Professional Documents
Culture Documents
رواية ابني أين ممتازة جدا
رواية ابني أين ممتازة جدا
محمد زقزوق
محمد زقزوق
إهداء
الفصل الول
لم يكن يعلم و هو ينظر ا"لى الأطفال مع ذويهم في حديقة المدرسة ان امه التي ل م يره ا
في حياته تسعى لأ" يجاده الأ3ن بكل ما اوتيت من قوة.
كان الصغير حسام ذو الست سنوات واقفا في الطابق الأول في مبنى بمدرس ته الداخلي ة
ينظر ا"لى الحديقة اسفل منه.
عصر يوم جميل ،لطيف الجو ،في نهاية اول اسبوع له في ه ذه المدرس ة .و ي ا ل ه م ن
اسبوع!
كانت تصل ا"لى مسامعه الضحكات و الصياح من اطفال في مثل سنه او اكبر قليلا
و هم يتقافزون هنا و هناك حول ا3ب ائهم او امه اتهم .يج رون بعي دا عنه م ث م يع ودون ا"ليه م
لياكلوا او يشربوا او يركنوا ا"ليهم في تلامس اسري يعوض غيابهم عنهم طوال اسبوع.
كانت ملامحه حزينة و هو يتطلع ا"لى ام مع ابنها في مثل س نه تحتض نه و تلاعب ه .ك ان
يفكر .ترى هل كانت امه ستكون مثلها؟ ف ي حنانه ا و عطفه ا؟ اخ ذ يس رح و يتخي ل انه ا
تاتي ا"ليه كل زيارة تجلس معه و تساله :ماذا فعل؟ ماذا اكل؟ م ن اص دقاؤه و كي ف يلعب ون
معا؟ هل يعمل واجباته ام لأ؟
9
أين ابني؟
لأحظت تلك المرا ة نظرته الثابتة بعينين تنظران و عقل بعيد غائب في احلامه .نادته .لم
يجب.
كررت النداء.
"يا صغيري .انت .ما لك تقف وحدك؟ اتريد ان تاتي؟ تعال".
انتبه عند ا3خر كلمة .تعال .لم يتردد ك ثيرا .ن زل ف ورا و ه و يج ري .تع ثر ف ي منتص ف
الطريق؛ فسقط على يديه و ركبتيه .تاوهت المراة في وجل .نهضت من مكانها سريعا
و ا مسكت بيديه تنتشله من التراب .شعر بامتنان و حب عميقين.
"الأ تحترس؟! فيم العجلة؟!"
نفضت له ملابسه و اخذت بيده مخاطبة ابنها:
"انتظرني يا احمد .ساغسل لهذا الحلو يديه".
نظر الصغير ا"لى حسام نظرة غريبة .سال امه و هو قادم نحوها:
"و انا ماذا ؟"
"و انت سيد الحلوين يا حبيبي".
قالتها امه و هي تقبله في راسه ثم تمضي بالصغير.
اول مرة تمسك بيده امراة هكذا مثل كل الأمهات و هي تقتاده .شعور رائع.
دعكت له يديه تحت الصنبور ثم جففتهما بمنديل ورقي.
عندما عادا كان يسير معها و يود لو يطير من الفرح.
اجلسته على المقعد بجوارها .جلس بكل ادب متطلعا ا"لى وجهها الصافي .ابتسمت ل ه
و هي تسرح شعره بيدها.
"هكذا افضل".
جاء احمد و استند ا"لى امه.
"تعال اجلس بجانبنا يا احمد .اجلس بجوار صاحبك".
نظر الصغير ا"لى حسام في ريبة و قال وهو يهز راسه بشدة:
10
محمد زقزوق
"لأ".
قطبت مستعجبة.
"لماذا ؟!"
"ليس بصاحبي".
"ما المشكلة! اليس بزميلك في الصف؟"
هز كتفيه و لم يعقب
سالت الصغير:
"ما اسمك يا حبيبي؟"
قبل ان يرد اجاب احمد بسرعة:
"اسمه حسام و هو لأ يحب احدا منا".
اندهشت الأم اكثر .
"لأ يحب احدا منكم؟! لماذا؟! كيف عرفت؟!"
اجاب الطفل و كانه يلومه:
"يجلس في ا3خر الصف وحيدا .عندما ياتي احد ليكلمه لأ يتحدث معه .حتى الأس اتذة
لأ يرد على اسئلتهم .احدهم قال لي :ا"ن المديرة امه و لذلك لأ احد م ن الأس اتذة يغض ب
منه .يتركونه يفعل ما يريد".
"امي ماتت".
قالها الصغير و قد عبس وجهه البريء بشدة.
"امي ماتت و هي تلدني ..من قال لكم ان المديرة هي امي؟!"
"بهدوء بهدوء..لأ باس..لأ تغضب".
كانت تحاول تهدئته مربتة ظهره ..لحظ ات م ن الغض ب اس تمرت ث م اس تجاب لحن و
طرقاتها و لأنت ملامحه رويدا رويدا.
اخرجت من حقيبتها شطيرة و ناولته ا"ياها مغرية.
11
أين ابني؟
"كل..ا"نها لذيذة".
مد يده بس رعة و اخ ذها و ك انه يتلق ى هدي ة عظيم ة .اخ ذ منه ا قض مة ص غيرة و اخ ذ
يلوكها ببطء.
"تعال يا احمد و اجلس بجوار حسام .هيا ..ا"نه صاحبكم .ا"نه طيب".
تردد لحظة ثم انصاع لحث امه و جلس بجواره.
"اين بابا يا حسام؟ الم يات ليزورك؟"
كف عن المضغ .شعرت بانه لن يرد لكنه قال:
"ابي مسافر .لم اجلس معه منذ عام .انا كنت معه ،لكنه بعثني هنا و ظل هو مسافرا".
تذكرت زوجها .بخل ف ي المش اعر و بخ ل ف ي الأم وال .ح تى م ع ابن ه! ف اتى الطلاق.
بع دها ك ان يج ب عليه ا ا ن تعم ل و بجه د مض اعف .وقته ا مس تنفد تمام ا .ل ن تس تطيع
الأعتناء باحمد كما يجب .اضطرت لأ" لحاقه بهذه المدرسة الداخلي ة .مص اريفها غالي ة حق ا
لكنها استعلمت عنها جيدا و تاكدت بنفسها و راتها ممتازة.
انتظرت ان يتحدث عن ابيه اكثر من ذلك لكنه ظل ناظرا ا"لى الأرض يقضم من الشطيرة
القليل ليلوكه.
"من المؤكد ان بابا يحبك كثيرا يا حسام .اشترى لك ملابس جميل ة و ادخل ك مدرس ة
حلوة".
لم يرد.
"اليس كذلك؟"
رفع راسه حينها متعجبا!
"ا"ذا ك ان يحبن ي لم اذا لأ ي اتي ليلع ب مع ي؟! ك ل الأولأد ي اتي اهله م ا"لأ ان ا .و ح تى
عندما كنت مسافرا معه كان يذهب ا"لى الشغل قبل ان استيقظ و يرجع بعد ان انام!"
كاد يبكي و هو يسال:
"هل هكذا يحبني؟!"
12
محمد زقزوق
"يا حبيبي!"
قالتها uم tتص sعبة و هي تاخذ راسه عابرة به فوق ولدها في حضنها ،و تر uبت على ظهره.
تعاطف احمد معه ؛ بعد ان كان يرفضه اخذ يربت هو الأ3خر على ظهره .هو ايضا يشعر
ببعض مشاعره ؛ فابوه كابيه.
هدا حسام اخيرا.
اعتدل في الجلسة و اعطاها باقي الشطيرة .لم يكمل حتى ثلثها.
"اكملها".
"شكرا حضرتك".
مد احمد يده في الحقيبة و اخرج شطيرة اخرى.
"جبن ..اتحب الجبن؟"
ابتسم حسام لأول مرة و قال:
"شبعت يا احمد شكرا .مامتك طيبة جدا".
ابتسمت الأم قائلة:
"هذا من ذوقك يا جميل".
استطردت :
"طيب .الم يكن ياتي لك بمربيات يعتنين بك عوضا عن ماما يرحمها الله؟"
"و لأ واح دة فيه ن ك انت جي دة .ل م يك ن يع رف كي ف ي اتي بواح دة طيب ة .واح دة
مثلك".
ابتسمت مرة ا خرى .صبي يجيد المجامل ة ؟! لأ يمك ن لم ن ف ي س نه المجامل ة .قطع ا
يتحدث الصدق.
"متى سيرجع يا حسام؟"
"قال لي في ا3خر اتصال انه سيعود قريبا جدا .لكنني لأ اصدقه .عن دما كن ت هن اك مع ه
كان يقول لي كثيرا انه سينتهي من الشغل سريعا ؛ حتى يرج ع مبك را و ياك ل و يلع ب مع ي
13
أين ابني؟
لكنه كان يخلف وعده كل مرة .كل مرة .كان يعمل في وقت ا"جازته احيانا .تصوري!"
اصبت يا صغيري هكذا فكرت .هناك ايضا من وعد اكثر من الف مرة بالكف عن ذلك
الشح البغيض لكنه لم يف ابدا .حاولت و ح اولت و ص برت و جاه دت لك ن الفش ل ك ان
هو المحصلة في النهاية .و لذلك ل م يك ن هن اك ب د مم ا لأ ب د من ه .ك ان يج ب ان تنته ي
علاقتهما.
"الم يكن لك اخ او اخت اكبر منك ليلعبوا معك يا حسام؟"
اشار براسه في حزن ان لأ.
نظرت ا"لى ابنها .استبقى هي هك ذا بلا زواج؟ ا"ن الحي اة يج ب ان تس تمر .الأس رة ه ي
شيء عظيم يجب ا"عادة تكوينه مرة اخرى بعد ان انكسر.
و لكن عندما تج د الرج ل المناس ب .او يج دها ه و لأ ف رق .اس تغرقتها خواطره ا تمام ا
عندما افاقها نداء قوى هتف بكلمة واحدة:
"حسام!"
و حول صاحب الشان راسه ناحية مصدر الصوت بحدة.
***
14
محمد زقزوق
الفصل الثاني
قبل ساعات من ذلك المشهد في مدرسة اخرى مدرس ة ا"عدادي ة ك ان ا3دم احم د المنش اوي
الأخصائي الأجتماعي جالسا ا"لى مكتبه وقت الفسحة ،منهمكا في ا"نهاء اعمال ورقية عن دما
سمع الطرق على الباب .تنهد بحرارة.
"تفضل".
دخل طالب يعرفه ا3دم جيدا .شادي ط الب ثاني ة ا"ع دادي ،هزي ل البني ة يبتس م بخج ل.
ابتسم ا3دم.
"اهلا يا شادي .كيف حالك ؟"
"الحمد لله يا استاذ .ا3سف على ا"زعاجك".
"لأ باس .كيف تسير الأمور؟"
هز راسه متاسفا .نفس الهزة التي يعرفها ا3دم عندما ياتي ليشكو...
"عادل شاهين يا استاذ!"
"مرة اخرى ؟!"
قالها ا3دم و هو يعلم انها لن تكون الأخيرة ا"ذا سارت الأمور على نفس منوالها الذي تسير
عليه منذ ان اتى ا"لى هنا.
"فجاة قفز بجانبي و خطف شطيرتي التي كنت ا3كلها و جرى".
سكت ثم اردف:
"لقد كدت اقع يا استاذ .لكنني اخذت خبرة".
ابتسم ا3دم رغما عنه.
فابتسم شادي لحظيا و قال:
15
أين ابني؟
16
محمد زقزوق
17
أين ابني؟
18
محمد زقزوق
19
أين ابني؟
20
محمد زقزوق
***
21
أين ابني؟
الفصل الثالث
اولج مفتاحه في باب البيت و دخل .اول مرة منذ زمن بعيد يدخل بيت ه نه ارا و لأ يج د في ه
احدا .كان معتادا ان ياتي ا3خرهم .بدا له الأمر غريبا .دخ ل الحم ام و غس ل وجه ه و خ رج
ا"لى حجرة الجلوس .جلس على مقعد و وضع قدما على الأخرى ،و اخذ يفكر.
ما العمل الأ3ن؟ اياخذ ا"جازة قصيرة؟ اسبوع او اثنين ثم يبدا في البحث عن عمل جديد؟
ا"نهم لن يموتوا جوعا بالتاكيد؛ فليلى زوجته تعمل مدرسة في رياض اطفال ،كما انهم ليس وا
مبذرين .ادخروا مبلغا معقولأ .فليذهبوا في رحلة ا و ما شابه .نعم و لم لأ؟ سيسعد خالد ابنه
ذو التسع سنوات بهذا جدا .كان يلح عليه مؤخرا و يقول:
"بابا بابا ..هيا بنا نسافر و نرى الدنيا .نسافر ا"لى الخارج".
فكان يرد عليه:
"ليست معى نقود كافية يا جدع .عندما يصبح معي".
فكان يساله بكل براءة:
"و لماذا ليس معك ما يكفي؟!"
فيرد و هو مبتسم:
"ارزاق يا بني .ادع الله ان يجعلني غنيا".
فيرفع الصغير يديه ا"لى السماء و يقول:
"يا رب ،اجعل بابا غنيا و انا ايضا عندما اكبر .غنيا جدا جدا".
فيلكزه ا3دم برفق في كتفه و يقول مبتسما:
"قل بالحلال".
فيكمل الصغير:
22
محمد زقزوق
"بالحلال يا رب".
اطلق ا3دم ضحكة خافتة ،و اراح راسه على المسند و اغمض عينيه.
اخذ يتذكر كي ف ك •ون ا س رته الحبيب ة .ك انت بداي ة تع ارفه م ع ليل ى عن دما انق ذته م ن
موقف محرج في الحافلة الصغيرة جدا التي كان يستقلها للذهاب ا"لى جامعته .كثيرا ما ك ان
يراها في الموقف .ا حيان ا ك انت ترك ب ف ي نف س الحافل ة .ل م يك ن يلتف ت ا"ليه ا اك ثر م ن
ملاحظته لتكرار رؤيتها .لكن في يوم ما عندما تحركت الحافلة ،اكتشف ان ه نس ى ان ياخ ذ
نق ودا .ك انت اول م رة يح دث ل ه فيه ا مث ل ه ذا الموق ف.اخ ذ يفل ي جي وبه .خاوي ة عل ى
عروشها .ما العمل الأ3ن؟! غضب من نفسه بشدة .نادى السائق:
"من لم يبعث بالأجرة فليبعثها".
رد عليه :
"لحظة لو سمحت".
ماذا يفعل؟! اخذ يحاول مرة اخرى و يفتش جيوبه بعنف .لم تطل محاولأته عندما وج د
يدا تمتد من خلفه بالأجرة .سمع صاحبتها تقول:
"تفضل".
التفت ا"لى الخلف فرا3ها خلفه بالضبط .قالت:
"لأ باس .احيانا يحصل لكل منا ذلك".
تجمد لحظة و لم يدر ما يفعل .ا"لأ انه بعدها مد يده و اخذ النقود و قال بامتنان عميق:
"شكرا .شكرا جزيلا".
دفع النقود و هو يفكر كيف سيردها ا"لى هذه الفتاة صاحبة الشهامة.
كانت تنزل قبله دائما ،و كانت تتبقى له مسافة ليست بالقليلة ح تى يص ل ا"ل ى ج امعته.
لكنه عندما نزلت نزل فورا.
"لحظة من فضلك".
فتوقفت و هي تنظر متسائلة.
23
أين ابني؟
24
محمد زقزوق
25
أين ابني؟
26
محمد زقزوق
دخ ل ف ي الن وم .را ى نفس ه يتمش ى ف ي ش ارع واس ع رص يفاه مزدحم ان بالبش ر.
السيارات تعدو فيه بسرعة البرق .كان يسير و يعلم ان له هدفا ،لكن لأ يعلم ما هو بالضبط.
فقط يش عر ان ه مج بر عل ى الس ير .ك ان يص طدم احيان ا بالم ارة فيعت ذر .وج د ي دا تمس ك
بذراعه .يد ضعيفة.
" هل تعبر بي الطريق يا بني ؟"
قالتها عجوز و هي تنظر ا"ليه بامل.
"الكل مشغول و لأ يرغب في مساعدتي".
"بالتاكيد".
و امسك بيدها و ا خذ يتفادى السيارات المسرعة ،و هو يحاول مجاراة حركتها البطيئة.
قالت و هما في عرض الطريق:
"لأ اعلم لماذا لأ يضعون اماكن لعبور المشاة؟! ليست صعبة!"
عبر بها بعد جهد .سحب يده و قال بابتسامة خفيفة:
"مع السلامة".
ا"لأ انها نادته.
"ربنا يبارك فيك .لحظة .خذ يا بني".
نظر ا"لى النقود في يدها.
"ما هذا؟!"
"حقك".
"على ماذا ؟!"
"على تعبك في عبورك بي".
"لم افعل ذلك من اجل المال".
"لكنك ستاخذها".
و وضعت له النقود في جيب قميصه عنوة بقوة تعجب لها.
27
أين ابني؟
28
محمد زقزوق
29
أين ابني؟
و عن دما انته ى وق ف معجب ا بعمل ه .ك ان ابن ه ق د ص عد و حض ر ا"ل ى الش رفة .امس ك
بحاجزها و هو يسال:
"اساعد في حل مشاكلكم باجر معقول؟! ما هذه اللافتة يا ابي؟!"
"ا"نه عملي الجديد يا خالد .ما رايك؟"
"عمل جديد في البيت؟! و المدرسة التي تذهب ا"ليها؟"
"م ن ال بيت .هن اك ف رق ي ا ج دع .تع ال لناك ل اولأ و س تعرف ان ت و مام ا ك ل ش يء
بالتفصيل .لقد اختمر الأمر في ذهني تماما".
كان خالد ياكل و هو يستمع لأبيه و كانه يترافع كمحام امام امه ،يش رح فكرت ه مح اولأ
ا"قناعها بجدواها و هي ما زالت متشككة متعجبة ،و انتهى الأمر عل ى نف س الحال ة ال تي ب دا
عليها.
لكن ا3دم عندما فت ح عيني ه و وج د ليل ى و ه ي ت وقظه م ن قيل ولته و ف ي ص وتها حم اس
تعجب هو له و تقول بابتسامة:
" ا3دم ا3دم .لقد جاء عميلك الأول".
صمتت لحظة و قالت:
"بالأحرى عميلتك الأولى".
عندها ابتسم بشدة و النوم يتبخر من عينيه.
قال:
" ارا ƒ
يت؟"
نهض في نشاط قائلا:
"الأ3ن نبدا العمل".
***
30
محمد زقزوق
الفصل الرابع
عندما دخل حجرة الجلوس كان يتوقع ان يجد ا3نسة صغيرة في العش رينيات مثلا .لكن ه راى
امراة قد•رها في الأربعين او الخامسة و الأربعين .ملابسها رخيصة على جسد نحيف .س مراء
البشرة و تجلس في استكانة وهي تنظ ر ا"ل ى الأرض .ك انت تنش ج و تمس ك بمن ديل تم رره
على انفها.
"اهلا و سهلا".
رفعت ا"ليه عينين محمرتين.
و هبت واقفة و تكلفت ابتسامة بصعوبة و هي ترد علي تحيته:
"اهلا بك يا استاذ ادهم".
اشار لها بالجلوس مبتسما:
"ا3دم ..ا3دم احمد .تفضلي .تفضلي و اجلسي".
جلست في تردد و جلس قبالتها .دخلت ليل ى بص ينية الش اي و الم اء ،و خرج ت وه ي
تنظر لأ3دم ب "اعجاب كانها تقول له:
"حقيقة ..شاطر".
ظل الصمت مخيما و المراة تنظر في الأرض .تنحنح ا3دم و هو يسال:
"لم اتشرف بالأسم".
رفعت راسها و هي تبتسم ابتسامة خفيفة حزينة .قالت:
"مديحة .مديحة حسين".
و صمتت ناظرة ا"لى الأرض مرة اخرى .كان ا3دم ينتظر ان تبدا هي بالكلام .بدا له و ه و
ينظ ر ا"ل ى وجهه ا ا ن ص راعا ي دور ب داخلها .ك انت كلم ا هم ت ب الكلام و فتح ت فمه ا
31
أين ابني؟
امسكت .توهم انها خجلة من قول ما اتت لأجله .اراد ان ييسر الأمر عليها .قال:
"يمكنك ان تحكي لزوجتي".
ا"لأ انها رفعت راسها و قالت في تصميم:
"لأ لأ .سابدا".
ثم نظرت نظرة جانبية و قالت كانها تكلم نفسها:
"لن اضيع الفرصة".
تنهدت من القلب و اخذت تروي:
"الحقيقة ي ا اس تاذ ا3دم ،لق د كن ت اس ير بقربك م و ق د تفج ر مخ ي به م عظي م و حي رة
قدمي مسحوبتين ا"لى هنا
اعظم .لكنني عندما رايت تلك اللافتة على شرفتك وجدت s
و كانني وجدت الهواء بعد طول اختناق .انا عاملة تصنيع اعم ل ف ي مص نع جب ن .وحي دة.
ا عيش مع بعض زميلات العمل .منذ عدة سنوات ..سبع سنوات بالتحديد..كنت اعمل ف ي
مصنع ا3خر للجبن ايضا".
ضيقت عينيها و هي تسترجع ذكريات بدا انها مؤلمة .اكملت:
"كان العمل يسير على منواله الرتيب .عندما قام يوما بزيارتنا".
سكتت و كانها تمقت ذكر اسمه.
قال ا3دم يستحثها:
"نعم".
اكملت:
"شريك من اصحاب المصنع .الشريك الأكبر".
كانها تريد ان تبصق .ثم تابعت و هي توشك ان تبدا في البكاء:
"ذلك الرجل اسمه شاكر جاد .كانت اول م رة يتفق د فيه ا المص نع من ذ ان عمل ت ب ه.
اخذوا يحثوننا على العمل و عدم الأ" همال تحسبا لزيارته؛ فقد كان شديدا كما يقول ون لكن ه
مبتسم دائما .لمحته و هو ا3ت من بعي د .واض عا ي دا ف ي جي ب و الأخ رى يش ير به ا هن ا او
32
محمد زقزوق
هناك .يدلي بتعليماته لمساعده الذي لأ يفارقه ا"لأ فيما ندر .اسمه نديم محمود".
هزت راسها في اسف .اكملت:
"كانت زميلاتي يتكلمن عن ثرائه و وسامته و تتحسر كل منهن و هي تلعن حظها".
وضعت يدها على خدها ،و اسندت كوعها على رجلها ،ناظرة ا"لى الأرض مرة اخرى ثم
قالت بسخرية مريرة:
"انا التي فازت بالحظ كله".
رجعت مستندة ا"لى الخلف فجاة و اكملت:
"عندما را3ني نسى ما حوله .نعم يمكنني ان اقولها بثقة .ما تراه الأ3ن حضرتك هو نتيجة
الهموم و الأ 3لأم .بسببه .لقد كان جمالي مضرب المثل .حتى مع ظروف العمل و العرق
و التعب .وقف بجواري بالضبط تاركا فسحة صغيرة اتحرك فيها بينه و بين الأ3ل ة ال تي كن ت
اعمل عليها .الوغد.
ثابتا بابتسامة من يوقن انه ينال م ا يري ده دائم ا .ش عرت ب انني مخنوق ة ،لك ن م اذا ك ان
يمكن ان افعل؟ اكل العيش .المهم انه كان ينظر ا"ل sي و ان ا اعم ل ص امتا ،و عن دما همم ت
بالتوقف سال :لماذا؟ اكملي اكملي.انت جي دة .عامل ة م اهرة .الي س ك ذلك؟ ج اء الم دير
الغبي و اخذ يتزلف و يقول :طبعا طبعا .ا"نه ا تعم ل بق وة مائ ة رج ل حق ا .فنظ ر ا"لي ه ش اكر
نظرة مستهينة ثم قال :اعطها مكاف اة ،و نظ ر ا"ل sي بابتس امته ق ائلا :هك ذا يعام ل الأذكي اء.
هه؟ و مضى .لم اشعر حينها بالفرح للمكافاة .لست ساذجة ا"لى تلك الدرجة .فهمت الأم ر
جيدا .فهذه الطريقة لأ تعني امورا كثيرة .لكنني ط ردت الفك رة م ن ذهن ي و اخ ذت اس تمع
ا"لى تعليقات الغبطة و الحسد ايضا".
صمتت لتاخذ نفسها.
"في نفس الليلة اتى .ذلك المساعد نديم .كنت اسكن مع اع ز ص احباتي ف ي غرف ة لأ
يعلم بحالها غير الله .بينما كنا نا كل عشاءنا المعتاد سمعنا طرقا على الباب .خفن ا .لأ اح د
ياتي لزيارتنا ابدا .سالت صاحبتي عن الطارق فا جابه ا :افتح ي .ن ديم مس اعد ش اكر بي ه.
33
أين ابني؟
فتحت و الدهشة لم تفارقها .لكنني كنت مهياة و ا"ن لم اتوقع تلك السرعة".
عادت لتنظر ا"لى الأرض من جديد و تكمل:
"دخل وهو ينظر بقرف ا"لى محي ط الغرف ة ،و ل ه الح ق .ح اول ان يجل س ف ي مك ان م ا
لكن ل م يك ن ي رى م ا يص لح .ق الت ص ديقتي بوض وح :م ن الأفض ل ل و ك ان مجي ؤك ف ي
الصباح في المصنع .نحن نسكن بمفردنا .نظر ا"ليها و ركز نظراته ،ثم قال بهدوء :انا اتمن ى
ذلك اكثر منك يا شاطرة .نظر لي و قال :سيارتي على الطريق الرئيسي ..بجوار تلك الساحة
الشعبية .البسي و الحقي بي .ا"نه ام ر ه ام .يتعل ق بمكافات ك .هي ا .و خ رج متافف ا .ل م ادر
ماذا افعل .سالت صديقتي متشككة :ما هذا؟! شغل مجانين ام ماذا؟! لم ارد ان اخبرها بما
ات وقعه .لكنه ا ا يض ا ليس ت س اذجة .خمن ت .ق الت بع زم :لأ ت ذهبي .ا"ن ه يري دك جاري ة.
ص دمتني الكلم ة .و كانه ا لأ تع بر حق ا ع ن م ا3لي ا"ذا وافق ت .ق الت :س فلة .ام ا ان ا
فاخذت اقلب الأمر في ذهني .قلت لها :سا†طرد .قالت :نبحث عن عمل ف ي مك ان ا3خ ر..
هل ضاقت الأرض؟ لأ تخس ري نفس ك .وددت ل و س معت كلامه ا .نهض ت و ان ا ارت دي
ثيابي .قلت لها :ساذهب لأعلم ماذا يريد .فقط .امسكت ب ذراعي و ق الت :ي ا مجنون ة .لأ
تبرري لنفسك .لكنن ي لبس ت الغش اوة عل ى عقل ي كم ا لبس ت ثي ابي .س حبت ي دي منه ا
بالقوة و جريت مسرعة .كانت اعز صديقاتي و م ا زال ت .ك انت تنظ ر ا"ل sي م ن عل ى الب اب
غاضبة مذهولة .لكنني مضيت و قلبي يضطرب ..مدفوعة بامل مبهم ع ن ا"مكاني ة ان يك ون
عرضا نبيلا .عرضا شرعيا".
رفعت راسها ضاحكة في سخرية و قالت:
"زواج يعني".
كان ا3دم مقطبا .مركزا.
هزت راسها في اسف .اكملت:
"وجدت سيارة نديم كما اخبرني بالضبط .ركب ت و انطل ق ب دون ان ينب س بكلم ة .ل م
اعترض .ل م اس ا له .ظلل ت ص امتة ط وال الطري ق .م رت ح والي الس اعة ح تى وص لنا .ح ي
34
محمد زقزوق
لي نديم قائلا :الأ ستاذ شاكر ينتظرك في شقته في ال دور الراب ع .ب الطبع
متوسط الحال .نظر ا" s
لن تقولي لأحد من كان على اي شيء .تفضلي .قال الكلمة الأخيرة ببعض الأحترام".
تنهدت و تابعت :
"و تفضلت في هواء الليل البارد .صعدت في المصعد tو ƒجل ة اقل ب المعطي ات و النتائ ج
في ذهني .و عندما فتحت باب المصعد في الدور الرابع طالعني وجه ه يس تقبلني عل ى ب اب
المصعد بابتسامته الواثقة .لأبد ان نديم اخبره بالهاتف .اضطربت .فكرت في العدول تمام ا
عن الأمر و العودة ،لكنه ا شار بيده في حركة مسرحية طالبا مني الدخول ا"لى الشقة قائلا :لأ
تخشي شيئا .لأ انوي ا ي شر .هل تعرفي ن كي ف تتكلمي ن؟ فق ط س نتكلم .فمض يت .ك ان
يشيعني بنظراته.
عندما عبرت عتبة الباب كان ما بال داخل يخط ف انظ اري .زخرف ة و تح ف و اث اث ل م
ا حلم يوما بلمسه فما بالك بالجلوس عليه .دخل ورائي و وارب الباب .ل م يغلق ه .اش ار ل ي
بالجلوس .جلس قب التي عل ى ا ريك ة واض عا ذراعي ه بامت دادهما عل ى مس ندها و ركبت ه عل ى
الأخ رى .ملابس ه غالي ة الثم ن حق ا و انيق ة .رك ز بص ره عل sي و ق ال :ان ت جميل ة حق ا ي ا
مديحة .بل اجزم بانك رقيقة المشاعر ايضا .انظري يا مديحة .لن الف و ادور .انت تعلمين
لماذا اريدك .صمت لحظة واردف :و كيف اري دك .قل ت لنفس ي :اخ .لأ زواج ا"ذن .ا"نه ا
الأماني التي تقنع نفسك بها و انت تعلم انها سراب .اكمل حديثه :ستحيين حياة لم تكوني
لتحلمي به ا م ن قب ل .ملاب س ،و طع ام ،و س يارة ،ا"ل ى ا3خ ره .س تودعين حي اة الش قاء ا"ل ى
الأبد".
