You are on page 1of 10

‫من تنظيم‬

‫المجلس الشعبي الوالئي لوالية عين الدفلى‬


‫"اليوم اإلعالمي التحسيسي للوقاية من العنف في الوسط المدرسي "‬
‫أفريل ‪28 2015‬‬

‫‪ :‬عنوان المداخلة‬

‫ـ التأصيل األكاديمي لظاهرة العنف في الوسط المدرسي‬


‫اإلعالم‪ ،‬األسرة‪ ،‬المدرسة‪ ،‬المسجد و الشارع وآخرون تحت المساءلة‬

‫بقلم ‪ /‬الدكتور تيطاوني الحاج‬


‫أستاذ باحث في علوم اإلعالم واالتصال بكلية العلوم اإلنسانية‬
‫العميد السابق لكلية الحقوق والعلوم السياسية‬

‫جامعة! الجياللي بونعامة خميس مليانة‬

‫مقدمة‬
‫عندما يتم االطالع يوميا على تصدر أحداث العنف كل محتويات وسائل اإلعالم املختلفة عامليا‬
‫عربيا وطنيا ومحليا ‪ ،‬وذلك بنقل وعرض وبث ومتابعة كل أشكال ومستويات العنف من العنف‬
‫الجسدي ‪ ،‬العنف اللفظي ‪ ،‬عنف الصورة عنف املشهد التلفزيوني ‪ ،‬عنف الخطاب السياسي‬
‫والعنف االقتصادي ومختلف أساليب التعاطي مع اآلخر ‪،‬عندها‪ P‬يكون من الحكمة الوقوف بتعقل‬
‫أمام العنف كظاهرة يجب البحث عن جذورها‪ P‬و السعي إليجاد آلية علمية ذات جدوى للقضاء على‬
‫تداعياتها‪ P‬ومخاطرها‪ P‬قبل أن تزداد استفحاال ‪.‬‬
‫ليس سرا أن مظاهر العنف قد تعددت أشكالها‪ P،‬وتفاقمت آثارها ‪ ،‬فعندما كانت آذاننا تلتقط بعض‬
‫أخبار العنف عبر وسائل اإلعالم السائدة في بعض املجتمعات الغربية في السبعينات والثمانينيات من‬
‫القرن املاضي ‪ ،‬لم يكن كثير من الجزائريين يعتقدون أن هذه املظاهر‪ P‬في طريقها إلى املجتمع‬
‫الجزائري ‪ ،‬بل أن الكثير ين كانوا يعتقد ون أن الجزائري محصن بكثير من القيم واألعراف‬
‫والتقاليد تحول دونه ومظاهر العنف السائدة في البالد الغربية ‪ .‬وكثير منهم كان يعتقد جازما أن‬

‫‪1‬‬
‫الدين اإلسالمي ومنظومة القيم السائدة في املجتمع‪ ،‬كاملسجد واملدرسة و الجامعة ورقابة الهيئات‬
‫التنفيذية للدولة ‪ ،‬مع التزام مختلف وسائل اإلعالم كونها أدوات للتربية والتثقيف ‪ ،‬كل ذلك كان‬
‫في أعين الجزائريين كفيل بأن يرد أي زيغ آو انحراف نحو العنف أو التفسخ السائد في املجتمعات‬
‫الغربية ‪ .‬لكن الذي حدث ‪ ،‬وعلى مرأى من أعيننا‪ ،‬أو ربما على غفلة منا ‪ ،‬كثير من هذه الحصانات‬
‫فمع عصر العوملة والسماوات املفتوحة‪ ، P‬و مع‬ ‫قد تهاوى بشكل سريع و مريع ‪.‬‬
‫تنامي البث التلفزيوني الفضائي ‪ ،‬وتنامي الهجرة البينية بين الدول والشعوب ‪ ،‬والتداخل بين‬
‫الثقافات ‪ ،‬وتنامي السياحة بأنواعها ‪ ،‬وتوغل الشركات العابرة للقارات املتعددة الجنسيات في‬
‫صناعة حس استهالكي جديد متجدد بين كل شعوب العالم ‪ ،‬وتراجع دور الدولة القومية أو الوطنية‬
‫في العالم ‪ ،‬وحدوث تقلص واضح لسيادة الدول على إقليمها وإزاء مواطنيها ‪ ...‬كل ذلك ساهم‬
‫بشكل كبير في انفالت كثير من القيم والحصانات التي كانت تقف في وجه تأثيرات الغرب على شعوب‬
‫العالم الثالث ومنها الجزائر ‪ .‬لذلك أصبحت شعوب العالم الثالث تسجل كثير من مظاهر العنف‬
‫التي باتت تؤرق الساسة والباحثين وحتى املواطن البسيط ‪ .‬فمن العنف السياسي إلى العنف في‬
‫املالعب فالعنف ضد املرأة و عنف املرأة ضد الرجل ‪ ،‬وعنف األحداث ‪ ،‬انتهاء عند العنف في‬
‫الوسط املدرسي ‪ .‬هو مسار لظاهرة تبدو متعددة املظاهر‪ ،‬قد يكون بينها قاسم مشترك ينخر‬
‫‪.‬املجتمعات ويصنع التباعد بين أفراده كل يوم‬

