You are on page 1of 8

‫ظاهرة الهدر المدرسي ‪ :‬األسباب والحلول‬

‫من إعداد‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز رشدي‬

‫باحث بالمركز المغربي للتنمية الفكرية‬

‫تقديم‬

‫يظل الهدر المدرسي إحدى الخصائص الهيكلية التي تطبع النظام التعليمي‬
‫المغربي‪ ،‬وهذه الظاهرة تعد من أكبر المعيقات التي تعرقل تطور العملية‬
‫التعليمية بجميع مراحلها‪ ،‬والتي تسببت في نزيف كبير للموارد البشرية‪ ،‬وهي‬
‫ظاهرة مركبة تشمل مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية‪.‬‬

‫وقد لاحظت العديد من الدراسات أن ظاهرة الهدر المدرسي تنتشر أكثر بالوسط‬
‫القروي‪ ،‬تليه الأحياء الشعبية‪ ،‬أي الأحياء الهامشية والفقيرة بالوسط الحضري‪ ،‬مما‬
‫يعمق من نتائجه الخطيرة‪ ،‬مثل انتشار الأمية والبطالة والجريمة في المجتمع وهدر‬
‫الموارد المالية للدولة‪ ،‬كما يؤدي حتما إلى الانحراف والتهميش والإقصاء واستغلال‬
‫الأطفال في سوق العمل قبل سن الخامسة عشرة‪.‬‬

‫وقد كشفت الأرقام الرسمية أن ظاهرة الهدر المدرسي في تصاعد متزايد‪ ،‬في‬
‫السنوات الأخيرة ‪ ،‬لذلك فمن المرتقب أن يكون هذا الملف حاضرا في مشروع‬
‫الإصلاح القريب الذي تباشره وزارة التربية الوطنية‪.‬‬

‫وبناء عليه‪ ،‬فقد ارتأيت من خلال هذا المقال تسليط الضوء عن هذه الإشكالية‪،‬‬
‫التي بلا شك تؤرق بال المسؤولين عن القطاع التربوي في بلادنا‪ ،‬وذلك لإبراز أبعاد‬
‫هذه الظاهرة وتلمس أسبابها ‪ ،‬مع وضع بعض المقترحات الكفيلة بالتصدي لها أو‬
‫الحد منها‪.‬‬

‫الفرع الأول‪ :‬تعريف الهدر المدرسي‬

‫مهما تعددت الأسماء واختلفت المفاهيم والمصطلحات حول الهدر المدرسي‪ ،‬فإن‬
‫هذه الظاهرة تحمل مدلولات ومسميات أخرى كالتسرب والفشل المدرسي‪ ،‬والتخلف‬
‫الدراسي‪ ،‬والانقطاع المدرسي‪ ،‬وعدم التكيف الدراسي‪ ،..‬وكثير من المفاهيم التي تعد‬
‫حقلا خصبا لسوسيولوجيا التربية هي نتيجة واحدة لشيء واحد‪ ،‬هو ترك الدراسة قبل‬
‫إنهاء مرحلة معينة‪ ،‬وهي آفة تسائل الدولة والمجتمع‪ ،‬بل تسائل السياسة التعليمية‬
‫ببلادنا ككل‪.‬‬
‫لذا ينبغي علينا أن نعترف أننا أمام ظاهرة تؤرق المجتمعات العربية بشكل عام‪،‬‬
‫والمغرب بشكل خاص‪ ،‬وتساهم في عدم تطور الفرد بل المجتمع برمته‪ ،‬فهي من‬
‫العوامل القادرة على شل حركة المجتمع ووضعه في دائرة التخلف والتقهقر‪ ،‬بعيدا‬
‫عن مواكبة لغة العصر في التقدم والانفتاح‪.‬‬

‫الفرع الثاني أسباب الهدر للمدرسي وانعكاساته‬

‫تبين الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية‪ ،‬والتي أجريت خلال‬
‫سنة ‪ 2008‬أن أكثر من ‪ 300.000‬ألف تلميذ وتلميذة من الفئة العمرية (‪6-15‬سنة )‬

‫ينقطعون سنويا عن الدراسة (‪ ،) 1‬هذا الأمر الذي يتسبب في تأخر التعليم من جهة‬

‫وفي الرفع من نسبة الأمية من جهة ثانية ‪ ،‬والتي تصل نسبتها إلى حوالي ‪،%34‬‬

‫بينهم أكثر من مليون طفل يتراوح عمرهم ‪ 9‬و ‪ 14‬خارج المدرسة لا يعرفون القراءة‬
‫والكتابة حسب الإحصائيات الرسمية (‪.)2‬‬