ضحكت مرة اخرى في سخرية و قالت:
"هيهات .المهم .قال و هو يغ وص ف ي الأريك ة اك ثر و اك ثر :لق د احببت ك من ذ وقع ت
عليك .ليس جمالك فقط .في ك ش يء م ا ا3خ ر .لكنن ي رج ل ح ر و س ابقى ك ذلك. عيناي ƒ
الخيار لك .لأ استطيع ا"جب ارك عل ى ش يء .قل ت لنفس ي :اان ت هك ذا لأ تج برني؟! و ه ل
الحب الذي تتكلم عنه حقيقة؟ اخاف ان ا شك .قطع علي تفكيري سائلا :هاه ..ما قولك؟
35
أين ابني؟
اجبته بهمس :اريد التفكير .هز را س ه .ربم ا توق ع تس ليما س ريعا .ق ال :ان ت ح رة .الفرص ة
تاتي مرة واحدة .نهض من على الأريكة و اتجه ا"لى غرفة النوم و قال:
اسمعي .باب الشقة امامك .ا"ما ان تغلقي ه و ان ت خارجه ا ،و س اعتها اطل بي م ن ن ديم
بقية حسابك و لأ تاتي ا"لى المصنع م رة اخ رى .او تغلقي ه و ان ت بال داخل .ان ت ممي زة بلا
شك يا مديحة .لكنني اجيد البحث و من يوافقن كuثر .صدقيني انت الرابحة".
صمتت و نم وجهها عن الحنق و الغيظ قالت:
"الوغد".
"و ا ƒ
غلقت الباب و انت بالداخل".
قالها ا3دم.
اشارت براسها و كفها ما معناه :ان نعم للاسف .قالت:
"نعم فعلت و الكلمة تتردد في ذهني .جارية".
زفرت و اكملت و صوتها تشوبه نغمة البكاء:
"و رجعت في سيارة نديم الذي لم تتغير فيه اي لمحة ،ك انه ام ر ع ادي ي ؤديه بلا ادن ى
اهتمام .رجعت و قد تغيرت حالتي جسمانيا و روحيا .رجعت ص امتة .ح تى عن دما دخل ت
على ص ديقتي الحج رة و الس ؤال ف ي عينيه ا الغاض بتين ل م انب س ببن ت ش فة .رق دت عل ى
سريري معطية ظهري ا"ليها ،ناظرة ا"لى الجدار ،و لم انم .اخ ذت افك ر ا"ل ى الص باح .و ف ي
الصباح افضيت لها بما حدث.
ارتج عليها .سالتني بنغمة عتاب مرير :اهذا هو مجرد السؤال فقط عن م راده؟! لأ ح ول
يرميك عظما بعد قليل ماذا ستفعلين؟! لأ حول ƒ و لأ قوة ا"لأ بالله! و عندما يا ƒ
كلك لحما و
و لأ قوة ا"لأ بالله!"
دمعت عيناها و هي تكمل:
"ارعبني قولها .اعترضت بشدة .حاولت طمانة نفسي و انا اق ول :لأ لأ ا"ن ه يحبن ي .ا"ن ه
يرى في شيئا مميزا .لأ تنك ري ذل ك .استش اطت غض با و ه ي ت رد عل ي :اتص دقين الكلام
36
محمد زقزوق
الذي ينثره يمينا و يسارا ؟! يقوله لمن يري د ان يرم ي ش باكه عليه ا! اان ت س اذجة ام م اذا؟!
استيقظي من تلك الأوهام .عندها استشطت انا ايضا غضبا و قلت :بل انت الواهمة .انظري
ا"لى معيشتك البائسة التي ستظلين فيها طوال حياتك ،اما انا فقد ودعته ا للاب د .و خرج ت
لأ الوي على شيء وهي تناديني من خلفي في جزع .الم اقل لك ا"نها اعز صديقاتي".
سكتت و هي تقول ببسمة:
"لقد تزوجت من موظف في شركة المياه و لها طفلان الأ3ن"
على ذكر ذلك انتابتها نوبة بكاء حارة .اخذت تقول من بين دموعها:
"يا حبيبي يا بني".
حاول تهدئتها فلم يفلح .كانت تهتز بشدة و كان زلزالأ بداخلها .قام طالبا ليلى لتجلس
معها ريثما يحضر عصير ليمون .عندما عاد كانت قد توقفت عن البكاء و هي تنشج ،و ليلى
بجوارها تحوط كتفيها و تربت على ذراعها.
قدم لها العصير فاخذته شاكرة و هي تعتذر.
ابنها .المشكلة تتكشف .جلس قبالتهما .عندما هدات تماما قال:
"كلي ا3ذان مصغية".
همت ليلى بالقيام لكن مديحة بادرت:
"لأ باس .يمكن لحضرتك البقاء .انا ممتنة جدا".
فبقيت ليلى ،و التفتت مديحة ا"لى ا3دم و اكملت متنهدة:
"ساكمل بالترتيب حتى اضعك يا استاذ ا3دم في الصورة جيدا .من ساعتها لم اخ رج م ن
تلك الشقة قط ا"لأ فيم ا ن در .ذهب ت م رة ا"ل ى المص نع مس لمة عل ى زميلات ي ،مدعي ة انن ي
وجدت عملا افضل في مصنع ا3خر كما امرني شاكر بالضبط .و كنت له الجارية كما اراد
و قبلت.
نعم كانت الحياة رغدة ،و لم اك ن اطم ح له ا ف ي احلام ي .كم ا ان ه ل م يك ن يع املني
بفظاظة قط .حنونا و مبتس ما ،لكن ه ح ازم و ق اطع ف ي الأم ور ال تي لأ يقب ل ان يناقش ه فيه ا
37
أين ابني؟
ا حد .عندما لمحت له مرة فقط تلميح بالزواج ،كانت ثورة عارمة كادت تعصف بي
و ترميني في الشارع .لم يكن عندي غيره .يتيمة الأبوين نشات في ملج ا ،و لأ اعل م طريق ا
لأهلي .اقنعت نفسي ان الكثيرات يتمنين لو كن مكاني .و تاقلمت .ك ان م ا يعك ر ص فوي
تجاهلي التام لصديقتي رغما عني .لم يكن يسمح لي بالخروج ا"لأ في اضيق الح دود .و ل م
يظهر معي قط".
كانت ليلى تستمع و هي تحاول تجميع الصورة و تركيبها كي تفهم الأمر .لكنها فهمت
نصف المسالة.
و اكملت:
"و مض ت الأ س ابيع و الش هور .ح تى ج اء الي وم ال ذي تب دل في ه مج رى حي اتي .ك ان
يضحك و يهذر و يخبرني عن احوال العمل و الناس و هو ياكل الفاكهة على الس رير ،عن دما
اخبرته بحذر".
و غص حلقها فلم تتكلم ،و زاد البريق في عينيها بما يشي بموجة جديدة من الدموع.
سالها ا3دم بحذر :
"بم؟"
قالت بحشرجة:
"بانني حامل".
هكذا بانت الأمور.
او هكذا ظن ا3دم.
قالت مسترسلة :
"توقفت يده في منتصف الطريق ا"لى فمه .نظر ا"لي بصمت و قد تلاشت ابتسامته .نحى
الطبق جانبا .كان يبدو عليه انه يحاول استيعاب ما اقول .ك انه ك ان غي ر مص دق .و عن دما
ادرك اخيرا سالني بصوت ج sمد الدم في عروقي :لماذا و كي ف؟! ل م يس الني من ذ م تى ،ب ل
لماذا .لم ادر كيف اجيب ه .اجب ت :ان ا لأ افه م ف ي ه ذه الأم ور .لق د اص بح القيء متك ررا
38
محمد زقزوق
فاتصلت بزميلة قديمة اعرفها من عم ل س ابق .اك دت ل ي انن ي بدرج ة ك بيرة حام ل .ان ا لأ
لي في تفكير عمي ق .ربم ا يحس ب حس ابات لأ اعلم .كان الصمت يلفنا و هو يمعن النظر ا" s
ادري عنها شيئا.
سالني :هل انت متاكدة؟ هززت راسي قائلة :لأ اعلم .لقد اخبرتك ما اخبرتني به .قال
و هو يرجع براسه على ظهر السرير ناظرا ا"لى السقف :نعم .انت لأ تعلمين .لأب د ان نتاك د.
ثم استدار راقدا و ا عطاني ظهره و قال :غدا سنفعل .و لم يتكلم بعدها بكلمة".
ابتلعت ريقها و اكملت و بعض الأمل على وجهها:
"عندما عدنا من العي ادة ا†كt sد الأم ر .ان ا حام ل .ل م اس عد بق در س عادتي وقته ا .الحي اة
تتفتح بداخلي .ساكون اما .و سنتزوج بكل تاكيد .لأ مفر .هذه ه ي الحي اة المنتظ رة .ه ذا
هو الأ مان الكامل برباط قوي بيني و بينه .لقد عدت طائرة بي ن الس حب .لكن ه ع اد و ع دم
التصديق يغمره .لم ا ر الحيرة عليه من قبل .و لم يعد مع ي كم ا ك ان قبلا .كن ت اراه دائم ا
يجلس و ينظر ا"لى الأفق في الشرفة .لم يعد يذهب كثيرا ا"لى عمله .و انا بطني تك بر و يك بر
معها شوقي و توجس ي .ا" ن ه لأ يرض ى ع ن الحم ل ..لك ن لم اذا لأ يتكل م مع ي؟! يث ور ف ي
وجهي؟! يعنفني؟! لأ افهم! عندما اكلمه لأ يستجيب .و يرد احيان ا ردودا مبهم ة تش ي ع ن
عقله المرهق بالتفكير .اخذت احاول سبر غوره دون ان يفصح .فعلت كل ما بوسعي
و فشلت فشلا ذريعا .حتى جاء اليوم الذي جلست فيه تحت كرسيه امسك بي ده ف ي رج اء
و انا ابكي .نظر ا"لي و سحب يده بعد مدة من البكاء و قال:
تريدين ان تعرفي ماذا اصابني .حسنا .ل م اك ن اتوق ع ذل ك مطلق ا .ان ا عقي م ي ا مديح ة .او
هكذا كنت اظن نفسي .ثم تنهد و قال:
علاقات عديدة و مرت كالسحاب و لم تترك اثرا ،حتى ظننت انني لأ انج ب .ث م نظ ر ا"ل sي
فعلت ما لم تسطع غيرك فعله .و ربت على في سخرية و قال :و لكن البركة فيك انت .لقد ƒ
بطني قائلا :ما لم اعمل حسابه قط .نظ ر ا"ل ى الأف ق م رة اخ رى و ق ال :و الأ3ن م اذا افع ل؟
ماذا افعل؟ قلت له :نعيش! نتمتع بنعمة الله! ما الذي يكد‡رك هكذا؟! ك م م ن اح د يرغ ب
39
أين ابني؟
في دفع الملايين و يكون له ما سنجنيه بعد اشهر قلائل! الم تكن ترغ ب ف ي اطف ال يمل ؤون
حياتك بالفرح؟! هذا لأ يحزن ابدا!"
سكتت ثم عادت تقول :
"و لم يتكلم .بقينا اياما على تلك الحال احاول ان اص رفه ع ن حزن ه بك ل ق وتي ،و ه و
خامل لأ يستجيب .حتى جاء يوم تحقق لي فيه المراد".
بحرقة قالت:
نفخت و u
"كم كنت ساذجة!"
ثم عادت:
بدا اكثر قبولأ .بل حتى ا"نه اصبح متفائلا بع ض الش يء و اخ ذ يض حك اخي را .و كلم ا
اقترب موعد وضعي كان يزداد تفاؤلأ و مرحا حتى ظننت ان الشيطان في راسه ق د اقل ع ع ن
الوسوسة .اخذ يهتم برعايتي و صحتي و باكلي و شربي .نذهب ا"لى العي ادة بانتظ ام لنطمئ ن
على ابننا .عرفنا انه ذكر ،و تهلل وجهه بشرا و فرحت معه كما لم اف رح م ن قب ل ،و بقي ت
ا عد الليالي حتى موعد الولأدة .حتى حان ال وقت .و ج دته يق ول ل ي ا"نن ي س الد ف ي عي ادة
خاصة مجهزة .لم اتساءل .و كيف لي ان افعل بعد كل التغير الذي حدث؟"
ثم اخذتها تنهيدة قوية و قالت و هي تهز راسها اسفا:
عيني على امل و هو بجواري يمسك بيدي يش د م ن "لم اكن اعلم بما يدبره .اغمضت s
ازري ،و فتحتهما على كابوس.
بعد العملية بعد ان افقت لم ار احدا بجواري .حتى الحجرة ك انت مظلم ة .ح اولت ان
اقوم لكن ي كن ت اش عر ب دوار فظي ع .ن اديت .و لم ا ل م ي ات اح د ص رخت .ات ت ممرض ة
خمسينية تتساءل بقرف ع ن الص راخ .س التها و ان ا ف ي حال ة ف زع :اي ن ابن ي حس ام؟! اي ن
زوجي؟! قالت لي :لأ يوجد احد .لقد اخذ الرج ل الطف ل و مض ى .انقب ض قل بي لحظته ا.
شككت و حزرت لماذا راق باله حينها .اهكذا فكر ؟!"
سكتت ثم قالت:
40
محمد زقزوق
41
أين ابني؟
42
محمد زقزوق
نظرت ا"ليه في صمت و انا اكاد انهار .كيف فعل شاكر بي ذلك؟! كي ف اص بحت ل ه مث ل
تلك القسوة؟!
نظرت نظرة رجاء صامتة ا"لى نديم لكنه رد عليها بمد يده بظرف النقود.
رجوته بانكسار :اخبرني عن مكانه يا نديم و سافعل لك اي شيء تريده .اي شيء.
ابتسم متهكما .قال:
لأ احتاج منك شيئا و لأ فائدة مما تطلبينه .من الأفضل ان تط وي تل ك الص فحة كم ا قل ت
لك .هيا خذي. ƒ
قلت :ساكون جاريتك.
ضحك و هو ينظر لي بخبث .قال :لأ يا سيدتي .لأ.
صمت لحظة ثم قال :حتى مع جميلة مثلك.
ثم نهض و قال يريد ا"نهاء الأمر :هيا خذي و لأ تتعبيني ..انا مشغول.
رمقته باحتق ار و بص قت عل ى وجه ه .ابتس م بس ماجة و مس ح البص قة ف ي ه دوء م ا sدا ي ده
بالنقود.
قدمي بصعوبة .وج دتني اتج ه نح و المص نع .اخ بروني نف س الخ بر. تجاهلت يده و انا اجر s
u
خرجت من هناك و انا احس انني قد هرمت .احسست بالضياع .اين اذهب؟ و م اذا افع ل؟
ذهبت ا"لى صديقتي العزي زة .اس تقبلتني اس تقبالأ يلي ق باخلاقه ا العالي ة .حكي ت له ا القص ة
كلها .اصرت ان نذهب ا"لى الشرطة .قلت لها :لأ فائدة .م اذا يمك ن ان يفعل وا .الوغ د ق د
سافر.
و طويت قلبي على جراحي .و اخذت امر عل ى تل ك الش قة و المص نع ك ل ي وم ،اس ال
عليه .طوال سنوات ست لأ اك sل و لأ ام sل .ح تى ا"نه م ك انوا ينهرونن ي م ن ك ثرة الس ؤال.
قلبي كان معلقا بهما لعله يكون قد رجع .لم اياس و لو ليوم".
تهلل وجهها فجاة فصنع فارقا كبيرا .تغير الحال ا"لى العكس تماما .قالت:
"حتى جاء هذا اليوم .اليوم ال ذي نح ن في ه الأ3ن .لق د رايت ه ي ا اس تاذ ا3دم! رايت ه! راي ت
43
أين ابني؟
شاكر جاد!"
حركت را سها فرحا و هو تحاول ابتلاع ريقها ،و هي تقول بانتصار و نشوة كانها تحكي
حلما جميلا:
لقد عاد .لمحته في شرفة مكتبه في المصنع .لم اصدق نفسي .هل حسام مع ه؟ ك دت
ادخل المصنع لكنني توقفت فجاة .ماذا سيفعل بعد كل تلك الس نين؟ ه ل يك ون ق د تغي ر؟
هل رق قلبه ام ما زال على قس وته؟ ااذه ب و اح اول مع ه و اذك ره بالأي ام ال تي ك انت بينن ا
فيرضخ و يريني ابني ،ام يختفي مرة اخرى به؟ كنت في حيرة شديدة و في نشوة ك برى ف ي
نفس الوقت بامكانية رؤية حسام بعد كل تلك السنوات العجاف .لكنني اخذت الحذر
و مضيت تاركة جزءا من روحي هناك .مضيت اسير في الشوارع افك ر و افك ر .يك اد عقل ي
يشل .حتى وصلت اسفل بيتكم يا استاذ ا3دم .لأ ادري لماذا رفعت راسي و نظرت ا"لى تل ك
اللافت ة .و لأ كي ف اس تقبلت فحواه ا ف ي نفس ي .ان ت امل ي ي ا اس تاذ ا3دم .ارج وك .ه ل
يمكنك ان ترجع لي ابني؟"
اخذ ا3دم نفسا عميقا و هو يفكر .بعد برهة قال:
اتبعت نصيحة صديقتك .يجب ا"بلاغ الشرطة". "من الأفضل لو ƒ
هتفت بسرعة كان النار لسعتها:
"لأ .الشرطة لأ .سيلعب الأعيبه معهم .ا"نه قادر يا استاذ ا3دم .لن ارى ابن ي ب ذلك اب دا.
ارجوك يا استاذ ا3دم انت الوحيد الذي يمكنه مساعدتي بعد الله".
اخذ يدير الأم ر ف ي عقل ه .نظ ر ا"ل ى ليل ى نظ رة ص امتة فل م تجب ه نظرته ا بش يء كانه ا
تركت له القرار .نظرت ا"ليه و كا نها تنتظر مع مديح ة ف ي تش وق .بع د دقيق ة م ن النظ ر ف ي
السقف ابتسم و قال:
"على بركة الله".
ابتسمت مديحة بشدة و كذلك فعلت ليلى.
قالت مديحة و هي تميل ا"لى الأمام نحوه:
44
محمد زقزوق
"اشكرك ..اشكرك بش دة ي ا اس تاذ ا3دم .لأ تتص ور ك م ازح ت ع ن ك اهلي .ا3ا3ا 3بالنس بة
للاجر .انا ...الحقيقة"...
قال ا3دم على بلاطة و هو يبتسم:
"ليس معك نقود".
فابتسمت بخجل و هي تنظر ا"لى الأرض:
"الحقيق ة ان مص نع الجب ن ال ذي اعم ل في ه الأ3ن ل م يك ن يحت اج ا"ل ى عمال ة ،لكنن ي
توسلت ا"لى صاحبه فقبل ان اعمل باجر بالكاد يكفي اقل الضروريات".
زادت ابتسامة ا3دم و قال:
"لأ باس ساعمل مجانا من اجلك كاول عميلة لي .لأ مشكلة".
"لأ اعلم كيف اشكرك يا استاذ ا3دم لق د رددت ال روح ا"ل sي .س ابذل ك ل جه دي لت دبير
اجر مناسب ..اعدك".
قال ا3دم:
"لأ تشغلي بالك".
ا عطته عنوان مصنع شاكر ،و تلك الشقة ،و نادي جولف يمتلكه كان ي ذهب ا"لي ه ك ثيرا
ثم في النهاية عنوانها.
نظر فيه ثم قال:
"انت قريبة من هنا ا"ذن .جيد".
اومات م tؤ ‡منة ثم نهضت مستاذنة .و هي تخرج من باب الشقة نظرت ا"لى ا3دم نظرة ام ل
مشجعة صامتة .ثم هبطت السلم.
***
45
أين ابني؟
***
46
محمد زقزوق
الفصل الخامس
لم يوافق ا3دم على قبول المهمة فقط تعاطفا مع ام ا†خذ منها ولدها قس را قب ل ان ت راه اص لا.
ذلك قائم .لكنه كان متحمسا ايضا لمعرفة المنطق الذي فكر به ذلك الرجل شاكر جاد
و مبرراته .لذلك فقد استيقظ نشيطا ،مبكرا ساعة عن ميعاد استيقاظه الط بيعي ،و خ رج م ن
المنزل بهدوء بينما كانت ليلى و خالد نائمين .اخذ تفاحة لياكلها ك "افطار خفيف.
عندما وصل ا"لى المصنع كانت الساعة الثامنة .على بوابته وجد حارس امن شابsا .ابتس م
مسلما:
"سلامو عليكو".
"و عليكم السلام .اي خدمة؟"
شجعه ود الرجل فساله:
"هل هذا مصنع الأستاذ شاكر جاد؟"
"نعم".
"هل هو بالداخل؟"
"لم يصل بعد .لن ياتي اليوم قبل الظهر".
"لماذا ؟"
"يذهب عادة اليوم ا"لى نادي الجولف اولأ .لماذا تريده ؟"
لم يتردد ا3دم:
"اعرف قريبة له .سمعت انه عاد من السفر فجئت اسلم عليه".
قال الرجل:
"نعم لكنه لأ يستقبل ضيوفا اثناء العمل".
"شكرا جزيلا".
47
أين ابني؟
"العفو".
عندما نزل من سيارة الأجرة و تقدم نحو مدخل نادي الجولف احس بقشعريرة تنتابه
و هو يبصر ما خلف الأسوار ذات القضبان الحديدية ،حيث تقبع جنات خضراء تك اد تنط ق
لتسال القادم:
"هل رايت اجمل منا من قبل؟"
عالم جديد تماما لم يدخله من قبل .استوقفه الحارس و طلب منه بطاقة العضوية .فبادره
ا3دم سائلا:
"الأستاذ شاكر جاد ،اهو بالداخل ؟"
"نعم ماذا تريد منه؟"
"اريده شخصيا".
"بخصوص؟"
"امر خاص".
"شاكر بيه يرفض مناقشة الأمور الخاصة هنا .يمكنك ان تطلب ميعادا من سكرتيره".
"نديم محمود ؟"
"عليك نور .اي خدمة اخرى؟"
تنحنح ا3دم و قال:
"لكن انا اريده في امر عاجل".
"لأ تض يع وقت ك ي ا اس تاذ .قل ت ل ك لأ يس تقبل اح دا هن ا للام ور الشخص ية .م ع
السلامة".
لم يشا ا3دم ان يرجع بخفي حني ن .فق ط يري د ان يع رف ش كل الرج ل و يح دثه ف ي اي
موضوع .يطلب منه عملا مثلا ريثما يفكر في كيفية الوصول ا"لى مكنون ص دره .لأ ب د م ن
خطة محكمة ح تى لأ يش ك ش اكر في ه .لك ن الح ارس لأ يري د ح تى دخ وله .ه ل يغ افله؟
الرجل عج وز و ربم ا ينش غل ف ي اي ام ر يس مح لأ3دم بالتس لل دون ان ي راه .وض ع ي ده ف ي
48
محمد زقزوق
49
أين ابني؟
قائلا:
"لأ تغضب يا والدي .احباب؟ احباب".
و مضى خلف نديم.
***
سار الرجلان دون ان يتبادلأ كلمة .ك ان ا3دم م اخوذا ا"ل ى ح د م ا بالمس احات الشاس عة
التي يراها حوله .اول مرة يدخل ناديا مثل هذا .اخذه نديم ا"لى سيارة جول ف و اتخ ذ مقع د
السائق و قال له:
"اركب".
ظل ا3دم واقفا للحظات ينظر باستغراب ا"لى السيارة.
"هل ستفكر كثيرا قبل ان تركب؟"
ما اثار عجب ا3دم ا كثر عن دما س مع الس ؤال ه و اله دوء الش ديد و الرتاب ة ف ي ص وته .لأ
تهكم و لأ تقريع .نغمة لأ طعم لها كان صاحبها ا"نسان ا3لي.
مع ذلك اتخذ ا3دم مكانه بجوار الرجل الذي قاد السيارة في صمت.
قال ا3دم:
"ناد جميل .لأ بد انه تكلف لأ" نشائه كثيرا".
لم يبد الرجل اتفاقا.
"كم تكلف يا ترى ؟"
رد بصوت محايد كوجهه:
"اسال شاكر بيه عندما تقابله".
نظر ا3دم ا"ليه نظرة جانبية سريعة .الرجل ا"ما انه متحفظ ف ي كلام ه او ان ه يظ ن ان الكلام
يكلف نقودا .كان يريد سبر غوره فربما يفيده ذلك لكنه لأ يتكل م ا"لأ بحس اب .ص مت ا3دم
50
محمد زقزوق
51
أين ابني؟
52
محمد زقزوق
53
أين ابني؟
"نديم مساعد ممتاز .لأ يضيع الوقت و يعلم ما اريده قبل ان اطلبه .هه؟ ما رايك؟"
رد نديم قبل ا3دم:
"تلميذك يا فندم".
فضحك شاكر و قال:
"و متواضع ايضا .لك عندي زيادة يا نديم".
ابتسم نديم ابتسامته السريعة و هو ينظر لأ3دم الذي ك ان ينظ ر ا"لي ه ايض ا م ن اث ر ح ديث
شاكر .ظل ا3دم صامتا.
"ها يا رجل .قل لي ..ما رايك؟"
ابتلع ا3دم ريقه و هو ينظر ا"لى ش اكر و ق د اس تعاد بع ض رب اط جاش ه بع دما فه م .وض ع
الكاس على المنضدة و ا خذ نفسا قويا ليسيطر على نفسه ثم اخرجه ،و قال بصوت اراده ان
يكون ثابتا ا"لأ انه اعتراه بعض الأهتزاز:
"ماذا تريد يا استاذ شاكر؟"
"بل ماذا تريد انت يا رجل؟"
ابتلع ا3دم ريقه مرة اخرى و هو يقول:
"الأم تريد ابنها".
ضحك شاكر ضحكة استهانة و هو ينظر ا"ل ى ن ديم و ال ذي ج اوبه بابتس امة ظل ت عل ى
وجهه مدة اطول .مجاملة فقط لأ طبع فيه.
" ا Šم من؟!"
ثم اعتدل في مجلسه و قد اختفت ابتسامته قائلا:
"قل لها ان تطرد الخيال من راسها".
بدات بوادر الغضب تلوح في وجه ا3دم .قال و صوته بدا يحتد:
" الأ ترى فداحة ما فعلته؟!"
"فداحة ؟! الفداحة هي ما تريدها الأ3ن".
54
محمد زقزوق
55
أين ابني؟
56
محمد زقزوق
"من خان هو من سرق نقودي .سرقتني من تصف نفسها بام ابني ي ا اس تاذ ا3دم! س رقت
ا3لأفا مؤلفة!"
سكت مرة اخرى و قال:
"اذهب و اسالها من الذي خان".
و اصاب كلامه عقل ا3دم بالشلل!
***
57
أين ابني؟
الفصل السادس
لم يجد زرا للجرس فطرق الباب بيده ثم وضعها كالأخرى في جي بي س ترته .ج اءه الص وت
من الداخل يسال:
"من؟"
"ا3دم احمد".
فتحت مديحة الباب فورا و ووجها ينطق بالبشر و هي تقول:
"مرحبا ..مرحبا".
ا"لأ انها عندما رات وجه ا3دم الجامد و ه و يق ف واض عا ي ديه ف ي جي بيه ن اظرا له ا نظ رة
ثابتة ،تلاشت ابتسامتها و هي تسال في قلق:
"ما الأمر ؟!"
اخذ ا3دم نفسا عميقا ثم قال:
"من المفترض الأ تخفي عني شيئا .اليس كذلك ؟"
بان على وجهها مزيج الدهشة و الترقب .سالته:
"ما الأمر ؟!"
"كيف كنت ارد على الرجل عندما اتهمك في الأ3لأف المؤلفة كما قال؟!"
بدا و كانها تحاول الفهم ،ثم ما لبثت و كانها قد فهمت دفعة واحدة .سالت بسرعة:
"هل اخبرته عني؟ هل كشفت له هويتك؟"
"هو الذي كشفها".
"كيف؟!"
"اجيبي عن سؤالي اولأ".
58
محمد زقزوق
59
أين ابني؟
60
محمد زقزوق
"لأ لكن"...
"ا"ذن لأ تسال عنها".
عناد لم يملك ا3دم ا"زاءه ا"لأ ان يضحك.
"تضحك مثل الأهبل؟ اضحك يا اهبل".
قالها و جرى امام ا3دم ليختفي عن بصره في ثنية الزقاق الملتف ،و الذي ظ ل واقف ا ينظ ر
ا"لى اثره بعد ان تلاشت ابتسامته.
مضى في طريقه ا"لى نهاية الزقاق و هو يقول في نفسه:
"مسكين يا بني".
وصل ا"لى الشارع الرئيسي و ما لبث حتى راى مديحة تاتي مهرولة.
"تاخرت عليك؟"
"لأ ابدا .هيا نتمشى قليلا".
كان الضوء يخفت تدريجيا و هما يسيران صامتين .كسرت الصمت و قد رفع ت راس ها
ا"ليه قائلة:
"صدقني يا استاذ ا3دم .لق د اع دتها ا"لي ه .ان ا اص لا اخ ذتها م ن اج ل حس ام .م ن اج ل
ابني .لكنني اعدتها".
