Professional Documents
Culture Documents
للحافظ ابن رجب الحنبلي
رحمه هللا
10
وذكره ابن الجوزي في الموضوعاتـ من طريق أبي داوود النخعي َّ
الكذاب ،عن
إسحاق بن عبدهللا بن أبي طلحة ،عن أنس .
وقـال مـالك بـن دينار :مـا ضُرب عبد بعـقوبة أعـظم من قسوة القلب .ذكره
عبدهللا بن أحمد في الزهد .
وقـال حُـذيفة المـرعشي :ما أُصيب أح ٌد بمصيبة أعظم من قساوة قلبه .رواه
أبو نعيم .
10
وذكر المرُّ وذي في كتاب الورع قال ُ :
قلت ألبي عبدهللا – يعني أحمد بن حنبل
– :يج ُد الرجل من قلبه رقّة وهو شبع ؟ قال :ما أرى .
ومنها :كثرة الذنوب ،قال تعالى { :كَاَّل بَ ْل َرانَ َعلَى قُلُوبِ ِهم َّما َكانُوا
يَ ْك ِ
سبُونَ } المطففين . 14 :
وفي ال ُمسند ،والترمذي عن أبي هريرة ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم
قال (( :إنَّ المؤمن إذا أذنب كانت نكتةٌ سوداء في قلبه ،فإنْ تاب ونزع واستغفر
صقل قلبه ،وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ،فذلك الران الذي ذكر هللا في كتابه :
ُ
{كَاَّل بَ ْل َرانَ َعلَى قُلُوبِ ِهم َّما َكانُوا يَ ْك ِ
سبُونَ } )) .قال الترمذي :صحيح .
ق ،وكذلك القلب إذا قلّت خطاياه
قال بعض السلف :البدن إذا عري ر َّ
أسرعت دمعته .
وفي هذا المعنى يقول ابن المبارك – رحمه هللا – :
رأيتُ الذنوب تُميت القلوب *** ويُـورثـك الــ ُذ َّل إدمانـهـا
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخي ٌر لـنفـسـك عـصيانهـا
10
ُجلُو ُد ُه ْم َوقُلُوبُ ُه ْم إِلَى ِذ ْك ِر هَّللا ِ} الزمر ، 23 :وقال تعالى { :أَلَ ْم يَأْ ِن لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا أَن
ش َع قُلُوبُ ُه ْم ِل ِذ ْك ِر هَّللا ِ َو َما نَزَ َل ِمنَ ا ْل َح ِّ
ق} الحديد . 16 : ت َْخ َ
وفي حديث عبدالعزيز بن أبي ر َّواد ُمرسالً ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم :
(( إنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد )) قيل :فما جالؤها يا رسول هللا ؟ قال :
(( تالوةُ كتاب هللا ،وكثرة ذكره )) .
ومنها :اإلحسان إلى اليتامى والمساكين ،روى ابن أبي الدنيا :حدثنا علي بن
أن رجالً
الجعد ،حدثني ح َّماد بن سلمة ،عن أبي عمران الجوني ،عن أبي هريرة َّ :
شكى إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قسوةَ قلبه ؟ فـقـال (( :إنْ أحببت أنْ يليـن
قلبك؛ فـامسح رأس اليتيم ،وأطعم المساكين )) إسناده جيد ،وكـذا رواه ابن مهدي
عن حماد بن سلمة ،ورواه جعفر بن مسافر :حدثنا ُمؤ َّمل ،حدثنا ح َّماد ،عن أبي
عمران ،عن عبدهللا بن الصامت ،عن أبي ذر ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم .
وهذا كأنَّه غي ُر محفوظ عن ح َّماد ،ورواه الجوزجاني :حدثنا محمد بن عبدهللا
ال ّرقاشي ،حدثنا جعفر ،حدثنا أبو عمران الجوني ُمرسالً ،وهو أشبه ،وجعفر
أحفظ لحديث أبي عمران من ح َّماد بن سلمة .