‫كل هذا يجعل بلادنا تحتل مراتب متدنية في مؤشرات التنمية البشرية بالرغم من‬
‫المجهودات المبذولة‪.‬‬

‫فالهدر المدرسي يشكل آفة تؤثر سلبا في تنمية مجتمعنا‪ ،‬حيث أظهرت دراسة من‬
‫طرف المجلس الأعلى للتعليم سنة ‪ 2008‬أن التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة‬
‫بعد أربع سنوات يؤولون إلى الأمية‪ ،‬مما يشكل استنزافا للموارد البشرية والمادية‬
‫للبلاد‪ ،‬إذ يمكن تقدير تكلفة عدم التمدرس وا لانقطاع عن الدراسة بنسبة ‪%2‬من‬
‫الناتج الداخلي الخام‪ ،‬وهذه الظاهرة كما أسلفنا تنتشر بالعالم القروي‪ ،‬مما يستنزف‬
‫التقدم الذي تحقق في تقليص الفوارق في نسب التمدرس بين الوسطين الحضري‬
‫والقروي‪ ،‬وبين الجنسين فمعدل تمدرس الفتيات بين ‪ 12‬و‪ 14‬سنة من العمر لم‬
‫يتجاوز ‪ 43%‬في الموسم الدراسي ‪ 2007-2006‬مقابل ‪ 75%‬كمعدل وطني بالنسبة‬
‫لهذه الفئة العمرية‪ .‬وتضاف فئات التلاميذ المنقطعين عن الدراسة‪ ،‬إلى صفوف‬
‫المستهدفين ببرامج محاربة الأمية وبرامج التربية غير النظامية‪ ،‬التي تبقى المسلك‬
‫الوحيد لإعادة الإدماج في المنظومة ‪ ،‬علما أن الطاقة الاستيعابية لاستقبال‬
‫المستفيدين من هذه البرامج لا تكفي آلاف المنقطعين عن الدراسة‪.‬‬

‫في خلاصة تقرير منظمة اليونسكو‪ ،‬وهي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم‬
‫والثقافة‪ ،‬والصادر سنة ‪ ، 2014‬جاء فيه أن المغرب احتل المرتبة ما قبل الأخيرة‬
‫عربيا في عدد الخريجين‪ .‬كما أن ‪ %10‬من الأطفال لا يلتحقون بالمدرسة‪ ،‬و حوالي‬
‫‪ % 34.5‬فقط هي نسبة التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم بالثانوي‪ ،‬هذا بالرغم من‬
‫كل الإمكانيات التي توظف في قطاع التربية والتعليم‪ ،‬والتي تفوق ‪ % 5‬من الدخل‬
‫العام للبلد‪.‬‬

‫أما عن أسباب الهدر المدرسي‪ ،‬فتتنوع بين أسباب اجتماعية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬واقتصادية‪،‬‬
‫ونفسية‪ ،‬وتربوية‪ ،‬وجغرافية‪.‬‬

‫أولا‪ :‬الأسباب الاجتماعية والثقافية‬

‫وتتجلى في العوامل والأسباب التالية ‪:‬‬

‫* الغياب المتواصل للآباء عن البيت‪ ،‬العنف داخل الأسرة‪ ،‬الانحراف الأخلاقي‬


‫لبعض التلاميذ والتلميذات ( التعاطي للتدخين والمخدرات‪.)..‬‬

‫* أمية الآباء‪ ،‬غياب علاقات التواصل مع الأسرة‪ ،‬رفض بعض الآباء لتمدرس‬
‫الفتاة (خوفا من تعرضها للتحرش الجنسي‪ ،‬أو من صدور أعمال عنها قد تسيء‬
‫إلى سمعة العائلة‪.)..‬‬

‫* سيادة بعض الأفكار الخاطئة حول تدريس الفتاة القروية‪ ،‬حيث ترى بعض‬
‫الأمهات أن البنت يجب أن تتعلم الأعمال المنزلية وبعض الأنشطة الممارسة‬
‫في المنطقة‪ ،‬وهذا كفيل لها بحياة زوجية ناجحة أما الدراسة فهي شيء ثانوي‪.‬‬