التفت ا"ليها و سال:
"ما الذي حدث؟"
بدات تقول:
"عندما شعرت ا نه غير راض عن حملي خفت .خف ت عل ى ابن ي .تص ورته س يرمينا مع ا
ا"لى قارعة الطريق .او يرميني اولأ حتى قبل ان الد .لم ادر ماذا افعل .ك ان ك ل هم ي حينه ا
ان اؤمن لأبني ما استطيع تامينه .حقه .اليس كذلك ؟"
"اكملي من فضلك".
61
أين ابني؟
62
محمد زقزوق
دخل مرحا ضاحكا .اطما ننت قليلا .تعش ينا و ه و يلق ي بقفش اته .انتظ رت ن ومه و ص بري
يكاد ينفد و عيني على الحقيبة .ثم قمت من جواره و اخذتها .طمانني ثقلها ا"ل ى ح د م ا.
و عن دما فتحته ا و وج دت الأم وال فرح ت اك ثر .ع ددتها .لأ ينقص ها ا"لأ الرزم ة .وض عتها
لي .اعدتها مكانها و استلقيت هانئة".
بسرعة و الثقة قد عادت ا" s
اخرجت نفtسها و هو تقول:
"لكن ها هو قد اكتشف امرها".
كانا قد وصلا ا"لى نهاية الشارع فتوقف ا3دم و توقفت ايضا .تع الى ص وت ك روان يص يح
طائرا فوقهم ليحط على شجرة بعيدة.
"هذا كل ما في الأمر".
قالتها مديحة و هي تنتظر تعقيبه و قد بدا مستغرقا في تفكيره.
سالها:
"كيف كنت ترين طبيعة علاقتك المستقبلية به بعد ولأدت ك؟ ال م يفاتح ك ف ي ال زواج؟
الم تفتحي انت الموضوع؟"
"لم اكن افكر بعد تغيره و قبوله الأمر في شيء .كما قلت ،شعرت انني في حلم لأ اريد
ان افيق منه .سلمت له امري كله .تركت له قيادتي ا"لى اي مكان يريد ،كيف يري د ،و م تى
يريد".
ثم اختنق صوتها:
"لم يخطر ببالي قط انه سيفعل ما فعله .ليتني هربت بابني".
"لأ فائدة من البكاء على الماضي .لقد انتهى .لكن الأمل لم ينته بعد".
رفعت راسها في لهفة ا"ليه و قالت:
"نعم نعم".
ثم بدا و كانها تذكرت:
"هل رايته؟ هل رايت حسام؟"
63
أين ابني؟
64
محمد زقزوق
لم يكن منزله يبعد كثيرا .في طريق عودته ماشيا اخذ يقلب الأفكار في راسه.
الأ 3ن الرجل يعرفه و يع رف مقص ده .ه ل يمكن ه تحري ك قلب ه؟ ربم ا ا"قن اعه ب الزواج م ن
مديحة .هل يقبل؟ صعب .ا"ذن حتى لو يسمح لها برؤيته .لك ن ش اكر ل ن يخ اطر بالتاكي د.
هو يرى انه مسيطر تماما .يبدو انه دبر امره جيدا خاص ة بع د م ا ع رف ان مديح ة ل م تفق د
الأمل بعد كل تلك السنين .هل كان اصلا يظن انها يمكن ان تنسى ابنها؟! لكن عل ى ك ل
حال لأ احد يستطيع ا"جباره على شيء .ا"ذن فالش رطة ه ي الح ل .لك ن م ن يض من ان ه ل ن
يهرب به مرة اخرى؟ هذا ا"ذا ك ان الول د اص لا داخ ل البل د .م ن ي دري؟ ربم ا ج اء ف ي ام ر
طارئ تاركا ابنه بالخارج و سيعود من حيث جاء.
الول د اص لا لأ يع رف ا3دم ش كله و ه ذه معض لة ك برى .لك •ن اس مه مرتب ط باس م ابي ه.
حسام شاكر جاد .يمكن الوصول ا"ليه هكذا.
ا"ذا كان قد كتبه باسمه.
ماذا؟! و هل يمكن الأ يفعل؟! ماذا سيقول له حين يكبر؟!
اسمك ليس على اسمي يا بني .لماذا يا ابي؟! ظروف!
كاد عقل ا3دم ان يطير من تدافع الأفكار و التفافها حول بعضها .وصل ا"لى منزله و عندما
صعد و دخل وجد ليلى جالسة امام الباب .ابتسم مسلما:
"سلامو عليكو"
"و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .لم التاخير؟"
زادت ابتسامته و هو يقبلها في راسها.
65
أين ابني؟
66
محمد زقزوق
***
67
أين ابني؟
الفصل السابع
ثلاثة ايام كاملة قضاها ا3دم يراقب شاكر جاد .من المصنع ،ا"ل ى ال بيت ،ا"ل ى بي وت اص دقائه
ا"لى شركاته .ا"لى كل مكان يذهب ا"ليه .لم يلمح معه مرة اي طفل .من المفترض من وجهة
نظره ان حس ام الأ3ن يرت اد المدرس ة .انتظ ر ام ام ال بيت ف ترة الص باح كله ا و ل م يج د طفلا
يخرج ا و يدخل .فقط الرجل .في نهاية اليوم الثالث لم يجد امامه ا"لأ ان يواجهه مرة اخرى.
انتظر امام الفيلا حتى حل المساء و جاء الرجل في سيارته يقودها سائقه .قب ل ان يخط و م ن
باب الفيلا ناداه ا3دم:
"استاذ شاكر".
التفت الرجل ا"ليه ثم ابتسم ابتسامته الواثقة.قال:
"اهلا اهلا بالبطل الهمام .كيف حالك؟"
تجاهل ا3دم رنة السخرية و قال مادا يده:
"الحمد لله .كيف حالك انت؟"
سلم عليه شاكر با3لية ثم ساله:
"ها؟ هل سالتها من الذي خان؟"
"ا"نه سوء فهم كبير".
انطلقت ضحكة شاكر و قال:
"اي سوء فهم يا رجل؟! تعال تعال يبدو انك ستتعبني .لكني ساتحملك لأ3خر مرة".
وضع يده على كتفه كصديق حميم و اخذ يسير به ف ي حديق ة الفيلا .داعب ت ان ف ا3دم
رائحة ازهار الياسمين العطرة .فيلا كبيرة فعلا .على اح دث ط راز .تب دو و كانه ا بني ت ت وا.
ا"ما انها كذلك او ان الرجل يجددها دوما.
كان ا3دم يشعر بالضيق من يد الرجل على كتف ه .ك ان ش اكر ياخ ذه تح ت جن احه كم ا
68
محمد زقزوق
يقولون .لكن لي س ام امه خي ار ليرف ض ذل ك الأ3ن .لأ ب د ان يتح دث مع ه باقص ى درج ات
العقل و الود لعل و عسى .قال:
"لقد تحدثت معها عن موضوع النقود .لقد اخذتها فعلا".
"ارايت؟"
ابتسم ا3دم و قال:
"لكنك لم تقل لي انها ارجعتها ..كاملة".
ابتسم الرجل ايضا في استهانة و قال:
"المشكلة هي فعل السرقة نفسه لأ المال يا صديقي .نقص الرزمة هو الذي فضحها .لم
اشا ان اخبرها بانني اكتش فت ذل ك .تركته ا تظ ن ان الأم ور س ارت عل ى م ا ي رام .ل م تع د
تهمني منذ ذلك الوقت .ابني فقط هو الذي كان يعنيني".
"انت تظلمها .لقد كانت تظ ن ان ك س تتخلى عنهم ا مع ا .ارادت ت امين حي اة لحس ام.
فعلتها من اجله".
"لأ لأ انس هذا الكلام .كلام فارغ .لن تقول غير ذلك".
"انت عاشرتها زمنا و انت ادرى مني بصدقها و ك ذبها .ا"نه ا ص ادقة و ان ت تعل م .ه ل
تدرك كم العذاب الذي تعيشه ببعدها عن ولدها؟!"
خفض الرجل ذراعه من على كتف ا3دم و واجهه .نظر في عينيه بثبات:
"انظر يا استاذ ا3دم ..الموضوع منته .قلت لك لأ يشرفه ان تكون امه .لن اتنازل ع ن ان
يحيا ابني حياة مشرفة لأ تشينه".
بان الضيق على وجه ا3دم .قال و قد اخذت لهجته تحتد:
"لم تخطئ هي وحدها .الخطا مشترك بينكما و يجب ان تتحملا معا تبعاته".
"ليس خطاي .لم اعتقد انني انجب".
"و قد حدث و انجبت .و انت اخطات .و هي اخطات .لأ تجعل ابنك يدفع الثمن".
فعلت ما فعلت .لأحميه". "بالضبط .من اجل ذلك .من اجل الأ يدفع الثمن u
69
أين ابني؟
"كيف يتربى و يشب بدون امه و هي موجودة على ظهر الأرض؟! كيف ب الله علي ك ؟!
حرام".
"كما قلت لك .لقد استقمت .و من اجل ابن ي .س اتزوج عم ا قري ب .س تكون زوج تي
نعم الأم له .ستعوضه".
زفر ا3دم بقوة و حاول ان يفتح فمه و يقول شيئا لكن الرجل اسكته بحسم قائلا:
"لو سمحت .انتهي الأمر .شرفت".
اشار ا"لى حراس الفيلا ا"ش ارة ذات مغ زى اي اخرج وه ا"ن تلك ا .مض ى تارك ا ا3دم خل ف
ظهره و هو واقف بلا حيلة .ظل واقفا لحظات ح تى ج اءه اح دهم يق ول بك ل ادب و بك ل
حزم ايضا:
"تفضل".
نظر ا"ليه ا3دم ثم طاطا راسه و هو يسير نحو البوابة عابس الوجه.
وقف امام الفيلا متطلعا ا"ليها لأ يدري ما يفعل .ما لبث ان رن هاتفه .اخرجه ببطء .نظر
ا"لى المتصل .رقم غريب.
"سلامو عليكو".
"و عليكم السلام .اتعرفني؟"
بالطبع يعرفه .ذلك الذي تركه من ذ دقيق ة .انتع ش الأم ل ف ي قلب ه للحظ ة و ه و يبح ث
بعينيه عن وجهه في الفيلا.
"بالطبع يا استاذ شاكر".
"فقط نسيت ان اخبرك بامر واحد .لأ تتعب نفسك بالبحث عنه .ا"نه بالخ ارج و س يظل
بالخارج .سلام".
ص وت ا"نه اء المكالم ة الرتي ب ك ان ي دوى ف ي اذن ا3دم ك الطبول .بل ل ش فتيه الج افتين
بلسانه .لقد قضى علي فكرة البحث .لو ك ان يق ول الحقيق ة .لك ن بنس بة ك بيرة ق د تك ون
الحقيق ة .يرج ع ش اكر ليقض ي بع ض المص الح ث م يع ود م رة اخ رى .منطق ي .لأ داع ي
70
محمد زقزوق
لأصطحاب ابنه.
وضع يديه في جيبي سترته و مضى سائرا يفكر .سيعود ليخبره ا بالنتيج ة .لأ ح ل س وى
ا"خبار الشرطة و ليتخذ القضاء مجراه.
طريق طويل يجب ان تسلكه مديحة لتحظى برؤية ابنها .لأ مفر.
كان يشعر بالضيق الشديد عندما رن ه اتفه م رة اخ رى .اخرج ه و نظ ر ا"لي ه .ه ذه الم رة
رقم غير ظاهر .رقم خاص.
تعجب بشدة .لم يحدث ان اتص ل ب ه رق م خ اص م ن قب ل! اخ ذ اله اتف ي رن دون ان
يجيب .من هذا؟! لكنه ليعرف عليه ان يجيب .و قد فعل .بدون سلام سال متوجسا:
"من؟"
اتاه صوت و كانه ياتي من بعيد .صوت مكتوم.
"استاذ ا3دم؟"
زاده الصوت توجسا.
"نعم .من معي؟!"
ضحك الرجل ضحكة خافتة .قال:
"لن يهمك ان تعرف اسمي .لكن سيهمك معرفة ما عندي".
"من معي؟!"
"لأ تضيع وقتك .اسمعني .هل تريد معرفة مكانه؟"
"مكان من؟!"
ضحك الرجل مرة اخرى ثم قال:
"و من غيره؟ حسام".
صدمه الأسم .لم يدر ما يقول .صمت للحظات.
" ا3لو .هل انت معي؟"
"قلت من؟!"
71
أين ابني؟
72
محمد زقزوق
***
لم يستطع ا3دم النوم بسهولة تلك الليلة .ما زال و هو على س ريره لأ ينقط ع تفكي ره ف ي تل ك
المحادثة الغريبة .اخذ يسترجعها في ذهنه جملة جملة.
كان الرجل يقول:
"حسام عاد مع ابيه من السفر".
سكت لحظة ثم اكمل:
"لقد ادخله مدرس •ة داخلية".
انتبه ا3دم بقوة.
"ساعطيك العنوان و الباقي عليك".
القى ا"ليه بالعنوان ثم قال بهدوء:
"طبعا انت تفهم ان من الأفضل الأ تذكر كيف عرفت ذلك .على العم وم ان ا ل ن اخس ر
شيئا .بل انت من سيخسر ا"ذا لم تحتفظ بسري هذا لنفسك .ا"ذا uعرف فلن تستطيع الوصول
ا"لى حسام ابدا .و ساذكرك بهذا .سلامو عليكو".
عجيب! ما هذا الذي يحدث؟! لماذا يخفي الرجل هويته؟! و ما مصلحته فيما فعله؟!
لم يكن امام ا3دم معلومات كافية تمكنه من التخمي ن .فك ر ف ي ان ه ربم ا يج ب علي ه ان
يستفسر من مديحة اكثر عن حياة شاكر جاد .عن المقربين منه.
صباحا سيعلم على وجه اليقين صدق ما اخبره به المجهول .يمكنه ان يشكره و تشكره
مديحة بعد ذلك على تلك الخدمة الجليلة .لكن هل سيتصل به مرة اخرى؟
ظلت الأفكار تتدافع في راسه بلا توقف حتى غفل قبل الفجر بساعتين ،و اخ ذت احلام
73
أين ابني؟
74
محمد زقزوق
"هو يا عمو .اضربه هو .ا‹ uش uك ه للمديرة .اسمه حسن .حسن السيد شريف".
الحاء و السين جعلتا ا3دم متحف زا ،و ا"ن ك ان نطقهم ا مختلف ا عنهم ا ف ي كلم ة حس ام.
لكنه لأ يتوقع ضربة حظ كهذه من اول دقائق يخطو فيها بالداخل .تخي tل ان يقول الطفل:
"اسمه حسام .حسام شاكر جاد".
فينتهي الأ مر ببساطة كما اتصل ب ه المجه ول ليخ بره ع ن مك انه ببس اطة .لك ن لأ تس ير
الأمور هكذا دائما.
قال ا3دم و ابتسامته ما زالت على وجهه:
"لن اضرب احدا .لأ باس .حدث خير".
ثم دحرج الكرة نحو حسن و قال لعلي و هو ينظر في وجهه متفرسا:
" لأ اعلم لماذا لأ اصدقك".
"و الله ..و الله هو".
الأ3خ ران ص امتان لأ يري دان ان ينح ازا .لك ن واض ح لعيني ه ج دا ان عل ي يش ير ا"ليهم ا
ليتكلما بما يريد و هما يرفضان.
"لأ تحلف على شيء هين يا بني .و قلت لأ باس انتهى الأمر .اين تذهبون؟"
رد حسن بحماس و قد اخذ الكرة في حضنه:
"سنلعب مباراة يا عمو في حصة الرياضة .هل تلعب معنا؟"
"لأ ينفع".
"لماذا؟"
"لأنني كبير و انتم صغار".
امسك على بيده و قال:
"نعم .انت كبير و ساضمك لفريقي .سنكسبهم".
غضب حسن مرة اخرى و قال:
"ماذا؟! تريد ان تاخذ عمو في فريقك؟! لأ بل سياتي معنا نحن".
75
أين ابني؟
76
محمد زقزوق
77
أين ابني؟
78
محمد زقزوق
79
أين ابني؟
***
80
محمد زقزوق
الفصل الثامن
واقفا تحت تلك الشجرة اخذ يتطلع ا"لى السور امامه بالضبط.
في ظلمة الليل التي تسود الأ3ن يمكنه العمل بصورة افضل .اخذ ا3دم يقيم ارتفاع السور.
لم يفعلها مرة واحدة في حياته من قبل فهل يفعلها الأ3ن؟
اخذ يفكر في نفسه .ا حداث جديدة تماما على طريقة حياتك مرت بك يا ا3دم في الأيام
القليلة الماضية .لكن ما انت مقدم عليه الأ3ن هو تخطي لكل الحدود تماما .ا"ذا قبض عليك
بالداخل ف انت تع رض نفس ك ا"ل ى مص ير خطي ر .ستص بح متهم ا باقتح ام مدرس ة! ستص بح
لديهم لصا او ما هو اسوا من تلك التهمة بكثير .لكن لأ بد ان اعرف .لأ سبيل ا3خر.
اخذ الجانب المضاد من عقله يرد عليه .تنحى عن الأم ر برمت ه ي ا رج ل .م ا ه ذا ال ذي
تفعله؟! اترك الموضوع للشرطة .هم لديهم سلطة القانون و انت لأ سلطة لك فيما تفعله.
لكن الجانب الأول في راسه يتكلم ايضا .لأ وقت لهذا .لقد ضيعت النه ار بالفع ل و يج ب
عليك التحرك فورا قبل ان يتحرك الأ3خر .هيا لأ تضيع وقتك.
رفع ا3دم ذراعيه فكانت ا صابعه تلامس بالكاد حافة السور .اختب ار ص عب ل م يجرب ه م ن
قبل .شب بقدميه و وضع كفيه عل ى حاف ة الس ور و اخ ذ يس حب نفس ه فص عد س نتيمترات
قليلة ،ثم ترك نفسه يرجع ا"لى الأرض على قدميه.
وبخ نفسه في راسه .لم تمارس الرياضة كثيرا و لأ حتى قليلا ي ا ا3دم .يب دو ان عض لاتك
بقوة عضلات طفل رضيع.
استغل الجانب الرافض هذا الفشل الأولي و قال:
"لست لها يا رجل .اعتذر ا"لى مديحة .انت فعلت ما بوسعك .يكفي".
لكنه لأ يستسلم بس هولة .نظ ر ح وله فوج د حج را .مض ى و حمل ه .ك ان ثقيلا بالفع ل
81
أين ابني؟
82
محمد زقزوق
83
أين ابني؟
***
في هذه الأ ثناء كان الصغير مستلقيا على سريره في جن اح الن وم ،ل م ي زره النع اس بع د .نظ ر
حسام حوله فراى الكل في الضوء الخافت الأ3تي م ن الش باك غارق ا ف ي الن وم ،و ربم ا يحل م
باشياء سعيدة .النوم عزيز عليه و لأ ياتيه ا"لأ قبل ساعة اخرى على الأقل .ظل ربع ساعة راقدا
ثم جلس في سريره متربعا .نظر ا"ل ى الب در م ن الش باك القري ب من ه .ق ام و مش ى ببطء نح و
الشباك و نظر ا"لى الخارج .لأ يستطيع التاقلم بعد على هذه المدرس ة .ك ان م ن قب ل يقض ى
معظم اوقاته في المنزل قبل ان ياتي به مساعد ابيه بالطائرة ثم يودعه هذا المك ان المزدح م.
84
محمد زقزوق
حتى و هو ذو حظوة فيه عن باقي اقرانه فذلك لأ يمنح ه ادن ى ش عور بالس عادة .ام ا ح ديث
ابي ه المقتض ب ا" لي ه ف ي اله اتف ك ل ي وم فلا يب دد الوحش ة ال تي يش عر به ا .ربم ا ل و عق د
صداقات هنا لهون ذلك عليه الأمر بشدة.
لكنه لأ يجيد ذلك .حتى احمد الطفل الذي كانت امه تلاعبه و عرض ت علي ه الش طائر
كلما اخذ يكلمه يرد حسام عليه باقتضاب و لأ يريد المشاركة في اية انشطة.
المكان الوحيد الذي يحب الجلوس فيه هو حجرة المديرة .يذهب كل يوم ليجلس معها
ساعة واحدة؛ فهي مشغولة جدا.
و هي طيبة جدا ايضا .عندما ك انت غائب ة ك ان يش عر ب انه غري ب .لكنه ا اعطت ه بع ض
الألفة عندما حضرت و اصبحت تاتي كل يوم بانتظام .ذكرته بام احمد في حنانها
و عطفها .كان يسال نفسه لو كانت امه ما زالت على قيد الحياة استكون في مثل حنانهما؟
بالتاكيد ستكون اكثر حبا و حنانا منهما؛ فهي امه .هكذا كان يفكر.
نظر ا"لى سرير ا حمد .كباقي الصغار نائم في س ابع نوم ة .مض ى نح و س ريره و ه و يق دم
رجلا و يؤخر الأخرى .وقف عند راسه.
مد يده بتردد حتى مست كتف احمد .اخذ يهزه ببطء و هو يهمس:
"احمد ..احمد .استيقظ".
الصغير اخذ يتململ في نومه و يصدر اصوات النائم.
"استيقظ يا احمد".
"مممم".
اخذ يهزه بقوة اكبر.
"مممم .ماذا؟! ماذا؟!"
ثم فتح عينيه الصغيرتين و هو ينظر ا"لى من فوق راسه .فتح عينيه بقوة.
"ماذا؟! من؟!"
"انا حسام .اخفض صوتك".
85
أين ابني؟
86
محمد زقزوق
***
عن دما س مع ا3دم الس ؤال ه وى قلب ه بي ن ق دميه ،لك ن الص وت ال ذي الق ى الس ؤال بع دما
استوعب ا3دم نغمته القى بعض الطمانينة في قلبه.
هذا لأنه صوت ذو نبرة طفولية تماما.
التف ت ا3دم ا" ل ى الص غير ال ذي يق ف خلف ه بالض بط و جفن اه متس عان ف ي خ وف .لك ن
الخوف تحول جزء منه ا"لى دهشة عندما را3ى وجه ا3دم.
"حسن؟!"
الأثنان مدهوشان بنفس القدر.
استوعب ا3دم الموقف و مد يده ا"ليه قائلا:
"لأ تخف مني يا حسن".
تراجع حسن ا"لى الوراء غريزيا.
"لأ تخف لأ تخف".
وجد الصغير صوته اخيرا و سال:
"عمو؟! ماذا تفعل هنا؟!"
توقف ا3دم و هو يرى تراجع الصغير .قال:
"هل انت خائف مني يا حسن؟"
ابتلع الصغير ريقه و قال و هو يتوقف عن التراجع:
"لأ .لأ يا عمو .لكن ماذا تفعل هنا؟"
ابتسم ا3دم ابتسامة طمانينة و قال:
87
أين ابني؟
88
محمد زقزوق
"طبعا يا عمو".
"قل لي اولأ ..هل يمر احد هنا الأ3ن؟"
"الأ3ن لأ .منذ قليل نعم".
"هل يمر ثانية".
"لأ .يذهب ليجلس مع عم كمال على البوابة".
"جيد .اولأ .انا دخلت بطريقة خطا ،لكنني فعلت ذلك لأنني اريد ان اعمل عملا جيدا
و لم تمكني ابلة المديرة منه".
"ابلة شهيرة؟!"
"بالضبط".
"لماذا؟! ماذا تريد ان تفعل؟"
"يوجد صاحب لكم اسمه حسام .حسام شاكر جاد .امه تبحث عنه .اتعرفه؟"
"لأ لم اسمع به من قبل .ربما يكون في فصل ا3خر".
تجه م وج ه ا3دم قليلا .لق د حس ب ان الأم ر ص ار ايس ر بدرج ة ك بيرة الأ3ن بع د رؤيت ه
لحسن.
"الم تسمع عنه قط؟"
"ابدا يا عمو .و لماذا تبحث عنه امه؟ هل اضاعته و قالوا لها ا"نه هنا؟"
ا ضاعته؟! ربما يكون وصفا دقيق ا لم ا ح دث بالفع ل .لك ن مش اركتها ف ي الأ" ض اعة ليس ت
بقوة مشاركة الفاعل الأول.
"ا"نها قصة طويلة يا حسن .لأ يتسع ال وقت ل ذكرها .ان ا اري د ان اع رف ه ل ه و هن ا ام
لأ".
"يمكنني ان اسال لك عنه غدا".
"جيد .جيد جد .لكن لأ تسال ابلة المديرة ابدا او احدا من المدرسين .عل ى الأخ ص
ابلة المديرة .لأ تسال ا"لأ زملاءك".
89
أين ابني؟
90
محمد زقزوق
***
91
أين ابني؟
الفصل التاسع
عندما استيقظت ليلى في ص باح الي وم الت الي ل م تج د ا3دم بجواره ا .ظن ت ان ه خ رج مبك را
كعادته بعد ان استقال من عمله.
تثاءبت و هي تقول في نفسها:
"يرحم الله اياما مضت .كنت انا التي اوقظك .ربنا يعينك".
عندما خرجت ا"لى الصالة وجدت باب الشقة uيفتح و ا3دم يدخل .نظرت ا"ليه باستغراب
و هو يرتدي ملابس رياضية و العرق يغمره.
"ما هذا؟!"
ابتسم .قال و هو يغلق الباب:
"كيف حالك يا عزيزتي؟"
"منذ زمن طوييييييل لم ارك ترتديها؟! ماذا كنت تفعل؟!"
"هذه متطلبات العمل الجديد .اللياقة .كنت اجرى حول المنطقة".
"متطلبات العمل الجديد ؟! عجائب!"
عندما اتى في الليل كانت نائمة .قرر الأ يخبرها بما فعله الأ3ن.
"عندما اقطع شوطا جيدا في مهمتي ساخبرك .ربنا يعينك يا حسن".
"انت تتعمد ذلك .تقول حسن لأسالك :من حسن".
ابتسم و هز كتفيه و توجه ا"لى الحمام.
ظلت واقفة تنظر ا"لى الباب الموصد .قالت في نفسها و هي تبتسم و تتجه ا"لى المطبخ:
"ساعلم ا"ن عاجلا او ا3جلا .انا نtفtسي طويل".
اول يوم يجتمعون على الأ" فطار منذ اس تقالته .عن دما نزل ت ه ي و خال د وج د ا3دم نفس ه
وحيدا في الشقة.
92
محمد زقزوق
الليل و السور و الحجر في مكانه .زادت حماسته و ه و يمن ى نفس ه بانته اء الأم ر الليل ة .او
الجزء الأكبر منه على الأقل.
اخذ يتسلق السور بعزم ا كبر هذه المرة مدفوعا باللقاء المرتقب.كفاءته زادت عما قبل
و تمكن من تخطيه اسرع ،مع ان عضلاته تئن من الأمس .هبط بسلاسة و وقف يستمع ا"لى
السكون.
"جيد".
قاله ا ا3دم و ه و يس تعد للس باق الك بير عن دما راى ثلاث ة رج ال ب رزوا فج اة م ن الظلام
يجرون ناحيته ،و كانهم بالضبط ينتظرون مجيئه!
المفاجا ة جعلته يتسمر في مكانه .قبل مضي الثواني القليلة قبل ان يصلوا ا"لي ه اخ ذ عقل ه
93
أين ابني؟
94
محمد زقزوق
95
أين ابني؟
كان الذهول هو المرتسم على وجه الحراس الثلاثة .كانوا ينقلون ابصارهم بين ا3دم
و شهيرة و ينظ رون ا"ل ى بعض هم ف ي تس اؤل ،منتظري ن ام را منه ا بش ان ه ذا الل ص الوق ح..
المجنون ربما ،الذي يطلب الشرطة بدلأ من التوسل.
لكن ما جعل امخاخهم تنقلب في رؤوسهم راسا على عق ب ه و التع بير ال ذي راوه عل ى
وجه المديرة.
تعبير انهزام .بل وقالت بصوت مرتعش:
"انصرفوا".
"ماذا طلبت حضرتك؟"
"انصرفوا".
قالتها بصوت اعلى مؤكدة و هي تنظر لأ3دم في تعبير يجمع بين الحزن و العبوس.
مرت ثوان ح تى انس حب الرج ال ببطء غي ر مص دقين و ك ل منه م يض رب اخماس ا ف ي
اسداس.
"استاذة شهيرة .من فضلك .انت امراة فاضلة .لماذا تفعلين ذلك؟!"
خيل ا"ليه ان لمعان دموع ظهر في عينيها.
"اين حسام يا استاذة شهيرة؟"
بدلأ من ا"جابته اخرجت من جيبها بطاقة ناولته ا"ياها قائلة ببطء:
"عن دما ت دخل مكان ا ب دون عل م اص حابه فلا ت ترك بطاقت ك وراءك ،خصوص ا ا"ذا ك انوا
يعرفونك".
مد يده و اخذ البطاقة.
كلم نفسه في نفسه .جيبك قصير يا ا3دم .سقطت منك و انت تخرج.
"وجدها احد الأطفال كان يلعب بالقرب منها .المفقودات تحضر ا"لى مكتبي".
هكذا ا"ذن .بل و الأنكى انه اتى بنفس الملابس التي اتى بها الليل ة الماض ية .ل م يرغ ب
في تلويث ملابس جديدة بالتراب مثل هذه؛ فلم يدرك ان بطاقته مفقودة.
96
محمد زقزوق
"شكرا".
"و الأ3ن اخرج".
نظر نحو مبنى الدراسة البعيد .من المفترض ان حسن هناك الأ3ن ينتظره مع حس ام .نظ ر
خلفها فرا ى الحراس لم يستجيبوا لكلامها بالكلية .ظلوا واقفين على مبعدة.
هدفه قريب و بعيد في نفس الوقت .هل يضمن حقا وجود حسن هناك؟ لو كان لأنطل ق
ا"لى المبنى كالسهم .لأ يستطيع المجازفة.
خسارة.
