You are on page 1of 57

‫●المصدر‪ :‬أخبار االدب‬

‫نصف حالة‪ :‬جماليات السرد الفانتازي‬


‫تتبدي مهارة القاصة الشابة إبتهال الشايب القصصية في قدرتها الفائقة في‬
‫تفعيل كل عناصر السرد ووضعها في إطار واحد يتحرك في إطار تصاعدي‬
‫للوصول إلي النهاية المحتومة‪ ،‬إن اللغة والفضاء ومحتوياته والشخصيات‬
‫بدخائلها وما يصدر عنها من أفعال كفيل أن يؤكد علي هارمونية عجيبة‬
‫تتضافر فيه المكونات في نسق فني متماسك‪.‬‬
‫في القصة الرائعة التي تحمل عنوان المجموعة القصصية ( نصف حالة)‬
‫الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية ‪2015‬؛ تخترق الكاتبة بشجاعة وبصيرة‬
‫عجيبة منطقة وسطي بين األنوثة والرجولة‪ ،‬وتعالج بأدوات فنية ولغوية‬
‫إشكالية شخصية تقف في البين بين من خالل حادث اغتصاب لطفولته‪،‬‬
‫تركت أثرها في نفسه وعقله وشخصيته‪ ،‬وألن الشخصية تمثل نصف‬
‫حالة‪ ،‬بداللة النصف علي عدم االكتمال‪ ،‬فإذا كانت الكينونة حالة شبه‬
‫مكتملة في إطار كل جنس‪ ،‬تتحقق في إطار اجتماعي وبيولوجي؛ إذا كان‬
‫ذلك كذلك فإن نصف الحالة هي كينونة متشظية أو مهترئة ال يتحقق لها‬
‫االكتمال‪ ،‬إن أفعال الشخصية وجنوحها الجنسي نحو النوع اآلخر ال يحتاج‬
‫إلي تبرير‪ ،‬إذ كل ما يصدر عنها من أفعال يحمل منطقه الخاص المبرر في‬
‫ذاته‪ ،‬ونالحظ علي قصة الشايب وغيرها من قصص المجموعة أن فاعلية‬
‫الداخل أكثر من فاعلية الخارج‪ ،‬الداخل بكل مكوناته العضوية والنفسية‬
‫والعقلية هو األكثر أهمية‪ ،‬وألنه داخلي باطني فهو أكثر عمقا من الفعل‬
‫الظاهري ألنه مفسر بذاته أو ألنه يفسر الفعل الخارجي الذي يحتاج إلي‬
‫تبرير‪ ،‬ولو عدنا‬
‫(‪ 2017‬غير كامل)‬

‫‪1‬‬
‫●المصدر‪ :‬أخبار االدب‬

‫أيهما يكسب نوبل ‪ :2017‬األديبات أم المراهنات؟‬


‫جمال المراغي‬

‫اضت جائزة نوبل في األدب رحلة طويلة تجاوزت الستة عشر عاما بعد‬
‫المئة األولي‪ ،‬ومرت خاللها بالعديد من المنعرجات الخطيرة التي يمكن أن‬
‫تعصف بها‪ ،‬وواجهت عشرات التحديات‪ ،‬وكان أصعبها ما تعلق بالتحيز‬
‫والعنصرية لفئات ضد أخري‪ ،‬والتي حاولت أن تتفاداها قدر المستطاع‪،‬‬
‫ومنها نبذ النساء رغم ظهور نابغات يستحققن الظفر بها‪.‬‬
‫علي الرغم من أن الجائزة لم وربما لن تتمكن من أن تساوي بين النساء‬
‫والرجال في نوبل إجماال‪ ،‬لكنها حاولت إرضاءهن مبكرا عندما منحت‬
‫جائزتها األدبية العاشرة في عامها التاسع للسويدية »سلمي الجرلوف»‪،‬‬
‫التي سبقت كل أبناء بالدها ـ رجاال ونساء ـ في ذلك‪ ،‬وكان عمرها ‪51‬‬
‫عاما فقط‪ ،‬ثم كانت الثانية بعد سبعة عشر عاما‪ ،‬وذهبت لإليطالية‬
‫»جراتسيا ديليدا» عام ‪ ،1926‬وهكذا أخذت نوبل تتذكر النساء ما بين‬
‫فترة وأخري حتي كان عام ‪. 2013‬‬
‫بعد فوز الكندية »أليس مونرو» بالجائزة المئة وعشرة وكانت الثالثة‬
‫عشرة من النساء؛ أشيع أن األكاديمية السويدية التي تدير جائزة نوبل‬
‫لألدب ستمنحها للنساء والرجال بالتبادل عاما بعد اآلخر بداية من مونرو‪،‬‬
‫وقوبل هذه التوجه غير المؤكد بشد وجذب كبيرين بين مؤيد ومعارض‪،‬‬
‫وصمتت األكاديمية ولم تعلق‪ ،‬وراوغ أعضاء لجنة نوبل؛ فلم يؤكد أو ينفي‬
‫أي منهم‪ ،‬وإن بات األمر شبه مرجح بعد فوز الفرنسي »باتريك موديانو»‬
‫بالجائزة التالية ثم البيالروسية »سفيتالنا أليكسييفيتش» فاألمريكي »بوب‬
‫ديالن»‪ ،‬أي امرأة ثم رجل فامرأة ثم رجل ‪.‬‬
‫ويتأكد هذا التوجه إذا ما ذهبت نوبل ‪ 2017‬المرأة‪ ،‬ووفق هذه الفرضية‪،‬‬
‫فإن وجهة أهم جائزة أدبية عالميا ستخضع للفكر السائد بين أعضاء لجنة‬
‫نوبل وقدر الضغوط التي تمارس من اتجاهات مختلفة‪ ،‬فإذا أرادت أن‬
‫‪2‬‬
‫تخفف من حدة الجدل المثار حولها في السنوات األخيرة‪ ،‬وتكسب تأييدا‬
‫كبيرا يعدل الميزان كلما مال‪ ،‬مثلما فعلت عندما منحتها لماركيز أو‬
‫ساراماجو أو جراس فأمامها خياران من العالم الجديد‪ ،‬لكل منهما عظيم‬
‫التأثير كما وكيفا‪ ،‬ونشاط كبير ومتعدد ‪.‬‬
‫فيمكنهم أن يمنحوا الجائزة للكندية »مارجريت إتوود» (‪ 77‬عاما) ابنة‬
‫جامعة هارفارد التي درست بها األدب والفنون‪ ،‬وأهلتها لتصبح أستاذا في‬
‫العديد من الجامعات منها كولومبيا البريطانية‪ ،‬سير جورج ويليامز‪،‬يورك‬
‫وغيرها‪ ،‬وصاحبة انتاج أدبي ضخم ومتنوع بدأته بالشعر ثم أبدعت‬
‫كروائية وساهم هذا في إبرازها كشاعرة‪ ،‬وأخذت تتنقل بين زهرات األدب‬
‫من الروايات القصيرة والطويلة إلي الشعر والقصص القصيرة‬
‫والمسرحيات‪ ،‬وكذا كتب األطفال‪ ،‬كما غاصت في الكتابة الفكرية‬
‫والفلسفية ‪.‬‬
‫كان إلتوود وكتاباتها دورها البارز في تعزيز الهوية الكندية ثقافيا‬
‫واجتماعيا‪ ،‬من أهم أعمالها »قصة الخادمة»‪» ،‬مفاوضات مع الموتي» ‪،‬‬
‫»القاتل األعمي»‪» ،‬جريمة في الظالم»‪ ،‬وغلفت مسيرتها األدبية بنشاط‬
‫إنساني وسياسي كبير‪ ،‬وقدرة علي التفرقة بين األمور‪ ،‬فلم يمنعها موقفها‬
‫الواضح من ممارسات الكيان الصهيوني؛ أن تقبل جائزة ثقافية من تل‬
‫أبيب‪.‬‬
‫من أمريكا الشمالية إلي نظيرتها الجنوبية‪ ،‬توجد المبدعة التشيلية‬
‫»إيزابيل الليندي» (‪75‬عاما) بأنتاجها الروائي الغزير والمؤثر بشدة في‬
‫القارة الالتينية التي يتحدث معظم أبنائها باللغة األسبانية‪ ،‬وأسهم في ثراء‬
‫كتاباتها؛ حياتها التي بدت مضطربة في مختلف مراحلها‪ ،‬ما بين ابنة أخ‬
‫رئيس البالد ثم الجئة في المنفي بعد خلع عمها من الحكم‪ ،‬وعملها في‬
‫الصحافة لسنوات طويلة ثم صدمتها في وفاة ابنتها‪ ،‬جم من األفكار‬
‫والمشاعر بلورتها الموهبة ووضعتها في قالب روائي ال مثيل له ‪.‬‬
‫من أمريكا الشمالية إلي نظيرتها الجنوبية‪ ،‬توجد المبدعة التشيلية‬
‫»إيزابيل الليندي» (‪75‬عاما) بأنتاجها الروائي الغزير والمؤثر بشدة في‬

‫‪3‬‬
‫القارة الالتينية التي يتحدث معظم أبنائها باللغة األسبانية‪ ،‬وأسهم في ثراء‬
‫كتاباتها؛ حياتها التي بدت مضطربة في مختلف مراحلها‪ ،‬ما بين ابنة أخ‬
‫رئيس البالد ثم الجئة في المنفي بعد خلع عمها من الحكم‪ ،‬وعملها في‬
‫الصحافة لسنوات طويلة ثم صدمتها في وفاة ابنتها‪ ،‬جم من األفكار‬
‫والمشاعر بلورتها الموهبة ووضعتها في قالب روائي ال مثيل له‪.‬‬
‫تمتعت الليندي بقدرة نادرة علي تحليل وتفسير كل فكر وإحساس يمكن أن‬
‫يعيشه أي إنسان التيني‪ ،‬بل وشاركهم في ذلك ماليين القراء خارجها‪،‬‬
‫واألهم أنها ضربت المثل في استثمار المصائب واالستفادة منها في حياتها‬
‫وجسدت ذلك في كتاباتها‪ ،‬ومن أعمالها »بيت األرواح»‪»،‬عن الحب‬
‫والظالل»‪»،‬مدينة الوحوش»‪»،‬غابة األقزام» لألطفال‪ ،‬و»الجزيرة تحت‬
‫البحر‪».‬‬
‫لدي إتوود والليندي كل المقومات التي تجعلهما تستحقان جائزة نوبل‪،‬‬
‫ويعضد ذلك استمرارهما في تقديم األعمال المتميزة وآخرها هذا العام‪،‬‬
‫لألولي رواية »بذرة الساحرة» وللثانية »في منتصف الشتاء»‪ ،‬ولكن ربما‬
‫سخريتهما من جائزة نوبل عدة مرات أبعدتهم عنها بعدما ظال لسنوات‬
‫طويلة من أبرز المرشحات‪ ،‬فكانت الليندي ضحية يوسا الذي نال الجائزة‬
‫كالتيني بدال منها عام ‪ 2010‬وهو يستحقها‪ ،‬وإتوود ضحية أليس مونرو‬
‫التي فضلتها نوبل عام ‪ ،2013‬والفرصة مواتية لتصحيح األمور‪.‬‬
‫من زاوية مكملة‪ ،‬فهناك ما يقترب كثيرا من أن يكون توجها بدأته نوبل‬
‫عام ‪ 2012‬عندما منحت جائزتها في األدب للصيني »مو يان» الذي يميل‬
‫للقصة القصيرة ومثله الكندية »أليس مونرو» في العام التالي‪ ،‬ثم كل من‬
‫الفرنسي »باتريك موديانو» والبالروسية »سفيتالنا أليكسييفيتش» عامي‬
‫‪2014‬و‪ 2015‬واللذين يكتبان الرواية‪ ،‬وصوال للشاعر األمريكي »بوب‬
‫ديالن» العام الماضي‪.‬‬
‫وفقا لهذا التتابع؛ فإن الفائز التالي شاعرة وهو ما يرجح كفة إتوود‪ ،‬ولكن‬
‫وإن استمرت نوبل في إبحارها في اتجاه معاكس‪ ،‬وأن تبحث عن شاعرة‬
‫علي شاكلة ديالن‪ ،‬فربما يقع اختيارهم علي الفرنسية »برجيت فونتين»‬

‫‪4‬‬
‫(‪ 78‬عاما) فهي شاعرة غنائية ومغنية وأيضا ممثلة وكاتبة مسرحيات‬
‫وأفالم وقصص قصيرة‪ ،‬وصاحبة تأثير شعبي كبير ألكثر من خمسة عقود‪،‬‬
‫وتطابقت مع ديالن في هذا‪ ،‬وأنهما غير مقبولين علي المستوي الرسمي‬
‫في بلديهما ‪.‬‬
‫وربما تتفوق فونتين في مواجهاتها اإلنسانية والسياسية علي ديالن؛‬
‫والتي لم تكتف بأن تكون جزءا من نشاطها‪ ،‬بل سخرته بأكمله لذلك منذ‬
‫عام ‪ ،2001‬فمن خالله استكملت معارضتها للحروب ضد العراق ثم غيرها‬
‫من البلدان بحجة القضاء علي اإلرهاب‪ ،‬كما طالبت بحقوق المهاجرين غير‬
‫الشرعيين إيمانا منها بأن العالم واحد بال حدود ولكل إنسان حقوقه في أي‬
‫مكان يذهب إليه‪ ،‬ودافعت أيضا عن حقوق البشر في السجون‪.‬‬
‫ما األخطر في مسيرة نوبل؛ فيتعلق بمكاتب المراهنات واختراقها للجنتها‬
‫في السنوات األربع األخيرة‪ ،‬ففي عام ‪ 2013‬فازت مونرو التي تصدرت‬
‫قوائم كبري هذه المكاتب فجأة لتخسر بعض المال‪ ،‬ولكنها عوضته أضعافا‬
‫عندما نال موديانو الجائزة في العام التالي‪ ،‬وهو من خارج قوائمها‪ ،‬ثم‬
‫أعيدت الكرة عام ‪ 2015‬بفوز أليكسييفيتش التي تصدرت المراهنات فجأة‬
‫أيضا ليتدافع المراهنون نحو مكاتبها في العام الماضي‪ ،‬وتحقق أكبر‬
‫مكاسبها بعدما فاز ديالن والذي لم تتضمنه أي من صدارة قوائم‬
‫المراهنات ‪.‬‬
‫سيصبح الشك الكبير يقينا إذا ما تصدرت في األمتار األخيرة ودون مقدمات‬
‫كاتبة مثل الشاعرة اليوغسالفية األصل والهولندية الجنسية »دوبرافكا‬
‫أوغريزيتش» أو الناقدة البولندية » أولغا توكارتشوك» قوائم المراهنات‬
‫ثم فازت‪ ،‬ويصبح هذا تمهيدا لتحقق مكاتبها مكاسب أكبر العام القادم‪ ،‬وهو‬
‫ما يعني بوضوح أن جوائز نوبل سقطت في أيديهم تماما‪ ،‬وعلي من يهمه‬
‫األمر التحرك قبل فوات األوان ‪.‬‬
‫(‪ 2017‬كامل)‬

‫‪5‬‬
‫●المصدر‪ :‬أخبار االدب‬

‫نزهة مع نجيب محفوظ‪:‬نظرة محايدة علي الستينيات‬


‫محمد سليم شوشة‬

‫مثل رواية نزهة مع نجيب محفوظ للكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي والصادرة ترجمتها ضمن‬
‫سلسلة الجوائز في الهيئة العامة للكتاب عمال روائيا مهما وله قدر كبير من الخصوصية لعدة‬
‫أسباب‪ ،‬فهي رواية لكاتبة أجنبية عن الحياة المصرية وفترة مهمة من فترات التاريخ المصري‬
‫الممتلئ باألحداث والصاخب بالتحوالت بين الهزيمة والنصر والتحوالت االقتصادية والثقافية‪.‬‬
‫ربما من األعمال القليلة التي اطلعت عليها حسب اطالعي تلك التي يكتبها كتاب أجانب عاشوا‬
‫في مصر‪ .‬الرواية ليست بالضبط نزهة مع نجيب محفوظ بقدر ما هي نزهة في الحياة المصرية‬
‫والتاريخ المصري القريب ‪.‬‬

‫لرواية ـ التي ترجمها د‪ .‬خالد رؤوف ـ في جانب منها وفي تقديري في دوافع قراءتها تمثل‬
‫رؤية اآلخر المختلف في الدين واللغة والثقافة لحياتنا ومفرداتها‪ ،‬كيف كان يراقب أوجاعنا‬
‫وصدماتنا والتحوالت الكبري في حياة المصريين في هذه المدة التاريخية‪ .‬في بعض فقرات‬
‫الكتاب تصرح علي لسان بطلتها بأن الحياة في مصر تؤسس لشخصية قادرة علي االختالف‬
‫واحترام اآلخر والمختلف دينيا‪ ،‬فهذا ما صنع منها هذه الشخصية التي تأخذ الرواية شكل‬
‫السيرة الذاتية لها‪ .‬تقول‪ :‬بالنسبة لي‪ ،‬وكما أعتقد بالنسبة لكثيرين غيري‪ ،‬ثم زرع بذرة جديدة‬
‫ومفهوم جديد فيما له عالقة بالعبادة واإليمان والقناعات الدينية‪ ،‬وكان ينمو بداخلي تفهم‬
‫اآلخرين‪ ،‬في أي مكان في العالم‪ ،‬مما أعاد بناء أساسات االختالف والقناعات الدينية والفكرية‪،‬‬
‫فاتحا في اللحظة نفسها طرقا لفهم روحاني ووجودي أعمق»‪ .‬الرواية ص‪. 47‬‬

‫بدو إحساس البطلة بالحياة في الشرق غرائبيا يمزج ما عاشته بشكل حقيقي في شوارع القاهرة‬
‫مع ما أنتجته القرائح األدبية والتراث األدبي بصفة عامة عند المصريين والثقافة العربية‪ ،‬وهذا‬
‫اإلحساس بالغرابة وخصوصية الموقع والمكان ربما هو ما يفتقده كثير من الكتاب المصريين‬
‫الذين ليسوا مضطرين للمقارنة ألنه ليس مزدوج المكان والثقافة مثلها‪ .‬مزدوج الثقافة يكون‬
‫أكثر قدرة علي استشعار الخصوصية واإلحساس بتفاصيل بعينها تكون أكثر ثراء بالمعاني‬
‫والقيم الداللية وهذا ما يتحقق في كل الرواية ويمثل روحا عامة تسري فيها ‪.‬‬
‫(‪ 2017‬غير كامل)‬

‫‪6‬‬
‫●المصدر‪ :‬أخبار االدب‬

‫لمسعودي‪ :‬أقف عند العتبة‬

‫خديجة المسعودي‪ ,‬شاعرة وقاصة مغربية من مدينة أكادير‪ ،‬من مواليد ‪،1989‬‬
‫تخرجت في قسم األدب اإلنجليزي سنة ‪ ،2012‬وحصلت علي إجازة مهنية في‬
‫التحرير الصحفي سنة ‪ ،2015‬هي حاليا باحثة بماجستير التحرير الصحفي والتنوع‬
‫اإلعالمي وطالبة بالمعهد الموسيقي ‪.‬‬
‫تشعر أنها مازالت علي عتبة أبواب الشعر حتي هذه اللحظة‪َ ،‬ق َد ٌم بالداخل وأخري‬
‫بالخارج‪ .‬فمنذ كانت طفلة تكتب مذكرات في دفاتر صغيرة‪ ،‬ما زالت تحتفظ بها‪.‬‬
‫تطورت إلي الخواطر بعد اكتشافها الشعر والرواية والمسرح والسينما والموسيقي‪.‬‬
‫كل تلك األشياء عززت لديها الرغبة في التعبير بأساليب أكثر إبداعا من كتابة‬
‫اليوميات‪ ،‬التي كانت تمنحها ألساتذة اللغة العربية للتصحيح واالستفادة من‬
‫توجيهاتهم وإرشاداتهم‪ ،‬حتي وصلت إلي ما صارت تكتبه اآلن‪ .‬تقول‪" :‬أقف عند‬
‫العتبة‪ ،‬محشوة بالكثير من القلق والشك‪ ،‬اليوم الذي سأرف ُع فيه قدمي‪ ،‬تلك‬
‫ُ‬
‫عبرت إلي نهايتي "‬ ‫التي بالخارج‪ ،‬سأكون قد‬
‫حصلت خديجة عن كتاباتها علي جائزة أحمد بوزفور للقصاصين الشباب في الوطن‬
‫العربي سنة ‪ ،2012‬كما حازت علي جائزة القناة الثانية لإلبداع األدبي صنف الشعر‬
‫سنة ‪ .2014‬في عام ‪ 2016‬صدر ديوانها األول"علي حافة الضوء" عن دار مرسم‬
‫للنشر‪ ،‬ومؤخرا فازت بجائزتين مصريتين‪ ،‬األولي "مسموح لك تحلم"‪ ،‬والثانية‬
‫"محمد عفيفي مطر للشعر" التي علمت بأمرها في شهر فبراير الماضي من خالل‬
‫منشور علي صفحة الشاعر محمد حربي‪ ،‬يوض ُح تفاصيلها‪ ،‬فتحمست للتقديم فيها‪،‬‬
‫والسبب كما توضح‪" :‬جائزة أساسها األول أال تقصي أو تستبعد نمطا معينا من‬
‫الكتابة‪ .‬أساس شجعني علي المشاركة‪ ،‬خصوصا أنني أكتب قصيدة النثر التي ما‬
‫زال يتم االنتقاص منها مع األسف‪ .‬أؤمن أن الشعر ال قالب يحد سيله‪ ،‬يمكن أن‬
‫يتجلي في طي ورقة من كتاب ما لجودة ما فيها‪ .‬وتشعر أن الجزء المطوي بالضبط‬
‫هو قلبك"‬
‫(‪ 2017‬غير كامل)‬

‫‪7‬‬
‫المصدر‪ :‬نزوة‬

‫نسقية القراءة ولغة اإلبداع فـي المشروع النقدي لعبد الفتاح‬


‫كيليطو‬

‫عرف النقد األدبي بالمغرب بعد ستينيات القرن الماضي تحوال عميقا‪ ،‬تمثل‬
‫في مساهمته النوعية في مقاربة النصوص األدبية العربية القديمة والحديثة‪،‬‬
‫ويعود هذا التحول لعوامل عديدة أهمها‪ ،‬انفتاح الناقد المغربي على مرجعيات‬
‫نقدية نظرية وتطبيقية جديدة في الغرب وفي العالم العربي‪ ،‬كما كان للدور‬
‫التأطيري والتكويني الذي اضطلعت به الجامعة المغربية‪ ،‬األثر الواضح في‬
‫غنى التجارب النقدية‪ ،‬وتنوع آلياتها المنهجية والمفاهيمية‪ ،‬وفي انتقالها‬
‫بالنقد األدبي بالمغرب من مرحلة التأسيس‪ ،‬وما يطبعها من حيرة بين الوفاء‬
‫للتصورات النقدية القديمة‪ ،‬أو االنصراف للحديثة‪ ،‬إلى مرحلة إنتاج معرفة‬
‫نقدية مؤسسة لتصورات ورؤى جديدة لألدب ودوره في إثارة أسئلة تتصل‬
‫بأزمات المجتمع واإلنسان العربي ومآزقه الناتجة عن ما تفرضه الكونية من‬
‫ضغوط تمس تماطله في االنخراط في ركب الدول المتقدمة والديمقراطية‪.‬‬
‫ضمن هذا السياق الثقافي الكوني والمحلي قدم الناقد المغربي دراسات‬
‫نقدية تميزت بعمقها المعرفي وجدتها المنهجية‪ ،‬في التفاعل مع النصوص‬
‫األدبية العربية والعالمية‪ ،‬والحفر في مكوناتها ودالالتها‪ ،‬بوعي مهموم‬
‫بالبحث عن صيغ أخرى لمعالجة إشكاالت الحاضر وأسئلة المستقبل‪،‬‬
‫وتشييد قنوات جديدة للحوار مع مستجدات المعرفة النقدية في الغرب‪ ،‬ونقد‬
‫مزدوج للمسلمات الثقافية‪ ،‬وللكثير من التصورات السائدة حول النقد واألدب‪،‬‬
‫وسيرسم للكتابة النقدية في المغرب منذ بداياتها أفقا معرفيا كونيا‪،‬‬
‫سيستمر إلى اليوم‪ ،‬مع أحمد اليبوري ومحمد مفتاح ومحمد برادة وعبد‬
‫الكبير الخطيبي وعبد الفتاح كيليطو وسعيد يقطين‪[…].‬‬

‫(غير كامل)‬

‫‪8‬‬
‫المصدر‪ :‬نزوة‬

‫الحكاية أم شرعية للرواية‪ .‬سالم الهنداوي‪ :‬أظفر بقيمة الكتابة في مواجهة‬


‫العبودية السياسية‬

‫م شرعية للرواية كما يقول الكاتب والروائي الليبي سالم الهنداوي ‪ ،‬لذلك كانت الحكاية‬ ‫الحكاية أ ٌ‬
‫بشخصياتها الشعبية هي التي شكلت البناء القصصي والروائي عند الهنداوي وحفزته في أن يسلك طريق‬
‫الكتابة اإلبداعية والمقاالت الصحفية منذ صغره والتي قادته نحو الهجرة الى اصقاع ومدن أخرى كطرابلس‬
‫واليونان وقبرص وغيرها‪ ،‬حيث انه زاحم بمقاالته السياسية النقدية وحكاياته الشعبية القصصية النظام‬
‫الليبي آنذاك‪.‬‬

‫يعتبر ا لهنداوي من الكتاب العرب المهتمين بتضمين الثيمة السياسية في األعمال األدبية والنبش في‬
‫سرادق الحياة االجتماعية لالنسان العربي‬

‫‪.‬‬
‫‪ nn‬العصامية الثقافية لسالم الهنداوي إذا شئت أن تسميها‪ .‬من أين منبعها؟‬
‫( القصد من السؤال هو الخروج المبكر من الدراسة بسبب الظروف ولكن ثقفت نفسك لتصبح قاصا وروائيا له‬
‫دور ريادي في ليبيا والوطن العربي)‬

