Professional Documents
Culture Documents
العنف والدين قراءة نقدية في كتاب سوسيولوجيا العنف والإرهاب
العنف والدين قراءة نقدية في كتاب سوسيولوجيا العنف والإرهاب
كتاب سوسيولوجيا العنف واإلرهاب إلبراهيم الحيدري الصادر عام ،2015عن دار الساقي ،يقع في
336.صفحة
العنف كظاهرة اجتماعي+ة معقدةيص++عب تحدي+د مفهوم+ه وأبع+اده ،وتتض++ارب التع++اريف المقدم+ة من قب++ل
المنظرين والمختصين بشأنه .لذلك ،يقترح المؤلف تعريفاإجرائيا للعنف بأنه "االس++تخدام غ++ير المش++روع
للقوة المادية بأساليب متعددة إللح++اق األذى باألش++خاص والجماع++ات وت++دمير الممتلك++ات ،ويتض++من ذل++ك
وقد تصدتنظريات عدة لتفسير هذه الظاهرة ،يمكن إجمالها في ثالثة اتجاهات؛ أولها النظريات البيولوجية
التي تولي اهتماما حص+ريا للغرائ+ز البيولوجي+ة كالعوام+ل الوراثي+ة والخص+ائص المورفولوجي+ةللفرد في
ولوم++بروز (Lawrence)،ول++ورنس (Darwin)،تفس++ير العن++ف ،ومن أبرزممثليه++ا داروين
؛ وثانيها ،النظريات النفسية التي يمثلها علماء التحليل النفسي ،الذين يفس++رون العن++ف(Lombroso)،
؛) (Freudباعتباره طاقة عقلية عامة ،يلعب دورا مهم++ا في الص++راعات العقلي++ة ،وعلى رأس++هم فرويد
وثالثها النظرياتاالجتماعية التي تنظر إلى العنف ،باعتب++اره ظ+اهرة اجتماعي++ة مرتبط++ة بأس++باب وعوام++ل
ودوافع متعددة؛ نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ودينية ،ال يمكن تفسيرها إال منخالل دراسة ت++داخلها
.مع ظواهر اجتماعية أخرى
كما تص ّد ى عدد من الفالسفة والمفكرين لظاهرة العنف ،سواء من خالل إظهار خطورتها ودراسة آثارها
في المجتمع ،أو من خالل ال+دفاع عن العن+ف كآلي+ة إلحالل الت+وازن داخ+ل المجتم+ع؛ أمث+ال ابن خل+دون،
ومونتس++كيو (John Stuart Mill)،ورواد نظري++ة العق++د االجتم++اعي ،وج++ون س++تيوارث ميل
وماكس (Mao zedong)،وماوتسيتونغ (karlMarx)،وكارل ماركس (Montesquieu)،
إذا كانت درجات العنف متباينة ،فإن اإلرهاب يعد أسوأهذه الدرجات وأخطرها ،باعتب+اره أص+بح ظ+اهرة
عالمية ،بفعل سرعة انتشار مظ+اهره وتأثيرات+ه المتزاي+دة ،بش+كل يه+دد ال+دول والمجتمع+ات واألف+راد في
استقرارهم وحياتهم ومصالحهم.وعليه يولي المؤلف أهمية خاصة لإلرهاب ،ويذهب إلى تعريفه بأنه"ك++ل
عمل عنفمسلح يرتكب بغرض سياسي أو اجتم++اعي أو اقتص++ادي أو إي++ديولوجي أو دي++ني ينته++ك المب++ادئ
العام++ة للق++انون اإلنس++اني"[ ،]2وم++ا يتض++منه من قت++ل واغتي++ال وإلق++اء المتفج++رات والس++يارات المفخخ++ة
.وأعمال التخريب واإلبادة
وال ترتب++ط ظ++اهرة اإلره++اب بإيديولوجي++ة مح++ددة ،إذ ق++د ترتب++ط باإلي++ديولوجيات الديني++ة المتطرف++ة أو
اإلي++ديولوجيات القومي++ة الش++وفينية ،كم++ا ق++د ترتب++ط بالجماع++ات الفوض++وية أو اإلي++ديولوجيات اليميني++ة
.المتطرفة
إن اإلرهاب ظاهرة اجتماعية معقدة تمس الفرد كما تمس الجماعة ،ترتبط بعوام++ل اجتماعي++ة واقتص++ادية
وعقائدية وسياسية وثقافية ،ذلك أن اإلرهابي ابن بيئته وصنيعة من صنائعها .فال أحد يولد إرهابيا ،وإنم++ا
