats, op.cit, p,1138,no,7160. Robert(A‬‬
‫‪Les relation de voisinage ,prèc,p108,no,178. Fages(B),note sous civ,2e,21mai 1997,‬‬
‫‪D.S, 1998, p,152. Boutelet,(Marguerite) La place de l’action pour trouble de voisinage‬‬
‫‪dans l’évolution du droit de la responsabilité civile en matière d’environnement,‬‬
‫‪J.C.P.éd, E,1999,p,7.Malaurie( Philippe) et Aynés(Laurent) , Cours de droit civil, les‬‬
‫‪biens,T4 édition, CUJAS, Paris, 1998, no,1073, p318, Francis Lefebvre, Dossiers‬‬
‫‪pratiques, trouble de voisinage, éditions, Francis Lefebvre 2008,p22‬‬

‫‪35‬‬
‫يتعدى ذلك إلى أحياء أو مدن بعيدة عن مصدر الضرر‪ ،‬وقد ساعد على ذلك التوسع‬
‫الحضري‪ ،‬فمصانع األسمنت والكيماويات التي تلوث الهواء باألتربة والغازات والروائح‬
‫الضارة ال تقف آثارها الضارة عند حد الجيران القريبين أو المالصقين لهذه المصانع‪،‬‬
‫بل يحمل الهواء هذه الملوثات الضارة إلى أماكن بعيدة تبعا لقوة الرياح واتجاهها‬
‫وتحدث فيها آثارها الضارة‪ ،‬ويكون المضرور شخصا أجنبيا عن الحي أو المنطقة‬
‫التي حدث فيها الضرر‪.1‬‬

‫ويقرر البعض‪ 2‬أنه يجب أال يعتقد أن التالصق المطلق للعقارات أمر محتم للقول‬
‫بوجود مضار الجوار‪ ،‬فالتجاور وحده كافيا إلضفاء صفة مضار الجوار على‬
‫المضايقات‪ ،‬فاألدخنة السوداء والروائح المقززة والغبار والضجيج الفاحش يتيح‬
‫الفرصة للمنازعات بين الجيران‪ ،‬بغض النظر عن المسافة الموجودة بين العقارات‪ ،‬إذ‬
‫أن المسافات الواجب تركها بين العقارات ليست كافية لمنع وقوع الضرر‪.‬‬

‫وعليه فالجوار يتحقق سواء أكان جانبيا أو أفقيا أو كان رأسيا عموديا وقد يتحقق‬
‫الجوار الجانبي بين سكان المدينة الواحدة أو بين مجموعة أحياء أو مدن بمجرد‬
‫التجاور أي التواجد في إطار جغرافي محدد‪ .‬ويتحقق الجوار بين مالين أو شيئين أيا‬
‫كانت طبيعة كل منهما ولو لم يكن بينهما تالصقا بل وبينهما مسافات بعيدة طالما أن‬
‫الضرر غير مألوف يمكن أن يطولها في هذا النطاق الجغرافي فقوام المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة هو توافر حالة التجاور وليس التالصق‪.‬‬

‫ومن ثم فإن األضرار الناجمة عن نشاط معين كالدخان المتصاعد من شركة‬


‫اإلسمنت والذي يضر بسكان المدينة المجاورة للمصنع أو األضرار الناجمة عن‬
‫الروائح الكريهة المنبعثة من المفرغة التي تلحق أض ار ار غير مألوفة بسكان‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عطا سعد محمد حواس – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪. 606‬‬


‫و قريبا من هذا المعنى‪:‬‬
‫‪Le Tourneau, La responsabilité civile,op.cit ,no,2001,p,152. Fages, note, préc, p 152.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Stefani .La nature de la responsabilité en matière de trouble de voisinage, thèse,op.cit.‬‬
‫‪p30.‬‬

‫‪36‬‬
‫المدينة المجاورة تستحق التعويض عنها على أساس المسؤولية عن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة ‪.‬‬

‫*موقف القضاء الجزائري‪ :1‬أخذ القضاء الجزائري بالمفهوم الجوار األكثر اتساعا‬
‫وذلك بعدم اقتصاره على التالصق وشموله على تقارب أو التجاور متى كان في‬
‫نطاق جغرافي حين قضى بغلق المفرغة العمومية التي تم إنجازها في وسط سكاني‬
‫دون احترام دفتر األعباء ودون اتخاذ اإلجراءات المالئمة لتجنب المساس بسالمة‬
‫المحيط واألشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرزه منها والروائح الكريهة وغيرها من‬
‫األشياء المضرة‪.‬‬

‫خالصة القول ان الفقه والقضاء قد تخليا عن التصور الضيق لمفهوم الجوار‪،‬‬


‫واستق ار على األخذ بالمفهوم الواسع له وذلك بربط مفهوم الجوار بنوعية األنشطة‬
‫الضارة بصرف النظر عن طبيعتها وكونها عقارات أو منقوالت‪ .‬فالجوار يتحدد بالمدى‬
‫الذي يمكن أن يصل إليه ضرر هذه األنشطة الضارة‪ .‬فأي مكان يحدث فيه ضرر‬
‫غير المألوف ناتج عن هذه األنشطة الضارة يدخل في نطاق الجوار؛ طالما أنه يمكن‬
‫أن يشكل نطاقا جغرافيا محددا كمدينة أو حي أو عدة مدن أو أحياء‪ ،‬ويكون محدث‬
‫الضرر مسؤوال عن األضرار غير المألوفة التي يحدثها مهما بعدت عن مصدر‬
‫حدوثها‪ ،‬إذ أن الضرر ناجم عن هذه األنشطة الضارة هو الذي يحدد النطاق‬
‫الجغرافي لجوار األنشطة الضارة‪ .‬ويكون لألشخاص المضرورين المتواجدين في هذه‬
‫األماكن أو المناطق الحق في المطالبة بتعويض ما أصابهم من أضرار طبقا لألحكام‬
‫المادة ‪ 196‬مدني‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الجوار واألموال العامة‬


‫تنقسم األموال المملوكة للدولة وغيرها من األشخاص االعتبارية العامة إلى‪:‬‬

‫مجلة مجلس الدولة العدد ‪ - 09‬ص ‪ -94‬قرار رقم ‪ 085529‬بتاريخ ‪. 5005/02/58‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -‬أموال خاصة‪ :‬وهي التي يقتصر الغرض منها على االستثمار المالي‪ ،‬وانماء‬
‫موارد الدولة‬
‫‪ -‬أموال عامة‪ :‬وهي مخصصة للمنفعة العامة‪.‬‬

‫تخضع األموال الخاصة المملوكة للدولة أو األشخاص المعنوية العامة األخرى‬


‫لقواعد القانون المدني‪ .‬خاصة فيما يتعلق بمفهوم الجوار‪ .‬ذلك ألن األموال الخاصة‬
‫المملوكة للدولة وغيرها من األشخاص االعتبارية األخرى ال تختلف في جوهرها عن‬
‫تلك المملوكة لألفراد فمن المنطق أن تخضع لنفس القواعد التي تحكم ملكيات األفراد‬
‫والواردة في القانون المدني ومن ثم تنطبق عليها أحكام المادة ‪ 196‬مدني‪.‬‬

‫وعليه فالعقارات والمنقوالت سواء تلك المملوكة للدولة أو ألحد أشخاص القانون‬
‫العام أو ألحد أفراد القانون الخاص تشكل جوارا‪ ،‬ومن ثم تنطبق عليها قواعد‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار‪ ،‬وليس هناك أي خالف في الفقه أو القضاء في هذا‬
‫الصدد‪ .‬بينما تخضع األموال العامة إلى نظام قانوني خاص يكفل لها حماية خاصة‪.‬‬

‫وهنا يثار التساؤل حول مدى اعتبار األموال العامة تشكل جوا ار بالمفهوم‬
‫القانوني؟ ومن ثم ترتيب مسؤولية الدولة واألشخاص المعنوية العامة عن األضرار‬
‫التي تصيب الجيران نتيجة استخدام هذه األموال على أساس نظرية مضار الجوار؟ أم‬
‫أن هذه األموال تخرج من نطاق هذا المفهوم مما يعنى عدم مسؤولية الدولة‬
‫واألشخاص المعنوية العامة عن تلك األضرار طبقا لقواعد هذه النظرية؟ وبعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬هل تتوافر عالقة الجوار بين األموال العامة وبين ما يجاورها من عقارات‬
‫ومنقوالت؟‪.‬‬

‫تباينت اآلراء الفقهية حول ما إذا كانت األموال العامة تشكل جوا ار بالمفهوم‬
‫القانوني أم أنها تخرج من نطاق هذا المفهوم‪ ،‬ومن ثم ال تخضع األضرار الناجمة‬

‫‪38‬‬
‫عنها لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬ومرد تباين هذه اآلراء‪ ،‬ما ثار من‬
‫خالف حول طبيعة حق الدولة على األموال العامة‪.‬‬

‫ذهب رأي‪ :1‬إلى أن حق الدولة على األموال العامة هو حق إشراف ورقابة‪.‬‬


‫ويذهب هذا الرأي – الذي ساد خالل القرن ‪ -69‬إلى رفض االعتراف للدولة‬
‫واألشخاص االعتبارية العامة بحق ملكيتها لألموال العامة‪ ،‬فليس ألحد على هذه‬
‫األموال حق في الملكية ولو للدولة ذاتها‪ ،‬التي لها مجرد حق إشراف ورقابة أي واجب‬
‫الحفاظ والمراقبة واإلدارة‪.‬‬

‫ويبرر أنصار هذا الرأي إلى أن عناصر الملكية الثالثة وهي االستعمال‬
‫واالستغالل والتصرف‪ ،‬منعدمة فيها للدولة من حق على األموال العامة ومن ثم ال‬
‫يجوز القول بأن للدولة حق ملكية على هذه األموال‪ .‬وعلى ذلك فإن حق الدولة‬
‫وغيرها من األشخاص االعتبارية العامة على األشياء يقتصر على اإلشراف والرقابة‬
‫والحفاظ على هذه األموال أو هو حق في السيادة‪.2‬‬

‫ومن جهة أخرى يبرر أنصار هذا الرأي بأن المال العام يتميز بأنه ال يمكن تملكه‬
‫ال جب ار وال اختيارا‪ ،‬ومن ثم فال يمكن التحدث عن الملكية‪ .‬وأن المنفعة العامة التي‬
‫خصص لها الشيء العا م تتعارض مع القول بملكية الدولة‪ ،‬ألن الملكية تفترض أن‬
‫يكون االنتفاع بالشيء العام‪ .‬ومن ثم فإن ما قرره القانون المدني من أحكام ال يسرى‬
‫على األشياء العامة‪ ،‬ما لم يوجد نص صريح يقضى بخالف ذلك ألن خضوع هذه‬
‫األشياء لما ورد في القانون المدني من أحكام بشأن عالقة الجوار‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Proudhon(v) ,Traité de domaine public ,T1 , P63. Gressin, Evolution du droit de‬‬
‫‪domanialité publique sur les eaux dans les législation français, thèse, 1906, p17 et s‬‬
‫‪.Jeze, Independence du domaine public des immeubles riverains, R.D.I , 1910, p.697.‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬إبراهيم عبد العزيز شيحا ‪ ،‬الوسيط في أموال الدولة العامة و الخاصة‪،‬الجزء األول ‪ ،‬األموال العامة‪ ،‬دار‬
‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬بدون تاريخ النشر‪،‬ص ‪ ،819‬هامش رقم ‪.5‬‬

‫‪39‬‬
‫يتعارض مع تخصيص الشيء للمنفعة العامة إذا ما ورد عليه‪ ،‬ويأخذ طابعا مختلفا‬
‫عن طابع القانون المدني‪.1‬‬

‫وعليه أخلص من ذلك طبقا لمنطق هذا االتجاه‪ ،‬أن األموال العامة ال تشكل جوا ار‬
‫بالمفهوم القانوني وال تجد قواعد المسؤولية عن مضار الجوار مجاال للتطبيق في‬
‫عالقة األموال العامة بغيرها من األموال الخاصة األخرى المملوكة لألفراد‪.‬‬

‫ذهب رأي اآلخر‪ :2‬والذي يمثل غالبية الفقه إلى أن حق الشخص العام على‬
‫األموال العامة هو حق ملكية‪.‬‬

‫ولم يقبل هذا الفقه الحديث فكرة اإلشراف والرقابة السابقة‪ ،‬واعتبر أن حق الدولة‬
‫واألشخاص العامة األخرى على المال العام أكبر من أن يكون حقا في اإلشراف‬
‫والرقابة‪ ،‬بل هو حق ملكية حقيقي ال يختلف بطبيعته عن الحق الذي تملكه الدولة‬
‫على أموالها الخاصة‪ ،‬ومن ثم تسرى عليها أحكام القانون المدني فيما ال يتعارض‬
‫والغرض المخصصة له هذه األموال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jeze,op.cit. p697.‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬السنهوري ‪ ،‬الوسيط‪ ،‬ج‪ ،9‬الرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ ،12‬ص ‪ 681‬و ما بعدها‪ .‬د‪/‬سليمان محمد الطماوي‪ ،‬الوجيز‬
‫في القانون اإلداري‪،‬ط ‪ ،6999‬بدون دار للنشر‪،‬ص‪ .205‬د‪/‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪Hauriou ,Précis de droit administratif et de droit public générale, 3éd , 1897,p61 et s.‬‬

‫‪40‬‬
‫وعلى ذلك فقد ذهب الفقه والقضاء‪ 1‬إلى أن الجوار ال يقتصر على الملكيات‬
‫الخاصة المملوكة لألفراد أو لألشخاص العامة‪ ،‬بل يمتد أيضا إلى األموال العامة‬
‫المخصصة للمنفعة العامة سواء كانت لالستعمال المباشر للجمهور أو إلدارة وتسيير‬
‫مرفق عام من مرافق الدولة‪ .‬هذا الرأي هو الجدير بالتأييد السيما وأن الفقه والقضاء‬
‫قد اعتنقا المفهوم الواسع للجوار لتوسيع مجال المسؤولية عن مضار الجوار لمالحقة‬
‫المس ؤولين عن األضرار غير المألوفة المرتبطة بالجوار أيا كانت صفة هذا المسؤول‪،‬‬
‫شخصا عاما أو شخصا من أشخاص القانون الخاص‪ .‬والقول بغير ذلك يمنح‬
‫األشخاص العامة ميزة عدم مسؤوليتها عن األضرار التي تحدثها األموال العامة وفي‬
‫هذا إهدار للحماية المقرر للجوار‪ .‬خاصة وأن نص المادة ‪ 196‬مدني جاء فيها لفظ‬
‫الجار مطلقا من أي قيد فلم يستثنى منه المشرع فئة معينة من األشخاص‪ .‬وطالما‬
‫انتفى القيد فيجب إعمال النص على إطالقه والقول بشمول الجوار على األموال‬
‫العامة واألموال الخاصة على السواء‪.‬‬

‫*موقف القضاء الجزائري‪ :‬اعتنق القضاء الجزائري المفهوم الواسع للجوار بتوسيع‬
‫مجال المسؤولية عن مضار الجوار لمالحقة المسؤولين عن األضرار غير المألوفة‬
‫المرتبطة بالجوار واعتبر الجوار ال يقتصر على الملكيات الخاصة المملوكة لألفراد أو‬
‫لألشخاص العامة‪ ،‬بل يمتد أيضا إلى األموال العامة المخصصة‬

‫‪1‬‬
‫‪Raymond(Pierre). Le bruit et les autorités publiques, R. Admi, 1961. p16 et s.‬‬
‫‪Lamarque (Jean), Le droit contre le bruit. LGDJ, Paris, 1975.p,176 et s.Théron ( Jean-‬‬
‫‪Pierre) ,Responsabilité pour trouble anormal de voisinage en droit public et en droit‬‬
‫‪privé, J.C.P.1976, Doct .2802. no.5 et s.‬‬
‫د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد ‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص‪ .82‬د‪/‬محمد محي الدين سليم‪،‬البحث السابق‪،‬ص‪ 599‬و ‪.800‬‬
‫و في القضاء على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪C.E.19mai 1961.Rec.1961.p341. C.E.16 nov.1962,Rec.1963.p614.C.E.20 décembre‬‬
‫‪1967.Rec,1967.p521.C.E.11juill.1960,Rec 1960,p478.C.E.3mai1968,Rec 1968,p1128.‬‬
‫و الذي قضى‪ :‬بتعويض جير ان الطرق السريعة عن المضايقات المتمثلة في األصوات الفاحشة و المستمرة الناتجة‬
‫عن سير السيارات في هذه الطرق‪ .‬كما قضى بمسؤولية محطة السكة الحديد عن االهتزازات التي تحدثها القطارات‬
‫أثناء جريانها و التي سببت مضايقات للجيران تجاوز التبعية العادية لجوار المنشآت العامة‪.‬و قضى بمساءلة الدولة‬
‫عن المضار التي أصابت منشأة زراعية بسبب أعمال الحفر التي أحدثت أضرار مختلفة‪ .‬كما قضت بمسؤولية‬
‫الدولة و إحدى المقاطعات عن تعويض أصحاب المشاتل المجاورة للطريق العام عن األضرار التي أصابت نباتات‬
‫و زهور المشاتل و الناجمة عن اإلضاءة الموجودة على جانبي الطريق و التي أحدثت خلال و اضطرابات في نظام‬
‫نمو و ازدهار هذه النباتات مما جعلها غير صالحة لتسويقها تجاريا بمناسبة أحد األعياد‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫للمنفعة العامة أو تسيير مرافق الدولة‪ .‬حين قضى‪ 1‬بإبطال قرار والي والية تيبازة‬
‫المتضمن تخصيص قطعة أرض كمفرغة عمومية واألمر بالغلق النهائي لها بسبب‬
‫السلبيات وأضرار متعددة الصفات تصيب اإلنسان والحيوان والنبات لعدم احترام‬
‫الشروط الواردة في دفتر األعباء‪ .‬وزيادة على هذا ال يمكن أن تكون مزبلة في وسط‬
‫سكاني قد تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرز منها والروائح‬
‫الكريهة وغيرها من األشياء الضارة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬مفهوم الجوار في الشريعة اإلسالمية‬


‫من العادات الراسخة عند العرب قبل اإلسالم‪ ،‬إكرام الجار ورعاية الجوار‪ ،‬وقد‬
‫بالغوا في ذلك مبالغة شديدة‪ ،‬حتى صار الجوار عندهم مرادفا للعهد والذمة‪ .‬وشاع ما‬
‫يسمونه عقد الجوار‪ ،‬وهو عقد كان يتواله كبير القوم مع من استجار به‪ ،‬فيصبح بهذا‬
‫جار‪ ،‬وعليهم أن يجيروه ويحموه‪.‬‬

‫ولما بزغ اإلسالم‪ ،‬تبنى هذه العادة وقواها ورفع من شأن الجوار فأوجب‬
‫اإلحسان إلى الجار القريب والبعيد‪ ،‬ونظم حقوق الجوار‪ ،‬وحث على إكرام الجار‬
‫ورعايته ومنع إيذاءه‪.‬‬

‫وعلى ذلك لم يمنح اإلسالم للمالك الحرية المطلقة في استعمال أمواله كيفما‬
‫يشاء بل قيدها بما يكفل عدم اإلضرار باآلخرين عند استعمال هذه الحقوق‪ .‬هذا ما‬
‫يؤكد أن الملكية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حق خاص ذو وظيفة اجتماعية‪ .‬بعبارة أخرى‬
‫أن اإلسالم وفق في ذلك بال إفراط أو تفريط بين ضمان استعمال الحقوق‪ ،‬وعدم‬
‫اإلضرار بالغير‪.2‬‬

‫‪ 1‬مجلة مجلس الدولة‪ ،‬العدد‪ ،09‬قرار رقم ‪ 85529‬بتاريخ ‪ .5005/02/58‬ص‪.94‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬عبد السالم داود العبادي‪،‬الملكية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬طبيعتها‪ ،‬وظيفتها‪ ،‬قيودها‪ -‬دراسة مقارنة بالقوانين‬
‫الوضعية‪ -‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الشريعة و القانون‪ ،‬القاهرة‪.6952،‬ص‪09‬‬

‫‪42‬‬
‫وعلى هذا يطرح التساؤل التالي‪ :‬ما هي حقوق الجوار في الشريعة اإلسالمية ؟‬
‫وهل أخذت الشريعة اإلسالمية بالمفهوم الواسع للجوار أم بالمفهوم الضيق ؟‬
‫هذا ما أحاول توضيحه خالل الفرعين التاليين‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬حقوق الجوار في الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬المفهوم الواسع للجوار في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬حقوق الجوار في الشريعة اإلسالمية‬


‫ا هتمت الشريعة اإلسالمية بالجوار اهتماما كبيرا‪ ،‬فعن ابن عمر وعائشة رضي اهلل‬
‫عنهما قاال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى‬
‫‪1‬‬
‫ظننت أنه سيورثه" متفق عليه‪.‬‬
‫وعليه فقد أعلت شريعتنا اإلسالمية شأن الجار وحثت على اإلحسان إليه‬
‫واكرامه والنهي عن إلحاق الضرر به‪ .‬األمر الذي يؤكد أنها جعلت للجوار من‬
‫الحقوق ما لم تجعله لغيره‪ ،‬فأوجبت اإلحسان إلى الجار القريب والبعيد‪ ،‬ونظمت حقوق‬
‫الجوار‪ .‬وقد أوصانا اهلل في كتابه العزيز بالجار مع الوصية بعدم اإلشراك به في آية‬
‫واحدة‪ .‬وما ذاك إال ألهمية عالقة الجار بجاره والتي تهدف إلى ترابط وتماسك‬
‫المجتمع اإلسالمي ليسود األمن والطمأنينة واأللفة بين أفراده‪ .‬لقوله تعالى‪َ ":‬وا ْعبُدُوا‬
‫سا ِكي ِن‬ ‫سانًا َوبِ ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْليَتَا َم ٰى َوا ْل َم َ‬ ‫ش ْيئًا ۖ َو ِبا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َ‬
‫ش ِر ُكوا ِب ِه َ‬ ‫ه‬
‫َّللاَ َو َال تُ ْ‬
‫سبِي ِل َو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُ ُك ْم ۗ‬
‫ب َوا ْب ِن ال ه‬‫ب بِا ْل َج ْن ِ‬
‫صا ِح ِ‬‫ب َوال ه‬ ‫َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ‬
‫‪2‬‬
‫َّللاَ َال يُ ِح ُّب َمنْ َكانَ ُم ْخت ًَاال فَ ُخو ًرا "‬ ‫إِنه ه‬

‫وقيل في تفسير هذه اآلية الكريمة أن‪:‬‬


‫‪ -‬الجار ذي القربى‪ :‬هو الجار القريب الذي له حقان‪ :‬حق الجوار وحق القرابة‪،‬‬
‫فله على جاره حق واحسان‪ ،‬راجع إلى العرف‪.‬‬

‫‪ 1‬اإلمام أبو زكرياء محي الدين يحي بن شرف النووي – صحيح رياض الصالحين – تحقيق مصطفى أبو المعاطي‬
‫‪ -‬دار الرشيد للكتاب والقرآن الكريم‪ -‬الجزائر ‪ .5001‬ص ‪686‬‬
‫‪ 2‬سورة النساء‪.‬آية ‪.81‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -‬الجار الجنب‪ :‬هو الذي ليس له قرابة وكلما كان الجار أقرب بابا‪ ،‬كان أكد‬
‫حقا‪ ،‬فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة باألقوال‬
‫‪1‬‬
‫واألفعال‪ ،‬وعدم أذيته‪ ،‬بالقول أو الفعل‪.‬‬

‫وقيل" الجوار ضرب من ضروب القرابة ‪ ،‬فهي قرابة بالنسب‪ ،‬وهو قرب بالمكان‬
‫والسكن‪ .‬وقد يأنس اإلنسان بجاره القريب ما ال يأنس بنسيبه البعيد‪ ،‬ويحتاجان إلى‬
‫التعاون والتناصر ما ال يحتاج الناس الذين تناءت ديارهم‪ ،‬فإذا لم يحسن كل منهما‬
‫باآلخر لم يكن فيهما خير لسائر الناس‪ .‬والمراد بالجار هو من تجاوره ويتراءى وجهك‬
‫ووجهه في غدوك أو رواحك إلى دارك‪ ،‬فيجب أن تعامل من ترى وتعاشر بالحسنى‪،‬‬
‫فتكون في راحة معه ويكون في راحة معك"‪.2‬‬

‫وقيل "المجاورة‪ :‬مساكنة الرجل الرجل في محلة أو مدينة‪ ،‬أو كينونة أربعين دا ار‬
‫‪3‬‬
‫كل جانب‪ ،‬أو يعتبر بسماع اآلذان‪ ،‬أو سماع اإلقامة"‪.‬‬

‫وقيل "الجار ذي القربى‪ :‬هو الذي قرب جواره وقال آخرون هو القريب بالنسب‪.‬‬

‫والجار الجنب‪:‬هو الذي بعد جواره وقال آخرون الجار األجنبي البعيد منك في‬
‫القرابة‪ .‬قال عليه الصالة والسالم" ال يدخل الجنة من ال يأمن جاره بوائقه‪ .4‬أال وأن‬
‫الجوار أربعون دارا" وكان الزهري يقول أربعون يمنة‪ ،‬وأربعون يسرة‪ ،‬وأربعون أماما‬
‫‪5‬‬
‫وأربعون خلفا‪".‬‬

‫‪ - 1‬العالمة الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي ‪ -‬تيسير الكريم الرحمان في تفسير كالم المنان‪ -‬دار ابن حزم‪-‬‬
‫بيروت ‪.5008‬ص‪.629‬‬
‫‪ 2‬للشيخ محمد رشيد رضا ‪ -‬تفسير المنار‪ -‬طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،6959،‬الجزء ‪ ، 2‬ص ‪.52‬‬

‫‪ 3‬محمد بن يوسف الشهير بأبى حبان األندلسي ‪ -‬تفسير البحر المحيط‪ ،‬الجزء ‪ ،8‬طبعة مطابع النصر الحديثة‬
‫بالرياض‪ ،‬ص ‪.544‬‬
‫‪ 4‬بوائق‪ :‬الغوائل و الشرور‪.‬‬
‫‪ 2‬اإلمام الفخر الرازي‪ -‬التفسير الكبير‪ -‬الجزء ‪، 60‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪-‬الطبعة الثالثة‪ -‬ص‪.91‬‬

‫‪44‬‬
‫وعن أبى شريح الخزاعي رضي اهلل عنه أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬من‬
‫كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬فليحسن إلى جاره‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪،‬‬
‫فليكرم ضيفه‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬فليقل خي ار أو ليسكت" رواه مسلم‬
‫‪1‬‬
‫بهذا اللفظ‪ ،‬وروى البخاري بعضه‬

‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪":‬‬
‫خير األصحاب عند اهلل تعالى خيرهم لصاحبه‪ ،‬وخير الجيران عند اهلل تعالى خيرهم‬
‫‪2‬‬
‫لجاره"‪ .‬رواه الترمذي و قال‪:‬حديث حسن‬

‫وقد روي عن الرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" الجيران ثالثة‪ ،‬جار الذي له ثالثة‬
‫حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد‪ .‬فأما الجار الذي له ثالثة حقوق‪ ،‬فالجار‬
‫المسلم القريب‪ ،‬له حق الجوار وحق القرابة وحق اإلسالم‪ ،‬والجار الذي له حقان‬
‫فهو الجار المسلم فله حق اإلسالم وحق الجوار‪ ،‬والجار الذي له حق واحد هو‬
‫الكافر له حق الجوار‪ 3.‬وبهذا شمل حق الجوار القريب والمسلم والكافر على السواء‪.‬‬

‫وعليه فقد أمرتنا شريعتنا اإلسالمية إلى اإلحسان إلى الجار القريب والجار البعيد‬
‫سواء أكان له حق القرابة أو كان مسلما أو كاف ار وأمرت بعدم إيذائه وبإكرامه ووضعت‬
‫له حقوق لم تضعها لغيره‪ .‬وهذا راجع لشدة االرتباط الذي اقتضاه االشتراك في كثير‬
‫من المرافق وتبادل المنافع بين الجيران ليعيش الناس في ألفة بعيدا عن البغضاء‬
‫والشحناء‪.‬‬

‫‪ 6‬اإلمام أبو زكرياء محي الدين يحي بن شرف النووي – صحيح رياض الصالحين – تحقيق مصطفى أبو المعاطي‬
‫‪ -‬دار الرشيد للكتاب والقرآن الكريم‪ -‬الجزائر ‪ .5001‬ص‪.685‬‬

‫‪ 5‬اإلمام‪ /‬النووي – صحيح رياض الصالحين – المرجع السابق – ص ‪.685‬‬


‫‪ 3‬اإلمام‪/‬أبى عبد هللا محمد بن أحمد األنصاري القرطبي‪ -‬الجامع ألحكام القرآن‪ -‬الجزء ‪ ،2‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،6992 ،‬ص‪.694‬‬

‫‪45‬‬
‫وال شك أن تقرير هذه الحقوق على هذا النحو يعد من مفاخر الشريعة اإلسالمية‬
‫التي كانت سباقة عن باقي التشريعات‪ .‬ويزيدنا فخ ار أن الوصية بالجار‪ ،‬جاءت مع‬
‫الوصية بعدم اإلشراك باهلل في آية واحدة نظ ار ألهمية العالقة التي تربط الجار بجيرانه‬
‫في تعاليم الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ألنها الحلقة التالية بعد حلقة ذوى القربى في السلسلة‬
‫االجتماعية التي يجب أن تكون متماسكة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪:‬المفهوم الواسع للجوار في الشريعة اإلسالمية‬


‫رأينا فيما سبق أن الفقه القانوني الحديث اعتنق مفهوما واسعا للجوار وهنا يثار‬
‫التساؤل عن موقف الشريعة اإلسالمية بالنسبة للجوار هل قررت مفهوما واسعا أم أنها‬
‫اعتنقت المفهوم الضيق له؟‬
‫لإلجابة عن هذا التساؤل ال بد من الرجوع إلى أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -1‬التالصق ليس شرطا لتحقيق الجوار‪:‬‬


‫فقد روي أن رجال جاء إلى النبي صلي اهلل عليه وسلم فقال‪ ":‬أنني نزلت محلة‬
‫قوم وأن أق ربهم إلي جوا ار أشدهم لي أذى‪ ،‬فبعث الرسول صلى اهلل عليه وسلم أبا‬
‫بكر وعمر وعليا يصيحون على أبواب المساجد؛ أال إن أربعين دا ار جا ار وال يدخل‬
‫الجنة من ال يأمن جاره بوائقه"‪ ،‬قال الزهري أربعون هكذا وأربعون هكذا وأومأ على‬
‫‪1‬‬
‫أربع جهات‪.‬‬

‫من خالل الحديث الشريف نالحظ أن التالصق ليس شرطا لتحقق الجوار‪ ،‬وانما‬
‫يكفي مجرد التجاور فقوام المسؤولية التي نحن بصددها هو توافر حالة التجاور‪ ،‬كما‬
‫أنه يتحدد الجوار بالمدى الذي يصل إليه األذى أو الضرر‪ ،‬هذا من جهة‪ .‬ومن جهة‬
‫حيز‬
‫أخرى فقد أخذت الشريعة اإلسالمية بالمفهوم الواسع للجوار حين شمل الجوار ا‬
‫جغرافيا واسع لما اعتبرت أربعين دا ار جا ار من الجهات األربعة‪ .‬وبمراعاة زمن الحديث‬
‫وهو عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي يغلب فيه الطابع‬

‫‪6‬اإلمام القرطبي ‪ -‬الجامع ألحكام القرآن‪ -‬المرجع السابق – ص‪.692‬‬

‫‪46‬‬
‫البدوي فقد كان يفصل بين الدار واألخرى مسافة كبيرة‪ ،‬مما يدل على أهمية الجوار‬
‫في الشريعة اإلسالمية ومدى اتساع نطاق المسؤولية المرتبطة بالجوار فيها‪.‬‬

‫‪ -2‬صفة الجار تشمل الجار المالصق وغير المالصق‪:‬‬


‫ومما يؤكد أن صفة الجار تشمل الجار المالصق والجار المجاور بالمفهوم‬
‫الواسع؛ فقد روي عن اإلمامان البخاري وأحمد عن عائشة رضي اهلل عنها سألت‬
‫رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم وقالت‪ ":‬يا رسول اهلل إن لي جارين فإلى أيهما‬
‫أهدي؟ قال‪ :‬إلى أقربهما منك بابا‪ .‬وأخرجه أبو داود بلفظ مقارب‪ .‬وقد قيل في ذلك‪،‬‬
‫إن القريب للباب ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها‪ ،‬وال يرى ذلك البعيد‬
‫للباب‪ .1‬وأضاف القرطبي إلى جانب ذلك‪ ،‬أن القريب للباب أسرع إجابة لجاره عندما‬
‫بعد بابه وان كانت داره‬
‫ينوبه من حاجة في الغفلة والغرة‪ ،‬وقال فلذلك بدأ به على من ُ‬
‫أقرب‪ .‬وقيل استدالال بهذا الحديث‪ ،‬إن البعيد من يليك بحائط‪ ،‬والقريب من يليك‬
‫‪2‬‬
‫ببابه‪.‬‬

‫‪ -3‬صفة الجار تشمل المالك وغير المالك‪:‬‬


‫فقد روي أن رجال جاء إلى النبي صلي اهلل عليه وسلم فقال‪ ":‬أنني نزلت محلة‬
‫قوم وأن أقربهم إلي جوا ار أشدهم لي أذى‪ ،‬فبعث الرسول صلى اهلل عليه وسلم أبا‬
‫بكر وعمر وعليا يصيحون على أبواب المساجد؛ أال إن أربعين دا ار جا ار وال يدخل‬
‫الجنة من ال يأمن جاره بوائقه"‪.3‬‬

‫على ضوء هذه الرواية أعتقد أن الشريعة اإلسالمية أخذت بالمفهوم الواسع للجوار‬
‫وأن وصف الجار يشمل أشخاصا ال تتوافر لهم صفة المالك وذلك لقول الرجل "نزلت‬
‫محلة" هذا من جهة‪.‬‬

‫‪ 6‬اإلمام أبو عبد هللا أحمد ابن حنبل الشيباني – مسند اإلمام أحمد – الجزء‪ -1‬مطبعة دار المعارف‪ -‬ص ‪.652‬‬
‫وكذا اإلمام النووي‪ -‬صحيح رياض الصالحين – المرجع السابق – ص ‪.685‬‬
‫‪ 2‬تفسير القرطبي – المرجع السابق – الجزء ‪ -1‬ص ‪692‬و‪.691‬‬
‫‪3‬اإلمام القرطبي ‪ -‬الجامع ألحكام القرآن‪ -‬المرجع السابق – ص‪692‬‬

‫‪47‬‬
‫ومن جهة أخرى يمكن القول أن اآلية الكريمة رقم ‪ 81‬من سورة النساء ورد فيها‬
‫ب"‬
‫لفظ الجار بصفة العموم لقوله تعالى" َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ‬

‫ومن جهة ثالثة لم أجد في األحاديث النبوية الشريفة ما يشترط أن يكون الجار‬
‫مالكا‪.‬‬

‫وعليه مما يتفق ومقاصد شريعتنا اإلسالمية وهو حماية الجوار واعالء شأن‬
‫الجار ومنع اإليذاء أو اإلضرار به‪ ،‬وأن تكون صفة الجار من االتساع بحيث تشمل‬
‫المال ك والمستأجر وصاحب حق االنتفاع‪ ،‬بل ومغتصب حيازة الدار وكل من يدخل‬
‫في نطاق الجوار من أشخاص أيا كانت صفته‪ ،‬كما أن الشريعة الغراء تأبى أن‬
‫يتحمل الجار الضرر أو األذى دون أن يكون معوضا عنه لمجرد كونه غير مالك‬
‫عمال بالحديث الشريف الذي يمثل أصال من أصول الشريعة وهو حديث"ال ضرر وال‬
‫‪1‬‬
‫ضرار"‪.‬‬

‫‪ -4‬حق الملكية حق مقيد بعدم اإلضرار بالجار ضر ار غير مألوفا أو‬


‫فاحشا‪:‬‬
‫وقد جاء في المدونة الكبرى لإلمام مالك؛ "قيل أرأيت إن كان لي عرصة إلى‬
‫جانب دور قوم فأردت أن أحدث في تلك العرصة حماما أو فرنا أو موضعا للرحى‬
‫فأبى علي الجيران ذلك‪ ،‬أيكون لهم أن يمنعوني؟ قال‪ :‬إن كان مما يحدث ضر ار على‬
‫الجيران من الدخان وما أشبه فلهم أن يمنعوك من ذلك‪ ،‬قلت‪ :‬وكذلك إذا كان حدادا‬
‫فاتخذ فيه كي ار أو اتخذ فيه أفرانا يسيل فيه الذهب والفضة أو اتخذ فيها أرحية تضر‬
‫بجدران الجيران أو حفر آبا ار أو اتخذ فيها كنيفا قرب جدران جيرانه‪ ،‬منعته من ذلك؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬كذلك قال مالك في غير واحد في الدخان وغيره‪ ،‬قلت البن القاسم‪ :‬أرأيت‬

‫‪ 1‬د‪/‬عطا سعد محمد حواس – المرجع السابق – ص ‪625‬‬

‫‪48‬‬
‫إن كانت دار الرجل إلى جانب دار قوم ففتح في غرفة كوة أو بابا يشرف منها على‬
‫دور جيرانه أيمنعه مالك من ذلك أم ال؟ قال‪ :‬قال مالك يمنع من ذلك"‪.1‬‬

‫وأيض ا سئل مالك في رجل أحدث في ملكه ما يضر ملك جاره ضر ار بينا من‬
‫مجرى الماء‪ ،‬وبيت راحة ومدخنة حمام يخرج منها الدخان ويدخل في كوات ملك‬
‫الجار وبنى سلما مركبا على حيطان الجار ألجل الصعود عليه فيرى الصاعد عليه‬
‫عورات من كان في ملك جاره من داخل الحريم واحداث أيضا حماما يلصق ملك‬
‫الجار ألجل االغتسال بمائه وغير ذلك‪ ،‬فهل يمنع ذلك الرجل من إحداث ما ذكر‬
‫شرعا؟ أجاب‪ :‬نعم يمنع من ذلك حيث كان الضرر بينا على ما عليه الفتوى واهلل‬
‫‪2‬‬
‫أعلم‪".‬‬

‫وعليه يبدو جليا أن شريعتنا اإلسالمية حين وسعت مفهوم الجوار وقيدت حق‬
‫الملكية بعدم اإلضرار بالجار أض ار ار غير مألوفة أو فاحشة ومنعت الجار من إحداثها‬
‫كانت تهدف إلى رعاية الفرد لحقوق المجتمع الذي يعيش فيه مما يؤدي إلى تماسكه‬
‫ش ْيئًا ۖ َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن‬
‫ش ِر ُكوا بِ ِه َ‬ ‫وترابطه كالجسد الواحد‪ .‬لقوله تعالى‪َ ":‬وا ْعبُدُوا ه‬
‫َّللاَ َو َال تُ ْ‬
‫سا ِكي ِن َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ‬
‫ب‬ ‫سانًا َوبِ ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْليَتَا َم ٰى َوا ْل َم َ‬ ‫إِ ْح َ‬
‫َّللاَ َال يُ ِح ُّب َمنْ َكانَ ُم ْخت ًَاال‬ ‫سبِي ِل َو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُ ُك ْم ۗ إِنه ه‬
‫ب َوا ْب ِن ال ه‬ ‫ب بِا ْل َج ْن ِ‬
‫صا ِح ِ‬
‫َوال ه‬
‫فَ ُخو ًرا"‪ 3‬وقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " ال ضرر وال ضرار"‪.‬‬

‫وبناءا على ذلك‪ ،‬فال يجوز أن تتخذ الحقوق وسيلة إلى اإلضرار بالناس بل‬
‫يجب أن يكون استعمالها مقيدا بعدم اإلضرار بالجماعة أو بالفرد وبأال تؤدي إلى‬
‫اإلضرار بصاحبها ضر ار فاحشا يسلبه حقه‪ ،‬فإذا تعارض الضرران ارتكب األخف‬
‫منها درءا لألشد من الضررين‪ ،‬ومن ذلك يجب أال نجعل الحقوق أداة للتسلط على‬

‫‪ 1‬إمام دار الهجرة اإلمام‪ /‬مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى‪ ،‬رواية اإلمام سحنون بن سعيد التنوخى عن‬
‫اإلمام عبد الرحمان بن القاسم العتقي عن اإلمام مالك بن أنس‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر ‪6858‬هجرى‪،‬‬
‫الجزء الرابع عشر‪،‬ص ‪ 582‬والجزء الخامس عشر‪ ،‬ص ‪.695‬‬
‫‪ 2‬اإلمام مالك ‪-‬المدونة الكبرى ‪ -‬الجزء الخامس عشر – المرجع السابق‪ -‬ص‪691‬و‪615‬‬
‫‪ 3‬سورة النساء اآلية ‪.81‬‬

‫‪49‬‬
‫الناس ووسيلة إلى سلبهم حرياتهم وليست الملكية إال حقا من تلك الحقوق التي منحها‬
‫‪1‬‬
‫اهلل للناس‪ ،‬فكانت خاضعة لهذا األصل شأنها في ذلك شأن الحقوق األخرى‪.‬‬

‫‪-5‬أخذت الشريعة اإلسالمية بمعيار األنشطة الضارة‪:‬‬


‫وضعت شريعتنا اإلسالمية معيا ار واسعا لتحديد الجوار هو معيار األنشطة‬
‫الضارة فيتحدد نطاق الجوار بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه األذى أو ضرر هذه‬
‫األنشطة‪ .‬والذي قد يمتد ليشمل أربعين دا ار من األربعة جهات أي ما يعادل مدينة‬
‫كاملة‪.2‬‬

‫ومن هنا يستخلص أن شريعتنا اإلسالمية وضعت معيا ار واسعا لتحديد الجوار‬
‫وهو معيار " األنشطة الضارة"‪ ،‬وأن صفة الجار تلحق من كان مالصقا وغير‬
‫اللصيق بصرف النظر عن كونه مسلما أو غير مسلم أو كان مالكا أو غير مالك‪.‬‬

‫خالصة المبحث‪ :‬إن الكثير من مشاكل الجيران ال تقتصر على مالك العقارات‬
‫المتجاورة‪ ،‬بل تمتد إلى أشخاص يباشرون حقوقا شخصية في حيز جغرافي محدد‪.‬‬
‫وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي‪" Stefanie3‬أنه ال يجب االعتقاد بأن التالصق‬
‫المطلق للعقارات يكون محتما من أجل القول بوجود اضطرابات الجوار بل أن التجاور‬
‫وحده يكون كافيا من أجل إضفاء صفة اضطرابات الجوار على المضايقات‪ .‬فاألدخنة‬
‫السوداء والروائح الكريهة والغبار والمنشآت والضجيج الفاحش يتيح الفرصة للمنازعات‬
‫بين الجيران‪ ،‬بغض النظر عن المسافة الموجودة بين العقارات"‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد المجيد مطلوب – التزامات الجوار‪ -‬دراسة مقارنة في الفقه اإلسالمي و القانون الوضعي‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫القانونية و االقتصادية ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة الثامنة عشر‪ ،‬يوليو ‪ .6951‬ص‪.499‬‬
‫‪ 2‬إن شريعتنا اإلسالمية قصرت الجوار على العقارات (الدور)‪ .‬ذلك ألن المنقوالت لم تكن تشكل أضرار غير‬
‫عادية بين الجيران كما هو سائد في وقتنا الحاضر‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stefanie , thèse, prec,p30‬‬

‫‪50‬‬
‫كما أن المفهوم الضيق للجوار الذي يقتصر على الملكيات العقارية المتجاورة‬
‫وعلى المالك ال يشمل جميع المنازعات التي تثور بين الجيران‪ ،‬مما جعل المفهوم‬
‫الواسع للجوار الذي ربط بين مفهوم الجوار ونوعية األنشطة الضارة بغض النظر عن‬
‫صفتها يحض بتأييد غالبية الفقه وكذا القضاء كما سبق بيانه‪ ،‬ألنه يشمل العقارات‬
‫والمنقوالت سواء أكانت مملوكة ألحد أفراد القانون الخاص أو لألشخاص معنوية‪ .‬كما‬
‫يشمل الجار المالصق وغير المالصق ولم يفرق بين المالك وغير المالك‪ .‬أو كون‬
‫الشخص طبيعيا أو معنويا‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الضرر الذي يوجب المسؤولية وضوابط تقديره‬

‫لتحديد فكرة الضرر غير المألوف البد من التعرض ولو بصفة وجيزة لتعريف‬
‫الضرر وتحديد أنواعه وشروطه وفقا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية ألن الضرر‬
‫هو قوام المسؤولية فال مسؤولية بدون ضرر ‪.‬‬

‫كما أن تخلف الخطأ ال يرتب بالضرورة عدم قيام المسؤولية فقد تقوم بوقوع‬
‫الضرر دون حاجة إلى إثبات الخطأ كما هو الحال في المسؤولية عن مضار الجوار‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى إن للضرر أهمية بالغة في تحديد قيمة التعويض فقد يرتكب خطأ‬
‫يسي ار يرتب ضر ار جسيما يستحق تعويضا كبي ار وقد يرتكب خطأ فادحا جسيما وال‬
‫يرتب إال ضررا يسي ار يستوجب تعويضا ضئيال‪ .‬مما يستنتج أن الضرر مناط‬
‫المسؤولية والتعويض ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫هذا ما أحاول دراسته في هذا المبحث من خالل بيان الضرر الذي يمنع ويوجب‬
‫وقوع المسؤولية في القانون الوضعي وفي الشريعة اإلسالمية ومن ثم أبين ضوابط‬
‫تقديره ذلك بتقسيم المبحث كما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية‬


‫المطلب الثاني‪ :‬ضوابط تقدير الضرر غير المألوف‬

‫المطلب األول‪:‬الضرر الذي يوجب المسؤولية‬


‫لتحديد فكرة الضرر التي توجب المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة البد‬
‫من تمييز أضرار الجوار التي توجب المسؤولية التقصيرية عن األضرار التي توجب‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬الضرر الذي يوجب المسؤولية التقصيرية‬


‫*عرف الفقه الضرر على أنه األذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس‬
‫بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له سواء تعلق ذلك الحق أو تلك المصلحة‬
‫‪1‬‬
‫بسالمة جسمه أو عاطفته أو بماله أو حريته أو شرفه أو غير ذلك‪.‬‬

‫وثمة أري يقول بأن الضرر ثالثة أنواع مادي يصيب اإلنسان في ماله‬
‫وجسماني يصيبه في جسمه وأدبي يصيبه في عاطفته أو شرفه‪.2‬‬

‫‪1‬للمزيد من التفصيل أنظر د‪ /‬علي فياللي – االلتزامات – الفعل المستحق التعويض – المؤسسة الوطنية للفنون‬
‫المطبعية – وحدة الرغاية – الجزائر ‪ – 5005-‬ص ‪ 598‬و ما يليها ‪.‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬محمد حسنين – الوجيز في نظرية االلتزام – مصادر االلتزامات و أحكامها في القانون المدني الجزائري –‬
‫المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر – ‪ -6998‬ص ‪616-‬‬

‫‪52‬‬
‫وهناك من يرى أن الضرر نوعان قد يكون ماديا يصيب المضرور في جسمه‬
‫وماله وقد يكون أدبيا يصيب المضرور في شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه أو‬
‫‪1‬‬
‫أي معنى آخر من المعاني التي يحرص الناس عليها‬

‫من خالل هذه التعاريف يمكن تحديد أن الضرر نوعان ‪:‬‬


‫‪ -‬ضرر مادي‪ :‬وهو الذي يصيب المضرور في حق من حقوقه التي يحميها‬
‫القانون‪ ،‬سواء في جسمه أو ماله أو يصيبه في مصلحة مادية مشروعة‬
‫‪ -‬وضرر أدبي أو المعنوي‪ :‬فهو الذي يمس المضرور في مشاعره أو عواطفه أو‬
‫شرفه أو في عقيدته‪.2‬‬

‫أوال‪ :‬النوع األول الضرر المادي ‪ :‬لقد أجمعت التعاريف الفقهية والقضائية‬
‫على أن الضرر المادي هو الخسارة المادية التي تلحق المضرور نتيجة المساس بحق‬
‫من حقوقه أو مصلحته المشروعة‪ .3‬ويعتبر الضرر المادي في محيط الجوار وهو‬
‫الغالب واألكثر شيوعا وله عدة صور أذكر منها‪:‬‬

‫‪ -6‬ضرر يصيب الجسم‪ :‬فقد يصاب الشخص بضرر مادي يتمثل في أصوات‬
‫عالية التي تزيد على الحد المسموح وتؤثر على صحة اإلنسان وسمعه‪ .4‬فقد‬
‫يصاب في صحته نتيجة تصاعد األدخنة السامة والغازات الضارة‬
‫واإلشعاعات‬

‫د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوجيز في النظرية العامة لاللتزام ( المصادر‪ -‬اإلثبات – اآلثار‪-‬األوصاف‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫االنتقال – االنقضاء) – تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغي – منشأة المعارف – اسكندرية – ‪ – 5004‬طبعة‬
‫تحتوي على آخر المستجدات في التشريع و القضاء و الفقه – ص – ‪819‬‬
‫‪ 2‬د‪/‬علي علي سليمان – النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام) ‪ -‬ديوان المطبوعات الجامعية – ‪ 6990‬ص‬
‫‪. 615‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬بلحاج العربي – النظرية العامة لاللتزام في‬ ‫‪ 3‬د‪ /‬علي فياللي – المرجع السابق – ص ‪ 591‬و ما يليها‪.‬‬
‫القانون المدني الجزائري – الجزء الثاني – الواقعة القانونية ( الفعل غير المشروع –اإلثراء بال سبب – و القانون)‬
‫– ديوان المطبوعات الجامعية – طبعة ‪ -6999‬ص ‪ 649‬و ما يليها ‪.‬‬
‫‪ 4‬د‪ /‬راغب الحلو – قانون حماية البيئة على ضوء الشريعة – دار الجماعة الجديدة – مصر – ‪-5004‬‬
‫ص‪849‬‬

‫‪53‬‬
‫الكيمائية المنبعثة من المصانع أو المخابر المجاورة‪ .‬أو نتيجة رمي شيء من‬
‫شرفة الجار العلوي على رأس الجار األسفل فتصيبه بأضرار جسمانية‬
‫تستحق التعويض‪.‬‬

‫‪ -2‬ضرر يصيب العقار‪ :‬ومن صوره‪:‬‬


‫أ‪ -‬ضرر يقع على العقار مباشرة ‪ :‬وذلك بتصدع جدرانه أو تلفها نتيجة جذور‬
‫شجرة أو ورشة أو خط لسكة الحديد أو مطار‪.‬‬

‫ب – ضرر ينقص من قيمة العقار ‪ :‬ويكون نتيجة المنشآت الجديدة التي جاورت‬
‫العقار كإنشاء مطار أو محطة للسكة الحديدية أو مفرغة أو منشآت تنبعث منها‬
‫الضوضاء أو الروائح الكريهة أو البناءات القصديرية الفوضوية التي تنقص من قيمة‬
‫العقار االقتصادية‪.‬‬

‫ج – ضرر يحرم الجار من االنتفاع بملكه‪ :‬ويكون ذلك نتيجة اإلضرار بالعقار‬
‫مباشرة أو نتيجة إعاقة الجار من االنتفاع بملكه بسبب الضوضاء أو الروائح الكريهة‬
‫أو االهت اززات الناتجة عن إنشاء خط للسكة الحديدية أو مطار مما يجعل الجار‬
‫يفضل االبتعاد عن مسكنه هروبا من هذه األضرار التي تعيق االنتفاع الهادئ‬
‫بالملكية‬

‫ثانيا‪ :‬النوع الثاني الضرر المعنوي أو األدبي‪ :‬يترتب عن التعدي على حقوق أو‬
‫مصالح غير مالية‪.1‬‬

‫ومن صوره‪:‬‬

‫د‪/‬علي فياللي – المرجع السابق – ص ‪ .599‬د‪/‬بلحاج العربي – المرجع السابق‪ -‬ص ‪649‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -1‬ضرر أدبي يصيب الشعور والعاطفة‪ :‬من أمثلته الشعور باأللم نتيجة‬
‫اإلصابة بحادث ناتج عن الجوار أدى إلى تشوه في الوجه أو عاهة مستديمة خلف‬
‫ضرر نفسي في الشعور والعاطفة‪.‬‬

‫‪ -2‬ضرر أدبي يصيب الشرف واالعتبار والعرض‪ :‬من أمثلته إحداث دار للدعارة‬
‫أو مخمرة في جوار أو سماع أصوات أو كلمات يتأذى اإلنسان نفسيا من سماعها‪.‬‬

‫‪ –3‬ضرر أدبي ناتج عن االعتداء على حق ثابت‪ :‬من أمثلته التعدي على‬
‫الملكية الذي يسبب ضر ار أدبيا للمالك ويرتب التعويض حتى ولو لم يصب المالك‬
‫بضرر مادي‪.‬‬
‫*ويشترط في الضرر في المسؤولية التقصيرية ليرتب التعويض أن يكون محققا‬
‫فال تعويض عن الضرر االحتمالي‪ ،‬كما يشترط أن يكون نتيجة الفعل الذي يرتكبه‬
‫الشخص بخطئه طبقا ألحكام المادة ‪ 654‬مدني‪.‬‬

‫ضرر ماديا‬
‫ا‬ ‫فطبقا للقواعد العامة يقدر التعويض على أساس الضرر سواء أكان‬
‫أو أدبيا‪ ،‬متوقعا أو غير متوقعا‪ ،‬حاال أو مستقبال طالما أن الضرر محققا وناتج‬
‫مباشرة عن الخطأ وبذلك فإنه يشمل كافة األضرار المألوفة وغير المألوفة‪.‬‬

‫والشك من خصوصية الضرر في المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬


‫حين وضع المشرع المادة ‪ 196‬فقد تصل إلى الخروج من القواعد العامة للضرر‬
‫بحيث أنها تشمل فقط األضرار غير المألوفة‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن الضرر الذي يصيب الجار يجب أن يتجاوز الحد المألوف ليقيم‬
‫المسؤولية‪ ،‬أما الضرر المألوف فال يقيمها هذا ما أحاول توضيحه في الفرع الموالي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬الضرر الذي يوجب المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة في القانون الوضعي‬
‫نصت المادة ‪ 5/196‬من القانون المدني على ما يلي‪ ":‬وليس للجار أن يرجع‬
‫على جاره في مضار الجوار المألوفة‪ ،‬غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار‬
‫إذا تجاوزت الحد المألوف‪ .‬وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات‬
‫وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي خصصت له‪".‬‬

‫من خالل النص نالحظ أن فكرة مضار الجوار حظيت باهتمام المشرع حين قام‬
‫بتعريفها ألن مهمة التعريف ال تدخل في وظيفته بل هي من مهمة الفقه الذي له‬
‫تفسير القانون وتعريف ظواهره المختلفة‪.‬‬

‫وقد عرف المشرع مضار الجوار غير المألوفة بالمضار التي تجاوز الحد‬
‫‪1‬‬
‫المألوف وبمفهوم المخالفة فإن المضار المألوفة هي التي ال تتجاوز هذا الحد‪.‬‬

‫تقابل نص المادة ‪ 196‬مدني جزائري المادة ‪ 905‬مدني مصري‪ ،‬و المادة ‪ 551‬مدني سوري ‪ ،‬و المادة ‪965‬‬ ‫‪1‬‬

‫مدني ليبي و أضافت هذه القوانين عبارة ال يمكن تجنبها لتصبح المادة كما يلي ‪ ":‬ليس للجار أن يرجع على جاره‬
‫في مضار الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها ‪ ...‬وهي بذلك اعتبرت الضرر المألوف بالضرر الذي ال يمكن‬
‫تجنبه‪ .‬ويرى بعض من الفقه" أن صياغة مفهوم مضار الجوار على هذا النحو‪ ،‬جاءت معيبة‪،‬ألن عنصري‬
‫المسؤولية وهما‪ :‬الفعل الضار و الضرر ذاته‪ ،‬يصبح كل منهما بذلك متوقفا معناه على اآلخر‪.‬إذ أن الذي عليه أن‬
‫يتجنب أوال هو محدث الضرر‪،‬األمر الذي يعني أن المألوف وغير المألوف من الضرر ال يعتمد على حجم الضرر‬
‫ذاته(وهو عنصر موضوعي) بل يعتمد على سلوك محدث الضرر وكونه لم يتجنب إحداثه بالرغم من إمكانية‬
‫ذلك(وهو عنصر ذاتي)‪ .‬ومن ثم يصبح عنصر المسؤولية األساسي‪ ،‬هو محدث الضرر وعدم تجنبه لما يمكن‬
‫تجنبه من الضرر‪ .‬وأن منطق صياغة النص على هذا النحو‪ -‬من ناحية‪ -‬يتعارض مع فلسفة القيد الذي نحن‬
‫بصدده‪ .‬إذ أن مناط المسؤولية تقوم على أساس التفرقة بين الضرر اليسير والضرر الفاحش وليس محدث الضرر‬
‫ومن ناحية أخرى أن الفقه‬ ‫واال لو ثبت أن هذا السلوك سليم‪ ،‬النتفت المسؤوليته حتى ولو كان الضرر فاحشا‪.‬‬
‫والقضاء عند دراسة هذا القيد‪ ،‬ال ينظر إلى سلوك محدث الضرر‪ .‬بل يقضي مدى تحقق الضرر المألوف و معياره‬
‫و عناصر تقييمه‪ .‬و ينتهي صاحب هذا الرأي إلى اعتقاده بأن المقصود بعبارة "التي ال يمكن تجنبها" هو وصف‬
‫المشرع للمضار المألوفة بأنها تلك التي ال يمكن احتمالها‪ ،‬أي المضار الشديدة التي توصف بأنها فاحشة‪ .‬وبالتالي‬
‫يكون تقييم الضرر بحجمه و ليس من خالل عناصره ‪.‬بهذا الصدد‪ .‬د‪ /‬نعمان محمد خليل جمعة‪ ،‬الحقوق العينية‬
‫األصلية‪ -‬مطبعة جامعة القاهرة ‪،6994‬ص‪ 845‬وما يليها‪ -‬وال مقابل لهذا النص في القانون المدني الفرنسي و‬

‫‪56‬‬
‫ولكي تنعقد مسؤولية الجار وفقا لقواعد مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬يلزم أن تكون‬
‫األضرار تشكل أعباء غير مألوفة‪ ،‬أي تزيد عن القدر الذي تستلزمه ضرورة الجوار‬
‫فيما يرى القاضي بعد أن يرجع إلى العرف والطبيعة العقار وموقع كل منهما بالنسبة‬
‫لآلخر وك ذا الغرض الذي خصصت له‪ .‬سواء كان الضرر أدبيا كالضرر الناشئ عن‬
‫متجر للخمور ‪ ،‬أو الضرر ماديا صاد ار عن مصنع أو متجر تنبعث منه الروائح‬
‫‪1‬‬
‫الكريهة‪ ،‬أو دخان مؤذ أو أصوات مقلقة تزعج الجيران‪.‬‬

‫وال فرق بين أن يكون الضرر ناشئا عن آلة تدار أو حركة يأتيها اإلنسان‪ ،‬وال بين‬
‫أن يكون الضرر صاد ار عن عمل يديره فرد من أفراد أو تديره الدولة أو فرع من‬
‫فروعها‪ .‬وال يشترط في ذلك كله إال أن يكون الضرر بالغا حد الجسامة‪ ،‬وأن يكون‬
‫متكر ار أو متصال على النحو يبرر المطالبة بالتعويض‪ ،‬بمعني أنه تجاوز من حيث‬
‫‪2‬‬
‫شدته واستم ارريته ما يسود في الحي من األعباء‪.‬‬

‫فإذا كان ما يشكو منه الجار من أضرار ال تتجاوز قد ار معينا من الخطورة فإن‬
‫ذلك يضفى عليها صفة المألوفية‪ ،‬ومن ثم يلزم الجار بتحملها وال يجوز له طلب‬
‫التعويض عنها ألن الحياة في الجماعة تقتضى وجود قدر معين من األضرار قبل‬

‫قانون الملكية العقارية اللبناني ‪ .‬لكن القضاء الفرنسي عمل به مرتك از على أحكام المادة ‪ 6895‬المقابلة للمادة ‪654‬‬
‫مدني جزائري‪ ،‬حتى في حالة عدم ارتكاب خطأ بل عندما يكون المتضرر قد لحق به ضرر يتجاوز القضايا العادية‬
‫في الجوار ‪ – .‬المحامي جاد يوسف خليل – مضار الجوار غير المألوفة – الميدان‪ ،‬المعيار واالجتهادات الحديثة‬
‫المدنية ‪ ،‬الجزائية و اإلدارية (دراسة مقارنة) – دار العدالة – بيروت‪ -‬لبنان – الطبعة األولى‪ -5001 -‬ص‪ 80‬و‬
‫ما يليها‪.‬‬
‫د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب ‪ ،‬المسؤولية عن األضرار الناتجة عن تلوث البيئة – رسالة دكتوراه –‬ ‫‪1‬‬

‫القاهرة‪،‬سنة ‪ ،6994‬ص ‪.282‬‬


‫د‪ /‬مصطفى مرعى‪ ،‬المسؤولية المدنية في القانون المصري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مزيدة و منقحة‪،6988،‬مكتبة عبد‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل وهبة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.609‬‬

‫‪57‬‬
‫نهايته ال يكون للجار حق التضرر منه‪ ،‬وأن التسامح بين الجيران يفرض على الجار‬
‫أن يتحمل جاره الحد الذي تدعو إليه ضرورة الجوار‪.1‬‬

‫وهذا ما قصده المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة ‪ 196‬مدني‪ .‬وبهذا‬


‫يكون المشرع قد ألزم الجار بتحمل قدر من األضرار دون إمكانية المطالبة بالتعويض‬
‫عنها‪.‬‬

‫وفي هذا الشأن استقرت أحكام القضاء الفرنسي إلى أنه" ال يسأل اإلنسان عما قد‬
‫تسببه جيرته من أضرار لجاره‪ ،‬إال إذا كانت هذه األضرار زائدة عن الحد الالزم‬
‫للجوار‪ ،‬ألن للمالك أن يتصرف في ملكه على النحو الذي يريد‪ ،‬وال جناح عليه في‬
‫ذلك إال إذا قصد بتصرفه اإلضرار بجاره أو فرط في اتخاذ الحيطة الالزمة لوقايته‪،‬‬
‫فإذا انتفى قصد الضرر وانتفي التقصير واإلهمال‪ ،‬فال محل لمؤاخذة المالك‪ ،‬ولو‬
‫ترتب على استمتاعه بحق ضرر أصاب جاره‪ ،‬إال إذا زاد هذا الضرر عن الحد الالزم‬
‫للجوار ألن مشروعية استعمال حق الملكية فيما تقضى به محاكم في فرنسا تنتهي‬
‫عند هذا الحد"‪.2‬‬

‫وعليه فإن المشرع ألقى على عاتق الجار التزاما بتحمل قدر معين من األضرار‬
‫حين منعه من المطالبة بالتعويض عن األضرار المألوفة بين الجيران‪ .‬هذا من جهة‬

‫ومن جهة أخرى فإنه غل يد المالك في استعمال أمالكه واستغاللها‪ ،‬األمر الذي‬
‫يتناقض مع ما منحه المشرع لألفراد من حقوق ومكنهم من ممارستها‪ .‬وذلك حماية‬
‫للجوار وبحكم التسامح المطلوب بين الجيران‪.‬‬

‫د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي‪ ،‬المسؤولية الناشئة عن تلوث البيئة‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪،5009،‬ص‪.594‬‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.281‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪58‬‬
‫كما مكن المشرع الجار المتضرر من المطالبة بإزالة الضرر غير المألوف إذا‬
‫تجاوز الحد المألوف‪ ،‬بعد األخذ بعين االعتبار العرف وطبيعة العقارات وموقع كل‬
‫منها بالنسبة إلى اآلخر والغرض الذي خصصت له ‪.‬‬

‫واالستثناء‪ :‬لم ت مكن المشرع الجار المتضرر بالتذرع ضد جاره بإلحاقه ضر ار غير‬
‫مألوف إذا كان هذا الضرر يدخل ضمن المسائل العادية أي يكون مألوفا‪.‬‬

‫ومن أمثلة الضرر المألوف‪:1‬‬


‫‪ -‬تشييد أبنية متالصقة بمحاذاة بناء ضمن مساحة االستثمار المفروضة‪.‬‬
‫‪ -‬األصوات وارتجاج الشاحنات والحافالت المارة على الطريق العام‬
‫‪ -‬تمديدات مياه مقطوعة بصورة مؤقتة بسبب الحفريات من قبل البلدية ‪.‬‬

‫كما أنه من خالل نص المادة‪ ،‬نفترض أن المالك قد أضر بجاره وهو يستعمل‬
‫حق ملكيته ولم يرتكب أي خطأ‪ ،‬فطبقا ألحكام المسؤولية التقصيرية ال يمكن‬
‫مساءلته‪ .‬أو أنه استعمل حق ملكيته ولم يتعسف في استعمال حقه‪ ،‬فلم يقصد‬
‫اإلضرار بالجار ولم يهدف إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ‬
‫للجار‪ .‬ولم يهدف في استعماله لحق ملكيته إلى تحقيق غرض غير مشروع‪ .‬ومع ذلك‬
‫فإن المالك وهو يستعمل حق ملكيته أضر بجاره رغم أنه لم يرتكب خطأ ولم يتعسف‬
‫في استعمال حقه‪ .‬هذا ما أوضحته المادة ‪ 196‬مدني فاعتبرت المالك مسؤوال إذا كان‬
‫الضرر الذي أصاب الجار قد تجاوز الحد المألوف أما إذا لم يتجاوزه فإن المالك ال‬
‫يسأل‪.‬‬

‫‪1‬المحامي جاد يوسف خليل – المرجع السابق – ص ‪. 54‬‬

‫‪59‬‬
‫وعليه يمكن تعريف الضرر غير المألوف بأنه الضرر الذي يزيد على الحد‬
‫المألوف فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار‪ .‬فإذا زاد الضرر‬
‫على هذا الحد كان ضر ار غير مألوف ووجب التعويض عنه‪.1‬‬

‫ومن هنا يطرح التساؤل التالي‪ :‬ما هو الضابط الذي تحدد بمقتضاه المضار‬
‫المألوفة التي يجب على الجار تحملها‪ ،‬والمضار غير المألوفة التي يسأل عنها‬
‫المالك وفقا لنظرية مضار الجوار غير المألوفة؟‬

‫يرى جانب من الفقه‪ 2‬على وجوب التفرقة بين الحرمان من التمتع وبين االعتداء‬
‫على الحق‪ .‬فاالعتداء على الحق يشكل أض ار ار غير مألوفة‪ ،‬وبالتالي تنعقد مسؤولية‬
‫محدث هذه األضرار‪ .‬أما الحرمان من التمتع فال يرتب المسؤولية ألن األضرار‬
‫الناتجة عنه تمثل أض ار ار مألوفة‪.‬‬

‫ويرى جانب آخر‪ 3‬أنه يجب التفرقة بين الحرمان من الفائدة واالعتداء على الحق‪،‬‬
‫وأن المالك ال يكون مسؤوال إال في الحالة الثانية‪.‬‬

‫ويرى اتجاه آخر‪ 4‬أنه يجب التفرقة بين االستعمال العادي لحق الملكية‪ ،‬واستعمال‬
‫غير العادي‪ ،‬وأن ما يرتب من أضرار في الحالة الثانية يشكل أض ار ار غير مألوفة‬
‫تنعقد مسؤولية محدثها‪ ،‬على خالف الحالة األولى فإن ما ترتبه من أضرار يدخل في‬
‫نطاق مضار الجوار العادية‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد – مجلد ‪ – 9‬حق الملكية – مع شرح مفصل‬
‫لألشياء و األموال – منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت – لبنان – طبعة ‪ – 5009‬ص ‪. 194‬‬

‫‪ 2‬د‪/‬محمد كامل مرسي ‪ ،‬نطاق حق الملكية و الحقوق العينية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،6959،‬عدم ذكر الناشر‪ ،‬نبذة‬
‫‪،689‬ص‪.642‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي‪ -‬المرجع السابق –ص ‪.595‬‬
‫‪ 4‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي‪ -‬المرجع السابق –ص ‪595‬‬

‫‪60‬‬
‫ضرر نوع عادي يجب‬
‫أما القضاء فقد فرقت المحاكم الفرنسية بين نوعين من األ ا‬
‫على الجار تحمله‪ ،‬ونوع غير عادي يزيد عن الحد المألوف‪ .‬يجوز للجار أن يتضرر‬
‫منه ويطلب عنه التعويض‪ .‬ولم تضع المحاكم ضابطا تحدد بمقتضاه مضار الجوار‬
‫بل تركته لقاضي الموضوع بعيدا عن رقابة محكمة النقض‪.1‬‬

‫لكن يؤخذ على هذه اآلراء بأنا لم تضع تعريفا لألحوال التي يعتبر فيها عمل‬
‫المالك حرمانا من التمتع‪ ،‬أو من الفائدة أو اعتداء على الحق أو األحوال التي يكون‬
‫فيها استعمال حق الملكية مألوفا أو غير مألوف‪.‬‬

‫*موقف القضاء الجزائري‪ :‬أرجع القضاء الجزائري تحديد المضار ومدعى‬


‫تجاوزها الحد المألوف إلى سلطة القاضي الموضوع الذي يراعي فيها العرف وطبيعة‬
‫العقارات وموقع كل منها بالنسبة لآلخرين‪ ،‬عمال بالمادة ‪ .5/196‬وليس للمحكمة‬
‫العليا أية رقابة على هذه الوقائع‪.2‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية عن مضار الجوار في الفقه‬


‫اإلسالمي‬
‫بحث فقهاء الشريعة اإلسالمية على اختالف مذاهبهم في موضوع مضار‬
‫الجوار‪ .‬ومرد ذلك شدة االتصال بين الجيران والذي ينتج عنه وجود الكثير من‬
‫األضرار التي ترهق الجار أو تقلل انتفاعه بملكه‪.‬‬

‫وقد عرف الضرر لغة‪ :‬النقصان يدخل في الشيء‪ ،‬يقال ضره‪ ،‬ضرا‪ ،‬وضر ار‬
‫ألحق به مكروه أو أذى ويقال أيضا‪ :‬دخل عليه ضرر في ماله أو نقص في األموال‬
‫واألنفس‪.‬‬

‫‪ 6‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي‪ -‬المرجع السابق –ص ‪.595‬‬


‫‪ 2‬قرار‪ 201962‬بتاريخ ‪ ، 5009/04/09‬الغرفة العقارية‪ ،‬مجلة المحكمة العليا‪-‬عدد خاص‪ -‬االجتهاد القضائي‬
‫للغرفة العقارية‪ -‬الجزء الثالث‪ -‬قسم الوثائق ‪ -5060‬ص‪ 849‬و ما يليها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أما الضرر في إصالح الفقهاء فقد عرف بتعريفات متعددة منها‬
‫قيل هو إنزال األذى بالنفس أو الجسم أو المال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل هو األلم الذي ال نفع فيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقيل هو نقص حق اإلنسان أو نفسه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ومن هذا نعلم أن الضرر في الشريعة قد يكون ضر ار ماديا‪ ،‬وقد يكون ضر ار أدبيا‬
‫‪1‬‬
‫أو معنويا‬

‫وعند البحث عن الضرر الذي يمنعه اإلسالم البد من الرجوع إلى حديث رسول اهلل‬
‫صلي اهلل عليه وسلم " ال ضرر وال ضرار"‪ .‬م ن خالل هذا الحديث نالحظ انه لم يرد‬
‫في الشرع‪ ،‬ما يبين المراد بالضرر الذي يوجب المسؤولية‪ ،‬كما لم يرد معيار هذه‬
‫المسؤولية وفي هذا يقول فقهاء الشريعة‪ ،‬إن كل ما ورد به الشرع جاء مطلقا وال‬
‫ضابط له فيه مما يستوجب الرجوع إلى العرف‪ .‬والعرف يختلف باختالف الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬فمن عنده عادة قضى بها‪ ،‬واذا اختلفت العوائد في األعصار واألمصار‪،‬‬
‫وجب اختالف هذه األحكام فإن القاعدة المجمع عليها‪ ،‬أن كل ما هو في الشريعة‬
‫يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغيير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة‪.‬‬
‫فاستعمال الناس ألمالكهم وتضرر الجيران من هذا االستعمال‪ ،‬قد يكون ضر ار‬
‫بالنسبة ألهل زمن معين وجهة معينة‪ ،‬وقد ال يعتبر ضر ار عند لآلخرين في زمن‬
‫مختلف‪ .‬ومما الشك فيه أن المالك له حرية التصرف في ملكه كيف شاء إذا لم‬
‫يتعارض مع أهداف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كما له االنتفاع بملكه على الوجه الذي يريده‪،‬‬
‫شريطة أال يؤدى استعماله لحقه إلى اإلضرار بجاره‪ .‬فالضرر بالجار ممنوع ديانة‬
‫باتفاق جميع الفقهاء‪ ،‬ألن الضرر اعتداء واالعتداء منهي عنه بنص القرآن والسنة‬
‫النبوية الشريفة‪.2‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬زكي زكي حسن زيدان – حدود المسؤولية عن مضار الجوار في الشريعة اإلسالمية و القانون المدني رسالة‬
‫دكتوراه‪،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬القاهرة ‪ 6951‬ص‪.608‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬زكي زكي حسن زيدان – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪608‬‬

‫‪62‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ضوابط تقدير الضرر غير المألوف‬
‫سبق وأن عرفت الضرر غير المألوف بأنه الضرر الذي يزيد على الحد‬
‫المألوف فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار‪ .‬فإذا زاد الضرر‬
‫ضرر غير مألوف ووجب التعويض عنه‪.‬‬
‫ا‬ ‫على هذا الحد كان‬

‫ومن هذا التعريف تعتبر فكرة الضرر غير المألوف من المفاهيم النسبية وليست‬
‫المطلقة‪ .‬وإليضاحها الب د من توافر معطيات معينة لتحديد عدم مألوفية الضرر‪ .‬هذه‬
‫المعطيات البد أن تراعى فيها ظروف المكان والزمان لتحديد طبيعة الضرر‪ .‬لذا لم‬
‫يعط المشرع تعريفا للضرر غير المألوف وترك تقدير صفته للقاضي الذي عليه أن‬
‫يراعي في ذلك اعتبارات مختلفة منها العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة‬
‫لآلخرين والغرض الذي خصصت له‪.‬‬

‫وقد نصت على ذلك صراحة المادة ‪ 5/196‬حين نصت" وليس للجار أن يرجع‬
‫على جاره في المضار الجوار المألوفة غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار‬
‫إذا تجاوزت الحد المألوف وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف‪ ،‬وطبيعة العقارات‬
‫وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي خصصت له"‪.‬‬

‫ومن هنا نالحظ أن المشرع قد وضع معيا ار مرنا لتقدير ما إذا كان الضرر مألوفا‬
‫أو غير مألوف وحمل القاضي التكيف مع ظروف وضوابط المختلفة ومواجهة‬
‫الحاجات المتغيرة واالستجابة لمقتضيات كل منها‪ .‬وله أن يستعين في تقديره بعناصر‬
‫نص عليها المشرع‪.‬‬

‫ومن هنا يثار التساؤل متى يمكن اعتبار الضرر مألوفا يجب التسامح فيه أو غير‬
‫مألوف يرتب مسؤولية محدثه؟‪ .‬وما هي الضوابط التي يقدر فيها الضرر غير‬
‫المألوف؟ هل تقديره يقتصر على ما جاءت به المادة ‪ 5/196‬من عناصر التقدير؟‬

‫‪63‬‬
‫أم يتكيف مع الظروف المختلفة ويواجه الحاجات المتغيرة وفقا العتبارات مرنة‬
‫تستجيب لظروف الزمان والمكان التي تضع اعتبارات معينة لكل حالة؟‪.‬‬

‫لإلجابة عن هذه التساؤالت‪ .‬يجب بيان طبيعة الضوابط التي يقدر فيها الضرر‬
‫غير المألوف ثم بيان الضوابط التي نص عليها المشرع في المادة ‪ 5/196‬التي يتعين‬
‫على القاضي مراعاتها‪ .‬ثم بيان الظروف التي لم ينص عليها المشرع إال أنها كانت‬
‫محور اهتمام الفقه‪.‬‬

‫وعلى ذلك وجب تقسيم هذا المطلب على النحو التالي‪:‬‬


‫الفرع األول‪ :‬طبيعة الضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر التي نصت عليها المادة ‪5/196‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬ضوابط تقدير الضرر غير المألوف التي لم تنص عليها المادة‬
‫‪.5/196‬‬

‫الفرع األول‪ :‬طبيعة ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر‬


‫أشارت الفقرة الثانية من المادة ‪ 196‬مدني على عدة ضوابط‪ ،‬يجب على القاضي‬
‫مراعاتها عند تقدير مألوفية الضرر حين نصت‪ ":‬على القاضي أن يراعى في ذلك‬
‫العرف‪ ،‬وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي‬
‫‪1‬‬
‫خصصت له"‪.‬‬

‫‪ 1‬وقد جاء في مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري الحالي الجزء‪ 1‬ص‪ "58‬وقد قضت المادة‪...‬‬
‫بأن يراعى في تحديد الضرر غير المألوف اعتبارات مختلفة منها (أ) العرف‪( .‬ب) طبيعة العقارات (ج) موقع كل‬
‫منها بالنسبة لآلخر (د) الغرض الذي خصصت له‪ .‬فمن ذلك يتبين أن ما يعتبر ضررا مألوفا في ناحية مكتظة‬
‫بالمصانع والمقاهي والمحالت العامة‪ ،‬يعتبر ضررا غير مألوف في ناحية هادئة خصصت للمساكن دون غيرها‬
‫وسكنى العلية من الناس‪ .‬فإذا فتح محل مقلق للراحة في وسط المساكن الهادئة‪ ،‬كان في هذا ضرر غير مألوف تجب‬
‫إزالته"‬

‫‪64‬‬
‫ومن هذا يتبين أن ما يعتبر ضر ار مألوفا في منطقة معينة يعتبر غير مألوف في‬
‫منطقة أخرى‪ .‬فالضجيج الناتج عن منطقة مكتظة بالحركة نتيجة وجود محالت‬
‫تجارية يعتبر الضرر فيها مألوفا‪ .‬أما إذا حدث في منطقة سكنية هادئة بعيدة عن‬
‫المحالت التجارية وتم فتح محل مقلق للراحة كفتح مقهى أو قاعة للحفالت فإن ذلك‬
‫يعتبر ضر ار غير مألوف وجب إزالته‪.‬‬

‫ومن هنا نالحظ أن الضرر الذي يوجب اإلزالة أو التعويض‪ ،‬ال ينظر في تقديره‬
‫إلى صفة الضرر وانما ينظر في تقديره إلى الظروف التي تحيط به والتي تلعب دو ار‬
‫هاما في تحديده إذا كان مما يجب التسامح فيه بين الناس أو ال يمكن التسامح فيه‪.‬‬
‫لذا فقد أحسن المشرع حين ترك األمر للقاضي في تقدير جسامته لتقوم المسؤولية‪.‬‬
‫وبذلك تكون فكرة الضرر غير المألوف فكرة نسبية غير مطلقة تستجيب ومقتضيات‬
‫الزمان والمكان الذي يتغير نتيجة التطور الحضاري والتكنولوجي‪.‬‬

‫كما أن معيار الضرر غير المألوف معيار مرن‪ ،‬وليس بقاعدة جامدة‪ .‬فيتكيف مع‬
‫الظروف المختلفة‪ ،‬ويواجه الحاجات المتغايرة‪ ،‬ويستجيب لمقتضيات كل منها‪ ،‬وهو‬
‫معيار موضوعي ال معيار ذاتي‪ ،‬فال اعتبار لحالة الجار الذاتية‪ ،‬كأن يكون مريضا‬
‫أو منشغال بأعمال تقتضي الهدوء التام‪ ،‬فينزعج ألية حركة ولو كانت مألوفة‪ .‬وانما‬
‫العبرة بحالة الشخص المعتاد‪ ،‬وهو الشخص من أواسط الناس يزعجه ما يزعج الناس‬
‫عادة ويتحمل ما جرى العرف بتحمله فيما بين الجيران فيقاس على هذا الشخص كل‬
‫جار فيما يعد ضر ار غير مألوف بالنسبة إليه‪ ،‬ولو كان هذا الجار يحتمل أكثر مما‬
‫يحتمل الشخص المعتاد فيكون له الغنم‪ ،‬أو كان يحتمل أقل مما يحتمل الشخص‬
‫المعت اد فيكون عليه الغرم‪ .‬ومن ثم كانت االعتبارات التي يعتد بها في تقدير الضرر‬
‫غير المألوف كلها اعتبارات موضوعية‪.1‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط الجزء‪ -5‬المرجع السابق‪.‬ص‪.199 ، 195‬‬

‫‪65‬‬
‫كما أن المشرع حين وضع بعض الضوابط لتقدير الضرر غير المألوف والمتمثلة‬
‫في العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي‬
‫خصصت له‪ .‬كما نصت عليه المادة ‪ .5/196‬فقد أوردها على سبيل المثال ال‬
‫الحصر‪ .‬ذلك ألنها جاءت على النحو التالي‪ ":‬وعلى القاضي أن يراعى في‬
‫ذلك‪.1"...‬‬

‫وترجع أهمية عدم حصر الضرر غير مألوف على ما نص عليه المشرع إلى‬
‫نسبيته أو مرونته باعتباره يتغير بتغير الزمان والمكان‪.‬‬

‫وأن وضع المشرع لبعض الضوابط تساعد القاضي على إضافة ضوابط أخرى‬
‫مشابهة لها‪.‬‬

‫مما سبق أخلص‪ ،‬أن معيار الضرر غير مألوف هو معيار موضوعي ال ينظر‬
‫فيه إلى الظروف الشخصية للجار المضرور‪ ،‬كما أنه معيار مرن يتغير بتغير الزمان‬
‫والمكان ليتما شى وتطور المجتمع‪ .‬وأن الظروف أو الضوابط التي نص عليها المشرع‬
‫جاءت على سبيل المثال ال الحصر لتساعد القاضي على إضافة ضوابط أخرى‬
‫مشابهة لها‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر التي نصت عليها المادة‬
‫‪2/191‬‬
‫تعتبر فكرة الضرر غير مألوف من المفاهيم النسبية وليست المطلقة‪ ،‬لهذا ال بد من‬
‫توافر معطيات معينة حتى يمكن القول بعدم مألوفية الضرر‪ .‬فما يعد ضر ار غير‬
‫مألوف في وقت ال يعد كذلك في وقت آخر‪ .‬كذلك تتحكم الظروف المكان والزمان‬
‫في تحديد طبيعة الضرر‪ ،‬وقد خول المشرع للقاضي تقدير صفة الضرر‪،‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬نعمان جمعة – المرجع السابق‪ -‬ص‪ .849‬د‪ /‬محمد شكري سرور‪-‬تنظيم حق الملكية في القانون المدني‬
‫المصري‪ ،‬دار النهضة العربية عدم ذكر سنة الطبع‪ ،‬ص‪520‬‬

‫‪66‬‬
‫وما إذا كان مألوف أو غير مألوف‪ ،‬على أن يراعى في تحديده العرف وطبيعة‬
‫العقارات‪ ،‬وموقع كل منها بالنسبة لآلخرين‪ ،‬والغرض الذي خصصت له‪.‬‬

‫وقد أكد ذلك القضاء‪ ،‬حين قضت المحكمة العليا قي قرارها الصادر بتاريخ‬
‫‪ 15009/04/09‬يدخل تحديد مضار الجوار ومدى تجاوزها الحد المألوف‪ ،‬في‬
‫اختصاص قضاة الموضوع‪ ،‬الذين يراعون العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها‪.‬‬
‫وليس للمحكمة العليا أية مراقبة على هذه الوقائع"‬

‫هذا ما أحاول توضيحه في هذا الفرع‪ .‬من خالل تقسيمه إلى نقطتين كما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الضوابط المتعلقة بالعرف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الضوابط المتعلقة بالعقار‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الضوابط المتعلقة بالعرف‬


‫يلعب العرف دو ار هاما في تحديد الضرر إن كان مألوفا أو غير مألوفة ذلك ألن‬
‫معيار الضرر غير مألوف يتصف بالمرونة لذا استعان المشرع ببعض الضوابط من‬
‫بينها العرف‪.‬‬

‫فالعرف سنة وسلوك متبع في مسائل معينة بصفة دائمة ومتكررة من قبل المجتمع‬
‫أو بعض فئاته‪ ،‬بحيث يعتقد الكل بأن ذلك السلوك إجباري‪ .2‬والمقصود هنا بالعرف ليس‬
‫العرف كمصدر للقاعدة القانونية‪ ،‬وانما يقصد به العادات والتقاليد التي ألفها الناس في‬
‫حياتهم ومعيشتهم‪ .‬ومثال ذلك خروج المالك من داره في وقت مبكر أو رجوعه إليها في‬
‫وقت متأخر‪ ،‬فيحدث حركة محسوسة‪ ،‬خاصة إذا كان يستخدم السيارة في الرواح وغدو‪.‬‬
‫كل هذا جرى العرف على اعتباره ضر ار مألوفا ال يمكن تجنبه‪ .‬وعلى‬

‫‪ 1‬قرار بتاريخ ‪ 5009/04/09‬تحت رقم ‪ 269102‬مجلة المحكمة العليا‪-‬العدد الخاص‪-‬اإلجتهاد القضائي للغرفة‬
‫العقارية‪،‬الجزء الثالث‪ .‬ص ‪.849‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬علي فياللي االلتزامات –نظرية العامة للعقد‪ -‬موفم للنشر ‪ ،5002‬ص ‪. 598‬نقال عن أحمد محرز‪ ،‬القانون‬
‫التجاري‪ ،‬ج‪ ،6‬المطبعة العربية الحديثة‪ ،‬ص‪.85‬‬

‫‪67‬‬
‫الجيران أن يتحملوه‪ .1‬وقد تختلف العادات والتقاليد من مكان إلى آخر‪ .‬فما يعد مألوفا في‬
‫منطقة ما ال يعد مألوفا في منطقة أخرى‪ .‬وما يعد مألوفا في زمان ما‪ ،‬ال يعد كذلك في‬
‫وقت آخر‪.2‬‬

‫ونظ ار ألن العرف يؤدي إلى التفرقة بين ظرف الزمان والمكان وجب علي تناول هذه‬
‫الظروف بشيء من التفصيل بتقسيمه إلى نقطتين‪:‬‬

‫أ) االعتبارات المستمدة من ظروف المكان‪.‬‬


‫ب) االعتبارات المستمدة من ظروف الزمان‪.‬‬

‫أ) االعتبارات المستمدة من ظروف المكان‬


‫سبق أن أشرت أن مفهوم االضطرابات غير المألوفة تعد من المفاهيم النسبية‬
‫وليست المطلقة‪ ،‬ومن ثم فإن ظروف المكان يكون لها دور كبير في تحديد مفهومها‪.‬‬
‫فما يعد مألوفا في منطقة ما‪ ،‬ال يعد كذلك في منطقة أخرى كما سبق اإلشارة له‪ .‬بل‬
‫أكثر من ذلك فداخل المنطقة الواحدة ما يعد مألوفا في حي من األحياء قد ال يكون‬
‫كذلك في حي آخر‪.‬‬

‫وعليه فإن تحديد طبيعة المكان‪ ،‬بأن يكون المنطقة سكنية أو زراعية أو صناعية أو‬
‫تجارية‪ .‬يخضع لقواعد التنظيم والتي تحدد طبيعة المنطقة ومن ثم يمكن االحتجاج‬
‫بها على الغير إيجابا أو سلبا‪.3‬‬

‫غير أنه إذا كانت قواعد تنظيم المدن تحدد طبيعة المنطقة أو الحي كونه حيا سكنيا‬
‫أو زراعيا أو صناعيا أو تجاريا فإن العرف هو الذي يحدد طبيعة هذه‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهورى‪ ،‬الوسيط‪ ،‬المجلد ‪ 9‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ,199‬أ‪/‬جاد يوسف خليل‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪،‬ص‪.660‬أ‪ /‬ليلي طلبة – الملكية العقارية الخاصة‪ -‬وفقا ألحكام التشريع الجزائري‪ -‬دار هومة للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪ -5060‬ص‪.665‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ .696‬د‪/‬منصور صابر عبده خليفة‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‬
‫‪ .609‬د‪ /‬السنهوري‪ ،‬الوسيط الجزء ‪ ،9‬ص ‪ .199‬د‪ /‬نعمان جمعة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.849‬‬
‫‪3‬‬
‫‪NICOLAS. La protection du voisinage. R.T.D.civ, 1976,p695,no35.‬‬

‫‪68‬‬
‫المناطق أو األحياء السكنية‪ ،‬هل تشكل مناطق هادئة أو شعبية أو متوسطة‪ .‬ومن ثم‬
‫وجب اللجوء إلى العرف لتحديد طبيعة هذه المناطق لتحديد الضرر غير المألوف‬
‫الذي يتميز بالنسبية وبالتغير من منطقة إلى أخرى حسب تغير نمط المنطقة السكنية‪.‬‬

‫فقد جرت العادة على أن يتحمل أهل الريف ما ال يتحمله أهل المدينة‪ ،‬وأن يتحمل‬
‫أهل المدينة ما ال يتحمله أهل الريف‪ .‬فمثال سقوط األوراق الجافة من األشجار في‬
‫فصل الخريف على سطح الجار تشكل أعباء عادية في الريف‪ ،‬بينما ال تعد كذلك إذا‬
‫حدثت في المدينة‪ .‬وتطبيقا لذلك قضى بأن سقوط األوراق الجافة على سطح الجار ال‬
‫يفتح باب التعويض عنها إذا حدثت في الريف‪ .‬متى كانت األشجار مغروسة على‬
‫مسافات قانونية‪ .‬ذلك ألن مثل هذه المضايقات جرت العادة بين أهل الريف من‬
‫تحملها‪ .1‬وعلى النقيض من ذلك قضي بمسؤولية المالك لألشجار عن األوراق الجافة‬
‫التي تتساقط منها على سطح الجار‪ ،‬وذلك على أساس أن هذه المضايقات بما أنها‬
‫ح دثت في المدينة‪ ،‬فإنها تعد من األعباء غير العادية‪ ،‬مما تتيح الفرصة في طلب‬
‫التعويض عنها‪.2‬‬

‫كذلك صياح الديكة ونباح الكالب ووضع أكوام الزبل والسماد التي تنبعث منها‬
‫الروائح المقززة‪ .‬تشكل بالنسبة ألهل الريف أعباء عادية‪ .‬إذ من المعتاد قيام أهل‬
‫الريف بتربية ال حيوانات وتجميع أكوام السماد أمام منازلهم‪ .‬وعلى العكس من ذلك ال‬
‫‪3‬‬
‫يمكن تحمل هذه المضايقات في المدينة‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪/‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة –ص ‪. 698‬‬


‫‪LIMOGES,20/6/1921,D,22/11/49.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ .694‬د‪ /‬منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة‪ -‬ص‬
‫‪ .660 ،609‬د عبد الوهاب محمد عبد الوهاب‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪99 ،95‬‬

‫‪69‬‬
‫كذلك إذا قام شخص ببناء منزل للسكن في منطقة صناعية فال يمكنه أن يشتكي‬
‫من أضرار الجوار الناتجة عن الروائح واألدخنة أو ضجيج الناتج عن المصنع‬
‫المجاور متى كانت هذه المضار مألوفة‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فإنه لتقدير عدم مألوفية الضرر البد من رجوع إلى طبيعة المنطقة‬
‫ألن االعتبارات المسندة في ظرف المكان ال تقتصر على التمييز بين الريف والمدينة‬
‫بل يمتد تمييزها إلى داخل نطاق المدينة والريف‪ .‬وذلك الختالف طبيعة المنطقة أو‬
‫الحي في كل منهما‪ .‬وعلى ذلك فإن مفهوم الضرر يختلف باختالف طبيعة الحي أو‬
‫المنطقة فقد يسكن الشخص حيا مليئا بالمحالت التجارية التي تبقي مفتوحة إلى‬
‫ساعات متأخرة من الليل‪ ،‬فتجلب المارة وتحدث الصخب والضجيج الذي يقلق راحة‬
‫السكان‪ .‬فإن هذا يشكل أعباء يجب على السكان تحملها ألنها تعد أض ار ار مألوفة‪.‬‬
‫بينما في حي مجاور ومن نفس المنطقة تعد هذه األضرار غير مألوفة إذا كان الحي‬
‫مخصص للسكن فقط‪.‬‬

‫وعليه إذا كان عنصر المكان يدخل في حسبان القاضي عند مشروعية النشاط أو‬
‫مألوفية السلوك‪ ،‬فإنه يلعب دو ار هاما في تحديد صفة األضرار إن كانت مألوفة أو‬
‫غير مألوفة‪ .‬وبذلك تكون فكرة األضرار غير مألوفة فكرة نسبية تختلف من مكان إلى‬
‫آخر‪ .‬فما يعد مألوفا في منطقة معينة ال يكون كذلك في منطقة أخرى قد تكون‬
‫مجاورة لها‪ .‬ومن ثم فإن األضرار التي تصيب الجيران ليست على درجة واحدة‪ ،‬بل‬
‫تتفاوت تفاوتا ك بي ار من الحي السكني الراقي الذي يتميز بالهدوء‪ ،‬إلى الحي الشعبي‬
‫الذي يتميز بالصخب والضجيج‪ ،‬إلى الحي السكني المتوسط الذي يجمع بين هذا‬
‫وذاك‪ .‬كما أنها تتفاوت بين المدينة والريف وبين المنطقة الزراعية والصناعية‬
‫والمنطقة السكنية‪.‬‬

‫والجدير بالمالحظة أنه إذا كانت ظروف المكان تلعب دو ار كبي ار في تحديد مفهوم‬
‫الضرر غير المألوف‪ ،‬إال أن هذه الظروف تكون عديمة الجدوى متى كانت‬

‫‪70‬‬
‫ناتجة عن سلوك غير مألوف‪ .‬ألنها تعد منذ بدايتها أض ار ار غير عادية‪ .‬وذلك كأن‬
‫تكون المضايقات ناتجة عن تقصير في أخذ االحتياطات الالزمة أدت إلى إحداث‬
‫أضرار غير مألوفة للجار المجاور‪.‬‬

‫ب)االعتبارات المستمدة من ظروف الزمان‪:‬‬


‫تلعب ظروف الزمان دو ار هاما في تقدير وتحديد مضار الجوار‪ ،‬هل تشكل أعباء‬
‫عادية يلزم تحملها بين الجيران في زمن معين‪ ،‬أم أنها تشكل مضا ار تجاوزت دائرة‬
‫المألوفية‪ ،‬في زمن آخر وجب التعويض عنها فيما تسببه من أضرار‪ .‬وبالتالي يتعين‬
‫على القاضي أن يضع في حسبانه هذه الظروف عند تحديده للضرر غير المألوف‪.‬‬

‫فقد يكون الضرر المرتكب من الجار يقتضي التسامح فيه في وقت معين ألنه‬
‫جرت العادة على تحمله بين الجيران‪ ،‬يصبح يشكل مضا ار غير مألوفة في وقت‬
‫آخر‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن الضجيج أو الضوضاء‪ ،‬أيا كان مصدرها التي يتسامح الجيران فيها‬
‫في أوقات النهار ال تكون كذلك في أوقات الليل‪ ،‬خاصة إذا حدثت في أوقات متأخرة‬
‫من الليل‪ .‬فقد قال اهلل تعالى في كتابه الكريم" َو َج َع ْلنَا نَ ْو َم ُك ْم ُ‬
‫سبَاتًا )‪َ (9‬و َج َع ْلنَا الله ْي َل‬
‫سا )‪َ (10‬و َج َع ْلنَا النه َها َر َم َعاشًا)‪ 1" (11‬بل أكثر من ذلك فقد تكون الضوضاء‬ ‫لِبَا ً‬
‫مقبولة في وقت معين من النهار لما يتسم به من حركة ونشاط دون الوقت اآلخر‪،‬‬
‫كوقت الظهيرة مثال التي يبحث فيها الجيران على الراحة والهدوء‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة النبأ آية‪ 9 :‬و‪ 60‬و‪66‬‬

‫‪71‬‬
‫وعلى ذلك فإن ما يعكر هدوء الليل‪ ،‬خاصة في األوقات المتأخرة منه‪ ،‬يعد من‬
‫األضرار غير المألوفة‪ .‬وفي المقابل فإن ما يحدث في فترة النهار وفي األوقات‬
‫المناسبة منه‪ ،‬يعد من األضرار المألوفة متى جرت العادة بين الجيران التسامح فيها‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك فقد قضى بمسؤولية القصاب عن األصوات المزعجة التي تحدث فج ار‬
‫نتيجة استخدامه لعربة التبريد‪.1‬‬

‫كما قضى بمسؤولية الجار المالك عن نباح كلبه الذي تجاوز الحد المألوف في‬
‫ساعات متأخرة من الليل والذي أقلق راحة الجيران لمنعهم من النوم‪.2‬‬

‫كما قضى بمسؤولية الجار عن الصخب الذي أحدثه أطفاله خالل لعبهم وقت‬
‫الظهيرة بالكرة واصطدامها بالحائط الفاصل للجار‪ ،‬فأقلق راحته‪ .3‬وعلى هذا هناك من‬
‫األضرار التي تحدث في النهار تكون غير مألوفة متى كانت في أوقات غير مناسبة‪.‬‬
‫كفترة الظهيرة‪.‬‬

‫وعليه إذا كانت طبيعة التجاور والعيش في جماعة تقتضي تحمل الجيران قد ار من‬
‫الضوضا ء والجلبة التي تحدث نهارا‪ ،‬إال أنه يتعين توفير أكبر قدر ممكن من الهدوء‬
‫والراحة لهم ليال‪ ،‬إذ يخصص الليل عادة للنوم والراحة أو في أوقات الظهيرة حيث‬
‫ينشدون الراحة والهدوء‪ .‬فكل ما يعكر على الجيران سكون ليلهم ويقلق راحتهم يعد من‬
‫المضار غير المألوفة للجوار‪.4‬‬

‫وفي هذا اإلطار أيضا قد يقضي العرف بمراعاة ظروف الزمان‪ ،‬بمعني أن هناك‬
‫العديد من األضرار ما يعد مألوفا في أوقات معينة‪ ،‬وال تعد كذلك في أوقات‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass.civ,17/06/1971, B.civ,71,n° 226,p610.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.civ 31/01/1966,B.civ,66,n°.70,p.52‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass.civ 24/05/1971, B.civ,71,n°189.p135.‬‬
‫‪ 4‬د‪ /‬عطا سعد محمد حواس – المرجع السابق –ص‪.499‬‬

‫‪72‬‬
‫أخرى‪ .‬وليس ثمة ما يمنع من االعتداد به ليس فقط في نطاق الليل والنهار بل في‬
‫نطاق األيام والفصول والمواسم‬

‫من أمثلتها األعياد والمواسم والمناسبات‪ ،‬حيث جرى العرف على كثرة الحركة‬
‫والضجيج على غير ما هو معتاد‪ ،‬فهي تعتبر مضار مألوفة وعلى الجيران تحمل‬
‫بعضهم البعض في مثل هذه الحاالت‪ .1‬نظ ار لعدم استم ارريتها‪.‬‬

‫والجدير بالمالحظة أن لقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ال يعتمد‬


‫فيه على عنصر الزمان لتقدير خطورة الضرر منذ بدايتها وانما يعتد أوال بطبيعة‬
‫النشاط مصدر هذه األضرار لكن القضاء يعول على عنصر الزمان ويمنحه دو ار كبي ار‬
‫في تقدير الضرر إن كان يشكل أعباء عادية وجب تحملها في وقت معين أم أنها‬
‫‪2‬‬
‫تجاوزت هذه األعباء وتصبح غير مألوفة وجب التعويض عنا‪.‬‬

‫خالصة القول‪ ،‬إن مفهوم العرف هو ما استقر عليه الجيران وما جرت العادة فيما‬
‫بينهم أن يتحمله بعضهم من بعض‪ ،‬بحيث يمكن اعتبار مثل هذا العرف بمثابة قانون‬
‫الجوار‪ ،‬أو بصورة أوضح قواعد اللياقة الواجب مراعاتها فيما بين المتجاورين‪ .3‬وأن‬
‫فكرة مضار الجوار غير المألوفة تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان‬
‫كما أوضحنا فما يعتبر غير عادي باألمس قد يكون عاديا اليوم والعكس‪ .‬وما يعتبر‬
‫عاديا في منطقة يعتبر غير عادي في منطقة أخرى لذا وجب أن نفرق بين المدن‬
‫والريف وبين المدن الصناعية والتجارية وفي نفس المدينة بين مختلف األحياء‪ .‬ومن‬
‫هنا نقول معيار الضرر غير مألوف هو معيار مرن‪ .‬وأن القضاء قد أكد في أحكام‬
‫كثيرة أن العرف يعد أحد المعايير الذي يجب على القاضي الموضوع أن يأخذها بعين‬
‫االعتبار عند تقديره للضرر غير المألوف‪.‬‬

‫‪ 1‬أ‪ /‬ليلي طلبة – الملكية العقارية الخاصة‪ -‬وفقا ألحكام التشريع الجزائري‪ -‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫‪ -5060‬ص ‪665‬‬
‫‪2‬في هذا المعنى د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ .90‬د‪ /‬ماجد راغب الحلو‪ -‬قانون حماية‬
‫البيئة‪ -‬دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية ‪ .6994‬ص ‪ 559‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬مروان كساب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.686‬‬

‫‪73‬‬
‫ثانيا‪:‬ضوابط متعلقة بالعقار‬
‫إضافة إلى ضابط العرف الذي أشارت إليه الفقرة الثانية من المادة‪ 196‬أشارت‬
‫إلى ظروف أخرى تتعلق بالعقار بقولها "‪...‬وعلى القاضي أن يراعي‪ ...‬طبيعة‬
‫العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى األخر والغرض الذي خصصت له"‪.‬‬

‫أ) طبيعة العقارات‪:‬‬


‫يتم تحديد العقارات كونها سكنية أو تجارية أو صناعية أو زراعية وفقا لقواعد‬
‫تنظيم المدن‪.1‬‬

‫فهذه القواعد هي التي تحدد مسبقا طبيعة العقار ومن ثم يمكن االحتجاج بها‬
‫على الغير إيجابا أو سلبا‪ .‬وعلى ذلك إذا قام شخص ببناء منزل سكني مخالفا لهذه‬
‫القواعد في منطقة صناعية أو تجارية ال يحق له المطالبة بالتعويض عن األضرار‬
‫التي تحدثها العقارات المجاورة ولو اكتست بطابع الخطورة‪ .‬فعليه أن يتحمل الروائح‬
‫المقززة واألدخنة المتصاعدة والضجيج المستمر الناتج عن دوران المصانع أو حركة‬
‫‪2‬‬
‫وعمل التجار وذلك لمخالفته لقواعد تنظيم المدن‪.‬‬

‫كما أنه إذا قامت مجموعة من األشخاص ببناء منازل سكنية في منطقة زراعية‪ ،‬ال‬
‫يحق لهم المطالبة بإزالة المضايقات التي تحدث وفقا لطبيعة المنطقة الزراعية‪ ،‬فعليهم‬
‫تحملها ألن تصرفهم هذا مخالف لقواعد تنظيم المدن‪ .‬وبالمقابل يحق للمزارعين‬
‫المجاورين مطالبتهم بالتعويض عن األضرار غير المألوفة‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن العبرة بطبيعة العقارات المتجاورة بصفة عامة‪ .‬والجدير بالمالحظة‬
‫أن المشرع حين صاغ نص المادة ‪ 5/196‬مدني جاء بصيغة الجمع‬

