You are on page 1of 32

‫قراءة منهجية جديدة في النص القرآني‬

‫تطبيقات‬
‫إبليس والشيطان والجن ‪2 -‬‬
‫قصي الموسوي‬
‫الجلسة القرآنية – منزل حازم العبيدي‬
‫لندن ‪ 14-‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫تذكير بما مضى ‪1-‬‬
‫قلنا بأن هناك مجموعة من االلفاظ التي ثبتت على معاني خاصة منها‪ :‬ابليس والشيطان‬ ‫•‬
‫والجن‪.‬‬
‫إستعرضنا القصة المشهورة عن تلك االلفاظ وما تمثلة في التراث االسالمي وعرضنا‬ ‫•‬
‫لبعض المشاكل التي تثور في ذهن الباحث وتبحث عن جواب‪.‬‬
‫قلنا بأنه لم يرد في القرآن الكريم ما يثبت ان إبليس والشيطان هما اسمين لشخص واحد‬ ‫•‬
‫او على االقل لجنس او نوع واحد‪.‬‬
‫قلنا بان لفظة ابليس وردت ‪ 11‬مرة في النصوص القرآنية وهو ما ال يتناسب وخطورة‬ ‫•‬
‫واهمية دوره‪.‬‬
‫قلنا انه لم يرد في القرآن وصف لطريقة تكاثر ابليس وتزواجه ولكن وردت االشارة الى‬ ‫•‬
‫الجن وهو ما ال يوجد دليل على انه يشير الى ابليس‪.‬‬
‫تذكير بما مضى ‪2 -‬‬
‫• اشرنا أيضا الى اننا نعجز عن معرفة تفاصيل مهمة عن الجن وابليس والشيطان رغم‬
‫دورهم الكبير في حياتنا ومصيرنا كما تعلمنا في ثقافتنا العامة‪.‬‬
‫• اشرنا ايضا الى ان القرآن يصف كيد الشيطان بانه ضعيف وان المسؤولية موجهة الى‬
‫االنسان والى نفسه التي تطوع له ارتكاب الموبقات في تصوير ال يتناسب مع معرفتنا‬
‫العامة حول موضوع ابليس والشيطان والجن‪.‬‬
‫• أشرنا الى قصة ابني آدم واستعرضنا النص لنقف بالنتيجة على ان النص لم يشر ال من‬
‫قريب وال من بعيد الى اية مسؤولية للشيطان او ابليس عن حادثة القتل التي وقعت‬
‫بينهما‪.‬‬
‫• وطرحنا سؤاال اردنا من بحثنا أن يجيب عنه حول هوية ابليس وفرقه عن الشيطان وعن‬
‫الجن‪.‬‬
‫• وقدمنا فرضيتنا التي ن َّدعي فيها بان ابليس شيئ والشيطان شيئ والجن شيئ آخر فهم‬
‫ليسوا شيئا واحدا وان كانت هناك عالقات فيما بينهم‪.‬‬
‫تذكير بما مضى ‪3 -‬‬
‫س) وتوصلنا إلى تعريف (ال َبلَس)‬ ‫• استعرضنا ما اوردته كتب اللغة في تعريف الجذر ( َبلَ َ‬
‫على أ َّنه ‪ :‬الوقوع في حصار وإنقطاع الحيلة‪.‬‬
‫• وتوصلنا أيضا إلى ان إبليس تعني‪ :‬إسم أداة أو شيئ أو إسم مفعول وقع عليه الفعل‪.‬‬
‫• وقبلنا بأن يكون إبليس ‪ :‬اسم فاعل مبالغة‪ .‬يدل على اليأس والقنوط‪ .‬الن هذا المعنى‬
‫قريب من معنى الوقوع في حصار وإنقطاع الحيلة‪.‬‬
‫• عرضنا بحثا تحليال لفهم الفرق بين ( َما َم َن َع َك أَ َّال َت ْس ُج َد إِ ْذ أَ َم ْر ُت َك) و( َما َم َن َع َك أَنْ َت ْس ُج َد لِ َما‬
‫َي) س َّيما وأنَّ الجواب من ابليس كان واحدا وهو (أَ َنا َخ ْير ِم ْن ُه َخلَ ْق َتنِي مِنْ َنار‬ ‫َخلَ ْق ُ‬
‫ت ِب َيد َّ‬
‫َو َخلَ ْق َت ُه مِنْ طِ ين) وتبينا فرقا يعتمد على إتجاه حركة الفعل ( َم َن َع) وبنينا هذا الفرق على‬
‫المعنى األصلي للفعل والذي يشبه المعنى المتداول اليوم عن معنى اللفظ (م َّن َع)‪.‬‬
‫• اشرنا أيضا الى ان التفريق بين األمرين يساعدنا في فهم المقصود الحقيقي للنص والذي‬
‫اوصلنا إلى ان االمر متعلق بطبيعة إبليس ذاتها فهو غير متعلق بالمسجود له وال بمن‬
‫صدر منه االمر بالسجود‪.‬‬
‫التأكد من معنى البلس‬
‫س) في ‪ 16‬موضعا من النص القرآني منها ‪ 11‬مرة لفظة ابليس‪.‬‬ ‫• وردت مشتقات الجذر ( َبلَ َ‬
‫س) حتى نطمئن إلى صحة ما نقول فنورد اآليات األخرى وهي‬ ‫دعونا نتامل في المشتقات االخرى للجذر ( َبلَ َ‬
‫التالية‪:‬‬
‫ِس ا ْل ُم ْج ِر ُمونَ (‪12‬الروم‪.)30‬‬ ‫سا َع ُة ُي ْبل ُ‬ ‫• َو َي ْو َم َتقُو ُم ال َّ‬
‫ش ْيء َح َّتى إِ َذا َف ِر ُحوا ِب َما أُو ُتوا أَ َخ ْذ َنا ُه ْم َب ْغ َتة َفإِ َذا ُه ْم‬ ‫اب ُكل ِّ َ‬ ‫سوا َما ُذ ِّك ُروا ِب ِه َف َت ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم أَ ْب َو َ‬ ‫• َفلَ َّما َن ُ‬
‫سونَ (‪44‬األنعام‪.)6‬‬ ‫ُم ْبلِ ُ‬
‫سونَ (‪77‬المؤمنون‪.)23‬‬ ‫شدِيد إِ َذا ُه ْم فِي ِه ُم ْبلِ ُ‬ ‫• َح َّتى إِ َذا َف َت ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم َبابا َذا َع َذاب َ‬
‫ج مِنْ‬ ‫ِسفا َف َت َرى ا ْل َودْ َق َي ْخ ُر ُ‬ ‫شا ُء َو َي ْج َعلُ ُه ك َ‬
‫ف َي َ‬
‫اء َك ْي َ‬
‫س َم ِ‬ ‫س ُط ُه فِي ال َّ‬ ‫س َحابا َف َي ْب ُ‬ ‫الر َيا َح َف ُتثِي ُر َ‬
‫ّللا ُ الَّذِي ُي ْرسِ ل ُ ِّ‬ ‫• َّ‬
‫شا ُء مِنْ عِ َبا ِد ِه إِ َذا ُه ْم َي ْس َت ْبشِ ُرونَ (‪48‬الروم‪َ )30‬وإِنْ َكا ُنوا مِنْ َق ْب ِل أَنْ ُي َن َّزل َ‬ ‫اب ِب ِه َمنْ َي َ‬ ‫ص َ‬ ‫خ َِاللِ ِه َفإِ َذا أَ َ‬
‫َعلَ ْي ِه ْم مِنْ َق ْبلِ ِه لَ ُم ْبلِسِ ينَ (‪49‬الروم‪.)30‬‬