‫عشت في‬
‫ُ‬ ‫نشأت في مدينة ليبية تاريخية عظيمة اسمها (بنغازي) كانت المدينة رواية ممتعة بفصولها‪..‬‬
‫ُ‬ ‫–‬
‫حواريها وأزقتها الض ِّي ّقة مع شخصيّاتها الشعبية‪ ..‬في أسواقها ومقاهيها كانت الناس تعرف بعضها‪ ،‬باألسماء‬
‫والوجوه‪ ،‬وكل بيوت الجيران كانت بيتاً واحداً لصغار الشارع‪ ،‬نلعب بألعابنا الموسمية وحين نتعب نضحك كثيراً‬
‫تيسر في هذا البيت أو ذاك وننام هنا أو هناك على أصوات الديكة في ساحات البيوت الترابية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فنأكل ما‬
‫ونهيق الحمير ونباح الكالب في الخرب المجاورة‪ ..‬كان يستهوينا السهر واللعب تحت المصابيح الكهربائية‬
‫الواهنة في شارعنا القديم قرب البحر‪ ،‬وجل شوارع المدينة القديمة كانت تحتفي بتقاليد شعبية حميمية‪،‬‬
‫خاصة في األعياد الدينية‪ ،‬فنستقبل المناسبات بفرح غامر‪ ،‬فكنّا ضمن طقوسها الجميلة‪ ،‬زينتها في البيوت‬
‫والشوارع والحدائق‪..‬‬

‫كنت ُمرغماً على معرفة ال أشتهيها‪ ،‬علوم وجغرافيا‬ ‫ُ‬ ‫دخلت المدرسة في مطلع الستينات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪..‬عندما‬
‫ورياضيات‪ ..‬كان مشهد المدينة في خيالي‪ ،‬أكبر وأعظم من كل تلك القواعد العلمية التي كانت تسقط مراراً‬
‫كبرت خالل فترات الرسوب المتكرِّّر‬ ‫ُ‬ ‫من حقيبتي المدرسية‪ .‬نهروني وضربوني‪ ،‬ثم طردوني… وهكذا حتى‬
‫في المرحلة االبتدائية‪ ..‬لم أكن نافعاً في الدراسة سوى في مادة اإلنشاء والتعبير وتحرير وإخراج الصحيفة‬
‫دمون‬ ‫جل التالميذ يتق ّ‬
‫رأيت ُ‬
‫ُ‬ ‫ونجحت في مسرح المدرسة‪ ..‬ثم حين‬ ‫ُ‬ ‫فشلت في فريق كرة القدم‬‫ُ‬ ‫الحائطية‪..‬‬
‫هبت للمدرسة الليلية في محاولة الستكمال تعليمي‪ ،‬لكنها لم تكن‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫اإلعدادية‪،‬‬ ‫المدرسة‬ ‫إلى‬ ‫وينتقلون‬
‫وخرجت ظافرا بفرصة عمل في شركة مقاوالت‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تعلمت فيها التدخين‪..‬‬
‫ُ‬ ‫سوى سنة واحدة مع «الكبار»‬
‫بالحياة…‬ ‫المعرفة‬ ‫مسافراً باحثاً عن‬ ‫ثم‬ ‫سينما‪،‬‬ ‫أمام‬ ‫والحلوى‬ ‫للمكسرات‬
‫ّ‬ ‫بائعاً‬
‫انتقلت بعدها‬
‫ُ‬ ‫وعملت بها لفترة وجيزة‬
‫ُ‬ ‫نشرت خواطري األولى في صحافة بنغازي الرائجة في تلك الفترة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪..‬‬
‫إلى طرابلس للكتابة والعمل في صحافتها‪ ،‬أكتب التحقيقات والمقاالت‪ ،‬وأكتب القصة القصيرة‪ ..‬وفي‬
‫نشرت أول قصة قصيرة في مجلة عربية اسمها «الدستور» كانت تصدر في لندن‪ ،‬وكان‬ ‫ُ‬ ‫منتصف السبعينيات‬
‫يشرف على ملفها الثقافي آنذاك الشاعر «جاد الحاج»‪ ..‬بعدها توالى نشري في مجالت عربية كبرى كانت‬
‫انتقلت‬
‫ُ‬ ‫وعملت خالل الثمانينيات في صحافة بيروت‪ ،‬وبعد الحرب‬ ‫ُ‬ ‫تصدر في بيروت وقبرص ولندن وباريس‪..‬‬
‫دت إلى قبرص‪ ،‬وخالل تلك الفترات‬ ‫عدت إلى وطني للعمل في الصحافة واإلعالم‪ ،‬ثم ُع ُ‬ ‫ُ‬ ‫إلى قبرص‪ ،‬وبعدها‬
‫أصدرت العديد من الكتب الثقافية والمؤلفات األدبية في القصة والرواية‪.‬‬ ‫ُ‬

‫(غير كامل)‬

‫‪9‬‬
‫● المصدر‪ :‬طنجة األدبية‬

‫الكتـابة ال ّنسائ ّية‪ :‬من الوأد ‪.....‬إلـى البعث‪،‬أمينة المريني أنموذجا‬


‫رزيقة بوشلقية‪-‬الجزائـر (‪)2016‬‬
‫ذات‬ ‫والشاعرة على وجه الخصوص‪ ،‬بواسطة قلمها إعادة إحياء وبعث ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫حاول المرأة الكاتبة عموما‬
‫ذات األنثويّة وإعادة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫إثبات‬ ‫إلى‬ ‫الكتابة‬ ‫بفعل‬ ‫فسعت‬ ‫لسنوات‪،‬‬ ‫المجتمع‬ ‫األنثويّة التّي وأدها‬
‫السائد من خالل الرفض والتمرد على القوانين التّي‬ ‫ّ‬ ‫تمجيدها‪ ،‬حيث عملت المرأة على كسر‬
‫ل أشكاله‪ ،‬ومحاولة إخضاعها لسلطته‪ ،‬من أجل تهميشها وتقزيمها‪ ،‬لذا جاءت‬ ‫يفرضها اآلخر بج ّ‬
‫ذي عاشته المرأة في الماضي يجب أن يوازيه إعالء‬ ‫ن ذلك الظلم ال ّ‬ ‫الكتابة عندها قصاصا‪ ،‬أي أ ّ‬
‫قيمتها في الحاضر‪ ،‬وهذا ما عبّر عنه " سارة جامبل " في معجمه " النسوية ما بعد النسوية "‪،‬‬
‫ن المستقبـل مؤنث »‪ ،‬وهنا إشارة إلى النهوض وإعادة بعث هذا الجنس المغيّب‬ ‫ص ‪ « ،87‬إ ّ‬
‫ل أعمال المرأة المبدعة ثورة‬ ‫ّ‬ ‫ج‬ ‫فجاءت‬ ‫تاريخنا‪،‬‬ ‫في‬ ‫ظر‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫وإعادة‬ ‫به‬ ‫واإلهتمام‬ ‫لسنوات‪،‬‬ ‫مش‬ ‫والمه ّ‬
‫ع خالق‪،‬‬ ‫السائد وتمرّد على األوضاع القائمة‪ ،‬بعد أن وعت نفسها وأدركت أنها جس ٌد مبد ٌ‬ ‫ّ‬ ‫على‬
‫ذكوريّة القمعيّة‪ ،‬فخلقت بواسطة قلمها كتابة نسائيّة‬ ‫فثارت على المجتمع البطريركي وسيادته ال ّ‬
‫تتكل ّم صيغة المؤنث وفتنته‪ ،‬إذ تجد المرأة الكاتبة في (فعل الكتابة) مساحة لممارسة حريّة‬
‫القول‪ ،‬والفعل واالنفالت من قيود الصّمت‪ ،‬فالمرأة الكاتبة أثناء ممارستها للكتابة؛ تطلق العنان‬
‫ذات واآلخر‪ ،‬وتتواصل معهما بجماليّة خاصة تصنعها شفافيتها‬ ‫لقدراتها اإلبداعيّة‪ ،‬وهي تحاور ال ّ‬
‫ن المرأة وهي تكتب تكون في أسمى حاالت صدقها فتتعرى أمام ذاتها وأمام القارئ‪،‬‬ ‫وصدقها‪ ،‬أل ّ‬
‫ل األقنعة والحجب‪ ،‬فسرت في لغتها معاناتها‬ ‫دون قناع أو حجاب‪ ،‬إنّها تنتج كتابة تمزّق وتخترق ك ّ‬
‫يفسر رفض المرأة الكاتبة‪ ،‬بناء وتشكيل نصوصها‬ ‫ّ‬ ‫لتصطبغ الكتابة النّسائيّة ببصمة األلم‪ ،‬وهذا ما‬
‫الخاص‪ ،‬فتماوج إيقاع خطابها بأنفاس‬ ‫ّ‬ ‫إطالقا من قوالب اآلخر‪ /‬الرّجل‪ ،‬وإنّما جعلت للغتها قاموسها‬
‫غوايتها وشروخ جسدها‪ ،‬وهذا ما عبّرت عنه " لطيفة زيات " حين قالت‪...« :‬في األعمال‬
‫اإلبداعيّة أكتشف رؤيتي للحياة وأبلورها‪ ،‬أخلع أقنعتي فال أبقى شيئا سوى وجه الحقيقة العاري‪،‬‬
‫أحس‪ ،‬أجرؤ‪ ،‬أنطق صدقا‬ ‫ّ‬ ‫ذات ستارا بعد ستار‪ ،‬أعلو على توجساتي ومخاوفي‬ ‫دد أوهامي عن ال ّ‬ ‫أب ّ‬
‫هشة‪ ،‬الصّلبة‪ ،‬المتمزّقة بين العقل‬ ‫ولو على ذاتي‪ ،‬أكون المرأة الخائفة المقدامة الضّعيفة القويّة ال ّ‬
‫والوجدان‪ ،‬التّي هي أنا‪ ،»....‬فاشتغلت الل ّغة – عندها – في حيّز الرّقة والهشاشة‪ ،‬وهذا اإلقرار‬
‫الشعري العربي النّسائي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ذي نسوقه‪ ،‬هو استنتاج يومئ إليه المتخيّل‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫قلمه‬ ‫بواسطة‬ ‫استطعن‬ ‫ّئي‬ ‫ال‬ ‫ال‬ ‫ت‬‫العربيا‬ ‫ساء‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫إحدى‬ ‫"‬ ‫المريني‬ ‫أمينة‬ ‫"‬ ‫المغربية‬ ‫اعرة‬ ‫الش‬
‫ّ‬ ‫د‬
‫تع ّ‬
‫ذي ال يليق إال ّ بلغة المرأة‬ ‫دساً‪ ،‬هذا المقام ال ّ‬ ‫اختراق المجهول‪ ،‬فجعلت للحروف مقاما مق ّ‬
‫المناضلة‪ ،‬تقول في قصيدة " مقا ُم الحروف " من ديوانها " الم َكابدات‪:‬‬

‫د‬
‫لعل ّي أصوغ من الوج ِّ‬

‫أغرب شكل‬
‫َ‬

‫ك‬
‫دخلت علي َ‬
‫ُ‬ ‫إذا ما‬

‫داً لطيفاً‬
‫يم ّ‬
‫قطفت لال َم َ‬
‫ُ‬

‫ق بستانَ ظل ّي‪...‬‬
‫ُيفتّ ُ‬

‫(غير كامل)‬

‫‪10‬‬
‫● المصدر‪ :‬طنجة األدبية‬

‫الكتابة باأللون فتنة السرد في رواية فتنة السنونو‬


‫لحسن إفركان – المغرب ‪2015‬‬

‫تستدعي طبيعة النص الروائي للكاتب عبد هللا لغزار‪ ،‬قراءة تستنطق النص في ضوء ما يحيل عليه‬
‫من تأويالت وتصورات‪ ،‬هذه التأويالت والتصورات أو ما يمكن وسمه بالمرجع االستباقي ونظيره‬
‫االسترجاعي قد ينفتح عبرها النص على واجهات جديدة تسمح بإعادة تشكيل هيكلته ثانية‬
‫وثالثة‪ ،‬ال سيما وأن الرواية باعتبارها شكال لغويا يجمع بين الشعري والسردي تتميز بثنائية‬
‫التشابك والتعقيد في كل مكوناتها الخطابية‪ .‬إنها متن سردي بالغ التراكم على مستوى أحداثه‬
‫وتعدد المسارات وتراكب نقائض الشخوص والجماعات‪ ،‬وتعاقب الفضاءات واألزمنة وغير ذلك‪...‬‬
‫ألجل التقاط مجرى زمني اجتماعي بخصائصه النفسية والتواصلية‪ ،‬وعالقته بذاته والقيم قيد‬
‫التأسيس‪ ،‬هذا المسار الموفق من اللعب الفني قاد الكثير من األقالم في زمننا اليوم إلى الكتابة‬
‫الروائية بصفتها كراسة إبداعية تتيح إمكانات متنوعة من التعبير وتتيح مساحة زمانية ومكانية‬
‫للكتابة وفسحة لتصوير الواقع‪.‬‬

‫فما هي اإلمكانات السردية التي تنفتح عليها رواية فتنة السنونو؟‬

‫‪1-‬عتبات الرواية وجمالية اإليحاء‬

‫•العنوان‪:‬‬

‫يأتي العنوان باعتباره عتبة قرائية دالة‪ ،‬فهو في األدبيات النقدية يفصح عن النص ويفضحه‪،‬‬
‫هكذا يأتي عنوان الرواية مكونا من وحدتين معجميتين هما" فتنة" و "السنونو"‪ ،‬األولى كلمة‬
‫مفردة تحيل في المتخيل الشعبي العربي اإلسالمي إلى حالة من الفوضى االجتماعية التي‬
‫يغيب فيها النظام وإحكام العقل‪ ،‬بينما تلبسها األدبية ثوبا خاصا يحولها إلى كلمة مثيرة‪ ،‬تسبح‬
‫بالذهن في عوالم البحث عن مواصفات هذه الحالة‪ .‬إن الفتنة في الحقيقة غواية أدبية فنية‪،‬‬
‫وتستمد الوحدة المعجمية "فتنة" إثارتها بإسنادها إلى الكلمة الثانية"السنونو"‪ ،‬حيث تطرح في‬
‫ذهن القارئ تساؤالت عدة‪ :‬هل للسنونو فتنة؟ وإذا كانت فما هي؟ وكيف يمكن أن تكون؟ إن‬
‫هذه المتسلسلة من األسئلة هي التي تكسب النص الروائي قدرة على استمالة القارئ‪،‬‬
‫وتتعقد بنية العنوان أكثر بكونها مجردة من أي قرينة زمانية أو مكانية(فال نعرف قبل قراءة الرواية‬
‫طبعا) أيتعلق األمر بفتنة واقعية أم متخيلة‪ ،‬كما ال نعرف كذلك فضاء األحالم‪،‬‬

‫فتنة السنونو إذن‪ ،‬عنوان يأخذ صيغة مزدوجة ذات بعدين اثنين فهو من جهة‪ُ :‬بعد قريب المدى‬
‫باعتباره عنوان لمعرض فني حضره أبطال الرواية في مدينة البيضاء‪ ،‬و ُبعد بعيد المدى بوصفه‬
‫عنوانا للرواية ككل‪ .‬يمنحنا العنوان ببعديه المثيرين قدرة على تصور أولي حول النص‪ ،‬كما يؤكد‬
‫على الصبغة التخييلية للمحكي في النص‪ ،‬وهو ما تؤكده المقتبسة األولى في النص والتي‬
‫تقول" هذا النص ليس سردا واقعيا وإنما هو من نسج الخيال‪".‬‬

‫المفارقة هنا غاية في الجمالية ففي الوقت الذي يصر العنوان في بعده القريب إلى جر القارئ‬
‫نحو فضاءات واقعية " البيضاء" المعرض‪ ،‬يصر الكاتب على توجيه القارئ نحو المتخيل‪ ،‬إن‬
‫المقتبسة هنا حيلة سردية بالغة األهمية استطاع الكاتب أن يجعلها مسخرة لصالح بناء فهوم‬
‫وتأويالت مختلفة‪.‬‬

‫•اإلهداء‪:‬‬

‫يلح عبد هللا الكاتب الروائي (الجسد من لحم ودم) على إهداء النص لروح واحدة وحيدة هي‬
‫‪ :‬روح محمد القاسمي‬

‫"إلى روح الفنان محمد القاسمي‬

‫‪11‬‬
‫في سفرها بين البني واألزرق"‬

‫يهدي عبد هللا الجسد الحي روايته (النص المخلوق بقلم على ورقة بيضاء) إلى روح محمد‬
‫القاسمي‪ ،‬فيصبح اإلهداء هاهنا إيحائيا وإيحاليا في واقعيته‪ ،‬إنه إيحائي ألنه مهدى لشخصية‬
‫فنية بارزة في علم وعالم األلوان والريشة وهي شخصية الفنان محمد القاسمي‪ ،‬وإيحالية ألنها‬
‫تنبئنا بأن الكتابة هي لروح الفن التشكيلي بالمغرب‪ ،‬فالروح المحرومة من طاقتها في الواقع‬
‫مهدى له بوصفه جثة ميتة وروحا ناطقة حية ال توجد‬ ‫تجعلها األلوان تسافر في الخيال‪ ،‬هكذا فال ُ‬
‫خارج الداللة‪ ،‬ولهذا فقد عمل الكاتب على مخاطبتها باعتماد قناة غير متعارف عليها وهي االنتقال‬
‫من قناة اللون والفرشاة إلى قناة الكتابة والقلم‪.‬‬

‫إن اإلهداء هنا ينم على رغبة متوارية لكنها أكيدة عند الكاتب‪ ،‬رغبة في البعث واإلحياء‪ .‬أعني‬
‫إحياء هذه الذات المرجعية في مجال الفن عبر مخاطبة روحها النشطة في رحلة السفر بين‬
‫األلوان‪.‬‬

‫•المقتبسات‬

‫تحضر المقتبسات في األعمال اإلبداعية أو النقدية بوصفها نصوصا تسبق عادة متن النص‬
‫األصلي وتكون لها وظيفة توجيهية نحو النص ووظيفة شعرية كذلك‪ .‬وهكذا فاالنتقائية التي يقوم‬
‫بها الكاتب الختيار المقتبسات تجعل القارئ يطرح أسئلة حول السر في اصطفائها دون غيرها‪.‬‬

‫تحضر في الرواية ثالث مقتبسات تختلف شكال ولغة وأسلوبا‪ ،‬لكن الخيط الناظم بينها هو من‬
‫جهة الحمولة الداللية والرمزية لمرجعياتها‪ :‬مالك حداد‪ -‬ابراهيم الكوني‪ -‬عبد هللا زريقة‪ ،‬ومن جهة‬
‫ثانية ارتباطها بمتن النص‪ ،‬إن المقتبسات هنا إلى جانب الوظيفة الشعرية التي تحققها للعمل‬
‫الروائي توجه القارئ نحو التفكير في الالمفكر فيه‪ ،‬ففتنة اللغة تحضر عندما يعجز مالك حداد عن‬
‫التعبير باللغة عن ما يشعر به باللغة نفسها‪ ،‬أما فتنة الحياة فتحضر في مقتبسة الكوني الذي‬
‫يؤكد أن رتابة األخطاء الصغيرة تؤدي إلى الموت‪ ،‬الخطأ إذن اضطراب يكسر سيرورة السالمة‬
‫والصحة أما فتنة الجسد فهي في شذرة شعرية لعبد هللا زريقة‪ .‬تقول إن غواية اللون توقع في‬
‫عهر نستطيع دون مبالغة وسمه بالعهر الفني‪ ،‬تستحيل معه نهضة الجسد التي هي النهضة‬
‫الحقيقية‪.‬‬

‫ترتسم معالم المقتبسات من خالل هذه النصوص الثالثة التي تتوحد ونوا َة العنوان "فتنة"‬
‫فتصير فتنة اللغة وفتنة الحياة وفتنة الجسد‪ ،‬أقانيم ثالثة تفتح ذهن القارئ على تأويالت عدة‪،‬‬
‫وتضعه أمام غواية السرد ومأزق الكثافة الذي غذاه الكاتب بجرعة زائدة من اللون من خالل‬
‫مهدى إليه والموضوع‪.‬‬ ‫ال ُ‬

‫‪2-‬شعرية السرد وسرية الشعر في العمل الروائي‬

‫يقول المجاطي" كم وجدت الشعر في صفحات كثيرة من الروايات وقليال من الشعر في القصائد"‪.‬‬
‫انطالقا من هذه القولة نرسم الخط الذي ارتضيناه لقراءة العمل وهو البحث في شرعية الشعرية‬
‫التي تحققها مكونات الخطاب الروائي للعمل من خالل مكونات الزمن والوصف واللغة‪.‬‬

‫•المتن الحكائي للرواية‬

‫تنمو أحداث الرواية من خالل ثمانية مقاطع نصية ( الغرفة والليل‪ -‬مسمار في عين صورة‪-‬‬
‫شاعرية التابوت‪ -‬فتنة الصورة‪ -‬صرخة مكتومة‪ -‬أرض محروقة‪ -‬العين نافذة‪ -‬ظالل مشتعلة) ويبدو‬
‫للوهلة األولى أن هذه المقاطع متباينة‪ -‬لكن تتباعها الورقي وتوحد الزمن والفضاء واألحداث‬
‫فيها‪ ،‬يجعلها تنشد إلى خيط سردي ناظم وخفي يشي بارتباط متماسك‪ ،‬تتلخص في خمسة‬
‫شبان تخرجو في مدرسة للفنون الجميلة بالبيضاء‪ ،‬كانوا يرغبون في تغيير الواقع التعليمي للفنون‬
‫الجميلة بالمغرب من خالل إصدار بيانات خاصة بذلك ولكن سرعان ما تتقاذفهم هموم الحياة كل‬
‫إلى مكان ليصير البطل وحيدا وهو واحدا من هؤالء الخمسة بين دروب تادلة وبني مالل مواجها‬
‫ظروفا مختلفة من العطالة والصراعات االجتماعية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫•شعرية الزمن‬

‫يحضر الزمن في رواية فتنة السنونو متجاوزا تقسيمه الثالثي( الزمن النحوي‪ -‬الزمن الصرفي‪-‬‬
‫الزمن الداللي)‪ ،‬كما يتجاوز حتى التقسيم الثالثي المعروف نحويا‪ ،‬إنها كتابة خارج الزمن وداخله‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬ومن ثمة فهي كتابة لها زمنها الخاص المفتوح الذي يستند على زمن الواقع‪.‬‬

‫الزمن في الرواية ليس هدفه هو تنامي السرد فقط‪ ،‬بل يخرق هذه الوظيفة ليصير زمنا مختلطا‬
‫باألحاسيس مفعما بالهواجس الداخلية للشخصيات‪ ،‬إنه قائم على استغالل اللحظة وشحنها بكل‬
‫ما قد يحقق للنص كثافته وشعريته‪ ".‬أجتر زبد الزمن المتختر في حنجرتي‪ ،‬وتحت لساني‪ ،‬وعلى‬
‫شفتي‪".‬‬

‫إن للنص سياقا زمنيا هو عدم اعترافه بالزمن أصال‪".‬هذا الليل المضاعف تلبس بحضور الغياب‪،‬‬
‫وتحلل في روحي القرفة من هذا الزمن الصدئ زمن االنتظار والدوران حول الذات حتى االختناق‪".‬‬

‫الزمن إذن لحظة متجددة‪ .‬تنصهر لحظاتها داخل بوثقة النص‪ ،‬فيتحول إلى لحظة تحفها‬
‫هواجس الكتابة وأهواء الشخصيات‪ ،‬ويحفها اإلحساس بالحنين والشوق‪ ،‬واإلحساس بالضياع‬
‫والغربة‪.‬‬

‫•شعرية الوصف‬

‫يقوم الوصف على دعامتين اثنتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬هي تعطيل مؤقت للسرد وذلك بهدف تكثيف مشهد أو توصيف حالة أو رسم صورة‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬تأكيد إمكانية إعطاء الوصف إيحائية أكبر للعمل الروائي‪.‬‬

‫تحضر هاتين الوظيفتين بقوة في العمل الروائي للكاتب عبد هللا لغراز‪ ،‬فالروائي عندما يتعلق‬
‫األمر بلحظة وصف فهو يسعى إلى إقناع القارئ بجدوى هذه اللحظة‪ ،‬إن الوصف عنده محطة‬
‫تبريرية تقف على أهمية التقاط تفاصيل كل ما هو هامشي غير ملتفت إليه‪ .‬إن هذا التوقف عن‬
‫السرد ليس توقفا مجانيا أو حلية زائدة أو موضة في الكتابة‪ ،‬بل هو مكون أساس من مكونات‬
‫السرد نقرأ في الصفحة ‪ 33‬من الرواية" سعيد هذا‪ ،‬جسد المحنة على األرض‪...‬وجه للجنون‬
‫ووجه ووجه للحكمة‪ ،‬وجه للشقاء ووجه للنقاء‪ ،‬ووجه للقبح ووجه يفتخر بكون أبيه سماه سعيدا‪،‬‬
‫ووجه للحزم وجه للهم‪ ،‬وجه للحلم ووجه لتاريخ األلم"‬

‫يتميز الوصف في هذا العمل الروائي الباذخ بالذاتي‪ ،‬مما يمنحه شاعرية وشعرية‪ ،‬فالوصف‬
‫مرتبط بالجوانب النفسية والعاطفية للشخصيات‪ ،‬فهو إذن ال يسقط في إمالل القارئ بقدر ما‬
‫يحفزه على التخيل والبحث في الذهن عن صور للموصوف ثم إضفاء الحالة النفسية للشخصيات‬
‫عليها‪ ،‬الوصف في الرواية إذن‪ ،‬فرصة تجعل القارئ يتريث في القراءة يتوقف عند تفاصيل‬
‫المشاهد ليلتقطها‪.‬‬

‫ت الباب خلفي‪ ،‬ونزلت الدرجات العشرة إلى أرض متخمة بالحرّ والعطش وريح‬ ‫"قال قاسم‪ :‬ق َف ْل ُ‬
‫الشوم‪ .‬أمام باب اإلدارة المفتوح على أدراجه العشرة وعلى العراء‪ ،‬ثمة شجرة تين تجثم على‬
‫طرف صخرة‪ .‬وبعد الصخرة بمسافة قصيرة‪ ،‬تنحدر األرض فجأة‪ ،‬فتبدو كحوض بحيرة شاسعة ج َّفت‬
‫منذ زمن بعيد‪ .‬على طرفها الغربي‪ ،‬عند األفق بالتمام‪ ،‬تتهيأ المدينة كنتوءات صخرية بيضاء‬
‫وصفراء باهتة"‬