عوامل متعددة تدفع األفراد إلى االعتقاد المطلق في أفكار متطرفة ،وفي أساليب دموية لتفس++ير الع++الم إلى
.درجة التضحية بأجسادهم وحياتهم في سبيل ما يؤمنون به
إن الوص++ول إلى الف++رد من درج++ة إره++ابي ال يرتب++ط فق++ط بال++دوافع المباش++رة لالنخ++راط في الحرك++ات
اإلرهابية كحمالتالتحريض الديني؛ وغس++ل ال++دماغ ال++ذي يق++وم ب++ه المع++بئون لص++الح الحرك++ات الجهادي++ة
لتعبئة األنصار والمقاتلين من مختلف مناطق الع++الم ،الس++يما الش++باب وتش++جيعهم على الس++فر إلى من++اطق
النزاع ،موظفين في هذا اإلطار األم++وال وش++بكات التواص++ل االجتم++اعي واإلن++ترنيت؛ وحب++وب الهلوس++ة
للتحكم في األشخاص وتوجيههم نحو اإلدم++ان والعن++ف ض++د الع++دو خاص++ةأثناءتنفيذ العملي++ات اإلرهابي++ة،
والتمثيل الهمجي باألع+داء؛ ومخلف+ات ص+دمة الحداث+ة الغربي+ة ،الس+يما رفض الغ+رب وثقافت+ه واعتب+اره
المسؤول عن وضعية العالم اإلس++المي؛ وآث++ار العولم++ة وتزاي++د الص++راع الحض++اري بين الغ++رب والع++الم
اإلسالمي ،خاصة مع تزايد مظاهر معبرة عن عداء الغ+رب لإلس++الم ،كتص++ريح ع+دد من رؤس++اء ال+دول
والحكومات بتفوق الحضارة الغربية ،والرسوم المسيئة للرسول واإلسالم ال++تي نش++رت من ط++رف من++ابر
إعالمية ،وت++واتر التعب++يرات المادي++ة والرمزي++ة المعادي++ة لإلس++الم خاص++ة بع++د أح+داث 11ش++تنبر ،فتزاي+د
الصراع أدى بشكل مباشر إلى عولمة اإلرهاب..وإنما يرتبط أشد االرتباط بعوامل سوس++يولوجية وثقافي++ة
متع++ددة ،كمس++توى العيش ،وانتش++ار الفق++ر ،ودرج++ة التط++ور االقتص++ادي ،ووض++عية التعليم ،والتنش++ئة
.االجتماعية ،ودرجة االندماج االجتماعي ..التي يستمر تأثيرها طيلة حياة األفراد
ه++ذه العوام++ل تع++د المس++ؤولة األساس++ية عن انتش++ار اإلره++اب ،وتزاي++د المنخ++رطين في++ه والمتع++اطفين،
وانتقاالألعمال +اإلرهابي++ة من أعم++ال متفرق++ة إلى أعم++ال منظم++ة مس++تمرة تجع++ل من إقام++ة الدول++ة-األم++ة
.والخالفة اإلسالمية أهدافا لها
إن العنف ليس ظاهرة اجتماعية فقط ،وإنما هي ظاهرة ثقافية كذلك ،فجذور العدوان في شخصية الفرد قد
تجد مصدرها فيما تلقاه من صور وأفكار وقيم أثناء مراحل تنشئته في مختلف مؤسسات التنش++ئة والتعليم،
باعتبار التنشئة االجتماعية والتربوي++ة ت++تيح نق++ل القيم والمع++ارف والمعتق++دات من جي++ل إلى آخ++ر ،وتلعب
بذلك دورا محددا في مدى انتش+ار العن+ف في المجتم+ع .ل+ذلك ففي المجتمع+ات ال+تي ترتف+ع فيه+ا مع+دالت
الجريمة والعنف يكون الفرد عرضة لتأثيرات هذه الظواهر والفاعلين فيها ،وقد تزداد مي++والت الف++رد إلى
العنف؛ بينما في المجتمع++ات ال++تي تنخفض فيه++ا درج++ات العن++ف ،وتجنح فيه++ا المؤسس++ات إلى تغليب قيم
السلم والتعاون والنزاهة والتسامح ،قد توفر بيئةإيجابي++ة البتع++اد األف++راد على تب++ني العن++ف ونب++ذ مظ++اهره
.وقيمه
إن ثقافة العنفقد تعود جذورها إلى التنشئة التي يتلقاها األفراد.وفي ه++ذا اإلط++ار ،تلعب األس++رة والمدرس++ة