‫سونَ‬ ‫ب َج َه َّن َم َخالِدُونَ (‪74‬الزخرف‪َ )43‬ال ُي َف َّت ُر َع ْن ُه ْم َو ُه ْم فِي ِه ُم ْبلِ ُ‬ ‫• إِنَّ ا ْل ُم ْج ِرمِينَ فِي َع َذا ِ‬
‫(‪75‬الزخرف‪َ )43‬و َما َظلَ ْم َنا ُه ْم َولَكِنْ َكا ُنوا ُه ُم ال َّظالِمِينَ (‪76‬الزخرف‪.)43‬‬

‫• الحظوا حالة اإلحاطة والضيق وإنعدام الحيلة! وحاولوا قياس األمر على الفكرة التي طرحناها وهي‬
‫محاولة تنحية بعض الصفات وتقوية صفات جديدة‪.‬‬
‫المجموعة األولى‬
‫ش ْي َطانُ َما َكا ُنوا َي ْع َملُونَ‬ ‫س ْت قُلُو ُب ُه ْم َو َز َّينَ لَ ُه ُم ال َّ‬ ‫ض َّر ُعوا َولَكِنْ َق َ‬ ‫س َنا َت َ‬ ‫اء ُه ْم َبأْ ُ‬
‫• َفلَ ْو َال إِ ْذ َج َ‬
‫ش ْيء َح َّتى إِ َذا َف ِر ُحوا ِب َما أُو ُتوا‬ ‫اب ُكلِّ َ‬ ‫سوا َما ُذ ِّك ُروا ِب ِه َف َت ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم أَ ْب َو َ‬ ‫(‪43‬األنعام‪َ )6‬فلَ َّما َن ُ‬
‫ب‬‫لِل َر ِّ‬ ‫سونَ (‪44‬األنعام‪َ )6‬فقُطِ َع دَ ابِ ُر ا ْل َق ْو ِم الَّذِينَ َظلَ ُموا َوا ْل َح ْم ُد ِ َّ ِ‬ ‫أَ َخ ْذ َنا ُه ْم َب ْغ َتة َفإِ َذا ُه ْم ُم ْبلِ ُ‬
‫ا ْل َعالَمِينَ (‪45‬األنعام‪.)6‬‬
‫نالحظ المراحل التي تشير إليها القصة في اآليات وهي التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬قوم تعرضوا لبأس السماء وكان يفترض أن يتضرعوا‪.‬‬
‫‪ .2‬قست قلوبهم وز َّين لهم الشيطان ما كانوا يعملون‪.‬‬
‫‪ .3‬فلما نسوا ما ذكروا به‪.‬‬
‫ِحت عليهم ابواب كل شيئ يفرحهم‪.‬‬ ‫‪ .4‬فُت ْ‬
‫‪ .5‬بعدها أُخذوا بغتة فأبلسوا‪.‬‬
‫‪ .6‬فأدى ذلك األخذ لهم كقوم ظالمين إلى ان ينقطع دابرهم‪.‬‬
‫س يؤدي إلى اإلختفاء من الواقع وهو المعنى الذي توحية الكلمة أساسا‪.‬‬ ‫فال َب ْل ُ‬
‫المجموعة الثانية‬
‫سفا َف َت َرى‬ ‫شا ُء َو َي ْج َعل ُ ُه ِك َ‬
‫ف َي َ‬
‫اء َك ْي َ‬ ‫س ُط ُه فِي ال َّ‬
‫س َم ِ‬ ‫س َحابا َف َي ْب ُ‬
‫الر َيا َح َف ُتثِي ُر َ‬ ‫• َّ‬
‫ّللا ُ الَّذِي ُي ْرسِ ل ُ ِّ‬
‫شا ُء مِنْ ِع َبا ِد ِه إِ َذا ُه ْم َي ْس َت ْبشِ ُرونَ‬ ‫اب ِب ِه َمنْ َي َ‬ ‫ص َ‬ ‫ج مِنْ خ َِاللِ ِه َفإِ َذا أَ َ‬ ‫ا ْل َودْ َق َي ْخ ُر ُ‬
‫(‪48‬الروم‪َ )30‬وإِنْ َكا ُنوا مِنْ َق ْب ِل أَنْ ُي َن َّزل َ َعلَ ْي ِه ْم مِنْ َق ْبلِ ِه لَ ُم ْبلِسِ ينَ (‪49‬الروم‪َ )30‬فا ْن ُظ ْر‬
‫ض َب ْع َد َم ْوتِ َها إِنَّ َذلِ َك لَ ُم ْح ِيي ا ْل َم ْو َتى َو ُه َو َعلَى ُكل ِّ‬ ‫ف ُي ْح ِيي ْاألَ ْر َ‬ ‫ت َّ ِ‬
‫ّللا َك ْي َ‬ ‫ار َر ْح َم ِ‬ ‫إِلَى آ َث ِ‬
‫ش ْيء َقدِير (‪50‬الروم‪.)30‬‬ ‫َ‬
‫الحظوا أنَّ اآليات أشارت إلى طريقة تكون السحاب ونزول المطر منه وأثر ذلك على الناس‬
‫الذين تعرضوا للجفاف مسبقا وكانوا ُمبلِسِ ين وكيف ا َّنهم يستبشرون بعد نزول المطر‪ .‬ثم‬
‫تعتبر اآليات أنَّ األمر مرتبط بحياة بعد موت‪.‬‬
‫فاإلبالس الذي يجري الحديث عنه هو نوع من الضمور المشابه للموت ولكنه ليس موت‬
‫فناء وانما بقاء لحالة الحياة فيهم ضامرة نتيجة ضغوط خارجية تحولت إلى حياة بمجرد ان‬
‫ت َّم رفع الضغط الخارجي عنهم‪ .‬وهذا هو اإلبالس‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة‬
‫ب َي ْوم أَلِيم (‪65‬الزخرف‪َ )43‬هلْ‬ ‫اب مِنْ َب ْينِ ِه ْم َف َو ْيل لِلَّذِينَ َظلَ ُموا مِنْ َع َذا ِ‬ ‫ف ْاألَ ْح َز ُ‬ ‫• َف ْ‬
‫اخ َتلَ َ‬
‫ش ُع ُرونَ (‪66‬الزخرف‪ْ )43‬األَخ َِّال ُء َي ْو َمئِذ‬ ‫سا َع َة أَنْ َتأْتِ َي ُه ْم َب ْغ َتة َو ُه ْم َال َي ْ‬ ‫َي ْن ُظ ُرونَ إِ َّال ال َّ‬
‫ض ُه ْم لِ َب ْعض َعدُو إِ َّال ا ْل ُم َّتقِينَ (‪67‬الزخرف‪َ )43‬يا ِع َبا ِد َال َخ ْوف َعلَ ْي ُك ُم ا ْل َي ْو َم َو َال أَ ْن ُت ْم‬ ‫َب ْع ُ‬
‫َت ْح َز ُنونَ (‪68‬الزخرف‪ )43‬الَّذِينَ آ َم ُنوا ِبآ َياتِ َنا َو َكا ُنوا ُم ْسلِمِينَ (‪69‬الزخرف‪ )43‬ادْ ُخلُوا‬
‫اف َعلَ ْي ِه ْم ِبصِ َحاف مِنْ َذهَب َوأَ ْك َواب‬ ‫ا ْل َج َّن َة أَ ْن ُت ْم َوأَ ْز َوا ُج ُك ْم ُت ْح َب ُرونَ (‪70‬الزخرف‪ُ )43‬ي َط ُ‬
‫س َو َتلَذ ْاألَ ْع ُينُ َوأَ ْن ُت ْم فِي َها َخالِدُونَ (‪71‬الزخرف‪َ )43‬وتِ ْل َك ا ْل َج َّن ُة‬ ‫ش َت ِهي ِه ْاألَ ْنفُ ُ‬
‫َوفِي َها َما َت ْ‬
‫ور ْث ُت ُموهَا ِب َما ُك ْن ُت ْم َت ْع َملُونَ (‪72‬الزخرف‪ )43‬لَ ُك ْم فِي َها َفا ِك َهة َكثِيرة ِم ْن َها َتأْ ُكلُونَ‬ ‫الَّتِي أ ُ ِ‬
‫ب َج َه َّن َم َخالِدُونَ (‪74‬الزخرف‪َ )43‬ال ُي َف َّت ُر َع ْن ُه ْم‬ ‫(‪73‬الزخرف‪ )43‬إِنَّ ا ْل ُم ْج ِرمِينَ فِي َع َذا ِ‬
‫سونَ (‪75‬الزخرف‪َ )43‬و َما َظلَ ْم َنا ُه ْم َولَكِنْ َكا ُنوا ُه ُم ال َّظالِمِينَ‬ ‫َو ُه ْم فِي ِه ُم ْبلِ ُ‬
