You are on page 1of 104

‫الحرب النفسية‬

‫‪2‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫قبس من القرآن‬

‫ال لَ ُهم الن ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم‬ ‫َّاس إ َّن النَّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ين قَ َ ُ‬ ‫(الذ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يل‬
‫يمانًا َوقَالُوا َح ْسبُ نَا اللهُ َون ْع َم ال َْوك ُ‬ ‫اد ُه ْم إِ َ‬ ‫ش ْو ُه ْم فَ َز َ‬
‫فَا ْخ َ‬
‫س ْس ُه ْم ُُو ٌ‬ ‫(‪ )371‬فَانْ َقلَبُوا بِنِ ْع َم ٍة ِم َن اللَّ ِه َوفَ ْ‬
‫ض ٍل لَ ْم يَ ْم َ‬
‫ض ٍل َع ِظ ٍيم (‪ )371‬إِنَّ َما‬ ‫ض َوا َن اللَّ ِه َواللَّهُ ذُو فَ ْ‬ ‫َواتَّبَ عُوا ِر ْ‬
‫ون إِ ْن‬ ‫وهم و َخافُ ِ‬ ‫الشيطَا ُن ي َخ ِو ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف أ َْوليَا ٌَهُ فَ ََل تَ َخافُ ُ ْ َ‬ ‫ذَل ُك ُم َّ ْ ُ‬
‫ين (‪.)371‬‬ ‫ِِ‬
‫ُك ْن تُ ْم ُم ْؤمن َ‬
‫سورة آل عمران‬

‫‪3‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫المحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫المـــوضــــوع‬ ‫التبويب‬


‫‪6‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪11‬‬ ‫الحرب النفسية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬


‫‪12‬‬ ‫األهمية‬ ‫المبحث األول‪:‬‬
‫‪15‬‬ ‫التعريف‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫‪17‬‬ ‫األساليب والوسائل‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫‪19‬‬ ‫الشائعات‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫األهمية والتعريف‬ ‫المبحث األول‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫أقسام الشائعات‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫الشائعات المعادية‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫الشائعات الموجهة والمضادة‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬
‫‪27‬‬ ‫شواهد تأريخية وواقعية‬ ‫المبحث الخامس‬
‫‪29‬‬ ‫الدعاية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫األهمية والتعريف‬ ‫المبحث األول‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫األقسام وطرق الترويج‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬

‫‪26‬‬ ‫أساليب ممارسة العمل الدعائي العسكري‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬


‫المواجهة‬ ‫وطرق‬ ‫المعادية‬ ‫الدعاية‬
‫‪29‬‬ ‫والتحصين‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪52‬‬ ‫شواهد تأريخية وواقعية‬ ‫المبحث الخامس‪:‬‬


‫‪56‬‬ ‫الطابور الخامس‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫‪57‬‬ ‫الخلفية التأريخية والتعريف‬ ‫المبحث األول‪:‬‬
‫‪62‬‬ ‫دائرة االهتمام والمهام وطريقة العمل‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬

‫‪66‬‬ ‫أساليب مواجه أنشطة والتحصين منها‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫‪72‬‬ ‫شواهد تأريخية وواقعية‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬


‫‪77‬‬ ‫غسيل الدماغ‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫‪76‬‬ ‫المفهوم والتعريف‬ ‫المبحث األول‪:‬‬
‫‪62‬‬ ‫األهمية واألهداف‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫أساليب الممارسة وطرق المواجهة‬
‫‪65‬‬ ‫والتحصين‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫‪96‬‬ ‫شواهد تأريخية وواقعية‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬


‫‪122‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪5‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫مـقــــــدمــــة‬
‫احلمد هلل رب العاملني وال عدوان إال على الظاملني املعتدين‪ ،‬ونصلى‬
‫ونسلم على قائد اجملاهدين‪ ،‬وإمام املرسلني املبعوث رمحة للعاملني‬
‫حممد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه‪ ،‬واسنت بسنته إىل يوم‬
‫الدين وبعد‪..‬‬
‫فإن احلرب النفسية من علوم النفس اإلجتماعي‪ ،‬والعسكري اليت البد‬
‫أن تتسلح بها الشعوب واجليوش على حد سواء نظرا لتأثرياتها القاتلة‬
‫ملعنويات العدو جيشا‪ ،‬وشعبا‪ ،‬واملمهدة هلزميته العسكرية يف ميدان‬
‫املواجهة املسلحة‪ ،‬ولتأثرياتها اإلجيابية الرافعة للروح املعنوية‬
‫جليوشنا‪ ،‬وشعوبنا املؤازرة هلا بصورة تضاعف العزائم‪ ،‬وتزيد من‬
‫التصميم على النصر مهما بلغت التضحيات‪ ،‬وهلذا كان األمر‬
‫الرباني للنيب صلى اهلل عليه وسلم ومن سار على نهجه إىل يوم الدين‬
‫والذي قال اهلل أمرا به‪( :‬يَا أي هيهَا النببييه حَرِ ِضا الُمْ ِؤمينينيَ َعليى الُقيتَالا إا ِن‬
‫يَ ُكنِ مينِ ُكمِ عيشِرْونَ صَابيرْونَ َي ِغليبْوا ميائَتَ ِينا وَإانِ يَ ُكنِ مينِ ُكمِ ميائَةٌ َي ِغليبْوا‬
‫أيلُفًا يمنَ الَّذيينَ كيفيرْوا بيأي بن ْهمِ قيوِمٌ ليا يَفُ يقهْونَ(‪ ،))1‬وكان الثبات‪ ،‬وانتفاء‬
‫الوهن‪ ،‬وعدم القبول بالضعف‪ ،‬ورفض االستكانة للعدو حينما كانت‬
‫الكرة له يف غزوة أحد‪ ،‬وبعد أن ذهب العدو يبث الرعب عله به أن حيقق‬
‫اهلزمية املاحقة للمسلمني‪ ،‬فعن هذا املشهد من مشاهد احلرب‬
‫النفسية واملشهد املواجه له قال سبحانه‪( :‬الَّذيينَ قيالَ لي ْهمْ النباسْ إا بن‬
‫النباسَ قيدِ جَ َمعْوا لي ُكمِ فياخِشَ ِو ْهمِ فيزَا َد ْهمِ إاميَاناا وَقيالُوا حَسِبْنَا اللَّهْ وَ ينعِمَ‬

‫‪ 1‬سورة األنفال آية ‪56‬‬


‫‪6‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫س ْهمِ سْوءٌ وَاتب َبعْوا‬


‫الُ َوكييلْ فيانِ يقليبْوا بي ينعِمَة ٍ يمنَ اللَّهي وَفيضِل ليمِ يَمِسَ ِ‬
‫ارضِوَانَ اللَّهي وَاللَّهْ ذْو فيضِل عَظييم إانبمَا ذَلي ُكمْ الشبيَِيانْ ْيََوُِْ أيوِلييَاءَ ُْ‬
‫ني (‪.))1‬‬
‫يفليا َتََافُو ْه ِم َوخَافُونا إانِ كُنِ ْتمِ مْ ِؤميني َ‬
‫سبب اختيار البحث‪:‬‬
‫مثة أسباب حتمت عليّ اختيار هذا البحث‪ ،‬وحددت درجة أهميته‬
‫بالنسبة لي كباحث وعسكري أمجلها يف اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬حجم اهلجمات‪ ،‬واحلمالت الدعائية العدائية‪ ،‬واملغرضة املوجهة ضدنا‪،‬‬
‫واملثقلة بسموم الشائعات‪ ،‬واألراجيف اهلادفة لنسف ثقتنا بربنا‪،‬‬
‫واجتثاث ثقتنا بأنفسنا‪ ،‬وقتل معنوياتنا‪ ،‬وتوطني اهلزمية النفسية يف‬
‫خلجات نفوسنا‪.‬‬
‫‪ .2‬استمراء ثقافة اهلزمية بني بعض اوساطنا حتى صار منا وفينا من ال‬
‫يولي انتصارتنا تلك األهمية اليت يوليها إلنتصارات العدو‪.‬‬
‫‪ .3‬قلة االهتمام بهذا النوع من أنواع احلرب يف الوسط العسكري‪ ،‬وعند‬
‫النَب‪ ،‬ومتصدري منابر تشكيل وتوجيه الرأي العام اجملتمعي‪ ،‬وهو ما‬
‫جعل عدونا يراهن على حواضن جيشنا الوطين الشعبية اليت مل‬
‫تتحصن من هذا النوع من أنواع احلرب بالشكل املَلوب يف تصدير‬
‫شائعاته‪ ،‬وأراجيفه ملقاتلينا يف اجلبهات حتى يتمكن من تصدير‬
‫اهلزمية النفسية ملن يقاتلونه يف اجلبهات بصورة متهد هلزميتهم‬
‫عسكريا‪ ،‬وما ذك إال لكون عدونا يعي متاما أن قوته العسكرية مل متكنه‬

‫‪ 1‬سورة أل عمران من آية ‪171‬ـ آية ‪176‬‬

‫‪7‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫طيلة مخس سنواته من حربه علينا من إخضاع منَقة أو حمافظة‬


‫بعينها له بقدر ما مكنته الشائعات واألراجيف واخليانات من ذلك‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫‪ .1‬كشف أساليب ووسائل احلرب النفسية وأثارها املدمرة لنسهم بدعم‪،‬‬
‫وتوجيه اجلهود الرمسية‪ ،‬واجملتمعية اهلادفة لتحصني اجملتمع منها‪،‬‬
‫ومواجهة آثارها املدمرة‪.‬‬
‫‪ .2‬إبراز أهمية إتقان هذا النوع من أنواع العلوم‪ ،‬والذي بإتقاننا له نتمكن‬
‫من مواجهة أساليب ووسائل احلرب الباردة‪ ،‬واملسلحة اهلادفة إلثارة‬
‫الرعب واهللع يف نفوسنا‪ ،‬ونتمكن عند خوضنا لغمار هذا النوع من‬
‫أنواع احلروب من التحول من طور الدفاع إىل طور اهلجوم بصورة‬
‫نتمكن من خالهلا من كسب املعارك ـ العسكرية ـ السياسية ـ‬
‫االقتصادية ـ الثقافية ـ ‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلسهام بإجياد مادة تدخل ضمن مناهج الرتبية العسكرية للمقاتلني‬
‫تسهم بتثقيف املقاتلني والبيئة احمليَة بهم يف هذا النوع من أنواع‬
‫احلروب ليحققوا التحصني النفسي املَلوب من التأثريات املدمرة‬
‫للحرب النفسية‪.‬‬
‫‪ .4‬لفت األنظار لضرورة حتقيق التحرر الكامل من عقدة اهلزمية النفسية‬
‫اليت الزمت أمتنا على إثر اهلزمية العسكرية اليت حاقت باملسلمني يف‬
‫احلرب العاملية األوىل‪ ،‬واليت ما تزال أثارها النفسية املدمرة ما ثلة‬
‫للعيان بصور شتى أهمها‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫سلبية التفكري‪ ،‬والذي على إثر ُ ضربت مكامن القوة املعنوية املتمثلة‬ ‫أ‪-‬‬
‫بالثقة يف الذات لدى جمتمعاتنا العربية‪ ،‬واإلسالمية فتولد على إثرها‬
‫يف نفوس الكثري نزعة أن اهلزمية هي األصل املالزم لنا يف صراعنا مع‬
‫غرينا‪ ،‬وأن النصر هو اإلستثناء من ذلك‪ ،‬وأن الفشل هو األصل املالزم‬
‫ألي دعوات أو توجهات تهدُ للنهو ِض بأنفسنا‪ ،‬وأوطاننا‪ ،‬وأن النجاح‬
‫هو اإلستثناء من ذلك‪ ،‬وهو ما جعل شعوبنا تصاب حبالة من العجز‪،‬‬
‫والتواكل‪ ،‬والركون‪ ،‬واخلنوع‪ ،‬واإلستعباد‪ ،‬والذلة‪.‬‬
‫ب‪ -‬سلبية التفسري للحوادث‪ ،‬واألحداث‪ ،‬وما سيتمَض عنها مستقبال‬
‫وهو ما دفع ويدفع بالبعض من أبناء جلدتنا للمسارعة بالرتويج‬
‫إلنتصارات خصومنا حتى قبل أن تضع احلرب أوزارها‪ ،‬والتقليل من‬
‫شأن انتصاراتنا‪ ،‬بل والتشكيك بها حال حتققها‪.‬‬
‫ت‪ -‬اإلنفصام النكد بني حاضرنا املعاش‪ ،‬وماضي أمتنا املشرق دفع بَابور‬
‫طويل من شبابنا ألن يسلموا عقوهلم لعدوهم ليشكلها كما يشاء ال‬
‫كما يشاؤوا هم‪ ،‬وكما تشاء أمتهم األمر الذي كرس يف تلك‬
‫العقول ثقافة اإلنهزام‪ ،‬والتبعية املنحَة‪ ،‬إال من مصادر قوتنا‪ ،‬وعزتنا‬
‫اليت دْفعوا إلعمال معاول هدمهم على ما تبقى لنا منها‪ ،‬حتى بدأ‬
‫التَلف املوجه‪ ،‬والتسليم بضرورة اخلنوع للمنتصر يَل برأسه يف‬
‫جمتمعاتنا اليت صار بعض أبنائها يرفع بامسه الفتات التقدم‪،‬‬
‫والتحضر لتقبل به الشعوب‪.‬‬
‫أما بالنسبة خلَة البحث فلن أذكرها هنا كوني قد قدمت جدول‬
‫احملتويات والذي يتضمن خَة البحث قبل هذ ُ املقدمة‪ ،‬وحتى ال‬

‫‪9‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫نسهب كثريا يف املقدمة واهلل وحد ُ أسأله العون والسداد إنه على‬
‫مايشاء قدير‪.‬‬
‫املؤلف‬
‫مأرب‪ :‬اجلمعة ‪ /6‬شوال ‪ُ 1441‬‬
‫املوافق ‪33‬مايو ‪2323‬م‬

‫‪10‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الفصل األول‬
‫احلرب النفسية‬
‫املبحث األول‪ :‬األهمية‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التعريف‬
‫املبحث الثالث‪ :‬األساليب والوسائل‬

‫‪11‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث األول‬
‫أهمية احلرب النفسية‬

‫تكتسب احلرب النفسية أهميتها من كونها أول وأهم أسلوب من‬


‫أساليب املواجهة بني احلق والباطل من يوم أن خلق اهلل آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬ورفض إبليس السجود له‪ ،‬فَرد من ملكوت السماوات فراح‬
‫يتوعد بأن جيعل ساحة املواجهة بينه وبني ذرية آدم عليه السالم النفس‬
‫البشرية فقال كما ذكر اهلل مقاله بقوله سبحانه‪( :‬قيالَ َربِ بيمَا‬
‫يأغُ َويِتَنيي ليأُ َزيِ َننب يلهْمِ فيي الُأيرِ ِضا وَلي ُأغُ اويَ بن ْهمِ يأجِ َمعينيَ إالَّا عيبَادَكي مي ِن ْهمْ‬
‫َليصينيَ(‪ ،))1‬ومل يكتفي ابليس يف هذ ُ املعركة بأساليب التزيني‪،‬‬
‫الُ ْم ِ‬
‫واإلغواء‪ ،‬بل تسلح بسالح الرعب‪ ،‬واخلوُ الذي حذرنا اهلل منه بقوله‪:‬‬
‫(إانبمَا ذَلي ُكمْ الشبيَِيانْ يََْوُِْ أيوِلييَاءَ ُْ فيليا َتََافُو ْهمِ َوخَافُونا إانِ كُنِتْ ِم‬
‫مْ ِؤمينينيَ (‪ ))2‬والذي يقذفه الشيَان يف نفوس أولياء ُ ليتولوا بدورهم‬
‫بثه يف اجملتمع مغلفاً بأغلفة الشائعات‪ ،‬واألراجيف‪ ،‬والدعاية‪ ،‬وغسيل‬
‫الدماغ‪ ،‬بغية اخراج اجملتمع من والية الرمحن‪ ،‬واسقاطه يف مستنقع‬
‫الشيَان ليَسر بهذا السقوط معركته مع أولياء الشيَان الذين‬
‫يقاتلون يف سبيله نصرة لكل مبادئ التوحش‪ ،‬والظالل‪ ،‬واإلستعباد‪،‬‬
‫واإلجرام الشيَانية اليت أمرنا مبقاتلة من يقاتلون يف سبيلها مصداقا‬
‫لقول اهلل وأمر ُ القائل‪( :‬الَّذيينَ آمَنْوا يْقيا يتلُونَ فيي سَبييلا اللَّهي وَالَّذيي َن‬

‫‪ 1‬سورة الحجر آية ‪ 13‬ـ ‪04‬‬


‫‪ 2‬سورة آل عمران أيه ‪176‬‬

‫‪12‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫كيفيرْوا يْقيا يتلُونَ فيي سَبييلا الََّاغُوتي فيقيا يتلُوا أيوِلييَاءَ الشبيَِيانا إانب كييِدَ‬
‫ضعييفًا (‪ ))1‬هلذا جاءت الرساالت السماوية فجعلت‬
‫الشبيَِيانا كيانَ َ‬
‫حمور اهتمامها النفس البشرية حيث عمدت كل تلك الرساالت‬
‫لتصفية النفوس‪ ،‬وتهذيبها‪ ،‬وتقويتها‪ ،‬وحتصينها لتصبح قادرة على‬
‫جمابهة كل أساليب احلرب النفسية اليت يتحدد بناء عليها املنتصر‪،‬‬
‫واملنهزم يف ميدان املواجهة املسلحة‪ ،‬فالنصر‪ ،‬أو اهلزمية النفسية‬
‫املعنوية مٌقديمة‪ ،‬ونتيجة للنصر أو اهلزمية العسكرية املسلحة‪ ،‬هلذا‬
‫اهتمت جيوش الدنيا قدميها وحديثها بهذا النوع من أنواع احلرب‪،‬‬
‫فاستعملته قبل‪ ،‬وأثناء‪ ،‬وبعد املعركة‪ ،‬وما ذك إال لكون احلرب قبل أن‬
‫تتحول إىل ساحات املواجهة املسلحة تأخذ طابع صراع األدمغة‪ ،‬اليت‬
‫البد هلا أن تستند على املعلومة الصحيحة‪ ،‬واإلرادة القوية‪ ،‬والقدرة‬
‫اإلبداعية املذهلة على إتقان أساليب‪ ،‬وفنون احلرب النفسية احملصنة‬
‫للصف‪ ،‬واملفقدة لثقة العدو يف ذاته‪ ،‬ومقاتليه‪ ،‬وعدالة قضيته ليتسنى‬
‫بناء على ذلك اإلنتصار عليه يف ميدان املواجهة املسلحة‪ ،‬فالنصر إمنا‬
‫يبدأ بإمتالك اإلرادة الواثقة باهلل الذي بيد ُ وحد ُ النصر مصداقا‬
‫لقوله سبحانه‪َ ( :‬ومَا النبصِرْ إالَّا يمنِ عينِدي اللَّهي ا ُلعَزايزا ا ُلحَكييما (‪))2‬‬
‫والتواقة له‪ ،‬واملستعصية على السقوط يف مستنقع الشائعات‪،‬‬
‫واألراجيف‪ ،‬والدعاية املوجهة‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪75‬‬