‫* مسألة الزواج المبكر‪ ،‬والتي تعد من بين الأسباب التي توقف مسيرة الفتاة‬
‫الدراسية عند مراحلها الأولى‪.‬‬

‫أما الأسباب الثقافية فتتعلق أساسا بنظرة السكان القرويين للمدرسة‪ ،‬فالعادات‬
‫والتقاليد تلعب دورا هاما‪ ،‬فقد نجد أسرا أحيانا تشجع أبناءها وبناتها على التمدرس‬
‫خلال المرحلة الابتدائية فقط‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الأسباب الاقتصادية‬

‫وتتجلى في الفقر والحاجة‪ ،‬والدخل المحدود للأسر‪ ،‬وضعف الموارد المالية للتكفل‬
‫بدراسة الأبناء‪ .‬هذا إضافة إلى تشغيل البعض منهم لأطفاله في أعمال الفلاحة‬
‫وغيرها من الأعمال وتكليف الفتياة بأعمال البيت‪ ،‬إلى جانب غياب النقل المدرسي‬
‫أو محدوديته في الوسط القروي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الأسباب النفسية‬

‫تتجلى في صعوبات اندماج التلاميذ في المحيط المدرسي‪ ،‬ومدى قابليتهم‬


‫للانخراط في المؤسسة التعليمية‪ ،‬وصعوبات التعلم لدى العديد منهم‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الأسباب التربوية‬

‫تتجلى هذه الأسباب في النقط التالية ‪:‬‬

‫* ضعف قدرة بعض التلاميذ على مواكبة وتيرة الدراسة؛‬

‫* تعدد المستويات الدراسية في القسم الواحد في بعض الأماكن من العالم‬


‫القروي‪ ،‬وكذا الاكتظاظ‪ ،‬الذي يمكن اعتباره ظاهرة عامة بأغلب المؤسسات‬
‫التعليمية على الصعيد الوطني؛‬

‫* عدم ملاءمة المقررات مع خصوصيات الفئات المستهدفة‪ ،‬فضلا عن حالات‬


‫التكرار المتعددة‪ ،‬وكذا ارتفاع تكلفة التدريس بالنسبة للفئات المعوزة؛‬

‫* سوء العلاقة بين المعلم والمتعلم؛‬

‫* غياب الوسائل البيداغوجية والديداكتيكية؛‬

‫* عدم جاذبية الفضاء المدرسي وقلة الأنشطة المدرسية والترفيهية؛‬

‫* عدم ملاءمة بعض برامج التكوينات الأساسية للأساتذة والمديرين مع‬


‫متطلبات المدرسة والتلاميذ؛‬

‫* ضعف تغطية المدرسة لحاجيات تمدرس الطفل (الكتب والمعدات‬


‫المدرسية‪ ،‬عدم توافر المطاعم المدرسية بالعديد من المدارس وخاصة‬
‫بالعالم القروي‪ ،‬عدم وجود دور الطالبة بالقدر الكافي‪ )..‬؛‬

‫* ضعف البنيات التحتية المدرسية‪ ،‬وفي هذا الإطار لا تزال العديد من‬
‫المدارس بالمناطق القروية بالخصوص غير مرتبطة بشبكة الماء الصالح‬
‫للشرب أو لا تتوفر على مرافق صحية ‪ ،‬أو تفتقر للكهرباء‪ .‬وقليلة هي‬
‫المؤسسات التعليمية التي تتوفر على سكن مخصص للمدرس ‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫عددا مهما من المدرسين يزاولون عملهم في ظروف غير ملائمة للعملية‬
‫التربوية؛‬

‫* حالات الغياب المتكررة لدى بعض المدرسين‪ ،‬والتي تعود في الغالب إلى‬
‫ظروف العمل الصعبة ولاسيما بالوسط القروي (البعد‪ ،‬السكن‪ ،‬النقل‪،‬‬
‫التجهيزات‪ )..‬؛‬

‫كل هذه الأسباب التربوية التي ذكرناها وأسباب أخرى‪ ،‬تلعب دورا كبيرا في تراجع‬
‫دور المدرسة ورسالتها التربوية وتفقدها الثقة في المحيط الاجتماعي والأسري‪،‬‬
‫وتخلق نفورا في نفوس التلاميذ الذين يغادرون حجراتها وأقسامها دون استكمال‬
‫دراستهم‪ .‬وهذه الوضعية المقلقة تسائل د ور الدولة والوزارة الوصية على القطاع‪،‬‬
‫وكذا دور الجماعات الترابية في توفير بنيات مدرسية بمواصفات جيدة ولائقة‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬الأسباب الجغرافية‬