‫ض َعلَ ْي َنا َرب َك َقال َ إِ َّن ُك ْم َما ِك ُثونَ (‪77‬الزخرف‪)43‬‬ ‫(‪76‬الزخرف‪َ )43‬و َناد َْوا َيا َمالِ ُك لِ َي ْق ِ‬
‫س هو ان يبقوا في عذاب جهنم ماكثين وال يقضى عليهم فهم محاطون‬ ‫• نالحظ أنَّ ال َبلَ َ‬
‫ومسيطر عليهم مع استمرارهم بقاء على قيد الحياة‪.‬‬
‫ما هو إبليس؟ ‪1-‬‬
‫إبليس إذن هو تلك المجموعة من الصفات الوراثية السلبية المراد تخليص االنسان بنسخته الجديدة‬
‫(اآلدمية) منها بشكل مستمر ومتواصل – سواء كانت هذه الصفات بدنية مادية مباشره في شكله‬
‫وقوامه او غير مباشرة تؤثر على سلوكه الحقا – وذلك لالرتقاء به الى درجة العبودية التامة‪.‬‬
‫وهي حالة االنطبقا التام مع قوانين ّللا تعالى بشكل طوعي كما كان الهدف أصال من خلقه‪.‬‬

‫توضيح‪ :‬كنت افكر في عرض ما يمكن عرضه عن مسألة الجينات والحمض النووي وكيف تعمل‬
‫تلك الجينات او المورثات في نقل الصفات الوراثية وكيف يجري تطويرها وكيف تؤثر في تطوير‬
‫االجيال البشرية المتعاقبة‪.‬‬
‫ولكني فضلت عدم الخوض في ذلك لعدة أسباب منها‪:‬‬
‫• ال يوجد إطمئنان كافي بثبات المعلومات العلمية الموجودة حاليا عن هذه الموضوعات‪.‬‬
‫• هناك جدل فلسفي مستمر حول أثر الوراثة في نقل الصفات السلوكية وهذا سيخرجنا عن‬
‫الموضوع األصلي‪.‬‬
‫• ان البحث الذي نقدمه هو بحث لساني يحاول استنطاق النص ويبقى الجهد المرتبط بالمناحي‬
‫العلمية منوطا باصحاب االختصاص‪.‬‬
‫عليه !‬
‫• عليه فإ َّننا سنكتفي بعرض فكرتنا اإلجمالية التي استنتجناها من النص القرآني وبالمتابعة‬
‫اللغوية واللسانية البحتة موضحين اننا نعمل في إطار عام من االفكار وال ندخل بالتفاصيل‬
‫الدقيقة للقضايا العلمية المتعلقة بموضوع الوراثة وانتقال الصفات من جيل إلى جيل‪.‬‬
‫• كذلك فإ َّننا نريد التفريق هنا بين فكرة أ َّننا نبني أبحاثنا على (الطريقة والمنهجية العلمية)‬
‫وبين إشارتنا بين الفينة والفينة إلى أبحاث علمية في مجاالت إختصاص أخرى من جهة‬
‫ثانية وبين الخوض في تفاصيل علمية خاصة بعلوم اخرى عن طريق نقلها واالستعانة‬
‫بها‪ .‬فهذه امور متباينة فيما بينها‬
‫األهم‪...‬‬

‫• واألهم من ذلك علينا ان نفرق بين امور عديدة ترد االشارة اليها في مختلف البحوث‬
‫العلمية وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬المنطق‪ :‬الذي هو المعيار الذي يتم به تعيير االمور وانشاء العالقات بين المتغيرات‬
‫والثوابت النشاء معرفة جديدة او بناء صرح علمي معين ‪ ..‬المنطق ثابت في كل العلوم‬
‫وال يوجد أكثر من منطق وإال الستحال علينا إثبات إي شيئ‪.‬‬
‫‪ .2‬منهجية البحث‪ :‬وهذه هي األخرى أهم في تحقيق النتائج في اي بحث فبغير المنهج‬
‫العلمي ال يمكن التوصل الى نتائج يمكن االعتماد عليها‪.‬‬
‫‪ .3‬نحن في بحوثنا القرآنية نعتمد على المنطق والمنهجية العلمية التحليلية واالستقرائية‬
‫واالستنتاجية‪ ،‬وعلى التطبيقات العملية وخبرتنا في الحياة العامة‪.‬‬
‫ما هو إبليس؟ ‪2 -‬‬
‫نعود اآلن لنتأكد من المعنى الذي قدمناه عن لفظة (إبليس) من خالل معاودة العمل على النص‬
‫التالي‪:‬‬

‫السا ِجدِينَ‬ ‫ِيس لَ ْم َي ُكنْ مِنَ َّ‬ ‫س َجدُوا إِ َّال إِ ْبل َ‬ ‫اس ُجدُوا ِآلدَ َم َف َ‬ ‫ص َّو ْر َنا ُك ْم ُث َّم قُ ْل َنا لِ ْل َم َالئِ َك ِة ْ‬
‫• َولَ َقدْ َخلَ ْق َنا ُك ْم ُث َّم َ‬
‫(‪11‬األعراف‪َ )7‬قال َ َما َم َن َع َك أَ َّال َت ْس ُجدَ إِ ْذ أَ َم ْر ُت َك َقال َ أَ َنا َخ ْير ِم ْن ُه َخلَ ْق َتنِي مِنْ َنار َو َخلَ ْق َت ُه مِنْ طِ ين‬
‫الصاغِ ِرينَ‬ ‫َّ‬ ‫(‪12‬األعراف‪َ )7‬قال َ َفاهْ ِب ْط ِم ْن َها َف َما َي ُكونُ َل َك أَنْ َت َت َك َّب َر فِي َها َف ْ‬
‫اخ ُر ْج إِ َّن َك مِنَ‬
‫(‪13‬األعراف‪َ )7‬قال َ أَ ْنظِ ْرنِي إِلَى َي ْو ِم ُي ْب َع ُثونَ (‪14‬األعراف‪َ )7‬قال َ إِ َّن َك مِنَ ا ْل ُم ْن َظ ِرينَ‬
‫اط َك ا ْل ُم ْس َتقِي َم (‪16‬األعراف‪ُ )7‬ث َّم َآلتِ َي َّن ُه ْم مِنْ‬ ‫(‪15‬األعراف‪َ )7‬قال َ َف ِب َما أَ ْغ َو ْي َتنِي َألَ ْق ُعدَنَّ لَ ُه ْم صِ َر َ‬
‫شاك ِِرينَ (‪17‬األعراف‪َ )7‬قال َ‬ ‫ش َمائِلِ ِه ْم َو َال َت ِج ُد أَ ْك َث َر ُه ْم َ‬‫َب ْي ِن أَ ْيدِي ِه ْم َومِنْ َخ ْلفِ ِه ْم َو َعنْ أَ ْي َمانِ ِه ْم َو َعنْ َ‬
‫اخ ُر ْج ِم ْن َها َم ْذ ُءوما َمدْ ُحورا لَ َمنْ َت ِب َع َك ِم ْن ُه ْم َألَ ْم َلَنَّ َج َه َّن َم ِم ْن ُك ْم أَ ْج َمعِينَ (‪18‬األعراف‪.)7‬‬ ‫ْ‬
‫س ولنالحظ كيف سيكون المعنى‬ ‫• ل ُنعِد قراءة النص اآلن بهدوء وبناءا على المعنى األصلي لل َبلَ ْ‬
‫منسجما رغم أ َّنه سيقلب المعنى المتعارف لهذه المجموعة من اآليات رأسا على عقب‪.‬‬