‫‪1‬‬
‫‪Nicolas, la protection de voisinage,R.T.D.civ,1976,p697.‬‬
‫‪ / 2‬د فيصل زكي عبد الواحد‪ ،‬الرسالة السابقة ‪ ،‬ص ‪ 699‬وكذا د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود‪،‬‬
‫الرسالة السابقة‪ ،‬ص ‪96‬‬

‫‪74‬‬
‫لكلمة عقار األمر الذي يستفاد منه‪ ،‬أنه أخذ بالمعيار الموضوعي بتوسيعه مفهوم‬
‫الجوار ليشمل مجموعة من العقارات قد تشكل حيا أو منطقة زراعية أو صناعية والتي‬
‫تشكل نوع االستغالل المعد لها‪ .‬فهناك عقارات بطبيعتها تكثر فيها الضوضاء والجلبة‬
‫وال يمكن اعتبار هذه األخيرة مضار غير مألوفة والعكس‪.‬‬

‫كما أن لطبيعة العقار ذاته اعتبار في تقدير الضرر غير المألوف‪ ،‬فإذا كان العقار‬
‫محال عاما أو مقهى أو فندقا أو حانوتا للتجارة أو نحو ذلك تحمل من الضوضاء‬
‫والجلبة أكثر مما يتحمل المسكن الهادئ‪ .‬فما يعتبر ضر ار مألوفا بالنسبة إلى هذه‬
‫األمكنة العامة‪ ،‬يعتبر ضر ار غير مألوفا بالنسبة إلى المسكن‪ .‬وما يعتبر ضر ار مألوفا‬
‫بالنسبة لمصنع تدور فيه اآلالت ويحتشد فيه العمال وتشتد الضوضاء‪ .‬قد يعتبر غير‬
‫مألوف بالنسبة إلى المدرسة أو المستشفى‪.1‬‬

‫وعليه فال شك أن استغالل العقارات يؤثر في مفهوم الجوار‪ .‬فاألدخنة المتصاعدة‬


‫من المصنع المجاور‪ ،‬قد تعد أض ار ار مألوفة لبعض العقارات المجاورة‪ ،‬بينما ال تعد‬
‫كذلك بالنسب ة لعقارات مجاورة أخرى‪ .‬فالضوابط التي يسترشد بها القاضي في تقدير‬
‫الضرر غير المألوف وفقا لما نصت عليه المادة ‪ 5/196‬مدني بعد اإلشارة إلى‬
‫العرف هو طبيعة العقارات‪ .‬فقد يعتبر ضرر مألوفا في منطقة وال يعتبر كذلك في‬
‫منطقة أخرى كما سبق بيانه‪.‬‬

‫ومن التطبيقات القضائية‪ :‬قضى مجلس الدولة في ق ارره الصادر بتاريخ‬


‫‪ 5005/02/58‬بغلق المفرغة(المزبلة) التي ال يمكن أن تتواجد في وسط سكاني ألنها‬
‫قد تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرز منها و الروائح الكريهة و‬
‫غيرها من األشياء المضرة‪.2‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط الجزء ‪ ،9‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪ 2‬مجلة مجلس الدولة العدد ‪ 09‬ص ‪91‬‬

‫‪75‬‬
‫كما قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في ‪ 5009 /08/65‬تعد من مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪ ،‬األضرار الالحقة بالبيئة‪ ،‬الناجمة عن منشآت فالحية‪ ،‬مجاورة‬
‫‪1‬‬
‫منطقة سكنية‪ ،‬غير مراعية القوانين ذات الصلة‪.‬‬

‫ب) موقع كل عقار بالنسبة لآلخر‬


‫من الضوابط المتعلقة بالعقار أيضا موقع العقار‪ ،‬الذي يلعب دو ار هاما في تحديد‬
‫مألوفية الضرر من عدمه‪ .‬هذا ما نصت عليه المادة ‪ 5/196‬مدني بقولها" ‪ ...‬على‬
‫القاضي أن يراعى في ذلك‪ ...‬العقارات وموقع كل منها بالنسبة لآلخر‪"...‬‬

‫وعليه فإن التالصق بين العقارات يقتضي تحمل الجيران بعض األصوات التي‬
‫تستلزمها ظروف االستعمال الطبيعي للعين‪ ،‬كضربات األقدام أو تشغيل آالت الطهي‬
‫أو الدق في المطبخ أو روائح األطعمة‪ ،...‬أما إذ وصل األمر إلى صدور ضجيج في‬
‫أوقات الليل المتأخرة مما يزعج الجار في نومه‪ ،‬فإن ذلك يعتبر ضر ار غير مألوفا‪،‬‬
‫خاصة إذا كان مصدر هذه األصوات ال يتعلق بأغراض السكن‪ ،‬كتشغيل آالت‬
‫موسيقية أثناء الليل‪ 2.‬أو وصلت هذه األصوات بسبب ارتفاع ضجيجها إلى العقارات‬
‫البعيدة‪.‬‬

‫كما أنه في العقار الواحد يجب على صاحب السفل أن يتحمل بحسب طبيعة موقعه‬
‫من األضرار التي تصدر من صاحب العلو ما ال يتحمله صاحب العلو من صاحب‬
‫السفل‪ ،‬بهذا قضى موقع السفل من العلو‪.3‬‬

‫‪ 1‬مجلة المحكمة العليا العدد الثاني ‪ ،5009‬ص ‪.525‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬الحقوق العينية األصلية ‪-‬حق الملكية و الحقوق المتفرعة عنه‪ -‬منشأة‬
‫المعارف اإلسكندرية ‪ ،5004‬ص‪.59‬‬
‫‪ 3‬وقد نصت المادة ‪ 140‬من القانون المدني الفرنسي مثال عن الينابيع الطبيعية بقولها أن العقارات الواقعة على‬
‫مستوى أسفل من العقارات العلوية تتحمل تدفق المياه أكثر من األخيرة‪ .‬و يمنع على الجار األسفل استحداث سد لمنع‬
‫تدفق المياه‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ومالك العقار الذي يجاور الطريق العام أو السكة الحديدية أو المصانع يتعود من‬
‫الضوضاء ما يزعج العقار الموجود في منطقة هادئة بعيدة عن الضوضاء‪ .‬فما يكون‬
‫مألوفا لألول قد يكون غير ذلك للثاني‪.1‬‬

‫والجدير بالذكر أن األضرار غير المألوفة إذا كانت تنشأ بداهة نتيجة التالصق‬
‫بين عقارين إال أن هذا ال يكون بصورة مطلقة‪ ،‬فقد تتوافر رغم التباعد النسبي بين‬
‫عقار الجار المتضرر والعقار مصدر الضرر‪ ،‬فقد يتضرر الجار المقيم بعيدا عن‬
‫مصنع من األدخنة المتصاعدة منه والمنقولة بفعل الرياح كما يتضرر الجار المقيم‬
‫قريبا من المصنع‪ .‬كما أنه قد يقيم شخص بالقرب من المصنع‪ ،‬ومع ذلك تعد األدخنة‬
‫المنبعثة من هذا المصنع مضا ار مألوفة له لبعده عن اتجاه الريح التي تحمل تلك‬
‫األدخنة الضارة‪ .‬في حين تعد تلك األضرار غير مألوفة لشخص يقيم بعيدا عن هذا‬
‫المصنع لوجود عقاره في مهب الرياح اآلتية من ناحية المدخنة الجالبة للروائح الكريهة‬
‫والمضرة‪ ،‬والتي تسبب له أض ار ار غير مألوف‪.2‬‬

‫ومن هنا نستخلص أنه يجب األخذ في االعتبار موقع عقار الجار المتضرر‪،‬‬
‫بغض النظر عن مكان ونوعية األنشطة الضارة‪.‬‬

‫ومن التطبيقات القضائية‪ :‬قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ‬


‫‪ " 5005/01/68‬يشكل صورة من صور مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬البناء المتسبب‬
‫في جعل مسكن الجار غير الئق للسكن‪ ،‬حتى ولو تم إنجاز هذا البناء طبقا لرخصة‬
‫البناء والتصاميم‪".3‬‬

‫‪ 1‬د عبد الرزاق أحمد السنهوري ن الوسيط المجلد ‪– 9‬المرجع السابق‪-‬ص ‪ 199‬و ‪.199‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬نعمان محمد خليل جمعة‪ ،‬الحقوق العينية األصلية‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.820‬ز اررة عواطف‪ ،‬التزامات‬
‫الجوار في القانون المدني الجزائري‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪95‬‬
‫‪ 3‬الغرفة العقارية قرار رقم ‪ 404019‬الصادر بتاريخ‪ 5005/01/68‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الخاص‪ ،‬اإلجتهاد‬
‫القضائي للغرفة العقارية الجزء الثالث ‪ 5060‬وكذا مجلة المحكمة العليا العدد األول ‪.5009‬‬

‫‪77‬‬
‫كما قضت بتاريخ ‪ " 5005/09/65‬ال يحق لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة‬
‫الرخص‬ ‫األشغال لقواعد العمران قصد إعفائه من مسؤولية مضار الجوار‪ .‬ألن هذه‬
‫‪1‬‬
‫تسلم تحت شرط مراعاة حقوق الغير"‬

‫كما قضت بتاريخ ‪ " 5009/08/65‬تعد من مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬األضرار‬
‫الالحق ة بالبيئة‪ ،‬الناجمة عن منشآت فالحية‪ ،‬مجاورة منطقة سكنية‪ ،‬غير مراعية القوانين‬
‫ذات الصلة"‪.2‬‬

‫ج)الغرض الذي خصصت له العقارات‪:‬‬


‫ومن الظروف المتعلقة بالعقار والتي نصت عليها المادة ‪ 5/196‬أيضا تأثير الغرض‬
‫الذي خصصت له العقارات في تقدير الضرر غير المألوف بقولها‪ ... ":‬وعلى القاضي‬
‫أن يراعى في ذلك‪ ...‬الغرض الذي خصصت له‪".‬‬

‫يتضح من هذا أن ا لمادة تتكلم عن الغرض المخصص له العقارات في مجموعها ولم‬


‫تخص بالذكر الغرض المخصص له عقار الجار المتضرر‪ .‬وهذا يعنى أن العبرة في‬
‫التخصيص المؤثر في تقدير الضرر غير المألوف‪ ،‬وهو التخصيص الذي يضفي على‬
‫الحي أو المنطقة طابعا عاما‪ ،‬يجعل من المألوف تحمل أض ارره‪ ،‬وليس بالتخصيص‬
‫‪3‬‬
‫الفردي لنشاط معين‪.‬‬

‫وقد أوردت المذكرة اإليضاحية‪ "4‬يتبين أن ما يعتبر ضر ار مألوفا في ناحية مكتظة‬


‫بالمصانع والمقاهي والمحالت العامة يعتبر ضر ار غير مألوف في ناحية هادئة‬

‫‪ 1‬قرار رقم ‪ 460569‬بتاريخ ‪ 5005/09/65‬مجلة المحكمة العليا‪ -‬العدد الخاص‪ -‬الغرفة العقارية الجزء الثالث‬
‫‪.5060‬‬
‫‪ 2‬الغرفة العقارية قرار رقم ‪ 448150‬الصادر بتاريخ ‪ 5009/08/65‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني ‪.5009‬‬

‫‪ 3‬د‪ /‬نعمان جمعة‪ ،‬الحقوق العينية –المرجع السابق‪ -‬ص‪820‬‬


‫‪ 4‬مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري الحالي‪ -‬الجزء ‪ -1‬ص ‪.85‬‬

‫‪78‬‬
‫خصصت للمساكن دون غيرها‪ ،‬وسكنى العلية من الناس‪ ،‬فإذا فتح محل مقلق للراحة في‬
‫وسط هذه المساكن الهادئة‪ ،‬كان في هذا ضرر غير مألوف تجب إزالته"‪.‬‬

‫وعليه فإن العقار الذي خصص للسكن الهادئ يختلف عن العقار الذي خصص‬
‫ألغراض تقتضي دوام الحركة وتدفق الناس عليها‪ ،‬فالذي يكون ضر ار غير مألوف‬
‫بالنسبة إلى األول قد يكون ضر ار مألوفا بالنسبة إلى اآلخر‪ .‬وما يعتبر ضر ار مألوفا في‬
‫منطقة مكتظة بالمصانع والمقاهي والمحالت العامة يعتبر ضر ار غير مألوف في منطقة‬
‫هادئة خصصت للمساكن دون غيرها‪ .‬فإذا شيد مثال مصنعا ضمن المنطقة السكنية‬
‫الهادئة‪ ،‬يكون الضرر الناجم عن المصنع غير مألوف‪ ،‬يجب إزالته‪.‬ألنه ال يمكن‬
‫التسامح فيه في عالقات الجوار‪ .‬وبالعكس‪ ،‬إذا شيد جار منزال للسكن في منطقة‬
‫مخصصة أصال للمعامل والمصانع‪ ،‬فال يجوز للمالك السكنى الجديد المطالبة إلزالة‬
‫الضرر ألن الضرر يعد أصال مألوفا في تلك المنطقة الصناعية وجب التسامح فيه في‬
‫عالقات الجوار‪.‬‬

‫ومن تطبيقاته‪ :‬قضى مجلس الدولة في ق ارره الصادر بتاريخ ‪ 5005/02/58‬أنه ال‬
‫يمكن للوالية فتح مفرغة وتخصيص لها قطعة أرض ذات مساحة ‪ 40‬هكتار في وسط‬
‫خصص للسكنى ألن هذا يمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرز منها‬
‫والروائح الكريهة وغيرها من األشياء المضرة‪ .1‬فأمر بغلقها‪.‬‬

‫وقضت محكمة استئناف مصر بتاريخ ‪ .26940/60/65‬أنه إذا أنشأت الحكومة محطة‬
‫من محطات المجاري على قطعة من أمالكها أقلقت إدارتها راحة السكان في حي‬
‫مخصص للسكنى‪ ،‬كان لهؤالء السكان الحق في الرجوع على الحكومة بالتعويض عما‬
‫أصابهم وأصاب أمالكهم من أضرار‬

‫‪ 1‬مجلة مجلس الدولة العدد ‪ 09‬ص ‪ – 91‬المشار إليه سابقا‪-‬‬


‫‪ 2‬مجلة المحاماة تصدرها نقابة محامين مصر رقم‪ 56‬ص ‪996‬‬

‫‪79‬‬
‫كما أن محكمة االستئناف المختلطة المصرية في ‪ 16946/06/55‬قضت بأن‬
‫الشركة التي تقيم مصانع وآالت في أحياء للسكن تكون مسؤولية عما يقع من أضرار‬
‫غير مألوفة‪.‬‬

‫وكذا العقار المخصص ليكون مصحة أو مستشفي قد يكون الضرر المألوف بالنسبة‬
‫‪2‬‬
‫إليه ضر ار غير مألوف‪ .‬ويبقى المعيار مع ذلك معيا ار موضوعيا ال معيا ار ذاتيا‪.‬‬

‫مما سبق أستخلص أن المسؤولية الناجمة عن مضار الجوار غير المألوفة هي‬
‫مسؤولية مستقلة‪ ،‬موضوعية‪ ،‬وليست ذاتية‪ ،‬وأن المعيار المعتمد يرتكز على‬
‫االستقاللية بحد ذاتها السيما على‪:‬‬

‫‪ -‬العرف المبني على قواعد اللياقة الواجب مراعاتها بين المتجاورين‪ ،‬والمستخلصة‬
‫من العادات والتقاليد التي ألفها الناس في حياتهم ومعيشتهم‪.‬‬

‫‪ -‬طبيعة العقارات إ ن استغالل العقارات يؤثر في مفهوم الجوار‪ .‬فما تعد أض ار ار‬
‫مألوفة لبعض العقارات المجاورة‪ ،‬ال تعد كذلك بالنسبة لعقارات مجاورة أخرى فمن‬
‫العقارات ما يمكن تحمل المضار فيها فتصبح مضار مألوفة وأخرى ال يمكنها تحمل‬
‫نفس المضار فتصبح مضا ار غير مألوفة‪.‬‬

‫‪ -‬موقع كل عقار بالنسبة إلى العقار اآلخر أن األضرار غير المألوفة إذا كانت تنشأ‬
‫بداهة نتيجة التالصق بين عقارين إال أن هذا ال يكون بصورة مطلقة‪ ،‬فقد تتوافر رغم‬
‫التباعد النسبي بين عقار الجار المتضرر والعقار مصدر الضرر لذا يجب األخذ في‬
‫االعتبار موقع عقار الجار المتضرر‪ ،‬بغض النظر عن مكان ونوعية األنشطة‬
‫الضارة‪.‬‬

‫‪ 1‬مجلة المحاماة تصدرها نقابة محامين مصر رقم ‪55‬ص‪.541‬‬


‫‪ 2‬د‪/‬مروان الكساب – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ 688،684‬د‪/‬عبد الرزاق أحمد السنهوري ‪ ،‬الوسيط‪ ،‬المجلد‪– 9‬المرجع‬
‫السابق‪ -‬الهامش‪،‬ص‪.191‬‬

‫‪80‬‬
‫‪-‬الغرض الذي خصص له العقار التخصيص الذي يضفي على الحي أو المنطقة‬
‫طابعا عاما‪ ،‬يجعل من المألوف تحمل أض ارره‪ ،‬وليس بالتخصيص الفردي لنشاط‬
‫معين‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬ضوابط تقدير الضرر غير المألوف التي لم تنص عليها‬
‫المادة ‪2/191‬‬
‫سبق وأن أشرت بأن الضوابط التي نص عليها المشرع الجزائري في المادة‬
‫‪ 5/196‬التي يجب على القاضي مراعاتها لتقدير الضرر غير المألوف جاءت على‬
‫سبيل المثال ال الحصر‪ .‬لذا يمكن للقاضي مراعاة ضوابط أخرى إذا لم تكف‬
‫العناصر السابقة لبسط سلطته التقديرية في تقدير قيام المسؤولية‪ .‬ومن هنا يطرح‬
‫التساؤل هل سبق حصول المالك على ترخيص إداري يستبعد قيام المسؤولية؟ وهل‬
‫أسبقية االستغالل أو الوجود تحول دون قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة وهل تأخذ في االعتبار الظروف الخاصة بالجار المضرور أي يأخذ في‬
‫الحسبان الضوابط الشخصية أو الذاتية للجار المضرور‪ ،‬أو أن الضابط أو المعيار‬
‫الذي يجب على القاضي تقديره هو معيار الرجل العادي أي المعيار الموضوعي؟‪.‬‬

‫هذا ما أحاول توضيحه في هذا المطلب من خالل تقسيمه إلى ثالثة فروع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬سبق حصول المالك على ترخيص إداري‬


‫ثانيا‪ :‬أسبقية االستغالل أو الوجود‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الظروف الخاصة بالجار المضرور‬

‫أوال‪:‬أسبقية الحصول على ترخيص إداري‬


‫ويقصد بالترخيص اإلداري‪ ،‬الرخصة الذي يشترط فيها المشرع حصول المالك‬
‫على إذن سابق من جهة إدارية‪ ،‬قبل ممارسته لنشاط معين‪ .‬فالرخصة‬

‫‪81‬‬
‫اإلدارية تبيح إدارة المحل دون أن تكون هناك مسؤولية جنائية على صاحب المحل‬
‫ومن ثم فإن المالك يعصم من أوجه أخرى للمسؤولية‪ 1.‬فالتصريح مقرر لتحقيق‬
‫أغراض عامة معينة‪ ،‬حتى تتمكن اإلدارة من اإلشراف والرقابة على بعض أنواع‬
‫االستغالل للنشاط ووسائله حماية للصالح العام‪ 2.‬فال تمنح الرخصة إال بعد البحث‬
‫والتحقق من مراعاة اللوائح المعمول بها‪.‬‬

‫من هنا يطرح التساؤل هل سبق حصول المالك على ترخيص إداري يستبعد قيام‬
‫المسؤولية؟‪ .3‬وكيف عالجت شريعتنا اإلسالمية هذا الموضوع؟‬

‫أ)‪:‬موقف الفقه والقضاء من أسبقية الحصول على ترخيص إداري ‪:‬‬


‫أثارت هذه المسألة خالفا في الفقه‪.‬‬
‫فذهب البعض من الفقه الفرنسي القديم‪ ،4‬إلى أن حصول المالك على ترخيص‬
‫غالبا ما يكون لممارسة نشاطا صناعيا أو تجاريا‪ .‬إلعفائه من المسؤولية الجنائية‬
‫والمدنية على حد السواء‪ .‬واستندوا في ذلك أن المرخص له قد استعمل حقه دون أن‬
‫يعتدي على حقوق اآلخرين‪ .‬ومن ثم فإنه إذا نتج عن ممارسته العادية للنشاط‬
‫المرخص به وفي حدود القوانين واللوائح‪ ،‬ووفقا للشروط والحدود المذكورة في‬
‫الترخيص‪ .‬فإنه ال يسأل عن األضرار التي تلحق الجيران سواء أكانت أض ار ار مألوفة‬
‫أو تجاوزت الحد المألوف‪.‬‬

‫‪ 1‬د عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ -‬حق الملكية‪ -‬المجلد ‪ -9‬المرجع‬
‫السابق ص‪.500‬‬
‫‪ 2‬د منصور صابر عبده خليفة – القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة الخاصة – الرسالة السابقة‪ -‬ص‬
‫‪. 650‬‬

‫‪ 3‬بخالف المشرع الجزائري فقد تكفل المشرع المصري في المادة ‪ 5/905‬صراحة على بيان هذا األثر ولم يدع‬
‫ذلك الجتهاد الفقهاء‪ .‬حيث نص صراحة على أن " ‪...‬وال يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون‬
‫استعمال هذا الحق"‪ .‬من خالل النص ال يكون حصول المالك على ترخيص من جهات مختصة تأثيرا على‬
‫مطالبة الجار بتعويضه عن األضرار غير المألوفة التي تلحق به نتيجة استغالل للنشاط المرخص به‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Martin(G) La responsabilité civil pour faits de la pollution au droit a‬‬
‫‪l’environnement, thèse, op.cit, p88 et S.‬‬

‫‪82‬‬
‫غير أن هذا الرأي لم يلقى قبوال لدى الفقه والقضاء الفرنسي لمنافاته لقواعد‬
‫العدالة‪ ،‬وألن الغرض من الترخيص اإلداري هو حماية المصلحة العامة‪ ،‬التي تهدف‬
‫إلى حماية األمن والصحة العامة‪ ،‬ال مصالح األفراد الخاصة‪ .‬فالترخيص إن كان‬
‫يقصد به فرض رقابة الدولة لضمان توفر قدر من األمن ومنع األضرار‪ ،‬إال أنه ال‬
‫يمنع كل األضرار‪ .‬ولهذا فاإلدارة ترخص باالستغالل‪ ،‬على أن يتحمل المرخص له‬
‫ويراعى عدم إضرار بالجيران ضر ار يتجاوز الحد المألوف‪.1‬‬

‫وعليه فقد استقر أغلبية الفقه والقضاء على تقرير المسؤولية على األضرار غير‬
‫المألوفة عن ممارسة األنشطة الضارة سواء حصل المسؤول عن ترخيص أو لم‬
‫يحصل من الجهات اإلدارية المختصة‪ ،‬وسواء احترم نطاق الترخيص الممنوح له أو‬
‫خالفه‪.‬‬

‫وقد ساير القضاء الجزائري هذا الرأي في ق ارره الصادر عن مجلس الدولة‪ 2‬بتاريخ‬
‫‪ . 5005/02/58‬والذي جاء فيه أنه "ال يمكن أن تكون مزبلة في وسط سكاني تمس‬
‫بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرزها والروائح الكريهة وغيرها من‬
‫األشياء المضرة‪ .‬فأمر مجلس الدولة بغلقها رغم وجود ترخيص إداري"‪ .‬هذا ما‬
‫تستلزمه العدالة ذلك ألن اإلدارة ال يمكنها أن تعطي ترخيصا لممارسة نشاط معين‬
‫يضر بالجار‪ ،‬خاصة وأن الجار هو جزء من المجتمع‪ ،‬وهدف اإلدارة هو حماية أمن‬
‫وصحة المجتمع‪.‬‬
‫وفي قرار آخر صادر عن المحكمة العليا‪ 3‬بتاريخ ‪ 5005/09/65‬حين قضت‬
‫"ال يحق لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة األشغال لقواعد العمران قصد‬

‫‪1‬د‪ /‬منصور مصطفى منصور‪ ،‬حق الملكية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫‪Martin(G) La responsabilité civil pour faits de la pollution au droit a‬‬
‫‪l’environnement, thèse, op.cit, p88 et S.‬‬
‫‪2‬مجلة مجلس الدولة العدد ‪– 09‬قرار رقم ‪ 085529‬الصادر ‪ 5005/02 /58‬المشار إليه سابقا‪.‬‬
‫‪ 3‬مجلة المحكمة العليا –عدد خاص‪ -‬اإلجتهاد القضائي للغرفة العقارية‪ -‬الجزء الثالث‪ -‬قسم الوثائق سنة ‪5060‬‬
‫ص‪ .828‬ملف رقم ‪ 460569‬بتاريخ ‪.5005/09/65‬‬

‫‪83‬‬
‫إعفائه من مسؤولية مضار الجوار‪،‬ألن هذه الرخصة تسلم تحت شرط مراعاة حقوق‬
‫الغير"‬

‫" يشكل‬ ‫‪1‬‬


‫وفي قرار آخر صادر عن المحكمة العليا بتاريخ ‪5005/01/68‬‬
‫صورة من صور مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬البناء المتسبب في جعل مسكن الجار‬
‫غير الئق للسكن‪ ،‬حتى ولو تم إنجاز هذا البناء طبقا لرخصة البناء والتصاميم"‪.‬‬

‫ب)موقف فقهاء الشريعة اإلسالمية من الترخيص الصادر من اإلمام على حق‬


‫الجار‬
‫الشك أن فقهاء الشريعة اإلسالمية لم يعرفوا الترخيص اإلداري بمعناه الحالي‪.‬‬
‫كما أنه الشك أن شريعتنا اإلسالمية حين عالجت عالقات الجوار والحقوق المترتبة‬
‫على الجوار‪ ،‬نهجت أسلوبا يصلح لكل زمان ومكان‪ .‬فاهتمت بوضع األسس والمبادئ‬
‫العامة وتركت للفقهاء االجتهاد إليجاد الحلول المالئمة لكل مسألة دون الخروج من‬
‫المبادئ العامة المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬

‫وقد طبق فقهاء الشريعة اإلسالمية هذه المبادئ واألسس بوضع قواعد فقهية‬
‫تستنكر اإلضرار بالغير‪" :‬الضرر يزال؛ ال ضرر وال ضرار؛ الضرر األشد يزال‬
‫بالضرر األخف؛ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪ ."...‬كما طبقوا هذه القواعد‬
‫على قضايا الجوار مما جعل الترخيص الصادر من اإلمام ال يحول دون مسؤولية‬
‫المالك ومنحوا للجار المضرور حق المطالبة بإزالة الضرر‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬من يأذن له اإلمام بحفر بئر في فناء داره‪ ،‬وترتب على حفرها إضرار بالجار‪،‬‬
‫ضمن صاحب البئر وال يلتفت إلى الترخيص الصادر من اإلمام بحفرها‪.2‬‬

‫‪ 6‬مجلة المحكمة العليا –عدد خاص‪ -‬اإلجتهاد القضائي للغرفة العقارية‪ -‬الجزء الثالث‪ -‬قسم الوثائق سنة‪-5006‬‬
‫المشار إليه أعاله‪ -‬ص ‪ ،842‬ملف رقم ‪ 404019‬قرار بتاريخ ‪5005/01/68‬‬
‫‪ 2‬المغني البن قدامة – الجزء الخامس – المرجع السابق – ص ‪.105‬‬

‫‪84‬‬
‫ومن هنا إن شريعتن ا اإلسالمية ال تعتد بالترخيص الصادر من اإلمام في حالة ما‬
‫إذا ترتب عن النشاط المرخص به إضرار بالجار‪ .‬فمنحت لهذا األخير الحق في‬
‫المطالبة بإزالة الضرر والتعويض عنه إذا لزم األمر‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬أسبقية االستغالل والوجود‬


‫يقصد بأسبقية االستغالل والوجود‪ ،‬هو أن يكون المالك قد باشر نشاطه الضار‬
‫قبل تحقق الجوار بينه وبين الجار الذي يتضرر منه‪ .‬وعليه يكون االستعمال الضار‬
‫سابقا على قيام الجوار ‪ ،‬ذلك كأن يقيم شخص مصنعا ويديره دون أن يكون له جار‪،‬‬
‫وبالتالي ال يلحق بأي أحد ضرر غير مألوف‪ .‬ثم يأتي شخص ويشتري قطعة أرض‬
‫ويبني عليها منزال لسكناه بجوار هذا المصنع‪.‬‬

‫فهل يحق لمالك المنزل إذا تضرر من نشاط المصنع أن يطالب بالتعويض على‬
‫أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف؟ بعبارة أخرى هل تؤثر أسبقية‬
‫االستغالل أو الوجود على المسؤولية عن األضرار الجوار؟‬
‫اختلف الفقه والقضاء بخصوص هذه المسألة‬

‫فذهب البعض وهم قلة أن الجار الذي يستجد على المالك ليس له أن يشكو من‬
‫مضار جوار ولو كانت غير مألوفة‪ .‬ألنه هو الذي سعى إلى جوار المالك‪ .‬وهو عالم‬
‫بما في هذا الجوار من مضار‪ ،‬فيكون قد ارتضى به ضمنا‪ 1.‬فاألسبقية في التملك‬
‫تعفي من المسؤولية‪.‬‬
‫وق د أسس هذا جانب من الفقه والقضاء الفرنسي القديم رأيه‪ ،‬إلى القول بعدم‬
‫إمكانية المطالبة بالتعويض عن األضرار التي تجاوز أعباء الجوار العادية إذا كان‬
‫إنشاء وتشغيل المصنع سابقا على استغالل العقار المجاور‪ ،‬بمعنى أنه إذا أقام‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرزاق السنهوري –الوسيط الجزء ‪ – 9‬المرجع السابق – ص ‪ 900‬و‪ .906‬د‪ /‬عبد الناصر توفيق العطار‬
‫شرح أحكام حق الملكية – طبعة ‪ -6990‬عدم ذكر دار النشر‪-‬ص‪ .29‬وقد جاء في المذكرة اإليضاحية للمشروع‬
‫التمهيدي "أما إذا كان المحل المقلق للراحة هو قديم‪ .‬وقد وجد في ناحية مناسبة له ‪ ،‬ثم استحدث بعد ذلك بجواره‬
‫بناء للسكنى الهادئة ‪.‬فليس لصاحب هذا البناء أن يتضرر من مجاورة المحل المقلق للراحة‪ .‬بل هو الذي يلزمه دفع‬
‫الضرر عن نفسه‪ ".‬مجموعة األعمال التحضيرية الجزء ‪ – 1‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪88 ،85‬‬

‫‪85‬‬
‫شخص مصنعا في منطقة بعيدة عن العمران‪ ،‬ثم امتدت إليها يد العمران‪ ،‬فال يجوز‬
‫للجيران المحدثين أن يشتكوا من األضرار التي قد تلحقهم من جراء تشغيل المصنع‬
‫والتي قد تنتج عنه روائح كريهة أو أدخنة أو غبار‪...‬ألن هؤالء المحدثين حين أقدموا‬
‫على البناء بجوار المنشأة مصدر الضرر كانوا على علم بوجود هذه األضرار‪ ،‬ومن‬
‫ثم كان يتعين عليهم أن يدققوا ويمتنعوا عن البناء المقصود منه السكنى بجوار هذه‬
‫المنشأة‪ .‬أما وأنهم قد أقدموا على البناء والسكنى فإنهم يكونوا قد عرضوا أنفسهم‬
‫بإرادتهم لتلك األضرار‪ ،‬ومن ثم ال يكون لهم الحق في الشكوى عن هذه األخيرة ألنهم‬
‫بذلك إما أن يكونوا قد اقترفوا خطأ بالبناء بجوار هذه المنشأة مصدر الضرر‪ ،‬واما أن‬
‫يكونوا قد قبلوا تحمل هذه المخاطر‪ .‬وأن القضاء قد قبل فكرة قبول المخاطر لإلعفاء‬
‫من المسؤولية‪ ،‬وان كان قد رفض االتفاق على اإلعفاء أو التخفيف من المسؤولية‪،‬‬
‫وفي كلتا الحالتين تنتفي المسؤولية وينتفي الحق في المطالبة بالتعويض‪ .‬وقد حاول‬
‫هذا الجانب من الفقه أن يستند إلى أساس تشريعي لهذه الفكرة فوجد في القرار‬
‫اإلمبراطوري الصادر في ‪ 16960/60/62‬السيما المادة ‪ 09‬منه التي تنص "…‬
‫حينما يقوم الشخص بالبناء بجوار منشأة صناعية مرخص من جانب الجهة اإلدارية‬
‫فإنه ال يقبل طلبه بسحب الرخصة واغالق المنشأة "‪ .‬يعتبر هذا الجانب من الفقه إن‬
‫هذا النص تطبيق للقانون العام وهو استثناء من القواعد العامة في القانون المدني‪.‬‬
‫ولما كان القانون العام يخضع تلك المنشآت المقلقة للراحة والمضرة بالصحة لنظام‬
‫الترخيص اإلداري‪ ،‬ويحظر على األشخاص القيام بإنشائها أو تشغيلها إال بعد‬

‫‪1‬‬
‫‪Article 9 du Décret impérial du 15/10/1860 relatif aux Manufactures et Ateliers qui‬‬
‫‪répandent une odeur insalubre ou incommode. dont voici les termes « … tout individu‬‬
‫‪qui ferait des constructions dans le voisinage de ces manufactures et ateliers, après que‬‬
‫» ‪la formation en aura été permise, ne sera plus admis à en solliciter l’éloignement.‬‬
‫‪2Demolombe ; cour de code Napoléon, tome 12, 5ed 1872, p 155.156.‬‬
‫‪ -‬و المالحظ أن المشرع الفرنسي في هذا القرار المتعلق بالمضار الناتجة عن الروائح الكريهة والمزعجة‪ .‬صنف‬
‫المنشآت الصناعية إلى ثالثة أصناف‪ :‬الصنف األول خص المنشآت التي يشترط فيه إبعادها عن المحيط سكني‬
‫لخطورتها‪ ،‬والصنف الثاني خص المنشآت التي ال يشترط إبعادها عن المحيط السكني إال بعد التأكد من عدم إلحاقها‬
‫مضار بالجيران‪ .‬والصنف الثالث‪ :‬خص المنشآت التي يمكن إقامتها بجوار المساكن بدون إزعاج‪ ،‬ولكن تبقي تحت‬
‫مراقبة الشرطة‪ .‬غير أن تطبيق المادة التاسعة فقد خص الصنف األول الذي يشترط إلقامته أن تكون المنشأة بعيدة‬
‫عن المباني السكنية بمسافة ال تقل عن خمسة كيلومترات‪ ،‬وإلقامتها يشترط أن يمنح الترخيص بموجب قرار من‬
‫وزير الداخلية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫الحصول على هذا الترخيص‪ ،‬فإنه متى تم هذا الترخيص فال يجوز للجار المضرور‬
‫‪1‬‬
‫التظلم أو الشكوى‪ ،‬وال يقبل طلبه بإغالق المنشأة كليا أو جزئيا‬

‫وقد قررت محكمة ‪ Lyon‬بتاريخ ‪ 6908/66/01‬رفض طلب التعويض عن‬


‫األضرار الناجمة عن تشغيل المنشأة الصناعية ‪-‬للطوب‪ -‬المجاورة وأقامت حكمها‬
‫على أساس أن المنشأة كانت موجودة قبل قيام الجار ببناء مسكن له على أرضه‪ ،‬كما‬
‫أنه ال يوجد أحد تضرر من قبل من وجود هذه المنشأة حيث كانت األراضي خالية‬
‫حولها من المساكن‪ ،‬أما وأن الجار قد قام بتغيير حالة األرض وذلك بقيامه بالبناء‬
‫عليها مما عرضه لألضرار فإنه يكون وحده مسؤوال عن هذه األضرار التي حدثت‬
‫نتيجة لتغيير صفة المكان‪.‬‬

‫كما قرر مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 6919/05/65‬بأن الشخص الذي يقيم بناء‬
‫بجوار المنشآت العامة كانت مصدر حرمانه من الشمس‪ ،‬نتيجة ارتفاعها ‪ ،‬فإنه يكون‬
‫ملزما بتحمل هذه األضرار دون إمكانية المطالبة بالتعويض عنها بغض النظر عن‬
‫صفتها وعلى هذا األساس رفض طلب التعويض لكون الجار المضرور قد تملك‬
‫‪2‬‬
‫مسكنه بعد بناء المنشأة مصدر الضرر‪.‬‬

‫غير أن هذا الرأي على إطالقه غير سليم‪ ،‬إذ أنه يضع المالك الالحق في التملك‬
‫أمام واحد من األمرين‪ ،‬إما أن يختار نوع االستغالل الذي اختاره من سبقه‪ ،‬أو يتحمل‬
‫المضار الجوار دون أن يكون له حق الشكوى‪ ،‬لهذا رفض جمهور الفقه والقضاء‬
‫االتجاه القديم وانتقده‪ ،‬على أساس أن التضامن االجتماعي يقتضي منع الضرر عن‬
‫الجيران القائمين والقادمين على السواء‪ ،‬فال تجب األسبقية المسؤولية‪ ،‬وان كان من‬
‫الجائز أن يكون لها شأن في تقدير التعويض‪ .3‬كما أن األخذ بها يعد مخالف لقواعد‬
‫العدالة‪.‬‬

‫‪ 1‬د ياسر محمد فاروق المنياوي‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.855 ، 851‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي – المرجع السابق – ص ‪.859‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬زكي زكي حسين زيدان‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ .654‬عبد المنعم فرج صدة – المرجع السابق‪ -‬ص ‪92 ، 94‬‬

‫‪87‬‬
‫لذا ذهب جمهور شراح القانون إلى التمييز بين وضعين‪ ،‬بحيث أن األسبقية في‬
‫االستغالل والوجود يمكن أن تكون فردية أو جماعية‪.‬‬

‫أ) األسبقية الفردية في االستغالل والوجود‪:‬‬


‫‪ -1‬موقف الفقه والقضاء من األسبقية الفردية في االستغالل والوجود‪:‬‬
‫استقر الفقه والقضاء على أن األسبقية الفردية في االستغالل والوجود ال يشكل أي‬
‫معيار يكون له أثر في تحديد الضرر أو اإلزعاج غير مألوف‪ .1‬ألن القول بإقدام‬
‫شخص على البناء بجوار منشأة صناعية أو تجارية يكون قد ارتكب خطأ بالبناء‬
‫بجوار هذه المنشأة غير صحيح مادام القانون قد سمح له أن يستعمل حقه طالما كان‬
‫مشروعا‪ ،‬ولم يمنعه القانون بناء مسكنه أمام هذه المنشأة‪ .‬فال يمكن انساب الخطأ‬
‫للجار الجديد‪.‬‬

‫وبالرغم من أن بعض محاكم االستئناف في فرنسا قد أقرت مبدأ األسبقية في‬


‫الوجود أو االستغالل‪ ،‬واعتبرت أنه يكون من قبيل عدم الفطنة‪ ،‬موقف الشخص الذي‬
‫يأتي ويؤسس بالقرب من هذه المنشآت التي تحدث مضار للجوار كالضجيج‪ .‬إال أن‬
‫محكمة النقض الفرنسية خالفت هذا االتجاه في قرارها الصادر في ‪،6952/05/64‬‬
‫معتبرة أنه من المستغرب أن يكون مجرد أسبقية االستثمار‪ ،‬يمنح المالك الحق في‬
‫االستفادة من األمالك المجاورة بارتفاق من شأنه تقييد حق استعمال هذه األمالك‬
‫لتصبح مماثلة لالمتالك الخاص‪ ،‬الذي يحصل بدون تعويض‪ ،‬لذا يجب أن ال تشكل‬
‫األسبقية الفردية في الوجود أو االستغالل أي معيار يكون له أثر في تحديد الضرر‬
‫غير المألوف‪.2‬‬

‫كما أن فكرة قبول المخاطر ضمنيا من جانب الجار الجديد تخالف قواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ ،‬ألنها من النظام العام ويبطل كل اتفاق على ما يخالفها‪ .‬ألنه‬

‫‪ 1‬د‪ /‬مروان كساب – المرجع السابق – ص ‪628‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه ص ‪.628‬‬

‫‪88‬‬
‫ال يمكن القول بأن الشخص الذي يمارس حقه ممارسة عادية ومشروعة أن ينسب إليه‬
‫أنه قبل مقدما قبول المخاطر وكثي ار ما طبق القضاء الفرنسي شرط عدم اإلعفاء من‬
‫المسؤولية في كثير من منازعات الجوار‪.1‬‬

‫أما االستناد إلى القرار اإلمبراطوري الصادر في ‪ 6960 /60/62‬من أجل اإلقرار‬
‫بفكرة األسبقية الفردية في غير محله ألن كما سبق بيانه أن الغرض من الترخيص‬
‫اإلداري هو حماية المصلحة العامة‪ ،‬التي تهدف إلى حماية األمن والصحة العامة‪ ،‬ال‬
‫مصالح األفراد الخاصة‪ .‬فالترخيص إن كان يقصد به فرض رقابة الدولة لضمان توفر‬
‫قدر من األمن ومنع األضرار‪ ،‬إال أنه ال يمنع كل األضرار‪ .‬ولهذا فاإلدارة ترخص‬
‫باالستغالل‪ ،‬على أن يتحمل المرخص له ويراعى عدم إضرار بالجيران ضر ار يتجاوز‬
‫الحد المألوف‪.2‬‬

‫‪ – 2‬موقف المشرع الفرنسي الحديث من األسبقية الفردية في االستغالل‬


‫والوجود‪:‬‬
‫إن المشرع الفرنسي الحديث رغم استقرار الفقه والقضاء وعلى رأسه محكمة النقض‬
‫على رفض فكرة أسبقية االستغالل الفردي التي نادي بها جانب كبير من الفقه‬
‫والقضاء لعدم عدالتها ومنافاتها لقواعد العامة في القانون‪ .‬تدخل تحت تأثير النظام‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وتشجيعا القتصاد السوق لحماية أصحاب هذه المنشآت من شكاوي‬
‫الجيران التي قد تلحقهم أضرار غير عادية نتيجة ممارسة هذه المنشآت لنشاطها‬
‫الزراعي أو الصناعي أو التقليدي أو التجاري أو في مجال مالحة جوية فقد قرر‬
‫المشرع الفرنسي بموجب قانون البناء واإلسكان المؤرخ في‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse ,Toulouse‬‬
‫‪1936.op.cit.p 320.‬‬

‫‪ 2‬د‪ /‬منصور مصطفى منصور‪ ،‬حق الملكية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫‪Martin(G) La responsabilité civil pour faits de la pollution au droit a l’environnement,‬‬
‫‪thèse, précitée, p88 et S.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ 6990/05/04‬والمعدل بموجب قانون صادر في ‪ ،15008/05/05‬صراحة على‬
‫إمكانية مستغلو هذه المنشآت التمسك بفكرة أسبقية االستغالل الفردي‪ ،‬وأعفاهم من‬
‫األضرار غير المألوفة الناتجة عن سير العمل متى كان سير العمل والتشغيل يتم وفقا‬
‫للقوانين واللوائح المعمول بها‪ ،‬وفي حدود قيود الترخيص الصادر من الجهات‬
‫المختصة‪.‬إذ نص" المضايقات التي تصيب شاغلي المبنى بفعل المضار الناجمة عن‬
‫األنشطة الزراعية‪ ،‬الصناعية‪ ،‬الحرفية‪ ،‬التجارية أو مالحة الجوية ال تعطي الحق في‬
‫طلب التعويض عنها حينما تكون رخصة بناء المبنى المعرضة لهذه المضار كانت قد‬
‫طلبت أو العقد الناقل للملكية أو عقد اإليجار في تاريخ الحق لألنشطة المسببة لها‪،‬‬
‫ما دامت هذه األنشطة تمارس طبقا للتدابير التشريعية والتنظيمات السارية التي‬
‫استمرت بنفس الشروط‪".‬‬

‫وعليه إذا كانت المنشأة مصدر الضرر أسبق في الوجود والتشغيل على الجار‬
‫المضرور وكانت األضرار التي أحدثتها مخالفة ألحكام القوانين واللوائح المعمول بها‬
‫أو تجاوزت حدود الترخيص الممنوح لها‪ .‬جاز للجار المضرور المطالبة بالتعويض‬
‫عن هذه األضرار على أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫كما أن األسبقية الفردية في الوجود مقتصرة على صاحب المنشأة ذات الطابع‬
‫االقتصادي‪ ،‬نظ ار لما أبداه المشرع الفرنسي من اهتمام بهذه المنشأة وما أضفاه عليها‬
‫من حصانة ضد الدعاوى التي ترفع عليها بالتعويضات عن األضرار التي تتجاوز‬
‫الحد المألوف بين الجيران‪ ،‬فإنه بذلك يكون قد ألحقها بالمنشآت العامة ألن‬

‫‪1‬‬
‫; ‪code de la construction et l'habitation, Art.L.112-16 (L.no80-502 du 04/07/1980‬‬
‫‪L.n°2003- 590 du 02/07/ 2003) « Les dommages causés aux occupants d’un bâtiment‬‬
‫‪par des nuisances dues à des activités agricoles, industrielles, artisanales, commerciales‬‬
‫‪ou aéronautiques n’entrainent pas droit à réparation lorsque le permis de construire‬‬
‫‪afférent au bâtiment exposé à ces nuisances a été demandé ou l’acte authentique‬‬
‫‪constatant l’aliénation ou la pris de bail établi postérieurement à l’existence de activités‬‬
‫‪les occasionnant dès lors que ces activités s’exercent en conformité avec les dispositions‬‬
‫‪législatives ou réglementaires en vigueur et qu’elles se sont poursuivies dans les mêmes‬‬
‫» ‪conditions.‬‬

‫‪90‬‬
‫كليها مفيدة للجماعة وفي تنمية اقتصاد الدولة‪ .‬ومما يمكن معه القول بتقرير نوع من‬
‫االرتفاق للمصلحة االقتصادية– ارتفاق اقتصادي‪ -‬لكن يالحظ عدم التشابه بين هذه‬
‫المنشآت اإلنتاجية والمنشآت العامة ألن لكل منهما نطاق خاص تدور فيه‪ .‬فالمنشآت‬
‫العامة تخضع لقواعد القانون اإلداري‪ ،‬وهي تقرر تعويضا لمن تقرر االرتفاق على‬
‫ملكيته أي من نزعت ملكيته للمنفعة العامة إال أن هذا التعويض المستحق عن نزع‬
‫الملكية ال يتناسب البتة مع الثمن الفعلي للملكية المنزوعة بعكس الحال بالنسبة‬
‫للتعويض المستحق عن األضرار غير العادية التي تسببها المنشآت االقتصادية للجار‬
‫األسبق على تشغيلها‪ ،‬إذ أنه يلزم التعويض عن كافة األضرار التي تتجاوز حد‬
‫المألوف‪.1‬‬

‫ومن ناحية أخرى أن الجهة اإلدارية حين تنزع الملكية للمنفعة العامة فإنها تضع‬
‫في اعتبارها مبدأ التعويض من البداية‪ ،‬بعكس الحال بالنسبة للتعويض المستحق عن‬
‫األضرار غير العادية التي تسببها المنشآت االقتصادية فإن مبدأ التعويض يكون‬
‫منتفيا ويكون محال للجدل والنقاش‪.‬‬

‫وعليه فإن الفقه والقضاء استق ار على قبول دعوى التعويض من كل جار مصاب‬
‫بأذى تجاوز الحد الذي يستلزمه الجوار‪ ،‬يستوي في ذلك أن يكون مالكا أو صاحب‬
‫حق انتفاع‪ ،‬ولكن ال يقضى لكل من هؤالء إال بالتعويض الذي يتالءم مع القدر الذي‬
‫أصابه من الضرر‪ ،‬ويقضى بالتعويض على من أحدث الضرر وسببه‪ ،‬بصرف‬
‫النظر عن صفته التي مكنت له في إحداث ما حدث‪.2‬‬
‫ويرى بعض الفقه أن التزام الجوار يعتبر تكليفا على المالك بسبب ملكيته لعين‬
‫معينة‪ ،‬وهذا االلتزام يرافق الملك وينتقل معه حينما ذهب بصرف النظر عن الطريقة‬
‫التي ين تقل بها الحق العيني الوارد على هذه العين أي سواء كان انتقال الحق العيني‬
‫باالستخالف أو بالعقد‪ .‬والمدين فيه ال يتحدد بشخصه كما في االلتزام‬

‫‪ 1‬د‪/‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة – ص ‪108‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه – ص ‪108‬‬

‫‪91‬‬
‫الشخصي‪ ،‬بل بوصفه صاحب حق عيني على هذه العين وعلى ذلك فالتزام الجوار ما‬
‫هو إال التزام عيني دون إمكانية القول بكونه ارتفاقا ألن االرتفاقات ما هي إال تكاليف‬
‫على األعيان لمنفعة أعيان أخرى مملوكة لمالك آخرين أما التزامات الجوار فهي‬
‫تكاليف على شخص معين بسبب ملكيته لعين معينة‪ ،‬فتكون التزاما عينيا‪.1‬‬

‫وان كان البعض يعتبرها التزامات شخصية أي تتعلق بشخص الجار‪ ،‬فاعال كان أو‬
‫‪2‬‬
‫مضرورا‪ ،‬بغض النظر عن صفة األول أو الثاني أو كليهما‬

‫ويمكن أن أستخلص أن المشرع نظر إلى هذه األنشطة بنظرة مختلفة‪ ،‬بحيث أن‬
‫هذه األنشطة في القرن التاسع عشر كانت تشكل مصلحة شخصية خالصة بعكس‬
‫الحال في القرن الحالي فقد أصبحت ينظر إليها على أنها تساهم في اقتصاد الدولة‬
‫وتقدم منفعة للجماعة ومن هذا المنطق تدخل المشرع لحماية أصحاب المنشآت من‬
‫الدعاوى التي يرفعها الجيران عن أضرار غير المألوفة‪ ،‬وحرم الجار من التعويض‬
‫متى كان الحقا في وجوده عن المبنى محدث الضرر‪.‬‬

‫وعليه فإن هذا النص ال يستبعد مسؤولية أصحاب هذه المنشآت بصفة مطلقة عن‬
‫المضار غير المألوفة‪ ،‬بل مكن الجار المضرور من المطالبة بالتعويض متى كان‬
‫الجار أسبق في الوجود على المنشأة محدثة المضار‪ ،‬أو كان الحقا في الوجود عن‬
‫المنشأة لكن األضرار ناتجة عن عدم مراعاة التدابير التشريعية والتنظيمات السارية‪.3‬‬
‫أو عدم مراعاة طبيعة النشاط المرخص به حيث قضت محكمة النقض الفرنسية على‬
‫أنه إذا كانت المضار ناتجة عن نشاط ذي طبيعة غير مهنية ولم يخضع صاحب‬
‫المنشأة للتنظيمات الخاصة بذلك النشاط مثل تنظيمات استغالل‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد المجيد مطلوب – مقالة – التزامات الجوار – بحث مقارن بين الفقه اإلسالمي و القانون الوضعي‪ -‬مجلة‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية‪ 6951.‬ص ‪20 ،49‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص ‪565‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ENDREO, La théorie des trouble de voisinage après les lois du 31/12/1976 et du‬‬
‫‪04/07/1980, R.D.immob, 1980, p462‬‬

‫‪92‬‬
‫مساحة الغولف‪ .‬يحق للجار المتضرر المطالبة بالتعويض حتى ولو كان الحقا في‬
‫‪1‬‬
‫الوجود عن صاحب هذا النشاط‪،‬‬

‫كما قضت محكمة النقض الفرنسية على أنه على الرغم من أن المضار المتعلقة‬
‫بالروائح والضجيج والدخان واالهت اززات وغيرها‪ ...‬الناتجة عن التشغيل العادي‬
‫والمطابق لتنظيم االستغالل آللة أو جهاز فهذا قد ال ينفي قيام المسؤولية عن مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪ .‬لذا فإن القاضي ال يمكنه رفض طلب التعويض عن المضار‬
‫المترتبة عن تسرب الدخان وسواد الدخان التي تعتبر نتيجة عادية الستغالل مطعم (‬
‫بيزيريا) أثناء استعماله آلة للطهي بالخشب والتي لم تحضر قانونا‪ ،‬دون البحث ما إذا‬
‫كانت هذه التسربات المذكورة لم تتجاوز الحد المألوف للجوار‪.2‬‬

‫ويمكن أن أستخلص بأن األنشطة التي نص عليها قانون البناء واإلسكان الفرنسي‬
‫المؤرخ في‪ 6990/05/04:‬والمعدل بموجب قانون صادر في ‪ 5008/05/05‬سواء‬
‫كانت الزراعية‪ ،‬الصناعية‪ ،‬الحرفية‪ ،‬التجارية أو مالحة الجوية‪ ،‬أتى بها على سبيل‬
‫االستثناء عن القواعد العامة والهدف منه حماية تنمية اقتصاد الدولة‪.‬‬

‫وقد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن األنشطة المذكورة قد وردت على سبيل‬
‫الحصر ومنه فنشاط الطبيب والمحامي والمقاول ال يدخل ضمن مضمون هذه المادة‬
‫‪3‬‬
‫وبالتالي ال يتمتع بحق اإلعفاء من المسؤولية‪.‬‬

‫اإلعفاء من المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬ ‫ومنه فإن شروط‬


‫الناتجة عن األسبقية الفردية في الوجود واالستغالل طبقا لنص المادة المذكورة أعاله‬
‫هي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op cit, p 38.cass2e civ.10/06/2004,RJDA 11/4‬‬
‫‪n°128.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass civ 3e 24/10/1990,Bull civ III n° 205‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Lambert-pieri :thèse ,op.cit. Construction immobilière et dommage aux voisins. p60.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪-‬أن تكون المنشأة مصدر الضرر من المنشآت ذات الطابع االقتصادي متمثل‬
‫في النشاط الزراعي أو الصناعي أو الحرفي أو التجاري أو المالحة الجوية ‪.‬‬
‫‪-‬أن تكون المنشأة المسببة للضرر سابقة في تشغيلها عن الجار المضرور‪.‬‬
‫‪-‬أن تمارس هذه األنشطة ذات الطابع االقتصادي طبقا للقوانين والتنظيمات‬
‫المعمول بها‪.1‬‬

‫بتوفر هذه الشروط يكون مستغل المنشأة ذات طابع اقتصادي في منجى من‬
‫مسؤولية األضرار التي تجاوزت الحد المألوف متى كانت هذه األنشطة أسبق في‬
‫التشغيل على الجار المضرور وفقا لما قرره المشرع الفرنسي وطبقه القضاء الذي ال‬
‫‪2‬‬
‫يلزم المتسبب في الضرر في حالة توفر هذه الشروط من إثبات خطأ المضرور‪.‬‬

‫ويتم تحديد أسبقية االستغالل طبقا لما قرره المشرع الفرنسي في نفس المادة المذكورة‬
‫أعاله بإحدى الوسائل التالية‪ :‬برخصة البناء‪ ،‬بالعقد الناقل للملكية‪ ،‬أو بعقد اإليجار‪.‬‬

‫فبالنسبة لرخصة البناء فقد قررت محكمة النقض الفرنسية لتحديد أسبقية االستغالل‬
‫‪3‬‬
‫بتاريخ تسليم هذه الرخصة‬

‫أما بالن سبة لعقد البيع وعقد اإليجار فقد أخذ المشرع بتاريخ العقد الرسمي الناقل‬
‫للملكية‪ ،‬غير أنه يعاب على هذا بأن الوعد بالبيع هو عقد ملزم لجانبين رغم عدم‬
‫توثيقه وافراغه في شكل رسمي‪ .‬وبالتالي يمكن تحديد أسبقية الوجود بمجرد‬

‫‪1‬‬
‫‪Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op cit, p90. cass 2e civ 05/10/2006 Bull.civII,‬‬
‫‪n°225 p659.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass 3e 24/04/2000. Bull.civIII.n° 92p 625.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass 3e 24/04/2000. Bull.civIII.n° 92p 625 .‬‬

‫‪94‬‬
‫إبرام عقد الوعد بالبيع‪ .‬كما أن عقد اإليجار ال يشترط فيه المشرع إفراغه في شكل‬
‫‪1‬‬
‫رسمي بل يكفي النعقاده أن يكون مكتوبا وثابت التاريخ‬

‫ومن هنا يطرح التساؤل هل أسبقية االستغالل الجماعي تعفي من قيام المسؤولية‬
‫أم ال؟‬

‫ب) األسبقية الجماعية في االستغالل والوجود‪:‬‬


‫ذهب جمهور شراح القانون إلى أن األسبقية في التملك أو االستعمال ال وزن لها‪،‬‬
‫ومن ثم ال تؤثر في مسؤولية المالك‪ ،‬إال إذا كانت أسبقية جماعية‪ ،‬بحيث يكون من‬
‫‪2‬‬
‫شأنها أن تصبغ الحي بطابع خاص‬

‫فإذا كانت األسبقية الجماعية في االستغالل والوجود‪ ،‬قد ترتب عليها طابع الحي‬
‫بصبغة معينة‪ ،‬ككونه حيا صن اعيا‪ ،‬أو تجاريا‪ ،‬فإن من شأن هذه األسبقية أن تمنع‬
‫الجيران الجدد من الرجوع على القدامى بالتعويض بسبب ما يلحقهم من أضرار‪ ،‬ألن‬
‫هذا الضرر يعتبر ضر ار مألوفا في هذا الحي‪.3‬‬

‫فالعبرة في تحديد هذه المضار وتقدير المسؤولية عنها تكون بطبيعة الحي الذي‬
‫توجد به العق ارات‪ ،‬ونوع نشاط استغالل المعدة له‪ ،‬ومدى اعتبارها مألوفة أو غير‬
‫مألوفة في هذا الحي طبقا للعرف السائد والغرض الذي خصصت له‪.‬‬

‫والحقيقة أننا هنا نعود إلى تطبيق المعيار الموضوعي للضرر غير المألوف‪ ،‬ألن‬
‫المدينة إذا أصبحت في غالبها مصانع أو محالت تجارية‪ ،‬فإن طبيعة العقارات‬

‫‪1‬‬
‫‪Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op cit, p90‬‬
‫‪2‬‬
‫; ‪Leyat, thése, préc, p336 et s ; Caballero, thése, préc, p261 ; Cosmas, thése, préc, p65‬‬
‫‪Robert, (André) –Les relations de voisinage, préc, p650 et s.‬‬
‫د‪ /‬زكي زكي حسين زيدان‪،‬حدود المسؤولية عن مضار الجوار في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني‪ -‬الرسالة‬
‫السابقة‪ -‬ص ‪.654‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬منصور صابر عبده خليفة‪ ،‬القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة الخاصة – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪662‬‬

‫‪95‬‬
‫والغرض الذي خصصت له هو الذي يجعل المضار مضا ار مألوفة بالنسبة لهذا‬
‫المكان‪.1‬‬

‫وعليه فقد قرر الفقه والقضاء لتحديد نوع الضرر‪ ،‬كونه مألوفا يجب على الجيران‬
‫تحمله أو غير مألوف يلزم التعويض عنه يتم بتحديد طبيعة المنطقة ونوع االستغالل‪،‬‬
‫مع األخذ بعين االعتبار عرف المنطقة أو المدينة أو الحي المتواجدة به هذه العقارات‬
‫وهل تعد منطقة صناعية أو تجارية أم سكنية‪ .‬وهل تعد المنطقة السكنية منطقة هادئة‬
‫أو متوسطة أم شعبية‪.‬‬

‫فاألضرار التي تنتج عن منشآت صناعية أو منطقة صناعية قد تكون أض ار ار عادية‬


‫في هذه المنطقة‪ ،‬ومن هنا يجب تحملها نظ ار ألن مصلحة الجماعة تبرر مثل هذا‬
‫الحل بعكس لو وجدت هذه األضرار في حي سكني كوجود منشأة صناعية فيه فإنها‬
‫‪2‬‬
‫تشكل أض ار ار غير عادية مما يلزم التعويض عنها‬

‫وقد قررت محكمة استئناف الفرنسية بعدم قيام مسؤولية صاحب مصنع الصلب‬
‫المتواجد في منطقة صناعية عن األضرار الناتجة عن األصوات والغبار المتصاعد‬
‫عن دخول وخروج الشاحنات إلى المصنع في أوقات العمل وليس في الليل وعطل‬
‫نهاية األسبوع واعتبرت هذه األضرار عادية خاصة وأن السكان المجاورين رفضوا‬
‫بناء جدار عازل للصوت على طول ملكيتهم‪.3‬‬

‫رغم استقرار الفقه والقضاء في فرنسا على االعتداد بفكرة أسبقية االستغالل‬
‫الجماعي وذلك عند تقدير المضار‪ ،‬إال أنهم لم يأخذوا بهذا الحل بصفة مطلقة‪ ،‬بل‬
‫أن محكمة النقض قررت بأن ظاهرة سبق االستغالل الجماعي ال تقود قاضي‬

‫‪ 1‬د ‪ /‬سعيد جبر‪ ،‬حق الملكية ‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬طبعة ‪ ، 5005‬ص ‪ ، 856 ، 850‬د‪ /‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬حق‬
‫الملكية ‪ ،‬ج‪ - 9‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.505‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬أنور سلطا ن‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال حق الملكية‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬السنة ‪ 65‬العدد األول‪،‬‬
‫‪،6945‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.02‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CA Pau 23/01/2006 Bull inf .C.cass 671/2007.‬‬

‫‪96‬‬
‫الموضوع إلى اعتبار المضار المطابقة لطبيعة المنطقة‪ ،‬بأنها مضار مألوفة ال يجوز‬
‫التعويض عنها بصفة مطلقة‪ ،‬بل يتعين النظر إلى درجة المضار وما إذا كانت‬
‫تجاوز الحد الذي يجب تحمله من عدمه‪ .‬فليس معنى إقامة شخص في منطقة‬
‫صناعية هو رفض منحه التعويض عن المضايقات التي تهيمن على المنطقة وذلك‬
‫بمقولة أنها تعد من األعباء العادية المطابقة لطبيعة المنطقة‪ ،‬بل يلزم النظر إلى‬
‫درجة هذه المضايقات وكثافتها وما إذا كانت تتسم بالشدة واالستم اررية مما يجعل‬
‫معها الحياة مستحيلة وعلى ضوء ذلك التحديد يتم تقييم المضايقات‪.1‬‬

‫ج)‪ :‬رافضو فكرة األسبقية االستغالل والوجود بنوعيها‬


‫ذهب اتجاه إلى رفض فكرة سبق االستغالل والوجود ‪ ،‬سواء بمفهومه الفردي أو‬
‫الجماعي‪ ،‬إذ أن إطار المسؤولية عن مضار الجوار يحدد بأمرين هما الجوار‪،‬‬
‫والضرر غير المألوف‪ .‬وبالتالي ال معنى من األخذ بمعيار سبق االستغالل والوجود‬
‫وقد أسس هذا االتجاه رأيه على الحجج التالية‪:‬‬

‫‪ -6‬إن تطور مفهوم الجوار تطو ار مذهال‪ ،‬وما صاحبه من امتداد الجوار لمدن‬
‫وأحياء مجاورة يجعل من الصعوبة بمكان وضع فكرة سبق الوجود أساسا لجعل‬
‫المضار مألوفة‪ ،‬أو غير مألوفة‪.‬‬

‫‪ -5‬أن القول بأن الشريعة اإلسالمية‪ 2‬هي أصل النظرية‪ ،‬وهي تأخذ بمسألة سبق‬
‫الوجود الفردي مردود عليه من ناحيتين‪ :‬األولى أن المسألة اجتهادية ومحل خالف وال‬
‫يحسمها إال انحياز الجانب األكبر من الفقهاء إلى اتجاه معين‪ .‬أما الثانية‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عطا سعد محمد حواس‪ -‬المسؤولية عن أضرار التلوث في نطاق الجوار‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪. 299 ،295‬‬
‫‪Cass civ 3e 24/10/1990,Bull civ III n° 205.‬‬
‫‪ 2‬ذهب رأي في الفقه اإلسالمي إلى أنه يجب على الجار القديم أن يراعي وجود جاره الجديد بجواره‪ ،‬فيلتزم بما‬
‫تلزمه به قيود الجوار‪ ،‬وذلك بناء على أن التزام الجار بهذه القيود والحدود التزام مطلق غير مقيد بقيد القدم أو‬
‫الحدوث‪ ،‬وإذا لم يكن الجار القديم أي المالك القديم ملزما بشيء من تلك القيود والحدود لعدم وجود من له الحق في‬
‫االستفادة منها‪ ،‬فإنه يصبح ملتزما بها عند وجود صاحب الحق فيها‪(.‬د‪/‬عبد المجيد مطلوب‪ .‬المقال السابق‪ -‬التزامات‬
‫الجوار‪ -‬مجلة العلوم القانونية واالقتصادية ‪ .6951‬ص‪. 26‬‬

‫‪97‬‬
‫فهي أن معظم فقهاء المسلمين يرفضون مسألة سبق الوجود إذ ال يمكن االحتجاج بأن‬
‫سبب الضرر قديم‪ ،‬فيجب على الجار الحديث تحمله‪ ،‬ألنه ال فرق بين القديم‬
‫والحديث ألن العلة في المنع هو توافر الضرر الفاحش‪ .‬وشأن الضرر الفاحش أن‬
‫يزال‪ ،‬ولو كان قديما‪ ،‬ذلك أن الضرر الفاحش واجب الرفع قديمه كحديثه‪ .‬ومن كانت‬
‫تعود أن يلقى فيها بالقاذورات‪ ،‬ثم أنشئت بجوارها مساكن تأذى‬‫له أرض فضاء ّ‬
‫قاطنوها من الروائح المقززة الناتجة عن تلك القاذورات وجب عليه أن يدفع الضرر‪،‬‬
‫أما بالبناء عليها‪ ،‬أو ببيعها لمن يبنى عليها‪ ،‬أو يمتنع عن إلقاء القاذورات بها‪ .‬ويرى‬
‫هذا االتجاه أن في هذا الفرض األخير أن األرض قديمة والجيران محدثون‪ ،‬ومع ذلك‬
‫يمنع صاحبها من اإلضرار بجيرانه‪ ،‬بصرف النظر عن مسألة سبق الوجود ألن العلة‬
‫كما قلنا هي بتوافر الضرر الفاحش من عدمه‬

‫‪ -8‬أن األخذ بفكرة سبق الوجود قد يوقع المالك الجديد في حرج شديد فإما أن‬
‫يتعايش مع طبيعة الحي ويتحمل الضرر بحسبانه مألوفا‪ ،‬واما أن يساير السابقين‬
‫على وجوده ويوظف ملكه على هذا أساس‪ ،‬وقد ال يجيد المهنة الجديدة‪ ،‬واما أن يترك‬
‫الحي ويبيع أرضه تخلصا من هذا‪ ،‬وفي هذه الحالة قد يكون الثمن بخسا‪ ،‬وهو ما ال‬
‫يقصده المشرع حينما أخذ بنظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.1‬‬

‫وخالصة لما سبق أنه ثمة إجماع من الفقه والقضاء على حلول فكرة أسبقية‬
‫االستغالل الجماعي محل فكرة أسبقية االستغالل الفردي‪ ،‬كما أن المشرع الفرنسي قد أخذ‬
‫بفكرة أسبقية االستغالل الفردي بالنسبة لبعض األنشطة االقتصادية‪ ،‬الصناعية والتجارية‬
‫والزراعية ذات النفع العام وهي األنشطة التي ينتج عنها أضرار لها صفة الخطورة‬
‫فأعطى للجار السابق فرصة المطالبة بالتعويض عن تلك األضرار ومنع الجار الالحق‬
‫من اإلقدام على مجاورة هذه األنشطة بأنشطة تتأثر بهذه األضرار الناجمة عن األنشطة‬
‫األولى ورفض الفقه والقضاء لفكرة أسبقية االستغالل الفردي له‬

‫‪ 1‬د‪ /‬محمد محي الدين إبراهيم سليم – الظروف الخاصة بالجار المضرور ومدى تأثيرها على مبدأ المسؤولية‪ ،‬أو‬
‫مقدار التعويض – دراسة مقارنة في إطار نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ -‬مقال منشور في المجلة البحوث‬
‫القانونية واالقتصادية – العدد السادس‪ -‬أفريل ‪ . 6994‬ص ‪ 94‬و ما بعدها‬

‫‪98‬‬
‫ما يبرره حيث أوردوا أن تخويل الجار القديم سلطة استعمال ملكيته بطريقته الخاصة‬
‫وتخويله االحتجاج في مواجهة المضرورين بأسبقية االستغالل‪ ،‬معناه فرض إرادته على‬
‫مستقبل الحي وتقرير امتياز له دون سند وتسبيبه أضرار للجيران تتجاوز الحد العادي‬
‫والمألوف دون إمكانية المطالبة بالتعويض وبذلك يضع المالك الالحقين أمام أحد أمرين‬
‫إما أن يختاروا نفس النشاط الذي يقوم به الجار القديم وقد ال يكون ذلك ميسو ار لهم أو‬
‫غير مرغوب فيه من طرفهم‪ ،‬واما أن يختاروا نشاطهم بإرادتهم دون إمكانية المطالبة‬
‫بالتعويض عما يصيبهم من أضرار تتجاوز الحد العادي والمألوف بينهم ويتضح أنه في‬
‫كال الحاليين في منجى من المسؤولية‪ ،‬وتلك نتيجة ليست منطقية وغير عادلة‪ .‬وينتهي‬
‫غالبية الفقه والقضاء إلى رفض فكرة أسبقية االستغالل الفردي من حيث المبدأ‪ ،‬وال ضير‬
‫مما أطلق عليه من إحالل فكرة أسبقية االستغالل الجماعي محلها‪.1‬‬

‫والرأي عندي أن فكرة االستغالل الفردي أو الجماعي تخالف قواعد العدالة وكذا‬
‫القواعد العامة في القانون‪ .‬إذ ليس من العدالة حرمان الجار المضرور من مضار الجوار‬
‫غير المألوفة من التعويض عما لحقه من أضرار بمجرد أسبقية استغالل الجار مصدر‬
‫المضار‪ .‬ألن قواعد المسؤولية متعلقة بالنظام العام‪ ،‬الذي ال يجوز مخالفتها ص ارحة أو‬
‫ضمنا‪.‬هذا من ناحية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن القانون المدني سمح لألفراد أن يستعملوا حقهم كما يشاؤون‬
‫بشرط عدم مخالفة أحكام القانون‪ .‬وعليه في حالة ما إذا لم يمنع الشخص بموجب القانون‬
‫أو اللوائح من البناء أمام المنشأة محدثة الضرر فإنه ال يمكن اعتباره مقترفا لخطأ البناء‬
‫بقربها‪.‬‬

‫ومن جهة ثالثة يكفي لتحديد هذه المضار وتقدير المسؤولية عنها الرجوع إلى طبيعة‬
‫الحي الذي توجد به العقارات‪ ،‬ونوع نشاط استغالل المعدة له‪ ،‬ومدى اعتبارها‬

‫د‪ /‬ياسر محمد فاروق المنياوى ‪ -‬المسؤولية الناشئة عن تلوث البيئة‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪ 845‬و‪.849‬د‪ /‬عبد‬ ‫‪1‬‬

‫الوهاب محمد عبد الوهاب‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ 164‬و‪.162‬‬

‫‪99‬‬
‫مألوفة أو غير مألوفة في هذا الحي طبقا للعرف السائد والغرض الذي خصصت له‪.‬‬
‫ب الرجوع إلى تطبيق المعيار الموضوعي للضرر غير المألوف‪ ،‬ألن المدينة إذا أصبحت‬
‫في غالبها مصانع أو محالت تجارية‪ ،‬فإن طبيعة العقارات والغرض الذي خصصت له‬
‫هو الذي يجعل المضار مضا ار مألوفة بالنسبة لهذا المكان‪ .‬وعلى ذلك فإن جوهر‬
‫المشكلة يكمن ليس في مدى اإلعفاء من المسؤولية في حالة األسبقية الفردية أو الجماعية‬
‫وانما في تقدير أو تحديد مستوى المضار وهل تجاوزت أو لم تتجاوز الحد المألوف ‪.‬‬

‫وعليه حسنا فعل المشرع حين لم يتعرض لفكرة أسبقية االستغالل وترك تقدير الضرر‬
‫للقاضي بالرجوع إلى العرف‪ ،‬وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين‬
‫والغرض الذي خصصت له‪.1‬‬

‫ثالثا‪ :‬الظروف الخاصة بالجار المضرور‬


‫سبق وأن أشرت أن المسؤولية عن مضار الجوار ال تقوم على األضرار العادية‬
‫التي يجب على الجار تحملها لما تستلزمه طبيعة العيش في المجتمع‪ ،‬وأن لتحديد‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار البد من تحديد وتقدير الضرر غير المألوف الذي يختلف‬
‫باختالف الظروف المحيطة به‪ .‬ومن هنا يطرح التساؤل هل تدخل الظروف الشخصية‬
‫الخاصة بالجار المضرور في االعتبار عند تقدير الضرر؟‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى إن األضرار العادية ال أثر لها على الجيران بصفة عامة‪ ،‬إال أنها قد‬
‫تكون غير محتملة لشخص مرهف الحس أو ضعيف األعصاب أو مريض يناشد الهدوء‬
‫أو المشتغل بعمل عقلي تمنعه من التركيز فيه‪ ...‬فهل الظروف الشخصية الخاصة‬
‫بالجار المضرور أو االستعداد الشخصي له أثر في تقدير الضرر غير المألوف الذي‬
‫يحدثه جاره؟ أو يتعين تقدير الضرر وفقا لمعيار موضوعي مجرد وهو معيار الرجل‬
‫العادي؟‪.‬‬
‫اختلف الفقه في هذه المسألة‪:‬‬

‫‪ 1‬لم أعثر على موقف القضاء الجزائري في هذا الخصوص‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫فذهب االتجاه األول‪ :1‬أنه على القاضي عند تقويمه المضايقات الجوار أن يأخذ‬
‫في االعتبار ظروف الشخص الذاتية‪ ،‬وانفعاالته النفسية وحساسيته المفرطة باعتبار‬
‫أن هذه الظروف ما هي إال جزء من كل‪ ،‬وهي جميعا من نفس الدرجة من األهمية‪،‬‬
‫خاصة بالنسبة لألضرار الجوار التي بدأت تسيطر في الوقت الحاضر نتيجة التقدم‬
‫التكنولوجي في كافة المجاالت‪ ،‬كالضوضاء‪ ،‬والضجيج الناتج عن تشغيل المصانع‬
‫أو من عمليات البناء والتشييد أو من محركات وسائل النقل باختالف أنواعها‪ ،‬وكذا‬
‫الروائح الكريهة واألتربة والغبار واالهت اززات الناجمة عن سير العمل في بعض‬
‫المنشآت‪ .‬فهذه النوعية من المضار‪ ،‬فإن كانت ال تؤثر في بعض األحوال على‬
‫الشخص العادي فإنها تؤثر دون شك على األشخاص المرضى الذين يرجون الهدوء‪،‬‬
‫أو ضعفاء األعصاب‪ .‬لذا يرى أنصار هذا االتجاه إلى ضرورة األخذ بالظروف‬
‫الخاصة بالمضرور لتقدير الضرر غير المألوف‪ .‬بغض النظر عن حالة الشخص‬
‫العادي الذي يوضع في نفس الظروف وما إذا كان يمكنه تحملها من عدمه‪.‬‬

‫ويستند أنصار هذا االتجاه على الحجج التالية‪:‬‬


‫‪ -‬ليست من العدالة من شيء أن يتحمل الجار المضرور هذه النوعية من األضرار‬
‫التي تشكل خطورة بالنسبة إليه‪ ،‬دون توفير حماية فعالة له‪.‬‬

‫‪ -‬أنه عند تقويم األضرار يكون القاضي أمام اعتبارات شخصية ليس فقط من جانب‬
‫الجار المضرور ولكن أيضا من جانب الجار محدث الضرر‪ ،‬لذا يتعين‬

‫‪1‬‬
‫‪Cosmas, Les troubles de voisinage, these, op.cit. p67. Tunc (André).R.T.D. Civ.1962,‬‬
‫‪« Les‬والذي يقول في هذا الصدد‪op.cit, p100. Jaubert(M.F), op.cit. ,J.C.P. 1975, 11,18014.:‬‬

‫‪tribunaux, tiennet aussi compte, dans l’appréciation du dommage de ce que l’on appelle‬‬
‫‪la réceptivité de la victime, c'est-à-dire de la situation personnelle de cette dernière ».‬‬

‫‪101‬‬
‫تفضيل األول باعتباره الطرف الضعيف ‪ ،‬وهذا يقتضى األخذ في االعتبار حالته‬
‫الذاتية‪ ،‬وبغض النظر عما يمكن أن يتحمله أو ال يتحمله الشخص العادي‪.‬‬

‫‪ -‬أنه إذا كان القانون يعمل على إقامة التوازن بين حريات األفراد ومتطلباتهم‬
‫االجتماعية وبين األنشطة المختلفة والتوفيق بينها‪ ،‬فإنه يجب أن يضع الشخص في‬
‫حسبانه عند ممارسته ألنشطته المختلفة المضار التي تحدث لجيرانه وأن يبذل‬
‫قصارى جهده في سبيل الحيلولة دون حدوثه‪ .‬فالجار الذي لديه مثال آلة موسيقية أو‬
‫جهاز راديو يجب أن يعمل على أن ال يصدر منه أي ضوضاء‪ ،‬السيما إذا كان جاره‬
‫يحتاج إلى كثير من الهدوء والراحة بسبب حالته الشخصية‪ ،‬وبالتالي يجب أن يراعي‪،‬‬
‫أثناء ممارسة أنشطته الحالة الشخصية للمضرور‪ .‬ويتعين على القاضي وضعها في‬
‫االعتبار عند تقويمه األضرار‪.1‬‬
‫وذهب االتجاه الثاني‪ 2‬وهو الغالب‪ :‬إلى رفض فكرة األخذ بالمعيار الشخصي‬
‫للمضرور‪ ،‬ووجوب األخذ بالمعيار الموضوعي‪ .‬أي االعتداد بمعيار الرجل العادي‬
‫وليس على أساس حالة الشخص المريض أو مفرط الحساسية‪ ،‬ويرى أنصار هذا‬
‫االتجاه أنه إذا كانت الظروف الشخصية المتعلقة بالجار ال يجوز أن تكون محل‬
‫اعتبار عند تحديد وصف المضار‪ ،‬وما إذا كانت مألوفة أو غير مألوفة‪ ،‬إال أن هذه‬
‫الظروف تدخل في تقدير التعويض المستحق له إذا ما تبين على ضوء االعتبارات‬
‫الموضوعية ‪ ،‬أن المضايقات التي نتجت عنها األضرار هي غير مألوفة‪ .‬فالظروف‬
‫الشخصية للجار ال تعتبر ظرفا مشددا في وصف المضار وانما تعتبر عنص ار في‬
‫تقدير التعويض‪ .‬فلو تقرر أن المضار غير مألوفة‪ ،‬فإن التعويض يشمل كل ما‬
‫أصاب الجار‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ . 628‬د‪/‬محمد محي الدين إبراهيم سليم – البحث السابق‪-‬‬
‫ص ‪ .854‬وقد أشار كل منهما إلى‪:‬‬
‫‪Hérve, les troubles de voisinage en matière urbain, mémoir,1971,p 91 et s. Tunc‬‬
‫‪(André).R.T.D. Civ.1962, op.cit, p100‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Nicolas,(Marie-France)-La protection du voisinage, art, op cit, p689.‬‬
‫د‪ /‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬المجلد ‪ ، 9‬ص ‪ .195‬د‪ /‬أحمد سالمة‪ ،‬الملكية الخاصة‪،‬المرجع‬
‫السابق‪،‬ص‪ .695‬د‪ /‬إسماعيل غانم‪ ،‬حق الملكية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .684 ،688‬منصور مصطفي منصور‪،‬‬
‫حق الملكية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ,15‬د‪ /‬عبد المنعم فرج الصدة‪ ،‬حق الملكية‪ ،‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.15‬‬

‫‪102‬‬
‫ويستند أنصار هذا االتجاه على الحجج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إن األخذ بالظروف الشخصية للجار المضرور‪ ،‬يقيد حق الجار في استعمال حقه‬
‫الذي يمارسه ممارسة عادية ومشروعة‪ ،‬وهذا يتنافي وقواعد العامة التي تأخذ بمعيار‬
‫الرجل العادي‪.‬‬

‫‪ -‬كما أن األخذ بالظروف الشخصية للجار المضرور‪ .‬يجعل من معيار تقدير‬


‫الضرر غير مألوف يختلف من شخص إلى آخر حسب حالته النفسية‪ ،‬أو عصبيته‬
‫أو حساسيته المفرطة‪ .‬وهذا ينافي مبادئ العدالة ‪ .‬فالجار الذي يرتكب خطأ بسيطا‪،‬‬
‫قد يثقل بتعويض أكبر مما يرتكب خطأ جسيما‪ ،‬إذا كان الجار المضرور في الحالة‬
‫األولى أكثر حساسية وعصبية من الحالة المضرور في الحالة الثانية‪.‬‬

‫‪ -‬أن األخذ في االعتبار الحالة الشخصية للجار المضرور لتقدير المضار‪ ،‬يتيح‬
‫الفرصة للجار المضرور من تقييد الجار في استعمال حقه ولو كان استعماال عاديا‬
‫ومشروعا‪ .‬وهذا مخالف لقواعد العدالة‪.1‬‬

‫وقد أخذ القضاء الفرنسي بهذا االتجاه مؤكدا عدم األخذ بالظروف الخاصة بالجار‬
‫المضرور عند تقدير المضار غير المألوفة التي يجب تقديرها على أساس معيار‬
‫الرجل العادي وليس الشخص مفرط الحساسية أو المريض‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قضى بعدم مسؤولية مشغل المنشأة الصناعية التي ترسل ضجيجا خفيفا والذي‬
‫ال يسبب أض ار ار مفرطة للجار المضرور‪ ،‬وأن انزعاجه المفرط ناتج عن حالته‬
‫‪2‬‬
‫العصبية‪.‬‬
‫‪ -‬كما قضت برفض طلب التعويض المقامة من المستأجر عن األصوات الناجمة‬
‫عن سير المياه في مواسير موقد التدفئة الخاص بالجار‪ ،‬وذلك على أساس‬

‫‪1‬‬
‫‪LeTourneau(Philippe)-La responsabilité civil, op cit. p650.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.civ, 22/01/1969‬‬

‫‪103‬‬
‫أن هذه المضايقات يجب أن يتم تقديرها وفقا لما يتحمله أو ال يتحمله الشخص العادي‬
‫‪1‬‬
‫ذو صحة جيدة‪ .‬وليس على أساس الشخص المريض أو مفرط الحساسية‪.‬‬
‫‪ -‬كما قضت برفض طلب التعويض المقامة من الجار السفلى على الجار‬
‫العلوي عن األصوات الناجمة عن دبدبة األقدام وسحب الكراسي واعتبرت هذه‬
‫األصوات أضرار عادية ناتجة عن العيش في البناية المشتركة‪ .‬وجب على الجار‬
‫‪2‬‬
‫تحملها‪.‬‬

‫وذهب االتجاه الثالث وهو جانب من الفقه الفرنسي‪ :3‬إلى التوسط بين االتجاهين‬
‫السابقين‪ ،‬ففرق بين حالتين‪:‬‬

‫الحالة األولى‪ :‬حالة الشخصية للجار المضرور التي ترجع خطأ من جانبه‪،‬‬
‫كتعاطيه المخدرات أو الخمور‪ ،‬مما يؤثر على حالته الصحية والعصبية وتجعله مفرط‬
‫الحساسية لكل ضوضاء نتيجة إدمانه‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يجوز للقاضي أخذها في‬
‫اعتبار‪ ،‬عند تقويم األضرار المدعاة والحكم بالتعويض عنها‪ ،‬بل يتعين النظر إلى ما‬
‫يتحمله الشخص العادي من عدمه‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬حالة ما إذا كانت الظروف الخاصة بالجار المضرور أو حالته‬
‫الذاتية تجعله مفرط الحساسية لسبب خارج عن إرادته‪ ،‬كمرض القلب أو الربو أو‬
‫المصاب بمرض عصبي‪ .‬ففي هذه الحالة يتعين على القاضي أخذها في االعتبار‬
‫عند تقويم األضرار المدعاة‪ ،‬بغض النظر عما يتحمله الشخص العادي من عدمه‪.‬‬

‫ويستند هذا اال تجاه إلى القول بأن سبب اإلعفاء من المسؤولية ال يكون إال إذا كان‬
‫فعل المضرور يشكل خطأ‪ .‬وفيما عدا ذلك فإن المسؤول عن األضرار يلزم‬

‫‪1‬‬
‫‪Trib.gra. ist. Riom, 17/03/1965.R.T.D.civ. 1965,p832.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.3e civ 15/06/2005 . Francis Lefebvre, trouble de voisinage, op.cit. p166 et 258.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Rémond- Gouilloud (Martiene) : Du préjudice écologique, D.S. 1989, Chron, p 259.‬‬

‫‪104‬‬
‫بتعويض الجار عما لحقه من أضرار‪ ،‬بغض النظر عما إذا كانت تجاوز أو ال تجاوز‬
‫‪1‬‬
‫أعباء الجوار العادية‪ ،‬وفقا لما يتحمله الشخص العادي‪.‬‬

‫والرأي عندي هو األخذ باالتجاه الثاني الذي ذهب إليه غالبية الفقه ‪ ،‬والذي أخذ‬
‫بالمعيار الموضوعي لتقدير الضرر غير المألوف‪ .‬ألن هذا يتفق مع ما أتي به‬
‫المشرع في المادة ‪ .5/196‬حين وضع االعتبارات التي يجب مراعاتها عند تقدير‬
‫األضرار‪ ،‬وكلها اعتبارات موضوعية‪ ،‬ال تتغير بتغير الظروف الخاصة بالجار‬
‫المضرور‪ ،‬وهذا يتفق مع مقتضيات العدالة وروح التشريع‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى إن األخذ بالظروف الخاصة بالجار المضرور‪ .‬تقيد من استعمال‬
‫الجار لممارسة حقه المقرر له قانونا‪ ،‬خاصة وأن المشرع حين منح الحقوق لألفراد‬
‫فرض عليهم بالمقابل االلتزام بسلوك الرجل العادي وهو الرجل المعتدل‪ ،‬أثناء‬
‫ممارستهم لحقوقهم‪ .‬ومنه فإن اإلفراط في الحساسية ليست من صفات الرجل العادي‪.‬‬

‫خالصة المبحث‬
‫أخلص من كل ما تقدم في هذا المبحث‪ ،‬أن المشرع أشار في المادة ‪ 5/196‬إلى‬
‫عدة ظروف يجب على القاضي مراعاتها عند تقديره للضرر غير المألوف والتي‬
‫أوردها على سبيل المثال‪ ،‬وأن معيار الضرر غير مألوف يتصف بأنه معيار مرن‬
‫يصلح لمواجهة التطورات التي يمر بها المجتمع‪ ،‬وعلى القاضي أن يتكيف مع‬
‫الظروف المختلفة ويواجه الحاجات المتغيرة ويستجيب لمقتضيات كل منها‪ .‬وللقاضي‬
‫أن يستعين بع ناصر أخرى في تحديد مدى اعتبار الضرر مألوفا ‪ ،‬أو غير مألوف‪،‬‬
‫ألن الظروف المذكورة في النص ليست واردة على سبيل الحصر كما سبق بيانه‪ .‬بل‬
‫هي مجرد أمثلة للظروف الموضوعية التي يجب على القاضي‬

‫د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.629، 629‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪105‬‬
‫مراعاتها‪ ،‬وأن تقدير الضرر غير المألوف هي مسألة يستقل بها قاضي الموضوع‬
‫دون رقابة من المحكمة العليا‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن الظروف التي ذكرها المشرع في المادة ‪ ، 5/196‬بصدد تقدير عدم‬
‫مألوفية الضرر‪ ،‬هي ظروف موضوعية بحته‪ ،‬تنطبق في كل الحاالت‪ ،‬وأن ما ذهب‬
‫إليه بعض من الفقه إلى عدم إمكانية إدخال ظروف المتضرر الشخصية في تقدير‬
‫التعويض‪ ،‬يستحق الترجيح‪ ،‬نظ ار ألن المشرع حين منح الحقوق لألفراد فرض عليهم‬
‫بالمقابل االلتزام بسلوك الرجل العادي وهو الرجل المعتدل‪ ،‬وعليه فإن اإلفراط في‬
‫الحساسية ليست من صفات الرجل العادي‪.‬‬

‫وعلى ضوء ما تقدم يمكن تعريف الظروف أو العناصر التي على القاضي‬
‫مراعاتها في تقدير ال ضرر غير المألوف‪ .‬بأنها تلك الظروف أو العناصر أو الوقائع‬
‫التي تؤثر على صفة الضرر فتجعله أشد أو أقل جسامة فتضفي عليه صفة عدم‬
‫المألوفية أو ال تضفيها عليه حسب األحوال المحيطة من حيث الموقع والغرض‬
‫المخصص له‪ ،‬باإلضافة إلى زمان ومكان وقوع الفعل الضار‪ .‬ومدى إمكانية تجنبه‪.‬‬
‫وينتج عن تلك األفعال قيام المسؤولية حال توافر صفة الضرر غير مألوف فيها‪ ،‬أو‬
‫انتفاء المسؤولية حال عدم توافر هذه الصفة‪.‬‬

‫كما أن الجدير بالمالحظة أن القانون الوضعي يتفق مع الفقه اإلسالمي في كيفية‬


‫تقدير الضرر غير المألوف الموجب للمسؤولية الذي أخذ بالمعيار الموضوعي في‬
‫تقديره للضرر ال المعيار الشخصي حيث ينظر علماء الشريعة اإلسالمية إلى واقعة‬
‫التعدي ذاتها بغض النظر عن الظروف الشخصية للجار المضرور‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬

‫تمهيد‬
‫تعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة من النظريات التي اعتمد عليها الفقه‬
‫والقضاء لجبر الضرر الذي تحدثه األنشطة الضارة نتيجة التطور الذي عرفه اإلنسان‬
‫والذي أدى إلى زيادة أضرار الجوار التي ال تقف عند حد معين‪ ،‬بل تزداد يوما بعد‬
‫يوم ‪.‬‬

‫ومن تلك األضرار التي تجاوزت الحد المألوف تعليق المقعرات الهوائية على‬
‫الشرفات والنوافذ وتغيير المظهر الخارجي للشقق المملوكة بغلق الشرفات أو توسيع‬
‫النوافذ‪ ،‬وما ينتج عنها من ضرر بصري يضر بالجار أو إقامة مصنع بالجوار وما‬
‫ينتج عنه من أدخنة وروائح وضوضاء‪ .‬فكلما تقدمت المدنية ظهرت معها صور‬
‫جديدة من األضرار‪.‬‬

‫ومن أجل هذا اتجهت أنظار الفقه والقضاء إلى قواعد المسؤولية الموضوعية‬
‫القائمة على أساس الضرر‪ .‬بعد أن وجدت قصو ار في المسؤولية التقصيرية القائمة‬
‫على أساس الخطأ الواجب اإلثبات أو المفترض وكذا قواعد نظرية التعسف في‬
‫استعمال الحق‪ .‬وقد فضل الفقه والقضاء نظرية مضار الجوار للفصل في النزاعات‬
‫القائمة بين الجيران ألنها أكثر حماية للمضرور الذي ال يلزم بإثبات خطأ الجار‬
‫محدث الضرر المتجاوز الحد المألوف‪.‬‬

‫وقد اهتم المشرع الجزائري بهذه النظرية ومنحها عناية خاصة وذلك بتخصيص‬
‫نصا خاصا لها‪ ،‬بعد أن وضع فيه مبدأ عاما يلزم المالك أال يتعسف في استعمال‬
‫حقه إلى حد يضر بجاره‪ .‬وميز بين مضار الجوار المألوفة التي ال تمكن الجار‬

‫‪107‬‬
‫المضرور من الرجوع بالتعويض على المالك‪ .‬وبين المضار التي تجاوزت الحد‬
‫المألوف التي تمكن الجار من المطالبة بإزالتها‪.‬‬

‫ومن هنا وجب البحث عن مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬من خالل‬
‫عرضه في مبحثين‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مضمون نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬آليات تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة في القانون‬
‫المدني الجزائري‬

‫‪108‬‬
‫المبحث األول‬
‫مضمون نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬

‫يثار التساؤل هل تكفي قواعد المسؤولية التقصيرية لحماية الجار المضرور من‬
‫األضرار التي تصيبه نتيجة التطور الذي عرفه المجتمع المعاصر في المجال‬
‫الصناعي واالقتصادي والتكنولوجي ؟ أم ثمة صعوبات لجبر الضرر الذي يلحق‬
‫بالجار المضرور؟ واذا كانت اإلجابة بوجود صعوبة لجبر الضرر ولم تسعفنا قواعد‬
‫المسؤولية التقليدية؛ فهل يمكن تحقيق هدف تعويض الجار المضرور من خالل‬
‫التطور الحاصل لطبيعة المسؤولية المدنية‪ ،‬من مسؤولية محورها الخطأ إلى مسؤولية‬
‫موضوعية محورها الضرر‪ ،‬وذلك باعتبار أن تطور المسؤولية المدنية يجب أن‬
‫ينعكس ليس في التعويض عن األضرار التي تجد سببا لها في الخطأ‪ ،‬ولكن اعتدادا‬
‫بالضرر أكثر من االعتداد بدرجة الذنب وبالمخاطر االجتماعية لهذا الخطأ‪.1‬‬

‫ونظ ار لألهمية البالغة للجوار فإن فقهاء الشريعة اإلسالمية اهتموا بهذا الموضوع‬
‫كونه سبب الكثير من األضرار التي تلحق بالجار المجاور وملكه‪ .‬واتفقوا على أن‬
‫االلتزام بعدم اإلضرار بالجار هو واجب ديني يتعين على المالك مراعاته من تلقاء‬
‫نفسه‪ .‬إال أنهم اختلفوا في مدى إمكانية اللجوء للقضاء لمنعه من اإلضرار بجاره‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق وجب إلقاء الضوء على هذه التساؤالت من خالل التعرض إلى‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المضمون القانوني لنظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مضمون نظرية مضار الجوار في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬محسن عبد الحميد البيه – حقيقة أزمة المسؤولية المدنية و دور تأمين المسؤولية ‪ ،‬مكتبة الجالء‪ ،‬المنصورة‪،‬‬
‫‪ ،6998‬ص ‪ 665‬و ما بعدها‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المضمون القانوني لنظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‬
‫ب اعتبار أن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة تتميز عن غيرها من‬
‫أنواع المسؤولية في كثير من الجوانب سواء ما تعلق باألساس أو األحكام التي‬
‫تنظمها والذي سيأتي بيانه الحقا‪ .‬فهذا يلزمني من إلقاء المزيد من الضوء عليها وذلك‬
‫من خالل التعرض إلى‪:‬‬

‫مدى كفاية قواعد المسؤولية التقصيرية في حماية الجار المضرور‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫تطور نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬ ‫‪-‬‬
‫الفكرة التي تقوم عليها نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬ ‫‪-‬‬
‫وذلك في ثالثة فروع‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مدى كفاية قواعد المسؤولية التقصيرية في حماية الجار‬


‫المضرور‬
‫طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية "كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه‬
‫ويسبب ضرار للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض"(المادة ‪654‬مدني)‬
‫وعليه يكون الجار مسؤوال إذ ثبت أنه ارتكب خطأ سبب ضررا لجاره‪ .‬كما أن الجار‬
‫يكون مسؤوال إذا استعمل حقه بقصد اإلضرار بالغير أو كان يرمي للحصول على‬
‫فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير أو كان يهدف إلى الحصول على فائدة غير‬
‫مشروعة (المادة‪654‬مكرر مدني)‪.‬كذلك إذا توافرت في الجار المسؤول شروط‬
‫أو‬ ‫الحيوان(المادة‪689‬مدني)‬ ‫أو‬ ‫األشياء(المادة‪689‬مدني)‬ ‫حارس‬ ‫مسؤولية‬
‫البناء(المادة‪640‬مدني)‬

‫‪110‬‬
‫وعليه إذا وجدت األضرار التي تصيب الجار مجاال في تطبيق قواعد المسؤولية‬
‫التقصيرية يحق للجار المضرور اتخاذها سبيال لجبر الضرر الذي أصابه‪.‬‬

‫غير أنه أمام التطور الذي عرفه المجتمع المعاصر وأمام المخاطر التي يتعرض‬
‫لها الجار تجعل تلك القواعد عاجزة عن توفير الحماية الفعلية للجار المضرور ومرد‬
‫ذلك يعود إلى صعوبة نسبة الخطأ إلى الجار محدث الضرر الذي لم يتجاوز حدود‬
‫حقه ولم يت عسف فيه إال أنه ألحق ضر ار بجاره ومثاله أن يفتح الجار مقهى بعد إتباعه‬
‫جميع الشروط المنصوص عليها قانونا كحصوله على رخصة إدارية واتباع الشروط‬
‫الفنية الخاصة بفتح مقهى إال أن الضوضاء التي يحدثها المقهى ألحقت ضر ار بالجار‬
‫المجاور‪ .‬ففي هذه الحالة لو طبقنا القواعد المسؤولية التقصيرية فإن الجار ال يمكنه‬
‫جبر الضرر الذي لحقه وذلك لعدم تمكنه من إثبات الخطأ الذي هو أساس قيام‬
‫المسؤولية التقليدية‪ ،‬ومن ثم فإن الجار المضرور مجبر على تحمل هذه المضار‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى إن الضرر الواجب التعويض في المسؤولية عن مضار الجوار‬


‫يشترط فيه أن يكون قد بلغ حدا من الجسامة أي تجاوز الحد المألوف وهذا يختلف‬
‫حكمه عن القواعد العامة التي توجب التعويض عن الضرر أيا كانت درجته سواء‬
‫أكان جسيما أو يسي ار وبعبارة أخرى يشمل األضرار المألوفة وغير المألوفة‪.‬‬

‫ومن جهة ثالثة يكون جبر الضرر طبقا للقواعد العامة للتعويض األصل فيه هو‬
‫دفع تعويض نقدي أما في المسؤولية عن مضار الجوار األصل فيها هو التعويض‬
‫العيني المتمثل في اإلزالة‪.‬‬

‫وعليه يبدو واضحا أن قواعد المسؤولية التقصيرية أصبحت غير كافية وعاجزة‬
‫على توفير الحماية الفعالة للجار المضرور الذي يصعب عليه إثبات خطأ الفاعل‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫األمر الذي يعرضه إلى فقدان حقه في التعويض‪ .‬لذا أصبح لزاما األخذ بفكرة‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة واللجوء إلى قواعدها لجبر ضرر الجار‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تطور نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬


‫إن فكرة مضار الجوار وان كانت فكرة قديمة إال أنها لم تأخذ أهمية خاصة إال‬
‫في العصر الحديث‪ .‬فقد كانت منازعات الجوار في البداية سواء في اليونان القديمة‬
‫أو في رومان في ظل التشريعات البدائية نادرة جدا ذلك ألن المحالت السكنية كانت‬
‫منعزلة‪ ،‬فلم يكن هناك سبيل لحدوث المنازعات في عالقات الجوار إال نادرا‪ .‬عالوة‬
‫على أن سيادة مبدأ حرية التعاقد كان سائدا آنذاك وكان كافيا لتسوية المنازعات التي‬
‫تثور بين الجيران‪ .‬هذا ما جعل الشريعات القديمة تصرف النظر عن معالجة هذا‬
‫الموضوع وتتركه إلى سلطان القضاء‪.‬‬

‫إال أنه في بداية العصر الثامن ومع االنتشار الواسع لمبدأ الفردية‪ ،‬ومع تطور‬
‫الحياة الريفية والمدنية‪ ،‬السيما مع قيام التحوالت الواسعة النطاق التي تأثر بها‬
‫استغالل العقارات‪ ،‬نتيجة تطور واتساع الصناعة والتجارة‪ ،‬نشأت عندئذ المنازعات‪،‬‬
‫وتفاقمت أكثر فأكثر‪ ،‬مما أدى إلى ظهور قضية الجوار كمشكلة واقعية وقانونية ال‬
‫مفر من مواجهتها‪ .‬فبدأ تنظيم الملكية الفردية‪.‬‬

‫ففي اليونان تم فصل الملكية الفردية عن الملكية الجماعية ولم تكن ثمة‬
‫نصوص‪ ،‬سوى بعض األضرار الناجمة عن األغراس القائمة على العقار المجاور‪،‬‬
‫كذلك األمر بالنسبة لبعض النصوص المتعلقة بالمنشآت التي كان بإمكان المالك أن‬
‫يقيمها على عقاره الخاص‪.‬‬

‫فلم يكن مسموحا للجار أن يقيم أغراسا على عقاره‪ ،‬إال ضمن مسافة معينة عن‬
‫الحد الفاصل بين العقارين المتجاورين‪ .‬كما أن البناء لم يكن ممكنا إال مع‬

‫‪112‬‬
‫مراعاة المسافة الالزمة التي كانت خاضعة للتغيير وفقا لطبيعة األبنية المراد‬
‫تشييدها‪ .1‬وقد حدد القانون اليوناني جزاءات تصل إلى حد إزالة البناء مع دفع‬
‫تعويض مناسب للجار المضرور‪ .‬كما حدد القواعد التي تنظم المنازعات بين الجيران‪،‬‬
‫والمتعلقة بحدود الملكية أو حالة الشكوى من األمطار السائلة من عقار عال إلى‬
‫عقار األدنى‪.2‬‬

‫وفي روما و بعد صدور قانون األلواح اإلثنى عشر قيد حق الملكية بمجموعة من‬
‫القيود وااللتزامات التي يتحملها المالك مراعاة للمصلحة سواء كانت عامة أو خاصة‪.‬‬
‫فألزم الجار من تحمل مضايقات الجوار التي تترتب على استعمال جيرانه حقوقهم‬
‫استعماال طبيعيا‪ .‬أما إذا أقام احدهم منشآت تبعث الدخان الكثيف فوق ملك جيرانه‬
‫لغرض مضايقتهم فإنه يسأل عن ذلك‪.3‬‬

‫وقد عرف القانون الروماني القيد الذي يمنع المالك من استعمال ملكيته بطريقة‬
‫تضر بجاره ضر ار غير مألوفا كفتح مصنع تنبعث منه الروائح أو السوائل أو‬
‫الدخان‪.4‬‬

‫ومن هنا فقد الحظ الفقهاء الرومان أن ثمة أض ار ار تصيب الجوار ويقتضي‬
‫إصالحها باعتبار أنها تقيد حق الجار‪ ،‬في حين أن ثمة أض ار ار أخرى تستوجب‬
‫التسامح كونها تعتبر من األضرار المتكررة والمعتادة‪.‬‬
‫فبالنسبة للحالة األولى‪ ،‬يقتضى إقامة دعوى نفي االرتفاق‪ .‬أما الحالة الثانية‬
‫يقتضي عدم سماع هذه الدعوى‪.5‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬مروان كسّاب – المرجع السابق– ص‪.8‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cosmas(y) –Les troubles de voisinage – thèse, précitée, p 5et6.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Marcovitch- La théorie de l’abus de droits en droit comparé. Paris,1936 , p31.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cuq-Les institution juridiques des romains, Paris, 1902, T ,11,p193.‬‬
‫‪ 5‬د‪ /‬مروان الكساب – المرجع السابق‪ -‬ص‪.1‬‬