‫المالحظ من خالل هذا المقطع أن الوصف وإضافة إلى تحقيقه للدعامتين المشار إليهما آنفا‪،‬‬
‫فإنه يمتاز بالتفصيل ومالحقته للجزئيات الدقيقة وارتباط الموصوف الذي هو خارج الذات بهواجس‬
‫السارد الذاتية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إن هذه القدرة على الوصف وهذه الشعرية الخاصة بها في الرواية تأتي ربما ‪-‬وأقول ربما‪ -‬من‬
‫عمل الكاتب في مجال اللون إن الصورة مجاز للواقع باللون‪ ،‬وهي في اآلن نفسه التقاط للمشاهد‬
‫بالفرشاة‪ .‬والوصف في الرواية مجاز والتقاط للمشاهد بالقلم‪.‬‬

‫•شعرية المحكي‬

‫إذا كان الزمن يحقق شعريته كما ذكرنا سابقا عبر ارتباطه بالهواجس الذاتية للشخصيات‪،‬‬
‫والوصف عبر خرق الوظيفتين االعتياديتين له‪ ،‬فإن اللغة الروائية في هذا العمل تتأبى أن تكون‬
‫مجرد لغة عادية تنقل األحداث عبر منطق التوالي‪ ،‬إنها لغة تتجاوز الوظيفة اإلبالغية كما هو‬
‫الشأن في اللغة العادية لتصل إلى اعلى درجات الشعرية والبالغية‪ ،‬عبر اعتماد الكلمة الموجزة‬
‫والكثافة الجمالية‪ .‬إنها لغة تستند إلى كل ما هو شعري بهدف البناء السردي لألحداث‪.‬‬

‫تنمو اللغة في المحكي مستندة كذلك إلى األلوان فنجد الكاتب يطعم الرواية بأعمال فنية‬
‫عبارة عن لوحات متنوعة هي من صميم أحداث الرواية ‪ - :‬لوحة عنف للجياللي الغرباوي – موت‬
‫مارا للرسام الفرنسي دافيد – تفصيلة من العمل المشهور ألنجيلو المعنون ب خلق آدم – جزء‬
‫من لوحة الصرخة إلدكار مونس‪.‬‬

‫استطاع الكاتب بذكاء كبير استغالل ثقافته الفنية فيما يخدم أحداث الرواية من خالل تغذيته‬
‫للغة باللون بعرضه لهذه األعمال‪ ،‬وكذلك بحثه عن نقطة تماس بين اإلبداع الفني واإلبداع بالكتابة‬
‫فجعل القلم‪ /‬الريشة يرسمان بطريقة غاية في اإلبداعية أحداث الرواية ‪.‬‬

‫ت بقلم الرصاص على هامش ورقة في كتاب "الروحانية في الفن" للرسام‬ ‫" َك َت ْب َ‬
‫الروسي"كاندانسكي"‪ :‬الشعر كالرسم لكن ما معنى الرسم؟"‬

‫إن شعرية المحكي لم تكن لذاتها بقدر ما تكتسب واقعيتها من خالل ربطها بالواقع‪ ،‬تصير اللغة‬
‫في الرواية إذن نقدا لكل فضائح البلد بعيون السارد آو الشخصيات التي يرتسم على محياها‬
‫البؤس‪ ،‬إنه نقد بعيون مثقفة للسياسة واإلدارة من خالل رسم صورة االنتخابات و المناضل‬
‫اخليفة‪ ،‬ثم نقد للتعليم والفقر والعالقات االجتماعية المبنية على االستغالل والنفاق االجتماعي‪.‬‬
‫ن نفسه على ركوب االستحقاقات االنتخابية المقبلة‪.‬‬ ‫م ِّرّ ُ‬
‫‪".‬باألمس‪ ،‬في المقهى‪ ،‬كان هناك رجل ُي َ‬
‫يقول إنها الفرصة التاريخية للخروج من التعتيم السياسي الذي مارسته أحزاب المخزن‪ .‬ويقول بإن‬
‫حزبه سليل شرعي للحركة الوطنية في هذا البلد‪ .‬وبأن له عالقات وطيدة مع أقطاب الحزب‬
‫العتيد‪ ...‬كانت المقهى عبارة عن أرخبيالت‪ ،‬تتالسن وتتساءل حول كل شيء‪ ..‬عن المصداقية‪،‬‬
‫وعن األخطاء التاريخية‪ ،‬وعن تراجع القيادات‪ ،‬وعن ديكتاتورية القرار‪ ...‬عموما‪ ،‬حول ما آلت إليه‬
‫األوضاع‪ ،‬وحول الشجار القائم بسبب التكتالت العائلية والقبلية داخل األحزاب وخارجها"‬

‫تحضر اللغة كذلك ممزوجة باللهجة العامية في مستوييها المنخفض والمتوسط و اللغة‬
‫الفرنسية مثل…‪.je suis une machine-je suis une machine ، : , Silence on tourne‬من هذه‬
‫البوليفونية يستمد السرد واقعيته ومرجعيته في نقد الواقع‪.‬‬

‫لقد تآزرت في شعرية المحكي كل من شعرية الزمن والوصف والحوار الذي يكون أحيانا واحدا‬
‫بين السارد ونفسه وأحيانا بين الشخصيات لرصد حدة التوتر بين الشخصيات‪ ،‬آو لبيان انشطار‬
‫ذات السارد إلى اثنين وكذلك شعرية اللغة لتقدم للمحكي في الرواية ميزته التي لن يحس بها‬
‫القارئ إال حين قراءته للرواية ‪.‬‬

‫"لم يعد اآلن ما يفصل بين الواقع والخيال غير شعرة معاوية"‬

‫سعيد علوش‬

‫إن اللغة بالنسبة للكاتب عبد هللا ليست مجرد قناة لنقل الواقع أو سرد األحداث‪ ،‬بل تتجاوز ذلك‬
‫إلى نوع من الحساسية في االستعمال والتأني في اصطفاء األلفاظ والمعاني‪ ،‬إنه يحفر بين ثنايا‬
‫الدروب ليكون النص صوتا لمن ال صوت لهم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫خاتمة‬

‫نستطيع قفل هذه القراءة بتسجيل المالحظات اآلتية‪:‬‬

‫‪-‬يشكل النص الروائي فتنة السنونو فتحا جديدا على الكتابة الروائية المغربية من خالل المزج‬
‫دونما خلط بين ما هو شعري وما هو سردي‬

‫‪-‬يتميز النص الروائي بحضور الفن أو الرسم كروح محلقة على العمل من خالل شخصية المهدى‬
‫له والتكوين األكاديمي للسارد وموضوع السرد‪.‬‬

‫‪-‬يمتلك الكاتب عبد هللا لغزار لغة روائية متخمة بالدالالت‪ ،‬مليئة باإليحاءات‪ ،‬طافحة بالمجازية‪،‬‬
‫قادرة على رسم صورة الواقع بالكلمة الدقيقة‪.‬‬

‫هذا ويحق لي من باب اإلنصاف وبعيدا عن كل محاباة أن أقول إن الرواية تستحق أكثر من‬
‫قراءة‪ ،‬وأنني مهما استفرغت جهدي ووسعي فيها فلن أبلغ ما تنفتح عليه من تأويالت وقراءات‪،‬‬
‫وأنها تستحق أن تكون العمل الروائي األبرز في هذه السنة‪ ،‬مع متمنياتنا أن يلقى العمل صداه‬
‫الذي يستحقه داخل الوسط الثقافي المغربي والعربي‪.‬‬

‫(كامل)‬

‫‪15‬‬
‫(أول يومية إليكترونية | صدرت من لندن ‪ 21‬مايو ‪ 2001‬لتكون جسرا بين المشرق والمغرب*)‬ ‫● المصدر‪ :‬إيالف‬

‫خبر مؤرّخ في ‪ 10‬يونيو ‪2017‬‬

‫صدور العدد األ ّول من مجلة "رواية" المتخصصة بشؤون الرواية العربية‬
‫عبد الجبار العتابي‬

‫صدرت في بغداد مجلة بعنوان (رواية) تعنى بالشؤون الروائية العراقية والعربية وتطوراتها عبر مختلف االجيال ‪،‬‬
‫وتضمن العدد االول جملة من الدراسات النقّديّة والشهادات الروائية والحوارات ومنصات الرأي‪ ،‬فضال عن ملفً‬
‫مه ًم عن راهن الرواية المغاربية الجديدة‪ ،‬باإلضافة إلى التقارير والمتابعات اإلخبارية‪.‬‬
‫وتعد هذه المجلة الفصلية التي تقع في ‪ 120‬صفحة ‪،‬خطوة جريئة السيما انها االولى من نوعها في العراق التي تهتم‬
‫بهذا الشكل االبداعي وبعد ان نال السرد الروائي اهتماما خاصا من القراء بعد النجاحات التي تحققت للرواية العربية‬
‫والعراقية خاصة وقد حرصت اسرة المجلة على تقديم العدد االول ليكون مميزا وحافال بالمواضيع الشيقة ‪ ،‬ويرأس‬
‫تحرير المجلة القاص والروائي محمد حياوي ومدير تحريرها الروائي خضير فليح الزيدي وسكرتير تحريرها‬
‫القاص عباس داخل حسن فيما ناشرها هو محمد الدجيلي‪.‬‬

‫الرواية ‪ ..‬مدونة الوقائع العربية‬


‫وقال رئيس تحرير المجلة الروائي محمد حياوي لـ (ايالف) ‪ :‬أردت المحاولة ألنها التجزئة اإلبداعية بين المشرق‬
‫العربي والمغربي العربي‪ ..‬وإذا كان القارئ العراقي ال يقرأ الرواية المغاربية أو ال يستطيع الحصول عليها‪،‬‬
‫والشيء نفسه بالنسبة للقارئ المغاربي وصعوبة التواصل مع الرواية العربية في المشرق‪ ،‬لهذا أعتقد ان المجلة‬
‫ستكون فرصة لتعريف الق ّر اء في العالم العربي بالنتاج الروائي العربي في كافة البلدان العربية وآلية الوصول‬
‫لإلصدار الجديد منه‪ ،‬ناهيك عن اعتماد المجلة في مختبر السرديات في المغرب ومركز اإلسكندرية لإلبداع ورابطة‬
‫الكتّاب األحرار في تونس وغيرها من المؤسسات التي تُعنى بالفن الروائي العربي‬
‫واضاف‪ :‬الرواية العربية أصبحت في السنوات األخيرة مدونة الوقائع العربية وك ّشاف ما يعتمل في المجتمعات‬
‫العربية من متغيرات عميقة نتيجة التقلبات السياسية وهيمنة المقدس على الحياة المدنية‪ ،‬كم أن الجوائز الكبيرة‬
‫المخصصة لها خلقت م ّداً روائياً غير مسبوق‪.‬‬
‫وتابع ‪ :‬بجهود خيرة من مجموعة طيّبة من المثقفين والروائيين والنقّاد العرب‪ ،‬وبتفا ٍن ودعم منقطع النظير من دار‬
‫سطور للنشر والتوزيع العراقية‪ ،‬والناشر ستار محسن علي‪ ،‬صدر العدد األ ّول من مجلة "رواية"‪ ،‬وهي مجلة‬
‫متخصصة بشؤون الرواية العربية تحديداً‪ ،‬ضمن توجه طموح لتحريك التوجهات النقدية في العالم العربي باتّجاه‬
‫السرد العربي‪ .‬المشروع يهدف في المستقبل القريب لتأصيل التجربة‪ ،‬مشاركة مع مختبر السرديات في المغرب‬
‫ونادي اإلبداع في اإلسكندرية والجامعة األردنية ورابطة الكتّاب األحرار في تونس وغيرها من المؤسسات المعنية‬
‫بتفان وجهد خالق‪ ،‬كما اتوجه بالشكر‬ ‫ٍ‬ ‫بالرواية العربية‪ .‬وبدوري أتوجه بالشكر لكادر المجلة الصغير الذي عمل‬
‫لألساتذة‪ ،‬الدكتور السِّد فضل والروائي ناصر عراق والدكتور شعيب خليفي والدكتور عبد هللا إبراهيم والدكتور‬
‫علي المالط والدكتور محمد آيت ميهوب والدكتور محمد عبيد هللا والروائي محسن الرملي واألستاذ مصطفى عبد‬
‫هللا والروائي علي بدر والروائي أحمد فضل شبلول والناقد أحمد الحلي والناقد محمد جبير والناقد عبد اللطيف‬
‫الوراري والروائي خضير فليح الزيدي (مدير التحرير) والقاص عباس داخل حسن (سكرتير التحرير) والناشر‬
‫محمد الدجيلي‪ ،‬وجميع من شارك ودعم المشروع منذ بداياته حتى صدور المجلة‪.‬‬

‫دراسات وحوارات‬
‫وتضمن العدد العديد من المواد منها‪ :‬دراسة في الترجمة‪ ..‬مرحا أيُّها الخائن‪ ،‬للناقد والباحث الدكتور عبد هللا‬
‫إبراهيم‪ ،‬وحوار مع الروائي البرازيلي باولو كويلو‪ ،‬اجرته أمينة شوداري‪ ،‬ودراسة نقديَّة عن الرواية بوصفها فنًّا‬
‫ضا بالحياة‪ ،‬كتبها الناقد أحمد الحلي‪ ،‬ودراسة عن رواية اإلسكندرية في الربع األخير من القرن العشرين‪ ،‬كتبها‬ ‫ناب ً‬
‫الناقد شوقي بدر يوسف‪ ،‬ودراسة عن النص الروائي بين الكفاية السردية والمتلقي الفاعل‪ ،‬كتبها الناقد محمد جبير‪،‬‬
‫ودراسة عن توجهات الرواي ة العراقية الجديدة‪ ،‬كتبها النقاد صادق ناصر الصكر‪ ،‬ودراسة عن تفسير نجيب محفوظ‬
‫لتراجيديا الحياة‪ ،‬كتبها الدكتور عبد البديع عبد هللا‪ ،‬ودراسة في التأويل الديني والخيال التفسيري‪ ،‬كتبها الدكتور‬
‫صادق القاضي‪.‬‬
‫كما تضمن العدد أيضا ً شهادات روائية لكل من‪ :‬الروائي ناصر عراق عن تجربته في كتابة رواية "األزبكية"‪،‬‬
‫وبول نيثون عن ما ّدته في الكتابة‪ ،‬ترجمه الدكتور محسن الرملي‪ ،‬والروائي أحمد فضل شبلول عن تجربته في‬

‫‪16‬‬
‫رواية "رئيس التحرير"‪ ،‬والروائية زهراء عبد هللا عن روايتها "على مائدة داعش"‪ ،‬والروائي ضياء الجبيلي عن‬
‫تجربته في الكتابة الروائية عمو ًما‬

‫راهن الرواية المغاربية الجديدة‬


‫فيما تضمن ملف العدد راهن الرواية المغاربية الجديدة‪ :‬دراسة عن الرواية المغربية كجنس مهيمن‪ ،‬كتبها الناقد عبد‬
‫اللطيف الوراري‪ ،‬وأخرى عن الرواية الجزائرية بين الفرنسية وه ّم "الجزأرة"‪ ،‬كتبتها الدكتورة مسعودة لعريط‪،‬‬
‫ودراسة عن الرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية بين ازدواجية الثقافة وأزمة الهويّة‪ ،‬كتبتها الدكتورة غ ّراء مهنا‪،‬‬
‫ودراسة عن عبد الناصر الطلياني وهيمنة البطل على جسد النص‪ ،‬كتبها الدكتور محمد آيت ميهوب‪ ،‬كما تضمن‬
‫الملف شهادتين روائيتين للروائي المغربي الشاب طارق بكاري عن روايته "نوميديا"‪ ،‬والروائية الجزائرية الشابّة‬
‫هاجر قويدري عن روايتها "نورس باشا‪".‬‬

‫الكذابون يحصلون على كل شيء‬


‫و تضمن العدد فصالً لم ينشر من رواية "الكذابون يحصلون على كل شيء" للروائي علي بدر‪ ،‬ولقا ًء مع الناشر‬
‫الشاب بالل البغدادي تناول الحديث عن دار سطور وخططها لتبني الرواية العراقية والعربية ومحاولة س ّد النقص‬
‫الناجم عن تقاعس الدولة العراقية في دعم الثقافة‪ ،‬باإلضافة الى األبواب الثابتة والمتابعات اإلخبارية وآخر‬
‫إصدارات الرواية العربية‪.‬‬
‫تضم لجنة المجلة االستشارية نخبة من أبرز النقّاد العرب‪ ،‬من أمثال الدكتور السيِّد فضل واألستاذ مصطفى عبد هللا‬
‫من مصر‪ ،‬والدكتور عبد هللا إبراهيم من العراق‪ ،‬والدكتور علي المالحي من الجزائر‪ ،‬والدكتور شعيب حليفي من‬
‫المغرب‪ ،‬والدكتور محمد آيت ميهوب من تونس‪ ،‬والدكتور محمد عبيد هللا من األردن‪.‬‬

‫(كامل)‬

‫‪17‬‬
‫المصدر‪ :‬األنباء (كويتية يومية سياسية شاملة)‬

‫عن قاهرة نجيب محفوظ‬


‫عبد الوهاب الحمادي‬
‫نجيب محفوظ اسم بات رمزا مصريا عربيا عالميا متعدد المعاني‪.‬‬

‫سيرته الطويلة التي بدأت بوالدته عام ‪ ١٩١١‬حتى وفاته عام ‪ ٢٠٠٦‬كانت حافلة وثرية وال تعكس‬
‫شيئا مما يعكسه وجهه الهادئ المتأمل ‪.‬‬
‫ذلك الرجل الذي كتبت عنه مذكرات وسير عدة‪ ،‬عرفه العالم عندما فاز بنوبل عام ‪ ١٩٨٨‬لكن‬
‫العرب عرفوه قبلها‪ ،‬عبر رواياته ثم عبر األفالم والمسلسالت التي اقتبست عنها‪.‬‬
‫لكن من يتذكر سيرة نجيب محفوظ يتوقف عند المقاطعة العربية التي تعرض لها إبان أزمة رواية‬
‫أوالد حارتنا‪ ،‬و جعلت التيار الديني ضده بزعم ازدراء األنبياء واألديان رغم أن محاوالته لنقاش‬
‫من قاد هذا الزعم لم تؤت أكلها ‪.‬‬
‫ويتوقف مرة أخرى عند رأيه بالصلح مع إسرائيل الذي رآه موقفا متخاذال‪ .‬كل ذلك توج بمحاولة‬
‫االغتيال التي تعرض لها عام ‪ ١٩٩٤‬عندما أقدم شاب على غرز سكين في عنقه الثمانيني ‪.‬‬
‫ولوال عناية هللا ثم المستشفى الذي كان على بعد خطوات من محل االغتيال‪ ،‬لكانت نقطة النهاية‬
‫لمسيرة اختصرناها اختصارا مخال‪ ،‬لرجل وضع الحياة المصرية وحاراتها وناسها وعوالمها على‬
‫الورق‪ ،‬وقدمها إلى العالم بقدرة روائية فنية عالية التزال تكتشف من القراء والمخرجين وكتاب‬
‫األفالم والمسلسالت‪.‬‬
‫كل هذه المقدمة ذات التقصير المخل هي مدخل لسيرة ذلك الرجل الذي أغرمت برواياته‪ ،‬كنت‬
‫أحبها فيما مضى لكن مع تعدد القراءات وتنوعها بت أدرك قيمته اإلنسانية قبل كل شيء‪ .‬من هنا‬
‫جاءت فكرة السير على الطرقات التي ولد فيها وترعرع ثم انعكست مكانا وزمانا وشخصيات في‬
‫أعماله‪.‬‬
‫من يقرأ عن نجيب محفوظ سيعلم أمرين ال محالة‪ ،‬والدته وحياته في القاهرة القديمة في حي‬
‫الجمالية المالصق للحسين والمتاخم لشارع المعز الذي يعتبره البعض أكبر متاحف العالم المفتوحة‪.‬‬
‫وكل تلك األمكنة التي يتكدس فيها التاريخ تكدسا حتى يصعب االلمام به‪ .‬األمر الثاني هو انضباطه‬
‫الشديد وبرنامجه اليومي واألسبوعي الصارم الذي مكنه من إيجاد وقت ليكتب كل تلك األعمال منذ‬
‫نهاية الثالثينيات وحتى تسعينيات القرن المنصرم‪.‬‬
‫وفقا لهذين األمرين هذا جاءت الفكرة التي اشتغلنا عليها في مشروع باب للرحالت تحت اسم قاهرة‬
‫نجيب محفوظ‪ .‬وبدأنا بتخطيط برنامج يحاذيهما‪ ،‬حياته واألحياء التي عاشها وعاشته‪ .‬ومسيره‬
‫اليومي من شقته في منطقة العجوزة حتى صحيفة األهرام مرورا بالمقاهي التي عرفته‪ .‬ولن تكتمل‬
‫الفكرة إال بالتعاون واالستفادة من نقاد لهم باع في قراءة أعماله‪ ،‬لذلك تيسرت السبل لاللتقاء‬
‫بالناقدين المعروفين أ‪.‬إيهاب المالح وأ‪.‬محمود عبدالشكور محفوظيي الهوى ‪.‬‬
‫ثم اجتمع في الرحلة نخبة مشاركين من مستويات عدة تجمعهم ثقافة عالية وعشق لنجيب محفوظ‪.‬‬

‫(كامل)‬

‫‪18‬‬
‫المصدر‪ :‬اآلداب‬

‫شكري‪" :‬بائع الكالب" اآلداب‪1969 ،10 ،‬‬


‫محمد ُ‬
‫‪14.09.17‬‬

‫ذاكرة اآلداب الورقيّة‬


‫رسم آخ َرها بسكون!‬
‫ُ‬ ‫م المقاوم ُة بأداة تَ‬‫لَن ُتج َز َ‬
‫الفعل مقرونًا‬
‫ُ‬ ‫نت أسماؤه‪ ،‬يبقى‬
‫أوجه االحتالل‪ ،‬أو تلوّ ْ‬
‫ُ‬ ‫دت‬
‫د ْ‬‫فمهما تع ّ‬
‫ع األبواب‪.‬‬
‫ب َردّ‪ ،‬ويبقى الردّ مشر َ‬
‫مد شكري‬ ‫ي مح ّ‬‫م‪ .‬فالكاتب المغرب ّ‬ ‫كيف ومتى و َمن وبماذا‪ ،‬ال يه ّ‬
‫شرت في العدد العاشر‬‫ْ‬ ‫الذي أثار في قصّته "بائع الكالب" (التي ُن‬
‫ل المقارنة بين قيمة اإلنسان إبّان‬‫من العام ‪ 1969‬في اآلداب)‪ ،‬جد َ‬
‫ن البعيد عن الميدان ينبغي أن‬ ‫ة الكالب‪ ،‬كان موق ًنا أ ّ‬ ‫االحتالل وقيم ِّ‬
‫يخلق ميدانَه أينما كان‪.‬‬
‫هو الذي‪ ،‬في سرده قصّة الحاخام الذي طعنه الراوي في رقبته‬
‫ن من يٌقدم على عمل‬‫بعد أن أقبل عليه طالبًا منه قبلة‪ ،‬كان يؤكّد أ ّ‬
‫جادّ سيظفر بنشوة النّصر وقيمة الوجود‪.‬‬
‫ن للكاتب عدة إصدارات‪ ،‬أشهرها رواية الخبز الحافي التي‬ ‫نذكر أ ّ‬
‫شرت بالعربية بعد ‪ 10‬سنوات على إصدارها بالفرنسيّة‪ .‬وله‬ ‫ْ‬ ‫نُ‬
‫ضا زمن األخطاء‪ ،‬ومجنون الورد‪ ،‬وغيرها‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫أي ً‬
‫مذكّراته مع جان جينيه وبول بولز وتينيسي ويليامز‪.‬‬
‫لقراءة هذه القصة كامل ًة‪ ،‬أنقر ‪ :‬اآلداب‬

‫‪19‬‬
‫‪2015‬‬ ‫المصدر‪ :‬االدوحة‬

‫ميزان ‪ ..‬رضوى عاشور‬

‫ها هو الموت يختطف ُعنوة واحدةً من أهم كاتبات جيل الستينيات‪ ،‬رضوى عاشور (‪ 26‬مايو‪/‬أيار‬
‫‪ 30 – 1946‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪ .)2014‬واحدة من أغزر أبناء هذا الجيل عطاء‪ ،‬وأنقاهم‬
‫سريرة‪ ،‬وأصلبهم موقفاً‪ .‬وال غرو فهي االبنة الفعليّة على مستوى الصالبة والموقف‪ ،‬واألدبية على‬
‫مستوى اإلبداع في المجالين السردي والنقدي‪ ،‬ألهم كاتبات الجيل السابق‪ ،‬وأبرز رموزه الفكرية‬
‫واألدب ية على السواء‪ :‬الدكتورة لطيفة الزيات‪ .‬وحينما نقول أهم كاتبات جيل الستينيات‪ ،‬فذلك ال‬
‫يعني أنها أهم كاتبات هذا الجيل في مصر وحدها‪ ،‬وهي بالفعل كذلك‪ ،‬فليس بين كاتبات مصر من‬
‫جيلها‪ ،‬أو حتى األجيال الال ِحقة َم ْن يضاهيها مكانة‪ ،‬أو يماثلها ُعمقا ً وإنجازاً؛ وإنما هي أهم الكاتبات‬
‫على الساحة األدبية العربية العريضة‪ ،‬التي تمتد من العراق شرقا ً حتى المغرب غرباً‪ ،‬ومن سورية‬
‫شماالً حتى السودان جنوباً‪ .‬وسوف ندرك مدى صدق هذا الحكم حينما نتعرّف إلى مسيرتها‬
‫وإنجازاتها في هذا الملف‪ ،‬الذي تقدمه «الدوحة» تحيّةً وتكريما ً للراحلة رضوى عاشور‪.‬‬