‫نالحظ المالحظات التالية‪1-‬‬
‫ص َّو ْر َنا ُك ْم ُث َّم قُ ْل َنا لِ ْل َم َال ِئ َك ِة ا ْس ُجدُوا ِآل َد َم )‬‫• اوال إنَّ القول في بداية النص ( َولَ َقدْ َخلَ ْق َنا ُك ْم ُث َّم َ‬
‫يعني انَّ الحديث ليس عن شخص واحد إسمه (آدم) وإ َّنما عن نسخة بشرية جديدة تمثل‬
‫أي خلط ‪ -‬نوعين أو أكثر من األصول البشرية إلنتاج‬ ‫جيال كامال إسمه آدم ت َّم فيه (أد ُم) ‪ْ -‬‬
‫جيل جديد‪ .‬وذلك خالفا لما تعلمناه جميعا من أنَّ ّللا تعالى خلق شخصا واحدا أسمه آدم‬
‫وطالب المالئكة بالسجود له بينما اآلية هنا تتحدث عن عملية خلق جماعي وتصوير‬
‫جماعي نتج عنه آدم ثم قيل للمالئكة ان يسجدوا له‪.‬‬
‫• نعتقد ذلك لوجود اداة التراخي ( ُث َّم) التي تشير في العادة الى فترة زمنية طويلة نسبيا بين‬
‫امرين منفصلين فالخلق مرحلة والتصوير مرحلة اخرى وخلق آدم مرحلة ثالثة وأمر‬
‫السجود آلدم مرحلة رابعة‪.‬‬
‫ص َّو ْر َنا‪ /‬قُ ْل َنا) وال مجال أمامنا اال القول أ َّنهم المالئكة العلويون‬ ‫• المتحدث هنا جماعة ( َخلَ ْق َنا‪َ /‬‬
‫الذين ينفذون اوامر ّللا تعالى في الخلق والتصوير‪.‬‬
‫نالحظ المالحظات التالية‪2 -‬‬
‫اس ُجدُوا ِآل َد َم) يبدو لدينا مجموعتين‬ ‫ص َّو ْر َنا ُك ْم ُث َّم قُ ْل َنا لِ ْل َم َالئِ َك ِة ْ‬
‫• في القول ( َولَ َقدْ َخلَ ْق َنا ُك ْم ُث َّم َ‬
‫من المالئكة االولى المالئكة العلوية التي أشرنا إلى أ َّنها تقوم بعملية الخلق والتصوير‪،‬‬
‫والثانية هي مجموعة المالئكة االدنى والتي تدخل في تركيب الخلق المشار إليه هنا وهو‬
‫(آدم) وهنا هي ‪ -‬طبقا للفهم الناتج عن منهجيتنا ‪ -‬تلك المكونات الدقيقة المكونة لهذا‬
‫الخلق الجديد والتي قد تكون الصفات الوراثية او الجينومات أو انواع البروتينات الوراثية‬
‫الموجودة في الحمض النووي‪ ،‬والتي يراد منها القيام باعمال نمطية معينة في تشكيل هذا‬
‫االنسان مادة ونفسا‪.‬‬
‫اس ُجدُوا ِآل َد َم) إشارة إلى عملية‬ ‫• والذي يمكن استنتاجه من هذا النص هو أنَّ القول ( ْ‬
‫التطوير التي تعني تزويد المالئكة الدنيا ببرامج جديدة تلتزم بالبرنامج العام للنسخة‬
‫س َجدُوا) إال أنَّ‬
‫الجديدة من (آدم) والى أنَّ العملية قد تمت بنجاح كامل ألنَّ المالئكة االدنى ( َ‬
‫بعض الصفات التي أُريد إزالتها من النسخة الجديدة بقيت تظهر في األجيال الالحقة‪ ،‬وهو‬
‫ما ت َّمت اإلشارة في إأليه في ما تال من الكالم‪..‬‬
‫نالحظ المالحظات التالية ‪ -‬السجود ‪3 -‬‬
‫• قبل أن نواصل ‪ ..‬الب َّد لنا ان نوضح المقصود من (السجود) كمفهوم قرآني‪.‬‬
‫• السجود في المجمل يعني‪ :‬تعطيل إرادة أمام إرادة أخرى‪.‬‬
‫ومن أبرز األمثلة على ذلك اآليات التالية‪:‬‬
‫س َّجدا َوقُولُوا ِح َّطة‬ ‫• َوإِ ْذ قُ ْل َنا ادْ ُخلُوا َه ِذ ِه ا ْل َق ْر َي َة َف ُكلُوا ِم ْن َها َح ْي ُ‬
‫ث شِ ْئ ُت ْم َر َغدا َوادْ ُخلُوا ا ْل َب َ‬
‫اب ُ‬
‫س َن ِزي ُد ا ْل ُم ْحسِ نِينَ (‪58‬البقرة‪.)2‬‬ ‫َن ْغف ِْر لَ ُك ْم َخ َطا َيا ُك ْم َو َ‬
‫• فدخول الباب بطريقة السجود التي نعرفها وهي (التطامن إلى األرض) كما يقول ارباب‬
‫اللغة‪ ،‬امر غير ممكن سواء كان الباب بابا مما نعرف أو بابا معنويا‪ .‬ولكن لو كان تنفيذ‬
‫األمر بالتخلي عن اإلرادة سيكون معقوال‪.‬‬
‫• فالطلب إليهم بالسجود لم يكن مقترنا بحال الدخول وإ َّنما بعد ان يدخلوا القرية ويأكلوا‬
‫منها حيث شاءوا رغدا ويحرصوا مع ذلك على ان يكون دخولهم (الباب) بنوع من‬
‫االذعان ألمر معين هم يعرفونه‪.‬‬
‫نالحظ المالحظات التالية ‪ -‬السجود ‪4 -‬‬
‫أيضا في قصة موسى مع السحرة نقرأ التالي‪:‬‬
‫سى (‪70‬طه‪.)20‬‬ ‫ب هَا ُرونَ َو ُمو َ‬‫س َّجدا َقالُوا آ َم َّنا ِب َر ِّ‬ ‫• َف ُأ ْلق َِي َّ‬
‫الس َح َرةُ ُ‬
‫سا ِجدِينَ (‪46‬الشعراء‪َ )26‬قالُوا آ َم َّنا ِب َر ِّ‬
‫ب ا ْل َعالَمِينَ (‪47‬الشعراء‪.)26‬‬ ‫• َف ُأ ْلق َِي َّ‬
‫الس َح َرةُ َ‬
‫• يرجى مالحظة ان النص في الحالتين يقول ( َف ُأ ْلق َِي) السحرة بمعنى انَّ جهة ثانية القتهم ساجدين‬
‫ولو كان النص يريد ان يقول انهم تطامنوا طواعية الى االرض لقال (فسجد السحرة) ولك َّنه قال‬
‫أ َّنهم (أُلقُوا) ساجدين بمعنى ا َّنه اسقط ما في ايديهم وتعطلت ارادتهم امام ارادة موسى‪.‬‬
‫• وهنا ال بدَّ ان نميز بين النص َّين في الحالة األولى وصف النص سجودهم كما يلي ( َف ُأ ْلق َِي َّ‬
‫الس َح َرةُ‬
‫س َّجدا َقالُوا آ َم َّنا) ولم يفصل عبارة االيمان بالِل في آية لحالها بمعنى ا َّنه يتحدث عما جرى في‬ ‫ُ‬
‫ميدان المنازلة بالسحر‪.‬‬
‫سا ِجدِينَ ) ليشير الى انهم ظلوا لفترة طويلة متخلين‬ ‫• بينما في النص الثاني قال ( َف ُأ ْلق َِي َّ‬