وروى أبو نُعيم ،من طريق عبدالرزاق ،عن معمر ،عن صاحب له َّ :
أن أبا
الدرداء كتب إلى سلمان :ارحم اليتيم وأدنه منك ،وأطعمه من طعامك .فأنّي سمعت
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأتاه رج ٌل يشتكي قسـاوةَ قلبـه ؟ فقال (( :أتحـب أنْ
يليـن قلبـُك ؟ )) فقـال لـه :نعم .فقال (( :ادن اليتيم منك وامسح رأسه ،وأطعمه
من طعامك ،فإنَّ ذلك يُلين قلبك ،وتقدر على حاجتك )) .
قال أبو نُعيم :ورواه ابن جابر ،وال ُمطعم بن المقدام ،عن محمد بن واسع :
أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان مثله .
أن رجالً سأل أبا عبدهللا – يعني أحمد بن حنبل – فقال له :
ونقل أبو طالب َّ :
كيف ير ُّ
ق قلبي ؟ قال :ادخل المقبرة ،وامسح رأس اليتيم .
10
ومنها :كثرة ذكر الموت ،ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده ،عن منصور بن
عبدالرحمن ،عن صفية َّ :
أن امرأة أتت عائشة تشكو إليها القسوة ؟ فقالت :أكثري
حاجتك .قالت :ففعلت ،فأنِ ْ
ست من قلبها ِ ذكر الموت؛ ير ّ
ق قلبك ،وتقدرين على
رشداً فجاءت تشكر لعائشة رضي هللا عنها .
وكان غير واحد من السلف منهم :سعيد بن جُبير وربيع بن أبي راشد ،
يقولون :لو فارق ذك ُر الموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبنا .
وفي السُّنن :عن النبي صلى هللا عليه وسلم (( :أكثروا ذكر هاذم اللّذات )) –
الموت – .
ورُوي ُمـرسالً عن عطاء الخراساني قال ّ :مر رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم بمجـلس قد استعاله الضحك ! فقال (( :شُوبوا مجلسكم بذكر مكدِّر اللّذات ))
قـالـوا :وما يُكدر اللّذات يا رسول هللا ؟ قال (( :الموت )) .
ومنها :زيارة القبور والتفكر في حال أهلها ومصيرهم ! وقد سبق قول أحمد
للذي سأله ما يُر ُّ
ق قلبي ؟ قال :ادخل المقبرة ! .
وقد ثبت في صحيح مسلم :عن أبي هريرة ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم
قال ُ (( :زوروا القبور فإنها تُذ ِّكر الموت )) .
وعن بُريدة َّ ،
أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (( :كنت نهيتكم عن زيارة
القبور فزوروها ،فإنَّها تذكر اآلخرة )) رواه أحمد ،والترمذي وصححه .
وعن أنس ،أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (( :كنت قد نهيتكم عن زيارة
القبور ،ثم بدا لي أنَّه تُر ُّ
ق القلب ،وتُدمع العين ،وتُذكر اآلخرة ،فزوروها وال
تقولوا هُجرا )) رواه اإلمام أحمد ،وابن أبي الدنيا .
وذكر ُ
ابن أبي الدنيا :عن محمد بن صالح التمار قال :كان صفوان بن سليم
َّ
انظرن ما يصنع ! يأتي البقيع في األيام فيمر بي ،فاتبعته ذات يوم؛ وقلت :وهللا ال
ُ
ظننت أنه قال :فقنَّع رأسه وجلس إلى قبر منها ،فلم يزل يبكي حتى رحمته .قال :
قبر بعض أهله ! قال :فم َّر بي مرة أخرى ،فاتبعته فقعد إلى جنب ٍ
قبر غيره ،ففعل
ُ
ظننت أنه قبر بعض أهل . فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر وقلت :إنّما
ُ مثل ذلك .
