Professional Documents
Culture Documents
مبدأ الحيطة-مضارالجوار
1
﷽
قال تعالى:
َ ه ُ َ ْ َ َ ُ ْ ْ ُ ُ ن ُ ه َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َن َ ْ ً
﴿ وَّللا أخرجكم ِمن بطو ِ أمها ِتكم َل تعلمو شيئا ﴾
ََ ُ ُْ َ ْ ْ ه َ ً
﴿ وما أو ِتيتم ِمن ال ِعل ِم ِإَل ق ِليًل ﴾
اللهم ِّعلمنا ما ينفعنا ،وانفعنا مبا علمتنا ،و ِّزدان عل ًما ،انك أنت العلمي احلكمي ،وصىل هللا
عىل س يدان حمد وعىل أهل وحصبه أمجعني.
2
الئحة فك الرموز:
3
مقدمة :
يعتبر حق الملكية أوسع الحقوق العينية على اإلطالق ،اذ يخول لصاحبه جميع السلط من
استعمال واستغالل وتصرف ،اي ان للمالك يحق له ممارسة حقه على ملكيته كيفما شاء ووفق
ما يروق له ،فالقوانين الوضعية نجدها تكفلت بتنظيم اإلجراءات القانونية لنقل الملكية العقارية
وطرق اكتسابها وتحديد السندات المثبتة لها وتقرير وسائل حمايتها ،حيت ترد على الملكية
العقارية قيودا قانونية والتي منها نظرية مضار الجوار فهذه األخيرة تعتبر من النظريات
المنتشرة في العديد من األنظمة القانونية ،رغم انها كانت في األصل تنطبق على المضار
المرتبطة بعالق ات الجوار (ضجيج ،روائح كريهة ،أدخنة )اال انها توسعت شيئا فشيئا لتشمل
مضار البيئة ونكون انذاك امام مبدأ الحيطة كأساس لنظرية مضار الجوار ،لم يكن هذا التوسع
ممكنا بدون اعتماد تصور مرن لمفهوم الجار ،والذي يقصد به القرب واإللتصاق والمحاداة
،وعليه فكل شيء موجود على سطح األرض يكون مجاور لما يحاديه من األشياء وهذا ما
تؤكده األية 04من سورة الرعد لقوله عز وجل:
سقَ ٰى غي ُأر ِص أن َو ٍ
ان يُ أ ع َونَ ِخي ٌل ِص أن َوا ٌن َو َ ط ٌع ُمت َ َجا ِو َراتٌ َو َج َّناتٌ ِم أن أ َ أعنَا ٍ
ب َو َز أر ٌ ض ِق َ" َو ِفي أاْل َ أر ِ
ون". ض فِي أاْل ُ ُك ِل ۚ إِنَّ فِي ٰذَ ِلكَ ََليَا ٍ
ت ِلقَ أو ٍم يَ أع ِقلُ َ علَ ٰى بَ أع ٍ
ض َها َ اح ٍد َونُفَ ِض ُل بَ أع َاء َو ِ
بِ َم ٍ
وتعود نشأة هذه النظرية الى القضاء الفرنسي والذي أقر عام 1844مبدأ المسؤولية على
اساس مضار الجوار بحيث اعتبرت محكمة النقض الفرنسية انذاك ان الضجيج الصادر من
أحد المصانع يمكن ان يعتبر من قبيل مضار الجوار ادا ما تجاوز الحد المألوف اما بالنسبة
لمبدأ الحيطة فقد تم التنصيص عليه للمرة األولى في عام 1992في المبدأ 15من إعالن ريو
":عندما تكون هناك تهديدات بوقوع أضرار جسيمة أو ال رجعة فيها ،واالفتقار إلى اليقين
العلمي الكامل ال يمكن أن يكون مبررا لتأجيل اعتماد تدابير فعالة
لمنع التدهور البيئي".
رغم عدم وجود تعريف مقبول عالميا لمبدأ الحيطة ،يمكن محاولة التعبير عـن الفكـرة العامـة
كمـا يلـي:
" يجب اتخاذ تدابير عندما يكون هناك سبب كاف لالعتقاد بأن أي نشاط أو منتج قد يسبب
أضرارا جسـيم ة ،والتـي ال رجعة فيها على الصحة أو البيئة .قد تكون هذه التدابير لخفض
أو وقف النشاط إذا كان نشاط ما ،أو لمنع هذا المنـتج إذا كان منتجا ،من دون الحاجة إلى
إنشاء دليل قاطع رسميا إلى وجود عالقة سببية بين هـذا النشـاط أو المنـتج ،
والعواقب الوخيمة" .
4
-أهمية الموضوع:
ان موضوع مضار الجوار-مبدأ الحيطة يكتسي أهمية بالغة وهي على مستوى األتي:
األهمية القانونية :التعرف من خاللها على دور المشرع في مجال المسؤولية المدنية عن
الضرر البيئي و ذلك من خالل معالجة اساس هذه المسؤولية و مختلف انواعها ،و االثار
المترتبة عنها في حماية المكونات الطبيعية ،و مدى تفاعل الفقه و القضاء مع هذه
المعطيات في وضع حدود و تعريفات موحدة للضرر البيئي.
االهمية االقتصادية :تكمن في التسابق للسيطرة على الثروات و الموارد الطبيعية التي
يتيحها الوسط البيئي
االهمية االجتماعية :إن البيئة هو الوسط الذي يعيش فيه االنسان ظلت محل تغيير بفعل
انشطة هذا االخير التي تحكمها حاجياته الحياتية
االهمية القضائية :دور االجتهاد القضائي في تكريس طابع حمائي للبيئة من مختلف
االضرار البيئية ،ومساير لهذا النوع الجديد والخاص من المخاطر ،و تحديث قواعد
المسؤولية المدنية عن الضرر البيئي مع مالئمة حماية حقوق المتضررين بيئيا و تحقيق
التنمية المستدامة في ابعادها الشمولية.
األهمية البيئية :يهتم البحت بدراسة نظرية مضار الجوار وعالقتها بالمسؤولية عن الضرر
البيئي قد تطورت هذه النظرية شيئا فشيئا لتتجاوز المضار التقليدية الناجمة عن عالقات
الجوار من خالدخنة وروائح كريهة وأصوات مزعجة لتشمل مضار مستحدتة دات اثر
سلبي على البيئة.
-دوافع إختيار الموضوع:
إن اسباب ودوافع اختيار موضوع مضار الجوار-مبدأ الحيطة -يجد علته في اسباب
موضوعية وأخرى شخصية :
اما االسباب الموضوعية تتجلى في التطور الذي نشهده اآلن في المجال الصناعي
والتكنولوجي لذي ادى الى ظهور اضرار بيئية لم تأخدها القوانين الوضعية بالحسبان
كاألضرار الناجمة عن اإلشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من أبراج اإلتصاالت ،والتي
تطرح هذه اإلشعاعات اشكاالت قانونية بالنظر الى شكوك التي يحوم حول خطورتها من
عدمها وحول وجود عالقة سببية بينها وبين األصرار التي ينسبها األجوار مما اعتمد الفقه
والقضاء على نظرية مضار الجوار كأساس للتعويض عن الضرر البيئي وهو ما سيتم
توضيحه في العرض .
5
بينما تجد االسباب الشخصية ضالتها في االهمية التي يكتسيها وايضا االرتباط الوثيق بين
العقار والبيئة ،وهوما سيلمسه القارئ الكريم عند اطالعه على الموضوع .
-إشكالية الموضوع:
و لمقاربة الموضوع من كل جوانبه بالشرح والتحليل ارتأينا اعتماد االشكالية الجوهرية
االتية :الى مدى يمكن القول ان الترسانة التشريعية المغربية المؤطرة لمضار الجوار
تمكنت من تكريس مبدأ الحيطة ،ومن تم حماية االمن البيئي بكل تجلياته من خالل تدخل
قضلئي فعال؟
-المناهج المعتمدة في دراسة الموضوع:
لدراسة الموضوع اعتمدنا على عدة مناهج ومبادئ معروفة في الدراسات القانونية أهمها:
المنهج المقارن :وذلك عن طريق اعتماد مقارنة ما بين القانون المغربي وبعض القوانين
المقارنة ،وايضا محاولة توظيف اجتتهادات القضاء الفرنسي كلما دعت الضرورة لذلك .
المنهج الوصفي :حيث تعرضنا لوصف النظريات التي جاءت في المسؤولية الدولية عن
األضرار البيئية من حيث الطرح والنقد التي تعرضنا له،كما تناولنا اإللتزامات التي تتبع
المسؤولية الدولية ومواقف الفقهاء من المبادئ العامة التي تحكم المسؤولية الدولية عن
األضرار البيئية
منهج التحليل والتركيب :حيث تناولنا تحليل فكرة أنواع التلوثاث وأسبابه من جهة
والمبادئ التي تحكم المسؤولية عن األضرار البيئية من جهة ثانية وخلصنا لفكرة جديدة
وهي أن مفهوم المسؤولية الدولية عن األضرار البيئة با لشكل المعروف فقهيا ال يتفق وهده
الخصائص وعليه يجب
تبني فكرة جديدة مبنية على التضامن والتأمين اإلجباري مع تفعيل صناديق للتعويض.
-خطة البحث :
ولمعالجة الموضوع بالشرح و التحليل ،واإلجابة على اإلشكالية المقترحة ،
سنعتمد على التصميم اآلتي:
6
المبحث األول :األحكام العامة لنظرية مضار الجوار
تعتبر نظرية مضار الجوار من النظريات المنتشرة في عديد األنظمة القانونية .ورغم
أنها كانت في األصل تنطبق على المضار المرتبطة بعالقات الجوار (ضجيج ،روائح
كريهة ،أدخنة( )...المطلب األول) ,إال أنها توسعت شيئا فشيئا لتشمل المضار البيئية .ولم
يكن هذا التوسع ممكنا بدون اعتماد تصور مرن لمفهوم الجار ولمفهوم الضرر والعالقة
السببية .رغم ذلك فإن نظرية مضار الجوار غير المألوفة أظهرت محدوديتها نظرا لعدم
انطباقها على بعض المضار البيئية (المطلب الثاني) ،وبذلك أصبح من الضروري وضع
نظام خاص للضرر البيئي1.