‫الس َح َرةُ َ‬
‫عن ارادتهم وانهم لم يغيروا موقفهم وان فرعون طالبهم بذلك أكثر من مرة ولكنهم رفضوا‪ .‬لذا‬
‫فصل مقولة االيمان بالِل في آية منفصلة‪.‬‬
‫نالحظ المالحظات التالية ‪ -‬السجود ‪5 -‬‬
‫في قصة يوسف نقرأ ايضا التالي‪:‬‬
‫س َوا ْل َق َم َر َرأَ ْي ُت ُه ْم لِي َساجِدِينَ‬ ‫ش ْم َ‬‫ش َر َك ْو َكبا َوال َّ‬ ‫ت أَ َحدَ َع َ‬ ‫ت إِ ِّني َرأَ ْي ُ‬ ‫ف ِألَبِي ِه َيا أَ َب ِ‬ ‫س ُ‬ ‫• إِ ْذ َقال َ ُيو ُ‬
‫(‪4‬يوسف‪.)12‬‬
‫اي مِنْ َق ْبل ُ َقدْ َج َعلَ َها َر ِّبي‬‫ت ه ََذا َتأْ ِويل ُ ُر ْؤ َي َ‬‫س َّجدا َو َقال َ َيا أَ َب ِ‬ ‫ش َو َخروا َل ُه ُ‬ ‫• َو َر َف َع أَ َب َو ْي ِه َعلَى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش ْي َطانُ َب ْينِي‬ ‫اء ِب ُك ْم مِنَ ا ْل َبدْ ِو مِنْ َب ْع ِد أَنْ َن َز َغ ال َّ‬
‫الس ْج ِن َو َج َ‬ ‫سنَ ِبي إِ ْذ أَ ْخ َر َجنِي مِنَ ِّ‬ ‫َحقا َو َقدْ أَ ْح َ‬
‫شا ُء إِ َّن ُه ه َُو ا ْل َعلِي ُم ا ْل َحكِي ُم (‪100‬يوسف‪.)12‬‬ ‫َو َب ْينَ إِ ْخ َوتِي إِنَّ َر ِّبي لَطِ يف لِ َما َي َ‬
‫• هنا نالحظ أمر مختلف فإخوة يوسف لم تقم جهة ثانية بتجريدهم من ارادتهم وا َّنما هم تلقائيا‬
‫خروا ليوسف سجدا بمعنى ا َّنهم تخلوا عن ارادتهم في محضره واحترموا كونه وزيرا اول في‬
‫س َّجدا)‪.‬‬ ‫تلك المملكة‪ .‬كما انَّ النص قال انهم خروا في تلك الواقعة سجدا فورا فقال ( َو َخروا َل ُه ُ‬
‫صها يوسف لوالده فقد قال إ َّنه رأى والده ووالدته واخوته يسجدون له‬ ‫• أما في حالة الرؤيا التي ق َّ‬
‫ساجِدِينَ )‪ .‬وهو لم يتحدث عن مرة واحدة وانما عن امر متكرر‪.‬‬ ‫طويال فقال ( َرأَ ْي ُت ُه ْم لِي َ‬
‫نالحظ المالحظات التالية ‪ -‬السجود ‪6 -‬‬
‫• نالحظ بأنَّ قضية التطامن الى االرض والهبوط اليها‪ ،‬ال يناسب االمور التي اوردناها بينما‬
‫اختيار المعنى األصلي للسجود وهو المعنى المفهومي والذي هو اوسع من المعنى‬
‫المصداقي الذي نتخيله كشكل السجود في الصالة ‪ ،‬سيسهل علينا األمر ويوضح لنا معنى‬
‫السجود‪.‬‬
‫• وهناك امور جميلة وكثيرة تنحل في قضية السجود ومشتقاته التي وردت في النص‬
‫القرآني والتي ظلت عصية على التحليل نتيجة التمسك بمعنى مصداقي واحد وجامد كما‬
‫هو الحال في اآليات التالية والتي سنترك توضيح معانيها الى مناسبة اخرى حينما‬
‫نتعرض لموضوع السجود إن شاء ّللا‪:‬‬
‫ش َر ُبوا َو َال ُت ْس ِرفُوا إِ َّن ُه َال ُي ِحب ا ْل ُم ْس ِرفِينَ‬
‫• َيا َبنِي آ َد َم ُخ ُذوا ِزي َن َت ُك ْم عِ ْن َد ُكل ِّ َم ْس ِجد َو ُكلُوا َوا ْ‬
‫(‪31‬األعراف‪.)7‬‬
‫• فما عالقة الزينة بالمساجد التي يقولون انها اماكن الصالة؟ وما عالقة االكل والشرب بها‬
‫وما ربط ذلك بالتوصية بعدم االسراف؟ ال شك ان قصر معنى السجود على التطامن الى‬
‫االرض والمسجد بالمبنى المخصص للصالة لن يحل االشكال إطالقا‪.‬‬
‫عودة الى عدم سجود ابليس ‪1-‬‬
‫تواصل اآلية من سورة األعراف فتقول‪:‬‬
‫أي أنَّ إبليس اختلف موقفه فلم يكن مع الساجدين إشارة‬ ‫سا ِجدِينَ ) َّ‬ ‫• (إِ َّال إِ ْبل َ‬
‫ِيس لَ ْم َي ُكنْ مِنَ ال َّ‬
‫إلى تلك الصفات التي اُريد تنحيتها عبر بلسها ‪ -‬بمحاصرتها ودفعها لالختفاء في آدم او‬
‫مطورة منه ‪ -‬إال أ َّنها بقيت تظهر في الجيل الالحق وكأ َّنه لم يجر عليها حصار‬ ‫في نسخة َّ‬
‫كافي أو أ َّنها كانت قوية بما يكفي للبقاء ومعاودة الظهور الحقا‪.‬‬
‫• وهذه من األمور التي يمكن لنا اليوم فهمها عن طريق فهم الطفرات الوراثية اإلرتدادية‬
‫التي تنتج أفرادا يعانون من التخلف او العوق الذهني أو حمل صفات جينية هي اقرب الى‬
‫صفات الغابة منها الى الصفات االنسانية‪.‬‬
‫• كذلك – وطبقا لما نستنتجه بأدوات المنهج اللفظي الترتيلي – يمكن تصور ان بعض‬
‫صفات العنف المطلوب توافرها في حيوانات الغابة للدفاع عن انفسها تظهر هي األخرى‬
‫في بعض الناس من األجيال الحالية فتدفعهم للعنف والقتل واستباحة الدماء رغم ان‬
‫االرادة ال يجري تعطيلها وإ َّنما هذه االمور تنشط فقط ويستجيب لها االنسان الضعيف او‬
‫الذي يتعرض للعدوان من العائلة او المجتمع‪.‬‬
‫عودة الى عدم سجود ابليس ‪2 -‬‬

‫• إلى ذلك‪ ،‬فالصفات التي اريد تنحيتها هي من هذا القبيل وهي صفات تظهر في اغلب‬
‫المجتمعات بظهور مجموعات ال تتمكن من اإلندماج في المجتمعات المتحضرة الحالية‬
‫وترتد بفكرها وصفاتها الى الغابة وإلى طبيعة اإلقتتال الذي كان سائدا آنذاك بين‬
‫مجموعات من االصول البشرية التي ُبنيت في األساس على صفات عنيفة لضرورات‬
‫تخص تلك النسخة المراد تطويرها‪ .‬تماما كما هو الحال في تطوير النار والسيطرة عليها‬