"حسام له"...
قاطعته في ثورة و قالت:
"لأ اريد ان اسمع شيئا .اخرج".
نظر ا"لى الأرض للحظات ثم مضى نحو الحراس.
سالته:
"ا"لى اين؟"
سال متعجبا:
"الم تطلبي مني الخروج؟!"
نظرت في ا"باء و قالت:
"كما اتيت".
لوهلة تجمد تفكيره ،ثم استوعب و هز راسه انه فهم.
كانت تراقبه و هو يرتق ي عل ى كوم ة الرم ال ال تي ص نعها الليل ة الماض ية و يب دا تس لقه.
جالسا اعلى السور و قبل ان يهبط ا"لى الج انب الأ3خ ر نظ ر ا"ليه ا ف ي ص مت ،و نظ رت ا"لي ه
بعينين بدت الدموع فيهما بالفعل و ا"ن كان لم يلاحظها .قالت في نفسها و قلبها مجروح:
"لأ يوجد احد هنا بهذا الأسم".
***
97
أين ابني؟
الفصل العاش
وضعت كوب الشاي عل ى المنض دة امامه ا ،ث م جلس ت عل ى الأريك ة ف ي حج رة نومه ا.
ارجعت راسها على ظهر الأريكة و تطلعت ا"لى الصورة على الحائط.
كانت شهيرة علي و ما زالت مثالأ لمن تحب عملها بشدة؛ و ل ذلك تب دع في ه و ت ترقى
بسرعة.
"لم يكن لي اختيار يا حبيبتي ..لكن مهن ة التعلي م ه ي اس مى المه ن و انبله ا .لأ اق ول
ذلك لأنني امتهنها ،لكن لأن المعلم يبني الأ" نسان كما يبن ى البن اؤون العم ارات فيص بح له ا
وجود ملموس بعد ان كانت لأ شيء".
هكذا كان رد عمها معلم الرياضيات عليها عندما سالته و هي بعد في مرحلتها الأبتدائي ة
عن سبب اختياره لهذه المهنة.
لكنها كان لها الأختيار .اختارت التدريس دونا عن اختي ارات اخ رى ق د تك ون ف ي نظ ر
البعض الأفضل .نجحت و برعت حتى ا صبحت مديرة و هي في السابعة و الثلاثين .النجاح
الذي حققته جاء مع اسباب اخرى لينهي علاقتها بزوجها.
كان الزواج تقليديا عن طريق المعارف ،و قبلت به بسرعة تلبية لرغب ة امه ا و لأن س عيها
الدائم نحو التميز في عملها شغل تفكيره ا ا"ل ى ح sد م ا ع ن ال زواج .فعن دما وج دت مس عى
ا هلها سارت في الطريق الذي اختاروه بلا تفكير عميق .حاولت ان تقترب م ن زوجه ا لتس ير
الحياة كما ينبغي لها ا ن تسير ،لكنه لم يكن يرضى بالكثير مما كانت تقدمه .س اخط دائم ا
و غيور من نجاحها .ثم و القشة التي قصمت ظهر البعير هي انها لأ تنجب .مرت السنين
و هما يحاولأن لكن كل الأبواب التي طرقوها لم ت‹ uج ƒد.
عرضت عليه ان يكفلا طفلا او طفلة لكنه كان يقول لها:
"اريد ولدا من صلبي لأ من صلب غيري".
98
محمد زقزوق
فتص مت طاوي ة ا3لأمه ا عل ى نفس ها .و عن دما تف اقمت المش اكل و اص بح الوض ع غي ر
محتمل ،طلبت منه بهدوء ان يسلك ك ل منهم ا طريق ا مختلف ا .افض ل لهم ا .و طلقه ا ف ي
اليوم التالي و تزوج بعد اشهر قليلة ،و بعد اشهر اخرى اصبح له الولد الذي كان يرجوه.
احيانا كانت تذهب ا"لى بيته لترى ابنه بعد ا"لحاح طويل علي ه؛ فيواف ق عل ى مض ض .ل م
تكن على الأ" طلاق تشعر نحو الصغير باي ضغينة ،بل كانت تحبه كما لو كان ابنها.
كانت تستاذن امه و تاخذه احيانا في نزهة ا"لى الح دائق او المتنزه ات ،او تس ير ب ه عل ى
شاطئ النهر .اعتمدت عليها امه احيانا ف ي رعاي ة الص غير عن دما تك ون مش غولة؛ مم ا جع ل
لشهيرة اخيرا رصيدا عند زوجها السابق؛ فلان نوعا ما في معاملتها.
الصورة على الحائط تمثلها هي و الصغير ذو الخمس سنوات يضحكان و قد تبعثر ش عره
من الهواء ،و خلفهما النهر.
كل صباح تنظر ا"ليها فتعطيها طاقة عظيمة.
عرفت شاكر جاد منذ سبعة ا عوام عندما كانت شركة من شركاته راعية للم ؤتمر الس نوي
للتعليم الذي حاضرت فيه لتعرض خبرتها .كان مشغولأ جدا لكنهم طلبوا حضوره بشدة ف ي
اول جلسة فوافق بعد لأى .عندما را3ها و هي تتحدث مال على نديم و قال:
"هذه المراة متميزة يا نديم".
"طبعا يا شاكر بيه ..لكن من اي زاوية؟"
"عقلها عظيم و اسلوبها بديع .انظر كيف القت تلك المعلومات باسلوب شائق وبس يط.
لقد استمتعت بالفعل ،و انا الذي كنت اظن انني سا3تي لأجلس في ض جر متكلف ا الأبتس امة
حتى ينتهي الوقت".
"كلام حضرتك في الصميم".
ضيق شاكر عينيه و قال:
"هل تظن ان تقبل بالعمل لدينا؟"
"و من لأ يقبل؟!"
99
أين ابني؟
لكنه ا ل م تقب ل و اعت ذرت لحبه ا لمهنته ا .عن دما تح دث معه ا ش اكر م رات ليقنعه ا
تسللت عن غير قصد منها بسبب مميزاتها العديدة ا"لى ج زء م ن قلب ه .لك ن وجوده ا تراج ع
فيه قليلا ليفسح المجال لمديحة ،و ا"ن كان شاكر حريصا دائما على تواصله معها عند عق د
المؤتمر الذي ترعاه شركته كل سنة.
و عندما عرض عليها الزواج عن دما عل م بطلاقه ا ل م تقب ل ايض ا .ل م ترغ ب ف ي دخ ول
تجربة جدي دة قب ل ان تدرس ها جي دا .الرج ل يعي ش بالخ ارج و يري دها ان تعي ش مع ه .ل م
يغرها ثراؤه الهائل.
لكن رايها اخذ يتغير ت دريجيا عن دما ا فص ح له ا ع ن س ره .ع ن ابن ه .ع ن مديح ة .ع ن
الهروب.
في البداية س قط م ن نظره ا تمام ا و قطع ت ك ل حب ال التواص ل بينه ا و بين ه .لكن ه ل م
ييا س .كان يريد الأستقرار .و هي شغلت عقله و جزءا من قلبه فترة من الزمن قبل مديحة.
اخذ بكل الطرق يحاول تبرير فعلته.
"انا لست شيطانا يا شهيرة .لقد وجدت نفسي في موقف لأ احسد عليه".
فترد عليه:
"انت الذي وضعت نفسك فيه .انتهكت عرضا و حرمت اما من ابنها".
"تلك ل م تك ن ام ا ي ا ش هيرة .ان ا مع ترف بك ل اخط ائي .لك ن م ا ح دث ق د ح دث.
اخبريني انت ،كيف كنت اتصرف؟ هل تلك من كان يمكن ان تربي ل ي ابن ي؟! مس تحيل!
واحدة مثلك هي التي ا3منها على ذلك".
الموضوع كله كان صدمة لها.
"اصلح خطاك".
"كيف؟"
"ع ‡رف الطفل على امه .تزوجها".
"على جثتي! لن اهدم حياتي الهانئة بيدي و لن افرط ف ي ابن ي اب دا! ل ن اض يع مس تقبله
100
محمد زقزوق
101
أين ابني؟
102
محمد زقزوق
"ماذا ؟!"
شعرت و كانه قال الكلمة بقوة الف الف صوت.
"ما الأمر بالضبط يا شاكر؟! لماذا يسال عنه ذلك المدعو ا3دم احمد؟!"
استولى عليه الذهول لدقيقة كاملة لم يك ن يس مع كلامه ا خلاله ا ،ث م اف اق من ه و ق ال
لها:
"سابعث ا"ليك بنديم لياخذ حسام".
"من هو يا شاكر؟!"
لكنه قطع الخط و وجهه يكاد ينفجر من الغيظ و الغضب .اخذ يسب ا3دم و مديحة
و يلعنهما بصوت tجه tوري حتى لم يجرؤ احد على الدخول ا"ليه او الحديث مع ه .و لأ ح تى
نديم الوحيد في شركته الذي يعلم دلألة سب شاكر لهذين الأسمين.
عندما حضر نديم كانت تودع الصغير باسى لأ حدود له و هو لأ يفهم لماذا تبك ي بك ل
الحرقة .هو فقط سيذهب ليرى اباه بعد عودته من السفر .كان نديم و هي و حسام في تلك u
حجرتها و كان حسام يقول:
"لماذا تبكين يا ابلة و كانني مسافر ؟! سارى ابي و اعود".
لكنها كانت تعلم انه لن يعود ،و ان الجسر الذي بنته لتعبر عليه ا"لى حياة مستقرة
و سعيدة قد انهار تماما.
عندما اخبرت شاكر بدخول ا3دم المدرسة ليلا امرها الأ تفعل شيئا .فقط تكشفه
و تخيفه.
"ما الذي يحدث يا شاكر؟"
"ساشرح لك لأحقا".
و قطع الخط قبل ان تتساءل اكثر.
فكرت ان تذهب ا"لى ا3دم في عنوانه المدون في بطاقته لتساله عن معرفت ه بحس ام .لم اذا
يسال عنه؟
103
أين ابني؟
لكنها خشيت.
و الأ3ن لأ يمكنها ان تفعل شيئا سوى الأنتظار.
الأنتظار على جمر من نار.
***
104
محمد زقزوق
105
أين ابني؟
106
محمد زقزوق
***
عندما اوصلوه ا"لى مكتب شاكر جاد في المص نع وج د الرج ل ينظ ر م ن ناف ذة زجاجي ة ا"ل ى
العم ل بالأس فل ،و راى ن ديم يق ف متك •ئ ا بظه ره عل ى الح ائط ب وجهه الجام د و ه و يعق د
107
أين ابني؟
108
محمد زقزوق
109
أين ابني؟
110
محمد زقزوق
و انفتحت امامك".
"لأ ا3خذ قراراتي الهامة لحظيا".
هز شاكر راسه في اسف و قال:
"انت تتعبني .لأ باس .سا تركك مع شيطانك لبعض الوقت لتلعب معه لعبة شد الحبل".
ابتسم ا3دم بهدوء و قال:
"بالضبط".
ثم بدا و كانه تذكر شيئا .قال:
"لكنني ايضا لأ احب المتطفلين .ا"ذا ارسلت احدا خلفي ليراقبني و يع د عل sي تحرك اتي
لربما لأ اصل ا"لى قرار يرضيك .تفهمني طبعا".
في قرارة نفسه كان شاكر معجبا بشدة با3دم .كانه ا3دم يقرا افكاره.
"بصراحة مديح ة عرف ت كي ف تخت ار .ل ك ه ذا ي ا ص ديقي .ل ن يزعج ك اح د .وع د
سجل .هذا رقم هاتفي". شرف‡ .
سجله ا3دم ثم قام فقام الرجل و قال:
"لم تشرب!"
"وقت ا3خر".
"اعطني مدة لترد علي".
مد ا3دم يده ليسلم عليه ضاغطا على يده بقوة و قال:
"اتركها للظروف".
و مضى واضعا يديه في جيبي سترته.
***
111
أين ابني؟
112
محمد زقزوق
جعل ه الن داء يفي ق فوج د نفس ه عل ى وش ك الأص طدام بمجموع ة كله ا نس اء و اطف ال
يجلسون على مقعد من مقاعد الحديقة المنتشرة.
"المعذرة .ا3سف جدا".
توجه نحو مقعد قريب امام مكان العاب للاطفال و جلس.
و تستمر المناظرة:
"اتري د ان تعي ش حيات ك فقي را؟! ابن ك يري د ان يل ف ال دنيا و يراه ا .اش تر ش قة تلي ق
بلميونير ..و سيارة على احدث ط راز .اس تثمار مح ترم و عيش ة رغي دة .م اذا تري د اك ثر م ن
ذلك ؟!"
" بنقود حرام؟!"
"لماذا؟! هل ستسرقها؟!"
"افظع من السرقة .ساجهز تماما على ام مكلومة!"
"هذه مشكلتها و ليست مشكلتك".
لي لأساعدها على حلها ..هذه وظيفتي". "مشكلتها اتت بها ا" s
"اي وظيفة؟! ماذا تتوقع ان تدفع لك؟ قطعة جبن!"
بحرقة و قام ا"لى داخل منطقة الألعاب .وجد ثلاثة اطفال على ارجوحة كبيرة نفخ ا3دم u
و لأ يستطيعون تحريكها.
" عمو ..عمو .هل يمكن ان تدفعنا؟"
قالتها طفلة وجهها كالنور بصوت ع ذب بريء .ربم ا اح س ان وجهه ا اك ثر ا"ض اءة م ن
مصابيح الحديقة .دعوة الصغيرة كانت طوق نجاة من الأفكار المتربصة بعقله.
"نعم يا حبيبتي .بكل تاكيد .امسكوا جيدا".
دفعها دفعة قوية فهلل الأطفال.
"هيلاهوب .هيلاهوب".
ترتفع الأرجوحة و تنخفض ..و يصرخ الأطفال فرحا .و هو يبتسم لهم و يقول:
113
أين ابني؟
114
محمد زقزوق
ردوا جميعا:
"نعم".
فتوقف عن المرجحة و عاد مرة اخرى ا"لى الدنيا .ه دات الأرجوح ة ح تى اص بح الن زول
سهلا .مض ى الأ3خ ران و بقي ت ه ي .ارجع ت راس ها و نظ رت ا"ل ى وجه ه ب الأعلى و ق الت
بابتسامة عذبة:
"شكرا جدا يا عمو .انت رجل طيب".
"اي خدمة".
لوحت له بكفها الصغيرة و هي تجري لتلحق باترابها:
"مع السلامة يا عمو".
فلوح لها:
"مع السلامة يا ...ما اسمك؟"
"سمر".
"مع السلامة يا سمر".
راقبها حتى اختفت و هو راض تماما.
نظر ا"لى النجوم و استنشق الهواء العليل ثم اخرج هاتفه و طلب مديحة.
"سلامو عليكو".
"و عليكم السلام يا استاذة مديحة .كيف حالك؟"
"نحمد الله يا استاذ ا3دم .هل توصلت ا"لى شيء؟ هل من اخبار؟"
اللهفة في صوتها لأ يمكن تجاهلها.
"ساتوصل ا"ن شاء الله .قولي لي من فضلك ..من هم معارف شاكر؟"
صمتت للحظات ثم قالت بوجل:
"لأ اعرف احدا غيره و نديم".
"الم تري اي شخص ا3خر معه؟"
115
أين ابني؟
"و كيف ارى و انا محبوسة في شقته .الخروج كان قليلا جدا".
صمت ا3دم يستوعب و يحاول التفكير في طرق و اس اليب للنف اذ ا"ل ى دائ رة ش اكر ج اد
المغلقة.
"نديم يا استاذة مديحة ..الم تتحدثي معه؟"
"نديم ذلك كانه مثل الكرسي لو لم تكلمه .لأ ينطق ا"لأ وقت اللزوم .لأ اعلم شيئا عن ه.
اخبرني يا استاذ ا3دم ..هل الأمر ميؤوس منه؟ هل وصلت ا"لى حائط سد؟"
اخذ نفسا عميقا و قال و هو يبتسم:
"يمكن القفز".
ضحكت ضحكة خفيفة و قالت:
"ربنا معك .ربنا يكرمك و يسعدك و يقويك".
هز ا3دم راسه موافقا كانها امامه.
عندما دخل بيته عرج على حجرة خالد فوجده منكبا على دروسه.
"اهلا يا بابا؟"
"كيف حالك يا جدع؟"
"الحمد لله .انا اذاكر".
"الأ تريد شيئا؟"
"لأ شكرا .هل سناكل الأ3ن؟"
"ساذهب لأعرف من ماما".
في غرفة النوم وجدها تقرا .عندما لأحظته قامت و سالته عن زيارته لشاكر .لكنها ب دات
تخاف عليه فعلا عندما قال لها و هو يبتسم و يديه في جيبيه:
مرجحت روحي يا عزيزتي".
u "لقد
***
116
محمد زقزوق
جالس ة بج وار زوجه ا الن ائم ،اخ ذت تمع ن النظ ر ف ي وجه ه ف ي ض وء المص باح الليل ي
الضعيف.
بعدما اخبرها ا3دم بالعرض لم تستطع الكلام .ظل الصمت يلفهما حينها حتى قطعته ه ي
بصوت مرتعش:
"هل يظن انه يملك الدنيا؟!"
ثم مضت مسرعة نحو المطبخ ترتب اشياءا لأ تحتاج ا"لى الترتيب .لح ق به ا ا3دم و اتك ا
على الحائط و نظر ا"لى ما تفعله مبتسما ابتسامة خفيفة.
"مالك يا ليلى؟"
مسحت دموعا اخفتها عنه ثم نظرت ا"ليه مقطبة و قالت:
"هذا الرجل شيطان و يريد ان يجعلنا من خدامه .لأ تذهب ا"ليه مرة اخرى يا ا3دم".
"و القضية؟"
"فلتبلغ مديحة الشرطة لقد فعلت ما بوسعك".
"و ا"ذن فلاستغفله و ا3خذ منه النقود طالما هكذا ساتركها و هكذا ساتركها".
فرفعت راسها فجاة و نظرت ا"لى وجهه المبتسم ،ثم خفضت راسها و قالت في نفسها:
"لولأ انني اعرفك يا ا3دم"...
و لم تكن في حاجة ا"لى الأ" كمال.
تنظر الأ3ن و هي جالسة ا"لى حركة تنفسه.
لقد ا خذت حياتهما منعطفا عجيبا .من عمله في المدرسة الذي اعت ادا علي ه ا"ل ى نش اط
غريب يسميه مهنة اتى بكابوس ذهبي لأ تدري متى يستيقظون منه.
تخشى على ا3دم بشدة من الغواية.
117
أين ابني؟
***
بعدما سمع صوت الخط المنتظم ابتسم باستهتار و هو ينظر ا"لى رقم ا3دم و قال:
"عائلة صعبة".
ثم خرج ا" لى شرفته الفسيحة الملحقة بحجرة نومه .جلس على مقعد و وضع ق دما عل ى
118
محمد زقزوق
119
أين ابني؟
120
محمد زقزوق
و شاكر انتقل تفكيره ا"لى الخائن الذي كشف لأ3دم عن مكان حسام .من؟! من؟!
و رئيس الحرس بدا يصيبه الخوف عندما تاخر مترا عن شاكر.
ذهاب ا ا"ياب ا.ش وط ،و ا3خ ر ،و بع ده ش وط ،ث م ا3خ ر و ش اكر يزي د الف ارق بين ه و بي ن رئي س
حرسه .حتى توقف الرجل للحظات في منتصف الحمام و شاكر يبدا الشوط الجديد.
اكمل رئيس الحرس و خوفه يدفعه ا"لى بذل مزيد من الجهد ،لكن بعد خمسة اشواط اخ رى
ا علن استسلامه بسباحته نحو حافة الحمام مرهقا .عندما لأحظه ش اكر و ك ان ب القرب من ه،
توقف عن السباق و سبح نحوه يساعده في الوصول ليمسك بحافه الحمام .اخذا ينهج ان.
قال الرجل لشاكر:
"الم ا قل ل ...لك ..تكسب ..يا ...شا ...يا شاكر ...بيه".
ابتسم شاكر و قال:
"انت ..بطل يا فوزي".
ظلا دقائق حتى هدا 3ثم قال للثلاثة بالأعلى:
"اشكروا رئيسكم ،لقد تسبب في مضاعفة اجركم جميعا خمس مرات".
و قبل ان تزول من على وجوههم دهشة العجب و الفرح نظر ا"لى فوزي نظرة خاصة
و قال بابتسامة واسعة:
"و تسبب في مضاعفة اجره عشر مرات".
ثم صعد تاركا ا"ياهم يتساءلون عن تلك النزوة الفtجرية.
***
121
أين ابني؟
في الصباح و هو يتناول الأ" فطار قبل الذهاب ا"لى شركته رن ه اتفه .ابتس م ش اكر و ه و ي رى
رقم ا3دم .فتح الخط.
"صديقي العزيز".
"سلامو عليكو يا استاذ شاكر".
"و عليكم السلام يا رجل .من تغلب على الأ3خر؟"
"نعم؟!"
"من الفائز يا صديقي؟ انت ام الشيطان؟"
رد عليه الصمت لثانيتين قال بعدها ا3دم:
"انت يا استاذ شاكر .انت الفائز".
ابتسم شاكر جذلأ و قال:
"عين العقل .هكذا يكون التفكير .طلباتك اوامر يا استاذ ا3دم".
"المبلغ المتفق عليه .عشرة ملايين".
صمت لحظة ثم قال:
"لكن لك طلب واحد عندي سانفذه .ان اكف عن البحث عن حسام".
اتسعت ابتسامة شاكر و قال:
"لأ تطمع يا صديقي .عشرة ملايين مبلغ لأ يستهان به ابدا".
"المسالة ليست طمعا".
"امرك عجيب يا صديقي! ما هي ا"ذن؟!"
صمت ا3دم لثانيتين ثم اجابه:
"لأنني ببساطة لأ اعرف من اخبرني".
احس شاكر بالتشنج في اعصابه .زالت ابتسامته و فتح اذنيه جيدا حتى لأ يفوته حرف.
122
محمد زقزوق
"ماذا تعني؟!"
"اتصل بي من رقم مخفي .رقم خاص".
صمت شاكر للحظات .فكر .ا"ذن فذلك المتصل يعرف ما يفعل جيدا .عقله ياخذه ف ي
اتجاه يشير ا"لى الشخص المتهم .لكنه لأ يستطيع ان يصدق اتجاه عقله بس هولة .لكن ه يل ح
عليه .من غيره؟
لأ لأ يستطيع اتهامه هكذا .اعصر مخك يا شاكر .تذكر من غيرهم اخبرته كل م ا يتعل ق
بحسام .من غيرهم تثق فيه ا"لى تلك الدرجة ثم يخون ك؟! م ن غيره م زل لس انك ام امه ث م
نسيت؟ من؟ من؟
"اما زلت معي؟"
افاق شاكر من خواطره .ساله:
"كيف كان صوته؟"
"صوت مكتوم ياتي من بعيد".
"الأ يمكنك التعرف على صوته؟"
"قلت لك كان مكتوما .صوت رجل لكنه رجل ليس بهاو .عن دما يخف ي رقم ه لأب د ان
يخفي صوته".
"رجل شاب ام عجوز؟"
"استاذ شاكر انت تسال اسئلة لأ ا"جابات لها .لأ اعلم".
صمت شاكر لحظة ثم قال:
"ماذا قال لك؟"
"اخبرني بمكان حسام".
"فقط؟"
"فقط".
صمت شاكر مفكرا .ما هذا المازق؟! لأ يمكنه ان يظل على عماه .لأ بد ان يعرفه.
123
أين ابني؟
124
محمد زقزوق
***
قبل ان يخرج من بيته استعلم عن حسابه و وجد المال كله قد ح ول ا"لي ه .هب ط و اش ار
125
أين ابني؟
126
محمد زقزوق
و منصور هو فتى في السابعة عشرة الأ3ن و قد كانت لهما معه حكاية عجيبة.
يوما ما عندما كان ا3دم و صديقه يزوران صديقا ثالثا ،و عن دما غ ادرا ش قته قب ل المغ رب
بدقائق ا ثناء ما كانا يهبطان السلم ،سمعا صوت زجاج يكس ر .ش يء ع ادي يح دث لأ ي ثير
الريب ة .لكنهم ا عن دما هبط ا ا"ل ى به و العم ارة نظ ر ص ديقه ا"ل ى س يارته تلقائي ا فوج د اح دا
بداخلها على مقعد القيادة.
"احدهم يسرق سيارتي يا ا3دم".
نظر ا3دم ا"لى سيارة صديقه .بدا له الوجه الذي كان منهمكا تماما في عمله وجه طفل لم
يتعد الحادية عشرة بعد .سمع المحرك يدور فتحف ز ف ورا و جري ا نح و الس يارة خ ارجين م ن
العمارة يصرخان.
"قف ..انت!"
كان ا3دم اسرع لكنه ف ور ا ن وض ع ي ده عل ى جس م الس يارة ك ان س ارقها ق د انطل ق به ا
بعنف .لم ينتظر ا3دم ثانية فانطلق في ا"ثر السيارة جريا يلحق به صديقه.
"سارق! سارق!"
لكن الس ارق يطي ر ،و ا3دم م ع عزم ه الش ديد ت زداد المس افة بين ه و بي ن الس يارة .عن دما
ابصرها و هي تخرج ا"لى الشارع الرئيسي ظن ان س ارقها س ينحرف يس ارا ،لكن ه انطل ق به ا
راسا ا"لى الأ" شارة .كان هذا اغبى ما يمكن لمن في حالته فعله.
الأ" شارة متوقفة على اللون الأحمر و الفتى ب دا و ك انه سيص طدم ب اول س يارة متوقف ة ف ي
طريقه.
زاد العزم و الأمل في قلب ا3دم و هو يرى الوضع الجديد .قال بالفعل:
"احترس ..اضغط على المكابح!"
و كان السارق سمعه فتوقفت السيارة مصطدمة بالسيارة التي امامها صدمة خفيفة.
عندما وصل ا3دم ا"ليها كان صاحب السيارة المتضررة قد نزل و اخذ يصرخ في الفتى.
"ما هذا ؟! طفل صغير و زجاجك مكسور؟! ابوك اشتراها لك ام اخذت سيارته من وراء
127
أين ابني؟
128
محمد زقزوق
129
أين ابني؟
و مال ليغلق الباب بنفسه و مضى تشيعه نظرات الفتى .بعد ش ارعين توق ف و انتق ل ا3دم
ا"لى جواره.
لم يتكلما عن ما حدث حتى اوصل الصديق ا3دم ا"لى بيته.
نزل ا3دم و قال مبتسما:
"تعيش و تاخذ غيرها يا رجل يا طيب".
ضحك صديقه و قال:
"الحمد لله".
لكن صديقه اتصل به في اليوم التالي ليخبره بتعجب بانه وجد من يطرق باب شقته
و عندما فتح طالعه الوجه الطفولي عينه مادا صاحبه يده بنقود.
"كيف عرفت عنواني؟!"
ابتسم الفتى و قال:
"من المرور .لم اجد لحضرتك مخالفات لأدفعها .عرفت العنوان ببع ض ال ود و التحاي ل
معا".
"هل عدت ا"لى الأ" جرام".
"تبت .و الله تبت .كانت اول مرة و ا3خر مرة".
ضحك صديقه في الهاتف و هو يخبره ع ن حكاي ة الف تى عن دما جلس ا مع ا ف ي حج رة
الضيوف.
"اسمه منصور .في الرابعة عشرة .شكله اصغر من سنه بالفعل .في ثانية ا"عدادي .مت اخر
في الترتيب و ينجح بالكاد.
ابوه مات و ام ه رب ة من زل نزل ت للعم ل لأ" طع امه و اخت ه الص غيرة .ق ال ا"ن رف اق الس وء
عرفوه على لصوص ا غروه بما فعل .وعدوه بنصف ثمن السيارة بعد بيعه ا .لكن ه قuب ض علي ه
في اول عملية كما قال".
قالها و هو يضحك .اكمل:
130
محمد زقزوق
"من شدة ارتباكه ذهب نحو الأ" شارة بدلأ م ن الأنطلاق ف ي الش ارع الفس يح .مس كين!
اصر على ان ا3خذ النقود لكنني رفضت".
طلب منه ان يهتم بدراسته ،و ا"ذا امكنه فليجد عملا يساعد به امه عل ى تحم ل تك اليف
المعيشة .و وعده منصور ان ينفذ لأجل خاطره .قبل ان يغادره اعطاه رقم هاتفه و قال:
"ا"ذا احتجت اي خدمة في اي شيء او الأستاذ المحترم الذي ك ان مع ك فاطلباه ا من ي
فورا .لأ اعلم كيف ارد الجميل".
منصور الأ3ن ف ي ا ول ى ث انوي و مس تواه متوس ط لكن ه ل م يع د يرس ب .يعم ل نقاش ا ف ي
الأوقات المتاحة و يستطيع الصرف على نفسه.
وصل ا3دم ا" لى عمارة صديقه و صعد الس لم قف زا .ض غط الج رس .فت ح ص ديقه و دخ ل
ا3دم مسلما عليه.
اخذه الرجل ا"لى حجرة الضيوف ،و عندما طالع الوجه الذي را3ه لأول مرة منذ ثلاث سنوات
و لم يره من ساعتها ابتسم ابتسامة واسعة و قال:
"كبرت يا منصور".
t
***
131
أين ابني؟
132
محمد زقزوق
"ستجدين نديم هناك يا شهيرة .خذي ا"جازة و اذهبي لتبق ي م ع حس ام .ا"ن ه يحب ك .لأ
تخبري احدا من كان بذلك .اتفهمين؟!"
"لأ افهم ماذا يحدث يا شاكر .ا"نني"...