1أنيس بن علي العذار ،نظرية مضار الجوار والمسؤولية عن الضرر البيئي ،المجلة األكاديمية للبحوث القانونية والسياسية -العدد الثالث -المج
،01ص 1
7
" إن الدعوى أقيمت في إطار مضار الجوار المستمدة من التعسف في استعمال الحق ،الذي
يلزم المطلوب ضدهم على أساسه كأصحاب محل لتربية الدجاج بالتعويض عما أحدثوه
باستغاللهم للمحل المذكور من مضار تفوق الحد المألوف الذي يمكن للطاعن احتماله حسبما
جاء بتقرير الخبرة ،وأن لمحكمة الموضوع ،بعد أن ثبت لديها حصول الضرر ،كامل
الصالحية في اختيار الطريقة التي ترى فيها أنها األنسب في إصالح الضرر ،وأنها لما
قضت بما رأته كفيال بإزالته أو إرجاعه إلى الحد المألوف وفق ما رآه الخبير دون حرمان
الطاعنين من حقهم في استغالل محلهم دون تعسف ،تكون قد استعملت سلطتها التقديرية في
ذلك والمعقب عليها ،ويكون ما أثير بالوسيلتين بدون أساس ".أو يخرج منه دخان ال
يحتمل ،وغرس األشجار دون احترام المسافات الالزمة لهذا الغرس ،وكذا تسرب الدخان
المكثف لمساكن الجيران (فحسب الفصل 92فإن الدخان الذي يحق للمدعي المطالبة برفعه
هو الذي يكون غير مألوف) ،وقد توسع الفقهاء المسلمون كثيرا في سرد الحاالت التي
تتحقق فيها مضايقات الجوار كحجب النور والشمس عن الجيران وحفر اآلبار بنية إلحاق
الضرر بهم وغيرها .حيث جاء في قرار للمجلس األعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) ما
يلي" :ال يجوز للجيران المطالبة بإزالة األضرار الناتجة والناشئة عن االلتزامات العادية
للجوار كالدخان وغيره من المضار التي يمكن تجنبها والتي ال تتجاوز الحد المألوف كما ال
يزال ا لضرر المدخول عليه أي الضرر الناشئ فبل أن يؤول الحق المتسبب في الضرر2
والمشرع المغربي بعد أن عرض في الفصلين المشار إليهما أعاله لمضايقات الجوار ،التي
يتعين رفعها وإزالتها فإنه حاول إيجاد مبدأ عام كضابط لتحديد معيار التعسف في استعمال
الحق حيث نص في الفصل 94من ق.ل.ع على أنه " :ال محل للمسؤولية المدنية ،إذا فعل
شخص بغير قصد اإلضرار ما كان له الحق في فعله… .غير أنه إذا كان من شأن مباشرة
هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير ،وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو
إزالته من غير أذى جسيم لصاحب الحق ،فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص
ما كان يلزم لمنعه أو إليقافه".
فمن خالل هذه الفصول يظهر أن موقف المشرع المغربي إزاء هذه النظرية لم يكن واضحا
فهو قد تناول أحكام هذه النظرية بصورة عرضية وهو بصدد الكالم عن الخطأ كعنصر في
المسؤولية التقصيرية في الوقت الذي كان يتعين عليه تناول أحكام هذه النظرية بصورة
مستقلة ،وذلك لما لها من أهمية في ميدان استعمال الحقوق سواء كانت حقوقا شخصية أو
عينية.3
2قرار صادر عن المجلس األعلى عدد 39-21بتاريخ 2010/5/11في الملف عدد 4631منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 74ص
133وما يليها.
3زيد قدري الترجمان ،نظرية التعسف في اسعمال حق الملكية العقارية ،أطروحة دكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق بالرباط ،ط ،2009
ص 58وما بعدها.
8
كما أن المشرع المغربي عندما حاول وضع معيار للتعسف في استعمال الحق كان متأثرا
بالنزعة الشخصية التي تهدف إلى تقديس الحقوق الفردية وعدم تقييد هذه الحقوق إال في
أضيق الحدود ،بدليل أنه أقحم في الفصل ( 94ق.ل.ع) مجموعة من القواعد التي تحمي
موقف صاحب الحق ،فال يتحقق فعل التعسف وفقا لمضمون هذا النص إال إذا تسبب
صاحب الحق في إلحاق ضرر فادح بالغير وكان باإلمكان إزالة هذا الضرر دون المساس
بمصلحة صاحب الحق ،وخارج هذين الشرطين فإن صاحب هذه المصلحة ال يعد متعسفا
في استعمال حقه.
كما نص الفصل 77من قانون االلتزامات والعقود ،على أن كل عمل يرتمبه
اإلنسان...ويكون من شأنه أن يحدث ضررا للغير يلزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر ،وهذه
القاعدة هي التي وردت في الفصل 1382من القانون المدني الفرنسي والتي استند إليها
القضاء في فرنسا إلقرار نظرية إساءة استعمال الحق.4
وتجدر اإلشارة ،أنه يمكن القول أنه يجوز للمالك أن يستعمل حقه كما يشاء بغية الحصول
على منافع الشيء المملوك له ،وعلى المالك المجاورين أن يتحملوا المضايقات البسيطة أو
األضرار الناجمة عن هذا االستعمال متى كانت عادية ومألوفة ومتسامح فيها ،أما في حالة
تماهي المالك في استعمال حقه وبالتالي تقوم مسؤوليته عن هذا التعسف.5
الفقرة الثانية :نظرية مضار الجوار في إطار مدونة الحقوق العينية
قد ينتج عن استعمال المالك لعقاره ضرر بمن يجاوره ذلك العقار ،كأن يقيم المالك فوق
أرضه معمال يؤدي جيرانه بالدخان ويقلق راحتهم بالضجيج ونحوه ،وكأن يفتح في بنائه
نوافذ تطل على جيرانه على غير ذلك.6
وفي حقيقة األمر فإن هذا التوجه الذي نهجته مدونة الحقوق العينية هو توجه صائب على
اعتبار أن بعض القيود المتعلقة بمضار الجوار كالقيود المتعلقة بالمسيل أو الصرف ،أو فتح
المطالت على أرض الجار هي في حقيقتها من قبيل االرتفاقات القانونية.
وعليه يمكن تلخيص القيود المتعلقة بمضار الجوار كما هي منظمة في مدونة الحقوق
العينية على النحو التالي:
4
مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية ،الجزء الثاني،م.س ،ص .88
ّ
الحق ،حيث 5يرى الدكتور عبد الرزاق السنهوري أنه ال يمكن اعتبار مضار الجوار الغير المألوفة داخلة في نطاق نظرية التعسف في استعمال
يقول في هذا الصدد " :ال ضرر الفاحش فيما بين الجيران ليس تعسفا في استعمال الحق بل هو خروج عن حدود الحق ،بمعنى أن مضار الجوار
تمثل تجاوزا في استعمال الحق ال تعسفا" – .عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني المصري الجديد ،الجزء األول ،نظرية
االلتزام ،دار إحياء التراث المغربي ،بيروت.1967 ،
6ادريس الفاخوري ،الحقوق العينية وفق القانون رقم ،39.08مطبعة المعارف الجديدة ،طبع 2016ص 85
9
أوال:الحائط المشترك :نظمته مدونة الحقوق العينية في المواد من 28الى ،31وهو كل
حائط يفصل بين عقارين يعد مشتركا بينهما الى نهاية خط اإلشتراك ما لم يقم الدليل على
خالف ذلك .ويحق لكل شريك في الحائط المشترك أن يقيم بجانبه بناء أو يضع فوقه
عوارض أو دعائم ولكن بالقدر الذي لشريكه بشرط أال يحمله فوق طاقته وذلك مع مراعاة
القوانين واألنظمة.
ثانياً :الطريق الخاص المشترك :تم التنصيص عليه في المواد من 32الى 36من مدونة
الحقوق العينية ،والطريق الخاص المشترك كالملك المشترك هو لمن لهم حق المرور فيه
وال يجوز ألحد الشركاء أن يحدث فيه شيئا سواء كان مضرا أو غير مضر إال بإذن باقي
شركائه.
ثالثا :حق المسيل أو الصرف :نظم المشرع المغربي األحكام المتعلقة بحق المسيل أو
الصرف في المواد من 60الى 63من مدونة الحقوق العينية ضمن االرتفاقات القانونية،
حيث أنه يمكن لكل مالك عقار يريد تصريف المياه الزائدة عن حاجته أو غيرالصالحة أن
يحصل على ممر لها بعقار الغير نظير تعويض مناسب يدفع مقدما.
يشترط تمرير الماء الزائد عن الحاجة في مكان ال يسبب للعقار المرتفق به إال أقل ضرر،
كما يشترط تمرير الماء غير الصالح في مواسير بحيث ال تتسبب في أي ضرر للعقار
المرتفق به ،حيث جاء في القرارالقــرار عـدد 1827 :المؤرخ فـي 9/12/2010 :ملف
تجاري عــــدد 611/3/1/2010 :
"التدبير المفوض للنفايات السائلة -تصريف مياه التطهير -تأثير التسربات -مسؤولية
شركة.
إن تقرير المختبر الرسمي اثبت أن التلوث الالحق بالعقار وبالبئر الموجودة به كان نتيجة
تسرب مياه ملوثة وغائطية من محطة الضخ التي تشرف شركة (ريضال) على تدبيرها
إضافة إلى تقرير الخبير المتضمن وجود فوهة في الخزان كلما وصل مستوى مخزون
المياه العادمة إلى هذه الفوهة يتدفق في القناة السطحية (مجرى مياه األمطار) ويمر المجرى
بمحاذاة العقار ونتيجة لقرب البئر المتواجد بالعقار من مجرى المياه فإن ماءه عكر تفوح
منه رائحة المياه العادمة والتلوث ظاهر لمجرد الرؤية بالعين المجردة .وهو ما ثبت منه
للمحكمة حصول الضرر بسبب المياه العادمة التي تتدفق عبر مجرى مياه األمطار بفعل
الشركة دون غيرها وبذلك لم يكن هناك ما يدعوها الستدعاء شركة "السامير" أو األمر
بإجراء خبرة مضادة طالما أغنتها الخبرة المعتمدة التي أحاطت بالجانب الفني للنزاع عن
هذا اإلجراء ،وهو ما جعل القرار غير خارق ألي حق من حقوق الدفاع ومعلال بما
يكفي.رفض الطلب ".تسري على حق الصرف مقتضيات المواد من 56إلى 59المتعلقة
بحق المجرى.
10
رابعاً :غرس األشجار بالقرب من حدود الجار :نصت عليه مدونة الحقوق العينية في المواد
من 72الى ,74بحيث إذا كان حق الملكية يوفر لصاحبه سلطة االستعمال واالستغالل
والتصرف ومن ثم يكون له أن يغرس أرضه بما شاء من أغراس وأشجار فإنه يتعين عليه
أن يتقيد بقيود تحد من األضرار التي يمكن أن تلحق جاره من غرس هذه االغراس
واألشجار بالقرب من حدود أرض جاره.
خامسا :فتح المطالت على األرض المجاورة :نظمها المشرع المغربي في المواد من 66
الى 68من مدونة الحقوق العينية .بحيث أنه ال يجوز لمالك عقار أن يكون له مطل مستقيم
أو نوافذ أو شرفات أو سوى ذلك من النتوءات على أرض مسورة أو غير مسورة للمالك
المجاور ما لم يكن بين الحائط الذي يحدث فيه هذا المطل أو هذه الشرفات وبين تلك
األراضي مسافة مترين.