‫في محركات السيارات‪.‬‬
‫• وهنا لو تخيلنا ان الجيل الثاني من مكائن السيارات لم يكن متينا بما يكفي فإنَّ النار‬
‫ستؤدي إلى تلف الماكنة أو انفجارها وهو ما يعبر عنه القرآن الكريم بعدم السجود‪.‬‬
‫• ألنَّ السجود يعني‪ :‬تعطيل إرادة في مقابل إرادة ثانية‪.‬‬
‫تذكير بمعنى ( اأّل تَ ْ‬
‫س ُج َد)‬
‫• تذكرون في المحاضرة السابقة أوضحنا معنى هذه العبارة الواردة في اآلية ‪ 12‬من سورة‬
‫األعراف ( َقال َ َما َم َن َع َك أَ َّال َت ْس ُج َد إِ ْذ أَ َم ْر ُت َك)‪.‬‬

‫وحتى نطمئن دعونا نوضح هذه العبارة المفتاحية بطريقة أخرى‪.‬‬


‫• نحن نعلم أنَّ (أال) تساوي = أنْ ‪ +‬ال‪.‬‬
‫• كذلك نحن نعلم بأنَّ (أنْ ) تعني او تساوي تقريبا = فاء السببية ‪ /‬مخافة ‪/‬‬
‫• وانَّ ( َم َن َع) تساوي ما نعرفة اليوم على أ َّنه ( َم َّن َع)‪.‬‬
‫• عليه يكون المعنى المتراكم هكذا ‪:‬‬
‫َقال َ َما هو األمر الذي َم َّن َع َك فأصبحت به منيعا فجعلك ال َت ْس ُج َد إِ ْذ أَ َم ْر ُت َك‪.‬‬
‫وّللا أعلم‪.‬‬
‫عدم السجود هو أثر جانبي ‪1 -‬‬
‫• في الجواب على ذلك السؤال اورد النص القول (أَ َنا َخ ْير ِم ْن ُه َخلَ ْق َتنِي مِنْ َنار َو َخلَ ْق َت ُه ِمنْ‬
‫طِ ين ) إشارة إلى السبب الذي حال دون تمكن عملية التطوير من تجاوز تلك المرحلة‬
‫بنجاح تام فالنسخة الجديدة تحتاج الى تلك الصفات ان تكون موجودة بدرجة معينة من‬
‫القوة حتى يواصل هذا االنسان بنسخته الجديدة تطوير حياته والدفاع عن نفسه والتنافس‬
‫من اجل البناء والخالقية ومقاومة الشر‪ ،‬إال أن لوجود هذه القوة النارية آثار ال يمكن‬
‫تجاوزها وهي بروز هذه الصفات العنيفة والقوية بطريقة غير مسيطر عليها احيانا في‬
‫محاولة لتدمير الجانب المتحضر من االنسان‪.‬‬
‫• وهو أمر ال ب َّد من قبوله في مجال تطوير أي منتج فمثال لو تذكرون طائرة (الكونكورد)‬
‫االوربية التي اريد لها في السبعينات ان تكون حافلة كبيرة لنقل االف الناس بالمرة‬
‫الواحدة فتم تزويدها بمحركات قوية بل جبارة وهائلة ولكن تلك القوة كانت السبب في‬
‫فشلها فقد ادت تلك القوة الى اثار جانبية ال يمكن تالفيها فتم التخلي عن الطائرة ولكن‬
‫بقيت المساعي حثيثة لتطوير الطائرات حتى بلغ األمر اآلن شيئا قريبا من امكانيات‬
‫الكونكورد ولكن بآثار جانبية اقل‪.‬‬
‫عدم السجود هو أثر جانبي ‪2 -‬‬
‫• على أساس ذلك تاتي الترتيبات الساعية إلى خلق التوازن في النسخة الجديدة فيأتي القول‬
‫صاغ ِِرينَ ) الهبوط يعني وضع‬ ‫( َفاهْ ِب ْط ِم ْن َها َف َما َي ُكونُ لَ َك أَنْ َت َت َك َّب َر فِي َها َف ْ‬
‫اخ ُر ْج إِ َّن َك مِنَ ال َّ‬
‫برنامج جديد لتقليل أثر هذه الصفات إلى الدرجة التي تبقي الصفات اإليجابية هي المتفوقة‬
‫في العموم و( ِم ْن َها) تشير إلى النار (كطاقة) وليس الى الجنة‪ .‬بمعنى ان األوامر الجديدة‬
‫صدرت بالتخفيف أكثر من حدَّة تلك الصفات ومن فعاليتها عبر التقليل من طاقتها وهو‬
‫القول ( َفاهْ ِب ْط ِم ْن َها) والخطاب إلى إبليس ‪ -‬كإسم جنس وليس كشخص ‪ -‬فليس مطلوبا ان‬
‫تبقى هذه الصفات او هذه المورثات او البروتينات الجينية على هذا القدر من الفعالية‬
‫بحيث تؤدي الى ظهور الصفات غير المرغوب فيها مجددا وهو القول ( َف َما َي ُكونُ لَ َك أَنْ‬
‫َت َت َك َّب َر فِي َها)‪.‬‬
‫صاغ ِِرينَ ) وفيه يتم السماح لهذه‬ ‫• ثم تصدر أوامر تطويرية اخرى أهمها ( َف ْ‬
‫اخ ُر ْج إِ َّن َك مِنَ ال َّ‬
‫الصفات بالظهور المجدد والبقاء في االجيال االحدث ولكن بما يبقيها ضمن السيطرة فحتى‬
‫إذا ظهرت الصفات السلبية بين الفينة واألخرى فإ َّنها ستكون من الصواغر‪.‬‬
‫مديات السماح بالبقاء ‪1 -‬‬
‫• ولكن إلى أي درجة سيتم التقليل من دور هذه الصفات وإلى أي حد يجب تقليل تأثيرها؟ يأتي‬
‫الجواب في القول ( َقال َ أَ ْنظِ ْرنِي إِلَى َي ْو ِم ُي ْب َع ُثونَ * َقالَ إِ َّن َك مِنَ ا ْل ُم ْن َظ ِرينَ ) ليشير إلى أنَّ هذه‬
‫الصفات ضرورية البقاء في التكوين االنساني بنسخته الجديدة إلى آخر نسخة يمكن إنتاجها من‬
‫االنسان لتعذر تفويض هذا االنسان‪ ،‬الخيار بين عدة خيارات‪ ،‬دون تزويده بقوتين دافعتين‬
‫متعارضتين ومتناقضتين تمثالنهما في النص (النار) و(الطين) حتى تستمر الحياة ويتمكن هذا‬
‫االنسان من مواصلتها بقوة وشغف وتحدي‪ .‬والذي سيؤدي بالنتيجة إلى تعريض الجميع إلى‬
‫تحديات تؤدي إلى التمييز بين العناصر الجيدة والعناصر غير الجيدة‪.‬‬
‫• وهو ما يشير إليه القول ( َقال َ َف ِب َما أَ ْغ َو ْي َتنِي َألَ ْق ُعدَنَّ لَ ُه ْم صِ َر َ‬
‫اط َك ا ْل ُم ْس َتقِي َم * ُث َّم َآلتِ َي َّن ُه ْم مِنْ َب ْي ِن‬