‫تتجلى في بعد المؤسسات التعليمية عن سكن التلاميذ ولاسيما بالوسط القروي‪،‬‬


‫وتشتت السكن‪ ،‬وصعوبة المسالك وانعدامها أحيانا‪ ،‬وقساوة الظروف المناخية‬
‫خصوصا بالمناطق الجبلية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الإجراءات المتخذة من طرف قطاع التربية الوطنية للحد من الهدر‬
‫المدرسي‬

‫إن هذه الظاهرة بحجم خطورتها والإشكالات التي تطرحها سواء على مستوى‬
‫المؤسسة التعليمية أو الفرد المتعلم أو الأسرة والمجتمع برمته‪ ،‬دفعت بلا شك‬
‫وزارة التربية الوطنية إلى بدل جهود كبيرة من أجل الحد منها‪ ،‬وذلك من خلال‬
‫توسيع نطاق برامج التدخل (محاربة الأمية ومدرسة الفرصة الثانية) ووضع مقاربة‬
‫وقائية عبر إرساء خلايا اليقظة خاصة في العالم القروي‪ ،‬ووضع عدة برامج منها‪:‬‬
‫برنامج المواكبة التربوية لفائدة التلاميذ المتعثرين‪ ،‬وبرنامج الدعم التربوي‪ ،‬وبرنامج‬
‫الدعم الاجتماعي‪ ،‬وبرنامج تأهيل المؤسسات التعليمية وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع‬
‫البناءات المدرسية‪.‬‬

‫ويعد برنامج تيسير‪ ،‬والذي يهدف إلى توفير منح دراسية لفائدة التلاميذ والتلميذات‬
‫المنتمين للأسر الفقيرة‪ ،‬إلى جانب مشروع مليون محفظة‪ ،‬أهم انجازات البرنامج‬
‫الاستعجالي في اتجاه الرفع من نسبة المتمدرسين والاحتفاظ بهم لأطول مدة‬
‫ممكنة‪ ،‬تحقيقا ل هدف إلزامية التعليم ومجانيته إلى حدود ‪ 15‬سنة‪.‬‬

‫كل هذه الإجراءات وغيرها كانت تستهدف الحد من الهدر المدرسي‪ ،‬لكن الواقع‬
‫يزكي ويبين أن الهدر لم يتم الحد منه‪ ،‬ولازال نزيف الانقطاع المدرسي في تزايد‪.‬‬
‫وهذا يطرح تساؤلات عن محدودية البرامج المتبعة‪ ،‬ومدى استفادة كل التلاميذ‬
‫الذين يعانون من وضعية هشة‪ ،‬بل نتساءل عن مدى شمولية المواكبة التربوية‪،‬‬
‫هل هذه المنظومة تشمل البرامج الموجهة للتلاميذ العاديين والمتميزين أنفسهم‬
‫الذين هم أيضا بحاجة إلى برامج المواكبة التربوية ‪ .‬بل إن المؤسسات التعليمية‬
‫ذاتها‪ ،‬بجميع مكوناتها بما فيها من أطر إدارية وتربوية وتقنية‪ ،‬هي أيضا بحاجة إلى‬
‫تتبع ومواكبة وتقويم مستمر‪ ،‬كما نتساءل عن عنصر الحكامة في هذه البرامج أي‬
‫عن مدى نجاعتها‪ ،‬وإلى أي حد تم تفعيلها على أرض الواقع‪ ،‬وكذا عن مسألة التتبع‬
‫والمراقبة والتقويم وسبل تدبير هذه الإجراءات‪.‬‬
‫ففي دراسة ميدانية أجرتها إحدى جمعيات التنمية البشرية بمدينة وزان‬