‫رواية تاريخية مختلفة‬


‫أمجد ناصر‬
‫تبدو لنا رواية رضوى التاريخية أقرب إلى قناع لواقع راهن أكثر مما هي استعادة لحظة ذهبية في‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫عندما يف ِّكر المرء بالرواية التاريخية تخطر في باله الكتابة وارتباطها بقضية ما‪ .‬وهذا نوع من‬
‫نر‪ ،‬في‬‫االلتزام لم يقصده المصطلح األدبي الشهير المرتبط‪ ،‬في أذهاننا‪ ،‬بـ «جان بول سارتر»‪ .‬لم َ‬
‫مد َّونتنا الروائية العربية‪ ،‬منذ روايات جورجي زيدان‪ ،‬رواية تاريخية ليست مرتبطة‪ -‬إلى ح ّد كبير‪-‬‬
‫بقضية معينة‪ .‬فهي عند البستاني‪ ،‬وفرح أنطون‪ ،‬ويعقوب صروف تمثِّل لحظة بروز «الفكرة‬
‫القومية» العربية في مواجهة التتريك العثماني‪ .‬ليس من قبيل الصدفة أن هؤالء‪ ،‬وبضعة ر ّواد من‬
‫طرازهم‪ ،‬كانوا وراء بروز النزعة القومية العربية‪ ،‬أو ما ُس ِّمي فكر النهضة الذي استهدف‬
‫استنهاض البعد العربي لغة وتاريخا ً وجغرافيا‪ ،‬المطموس بسياسات التتريك‪ ،‬وإيجاد مساحة‬
‫مشتركة مع ذات متململة في هويّتها‪ :‬بين عربيّتها و«خالفة» العثمانيين اإلسالمية‪ .‬فالفكرة العربية‪،‬‬
‫عند جيل الكتابة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر المستلهمة من الفكرة القومية األوروبية‪،‬‬
‫مثَّلت الح ّل األفضل لألقلّي في وسط األكثري‪ ،‬والتنبيه إلى روابط مغيَّبة بين «األقلي» و«األكثري»‬
‫ليس أقلّها اللغة المشتركة والجغرافيا الخاضعة لهيمنة «اآلخر التركي» في اآلستانة‪ .‬أظن أن معظم‬
‫الجهد األدبي واللغوي العربي‪ ،‬الذي بُ ِذل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬وصوالً إلى‬
‫انهيار الخالفة العثمانية في العقد الثاني من القرن العشرين‪ ،‬كان يصبُّ في هذا المنحى‪ ،‬وهذه هي‬
‫الفترة التي بلغت فيها سياسات التتريك أوجها‪.‬‬

‫من هذا المنظور أفهم الرواية التاريخية العربية المب ِّكرة وصوالً إلى جورجي زيدان‪ .‬ثم كان هناك‪-‬‬
‫في المقابل‪ -‬بروز للبعد الفرعوني في الكتابة األدبية المصرية تمثَّ َل في بضع روايات تاريخية‬
‫شارك ف يها نجيب محفوظ‪ ،‬رائد الرواية العربية الحديثة‪ ،‬بثالث روايات قبل أن يكتشف عبث‬
‫المض ّي في تحويل شخصيات وأحداث من الماضي الفرعوني‪ ،‬منبت الجذور‪ -‬تماما ً‪ -‬مع البيئة‬
‫‪20‬‬
‫االجتماعية المصرية الراهنة إلى روايات وأعمال أدبية أخرى‪ ،‬فعمد إلى الرواية االجتماعية كما‬
‫كانت عليه في المنجز الروائي الفرنسي والبريطاني في أواخر القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫ماتت الرواية التاريخية العربية مع بروز «قضايا» أخرى‪ ،‬و«التزام» من نوع آخر سادا في الحياة‬
‫العربية بفضل تط ّور الوعي االجتماعي وانتشار مذاهب االشتراكية والواقعية في السياسة واألدب‪.‬‬
‫صارت هناك قضايا تخصّ الواقع الراهن استغرقت معظم النتاج اإلبداعي العربي الخمسيني‬
‫والستيني وصوالً إلى السبعيني‪ .‬لكن‪ ،‬ال شيء ينتهي على ما يبدو إذ ستبرز الرواية التاريخية من‬
‫جديد‪ ،‬أو الرواية التي تتَّخذ من واقع تاريخي قناعا ً لها‪ .‬وهنا تبرز الروائية الراحلة رضوى عاشور‬
‫بثالثيتها عن غرناطة‪.‬‬

‫تبدو لنا رواية رضوى التاريخية أقرب إلى قناع لواقع راهن أكثر مما هي استعادة لحظة ذهبية في‬
‫التاريخ؛ فلو أننا نزعنا أسماء العلم‪ ،‬التي تشير إلى مكان وزمان معينين‪ ،‬لبدت لنا رواية مكتوبة عن‬
‫زماننا‪ ،‬بلغة زماننا وانشغاالته المتشابهة‪ .‬وهذا أمر لم يفعله جمال الغيطاني الذي تناول واقعا ً‬
‫تاريخيا ً مصريا ً بلغة تكاد تنتمي إلى زمان الواقعة التاريخية كأنها (لنقل «الزيني بركات») قطعة‬
‫أدبية متسلِّلة من التاريخ‪ .‬أو ما فعله يوسف زيدان في روايته «عزازيل» التي تتَّكىء إلى لغة عربية‬
‫ق‪ .‬وهنا يُبِ ّز‬
‫توحي بأنها تراثية‪ ،‬وترمي (أي الرواية) إلى القول إن النسطورية هي المسيحية الح ّ‬
‫«الغرض» ذاته بوضوح‪ ،‬وال يبدو أنه يضمر شيئا ً غير هذه المنافحة الحماسية عن لحظة تاريخية‬
‫فارقة في تاريخ المسيحية‪ .‬عند رضوى عاشور ال تضع الرواية التاريخية هذه األقنعة على وجهها‪.‬‬
‫تعود عاشور إلى غرناطة لتصل إلى واقع‪ ،‬أو ما هو مثيل له‪ ،‬في الواقعة التاريخية‪ .‬كانت غرناطة‬
‫في الذكرى الخمسمئة لسقوطها مغرية لكتابات إبداعية كثيرة‪ ،‬بينها ديوان محمود درويش الشهير‬
‫والجميل «أحد عشر كوكبا ً على المشهد األندلسي»‪ ،‬و«في ظالل الرمان» الجزء األول من خماسية‬
‫اإلسالم لطارق علي‪ ،‬ورواية «غرناطة» لرضوى عاشور‪ .‬كان لهذه االستعادات أغراض شتى‪.‬‬
‫لع ل ما أرادت رضوى أن تقوله‪ ،‬مع درويش‪ ،‬هو أننا نعيش لحظة مشابهة في واقعنا التاريخي‬
‫الراهن‪ ،‬وأن هناك غرناطة أخرى سقطت‪ ،‬وأندلسا ً يكفينا كتابة وشجنا‪ ..‬ولن تتوقف رضوى عند‬
‫الح ّد من اإلحالة البعيدة على القضية التي ستتبلور أكثر في روايتها «الطنطورية» التي تذهب‬ ‫هذا َ‬
‫مباشرة إلى النكبة الفلسطينية‪.‬‬

‫سالم على روحك يا رضوى‪.‬‬

‫(كامل)‬

‫**************************************************‬

‫‪21‬‬
‫مفهوم األدب‬
‫شروق محبوب ‪ ١٤ -‬مارس ‪٢٠١٦‬‬

‫كلمة األدب في العصر الحالي تعني الكالم البليغ الذي يؤثر في نفوس القرّاء سواء كان شعراً أو‬
‫نثراً‪ ،‬ولقد تط ّور هذا المفهوم على مر العصور واتّخذ العديد من المعاني حتى تك ّون بهذه الصياغة‬
‫وهذا المعنى‪.‬‬

‫أصل كلمة األدب في اللغة العربية‬

‫إن أصل كلمة األدب من مأدبة‪ ،‬فقد كان العرب في الجاهلية يُطلقون على الطعام الذي يدعون إليه‬ ‫ّ‬
‫الناس مأدبة‪ ،‬وبعد دعوة الرسول محمد إلى اإلسالم تح ّول المقصود بكلمة األدب إلى مكارم‬
‫األخالق‪ ،‬حيث جاء في الحديث النبوي‪" :‬أدبني ربّي فأحسن تأديبي"‪ ،‬وبعد ذلك تط ّور مفهوم األدب‬
‫في العصر األموي إلى التعليم فكان ال ُمؤدِّب يقوم بتعليم ال ّشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم‪،‬‬
‫والحقا ً في العصر العباسي ألّف ابن المقفع رسالتي األدب الكبير واألدب الصغير‪ ،‬وهما عبارة عن‬
‫فإن مفهوم األدب أصبح‬‫رسالتان تحتويان على العديد من الحكم والنصائح األخالقية الراقية‪ ،‬وبهذا ّ‬
‫أشمل وأع ّم وبات يعني التهذيب والتعليم‪ ،‬ولقد أُطلق على مجموعة من الكتب في ذلك الوقت كتب‬
‫األدب ومنها‪ :‬البيان والتبيين للجاحظ‪ ،‬الكامل في اللغة واألدب للمبرد‪ ،‬العقد الفريد البن عبد ربه‪.‬‬

‫مفهوم األدب المعاصر‬

‫ُدرج جميع ما‬ ‫في العصر الحديث أصبح مفهوم األدب يد ّل على معنيين‪ ،‬األ ّول معنى شامل وعام وي ِ‬
‫يُكتَب في اللغة من العلوم واآلداب تحت مفهوم األدب‪ ،‬والثاني معنى خاص ويُقصد به أنّه ال ب ّد أن‬
‫يكون الكالم ذا معنى ويتّصف بالجمال والتّأثير ليكون أدباً‪ ،‬ويشمل العديد من أساليب الكتابة‬
‫الشعرية والنثرية والمسرحيات والروايات واألمثال‪ ،‬ومن هذا المنطلق وضع سيّد قطب للعمل‬
‫األدبي ثالثة شروط هي التجربة الشعورية والتعبير واإليحاء‪ ،‬وهو يُفسّر مفهوم األدب على أنّه‬
‫التعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية‪ ،‬لذلك يوضّح أنّه ال يُمكننا اعتبار الكثير من الكتب‬
‫العلمية أو التّاريخية أو أي كتب مد ّونة تدوينا ً جميالً على أنّها من الكتب األدبية‪.‬‬

‫يُعبّر األدب عن تجربة شعورية شخصية للكاتب فيها إحساس وانفعال شخصي‪ ،‬هذه التجربة ينقلها‬
‫المؤلف عبر الكتابة والتعبير عن هذه االنفعاالت واألحاسيس في صور لفظيّة ذات داللة لغوية حتى‬
‫فن تعبيري يُعبّر به اإلنسان ع ّما يجول في خاطره من مشاعر وأفكار‬ ‫يتك ّون األدب‪ ،‬واألدب ّ‬
‫وخواطر وقضايا تشغله‪ ،‬بكالم فن ّي متميّز عن الكالم العادي بطريقة تركيبه وصياغته وجماله‪،‬‬
‫ومن العناصر المه ّمة في األدب اإليحاء فكلّما كانت طريقة تصوير المؤلّف ألفكاره وأحاسيسه‬
‫إيحائيّة كلما كانت مؤثرة في نفوس القّراء‪ ،‬وبهذا يتميّز األدب عن الكتابة العلميّة البحتة التي تحتوي‬
‫على الحقائق كما هي دون أن تنقل تجربة إنسانية انفعالية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ماهي خصائص القصة القصيرة ؟‬
‫مارس ‪(www.almrsal.com) 2017 ,14‬‬

‫تعد القصة القصيرة من أحد تلك األشكال األدبية النثرية في اللغة العربية ‪ ،‬حيث كانت قد أنتقلت القصة القصيرة من‬
‫اللغات األوروبية إلى اللغة العربية ‪ ،‬و ذلك في الفترة الزمنية الخاصة بالقرن العشرين ‪ ،‬و ذلك بعد مرورها بالكثير‬
‫من التحوالت ‪ ،‬و التطور سواء فيما يخص الشكل أو البناء في القرن التاسع عشر في أوربا على يد الكثيرين من‬
‫الكتاب مثل الفرنسي (موباسان) ‪ ،‬و الكاتب الروسي ( أنطون تشيخوف ) ‪ ،‬و الذين لهم الفضل الكبير في التطور ‪،‬‬
‫و التحديث الذي حدث للقصة القصيرة ‪ ،‬و األدب بشكل عام ‪ ،‬أما بالنسبة للعالم العربي فقد كان لحركة الترجمة ‪ ،‬و‬
‫التي كانت بدايتها في مطلع القرن العشرين الدور األكبر ‪ ،‬و العالي في تعريف القراء ‪ ،‬و الكتاب العرب بهذا اللون‬
‫األدبي ‪ ،‬حيث يعتبر (محمود تيمور) ‪ ،‬و المنفلوطي من أوئل الكتاب للقصة القصيرة الحديثة باللغة العربية ‪.‬‬

‫تعريف القصة القصيرة ‪ -:‬يتم تعريف القصة القصيرة لغويا ً على أنها عبارة عن انتقاء األثر ‪ ،‬و تتبعه ‪ ،‬و كذلك‬
‫الحال في الواية ‪ ،‬و األخبار ‪ ،‬حيث أن كال المعنيين شديد الصلة باألخر ‪ ،‬و لعل قول هللا عز وجل في القرآن الكريم‬
‫‪ ،‬و الذي جاء في سورة يوسف ( أنها أحسن القصص ) لخير دليل على ذلك التعريف ‪ ،‬أما بالنسبة لتعريف القصة‬
‫القصيرة اصطالحيا ً فتم تعريفها على أنها هي ذلك المصطلح الذي جاء نشأته من أجل التعريف بين ذلك اللون ‪ ،‬و‬
‫بين القصة العادية ‪ ،‬و ذلك كان من حيث تتبع النقاد ألهم عناصر القصة القصيرة‪ ،‬و الذي يعد الطول من أبرزه ‪ ،‬و‬
‫مع ذلك فإن الق صة القصيرة يتوافر بها كافة عناصر القصة الطويلة من وجود زمان ‪ ،‬عالوة إلى المكان ‪ ،‬و‬
‫الموضوع مع توافر اإلمكانية لدى الكاتب في االستغناء عن أحدها بل أن القصة القصيرة تتميز عن القصة الطويلة‬
‫بأن كاتبها يركز على أسلوب السرد ‪ ،‬و اختيار المفردات بشكل عالي ‪ ،‬و ذلك من أجل أت يصل بفكرة أو مجموعة‬
‫أفكار القصة إلى القارئ ‪ ،‬و ذلك باستخدام عدد أقل من الكلمات أي أنه يمكن تعريف القصة القصيرة بشكل عام‬
‫على أنها هي ذلك النص األدبي النثري الذي يعمل على تصوير موقف معين أو شعوراً إنسانيا ً ‪ ،‬و ذلك بشكالً مكثفاً‬
‫من أجل الوصول إلى تح قيق مغزى معين ‪ ،‬عالوة على أنها يجب أن تكون مكتوبة بشكل عميق من أجل أن تعبر‬
‫عن طبيعة اإلنسان ‪.‬‬

‫الخصائص الخاصة بالقصة القصيرة ‪ -:‬يوجد للقصة القصيرة عدداً من الخصائص الخاصة بها ‪ ،‬و هي ‪-:‬‬

‫أوالً ‪ -:‬الوحدة ‪ -:‬و المقصود بها أن تتضمن القصة فكرة واحدة أو حدثا ً واحداً مع وجود شخصية أساسية لها هذا‬
‫عالوة على إضافة هدف واحد لها ‪ ،‬و ذلك من أجل أن يركز الكاتب لها كل إبداعاته في هدفا ً واحداً ‪ ،‬و دون أن‬
‫يبتعد عنه ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ -:‬التكثيف ‪ -:‬و هو يعني التوجه بشكالً مباشراً إلى هدف القصة التي تبتغيه ‪ ،‬و ذلك من خالل أول كلمة فيها‬
‫‪ ،‬و من بعد ذلك يكثر الكاتب لها من الجمل القصيرة ‪ ،‬و ذات الدالالت العالية ‪ ،‬و الكثيرة ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ثالثا ً ‪ -:‬الدراما ‪ -:‬و هي المقصود بها أهمية توافر ذلك المزيج من الحيوية ‪ ،‬و الحرارة ‪ ،‬و الديناميكا في القصة‬
‫القصيرة ‪ ،‬و ذلك حتى ‪ ،‬و لو كانت خالية من الصراعات الخارجية ‪.‬‬

‫العناصر الخاصة بالقصة القصيرة ‪ -:‬يوجد للقصة القصيرة عدداً من العناصر الخاصة بها ‪ ،‬و هي ‪-:‬‬

‫أوالً ‪ -:‬عنصر الرؤية ‪ -:‬و هو ذلك الجوهر الذي تدور في األساس حوله القصة ‪ ،‬و هي يطلق عليها مسمى (النواة‬
‫الفكرية ) ‪ ،‬و في الكثير من األحيان قد تصدر عن الكاتب دون أن ينتبه لذلك كنتيجة لخبرته ‪ ،‬حيث أنها في النهاية‬
‫ما تعبر عن مفاهيمه ‪ ،‬و مبادئه الخاصة بالحياة ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ -:‬عنصر الموضوع ‪ -:‬و هو المقصود به ذلك الحدث الذي تدور حوله القصة ‪ ،‬و هو يعد ذلك األساس الذي‬
‫يتمكن من خالله الكاتب للقصة من إظهار مهاراته ‪ ،‬و يحدد له زمانا ً ‪ ،‬و مكانا ً معيناً ‪ ،‬و هو يتمثل في مجموعة من‬
‫األنماط السلوكية ‪ ،‬و العالقات اإلنسانية المختلفة ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ -:‬عنصر اللغة ‪ -:‬و هو ذلك العنصر األساسي الذي يعد أساسا ً للعمل األدبي ‪ ،‬حيث أنه لوال وجوده لما تمكن‬
‫الكاتب من توصيل رؤيته إلى القراء ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ -:‬عنصر الشخصية ‪ -:‬و هو المقصود به الحدث األكبر الذي بنيت عليه القصة ‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ -:‬عنصر البناء ‪ -:‬و هو يكون عبارة عن ثالثة من المراحل األساسية المرحلة االبتدائية أو التمهيدية ‪ ،‬و‬
‫المرحلة الوسطى ‪ ،‬و التي يظهر فيها الصراع هذا باإلضافة إلى النهاية ‪ ،‬و التي يكون فيها إظهار محتوى العمل ‪،‬‬
‫و هدفه ‪.‬‬

‫سادسا ً ‪ -:‬عنصر األسلوب الفني ‪ -:‬و هو يتم من خالله تصوير الحدث الذي تدور حوله القصة ‪ ،‬و هو يتألف من‬
‫ثالثة عناصر ‪-:‬‬

‫العنصر األول ‪ -:‬و هو السرد ‪ ،‬و الذي يكون عبارة عن وصف أو تصوير ‪.‬‬

‫العنصر الثاني ‪ -:‬و هو الحوار أو المحادثة أو الكالم ‪ ،‬و الذي يدور فيما بين الشخصيات ‪ ،‬و من خالله يتعرف‬
‫الكاتب على المضمون الخاصة بالقصة عالوة على أنه من خالله يتم تقديم الشخصيات المختلفة عالوة على األحداث‬
‫‪ ،‬و التي تتعاون مع بعضها البعض لتكون في النهاية عمالً أدبيا ً بصورة جيدة ‪ ،‬و مثالية ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ازدهار فن القصة القصيرة‬
‫عمان ‪ -‬الوطن ‪ -‬عمر أبو الهيجاء‬

‫الوطن ‪ 17‬أيار ‪ /‬مايو ‪2017‬‬

‫يرى بعض المبدعين أن القصة القصيرة بدأت تعود بقوة في اآلونة األخيرة‪ ،‬وهناك توجه حقيقي‬
‫نحو كتابتها‪ ،‬فيما يؤكد ممن يمارسون الكتابة القصصية أن فن القصة القصيرة هو الفن األصعب‪،‬‬
‫وهذا الفن يحتاج تكثيفا عاليا ومهارة خاصة من المبدع ليسجّ ل عوالمه‪ ،‬فيما يرى بعض أن هذا‬
‫التراجع في القصة القصيرة وتفوق الرواية عليها فإنهم يرون أن المستقبل سيكون لصالح القصة‬
‫القصيرة‪».‬‬
‫يقول الروائي والناقد د‪ .‬محمد القواسمة‪ :‬في عام ‪ 1968‬قال الناقد الفرنسي المعروف روالن‬
‫بارت صاحب كتاب درجة الصفر للكتابة بموت المؤلف‪ ،‬ثم توالى القول بموت أجناس الفنون‬
‫األخرى وأنواعها‪ :‬موت الشعر‪ ،‬موت السيرة‪ ،‬موت القصة القصيرة‪.‬‬
‫تعايش‬
‫ً‬
‫في الحقيقة إن الفنون يتعايش بعضها مع بعض‪ ،‬وال يمكن أن تموت ما دام اإلنسان موجودا‪ ،‬فهي‬
‫مرتبطة بوجوده‪ ،‬ولكن المالحظ أن بعضها يتقدم على غيره من ناحية اهتمام الناس؛ فكان الشعر‬
‫ديوان العرب‪ ،‬ثم تراجع ليحل محله في عصر العولمة السرد‪ ،‬وتق ّدمت الرواية على غيرها من‬
‫األنواع السردية‪ ،‬وبخاصة القصة القصيرة التي شهدت ازدهاراً كبيراً في حقبة الستينيات‬
‫والسبعينيات من القرن الماضي‪ .‬لقد غدت الرواية ديوان العرب بعد تقلص دور ديوانهم األول‪،‬‬
‫الشعر‪ ،‬وتراجع فن القصة القصيرة‪ ،‬وهو الفن السردي الوحيد الذي يقترب من الشعر‪ ،‬ويتميز‬
‫بدرجة عالية من التركيز والتكثيف في عناصره الجمالية والمضمونية‪ .‬إن اإلنسان في هذا العصر‬
‫لم يعد يرغب في ارهاق عقله‪ ،‬إنه يريد أن يصل إلى المعني دون جهد عقلي‪ .‬كما أنه بات يعاني‬
‫من الوحدة واإلحساس بالعزلة التي أوجدها التقدم الهائل في وسائل التواصل االجتماعي‬
‫وتكنولوجيا المعلومات‪ .‬لقد وجد في الرواية ما ينقذه من عزلته‪ ،‬ويخفف من معاناته ألنها الفن‬
‫الذي تتداخل فيه األجناس الكتابية من شعر ومسرح وسيرة وأدب رحلة وتاريخ‪ ،‬وهو الفن القادر‬
‫دون غيره من الفنون على عرض الواقع نابضً ا بالحياة وتحليله وكشفه‪ ،‬وطرح أسئلة الوجود‬
‫والحياة‪ .‬وإذا كنا نعاين هذا التراجع في القصة القصيرة وتفوق الرواية عليها فإننا نرى أن‬
‫المستقبل سيكون لصالح القصة القصيرة؛ فبعد أن يستقر هذا التطور المتسارع في تكنولوجيا‬
‫العصر‪ ،‬وتستقر ظروف اإلنسان وأحواله االجتماعية واالقتصادية والسياسية والنفسية التي جعلها‬
‫عصر العولمة في اضطراب شديد سيعود إلى القصة القصيرة ليلج عالمها وأسرارها العميقة ‪.‬‬
‫ويرى القاص مفلح العدوان‪ :‬أن القصة القصيرة بدأت تعود بقوة في اآلونة األخيرة‪ ،‬وهناك توجه‬
‫حقيقي نحو كتابتها‪ ،‬بحث أننا من الممكن أن نبدأ بتوثيق مرحلة جديدة من نهوض القصة القصيرة‪،‬‬
‫خاصة وأنها تتواءم مع وسائط االتصال الحديثة‪ ،‬وأيضا تعبر عن االلتماعة والسرعة التي تحكم‬
‫طبيعة هذا العصر‪ ،‬كما أننا الحظنا بروز عدد من الجوائز العربية في مجال القصة القصيرة‪،‬‬
‫وأظن أن هناك غيرها سيتم اإلعالن عنه قريبا‪.‬‬
‫فن القصة فن حي متجدد يعبر عن الذات التي تريد أن ترسم الكون وما حولها وما داخلها في‬
‫مربع حميمي هو القصة القصيرة خير معبر عن هذا التوق والذات والزمن وأيضا هناك ادوات‬
‫تخدم تقدم ونهوض القصة القصيرة في اآلونة األخيرة‪ ..‬والقادم سيكون فيه أكثر حضورا للقصة‬
‫القصيرة‪.‬‬
‫فضاءات‬
‫أما القاصة د‪ .‬ليندا عبيد فتقول‪ :‬لكل فن من الفنون اإلبداعية جماليته التي تتناول اإلنسان ودواخله‬
‫والمجتمع والعالم من حوله‪ ،‬ولكل أدواته وتقنياته ومساحاته الزمنية والمكانية‪ ،‬فال نستطيع أن‬
‫نقول أن فنا من الفنون ينحسر لمصلحة فن آخر‪ .‬فالقصة القصيرة مثال لها روادها ونقادها‬