سادسا :إقامة منشآت مزعجة أو مضرة بالجيران :ال يسوغ لمالك العقار أن يستعمله
استعماال مضرا بجاره ضررا بليغا (المادة 21من مدونة الحقوق العينية) ،ومن بعض
األمثلة عن المنشآت المزعجة أو المضرة بالجيران بناء مدخنة أو محل للحدادة ،حيث جاء
في القرار " المساس بالصحة والسالمة والسكينة -أضرار ناتجة عن ورشة للحدادة
بوسط سكني – السماح بإحداثها – خطأ في التسيير -مسؤولية البلديات .تتحقق طبقا
لمقتضيات الفصل 79من قانون اإللتزامات والعقود مسؤولية المجلس الجماعي عن
األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارته ،لما ثبت لمحكمة الموضوع خطأه في التسيير
بعدم منعه إحداث ورشة للحدادة في حي سكني رغم مساس ذلك بالصحة والسالمة والسكينة
للسكان المجاورين ،وبعدم إغالقه لها وفق ما يستوجبه مرسوم 26/05/1980المتعلقة
بالصحة
والسالمة واألمن ،ومقتضيات المادة 50من الميثاق الجماعي بمهام الشرطة اإلدارية التي
تستلزم اتحاذ كافة التدابير الخاصة بنظافة المساكن والطرق ومراقبة األنشطة المهنية غير
المنظمة التي من شأن مزاولتها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسالمة المرور والسكينة
العمومية" ،7أو فرنا أو مطبخا أو حظيرة للماشية أو محل للنجارة حيث جاء في القرار:
"مضار الجوار -ممارسة أعمال النجارة بواسطة آالت كهربائية – حي سكني -ضجيج
وتلوث وروائح -مواد كيماوية – الغبار – إصابة بالربو -ضرر متقلب – عدم خضوعه
للتقادم.
إذا كان الضرر ثابتا لمحكمة االستئناف بضجيج وغبار اآلالت الناتج عن محل حرفي
يستغل في ممارسة أعمال النجارة بواسطة آالت كهربائية ينتج عنها ضجيج وتلوث وروائح
7
القــرار رقم 46المؤرخ فـي 13يناير 2010ملف إداري رقم 374/4/2/2009منشور في األمن البيئي من خالل العمل القضائي لمحكمة
النقض مضار الجوار ذات صلة بالبيئة
11
بسبب المواد الكيماوية والغبار ،فهي غير ملزمة بالبحث في أعمال غير الطاعن التي ثبت
للمحكمة أنها تسبب هذا النوع من الضرر المتقلب الذي ال يخضع للتقادم لعدم معرفة بداية
تأثيره خاصة أن إصابة عائلة المطلوب بالربو يؤثر فيه الغبار حتى ولو لم يكن الربو نتيجة
هذا الغبار ،وتوفر المحكمة على كل العناصر المبررة لرفع الضرر يغنيها عن إجراء بحث
أو خبرة أخرى8".
رغم أن التطور الصناعي و التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم له الكثير من االيجابيات
في تحسين الحياة و تجويدها ،اال انه خلف مجموعة من االضرار على االنسان و البيئة .
االمر الذي جعل من قواعد المسؤولية المدنية بمفهومها التقليدي عاجزة عن تحقيق الحماية
لألطراف المتضررة .
وهذا ما دفع العديد من الدول خاصة االوروبية الى تبني قواعد و مبادئ جديدة يمكن من
خاللها حماية البيئة و الصحة العامة لالفراد ،و يبقى أهمها مبدأ الحيطة ،الذي تم اقراره
في العديد من المواثيق و االعالنات الدولية المرتبطة بحماية البيئة .
هذا ما ادى الى ظهور تصور جديد لنظرية مضار الجوار غير المألوفة التي أصبحت تقوم
على مبدأ الحيطة كأساس لتقرير المسؤولية المدنية في المجال البيئي على مستوى القانون
الدولي و الوطني .
سنحاول من خالل هذا المطلب التعريف بمبدأ الحيطة و بيان عناصره ( الفقرة االولى ) ،و
كذلك التطرق الى تكريس هذا المبدأ على المستوى الدولي و الوطني كأساس جديد لتقرير
المسؤولية المدنية ( الفقرة الثانية) .
الفقرة األولى :ماهية مبدأ الحيطة
أوال -تعريف مبدأ الحيطة
ان معنى الحيطة لغة مشتق من أصل حوط ،و هي اإلحاطة الحسية بالشيء وهو الشيء
يطيف بالشيء ،و يقال احتاط الرجل اي أخذ في أموره بالحزم .و اصطالحا يراد بها فعل
ما يتمكن به من ازالة الشك .
8
القرار رقم 119/5المؤرخ في 26فبراير 2013ملف مدني قرار 3291/1/5/2012منشور في األمن البيئي من خالل العمل القضائي لمحكمة
النقض مضار الجوار ذات صلة بالبيئة
12
أما من الناحية القانونية فيعرف بانه مجموعة من اإلجراءات الواجب اتخاذها حينما تتوفر
أسباب كافية لالعتقاد أن منتجا يمكن أن يسبب ضررا خطيرا ال يمكن تصحيحه أو تداركه
للمستهلك أو البيئة ،هذه اإلجراءات يمكن أن تهدف الى التقليل من النشاط أو إنهائه أو منع
طرح المنتوج دون اشتراط دليل قاطع على وجود عالقة سببية بين النشاط و المنتوج و
اآلثار السلبية المتوقع حدوثها .9
و يعرف كل من الفقيهين فليب كوريلسكي و جونفياف فيني زعماء المدرسة التحوطية مبدأ
الحيطة على أنه اتخاذ قرار من قبل أشخاص عامة أو خاصة يتضمن إجراءات خاصة
بنشاط أو منتوج يعتقد بشأنه انه من المحتمل أن يشكل خطر و يسبب ضرر للصحة العامة
أو سالمة األجيال الحالية أو القادمة أو للمستهلك و حتى للبيئة .
وعرف المشرع الفرنسي مبدأ الحيطة في قانون بارني الصادر في سنة 1995بالقول على
انه " غياب اليقين العلمي على ضوء المعرفة الحالية و التكنولوجية ،ال يجب أن يؤجل
تبني تدابير فعلية و متوازنة قصد الوقاية من األضرار الجسيمة و االنعكاسية للبيئة و بتكلفة
مقبولة اقتصاديا ".10
و من خالل هذه التعاريف يمكن القول ان مبدأ الحيطة يقوم على اتخاذ التدابير االستباقية و
االحترازية تجاه اي نشاط او عمل من الممكن ان يسبب اضرار وخيمة على األفراد و البيئة
.
ثانيا -شروط مبدأ الحيطة
*عدم اليقين العلمي
إن التطور العلمي و التكنولوجي جعل من النتائج المتوصل اليها تتسم بغياب اليقين العلمي
حولها ،مما جعل عامل الشك أو الريب عنصرا ضروريا البد أن يؤخذ بعين االعتبار في
غالبية األنشطة ،مما جعل هذا الشرط يفرض نفسه و ينطبق عندما تكون هناك شكوك
كبيرة بمعنى عدم وجود يقين علمي ثابت حول العالقة السببية العلمية لحجم و طبيعة حدوث
الخطر و حجم األضرار الناجمة عنه. 11
وهذا ما يميز مبدأ الحيطة على باقي المبادئ في كونه يقوم على الشك و الظن في أن بعض
األنشطة الصناعية و التكنولوجية التي يقوم بها االنسان من الممكن أن تسبب أضرارا
جسيمة على البيئة ،ولو في غياب يقين علمي على ذلك.
9د سناء خميس ،مبدأ الحيطة ودوره في حماية المستهلك ،ص . 85
10
loi n°95-101 du 02 février 1995 relative au renforrcement de la protection de l'environnement, j.o.r.f du
février 1995.
11أقماط مبروكة ،عاشور سعاد :مبدأ الحيطة في القانون المدني ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في الحقوق ،جامعة عبد الرحمان ميرة-
بجاية -سنة ، 2019ص 27
13
*األخطار المحتملة
أن يكون الخطر احتمالي ،بمعنى أنه يمثل أضرارا يتوقع حصولها ،فهي تتضمن كل
المخاوف و التهديدات التي من الممكن أن تكون حقيقية أو من الممكن افتراض حدوثها
كاألخطار االيكولوجية التي تهدد البيئة البشرية ،أو المنتجات أو الخدمة لعدم سالمتهما
االستهالكية12.
*خطورة الضرر
أما الشرط الثالث لتطبيق مبدأ الحيطة يتمثل في خطورة وجسامة الضرر ألن الخطورة هي
التي تبرر اتخاذ التدابير الالزمة دون انتظار الحصول على اليقين بأن النشاط المزمع القيام
به لن يخلق أضرارا على البيئة و الصحة اإلنسانية ،وهذا الشرط ضروري جدا النه يسمح
بتحديد الدرجة الالزمة التي تسمح للمبدأ بتأكيد محتواه و ليس ففط إلدراك المبدأ على أساس
انه معرقل للنشاط اإلفتصادي و غياب النشاط الذي يمكن ان تفرضه الحيطة مؤسس على
وجود تهديد محتمل ونوعا ما خطير و درجة الخطورة هذه تسمح باألخذ بعين االعتبار
خطر وجود الضرر على مستوى مقبول 13.
12عمارة نعي مة ،االتجاه نحو التأسيس للمسؤولية المدنية على أساس مبدأ الحيطة ،مجلة دفاتر السياسة و القانون عدد ، 9ص182
13
د .صديقي سامية مقال تحت عنوان المسؤولية المدنية عن اْلضرار البيئية في القانون الدولي منشور على موقع democraticac.de
15المبدأ 15من اعالن ريو دي جانيرو سنة ( 1992من اجل حماية البيئة تتخذ الدول في نطاق واسع تدابير احتياطية
حسب قدرتها ،وفي حال ظهور أخطار ضرر جسيم أو أخطار ضرر ال سبيل إلى عكس اتجاهه ال يستخدم االفتقار إلى اليقين
العلمي الكامل سببا لتأجيل اتخاذ تدابير تتسم بفعالية التكاليف لمنع تدهور البيئة).
14
قرطاجنة16
كما تم اإلشارة إلى مبدأ الحيطة بشكل صريح في المادة 16من بروتوكول
بشأن السالمة اإلحيائية التابع لإلتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي ,ويسعى هذا البروتوكول
الى حماية التنوع البيولوجي من المخاطر المحتملة التي تشكلها الكائنات الحية المعدلة
وراثيا الناتجة عن التكنولوجيا الحيوية الحديثة .
كما أن المشرع الفرنسي أقر صراحة بمبدأ الحيطة في المجال البيئي في قانون باريي في
مادته االولى الصادر سنة ، 1995ليصبح فيما بعد قاعدة دستورية منصوص عليها في
الدستور الفرنسي سنة .2005
إن المغرب باعتباره عضو فعال ضمن المنظمات و الهيئات الدولية ،فهو مشارك في
العد يد من هذه االتفاقيات الدولية التي كرست مبدأ الحيطة .و هذا ما يظهر من خالل اقرار
المشرع المغربي العمل بمبدأ الحيطة في العديد من القوانين المرتبطة بالبيئة .
حيث نص على ذلك في القانون 11.03المتعلق بحماية واستصالح البيئة و الذي يتضمن
مجموعة من القواعد و المبادئ التي توجه السياسة الوطنية في المجال البيئي .بحيث جاء
في الفقرة االخيرة من المادة 217من هذا القانون على ضرورة احترام المواثيق الدولية
المتعلقة بالبيئة .