‫‪113‬‬
‫وفي فرنسا إذا أردنا البحث في القانون الفرنسي القديم‪ ،‬من خالل التشريعات‬
‫البدائية‪ ،‬فإننا ال نلبث أن نواجه موضوع إزعاجات الجوار‪ ،‬عبر العادات واألعراف التي‬
‫كانت سائدة في فرنسا القديمة؛ ونالحظ أيضا أنه بالرغم من اختالف الحضارات وبالتالي‬
‫تفاوت الحاجيات االجتماعية‪ ،‬فإن العالقات بين المالكين المجاورين ظلت محتفظة‬
‫بخصائص جوهرية‪ .‬ذلك أنه بالنسبة لطريقة استعمال العقارات‪ ،‬فإن حق الملكية شأنه‬
‫شأن أي نظام آخر‪ ،‬إذ أنه تأثر تأث ار بارزا‪ ،‬من جراء التطور الحضاري‪ ،‬على غرار ما‬
‫حصل في روما‪ ،‬بحيث ظل هذا الحق كما كان عليه في المرحلة البدائية‪ ،‬باعتبار أن‬
‫استغالل األراضي كان دائما زراعيا‪ ،‬كما أن وسائل الحراثة لم تتغير إال بنسبة ضئيلة‪،‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة للصناعة فقد ظلت محتفظة بطابعها البدائي‪.‬‬

‫وعليه فإن المنازعات في عالقات الجوار‪ ،‬لم تختلف إال بالقدر القليل عن طبيعة‬
‫ال منازعات التي كانت تنشأ بين الجيران في روما‪ ،‬وهذا االختالف البسيط مرده إلى‬
‫التطور الصناعي البسيط الذي برز في ذلك العصر‪.1‬‬

‫غير أنه أجمع الفقه الفرنسي القديم على فرض بعض القيود على حق الملكية العقارية‬
‫لمصلحة الجيران‪ ،‬وذلك بالحد من حق المالك في استعمال ملكيته‪.‬‬

‫فذهب الفقيه"بوتييه" إلى أن الجوار يقتضى من المالك وهو ينتفع بملكه‪ ،‬أال يضر‬
‫جاره‪ ،‬فإنه وان كان للمالك الحرية التامة في أن يباشر على ملكه ما يشاء من األعمال‪،‬‬
‫إال أنه مقيد بأال يترتب شيئ من ذلك ضرر بالمالك المجاور‪.2‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬مروان الكساب – المرجع السابق ص ‪5‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Pothier, traité du contrat de société appendice,11 du voisinage, Tome4, ed bugent,P330‬‬

‫‪114‬‬
‫فال يجوز للمالك أن يعمل عمال مض ار بالجار ومناقضا اللتزامات الجوار‪ .‬أي أن‬
‫استعمال حق الملكية يحده حق الجار‪ ،‬فإذا تعدى هذا الحد انقلب إلى تعسف موجب‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫كما قرر الفقيه "دوما" أنه ال يسوغ للمالك أن يأتي عمال في عقاره من شأنه مضايقة‬
‫العقار المجاور أو اإلضرار به‪ ،‬كإحداث دخان كثيف من فرن‪.‬‬

‫وقرر الفقيه " دى لهومو" بأنه ال يسوغ إلنسان أن يأتي في عقاره عمال يضر‬
‫بالغير كسد مطالته وحرمانه من الضوء‪ ،‬إذا لم يكن له من وراء هذا العمل نفع‪.‬‬

‫ولم تقف آراء الفقهاء عند حد الجدل الفقهي والبحث العلمي‪ ،‬بل كان لها حظ كبير‬
‫من الناحية العلمية‪ .‬والدليل ذلك المبدأ الذي استخلصه األستاذ "آبر" ‪ Appert‬من‬
‫قضاء البرلمانات " ال يجوز إلنسان ولو عند مزاولة صناعة مفيدة ‪ ،‬أن يعطل عمل‬
‫الجيران‪ ،‬أو أن يجعل منازلهم غير صالحة للسكنى‪ ،‬أو أن يضر على األخص‬
‫‪1‬‬
‫بالمصلحة العامة‪.‬‬

‫وقد صدرت عدة ق اررات ما بين القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر التي‬
‫تناولت في معظمها األضرار الصادرة عن صناعيين تجاه الجيران‪ .‬من بينها القرار‬
‫الصادر في ‪ 6491/66/4‬الذي يقضي بمنع أحد صانعي الخزف في باريس من‬
‫‪2‬‬
‫متابعة طبخ المواد بسبب الروائح التي تزعج الجيران‪.‬‬

‫وثمة قرار آخر صادر في ‪ 6250‬يقضي بمنع جزار من ذبح المواشي في‬
‫المدينة‪ ،‬بسبب شكوى تقدم بها أحد المحامين الذي كان جا ار لهذا الجزار‪ ،‬ولكي ال‬
‫يزعج هذا األخير سائر الجيران أيضا‪.‬‬

‫‪ 1‬أشار إلى هؤالء الفقهاء د‪ /‬أنور سلطان‪ ،‬في مقاله نظرية التعسف في استعمال حق الملكية ‪ ،‬مجلة القانون‬
‫واالقتصاد‪ ،‬مارس ‪ ،6945‬العدد األول ‪ ،‬السنة السابعة عشرة ‪.‬ص ‪ 60‬و‪.66‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Fournel, Traité du voisinage, Tome2 ,videcoq libraire ,Paris1834,P338‬‬

‫‪115‬‬
‫وبقي الحال على حاله حتى وبعد صدور القانون المدني الفرنسي عام ‪ 6904‬فال‬
‫يوجد فيه أي نص يقرر نظرية المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬وذلك‬
‫راجع لبساطة وسائل العيش وعدم قيام الثورة الصناعية ‪ .‬وبالتالي لم تكن تثور مشكلة‬
‫األضرار بين الجيران والمسؤولية عنها متى اتخذ الجار احتياطاته الالزمة بما يتفق‬
‫وسلوك الرجل العادي‪ .‬فكانت مسؤولية الجار مرتبطة بقواعد المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫وقد قرر القضاء‪ 1‬في هذه المرحلة وأيده في ذلك الفقه بأن الجار له الحق في‬
‫التصرف في ملكه بشرط عدم اإلضرار بالغير‪ ،‬وبالتالي إذا تسبب خالل ممارسته‬
‫لحقه بإحداث أض ار ار غير عادية للجيران‪ ،‬فإنه يكون مسؤوال عن هذه المضايقات‪،‬‬
‫وذلك باعتباره منحرفا عن سلوك الرجل العادي‪ ،‬مما يستوجب انعقاد مسؤوليته وفقا‬
‫لقواعد المسؤولية التقصيرية؛ ألن استعماله لحقه وبصفة خاصة حق الملكية بحالة‬
‫ضارة للملكيات المجاورة يكون كافيا من أجل إبراز مسؤوليته عن هذه األضرار‪،‬‬
‫باعتبار أن حق الملكية ال يمكن استعماله إال باحترام حقوق اآلخرين‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك أيضا قرر القضاء بمسؤولية الجار الذي أقام فوق سطح منزله مدخنة‬
‫ال عمل لها‪ ،‬وال تعطي لهيئة المنزل الخارجية أي رونق‪ ،‬بل وضعها بقصد إضرار‬
‫بالجار وحجب النور عنه‪.2‬‬

‫كما قضى بمسؤولية مالك الحيوانات التي يستخدمها في الصيد وانتهازه فرصة‬
‫استبع اد جاره من الصيد في أرضه المجاورة‪ ،‬فأحدث بسوء قصد ضوضاء بقصد‬
‫تنفير حيوانات الصيد‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪METZ , 10/11/1808 ,S,cher, 1808,2,438 . Req,11/7/1826,S.H. 1826,1, 388.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪COLMAR,02/05/1855,D,1856,2,9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Paris,02/12/1871,D,73,1,185‬‬

‫‪116‬‬
‫وقضى أيضا أن المالك يكون مسؤوال إذا امتد الحريق من منزله إلى منزل جاره ولم‬
‫‪1‬‬
‫يتخذ االحتياطات الضرورية لمنع انتشار الحريق‬

‫وقد ظل هذا النظام الذي يأخذ بالتصور الضيق لمفهوم الخطأ والذي يقرر‬
‫مسؤولية الجار في مواجهة جاره استنادا إلى نص المادة ‪ 6895‬مدني فرنسي التي‬
‫تستوجب وقوع الخطأ من جانب المسؤول مطبقا حيث كان يقدم نتائج تستريح لها‬
‫األذهان‪ ،‬وذلك لمعايشته للمناخ آنذاك نظ ار ألن وسائل العيش في تلك اآلونة من‬
‫‪2‬‬
‫الزمن كانت في الغالب بدائية‪ ،‬كما سبق اإلشارة إليه‪.‬‬

‫غير أنه وفي منتصف القرن التاسع عشر ونتيجة الندالع الثورة الصناعية‪ ،‬التي‬
‫أدت إلى تطور العالقات االجتماعية واالقتصادية والتطور الصناعي والتكنولوجي‬
‫وتحول المجتمعات من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي‪ ،‬جعلت المسؤولية‬
‫التقصيرية تعجز عن استيعاب منازعات الجيران وتوفير الحماية للجار المضرور‪ .‬مما‬
‫جعل الفكر القانوني يتحول نحو قواعد المسؤولية الموضوعية ألن الكثير من األضرار‬
‫التي يشكو منها الجيران قد تحدث دون التمكن من إثبات خطأ الفاعل الذي يهدف‬
‫إلى تحقيق مصلحة مشروعة وجدية تتفق وسلوك الرجل العادي‪.‬‬

‫وقد كانت أول مرحلة لالنتقال هي تخلي محكمة النقض الفرنسية في قرارها‬
‫الصادر في ‪ 36944/66/55‬عن التصور الضيق لمفهوم الخطأ‪ ،‬وأعلنت صراحة‬
‫مبدأ مسؤولية المالك المجاور عن األضرار التي يشكو منها الجيران متى كانت هذه‬
‫األضرار تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها أعباء الجوار الواجب تحملها‪ ،‬بغض‬
‫النظر عما إذا كان الجار محدثها أخذ أو لم يأخذ االحتياطات الالزمة‪ ،‬راعى أو لم‬
‫يراعى القوانين واللوائح‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass Civ, 17/12/1878,D,79,1,83,S,79,1,83,S,79,1,53.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Blais, précité, p 263‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass Civ,27/11/1844.S,44,p811‬‬

‫‪117‬‬
‫وبذلك تكون محكمة النقض الفرنسية قد تخلت صراحة عن التصور الضيق لمفهوم‬
‫الخطأ‪ ،‬وتحولت نحو معيار موضوعي وهو تجاوز األضرار من حيث شدتها‬
‫واستم ارريتها التزامات الجوار العادية‪ 1.‬فتوالت األحكام بعد ذلك إلى أن استقرت تماما‬
‫فكرة الضرر غير المألوف وحلت محل الخطأ لقيام مسؤولية الجار‪ .‬فقضى بمسؤولية‬
‫مستأجر مصنع عما يلحقه الغبار والدخان الناتج عن تشغيل المصنع من أضرار غير‬
‫مألوفة بجيرانه‪.2‬‬

‫كما قضت بمسؤولية مالك مدرسة عن األضرار التي تلحق صاحب فندق مجاور‬
‫والتي تجاوزت الحد المألوف نتيجة الضوضاء التي يحدثها التالميذ خالل صعودهم و‬
‫نزولهم ثماني مرات في اليوم‪.3‬‬

‫كما قضت بالتعويض على صاحب مصحة للمصابين بداء السل‪ ،‬إذ بمجرد إنشاء‬
‫المصحة أدى إلى االعتراض عن استئجار المنازل المجاورة لها و بالتالي هبوط‬
‫قيمتها اإليجارية‪ .‬بالرغم من مراعاته كافة االحتياطات الطبية الالزمة‪.4‬‬

‫كما قضت بمسؤولية شركات السكك الحديدية عما تحدثه القطارات من مضار‬
‫غير المألوفة نتيجة ال ضوضاء التي تحدثها حركة القطارات وكذا التلف الناتج عن‬
‫تصاعد الدخان وتطاير الشرر منها على للجيران التي تقع مساكنهم بالقرب من‬
‫مسارها‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Louis-Bergel, obs , propriété et droit réels, R.D.immob.1979, p 32. Alvaréz –Correa ,‬‬
‫‪Aperçu de la responsabilité civil pour les dommages causés par le buit des aeronefs en‬‬
‫‪droit américain et en droit français . R.F.D.A. 1973.p142. Leyat , thèse, précité ,p158 et‬‬
‫‪s.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paris 19/04/1898 ,D,1898,2,124.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Req,20/02/1849,S,1,1849,1,346,Paris,09/10/1904,S,1905,2.32.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Limoges,05/02/1902,D,1902,2,95.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Bordeaux, 21/06/1859,D,P,1859,2,187.‬‬

‫‪118‬‬
‫فنظرية مضار الجوار إذن‪ ،‬ذات نشأة قضائية فهي وليدة القضاء الفرنسي‪ .‬ذلك‬
‫ألنه لم يكن أمام الفقه والقضاء نظ ار لعجز المسؤولية التقصيرية عن مواجهة كافة‬
‫منازعات الجوار ناتجة عن تطور العالقات االجتماعية واالقتصادية والصناعية‬
‫والتكنولوجية الذي أدى إلى تحول اهتمام المجتمع من النشاط الزراعي إلى النشاط‬
‫الصناعي‪ ،‬إال اللجوء إلى قواعد موضوعية وذلك بإعالنهم نظرية مضار الجوار غير‬
‫‪1‬‬
‫المألوفة واعتبارها إحدى صور المسؤولية الموضوعية‬

‫وعليه يمكن القول إن نظرية مضار الجوار في الوقت الحاضر هي التي يستند إليها‬
‫القضاء الفرنسي في حالة األضرار غير المألوفة لتقرير مسؤولية الجار حيث قضت‬
‫بمنع أي كان من أن يسبب للغير مضا ار للجوار غير مألوفة‪ .2‬وبذلك تكون النظرية‬
‫قد شكلت دعامة أساسية للمسؤولية المدنية عن تعويض أضرار الجوار غير المألوفة‬
‫رغم غياب نص تشريعي في القانون المدني الفرنسي ينظمها‪ .‬وبهذا يكون القضاء‬
‫الفرنسي قد سلك مسلكا عمليا بلجوئه إلى الحل الذي تقتضيه العدالة عن طريق‬
‫تطوير نظرية مضار الجوار بحيث أصبح القضاء يفصل في القضايا المتعلقة بمضار‬
‫الجوار دون البحث عن إثبات الخطأ‪ 3‬ودون الرجوع ألحكام المادتين ‪ 6895‬و‪6894‬؛‬
‫ومن هنا أصبحت المسؤولية عن مضار الجوار مسؤولية مستقلة تقوم على أساس‬
‫موضوعي قوامه تجاوز الضرر الحد العادي أو المألوف دون اشتراط إثبات الخطأ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Nicolas, R.T.D.préc.p685 et s.Stefani, thése, préc, p72 et s.Girod, thése, préc .p77et s.‬‬
‫‪Martin, thése, préc ,p20 et s. Francis Lefebvre, trouble de voisinage, éditions, Francis‬‬
‫‪Lefebvre 2008. P15.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass 2 Civ, 19/11/1986. Bull.Civ.II,n°172. Cass 2 Civ, 19/02/1992, Bull.civ II,n°60.‬‬
‫‪Cass 3 Civ,11/05/2000.RJDA,n°1061,P,626.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass. 3e civ. 12 février 1992, Resp. civ. et assur. 1992, comm. n°179.Cass. 2e civ. 20‬‬
‫‪juin 1990, Bull. civ. II, n°140.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪VINEY, Le préjudice écologique, in Resp. civ. et assur. Mai 1998, n° spécial, p.6 et s.‬‬
‫‪Cass.2e civ.20/06/1990,Bull.civ.II,n° 140‬‬

‫‪119‬‬
‫وقد عرف القضاء الفرنسي‪ 1‬مضار الجوار بأنها األضرار غير العادية أو غير‬
‫المألوفة التي تلحق بالجار وتلزم المتسبب في إحداثها بإزالتها‪ .‬ولو كان الفعل الضار‬
‫ناتج عن نشاط مشروع وال يمكن اللجوء ألحكام المادة ‪ 6895‬لنفي المسؤولية في‬
‫حالة عدم إثبات الخطأ‪.2‬‬

‫الفرع الثالث‪:‬الفكرة التي تقوم عليها نظرية مضار الجوار‬


‫مرت فكرة نظرية مضار الجوار غير المألوف بمراحل صعبة لم تتعرض له أية‬
‫فكرة قانونية قبل االعتراف بالضرر غير المألوف من قبل القضاء الفرنسي‪ 3‬ومرد ذلك‬
‫غياب نص تشريعي ينظمها‪ .‬مما جعل قلة من الفقه الفرنسي إلى القول برفض فكرة‬
‫الضرر غير المألوف وتعويضها بالمصلحة الجدية في التصرف‪.‬‬

‫كما أن أنصار الفكرة ‪ -‬االتجاه الغالب ‪ -‬الذي اعترفوا بوجود الضرر غير المألوف‬
‫أو كما سموه الضرر غير العادي تفرقت وجهات نظرهم حول أساسها ومدى عالقتها‬
‫مع قواعد المسؤولية الخطئية المنصوص عليها في المادتين ‪6895‬و‪ 6/6894‬مدني‬
‫فرنسي‪ .‬فمنهم من قرر أن فكرة الضرر غير المألوف وان كانت تعد عنص ار جوهريا‬
‫من أجل إبراز المسؤولية وفقا لقواعد نظرية مضار الجوار‪ ،‬إال أن قواعد المسؤولية‬
‫‪4‬‬
‫األخرى تنفر منها تماما‪ .‬ومنهم من أنكر هذا التنافر‪.‬‬

‫حتى بالنسبة لهذا االتجاه األخير حاول توحيد مفهومها‪ ،‬ونادي باعتبارها تشكل‬
‫قاعدة عامة في المنازعات الجوار بغض النظر عن األساس القانوني الذي تؤسس‬
‫‪5‬‬
‫عليه دعوى الجار المتضرر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪CA Paris, 2e ch. B, 27 mars 1997, Juris-data n°020969.‬‬
‫‪2www.troublesdevoisinage.com/index.php?option=com. CLAIRANCE Avocats‬‬

‫‪ 3‬بخالف شريعتنا اإلسالمية التي القت ترحابا بالفكرة والتي تبنتها من عادات العرب قبل اإلسالم‪.‬‬
‫‪ 4‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة – ص ‪.600‬‬
‫‪ 5‬المرجع نفسه – ص ‪.600‬‬

‫‪120‬‬
‫ويرجع هذا االختالف حسب رأيي إلى أن الفقه والقضاء الفرنسي في غياب نص‬
‫تشريعي يحدد المسؤولية عن مضار الجوار واعتماد المشرع على المسؤولية الخطئية‬
‫جعلهم يبحثون عن األساس التشريعي لهذه المسؤولية يتوافق مع المسؤولية التي‬
‫قوامها الخطأ دون النظر إلى جوهر فكرة النظرية هذا ما جعل بعض الفقه يرفض‬
‫فكرة الضرر غير المألوف‪.‬‬

‫سأحاول خالل هذا الفرع عرض وجهات نظر القفه و القضاء من فكرة نظرية‬
‫مضار الجوار وذلك من خالل تبيان رافضو فكرة عدم مألوفية الضرر رغم قلتهم ثم‬
‫التعرض إلى أنصار تبرير فكرة النظرية على أساس التسامح‪ .‬و ذلك في مايلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬رافضو فكرة عدم مألوفية الضرر‬


‫يرى رافضو فكرة عدم مألوفية الضرر أو عدم عادية الضرر أن فكرة مضار‬
‫الجوار غير المألوفة التي لجأ إليها القضاء من أجل الحكم على الجار محدث الضرر‬
‫بالتعويض‪ ،‬ال تضيف شيئا جديدا من أجل التأكد من الخصائص الضارة لكل فعل‬
‫المادي لحق الجار‪ ،‬وأضافوا أنه يكفي أن تتوافر للجار المضرور مصلحة جدية في‬
‫التصرف‪ .‬فمتى توافرت هذه المصلحة أمكنه الحصول على تعويض عما تحمله من‬
‫مضايقات‪.1‬‬

‫ويضيف أنصار هذا االتجاه أنه إذا كانت محكمة النقض الفرنسية حين أظهرت‬
‫تجاوز أضرار التزامات الجوار فإن ذلك ال يعني إظهار لون الخطأ وانما الهدف منه‬
‫هو تأكيد تواجد أضرار حقيقية قابلة للتعويض لتجاوزها درجة معينة من األهمية‬
‫إلضفاء عليها صفة الجسامة‪ .‬وأن هذه الصفة ال تقيم بصفة مطلقة بل يؤخذ في‬
‫االعتبار فيها المحيط التي وجدت فيه‪ .‬كما أن هذا ال يعني األخذ ببعض‬

‫‪1‬‬
‫‪RODIERE, Responsabilité civile. Obs, R.T.D. civ. 1965,p 643.‬‬

‫‪121‬‬
‫األضرار ورفض األخرى بل يعني فقط تحديد الضرر في وجوده و ليس فقط في‬
‫مداه‪.1‬‬

‫القى رافضو فكرة عدم مألوفية الجوار عدة انتقادات تتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا كانت عدم عادية الضرر ال تضيف شيئا إلى الخصائص الضارة لكل‬
‫فعل مادي؛ فلماذا تواتر عليها القضاء بصفة مستمرة ومجمعة‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه من الصعب على الجار المضرور أمام بعض أنواع األضرار أن يؤكد‬
‫وجود الضرر الذي لحق به‪ .‬ومع ذلك يرفض في طلبه بمقولة أن عادية الضرر‬
‫تختلف مع عدم وجوده‪.‬‬
‫‪ -3‬أن جانب من الفقه بدل من أن يقول أنه أمام غياب عدم عادية الضرر ال‬
‫توجد أضرر؛ يقولون بأنه ال توجد أضرار معترف بها قانونا‪.‬‬
‫‪ -4‬أن القاضي حين يرفض طلب التعويض بسبب عدم تجاوز األضرار الحد‬
‫المألوف عند الجيران؛ فإنه يؤكد شيئين هما‪ :‬من جهة أن الضرر موجود‪ .‬ومن جهة‬
‫‪2‬‬
‫أخرى أن الضرر ال يقدم الخصائص المطلوبة في اضطرابات الجوار‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬أنصار تبرير عدم مألوفية الضرر على أساس فكرة التسامح بين‬
‫الجيران‬
‫يذهب الجانب الكبير من الفقه و القضاء إلى أن الفكرة التي تقوم عليها نظرية‬
‫مضار الجوار هي فكرة "التسامح بين الجيران"‪ 3‬ومقتضاها ضرورة تجاوز المضار‬
‫الحد المألوف واال وجب التسامح بين الجيران في حالة المضار المألوفة ألن حياة‬
‫الجماعة تستلزم بعض التضحية والتسامح وأن أي عالقة جوار تولد حتما أض ار ار‬

‫‪1‬‬
‫‪Larroumet, note, sur cass, civ. 17/12/1974 ,D.S 1975 ,P441. Rodiere ,op,cit ,p 642.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Martin (G.J), De la responsabilité civile pour faits de pollution au droit à‬‬
‫‪l’Environnement, 1976. Thèse, op. cit. p 14 et 15. Caballero, thèse, op.cit .p230.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Raymond, note sur, cass. civ.2. 27/10/1964,D.65,344‬‬

‫‪122‬‬
‫للجيران كما أن فرصة العيش في جوار طيب ليست متاحة لكل الناس‪ .1‬مما يستوجب‬
‫تحمل الجيران على سبيل التبادل المضار المألوفة‪.‬‬

‫وقد عبرت محكمة النقض الفرنسية عن هذه الفكرة في بعض أحكامها‪ ،‬فتحدثت تارة‬
‫وتارة أخرى قررت بأنها األض ارر التي تفرضها‬ ‫‪2‬‬
‫عن التسامح المقبول بين الجيران‬
‫كما عبرت محكمة مرسيليا في حكمها الصادر في ‪6902/8/60‬‬ ‫‪3‬‬
‫عالقة التجاور‬
‫"أنه في عالقات الجوار‪ ،‬يكون مالك العقارات المتجاورة ملتزمين بتسامح معين بسبب‬
‫المضايقات الطارئة والعابرة المحتم وجودها نتيجة لتجاور أموالهم‪ .‬كذلك قرر مجلس‬
‫الدولة الفرنسي في ‪" 6905/2/61‬بشأن المضايقات الناتجة من الجوار للمنشآت‬
‫العامة‪ ،‬بأن جيران هذه المنشآت يكونون ملزمين بتحمل األضرار التي ال تتجاوز‬
‫‪4‬‬
‫التبعة العادية لجوار هذه المنشآت"‬

‫وعليه فإن عدم مألوفية المضار تعد شرطا جوهريا من أجل إبراز مسؤولية الجار‬
‫تجاه جاره وأن نظرية مضار الجوار تقوم على التسامح في المضار المألوفة‪ ،‬لذا‬
‫يجب التفرقة بين المضار المألوفة و المضار غير المألوفة التي تصيب الجيران‬

‫فالمضار المألوفة‪ :‬هي التي يستلزمها الجوار ويجب التسامح فيها حتى ال تتعطل‬
‫أنشطة الجيران أو يتعطل استعمالهم لحقوقهم المشروعة‪ ،‬لذا وجب على كل جار‬
‫تحملها باعتبارها من ضرورات الجوار وتلزمها حياة الجماعة‪ .‬ومن أمثلتها‪ :‬الضجيج‬
‫الذي يحدثه األطفال أثناء لعبهم أو الذي يحدثه الجار خالل المناسبات الدينية أو‬
‫األفراح أو الجنائز‪ .‬وكذا الضوضاء التي يحدثها الجار خالل أشغال الترميم في ملكه‬
‫والتي أدت إلى إزعاج الجار؛ فهي مضار مألوفة تفرضها حياة الجماعة‪ .‬وبذلك ال‬
‫يحق للجار أن يرجع على جاره فيها باعتبارها مضار مألوفة‬

‫‪1‬‬
‫‪Sit, http:// www. educaloi.qc. les rapports de voisinage, 18 juin 2006‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Req, 16/7/1902,D.P. 1902,1,481.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Req 14/7/1875.D.76 ,1,447, cass .civ. 19/1/1961.‬‬
‫‪ 4‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – المرجع السابق – ص ‪ 609‬و ‪.609‬‬

‫‪123‬‬
‫وجب تحملها بين الجيران كما نصت عليه المادة ‪ 5/196‬مدني" وليس للجار أن‬
‫يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة ‪."...‬‬

‫وعليه فال يمكن تقرير المسؤولية عن أضرار الجوار بناءا على قواعد نظرية مضار‬
‫الجوار إذا ثبت أن الضرر لم يتجاوز الحد المألوف ويجب التسامح فيه بين الجيران‬
‫عادة‪.‬‬

‫أما المضار غير المألوفة للجوار‪ :‬فهي تلك التي تجاوزت الحد المألوف‪،‬‬
‫وتجاوزت الحد الذي يجب على الجيران تحمله والتسامح فيه‪ .‬فهذه المضار ال يكون‬
‫الجار ملزما بتحملها فله أن يطلب إزالتها‪ .‬ومن أمثلتها الضجيج التي يحدثه األطفال‬
‫أثناء لعبهم في بيت جعله صاحبه دار للحضانة في مجمع سكني أو تحويل بيت‬
‫الجار إلى قاعة حفالت تتم فيها األفراح طوال أيام األسبوع مما يقلق راحة الجيران‬
‫أو أشغال البناء التي تحجب النور والهواء على الجار المجاور‪.‬‬

‫وعليه يمكن تقرير المسؤولية بناءا على قواعد نظرية مضار الجوار إذا تجاوزت‬
‫األضرار حد المضار المألوفة التي ال يمكن للجار تحملها والتسامح فيها ‪.‬‬

‫وخالصة القول إن فكرة مضار الجوار غير المألوفة القت اهتمام الفقه بعد أن تأثر‬
‫بالقضاء‪.‬فأصبحت نظرية ثابتة ال يستطيع أحد أن ينكرها باعتبارها تهدف إلى تحقيق‬
‫العدالة والتوازن بين الحقوق المتعارضة في نطاق عالقات الجوار‪.‬ذلك ألن وقوع‬
‫األضرار في الحياة االجتماعية ال يمكن منعها كلية ألنها تالزم نشاط األفراد‪ ،‬بمعنى‬
‫أن كثي ار من األضرار تكون لصيقة بنشاطهم وال يمكن تجنبها مثالها أن يقيم المالك‬
‫على أرضه مصنعا فإن المالك رغم أخذ جميع االحتياطات الالزمة فإنه ال يمكنه منع‬
‫األدخنة المتصاعدة أو الروائح الكريهة التي تصيب الجيران بأضرار تجاوزت الحد‬
‫المألوف‪ .‬كما أنه من أجل تحقيق العدالة ال يمكن مساءلة الجار عن كل األضرار‬
‫التي يحدثها خالل ممارسته نشاطه حتى ال تتعطل أنشطة الجيران أو‬

‫‪124‬‬
‫يتعطل استعمالهم لحقوقهم المشروعة‪ ،‬لذا وجب على كل جار تحملها باعتبارها من‬
‫ضرورات الجوار وتلزمها حياة الجماعة‪ .‬لذا كان الحل العملي العادل هو إجراء موازنة‬
‫بين النشاطين‪ ،‬والتفرقة بين األضرار المألوفة واألضرار غير المألوفة ومن ثم تحميل‬
‫الجيران األولى بناءا على فكرة التسامح بينهم‪ .‬وتمكينهم من المطالبة بالتعويض عن‬
‫الثانية‪ ،‬وبذلك يتحقق نوع من التوازن بين الحقوق المتجاورة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مضمون نظرية مضار الجوار في الشريعة‬


‫اإلسالمية‬
‫لم يثر خالف بين فقهاء الشريعة بالنسبة لألضرار المألوفة التي تحدث بين‬
‫الجيران فهي أضرار يسيرة ناتجة عن االستعمال العادي والمشروع للحقوق‪ .‬فلم يقيدوا‬
‫هذا النوع من األضرار فصاحب الحق له سلطة مباشرة بملكه ألن له مصلحة رعاها‬
‫الشرع وقد اتفق الفقهاء على جواز نفض أوعية تراب عند األبواب وان أضر بالمارة‪.‬‬
‫ألن هذا مما ال يمكن التحرز منه مع فلته وأنه من األضرار المألوفة التي جرت‬
‫العادة بين الجيران على التسامح فيها‪ .‬فال مسؤولية عنها‪ .‬وألن التوسع في منع كل‬
‫‪1‬‬
‫ضرر يؤدى إلى سد باب االنتفاع بالمالك‪.‬‬

‫لكن الخالف ثار بين فقهاء الشريعة‪ 2‬بالنسبة للضرر الناتج عن االستعمال العادي‬
‫والمشروع للحقوق إذا تجاوزت األضرار الحد المألوف بين الجيران‪ .‬وأطلق فقهاء‬
‫الشريعة على هذا النوع من الضرر بالضرر الفاحش‪ .‬فقد حرصت الشريعة اإلسالمية‬
‫على رعاية الجار وحسن معاملته ‪ ،‬والنهي على إلحاق الضرر به‪ ،‬خاصة ما كان‬
‫منه فاحشا‪ .‬فعن عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬ما‬
‫زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"‪ .‬بل علق عليه الصالة والسالم‬
‫اإليمان باهلل واليوم اآلخر بإكرامه‪ .‬فعن أبى أيوب األنصاري‬

‫‪ 1‬د عبد الوهاب محمد عبد الوهاب – الرسالة السابقة – ص ‪.651‬‬


‫‪ 2‬تقتصر دراستي لفقهاء الشريعة اإلسالمية على فقهاء المذاهب األربعة‪ .‬وهم المالكية والحنفية والشافعية‬
‫والحنبلية‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪":‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم‬
‫جاره"‪ 1.‬كما ربط عليه الصالة والسالم اإليمان باهلل واليوم اآلخر بعدم إيذاء الجار‪.‬‬
‫فعن أبى هريرة أن رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم قال‪" :‬وهلل ال يؤمن‪ ،‬واهلل ال يؤمن‬
‫‪ ،‬واهلل ال يؤمن‪ .‬قيل من يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬الجار الذي ال يأمن جاره بوائقه"‪.2‬‬

‫ونظ ار لألهمية البالغة للجوار فإن فقهاء الشريعة اإلسالمية اهتموا بهذا الموضوع‬
‫كونه سبب الكثير من األضرار التي تلحق بالجار المجاور وملكه‪ .‬واتفقوا على أن‬
‫االلتزام بعدم اإلضرار بالجار هو واجب ديني يتعين على المالك مراعاته من تلقاء‬
‫نفسه‪ .‬إال أنهم اختلفوا في مدى إمكانية اللجوء للقضاء لمنعه من اإلضرار بجاره‪.‬‬

‫ويمكن حصر وجهات النظر التي قيلت في ثالثة آراء‪ ،‬فذهب جانب إلى إطالق‬
‫حق الملكية وذهب جانب آخر إلى تقييده‪ ،‬وذهب جانب ثالث إلى تقييده بدرجة معينة‬
‫هي عدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‪.‬‬

‫ومنه وجب علي أن أتطرق إلى وجهات النظر الفقهية – باختالف مذاهبهم‪-‬‬
‫بشأن مدى إطالق وتقييد حق الملكية لمنع األضرار بين الجيران عند تجاوزها الحد‬
‫الفاحش أو المألوف‪ ،‬ثم ترجيح وجهة النظر التي تتفق وموضوع الدراسة‪.‬‬

‫‪ 1‬اإلمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي ‪،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪ ،5‬مكتبة عبد هللا الوكيل ‪،‬ص ‪ . 565‬وقد أجمل‬
‫اإلمام الغزالي حقوق الجار بقوله" أن يبدأه بالسالم و ال يطيل معه الكالم وال يكثر عن حاله بالسؤال‪.‬ويعوده في‬
‫مرضه‪.‬ويعزيه في مصيبته‪ .‬ويقوم معه في العزاء‪ .‬ويهنئه في الفرح‪ ،‬ويظهر الشركة في السرور معه‪ ،‬و يصفح عن‬
‫زلته‪ ،‬وال يطلع من السطح على عوراته‪،‬وال يضايقه في وضع الجذع على جداره‪.‬وال في صب الماء في ميزابه‪ ،‬وال‬
‫في طرح التراب في فنائه ‪.‬وال يضيق طريقه إلى الدار‪،‬وال يتتبعه بالنظر فيما يحمله إلى داره‪ ،‬ويستر ما ينكشف له‬
‫من عوراته‪،‬ويعينه من صرعته إذا نابته نائبة‪ ،‬وال يغفل عن مالحظة داره عند غيبته ‪ ،‬وال يسمع عليه كالما‪،‬‬
‫ويغض بصره عن حرمته‪،‬وال يديم النظر إلى خادمته‪ ،‬ويتلطف بولده في كلمته‪ ،‬ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه‬
‫ودنياه ‪ .‬المرجع ‪.‬إحياء علوم الدين ‪.‬ج‪، 5‬ص‪568‬‬
‫‪ 2‬البوائق جمع بائقة و هي الشر الشديد‪ .‬اإلمام محي الدين أبى زكريا يحي بن شرف بن مري النووي‪ ،‬صحيح‬
‫المسلم بشرح النووي‪ -‬ج‪ ،5‬المطبعة المصرية و مكتبتها‪ ،‬بدون تاريخ النشر‪ ،‬ص ‪. 556‬‬

‫‪126‬‬
‫وعليه ارتأيت تقسيم المطلب إلى أربعة فروع على النحو التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أنصار إطالق حق الملكية‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أنصار تقييد حق الملكية‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أنصار تقييد حق الملكية بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الموازنة بين اآلراء والترجيح‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬أنصار إطالق حق الملكية‬


‫ذهب جانب من الفقه اإلسالمي أبو حنيفة والمتقدمون من الحنفية ‪ ،‬والشافعية‬
‫واإلمام أحمد في رواية‪ 1‬عنه إلى عدم منع المالك في التصرف في خالص ملكه حتى‬
‫ولو ترتب على هذا التصرف ضرر الجار‪ .‬فالمالك له أن يستعمل حقه في ملكه‬
‫كيفما يشاء شرط أن يكون حقا خالصا له ولم يتعلق به حق الغير‪ ،‬فإن تعلق به حق‬
‫للغير فإنه يمنع من اإلضرار بهذا األخير‪ ،‬ففي السفل والعلو ال يجوز لصاحب السفل‬
‫أن يتصرف في ملكه تصرفا مض ار بصاحب حق العلو‪ ،‬وكذلك صاحب حق العلو‪.‬‬
‫وقد أجمع الفقهاء على هذا ألن ملك كل منهما لم يخلص له‪ ،‬بل تعلق به حق آخر‪،‬‬
‫ومن ثم فإن صاحب حق العلو متعلق بالسفل وحق صاحب السفل متعلق بالعلو‪ .‬أي‬
‫أن ملك كل منهما ليس خالصا‪ .2‬فيما عدا ذلك يكون المالك مطلق التصرف في ملكه‬
‫بغض النظر عن األضرار التي يشكو منها الجيران‪ .‬فله أن يحول داره إلى مصنع أو‬
‫متجر أو يحفر بئر أو بالوعة وال يسأل إذا ترتب على فعله ضرر بجاره‪.‬‬

‫‪ 1‬وقد ورد عن اإلمام أحمد روايتان‪ ،‬المشهورة منها منع مضار الجوار‪ ،‬والثانية ال منع ‪ .‬أنظر بهذا الصدد د‪ /‬زكي‬
‫زكي زيدان‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.609‬‬
‫‪ 2‬للمزيد من التفصيل أنظر الشيخ محمد أبو زهرة الملكية و نظرية العقد ‪،‬عدم ذكر الناشر‪ ،‬سنة ‪، 6922‬ص ‪665‬‬
‫وما بعدها‪ .‬د‪ /‬عبد الحميد حسن شرف‪ ،‬حق العلو و السفل و ملكية الشقق‪ ،‬دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية‬
‫والقانون المدني المصري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬حقوق القاهرة ‪.6999‬ص‪ 60‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫بل أكثر من ذلك له أن يفعل في ملكه ما يشاء‪ ،‬حتى ولو سقط جدار جاره وال‬
‫ضمان عليه في مثل هذه الحالة‪ ،‬طالما تصرف في دائرة ملكه ألنه ليس معتديا‪ .‬وال‬
‫ضمان إال على المعتدي الذي يتجاوز حدود حقه‪.‬‬

‫وليس للقاضي أن يمنع المالك من التصرف في ملكه بما يريد؛ ألن مقتضي‬
‫الملك أن يكون للمالك حرية التصرف في ملكه كيفما شاء ولكن ذلك ال يعفيه من‬
‫اإلثم والمسؤولية الخلقية ألن رعاية حق الجار واإلحسان إليه من الفضائل التي حث‬
‫ش ْيئًا ۖ َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن‬
‫ش ِر ُكوا ِب ِه َ‬ ‫عليها القرآن الكريم‪ 1‬في قوله تعالى‪َ ":‬وا ْعبُدُوا ه‬
‫َّللاَ َو َال تُ ْ‬
‫سا ِكي ِن َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ‬
‫ب‬ ‫سانًا َوبِ ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْليَتَا َم ٰى َوا ْل َم َ‬ ‫إِ ْح َ‬
‫َّللاَ َال يُ ِح ُّب َمنْ َكانَ ُم ْخت ًَاال‬ ‫سبِي ِل َو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُ ُك ْم ۗ إِنه ه‬
‫ب َوا ْب ِن ال ه‬ ‫ب بِا ْل َج ْن ِ‬
‫صا ِح ِ‬
‫َوال ه‬
‫فَ ُخو ًرا "‪.2‬‬

‫وقد استند أصحاب هذا الرأي إلى عدة حجج لتبرير وجهة نظرهم‪:‬‬
‫‪ -6‬إن المالك له مطلق التصرف في ملكه بما شاء‪ ،‬حيث لم يرد شيء في كتاب‬
‫اهلل‪ ،‬وال من سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬رواية صحيحة وال قول صحابي يقيد‬
‫تصرفات المالك إذا كانت في خالص ملكه‪.‬‬
‫‪ -5‬إن مقتضي الملك التام أن يكون المالك منتفعا بملكه انتفاعا كامال‪ .‬فكل منع‬
‫من هذا االنتفاع يكون فيه مخالفة لألحكام الثابتة‪ ،‬بمقتضى الشرع‪ ،‬فال يصح أن يدفع‬
‫الضرر عن غير المالك على أن يصاب هو به‪ ،‬واال لما كان هناك معنى للملك ألن‬
‫معنى الملك يقتضي إطالق التصرف فيما ُيملك‪ .3‬فمن ملك شيئا ملك جميع منافعه‬
‫وملك التصرف فيه دون معارضة أحد‪.‬‬
‫إن تشابك وتبادل المنافع والمصالح بين الجيران يجعلهم حريصين على‬ ‫‪-8‬‬
‫عدم اإلضرار ببعضهم البعض‪ ،‬وأن إطالق حرية كل منهم في التصرف في ملكه‬
‫كيفما شاء تجعلهم يتوقعون الضرر من بعضهم البعض ألن لكل منهم القدرة على‬

‫‪ 1‬األستاذ الشيخ علي الخفيف‪ ،‬الملكية في الشريعة اإلسالمية مع مقارنة بالشرائع الوضعية ‪ ،‬منشورات معهد‬
‫الدراسات العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،6911‬ص ‪654‬‬
‫‪ 2‬سورة النساء آية ‪.81‬‬
‫‪ 8‬مجلة األحكام العدلية ‪،‬الصادرة بين ‪6591‬هـ و ‪6898‬هـ في أواخر عهد الخالفة العثمانية – المادة ‪.96‬‬

‫‪128‬‬
‫أن يفعل ما يضر باآلخر‪ .‬ما دامت حرية التصرف مطلقة للجميع‪ .‬فالضرر يدفع‬
‫الضرر‪ ،‬فال يقدم أحدهما على اإلضرار باألخر‪ .‬والدليل على ذلك ما روي عن‬
‫أبى حنيفة النعمان أن رجال شكا إليه من بئر حفرها جاره في داره‪ ،‬فقال له‪:‬احفر‬
‫في دارك بجوار تلك البئر بالوعة‪ ،‬ففعل فنزت البئر األولى فكبسها صاحبها‪.‬‬
‫وبهذا يكون اإلمام أبى حنيفة لم يفته بمنع الحافر بل دله على حيلة ليدفع عن‬
‫نفسه الضرر وهو تصرف خالص في ملكه‪ .‬فمعنى الملك عند أبى حنيفة النعمان‬
‫هو حرية التصرف وتقييد هذه الحرية نقص ألصل الملكية‪.‬‬
‫‪-4‬إن عدم اإلضرار بالجار‪ ،‬واجب ديني‪ ،‬عمال بقول الرسول صلي اهلل عليه‬
‫وسلم "ال ضرر وال ضرار" فالدين يوجب على الجار أن ال يؤدي جاره‪ .‬وبالتالي فإن‬
‫الوازع الديني يغني في كثير من الحاالت عن تدخل القضاء‪.1‬‬

‫ومن التطبيقات الفقهية في هذا الشأن‪:‬‬


‫يقول اإلمام السرخسى(شمس الدين أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي ‪-‬إمام‬
‫حنفي‪ -‬المتوفى سنة ‪ 490‬هـ) في المبسوط" لإلنسان أن يتصرف في ملك نفسه بما‬
‫يبدو له‪ ،‬وليس للجار أن يمنعه من ذلك‪ ،‬وله أن يتخذ حماما أو تنو ار ألنه يتصرف‬
‫في خالص ملكه والحاصل أن يتصرف من يتصرف في خالص ملكه ال ُيمنع منه‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وان كان يؤدي إلى إلحاق الضرر بالغير"‪.‬‬

‫ويقول اإلمام الكاساني(عالء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني ‪ -‬إمام‬


‫حنفي‪ -‬المتوفى عام ‪295‬هـ) في بدائعه" حكم الملك والية التصرف للمالك في‬
‫المملوك باختياره وليس والية الجبر عليه وال توجد والية المنع عليه وان كان يتضرر‬
‫به‪ ،‬إال إذا تعلق به حق للغير‪ ،‬فيمنع من التصرف من غير رضاء صاحب الحق‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪/‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ .659‬د فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة‬
‫السابقة‪ -‬ص‪ 54‬و‪.52‬‬
‫‪ 2‬اإلمام السرخسي‪(،‬شمس الدين أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي) المبسوط ‪ ،‬طبعة دار‬
‫المعرفة‪،‬بيروت‪6884،‬هـ‪ ،‬الجزء‪62‬ص‪ . 56‬د‪/‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة –‬
‫ص‪ .686 ،680‬د‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪. 519‬‬

‫‪129‬‬
‫ويقول أيضا " للمالك أن يتصرف في ملكه‪ ،‬أي تصرف يشاء كان تصرفا يتعدى‬
‫ضرره للغير أو ال يتعدى‪ ،‬فله أن يبنى في ملكه مرحاضا أو حماما أو تنورا‪ ،‬وأن يقعد‬
‫في بنائه حدادا أو قصارا‪ ،‬وأن يحفر في ملكه بئ ار أو بالوعة‪ ،‬وان كان يوهن في ذلك‬
‫البناء‪ ،‬ويتأذى به جاره‪ ،‬وليس لجاره أن يمنعه‪ ،‬ولو فعل ذلك حتى وهن البناء أو سقط‬
‫حائط الجار ال يضمن ألنه ال صنع في ملك الغير‪.1‬‬

‫ويسند إلى اإلمام الشافعي القول" بأنه ال يحق للجار على جاره يقيد تصرفه في‬
‫ملكه‪ ،‬بل لكل منهما أن يتصرف في ملكه كيفما شاء‪ ،‬فللجار أن يفتح ما شاء من‬
‫النوافذ واألبواب في ملكه وأن يحفر بئرا‪ ،‬أو بالوعة‪ ،‬ولو كان ذلك يوهن بناء جاره‪،‬‬
‫ولو فعل شيئا من ذلك فوهن الجدار‪ ،‬فال ضمان عليه‪ ،‬وليس للقاضي أن يمنع المالك‬
‫من التصرف في ملكه بما يريده ألن مقتضى الملك أن يكون للمالك التصرف في‬
‫ملكه كيفما يشاء‪ .‬ولكن الديانة توجب عليه أال يضر بالجار لتسود المودة بين‬
‫الناس‪.2‬‬

‫ويقول اإلمام الرملي(شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي ‪-‬الشهير‬


‫بالشافعي الصغير‪-‬المتوفى سنة ‪ 6004‬هـ)" أن لمالك الجدار أن يفتح فيه كوات‬
‫والشبابيك ولو لغير االستضاءة‪ ،‬ألنه تصرف في ملكه وفرق بين أن يشرف منها على‬
‫حريم جاره أو ال ‪ ،‬لتمكن الجار من دفع الضرر عن نفسه‪ ،‬وذلك ببناء سترة أمام‬
‫الكوات‪ ،‬وان تضرر من ذلك بمنع الضرر اآلتي منها أو النظر‪ ،‬وألن صاحب الجدار‬
‫لو أراد هدمه ورفعه لم يمنع منه فأولى نقض بعضه‪.3‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ .54‬د‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪ -‬الرسالة السابقة‪-‬‬
‫ص‪ .519‬اإلمام الكاساني‪(،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ،‬طبعة دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزء ‪ 1‬ص ‪.518‬‬
‫‪ 2‬الشيخ عيسوي أحمد عيسوي‪ ،‬نظرية التعسف في الحق في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬مجلة العلوم القانونية و اإلقتصادية ‪،‬‬
‫السنة الخامسة ‪ ،‬العدد األول ‪،‬سنة ‪. 6915‬ص‪.609 ،605‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪. 515‬اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس‬
‫الرملي الشهير بالشافعي الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪،‬مطبعة الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجزء‪،2‬ص ‪.26‬‬

‫‪130‬‬
‫مما سبق يستخلص أن أنصار هذا االتجاه انتهوا إلى أن األصل هو عدم تقيد‬
‫حق الملكية بما يضر الغير شريطة أن يكون التصرف في نطاق حق الملكية الخاص‬
‫به‪ .‬فإذا تعلق بحق الملكية حق للغير‪ ،‬تقيد األول بما ال يضر الثاني‪.‬‬

‫رد على هذه الحجج على النحو التالي‪:‬‬


‫‪ -6‬أن القول بأنه ال يوجد نص يقيد المالك في التصرف في ملكه كيفما يشاء‪.‬‬
‫مردود عليه بما ثبت من أحاديث صحيحة عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم تنهى‬
‫عن الضرر ومنها حديث " ال ضرر وال ضرار" وهو حديث حسن وله طرق يقوى‬
‫بعضها البعض‪ .‬وهو حديث عام في المنع والضرر‪ ،‬ولم يستثن منه تصرف المالك‬
‫في ملكه إذا أدى إلى الضرر بجاره‪ ،‬إضافة إلى األحاديث الواردة في اإلحسان إلى‬
‫الجار وكف األذى عنه‪ ،‬وهي كثيرة‪.‬‬
‫‪-5‬أما القول بأن تصرف المالك في خالص ملكه قول غير صحيح على إطالقه‪،‬‬
‫ذلك أن تعدي الضرر إلى الجار لم يبق هذا التصرف في دائرة الملك‪ ،‬بل خرجت‬
‫آثاره إلى الجار‪ ،‬وقد يصاحب ذلك قصد اإلضرار‪ ،‬فيكون ذلك تصرف محرما‪.‬‬
‫‪-8‬والقول بأن تصرف المالك غير متعلق بحق غيره‪ ،‬هذا غير صحيح‪ ،‬فإن‬
‫للجار على جاره حقوقا كثيرة منها اإلحسان إليه وعدم إيذائه‪ ،‬وقد وردت األحاديث‬
‫بالحث على ذلك والوصاية بالجار ‪.‬‬
‫‪ -4‬كما أن قياس الضرر الالحق بالجار من قبل جاره على ضرر دخان الطبخ‬
‫والخبز قياس مع الفارق‪ ،‬فالضرر متباين في الحالتين‪ ،‬وهو في الحالة األخيرة منهما‬
‫ضرر يسير تدخله المسامحة وال يمكن االحت ارزية‬
‫‪ -2‬أن إطالق حرية المالك في التصرف في ملكه كما يحلو له على سند من أن‬
‫الوازع الديني سوف يكفل ذلك مردود عليه بالتساؤل عن الحكم في حالة ضعف الوازع‬
‫الديني وعدم تقوى اهلل ومراقبته‪ ،‬وهو الحاصل في هذه األيام‪ ،‬مما يؤدي إلى فتح باب‬
‫مشكالت وخالفات بين الجيران ينبغي وجود حل لها‪.‬‬
‫‪ -1‬أما القول بأن تشابك المنافع بين الجيران ما يجعلهم حريصين على عدم‬
‫اإلضرار ببعضهم بعضا ألن قدرة كل منهم على أن يفعل ما يضر باآلخر ما دامت‬

‫‪131‬‬
‫حرية التصرف مطلقة للجميع فالضرر يدفع الضرر‪ ،‬فإن ذلك ربما يصح بين الجيران‬
‫الذي يوجد بينهم تكافؤ في التفكير والحيل وحسن الرد فماذا عن الجار الذي ال توجد‬
‫لديه تلك المكنات‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪:‬أنصار تقييد حق الملكية‬


‫ذهب أحمد في الرواية المشهورة‪ 2‬ومالك وبعض الشافعية‪ ،‬إلى أن الجار يمنع‬
‫من التصرف في ملكه تصرفا يضرر بجاره‪ .‬ولو كان الضرر قليال‪ ،‬طالما قصد‬
‫اإلضرار بجاره‪ ،‬كما يمنع من التصرف الذي يضر بجاره إذا كان هذا الضرر أكبر‬
‫مما يلحق المالك من ضرر بسبب منعه من هذا التصرف‪ .‬ألن مضار التصرف في‬
‫الملك مبني على عدم الضرر بالجيران‪ .‬ويعد تصرف المالك في هذه األحوال ضر ار‬
‫معتب ار ولجاره منعه منه‪.3‬‬

‫يعد هذا المذهب أوسع المذاهب الفقهية في منع الضرر‪ .‬فهو يمنع التصرف‬
‫الذي يقصد به اإلض ارر بالجار ولو كان يسيرا‪ .‬كما يمنع التصرف الذي يلحق بالجار‬
‫ضر ار أكبر من الفائدة التي تعود على المالك‪.‬‬

‫والمرجع في تقدير الضرر هو العرف السائد بين الناس‪ ،‬الذي يختلف باختالف‬
‫الزمان والمكان واألشخاص‪ ،‬فقد يكون ضر ار فاحشا بالنسبة لبعض األشخاص‪ ،‬وليس‬
‫كذلك بالنسبة آلخرين‪ ،‬وقد يكون فاحشا في مكان أو زمان دون آخر‪.‬‬

‫وقد استند أصحاب هذا الرأي إلى عدة حجج لتبرير وجهة نظرهم‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬منصور صابر عبده خليفة – القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة الخاصة ‪ ،‬دراسة مقارنة في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ -‬رسالة دكتوراه‪ -‬جامعة القاهرة ‪،‬سنة ‪ ،5066‬ص‪ 640‬و‪.645‬‬
‫‪ 2‬ورد عن اإلمام أحمد روايتان‪ ،‬المشهور منهما منع مضار الجوار‪ ،‬والثانية ال يمنع ‪ .‬أنظر بهذا الصدد د‪ /‬زكي‬
‫زكي حسن زيدان‪ -‬المرجع السابق‪-‬ص‪.609‬‬
‫‪ 3‬برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون‪(،‬فقيه مالكي)‪ -‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام‪-‬‬
‫الجزء‪ ،5‬طبعة دار المعرفة ‪،‬بيروت‪ ،‬ص‪ .815‬عبد هللا بن محمد ابن قدامة المقدسي (فقيه حنبلي)‪ -‬المغني‪ -‬الجزء‬
‫‪ 4‬دار البصائر للطبع و النشر و التوزيع ‪.‬ص ‪ .899‬د‪/‬منصور صابر عبده خليفة‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪648 ،645‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ -6‬إن النهي عن المضار وارد في القرآن الكريم‪ ،‬بحيث قال اهلل تعالى‪َ ":‬وا ْعبُدُوا‬
‫سا ِكي ِن‬ ‫سانًا َوبِ ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْليَتَا َم ٰى َوا ْل َم َ‬ ‫ش ْيئًا ۖ َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َ‬
‫ش ِر ُكوا بِ ِه َ‬ ‫ه‬
‫َّللاَ َو َال تُ ْ‬
‫س ِبي ِل َو َما َملَ َكتْ أَ ْي َمانُ ُك ْم ۗ‬ ‫ب بِا ْل َج ْن ِ‬
‫ب َوا ْب ِن ال ه‬ ‫صا ِح ِ‬‫ب َوال ه‬ ‫َوا ْل َجا ِر ِذي ا ْلقُ ْربَ ٰى َوا ْل َجا ِر ا ْل ُجنُ ِ‬
‫َّللاَ َال يُ ِح ُّب َمنْ َكانَ ُم ْخت ًَاال فَ ُخو ًرا «‪.1‬‬ ‫إِنه ه‬
‫من خالل هذه اآلية الكريمة نستخلص أن اهلل سبحانه وتعالى قد أمر باإلحسان‬
‫إلى الجار ومنه‪ .‬واإلحسان يكون بعدم إض ارره‪.‬‬
‫‪ -5‬إن النهي عن المضار وارد في السنة النبوية‪ ،‬بما روي عن سمرة بن جندب‪،‬‬
‫أنه كان له عذق‪ 2‬من نخل في حائط‪ 3‬رجل من األنصار‪ ،‬قال‪ :‬ومع الرجل أهله‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكان سمرة بن جندب يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه‪ ،‬فطلب إليه أن‬
‫يبيعه فأبى‪ ،‬فطلب إليه أن يناقله فأبى‪ .‬فأتى النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فذكر له‬
‫ذلك‪ ،‬فطلب إليه النبي صلى اهلل عليه وسلم أن يبيعه فأبى‪ ،‬أو يناقله فأبى‪ ،‬فطلب‬
‫منه أن يهب هذا النخل وله في الجنة مثله‪ ،‬فأبى ذلك أيضا‪ .‬فقال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪":‬إنما أنت مضار" ثم أمر الرسول صلى اهلل عليه وسلم األنصاري‬
‫وقال‪ :‬اذهب فأقلع نخله‪.4‬‬

‫ويستدل من هذا الحديث أن الرسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم بعد أن رفض‬
‫سمرة الحلول المعروضة عليه أمر األنصاري بقلع النخل إلزالة الضرر عن نفسه وهذا‬
‫دليل على جواز تقييد استعمال المالك لملكه إذا أضر بجيرانه‪.‬‬

‫ويتضح من هذه الرواية أن الضرر الواقع على صاحب البستان أشد من‬
‫الضرر الذي يعود على سمرة بقلع نخله‪ .‬ومن ثم فإن القضاء من الرسول الكريم‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يدل على أنه يصار إلى التوفيق بين مصلحتين ما أمكن‪ ،‬فإن‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪.81‬‬


‫‪ 2‬العذق‪ :‬الغصن الذي له شعب‪.‬‬
‫حائط ‪ :‬بستان‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫اإلمام أبى وليد سليمان الباجي المنتقي شرح الموطأ ‪،‬طبعة الكتاب العربي‪،‬بيروت‪.‬الجزء ‪،1‬ص ‪.864‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪133‬‬
‫لم يستطع وجب دفع أعظم الضررين‪ ،‬فاألمر بالقلع كان ناتجا عن اإلصرار على‬
‫‪1‬‬
‫المضارة واالمتناع عن قبول ما يدفع الضرر للمالك‬

‫ومن هنا نستخل ص أن أنصار هذا الرأي اعتبروا حق الملكية ليس حقا مطلقا بل‬
‫أنه مقيد بعدم اإلضرار بالجار‬

‫ومن التطبيقات الفقهية لهذا الرأي‪:‬‬


‫‪ -‬جاء في المدونة الكبرى‪ -‬المذهب المالكي‪ -‬قيل أرأيت إن كان لي عرصة‪.2‬‬
‫إلى جانب دور قوم فأردت أن أحدث في تلك العرصة حماما أو فرنا أو موضعا لرحى‬
‫فأبى على الجيران ذلك‪ ،‬أيكون لهم أن يمنعوني في قول مالك؟ قال‪ :‬إن كان مما‬
‫يحدث ضر ار على الجيران من الدخان وما أشبه فلهم أن يمنعوك من ذلك‪ .‬قلت‪:‬‬
‫وكذلك إذا كان حدادا فأتخذ فيها كي ار أو اتخذ فيها أفرانا يسيل فيها الذهب والفضة‪ ،‬أو‬
‫أتخذ أرحية تضر بجدار الجيران أو حف ار آبار‪ ،‬أو أتخذ فيها كنيفا قرب جدران جيرانه‬
‫منعته من ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬كذلك قال مالك في غير واحد في الدخان وغيره‪ .‬قلت البن‬
‫القاسم أرأيت إن كان دار الرجل إلى جانب دار قوم ففتح في غرفة كوى أو بابا‬
‫‪3‬‬
‫يشرف منها على دور جيرانه‪ ،‬أيمنعه مالك من ذلك أم ال؟ قال‪ :‬قال مالك يمنع ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في المنتقى لشرح موطأ مالك‪ :‬ومن بنى مسجدا على ظهر حوانيت له‬
‫وجعل سطحا يطلع منه على دار رجل‪ ،‬فإن باني المسجد يجبر على أن يستر على‬
‫سطح المسجد‪ ،‬ويمنع الناس من الصالة فيه حتى يتم الستر‪ ،‬وال يمكن من اإلضرار‬
‫بالرجل فعليه أن يستر عليه‪ ،‬ألنه أحدث الضرر عليه‪.4‬‬

‫‪ 1‬في ذلك أيضا د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪59‬‬
‫‪ 2‬عرصة ‪ :‬بفتح العين وسكون الراء‪ ،‬و الجمع عراص بكسر العين وفتح الراء‪ .‬تعني البقعة الواسعة التى ليس فيها‬
‫بناء‪.‬‬
‫‪ 3‬اإلمام مالك بن أنس‪ ،‬المدونة الكبرى‪ ،‬برواية سحنون بن سعيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الجزء‪ 64‬ص‪ 582‬وكذا‬
‫الجزء‪ 62‬ص‪ .695‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب –الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.685‬‬
‫‪ 4‬المنتقي شرح موطأ مالك ألبى الوليد الباجي‪،‬المرجع السابق‪ ،‬الجزء‪ ،1‬ص‪ .45‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ -‬وقد ورد عن اإلمام الشافعي‪ ،‬رضي اهلل عنه "تقييد صاحب الحق عند استعمال‬
‫حقه إن ألحق ضر ار بالملك ال بالمالك فهو ال يعتبر الضرر في حق المالك الحتماله‬
‫‪1‬‬
‫وامكان االحتراز منه بخالف الملك‪.‬‬

‫‪ -‬وجاء في المغني ‪-‬المذهب الحنبلي‪ -‬وليس لإلنسان أن يتصرف في ملكه بما‬


‫يؤذي جاره من بناء حمام وحانوت وطباخ ودقاق وهو مذهب أحمد‪ ،‬ومن لم يسد بئ ار‬
‫سدا يمنع من الضرر ضمن ما تلف بها‪ ،‬ومن كانت له أرض يلقي فيها التراب‬
‫والحيوانات ويتضرر الجيران من ذلك وجب عليه أن يدفع ضرر الجيران بعمارتها‬
‫واعطائها لمن يعمرها أو يمنع إلقاء ما يضر الجيران فيها‪.2‬‬

‫ومن هنا يستخلص أن أنصار هذا الرأي يقرون مبدأ المسؤولية عن أضرار‬
‫الجوار دون تقييدها بدرجة معينة من األضرار‪ ،‬فتقوم بالضرر القليل طالما قصد‬
‫اإلضرار بالجار‪ ،‬كما تقوم إذا كان الضرر الذي يلحق بالجار أكبر من الفائدة التي‬
‫تعود على المالك‪ .‬هذا يعني أن إلقرارهم المسؤولية عن مضار الجوار بصفة مطلقة‬
‫يكفي الضرر كركن لقيامها دون اشتراط أن يكون الضرر فاحشا أو غير مألوف‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪:‬أنصار تقييد حق الملكية بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‪.‬‬


‫ذهب متأخرو الحنفية‪ ،3‬وهو رواية عن أبى يوسف وبعض الشافعية‪ ،‬وهو ما‬
‫عليه الفتوى عندهم‪ .‬أن المالك يمنع من التصرف في ملكه بما يضر جاره‪ ،‬لكن‬

‫‪ 1‬اإلمام شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬المرجع السابق‪،‬ص‪،888‬‬
‫‪.884‬‬
‫‪ 2‬عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي‪ ،‬المغني‪ ،‬دار البصائر للطبع والنشر والتوزيع‪،‬الجزء ‪،4‬ص‪.629‬‬
‫ولمزيد من التفصيل أنظر د عبد الوهاب محمد عبد الوهاب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.684 ،688 ،685‬‬
‫‪ 3‬اتفق فقهاء الحنفية على أن الحكم بإطالق عدم منع مضار الجوار هو القياس‪ ،‬أما قول غالب المتأخرين بالمنع فهو‬
‫االستحسا ن‪ .‬ووجه القياس‪ :‬القاعدة التي تقضي" أن من ملك شيئا ملك جميع منافعه وملك التصرف فيه دون‬
‫معارضة أحد "فاإلمام أبو حنيفة اعتمد على هذه القاعدة وعلى قوة الوازع الديني وهيمنة سلطان العقيدة‪ ،‬أما‬
‫المتأخرون فقد تركوا القياس استحسانا‪،‬ألجل المصلحة‪،‬وقالوا إن ما يبرر األخذ باالستحسان ضعف الوازع الديني‬
‫في األزمنة المتأخرة‪ ،‬وعدم االرتداع والكف عما يضر بالجار فاستنبط حكم المنع قضاء من الحديث الشريف "ال‬
‫ضرر وال ضرار" استحسانا‪ .‬وقد جاء في الفتاوى البزازية تعليال لإلجبار على منع الضرر" إن الزمان زمان فساد‬
‫والزمان األول كان زمان إصالح" د‪/‬زكي زكي حسن زيدان‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.602‬‬

‫‪135‬‬
‫هذا المنع يخص بالضرر الفاحش‪ ،‬أو البين‪ ،‬وهو المعتبر عندهم أما ما عداه من‬
‫الضرر‪ ،‬فال يمنع وذلك دون النظر إلى نية المالك قصد اإلضرار أم لم يقصده‪.1‬‬

‫وعلى ذلك فإن حق الملكية يكون مقيدا بعدم اإلضرار بالغير ضر ار فاحشا‪ .‬وأن‬
‫المالك له الحق في استعمال ملكه‪ ،‬فإن استعمل حقه وترتب عليه إضرار بالجار‬
‫ضر ار غير مألوف كان ضامنا لذلك الضرر وكان للمضرور أن يرفع األمر إلى‬
‫القضاء‪ ،‬وللقاضي أن يمنعه منه‪ .‬ويلزمه بضمان الضرر الناشئ عن فعله‪ ،‬سواء كان‬
‫الضرر مباش ار أو بطريق التسبب‪ ،2‬ويكون الضرر بطريق التسبب إذا اختار المالك‬
‫وجها الستعمال ملكه يسبب ضر ار لجاره يمنع من ذلك‪ .‬ويطلب منه أن يختار وجها‬
‫آخر من االستعمال ال يسبب ذلك‪ .‬ولتحديد وجود الضرر من عدمه مرده إلى العرف‬
‫والخبراء‪.3‬‬

‫وقد عرف هؤالء الفقهاء الضرر الفاحش الذي يمنع منه الجار‪ .‬بأنه ما يوهن‬
‫البناء أو يخرج عن االنتفاع بالكلية‪ ،‬وهو ما يمنع من الحوائج األصلية‪ ،‬والمراد بها‬
‫المنفعة األصلية المقصودة‪.4‬‬

‫وقد استند أنصار هذا الرأي على الحجج التالية‪:‬‬


‫إن القياس في هذه المسألة يقتضي أن للمالك التصرف في ملكه حتى ولو‬ ‫‪-6‬‬
‫أضر بجيرانه‪ ،‬ألنه يتصرف في خالص ملكه‪ ،‬ولكنه منع منه هنا استحسانا‬

‫‪ 1‬فخر الدين عثمان بن على الزيلعي(فقيه حنفي) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ .‬الجزء ‪ 4‬المطبعة األميرية‪،‬‬
‫القاهرة ‪6862.‬هـ‪.‬ص‪ .611‬د‪/‬منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ .646‬د‪ /‬زكي زكي حسن زيدان –‬
‫الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ .604‬د ‪/‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.685‬‬
‫‪ 2‬د‪/‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة – ص‪.685‬د‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪-‬‬
‫الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ .511‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.55‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب –الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.685‬‬
‫‪ 4‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام‪ ،‬شرح الفتح القدير على الهداية‪ ،‬الجزء ‪ ،2‬المطبعة‬
‫دار إحياء التراث العربي ‪.6950‬ص ‪ .201‬د‪/‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة – ص‪685‬‬
‫د‪/‬منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.645‬‬

‫‪136‬‬
‫وألجل المصلحة‪ ،‬أي درء المفسدة الناجمة عن اإلضرار في الموضع الذي يضر‬
‫بالجار ضر ار فاحشا‪.‬‬

‫كما أن التوسع في منع كل ضرر يسد باب انتفاع اإلنسان بملكه‪ ،‬ومن‬ ‫‪-5‬‬
‫ذلك‪ :‬الدخان الدائم الناتج عن الطبخ والذي قد يتأذى به جيرانه الفقراء‪ ،‬وكذلك لو كان‬
‫له شجرة يستظل بها جيرانه‪ ،‬فلو قلنا بالمنع من كل ضرر ألزمه قطعها‪ ،‬وبالتالي فال‬
‫بد من تقييد المنع بالضرر الفاحش‪ ،‬أو البين‪.‬‬

‫وقد تم الرد على هذه الحجج على النحو التالي‪:‬‬


‫‪ -6‬أن المنع من الضرر الفاحش دون غيره فيه نظر‪ ،‬ذلك أن قصد الضرر حرام‬
‫سواء كان كثيرا‪ ،‬أو قليال‪ ،‬فاحشا أو غير فاحش‪ ،‬إذ من المعلوم أن درء المفاسد مقدم‬
‫على جلب المصالح‪ .‬ولم تشرع الحقوق لإلضرار باآلخرين‪ ،‬سواء كان الضرر كثي ار‬
‫أو قليال‪ ،‬وانما شرعت لمصالح معينة وضحتها الشريعة‪ ،‬وبالتالي فال يفرق بين‬
‫الضرر الفاحش وغيره‪.‬‬

‫‪ -5‬أما القول بأن التوسع في منع كل ضرر يسد باب انتفاع اإلنسان بملكه‪ ،‬فإن‬
‫هذا القول يمكن األخذ به في حالة الضرر غير الفاحش‪ ،‬أما األمثلة التي ذكرت في‬
‫هذا الدليل فهي من الضرر اليسير‪ ،‬وقد سبق القول أن مثل هذا معفو عنه‪.1‬‬

‫من التطبيقات الفقهية لهذا الرأي‪:‬‬


‫‪ -‬ما جاء في الفتح القدير( لإلمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى‬
‫الشهير بابن الهمام‪ ،‬المتوفى سنة ‪196‬هـ‪ -‬فقيه حنفي‪ )-‬إن قوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم "ال ضرر وال ضرار" ال شك أنه عام مخصوص للقطع بعدم امتناع كثير من‬
‫الضرر كالتعازير والحدود ونحو مواظبة طبخ ينتشر به دخان قد ينحبس في‬
‫خصوص أماكن‪ ،‬فيتضرر به جيران ال يطبخون لفقرهم‪ .‬فال بد أن يحمل على‬

‫‪ 1‬د‪/‬منصور صابر عبده خليفة – المرجع السابق – ص ‪.645‬‬

‫‪137‬‬
‫خصوص الضرر‪ ،‬وهو ما يؤدى إلى هدم بيت الجار ونحوه من الضرر البين‬
‫الفاحش‪.1‬‬

‫‪ -‬وما جاء في تبيين الحقائق‪(:‬إلمام فخر الدين عثمان بن علي الزيلعى‪،‬‬


‫المتوفى سنة ‪-548‬فقيه حنفي‪ )-‬أن لإلنسان أن يتصرف في ملكه ما شاء من‬
‫تصرفات ما لم يضر بالجيران وما فيه من النداوة يمكن التحرز منه بأن يبنى بينه‬
‫وبين جاره حائطا‪ .‬وعن أبى يوسف‪ -‬رحمه اهلل – أن الجيران إذا تأذوا من دخانه فلهم‬
‫منعه إال أن يكون دخان الحمام مثل دخانهم‪ .‬ولو أراد بناء تنور في داره للخبز الدائم‪،‬‬
‫كما يكون في دكاكين أو رحا للطحن أو مدقات للقصارين لم يجز‪ ،‬ألن ذلك يضر‬
‫بالجيران ضر ار فاحشا ال يمكن التحرز منه‪ .‬والقياس أنه يجوز ألنه تصرف في‬
‫خالص ملكه وترك ذلك استحسانا ألجل المصلحة‪ .‬أما الضرر اليسير فال عبرة به وال‬
‫‪2‬‬
‫يمنع المالك منه"‬

‫‪ -‬وقد أخذت مجلة األحكام العدلية بهذا الرأي في المادة ‪ ،6695‬فقيدت والية‬
‫المالك في التصرف في ملكه بقيد عدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا بقولها" ال يمنع‬
‫أحد من التصرف في ملكه أبدا‪ ،‬إال إذا كان ضرره لغيره فاحشا" وبعد أن قررت هذا‬
‫المبدأ‪ ،‬وضعت أحكاما تفصيلية اللتزامات الجوار في باب خاص بعنوان" في حق‬
‫المعامالت الجوارية" في المواد ‪ 6699‬إلى ‪.6565‬‬

‫أستخلص مما سبق أنه لكي تقوم المسؤولية عن مضار الجوار حسب أنصار‬
‫هذا الرأي ال بد أن يكون الضرر فاحشا فال يكفي مجرد الضرر‪ .‬وأن المعيار لتقدير‬
‫جسامة الضرر هو معيار موضوعي‪ .‬معتبر فيه أثر التصرف بالنسبة إلعداد‬

‫‪ 6‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام‪ ،‬شرح الفتح القدير على الهداية‪ ،‬الجزء ‪ 2‬طبعة‬
‫دار إحياء التراث العربي ‪6899‬هـ‪6950 ،‬م ص‪641‬‬
‫‪ 2‬اإلمام فخر الدين عثمان بن علي الزيلعى‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.691‬‬

‫‪138‬‬
‫العقار ومنافعه المخصص لها‪ ،‬وليس حالة المالك وظروفه الشخصية‪ .‬وقد أوضح‬
‫‪1‬‬
‫ذلك بعض فقهاء الشافعية بقولهم " والحاصل منعه مما يضر الملك ال المالك"‬

‫الفرع الرابع‪:‬الموازنة والترجيح بين آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‪.‬‬


‫ال يمكنني ترجيح آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية قبل موازنتها لذا الرتأيت تقسيم‬
‫الفرع إلى نقطتين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬موازنة آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‬
‫ثانيا‪ :‬ترجيح آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‬

‫أوال‪ :‬موازنة آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‬


‫اتفق فقهاء الشريعة بمختلف مذاهبهم على منع تصرف المالك في ملكه إذا أضر‬
‫بجاره ديانة وبتعرضه لجزاء اآلخرة‪.‬‬
‫كما اتفقوا على منع تصرف المالك في ملكه قضاءا في مضار الجوار الرأسي إذا‬
‫ترتب عليه ضرر بالجار‪ .‬ألن لكل منهما حقا في ملك اآلخر‪.‬‬
‫إال أنهم اختلفوا في منع تصرف المالك في ملكه قضاءا في مضار الجوار الجانبي‪.‬‬

‫فذهب البعض إلى إطالق حق الملكية بتمكين المالك من التصرف في ملكه دون‬
‫قيد‪ .‬فال يمنع المالك من التصرف المضر بالجار طالما كان المالك يتصرف في‬
‫خالص ملكه‪.‬‬

‫وذهب البعض اآلخر إلى أنه ليس لإلنسان أن يتصرف في ملكه تصرفا يضر‬
‫بجاره‪ ،‬ولو كان قليال طالما قصد اإلضرار بالجار أما إذا لم يقصد اإلضرار به‪ ،‬فال‬
‫يمنع في حالة الضرر اليسير‪ ،‬ويمنع في الضرر الفاحش إذا كان التصرف الذي‬

‫‪ 1‬اإلمام الرملي الشهير بالشافعي الصغير‪ ،‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.884‬‬

‫‪139‬‬
‫يض ر بجاره ضر ار أكبر مما يلحق المالك من ضرر يسبب منعه من التصرف في‬
‫ملكه‪ .‬والمرجع إلى العرف في تقدير الضرر إذا كان فاحشا أو مألوفا‪.‬‬

‫وذهب البعض الثالث إلى أن المالك يمنع من التصرف في ملكه بما يضر بجاره‪.‬‬
‫إذا كان الضرر الناتج عن التصرف فاحشا‪ .‬ودون النظر إلى نية المالك أي قصد‬
‫اإلضرار أو لم يقصد‪ .‬فالعبرة بحجم الضرر ال نية المالك‪.‬‬

‫وعند الموازنة بين آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‪ .‬نجد أن هناك من ضيق من حدود‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار إلى أبعد الحدود مراعيا في ذلك الجار المالك وحفاظا‬
‫على حقه في التصرف مطلقا في ملكه‪ .‬ومنهم من وسع من حدود المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار مراعيا في ذلك جانب الجار المضرور وذلك بمساءلة الجار المتسبب‬
‫في الضرر ولو كان الضرر قليال إذا قصد اإلضرار بجاره أما إذا لم يقصد اإلضرار‬
‫به فيسأل عن الضرر البين أو الفاحش‪ .‬ومنهم من توسط في وضع حدود المسؤولية‬
‫مراعيا في ذلك المالك محدث الضرر والجار المضرور‪ .‬وذلك بمساءلة محدث‬
‫الضرر إذا كان الضرر معتب ار أي فاحشا سواء قصد المالك إحداثه أو لم يقصد‪.‬‬

‫وسبب الخالف بين فقهاء الشريعة اإلسالمية راجع إلى ثالثة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬صحة أو عدم صحة الدليل الخاص في المسألة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اختالف األعراف الخاصة في البيئات المختلفة وأثر هذا االختالف في‬
‫االجتهاد الفقهي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اختالف ما يؤثره كل فقيه من قواعد الشريعة في المسألة عما يؤثره‬
‫اآلخر‪.1‬‬

‫‪ 1‬د‪/‬زكي زكي حسن زيدان – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.664‬‬

‫‪140‬‬
‫كما تبين من العرض السابق‪ ،‬فإن من موجب القياس‪ .‬بعض الفقهاء يأخذ بعموم‬
‫الحديث" ال ضرر وال ضرار" في حين أن البعض األخر يؤثر قاعدة أن حق الملك‬
‫جامع مانع فهو جامع لكل سبل التصرف في المال‪ ،‬مانع غيره من مزاحمته في‬
‫ذلك‪.1‬‬

‫ثانيا‪:‬الترجيح بين آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‬


‫للترجيح بين مذاهب فقهاء الشريعة اإلسالمية أرى‪:‬‬
‫أ‪ -‬بالنسبة ألنصار إطالق حق الملكية‪:‬‬
‫أن ما ذهب إليه الجانب األول من الفقهاء من إطالق حق الملكية هو محل نظر‬
‫ألنه من األصول المقررة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬أن الشريعة اإلسالمية هي مصدر‬
‫الحقوق‪ .‬فهي التي تبين طرق استعمال الحقوق وأوجه االنتفاع بها على الوجه الذي‬
‫يحقق المقاصد والغايات‪.2‬‬

‫هذه المقاصد والغايات أريد بها صالح المجتمع وصالح أفراده‪ ،‬على أن يجعل‬
‫صالح الفرد أساسا لصالح المجتمع‪ ،‬ووسيلة إليه دون تعارض وتنافر بين‬
‫المصلحتين‪ ،‬وذلك بتقديم صالح المجتمع على صالح الفرد عند التعارض‪ .‬ومن ثم‬
‫فإن تقرير الحقوق في الشريعة اإلسالمية لم يكن إال نتيجة الزمة لما صدر عن‬
‫الشارع من أوامر ونواه‪ ،‬أريد بها أن يحذر الناس ما للهوى ونزعات النفس األمارة‬
‫بالسوء من سلطان‪ ،‬وأن تكون تصرفاتهم في حدود تلك األوامر والنواهي التي جاء بها‬
‫خطاب اهلل تعالى لعباده‪ ،‬مقيدة بما تضمنته من قيود‪ .‬وأنه لمن المحال على اهلل أن‬
‫ج ۚ‪ 3"...‬وقوله‬
‫يشرع للناس ما يضرهم‪ .‬لقوله اهلل‪َ ...":‬و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الدِّي ِن ِمنْ َح َر ٍ‬
‫س َر‪ .4"...‬ذلك ما فيه الداللة الواضحة‬ ‫س َر َو َال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ا ْلعُ ْ‬ ‫تعالى‪...":‬يُ ِري ُد ه‬
‫َّللاُ بِ ُك ُم ا ْليُ ْ‬
‫على أن ما جاءت به الشريعة الغراء من حقوق وأحكام مقيد بعدم‬

‫‪ 1‬د‪ /‬زكي زكي حسن زيدان – الرسالة السابقة – ص ‪.664‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.682‬‬
‫‪ 3‬سورة الحج آية ‪.59‬‬
‫‪ 4‬سورة البقرة آية ‪.692‬‬

‫‪141‬‬
‫الضرر‪ ،‬حتى ال تكون الحقوق مطية للشر‪ ،‬أي ال تتخذ الحقوق وسيلة لألضرار‬
‫بالناس‪ ،‬بل يجب أن يكون استعمالها مقيدا بعدم اإلضرار بالجماعة أو الفرد‪ .‬وبعبارة‬
‫أخرى الحقوق يجب أن ال تكون أداة للتسلط على الناس ووسيلة إلى سلب حرياتهم‪.‬‬
‫وليست الملكية إال حق ا من تلك الحقوق التي منحها اهلل الناس‪ ،‬فكانت خاضعة لهذا‬
‫‪1‬‬
‫األصل شأنها شأن الحقوق األخرى‪ .‬ألن الشريعة "كل متسق ال تتناقض أجزاؤه"‬

‫وبناءا على ذلك‪ ،‬فال يجوز أن تتخذ الحقوق وسيلة إلى اإلضرار بالغير‪ ،‬بل يجب‬
‫أن يكون استعمالها مقيدا بعدم اإلضرار باألفراد‪ ،‬وأال يؤدى ذلك إلى اإلضرار‬
‫بصاحبها ضر ار فاحشا يسلبه حقه‪ ، ،‬وبقدر ما هي ميزة لصاحبها‪ ،‬فإن لها وظيفة‬
‫اجتماعية مما يقتضى أن تقيد بما يكفل لها تحقيق هذه الوظيفة‪.‬‬

‫كما أن ترتيب المسؤولية الدينية والخلقية ليست كافية ألن تقوم الملكية بوظيفتها‬
‫االجتماعية فمن المقرر أن حق الملكية من الحقوق المالية رسم الشارع حدوده وبين‬
‫قيوده‪ ،‬فمن خرج على هذه الحدود وخالف تلك القيود وجب حمله عليها بسلطان‬
‫القضاء‪ ،‬فالناس لسوء أخالقهم وضعف دينهم تركوا ما أوجبه اهلل عليهم خلقا وأدبا من‬
‫رعاية جانب الجار‪ ،‬فوجب حملهم على ذلك بسلطان القضاء واال عمت الفوضى‬
‫وانتشر الفساد‪.2‬‬

‫مما تقدم فإنني أرجح الرأي الذي يرى بتقييد مالك في تصرفه وانتفاعه بملكه بما ال‬
‫يضر غيره ضر ار فاحشا وذلك بغية إقامة التوازن بين حقوق األفراد التي تجب‬
‫مباشرتها على أساس التضامن االجتماعي‪ ،‬والذي ال يستقيم مع مبدأ إطالق حق‬
‫الملكية وعدم مساءلة المالك في جميع األحوال قضاءا‪ .‬ألن تحقيق التوازن يتطلب‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فتحي الدريني‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال الحق‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.6955،‬ص‪90‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬عبد المجيد محمود مطلوب‪ ،‬التزامات الجوار‪ ،‬دراسة مقارن بين الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬مجلة‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية‪ -6951‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.41، 42‬‬

‫‪142‬‬
‫مراعاة جميع األطراف‪ ،‬التي يستوجب فيها أن نقيد تصرفات المالك إذا ألحق بجاره‬
‫ضر ار فاحشا‪ .‬وبالمقابل تحمل الجار األضرار العادية أو المألوفة‪.‬‬

‫ب‪ -‬بالنسبة ألنصار تقييد حق الملكية‪:‬‬


‫إن ما ذهب إليه أنصار تقييد حق الملكية من منع كل تصرف يلحق الضرر‬
‫بجاره ولو كان الضرر قليال مستندين للحديث الشريف "ال ضرر وال ضرار" هو‬
‫إجحاف لحق المالك في ملكه‪ .‬فإذا كان من حق الجار أن يحاط بالحماية ويعوض‬
‫عن ما يصيبه من ضرر‪ .‬فمن واجبه أن يتسامح مع جاره بتحمل جانب من األضرار‬
‫القليلة أو المألوفة بغية إقامة التوازن بين حقوق األفراد‪ ،‬خاصة وأن الجوار هو ضرورة‬
‫اجتماعية‪ .‬تستلزم التضامن بين الجيران المبني على التسامح بتحمل األضرار اليسيرة‬
‫أو المألوفة بين الجيران‪ .‬والقول بغير ذلك ينقص من حق انتفاع المالك بأمالكهم‬
‫وبالتالي يصبح المالك هو المتضرر بعدم تمكنه من االنتفاع بملك‪.‬‬

‫وعليه فإذا تعارض الضرران ارتكب األخف منها د أر لألشد من الضررين‪ .‬وذلك‬
‫من أجل أن ال تخرج الحقوق عن النطاق والمجال المخصص لها‪ .‬ونكون بذلك‬
‫استندنا للحديث الشريف " ال ضرر وال ضرار" مراعين كل من المالك والجار‬
‫المتضرر‪.‬‬

‫ج‪ :‬بالنسبة ألنصار تقييد حق الملكية بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‪:‬‬


‫ذهب أنصار هذا االتجاه إلى األخذ بالموقف الوسط بين االتجاهين السابقين‪ .‬فلم‬
‫يطلقوا حق الملكية كما فعل أصحاب االتجاه األول‪ .‬ولم يقيدوه تقييدا مطلقا كما فعل‬
‫أنصار االتجاه الثاني‪.‬‬
‫فقد أوجب أنصار هذا االتجاه أن يتحمل كل جار جانبا من الضرر الذي يعتبر‬
‫نتيجة طبيعية لحالة الجوار‪ ،‬فليس كل ضرر يصيب الجار يستوجب مسؤولية المالك‪،‬‬
‫بل يجب أن يكون هذا الضرر فاحشا حتى يسأل عنها المالك‪ .‬ويكون‬

‫‪143‬‬
‫أنصار هذا االتجاه قد حافظوا على حق الملكية‪ ،‬وفي نفس الوقت قيدوه بعدم‬
‫اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك ما يلي‪:‬‬


‫أن المالك له حرية التصرف في ملكه‪ ،‬فال يسأل عن الضرر اليسير الذي‬ ‫‪-6‬‬
‫يحدثه لجاره حتى ولو قصد اإلضرار به‬
‫إن ديننا اإلسالمي قد أوصى بالجار‪ ،‬ومقتضي ذلك أن يتحمل الجار‬ ‫‪-5‬‬
‫األضرار البسيطة المألوفة التي يرجع في تقديرها إلى العرف‪ .‬لتسود المودة والتسامح‬
‫بين الجيران‪.‬‬
‫أن التسامح بين الجيران هو حق تبادلي بين الجيران فقد يكون الجار تارة‬ ‫‪-8‬‬
‫محدث الضرر وتارة أخرى مضرور‪ .‬فعليه بتحمل الضرر المألوف لتستمر عجلة‬
‫الحياة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن منع الجار من التصرف في ملكه في حالة األضرار المألوفة‪ ،‬ومطالبته‬
‫بالتعويض عنها‪ .‬يؤدي إلى كثرة النزاعات وتفكك عالقات الجوار التي حثنا ديننا على‬
‫إقامتها‪.‬‬
‫‪-2‬أنه ال يمكن إجبار الجار المضرور على تحمل األضرار الفاحشة واطالق‬
‫العنان للمالك‪.‬ألن الحق الملكية ال يمكن أن يتخذ كوسيلة إلى اإلضرار بالغير‪.‬بل‬
‫يجب أن يكون استعماله مقيد بعدم اإلضرار بالجار ضرر فاحشا‪ .‬فإذا تعارض‬
‫الضرران ارتكب األخف منها د أر لألشد‪.‬‬

‫وعليه فإنني أرى بأن أنصار هذا االتجاه حين أخذوا بالوسطية وهي من‬
‫خصائص ديننا اإلسالمي الذي منهجه ال إفراط وال تفريط يكونون قد خصوا كل من‬
‫الجار محدث الضرر والجار المضرور بحماية خاصة‪ .‬وذلك بالسماح للمالك بالتمتع‬
‫بحق ملكيته حتى ولو ألحق ضر ار مألوفا بجاره بقصد أو دون قصد‪ .‬وبالمقابل حمي‬
‫الجار المضرور من الضرر الفاحش وذلك بمساءلة المحدث الضرر‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫آليات تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة في القانون‬
‫المدني الجزائري‬

‫وضع المشرع الجزائري نصا خاصا المسؤولية عن مضار الجوار استجابة‬


‫لتطور الحياة في المجتمع وازدياد النشاط الصناعي واالقتصادي‪.‬‬
‫والنعقاد المسؤولية طبقا لنظرية مضار الجوار غير مألوفة يلزم بالضرورة توافر‬
‫شروط معينة‪ .‬كما أن لهذه النظرية خصائص تميزها عن باقي المسؤوليات‪.‬‬
‫لذا يثار التساؤل ما هي شروط وخصائص تطبيق نظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة ؟ وهل المشرع الجزائري أحسن اختيار موقع نص المادة ‪ 196‬مدني‪ .‬وهل‬
‫أصاب في صياغتها؟ وهل حين قنن نظرية مضار الجوار غير المألوفة قد ألم‬
‫بمقصود ومضمون النظرية وبالتالي استطاع تحقيق التوازن بين النص والتطور الذي‬
‫يعرفه المجتمع؟ أم ثمة ثغرات في المادة عليه تداركها؟‬

‫هذا ما أحاول توضيحه في هذا المبحث من خالل المطلبين التاليين‪:‬‬


‫المطلب األول‪ :‬شروط وخصائص تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موقع نص المادة ‪ 196‬وصياغته في القانون المدني الجزائري‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شروط وخصائص تطبيق نظرية مضار الجوار غير‬


‫المألوفة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬شروط تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬


‫لتطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة البد من توافر شروطها‪ ،‬بحيث ال‬
‫تسرى هذه النظرية إال بتوافرها ‪ ،‬وفي حالة انعدام أحدها وجب النظر إلى تطبيق‬
‫غيرها من صور المسؤوليات األخرى‪ ،‬دون إمكانية تطبيقها‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫وتتمثل هذه الشروط في‪:‬‬
‫‪ -‬توافر صفة الجار‬
‫‪ -‬مشروعية التصرف من جانب الجار‬
‫‪ -‬تجاوز المضار أعباء الجوار‬
‫هذا ما أحاول تناوله فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬توفر صفة الجار كشرط لتطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬
‫يستفاد من نص المادة ‪ 5/196‬أن المشرع اشترط النعقاد المسؤولية بناءا على‬
‫نظرية مضار الجوار أن يملك كل من المضرور والمسؤول صفة الجار‪ ،‬فإذا لم‬
‫تتوافر هذه الصفة في المسؤول‪ ،‬فال تنعقد مسؤوليته وفقا لنظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‪ .‬وذلك حين نصت "‪...‬وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار‬
‫المألوفة‪."...‬‬

‫كما اشترط المشرع من أجل طلب التعويض عن األضرار غير المألوفة توافر‬
‫صفة الجار في شخص المضرور‪ ،‬وقد أجمع الفقه والقضاء على أن التجاور يعد‬
‫عنص ار أساسيا النعقاد هذه المسؤولية‪.‬‬

‫وقد أشرت سابقا أن الفقه اختلف في تحديد مفهوم الجوار‪ ،‬حيث ذهب اتجاه إلى‬
‫األخذ بالمفهوم الضيق للجوار وربط نظرية مضار الجوار غير المألوفة بفكرة الملكية‬
‫‪ ،‬لذلك فإن صفة الجار تكون قاصرة على المالك المتجاورين فقط‪ .‬وأن المنازعة في‬
‫هذه الحالة تكون بين حقين مطلقين والتي ال يمكن تصورها إال بين المالك‪.‬‬

‫وقد ربط أنصار هذا االتجاه نظرية مضار الجوار غير المألوف بالملكية لورود‬
‫النص تحت عنوان القيود التي تلحق حق الملكية‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫بينما ذهب اتجاه آخر‪ ،‬كما أشرت سابقا إلى األخذ بالتصور الواسع لهذا المفهوم‪،‬‬
‫واستندوا في تصورهم كون أن لفظ الجار في المادة ‪ 195‬مدني جاء مطلقا وهو ما‬
‫رجحته‪ ،‬ألنه األقرب إلى احتواء كافة المشاكل والمنازعات التي تشب بين الجيران‪.‬‬
‫ومن ثم فإن الجوار ال يقت صر على الجار المالصق‪ .‬بل يمتد ليشمل غير المالصق‬
‫متى تأثر بتلك األضرار‪ .‬وفي هذا النطاق أيضا ال يقتصر الجوار على المالك فقط‬
‫بل يشمل المنتفع والمستأجر وغيرهم من الجيران‪ .‬وال يهم كذلك أن يكون الشيء الذي‬
‫يستعمل عقا ار أو منقوال‪ .‬إذ كما ينجم الضرر عن األول‪ ،‬فإنه ينتج عن استعمال‬
‫الثاني‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فإن األخذ بالمفهوم الواسع للجوار‪ ،‬يشمل ليس فقط الملكيات‬
‫المتالصقة‪ ،‬وانما أيضا العالقة بين األشخاص الذين يباشرون حقوقا شخصية في‬
‫إطار جغرافي محدد أيا كانت صفاتهم‪.‬‬

‫وبناءا على ذلك أن المفهوم القانوني لشخص الجار حسب هذا االتجاه كما‬
‫أشرت سابقا ال يرتبط بفكرة الملكية‪ ،‬بل يكفي أن يشغل الشخص عينا معينة ‪ ،‬وأن‬
‫يسبب بفعله العادي مضايقات غير مألوفة للجيران‪ ،‬أو يتحمل من هؤالء اآلخرين‬
‫مضايقات تجاوزت الحد المألوف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مشروعية التصرف من جانب الجار كشرط لتطبيق نظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‬
‫إن مشروعية التصرف من جانب الجار يعد أهم شرط من شروط تطبيق نظرية‬
‫مضار الجوار‪ ،‬إذ به تتميز حالة مضار الجوار غير المألوفة عن الحاالت األخرى‬
‫التي تقترب منها‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ويعني هذا الشرط لزوم إضفاء صفة المألوفية على سلوك الجار أو تصرف‬
‫األشياء التي ت كون تحت حراسته‪ ،‬تحقيقا لمصلحة جدية مشروعة‪ ،‬متخذا جميع‬
‫االحتياطات الالزمة وأكثر حداثة حتى ال يترتب على نشاطه ضر ار للغير‪.1‬‬

‫وبناءا على ذلك إذا أضر الجار جاره وهو يستعمل حقه‪ ،‬وهو في هذا االستعمال‬
‫لم يرتكب أي خطأ‪ .‬وذلك بعدم مخالفته لنصوص القانون وعدم انح ارفه عن سلوك‬
‫المألوف للشخص العادي‪ ،‬ولم يفرض القانون خطأ في جانبه ‪ ،‬ولم يتعسف في‬
‫استعمال حقه ‪ ،‬وذلك بقصد اإلضرار بالجار أو هدف من استعماله لحقه هو تحقيق‬
‫غرض غير مشروع‪ .‬ولم تكن له مصلحة قليلة بالنسبة للضرر الذي يصيب جاره‪.‬‬
‫فإن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة تتحقق نتيجة أفعال مشروعة‪.‬‬

‫وعليه إذا ترتب الضرر نتيجة عيب في سلوك المالك فإن المسؤولية تخرج عن‬
‫نطاق نظرية مضار الجوار غير المألوفة لتندرج في نطاق صورة أخرى من صور‬
‫المسؤولية‪ .‬وذلك ألنه لو كان أساس المسؤولية عن المضار الجوار غير المألوفة هو‬
‫الخطأ في اس تعمال الحق أو التعسف فيه‪ ،‬لما أورد المشرع نصا خاصا بها لتتميز‬
‫عن باقي المسؤوليات‪.‬‬

‫وقد ذهب البعض من الفقه إلى القول إن التحليل الدقيق لنص المادة المتعلقة‬
‫بمضار الجوار غير المألوفة يكشف عن وجوب تقصى سلوك الجار محدث الضرر‪.‬‬
‫فإذا كانت األضرار ناتجة عن سلوك غير مألوف‪ ،‬استبعدت من نطاق النص‬
‫وخضعت لنظام قواعد المسؤولية األخرى‪ ،‬أما إذا كانت تلك األضرار ناتجة عن‬
‫سلوك مألوف خضعت لنص المادة ‪ ،‬وبذلك يتحدد نطاق النص تحديدا دقيقا‪ .‬وآية‬
‫ذلك ‪ ،‬أن المشرع لم يكتف بالقول بأنه " وليس للجار أن يرجع على جاره في‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب – الرسالة السابقة – ص‪ . 285‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة–‬
‫ص ‪.455‬‬

‫‪148‬‬
‫مضار الجوار المألوفة‪ .‬غير أنه يجوز أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد‬
‫المألوف"‪ .‬فهذه العبارة تفيد استبعاد األضرار المألوفة من نطاق هذا النص ولزوم‬
‫انعقاد مسؤولية محدثها وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية‪ ،‬أما إذا تجاوزت هذه المضار‬
‫الحد المألوف وجب تطبيق أحكام هذا النص‪.1‬‬

‫أستخلص مما سبق أن األضرار الناتجة عن سلوك مشوب بعيب‪ ،‬ال تخضع‬
‫لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬بل تخضع لقواعد المسؤولية األخرى‪ .‬وأنه‬
‫لقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬ال بد أن يكون السلوك المسبب‬
‫للضرر مألوفا يهدف إلى تحقيق مصلحة مشروعة وجدية‪ ،‬مع اتخاذ كافة االحتياطات‬
‫الممكنة لتجنب اإلضرار بالجار‪ .‬وبهذا فإن هذه المسؤولية تخرج عن نطاق فكرة‬
‫الخطأ‪ .‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تجاوز المضار أعباء الجوار المألوفة كشرط لتطبيق نظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‬

‫كما سبق بيانه أن وجود الضرر هو شرط ضروري لقيام المسؤولية المدنية‪ .‬لكنه‬
‫شرط غير كاف لقيام المسؤولية محل الدراسة‪ ،‬التي يشترط فيها أن يكون الضرر‬
‫غير مألوف‪ ،‬وهو الذي يزيد عن الحد المعهود فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من‬
‫بعض بحكم الجوار‪ ،‬فإذا زاد الضرر على هذا الحد‪ ،‬جاز للجار المضرور أن يطلب‬
‫إزالته‪ ،‬على أن يراعي في ذلك العرف‪ ،‬وطبيعة العقارات‪ ،‬وموقع كل منها بالنسبة إلى‬
‫اآلخر‪ ،‬والغرض الذي خصصت له‪.‬‬

‫على ذلك يجب أن يتسم هذا الضرر بقدر من الجسامة والخطورة‪ ،‬بحيث‬
‫يتجاوز من حيث شدته واستم ارريته ما يسود في الحي من أعباء‪ ،‬حتى يضفى عليه‬
‫صف ة عدم المألوفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإذا لم يتجاوز هذا الضرر حد الجوار المألوف‪ ،‬فإن‬

‫‪ 1‬في هذا المعنى د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪446 ، 440‬‬

‫‪149‬‬
‫الجار المضرور يلتزم بتحمله دون تعويض‪ ،‬وذلك بعكس القواعد العامة‪ ،‬التي تقضى‬
‫بجبر كافة األضرار المباشرة والمحققة ولو كانت مستقبلة‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك أنه في منطقة مكتظة بالمصانع أو المحالت التجارية‪،‬‬


‫والمختصة أصال لهذا النوع من النشاط االقتصادي‪ ،‬ال يمكن للجار الذي امتلك أو‬
‫استأجر أو شغل بأية صفة كانت فيما بعد عقا ار للسكنى أن يتذرع بأنه ضحية لمضار‬
‫غير مألوفة من ذلك الجوار‪ ،‬والناتجة عن األصوات المزعجة أو الروائح المضرة أو‬
‫المناظر غير المألوفة‪ ،‬ألن األضرار الناتجة في تلك المنطقة هي مألوفة بالنسبة‬
‫للغرض الذي خصص له كل مصنع أو محل‪ ،‬وهو ضرر مألوف بالنسبة لموقع‬
‫العقارات المتواجدة في نفس المنطقة‪ .‬وكذلك بالنسبة لألعراف‪ ،‬فقد صنفت هذه‬
‫المنطقة بأنها صناعية أو تجارية‪.‬‬

‫أما إذا تواجد في منطقة سكنية خصصت بطبيعتها للمساكن‪ ،‬واستحدث فيها‬
‫شخص مصنعا أو محال تجاريا مقلقا للراحة‪ ،‬يصدر منه روائح أو أصوات أو مناظر‬
‫غير طبيعية‪ ،‬فيكون الضرر الناتج من تلك األعمال هو ضرر غير مألوف يجب‬
‫إزالته كون المنطقة مخصصة للسكنى ال األعمال الصناعية أو التجارية‪ .‬كما أنها‬
‫تتنافي مع أعراف المنطقة وطبيعة عقاراتها‪.‬‬

‫وعلى ذلك إذا كانت مسؤولية الجار عن مضار الجوار ال تتقرر إال إذا كانت‬
‫المضار قد تجاوزت الحد المألوف للجوار‪ ،‬فإنه يطرح التساؤل حول العناصر التي‬
‫على ضوئها يتم قياس درجة مجاوزة هذا الحد ؟‬

‫استخلص الفقه الفرنسي من أحكام القضاء أن قياس درجة مجاوزة المضار للحد‬
‫المألوف يتوقف على عنصرين هما‪ :‬شدة أو جسامة المضار من جهة واستم ارريته من‬
‫جهة أخرى‬

‫‪150‬‬
‫وتعني جسامة المضار أن تكون قد تجاوزت الحدود والمعدالت المسموح بها‬
‫التي يتعين على الجيران تحملها والتسامح فيها باعتبارها من ضرورات الحياة في‬
‫المجتمع‪ .‬وتتيح بالتالي الفرصة للجيران في المطالبة بالتعويض‪ .‬وللقاضي أن يقدر‬
‫هذه الجسامة على ضوء الظروف كل حالة على حدة‪ ،‬باعتبارها مسألة موضوعية‬
‫‪1‬‬
‫تخضع لسلطته‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك قضى بأن الضوضاء الليلية التي تجاوز الحدود المسموح بها لشدة‬
‫‪2‬‬
‫الصوت‪ ،‬والناشئة عن استغالل ملهى ليلي تشكل مضايقات غير مألوفة للجوار‪.‬‬

‫أما العنصر الثاني وهو عنصر االستم اررية فقد اعتبره الفقه أنه من العناصر التي‬
‫يتوقف عليها وصف عدم مألوفية المضار‪ .‬وبناءا على ذلك ال يكفى أن تكون‬
‫المضار على درجة معينة من الجسامة بل يجب أن تكون مستمرة‪ .‬أي ممتدة لفترة‬
‫معينة أو متجددة أثناء وقت معين‪ .‬وعلى ذلك ال يمكن أن تكون الظاهرة العابرة أو‬
‫االستثنائية أو الطارئة‪ ،‬مضا ار غير مألوفة‪ ،‬بل يجب أن تأخذ المضار طابع‬
‫االستم اررية‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن المضار الناتجة عن العرس الذي احتفل به الجار في بيته وأحدث‬
‫ضوضاء في الجوار ال يعد ضر ار غير مألوف ألنه ال يتوفر فيه عنصر االستم اررية‪.‬‬

‫أما المضار الناتجة عن نباح الكلب المستمر ليال والذي يقلق راحة الجيران‪ ،‬فإنه‬
‫يتيح الفرصة في التعويض للجيران عما لحقهم من أضرار بسببه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Girod(Patrick)la réparation du dommage écologique, thèse, op.cit. p 74. Rémond-‬‬
‫‪Gouilloud (Martiene) : Du préjudice écologique, D.S. 1989,op.cit, p 261.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A. Besançon.22/03/1994, Juris –Data. No 041105‬‬

‫‪151‬‬
‫وعلى ذلك إذا كانت المضار مؤقتة أو عرضية من شأنها أن تزول بسرعة‪ ،‬فإنه ال‬
‫تؤخذ في االعتبار وال تشكل مضا ار غير مألوفة ووجب تحملها والتسامح فيها‪.‬‬

‫وبالرجوع لنص المادة ‪ 196‬مدني نجد أن المبدأ األساسي الذي وضعه النص هو‬
‫نهي المالك من التعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك جاره‪ .‬فهناك شرطان‬
‫لقيام مسؤولية المالك وهما‪ :‬تعسفه في استعمال حقه وضرر يصيب الجار‪.‬‬