‫تعريف العنف‬
‫العنف ظاهرة إنسانية قديمة املنشأ‪ ،‬يتفاقم شكلها ومظاهرها‪ P‬وتداعياتها يوما بعد يوم‪ ،‬و‬
‫يشير مصطلح العنف إلى كل سلوك غير طبيعي من شأنه التأثير على اآلخرين باستخدام أساليب غير‬
‫سلسة و بوسائل غير سلمية لتحقيق أهداف معينة يعتقد القائم بها أن ال سبيل إلى إحقاقها‪ P‬إال‬
‫بهذا السلوك ‪.‬‬
‫أو هو مجموع األسباب و الدوافع التي تساهم في خلق سلوكيات غير طبيعية تهدف إلى فرض منطق‬
‫االنتصار للذات بعيد عن قيم اإلقناع والسلوك املتعارف عليه ثقافيا و سياسيا واجتماعيا ‪،‬‬
‫وقانونيا و اقتصادي ونفسيا و سوسيولوجيا ‪ .‬أو هو سلوك عدواني يشذ عن طبيعة السلوك‬
‫السوي الذي يميز حالة التناغم االجتماعي بين أفراد املجتمع الواحد وحتى في العالقات اإلنسانية‬
‫‪ ،‬عموما‬

‫‪1‬‬
‫فقد أصبح العنف ظاهرة عاملية تكاد تعيشها كل املجتمعات املعاصرة على اختالف أنظمتها السياسية و‬
‫توجهاتها‪ P‬الثقافية‪ ،‬فالسلوك العنيف " في منشئه و أفعاله و ردود أفعاله و نتائجه ينتقل عبر املجتمعات و‬
‫الثقافات و الجماعات بشكل متسارع حتى أصبح جزءا ال يتجزأ من ثقافة‪ P‬العالم املعاصر" ‪ " ،1‬فهو‬
‫استجابة سلوكية تتميز بصفة انفعالية شديدة قد تنطوي على انخفاض في مستوى البصيرة و التفكير و‬
‫على ذلك فمن غير الضروري ان يكون العنف قرينا للعدوان السلبي و ال مالزما للشر و التدمير ‪ ،‬فقد‬
‫يكون العنف ضرورة في موقف معين للتعبير عن واقع معين أو لتغيير واقع يتطلب تغييره استخدام العنف‬
‫‪." 2‬و قد يحدث العنف كرد فعل أو استجابة لعنف قائم و هو العنف املضاد‬

‫تعريف العنف المدرسي‬


‫من املهم النظر إلى العنف في الوسط املدرسي من منظور أن املدرسة هي بعض من املجتمع ‪ ،‬يصيبها ما‬
‫يصيب املجتمع و وال يمكنها أن تكون في منأى عن تأثيراته وتفاعالته " فالعنف املدرسي نمط من السلوك‬
‫يتسم بالعدوانية يصدر من تلميذ أو مجموعة من التالميذ ضد تلميذ أو مدرس ويتسبب في إحداث أضرار‬
‫مادية أو جسمية أو نفسية لهم ويتضمن هذا العنف الهجوم واالعتداء الجسمي واللفظي والعراك بين‬
‫‪" 3‬التالميذ والتهديد‪,‬املطاردة املشاغبة واالعتداء على ممتلكات املدرسة أيضا‬