16
Le Protocole de Cartagena sur la prévention des risques biotechnologiques relatif à la Convention sur
la diversité biologique, ou Protocole de Cartagena sur la prévention des risques biotechnologiques de la
Convention sur la diversité biologique, plus généralement appelé Protocole de Cartagena sur la
biosécurité, a été signé le 29 janvier 2000 dans le cadre de l'ONU, à la suite de la Convention sur la
diversité biologique adoptée à Rio en 1992. Il constitue le premier accord international environnemental
sur les OGM. Entré en vigueur le 11 septembre 2003, il a recueilli à ce jour (17 février 2019) 172 pays
)membres de ratifications (WIKIPEDIA
17
2المادة
يرتكز تنفيذ أحكام هذا القانون على المبادئ العامة التالية :
-حماية البيئة واستصالحها وحسن تدبيرها جزء من السياسة المندمجة للتنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية ؛
-حماية البيئة واستصالحها وتحسينها منفعة عامة ومسؤولية جماعية تتطلب المشاركة واإلعالم وتحديد المسؤوليات ؛
-إقرار التوازن الضروري بين متطلبات التنمية الوطنية ومتطلبات حماية البيئة حين إعداد المخططات القطاعية للتنمية وإدماج مفهوم
التنمية المستدامة حين وضع وتنفيذ هذه المخططات ؛
-اْلخذ بعين االعتبار حماية البيئة والتوازن البيئي حين وضع وتنفيذ مخططات إعداد التراب الوطني ؛
-تفعيل مبدأ " المستعمل المؤدي " ومبدأ " الملوث المؤدي " في إنجاز وتدبير المشاريع االقتصادية واالجتماعية وتقديم الخدمات؛
-احترام المواثيق الدولية المتعلقة بالبيئة بمقتضياتها ومراعاة مقتضياتها عند وضع المخططات والبرامج التنموية وإعداد التشريع
البيئي.
15
كما نص المشرع المغربي على مبدأ الحيطة في القانون 28.07المتعلق بالسالمة الصحية
للمنتجات الغدائية في الفقرة 15من المادة 3حيث جاء فيها " مبدأ اإلحتياط مجموعة من
من التدابير الوقائية المتخذة لتجنب األخطار الممكن أن تترتب عن استهالك منتوج أولي أو
منتوج غذائي أو مادة معدة لتغذية الحيوانات ،في غياب دالئل علمية ثابتة تضمن مستوى
مقبوال من سالمة هذا المنتوج أو هذه المادة ".
كما أن دستور المملكة المغربية لسنة ، 2011جعل من االتفاقيات الدولية المصادق عليها
تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ،و أكد كذلك على مالءمة هذه التشريعات مع
تلك االتفاقيات .
و القضاء المغربي إعتمد على هذا المبدأ في العديد من القضايا ذات االرتباط بالمجال البيئي
،حيث ذهبت المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في حكمها الصادر في 2003/12/17و
الذي جاء فيه " حيث انه بعد القيام بكافة اإلجراءات مع الشركة المصدرة من هولندا ( بشأن
استيراد مادة الخميرة الحيوانية) صادفت قرار وزير الفالحة رقم 1054/97بتاريخ
1997/06/17يجعل هولندا ضمن الدول المحضورة استيراد الحيوانات الحية و المنتوجات
الحيوانية منها بعد ظهور مرض جنون البقر…"18
و في حالة الخوف التي تنتاب سكان الحي من جراء تنصيب برج لتقوية شبكة اإلرسال
الخاصة بالهاتف المحمول بالمحاذاة من سكناهم ،و من منطلق عدم اليقين العلمي الذي
يحوم حول السالمة على صحتهمان هذا التأثير على راحة السكان النفسية و سكينتهم و
حسن استقرارهم يجعل حالة االستعجال قائمة مما يبرر تدخل القاضي االستعجالي".
وفي قرار أخر لمحكمة اإلستئناف بتطوان ،جاء في إحدى حيثياته " وحيث إنه فيما يخص
باقي وسائل الطعن مجتمعة لتداخلها ،فقد تبين عدم صحة ما دفعت به المستأنفة ،ذلك أن
طلب المدعين ال يهدف فقط الى رفع ضرر حال و ثابت و إنما يهدف في عمقه الى مواجهة
16
خطر قد يؤدي الى أضرار ال يمكن الرجوع عنها و ال اصالحها .لذلك كان ما ذهب اليه
الحكم المستأنف عن حق من تطبيق مبدأ الحيطة و الحذر و هو عين الصواب19."..
من خالل هذه األحكام القضائية يظهر جليا أن المغرب ينهج نفس السياسة الدولية في إطار
حماية البيئة و التصدي لألضرار التي قد تمس بها ،و ذلك بإعتماده مبدأ الحيطة كأساس
لتقرير المسؤولية في المجال البيئي .
إن الحديث عن المسؤولية المتعلقة بمضار الجوار يشمل المسؤولية بشقيها المدنية والجنائية
،غير انه من خالل هذا المحور سنقتصر على التطرق لدعوى التعويض.
وتبعا لما تقدم فالفقه المدني اجمع على أن المتضرر في دعوى المسؤولية عن مضار الجوار
عموما والمسؤولية في المجال البيئي على وجه الخصوص غير مكلف بعبء إثبات خطأ
المسؤول بل يلزمه فقط اثبات الضرر ، 20وقد توسعت المادة 3من قانون 11.03في مفهوم
الضرر إذ يعتد به سواء كان مباشرا او غير مباشر ،اما بخصوص العالقة السببية فالقضاء
كان مرنا باعتماد نظرية تعدد االسباب ،خاصة انه يصعب تحديد الطرف المتسبب في الضرر
عندما يتعلق االمر بتلوث الهواء في المناطق الصناعية.
وهكذا فمعالجة هذا المحور المخصص لدعوى المسؤولية الناتجة عن مضار الجوار تقتضي
منا التطرق في (المطلب االول) لقواعد االختصاص وشروط قبول الدعوى ،على ان يكون
(المطلب الثاني) موضوع االثار المترتبة عن إقامة دعوى المسؤولية الناتجة عن مضار
الجوار.
المطلب االول :قواعد االختصاص وشروط قبول الدعوى
يحق لكل من تضررت مصالحه ان يلجأ الى القضاء حتى ال تضيع ،غير ان اللجوء الى
هذه المؤسسة رهين باستجماع بعض الشروط لكي تقبل دعوى المدعي (فقرة ثانية) ،لكن
قبل ذلك يجب معرفة الجهة القضائية المختصة نوعيا ومكانيا (فقرة أولى).
الفقرة االولى :قواعد االختصاص في دعاوى مضار الجوار
19قرار صادر بتاريخ 27/03/2018عن محكمة اإلستئناف بتكوان ،ملف رقم 2017/1201/367
- 20تنص المادة 63من قانون 11.03على ما يلي :يعتبر مسؤوال دون الحاجة الى خطأ"......
17
يقصد باالختصاص في نظر بعض الفقه صالحية المحكمة للبت في الدعوى المعروضة
عليها ،21وينقسم االختصاص الى اختصاص مكاني و اخر نوعي .
واما االختصاص المكاني او المحلي فهو الذي يعطي للمحكمة صالحية الفصل في الدعوى
بناء على اساس جغرافي تحقيقا لمصالح الخصوم ولتقريب القضاء من المتقاضين ،22ومنه
فاالختصاص المكاني لدعاوى مضار الجوار ينعقد لمحكمة للموطن الحقيقي او المختار
للمدعى عليه كقاعدة عامة، 23واستثناء فاالختصاص المكاني ينعقد لمحكمة موقع العقار حسب
ما جاء به الفصل 28من ق م م ،اما اذا تعلق االمر بدعوى التعويض عن المسؤولية الناتجة
عن االضرار النووية فاالختصاص المكاني ينعقد للمحكمة االبتدائية بالرباط حسب القانون
.24 12.02
وهكذا فاالختصاص المكاني يتم تحديده من خالل بيان الطلبات المقدمة من قبل األطراف
ويتم تحديده طبقا لموطن المدعی عليه او موطن العقار ،إال أنه أحيانا قد تثار مجموعة من
الصعوبات في حالة إذ كان االنتشار غير محدود-الغازات التي تنبعث في الهواء مثال -مما قد
تشمل االختصاص أكثر من جهة قضائية ومن تم الضرر يكون ليس من مصدر واحد وإنما
كان نتيجة الختالطه سواء في الهواء أو غير ذلك مما أفرز هذا الضرر الشيء الذي يجعل
من الصعوبة تحديد الجهة المختصة تطبيق قاعدة االختصاص المكاني ألنه وجود مجموعة
من المؤسسات التي ساهمت في حدوث هذا الضرر.
25
بينما االختصاص النوعي فهو الذي يمنح للمحكمة النظر في النزاع استنادا الى نوعه
،ومنه فاالختصاص النوعي في دعاوى مضار الجوار ونظرا لخصوصياته ال ينعقد لجهة
قضائية واحدة ،فتارة يكون للمحاكم العادية ،26وفي احوال اخرى ينعقد االختصاص النوعي
للمحاكم التجارية او االدارية.
- 21عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية –دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2018
،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة التاسعة –يناير 2019ص .17
- 22عبد الكريم الطالب ،م س ص .17
- 23ينص الفصل 27من ق م م على ما يلي << :يكون االختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار
للمدعى عليه .
إذا لم يكن لهذا اْلخير موطن في المغرب ولكن يتوفر على محل إقامة كان االختصاص لمحكمة هذا المحل.
إذا لم يكن للمدعى عليه ال موطن وال محل إقامة بالمغرب فيمكن تقديم الدعوى ضده أمام محكمة موطن أو إقامة
المدعي أو واحد منهم عند تعددهم.
إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد منهم،>> .
وايضا المادة 5من قانون احداث المحاكم التجارية تحيل على احكام قانون م م ،وكذلك نفس توجه المادة 10من
قانون احداث المحاكم االدارية.
- 24ظهير شريف رقم 1.04.278صادر في 25من ذي القعدة 7(1425يناير) 2005
19
المدنية ، 27كما أنه أحيانا يمكن أن تكون مسؤولية اإلدارة 28في حالة الترخيص الستغالل
نشاطات ملوثة في حالة مخالفتها للشروط القانونية كما يمكن إثارتها من قبل القضاء
- 27يتلع االمر هنا بالمحاكم العادية ذات الوالية العامة سواء في الممرحلة االبتدائية او االستئنافية او في محكمة النقض
،وساعرض لبعض المقرارات في هذا الصدد:
/1القرار رقم 119/5
المؤرخ في 26فبراير2013
ملف مدني قرار 3291/1/5/2012
مضار الجوار -ممارسة أعمال النجارة بواسطة آالت كهربائية – حي سكني
-ضجيج وتلوث وروائح -مواد كيماوية – الغبار – إصابة بالربو -ضرر
متقلب – عدم خضوعه للتقادم.
إذا كان الضرر ثابتا لمحكمة االستئناف بضجيج وغبار اآاللت الناتج عن محل حرفي
يستغل في ممارسة أعمال النجارة بواسطة آالت كهربائية ينتج عنها ضجيج
وتلوث وروائح بسبب المواد الكيماوية والغبار ،فهي غير ملزمة بالبحث في
أعمال غير الطاعن التي ثبت للمحكمة أنها تسبب هذا النوع من الضرر المتقلب
الذي ال يخضع للتقادم لعدم معرفة بداية تأثيره خاصة أن إصابة عائلة المطلوب
بالربو يؤثر فيه الغبار حتى ولو لم يكن الربو نتيجة هذا الغبار ،وتوفر المحكمة على
كل العناصر المبررة لرفع الضرر يغنيها عن إجراء بحث أو خبرة أخرى.