‫من خالل هذين الشرطين يتبين أن العمل الضار الذي يصيب الجار ال يوجب‬
‫المسؤولية في جميع األحوال‪ ،‬بل البد أن يتعسف الجار في استعمال حقه‪ ،‬وقد‬
‫حددت الفقرة الثانية من المادة ‪ 196‬مدني معيار التعسف المالك فوصفته بكل عمل‬
‫يحدث ضر ار غير مألوفا للجار‪ ،‬فمعيار التعسف في أضرار الجوار طبقا لنص هذه‬
‫المادة هو معيار مرن متمثل في الضرر غير المألوف‪ ،1‬وهو الذي يزيد عن الحد‬
‫المعهود فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار‪ ،‬على أن يراعي‬
‫في ذلك العرف‪ ،‬وطبيعة العقارات‪ ،‬وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخر‪ ،‬والغرض الذي‬
‫خصصت له‪.‬‬

‫ويتبين مما سبق أن المشرع قد وزع أض ار ار الجوار على طرفي المسؤولية‪ ،‬فألزم‬
‫الجار المضرور بتحمل والتسامح عن األضرار المألوفة التي تصيبه‪ .‬وألزم الجار‬
‫المسؤول باألضرار التي تجاوز الحد المألوف‪ ،‬ومكن المضرور من المطالبة بإزالتها‪.‬‬
‫ذلك ألنه ليس من المعقول منع الجار من استعمال حق ملكيته في كل ما يضر‬
‫بجاره‪ .‬وليس من المعقول أيضا تحمل الجار كل األضرار الناتجة عن هذا‬
‫االستعمال‪ .‬فالعدالة تقتضى تقدير األضرار وتحميل المالك مسؤولية األضرار التي‬
‫تزيد عن الحد المعهود به فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض بحكم الجوار‪.‬‬

‫‪ 1‬في هذا المعني مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ‪ -‬الجزء‪ -1‬المرجع السابق – ص ‪.86‬‬

‫‪152‬‬
‫وخالصة لما سبق‪ .‬أنه لكي تتحقق المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة البد‬
‫من توافر شروط ثالثة وهي‪:‬‬
‫تحقق صفة الجار لكل من المضرور والمسؤول‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن يتصرف الجار محدث الضرر تصرفا مشروعا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن يكون الضرر الذي لحق بالجار المضرور قد تجاوز الحد المألوف‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفرع الثاني‪:‬خصائص نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬


‫مما سبق يمكن تحديد خصائص نظرية مضار الجوار غير المألوفة والتي تميزها‬
‫عن باقي المسؤوليات‪ ،‬والتي تتمثل في‪:‬‬
‫تحقق المضار مرتبطة بالتجاور وليس التالصق‬ ‫‪-‬‬
‫النشاط الذي ينجم عنه مضار هو نشاط ضار حكما‬ ‫‪-‬‬
‫النشاط الضار هو مصدر لضرر مستمر‬ ‫‪-‬‬
‫هذا ما أحاول توضيحه بنوع من التفصيل فيما يلي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تحقق المضار مرتبطة بالتجاور وليس التالصق‬


‫فال مجال للقول‬ ‫‪1‬‬
‫إن التجاور واقعة مادية‪ ،‬مستقلة عن شخص الجار وأهليته‬
‫بحدوث مضار ع ندما تنتفي واقعة الجوار‪ .‬كما أنه سبق اإلشارة إلى أن التالصق ال‬
‫يعد شرطا ضروريا لوجود المضار الجوار بل يكف التقارب‪ ،‬ومن هنا إن انتشار‬
‫الدخان أو الروائح الكريهة‪ ...‬يشكل سببا للمنازعات بين الجيران مهما بعدت المسافة‬
‫التي تفصل بينهم ومهما طال الزمن‪.‬‬

‫وقد أخذ القضاء الجزائري كما سبق اإلشارة إليه بالمفهوم الجوار األكثر اتساعا‬
‫وذلك بعدم اقتصاره على التالصق وشموله على تقارب أو التجاور متى كان في‬
‫نطاق جغرافي حين قضى بغلق المفرغة العمومية التي تم إنجازها في وسط سكاني‬

‫‪1‬‬
‫‪ : Riperet –De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports avec les propriétés‬في هذا المعني‬
‫‪voisines.P 287. Paris, 1902‬‬

‫‪153‬‬
‫دون احترام دفتر األعباء ودون اتخاذ اإلجراءات المالئمة لتجنب المساس بسالمة‬
‫المحيط واألشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرزه منها والروائح الكريهة وغيرها من‬
‫األشياء المضرة‪:1.‬‬

‫كما أن الجوار يشمل العقارات والمنقوالت على حد السواء‪ ،‬وعليه تتحقق واقعة‬
‫التجاور بين العقارات فيما بينها أو بينها وبين المنقوالت أو بين هذه األخيرة فيما بينها‬
‫ويسأل الجار عن األضرار غير المألوفة التي تصيب الجيران سواء كان مصدرها‬
‫عقا ار أو منقوال‪ ،‬السيما وأن الفقه والقضاء قد أخذا بالمفهوم الواسع للجوار المرتبط‬
‫بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن صفتها وكونها عقارات أو منقوالت‪،‬‬
‫فيتحدد نطاق الجوار بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر هذه األنشطة الضارة‪.‬‬

‫وقد أخذ القضاء الجزائري كما سبق اإلشارة إليه بمفهوم الجوار األكثر اتساعا وذلك‬
‫بربط مفهوم الجوار بنوعية الفعل الضار ‪ ،‬حين قضي بإزالة المنشآت الفالحية متمثلة‬
‫في تربية الحيوانات والدواجن التي أقيمت بمنطقة سكنية أحدثت أض ار ار بيئية في‬
‫المحيط وهذا الفعل أدى إلى وجود مضار الجوار غير المألوفة ‪.2‬‬

‫ثانيا‪:‬النشاط الذي تنجم عنه مضار هو نشاط ضار حكما‬


‫يعتبر النشاط ضا ار بحكم الممارسة التي ينتج عنها الضرر‪ ،‬ويصبح المالك ملزما‬
‫بأمر من األمرين‪ ،‬إما أن يضر بالغير‪ ،‬واما يعدل عن متابعة استثمار النشاط‬
‫الصناعي أو التجاري أو حتى ممارسة نشاط اجتماعي‪ ،‬هذه هي الخاصية النوعية‬
‫التي تتصف بها مضار الجوار‪ ،‬والتي بدورها تضفي هذه الخاصية النوعية على‬
‫المسؤولية الناجمة عن هذه المضار‪.3‬‬

‫مجلة مجلس الدولة العدد ‪ - 09‬ص ‪ -94‬قرار رقم ‪ 085529‬بتاريخ ‪. 5005/02/58‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬الغرفة العقارية ملف رقم ‪ 448150‬قرار بتاريخ ‪ - 5009/08/65‬مجلة المحكمة العليا – العدد الثاني ‪5009‬‬

‫‪ 3‬د‪ /‬مروان كساب ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬

‫‪154‬‬
‫وعليه يمكن القول إن في مثل هذه الحالة أن مضار الجوار بالنسبة للنشاط‬
‫الممارس والتي ال يمكن تجنبها رغم الحيطة والحذر التي يبذلها محدث الضرر هي‬
‫الخاصة األساسية لمضار الجوار‪ .‬وأن المحاكم تبذل جهدا إلظهار هذه االستحالة‬
‫الذي يجد المالك محدث الضرر نفسه ضمن إطارها‪ .‬وال يمكن إزالة الضرر إال‬
‫بإيقاف هذا النشاط ووضع حد له ألن ممارسة هذا النشاط هي مصدر لهذا الضرر‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬النشاط الضار هو مصدر لضرر مستمر‬


‫وفقا للقواعد العامة أنه ال يمكن مساءلة الجار طالما أنه اتخذ كافة االحتياطات‬
‫الالزمة بما يتفق والسلوك العادي‪ .‬غير أنه وتجنبا لتعسف الجار في استعمال حقه‬
‫المشروع‪ ،‬يكون طبيعيا التشدد في انعقاد مسؤوليته عما يشكو منه الجيران من‬
‫مضايقات ناتجة عن نشاطه العادي والمشروع لحقه وذلك بقصره على األضرار التي‬
‫تتجاوز الحد المألوف‪.‬‬

‫وقد كانت بداية التحول نحو قواعد المسؤولية الموضوعية عام ‪ 6944‬حيث قررت‬
‫محكمة باريس في قضية تتلخص وقائعها في أن الجيران يشكون من األصوات‬
‫الفاحشة التي تقلق راحتهم وتعكر صفو حياتهم‪ ،‬وتبدد سكون الليل‪ ،‬والناتجة عن سير‬
‫العمل في المصنع المجاور‪ ،‬فقررت المحكمة مسؤولية المالك على أساس أن هذه‬
‫المضايقات تجاوز معيار التزامات الجوار العادية‪ .‬طعن في هذا الحكم أمام محكمة‬
‫النقض‪ ،‬فقضت هذه األخيرة بنقض الحكم على أساس أن قاضي الموضوع لم يوضح‬
‫أن األصوات الضارة بالجوار كانت مصدر لضرر مستمر يصل إلى درجة تجاوز‬
‫معيار االلتزامات العادية للجوار‪ .‬فقررت إحالة القضية إلى محكمة اإلحالة‪ .‬لكن هذه‬
‫األخيرة تبنت وجهة نظر قاضي الموضوع وانتهت محكمة النقض إلى تقرير مبدأ "‬
‫تجاوز األضرار أعباء الجوار العادية الواجب تحملها يستوجب انعقاد مسؤولية فاعلها‪،‬‬
‫دون حاجة إلى البحث عما إذا كان قد بذل أو لم يبذل العناية الواجبة‪ ،‬راعى أو لم‬
‫يراع القوانين واللوائح المعمول بها"‬

‫‪155‬‬
‫وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي ‪": LARROUMET‬أن الخطأ يمحو بالضرورة‬
‫‪1‬‬
‫الضرر الفاحش‪ ،‬وهذا األخير يمحو بالضرورة الخطأ"‬

‫ومنذ هذا التاريخ والفقه والقضاء مستقر على مبدأ انعقاد مسؤولية الجار متى كانت‬
‫المضايقات الناتجة عن ممارسته لحقه‪ ،‬تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها الحد‬
‫المألوف بين الجيران‪.‬‬

‫وعليه فإن فكرة الضرر المستمر مفترض توفرها في النشاط الضار الذي يقوم به‬
‫الجار‪ .‬وأن الضرر اآلني أو الظرفي أو بعبارة أخرى المؤقت ال يحقق شرط‬
‫االستم اررية‪.‬‬

‫وعليه فإن المضايقات الخاصة باألدخنة البسيطة الصادرة من مدخنة الجار‪ ،‬وكذا‬
‫الروائح البسيطة المنبعثة من مطبخه وكذا األصوات البسيطة الناجمة عن استخدام‬
‫األدوات الكهربائية المنزلية كالراديو والتلفاز وغيرها‪ ،‬تشكل أعباء مألوفة باعتبارها ال‬
‫تتصف باالستم اررية‪ .‬وعلى العكس من ذلك إذا كانت هذه المضايقات تجاوزت الحد‬
‫المألوف من حيث شدتها واستم ارريتها‪ .‬كإنشاء مفرغة في وسط سكاني نتج عنها‬
‫انبعاث الروائح المقززة والغازات السامة التي تضر بصحة الجار‪.‬فإنها تتيح الفرصة‬
‫في طلب إزالتها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬موقع نص المادة ‪ 191‬مدني وصياغته في القانون‬


‫المدني الجزائري‬
‫نظم المشرع الجزائري المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة وأفرد لها نص‬
‫المادة ‪ 196‬في القسم الثالث(القيود التي ترد على حق الملكية ) من الفصل األول(‬
‫حق الملكية بوجه عام) من الباب األول(حق الملكية) من الكتاب الثالث (الحقوق‬
‫العينية األصلية)‪ .‬من القانون المدني الجزائري الصادر بموجب األمر رقم ‪29-52‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Note, sur,cass.civ. 02/031976,D,76.P,545.‬‬

‫‪156‬‬
‫المؤرخ في ‪ 50‬رمضان عام ‪ 6892‬الموافق ‪ 51‬سبتمبر ‪ .6952‬والتي نصها‪ ":‬يجب‬
‫على المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار‪.‬‬

‫وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة‪ ،‬غير أنه يجوز له‬
‫أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف‪ .‬وعلى القاضي أن يراعي في‬
‫ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي‬
‫‪1‬‬
‫خصصت له"‪.‬‬

‫من خالل نص هذه المادة نالحظ أن المشرع الجزائري اهتم بنظرية مضار الجوار‬
‫غير المألوفة ومنحها عناية خاصة وذلك بتخصيص نصا خاصا لها‪ ،‬بعد أن وضع‬
‫فيه مبدأ عاما يلزم المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجاره‪ .‬وميز‬
‫بين مضار الجوار المألوفة التي ال تمكن الجار المضرور من الرجوع بالتعويض على‬
‫المالك‪ .‬وبين المضار التي تجاوزت الحد المألوف التي تمكن الجار من المطالبة‬
‫بإزالتها‪ .‬وللتمييز بين المضار المألوفة والمضار غير المألوفة وجه القاضي إلى‬
‫مراعاة العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين‪ ،‬وكذا الغرض‬
‫الذي خصصت له‪.‬‬

‫وال شك أن المشرع الجزائري‪ ،‬قد أحسن صنعا حين قنن هذه المسؤولية فيكون قد‬
‫حقق كسبا تشريعيا حين استجاب لما استقر عليه الفقه والقضاء وما عليه من أحكام‬
‫في الشريعة اإلسالمية بخالف المشرع الفرنسي الذي لم يمنح لهذه المسؤولية سندا‬
‫تشريعيا فجعل القضاء أمام غياب النص التشريعي يبحث عن سند قانوني في‬
‫النصوص‪ .‬فذهب تارة إلى إسناده لنص المادة ‪ 6895‬وتارة أخرى توسع في‬

‫‪ 1‬خالفا عن القانون المدني الفرنسي الذي لم ينظم هذه المسؤولية بحيث ال يوجد نص تشريعي كنص المادة ‪196‬‬
‫مدني جزائري التي تقرر مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة والتي كانت من خلق القضاء كما سبق‬
‫بيانه ‪ .‬كما يقابل هذا النص المادة ‪ 905‬مدني مصري والذي أضاف عبارة ال يمكن تجنبها ‪ ...‬لتصبح المادة‬
‫‪ "5/905‬ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها ‪."...‬وهي بذلك اعتبرت‬
‫الضرر غير المألوف بالضرر الذي ال يمكن تجنبه‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫تفسيرها محاوال إظهار فكرة الضرر غير المألوف‪ .‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫يثار التساؤل هل المشرع الجزائري أحسن اختيار موقع نص المادة ‪ .196‬وهل‬


‫أصاب في صياغتها؟ وهل حين قنن نظرية مضار الجوار غير المألوفة قد ألم‬
‫بمقصود ومضمون النظرية وبالتالي استطاع تحقيق التوازن بين النص والتطور الذي‬
‫يعرفه المجتمع؟ أم ثمة ثغرات في المادة عليه تداركها؟‬

‫ثار خالف فقهي حول موقع وصياغة المادة ‪ 196‬مدني‪ 1‬وذلك على النحو الذي‬
‫سأوضحه من خالل الفرعين التالين‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬موقع نص المادة ‪ 191‬مدني‬


‫‪2‬‬
‫أدت صياغة نص المادة ‪ 196‬مدني إلى اختالف الفقهاء حول طبيعة أحكام‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار‪.‬‬
‫فذهب فريق من الفقه إلى أن النص يكشف عن وجود ارتباط بين التزامات‬
‫الجوار وااللتزام العيني‪ ،‬وقوام هذا االرتباط أن هذه االلتزامات مؤداها االمتناع عن‬
‫عمل يقع على عاتق المالك الذي يجب عليه أن ال يضر بجاره ضر ار غير مألوف‪.‬‬

‫‪ 1‬تقابل المادة ‪ 196‬مدني جزائري المادة ‪ 905‬مدني مصري و التي تنص" (‪)6‬علي المالك أال يغلو في استعمال‬
‫حقه إلى حد يضر بملك جاره (‪ )5‬ولي س للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها‪،‬‬
‫وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف‪ ،‬على أن يراعي في ذلك العرف‪ ،‬وطبيعة العقارات‪،‬‬
‫وموقع كل منها بالنسبة إلى لآلخر‪ ،‬والغرض الذي خصصت له‪ ،‬و ال يحول الترخيص الصادر من الجهات‬
‫المختصة دون استعمال هذا الحق"‪.‬وجاء في المذكرة اإليضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري" أن‬
‫هذا النص جوهري يقرر التزامات الجوار فيجعلها التزامات قانونية بعد أن كانت التزامات مصدرها القضاء‪ .‬فقد‬
‫قررها المشرع المصري مهتديا في تقريرها بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬فقررها المشرع كما هي مقررة في القضاء‬
‫المصري وفي الشريعة اإلسالمية معا‪ .‬فأصبحت التزامات مستقرة ثابتة لها مصدر معروف و نص القانون"المرجع‪:‬‬
‫( مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري‪،‬الجزء ‪ 1‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 2‬وضع المشرع الجزائري المادة ‪ 196‬في نفس الموقع الذي وضعها المشرع المصري‪ .‬أي في الفصل األول (حق‬
‫الملكية بوجه عام) من الباب األول (حق الملكية) وذلك تحت عنوان (القيود التي ترد على حق الملكية)‪.‬ويقول‬
‫الدكتور فيصل زكي عبد الواحد في رسالته أضرار البيئة في محيط الجوار‪ ،‬الرسالة السابقة ‪،‬ص‪ 91‬و‪ "95‬نقترح‬
‫نقل هذا النص من موضعه‪،‬إذ أن وجوده على هذا النحو يوحى – كما يذهب إليه جمهور الفقه و القضاء‪ -‬بأنه يشكل‬
‫قيدا قانونيا يرد على حق الملكية لوروده في باب قيود حق الملكية‪ ،‬مع أن هذا النص ينظم صورة للمسؤولية‬
‫المدنية‪،‬ومن جهة أخرى توجد كثير من العقبات التي تحول دون اعتبار هذا النص يشكل قيدا يرد على حق الملكية ‪.‬‬
‫ومن ثم يتعين وضع هذا النص في باب مصادر االلتزام تحت فصل مصادر االلتزام المقررة بنص القانون‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫وهذه االلتزامات ما هي إال تكاليف على المالك بسبب ملكيته للعين تنتقل معه بصفته‬
‫مالكا بصرف النظر عن الطريقة التي ينتقل بها الحق العيني الوارد على العين‪،‬‬
‫ويستطيع المدين بهذا االلتزام أن يب أر منه بالتخلي عن العين باعتبار أن هذا االلتزام‬
‫هو تكليف على المالك ال على شخصه‪.‬‬

‫وعليه فان ما ورد في نص هذه المادة يشمل كل من يشغل العقار‪ ،‬ألن االلتزام‬
‫العيني يحمل الملكية وليس المالك‪.‬‬

‫وعليه فإن وضع المادة في القسم الثالث المتضمن القيود التي ترد على حق‬
‫بأن النص يشكل قيدا قانونيا من‬ ‫‪1‬‬
‫الملكية‪ ،‬يوحي كما ذهب إليه أنصار هذا الرأي‬
‫القيود التي ترد على حق الملكية‪.‬‬

‫وذهب الفريق اآلخر من الفقه إلى مخالفة األول‪ -‬وهو الرأي الذي أرجحه‪ -‬أن‬
‫األحكام التي أتت بها المادة ‪ 196‬مدني من صميم االلتزامات الشخصية ويجب‬
‫إبعادها عن فكرة االلتزامات العينية‪ .‬ألن هذه االلتزامات تفرض على الشخص الذي‬
‫تتوفر فيه صفة الجار سواء أكان مالكا أو غير مالك‪ .‬فتحمله األضرار المألوفة من‬
‫جهة‪ .‬وتمنحه الحق في المطالبة باإلزالة عما يجاوز الحد المألوف من جهة أخرى‪.‬‬
‫فهدف المشرع هو تنظيم التزامات الجوار وجعلها التزامات قانونية مستقرة وثابتة لها‬
‫مصدر معروف وهو نص القانون وبالتالي تنظيم المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة الناتجة عن الممارسة العادية والمشروعة للحقوق‪ .‬وليس تنظيم حق الملكية‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬نعمان محمد خليل جمعة ‪ ،‬الحقوق العينية األصلية – المرجع السابق – ص ‪ . 842‬و قريب من ذلك د‪/‬عبد‬
‫الرزاق أحمد السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني‪،‬حق الملكية‪ ،‬المجلد‪ -9‬المرجع السابق‪ -‬ص‪. 191‬حيث‬
‫يقول‪ ":‬النص كما نرى يعرض لمضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬ويوجب مسؤولية المالك عنها‪.‬و من هنا كان التزام‬
‫المالك بأال يحدث ضررا غير مألوف لجاره قيدا يرد على حق الملكية‪ ،‬و هو أقرب إلى أن يكون التزاما عينيا ألنه‬
‫يرافق الملك و ينتقل معه أين ذهب‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫كما أن فكرة االلتزامات الشخصية التي تهدف إليها نظرية مضار الجوار هي‬
‫تحميل الجار األضرار المألوفة دون طلب التعويض عنها‪ ،‬يقابل هذا حق الجار في‬
‫إحداث أضرار شريطة عدم تجاوزها الحد المألوف هذا من جهة‪ .‬ومن جهة أخرى إن‬
‫االلتزام بالتعويض عن األضرار غير المألوفة يقابله حق للجار المضرور في المطالبة‬
‫بالتعويض عما لحقه من ضرر تجاوز الحد المألوف‪ .‬وخلص هذا الرأي إلى أن كال‬
‫االلتزامين السابقين فيهما ربط بين شخصين أحدهما دائن(المضرور) واآلخر‬
‫مدين(محدث الضرر)‪ .‬وان كانت هذه الرابطة تبدو بصورة أوضح في االلتزام الثاني‬
‫منه في االلتزام األول‪ .1‬إذ أن الجار ال يقتضي التعويض عما تحمله من أضرار غير‬
‫مألوفة‪ ،‬إال بتدخل المدين بااللتزام الشخصي‪ ،‬أي محدث الضرر‬

‫وعليه فالنص يهدف إلى تنظيم قواعد المسؤولية عن مضار الجوار وتمييز‬
‫المضار المألوفة عن المضار غير المألوفة ومن ثم تقريره تحمل الجار المضار‬
‫المألوفة وحقه في المطالبة بإزالة المضار غير المألوفة‪ .‬وبالتالي فإنه يهدف إلى تنظم‬
‫صورة من صور المسؤولية المدنية‪ ،‬لذا أقترح وضعه في القسم الرابع تحت عنوان‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار من الفصل الثالث الفعل المستحق للتعويض باب األول‬
‫مصادر االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬صياغة نص المادة ‪ 191‬مدني‬


‫أوال‪ :‬بالنسبة لصياغة الفقرة األولى من النص‪:‬‬
‫صيغت الفقرة األولى من نص المادة ‪ 196‬بعبارة "يجب على المالك أال يتعسف‬
‫في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار"‪.‬‬
‫عند قراءة النص نالحظ أنه يتكلم عن التزام المالك دون غيره بأن ال يتعسف في‬
‫استعمال حقه إلى حد يضر بجاره‪ .‬إال أن الفقه القانوني ال يقتصر هذا االلتزام على‬
‫المالك وحده‪ ،‬بل يشمل كل من استعمل الشيء سواء أكان مالكا أو غير مالك‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد –المرجع السابق‪ -‬ص‪ 598‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫كالمنتفع وصاحب حق االستعمال وصاحب حق السكنى والمستأجر وغيرهم من‬
‫‪1‬‬
‫الجيران كما سبق بيانه‪.‬‬

‫ضرر غير مألوف‬


‫ا‬ ‫ويرى جانب من الفقه‪ 2‬أن االلتزام بعدم اإلضرار بالجار‬
‫يشمل أيضا كل من له وجود قانوني مستقر على العين‪ ،‬ولو لم يكن متعاقدا‪ ،‬كمن‬
‫سمح له المالك باإلقامة في منزله أثناء غيابه بالخارج مثال فالمهم هو نوع االستعمال‬
‫للشيء‪ ،‬وما ينجم عنه من ضرر للجيران‪ ،‬بغض النظر عن الشخص المستعمل‬
‫طالما كان وجوده على هذا الشيء له ما يبرره قانونا‪.‬‬

‫و عليه فإن المنازعات بين الحقوق المتجاورة‪ ،‬ال تقتصر فقط على المنازعات‬
‫بين حقوق ملكية مطلقة‪ ،‬وأن ربط نظرية مضار الجوار بفكرة حق الملكية وقصر‬
‫صفة الجار على المالك قد يؤدي بنا إلى نتائج غير منطقية تتنافي وروح القانون‪.‬‬

‫لذا أقترح تغيير صياغة الفقرة األولى لتكون أقرب إلى الدقة كما يلي" يجب‬
‫على الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجاره"‪ .‬فإعادة صياغتها على‬
‫هذا النحو يحقق تناسقا بين الفقرة األولى والثانية من النص‪ .‬ألن لفظ الجار في الفقرة‬
‫الثانية جاء مطلقا يصعب صرفه إلى صفة المالك وحده دون غيره‪ .‬كما أن قصر‬
‫صفة الجار على المالك يعني حرمان الجار المضرور من المطالبة بالتعويض عن‬
‫أضرار الجوار غير المألوفة التي تلحق به متى نتجت من غير المالك‪.‬‬

‫‪ 1‬كما سبق بيانه عند دراسة المفهوم القانوني لشخص الجار‪ .‬وفي ذلك أيضا د ‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪،‬‬
‫التكييف الشرعي القانوني للمسؤولية المدنية الناشئة عن مضار الجوار غير المألوفة – دراسة مقارنة في الفقه‬
‫اإلسالمي والقانون المدني‪ -‬رسالة دكتوراه – دار المطبوعات الجامعية‪ -‬اإلسكندرية ‪ -5009‬ص‪ .655،658‬د‬
‫محمد لبيب شنب –الموجز في الحقوق العينية األصلية‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪ ،585‬د‪ /‬نعمان جمعة‪ ،‬الحقوق‬
‫العينية‪ -‬المرجع السابق‪-‬ص‪ .825‬د‪/‬شفيق شحاتة‪ ،‬شرح القانون المدني‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.19‬د عبد الرزاق‬
‫أحمد السنهوري‪ ،‬الجزء‪ – 1‬المرجع السابق‪-‬هامش ص‪.159‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬محمود عبد الرحمان المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة –دراسة مقارنة –دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة ‪،‬دون تاريخ النشر‪ ،‬ص ‪66‬و‪.65‬‬

‫‪161‬‬
‫ثانيا‪ :‬بالنسبة لصياغة للفقرة الثانية من النص‪:‬‬
‫صيغت الفقرة الثانية من المادة ‪ "196‬وليس للجار أن يرجع على جاره في‬
‫مضار الجوار المألوفة‪ ،‬غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت‬
‫الحد المألوف‪ .‬وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل‬
‫منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي خصصت له"‪.‬‬

‫عند قراءة الفقرة الثانية من النص نالحظ أن ظاهرها يوحي بقصر األضرار غير‬
‫المألوفة على العقارات المتجاورة دون المنقوالت‪ .‬وهذا مخالف للواقع العملي خاصة‬
‫مع التطور التكنولوجي الذي عرفه المجتمع المعاصر‪ .‬إذ أصبح استخدامهما متداخل‬
‫في كافة المجاالت مما جعل الفقه والقضاء يتخليا عن التصور الضيق لمفهوم‬
‫الجوار‪ ،‬واستق ار على األخذ بالمفهوم الواسع له‪ ،‬وذلك بربط مفهوم الجوار بنوعية‬
‫األنشطة الضارة بصرف النظر عن طبيعتها وكونها عقارات أو منقوالت‪ .‬فالجوار‬
‫يتحدد بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر هذه األنشطة الضارة‪ .‬وأفضل مثال‬
‫على ذلك ما تسببه ضوضاء الطائرات والقطارات على الجار الساكن بالقرب من‬
‫المطار أو السكة الحديدية والتي ينتج عنها ضرر معنوي ناتج عن إقالق راحته‬
‫وحرمانه من التمتع الهادئ باإلقامة في عقاره‪ ،‬وضرر مادي ناتج عن انخفاض قيمة‬
‫العقار‪.1‬‬

‫وعليه فإنني أقترح استبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء‪ 2‬حتى‬
‫تكون عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬الذي‬
‫استقر الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر عن صفتها‬
‫وكونها عقا ار أو منقوال‪.‬‬

‫‪ 1‬وقد أصدر مجلس الدولة قرار يقضي "بتأييد القرار المستأنف مبدئيا وإضافة له القضاء بغلق المفرغة العمومية‬
‫موضوع النزاع المتواجدة في وسط سكاني التي تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي تفرز منها‬
‫والروائح الكريهة و غيرها من األشياء المضرة" – قرار منشور في مجلة مجلس الدولة رقم ‪ -09‬و بذلك نالحظ أن‬
‫القضاء الجزائري أخذ بالمفهوم الواسع للجوار وذلك بربط مفهوم الجوار بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر‬
‫عن طبيعتها كونها عقارات أو منقوالت‪.‬‬
‫‪ 2‬وقد ذهب إلي ذلك أيضا د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد حين اقترح تعديل نص المادة ‪ 5/905‬مدني مصري‪ .‬التي‬
‫نصت على نفس العبارة –الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.91‬‬

‫‪162‬‬
‫ثالثا‪ :‬فيما يتعلق بعالقة الفقرة األولى بالثانية‪:‬‬
‫اختلف الفقه حول عالقة الفقرة األولى بالثانية من نص‪.‬‬
‫ذهب جانب من الفقه‪ 1‬إلى أن صياغة النص على هذا النحو سليمة وأن عباراتها‬
‫مستقيمة‪ .‬فالفقرة األولى من النص وضعت حدا قانونيا ينتهي عنده حق المالك في‬
‫استعمال حقه‪ ،‬بحيث إذا تعداه يكون قد أخل بحكم هذا النص وبالتالي خرق االلتزام‬
‫القانوني إلى ما يجاوز حقه‪ .‬ومن ذلك يبين الفرق الدقيق بين اإلخالل بااللتزام المتمثل‬
‫في التعسف ومجاوزة حدود حق الملكية‪ .‬ذلك ألن اإلخالل مرحلة تسبق مجاوزة الحق‬
‫ولو في التصور الذهني‪ .‬ومجاوزة حدود الحق تقع دائما بعد اإلخالل بااللتزام‪ .‬ومن ثم‬
‫فإن الفقرة األولى تضع حدا الستعمال المالك المشروع لملكه بحيث لو تعداه يكون قد‬
‫أخل بحكم هذا النص بمجرد التعسف في استعمال حقه‪.‬‬

‫أما الفقرة الثانية فقد قصد المشرع بها استبعاد تطبيق األحكام العامة في المسؤولية‬
‫التقصيرية بالمفهوم السائد في مجال التزامات الجوار‪ .‬وبذلك تستقيم عبارة النص ويكون‬
‫بعيدا عن الشعور بوجود عيب في صياغته مما اقتضى من البعض القول بوجوب‬
‫استبعاد الفقرة األولى من النص‪ .‬وال شك أن إعمال النص خير من إهماله‪.‬‬

‫وقريب من هذا الرأي‪ ،‬ذهب البعض‪ 2‬إلى القول أن الصياغة الحالية سليمة ألن‬
‫المشرع قد وزع نص المادة على فقرتين تضمنت كل فقرة حكما ينظم نوع المضار غير‬
‫التي ينظمها اآلخر‪ ،‬ومع ذلك فإن كل فقرة تعاضد األخرى‪ .‬وأن التفصيل الذي تضمنته‬
‫الفقرة الثانية من المادة اآلنفة الذكر أوحى إلى البعض أنه يمكن االستغناء بها على‬
‫نص الفقرة األولى على الرغم من وضوح أحكام كلتيهما‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد العزيز عبد القادر أبو غنيمة‪ ،‬االلتزام العيني في الشريعة والقانون‪ -‬رسالة دكتوراه‪ -‬جامعة القاهرة ‪،‬سنه‬
‫‪.6955‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الحميد عثمان محمد‪ ،‬أحكام حق الملكية‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،6999‬ص‪.96،95‬‬

‫‪163‬‬
‫وذهب جانب اآلخر‪ 1‬إلى مخالفة الرأي السابق بالقول إلى أنه إذا كان المشرع قد‬
‫أوجب على المالك في الفقرة األولى أن ال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر‬
‫بملك جاره‪ .‬فإن حدود هذا الحق ال تتضح إال من خالل الفقرة الثانية‪ ،‬ذلك ألن المالك‬
‫ال يسأل أيا كانت صفة األضرار الناجمة عن استعمال حقه كما يبدو من الفقرة‬
‫األولى وانما يجب أن تتجاوز األضرار الحد المألوف‪ .‬ولهذا تبدو صياغة النص على‬
‫هذا النحو معيبة‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك فإن الفقرة األولى تعتبر تزايدا ال فائدة منها مع وجود الفقرة الثانية‪،‬‬
‫فإنها تؤدى إلى اللبس عند البحث في شروط المسؤولية عن مضار الجوار‪ ،‬بما قد‬
‫توحي به من ضرورة وجود الخطأ كشرط لقيامها واتخاذه أساسا لها‪ ،‬بينما الواقع كما‬
‫يظهر من الفقرة الثانية أنه ليس هناك مجال للبحث في سلوك المالك المسؤول عند‬
‫توافر المسؤولية وأساسها‪ ،‬وانما البحث يكون في الضرر الذي أصاب الجار ومدى‬
‫‪2‬‬
‫مألوفيته‬

‫وعليه يرى أنصار هذا الرأي أنه لكي تستقيم عبارات النص يجب الخيار بين‬
‫أمرين‪ .‬إما استبعاد الفقرة األولى واكتفاء بالفقرة الثانية‪ ،‬واما إضافة إلى الفقرة األولى‬
‫عبارة ضرر يتجاوز الحد المألوف‪ .‬لتصبح كاآلتي" على المالك أن ال يتعسف في‬
‫استعمال حقه إلى حد يضر بملك جاره ضرار يتجاوز الحد المألوف"‪ .‬ثم تعدل الفقرة‬
‫الثانية لتقتصر على بيان الضوابط التي تراعى عند تقدير الضرر المألوف‪.‬‬

‫وذهب رأي ثالث‪ 3‬إلى القول بتأييد من حيث المبدأ االتجاه القائل بوجود عيب‬
‫في صياغة النص ويختلف معه في تقريره فكرة االختيار بين حذف الفقرة األولى‪،‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬منصور مصطفي منصور‪ :‬حق الملكية في القانون المدني المصري‪،‬مكتبة وهبة ‪.6912‬ص‪.22‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬مصطفي جمال ‪ ،‬نظام الملكية‪ ،‬دار النهضة العربية‪.6999‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ ،‬أضرار البيئة في محيط الجوار والمسؤولية المدنية عنها‪،‬الرسالة السابقة ص ‪ 95‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫أو اإلبقاء عليها مع إضافة عبارة "ضرر يتجاوز الحد المألوف" مع تعديل الفقرة‬
‫الثانية بقصرها على بيان الضوابط التي تراعى عند تقدير بإضافة العبارة السالفة‬
‫الذكر لها‪ ،‬يوحى بأن مسؤولية الجار وفقا لهذا النص تقوم على فكرة الخطأ المفترض‬
‫منذ تجاوز األضرار أعباء الجوار العادية‪ .‬إذ أن النهي يفيد التحريم‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫إحداث الجار مضايقات غير عادية لجاره يفيد وفقا لمنطق التحريم وجود خطأ‪ ،‬مع أن‬
‫هناك كثي ار من العقبات التي تحول دون اعتبار هذا النص يعد تطبيقا خاصا لقواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ .‬فضال عن ذلك يتضح من الفقرة الثانية التي تناولت ما استقر‬
‫عليه الفقه والقضاء في وضع نظرية مضار الجوار غير المألوفة أنها أصبحت مصد ار‬
‫مستقال للمسؤولية المدنية بعيدة كل البعد عن مفهوم الخطأ الثابت أو المفترض‪.‬‬
‫وينتهي هذا الرأي إلى وجوب حذف الفقرة األولى من النص حتى تستقيم مع جوهر‬
‫نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫وعليه يرى أنصار هذا الرأي إن حذف الفقرة األولى من نص المادة‪ 196‬يجعلنا‪:‬‬
‫‪ -‬نبتعد عن مشكلة تفسير أو تأويل النص الستقامته مع جوهر نظرية مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪ .‬وبالتالي نتجنب الخالف الفقهي أو القضائي حول نطاق تطبيقه‬
‫‪ -‬كما يجعلنا ال نربط قواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بقواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية ألنها ال تعد تطبيقا من تطبيقاتها‪ .‬ألن المسؤولية عن مضار‬
‫الجوار غير المألوفة ال تقوم على فكرة الخطأ في جميع األحوال‪ ،‬بل ينحصر نطاق‬
‫تطبيقها على األضرار الناجمة مباشرة من السلوك غير المألوف‪.‬‬
‫‪ -‬كما أنه وحسب االتجاه الثاني الذي يرى أن الصياغة الحالية للنص معيبة‬
‫ويقترح لعالج ذلك الخيار بين حذف الفقرة األولى واالكتفاء بالفقرة الثانية‪.‬أو اإلبقاء‬
‫على الفقرة األولى مع إضافة عبارة "ضرر يتجاوز الحد المألوف" وقصر الفقرة الثانية‬
‫على بيان ما يجب مراعاته عند تقييم الضرر غير المألوف‪ .‬فإن األخذ بالخيار الثاني‬
‫ال يحقق تناسقا بين الفقرتين‪.‬ألن الفقرة األولى بالرغم من إضافة‬

‫‪165‬‬
‫العبارة السابقة يبقى الخطأ شرطا أساسيا لقيام المسؤولية وهذا خالفا لنظرية مضار‬
‫الجوار التي ال تقوم على فكرة الخطأ في جميع األحوال‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن ما يلحق بالجار من ضرر غير مألوف‪ ،‬ليس بالضرورة أن يكون نتيجة‬
‫تعسف المالك في استعمال حقه‪ ،‬بل قد يكون نتيجة الستعماله العادي لملكه‪ ،‬ومع‬
‫ذلك يسأل عنه إذا أصاب الجار ضرر غير مألوف‪.‬‬
‫وعليه فإن حذف الفقرة األولى من النص يجعله يستقيم مع جوهر نظرية مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪ .‬ومن ثم يتحقق ما كان يبتغيه المشرع من وراء إق ارره لهذه‬
‫النظرية‪.‬‬

‫والرأي عندي – إن صياغة النص على هذا النحو سليمة ألن المشرع حين‬
‫وضع فقرتين لنص المادة ربط بينهما بحرف عطف "وليس للجار‪ "...‬وحرف العطف‬
‫يفيد اإلضافة‪ .‬فالفقرة األولى جاءت عامة وبالتالي فهي تشمل الضرر المألوف‬
‫والضرر غير المألوف وألزمت الجار المضرور من إثبات تعسف الجار لقيام‬
‫المسؤولية‪ .‬أما الفقرة الثانية أضافت فكرة أخرى هي تمكين الجار المضرور الذي‬
‫يصعب عليه إثبات تعسف الجار في جميع األحوال من حق المطالبة بإزالة الضرر‬
‫غير المألوف دون الضرر المألوف مع مراعاة بعض الشروط والهدف من ذلك حماية‬
‫الجار المضرور بتوسيع مجال تطبيق أحكام المسؤولية عن مضار الجوار‪ .‬خاصة‬
‫وأن فقرة األولى تنظم حكما للضرر غير التي تنظمه الفقرة الثانية‪.‬‬

‫يهدف إلى تنظيم قواعد‬ ‫ومما سبق أستخلص أن نص المادة ‪5/196‬‬


‫المسؤولية عن مضار الجوار وميز المضار المألوفة عن المضار غير المألوفة ومن‬
‫ثم يقرر تحمل الجار المضار المألوفة وحقه في المطالبة بإزالة المضار غير المألوفة‪.‬‬
‫وبالتالي فإنه يهدف إلى تنظم صورة من صور المسؤولية المدنية‪ ،‬لذا أرى أنه يكون‬
‫أكثر قبوال أن يكون موقع المادة في القسم الرابع تحت عنوان المسؤولية عن مضار‬
‫الجوار من الفصل الثالث الفعل المستحق للتعويض باب‬

‫‪166‬‬
‫األول مصادر االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود‪ .‬وذلك ألنه يتضمن‬
‫أحكاما تنظم صورة للمسؤولية الموضوعية‪.‬‬

‫وأقترح تغيير صياغة الفقرة األولى لتكون أقرب إلى الدقة كما يلي" يجب على‬
‫الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجاره"‪ .‬فإعادة صياغتها على هذا‬
‫النحو يحقق تناسقا بين الفقرة األولى والثانية من النص‪ .‬ألن لفظ الجار في الفقرة‬
‫الثانية جاء مطلقا يصعب صرفه إلى صفة المالك وحده دون غيره‪ .‬كما أن قصر‬
‫صفة الجار على المالك يعني حرمان الجار المضرور من المطالبة بالتعويض عن‬
‫أضرار الجوار غير المألوفة التي تلحق به متى نتجت من غير المالك‪.‬‬

‫كما أقترح استبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء حتى تكون‬
‫عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬الذي استقر‬
‫الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر عن صفتها وكونها‬
‫عقا ار أو منقوال‪ .‬لتقوم على فكرة إقامة نوع من التوازن بين الحقوق المتجاورة‪.‬‬

‫خالصة المبحث‬
‫أستخلص مما سبق أن األضرار الناتجة عن سلوك مشوب بعيب‪ ،‬ال تخضع‬
‫لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬بل تخضع لقواعد المسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫وأن من شروط تطبيق نظرية مضار الجوار غير مألوفة‪:‬‬
‫‪-6‬توافر صفة الجار لكل من الجار محدث الضرر والجار المضرور‬
‫‪-5‬مشروعية التصرف من جانب الجار محدث الضرر‪ ،‬ويعد هذا الشرط من أهم‬
‫شروط تطبيق نظرية مضار الجوار‪ ،‬إذ به تتميز حالة مضار الجوار غير المألوفة‪،‬‬
‫وذلك بجعل سلوك المسبب للضرر مألوفا يهدف إلى تحقيق مصلحة مشروعة وجدية‪،‬‬
‫مع اتخاذ كافة االحتياطات الممكنة لتجنب اإلضرار بالجار‪ .‬وبهذا فإن هذه المسؤولية‬
‫تخرج عن نطاق فكرة الخطأ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ -8‬تجاوز المضار أعباء الجوار المألوفة‪ :‬على ذلك يجب أن يتسم هذا الضرر‬
‫بقدر من الجسامة والخطورة‪ ،‬بحيث يتجاوز من حيث شدته واستم ارريته ما يسود في‬
‫الحي من أعباء‪ ،‬حتى يضفى عليه صفة عدم المألوفية‪ .‬ويتوقف قياس درجة مجاوزة‬
‫المضار للحد المألوف على عنصرين هما‪ :‬شدة أو جسامة المضار من جهة‬
‫واستم ارريته من جهة أخرى‪.‬‬

‫كما أن من خصائص النظرية تحقق المضار مرتبطة بالتجاور وليس التالصق‪،‬‬


‫وأن النشاط الذي تنجم عنه مضار هو نشاط ضار حكما‪ ،‬وأن النشاط الضار هو‬
‫مصدر لضرر مستمر‬

‫وعليه فإن المشرع الجزائري حين قنن المادة ‪ 196‬كان يهدف إلى تنظم قواعد‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار وتمييز المضار المألوفة عن المضار غير المألوفة ومن‬
‫ثم تقريره تحمل الجار المضار المألوفة وحقه في المطالبة بإزالة المضار غير المألوفة‬
‫وهي صورة من صور المسؤولية المدنية‪.‬‬

‫لذا اقترحت وضع المادة ‪ 196‬في القسم الرابع تحت عنوان المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار من الفصل الثالث الفعل المستحق للتعويض باب األول مصادر‬
‫االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود‪ .‬وتغيير صياغة الفقرة األولى لتكون‬
‫أقرب إلى الدقة كما يلي" يجب على الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد‬
‫يضر بجاره "‪ .‬فإعادة صياغتها على هذا النحو يحقق تناسقا بين الفقرة األولى والثانية‬
‫من النص‪ .‬ألن لفظ الجار في الفقرة الثانية جاء مطلقا يصعب صرفه إلى صفة‬
‫المالك وحده دون غيره‪ .‬كما أن قصر صفة الجار على المالك يعني حرمان الجار‬
‫المضرور من المطالبة بالتعويض عن أضرار الجوار غير المألوفة التي تلحق به متى‬
‫نتجت من غير المالك‪ .‬واستبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء حتى‬
‫تكون عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير‬

‫‪168‬‬
‫المألوفة‪ .‬الذي استقر الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر‬
‫عن صفتها‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الباب الثاني‬

‫أساس المسؤولية عن مضار‬


‫الجوار غير المألوفة وأحكامها‬

‫‪170‬‬
‫الباب الثاني‬
‫أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة وأحكامها‬

‫رغم اتفاق فقهاء القانون وشراحه على قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة إال أنهم اختلفوا في تحديد األساس القانوني الذي يبررها ويردها إلى فكرة‬
‫محددة تقتضي الجزاء‪ .‬ذلك ألن الضرر يمنح المضرور الحق في المطالبة بالتعويض‬
‫غير أنه ال بد من البحث باإلضافة إلى تحقق الضرر عن سبب آخر يمكن على‬
‫أساسه إلقاء عبء التعويض على عاتق صاحب الحق‪.‬‬

‫وسبق وأن أشرت أن نظرية مضار الجوار غير مألوفة تمثل صورة من صور‬
‫المسؤولية ولها كيان مستقل عن غيرها من المسؤوليات األخرى‪ .‬لذا وجب دراسة‬
‫االتجاهات الفقهية التي حددت أساس هذه المسؤولية‪ .‬ألتمكن بعد ذلك من تحديد‬
‫أحكامها‪.‬‬

‫ولبيان ذلك‪ ،‬أقسم هذا الباب إلى فصلين على النحو التالي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أحكام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬

‫بوجود نص المادة ‪ 196‬أصبح لمضار الجوار غير المألوفة مصدر ثابت‪ .‬ولم‬
‫يعد أمام الفقه والقضاء سوى االنصياع لصراحة النص بتطبيقه وتفسيره‪ .‬فأقاموا‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار إذا استعمل الجار ملكه قصد تحقيق مصلحة جدية‬
‫ومشروعة وألحق مضا ار لجاره جرت عادات الناس وأعرافهم على عدم تحملها‬
‫والتسامح فيها‪ .‬ورغم اتفاق فقهاء القانون وشراحه على قيام هذه المسؤولية إال أنهم‬
‫اختلفوا في تحديد أساسها القانوني‪.‬‬

‫فأساس المسؤولية هو تبرير هذه المسؤولية‪ ،‬وردها إلى فكرة محددة تقتضي الجزاء‬
‫المحدد لها‪ .‬وقد فرق الفقهاء بين مصدر المسؤولية وأساسها‪ .‬واعتبروا مصدر‬
‫المسؤولية السبب الذي يلزمنا بتعويض الضرر الحاصل للغير‪ .‬وبناءا على ذلك‪ ،‬ال‬
‫تخرج مصادر القانون منطقيا عن اإلرادة والقانون‪ ،‬أما أساس المسؤولية فيقصد به‬
‫السبب الذي من أجله يضع عبء تعويض الضرر الحاصل على عاتق شخص‬
‫هو أساس‬ ‫معين‪ .1‬وباعتبار أن الضرر نتيجة‪ ،‬البد لها من سبب‪ ،‬فالسبب‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫وقد عرف الفقه أساس المسؤولية بأنه التأصيل الفني للمسؤولية‪ ،‬ومحاولة ردها‬
‫إلى نظام من األنظمة القانونية المعروفة‪ ،‬أو خلق نظام مناسب يمكن نسبته إليه‪ ،‬إذا‬
‫استعصى ردها إلى أي من األنظمة‪.2‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬محمد لبيب شنب‪ ،‬المسؤولية عن األشياء‪ ،‬دراسة مقارنة – رسالة دكتوراه – جامعة القاهرة سنة ‪.6925‬‬
‫ص‪ . 516‬د‪/‬منصور صابر عبده خليفة – الرسالة السابقة – ص‪.650 ، 669‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬نعمان محمد خليل جمعة – المرجع السابق‪ -‬ص ‪.828‬‬

‫‪172‬‬
‫وعليه إذا كان تحقق الضرر غير مألوف يكفي في حد ذاته على تعويض‬
‫المضرور فإنه ال يصلح وحده كأساس لمساءلة صاحب الحق والزامه بتعويض هذا‬
‫الضرر‪ ،‬فالضرر الحاصل يخول المضرور الحق في المطالبة بالتعويض‪ ،‬لكن عليه‬
‫أن يبحث باإلضافة إلى تحقق الضرر عن سبب آخر يمكن على أساسه إلقاء عبء‬
‫التعويض على عاتق صاحب الحق‪ .‬فما هو هذا السبب؟‪ .‬هو على وجه التحديد‬
‫أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬فالضرر نتيجة البد لها من سبب‪،‬‬
‫هو أساس المسؤولية التي نحن بصددها‪ ،‬وليس صحيحا أن نعتد بالسبب من خالل‬
‫النتيجة التي يؤدى إليها واال كان في ذلك خلط بين فكرتي الخطأ والضرر‪.1‬‬

‫وعلى ذلك فإن النص القانوني ال يمكن اعتباره أساسا للمسؤولية بل إنه المصدر‬
‫والسند تشريعي لها‪.2‬‬

‫ومن هنا يطرح التساؤل إذا كان نص المادة ‪ 196‬من القانون المدني يبرر‬
‫حصول المضرور على تعويض لجبر الضرر الذي أصابه‪ ،‬فما هو األساس الذي‬
‫تقوم عليه مسؤولية الجار عن مضار الجوار غير المألوفة؟‬

‫سبق وأن أشرت أن نظرية مضار الجوار غير مألوفة تمثل صورة من صور‬
‫المسؤولية ولها كيان مستقل عن غيرها من المسؤوليات األخرى‪ .‬وباعتبار أنه ال‬
‫يمكن تقرير أية مسؤولية دون إسنادها ألساس قانوني وجب دراسة االتجاهات الفقهية‬
‫التي حددت أساس هذه المسؤولية وتطبيقها على القواعد العامة ثم على‬

‫د‪ /‬محمد زهرة‪ ،‬مقال‪ :‬الطبيعة القانونية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ‪ ،‬دراسة خاصة حول مسألة‬ ‫‪1‬‬

‫الخيرة في القانون المصري والكويتي والفرنسي‪ ،‬مجلة المحامي السنة الحادية عشرة‪ ،‬أعداد جويلية‪ ،‬أوت‪ ،‬سبتمبر‪،‬‬
‫‪ 6999‬ص ‪ 55‬و ‪59‬‬
‫د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي‪ ،‬مقال‪ ،‬تحديد األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬مجلة الحقوق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫السنة السابعة‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬يونية ‪ 6998‬ص ‪604‬‬

‫‪173‬‬
‫قواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬للتوصل إلى األساس القانوني لهذه‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫وباعتبار أن المصدر التاريخي للمادة ‪ 196‬مدني جزائري هو القانون المدني‬


‫المصري المتأثر بأحكام الشريعة اإلسالمية والقضاء الفرنسي‪ .‬فمن الواجب التطرق‬
‫لموقفهم بخصوص أساس هذه المسؤولية ثم تحديد موقف القانون الجزائري بهذا‬
‫الخصوص‪ .‬وذلك من خالل تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬موقف الفقه من أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أساس المسؤولية في القانون الجزائري‬

‫‪174‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫موقف الفقه من أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‬

‫سبق وأن أشرت أن نظرية مضار الجوار غير مألوفة لم يتناولها القانون المدني‬
‫الفرنسي بل هي من نشأة القضاء الذي كان يسعى للبحث عن أساس المسؤولية‬
‫لتبرير أحكامه وقد كانت أول مرحلة لالنتقال هي تخلي محكمة النقض الفرنسية في‬
‫قرارها الصادر في ‪ 16944/66/55‬عن التصور الضيق لمفهوم الخطأ‪ ،‬وأعلنت‬
‫صراحة مبدأ مسؤولية المالك المجاور عن األضرار التي يشكو منها الجيران متى‬
‫كانت هذه األضرار تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها أعباء الجوار الواجب تحملها‪،‬‬
‫بغض النظر عما إذ ا كان الجار محدثها أخذ أو لم يأخذ االحتياطات الالزمة‪ ،‬راعى‬
‫أو لم يراعى القوانين واللوائح‪ .‬ومنذ هذا التاريخ ومحاوالت الفقه والقضاء الفرنسي لم‬
‫تتوقف من البحث على أساس النظرية فتعددت وتنوعت اتجاهاتهم الفقهية‪ .‬فهل‬
‫تستوعب المسؤولية القائمة على فكرة الخطأ جميع المنازعات الجوار؟ أم أن قواعد‬
‫هذه المسؤولية أصبحت عاجزة في توفير الحماية الكاملة للجار المضرور؟‬

‫وأمام خلو التشريع من نص خاص يحدد أساس المسؤولية‪ ،‬فإنه ال مفر من‬
‫االتجاه للفقه لتحديد أساسها‪ .‬وبالتالي هل تقوم المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة على أساس الخطأ أم تقوم على أساس الموضوعي؟‪ .‬وذلك لتبرير أحكام‬
‫القضاء في غياب النص التشريعي ينظمها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass Civ,27/11/1844.S,44,p811‬‬

‫‪175‬‬
‫هذا ما أحاول بيانه في هذا المبحث من خالل تقسيمه إلى مطلبين‬

‫المطلب األول‪ :‬االتجاه الذي يقيم النظرية على فكرة الخطأ‬


‫المطلب الثاني‪ :‬االتجاه الذي يقيم النظرية على أساس موضوعي‬

‫المطلب األول‪ :‬االتجاه الذي يقيم المسؤولية على فكرة الخطأ‬


‫ذهب جانب من الفقه إلى تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة على‬
‫أساس الخطأ باعتباره مالذ كثير من الفقهاء وسندا يلجأ إليه القضاء لتبرير كثير من‬
‫الحلول القانونية‪ .‬إال أنهم اختلفوا في مضمون الخطأ المرتكب من قبل محدث‬
‫الضرر‪ .‬فتعددت آرائهم في هذا الشأن والتي يمكن توضيحها من خالل الفروع التالية‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الخطأ الواجب اإلثبات كأساس للمسؤولية‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعسف في استعمال الحق كأساس للمسؤولية‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الخطأ المفترض كأساس للمسؤولية‬
‫الفرع الرابع‪ :‬رفض المالك التعويض كأساس للمسؤولية‬
‫الفرع الخامس‪ :‬اإلخالل بالتزامات الجوار كأساس للمسؤولية‬

‫الفرع األول‪:‬الخطأ الواجب اإلثبات كأساس للمسؤولية‬


‫ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن المسؤولية عن مضار الجوار ليست‬
‫إال تطبيق للمادة ‪ .6895‬وأ ن أساس هذه المسؤولية هو الخطأ الشخصي من المالك‬
‫المتمثل في إحداث مضار غير مألوفة بالجيران‪ .‬ويرون أن الجيران يقع عليهم التزام‬
‫بتحمل المضار المألوفة المتسامح فيها‪ .‬لذا يستطيع المالك أن يحدث مضار في‬
‫حدود معينة وفقا لما تقتضيه دواعي التسامح بين الجيران الذين يعيشون في‬

‫‪176‬‬
‫مجتمع طالما أن هذه المضار لم تتجاوز قدر معين من الضرر‪ ،‬وأن بتجاوز المالك‬
‫المضار المألوفة يكون قد أرتكب خطأ‪.1‬‬

‫وقد ميز أنصار هذا االتجاه بين نوعين من األضرار‪ :‬أضرار مألوفة يجب على‬
‫الجار تحملها والتسامح فيها‪ ،‬حيث ال يمكنه أن يعيش في مجتمع بدون تحملها‪ ،‬وفي‬
‫حدودها ال يعتبر الجار قد ارتكب خطأ ما وبالتالي ال مسؤولية عليه‪ .‬وأضرار غير‬
‫مألوفة متى تجاوزت حد المألوفية ال يجوز للجار أن يفرضها على جيرانه ألنها ال‬
‫تنتج إال من تصرف خاطئ‪ .‬أي أن تحديد الخطأ ال يكون إال بالنظر إلى مدى‬
‫الضرر الذي وقع فإذا تجاوز الحد المتسامح فيه تحقق الخطأ‪.‬‬

‫وذهب جانب من الفقه المصري‪ 2‬أنه بوجود نص المادة ‪ 905‬مدني مصري الذي‬
‫أورد قيدا على حق الملكية المتمثل في عدم غلو المالك في استعمال حقه حتى ال‬
‫يلحق الجار من جراء هذا االستعمال ضر ار غير مألوف‪ ،‬وعليه فإن المالك الذي غال‬
‫في استعمال حقه وألحق بجاره ضر ار غير مألوف قد خرج عن حدود الحق‪ .‬والخروج‬
‫عن حدود الحق خطأ بالمعنى المعروف‪ ،‬إذ هو انحراف عن سلوك المألوف للشخص‬
‫المعتاد‪ .‬فتكون مسؤولية المالك في هذا القول قائمة على الخطأ بمعناه المعروف‬

‫‪1‬‬
‫‪Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse,op.cit,p158.‬‬
‫‪Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse,op.cit. p49. Mazeaud(H.L) et Tunc(A), par‬‬
‫‪H.Capitant,Traité théorique et pratique de la responsabilité civil, tome1,6e 2d. Paris,‬‬
‫‪1962.p708.Genevieve viney et patrice jourdain, traité de droit civil, Les condition de la‬‬
‫‪responsabilité, édition Dalta, Paris, 1998.p1066.Frédéric Rouvière, LA pseudo-‬‬
‫« ‪autonomie des troubles anormaux de voisinage Manuscrit auteur, publié dans‬‬
‫‪variations sur le thème du voisinage, J- Ph.Tricoire, PUAM 2012. p73 et s‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬السنهوري‪ ،‬الوسيط ج‪ 9‬حق الملكية‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪ .509‬د‪ /‬إسماعيل غانم‪ ،‬الحقوق العينية األصلية‪-‬‬
‫المرجع السابق‪ -‬ص‪.686،685‬د‪ /‬عبد المنعم فرج صدة‪ ،‬الحقوق العينية األصلية –المرجع السابق‪ -‬ص‪.96‬‬
‫د‪/‬شحاتة شفيق‪ ،‬شرح القانون المدني‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪. 95‬‬

‫‪177‬‬
‫وذهب فريق آخر‪ 1‬إلى أن األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة يكمن في الخطأ بمفهوم االعتداء المادي على ملك الجار ألن المالك إذا أتى‬
‫فعال في حدود حقه وضمن نطاق ملكه وترتب عليه مضار غير مألوفة تعدت ماديا‬
‫ملكه إلى ملك جاره بحيث انتقلت من الحيز المادي لملكه واخترقت الحيز المادي‬
‫لملك ذلك الجار فإن التعدي من قبل المالك يعد خطأ تبنى عليه المسؤولية‪ ،‬ذلك ألنه‬
‫ينبغي على المالك وهو يستعمل حق ملكيته مراعاة أال يترتب على ذلك تعد مادي أو‬
‫مساس مباشر بملك الجار‪.‬‬

‫وذهب البعض اآلخر‪ 2‬إلى أنه ال أهمية إذا كان الغلو في استعمال الملكية خروجا‬
‫عن حدود الحق أو تعسفا فيه‪ ،‬ألنه في جميع الحاالت صورة من الخطأ الموجب‬
‫للمسؤولية‪ ،‬ذلك أن معايير التي وضعها القانون للتعسف تنطوي على الخطأ في‬
‫جميع الحاالت‪ ،‬فهي تعني خروج الشخص في استعمال حقه على ما يفرضه عليه‬
‫واجب التزام سلوك الشخص المعتاد‪ ،‬أي تعني ارتكاب هذا الشخص لخطأ موجب‬
‫للمسؤولية وعليه فإن أساس المسؤولية في حالة التعسف هو الخطأ‪ .‬والخطأ أيضا هو‬
‫األساس في حالة الخروج عن الحدود المرسومة للحق‪.‬‬

‫وقد تعرض هذا االتجاه إلى انتقادات تركزت على ما يلي‪:‬‬


‫‪ -6‬إن ربط المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بالخطأ أي االنحراف عن‬
‫السلوك المألوف الذي يؤدي إلى تحقق الضرر‪ ،‬مع توافر عالقة السببية بينهما في‬
‫غير محله‪ .‬ألن الجار في المسؤولية محل البحث اتخذ كافة االحتياطات الضرورية‬
‫بما يتفق وعادية السلوك‪ ،‬بل قد يكون حريصا في اتخاذ تلك االحتياطات الضرورية‪،‬‬
‫ومع ذلك ينتج عن ممارسته لحقه في حدوده المشروعة مضايقات لجيرانه تجاوزت حد‬
‫المألوفية‪ .‬فهنا يثور التساؤل كيف يمكن نسبة الخطأ إليه في‬

‫‪ 1‬د‪ /‬محمد أحمد رمضان المسؤولية المدنية عن األضرار في بيئة الجوار‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪ .54‬د‪ /‬عبد العزيز‬
‫عبد القادر أبو غنيمة‪،‬االلتزام العيني بين الشريعة والقانون‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪98‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬جميل الشرقاوي دروس في الحقوق العينية األصلية‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬حق الملكية‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫‪.6950‬ص‪91‬‬

‫‪178‬‬
‫مثل هذه الحالة؟ خاصة وأن الجار محدث الضرر استعمل حقه استعماال عاديا‬
‫ومشروعا‪ .‬ولم ينحرف عن سلوك الرجل العادي‪.‬‬

‫‪ - 5‬لو كان أساس المسؤولية عن مضار الجوار هو الخطأ لجاز للجار محدث‬
‫الضرر دفع المسؤولية عنه بإثبات أنه استعمل حقه استعماال عاديا ومشروعا‪ ،‬ولم‬
‫ينحرف عن السلوك المألوف ولم يخالف القوانين‪ ،‬بل اتخذ كافة االحتياطات الالزمة‬
‫لمنع الضرر ورغم ذلك وقع‪ .‬فكيف يمكن نسبة الخطأ إليه؟‪ .‬لهذا يمكن القول بأن‬
‫هذه المسؤولية تحققت ليس نتيجة االنحراف عن سلوك الرجل العادي بل نتيجة‬
‫األضرار غير المألوفة التي أصابت الجار من استعمال الحق بدليل ما قضي به في‬
‫مسؤولية صاحب المصنع لتجفيف الجلود عن الروائح الكريهة التي يسببها للجيران‬
‫رغم اتخاذ كافة االحتياطات الالزمة لمنع انتشار هذه الروائح‪ ،‬وبمسؤولية صاحب‬
‫المصنع عما يلحقه الغبار والدخان المنبعث منه رغم احتياطه في منعه‪ .1‬ومن ناحية‬
‫أخرى أن تقيد الجار محدث الضرر بجميع القيود التي تفرضها عليه القوانين كمراعاته‬
‫الحدود والمسافات القانونية وحصوله على ترخيص إداري عندما يستدعي استعماله‬
‫لملكه ذلك‪ .‬لكنها تقع رغم ذلك وتقوم المسؤولية عنها بدليل ما قضي به من مسؤولية‬
‫صاحب المصنع عن األضرار غير المألوفة رغم حصوله على ترخيص إداري بإدارة‬
‫المصنع من الجهة اإلدارية المختصة‪ 2.‬ومن هنا فال يمكننا إقامة المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة على الخطأ بالمفهوم التقليدي‪.‬‬

‫‪ -4‬من حيث الضرر الواجب التعويض عنه‪ :‬وفقا للقواعد المسؤولية التقصيرية فإنه ال‬
‫يشترط درجة معينة من الضرر لقيام مسؤولية محدثه‪ .‬فالتعويض يقاس على قدر‬
‫الضرر سواء أكان جسيما أو يسيرا‪ .‬وبالتالي تترتب المسؤولية في كل حاالت‬

‫‪1‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي تحديد األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ -‬المقال السابق‪-‬‬
‫ص‪96‬‬
‫‪ 2‬أ‪/‬غسان محمد مناور أبو عاشور‪ ،‬أساس مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة في القانون المدني‬
‫األردني والفقه المقارن‪ -‬رسالة السابقة‪ -‬ص‪.60،66‬‬

‫‪179‬‬
‫التعدي والتعويض يشمل كافة األضرار مألوفة كانت أو غير مألوفة‪ .‬بينما في‬
‫المسؤولية محل البحث يشترط فيها أن تكون األضرار غير مألوفة‪ .‬كما أن التمييز‬
‫بين درجات الضرر مسألة تعني المضرور ال المسؤول لتأثيرها في تقدير التعويض‬
‫ال في تقدير المسؤولية طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية التي ال تقوم على حدوث‬
‫الضرر في ذاته وانما على الخطأ الذي يرتب المسؤولية وحده‪ .‬ومن ثم فإن‬
‫المسؤولية ال تقوم نتيجة وقوع الضرر ولو كان جسيما وانما تقوم على الخطأ الذي‬
‫نتج عنه الضرر وهنا يبرز االختالف بين المسؤوليتين‪.1‬‬

‫‪ -4‬أنه يجب التمييز بين أساس المسؤولية ومصدر المسؤولية‪ ،‬إذ يستخلص‬
‫أولهما بتطبيق فكرة تنتمي إلى الثاني‪ .‬ذلك أن القول أن أساس المسؤولية هو التزام‬
‫قانوني الذي يقرره النص التشريعي‪ ،‬ال يصلح لتأصيل المسؤولية محل البحث‪ .‬ألن‬
‫النص القانوني بصفة عامة ليس أساسا ألي مسؤولية‪ .‬فهو قد يكون مصد ار لها‬
‫وسندها التشريعي‪ .‬أما أساس المسؤولية‪ ،‬فعلى العكس من ذلك تماما‪ .‬إذ يقصد به‬
‫التأصيل الفني للمسؤولية‪ ،‬ومحاولة ردها إلى نظام من األنظمة القانونية المعروفة أو‬
‫نظام مناسب‪ ،‬يمكن نسبتها إليه‪ ،‬إذا استعصى إسنادها إلى أي من هذه األنظمة‪.‬‬
‫والقول بخالف ذلك يؤدي إلى اعتبار نصوص القانون هي أساس لكل مسؤولية‪.‬‬
‫األمر الذي يترتب عليه هدم كافة األنظمة القانونية كالخطأ وتحمل التبعة ‪ ،‬وغيرها‬
‫من األفكار التي توصل إليها الفقه لتأصيل المسؤولية‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse,op cité, p29 et122,‬‬
‫‪Starck, Starck(Boris)-Essai d’un théorie générale de la responsabilité civil considère en‬‬
‫‪sa double fonction de garantie et de peine privé ,thèse,op cité,p185.‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬نعمان محمد خليل جمعة ‪ ،‬حقوق العينية األصلية– المرجع السابق‪ -‬ص ‪.828‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي تحديد‬
‫األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ -‬المقال السابق‪-‬ص‪604‬‬

‫‪180‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعسف في استعمال الحق كأساس للمسؤولية‬
‫عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫لم يبن الفقه اإلسالمي على النظريات وال على القواعد عامة‪ ،‬بل كان بناؤه‬
‫على الجزئيات وهي حلول لمشاكل علمية‪ ،‬فكان الفقه يتألف من مجموعة فتاوى‬
‫الصحابة واجتهادهم في القضايا التي طرحت عليهم‪ ،‬ومن تفسيراتهم آليات القرآن‬
‫الكريم ونقلهم لسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬وكان تدوين الفقه اإلسالمي على‬
‫أساس الجزئيات وفروع ومسائل توصلوا إليها من خالل السماع أو االجتهاد أو‬
‫بالتخريج عن أصول أئمتهم‪ ،‬فالفقه اإلسالمي يختلف في نشأته عن القوانين الوضعية‬
‫التي تعنى بالمبادئ والنظريات التي صاغها فقهاؤها‪ ،‬إذ أن هذا األسلوب لم يكن‬
‫معروفا في عصر تدوين الفقه اإلسالمي وبعد تدوينه صارت منهجية التدوين تتطور‬
‫وانتقل التدوين من المسائل والجزئيات والفروع إلى القواعد والضوابط والنظريات‪ ،‬فقد‬
‫انصرف الفقهاء إلى فن جديد في علم الفقه هو علم القواعد الكلية‪ ،‬حيث انصرف‬
‫اهتمامهم إلى استخراج ضوابط عامة وقواعد كلية من المسائل والجزئيات تمهيدا‬
‫لالنتقال إلى طور جديد في التدوين وهو النظريات العامة‪ ،‬وبهذا التسلسل التاريخي‬
‫ظهرت القواعد الكلية‪ .1‬والقاعدة لغة تعني األساس‪ ،‬واصالحا هي حكم كلي ينطبق‬
‫على جميع جزئياته لتعرف أحكامه منه‪.2‬‬

‫وعليه فقد ذهب جانب من الفقه اإلسالمي إلى أن أساس مسؤولية مضار الجوار‬
‫في الفقه اإلسالمي يكمن في التعسف في استعمال الحق‪ .‬وذلك تأسيسا على أن‬
‫الحقوق ليست إال وسائل لتحقيق المصالح التي شرعت من أجلها‪ ،‬وأن مشروعية‬
‫استعمال الحق مرتهنة بالمصلحة التي شرع من أجلها‪ ،‬وأن مشروعية استعمال‬

‫‪ 1‬د‪ /‬رشيد شميشم ‪ ،‬التعسف في استعمال الملكية العقارية – دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والشريعة‬
‫اإلسالمية‪ -‬دار الخلدونية ‪ ،‬عدم ذكر سنة ورقم الطبعة‪ ،‬ص ‪ 668 ،665‬نقال من د‪ /‬عبد الرحمان‬
‫الصابوني‪،‬محاضرات في الملكية ونظرية العقد في التشريع اإلسالمي‪ ،‬بدون رقم الطبعة‪ ،‬جامعة حلب‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ 6912 -6914 ،‬ص ‪.581‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬رشيد شميشم‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.668‬‬

‫‪181‬‬
‫الحق ترتبط بغاية الحق ال بحدوده الموضوعية‪ ،‬وأنه ينبغي على صاحب الحق عند‬
‫استعماله أن يسعى إلى تحقيق المصلحة التي يهدف الشرع إلى تحقيقها‪.1‬‬

‫وقد تعرض هذا الرأي للنقض‪ ،‬بالقول أن التعسف ليس هو األساس المالئم الذي‬
‫يستقى من الفقه اإلسالمي لتبرير المسؤولية عن مضار الجوار الفاحشة أو غير‬
‫المألوفة‪ .‬وذلك تأسيسا على أن تكييف التعسف بأنه من باب التعدي بالتسبيب يفيد‬
‫أن في معنى التعدي المسلك المعيب للشخص‪ ،‬سواء تحقق ذلك من خالل المعيار‬
‫الموضوعي‪ ،‬أي مجاوزة الحدود المشروعة للحق أو بالمعيار الشخصي‪ ،‬الذي يستلزم‬
‫قصد اإلضرار أو اإلهمال أو التقصير‪ .‬في حين أن فكرة الضرر الفاحش تختلف عن‬
‫فكرة التعسف إذ أن الجار حينما استعمل حقه لم يسئ استعماله‪ ،‬وانما استعمله‬
‫‪2‬‬
‫استعماال عاديا‪ ،‬بل واتخذ كافة االحتياطات الالزمة لعدم اإلضرار بجاره‬

‫ويضيف البعض‪ 3‬أن تأصيل التعسف على أساس ارتباطه بالغرض أو الغاية‬
‫من الحق‪ ،‬ال يصلح أيضا أساسا للمسؤولية عن مضار الجوار الفاحشة أو غير‬
‫المألوفة‪ ،‬الختالف كل من الفكرتين عن األخرى‪ .‬فمعيار التعسف هو النظر إلى‬
‫الفعل أو السلوك في حد ذاته‪ ،‬وما إذا كان متفقا مع الغاية أو الغرض من الحق أم‬
‫ال‪ ،‬بينما معيار مضار الجوار‪ ،‬يكون بالنظر إلى النتيجة بصرف النظر عن الفعل‪،‬‬
‫ألن الفرض أنه مشروع في حد ذاته‪ ،‬وما إذا كانت تؤدي إلى تحميل الجار أض ار ار‬
‫تجاوز الحد المألوف أم ال‪ .‬فليس هناك أي تقييم لمسلك المالك‪ ،‬وانما يكفى بالنظر‬
‫إلى نتيجة فقط‪ ،‬أي الضرر‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ .808‬نقال عن د‪ /‬محمد السيد عمران‪ ،‬حسن الجوار –‬
‫دراسة مقارنة في الفقه اإلسالمي والقانون المصري والقانون الفرنسي ص‪.460‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق‪ -‬ص ‪.685‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬محمد زهرة – المقال السابق‪ -‬ص‪.62‬‬

‫‪182‬‬
‫ذهب جانب منه إلى أن أساس نظرية مضار‬ ‫فقد‬ ‫‪1‬‬
‫أما في الفقه الفرنسي‬
‫الجوار غير المألوفة هو التعسف في استعمال الحق‪ ،2‬فال يجوز أن نقف عند حاالت‬
‫التعسف المتمثلة في حالة قصد اإلضرار بالغير أو حالة الحصول على فائدة قليلة‬
‫بالنسبة للضرر الناشئ للغير أو الحالة التي يرمي صاحب الحق من ورائها إلى‬
‫تحق يق مصلحة غير مشروعة‪ .‬بل يجب أن يمتد تطبيقها ليشمل حالة التي ال يقصد‬
‫فيها الجار إضرار بجاره باتخاذه كافة االحتياطات الضرورية خالل مباشرته لسلطته‬
‫على ما يملك‪ ،‬لكن طبيعة استغالله لحق ملكيته حالت دون تجنب الضرر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Colin Ambroise et Capitant Henri, Cours élémentaire de droit Civil Français, T,1,11éme‬‬
‫‪éd, par leon de la Morandier,1974. p,1025. H.Lalou, Traité pratique de la responsabilité‬‬
‫‪civil, 6éme éd. Par P.Azard ,Paris, Dalloz,1962 ,p531.‬‬
‫‪ 2‬لقد عرفت نظرية التعسف في استعمال الحق بادئ ذي بدء في صورتها الضيقة – قصد اإلضرار بالغير‪ -‬في‬
‫القانون الروماني بصدد بعض الحقوق فقط‪ ،‬ولكن مثل هذا التضييق في نطاق نظرية التعسف في استعمال الحق لم‬
‫يستمر في الشريعة اإلسالمية التي توسعت في هذه النظرية وأعطتها أوسع وأفضل تطوير وصلت إليه الشرائع‬
‫والمذاهب الفقهية الحديثة‪ ،‬فهي لم تعد في هذه الشريعة الغراء مقتصرة على صورة تعمد اإلضرار بالغير فقط‪ ،‬وانما‬
‫اتسعت لتشمل صو ار أخرى كتخلف المصلحة المشروعة والضرر العام والضرر الفاحش الذي ينجم عن استعمال‬
‫المالك ‪ .‬وانتقلت هذه النظرية كذلك من القانون الروماني إلى القانون الفرنسي القديم الذي أعطاها تصو ار أوسع مما‬
‫كانت عليه في القانون المذكور‪ ،‬وذلك من حيث أنها لم تعد مقتصرة على صورة قصد اإلضرار بالغير وانما امتدت‬
‫لتشمل صورة عدم مشروعية المصلحة فيه‪ .‬لكن هذا االتساع لم يلبث أن تأثر بمبادئ الثورة الفرنسية وما تبعها من‬
‫سيادة النزعة الفردية التي تخول لألفراد حقوق مطلقة في ملكياتهم‪ ،‬وهذا ليس بغريب‪ ،‬ألن هذه الثورة ما نشأت إال‬
‫لمنح أفراد الشعب حريات وحقوقا أكثر مما كان لهم‪ .‬وبذلك أصبح األفراد في ظل هذا القانون يتمتعون بحق‬
‫التصرف بملكهم على النحو ما يريدون ووفق الطريقة التي تروق لهم‪ ،‬وان ترتب على ذلك مضار تلحق غيرهم من‬
‫األفراد اآلخرين‪ ،‬ولكن هذا بدوره جر على المجتمع مشاكل ال طائل لها بعد ذلك‪ .‬األمر الذي حدا بالمشرعين إلى‬
‫الحد من هذا اإلطالق في التصرف واالتجاه ولو قليل نحو المذهب االجتماعي الذي يقيد تصرف الفرد بملكه بما ال‬
‫يضر بغيره‪ ،‬وهذا ما حدث فعال‪ ،‬وبذلك أخذت نظرية التعسف تظهر من جديد وبشكل أوسع مما كانت عليه في‬
‫القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم وذلك من خالل تطبيقات معينة لها في هذا القانون‪ -‬أي القانون الحديث‪-‬‬
‫وتبع القانون الفرنسي الحديث كثير من القوانين األخرى في األخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق كالقانون‬
‫األلماني‪ ،‬والقانون السوفيتي‪ ،‬والسويدي‪ ،‬والمصري ‪ ،‬والجزائري‪ ،‬والسوري واألردني الذي اعتمد على الشريعة‬
‫اإلسالمية في صياغة نظرية عامة للتعسف في استعمال الحق(أ‪/‬غسان محمد مناور أبو عاشور ‪-‬األساس‬
‫القانوني لمسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة في القانون المدني األردني والفقه المقارن‪ -‬رسالة‬
‫ماجستير‪ -‬كلية الدراسات الفقهية والقانونية ‪ -‬جامعة آل البيت األردن‪ -‬سنة ‪. (2003‬‬

‫‪183‬‬
‫كأن يستغل الجار محال للشواء التي تتصاعد منه الروائح والدخان تلحق أض ار ار‬
‫بالجيران‪.‬‬
‫وينتهي أنصار هذا االتجاه إلى أن الجار الذي يستعمل حق ملكيته استعماال‬
‫يؤدى إلى إلحاق مضار غير مألوفة بجيرانه رغم اتخاذه لكافة االحتياطات الالزمة‬
‫لمنع هذه المضار يعتبر متعسفا في استعمال حقه‪.‬‬

‫واعتبر أن المسؤولية عن‬ ‫‪1‬‬


‫وقد أيد جانب كبير من الفقه المصري هذا االتجاه‬
‫مضار الجوار غير المألوفة التي نص عليها القانون المدني المصري في المادة ‪905‬‬
‫ليس إال تطبيقا من تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق التي نص عليها‬
‫المشرع المصري في المادة الخامسة‪ .2‬ويرى أنصار هذا االتجاه أن مضار‬

‫د‪ /‬حسن كيرة (متزعم هذا االتجاه)‪ ،‬الموجز في القانون المدني‪ ،‬الحقوق العينية األصلية ‪ ،‬أحكامها ومصادرها‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫طبعة ‪ ،6999‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ,‬ص‪ 644‬وما بعدها‪ .‬د أنور سلطان ‪ :‬نظرية التعسف في استعمال‬
‫الحق‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬كلية الحقوق ‪،‬جامعة القاهرة مارس ‪ ، 6945‬العدد األول‪ ،‬السنة السابعة عشرة‪.‬‬
‫ص ‪ 664‬و‪ 650‬وما بعدها ‪ .‬د منصور مصطفي منصور‪ ،‬حق الملكية في القانون المدني المصري‪،‬مكتبة وهبة‬
‫‪ 6912‬ص ‪. 18‬د‪ /‬علي علي سليمان شرح القانون المدني الليبي ‪ ،‬الحقوق العينية األصلية والتبعية ‪ ،‬منشورات‬
‫الجامعة الليبية ‪6910‬ص‪ 49‬وما يليها‪ .‬د‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫كان المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري الجديد يحدد خمسة ضوابط لسوء استعمال الحق في المادة‬ ‫‪2‬‬

‫وهي‪ – 6 :‬إذا لم‬ ‫الخامسة من المشروع التمهيدي‪ ،‬مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء‪ 6‬ص‪506‬‬
‫يقصد باستعمال الحق سوى اإلضرار بالغير‪ -5.‬إذا كان هذا االستعمال متعارضا مع مصلحة عامة جوهرية ‪-8‬‬
‫إذا كانت المصالح التي يرمي هذا االستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة‪ -4.‬إذا كانت المصالح المقصودة من‬
‫استعمال الحق قليلة األهمية بحيث ال تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها‪ -2.‬إذا كان استعمال‬
‫الحق من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيال يحول دون استعمالها على الوجه المألوف‪ ".‬وقد‬
‫حذفت لجنة مراجعة المشروع معيارين من هذه المعايير‪ .‬ليصبح نص المادة الخامسة من القانون المدني المصري‬
‫مقتص ار على ثالثة حاالت ‪ .‬حيث أصبحت تنص على‪ ":‬يكون استعمال الحق غير مشروع في الحاالت التالية‪:‬أ‪-‬‬
‫إذا لم يقصد به سوى اإلضرار بالغير ب)‪ -‬إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة األهمية بحيث ال‬
‫تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها‪ .‬ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة"‬
‫وبذلك فقد استبعد معيار االستعمال المتعارض مع مصلحة عامة جوهرية‪ ،‬ومعيار االستعمال الذي يحول دون‬
‫استعمال حقوق أخرى على الوجه المألوف‪ .‬وقد برر الدكتور السنهوري استبعاد المعيار االستعمال المتعارض مع‬
‫مصلحة عامة جوهرية‪ ،‬بأنه معيار أقرب إلى أن يكون خطة تشريعية‪ ،‬ينهج المشرع على مقتضاها في وضع‬
‫تشريعات استثنائية تقتضيها ظروف خاصة‪ ،‬من أن يكون معيا ار يتخذه القاضي للتطبيق العملي في األقضية‬
‫اليومية‪ .‬وبرر استبعاد معيار استعمال الحق استعماال من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيال‬

‫‪184‬‬
‫الجوار ليست من قبيل تجاوز حدود الحق‪ ،‬وانما هي من قبيل سوء استعمال الحق‪،‬‬
‫وآية ذلك أن مجاوزة حدود الحق تفترض أصال فعال غير مشروع في ذاته‪ ،‬بينما فعل‬
‫المالك هنا مشروع في ذاته بحسب األصل‪ ،‬ولكنه ينقلب‪ ،‬حسب ظروف الحال‬
‫ومالبساته إلى فعل غير مشروع بالنظر إلى نتيجته غير المألوفة‪ .‬لذلك يكون من‬
‫األفضل في تبرير استبعاد مضار الجوار غير المألوفة من المادة الخامسة أن يقال‪:‬‬
‫إن أحكام مضار الجوار التي هي تطبيق لمعيار الضرر الفاحش المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ 905‬مدني مصري‪ ،‬بصدد حق الملكية‪ .‬فلم يكن هناك ما يدعو إلى ذكر‬
‫هذا المعيار في المادة الخامسة‪ ،‬واستبعد منها منعا للتكرار وان كان هو في ذاته أحد‬
‫معايير التعسف في استعمال الحق‪.1‬‬

‫غير أن أصحاب هذا االتجاه وان كانوا يتفقون من حيث المبدأ على اعتبار‬
‫التعسف أساسا للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬إال أنهم يختلفون من‬
‫حيث مدى اعتباره صورة من صور الخطأ‪.‬‬

‫فذهب رأي‪ :‬إلى أن نظرية التعسف ال تدخل دائرة المسؤولية التقصيرية‪ ،‬ومن ثم‬
‫التعسف ليس خطأ‪ ،‬وانما له أساس ووجود مستقل عن فكرة الخطأ وبمعزل عنها‪ ،‬ألن‬
‫التعسف يعنى تخلف غاية الحق أو مناقضتها‪ ،‬بينما الخطأ يعني االنحراف عن سلوك‬
‫المألوف‪ .‬وعليه فإن أساس المسؤولية عن أضرار الجوار هو التعسف في استعمال‬
‫الحق‪ ،‬يشكل معيا ار رابعا لمعايير التعسف في استعمال الحق‬

‫يحول دون استعمالها على الوجه المألوف‪ .‬بأنه ليس إال المعيار الذي يطبق في حقوق الجوار‪ .‬وهو معيار الضرر‬
‫الفاحش‪ .‬ونظرية الجوار تخرج من نطاق نظرية التعسف في استعمال الحق‪ .‬ألن الضرر الفاحش فيما بين الجيران‬
‫ليس تعسفا في استعمال الحق‪ ،‬بل هو خروج عن حدود الحق‪ ( .‬د‪ /‬السنهوري‪ ،‬الوسيط ‪ ،‬ج‪ ،6‬المجلد ‪،5‬ص‪،915‬‬
‫‪)918‬‬
‫‪ 1‬د‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.442 ،444‬‬

‫‪185‬‬
‫بصورة أو بمعيار األضرار الفاحشة‪ ،‬والتعسف بهذا االتجاه فكرة مستقلة عن‬
‫الخطأ‪.1‬‬

‫وذهب رأي آخر‪ :‬إلى أن أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة هو‬
‫التعسف في استعمال الحق‪ ،‬ولكنهم اعتبروا التعسف خطأ يدخل ضمن دائرة‬
‫المسؤولية التقصيرية‬

‫وقد استند أنصار تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة على التعسف‬
‫في استعمال الحق على الحجج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن النص الوارد في المادة ‪ 905‬مدني مصري ليس إال مجرد تطبيق لفكرة‬
‫التعسف في استعمال الحق‪ .‬ألنه بالرجوع لمجموعة األعمال التحضيرية للقانون‬
‫المدني المصري‪ 2‬نجده قد فسح مكانا لهذا المعيار إلى جوار المعايير العامة للتعسف‬
‫إذ جاء فيها" إن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا كان من شأنه أن يعطل‬
‫استعمال حقوق تتعارض معه تعطيال يحول دون استعمالها على الوجه المألوف"‪.‬‬
‫ومنه إذا كان هذا المعيار قد حذف لم يظهر في المعايير التي تناولها المشرع في‬
‫نظرية التعسف في استعمال الحق يرى البعض أن المشرع لم يعدل عن اعتباره فيما‬
‫يعنيه من فكرة الضرر غير المألوف من تطبيقات هذه النظرية ولكن ألنه اكتفى‬
‫بالتطبيق الخاص الموجود له في حق الملكية في المادة ‪ 905‬مدني مصري‪ ،‬وهو‬
‫موطن تطبيقه الرئيسي‪.3‬‬

‫‪ -‬أن المشرع حين صاغ نظرية التعسف في استعمال الحق اعتمد على أحكام‬
‫الشريعة اعتمادا كبيرا‪ ،‬والتي تعتبر معيار الضرر الفاحش بالغير أو بالجار معيا ار من‬
‫معايير التعسف في استعمال الحق‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬حسن كيرة – أصول القانون المدني‪،‬الجزء األول‪ ،‬الحقوق العينية األصلية ‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية سنة‬
‫‪ . 6912‬ص ‪524‬‬
‫‪ 2‬مجموعة األعمال التحضيرية الجزء األول ص ‪.500 ،699‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪ ،‬الرسالة السابقة‪ ،‬ص‪.415‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ -‬إن تبرير مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة باللجوء لفكرة‬
‫التعسف‪ .‬يغني عن تبريرات أخرى تستهدف النتقادات كثيرة‪ ،‬خاصة وأن فعل المالك‬
‫هنا مشروع وأنه قام باتخاذ كل االحتياطات الالزمة لمنع وقوع الضرر بغض النظر‬
‫عن نتيجته غير المألوفة‪.‬‬

‫‪ -‬أنه يجب عدم إغفال بأن األضرار التي تسبب بها الجار لجاره إنما كانت نتيجة‬
‫أفعال مشروعة في ذاتها وهي ضمن استعمال المالك لحق ملكيته‪ ،‬فارتباط هذه‬
‫المسؤولية بفكرة الحق ومدى مشروعيته أمر ظاهر‪.1‬‬

‫وقد تعرضت الحجج التي استند إليها أنصار تأسيس المسؤولية عن مضار‬
‫الجوار غير المألوفة على التعسف في استعمال الحق إلى انتقادات تركزت على ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أنه ليس هناك ما يثبت أن حذف تطبيق فكرة مضار الجوار غير المألوفة من‬
‫حاالت التعسف يعني عدم عدول المشرع من وضع فكرة مضار الجوار غير المألوفة‬
‫ضمن حاالت التعسف‪ .‬وأن األخذ بهذه الحجة هو تأويل غير صائب لقصد الشارع‬
‫‪ .2‬ألن فكرة "حالة التعارض مع حقوق أخرى يتعطل استعمالها على وجه المألوف"‬
‫التي حذفها المشرع هي خروج عن الحق وليس تعسف في استعماله وهو‬

‫‪ 1‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي ‪ ،‬المقال السابق‪،‬مجلة الحقوق‪ ،‬ص‪.659 ، 659‬‬
‫‪ 2‬ويرى البعض أن المشرع قد تناول حاالت التعسف على سبيل الحصر‪ .‬وحصرها في حاالت ثالثة فتلك إرادته‬
‫التي يجب احترامها‪ .‬والقول بغير ذلك يعد مخالفة صريحة لقصد الشارع(د‪ /‬محمد زهرة‪ ،‬الطبيعة القانونية للمسؤولية‬
‫عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬المقال السابق‪ ،‬ص‪.68‬د‪ /‬السنهوري – الوسيط – الجزء‪- 9‬المرجع السابق‪ -‬ص‬
‫‪ . 504‬ويرى البعض اآلخر أن حاالت التعسف التي أتى بها المشرع جاءت على سبيل المثال وليس على سبيل‬
‫الحصر د‪ /‬علي فياللي‪ -‬االلتزامات – الفعل المستحق للتعويض‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.18‬حسن كيرة‪ -‬المدخل‬
‫إلى القانون‪-‬منشأة المعارف اإلسكندرية سنة ‪ ،6954‬ص‪ 556‬و‪.555‬د‪ /‬منصور مصطفى منصور‪ -‬حق الملكية‪-‬‬
‫المرجع السابق‪ -‬ص‪ 18‬و‪.14‬‬

‫‪187‬‬
‫معيار يطبق على حقوق الجوار وأن مضار الجوار تخرج من نطاق نظرية التعسف‬
‫في استعمال الحق‪.1‬‬

‫كما أن المشرع لو قصد أن يعتبر المادة ‪ 905‬مدني مصري تطبيقا رابعا للتعسف‬
‫لما خصص مادة مستقلة وفي باب مستقل لها‪ .‬ولكان أوردها كحالة رابعة من حاالت‬
‫التعسف هذا من جهة‪ .‬ومن جهة أخرى أن مضمون المادة ‪ 905‬مصري ال يوجد في‬
‫مضمونها ما يفيد أن المشرع يحيل بشأنه إلى نظرية التعسف‪ .‬بل أن روح النص‬
‫ينطق بنظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬التي تعد صورة خالصة للمسؤولية‬
‫الموضوعية‪ .‬بخالف التعسف في استعمال الحق‪ ،‬الذي يكون مبناه عامل شخصي‬
‫‪2‬‬
‫هو فساد الباعث‬

‫‪ -‬كما أن القول بأن المشرع حين صاغ نظرية التعسف اعتمد على أحكام‬
‫الشريعة‪ ،‬وما جرى عليه الفقه اإلسالمي‪ .‬إال أنه لم يأخذ بتلك األحكام على إطالقها‪.‬‬
‫والدليل على ذلك أن الشريعة اإلسالمية تجنبت أسلوب تصنيف قواعد المسؤولية‬
‫واكتفت بوضع قواعد كلية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان‪ .‬بينما أخذ المشرع‬
‫بأسلوب تصنيف قواعد المسؤولية ‪ ،‬فتارة يتبنى قواعد المسؤولية الشخصية التي منها‬
‫قواعد المسؤولية عن الفعل الشخصي‪ ،‬وتارة أخرى يتبنى قواعد المسؤولية شبه‬
‫الموضوعية كالمسؤولية الناشئة عن األشياء‪ ،‬وتارة ثالثة يتبنى قواعد المسؤولية‬
‫الموضوعية القائمة على فكرة المخاطر‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة إلصابات العمل‪.3‬‬

‫د‪ /‬عبد رزاق أحمد السنهوري– الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪-‬الجزء األول( المجلد الثاني) نظرية‬ ‫‪1‬‬

‫االلتزام بوجه عام‪ -‬مصادر االلتزام‪ -‬منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت‪ -‬لبنان‪.5009‬ص‪918 ،915 ،942‬‬

‫‪ 2‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪829‬‬


‫‪ 3‬د‪ /‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ .810‬د‪ .‬عبد الرحمان علي حمزة – مضار الجوار غير‬
‫المألوفة ‪ ،‬دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون المدني‪ -‬دار النهضة العربية‪ ،‬سنة ‪ ، 5001‬ص ‪.819‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ -‬كما أن القول بأن األخذ بنظرية التعسف كأساس للمسؤولية عن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة يغني عن التبريرات األخرى التي تقدم في هذا الشأن‪ ،‬فهو قول غير‬
‫صحيح من ناحيتين‪:‬‬
‫الناحية األولى‪ :‬ليس معنى اختالف الفقه حول األساس السليم لتلك المسؤولية‬
‫يؤد ي إلى الهروب من الواقع وعدم البحث الجاد عن التكييف القانوني الصحيح‬
‫ألساس تلك المسؤولية‪ ،‬ومن ثم اعتبار نص المادة‪ 905‬مدني مصري تطبيقا رابعا‬
‫للتعسف‪ .‬فالواقع أنه ال يمكن التسليم بهذا المنطق بصفة مطلقة‪ ،‬بل يلزم عدم‬
‫التقاعس عن السعي وراء استظهار األساس القانوني السليم لتلك المسؤولية‪.‬‬
‫ومن ناحية ثانية‪ :‬ليس معنى تعرض التبريرات األخرى للنقد‪ ،‬أن فكرة التعسف‬
‫سليمة في حد ذاتها كأساس قانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬فقد‬
‫تكون نظرية التعسف بدورها منتقدة كغيرها من التبريرات‪ ،‬ومن ثم فإن الحل يتمثل في‬
‫البحث عن تأصيل آخر صحيح‪.1‬‬

‫إلى أبعد من ذلك أن المادة الخامسة من القانون‬ ‫‪2‬‬


‫وذهب جمهور من الفقه‬
‫المدني المصري جاءت على سبيل الحصر‪ ،‬وليس على سبيل المثال‪ ،‬األمر الذي‬
‫يصعب معه القول بأن المادة ‪ 905‬مدني مصري تعد تطبيقا رابعا لمفهوم‬
‫التعسف‪،‬ألن مضار الجوار غير المألوفة قد ال تندرج تحت أي معيار منها خاصة‬
‫وأن المالك قد يستعمل حقه استعماال عاديا‪ .‬ومن هنا فإن فكرة مضار الجوار غير‬
‫المألوفة تخرج من نطاق نظرية التعسف‪،‬ألن معايير التعسف هي معايير محددة ال‬
‫يجوز تعديها‪ ،‬والقول بخالف ذلك يجعل من نظرية التعسف نظرية غامضة‪ ،‬غير‬
‫معلوم ة المعالم والحدود وال يمكن إدراج حالة مضار الجوار غير المألوفة تحت أي‬
‫منها‪ .‬ألن الجار حين يمارس نشاطه ال يقصد اإلضرار بجاره‪ ،‬كما أنه ال يهدف إلى‬

‫‪ 1‬د‪ /‬محمد الزهرة – المقال السابق‪ -‬ص ‪.61‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬السنهوري – الوسيط – الجزء‪- 9‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪ .504‬د‪ /‬محمد زهرة‪ ،‬الطبيعة القانونية للمسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬المقال السابق‪ ،‬ص‪ ،68‬د‪ /‬نعمان محمد خليل جمعة‪ ،‬الحقوق العينية األصلية‬
‫ص‪.824‬‬

‫‪189‬‬
‫تحقيق مصلحة تافهة أو غير مشروعة‪ ،‬بل أنه اتخذ كافة االحتياطات الضرورية لمنع‬
‫حدوث الضرر‬
‫كما أن نظرية التعسف ما هي إال صورة من صور الخطأ وفقا لما استقر‬
‫عليه أغلب الفقه والقضاء والذي يتمثل في االنحراف سلوك الشخص العادي عند‬
‫ممارسة الحق‪ ،‬رغم عدم الخروج عن الحدود المادية المرسومة لهذا الحق‪ ،‬سواء تمثل‬
‫ذلك االنحراف في قصد اإلضرار بالغير‪ ،‬أو في قصد تحقيق مصلحة تافهة أو غير‬
‫مشروعة‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الخطأ المفترض كأساس للمسؤولية‬


‫بغياب النص التشريعي الذي ينظم نظرية مضار الجوار غير المألوفة في القانون‬
‫الفرنسي‪ ،‬ذهب جانب من الفقه والقضاء إلى عدم التخلي على النصوص التشريعية‬
‫محاولين تكييف ودمج المسؤولية عن مضار الجوار في قواعد المسؤولية عن فعل‬
‫الشيء الذي وضع لها المشرع نصا ‪.‬‬

‫فذهب جانب من الفقه الفرنسي‪ 2‬إلى أن مسؤولية المالك عن مضار الجوار‬


‫غير المألوفة تقوم على أساس مسؤولية حارس األشياء التي تؤسس المسؤولية على‬
‫أساس الخطأ المفترض افتراضا ال يقبل إثبات العكس‪ ،‬بحيث يكون إثبات واقعتي‬
‫الضرر وتولي الشخص الحراسة كافيا إلقامة المسؤولية دون حاجة إلثبات خطأ من‬
‫جانبه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Starck(B) domaine et fondement de la responsabilité sans faute, R.T.D.C,1958 p175‬‬
‫د‪/‬عبد الرحمان على حمزة‪ ،‬مضار الجوار غير المألوفة والمسؤولية عنها‪ -‬دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي‬
‫والقانون الوضعي‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬القاهرة‪ ،‬نشر دار النهضة العربية‪5001،‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Bersson (A) La notion de garde dans la responsabilité du fait des choses, thèse, Dijon‬‬
‫‪1927.p127 et 128. Frossard(J), La distinctions des obligations de moyens et obligations‬‬
‫‪de resultat, thèse, Lyon 1965,p246‬‬

‫‪190‬‬
‫وأضاف جانب كبير من الفقه والقضاء الفرنسي المؤيدين لهذا االتجاه‪ 1‬إلى‬
‫تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة على قواعد المسؤولية عن فعل‬
‫الشيء الخطر بالنسبة للمنشآت الصناعية بصفة خاصة ‪ ،‬ورأى هذا الفريق من الفقه‬
‫والقضاء أن مستغل المنشأة الصناعية‪ ،‬التي تكون مصد ار لمضايقات كثيرة ومتنوعة‬
‫عليه االلتزام باتخاذ كافة االحتياطات الالزمة من أجل تفادي أضرار الجوار‪ ،‬وأن‬
‫حصول مستغل المنشأة على ترخيص من الجهة اإلدارية‪ ،‬ال يعفيه من المسؤولية التي‬
‫تنتج عن المضايقات غير العادية التي تلحق بالجيران ودفعهم لذلك غياب النص‬
‫القانوني الذي يقرر وجود هذه النظرية‪ ،‬واعتبروا أن النص الذي يقرر المسؤولية عن‬
‫فعل الشيء الخطر يعد الشريعة العامة للمسؤولية عن فعل الشيء‪ ،‬وأن الملكية تعتبر‬
‫من األشياء‪ ،‬وبالتالي فإن األضرار غير العادية التي يشكو منها الجيران تدخل في‬
‫مضمون نص المادة ‪ 6894‬مدني فرنسي‪ ،‬فمتى نتج عن سير العمل في المنشأة‬
‫مضايقات للجيران تجاوزت الحد المألوف كالروائح المقززة أو األدخنة السوداء أو‬
‫الضجيج الشديد المست مر ليال ونها ار فإن مستغل هذه المنشأة يكون مخال بالتزامه‬
‫بالحراسة ألنه كان يتعين عليه اتخاذ االحتياطات الالزمة من أجل منع الضرر‪ .‬وبهذا‬
‫يكون هذا االتجاه قد وسع من مضمون الحراسة حيث قرروا بأن هذا النص يطبق‬
‫على العقارات والمنقوالت على حد السواء بدون أن يوجد مكان للتمييز يقضي أن‬
‫يكون الشيء المسبب للضرر مدار بواسطة يد اإلنسان من عدمه‪ ،‬أو وجود عيب في‬
‫‪2‬‬
‫الشيء من عدمه‪ ،‬بل يكفي إثبات رابطة السببية بين فعل الشيء والضرر‪.‬‬

‫وأضاف جانب من مؤيدي هذا االتجاه‪ 3‬تفاديا لما أثير حول مدى اعتبار‬
‫الشخص حارسا لالهت اززات واألدخنة السوداء والروائح المقززة واألصوات المزعجة إلى‬
‫القول بأن هذه األشياء تعد منقوالت‪ ،‬مما يمكن حيازتها‪ ،‬ومن ثم ال‬

‫‪1‬‬
‫‪Lanbert-Pieri, Marie-Claire. construction immobilière et dommage aux voisins,Paris‬‬
‫‪1982,p47 et s.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Brun, A.J.P.I, 1974,p388‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Esmein(Paule),note sousCass. Civ 27/10/1964.J.C.P,65,11,14288.‬‬

‫‪191‬‬
‫يوجد خروج عن مضمون الحراسة‪ .‬واستندوا في ذلك إلى ما استقر عليه الفقه والقضاء‬
‫بشأن سرقة التيار الكهربائي‪ ،‬الذي اعتبر شيئا يمكن حيازته‪ .‬مقاسا لما قرره المشرع‬
‫بأن اختالس يكون على المال المنقول المملوك للغير‪ ،‬ومن ثم يمكن أن ترد عليه‬
‫السرقة‪ .‬ومن هذا المنطق قاسوا الروائح واألدخنة واألصوات المزعجة‪ ...‬وقرروا بما‬
‫أن القضاء اعتبر التيار الكهربائي شيئا منقوال يمكن حيازته‪ ،‬فإن المضايقات تعد‬
‫أيضا من األشياء المنقولة التي يمكن حيازتها‪ ،‬ومن ثم ال يوجد خروج عن مضمون‬
‫النص الخاص بحراسة الشيء الخطر‪.‬‬

‫أما من ناحية أن نظرية مضار الجوار غير المألوفة يشترط من أجل انعقاد‬
‫المسؤولية وفقا لقواعدها أن تكون األضرار على درجة من األهمية والخطورة‪ ،‬بحيث‬
‫استمرريتها أعباء الجوار الواجب تحملها‪ .‬فقد رأى أنصار هذا‬
‫ا‬ ‫تجاوز من شدتها و‬
‫االتجاه أن هذا الشرط ال يكون متناف ار مع قواعد المسؤولية عن فعل الشيء الخطر إذ‬
‫أنه يلزم وضع قاعدة عامة في مادة اضطرابات الجوار‪ ،‬وهي أنه ال يجب األخذ بها‬
‫إال إذا تجاوزت درجة معينة من الخطورة لتكتسي طابع الشيء الخطر‪.‬‬