‫‪25‬‬
‫ومحبوها‪ ،‬مثلما للرواية فضاءاتها المادية والنفسية‪ ،‬وفضاءاتها الزمنية وشخوصها وتقنياتها‬
‫السردية المتنوعة التي تتضافر فيما بينها لخلق البناء الروائي الذي يطرح مضامين المبدع ورؤاه‬
‫وتصوراته‪ ،‬ولها نقادها ومحبوها أيضا‪ .‬لكننا مؤخرا بدأنا نشهد وفرة وغنى في برامج المسابقات‬
‫الثقافية التي تعنى بالرواية على مستوى الوطن العربي‪ ،‬والمستوى العالمي ويسخر لمثل هذه‬
‫المحــــــافل والمسابقات مبالغ كبيرة من المال يقدمها أشــــــخاص أو مؤسسات مما يزيد من‬
‫اإلقبال عليها‪ ،‬أمام وقد تظلم القصة القصيرة أحيانا‪ ،‬إذ يعتقد بعضهم أنها مجــــــرد حالة ال تتطلب‬
‫جهدا من صاحبها‪ ،‬في حين أنها تحمل في دواخلها وقصرها الذي ينبغــــــــي أن يكون متقنا على‬
‫مستوى التقنية والتكــــــنيك‪ ،‬وعلى مستوى المضامين المتحركة بإمكانية أقصر من الرواية بكثير‪،‬‬
‫إضـــــافة إلى اعتناء ضروري بالتفاصيل والكثافة دون إفراط‪.‬‬
‫والالفت في الساحة الثقافية كثرة األقالم الجديدة التي تكتب الرواية‪ ،‬وازدحام الساحة بروايات‬
‫كثيرة تنتج بسرعة دون غنى في التجربة‪ ،‬واستهالك للزمن المناسب‪ ،‬أو اكتمال أدوات وتملك‬
‫لزمام األمور مما قد يتسبب أحيانا بفهم خاطئ يقول بانحسار القصة؛ فالهوس بإنتاج الكتب‪،‬‬
‫واألهداف الربحية والنفعية على حساب النوع يمأل الساحة برداءات كثيرة‪.‬‬
‫إن القصة والرواية فنان إبداعيان رائدان يقدمان اإلنسان والكون من حوله كما هو كائن‪ ،‬وكما‬
‫ينبغي له أن يكون‪ ،‬يستجليان القبح والجمال بغية خلق جديد للعالم كما يحسه المبدع ويرتئيه‪،‬‬
‫ضمن مساحة تضيق أو تتسع على الورق يخلق الروائي والقاص فوقها عالمه المتخيل الذي ينزاح‬
‫في األغلب عن الواقع‪ ،‬فال نستطيع أن نقول أن أحدهما ينحسر لمصلحة اآلخر ورواجه‪.‬‬
‫الفن األصعب‬
‫وتقول القاصة والناقدة د‪ .‬نهلة الشقران‪ :‬على الرغم من انشغال العالم العربي بالرواية والشعر‪،‬‬
‫فما زلت أرى فن القصة القصيرة هو الفن األصعب‪ ،‬هذا الفن الذي يحتاج تكثيفا عاليا ومهارة‬
‫خاصة من المبدع ليسجّ ل عوالمه‪ ،‬وليس أي كاتب يستطيع كتابة القصة القصيرة‪ ،‬في حين أن‬
‫الشعراء اليوم بدؤوا يطرقون باب السرد‪ ،‬ال سيمّا الرواية أكثر من أي فن آخر‪ ،‬وهذا ألسباب‬
‫عديدة أهما احتوائها على جوانب فكرية ومعرفية وعاطفية وسياسية واجتماعية قد ّ‬
‫تتمثل بالقصة‬
‫أيضا بيد أن قصر حجم القصة يدعو لالختزال والتكثيف‪ ،‬والقارئ يريد التفاصيل كي يتماهى معها‬
‫ويحياها بين الحروف‪ ،‬لكن هذا األمر إذا لم يقترن بالجودة الفنيّة والثقافة واإلحاطة بكل أركان‬
‫الرواية األساسية فلن يؤدي الغرض المقصود‪.‬‬
‫األجناس األدبية في عالقة دائرية‪ ،‬وليست خطيّة لها بداية ونهاية‪ ،‬فتسليط الضوء على الرواية‬
‫سيمرّ في حلقة لولبية تعود القصة لتقف هي أمام بؤرة الضوء‪ ،‬ال انمحاء للجنــــــس المغيّب عن‬
‫الساحة‪ ،‬بل هو تج ّدد وخلق آخر له‪ ،‬وتحوّ ل يثري أساسياته‪ ،‬فالقصة التقليدية أصبحت تتواءم اليوم‬
‫مع القصة الحداثية‪ ،‬وكالهما يسير بهدوء يدعو للبقاء والقوة‪.‬‬
‫فن القـــــصة القصيرة سيثبت بقاءه وتق ّدمه وتطوّ ره يوما بعد يوم‪ ،‬ولن يمحى مهمّا مرّ بتحوالت‪،‬‬
‫وسيبقى القصّ صامدا في الساحة الثقافيّة ليثبت للعالم أجمع قوته‪ ،‬وكل ما يحتاج إليه فقط هو‬
‫اهتمام المؤسسات الثقافية والنقاد وتسليط الضوء على ما يستج ّد منه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫كيف تكتب قصة‬
‫محمد مروان ‪ ٦ -‬أبريل ‪٢٠١٦‬‬

‫القصة هي نوع من أنواع التعابير األدبية العالمية‪ ،‬التي يستخدم فيها كاتب‬
‫القصة سرد أحداث معينة‪ ،‬دارت بين أشخاص معينين‪ ،‬يلعبون أدواراً معينة‬
‫متسلسلة في القصة‪ ،‬ومرتبطة بزمان ومكان معين وقت حدوثها‪ ،‬وقد تكون‬
‫القصة واقعيّة أو من نسج خيال الكاتب‪ .‬تتكون القصة من بداية تشجع القارئ‪،‬‬
‫وعقدة تتصاعد فيها األحداث فتحفز عقل القارئ على التنبؤ باألحداث‪ ،‬ونهاية‬
‫ليست بالشرط أن تكون سعيدة‪ ،‬أو مأساوية‪ ،‬ويلعب عنصر التشويق دوراً‬
‫مهما ً في القصة‪ ،‬حتى يجذب اهتمام القارئ لمتابعة القراءة دون ملل‪.‬‬
‫كيف تكتب قصة‬
‫يمتلك كاتب القصص موهبة‪ ،‬وملكة الكتابة بشكل عام‪ ،‬باإلضافة إلى خيال‬
‫واسع يستطيع ترجمته من خالل مخزون لغوي ثري وقوي‪ ،‬حتى يستطيع‬
‫نسج القصة بطريقة متناسقة‪ ،‬سوف نتحدث عن أهم النقاط التي تساعد في‬
‫كتابة القصة‪:‬‬
‫يجب على الكاتب أن يحدد الهدف العام من القصة‪ ،‬على أن يكون الهدف من‬
‫كتابة هذه القصة إيصال رسالة‪ ،‬وفكرة ها ّمة إلى الناس‪ ،‬أو محاولة تغيير‬
‫سلوك معين‪ ،‬أو ربما معالجة مواضيع مختلفة ت ُخص بيئة معينة‪.‬‬
‫يجب على الكاتب اختيار أسلوب يُناسب مستوى الجمهور القارئ‪ ،‬فكتابة‬
‫قصص األطفال مثالً تختلف عن قصص الكبار‪.‬‬
‫يجب على الكاتب تحديد نوع القصة الذي يريد تأليفها‪ ،‬سواء كانت‬
‫أقصوصة؛ أي قصة قصيرة جداً تُجسد رسالة واقعية‪ ،‬ومختصرة‪ ،‬أو قصة‬
‫قصيرة قد تكون واقعية أو خيالية ويُراعي فيها عناصر القصة( أشخاص‬
‫يلعبون أدوراً رئيسية‪ ،‬وأشخاص يلعبون أدوراً ثانوية‪ ،‬ومكان‪ ،‬وزمان‬
‫مرتبطان‪ ،‬وبداية تُوضح فيها عن شخصيات القصة‪ ،‬وصفاتهم‪ ،‬وما يدور‬
‫ببالهم‪ ،‬وعن بطل القصة‪ ،‬وأحداث متسلسلة‪ ،‬وعقدة تُشوق القارئ‪ ،‬عادة‬

‫‪27‬‬
‫تكون فيها األحداث غير متوقعة‪ ،‬ومفاجئة تتأزم فيها األمور‪ ،‬ثم النهاية‪،‬‬
‫وليس من المشترط بالنهاية أن تحل العقدة‪ ،‬وتأتي بنتائج إيجابية)‪.‬‬
‫على الكاتب تحديد نوع القصة من حيث المضمون‪ ،‬فهناك قصص شعبية‪،‬‬
‫وقصص بوليسية‪ ،‬وقصص اجتماعية‪ ،‬وقصص دينية‪ ،‬وقصص خيالية‪،‬‬
‫وقصص رومانسية‪ ،‬وقصص علمية‪ ،‬وقصص ثقافية‪.‬‬
‫عادةً تتكون القصة القصيرة من نصف صفحة وحتى عشرين صفحة‪ ،‬وممكن‬
‫االستعانة بالصور‪ ،‬وبعض الرموز التي قد تجذب القارئ‪ ،‬ويُراعى فيه نوع‬
‫الخط‪ ،‬وتبا ُعد األسطر‪ ،‬حتى يشعر القارئ بارتياح‪.‬‬
‫يجب على الكاتب أن يكون شغوفا ً بالقراءة‪ ،‬وأن يكون لديه رغبة قوية‬
‫بالكتابة‪ ،‬وعليه أن يكون مطلعا ً بموسوعة المفردات‪ ،‬وأن يكون قارئا ً لمعظم‬
‫وكبار ال ُكتاب حتى يستطيع اإللمام بأساليب القراءة المختلفة ‪.‬‬
‫ال يُشترط في نجاح القصة بأن تكون واقعية‪ ،‬بل من الممكن أن تكون خياليّة‬
‫ي إطار للقصة قد يكون‬ ‫بشكل تام‪ ،‬وممكن أن تمزج بين الواقع والخيال‪ ،‬فأ ّ‬
‫مناسبا ً ما توفّرت فيه الفكرة الجيّدة‪ ،‬وعناصر القصة األخرى‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫عناصر القصة القصيرة جداً‬
‫إسالم الزبون ‪ ٣٠ -‬أكتوبر ‪٢٠١٦‬‬

‫الفن األدبي الذي شاع في العصر الحديث بشكل واسع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعتبر القصة القصيرة جداً نوعا ً من‬
‫واستطاع أن يتحول إلى فن سردي قائم بذاته‪ ،‬ويتميز بحجمه الصغير جداً‪ ،‬والذي ال يتعدى البضعة‬
‫أسطر التي تحتوي على الحدث واألفكار بشكل مكثف ومختزل‪ ،‬كما يتميز هذا الفن األدبي‬
‫بالتصوير البالغي الذي يطغى على السرد المباشر‪.‬‬

‫تقوم القصة القصيرة جداً على حركتين رئيستين‪ ،‬هما الحركة الداخليّة التي تؤسس العالقات النفسيّة‬
‫أن بعض‬ ‫واالنفعاليّة‪ ،‬والحركة الخارجيّة التي تك ّون تقنيات القصة القصيرة جداً‪ ،‬ومن الغريب ّ‬
‫كتاب القصة القصيرة جداً ال يلتفتون إلى هاتين الحركتين أثناء كتابتهم للقصة‪ ،‬متجاهلين ما تحمالنه‬
‫من عناصر وخصائص خاصة ومميزة‪ ،‬فيكتفون ببناء القصة على مستويين‪ ،‬أحدهما سطحي ال‬
‫يتخطى الحدود العاديّة للسرد‪ ،‬واآلخر عميق إلى ح ّد ما بحيث يشد القارئ نحو موضوع القصة‬
‫ومحتواها‪.‬‬

‫إن المفارقة تعني جريان أحداث بشكل عفوي على حساب‬ ‫عناصر القصة القصيرة جداً المفارقة ّ‬
‫أحداث أخرى هي المقصودة والرئيسيّة‪ ،‬كما أنّها تُعرّف شخصيات القصة بحقيقة ما يجري حولها‬
‫من أحداث مناقضة لوضعها الحقيقي‪ ،‬والمفارقة من العناصر الدراميّة للقصة‪ ،‬والتي يلجأ إليها‬
‫الكاتب إلظهار نقيض ما يعنيه‪ ،‬فيظهر المديح بما يشابه الذم‪ ،‬ويظهر الذم بما يشابه المديح‪ .‬تعتبر‬
‫المفارقة في القصة القصيرة جداً تقنية قصصيّة تستخدم لالبتعاد عن السرد‪ ،‬وهي تبعث اإلثارة‬
‫والحماس في نفس القارئ‪ ،‬وعادة ما تنتج من ثنائيّة تحمل بعدين متقابلين أو متضادين مثل الرفض‬
‫والموافقة‪ ،‬والواقعية وغير الواقعية‪.‬‬

‫الحالة المقصود بالحالة هي مواضيع وأحداث القصة‪ ،‬وما تشتمله من حاالت خاصة أو عموميّة‪،‬‬
‫بحيث يلجأ الكاتب إليها إلخماد األحداث السائدة في القصة من أجل التمهيد للمفاجئة من خالل‬
‫الخاتمة‪ ،‬كما توصف الحالة بأنّها مجموعة من حاالت الوعي الكامنة في ذات الكاتب المتمتع بقوة‬
‫الرؤية ودقة المالحظة‪ ،‬والتي تساعده على نقل األفكار للقارئ‪ ،‬وإثارة مشاعر االستفزاز والمفاجأة‬
‫في نفسه‪.‬‬

‫الخاتمة تمثل الخاتمة األهداف أو الغاية التي سعى الكاتب إلى إيصالها للقارئ خالل صياغته‬
‫القصة‪ ،‬وهناك اختالف واضح بين خاتمة القصة القصيرة التي يمكن أن تكون مقفولة‪ ،‬أو مفتوحة‪،‬‬
‫أو رمزيّة‪ ،‬أو واضحة‪ ،‬وخاتمة القصة القصيرة جداً التي تكون وليدة السرد‪ ،‬كما أنّها ال تبرز من‬
‫مضمون القصة الذي يفرض خاتمة معينة‪ ،‬وإنّما تعتبر العنصر األقوى واألهم بين عناصر القصة‬
‫القصيرة جداً‪ ،‬فهي تع ّد نقلة سريعة من داخل النص المحفز إلى خارجه المدهش والمستفز ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫القصة القصيرة جدا‪ :‬جنس أدبي جديد‬
‫االثنين ‪ ٢٥‬كانون األول (ديسمبر) ‪ ،٢٠٠٦‬بقلم جميل حمداوي‬
‫أديب وباحث مغربي‬

‫تمهيـــد أولـــــي‪:‬‬
‫ظهرت القصة القصيرة جدا منذ التسعينيات من القرن الماضي استجابة لمجموعة من الظروف‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية المعقدة والمتشابكة التي أقلقت اإلنسان وما تزال تقلقه‬
‫وتزعجه وال تتركه يحس بنعيم التروي واالستقرار والتأمل‪ ،‬ناهيك عن عامل السرعة الذي‬
‫يستوجب قراءة النصوص القصيرة جدا واالبتعاد عن كل ما يتخذ حجما كبيرا أو مسهبا في الطول‬
‫كالقصة القصيرة والرواية والمقالة والدراسة واألبحاث األكاديمية‪ ....‬كما لم تجعل المرحلة‬
‫المعاصرة المعروفة بزمن العولمة واالستثمارات والتنافس اإلنسان الحالي والسيما المثقف منه‬
‫مستقرا في هدوئه وبطء وتيرة حياته ‪ ،‬بل دفعته إلى السباق المادي والحضاري والفكري واإلبداعي‬
‫قصد إثبات وجوده والحصول على رزقه؛ مما أثر كل هذا على مستوى التلقي والتقبل واإلقبال على‬
‫طلب المعرفة‪ ،‬فانتشرت لذلك ظاهرة العزوف عن القراءة ‪ ،‬وأصبح الكتاب يعاني من الكساد‬
‫والركود لعدم إقبال الناس عليه‪ ،‬كما بدأت المكتبات الخاصة والعامة تشكو من الفراغ لغياب‬
‫الراغبين في التعلم وطلبة القراءة والمحبين للعلم والثقافة ‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ولقد تبلور هذا الجنس األدبي الجديد‪ -‬على حد علمي‪ -‬في دول الشام وبالضبط في سورية‬
‫وفلسطين‪ ،‬ودول المغرب العربي وخاصة في المغرب وتونس على حد سواء‪ .‬إذاً‪ ،‬ماهو هذا الجنس‬
‫األدبي الجديد؟ وماهي خصائصه الداللية والفنية والتداولية؟ وماهي أهم النماذج التي تمثل هذا‬
‫المولود الجديد في عالمنا العربي؟ تلكم هي األسئلة التي سوف نحاول رصدها في مقالنا هذا‪.‬‬

‫تعريف القصة القصيرة جدا‪:‬‬


‫القصة القصيرة جدا جنس أدبي حديث يمتاز بقصر الحجم واإليحاء المكثف والنزعة القصصية‬
‫الموجزة والمقصدية الرمزية المباشرة وغير المباشرة‪ ،‬فضال عن خاصية التلميح واالقتضاب‬
‫والتجريب والنفس الجملي القصير الموسوم بالحركية والتوتر وتأزم المواقف واألحداث‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى سمات الحذف واالختزال واإلضمار‪ .‬كما يتميز هذا الخطاب الفني الجديد بالتصوير البالغي‬
‫الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ماهو بياني ومجازي ضمن بالغة االنزياح والخرق الجمالي‪.‬‬

‫تعدد التسميات والمصطلحات‪:‬‬


‫أطلق الدارسون على هذا الجنس األدبي الجديد عدة مصطلحات وتسميات لتطويق هذا المنتوج‬
‫األدبي تنظيرا وكتابة و اإلحاطة بهذا المولود الجديد من كل جوانبه الفنية والداللية‪ ،‬ومن بين هذه‬
‫التسميات‪ :‬القصة القصيرة جدا‪ ،‬ولوحات قصصية‪ ،‬وومضات قصصية‪ ،‬ومقطوعات قصيرة‪،‬‬
‫وبورتريهات‪ ،‬وقصص‪ ،‬وقصص قصيرة‪ ،‬ومقاطع قصصية‪ ،‬ومشاهد قصصية‪ ،‬و فن األقصوصة‪،‬‬
‫وفقرات قصصية‪ ،‬ومالمح قصصية‪ ،‬وخواطر قصصية‪ ،‬وقصص‪ ،‬وإيحاءات‪،‬والقصة القصيرة‬
‫الخاطرة‪ ،‬و القصة القصيرة الشاعرية‪ ،‬والقصة القصيرة اللوحة ‪....‬‬
‫‪30‬‬
‫وأحسن مصطلح أفضله إلجرائيته التطبيقية والنظرية‪ ،‬و أتمنى أن يتمسك به المبدعون لهذا الفن‬
‫الجديد وكذلك النقاد والدارسون‪ ،‬هو مصطلح القصة القصيرة جدا ألنه يعبر عن المقصود بدقة‬
‫مادام يركز على ملمحين لهذا الفن األدبي الجديد وهما‪ :‬قصر الحجم والنزعة القصصية‪.‬‬

‫موقف النقاد والدارسين من القصة القصيرة جدا‪:‬‬


‫يالحظ المتتبع لمواقف النقاد والدارسين والمبدعين من جنس القصة القصيرة جدا أن هناك ثالثة‬
‫مواقف مختلفة وهي نفس المواقف التي أفرزها الشعر التفعيلي والقصيدة المنثورة و يفرضها كل‬
‫مولود أدبي جديد وحداثي؛ مما يترتب عن ذلك ظهور مواقف محافظة تدافع عن األصالة وتتخوف‬
‫من كل ماهو حداثي وتجريبي جديد‪ ،‬ومواقف النقاد الحداثيين الذين يرحبون بكل الكتابات الثورية‬
‫الجديدة التي تنزع نحو التغيير والتجريب واإلبداع والتمرد عن كل ماهو ثابت‪ ،‬ومواقف متحفظة‬
‫في آرائها وقراراتها التقويمية تشبه مواقف فرقة المرجئة في علم الكالم العربي القديم تترقب نتائج‬
‫هذا الجنس األدبي الجديد‪ ،‬وكيف سيستوي في الساحة الثقافية العربية ‪ ،‬وماذا سينتج عن ظهوره من‬
‫ردود فعل‪ ،‬وال تطرح رأيها بصراحة إال بعد أن يتمكن هذا الجنس من فرض وجوده ويتمكن من‬
‫إثبات نفسه داخل أرضية األجناس األدبية وحقل اإلبداع والنقد‪.‬‬

‫وهكذا يتبين لنا أن هناك من يرفض فن القصة القصيرة جدا وال يعترف بمشروعيته ألنه يعارض‬
‫مقومات الجنس السردي بكل أنواعه وأنماطه‪ ،‬وهناك من يدافع عن هذا الفن األدبي المستحدث‬
‫تشجيعا وكتابة وتقريضا ونقدا وتقويما قصد أن يحل هذا المولود مكانه الالئق به بين كل األجناس‬
‫األدبية الموجودة داخل شبكة نظرية األدب‪ .‬وهناك من يتريث وال يريد أن يبدي رأيه بكل جرأة‬
‫وشجاعة وينتظر الفرصة المناسبة ليعلن رأيه بكل صراحة سلبا أو إيجابا‪ .‬وشخصيا ‪ ،‬إني أعترف‬
‫بهذا الفن األدبي الجديد وأعتبره مكسبا الغنى عنه‪ ،‬وأنه من إفرازات الحياة المعاصرة المعقدة التي‬
‫تتسم بالسرعة والطابع التنافسي المادي والمعنوي من أجل تحقيق كينونة اإلنسان وإثباتها بكل السبل‬
‫الكفيلة لذلك‪.‬‬

‫ولقد انصبت دراسات كثيرة على فن القصة القصيرة جدا بالتعريف والدراسة والتقويم والتوجيه‪،‬‬
‫ومن أهمها كتاب أحمد جاسم الحسين"القصة القصيرة جدا‪1997/‬م"‪ ،‬وكتاب محمد محيي الدين‬
‫مينو" فن القصة القصيرة‪ ،‬مقاربات أولى‪2000/‬م"‪ ،‬دون أن ننسى الدراسات األدبية القيمة التي‬
‫دبجها كثير من الدارسين العرب وخاصة الدكتور حسن المودن في مقاله القيم" شعرية القصة‬
‫القصيرة جدا" المنشور في عدة مواقع رقمية الكترونية كدروب والفوانيس‪...‬ومحمد علي سعيد في‬
‫دراسته " حول القصة القصيرة جدا" ‪ ،‬وحسين علي محمد في" القصة القصيرة جدا‪ ،‬قراءة في‬
‫التشكيل والرؤية"‪،‬وعدنان كنفاني في" القصة القصيرة جدا‪ ،‬إشكالية في النص أم جدلية حول‬
‫المصطلح‪ ،"!...‬والدكتور يوسف حطيني في" القصة القصيرة جدا عند زكريا تامر" ‪ ،‬عالوة على‬
‫مقاالت ودراسات أخرى منشورة هنا وهناك و التي تناولت القصة القصيرة جدا بمقاربات تجنيسية‬
‫وتاريخية وفنية‪.‬‬

‫رواد القصة القصيرة جدا‪:‬‬


‫ومن أهم رواد القصة القصيرة جدا نستحضر من فلسطين الشاعر والقصاص فاروق مواسي‪ ،‬ومن‬
‫سوريا المبدع زكريا تامر‪ ،‬ومحمد الحاج صالح‪ ،‬وعزت السيد أحمد‪ ،‬وعدنان محمد‪ ،‬ونور الدين‬

‫‪31‬‬
‫الهاشمي‪ ،‬وجمانة طه‪ ،‬وانتصار بعلة ‪،‬ومحمد منصور‪ ،‬وإبراهيم خريط‪ ،‬وفوزية جمعة المرعي‪.‬‬
‫ومن المغرب نذكر حسن برطال في مجموعة من أقاصيصه المتميزة بالروعة الفنية وهي منشورة‬
‫في عدة مواقع رقمية وخاصة موقع دروب ‪ ،‬وسعيد منتسب في مجموعته القصصية ( جزيرة‬
‫زرقاء ‪2003‬م)‪ ،‬وعبد هللا المتقي في مجموعته القصصية( الكرسي األزرق ‪2005‬م)‪ ،‬وفاطمة‬
‫بوزيان في كثير من لياليها وكتاباتها الرقمية المتنوعة‪ .‬ومن تونس البد من ذكر الكاتب الروائي‬
‫والقصاص المقتدر إبراهيم درغوثي‪ .‬ومن السعودية البد من ذكر فهد المصبح في مجموعته‬
‫القصصية (الزجاج وحروف النافذة)‬

‫الخصائص الفنية والشكلية‪:‬‬


‫تعرف القصة القصيرة جدا بمجموعة من المعايير الكمية والكيفية والداللية والمقصدية والتي تحدد‬
‫خصائصها التجنيسية والنوعية والنمطية‪:‬‬

‫أ‪ -‬المعيار الكمــــــي‪:‬‬

‫يتميز فن القصة القصيرة جدا بقصر الحجم وطوله المحدد‪ ،‬ويبتدئ بأصغر وحدة وهي الجملة كما‬
‫في قصة المغربي حسن برطال"حب تعسفي"‪ " :‬كان ينتظر اعتقالهما معا‪...‬لتضع يدها في يده ولو‬
‫مرة واحدة"‪ ،‬إلى أكبر وحدة قد تكون بمثابة فقرة أو مقطع أو مشهد أو نص كما عند فاروق مواسي‬
‫وسعيد منتسب وعبد هللا المتقي وفاطمة بوزيان‪ .‬وغالبا ال يتعدى هذا الفن األدبي الجديد صفحة‬
‫واحدة كما عند زكريا تامر وإبراهيم درغوثي وحسن برطال في "ماسح األدمغة" و"كالب‬
‫الگرنة"‪ .‬وينتج قصر الحجم عن التكثيف والتركيز والتدقيق في اختيار الكلمات والجمل والمقاطع‬
‫المناسبة واجتناب الحشو واالستطراد والوصف والمبالغة في اإلسهاب والرصد السردي والتطويل‬
‫في تشبيك األحداث وتمطيطها تشويقا وتأثيرا ودغدغة للمتلقي‪ .‬ونالحظ في القصة القصيرة جدا‬
‫الجمل القصيرة وظاهرة اإلضمار الموحي والحذف الشديد مع االحتفاظ باألركان األساسية‬
‫للعناصر القصصية التي اليمكن أن تستغني عنها القصة إال إذا دخلت باب التجريب والتثوير‬
‫الحداثي واالنزياح الفني‪.‬‬

‫ب‪ -‬المعيار الكيفـــي أو الفنــي‪:‬‬

‫يستند فن القصة القصيرة جدا إلى الخاصية القصصية التي تتجسد في المقومات السردية األساسية‬
‫كاألحداث والشخصيات والفضاء والمنظور السردي والبنية الزمنية وصيغ األسلوب‪ ،‬ولكن هذه‬
‫الركائز القصصية توظف بشكل موجز ومكثف باإليحاء واالنزياح والخرق والترميز والتلميح‬
‫المقصدي المطمعم باألسلبة والتهجين والسخرية وتنويع األشكال السردية تجنيسا وتجريبا وتأصيال‪.‬‬
‫وقد يتخذ هذا الشكل الجديد طابعا مختصرا في شكل أقصوصة موجزة بشكل دقيق في أحداثها كما‬
‫في مقطع حسن برطال من نص‪ ﴿:‬حرب البسوس﴾‪:‬‬