‫‪ 2‬سورة آل عمران أيه ‪125‬‬
‫‪13‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫هلذا اعتربت احلرب النفسية سالح فتك ميكن ملن جييد استَدام‬
‫اساليبها بَرق ذكية ومدروسة أن يهزم خصمه هزمية نكراء يف ميدان‬
‫املواجهة املسلحة‪ ،‬وعندها تكون اهلزمية النازلة بالعدو‪ ،‬والنصر املرتتب‬
‫عليها عامال مهما من عوامل رفع املعنويات للجيش ولعامة الشعب‪،‬‬
‫وبهذ ُ الَريقة ميكن القول أن احلرب النفسية عامل مهم من عوامل‬
‫النصر يف ميدان املواجهة املسلحة‪ ،‬واتقان فنونها واجب شرعي دليله‬
‫األمر الرباني بوجوب إعداد القوة ملواجهة العدو والذي أمر اهلل به‬
‫َعِ ْتمِ يمنِ قُوبة ٍ َو يمنِ رابَاطي ا ُلََيِلا‬
‫بقوله سبحانه‪َ ( :‬ويأعيدهوا ليهْمِ مَا اسِتَ ي‬
‫كمِ(‪.))1‬‬
‫تْ ِرهيبْو َن بيهي عَدْ بو اللَّ يه وَعَدْ بو ُ‬

‫‪ 1‬سورة األنفال آية ‪54‬‬


‫‪14‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثاني‬
‫التعريف‬

‫سأقتصر هنا على تعريفي للحرب النفسية واليت عرفتها بأنها‪:‬‬


‫مجلة األساليب واألنشَة املدروسة‪ ،‬واملوجهة صوب عقل ووجدان‬
‫مقاتلي العدو‪ ،‬وبيئتهم الشعبية احلاضنة بغية إحداث صراع نفسي‬
‫داخلي يزعزع إرادة القتال لديهم‪ ،‬ويسهم بهزميتهم عسكرياً‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫يتبني من التعريف أن احلرب النفسية ترتكز على أساليب توجهها وهي‬
‫الشائعات‪ ،‬والدعاية‪ ،‬وغسيل الدماغ‪ ،‬والَابور اخلامس‪ ،‬وهذ ُ‬
‫األساليب تبقى عاجزة عن حتقيق أهدافها مامل تتوافر هلا أنشَة‪ ،‬أو‬
‫وسائل تعمل على إيصاهلا لتَاطب عقل‪ ،‬وعاطفة العدو‪ ،‬ومقاتليه‪،‬‬
‫ومجهور ُ الشعيب حتى حتدث صراعا نفسيا لدى اجلميع ـ ـ القيادة‪،‬‬
‫واملقاتلني‪ ،‬وعامة املؤيدين ـ ـ تتزعزع بناء عليها إرادة القتال لديهم مبا‬
‫حتدثه من شروخ داخلية‪ ،‬وفقدان ثقة جتعل احمليط الشعيب للمقاتل‬
‫يتأكل من حوله‪ ،‬وهو ما جيعل أمر اهلزمية العسكرية سهال‪ ،‬وسريعا‪.‬‬
‫أما إن مل يتأثر اجلميع بها‪ ،‬فيكفي أن يتأثر بها عامة الناس الذين‬
‫عادة ما يكونوا أكثر عرضة للتأثر السليب بأساليب تلك احلرب‪،‬‬
‫وأكرب ناقل هلا إىل املقاتل يف جبهات القتال بصورة جتعله يعيش‬
‫صراعا نفسيا مع اهلزمية اليت بات حيدث بها نفسه‪ ،‬واليت ال حتل إال‬
‫وقد فقد املقاتل ثباته‪ ،‬ورباطة جأشه‪ ،‬وأصبحت يد ُ اليت متسك على‬

‫‪15‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الزناد مهزوزة مهيئة ألن تلقي السالح‪ ،‬وتستلم‪ ،‬أو تنسحب من أر ِض‬
‫املواجهة جتر وراءها أذيال اهلزمية النكراء عند أول مواجهة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثالث‬
‫األساليب والوسائل‬

‫أوال أساليب احلرب النفسية‪:‬‬


‫تنقسم أساليب احلرب النفسية إىل أربعة أقسام وهي حبسب أهميتها‬
‫وخَورتها ترتب على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬الشائعة‬
‫‪ .2‬الدعاية‬
‫‪ .3‬غسيل الدماغ‬
‫‪ .4‬الَابور اخلامس‬
‫وسنتحدث عن كل أسلوب من هذ ُ األساليب مبا يتيسر من التفصيل‬
‫الحقا‪.‬‬
‫ثانيا الوسائل (األنشطة)‪:‬‬
‫الفارق بني األسلوب‪ ،‬والوسيلة هنا يكمن يف كون الوسيلة تابعة‬
‫لألسلوب‪ ،‬وخادمة له‪ ،‬فبها يتم نقل‪ ،‬وإيصال ما تنتجه مَابخ احلرب‬
‫النفسية بأسلوب من أساليبها السابقة الذكر‪.‬‬
‫وعليه فإن وسائل احلرب النفسية كثرية ومتنوعة وسنقتصر هنا على‬
‫أهم تلك الوسائل واملتمثلة يف اآلتي‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .1‬وسائل اإلعالم املَتلفة املرئية‪ ،‬واملقروءة‪ ،‬واملسموعة مبا تنقله‬


‫من‪ :‬اخبار‪ ،‬أفالم‪ ،‬مقابالت‪ ،‬تقارير‪ ،‬مؤمترات صحفية‪ ،‬محالت‬
‫دعائية وإعالنية‪ ،‬مسلسالت‪ ،‬ومسرحيات‪.‬‬
‫‪ .2‬مواقع التواصل االجتماعي املَتلفة‪.‬‬
‫‪ .3‬املنشورات الورقية‪.‬‬
‫‪ .4‬اجملالس والتجمعات العامة ووسائل املواصالت‪.‬‬
‫‪ .5‬املكاملات التلفونية‪.‬‬
‫‪ .6‬اخلَب واخلَابات‪.‬‬
‫‪ .7‬الالفتات العامة‪.‬‬
‫‪ .8‬املعسكرات واملَيمات املغلقة والسجون مبا يتم فيها من‬
‫ممارسات خمتلفة‪.‬‬
‫‪ .9‬احلوارات املباشرة‪.‬‬
‫‪ .13‬العناصر اجلاسوسية والشبكات التابعة هلا‪.‬‬
‫‪ .11‬اهلتافات والنداءات والشعارات‪.‬‬
‫‪ .12‬األناشيد‪ ،‬واألهازيج‪ ،‬والزوامل‪ ،‬واألشعار‪.‬‬
‫‪ .13‬الصور املعربة‪ ،‬والرسوم الكاريكاتورية الساخرة‪.‬‬
‫‪ .14‬الرسائل اخلاصة الورقية أو اإللكرتونية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الفصل الثاني‬
‫الشــــــائعــــــات‬
‫املبحث األول‪ :‬األهمية والتعريف‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أقسام الشائعات‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الشائعات املعايية‬
‫املبحث الرابع‪ :‬الشائعات املوجهة أو املضاية‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬شواهد تأرخيية وواقعية‬

‫‪19‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث األول‬
‫األهمية والتعريف‬

‫أوال األهمية‪:‬‬
‫تكمن أهمية الشائعات يف اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬سهلة التداول‪ ،‬والنقل نظرا لبساطة وسائلها املستَدمة‪.‬‬
‫‪ .2‬سرعة االنتشار‪ ،‬والرواج نظرا لكون املستهدُ بها يف الغالب‬
‫عامة الناس‪ ،‬والذين عادة ما يعملون على توسيع نَاق‬
‫تداوهلا باعتبارها من وجهة نظرهم حقائق وليست أكاذيب‪.‬‬
‫‪ .3‬حتقق أهدافها بسرعة وبأقل كلفة‪.‬‬
‫‪ .4‬تأثريها فتاك‪ ،‬ومن فتكها أنها ختلَل ثقة اجملتمع ببعضه‪،‬‬
‫وتسهم بقتل عالقة الثقة القائمة بني املقاتلني ببعضهم داخل‬
‫الصف العسكري‪ ،‬وعالقتهم بقائدهم ولنا يف املرامي اليت‬
‫هدُ من خالهلا املنافقون عند تروجيهم حلادثة اإلفك خري‬
‫شاهد على هذا‪.‬‬
‫‪ .5‬غالبا ما تكون أهدافها كبرية‪ ،‬وهلذا فهي تسهم بإسقاط‬
‫جيوش‪ ،‬ودول وما كان هلا أن تسقط لوال الشائعات املثارة‪.‬‬
‫‪ .6‬صعوبة احتوائها‪ ،‬واحلد من انتشارها أثناء تداوهلا‪.‬‬
‫‪ .7‬قد تسهم بكشف اسرار ما كان هلا أن تنكشف لوال ما روج من‬
‫شائعات حتمت على من يعمل على مواجهتها أن يكشف ما‬

‫‪20‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫تعمد إخفاء ُ من أسرار صار التكتم عليها مفسدة كربى‬


‫مقابل ما يتم تروجيه من شائعات يتَلب دحضها إفشاء‬
‫بعض تلك األسرار‪.‬‬
‫‪ .8‬تكون أقرب للتصديق حينما تنقل للصف املقاتل من حاضنته‬
‫الشعبية اليت غالبا ما يستغفلها العدو لتقوم وهي ال تشعر‬
‫بدور الوسيط املوصل لشائعة العدو إىل جيشها املدافع عنها‬
‫بصورة قد حتقق للعدو من جيشها ما يريد‪.‬‬
‫‪ .9‬رغم أنها يف الغالب كذبة إال أنها تكون ممكنة‪ ،‬وأقرب للواقع‬
‫وهذا الذي جعلها قابلة للتصديق وواسعة الرواج‪.‬‬
‫ثانيا التعريف‪:‬‬
‫الشائعة مأخوذة من الشيوع ويقصد به الذيوع‪ ،‬واالنتشار‪ ،‬وعليه‬
‫فالشائعة هي كل ما شاع وانتشر من اخبار هي للكذب أقرب منها‬
‫للحقيقة ينتجها اخلصوم احلاقدون بناء على ما يتوافر لديهم من‬
‫معلومات عن عدوهم‪ ،‬ويوجهونها صوب اتباعه‪ ،‬ومجهور ُ املؤيد‬
‫مبَتلف الوسائل املتاحة بهدُ التشويه‪ ،‬والتشكيك‪ ،‬وخلَلة‬
‫الصفوُ‪ ،‬والرتويج للهزمية قبل حدوثها‪.‬‬
‫يستفاد من التعريف‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الشائعة يف الغالب خرب كاذب ال أساس له‪.‬‬
‫‪ .2‬عادة ما ينتجها اخلصوم احلاقدون مستندين على ما لديهم‬
‫من أخبار حقيقية عن خصمهم‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .3‬يستهدُ بها عادة مجاهري الشعب ليتولوا بدورهم توسيع‬


‫نشرها لتصل إىل املقاتل الذي يدافع عنهم يف جبهات القتال‬
‫فتكون قابلية املقاتل لتصديقها أكرب‪.‬‬
‫‪ .4‬تستَدم هلا كافة الوسائل املمكنة‪ ،‬واملتاحة البسيَة‪،‬‬
‫والسريعة‪.‬‬
‫‪ .5‬هلا هدُ أو أهداُ يسهم حتقيقها يف هزمية املستهدُ بها‬
‫نفسيا متهيدا هلزميته العسكرية احملققة‪.‬‬
‫‪ .6‬البد أن يتوافر فيها لتلقى الرواج الكبري ركن القابلية‬
‫للتصديق‪ ،‬والذي لن يتحقق إال إذا اعتمدت الشائعة عند‬
‫انتاجها على معلومات حقيقية وواقعية عن العدو‪ ،‬وجيشه‪،‬‬
‫ومجاهري ُ الشعبية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثاني‬
‫أقسام الشائعة‬

‫تنقسم الشائعات بالنظر إىل منتجها‪ ،‬وهدفها إىل قسمني هما‪:‬‬


‫‪ .1‬الشائعات املعادية‬
‫‪ .2‬الشائعات املوجهة واملضادة‬
‫وكلى القسمني قد يدلالن إما صراحة‪ ،‬أو ضمنا على هوية املنتج‬
‫للشائعة الذي قد تدلل على هويته صراحة وسائل الرتويج املَتلفة إن‬
‫كانت تابعة له‪ ،‬أو ضمنيا إن كان هو الوحيد املستفيد من تلك‬
‫الشائعة‪ ،‬وهلذا قلت إذا أردت أن تعرُ من يقف خلف شائعة ما جمهولة‬
‫املصدر والوسائل فانظر للمستفيد منها يتبني لك هوية مصدرها‪.‬‬
‫كما ينقسم كلى القسمني وفقا للبعد الزمين إىل قسمني هما‪:‬‬
‫‪ .1‬شائعات تكتيكية آنية ال يتجاوز عمرها على أحسن تقدير ‪12‬‬
‫ساعة‪.‬‬
‫‪ .2‬شائعات طويلة أو بعيدة املدى (اسرتاتيجية) يروج هلا بني‬
‫احلني‪ ،‬واألخر على مدى أعوام أو حتى عقود من الزمن‪.‬‬
‫هذا وهناك من ذهب لتقسيم الشائعات إىل‪ :‬شائعة اخلوُ‪ ،‬والشائعة‬
‫الوردية أو احلاملة‪ ،‬وإشاعة الشغب‪ ،‬وجس النبض‪ ،‬واخلداع‪ ،‬وحرب‬
‫األعصاب‪ ،‬والتنبؤ‪ ،‬والتشهري وهز الثقة‪ ،‬لكننا هنا سنكتفي باحلديث‬
‫عن الشائعات املعادية واملوجهة أو املضادة‪ ،‬واليت يدخل يف إطارها كل‬
‫هذ ُ األقسام‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثالث‬
‫الشائعات املعادية‬

‫وهي كل شائعة حتقق مرامي وأهداُ العدو املرتبص بالدولة سواء‬


‫كان عدوا داخليا‪ ،‬أو خارجيا‪ ،‬وعادة ما تستهدُ وحدة النسيج‬
‫االجتماعي املدني‪ ،‬والعسكري ألي بلد‪ ،‬وختلق حالة من عدم الثقة‬
‫الشعبية‪ ،‬واحلكومية بصورة تهيئ البلد للسقوط يف وحل الفوضى‪،‬‬
‫واالنقسامات الداخلية‪ ،‬أو السقوط يف مستنقع االرتهان‪ ،‬والتبعية‬
‫للَارج‪ ،‬أو اهلزمية العسكرية أمامه‪.‬‬

‫املطلب األول‬
‫خطورتها‬

‫مكمن اخلَورة األهم للشائعات املضادة يكمن يف تصديقها‪ ،‬واستساغة‬


‫الرتويج هلا‪ ،‬والذي بتحقق حصوله تتحقق األخَار اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬اليأس‪ ،‬واالنهزام النفسي‪ ،‬وفقدان الثقة بالذات وكلها من‬


‫اخلَورة مبكان حبيث تورد أصحابها املهالك اليت قال اهلل‬
‫عنها‪( :‬إانب ْه ليا يَيِأيسْ يم ِن رَوِحا اللَّهي إالَّا الُقيوِ ْم الُكيافيرْونَ (‪.))1‬‬
‫‪ .2‬التثبيط‪ ،‬والتَذيل‪ ،‬وبث روح اليأس‪ ،‬والقنوط‪ ،‬واالنهزام بني‬
‫الناس عن املواجهة‪ ،‬واليت بتحقق‪ ،‬وقوعها من الفرد‪ ،‬أو‬
‫اجلماعة يتحقق فيهم النفاق مصداقا لقول اهلل سبحانه‬

‫‪ 1‬سورة يوسف آية ‪77‬‬


‫‪24‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫القائل‪َ ( :‬وإانب مينِ ُك ِم لي َم ِن لييْبََئ َئ بن فيإانِ يأصَابَتِ ُك ِم مْصييبَ ٌة قيا َل قيدِ‬