قاطعها بلهجة حازمة:
"ارجوك يا شهيرة .ليس عندي بال للاخذ و الرد .نفذي ما اقوله .تذكري .ا"ياك ان يعلم
احد بمكان حسام".
و اغلق الخط كما اعتاد.
نفذ الحساء فانتقلت ا"لى الخضراوات المقطعة و اخذت تطعمه.
"طيب ،لماذا لأ ياتي ابى ا"ل ى هن ا و يجل س معن ا؟! لم اذا بع ث الرج ل ال ذي لأ يتكل م
لياخذني من المدرسة بدلأ من ان ياتي هو؟!"
"ماذا اخبرك في الهاتف؟"
"كلما اساله يقول :سا3تي عما قريب".
نفس ما يقوله لها و لأ تفسير بتاتا.
ابتسمت ابتسامة خفيفة و قالت:
"عن قريب سنخرج كلنا معا ا"ن شاء الله .اين تريد ان نذهب ساعتها؟"
"لأ اعلم يا ابلة .قولي انت".
سوت شعره و قالت:
"ما رايك ان تكون اول فسحة لنا معا ،التجول على ضفة النهر؟"
***
في ذات الوقت كانت مديحة قد عادت للتو من نوب ة عمله ا .دخل ت الحم ام ال ذي يمك ن
بالكاد الوقوف فيه و غسلت وجهها .كش فت الغط اء ع ن ب اقي الأرز م ن البارح ة و اخ ذت
133
أين ابني؟
ملعقة و جلست على كرسي متهالك شاردة الذهن في الأفكار ،تلوك با3لية ما يدخل فمها.
اين انت يا حسام؟! ماذا تفعل الأ3ن ؟! بالتاكيد دخلت المدرسة يا حبيبي .فق ط ل و اراك
ساعة و اموت لأصبحت قريرة العين تماما! هل انت هنا ام بالخارج؟ ماذا قيل ل ك عن ي؟
سامحني يا بني .و سامحه ايضا .سامح اباك.
عضت على شفتها السفلى و اكملت رحلة الأفكار.
ماذا تخطط الأ3ن يا شاكر؟ كيف يواجهك الأستاذ ا3دم؟ انا اعلم سطوتك و قوتك .لكنن ا
اقوى .نعم اقوى .و سيجد الأستاذ ا3دم لي ابني ا"ن شاء الله .نع م س يفعل .ا"ن ه رج ل بمعن ى
الكلمة .لكن هل يصمد امامك يا شاكر؟ ستلعب به و لن تس مح ل ه بمعرف ة خباي ا نفس ك.
انا اعرفك جيدا .لكنه سيجد فرصة للا" يقاع بك .ربنا معه و ينصره ا"ن شاء الكريم .لكن هل
سيياس الأستاذ ا3دم؟ هل سياتي في النهاي ة و يق ول ل ي :ان ا ا3س ف ي ا مديح ة لق د فعل ت م ا
بوسعي لكن شاكر كالسد المنيع لأ يمكنني اقتحامه؟ ماذا يمكنني ان اق ول ل ه س اعتها؟ ه ل
اشكره؟ واجب .ثم؟ هل اذهب ا"لى شاكر؟ استعطفه؟ اقبل قدميه؟
هل يحن قلبه؟ ربما .لكن ما زال الأستاذ ا3دم يعمل .ل م يفق د الأم ل .فلي وفقه الل ه .ل ن
افقد الأمل .يا حبيبي يا بني.
يا رب.
و قامت لتصلي ،و تبكي ،و تدعو.
***
في نفس الوقت ايضا كانت ليلى جالسة مع خالد ،تساعده في بعض مس ائل الرياض يات
بعد ان خرج ا3دم بما اتى به.
تركته يحل و سرحت بفكرها مع ا3دم.
عندما عاد بعد الظهر و قد احضر حقيبة لم تساله عما بها .قرات في عينيه ان ه لأ يرغ ب
134
محمد زقزوق
في الحديث عنها .وضعها بح رص بي ن ملابس ه و اغل ق مص راعي ب اب دولأب ه .ل م يتكل م
على الأكل كثيرا .مازح خال دا م رة واح دة بلا حم اس حقيق ي .بع د الأك ل دخ ل الغرف ة و
رجاهما الأ يدخلا عليه؛ فهو يريد ان يفكر بعمق و لأ يريد ان يقطع عليه احد تفكيره.
ترك خالد مسائل رياضيات السنة الأبتدائية الرابعة التي يعمل عليها و اخذ يحدث امه.
"ما له بابا يا ماما؟ ا"نني عندما ا كون مقبلا على امتحان صعب لأ يصيبني الهم كما رايته
على وجهه الأيام السابقة".
"لأ تشغل بالك كثيرا يا خالد .العمل الجديد مرهق".
"فليعد ا"لى عمله القديم".
ابتسمت ابتسامة لأ تخرج من القلب .تنهدت و قالت:
"صعب .ابوك من طراز خاص".
"الهذا تزوج ƒته؟ هل احبب ƒته؟"
ضربت برقة كتفه بقبضتها و قالت مبتسمة:
"مالك انت و هذه الأشياء يا ولد؟! ركز في مذاكرتك".
اخذته الحماسة و قال:
"بجد بجد يا ماما .هل احببتيه ام كان زواجا و السلام؟"
ابتسمت اكثر و اكثر و قالت:
"اسال اباك".
"انتما تحيرانني بينكما .سالته يوما فقال لي اسال ماما بنفس هذه الأبتسامة على وجه ه.
اتعبتونني يا جماعة".
"انت الذي تتعب نفسك يا خالد".
"لن اتركك قبل ان تجيبيني .و ها هو الكتاب".
و اغلقه و استند عليه.
"هيا يا ماما ..قولي قولي ..انا اريد ان اذاكر .لأ تضيعي وقتي".
135
أين ابني؟
ابتسمت اكثر .كان يمكنها ان تمتنع و كان سيعود ا"لى المذاكرة لكنها اخبرته:
"نعم احببته .استرحت يا خالد؟"
رفع يده في حماس ا"لى ما فوق راسه.
"هيييه .نعم هكذا".
سكت ثم قال:
"لماذا ؟ الأنه من طراز خاص؟"
"هذا السؤال ساجيبك عنه السنة القادمة يا جدع .و لأ نقاش ا3خر".
"ماذا؟! امري لله يا ستي .ساصبر".
و عاد للمذاكرة .
لماذا احبته؟
اجابت على نفسها داخل عقلها:
"ببساطة ،لأنه ا3دم".
***
136
محمد زقزوق
واقفا ا مام باب الشقة المصنوع من خشب فخم مد يده و ضغط على زر الجرس.
لم تمض عشر ثوان حتى فتح الباب .ابتسم نديم داخل ش قته ابتس امة س خرية ،انطف ات
فورا بعد ثانية واحدة.
"هل يمكننا ان نتحدث قليلا؟"
ظل شبح السخرية باديا على وجه نديم .عقد ساعديه امام صدره و قال:
"اهو امر مهم لدرجة ان تاتي بنفسك ا"لى بيتي يا استاذ ا3دم؟"
كان وجه ا3دم جامدا و هو يساله مرة اخرى:
"هل يمكننا؟"
اشار نديم ا"لى الداخل بحركة استعراضية قائلا:
"بكل تاكيد .انت ضيفي .تفضل".
لم يفسح الطريق له تاركا فرجة تكفي بالكاد لعبور ا3دم.
ت وجه ا3دم ف ورا نح و م ا ب دا ل ه حج رة الض يوف .جل س عل ى اول اريك ة ق ابلته ووض ع
الحقيبة فوق المنضدة امامه.
اتى نديم بعد دقيقتين و هو يحمل كاسين لمشروبين في يديه مباشرة .قال:
"ليس عندي غير هذا .انت المخطئ لأنك لم تتصل قبلا .كيف عرفت عنواني؟"
"لأ باس .لم ا3ت لكي اشرب .و الذي يسال يجد الأ" جابة".
جلس نديم قبال ة ا3دم عل ى كرس ي ،و اخ ذ راحت ه تمام ا واض عا س اقه عل ى ركبت ه و ه و
يرتشف عصير البرتقال ببطء ناظرا ا"لى الحقيبة السوداء على المنضدة.
"هل اصبحت رج ل اعم ال م ن ذوي الحق ائب؟ ا3ه .نع م .لق د اص بحت م ن اص حاب
الملايين!"
137
أين ابني؟
138
محمد زقزوق
الخطا .لأ باس .لم ا3ت لأعطيك محاضرة .اريد حسام يا نديم".
قرر نديم ان يجاريه في لعبته .قال:
"فقط مليون؟! انت بخيل جدا .اجعل الأمر يستحق يا اخي .نعم مليون مبلغ ك بير لك ن
هل تعلم كم مرتبي؟"
باغته ا3دم:
"هل انت متزوج؟"
"هل العروس مع المليون ؟! كحزمة واحدة؟! لأ ..لأ .انا لأ اريد ال زواج الأ3ن ي ا اس تاذ
ا3دم".
ارجع ا3دم ظهره ا"لى مسند الأريكة و اسند ساقه على ركبته و قال:
"مرتب كبير و شقة تطل على النهر ذات اثاث فخم .ماذا تفعل في حياتك بكل ذلك؟"
"اسرار يا استاذ ا3دم .اسرار لو علمتها لنازعتني عليها".
"اترك الكلام الفارغ و تكلم بجد من فضلك .انظر .هذا المليون هو مقدم .و لك تسعة
اخرى عندما تنفذ المهمة!"
اعتدل نديم و بدا ان الكلام الجديد لم يكن يتوقعه حقيقة.
"من سيدفع كل ذلك؟! هل مديحة اصبحت من الأعيان؟"
"ليس من شانك .لك النقود و فقط".
بدا يبتسم و هو يقول:
"نعم ..نعم .انا افهم .الأستاذ ا3دم هو الأستاذ ا3دم لم يتغير .يفع ل الخي ر للغي ر ب اموال لأ
تحصى .اتريد ان تعطيني الأموال التي اخذتها من شاكر بيه؟"
"نعم ..هل يسبب ذلك لك مشكلة؟"
"بسهولة يا رجل تتخلى عن ذلك المبلغ الضخم؟! انا اعلم حالك المادي".
"لأنني لست مجرما مثلكم".
"حقيقة ا"نها لمفاجاة كبرى .لكننا لسنا مجرمين يا رجل .كل اعمالنا شرعية تماما".
139
أين ابني؟
140
محمد زقزوق
***
في رحلة المصعد للهبوط من الطابق الثالث عشر حيث يقط ن ن ديم نظ ر ا3دم ا"ل ى نفس ه ف ي
المرا3ة.
ها قد اخرجت كل ما في جعبتك يا ا3دم .شاكر قال لك انه يمكنه ان يسلم ن ديم روح ه
فلt ƒم تصر على ا"مكانية قبوله لعرضك؟
هل اعيتك السبل فبدات تتخبط؟ ام ان ك تراه ن عل ى طمع ه ف ي ث روة ك بيرة؟ عل ى ك ل
فلتنتظر .استخرت الله ثم فعلت ،فلتدع الله ان تكون النتيجة مبشرة.
عندما فتح الباب و تهيا ا3دم للخروج وجد امامه مباشرة من جعلته يتسمر دهشة.
141
أين ابني؟
142
محمد زقزوق
***
143
أين ابني؟
ضبط عدس ة التقري ب و ه و يض ع ا3ل ة التص وير عل ى عين ه ،و ه و ينظ ر و يتاك د م ن وض وح
الصورة في هذا الليل .اخذ يجرب التقريب و الأ" بع اد ف ي حم اس .البارح ة فق ط ك انت اول
مرة يمسك في يده بشيء كهذا .تعلم بسرعة من معلم بارع.
"هاااااووووم .كم الساعة يا منصور؟"
جالسا في المقع د المج اور للس ائق ،التف ت منص ور نح و ص احب الس ؤال الج الس ا"ل ى
عجلة القيادة و ابتسم و قال:
"لم تصل ا"لى التاسعة بعد يا عم جمال .نم ..نم".
"الم يهبط الرجل بعد؟"
"نعم لم يهبط .لقد نمت له جيدا في الصباح و انا له بالمرصاد طوال الليل".
"قل لي يا منصور ..كم ستاخذ بعد نهاية الأمر؟"
كان منصور يكلمه من خلف ظهره مركزا على العمارة امامه و عين ه عل ى ا3ل ة التص وير لأ
تفارقها .قال:
"لأ شيء يا عم جمال".
"امعقول؟!"
"نعم .لأ تتعجب .انا ا دين بالفضل لهما .الرجلان الطيبان .لولأهما بعد الله لربما ك ان
مستقبلي قد ضاع".
ضحك الرجل و هو يتعجب:
"حقا .ما حكيته عجيب جدا .ان يترك احدهم من كان عل ى وش ك س رقته بنف س طيب ة
لأ يحدث كثيرا".
استطرد في ريبة:
"لكن انت قلت انه سيدفع لي اجر الأيام التي سيستغرقها هذا الأمر .اليس كذلك؟"
144
محمد زقزوق
145
أين ابني؟
"نديم يا عم جمال .نديم محمود .و هو يسكن في الطابق الثالث عشر في هذه البناي ة.
لقد وصفه الأستاذ ا3دم بدقة و اخبرني انني ساعرفه فور رؤيته".
"ماذا يريد منه يا منصور؟"
تقلص وجه منصور غضبا و هو ما زال محملقا بتركيز عبر ا3لة التصوير.قال:
"هذا النديم مجرم! يعمل عن د رج ل ا عم ال ك بير اس مه ش اكر ج اد .مج رم ه و الأ3خ ر.
خدع امرا •ة فقيرة و عندما خلف منها اخذ الولد و هرب! الجبان! امه تبح ث عن ه من ذ س ت
سنوات!"
"و ما علاقة نديم هذا بالأمر؟"
"هو ساعد شاكر اليمنى .يعرف مكان الولد .فاوضه الأستاذ ا3دم ليحضره ا"لى امه .لم تره
في حياتها يا عم جمال! لأ تعرف شكله! اتصدق ذلك؟!"
"و الأستاذ ا3دم ،هل هو محاميها؟"
ابتسم منصور ا"لى ا3لة التصوير و قال:
"شيء مثل ذلك .ا"نه رجل عظيم الأستاذ ا3دم .ليتني عندما اكبر اكون خمسه".
لم يستفسر الرجل العجوز اكثر لكنه قال:
"شخص بتلك الخسة لن يفعل البر و الأ" حسان .بالتاكي د س يطلب مبلغ ا رهيب ا .ه ل م ع
تلك المراة ما يمكن ان تدفعه؟! انت قلت ا"نها فقيرة".
ل و ا خ بره منص ور لربم ا ج ن الرج ل .منص ور نفس ه ك اد عقل ه يطي ر عن دما اخ بره ا3دم
بالتفاصيل .و عندما رجع منزله جلس مع امه و اخته للعشاء و كان بالكاد يسمع حديثهما
و هو يفكر بالأمر ،و قد زاد ا"كباره لأ3دم اكثر و اكثر.
"لأ شان لنا يا عم جمال .لكن خذها مني كلمة ..الأستاذ ا3دم رجل فريد من نوعه".
"ما المطلوب منا بالضبط يا منصور؟"
اخبره و هو يسترجع ما قاله ا3دم:
"هذه ا3لة التصوير الخاصة بي يا منصور .ا"نها تعمل جيدا في الليل ايضا .ساعلمك كيف
146
محمد زقزوق
تستعملها .و ل uت tعل‡م من س ياتي مع ك .س اذهب ا"ل ى ن ديم محم ود و عن دما اهب ط م ن عن ده
تكون جاهزا امام العمارة بالضبط .ا"يماءة واحدة مني و تبدا عملك فورا".
"مجرد ا"شارة يا استاذ ا3دم من بعيد لبعيد؟!"
"نع م ي ا منص ور .ن ديم محم ود لي س بالرج ل الس هل .فلتاخ ذ الح ذر جي دا ح تى لأ
يكشفك".
"هل هو tخ ƒطر يا استاذ ا3دم؟"
ابتسم ا3دم ابتسامة خفيفة .قال:
"هذا يتوقف على تعريفك لكلمة خط ر .لك ن عل ى ك ل ح ال ه و لي س بمج رم بتعري ف
القانون .لكنه كما قلت ل ك لي س بالس هل .ذك ي و يق ظ و يمكن ه ان يكش فك بس هولة ل و
اخطات .هل استوعبت الأمر يا منصور؟"
اشار منصور براسه بسرعة في فهم.
اخذ ا3دم نفسا عميقا و قال:
"خذ حذرك .اريدك و من سيرافقك ان تتابع اه كظل ه لي ل نه ار ..ف ي اي مك ان ي ذهب
ا"ليه .و تاخذ صورة واضحة لكل احد يقابله من مسافة ا3منة .اي شخص يا منصور .ح تى ل و
كان طفلا رضيعا .اتفهمني يا صديقي؟"
بسرعة اوما منصور براسه ان نعم.
اكمل ا3دم:
"ايضا .سجل عناوين كل الأم اكن ال تي ي ذهب ا"ليه ا .لأ يفوت ك منه ا مك ان .اتفقن ا ي ا
منصور؟"
"اعتبر الأمر منتهيا يا استاذ ا3دم .ساشرفك ا"ن شاء الله".
ابتسم كل من ا3دم و صديقه و مضى الحديث بالثلاثة في امور الحياة و هم يتعش sون.
***
147
أين ابني؟
148
محمد زقزوق
***
في الليل كان ثلاثتهم في نزهة داخل احد اكبر المراكز التجارية.
قال خالد:
"ياااه ،الليلة المركز مزدحم جدا!"
كان ا3دم متا بطا ذراع ليلى و هم ا يس يران مح اذرين الأص طدام بالن اس م ن حولهم ا .رد
على ابنه:
"افتح لنا الطريق ا"ذن".
نظر خالد ا"لى ابيه خلفه .قال:
"وحدي؟"
فاجابه:
"و هل تستهين بقدراتك يا جدع؟ بهدوء و بلطف".
ابتسمت ليلى و هي ترى ابنها يحرك من يقف امامه بيديه التي لأ تكاد تص ل ا"ل ى خص ر
احدهم.
149
أين ابني؟
150
محمد زقزوق
151
أين ابني؟
تنهد ثم قال:
"نعم .قال ا"ن نديم نزل من بيته ا"لى شركة شاكر ث م ا"ل ى بيت ه .لأ اح د غي ره رك ب مع ه
سيارته .لأ جديد".
"كيف تطمئن ا"لى نديم ذلك يا ا3دم؟!"
"لأ اطمئن ،لكن ليس بيدي ما يمكن عمله افضل من ذلك .فلننتظر الغد".
"و ا"ذا لم يقبل؟"
رفع كتفيه علامة العجز .قال و هو يضغط على اسنانه:
"ذل ك الرج ل المجه ول .بالتا كي د ه و مق رب م ن ش اكر ليفص ح ل ه ع ن س ره .مق رب
بشدة .المفتاح عنده".
"الأ يمكن ان يكون نديم؟"
قطب جبهته و قال:
"امعقول؟!"
"الله ا علم .ربما يكون له غرض ما .نحن لأ نعرف عنه شيئا نديم ذلك".
شغل عقله ذلك الأحتمال بشدة .حضر خالد و قال:
"لقد اخترت .هيا لنشتري".
مضوا و ا3دم يقول في نفسه:
"لو كان حقا ما تقولينه يا ليلى ا"ذن فهي ملهاة!"
***
152
محمد زقزوق
"لقد شعرت من حديثك اننا سنطارد الرج ل ف ي ح واري و ش وارع! نفق د اث ره حين ا ث م
نجده حينا ا3خر ا"ن كنا محظوظين".
تنهد منصور و قال:
"و انا مثلك .لكن ما المشكلة؟ فقط سنعمل ما علينا بكل دقة".
"مهمة سهلة جدا .اكاد اجزم ان الغد سيكون مثل اليوم .اسال الأستاذ ا3دم ا"ذا كان يريد
شخصا متفرغا لمهام مثل تلك .ا"ذا كان سيدفع كما وعد".
"قلت لك يا عم جمال لأ تقلق ا"ن"...
بتر عبارته عندما ابصر في ا3لة التصوير نديم و هو يخرج من باب عمارته.
"ها هو يا عم جمال .استعد للتحرك".
ادار الرجل مفتاح سيارته.
امتقع وجه منصور و هو يرى نديم و كانه ينظر ا"ليه بالتحديد .كان قادما نحوهما.
" ا"ن ...ا"نه قادم يا عم جمال ،قادم ا"لينا!"
"ماذا؟!"
داس على البنزين مدفوعا بالتوتر لكن منصور حذره بقوة:
"توقف يا عم جمال .س uنكشف تماما هكذا".
فعل الرجل و دقات قلبه تتزايد .اخذ يتحرك في مقعده بعصبية و قال:
"ربما لأ يقصدنا بالذات يا منصور".
وضع منصور ا3لة التصوير على المقعد بجواره و ضغط على فخذ الرج ل و ه و ي رى ن ديم
يقترب منهما .قال:
"تماسك يا عم جمال .لأ تفضحنا".
كان نديم الأ3ن على بعد خطوات .نظر منصور امامه بثبات بعيدا ع ن وج ه ن ديم و ك ان
شيئا لأ يعنيه.
وقف بالضبط بجوار باب منصور و هو ينظر في الأتجاه الأ3خر.
153
أين ابني؟
ثم بهدوء احنى جذعه ملتفتا و اطل براسه على منصور و قال بصوته المميز :
"هل تحتاجون مساعدة؟ هل بالسيارة عطل؟"
نظر منصور ا"لى وجهه الثابت في الليل تحت ضوء عمود الأ" نارة .اخذ يطمئن ببطء .قال
بصوت بذل اقصى ما بوسعه للسيطرة عليه:
"لأ شكرا".
ظهر شبح ابتسامة على وجه نديم و قال:
"اي خدمة .لأ تنس ان تبعث له بتحياتي".
هوى قلب منصور في قدمه و هو يساله:
"من؟!"
اعتدل نديم و ابتسامته باقية على وجهه و هو يمضى مبتعدا ببطء واضعا ي ديه ف ي جي بي
سرواله دون ان ينطق كلمة اخرى!
***
154
محمد زقزوق
155
أين ابني؟
156
محمد زقزوق
***
اشار ا"لى اول سيارة اجرة بعد ان نزل مهرولأ .ركب و اعطى العنوان ا"لى الس ائق .ه اتفه ف ي
يده .طلب منصور.
"نعم يا منصور ..اسمعني جيدا ..انت خلف نديم اليس كذلك؟"
"نعم .الوغد يقود سيارة بزجاج معتم .كان قد توقف بها امام منزل سجلت عن وانه و م ا
ه ي ا"لأ لحظ ات قب ل ان افط ن ا"ل ى م ا يج ري ،ك ان بابه ا الأ3خ ر ق د فت ح و دخ ل اح دهم
بسرعة .قصير القامة على ما يبدو .لم استطع رؤيته يا استاذ".
"حسن يا منصور .اسمع .لأ تجعله يغيب عن نظرك اب دا .لق د اخ برني ان حس ام مع ه.
157
أين ابني؟
158
محمد زقزوق
159
أين ابني؟
بخطى متثاقلة نحو المصرف .ا خذ دوره .قال من في الأستقبال و هو يعطيه بطاقة • مضى
دوره كانه يصبر نفسه:
"العميل الأخير".
كان قبل ا3دم اربعة فقط.
رن هاتفه.
"نعم".
"اين انت؟"
بصوت متثاقل النبرات قال:
"بالداخل".
"جيد .ابدا بالتحويل .دقيقة و ساصل".
"ما زال امامي ثلاثة".
"جيد .ساريك جزءا".
"ماذا؟!"
و اغلق نديم الخط.
مرت دقيقتان .رن هاتفه .بادره نديم قبل ان يتكلم.
"انظر نحو الباب".
حول ا3دم بصره بسرعة .سيارة فخمة بزجاج معتم امام باب المصرف بالضبط.
هبط زجاج الباب المقابل للسائق قليلا .راى ا3دم نديم في مقعد القيادة م ن بعي د .حي اه ف ي
الهاتف:
"مرحبا يا عبقري".
"حسام؟"
كلمة واحدة تغني عن جمل.
ابتسم نديم ا مامه ابتسامته المؤقتة و انحنى على المقعد بجواره و رفع بيده يدا اخرى.
160
محمد زقزوق
161
أين ابني؟
162
محمد زقزوق
نظر منصور ا"لى ا3دم في تساؤل .لكن قطع الصغير افكارهما و هو يقول فار •دا كفه
و ملوحا به كانه يشرح:
"الأ3ن انا حسام ..بعد قليل سارجع .لكنني اريد ان ادخل الحديقة اولأ".
نظر ا3دم ا"ليه في تساؤل و رد الصغير على تساؤله بخطاب اخرجه من جيبه و قال:
"هذا لك يا عمو".
امسك ا3دم الخطاب في توجس .فض الظرف .جرت عيناه على الكلمات بس رعة .اخ ذ
وجهه يتغير.
فجاة رفع ا3دم را سه نحو منصور بفزع و هو فاغر فاه! في الثانية التالية حول وجهه كالبرق
نحو الأتجاه الذي مضى فيه نديم و اختفى.
"الن ندخل الحديقة؟"
***
163
أين ابني؟
الفصل العشون
164
محمد زقزوق
"انا ا3سف يا استاذ ا3دم .ربنا يعوضك في نقودك .كم كانوا ،مئة الف؟"
بادره منصور و عيناه متسعتان في غضب قائلا:
" اهذا وقته يا عم جمال؟!"
اخذ ا3دم يسترجع في ذهنه ما قراه في الخطاب سطرا سطرا كانه يحفظه:
"تحية هائل ة ا" لي ك ي ا رج ل ي ا طي ب .اع ذرني ..لق د عمل ت بنص يحتك و اس تحممت
بالمليون لكن و يا للاسف لم يجد ذلك.
لقد قالها لك شاكر بيه و انت حاولت الأ تصدقه .انا لأ اخونه ابدا .هذا الصغير الجميل
الذي معك ليس حسام .اسمه كريم.
يريد ان يدخل الحديقة .لم يرها منذ عامين .و هكذا اخذته من ابويه ليرى الحديقة
و يعود بعد ثلاث ساعات .هكذا اخبرتهما.
العنوان عندك بالأسفل .لأ ت ؤخره ع ن اهل ه ي ا بط ل .و م ن فض لك بع د ان يخ ف وق ع
الصدمة عليك لأ تكسر قلبه .ا دخله الحديقة .و كما قلت لك لقد س عدت بالتعام ل مع ك.
ا"لى اللقاء يا عزيزي".
"لن امل منه ابدا يا عمو .انظ ر ..انظ ر كي ف يهب ط ا"ل ى الم اء! كي ف يظ ل طافي ا به ذا
الحجم الضخم؟!"
طعم المرارة في حلق ا3دم لأ يريد ان يزول.
"هون عليك يا استاذ .ب "اذن الله ستضحك انت في النهاية و ستضحك كثيرا .صدقني".
نظر ا3دم ا"لى وجه الفتى الممتلئ عزما و تصميما و غضبا .سند ذلك قلبه شبرا.
علي".
"لأ اعلم كيف اخبرها يا منصور .لقد وضعت ا3مالأ كبيرة s
"قدر الله يا استاذ .انت لم تقصر .انت ..انت انبل من قابلتهم في حياتي .احد غيرك لربم ا
اغواه الشيطان بتلك الأموال الهائلة .انا نفسي لأ اعلم كي ف كن ت ساتص رف ا"ن كن ت ف ي
شموقفك .لقد سالتك منذ قليل ماذا نفعل اليس كذلك؟ لكن انا اق ول ل ك الأ3ن .تع ال نتع •
في بيتنا الليلة .فلتنس ما حدث و غدا نفكر بعقل هادئ .س uتحل ا"ن شاء الله".
165
أين ابني؟
***
فتح الباب و نظر ا"لى الثلاثة امامه في تساؤل ثم خفض بصره لينظر ا"لى ابنه المبتسم.
"اخيرا ذهبت ا"لى الحديقة يا بابا .يا كس لان .عم و ا3دم و م ن مع ه اج دع من ك و م ن
ماما".
اخذ الصغير بيد ا3دم ودخل مهرولأ.
"تعال يا عمو .اين الكرة يا بابا؟"
افلت يده و ذهب يبحث عن الكرة .اخذ ا3دم نفسا عميقا و سال الرجل:
"هل تعرف نديم محمود؟"
"مساعد شاكر جاد؟"
"بالضبط".
"زوجتي تعمل في ا"حدى شركاته .هل كان كريم مهذبا معكم؟"
قطب ا3دم جبهته اكثر عما كانت عليه و رد سؤاله بسؤال:
"هل كنت تعرف ماذا يفعل معنا؟"
"يتفسح".
بسط ا3دم جبهته في استغراب .ساله:
166
محمد زقزوق
"مع اغراب؟!"
خفض الرجل بصره ا"لى الأرض .لبث لحظة ثم قال:
"ادخلوا .ساحضر زوجتي".
اغلق الباب خلفهم و اشار ا"لى حجرة الجلوس و مضى ا"لى الداخل يناديها:
"ماجدة ..يا ماجدة".
عندما دخلت عليهم كان زوجها خلفها .رحبت بهم و جلست و بقى هو على الباب.
نظرت في الوجوه و سالت:
"استاذ ا3دم؟"
فرد عليها لتنظر ا"ليه .بادرته:
"شكرا لحفاظك على ابني .يقول ا"نك ادخلته الحديقة .نحن ممتنون".
رد ا3دم بصوت غريب لأ يعرفه:
"العفو .شرا تعمل خيرا تلقى .المثل معكوس .لكنه ينطبق على الحقيقة".
خفضت بصرها في اعتراف واضح بالذنب.