‫فهو استجابة عامة لإلحباط وفيه يعبر الطفل عن غضبه وهو من التصرفات املالحظة‪ P‬في غرفة الصف‬
‫‪,‬وبما ان العنف يغضب اآلخرين فانه يعطى اهتماما اكبر من باقي ردود األفعال والعنف ليس دائما موجها‬
‫نحو األشخاص فقد يكون موجها نحو األشياء واملمتلكات ‪,‬فيعتبر العنف املدرسي كل تصرف يؤدي إلى‬
‫إلحاق األذى باآلخرين‪,‬قد يكون األذى جسميا أو نفسيا ‪,‬فالسخرية واالستهزاء من التلميذ أو املدرس‬
‫وفرض اآلراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة جميعا أشكاال مختلفة لنفس الظاهرة التي تتعدد أسبابها‬
‫‪.4‬فمنها األسرية واملدرسية والذاتية وتأثير القنوات األجنبية واالنترنيت‬

‫‪1‬‬
‫أ سلطاني فضيلة ‪ ،‬تناول الصحافة المكتوبة لظاهرة العنف المدرسي ‪ ،‬المجلة الدولية المحكمة األكاديمية للدراسات االجتماعية جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف‬
‫العدد ‪ 12‬جوان ‪2014‬ص‪88‬‬

‫‪ 2‬سعد المغربي ‪ ،‬االغتراب في حياة اإلنسان ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ 1987‬ص ‪26‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد العظيم حسين طه ‪ ،‬سيكولوجية العنف المدرسي ‪ ،‬الدار الجامعية الجديدة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ 2007‬ص ‪262‬‬

‫‪4‬‬

‫بن دريدي فوزي احمد ‪ ،‬العنف المدرسي لدى تالميذ المدارس ‪ ،‬في المدارس الثانوية الجزائرية ‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث ‪ ،‬الرياض ‪2007 ،‬ص‬
‫‪176‬‬

‫‪1‬‬
‫التفرقة بين اصطالحي العنف المدرسي والعنف في الوسط المدرسي‬
‫تفاديا ألي سوء فهم أو تعمد في تحميل املصطلح فوق ما يتحمله من مقاصد ‪ ،‬فان مصطلح العنف‬
‫املدرسي غير مصطلح العنف في الوسط املدرسي ‪ ،‬فاملدرسة في مفهومها التربوي واألكاديمي ‪ ،‬هي فضاء‬
‫تربوي لغرس القيم االجتماعية واملعرفة العلمية ومناهج التفكير من أجل صناعة مستقبل األمم‬
‫واألفراد ‪ .‬فاملدرسة في كل التجارب اإلنسانية الحديثة وجدت ألجل تجسيد هذه املقاصد و إحقاق هذه‬
‫املهام ‪ ،‬و هي دوما كذلك و ستبقى كذلك ‪ .‬فاملدرسة هي املؤسسة أو هي الفضاء الذي يحارب مظاهر‬
‫الجهل و التخلف ويحارب العنف أيضا ‪.‬‬
‫فال مجال إذن للربط العضوي بين العنف و املدرسة إال من خالل كون املدرسة والتلميذ وقبل ذلك‬
‫املعلم يداهمهم " العنف " كما يداهم األسرة ‪ ،‬ويداهم األفراد ‪ ،‬ويداهم القيم جراء ذلك التطرف‬
‫الدخيل في الخطاب اإلعالمي و الخطاب السياسي والخطاب الديني و كل دخيل من ثقافة الغرب ‪ .‬لذلك ال‬
‫يمكن بأي حال من األحوال افتراض منظومة تربوية تنتج عنفا كما تحاول بعض الكتابات إلصاقه‪P‬‬
‫بمنظومتنا التربوية لتبرير سياسات فاشلة أو لفرض تمرير مشاريع مجتمع بديلة ‪.‬‬
‫إنما العنف في الوسط املدرسي حقيقة ال ينكرها إال جاحد ‪ ،‬فهي ظاهرة جلية للعيان في محيط املدرسة‬
‫وفي أفنيتها وحجراتها الدراسية ‪،‬هي ظاهرة تتجسد في شكل عالقة بعض التالميذ فيما بينهم ‪ ،‬وبينهم‬
‫وبين املعلمين ‪ ،‬و حتى في عالقة التلميذ العنيف مع إدارة املدرسة ‪.‬‬
‫والحقيقة أن قراءتنا للظاهرة بوضعها في سياقها العام ‪ ،‬على خالف ما يقرأها البعض بشكل سطحي‬
‫وعرضي ‪ ،‬كمن يستعجل التخلص من عبء يؤرق ذهنه وبدنه ‪ ،‬فيسارعون إلى إلصاق التهمة بالتلميذ أو‬
‫املدرسة أو املعلم ‪،‬وكأنهم الجناة فيما يحدث ‪ ،‬ونحن في ذلك كمن يرحل املشكلة إلى غير سياقها‬
‫‪ .‬ومسبباتها‪ ، P‬األمر الذي يجانب التشخيص الحقيقي للمشكلة ‪ ،‬فيكون وصف الدواء بالضرورة خاطئا‪P‬‬