‫شاك ِِرينَ ) فاإلغواء من جهة الرب‬ ‫ش َمائِلِ ِه ْم َو َال َت ِج ُد أَ ْك َث َر ُه ْم َ‬
‫أَ ْيدِي ِه ْم َومِنْ َخ ْلفِ ِه ْم َو َعنْ أَ ْي َمانِ ِه ْم َو َعنْ َ‬
‫المشار إليه بالقول ( َفبِ َما أَ ْغ َو ْي َتنِي) هو محاولة تنحية هذه الصفات مع االبقاء على قوة تسمح‬
‫بالظهور‪ .‬تماما كما لو انك قلت إلبنك ال تنفق كثيرا ولكنك في الوقت نفسه وضعت في جيبه‬
‫مقدارا مهما من المال‪ ،‬حينها لن تكفي التوصيات فإذا أُتيحت له ظروف واقعيه دافعه نحو االنفاق‬
‫كالجوع وتشجيع الزمالء واغراء المواد المعروضة ونسيانه للوصايا فإ َّنه سينفق ال محالة من‬
‫ذلك المال‪.‬‬
‫أثر المحيط في ابراز تلك القوى المحاصرة‬
‫• والظروف الواقعية التي اشرنا إليها في مثال الولد والمصروف هي نفسها تحديات الحياة‬
‫فهي تظهر متفرقه بسبب تلك الجينومات او القوى الخفية الموجودة في داخل االنسان‬
‫والمرشحة للظهور بدرجة اقوى وبنوع مختلف لدى انواع مختلفة من البشر تعيش في‬
‫مجموعات‪ ،‬ستجعل االمر واسعا وفيه احتماالت كثيرة ومتعددة وهو ما يشير إليه القول‬
‫( َألَ ْق ُعدَنَّ لَ ُه ْم صِ َرا َط َك ا ْل ُم ْس َتقِي َم * ُث َّم َآل ِت َي َّن ُه ْم مِنْ َب ْي ِن أَ ْيدِي ِه ْم َومِنْ َخ ْلفِ ِه ْم َو َعنْ أَ ْي َمانِ ِه ْم َو َعنْ‬
‫ش َمائِلِ ِه ْم) فضعف من نوع معين يظهر من هذا االنسان وضعف آخر من انسان آخر حتى‬ ‫َ‬
‫يتحول الواقع االجتماعي الى لوحة زاخرة بالمغريات والمشجعات على ظهور تلك الصفات‬
‫القوية المحاصرة اذا وجدت لها المحيط المناسب‪ .‬وهو ما نراه اليوم في امثال حركة‬
‫(داعش) االرهابية و(القاعدة) اللتان اريد لهما ان تكونا سالحا بيد البعض فاسيئت‬
‫السيطرة عليهما فانفلتتا من عقالهما‪.‬‬
‫• فالحديث إذن عن تنيحة ولكن ليس إلى درجة اإللغاء وإ َّنما بحيث يمكن االستفادة منها‬
‫وهي محاصرة‪ .‬األمر الذي يؤدي إلى بقائها نشطة تضع امام الناس خيارات متعارضة‬
‫دوما عبر لي الصراط المستقيم وتصويره بطريقة مقعدة غير مستقيمة‪.‬‬
‫السماح ببقاء بعض الصفات بشروط‬
‫• بعد ان أشار المقطع السابق الى النتيجة المتوقعة وهي ان ينساق عدد كبير وراء تلك‬
‫التقعيدات في الصراط ت َّم تاكيد أنَّ النتيجة مهما كانت فإنَّ عملية لتقييم المنتج ستتم في‬
‫النهاية لذا فإنَّ القرار ا ُت ِخ َذ بمواصلة االنتاج ضمن الشروط الحالية مع تسليط نوعين من‬
‫القوى على تلك الصفات او العوامل المراد تنحيتها وهما‪ :‬عامل (الذأم) وعامل (الدحر)‬
‫اخ ُر ْج ِم ْن َها َم ْذ ُءوما‬
‫وهما عامل (داخلي) وعامل (خارجي) وهو ما يشير إليه القول ( َقال َ ْ‬
‫َمدْ ُحورا) وذلك بالسماح لهذه الصفات المراد تنحيتها بالبقاء ضمن الشيفرة الوراثية‬
‫والحمض النووي ولكن بحدود ضيقة مسيطر عليها فسمح لها بالخروج والظهور ولكن‬
‫ضمن التقييدات الجديدة‪ .‬وهما كما اشرنا ‪:‬‬
‫‪ .1‬الذأم‪.‬‬
‫‪ .2‬الدحر‪.‬‬
‫وحتى يكتمل المعنى ظهورا وتجليا دعونا نفهم (الذأ َم) و(الدحر)‪.‬‬
‫شروط اّلبقاء على تلك الصفات‬
‫مذءوم‪ .‬قال الفراء‪ :‬أَ ْذأَ ْم َتني‬
‫ُ‬ ‫• يقولون في معاجم اللغة‪َ :‬ذأَ َم ُه ي ْذأَ ُم ُه‪ ،‬إذا عابه وح َّقره‪ ،‬فهو‬
‫على كذا‪ ،‬أي أكرهتني عليه‪.‬‬
‫س ِم َح لها بالخروج ولكن ضمن حالة من المحاصرة والطرد ومحاولة التنحية‬ ‫• فالصفات ُ‬
‫المستمرة والتي تشير اآلية إلى أ َّنها ستنجح باعتبار أ َّنها أشارت إلى ا َّنها ستندحر في‬
‫النتيجة بعد ان تستمر محاوالت طردها وإعادتها إلى محبسها‪ .‬وهذا المعنى ينسجم تماما‬
‫ومعنى (الرجم) الذي ُيهدف منه الى الطرد أيضا وإلغاء األثر‪ ،‬أو االثقال بما ال يسمح‬
‫بالحركة او الضياع مع المحيط لذلك سمي القبر المغطى بالحجارة رجما النه سيتحدد عن‬
‫محيطه‪.‬‬
‫• وأما الدحر‪ :‬فهو إختفاء األثر من الواقع الخارجي بمعنى ان المالحقة الداخلية لتلك‬
‫الصفات ومحاولة مواصلة تنحيتها سيؤدي بالنتيجة الى ضعف آثارها في الخارج ما‬
‫سيمثل محيطا انقى واصفى لظهور الصفات االيجابية االخرى واختفاء هذه الصفات او‬
‫على االقل عدم سماح المجتمع بظهورها فتندحر بذلك‪.‬‬
‫السماح بالخروج والمطاردة‬
‫والنتيجة أنَّ ما ستؤدي إليه هذه الصفات المراد تنحيتها من آثار على المنتج ستعتبر عملية‬ ‫•‬
‫إيجابية في العموم بإعتبار أنها ستكشف عن العناصر المصابة بعيوب اكبر وستسمح بمراجعة‬
‫شاملة لمعرفة العوامل المساعدة على تفجر وانفالت هذه الصفات وخروجها من عقالها ما‬
‫سيساعد في تطوير اوسع واشمل ‪.‬‬
‫تماما كما نفعل نحن البشر في عملية تقليد في الحقيقة لما يقوم به المالئكة من عمليات تطوير‬ ‫•‬
‫فحتى هندسة الجينات التي نجريها نحن البشر على النباتات والحيوانات فإ َّننا نسمح بخروجها‬