عطاك لتعطيه كريم من اجل التمثيلية؟" "كم ا ƒ
قبل ان ترد جاء الصغير يحمل الكرة و يقول:
"من يسال عني؟ ها انا".
تجاوز اباه و انطلق نحو ا3دم يقول:
"هي ا بن ا ي ا عم و ا3دم .تع ال ان ا و ان ت و عم و الص غير و الرج ل العج وز نلع ب مب اراة
بالأسفل .سنترك بابا و ماما لأنهما من الكسالى".
رفعت ماجدة عينيها ا"لى ابنها و قالت بصوت مرتعش:
"ادخل حجرتك الأ3ن يا كريم".
نظر ا"ليها و قال:
"لأ! اريد ان العب معهم!"
167
أين ابني؟
نظرت ا"لى زوجها نظرة معبرة .تقدم في ا3لية و اخذ بيد ابنه ليسحبه ا"لى الداخل.
اخذ الصغير يصرخ و هو يقاوم اباه.
"اخفض صوتك ستوقظ اخاك .لقد افلحت في جعله ينام منذ قليل".
قالتها ماجدة بهمس كانها تخشى ان يوقظ صوتها هي الصغير الرضيع.
توجه ا3دم بالكلام ا"ليه:
"اذهب مع بابا يا كريم .نحن متعبون اليوم .يوم ا3خر سناتي و نلعب معا ا"ن شاء الله".
وقف صامتا في خيبة امل للحظات ثم قال:
"وعد؟"
"وعد".
افلت الكرة فتدحرجت نحو قدم منصور و مضى مع ابيه.
عاد ا3دم ببصره ا"ليها و اعاد السؤال:
"كم دفع؟"
بنفس الصوت المرتعش اجابت:
"عشرون الفا".
"سل• ‹م ƒته الولد بكل سهولة؟! الم تخشي عليه ان نختطفه؟! ماذا اخبرك عن هدفه؟"
حاولت ان تتماسك و قالت:
"قال انها مجرد لعبة .لم اكن استطيع الرفض".
"اعطي ƒته ابنك ليلعب به لعبة؟!"
لم تجب .مضت ثوان و قالت:
"كنت اعلم ان كريم سيكون بخير".
ركز بصره على عينيها في صمت .لم تستطع رفعهما ا"ليه .جمد المشهد هكذا لدقيقة.
قام ا3دم فقام منصور و العم جمال يتبعانه .رفعت بصرها اخيرا و نظرت ا"ليهم في حزن
و هم يغادرون.
168
محمد زقزوق
***
169
أين ابني؟
170
محمد زقزوق
ان يعمل شيئا .لمعت في راسه فكرة .قام و احضر هاتفه .قل• ب ف ي القائم ة ح تى ات ى اس م
من يبتغيه ثم اجرى المكالمة .سبع رنات كاملة حتى فتح الطرف الأ3خر:
"اهلاااااااان ..اهلا اهلا اهلا .كيف الحال يا بطل؟"
"نديم اخذ النقود التي اعطيتها ا"ياي يا شاكر .هل رايته اليوم ام ف sر بها؟"
لم يسمع غير صوت تنفس شاكر لثوان ثم سمعه ينطلق في ضحك هس تيري .بع د تل ك
النوبة قال و هو يضحك بين الفينة و الأخرى:
"مسكين ..هه .مسكين يا استاذ ا3دم .هه هه".
ثم تمالك شاكر نفسه و قال:
"نديم اخبرني بالأمر ف ور ان نزل ت م ن عن ده .لق د قل ت ل ك ..يمكنن ي ان اس لم ن ديم
روحي".
ثم بدات نغمة السخرية:
"لأ تنكر ان ن ديم يمكن ه ان ي ذهب ب ك ا"ل ى البح ر و يرج ع ب ك و ان ت عطش ان .ه ل
تريدني ان اربت على كتفك لأنك وقعت في حبائله كالغر الساذج؟"
زفر ا3دم في حنق .قال:
"انت تعلم الأ3ن ان اتفاقنا uم ‹ل tغى".
" لأ لأ لأ لأ .الكلمة كلمة يا استاذ ا3دم .هل ساعلمك انا الحفاظ على الوعد".
"اقول لك اخذ النقود".
اندفع شاكر و قال:
"و هل انا الذي اخذتها؟ استرجعها منه ا"ن استطعت .بل و اقول لك ما سيدهشك .لق د
وضعها في حسابي فور ان حصل عليها .اتعرف؟ لو كان طلب ان ياخذها لتركته ا ل ه ف ورا.
لكن ذلك هو نديم كما عهدته دائما .و هكذا يا صديقي .تدور النقود في دائرة لترجع ا"ل sي
مرة اخرى".
لم يدر ا3دم ماذا يقول .فكر للحظات ثم برق في ذهنه الخاطر فاعتدل اكثر في جلسته
171
أين ابني؟
و قال باريحية:
"انتظر ..انتظر .من اخبر نديم عن المصرف الذي اتعامل مع ه؟ اخت ار الف رع ال ذي ام ام
حديقة الحيوان ليوجهني ا"ليه .ل م يع رف اح د غي رك عن دما ح ولت ان ت ا"ل sي النق ود .الي س
كذلك؟ لقد شاركته .شاركته يا شاكر بيه في خداعي .لن ا3خذ الم ال من ك اب دا .ال م يك ن
ذلك وعدك؟! اتذكر؟! اتفاقنا يا شاكر بك كانه لم يكن .انت الذي ل م يح افظ عل ى ش رف
كلمته".
ضحك شاكر ضحكة استهانة ثم قال:
"و ما المشكلة .اشرب من البحر .الأمر كله سينتهي قريبا و سالعب معك الشطرنج رائق
البال .اراك قريبا يا صديقي .اقرب مما تتصور".
اغلق شاكر الخط تاركا ا3دم يغزو قلبه القلق.
الأمر كله سينتهي قريبا.
ماذا كان يقصد؟
لبث عشر دقائق يفك ر ث م وج د ه اتفه ي رن .دون ان ينظ ر ف ي شاش ته فت ح الخ ط .ق ال
مترقبا:
"سلامو عليكو".
الصوت على الطرف الأ3خر جعل قلبه يقفز من بين اضلاعه.
"استاذ ا3دم ..هل انت غبي؟!"
***
"اين انت؟"
قالها ا3دم بلوعة كانه ينتظره منذ مدة.
اتاه الصوت المكتوم و الذي يبدو و كانه ا3ت من بعيد .لم يجبه ،قال:
172
محمد زقزوق
"كيف تسلم لنديم بتلك السذاجة؟! هل انت معتوه يا رجل؟! اتعطي ه ك ل تل ك الأم وال
دون ان تتاكد من ان الطفل هو حسام بالفعل؟!"
"من انت ايها الرجل؟! افصح عن هويتك!"
رد عليه:
"رجل يحاول مساعدة ا"نسان فاشل! هذا انا!"
"ارجوك اخبرني من انت ..انت الخيط الوحيد الباقي لنا".
"لقد اعطيتك معلومة تساوي كنزا و انت اهدرت الفرصة بغباء لأ متنا ’ه!"
"لقد فعلت ما بوسعي .فقط اخبرني من انت و كيف تع رف ع ن حس ام .ح تى اخ برني
فقط كيف هو شكله".
صمت الصوت على الطرف الأ3خر للحظات .عاد يقول:
"اسمعني جيدا .هذه المرة لأ تحتمل الأخطاء .ا"م ا ان تص يب او ان تخي ب .ان ا اخ اطر
بشدة ب "اخباري لك .اتفهم؟"
"نعم نعم فقط هل يمكنك ان تخبرني عن نفسك؟!"
"سؤال خاطئ .اعد المحاولة".
"لماذا تفعل ذلك؟!"
"سؤال ا3خر خاطئ اعد المحاولة".
صمت ا3دم لثوان ثم استسلم .قال:
"ماذا عندك؟"
"سؤال ص حيح .ه ذا ه و الكلام .اس مع .اولأ :ان ا لأ اعل م كي ف يب دو ش كل حس ام.
ثانيا :ساخبرك الأ3ن اين تجده .لأ بد ان ينتهي الأمر الليلة .لأ تذهب في ضوء النه ار .الليل ة
و الليلة فقط .اتعرف ا"ن اهدرت ه ذه الفرص ة؟ ل و اه درتها لك ان علي ك ان تب دا ف ي تق ديم
اوراقك في اول مدرسة ابتدائية تجدها .اتفهم؟!"
ك ان ا3دم يس تمع ا"ل ى ذل ك التقري ع و ي tت tح •رق بش دة ليعل م لم اذا يح رص ذل ك الرج ل
173
أين ابني؟
***
174
محمد زقزوق
ابتسم له و قال:
"الأ تفكر ان تاخذ ا"جازة؟"
رد نديم بابتسامة لحظية:
"العمل لأ ينتهي".
"ارح نفسك قليلا".
شعر و كان رنة سخرية في صوت نديم و الذي قال:
"من ماذا؟"
ستبدا المناورات .كان يريد ان يقول:
"بل ارحنا منك".
لكنه قال و الأبتسامة تملا وجهه:
"صحتك".
اشار نديم ب "ابهامه انها ممتازة.
"لأ استطيع ان اترك شاكر بيه".
"الأ يعطيك ا"جازة يا رجل؟! هل حياتك كلها عمل؟!"
"ا3خذها عندما يقل العمل ا"لى حده الأدنى".
"و هل يحدث ذلك".
"احيانا".
"عيني عليكم باردة".
ابتسم نديم لثوان و ظل الرجل محافظا على ابتسامته و كل منهما ينظر في عيني الأ3خر.
هل هو تحد؟
***
175
أين ابني؟
176
محمد زقزوق
177
أين ابني؟
نزل منصور و نزلت مديحة و تقدمهما ا3دم ببطء نحو الفيلا .اق ترب بح ذر و ه و يح اول
تبين وجود اي حارس على الضوء الشاحب.
من خلال البوابة الحديدية بدا له ان لأ احد .اشار لمنصور و مديحة بالأقتراب اكثر.
وقف ثلاثتهم امام البواب ة بالض بط .اخ ذ ا3دم يج ول ببص ره ف ي الحديق ة الص غيرة .ل م يت بين
وجود احد .ببطء امسك بحديد البوابة و دفعه ا متوقع ا ان يحت اج ا"ل ى تس لق الس ور .لكنه ا
فتحت امامه بسلاسة و بدون ادني صوت!
نظر ا3دم لهما في قلق .كمين هو ام ماذا؟!
لم يجد منهما ما يرشده كانهما سلما له القيادة تماما.
نظر ا"لى الضوء الأ3تي من الأعلى و اخذ نفسا عميقا يزيل به توتره ثم دخل و هم ا يتsبع ان
خطواته بالضبط .امامهما باب وحيد كبير .اشار لهما بالتوقف ثم همس:
"ابقيا هنا لدقيقة .سانظر ا"ن كان هناك مداخل اخرى".
اخذ يتجول بحذر و هو بالكاد يرى امامه .الفيلا صغيرة فل ذلك دوران ه حوله ا ل م ياخ ذ
وقتا ،و عندما وصل ا"ليهم من الجهة الأخرى قال:
"باب داخلي وحيد و بواب ة خارجي ة وحي دة .لأ نواف ذ ارض ية .لأ ادري م ن ص مم ه ذه
الفيلا على هذا النحو!"
لكن الوقت لأ يسمح بالترف في تلك التحليلات .مض وا نح و الب اب .م د ا3دم ي ده ا"ل ى
المقبض و اداره .خيب ظنه مرة اخرى .ا"ذا كان ترك البوابة الخارجية مفتوحة بلا حارس ف ي
منطقة مقطوعة الصلة بم ا حوله ا مث ل ه ذه ه و س هو ،ف ترك الب اب ال داخلي مفتوح ا هك ذا
صعب ان يكون سهوا .لك ن م ا بالي د حيل ة ..لأ تراج ع الأ3ن .فت ح الب اب و خط ا بال داخل
خطوتين و قلبه ينبض في عنف .لم يستطع تبين اي شيء .هنا ظلام دامس بالأسفل و هن اك
نور ساطع راوه من الخارج بالأعلى .ماذا في جعبتك يا شاكر؟! هكذا فكر ا3دم.
لكن مديحة لم تكن تحلل و تتش كك .ك ان ك ل م ا يس تولي عل ى عقله ا الأ3ن ه و حس ام.
اخذت تجول ببصرها في لهفة في الظلام المطبق .اراد ا3دم ان يخطو قدما ا"لى الداخل عندما
178
محمد زقزوق
179
أين ابني؟
كل هذا و ا3دم لم ينقل بصره عن الباب بالأعلى .توجه نحو السلم فتبعه منصور تلقائيا
و تبعتهم مديحة بعينيها الملتاعتين و ابتسم ن ديم لثاني ة واح دة .عن دما اص بحا ب الأعلى ام ام
الباب نظر ا3دم ا" لى نديم فبادله نظرته بهزة من كتف ه .عن دما وض ع ي ده عل ى المقب ض خ اب
امله للمرة الثالثة .ظن انه مفتوح هذه المرة ،لكنه كان مغلقا .نظر ا"لى نديم بالأس فل فاوم ا
براسه ا ن نعم هو مغلق .ثم ضغط بيده الزر فانغلق الب اب ال داخلي بص وت مس موع .التف ت
الثلاثة على اث ر الص وت لك ن ا3دم ل م يفك ر ف ي ذل ك ك ثيرا؛ لأن ه م ا لب ث ان س مع اص واتا
بالداخل لم يستطع تبينها جيدا .اصوات بشر .ثم صوت مكتوم لشيء ينزلق و يرتط م بش يء
ا3خر.
اخذ يدق بقبضته على الباب في عنف.
"افتح!"
طاخ طاخ طاخ.
"افتح يا من بالداخل!"
"لقد حبسنا هنا يا استاذ!"
"افتح يا شاكر!"
بصوت اعلى.
طاخ طاخ طاخ.
اشار منصور نحو عتبة الباب و قال:
مضاء منذ قليل؟!"
• "انظر يا استاذ .النور مطفا الأ3ن .الم يكن
نظر ا"ليه ا3دم ثم بدا يدق بعنف شديد على الباب .كل هذا كان يحدث و نديم ينظر ا"لى
مديحة بوجه محايد لأ عواطف فيه و كان ما يحدث بالأعلى لأ يعنيه.
"هيا يا منصور ..سنكسر الباب!"
قالها و ب دا يض رب رت اجه بكع ب ح ذائه بق وة .يض رب م رة و منص ور الأخ رى و ن ديم
هادئ تماما ،و مديحة تنقل بصرها في ارتياع بينهما بالأعلى و بين نديم بالأسفل.
180
محمد زقزوق
لم يستمر الضرب طويلا .ضربه منصور ضربة فتخلخل تمام ا .اكم ل ا3دم ب اخرى فانفت ح
بعنف .صفق نديم بالأسفل .على الضوء القادم من الأسفل راى ا3دم الحجرة خالية تماما .ما
استوقفت نظره هي النافذة .يبرز منها راس...
راس سلم.
هرول ا"لى الداخل و تبعه منصور .اطل منها بسرعة .راى بالأسفل شبح احدهم على ا3خر
درجة و هو يهبط ا"لى الأرض.
شخص يحتضن شيئا داخل معطفه تماما.
او شخصا.
"شاكر!"
نادى ا3دم بعلو صوته .لم يكن يعرف ا"ن كان هو ام لأ .لكن الشخص مضى بسرعة ا"ل ى
البوابة الحديدية .قبل ان يترك السلم حاول ان يسقطه على الأرض لك sن ما كان يحمل ه ك ان
يمنعه من التعامل بحرية .لم يوفق في المحاولة الأولى فتركه و مضى بسرعة.
عبر البوابة الحديدية في ثوان و ردها خلفه ثم نادى باعلى صوته:
"نديم!"
عرف ا3دم فورا ص وت ش اكر .ل م ي تردد و انطل ق ع بر الناف ذة يهب ط عل ى الس لم .راقب ه
منصور حتى وصل ا"لى ا3خر ربع فيه ثم بدا يهبط هو الأ3خر.
"احترس يا منصور".
"لأ تخف يا استاذ ..انا حذر جدا".
توجه ا3دم من فوره ا"لى البوابة دفعها بقوة ا"لأ انه كاد يضرب راسه بحديدها عندما وجدها
مغلقة.
لمن في الداخل كان صوت شاكر واضحا عندما نادى على ن ديم .التفت ت مديح ة نح و
الباب و اخذت تحاول فتحه بقوة و هي تنادي:
"شاكر! شاكر!"
181
أين ابني؟
اما نديم فكان قد حرك يده ا"لى زر ثالث و ضغطه .زر يغلق البوابة الحديدية بالخارج.
كان ا3دم يرى الشبح بالخارج و هو ينحرف بحمله ليغيب عن بصره.
ه رول ش اكر نح و س يارته خل ف الفيلا .عن دما وص ل ا"ليه ا فت ح ب اب الس ائق و دخ ل
بسرعة.
"بابا ..بابا! انت تؤلمني!"
" انا ا3سف ..ا3سف يا حسام! ا3سف يا حبيبي!"
اتخذ مكانه جيدا و نقل ابنه ا"لى المقعد بجواره .اخذ يشهق و يعب الهواء.
"تاخذني يا بابا من عند ابلة شهيرة و انت تدفن راسي ف ي ص درك كان ك لأ تري د اح دا
ا ن يراني ،ثم تهبط بي على السلم بنفس الطريقة؟! لماذا كل هذا يا بابا؟!"
اغلق شاكر بابه بقوة و هو يقول:
"ساشرح لك يا حبيبي! ساشرح لك!"
و مضى بالسيارة بسرعة و التي ع برت ف ي الظلام ام ام عين ي ا3دم الع اجزتين .ك ان يبص ر
سيارة العم جمال من بعيد .اخذ يصرخ و يقول:
"الحق به! امسكه!"
في ذلك الهدوء كان و كانه يتكلم في مكبر صوت.
"ماذا تفعل؟! ماذا تفعل؟!"
ك ان يخ اطب الع م جم ال م ن بعي د و ه و ي راه يتح رك بس يارته بس رعة ف ي الأتج اه
المعاكس.
وصل منصور و سال لأهثا:
"ماذا يحدث؟! كيف اغلقت البوابة؟!"
"ا"نه يهرب! عم جمال يهرب!"
ثم نظر ا"لى السور و قال و هو يتجه بسرعة نحوه:
"شبك لي يديك يا منصور ..ساقفز .هيا بسرعة!"
182
محمد زقزوق
لم يضع منصور الوقت .فعل كما امره و رفعه بق وة ح تى تمك ن م ن اعتلاء الس ور ،ث م
انحدر بسرعة فسقط على يديه و قدميه و مضى يجري من فوره.
توجه منصور بسرعة نحو البوابة و اخذ ينظر ا"لى ا3دم بالخارج.
اخذ ا3دم يعدو با قصى م ا يس تطيع .س يارتان عل ى مبع دة من ه و ك ل منهم ا تس ير عك س
الأ خرى تماما .وقف على الطريق في منتصف المسافة بينهما و اخذ ينظر مرة ا"لى تلك
و الأخرى ا"لى الثانية و هو لأ يدري ايهما يتبع.
اخذ يصرخ باعلى صوته:
"ارجع! ارجع يا عم جمال لأ تخف! ارجع!"
***
183
أين ابني؟
فتى في السابعة عشرة ،و رجل في الثلاثين ،و امراة في الخامس ة و الثلاثي ن ،و رج ل عج وز
في الواحدة و الستين ،كلهم يجلسون صامتين بينما يقود الأخير السيارة .لكن ما يلبث ذلك
الصمت ا ن ينقطع كل ربع ساعة تقريبا عندما ينطلق منصور و يقول:
"عار! عار عليك ما فعلت يا عم جمال!"
فيرد الرجل:
"يكفي يا منصور! قلت يا اخي مئة مرة :انا ا3سف!"
فياخذ منصور الجالس بالخلف مع ا3دم نفسا ثم ينظر ا"لى قدميه و الشعور ب الخزي يص يبه
هو بالتحديد.
اما ا3دم فينظر ا"لى مديحة في الأمام و هي تضع راسها على كفها و تستند به عل ى زج اج
بابها بوجه جامد حزين.
طعم المرارة يغزو حلقه!
لكن منصور لم يتحمل فقال:
"لقد خذلتنا و قصرت رقبتي يا عم جمال!"
نظر ا"ليه في المرا3ة المعلقة امامه و قال:
"اسكت يا منصور! ماذا افعل لكي تسكت؟! الم ارجع ا"ليكم؟!"
فرد عليه:
"بعد فوات الأوان!"
فصمت العجوز في حنق ثم نظر في ذات المرا3ة ا"لى ا3دم و قال:
"انا لست جبا tن يا استاذ ا3دم ،لكنني ارتبكت بشدة .نع م خف ت .اش ياء عجيب ة تح دث
امامي! اولأ ينطفئ النور بالأعلى و يضاء بالأسفل بعدما دخلتم بف ترة قص يرة! ث م ارى ش بحا
عجيب الشكل يهبط من نافذة تلك الحجرة كانه ينزل على سلم! ين ادي ن ديم و ه و يخ رج
184
محمد زقزوق
من البوابة ثم يجري ،ثم تمر السيارة مسرعة امامي و قد بلغ الرعب مني مبلغه .انا عج وز ي ا
بني .هذا الج و لأ يناس ب س ني ا ب دا .خف ت ..نع م خف ت .لك ن بع د نص ف الس اعة م ن
القيادة المرتبكة توقفت و لمت نفسي .عدت ا"ليكم يا استاذ ا3دم .الم افعل؟!"
نظر مرة اخرى ا"لى منصور ثم قال و هو يذكره:
"الم تسرق يا منصور سيارة الأستاذ ا3دم و هو عفا عنك؟! كلنا نخطئ يا منصور!"
ثم نظر ا"لى ا3دم في المرا3ة و قال:
"اليس كذلك؟!"
ا3دم كان ينظر ا"لى الخارج .نور الفجر بدا في تخفيف سواد السماء .رد و قال:
"لم يسرقني .لقد كانت سيارة صديقي".
ثم نظر ا"لى مديحة و سال:
"هل انت بخير؟"
لكنها بدت في عالم ا3خر.
لقد صعدت ا"لى الأعلى مهرولة و دخلت الحجرة لتنظر من نافذتها .رات الس يارة و ه ي
تبتعد .السيارة التي بها ابنها تاخذ ايضا قلبها بعيدا .سمعت ا3دم يصرخ ثم يقفز السور
و يجري خلف سيارة عم جمال ،ثم يتوقف و هو حائر بين السيارتين.
تمر الدقائق الثقيلة و هي تود لو تص رخ .ل م يك ن امامه ا ا"لأ ذل ك ،لكنه ا لأ تس تطيع.
يع ود ا3دم بخط ى متثاقل ة و يق ف عل ى البواب ة ام ام منص ور.رف ع راس ه ا"ل ى الحج رة .لأ
يستطيع تبين ملامحها و لأ تستطيع تبين ملامحه .لكن مجرد رفع راسه ا"ليه ا و الثب ات عل ى
ذلك ابلغ من اي تعابير.
سمعت خطواته و هو يصعد .دخل ن ديم و انض م ا"ليه ا عل ى الناف ذة .اتك ا عل ى ا"طاره ا
بذراعيه .صامتا كعادته .بوجه محايد كعادته.
نظرت ا"ليه بجوارها .ناداه منصور من الأسفل و هو يترك البوابة و يقف تحتهما بالضبط:
"ايها المجرم!"
185
أين ابني؟
ودت لو توجه لكمة ا"ليه .احست انها لأ تستطيع .لكن الغضب المري ر ب داخلها تص اعد
و اخذت قبضتها ترتعش ثم انطلقت فجاة نحوه ،لكن نديم استقبل قبضتها في كف ه ببس اطة
دون ان ينظر ا"ليها .اخذ يضغط بقوة عليها.
ا3دم يراقب م ن الخ ارج .و منص ور عن دما راى ذل ك اخ ذه الغض ب و اخ ذ يص عد عل ى
السلم و يقول:
"اتركها ايها الحقير!"
فما كان من نديم ا"لأ ان قال بهدوئه:
"العب بعيدا يا شاطر".
ثم دفع بيده الأخرى السلم قبل ان يصعد منصور درجته الثالثة ليسقط على الأرض
و منصور يسقط منه بارتباك وسط التراب .قام و الغضب يملاه .اخذ يصرخ و يتوعد و توجه
نحو باب الفيلا و اخذ يضرب رتاجه بقدمه بقوة.
ترك نديم يد مديحة لتسقط ا"لى جانبها في ضعف.
"منصور .منصور .كفى يا منصور".
فور ان سمع صوت ا3دم توقف عن الضرب بقدمه .اخذ يلهث بشدة.
رفع ا3دم راسه مرة اخرى و قال بصوت متحشرج:
"افتح الباب يا نديم .دعها تخرج".
نظر نديم ا"لى ساعته و قال:
"نصف ساعة اخرى".
فرفع منصور راسه ا"ليه في غضب لكنه لم يتكلم.
اما ا3دم فقد خفض بصره ثم استدار و نظر ا"ل ى الأف ق .ري ح ب اردة لفح ت وجه ه .وض ع
يديه تلقائيا في جيبي سترته.
و بقت الصورة ثابتة على هذا الوضع تلك النصف من الساعة.
بعد ان مرت قال نديم دون ان ينظر ا"ليها:
186
محمد زقزوق
***
187
أين ابني؟
***
188
محمد زقزوق
اخرج را س ه م ن ناف ذة القط ار الم ارق .اله واء منع ش ف ي ه ذه الس اعة الأخي رة قب ل غ روب
الشمس .القطار يمر عل ى ترع ة خلفه ا اراض شاس عة ملون ة كله ا ب اللون الأخض ر .الش مس
امامه تبدو و كانها مقبلة على السقوط في بحر المزروعات ذلك.
استنشق ا3دم الهواء الذي يضرب وجهه بقوة .ف ي الص باح عن دما اس تعاد بع ض ق وته ق ام
من على السلم و مضى يص عد الطواب ق الأ ربع ة ممس كا بالح اجز بي ديه الأثن تين ليعين ه .م ن
الجيد انه اخبر ليلى الأ تقلق ا"ذا تاخر ،حتى لو اتى في اليوم التالي كما فعل.
عندما وصل اخيرا ا"لى باب شقته ثارت نفسه بالنشوة و كانه قد حقق ا"نجازا عظيم ا .ل م
يس تطع ان يول ج المفت اح ف ي الب اب و اخ ذ يخط ئ الفتح ة م رة بع د الأخ رى فض غط زر
الجرس .مضت نصف دقيقة حتى فتحت ليلى .ابتسم لها في ا"رهاق دون ان يتكلم و دخل.
كان خالد خارجا لتوه من الحمام.
"هل انت بخير يا ا3دم؟!"
قالتها و هي تتبعه بخطى حثيثة.
"مالك يا بابا؟!"
قالها خالد و هو ينظر بقلق ا"لى وجه ابيه المتعب.
توق ف ا3دم ا م ام ابن ه ث م م ال عل ى ش عره فقبل ه ،ث م وض ع ي ده عل ى كت ف ليل ى و ق ال
بابتسامته المرهقة:
"انا بخير .فقط ..فقط اريد ان اناااام".
و مضى نحو حجرته و ليلى و اغلق الباب بهدوء خلفه.
دون ان يخلع حذاءه ارتمى على السرير و ذهب في النوم بعد دقيقتين فقط.
189
أين ابني؟
نوم عميق بلا احلام ،و عندما فتح عينيه راى الساعة تشير ا"لى الثانية ظهرا و راى الحذاء
و قد خلع و وضع اسفل الدولأب كما اعتاد ان يضعه .نظر بجواره فراى ورق ة .ك انت ليل ى
تخبره فيها بطعام الأ" فطار و تقول:
"مع انني اشك في انك ستصحو لتاكله .نراك على الغداء ا"ن شاء الله".
ابتسم ابتسامة خفيفة و هو يطوي الورقة.
للاسف سيخيب ظنها .لأ وقت للغداء .سيكتفي بالأ" فطار في وق ت الغ داء لأن ه يري د ان
يسافر فورا.
اتصل بها ليخبرها بذلك .قالت له في الهاتف :
"لأ باس .ا"نه العمل الجديد ..اليس كذلك؟"
اجابها بابتسامته الخفيفة:
"نوعا ما".
ثم قال:
"الأ يمكن ان تزوري مديحة لبعض الوقت اليوم؟ ا"نها في صدمة .خذي خالد معك".
لم تساله عن التفاصيل و اجابته:
"بالتاكيد .اين ستذهب و متى سترجع؟"
اخبرها اين ينوي السفر ثم اكمل:
"باقرب ما استطيع ساعود يا عزيزتي .ساتصل بك عندما اصل ب "اذن الله".
سلم عليها و انهى المكالمة ثم انطلق بعدها من البيت بربع ساعة.
ادخل راسه من نافذة الأنتعاش بعدما اخذ قسطا وفيرا منه ،ا"لأ انه بعدها بثوان اخرج ي ده
بسرعة منها لتمسك بمنديل ورقي هارب من يد صاحبه قبل ان يل وثه .اع اده ا3دم م رة اخ رى
ا"لى صاحب المنديل الجالس امامه بالضبط .شاب في مثل سنه .شكره مثنيا:
"شكرا جزيلا .لقد اقتنص tته بيد كالمخلب! كان ا3خر ما ف ي جي بي و انف ي مث ل الص نبور
كما ترى!"
190
محمد زقزوق
191
أين ابني؟
"اخ! انا ا3سف! هذا الأندفاع في الكلام من الأختناق الذي اشعر ب ه .ه ذا القط ار يس ير
كالسلحفاة ،اليس كذلك؟!"