والمؤسسات السياسية الرسمية دورا أساسيا في سلطوية الشخص++ية وانغالقه++ا أو في مرونته++ا ،كم++ا تلعب
دورا محوريا في تعدد أشكال العنف في المجتمع؛ العنف الفردي ،العنف الديني ،العن++ف المق++دس ،العن++ف
.المضاد ،العنف الجنسي ،والعنف الرمزي
إن الفكر األصولي يجد مصدره في جملة من األفكار الفقهي++ة القديم++ة المتش++ددة ،ال++تي تجع++ل من اإلس++الم
األول نموذجها األساسي لمواجهة الواقع الحالي للمجتمعات اإلسالمية.وتقوّى هذا الفك++ر بع++د القم++ع ال++ذي
تعرضت له بعض الحركات اإلسالمية في مصر وسوريا في النص++ف الث++اني من الق++رن العش++رين ،وك++ذا
.بعد حرب أمريكا في أفغانستان
وقد شكل الفكر األصولي مرجعي+ة أساس+ية للحرك+ات الس+لفية المتطرف+ة في الع+الم الع+ربي وعلى رأس+ها
حرك++ةاإلخوان المس++لمون وتنظيم القاع++دة وتفرعاته++ا كحرك++ة الش++باب الص++ومالية ،وحرك++ة بوك++وحرام،
والقاعدة في الس++عودية واليمن ،والقاع++دة في المغ++رب اإلس++المي ،والدول++ة اإلس++المية في الع++راق والش++ام
(داعش)..التي أصبحت مؤثرة في عقول األفراد ،بشكليزيد من انتشار العنف الديني ومظ++اهره في الع++الم
.العربي ،والتصادم مع الغرب الذي يؤدي إلى مزيد من العنف وتهديد استقرار الدول والشعوب
وإذا كان تأثير الحركات األصولية اإلسالمية في تزايد مستمر ،فإن مثل ه++ذه الحرك++ات اإلرهابي++ة ليس++ت
خاصة بالدين اإلسالمي ،وإنما هي عامة تعرفها أغلب األديان؛ فاليهودية تفرعت عنه++ا حرك++ات أص++ولية
.منذ القرن األول الميالدي ،والحركة الصهيونية ) (zelotesإرهابية ،كحركة الورعاء اليهود
كما أن العالم المسيحي عرف عدة حركات أص++ولية الس++يما في الق++رون الوس++طى ،تبنت العن++ف ال++دموي،
واضطهاد الجماعات كاضطهاد الهراطقة ،والحروب الصليبية.ومن ثم ،ال يمكن اعتبار اإلره++اب لص++يقا
بالدين اإلسالمي .ففي ظل جميع الديانات الكبرى تظهر حركات أصولية تتبنى العن++ف وس++يلة لل++دفاع عن
.أفكارها وبناء المجتمع الذي تبشر به
وإذا كان استحضار الجانب المقارن مهم للوصول +إلى مث++ل ه++ذه الخالص++ة ،ف++إن المالح++ظ أن المؤل++ف ال
يطرح أوجه التشابه وأوجه االختالف بين األصوليات +الدينية في ك+ل من الع+الم الع+ربي والع+الم الغ+ربي،
وكأن المهم بالنسبة إليه هاهنا هو اإلقرار بأن األصوليات العنيفة ال ترتب+ط بال+دين اإلس++المي فق++ط ،وإنم++ا
.هي ظاهرة عامةتمس جميع األديان الكبرى
إذا كان اإلرهاب يرتبط بأصول ومسببات اجتماعية وثقافي+ة واقتص+ادية ،ف+إن إمكاني+ة الح+د من انتش+اره؛
أعماال وأفكارا وثقافة تكمن في ضرورة التركيز على التسامح وأهمية نش++ر ثقافت++ه وقيم++ه بين المواط++نين
.والشعوب والدول
فاهتمام األديان ،خاصة اإلسالم والمسيحية بالتسامح ،وتبني فالسفة األنوار لمبادئ++ه وقيم++ه ال++تي س++اهمت
بشكل كبير في انتشارها في المجتمعات الديمقراطية الحديث++ة .وتعزي++ز انتش++ار ثقافت++ه من ط++رف مواثي++ق
حقوق اإلنسان العالمية ،السيما تلك الص++ادرة عن المنظم++ات العالمي++ةكاإلعالن الع++المي لحق++وق اإلنس++ان