‫"السهام تنطلق‪...‬تضرب‪ ...‬الحناجر تصيح‪ ﴿...‬حبي ليك‪...‬يابالدي‪ ،‬حب فريد‪ ﴾...‬السهام تضرب‪...‬‬
‫األيادي تتشابك‪ ﴿...‬حبي ليك‪...‬يابالدي‪،‬حب عنيف‪﴾...‬‬

‫‪32‬‬
‫السهام تضرب‪ ...‬األجساد تتناطح‪ ﴿...‬الحب الغالي‪...‬ما تحجبو األسوار‪ ﴾...‬انتهت المعركة‪...‬جثث‬
‫هنا وهناك‪...‬صمت‪ ...‬جسد تحرك‪...‬الزالت فيه روح‪...‬حمل اللواء ثم قال ‪ :‬باسمكم جميعا نشكر‬
‫مجموعة السهام‪...‬انه منظم الحفل‪...".‬‬

‫يصورهذا المقطع القصصي القصير حدث الحرب بخاصية السخرية والتلوين األسلوبي‬
‫الكاريكاتوري واإليجاز المكثف بحموالت مرجعية انتقادية قوامها التهكم واألسلبة والتهجين‬
‫والتكرار الساخر‪ ،‬وتوظيف مستويات لغوية مختلفة من أجل خلق باروديا نصية تفضح صيرورة‬
‫التناقض والخالف العربي‪ .‬وعلى الرغم من هذا القصر الموجز‪ ،‬فالنص يحتوي على كل مقومات‬
‫الحبكة السردية من أحداث وشخصيات وفضاء ومنظور سردي وكتابة أسلوبية متنوعة‪.‬‬

‫ويتخذ فن القصة القصيرة جدا عدة أشكال وأنماط كالخاطرة واألقصوصة واللوحة الشعرية واللغز‬
‫والحكمة والمشهد الدرامي وطابع الحبكة السردية المقولبة في رؤوس أقالم كما في (ميركافا) لحسن‬
‫برطال‪ ":‬كان يتكلم عن وقائع المعركة‪...‬صلبة المقاتلين‪...‬خيانة الجيش‪ ...‬ثم الهزيمة‪ ."...‬ومن‬
‫األمثلة على اللوحة الشعرية قصة ( في حوض الحمام) للكاتبة المتميزة فاطمة بوزيان التي كتبت‬
‫بطريقة شاعرية تعتمد على التكرار وموسقة الحروف واالنزياح البالغي‪:‬‬

‫"كان يشعر أن الماء الساخن يذيب كل شحمه الفائض‪...‬‬

‫يذيب كل تعبه‪...‬‬

‫يذيب شكوكه‪..‬‬

‫يذيب سوء التفاهم الذي بينه وبين البسكويت!‬

‫ي‬

‫ذ‬

‫و‬

‫ب‬

‫صار ماء الطفولة له‬

‫فجأة تذكر مجرى الحوض‬

‫هب خائفا فعاد إليه‬

‫شحمه‬

‫تعبه‬

‫شكوكه‬

‫وسوء التفاهم الذي بينه وبين البسكويت"‬

‫‪33‬‬
‫وتظهر هذه الشاعرية أيضا في( عروض خاصة) لفاطمة بوزيان‪:‬‬

‫"في لحظات وحدته القصوى‬

‫كان يخرج هاتفه المحمول‬

‫ويضغط على أزرار الرقم المجاني‬

‫حيث الصوت األنثوي الرخيم‬

‫يذكر بالعروض الخاصة‬

‫وكان يتذكر األنثى واألمور الخاصة"‬

‫وقد تتحول القصة القصيرة جدا إلى لوحة تشكيلية كما في( عولمة ) للكاتبة المغربية فاطمة بوزيان‪:‬‬

‫"هم األستاذ بالكتابة على السبورة تكسر الطبشور‬

‫حاول الكتابة بما تبقى في يده‪ ،‬خربش الطبشور‬

‫السبورة في صوت مزعج‬

‫اغتاظ ‪ .‬والتفت على يمينه قائال‬

‫‪-‬اتفو على التخلف في زمن العولمة يسلموننا‪".‬‬

‫كما تتجسد القصة القصيرة جدا في عدة مظاهر أجناسية وأنماط تجنيسية كالقصة الرومانسية‬
‫والقصة الواقعية والقصة الفانطاستيكية والقصة الرمزية والقصة األسطورية‪ ،‬كما تتخذ أيضا طابعا‬
‫تجنيسيا في إثبات قواعد الكتابة القصصية الكالسيكية‪ ،‬وطابعا تجريبيا أثناء استلهام خصائص‬
‫الكتابة القصصية والروائية المعروفة في القص الغربي الجديد والحداثي‪ ،‬وطابعا تأصيليا يستفيد من‬
‫تقنيات التراث في الكتابة واألسلبة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتتميز الجمل الموظفة في معظم النصوص القصصية القصيرة جدا بالجمل الموجزة والبسيطة‬
‫في وظائفها السردية والحكائية‪ ،‬حيث تتحول إلى وظائف وحوافز حرة بدون أن تلتصق باإلسهاب‬
‫الوصفي والمشاهد المستطردة التي تعيق نمو األحداث وصيرورتها الجدلية الديناميكية‪ .‬وإذا وجدت‬
‫جمل مركبة ومتداخلة فإنها تتخذ طابعا كميا محدودا في األصوات و الكلمات والفواصل المتعاقبة‬
‫امتدادا وتوازيا وتعاقبا‪ .‬وتمتاز هذه الجمل بخاصية الحركة وسمة التوتر واإليحاء الناتج عن اإلكثار‬
‫من الجمل الفعلية على حساب الجمل االسمية الدالة على الثبات والديمومة وبطء اإليقاع الوصفي‬
‫والحالي واالسمي‪ .‬ويتميز اإليقاع القصصي كذلك بحدة السرعة واإليجاز واالختصار واالرتكان‬
‫إلى اإلضمار والحذف من أجل تنشيط ذاكرة المتلقي واستحضار خياله ومخيلته مادام النص يتحول‬
‫إلى ومضات تخييلية درامية وقصصية تحتاج إلى تأويل وتفسير واستنتاج واستنباط مرجعي‬
‫وإيديولوجي‪ .‬ويتحول هذا النص القصصي الجديد إلى نص مفتوح مضمن بالتناص والحموالت‬

‫‪34‬‬
‫الثقافية والواقعية والمستنسخات اإلحالية خاصة عند الكاتب المغربي حسن برطال كما في(‬
‫الثأر)‪،‬و( ماسح األدمغة)‪ ،‬و( ثالث زيارات لمالك الموت)‪،‬و(ميركافا)‪،‬و( الضمير‬
‫المنفصل‪...‬اليستحق أن يكون كلمة)‪،‬و( مي شدياق)‪ ،...‬لذلك يحتاج هذا النص التفاعلي إلى قراءات‬
‫عديدة وتأويالت مختلفة تختلف باختالف القراء والسياقات الظرفية‪ .‬ويساهم التدقيق والتركيز في‬
‫خلق شاعرية النص عبر مجموعة من الروابط التي تضفي على النص الطابع القصصي والتراتبية‬
‫المنطقية والكرونولوجية‪ ،‬بله عن خاصية االختزال والتوازي والتشظي البنائي واالنكسار‬
‫التجريبي‪.‬‬

‫ومن حيث البالغة ‪ ،‬يوظف الكاتب في نصه األجناسي الجديد المجاز بكل أنواعه االستعارية‬
‫والرمزية من أجل بلورة صورة المشابهة وصورة المجاورة وصورة الرؤيا القائمة على اإلغراب‬
‫واإلدهاش والومضات الموحية الخارقة بألفاظ إنشائية أو واقعية تتطلب تأويالت داللية عدة‬
‫لزئبقيتها وكثافتها التصويرية باألنسنة والتشخيص والتجسيد اإلحيائي والتضاد واالنزياح والتخييل ‪.‬‬
‫ويمكن الحديث أيضا عن بالغة البياض والفراغ بسبب اإلضمار واالختزال والحذف ‪ .‬وكل هذا‬
‫يستوجب قارئا ضمنيا متميزا ومتلقيا حقيقيا متمكنا من فن السرد وتقنيات الكتابة القصصية‪ .‬كما‬
‫ينبغي أن تكون القراءة عمودية وأفقية متأنية عالمة ومتمكنة من شروط هذا المولود الجديد‪ ،‬وأال‬
‫يتسرع القارئ في قراءته وكتابته النقدية على الرغم من كون القصة القصيرة جدا هي كتابة سريعة‬
‫أفرزتها ظروف العولمة وسرعة إيقاع العصر المعروف باإلنتاجية السريعة والتنافس في اإلبداع‬
‫وسرعة نقل المعلومات والخبرات والمعارف والفنون واآلداب‪.‬‬

‫ج‪ -‬المعيار التداولي‪:‬‬

‫تهدف القصة القصيرة جدا إلى إيصال رسائل مشفرة باالنتقادات الكاريكاتورية الساخرة الطافحة‬
‫بالواقعية الدرامية المتأزمة إلى اإلنسان العربي ومجتمعه الذي يعج بالتناقضات والتفاوت‬
‫االجتماعي‪ ،‬والذي يعاني أيضا من ويالت الحروب الدونكيشوتية واالنقسامات الطائفية والنكبات‬
‫المتوالية والنكسات المتكررة بنفس مآسيها ونتائجها الخطيرة والوخيمة التي تترك آثارها السلبية‬
‫على اإلنسان العربي ‪ ،‬فتجعله يتلذذ بالفشل والخيبة والهزيمة والفقر وتآكل الذات‪ ...‬كما ينتقد هذا‬
‫الفن القصصي الجديد النظام العالمي الجديد وظاهرة العولمة التي جعلت اإلنسان معطى بدون‬
‫روح‪ ،‬وحولته إلى رقم من األرقام‪ ،‬وبضاعة مادية القيمة لها‪ ،‬وسلعة كاسدة الأهمية لها ‪ .‬وأصبح‬
‫اإلنسان‪ -‬نتاج النظام الرأسمالي "المغولم " ‪ -‬ضائعا حائرا بدون فعل وال كرامة‪ ،‬وبدون مروءة وال‬
‫أخالق‪ ،‬وبدون عز وال أنفة‪ ،‬معلبا في أفضية رقمية مقننة باإلنتاجية السريعة واالستهالك المادي‬
‫الفظيع ‪ ،‬كما صار مستلبا باآللية الغربية الطاغية على كل مجتمعات العالم "المعولمة" اغترابا‬
‫وانكسارا‪.‬‬

‫الخصائص الداللية‪:‬‬
‫يتناول فن القصة القصيرة جدا نفس المواضيع التي تتناولها كل األجناس األدبية واإلبداعية‬
‫األخرى‪ ،‬ولكن بطريقة أسلوبية بيانية رائعة تثير اإلدهاش واإلغراب والروعة الفنية‪ ،‬وتترك‬
‫القارئ مشدوها حائرا أمام شاعرية النص المختزل إيجازا واختصارا يسبح في عوالم التخييل‬
‫والتأويل‪ ،‬يفك طالسم النص ويتيه في أدغاله الكثيفة‪ ،‬ويجتاز فراديسه الغناء الساحرة بتلويناتها‬
‫األسلوبية‪ ،‬يواجه بكل إصرار وعزم هضباته الوعرة وظالله المتشابكة‪ .‬ومن المواضيع التي يهتم‬
‫‪35‬‬
‫بها هذا الفن القصصي القصير جدا تصوير الذات في صراعها مع كينونتها الداخلية وصراعها مع‬
‫الواقع المتردي‪ ،‬والتقاط المجتمع بكل آفاته‪ ،‬ورصد األبعاد الوطنية والقومية واإلنسانية من خالل‬
‫منظورات ووجهات نظر مختلفة‪،‬ناهيك عن تيمات أخرى كالحرب واالغتراب والهزيمة والضياع‬
‫الوجودي والفساد والحب والسخرية و التغني بحقوق اإلنسان‪...‬‬

‫استنتاج تركيبي‪:‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬نسجل ناصحين وموجهين أنه آن األوان لتوسيع شبكة األجناس األدبية و تمديد رقعة‬
‫نظرية األدب بفنون جديدة أفرزتها ظروف العصر وسرعة إيقاع الحياة المعاصرة التي تفرض‬
‫علينا شروطها ومتطلباتها التي ال يمكن االنسالخ عنها أو تجنبها‪ ،‬فال بد إذاً من التكيف والتأقلم مع‬
‫مستجدات السياق الزمني اآلني خاصة الفنية واألدبية منها‪ ،‬والبد للمؤسسات التربوية الجامعية‬
‫والثانوية واإلعدادية واالبتدائية والمؤسسات الثقافية الخاصة والعامة أن تعترف بكل المنتجات‬
‫الجديدة في عالم اإلبداع سواء أكان ذلك مستوردا من الحقل الغربي أم مستنبتا في الحقل العربي ‪،‬‬
‫وذلك بالتعريف والدراسة والتشجيع وفرضها في المقررات والمناهج والبرامج البيداغوجية‬
‫والديداكتيكية‪ .‬ومن هذه األشكال األدبية التي نرى أنه من الضروري االعتراف بها نستحضر أدب‬
‫الخواطر وأدب اليوميات وأدب المذكرات وفن التراسل واألدب الرقمي وفن القصة القصيرة جدا و‬
‫فن الزجل والقصيدة النثرية‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫في الرواية العربية المعاصرة‬
‫هشام العمراني‬
‫أبريل ‪2015 ,27‬‬ ‫بدبل‬

‫على الرغم من حداثة الرواية في الثقافة العربية‪ ،‬فإنها استطاعت أن تكسب ود القارئ‬
‫العربي تدريجيا منذ أن فجرت عينها رواية (زينب) سنة ‪ 1914‬لحسين هيكل ( ‪1888‬‬
‫ـ ‪ )1956‬وهو تاريخ حديث بالكاد يتجاوز القرن من الزمن‪ ،‬حتى ولو ذهبنا إلى ما‬
‫ذهبت إليه يمنى العيد واعتبرنا معها رواية (قلب الرجل) التي صدرت سنة ‪1904‬‬
‫لكاتبة لبيبة هاشم وقبلها رواية لزينب فواز (‪ 1846‬ـ ‪ ) 1914‬حسن العواقب‬
‫الصادرة سنة ‪ 1899‬م كأقدم نص روائي عربي [‪ ]1‬فإن شالل هذا الفن سرعان ما‬
‫تدفق بنتاج يمكن تبويبه عبر مراحل تنوعت من االقتباس والتعريب مع جيل مصطفى‬
‫لطفي المنفلوطي في رواياته المعربة‪ :‬الفضيلة‪ ،‬الشاعر‪،‬في سبيل التاج …‬

‫فمرحلة الترجمة مع رفاق طه حسين الذين درس أغلبهم في أوربا ‪ ،‬قبل أن تبدأ الرواية‬
‫العربية في التأسيس لنفسها مع جيل يحي حقي وتصل إلى مرحلة التبلور والتأصيل مع‬
‫رفاق نجيب محفوظ‪ ،‬وتنتهي إلى مرحلة التحديث مع عبد الرحمان منيف‬
‫وحيدرحيدر وحنا مينه … لكن مع ما عرفه العالم العربي خالل نهاية األلفية الثانية‬
‫وبداية األلفية الثالثة من غزو العراق ونشوب حرب الخليج الثانية جعل الرواية‬
‫العربية تدخل مرحلة مختلفة سنصطلح عليها بالرواية العربية المعاصرة‪ ..‬نحن الذين‬
‫اعتدنا اعتماد األزمات مؤشرات في التحقيب والتأريخ ألدبنا العربي سواء القديم‬
‫منه (نهاية العصر اإلسالمي بمقتل علي‪ ،‬نهاية العصر األموي بدحر األمويين في‬
‫موقعة الزاب وفخ‪ ،‬انتهاء العصر العباسي بسقوط بغداد‪ )..‬أو الحديث ‪ :‬االستعمار‪/‬‬
‫النكبة‪ /‬النكسة‪ /‬حرب الخليج األولى والثانية …‬

‫صرة =‬
‫اخترنا وصف ا (المعا ِ‬ ‫ونحب منذ البداية توجيه قرائنا أننا‬
‫‪ )contemporaine‬بدال من أي وصف آخر للرواية موضوع بحثنا كالرواية‬
‫الجديدة (‪ ،) nouveau‬الحديثة أو الحداثية (‪ )moderne‬حتى نبتعد عن إصدار‬
‫‪37‬‬
‫األحكام من جهة‪ ،‬ولقناعتنا بكون مصطلحا كالحديثة أو الجديدة‪ ..‬مصطلحا مشحونة‬
‫بالمواقف وأحكام القيمة الهادفة لقطع الصلة بكل ما هو موروث‪ ،‬والحكم عليه بالسلبية‬
‫مقابل االنتصار الالـ مشروط لكل ما هو جديد‪ ،‬مما يضعنا أما ثنائية ضدية أحد أطرافه‬
‫مقبول منشود ‪ ،‬واآلخر مرفوض منبوذ‪ ،‬فيما يظل مفهوم المعاصرة مفهوما محايدا‬
‫مرتبطا بالزمن ليس غير‪ ،‬قادر على أن يدخل في جبته كل من كتب في هذا‬
‫العقد والنصف معاصراـ فيما سيحتم علينا مفهوم الحداثة إقصاء روائيين عالجوا‬
‫قضايا تقليدية‪ ،‬أو تبنوا األسلوب التقليدي الكالسيكي في الكتابة الروائية ‪ ،‬ونحن‬
‫المقتنعون أن الرواية المعاصرة لم تشكل قطيعة مع ما سبقها‪ ،‬وال اتخذت مواقف سالبة‬
‫من التراث العربي أو اإلنساني بدليل وجود روائيين انبنت أعمالهم على فكرة االنطالق‬
‫من شيء موروث‪ ،‬أو مخطوط قديم ‪ ،‬أو تصور األحداث وقعت في مرحلة تاريخية‬
‫قديمة … كما أن التركيز على المعاصر والذي نقصد به ما ألف في األلفية الثالثة‬
‫سيسمح بالتركيز على فئة الشباب الذين ال ينالون حظهم من النقد ‪ ،‬دون أن يكون في‬
‫ذلك أي إنكار لعمل الرواد ‪ ،‬إذ قد تكون رواية ألقت في الخمسينات أكثر حداثة من‬
‫رواية صدرت اليوم‪ ،‬هذا ولقناعتنا أيضا بأن الرواية العربية كائن حي ولد في ظروف‬
‫معينة‪ ،‬ونشأ وترعرع وتطور حسب حاجيات المجتمع الذي أصبح أكثر تعقيدا‪،‬‬
‫فأنجب رواية معاصرة تساير هذا التعقيد لها بعض الخصائص التي تفردها كحظور‬
‫الفردانية والدغمائية‪ :‬فهيمن ضمير المتكلم بدال من ضمير الغائب‪ ،‬وسعت إلى اعتماد‬
‫لغة إيحائية تصويرية بعيدة عن التقريرية والمباشرة المألوفة في رواية الخمسينات‬
‫والستينات التي التقط ت أبطالها من حواف المجتمع ‪ ،‬وعوضت البطل الوطني الذي‬
‫هيمن خالل مرحلة االستعمار ببطل اجتماعي تمثل في الموظف والمقهور الذي كان‬
‫يكابد الزمن من أجل تأمين لقمة العيش‪ ،‬قبل أن تتورط روايات سبعينيات القرن‬
‫العشرين في اإليديولوجيا بأن جعلت من الروائي رجال حزبيا متعصبا لمواقفه السياسية‬
‫يصب جام غضبه على من يعتبره عدوه الطبقي أو السياسي‪ ،‬أو غريمه اإليديولوجي‬
‫فاستضافت الرواية بطال رئيسيا جديدا تمثل في المناضل السياسي التقدمي المستعد‬
‫لقضاء زهرة عمره في السجون من أجل مواقفه وأفكاره…‬

‫‪38‬‬
‫لكن الروائي المعاصر وإن سلط منظار سرده على شخصيات بسيطة وعادية من‬
‫مختلف الشرائح فإنه تحول إلى ما يشبه األنتروبولوجي والباحث في التراث‬
‫اإلنساني ينهل من األساطير والرموز ووينفتح على مختلف األشكال التعبيرية محطما‬
‫الحدود بين األجناس األدبية‪ ،‬فتميزت الرواية المعاصرة بعمق الرؤية وإثارة األسئلة‬
‫الكبرى‪ ،‬أكثر من البحث عن األجوبة‪ ،‬فوجد القارئ نفسه أمام روايات شعرية (خاصة‬
‫بعد ولوج عدد من الشعراء ميدان الرواية)[‪ ،]2‬وروايات دسمة حبلى‬
‫باألفكار واإلحاالت التاريخية الفكرية‪ ،‬الفلسفية ‪ ،‬الفنية ‪ ..‬كتابها منفتحون على‬
‫السينما‪ ،‬التشكيل ‪ ،‬الفلسفة ‪ ،‬األديان‪ ،‬األسطورة‪ ،‬الحكاية الشعبية واألنتروبولوجيا‪… ،‬‬
‫فقدموا للقارئ روايات أقرب ما تكون إلى كتب فكرية اعتمد فيها كاتبوها على مراجع‬
‫ومرجعيات متعددة ‪ ،‬وكلفتهم عناء بحث طويل ‪ ،‬وليس أمام روايات تخييلية يختلي فيها‬
‫الكاتب مع نفسه ليخرج للقارئ برواية إبداعية مصدرها الوحيد اإللهام والذاكرة ‪ ،‬وفي‬
‫مقابل ذلك ال بد من التذكير بوقوفنا على عدة روايات معاصرة وجدنا أنفسنا متورطين‬
‫في قراءتها واستعصى علينا أنهاها لغياب أي مؤشر يجعل منها عمال روائيا يرقى إلى‬
‫أدنى مستوى فني يسمح بجعلها مادة للنقد والدراسة…‬
‫ومع ذلك هناك عدد من الروايات التي لقيت نجاحا ‪ ،‬ونالت حظوة القارئ العادي‬
‫والناقد المتمرس‪ ،‬واستطاعت ـ وإن لم تناقش قضايا كبرى ـ أن تحول الصراع من‬
‫الواقع العام إلى صراع داخل الذات ‪ ،‬جاعلة من الذات فضاء لمرايا متقابلة يتناسل فيها‬
‫الدمار والعنف فشكل تيمات دمار القيم‪ ،‬دمار الذات‪ ،‬دمار الحياة تيمات أساسية في‬
‫معظم الروايات فقدمت أبطاال غير أسوياء ‪ ،‬وكأن الرواية المعاصرة تركت العام‬
‫العادي ومحورت متونها حول بعض الحاالت الخاصة في المجتمع‪ ،‬وحتى إن عالجت‬
‫قضية عامة (كقضية البدون في الخليج مثال ) جعلت منها قضية مرتبة بالشخصية‬
‫الروائية وليست قضية رأي عام هكذا وجدنا منها ما يركز على األقليات الدينية‬
‫كاليهودية كما في رواية (في قلبي أنثى عبرية لخولة حمدي) من تونس أو المسحية‬
‫مثلما في رواية (طشاري ) للعراقية أنعام كشاجي وعدد من الرويات المصرية التي‬
‫عالجت مشاكل األقباط‪ ..‬ومنها من جعل من الشذوذ الجنسي همها الوسواسي إذ وجدنا‬

‫‪39‬‬
‫عددا كبيرا من الروايات المعاصرة تالمس بدرجات مختلفة موضوع الشذوذ في‬
‫المجتمع العربي في مشارق العالم العربي ومغاربه من الكتاب الكبار كما فعل عالء‬
‫األسواني في (عمارة يعقوبيان ) أو من الشباب كرواية (العفاريت ) ألبراهيم الحجري‬
‫من المغرب حيث البطل يفضل ممارسة الجنس مع دابته الشهباء على ممارسه مع أي‬
‫امرأة‪ ،‬دون أن تتخلف النساء عن خوض معالجة موضوع الشذوذ في مختلف األقطار‬
‫العربية مغربا كما هو الحال في رواية (طريق الغرام) لربيعة ريحان من المغرب إذ‬
‫البطل الزوج يعاني الشذوذ ويحب أن يمارس عليه الجنس مما أثر في عالقته بزوجته‬
‫عند اكتشافها لشذوذه‪ ،‬أو في الجزائر كما في (اكتشاف الشهوة) لفضيلة الفاروق حيث‬
‫يمارس الشذوذ على البطلة من طرف زوجها السكير منذ ليلة الزفاف إلى أن طلقت‬
‫منه حتى أيام رمضان دون أدنى احترام لمشاعرها وطقوسها اإلسالمية ‪ ،‬وكذلك‬
‫وجدنا في اليمن رواية (زوج حذاء لعائشة) للرواية نبيلة الزبير إذ الزوج (رجل الدين)‬
‫يغتصب ويمارس الشذوذ على زوجاته األربع حتى وهن خاشعات في صالتهن [‪]3‬‬