‫شهايداا وَلي يئنِ يأصَابَ ُكمِ فيضِلٌ يم َن‬
‫كنِ َم َع ْهمِ َ‬
‫أي ِن َعمَ اللَّهْ َعلييب إاذِ ليمِ يأ ُ‬
‫ت‬
‫اللَّهي لييَقُو يلنب كيأينِ ليمِ تَ ُكنِ بَيِنَ ُكمِ وَبَيِنَهْ مَوَدبةٌ يَا لييِتَنيي كُنِ ْ‬
‫َم َع ْه ِم فيأيفُوزَ فيوِزاا عَظييماا(‪.))1‬‬
‫‪ .3‬ضعف‪ ،‬أو حتَم إرادة الصرب‪ ،‬والثبات لوقت أطول خصوصا‬
‫أثناء املواجهة العسكرية سواء من قبل الشعب‪ ،‬أو من قبل‬
‫اجليش‪ ،‬تلك اإلرادة اليت يعد احلفا عليها‪ ،‬وتعهدها لتبقى‬
‫قوية صلبة عامل مهم من عوامل النصر استنادا لقول اهلل‬
‫سبحانه القائل‪ (:‬يَا يأيههَا الَّذيينَ آمَنْوا اصِبيرْوا وَصابيرْوا وَرابيَُوا‬
‫وَاتبقُوا اللَّ َه يلعَلَّ ُكمِ تْ ُف يلحْونَ(‪.))2‬‬
‫‪ .4‬التهيؤ للقبول باهلزمية‪ ،‬واالستسالم للعدو بعد قتال بسيط‪،‬‬
‫أو دون قتال‪ ،‬فيحيق مبن كان هذا حاله غضب اهلل مصداقا‬
‫لوعيد ُ سبحانه‪( :‬يَا يأيههَا الَّذيينَ آمَنْوا إاذا ليقيي ْتمْ الَّذيينَ كيفيرْوا‬
‫َزحِفاً فيال تْوَلُّو ْهمْ الُأيدِبارَ وَ َمنِ يْوَ ئل اهمِ يَ ِومَئيذ ٍ دْبْرَ ُْ إاالَّ مْ َتحَرِفًا‬
‫جهَ بن ْم‬
‫ليقيتال أيوِ مْ َتحَيِزاً إاىل فيئَة ٍ فيقيدِ باءَ يبغَضَب ٍ يمنَ اللَّهي َومَأُوا ُْ َ‬
‫ري (‪.))3‬‬
‫س الُمَصي ْ‬
‫وَبيئِ َ‬
‫‪ .5‬السلبية القاتلة لإلرادات‪ ،‬واملعَلة للقدرات‪ ،‬واملقعدة عن بلوغ‬
‫الكماالت‪ ،‬والقبول بالعيش على هامش احلياة باستعباد‪،‬‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪ 72‬و‪71‬‬


‫‪ 2‬سورة آل عمران آية ‪244‬‬
‫‪ 1‬سورة األنفال آية ‪ 16‬و‪15‬‬
‫‪25‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫وتبعية‪ ،‬وذلة‪ ،‬ومهانة مع أن اهلل ذم وتوعد كل من يقبل حبياة‬


‫االستعباد واملهانة بقوله سبحانه‪( :‬إانب الَّذيينَ تَوَفَّا ْهمْ الُمَليائيكي ُة‬
‫ضعَفينيَ فيي‬
‫س اهمِ قيالُوا فييمَ كُنِ ْتمِ قيالُوا كُنبا مْسِتَ ِ‬
‫ياليميي أينِفُ ي‬
‫ك‬
‫سعَةً في ْتهَاجيرْوا فييهَا فيأُولي يئ ي‬
‫الُأيرِ ِضا قيالُوا أي يلمِ تَ ُكنِ أيرِ ِضْ اللَّهي وَا ي‬
‫جهَ بن ْم وَسَاءَتِ مَصيرياا(‪.))1‬‬
‫مَأُوَا ْهمِ َ‬
‫‪ .6‬زعزعت إن مل يكن تفكيك النسيج االجتماعي للمجتمع‪،‬‬
‫وضرب الثقة القائمة بني القائد‪ ،‬وجند ُ‪ ،‬وأتباعه‪ ،‬وهذا ما‬
‫هدُ له املنافقون من اشاعتهم حلديث اإلفك‪.‬‬
‫‪ .7‬سلب إرادة القتال من نفوس املقاتلني‪ ،‬خصوصا إذا شاع بينهم‬
‫مقتل قائدهم‪ ،‬أو أن عدوهم مل يقدر عليه أحد‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪37‬‬


‫‪26‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املطلب الثاني‬
‫وسائلها واملستهدف بها‬

‫أوال وسائل نقل الشائعة‪:‬‬

‫‪ .1‬وسائل اإلعالم املَتلفة املرئية‪ ،‬واملقروءة‪ ،‬واملسموعة مبا تنقله‬


‫من‪ :‬اخبار‪ ،‬وأفالم‪ ،‬ومقابالت‪ ،‬وتقارير‪ ،‬ومؤمترات صحفية‪،‬‬
‫ومسلسالت‪ ،‬ومسرحيات‪.‬‬
‫‪ .2‬مواقع التواصل االجتماعي املَتلفة‪.‬‬
‫‪ .3‬املنشورات الورقية‪.‬‬
‫‪ .4‬اجملالس والتجمعات العامة ووسائل املواصالت‪.‬‬
‫‪ .5‬الرسائل اخلاصة الورقية أو اإللكرتونية‪.‬‬
‫‪ .6‬املكاملات التلفونية‪.‬‬
‫‪ .7‬اخلَابات اجلماهريية‪.‬‬
‫ثانيا املستهدف بالشائعات‪:‬‬

‫صحيح أن الشائعة تستهدُ اجملتمع برمته لكنها‪ ،‬وهي يف طور‬


‫الرتويج تستهدُ عادة عوام الناس الذين ميكن هلم فور تقبلهم هلا أن‬
‫يتحولوا إىل مروجني هلا بسرعة‪ ،‬ومدافعني عنها بقوة إىل أن تصل بعد‬
‫أن تلقى هلا رواجا‪ ،‬واسعا يف اجملتمع إىل فئات اجملتمع األهم‬
‫كاجليش مثال والذي قد يتقبل الشائعة بسهولة‪ ،‬وسرعة كونها مل‬

‫‪27‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫تصله مباشرة من عدو ُ بل من حاضنته اليت تقف خلفه‪ ،‬واليت قد‬


‫تنقلها له بواحد من الشَصني اآلتيني‪:‬‬
‫‪ .1‬مصدق هلا‪ ،‬وناقل هلا إىل املقاتلني لتحذيرهم‪ ،‬ونصحهم‬
‫بضرورة أن يبحثوا هلم عن خمرج طاملا وكل شيء قد انتهى‬
‫من وجه نظر ُ‪ ،‬وهؤالء أحلقهم اهلل باملنافقني بقوله‪( :‬وَفييكُ ِم‬
‫سَمباعْو َن يل ْه ِم وَاللَّهْ عَليي ٌم بيالظَّاليمينيَ(‪.))1‬‬
‫‪ .2‬مرتدد يف تصديقها‪ ،‬وناقل هلا إىل املقاتلني بنصها بَريقة‬
‫املستفسر عن مدى صحتها ويف هؤالء وأمثاهلم يصدق قول‬
‫اهلل‪َ ( :‬وإاذَا جَا َء ْهمِ أيمِرٌ يمنَ الُ يأ ِمنا أيوا ا ُلََوُِي أيذَاعْوا بيهي وَليوِ رَدهو ُْ‬
‫إاليى الربسْولا َوإاليى أُوليي الُ يأمِرا مي ِن ْهمِ يلعَليمَهْ الَّذيينَ يَسِتَنِبيَُونَ ْه‬
‫مي ِن ْهمِ(‪ ))2‬بإعتبار أن املقصود بهذا املؤمنني وأن اخلَاب هنا‬
‫خَاب عتاب هلم على تسرعهم بنشر األخبار كما ذهب هلذا‬
‫بعض أهل التفسري يف أحد أقواهلم عند تفسري هذ ُ اآلية‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة التوبة آية ‪07‬‬


‫‪ 2‬سورة النساء آية ‪71‬‬
‫‪28‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املطلب الثالث‬
‫طرق التحصني واملواجهة‬

‫أوال طرق التحصني من الشائعات‪:‬‬


‫‪ .1‬تبين برامج توعية شاملة تتضمن التوعية بَبيعة احلرب‬
‫النفسية عموما‪ ،‬وحرب الشائعات بأساليبها‪ ،‬ووسائلها‬
‫املَتلفة على وجه اخلصوص‪ ،‬تنفذ عرب منابر توجيه الرأي‬
‫العام املَتلفة (اإلعالم‪ ،‬املساجد‪ ،‬مواقع التواصل االجتماعي)‬
‫تركز على التوصيف الشرعي لناقلي الشائعات‪ ،‬ومروجيها‬
‫لتتأسس بناء عليها اخللفية الفكرية للجيش واجملتمع عن‬
‫هذا النوع من أنواع احلرب وما يتوجب عليهم حاليها‪.‬‬
‫‪ .2‬اعتماد منهجية واضحة ملواجهة الشائعات تكون جزءا ال يتجزأ‬
‫من اإلسرتاتيجية العسكرية اهلجومية‪ ،‬أو الدفاعية للبلد تبدأ‬
‫بكشف حقيقة العدو‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وأساليبه‪ ،‬حتى ال ينَدع‬
‫الناس به‪.‬‬
‫‪ .3‬تبين أهدافاً اسرتاتيجية للبلد كبرية وواضحة‪ ،‬والعمل على‬
‫جعلها حاضرة على الدوام يف ذاكرة ووجدان الشعب‪،‬‬
‫واجليش ليشعروا أنهم شركاء يف حتقيقها‪ ،‬فبقدر وضوح‬
‫األهداُ التشاركية وكربها وحضورها تكون صالبة الشعب‬
‫واجليش ومناعتهم النفسية ضد ما ينتهجه ويبثه املرتبصون‬
‫من دعايات‪ ،‬وشائعات‪ ،‬وأراجيف‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .4‬إبراز بَوالت ومآثر اجليش عرب وسائل اإلعالم بصورة جتعله‬


‫حمل فَر وإعتزاز شعبه وتسهم بتحقيق إلتفاُ شعيب واسع‬
‫حوله‪ ،‬فمع الثقة الشعبية باجليش‪ ،‬ومع شعور اجليش أن‬
‫الشعب ملتف حوله وأنه حمل فَر ُ تتحقق املناعة النفسية‬
‫من الشائعات‪.‬‬
‫ثانيا طرق مواجهة الشائعات املعادية‪:‬‬
‫‪ .1‬حماصرة انتشارها‪ ،‬وذلك بالتثبت من صحتها‪ ،‬وااللتزام‬
‫جبعلها تقف عند من وصلت إليه فال تتجاوز ُ إىل غري ُ‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلبالغ عنها للجهات املَتصة فوراً وااللتزام بعدم نشرها‪،‬‬
‫وفقاً للمنهجية اليت رمسها القرآن الكريم‪َ ( :‬وإاذا جا َء ْهمِ يأمِرٌ‬
‫يمنَ الُ يأ ِمنا أيوا ا ُلََوُِي أيذاعْوا بيهي وَليوِ رَدهو ُْ إاليى ال برسْولا َوإاىل أُوليي‬
‫الُ يأمِرا مي ِن ْه ِم يل َعليمَهْ الَّذيينَ يَسِتَنِبيَُونَهْ مي ِن ْهمِ) [النِسَاء‪]83 :‬‬
‫‪ .3‬اشغال الناس بأعمال وقضايا تلهيهم عن التعاطي مع ما يبثه‬
‫العدو من شائعات كما تعامل النيب صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫غزوة بين املصَلق مع ما قاله عبداهلل بن أُبي بن سلول من‬
‫كالم حر ِض من خالله األنصار على املهاجرين على خلفية‬
‫اخلالُ الذي حدث بني جهجا ُ الغفاري من املهاجرين‪ ،‬وسنان‬
‫بن وبر اجلهين من األنصار على املاء حيث قال حني بلغه ما‬
‫حدث‪" :‬أو قد فعلوها‪ ،‬قد نافرونا وكاثرونا يف بالدنا‪ ،‬واهلل ما‬
‫ك ُلكي‪ ،‬أما‬
‫كلُ َبكي يَأ ُ‬
‫حنن وهم إال كما قال األول ‪ :‬سَ ِمنِ ي‬

‫‪30‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫واهلل لئن رجعنا إىل املدينة ليَرجن األعز منها األذل‪ ،‬ثم أقبل‬
‫على من حضر ُ فقال هلم ‪ :‬هذا ما فعلتم بأنفسكم‪،‬‬
‫أحللتموهم بالدكم‪ ،‬وقامستموهم أموالكم‪ ،‬أما واهلل لو‬
‫أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إىل غري داركم(‪ ")1‬فلم‬
‫يكن أمام النيب صلى اهلل عليه وسلم حيال ما قاله بن أبي إال‬
‫أن ارحتل بالناس يف ساعة مل يكن يرحتل فيها حتى أنه سار‬
‫بهم يومهم ذلك حتى أمسى‪ ،‬وليلتهم حتى أصبح‪ ،‬وصدر‬
‫يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس‪ ،‬ثم نزل بالناس‪ ،‬فلم يلبثوا‬
‫أن وجدوا مس األر ِض‪ ،‬فوقعوا نياما فعل هذا ليشغل الناس‬
‫عن احلديث(‪)2‬‬
‫‪ .4‬التفنيد السريع هلا بإبراز حقيقتها‪ ،‬وإ هار ضد ما مت‬
‫الرتويج له‪.‬‬
‫‪ .5‬مواجهة الشائعة حبقيقة صارفة‪ ،‬أو بشائعة أخرى مدروسة‪.‬‬
‫‪ .6‬البحث عن مصدر الشائعة‪ ،‬واإلبالغ عن مروجها فورا‪.‬‬

‫‪ 1‬الرحيق المختوم صفحة ‪ 200‬طبعة دار الكتب العلمية بيروت ‪1024‬هـ ـ ‪1333‬م‬
‫‪ 2‬المرجع السابق صفحة ‪206‬‬
‫‪31‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الرابع‬
‫الشائعات املوجهة واملضادة‬

‫ونقصد بالشائعات املوجهة تلك اليت يتم إنتاجها‪ ،‬وتوجيهها‪ ،‬ومبادرة‬


‫العدو بها للتأثري على معنويات مؤيديه‪ ،‬ومقاتليه بغية فض التفاُ‬
‫مجاهري ُ املؤيدة من حوله‪ ،‬وخلَلة وحدة صفه املقاتل‪ ،‬وزعزعة‬
‫إميانهم بالقضية اليت حشدهم للقتال يف سبيلها متهيدا لتحقيق‬
‫النصر عليه يف املعركة العسكرية املسلحة بسرعة وبأقل كلفة‪.‬‬

‫أما الشائعات املضادة فهي تلك اليت يتم إنتاجها للتصدي لشائعات‬
‫العدو‪ ،‬وأراجيفه‪ ،‬ومواجهة تداعياتها يف خمتلف األوساط اجملتمعية‬
‫للحد من تأثرياتها بينهم‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املطلب األول‬
‫أهمية الشائعات املوجهة واملضادة‬

‫تكمن أهمية الشائعات املوجهة يف اآلتي‪:‬‬


‫‪ .1‬أنها ذات طابع هجومي‪.‬‬
‫‪ .2‬أنها ذات بعد استباقي‪.‬‬
‫‪ .3‬تهدُ للتأثري على نفسيات ومعنويات مؤيدي العدو‪،‬‬
‫ومقاتليه بصورة متكن من تقليل مجاهري العدو املؤيدة‪،‬‬
‫وتسهم بتفكيك صفه املقاتل‪ ،‬وتشككه بعدالة قضيته‪.‬‬
‫‪ .4‬املتفوق يف استَدامها ميكنه التفوق يف ميدان املواجهة‬
‫املسلحة‪ ،‬وحسم معركته بسرعة‪ ،‬وبأقل كلفة‪.‬‬
‫‪ .5‬تنتج‪ ،‬وتوجه بعناية فائقة بناء على املعلومات الدقيقة اليت‬
‫يتم مجعها وحتديثها عن العدو بصورة مستمرة‪.‬‬
‫أما الشائعات املضادة فأهميتها تكمن يف اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬أنها ذات طابع دفاعي‪.‬‬
‫‪ .2‬عادة ما يتم بها تعرية األهداُ اليت تقف خلف ما أنتجه‬
‫وروجه العدو من شائعات‪ ،‬وإبَال مفعوهلا بسرعة‪ ،‬وفاعلية‬
‫كبرية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .3‬بقدر فاعليتها‪ ،‬وتأثريها يفقد العدو‪ ،‬وتفقد أدوات العدو‬


‫املروجة للشائعات اليت مت التصدي هلا الثقة واملصداقية بني‬
‫مجهور ُ‪.‬‬
‫‪ .4‬ميكنها أن تسهم بإضعاُ‪ ،‬وتفكيك الروابط املوحدة لصفوُ‬
‫العدو‪.‬‬
‫‪ .5‬إتقان فنونها يسهم بإكساب الصف املواجهة حصانة من‬
‫تأثري شائعات العدو‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املطلب الثاني‬
‫مستلزمات انتاجها‬

‫يتَلب انتاج الشائعات سواء كانت موجهة أو مضادة إجياد غرفة‬


‫عمليات‪ ،‬أو بتعبري أدق مَبخ خمصص لذلك يضَلع باملهام اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬اجلمع املستمر لكافة املعلومات عن العدو‪.‬‬


‫‪ .2‬رصد شائعات العدو‪.‬‬
‫‪ .3‬دراسة ما مت رصد ُ من شائعات العدو وتفنيدها‪.‬‬
‫‪ .4‬احلصول على املعلومة الصحيحة من امليدان والنظر يف‬
‫األبعاد اليت حتملها‪.‬‬
‫‪ .5‬نشر احلقيقية املَلوب نشرها ملواجهة ما شائعات العدو‪.‬‬
‫‪ .6‬اإلنتاج املستمر املدروس واملوجه للشائعات املراد استهداُ‬
‫العدو بها بناء على دراسة التوجه العام للناس‪.‬‬
‫‪ .6‬نشر وبث ما يتم إنتاجه من شائعات بصورة يتم بها تعزيز‬
‫الشائعة بشائعة أخرى إما أن تؤكد الشائعة األوىل‪ ،‬أو تكون‬
‫جديدة مبوضوعها ليتم بها شغل اجلماهري عن البحث عن‬
‫حقيقية الشائعة السابقة هلا حتى ال تنكشف حقيقتها إن‬
‫تركت دون أن تعزز بأخرى مؤكدة‪ ،‬أو صارفة‪.‬‬
‫‪ .7‬قياس أثر ما مت إنتاجه‪ ،‬ونشر ُ‪ ،‬وبثه‪ ،‬من شائعات‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .8‬التواصل‪ ،‬والتنسيق مع اجلهات ذات العالقة للحصول على‬