‫مظاهر العنف في الوسط المدرسي‬


‫يشير األستاذ عز الدين خالد إلى أن السلوك العنيف لدى أطفال املدارس يظهر على شكل سلوك يتضمن‬
‫‪ :‬مظاهر مختلفة منها‬

‫القول البذيء من سب وشتم و منابزة باأللقاب واستخدام كلمات أو جمل للتهديد_‪01‬‬


‫‪_02‬إحداث فوضى في الصف أو القسم عن طريق الضحك والكالم واللعب وعدم االنتباه ‪.‬‬
‫‪_03‬االحتكاك باملعلم وعدم احترامه ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪_ 04‬التدافع الحاد والقوي بين التالميذ أثناء الخروج من القسم ‪.‬‬
‫‪_05‬تخريب أثاث املدرسة كاملقاعد والطاوالت والكتابة على الجدران ‪.‬‬
‫‪_ 06 . 1‬اإلهمال املتعمد لنصائح املعلم وتعليماته واألنظمة وقوانين املدرسة‬

‫الواقع أن هذه املظاهر ـ مظاهر العنف في الوسط املدرسي ـ ال يمكن قراءتها قراءة مسطحة ‪ ،‬على أنها‬
‫لصيقة بفضاء املدرسة دون سواها من وحدات املجتمع ومؤسساته ‪ ،‬بل لعل تعمد رصدها ـ سياسيا أو‬
‫أكاديميا أو إعالميا من طرف البعض ـ في فضاء املدرسة ‪ ،‬فعل ينبئ عن نية مبيتة من أجل إثبات تهمة‬
‫يتم إلصاقها باملدرسة ‪ ،‬بهدف إدانة املنظومة التربوية في وجدان املجتمع دون عناء إثبات التهمة بالدليل‬
‫والحجة العلمية الدامغة ‪ ،‬فهي منظومة دوما كان يريد لها البعض أن تكون على نحو مغاير قيميا و‬
‫ولعل السؤال الجدير بالبحث والتقصي للحصول على جواب شاف كاف‬ ‫إيديولوجيا ‪.‬‬
‫خال من ذاتية التحيز أو العداء‪ ،‬هل املدرسة والتلميذ ضحايا أم جناة ؟ ‪ ...‬هل ال تعتبر املدرسة ضحية‬
‫فشل املجتمع في إبعاد العنف عن محيطها وأروقتها أم هي من يصنع هذا العنف ؟‪ ...‬بالتأكيد‪ P‬الجواب هو‬
‫أن املدرسة ال تصنع العنف و لكنها ال تقوى على مواجهته‪ ، P‬والذين ينتظرون من املدرسة أن تكون األداة‬
‫التي تواجه لوحدها‪ P‬العنف املستشري في املجتمع ‪ ،‬األكيد أنهم ال يدركون حجم العنف املتغلغل في أوساط‬
‫املجتمع‪ ،‬و ال يدركون أسبابه الحقيقية وعوامل انتشاره ‪ ،‬وال يدركون تبعا لذلك حجم املؤامرة‬
‫‪ .‬اإلقليمية والدولية التي تستهدف أساسا هوية وثقافات وسيادة دول العالم الثالث‬

‫التفسير السوسيوسيكولوجي لمظاهر العنف لدى التالميذ‬


‫الحقيقة أن السلوك العنيف لدى الطفل في املدرسة و في محيطها ما هو إال استمرار وتواصل لحالة‬
‫عنيفة يعيشها التلميذ ـ الطفل ـ ـ في العالقة األسرية بين أفرادها بتسجيل أالف القضايا أمام‬
‫املحاكم فيما يعرف بالعنف ضد املرأة أو بين األزواج ‪ .‬وهو ذات العنف الذي يعايشه الطفل أمام‬
‫جهاز التلفزيون وهو يشاهد أزيد من ‪ 20‬ألف حالة قتل أو عنف دامي عبر القنوات الفضائية قبل‬
‫بلوغ سن السادسة عشرة بمباركة ورضي األسرة ‪ ،‬و هو العنف الذي يعايشه الطفل في تعرضه‬
‫لجهاز الكومبيوتر أمام ألعاب الفيديو االليكترونية التي تتضمن مشاهد هي اقرب إلى الحقيقة صوتا‬
‫‪ .‬وصورة‬