اكتفى ا3دم بهزة راس غير ذات معنى .نظر ا"لى الخارج.
قبل ان يذهب ا"لى محطة القطار عرج على بيت مديحة .لم يكن يعلم ا"ن كان س يجدها
ام لأ .صدق حدسه .فعلا لم تذهب ا"لى عملها.
فتحت له بتهالك.نظر ا"لى عينيها المحمرتين من اثر البكاء شبه المغلقتين من قلة او ع دم
النوم و ظل صامتا .و كذلك فعلت هي و هي تبتلع ريقها كل بضع ثوان.
تنهد و اخبرها بقدوم ليلى لتجلس معها بعض ال وقت .ايض ا ق ال له ا ان ه سيس افر ليخل و
ا"لى نفسه بضعة ايام .بالكاد سمع صوتها و هي تتمتم:
"تشرف".
مضى خارجا و سمع صوت الباب من خلفه يغلق ببطء كما فتح ببطء.
اعاده صوت الرجل ا"لى الوقت الحاضر قائلا:
"ه ا ق د اوش كنا عل ى الوص ول اخي را! هي ا ا"ل ى الب اب لنس تطيع الهب وط اولأ .لأ اح ب
الزحام".
مضى ا3دم معه و هو يحمل حقيبته الصغيرة .عندما دخل القط ار المحط ة و توق ف و ف ور
ان هبطا زفر الرجل قائلا:
"ا†ف! اخيرا! ربنا يرحمنا! تعال لأريك الحلواني .ستدعو لي".
مضى ا3دم معه و هو يفتح هاتفه المغلق .وجد رسالتين من ليلى .تقول في الأولى:
"لقد فاتك الكثير ..اتصل بي عندما تفتحه".
و في الثانية:
"الم تفتحه بعد؟!"
مع صورة وجه غاضب يتلوه وجه مبتسم.
ابتسم ا3دم ثم اتصل بها .مض ى م ع الرج ل ا"ل ى ب اب الخ روج .توقف ا عن د ب ائع ليش ترى
192
محمد زقزوق
الرجل كيس مناديل .س مع ص وتها .تح دثت و انص ت لدقيق ة واح دة تغي ر فيه ا وجه ه ا"ل ى
الغضب الشديد ،ثم انفرج في ارتياح .اغلق بعدها ا3دم الخط .التفت ا"لى مرافقه و قال:
"لقد سعدت بلقائك .بما انك خبير بهذا الطريق ذهابا و ا"يابا ،هل يمكنك ان تفيدني؟"
لوح له الرجل قائلا و هو يهم بالمضي:
"استفسر عن اي شيء .لكن تعال نخرج بسرعة .لقد اختنقت!"
استوقفه ا3دم ممسكا بذراعه قائلا بوجه بريء:
"سؤال واحد فقط .ما هو اول موعد من الأ3ن للقطار العائد؟ اريد الرجوع فورا".
توق ف الرج ل جام دا و ك ان التع بير عل ى وجه ه مض حكا بش دة و ه و يس اله مس تنكرا
بحرفين فقط:
"هه؟!"
***
193
أين ابني؟
194
محمد زقزوق
195
أين ابني؟
يزحف بتثاقل كان القدم التي تلبسه تمشى مجبرة .ثم فتح الباب.
ارتبكت ليلى عندما راتها .لقد بدا له ا انه ا ك برت خمس ين عام ا ع ن الم رة ال تي راته ا
فيها!
كانها لم تعد تنام! حاولت مديحة ا ن تبتسم و لو شبح ابتسامة مرحبة لكنه ا ل م تنج ح .ك ل
ما نجحت فيه كان ان اشارت ا"لى الداخل و قالت:
"مرحبا".
تقدمت ليلى نحوها .قبلتها على الخد الأيمن ثم الأيسر و دخلت .اغلقت مديحة الباب
ث م اش ارت لليل ى ا" ل ى المقع د الوحي د ،ث م اتجه ت نح و الرك ن ال ذي ه و م ن المف ترض
مطبخها .اخذت تعد الشاي.
توجهت ليلى نحوها ممسكة بالأشياء من يدها .قالت:
"عنك انت .شكلك يدل على انك متعبة جدا".
استسلمت الم را ة تمام ا بلا نق اش .وقف ت تش اهد ليل ى و ه ي تق وم بالعملي ة كله ا .ل م
تتكل م ا" ح داهما ح تى غل ى الم اء و ص بته ليل ى .وض عت الك وبين عل ى طب ق م ن الأ" ثني ن
الوحيدين امامها و ابتسمت لمديحة و قالت:
"كله تمام".
اومات مديحة براسها ثم توجهت نحو المقعد.
اشارت مديحة و قالت:
"تفضلي".
سالتها ليلى:
"و انت؟!"
"ساجلس على الأرض!"
"لأ ينفع!"
"انا معتادة على ذلك".
196
محمد زقزوق
197
أين ابني؟
198
محمد زقزوق
***
لقد سئم!
الخارج ثم الداخل! من مدرسة ا"لى بيت ا"لى فيلا في منطقة مرعبة ا"لى بيت ا3خر! و كلما
يساله :لماذا يا بابا نفعل ذلك؟ يقول له:
"لأحقا ..لأحقا".
لكنه يريد تفسيرا .مع صغر سنه يريد ان يفهم لماذا كل ذلك التعب.
199
أين ابني؟
200
محمد زقزوق
بالسؤال:
"هل انت تائه يا بني؟"
دخل حسام و جلس على المقعد دون دعوة .قال الرجل:
"انتظر ..انتظر .لماذا تقف هكذا؟! اين اهلك؟!"
"اريد ان اذهب ا"لى البيت".
"و اين هو؟! و كيف تقف هكذا وحيدا؟! هل تهت من ماما؟"
"انا اعلم عنوان البيت يا عمو".
قالها و اخرج كل النقود و وضعها في حجر الرجل .قال:
"خذها كلها لكن اوصلني ا"لى البيت".
نظر الرجل ا" لى النقود الكثيرة في حجره و بين فخذيه على الكرسي و لم ي در م ا يق ول.
زبون صغير طوله قصير ،و لديه من النقود الكثير .امر ليس اب دا ب الخطير .الي س ك ذلك؟
ام ماذا؟
"اين بيتك؟"
اعطاه عنوان المدرسة .عنوان حرص ابوه على ان يحفظه .ربما هذا هو خير ما فعله له.
هكذا فكر.
"مدرستك ام بيتك؟ لأ تحيرني يا بني".
مد حسام يده الصغيرة و اخذ مجاهدا يحاول الوصول ا"لى يد الباب ح تى نج ح و اغلق ه
و اخذ جلسته و قال:
"مدرستي هي بيتي ..عند ابلة شهيرة".
زفر الرجل و سلم امره لله ثم انطلق.
***
201
أين ابني؟
202
محمد زقزوق
203
أين ابني؟
***
204
محمد زقزوق
كانت تعبر بالقرب من مسكن مديح ة .ف ور ان س معتها انطلق ت حنجرته ا النس ائية الجب ارة
بنداءات و صيحات مدوية تكاد توقظ من سقطوا في غيبوبة.
"يا ا م سعدية ..يا منال ..يا حميدة ..يا وردة ..ي ا س عاد ..ي ا خديج ة ..ي ا بط ة ..ي ا
ام"...
في ثوان معدودات كانت قد نادت على ما يقرب من ثلاثين اسما بادئة ب ام س عدية ال تي
تشاجرت معها منذ قليل.
و السبب قالته بصوتها الرنان و هي تعبر مدخل عمارة مديحة:
"مديحة تستغيث!"
و لبين النداء فورا .كن يخرج ن م ن بي وتهن س راعا .عش رون واح دة عل ى الأق ل وص لن
تباعا.
كانت المراة المنادية اول من دفع الباب فاصطدم بعنف بالجدار .رات نديم و ي ده ثابت ة
في الهواء فوق راس ليلى بالضبط ،و مديحة تنظر ا"ليها في ارتياح م ن وج د النج دة ،و ن ديم
ادار راسه هو ينظر ا"لى الوافدة بعينيه الناعستين.
صرخ فيها شاكر قائلا:
"هشش ..اخرجي يا امراة".
كان ردها ان انحنت و خلعت نعلها و مضت نحو نديم.
ثوان فقط و دخلت الجحافل .و تلقائيا خلعت ك ل منه ن نعله ا .و منه ن فتي ات خلع ن
النعلين .و...
و بدا الضرب.
من يمكنه ان يواجه تل ك الق وى النس ائية العاتي ة بص يحاتها الجب ارة و ب الأخص ا"ن كان ا
رجلين فقط؟!
دفع نديم المراة القائدة فوجد اخرى تنزل على راسه بنعلها .احس بنعل ا3خر في بطنه.
اما شاكر فقد تراجع حقا نحو الحائط عندما راى السيل قادما.
205
أين ابني؟
و اختلط الحابل بالنابل .و تراجعت ليلى و مديحة نحو الحائط ملتص قتين ب ه تمام ا فق د
غصت الحجرة بمن فيها.
"اتتهجمان على امراتين ضعيفتين يا كلب انت و هو؟!"
"خذ يا مجرم! يا نذل! يا tس ‹ق tط الرجال!"
"اضربي بقوة يا بنت! ضعي نعلك في فمه ،ذلك الرجل النائم على روحه!"
و كانت ماساة! او ملهاة!
ثياب الرجلين ا خذت تتمزق و الضرب مستمر عليهما بلا هوادة! مطحنة فعلية!
مطحنة تسللت منها كل من ليلى و مديحة بصعوبة متفاديتين النعال التي تتوق ا"لى جسد
تهبط عليه .خرجتا و اخذتا تعبان الهواء عبا.
و باب الغرفة اغلق .و من ينجيك من ايديهن غير ربك فادعه ..لعله يستجيب.
خمس دقائق كاملة مرت على الضحيتين كا نها خمس ساعات مستمرة من الضرب بالنعال.
كانا كلما يريدان الخروج يجدان مقاومة عنيفة تدفعهما دائما ا"ل ى ال داخل .ح تى تمكن ا
ا خيرا بعد عذاب من الزحف هما الأثنان خارج الغرفة و تدحرجا على السلم ،ث م اخ ذ ن ديم
يعاون شاكر في النهوض و الفرار و مضيا مترنحين في الزقاق يتبعهما الجيش الجرار.
و هذا هو ما3ل من يستقوي على امراتين ضعيفتين مسكينتين ،ا"حداهما اسمها ليلى
و الأخرى اسمها مديحة.
***
في الساعة العاش رة بالض بط ذل ك المس اء ك ان ا3دم ي دلف ا"ل ى ش قته ،و قب ل ان يغل ق بابه ا
توجه نحو ليلى التي قامت تستقبله و على وجهها ابتسامة مرتبكة .احتضن راسها بشدة
و قبله قائلا:
"انا ا3سف .سالقن الوغدين درسا لن ينسياه ..فقط انتظري و سترين".
206
محمد زقزوق
رفعت وجهها نحوه و قالت باطمئنان اكبر و بنغمة لم تخل من بعض المرح:
"لأ باس .لقد قامت النساء بالواجب و زيادة".
ابتسم و جلسا و اخذ يستمع منها ا"لى التفاصيل كاملة.
بعد ان انتهت سالته:
"ما رايك؟"
عقد حاجبيه في تفكير و هو يتمعن بعينيه في لأ شيء ثم قال:
"عجيب! هل يمكن ان يكون الرجل المجهول قد تصرف بنفسه؟! خطف حسام؟!"
لكن الأ" جابة عن سؤاله لم تطل لأن الطارق على ب اب الش قة بع د ث وان م ن س ؤاله ك ان
عنده الخبر اليقين.
فتح الباب .نظر ماخوذا للحظة ثم سال:
"استاذة شهيرة؟! اهلا ما الذي"...
لكنه لم يكمل السؤال غير اللبق و ما لبث ان قال:
"تفضلي".
و بعد الترحيب و التعريف جلس الثلاثة في حجرة الجلوس .بادرتها ليلى سائلة:
"هل بعثك شاكر جاد؟"
ابتسمت شهيرة ابتسامة حرج و قالت:
"انا ا3سفة عما حدث! شاكر متهور .ارجوك اعذريه .ا"نه ابنه الوحيد".
سالها ا3دم بهدوء:
"لماذا انت هنا يا استاذة شهيرة؟ فقط للاعتذار؟!"
قالت دون ا"جابة مباشرة:
"حسام ترك المنزل الذي كان في ه م ع ن ديم بنفس ه .رك ب س يارة اج رة و ات ى ا"ل sى ف ي
المدرسة .بالتاكيد لأ ا صف لك كم الدهشة التي تملكتني .كان ش اكر ق د تجاه ل ح تى ان
يخ برني بمك انه بع دما اخ ذه .حس ام راوغ ن ديم و ه رب .ل م يك ن اح د يتوق ع مث ل ذل ك
207
أين ابني؟
التصرف!"
انتبهت حواس ا3دم .قال و هو يضغط على الحروف:
"هرب ا"ليك انت بالذات؟! ا"ذن فهو يحبك .ربما يعتبرك كامه .اليس كذلك؟"
قالت:
علي مكتبي!"
"انا احبه ايضا كابني .لأ تتخيل فرحتي عندما شاهدته يدخل s
سال بلهجة حازمة:
"اين حسام الأ3ن يا استاذة شهيرة؟!"
ابتلعت ريقها و صمتت ربع دقيقة وهي تنظر ا"لى الأرض ،ثم رفعت عينيها و قالت:
"عند ابيه".
اشاح ا3دم بوجهه في ضيق .يا للاسف! ضاعت الفرصة مرة اخرى!
"اين بالضبط؟"
لكن هذا السؤال لن ينال عليه ا"جابة قط .و كما توقع فالصمت التام هو الرد.
"ما الداعي ا"ذن لمجيئك؟! ماذا تريدين؟!"
"اريد ان اعرف .لماذا تبحث عن حسام بكل ذلك الأ" صرار؟"
"و هل يهمك ذلك!"
قالت بحدة اكبر:
"نعم! ارجوك اخبرني ..لماذا؟"
تبادل ا3دم و ليلى النظرات الصامتة ثم قال و هو يزفر:
"لأن امه وكلتني بالبحث عنه".
لأحظ كلاهما انتفاضتها الخفيفة .ملامح وجهها تعبر بالضبط عن توقعها لهذه الأ" جابة
و انها لم تكن تريدها ابدا ان تاتي على هذا النحو.
صمتت دقيقة كاملة كان وجهها يفضح الصراع بداخلها.
رفعت عينيها ا"ليه و سالته:
208
محمد زقزوق
"اين هي؟"
اعتدل ا3دم و قال:
"لماذا؟! هل تظنين ان تذهبي و تعتذري ا"ليه ا و تك وني ق د ارض يت ض ميرك؟! عجي ب
امرك يا استاذة!"
على الجرح بالضبط جاء كلام ا3دم الموجع .نهضت با3لية و هي تكابد البكاء و ت وجهت
نحو باب الشقة .قبل ان تخرج اتاها ا3دم و هو يزفر tبه sم قائلا:
"انتظري .ليست بعيدة عن هنا".
و القى ا"ليها بالعنوان.
***
كن قد انصرفن تباعا و بقى معها اقرب سكان الزقاق ا"ليها معرفة .المتشاكستان .ام سعدية
و المراة صاحبة نداء الحرب.
عندما كانت النساء يسالنها عن الرجلين كانت تجيب بصدق:
"صاحب مصنع كنت اعمل فيه .يتهمني بسرقته".
عندما تاخذ شيئا لك فيه النصف و قد منعك عنه شريكك فهل تعتبر سرقة؟!
و السارق الحقيقي يتهم شريكه المسكين بالسرقة! هكذا احيانا تسير الأمور!
كانت سمعت كلاما من قبيل:
" قطع لسانه!"
"الم يجد غير انزه واحدة عرفناها ليتهمها؟!"
"كلاب ..كلاب!"
"تلاقيه هو سارق للملايين .لكنه بيه .الناس تحترمه حتى لو سرق! لكننا نحن القمامة
و الحثالة!"
209
أين ابني؟
لكن مديحة تعلم ان شاكر لم يسرق الملايي ن اب دا .فل م ا"ذن يس رق منه ا م ن ه و اغل ى
بكثير؟!
"ربنا يسامحه".
و عندما قامت لتودع ام سعدية و الأخرى بعدما تبادلن القبلات قالت الشابة:
"لأ عليك يا مديحة ..تباتين نارا تصبحين رمادا".
و ا خذت مديحة تراقبهما من على ب اب غرفته ا و الم راة الش ابة تس ند ام س عدية عن دما
تعثرت .نظرت فرات امراة يبدو انها ميسورة الحال تنظر ا"ليه ا ف ي ا"مع ان .و عن دما لأحظ ت
انها لأحظتها توجهت نحوها.
تنحنحت سائلة:
"عفوا .هل هذا بيت ...بيت"...
و خانتها شجاعتها .قالت:
"فوزية؟"
سالتها مديحة بخفوت:
"فوزية المصيلحي؟"
اجابتها بخفوت اكبر:
"نعم".
اشارت مديحة بذراع كليلة و وجه متعب و قالت:
"اول الزقاق يا هانم".
مضت شهيرة تجر اذيال الخيبة تشيعها نظرات مديحة البائسة.
***
210
محمد زقزوق
211
أين ابني؟
212
محمد زقزوق
***
213
أين ابني؟
بعد ا ن مضى نديم جلس شاكر وحي دا ف ي مكتب ه يتحس س فك ه و يحرك ه ،ث م وض ع ي ديه
خلف راسه و طفق يفكر.
في نفسه كان يقول:
"لقد جعلت ظهري للحائط يا حسام .لم اكن اتخيل ان نصل ا"لى هذه الدرجة .الأ3ن ي ا
علي ما يجب ان افعله .لك ن لأ ب اس .لق د اك دت ل ي الطري ق ال ذي يج ببني انت تملي •
علي المضي في ه بلا مزي د م ن التفكي ر .و ا3ه من ك ي ا مديح ة! و ان ت بشخص ك ض عيفة لأ
s
ح ول ل ك و لأ ق وة تك ادين تهزمينن ي! تك ادين تض يعين امل ي ف ي ابن ي و تفس دين عم ل
السنين!"
رن هاتفه في تلك اللحظ ة فنظ ر في ه ،و عن دما عل م م ن المتص ل ارتس مت عل ى وجه ه
ابتسامة سخرية و مقت في ا3ن واحد .قال بصوت مسموع لنفسه:
"انت! انت من بƒعتني! لكن لأ ب اس .ان ا ايض ا عل ى وش ك .لق د كن ت س اترك ل ك م ا
يعينك ..لكنني الأ3ن لن ارحمك! ابدا!"
و فتح الخط و زادت ابتسامته و هو يقول بحماس:
"صديقي العزيز!"
***
فتح الباب و دخل ف ي ش قة الط ابق الث اني .م ر عل ى الجالس ين ح ول الطاول ة دون ان يس لم
عليهم و لو بكلمة.
ناداه احد الأربعة حول الطاولة و هم يلعبون باوراق اللعب:
"يا باشا! ما بال مزاجك؟ الن تنضم ا"لينا؟"
تجاهل نديم نداءه و مضى نحو الشرفة .فتحها و جلس عل ى المقع د و اخ ذ يتطل ع ا"ل ى
ضوء الأ" نارة في الليل.
214
محمد زقزوق
215
أين ابني؟
216
محمد زقزوق
"ا"ياك!"
و شاهد الشاب ذا الهندام و الملابس الفاخرة يترجل من سيارته و معه سائقه.
قال الشاب و هو يتوجه نحوهم:
"لقد راينا كل شيء .من اول ان جئتم".
ابتسم الضابط في سخرية و قال:
"الحقيني يا امي!"
ثم قال:
"هل تريد ان تلبس انت التهمة؟ لأ مانع عندي".
نظر الشاب خلفه و ابتسم باريحية عندما راى ض ابطا اعل ى برتب ة واح دة ي اتي م ن بعي د
نحوهم .نظر الشاب ا"لى الضابط الفاسد و اشار ا"لى خلف ظهره ب "ابهامه و ه و يغم ز للض ابط
امامه بعينه.
نظر الضابط و معه الجنود و زاغت عيناه و اعينهم.
اقترب الضابط منهم و سال الضابط الأ3خر:
"ماذا تفعلون؟"
اجاب الشاب:
"يلبسون الأمر كله للفتى الشجاع".
و نظر ا"لى الفتى نظرات ا"عجاب و قال:
"لكنه صامد! مقاتل حتى ا3خر رمق! رجل صغير!"
"يا فندم"...
"و لأ كلمة".
اشار الشاب مرة اخرى و هو يغمز بعينه:
"ابن عمي .و للاسف فعنده ضمير و يقوم بواجبه .لأ تحاول".
كان الفتى ينظر للشاب كاخ اكبر انتشله من مازق رهيب .ك ان امتن انه ل ه لأ يوص ف.
217
أين ابني؟
عندما خرج من ا"صلاحية الأحداث وجده يس تقبله .مض ى ا"لي ه و ك اد يقب ل ي ديه ا"لأ ان
الشاب امسك بالفتى من كتفه و tعدtل انحناءه و قال:
"لم ار كثيرا في مثل شجاعتك يا صديقي! هل تعمل معي؟"
و هل كان السؤال يحتاج ا"لى ا"جابة!
يتذكر ذلك الفتى جيدا ..و لم لأ؟
فذلك الفتى هو نديم نفسه.
و ذلك الشاب هو شاكر بعينه.
***
218
محمد زقزوق
219
أين ابني؟
هاه!
"و لو كان له مليون فضل عليك! انت تقترب حثيثا من غضب الله قربانا ا"لى شاكر هذا!
افق يا نديم ،انت ترتكب جرما فظيعا!"
لأ حياة لمن ينادي.
اخذ ا3دم يتنفس بصوت مسموع غيظا و هو ينظر ا"لى ذلك المعرض عنه ثم قال بحدة:
"هل لديك قلب ينبض بالمشاعر مثلنا يا هذا؟! اكسر تلك الحجارة من على وجهك
و انفعل كما ينفعل الناس!"
لم يجبه.
"حس با3لأم الناس لعلها تمحو عنك ا3لأمك!"
كان صوت ا3دم العالي مزعج ا فم د ن ديم ي ده خلف ه و اغل ق ب اب الش رفة بق وة ح تى لأ
يسال من بالداخل.
لكن حتى لو سالوا فماذا يهم؟ الأمر محسوم.
زفر ا3دم و قال بصوت فيه بعض الرجاء:
"ا"نها فرصتك الأخيرة يا نديم .لأ تضيعها .اين حسام؟"
لكن يبدو ان حرث البحر اسهل.
دقيقة كاملة من الصمت ،و الهدوء ،و الرجاء ،و الأ" عراض .لأ نتيجة سوى كلمة واحدة
نطق بها اخيرا دون ان ينظر ا"ليه:
"انس".
ظل ا3دم ينظر ا"ليه لثوان ،ثم نظر ا"لى البدر فوقهما و النجوم المتلالئة.
وضع يديه في جيبيه و مضى بتثاقل من حيث جاء.
تابع نديم ظهره حتى اختفى في الظلام ،ثم قام ليعود ا"لى منزله فغدا عمل هام و كثير.
م ر عل ى الجم ع دون ان يلق ي كلم ة او س لاما .تجاه ل الن داءات المتك ررة علي ه
بالمشاركة .هبط الس لم و عن دما م ر عل ى ب اب ش قة ص احب ال بيت و ك ان مفتوح ا لمح ه
220
محمد زقزوق
***
221
أين ابني؟
222
محمد زقزوق
223
أين ابني؟
قبل ان يمضي ا3دم معه لمح شهيرة و هي تقف على مبعدة و تنظر ا"ليه بوجه القلق
و الأسى .تجاهلها و مضى مع الصغير.
"ها هو احمد يا استاذ".
مد ا3دم يده ا"لى الصغير الذي كان يكتب في كراسته و قال:
"كيف حالك يا احمد؟"
فنظر الصغير ا"ليه متسائلا .تطوع حسن:
"استاذ ا3دم يسال عن حسام".
"حسام الذي مضى منذ فترة؟"
اجاب ا3دم:
"نعم .اسمه حسام شاكر جاد اليس كذلك؟"
اجاب الصغير:
"بلى .كان صديقي .غاب و لم نعد نراه منذ فترة ،ثم اتى من يومين تقريبا .سلم علينا
و كاننا لن نراه مرة اخرى".
عبس ا3دم ساعتها بشدة .قال:
"الم يقل اين كان؟!"
"لأ".
" طيب .و لأ ا"لى اين سيذهب؟"
لوح احمد براسه نافيا ايضا.
نظر ا3دم ا"لى لوحة الكتابة في اول الفصل في تجهم.
عاد و سال:
"هل يمكنك ان تصفه لي يا احمد؟"
قال الصغير و هو يقدح زناد فكره:
"يعني ..اطول قليلا و ...ا3ه".
224
محمد زقزوق
اشار ا"لى عظمة الوجنة في وجهه هو اسفل عينه اليسرى و قال بانتصار:
"هناك حسنة واضحة لديه في هذا المكان".
اخذ قلب ا3دم يدق بقوة .انفرج عبوسه قليلا.
قال:
"هل انت متاكد يا احمد؟!"
اجاب الصغير في استنكار:
"طبعا يا استاذ ..لقد كنت صديقه الأول".
نظر ا3دم ا"لى خارج الفصل صامتا لثوان ثم قال بابتسامة باهتة:
"شكرا جزيلا يا احمد".
و التفت ا"لى حسن و قال:
"الف شكر يا حسن .لقد قدمت لي معروفا كبيرا".
"و لكنه رحل يا استاذ كما يقول احمد!"
وضع ا3دم كفه على كتفه الصغيرة و قال:
"يا بني ،ان تعرف قليلا افضل من الأ تعرف مطلقا .ا"نه الخيط".
و لم يفته ان يلحظ شهيرة تنظر ا"ليه من بعيد.
***
225
أين ابني؟
226
محمد زقزوق
"هه!"
ود ا3دم لو يغلق الخط في وجهه .بالتاكيد سيتصل به مرة اخرى .كلام ع ن خ راب بيت ه
لم يستطع كبحه يشي بان الرجل مصلحته كبيرة جدا .ما زال هناك بعض الأمل .لأ يري د ان
يرمي به بنفسه في وجه الريح لتذروه .قرر ان يصبر.
"لماذا تتصل بي الأ3ن؟"
تنهيدة طويلة اطلقها الرجل على الطرف الأ3خر صمت بعدها لث وان ث م الق ى بالقنبل ة ف ي
وجهه عبر الهاتف:
سي ƒفر بحسام ا"لى الخارج!"
"نديم t
انعقد حاجبا ا3دم بقوة و بصوت عال افزع السائق بجواره سال:
"ماذا؟!"
"ا"ما ان تلحق به او لأ تلحق!"
"متى و كيف؟!"
" اليوم! بالقطار .شاكر سيستقله معهم ليودعهم ا"لى المطار".
"اليوم؟! الن يسافر معهم؟!"
زفر الرجل على الطرف الأ3خر و قال:
"ليس بعد".
صمت لحظة ثم قال بنبرة الأسى:
"لديه ما يفعله قبل ذلك!"
صمت ا3دم مصدوما بتلك الأخبار الجديدة .عاد ليقول:
"ساذهب ا"لى الشرطة!"
"لن ينفعك ذلك .اقول لك اليوم يطير الطائر خارج القفص و لن تستطيع ا"عادته بعدها!"
"متى ينطلق القطار و ا"لى اين؟!"
اعطاه الرجل المعلومات ثم قال:
227
أين ابني؟
"بيني و بينك ..لأ اعتقد انك ستفعل شيئا .لقد خاب املي فيك .لكن ما بي دي حيل ة.
حلاوة الروح!"
"اخبرني من انت!"
"من خربت بيته!"
***
لم يكد الرجل يغلق الخط قبل ان يلقي ا3دم كلمة اخرى حتى رن هاتفه مرة اخرى.
رقم غريب.
"سلامو عليكو".
الصوت الذي رد عليه لم يكن غريب ا .و م ع ان ه ص وت يب دو في ه اث ر البك اء لكن ه تعرف ه
بسرعة.
"حسام سيسافر ا"لى الخارج".
قبض ا3دم بشدة على حشية الكرسي الذي يجلس عليه و هو يسمع صوت شهيرة.
عادت لتقول:
"اليوم".
و نهنهات البكاء ما تزال تتردد.
لم يستغرق وقتا طويلا في الأندهاش لتغير موقفها .سال بسرعة:
"كيف؟"
"لأ ادري .فقط اخبرني شاكر بهذا و لم يزد .سيسافر مع نديم".
"هل سيذهب شاكر معهما؟"
ابتلعت ريقها و قالت و هي تحبس نفسها عن البكاء:
"لأ ادري .لم يخبرني بغير ما اخبرتك ا"ياه .قال ا"ننا سنسافر ا"ليه في غضون اسابيع".
228
محمد زقزوق
***
229
أين ابني؟
ما زال يرجو ان يتفهم شاكر موقفه .ما زال يتعشم في ان يغفر له ما فعل.
لأ يريد ان يواجهه.
فلتظل الأمور بالأ" يماءات و التلميحات دون التصريح الكامل.
لأ يريد ان ينهدم الجسر بينه و بين شاكر.
في ذلك ضياع له.
اما شاكر فلن يتاثر.
و لقد فعل لشاكر الكثير من قبل.
افلا يحفظ الجميل؟
لكن لأ جمائل في العمل.
هو بنفسه من علم شاكر ذلك و اكد عليه.
و التلميذ يطبق ما تعلمه من استاذه .هذا يثبت انه تلميذ نجيب .فلt ƒم يشكو الأستاذ؟!
اغمض عينيه ليحاول ان يغفو قليلا.