‫ونواحيها (‪ )3‬خلصت فيها إلى أن نسبة الهدر المدرسي ستستمر في الارتفاع في‬

‫السنوات المقبلة لأن الجهات المسؤولة تتعامل مع منشطي التربية غير النظامية‬
‫باللامبالاة وبأساليب متجاوزة ولا يتوصلون بمستحقاتهم الهزيلة إلا بعد مرور أكثر‬
‫من سنة‪ .‬وتوصي هذه الدراسة بالعناية بالمنشطين واعتبارهم قوة اقتراحية علاوة‬
‫على إعادة وزارة التربية الوطنية النظر في مضامين مقررات التربية الغير النظامية‪،‬‬
‫وأن تكون هناك شراكة فعالة ما بين الوزارة المعنية وجمعيات المجتمع المدني‬
‫تقوم على مبادئ الحكامة الجيدة والتدبير العقلاني‪ ،‬مع جعل الجماعات المحلية‬
‫شريكا أساسيا في هذا المجال‪.‬‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬مقترحات من أجل الحد من الهدر المدرسي‬

‫ينبغي أن نعيد التأكيد على أن ظاهرة الهدر المدرسي تعتبر معضلة تربوية كبرى‬
‫تحول دون تطور المنظومة التعليمية ببلادنا خصوصا بالعالم القروي‪ ،‬كما أن لها‬
‫آثارا وخيمة‪ ،‬كارتفاع نسبة الأمية والبطالة وانحراف الشباب‪ .‬لذا فإن الظاهرة تتطلب‬
‫حلولا ملموسة وعميقة وبعد نظر واعتماد مقاربات جديدة في مواجهتها‪،‬‬
‫سيكولوجية واقتصادية واجتماعية‪ .‬وفي هذا الإطار‪ ،‬يمكن تقديم بعض المقترحات‬
‫التي نراها مهمة من أجل الحد من الهدر المدرسي وهي كالتالي ‪:‬‬

‫أولا‪ :‬تفعيل أدوار المؤسسة التعليمية‬

‫* عن طريق ضبط الغياب وانقطاع التلاميذ وتنويع وإغناء الموارد المالية‬


‫والتمويلية لتنمية قطاع التعليم وتفعيل الهياكل اللاممركزة مثل مجالس‬
‫التدبير والفعاليات المحيطة بالمدرسة‪ ،‬والإدارة التربوية نفسها‪ ،‬ووضع خطة‬
‫لتنظيم الدعم التربوي‪ ،‬وتوسيع قاعدة المستفيدين من القاعات المتعددة‬
‫الوسائط‪ ،‬وتكثيف محاربة الأمية والتركيز على الوظيفية منها‪ ،‬والعمل على‬
‫تشجيع الشراكة في مجال النقل المدرسي‪.‬‬

‫* تأهيل الموارد البشرية العاملة بالمؤسسات التعليمية واستكمال تكوينها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تنمية الفضاء المدرسي‬

‫* عن طريق تحسين فضاءات المؤسسة التعليمية لتوفير شروط الراحة‬


‫والجاذبية للتلاميذ‪ ،‬وتجهيز الوحدات المدرسية بالماء والكهرباء والمرافق‬
‫الصحية والرياضية‪.‬‬
‫* ضرورة تقريب المدارس من التجمعات السكانية‪ ،‬وتمتين جسور التواصل‬
‫بين المدرسة والأسرة ‪ ،‬وكذا معرفة الصعوبات التي يعاني منها التلميذ في‬
‫تأقلمه مع المحيط المدرسي‪ ،‬وإفساح المجال أمامه لإبراز ذاته والتعبير عن‬
‫رغباته واهتماماته ‪ ،‬علاوة على خلق أنشطة ثقافية موازية ودعم الأنشطة‬
‫التربوية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إجراءات التدخل والتعبئة والتأطير‬

‫تتجلى هذه الإجراءات في النقط التالية ‪:‬‬

‫* تكثيف التحسيس والتأطير وتقديم الدعم المادي والتربوي والاجتماعي‪،‬‬


‫ومنها أساسا تحسين جودة الخدمات المدرسية‪ ،‬وتوسيع شبكات المطاعم‬
‫المدرسية والداخليات وتعميمها في مختلف المناطق القروية وتجهيزها‬
‫وترميمها والعناية بها‪.‬‬

‫* بناء دور ملائمة للفتيات المنحدرات من الوسط القروي وضمان بيئة تربوية‬
‫مناسبة‪ ،‬وتوفير مساعدات اجتماعيات لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي‪.‬‬