10
فقال محمد :كلهم أهل وإخوانه ! إنَّما هو رجل يُحَّرك قلبه بذكر األموات كلَّما
عرضت لهو قسوة .قال :ثم جعل محمد بن المنكدر بعد ي ّمر بي فيأتي البقيع ،
فسلَّ ُ
مت عليه ذات يوم ،فقال :ما نفعتك موعظة صفوان ؟ قال :فظننت أنه انتفع بما
ُ
ألقيت إليه منها .
أن عجوزاً متَعبِّدة من عبدالقيس كانت تُكثر إتيان القبور ،
وذكر أيضا ً َّ :
إن القلب القاسي إذا جفا لم يليِّنه إال رسول البِلى ،وأنّي
فعُوتبت في ذلك .فقالت َّ :
آلتي القبور وكأني انظر إليه وقد خرجوا من بين أطباقها ،وكأني انظر إلى تلك
الوجوه المتعفِّره ،وإلى تلك األجسام المتغيِّرة ،وإلى تلك األكفان الدنسة !! فيا له من
منظر لم أَ ُس ّر به قلوبَهم ،ما أنكل مرارة األنفس ،وأشد تلفة األبدان .
وقال زياد النميري :ما اشتقت إلى البكاء إال مررت عليه .قال له رجل :
ُ
أردت ذلك خرجت إلى المقابر فجلست إلى بعض تلك القبور ، وكيف ذلك ؟ قال :إذا
ثم ف َّك ُ
رت فيما صاروا إليه من البِلى ،وذكرت ما نحن فيه من ال ُمهلة .قال :فعند ذلك
تختفي أطواري ! .
وقلت وهللا الموفِّق :
ُ
أفي دار الخـراب تظل تبني *** وتـعـمر مـالعمران ُخلقتا
ومـا تركت لـك األيام عذراً *** لقـد وعظتك لـكن ما تعظتا
تُنـادي للـرحيـل بكل حين *** وتُعلن إنّـ َما المقصـو ُد أنتا
وتُسمعـك النـدا َء وأنت ال ٍه *** عن الداعي كـأنَّك ما سمعتا
وتعلم أنَّه سـفـ ٌر بـعـيـد *** وعـن إعـداد زا ٍد قد غفلتا
ساع *** وراءك ال يـنام فكيـف نمتا
ٍ تنـام وطالـب األيـام
معائب هـذه الـدنيـا كثير *** وأنـت علـى محبّتـها طُبعتا
ب ولهو *** ولو أٌعطيت عقالً ما لعـبتـا
يضيع العم ُر في لعـ ٍ
فما بعد الممات سـوى جحيم *** لعـاص أو نـعيم إنْ أطعتـا
ولست بآم ِر باط ٍل رداً لدنيا *** فتعـم ُل صـالحا ً فيما تركتـا
وأ َّو ُل من ألوم اليوم نفسـي *** فقد فعلتْ نظائـ َر مـا فعلتـا
10
أيا نفسي أخوضا ً في المعاصي *** وبعد األربعين وغـب ستـا
وأرجـو أنْ يطول العم ُر حتى *** أرى زاد الـرحيـل وقد تأتّى
أيا ُغصن الشباب تميل زهواً *** كأنك قد مضى زمـن وشبتا
علمتَ فدع سبي َل الجهل واحذر *** وصحح قد علمتَ وما عملتا
ويا من يجمع األموال قـل لي *** أيمنعك ال ّردي ما قد جمعتـا
ويا من يبتغي> أمـراً مطاعا ً *** ليُسمع نافـذاً َمن قـد أمـرتا
عججت إلـى الوالية ال تُبالي *** أجرت علـى البرية أم عدلتا
أال تـدري بـأنك يوم صارت *** إليك بغـير سكـين ُذبـحتـا
وليس يقوم فرحةُ قد تولَّـى *** بترحة يوم تسمع قد عُزلتـا
وال تُهمل فإن الوقت يسري *** فإنْ لم تغتنمه> فقـد أضعتـا
ترى األيام تُبلي كـل ُغصن *** وتطوي ِمن سرورك ما نشرتا