الصادر في دجنبر ،1948و"إعالن مبادئ بش+أن التس+امح" الص+ادر عن منظم+ة اليونس+كو ع+ام ..1995
.أمور من شأنها أن تعزز إمكانية انتشار قيمه بين الشعوب
غير أنه يبدو أن التركيز على نشر ثقاف++ة التس++امح غ++ير ك++اف ،فاالهتم++ام بالح++د من الف++وارق االجتماعي++ة
ونسب الفقر ،وتحسين األوض++اع االقتص++ادية ،ونش++ر القيم الديمقراطي++ة والترك++يز على دين متن++ور ..تع++د
.أمورا أساسية في هذا اإلطار
رابعا :مالحظات
:يثير الكتاب جملة من المالحظات من بينها ما يلي
غي++اب الت++وازن بين الفص++ول +،إذ هن++اك ف++رق ص++ارخ بين الفص++ل الث++اني ال++ذي التتج++اوز ص++فحاته -46
.صفحةوباقي الفصول +األخرى .ولعلمثل هذا النقص يعطي صورة سلبية عن الكتاب
ضعف تسلسل األفكار ،إذ يعدو االنتقال من عنصر إلى آخر في بعض فصول الكت++اب وكأن++ه انتق++ال من-
عن الفرضيات المطروحة ،إذ تبدو بعض العناصر خارج الس++ياق ،وبعض المعلوم++ات قديم++ة وزائ++دة في
الكتاب مثل سردهلتفاصيل عن منظم++ات إرهابي++ة قديم++ة ،وبعض التفس++يرات الفلس++فية القديم++ة.ويب++دو في
سرده لنظرة المفكرين للعنف ،أن المؤلف غير محكوم بخي++ط ن++اظم وه++دف مح++دد ،إذ يب++دو األم++ر بمثاب++ة
.سرد سطحي
اعتماد المؤلف في بعض فقرات الكتاب على المقاالت الصحفية5.ويبدو أن موضوع +مثل سوسيولوجية -
العنف ،يقتضي تناوله الجاد تجاوز بعض المراجع التي ال تض++يف ش++يئا للموض++وع +،فمقابإلغف++ال +الع++ودة
إلى المراجع األص++لية المختص++ة ،يلج++أ المؤل++ف في بن++اء عنص++ر كام++ل على ص++فحة من ص++فحات مقال++ة
اللجوء إلى أبحاث ميدانية تزكي الفرضيات المطروحةأو تنفيها ،يبقى توظيفه+ا مح+دودا ،ويجع+ل الج+انب
.الموضوعي ناقصا
في سرده للمقتربات النظرية ،ال يبدو أن هناك خيط ناظم بينها ،فهي متعددة ومتناقضة وال يحسم الكاتب-
في اتج++اه نظ++ري معين يوظف++ه في اإلحاط++ة به++ذه الظ++اهرة .فمن المعل++وم أن النظري++ات ال تس++رد ك++ترف
فكري.فمن الجيد معرفة مختلف االتجاهات ولكن المؤلف ملزم علميا بضرورة تبني نظري++ة يراه++ا ق++ادرة
.على اإلجابة على إشكاليته وتفسير فرضياته
في مناقشته لمؤسسات التنشئة االجتماعية التي يمكنأن تساهم في اكتساب الفرد لثقافة العنف ،يحصرها -
المؤلف في ثالث مؤسس+ات أساس+ية ،وهي األس+رة والمدرس+ة والس+لطة[،]6ويغيب من النق+اش جمل+ة من
المؤسسات التي تلعب دورا محوريا في هذا الصدد ،فال يمكن إغفال ال++دور ال++ذي أص++بحت تلعب++ه وس++ائل
اإلعالم ،الس++يمامع الطف++رة ال++تي عرفته++ا بانتش++ار المعلومياتووس++ائل +التواص++ل االجتم++اعي ،كم++ا اليمكن
إغفال تأثير جماع++ة األص++دقاء ،والمؤسس++ات الديني++ة ،والتنظيم++ات السياس++ية والمدني++ة غ++ير الرس++مية في
.عملية نقل القيم وتكون الشخصية
اقتباس طويل يتعدى ثالث ص++فحات في عنص++ر واح++د لدرج++ة يب++دو مع++ه العنص++ر من إنج++از الباحث++ة -
المقتبس من مرجعها ،وهذا يتنافى مع شروط المنهجية العلمية وقواعدها ،ذل++ك أن لالقتب++اس أص++ول على