‫* مواصلة تطوير النقل المدرسي لفائدة الأطفال القاطنين بعيدا عن المنشآت‬


‫التعليمية‪ ،‬وإحداث جمعيات لهذا الغرض لأجل التتبع‪.‬‬

‫* الزيادة في المنحة التي تقدمها الحكومة للتلاميذ في وضعية هشة –في‬


‫إطار برنامج تيسير‪ -‬مع رفع عدد الممنوحين والاستفادة من الدعم الاجتماعي‪.‬‬

‫* تعبئة وانخراط كل الفاعلين (حكومة ومجتمع مدني‪ ،‬وفاعلين محليين‬


‫وجهويين‪ ،‬من أجل إرساء خطة استراتيجية شاملة تستهدف التدخل لتحديد‬
‫المناطق والجماعات الأكثر حاجة واستعجالية والتي تعرف نسبة كبيرة في‬
‫الهدر المدرسي‪.‬‬

‫* انخراط المؤسسات التعليمية‪ ،‬وجمعيات أولياء وأمهات التلاميذ‪ ،‬والأساتذة‪،‬‬


‫والمربين‪ ،‬ومؤسسات محلية من أجل وضع خطة ميدانية لمحاربة الهدر‬
‫المدرسي‪ ،‬من خلال عقد لقاءات مباشرة مع الآباء والأمهات لحثهم على‬
‫تدريس أبناءهم خاصة بالبوادي‪ ،‬أو من خلال وضع منشورات ومطويات‬
‫للتعريف بظاهرة الهدر المدرسي وخطورتها وأثرها السلبي على التلميذ‬
‫والمجتمع‪ ،‬وفي المقابل توضيح أهمية التعليم وأثره الايجابي في حياة‬
‫أبناءهم وبناتهم‪.‬‬
‫وخلاصة القول أن محاربة الهدر المدرسي بكل أشكاله وبمختلف الأسلاك التعليمية‬
‫بهدف الاحتفاظ بالتلاميذ أكثر ما يمكن داخل النظام التربوي‪ ،‬يتطلب حلولا عميقة‬
‫ودعما وطنيا ومساهمة دولية‪ ،‬من خلال الرصد والاطلاع على الاستراتيجيات‬
‫والمقاربات المعمول بها في سياقات متعددة لجعل التلميذ محور الاهتمام‪ ،‬وتقديم‬
‫أجود الخدمات‪ ،‬وتوفير شروط النجاح المدرسي‪ ،‬وربط المؤسسة التعليمية بمحيطها‬
‫بشكل يساعد على تكوين المواطن المتشبث بقيم المواطنة والهوية والمنفتح أيضا‬
‫على قيم العصر والديمقراطية‪.‬‬

‫إن ورش الإصلاح الذي تقوده وزارة التربية الوطنية اليوم في إطار مشاورات‬
‫جهوية مع الفرقاء والفاعلين الجهويين‪ ،‬يتطلب بكل إلحاح إعادة النظر في الدور‬
‫الحالي للمدرسة العمومية في اتجاه تقوية إشعاعها وإبراز مكانتها ‪ ،‬وفي اتجاه‬
‫إعادة الاعتبار للمربي لأداء رسالته النبيلة والجسيمة في نفس الوقت‪ ،‬لأنه يؤدي‬
‫أصعب مهمة وهي وظيفة تربية النشء والأجيال المتسلحة بالمعرفة الصحيحة‬
‫والبناءة التي تسهل انخراطه في الحياة العامة والإسهام قدر جهده في عملية‬
‫التنمية المأمولة‪ ،‬وذلك من أجل ضمان مدرسة عمومية تعيد الثقة للأسر‬
‫المغربية‪ ،‬وتكون فضاء جذابا ومستقطبا للتلميذ‪ ،‬مدرسة عمومية تتوفر على بنيات‬
‫ت حتية جيدة‪ ،‬وتقل فيها الإكراهات والصعوبات التي يعاني منها نظامنا التعليمي‬
‫منذ عقود ( الهذر المدرسي‪ ،‬الرسوب‪ ،‬الاكتظاظ ‪ ،‬التكرار‪،‬الأمية‪.)...‬‬

‫‪ www.men.gov.ma‬موقع وزارة التربية الوطنية على الإنترنيت ]‪[1‬‬

‫نظرة عامة عن الحالة الراهنة للمدرسة المغربية – تقرير المجلس العلى ]‪[2‬‬
‫للتعليم لسنة ‪2008‬‬

‫هذه الدراسة أنجزت من طرف جمعية جدور للتنمية البشرية للتفصيل الإطلاع ]‪[3‬‬
‫‪http://jedour.freehostia.com/‬على الرابط‬

You might also like