وتعلـم إنِّمـا الدنيـا منـام *** فأحلـى ما تكون إذا انتبهتا
فكيف تص ّد عن تحصيل باق *** وبـالفاني وزخرفـه شُغلـتا
هـي الـدنيا إذا سرتك يوما ً *** تسوؤك ضعف ما فيها ُ
سررت
تغ ّرك كـالسراب فأنت تسري *** إليه وليـس تشعر إن ُغررتا
وأشهد ُكـ ْم أبادت من حبيب *** كـأنك آمن ممـا شهـدتـا
سرور *** بما قـد نلت من إرث وحرثا
وتـدفنهم وتـرجع ذا ُ
وتنساهـم وأنت غداً ستفنى *** كـأنك مـا ُخلقت وال وجدتا
ت ُِّحـدث عنهم وتقـول كانوا *** نعم كـانوا كمـا وهللا كنتـا
حديثك هـ ُم وأنت غداً حديث *** لغيرهم فـأحسن ما استطعتا
يعود المرء بعد الموت ذكراً *** فكن حسن الحديث إذا ذُكرتا
سـل األيام عـن عم وخال *** وما لك والسؤال وقد علمتا
ألست تـرى ديـارهم خالء *** فقد أنـكرت منها ما عرفتا
ومنها :النظ ُر في ديار الهالكين ،واالعتبار بمنازل الغابرين .
10
روى ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر واالعتبار بإسناده :عن عمر بن سُليم
الباهلي ،عن أبي الوليد أنه قال :كان ابن عمر إذا أراد ْ
أن يتعاهد قلبه؛ يأتي الخَربة
فيقف على بابها ،فيُنادي بصوت حزين فيقول :أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول
:كلُّ شيء هال ٌ
ك إال وجهه !! .
وروى في كتاب القبور بإسناده :عن محمد بن قدامة قال :كان الرَّبيع بن
ُخثَيم إذا وجد ِمن قلبه قسوةً يأتي منزل صديق له قد مات؛ في الليل فيُنادي :يا فالن
بن فالن ،يا فالن بن فالن .ثم يقول :ليت ِشعري !! ما فعلتَ وما فُعل بك ؟ ثم يبكي
حتى تسيل دموعه ،فُيعرف ذلك فيه إلى مثلها .
ومنها :أك ُل الحالل ،روى أبو نُعيم وغيره ،من طريق عمر بن صالح
ذهبت أنا ويحيى الجالء – وكان يُقال إنّه من األبدال – إلى أبي
ُ الطرسوسي قال :
عبدهللا أحمد بن حنبل فسألته – وكان إلى جنبه بوران و ُزهير وهارون الجمال –
فقلت :رحمك هللا يا أبا عبدهللا بما تلين القلوب ؟ فنظر إلى أصحابه فغمزهم بعينه ،
ُ
فمررت كما أنا إلى أبي نصر ثم أطرق ثم رفع رأسه فقال :يا بني بأكل الحالل .
بشر بن الحارث فقلت له :يا أبا نصر بما تلين القلوب ؟ فقال :أال بذكر هللا تطمئن
ُ
جئت من عند أبي عبدهللا .قال :هيه ! أي شي ٍء قال لك أبو ُ
فقلت :فـإني القلوب .
ُ
فمررت إلى عبدهللا ؟ قلت :قال :بأكل الحالل .فقال جاء باألصل ،جاء باألصل !
ُ
فقلت :يا أبا الحسن بما تلين القلوب ؟ فقال :أال بذكر هللا تطمئن عبدالوهاب الوراق
ُ
جئت من أبي عبدهللا .فاحمرَّت وجنتاه من الفرح ! فقال لي :أي القلوب .قلت :فإن
شي ٍء قال أبو عبدهللا .قلت :قال :بأكل الحالل .فقال :جاءك بالجوهر ،جاءك
بالجوهر ،األصل كما قال ،األصل كما قال !! .
والحمد هلل وحده .
10