‫فالسلوك العنيف للتلميذ في محيط املدرسة وفي عالقته بمعلمه أو بزميل له في الصف الدراسي‬
‫‪،‬أو سلوكه العنيف إزاء املدرسة كمنشأة كطاولة ‪ ،‬كرسي أو سبورة ‪،‬إنما هو ذات املشهد الذي بات‬
‫‪1‬‬
‫عز الدين خالد ‪ ،‬السلوك العدواني عند األطفال ‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪ 2010 ،‬ط ‪ 1‬ص ‪26‬‬

‫‪1‬‬
‫أطفالنا يلتقطون تفاصيله من تناقضات‪ ‬و عنف الشارع وعنف املالعب الرياضية ‪ ،‬و من نقاش‬
‫الساسة عبر التلفزيونات العمومية والخاصة في تنابز و سباب وصراخ وتراشق بالكلمات النابية ‪،‬‬
‫وهو انعكاس ملا دأبت على نشره صحفنا من عنف يتم رصد تفاصيله عبر صحافة اإلثارة املترصدة‬
‫لكل ما يحدث في الجزائر العميقة على منوال " الخبر املرشح للنشر إذا عض رجل كلبا ‪ ،‬وليس الخبر‬
‫أن نتحدث عن كلب عض رجال ‪ ".. .‬فاملحصلة والوضع على ما تم إيضاحه أن املدرسة إنما هي‬
‫املشجب الذي تحاول الوحدات و املؤسسات املجتمعية األخرى تعليق صناعتها عليه الذي هو عنف‬
‫‪ .‬املجتمع املستورد من ضمن اتاحاتها‬

‫كيف نواجه العنف في الوسط المدرسي ؟‬


‫الشك أن كثير من املظاهر املشينة أصبحت تهدد املؤسسات التربوية في الجزائر ومنها العنف في‬
‫الوسط املدرسي ‪ ،‬وقد تم فعال انجاز عديد الدراسات واقتراح كثير من الحلول ملواجهة هذه‬
‫املخاطر ‪ ،‬وقد تم محاولة تشخيص املشكلة دوما في اقتصار البحث في العالقة الجدلية بين التلميذ‬
‫ومدرسه ‪ ،‬أو التلميذ واملناهج الدراسية ‪ ،‬على اعتبار ان ظاهرة العنف في الوسط املدرسي شأن‬
‫يخص األسرة التربوية فيتم اإلشارة إلى جملة من اإلحصاءات امليدانية " كاالعتداءات املصرح بها‬
‫لدى مصالح الشرطة منذ بداية سنة ‪ 2010‬التي تثبت أن نسبة كبيرة من املتسببين في هذه األفعال هم‬
‫التالميذ مع تسجيل نسبة ضئيلة جدا لحاالت ضرب تصدر من األساتذة ‪ ...‬وحتى األولياء وأضحوا‬
‫غير قادرين على احتواء العنف الصادر عن أبناءهم سواء اتجاه زمالئهم في املدارس أو ضد األساتذة ‪...‬‬
‫فالقوانين الداخلية ساهمت بنسبة كبيرة في تطاول التلميذ على أستاذه وهذا ما أكدته بعض النقابات‬
‫الحالية في املؤسسات التربوية الن املربى كان محميا بموجب محتوى القانون املدني الصادر في ‪1975‬‬
‫الذي ينص في عدد من مواده على أن الدولة تحل محل األستاذ إذا قام أولياء التالميذ بتحريك دعوى‬
‫قضائية ضده’إال انه بعد صدور القانون التوجيهي لقطاع التربية ‪ 2008‬ألغيت املواد املشار إليها‬
‫وأسوأ من هذا فقد حمل املربي ما ال يطيقه عندما جعله مذنبا في جميع األحوال حتى في حال شجار‬
‫بين التالميذ في القسم‪ ،‬وهناك من يرى أن القانون التوجيهي لقطاع التربية يحمي األستاذ والتلميذ‬
‫‪1‬‬
‫سويا ولكن يركز أكثر على حقوق التلميذ بحكم انه قاصر ‪".‬‬
‫ولعلي لن أكون مجحفا في حق بعض الدارسين عندما ننتقد حصرهم ملشكل العنف في الوسط‬
‫املدرسي ‪ ،‬بتركيزهم على البحث عن املذنب " هل هو التلميذ أو املعلم ؟؟ أيهما إحصائيا يقوم باالعتداء‬
‫‪1‬‬
‫سلطاني فضيلة ‪ ،‬تناول الصحافة المكتوبة لظاهرة العنف المدرسي ‪ ،‬المجلة الدولية المحكمة األكاديمية للدراسات االجتماعية جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف‬
‫العدد ‪ 12‬جوان ‪2014‬ص‪91‬‬