رفض الطلب
باسم جاللة الملك وطبقا للقانون
/2قرار رقم 133
المؤرخ في 6فبراير2008
ملف تجاري رقم 819/3/1/2004
قياسات ضجيج مرتفعة – مخالفة معايير دولية -نشاط صنع آالت ضخمة
وصباغتها -إيقاف النشاط.
المحكمة لما ثبت لها من المعاينة المنجزة ابتدائيا أن قياسات الضجيج داخل
الورشة المنبعث من بعض اآاللت يفوق ما هو مسموح به في المعايير الدولية،
وأن الضرب بالمطرقة الحديدية على الصفائح الحديدية أثناء التركيب أو اإلصالح أو
تصادم الصفائح يصدر ضجيجا نقريا يفوق المستويات المسموح بها ومن تقرير
الخبير أن األصوات المنبعثة من اآاللت يمكنها أن تقلق راحة السكان وقضت بتأييد
الحكم االبتدائي بعلة أن الغاية هي إيقاف النشاط لما يحدثه من ضرر للجيران
تكون قد عللت قرارها تعليال كافيا ومرتكزا على أساس قانوني.
/3القــرار رقم 206/5
المؤرخ في 08أبريل 2014
ملف مدني رقم 3964/1/5/2013
ضرر الجوار غير المألوف -تواجد محل للنجارة وسط مساكن – معاينة –
حجة إثبات الضرر -ترخيص السلطات اإلدارية – إزالة الضرر.
المحكمة لما أيدت الحكم االبتدائي القاضي برفع الضرر اعتمدت المعاينة المنجزة
ابتدائيا واعتبرتها حجة على ثبوت ضرر الجوار ولم تكن ملزمة باتخاذ أي إجراء من
إجراءات التحقيق األخرى طالما أنها وجدت فيما ذكر ما يكون قناعتها ويثبت لها
وجود ضرر غير مألوف من جراء تواجد محل النجارة وسط المساكن لما تثيره اآاللت
من ضجيج حاد ومن انتشار للغبار وهو من األضرار المتقلبة التي ال تستقر على
حالة واحدة وال تواجه بالقدم ،وأنه عمال بمقتضيات الفصل 91من ق .ل .ع ،فإن
ضرر الجوار غير المألوف يزال وال يحول الترخيص المسلم من السلطات اإلدارية دون
رفعه ،و يكون بذلك قرارها مرتكزا على أساس.
قرارت منشورة بالعرض المقدم في مؤتمر االمم المتحدة لتغير المناخ ،االمن البيئي من خالل العما القضائي لمحكمة
النقض –مضار الجوار ذات الصلة بالبيئة ص . 26/25
- 28تختص بها المحاكم االدارية في الحاالت التي يتم فيها اصدار قرارات ادارية ترخص باحداث بعض المنشأت تؤدي
الى احداث مضار للجوار.
20
ومن تم 29
االجتماعي من خالل تدخل نقابات عمومية وقد يكون من قبل المحاكم التجارية
يصعب تحديد مضمون النزاع بدقة. 30
الفقرة الثانية :شروط قبول دعوى مضار الجوار
عموما إن الدعاوى المتعلقة بمضار الجوار تخضع كغيرها من المنازعات المثارة
امام القضاء لبعض الشروط ،خصوصا ما جاء به الفصل االول 31من ق م م فيما
يتعلق باالهلية (اوال) ،الصفة (ثانيا) و المصلحة (ثالثا).
- 29خصوصا عندما يتعلق االمر بالمنازعات المثارة ضد بعض الشركات التي يعهد اليها بتسيير بعض المرافق في اطار
عقود التدبير المفوض .وسوف نعرض بهذا الخصوص بعض االحكام الصادرة عن المحاكم التجارية و محكمة النقض
للمملكة :
/1لقــرار عـدد 154/1 :
المؤرخ فـي 20/03/2014 :
ملف تجاري عــــدد 500/3/1/2012 :
تصريف مياه التطهير -إضرار األراضي الفالحية – مسؤولية شركة
– التدبير المفوض.
المحكمة اعتمدت فيما انتهت إليه نتيجة الخبرة المنجزة التي أثبتت أن األضرار االلحقة
بالمدعي مباشرة تتجلى في حرمانه من استغالل عقاره لكونه أصبح مغمورا
بالمياه العادمة المتسربة من محطة الضخ التابعة للشركة ،وأيضا تسرب هذه
المياه الملوثة إلى اآلبار الموجودة بالضيعة ،مما جعلها غير صالحة اللستعمال
ومضرة بصحة اإلنسان و الحيوان والدواجن ،وبالتالي فالتعويض الذي قضت به
كان جزئيا فقط ينصب على الجزء غير المستغل من العقار دون الجزء الثاني منه,
فجاء قرارها مبنيا على أساس وغير متناقض في تعليالته.
/2القــرار عـدد 1827 :
المؤرخ فـي 9/12/2010 :
ملف تجاري عــــدد 611/3/1/2010 :
التدبير المفوض للنفايات السائلة -تصريف مياه التطهير -تأثير
التسربات -مسؤولية شركة.
إن تقرير المختبر الرسمي اثبت أن التلوث االلحق بالعقار وبالبئر الموجودة به كان
نتيجة تسرب مياه ملوثة وغائطية من محطة الضخ التي تشرف شركة )ريضال( على
تدبيرها إضافة إلى تقرير الخبير المتضمن وجود فوهة في الخزان كلما وصل مستوى
مخزون المياه العادمة إلى هذه الفوهة يتدفق في القناة السطحية )مجرى مياه
األمطار( ويمر المجرى بمحاذاة العقار ونتيجة لقرب البئر المتواجد بالعقار من مجرى
المياه فان ماءه عكر تفوح منه رائحة المياه العادمة والتلوث ظاهر لمجرد الرؤية
بالعين المجردة .وهو ما ثبت منه للمحكمة حصول الضرر بسبب المياه العادمة التي
تتدفق عبر مجرى مياه األمطار بفعل الشركة دون غيرها وبذلك لم يكن هناك ما
يدعوها الستدعاء شركة » السامير« أو األمر بإجراء خبرة مضادة طالما أغنتها الخبرة
المعتمدة التي أحاطت بالجانب الفني للنزاع عن هذا اإلجراء ،وهو ما جعل القرار غير
خارق ألي حق من حقوق الدفاع ومعالل بما يكفي.رفض الطلب، .
-قرارت منشورة بالعرض المقدم في مؤتمر االمم المتحدة لتغير المناخ ،االمن البيئي من خالل العما القضائي لمحكمة
النقض –مضار الجوار ذات الصلة بالبيئة.
االلكتروني - 30كريم هيباوي ،المسؤولية المدنية في المجال البيئي ،مقال منشور على الموقع
www.maroclaw.comتاريخ االطالع 2020/11/27علس الساعة . 17:55
- 31ينص الفصل االول من ق م م على ما يلي << :ال يصح التقاضي إال ممن له الصفة ،واْلهلية ،والمصلحة ،إلثبات
حقوقه.
21
أوال :شرط االهلية
تعرف االهلية قانونا بانها تلك القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات ،ويميز
المشرع بين نوعين من االهلية .النوع االول يسمى اهلية الوجوب هي التي تمكن الشخص
الذي يتوفر عليها من اكتساب كافة الحقوق التي يكفلها القانون ،اما النوع الثاني المسمى اهلية
االداء فهي التي تسمح لمن يتوفر عليها بممارسة كافة الحقوق التي يتمتع بها ، 32وهذه االخيرة
هي موضوع دراستنا ويجب ان تتوفر في كل من المدعي و المدعى عليه.33
غير ان االشكال الذي يطرح بخصوص شرط االهلية ،وهو هل من حق الجار ناقص االهلية
الذي اصابه ضرر من ضرر من جراء تصرفات جاره أن يباشر دعوى رفع مضار الجوار
لوحده دون ولي او مقدم أو وصي ،فان كان الشخص كامل األهلية فهو يستطيع ان يباشر
ويتقاضى بنفسه غير أن المشرع منع هذا الحق على القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد ,لكن
قد يدق األمر أحيانا ويكون من الصعب تعيين النائب الشرعي وخصوصا في الحالة
االستعجالية ففي هذه الحالة يتم اللجوء الى قاضي شؤون القاصرين قصد تعيين من يقوم
بالتقاضي نيابة عن القاصر .و هناك أيضا تصور ثان لهذا اإلشكال فإذا كانت الدعوى تعتبر
تصرفا قانونيا في إطار الفصل 11من قانون التزامات والعقود طالما إنها من األعمال التي
يحددها القانون صراحة ويحدد كيفيه مباشرتها فانه في إطار المادة 225من مدونة 27األسرة
التي تميز في تصرفات الصغير المميز بين التصرفات التي تكون نافذة في حقه و هي تلك
التي تجلب له نفعا محضا وتلك التي ال تكون نافذة في حقه وهي التي تجلب له ضررا محضا
وتلك التي تكون دائرة بين الضرر والنفع فهي تتوقف على إجازة نائبه الشرعي وهو قاضي
شؤون القاصرين في هذه الحالة طالما أنه ليس هناك أي نائب شرعي مقتضيات المادة 265
من مدونة األسرة.34
ثانيا :الصفة
الصفة هي العنصر الرابط بين ما بين طرفي الدعوى والنزاع المعروض على المحكمة
،فهي تلك الرابطة التى تخول للمدعي الحق في في الولوج الى القضاء ،وهو شرط الزم لكل
من المدعي 35والمدعى عليه.
يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو اْلهلية أو المصلحة أو اإلذن بالتقاضي إن كان ضروريا وينذر الطرف بتصحيح
المسطرة داخل أجل يحدده.
إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة .وإال صرح القاضي بعدم قبول الدعوى.>> .
- 32جواد امهمول ،المسطرة المدنية ،مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء -ط 22018 1ص.51
- 33قرار محكمة النقض عدد 822ب 1994/02/ 23منشور في مجلة قضاء المجلس االعلى عدد ، 47اشار اليه جواد
امهمول م س ص . 51
- 34دعوى رفع مضار الجوار غير المألوفة في ضوء مدونة الحقوق العينية والعمل القضائي ،عبد العالي ايت الحاج
ياسين نادم ،مقال منشور بالمجلة المغربية للدراسات واالستشارات القانونية عدد 2016ص . 181
- 35في حالة ان توفي المتضرر من مضار الجوار فان الصفة في رفع الدعوى تنتقل لورثته ،وهو ما اكده قرار لمحكمة
النقض إذ جاء فيه ما يلي ":تقديم طلب النقض بصفة ورقة يقتضي اثبات الصفة االراثية ،وذلك باالدالء باراثة الهاك
22
وبالرجوع إلى العديد من القرارات القضائية نجد القضاء المغربي كان مرنا فيما يتعلق
بالصفة والمصلحة كون الضرر البيئي يصيب مجموعة من العناصر البيئية المشتركة وهذا
الضرر يلحق المجتمع ككل وليس فردا معينا .36
ثالثا :المصلحة
تعرف المصلحة عامة انها ذلك الربح او الكسب الذي يسعى المدعي الى تحقيقه وهو بصدد
اقامة هاته الدعوى ،37ويشترط لصحة المصلحة ان تكون مصلحة شخصية 38ومشروعة
وقانونية وان تكون قائمة وحالة .