‫املعلومة الصحيحة‪ ،‬أو لإلسهام بنشر‪ ،‬وبث ما يتم إنتاجه من‬
‫شائعات‪.‬‬

‫هذا وتستَدم لنشر‪ ،‬وبث هذ ُ الشائعات تلك الوسائل اليت سبق‪،‬‬


‫وذكرناها يف املبحث السابق والذي كان موضوعه الشائعات املعادية‬
‫ميكن الرجوع إليها حيث ال ميكننا هنا إعادتها خشية التكرار‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث اخلامس‬
‫شواهد تأرخيية وواقعية‬

‫الشاهد األول‪:‬‬

‫حينما اجتاح التتار بالد املسلمني بذلك الرعب الذي صنعو ُ‪ ،‬وسوقوا‬
‫أنفسهم به حتى ال يفكر أحد بالوقوُ يف وجههم كانت الشائعة‬
‫املتداولة بني املسلمني تقول‪" :‬من قال لك بأن التتار يهزمون فال‬
‫تصدقه (‪")1‬وهي الشائعة اليت على إثرها انهزم املسلمون نفسيا فلم‬
‫يفكروا جمرد تفكري باملواجهة مع التتار رغم تنكيلهم بهم إىل أن قرر‬
‫قَز رمحه اهلل مواجهتهم خارج مصر‪ ،‬فكان النصر عليهم يف عني‬
‫جالوت‪ ،‬والذي على إثر ُ سقَت أسَورة التتار الذين اليهزمون‪ ،‬وبدأت‬
‫اهلزائم تالحقهم‪.‬‬

‫الشاهد الثاني‪:‬‬

‫بعد متكن جيش السوفييت من رد األملان من حدود عاصمتهم موسكو‬


‫بضربهم للجيش السادس األملاني(‪ )2‬كان من أهم أسباب دخول‬
‫جيوش احللفاء برلني عاصمة أملانيا يف احلرب العاملية الثانية‬
‫الشائعات الورقية اليت ألقيت على سكان برلني‪ ،‬واليت دعتهم وجيشهم‬
‫لإلستسالم جليوش احللفاء الذين صاروا على أبواب املدينة فكان‬

‫‪ 1‬السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت صفحة ‪113‬‬


‫‪ 2‬موسوعة ويكبيديا‬
‫‪37‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫السقوط املدوي لربلني‪ ،‬والذي أعقبه تقسيم أملانيا إىل أملاني الشرقية‪،‬‬
‫وأملانيا الغربية‪.‬‬

‫الشاهد الثالث‪:‬‬

‫حني أقدم احلوثيون يف اليمن على اسقاط الدولة‪ ،‬واجتياح احملافظات‬


‫كان من أهم ما أشاعو ُ ليتقبل الناس بهم‪ ،‬وبثورتهم اليت كانت يف‬
‫‪ 21‬سبتمرب ‪2314‬م أنهم قدموا إلسقاط اجلرعة‪ ،‬واسقاط احلكومة‬
‫الفاسدة‪ ،‬وتنفيذ خمرجات احلوار‪ ،‬ثم عمدوا بعدها على صناعة‬
‫الرعب إلرعاب من تسول له نفسه الوقوُ يف وجههم‪ ،‬وذلك بقتلهم‪،‬‬
‫وتفجريهم‪ ،‬وتهجريهم حتى صارت الشائعة املتداولة بني الناس عنهم‬
‫تقول‪" :‬احلوثيون فصلوا الربيك‪ ،‬وهلذا ال يرجعون إىل اخللف" لكن‬
‫هذ ُ الشائعة سرعان ما سقَت حينما ثار األحرار عليهم يف خمتلف‬
‫احملافظات حيث رأى الناس تراجع احلوثة للَلف‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الفصل الثالث‬
‫الـــــدعـــــــــــاية‬
‫املبحث األول‪ :‬األهمية والتعريف‬
‫املبحث الثاني‪ :‬األقسام وطرق الرتويج‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أساليب ممارسة العمل الدعائي العسكري‬
‫املبحث الرابع‪ :‬الدعاية املعايية وطرق املواجهة والتحصني‬
‫املبحث الرابع‪ :‬شواهد تأرخيية وواقعية‬

‫‪39‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث األول‬
‫األهمية والتعريف‬

‫أوال األهمية‪:‬‬
‫تعد الدعاية من أهم أساليب احلرب النفسية اليت تستَدم يف السلم‪،‬‬
‫واحلرب ‪-‬قبل املعركة‪ ،‬و بعدها‪ ،‬و يف أثنائها‪ -‬وعادة ما يستهدُ بها‬
‫اجليوش‪ ،‬والشعوب يف آن واحد‪ ،‬كما قد يستهدُ بها حتى الرأي العام‬
‫الدولي سواء يف الصراعات الداخلية‪ ،‬أو اخلارجية‪ ،‬وما ذك إال ألن‬
‫الدعاية اإلعالمية‪" :‬عملية سيكواجتماعية مؤثرة‪ ،‬تأخذ مكانها بني‬
‫األفراد‪ ،‬وهلا القدرة على تبديل معتقداتهم وآرائهم وممارساتهم‬
‫اليومية‪ ،‬وتدفعهم إىل اإلنفعال والالموضوعية إزاء األمور اليت حتاول‬
‫بثها ونشرها بينهم‪ ،‬كما متنعهم من التفكري والسلوك العقالني‬
‫السبوي املستقل املُحايد‪ ،‬وتْعدّ الدعاية سالحاً ماضياً من أسلحة احلرب‬
‫النفسية"(‪.)1‬‬
‫وقد استَدمت بشكل منهجي ومكثف بعد احلرب العاملية األوىل حيث‬
‫فرضت نفسها يف كل مكان ومل ترتك مرتاً مربعاً واحداً من اجلدران‬
‫واللوحات والواجهات وحتى يف السماء بفضل استَدام الَائرات‪:‬‬
‫فحولت اإلنسان إىل أداة خاصة بها لرتويج ميزات هذا النوع من‬
‫السجق أو الشمع امللمع(‪ ،)2‬وتكمن أهمية الدعاية يف اآلتي‪:‬‬

‫‪ 1‬بحوث تربوية الفتاة المسلمة صفحة ‪71‬‬


‫‪ 2‬كتاب أمريكا المستبدة صفحة ‪226‬‬
‫‪40‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .1‬تعتمد إىل حد كبري على احلقائق اليت جتعلها يف نظر‬


‫املتابعني‪ ،‬واملستهدفني بها واقعية‪ ،‬وهو ما جيعل تأثريها سهل‬
‫وسريع‪.‬‬
‫‪ .2‬تسهم برفع معنويات الشعوب‪ ،‬واجليوش على حد سواء حبسن‬
‫تسويق قضاياها العادلة اليت تنافح من أجلها‪.‬‬
‫‪ .3‬متتاز إن استَدمت بشكل مدروس بتأثري قاتل ملعنويات العدو‪.‬‬
‫‪ .4‬تسهم بتعزيز هيبة اجليش الذي يف هيبته تكمن هيبة الدولة‪.‬‬
‫‪ .5‬تعزز الشائعات املوجهة لدرجة أن تنقلها لَور الكذبة املصدقة‬
‫عند املستهدفني بها بَريقة التضَيم املذهل للحقيقة‪.‬‬
‫‪ .6‬أنها سالح ذو حدين فهي من جانب ترفع معنويات الشعب‪،‬‬
‫واجليش املهاجم‪ ،‬وتهز إن مل تهزم نفوس‪ ،‬ومعنويات الشعب‪،‬‬
‫واجليش املواجه أو املدافع‪ ،‬أو العكس إذ اليشرتط أن يكون‬
‫املستَدم هلا املهاجم فقط‪.‬‬
‫‪ .7‬عمل مستمر هادُ ومنظم ميكن تقدير تأثري ُ‪.‬‬
‫‪ .8‬تسهم إىل حد كبري بتغيري قناعات‪ ،‬وغسل أدمغة املستهدفني‬
‫بأنشَتها‪.‬‬
‫‪ .9‬تََور وتَعدد وسائل استَدامها بصورة متكن من خماطبة‬
‫مجهور واسع من املستهدفني بها مبَتلف فئاتهم‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .13‬عادة ما تسوق بها األنظمة‪ ،‬والشعوب‪ ،‬واجليوش قضياها اليت‬


‫تكافح يف سبيلها إلجياد رأي عام داخلي‪ ،‬وخارجي مؤيد‪ ،‬أو‬
‫حتى حمايد‪.‬‬
‫‪ .11‬عادة ما اعتمد‪ ،‬ويعتمد عليها احلكام املستبدون يف توطيد‬
‫وجودهم‪.‬‬
‫‪ .12‬تعتمد عليها الشركات التجارية يف الرتويج ملنتجاتها بغية‬
‫كسب ثقة املستهلكني لإلقبال عليها‪.‬‬
‫‪ .13‬بالدعاية والقوة متكنت النازية من اإلستيالء على احلكم يف‬
‫أملانيا‪ ،‬والقضاء على األحزاب السياسية اليت ال تؤمن بالفكرة‬
‫النازية واليت بلغ عددها ‪ 36‬حزبا سياسيا (‪.)1‬‬
‫‪ .14‬ألهميتها الكبرية أوجد هلا األملان حقيبة وزارية امسوها بوزارة‬
‫الدعاية وكان أول وزير هلا هو الدكتور جبلز الذي كان‬
‫يعد أوفر العصبة النازية ثقافة(‪.)2‬‬
‫ثانيا التعريف‪:‬‬
‫سأكتفي بتعريفني للدعاية أوهلا وهو التعريف العام للدعاية حيث‬
‫تعرُ بأنها‪" :‬فن اإلقناع"‬
‫الثاني وهو التعريف العسكرية للدعاية‪ ،‬وهو أنها‪" :‬كل ما يتم بثه‪،‬‬
‫وإذاعته‪ ،‬ونشر ُ مما يتم إنتاجه من أعمال عسكرية‪ ،‬ونداءات‪ ،‬وشعارات‪،‬‬

‫‪ 1‬مجلة الرسالة العدد ‪ 011‬صفحة ‪25‬‬


‫‪ 2‬المرجع السابق‬
‫‪42‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫ترفع املعنويات‪ ،‬وتسهم بقتل إرادة القتال يف نفوس مقاتلي العدو‪،‬‬


‫وحاضنته الشعبية"(‪.)1‬‬

‫‪ 1‬الروح المعنوية بحث لي صفحة ‪50‬‬


‫‪43‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثاني‬
‫األقسام ووسائل الرتويج‬

‫أوال األقسام‪:‬‬
‫تنقسم الدعاية بالنظر ملصدرها وهدفها إىل األقسام اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬دعاية بيضاء واضحة املصدر واهلدُ مثل نشر أخبار‬
‫املسؤولني والقادة وتلميع صورهم يف وسائل اإلعالم املَتلفة‪.‬‬
‫‪ .2‬دعاية رمادية غامضة املصدر واضحة اهلدُ كتلك اليت يتم‬
‫من خالهلا تشويه األشَاص واجلهات واليت اليعرُ يف‬
‫الغالب من يقف خلفها‪.‬‬
‫‪ .3‬دعاية سوداء غامضة املصدر واهلدُ كالرتويج إلنتصارات‬
‫وهمية للجيش تسهم يف نهاية املَاُ بضرب ثقة الناس‬
‫باإلعالم الناقل لتلك اإلنتصارات من احملسوب على اجليش‬
‫الذي روجت انتصاراته الوهمية تلك‪.‬‬
‫وهي إمجاال تنقسم إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬دعاية معادية‬
‫‪ .2‬دعاية موجهة‬
‫ثانيا وسائل الرتويج‪:‬‬
‫يتم الرتويج للدعاية بَريقة من الَرق اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬وسائل اإلعالم‪ ،‬والتواصل االجتماعي املَتلفة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .2‬إذاعات ميدانية‪ ،‬ومتحركة مبكربات الصوت (هتافات‪،‬‬


‫ونداءات‪ ،‬وعبارات رافعة للمعنويات‪ ،‬ومقَوعات شعرية‪،‬‬
‫وغنائية)‬
‫‪ .3‬منشورات ورقة‪.‬‬
‫‪ .4‬الفتات متنوعة (قماشية‪ ،‬وجدارية‪ ،‬وإعالنية)‪.‬‬
‫‪ .5‬املهرجانات والفعاليات املَتلفة‪.‬‬
‫‪ .6‬الرسم الكاريكاتوري وغري ُ‪.‬‬
‫‪ .7‬السينما واملسرح‪.‬‬
‫‪ .8‬عناصر الَابور اخلامس‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثالث‬
‫أساليب ممارسة العمل الدعائي العسكري‬

‫ممارسة العمل الدعائي العسكري املوجه يكون بانتهاج األساليب‬


‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬األفالم والربامج الوثائقية العسكرية املوثقة للمعارك اهلامة‬
‫اليت سجل فيها اجليش بَوالته‪ ،‬وحقق فيها انتصاراته مثال‬
‫ذلك الفلم املوثق ألسر اجلندي اإلسرائيلي جلعاد شاليط‬
‫من قبل كتائب عز الدين القسام اجلناح العسكري حلركة‬
‫محاس يف ‪2336‬م والذي انتجته كتائب عز الدين القسام قبل‬
‫أن يتم اإلفراج عنه يف العام ‪2311‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬النداءات الصوتية‪ ،‬واملكتوبة اليت تدبج بها املنشورات الورقية‬
‫املوجهة للعدو واملصدرة للهزائم احلقيقية أو الوهمية بغية‬
‫قتل عزائم مقاتليه ليقبلوا باإلنسحاب‪ ،‬أو اإلستسالم يف‬
‫ميدان املعركة‪.‬‬
‫‪ .3‬الصور‪ ،‬والعبارات احلماسية‪ ،‬والتحريضية اليت تدبج بها‬
‫الالفتات اجلدارية‪ ،‬والقماشية‪ ،‬واإلعالنية‪.‬‬
‫‪ .4‬إبراز التضحيات‪ ،‬واملآثر البَولية للشهداء واجلرحى مثال‬
‫ذلك ما مت توثيقه عن بَوالت الشهيد القائد الفريق‬
‫الركن‪ /‬عبدالرب الشدادي قائد املنَقة العسكرية الثالثة‪.‬‬
‫‪ .5‬العرو ِض‪ ،‬والَوابري العسكرية االستعراضية‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .6‬املناورات‪ ،‬والتمارين التكتيكة‪ ،‬والتعبوية العسكرية مثاله‬


‫مناورة رعد الشمال اليت ابتدأ تنفيذها يف ‪14‬فرباير من العام‬
‫‪2316‬م يف منَقة حفر الباطن باململكة العربية السعودية‬
‫مبشاركة عسكرية من ‪ 23‬دولة من الدول العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .7‬التعليقات اإلذاعية على العرو ِض‪ ،‬واملناورات‪ ،‬والتمارين‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫‪ .8‬معار ِض الصور املَتلفة‪.‬‬
‫‪ .9‬الفالشات اإلذاعية‪ ،‬والتلفزيونية‪.‬‬
‫التوثيقية‬ ‫والندوات‬ ‫‪ .13‬التغَيات‪ ،‬والتقارير اخلربية‪،‬‬
‫التلفزيونية‪ ،‬واإلذاعية‪ ،‬والصحفية‪.‬‬
‫‪ .11‬الشعارات احلماسية اإلذاعية‪ ،‬والتلفزيونية‪ ،‬وامليدانية‪.‬‬
‫‪ .12‬الفعاليات اإلحتفالية‪ ،‬واملهرجانات اخلَابية‪ ،‬والتأبينية‪.‬‬
‫‪ .13‬األناشيد‪ ،‬واألشعار‪ ،‬واألهازيج‪ ،‬واألغاني الوطنية‪ ،‬والزوامل‪،‬‬
‫واهلتافات احلماسية‪.‬‬
‫‪ .14‬الزيارات التفقدية‪.‬‬
‫‪ .15‬رسائل اإلشادة من القيادة العليا ملنتسيب اجليش‪ ،‬واألمن يف‬
‫األعياد‪ ،‬واملناسبات الوطنية‪.‬‬
‫‪ .16‬املسرحيات‪.‬‬
‫‪ .17‬عربات الدعاية املتنقلة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .18‬املسلسالت التأرخيية‪.‬‬
‫‪ .19‬منح ورحالت التبادل الثقايف‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الرابع‬
‫الدعاية املعادية وطرق املواجهة والتحصني‬

‫الدعاية أهم عمل ميكن أن خترتق به الشعوب‪ ،‬واجليوش يف السلم‪،‬‬


‫واحلروب‪ ،‬ويف أوقات األزمات‪ ،‬هلذا فإن دول اهليمنة العاملية عمدت‬
‫لتَوير وسائل اإلعالم‪ ،‬واالتصال املَتلفة لتعمل عربها على فر ِض‬
‫هيمنتها بإبراز مكامن قوتها العسكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والثقافية بصورة جتعل الشعوب تعيش حالة رعب منها‪،‬‬
‫وهو ما يسهم بفتح الباب واسعا أمام أفكارها‪ ،‬وثقافتها لتتسيد عامليا‪،‬‬
‫وباألخص على الشعوب النامية‪ ،‬وحتى جيوشها‪.‬‬
‫هلذا فإن الدعاية املعادية عادة ما يسوق بها‪ ،‬ومن خالهلا العدو‪ ،‬وجيشه‬
‫قبل‪ ،‬وأثناء‪ ،‬وبعد املعركة وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬قبل املعركة يتم تسويقه شعبيا على أنه صاحب مشروع‬
‫حضاري‪ ،‬وهدُ نبيل‪ ،‬وصاحب قوة ال يستهان بها حتى يلتف‬
‫الناس حوله‪ ،‬أو على األقل يْحيد دورهم جتاهه‪.‬‬
‫‪ .2‬وقت املعركة‪ ،‬واحلرب حيث يتم يف هذ ُ األثناء التسويق‬
‫النتصاراته‪ ،‬والرتويج لبَوالت جيشه بصورة مبهرة‪،‬‬
‫ومضَمة لتعمل على قذُ اهلزمية النفسية يف نفوس‬
‫الشعب واجليش الذي يواجهه متهيدا هلزميتهم عسكريا‪.‬‬
‫‪ .3‬بعد املعركة‪ ،‬ويكون بالرتويج ملشروعه‪ ،‬والتسويق جليشه‬
‫على أنه اجليش الذي ال يقهر حيت تبنى‪ ،‬وتتعزز ثقة الناس‬