‫ومن التطبيقات القضائية في هذا الشأن‪:‬‬


‫ما جنحت إليه محكمة ‪ Limoges‬بتاريخ ‪ 6956/01/50‬التي قضت‬
‫بمسؤولية المالك لألشجار التي تتساقط أوراقها الجافة على سطح الجار‪ ،‬والتي سببت‬
‫له مضايقات غير عادية متمثلة في تكويم األوراق على سطحه‪ ،‬وربطت المسؤولية‬
‫بحارس األشياء الخطرة‪ .‬وقررت أن المالك ال يمكنه أن يدعى بأنه راعى المسافات‬
‫القانونية‪ ،‬وال أن تحريك الريح لألوراق الجافة تشكل قوة قاهرة‪ ،‬أو حادث مفاجئ يعفيه‬
‫من المسؤولية‪ ،‬وال أن سقوط هذه األوراق يكون ناتجا عن فعل الطبيعة‪ ،‬الذي ال‬
‫يمكنه تنظيمه وال منعه‪.‬‬
‫وما قضت به محكمة ‪ Douai‬بتاريخ ‪ 6980 /65/06‬بمسؤولية مالك‬
‫الفونوغراف المجهز بمحرك كهربائي‪ ،‬والذي من شأنه منع مركز البث اإلذاعي‬

‫‪192‬‬
‫المجاور من تلقي النشرات وربط المسؤولية بالمادة ‪ 6898‬واستنادا للخطأ المتمثل في‬
‫اإلهمال‪.‬‬
‫وما قضت محكمة باريس بتاريخ ‪ 6981/06/55‬بمسؤولية مالك الجهاز‬
‫الكهربائي الذي يصدر صخبا ال يطاق على أساس حراسة األشياء الخطرة ‪ ،‬والذي‬
‫أقلق راحة الجيران وبدد سكون الليل بالنسبة لهم‪.‬‬

‫كما قررت محكمة نيس في‪ 6914/65/09‬وأيدتها في ذلك محكمة النقض‪.‬‬


‫مسؤولية شركة(‪ )Air France‬عن الصخب الناتج عن هبوط واقالع الطائرات من‬
‫مطار نيس‪ ،‬والذي سبب مضايقات للجيران تجاوز النطاق العادي الواجب تحمله‪،‬‬
‫وربطت المسؤولية بفكرة مخاطر المالحة الجوية الواردة في المادة ‪ 5/645‬مدني‬
‫فرنسي‪ ،‬مع اشتراط تجاوز األضرار مدخال معينا من الخطورة‪.‬‬

‫وقد تعرض هذا االتجاه إلى انتقادات من الفقه الحديث تركزت على ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إن هذه النظرية لها مفهوم قانوني محدد ال يمكن دمجه ضمن قواعد المسؤولية‬
‫عن فعل الشيء الخطر‪ ،‬وأن محاولة دمجها يؤدي إلى طمس معالمها‪ .‬كما أن‬
‫إعطاء المسؤولية عن فعل الشيء تصو ار واسعا من أجل محاولة التوفيق بينها وبين‬
‫هذه النظرية‪ ،‬فيه تحميل لهذا النص ألكثر من طاقته‪.‬‬

‫‪ -‬إن دمج نظرية مضار الجوار غير المألوفة ضمن المسؤولية عن فعل الشيء‬
‫الخطر‪ ،‬يقتضي وجوب التعويض عن كافة األضرار بغض النظر إن كانت بسيطة أو‬
‫جسيمة‪ .‬مع أن الفقه والقضاء مجتمعان منذ القدم على وجود قدر معين من األضرار‬
‫يلزم تحملها من جانب الجيران المتضررين على سبيل التسامح بينهما ودون إمكانية‬
‫طلب التعويض عنه‪ .‬فاألخذ بهذه الفكرة يصطدم بقواعد المسؤولية عن تجاوز‬
‫األضرار المألوفة‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Starck(Boris) Droit civil "Les obligations" Paris 1972.p137.‬‬

‫‪193‬‬
‫‪ -‬أن نظرية الحراسة تقتصر عن استيعاب كثير من الحاالت‪ ،‬التي يكون فيها‬
‫الضرر غير المألوف بفعل اإلنسان‪ ،‬وليس بفعل الشيء‪ ،‬كحالة الصخب الذي يحدث‬
‫عند انصراف المتفرجين من المسرح أو الضوضاء التي تحدث من تالميذ المدرسة‬
‫فتسبب أض ار ار غير مألوفة للجيران ناتج عن فعل صدر من اإلنسان وليس عن فعل‬
‫الشيء‬

‫‪ -‬إذا كان المقصود بالشيء هو الشيء ذاته كاآلالت الميكانيكية التي تسبب في‬
‫حدوث الضرر فال صعوبة في األمر‪ .‬أما إذا كان المقصود ما يخرج من هذا الشيء‬
‫فإن الصعوبة تثور ألنه يشترط طبقا لنظرية الحراسة وجوب أن يلتزم الحارس بإبقاء‬
‫الشيء تحت سيطرته الفعلية‪ .‬أي إلزامه بإبقاء األدخنة والروائح الكريهة وكذا‬
‫الضوضاء تحت سيطرته الفعلية وهذا يستحيل تحققه‪.1‬‬

‫‪ -‬أن حارس الشيء ال يمكنه نفي المسؤولية عنه بإثبات أنه بذل العناية الواجبة‬
‫بما يتفق والسلوك المألوف‪ ،‬وال يكون أمامه سوى إثبات السبب األجنبي الذي أدى إلى‬
‫حدوث الضرر‪ .‬وعليه فإن محاولة دمج نظرية مضار الجوار غير المألوفة بنظرية‬
‫حراسة األشياء يؤدي إلى خروج عن مضمونها‪.‬‬

‫‪ -‬أما القول بوجوب وضع قاعدة عامة في مادة اضطرابات الجوار‪ ،‬وهي أنه ال‬
‫يجب الكالم عنها إال إزاء األضرار التي تكون على درجة من الخطورة أو األهمية‪،‬‬
‫وأن هذا ا لشرط ال يتنافى مع قواعد المسؤولية عن فعل الشيء الجامد‪ ،‬إال أنه يضع‬
‫مفهومين لقواعد الحراسة أحدهما خاص بمنازعات الجوار واآلخر خاص بالعالقات‬
‫التي تخرج عن نطاق الجوار وهذا مخالف إلرادة المشرع الذي وضع النص ليطبق‬
‫على كافة المنازعات بغض النظر عما إذا كانت قد حدثت بين الجيران‪ ،‬أو بين‬
‫الجيران وشخص من الغير‪ ،‬أو بين الغير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Stefani(p) la nature de la responsabilité en matière de trouble de voisinage, thèse,‬‬
‫‪op.cit,p 62et s.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪ -‬إذا كانت نظرية الحراسة بما تتضمنه من خطأ مفترض يعتبر خطوة في طريق‬
‫اإلفالت من أسر نظرية الخطأ الواجب اإلثبات‪ ،‬إال أنها تعرضت للنقد الشديد‪ ،‬من‬
‫جانب كبير من الفقه‪ ،‬من عدة جوانب‪ ،‬تتركز حول عدم توافر شروط المسؤولية على‬
‫‪1‬‬
‫أساس الحراسة‬

‫أمام هذه االنتقادات انصرف الفقه والقضاء الحديث عن فكرة دمج نظرية‬
‫مضار الجوار غير المألوفة عن نظرية الحراسة والتسليم بفصل هذه النظرية عن تلك‬
‫القواعد‪.2‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬رفض المالك التعويض كأساس للمسؤولية‬


‫البحث عن أساس نظرية مضار الجوار‬ ‫‪3‬‬
‫حاول الفقيه الفرنسي ‪Picard‬‬
‫غير المألوفة في عالقة الجوار نفسها‪ .‬فميز بين نوعين من مسؤولية المالك عن‬
‫األضرار غير العادية‪ ،‬التي يشكو منها الجيران‪.‬‬

‫فرأى هذا الفقيه أن المالك يكون مسؤوال عن األضرار على أساس الفعل الضار‪،‬‬
‫وذلك متى كانت ناتجة عن تهاون أو تقصير في أخذ االحتياطات الالزمة‪ ،‬أو مخالفة‬
‫القوانين والتنظيمات‪ .‬كأن يمارس المالك نشاطه بدون أخذه لالحتياطات الالزمة‪ ،‬مما‬
‫يسبب مضايقات لجيرانه‪ ،‬فإنه يكون مسؤوال أمامهم عن فعله غير المشروع‪ .‬أو‬
‫يخالف القوانين والتنظيمات المعمول بها أثناء ممارسته لحق ملكيته‪ ،‬كأن يقوم ببناء‬
‫عمارة شاهقة مخالفا بذلك تنظيم المدن‪ ،‬مما يؤدى إلى حرمان الجار من الضوء أو‬
‫الهواء أو الشمس‪.‬أو يستعمل حقه من أجل مضايقة جاره‪.‬‬

‫‪ 1‬د أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق‪ -‬ص ‪ ،681‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪،202‬‬
‫‪ 2‬د فيصل زكي عبد الواحد ‪ ،‬أضرار البيئة في محيط الجوار – المرجع السابق‪ -‬ص‪.492‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Picard (M) Traité pratique de droit civil français TomeIII, Les biens, 2éd,‬‬
‫‪Paris1952,p471. Stefani,Thése op.cit.p46.‬‬

‫‪195‬‬
‫ففي مثل هذه الحاالت تقوم مسؤولية المالك عما يشكو منه الجيران وذلك بناء‬
‫على قواعد المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫أما إذا كان الجار أثناء ممارسته لحقه قد اتخذ كافة االحتياطات الالزمة‪ ،‬وراعى‬
‫القوانين والقواعد التنظيمية المعمول بها‪ ،‬وانتفى التعسف من جانبه‪ .‬ففي هذه الحالة‬
‫األصل أن استعماله لملكه ال رتب أية مسؤولية حتى ولو ترتب عليه أضرار مألوفة‬
‫بالجيران‪ .‬لكن تتقرر مسؤوليته عما يشكو منه الجيران من مضايقات غير العادية‬
‫على أساس أنه استعمل حق ملكيته استعماال استثنائيا‪ .‬فهذا االستعمال يستلزم من‬
‫المالك أن يعوض جاره عن هذه المضار غير المألوفة‪ .‬فإذا رفض تعويض الجار عن‬
‫هذا الضرر‪ ،‬فإنه يعد مرتكبا لخطأ‪ .‬أي أن أساس النظرية هو الخطأ المتمثل في‬
‫رفض تعويض الجار‪.‬‬

‫وبهذا حسب هذا االتجاه فإن الخطأ ال يكون بسبب الفعل الضار‪ ،‬ألن ممارسته‬
‫لحقه مشروعة ولكن يكون ناتج عن رفض إصالح الضرر الناتج عن هذه الممارسة‪.‬‬
‫فالفعل الذي يسبب اضطرابات رغم أنه ليس خطأ‪ ،‬إال أنه يتيح الفرصة في طلب‬
‫التعويض عن هذه المضايقات متى كانت غير مألوفة‪.‬وأن الجار محدث الضرر له‬
‫أن يتخلص من مسؤوليته بإثبات السبب األجنبي الذي أدى إلى حدوث الضرر‪.‬‬

‫وقد تعرض هذا الرأي لالنتقادات شديدة تركزت على ما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬إن رفض التعويض عن مضار الجوار غير المألوفة ال يعتبر في ذاته خطأ‬
‫يستوجب التعويض إال إذا أثبت أن هناك التزاما على عاتق المالك بعدم استعمال‬
‫ملكيته استعماال استثنائيا بحيث يعتبر اإلخالل بهذا االلتزام خطأ‪ .‬أما في غياب إثبات‬
‫هذا االلتزام فإن رفض التعويض ال يعتبر خطأ في ذاته‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‪ -‬إن هذا الرأي لم يستطع أن يثبت أي أساس قانوني يفرض االلتزام على عاتق‬
‫المالك بعدم استعمال ملكه استعماال استثنائيا‪ ،‬كما ال يوجد نص قانوني يفرض هذا‬
‫االلتزام‪.‬‬

‫‪ -‬إن القول باعتبار الشخص مخطئا إذا امتنع عن تعويض الضرر الذي أصاب‬
‫الجار نتيجة األضرار التي تجاوزت الحد المألوف فيه خلط بين الخطأ والضرر‪،‬‬
‫واعتبار المسؤولية موضوعية وليست شخصية قوامها تجاوز األضرار للنطاق الواجب‬
‫تحمله‪ ،‬وهذا أقرب لفكرة المخاطر منه لقواعد المسؤولية التقصيرية‪ ،‬مع أن هذا‬
‫االتجاه يحاول ربط المسؤولية بمفهوم الخطأ‪.1‬‬

‫‪ -‬أن األخذ بمنطق هذا الرأي فيه إهدار لقواعد المسؤولية التقصيرية وذلك‬
‫باعتبار الشرط األوحد لها هو وجود الضرر‪ ،‬مع أن الخطأ يعتبر العنصر األساسي‬
‫لهذه القواعد‪.‬‬

‫‪ -‬إن صاحب هذه النظرية أجاز لمحدث االضطرابات غير عادية أن يتخلص من‬
‫مسؤوليته بإثبات السبب األجنبي الذي أدى إلى حدوث الضرر مع أن الفقه والقضاء‬
‫مست قر على عدم إمكانية دحض المسؤولية المؤسسة بناء على قواعد نظرية مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪ .‬وذلك بإثبات السبب األجنبي النتفاء عنصر عدم إمكانية التوقع‬
‫الذي يعد العمود الفقري للقوة القاهرة أو الحادث المفاجئ‪.‬‬

‫‪ -‬إن القول بتقدير مسؤولية المالك على أساس الخطأ في رفض التعويض‪ ،‬وذلك‬
‫ألنه يستعمل حق ملكيته استعماال استثنائيا يؤدى بنا في نهاية المطاف إلى تقرير‬
‫مسؤولية المالك في جميع األحوال‪ ،‬بغض النظر عما إذا كان هو الفاعل لهذه‬
‫االضطرابات من عدمه‪ .‬كما أن التعويض عن هذه االضطرابات يكون مستحقا‬
‫‪1‬‬
‫‪Stefani,Thése op.cit.p46 et s. Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de‬‬
‫‪voisinage, thèse,op.cit p92‬‬
‫د‪ /‬أحمد سالمة ‪ ،‬الملكية الخاصة في القانون المصري‪-‬المرجع السابق ص ‪. 699‬‬

‫‪197‬‬
‫للشخص الذي يملك العقار المجاور‪ ،‬بغض النظر عما إذا كان هو المضرور‬
‫الحقيقي منها أو مستأجره‪ ،‬أو من كان ينازعه في العين‪ ،‬مع أن الفقه و القضاء‬
‫مستقر على إمكانية رجوع المضرور على فاعل االضطرابات مباشرة‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن صفة األول أو الثاني وكونه أو كونهما مالكا أو مستأجرين‪....1‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬اإلخالل بالتزامات الجوار كأساس للمسؤولية‬


‫على ضوء فكرة الخطأ‪ ،‬التي هي محور المسؤولية التقصيرية‪ ،‬حاول فريق‬
‫من الفقه البحث عن التزام يقع على المالك يكون اإلخالل به هو الخطأ المؤسس‬
‫لمسؤولية مضار الجوار‪ .‬فاتفق هذا الفريق من الفقه على وجود التزامات جوارية معينة‬
‫بين المالك المتجاورين‪ ،‬يلتزم بمقتضاها كل مالك بأن يستعمل ملكه وينتفع به كيفما‬
‫يشاء وبالطريقة التي تروق له دون أن يلحق مضا ار غير مألوفة بغيره من الجيران‪،‬‬
‫فإذا أخل بهذا التزام تقوم مسؤوليته على أساسه‪ .‬ولكنهم اختلفوا في الوقت نفسه في‬
‫تحديد أساس هذا االلتزام‪ .2‬فذهب بعضهم إلى أن هذا االلتزام هو التزام قانوني‬
‫مصدره القانون‪ ،‬وذهب البعض اآلخر إلى أنه التزام شبه عقدي ينشأ عن شبه تعاقد‬
‫بين الجيران‪ ،‬وذهب فريق ثالث إلى أن هذا االلتزام هو التزام عرفي فرضته العادات‬
‫والتقاليد حتى اعتاد عليه الناس وأصبح ملزما لهم‪.‬‬
‫أعرض فيما يلي الحجج التي اعتمد عليها كل فريق لتبرير رأيه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أساس المسؤولية التزام قانوني‬


‫إلى محاولة‬ ‫‪3‬‬
‫ذهب أنصار هذا الرأي وفي مقدمتهم الفقيه الفرنسي‪Capitant‬‬
‫تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة على أساس وجود التزام قانوني‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ ،‬أضرار البيئة في محيط الجوار‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪299‬و ‪ .299‬د‪ /‬عطا سعد‬
‫محمد الحواس– األساس القانوني للمسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار– دراسة مقارنة ‪-‬‬
‫دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية – طبعة ‪.5065‬ص‪.659‬‬

‫‪ 2‬د‪ /‬كامل المرسي‪ ،‬الملكية والحقوق العينية األصلية ‪-‬المرجع السابق‪-‬ص ‪ .529‬أ‪ /‬غسان محمد مناور أبو‬
‫عاشور‪-‬الرسالة السابقة‪-‬ص‪.68‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Capitant(H), Des obligations de voisinage et spécialement de l’obligation qui pèse sur‬‬
‫‪le propriétaire de ne causer aucun dommage au voisin, Revue Critique,1900,p156 et s‬‬

‫‪198‬‬
‫يقع على عاتق المالك في استعماله لحق ملكيته مقتضاه عدم تسبب أضرار للجيران‬
‫تجاوز المضار العادية للجوار أثناء ممارسته لحق ملكيته‪ ،‬فمالك العقارات المتجاورة‬
‫ملزمون تجاه بعضهم البعض بالتزامات متبادلة‪ .‬وأن هذه االلتزامات أنشئت بواسطة‬
‫نص القانون‪ ،‬وهو االلتزام الع ام المفروض على كل مالك باالمتناع عن كل عمل من‬
‫شأنه اإلضرار بالغير‪ ،‬ومن ثم يكون اإلخالل بهذا االلتزام خطأ يستوجب المسؤولية‪.‬‬

‫وقد حاول أنصار هذا الرأي البحث عن المصدر القانوني لهذا االلتزام في نص‬
‫المادة ‪ 126‬والمادة ‪ 6850‬مدني فرنسي‪ .1‬حيث تضمنت المادة ‪ 126‬بأن القانون‬
‫يخضع المالك اللتزامات مختلفة لبعضهم البعض‪ ،‬بغض النظر عن كل اتفاق‬
‫يحصل بينهم‪ .‬وتضمنت المادة ‪ 6850‬بأن االلتزامات تنشأ بغير أن يحصل اتفاق بين‬
‫الملتزم والملتزم له‪ .‬واألولى هي االلتزامات التي تترتب قصرا‪ ،‬كااللتزامات التي تقوم‬
‫بين المالك المتجاورين‪.‬‬

‫وقد رأى ‪ Capitant‬أن القانون الفرنسي وان كان ال يتضمن نصا خاصة‪،‬‬
‫يفرض التزامات بعدم اإلضرار بالجار‪ ،‬إال أن هذا االلتزام يمكن استخالصه من المواد‬
‫السابقة‪ ،‬وذلك بأن يلتزم الجار باالمتناع عن عمل متمثل في عدم اإلضرار بالجار‬
‫ضرار غير مألوف‪ .‬ويترتب على وجود هذا االلتزام‪ ،‬أنه متى لحق ضرر بالجار فإنه‬
‫يستحق التعويض‪ .‬وال يلتزم الجار المضرور إال بإثبات الضرر لتتحقق مسؤولية‬
‫الجار محدث الضرر بحكم القانون وال يمكنه التخلص منها إال بإثبات السبب‬
‫األجنبي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Article 651 « La loi assujettit les propriétaires à différentes obligations l’un à l’égard‬‬
‫» ‪de l’autre, indépendamment de toute convention.‬‬
‫‪Article 1370 «Certains engagements se forment sans qu’il intervienne aucune‬‬
‫‪convention, ni de la part de celui envers lequel il est obligé. Les uns résultent de‬‬
‫‪l’autorité seule de la loi ; les autres naissent d’un fait personnel à celui qui se trouve‬‬
‫‪obligé. Les premiers sont les engagements formés involontairement, tels que ceux entre‬‬
‫» …‪propriétaires voisins,‬‬

‫‪199‬‬
‫كما أن هذا االلتزام له خصائص تميزه عن سائر االلتزامات الشخصية األخرى‪،‬‬
‫فطبيعة هذا االلتزام هو التزام عيني وان كان يشبه حق االرتفاق إال أنه يجب أال‬
‫يختلط به‪ .‬فهذا االلتزام يكون نتيجة لحيازة الشيء وأنه مرتبط بحق الملكية ويعد تابعا‬
‫لهذا الحق ‪ ،‬مثل الرهن العقاري‪ ،‬ويشغل ذمة الحائز أو المالك لهذا الحق كامل‪ ،‬وأنه‬
‫نظ ار ألن هذا االلتزام يعد تابعا للحق‪ ،‬فانه ينتقل معه‪ ،‬ويثقل كاهل المالك الجديد‪.‬‬

‫ورأى أيضا أن هذا االلتزام ينشأ عن فعل الجوار‪ ،‬فقد تالقى مع بوتيه في أن‬
‫الجوار يفرض التزامات متبادلة بين المالك‪ ،‬أو الحائزين لألموال المتجاورة‪ ،‬وأن‬
‫يستعمل كل منهم حقه باألسلوب الذي يروق له بشرط أن ال يسبب أي منهم أضرار‬
‫لآلخر تجاوز النطاق الواجب تحمله‪ ،‬إال أنه اختلف مع بوتييه الذي يرى أن هذا‬
‫االلتزام ينشأ عن شبه عقد‪ .‬ألنه ال يشكل سوى واقعة مادية بحثه تتناقض مع فكرة‬
‫شبه عقد الجوار التي نص عليها المشرع‪.‬‬

‫ويضيف صاحب هذا االتجاه إذا كان الجوار ال يعطي ميالدا لاللتزام بعدم تسبيب‬
‫لمضار الجوار غير العادية التي تصيب الجار‪ ،‬فمعنى ذلك أن المالك ال يكون‬
‫مسؤوال تجاه جاره‪ ،‬إال وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية‪ .‬لكن هذه األخيرة غير كافية‬
‫من أجل توفير حماية فعالة للجار ضد األضرار التي يمكن أن تنتج عن الممارسة‬
‫المتضاربة لحقوق ملكيتهم‪ ،‬والتي قد تجاوز أعباء الجوار العادية‪.‬ألن العمل الضار‬
‫في مفهوم المادة ‪ 6895‬ال يبرز مسؤولية الفاعل للضرر إال بمقدار تكوين ركن‬
‫الخطأ إذ أن ممارسة الحق ال تتحول إلى خطأ إال في حالتين‪ :‬الخطأ العمدي كأن‬
‫يستعم ل المالك حقه بقصد اإلضرار بالجار‪ .‬والخطأ التقصيري كعدم أخذ الملك أثناء‬
‫ممارسته لحق ملكيته االحتياطات الالزمة من أجل منع األضرار بالجيران‪ .‬ففي هاتين‬
‫الحالتين يوجد خطأ مما يستوجب انعقاد مسؤولية الجار فاعل األضرار وفقا لقواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ .‬لكن ليس كل األضرار التي يشكو منها الجيران‪ ،‬والتي قد‬
‫تجاوز أعباء الجوار العادية‪ ،‬تكون بالضرورة ناتجة عن خطأ‬

‫‪200‬‬
‫عمدي أو تقصيري‪ ،‬بل على النقيض من ذلك‪ ،‬فقد يتخذ الجار كافة االحتياطات‬
‫الالزمة واألكثر حداثة‪ ،‬ولم يستعمل حقه بسوء نية‪ ،‬ومع ذلك ينتج عن ممارسته لحقه‬
‫أض ار ار تجاوز نط اق المألوفية‪ .‬ففي مثل هذه الحاالت ال يمكن انعقاد المسؤوليته وفقا‬
‫لقواعد المسؤولية التقصيرية النتفاء ركن الخطأ من جانبه‪ ،‬مما يترتب عليه تحميل‬
‫الجيران أض ار ار غير عادية‪ ،‬بدون إمكانية طلب التعويض عنها لفقد األساس‬
‫القانوني‪.1‬‬

‫ومن أجل هذا رأى أنصار هذا االتجاه األساس القانوني لهذا االلتزام في نص‬
‫المادتين ‪ 6850 ،126‬من التقنين المدني الفرنسي‪ ،‬وأنه وفقا لهذا االلتزام ال يكلف‬
‫المضرور‪-‬الجار‪ -‬بإثبات الخطأ‪ ،‬بل يكفي أن يثبت األضرار غير العادية التي‬
‫تحملها‪ ،‬وال يستطيع محدث األضرار غير العادية التخلص من هذه المسؤولية بإثبات‬
‫أنه لم يقترف أي خطأ حيث بدل من العناية الواجبة بما يتفق والسلوك المألوف‪ ،‬ولم‬
‫يقصد اإلضرار بالجار‪ ،‬وليس أمامه للتخلص من مسؤوليته سوى إثبات السبب‬
‫األجنبي الذي أدى إلى حدوث األضرار غير العادية‪.‬‬

‫وبفضل هذا االلتزام فإن المالك المتجاورين يشكلون وحدة واحدة بواسطة رابطة‬
‫الحق التي خلفها القانون بينهم‪ ،‬ويكونون ملتزمين الواحد تجاه اآلخر باستعمال‬
‫حقوقهم بشرط أن ال يسبب أض ار ار لجاره تجاوز أعباء الجوار الواجب تحملها‪.2‬‬

‫وبناءا على ذلك‪ ،‬وفي حالة اإلخالل بهذا االلتزام ال تطبق المادة ‪ 6895‬مدني‬
‫فرنسي فقد نادي هذا الرأي بوجود التزام قانوني‪ ،‬يمكن استخالصه من المادتين‪ ،‬ومفاد‬
‫هذا االلتزام‪ ،‬هو عدم اإلضرار بالجار‪ .‬وبعبارة أخرى أنه يقع على الجار عند‬
‫استعماله لحقه‪ ،‬التزام باالمتناع عن عمل‪ ،‬مقتضاه عدم اإلضرار بالجار‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪/‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 166‬وما يليها‪.‬‬


‫‪ 2‬د‪/‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود ‪-‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 492‬وما يليها‪ ،‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي‪-،‬‬
‫المرجع السابق‪ -‬ص ‪ 800‬وما يليها‬

‫‪201‬‬
‫ويترتب على وجود هذا االلتزام‪ ،‬أنه متى لحق ضرر بالجار‪ ،‬فإنه يستحق التعويض‬
‫وفقا لنص المادتين(‪ 6642‬و ‪ 1 ) 6645‬من القانون المدني الفرنسي‪ .‬وال يلتزم الجار‬
‫المضرور إال بإثبات تحقق الضرر‪ ،‬وحينئذ تنعقد مسؤولية جاره بحكم القانون‪ ،‬وال‬
‫يستطيع التخلص منها إال بإثبات السبب األجنبي الذي ال يمكن تجنبه كالقوة القاهرة‬
‫والحادث المفاجئ‪.2‬‬

‫وقد أخذ جانب من الفقه المصري بهذا االتجاه واعتبر أساس المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار هو التزام قانوني تقرر بمقتضى نص المادة ‪ 905‬مدني مصري‬
‫بخالف التقنين المدني الفرنسي الذي لم يضع نص لهذه المسؤولية بحيث رسم المشرع‬
‫حدا على حق الملكية‪ ،‬ال يجوز للمالك أن يجاوزه هذا الحد هو المضار المألوفة التي‬
‫ال يمكن تجنبها أما إذا تجاوز هذا الحد بأن غال في استعمال ملكه‪ ،‬إلى حد يضر‬
‫بالجار ضر ار يجاوز المضار المألوفة‪ ،‬فإنه يكون قد خرج على حدود الحق‪ ،‬وهو فعل‬
‫خاطئ يستوجب المسؤولية‪ .‬وأن هذا الخطأ ليس هو الخطأ العادي‪ ،‬ال وفقا للقواعد‬
‫العامة في المسؤولية التقصيرية‪ ،‬وال وفقا لقواعد التعسف في استعمال الحق‪ ،‬وانما‬
‫يأخذ الخطأ وضعا خاصا يتمثل في الغلو في استعمال الحق بمخالفة نص القانون‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Article 1145 « Si l’obligation est de ne pas faire, celui qui y contrevient doit des‬‬
‫» ‪dommages et intérêts par le seul fait de la contravention.‬‬
‫‪Article 1147 « Le débiteur est condamné, s’il ya lieu, au paiement de dommages et‬‬
‫‪intérêts soit à raison de l’inexécution de l’obligation, soit à raison du retard dans‬‬
‫‪l’exécution, toutes les fois qu’il ne justifie pas que l’exécution provient d’une cause‬‬
‫‪étrangère qui ne peut lui être imputée, encore qu’il n’y ait aucune mauvaise foi de sa‬‬
‫‪part.‬‬
‫‪ 2‬عبد الرحمان على حمزة –الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪888‬‬
‫‪ 3‬ومن هذا االتجاه‪ :‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي‪ -‬المقال السابق‪-‬ص‪ .608 ،605‬د‪/‬عبد المنعم فرج صدة‪ -‬الحقوق العينية‬
‫األصلية ص‪ .96‬د‪ /‬جميل الشرقاوي دروس في الحقوق العينية األصلية‪ -‬المرجع السابق‪-‬ص‪ ،91‬د‪ /‬السنهوري‪-‬‬
‫الوسيط – الجزء‪– 9‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .501‬نالحظ أن د‪ /‬السنهوري قد أسس المسؤولية على أساس إخالل‬
‫المالك بااللتزام القانوني ولم يستبعد تأسيسها على تحمل التبعة ‪.‬فقد أسس المسؤولية على أساس إخالل المالك‬
‫لاللتزام القانوني متمثل في عدم الغلو في استعمال حق الملكية‪ ،‬فإذا ألحق المالك بجاره ضررا غير مألوف يكون قد‬
‫خرق التزامه القانوني‪ ،‬فخالف القانون‪ .‬ثم أضاف بأن هذه المخالفة ليست خطأ بالمعنى المعروف ألن المالك لم‬
‫ينحرف عن سلوك الشخص المعتاد‪ ،‬فهو مسؤول ال ألنه ارتكب خطأ‪ ،‬بل ألنه يتحمل تبعة نشاطه‪ .‬ويضيف أن‬
‫القانون الفرنسي حين يقيم مسؤولية المالك على تحمل التبعة ال يستقيم لغياب النص القانوني الذي ينشئ هذه‬
‫المسؤولية‪ ،‬أما القانون المصري فاألمر يختلف بوجود النص‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫وقد تعرض هذا الرأي لالنتقادات تركزت على ما يلي‪:‬‬

‫أن القانون المدني الفرنسي ال يعرف أي التزام قانوني للجوار ولم ينص‬ ‫‪-‬‬
‫عليه‪ ،‬وبالتالي ال يمكن أن يوجد هذا االلتزام دون نص تشريعي‪.‬‬

‫إن نص المادتين ‪ 6850‬و‪ 126‬اللتان اعتمد عليهما أنصار هذا االتجاه ال‬ ‫‪-‬‬
‫يمكن أن يستنتج منهما االلتزام الذي ينادي به أنصار هذا االتجاه‪ .‬ألنهما تتكلمان‬
‫على التزام عام يفرضه الجوار على المالك باالمتناع عن كل عمل من شأنه اإلضرار‬
‫بالجار‪ .‬وأن النصين وردا في خصوص ما يسمى باالرتفاقات القانونية‪ ،‬كارتفاق‬
‫المطل والمسيل وحق المرور والحائط المشترك‪ .‬وهي ارتفاقات محددة على سبيل‬
‫الحصر ولم ينص المشرع ضمن هذه االرتفاقات التزام قانوني على المالك بعدم‬
‫إحداث مضار غير مألوفة للجار‪ .‬ومن ثم ينعدم األساس القانوني لهذا االلتزام‪ .‬وعليه‬
‫ال يمكن تأسيس مسؤولية المالك عن تجاوز مضار الجوار العادية على أساس‬
‫المادتين السابقتين ألن ما ذهب إليه هذا الرأي هو محض افتراض ال أساس له‪.‬‬
‫إن إسناد المسؤولية عن مضار الجوار إلى النصين السالفين يضيق من‬ ‫‪-‬‬
‫نطاقها‪ ،‬ويقصرها على المسؤولية عن األضرار التي تقع بين المالك العقارات فقط‪.‬‬
‫دون غيرهم من أصحاب الحقوق األخرى‪ ،‬لورودهما بشأن الملكية العقارية‪ .‬بينما‬
‫االلتزام بعدم اإلضرار بالجار ضر ار غير مألوف يقع على كل جار سواء أكان مالكا‬
‫أم غير مالك‪ .‬أي المنتفع وصاحب حق االستعمال وصاحب حق السكنى‪ ،‬بل إن‬
‫المستأجر يلتزم بعدم اإلضرار بجيرانه ضر ار يجاوز حد المألوفية‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Starck(B) domaine et fondement de la responsabilité sans faute, R.T.D.C,1958. op.cit.‬‬
‫‪Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage, thèse op.cit. p147.‬‬

‫‪203‬‬
‫أنه على فرض التسليم بإمكانية استنتاج التزام قانوني بعدم تسبيب أضرار‬ ‫‪-‬‬
‫غير عادية للجيران من المادتين السالفتين إال أن هذا االستنتاج يتعارض مع جوهر‬
‫نظرية مضار الجوار غير العادية حيث أن األضرار غير العادية يلزم وفي جميع‬
‫األحوال أن تكون ناتجة عن تصرف عادي من جانب الجار باتخاذه كافة االحتياطات‬
‫الالزمة واألكثر حداثة‪ .‬مما يستحيل معه القول بانعقاد مسؤولية المالك على أساس‬
‫أنه قد خرق االلتزام القانوني المفروض عليه‪ ،‬وأنه ال يمكنه التخلص من المسؤولية‬
‫إال بإثبات السبب األجنبي‪ .‬وبناءا على ذلك ال يمكن دفع هذه المسؤولية بإثبات‬
‫السبب األجنبي لتعارض ذلك مع نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬وعلى ذلك‬
‫أجمع الفقه والقضاء الحديث على أن األضرار غير المألوفة التي تؤسس عليها‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير العادية تنتج عن ممارسة عادية ومشروعة للحق‬
‫في جميع األحوال‪ ،‬عكس الحال في االلتزام القانوني الذي يمثل اإلخالل به خطأ دون‬
‫أن يعتبر هذا اإلخالل ممارسة عادية ومشروعة‪ ،‬وفي نفس الوقت تخالف التزاما‬
‫‪1‬‬
‫قانونيا؟‪.‬‬

‫أن فكرة االلتزام القانوني في عالقات الجوار ال يمكن اعتبارها أساسا‬ ‫‪-‬‬
‫للمسؤولية الناشئة عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬ذلك ألن النص القانوني ال يصلح‬
‫أن يكون أساسا للمسؤولية‪ ،‬بل يصلح فقط ألن يكون مصد ار لها‪ ،‬والمصدر غير‬
‫األساس‪ ،‬فالمصدر هو نص المادة الذي يعد سندا إلقرار القانون للمسؤولية‪ ،‬أما‬
‫األساس فهو يعني تأصيل المسؤولية وردها إلى سبب معين وواضح يحدد توافرها أو‬
‫‪2‬‬
‫نفيها‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد –الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ ,161‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة‬
‫السابقة‪ -‬ص‪.495‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬زرارة عواطف – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.541‬‬

‫‪204‬‬
‫ثانيا‪ :‬أساس المسؤولية االلتزام الناشئ عن شبه عقد الجوار‬
‫عرف الفقه شبه العقد بأنه عمل اختياري مشروع ينشأ عنه التزام نحو الغير‪،‬‬
‫وقد ينشأ عنه أيضا التزام مقابل من في جانب ذلك الغير‪.1‬‬
‫وقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن أساس مسؤولية المالك في حالة‬
‫تجاوزه مضار الجوار المألوفة هو التزام عام مفروض على كل مالك باالمتناع عن‬
‫عمل من شأنه اإلضرار بالغير هذا االلتزام تكلم عنه بوتييه ‪ 2Pothier‬في دراسته‬
‫لعقد الشركة والتي خالصتها أن عقد الشركة يخلق التزامات تفرض على مجموعة‬
‫الشركاء‪ ،‬يجب عليهم احترامها وااللتزام بتنفيذها‪ ،‬وقد حاول بوتييه أن يطبق ما سبق‬
‫على حالة الجوار‪ .‬إال أنه بما أن حالة الجوار ال يمكن اعتبارها شركة تولد التزامات‬
‫تثقل كاهل الجيران لفقد االتفاق فيما بينهم‪ .‬لكن حالة الجيران تشبه حالة الشركاء‪.‬‬
‫ومن ثم يوجد نوع من الشبه العقد بينهم يطلق عليه شبه عقد الجوار‪ .‬وهذا األخير‬
‫تتولد عنه التزامات متبادلة بين الجيران‪ ،‬أي بين المالك أو حائزي العقارات المتجاورة‬
‫كل في مواجهة اآلخرين‪ .‬فكأن الجيران قد ارتبطوا‪ ،‬فيما بينهم بشبه عقد جوار يلزم‬
‫كل منهم بأال يلحق مضا ار غير مألوفة باآلخرين‪.3‬‬

‫وبناءا عليه وحسب هذا الرأي فإن الجار إذا أضر بجاره ضر ار غير مألوف خالل‬
‫استعماله لحق ملكيته يترتب عليه قيام مسؤوليته نتيجة إخالله بالتزامه الشبه‬
‫التعاقدي‪.‬‬

‫وقد تعرض هذا الرأي كسابقيه لالنتقادات تركزت على ما يلي‪:‬‬


‫أنه ال يمكن اعتبار الجوار شبه عقد‪ ،‬ألن القانون لم ينص على اعتباره‬ ‫‪-‬‬
‫كذلك‪ ،‬مع أن بوتييه الذي نقلت عنه أكثر أبواب القانون تكلم عنه كشبه عقد فسكوت‬
‫القانون يعتبر نبذا لرأي بوتييه‪ ،‬فضال عن أنه لو اعتبرنا الجوار شبه عقد‪ ،‬فإن‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط ‪ ،‬مصادر االلتزام الجزء األول‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.669‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Pothier(Robert Joseph) Traité du contrat de société(suivi de deux appendices, l’un sur‬‬
‫‪la communauté qui est formée sans contrat de société, et l’autre sur les obligations qui‬‬
‫‪naissent du voisinage, op cit ,p 230.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stefani,Thése op.cit.p56‬‬

‫‪205‬‬
‫ب عض األعمال التي قد يجريها المالك وتضر بغيره ال تدخل في هذا االلتزام‪ ،‬ألن‬
‫االلتزامات التي تنص عليها المادة ‪ 6850‬والتي فرضها القانون على المالك تجاه‬
‫بعضهم البعض ال توجد إال بين الجيران المتالصقين‪ ،‬على أنه قد تضر بعض‬
‫أعمال المالك بغير من الجيران ممن ال يكون متالصقا‪.1‬‬

‫أنه ال يمكن اعتبار التزامات الجوار ناشئة عن شبه العقد ألن الجوار ليس‬ ‫‪-‬‬
‫إال واقعة مادية بحتة‪ ،‬ال تقوم على أي فكرة تعاقدية‪ ،‬بينما شبه العقد يستلزم لوجوده‬
‫فعال إراديا من جانب شخص الملزم به‪ .‬ويؤكده ذلك تعريف المشرع لشبه العقد في‬
‫المادة ‪ 6856‬مدني فرنسي الذي اعتبره فعال إراديا محضا من جانب الشخص‪.2‬‬

‫إن األخذ بشبه العقد في المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬تثير‬ ‫‪-‬‬
‫تساؤال عن مضمون ما يرتبه هذا االلتزام‪ ،‬ولماذا يسأل الجار عن األضرار غير‬
‫المألوفة دون األضرار المألوفة‪ ،‬كما يثير تساؤل حول الشخص الذي يتقرر عليه أو‬
‫لصالحه هذا االلتزام وهل يعد المالك أو الشاغل الفعلي للعين‪ ،‬فإذا قيل بأن هذا‬
‫االلتزام يتقرر على المالك أو لصالحه‪ ،‬فمعنى ذاك إضفاء صفة الجار على هذا‬
‫األخير فقط‪ ،‬وبالتالي فإنه يكون هو المسؤول أو المستحق للتعويض في جميع‬
‫األحوال‪ ،‬بغض النظر عما إذا كان هو الفاعل الحقيقي لألضرار‪ ،‬أو المضرور منها‬
‫من عدمه‪ ،‬مع أن هذه النتيجة ليست منطقية وغير عادية وال تتفق مع ما استقر عليه‬
‫الفقه والقضاء مؤخرا‪ .‬أما إذا قيل بأن هذا االلتزام يتقرر لصالح الشاغل الفعلي للعين‬
‫أو على عاتقه‪ ،‬فمعنى ذلك وفقا لمنطق هذا االتجاه‪ ،‬أن المستأجر يعد طرفا في‬
‫العالقة التأجيرية‪ ،‬وفي نفس الوقت طرفا في عالقة شبه العقد‪ .‬نظ ار الستقالل نظرية‬
‫مضار الجوار غير المألوفة عن قواعد دعوى الضمان‪ .‬وهذه النتيجة ليست منطقية‬
‫خاصة إذا كان المؤجر هو الفاعل الحقيقي‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪. 204‬‬
‫‪ 2‬د‪/‬محمد كامل مرسي‪ ،‬نطاق حق الملكية والحقوق العينية‪ -‬المرجع السابق‪ -‬هامش ص‪.649‬‬
‫‪Stefani,Thése op.cit.p56 et s/‬‬

‫‪206‬‬
‫لالضطرابات المدعاة‪ .‬ففي هذه الحالة كيف يمكن القول بوجود عالقة تعاقدية‪،‬‬
‫وشبه تعاقدية متولدة من عالقة قانونية واحدة‪.1‬‬

‫أن القول بوجود التزام بعدم الضرار بالجار منشؤه العقد ال يجدي ‪ .‬إذ لو‬ ‫‪-‬‬
‫كان حقا التزام بعدم اإلضرار بالجار‪ ،‬لوجب أن يكون محددا في محله ومداه حتى ال‬
‫يستعصى على الضبط والتحديد‪ .‬والقول بخالف ذلك يفضي إلى تحكم القضاء‬
‫وتضارب أحكامه‪ ،‬حيث تتسع دائرة االلتزام تارة‪ ،‬وتضيق تارة أخرى‪ .‬ومن ثم تغدو‬
‫المسؤولية التي تقع على محدث الضرر في المجتمع الواحد محكومة بوجهات نظر‬
‫متباينة‪ .‬ال بقواعد محددة ثابتة‪ .‬وهو ما يعرض العدالة ألفدح األخطار‪.2‬‬

‫ثالثا‪ :‬أساس المسؤولية القواعد العرفية‬


‫العرف كما هو معروف يبدأ في صورة جملة من العادات والتقاليد والتصورات‬
‫والمعتقدات الذهنية ثم يتحول إلى تصرفات ملموسة يشعر الناس بأنها ملزمة لهم‪ ،‬كما‬
‫يشعرون بأنه في حال إخاللهم بها تترتب مسؤوليتهم‪.3‬‬

‫فذهب البعض من الفقه الفرنسي‪ 4‬إلى القول بأن نظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة تجد أساسها في القواعد العرفية‪ ،‬باعتبارها مصد ار للقانون‪ .‬بيد أنه ال يلجأ‬
‫إليها إال في حالة غياب النص التشريعي‪ .‬وأنه نظ ار لفقد هذا النص في القانون‬
‫المدني الفرنسي‪ ،‬فليس هناك ما يمنع من اللجوء إلى القواعد العرفية‪ ،‬باعتبارها‬
‫مصد ار للقاعدة القانونية من الدرجة الثانية‪.‬‬
‫واستند هذا الرأي إلى ما كان سائدا في الفقه الروماني من وجوب عدم‬
‫اإلضرار بالجار‪ ،‬باعتبار أن العرف جرى منذ القدم على إلزام الجار بعدم إحداث‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد –الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪296‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.885‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬زرارة عواطف – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.509‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Blaise(Jean- Bernard), Responsabilité et obligations coutumière dans les rapports de‬‬
‫‪voisinage. R.T.D.civ. op.cit, p284 et s.‬‬

‫‪207‬‬
‫مضايقات لجاره تجاوز نطاق المألوفية وذلك بعدم إرسال األدخنة السوداء الخانقة‪ ،‬أو‬
‫انبعاث الروائح المقززة والضارة بالصحة أو الصخب الفاحش مما يضر بالجار‬
‫المجاور‪ .‬كما جرى العرف على منع الجار من الشكوى من األضرار الخفيفة التي ال‬
‫تتجاوز قد ار معينا من األهمية والخطورة‪ .‬ومن ثم فإن نظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة تجد أساسها في العرف الجاري‪.‬‬

‫وانتهى هذا الرأي‪ ،‬إلى أن الجار أثناء الممارسة العادية والمشروعة لحقه‪ ،‬إذا‬
‫ألحق بجاره أض ار ار غير مألوفة فإنه يكون بذلك قد خالف االلتزام العرفي الذي يقع‬
‫على كاهله‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فإن مخالفة هذا االلتزام تشكل خطأ يستوجب تطبيق نص المادة‬
‫‪ 6895‬من القانون المدني الفرنسي‪ .‬إذ أن العرف يعد قانونا‪ ،‬وبالتالي فهو ملزم شأنه‬
‫في ذلك شأن النصوص التشريعية‪.1‬‬

‫قد تعرض هذا الرأي كسابقيه لالنتقادات تركزت على ما يلي‪:‬‬


‫أنه ينجم عن األخذ به الخلط بين مصدر المسؤولية وأساسها‪ ،‬فالعرف وان‬ ‫‪-‬‬
‫كان مصد ار للقا عدة القانوني فإنه ال يصلح أساسا للمسؤولية‪ ،‬فشتان بين المصدر‬
‫واألساس‪ .‬والقول بخالف ذلك يؤدي إلى اعتبار مصادر القاعدة القانونية هي أساس‬
‫لكل مسؤولية األمر الذي ينجم عنه‪ ،‬اضطراب كبير للنظم القانونية المعروفة‪.‬‬

‫إن ما انتهى إليه هذا الرأي ‪ ،‬من أن الجار حين يخالف االلتزام العرفي‬ ‫‪-‬‬
‫بإلحاقه مضايقات غير عادية للجار‪ ،‬فإن هذا يشكل خطأ يستوجب المسؤولية‪ ،‬هو‬
‫قول يصعب التسليم به‪ .‬إذ أن إرجاع المسؤولية إلى الخطأ الذي يستلزم تطبيق نص‬
‫المادة ‪ 6895‬مدني فرنسي‪ ،‬هو رجوع للبداية القول بأن الخطأ هو أساس المسؤولية‪،‬‬
‫بينما الواقع‪ ،‬أن الجار محدث الضرر قد استعمل حقه استعماال عاديا‬

‫‪1‬‬
‫‪Blaise(Jean- Bernard) Op cit, p 285. Martin(Gilles .J) De la responsabilité civil pour‬‬
‫‪faits de pollution au droit à l’environnement, thèse, op cit.27 p‬‬

‫‪208‬‬
‫ومشروعا ولم ينحرف عن مسلك الشخص المعتاد باتخاذه كافة االحتياطات‬
‫الالزمة لتفادي الضرر‪ .‬فأين الخطأ؟‪.‬‬
‫إن مثل هذا القول مغالطة منطقية‪ .‬إذ كيف يمكن اعتبار ممارسة الحق‬ ‫‪-‬‬
‫عادية ومشروعة‪ ،‬وحينما تترتب عليها أضرار للجار تجاوز حد المألوفية تشكل خطأ‪.‬‬
‫الواقع أن هذا يشكل الجمع بين نقيضين‪ ،‬هما اعتبار ممارسة الحق مشروعة‪ ،‬وذات‬
‫الوقت‪ ،‬ممارسة غير مشروعة إذا ما ترتب عليها أضرار غير عادية أو مألوفة‪.1‬‬

‫أن العرف ال ينشأ إال بعد اعتياد األفراد على سلوك معين مع االعتقاد‬ ‫‪-‬‬
‫بلزومه قانونا‪ ،‬كما أنه ال يخرج على النظام العام واآلداب في المجتمع‪ .‬والعرف‬
‫المخالف للنظام العام واآلداب هو عرف فاسد ال يجوز إتباع حكمه‪.2‬‬

‫أن القانون حين تناول العرف اعتبره أحد معايير التفرقة بين المضار‬ ‫‪-‬‬
‫المألوفة والمضار غير المألوفة‪ .‬وبذلك ال يمكن اعتبار أحد المعايير الذي تناولها‬
‫القانون أساسا تقوم عليه المسؤولية‪.‬‬

‫وعليه فإن هذا االتجاه كسابقيه ألن العرف ال يصلح أن يكون أساسا‬
‫للمسؤولية عن مضار الجوار رغم أنه أكثر المعايير التي يمكن أن يستعين بها‬
‫القاضي للتفرقة بين المضار المألوفة والمضار غير المألوفة‪ .‬خاصة وأن معيار‬
‫الضرر غير مألوف هو معيار مرن يتغير بتغير المجتمع أو المنطقة‪.‬‬

‫خالصة المطلب األول‪:‬‬


‫على الرغم من محاوالت هذا االتجاه من اللجوء إلى قواعد المسؤولية‬
‫الشخصية لتأسيس نظرية مضار الجوار غير المألوفة على فكرة الخطأ محاولين‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ . 889‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي‪ -‬المقال السابق‪-‬ص‪.609‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود –الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.206‬‬

‫‪209‬‬
‫تارة تأسيسها على أساس الخطأ الواجب اإلثبات وتارة أخرى على أساس الخطأ‬
‫المفترض وتارة ثالثة على أساس افتراض عالقة سببية بين الخطأ المفترض والضرر‪.‬‬
‫إال أن هذا االتجاه القى انتقادات كثيرة من جانب الفقه الحديث ألن أنصار هذا‬
‫االتجاه اخلطوا بين فكرتي الخطأ والضرر‪ .‬هذا ما دفع محكمة النقض الفرنسية إلى‬
‫ا لرفض فكرة الخطأ صراحة كأساس لنظرية مضار الجوار غير المألوفة وذلك بتقريرها‬
‫أن القاضي الموضوع ال يلتزم بالتحقق من خطأ رب العمل من أجل الحكم عليه‬
‫بالتعويض عن المضايقات غير المألوفة الناتجة عن عمليات البناء‪ ،‬بناءا على نظرية‬
‫مضار الجوار‪ .1‬كما قضت بإعفاء المضرور في سقوط جدار مشترك من إثبات‬
‫الخطأ واالكتفاء بإثبات الضرر غير المألوف الذي سببه المبنى المجاور‪ .2‬كما قضت‬
‫بأن تقدير وجود الخطأ في نظرية مضار الجوار غير مألوفة يخضع للسلطة التقديرية‬
‫مع العلم أن الخطأ يخضع‬ ‫‪3‬‬
‫لقضاة الموضوع وال رقابة لمحكمة النقض في ذلك‬
‫لمراقبة محكمة النقض‪ .4‬وعليه إذا كان أساس نظرية مضار الجوار غير المألوفة هو‬
‫الخطأ فلماذا ال يخضع لرقابة المحكمة النقض؟‪.5‬‬

‫وبسبب ذلك ذهب الفقه إلى البحث عن أساس آخر تبنى عليه هذه المسؤولية‬
‫رغم انتفاء الخطأ‪ .‬فاتجه إلى إقامة المسؤولية على أساس موضوعي الذي ال يشترط‬
‫وجود الخطأ بل يقوم على أساس تحقق الضرر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass. civ, 8/05/1979, G.P,80,2.p684‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Civ. 1ère 23/03/1982, Bull. I, n°120.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Civ 3ème 31/05/2000,Bull.II, n° 94.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Civ 2ème 16/07/1953,JCP,1953,II,note,Rodière(R) .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Frédéric Rouvière La pseudo-autonomie des troubles anormaux de voisinage.‬‬
‫‪Manuscrit auteur, publié dans « Variation sur le thème du voisinage,J-Ph. Tricoire.ed‬‬
‫‪2012. p10.htt://halshs.archives-ouvertes.fr‬‬

‫‪210‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االتجاه الذي يقيم المسؤولية على أساس‬
‫موضوعي‬
‫نظ ار لالنتقادات التي وجهها الفقه إلى االتجاهات التي حاولت تأسيس نظرية‬
‫مضار الجوار على فكرة ا لخطأ‪ ،‬اتجه جانب من الفقه إلى البحث عن أساس لهذه‬
‫المسؤولية بعيدا عن فكرة الخطأ‪ ،‬فأقاموا المسؤولية على فكرة الالخطئية‪ ،‬أي بعبارة‬
‫أخرى مسؤولية موضوعية أساسها الضرر‪ .‬وذلك لتوفير أكبر قدر من الحماية للجار‬
‫المضرور‪ .‬غير أن هذا الجانب من الفقه لم يتفق حول األساس الموضوعي الذي‬
‫تقوم عليه هذه المسؤولية‪.‬‬

‫فرأى البعض أن أساس المسؤولية‪ ،‬هو االستعمال االستثنائي أو غير العادي لحق‬
‫الملكية‪.‬‬
‫وذهب فريق آخر إلى أن أساس المسؤولية قائم على فكرة إعادة التوازن بين حقوق‬
‫الملكية الواردة على العقارات المتجاورة‬
‫وذهب فريق ثالث إلى أن أساس المسؤولية قائم على فكرة الضمان‬
‫أما الفريق الرابع فقد أسس المسؤولية على أساس فكرة تحمل التبعة أو المخاطر‪.‬‬

‫أتناول في هذا المطلب هذه اآلراء وذلك بتخصيص فرع لكل رأي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أساس المسؤولية هو االستعمال االستثنائي أو غير‬


‫العادي لحق الملكية‬
‫ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى تأسيس المسؤولية على فكرة االستعمال‬
‫االستثنائي أو غير العادي لحق الملكية‪ ،1‬بأنه إذا كان حق الملكية حق مطلق يخول‬
‫لصاحبه حق ممارسته دون إمكانية المطالبة بالتعويض عما ينتج عنه من ضرر‬

‫‪1‬‬
‫‪Ripert (G) De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports avec les propriétés‬‬
‫‪voisines. Thèse, Aix en provence. 1902. p 295 et s‬‬

‫‪211‬‬
‫متى كانت هذه الممارسة مطابقة للقوانين والتنظيمات المعمول بها ‪ .‬إال أن هذا الحق‬
‫ليس مطلقا من كل قيد‪ ،‬بل يلزم ممارسته مثل أي حق آخر تحت قيد ممارسة الجيران‬
‫‪1‬‬
‫لحقوقهم‪ .‬وهذا يقضى عدم السماح بالممارسة المطلقة للحق‬

‫وعليه يجب على كل المالك استعمال حقه‪ ،‬وفقا للشروط العادية للنشاط اإلنساني‪،‬‬
‫ليتمكن جاره بدوره من ممارسة حقوقه‪ .‬ومتى تمت هذه الممارسة في صورتها العادية‬
‫فلن يتحقق الضرر ألي من المالك‪.‬‬

‫أما إذا استعمل المالك حقه استعماال استثنائيا أو غير عادي‪ ،‬فإن هذا االستعمال‬
‫ينتج عنه إهدار التوازن الذي ينبغي أن يسود بين حقوق المالك المتجاورين نتيجة‬
‫اإلفراط أو المغاالة في هذا االستعمال إلى درجة إحداث مضار غير مألوفة للجيران‪.‬‬
‫األمر الذي يخول للجار المضرور طلب التعويض عما يتحمله من أضرار غير‬
‫عادية‪ ،‬دون اعتبار لكون محدث تلك األضرار قد ارتكب خطأ أم لم يرتكب‪ .‬وانما‬
‫على أساس أنه لم يستعمل لملكيته استعماال عاديا‪ ،‬وخرج عن واجب االعتدال‬
‫واالستعمال العادي مما يشكل استعماال استثنائيا وينتج عنه نوعا من مفهوم المخاطر‪.‬‬
‫وبما أن المسؤول يستفيد من االستعمال االستثنائي لحق الملكية فعليه تحمل تبعة هذه‬
‫اإلفادة‪.‬‬

‫وعليه فإنه رغم اتخاذ المالك لكافة االحتياطات الالزمة وحصوله على ترخيص‬
‫من الجهة اإلدارية المختصة بأن يقوم باستعمال ملكه استعماال استثنائيا أو غير‬
‫عادي ليحصل منه على فائدة أكبر‪ .‬فهنا المالك ال يكون قد ارتكب خطأ من وجهة‬
‫نظر هذا الفريق سواء تمثل هذا الخطأ بمخالفة سلوك الرجل المعتاد أو بمخالفة‬
‫القوانين واألنظمة ومع ذلك فقد يترتب على استعماله االستثنائي مضار تلحق جاره‪،‬‬
‫ولذلك تقوم مسؤوليته عن هذه المضار ليس على أساس أن محدث الضرر قد‬

‫د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.226‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪212‬‬
‫ارتكب خطأ وانما على أساس أنه استعمل حقه استعماال استثنائيا أي على أساس‬
‫االستثنائي أو غير العادي لحق الملكية وهو ما يمثل منطق هذه النظرية‪.1‬‬

‫وينتهي أنصار هذ ا االتجاه إلى القول إن االستعمال االستثنائي أو غير العادي‬


‫لحق الملكية يكفي ليكون أساسا للمسؤولية عن مضار الجوار دون اشتراط أن يكون‬
‫محدث الضرر قد ارتكب خطأ أو لم يرتكب‪.2‬‬

‫غير أن هذه النظرية لم تلق قبوال فتعرضت للنقد من الفقه والقضاء الحديث‪.‬‬
‫تركزت على ما يلي‪:‬‬
‫أن فكرة االستعمال االستثنائي فيها نوع من المصادرة على المطلوب‪ .‬حيث‬ ‫‪-‬‬
‫أنها ال تقرر إال إذا وجد نص يلزم المالك بعدم استعمال ملكيته استعماال استثنائيا‪.3.‬‬

‫إن التفرقة بين االستعمال العادي وغير العادي ليس لها معايير منضبطة‬ ‫‪-‬‬
‫وذلك في حالة الممارسة المخولة وفقا للقوانين واألنظمة‪.‬‬

‫إن هذا االتجاه وان كان ينادي بفكرة المخاطر في هذا المقام مع إعطائها‬ ‫‪-‬‬
‫تصو ار واسعا‪ ،‬إال أن منطقه في حقيقة األمر‪ ،‬يؤدي إلى ربط المسؤولية بمفهوم‬
‫الخطأ‪ .‬فاالستعمال االستثنائي ما هو إال شذوذ عن السلوك غير العادي‪ ،‬حيث أن‬
‫الفعل غير العادي يق ابل الفعل الخاطئ وأن هذا األخير تنفر منه نظرية مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪.4‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي‪ -‬المقال السابق‪-‬ص ‪.645‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Ripert (G) thèse. Op cit. p336.‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬أحمد سالمة ‪ ،‬الملكية الخاصة في القانون المصري‪ -‬المرجع السابق‪ -‬هامش ص‪.665‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse. Op.cit. p106‬‬

‫‪213‬‬
‫أنه على فرض تقبل منطق هذا الرأي‪ ،‬الذي يأخذ بفكرة المخاطر في نطاق‬ ‫‪-‬‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬فإن هذا التكييف غير سليم‪ ،‬للفروق‬
‫الجوهرية التي تفصل بين هذه األخيرة ومفهوم المخاطر الذي يقوم على عنصر‬
‫االحتمال‪ ،‬وهو ما يكون مفتقدا في حالة مضار الجوار‪ ،‬ألنه يلزم أن تكون ناتجة عن‬
‫تصرف عادي‪ ،‬أي يستبعد عنصر االحتمالية‪ .‬كما أنه يترتب على مفهوم المخاطر‬
‫المطالبة بالتعويض عن كافة األضرار‪ .‬بينما في حالة مضار الجوار فإن التعويض‬
‫يكون عن األضرار غير المألوفة فقط‪.1‬‬

‫أن القول بأن حق الملكية ما هو إال عالقة بين شخصين شأنه في ذلك‬ ‫‪-‬‬
‫شأن سائر الحقوق األخرى كحق الدائنية مثال‪ ،‬قول ليس صحيحا على اطالقه‪ .‬ألنه‬
‫وان كان يوجد في حقيقة األمر التزام عام يقضى باحترام حق الملكية مثل الذي‬
‫يقضى باحترام حق الدائن على مدينه‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني سوى اإلقرار القانوني‬
‫للحقوق التي اعترف بها المشرع لنا‪ ،‬هذا فضال عن أن السير وراء منطقه يؤدى إلى‬
‫الخلط بين الحق العيني والحق الشخصي‪ ،‬وأضاف األول مع أنه ال يزال له مركز‬
‫الصدارة بالنسبة لكافة الحقوق األخرى‪ .‬حيث أنه يعطي لصاحبه سلطة مباشرة على‬
‫الشيء‪ ،‬بخالف الحق الشخصي‪.2‬‬

‫أن هذا الرأي ينطوي على الخطأ الفادح بين الهدف من المسؤولية‬ ‫‪-‬‬
‫وأساسها‪ .‬فما قيل عن فكرة المساواة التي ينبغي أن تسود بين الحقوق والحرص على‬
‫عدم اإلخالل بالتوازن بين تلك الحقوق‪ ،‬يمثل الهدف من المسؤولية‪ .‬أما األساس التي‬
‫تبنى عليه هذه المسؤولية فهو أمر آخر‪.3‬‬

‫أن نظرية مضار الجوار غير المألوف تحدد الضرر إذا كان مألوفا أو‬ ‫‪-‬‬
‫غير مألوف لقيام المسؤولية بينما هذا الرأي يستند على االستعمال لحق الملكية‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 848‬و‪.844‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Starck(Boris)-Essai d’un théorie générale de la responsabilité civil considère en sa‬‬
‫‪double fonction de garantie et de peine privé ,thèse.op.cit. p 181.‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي‪ -‬المقال السابق‪-‬ص ‪.644‬‬

‫‪214‬‬
‫فيما إذا كان عاديا أو استثنائيا‪ .‬كما أن االستعمال االستثنائي لحق الملكية رغم‬
‫أن أنصار هذا الرأي ال يعتبرونه خطأ إال أنه في حقيقة األمر يعود إلى نظرية‬
‫الخطأ‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أساس المسؤولية قائم على فكرة إقامة التوازن بين حقوق‬
‫الملكية الواردة على العقارات المتجاورة‪:‬‬
‫ذهب جانب من الفقه‪ 2‬إلى محاولة ربط المسؤولية عن اضطرابات الجوار غير‬
‫المألوفة بفكرة إقامة التوازن بين حقوق الملكية الواردة على العقارات المتجاورة‪ .‬والتي‬
‫مؤداها أن التعويض عن أضرار الجوار غير المألوفة‪ ،‬يكون مستحقا ليس على سبيل‬
‫إصالح الضرر‪ ،‬لكن من أجل إقامة التوازن بين العقارات المتجاورة الذي اختل نتيجة‬
‫وجود اضطرابات الجوار التي ال تعد أض ار ار تصيب حالة الفرد‪ ،‬بل إنها أضرار‬
‫تصيب الجار في ذمته المالية وبالتالي فهي أضرار تتمثل في اختالل األحكام‬
‫القانونية لحقه نتيجة وجود هذه المضايقات‪.‬‬

‫ويعتبر أنصار هذا االتجاه أن حق الملكية يعد حقا أساسيا وجوهريا ومطلقا وذلك‬
‫وفقا لما تقضى به المادة ‪ 244‬مدني فرنسي‪ 3‬التي تنص بأن حق الملكية هو حق‬
‫التمتع والتصرف في الشيء باألسلوب األكثر إطالقا بشرط ال يقوم بعمل تحظره‬
‫القوانين واللوائح‪.‬‬

‫وبناء عليه تكون حقوق الملكيات المتجاورة هي حقوق مطلقة ومن ثم فإن‬
‫االضطرابات التي تحدث نتيجة الستعمال أحدها‪ ،‬والتي تصيب األخرى تشكل منازعة‬
‫بين حقوق ملكية مطلقة ومتساوية في نفس الوقت‪ .‬مما يستوجب انعقاد المسؤولية عن‬

‫‪ 1‬أ‪ /‬غسان محمد مناور أبو عاشور‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.24‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse.op.cit.p125‬‬
‫‪ 3‬تقابل المادة ‪ 244‬مدني فرنسي المادة ‪ 154‬مدني جزائري‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫هذه المضايقات‪ ،‬وذلك من أجل إعادة التوازن الذي أختل بسبب وجودها وتتقرر‬
‫المسؤولية لصالح وعلى عاتق المالك أو الحائز للحق العيني‪ ،‬نظ ار ألن هذا األخير‬
‫يكون محميا بمقتضى المادة السالفة الذكر‪.‬‬

‫ويضيف أنصار هذا االتجاه إذا كان حق الملكية يفيد صاحبه إال أنه يقدم في‬
‫نفس الوقت فائدة للجماعة‪ .‬ومن ثم فإن هذا الحق يكون له جانبان‪:‬أحدهما شخصي‬
‫واآلخر جماعي‪.‬‬

‫كما أن فكرة إقامة التوازن بين العقارات المتجاورة تجد أساس لها في نص المادة‬
‫‪ 244‬مدني فرنسي‪ ،‬وكذلك في مبدأ مساواة أمام القانون واألعباء العامة التي تتطلبها‬
‫الحياة في المجتمع الذي نادي به اإلعالن الشامل لحقوق اإلنسان‪ .‬ومفاد هذا المبدأ‪،‬‬
‫أن لإلنسان الحق في التعويض في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة‪ ،‬وأن ذلك يسرى‬
‫في جميع الحاالت دون استثناء‪ .‬ومن ثم تسري ذات االعتبارات أمام أعباء الحياة في‬
‫المجتمع‪ ،‬وبصفة خاصة أمام األعباء المتفرعة من الجوار‪ ،‬وبالتالي فإن عدم‬
‫التعويض عن األضرار غير المألوفة‪ ،‬يشكل إخالال بمبدأ المساواة بين المالك‪ ،‬كما‬
‫هو في حالة األضرار الناتجة عن األعمال العامة‪.1‬‬

‫وقد أخذت بعض المحاكم الفرنسية بهذا الرأي في بعض أحكامها‪.‬فقد قررت‬
‫محكمة النقض الفرنسية بأن حق الملكية وان كان يعد حقا مطلقا‪ ،‬ويخول للمالك‬
‫سلطة التمتع والتصرف في الشيء الذي يملكه باألسلوب األكثر إطالقا‪ ،‬وباستثناء‬
‫األعمال المحظورة المنصوص عليها في القوانين واللوائح‪ .‬إال أنه مع ذلك يكون مقيدا‬
‫بالتزام قانوني وطبيعي‪ ،‬مقتضاه عدم تسبيب أضرار للجار‪ ،‬تجاوز أعباء الجوار‬
‫العادية‪ 2‬غير أن هذه النظرية تعرضت للنقض كسابقاتها كما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse.op.cit.p 130.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.civ 03/11/1977. J.C.P.78,11.‬‬

‫‪216‬‬
‫أن هذا االتجاه وأن كان قد أنار الطريق للوصول إلى أساس نظرية مضار‬ ‫‪-‬‬
‫الجوار غير المألوفة ‪ ،‬وذلك بتقرير فكرة إقامة التوازن بين الملكيات المتجاورة إال أنه‬
‫قصر تلك الفكرة على حق الملكية فقط‪ ،‬مما يحتم تماشيا مع منطق هذا االتجاه ربط‬
‫نظرية مضار الجوار غير المألوفة بفكرة الملكية‪ ،‬وهذا يقضى إلقاء عبء المسؤولية‬
‫على عاتق المالك فقط‪ ،‬وتقرير الحق في طلب التعويض لصالح المالك للعقار‬
‫المجاور‪ ،‬وهذا يؤدي إلى نتيجة خطرة وهي إمكانية اختالف الشخص المسؤول عن‬
‫اضطرابات الجوار غير العادية عن الفاعل الحقيقي لها‪ ،‬وأيضا إمكانية اختالف‬
‫الشخص المضرور‪ ،‬عن الشخص الذي يتقرر له التعويض‪ .‬ويتحقق ذلك كله في‬
‫حالة ما إذا كان الفاعل لالضطرابات غير العادية‪ ،‬أو المضرور منها مستأجرا‪ ،‬أو‬
‫شاغال بسيطا للعين‪.‬‬

‫أن المادة التي استند إليها هذا االتجاه ال تخص المسؤولية عن مضار‬ ‫‪-‬‬
‫الجوار غير العادية‪ ،‬فهي ال تشير ال من قريب وال من بعيد لفكرة إعادة التوازن بين‬
‫الحقوق المتجاورة الذي اختل نتيجة للممارسة العادية والمشروعة للحقوق‪ .‬ومن ثم‬
‫فهي ال تخص المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.1‬‬

‫وبناء على ذلك إذا كان هذا االتجاه قد أنار لنا الطريق من أجل الوصول إلى‬
‫جوهر هذه النظرية إال أن تحليله يشوبه القصور‪.‬‬

‫‪ -‬إن فكرة إعادة التوازن بين حقوق الملكية تمثل هدف هذه المسؤولية وأثرها‪ ،‬لذا‬
‫فهي تصلح باعثا على تقريرها لتحقيق التوازن بين هذه الحقوق من ناحية‪ ،‬كما أنها‬
‫تتحقق بعد انعقاد المسؤولية وتترتب عليها ولذا فهي ال تصلح أن تكون أساسا لها من‬
‫ناحية أخرى‪.2‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.160 ، 109‬‬


‫‪ 2‬أ‪ /‬غسان محمد مناور أبو عاشور – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪25‬‬

‫‪217‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أساس المسؤولية قائمة على فكرة الضمان‪:‬‬
‫حاول بعض الفقه الفرنسي‪ 1‬تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫على فكرة الضمان بتقديره أن منازعات الجوار ليست فقط بين الحقوق الملكية بل إنها‬
‫تتناول الحقوق الشخصية وحريات أفراد‪ ،‬ويرى أن الحياة في المجتمع ال تسير إال‬
‫بتحمل قدر معين من األضرار‪ ،‬وعند تجاوز األضرار لهذا الحد فإنها تخول للجار‬
‫المضرور الحق في طلب التعويض على أساس أن القانون خول له الحق في طلب‬
‫الهدوء والسكينة‪ ،‬وتنعقد مسؤولية محدث الضرر غير المألوف على أساس ضمانه‬
‫عدم حدوث هذه المضايقات لجيرانه والتي تقلق الهدوء والسكينة‪.‬‬

‫وعليه فقد ميز الفقيه ‪ Starck‬بين نوعين من المضار ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Starck, Essai d’un théorie générale de la responsabilité civile considérée en sa double‬‬
‫‪fonction de garantie et de peine privé. thèse ,op.cit P 187.‬‬
‫يعتبر الفقيه‪ Starck‬حامل لواء هذه النظرية ‪ ،‬حيث يتلخص مضمون فكرته في الضمان في أنه يصنف الحقوق‬
‫من جواز المساس بها من عدمه إلى صنفين‪:‬‬
‫الصنف األول‪ ،‬وهي تلك الحقوق التي يسب المساس بها ضررا بحياة اإلنسان أو بسالمته الجسدية أو المادية‪،‬‬
‫كالحق في الحياة‪ ،‬والحق في سالمة جسده‪ ،‬والحق في السالمة أمواله‪ ،‬حيث تقوم المسؤولية بشأن المساس بهذه‬
‫الحقوق بمجرد تحقق الضرر وبصرف النظر عن مسلك الشخص خاطئا أو غير خاطئ‪ ،‬وذلك ألن هذه األضرار‬
‫غير مشروعة دائما وفي جميع األحوال ودون اعتبار للنحو الذي وقع عليه الضرر أو لطبيعة النشاط أو لمسلك‬
‫الشخص‪ ،‬فهو ال يمتلك حقا بممارسة ما تنطوي عليه هذه األضرار مطلقا‪ ،‬وبذلك تقوم المسؤولية عنها ويكون ذلك‬
‫على أساس الضمان‪ ،‬ألن محدث الضرر ضامن لعدم إحداث هذه األضرار غير المشروعة ‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬وهي تلك الحقوق التي يسبب المساس بها ضررا اقتصاديا أو أدبيا لإلنسان‪ ،‬كالحق في التجارة‪،‬‬
‫والحق في العمل‪ ،‬والحق في سالمة شرفه واعتباره‪ .‬حيث تنقسم هذه الحقوق في هذا الصنف من حيث المساس بها‬
‫إلى فئتين‪:‬‬
‫الفئة األولى‪ :‬وهي تلك الحقوق التي يستند المساس بها إلى حق بحيث يترتب الضرر كنتيجة طبيعية لممارسة هذا‬
‫الحق‪ ،‬كحق المنافسة المشروعة‪ ،‬وحق اإلضراب‪ ،‬وحق النقد‪ ،‬فهي تصدر من شخص يملك ذلك وبهذا تقع على‬
‫النحو مشروع وتكون أضرارا مشروعة‪ ،‬وعليه فال تقوم المسؤولية عنها‪.‬‬
‫الفئة الثانية‪ :‬وهي تلك الحقوق التي ال يستند المساس بها إلى حق‪ ،‬كالمنافسة غير المشروعة‪ ،‬والنقد والذي يهدف‬
‫إلى اإلساءة إلى شخص من وجه إليه النقد‪ ،‬فهذه األضرار تقع على النحو غير مشروع‪ ،‬ألن النشاط أو الفعل الذي‬
‫أدى إليها غير مشروع‪ ،‬وبصرف النظر عن مسلكه سواء كان خاطئا أم ال‪ ،‬فتكون بذلك غير مشروعة‪ ،‬ومن ثم تقوم‬
‫المسؤولية عنها على أساس الضمان‪ ،‬ألن محدث الضرر ضامن لعدم إلحاق هذه المضار‪.‬‬
‫ويستخلص من ذلك أن الصنف األول من األضرار تكون غير مشروعة في جميع األحوال وتقوم المسؤولية عنها‬
‫دائما ‪ ،‬في حين أن الصنف الثاني من األضرار تكون مشروعة أحيانا معينة‪ ،‬وغير مشروعة أحيانا أخرى حسب‬
‫مقتضى الحال‪ ،‬فضال عن أنه ينظر في هذه األضرار إلى شخص المتضرر‪ ،‬وليس إلى شخص محدث الضرر كما‬
‫في نظريتي الخطأ وتحمل التبعة حيث تنظر األولى إلى مدى وقوع الشخص بخطأ من عدمه‪ ،‬وتنظر الثانية إلى‬
‫مدى ما عاد عليه من نفع وإمكانية جبر الضرر من عدمه‪.‬ولذلك فقد قام ‪ Starck‬بتطبيق نظريته في الضمان على‬
‫مضار الجوار‪ (.‬أ‪ /‬غسان محمد مناور أبو عاشور – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ 89‬و‪) 40‬‬

‫‪218‬‬
‫النوع األول‪ :‬مضار مألوفة‪ ،‬هي تلك المضار التي تتطلبها طبيعة الحياة‬
‫االجتماعية بحيث تستحيل الحياة في المجتمع بدون تحملها‪ ،‬نظ ار لضرورتها في‬
‫تحمل أعباء الحياة االجتماعية المشتركة‪ ،‬وعليه تستند هذه المضار إلى حق‪ ،‬يكون‬
‫الفعل أو النشاط الذي يؤدي إليها مشروعا‪ ،‬وبالتالي تكون أض ار ار مشروعة وال تقوم‬
‫المسؤولية عنها‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬مضار غير مألوفة‪ ،‬وهي تلك المضار التي تجاوز الحد المألوف‬
‫الذي ينبغي تحمله‪ ،‬ومن ثم فهي ال تستند إلى حق‪ ،‬ويتصف الفعل أو النشاط الذي‬
‫يؤدي إليها بعدم المشروعية وبصرف النظر عن مسلك الشخص سواء أكان ينطوي‬
‫على الخطأ أم ال‪ ،‬فتكون بذلك أض ار ار غير مألوفة‪ ،‬يجوز للمضرور أن يطلب‬
‫التعويض عنها ما دام أن الضرر قد تجاوز الحد الذي ينبغي على الجيران تحمله‪،‬‬
‫واال أصبحت الحياة مستحيلة في المجتمع من ناحية‪ ،‬وما دام أن القانون خوله الحق‬
‫‪1‬‬
‫في طلب الهدوء والسكينة من ناحية أخرى‬

‫وقد تعرضت هذه النظرية للنقد كما يلي‪:‬‬


‫إن فكرة الضمان التي نادى بها هذا االتجاه ال تجد مجالها الحقيقي إال في‬ ‫‪-‬‬
‫نطاق العالقات التعاقدية – ضمان سالمة الشيء محل التعاقد‪ -‬وهذا مغاير لقواعد‬
‫المسؤولية عن تجاوز األضرار العادية للجوار ألنها تكون ناتجة عن الممارسة العادية‬
‫والمشروعة‪.‬‬

‫الجوار ليس إال واقعة مادية بحتة‪ ،‬أما بالنسبة لعالقات الجوار التي تنشأ‬ ‫‪-‬‬
‫عن العالقات التعاقدية مثل عالقة المؤجر بالمستأجر فال يمكن ربط المسؤولية عن‬
‫األضرار الناتجة عنها بفكرة الضمان بصفة مطلقة لما في ذلك من خلط بين دعوى‬
‫‪2‬‬
‫الضمان وقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق‪ -‬ص ‪.628‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.209‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ -‬أن لكل منهما نطاق خاص ومجال محدد‪ .‬ال يجوز تعديه وال التعدي عليه‪.‬‬

‫‪ -‬أن الضمان يستحق بصرف النظر عن جسامة الضرر سواء أكان جسيما أم يسيرا‪.‬‬

‫‪ -‬إن نظرية الضمان تفترض أن هناك ضر ار قد وقع ومن ثم تقيم المسؤولية عنه‬
‫على أساس الضمان‪ ،‬وهذا يعني وفق منطق هذه النظرية أن الضرر هو األصل الذي‬
‫يرتب المسؤولية وهو مرحلة سابقة‪ ،‬والضمان هو التزام بتعويض ذلك الضرر وهو‬
‫مرحلة تالية‪ ،‬فالضرر هو العلة والضمان هو المعلول‪ ،‬وعليه فليس من المنطق أن‬
‫يكون المعلول هو أساس العلة‪ .‬ألن ذلك يعني القول بأن أساس االلتزام بالتعويض‬
‫(الضمان) هو الضمان أي أن الشيء أساس نفسه‪ ،‬وهذا مرفوض منطقيا‪.‬‬
‫‪ -‬إن نظرية الضمان ليست بعيدة عن نظرية الخطأ‪ ،‬وذلك ألن النظرية األولى تبنى‬
‫على أساس المساس بالغير بدون حق والذي يمثل ذات األساس الذي اعتمد عليه‬
‫فقهاء نظرية الخطأ في تعريفهم لهذا األخير‪ ،‬وبالتالي فإن المنادين بهذه النظرية لم‬
‫يبتكروا شيئا جديدا سوى أنهم أضفوا اسما جديدا هو نظرية الضمان‪.1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬أساس المسؤولية هو فكرة المخاطر أو تحمل التبعة‪.‬‬


‫لم تكن نظرية تحمل التبعة بغريبة عن الفقه الشريعة‪ ،‬فقد تناولوا عناصرها‬
‫وأركانها وأقاموها على أساس الضرر‪ .‬وتناولوا الضرر بكل فروعه بالتحليل والشرح‪.‬‬
‫فوضعوا العديد من القواعد الفقهية التي تدور حول إصالح الضرر والعمل على‬
‫إزالته‪ ،‬فحيثما تحقق الضرر‪ ،‬وجب الضمان‪ ،‬فالضمان يدور مع الضرر وجودا‬
‫وعدما‪ .‬ومن تلك القواعد‪ :‬ال ضرر وال ضرار‪ ،‬والضرر يزال‪ ،‬والضرر يدفع بقدر‬
‫اإلمكان‪.2‬‬

‫‪ 1‬أ‪ /‬غسان محمد مناور أبو عاشور – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 42‬و‪41‬‬
‫‪ 2‬في هذا المعنى د‪ /‬عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق‪ -‬ص‪862 ،864‬‬

‫‪220‬‬
‫كما تحدث فقهاء الشريعة عن الفعل الضار واعتبروه كل فعل ترتب عليه بذاته‬
‫ضرر للغير‪ ،‬سواء أكان بطريق المباشر أم التسبب‪ .‬ويرى البعض أن الفعل الضار‪،‬‬
‫هو األساس الصريح لنظرية تحمل التبعة‪ ،‬إذ أن كل فعل ضار تقع تبعته على‬
‫فاعله‪ ،‬وهذا هو الفارق الجوهري بين النظرية الخطئية القائمة على الخطأ‪ ،‬وبين‬
‫نظرية تحمل التبعة‪.1‬‬

‫وعلى هذا يرى البعض أن األساس المالئم للمسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫مألوف أو كما يسمونه مضار الجوار الفاحشة‪ ،‬التي تلحق بالجار هو فكرة تحمل‬
‫التبعة‪ ،‬حيث أن هذه الفكرة تتفق إلى حد كبير مع القاعدة الفقهية "الغنم بالغرم" والتي‬
‫نصت عليها مجلة األحكام العدلية‪ .2‬ومن التطبيقات الفقهية ما أتى به الفقه المالكي‬
‫بعدم جواز القيام بفعل يحدث ضر ار للجيران‪ ،‬كإحداث فرن أو حمام أو دكان حدادة‬
‫أو مجبرة أو مجبسة أو مدبغة بجوار بيت أو مزرعة‪.3‬‬
‫وفي أواخر القرن التاسع عشر حاول جانب من الفقه الفرنسي يترأسهم‬
‫‪ 4Saleilles‬وضع نظرية عامة للمسؤولية تشمل المسؤولية الشخصية والموضوعية‬
‫على حد السواء‪.‬‬

‫فقرر هذا االتجاه بأن المادة ‪ 6895‬مدني فرنسي ال تخص فقط قواعد المسؤولية‬
‫الشخصية‪ ،‬بل أنها تضع قاعدة عامة للمسؤولية عن فعل الشخص سواء أكان هذا‬
‫الفعل يشكل خطأ من عدمه‪ .‬بدليل أنه ورد في نص المادة السالفة الذكر " كل فعل‬
‫أي كان صادر من الشخص يسبب ضر ار للغير‪ "...‬فقد رأى هذا االتجاه‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة – المرجع السابق – هامش‪ 4‬ص ‪ 862‬نقال عن د‪ /‬عبد الحميد محمود البعلي‪ ،‬نظرية‬
‫تحمل التبعة بين الشريعة والقانون رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬ص‪ ،526‬هامش‪.6‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق‪ -‬ص ‪ .625‬د‪ /‬أبو زهرة ‪ ،‬المقال السابق‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ 3‬إمام دار الهجرة اإلمام‪ /‬مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.892‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Saleilles(R), les accidents de travail et la responsabilité civile : essai d’une théorie‬‬
‫‪objective de la responsabilité délictuelle,Paris,Rousseau 1897,p5.‬‬

‫‪221‬‬
‫أن المشرع نظر إلى فعل الشخص أيا كان‪ ،‬وعليه فإن ما ينتج عن هذا الفعل من‬
‫ضرر تنعقد المسؤولية‪ ،‬بغض النظر عما إذا كان الفعل يشكل خطأ أو ال‪.‬‬

‫وقد أسند الفقيه ‪ Saleilles‬حالة تجاوز مضار الجوار العادية إلى نظرية تحمل‬
‫التبعة ألنه من األعمال المشروعة المتفقة مع الغرض االجتماعي للحق ما ينتج عنه‬
‫ضرر للغير‪ ،‬كحالة المصنع الذي ال يمكن تشغيله إال باستعماله آالت خطرة وال‬
‫يمكن إدارته دون ضرر يصيب العمال والمالك المتجاورين‪ ،‬قد يكون مرجع هذا‬
‫الضرر خطأ صاحب المصنع سواء كان الخطأ مباشر أم غير مباشر مما يجعل قيام‬
‫مسؤوليته على أساس المادة ‪ 6895‬مدني فرنسي سهال ميسورا‪ .‬لكن في بعض‬
‫الحاالت قد ال يكون من المستطاع تقليل أو منع الضرر وعند ذلك ال يمكن الكالم‬
‫عن الخط أ ألن ما أتاه صاحب المصنع كان عمال مشروعا‪ ،‬ولو لم يكن كذلك لكان‬
‫للقضاء أن يحكم بغلق المصنع ربما ألنه ال يمكن تعطيل حق بسبب األخطار الناتجة‬
‫عن استعماله‪ ،‬فيكفي بوضع المخاطر الناشئة عن تشغيل المصنع على عاتق‬
‫صاحبه‪ ،‬كمقابل لما يفيده من المصنع وبذا تتحقق العدالة االجتماعية وهذه هي‬
‫‪1‬‬
‫نظرية تحمل التبعة التي تستبعد فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية‬

‫مع إسنادها لنص المادة‬ ‫‪2‬‬


‫وكما نادي بهذه الفكرة أيضا الفقيه ‪Josserand‬‬
‫‪ .36/6894‬فقد رأى الفقيه أن النص يضع قاعدة عامة للمسؤولية عن فعل الشيء‪.‬‬
‫وقرر بأن الشخص يكون مسؤوال عن األضرار التي تنتج عن ممارسته لحقه ليس‬
‫على أساس فكرة الخطأ‪ ،‬ولكن على أساس أنه يستفيد من نشاطه مصدر األضرار‬
‫المدعاة‪ .‬فحينما تكون األضرار ناتجة عن فعل الشيء‪ ،‬فإنه يلزم دائما التعويض‬
‫عنها‪ ،‬ليس على أساس عدم مشروعية الفعل مصدر الضرر‪ ،‬ألن المسؤولية في هذه‬

‫‪ 1‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.490‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Josserand(L), Responsabilité du fait des choses inanimées ,Paris, A. Rousseau 1898,‬‬
‫‪p53.‬‬
‫‪ 3‬ليتالشى ما وجه من نقد حول افتقار النص القانوني الذي يقرر فكرة المخاطر‬

‫‪222‬‬
‫الحال ة ال يكون مصدرها خطأ عقدي أو تقصيري‪ ،‬لكن على أساس أن هذه المسؤولية‬
‫تفرض على الشخص بواسطة القانون مباشرة‪.‬‬

‫وبذلك فإن أساس نظرية مضار الجوار حسب الفقيه ‪ Josserand‬ال يتمثل في‬
‫الخطأ على أي صورة من صوره؛ انحراف عن السلوك المألوف للشخص المعتاد أو‬
‫التعسف في استعمال الحق وانما يقع الضرر برغم ممارسة النشاط في الحدود‬
‫المشروعة للحق بدون تعسف‪ ،‬وهنا يجب التعويض ال للخطأ وانما إعماال لفكرة أخرى‬
‫قوامها أن من يستفيد من نشاط معين يلحق ضر ار بغيره عليه أن يتحمل النتائج‬
‫الضارة التي تقع للغير بتعويضها‪ .‬فالجار قد استحدث مخاطر غير عادية بنشاطه‬
‫الذي يستفيد من أرباح‪ .‬وينتهي جوسران إلى أن هذه المسؤولية موضوعية العبرة فيها‬
‫الضرر الذي يحدث للغير‪ ،‬ال مسؤولية شخصية التي تقوم على الخطأ‪ .‬وهي تجد‬
‫مبرراتها في فكرتي العدالة والمساواة التي ينبغي أن تسود في عالقات الجوار‪.1‬‬

‫وقد ساير جانب من الفقه والقضاء الحديث هذه الفكرة خاصة بعد اعترافهم‬
‫بتفجر قواعد المسؤولية التقصيرية لتحملها أكثر من طاقتها‬

‫فذهب بعض فقهاء القانون‪ 2‬إلى تأسيس المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة على أساس نظرية المخاطر أو تحمل التبعة‪ ،‬وليس على أساس نظرية الخطأ‬
‫الواجب اإلثبات‪ .‬فاعتبر المالك الذي يستفيد من استعماله لحق ملكيته‪ ،‬ويستأثر‬
‫بالمواد التي تنتج عن هذا الحق‪ ،‬عليه مقابل ذلك أن يتحمل ما يصيب الغير من‬
‫أضرار غير المألوفة بسبب هذا االستعمال‪ ،‬ولو لم يصدر منه خطأ أو تعسف في‬
‫هذا االستعمال‪ .‬وذلك على أساس فكرة الغنم بالغرم‪ .‬فمن ينتفع من‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عطا سعد محمد حواس – األساس القانوني للمسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار‪-‬‬
‫المرجع السابق‪ -‬ص ‪ 692 ،694‬نقال عن ‪:‬‬
‫‪Josserand,not sur Poitiers, 29 janv.1923,D.2,1923 ;P53.et, De l’esprit des droit et de‬‬
‫‪leur relativité » Théorie dit de l’abus de droits », 2e éd,Paris, 1939,P21‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ripert (G) De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports avec les propriétés‬‬
‫‪voisines. Thèse. Op.cit. p336.‬‬

‫‪223‬‬
‫عمل‪ ،‬البد أن يتحمل مغارمه‪ ،‬كما كان له مغانمة‪ .‬إذ أن العدالة تأبى أن يتحمل‬
‫الغير الذي لم ينتفع بشيء هذه األضرار‪.‬‬

‫كما أخذ بعض الفقه المصري‪ 1‬بهذه النظرية ويرى أن الجار لم يتعسف ولم‬
‫يرتكب خطأ‪ ،‬حتى يمكن القول بإخضاعه للمسؤولية وفقا للقواعد العامة ومن ثم فإن‬
‫هذه المسؤولية تجد أساسها الصحيح وتأصيلها السليم على أساس موضوعي قائم على‬
‫فكرة المخاطر أو تحمل التبعة بعيدا عن أي خطأ أو تعسف‪ ،‬فالجار الذي يقوم‬
‫باستعمال حقه عليه أن يتحمل تبعة نشاطه‪ ،‬فطالما أنه يستفيد من هذا االستعمال‬
‫وقد ألحق بجاره ضر ار غير مألوف من جراء هذا النشاط العادي‪ ،‬فعليه الغرم كما كان‬
‫عليه الغنم‪.‬‬

‫ويتفق هذا التأصيل مع األساس الذي تقوم عليه فكرة التزامات الجوار بوجه عام‪،‬‬
‫ومضار الجوار بوجه خاص‪ ،‬فالجوار ضرورة اجتماعية تستلزم التضامن بين الجيران‪،‬‬
‫وبمقتضى هذا التضامن‪ ،‬يتحمل الجار ما يعتبر من األضرار المألوفة التي ال يمكن‬
‫تجنبها بين الجيران‪ ،‬لكنه يقتضى أيضا أن يتحمل صاحب الحق ما يصيب الجار من‬
‫أضرار غير المألوفة تتجاوز الحد المسموح به‪ .‬أي أن هذا التضامن يعنى وجود نوع‬
‫من توزيع األضرار بين الجيران‪ ،‬جزء يتحمله صاحب الحق‪ ،‬األضرار غير المألوفة‪،‬‬
‫وهو في هذا التوزيع ال ينظر إلى مسلك كل منهما‪ ،‬وانما يعتد فقط بالضرر وما إذا‬
‫كان مألوفا أم غير مألوف‪ ،‬فالمخاطر التي يخلقها الجوار يجب بمقتضى التضامن‬

‫‪ 1‬د‪ /‬محمد زهرة‪ ،‬الطبيعة القانونية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ‪ ،‬دراسة خاصة حول مسألة الخيرة‬
‫في القانون المصري والكويتي والفرنسي‪ ،‬مجلة المحامي‪ -‬مقال السابق‪ -‬ص ‪ .59- 59‬د‪ /‬نعمان محمد خليل جمعة‪،‬‬
‫الحقوق العينية األصلية – المرجع السابق‪ -‬ص‪ .50‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق‪ -‬ص ‪ .642‬ويبدو أن د‬
‫عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬في الوسيط الجزء ‪- 9‬المرجع السابق‪ -‬لم يستبعد تأسيس المسؤولية على فكرة تحمل‬
‫التبعة‪ ،‬هذا ما يستنتج من رأيه إذ يقول" فإذا قلنا بأن نص المادة ‪ 905‬مدني مصري ينشئ التزاما قانونيا في جانب‬
‫المالك‪ ،‬بعدم إصابة الجار بضرر غير مألوف‪ .‬قامت مسؤولية المالك في هذا القول على إخالل المالك بهذا االلتزام‬
‫القانوني‪ ،‬فوجب التعويض ويكون المالك الذي ألحق بجاره ضررا غير مألوف‪ ،‬قد خرق التزامه القانوني‪ ،‬فخالف‬
‫القانون‪ .‬ولكن هذه المخالفة القانونية ليست (خطأ) بالمعنى المعروف‪ ،‬فالخطأ هو انحراف عن سلوك الشخص‬
‫المعتاد‪ .‬وهنا لم ينحرف المالك عن هذا السلوك‪ ،‬فهو مسؤول‪ ،‬ال ألنه ارتكب الخطأ‪ ،‬بل ألنه يتحمل تبعة نشاطه‪،‬‬
‫فهو الذي يفيد من استعماله لملكه استعماال استثنائيا‪ ،‬فمن العدل أن يتحمل تبعة هذا االستعمال‪ ،‬والغرم بالغنم ‪"...‬‬

‫‪224‬‬
‫بين الجيران تحمل تبعتها معا والتجاوز فيها هو المألوف من األضرار‪ ،‬والزام صاحب‬
‫الحق بتعويض ما هو فاحش أو غير مألوف بغض النظر عن تقرير مسلكه‪.‬‬

‫كما يرى هذا الجانب أن هذا التأصيل يتفق واألحكام الخاصة بالمسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬إذا أن المسؤول عن األضرار‪ ،‬تنعقد مسؤوليته بمجرد‬
‫تحقق الضرر غير المألوف دون أن يكون له دحضها بإثبات أنه لم يرتكب خطأ‪ ،‬أو‬
‫أنه اتخذ االحتياطات الضرورية لمنع الضرر‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي مسؤولية موضوعية‬
‫قوامها تحقق الضرر وحده‪ ،‬وبالتالي فليس له دفع هذه المسؤولية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقد أخذت بعض المحاكم الفرنسية بهذا االتجاه فقضت محكمة نيس الفرنسية‬
‫وأيدتها في ذلك محكمة النقض‪ .‬بمسؤولية شركة ‪ Air France‬عن الصخب الناتج‬
‫عن هبوط واقالع الطائرات من مطار نيس‪ ،‬والذي سبب مضايقات للجيران تجاوز‬
‫النطاق الواجب تحمله‪ .‬وربطت المسؤولية بفكرة مخاطر المالحة الجوية‪ ،‬ذلك ألن‬
‫األضرار تجاوزت حدا معينا من الخطورة‪.‬‬

‫وقد تعرضت هذه النظرية للنقد كما يلي‪:‬‬


‫أن المسؤولية المنصوص عليها في المواد ‪ 6895‬و‪ 6/6894‬وما بعدها‬ ‫‪-‬‬
‫تقوم على الخطأ ثابتا كان أو مفترضا وليس من بينها نظرية تحمل التبعة‪ .‬ومن ثم ال‬
‫يجوز األخذ بها‪ .‬الفتقارها إلى النص التي تستند إليه‪ .‬وعلى فرض األخذ بها في‬
‫بعض الحاالت كإصاب ات العمل‪ ،‬فهذا ال يعنى أن إرادة المشرع قد اتجهت إلى‬
‫الخروج على القاعدة العامة في المسؤولية على أساس الخطأ‪.‬‬

‫إن األخذ بها يقتضي وجوب التعويض عن كافة األضرار التي تصيب‬ ‫‪-‬‬
‫الجار‪ .‬سواء أكانت هذه األضرار يسيرة أو جسيمة‪ .‬مألوفة أو غير مألوفة‪ .‬وذلك‬
‫عمال بالقاعدة العامة التي تقضي بالتعويض عن جميع األضرار‪ .‬بينما يختلف‬

‫‪1‬‬
‫‪Nice 09/12/1964, J.C.P.65,11. op.cit‬‬

‫‪225‬‬
‫الوضع فيما يتعلق بمضار الجوار‪ ،‬حيث أجمع الفقه والقضاء على وجود قدر معين‬
‫من المضار يجب تحملها دون إمكانية التعويض عنها‪.‬‬

‫أن هذه النظرية تؤدي إلى تعطيل الحياة االقتصادية ‪ ،‬إذ أن األفراد‬ ‫‪-‬‬
‫سيتقاعسون عن ممارسة حقوقهم خشية المسؤولية دون خطأ يرتكبونه‪ .‬فلو مارس‬
‫شخص حقه المشروع باتخاذ كافة االحتياطات الضرورية لتحاشى اإلضرار بالغير‪ ،‬ثم‬
‫ألحق بعض المضار بجاره من جراء نشاطه هذا‪ .‬فلو ألزم صاحب الحق هذا‬
‫التعويض تأسيسا على نظرية تحمل التبعة‪ .‬لكان معنى ذلك هو قتل الحافز الفردي‬
‫لديه‪ ،‬ألن في كل عمل أو نشاط للفرد ما يلحق بالغير ضررا‪ ،‬ومن ثمن فإنه بدال من‬
‫أن يعود عليه النشاط بالفائدة‪ ،‬فإنه سيعرضه للمطالبة بالتعويض‪ ،‬األمر الذي يكلفه‬
‫ما ال يطيق‪.1‬‬

‫وقد رد البعض‪ 2‬على هذه االنتقادات كما يلي‪:‬‬


‫ليس معنى مجرد عدم نص المشرع على اعتبار حالة مضار الجوار غير‬ ‫‪-‬‬
‫المألوفة من ضمن حاالت المسؤولية التي تأسس على نظرية تحمل التبعة أن تفقد‬
‫هذه الحالة طبيعتها‪ .‬فال شك أن التأصيل القانوني لمسألة من المسائل‪ ،‬ال يرتبط‬
‫بإرادة المشرع الذي يتقاعس‪ ،‬أو يهمل‪ ،‬فالعيب قد يكون في المشرع‪ ،‬ال في الفكرة‬
‫ذ اتها‪ ،‬ومن ثم يستطيع المشرع أن ينص على تلك الحالة‪ ،‬باعتبارها مسؤولية تقوم‬
‫على أساس من تحمل التبعة‪ ،‬كما نص على الحاالت األخرى‪ .‬كما أنه بوجود النص‬
‫الذي يقرر هذه المسؤولية فألمر ال يثير صعوبة في تأسيسها على نظرية تحمل‬
‫التبعة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Carbonnier Jean, Droit civil, les obligations, op.cit.p59.‬‬ ‫‪-Cosmas(y),Les troubles de‬‬
‫‪voisinage, thèse. Op.cit. p107. Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de‬‬
‫‪voisinage, thèse.op.cit.p74.‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق‪ -‬ص ‪620‬‬

‫‪226‬‬
‫أنه ليس معنى األخذ بنظرية تحمل التبعة كأساس للمسؤولية عن مضار‬ ‫‪-‬‬
‫الجوار غير المألوف‪ ،‬هو تحمل المسؤول عن األضرار دائما لكافة النتائج الضارة‬
‫المترتبة على نشاطه الذي يستفيد منه‪ .‬فليس هناك ما يمنع المشرع من تقييد نطاق‬
‫تطبيق النص‪ ،‬بحيث يحدد مقدار الضرر الذي يتحمله ويحصره في حدود معينة‪.‬‬
‫وهذا ما فعلته بعض التشريعات حين ألزمت الجار على تحمل قدر معين من مضار‬
‫الجوار التي جرت العادة بين الجيران على التسامح فيها‪ ،‬دون إمكانية طلب التعويض‬
‫عنها‪ ،‬وقصرت التعويض على حالة المضار غير المألوفة فقط بنص القانون وال‬
‫اجتهاد مع صراحة النص‪.1‬‬

‫إن األخذ بنظرية تحمل التبعة لتأصيل المسؤولية عن مضار الجوار غير‬ ‫‪-‬‬
‫المألوفة يجب أن يكون في حدود الفكرة التي تقوم عليها التزامات الجوار بوجه عام‪،‬‬
‫وهي التضامن االجتماعي‪ ،‬وهي تعني توزيع األضرار على الطرفين معا‪.2‬‬

‫‪ -‬أن الخوف من تقاعس األفراد ‪ ،‬وما يترتب على ذلك من انعدام المبادرة‬
‫والسلبية والجمود‪ ،‬خشية شبح المسؤولية وتفاديا للتعويض المرهق الذي يطالب به‬
‫الجار المضرور ال محل له من ناحيتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن التعويض ال يشمل الضرر الذي لم يتجاوز الحد المألوف‪ .‬أما إذا‬
‫تجاوز الضرر الحد المألوف‪ ،‬وبقي في نطاق الضرر غير المألوف‪ ،‬فهذا هو الذي‬
‫يشمله التعويض فقط‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن الضرر غير المألوف الذي يحدث‪ ،‬ويكون جبره كبيرا‪ ،‬كما في حالة‬
‫األضرار الناتجة عن االستغالل الصناعي أو التجاري‪ ،‬فإنه لتجنب مغبة المطالبة‬
‫المرهقة بالتعويض‪ ،‬يمكن اللجوء إلى التغطية التأمينية‪ ،‬المتمثلة في التأمين‬

‫‪ 1‬في نفس المعنى د‪ /‬محمد زهرة – المرجع السابق‪ -‬ص‪.80‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬محمد الزهرة – المقال السابق‪ -‬ص‪ .55 ،56‬وقد اعترض البعض على هذا الرأي بأنه يحتوى على نوع من‬
‫المصادرة على المطلوب‪ ،‬فهو قد بدأ من اعتبار المالك لم يخطئ مع أن المطلوب إثباته هو هل أخطأ أو لم يخطئ‪.‬‬
‫كما أنه عند وجود النص يعتبر أنه أخطأ حتى ولو كان تصرفه كتصرف الرجل العادي ألن اإلخالل بالنص يعتبر‬
‫خطأ(د‪ /‬زكي زكي حسن زيدان‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪ .600‬ويرد على هذا النقد أن الفقهاء فرقوا بين مصدر‬
‫المسؤولية وأساسها‪ .‬واعتبروا مصدر المسؤولية السبب الذي يلزمنا بتعويض الضرر الحاصل للغير‪ .‬وأن مصادر‬
‫القانون ال تخرج عن اإلرادة والقانون‪ ،‬أما أساس المسؤولية فيقصد به السبب الذي من أجله يضع عبء تعويض‬
‫الضرر الحاصل على عاتق شخص معين‪ .‬كما سبق اإلشارة له‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫من المسؤولية المتعل قة بالنشاط الذي يمارس‪ ،‬ومن ثم لم يعد هناك ما يدعو إلى‬
‫الخوف من شبح المسؤولية‪.1‬‬

‫خالصة المبحث‪:‬‬
‫تنوعت اآلراء الفقهاء وتعددت واختلفت حول األساس القانوني للمسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬فأسسها فقهاء الشريعة تارة على أساس التعسف في‬
‫استعمال الحق وتارة أخرى على أساس تحمل التبعة‬

‫كما ترتب على غياب النص التشريعي المتعلق بنظرية مضار الجوار في فرنسا‬
‫تضارب اآلراء حول تحديد األساس القانوني الذي تقوم عليه المسؤولية في حالة‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬لكن تكريس القضاء الفرنسي لهذه النظرية ترتب عليه‬
‫مساءلة كل من يتجاوز الحد المألوف من األضرار المتعارف عليها في محيط‬
‫الجوار‪ .2‬مما جعل جانب من الفقه الفرنسي إلى إقامتها على أساس فكرة الخطأ‬
‫باعتبارها مالذ كثير من الفقهاء وسندا يلجأ إليه القضاء لتبرير كثير من الحلول‬
‫القانونية‪ .‬إال أنهم اختلفوا في مضمون الخطأ المرتكب من قبل محدث الضرر‪.‬‬
‫فتعددت آرائهم في هذا الشأن فمنهم من أسسها على الخطأ الواجب اإلثبات‪ ،‬ومنهم‬
‫من أسسها على فكرة التعسف‪ ،‬ومنهم من افترض الخطأ‪ ،‬وآخر أسسها على رفض‬
‫المالك التعويض‪ ،‬وآخر أسسها على اإلخالل بالتزام الجوار‪ .‬غير أن كل هذه‬
‫االتجاهات ا لتي أسست المسؤولية على أساس الخطأ لم تسلم من النقد‪ .‬نظ ار ألنهم لم‬
‫يبينوا الخطأ من خالل مسلك الجار في هذه المسؤولية فقد استنتجوا الخطأ من خالل‬
‫الضرر غير المألوف الذي لحق الجار المضرور فالمالك الذي استعمال حقه وألحق‬
‫بجاره ضر ار غير مألوف قد خرج عن حدود الحق‪ .‬والخروج عن حدود الحق خطأ‬
‫بالمعنى المعروف‪ ،‬إذ هو انحراف عن سلوك المألوف للشخص المعتاد‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬أبو زيد عبد الباقي – المقال السابق‪ -‬ص ‪625‬‬