‫‪1‬‬
‫أكثر على األخر ‪ ،‬التلميذ أم األستاذ ؟؟ " والجواب ال يحتاج إلى فراسة أو ذكاء ‪ ،‬كما ال يحتاج إلى‬
‫إحصائيات وال لسبر أراء املختصين ‪ ..‬فالطفل أكثر تأثرا بمشاهد ومواقف العنف املنتشرة في املجتمع‬
‫‪ .‬ووسائل اإلعالم ‪،‬لذلك فعنف التلميذ نحو األخر أكبر‬

‫فمن جملة القوانين التوجيهية و التعليمات الكثيرة التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية ملواجهة ظاهرة‬
‫العنف في الوسط املدرسي نذكر املنشور رقم ‪ 23‬املؤرخ في ‪ 20‬ماي ‪ 1984‬املتعلق بضرب التالميذ و‬
‫املنشور رقم ‪ 50‬املؤرخ في ‪ 10‬نوفمبر ‪ 1987‬املتعلق بمنع العقاب الجسدي ‪ ،‬و في ‪ 1‬جوان ‪ 1992‬صدر‬
‫قرار رقم ‪ 171/2‬املتعلق بمنع العقاب البدني و العنف تجاه التالميذ في املؤسسات التعليمية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى املنشور رقم ‪ 94/26‬املؤرخ في ‪ 15‬جانفي ‪ 1994‬املتعلق بمنع العقاب البدني و التعليمة‬
‫رقم ‪ 96‬املؤرخة في ‪ 10‬مارس ‪ 2009‬املتعلقة بمحاربة العنف في الوسط املدرسي‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫‪ 1‬القانون التوجيهي للتربية الوطنية رقم ‪04-08-‬املؤرخ في ‪23‬جانفي ‪2008‬‬

‫غير أن كل هذه القوانين والقرارات واللوائح و التعليمات التي جادت بها وزارة التربية الوطنية ‪ ،‬وهي‬
‫تصدر أوامرها وتوجيهاتها إلى األسرة التربوية ملواجهة ظاهرة العنف ‪ ،‬لم يكن لها لتحد من تفاقم‬
‫الظاهرة التي باتت في تزايد باعتراف الجميع ‪ ،‬ذلك ألن مواجهة العنف ليس شأنا يخص املدرسة أو‬
‫وزارة التربية والتعليم لوحدها ‪ ،‬بل هي واحد من عديد القطاعات معنية بقدر أكبر من املسؤولية إزاء‬
‫ظاهرة العنف ‪ ،‬فالبطالة ‪ ،‬وأزمة السكن ‪ ،‬واالنفصال بين الزوجين ‪ ،‬وغالء املعيشة وتدني القدرة‬
‫الشرائية و غياب العدالة ‪ ،‬وسيادة الظلم االجتماعي ‪ ،‬وغياب الوازع الديني ‪ ،‬و الغزو الثقافي ‪،‬‬
‫االختالل في سلم القيم ‪،‬و انحصار و تخلف الخطاب الديني أملسجدي وتخلي األسرة عن دورها‬
‫التربوي الواعي بمخاطر الثقافة الوافدة ‪ ،‬كل ذلك يحيلنا حتم إلى استحضار عديد الجهات لتحمل‬
‫وزر العنف في الوسط املدرسي ‪ .‬ويحيلنا إلى اإلقرار بأن التلميذ واملدرسة إنما هما الضحية‪ ،‬أما‬
‫الجاني‪ ،‬فهو كل من يستورد العنف في لعبة ‪ ،‬أو في فلم ‪ ،‬أو في أغنية ‪ ،‬وفي ال مباالة األسرة في رسم‬
‫الرمز والقدوة في أعين وعقول األطفال تحت الرعاية كما أن الجاني يختبئ دوما وراء انتهاك القيم‬
‫االجتماعية باستيراد قيم أخرى تم إنتاجها لتستهلك آخر في الغرب وليس ألطفالنا ‪ .‬من غير أن نهمل‬
‫ومن الجدير هنا التنويه إلى ما صرحت‬ ‫وجوب تطوير املناهج التربوية وفق احدث الطرق ‪.‬‬
‫به مؤخرا رئيسة مكتب اإلرشاد املدرسي بوزارة التربية الوطنية السيدة املاحي زبيدة خالل امللتقى‬
‫الجهوي حول تسيير النزاعات داخل املؤسسات التربوية يوم االثنين ‪ 06‬افريل ‪ 2015‬من أن ‪ 97‬في‬