‫‪49‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫به‪ ،‬وهيبتهم منه‪ ،‬وحتى يفقد مناوؤ ُ الثقة بالنصر إن دخلوا‬


‫معه جولة جديدة من الصراع‪.‬‬
‫وعليه كان من الواجب ملواجهة مسوم العمل الدعائي املعادي "تفتيت اهلجمة‬
‫اإلعالمية املعادية بااللتزام بالقواعد اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬معرفة كل احلقائق‪.‬‬
‫‪ .2‬التعامل حبرفية مع وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫‪ .3‬التعامل مع األنباء السيئة حبيوية كما تتعامل مع األخبار‬
‫اجليدة‪.‬‬
‫‪ .4‬التََيط حلدوث األسوأ واألخَر إعالميا‪.‬‬
‫‪ .5‬التعاون مع وسائل اإلعالم قدر استَاعتك‪.‬‬
‫‪ .6‬جتنب أي تناقض يف األقوال والتصرحيات واملقاالت‪.‬‬
‫‪ .7‬اإلفرج عن املعلومات بسرعة قدر االستَاعة‪.‬‬
‫‪ .8‬قول احلقيقة دائما‪.‬‬
‫‪ .9‬جعل كل العاملني يف الصورة حتى ال يعلموا عن األزمات من‬
‫خارج األطر الرمسية‪.‬‬
‫‪ .13‬التعبري عن األسف فيما خيص القضايا اإلنسانية حيث ال‬
‫يعترب ذلك نوعا من اإلدانة لكم‪.‬‬
‫إن التقيد بهذ ُ القواعد يسهم يف مواجهة أية محلة إعالمية معادية‬
‫من خالل‪:‬‬
‫أ‪ -‬مجع أشكال ومظاهر اهلجمة الدعائية املعادية وتبويبها‬
‫وتصنيفها وفهرستها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫ب‪ -‬حتليل مضمونها‪.‬‬


‫ت‪ -‬حتديد أهدافها األساسية ومراميها الظاهرة‪.‬‬
‫ث‪ -‬حتديد أهدافها البعيدة والتالية‪.‬‬
‫ج‪ -‬تقويم طبيعة األهداُ لتحديد ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬األهداُ اليت ميكن جتاهلها‪ :‬فبعض الدعاية املضادة قد‬
‫تكون نافعة لك‪ ،‬وبعضها قد يكون هدفه جمرد اإلثارة‬
‫التافهة‪ ،‬وبعضها يهدُ لدفعك للرد عليه فقط‪ ،‬هلذ ُ‬
‫األنواع الثالثة من أهداُ احلملة املضادة‪ ،‬رد مناسب هو‬
‫التجاهل يف أغلب األحوال‪.‬‬
‫‪ ‬األهداُ اليت جيب العناية بها وتداركها‪ :‬فما كل ما يقوله‬
‫أعداؤك عنك هو ضار غري نافع‪ ،‬إن بعض النقد الالذع قد‬
‫يدلك على مكامن اخللل أو العيب يف كيانك أو أهدافك‬
‫أو سياساتك‪ ،‬وموقفنا الواضح جتا ُ هذا النوع من الدعاية‬
‫املضادة هو‪ :‬إصالح جوانب اخللل الداخلي"(‪.)1‬‬
‫طرق التحصني من تأثري الدعاية املعادية‪:‬‬
‫‪ .1‬التوعية املستمرة واملسهمة بكشف كافة أساليب وأنشَة‬
‫العمل الدعائي اهلدام ليكونوا على معرفة مسبقة به حتى ال‬
‫يقعوا فرائس سهلة هلا‪.‬‬

‫‪ 1‬قوانين النهضة صفحة ‪21‬‬


‫‪51‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .2‬املسارعة إلشغال املقاتلني بربامج‪ ،‬وأعمال تصرفهم عن‬


‫تأثريات األعمال الدعائية املعادية‪.‬‬
‫‪ .3‬عزل وسائل اإلعالم‪ ،‬واإلتصال املعادية‪ ،‬واملتعاطفة مع العدو‬
‫عن املقاتلني‪ ،‬وتعريضهم خلَاب إعالمي موالي‪ ،‬وبناء‪.‬‬
‫‪ .4‬تعقب عناصر الَابور اخلامس الذين يتولون الرتويج‬
‫للدعايات املعادية‪ ،‬واختاذ التدابري الالزمة يف حقهم‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الرابع‬
‫شواهد تأرخيية وواقعية‬

‫الشاهد األول‪:‬‬

‫استعرا ِض النيب صلى اهلل عليه وسلم لكتائبه العسكرية بعد مغادرته‬
‫ملر الظهران إىل مكة أمام أبي سفيان ابن حرب بعد أن أمر عليه الصالة‬
‫والسالم عمه العباس أن حيبسه مبضيق الوادي عند خَم اجلبل حتى‬
‫متر به جنود اهلل فرياها‪ ،‬ففعل‪ ،‬فمرت به القبائل على راياتها‪ ،‬كلما‬
‫مرت به قبيلة قال‪ :‬يا عباس من هذ ُ؟ فيقول‪- :‬مثال‪-‬سليم‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫مالي ولسليم؟ وهكذا حتى نفدت القبائل ما متر به قبيلة إال سأل‬
‫العباس عنها‪ ،‬فإذا أخرب ُ قال‪ :‬مالي ولبين فالن؟ حتى مر به رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يف كتيبته اخلضراء‪ ،‬فيها املهاجرون واألنصار‪،‬‬
‫اليرى منهم إال احلدق من احلديد‪ ،‬قال‪ :‬سبحان اهلل يا عباس من‬
‫هؤالء؟ قال‪ :‬هذا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف املهاجرين واألنصار‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما ألحد بهؤالء قبل وال طاقة‪ .‬ثم قال‪ :‬واهلل يا أبا الفضل لقد‬
‫أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما‪ .‬قال العباس‪ :‬يا أبا سفيان‪ ،‬إنها‬
‫النبوة‪ ،‬قال‪ :‬فنعم إذن‪.‬‬

‫وهذا الذي جعل أبا سفيان يعود إىل مكة باثا للهزمية النفسية بني‬
‫عتاولة الكفر من قريش‪ ،‬ومروجا لألمان الذي منحه النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم للراغبني به‪ ،‬فحني مر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بأبي‬
‫سفيان قال له العباس‪ :‬النجاء إىل قومك‪ .‬فأسرع أبو سفيان حتى‬
‫‪53‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫دخل مكة‪ ،‬وصرخ بأعلى صوته‪ :‬يا معشر قريش هذا حممد قد جاءكم‬
‫فيما ال قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن‪ ،‬ومن أغلق عليه‬
‫بابه فهو آمن‪ ،‬ومن دخل املسجد فهو آمن فكان نتاج هذا كله فرار‬
‫بعض عتاولة الكفر من مكة‪ ،‬وإسالم بعضهم‪ ،‬وفتح مكة دون قتال إال‬
‫ما حصل يف جبهة خالد بن الوليد رضي اهلل عنه (‪.)1‬‬
‫الشاهد الثاني (الدعاية املوجهة)‪:‬‬

‫املسلسالت الرتكية (ارطغرل‪ ،‬السلَان عبداحلميد الثاني‪ ،‬قيامة‬


‫عثمان‪ ،‬العهد‪...‬اخل) حيث مت انتاجها يف سياق العمل الدعائي املوجه‬
‫واهلادُ لتحقيق اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬تعزيز اهلوية الوطنية الرتكية بني عامة الشعب الرتكي‬
‫املتعدد األعراق‪ ،‬واملذاهب‪ ،‬والديانات‪.‬‬
‫‪ .2‬حترير الشعب الرتكي والشعوب اإلسالمية من عقدة اهلزمية‬
‫اليت بقيت مالزمة هلم من يوم أن انهزمت وسقَت وتفككت‬
‫الدولة العثمانية يف احلرب العاملية األوىل‪.‬‬
‫‪ .3‬تصحيح الصورة الذهنية عن اخلالفة العثمانية لدى الشعوب‬
‫ل اخلالفة‬ ‫العربية واإلسالمية اليت عاشت قرونا يف‬
‫اإلسالمية العثمانية ثم ملا هزم العثمانيون يف احلرب العاملية‬
‫األوىل واحتلت تلك البالد من قبل الدول املنتصرة يف تلك‬
‫احلرب متت صياغة كتب التأريخ بالَريقة اليت أرادها‬

‫‪ 1‬الرحيق المختوم صفحة ‪237‬ـ ‪233‬‬


‫‪54‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املنتصر واليت مت من خالهلا استبدال مصَلحات اخلالفة‬


‫العثمانية باإلحتالل العثماني لتمتلئ صدور األجيال بالكر ُ‬
‫واحلقد حيال العثمانيني‪.‬‬
‫‪ .4‬تسويق األتراك ألنفسهم بني القوى العاملية بأنهم قوة ال‬
‫يستهان بها وأنهم يستمدون قوتهم من قوة انتمائهم ملاضيهم‬
‫العريق الذي كانوا فيه قوة سادت الشرق والغرب يف الوقت‬
‫الذي كانت فيه كل قوى الغَرسة العاملية اليوم الشئ‪.‬‬
‫الشاهد الثالث (الدعاية املضادة)‪:‬‬

‫مسلسل غاغة اليمين الذي مت عرضه يف قناة سهيل يف رمضان خالل‬


‫األعوام ‪2317‬م ‪2318 ،‬م‪2319 ،‬م والذي استَاع من خالله الفنان حممد‬
‫األضرعي أن يكشف حقيقة الدين والتدين الذي سوقت مجاعة‬
‫احلوثي من خالله نفسها كجماعة دينية استولت على البالد حتت‬
‫الفتة احلرب على أمريكا وإسرائيل‪ ،‬ففي هذا املسلسل تبني للناس‬
‫الفرق بني اخلرافة والدجل والشعوذة من جهة والدين احلق من جهة‬
‫ثانية وهو ما اسهم بتنفري الناس من احلوثية وفكرها وعمل على‬
‫حتصينها من معتقداتها وأفكارها الكهنوتية اخلرافية اليت ال يقبلها‬
‫عقل عاقل وال ميكن أن جتد هلا رواجا بينهم وهو ما جعل مرجعيات‬
‫شيعية عراقية ومرجعيات حوثية مينية تفيت بقتل الفنان االضرعي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الفصل الرابع‬
‫الطابور اخلامس‬
‫املبحث األول‪ :‬اخللفية التأرخيية والتعريف‬
‫املبحث الثاني‪ :‬يائرة االهتمام واملهام وطريقة العمل‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أساليب مواجهة أنشطته والتحصني منها‬
‫املبحث الرابع‪ :‬شواهد تأرخيية وواقعية‬

‫‪56‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث األول‬
‫اخللفية التأرخيية والتعريف‬

‫أوال اخللفية التأرخيية‪:‬‬


‫"استَدم مصَلح الَابور اخلامس أول ما استَدم عام ‪ 1936‬خالل‬
‫احلرب األهلية اإلسبانية‪ ،‬وقد قصد به آنذاك بعض مؤيدي اجلنرال‬
‫(فرانكو) املتواجدين يف مدريد اخلاضعة لسيَرة احلكومة اجلمهورية‪،‬‬
‫والذين كان يتوقع منهم أن يثوروا على تلك احلكومة‪ ،‬حاملا تصبح‬
‫فرق (فرانكو) العسكرية األربع (أو طوابري ُ األربعة) الزاحفة الحتالل‬
‫العاصمة‪ ،‬على مقربة دانية منها‪ ،‬وشاعت هذ ُ الكلمة أخرياً وصفًا‬
‫ألعوان هتلر يف النرويج ويف هولندا وبلجيكا‪ ،‬ويف فرنسا نفسها وجد‬
‫هذا النوع من الناس فكان سبب نكبتها‪ ،‬وعامال من أكرب العوامل يف‬
‫هزميتها‪ ،‬ففين رجاهلا وضاع استقالهلا‪ ،‬ووطئ األملان بالدها حيكمون‬
‫يف أرضها وديارها وأمواهلا‪ ،‬ويغريون على نظمها االجتماعية‬
‫والسياسية واالقتصادية‪ ،‬ويبدلون دستورها وحكومتها‪ ،‬ويفعلون بها ما‬
‫يشاءون‪ ،‬والغريب أن هتلر ينفي وجود أعوان له مأجورين يف بلد من‬
‫البالد اليت غزاها‪ ،‬ويقول إن وجود هذا الَابور اخلامس يف البالد‬

‫‪57‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املفتوحة راجع إىل فساد النظم يف تلك البالد ورغبة فريق من أبنائها‬
‫يف االستعانة به على إصالح األحوال لتكون كأملانيا قوة واحتاداً"(‪.)1‬‬
‫ثانيا التعريف‪:‬‬
‫هناك الكثري من التعريفات هلذا األسلوب من أساليب احلرب النفسية‬
‫لكين هنا سأكتفي بذكر ثالثة منها على النحو اآلتي‪:‬‬
‫التعريف األول‪" :‬الَابور اخلامس يف احلروب هم أناس يذكرون يف‬
‫اخلفاء عظمة العدو وقوّته يرهبون منه ويَْذلون عن قتاله"(‪.)2‬‬
‫التعريف الثاني‪" :‬الرتل اخلامس أو الَابور اخلامس‪ :‬مجاعة من‬
‫أنصار العدو السريني يقومون بأعمال التجسس أو التَريب ضمن‬
‫خَوط الدفاع أو حدود البالد"(‪.)3‬‬
‫التعريف الثالث‪ :‬وهو تعريفي الذي عرفت فيه الَابور اخلامس "بأنهم‬
‫اجلواسيس واملرجفني‪ ،‬ومن على شاكلتهم ممن يعملون عادة من‬
‫داخل الوحدة العسكرية بَريقة املتصيد لبعض األخَاء واملمارسات‬
‫اليت حتصل ويقوم بتو يفها لتعبئة الصف تعبئة مضادة تهدُ لضرب‬
‫الوحدة الداخلية للوحدة العسكرية من الداخل‪ ،‬وتهدُ لزعزعة‬
‫العالقة القائمة بني القيادة واملنتسبني للوحدة‪ ،‬بصورة تهيئ الوحدة‬
‫العسكرية للسقوط الداخلي قبل أن تدخل يف املواجهة مع العدو‪ ،‬الذي‬

‫‪ 1‬مجلة الرسالة العدد ‪ 153‬الصفحة ‪ 12‬مقال بعنوان على هامش الحرب لعبدالرزاق‬
‫إبراهيم حميدة‬
‫‪ 2‬أيسر التفاسير ألسعد حومد صفحة ‪260‬‬
‫‪ 1‬مجلة الرسالة المرجع السابق‬
‫‪58‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫مبجرد دخوهلا يف مواجهة معه يتمكن من حسم معركته معها‬


‫بسهولة ويسر"‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثاني‬
‫دائرة االهتمام واملهام وطريقة العمل‬

‫أوال دائرة االهتمام‪:‬‬


‫ونقصد بدائرة االهتمام املساحة اجلغرافية‪ ،‬والفئات أو الشرائح‬
‫السكانية املستهدفة بأنشَة الَابور اخلامس‪.‬‬
‫وبناء عليه فإن عناصر الَابور اخلامس يتم اختيارهم بعناية فائقة‪،‬‬
‫وتأهيلهم التأهيل الالزم مبا ميكنهم من االخنراط السريع‪ ،‬والتأثري‬
‫السهل يف الوسط الذي كلفوا باخرتاقه‪ ،‬والعمل من داخله مبا حيقق‬
‫أهدُ الدولة‪ ،‬أو اجلهة اليت تتبعها تلك العناصر‪ ،‬وألن أملانيا حققت‬
‫تفوقا يف هذا األسلوب من أساليب احلرب النفسية يف القرن املاضي‬
‫على باقي الدول حيث متكنت عرب طابورها اخلامس أن حتقق الكثري‬
‫يف أهدافها يف البلدان اليت استهدفتها فإننا سنعر ِض هنا ألهم ما قيل‬
‫عن طابورها اخلامس الذي قيل عنه‪" :‬أنه عادة ما ينتَب أعضاء‬
‫الَابور اخلامس من رجال ونساء ذوي جدارة وثقافة ودهاء وحيلة‪،‬‬
‫وكثريون منهم حيسنون كتابة وتكلماً عدة لغات أجنبية‪ ،‬ومنهم‬
‫سياسيون ومهندسون وكيميائيون وعسكريون واختصاصيون بفروع‬
‫العلم‪ .‬وختتلف مهامهم وطرق أعماهلم باختالُ البلدان اليت يوفدون‬
‫إليها‪ .‬أما اهلدُ فواحد‪ ،‬وهو خدمة مصلحة أملانيا بأي الوسائل‪ ،‬ألن‬
‫الغاية يف شريعتهم تربر الواسَة‪ .‬وكانت دعايتهم يف البلدان‬
‫األجنبية قبل احلرب تضرب خاصة على وترين‪ :‬خَر الشيوعية‬

‫‪60‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫ومكافحتها‪ ،‬ومصادرة اليهود املرابني الدساسني؛ فاستهووا بالدعاية‬