ويعتبر شرط المصلحة اهم الشروط لرفع الدعوى ال سيما مع الخصوصيات التي تكتسيها
الدعاوى البيئية ،وخاصة نذرة أحكام وقرارات القضاء المغربي في المجال البيئي ،فالحل
هو االستعانة بما جرى به العمل في القضاء المقارن ال سيما في األضرار اإليكولوجية لذلك
نجد القضاء الفرنسي يؤكد على انه ال يمكن ممارسة أي دعوى بدون مصلحة الشيء نفسه
في المجال البيئي وقياسا على ذلك ال يمكن أن تقبل دعوی شخص عابر أو سائح ألنه ال
يستطيع إثبات استعمال قانونی ثابث وقد أكد القضاء الفرنسي أن المصلحة الالحقة وقد أيدت
محكمة النقض الفرنسية رفض محكمة اإلستئناف في وجود مصلحة شخصية في دعوى تقدم
بها أحد الصيادين ورفع الدعوى باسمه خاص وبالرغم من إنتمائه بصفة قانونية إلى جمعية
الصيد بسبب أن لم يستطع وجود ضرر شخصي بالرغم من أنه عضو في الجمعية وهذا من
أجل إستبعاد المصالح المبهمة و المشكوك فيها .لكن إذا تم تطبيق هذا الشرط بعذا الصارمة
فكيف يمكن حماية األضرار اإليكولوجية الغير المملوكة ألحد.
ونشير كذلك انه يمكن للجمعيات والنقابات 39ممارسة الدعاوى المتعلقة بمضار الجوار
عموما و الدعاوى البيئية على وجه الخصوص ونجد القضاء المغربي سلك نفس التوجه
إعترف بالمصلحة في التقاضي لفائدة جميع الجمعيات ذات المنفعة العامة وهذا ما أكدته
محكمة النقض 40المغربية وقضت الجمعية أفق للمحافظة على البيئة بحقها في المطالبة
بالتعويض عن األضرار الجماعية التي أنشئت من أجل الدفاع عنها .وفي قرار اخر إعترفت
إلحدى الوداديات السكنية بالحق في التقاضي للدفاع عنها بشأن األضرار البيئية التي لحقت
بها .لكن بالرجوع إلى بعض القرارات األخرى المحكمة النقض نجدها ضد هذا التوجه
باعتبارها تدافع عن مصالح فردية وليست مصالح جماعية حيث جاء في أحد قراراتها ال
يمكن للجمعية المدنية ولو كانت تتمتع بصفة المنفعة العامة إقامة الدعوى العمومية نيابة عن
الذي توفي خالل مرحلة التقاضي " ،قرار محكمة النقض عدد 7بتاريخ 2012/1/3منشور بمجلة القضاء المدني
عدد 11اشار اليه جواد امهمول م س ص. 50
36كريم هيباوي م س .
- 37جواد امهمول م س ص . 48
- 38ان تكون المصلحة قائمة عل حق يطالب به رافع الدعوى.
- 39وهي من الحاالت التي اجاز فيه المشرع ان تقام الدعوى بناء على على المصلحة غير المباشرة
- 40قرار محكمة النقض عدد 5/193باتاريخ 2014/04/08ملف مدني عدد 2013/5/1/4100اشار اليه كريم هيباوي
مس.
23
الغير و إنما يمكنها فقط أن تنصي طرفا مدنيا إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية .وللحسم
في هذه المسألة فإن للجمعيات فنجد الجواب في المادة 7قانون المسطرة الجنائية يمكن
للجمعيات المعلن عنها ذات المنفعة العامة أن تنتصب طرفا مدنيا ؛ إذا كانت قد تأسست بصفة
قانونية منذ أربع سنوات على األقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي ؛ وذلك في حالة إقامة الدعوى
العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال إهتمامها
المنصوص عليها في القانون األساسي ومن تم يكون المشرع المغربي قد أكد حق الجمعيات
البيئية بالشروط أعاله في اللجوء إلى القضاء الجنائي للمطالبة بالتعويض وبمفهوم المخالفة
أن المشرع المغربي لم يعط لجمعيات حماية البيئة الحق في المطالبة بالتعويض عن األضرار
البيئية أمام القضاء المدني .41
األصـــل أن حـــق الملكيـــة يمـــنح صـــاحبه كافـــة الســـلطات المتصـــورة عقـــال علـــى
الشــــيء محــــل الحــــق ،فلــــه أن يســــتعمله أو يســــتغله أو يتصــــرف فيــــه كمــــا يشــــاء
لكــــن هــــده الســــلطات ادا اســــتعملت مــــن طــــرف المالــــك بشــــكل يلحــــق ضــــررا
فاحشـــــا أو ضـــــرر غيـــــر مـــــألوف وتحققـــــت أركـــــان المســـــؤولية والتـــــي تمـــــت
اإلشـــارة اليهـــا اعـــاله اصـــبح انـــذاك ملحـــق الضـــرر مســـؤوال عمـــا احدتـــه وملتـــزم
بــــالتعويض عــــن المضــــار وهــــو مــــا نجــــد ان المشــــرع المغربــــي تــــدخل بشــــكل
ايجــــابي مــــن خــــالل ســــن العديــــد مــــن النصــــوص القانونيــــة المتعلقــــة مــــن جهــــة
بحمايــــة استصــــالح البيئــــة 42وتــــدبير العناصــــر الطبيعيــــة 43مــــن خــــالل وضــــع
اطـــار قـــانوني عـــام يـــنظم مـــن جهـــة اخـــرى المســـؤولية المدنيـــة وذلـــك مـــن خـــالل
عـــــدة مجـــــاالت كاالنشـــــطة النوويـــــة (قـــــانون رقـــــم )12.02واســـــتغالل المقـــــالع
(قــــانون رقــــم )08.01وتــــدبير النفايــــات والتــــي يمكــــن أن تترتــــب عنهــــا أضــــرار
بالنسبة لسكينة الجوار والبيئة.44
ومـــن هـــذا المنطلـــق أصـــبحت البيئـــة محميـــة بحكـــم القـــانون ،ومـــن تـــم فـــإن كـــل
نشــــاط يســـــبب ضـــــررا بيئيــــا ،اصـــــبح معـــــه باإلمكــــان اللجـــــوء الـــــى القضـــــاء
24
للمطالبــــة بــــالتعويض عنــــه اال ان هــــذا األخيــــر قــــد نجــــد محدوديتــــه اي صــــعوبة
التــــي تواجهــــه ادا ماتعــــارض مــــع المصــــالح اإلقتصــــادية واإلجتماعيــــة وهــــو مــــا
ســــيتم التفصــــيل فيــــه فـــي ( الفقــــرة األولــــى ) علــــى أن يــــتم الحــــديث عــــن اليــــات
الحماية ودورها في اإلسهام إلصالح الضرر وذلك في (الفقرة الثانية )
45نور الدين يوسفي "ا لتعويض العيني عن ضرر التلوت البيئي فلسفة التعويض في التشريع الجزائري "الملتقى الدولي حول النظام القانوني
لحماية البيئة في ظل القانون الدولي والتشريع الجزائري يومي , 09,10ديسمبر 2013كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة قالمة ،ص02
25
المضـــرورة قبـــل حـــدوث التلـــوت ،بحيـــت يهـــدف الـــى محاولـــة وضـــع المضـــرور
في مركز معادل لما كان عليه قبل حدوث الضرر .
ب) التطبيقات القضائية بشأن التعويض
يتضــــح لنــــا أن لقاضــــي الموضــــوع فــــي مجــــال التعويضــــات كامــــل الســــلطة و ال
رقابـــة عليـــه مـــن طـــرف محكمـــة الـــنقض أنـــه يمكـــن مـــن محكمـــة الـــنقض شـــريطة
تعليـــل الحكـــم تعلـــيال كافيـــا وســـليما مـــن الناحيـــة الواقعيـــة والقانونيـــة فالقاضـــي لـــه
الحـــق فـــي فـــرض غرامـــة تهديديـــة باعتبارهـــا وســـيلة مـــن وســـائل اإلجبـــار علـــى
التنفيذ،
وهـــو مـــا نجـــد مـــا ســـارت عليـــه محكمـــة بـــاريس حيـــث قضـــت بغرامـــة تهديديـــة
قـــدرها مـــائتي فرانـــك فرنســـي عـــن كـــل يـــوم تـــأخير عـــن عـــدم هـــدم جـــزء مـــن
الحـــائط مصـــدر الضـــرر فـــي العقـــار الـــذي يمنـــع عـــن المتضـــرر أشـــعة الشـــمس
وهــــو نفــــس التوجــــه الــــذي ســــار عليــــه القضــــاء المغربــــي بحيــــث نجــــد المحكمــــة
االبتدائيــــة بســــال قضــــت بــــإغالق معمــــل الفلــــين الكــــائن مقــــره بتابريكــــت ســــال
باإلضــــافة الــــى ذلــــك نجــــد محكمــــة اإلســــتئناف بالحســــيمة قضــــت بإزالــــة آالت
النجـــارة التـــي تشـــتغل بالتيـــار الكهربـــائي العـــالي القـــوة مـــن المحـــالت التجاريـــة
الخاصـــة بالنجـــارة بـــدال مـــن إغـــالق المحـــل وأيـــدت هيئـــة قضـــائية هـــذا التوجـــه
اال ان محكمــــة الــــنقض قامــــت برفــــع الضــــرر البيئــــي واغــــالق محــــل النجــــارة
وذلك تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 100درهم عن كل يوم تأخير.46
كـــــم نجـــــد محكمـــــة الـــــنقض (ملـــــف تجـــــاري) عـــــدد 148بتـــــاريخ 2011/1/27
غيــــر منشــــور ي … .و حيــــث ان المحكمــــة التجاريــــة لمــــا ثبــــت لهــــا ان التحاليــــل
المخبريـــة اكـــدت ان ميـــاه بئـــر المـــدعي ملوثـــة و تضـــم بكتريـــا غائطيـــة و لـــم تعـــد
صــــالحة للشــــرب ،و ان التربــــة و االغــــراس تضــــررت بســــبب تلــــوث بكتــــري
،و الكــــل راجــــع لقيــــام شــــركة لريضــــالي بتصــــريف الميــــاه العادمــــة بمحــــاذاة
عقـــاره ،التـــي فـــي حالـــة ضـــخ كميـــة مهمـــة او تســـاقط االمطـــار فـــان تلـــك الميـــاه
تطفــــو علــــى الســــطح و تغمــــر واجهــــة المنــــزل و البئــــر فتكــــون (المحكمــــة) قــــد
قــــررت مســــؤولية الشــــركة عمــــا لحــــق بالمــــدعي مــــن اضــــرار بشــــكل يقينــــين
اســـتنادا لتحاليـــل مخبريـــة اثبتـــت تســـرب الميـــاه الملوثـــة للعقـــار موضـــوع النـــزاع
و محيطــــه اعتمــــادا منهــــا علــــى حقيقــــة ارتفــــاع منســــوب الميــــاه بســــقوط االمطــــار
،و علــــى كــــون ضــــخ الميــــاه العادمــــة قــــد يرتفــــع او يقــــل حســــب االحــــوال ،و
بــــدلك جــــاء قرارهــــا معلــــال بشــــكل ســــليم ممــــا يعنــــي رفــــض الطلــــب و تحميــــل