‫‪ 2‬د‪ /‬زليخة لحميم‪ ،‬المسؤولية الناجمة عن األضرار البيئية في ضوء القوانين الوضعية واالتفاقيات الدولية – رسالة‬
‫دكتوراه‪-‬كلية الحقوق جامعة الجزائر‪ 6‬سنة ‪. 5064‬‬

‫‪228‬‬
‫وقد وجهت لهذا االتجاه االنتقادات الشديدة ألن الضرر نتيجة البد أن يكون لها سبب‬
‫هو أساس المسؤولية محل الدراسة وال يمكن االعتداد بالسبب من خالل النتيجة التي‬
‫يؤدى إليها‪ .‬والعمل بهذا يشكل خلطا واضحا بين فكرتي الخطأ والضرر‪ .‬كما فشل‬
‫أنصار فكرة الخطأ من تأسيس المسؤولية على أساس افتراض الخطأ والذي القى‬
‫بدوره نقدا وجيها كما وضحت‪.‬‬

‫أمام عدم تمكن فكرة الخطأ من استيعاب المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة لتحميلها فوق طاقتها لجأ البعض اآلخر إلى تأسيس المسؤولية على أساس‬
‫موضوعي بعيدا عن فكرة الخطأ فذهب البعض إلى تأسيس المسؤولية على أساس‬
‫االستعمال االستثنائي أو غير العادي لحق الملكية وذهب البعض اآلخر إلى أن‬
‫أساس المسؤولية قائم على فكرة إعادة التوازن بين حقوق الملكية الواردة على العقارات‬
‫المتجاورة وذهب فريق آخر إلى أن أساس المسؤولية قائمة على فكرة الضمان ‪،‬‬
‫وذهب فريق رابع إلى أن أساس المسؤولية هو فكرة المخاطر أو تحمل التبعة وهو‬
‫الرأي المرجح عندي كما سيأتي بيانه‪.‬‬

‫أما بالنسبة للفقه المصري فبوجود النص التشريعي الذي نظم هذه المسؤولية متأث ار‬
‫بالفقه اإلسالمي والقضاء الفرنسي فال يوجد خالف كبير فيه فانحصر في تأسيس‬
‫البعض لهذه المسؤولية على أساس فكرة التعسف والذي اعتباره البعض خطأ واستبعد‬
‫البعض اآلخر أن يكون التعسف خطأ‪ .‬كما اختلفوا في دمج المادة ‪ 905‬مدني‬
‫مصري ضمن صور التعسف المنصوص عليها في المادة الخامسة مدني مصري‪.‬‬
‫وهناك اتجاه أقام المسؤولية على أساس موضوعي بعيدا عن فكرة التعسف أو الخطأ‬
‫فرآه البعض أنه قائما على فكرة إقامة التوازن بين حقوق المتجاورة‪ .‬وآخر أقامه على‬
‫أساس تحمل التبعة وهو االتجاه الذي أرجحه كما سيأتي بيانه‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫أساس المسؤولية في القانون الجزائري‬

‫نظم المشرع الجزائري العالقات الجوارية‪ ،‬وأقر مسؤولية المالك عن مضار الجوار‬
‫غير المألوف‪ ،‬وميز بين المضار غير المألوفة التي ال يمكن تسامح فيها فأقام‬
‫مسؤولية المالك عليها وألزمه بتعويضها‪ ،‬وبين المضار المألوفة التي ال تقيم المسؤولية‬
‫والتي يجب على الجار تحملها‪.‬‬

‫فبوجود نص المادة ‪ 196‬مدني جزائري التي نظمت هذه المسؤولية لم يعد أمام‬
‫الفقه والقضاء سوى االنصياع لصراحة النص وتفسيره وتطبيقه‪ ،‬إال أن الفقه الجزائري‬
‫لم يتفق على تأصيل هذه المسؤولية‪ .‬خاصة وقد سبق اإلشارة إلى أن المقصود من‬
‫أساس المسؤولية هو تبرير هذه المسؤولية وردها إلى فكرة محددة تقضى الجزاء‬
‫المحدد لها‪ ،‬وقد فرق بعض الفقهاء كما سبق بيانه بين مصدر المسؤولية وأساسها‪،‬‬
‫حيث يقصد بمصدر المسؤولية السبب الذي ُيلزمنا بتعويض الضرر الحاصل للغير‪.‬‬
‫وبناء عليه ال تخرج مصادر القانون عن اإلرادة والقانون‪ .‬أما أساس المسؤولية فيقصد‬
‫به السبب الذي من أجله يضع القانون عبء تعويض الضرر الحاصل على عاتق‬
‫شخص معين‪.‬‬

‫ومنه وجب علينا البحث عن أساس المسؤولية في القانون الجزائري وذلك بتقسيم‬
‫هذا المبحث إلى مطلبين‬

‫المطلب األول‪ :‬موقف المشرع الجزائري من نظرية مضار الجوار غير‬


‫المألوفة‬
‫المطلب الثاني‪ :‬استبعاد نظرية الخطأ وترجيح نظرية تحمل التبعة‬

‫‪230‬‬
‫المطلب األول‪ :‬موقف المشرع الجزائري من نظرية مضار الجوار‬
‫غير المألوفة‬
‫يرى البعض إذا كان الفقه الفرنسي قد اختلف في أساس مسؤولية المالك عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة بسبب عدم وجود نص قانوني بشأن ذلك‪ ،‬واذا كانت‬
‫عبارة " الغلو" في القانون المصري قد أثارت جدال فقهيا بشأن تكييفها‪ ،‬فإن المادة‬
‫‪ 196‬من القانون المدني الجزائري في فقرتها األولى صريحة في قولها " يجب على‬
‫المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر الجار‪ "...‬يكون بذلك المشرع‬
‫الجزائري قد فصل في المسألة وحدد لنا أساس مسؤولية المالك عن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة وهو التعسف‪.1‬‬

‫وبذلك يكون المشرع الجزائري قد أقام مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة التي يلحقها بجاره على قيد عام‪ ،‬هو عدم استعمال حق الملكية استعماال‬
‫تعسفيا‪ ،‬وقد اختار المشرع لفظ التعسف في وصف األفعال التي تؤدي إلى اإلضرار‬
‫بالجار أض ار ار غير مألوفة‪ .‬والتعسف حسب نص هذه المادة هو كل عمل يحدث‬
‫ضر ار غير مألوف بالجار‪ .‬فالمعيار هو الضرر غير المألوف‪ ،‬وهو معيا ار مرنا ال‬
‫قاعدة جامدة كما سبق اإلشارة له‪ ،‬ألن المشرع وضع بعض المعايير التي تساعد‬
‫القاضي في تحديد مدى مألوفية الضرر من عدمه إلقامة المسؤولية أو استبعادها‪.‬‬

‫لذا ذهب جمهور من الفقه القانوني إلى القول بأن أساس المسؤولية عن مضار‬
‫الجوار غير المألوفة هو التعسف في استعمال الحق‪ .‬وأن المادة ‪ 196‬ليست سوى‬
‫تطبيقا من تطبيقات نظرية التعسف ‪ ،‬وقد أضاف النص معيا ار جديدا إلى المعايير‬
‫الثالثة المذكورة في المادة‪ 654‬مكرر‪ .‬وهو عدم مألوفية الضرر‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬رشيد شميشم – المرجع السابق‪ -‬نقال عن د‪ /‬فريدة محمدي زواوي‪ -‬نظرية الحق‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المؤسسة‬
‫الوطنية للفنون والطباعة‪ ،‬وحدة الرغاية‪،‬الجزائر‪،6999،‬ص‪.624‬‬

‫‪231‬‬
‫ولمناقشة هذا الرأي البد من التطرق للتعسف في استعمال الحق في التشريع‬
‫الجزائري‪ ،‬ثم البحث عن مدى عالقة التعسف في استعمال الحق بنظرية مضار‬
‫الجوار غير المألوفة وذلك في فرعين‬

‫أتناول في الفرع األول‪ :‬التعسف في استعمال الحق في التشريع الجزائري‬


‫وفي الفرع الثاني‪ :‬عالقة المادة ‪ 654‬مكرر بالمادة ‪ 5/196‬من القانون المدني‬

‫الفرع األول‪ :‬التعسف في استعمال الحق في التشريع الجزائري‪:‬‬


‫تناول المشرع الجزائري التعسف في استعمال الحق قبل تعديل القانون المدني‬
‫في‪ 5002‬في المادة ‪ 46‬منه والتي نصت" يعتبر استعمال الحق تعسفيا في األحوال‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫إذا وقع بقصد اإلضرار بالغير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير‬ ‫‪-‬‬
‫إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة"‬ ‫‪-‬‬

‫أدت هذه الصياغة إلى انتقاد شديد للمشرع وذلك من الجانبين الشكلي‬
‫والموضوعي‪.‬‬

‫فمن الناحية الشكلية انتقد تنظيم المشرع لهذه النظرية حين أوردها قبل التعديل‬
‫في الفصل األول األشخاص الطبيعية من الباب الثاني األشخاص الطبيعية‬
‫واالعتبارية من الكتاب األول أحكام عامة من القانون المدني‪ .‬ألن تناول هذه النظرية‬
‫في المادة ‪ 46‬من الفصل األول المعنون باألشخاص الطبيعية‪ ،‬ويستنتج أنها ال تسري‬
‫على األشخاص االعتبارية ما دامت قد خصص لها الفصل الثاني هذا من جهة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد وضع هذا النص ضمن مواد متعلقة بأحكام األهلية التي‬

‫‪232‬‬
‫ليس لها عالقة بنظرية التعسف‪ .‬وتجدر اإلشارة أن المشرع الجزائري قد خالف‬
‫التشريعات العربية بما فيها التشريع المصري التي أوردت النص ضمن الباب‬
‫التمهيدي للقانون المدني‬

‫ومن الناحية الموضوعية فقد خالف المشرع الجزائري نظيره المصري‪ 1‬الذي‬
‫استمد منه أحكام نظرية التعسف‪ ،‬بعدم تناوله القاعدة العامة التي تقضي بأنه من‬
‫استعمل حقه استعماال مشروعا ال يكون مسؤوال عما ينشأ عن ذلك من ضرر يصيب‬
‫الغير‪ ،‬فنظرية التعسف هي استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بأن األصل في‬
‫األفعال هو اإلباحة لذا وجب ذكر القاعدة العامة‪.‬‬

‫كما أورد المشرع حاالت التعسف على سبيل الحصر باستعمال عبارة تدل على‬
‫ذلك وهي عبارة " يعتبر استعمال الحق تعسفيا في األحوال التالية"‪ ،‬فعبارة األحوال‬
‫التالية تفيد الحصر‪ ،‬وبذلك لم يترك فرصة للقاضي إلمكانية استنباط معايير أخرى‬
‫للتعسف‪ ،‬ويكون بذلك قد قيد حرية القاضي في االجتهاد‪.‬‬
‫غير أنه رغم االنتقادات الموجهة إلى المشرع الجزائري‪ ،‬إال أن تنظيمه لهذه‬
‫النظرية يتضمن مزايا التي جاوز بها مضمون النظرية في القانون المصري وهي‬
‫استعمال المشرع الجزائري عبارة التعسف متفاديا بذلك عبارة العمل غير المشروع‬
‫على عكس كل التشريعات العربية األخرى‪ .‬وبهذا يكون المشرع قد أعطى للنظرية‬
‫مدلوال أوسع من المدلول التي أعطته لها التشريعات العربية وخاصة القانون المصري‬
‫وهو المصدر التاريخي الذي استمدت منه‪ ،‬كما أن المشرع الجزائري حذف كلمة"‬
‫سوى" التي أدرجها المشرع المصري في المعيار األول‪ ،‬مما أعطى للنظرية مجاال‬
‫أوسع‪ ،‬كذلك الحال بالنسبة لعبارة "ال تتناسب البتة" التي أسقطها من المعيار الثاني‪.‬‬
‫إذ يالحظ أن المشرع المصري قد ضيق من مجال النظرية في هذا‬

‫‪ 1‬تنص المادة ‪ 4‬من القانون المدني المصري" من استعمل حقه استعماال مشروعا ال يكون مسؤوال عما ينشأ عن‬
‫ذلك من ضرر"‬
‫وتنص المادة ‪ 2‬من القانون المدني المصري" يكون استعمال الحق غير مشروع في األحوال التالية‪( :‬أ) إذا لم‬
‫يقصد به سوى اإلضرار بالغير (ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة األهمية‪ ،‬بحيث ال تتناسب البتة‬
‫مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها‪(.‬ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة‪".‬‬

‫‪233‬‬
‫المعيار حين صاغها على هذا النحو "إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير‬
‫مشروعة" وفي المقابل فإن المشرع الجزائري قد صاغها على هذا النحو" إذا كان يرمي‬
‫إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير"‪ .‬فاشترط فقط اختالل‬
‫التوازن بينما المشرع المصري اشترط انهيار التوازن وبالتالي فإن ذلك يضيق من دائرة‬
‫تطبيق هذه النظرية‪.1‬‬

‫أما بعد تعديل القانون المدني بموجب قانون ‪ 60-02‬المؤرخ في ‪50‬‬


‫يونيو‪ ،5002‬نالحظ أن المشرع غير من موقع نظرية التعسف من المادة ‪ 46‬والتي‬
‫أصبحت ملغاة إلى المادة ‪ 654‬مكرر من القانون المدني كما أعاد صياغتها لتصبح‪:‬‬
‫يشكل االستعمال التعسفي للحق خطأ السيما في الحاالت التالية‪:‬‬
‫إذا وقع بقصد اإلضرار بالغير‬ ‫‪-‬‬
‫إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير‬ ‫‪-‬‬
‫إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة"‬ ‫‪-‬‬

‫يرى البعض أن الموقع الذي اختاره المشرع لنظرية التعسف وهو المادة‬
‫‪654‬مكرر يجعلها تنطبق على األشخاص الطبيعية واألشخاص المعنوية خاصة إذا‬
‫علمنا أن المشرع قد أعاد صياغة المادة ‪ 654‬ذاتها وأدخل فيها عبارة الشخص بدال‬
‫من عبارة المرء وذلك للتدليل على إمكانية قيام مسؤولية الشخص االعتباري المدنية‬
‫تماما مثل الشخص الطبيعي‪ .‬وأن المشرع قد نجح في اختيار المكان المناسب‬
‫للنظرية وهو الفصل الثالث من الباب األول من الكتاب الثاني من القانون المدني‬
‫تحت عنوان الفعل المستحق للتعويض‪ ،‬ألن التعسف في استعمال الحق هو عمل‬
‫يترتب عليه ضرر يصيب الغير ويولد التزاما بالتعويض فإن أنسب مكان للنظرية‪ ،‬إن‬
‫لم يكن في النصوص األولى من الباب التمهيدي‪ ،‬هو هذا المكان ولو من الناحية‬
‫الشكلية‪ .‬والمالحظ أن الموقع الذي اختاره المشرع لنظرية التعسف أحدث تأثي ار‬

‫‪ 1‬د‪ /‬بوبكر مصطفى‪ ،‬الطبيعة القانونية لنظرية التعسف في استعمال الحق على ضوء تعديل القانون المدني رقم‬
‫‪ 60-02‬الموافق ل‪ 50‬يونيو ‪ ،5002‬المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة تيزي وزو‪،‬‬
‫العدد‪ 6‬سنة ‪ 5066‬ص ‪ 552‬وما يليها‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫واضحا على طبيعتها القانونية وحسم االختالف الفقهي بطريقة صريحة حين نص في‬
‫المادة ‪ 654‬مكرر على أنه يشكل استعمال التعسفي للحق خطأ وعدد بعض صور‬
‫التعسف‪.1‬‬

‫وقد أثار موقع النص قبل التعديل تساؤالت الفقه حول عالقة التعسف في‬
‫استعمال الحق بالمسؤولية التقصيرية وال سيما عنصر الخطأ‪.‬‬

‫فذهب البعض إلى أنه ال عالقة بين األمرين‪ ،‬ألن المشرع الجزائري أخذ بنظرية‬
‫التعسف في استعمال الحق كنظرية مستقلة عن نظام المسؤولية التقصيرية قبل تعديل‬
‫القانون المدني سنة ‪ .5002‬وما يؤكد ذلك عدم النص على النظرية ضمن نصوص‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ .‬لكن المشرع سنة ‪ 5002‬حين ألغى نص المادة ‪ 46‬ونقله إلى‬
‫المادة ‪ 654‬مكرر‪ ،‬أصبح التعسف تطبيقا من تطبيقات العمل غير المشروع‪ .‬ورغم‬
‫أن التعديل كان جوهريا إال أنه بقي محافظا على المعايير نفسها التي نصت عليها‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ ،46‬فالتعديل شمل مسألة التكييف القانوني للفعل التعسفي ولم يشمل معاييره‪.‬‬

‫في حين يرى البعض اآلخر أن عالقة التعسف في استعمال الحق بالمسؤولية‬
‫المدنية هي عالقة طبيعية‪ ،‬حيث يتمثل جزاء التعسف في استعمال الحق في‬
‫التعويض الذي هو جوهر المسؤولية المدنية ‪ .‬كما أن حاالت التعسف ما هي إال‬
‫صورة من صور الخطأ‪ .3‬وأكد ذلك المشرع الجزائري حين اعتبر التعسف خطأ بعد‬
‫التعديل الذي أورده على القانون المدني بتغييره لموقع المادة‪ .46‬وحسنا فعل بتغييره‬
‫هذا ألن النص كان ضمن النصوص التي تناولت األهلية‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬بوبكر مصطفي‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.596 ،590‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬رشيد شميشم – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ 651‬و‪655‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬علي فياللي االلتزامات الفعل المستحق للتعويض – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ . 18‬أ‪ /‬خنوف حضرية ‪ ،‬تطور‬
‫فكرة الخطأ في المسؤولية التقصيرية والعقدية – رسالة ماجستير‪ -‬كلية الحقوق بن عكنون جامعة الجزائر ‪.5060‬‬
‫ص ‪.15‬‬

‫‪235‬‬
‫كما أن المشرع الجزائري حين ألغى وغير من موقع المادة‪ 46‬وأدرجها في‬
‫‪ 654‬مكرر تحت عنوان القسم األول المسؤولية عن األفعال الشخصية من الفصل‬
‫الثالث الفعل المستحق للتعويض من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود‪ ،‬عدل الفقرة‬
‫األولى فحسم اتجاهه باتخاذه الرأي الذي يعتبر التعسف خطأ وأن حاالت التعسف ما‬
‫هي إال صورة من صور الخطأ حين نص " يشكل االستعمال التعسفي للحق خطأ‬
‫السيما في الحاالت‪."...‬‬

‫والجدير بالذكر أنه طبقا لقواعد المسؤولية عن األفعال الشخصية فإن على‬
‫المضرور أن يثبت بأن صاحب الحق وهو يستعمله قصد إلحاق الضرر به‪ .‬وهذا‬
‫القصد يثبت بجميع طرق اإلثبات‪ ،‬منها القرائن المادية‪.1‬‬

‫وقد أورد المشرع الجزائري قبل التعديل حاالت التعسف في استعمال الحق‬
‫على سبيل الحصر حكمه حكم المشرع المصري وذلك لنصه في المادة ‪" 46‬يعتبر‬
‫استعمال الحق تعسفيا في األحوال اآلتية" وهو بهذه العبارة يكون قد حصر حاالت‬
‫التعسف في الحاالت الثالثة التي ذكرها‪ .‬غير أن المشرع بعد إلغاء المادة ‪46‬‬
‫واضافة المادة ‪654‬مكرر غير من هذه العبارة وذلك كما يلي " يشكل االستعمال‬
‫التعسفي للحق خطأ ال سيما في الحاالت التالية‪ .‬فعبارة ال سيما تفيد المثال ال‬
‫الحصر‪ .‬وبذلك يكون المشرع الجزائري فتح المجال لحاالت أخرى تضاف إلى نظرية‬
‫التعسف‪.‬‬

‫ويرى البعض أن المعايير الواردة في نص المادة ‪ 654‬مكرر كان من المفروض‬


‫أن ينص عليها المشرع على سبيل الحصر ال المثال حتى يكون منسجما مع فلسفة‬
‫استعمال الحقوق التي تقوم على حرية االستعمال كأصل والمسؤولية عن ذلك‬
‫كاستثناء‪ ،‬ويمكن للمشرع أن يضيف معايير أخرى في مواقع محددة وتعتبر حينها‬
‫معايير خاصة تخضع لها حقوق محددة‪ ،‬فينتهي األمر إلى اعتبار المعايير‬

‫أ‪ /‬خنوف حضرية –الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪236‬‬
‫العامة للتعسف محددة على سبيل الحصر‪ ،‬والمعايير الخاصة غير محددة ألن‬
‫المشرع يستطيع أن يضيف أي معيار يراه مناسبا بشرط أن يحدد مجال تطبيقه‪،‬‬
‫وبالتالي يرى أن معيار تجاوز مضار الجوار غير المألوفة يدخل ضمن الطائفة الثانية‬
‫أي أنه معيار خاص بالملكية العقارية فحسب‪.1‬‬

‫والرأي عندي أن معيار تجاوز مضار الجوار غير المألوفة يدخل ضمن طائفة‬
‫المعيار الخاص بالجوار لكنني أوسع فيه ليشمل العقارات والمنقوالت ذلك ألن التجاور‬
‫أصبح يشمل كل منهما كما سبق اإلشارة إليه في الباب األول‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عالقة المادة ‪ 124‬مكرر بالمادة ‪ 2/191‬من القانون‬


‫المدني‪.‬‬

‫للبحث عن عالقة المادة ‪ 654‬مكرر بالمادة ‪ 5/196‬من القانون المدني الجزائري‬


‫البد من البحث عن إمكانية دمج المادة ‪ 5/196‬مدني جزائري ضمن أحد معايير‬
‫التعسف المنصوص عليها في المادة‪ 654‬مكرر‪ .‬ثم البحث إن كانت المادة‪5/196‬‬
‫معيا ار لم تنص عليه المادة ‪654‬مكرر‪ .‬خاصة وأن المشرع الجزائري تناول المعايير‬
‫على سبيل المثال ال الحصر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬معايير التعسف المنصوص عليها في المادة ‪ 124‬مكرر‬


‫يقصد بمعايير التعسف‪ ،‬تلك الضوابط التي يعرف من خاللها توافر الوصف‬
‫التعسفي في استعمال الحق‪ ،‬والتي تفصح في مجموعها عن حقيقة نظرية التعسف في‬
‫استعمال الحق‪ .2‬وتتمثل هذه المعايير في‪:‬‬
‫‪ -‬إذا وقع بقصد اإلضرار بالغير‬
‫إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير‬ ‫‪-‬‬
‫إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬رشيد شميشم – المرجع السابق‪ -‬ص ‪616‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق‪-‬ص ‪.590‬‬

‫‪237‬‬
‫وهذه المعايير منها ما هو شخصي ومنها ما هو موضوعي‪.‬‬
‫أ‪-‬استعمال الحق بنية اإلضرار بالغير‪:‬‬
‫يعد هذا المعيار من أقدم المعايير وأكثرها انتشا ار في الشرائع المختلفة‪ ،‬وذلك ناتج‬
‫عن كثرة استعمال األفراد لحقوقهم من القدم بهدف اإلضرار بالغير‪ .‬ويكون الشخص‬
‫متعسفا في حقه إذا لم يقصد به سوى اإلضرار بالغير‪ .‬فالحقوق تتقرر لتحقيق‬
‫المصالح ال لإلضرار باآلخرين‪ .‬فمعيار التعسف قوامه وجود قرينة اإلضرار لدى‬
‫صاحب الحق حيث يكون قصد اإلضرار‪ ،‬وهو العامل األساسي الذي دفع صاحب‬
‫الحق إلى استخدام السلطات التي يتضمنها فيعتبر صاحب الحق متعسفا ولو نتج عن‬
‫‪1‬‬
‫هذا االستعمال منفعة غير مقصودة ولكن بصفة ثانوية‬

‫وعليه فمن المتفق عليه في جل الفقه العربي والمقارن وجل التشريعات أن‬
‫استعمال الحق بقصد اإلضرار بالغير يعتبر تعسفا‪ ،‬والذي من خالله يتحمل المتعسف‬
‫المسؤولية عن األضرار التي عرضها للغير‪ .‬كما أن استعمال الحق بقصد اإلضرار‬
‫يعد خطأ تقصيري‪ .‬وعليه من السهل القول بأن التعسف يعد تطبيق لمفهوم الخطأ‪،2‬‬
‫الذي يعتمد على نية صاحب الحق‪ ،‬وأمام صعوبة إثباته اتخذ القضاء والفقه قرائن‬
‫على هذا القصد من بينها انتفاء المصلحة أو ضآلتها بالمقارنة مع الضرر الالحق‬
‫بالغير‪ ،‬أو إذا كان صاحب الحق يتخير الطرق األكثر إض ار ار بالغير أي أنه كان‬
‫بإمكانه استعمال حقه على نحو آخر يجنبه اإلضرار بالغير‪ ،‬وال يكلفه خسائر‪.3‬‬

‫‪ 1‬بلحورابي سعاد‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ -‬رسالة‬
‫ماجستير‪ -‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬سنة ‪.5064‬ص ‪ 68‬نقال عن أحمد‬
‫شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬النظرية العامة للحق‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬مصر ‪.5002‬ص‪. 569‬‬
‫‪ 2‬في هذا المعني‪ ،‬عبد الرحمان محجوبي‪ -‬التعسف في استعمال الحق وعالقته بالمسؤولية المدنية‪ -‬رسالة‬
‫ماجستير‪ -‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪،6‬سنة ‪. 5005‬نقال عن‪:‬‬
‫‪Mazeaud(H.L) et Tunc(A), par H.Capitant,Traité théorique et pratique de la‬‬
‫‪responsabilité civil, tome1,op cit, p434.‬‬
‫‪ 3‬حجاج مبروك ‪ ،‬التعسف في استعمال الحق بين نظام المسؤولية التقصيرية والنظام المستقل‪ -‬رسالة ماجستير‪-‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،6‬سنة ‪،5064‬ص‪99‬‬

‫‪238‬‬
‫وعليه يعد تعسفا إذا كان قصد اإلضرار هو القصد الرئيسي لصاحب الحق‪ ،‬ولو‬
‫صاحب هذا القصد نفع له‪ .‬وأن معيار استعمال الحق بقصد اإلضرار بالغير هو‬
‫معيار شخصي‪ .1‬فليس من السهل إثباته ألنه يقتضي البحث في ضمير الشخص‪.‬‬
‫لكن يمكن أن يستدل عليه بمسلك الشخص العادي‪.‬‬

‫فإذا استعمل شخص حقه ولم يقصد به سوى اإلضرار بالغير تحمل مسؤولية‬
‫فعله الضار‪ ،‬كما لو أقام الجار جدا ار ال يحقق له أي منفعة‪ ،‬وانما فعل ذلك بقصد‬
‫اإلضرار بجاره بحجب النور والهواء عن الغرفة المواجه للجدار‪ ،‬أو أن يقيم شخص‬
‫مدخنة في داره لإلضرار بجاره‪ ،‬أو أن يغرس أشجا ار في أرضه بقصد حجب النور‬
‫عن جاره‪ .‬كان متعسفا في استعمال حقه وأن هذه الحالة تعتد بمعيار شخصي أو‬
‫نفسي في تقرير إساءة استعمال الحق وهو قصد اإلضرار‪ ،‬وعلى المضرور إثبات أن‬
‫الجار محدث الضرر لم يقصد من استعمال حقه سوى اإلضرار به‪ ،‬أما إذا لم يقم‬
‫دليل على قصد اإلضرار‪ ،‬فإن القضاء جرى على استخالص هذه النية من انتفاء كل‬
‫مصلحة من استعمال الحق متى كان صاحبه على بينة من ذلك‪.2‬‬

‫ب‪ -‬إذا كان استعمال الحق يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر‬
‫الناشئ للغير‪:‬‬
‫ال يكفي أن تكون لصاحب الحق مصلحة ولو مشروعة في استعمال حقه حتى‬
‫تنقضي عنه شبهة التعسف‪ ،‬بل ينبغي أن تكون هذه المصلحة ذات قيمة تبرر ما قد‬
‫يصيب الغير من ضرر من جراء استعمال الحق‪ ،‬أما إذا كانت المصلحة تافهة‬

‫‪1‬‬
‫‪Terki, Les obligation (Responsabilité civile et régime général. O.P.U. Alger 1982.p 57‬‬
‫‪et 58.‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬مالك جابر حميدي الخزاعي – إساءة استعمال الحق خطأ تقصيريا يلزم من صدر منه بتعويض الضرر الناشئ‬
‫عنه – مجلة جامعة بابل ‪،‬العلوم اإلنسانية‪ ،‬مجلد‪، 65‬العدد‪، 5‬سنة ‪ .5009‬ص‪.800 ،599‬‬

‫‪239‬‬
‫بالقياس إلى الضرر الذي يعود على الغير‪ ،‬بحيث ال يوجد تناسب بينهما يصبح‬
‫استعمال الحق أم ار غير مشروع‪ ،‬فنرجع مصلحة الغير على استعمال حق الفرد‪.1‬‬

‫وعليه فإن استعمال الحق أمر مشروع‪ ،‬بغض النظر عن أهمية الفائدة التي يسعى‬
‫الفرد للحصول عليها‪ ،‬ما لم يترتب عن ذلك ضرر للغير‪ .‬غير أن الضمير‬
‫االجتماعي ال يسمح باستعمال الحق إذا كان يلحق ضر ار بالغير‪ ،‬وذلك عندما تكون‬
‫الفائدة التي يسعى الفرد للحصول عليها‪ ،‬من خالل مباشرته لحقه قليلة بالنسبة‬
‫للضرر الناشئ للغير‪ .‬وبعبارة أخرى إذا كان تعارضا بين حق الفرد ومصلحة الغير‪،‬‬
‫كأن يترتب على استعمال الفرد لحقه ضرر للغير‪ ،‬فيجب القيام بمقارنة بين‬
‫المصلحتين‪ ،‬واذا تبين أن الفائدة التي يرمي إليها استعمال الحق ضئيلة بالنسبة‬
‫للضرر الذي يصيب الغير فنرجح مصلحة الغير على استعمال حق الفرد‪ ،‬ويصبح‬
‫استعمال الحق أم ار غير مشروع‪ .‬والعبرة هنا بالمعيار الموضوعي يقدر بالسلوك‬
‫المألوف للرجل العادي وال يأخذ بنية صاحب الحق‪ .2‬ويرى البعض أن إضافة شرط‬
‫التفاوت بين المصلحتين وتضييقه هو قرينة على اإلهمال وعدم التبصر يسند إلى‬
‫فكرة الخطأ‪ .‬فليس من سلوك الرجل العادي أن يقدم على مصلحة قليلة وال يبالي بما‬
‫يلحق الغير من ضرر من وراء ذلك‪ ،‬ومن يفعل ذلك ما هو إما عابث مستهتر ال‬
‫يبالي بما يصيب الناس من ضرر بليغ لقاء منفعة ضئيلة يصيبها لنفسه‪ ،‬واما منطوي‬
‫على نية خفية يضمر اإلضرار بالغير تحت ستار مصلحة غير جدية أو محدودة‬
‫األهمية يتظاهر أنه يسعى بها‪ ،‬وفي الحالتين قد انحرف عن سلوك الرجل العادي‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وبالتالي يكون قد ارتكب خطأ يوجب المسؤولية‬

‫وعليه يقوم هذا المعيار على أساس أن القانون يقوم على التوازن بين المصالح‬
‫المختلفة‪ ،‬فإذا أخل أحد الطرفين بهذا التوازن اختالال كبي ار وجب تغليب المصلحة‬

‫‪ 1‬بلحورابي سعاد‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ -‬رسالة‬
‫السابقة‪ -‬ص‪.50‬‬
‫‪ 2‬د‪/‬على فياللي‪ ،‬اإللتزامات‪ ،‬الفعل المستحق للتعويض‪-‬المرجع السابق‪-‬ص‪ .11‬خنوف حضرية‪-‬الرسالة السابقة‪-‬‬
‫ص‪.50‬‬
‫‪ 3‬حجاج مبروك –الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.99‬‬

‫‪240‬‬
‫التي تكون أكثر أهمية من غيرها من المصالح القليلة األهمية‪ .‬مثال ذلك أن يقيم‬
‫الشخص جدا ار عاليا يحجب النور والهواء عن مسكن أو عمارة متعددة الطوابق‬
‫لتحقيق مصلحة بسيطة له في حجب حديقته المجاورة عن أنظار السكان‪ .‬أو إذا كان‬
‫الحائط الفاصل بين الجارين مملوكا ملكية خالصة ألحدهما‪ ،‬فاألصل أن لمالك‬
‫الحائط الحق في ال تصرف فيه بالهدم إال أنه لما كان بناء الجار مستت ار بهذا الحائط‪،‬‬
‫فيجب حتى يكون الهدم مشروعا أن تكون مصلحة المالك في هدم هذا الحائط راجحة‬
‫على الضرر الذي يلحق بالجار جراء هذا الهدم‪ .‬ومن األمثلة أيضا انتشار الغاز‬
‫المحروق اآلتي من ملكية الجار يضر بجاره مع إمكانية تحويل مدخل البناية بعيدا‬
‫عن مسكن الجار إلبعاد الضرر المحدق بالجار‪ 1‬فإنه ال يكفي وجود مصلحة‬
‫مشروعة لصاحب الحق إلعفائه من الضمان إذا تسبب استعماله لحقه في ضرر‬
‫يصيب الغير وانما يجب أن تكون هذه المصلحة على قدر من األهمية يزيد على‬
‫الضرر الالحق بالغير‪ .‬وتقدير تناسب المصلحة مع الضرر مسألة وقائع تخضع‬
‫للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع‪ .‬وأن معيار تقدير هذه المسؤولية هو معيار‬
‫موضوعي ال يعتد بالباعث النفسي الدافع إلى استعمال الحق وانما يعتد بالموازنة بين‬
‫المصلحة والضرر‪ .‬وهو معيار يبرز النزعة االجتماعية في نظرية التعسف في‬
‫استعمال الحق‪.‬‬

‫ج‪ -‬إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة‪:‬‬
‫قد يسعى الفرد من خالل استعمال حقه الحصول على غاية غير مشروعة‪ ،‬كأن‬
‫تكون مخالفة للنظام العام وحسن اآلداب وهذا مناقض لروح الحق والغاية التي تقرر‬
‫من أجلها‪ .‬ومثل هذا الغرض غير المشروع ما جاء في نص المادة ‪ 509‬من التقنين‬
‫المدني الجزائري "غير أنه ليس لمالك الحائط أن يهدمه مختا ار دون عذر قانوني إن‬
‫كان هذا يضر الجار الذي يستتر ملكه بالحائط"‪.2‬‬

‫‪ 1‬المجلة القضائية العدد األول لسنة ‪ -6992‬المشار إليها سابقا‪.-‬‬


‫‪ 2‬د‪/‬على فياللي‪-‬المرجع السابق‪-‬ص‪ .15‬خنوف حضرية‪-‬الرسالة السابقة‪-‬ص‪.50‬‬

‫‪241‬‬
‫وعليه فإن الغرض من تقرير الحقوق ألصحابها هو أن تحقيق مصالح مشروعة‬
‫يحميها القانون‪ ،‬فإذا استعمل شخص حقه لتحقيق مصلحة غير مشروعة اعتبر‬
‫متعسفا في استعمال حقه إذا تعارض تحقيقها مع النظام العام واآلداب وكان مخالفا‬
‫لحكم نص آمر‪ .‬وهذا المعيار هو تطبيق لفكرة الخطأ‪ .‬فتقوم مسؤولية صاحب الحق‬
‫أو المالك ويلزم بالتعويض‪ .‬ومثال ذلك المالك الذي يتخذ من مسكنه منزال للدعارة أو‬
‫ملتقي للمشتبه في سلوكهم لمضايقة جاره وحمله على بيع مسكنه أو إقالق راحته‬
‫وراحة أهله‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم إمكانية دمج المادة ‪ 2/191‬مدني جزائري ضمن أحد معايير‬
‫التعسف المنصوص عليها في المادة ‪ 124‬مكرر‬

‫قد يتبادر إلى الذهن أنه ما دام المشرع الجزائري نص على أن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة التي يلحقها الجار بجاره تعسفا في استعمال الحق وقد نص على نظرية‬
‫التعسف في المادة ‪ 654‬مكرر فإن أساس المسؤولية واحد‪ .‬ومنه كان عليه أال ينص‬
‫عن التعسف في موضعين مختلفين ألنه لم يأت بجديد‪.1‬‬

‫غير أن هذا الوجه غير صحيح فالفرق واضح بين ما تتطلبه المادة ‪654‬‬
‫مكرر من معايير للتعسف وبين المعيار المنصوص عليه في المادة ‪ .5/196‬فالمادة‬
‫‪ 654‬مكرر ال تستغرق المادة ‪ 5/196‬وال تغني عنها‪ ،‬والقول أن معيار تجاوز مضار‬
‫الجوار العادية يدخل ضمن معيار رجحان الضرر الذي ينزل بالغير عن المصلحة‬
‫التي يحققها المالك‪ ،‬قول خاطئ ألن هذا المعيار يتطلب ضآلة المصلحة مقارنة‬
‫بالضرر‪ ،‬بينما ما تتطلبه المادة ‪ 5/196‬هو مصلحة جدية للمالك يحدث ضرر غير‬
‫مألوف بالجار‪ ،‬وعليه يمكن اعتبار هذا المعيار جديد‪ .2‬وبسبب هذا اللبس نجد‬
‫المشرع المصري وحسنا فعل قد تفادي هذا اإلشكال وذلك بحذف هذا‬

‫‪ 1‬دغنوش عبد الرحمان‪،‬حق الملكية والقيود القانونية واالتفاقية التي ترد عليه في القانون الجزائري – رسالة‬
‫ماجستير ‪،‬معهد الحقوق والعلوم السياسية واإلدارية‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬سنة ‪ 6955‬ص‪58‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬رشيد شميشم – المرجع السابق‪ -‬ص ‪.616‬‬

‫‪242‬‬
‫المعيار من نص المادة الخامسة كما سبق اإلشارة له ونقله إلى المادة‪ 905‬مدني‬
‫مصري ‪ ،‬كما استعمل مصطلح الغلو في استعمال الحق محاوال بذلك قطع العالقة‬
‫القائمة بين نصين‪ .‬وتكون بذلك المضار الجوار غير المألوفة منفصلة على نظرية‬
‫التع سف في استعمال الحق‪ .‬وبهذا يكون للمالك ثالثة صور للمسؤولية على أساس‬
‫الخطأ والثانية على أساس التعسف في استعمال الحق والثالثة على أساس مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪.1‬‬

‫أما القضاء الجزائري فقد أسس المسؤولية عن مضار الجوار إذا تجاوزت الحد‬
‫المألوف تارة على أساس الخطأ‪ ،‬في القرار الصادر‪ .26994/66/80‬حين قرر" إن‬
‫دعوى كانت مبنية على أساس المادتين ‪ 196‬و‪ .654‬وأن صرف المياه القذرة أو‬
‫وضع النفايات قرب الجار يعتبر استعماال تعسفيا لحق الملكية يجب النهي عنه‬
‫وتعويضه في حالة تسبيب ضرر للغير وفقا للمادة ‪ 654‬ق‪،‬م"‪.‬‬

‫وأسسها على أساس التعسف في ق ارره الصادر في ‪ .5005/01/68‬حين قرر "‬


‫لما تبين لقضاة الموضوع إسنادا لتقرير الخبرة أن الجدار الذي شيده الطاعن قد تسبب‬
‫في إلحاق ضرر بالغ بجيرانه‪ ،‬إذ أدى إلى حجب النور والهواء عن مسكنهم‪ ،‬وجعله‬
‫غير الئق للسكن‪ ،‬ولو تم ذلك طبقا لرخصة البناء والتصاميم‪ ،‬فإنه يعد من مضار‬
‫الجوار غير المألوفة طبقا لنص المادة ‪ 196‬الفقرة‪ ،6‬علما بأن رخصة البناء تسلم‬
‫بشرط مراعاة حقوق الغير"‪.3‬‬

‫كما أسسها على أساس الضرر وليس على أساس إثبات الخطأ بمفهوم المادة‬
‫‪ 654‬من قانون المدني‪ .4‬حين قرر" أن الطاعن أعاب على قضاة الموضوع مخالفة‬
‫تطبيق المادة ‪ 654‬من القانون المدني على أساس أنهم لم يعاينوا الخطأ سبب الضرر‬
‫الالحق بالمطعون ضده‪ ،‬لكن حيث إن األمر يتعلق بمضار الجوار المحدد‬

‫‪ 1‬حجاج مبروك – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.95‬‬


‫‪ 2‬قرار رقم ‪ 662884‬بتاريخ‪ -6994/66/80‬غير منشور‬
‫‪ 3‬مجلة المحكمة العليا – العدد الخاص‪ -‬الجزء ‪ – 8‬قرار رقم ‪ 404019‬بتاريخ ‪ 5005/01/68‬ص‪842‬‬
‫‪ 4‬مجلة المحكمة العليا العدد‪ 05‬لسنة ‪ 5001‬قرار رقم ‪ 842019‬بتاريخ ‪ .5001/04/65‬ص‪891‬‬

‫‪243‬‬
‫بالمادة ‪ 196‬من القانون المدني المتمثل في المضارة التي تجاوز الحد المألوف في‬
‫عالقة الجوار وال مجال إلثبات أي خطأ بمفهوم المادة ‪ 654‬من القانون المدني مادام‬
‫أنه يقع على القضاة تقدير ثبوت تجاوز هذه المضايقات للدرجة العادية المقبولة في‬
‫عالقة الجوار‪ ،‬وحتى ولو كان الطاعن قد أنجز بناءه بصفة مشروعة ملتزما قواعد‬
‫التعمير‪ ،‬فإنه ال يعفي من مسؤولية تعويض هذه المضار‪".‬‬

‫وفي القرار آخر صادر في ‪ " 15009/08/65‬أن الدعوى ترمي إلى إزالة‬
‫منشآت فالحية أقيمت في منطقة سكنية وأحدثت أضرار بيئية في المحيط وهذا الفعل‬
‫أدى إلى وجود مضار الجوار‪،‬حيث أن المطعون ضده تمسك بوجود ترخيص يمنح له‬
‫ممارسة نشاط تربية الحيوانات والدواجن مع أن هذا الترخيص يمنح تحت التحفظ‬
‫حقوق الغير وبعدم أحداث مضارة الجوار والحال أن تقريري الخبرة المنجزة أبرزت تلك‬
‫األضرار طبقا للمادة ‪ 196‬مدني"‬

‫وفي قرار آخر صادر في ‪ " 25005/09/65‬أن قضاة المجلس اعتمدوا على‬
‫وثائق إدارية للقول بأن الجدار أنجز بصفة شرعية‪ ،‬وال يشكل أي ضرر للغير‪،‬‬
‫بدعوى أن إثبات العكس ال يمكن أن يكون أمام القضاء العادي الذي ال يسوغ له‬
‫مناقشة هذه الوثائق‪ ،‬والحال أن موضوع النزاع يخص مضار الجوار حسب نتائج‬
‫الخبرتين وأن وجود وثائق إدارية ال تعطي لمالك العقار حق التمسك بالرخص‬
‫ومطابقة األشغال لقواعد العمران بغرض إعفائه من مسؤولية مضار الجوار بمفهوم‬
‫المادة ‪ 196‬من القانون المدني ألنها تسلم تحت التحفظ‪ ،‬لحماية الغير‪".‬‬

‫وعليه بعد أن أسس القضاء الجزائري المسؤولية عن مضار الجوار إذا تجاوزت‬
‫الحد المألوف على أساس الخطأ تراجع وأقامها على أساس موضوعي قوامه تحقق‬
‫الضرر غير المألوف‪.‬‬

‫‪ 1‬مجلة المحكمة العليا‪ -‬العدد الثاني‪ 5009 -‬قرار رقم ‪ 448150‬بتاريخ ‪ .5009/08/65‬ص ‪525‬‬
‫‪ 2‬مجلة المحكمة العليا‪ -‬العدد الخاص‪ -‬الجزء‪ -8‬قرار رقم ‪ 460569‬بتاريخ ‪.5005/09/65‬ص‪821‬‬

‫‪244‬‬
‫ثالثا‪ :‬التمييز بين المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق‬
‫والمسؤولية الناجمة عن الضرر غير المألوف‬

‫قد يصعب التمييز بين المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق‬


‫والمسؤولية الناجمة عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬نظ ار لتقارب بين المسؤوليتين‪،‬‬
‫والذي كاد في ذهن البعض أن يرتدي طابع االندماج‪ ،‬ال بل الوحدة في تعريف‬
‫واألساس والهدف‪ .1‬لذا وجب البحث عن الفرق بين المسؤوليتين‪.‬‬

‫تقوم المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق على أساس توفر الخطأ‬
‫الشخصي من جا نب المالك‪ ،‬ويتمثل هذا الخطأ في الحالة التي يلتزم فيها المالك‬
‫بالحدود الموضوعية التي رسمها له القانون‪ ،‬بحيث أنه يستعمل حقه ضمن هذه‬
‫الحدود ولكنه يتعسف في هذا االستعمال‪ ،‬فيشكل خطأ يقاس بمعيار عام هو السلوك‬
‫المألوف للشخص العادي التي تقوم عليه المسؤولية عن الفعل الشخصي‪ .‬في حين أن‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬قد تقوم دون أن يتعسف المالك في‬
‫استعمال حق ملكيته‪ ،‬ودون أن يكون قاصدا اإلضرار بالغير‪ ،‬وانما قد ينشأ الضرر‬
‫غير المألوف وهو يستعمل حقه بصورة طبيعية‪ ،‬وفي حدود الممارسة الطبيعية‪ .‬فمثال‬
‫يستعمل المالك آلة ثاقبة تحدث من الضجيج ومن ارتجاج مثلما تقتضي أصول‬
‫أعمال البناء أو الترميم استعمال مثل هذه اآللة‪ .‬فالفرق األساسي والجوهري بين كل‬
‫من المسؤوليتين يتجلى في أن المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق‬
‫تبقى ضمن إطار مفهوم المسؤولية الشخصية الناجمة عن الخطأ الشخصي في حين‬
‫أن المسؤولية الناجمة عن مضار الجوار غير المألوفة تبقي ضمن إطار المسؤولية‬
‫الموضوعية‪ ،‬وبالتالي يمكن إثارة هذه المسؤولية عند االقتضاء في كل مرة يتوفر‬
‫الضرر بمعناه غير المألوف أي بدون حاجة الفتراض مثل هذا الخطأ‪ .‬وهذا ما يؤدي‬
‫إلى القول بوجود هذه المسؤولية دون خطأ‪.2‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬مروان كساب – المسؤولية عن مضار الجوار‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.685‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬مروان كساب – المسؤولية عن مضار الجوار‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪ 689‬و‪.689‬‬

‫‪245‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬استبعاد نظرية الخطأ وترجيح نظرية تحمل التبعة‬

‫إن األضرار الناجمة عن الجوار لها خصوصيتها التي تمتاز بها عن باقي‬
‫األضرار‪ ،‬ويعد شرط عدم مألوفيتها سبب تلك الخصوصية‪ .1‬لذا اشتد الخالف حول‬
‫تأسيس هذه النظرية‪.‬‬

‫وباعتبار أن المشرع الجزائري تناول لفظ تعسف‪ 2‬المالك في الفقرة األولى من‬
‫المادة ‪ 196‬مما أثار اتجاه البعض إلى تأسيس هذه النظرية على أساس نظرية‬
‫التعسف وادماجها ضمن حاالت التعسف أو إضافتها إليه خاصة وأن المشرع نص‬
‫على هذه الحاالت على سبيل المثال‪ .‬فالقول أن معيار تجاوز مضار الجوار العادية‬
‫يدخل ضمن معيار رجحان الضرر على المصلحة التي يحققها المالك رجحانا كبيرا‪،‬‬
‫قول خاطئ ألن هذا المعيار يتطلب ضآلة المصلحة مقارنة بالضرر‪ ،‬بينما ما تتطلبه‬
‫الفقرة الثانية من المادة ‪ 196‬هو مصلحة جدية للمالك‪ .‬فقد يكون الضرر الذي‬
‫يصيب الجار أقل بكثير من المصلحة التي يسببها المالك‪ ،‬وعليه يمكن اعتبار أن‬
‫هذا المعيار يخالف المعيار الذي تناوله المشرع في المادة ‪ 654‬مكرر‪ .‬مما يستوجب‬
‫استبعاده عن هذا المعيار من معايير التعسف كي ال تتعارض أو تتناقض معاييرها‪.‬‬
‫أما المعياريين الباقيين التي تناولتهما المادة ‪654‬مكرر فإنه يشترط لتحقيقهما إثبات‬
‫خطأ المالك‪ ،‬في حين أنه ال يشترط إثبات عدم مألوفية الضرر إال بالرجوع إلى‬
‫المعايير التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة ‪ .196‬مما يستبعد دمج مضار‬
‫الجوار غير المألوفة ضمن معايير التعسف أو إضافتها إلى حاالت التعسف كي ال‬
‫تناقضها‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬زرارة عواطف – الرسالة السابقة‪ -‬ص‪.514‬‬


‫‪ 2‬بخالف المشرع الجزائري نجد المشرع المصري كما سبق اإلشارة له قد استعمل مصطلح الغلو في استعمال‬
‫الحق محاوال بذلك قطع العالقة القائمة بين ‪ 905‬المتعلقة بالمسؤولية عن مضار الجوار والمادة ‪ 2‬المتعلقة بنظرية‬
‫التعسف‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫وبالتالي فإذا كان الجار محدث الضرر لم يقصد بهذا االستعمال اإلضرار‬
‫بالغير‪ ،‬ولم تكن المصلحة التي تعود عليه قليلة األهمية‪ ،‬بل إنها مصلحة راجحة‪ ،‬وال‬
‫يمكن االستغناء عن هذا االستعمال لمباشرة نشاطه‪ .‬كما أن المصلحة التي يحققها‬
‫هي مصلحة مشروعة‪ .‬فال يمكن القول بأننا أمام صورة من صورة التعسف في‬
‫استعمال الحق‪ .‬وبالتالي فإن مضار الجوار غير المألوفة ليست من تطبيقات نظرية‬
‫التعسف‪ .‬ذلك ألن الجار الذي يستعمل حقه بطريقة مشروعة تنعقد مسؤوليته بمجرد‬
‫تحقق الضرر غير المألوف دون أن يكون بإمكانه دفعها بإثباته أنه لم يرتكب خطأ أو‬
‫أنه اتخذ االحتياطات الضرورية لمنع الضرر‪ .‬ومن ثم فهي مسؤولية موضوعية قوامها‬
‫تحقق الضرر غير المألوف‪.‬‬

‫وعليه تختلف المسؤولية عن مضار الجوار عن المسؤولية الشخصية القائمة‬


‫على الخطأ باعتبار أنها ال تقتضي إثبات الخطأ من جانب المالك‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
‫تختلف عن المسؤولية القائمة على أساس التعسف في استعمال الحق‪ ،‬باعتبار أن‬
‫هذه المسؤولية تستلزم توافر معايير ال يمكن إضافة لها معيار الضرر غير المألوف‬
‫واال ناقضتها‪ ، 1‬مما يقتضى علينا أن نضفى على المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة طابعها الموضوعي بعيدا عن فكرة الخطأ‪.‬‬

‫ومن هنا يكون للجار ثالثة صور للمسؤولية تقوم األولى على أساس الخطأ‬
‫والثانية على أساس التعسف في استعمال الحق والثالثة على أساس مضار الجوار‬
‫غير المألوفة‪.‬‬

‫‪ 1‬يرى األستاذ حجاج مبروك في رسالته التعسف في استعمال الحق بين نظام المسؤولية التقصيرية والنظام المستقل‬
‫‪-‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 94‬وما يليها " أنه للتنسيق بين نصوص القانون‪ ،‬وفق منطق قانوني سليم ينبغي التسليم بأن‬
‫المضار غير العادية للجوار هي معيار من معايير التعسف في استعمال الحق‪ ،‬ال ينطبق إال في حالة خاصة جدا‪،‬‬
‫ومجال محدود جدا‪ ،‬هو الملكيات المتجاورة‪ ،‬في حالة تجاوز المضار غير المألوفة للجوار‪ ،‬دون اإلخالل بواجب‬
‫الحيطة والحذر‪ ،‬فتكون حالة المضار غير المألوفة للجوار حالة خاصة من التعسف وتمثل استثناءا على المبدأ العام‬
‫فيه‪ ،‬فيكون التعسف باق على أصله على أنه خطأ إال أن المضار غير المألوفة فهي غير ذلك‪ ...‬لينتهي في األخير‬
‫ويقول أنه من الحكمة عدم النص عليها في صلب المادة ‪ 654‬مكرر‪ ،‬لكي ال يكون معيارا عاما‪ ،‬وإنما جاء النص‬
‫عليه في باب القيود التي ترد على حق الملكية‪ ،‬حيث مجاله الخاص‪ ،‬والمشرع أخذ هذا الحل عن المشرع المصري‬
‫حيث نقل هذا المعيار من المادة الخامسة إلى المادة ‪ ،905‬فلو تركه في صلب المادة الخامسة ألصبح معيارا عاما‬
‫ينطبق على كل الحقوق‪ ،‬فبنقله إ لى المكان المخصص بالقيود التي ترد على حق الملكية العقارية‪ ،‬يكون قد حصر‬
‫تطبيقه في ذلك المجال"‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫وقد أكد القضاء الجزائري وجود هذه الصور الثالثة في القرار الصادر عن‬
‫المحكمة العليا بتاريخ ‪.5066/08/60‬جاء فيه‪ :‬أنه مادامت مضار الجوار غير‬
‫المألوفة في مفهوم المادة ‪ 196‬مدني مرتبطة أساسا بالملكية‪ ،‬وما يتفرع عنها من‬
‫حقوق‪ ،‬منها حق االستغالل الذي قد ينحرف به عن غاية هذا الحق‪ ،‬ومن ثم كان‬
‫على قضاة الموضوع أن يبينوا في أسباب قضائهم‪ ،‬حتي يمكن ضبط تكييف النزاع‬
‫في إطاره القانوني السليم‪ ،‬وما إذا يناقش في إطار التعسف في استعمال الملكية‬
‫العقارية(المادة‪654‬مكرر مدني)‪ ،‬أو مضار الجوار الغير المألوفة (المادة‪ 196‬مدني)‪،‬‬
‫إذا تعلق األمر بالبناية المملوكة والمرخصة‪ ،‬أم يناقش في إطار المسؤولية التقصيرية‬
‫(المادة ‪ 654‬مدني)‪ ،‬إذا كان النزاع يتعلق بالبناية المشيدة من غير مصدر الحق وال‬
‫رخصة‪.1‬‬

‫وعليه باعتبار أن مضار الجوار غير مألوفة ناتجة عن نشاطات مشروعة يقوم‬
‫بها الجار أصبح لهذه النظرية كيانها الخاص بعيدا عن نظرية التعسف أو نظرية‬
‫الخطأ‪ .‬فطالما أن ا لجار الذي يستعمل حقه بطريقة مشروعة ويستفيد من هذا‬
‫االستعمال عليه بتحمل تبعة نشاطه إذا ألحق ضرر غير مألوف بجاره‪ .‬فإن األساس‬
‫السليم للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة هو أساس موضوعي قائم على‬
‫فكرة تحمل التبعة التي تهدف إلى تحقيق التضامن االجتماعي بين الجيران بغية‬
‫تحقيق العدل االجتماعي‪ ،‬الذي هو ضرورة يقتضيها التجمع اإلنساني‪ .‬وباعتبار أن‬
‫الجوار ضرورة اجتماعية تستلزم التضامن والتسامح بين الجيران كما سبق اإلشارة‬
‫إليه‪ .‬فعلى الجار محدث المضار أن يتحمل ما يصيب الجار من أضرار غير‬
‫مألوفة‪ ،‬وبالمقابل أن يتحمل الجار األضرار المألوفة التي ال يمكن تجنبها بين‬
‫الجيران‪ ،‬وهو ما يتفق مع الفقرة الثانية من نص المادة ‪ 196‬مدني‪.‬‬

‫‪ 1‬قرارغير منشور صادر عن المحكمة العليا‪ -‬الغرفة العقارية‪ -‬القسم الثاني‪ -‬تحت رقم ‪.160951‬‬

‫‪248‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أحكام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬

‫مما سبق اتضح أن مسؤولية المالك عن مضار الجوار غير المألوفة تتحقق‬
‫نتيجة ممارسة نشاط م شروع‪ .‬بخالف نظرية الخطأ التي تقوم على أساس مخالفة أحد‬
‫معايير التعسف أو على أساس الخطأ في استعمال الحق‪ .‬وأن حالة مضار الجوار‬
‫غير المألوفة لها شروطها الخاصة ومن ثم فهي مستقلة ومتميزة تماما عن الحالتين‬
‫السابقتين‪ ،‬ألن عدم تعسف الجار محدث الضرر وعدم خطئه ال يعصمه من‬
‫المسؤولية إذا نتج على استعماله لحقه ضرر غير مألوف‪ .‬وبذلك يكون للجار ثالثة‬
‫صور للمسؤولية تقوم األولى على أساس الخطأ تنظمها المادة ‪ 654‬مدني والثانية‬
‫على أساس التعسف في استعمال الحق تنظمها المادة ‪ 654‬مكرر مدني والثالثة على‬
‫أساس مضار الجوار غير المألوفة تنظمها المادة ‪ 196‬مدني‪ .‬فكل نص من هذه‬
‫المواد له مجاله المختلف عن اآلخر كما سبق توضيحه‪.‬‬

‫وبذلك إذا توفرت شروط المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬ترتب‬
‫عليها آثار‪ ،‬فوجب على الجار المسؤول تعويض الجار المضرور‪ ،‬فالتعويض هو‬
‫األثر الذي يترتب على تحقق المسؤولية وهو جزاؤها‪.‬‬

‫ومن هنا يثار التساؤل هل التعويض الذي يقضي به القاضي لجبر الضرر‬
‫غير المألوف الذي لحق بالجار يخضع ألحكام القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية أم‬
‫أن المشرع وضع له أحكام خاصة تخرج على القواعد العامة للتعويض؟‪ .‬وهل يمكن‬
‫دفع هذه المسؤولية؟‪.‬‬

‫وبعد اإلجابة على هذه التساؤالت من خالل دراسة نظرية‪ .‬البد من التطرق ألهم‬
‫تطبيقات هذه المسؤولية في المجال العملي من خالل إلقاء الضوء على األحكام‬

‫‪249‬‬
‫التي صدرت من القضاء‪ ،‬والتي استقر بشأنها إمكانية المطالبة بالتعويض عن مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪ .‬وذلك من خالل تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬آثار المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬


‫المبحث الثاني‪ :‬تطبيقات المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬

‫‪250‬‬
‫المبحث األول‬
‫آثار المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬

‫إن التعويض عن األضرار التي تلحق باألشخاص أو أموالهم‪ ،‬ال يثير صعوبة‬
‫في تقديره كما هو الحال في التعويض عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬الذي يثير‬
‫صعوبة في تقديره نظ ار لخصوصية الضرر ومراعاة القاضي لكل من الجار محدث‬
‫الضرر والجار المضرور‪ .‬خاصة وأن الضرر غير المألوف كان نتيجة لنشاط مشروع‬
‫كما سبق اإلشارة إليه‪.‬‬

‫ومن هنا البد من دراسة التعويض المستحق للمضرور ثم بيان مدى إمكانية‬
‫دفع هذه المسؤولية وذلك من خالل تقسيم المبحث إلى مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعويض المستحق للجار المضرور‬


‫المطلب الثاني‪ :‬دفع مسؤولية الجار‬

‫المطلب األول‪ :‬التعويض المستحق للجار المضرور‬

‫تنص الفقرة الثانية من المادة ‪ " 196‬ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار‬
‫الجوار المألوفة التي ال يمكن تجنبها وانما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت‬
‫الحد المألوف"‪.‬‬

‫من خالل نص هذه الفقرة متى أحدث الجار هو يستعمل حقه مضا ار غير‬
‫مألوفة لجاره‪ .‬كان مسؤوال عن تعويض تلك المضار‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫لذا يمكن القول بأن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة تدور حول‬
‫الضرر وجودا وعدما‪ ،‬فمتى تجاوز الضرر الحد المألوف وجب التعويض‪.‬‬

‫والتعوي ض هو وسيلة إلصالح الضرر وعلى وجه التحديد يقصد به اإلصالح‬


‫وليس المحو التام والفعلي للضرر الذي وقع‪.1‬‬

‫وطبقا للقواعد العامة األصل فيها أن يكون التعويض نقديا‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫للمسؤولية عن مضار الجوار فاألصل فيها أن يكون التعويض عينا‪ ،‬يتمثل في إزالة‬
‫المضار‪ .‬ألن الغاية من التعويض هو اإلصالح‪.‬‬

‫وعليه فعلى القاضي أال يتأثر وقت تقديره للضرر إال بالضرر المطلوب‬
‫إصالحه ليكون ما يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه من ضرر‪ ،‬وله‬
‫السلطة التقديرية في طريقة التعويض ال يتقيد فيها إال بنوع الضرر‪ ،‬وطبيعته‪ ،‬ودرجة‬
‫الجسامة‪.2‬‬

‫فقد يحكم القاضي بالتنفيذ العيني مع التعويض النقدي‪ ،‬ويكون الغرض من‬
‫ذلك التعويض عن الضرر السابق مع إزالة الضرر الالحق‪ ،‬كالحكم على المالك‬
‫باإلزالة المدخنة التي أقامها والتي أضرت بالجار مع تعويض هذا الجار عن الخسارة‬
‫التي لحقته من األدخنة المتصاعدة‪ .‬أو يقضي بالتنفيذ العيني‪ ،‬كالحكم على المالك‬
‫بتعلية جدار الشرفة إلزالة المطل على الجار المجاور‪.‬أو يحكم بالتعويض النقدي‬
‫لتعارض التنفيذ العيني مع طبيعة العمل المخالف للقانون‪ .‬كحالة األضرار الناتجة‬
‫عن صعود وهبوط الطائرات على مدار اليوم والتي تلحق مضا ار غير مألوفة للسكان‬
‫المجاورين للمطار‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي – المرجع السابق‪ -‬ص‪899‬‬


‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.552‬‬

‫‪252‬‬
‫فالتعويض جزاء اإلخالل‪ ،‬فال يتصور إال بعد وقوع هذا اإلخالل وتحقق‬
‫المسؤولية‪.‬‬
‫وعليه أقسم هذا المطلب إلى فرعين‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعويض بإزالة الضرر ( التعويض العيني)‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعويض النقدي‬

‫الفرع األول‪ :‬التعويض بإزالة الضرر( التعويض العيني)‬


‫بالرجوع إلى أحكام الشريعة اإلسالمية وبالخصوص مجلة األحكام العدلية‬
‫السيما المادة ‪ ،6500‬فإن الضرر الفاحش يدفع بأي وجه كان وهو تطبيق لقاعدة‬
‫الضرر يزال‪ .‬وقاعدة ال ضرر وال ضرار‪ ،‬وقد تستلزم إزالة الضرر الفاحش منع‬
‫اال ستعمال وقد ال تستلزم ذلك هذا بالنسبة للضرر الذي يستمر في المستقبل‪ ،‬أما ما‬
‫أصاب الجار فعال من ضرر مألوف بسبب االستعمال العادي‪ ،‬فال مسؤولية على‬
‫المالك وهو يستعمل ملكه‪ ،‬وان سبب ضر ار للغير‪ ،‬إال إذا تعدى أو تعمد إحداث‬
‫الضرر‪.1‬‬

‫فالتعويض باإلزالة يقصد به إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حدوث الضرر‬
‫ووقف األنشطة الضارة‪.2‬‬

‫وعليه إذا كان ما يشكو منه الجار من مضايقات غير عادية الناتجة عن الجوار‬
‫فإن للقاضي أن يحكم بالتنفيذ العيني بإزالة الضرر‪ .‬وتطبيقا لذلك قضت المحكمة‬
‫العليا في قرارها الصادر في ‪ 395/01/52‬بأن المجلس لما قضي بتأييد الحكم المعاد‬
‫المصادق على الخبرة القاضي بوجوب فتح الممر الذي تم غلقه من قبل المالك‬
‫المؤدي إلى منزل الجيران المتضررين الذين لم يتمكنوا من دخول‬

‫‪ 1‬أ‪ /‬ولد خصال محمد – قيود الجوار على األمالك الخاصة المتالصقة في ضوء األعمال القضائية‪ -‬رسالة‬
‫ماجستير كلية الحقوق‪ -‬جامعة الجزائر‪ -6‬سنة ‪.5064‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المنياوي – المرجع السابق‪ -‬ص‪.899‬‬

‫‪3‬ملف رقم ‪ 649960‬المجلة القضائية العدد األول لسنة ‪ 6995‬ص‪690‬‬

‫‪253‬‬
‫منزلهم بفعل غلقه مما ألزمهم بالدخول إلى منزلهم مرو ار بطريق بعيد والذي سبب‬
‫مضا ار تجاوزت مضار الجوار المألوفة يكونوا قد طبقوا صحيح القانون مما يعرض‬
‫الطعن للرفض‬

‫وفي قرار آخر الصادر عن المحكمة العليا في ‪ 16995/01/61‬قضت بأن قضاة‬


‫االستئناف لما حصروا النزاع في تحديد الضرر ومصدره‪ ،‬وقضوا بإلزام الطاعن‬
‫بتحويل مدخنة الحمام بعيدا عن مسكن المطعون ضده بسبب الضرر الذي لحقه من‬
‫جراء ذلك يكونوا قد طبقوا مقتضيات المادة ‪ 196‬تطبيقا سليما مما يستوجب رفض‬
‫الطعن‪.‬‬

‫كما قضى مجلس الدولة في ق ارره الصادر في ‪ 25005/05/58‬بغلق المفرغة‬


‫العمومية المتواجدة في وسط سكاني التي تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات‬
‫السامة التي تفرز منها والروائح الكارهة وغيرها من األشياء المضرة‪ .‬أما طلب‬
‫التعويض ال يوجد ما يبرره فالمجلس ال يستجيب له‪.‬‬

‫وعليه فحين يقرر القاضي مسؤولية الجار عن مضار الجوار غير المألوفة طبقا‬
‫ألحكام المادة ‪ 196‬عليه أن يقضي أوال بالتنفيذ العيني متى كان ذلك ممكنا‪ .‬طالما‬
‫أن صاحب الحق قد اغتنم من استعمال حقه‪ ،‬فعليه الغرم فيما تسببه من أضرار غير‬
‫مألوفة لجيرانه الناتجة عن هذا االستعمال وأن للقضاء بإزالة المضار يجب مراعاة‬
‫الضرر المطلوب إصالحه ليكون ما يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه‬
‫من ضرر‪ .‬ألن التنفيذ العيني يعني وقف ممارسة الجار محدث الضرر لحقه مصدر‬
‫الضرر غير المألوف‪ ،‬األمر الذي يعد حرمانه لحق المقرر له بنص قانوني‪.‬‬

‫‪ 1‬ملف رقم ‪ 90948‬المجلة القضائية العدد األول ‪ 6992‬ص ‪606‬‬


‫‪ 2‬ملف رقم ‪ 085529‬مجلة مجلس الدولة العدد ‪09‬‬

‫‪254‬‬
‫وقد يتخذ التعويض العيني حين يطلبه الجار المضرور صو ار شتى بحسب‬
‫الظروف كل حالة‪ .‬فقد يحكم بمنع االستعمال أو االستغالل جزئيا كمنع تشغيل‬
‫المص نع ليال بسبب الضوضاء التي أقلقت راحة الجار وأضرت بصحته أو يحكم‬
‫بمجرد منع الضرر مع بقاء االستعمال أو االستغالل في صورة غير ضارة‪ ،‬كالقضاء‬
‫بتحويل مدخنة الحمام بعيدا عن مسكن المطعون ضده بسبب الضرر الذي لحقه‪ .‬وقد‬
‫يقضي بمنع االستعمال الضار منعا باتا‪ ،‬كالقضاء بغلق المفرغة التي تسببت بمضا ار‬
‫غير مألوفة للسكان أو القضاء بفتح الممر الذي تم غلقه من قبل المالك‪.‬‬

‫كما يمكن أن يقضى باإلزالة بتعديل طريقة االستعمال من حيث الزمان أو المكان‬
‫كتحديد زمان تشغيل المصنع بمنع تشغيله بسبب الضوضاء التي يحدثها في الصباح‬
‫الباكر أو ا لمساء المتأخر أو أثناء أوقات الراحة‪ ،‬أو إطالة المدخنة إلى ارتفاع كاف‬
‫لتجنب مضايقة الجيران أو نقلها إلى موضع ال تحدث فيه مضايقات لهم‪.‬‬

‫ومن هذا فعلى القاضي في تقدير اإلزالة أال يتأثر وقت تقديره للضرر إال‬
‫بالضرر المطلوب إصالحه ليكون ما يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه‬
‫من ضرر‪ ،‬وله السلطة التقديرية في طريقة اإلزالة‪ ،‬ال يتقيد فيها إال بنوع الضرر‪،‬‬
‫وطبيعته‪ ،‬ودرجة الجسامة‪ .‬كما يمكنه إضافة لحكم اإلزالة أن يحكم بالتعويض النقدي‬
‫عما لحق الجار من ضرر في الماضي‪.‬‬

‫ويثار التساؤل في حالة وجود ترخيص إداري باالستغالل الذي أدى إلى الضرر‪،‬‬
‫هل يجوز للقاضي المدني أن يحكم بإزالة الضرر أي بالتنفيذ العيني؟‬

‫ذهب غالب من الفقه والقضاء الفرنسي إلى أن القاضي المدني ال يمكنه أن‬
‫يحكم بإزالة مصدر الضرر‪ ،‬كغلق المنشأة المرخص بها أو فرض تدابير معينة‬

‫‪255‬‬
‫على صاحبها تجعل استمرارها مستحيال‪ .‬وذلك على أساس أن هذا يعد تدخال في‬
‫عمل السلطة التنفيذية‪ ،‬ويحول دونه مبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فإن الجزاء‬
‫يقتصر على التعويض النقدي أو أي تدبير آخر‪ ،‬ال يعوق سير المنشأة المرخص بها‪.‬‬

‫وقد أكدت هذا االتجاه محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬حيث نقضت الحكم الذي قضي‬
‫بخصوص دعوى الجار عن األضرار المدعاة الناتجة عن سير العمل في منشأة‬
‫مجاورة والذي حكم باإلضافة إلى التعويض بمنع االضطرابات والحكم بالغرامة‪.1‬‬

‫كما تأكد هذا االتجاه تشريعيا‪ ،‬وذلك بإضافة المشرع الفرنسي المادة‬
‫(‪ )L 409-68‬إلى تقنين البيئة الصادر في ‪ 6951/65/86‬والتي تنص على أنه"‬
‫عندما يكون البناء قد شيد طبقا لرخصة البناء‪ ،‬فإنه ال يمكن إدانة المالك بواسطة‬
‫القضاء العادي لمخالفته ارتفاقات ذات منفعة عامة‪ ،‬إال إذا ألغي الترخيص لتجاوز‬
‫السلطة أو لعدم المشروعية بواسطة القضاء اإلداري"‪.‬‬

‫أما في مصر فبوجود نص المادة ‪ 5/905‬مدني مصري التي تنص" ‪ ...‬وال‬


‫يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق" ‪ .‬فقد أثار‬
‫خالف في الفقه حول تفسير الحق‪ ،‬هل يقصد بها الحق في التعويض أم في التنفيذ‬
‫العيني أم كليهما إذا أمكن ذلك؟‬

‫ذهب البعض إلى أن الترخيص اإلداري وان كان ال يؤثر على مبدأ المسؤولية‬
‫إال أنه يؤثر على مدى الحكم‪ ،‬حيث ال يجوز للمحاكم المدنية أن تحكم بالتنفيذ‬
‫العيني‪ ،‬ألن ذلك يحمل معني إلغاء القرار اإلداري‪ ،‬وهذا ممنوع على القاضي تطبيقا‬
‫لمبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬ولذا فإنه يجب أن يقتصر حكمه على التعويض النقدي‬
‫فقط‪ ،‬وال يجوز له أن يلجأ إلى طريقة التنفيذ العيني‪ ،‬كالقيام‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق‪-‬ص ‪ 422‬و‪ .421‬نقال عن‬
‫‪Lambert-Guy, cour de droit civil, 1971,P193.‬‬

‫‪256‬‬
‫باألعمال التي تناقض القرار اإلداري‪ ،‬مثل الحكم باإلزالة لما في ذلك من مساس‬
‫بموضوع العمل اإلداري‪ ،‬ولكن إذا رأى أن المنشأة تعد مصدر خطر بالنسبة للجيران‪،‬‬
‫فإنه يتعين عليه إحالة األمر إلى القضاء اإلداري‪.1‬‬

‫وعلى العكس من ذلك‪ ،‬ذهب جمهور الفقه المصري إلى أن الترخيص اإلداري‪،‬‬
‫ال يمنع القاضي من الحكم بالتنفيذ العيني المتمثل في اإلزالة مصدر الضرر أو‬
‫تعديله ‪ ،‬ألن موضوع الدعوى ليس الطعن في قرار إداري المانح الترخيص‪ ،‬وانما‬
‫موضوعها هو المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة فضال عن أن الجهات‬
‫اإلدارية تمنح الترخيص تحت مسؤولية صاحبه ‪ .‬كما أن المادة‪ 5/ 905‬مدني مصري‬
‫تنص على أن الجار له أن" يطلب إزالة المضار ‪ .....‬وال يحول الترخيص اإلداري‬
‫دون استعمال هذا الحق" فهذا النص يجرد الترخيص اإلداري من كل أثر على‬
‫مسؤولية المالك عن مضار الجوار‪ ،‬سواء فيما يتعلق بقيامها أو فيما يتعلق بآثارها‪.‬‬

‫وعلى ذلك يكون المشرع المصري قصد بوضع هذا النص إعطاء الجار‬
‫المضرور الحق في مطالبة إزالة المضار غير المألوفة بغض النظر عما إذا كانت‬
‫المنشأة مصدر الضرر قد تحصلت على ترخيص إداري من عدمه ألن القاضي حين‬
‫يقضي باإلزالة فإنه ال يقضي بإلغاء األمر اإلداري الصادر بالترخيص‪ ،‬وانما يقضي‬
‫بتعويض الجار عن الضرر الذي أصابه‪ ،‬وبالتالي فإن القضاء باإلزالة يباشر‬
‫‪2‬‬
‫اختصاصه بعيدا عن نطاق األمر القضائي‬

‫وقد أخذ القضاء الجزائري بهذا االتجاه حين قضى‪ 3‬إن الجدار الذي شيده‬
‫الطاعن قد تسبب في إلحاق ضرر بالغ بجيرانه‪ ،‬إذ أدى إلى حجب النور والهواء‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق – نقال عن‪ :‬د محمد جمال جبريل ‪ ،‬الترخيص اإلداري ‪،‬دراسة‬
‫مقارنة ‪،‬عدم اإلشارة لدار النشر أو سنة الطبع‪ ،‬ص ‪ .594‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.159‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الرحمان علي حمزة – المرجع السابق‪-‬ص ‪ 425‬و ‪429‬‬
‫‪ 3‬ملف رقم ‪ 201962‬قرار بتاريخ ‪ 5009 /04/09‬مجلة المحكمة العليا –العدد الخاص – االجتهاد القضائي‬
‫للغرفة العقارية – الجزء الثالث‪ -‬ص‪845‬‬

‫‪257‬‬
‫عن مسكنهم‪ ،‬وجعله غير الئق للسكن‪ ،‬ولو تم ذلك طبقا لرخصة البناء والتصاميم‪،‬‬
‫فإنه يعد من مضار الجوار غير المألوفة طبقا لنص المادة ‪ 196‬من القانون المدني‪،‬‬
‫علما بأن رخصة البناء تسلم بشرط مراعاة حقوق الغير"‬

‫" حيث أن‬ ‫‪1‬‬


‫وفي قرار آخر صادر عن المحكمة العليا في ‪5005/09/65‬‬
‫قضاة المجلس اعتمدوا على وثائق إدارية للقول بأن الجدار أنجز بصفة شرعية‪ ،‬وال‬
‫يشكل أي ضرر للغير‪ ،‬وبالتالي ال يمكن إزالته‪ ،‬بدعوى أن إثبات العكس ال يمكن أن‬
‫يكون أمام القضاء العادي الذي ال يسوغ له مناقشة هذه الوثائق‪ .‬والحال أن موضوع‬
‫النزاع يخص مضار الجوار حسب نتائج الخبرتين وأن وجود وثائق إدارية ال تعطي‬
‫لمالك العقار حق التمسك بالرخص ومطابقة األشغال لقواعد العمران بغرض إعفائه‬
‫من مسؤولية مضار الجوار بمفهوم المادة ‪ 196‬من القانون المدني ألنها تسلم تحت‬
‫التحفظ ‪ ،‬لحماية الغير‪ .‬هذا ما تجاهله قضاة المجلس وأوقعوا قرارهم المنتقد في انعدام‬
‫األساس القانوني مما يتعين النقض"‪.‬‬

‫وبذلك يكون القضاء الجزائري قد ربط الرخص بشرط مراعاة حقوق الغير‪ .‬فال‬
‫يمكن لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة األشغال لقواعد العمران قصد إعفائه‬
‫من المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ألنه تسلم هذه الرخص يكون تحت‬
‫شرط مراعاة حقوق الغير‪.‬‬

‫وعليه فإن القاضي حين يقضي باإلزالة فإنه ال يقضي بإلغاء األمر اإلداري‬
‫الصادر بالترخيص‪ ،‬وانما يقضي بتعويض الجار عن الضرر الذي أصابه‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن القضاء باإلزالة يباشر اختصاصه بعيدا عن نطاق األمر القضائي‪.‬‬

‫‪ 1‬ملف رقم ‪ 460569‬مجلة المحكمة العليا –العدد الخاص – االجتهاد القضائي للغرفة العقارية – الجزء الثالث‪-‬‬
‫ص ‪828‬‬

‫‪258‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعويض النقدي‬
‫التعويض أو الضمان كما يعبر عنه الفقه اإلسالمي هو جزاء المسؤولية المدنية‬
‫والوسيلة لجبر الضرر أو تخفيف وطأته‪.1‬‬

‫األصل في التعويض هو الحكم على المسؤول بمبلغ من المال يدفعه للمضرور‬


‫على سبيل التعويض عن الضرر الذي لحقه‪ .‬بمعني أنه إذا تعذر التنفيذ العيني كما‬
‫هو الحال في معظم حاالت المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فال يجد القاضي مناصا من الحكم‬
‫بالتعويض‪ ،‬وقد يكون التعويض نقدا وهذا هو الغالب‪ ،‬وقد يكون بمقابل غير نقدي‬
‫لعدم وجود نص قانوني يمنع ذلك‪.2‬‬

‫واألصل في المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة أن يحكم القاضي‬


‫بالتعويض العيني وذلك استنادا لنص المادة ‪ 196‬مدني‪ .‬غير أن القاضي يمكنه أن‬
‫يحكم بالتعويض النقدي في حالة عدم إمكانية إزالة المضار‪ .‬كما يمكن للمضرور‬
‫إضافة إلى طلب إزالة الضرر أن يطلب تعويض نقدي عما لحقه من ضرر نتيجة‬
‫هذه المضار‪.‬‬

‫غير أنه ال يمكن للمضرور التمسك بالتعويض النقدي إذا كان الحكم بإزالة‬
‫المضار ممكنة وغير مستحيلة‪ ،‬ألن التنفيذ العيني هو أساس التعويض في هذه‬
‫المسؤولية التي يجب أن يراعي القاضي فيها الضرر المطلوب إصالحه ليكون ما‬
‫يقضي به من التعويض متكافئا مع ما ثبت لديه من ضرر‪ .‬ألن التنفيذ العيني يعني‬
‫وقف ممارسة الجار محدث الضرر لحقه مصدر الضرر غير المألوف‪ ،‬األمر الذي‬
‫يعد حرمانه من حق المقرر له بنص قانوني كما سبق بيانه‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬زرارة عواطف – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ 625‬نقال عن بشار مكاوي وفيصل العمري‪ ،‬مصادر االلتزام (الفعل‬
‫الضار) عدد ‪ ،1‬دار وائل للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمان األردن‪5001،‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب محمود – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪588‬‬

‫‪259‬‬
‫وعلى ذلك فقد قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر في ‪.15066/08/60‬‬
‫بأن قضاة الموضوع وما لديهم من سلطة تقديرية‪ .‬أروا أن تلك المضار التي لحقت‬
‫سكن الطاعنة مضار جوار غير مألوفة‪ .‬ولهذا قرروا جبر الضرر المادي الذي‬
‫أصاب مسكنها من جراء األشغال التي قام بها الجار وذلك بمنحها تعويضا مناسبا‬
‫للضرر الذي أصابها وبقضائهم هذا يكونون قد رفضوا ضمنيا طلبها الخاص بهدم ما‬
‫أنجزه الجار من أشغال التعلية في مسكنه‪ ،‬وبقضائهم على هذا النحو يكونون قد‬
‫أعطوا لقرارهم األساس القانوني األمر الذي يتعين معه رفض الطعن‪.‬‬

‫وقررت المحكمة اإلدارية الفرنسية ‪ Besançon‬بتاريخ ‪ 6919/08/62‬بأن‬


‫التعويض عن التلف وابادة األسماك نتيجة التلوث يشمل ما لحق الدائن من خسارة‬
‫وهي تلف األسماك وما فاته من كسب بسبب عدم استغالل النهر في ممارسة حق‬
‫الصيد‪.‬‬

‫وأيضا قررت المحكمة اإلدارية ب‪ Dijon‬بتاريخ ‪ 6919/66/64‬انعقاد المسؤولية‬


‫عن األضرار الجوار عن حرق النفايات الصناعية التي تلقيها الجهات الطبية‬
‫والصيدلية ومخلفات المستشفيات في المزبلة العمومية والتي يتسبب عنها تلوث‬
‫الفضاء الجوي‪ ...‬على أن يشمل التعويض كل األضرار المادية مثل اآلالم الجسمانية‬
‫لألفراد‪ ،‬وهالك الحيوانات والمحاصيل وافساد نوعية األلبان وتكاليف البيطرة‬
‫للحيوانات‪...‬‬

‫وعليه األصل في التعويض عن مضار الجوار غير المألوفة هو التعويض العيني‬


‫كما نصت عليه المادة ‪ 196‬غير أنه يمكن أن يلجأ القاضي للتعويض النقدي في‬
‫حالتين هما‪:‬‬

‫‪ 1‬قرار غير منشور الصادر عن الغرفة العقارية – القسم األول‪ -‬تحت رقم ‪. 155505‬‬

‫‪260‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬إذا تعذر عليه الحكم بالتعويض العيني بسبب قيود تمنع إزالة‬
‫الضرر‪ ،‬قد تتمثل في مصالح اقتصادية واجتماعية لألنشطة الجوارية المتنازعة‪،‬‬
‫كحالة إزالة األضرار الناجمة عن مصنع يشكو منها الجيران‪ ،‬وتتمثل اإلزالة في هذه‬
‫الحالة في غلق المصنع والذي قد يكون له آثار سلبية نظ ار ألهمية وحيوية منتوجه‪،‬‬
‫وكذا العدد الهائل من العمال الذي يشغلهم ذلك المصنع‪ ،‬مما يجعل القاضي يفضل‬
‫الحكم بتعويض نقدي للجيران المتضررين‪ ،‬قد يدفع مرة واحدة وقد يقسط في شكل‬
‫إيراد طوال مدة وجود المصنع مقابل قبول الجيران وتعايشهم إلى جانب ذلك المصنع‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬هي الحالة التي يكون فيها الهدف من الدعوى المرفوعة بشأن‬
‫تعويض الضرر غير المألوف هو مضايقات حصلت في الماضي‪ ،‬جعل من‬
‫التعويض العيني مستحيال ألنه في هذه الحالة غالبا ما يكون مصدر الضرر غير‬
‫موجود وبالتالي تصبح الدعوى الرامية إلى إزالة الضرر غير ممكنة‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دفع مسؤولية الجار‬


‫استقر الفقه والقضاء على أن مشروعية األنشطة مصدر مضار الجوار ال‬
‫تعفي محدثها من المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫فحصول الشخص على ترخيص لممارسة مهنة أو نشاط معين أو بناء معين‬
‫وعدم مجاوزته حدود هذا الترخيص ال يعفيه من المسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‪ .‬ألن الترخيص اإلداري يسلم تحت شرط مراعاة حقوق الغير‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬زرارة عواطف – الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪.614‬‬

‫‪261‬‬
‫كما أن مراعاة الجار للقوانين واألنظمة المعمول بها واتخاذه كامل االحتياطات‬
‫الالزمة بما يتفق وسلوك الرجل العادي‪ ،‬ال يعفيه من المسؤولية عن مضار الجوار‬
‫التي تجاوزت المألوفية‪ .‬كما سبق اإلشارة إليه‪.‬‬

‫ومن هنا يطرح التساؤل هل يحق للجار أن يدفع المسؤولية عنه بإثبات السبب‬
‫األجنبي وهل يمكنه دفعها بالتمسك بتقادم الدعوى ؟‬

‫لإلجابة عن هذا التساؤل أقسم المطلب إلى فرعين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬دفع مسؤولية الجار بإثبات السبب األجنبي‪.‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬دفع مسؤولية الجار بالتمسك بتقادم الدعوى‬

‫الفرع األول‪ :‬دفع مسؤولية الجار بإثبات السبب األجنبي‪.‬‬


‫تنص المادة ‪ 655‬من القانون مدني" إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن‬
‫سبب ال يد له فيه كحادث مفاجئ‪ ،‬أو قوة قاهرة‪ ،‬أو خطأ صدر من المضرور أو‬
‫خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر‪ ،‬ما لم يوجد نص قانوني أو‬
‫اتفاق يخالف ذلك"‬

‫لم يعرف المشرع السبب األجنبي‪ ،‬وانما ذكر مواصفاته وصوره في المادة‬
‫‪ 655‬مدني‪.‬‬
‫من خالل هذا النص نستخلص أن السبب األجنبي تعبير عام يشمل عدة‬
‫أفعال ال يد للشخص فيها‪ .‬فقد يكون من فعل اإلنسان كخطأ المضرور‪ ،‬وخطأ الغير‪،‬‬
‫وقد يكون من فعل الطبيعة‪ ،‬وهو ما يطلق عليه اصطالح القوة القاهرة أو الحادث‬
‫المفاجئ‪ .‬ويعتقد بعض الفقهاء أن المشرع أورد األسباب التي جاء بها هذا‬

‫‪262‬‬
‫النص على سبيل المثال‪ .1‬فقد يكون السبب األجنبي أم ار غير هذه األسباب‪ ،‬كما لو‬
‫كان عيبا في الشيء الذي أتلف‪ ،‬أو مرضا لدى المضرور‪ .2‬بينما يرى آخرون أنه‬
‫‪3‬‬
‫ورد على سبيل الحصر حيث تنعدم صور أخرى للسبب األجنبي‬

‫وقد حاول بعض الفقه تعريف السبب األجنبي انطالقا من غرضه بالنسبة‬
‫للشخص المسؤول فقد بين المقصود بالسبب األجنبي بأنه كل فعل أو حادث ال يد‬
‫للمدعى عليه فيه ويكون هذا السبب قد جعل منع وقوع العمل الذي أفضى إلى‬
‫الضرر مستحيال‪ .‬وللسبب األجنبي ركنان‪ :‬ركن السببية‪ ،‬وركن انتفاء اإلسناد‪.‬‬

‫فركن السببية يقصد به أن المدعى عليه كان من المستحيل عليه استحالة مطلقة‬
‫أ ن يتصرف بخالف ما فعل‪ .‬وهذه االستحالة معيارها موضوعي هو معياره الرجل‬
‫العادي الذي تحيطه الظروف التي أحاطت بالمدعى عليه‪ .‬والقاضي ال يخضع في‬
‫تقديره هذه االستحالة لرقابة المحكمة العليا‪ ،‬إال من حيث تسبيب حكمه تسبيبا سائغا‪.‬‬

‫أما ركن انتفاء اإلسناد فيقصد به عدم إمكان إسناد الفعل والحادث إلى المدعى‬
‫عليه بأي حال من األحوال‪.4‬‬

‫وعرفه البعض اآلخر" بأنه كل فعل أو حادث غير متوقع وغير ممكن الدفع من‬
‫قبل المسؤول وخارجيا عنه‪ ،‬نشأ عنه الضرر"‪.5‬‬

‫‪ 1‬منهم الدكتور محمد صبري السعدي الواضح في شرح القانون المدني‪ -‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر‬
‫االلتزام‪ ،‬المسؤولية التقصيرية‪:‬الفعل المستحق للتعويض‪ -‬دراسة مقارنة في القوانين العربية‪ .‬دار الهدى‪،‬عين مليلة‪-‬‬
‫الجزائر‪-‬سنة الطبع ‪ 5066‬ص ‪.609‬د‪ /‬بلحاج العربي النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري‪-‬الجزء‬
‫الثاني– المرجع السابق‪-‬ص‪ 695‬وقد أشار كل من د‪/‬محمد صبري ود‪/‬بلحاج العربي إلى د‪/‬سليمان‬
‫مرقص‪،‬المسؤولية المدنية ص ‪ 494‬ود‪ /‬السنهوري‪ .‬الوسيط ‪ ،‬الجزء ‪ 6‬فقرة ‪295‬‬
‫‪ 2‬المذكرة اإليضاحية في مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ‪ ،‬ج‪ .5‬ص ‪.859‬‬
‫‪ 3‬من أنصار هذا الرأي د‪ /‬علي فياللي‪-‬االلتزامات‪-‬الفعل المستحق التعويض‪ -‬المرجع السابق‪-‬ص ‪ .886‬د‪ /‬علي‬
‫علي سليمان‪ -‬النظرية العامة لاللتزام‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪692‬‬
‫‪ 4‬د‪ /‬محمد صبري السعدي – المرجع السابق‪ -‬ص ‪. .609،609‬د‪ /‬بلحاج العربي – المرجع السابق‪-‬ص‪695‬‬
‫‪ 5‬د‪ /‬علي فياللي – االلتزامات – الفعل المستحق التعويض‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪859‬‬

‫‪263‬‬
‫واقتصر البعض اآلخر في تعريفه على ذكر صوره بقوله السبب األجنبي هو‬
‫القوة القاهرة والحادث المفاجئ‪ ،‬وخطأ المضرور وخطأ الغير‪.1‬‬

‫من خالل هذه التعاريف يطرح التساؤل هل يمكن اللجوء للسبب األجنبي لدفع‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة؟ بعبارة أخرى هل يمكن اللجوء للسبب‬
‫األجنبي المنصوص عليه لدفع المسؤولية القائمة على أساس الخطأ لدفع المسؤولية‬
‫عن مضار الجوار غير المألوفة التي رجحت قيامها على أساس نظرية تحمل التبعة؟‪.‬‬
‫هذا ما سأبحث فيه من خالل الصور المذكورة في المادة ‪ 655‬مدني والمتمثلة‬
‫في‪:‬‬
‫القوة القاهرة و الحادث المفاجئ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫خطأ المضرور‬ ‫‪-‬‬
‫خطأ الغير‬ ‫‪-‬‬

‫أوال‪ :‬القوة القاهرة والحادث المفاجئ‪.‬‬


‫إذا كان المسؤول طبقا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية يمكنه أن يتخلص من‬
‫مسؤوليته بإثبات أن الضرر نشأ بسبب القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ وال يد له في‬
‫ذلك‪ .‬فهل يمكن للمسؤول عن مضار الجوار غير المألوفة أن يتخلص من مسؤوليته‬
‫على هذا األساس؟‪.‬‬

‫لإلجابة عن هذا التساؤل ال بد من معرفة المقصود بالقوة القاهرة والحادث المفاجئ‬


‫وشروط تحققهما‪.‬‬

‫حاول بعض الفقه التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ‪ ،‬واختلفوا في ذلك‪.‬‬
‫فذهب البعض إلى أن القوة القاهرة هي أمر خارج غير متصل بنشاط المدعى‬

‫‪ 1‬د‪ /‬علي علي سليمان – المرجع السابق‪ -‬ص ‪.692‬‬

‫‪264‬‬
‫عليه كالرياح والزالزل والبراكين‪ .‬أما الحادث المفاجئ فيحدث من أمر داخلي متصل‬
‫بنشاط المدعى عليه كانفجار آلة‪ ،‬أو خروج قطار عن قضبان السكة الحديدية‪.‬‬

‫ويرى البعض اآلخر أن القوة القاهرة يستحيل دفعها استحالة مطلقة‪ ،‬أما الحادث‬
‫المفاجئ فيستحيل دفعه استحالة نسبية‬

‫ويرى فريق ثالث أن القوة القاهرة هي التي يستحيل دفعها‪ ،‬أما الحادث المفاجئ‬
‫فيستحيل توقعه‪.1‬‬

‫أما غالبية الفقه الحديث يرى أن التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ ال‬
‫يقوم على أساس صحيح ولذلك فإنه ال يميز بينهما واعتبر كالهما شيء واحد ألنهما‬
‫ال يختلفان ال من حيث شروط وال من حيث الوجود واآلثار المترتبة‪ ،‬يتميزان بعدم‬
‫إمكان نسبتهما إلى المدعى عليه وبعدم إمكان توقعهما وباستحالة دفعهما‪.2‬‬

‫على الرغم من أن غالبية الفقه يرى بأنه ال مجال للتفرقة بين القوة القاهرة والحادث‬
‫المفاجئ‪ ،‬إال أن بعضهم ذهب إلى أن هذه التفرقة ذات أهمية مع من يؤسسون‬
‫المسؤولية على نظرية تحمل التبعة‪ ،3‬ألن الشخص يكون مسؤوال عن الحادث‬
‫المفاجئ دون القوة القاهرة‪ .‬وقد أيد بعض الفقه الحديث هذه التفرقة بالقول بأن القوة‬
‫القاهرة تعتبر حادثا خارجيا عن الشيء ويستحيل دفعه كالعاصفة أو‬

‫‪ 1‬د‪/‬محمد صبري السعدي – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ . 660‬د‪ /‬على فياللي – الفعل المستحق للتعويض‪ -‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪885‬‬
‫‪ 2‬د‪/‬محمد صبري السعدي – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ . 660‬د‪ /‬على فياللي – الفعل المستحق للتعويض‪ -‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪885‬‬
‫‪ 3‬تقوم نظرية تحمل التبعة على عنصر الضرر فقط دون الخطأ‪ ،‬والسبب األجنبي الهدف منه هو قطع العالقة بين‬
‫الخطأ والضرر أي بنفي الرابطة السببية بينهما‪ ،‬وعليه في حالة غياب الخطأ فال يكون للسبب األجنبي مجال في‬
‫نطاق هذه المسؤولية‪ ،‬لذا لجأ البعض إلى التفريق بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ‪ ،‬ألن الضرر غير المألوف‬
‫يصدر من فعل اإلنسان وبالت الي يمكن أن يحدث حادثا مفاجئ ومنه يمكن األخذ السبب األجنبي في المسؤولية‬
‫الالخطئية‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫ا لزلزال‪ ،‬بينما الحادث المفاجئ هو حادث داخلي ينجم عن دائرة نشاط المدين يستحيل‬
‫توقعه‪ ،‬ومن ثم يكون مسؤوال ويتحمل تبعته طبقا لنظرية تحمل التبعة باعتبار أن‬
‫الحادث كان داخليا‪ .‬غير أنه يمكنه دفع المسؤولية عنه بسبب القوة القاهرة‪ ،‬ألن‬
‫الحادث كان خارجيا يستحيل دفعه‪ .‬ومثال ذلك انفجار آلة من المصنع المجاور أدى‬
‫إلى تطاير أجزائها على الجيران رغم حداثتها واتخاذ االحتياطات الوقائية الالزمة‪،‬‬
‫فتقوم المسؤولية على أساس تحمل التبعة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خطأ المضرور‬


‫قد يقصر الجار المضرور في أخذ احتياطاته الالزمة لتفادي األضرار الجار‬
‫محدث الضر‪ ،‬وقد يساهم خطأ المضرور كليا أو جزئيا في حدوث الضرر‪ ،‬فيكون‬
‫خطأ المضرور سببا إلعفاء المدعى عليه من المسؤولية بنسبة مساهمته في إحداث‬
‫الضرر‪.‬‬

‫و يقع عبء إثبات خطأ المضرور على عاتق المدعى عليه الذي حدث منه‬
‫الضرر‪ ،‬فإذا أثبت أن خطأ المضرور هو السبب الوحيد في حدوث الضرر‪ ،‬يعفى‬
‫كليا من المسؤولية‪ .‬أما إذا أثبت أن خطأ المضرور ساهم جزئيا في إحداث الضرر‪،‬‬
‫فإنه يعفي من المسؤولية في حدود تلك المساهمة وهذا طبقا ألحكام المادة ‪ 655‬مدني‬
‫التي تنص" يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض‪ ،‬أو ال يحكم بالتعويض إذا كان‬
‫الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه"‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪ ،‬فقد أيدت محكمة النقض الفرنسية‪ 1‬قاضي الموضوع في اعتباره‬
‫التهاون أو التقصير من جانب الشخص المضرور‪ ،‬والمتمثل في البناء بالقرب من‬
‫مطار نيس الذي كان موجودا من قبل مع عدم أخذه االحتياطات الالزمة واألكثر‬
‫حداثة كاستخدام مواد عازلة للصوت يعد خطأ من جانبه‪ ،‬يتيح الفرصة أمام شركة‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass.civ 08/05/1968,op cit.‬‬

‫‪266‬‬
‫الخطوط الجوية الفرنسية إلبعاد مسؤوليتها كليا أو جزئيا عن الضجيج التي تحدثه‬
‫محركات الطائرات أثناء هبوطها واقالعها من المطار‪.‬‬

‫وعليه إذا كان وقوع الضرر ناتجا عن خطأ المضرور فإن المسؤولية تنفي في‬
‫حالة ما إذا كان خطأ المضرور هو السبب الوحيد في حدوث الضرر‪ ،‬وتخفف‬
‫المسؤولية في حالة مساهمة المضرور في إحداث الضرر‬

‫ثالثا‪ :‬خطأ الغير‬


‫طبقا لألحكام العامة للمسؤولية التقصيرية يعتبر خطأ الغير أحد تطبيقات السبب‬
‫األجنبي‪ ،‬فإذا تقررت مسؤولية الجار طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية‪ ،‬وتوفر خطأ‬
‫الغير الذي سبب الضرر فإنه يمكن للمدعي عليه دفع المسؤولية عن نفسه بإثباته هذا‬
‫الخطأ لوجود العالقة السببية بين فعل الغير والضرر ‪.‬‬

‫غير أنه إذا انعقدت المسؤولية على أساس تحمل التبعة أي طبقا لقواعد نظرية‬
‫مضار الجوار غير المألوفة ‪ ،‬فإن غالبية الفقه يرى بعدم إمكان دفع المسؤولية‪ ،‬لعدم‬
‫تماشيه مع الطبيعة الخاصة والمستقلة لمضار الجوار‪ ،‬التي تجد أساس لها في فكرة‬
‫تحمل التبعة‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫فقد قررت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في ‪ 6955/60/52‬بأن فعل‬
‫الغير ال يعتبر سببا لإلعفاء من المسؤولية‪ .‬وأن قاضي الموضوع حين رفض الطعن‬
‫المقدم من قبل رب العمل‪ ،‬الرامي إلعفائه من المسؤولية‪ ،‬مرتك از على أن أضرار‬
‫الجوار نتجت عن استخدام اآلالت والمعدات المستخدمة في عملية البناء‪ .‬والتي كان‬
‫المقاول حارسا لها‪ .‬كان صائبا‪ .‬ألن مسؤولية رب العمل تنعقد بمجرد حدوث األضرار‬
‫وتجاوزها أعباء الجوار العادية‪ ،‬دون الحاجة إلى البحث عما إذا‬

‫‪267‬‬
‫كانت شروط انعقاد المسؤولية عن حراسة الشيء متوافرة من عدمه‪ ،‬ألن على رب‬
‫العمل االلتزام بالتعويض عن األضرار غير المألوفة‪.‬‬

‫وعليه تماشيا والطبيعة الخاصة والمستقلة للمسؤولية عن مضار الجوار غير‬


‫المألوفة والتي تجد أساسا لها في فكرة تحمل التبعة‪ .‬فإن رب العمل الذي يستفيد من‬
‫عملية البناء عليه أن يتحمل التبعة‪ .‬وله الرجوع على المقاول طبقا لقواعد المسؤولية‬
‫التقصيرية كما أشرت سابقا‪.‬‬

‫وخالصة لما سبق يمكن للمسؤول عن مضار الجوار أن يدفع مسؤوليته بإثبات‬
‫خطأ المضرور والقوة القاهرة‪ ،‬وال يمكنه دفع المسؤولية عنه في حالة خطأ الغير‬
‫والحادث المفاجئ‪.‬‬

‫ومن هنا يطرح التساؤل هل يمكن للمسؤول أن يدفع المسؤولية عنه بتقادم دعوى‬
‫الجار؟ هذا ما أحاول عرضه في الفرع الثاني‬

‫الفرع الثاني‪ :‬دفع مسؤولية الجار بالتمسك بتقادم الدعوى‪.‬‬


‫بالرجوع لنص المادة ‪ 196‬مدني نجده تناول شروط قيام المسؤولية وكذا كيفية‬
‫تقدير الضرر والجزاء المترتب عن قيام هذه المسؤولية‪ .‬غير أنه لم يحدد مدة تقادم‬
‫مضار الجوار غير مألوفة تختلف عن قواعد‬ ‫هذه الدعوى‪ .‬وسبق اإلشارة بأن‬
‫المسؤولية األخرى نظ ار لما لهذه النظرية من خصوصية قائمة على فكرة التوازن بين‬
‫الجيران مبني على التسامح بينهم‪.‬‬

‫أمام غياب النص الذي يحدد مدة تقادم دعوى المسؤولية عن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة علينا أن نرجع للقواعد العامة‪ ،‬فنجد المادة ‪ 809‬مدني تنص" يتقادم‬
‫االلتزام بانقضاء خمسة عشرة سنة فيما عدا الحاالت التي ورد فيها نص خاص في‬
‫القانون‪"...‬‬

‫‪268‬‬
‫وعليه في غياب النص الخاص الذي ينظم تقادم المسؤولية عن مضار الجوار‬
‫غير المألوف‪ ،‬فإن هذه المسؤولية تتقادم بانقضاء خمسة عشرة سنة كاملة‪ .‬وتسرى‬
‫عليها أحكام التقادم من بدء سريانه وانقطاعه‪ .‬رغم أنني أرى بأن هذه المدة طويلة‬
‫بالنسبة لبعض المنازعات الجوارية غير المألوفة كالضوضاء التي قد يحدثها الجار‬
‫بسبب تشغيله لألجهزة منزلية ليال أو قيامه بأشغال الترميم ليال أقلقت راحة الجار‬
‫مثال‪ .‬فإن مثل هذه التصرفات تكون قد انقضت قبل انقضاء مدة التقادم‪ .‬وقد ينساها‬
‫الجار محدث الضرر غير أن حق الجار المضرور في المطالبة بالتعويض يبقى‪.‬‬