‫األوىل كل خصوم الشيوعية ومقبحي مبادئها‪ ،‬واستمالوا بالثانية‬
‫كل العمال الذين يرون يف اليهود صورة الرأمسالية عدوتهم الكربى‪.‬‬
‫ونشط يف هذ ُ احلرب رجال الَابور اخلامس املنبثون يف كل العامل‪،‬‬
‫وعلى األخص يف البلدان الدميقراطية‪ ،‬فقاموا مبهامهم الشاقة‪ ،‬غري‬
‫عابئني باألخَار اليت تهددهم يف كل حلظة‪ ،‬فكانوا من العوامل‬
‫األولية اليت مكنت األملان من اكتساح عدة بلدان بتلك السهول‬
‫الغريبة؛ وقد حتقق العامل اليوم أن أولئك األملان الذين (نفتهم)‬
‫احلكومة النازية لنقمتهم على الوضع النازي‪ ،‬أو لكونهم يهوداً‪ ،‬أو‬
‫لتزوجهم يهوديات‪ ،‬ما كانوا يف احلقيقة إال من أعضاء الَابور‬
‫اخلامس‪ ،‬وقد خرجوا من أملانيا جبوازات مزورة مصنوعة يف دائرة‬
‫التزوير باجلستابو‪ .‬وقد حصنتهم الدول الدميقراطية وعَفت عليهم‬
‫حتى كشف هلا الواقع أنها ما حصنت إال ثعابني قتالة كانت تنفث‬
‫السم يف جسمها وهي غافلة عنها بعامل الشفقة واإلحسان‪ ،‬وكان‬
‫أولئك (املضَهدون) يتسربون يف كل مكان وجمتمع وخيالَون‬
‫اجلماعات الناقمة على النازية‪ ،‬لكي يَلعوا على أفكارها وحركاتها‬
‫ونياتها‪ ،‬ويرسلون بها تقارير إىل احلكومة النازية (مضَهدتهم)"(‪.)1‬‬

‫‪ 1‬مجلة الرسالة العدد ‪ 011‬الصفحة ‪25‬‬


‫‪61‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫من خالل ما سبق ميكننا اخللوص إىل أن الطابور اخلامس عادة ما متثله صورة‬
‫من الصور اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬منظمات وهيئات وبعثات أجنبية وحملية تابعة هلا عاملة بني‬
‫أوساط اجملتمع‪.‬‬
‫‪ .2‬مراكز دراسات وأحباث أجنبية أو حملية بدعم وأجندة‬
‫خارجية‪.‬‬
‫‪ .3‬مراكز قياس الرأي العام أجنبية أو حملية تابعة هلا‪.‬‬
‫‪ .4‬علماء وخرباء وباحثون أجانب‪.‬‬
‫‪ .5‬أطباء ومدرسون وطالب‬
‫‪ .6‬مغرتبون والجئون أجانب‪.‬‬
‫‪ .7‬خرباء ومدربون وخمربون عسكريني‪.‬‬
‫‪ .8‬جتار وشركات جتارية أجنبية أو وكاالت حملية تابعة هلا‪.‬‬
‫‪ .9‬سفراء وملحقون بالسفارات‪.‬‬
‫‪ .13‬إعالميون‪ ،‬ومراسلون لقنوات أو وكاالت أنباء أجنبية‪.‬‬
‫أهم مواصفات عناصر الطابور اخلامس‪:‬‬
‫‪ .1‬أن عناصر الَابور اخلامس البد أن تتألف من خمتلف‬
‫التَصصات‪ ،‬ليسهل بها استهداُ خمتلف فئات اجملتمعات‬
‫حمل االهتمام‪ ،‬وباملنَق الذي جتيد ُ كل فئة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .2‬البد أن تلم تلك العناصر بلغات‪ ،‬وثقافات‪ ،‬وعادات‪ ،‬وتقاليد‬


‫البلدان‪ ،‬واألوساط اليت ستعمل فيها لتتمكن من التماهي‪،‬‬
‫واالمتزاج بني تلك األوساط‪.‬‬
‫‪ .3‬أن تكون عناصر ذلك الَابور على مستوى عال من اجلدارة‪،‬‬
‫والدهاء‪ ،‬واحليلة‪ ،‬والثقافة‪ ،‬حتى تتمكن من مترر ما تريد‬
‫مترير ُ من دعايات‪ ،‬وشائعات بني خمتلف األوساط‪ ،‬وعربها‪.‬‬
‫‪ .4‬البد أن متتلك املقدرة العالية على االندماج يف الوسط الذي‬
‫تكلف باالندماج فيه‪ ،‬والقدرة السريعة على التكيف مع‬
‫الظروُ احمليَة حتى تتمكن من القيام مبهامها يف خمتلف‬
‫الظروُ‪ ،‬واألحوال‪.‬‬
‫ثانيا املهام وطريقة العمل‪:‬‬
‫إذا كان الَابور اخلامس قد فاق كل أنواع اجلاسوسية املعروفة‬
‫جبرائمها اهلائلة‪ ،‬وغدرها الشنيع‪ ،‬وأساليبها الفظيعة‪ ،‬فإن مهام هذا‬
‫النوع من اجلاسوسية وفقا ملا ذهب إليه عبدالرزاق إبراهيم محيدة‬
‫تتمثل يف اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬دعاية سياسية وثقافية‪.‬‬
‫‪ .2‬مترين عسكري‪.‬‬
‫‪ .3‬جتسس اقتصادي‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .4‬جتسس صناعي‪ ،‬كحمل العمال يف البلدان األجنبية على‬


‫اإلضراب أو تدمري املصانع‪)1(.‬‬
‫‪ .5‬الغزو الثقايف والفكري‪.‬‬
‫تلكم هي مهام الَابور اخلامس على املستوى العام أما على املستوى‬
‫العسكري فإن مهامه وطريقة عمله ميكن تلَيصها يف اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬زعزعة ثقة املقاتلني بعدالة قضيتهم‪ ،‬كتصوير أهداُ‬
‫احلرب اليت يقاتل يف سبيلها على أنها حتقق مصاحل أشَاص‬
‫ال املصلحة العامة‪ ،‬وأكثر ما يسهم جبعل مثل هذا الكالم‬
‫مستساغا استغالل فساد القادة‪ ،‬وحمسوبيتهم‪ ،‬أو سوء‬
‫ممارساتهم القيادية‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬وعدم إعماهلم ملبادئ الثواب‬
‫والعقاب حبيث يتم تسويقها بشكل مضَم للمقاتلني حتى‬
‫يقتنعوا بأن احلرب اليت يبذلون دمائهم فيها لن تليب نتائجها‬
‫الَموحات واألهداُ الوطنية الكبرية بقدر ما ستليب‬
‫طموحات وأهداُ وتَلعات املتصدرين للمشهد من‬
‫الفاسدين أو الفاشلني قياديا وإداريا‪.‬‬
‫‪ .2‬زعزعة ثقة املقاتلني بأنفسهم‪ ،‬ويكون إما بتشكيك الفرد‬
‫املقاتل بقدراته ومهاراته أمام قدرات ومهارات عدو ُ‪ ،‬وذلك‬
‫بتصوير مقاتلي العدو على أنهم يتمتعون مبهارات قتالية‬
‫عالية ال ميكن أن تصمد أمامها مهاراتكم لساعات‪ ،‬وعادة ما‬

‫‪ 1‬مجلة الرسالة المرجع السابق‬


‫‪64‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫يستغل عناصر الَابور اخلامس عدم االهتمام بتَوير برامج‬


‫ووسائل التدريب والتأهيل داخل الوحدة لتواكب التَور‬
‫النوعي يف البناء العسكري لزعزعة ثقة الفرد املقاتل بذاته‪،‬‬
‫هذا على املستوى الفردي أما على املستوى اجلماعي فإن‬
‫عناصر الَابور اخلامس يعمدون لضرب ثقة األفراد ببعضهم‬
‫ببث عوامل الفرقة واإلختالُ (العنصرية‪ ،‬املناطقية‪،‬‬
‫املذهبية‪ ،‬احلزبية) فيما بينهم ليفقدوا الثقة ببعضهم وإذا‬
‫فقد أفراد الوحدة العسكرية الثقة ببعضهم خرجت تلك‬
‫الوحدة عن اجلاهزية القتالية ملواجهة العدو احملتمل‪،‬‬
‫وأصبحت على أهبة اإلستعداد ليتقاتل أفرادها فيما بينهم‪.‬‬
‫‪ .3‬زعزعة ثقة املقاتلني بقيادتهم‪ ،‬باستغالل أي إنكسار أو هزمية‬
‫حتصل للتشكيك بالقيادة بأنها قيادة متواطئة مع العدو‬
‫تقدم أفرادها حملارق املوت يف معارك الطائل من ورائها‪ ،‬هذا يف‬
‫احلرب أما يف السلم فيكون باستغالل اإلختالالت يف اجلوانب‬
‫املعيشية للمقاتلني بسوء إدارتها‪ ،‬أو اختاذها من قبل القادة‬
‫مصدرا للمتاجرة والكسب ليتم بها تعبئة املقاتلني ضد‬
‫قيادتهم تعبئة جتعلهم ليسوا فقط فاقدي الثقة بها‪ ،‬بل‬
‫مصنفوها يف دائرة األعداء ويف هذ ُ احلالة واحلالة رقم واحد‬
‫قد ال يستبعد أن يكون القادة الذين ميارسون مثل تلك‬
‫املمارسات هم أنفسهم عناصر طابور خامس‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .4‬زعزعة ثقة املقاتلني بأسلحتهم‪ ،‬بتضَيم سالح وعتاد العدو‬


‫وأنه سالحا ال ميكن لكم أن تصمدوا أمامه بأسلحتكم‬
‫وعتادكم الذي أنتم عليه وإذا فقد املقاتل الثقة بسالحه‬
‫رفض دخول املعركة‪ ،‬وإن دخلها فدخول من يتأهب للتسليم‬
‫واهلزمية ال دخول واثق بالنصر والظفر ممن يثقون بأنه كم‬
‫من جيش ضعيف العدد والعدة دخل معركة مع عدو يفوقه‬
‫يف العدد والعدة فهزمه وانتصر عليه وذلك بانتهاجه‬
‫لتكتيك يتناسب مع عدد ُ وسالحه‪ ،‬وحيقق اإلستنزاُ لعدو ُ‬
‫بصورة متكنه من التسلح من سالح عدو ُ‪.‬‬
‫‪ .5‬نشر اإلرجاُ داخل الصف وبني املؤيدين‪ ،‬بالتحدث املضَم‬
‫النتصارات العدو‪ ،‬ونشرها‪ ،‬وجتاهل أو التقليل من انتصارات‬
‫اجليش الذي اندس فيه بصورة تسهم بتصدير اهلزمية لباقي‬
‫وحدات اجليش‪ ،‬ولعامة الشعب‪.‬‬
‫‪ .6‬توسيع دائرة السَط والتذمر العام واستثمار ُ بصورة تسهم‬
‫بإجياد فجوات بني املقاتلني وبعضهم البعض‪ ،‬وبينهم وبني‬
‫قيادتهم املباشرة‪ ،‬والعليا‪ ،‬وبينهم وبني شعبهم‪ ،‬بالرتويج‬
‫للشائعات‪ ،‬والدعاية املغرضة‪.‬‬
‫‪ .7‬ضرب عالقة الثقة القائمة بني اجليش وحلفائه‪ ،‬بتشكيك‬
‫كل منهما باألخر من خالل الرتويج ألجندة خفية يهدُ‬

‫‪66‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫كل من الَرفني لتمريرها على حساب األجندة اليت على‬


‫أساسها عقد التحالف بينهما‪.‬‬
‫‪ .8‬القيام بأعمال ختريب واغتياالت‪.‬‬
‫إىل ذلك يعمد عناصر الَابور اخلامس الذين يتشكلون من رجال‬
‫ونساء إىل عدم ممارستهم لكل تلك األعمال اليت أشرنا هلا بشكل‬
‫مباشر بل يقومون بتكوين شبكات حوهلم من رجال‪ ،‬ونساء من الذين‬
‫يتحمسون بسرعة ويتحركون للتعبري بال عقل من أولئك الذين‬
‫حتركهم مشاعرهم من بعض أصحاب النوايا احلسنة‪ ،‬واحلمقاء‪،‬‬
‫والسذج الذين يسهل تعبئتهم وحتريكهم ليعربوا عمليا عن مقتضى‬
‫ما متت تعبئتهم به‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك اإلخرتاق الذي حصل‬
‫لبعض اجلماعات الدينية من قبل بعض أجهزة املَابرات العاملية اليت‬
‫متكنت من غرس وإبراز عناصرها داخل تلك اجلماعات بصورة مكنتها‬
‫من جتييش طاقات الشباب املتحمسني للجهاد وتوجيهها بعد تعبئة‬
‫أصحابها للقيام بأعمال صورة هلم على أنها ختدم الدين وهي يف‬
‫احلقيقة ال ختدم سوى أجندة تلك األجهزة اليت أرادت أن تشيَن‬
‫اإلسالم وتربر حربها عليه وحتشد لتأييد حربها عليه الرأي العام‬
‫العاملي‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثالث‬
‫أساليب املواجهة والتحصني‬

‫إن مواجهة أنشَة الَابور اخلامس يضمن بقاء معنويات املقاتلني‬


‫مرتفعة‪ ،‬ويسهم برتميم ما تضرر منها‪ ،‬لذا تعددت أساليب املواجهة‬
‫والتحصني من أنشَة ذلك الَابور تبعا لتعدد اجلهات واألشَاص‬
‫الذين تقع على عاتقهم مسؤولية املواجهة والتحصني‪ ،‬وهم القيادة‬
‫العليا‪ ،‬والقائد املباشر‪ ،‬وركن التوجيه‪ ،‬وركن االستَبارات‪ ،‬وكافة‬
‫منتسيب الوحدة وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أوال القيادة العليا‪:‬‬
‫‪ .1‬امتالك أهداُ‪ ،‬ورؤية واضحة ومعلنة تكون مبثابة البوصلة‬
‫املوجهة للمسار الرمسي والشعيب حتى يعرُ اجلميع أين‬
‫املتجه وبناء عليه فإنه إن حصل تسميم ألفكار اجملتمع من‬
‫قبل الَابور اخلامس فإنه سيكون من السهولة مبكان إعادته‬
‫إىل اجلادة‪ ،‬والعكس بالعكس فإنه إن مل متتلك الدولة أهدافا‬
‫ورؤية واضحة ومعلنة ليشارك اجملتمع بتحقيقها فإن جمتمع‬
‫تلك الدولة ستعصف به أنشَة الَابور اخلامس‪ ،‬وتقتلعه‬
‫من جذور ُ‪.‬‬
‫‪ .2‬تفعيل أجهزة الرقابة واحملاسبة‪ ،‬ومنحها الصالحيات الكاملة‬
‫لتفعل مبادئ الشفافية والثواب والعقاب واليت إن فعلت‬

‫‪68‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫بالشكل املَلوب تكون ثغرة مهمة من الثغرات اليت ينفذ‬


‫عربها عناصر الَابور اخلامس لبث مسومهم قد سٌدت‪.‬‬
‫‪ .3‬السعي لتحقيق اإلكتفاء الذاتي للدولة يف خمتلف‬
‫اجلوانب‪.‬‬
‫‪ .4‬التشديد على األجهزة األمنية واإلستَبارية لتضَلع بدورها‬
‫يف هذا اجلانب‪.‬‬
‫‪ .5‬تبين اسرتاتيجية شاملة للوقوُ يف وجه احلمالت اليت‬
‫ينفذها الَابور اخلامس‪.‬‬
‫‪ .6‬االهتمام باجلوانب املعيشية للجيش والشعب‪.‬‬
‫ثانيا القائد‪:‬‬
‫‪ .1‬القيام خبَوات تصحيحية مسؤولة وجادة ومستعجلة‪.‬‬
‫‪ .2‬اخلروج للمقاتلني لتبيني مالبسات ما مت الرتويج له إن‬
‫اقتضى األمر ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬العمل اجلاد على تبنى برامج وحماضرات يشرُ عليها‬
‫بنفسه لتعزيز خَواته اإلجرائية يف التعامل مع ما روج‬
‫ومواجهة آثار ُ‪.‬‬
‫‪ .4‬القرب من املقاتلني وتلمس أحواهلم ومواساتهم مبا يرفع من‬
‫معنوياتهم‪.‬‬
‫ثالثا ركن وعناصر االستخبارات‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .1‬تتبع عناصر الَابور اخلامس ومن يقف خلفهم ومن يعمل‬


‫معهم‪.‬‬
‫‪ .2‬رصد كافة أنشَة ذلك الَابور‪.‬‬
‫‪ .3‬اختاذ اإلجراءات الرادعة يف حق من يثبت تورطهم مبمارسة‬
‫عمل الَابور اخلامس‪.‬‬
‫رابعا ركن التوجيه املعنوي‪:‬‬
‫‪ .1‬رصد كل ما يروج له بالتعاون مع عناصر االستَبارات وابالغ‬
‫القيادة به أوال بأول مع إقرتاح اخلَوات اليت يتوجب على‬
‫القيادة العمل بها‪.‬‬
‫‪ .2‬تبين برامج توعية تربوية إرشادية وسياسية وتوعوية وثقافية‬
‫ملواجهة أنشَة الَابور اخلامس والتحصني منها‪.‬‬
‫‪ .3‬االستهداُ املباشر بأنشَة التوجيه املوجهة لكشف طرق‬
‫وأساليب عمل الَابور اخلامس‪ ،‬وتبيني مراميها حتى يتبني‬
‫لكل من أنه بقصد أو دون قصد ميارس ما ميارسه عناصر‬
‫الَابور اخلامس‪ ،‬بغية إعادتهم إىل اجلادة‪.‬‬
‫خامسا منتسيب الوحدة العسكرية‪:‬‬
‫‪ .1‬التفاعل مع برامج التوعية يف جوانب احلرب النفسية‬
‫املَتلفة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .2‬احلرص على حتصني صفهم من أنشَة احلرب النفسية‬