‫‪1‬‬
‫وزارة التربية الوطنية ‪ ،‬المفتشية العامة للبيداغوجيا ‪ ،‬التصدي لظاهرة العقاب البدني والعنف اللفظي اتجاه التالميذ ‪13/11/2013 ،‬‬

‫‪1‬‬
‫املائة من حوادث العنف في الوسط املدرسي ناتج عن عوامل خارجة عن نطاق املدرسة مثل األسرة‬
‫ورفاق السوء ووسائل اإلعالم وغيرها ‪ ،‬وهي الجهات التي لم تقم بدور التنشئة املنوط بها اتجاه "‬
‫الطفل " مؤكدة أن أسباب حاالت العنف من داخل املؤسسات التربوية ال تتعدى نسبة الـ ‪ 03‬باملائة‬
‫علما أن هذا امللتقى الذي نظمته وزارة التربية الوطنية تم بالتنسيق مع املنظمة العاملية لتنمية‬
‫الشعوب الكائن مقرها بأملانيا بمشاركة مستشاري التوجيه املدرسي من ‪ 25‬والية شارك فيه‬
‫‪ 1‬مختصون وأساتذة متعددي التخصصات ‪ ،‬كعلم النفس وعلم االجتماع‬

‫تحديد المسؤوليات‬
‫العنف ظاهرة غير محلية وال هي وطنية ‪،‬بل هي ظاهرة عاملية وكذلك هو العنف في الوسط املدرسي ‪،‬‬
‫لذلك من الصعب تصور حلول جذرية محلية أو وطنية ‪ ،‬غير أن انتظار الحلول الدولية لظاهرة‬
‫العنف ‪ ،‬قد تدفعنا إلى االنتظار طويال لتشابك و تعارض املصالح واألهداف بين الدول وهو ما تنشغل‬
‫منظمة اليونسكو عامليا بالبحث فيه منذ سنوات عديدة دون الوصول إلى حلول وسطى ترضي الدول‬
‫املتضررة من دول العالم الثالث وال تغضب الدول الغربية املتقدمة ‪ .‬غير انه من الواجب على‬
‫مؤسسات الدولة الواحدة من الداخل ‪ ،‬الوعي بمسؤولياتها إزاء ظاهرة العنف والعنف في الوسط‬
‫املدرسي ‪ ،‬ومنها األسرة ‪ ،‬املدرسة ‪ ،‬املسجد ‪ ،‬اإلعالم ‪ ،‬الشارع ‪ ،‬اإلدارة ‪ ،‬السياسيين ‪ .‬رجال املال ‪،‬‬
‫‪ :‬املجتمع املدني ‪ ،‬وهي مسؤوليات على النحو التالي‬

‫المسؤولية في مواجهة العنف في الوسط المدرسي‬ ‫الجهة‬


‫االجتهاد في تنشئة الطفل واإلشراف الفعلي على كل مراحل تربيته ‪،‬مع العمل على صناعة النموذج أو‬ ‫األسرة‬ ‫‪01‬‬
‫الرمز أو القدوة في أعين األبناء ‪ ،‬وع غرس القيم االجتماعية واألسرية لدى أطفالهم‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬الصحافة الوطنية ليوم ‪ 07‬افريل ‪ 2015‬ـ جريدة الخبر الصفحة ‪ ، 04‬جريدة الحياة اليومي الصفحة ‪ 04‬أيضا‬

‫‪1‬‬
‫تحديث املناهج الدراسية والتربوية ‪ ،‬تكوين املعلمين ‪ ،‬تحبيب فضاء املدرسة لدى التلميذ ‪ .‬االلتزام‬ ‫المدرسة‬ ‫‪02‬‬
‫بنظام داخلي متوازن ‪ .‬مع تفعيل دو أولياء التالميذ وإنشاءـ نوادي خاصة بالتلميذة‬