‫لكن بالرجوع ألحكام المادة ‪ 196‬مدني التي أسست التعويض على إزالة‬
‫المضار‪ ،‬فإن هذه المدة ال تؤثر باعتبار أن الضرر يكون قد زال بالنسبة لبعض‬
‫المضار غير المألوفة‪ .‬وعلى القاضي أن ال يحكم بالتعويض النقدي‪ .‬بل يقضي‬
‫برفض الدعوى لعدم التأسيس‪ .‬ويكون بذلك قد حقق التوازن بين مصلحة الجار‬
‫المضرور ومصلحة المسؤول‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫تطبيقات المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬

‫بعد تقديم دراسة نظرية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬ال بد من‬
‫أن تتبع هذه الدراسة بدراسة تطبيقية‪ ،‬لتضع أثرها لمواجهة المشاكل في الواقع العملي‪،‬‬
‫لتتم المزاوجة بين النظري والعملي‪ .‬ومن أجل ذلك‪ ،‬سأتعرض ألهم تطبيقات هذه‬
‫المسؤولية‪ .‬من خالل إلقاء الضوء على األحكام التي يصدرها القضاء‪ ،‬والتي استقر‬
‫بشأنها على إمكانية الحصول على تعويض‪ ،‬متى تجاوزت مضار الجوار الحد‬
‫المألوف‪ ،‬بغض النظر عن سلوك الجار محدث األضرار‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫غير أنه على الرغم من األهمية البالغة التي تحتلها نظرية مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‪ ،‬نالحظ قلة األحكام القضائية الجزائرية المنشورة‪ .‬ولعل ذلك راجع لعدم‬
‫وصول هذه المنازعات إلى القضاء‪ ،‬بسبب عدم رغبة المضرور مخاصمة جاره‬
‫مراعاة منه لعالقة الجوار‪ ،‬مما جعل الجار المضرور يتكيف مع واقع الجوار المليء‬
‫بالصخب والضجيج وكذا المناظر التي تؤذي حواسه‪ .‬أو أن القضاء الجزائري لم يهتم‬
‫بنشر األحكام القضائية المتعلقة بهذه المسؤولية‪.‬‬

‫وأمام قلة األحكام القضائية الجزائرية المنشورة ألزمني اللجوء إلى القضاء‬
‫الفرنسي الذي يتصف بغ ازرة أحكامه رغم عدم وجود نص تشريعي في قانونه المدني‬
‫ينظم هذه المسؤولية بخالف المشرع الجزائري الذي أقرها صراحة في المادة ‪196‬‬
‫مدني‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن القضاء الفرنسي كما سبق اإلشارة إليه‪ ،‬تهيب في بداية‬
‫األمر الحكم بالتعويض عن هذه المضار بقوله " أنه ال يعقل أن تكون واقعة تشييد‬
‫المالك على أرضه تشكل استعماال غير عادي لحق الملكية‪ ،‬كما ال يمكن القول بأن‬
‫المالك يتجاوز القدر من المضار الذي جرى العرف على التسامح فيه بين الجيران‪،‬‬
‫متى كان مشروع المبنى واألعمال المنفذة له‪ ،‬ال خصوصية استثنائية فيهما‪ ،‬ولم يكن‬
‫من ورائهما سوء قصد‪ .1‬غير أنه أمام تزايد المضار الناجمة عن التوسع في عمليات‬
‫البناء والتشييد‪ ،‬فقد أصبح من المسلم به‪ ،‬قضاء اليوم‪ ،‬إمكان تعويض الجار عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬على أساس فكرة ال يجوز ألي شخص أن يسبب للغير‬
‫وبهذا المبدأ أصبح القضاء الفرنسي يقرر المسؤولية عن مضار‬ ‫‪2‬‬
‫مضا ار للجوار‬
‫الجوار دون إثبات الخطأ‪ .3‬فأصبحت المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫غريبة عن المسؤولية التقصيرية‪ .4‬فالجار الذي استعمل حقه بطريقة‬

‫‪ 1‬د‪/‬عبد الرحمان على حمزة ‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪Cass.civ,24/11/1961, J.P.1962,1,102. 242‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Cass2e civ.19/11/1986.Bull.civ.II.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Guy Courtieu et Denis Courtieu ,Les troubles de voisinage, JC,éd 2002.p 40. Cass 3e‬‬
‫‪civ 12/02/1992.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass 2e civ,20/06/1990.Bull.civ II.‬‬

‫‪270‬‬
‫مشروعة دون وجود نية اإلضرار أو وجود تعسف في استعماله لحقه ‪،‬ال يعفى من‬
‫المسؤولية‪ ،‬ألن إثبات مشروعية الحق وغياب نية اإلضرار بالجار‪ ،‬هي حجج ناقصة‬
‫إلثبات غياب الضرر الذي لحق بالجار‪ .1‬وبهذا أصبحت مسؤولية عن مضار الجوار‬
‫مسؤولية موضوعية القائمة على تجاوز الحد المألوف الذي يخضع تقديره لقضاة‬
‫الموضوع‪ .2‬أما قضاة القانون فلهم مراقبة تسبيب تكييف عدم مألوفية الضرر‬
‫واستم ارره‪.3‬‬

‫ومن هذا المقام ال يمكنني عرض كافة مضار الجوار غير مألوفة على سبيل‬
‫الحصر بل سأتناول بعض تطبيقاتها على سبيل المثال والتي غالبا ما يتعرض لها‬
‫الجار المضرور‪ ،‬وذلك ألن مصادر هذه األضرار تتنوع باختالف الزمان والمكان‪،‬‬
‫خاصة وأن المجتمع في تطور مستمر‪ .‬كما أن ما يطبق من قواعد وأحكام على‬
‫صور ومصادر مضار الجوار غير المألوفة التي سأتناولها يمكن تطبيقها على تلك‬
‫التي لم أتناولها أو التي يمكن أن تحدث مستقبال‪.‬‬

‫غير أنه يمكن حصر تطبيق هذه المسؤولية بتحديد الجوار من خالل البحث‬
‫عن مصادر المضار غير المألوفة الناتجة عن التالصق بسبب زيادة السكان وبناء‬
‫المساكن والعمارات المتالصقة والمرتفعة‪ .‬ثم البحث عن مصادر المضار الناتجة عن‬
‫التجاور والتي من أهمها األضرار الناتجة عن تلوث بيئة الجوار‪ ،‬الذي قد يتضرر منه‬
‫مجموع من الجيران باعتبارها من األضرار األكثر شيوعا في الوقت الحالي‪.‬‬
‫وذلك من خالل تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين‬
‫المطلب األول‪ :‬تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناتجة عن التالصق‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناتجة عن التجاور‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass.3e civ. 27/11/1996. Juris-Data n°004617‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass 3e civ.4/01/1990.Resp.civ.et assur.1990,comm.n°107. Cass 2e civ 27/05/1999.‬‬
‫‪Resp.civ.et assur1999,comm..n°261.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass 2e civ,18/06/1997, Juris-Data n°002938.‬‬

‫‪271‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناتجة عن‬
‫التالصق‪.‬‬
‫يثير التالصق نزاعات عديدة بين الجيران‪ ،‬في عالم اليوم‪ ،‬ويرجع ذلك إلى ما‬
‫تميز به العصر الحاضر من نهضة عمرانية‪ ،‬وتطور أساليب الفن المعماري‪ ،‬الذي‬
‫أصبح يهتم بتشييد المباني الضخمة‪ ،‬والعمارات العالية‪ ،‬التي ساعدت على ازدياد‬
‫مضار الجوار‪ ،‬بسبب تواجد كتلة سكانية في منطقة واحدة متالصقة‪ .‬وبسبب هذا‬
‫كثرت النزاعات الجوار أمام القضاء‪ ،‬الذي أصدر عدة أحكام قضت بتعويض الجار‬
‫عما لحقه من أضرار نتيجة التالصق غير أن القضاء ميز بين األضرار التالصق‬
‫الناتجة عن الخطأ واألضرار التالصق الناتجة عن مضار الجوار غير المألوف‪.‬‬

‫هذا ما سأوضحه من خالل عرض التطبيقات القضائية ليتجلى لنا كل لبس بينهما‬
‫وذلك بتقسيم المطلب إلى فرعين أتعرض في‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أضرار التالصق الناتجة عن خطأ‬


‫الفرع الثاني‪ :‬أضرار التالصق الناتجة عن المضار الجوار غير‬
‫المألوفة‬

‫الفرع األول‪ :‬األضرار التالصق الناجمة عن خطأ‪:‬‬


‫القضاء ثري في أحكامه‪ ،‬بالنسبة ألضرار التالصق الناجمة عن الخطأ‪،‬‬
‫ويشهد بذلك األحكام العديدة التي قضت بتعويض الجار عما لحقه من أضرار نتيجة‬
‫التالصق وبسبب عدم دراية الجار باألصول الفنية لعملية البناء أو نتيجة مخالفة‬
‫الجار للقوانين والتنظيمات المعمول بها‪ ،‬كعدم احترامه للمسافة المقرر تركها‪ ،‬أو‬
‫نتيجة لالستعمال التعسفي من جانب الجار‪ .‬فتقوم المسؤولية هنا وفقا لقواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية بغض النظر إن كانت هذه األضرار بسيطة أو تجاوزت الحد‬
‫المألوف‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫وتطبيقا لذلك ‪ ،‬قضت المحكمة العليا‪:‬‬
‫قانونية المطل تتوقف على احترام المسافة المقررة قانونا وليس الضرر‪.1‬‬ ‫‪-‬‬
‫على قضاة الموضوع مراعاة احترام المسافة المحددة قانونا عند فتح‬ ‫‪-‬‬
‫المطالت في البناية‪ ،‬وفقا ما هو وارد بنص المادة ‪ 509‬من القانون المدني‪ ،‬وشرعية‬
‫وجودها غير مرتبطة بوجود ضرر أو عدم وجود ضرر‪.2‬‬
‫إن القضاة لما استبعدوا تطبيق أحكام المادة ‪ 509‬من القانون المدني‬ ‫‪-‬‬
‫المتعلق بحق المطل وباحترام قواعد الجوار واعتمدوا في إصدار قرارهم على أحكام‬
‫المادة ‪ 54‬من المرسوم التنفيذي رقم ‪ 652-96‬المؤرخ في ‪ 6996/02/59‬المطبق‬
‫لبعض مواد قانون التهيئة والتعمير يكونوا قد أساءوا فهم المادة وأخطأوا في تطبيق‬
‫القانون الذي استندوا إليه المتعلق بإنشاء واقامة العمارات وتعليتها وترك المسافة‬
‫المطلوبة بين العمارات وهي تمثل مقاييس تقنية‪ ،‬فكلما زادت التعلية فيها تزداد ترك‬
‫المسافة بما ال يقل عن أربعة أمتار وكلما انخفضت قلصت هذه المسافة إلى ما ال‬
‫يقل عن متريين‪ .‬وهي تشكل ارتفاق المنظر‪ .‬وفضال عن ذلك فإن هذه المادة مقرونة‬
‫بالمواد ‪ 58 ،55 ،56‬من نفس المرسوم‪ ،‬وبهذا المفهوم ال تعني حق المطل‬
‫المنصوص عليه في المادة ‪ 509‬مدني والتي تظل هذه األخيرة هي الواجبة التطبيق‪.‬‬
‫مما يعرض قرارهم للنقض واإلبطال‪.‬‬
‫ال يجوز للجار أن يكون على جاره مطل مواجه على مسافة تقل عن‬ ‫‪-‬‬
‫مترين‪ ،‬وعليه فإن قضاة الموضوع الذين منعوا الجار من فتح النوافذ المطلة على جاره‬
‫طبقوا صحيح القانون‪.3‬‬
‫إن القرار المطعون فيه الذي أمر بغلق النافذة وبناء جدار يفصل بين‬ ‫‪-‬‬
‫الجارين على علو مترين‪ ،‬بعد التأكد من أن النافذة محل النزاع لها مطل مباشر على‬
‫منزل المدعى عليه في الطعن‪ ،‬قد طبق القانون تطبيقا سليما‪.4‬‬

‫‪ 1‬قرار رقم ‪ 890461‬مؤرخ في ‪ ،5005/05/64‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬سنة ‪ 5005‬ص‪.405‬‬
‫‪ 2‬قرار رقم ‪ 865195‬مؤرخ في ‪، 5002/09/64‬نشرة القضاة ‪ ،‬مديرية الدراسات القانونية و الوثائق لوزارة‬
‫العدل ‪،‬العدد‪،15‬ص‪895‬‬
‫‪ 3‬قرار رقم ‪ 88909‬مؤرخ في ‪ . 6992/02/59‬المجلة القضائية‪ ،‬العدد الرابع‪ 6995 ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ 4‬قرار رقم ‪ 699908‬مؤرخ في ‪ .6999/05/59‬المجلة القضائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة ‪ 5000‬ص ‪.645‬‬

‫‪273‬‬
‫إن اكتساب الحق في المطل يمنع الجار من البناء على مسافة تقل عن‬ ‫‪-‬‬
‫مترين‪ ،‬فال يكفي إثبات أسبقية البناء وانما يجب استمرار الحيازة القانونية طيلة ‪62‬‬
‫سنة‪.1‬‬
‫ال يجيز حق ارتفاق المطل المكتسب قانونا بالتقادم‪ ،‬لصاحبه فتح مطالت‬ ‫‪-‬‬
‫أخرى بدون مراعاة المادة ‪ 509‬من القانون المدني‪.2‬‬
‫ال يجوز لمالك الحائط المشترك‪ ،‬إحداث فتحات فيه أو االنتقاص من علوه‬ ‫‪-‬‬
‫أو من سمكه أو القيام بأي عمل يمس بمتانته‪ ،‬وال يجوز التمسك بالمادة ‪ 955‬مدني‬
‫واألولوية في انجاز الفتوحات مادام أنها غير مشروعة ومخالفة للمادتين ‪ 504‬و‪502‬‬
‫من القانون المدني‪.3‬‬
‫لكل مالك أن يجبر جاره على وضع معالم حدود ألمالكهما المتالصقة‪ ،‬وال‬ ‫‪-‬‬
‫تقتصر المطالبة بوضع الحدود على المالك كما يؤخذ من ظاهر نص المادة ‪508‬‬
‫مدني‪ ،‬بل تكون المطالبة أيضا لكل من له سلطة فعلية على العقار كالحائز‪ ،‬ألن‬
‫حقه ينصب مباشرة على األرض‪ .‬إذ أن المشرع رتب هذا الحق على حالة واقعية هي‬
‫التالصق بين األراضي المتجاورة‪ ،‬وعليه فإن هذا الحق يثبت بقوة القانون بمجرد قيام‬
‫حالة التالصق‪.4‬‬
‫إن تأسيس القضاة قرارهم على ما تضمنه تقرير الخبرة من نتائج مقنعة‬ ‫‪-‬‬
‫جعلتهم يتأكدوا من عدم وجود الجوار بين ملكية الطرفين ويقررون بناء على ذلك‬
‫رفض طلب الطاعنين وضع معالم الحدود بين الملكيتين‪ ،‬إذ ال يعقل أن توضع معالم‬
‫حدود لملكيتين غير متجاورتين‪ ،‬قد طبقوا صحيح القانون‪.5‬‬

‫‪ 1‬قرار رقم ‪ 554841‬مؤرخ في ‪ .5005/05/50‬مجلة االجتهاد القضائي للغرفة العقارية‪ ،‬الجزء الثاني‪5004،‬‬
‫ص‪.408‬‬
‫‪ 2‬قرار رقم ‪ 499802‬مؤرخ في ‪ . 5009/06/64‬مجلة المحكمة العليا‪،‬العدد الخاص‪ ،‬االجتهاد القضائي الغرفة‬
‫العقارية ‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬قسم الوثائق ‪ 5060‬ص‪.811‬‬
‫‪ 3‬قرار رقم ‪ 889582‬مؤرخ في ‪ .5001/08/62‬مجلة المحكمة العليا‪،‬العدد األول‪ 5001 ،‬ص‪.459‬‬
‫‪ 4‬حكم صادر عن محكمة تمالوس فهرس رقم ‪ 95/55‬مؤرخ في ‪.6995/02/04‬نقال عن حمدي باشا عمر القضاء‬
‫العقاري‪ -‬في ضوء أحدث القرارات الصادرة عن مجلس الدولة والمحكمة العليا ومحكمة التنازع‪ ،‬دار هومة‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة عشرة ‪ 5064‬ص‪.459‬‬
‫‪ 5‬قرار رقم ‪ 59584‬مؤرخ في ‪ ،6998/60/51‬المجلة القضائية ‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬لسنة ‪،6999‬ص ‪.50‬‬

‫‪274‬‬
‫دعوى وضع معالم الحدود مقرر قانونا لمالك العقار‪ ،‬وليس للحائز‬ ‫‪-‬‬
‫العرضي‪.1‬‬
‫إن القضاء ببطالن الخبرة الرامية لتحديد رسم معالم الحدود بين ملكية‬ ‫‪-‬‬
‫الجارين المتخاصمين‪ ،‬والتي أثبتت وقوع االعتداء‪ ،‬بحجة أنها مؤسسة على عقد‬
‫ملكية باطل‪ ،‬وما بني على باطل فهو باطل‪ ،‬في حين أن البيع لم يكن محل جدال‬
‫لوقوعه مع أشخاص آخرين أجانب عن الخصومة‪ ،‬فقد خرقوا القانون‪ ،‬وعرضوا قرارهم‬
‫للنقض‪ .‬ذلك ألن دعوى الحال هي دعوى حيازة‪ ،‬وعلى القضاة أن يتقيدوا بالحدود‬
‫التي سطرها الخصوم ألنفسهم وأن يفصلوا في قضية الحيازة دون التعرض للملكية‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أضرار التالصق الناتجة عن نظرية مضار الجوار غير‬


‫المألوفة‪.‬‬

‫إذا كان الجار أثناء ممارسته لنشاطه‪ ،‬لم يخالف القوانين والتنظيمات المعمول‬
‫بها‪ ،‬ولم يتعسف في استعمال حقه‪ ،‬رغم ذلك نتج عن ممارسته لحقه ضر ار لجاره‪،‬‬
‫ففي هذه الحالة تنعقد المسؤولية وفقا لقواعد المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة‬
‫إذا تجاوزت األضرار الحد المألوفية‪ .‬وبالمقابل على الجار أن يتحمل القدر العادي‬
‫من األضرار التي وجب التسامح فيها‪.‬‬

‫ونظ ار لقلة تنوع الق اررات القضائية الجزائرية المنشورة في هذا الموضوع ووفرتها‬
‫وتنوعها في القضاء الفرنسي‪ .‬ارتأيت أن أعرض ما تناوله القضاء الجزائري ثم‬
‫أتعرض لما تناوله القضاء الفرنسي وذلك ألن المبادئ التي تناولها القضاء الجزائري‬
‫تكاد تتفق مع القضاء الفرنسي سواء من حيث شروط المسؤولية وكيفية تقدير الضرر‬
‫غير المألوف‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار رقم ‪ 522655‬مؤرخ في ‪ ، 5008/60/55‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد األول‪،‬سنة ‪ 5005‬ص‪.899‬‬


‫‪ 2‬قرار رقم ‪ 82151‬مؤرخ في ‪ ،6992/02/09‬المجلة القضائية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬لسنة ‪ 6995‬ص‪.50‬‬

‫‪275‬‬
‫أوال‪ :‬تطبيقات القضاء الجزائري‪.‬‬
‫يدخل تحديد مضار الجوار ومدى تجاوزها الحد المألوف‪ ،‬في اختصاص‬ ‫‪-‬‬
‫قضاة الموضوع‪ ،‬الذين يراعون العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها‪.‬‬
‫وعليه فإن اعتماد قضاة الموضوع على الخبرتين األصلية والتكميلية المتعلقة‬
‫بالمعاينة المادية للشرفتين‪ ،‬وعلى خالصة الخبير الذي أثبت أن الشرفة الثانية تشكل‬
‫مصدر رؤية مباشرة على مسكن المطعون ضده‪ ،‬كما أخذوا بعين االعتبار وجود‬
‫الممر مشترك بين ملكيتي الطرفين‪ .‬وصادقوا على اقتراح الخبير المتمثل في تعلية‬
‫الجدار واعتبروه الحل المناسب لفك النزاع‪ .‬يدخل ضمن سلطتهم التقديرية والتي ليس‬
‫للمحكمة العليا أي رقابة عليها‪.1‬‬
‫تقوم المسؤولية في مضار الجوار‪ ،‬إذا تجاوزت الحد المألوف‪ ،‬على أساس‬ ‫‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫الضرر وليس على أساس إثبات الخطأ بمفهوم المادة ‪ 654‬من القانون المدني‬
‫يندرج تشييد جدار ولو برخصة بناء متسبب في حجب النور والهواء عن‬ ‫‪-‬‬
‫مسكن الجار‪ ،‬ضمن مضار الجوار غير المألوفة‪.3‬‬
‫يشكل صورة من صور مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬البناء المتسبب في‬ ‫‪-‬‬
‫جعل مسكن الجار غير الئق للسكن‪ ،‬حتى ولو تم انجاز هذا البناء طبقا لرخصة‬
‫البناء والتصاميم‪.4‬‬
‫كما تشكل صورة من صور مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬العيوب الموجودة‬ ‫‪-‬‬
‫في بعض أطراف البناية التي تسبب أض ار ار للجار ومسكنه‪ ،‬بإعاقة المرور وتوجيه‬
‫مياه األمطار نحو فنائه‪.5‬‬

‫‪ 1‬قرار رقم ‪ 201962‬مؤرخ في ‪ ،5009/04/09‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الخاص‪ ،‬االجتهاد القضائي للغرفة‬
‫العقارية ‪،‬الجزء الثالث‪ ،‬لسنة ‪ 5060‬ص‪.849‬‬
‫‪ 2‬قرار رقم ‪ 842019‬مؤرخ في ‪ ، 5001/04/65‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني‪ ،5001 ،‬ص ‪.898‬‬
‫‪ 3‬قرار رقم ‪ 401145‬مؤرخ في ‪ 5005/09/65‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الخاص‪ ،‬االجتهاد القضائي للغرفة‬
‫العقارية ‪،‬الجزء الثالث‪ ،‬لسنة ‪ 5060‬ص‪. 846‬‬
‫‪ 4‬قرار رقم ‪ 404019‬مؤرخ في ‪ ،5005/01/68‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد األول‪،‬لسنة ‪ 5009‬ص‪ .695‬بخالف‬
‫للقضاء الفرنسي الذي يعتبر ال مضار للجوار غير مألوفة بوجود رخصة بناء ومطابقة البناء للتصاميم ‪:‬‬
‫‪CA. Aix-en-Provence 17/05/1989, Juris-Data n°045260‬‬
‫‪ 5‬قرار رقم ‪ 195905‬مؤرخ في ‪.5066/66/60‬قرار غير منشور‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫ال يحق لمالك العقار التمسك بالرخص ومطابقة األشغال لقواعد العمران‬ ‫‪-‬‬
‫قصد إعفائه من المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬تسلم هذه الرخص تحت‬
‫‪1‬‬
‫شرط مراعاة حقوق الغير‬
‫يجب على قضاة الموضوع‪ ،‬عند األمر بهدم بناء لمخالفته رخصة البناء‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫واإلضرار بالجار ضر ار غير مألوف‪ ،‬تحديد مضار الجوار غير المألوفة‪.2‬‬
‫قضي بإلزام المالك بتحويل مدخنة حمامه على األقل بخمسة أمتار بعيدا‬ ‫‪-‬‬
‫عن مسكن الجار بسبب انتشار الغاز المحترق منها رغم شرعية بناء ومطابقته مع‬
‫المخططات الموقعة من طرف المصالح اإلدارية‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬تطبيقات القضاء الفرنسي‪.‬‬


‫نظ ار لتنوع وتعدد صور مضار الجوار غير المألوفة التي تناولها القضاء‬
‫الفرنسي ارتأيت عرض بعض هذه الصور‪ ،‬وذلك لبيان بأن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة ال تقتصر على بناء العقارات فقط بل أنها متعلقة بالنشاط الضار الذي يحدثه‬
‫الجار‪.‬‬

‫وقد صدرت بذلك عدة ق اررات تطبيقية أذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬بالنسبة للمضار غير المألوفة الناتجة عن حجب النور والهواء والرؤية‪:‬‬
‫‪ -‬فقد قضى بالتعويض عما أحدثه الجار من مضار تفوق الحد المألوف الذي‬
‫يمكن احتماله والتي تمثلت في الحرمان من الهواء والشمس‪ ،‬نتيجة إنشاء عقار‬
‫مجاور‪ ،‬األمر الذي أدى إلى جعل السكن غير الئق‪ ،‬إضافة إلى تدهور القيمة‬
‫اإليجارية له‪.4‬‬

‫‪ 1‬قرار رقم ‪ 460569‬مؤرخ في ‪ 5005 /09/65‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الخاص‪ ،‬االجتهاد القضائي للغرفة‬
‫العقارية ‪،‬الجزء الثالث‪ ،‬لسنة ‪ 5060‬ص‪.828‬‬
‫‪ 2‬قرار رقم ‪ 401145‬مؤرخ في ‪ ،5005/09/65‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الخاص‪ ،‬االجتهاد القضائي للغرفة‬
‫العقارية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،5060.‬ص ‪.846‬‬
‫‪ 3‬المجلة القضائية العدد األول لسنة ‪ 6992‬قرار رقم ‪ 90948‬مؤرخ في ‪ .6995/01/61‬ص‪.602‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.civ.18/07/1972,J.C.P,72,11,17203.‬‬

‫‪277‬‬
‫‪ -‬ال يعد من مضار الجوار غير المألوفة حجب الرؤية والشمس الناتج عن بناء‬
‫عمارات لتعمير وتوسعة المدينة‪.1‬‬
‫‪ -‬يعد من مضار الجوار ودون البحث عن الخطأ‪ ،‬حجب الشمس ورؤية المدينة‬
‫عن الجار الناتج عن تشييد مبنى ضخم لتجاوز المضار الحد المألوف‪.2‬‬
‫‪ -‬إن وضع حواجز ذات ارتفاع مترين أدى إلى حجب رؤية الجار يعد من مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪.3‬‬
‫‪ -‬إن الشجرة المغروسة في حديقة الجار الطابق األرضي التي حجبت الرؤية‬
‫الجار الساكن في الطابق األول تستوجب قطع أغصانها على أساس المسؤولية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪.4‬‬
‫‪ -‬قضي برفض الطلب الرامي بقطع األشجار نتيجة حجب الشمس على حوض‬
‫السباحة‪ .‬لعدم توافر شرط عدم مألوفية المضار‪ .‬ذلك ألن األشجار غرست قبل‬
‫حوض السباحة وأن نموها أمر متوقع كما أن حجب الشمس قليل األهمية ومقبول‪.5‬‬
‫‪ -‬قضى بأن تركيب هوائي لإلرسال اإلذاعي ارتفاعه ‪ 51‬متر والذي نتج عنه‬
‫مضار غير مألوفة نتيجة تشويه وحجب الرؤية الجميلة للمدينة والميناء رغم أن الجار‬
‫المضرور لم يكمل تهيئة قطعة أرضه‪ ،‬فهذا ال ينفي الضرر الناتج عن نقص قيمة‬
‫العقار ولو بصفة مؤقتة‪.6‬‬
‫‪ -‬كما يعد من مضار الجوار غير المألوفة تركيب الفتة إشهارية مضيئة التي‬
‫أخفت واجهة عيادة طبيب العيون فعرقلت نشاطها‪.7‬‬
‫‪ -‬قضى بمسؤولية الجار الذي قام بزراعة مجموعة من أشجار الصنوبر على حد‬
‫ملك الجاره‪ ،‬والتي تسببت في انخفاض محصول الجار الزراعي بسبب الحرمان من‬
‫أشعة الشمس والضوء و بقاء نباتاته في الظل‪.8‬‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A. Paris,19 ch.A, 28/03/1995.Juris-Data, n° 020964.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A.Paris.2e ch.B,29/10/1998. Juris-Data, n°023123.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪C.A.Metz,23/01/1986. Juris-Data,n°042377.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass 2e civ. 17/03/2005 n°04-11.279.Bull.civII.n°73.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass2e civ 17/10/1990 n°89-14.309.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪C.A Papeete,ch.civ,26/09/1996.Juris-Data n°047445.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Cass2e civ 28/06/ 2007 n° 06-10.025 : RDI sep/oct2007 p391.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪C.A. Angers, 16/01/1996, Juris-Data,n°044127.‬‬

‫‪278‬‬
‫ب‪ -‬بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن ضوضاء التالصق‪:‬‬
‫يقصد بالضوضاء التغير المستمر في أشكال حركة الموجات الصوتية‪ ،‬بحيث‬
‫تتجاوز شدة الصوت المعدل الطبيعي المسموح به لألذن بالتقاطه وتوصيله إلى‬
‫الجهاز العصبي‪ .‬وبذلك تختلف الضوضاء عن األصوات العادية والمألوفة‪ ،‬حيث أن‬
‫األخيرة هي أصوات طبيعية اعتاد اإلنسان على سمعها‪ ،‬وهي التي تسير بها الحياة‪،‬‬
‫ولها صفة االنتظام والطابع المتناسق‪ ،‬وتنتظم بها حركة الحياة دون إحداث ضرر‪.1‬‬
‫كاستخدام الجيران العادي اليومي لألماكن المخصصة للسكنى‪ ،‬وممارستهم لحياتهم‬
‫وأنشطتهم المعيشية‪ .‬واألصل أن هذه االستخدامات وتلك الممارسات ليس من شأنها‬
‫أن تحدث مضا ار للجوار‪.‬غير أنه في بعض األحوال قد يلحق الجار بجاره أض ار ار‬
‫غير مألوفة خالل ممارسته لنشاطه فتقوم مسؤوليته عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬
‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬الضوضاء المنزلية ‪:‬‬


‫تعد الضوضاء الصادرة من داخل المنزل وحوله من أهم مشاكل الحياة العصرية‬
‫وأكثر األنواع تأثي ار بالنسبة للجار ألنه ال يستطيع الهروب منها إذ أنها تصطحبه‬
‫طوال يوم وتتعقبه في جميع أنحاء مسكنه حتى خالل نومه وبحثه عن الراحة والهدوء‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن استخدام الجار العادي واليومي لمنزله‪ ،‬وممارسته لحياته‬


‫وأنشطته المعيشية‪ ،‬ال ترتب عليه أية مسؤولية‪ .‬غير أنه تقوم مسؤوليته عن فعله‬
‫الشخصي إذا اقترف خطأ نتيجة إهماله أو تقصيره في اتخاذ االحتياطات الالزمة بما‬
‫يتفق وسلوك الرجل العادي وذلك كاستعماله مكبرات للصوت أثناء القيام‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة –الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪ .265‬نقال عن محمد عبد القادر الفقى‪ ،‬البيئة ومشاكلها‬
‫وقضاياها وحمايتها من التلوث ص‪.90‬‬

‫‪279‬‬
‫بحفالت منزلية دون الحصول على ترخيص‪ ،‬أو بسبب فعل الحيوان‪ ،‬كنباح كلب‬
‫الجار لمدة طويلة بسبب ربطه وعدم تقديم له الطعام‪.‬‬

‫كما تنعقد المسؤولية عن ضوضاء الجوار وفقا لنظرية التعسف في استعمال الحق‬
‫عند توفر حالة من حاالت التعسف فيسأل الجار طبقا لقواعد هذه النظرية كحالة‬
‫حدوث ا لضوضاء من بيت الجار نتيجة إدارة منزله لممارسة الدعارة وسبب بذلك‬
‫أضرار أدبية للجيران وقد تصل إلى أضرار مادية في حالة إنقاص من قيمة العقار‪.‬‬

‫كما تقوم مسؤولية الجار عن مضار الجوار غير المألوفة وهو موضوع الدراسة‪،‬‬
‫إذا تجاوز استخدامه لهذه األماكن‪ ،‬وتجاوزت ممارسته لحياته وأنشطته الحد المألوف‬
‫المتسامح فيه بين الجيران بعيدا عن إثبات الخطأ‪ .‬وذلك على سبيل المثال من خالل‬
‫استخدامه لألجهزة المنزلية كالمصعد والراديو والتلفاز وأجهزة التكييف والتدفئة وأبواب‬
‫وشبابيك إلى غير ذلك‪ ،‬وما يصدر عنها من ضوضاء تجاوز الحد مألوف‪.‬‬

‫هذا ما أحاول عرضه من خالل عرض بعض تطبيقات القضاء في هذا‬


‫الموضوع‪:‬‬
‫‪ -‬تشكل مضايقات غير مألوفة للجوار‪ ،‬الضوضاء والجلبة الليلية التي يحدثها‬
‫الجيران مما يتيح للجيران المتضررين مطالبتهم بالتعويض عنها بناءا على قواعد‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.1‬‬
‫‪ -‬تعد من مضار الجوار غير المألوفة صفق األبواب الشبابيك‪ ،‬وكذا ضوضاء‬
‫تسخين محرك السيارة في حالة وقوف في الصباح الباكر حتى ولو حصل ذلك في‬
‫فصل الصيف ‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass. civ 29/05/1937, www.juricaf.org/.../FRANCE-COURDECASSATION-19370529.‬‬
‫‪C.A.Pau,31/05/1989. Juris-Data.n°042753.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A Agen 16/01/2001 n°98-1795.‬‬

‫‪280‬‬
‫‪ -‬الضوضاء الحاصلة عن استعمال الطائش للراديو تتيح الفرصة في طلب‬
‫‪1‬‬
‫التعويض عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫‪ -‬تعد من مضار الجوار غير المألوفة أيضا الضوضاء الناتجة عن وقع األقدام‬
‫خالل السير على أرضية الشقة العلوية التي نزع منها السجاد والمواد التي تمنع‬
‫صوت‪.2‬‬
‫‪ -‬وفي المقابل‪ ،‬قضي بعدم قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير العادية في‬
‫حالة ما إذا اشتكى شخص من الضوضاء الناتجة عن وقع األقدام وكذا تحريك‬
‫الكراسي من الشقة العلوية‪ ،‬متى أثبتت الخبرة أن درجة الضرر الناتج عن الصوت‬
‫صادر من هذه الشقة سببه هيكل البناء وترميم تلبيسها‪ ،‬وليس صاد ار عن الضوضاء‬
‫التي تجاوز الحد المسموح به‪ .‬وأن الحياة االجتماعية في العمارة تحتم على القاطنين‬
‫تحمل األصوات العادية الصادرة من الشقق المجاورة‪ ،‬عندما ال تتعدى الحدود‬
‫الموضوعية المتسامح فيها والتي ال يمكن تجنبها‪.3‬‬
‫‪ -‬تعد من مضار الجوار غير المألوفة الضوضاء الحاصلة من تشغيل المصعد‬
‫الكهربائي والتي تجاوزت الحد المألوف بين الجيران‪.4‬‬
‫‪ -‬تعد من أضرار الجوار غير المألوفة األضرار الناتجة عن انبعاث األدخنة‬
‫السوداء من أجهزة التدفئة التي قام الجار بتركيبها في منزله‪.5‬‬
‫‪ -‬تعد من مضار الجوار غير المألوفة الضوضاء الصادرة من أجهزة التكييف‬
‫القديمة متى تجاوزت الحد المألوف‪.6‬‬
‫‪ -‬إن الضوضاء الصادر عن نشاط مطعم متواجد في الطابق السفلى لعمارة قديمة‬
‫الُ يبرر بنشاط المحل متى تجاوز الضجيج الحد المألوف المعتاد في العمارات‬
‫السكنية‪.7‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Trib, lyon, 23/12/1980,D.S.1983.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A.Paris,11/07/1986. Juris-Data n° 023855.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass 3e Civ. 15/06/2005 n°04-13.434.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪C.A Paris,26/03/1985. Juris-Data,n°022008.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass.Civ 01/03/1977.Bull. Civ.1977,1,n°112.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cass.Civ 03/01/1969,Bull.Civ. 1969,11,‬‬
‫‪7‬‬
‫‪C.A Paris 07/04/2004 n° 03-6511.‬‬

‫‪281‬‬
‫‪ -‬وبأن جيران األشخاص الذين يحدثون ضوضاء عالية تكون دعواهم بالتعويض‬
‫عن مضار الجوار غير عادية مقبولة حتى وان كانت هذه الضوضاء تحدث في حي‬
‫شائع في ه انتشار الضوضاء‪ ،‬ذلك أن الحق في السكينة والهدوء ليس من المقبول أن‬
‫يحميه القانون بالنسبة للساكنين في األحياء السكنية دون غيرها من األحياء األخرى‪.1‬‬

‫‪-2‬ضوضاء الحيوانات‪:‬‬
‫قد يقوم الجار باقتناء حيوانات سواء أكانت أليفة أو دواجن أو طيور‪ ،‬لهواية في‬
‫نفسه أو كان ا لغرض من اقتنائها‪ ،‬الحراسة أو الصيد أو التجارة‪ ،‬وقد ينتج عن تلك‬
‫الحيوانات ضوضاء شديدة وروائح كريهة تقلق راحة الجيران فهل تقوم مسؤولية الجار‬
‫المقتني لهذه الحيوانات على أساس مضار الجوار غير المألوفة؟‪.‬‬

‫صدرت في هذا الموضوع عدة أحكام عن القضاء الفرنسي نذكر منها‪:‬‬


‫قضى بمسؤولية الجار الذي قام بإنشاء حظيرة للدواجن والطيور بالقرب من‬ ‫‪-‬‬
‫نوافذ المسكن المجاور‪ ،‬والذي نتج عنها روائح مقززة وأصوات عالية‪ ،‬أقلقت راحة‬
‫الجيران الذين يسكنون في هذا المسكن وأضرت بصحتهم‪.2‬‬
‫قفص للحمام طوله ثمانية أمتار‬ ‫قضى بمسؤولية الجار الذي أنشأ‬ ‫‪-‬‬
‫وارتفاعه ستة أمتار في الحديقة والتي نتج عنها أصوات وروائح مقززة منذ ثالثة‬
‫سنوات‪.3‬‬
‫قضى بمسؤولية الجار الذي ترك كلبه ينبح على نحو مستمر‪ ،‬بحيث أقلق‬ ‫‪-‬‬
‫راحة الجيران وبدد سكون ليلهم‪.4‬‬
‫قضى بمسؤولية الجار عن المضايقات غير المألوفة‪ ،‬الناتجة عن النباح‬ ‫‪-‬‬
‫المستمر نها ار وليال لسبع كالب للصيد يقتنيها الجار في عقاره وأقلقت راحة الجيران‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A Bordeaux 04 /06/1992. Juris-Data. n°042869‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A.Paris,04/12/1985, Juris-Data,n°0028100.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪C.A Paris 26/10/2006, Juris-Data, n° 05-1748.2e ch.B,‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.2eCiv 06/12/1995, Juris-Data, n° 93-21.720.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪C.A. Nancy, 23/11/1997, Juris-Data, n° 0419202.‬‬

‫‪282‬‬
‫قضى بأن الحاجة إلى اقتناء الكالب للحراسة ال تبرر عدم اتخاذ مالكها‬ ‫‪-‬‬
‫لالحتياطات والتدابير التي من شأنها منع اإلضرار بالجيران‪ ،‬فإذا أحدثت تلك الكالب‬
‫للجيران مضايقات تجاوزت حد المألوف بسبب نباحها المستمر وما تسببه من أضرار‬
‫أخرى‪ ،‬كان مالك هذه الكالب مسؤوال عن تعويض هؤالء الجيران عنها‪.1‬‬
‫قضى بمسؤولية الجار‪ ،‬المالك على الشيوع‪ ،‬عن األضرار غير المألوفة‬ ‫‪-‬‬
‫التي لحقت بالمالك اآلخرين‪ ،‬نتيجة الروائح الكريهة المنبعثة من فضالت مجموعة‬
‫كبيرة من القطط‪ ،‬التي تنتشر ف ي األجزاء المشتركة من العقار والتي يربيها الجار في‬
‫شقته في العقار المملوك على الشيوع‪.2‬‬
‫قضى أنه لوضع التوازن بين الحاجيات الريف ونوعية المعيشة التي‬ ‫‪-‬‬
‫يتمناها الجار القادم من المدينة ُيلزم مربى األبقار‪ ،‬أخذ كل االحتياطات إلبعاد بقره‬
‫حاملة األجراس على مسافة ‪600‬متر عن بيت الجار وذلك من الساعة ‪ 09‬مساءا‬
‫إلى ‪ 05‬صباحا‪.3‬‬

‫‪ -3‬الضوضاء الناتجة عن استعمال اآلالت الموسيقية‬


‫قد يقوم الجار بالعزف على بعض اآلالت الموسيقية إلشباع رغباته وهواياته أو‬
‫للتدريب من أجل تحضير حفل موسيقي أو للهو األطفال أو للعالج فيحدث ضوضاء‬
‫تزعج راحة الجيران وتضر بصحتهم‪ .‬فهل يحق لهم المطالبة الجار بالتعويض نتيجة‬
‫الستعماله لهذه اآلالت الموسيقية على أساس نظرية مضار الجوار غير المألوفة؟‪.‬‬

‫أجاب القضاء الفرنسي على هذا من خالل تطبيقاته القضائية التي نذكر منها‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A. Aix-en-Provence, 04/02/1988,Juris-Data,n°045300.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A. Paris,27/09/1998, Juris-Data,n°023176.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Juge proximité Aix-les-Bains 09/11/2006 n°91-06-000051.‬‬

‫‪283‬‬
‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قضت بمسؤولية عازف البيانو والمغني المحترف‪ ،‬الذي يصدر أثناء تدريباته‬
‫ضوضاء تجاوزت الحد المألوف‪ ،‬رغم وضعه لصفائح بوليستران‪ polystyrène‬التي‬
‫لم تكن مجدية لعزل الضوضاء‪.1‬‬
‫‪ -‬قضت بأن الضوضاء الصادرة عن التدريب المتواصل على آلة الطبل والنوافذ‬
‫والشبابيك مفتوحة يعد من مضار الجوار غير المألوفة بالنسبة للجار المباشر‪.2‬‬
‫قضى بأن استعمال البيانو لساعات عديدة طوال اليوم‪ ،‬بما ينتج عنه من‬
‫ضوضاء وأصوات‪ ،‬تشكل مضايقات غير مألوفة للجوار‪.3‬‬
‫كما قضت في شكوى طبيب مختص في األمراض العصبية المقدمة ضد‬ ‫‪-‬‬
‫جيرانه في الطابق العلوي الذين أحدثوا ضوضاء بعزفهم على آلة البيانو مدعيا بأن‬
‫هذه الضوضاء قد أضرت به نظ ار لطبيعة النشاط الطبي الذي يمارسه‪ ،‬قضى مجلس‬
‫باريس بأن هذه األصوات ال تتجاوز الحد المألوف فيجب على الطبيب التسامح فيها‪.4‬‬
‫‪ -‬قضت بأن تشغيل الموسيقى من قبل عيادة طبية لمرضاها باستعمال مكبرات‬
‫الصوت‪ ،‬في حديقة العيادة من الساعة العاشرة صباحا إلى غاية السادسة والنصف‬
‫مساءا يوميا عندما يكون الطقس جميال‪ ،‬تسبب إزعاجا للجيران وتضر بهم‪ .‬تعد‬
‫للجوار‪.5.‬‬ ‫مضا ار غير مألوفة‬
‫قضت بأن دروس العزف على آلة البيانو والحفالت المقامة من طرف‬ ‫‪-‬‬
‫الجارة ال يمكن تصنيفه ا بأنها مضار غير مألوفة للجوار بل تعتبر مضا ار مألوفة‬
‫يجب تحملها ألنها أصوات من نفس الدرجة التي يحدثها شريط غنائي أو حفل‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A Paris 13e ch,13/07/1988. Juris-Data n° 024955.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A Reims, 17/12/1986, Juris-Data, n°045821.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪C.A .Paris,09/02/1984, Juris-Data, n°021971.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪C.A Paris, 8e ch.A,02/05/1984. Juris-Data, n°022426‬‬
‫‪5‬‬
‫‪C.A Pau, 14/05/1992 Juris-Data, n°041775.‬‬

‫‪284‬‬
‫تلفازي‪ .‬مع العلم أن الجارة المتسببة في الضرر صرحت بأنها اتخذت كافة‬
‫االحتياطات الالزمة لعزل الصوت الصادر من مسكنها‪.1‬‬
‫قضت بمسؤولية األولياء الطفل الصغير اللذين يزعمان بأن ابنهما‬ ‫‪-‬‬
‫الصغير يملك موهبة موسيقية خاصة بالنفخ على آلة البوق‪ ،‬والذي كان يتدرب عليها‬
‫باستمرار‪ ،‬مما ألحق مضار غير مألوفة بالجوار‪.2‬‬
‫قضت بأن تجربة آالت البيانو القديمة والمعروضة للبيع بصفة مستمرة‬ ‫‪-‬‬
‫وفي أوقات غير مناسبة‪ ،‬يسبب إزعاجا للجيران ويضر بهم‪ .‬مما يلحق مضا ار غير‬
‫مألوفة للجوار‪.3‬‬

‫‪ -4‬الضوضاء الناتجة عن النشاطات التجارية والصناعية‪:‬‬


‫قد ينتج عن ممارسة األنشطة التجارية والصناعية حدوث ضوضاء نتيجة‬
‫تشغيل اآلالت والمحركات بالمحالت التجارية أو المنشآت الصناعية‪ ،‬كالمصانع‬
‫والورش الميكانيكية‪ ،‬تجعل من الصعب على الجار أن ينعم بالراحة والهدوء‪ .‬األمر‬
‫الذي يمكنه من المطالبة بالتعويض‪ ،‬إذا ارتكب مستغل هذه المنشأة خطأ نتيجة‬
‫إهماله بعدم أخذ االحتياطات الالزمة لمنع أو تقليل هذا الضجيج‪ ،‬أو يكون قد خالف‬
‫القوانين المعمول بها لسير العمل بتلك المنشأة‪ ،‬مما يبرر الحكم بالتعويض عن‬
‫األضرار الناتجة عن األصوات الصاخبة‪ ،‬بالتطبيق لقواعد المسؤولية التقصيرية‪ .‬وهنا‬
‫تنعقد المسؤولية مهما كان شأن الضرر ولو كان يسي ار أو مألوفا‪ ،‬طالما تحققت‬
‫شروط المسؤولية‪ ،‬من خطأ وضرر وعالقة سببة‪.4‬‬

‫وفي المقابل كثي ار ما يضار الجار من مباشرة جاره لملكه دون استطاعة نسبة‬
‫الخطأ إلى هذا األخير‪ ،‬التخاذه كافة االحتياطات الممكنة لتفادي حدوث‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A Bordeaux, 06/06/1991. Juris-Data n° 044183.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A Lyon,23/12/1980. D1983.Jurispr.p.605,note critique AUBERT .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪C.A Montpellier,1rech.B,26/03/1997. Juris-Data, n°034556.‬‬
‫‪ 4‬عبد الرحمان على حمزة‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪ 252‬و‪251‬‬

‫‪285‬‬
‫أضرار‪ ،‬ومراعاته للقوانين المنظمة لسير العمل في هذه المنشآت‪ .‬فهل تقوم مسؤولية‬
‫محدث الضرر على أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة؟‬

‫أجاب القضاء الفرنسي على هذا من خالل تطبيقاته القضائية التي نذكر منها‪:‬‬
‫سكنية‬ ‫‪ -‬قضت بمسؤولية صاحب المطعم الكائن في الطابق األرضي لعمارة‬
‫‪1‬‬
‫عن الضوضاء التي تفوق الحد المألوف الصادرة عن نشاطه التجاري‬
‫‪ -‬قضت بمسؤولية مالك القطعة األرضية الذي أجرها لمدة ستة سنوات في فترة‬
‫الصيف إلقامة ألعاب تسلية متنقلة والتي أحدث أض ار ار للجار نتيجة الضوضاء التي‬
‫تجاوزت الحد المألوف‪.2‬‬
‫‪ -‬قضت بمسؤولية التاجر الذي قام بوضع مولد كهربائي ومبرد في قبو دكانه‬
‫واللذان أحدثا ضوضاء تجاوزت الحد المألوف وأضرت بالجار‪.3‬‬
‫‪ -‬وبالمقابل تم استبعاد هذا الوصف بالنسبة للصوت الهادئ والمنتظم الصادر‬
‫‪4‬‬
‫عن مولد موضوع في قبو المخبزة المجاورة‪.‬‬
‫‪ -‬قضت بمسؤولية الحلواني عن الضوضاء الشديدة التي تحدث ليال وتقلق راحة‬
‫الجيران وتمنع نومهم‪.5‬‬
‫‪ -‬قضى بمسؤولية القصاب عن األصوات الشديدة التي تحدثها المبردات التي‬
‫يستخدمها في عمله في وقت مبكر قبل طلوع النهار‪.6‬‬
‫‪ -‬قضى بمسؤولية مالك المطبعة عن الضوضاء الشديدة والمستمرة نتيجة سير‬
‫العمل في المطبعة‪ ،‬والتي تشكل أض ار ار غير مألوفة للجيران‪.7‬‬

‫‪1‬‬
‫‪CA Paris 07/04/2004.n° 03-6511 :Loyers et copr.2004comm.n°156 note G.Vigneron.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.2e civ.31/05/2000 n°98-17.532 :RJDA.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass.3e civ. 15/04/1975.n°74-10.109: Bull.civ.lll n°124.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.2eciv.19/11/1986.n°84-16.379 : Bull.civ.ll n°172.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass.civ 30/05/1969 :Bull.civ.ll n°25‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cass.civ.24/03/1966, D.66,43.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Cass.civ 11/05/1966. D66.‬‬

‫‪286‬‬
‫ج‪ -‬مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األغراس‪.‬‬
‫إن األغراس المتواجدة في حدود الملكية يمكن أن تقيم المسؤولية عن مضار‬
‫للجوار غير مألوفة القائمة على عدم إثبات خطأ صاحبها الذي احترم المسافة المقرر‬
‫قانونا‪ .1‬وللقاضي أن يختار التعويض المالئم إليقاف الضرر الذي قد يصل إلى قطع‬
‫األشجار إذا لم يكف قطع أغصانها أو تغيير موقعها إلزالة هذه المضار‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫قضى بقطع األغصان الشجرة المغروسة في حديقة الجار الطابق األرضي‬ ‫‪-‬‬
‫التي حجبت الرؤية الجار الساكن في الطابق األول‪.2‬‬
‫قضي بقطع الشجرة المتواجدة في حديقة جار البالغ طولها أزيد من مترين‬ ‫‪-‬‬
‫وتبعد مترين عن حدود الملكية المجاورة نتيجة امتداد جذورها إلى حديقة الجار‬
‫المجاور وأسفل منزله‪ .‬وألحقت مضار غير مألوفة به‪.3‬‬
‫إن األشجار التي سببت مضار غير مألوفة للجوار نتيجة تساقط أوراقها‬ ‫‪-‬‬
‫على ملك الجار يجب إزالتها حتى ولو كانت هذه األشجار مغروسة في المسافة‬
‫القانونية للحد الفاصل بين الملكيتين‪.4‬‬
‫قضي بتغيير موقع األغراس المالصقة لجدار الجار نتيجة الرطوبة التي‬ ‫‪-‬‬
‫تحدثها في جدار الجار بسبب سقيها‪.5‬‬
‫وفي المقابل‪ :‬قضي برفض الطلب الرامي بقطع األشجار نتيجة حجب‬ ‫‪-‬‬
‫الشمس على حوض السباحة‪ .‬لعدم توافر شرط عدم مألوفية المضار‪ .‬ذلك ألن‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass 1e Civ 06/04/1985,D 1985. Cass3e Civ 04/01/1990. Bull.civ III, n°4.C.A‬‬
‫‪Versailles 21/09/1991. JCP G 1991 II note J. Prévault.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass 2e civ. 17/03/2005 n°04-11.279.Bull.civII.n°73.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass 3eciv 11/12/2007 n°07-11.610.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Jean- Michel Guérin avec la collaboration de Nathalie Giraud, GERER LES‬‬
‫‪RELATION DE VOISINAGE. EYROLLES,2011,p77, Cass 3e civ 04/01/1990‬‬
‫‪Bull.civ.lll n°4. C.A Versailles 21/09/1991 JCP G II ,1991‬‬
‫‪5‬‬
‫‪CA Versailles,21/09/1991.JCP G1991 II n°21772. not J.Prévault.‬‬

‫‪287‬‬
‫الشجيرات غرست قبل حوض السباحة وأن نموها أمر متوقع كما أن حجب‬
‫الشمس قليل األهمية ومقبول‪.1‬‬
‫قضى بمسؤولية الجار الذي قام بزراعة مجموعة من أشجار الصنوبر على‬ ‫‪-‬‬
‫حد ملك الجاره‪ ،‬والتي تسببت في انخفاض محصول الجار الزراعي بسبب الحرمان‬
‫‪2‬‬
‫من أشعة الشمس والضوء و بقاء نباتاته في الظل‬

‫د‪ -‬مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األجزاء المشتركة‪:‬‬


‫ينطبق المبدأ القائل ال يحق ألي أحد أن يسبب للغير مضار غير مألوفة‬
‫للجوار‪ ،‬على كل شاغلي العمارة مهما كانت صفة شغلهم لها‪.3‬وعلى النقابات التي‬
‫تمثل شاغلي هذه األمالك‪.‬‬
‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬مسؤولية النقابة التي تمثل شاغلي األمالك المشتركة‪:‬‬


‫قضت بأنه يمكن متابعة النقابة على اإلزعاج التي ألحقته بالجيران الناتج‬ ‫‪-‬‬
‫عن أشغال البناء التي قامت بها في األجزاء المشتركة للعمارة وتسبب في دخول‬
‫الرمل إلى شقة أحد الجيران‪.4‬‬
‫وكذا تقوم مسؤولية النقابة بسبب ترخيصها بوضع هوائي للهاتف النقال‬ ‫‪-‬‬
‫بالقرب من العمارة ‪.5‬‬
‫تقوم مسؤولية النقابة باعتبارها ممثلة لشاغلي العمارة عن مضار الجوار‬ ‫‪-‬‬
‫غير المألوفة التي تحدث بها من قبل جار مجهول‪.6‬‬
‫وبالمقابل قضى بأن للنقابة صفة التقاضي وتمثيل شاغلي األمالك‬ ‫‪-‬‬
‫المشتركة أمام المحاكم من أجل حماية الحقوق المتعلقة باألمالك المشتركة واصالح‬
‫المضار التي يشتكي منها الشاغلين‪.1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Cass2e civ 17/10/1990 n°89-14.309.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A. Angers, 16/01/1996, Juris-Data,n°044127.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass 2e civ.17/03/2005.n°04-11.279. Bull.civ.ll n°73.‬‬
‫‪4‬‬
‫&‪Cass.3e civ.12/02/1992 n°89-19-297 :Bull.civ.ll n°44é‬‬
‫‪5‬‬
‫‪CA Paris 07/01/2004 n°03-2301.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Cass 3e civ.24/01/1973 n°72-10.585:Bull.civ.lll n°78.‬‬

‫‪288‬‬
‫‪ -2‬مسؤولية شاغلي األمالك المشتركة‪:‬‬
‫‪ -‬قضى بأن خصوصية عدم مألوفية المضار في األمالك المشتركة تنحصر في‬
‫البناء المشترك‪.2‬‬
‫‪ -‬قضي بإلزام الجار بإزالة واعادة األشغال بوضع عازل للصوت بسبب أنه أحدث‬
‫تغيرات في شقته بتغيير موقع المطبخ ووضعه فوق غرفة نوم جاره السفلى فتسبب في‬
‫ضوضاء الناتجة عن وقع األقدام بسبب تغييره للبالط دون وضع عازل للصوت‪.3‬‬
‫‪ -‬قضى بقيام مسؤولية الجار بسبب عيب في تركيب المواسير التي أحدثت‬
‫‪4‬‬
‫أضرار بسبب تسرب المياه‬
‫‪ -‬وبالمقابل قضى بعدم قيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة في حالة‬
‫‪5‬‬
‫ما إذا ترتب عليها نفع لكل الشاغلين‪ ،‬كالضوضاء الناتجة عن تغيير بالط العمارة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن‬


‫التجاور‪.‬‬
‫من أهم مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن التجاور هي األضرار الناتجة عن‬
‫أضرار تلوث بيئة الجوار‪.‬‬

‫وال شك أن التلوث يعد من األخطار الرئيسية التي تهدد البيئة في محيط الجوار‪،‬‬
‫خاصة مع تقدم المجتمعات‪ .‬فيحدث أض ار ار غير مألوفة بالجوار نتيجة تلوث الهواء‪،‬‬
‫أو تلوث للمياه‪ ،‬أو تلوث للتربة‪ ،‬أو الضوضاء التي تضر بسمع الجيران‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass 3e civ.06/03/1991 n°88-16.770 :Bull.civ.lll n°81‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass 3e civ 28/02/2001 n°98-21.030.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪CA Paris 22/10/2003 n°02-6481.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CA Paris 16/01/2008 n°06-15564 et CA Lyon 20/01/2004 n°01-5999.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪CA Paris 22/10/2003 n°02-6481.‬‬

‫‪289‬‬
‫هذا ما سأوضحه من خالل عرض التطبيقات القضائية‪ ،‬وذلك بتقسيم المطلب إلى‬
‫أربعة فروع أتعرض في‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث الهواء‬


‫الفرع الثاني‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث المياه‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث التربة‬
‫الفرع الرابع‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن الضوضاء‬

‫الفرع األول‪ :‬مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث‪1‬الهواء‬

‫يعتبر الهواء ملوثا‪ ،‬إذا حدث تغيير كبير في تركيبه لسبب من أسباب‪ ،‬أو إذا اختلط‬
‫به بعض الشوائب أو الغازات بقدر يضر بحياة الكائنات التي تستنشق هذا الهواء‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن احتياج الكائنات الحية وعلى رأسها اإلنسان للهواء النقي يفوق‬
‫احتياجاتها إلى الماء والغذاء‪ ،‬فهي تفقد حياتها إذا منع عنها الهواء لدقائق معدودات‪،‬‬
‫بينما تستطيع العيش بدون ماء لبضعة أيام وبدون غذاء لمدة أطول من‬

‫‪ 1‬عرفت المادة ‪ 04‬الفقرة ‪ 09‬من قانون ‪ 60-08‬المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة جريدة رسمية‬
‫رقم‪ 48‬بتاريخ‪ ،5008/05/50‬التلوث بأنه" كل تغيير مباشر أو غير مباشر للبيئة‪ ،‬يتسبب فيه كل فعل يحدث أو قد‬
‫يحدث وضعية مضرة بالصحة وسالمة اإلنسان والنبات والحيوان والهواء والجو والماء واألرض والممتلكات‬
‫الجماعية والفردية" كما عرفت البيئة من حيث تكوينها في الفقرة ‪ 05‬من نفس المادة" تتكون البيئة من المواد‬
‫الطبيعية الالحيوية والحيوية كالهواء والجو والماء واألرض وباطن األرض والنبات والحيوان‪ ،‬بما في ذلك الثراث‬
‫الوراثي‪ ،‬وأشكال التفاعل بين هذه الموارد‪ ،‬وكذا األماكن والمناظر والمعالم الطبيعية‪".‬‬
‫اهتمت التشريعات الوطنية والدولية بالتلوث الهوائي وقد تناوله المشرع الجزائري في المواد من ‪ 44‬إلى ‪ 41‬من‬
‫القانون ‪ 60-08‬المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة‪ .‬حيث جاء في المادة ‪ 44‬التلوث الجوي يحدث في‬
‫الحاالت التي يتم فيها إدخال بصفة مباشرة أو غير مباشرة في الجو‪ ،‬وفي الفضاءات المغلقة‪ ،‬مواد من طبيعتها‬
‫تشكل خطر على الصحة البشرية ‪...‬أو إزعاج السكان أو إفراز روائح كريهة شديدة‪"...‬كما تعتبر األصوات‬
‫الصاخبة من ملوثات الهواء الضارة بصحة اإلنسان‪ .‬كما نص المشرع المصري على التلوث الجوي في المادة‬
‫‪ 60/6‬من القانون ‪ 04‬لسنة ‪ 6994‬المتعلق بحماية البيئة بأنه "كل تغيير في خصائص ومواصفات الهواء الطبيعي‪،‬‬
‫يترتب عليه خطرا على صحة اإلنسان‪ ،‬والبيئة سواء كان هذا التلوث ناجما عن عوامل طبيعية أو نشاط إنساني بما‬
‫في ذلك الضوضاء" وقد عرفه المجلس األوربي " تلوث الهواء سنة ‪ ،6919‬بأنه يتمثل في إدخال مادة غريبة في‬
‫الهواء أو حدوث خلل كبير في نسب مكوناته على النحو الذي يمكن أن يؤدي إلى آثار ضارة أو إيذاء أو تضرر"‪.‬‬
‫كما عرف المشرع الفرنسي التلوث الجوي في المادة ‪ L 550-5‬من قانون البيئة المعدلة بمقتضى القانون ‪-5060‬‬
‫‪ " 599‬إدخال مواد ضارة في الهواء من طرف اإلنسان سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬ويكون لها‬
‫تأثير على المواد البيولوجية والنظم البيئية وعلى صحة اإلنسان كما يكون لها تأثير على التغيرات المناخية"‪ .‬لمزيد‬
‫من التفصيل راجع د‪ /‬زليخة لحميم المسؤولية المدنية عن األضرار البيئية ( في ضوء القوانين واالتفاقات الدولية)‬
‫أطروحة دكتوراه –المرجع السابق‪ -‬ص‪ 45 ،46‬وما يليها‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫ذلك‪ .‬وأن رئتي اإلنسان الطبيعي في الظروف المناخية العادية‪ ،‬تستقبل حوالي ‪62‬‬
‫كلغ من الهواء الجوي يوميا‪.1‬‬

‫وقد عرفت المادة ‪ 4‬الفقرة ‪ 60‬من قانون ‪ 60-08‬المتعلق بحماية البيئة في إطار‬
‫التنمية المستدامة‪ .‬التلوث الجوي بأنه إدخال أية مادة في الهواء أو الجو بسبب‬
‫انبع اث غازات أو أبخرة أو أدخنة أو جزيئات سائلة أو صلبة‪ ،‬من شأنها التسبب في‬
‫أضرار وأخطار على اإلطار المعيشي"‪.‬‬

‫وألزمت المادة ‪ 41‬من نفس القانون المتسببين باتخاذ التدابير الضرورية إلزالة أو‬
‫إنقاص هذه اإلنبعاثات الملوثة للجو إذ تنص" عندما تكون اإلنبعاثات الملوثة للجو‬
‫تشكل تهديدا لألشخاص والبيئة أو األمالك‪ ،‬يتعين على المتسببين فيها اتخاذ التدابير‬
‫الضرورية إلزالتها أو تقلصها‪".‬‬

‫ونظ ار ألن تلوث الهواء غالبا ما يكون نتيجة لألدخنة والغازات الضارة‪ ،‬والروائح‬
‫الكريهة أو الغبار واألتربة‪ .‬أحاول توضيحها بالتعرض إلى‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مضار األدخنة والغازات المؤذية‬


‫ثانيا‪ :‬مضار الروائح الكريهة‬
‫ثالثا‪ :‬مضار الغبار واألتربة‬

‫أوال‪ :‬ضرر األدخنة والغازات المؤذية‪:‬‬


‫الشك أن األدخنة الخانقة والغازات الضارة تعد من صميم مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‪ ،‬والتي تخول للجار الحق في المطالبة بالتعويض متى تجاوزت الحد المألوف‬
‫للجوار‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪/‬أحمد مدحت إسالم‪ ،‬التلوث مشكلة العصر‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة رقم‪ ،625‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬أغسطس ‪ ،6990‬ص ‪ 55‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫وقد تعرض فقهاء الشريعة لمضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األدخنة‬
‫والغازات المؤذية‪.‬‬

‫ففي فقه المالكي‪ :‬روي أنه منع مضار الدخان بمنع إحداث ذي دخان‪ ،‬إذا ألحق‬
‫الضرر بالجيران‪ ،‬وذلك بسبب تلوث الثياب والحوائط وما شاكل ذلك‪ .‬ومن يحدث في‬
‫عرصته ما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن للخبز أو سبك الذهب أو الفضة‪ ،‬أو‬
‫كير لعمل الحديد يمنع‪ .‬أما دخان مطبخ البيت فضرره خفيف‪ ،‬ال يستغنى عنه في‬
‫المعاش ويكون في بعض األوقات وال يستدام أمره‪ ،‬فال يمنع منه‪ .1‬فجسامة الضرر‬
‫طبقا للفقه المالكي تست خلص من استدامته‪ .‬وعليه يمنع اتخاذ دكان للطبخ إذا ألحق‬
‫مضار للجوار غير مألوفة نتيجة الدخان المصاعد‪.‬‬

‫وفي الفقه الحنفي روي عن اإلمام أبى يوسف‪ ،‬أن من اتخذ داره حماما وتأذى‬
‫الجيران من دخانه‪ ،‬فلهم منعه‪ ،‬إال أن يكون دخان الحمام مثل دخانهم‪ .2‬وعليه ال‬
‫يمكن للجار أن يطلب إزالة ضرر أحدث مثله‪.‬‬

‫وفي الفقه الحنبلي‪ :‬ال يجوز للمالك أن يجعل داره حماما يضر بعقار جاره‪،‬‬
‫بسبب ناره ورماده ودخانه‪ ،‬وال أن يجعل مخب از في وسط العطارين حيث يمنع من‬
‫ذلك‪ .‬بخالف الطبخ والخبز في ملكه لدعاء الحاجة إليه‪ ،‬فضرره يسير‪.3‬‬

‫أما الفقه الشافعي‪ :‬فقد منع من اتخاذ الدار المحفوفة بمساكن فرنا ونحوه‪.4‬‬

‫‪ 1‬إمام دار الهجرة اإلمام‪ /‬مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى‪ -‬الجزء‪ -64‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.804‬‬
‫‪ 2‬اإلمام السرخسي ‪،‬المبسوط – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ .56‬فخر الدين عثمان بن على الزيلعي‪ ،‬تبيين الحقائق شرح‬
‫كنز الدقائق‪ ،‬المرجع السابق‪-‬ص‪.691‬‬
‫‪ 3‬اإلمام عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي‪ -‬المغني‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.695‬‬
‫‪ 4‬اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي الشهير بالشافعي الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح‬
‫المنهاج‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.888‬‬

‫‪292‬‬
‫أما بالنسبة للقضاء فال شك أن هذه األدخنة والغازات الضارة الناتجة عن‬
‫المنشآت الصناعية‪ ،‬تمكن المضرور من المطالبة بالتعويض عن األضرار التي لحقته‬
‫نتيجة األدخنة السوداء‪ ،‬إذا خالف صاحبها القانون والتنظيم المعمول به‪ ،‬أو تهاون‬
‫في اتخاذ االحتياطات الالزمة‪ .‬فيشكل تصرفه هذا خطأ ‪ ،‬يمكن المضرور من‬
‫المطالبة بالتعويض وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫قضى بمسؤولية مستغل المنشأة الصناعية عن األدخنة المتصاعدة منها‬ ‫‪-‬‬
‫لعدم اتخاذه االحتياطات الالزمة وذلك بسبب النقص في المواد العازلة‪.1‬‬
‫كما قضت المحكمة اإلدارية ‪ Dijon‬بالمسؤولية المشتركة عن األضرار‬ ‫‪-‬‬
‫المدعاة للجيران بسبب األدخنة الكثيفة‪ ،‬التي تؤثر على اإلنتاج الزراعي نتيجة حرق‬
‫النفايات ومخلفات المستشفيات في المزبلة العمومية‪ ،‬والتي تحدث عمليات تلوث في‬
‫الجو‪ ،‬على أن يشمل التعويض كل األضرار المدعاة‪ ،‬كاأللم الجسماني وهالك‬
‫الحيوانات وافساد نوعية األلبان ونقص إنتاج الحيوانات من العجول نتيجة عمليات‬
‫اإلجهاض وتكاليف البيطرة‪ .‬وقد أكدت المحكمة على وجود عالقة السببية المباشرة‬
‫بين النشاط واإلضرار‪.2‬‬

‫وفي المقابل كثي ار ما يضار الجيران من مباشرة جارهم لملكه دون استطاعة‬
‫نسبة الخطأ إلى هذا األخير‪ ،‬التخاذه كافة االحتياطات الممكنة لتفادي حدوث‬
‫أضرار‪ ،‬ومراعاته للقوانين المنظمة لسير العمل في هذه المنشآت‪ .‬فليس معنى انتفاء‬
‫الخطأ من جانب مستغل المنشأة‪ ،‬إعفاءه من المسؤولية‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪،‬‬
‫يمكن أن تقوم مسؤوليته وفقا لقواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة متى تجاوزت‬
‫األدخنة الحد المألوف‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Cass civ 06/06/1972,D,72,Somm,187.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Trib,admi,Dijon,14/11/1969.J.C.P.1970-11-16533.‬‬

‫‪293‬‬
‫قضي بمسؤولية صاحب مصنع الطوب عن األدخنة السوداء الصادرة عنه‬ ‫‪-‬‬
‫والتي أدت إلى تلوث غسيل الجيران‪.1‬‬
‫وقضى بمسؤولية صاحب المصنع للكيماويات عن الغازات المتسربة منه‬ ‫‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫والتي أدت إلى موت أحد األشخاص‬
‫كما قضت محكمة ‪ Toulouse‬بإلزام شركة األلمنيوم التي تنتشر منها‬ ‫‪-‬‬
‫بعض الغازات الضارة على المحاصيل الزراعية المجاورة‪ ،‬وذلك بتركيب أجهزة‬
‫ومعدات فنية لمنع بث هذه الغازات في الجو‪ ،‬كما ألزمتها بأن تدفع للمزارعين‬
‫تعويضات سنوية‪ ،‬بقدر الضرر الذي يصيبهم على أساس األسعار السنوية‬
‫للحاصالت الزراعية‪.3‬‬
‫قضى بمسؤولية صاحب مصنع الفحم الحجري عن الدخان والغبار‬ ‫‪-‬‬
‫المتطاير منه والذي أدى إلى تعذر سكنى المنازل المجاورة‪ ،‬وموت النباتات الموجودة‬
‫في المزارع والحدائق المجاورة‪.4‬‬
‫قضى بأن استغالل محطة لخدمة السيارات والذي ينتج عنه تسرب للمواد‬ ‫‪-‬‬
‫البترولية في باطن األرض المقامة عليها المنزل المجاور وكذلك انبعاث األبخرة‬
‫والروائح والضوضاء الشديدة‪ ،‬مما يتيح لجيران تلك المحطة الفرصة في طلب‬
‫التعويض عن األضرار التي يحدثها استغاللها‪.5‬‬

‫ثانيا‪ :‬مضار الروائح الكريهة‬


‫تعد من مضار الجوار أيضا‪ ،‬الروائح الكريهة التي تنتقل عبر ذرات الهواء إلى‬
‫مسافات بعيدة‪ ،‬والناتجة عن تصاعد الغازات الضارة من المصانع والسيارات‪ ،‬خاصة‬
‫السيارات القديمة التي ال تكتمل بداخلها عملية االحتراق‪ ،‬أو يحترق فيها الزيت مع‬
‫الوقود‪ ،‬وكذلك الروائح الكريهة المنبعثة من القاذورات وتحلل المواد‬

‫‪1‬‬
‫‪Req,17/11/1931.D,H,32-1-2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Civ 17/12/1969, Bull.civ.11n°353.p281.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Trib Toulouse 17/03/1970,J.C.P.1970,11,16534.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Civ 22/10/1964.Gaz.Pal.1965,1,12. T.G.I. Caen 12/06/1973. A.J.P.I, 1974,p241‬‬
‫‪5‬‬
‫‪C.A.Paris ,17/05/1985, Juris-Data,n°022791.‬‬

‫‪294‬‬
‫العضوية الناتجة عن تربية الدواجن والحيوانات‪ ،‬أو التي تتسرب من المجاري الصحية‬
‫خاصة في األماكن السكنية‪...‬‬

‫وقد تعرض فقهاء الشريعة لمضار الروائح الكريهة من خالل التطبيقات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬ففي الفقه المالكي‪ :‬ال يجوز إحداث كل ذي رائحة كريهة‪ ،‬إذا تضرر بها‬
‫الجيران‪ ،‬كالمدبغة والمجيرة والمجبسة والمذبح بجوار بيت أو مزرعة‪ ،‬أو فتح مرحاض‬
‫قرب الجار دون تغطيته واحداث إسطبل عند دار الجار بسبب الروائح المتصاعدة من‬
‫إف ارزات الدواب‪.1‬‬

‫وفي الفقه الشافعي‪ :‬جاء بمنع الشخص الذي يتخذ داره المحفوفة بمساكن‬ ‫‪-‬‬
‫كمدبغة‪ ،‬كذلك المنع من الوقود بنحو العظم والجلود‪ ،‬مما يؤذي حيث كان من يتأذى‬
‫به‪ ،‬كذلك أفتى بتضمين من جعل داره بين الناس معمل نشادر‪ ،‬وشمه أطفال فماتوا‬
‫بسبب ذلك‪،‬عد مسؤوال لمخالفته العادة‪ ،‬وما قيل عن معمل النشادر ينسحب على‬
‫معمل البارود‪.2‬‬

‫وفي الفقه الحنفي‪ :‬أنه يمنع من يريد أن يمارس الدباغة في داره إن كان‬ ‫‪-‬‬
‫يحصل من ذلك أذى للجيران على الدوام‪.3‬‬

‫وفي الفقه الحنبلي‪ :‬يمنع ما يضر بالسكان برائحته الخبيثة‪ .‬ومن ذلك‬ ‫‪-‬‬
‫أيضا منع المالك من أن يجعل داره مدبغة‪ ،‬أو أن يلقي في ساحته الحيوانات الميتة‪،‬‬
‫أو أن يحدث حماما أو مرحاضا يتأذى جاره برائحته‪.4‬‬

‫‪ 1‬إمام دار الهجرة اإلمام‪ /‬مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى‪ -‬الجزء‪ -64‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.259‬‬
‫‪ 2‬اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي الشهير بالشافعي الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح‬
‫المنهاج‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.888‬‬
‫‪ 3‬اإلمام السرخسي ‪،‬المبسوط – المرجع السابق‪ -‬ص ‪ .56‬فخر الدين عثمان بن على الزيلعي‪ ،‬تبيين الحقائق شرح‬
‫كنز الدقائق‪ ،‬المرجع السابق‪-‬ص‪691‬‬
‫‪ 4‬اإلمام عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي‪ -‬المغني‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.698‬‬

‫‪295‬‬
‫أما بالنسبة للقضاء‪ :‬فقد أصدر عدة أحكام قضى فيها بالتعويض‪ ،‬فأسسها على‬
‫الخطأ في حالة ما إذا كانت األضرار التي لحقت بالجار نتيجة إهمال أو تقصير‬
‫وذلك بعدم اتخاذ االحتياطات والتدابير الضرورية من قبل الجار محدث الضرر‬
‫المنصوص عليها في القانون والتنظيمات المعمول بها‪ .‬ففي هذه الحالة إذا نتج عن‬
‫تشغيل المصنع أو المنشأة روائح كريهة ألحقت أض ار ار بالجار‪ ،‬له أن يطلب التعويض‬
‫عن كل أضرار ولو كانت بسيطة‪ ،‬متى أثبت خطأ صاحب المصنع أو المنشأة‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫قضى بقيام مسؤولية مربي الدواجن عن الروائح الكريهة التي أضر‬ ‫‪-‬‬
‫بالجيران المنبعثة من المدجنة بسبب نقص النظافة‪.1‬‬
‫الروائح المزعجة المنبعثة من استغالل مطعم الذي سبب مضار للجوار‬ ‫‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫نتيجة تعديالت التي قام بها صاحبه والمخالفة للتنظيم‬

‫أما إذا كانت هذه األضرار ناتجة عن تصرف مشروع‪ ،‬فإنه يحق للجار أن‬
‫يطلب التعويض متى تجاوزت هذه األضرار الحد المألوف‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قرر مجلس الدولة‪ 3‬بتاريخ ‪ .5005/02/58‬والذي جاء فيه أنه "ال يمكن أن‬
‫تكون مزبلة في وسط سكاني تمس بسالمة األشخاص نتيجة الغازات السامة التي‬
‫تفرزها والروائح الكريهة وغيرها من األشياء المضرة‪ .‬فأمر مجلس الدولة بغلقها رغم‬
‫وجود ترخيص إداري‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A Dijon,ch.corr,21/01/1999. .Juris-Data n°040675.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A Versailles,15/10/1993. .Juris-Data n°045970.‬‬
‫‪3‬مجلة مجلس الدولة العدد ‪– 09‬قرار رقم ‪ 085529‬الصادر ‪ 5005/02 /58‬المشار إليه سابقا‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫‪ -‬قضى بأن استغالل نشاط جمع النفايات المنزلية والقمامة وتصريفها‪ ،‬إذا كان له‬
‫فائدة اجتماعية غير مشكوك فيها إال أنه يكون مصد ار لألضرار البيئة بسبب أكوام‬
‫القمامة المختلفة ذات الشكل القبيح‪ ،‬وبسبب التفاعل الكيميائي والروائح المقززة التي‬
‫تنبعث منها‪ ،‬فإن المستغل لهذا النشاط ملزم بتعويض أضرار التلوث التي أصابت‬
‫جيرانه‪.1‬‬
‫‪ -‬قضت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية صاحب المخبزة عن الروائح الكريهة‬
‫الناتجة عن استخدامه لمادة المازوت‪ ،‬والتي سببت مضايقات غير مألوفة لنزالء في‬
‫الفندق المجاور‪.2‬‬
‫قضى بمسؤولية شركة عصير الزيت عن الروائح الناتجة عن سير العمل‬ ‫‪-‬‬
‫فيها والتي سببت مضايقات لسكان مدينة مرسيليا تجاوزت أعباء الجوار الواجب‬
‫تحملها‪.3‬‬
‫قضى بقيام المسؤولية بسبب الروائح القذرة المنبعثة من شبكة المجاري‬ ‫‪-‬‬
‫والتي تصل إلى درجة ال تطاق بالنسبة للجيران‪.4‬‬
‫قضى بقيام المسؤولية بالتضامن بين صاحب محل المخبزة والحلويات‬ ‫‪-‬‬
‫والمستأجر المتسبب المباشر لمضار الجوار غير المألوفة بسبب الروائح القوية غير‬
‫‪5‬‬
‫المرغوبة والتي من شدتها تسبب غثيان للجيران‬
‫قضى بالمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بسبب الضوضاء‬ ‫‪-‬‬
‫والروائح القوية المنبعثة من مصنع للدهان التي تسبب إزعاجا للجيران‪.6‬‬
‫ال يعد من قبيل مضار الجوار غير المألوفة تركيب مشواة على الرصيف‬ ‫‪-‬‬
‫أمام محالت الج ازرة في منطقة تجارية بناءا على رخصة‪ ،‬إذا كان جهاز الشواء‬
‫مطابق للمواصفات‪.7‬‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A. Rouen,19/02/1992.Juris-Data,n°040377‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass civ,30/11/1961.D,62,p168.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass civ 27/10/1964. Cass civ 22/10/1964, D,1965,p344.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪C.E 19/03/1915.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪C.A Paris, 2eCh A,03/02/1998. Juris-Data n°020370.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪C.A Versailles, 01/10/1993.Juris-Data n°044455.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪C.A Versailles,22/10/1986 .Juris-Data n° 045500.‬‬

‫‪297‬‬
‫ال تقوم المسؤولية عن مضار الجوار عن الروائح والصوت المنبعث من‬ ‫‪-‬‬
‫ورشة صناعية مواد التجميل‪ ،‬خاصة وأن هذه الروائح ضعيفة ال تتعدي المضار‬
‫المألوفة التي يجب التسامح فيها‪,1‬‬
‫قضى بأنه تشكل مضايقات غير مألوفة للجوار‪ ،‬الروائح الكريهة المنبعثة‬ ‫‪-‬‬
‫من حظيرة لتربية الطيور والدواجن‪ ،‬والتي تؤذي الجيران والذين يكون لهم الحق في‬
‫المطالبة بالتعويض‪.2‬‬
‫قضى بمسؤولية الجار الذي قام بإنشاء مخزن للغالل وبيدر للزبل بسبب ما‬ ‫‪-‬‬
‫ينجم عنها من روائح كريهة وتشويه للمنظر الجمالي في المنطقة والتي تجاوز حد‬
‫المضايقات المألوفة للجوار‪.3‬‬
‫قضى بمسؤولية الجار عن تعويض األضرار الناتجة عن الروائح الكريهة‬ ‫‪-‬‬
‫التي لحقت بساكني العقارات المجاورة بسبب تخزين الزبل ومخلفات الحيوانات على‬
‫سطح المنزل الجار محدث الضرر‪ ،‬والذي يبعد عن الطريق العام حوالي سبعة‬
‫أمتار‪.4‬‬

‫ثالثا‪ :‬مضار الغبار واألتربة‬


‫تعتبر مضار الغبار واألتربة من صميم أضرار الجوار غير المألوفة‪ ،‬ومن تم‬
‫تتيح الفرصة في طلب التعويض‪ ،‬الغبار المتطاير من سير العمل في بعض المنشآت‬
‫الصناعية‪ ،‬كصناعة األسمنت ومصانع الكيماويات‪ .‬فهذه النوعية من المضايقات‬
‫تؤثر على صحة الستنشاقها‪.‬‬

‫وأيضا األتربة الناتجة من عمليات الهدم والتي قد تصل إلى خلق نوع من‬
‫السحابات القاتمة والتي تعطي فرص في طلب التعويض عنها خاصة إذا كانت ناتجة‬
‫عن تهاون أو تقصير في أخذ االحتياطات الالزمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪C.A Metz, 29/09/1994. .Juris-Data n°045607.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪C.A. Paris 13/09/1994 , Juris-Data,n°022480.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪C.A. Bordeaux, 12/09/ 1991,Juris-Data,n°046489.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪C.A. Metz, 17/12/1985, Juris-Data,n°043118.‬‬

‫‪298‬‬
‫أما بالنسبة لألتربة البسيطة الناتجة عن عمليات الهدم‪ ،‬والتي ال تصل إلى‬
‫مرحلة الخطورة مما يضفي عليها صفة العادية فإنه ال يجوز التضرر من وجودها‬
‫ألنها تعد من أعباء الجوار الحتمية التي ال تخلو منها المناطق السكنية‪ .1‬وتطبيقا‬
‫لذلك قضى بأن األضرار التي تنتج بالضرورة عن هدم أو بناء المنشآت الخاصة أو‬
‫العامة مثل الغبار تشكل أعباء عادية‪ ،‬وال يمكن أن تكون سببا للمطالبة بالتعويض‬
‫عنها‪ ،‬إذا كان الهدم والبناء مطابق للقانون واتخذ صاحبه كافة االحتياطات الالزمة‪.2‬‬

‫وعليه يعتبر الغبار واألتربة صورة من صور تلوث الهواء ‪ ،‬ويقصد به تلك‬
‫الدقائق الصلبة من المواد المختلفة العالقة بالهواء‪ ،‬والتي تتصاعد من المناجم وأعمال‬
‫البناء والهدم‪ ،‬وبعض المصانع كمصانع األسمنت والطوب‪ ،‬وأيضا العمليات‬
‫الصناعية التي تعتمد على خامات زراعية كالصناعات القطنية‪ ،‬وكذا الغبار المتطاير‬
‫الناتج عن بعض المفروشات البيتية وما نحوها‪.3‬‬

‫وفي هذا الصدد بين فقهاء الشريعة هذه الصورة من صور تلوث الهواء‪ ،‬بناءا‬
‫على قاعدة الفقهية "كل ما يمنع الحوائج األصلية للسكنى يعد ضر ار فاحشا يجب‬
‫رفعه"‪ .‬ومن الحوائج األصلية للجار أن يكون الهواء الذي يستنشقه خاليا مما يفسده‪،‬‬
‫خاصة إذا كان مستمرا‪ .‬وقد أخذ فقهاء الشريعة بهذا‬

‫ففي الفقه المالكي‪ :‬ورد منع إحداث أندر‪ 4‬قرب جنان أو بيت أو دكان‪ .‬إذ‬ ‫‪-‬‬
‫أن إحداث األندر جوار الدار ونحوه‪ ،‬يلحق بالجيران األذى مما تطاير من‬
‫‪-‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد – أضرار البيئية في محيط الجوار‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص ‪,526 ،520‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Rec Bordeaux 17/03/1902,1902-1-254.‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬علي زين العابدين ود‪ /‬محمد عبد المرضي‪ :‬تلوث البيئة ثمن المدنية‪ ،‬مكتبة األكاديمية‪ ،‬القاهرة‪.6995‬‬
‫‪ 4‬أندر وهو بيدر للقمح وهو المكان الذي تداس فيه الحبوب‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫أغبرة‪ ،‬ويمنع باتفاق‪ .‬كذلك ذكروا منع نفض الحصير‪ ،‬عند االستمرار على باب‬
‫الدار لتضر الجار بغباره‪.1‬‬

‫أما في الفقه الحنفي‪ :‬فقد ورد ما يفيد منع المالك من هدم داره‪ ،‬إذا ترتب‬ ‫‪-‬‬
‫عليه ضرر بالجيران‪ .‬ويشير ذلك إلى ضرر األتربة التي ال تطاق وال تحتمل معها‬
‫السكنى‪ ،‬خاصة إذا استمرت مدة طويلة‪ .‬ومن ثم فإن على المالك إتباع الوسائل التي‬
‫تكفل دفع هذا الضرر واال منع‪ .‬وهذا ما نصت عليه مجلة األحكام العدلية في المادة‬
‫‪ 6500‬بقولها لو أحدث رجل بيد ار في دار آخر‪ ،‬وبمجئ الغبار منه يتأذي صاحب‬
‫الدار حتى ال يطيق اإلقامة فيه‪ ،‬فله أن يكلفه رفع ضرره‪.2‬‬

‫أما في الفقه الحنبلي‪ :‬فقد ورد فيه أنه من كانت له ساحة يلقى فيها‬ ‫‪-‬‬
‫التراب ويتضرر الجيران بذلك‪ ،‬أنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران‬
‫بعمارتها أو بإعطائها لمن يعمرها أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران‪.3‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء‪ :‬فقد أصدر عدة أحكام قضى فيها بالتعويض‪ ،‬أذكر منها‪:‬‬

‫قضى بمسؤولية صاحب مصنع الفحم الحجري عن الغبار المتطاير منه‬ ‫‪-‬‬
‫والذي أدى إلى تعذر سكنى المنازل المجاورة‪ ،‬وموت النباتات الموجودة في المزارع‬
‫والحدائق المجاورة‪.4‬‬
‫قضى بقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة بسبب غبار‬ ‫‪-‬‬
‫المتصاعدة من النجارة والتي أضرت بصحة الجار والجوار‪.5‬‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة‪ -‬المرجع السابق‪-‬ص ‪ 209‬نقال عن تبصرة األحكام في أصول األقضية ومناهج‬
‫األحكام ‪ ،‬برهان الدين أبراهيم بن فرحون‪ ،‬طبعة دار المعرفة ‪ ،‬بيروت‪ .‬ص ‪ .865‬وكذا البهجة في شرح التحفة‬
‫ألبى الحسن على بن عبد السالم التسولى‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،6926‬الجزء‪ ،5‬ص‪81,8‬‬
‫‪ 2‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام‪ ،‬شرح الفتح القدير على الهداية‪ -‬الرجع السابق‪-‬‬
‫الجزء‪ – 1‬ص‪.465‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة‪ -‬المرجع السابق‪-‬ص ‪ -507‬نقال عن منصور بن يونس بن ادريس البهوني ‪ ،‬كشاف‬
‫القناع على متن اإلقناع‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬ص‪669‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Req 19/04/1905,D.1905,1,256.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪CA Grenoble,26/05/1992: Juris-Data, n°042269.‬‬

‫‪300‬‬
‫قضى بأن استغالل مصنع لأللمنيوم في منطقة صناعية والذي تسبب في‬ ‫‪-‬‬
‫انبعاث الدخان وتساقط الغبار وكذا الروائح المزعجة‪ ،‬يلزم المسؤول بإصالح المضار‬
‫التي تجاوزت الحد المألوف والتي أضرت بالجوار‪.1‬‬
‫قضى بأن الضوضاء المستمرة في النهار والليل وكذا التلوث الناتج عن‬ ‫‪-‬‬
‫انبعاث الدخان والغبار‪ ،‬واصدارات المواد المهيجة والمتقلبة‪ ،‬وانتشار الروائح الناتجة‬
‫من مصنع الفحم الخشبي والتي أضرت بصحة الجيران وكذا أنقصت من قيمة منازلهم‬
‫تعد من مضار الجوار غير المألوفة وتوجب اإلصالح الضرر‪.2‬‬
‫قضى بقيام المسؤولية نتيجة حرق وترميد النفايات بصفة مستمرة التي‬ ‫‪-‬‬
‫‪3‬‬
‫لوثت الهواء دون اتخاذ االحتياطات الالزمة لمنع أو تقليل هذه األضرار‬
‫قضى بقيام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة والزام مركز‬ ‫‪-‬‬
‫الفروسية بتغيير موقعه‪.‬بسبب تسببه في انتشار األتربة والغبار كثيف الذي لوث الجو‬
‫وصعب التنفس‪ ،‬كما لطخ العقارات المجاورة‪ .‬رغم اتخاذ مسؤولي المركز كافة التدابير‬
‫لتجنب األضرار‪.4‬‬
‫قضى بالتعويض عن األضرار البيئة الناتجة عن ملعب للتنس موجود في‬ ‫‪-‬‬
‫حي سكنى‪ ،‬بسبب انتشار األتربة على العقار المجاور وكذلك الضوضاء الصادرة‬
‫منه‪ ،‬نتيجة ممارسة لعبة التنس عليه‪.5‬‬
‫قضى بتعويض الجيران عن األضرار التي أصابتهم من جراء تشغيل معمل‬ ‫‪-‬‬
‫للطاقة الح اررية‪ ،‬وما ينجم عنها من غبار وكربونات تجاوزت الحد المألوف للجوار‪.6‬‬

‫وفي المقابل‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪CA Paris 23e ch.A, 01/06/1994 : Juris-Data n°021813.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪CA Dijon,12/04/1991 : Juris-Data n°041172.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Trub Nancy 13/03/1986: Juris-Data n°042250.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CA Caen 18/10/1994 : Juris-Data n°049193.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪C.A. Pau 05/06/1985, Juris-Data, n°041225.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪C.E.16/11/1962, Rec.1963, P 614.‬‬

‫‪301‬‬
‫قضى أن استغالل مؤسسة سحق وغربلة الحجارة والتي ينتج عنها ضجيج‬ ‫‪-‬‬
‫وكذا غبار الذي ال يمكن تجنبه نتيجة العمل المتواصل بها ال يعد من مضار الجوار‬
‫غير المألوفة طالما أن هذه المؤسسة تعمل وفقا للرخصة الممنوحة لها‪.1‬‬
‫قضى بأنه ال يمكن نقض قرار المجلس الذي قرر بعدم تأسيس طلب‬ ‫‪-‬‬
‫إصالح مضار الجوار التي تسببت فيها آلة صناعة الخرسانة‪ ،‬خاصة وأنه تم إحداث‬
‫فيها تغييرات خالل تركيبها إلنقاص مضايقات الجوار‪.2‬‬

‫ففي هذه الحاالت وغيرها يمكن لكل لجار المضرور المطالبة بالتعويض عن‬
‫األضرار الناتجة عن الغبار واألتربة التي تسببت في تلويث الجو تجاوز الحد المألوف‬
‫الذي وجب التسامح فيه بين الجيران‪.‬‬
‫أما الغبار واألتربة البسيطة فوجب التسامح فيها ألنها تعتبر من األعباء‬
‫الحتمية كما سبق بيانه‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث المياه‪:‬‬

‫وقد عرفت الفقرة التاسعة من المادة الرابعة من قانون حماية البيئة في إطار‬
‫التنمية المستدامة " تلوث المياه يكون بإدخال أية مادة في الوسط المائي‪ ،‬من شأنها‬
‫تغيير الخصائص الفيزيائية والكيميائية و‪/‬أو البيولوجية للماء‪ ،‬وتتسبب في مخاطر‬
‫على صحة اإلنسان‪ ،‬وتضر بالحيوانات والنباتات البرية والمائية وتمس بجمال‬
‫المواقع‪ ،‬أو تعرقل أي استعمال طبيعي آخر للمياه"‪.‬‬

‫وعليه يقصد بالتلوث المائي‪ ،‬إحداث إتالف أو إفساد في نوعية الماء‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى تدهور نظامها االيكولوجي‪ ،‬بصورة أو بأخرى لدرجة تؤدي إلى خلق نتائج‬
‫مؤذية من استخدام المياه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass 2e civ 17/07/1991 :Bull.civ ll,n°234 ; JCP G1991,IV,p367.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass 2e civ, 15/03/1989 : Juris-Data n°001223.‬‬

‫‪302‬‬
‫فرغم األهمية الكبيرة للماء فإن اإلنسان لم يعبأ بها‪ ،‬بل راح يلوثه‪ ،‬فألقى‬
‫بمخلفاته في مياه األنهار والبحار‪ ،‬مع أن هذه المخلفات تحتوي على الكثير من المواد‬
‫العضوية وغير العضوية‪ ،‬صلبة أو سائلة‪ .‬وتأتي خطورة هذه المخلفات في أنها تغير‬
‫طبيعة المياه وتحولها‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬من مياه باعثة على الحياة إلى مياه‬
‫مسببة لألمراض والموت‪.‬‬

‫و تتلخص أسباب التلوث المياه في‪:‬‬

‫‪ 6‬تسرب النفط ومشتقاته‪:‬‬


‫يعتبر النفط ومشتقاته من أهم مصادر تلوث المائي لتميزها بسرعة انتشارها‬
‫فوق سطح الماء والذي ينسكب على سطح الماء إما بطريقة عفوية أو طريقة إجبارية‪.‬‬

‫وتساهم ناقالت النفط بدور كبير في تلوث المياه بما ينسكب منها من نفط‬
‫أثناء التفريغ والشحن وتنظيف خزاناتها أو حوادث تتعرض له ناقالته‪. ...‬‬

‫وال يقتصر تدفق النفط على الحوادث السابقة فحسب بل يمتد إلى حوادث‬
‫انفجار آبار النفط البحرية ‪ ،‬أو أجهزة إنتاج النفط الموجودة في البحر أو إلقاء‬
‫مخلفات الصناعات البترولية والبتروكيمائية المطلة على المسطحات المائية‪.‬‬

‫‪ 2‬مخلفات المصانع‪:‬‬
‫تساهم المصانع أيضا بتلوث المياه بما تقذفه من مخلفاتها الشديدة الخطورة‬
‫لتضمنها الكثير من المواد العضوية وغير العضوية سائلة كانت أو صلبة الضارة‬
‫باإلنسان‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫وتتمثل المخلفات العضوية فيما تلقيه هذه المصانع من نفايات األغذية ونشارة‬
‫الخشب‪ . ...‬أما المخلفات غير العضوية فهي شديدة الخطورة الحتوائها على مواد‬
‫مخلفات معدنية وكيماوية مثل مركبات الرصاص والزئبق والزنك والنحاس‪ .‬حيث‬
‫ي ؤدي وصولها لجسم اإلنسان إلى أضرار كبيرة‪ .‬وهي تصل إليه إما عن طريق مياه‬
‫الشرب‪ ،‬أو عن طريق الغذاء إذا تم سقي المزارع بهذه المياه الملوثة‪. ...‬‬

‫‪ 3‬نفايات المدن‪:‬‬
‫ويقصد بها الفضالت السائلة المتخلفة عن النشاطات المنزلية اليومية‪ ،‬والمتمثلة‬
‫في مياه صرف الصحي التي تقذف في البحار واألنهار‪ ،‬أو القمامات والقاذورات التي‬
‫يلقى بها في مجاري المياه‪ ،‬وهي ظاهرة ملموسة في أيامنا هذه‪.‬‬

‫وبدون شك أن إلقاء هذه النفايات يفسد المياه حيث تفقد المسطحات المائية‬
‫قدرتها على إعادة األحياء البحرية فضال عن تلوث المياه بالكثير من المكروبات‬
‫الشرب واالستحمام في هذه المياه خط ار على الصحة‬ ‫والفيروسات حيث يصبح‬
‫العامة‪.‬‬

‫وعليه فإن تلوث المياه له انعكاسات على مجال الزراعة‪ ،‬والحياة العادية‬
‫للبشرية التي تستخدم هذه المياه للشرب ومن ثم فإن هذا النوع من التلوث يوجب‬
‫مسؤولية محدثها وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية في أغلب األحيان متى توفر ركن‬
‫الخطأ المتمثل في التقصير والتهاون في أخذ االحتياطات الالزمة‪ .‬أما إذا تخلف هذا‬
‫العنصر فإنه يمكن اللجوء إلى قواعد نظرية مضار الجوار غير المألوفة من أجل‬
‫إقامة مسؤولية محدث الضرر متى تجاوزت هذه األضرار الحد المألوف المتسامح‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫وقد اهتم فقهاء الشريعة بهذا الموضوع لما له من أهمية بالغة تتعلق بصحة‬
‫ٍ‬
‫اإلنسان وتطبيقا لما قال اهلل تعالى " َو َج َع ْلنا م َن الماء ُك َّل َش ْيء َح ٍّي أَفَال ُي ْؤم ُن َ‬
‫ون"‪.1‬‬

‫‪ -‬ففي الفقه المالكي‪ :‬أفتى بمنع إحداث كنيفا يضر ببئر جاره‪ ،‬فإنه يمنع من‬
‫ذلك‪.2‬‬

‫وفي الفقه الحنفي‪ :‬أفتي بمنع ضرر تسرب ما ينزل من مجرى أوساخ في‬ ‫‪-‬‬
‫باطن األرض إلى بئر ماء في دار المجاورة‪ .‬وقضت المادة ‪ 6565‬من مجلة األحكام‬
‫العدلية بمنع مثل هذا الضرر‪ ،‬ولو بالردم‪ .‬وفي هذا تقول " إذا كان لشخص بئر ماء‬
‫حلو وأراد جاره أن يبنى في قربه كنيفا أو سياقا مالحا وكان ذلك يفسد ماء البئر‪ ،‬فإن‬
‫ضرره يدفع‪ ،‬وان كان ضرره ال يقبل الدفع بوجه‪ ،‬فذلك الكنيف أو السياق يردم‪ .‬كذلك‬
‫إذا كان طريق الماء حلو فبني آخر عنده سياقا مالحا وقذره يضر بالماء الحلو ضر ار‬
‫فاحشا ولم يمكن دفع ضرره إال بالردم فإنه يردم"‪.‬‬

‫في مذهب الحنابلة‪ :‬أورد القاضي أبو يعلى عن اإلمام أحمد روايتين فيمن‬ ‫‪-‬‬
‫حفر بئ ار لماء أو طهور بعد حريم بئر أخرى‪ ،‬فنصب ماء األول أو تغير‪ ،‬أو حفر‬
‫قناة جنب قناة اآلخر‪ ،‬أو حفر البئر في داره‪ ،‬فجرت ماء بئر في داره مجاورة‪ ،‬أو‬
‫حفر كنيفا جنب حائط الجار‪ ,‬وفي إحدى الروايتين ليس للجار أن يمنعه من ذلك إذا‬
‫جاوز حريمه أضر به أو لم يضر‪ .‬وفي الرواية األخرى ال يقر الحافر على ذلك‪،‬‬
‫ويطم ما حفر‪.‬‬

‫وذكروا في اعتبار أسبقية اإلنشاء‪ ،‬أنه لو حفر مرحاضا أفسد ماء بئر سابقه‬
‫وجب إزالته‪ ،‬أما إذا كان قد وجد قبل البئر‪ ،‬فال يزال‪ ،‬ويعتبر صاحب البئر مفرطا‬

‫‪ 1‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.80‬‬


‫‪ 2‬إمام دار الهجرة اإلمام‪ /‬مالك بن أنس األصبحى ‪،‬المدونة الكبرى‪،‬الجزء ‪ -،62‬المرجع السابق‪ -‬ص‪.695‬‬

‫‪305‬‬
‫في حفره‪ .‬وذكر الحافظ ابن رجب في ذلك أن إزالة الضرر ظاهر مذهب اإلمام‬
‫أحمد"‪.1‬‬

‫وتجدر المالحظة‪ ،‬بأنه إذا كانت معظم األضرار الناشئة عن تلوث المياه‪ ،‬قد‬
‫ذكرها الفقهاء في معرض مضار الجوار حسب ما وقع في عصرهم‪ ،‬فأنه يمكن‬
‫القياس عليها بالنسبة لألضرار التي أفرزها التقدم التكنولوجي في العصر الحديث‪,‬‬
‫‪2‬‬
‫فمرونة الفقه اإلسالمي وقواعده تتسع لكل ما هو جديد‬

‫أما بالنسبة للقضاء‪ :‬فقد أصدر عدة أحكام قضى فيها بالتعويض عن أضرار‬
‫الجوار الناتجة عن تلوث المياه‪ ،‬فأوجب قيام المسؤولية التقصيرية متى توافر ركن‬
‫الخطأ المتمثل في التقصير أو التهاون في أخذ االحتياطات الالزمة‪ ،‬كما أقام‬
‫مسؤولية محدثها في حالة غياب الخطأ باللجوء إلى قواعد نظرية مضار الجوار متى‬
‫تجاوزت هذه المضار الحد المألوف‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫قد ينتج عن تشغيل محطات تنقية وتطهير المياه حدوث تلوث بيئي يجاوز‬ ‫‪-‬‬
‫الحد المألوف للجوار‪ .‬لذا قضت محكمة النقض الفرنسية بالتعويض الجيران عن‬
‫األضرار التي لحقت بهم نتيجة تلوث المياه بسبب تصريف المواد والسوائل الملوثة‬
‫خالل عملية التنقية في محطة التنقية وتطهير المياه‪.3‬‬
‫كما قضت بالمسؤولية عن التلوث في مجاري المياه بسبب عدم اتخاذ‬ ‫‪-‬‬
‫اإلجراءات والتدابير الالزمة للوقاية من التلوث‪.4‬‬

‫‪ 1‬اإلمام عبد هللا بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي‪ -‬المغني‪-‬المرجع السابق‪ -‬ص‪695‬‬
‫‪ 2‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.268‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪e‬‬
‫‪Cass civ3 ,12/02/1974. Bull.Civ.III,n°72. Et voir : CA.Pau,24/03/1992, Juris-‬‬
‫‪Data,n°040771.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.civ 12/02/1974.Bull civ II,n°72.‬‬

‫‪306‬‬
‫قضى بمسؤولية الوراقة المتواجدة على ضفاف النهر والتي كانت تلقى‬ ‫‪-‬‬
‫نفاياتها في النهر لتذوب في مياهه‪ ،‬والتي تسببت في تدمير مزرعة بلح البحر‬
‫المتواجد في فوهة النهر ترتب عنه هجر استغالل هذه الثروات المائية‪.1‬‬
‫قضى بتلوث مستوى المياه الجوفية الصالحة للشرب من قيل مزرعة‬ ‫‪-‬‬
‫صناعية‪.2‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث التربة‬

‫قد يترتب على استخدام المخصبات الزراعية كاألسمدة‪ ،‬والمركبات ذات‬


‫الهرمونات الزراعية‪ ،‬بطريقة غير محسوسة إلى تلوث التربة وتسبيب كثير من‬
‫األضرار بالبيئة المحيطة بهذه التربة وللجيران‪ .‬فعند ري التربة الزراعية المحتوية على‬
‫قدر زائد من المخصبات الزراعية‪ ،‬فإن جزءا منه يذوب في مياه الري ويتم غسله من‬
‫التربة بمرور الوقت حتى يصل في النهاية إلى المياه الجوفية‪ ،‬كما تقوم مياه األمطار‬
‫بدور هام في هذه العملية‪ ،‬فهي تحمل معها أيضا بعض ما تبقى في التربة من هذه‬
‫المركبات‪ .‬ويشترك بذلك كل من مياه الصرف الزراعية‪ ،‬والمياه الجوفية ومياه‬
‫األمطار في نقل هذه المخصبات التي تبقت في التربة إلى المجاري المائية المجاورة‬
‫لألرض الزراعية‪ ،‬وعندما يقوم الجيران بري أراضيهم من تلك المجاري الملوثة‪ ،‬يؤدى‬
‫ذلك إلى إتالف محاصيلهم الزراعية واصابة مواشيهم بالعديد من األمراض‪.3‬‬