‫واألكيد أن من يواكب جديد الرواية العربية يالحظ مدى التركيز على األبطال الذين‬
‫يعانون القلق‪ ،‬الخوف‪ ،‬االزدواجية في الشخصية ومختلف األمراض النفسية ليتراجع‬
‫حضور الرواية السياسية ورواية القضايا الوطنية ‪ ،‬بل إغراق الروية العربية‬
‫المعاصرة في التركيز على الذات بتقديم نماذج تمثل المفرد المنغلق الباحث عن الهدوء‬
‫وراحته ( وراء الفردوس لمنصورة عزد الدين نموذجا ) فهمشت الرواية المعاصرة‬
‫لقضايا القومية وحتى القضية الفلسطينية التي ظلت تشكل محورا هاما في الرواية‬
‫العربية بعد النكبة والنكسة كما كان في أعمال غسان كنفاني وإميل حبيبي وغيرهما ‪،‬‬
‫بل أكثر من ذلك هـ ُ ِّمشت القضايا الوطنية القطرية و القومية واإلنسانية الكبرى لحساب‬
‫القضايا الذاتية فكان لكل شخصية روائية قضيتها الذاتية تبحث لها عن مخرج في واقع‬
‫َّ‬
‫لكأن روايتنا أضحت حسب تعبير جورج‬ ‫متشرذم فاسد يعمه الدمار والعنف حتى‬
‫لوكاتش (تاريخ بحث منحط عن قيم أصيلة في عالم منحط) ‪ ،‬لذلك تميزت أفعال معظم‬
‫أبطال الرواية العربية المعاصرة بطابع (التشيطن )[‪ ]4‬فتنوع األبطال بين المحتال‪،‬‬
‫المتملق ‪ ،‬المجنون ‪،‬المجرم الوصولي واألناني المتطرف في كل شيء (في شرب‬
‫‪40‬‬
‫الخمر‪ ،‬في الجنس ‪ ،‬في تعاطي الدعارة…) وغيرها من الشخصيات التي ال تعير‬
‫اهتماما للقيم في مجتمعات عربية تتجه نحو الفردانية واالمتثال لقوانين اللبيرالية‬
‫المتوحشة بشكل يستحيل معه أن نفصل بين ما ينسجه خيال روائيينا وما يدور تحت‬
‫أقدامنا على األرض العربية ‪ .‬ودون القول باالنعكاس اآللي الميكانيكي بين العالمين ‪،‬‬
‫ولكن على األقل عكس إحساس المبدعين بالعجز أمام التحديات الكبرى التي فرضت‬
‫نفسها على واقعنا المعاصر‪ ،‬حتى وإن لم تكن بشكل واقعي صرف فعلى األقل في‬
‫إطار ما سماه لوكاتش (الواقعية الكاذبة للرواية)[‪]5‬‬
‫وإن رأى البعض في كل ذلك عينا سوداوية ينظر بها كتاب الرواية إلى الواقع العربي ‪،‬‬
‫فنحن نرى أن ذلك تعبيرا عن تعدد المرجعيات ‪ ،‬ونوع زوايا النظر للواقع مما جعل‬
‫من ا لرواية أطارا لكل المتناقضات قادرا على تمثيل مختلف الحساسيات والمرجعيات‬
‫الثقافية وإعادة تشكيلها في قالب فني ولعل ذلك ما عجزت عنه عدة فنون أخرى…‬

‫وبالقدر الذي يغرق في العالم العربي في التشرذم واالقتتال تعرف الرواية العربية‬
‫انتعاشا غير مسبوق في الكم والنوع ‪ ،‬انتعاشا تساهم فيه كل األقطار العربية بظهور‬
‫مراكز ثقافية جديدة كانت مساهمتها إلى عهد قريب في اإلبداع الروائي‬
‫ضعيفة‪ ،‬فقدمت أقالما شابة من المشرق والمغرب‪ ،‬ولم تبق ريادة اإلبداع الروائي‬
‫حكرا على المراكز الثقافية التقليدية (مصر والشام ) وإنما انخرطت فيها وبقوة كل‬
‫األقطار واألمصار العربية (الخليج‪ ،‬المغرب العربي‪ ،‬العراق واليمن ‪ )..‬كما لم تبق‬
‫الكتابة الروائية حكرا على الرجال و اقتحمت غمارها أقالم نسائية تفوقت في أحيان‬
‫على الذكور…‪ .‬وقد حتم هذا الزخم على األدب العربي النزول من على صهوة جواد‬
‫الشعر وركوبه ظهر الرواية التي غدت قاطرة الكتابة اإلبداعية لدى العرب بامتياز‪،‬‬
‫بعدما تمكن الروائيون الجدد من تطوير فن الممارسة اإلبداعية شكال تعبيريا وجعلوها‬
‫أكثر أشكال التعبير قدرة على تصوير تشظي الذات والمجتمع العربيين في هذه الفترة‪،‬‬
‫والنو َع األدبي النموذجي األنسب للمرحلة ‪ ،‬المــُولِّد والحاضن ألشكال أخرى‪ ،‬فرضت‬
‫نفسها بقوة‪ ،‬خاصة (المسلسالت التلفزيونية‪ ،‬السينما‪ ،‬المسرح‪ )..‬التي تتخذ من النص‬
‫الروائي منطلقها … فكانت الرواية بذلك أقدر األجناس األدبية على التقاط تفاصيل‬
‫‪41‬‬
‫وذبذبات العصر في وقت كادت بعض األجناس أخرى تقف عاجزة عن مسايرة سرعة‬
‫وإيقاع التفاعالت المتالحقة‪ ..‬إذ تربع الرسم على عرشه العاجي بعيدا عن الواقع بانيا‬
‫جدارا سميكا بينه وبين فئات واسعة من العرب التي تعتبره فنا نخبويا ال يالمس واقعها‬
‫فلم يتمكن من كسب ود الجماهير‪ ،‬كما بقيت األغنية تفرّق كـؤوس الهوى‪،‬الحب‬
‫والغرام على جمهور أشد ما يفتقر إليه هو الحب ‪ ..‬وفضل الشعر أخذ قيلولة – نتمناها‬
‫مرحلية‪ -‬أبعدته عن اهتمامات اإلنسان العربي المعاصر ‪ ،‬جعلت من الشعر ـ رغم‬
‫كثرة الدواوين الصادرة ـ صيحة في واد غير ذي زرع ‪ ،‬الشعراء فيه يرددون (ال حياة‬
‫فيه لمن ينادي…)‬

‫عباب ٍيم متالطمة أمواجه عصي على‬


‫َ‬ ‫مقابل كل ذلك حملت الرواية على عاتقها اقتحام‬
‫الفهم‪ :‬واقع يقوم على صراع نوعي وكمي مختلف عن كل تجليات الصراع‬
‫المعهودة التي نظر لها الفالسفة والمفكرين كصراع األجيال والصراع الطبقي‬
‫وصراع األديان والحضارات… إذ وجد العربي نفسه في لج مرايا متقابلة‬
‫وصراع وقف أمامه مشدوها ال يعرف فيه الصديق من العدو‪ ،‬وال يعرف من يصارع‬
‫من؟ وكل ما يراه أشالء الموتى في كل زاوية دون أن يدرك من يقتل من؟ وألية أهداف‬
‫يتقاتل العرب؟ ولماذا غدت بالد العرب والمسلمين على كف عفريت وبؤرة صراع في‬
‫وقت تنعم باقي بلدان المعمور بالسلم والطمأنينة؟ لكن مقابلها تصوير الواقع فهل تؤثر‬
‫الرواية العربية في واقعها ؟؟ هذا سؤال من الصعب اإلجابة عنه أما ضعف نسب قراءة‬
‫الرواية والقراءة بمعناها العام في أوطاننا العربية !!‬
‫هكذا وجد الروائي العربي المعاصر نفسه يجمع بين الفنان‪،‬المصلح ومؤرخ الحياة‬
‫الخاصة والعامة الميال إلى التقاط أقصى قدر من تفاعالت المجتمع العربي مقتنعا أن ال‬
‫مناص ألداء مهمته من تصوير تفاصيل تناقضات شخصياته‪ ،‬وإماطة اللثام عن‬
‫الجروح الغائرة في الجسد العربي ‪ ،‬فحق لنا القول إن الرواية غدت النوع األدبي‬
‫األكثر نموذجية لواقعنا العربي وأنها (شريحة من الحياة) ‪ ،‬وهذا ما يفسر ذلك النجاح‬
‫الذي حققته بعض األعمال التي طبعت عشرات المرات في وقت وجيز (عزازيل‬

‫‪42‬‬
‫ليوسف زيدان طبعت أزيد من ‪ 20‬طبعة‪ ،‬ساق البامبو لسعد السعنوسي طبعت‬
‫أزيد من ‪ 12‬طبعة في سنة واحدة) وقس على ذلك عددا من األعمال الناجحة …‬

‫يتضح لك عزيزي القارئ أن الرواية العربية المعاصرة إذن أصبحت نوعا من الكتابة‬
‫تميز بخصائص يتحتم علينا االقتراب منها لقناعتنا حسب تعبير بيرسي لبوك أن (هناك‬
‫العديد من المواد المختلفة الواضحة للعين المجربة وضوح الحجر والخشب تدخل في‬
‫بناء الرواية ومن الضروري معرفة الغاية منها )[‪ ]6‬مرتبط زمنيا ببداية األلفية‬
‫الثالثة‪ ،‬وما أنتجه الساردون العرب في حوالي العقد ونصف من مطلع القرن الواحد‬
‫والعشرين‪ ،‬وفنيا بخصائص في الكتابة السردية لم يكن للعرب عهد بها‪،‬‬
‫وطريقة أملتها ظروف المرحلة التي ساهمت في خلق تراكم كمي غير مسبوق‬
‫… وهو نتاج زاخر يكاد يفوق ما أنتج في عقود من التأليف الروائي…‬
‫لكن هذا النتاج الروائي الضخم للرواية المعاصرة لم يصاحبه ما يستحق من النقد حتى‬
‫يقوم بعض اعوجاجه ويساعده على تشكيل كيانه الخاص‪ ،‬ذلك أن الرواية العربية‬
‫بعد نتاج الستينيات والسبعينيات مع مؤلفين كبار أمثال نجيب محفوظ ‪ ،‬عبد الرحمان‬
‫منيف ‪ ،‬يوسف السباعي ‪ ..‬دخلت في العقد األخير من القرن العشرين مرحلة انتقالية ‪،‬‬
‫شاخت فيها األقالم المؤسسة‪ ،‬ولم تستطع األقالم الشابة فرض قلمها بعد‪ ،‬فعاشت‬
‫الرواية ما يشبه مرحلة اجتفاف ومرت من سنوات شبه عجاف‪ ،‬كاد ينضب فيها معين‬
‫السرد العربي… لكن ما أن هلت األلفية الجديدة‪ ،‬وما صاحبها من أزمات توالت على‬
‫العالم العربي بعد حرب الخليج الثانية واجتياح الكويت ‪ ،‬وسقوط بغداد وتفجير الربيع‬
‫العربي وغير ذلك من األحداث التي زلزلت األرض تحت أقدام المبدعين‪ ،‬فأوقدت‬
‫اإلبداع الروائي من سب اته مكرسا مقولة ازدهار اإلبداع األدبي في مراحل الصراع‬
‫واألزمات السياسية؛ ولنا في العصر الجاهلي – حيث صراع القبائل‪ -‬والعصرين‬
‫األموي والعباسي – حيث الفتوحات والصراع مع الفرس والروم‪ -‬وعصر الطوائف‬
‫في األندلس ‪ ..‬حتى تدفق نبع الرواية المعاصرة ‪ .‬لنؤكد أن الرواية عرفت بعد حرب‬
‫الخليج الثانية وما عقبها من صراعات إنتاجا كميا ونوعيا بتأليف عشرات الروايات‬
‫في مشارق الوطن العربي ومغاربه‪ ،‬نعلن منذ البداية صعوبة مواكبتها كلها مكتفين‬
‫‪43‬‬
‫بالوقوف على بعض ما سمحت لنا الظروف بقراءته ومعالجته في هذا الجزء‪ ..‬ومقابل‬
‫هذا السخاء في اإلبداع يالحظ تراجع النقاد للظل‪ ،‬فقل التنظير الروائي مقارنة مع‬
‫مرحلة السبعينيات‪ ،‬ووهنت همم النقاد في متابعة الجديد‪ ،‬بعدما حطمت الرواية الحدود‬
‫التقليدية ‪ ،‬وتخلصت من جلباب األكاديمي الذي ظل يأسرها‪ ،‬فخرجت الرواية‬
‫المعاصرة من أسوار الجامعات والمعاهد‪ ،‬وبحثت لنفسها عن تربة جديدة‬
‫فاستطاعت تقديم أقالم شابة جريئة لها رؤيتها للعالم من حولها‪ ،‬واستطاع التيار أن‬
‫يجرف معه من ال زال قادرا على العطاء من مبدعي جيل السبعينات …‬
‫إن الرواية المعاصرة لم تجعل نفسها سجينة نمط واحد ‪ ،‬وإنما حاول بعض الروائيين‬
‫المعاصرين االنفتاح واالستفادة من األشكال التراثية خاصة أدب الرحلة كما وجدنا في‬
‫روايتي النبطي ليوسف زيدان‪ ،‬ورواية تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية لعبد‬
‫الرحيم الحبيبي… ومنهم من هام في العجائبية ينسج أحداثا في عالم افتراضي خيالي‬
‫يستحيل لعقل تصوره كما في روايتي ضريح أبي لطارق إمام ‪ ،‬وفرانكشتاين في‬
‫بغداد ألحمد سعداوي‪ ،‬ومنهم من غاص في التاريخ القديم أو الوسيط كما فعل يوسف‬
‫زيدان في روايتيه عزازيل والنبطي‪ ،‬وربيع جابر في رواية دروز بلغراد‪ ،‬وعدد منهم‬
‫التفت للتاريخ القريب‪ :‬سواء زمن ما قبل االستعمار (تغريبة العبدي) أو زمن‬
‫االستعمار وما بعده والصراع حول السلطة والشرعية بين نخبة من السياسيين المثقفين‬
‫وخلفاء االستعمار وجعل تيمات الوطنية ‪ ،‬االعتقال والسجون (مثلما وجدنا في الساحة‬
‫الشرفية لعبد القادر الشاوي ورواية طائر أزرق نادر يحلق معي ليوسف فاضل من‬
‫المغرب‪ )..‬مادة للكتابة الروائية المع اصرة‪ ،‬دون أن يمنع ذلك كتاب الرواية الشباب من‬
‫مقاربة القضايا االجتماعية المستحدثة كاإلرهاب منا في رواية (القوس والفراشة لمحمد‬
‫األشعري) ‪ ،‬والعنف‪ /‬التسامح كما في روايتي ‪:‬في قلبي أنثى عبرية لخولة حمدي من‬
‫تونس ‪ ،‬ورواية‪..‬واالستعمار الجديد والتطرف الديني حرمة لعلي المقري و رواية‬
‫زوج حذاء لعائشة الزبير ‪ ،‬الطائفية في الوطن العربي رواية أوهام لنازك سبا‬
‫يارد…‪ ، ،‬توسع المدن‪ /‬استغالل النفوذ والصراع حول السلطة… ناهيك عن القضايا‬
‫التقليدية كالجنس وضعية المرأة في الوطن العربي التي شغلت حيزا هاما في الرواية‬

‫‪44‬‬
‫المعاصرة لدرجة ال تكاد تخلو رواية من إشارات جنسية تصريحا ألو تلميحا بل منها‬
‫ما جعل من الجنس ـ كاتبا كان أو كاتبة ـ بؤرة روايته‪/‬ها األساسية…‬
‫أما من حيث الشكل فقد اتجهت عدة روايات إلى تكسير قواعد الكتابة الروائية‬
‫الكالسيكية؛ بالتخلي عن السرد الخطي التصاعدي المتسلسل ‪ ،‬واللجوء إلى تكسير‬
‫المسرود واعتماد نظام الفوضى في تقديم أحداث عمله لدرجة قد يشعر قارئ بعض‬
‫األعمال غياب ذلك الخيط الرابط بين التفاصيلها‪ .‬نتيجة اإلسراف في التكرار والتركيز‬
‫على تفاصيل ‪،‬قد تبدو لمن اعتاد قراءة األعمال الكالسيكية ‪ ،‬غير ذات جدوى‪ ،‬عندما‬
‫يغرق ا ألبطال في سرد معاناتهم الشخصية في ظل الواقع العربي المأزوم الذي يستحيل‬
‫على مخيال الروائي تقديم حلول له لذلك حاول بعض الروائيين الهروب من‬
‫(اآلن) إلى الماضي فحكت عدة روايات أحداثها في الماضي والهروب من ال (هنا)‬
‫بأن هربت باألبطال إلى خارج الحدود العربية فهربت فوزية شويش السالم في (ساللم‬
‫النهار) بطلتها إلى مكان معزول على قمة جبال والية مسندم الواقعة على رأس‬
‫مضيق هرمز‪ ،‬وطاف كل علي المقري ‪ ،‬وفضيلة فاروق‪ ،‬وبثينة العيسى‪ ،‬وسعد‬
‫السعنوسي ومحمد الشعري … بأبطالهم عي عوالم كثيرة بعيدا عن الواقع العربي‬

‫إن الرواية العربية المعاصرة تعرف تدفقا هادرا ‪ ،‬وزاد من هذا التدفق إنشاء مسابقات‬
‫وطنية‪ ،‬جهوية وقومية شجعت المبدعين على الكتابة والتباري‪ ..‬ساهمت في سطوع‬
‫أسماء جديدة وإخراج الكتابة الروائية من جُبّ ما هو أكاديمي‪ ،‬لتغدو تعبيرا عن‬
‫الحساسية العربية الراهنة وفي مؤلفات دسمة وضخمة من حيث الحجم تجاوز بعضها‬
‫الخمسمائة صفحة ‪ ،‬دون أن يقف الحجم أمام شهية القارئ العربي النهم لكل ما هو جيد‬
‫‪ ،‬فأزاحت الشعر من على برجه العاجي واقتنع معظم الشعراء بدواوين في بضع‬
‫صفحات‪ ،‬بعدما ضاعفت الرواية المعاصرة من سرعتها مع تزايد قرائها ‪ ،‬وكثرة‬
‫إصداراتها إبداعا فاستحقت لقب (ديوان العرب المعاصر) وهو تدفق لم يواكبه –‬
‫لألسف‪ -‬نفس التدفق في النقد الروائي تنظيرا وتحليال‪ ،‬فظل عدد من الروائيين تائهين‬
‫كمن يقود سفينة دون بوصلة‪ ،‬وفي غياب المصاحبة النقدية تجن على بعض األعمال‬

‫‪45‬‬
‫الجادة التي لم تجد من يوصلها للقارئ‪ ..‬وتجن على بعض المواهب التي كانت في‬
‫حاجة إلى تنبيهها لعيوبها لتتجنبها في أعمالها الالحقة‪..‬‬
‫هذه بعض المالحظات العام على عوالم الزالت في إطار التبنين والتفاعل ‪ :‬تفاعلها‬
‫كنصوص مع مواقع غير مستقر ‪ ،‬وتفاعل القارئ معها مما جعل منها مادة حبة يصعب‬
‫دراستها سانكرونيا أو دياكرونيا ‪ ،‬فلم يبق أمامنا إال مالحظتها في تفاعلها من وجهة‬
‫نظرنا ‪ ،‬وقد تكون لنا غير هذه النظرة لو الحظناها من زاوية أخرى أو في ظروف‬
‫أخرى … يتبع‬

‫– الرواية العربية ـ المتخيل وبنيته الفنية دار الفارابي ط‪ 1‬بيروت ‪ 2011‬ص ‪142‬‬
‫[‪ – ) ]2‬أنظر مقالة حول شعرية الرواية في (القوس والفراشة ) للروائي والشاعر‬
‫المغربي محمد األشعري‬
‫[‪ – ]3‬سيصدر لنا قريبا جزء ثاني عن الرواية العربية المعاصرة بنون النسوة‬
‫[‪ – ]4‬ص‪ -‬عن كتاب الشكل القصصي في القصة المغربية ج ‪ 1‬عبد الرحيم مودن‬
‫منشورات دار األطفال ط‪ – 1988 1‬ص – ‪25‬‬
‫[‪ – ]5‬ص – الرواية كملحمة بورجوازية ت ـ جورج طرابيشي دار الطليعة‬
‫بيروت ط ‪ 1979 1‬ص ـ ‪74‬‬
‫بنية النص السردي من منظور النقد – لحمداني حميد – المركز‬ ‫[‪] 6‬‬
‫الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع – ط‪ – 1999 1‬ص ‪.14‬‬

‫‪46‬‬
‫الواقعية السحرية في الرواية العربية‬

‫القدس العربي ‪ 9‬آب ‪2016‬‬

‫القاهرة ــ «القدس العربي»‪ :‬يتطرق حامد أبو أحمد في كتابه الصادر حديثا ً «الواقعية‬
‫السحرية في الرواية العربية» إلى مفهوم هذا التيار من حيث األسلوب والرؤية في‬
‫األدب العربي‪ ،‬والرواية بشكل خاص‪ .‬يذكر المؤلف في مقدمته أن مصطلح الواقعية‬
‫ال سحرية ال يقتصر على العجائبي فقط في الحكاية‪ ،‬كما في ألف ليلة وليلة‪ ،‬لكنه كتيار‬
‫انتشر في منتصف القرن الفائت له ليس وليد المصادفات‪ ،‬فالواقعية السحرية بمفهومها‬
‫الحديث تقوم على ثالثة ارتباطات أساسية هي العجائبي واألسطوري والسيريالي‪ ،‬كل‬
‫ذلك من خالل استخدام تقنيات القص الحديث‪ ،‬من دون االقتصار فقط على توظيف‬
‫العجائبي في فن الرواية‪.‬‬

‫وال ينفي المؤلف من خالل أقوال كتاب أمريكا الالتينية أنفسهم األهمية القصوى لكتاب‬
‫ألف ليلة وليلة‪ ،‬ومدى تأثيره‪ ،‬لكنهم ولظروفهم السياسية واالجتماعية وظفوا وخلقوا‬
‫أساطيرهم وحكاياتهم الخيالية التي تتضافر مع الواقع الروائي‪ ،‬يستشهد المؤلف بآراء‬
‫بورخيس وماركيز في هذا الشأن‪ .‬ويُشير أيضا ً إلى ما يزخر به التراث العربي‬
‫بحكايات وأبيات شعرية تتالمس والعجائبي واألسطوري‪ ،‬والسيريالي ــ حتى في‬
‫النصوص المقدسة ــ األمر الذي يتعدى بنية الحكي إلى البنية العقلية للسارد‪.‬‬

‫‪ .‬ويأتي المؤلف بمناقشة هذا التيار من خالل بعض األعمال الروائية العـــــربية مثل‬
‫«ليالي ألف ليلة» لنجيب محفوظ‪« ،‬الشطار» لخيري شلبي‪« ،‬الغجرية ويوسف‬
‫المخزنجي» إلدوار الخراط‪ ،‬و»الواقعية السحرية في أدب محمد مستجاب»‪ ،‬إضافة‬
‫إلى مناقشة هذا الملمح في أعمال سعيد الكفراوي‪ ،‬عبد العال الحمامصي‪ ،‬وخيري عبد‬
‫الجواد‪ .‬صدر الكتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ويقع في ‪ 314‬صفحة من‬
‫القطع الكبير‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫بنات الرياض‪ :‬مرآة مجتمع في زمن العولمة‬
‫ُكليزار أنور – العراق (عود الند‪ ،‬العدد ‪)61‬‬

‫*"بنات الرياض" رواية للكاتبة رجاء عبدهللا الصانع‪ .‬صدرت عن دار الساقي‪ ،‬بيروت‬
‫(‪ .)2006‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫دائما ً تأخذ األسرار حيزاً كبيراً من االهتمام‪ .‬إنه الفضول نحو المجهول واالطالع عليه‪.‬‬
‫بحجر في‬
‫ٍ‬ ‫واستطاعت الروائية أن تُضيء لنا عالما ً كان غامضا ً بالنسبة إلينا‪ .‬لقد رمت‬
‫بحيرة األسرار‪ .‬واتسعت الدوائر!‬

‫رواية "بنات الرياض" أول إصدار لطبيبة األسنان السعودية رجاء عبدهللا الصانع‬
‫(مواليد ‪ .)1981‬الرواية تحاكي لغة العصر‪ ،‬االنترنيت‪ .‬تبدأ بتاريخ أول ايميل في‬
‫‪ 2004/2/13‬لتنتهي بآخر ايميل في ‪– 2005/2/11‬توقفت فقط خالل شهر رمضان‪.‬‬
‫وعاودت اإلرسال بعد انقضاء الشهر الفضيل‪ -‬خمسون ايميالً وعلى مدار سنة‪ .‬هو‬
‫زمن الرواية‪ ،‬أما زمن الحكايات‪ ،‬فيعود لست سنوات سابقة‪.‬‬
‫ايميالت ترسلها فتاة مجهولة كل يوم جمعة إلى معظم مستخدمي االنترنيت في‬
‫السعودية‪ .‬تقص فيها حكايات صديقاتها األربع (قمرة‪ ،‬ميشيل‪ ،‬سديم‪ ،‬لميس)‪ .‬هذه‬
‫االيميالت خلقت ثورة داخل مجتمع كمجتمع السعودية‪ .‬بحيث يتحول نهار السبت إلى‬
‫ساحات ودوائر للمناقشة في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية‪ .‬وكتبت عنها‬
‫الصحف‪ .‬وتحولت إلى قضية ناقشتها البرامج التلفزيونية‪ .‬والكل يفسر االيميل حسب‬
‫هواه‪ .‬والكل يدلي بدلوه‪ ،‬بين مؤيد ومعارض‪.‬‬

‫ال خلل في الرواية‪ .‬رواية متماسكة دراميا ً ومترابطة من حيث أدوار الشخصيات‪.‬‬
‫هناك سلطة مهيمنة من ساردة واحدة تروي من زاوية واحدة وصوت واحد حكايات‬
‫صديقاتها األربع‪:‬‬

‫"إنني ال أرى عيبا ً أن أُورد عيوب صديقاتي في رسائلي ليستفيد منها اآلخرون ممن لم‬
‫تُتَح لهن فرصة التعلم في مدرسة الحياة‪ ،‬المدرسة التي دخلتها صديقاتي من أوسع‬
‫أبوابها‪ :‬باب الحب!" ص‪.68‬‬