‫‪ .‬تحديث وتأصيل الخطاب أملسجدي املعتدل الواعي بمستجدات العصر املستوعب لتكنولوجياته‬ ‫المسجد‬ ‫‪03‬‬
‫إخضاعـ املادة االعالمية للرؤية تربوية خاصة ما تعلق منها باإلعالم الجماهيري املفتوح ‪ ،‬مع وجوب‬ ‫اإلعالم‬ ‫‪04‬‬
‫إدراك خطورة إعالم اإلثارة والتضمينات التي تسكن محتوى البرامجـ املستوردة وتأثيرها على‬
‫املجتمع وخصوصا األطفال‬

‫على املجتمع إدراك دوره التربوي الرقابي ‪ ،‬ولن يتأتى ذلك إال بأخلقة الشارع ‪ ،‬وامتثاله لروح‬ ‫الشارع‬ ‫‪05‬‬
‫القانون واآلداب العامة ‪ ،‬واالمتثال لقول النبي صلى هللا عليه وسلم " كلكم راع وكل راع مسؤول‬
‫‪ " .‬عن رعيته‬

‫التعامل مع املواطنينـ سواسية أمام القانون ‪ ،‬مع مراعاة العدالة االجتماعية ونبذ البيروقراطية ‪،‬‬ ‫اإلدارة‬ ‫‪06‬‬
‫واعتبار املنتوج التربوي منتجا يستأهل التثمين ال يقل ‪ ،‬بل يفوق املنتج االقتصادي والزراعيـ‬
‫‪ .‬والتجاري مع تغليب مبدأ الكفاءة‬

‫تهذيب الحياة السياسية وحصر الصراع على السلطة على مستوى األفكار بعيدا عن التجريح‬ ‫الساسة‬ ‫‪07‬‬
‫‪ .‬والسباب والتخوين واستخدام املنابر االعالمية بعدائية‬

‫إعطاء رأس املال القيمة املضافة في املجتمع و في سوق الشغل ‪ ،‬باعتبار أن الثروة تعني مناصب‬ ‫رجال المال‬ ‫‪08‬‬
‫شغل جديدة وتعني قيمة اقتصاديةـ مضافة و اكتفاء ذاتي ينتصب و امن غذائي مضمون ‪ .‬وليس‬
‫‪ .‬تكديس للثروة و احتكار للقيم االقتصادية‬

‫تتحدد مسؤولية املجتمع املدني في مناقشة أمهات القضايا التي يعيشها املجتمع ‪ ،‬الذي عليه أن ينتظم‬ ‫المجتمع المدني‬ ‫‪09‬‬
‫وينخرط في هذا املسعى من أجل مساعدة املجتمع وليس من اجل استغالله واستغفاله تحت غطاء‬
‫‪ .‬جمعيات رقمية ليس إال‬

‫توجيه البحث العلمي الجامعيـ في إطار التعليم العالي نحو القضايا الحقيقية التي يعيشهاـ املجتمع‬ ‫الباحثون‬ ‫‪10‬‬
‫‪ .‬كأولوية يمليها الواجب الوطني والضميرـ املنهي في آن معا‬

‫الخاتمة‬
‫مواجهة العنف في الوسط املدرسي ‪ ،‬مهمة يتحملها الجميع ليس من منطلق مساعدة املدرسة على بعض‬
‫من مهامها ‪ ،‬لكن من منطلق ان السلوك العنيف يتعاطاه الطفل مع أسرته منذ عامه األول ‪ .‬لذلك‬
‫فالعنف الذي نخشاه هو العنف الذي يمس الطفل وينتقل معه إلى سن الشباب فالكهولة ‪ ,‬لذلك ال يجب‬
‫أن نقرأه على انه شأن تربوي ولكنه شأن اجتماعي تساهم في ترسيخه كل مؤسسات املجتمع وعلى عاتقها‬

‫‪1‬‬
‫يقع عبء مواجهته وبمختلف الطرق والوسائل ‪ .‬فال مكان للمتفرج غير املعني ‪ ،‬فنار‪ P‬العنف تحرق الجميع‬
‫كما نرى ونقرأ ‪ .‬وما مظاهره املتعددة في الوسط املدرسي وفي املالعب والشوارع وفي األسواق وداخل‬
‫‪ .‬األسرة وفي دواليب السياسة ووسائل اإلعالم إال خير دليل على ذلك‬

‫عين الدفلى ‪ 18‬افريل‪2015‬‬

‫بقلم ‪ /‬الدكتور تيطاوني الحاج‬

‫‪1‬‬

You might also like