‫وقد أوضحت الدراسات أن التلوث الناتج عن هذه المبيدات قد يمس بصحة‬


‫اإلنسان أيضا‪ ،‬وذلك بإصابته باألورام السرطانية‪ .‬وأن تعرضه لمبيدات الدايوكسينات‬
‫يؤدي إلى حدوث طفح جلدي واضطرابات في وظائف الكبد والجهاز العصبي وخلل‬
‫في األحماض النووية المسؤولة عن نقل الصفات الوراثية‪ ،‬مما قد‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass 2e civ,11/03/1976 : BuII.civ,II,n°78.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪CA Aix-en-Provence, 21/06/1988 :Juris-Data n°045322.‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬أحمد مدحت إسالم ‪،‬التلوث مشكلة العصر‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪ 645‬وما يليها‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫يؤدي إلى تكوين أجنة مشوهة‪ .‬كما أن هناك عدة أنواع من مبيدات اآلفات تتصف‬
‫بصفة الثبات الكيميائي ولها القدرة على االنتقال والتراكم في حلقات السلسلة الغذائية‬
‫المختلفة‪.1‬‬

‫واألصل أن تلوث التربة‪ ،‬يوجب مسؤولية محدثه غالبا وفقا لقواعد المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ .‬متى توافر ركن الخطأ والمتمثل في عدم اتخاذ االحتياطات الالزمة لتوقى‬
‫هذه األضرار‪ .‬واذا لم يتوافر هذا الخطأ‪ ،‬فإنه يمكن اللجوء إلى قواعد المسؤولية عن‬
‫أضرار الجوار غير المألوفة متى توافرت شروطها‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫قضى بمسؤولية الجار المزارع الذي يستخدم هرمونات زراعية والتي سببت‬ ‫‪-‬‬
‫أضرار تلوث بيئي للجار تمثلت في إتالف حقل الكروم المجاور‪.2‬‬
‫قضى بمسؤولية الناقل الذي أجرى عمليات تعبئة وتفريغ سيارات الشحن‬ ‫‪-‬‬
‫وتسبب في تلويث الطريق العمومي بزيت الجازول مما سبب لمالك األرض المجاورة‬
‫أضرار تجاوزت الحد المألوف بين الجيران‪.3‬‬
‫قضي بمسؤولية الجار عن األضرار التي أصابت الحيوانات والحاصالت‬ ‫‪-‬‬
‫‪4‬‬
‫الزراعية لجاره‪ ،‬بسبب استعمال بعض المبيدات في اإلنتاج الزراعي‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن التلوث الضوضائي‪:‬‬

‫تنص المادة ‪ 55‬من قانون بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة " تهدف‬
‫مقتضيات الحماية من األضرار السمعية إلى الوقاية أو القضاء أو الحد من انبعاث‬

‫‪ 1‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪.262‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Civ 24/06/1965, Bull.Civ. 1965,11, n°559.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Trub Rennes,06/12/1983, Juris-Data n°043705.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass.civ,30/01/1985, Juris-Data n°025123. C.A.Paris 26/06/1980, Juris-Data‬‬
‫‪n°000444‬‬

‫‪308‬‬
‫وانتشار األصوات أو الذبذبات التي قد تشكل أخطا ار تضر بصحة األشخاص‪،‬‬
‫وتسبب لهم اضطرابا مفرطا‪ ،‬أو من شأنها أن تمس بالبيئة"‪.‬‬
‫وتنص المادة ‪ 58‬من نفس القانون " دون اإلخالل باألحكام التشريعية المعمول‬
‫بها‪ ،‬تخضع إلى المقتضيات العامة‪ ،‬النشاطات الصاخبة التي تمارس في المؤسسات‬
‫والشركات وم اركز النشاطات والمنشآت العمومية أو الخاصة‪ ،‬المقامة مؤقتا أو دائما‪،‬‬
‫والتي ال توجد ضمن قائمة المنشآت المصنفة لحماية البيئة‪ ،‬وكذا النشاطات الرياضية‬
‫الصاخبة والنشاطات التي تجري في الهواء الطلق والتي قد تتسبب في أضرار‬
‫سمعية"‪.‬‬

‫وتنص المادة ‪ " 54‬في حالة إمكانية تسبب ضخب األنشطة المذكورة في المادة‬
‫‪ 58‬أعاله‪ ،‬في إحداث األخطار أو اإلضرابات المذكورة في المادة ‪ 55‬أعاله‪ ،‬فإنها‬
‫تخضع إلى ترخيص‪.‬‬
‫يخضع منح هذا الترخيص إلى إنجاز دراسة التأثير واستشارة الجمهور طبقا‬
‫لشروط محددة‪.‬‬
‫تحدد قائمة النشاطات التي تخضع للترخيص وكيفيات منحه‪ ،‬وكذا األنظمة‬
‫المفروضة على هذه النشاطات‪ ،‬وتدابير الوقاية والتهيئة والعزل الصوتي‪ ،‬وشروط‬
‫إبعاد هذه النشاطات عن السكنات وطرق المراقبة‪ ،‬عن طريق التنظيم"‪.‬‬

‫وعليه سبق وأن أشرت بأنه يقصد بالضوضاء أو الصخب التغير المستمر في‬
‫أشكال حركة الموجات الصوتية‪ ،‬بحيث تتجاوز شدة الصوت المعدل الطبيعي‬
‫المسموح به لألذن بالتقاطه وتوصيله إلى الجهاز العصبي‪ .‬وبذلك تختلف الضوضاء‬
‫عن األصوات العادية والمألوفة‪ ،‬حيث أن األخيرة هي أصوات طبيعية اعتاد اإلنسان‬
‫على سمعها‪ ،‬وهي التي تسير بها الحياة‪ ،‬ولها صفة االنتظام والطابع المتناسق‪،‬‬
‫وتنتظم بها حركة الحياة دون إحداث ضرر‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫للقضاء تطبيقات كثيرة ألضرار التلوث الضوضائي في محيط الجوار خاصة‬
‫بعد الزيادة الكبيرة في إنتاج اآلالت الميكانيكية‪ ،‬والمحركات‪ ،‬والمركبات‪ ،‬التي صعبت‬
‫على اإلنسان أن ينعم بالراحة والهدوء‪.‬‬

‫ونظ ار ألن هذه ا لمضار تزداد وتتنوع كلما تقدمت المدنية وتطورت التكنولوجيا‪،‬‬
‫واتسع نطاقها من نطاق التالصق إلى نطاق التجاور‪ .‬وسأتعرض خالل هذه الدراسة‬
‫إلى الضوضاء األكثر شيوعا وهي‪:‬‬
‫األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من المنشآت الصناعية والتجارية‬ ‫‪-‬‬
‫األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من أعمال التشييد والبناء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫األضرار الناتجة عن الضوضاء المالحة الجوية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ونظ ار لقلة تنوع الق اررات القضائية الجزائرية المنشورة في هذا الموضوع ووفرتها‬
‫وتنوعها في القضاء الفرنسي‪ .‬ارتأيت أن أعرض ما تناوله القضاء الفرنسي وذلك ألن‬
‫المبادئ التي تناولها الق ضاء الجزائري تكاد تتفق مع القضاء الفرنسي سواء من حيث‬
‫شروط المسؤولية وكيفية تقدير الضرر غير المألوف‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من المنشآت الصناعية والتجارية‬

‫قد ينتج عن ممارسة األنشطة التجارية والصناعية حدوث ضوضاء نتيجة تشغيل‬
‫اآلالت والمحركات في هذه المنشآت‪ ،‬كالمصانع والورش الميكانيكية‪ ،‬تجعل من‬
‫الصعب على الجيران أن ينعموا بالراحة والهدوء‪ .‬األمر الذي يمكنهم من المطالبة‬
‫بالتعويض‪ ،‬إذا ارتكب مستغل هذه المنشأة خطأ نتيجة إهماله بعدم أخذ االحتياطات‬
‫الالزمة لمنع أو تقليل هذا الضجيج‪ ،‬أو يكون قد خالف القوانين‬

‫‪310‬‬
‫المعمول بها لسير العمل بتلك المنشأة‪ ،‬مما يبرر الحكم بالتعويض عن األضرار‬
‫الناتجة عن األصوات الصاخبة‪ ،‬بتطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية‪ .‬وهنا تنعقد‬
‫المسؤولية مهما كان شأن الضرر ولو كان يسي ار أو مألوفا‪ ،‬طالما تحققت شروط‬
‫المسؤولية‪ ،‬من خطأ وضرر وعالقة سببة‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫قضى بأن مستغل المنشآت الصناعية والتجارية‪ ،‬يكون قد اقترف خطأ‪ ،‬إذا‬ ‫‪-‬‬
‫تهاون في اتخاذ االحتياطات الالزمة‪ ،‬من أجل تفادي حدوث أضرار للجيران‪.1‬‬
‫قضى بمسؤولية المالك الذي سبب للعمارات المجاورة أضرار‪ ،‬ببنائه‬ ‫‪-‬‬
‫مصنعا واستخدامه اآلالت الثقيلة‪ ،‬دون أخذ االحتياطات الكافية لحالة األرض من‬
‫حيث كونها صلبة أو رخوة‪ ،‬وحكم عليه بالتعويض‪ ،‬عالوة على ضمان األضرار التي‬
‫‪2‬‬
‫يمكن حدوثها في المستقبل‬

‫وفي المقابل كثي ار ما يضار الجيران من مباشرة جارهم لملكه دون استطاعة‬
‫نسبة الخطأ إليه‪ ،‬التخاذه كافة االحتياطات الممكنة لتفادي حدوث أضرار‪ ،‬ومراعاته‬
‫للقوانين المنظمة لسير العمل في هذه المنشآت‪ .‬فتقوم مسؤولية محدث الضرر على‬
‫أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قضت بمسؤولية الشركة عن مضار الجوار غير المألوفة عن الضوضاء التي‬
‫تحدثها ليال والتي ال يمكن تحملها حتى في النهار‪ ،‬والناتجة عن محركات شاحناتها‬
‫خالل عملية شحن البضاعة لمدة تفوق ثمانية سنوات‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass.civ,27/05/1975,D.76,318.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass.civ 02/12/1981.G.P,82.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Cass 2e civ.17/11/1971. n°70-11.221: Bull.civ.ll n°226‬‬

‫‪311‬‬
‫‪ -‬قضى بمسؤولية الشركة المستغلة لدار سينما عن الضوضاء المفرطة الصادرة‬
‫عن تشغيل الصالة وحركة روادها والتي سببت للجيران مضار غير مألوفة‪.1‬‬
‫‪ -‬قضت بمسؤولية صاحب المدرسة عن الصخب الفاحش والزحام الشديد الذي‬
‫يحدثه األطفال أثناء دخولهم وخروجهم من المدرسة أو صعودهم ونزولهم الساللم نحو‬
‫ثماني مرات يوميا وما صاحب ذلك من ضوضاء ‪.2‬‬
‫‪ -‬قضى بمسؤولية صاحب مدرسة للرقص عن الضوضاء الشديدة الصادرة منها‪،‬‬
‫والتي أضرت بساكني العقار التي توجد فيه‪.3‬‬
‫‪ -‬قضى مجلس قضاء باريس بمسؤولية المستثمر صاحب الدرجات الثلجية عن‬
‫مضار الجوار غير المألوفة نتيجة الضوضاء التي تحدثها هذه الدراجات خالل نقلها‬
‫لعدد كبير من المتزحلقين حوالي من ‪ 80‬إلى ‪ 40‬متزحلق في الساعة في وسط ريفي‬
‫هادئ لفترة ممتدة من أكتوبر إلى أفريل باإلضافة إلى أن هذا المستثمر يقوم خالل‬
‫عطل نهاية األسبوع بتظاهرات رياضية مصحوبة بحفالت موسيقية مستعمال مكبرات‬
‫للصوت ضوضاؤها تفوق الحد المألوف مما أقلق راحة سكان المنطقة‪.4‬‬
‫‪ -‬قضى بأن إنشاء مطبعة في حي مخصص للسكنى الهادئة‪ ،‬تعتبر األصوات‬
‫الصادرة من آالتها غير مألوفة‪ ،‬مما يتيح الفرصة لسكانها من طلب التعويض‪.5‬‬
‫‪ -‬قضى بمسؤولية صاحب المركز التجاري الذي سبب مضايقات للجيران بسبب‬
‫التشغيل المستمر أثناء الليل والنهار ألجهزة التبريد وضوضاء الثالجات التي تزيد‬
‫قوتها عن الحد المتسامح به‪. 6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪CA Paris 13/01/1984. Juris-Data, n° 020213.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Trub Paris, 19/12/1904,D.P.1905,2.p32.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪C.A.Paris24/10/1997, Juris-Data, n°023436.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪CA Paris 28/02/2008.n°04-6830,Bost c/SA Anor‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass civ,11/05/1966.Bull.Civ.1966,11,n°549.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪C.A.Bordeaux,24/06/1998, Juris-Data.n°021447.‬‬

‫‪312‬‬
‫ثانيا‪ :‬األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من أعمال التشييد‬
‫والبناء‪.‬‬

‫قد ينتج خالل أعمال البناء والتشييد ضوضاء نتيجة أصوات اآلالت المستخدمة‬
‫للبناء مثل آلة الحفر وجرافة وأصوات المطارق وكذا حركة الشاحنات وما ينتج عنها‬
‫من تحميل األنقاض وانزال مواد البناء‪ ،‬والتي تعيق حركة المرور‪ ،‬عالوة على‬
‫الصخب والضجيج الذي يحدثه العمال والذي يعاني منه الجيران بسبب عملية البناء‬
‫والتي قد تكون طوال اليوم ليال ونهارا‪.‬‬
‫وعليه إذا كانت هذه األضرار نتيجة اقتراف خطأ تقصيري من جانب المالك‬
‫نفسه حين يقوم بعملية ا لتشييد والبناء بنفسه‪ .‬أو من جانب المقاول‪ ،‬كأن تكون نتيجة‬
‫عيب في المحركات أو تشغيل اآللة والمعدات‪ ،‬أو يكون الخطأ في مخالفة القوانين‬
‫المنظمة للتشغيل ومواعيد العمل‪ .‬ومن ثم تنعقد المسؤولية تجاه محدث هذه األضرار‪.‬‬
‫الرتكابه الخطأ بسبب عدم أخذه االحتياطات الالزمة وفقا لقواعد المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬كما سبق اإلشارة إلى ذلك في الباب األول‪.‬‬

‫وفي المقابل قد تحدث هذه المضار رغم أخذ محدثها االحتياطات الضرورية‬
‫وعدم مخالفته للقوانين وتنظيمات المعمول بها‪ .‬ومع ذلك فإنها تتيح للمضرور‬
‫المطالبة بالتعويض إذا تجاوزت هذه المضار الحد المألوف‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫قضى بأنه ال يصح لقضاة الموضوع استنتاج وجود مضار الجوار غير‬ ‫‪-‬‬
‫المألوفة لمجرد وجود مخالفة إدارية‪ ،‬دون البحث فيما إذا كانت هذه األضرار تتجاوز‬
‫الحد المألوف أم ال‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass.2e civ , 17/01/1993. Bull.civ.II,n°68. Cass 3e civ, 11/02/1998,Bull.civ.III,n°34.‬‬

‫‪313‬‬
‫قضى بأنه ال يشترط لتعويض مضار الجوار الناتجة عن أعمال البناء‪ ،‬أن‬ ‫‪-‬‬
‫تكون دائمة أو مستمرة‪ ،‬بل يمكن قيام المسؤولية عنها‪ ،‬ولو كانت عارضة أو طارئة‪.‬‬
‫كتلك المصاحبة ألعمال البناء والتشييد‪ ،‬مثل األتربة المتصاعدة نتيجة أعمال الحفر‬
‫والردم‪ ،‬والضوضاء المفرطة نتيجة استعمال آالت ومعدات البناء‪.1‬‬
‫قضت بمسؤولية صاحب ورشة بناء المتواجدة في منطقة سياحية عن‬ ‫‪-‬‬
‫مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن الضوضاء والغبار واألوراق المتناثرة أثناء‬
‫مزاولته لنشاطه خالل الفترة المخصصة للراحة والسياحة‪.2‬‬

‫‪3‬‬
‫ثالثا‪ :‬األضرار الناتجة عن الضوضاء المالحة الجوية ‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 06/68‬من القانون ‪ " 01-99‬ال ينبغي بأي حال من األحوال أن‬
‫يشكل استعمال الطائرات في المجال الجوي الجزائري مصدر ضرر للغير على‬
‫السطح"‬
‫وتنص المادة‪ 55‬من نفس القانون" ال يمكن أية طائرة التحليق فوق مدينة أو‬
‫تجمع سكاني إال بارتفاع يسمح لها بأن تتوجه دوما خارج التجمع السكاني حتى في‬
‫حالة تعطل وسيلة "‬
‫وتنص المادة ‪ "59‬تخضع رحالت الطائرات األسرع من الصوت لشروط تحليق‬
‫خاصة تحدد عن طريق التنظيم"‬

‫وعليه قد تتسبب أنشطة المالحة الجوية والمتمثلة في إقالع وهبوط الطائرات‬


‫وتحليقها وسيرها في إحداث العديد من األضرار التي تصيب محيط الجوار المتواجد‬
‫فيه هذه المطارات‪ .‬ومن أهم تلك األضرار ما تحدثه هذه الطائرات من ضجيج وازعاج‬
‫وأصوات شديدة واهت اززات‪ ،‬حال صعودها وهبوطها أو أثناء‬

‫‪1‬‬
‫‪Cass.3e civ. 30/06/1998.R.T.D.civ.1999.p114.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cass. 2eciv.22/01/1969 :Bull.civ.ll n°25.‬‬
‫‪ 3‬عرفت المادة ‪60/ 05‬من قانون‪ 01- 99‬المؤوخ في ‪ .6999/01/55‬المتضمن تحدد القواعد العامة المتعلقة‬
‫بالطيران المدني‪ -‬جريدة رسمية رقم ‪ -49‬المالحة الجوية بأنها " مجمل الطائرات المحلقة في الجو أو على األرض‬
‫الموجودة في مساحة التحرك بالمحطة الجوية وفقا للقواعد المحددة "‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫التحليق والتي قد تتجاوز حدا معينا من الخطورة مما يضفي عليها صفة عدم‬
‫المألوفية‪ ،‬نتيجة ما تحدثه محركات الطائرات أثناء هبوطها أو إقالعها من المطارات‬
‫أو نتيجة ما تحدثه أثناء سيرها على خطوط المالحة الجوية‪ ،‬مما تتيح هذه األضرار‬
‫الفرصة في المطالبة بالتعويض عنها‪.‬‬

‫وال شك أن هذه األصوات واستم ارريتها‪ ،‬تحدث مضايقات للجوار متمثلة في‬
‫حرمانهم من التمتع الهادئ باألماكن التي يشغلونها‪ ،‬مما يؤدي إلى انخفاض ثمن‬
‫العقارات أو القيمة اإليجارية لها‪ .‬وهذا يعد في حد ذاته ضر ار يصيب الشخص في‬
‫ذمته المالية‪.‬‬

‫في بادئ األمر كانت هذه األضرار التي تحدثها الطائرات للغير على السطح‪،‬‬
‫والمتمثلة في األصوات الشديدة والمستمرة‪ ،‬محال لنقاش حاد في الفقه والقضاء‪ ،‬وذلك‬
‫بين مؤيدين ومعارضين لمبدأ التعويض عنها‪ .‬وحتى بالنسبة ألنصار االتجاه األول‬
‫اختلفوا فيما بينهم‪ .‬فمنهم من يرى قصر مبدأ التعويض على تلك التي تحدث في‬
‫المناطق المجاورة للمطارات‪ ،‬أما بالنسبة للمناطق البعيدة عن المطارات‪ ،‬فيرى انتفاء‬
‫مبدأ التعويض عنها‪ ،‬حكمها حكم الضوضاء التي تحدثها وسائل المواصالت األخرى‪،‬‬
‫كالسيارات والقطارات وذلك على أساس أنها تعد من ارتفاقات الحياة العصرية‪ .1‬غير‬
‫أن الرأي استقر مؤخ ار على مبدأ التعويض عنها‪.‬‬

‫ويرد البعض‪- 2‬وأؤيده‪ -‬على ضرورة قابلية أضرار التلوث البيئي التي تحدثها‬
‫الطائرات للغير على السطح للتعويض ما كان منها حادثا في المناطق المجاورة‬
‫والمحيطة بالمطارات‪ ،‬وما كان منه حادثا في المناطق البعيدة عن المطارات‪ ،‬متى‬
‫كانت هذه األضرار نتيجة تلوث أو مضايقات تجاوز من حيث شدتها واستم ارريتها‬

‫‪ 1‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ -‬الرسالة السابقة‪ -‬ص‪ 551‬نقال عن د‪ /‬أبو زيد رضوان‪ ،‬القانون الجوي‪ ،‬قانون‬
‫الطيران التجاري‪ ،‬دار الفكر العربي بالقاهرة‪ ،‬ص‪ 628‬وما يليها‪.‬‬
‫‪2‬د‪ /‬عطا سعد محمد الحواس‪ -‬المرجع السابق‪ -‬ص ‪ 894‬وما يليها‪ ،‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ -‬الرسالة السابقة‪-‬‬
‫ص‪ 551‬وما يليها‪.‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب‪-‬الرسالة السابقة‪-‬ص‪ 651‬وما يليها‪,‬‬

‫‪315‬‬
‫أعباء الجوار الواجب تحملها‪ .‬فخطوط المالحة الجوية‪ ،‬شأنها شأن خطوط السكة‬
‫الحديدية والطرق البرية‪ .‬وقد خول الفقه والقضاء‪ ،‬من يقطن على جانبي خطوط‬
‫السكك الحديدية أو الطرق البرية الحق في طلب التعويض عما تحدثه القطارات أو‬
‫السيارات من أضرار غير العادية أثناء سيرها‪.‬‬

‫عالوة على أن التفرقة بين المناطق القريبة من المطارات والمناطق البعيدة عنها‪،‬‬
‫قاصرة عن استيعاب كل صور األضرار الناجمة عن الصخب والضوضاء الحادثة‬
‫عن المطارات‪ .‬وأن الفقه والقضاء قد توسعا في مفهوم الجوار ولم يعد قاص ار على‬
‫التصور الضيق لمفهومه‪ ،‬فلم يعد قاص ار على حالة الملكيات المالصقة‪ ،‬حيث ربط‬
‫مفهوم الجوار بنوعية األنشطة ا لضارة‪ ،‬أيا كانت المسافة التي توجد بين هذه األخيرة‬
‫والشخص المضرور وبهذا يتحقق الجوار بين خطوط المالحة الجوية والشخص‬
‫المضرور‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن أضرار التلوث البيئي الناتجة عن الضوضاء واالهت اززات‬
‫الناجمة عن سير العمل في خطوط المالحة الجوية‪ ،‬تتيح الفرصة في المطالبة‬
‫بالتعويض عنها متى كانت هذه األخيرة غير مألوفة‪ ،‬بغض النظر عما إذا كان‬
‫المضرور يقطن بالقرب من المطارات أو موازيا لهذه الخطوط‪ ،‬شأنه في ذلك من‬
‫يقطن موازيا للطرق البرية أو خطوط السكك الحديدية‪.‬‬

‫وتطبيقا لذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قضى بربط المسؤولية عن مضار التحليق المتمثلة في األصوات الفاحشة‬
‫التي تصدر من محركات الطائرات أثناء هبوطها واقالعها من المطارات بمفهوم‬
‫المالحة الجوية المنصوص عليها في المادة ‪1 5/646‬من قانون الطيران المدني‬
‫الفرنسي‪ .‬فيكون مستغل‪ 2‬الطائرة مسؤوال بقوة القانون عن تلك المضار‪ ،‬على‬

‫‪1‬‬
‫‪Loi 30/03/1967 sur l’aviation civil.‬‬
‫‪ 2‬عرفت المادة ‪66/ 05‬من قانون‪ 01- 99‬يحدد القواعد العامة المتعلقة بالطيران المدني المشار إليه أعاله‬
‫المستغل" ‪ -‬كل شخص اعتباري مرخص له باستغالل خدمات النقل العمومي أو العمل الجوي ‪.‬وكل مؤجر طائرة‬

‫‪316‬‬
‫أساس الضرر وحده طبقا للنص المذكور دون حاجة إلى إثبات الخطأ في جانبه‪ .‬وأنه‬
‫ال يشترط من أجل انعقاد مسؤولية المستغل وجود اتصال مادي مع المضرور‪.1‬‬
‫قضى على شركة ‪ AIR FRANCE‬بالتعويض عن الصخب الناتج عن‬ ‫‪-‬‬
‫هبوط واقالع الطائرات من المطارات والذي سبب مضايقات للجيران المقيمين بالقرب‬
‫من المطارات‪ ،‬تجاوز مدخال معينا للخطورة مما يضفى عليها صفة عدم المألوفية‪.2‬‬
‫قضى بالتعويض للجيران عن المرور المستمر للطائرات النفاثة التي سببت‬ ‫‪-‬‬
‫لهم مضايقات تجاوز أعباء الجوار المألوفة‪.3‬‬
‫قضى بعدم قيام مسؤولية المطار بسبب الضوضاء الناتجة عن المالحة‬ ‫‪-‬‬
‫والتي ألحقت مضار بالجار المتواجد بعد بناء المطار وذلك تطبيقا لمبدأ‬ ‫الجوية‬
‫أسبقية الوجود‪.4‬‬
‫‪ -‬كما قضت برفض الدعوى التي رفعها السكان المجاورين لمطار ‪Tahiti-faa‬‬
‫الذين ادعوا تضررهم من ارتفاع ضوضاء المطار مؤسسة رفضها بأنه حقيقة أن‬
‫السكان شغلوا األماكن قبل إنشاء المطار‪ .‬غير أن مناقصة إنشائه كانت قبل‬
‫تواجدهم‪ .‬وأنهم استغلوا انخفاض أسعار القطعة األرضية لشرائها وبناء مساكنهم‪.5‬‬

‫والجدير بالذكر أن الضوضاء الناتجة عن المالحة الجوية في تطور دائم تماشيا‬


‫مع التطور المالحة مما جعل المشرع يحاول إيجاد توازن بين مصالح االقتصادية‬
‫للنشاطات المالحية وضرورة توفير الراحة والسكينة للجوار‪ .‬وقد وضع المشرع‬
‫الفرنسي أول قانون له بتاريخ ‪ 5008/05/05‬تحت رقم ‪ 290-5008‬لتفادي‬

‫احتفظ بالتسيير التقني وبقيادة طاقم الطائرة أثناء مدة التأجير‪ .‬وكل مستأجر طائرة بدون طاقم يتولى قيادتها التقنية‬
‫بواسطة طاقم يختاره بنفسه"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Trib. Gra.Inst.Nice 09/12/1964, D,1965,p221.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Trib Aix17/02/1966,D,1966,p281.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Nice, 23/03/1962,D,1962,p57.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Cass 2e civ 08/05/1968 n°66-11.568 :Bull. civll n°122 :cass.3e civ. 08/07/1992n°90-‬‬
‫‪11.170:Bull.civ.lll n°245.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Cass 2eciv 14/06/2007 n°05-19.616 :Bull.civ.lln°164,RDI sept/oct.2007.p393.‬‬

‫‪317‬‬
‫النزاعات المتعلقة بالجوار‪ ،‬فوضعت تدابير وقائية خاصة وذلك بمنع إنشاء مطار في‬
‫منطقة سكانية أو باتخاذ التدابير الوقائية للحد أو إنقاص الضوضاء التي تحدثها‬
‫الطائرات خالل إقالعها أو هبوطها‪ .‬مما جعل النزاعات المتعلقة بضوضاء المالحة‬
‫تكاد تنعدم بعد هذا التاريخ‪ .‬كما أن مناطق إنشاء المطارات محدد بمخطط قياس‬
‫الصوت (‪ 1)PEB‬خاص بكل مطار ومن حق الجار المتضرر االستفادة إما من مبالغ‬
‫مالية لوضع عوازل الصوت في مسكنه أو تعويضه بمسكن بعيد عن المطار مع‬
‫التعويض النقدي في كال الحالتين‪ .‬كما ألزمت المؤجر بذكر في عقد اإليجار أن‬
‫العين المؤجرة واقعة في منطقة قريبة من المطار‪.2‬‬

‫خالصة المبحث‬
‫من خالل ما سبق نالحظ أن فقهاء شريعتنا اإلسالمية كانوا سباقين في وضع‬
‫أحكام المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬وذلك من خالل الحلول التي‬
‫وضعوها‪ ،‬والتي لم تقتصر على المشاكل التي تحدث بين الجيران بسبب التالصق بل‬
‫تعدته لتشمل مشاكل التجاور‪ .‬والتي لم تتالشى بفعل الزمن ألنه يمكن تطبيقها‬
‫والرجوع إليها في عصرنا الحاضر وبذلك يبقى سريان اجتهاد الفقه اإلسالمي عبر‬
‫الزمان ليؤكد مدى سبقه وشموله لكافة األحكام العملية التي تصلح لتطوير أي نظام‬
‫مستحدث في عصرنا الحاضر‪.‬‬

‫أما بالنسبة للتطبيقات القضائية التي أوردتها‪ ،‬فإن القضاء الفرنسي له نفس‬
‫الموقف القضاء الجزائري بالنسبة لهذه المسؤولية بحيث ميزها عن المسؤولية‬
‫التقصيرية التي تشترط لقيامها ركن الخطأ والمتمثل في مخالفة القوانين والتنظيم‬
‫المعمول به وكذا عدم إتخاذ جميع االحتياطات الالزمة لمنع وقوع الضرر‪ .‬بخالف‬
‫المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف التي تقوم بمعزل عن أي خطأ ينسب إلى‬
‫الجار فبمجرد تجاوز المضار الحد المألوف المتسامح به بين الجيران تقوم المسؤولية‪.‬‬
‫كما أنه اعتمدت التطبيقات القضائية إلقامة المسؤولية عن مضار‬

‫‪1‬‬
‫‪PEB = plan d’exposition au bruit‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Francis Lefebvre, dossiers pratiques, trouble de voisinage, op cit,p166 et s.‬‬

‫‪318‬‬
‫الجوار غير المألوفة على النشاط الضار والذي ال يقتصر على المشاكل التي تحدث‬
‫بين الجيران بسبب التالصق بل تعدته لتشمل مشاكل التجاور‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إن موضوع األضرار في نطاق الجوار أصبح من الموضوعات التي تأخذ‬
‫طابعا هاما في وقتنا الحاضر‪ .‬بحيث أصبحت أضرار الجوار ال تقتصر على تلك‬
‫التي تصيب أشخاص الجيران أو أموالهم الخاصة وانما تصل إلى اإلضرار بعناصر‬
‫البيئة الطبيعية من ماء وهواء وتربة وكائنات الحية نباتية أو حيوانية التي تحيط‬
‫بالجوار‪.‬‬

‫واذا كانت المسؤولية المدنية هي مهد لحل مشكالت القانون المدني وتعتبر‬
‫مجاال واسعا وخصبا الجتهاد الفقه والقضاء لحسم النزاع‪ .‬فإن مضار الجوار قد‬
‫استحدث نوعا من المشكالت القانونية الخاصة بالمسؤولية المدنية عن تلك األضرار‬
‫والتي تشكل عصب مشكالت القانون المدني في الوقت الحاضر ألنها تثير العديد من‬
‫المسائل تستدعي إيجاد حلول قانونية مناسبة لها‪.‬‬

‫ونظ ار لعجز المسؤولية التقليدية‪ ،‬عن تحقيق الحماية الفعالة للجار المضرور‪،‬‬
‫في مواجهة األضرار غير المألوفة التي تلحق بالجار نتيجة لممارسة الحقوق من قبل‬
‫الجار المجاور‪ ،‬فقد ظهرت نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬القائمة على الجوار‬
‫والضرر غير المألوف‪ ،‬وهي صورة جديدة للمسؤولية المدنية التي استقر عليها الفقه‬
‫والقضاء‪.‬‬

‫ونظ ار ألن هذه المسؤولية هي صورة من صور المسؤولية المدنية فقد ثار‬
‫خالف في تحديد مفهوم الجوار‪ .‬فذهب اتجاه إلى تضييق مفهومه وذهب آخر إلى‬
‫توسيعه ورجحت خالل دراستي االتجاه القانوني الحديث الموسع لمفهوم الجوار الذي‬
‫ربط الجوار بنوعية األنشطة الضارة فلم يقصره على العقارات فقط بل شمل كل من‬
‫العقارات والمنقوالت‪ ،‬كما حدد نطاق الجوار بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر‬
‫األنشطة الضارة فلم يقتصره على التالصق بل يصل إلى أي مكان يصل إليه الضرر‬
‫غير المألوف الناتج عن النشاط الضار طالما أنه يشكل نطاقا جغرافيا‬

‫‪320‬‬
‫محددا‪ .‬فيكون بذلك محدث الضرر مسؤوال عن األضرار غير المألوفة مهما بعدت‬
‫عن مصدر حدوثها‪.‬‬

‫كما أنه قد يفهم من نص المادة ‪ 196‬مدني أن صفة الجار قاصرة على المالك‬
‫دون غيره حين أوردت الفقرة أولى منها " يجب على المالك ‪ "...‬ثم جاءت الفقرة‬
‫الثانية بعبارة " وليس للجار أن يرجع على جاره‪ "...‬فإن ذلك الفهم غير صحيح‪ ،‬ألن‬
‫المشرع أراد من وراء هذا النص حماية الجوار وتحقيق التوازن في العالقات الجوارية‬
‫الذي يقتضي تتبع محدث الضرر‪ ،‬السيما أن المضار غير المألوفة ال تتغير طبيعتها‬
‫سواء أكان محدثها مالك أو مستأج ار أو غيره‪ ،‬لذا توصلت إلى االعتقاد أن لفظ المالك‬
‫أورده المشرع في زمن كانت الملكيات تمثل الوضع القائم‪ ،‬وأن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة لم تكن بالخطورة التي هي عليه اآلن‪ ،‬التي ازدادت فيه األنشطة الضارة‬
‫وتفاقمت مخاطرها‪ ،‬مما يستدعى توسيع طائفة الجيران لتشمل كل شاغل سواء أكان‬
‫مالكا أو غيره‪ .‬وذلك بربط فكرة الجوار بنوعية األنشطة الضارة بصرف النظر عن‬
‫صفة محدثها أو الشخص المضرور‪.‬‬

‫وتناولت في دراستي أيضا مدلول الضرر غير المألوف وتوصلت بأن الضرر‬
‫غير المألوف هو الضرر الذي يزيد على الحد المألوف فيما يتحمله الجيران عادة‬
‫بعضهم بحكم الجوار‪ .‬فإذا زاد الضرر على هذا الحد كان ضر ار غير مألوف ووجب‬
‫التعويض عنه‪ .‬كما حددت ضوابط تقدير الضرر‪ ،‬وتعرضت للضوابط التي نصت‬
‫عليها المادة ‪ 5/196‬والتي تناولتها على سبيل المثال‪ ،‬والضوابط التي لم تنص عليه‬
‫المادة‪ . 5/691‬مما يجعل معيار الضرر غير المألوف يتصف بالمرونة يصلح‬
‫لمواجهة التطورات التي يمر بها المجتمع‪ ،‬وعلى القاضي أن يتكيف مع الظروف‬
‫المختلفة ويواجه الحاجات المتغيرة ويستجيب لمقتضيات كل منها‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫وبعد أن تناولت مفهوم الجوار والضرر غير المألوف تعرضت لمفهوم نظرية‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪ .‬فأمام عدم كفاية قواعد المسؤولية التقصيرية في حماية‬
‫الجار المضرور‪ ،‬كان على الفقه والقضاء البحث عن حل لتحقيق هذه الحماية والتي‬
‫تحققت بصفة تدريجية‪ .‬حيث استقر الفقه والقضاء الفرنسي على االعتراف بمسؤولية‬
‫الجار عن األضرار غير المألوفة‪ ،‬رغم عدم وجود نص تشريعي يقررها صراحة‪ ،‬وقد‬
‫اتجهت التشريعات الحديثة إلى االعتراف بها فأورد المشرع الجزائري لها نص المادة‬
‫‪ 196‬مدني متأث ار بما القته فكرة مضار الجوار غير المألوفة من تأثير من قبل الفقه‬
‫والقضاء لتصبح نظرية ثابتة ال يمكن تجاهلها باعتبارها تهدف إلى تحقيق العدالة‬
‫والتوازن بين الحقوق المتعارضة في نطاق عالقات الجوار‪ .‬ذلك ألن وقوع األضرار‬
‫في الحياة االجتماعية ال يمكن منعها كلية ألنها تالزم نشاط األفراد‪ .‬كما أنه ال يمكن‬
‫من أجل تحقيق العدالة مساءلة الجار عن كل األضرار التي يحدثها خالل ممارسة‬
‫نشاطه حتى ال تتعطل أنشطة الجيران ويتعطل بالتالي استعمالهم لحقوقهم المشروعة‪،‬‬
‫لذا وجب إجراء موازنة بين النشاطين‪ ،‬والتفرقة بين األضرار المألوفة واألضرار غير‬
‫المألوفة‪ .‬ومن ثم تحميل الجيران األولى بناءا على فكرة التسامح‪ ،‬وتمكينهم من‬
‫المطالبة بالتعويض عن الثانية‪ ،‬وبذلك يتحقق نوع من التوازن بين الحقوق المجاورة‪.‬‬

‫كما أنه من أجل تحديد مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة قمت ببيان‬
‫آليات تطبيق هذه النظرية من خالل تحديد شروطها وخصائصها‪ .‬فيشترط لتحقيقها‬
‫توافر صفة الجار ومشروعية تصرف الجار محدث الضرر وتجاوز أعباء الجوار أما‬
‫بالنسبة لخصائص النظرية فتتمثل في تحقق المضار مرتبط بالتجاور وليس التالصق‬
‫وكذا أن النشاط الذي تنجم عنه المضار هو نشاط ضار حكما وأن النشاط الضار هو‬
‫مصدر لضرر مستمر‪.‬‬

‫كما أنني خالل هذه الدراسة لم أغفل عن التعرض لموقف فقه الشريعة‬
‫اإلسالمية حول هذه النظرية وأوضحت بأن فكرة المسؤولية عن مضار الجوار هي‬

‫‪322‬‬
‫فكرة قديمة ترجع جذورها وأصولها إلى الشريعة اإلسالمية التي صاغتها وعالجت‬
‫مسائلها معالجة تساير الزمان والمكان‪ .‬فقد أطلق فقهاء الشريعة على الضرر الناتج‬
‫عن االستعمال العادي والمشروع للحقوق إذا تجاوزت الحد المألوف بالضرر الفاحش‪.‬‬
‫كما أن الشريعة اإلسالمية حرصت على رعاية الجار وحسن معاملته‪ ،‬والنهي على‬
‫إلحاق الضرر به‪ ،‬خاصة ما كان منه فاحشا‪ .‬ونظ ار لألهمية البالغة للجوار فإن فقهاء‬
‫الشريعة اإلسالمية اتفقوا على أن االلتزام بعدم اإلضرار بالجار هو واجب ديني يتعين‬
‫على المالك مراعاته من تلقاء نفسه‪ ،‬إال أنهم اختلفوا في مدى إمكانية اللجوء للقضاء‬
‫لمنعه من اإلضرار بجاره‪ .‬فذهب رأي إلى إطالق حق الملكية وذلك بتمكين المالك‬
‫من التصرف في ملكه دون قيد‪ .‬وذهب رأي آخر إلى تقييد المالك من التصرف في‬
‫ملكه تصرفا يضر بجاره‪ .‬وذهب رأي ثالث إلى أن المالك يمنع من التصرف في ملكه‬
‫بما يضر بجاره إذا كان الضرر الناتج عن التصرف فاحشا‪.‬‬

‫وفي الباب الثاني من هذه األطروحة تعرضت ألساس المسؤولية عن مضار‬


‫الجوار وأحكامها‪ .‬فبالنسبة أساس المسؤولية وجدت أن البحث في هذا المجال ال يخلو‬
‫من الصعوبة الختالف الفقه في تحديده‪ ،‬فتنوعت آراؤهم وتعددت‪ ،‬فقد أسسها فقهاء‬
‫الشريعة تارة على أساس التعسف في استعمال الحق وتارة أخرى على أساس تحمل‬
‫التبعة‪ .‬كما تضاربت اآلراء في فرنسا حول تحديد األساس القانوني التي تقوم عليه‬
‫هذه المسؤولية فأقامها البعض على أساس فكرة الخطأ باعتبارها مالذ كثير من‬
‫الفقهاء‪ ،‬إال أنهم اختلفوا في مضمون الخطأ فتعددت آراءهم‪ ،‬فمنهم من أسسها على‬
‫الخطأ الواجب اإلثبات‪ ،‬ومنهم من أسسها على فكرة التعسف‪ ،‬ومنهم من افترض‬
‫الخطأ‪ ،‬ومنهم من أسسها على رفض المالك التعويض‪ ،‬وآخر أسسها على اإلخالل‬
‫بالتزام الجوار‪ .‬غير أن كل هذه االتجاهات لم تسلم من النقد‪ .‬وأمام عدم تمكن فكرة‬
‫الخطأ من استيعاب هذه المسؤولية لتحملها فوق طاقتها لجأ البعض إلى تأسيس‬
‫المسؤولية على أساس موضوعي بعيدا عن فكرة الخطأ‪ .‬فذهب البعض إلى تأسيسها‬
‫على أساس االستعمال االستثنائي لحق الملكية‪ ،‬وذهب البعض اآلخر إلى تأسيسها‬

‫‪323‬‬
‫على فكرة إعادة التوازن بين حقوق الملكية الواردة على العقارات المتجاورة‪ ،‬وأسسها‬
‫فريق آخر على فكرة الضمان‪ ،‬وفريق رابع أسسها على فكرة المخاطر أو تحمل التبعة‬
‫وهو الرأي الذي رجحته ذلك ألن مبادئ المسؤولية المدنية التي قوامها الخطأ ال تكفي‬
‫ألن تكون األساس القانوني الوحيد لهذه النظرية ألنه وكما بينت خالل هذه الدراسة‬
‫هناك من المعايير التي ال يمكن إدراجها تحت الخطأ التقصيري وانما تميل إلى نظرية‬
‫تحمل التبعة ‪.‬‬

‫وفي نهاية أطروحتي تناولت أحكام المسؤولية عن مضار الجوار فتعرضت‬


‫لآلثار المترتبة عنها‪ .‬فتعرضت للتعويض المستحق للجار المضرور ومدى إمكانية‬
‫دفع المسؤولية وتقادم دعوى الجار‪ .‬وبعد دراسة نظرية للمسؤولية عن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة ارتأيت زيادة للتوضيح وتجنبا للبس أن أدعم هذه الرسالة بدراسة‬
‫تطبيقية‪ .‬ونظ ار لقلة الق اررات القضائية الجزائرية المنشورة ألزمني إضافة ما لجأ إليه‬
‫القضاء الفرنسي الغني بأحكامه في هذا الموضوع فتعرضت لبعض تطبيقات هذه‬
‫المسؤولية الناتجة عن التالصق ثم التجاور وميزت من خاللها بين أضرار الجوار‬
‫الناتجة عن الخطأ وأضرار الجوار الناتجة عن مضار الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫وتأصيال لما تقدم فإنني توصلت للنتائج واالقتراحات التالية‪:‬‬


‫أنه يجب األخذ بالمفهوم الواسع للجوار الذي يربط الجوار بنوعية األنشطة‬ ‫‪-‬‬
‫الضارة التي ال تقتصر على العقارات بل تشمل المنقوالت أيضا‪.‬‬
‫أنه يحدد نطاق الجوار بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه ضرر األنشطة‬ ‫‪-‬‬
‫الضارة فال يقتصر على التالصق بل يصل إلى أي مكان يصل إليه الضرر غير‬
‫المألوف الناتج عن النشاط الضار طالما أنه يشكل نطاقا جغرافيا محددا‪.‬‬
‫أن صفة الجار ال ينبغي أن تقف عند شخص المالك بل يجب أن تشمل‬ ‫‪-‬‬
‫كل شاغل للعين‪ ،‬ألن العبرة بحدوث المضار غير المألوفة خالل ممارسة النشاط‪.‬‬
‫‪-‬‬

‫‪324‬‬
‫ذلك ألن المشرع أراد تتبع محدث الضرر لمساءلته بغية تحقيق التوازن في‬
‫العالقات الجوارية‪.‬‬
‫إن معيار الضرر غير المألوف هو معيار موضوعي ال ينظر فيه إلى‬ ‫‪-‬‬
‫الظروف الشخصية للجار المضرور‪ ،‬كما أنه معيار مرن يتغير بتغير الزمان والمكان‬
‫ليتماشي وتطور المجتمع‪ ،‬وقد تناول المشرع الجزائري ضوابط تقديره على سبيل‬
‫المثال لتمكن القاضي من إضافة معايير أخرى إلثبات الضرر‪.‬‬
‫أن القانون الوضعي يتفق مع الفقه اإلسالمي في كيفية تقدير الضرر غير‬ ‫‪-‬‬
‫المألوف الذي أخذ بالمعيار الموضوعي في تقديره ال المعيار الشخصي حيث ينظر‬
‫علماء الشريعة اإلسالمية إلى واقعة التعدي ذاتها بغض النظر عن الظروف‬
‫الشخصية للجار المضرور‪.‬‬
‫إن المسؤولية الناجمة عن مضار الجوار غير المألوفة هي مسؤولية‬ ‫‪-‬‬
‫مستقلة‪ ،‬موضوعية‪ ،‬وليست ذاتية‪ .‬تعتمد على معايير نصت عليها المادة‪5/196‬‬
‫مدني‪.‬‬
‫أنه ال يمكن دمج المادة ‪ 5/196‬مدني ضمن معايير التعسف المنصوص‬ ‫‪-‬‬
‫عليه في المادة ‪654‬مكرر مدني‪ .‬ذلك ألن المسؤولية الناجمة عن التعسف في‬
‫استعمال الحق تقوم على أساس توافر الخطأ الشخصي من جانب المالك‪ ،‬ويتمثل‬
‫الخطأ في الحالة التي يلتزم فيها المالك بالحدود الموضوعية التي رسمها له القانون‪،‬‬
‫بحيث أنه يستعمل حقه ضمن هذه الحدود ولكنه يتعسف في هذا االستعمال فيشكل‬
‫خطأ يقاس بمعيار عام هو سلوك الشخص العادي الذي تقوم عليه المسؤولية عن‬
‫الفعل الشخصي‪ ،‬في حين أن المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ ،‬تقوم دون‬
‫أن يتعسف المالك في استعمال حقه‪ ،‬ودون أن يقصد اإلضرار بالغير‪ ،‬وانما قد ينشأ‬
‫الضرر غير المألوف وهو يستعمل حقه بصورة طبيعية‪ ،‬وفي حدود نشاطه العادي‪.‬‬
‫تختلف المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة عن المسؤولية‬ ‫‪-‬‬
‫الشخصية القائمة على الخطأ باعتبارها ال تقتضي إثبات الخطأ‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
‫تختلف عن المسؤولية القائمة على التعسف في استعمال الحق باعتبار أن هذه‬
‫المسؤولية تستلزم توافر معايير ال يمكن إضافة لها معيار الضرر غير المألوف‬

‫‪325‬‬
‫واال ناقضتها‪ .‬مما يقتضى علينا أن نضفي على المسؤولية عن مضار الجوار‬
‫غير المألوفة طابعها الموضوعي بعيدا عن فكرة الخطأ‬
‫إن تحديد أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة أثارت خالفا‬ ‫‪-‬‬
‫فقهيا كبي ار فانقسموا إلى اتجاهين‪ :‬اتجاه أسس المسؤولية على أساس فكرة الخطأ‬
‫واتجاه آخر أسسها على أساس موضوعي‪ .‬كما انقسم كل اتجاه إلى عدة آراء‬
‫تضاربت حول األساس القانوني السليم‪ .‬وبعد دراسة هذه اآلراء ارتأيت استبعاد نظرية‬
‫الخطأ وترجيح نظرية تحمل التبعة ألن األضرار الناجمة عنها لها من الخصوصية‬
‫التي تمتاز بها عن باقي األضرار‪ ،‬ويعد شرط عدم مألوفية المضار سبب تلك‬
‫الخصوصية‪.‬‬
‫إن المشرع حين وضع فقرتين لنص المادة ‪ 196‬مدني وربط بينهما بحرف‬ ‫‪-‬‬
‫العطف أراد أن يحقق أكبر حماية للجار المضرور بحيث أن الفقرة األولى تناولت‬
‫الضرر بصفة عامة حين اشترطت على المالك بأن ال يتعسف في استعمال حقه إلى‬
‫حد يضر بجاره فلم تحدد نوع الضرر‪ .‬فمن خالل هذه الفقرة على الجار المضرور‬
‫إثبات تعسف الجار لقيام المسؤولية‪ .‬أما الفقرة الثانية فقد مكنت الجار المضرور بحق‬
‫المطالبة بإزالة المضار إذا تجاوزت الحد المألوف دون إثبات خطأ الجار محدث‬
‫الضرر‪ .‬وبذلك تكون الفقرة األولى قد نظمت حكما للضرر غير الذي نظمته الفقرة‬
‫الثانية‪ .‬ومن هنا يكون للجار ثالثة صور للمسؤولية تقوم األولى على أساس الخطأ‬
‫وتقوم الثانية على أساس التعسف في استعمال الحق والثالثة على أساس مضار‬
‫الجوار غير المألوفة‪.‬‬

‫اقتراحات‪:‬‬
‫أقترح تغيير موقع المادة ‪ 196‬مدني‪ ،‬وذلك بوضعها في القسم الرابع تحت‬ ‫‪-‬‬
‫عنوان المسؤولية عن مضار الجوار من الفصل الثالث الفعل المستحق للتعويض من‬
‫الباب األول مصادر االلتزام من الكتاب الثاني االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫تغيير كلمة المالك في الفقرة األولى بكلمة الجار لتصبح صياغة الفقرة‬ ‫‪-‬‬
‫األولى كما يلي" يجب على الجار أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بجار"‬

‫‪326‬‬
‫وذلك بغية األخذ بالمفهوم الواسع للجوار‪ .‬خاصة وأن في الفقرة الثانية جاء مفهوم‬
‫الجار مطلقا‪ ،‬وبذلك يمكن صرفه إلى المالك أو غيره‪ .‬كما أن قصر صفة الجار على‬
‫المالك يعني حرمان الجار المضرور من المطالبة بالتعويض عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة التي تلحق به متى نتجت من غير المالك‪.‬‬
‫كما أقترح استبدال عبارة طبيعة العقارات بعبارة طبيعة األشياء حتى تكون‬ ‫‪-‬‬
‫عبارات النص مستقيمة مع جوهر نظرية مضار الجوار غير المألوفة التي استقر‬
‫الفقه والقضاء على تطبيقها على األشياء المجاورة بغض النظر عن صفتها‪.‬‬

‫تم بحمد اهلل وشكره –‬ ‫‪-‬‬

‫‪327‬‬
‫بيان المختصرات‬
- A.J.P.I : Actualité juridique de la propriété immobilière.
-B.civ : Bulletin des arrêts de cour de cassation (chambres
civiles)
-Bull.inf.C.cass : Bulletin d’information de la Cour de cassation
-D P : Dalloz Périodique
-D : Recueil Dalloz de doctrine et jurisprudence et de législation
- D.S : Dalloz, Sirey
-G P : Gazette du palais
-JCP : Juris classeur périodique (semaine juridique)
- juris- data : La Banque de données informatique des éditions
du Juris- Classeur.
-Rec : Recueil des arrêts du conseil d’etat
-R.D.Immo : Revue de droit Immobilière
-RJDA : Revue de jurisprudence de droit des affaires
- T.G.I : Tribunal de grande instance.
- R.T.D.civ : Revue Trimestrielle de Droit Civile
- S : Recueil Sirey.

328
‫قائمة المراجع‬
‫أوال‪ :‬باللغة العربية‬
‫‪)1‬قوانين‬
‫‪ -‬قانون ‪ 60-08‬المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة جريدة رسمية‬
‫بتاريخ‪ 5008/05/50‬رقم‪.48‬‬
‫‪-‬قانون‪ 01- 99‬المؤوخ في ‪ .6999/01/55‬المتضمن تحدد القواعد العامة المتعلقة‬
‫بالطيران المدني‪ -‬جريدة رسمية رقم‪.48‬‬
‫‪ )2‬المراجع العامة‬
‫– د‪ /‬أحمد سالمة‪ ،‬الملكية الخاصة في القانون المصري‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة ‪.6919‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬الحقوق العينية األصلية‪ ،‬حق الملكية والحقوق‬
‫العينية المتفرعة عنه‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬اإلسكندرية طبعة ‪.5004‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬الوسيط في أموال الدولة العامة والخاصة‪،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬األموال العامة‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬بدون تاريخ النشر‬
‫– د‪/‬إسماعيل غانم‪ ،‬الحقوق العينية األصلية‪-‬حق الملكية – مكتبة عبد اهلل وهبة‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة‪.6916‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء‬
‫الثاني – الواقعة القانونية ( الفعل غير المشروع –اإلثراء بال سبب – والقانون) –‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬طبعة ‪.6999‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬جميل الشرقاوي دروس في الحقوق العينية األصلية‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬حق‬
‫الملكية‪ ،‬دار النهضة العربية ‪.6950‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬حسن كيرة‪ ،‬أصول القانون المدني‪،‬الجزء األول‪ ،‬الحقوق العينية األصلية ‪،‬‬
‫منشأة المعارف باإلسكندرية سنة ‪. 6912‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬حسن كيرة‪ ،‬المدخل إلى القانون‪-‬منشأة المعارف اإلسكندرية سنة ‪6954‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬حسن كيرة‪ ،‬الموجز الموجز في القانون المدني‪ ،‬الحقوق العينية األصلية ‪،‬‬
‫أحكامها ومصادرها‪ ،‬منشأة المعارف اإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪.6999‬‬

‫‪329‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬رشيد شميشم ‪ ،‬التعسف في استعمال الملكية العقارية – دراسة مقارنة بين‬
‫القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية‪ -‬دار الخلدونية ‪ ،‬عدم ذكر سنة ورقم الطبعة‬
‫‪. 5005‬‬ ‫‪ -‬د ‪ /‬سعيد جبر‪ ،‬حق الملكية ‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬طبعة‬
‫‪ -‬د‪/‬سليمان محمد الطماوي‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬طبعة ‪ ،6999‬بدون دار‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -‬د‪/‬شفيق شحاتة‪ ،‬شرح القانون المدني‪،‬طبعة ‪– 6926‬بدون دار نشر‪.‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزام (المصادر‪-‬‬
‫اإلثبات – اآلثار‪-‬األوصاف‪ -‬االنتقال – االنقضاء)‪ ،‬تنقيح المستشار أحمد مدحت‬
‫المراغي‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية ‪5004‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬الجزء‬
‫األول( المجلد الثاني) نظرية االلتزام بوجه عام‪ -‬مصادر االلتزام‪ -‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية ـ بيروت‪ -‬لبنان‪.5009‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬الجزء‪-9‬‬
‫حق الملكية‪ -‬منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت‪ -‬لبنان‪5009‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء‪(9‬‬
‫المجلد األول) ‪ -‬أسباب كسب الملكية‪ -‬منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪.5009‬‬
‫‪ -‬د‪/‬عبد اهلل عبد العزيز المصلح‪ ،‬قيود الملكية الخاصة‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪.6999‬‬
‫‪ -‬د‪/‬عبد المنعم فرج صدة‪ ،‬الحقوق العينية األصلية ‪،‬حق الملكية‪،‬شركة مكتبة‬
‫ومطبعة مصطفي البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬القاهرة‪.6910‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الناصر توفيق العطار‪ ،‬شرح أحكام حق الملكية – طبعة ‪ -6990‬عدم‬
‫ذكر دار النشر‪.‬‬
‫‪ -‬األستاذ الشيخ علي الخفيف‪ ،‬الملكية في الشريعة اإلسالمية مع مقارنة بالشرائع‬
‫الوضعية ‪ ،‬منشورات معهد الدراسات العربية ‪ ،‬القاهرة ‪6911‬‬

‫‪330‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬علي زين العابدين ود‪ /‬محمد عبد المرضي‪ :‬تلوث البيئة ثمن المدنية‪ ،‬مكتبة‬
‫األكاديمية‪ ،‬القاهرة‪.6995‬‬
‫‪ -‬د‪/‬علي علي سليمان‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام) ‪ -‬ديوان‬
‫المطبوعات الجامعية – ‪.6990‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عل ي علي سليمان شرح القانون المدني الليبي ‪ ،‬الحقوق العينية األصلية‬
‫والتبعية ‪ ،‬منشورات الجامعة الليبية ‪.6910‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬علي فياللي االلتزامات – نظرية العامة للعقد‪ -‬موفم للنشر ‪. 5002‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬علي فياللي – االلتزامات – الفعل المستحق التعويض – المؤسسة الوطنية‬
‫للفنون المطبعية – وحدة الرغاية – الجزائر ‪.– 5005-‬‬
‫التزامات الجوار في القانون المدني الجزائري – دار هومة‬ ‫‪ -‬أ‪/‬عواطف ز اررة‬
‫‪.5009‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬فتحي الدريني‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال الحق‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪.6955‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬فريدة محمدي زواوي‪ -‬نظرية الحق‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المؤسسة الوطنية للفنون‬
‫والطباعة‪ ،‬وحدة الرغاية‪،‬الجزائر‪.6999‬‬
‫‪ -‬أ‪ /‬ليلي طلبة – الملكية العقارية الخاصة‪ -‬وفقا ألحكام التشريع الجزائري‪ -‬دار‬
‫هومة للطباعة والنشر والتوزيع ‪.5060‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محسن عبد الحميد البيه – حقيقة أزمة المسؤولية المدنية ودور تأمين المسؤولية‬
‫‪ ،‬مكتبة الجالء‪ ،‬المنصورة ‪.6998‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد حسنين – الوجيز في نظرية االلتزام – مصادر االلتزامات وأحكامها في‬
‫القانون المدني الجزائري – المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر ‪.6998‬‬
‫– د‪ /‬محمد حسين منصور‪ ،‬المسئولية المعمارية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‬
‫باإلسكندرية ‪،‬طبعة ‪.6999‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد شكري سرور ـ مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء و المنشآت الثابتة‬
‫األخرى – دراسة مقارنة – في القانون المدني المصري والقانون المدني الفرنسي‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي ‪.6929‬‬

‫‪331‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد شكري سرور‪ -‬تنظيم حق الملكية في القانون المدني المصري‪ -‬دار‬
‫النهضة العربية ‪،‬عدم ذكر سنة الطبع‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد صبري السعدي‪ -‬الواضح في شرح القانون المدني‪ -‬النظرية العامة‬
‫لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬المسؤولية التقصيرية‪:‬الفعل المستحق للتعويض‪ -‬دراسة‬
‫مقارنة في القوانين العربية‪ -‬دار الهدى‪،‬عين مليلة‪،‬الجزائر‪.5066‬‬
‫‪ -‬د‪/‬محمد كامل مرسي‪ ،‬نطاق حق الملكية والحقوق العينية‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪،6959‬عدم ذكر الناشر‪.‬‬
‫‪ -‬د محمد لبيب شنب – الموجز في الحقوق العينية األصلية‪ -‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.6954‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد وحيد الدين سوار – الحقوق العينية األصلية – ج ‪ 6‬سنة ‪.6919‬‬
‫‪ -‬الشيخ محمد أبو زهرة الملكية ونظرية العقد ‪،‬عدم ذكر الناشر‪ ،‬سنة ‪.6922‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬مصطفى مرعى‪ ،‬المسؤولية المدنية في القانون المصري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مزيدة‬
‫ومنقحة‪،‬مكتبة عبد اهلل وهبة‪ ،‬مصر‪.6988‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬منصور مصطفي منصور‪ ،‬حق الملكية في القانون المدني المصري‪،‬مكتبة‬
‫وهبة ‪.6912‬‬
‫‪ -‬د‪/‬نعمان محمد خليل جمعة‪ ،‬الحقوق العينية األصلية‪ ،‬مطبعة جامعة‬
‫القاهرة‪.6994‬‬

‫‪ )8‬رسائل ومذكرات‪.‬‬
‫‪-‬أ‪ /‬بلحورابي سعاد‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال الحق وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي‬
‫والقانون الوضعي‪ -‬مذكرة ماجستير‪ -‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬جامعة مولود‬
‫معمري‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬سنة ‪.5064‬‬
‫_أ‪/‬حجاج مبروك ‪ ،‬التعسف في استعمال الحق بين نظام المسؤولية التقصيرية‬
‫والنظام المستقل‪ -‬مذكرة ماجستير‪ -‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،6‬سنة ‪.5064‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬حميدة جميلة‪-‬النظام القانوني للضرر البيئي وآليات تعويضه–رسالة دكتوراه‪-‬‬
‫جامعة الجزائر‪ .5009‬مطبعة دار الخلدونية طبعة‪.5066‬‬

‫‪332‬‬
‫‪ -‬أ‪ /‬خنوف حضرية ‪ ،‬تطور فكرة الخطأ في المسؤولية التقصيرية والعقدية – مذكرة‬
‫ماجستير‪ -‬كلية الحقوق جامعة يوسف بن خدة الجزائر‪ 6‬سنة‪.5060‬‬
‫‪-‬أ‪ /‬دغنوش عبد الرحمان‪،‬حق الملكية والقيود القانونية واالتفاقية التي ترد عليه في‬
‫القانون الجزائري‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬معهد الحقوق والعلوم السياسية واإلدارية‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،‬سنة ‪6955‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬ز اررة عواطف‪ ،‬مسؤولية مالك العقار عن مضار الجوار غير المألوفة‪ -‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ -‬جامعة الحاج لخضر‪ -‬باتنة‪.5068 /5065 -‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬زكي زكي حسن زيدان – حدود المسؤولية عن مضار الجوار في الشريعة‬
‫اإلسالمية و القانون المدني – رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬القاهرة ‪.6951‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬زليخة لحميم‪ ،‬المسؤولية الناجمة عن األضرار البيئية في ضوء القوانين‬
‫الوضعية واالتفاقيات الدولية – أطروحة دكتوراه‪-‬كلية الحقوق جامعة يوسف بن خدة‪،‬‬
‫الجزائر‪ 6‬سنة ‪5064‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الحميد حسن شرف‪ ،‬حق العلو والسفل وملكية الشقق‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬
‫الشريعة اإلسالمية و القانون المدني المصري‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬حقوق القاهرة ‪6999‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد السالم داود العبادي‪ ،‬الملكية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬طبيعتها‪ ،‬وظيفتها‪،‬‬
‫قيودها‪-‬دراسة مقارنة بالقوانين الوضعية‪ -‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الشريعة و القانون‪،‬‬
‫القاهرة‪.6952،‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الرحمان على حمزة‪ ،‬مضار الجوار غير المألوفة والمسؤولية عنها‪ -‬دراسة‬
‫مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬القاهرة‪ ،‬نشر دار‬
‫النهضة العربية‪5001،‬‬
‫‪-‬أ‪ /‬عبد الرحمان مجوبي‪ -‬التعسف في استعمال الحق وعالقته بالمسؤولية المدنية‪-‬‬
‫مذكرة ماجستير‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪،6‬سنة ‪.5005‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد العزيز عبد القادر أبو غنيمة‪ ،‬االلتزام العيني في الشريعة والقانون‪ -‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ -‬جامعة القاهرة ‪ ،‬سنه ‪.6955‬‬

‫‪333‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الوهاب محمد عبد الوهاب ‪ ،‬المسؤولية عن األضرار الناتجة عن تلوث‬
‫البيئة – رسالة دكتوراه – القاهرة‪،‬سنة ‪،6994‬‬
‫‪ -‬أ‪ /‬غسان محمد مناور أبو عاشور‪،‬األساس القانوني لمسؤولية المالك عن مضار‬
‫الجوار غير المألوفة في القانون المدني األردني والفقه المقارن‪ -‬مذكرة ماجستير‪-‬‬
‫كلية الدراسات الفقهية والقانونية ‪ -‬جامعة آل البيت األردن سنة‪. 5008‬‬
‫‪ -‬أ‪ /‬فريد عبد المعز فرج – التزامات الجوار كقيد من القيود الواردة على حق الملكية‪،‬‬
‫مذكرة ماجستير‪،‬كلية الشريعة و القانون ‪ ،‬القاهرة‪.6959،‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬فيصل زكي عبد الواحد‪ -‬أضرار البيئة في محيط الجوار والمسؤولية المدنية‬
‫عنها ‪ -‬رسالة دكتوراه ‪ -‬جامعة عين شمس‪ 6999‬ـ الناشر‪،‬مكتبة سيد عبد اهلل وهبة‪-‬‬
‫القاهرة ‪.6999‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد لبيب شنب‪ ،‬المسؤولية عن األشياء‪ ،‬دراسة مقارنة – رسالة للحصول‬
‫على دكتوراه – جامعة القاهرة سنة ‪.6925‬‬
‫‪ -‬د ‪ /‬مراد محمود محمود حسن حيدر‪ ،‬التكييف الشرعي القانوني للمسؤولية المدنية‬
‫الناشئة عن مضار الجوار غير المألوفة – دراسة مقارنة في الفقه اإلسالمي والقانون‬
‫المدني‪ -‬رسالة دكتوراه – دار المطبوعات الجامعية‪ -‬اإلسكندرية ‪-5009‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬منصور صابر عبده خليفة – القيود الواردة على حق الملكية للمصلحة‬
‫الخاصة‪ ،‬دراسة مقارنة في الشريعة اإلسالمية‪ -‬رسالة دكتوراه‪ -‬جامعة القاهرة‪ ،‬سنة‬
‫‪.5066‬‬
‫‪ -‬أ‪ /‬ولد خصال محمد – قيود الجوار على األمالك الخاصة المتالصقة في ضوء‬
‫األعمال القضائية‪ -‬مذكرة ماجستير كلية الحقوق‪ -‬جامعة الجزائر‪ -6‬سنة ‪.5064‬‬

‫‪ )4‬مراجع قانونية متخصصة‪:‬‬


‫‪ -‬د‪ /‬أشرف جابر سيد – المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة الناشئة عن‬
‫أعمال البناء – دراسة مقارنة في القانونين المصري و الفرنسي‪ -‬دار النهضة العربية‬
‫– القاهرة ‪.5060‬‬

‫‪334‬‬
‫‪ -‬المحامي‪ /‬جاد يوسف خليل – مضار الجوار غير المألوفة – الميدان ‪ ،‬المعيار‬
‫واالجتهادات الحديثة المدنية ‪ ،‬الجزائية و اإلدارية ( دراسة مقارنة) – دار العدالة –‬
‫بيروت‪ -‬لبنان – الطبعة األولى‪.5001 -‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬راغب الحلو – قانون حماية البيئة على ضوء الشريعة – دار الجماعة الجديدة‬
‫– مصر – ‪-5004‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬ماجد راغب الحلو‪ -‬قانون حماية البيئة‪ -‬دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية‬
‫‪.6994‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد الرحمان علي حمزة – مضار الجوار غير المألوفة‪ -‬دراسة مقارنة بين‬
‫الفقه اإلسالمي والقانون المدني‪ -‬دار النهضة العربية‪ ،‬سنة ‪.5001‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عطا سعد محمد حواس – المسئولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في‬
‫نطاق الجوار– دراسة مقارنة ‪ -‬دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية – طبعة ‪.5066‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عطا سعد محمد حواس – األساس القانوني للمسئولية المدنية عن أضرار‬
‫التلوث البيئي في نطاق الجوار– دراسة مقارنة ‪ -‬دار الجامعة الجديدة – اإلسكندرية‬
‫– طبعة ‪.5065‬‬
‫‪ -‬د‪/‬محمد أحمد رمضان المسئولية المدنية عن األضرار في بيئة الجوار‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقوانين الوضعية ‪-‬الطبعة األولى‪ -‬دار الجيب للنشر‬
‫والتوزيع‪ -‬عمان األردن‪. 6990‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمود عبد الرحمان المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة ‪ -‬دراسة‬
‫مقارنة‪ -‬دار النهضة العربية ‪،‬القاهرة ‪،‬دون تاريخ النشر‪.‬‬
‫كساب – المسؤولية عن مضار الجوار – الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‬‫‪ -‬د‪ /‬مروان ّ‬
‫‪ -6999‬عدم ذكر الناشر‪.‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬ياسر محمد فاروق المناوي‪ ،‬المسؤولية الناشئة عن تلوث البيئة‪ ،‬دار الجامعة‬
‫الجديدة‪.5009‬‬

‫‪335‬‬
‫‪ )2‬بحوث و مقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬د‪/‬أحمد مدحت إسالم‪ ،‬التلوث مشكلة العصر‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة رقم‪،625‬‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬أغسطس ‪6990‬‬
‫‪ -‬د أبو زيد عبد الباقي تحديد األساس القانوني للمسؤولية عن مضار الجوار غير‬
‫المألوفة‪ ،‬مجلة الحقوق‪،‬الكويتية‪ ،‬السنة السابعة‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬يونيو ‪6998‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬أنور سلطان‪،‬مقال‪ ،‬نظرية التعسف في استعمال حق الملكية ‪ ،‬مجلة القانون‬
‫واالقتصاد‪ ،‬تصدرها كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬السنة السابعة عشرة‪،‬‬
‫مارس ‪.6945‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬بوبكر مصطفى‪ ،‬الطبيعة القانونية لنظرية التعسف في استعمال الحق على‬
‫ضوء تعديل القانون المدني رقم ‪ 60-02‬الموافق ل‪ 50‬يونيو ‪ ،5002‬المجلة النقدية‬
‫للقانون والعلوم السياسية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة تيزي وزو‪ ،‬العدد‪ 6‬سنة ‪5066‬‬
‫‪ -‬الشيخ عيسوي أحمد عيسوي‪ ،‬نظرية التعسف في الحق في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬مجلة‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية ‪ ،‬السنة الخامسة ‪ ،‬العدد األول ‪،‬سنة ‪6915‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬عبد المجيد مطلوب – مقالة ‪ -‬التزامات الجوار‪ -‬دراسة مقارنة في الفقه‬
‫اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬مجلة العلوم القانونية واالقتصادية ‪ ،‬كلية الحقوق ‪،‬‬
‫جامعة عين شمس‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة الثامنة عشر‪ ،‬يوليو ‪.6951‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬مالك جابر حميدي الخزاعي – إساءة استعمال الحق خطأ تقصيريا يلزم من‬
‫صدر منه بتعويض الضرر الناشئ عنه – مجلة جامعة بابل ‪،‬العلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫مجلد‪، 65‬العدد‪، 5‬سنة‪.5009‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد محي الدين إبراهيم سليم – الظروف الخاصة بالجار المضرور ومدى‬
‫تأثيرها على مبدأ المسؤولية‪ ،‬أو مقدار التعويض – دراسة مقارنة في إطار نظرية‬
‫مضار الجوار غير المألوفة‪ -‬مقال منشور في المجلة البحوث القانونية واالقتصادية‬
‫–تصدرها كلية الحقوق‪ ،‬جامعة المنوفية‪ ،‬مصر‪ ،‬العدد الثالث‪ -‬أفريل ‪6994‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬محمد زهرة‪ ،‬مقال‪ :‬الطبيعة القانونية للمسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫‪ ،‬دراسة خاصة حول مسألة الخيرة في القانون المصري والكويتي‬

‫‪336‬‬
‫والفرنسي‪ ،‬مجلة المحامي السنة الحادية عشرة‪ ،‬أعداد جويلية‪ ،‬أوت‪ ،‬سبتمبر‪،‬‬
‫‪.6999‬‬

‫‪ )1‬مجالت قضائية ومجموعة األعمال ‪:‬‬


‫‪ -‬المجلة القضائية‪ ،‬العدد الثالث‪ -‬قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا‪.6999 ،‬‬
‫‪ -‬المجلة القضائية‪،‬العدد الرابع‪ -‬قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا‪.6995 ،‬‬
‫‪ -‬المجلة القضائية‪،‬العدد األول– قسم المستندات و النشر للمحكمة العليا‪ -‬سنة ‪6992‬‬
‫‪ -‬المجلة القضائية العدد األول لسنة ‪، 6995‬قسم الوثائق للمحكمة العليا ‪.6999‬‬
‫‪ -‬المجلة القضائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬لسنة ‪ ،5000‬قسم الوثائق للمحكمة العليا‪.‬‬
‫_ مجلة المحكمة العليا العدد األول‪ -‬قسم الوثائق‪ -‬سنة ‪5001‬‬
‫‪ -‬مجلة المحكمة العليا العدد الثاني‪ -‬قسم الوثائق‪ -‬سنة ‪5001‬‬
‫‪ -‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد ااألول‪ -‬قسم الوثائق‪ -‬سنة ‪5005‬‬
‫‪ -‬مجلة المحكمة العليا‪ ،‬العدد الثاني‪ -‬قسم الوثائق‪ -‬سنة ‪5005‬‬
‫– مجلة المحكمة العليا ‪ -‬العدد األول – قسم الوثائق ‪ -‬سنة ‪.5009‬‬
‫– مجلة المحكمة العليا ‪-‬العدد الثاني – قسم الوثائق ‪ -‬سنة ‪.5009‬‬
‫_ مجلة االجتهاد القضائي‪ -‬العدد الخاص‪ -‬للغرفة العقارية‪ ،‬الجزء الثاني‪5004،‬‬
‫‪ -‬مجلة المحكمة العليا ‪-‬العدد الخاص‪-‬االجتهاد القضائي الغرفة العقارية‪ -‬الجزء‬
‫الثالث‪ -‬قسم الوثائق ‪.5060‬‬
‫‪ -‬مجلة مجلس الدولة العدد ‪.09‬‬
‫‪ -‬مجلة المحاماة تصدرها نقابة محامين مصر‪.‬‬
‫‪ -‬مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني المصري‪ ،‬الجزء ‪ 5‬والجزء ‪1‬‬
‫‪ -‬حمدي باشا عمر القضاء العقاري‪ -‬في ضوء أحدث القرارت الصادرة عن مجلس‬
‫الدولة والمحكمة العليا ومحكمة التنازع‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الطبعة الثالثة عشرة ‪.5064‬‬

‫‪337‬‬
‫‪ )7‬مراجع شرعية‪:‬‬
‫مسند اإلمام أحمد – الجزء‪-1‬‬ ‫‪ -‬اإلمام أبو عبد اهلل أحمد ابن حنبل الشيباني –‬
‫مطبعة دار المعارف‬
‫‪ -‬اإلمام‪/‬أبى عبد اهلل محمد بن أحمد األنصاري القرطبي‪ -‬الجامع ألحكام القرآن‪،‬‬
‫الجزء ‪ ،2‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪6992 ،‬‬
‫‪ -‬اإلمام أبو زكرياء محي الدين يحي بن شرف النووي – صحيح رياض الصالحين‬
‫– تحقيق مصطفى أبو المعاطي ‪ -‬دار الرشيد للكتاب والقرآن الكريم‪ -‬الجزائر‬
‫‪.5001‬‬
‫‪ -‬اإلمام أبى وليد سليمان الباجي المنتقي شرح الموطأ ‪،‬طبعة الكتاب‬
‫العربي‪،‬بيروت‪.‬الجزء ‪1‬‬
‫‪ -‬اإلمام الرملي (شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملي الشهير بالشافعي‬
‫الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬الجزء‪ ،2‬مطبعة الحلبي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪-‬اإلمام السرخسي‪(،‬شمس الدين أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي) المبسوط‪،‬‬
‫الجزء‪ ،62‬طبعة دار المعرفة‪،‬بيروت ‪6884،‬هـ‪،‬‬
‫‪ -‬العالمة الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمان في تفسير‬
‫كالم المنان‪ -‬دار ابن حزم‪-‬بيروت ‪.5008‬‬
‫‪ -‬فخر الدين عثمان بن على الزيلعي(فقيه حنفي) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪.‬‬
‫الجزء ‪ 4‬المطبعة األميرية‪ ،‬القاهرة ‪6862.‬هـ‬
‫‪-‬اإلمام الفخر الرازي ‪ -‬التفسير الكبير‪،‬الجزء ‪ ،60‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪-‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلمام الكاساني‪(،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني) بدائع الصنائع في‬
‫ترتيب الشرائع‪،‬طبعة دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزء ‪.1‬‬
‫‪ -‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى الشهير بابن الهمام‪ ،‬شرح الفتح القدير‬
‫على الهداية‪ ،‬الجزء ‪ 2‬و‪ ،1‬المطبعة دار إحياء التراث العربي ‪6950‬‬
‫‪ -‬إمام دار الهجرة اإلمام‪ /‬مالك بن أنس األصبحى – المدونة الكبرى‪ ،‬رواية اإلمام‬
‫سحنون بن سعيد التنوخى عن اإلمام عبد الرحمان بن القاسم العتقي عن اإلمام‬

‫‪338‬‬
‫مالك بن أنس‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر ‪6858‬هجرى‪ ،‬الجزء الرابع‬
‫عشر‪ ،‬والجزء الخامس عشر‪،‬‬
‫‪ -‬مجلة األحكام العدلية ‪،‬الصادرة بين ‪6591‬هـ و ‪6898‬هـ في أواخر عهد الخالفة‬
‫العثمانية‬
‫‪ -‬محمد بن يوسف الشهير بأبى حبان األندلسي ‪-‬تفسير البحر المحيط‪ ،‬الجزء‪،8‬‬
‫طبعة مطابع النصر الحديثة بالرياض‬
‫‪ -‬للشيخ محمد رشيد رضا ‪ -‬تفسير المنار‪،‬الجزء‪، 2‬طبعة الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب ‪.6959،‬‬
‫‪ -‬اإلمام محي الدين أبى زكريا يحي بن شرف بن مري النووي‪ ،‬صحيح المسلم بشرح‬
‫النووي‪ -‬ج‪ ،5‬المطبعة المصرية و مكتبتها‪ ،‬بدون تاريخ النشر‬
‫‪-‬اإلمام عبد اهلل بن محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسي‪ -‬المغني‪ -‬دار البصائر‬
‫للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزء الرابع والخامس‪.‬‬

‫‪ )8‬معاجم لغوية‬
‫‪-‬معجم نور الدين ـ الوسيط ـ عربي ـ عربي ـ تأليف د عصام نور الدين ـ إسناد‬
‫العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية ـ دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت لبنان ـ الطبعة األولى ـ‬
‫‪. 5002‬‬
‫‪ -‬المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية القاهرة ‪ ،‬طبعة ‪5000‬‬
‫‪ -‬المعجم الوسيط‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬و الجزء الثالث مجمع اللغة العربية الطبعة ‪.5‬بدون‬
‫دار النشر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪1)Ouvrages généraux‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Carbonnier Jean, Droit civil, les obligations, tome 4,‬‬
‫‪collection Thémis, Presse universitaire de France PUF 22e‬‬
‫‪édition, 2000.‬‬

‫‪339‬‬
- Colin Ambroise et Capitant Henri, Cours élémentaire de droit
Civil Français, T,1,11éme éd, par leon de la Morandier,1974.
- Cuq-Les institution juridiques des romains, Paris, 1902, T11
-Demolombe ; cour de code Napoléon, tome 12, 5ed 1872.
- Genevieve viney et patrice jourdain, traité de droit civil, Les
condition de la responsabilité, édition Dalta, Paris
-Jean- Michel Guérin avec la collaboration de Nathalie Giraud,
GERER LES RELATION DE VOISINAGE. EYROLLES,2011.
-Hauriou, Précis de droit administratif et de droit public
générale, 3éd , Paris 1897.
-Josserand(L), Responsabilité du fait des choses inanimées,
Paris, A. Rousseau 1898
-Lanbert-Pieri, Marie-Claire. construction immobilière et
dommage aux voisins,Paris 1982
- Lamarque (Jean), Le droit contre le bruit. LGDJ, Paris, 1975.
-LeTourneau(Philippe), La responsabilité civil, 3e édition,
1982.Dalloz, Paris.
-LeTourneau(Philippe)Droit de la responsabilité et des contrats-
2004-Dalloz. Paris.
- Marcovitch, La théorie de l’abus de droits en droit
comparé.LGD . Paris,1936
- Malaurie( Philippe) et Aynés(Laurent) , Cours de droit civil, les
biens, T4.CUJAS, Paris, 1998
-Mazeaud(H.L) et Tunc(A), par H.Capitant,Traité théorique et
pratique de la responsabilité civil, tome1,6e éd. Paris, 1962..
- Picard (M) Traité pratique de droit civil français TomeIII, Les
biens, 2éd, Paris1952
Pothier(Robert Joseph) Traité du contrat de société(suivi de
deux appendices, l’un sur la communauté qui est formée sans
contrat de société, et l’autre sur les obligations qui naissent du
voisinage, Paris 1807
- Proudhon(v) ,Traité de domaine public ,T1
-Raymond(Pierre). Le bruit et les autorités publiques, R. Admi,
1961.
- Raynaud (P) . Les biens. 2éd Paris , 1980.

340
-Riperet –De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports
avec les propriétés voisines .Paris, 1902.
- Saleilles(R), les accidents de travail et la responsabilité civile :
essai d’une théorie objective de la responsabilité
délictuelle,Paris,Rousseau 1897
- Starck(Boris) Droit civil "Les obligations" Paris 1972.
- Terki, Les obligation (Responsabilité civile et régime général.
O.P.U. Alger 1982
-Théron ( Jean-Pierre) ,Responsabilité pour trouble anormal de
voisinage en droit public et en droit privé, J.C.P.1976, Doct
.2802.
-.Jeze, Independence du domaine public des immeubles
riverains, R.D.I , 1910

2) thèses
- Bersson (A) La notion de garde dans la responsabilité du fait
des choses, thèse, Dijon 1927
-Caballero(F) essai sur la notion juridique de nuisance, thèse,
paris, 1981, L.G.D.J.
-Cosmas(y),Les troubles de voisinage, thèse, paris,6914,
éd1966.
- Frossard(J) La distinctions des obligations de moyens et
obligations de resultat, thèse,Lyon 1965
-Gressin, Evolution du droit de domanialité publique sur les eaux
dans les législation français, thèse, 1906
-Girod(Patrick)la réparation du dommage écologique, thèse,
paris, 1974, L.G.D.J
-Lambert-Pieri, Construction immobilière et dommage aux
voisins, thèse, 1982
- Leyat(p), La responsabilité dans les rapports de voisinage,
thèse, Toulouse1936.
- Martin(Gilles .J) De la responsabilité civil pour faits de
pollution au droit à l’environnement, thèse, Nice1976.
- Ripert (G) De l’exercice du droit de propriété dans ses rapports
avec les propriétés voisines. Thèse, Aix en provence. 1902
- Prax.(André). Propriété et jurisprudence, thèse, 1933.

341
-Starck(Boris)-Essai d’un théorie générale de la responsabilité
civil considère en sa double fonction de garantie et de peine
privé ,thèse,Paris.1947.
- Stefani(p) la nature de la responsabilité en matière de trouble
de voisinage, thèse, Montpellier,1941
-Tual(H), De la responsabilité civile dans les relation de
voisinage en matière de chasse, thèse rennes;1941

3) Périodiques :
- Alvaréz –Correa , Aperçu de la responsabilité civil pour les
dommages causés par le buit des aeronefs en droit américain et
en droit francais . R.F.D.A. 1973.
- Blaise(Jean- Bernard), Responsabilité et obligations
coutumière dans les rapports de voisinage. R.T.D.civ . 1965.
- Boutelet,(Marguerite) La place de l’action pour trouble de
voisinage dans l’évolution du droit de la responsabilité civile en
matière d’environnement, J.C.P.éd, E,1999
- Capitant(H), Des obligations de voisinage et spécialement de
l’obligation qui pèse sur le propriétaire de ne causer aucun
dommage au voisin, Revue Critique,1900
- Endreo, La théorie des trouble de voisinage après les lois du
31/12/1976 et du 04/07/1980, R.D.immob, 1980
-Fournel, Traité du voisinage, Tome2 ,videcoq
libraire ,Paris1834
- Francis Lefebvre, dossiers pratiques, trouble de voisinage,
éditions, Francis Lefebvre 2008
- Frédéric Rouvière, LA pseudo-autonomie des troubles
anormaux de voisinage Manuscrit auteur, publié dans .Variations
sur le thème du voisinage, J- Ph.Tricoire, PUAM 2012.
- Guy Courtieu et Denis Courtieu ,Les troubles de voisinage,
Litec Immo jurisclasseur, Groupe LexisNexis, éd 2002.
- Lamarque (Jean), Le droit contre le bruit. LGDJ, Paris, 1975.
- Malinvaud (P)-Les dommages aux voisins dus aux opérations
de construction- RDI, nov/déc 2001.p 479
-Nicolas,(Marie-France)-La protection du voisinage, R.T.D.Civ.
1976.p675 et s.

342
- Nsana ,(Roger Mevoungou) – Le préjudice cause par un
ouvrage immobilier: Réparation en nature ou par équivalent ?
R.T.D.Civ.1995 . p.733 et s.
- Raymond(Pierre). Le bruit et les autorités publiques, R. Admi,
1961.
- Rémond- Gouilloud (Martiene) : Du préjudice écologique, D.S.
1989, Chron, p 259 et S.
-Robert, (André) –Les relations de voisinage,1991,Sirey, Paris.
- Théron ( Jean-Pierre) ,Responsabilité pour trouble anormal de
voisinage en droit public et en droit privé, J.C.P.1976, Doct
.2802. no.5 et s.
- Starck(B) domaine et fondement de la responsabilité sans faute,
R.T.D.C,1958.
-VINEY, Le préjudice écologique, in Resp. civ. et assur. Mai
1998, n° spécial

4) Codes et Loi et Décrets française


- Code de la construction et l'habitation, Art.L.112-16 (L.no80-
502 du 04/07/1980 ; L.n°2003- 590 du 02/07/ 2003)
- Décret impérial du 15/10/1860 relatif aux Manufactures et
Ateliers qui répandent une odeur insalubre ou incommode
- Loi n°76-1285 du 31/12/1976, portant Reforme de l’urbanisme

- 5)Dictionnaires Languiers :

1-Larousse de langue française. Lexis . paris,1977


2-Petit Larousse en couleurs. 1972 . Paris .
3- Petit Larousse Illustré . 1985.

6) Internet :
- http://www.educaloi. les rapports de voisinage,
- www.juricaf.org/ arret/France- cour de cassation Trouble de
voisinage anormal
-www.troublesdevoisinage.com/index.php?option=com.
CLAIRANCE Avocats
- http://avocats.fr Le blog de Maitre Etienne Groleau spécialiste
en droit immobilier
- http://halshs.archives-ouvertes.fr

343
‫الفهرس‬
‫مقدمة‪.......................................................... ..............‬ص‪6‬‬
‫الباب األول‪:‬نظرية الجوار والضرر غير المألوف‪.............................‬ص‪7‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم الجوار والضرر غير المألوف‪...........................‬ص‪8‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الجوار‪.................................................‬ص‪9‬‬
‫المطلب األول‪:‬المفهوم القانوني للجوار‪.......................................‬ص‪12‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المفهوم القانوني لشخص الجار‪................................‬ص‪13‬‬
‫أوال‪ :‬حالة األضرار الناجمة أثناء البناء ‪.....................................‬ص‪13‬‬
‫ثانيا‪ :‬حالة األضرار الناجمة عن العين المؤجرة ‪.............................‬ص‪18‬‬
‫ثالثا‪ :‬مشتري العين تحت اإلنشاء ومغتصب الحيازة ‪.........................‬ص‪55‬‬
‫أ‪ :‬مشتري العين تحت اإلنشاء‪...............................................‬ص‪55‬‬
‫‪ :6‬بالنسبة ألضرار الجوار غير المألوفة التي تحدث أثناء عملية البناء‪.......‬ص‪55‬‬
‫‪ :5‬بالنسبة لألضرار التي تحدث بعد إتمام البناء وتسليم الشقق للمشترين‪......‬ص‪58‬‬
‫ب‪ :‬مغتصب الحيازة‪........................................................‬ص‪52‬‬
‫رابعا‪ :‬حالة شغل العين واستغاللها بصفة مؤقتة ‪.............................‬ص‪55‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مفهوم الجوار من حيث األموال‪................................‬ص‪80‬‬
‫أوال‪ :‬نطاق الجوار‪..........................................................‬ص‪80‬‬
‫ثانيا‪ :‬مدى الجوار ‪.........................................................‬ص‪84‬‬
‫ثالثا‪ :‬الجوار واألموال العامة ‪...............................................‬ص‪85‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الجوار في الشريعة اإلسالمية ‪........................‬ص‪45‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حقوق الجوار في الشريعة اإلسالمية‪..........................‬ص‪48‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المفهوم الواسع للجوار في الشريعة اإلسالمية‪...................‬ص‪41‬‬
‫خالصة المبحث‪.............................................................‬ص‪20‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية وضوابط تقديره‪..............‬ص‪26‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية‪...............................‬ص‪25‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية التقصيرية ‪.....................‬ص‪25‬‬

‫‪344‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية عن مضار الجوار في القانون‬
‫الوضعي‪...................................................................‬ص‪21‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الضرر الذي يوجب المسؤولية عن مضار الجوار في الفقه اإلسالمي‬
‫‪.‬ص‪16‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ضوابط تقدير الضرر غير المألوف‪........................‬ص‪18‬‬
‫الفرع األول‪ :‬طبيعة ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر‪......................‬ص‪14‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ضوابط تقدير عدم مألوفية الضرر التي نصت عليها المادة ‪5/196‬‬
‫ص‪11‬‬
‫ضوابط متعلقة بالعرف‪...............................................‬ص‪15‬‬ ‫أوال‪:‬‬
‫أ‪ :‬االعتبارات المستمدة من ظروف المكان‪ .................................‬ص ‪19‬‬
‫ص‪56‬‬ ‫ب ‪ :‬االعتبارات المستمدة من ظروف الزمان‪............................‬‬
‫ثانيا‪ :‬ضوابط متعلقة بالعقار‪ ...............................................‬ص ‪54‬‬
‫‪ .‬ص‪54‬‬ ‫أ‪ :‬طبيعة العقارات‪....................................................‬‬
‫ص‪51‬‬ ‫ب‪ :‬موقع كل عقار بالنسبة لآلخر‪......................................‬‬
‫ج‪ :‬الغرض الذي خصصت له العقارات‪ ....................................‬ص‪59‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬ضوابط تقدير الضرر غير المألوف التي لم تنص عليها المادة‬
‫‪ .................................................................. 5/ 196‬ص‪96‬‬
‫أوال‪ :‬أسبقية الحصول على ترخيص إداري‪................................‬ص‪96‬‬
‫أ‪ :‬موقف الفقه والقضاء من أسبقية الحصول على ترخيص إداري…‪....….‬ص‪95‬‬
‫ب‪:‬موقف فقهاء الشريعة اإلسالمية من الترخيص الصادر من اإلمام على حق‬
‫الجار‪ ......................................................................‬ص‪94‬‬
‫ثانيا‪ :‬أسبقية االستغالل والوجود‪.............................................‬ص‪92‬‬
‫أ ‪ :‬األسبقية الفردية في االستغالل والوجود‪..................................‬ص‪99‬‬
‫‪ -6‬موقف الفقه والقضاء في ألسبقية الفردية في االستغالل والوجود‪..........‬ص‪99‬‬

‫‪345‬‬
‫‪-5‬موقف المشرع الفرنسي الحديث في ألسبقية الفردية في االستغالل والوجود‬
‫ص ‪99‬‬
‫ب‪ :‬األسبقية الجماعية في االستغالل والوجود‪..............................‬ص‪92‬‬
‫ج ‪ :‬رافضو فكرة أسبقية االستغالل والوجود بنوعيها‪ .......................‬ص‪95‬‬
‫ثالثا‪ :‬الظروف الخاصة بالجار المضرور‪................................‬ص‪600‬‬
‫خالصة المبحث‪...........................................................‬ص‪602‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مفهوم نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪...................‬ص‪605‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مضمون نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪ ...............‬ص‪609‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المضمون القانوني لنظرية مضار الجوار‪..................‬ص‪660‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مدى كفاية قواعد المسؤولية التقصيرية في حماية الجار المضرور‬
‫ص‪660‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تطور نظرية مضار الجوار غير المألوفة ‪...................‬ص‪665‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الفكرة التي تقوم عليها نظرية مضار الجوار‪.................‬ص‪650‬‬
‫أوال ‪ :‬رافضو فكرة عدم مألوفية الضرر‪...................................‬ص‪656‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنصار تبرير عدم مألوفية الضرر على أساس فكرة التسامح بين الجيران‪.‬‬
‫ص‪655‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مضمون نظرية مضار الجوار في الشريعة اإلسالمية‪ ......‬ص‪658‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أنصار إطالق حق الملكية ‪...................................‬ص‪655‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أنصار تقييد حق الملكية‪.....................................‬ص‪685‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أنصار تقييد حق الملكية بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‬
‫ص‪682‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الموازنة والترجيح بين آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‪........‬ص‪689‬‬
‫أوال‪ :‬موازنة آراء فقهاء الشريعة اإلسالمية‪ ...............................‬ص‪689‬‬
‫ثانيا‪ :‬الترجيح بين فقهاء الشريعة اإلسالمية‪ ...............................‬ص‪646‬‬
‫أ‪ -‬بالنسبة ألنصار إطالق حق الملكية‪......................................‬ص‪646‬‬

‫‪346‬‬
‫ب‪ -‬بالنسبة ألنصار تقييد حق الملكية‪......................................‬ص‪648‬‬
‫ج‪ :‬بالنسبة ألنصار تقييد حق الملكية بعدم اإلضرار بالجار ضر ار فاحشا‬
‫ص‪648‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬آليات تطبيق نظرية مضار الجوار غير المألوفة في القانون المدني‬
‫ص‪642‬‬ ‫الجزائري‬
‫المطلب األول‪ :‬شروط وخصائص تطبيق نظرية مضار الجوار غير مألوفة‬
‫ص‪642‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط تطبيق نظرية مضار الجوار غير مألوفة‪..............‬ص‪642‬‬
‫أوال‪ :‬توافر صفة الجار‪....................................................‬ص‪641‬‬
‫ثانيا‪ :‬مشروعية التصرف الجار‪............................................‬ص‪645‬‬
‫ثالثا‪ :‬تجاوز المضار أعباء الجوار المألوفة ‪................................‬ص‪649‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص نظرية مضار الجوار غير المألوفة‪................‬ص‪628‬‬
‫أوال‪ :‬تحقق المضار مرتبطة بالتجاور وليس التالصق‪.....................‬ص‪628‬‬
‫ثانيا‪ :‬النشاط الذي تنجم عنه المضار هو نشاط ضار حكما‪.................‬ص‪624‬‬
‫ثالثا‪ :‬النشاط الضار هو مصدر لضرر مستمر‪.............................‬ص‪622‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موقع النص المادة ‪ 196‬وصياغته في القانون المدني الجزائري‬
‫ص‪621‬‬
‫الفرع األول‪ :‬موقع نص المادة ‪.......................................196‬ص‪625‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬صياغة نص المادة ‪.....................................196‬ص‪610‬‬
‫أوال‪ :‬بالنسبة لصياغة الفقرة األولى من النص‪..............................‬ص‪616‬‬
‫ثانيا‪ :‬بالنسبة لصياغة الفقرة الثانية من النص‪,..............................‬ص‪615‬‬
‫ثالثا‪ :‬فيما يتعلق بعالقة الفقرة األولى بالثانية‪...............................‬ص‪618‬‬
‫خالصة المبحث ‪..........................................................‬ص‪615‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة وأحكامها‪.......‬ص‪650‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة ‪...................‬ص‪655‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬موقف الفقه من أساس المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‬
‫ص‪652‬‬

‫‪347‬‬
‫المطلب األول‪:‬االتجاه الذي يقيم المسؤولية على فكرة الخطأ ‪......................‬ص‪651‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الخطأ الواجب اإلثبات كأساس للمسؤولية‪.............................‬ص‪651‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعسف في استعمال الحق كأساس للمسؤولية‪........................‬ص‪696‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الخطأ المفترض كأساس للمسؤولية‪....................................‬ص‪690‬‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬رفض المالك التعويض كأساس للمسؤولية‪..........................‬ص‪692‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬اإلخالل بالتزامات الجوار كأساس للمسؤولية‪.....................‬ص‪699‬‬
‫أوال ‪ :‬أساس المسؤولية التزام قانوني………………………………‪ .‬ص‪699‬‬
‫ثانيا‪ :‬أساس المسؤولية االلتزام الناشئ عن شبه عقد الجوار…………‪…..‬ص‪502‬‬
‫ثالثا‪ :‬أساس المسؤولية القواعد العرفية ………………………………ص‪505‬‬
‫خالصة المطلب ‪.........................................................................‬ص‪509‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االتجاه الذي يقيم النظرية على أساس موضوعي ……‪.…...‬ص‪566‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أساس المسؤولية هو االستعمال االستثنائي أو غير العادي لحق الملكية‬
‫ص‪566‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أساس المسؤولية قائم على فكرة إقامة التوازن بين حقوق الملكية الواردة‬
‫على العقارات المتجاورة ‪................................................................‬ص‪562‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أساس المسؤولية قائمة على فكرة الضمان ‪..........................‬ص‪565‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬أساس المسؤولية هو فكرة المخاطر أو تحمل التبعة ‪...............‬ص‪550‬‬
‫خالصة المبحث ‪..........................................................................‬ص ‪559‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أساس المسؤولية في القانون الجزائري ‪..................‬ص‪580‬‬
‫المطلب األول‪ :‬موقف المشرع الجزائري من نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬
‫ص‪586‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعسف في استعمال الحق في التشريع الجزائري ‪............‬ص‪585‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عالقة المادة ‪ 654‬مكرر بالمادة ‪ 196‬من القانون المدني ‪.........‬ص‪585‬‬
‫أوال ‪ :‬معايير التعسف المنصوص عليها في المادة ‪ 654‬مكرر ‪..................‬ص‪585‬‬
‫أ‪ -‬استعمال الحق بنية اإلضرار بالغير‪........................................‬ص‪589‬‬
‫ب‪ -‬إذا كان استعمال الحق يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر‬
‫الناشئ للغير ‪................................................................‬ص‪589‬‬
‫ج‪ -‬إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة ‪.................‬ص‪540‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم إمكانية دمج المادة ‪ 196‬مدني جزائري ضمن أحد معايير التعسف‬
‫المنصوص عليها في المادة‪ 654‬مكر ‪......................................‬ص‪545‬‬
‫ثالثا‪ :‬التمييز بين المسؤولية الناجمة عن التعسف في استعمال الحق والمسؤولية‬
‫الناجمة عن الضرر غير المألوف ‪.........................................‬ص‪542‬‬

‫‪348‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬استبعاد نظرية الخطأ و ترجيح نظرية تحمل التبعة ‪........‬ص‪541‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬أحكام المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة ‪...........‬ص‪549‬‬


‫المبحث األول ‪ :‬آثار المسؤولية عن مضار الجوار غير مألوفة‪.............‬ص‪526‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬التعويض المستحق للجار المضرور‪ .......................‬ص‪526‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعويض بإزالة الضرر ( التعويض العيني) ‪.................‬ص‪528‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعويض النقدي ‪............................................‬ص‪529‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دفع مسؤولية الجار……………………………………‪.‬ص‪516‬‬
‫الفرع األول‪ :‬دفع مسؤولية الجار بإثبات السبب األجنبي ‪...................‬ص‪518‬‬
‫أوال‪ :‬القوة القاهرة والحادث المفاجئ ‪....................................‬ص‪512‬‬
‫ثان يا ‪ :‬خطأ المضرور ‪...................................................‬ص‪511‬‬
‫ثالثا‪ :‬خطأ الغير ‪.........................................................‬ص‪515‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬دفع مسؤولية الجار بتقادم الدعوى‪............................‬ص‪519‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تطبيقات المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوفة‪ .......‬ص‪519‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تطبيقات المسؤولية عن األضرار الناتجة عن التالصق‪......‬ص‪555‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أضرار التالصق الناتجة عن الخطأ ‪..........................‬ص‪558‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أضرار التالصق الناتجة عن نظرية مضار الجوار غير المألوفة‬
‫‪...........................................................................‬ص‪552‬‬
‫أوال‪ :‬تطبيقات القضاء الجزائري ‪..........................................‬ص‪551‬‬
‫ثانيا‪ :‬تطبيقات القضاء الفرنسي ‪............................................‬ص‪555‬‬
‫أ‪-‬بالنسبة لمضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن حجب النور والهواء والرؤية‬
‫‪..........................................................................‬ص‪555‬‬
‫ب‪-‬بالنسبة لمضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن ضوضاء التالصق ‪....‬ص‪559‬‬
‫‪-6‬الضوضاء المنزلية…‪...................................................‬ص‪559‬‬
‫‪-5‬ضوضاء الحيوانات ‪....................................................‬ص‪595‬‬
‫‪-8‬الضوضاء الناتجة عن استعمال اآلالت الموسيقية ‪.......................‬ص‪598‬‬

‫‪349‬‬
‫‪ -4‬الضوضاء الناتجة عن النشاطات التجارية والصناعية ‪.................‬ص‪592‬‬
‫ج‪ -‬مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األغراس ‪.....................‬ص‪595‬‬
‫د‪ -‬مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن األجزاء المشتركة‪..............‬ص‪599‬‬
‫‪ -6‬مسؤولية النقابة التي تمثل شاغلي األمالك المشتركة ‪.................‬ص‪599‬‬
‫‪ -5‬مسؤولية شاغلي األمالك المشتركة‪.....................................‬ص‪599‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مضار الجوار غير المألوفة الناتجة عن التجاور ‪...........‬ص‪599‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث الهواء‪........‬ص‪590‬‬
‫أوال‪ :‬مضار األدخنة والغازات المؤذية …‪...........................…..‬ص‪596‬‬
‫ثانيا‪ :‬مضار الروائح الكريهة ……‪.. ...................................‬ص‪592‬‬
‫ثالثا‪ :‬مضار الغبار واألتربة …‪......................................…..‬ص‪599‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث المياه ‪.......‬ص‪805‬‬
‫أوال‪ :‬تسرب النفط ومشتقاته …‪.......................................…..‬ص‪808‬‬
‫ثانيا‪ :‬مخلفات المصانع ‪..............................................…..‬ص‪808‬‬
‫ثالثا‪ :‬نفايات المدن …‪................................................….‬ص‪802‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن تلوث التربة ‪........‬ص‪805‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أضرار الجوار غير المألوفة الناتجة عن التلوث الضوضائي ‪......‬ص‪809‬‬
‫أوال‪:‬األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من المنشآت الصناعية والتجارية‬
‫‪...................................................................... …..‬ص‪860‬‬
‫ثانيا‪ :‬األضرار الناتجة عن الضوضاء المنبعثة من أعمال التشييد والبناء‬
‫‪.....................................................................…...‬ص‪868‬‬
‫ثالثا‪ :‬األضرار الناتجة عن الضوضاء المالحة الجوية‪................... .‬ص‪862‬‬
‫خالصة المبحث ‪...........................................................‬ص‪869‬‬
‫خاتمة ‪...................................................................‬ص‪856‬‬
‫بيان المختصرات ‪.........................................................‬ص‪859‬‬
‫قائمة المراجع ‪.............................................................‬ص‪859‬‬
‫الفهرس ‪..................................................................‬ص‪844‬‬

‫‪350‬‬

You might also like