‫ولم تسطر رجاء الصانع جنونا ً روائياً‪ ،‬بل سطرت الواقع كما هو‪ ،‬كمن يرى نفسه في‬
‫مرآة‪ ،‬ومهما كانت العيوب والمزايا‪ .‬كل ما فعلته إنها أزاحت الستار وبكل جرأة –‬
‫وليس عليها‪ -‬عن عالم مخملي ال يعرف أخباره سوى َمن ينتمي إليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫تُحسب لها‪،‬‬
‫قمرة‬
‫أول واحدة تزوجت بينهن‪ .‬وسافرت مع زوجها بعد شهر العسل إلى شيكاغو لكونه‬
‫يُحضر الدكتوراه في التجارة االلكترونية‪ .‬عاشت حياتها الجديدة بكثير من الخوف‬
‫والتوجس بين جدران شقتها الكائنة في الطابق األربعين من (البريزيدنيشال تاورز‪ ،‬أي‬
‫أبراج الرئيس)‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫تعامل معها راشد بجفاء وبرود منصرفا ً عنها لدراسته تاركا ً لها مسؤولية االعتناء‬
‫بالمنزل‪ ،‬وبتصرفه هذا كان يقتلها كل يوم مئات المرات‪ .‬وكم حاولت استمالته‪ ،‬لكن‬
‫دون جدوى!‬
‫وتكتشف خيانته بالصدفة حين وجدت صوره المخزونة في الكومبيوتر‪ .‬وتتصل بهذه‬
‫المرأة اليابانية (كاري) –التي سرقت زوجها منها‪ -‬وتواجهها‪ .‬وعندما يعلم راشد‬
‫ينهرها ويضربها ويأمرها أن تعتذر منها‪ .‬تخبره بأنها حامل متصورة بأن حملها‬
‫أسف‪ .‬وبعد مدة قصيرة يرسل لها ورقة‬ ‫ٍ‬ ‫سيعيده إليها‪ .‬يُسفرها إلى الرياض وبدون‬
‫الطالق‪ .‬وتُرزق بصبي في بيت أهلها تُسميه (صالح) على اسم والد راشد‪.‬‬
‫بعد ثالث سنوات خطبها عقيد عسكري متزوج سابقا ً ولم ينجب‪ .‬ويشرط عليها أن‬
‫تترك ولدها عند والدتها‪ ،‬فرفضته بعد أن صلت صالة استخارة‪ .‬وتفرغت لتربية ولدها‪.‬‬
‫والعمل مع صديقتها (سديم) في شركة تنسيق األعراس والحفالت‪.‬‬
‫ميشيل‬
‫أو (مشاعل) طالبة في كلية الحاسب اآللي‪ .‬ذات الجمال النجدي والشخصية األمريكية‪.‬‬
‫أحبت (فيصل) الشاب المتحضر الذي يعرف كيف يتصرف مع المرأة‪ .‬في عيد الحب‬
‫استلمت منه سلة كبيرة تناثرت فيها الورود والشموع على شكل قلوب‪ .‬واستمرت‬
‫عالقتها به أكثر من سنة‪ .‬الجميع يعتبرونها سيئة لمجرد أن والدتها أمريكية‪ .‬وعندما‬
‫أخبر والدته برغبته باالرتباط بها‪ .‬قامت الدنيا ولم تقعد‪.‬‬

‫كانت صدمتها قوية عندما نقل لها فيصل ما دار بينه وبين أمه تاركا ً لها استنتاج‬
‫األسباب‪ .‬وابتعد عنها بكل بساطة متهربا ً حتى من مسؤوليته في امتصاص ردة فعلها!‬
‫ولجأت إلى طبيب نفسي مصري‪ ،‬لكن هذا الطبيب لم يفهم أبعاد مشكلة نفسية سعودية‪،‬‬
‫فالخلفيات االجتماعية في كل بلد تختلف عن اآلخر‪ .‬وللتغلب على جرحها‪ .‬تركت‬
‫الرياض مغادرة إلى سان فرانسيسكو حيث يسكن خالها لتدرس في إحدى جامعاتها‪.‬‬
‫تأقلمت بسرعة واندمجت في نشاطات الجامعة وكان البن خالها الدور الكبير في‬
‫مشاركاتها هو ورفاقه‪ .‬وفسرت في داخلها اهتمام ابن خالها على أنه حب‪ ،‬فالسنوات‬
‫التي قضتها في السعودية جعلتها تفسر أي اهتمام من أي رجل على أنه حب‪ .‬وقرر‬
‫والدها الهجرة إلى عاصمة الحرية (دبي)‪.‬‬

‫اتخذا أبواها هذا القرار بعد عجزهما في االنسجام مع المجتمع السعودي المتزمت‪ ،‬على‬
‫أن تكمل ميشيل دراستها في قسم االتصاالت المرئية في الجامعة األمريكية بدبي‪.‬‬
‫تأقلمت بدبي أيضاً‪ .‬وتعرفت على (جمانة)‪ ،‬طالبة إماراتية‪ ،‬وابنة أحد أكبر رجال‬
‫األعمال في اإلمارات والخليج تدرس معها تقنية المعلومات‪ .‬وعملت خالل العطلة‬
‫الصيفية في محطة والد جمانة الفضائية‪ .‬عملتا معا ً في إعداد أحد البرامج الخاصة‬
‫بالشباب‪ .‬الذي يبث أسبوعيا على الشاشة الصغيرة‪.‬‬
‫أعجبها العمل اإلعالمي‪ .‬وطورت نفسها كثيراً وبدأت تعمل بجد ونشاط مميزيّن لحصد‬
‫المزيد من النجاح والشهرة‪ .‬رغم قرارها بعدم االرتباط بأي رجل بعد فشل تجربتيها مع‬
‫فيصل وماثيو‪ ،‬إالّ أن الحياة ال تستمر بدون حب‪ .‬كان ميلها واضحا ً نحو زميلها‬
‫(حمدان) المخرج الشاب الذي يقوم بإخراج برنامجها األسبوعي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫سديم‬
‫أحبت وليد وأحبها حبا ً ال يوصف‪ .‬وخطبها‪ .‬و ُعقد قرانها عليه‪ .‬واستمالها‪ ،‬فسلمت‬
‫نفسها إليه باعتبارها زوجته وإن لم تُزف إليه‪ .‬غاب عنها‪ .‬ووصلتها ورقة الطالق بعد‬
‫أيام‪ .‬انصدمت باألمر وتفاجأ الجميع برسوبها‪ ،‬وهي المعروفة بتفوقها‪ .‬لملمت جرحها‬
‫مع ثيابها وغادرت عاصمة الغبار إلى عاصمة الضباب‪.‬‬

‫كانت تقضي وقت فراغها بالقراءة –فهي أثقفهن‪ -‬وبعد أن وجد لها والدها وظيفة في‬
‫بنك (‪ )HSBC‬اندمجت مع زمالئها الموظفين‪ .‬وتعرفت هناك على (فراس) الشاب‬
‫السعودي –يدرس الدكتوراه في العلوم السياسية‪ -‬صديق زميلها (طاهر الباكستاني) ولم‬
‫تزد لقاءاتها به على ثالث مرات وبالصدفة‪.‬‬

‫انقضت العطلة الصيفية وعادت إلى الرياض وفي نيتها توديع الحزن واستقبال الفرح‬
‫المنتظر‪ .‬وفي الطائرة تفاجأت بوجوده على متنها‪ .‬وجلست بجانبه على المقعد الشاغر‬
‫بالصدفة‪ .‬وقبل أن يفترقا يطلب منها رقم هاتفها‪.‬‬

‫ذاع صيت فراس بعد عودته من لندن وبدأت صوره تتصدر صفحات الصحف‬
‫والمجالت بصفته مستشاراً في الديوان الملكي‪ .‬وغزل الحب خيوطه بينهما‪ .‬ولصدقها‬
‫أخبرته عن كبوة ماضيها الوحيدة التي تخفي جراحها عن الجميع‪.‬‬

‫رجل شرقي (أعزب) –ومهما بلغت درجة حريته وعيشه في‬ ‫ٍ‬ ‫بدأ عليه التغيير‪ ،‬فما من‬
‫بالد الغرب‪ -‬يرضى بالزواج من امرأة مطلقة قبل زفافها‪.‬‬
‫مات والدها بسكتة قلبية مفاجأة في مكتبه وسط المدينة‪ .‬وبدأت تفكر كيف ستعيش‬
‫وحدها وال أب وأم يرعيانها‪ ،‬فقد ماتت أُمها حتى قبل أن تتعرف عليها‪ .‬وبعد ثالث‬
‫سنوات من عالقتها بفراس يبلغها بخطوبته على قريبة أحد أزواج أخواته الخمس‪:‬‬
‫"بعد سنين من سعيها وراء الكمال الذي ال يليق برجل مثل فراس سواه‪ ،‬ركل فراس‬
‫كمالها بقدمه والتفت إلى العادية‪".‬ص‪.236‬‬

‫آلمها األمر بشدة واتخذت قرار االبتعاد عنه نهائياً‪ .‬وحاولت بصدق أن تتجاوز محنتها‪.‬‬
‫نجحت بتفوق في تلك السنة –لم يخبرها بخبر خطوبته إالّ بعد انتهاء امتحاناتها‪ -‬لم يكن‬
‫أمامها سوى عرض خالتها بتزويجها من ابنها طارق الطالب في كلية طب األسنان‪.‬‬
‫كانت غير راضية‪ ،‬لكنها ستقبل فكرة السفر والعيش معهم في مدينة الخبر‪.‬‬

‫بعد التخرج لم تجد وظيفة مناسبة‪ .‬وشدت الرحال إلى حيث تسكن أسرة خالتها‪.‬‬
‫وقررت العمل هناك في مجال تنسيق الحفالت واألعراس‪.‬‬

‫الكل كان يرعاها وخاصةً طارق الذي أحبها منذ طفولتهما واستمر بحبه لها الذي عجز‬
‫أن يخترق قلبها كل هذه السنين‪ .‬وذات ليلة فاتحها بموضوع االرتباط‪ ،‬لم تعطه الرد إالّ‬
‫بعد أسبوعين بعد أن اتصل بها فراس طالبا ً الزواج منها‪ .‬أقفلت الخط بوجهه وعادت‬
‫إلى ابن خالتها تبلغه موافقتها على الزواج منه‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫لميس‬

‫طالبة في كلية الطب‪ .‬لها أخت توأم اسمها (تماضر) ورغم التشابه الظاهري بين‬
‫االثنتين إالّ أن هناك اختالفات شاسعة بينهما في الطباع واألفكار‪ .‬كلتاهما في نفس‬
‫الكلية‪ ،‬لكن تماضر هادئة‪ ،‬مطيعة وحدها مثار إعجاب األساتذة واألستاذات لجديتها‬
‫الشديدة وشخصيتها المنضبطة بعكس لميس الجريئة في كل شيء والمفضلة لدى‬
‫زميالتها‪.‬‬
‫والدهما الدكتور عاصم حجازي عميد كلية الصيدلة سابقا ً ووالدتهما الدكتورة فاتن‬
‫وكيلة سابقة في الكلية نفسها‪ .‬وكان لألبوين الدور الحاسم في تفوقهما الدراسي‪.‬‬

‫لها اهتمام بالتنجيم‪ .‬وتتواجد في حقيبتها –على الدوام‪ -‬أحدث إصدارات ماغي فرح‪.‬‬
‫وما أن تجد أي شخص حتى تسأله عن برجه لتحلل شخصيته‪.‬‬

‫أقرب صديقة لها –كانت ولم تزل ميشيل‪ -‬كلتاهما متقاربتان في كل شيء تقريباً‪ .‬أما‬
‫عالقاتها بصديقاتها الباقيات‪ ،‬فتأخذ مثار الجدل‪ ،‬من فدوى السايكو لألميرة سارة‬
‫لفاطمة‪.‬‬
‫ً‬
‫وتتعرف على شقيق األخيرة‪ ،‬علي‪ ،‬الذي يدرس الطب أيضا‪ ،‬وفاطمة هي التي دبرت‬
‫اللقاء بينهما بعد أن رأى صورتها مع شقيقته وأُعجب بها‪ .‬استمرت عالقتها به شهوراً‪.‬‬

‫كانا يذاكران معا ً في الجامعة ويلتقيان في أحد المقاهي خارجها‪ .‬وخالل إحدى اللقاءات‬
‫داهمتهما جوقة من رجال هيئة األمر بالمعروف واقتادتهما إلى مركز الهيئة‪ .‬وبعد‬
‫التحقيق اتصلوا بوالدها‪ .‬واصطحب ابنته للبيت بعد أن وقع على التعهدات المطلوبة‪.‬‬
‫وانتهت عالقتها به وبأخته منذ ذلك اليوم‪.‬‬

‫لميس أفضلهن في معرفة االنترنيت وخباياه‪ ،‬فقد بدأت عالقتها به مذ كانت في الخامسة‬
‫عشرة من عمرها‪ ،‬عندما بدأ والدها باستخدامه عن طريق البحرين‪ .‬وتخرجت األختان‬
‫من كلية الطب البشري واستغلتا العطلة الصيفية في التدرب في إحدى المستشفيات‬
‫بجدة‪.‬‬

‫تماضر انقطعت عن التدرب بعد أسبوع‪ ،‬فقد عجزت عن التأقلم في هذا الوضع‬
‫المزعج بعكس لميس التي اندمجت مع كل الموظفين واألطباء في المستشفى –رغم إنها‬
‫الفتاة الوحيدة بينهم‪ -‬وكان معها زميل آخر اسمه نزار كشف لها هذا التقارب الذي لم‬
‫تخطط له شخصيته الرقيقة واعتادت عفويته وأدبه الجم‪ .‬وقررت إيقاعه في شباكها –‬
‫ووضعت مدة ثالثة أشهر فترة زمنية لهذا االختبار‪ -‬مألت مذكراتها بخطط حربية‬
‫وقوانين يجب عليها السير وفقها‪ ،‬كي ال يشطح القلب مع األيام –وهذه الطريقة علمتها‬
‫إياها والدتها الدكتورة فاتن‪ -‬وقبل أن تنتهي المدة التي وضعتها لنفسها تقدم لخطبتها‬
‫رسميا ً من أهلها‪ .‬وبعد خطبة قصيرة لم تتجاوز ثالثة أسابيع جاء زفافها‪ .‬وحضرته‬
‫الصديقات األربع‪ .‬وكانت الوحيدة بينهن التي حققت حلم الزواج من الحب األول في‬

‫‪51‬‬
‫حياتها‪ .‬وبعد عودتها من شهر العسل قررت ارتداء الحجاب‪ .‬وجدت أنه حان الوقت‬
‫لتغيير مسار حياتها إلى ما يرضي هللا‪.‬‬

‫أربع شخصيات فعالة هي التي حركت مسار الحكايات‪ .‬والراوية تكشف عن نفسها‬
‫لتنسحب بسرعة خاطفة وتترك آثارها ايميالت تبوح بسر من حولها‪ .‬وتكشف لنا بأن‬
‫أسماء البطالت وهمية رغم حقيقة قصصهن‪.‬‬

‫"ما الذي يجبرني على الكتابة عنهن إن لم أكن مؤمنة بهن؟ أنا كل واحدة من صديقاتي‪،‬‬
‫وقصتي هي قصصهن‪ ،‬وإذا كنت قد امتنعت عن اإلفصاح عن هويتي حاليا ً ألسباب‬
‫يوم ما عندما تزول هذه األسباب‪ ،‬وأسرد لكم حينها قصتي‬
‫خاصة‪ ،‬فقد أفصح عنها في ٍ‬
‫–أنا‪ -‬كاملة‪ ،‬كما تتوقون لسماعها‪ ،‬بصدق وشفافية‪".‬ص‪.140‬‬

‫رواية "بنات الرياض" خط سردي واحد‪ ،‬يلضم خرز الحكايا‪ .‬حكايا مجتمع ازدواجي‪،‬‬
‫فيه المكشوف أكثر خفا ًء والمخفي أكثر ظهوراً‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫خمس روايات عن الثورة السورية راجعناها لكم‬
‫رصيف ‪ 15/ 22‬تشرين األول ‪2016‬‬

‫طبول الحب‪ ،‬مها حسن‬


‫ريما مترجمة وأستاذة جامعية من أصول سورية تعيش في باريس‪،‬‬
‫تتعرف عبر الفيسبوك إلى شاب سوري من مدينة كفرنبل الثائرة على‬
‫النظام االستبدادي‪ .‬وتصبح التظاهرات واألحداث التي تجري في سوريا‬
‫هي محور أحاديثهما‪ ،‬ورويدا ً رويدا ً تنمو عالقة الحب االفتراضية بينهما‪.‬‬
‫تقرر ريما أخيرا ً أن تزور سوريا لترى ما يحدث‪ّ .‬‬
‫توث ق هذه الرواية‬
‫الشهور الستة األولى من الثورة السورية‪ ،‬وبداية تسل ّح المعارضة‪،‬‬
‫وتطرح أكثر من موضوع‪.‬‬
‫مدن اليمام‪ ،‬ابتسام تريسي‬
‫تدور أحداث هذه الرواية بين زمنين‪ ،‬الزمن األول هو الثمانينيات‪،‬‬
‫وتجري أحداثه في حماة‪ ،‬والزمن الثاني هو بعد عام ‪ ، 2011‬وتجري‬
‫أحداثه في أكثر من منطقة سورية‪ .‬من خالل ذاكرة القهر الممتد كل تلك‬
‫الفترة الطويلة‪ ،‬تروي الكاتبة حكاية حماة‪ ،‬وما جرى فيها‪ ،‬وحكاية الثورة‬
‫السورية من خالل ما تراه‪ ،‬وما يرويه لها ابنها الذي يعتقل في ما بعد‪،‬‬
‫كذلك من خالل صديق ثالث سمّى نفسه حنظلة وصار يرسل إليها حكايات‬
‫المناطق الثائرة‪.‬‬
‫قميص الليل‪ ،‬سوسن حسن‬
‫ص هذه الرواية وقائع يوم كامل في مدينة الالذقية السورية‪ ،‬يبدأ بموت‬
‫تق ّ‬
‫ي ‪ ،‬الذي ال يعرف أحد من أين أتى‪ ،‬وينتهي بالخالف‬ ‫جيغا مجنون الح ّ‬
‫على دفنه‪ ،‬إذ ال أحد يعرف طائفته أو دينه‪ .‬وعبر هذا اليوم الحافل‬
‫باألحداث‪ ،‬سنتعرف إلى خليط عجيب من الشخصيات التي تقطن في هذا‬
‫ب بفوبيا المخابرات‪،‬‬‫الحي‪ ،‬من شخصية تاجر الحرب إلى شخصية مصا ٍ‬
‫إلى الكاتبة التي تنحاز إلى آالم الشعب‪ ،‬وغيرها من النماذج اإلنسانية‬
‫الواقعية‪ ،‬وكيف دخل التفكير الطائفي إلى حياتها‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫موسم سقوط الفرشات‪ ،‬عتاب شبيب‬
‫يلتقي نزار صديقة طفولته نور‪ ،‬وكل منهما يعاني من فقدان عاطفي‪ .‬هو‬
‫هجرته زوجته بعد أن اقتيد إلى ورالخدمة العسكرية اإللزامية‪ ،‬وهي‬
‫اختفى زوجها بعد االعتصام الكبير في مدينة حمص‪ .‬هكذا يتق ّر ب‬
‫الصديقان القديمان أحدهما من اآلخر كي ينسيا خيبتيهما العاطفيتين‪ .‬وفي‬
‫هذا التقارب يروي كل منهما لآلخر حكايات الحرب التي ال تنتهي‪ .‬هكذا‬
‫ب دخلت عامها الخامس‪.‬‬ ‫سنكون أمام شال ٍل متف ّج ر من الحكايات عن حر ٍ‬

‫أيام في بابا عمرو‪ ،‬عبد هللا مكسور‬

‫يقرر الراوي‪ ،‬وهو كاتب سوري‪ ،‬العودة إلى بالده بعد سنوات من البعد‪،‬‬
‫لينجز أفالما ً وثائقية عن الثورة السورية‪ .‬وفي الطريق إلى بلدته يقف‬
‫على حاجز تفتيش ويُعتقل ألنه ال يحمل بطاقة هوية‪ .‬ومن فرع المخابرات‬
‫الجوية في حمص‪ ،‬والعذابات التي يذوقها المعتقلون ورصده لها‪ ،‬سيخرج‬
‫بعد مدة ويصل إلى بابا عمرو‪ ،‬مستعرضا ً في أيامه هناك عددا ً كبيرا ً من‬
‫المشاهد التي يراها ويريد توثيقها‪ .‬تحاول الرواية رصد أدق التفاصيل‬
‫المتعلقة بالحرب وباألطراف المشاركة فيها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الفرق بين النثر والشعر‬
‫إيمان الحياري ‪ ٢١ -‬يناير ‪٢٠١٦‬‬

‫األدب العربي‬
‫يحتضن األدب العرب ّي مجموعة من األعمال المد ّونة‪ ،‬ويتك ّون األدب العربي من عدة‬
‫أصناف أساسية‪ ،‬وهي المسرح والنقد واألدب القصصي والنثر والشعر‪ ،‬ويعود تاريخ‬
‫نشأة هذا األدب إلى نحو ستة عشر قرنا ً أو أكثر‪.‬‬
‫النثر‬
‫يُعتبر النثر أحد أصناف األدب العربي‪ ،‬وهو عبارة عن سرد كالم فني بأسلوب غير‬
‫مقيّد ال يخضع لقاعدة إيقاعية معيّنة‪ ،‬ويمتاز بأفكاره الجلية ولغته العريقة‪ ،‬وكما يدخل‬
‫في خصائصه سالمة منطقه‪ ،‬والعامل المؤثر في كاتب النثر‪ ،‬ومن أبرز الفنون التي‬
‫تدرج في قوائم النثر‪ :‬القصة والخطبة والمسرحيّة النثرية والمقالة والروايات‪ ،‬والنقد‬
‫األدبي وغيرها‪.‬‬
‫أنواع النثر‬
‫النثر العادي‪ :‬يُعرف النثر العادي بأنه عبارة عن اللغة التي يتخاطب بها الناس‬
‫ويتفاهمون بها‪ ،‬وهو شائع االستخدام في الحياة اليوميّة‪ ،‬ويفتقر لبعض العناصر في‬
‫النثر الفن ّي‪.‬‬
‫النثر الفني‪ :‬يُقيّد هذا النوع من أنواع النثر بأسلوب فني إذ يقتضي توارد العناصر الفنية‬
‫فيه‪ ،‬ويتطلّب جودة الصياغة وحسنها وكما يفرض على الكاتب االلتزام باللغة‬
‫ومراعاتها‪ ،‬وال يفتقر للمشاعر والخيال‪.‬‬
‫مميّزات النثر‬
‫االعتماد على أسلوب السرد‪.‬‬
‫تُستخدم فيها األساليب اإلنشائية واألسلوبية‪.‬‬
‫يقوم النثر على الحوارات‪.‬‬
‫يُستخدم العقل في التحليل والبرهان ويخاطبه بشكل مباشر‪.‬‬
‫الشعر‬

‫‪55‬‬
‫عبارة عن كالم منظّم وموزون‪ ،‬يعتمد في نشأته على الوزن والقافية‪ ،‬ويتك ّون من‬
‫مجموعة من األبيات الشعرية‪ ،‬وتشكل بمجموعها ما يسمى بالقصيدة‪ ،‬وتتوازن‬
‫األحرف األخيرة في أبيات القصيدة الشعريّة مع بعضها البعض ضمن قافية معيّنة‪،‬‬
‫ويُعتبر الشعر أحد أنواع الفن األدبي‪ ،‬ويعتمد في نشأة قصائده على الجماليّة والصفات‪.‬‬
‫مك ّونات الشعر العربي‬
‫القصيدة‪ :‬هي اثنين أو أكثر من األبيات الشعريّة المنظومة بأسلوب فني موزون‪،‬‬
‫ويكون تصنيف القصائد إلى نبطية وفصحى‪.‬‬
‫القافية‪ ،‬هي موازنة ومساواة أواخر األبيات الشعريّة مع بعضها البعض‪ ،‬وتوحيد آخر‬
‫حرف من كل آخر كلمة في األبيات الشعرية لقصيدة معينة مثالً أن يكون حرف الميم‬
‫أو النون أو غيرها‪ ،‬شرط أن تتشابه نهاية األبيات مع بعضها‪.‬‬
‫البحر‪ ،‬وهو األسلوب اإليقاعي الذي يُعتمد عليه في بالغة البيت الشعري‪ ،‬كالبحر‬
‫المتقارب‪ ،‬والبحر الوافر‪ ،‬والبحر الهزج والبحر الطويل وغيرها‪.‬‬
‫أنواع الشعر العربي‬
‫الشعر العمودي‪ :‬يُعتبر هذا النوع أصل وأساس الشعر العربي‪ ،‬ويمتاز بأنّه يتك ّون من‬
‫ي إلى مقطعين يسمى المقطع األول منها الصدر‬ ‫عدة أبيات شعرية‪ ،‬يقسم كل بيت شعر ّ‬
‫والمقطع الثاني العجز‪ ،‬ويلتزم كاتب الشعر العمود ّ‬
‫ي بعلم العروض‪.‬‬
‫الشعر الحر‪ :‬ظهر هذا النوع من الشعر على يد بدر شاكر السياب ونازك المالئكة‪،‬‬
‫وتعود نشأته إلى عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين‪ ،‬ويكون تنفيسا ً عن الشاعر بتفريغ‬
‫طاقاته األدبية في كتابة الشعر الحر الذي يبين طموحاته ويروي همومه ومشاكله‪.‬‬
‫الرباعيات الشعرية‪ :‬من أشهر الرباعيات في األدب العربي رباعيّات الخيام‪ ،‬وهو أحد‬
‫أنواع الشعر العربي يمتاز باحتوائه على أربعة سطور من األبيات الشعرية تعكس‬
‫فكرة معيّنة يسعى إليها كاتب القصيدة‪.‬‬
‫مميّزات الشعر العربي‬
‫وجوب االلتزام بالوزن‪.‬‬
‫االعتماد على التفعيلة‪.‬‬
‫قابليته للتدوير‪.‬‬
‫وجوب التدرج بالقافية وااللتزام بها‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫استخدام الصور الشعرية والفنية في األبيات الشعرية‪.‬‬
‫استخدام الرمزية والتمويه‪.‬‬
‫الفرق بين النثر والشعر‬
‫تضاربت اآلراء األدبيّة حول أسبقيّة ظهور الشعر والنثر‪ ،‬لكن الغالبيّة أشارت إلى أن‬
‫األقدمية في الظهور تعود للشعر‪ ،‬وهناك عدة فروقات بين النثر والشعر‪ ،‬وتتضمن ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫الشعر‪ ،‬يدرج منه عدة أغراض كالمدح والرثاء والهجاء والغزل ويلتزم بنظام القوافي‪،‬‬
‫أما النثر من أغراضه السجع وال يخضع ألسلوب القوافي‪.‬‬
‫يُطلق على من ينظم الشعر ويكتبه اسم ناظم‪ ،‬أما كاتب النثر فإنه ال ينظمه بل يسرده‬
‫سرداً‪.‬‬
‫يعتمد النثر على السرد واألساليب اإلنشائيّة‪ ،‬أما الشعر فيعتمد على القوافي واألوزان‬
‫الشعريّة‪.‬‬
‫يُستخدم في النثر أسلوب الحوار‪ ،‬أما الشعر فيعتمد على االختزال واإليجاز‪.‬‬

‫‪57‬‬

You might also like