الطالبــــة الصــــائري.أما إذا كــــان التلــــوث الــــذي يشــــكو منــــه المتضــــرر راجعــــا إلــــى
مخالفــــة القــــوانين الجــــاري بهــــا العمــــل كعــــدم حصــــول المحــــل مصــــدر التلــــوث
46قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 2014/04/08تحت عدد 5/193ملف مدني القسم الخامس عدد 2013/5/1/4100غير منشور
26
علـــى رخصـــة إداريـــة .فـــإن للقاضـــي بنـــاء علـــى طلـــب المتضـــرر ســـلطة مطلقـــة
فــــي رفــــع الضــــرر وإزالتــــه وتطبيقــــا لــــذلك قضــــت محكمــــة االســــتئناف بتــــاريخ
2013/01/07برفـــــع الضـــــرر وهـــــدم البراكةالقصـــــديرية التـــــي تنبعـــــث منهـــــا
روائــــح كريهــــة ألحقــــت ضــــررا بيئيــــا بــــالغير ونفــــس الحكــــم قضــــت بــــه محكمــــة
الـــــنقض الفرنســـــية حينمـــــا قضـــــت بإزالـــــة حضـــــيرة كبيـــــرة مخصصـــــة لتربيــــة
الطيــــور ألنهــــا تنبعــــث منهــــا روائــــح كريهــــة ألحقــــت ضــــررا بــــالجوار وتــــم
إنشــــاؤها دون تــــرخيص إداري .ومــــن تــــم إذا كــــان للقضــــاء كامــــل الســــلطة فــــي
الحكـــم بإزالـــة إغـــالق المنشـــأة فـــإن الفقـــه يـــرى العكـــس بأنـــه ال يجـــوز للقاضـــي
قطــــع مضــــار التلــــوث كليــــا إعمــــاال للقاعــــدة الفقهيــــة لالضــــرر األشــــد يــــزال
بالضــــرر األخــــفي وأيدتــــه فــــي ذلــــك محكمــــة الــــنقض الفرنســــية حينمــــا كــــان
المتضــــرر يشــــكو مــــن الجــــار نتيجــــة حرمانــــه مــــن الشــــمس بســــبب قيــــام جــــاره
ببنـــاء عمـــارة عاليـــة االرتفـــاع ومـــن تـــم كـــان مـــن الصـــعب علـــى القاضـــي الحكـــم
بهــــدم هــــذه العمــــارة ألنــــه يعــــد أمــــرا مســــتحيال نتيجــــة األضــــرار الجســــيمة التــــي
تصـــيب مالـــك ا لعمـــارة ومـــن ثـــم عمـــل القاضـــي الحكـــم بهـــدم جـــزء مـــن العمـــارة
فقط.بــــل أكثــــر مــــن ذلــــك الدولــــة بــــدورها أصــــبحت تســــأل بــــدورها وهــــو مــــا
يستشــــــف مــــــن خــــــالل القــــــرار اإلداري الصــــــادر بتــــــاريخ 2012/02/04أن
المحكمــــــة لماثبــــــت لهــــــا مــــــن عناصــــــر و معطيــــــات النــــــزاع ومــــــن تقريــــــر
الخبير،تحقــــــق قيــــــام مســــــؤولية اإلدارةعــــــن األضــــــرار التــــــي نتجــــــت عــــــن
الفيضـــانات مـــن خـــالل عـــدم أخـــذها بعـــين االعتبـــار جميـــع العوامـــل عنـــد إقامـــة
الحـــاجز و انشـــاء القنـــاة لتصـــريف الميـــاه ،و تبعـــا لـــذلك عـــدم اتخاذهـــا قبـــل ذلـــك
االحتياطـــات الالزمـــة مـــن أجـــل تفـــادي وقـــوع مثـــل هـــذه الحـــوادث بإعـــداد دراســـا
تتقنيــــة و هندســــية معمقــــة و ضــــعف تصــــريف الميــــاه المتجمعــــة و عــــدم قــــدرة
القنـــاة الملبســـة بالخرســـانة علـــى ذلـــك ،و كـــذا قـــوة عامـــل المـــد البحـــري الـــذي قـــد
يحـــد مـــن ســـرعة التصـــريف و يقـــف حـــاجزا أمامـــه ،وقضـــت بـــالتعويض لفائـــدة
الشـــركة المتضـــررة ،فإنهـــا تكـــون قـــد عللـــت قرارهـــا تعلـــيال ســـليما و ســـائغا ولـــم
تتـــبن مـــن خاللـــه تعليـــل حكـــم المحكمـــة اإلداريـــة بهـــذا الخصـــوص وإنمـــا أسســـت
قضـــاءها علـــى علـــة جديـــدة،فكان بـــذلك مـــا تمســـك بـــه الطـــرف الطـــاعن مـــن فســـاد
تعليـــل الحكـــم المســـتأنف وتحريـــف للوقـــائع مـــن طـــرف المحكمـــة التـــي أصـــدرته
ورد المحكمــــة التــــي أصــــدرت القــــرار المطعــــون فيــــه علــــى مــــا أثيــــر بخصــــوص
هـــدو نـــأثر علـــى مـــا عللـــت بـــه هـــذه األخيـــرة قرارهـــا بخصـــوص ثبـــوت مســـؤولية
الدولة عن األضرار الالحقة بالمطلوبة في النقض.
ثانيا :محدودية التعويض الناتج عن الضرر البيئي
يبقـــى التعـــويض مـــن األمـــور الصـــعبة بـــدءا مـــن صـــعوبة فـــي تقـــدير التعـــويض
والــــذي نجــــده امــــا أن يكــــون تقــــدير موحــــد للضــــرر البيئــــي يقــــوم عــــل أساســــس
27
تكـــاليف اإلحـــالل للثـــروة الطبيعيـــة التـــي تلوتـــت أو اثلفـــت وفـــي الغالـــب يصـــعب
تقدير قيمته الثروات الطبيعيةباإلضافة الى ذلك
نجـــد التقـــدير الجزافـــي للضـــرر البيئـــي الـــذي ينبنـــي علـــى نظـــام جـــداول يفضـــل
اتباعــــه بحيــــث تــــتم هــــذه الطريقــــة علــــى اعــــداد جــــداول قانونيــــة تحــــدد قيمــــة
مشــــتركة للعناصــــر الطبيعيــــة يــــتم احتســــابها وفقــــا لمعطيــــات علميــــة يقــــوم بهــــا
متخصصين في المجال البيئي
هــــذا بالنســــبة لتقــــدير التعــــويض أمــــا بالنســــبة لصــــعوبة التعــــويض فــــي حالــــة
تعارضــــها مــــع مصــــالح اإلقتصــــادية واإلجتماعيــــة وهــــو مــــا ســــيتم تقســــيمه الــــى
صــــــعوبة التعــــــويض العينــــــي اذا كــــــان مقابــــــل مــــــع المصــــــلحة اإلقتصــــــادية
واالجتماعية
)أ) علـــــى أن ننـــــاقش محدوديـــــة التعـــــويض النقـــــدي اذا كـــــان متعـــــارض مـــــع
المصالح اإلقتصادية واإلجتماعية (ب
47محمد العواد المسؤولية المدنية عن اْلضرار البيئية أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص -اكدال -السنة الجامعية 2017ص165
48المادة 63من قانون 11.03التي تنص على ما يلي:
مسووال ،دون الحاجة إلى إثبات خطا ٔ ما ،كل شخص مادي أو معنوي يخزن أوينقل أو يستعمل محروقات أو مواد مضرة وخطيرة ،وكذا
ٔ "يعتبر
كل مستغل لمنشا ٔة مصنفة كما يحددها النص التطبيقي لهذا القانون ،تسببت في إلحاق ضرر جسدي أو مادي له عالقةمباشرة أو غير مباشرة
بممارسة اْلنشطة المشار إليها أعاله".
29
لإلجابـــة عـــن هـــذه اإلشـــكالية يمكـــن الرجـــوع إلـــى القضـــاء الفرنســـي بحيـــث نجـــده
ألول مــــرة تــــم الحكــــم بــــالتعويض بخصــــوص األضــــرار اإليكولوجيــــة مــــن خــــالل
القضـــــية الشـــــهيرة لإريكـــــاي 49التـــــي تســـــببت ناقلـــــة الـــــنفط إريكـــــا 12ســـــبتمبر
1999فـــي تلـــوث بحـــري و تعـــد قضـــية إريكـــا مـــن أعظـــم الكـــوارث البيئيـــة التـــي
حــــــدثت فــــــي فرنســــــا وفــــــي 30مــــــارس ، 2010أكــــــدت محكمــــــة بــــــاريس
االســـــــتئنافية قناعاتهـــــــابتلوث مجموعـــــــة توتـــــــال وفـــــــي 25ســـــــبتمبر 2012
،صــــــدقت محكمــــــةالنقض،في حكمهــــــا،على إدانــــــة جنائيــــــة لجرحــــــى التلــــــوث
البحــــري مــــن توتــــال الــــذي تلقــــى الغرامــــة القصــــوى 375000يــــورو 50.ويبقــــى
التضـــامن مـــن بـــين الحلـــول التـــي يـــتم اللجـــوء لهـــا مـــن طـــرف القضـــاء فـــي حالـــة
تعدد المتسببين في إحداث الضرر
الفقرة الثانية :تطور الضمان المالي لإلسهام في اصالح الضرر البيئي.
المالحـــظ فـــي الوقــــت الحـــالي أن معظــــم األنظمـــة الحديثـــة تتطلــــب وجـــود تــــأمين
أو أي ضــــمان مــــالي آخــــر لضــــمان تعــــويض األضــــرار البيئيــــة فوفقــــا اتفاقيــــة
لوجـــا نو فـــإن وجـــود الضـــمان المـــالي شـــرط إجبـــاري مـــع تـــرك تحديـــد شـــكل هـــذا
الضـــــمان للقـــــوانين الداخليـــــة للـــــدول أعضـــــاء االتفاقيـــــة ولضـــــمان تعـــــويض
المضــــرورين فــــإن هــــذا الضــــمان يأخــــذ صــــورة عقــــد تــــأمين أو وجــــود صــــناديق
التعويضــــــات .وإذا أخــــــذنا فــــــي االعتبــــــار أن التــــــأمين المتعلــــــق باألنشــــــطة
الصـــناعية البريـــة هـــو تـــأمين إجبـــاري فـــإن التســـاؤل حـــول إمكانيـــة وجـــود تـــأمين
إجبــــاري يســــتحق البحــــث غيــــر انــــه فــــي بعــــض األحيــــان فــــإن الضــــمان المــــالي
المقــــدم بواســــطة المتســــبب فــــي الضــــرر يكــــون غيــــر كــــافي لتغطيــــة األضــــرار
وفـــي أحيـــان أخـــرى قـــد يصـــعب تحديـــد مســـؤول بعينـــه عـــن هـــذه األضـــرار أو قـــد
يكـــون مســـؤوال وتتـــوافر أحـــد أســـباب إعفـــاء مـــن المســـؤولية .فـــي هـــذه الحـــاالت
فـــــإن إنشاءصـــــندوق يكـــــون الوســـــيلة المناســـــبة لتعـــــويض المضـــــرور هـــــذا مـــــا
ســـــنحاول مناقشـــــته فـــــي (أوال ) علـــــى ان يـــــتم الحـــــديث (ثانيـــــا ) عـــــن وجـــــوب
اعتماد نظام خاص يحدد آليات التعويض في المجال البيئي .