‫ودخولها في االسواق لرؤية اثارها ثم تطوير المنتج اكثر واكثر للوصول الى منتج مناسب ال‬
‫يتلف بسرعة وال يحمل صفات سلبية كثيرة ‪.‬‬
‫وهذا ما تعبر عنه بقية اآلية حينما تقول ان هذه الصفات يجب استبعادها من مجمل المنتج‬ ‫•‬
‫اخ ُر ْج ِم ْن َها َم ْذ ُءوما َمدْ ُحورا لَ َمنْ َت ِب َع َك ِم ْن ُه ْم‬
‫وتطوير الباقي نحو نسخة جديدة فجاء القول ( َقال َ ْ‬
‫َألَ ْم َلَنَّ َج َه َّن َم ِم ْن ُك ْم أَ ْج َمعِينَ ) فاالرسال الى جهنم يعني امرين‪ :‬االول هو محاولة تحقيق المزيد من‬
‫االستبعاد لتلك الصفات وتنقية األجيال الالحقة عبر المزيد من المحاصرة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هو إتالف العناصر المعيبة التي استحوذت عليها تلك الطاقات بانفالتها من عقالها ‪.‬‬ ‫•‬
‫مقارنة مع الواقع‬
‫• ما عرضناه من سيناريو يبدو أقرب للقبول بمعايير العلم وقد يثار امامنا اعتراضات حول‬
‫مفهومنا عن المالئكة الذي اعتقد أ َّنه مفهوم علمي رائج ولكن التسميات تختلف ففي حين‬
‫يقول العلم اليوم بأنَّ ‪ % 90‬من جسم االنسان هو انواع مختلفة من البكتريا و‪ %10‬فقط‬
‫منه خاليا بشرية صرفة ودون توضيح ماهية تلك الخاليا البشرية‪.‬‬
‫• ويقول بأنَّ محاولة سبر اغوار االجسام قاطبة سيؤدي بنا الى تكوينات ذرية ال ترى اال‬
‫بالمجاهر االليكترونية البالغة القوة‪ ،‬لنرى من خاللها كائنات تعمل بشكل نمطي محدد ولها‬
‫مسارات وقوانين ال تحيد عنها مطلقا‪.‬‬
‫• نحن من جانبنا نقول‪ :‬بأنَّ ما يطلق عليه العلم تسمية (بكتريا‪ /‬فايروسات ‪ /‬خاليا احادية‪/‬‬
‫كريات‪ /‬عصيات‪ /‬خاليا بشرية‪ /‬ذرات ‪ /‬اليكترونات ‪ /‬هرمونات ‪ )..‬وما شابه ذلك‪ ،‬يعبر‬
‫عنها النص القرآني بلفظة واحدة وهي (المالئكة) والتي نعرفها من السياق انها (المالئكة‬
‫صة بالخلق والتطوير‪.‬‬ ‫الدنيا) وليست (المالئكة العليا) المخت َّ‬
‫المالئكة السفلية‬
‫• وذلك كله بناءا على تعريفنا الذي استخلصناه عن المالئكة من القرآن ومن معاجم اللغة‬
‫وهو‪ :‬التكوينات او الوجودات المتصفة بصفات معينة تساعدها على التأثير في محيطها‬
‫بشكل نمطي محدد‪.‬‬
‫• وعلى أساس هذا كان (إبليس) نوعا من المالئكة ‪ ..‬فكل الصفات الوراثية األخرى التي ت َّم‬
‫تزويدها بالبرامج الجديدة قبلت بتلك البرامج الجديدة عدا إبليس الذي تعقدت عملية‬
‫إسجاده والسيطرة عليه نتيجة عدم امكانية تجريده من طاقته وفعاليته بالمطلق للحاجة‬
‫اليها وضرورة وضعه في حصار لالستفادة من طاقته وفعاليته بطريقة محددة تساعد في‬
‫تطوير النسخة البشرية‪ .‬لذلك يقول النص القرآني ‪:‬‬
‫س َق َعنْ أَ ْم ِر َر ِّب ِه‬
‫ِيس َكانَ مِنَ ا ْل ِجنِّ َف َف َ‬
‫س َجدُوا إِ َّال إِ ْبل َ‬ ‫اس ُجدُوا ِآل َد َم َف َ‬
‫• َوإِ ْذ قُ ْل َنا لِ ْل َم َالئِ َك ِة ْ‬
‫س لِل َّظالِمِينَ َبدَال (‪50‬الكهف‪.)18‬‬ ‫أَ َف َت َّت ِخ ُذو َن ُه َو ُذ ِّر َّي َت ُه أَ ْولِ َيا َء مِنْ دُونِي َو ُه ْم لَ ُك ْم َعدُو ِب ْئ َ‬
‫• وهذا يعطينا فكرة اولية عن أنَّ (الجن) يعني طاقة عالية وكبيرة وفعالة وهي التي تمثل‬
‫النار المتفجرة في داخل محركات االحتراق الداخلي‪ .‬وّللا اعلم‬
‫وماذا بع ُد؟‬

‫لهزة هي في غنى‬‫• قد يثار علينا أن هذا الفهم الجديد قد يعرض المنظومة الدينية كلها َّ‬
‫عنها؟‬
‫• والحقيقة ان األمر على العكس تماما فالمنظومة الدينية أثبتت أ َّنها عاجزة عن إنتاج‬
‫إنسان قادر على التحضر والتأقلم مع المجتمع المنظم وهي بأمس الحاجة إلى هزة قوية‬
‫تعيدها إلى رشدها وتخلصها من االفكار النمطية الحاثة على كره اآلخر وعلى عدم القبول‬
‫به وعلى فكرة إحتكار ّللا تعالى وإحتكار جنته وعلى فكرة إلغاء الحياة وتدميرها من اجل‬
‫القفز الى اآلخرة بينما القرآن يامر بعكس ذلك تماما ويطالب الناس ببناء اآلخرة بدءا من‬
‫هذه الحياة‪.‬‬
‫ماذا نحتاج إلكمال الصورة ؟‬
‫• نعود لن َّذكر بأهمية ان يتم التعاطي مع هذه االفكار الجديدة برؤية وبقوة بنفس الوقت‬
‫بحيث ال يتم ردها بالمجمل ودون تمحيص وال ُيقبل بها ايضا دون تمحيص المطلوب‬
‫اعطاء هذه االفكار وقتا كافيا ومساحة من التفكير كافية قبل اتخاذ القرار بشأنها‪.‬‬
‫• نحتاج حتى تكتمل الصورة ان نتعرف على معنى (الشيطان) ومعنى (الجن) وقد حاولنا ان‬
‫نجعل عمدة الجهد منصبا على مفهوم (إبليس) حتى يثير في أذهان السادة االكارم أسئلة‬
‫أكبر ويبدأوا بالبحث بانفسهم أل َّنني في الحقيقة أريد ان اوفق في تسويق المنهج وليس‬
‫ذات الفهم الناتج عنه‪.‬‬
‫• ساحاول أن أكمل المحاضرة خالل فترة قصيرة حتى تكتمل الصورة ونفهم ما هو الشيطان‬
‫وما هو الجن ‪ .‬داعيا ّللا تعالى ان يوفقنا جميعا والحمد لِل رب العالمين‪.‬‬

You might also like