‫والَابور اخلامس بإملامهم بأساليب ووسائل ودسائس ذلك‬
‫الَابور وتلك احلرب‪.‬‬
‫‪ .3‬اليقظة والرقابة املستمرة ألي أنشَة تتصل باحلرب النفسية‬
‫عموما والَابور اخلامس بشكل خاص يتم الرتويج هلا أو‬
‫ممارستها داخل الوحدة العسكرية أو خارجها‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلبالغ عمن يشتبه مبمارسته ألي نشاط من أنشَة احلرب‬
‫النفسية والَابور اخلامس داخل الوحدة العسكرية وخارجها‬
‫سواء كان ميارس تلك األنشَة حبسن نية أو بسوء نية‪.‬‬
‫‪ .5‬اإللتزام بكل ما يعزز وحدة الصف‪ ،‬ونبذ كل عوامل الفرقة‬
‫واإلختالُ‪ ،‬واإللتفاُ حول القيادة العسكرية واطالعها على‬
‫اهلموم واألحوال اليت يتوجب على القيادة أن تكون على إطالع‬
‫تام عليها أوال بأول حتى ال يتسبب اغفاهلا باستغالهلا مادة‬
‫ليشتغل عليها عناصر الَابور اخلامس يف نشر التذمر‬
‫واليأس واإلحباط‪ ،‬وضرب العالقة القائمة بني القيادة‬
‫واألفراد‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الرابع‬
‫شواهد تأرخيية وواقعية‬

‫الشاهد األول (أول عنصر طابور خامس يف اإلسالم)‪:‬‬

‫كان نعيم ابن مسعود قد اسلم يف أثناء غزوة األحزاب فأمر ُ النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أن يكتم إسالمه وخيذل عن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم واملسلمني ما استَاع فما كان منه رضي اهلل عنه إال أن خرج‬
‫حتى أتى بين قريظة‪ ،‬وكان هلم ندمياً يف اجلاهلية‪ ،‬فقال‪ :‬يا بين‬
‫قريظة‪ ،‬قد عرفتم ودي إياكم‪ ،‬وخاصة ما بيين وبينكم‪ ،‬قالوا‪ :‬صدقت‪،‬‬
‫لست عندنا مبتهم؛ فقال هلم‪ :‬إن قريشا وغَفان ليسوا كأنتم‪ ،‬البلد‬
‫بلدكم‪ ،‬فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم‪ ،‬ال تقدرون على أن حتيولوا‬
‫منه إىل غري ُ‪ ،‬وإن قريشا وغَفان قد جاءوا حلرب حممد وأصحابه‪،‬‬
‫اهرمتوهم عليه‪ ،‬وبلدهم وأمواهلم ونسائهم بغري ُ‪ ،‬فليسوا‬ ‫وقد‬
‫كأنتم فإن رأوا نهَزة أصابوها‪ ،‬وإن كان غري ذلك حلقوا ببالدهم‬
‫وخلوا بينكم وبني الرجل ببلدكم‪ ،‬وال طاقة لكم به إن خال بكم‪ ،‬فال‬
‫تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم ْرهْناً من أشرافهم‪ ،‬يكونوا بأيديكم‬
‫ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم حممداً حتى تناجزو ُ؛ فقالوا له‪ :‬لقد‬
‫أشرت بالرأي‪ ،‬ثم خرج حتى أتى قريشاً‪ ،‬فقال ألبي سفيان بن حرب‬
‫ومن معه من رجال قريش‪ :‬قد عرفتم ودي لكم وفراقي حممداً‪ ،‬وإنه قد‬
‫بلغين أمر قد رأيت عليب حقاً أن أبلغكمو ُ‪ ،‬نصحاً لكم‪ ،‬فاكتموا عين؛‬
‫فقالوا‪ :‬نفعل؛ قال‪ :‬تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما‬

‫‪72‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫بينهم وبني حممد‪ ،‬وقد أرسلوا إليه إنبا قد ندمنا على ما فعلنا‪ ،‬فهل‬
‫يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتني‪ ،‬من قريش وغَفان رجاالً من‬
‫أشرافهم فنعَيكهم‪ ،‬فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي‬
‫منهم حتى نستأصلهم؟ فأرسل إليهم‪ :‬أن نعم‪ .‬فإن بعثت إليكم يهود‬
‫يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فال تدفعوا إليهم منكم رجالً واحداً‪.‬‬
‫ثم خرج حتى أتى غَفان‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر غَفان‪ ،‬إنكم أصلي‬
‫وعشريتي‪ ،‬وأحب الناس إلي‪ ،‬وال أراكم تتهموني؛ قالوا‪ :‬صدقت ما أنت‬
‫عندنا مبهتم؛ قال‪ :‬فاكتموا عين؛ قالوا‪ :‬نفعل‪ ،‬فما أمرك؟ ثم قال هلم‬
‫مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم ما أنزل اهلل باملشركني‪.‬‬
‫فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة مخس‪ ،‬وكان من صنع اهلل‬
‫لرسوله صلى اهلل عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس‬
‫غَفان إىل بين قريظة عكرمة بن أبي جهل‪ ،‬يف نفر من قريش وغَفان‪،‬‬
‫فقالوا هلم‪ :‬إنا لسنا بدار مقام‪ ،‬قد هلك اخلف واحلافر‪ ،‬فاغدوا‬
‫للقتال حتى نناجز حممداً‪ ،‬ونفرغ مما بيننا وبينه؛ فأرسلوا إليهم‪ :‬إن‬
‫اليوم يوم السبت‪ ،‬وهو يوم ال نعمل فيه شيئاً‪ ،‬وقد كان أحدث فيه‬
‫بعضنا حدثاً‪ ،‬فأصابه ما مل خيف عليكم‪ ،‬ولسنا مع ذلك بالذين‬
‫نقاتل معكم حممداً حتى تعَونا رهناً من رجالكم‪ ،‬يكونون بأيدينا‬
‫ثقة لنا حتى نناجز حممداً‪ ،‬فإنا خنشى إن ضرستكم احلرب‪ ،‬واشتد‬
‫عليكم القتال أن تنشمروا إىل بالدكم وترتكونا‪ ،‬والرجل يف بلدنا‪ ،‬وال‬
‫طاقة لنا بذلك منه‪ .‬فلما رجعت إليهم الرسل مبا قالت بنو قريظة‪،‬‬
‫قالت قريش وغَفان‪ :‬واهلل إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود حلق‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫فأرسلوا إىل بين قريظة‪ :‬إنا واهلل ال ندفع إليكم رجالً واحداً من رجالنا‪،‬‬
‫فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا؛ فقالت بنو قريظة‪ :‬حني‬
‫انتهت الرسل إليهم بهذا‪ :‬إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود حلق‪ ،‬ما‬
‫يريد القوم إال أن يقاتلوا‪ ،‬فإن رأوا فرصة انتهزوها‪ ،‬وإن كان غري ذلك‬
‫انشمروا إىل بالدهم‪ .‬وخلوا بينكم وبني الرجل يف بلدكم‪ ،‬فأرسلوا إىل‬
‫قريش وغَفان‪ :‬إنا واهلل ال نقاتل معكم حممداً حتى تعَونا رهناً؛‬
‫فأبوا عليهم‪ ،‬وخذبل اهلل بينهم‪ ،‬وبعث اهلل عليهم الريح يف ليال شاتية‬
‫باردة شديدة الربد‪ ،‬فجعلت تكفأ قدورهم‪ ،‬وتَرح أبنتيهم"(‪)1‬‬
‫الشاهد الثاني (قصة صلى وصام ألمر كان يقصده)‪:‬‬

‫صلى املصلي ألمر كان يَلبه فلما انقضى االمر ال صلى وال صاما‬
‫هذا البيت له قصه تتعلق بشَص من الروم تسمّى باسم سلوم ويقال‬
‫انه هو قائل هذ ُ االبيات هذا الرجل قدم مبهمه استَباراتية‪ ،‬او‬
‫عسكريه على حد سواء وجنح بها ويقال ان حكام اإلسكندرية شيدوا‬
‫منارات مغناطيسية حبريه متنع وصول السفن واالساطيل الرومية من‬
‫الوصول اىل شاطئ اإلسكندرية ‪ ...‬وقدم سلوم ومعه صرر من الذهب‬
‫قام بدفنها يف مناطق خمتلفة وتعلم العربية واتقنها ثم ادعى التدين‬
‫وترهنب وانقَع للعبادة والقراءة والصالة يف مسجد ُ حتى شاع ذكر ُ‬
‫وانتشر خرب ُ وعرفه الصغري والكبري وبعد ذلك تعرُ عليه امللك‬
‫وقربه اليه شيئا فشيئا وكلما احتاجت خزينة امللك ماال دهلم على‬

‫‪1‬سيرة النبي البن إسحاق تهذيب ابن هشام تحقيق‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد‪ ،‬دار‬
‫االتحاد العربي للطباعة طبعة ‪1371‬م الجزء ‪ 1‬صفحة ‪712‬‬
‫‪74‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫مكان من اماكن صرر الذهب وبعد ان وثق به امللك كثريا واحتاج‬


‫املال قال هلم حتت بعض املنارات يوجد ذهب كثري فامر امللك بهدم‬
‫املنارات الستَراج الذهب‪ ،‬وهدموا املنارات‪ ،‬وبَل مفعول املغناطيس‪،‬‬
‫ومل جيدوا ذهبا‪ ،‬وفر سلوم‪ ،‬ومل يعثروا له على اثر وهجمت االساطيل‬
‫الرومية على اإلسكندرية بعد ان زالت املنارات ومفعول مغناطيسها‬
‫ووجدوا هذ ُ االبيات ويقال ان سلوم هو من كتبها ويقال انه غري ُ‬
‫صلى املصلي ألمر كان يَلب ــه فلما انقضى األمر ال صلى وال صاما‬
‫وال ترهبـ ــن يف أم ـ ـر وال قامــا"(‪)1‬‬ ‫سلوم ما زاد يف االسالم خردلة‬
‫الشاهد الثالث‪:‬‬

‫أمضى سالح استَدمته أملانيا الكتساح نروج هو الَابور اخلامس‪،‬‬


‫وقد ذكرت الكاتبة النروجية الشهرية (سيجريداوندست) فيما روته‬
‫عن مأساة وطنها ما يأتي‪:‬‬
‫(كان علينا أال نتكل على حيادنا وأن نتسلح استعداداً للَوارئ‪ .‬إننا‬
‫قلما اكرتثنا للَابور اخلامس األملاني‪ ،‬فجر علينا إهمالنا حمنتنا‬
‫احلاضرة‪ ،‬إذ يف الل السنوات األخرية كان كثريون من شبان األملان‬
‫يأتوننا زائرين ويتوغلون يف بالدنا دارسني طبيعة أرضنا‪ ،‬رامسني‬

‫‪1‬منتدى رفحاء سلسلة أبيات سارت بها الركبان تم النسخ في ‪ 16‬مايو ‪2424‬م‬
‫الساعة ‪ 11:17‬مساء‬
‫‪http://www.rafha.com/vb/archive/index.php/t-3517.html‬‬
‫‪75‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫مواقعها احلربية وطرقها ومعابرها وكل ما يهمهم منها‪ .‬وعلى‬


‫اجلملة كانوا يعرفون نروج أكثر من سكانها األصليني)‪)1(.‬‬

‫‪1‬مجلة الرسالة العدد ‪ 011‬الصفحة ‪25‬‬


‫‪76‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الفصل اخلامس‬
‫غسيل الدماغ‬
‫املبحث األول‪ :‬املفهوم والتعريف‬
‫املبحث الثاني‪ :‬األهمية واألهداف‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أساليب ممارسته وطرق املواجهة والتحصني‬
‫املبحث الرابع‪ :‬شواهد تأرخيية وواقعية‬

‫‪77‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث األول‬
‫املفهوم والتعريف‬

‫أوال املفهوم‪:‬‬
‫غسيل الدماغ "هو أسلوب قديم استَدمه املصريون القدماء ومت‬
‫هم‬ ‫استَدمه‬ ‫من‬ ‫أشهر‬ ‫ولكن‬ ‫التاريخ‬ ‫عرب‬ ‫تَوير ُ‬
‫الصينيون الشيوعيون يف عام ‪1953‬م عندما كان الصينيون يَبقون‬
‫برنامج يسمى اإلصالح الفكري الشيوعي الصيين‪ ،‬حيث اعتقد‬
‫الصينيون أن األفراد الذين مل يتعلموا يف جمتمع شيوعي لديهم أفكار‬
‫برجوازية وجيب إعادة تعليمهم قبل أن يأخذوا مكانهم يف اجملتمع‪.‬‬
‫وقد اقرتن اسم الربوفيسور إيفان بافلوُ‪ ،‬أستاذ علم و ائف األعضاء‬
‫الروسي بعملية غسيل املخ‪ ،‬نتيجة جتاربه املتقدمة على غرائز‬
‫احليوانات وسلوكها‪ ،‬وقد ركز بافلوُ يف أحباثه عن" نظام‬
‫اإلشارات "وهو ما يقصد به احلس الغريزي املوجه الذي يصل مباشرة‬
‫بني احلواس‪ ،‬وبني العقل ‪.‬وانتهت املالحلة احلامسة من أحباثه‬
‫بتجارب على احليوان واإلنسان الثبات نظريته "الفعل الشرطي‬
‫املنعكس "باإلجنليزية ‪ : Conditional Reflex‬وتعين القيام‬
‫بسلوك معني نتيجة ملؤثرات خارجية‪ ،‬مثل سيل اللعاب عند‬
‫رؤية الَعام‪ ،‬أو عند حدوث أي أثر مقرتن بالَعام‪ .‬كما توصل‬
‫بافلوُ إىل أنه بتغيري بيئة اإلنسان ميكن تغيري طبيعته الذاتية‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫والواقع أن أحباث بافلوُ كانت هي املشاعل اليت أنارت الَريق أمام‬


‫الشيوعيني للتوسع يف عملية" غسيل املخ‪".‬‬
‫إن أسلوب استَالص االعرتافات كان معروفاً يف التحقيقات البابوية‬
‫اليت جرت يف القرن الثالث عشر امليالدي‪ ،‬ثم فيما بعد وخباصة داخل‬
‫جماالت حتقيق البوليس السري الروسي أيام القيصرية‪ ،‬ويف وسائل‬
‫تنظيم سجون اإلصالح‪ ،‬ومستشفيات األمرا ِض العقلية وغريها من‬
‫املؤسسات اليت أقيمت إلحداث التغيريات العقائدية عند األفراد‪ ،‬كما‬
‫استَدمت أساليبها يف الَوائف الدينية املَتلفة‪ ،‬ويف مجاعات‬
‫الصفوة السياسية‪ ،‬ويف اجملتمعات البدائية عند تكريس األعضاء‬
‫اجلدد‪ .‬ولكن الشيوعيني جاءوا مبنهجهم يف ضوء أكثر مشوالً‬
‫وتنظيماً‪ ،‬كما أنهم استَدموا فيه جمموعة من األساليب الفنية‬
‫السيكلوجية املرتابَة‪)1(.‬‬
‫هذا وذهب أخرون العتبار غسيل الدماغ سالح من أسلحة احلرب‬
‫النفسيبة يرمي إىل السيَرة على العقل البشري وتوجيهه بغايات‬
‫مرسومة‪ ،‬بعد أن يْجربد من مبادئه السابقة‪ ،‬وكان أول مَن ابتكير‬
‫اصَالح غسيل الدماغ صحفي أمريكي يْدعى "إدوارد هنرت" ألَّف كتاباا‬
‫عن املوضوع على يأثَر احلرب الكوريبة‪ ،‬إذ الحه هذا الصحفي أن ثلث‬

‫‪ 1‬موسوعة ويكيبديا تم الدخول الساعة ‪ 12.14‬بعد منتصف الليل األربعاء ‪ 27‬مايو‬


‫‪2424‬م‬
‫‪https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%B3%D9%8A%‬‬
‫‪D9%84_%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%BA‬‬
‫‪79‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫أسرى الواليات املتحدة األمريكية قد اختذوا اجتاهاا جديداا ضد‬


‫وطنهم‪ ،‬وكانت هذ ُ الظاهرة هي األوىل من نوعها يف تاريخ احلرب‬
‫البشرية‪ ،‬وقد عْين الصحفي بهذا االصَالح "احملاوالت املََََّة أو‬
‫األساليب السياسية املتببَعة من قيبَل الشيوعيني إلقناع غري الشيوعيني‬
‫باإلميان والتسليم مببادئهم وتعاليمهم (‪.)1‬‬
‫إال أن اصَالح" غسيل الدماغ "اتبسَع معنا ُ‪ ،‬واستْعميل يف خمتلف‬
‫ميادين احلياة من إعالن تيجاري‪ ،‬أو دعاية‪ ،‬أو اجتماع‪ ،‬أو سياسة‪ ،‬ومل‬
‫َيعْد قاصراا على الشيوعيني ‪ -‬وهم أول من استَدمه ‪ -‬بل تعدبا ُ إىل‬
‫الشرق والغرب‪ ،‬وقد أيطليق بعضهم على هذ ُ العمليبة يف السيَرة على‬
‫العقل البشري وتوجيهه‪ ،‬أمساء أخرى‪ ،‬أعمب وأمشل من اصَالح غسيل‬
‫الدماغ‪ ،‬من ميثل‪ ،‬إعادة تقويم األفكار‪ ،‬أو التحوير الفكري‪ ،‬أو املذهيب‪،‬‬
‫أو اإلقناع اخلفي (‪.)2‬‬
‫ثانيا التعريف‪:‬‬
‫التعريف األول‪" :‬هو ك هل وسيلة تقنية خمَََّة تَرمي إىل حتوير‬
‫الفيكُر أو السلوك البشري ضد رغبة اإلنسان أو إرادته‪ ،‬أو سابق ثقافته‬
‫وتعليمه (‪.)3‬‬
‫التعريف الثاني‪" :‬هو حماولة توجيه الفيكر اإلنساني أو العمل اإلنساني‬
‫ضد رغبة الفرد أو ضد إرادته‪ ،‬أو ضد ما يتبفيق مع أفكار ُ ومْعتقداته‬

‫‪ 1‬د‪ .‬فخري الدباغ‪ ،‬غسيل الدماغ‪( ،‬ص‪ 11 :‬و‪ ،)12‬بيروت ‪1374‬م‪.‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬زهران‪ ،‬عِلم النفس االجتماعي (ص‪.)152 :‬‬
‫‪ 1‬المصدر السابق غسيل الدماغ (ص‪.)11 :‬‬