أوال :التأمين وصندوق التعويضات كالية إلصالح الضرر
أ)التأمين كآلية إلصالح الضرر
49كريم هيباوي مقال تحت عنوان المسؤولية المدنية في المجال البيئي على الموقعmaroclaw.com
50الفصل 99من قانون اإللتزامات و العقود والدي ينص على ما يلي:
إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين عملوا متواطئين ،كان كل منهم مسؤوال بالتضامن عن النتائج ،دون تمييز بين من كان منهم محرضا أو
شريكا أو فاعال أصليا.
يطبق الحكم المقرر في الفصل ، 99إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله اْلصلي ،من بينهم ،أو تعذر تحديد النسبة التي ساهموا
بها في الضر
30
للتــــأمين أهميــــة نفســــية تتمثــــل فــــي األمــــان وازالــــة الخــــوف ،وتعــــد المســــؤولية
البيئيـــة مـــن أكثـــر التطبيقـــات النمودجيـــة الســـتخدام فكـــرة التـــأمين الوجـــوبي للحـــد
مــــن أضــــرار التلــــوت وتغطيــــة المســــؤولية الناتجــــة عنهــــا ولقــــد اضــــحت اليــــوم
األضـــرار البيئيـــة اكثـــر خطـــورة مـــن دي قبـــل ولـــم تعـــد األضـــرار الناجمـــة عـــن
األدخنــــة المنبعثــــة مــــن المصــــانع تمــــس األجــــوار فقــــط بــــل أصــــبحت تشــــكل
ضــــررا للمتســــاكنين يبعــــدون بعشــــرات الكيلــــومترات وازاء هــــذا الوضــــع فإنــــه
مــــن الضـــــروري الـــــزام الشـــــركات والمصــــانع الملوتـــــة لبيئـــــة أو التـــــي تشـــــكل
تهديـــدا بيئيـــا بالتـــأمين عـــن أنشـــطتها المضـــرة بالبيئـــة أو التـــي تشـــكل تهديـــدا بيئيـــا
بالتـــامين عـــن انشـــطتها المضـــرة بالبيئـــة بشـــكل يســـمح بـــالتعويض عـــن أضـــرار
التي تسببت فيها .
ويمكــــن القــــول أن فــــرض التــــأمين اإلجبــــاري علــــى األنشــــطة الملوتــــة أو التــــي
تشـــكل خطـــرا محـــتمال لتلويـــت البيئـــة يحقـــق عديـــد مـــن المزايـــا مـــن ذلـــك توزيـــع
أخطـــــار التلـــــوت علـــــى أصـــــحاب المشـــــاريع الصـــــناعية الملوثـــــة بـــــدال مـــــن أن
يتحملهـــا مشـــروع واحـــد بمـــا ال يثقـــل كاهـــل المـــؤمن لـــه مـــن جهـــة ،ومـــن جهـــة
أخــــرى تفــــرض شــــركات التــــأمين علــــى مصــــانع الملوتــــة للبيئــــة تــــدابير وقائيــــة
للحيلولــــة دون انتشــــار التلــــوت وللوقايــــة منــــه والعمــــل علــــى معالجــــة التلــــوت
حدودثه
وتنبغــــي اإلشــــارة أنــــه عنــــد الحــــديث عــــن المســــؤولية البيئيــــة ينبغــــي ربطهــــا
بالمســـــؤولية النوويـــــة و بـــــالرجوع إلـــــى 51المـــــادة 22القـــــانون 12.02المتعلـــــق
بالمســـؤولية المدنيـــة عـــن الضـــرر النـــووي نجـــد المشـــرع حـــدد ســـقف التعـــويض
فـــي مائـــة مليـــون وفـــي حالـــة عـــدم كفايـــة مبلـــغ التـــأمين والضـــمانة الماليـــة للجهـــة
المســـتغلة تقـــوم الدولـــة بـــأداء البـــاقي ولكـــن فـــي حـــدود دائمـــا مائـــة مليـــون ولكـــن
إذا كـــان الضـــرر أكثـــر مـــن مائـــة مليـــون مـــن ســـيتحمل المبلـــغ المتبقـــي ؟ وهـــو
ما سيتم الحديث عنه في العنوان الموالي .
ب)صندوق التعويضات كالية إلصالح الضرر
فكــــرة إنشــــاء صـــــناديق التعويضــــات كانــــت بهـــــدف تعــــويض المضــــرور فـــــي
الحالــــة التــــي ال يســــتطيع فيهــــا شــــركات التــــأمين التعــــويض الكــــل او ال يعــــوض
31
فيهـــــا بوســـــيلة أخـــــرى المضـــــرور باإلضـــــافة لكونهـــــا تهـــــدف إلـــــى توزيـــــع
المخــــاطر الصــــناعية علــــى مجمــــوع الممارســــين لألنشــــطة التــــي يمكــــن أن تكــــون
سبب لهذه المخاطر .52
هــــذه الصــــناديق ال تتــــدخل إال بصــــفة تكميليــــة أو احتياطيــــة لكــــل مــــن نظــــامي
المســـؤولية المدنيـــة وهـــو مـــا عمـــل عليـــه المشـــرع المغربـــي بـــدوره مـــن خـــالل
المـــــادة 60مـــــن قـــــانون .5311.03وبـــــالعودة إلـــــى مدونـــــة التأمينـــــات نجـــــدها
تتجاهــــل تــــأمين األخطــــار اإليكولوجيــــة باعتبارهــــا مــــن الصــــعوبة علــــى شــــركات
التــــأمين قيــــاس الضــــرر اإليكولــــوجي كمــــا أن التعــــويض غالبــــا مــــايكون بــــاهض
مما قد يؤدي إلى عجز شركات التأمين عن التعويض .
وبالتــــالي فــــإن الحــــاالت التــــي يمكــــن إنشــــاء صــــناديق تعويضــــات دون وجــــود
نظام تأمين إجباري فإن هذه الصناديق تصبح ملتزمة بتعويض
كل أضرار التلوث غير المؤمن منها.
ثانيــــا:وجوب اعتمــــاد علــــى نظــــام خــــاص يحــــدد اليــــات التعــــويض فــــي
المجال البيئي
نجد معظم التشريعات المعاصرة أضحت واعية بخطورة األضرار
البيئيـــــة وبضـــــرورة أفـــــراد المســـــؤولية البيئيـــــة بنصـــــوص قانونيـــــة خاصـــــة ،
ويتعـــين علـــى الـــدول التـــي لـــم تنخـــرط فـــي هـــذه المنظومـــة افـــراد المجـــال البيئـــي
بنصوص قانونية خاصة تحمي البيئة وتحول دون تلويتها.
فخصوصــــية الضــــرر البيئــــي تســــتدعي اعتمــــاد مســــؤولية مــــن نــــوع خــــاص ،
بحيـــث نجـــد القـــانون الفرنســـي مـــؤخرا تطـــورا فـــي مجـــال المســـؤولية البيئيـــة مـــن
خـــــالل صـــــدور قـــــانون اســـــتعادة التنـــــوع البيولـــــوجي ،والطبيعـــــة والمنـــــاظر
54
الطبيعية المؤرخ في 08/08/2016
ويهــــدف هــــذا القــــانون المتكــــون مــــن 174فصــــال الــــى حمايــــة التنــــوع البيولــــوجي
والمحافظـــة علـــى البيئـــة ،وقـــد ادرج هـــذا القـــانون فـــي المجلـــة المدنيـــة الفرنســـية
فصال جديدا يحمل عنوان التعويض عن الضرر البيئي
وتكمــــن اهميــــة هــــذا التنقــــيح فــــي اقــــراره لمبــــدأ عــــام للمســــؤولية عــــن الضــــرر
ا لبيئــــي اضــــافة الــــى فــــتح بـــــاب التقاضــــي للمؤسســــات العموميــــة والجمعيـــــات
52كريم هيباوي م س
53المادة 60من قانون 11.03
الدي ينص على ما يلي :
" ينشأ صندوق وطني خاص بحماية واستصالح البيئة .ويحدد بموجب نص تطبيقي اإلطار القانوني لهذا الصندوق ومهامه وموارده ونفقاته".
54
la loi pour la reconquête de la biodiversité,de la nature et des paysages
32
المعتـــرف بهـــا والتـــي تكونـــت منـــد خمـــس ســـنوات علـــى األقـــل مـــن تـــاريخ رفعهـــا
للــــدعوى القضــــائية الراميــــة لحمايــــة البيئــــة بالتقاضــــي مــــن أجــــل التعــــويض عــــن
الضرر البيئي .
33
خاتمة :
تناول هذا العرض ،موضوع نظرية مضار الجوار -مبدأ الحيطة -في ضوء
نصوص التقنين المدني ومدونة الحقوق العينية وآراء الفقه وأحكام القضاء.
ولقد تم محاولة الوقوف على أهم ما أثاره البحث من إشكاالت قانونية تتمحور بصفة رئيسية
في جانبين رئيسيين ،يتعلق الجا نب األول باالطار القانوني لنظرية مضار الجوار ال سيما
غير المألوفة وكذلك الناتجة عن األضرار البيئية ،أما الجانب الثاني فيتمثل في شروط تقديم
المسؤولية الناتجة عن ضرر الجوار .وإذا كانت القاعدة أن كل من استعمل حقه استعماال
مشروعا ،ال يكون مسؤوال عما يترتب عن ذلك من ضرر ،فإنه يرد استثناء على هذه القاعدة
يتعلق بمضار الجوار ،حيث أن من شروط انعقاد المسؤولية المترتبة عن هذه المضار هو
مشروعية التصرف.
وبالتالي فإن مبدأ الحيطة ال يهدف الى إزالة االخطار التي يمكن تقديرها وإحصائها بل تهدف
الى إبعاد األخطار المفاجئة وغير المنتظرة والتي قد تؤدي الى حدوث أضرار للبيئة ،وتكون
غير قابلة لإلصالح ،فمفادها عدم االحتجاج باالفتقار الى اليقين العلمي ،كسبب لتأجيل اتخاد
تدابير احتياطية ،فعدم اليقين العلمي يميز مبدأ الحيطة عن مبدأ الوقاية .ورغم الدور المحوري
للوظيفة الوقائية لمبدأ الحيطة كآلية تقنية في ضبط مسار التطور العلمي ،إال أن ربط تطبيقه
بالقدرة االقتصادية للمؤسسات وللدول يشكل تقييد وتحديد لفعالية هذه اآللية الوقائية.
34
الفهرس :
35