قبل ان يذهب ا"لى شاكر.
***
230
محمد زقزوق
الفصل الثلثون
رجل عجوز يقود ،و ا3خر شاب بجواره في نصف عمره ،و زوجته تجلس بالخلف ،و ش هيرة
و مديحة.
هكذا بدا السباق مع القطار و هو متاخر عنهم اصلا حتى الأ3ن ف ي الثالث ة عص را بع د ان
جمعهم ا3دم.
لم يكن يرغب بالمجازفة .لأ يدري م ا ف ي جعب ة ش اكر ه ذه الم رة ا"ذا ذه ب راس ا ا"ل ى
محط ة القط ار قب ل ا ن ينطل ق .لربم ا وج د ن ديم ينتظ ره هن اك بمف رده .غي ر مس تبعد عل ى
الأ" طلاق .شاكر يقاتل بكل قوته و لن يترك ثغرة .الحذر واج ب بش دة الأ3ن .لك ن م ا يحي ره
هو كيف يعرف الرجل المجهول كل ذلك!
بالتاكيد مقرب جدا ا"لى شاكر ،فلماذا يعمل ا"ذن ضد مصلحته؟!
لأ وقت الأ3ن للتفكير في الأ" جابات.
راى ا3دم ان اسلم طريقة ان يسبق القطار ا"لى محطة لأ يتوقف بعدها لمسافة كافية
ليص عدوا ا"لي ه ،و عن دما يطمئن ون ا"ل ى حركت ه يمكنه م بس هولة ان يفتش وا ع ن حس ام دون
خشية ان يهرب به احد من قطار مسرع.
ا" لأ لو فكر شاكر في طائرة عمودية تسير بالتوازي مع القطار تحسبا لأي طارئ!
عندما مر الخاطر في ذهن ا3دم لم يتمالك نفسه ا"لأ و ابتسم قليلا.
رجل مثل شاكر يفعلها .كهذا فكر ا3دم.
كانت مديحة في المنتصف بين ليلى و شهيرة.
كانت كل عشر دقائق تقريبا تسالها عن حسام.
شكله .ماذا يحب و ماذا يكره .ماذا يعلم عنها امه .هل يذكرها و لو لم رة .م اذا يفع ل.
ماذا يا كل .هل هو متفوق في دراسته .هل هو شقي .هل ..هل ..هل..
231
أين ابني؟
232
محمد زقزوق
بينهما بسرعة.
"هل هو؟!"
سالت مديحة بجزع.
لم يجبها ا3دم مع انه عرف .حاذاهم القطار و استطاع رؤية الرقم بوضوح.
و عندما اسرع القطار متخطيا السيارة رات مديحة الرقم و سقط قلبها بين قدميها.
كانت تنقل بصرها بين نوافذه في لهفة لعلها تلمح اصحاب الشان .لعله ا تلمح ه فتعرف ه
بقلبها.
لكن القطار لم يفصح عن مكنونه للاسف.
نظ ر ا3دم ا"ل ى الع م جم ال و نظ ر ا"لي ه الرج ل .م ا بالي د حيل ة .الس يارة تس ير بس رعتها
القصوى.
القطار يهرب امام اعينهم بسرعة و هم يجاهدون للحاق به!
"اسرع! اسرع يا عم جمال!"
قالتها مديحة بلهفة.
اعتدل الرجل و مال ا"لى الأمام على ƒمق tود سيارته و كانه بذلك يعطيها دفعة اكبر.
قال:
"سنلحق ..سنلحق ب "اذن الله .خمس دقائق فقط ..و القطار س ينتظر قليلا ف ي المحط ة.
لأ تقلقي يا بنيتي".
دقيقتان مرتا ثم سمعوا صوتا من السيارة.
و تباطات رغما عنهم.
اخذ عم جمال يعاتب سيارته العتيقة و يقول:
"ا3لأ3ن؟! تخذلينني الأ3ن؟!"
و تدريجيا لكن بسرعة اخذت وقتها نحو التوقف التام.
كان القلق يعصف بالكل عندما بركت.
233
أين ابني؟
***
234
محمد زقزوق
***
235
أين ابني؟
***
236
محمد زقزوق
237
أين ابني؟
238
محمد زقزوق
239
أين ابني؟
جالسا قبالة من يبدو كوالده بدا شاكر ا"لى حد ما مصدوما .مال عليه ذلك الرجل
و ساله:
"ما بك يا شاكر؟"
نظر ا"لى خارج القطار و اجاب ببرود:
"لأ شيء".
"لماذا اصررت ان ا3تي معك؟"
ببرود ايضا اجاب دون ان ينظر ا"ليه:
"لأخبرك".
"تخبرني؟! بم؟!"
نظر ا"ليه و قال بابتسامة تكلفها:
"بمدى عبقريتي يا صديقي!"
و لم يطل حديثهما اكثر من ذلك ا"ذ لمح شاكر ا3دم ياتي مترنحا ينظر ف ي وج وه الرك اب
دون ان يلمحه هو.
صاح شاكر في مرح و هو يشير و ينادي عليه:
"هنا ..هنا يا صديقي".
نظر ا3دم ا"ليه من مبعدة و غاص قلبه!
لم ير اثرا لحسام! اقبل متوجسا!
قام شاكر يستقبله و مد يده ليسلم على ا3دم المرتبك بحرارة .قال:
"اهلا اهلا ،صديقي اللدود .لماذا ت اخرت ي ا رج ل؟ ه ل ستص دقني ا"ن قل ت ل ك ا"نن ي
خشيت الأ تاتي؟"
اخ .ما اللعبة هذه المرة يا شاكر؟!
ساله:
"اين حسام؟"
240
محمد زقزوق
بحركة استعراضية قال و هو يبتسم ابتسامة واسعة و يشير ا"لى باقي القطار:
"قل له بابا يسلم عليك".
زادت دقات قلب ا3دم من الخوف.
"بالمناسبة ..كيف حال شهيرة؟"
صدمة اخرى لأ3دم .لم يمهله فساله:
"فقط اريد ان اعلم كيف استطعت ا"قناعها ان تخبرك".
"اين حسام يا شاكر؟"
"اخبرني و اخبرك".
"استفعل؟!"
"خذه وعدا مني".
ثم قال:
"ا3ه ..نسيت ان اعرفك".
و اشار ا"لى الجالس و قال و هو ينظر ا"ليه لأ ا3دم نظرة غريبة:
"فؤاد بيه .في مقام والدي و شريكي".
مد ا3دم يده ،و مد الأ3خر يده و شد عليه ا بق وة ل م يج د ا3دم م بررا له ا .اح س ان ذل ك
العجوز ينظر ا"ليه نظرة خاصة.
"اجلس ..اجلس يا صديقي .ماذا اطلب لك؟"
فعل ا3دم با3لية و قال:
"ماذا تريد يا شاكر؟"
"اخبرني ب "اجابة سؤالي و اخبرك ب "اجابة سؤالك".
تشكك ا3دم للحظات ثم انفرج فمه و قال:
"هي التي اخبرتني من تلق اء نفس ها .ع ادت ا"ل ى رش دها ..ل م ترغ ب ان تح رم ام ا م ن
ولدها .انبل و اعظم منك يا شاكر!"
241
أين ابني؟
اختفت الأبتسامة من على وجه شاكر و بدا انه يحاول الظهور متماسكا لكن داخله يتفكك.
"هل اخبرتها عن مديحة؟"
"هي ايضا التي جاءت و سالتني لماذا ابحث عن حسام".
صمت لحظة ثم اكمل:
"لأن لها قلبا ليس لك".
نظر شاكر ا"لى سقف القطار في خيبة امل و قال في نفسه:
"ا3ه يا شهيرة ..كنت اخشى ذلك .لوددت ان اكون مخطئا ..لكن للاسف!"
لكنه سحب نفسا و قال لأ3دم:
"عندما لمحتها بينكم في السيارة و القطار يمر عليها اصابتني صدمة خيبة الأمل .ش هيرة
عاطفية ..لكن اتعرف؟ انا اعذرها .خفيفة القلب ..لهذا لم اخبرها بالتفاصيل".
"بل طيبة القلب و انت تعلم .اين حسام؟"
نظر شاكر ا"ليه و ابتسم بشدة و قال:
"استاذ ا3دم ..اقدم لك الشخصية التي تتحرق شوقا لمعرفتها".
و اشار ا"لى الجالس قuبالتهما و قال و هو ينظر امامه في عيني الرجل بنهم:
" ا قدم لك بكل فخر ..و لي كل الشرف ..الرجل الذي حيرك ..المتصل المجهول!"
***
242
محمد زقزوق
لم تكن دهشة العجوز فؤاد باقل من دهشة ا3دم فكلاهما فغر فمه ذهولأ!
بالنسبة لأ3دم فالأمر ملتبس بشدة!
ها هو الرجل الخفي .المتصل المجهول الذي كان يساعده ضد شاكر .فمن الذي يقدمه ل ه
و يعرفه به؟! ا"نه شاكر!
ما احلى المنطق!
لعبة ام حق؟!
ذهول و صمت.
اما بالنسبة للا3خر فلم يطل تعجبه .نعم فوجئ تماما كا3دم ا"لأ انه اس تعاد بعض ا م ن رب اط
جاشه اسرع.
غاص شاكر في مقعده و وضع ق دميه عل ى المقع د ام امه بج وار ف ؤاد و بابتس امة واس عة
شامتة ساله:
"اليس كذلك يا شريكي؟"
ابتسم العجوز و قال:
"لقد كنت اعلم انه لأ فائدة .لكنها حلاوة الروح كما اخبرته".
و اشار ا"لى ا3دم.
كان ا3دم ينقل بصره بينهما و هو يحاول استيعاب اي شيء.
ظل شاكر ناظرا ا"لى شريكه كبير السن لثوان خفتت فيها ابتسامته و قال بعدها:
"يا خسارة يا فؤاد!"
"خسارة بخسارة يا بني".
243
أين ابني؟
244
محمد زقزوق
"شركتك كانت على المحك .كان يجدر عليك ان تuق ‡بل يد ابي لما فعله".
اكمل:
"بل و اعطاه حصة معتبرة في اسهمها".
"لأنه يعلم انني من اعلم كيفية ا"دارتها .شركتي يا شاكر!"
"فلماذا كنت تخسر؟"
"ابوك كان يعجزني امام المشترين باسعاره".
"وجهات نظر .انت كنت جشعا".
قاطعهما ا3دم بحدة:
"ثم؟"
رد شاكر:
"الأرباح عادت ا"لى الشركة باضعاف سابقاتها .و هكذا ك انت الش راكة بين ه و اب ي ه ي
الأفضل".
صمت لحظة ثم سال العجوز بلهجة عتاب حارة:
" اليس كذلك؟!"
اجاب فؤاد:
"رحم الله اباك .لقد كان يفهم كثيرا عنك".
تجاهل شاكر الأ" هانة و اكمل:
ولي
"م ات اب ي و ت رك ل ي ش ركاته ..و ش ركاءه .اس اله و ه و يخ برك ك م رب ح ط وال ت s
المسؤولية .اساله و لأ تفزع من الرقم".
قال الرجل:
"و ماذا عن الأ3ن يا شاكر؟! لماذا تريد تصفية اعمالك هنا؟!"
"هذا شاني يا صديق ابي .انا حر .ليست مشكلتي انك كبرت و شخت و لم تعد تق در
على تحمل مسؤوليات الأ" دارة .ترغ ب ف ي تش غيلي حم ارا عن دك يجل ب ل ك النق ود ،فق ط
245
أين ابني؟
246
محمد زقزوق
247
أين ابني؟
***
248
محمد زقزوق
مرت ربع الساعة على سير القطار و ك Šل من ا3دم و شاكر يجلسان متجاورين يسرح كل منهما
في افكاره و رؤاه الخاصة.
"و هكذا يا صديقي قد شهدت انتصاري عل ى الك ل .لأ اقص د ا"هانت ك فان ا اش هد ل ك
بكفاءة عظيمة و مثابرة هائلة .كنت اود لو تكون في معس كري .لك ن لأ ب اس .لق د انته ت
المشكلة .لو تكبح ا حاسيسك المرهفة يا رجل لصنعت لنفسك مستقبلا باهرا".
نظر ا"ليه ا3دم في وجوم صامت.
نظر الرجل في ساعته و قال في مرح:
"لق د اقتربن ا .س ننزل المحط ة القادم ة .قل ت لن ديم ان يك ون ج اهزا عل ى التح رك نح و
المطار فور ان نصل ا"لى الشاليه".
فكر ا3دم .لماذا استخدم صيغة الجمع؟!
"هل ستريني ا"ياه؟!"
ابتسم شاكر و قال:
"ليس له ذه الدرج ة ي ا ص ديقي .اص دقك الق ول ..م ا زل ت اخ اف من ك .لأ ادري م ا
بداخل جرابك .فقط سا جعلك ت رى الس يارة م ن عل ى س طح الش اليه و ه ي تنطل ق مبتع دة
بحسام".
"اتريد ان تزهو بانتصارك امامي؟!"
"الحقيقة؟ نعم يا صديقي .يقولون انني استعراضي بعض الشيء".
سكت مبتسما ثم قال:
"لكنهم يكذبون ..انا استعراضي بضراوة!"
و ضحك بشدة.
249
أين ابني؟
لم يدر ا3دم ماذا يقول له .بدا له انها النهاية بالفعل .غرق في مشاعر مرارة و حزن.
انتشله شاكر منها عندما وجده ا3دم واقفا يساله:
"هل ستاتي؟"
كان القطار قد توقف و الركاب ياخذون في التحرك نحو الأبواب .نهض ا3دم با3لي ة و تب ع
شاكر بصمت تام.
***
250
محمد زقزوق
نظر ا3دم حوله فوجد شاليها عل ى ط راز م ا اعت اد ان ي رى ش اكر ممتلك ا ا"ي اه .واح د م ن
افخم ما راته عيناه.
في المجلات طبعا.
اخذ يبحث بعينيه ا"لأ ان شاكر قال و هو يدفعه خارجا:
"من الأعلى تجد ما تبحث عنه".
نزلأ و صرف شاكر السائق على ان يعود ا"ليه بعد ثلاث ساعات.
***
على امتداد البصر و حتى تلتقي السماء بالأرض بعيدا في الأفق ،كانت اشعة الشمس الذهبية
تغمر البح ر .ك انت تتلالأ عل ى ص فحة المي اه مكون ة مجموع ة م ن الش موس الص غيرة ال تي
تضيء و تنطفئ في لحظات ،لتولد من جديد ،ث م تم وت ،ث م تول د ،و تم وت و تول د ،ث م
تموت ..ا"لى ان يشاء الله.
كانا ا على س لم الش اليه الخ ارجي .ش اكر يمش ي بثق ة يتبع ه ا3دم بقل ق .نظ ر الأخي ر ا"ل ى
الشرفة المتسعة التي انتهى ا"ليها السلم.
مضيا .وقف شاكر معتمدا على حاجزها بيديه ،مغلقا عينيه ،يستمتع بهواء البحر
و رائحته ،مبتسما و راضيا كل الرضى.
نظر ا3دم فوجد ƒم ‹قفtزا ممتدا من اسفل حاجز الشرفة ا"لى البحر باسفل منهما مباشرة .تطلع ا3دم
ا"لى الأ سفل .المياه رائعة .الشمس جميلة ،لأ قوية و لأ ذابلة.
من ارتفاع ثلاثة طوابق يرى م ا ح وله بك ل وض وح .س يارة هن ا و اخ رى هن اك ،و ثالث ة
بعيدة و رابعة قريبة ،و غيرها و غيرها.
ترى في اي واح دة يجل س ن ديم الأ3ن و مع ه حس ام اس تعدادا لأم ر ش اكر ب التوجه نح و
المطار ،استعدادا للفرار؟
251
أين ابني؟
252
محمد زقزوق
فتح ا3دم الس •ماعة و اخذ يستمع مع شاكر ا"لى الصوت المكلوم.
رجاءات ،و توسلات ،و استعطاف ،و بكاء ،قطعوا قلب ا3دم و ظل وجه شاكر جامدا.
تحشرج صوت مديحة و اختنق بالبكاء ،و اختفى تماما.
قال شاكر بصوت فيه بعض الضعف:
"هل انتهيت؟"
اغلق ا3دم الهاتف اسفا .بدا شاكر في الأهتزاز مرة اخرى لكن بحماس اضعف بكثير.
قال ا3دم:
"حرام يا شاكر!"
لم يجب الرجل .ثوان مرت و سال:
"هل تريد استعادة مليون من الذين استخلصهم نديم منك؟"
كان تساؤل ا3دم واضحا على وجهه .و عندما فتح فمه ليعترض ق اطعه ش اكر بق وة و ق ال
مشيرا:
"اسابقك حتى تلك العلامات .انا سباح ماهر .ا"ذا سبقتني تاخذ مني مليونا .ا"ذا س بقتك
تشهد ببراعتي الفا من المرات .اتفقنا؟"
"ما هذا العبث؟!"
"ا"نه للاحتفال يا صديقي .الأ تريد ان تحتفل معي بانتصاري؟"
" انتصرت على نفسك للاسف يا شاكر .انت فائز و مهزوم في نفس الوقت".
حرك شاكر لسانه بصوت واضح في نفي و قال:
"تؤ تؤ تؤ .قلبك الرهيف هو من سيضيعك يوما ما يا صديقي .خذها مني كلمة".
سكت ثم سال:
"هاه؟ ما رايك؟"
انطلقت سيارة فتحول ا3دم نحوها تلقائيا بسرعة.
ضحك شاكر و قال:
253
أين ابني؟
"ليست هي .ا"ذن نلعب لعبة اخرى .في م رة واح دة ،ه ل يمكن ك ان تع رف اي س يارة
بها حسام؟ ا"ذا فعلت لك مليونان لأ مليون واحد".
قال ا3دم و قلبه يدق بقوة:
"ا"ذا فعلت احصل على حسام!"
ضحك شاكر بصوت مرتفع و قال:
"لأ لأ يا صديقي! حتى ا"ذا وعدتك فلا تضمني في ذلك الوعد ابدا .انا صادق مع ك..
هذا الوعد ا"ن وعدته لك فلا انوي الوفاء به مطلقا".
و اخذ يقفز بحماس اشد.
***
254
محمد زقزوق
255
أين ابني؟
256
محمد زقزوق
***
257
أين ابني؟
لوهلة تجمد شاكر في مكانه بعد سماع الصوت الرهيب .توقف عن الأهتزاز .ا3دم ك ان مثل ه
مذهولأ.
اخرج شاكر هاتفه بسرعة طالبا رقم نديم.
لحظات صعبة مرت عليه و هو يسمع رنين الجرس.
"اجب! اجب يا نديم!"
لكن تمر الثواني و لأ مجيب.
ينظر بلهفة نحو المنحنى حيث خلفه بالضبط وقع الحادث.
"اجب عليك اللعنة!"
لأ مجيب.
فزع شديد ا صاب شاكر و هو يوازن نفسه حتى لأ يسقط ف ي الم اء ،بينم ا يح اول القف ز
متعجلا على حاجز الشرفة ا"لى الداخل.
لم يكن ا3دم اقل فزعا او قلقا منه ،لكنه وجد ان تصرفه الذي فعل ه لحظته ا ه و التص رف
الأمثل في هذا الموقف العصيب.
انطلق يجري نحو شاكر!
لو اراد الناظر ا"ليهما ان يراهما بالحركة البطيئة لما فهم لماذا يجري ا3دم نحو شاكر.
لكن لأن هذه الأمور في الحقيقة تاخذ لحظات فس يفهم الن اظر ا"ل ى المش هد ك ل ش يء
بعد ثوان.
بقوة و عزم اتجه ا3دم نحو شاكر و في راسه جملته:
"انا سباح ماهر".
و ايضا في راسه جملة له هو:
258
محمد زقزوق
***
259
أين ابني؟
تجمد للحظة ،ثم نظر ا"لى مسافة ابعد ،ثم هرول نحو السيارة.
مد راسه لأهثا و هو يحاول ان يرى من بداخلها.
اخذ يصرخ و هو يدق على الزجاج و يسال هذا الذي يرج ع راس ه ا"ل ى الخل ف مغم ض
العينين:
"هل انت بخير؟! هل تسمعني؟! اجبني! هل انت بخير؟!"
و اخذ يدق بقوة!
***
260
محمد زقزوق
261
أين ابني؟
ا"لأ ان ا3دم لم يستجب ،ب ل مض ى ا"ل ى الأم ام و هب ط جالس ا القرفص اء ن اظرا ا"ل ى ش اكر
اسفل منه بالضبط.
"هل سمعتني يا ابله؟!"
قال ا3دم بهدوء:
"لن ينفعك الصراخ".
رد عليه و هو يضرب الماء من حوله بقبضته:
"انتظر حتى اضع يدي عليك! ساكسحك! اين حسام ؟! هل اصابه مكروه؟!"
اخذ ا3دم نفسا عميقا و هو ينظر ا"لى عرض البحر دون ان يجيبه.
"هل انت اصم؟!"
لم يكن صراخ شاكر هو م ا دفع ه للا" جاب ة علي ه ،لكن ه ب دا لعب ة الش د و الج ذب الأ3ن.
قال:
"حسام من؟"
زاد اكفهرار وجه شاكر و هو يصرخ و يقول:
" حسام ابني! هل انت معتوه؟!"
كلمات قاسية ستخرج من فم ا3دم لكنه مجبر على قولها .نظر في عيني شاكر مباشرة
و قال:
"انس ان لك ابنا اسمه حسام!"
الجمت الجملة فم شاكر .اح س بقبض ة قوي ة تعتص ر قلب ه .ذه ول يملا ملامح ه .عين اه
تدوران في محجريهما يكاد لأ يصدق.
وجد صوته فقال:
"ماذا اصابه؟! هل ..م ..هل مات؟! حسام مات؟!"
كان الشجن يغزو قلب ا3دم لما هو مضطر لفعله .هو اب ايضا و يعلم قسوة شعور كذلك
على اي قلب .لكن ما باليد حيلة.
262
محمد زقزوق
***
263
أين ابني؟
264
محمد زقزوق
265
أين ابني؟
***
266
محمد زقزوق
267
أين ابني؟
***
268
محمد زقزوق
269
أين ابني؟
270
محمد زقزوق
***
271
أين ابني؟
وقف ينظر ا"لى اول الطريق ينتظر ظهور السيارة بفارغ الصبر.
و خلفه جثا شاكر على ركبتيه و يديه و قطرات الماء تنز من ثي ابه بع دما اخرج ه ا3دم م ن
الماء ،يلتقط انفاسه و يلهث من التعب .ثم ما لبث ان استلقى على ظهره ينظر ا"لى السماء.
اخذ ا3دم ينقل بصره بين ساعته و بين الطريق في قلق.
نظر ا"لى شاكر خلفه و ساله باحثا عن طمانة:
"هل تاخر؟!"
مال شاكر براسه و نظر نحوه و قال في قلق مماثل:
"لقد عرفت نديما جديدا هذا اليوم! لأ تقلقني معك!"
لكنه لم يخيب املهما فما لبث ان ظهرت السيارة من بعيد.
نشوة غامرة ملات روح ا3دم و هو يتابعها تقترب.
بدت له بطيئة لكنها بالفعل تقترب.
مضى نحوها و اعتدل شاكر.
توقفت على بعد امتار .اسرع ا3دم.
فuتح الباب الخلفي و هبط.
و را3ه ا3دم اخيرا لأول مرة بعد عناء كبير.
بالحسنة على وجنته و بوجهه الطفولي البريء القلق.
نزل حسام مهرولأ و هو ينظر ا"لى ا3دم القادم نح وه ،ث م ا"ل ى خلف ه حي ث ق ام اب وه و ب دا
يتحرك هو الأ3خر.
"حسام!"
كان نداء ا3دم اسبق من نداء شاكر.
272
محمد زقزوق
توقف حسام تلقائيا في عدم فهم .اخذ ينظر ا"لى الرجل الغريب المبتسم كانه وج د كن زا
و هو يفتح ذراعيه له.
لكنه تجاهله عندما نادى هو اباه و مر بجوار ا3دم مسرعا نحوه.
نظر ا3دم نحوه و هو يندفع في حضن ابيه الذي جثا ليتلقفه و الدموع فعلا في عينيه.
لحظات رائعة من المشاعر الدافقة عبرت جسد ا3دم .ارتياح ،و امل ،و حب ،و تاثر.
ا خذ هاتفه و طلب الرقم .ردت ليلى فابتسم و قال:
"بشريها يا عزيزتي .حسام معي".
شهقت ليلى و هي تسال:
"احقا؟!"
اجابها ان نعم ،ثم سمع الشهقة الأخرى من الأم.
و اخبر ليلى بعنوان المكان و قلبه يبتسم اكثر من وجهه.
***
273
أين ابني؟
274
محمد زقزوق
275
أين ابني؟
كانت تحرك راسها دون كلام بمعنى انها لأ تجد ما يوفيه حقه من الشكر .اخيرا قالت:
"انا مدينة لك بحياتي!"
قال ا3دم و هو يهز كتفيه:
"لقد اديت عملي الذي كلفت به".
"لأ اعلم كيف اجزيك!"
"لأ شيء .الأتفاق اتفاق".
كانت ابتسامتها الواسعة ،مع دموع فرحتها الغزيرة ،مع وجود حسام بجواره ا ه و الج زاء
الذي يرضى به.
تقدم شاكر نحوها و تبادلأ النظرات الصامتة.
"ماما اسمها مديحة يا حسام".
قالها شاكر و هو يضع يده على راس ابنه.
***
276
محمد زقزوق
التفتت و هي لأ تفهم.
قال و هو يتوجه نحوها:
"تعالي يا شهيرة .انا عند وعدي".
ثم توقف و التفت نحو مديحة و قال:
"ساتزوج شهيرة".
قامت و هي تضم حسام قائلة و هي تنشج:
"مبارك".
ثم نظرت ا"لى ابنها و قالت:
"لأ اريد شيئا ا3خر .حسام هو ما اعيش لأجله".
مضى ا3دم و ذراعه في ذراع ليلى و هو يقول:
"هيا بنا نتمشى على شاطئ البحر .الجو جميل اليس كذلك؟"
و عندما اجابته ليلى موافقة لم يفته ان يلقي نظ رة عل ى م ن يب دو ان ه الخاس ر الأك بر ف ي
هذا الموقف.
الذي يعطيهم ظهره ،و يعقد ساعديه ،و يلقي نظرات مخت tلسة بين الفينة و الأخرى.
***
277
أين ابني؟
جلس على الأريكة مرتديا زيه الرياضي الجديد الذي اشتراه مؤخرا.
ناداه:
"هيا يا خالد ..سنتاخر .لقد سبقنا منصور و عم جمال".
ا تى خالد مهرولأ و هو يمس ك بح ذائه الرياض ي و جل س بج وار ابي ه و نظ ر ا"لي ه و س اله
وهو غير ثابت:
"ما زلت لأ ا فهم يا بابا! ت ؤ ..كي ف تفع ل ذل ك؟! لم اذا رفض ت ان تاخ ذ النق ود ال تي
عرضها الرجل عليك؟! مليون يا بابا! مليون!"
طرق ا3دم على راس ابنه باطراف اصابعه و قال له مبتسما:
"يا ولد!"
و تذكر الموقف الذي يقصده.
بعد اسبوع من ذلك اليوم حضر ا"ليه ش اكر ف ي بيت ه .اس تقبله ا3دم مرحب ا و عن دما جلس ا
ساله ا3دم:
"كيف حال حسام؟"
ابتسم شاكر بهدوء و قال:
"بخير .ا"نه يستوعب".
و سكت و قال في هم:
"و ارجو ان يسامح".
اوما ا3دم براسه .لكن شاكر لم يسترسل و اخرج من جيبه ا"يصالأ مصرفيا م د ي ده ب ه ا"ل ى
ا3دم قائلا:
"اجرك".
278
محمد زقزوق
نظر ا3دم ا"لى الرقم المكتوب على الشيك دون ان يمد يده لياخذه ،ثم ابتسم و قال:
"الم تخبرك"...
لم يدعه شاكر يكمل و قال:
"نعم ..مديحة اخبرتني انك فعلتها بلا مقابل .لكنني ارغب في ان تاخذ هذا المليون".
ثم ابتسم و قال:
"نقود حلال هذه المرة يا رجل .اليس كذلك؟"
اوما ا3دم مبتسما موافقا و قال:
"لكنك لست عميلي يا شاكر بيه .اجري وصلني".
تنهد شاكر و ارجع يده بجواره و قال:
"انت تعجز عقلي دائم ا ي ا ا3دم و تجعل ه يتخب ط ف ي متاه ات! لأ اعل م كي ف ل ك تل ك
المقدرة يا رجل!"
اخذ نفسا و قال و هو يقوم و يصافحه:
"لو احتجتني في اي شيء لأ تتاخر عن السؤال".
مد ا3دم يده و صافحه بقوة و قال بابتسامة:
"بالتاكيد ..سلم لي على حسام".
ع اد ا"ل ى الحاض ر و راى ليل ى و ه ي تحم ل الش اي و ت اتي لتجل س امامهم ا و تق ول
مبتسمة:
"لأ تحاول مع ابيك ..سيغلبك يا خالد".
نقل الصغير بصره بينهما و قال:
"ا"ذن ..لأ تاخذها انت .ا3خذها انا منه .اريد ان اسافر وارى الدنيا ي ا باب ا .احت اج نق ودا
كثيرة".
اعتدل ا3دم و امسك الحذاء من يد ابنه و وضعه على الأرض و قال:
علي .لكن
"اسمع يا خالد يا حبيبي ..كان يمكنني ان ا3خذ النقود بكل بساطة و لأ لوم s
279
أين ابني؟
280
محمد زقزوق
281
www.muhammadzakzook.com