‫‪80‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫وقييمه‪ ،‬إنه عمليبة إعادة تعليم)‪ ، (RE edu cation‬وهو عمليبة حتويل‬
‫اإلميان أو العقيدة إىل كُفُر بها‪ ،‬ثم إىل اإلميان بنقيضها (‪.)1‬‬

‫‪ 1‬المصدر السابق نفسه (علم النفس االجتماعي)‪.‬‬


‫‪81‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثاني‬
‫األهمية واألهداف‬

‫لغسيل الدماغ أهميته البالغة وله أهدافه خصوصا لدى أجهزة‬


‫استَبارات الدول اليت عادة ما تلجأ له لتحقيق أهدافا خمتلفة يف‬
‫احلاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬األسرى واملعتقلني ليسهل على إثرها تغيري معتقداتهم‪،‬‬
‫وأفكارهم‪ ،‬وتتغري بناء عليها نظرتهم للدولة اليت يقبعون يف‬
‫سجونها‪ ،‬وصوال لتجنيد جواسيس وخمربين من بينهم‬
‫ليتحولوا للعمل بعد اإلفراج عنهم لصاحل الدولة اليت‬
‫اسرتهم‪ ،‬أو اعتقلتهم يف بلدهم وداخل جيشهم‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫بالتوعية‪ ،‬واحلوار‪ ،‬والقرب منهم‪ ،‬واملعايشة احلسنة هلم‪،‬‬
‫ودحض الصورة العالقة يف أذهانهم عن الدولة اليت يقبعون‬
‫يف سجونها مبمارسات أفعاال تناقض ما صور يف أذهانهم‪.‬‬
‫‪ .2‬مع من يتم جتنيدهم لتنفيذ جرائم قتل وغريها حيث يتم‬
‫قبل الدفع بهم لتنفيذ أي جرمية اخضاعهم جللسات غسيل‬
‫دماغ حتى تتم السيَرة الكلية عليهم‪ ،‬فيسهل الدفع بهم‬
‫للقيام باجلرائم اليت يريدها من جندهم دون اعرتا ِض‪ ،‬أو‬
‫تردد‪ ،‬كما يتم اخضاعهم لتلك اجللسات بعد تنفيذهم‬
‫للجرائم اليت كلفوا بها حتى متحى من ذاكرتهم‪ ،‬ويبقوا‬
‫حتت السيَرة‪ ،‬وتكون البداية بتعريض أولئك األشَاص‬

‫‪82‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫لصدمات عنيفة تفقدهم وعيهم تصل يف كثري من األحيان‬


‫لقتل أقاربهم أمام أعينهم‪.‬‬
‫‪ .3‬مع من يتم جتنيدهم للعمل االستَباري بشكل عام يف‬
‫الداخل أو اخلارج حيث يتم اخضاعهم لدورات مغلقة ومكثفة‬
‫يتم من خالهلا الرتكيز على تعزيز والء الشَص هلذا‬
‫اجلهاز االستَباري الذي جتند للعمل يف صفوفه بَريقة‬
‫ختلية هذا العنصر من والءاته السابقة‪ ،‬ونسف إميانه بها‬
‫مبَتلف الَرق املستندة على احلجة‪ ،‬وذلك بناء على‬
‫املعرفة التامة بنفسيته‪.‬‬
‫‪ .4‬مع عموم الشعب لتوجيه اهتماماته‪ ،‬وتغيري قناعاته‪ ،‬ونظراته‬
‫جتا ُ قضية ما‪ ،‬أو دولة ما‪ ،‬أو حزب ما‪ ،‬أو شَص ما‪ ،‬وهلذا‬
‫جلأت الكثري من أجهزة االستَبارات العاملية المتالك قنوات‬
‫وإذاعات‪ ،‬وصحف‪ ،‬ومواقع اخباريه‪ ،‬وصوال إلنتاج تَبيقات‬
‫التواصل االجتماعي واليت من خالهلا تبني مدى حرص‬
‫أجهزة االستَبارات العاملية على فر ِض الثقافة اليت تريد‬
‫على طريق فر ِض العوملة‪ ،‬وكل هذا يعد نوعا من أنواع غسيل‬
‫الدماغ الذي ميارس على الشعوب وهي ال تشعر‪.‬‬
‫أماكن ممارسة غسيل الدماغ‪:‬‬
‫‪ .1‬السجون واملعتقالت مع األسرى واملعتقلني‪ ،‬إما بالتوعية‪،‬‬
‫والرتغيب‪ ،‬أو باستَدام التعذيب‪ ،‬والعنف‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .2‬مع سجناء اجلرائم اجلنائية واليت يفرت ِض أن يصحح‬


‫السجن من سلوكهم االجتماعي مبا ميارس معهم من‬
‫أساليب ووسائل شأنها أن تسهم بتغيريهم ليعودوا للمجتمع‬
‫مواطنني صاحلني‬
‫‪ .3‬احملاضن الرتبوية والتعليمة‪ ،‬وهو ما يسميه علماء السلوك أو‬
‫التزكية بالتَلية والتحلية‪.‬‬
‫‪ .4‬املعسكرات‪ ،‬والكليات‪ ،‬واملعاهد العسكرية‪ ،‬حيث يتم فيها‬
‫حتويل شَصية امللتحق من الشَصية املدنية إىل الشَصية‬
‫العسكرية بقيمها‪ ،‬وأفكارها‪ ،‬ومصَلحاتها‪ ،‬وثقافتها‪،‬‬
‫وطريقة عيشها‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪ .5‬وسائل اإلعالم املَتلفة بواسَة الربامج املباشرة املوجهة‬
‫للجمهور الوعظية‪ ،‬والتثقيفية‪ ،‬واملسلسالت‪ ،‬واملسرحيات‪،‬‬
‫واإلعالنات‪ ،‬وغريها واليت من خالهلا يتم تغيري ثقافات‪،‬‬
‫وأفكار‪ ،‬واهتمامات‪ ،‬وحتى تصدير عادات‪ ،‬وتقاليد الشعوب‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الثالث‬
‫أساليب ممارسته وطرق املواجهة والتحصني‬

‫أوال أساليب ممارسة غسيل الدماغ‪:‬‬


‫ممارسة غسيل الدماغ البد أن مير مبرحلتني املرحلة األوىل‬
‫(االعرتاُ) ‪ :‬وهو اإلعالن واالعرتاُ مبا ارتكب من أخَاء يف املاضي‪.‬‬
‫وميكن حتقيق هذ ُ املرحلة باإلجراءات اآلتية ‪:‬عزل الفرد اجتماعياً‪،‬‬
‫الضغط اجلسدي‪ ،‬التهديد وأعمال العنف‪ ،‬السيَرة الكاملة على‬
‫كيان الفرد‪ ،‬الضياع والشك‪ ،‬تثبيت اجلرم‪ ،‬االعتذار واإلكرام للفرد‪،‬‬
‫مرحلة االعرتاُ النهائي‪.‬‬
‫املرحلة الثانية (إعادة التعليم والتثقيف) ‪ :‬وتدور هذ ُ املرحلة حول‬
‫إعادة بناء فكر الفرد يف الصورة اجلديدة اليت يراد له أن يكون عليها‪.‬‬
‫ويف هذ ُ املرحلة حيدث تغيري يف مفهوم الذات لدى الفرد‪ ،‬ويتم حمو‬
‫األفكار غري املَابقة ألفكار القائم بعملية الغسل‪ ،‬ثم تقدم أفكار‬
‫ومعايري سلوكية وأدوار اجتماعية جديدة (‪ ")1‬وبهذا ميكننا القول أن‬
‫ممارسة غسيل الدماغ متر من حيث اإلمجال بتلك املرحلتني أما من‬
‫حيث التفصيل فإنه البد أن متارس باألساليب اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬عزِل الفرد اجتماعيًّا عزالً كامالً‪ ،‬وحيرمانه من أي مثريات‬
‫خاصة باملوضوعات املَلوب غسيلها يف مستشفى أو مْعتقيل‬

‫‪ 1‬موسوعة ويكيبديا المرجع السابق‪.‬‬


‫‪85‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫أو سجن(‪ ،)1‬وبعد فرتة من القلق املستمر‪ ،‬وبتَبيق بعض‬


‫األساليب األخرى اليت سنذكرها بعد ذلك يبدأ‬
‫االستجواب‪ ،‬ومن املُحتمَل أن يتحََّم اإلنسان تلقائيًّا‬
‫وبدرجة ملموسة؛ نتيجة القلق والتفكري الَويل فيما‬
‫يَعرتاُ به‪ ،‬ويصبح يف يأس وتعاسة‪" ،‬وهناك وسيلة معروفة‬
‫استَْديمت يف السجون السياسية‪ ،‬وهي أن يوحى إىل السجني‬
‫بأن بالد ُ مل َتعْد ترفع صوتاا واحداا من أجله‪ ،‬وأن حمبِيه‬
‫وأصدقاء ُ ختلّوا عنه؛ مما جيعله يشعر بأنه أصبح وحيداا‬
‫متاماا‪ ،‬فينقاد إىل احملاكمة املُحزانة مسلوب اإلرادة حتت أشد‬
‫الظروُ وطأة وعنفًا (‪.)2‬‬
‫‪ .2‬تعريض الفرد لصدمة تفقد ُ وعيه‪ :‬كأن يتم إمساع األسري‬
‫أو املعتقل أصواتا مسجلة لنساء وأطفال وإيهامه بأن تلك‬
‫األصوات لزوجته وأبنائه وأنهم يف الزنزانة األخرى‪ ،‬وقد يصل‬
‫األمر أحيانا ألن يتم احضار بعض أقارب ذلك السجني‬
‫وقتلهم أمامه وبهذ ُ الَريقة ميكن له أن يفقد وعيه ويصبح‬
‫من السهل التحكم به‪.‬‬
‫‪ .3‬الضغط اجلسماني ‪ :‬ويشمل تعريض الفرد ملؤثِرات اجلو‬
‫واجلوع والتعب واألمل‪ ،‬واألساليب األخرى؛ مثل‪ :‬الصدمات‬
‫الكهربائية‪ ،‬واستَدام العقاقري املَدِرة‪ ،‬والتعذيب الشديد‪،‬‬

‫‪ 1‬المرجع السابق علم النفس االجتماعي صفحة‪.152 :‬‬


‫‪ 2‬الحرب النفسية‪ ،‬صالح نصر الجزء الثاني صفحة‪.11 :‬‬
‫‪86‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫وهذ ُ تْضعيف قدرة الفرد على التحكم يف إرادته(‪)1‬وهذ ُ األمور‬


‫كلها اهلدُ منها الوصول بالفرد إىل درجة اإلعياء‬
‫واالنهيار؛ حتى يكون عقله قابالً ألي توجيه من املستجوب‪،‬‬
‫ويشمل الضغط اجلسماني إضعاُ الفرد عن طريق تقليل‬
‫ساعاتي نومه أو احلرمان منه‪ ،‬ونقُص الغذاء أو احليرمان منه‪،‬‬
‫وحرمانه من املالبس الكافية املناسبة‪ ،‬واستَدام كلِ ما من‬
‫شأنه أن جيعل الفرد يف حالة اكتئاب شديد غري قادر على‬
‫القيام بأي نشاط‪ ،‬والعمل على اضَراب التوجيه لديه‬
‫بالنسبة لنفسه وذاتيبته‪ ،‬وبالنسبة للزمان واملكان‪ ،‬وإشعار ُ أنه‬
‫حتت ضبط تام‪ ،‬وتعريضه للمر ِض اجلسمي واملر ِض العقلي‪،‬‬
‫جعِل الفرد يف حالة "يْكلئم فيها‬
‫وحتى اإلشراُ على املوت و َ‬
‫نفسه"‪ ،‬أو تَظهر لديه أعرا ِض ميثل اهللوسات واألوهام‪ ،‬وحسب‬
‫شَصيبة الفرد ونَمط انفعاالته ومْعتقداته ونقاط قوبته‬
‫وضعِفه‪ ،‬فقد يظهر البعض مضَربني‪ ،‬وقد يتغيبر البعض‬
‫بشكل اهر‪ ،‬وقد يْقاوام البعض (‪.)2‬‬
‫‪ .4‬التهديدات وأعمال العنف ‪ :‬ي بتَيذ هذا األسلوب شكلني‬
‫متناقضني‪ ،‬فإما أن يكون مباشراا‪ ،‬كاستَدام العنف‬
‫والضرب والربكل حتى املوت‪ ،‬وربِط السجني إىل أسفل حبيث‬
‫ال يستَيع حَراكًا ثم يْوضَع حجر ثقيل فوقه‪ ،‬ويْرتَك هكذا‬

‫‪ 1‬علم النفس االجتماعي المرجع السابق صفحة‪.152 :‬‬


‫‪ 2‬المرجع السابق صفحة ‪.151‬‬
‫‪87‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫ملدة طويلة‪ ،‬إىل غري ذلك من الوسائل غري اإلنسانية (‪)1‬وإما‬


‫ال قد يْعامَل‬
‫أن يكون التهديد والعنف بشكل غري مباشر‪ ،‬فمث ً‬
‫الفرد معاملة ودية طيبة‪ ،‬ويتكربم املستجوب فيْعَيه لفافة‬
‫تبغ‪ ،‬ويف أثناء احلديث يسمع هذا الفردْ زميليه يف الغرفة‬
‫اجملاورة يصرخ من األمل؛ لرفضه اإلجابة عن األسئلة املوجهة‬
‫إليه نفسها‪ ،‬أو أن يوضع عدد من السجناء يف زنزانة واحدة‪،‬‬
‫وعندما يعود أحد الزمالء خمضباا بدمائه كقَعة من‬
‫اللحم أو تْعاد مالبسه يف لفافة صغرية‪ ،‬يكون هذا كافياا‬
‫لآلخرين كصورة من التهديد غري املباشر(‪.)2‬‬
‫‪ .5‬اإلذالل والضغوط‪ :‬تعتميد هذ ُ الوسيلة على اتباع كلِ نْظُم‬
‫السجن اليت تتَلَّب اخلضوع التام مع اإلذالل يف أسلوب‪:‬‬
‫تَناول الَعام والنوم واالغتسال‪ ،‬وما إىل هذا‪ ،‬طبقًا لنْظُم‬
‫حمددة‪ ،‬مع العلم عدم القيام إال بإذن من احلارس‪ ،‬وإحناء‬
‫الرأس وإبقاء األعني موجبهة إىل األر ِض أثناء التحدث إىل‬
‫احلارس‪ ،‬باإلضافة إىل السبِ والشتم بأقذع األلفا ‪.‬‬
‫‪ .6‬الدروس اجلماعيبة‪ :‬واستَدمت الدروس اجلماعية اليومية‬
‫يف الصني‪ ،‬حيث كانت تدرس العقيدة اجلديدة بواسَة‬
‫قراءات وحماضرات تتِبَعها أسئلة؛ ليْثبيت كل فرد هضِمه‬
‫للدراسات اليت يتلقَّاها‪ ،‬على أن يْتِبع هذا مبناقشات‪ ،‬يَْليب‬

‫‪ 1‬الحرب النفسية المرجع السابق الجزء الثاني صفحة ‪15‬‬


‫‪ 2‬المرجع السابق‬
‫‪88‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫فيها من فرد أن يوضِح كيف يستنبيط األهداُ من مقدمات‬


‫الدراسات الشيوعيبة‪ ،‬وكيف ميكنه تَبيقها هو بالنسبة‬
‫لنفسه‪ ،‬ويعترب النقد املتبادل ونقد النفس جزءاا مهمًّا من‬
‫املناقشات اليت جتري بني أفراد اجلماعة‪ ،‬ويف هذ ُ اجللسات‬
‫يْماراس مو فو السجن والزمالء يف زنزانات السجن ضغًَا‬
‫مستمرًّا على السجني؛ جلعله يعيد تقويم ماضيه من وجهة‬
‫النظر الشيوعيبة ليتحقَّق من إمثه ويَعرتُ جبرميته (‪)1‬‬
‫وإلقناعه بأنه مْ بتهَم بتهمة خَرية‪ ،‬لكنها غامضة وال بد أن‬
‫يَعرتاُ بها‪ ،‬ويْقرِر أنه خمَئ ومْذنيب‪ ،‬وتنمية اإلحساس‬
‫بالذنب لديه‪ ،‬وأن ما يْالقيه من معاملة إمنا هو نتيجة ألنه‬
‫مْذنيب وليس لماا واقعاا عليه‪ ،‬ولتشكيكه يف أصدقائه ويف‬
‫اجلماعات واملؤسسات اليت ينتمي إليها ومعايري ُ السلوكية‬
‫السابقة؛ حتى يترببأ منها‪ ،‬وللقضاء على أي والء ملاضيه‪ ،‬مع‬
‫دفُعه إىل االعرتاُ حتى يتم شفاؤ ُ‪.‬‬
‫‪ .7‬املعاملة اللينة‪ :‬ثم تبدأ مرحلةُ اللني واهلوادة والتساهل‬
‫والرِفق‪ ،‬واالعتذار عن املعاملة السابقة وإ هار الصداقة‪،‬‬
‫وإتاحة الفرصة أمام الفرد ليَلمَس ذلك‪( ،‬فسجني الزنزانة‬
‫خيرج إىل الشمس واهلواء حتت حراسة خمفَّفة أو دون‬
‫حراسة‪ ،‬واملتضور جوعاا يأكل ويشرب الشاي والقهوة‪،‬‬

‫‪ 1‬المرجع السابق الحرب النفسية صفحة ‪17‬‬


‫‪89‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫وتتحوبل التحقيقات واالستجوابات إىل مناقشات‪ ،‬ويتغيبر‬


‫إهمال شأنه إىل عناية)‪.‬ومن خالل هذا كله حيمل الفرد‬
‫على مزيد من االعرتاُ‪ ،‬وهذا يْعتبَر إجباراا على االعرتاُ؛‬
‫ألن الفرد قد أصبح يعرُ أنه إذا اعرتُ فإن املعاملة ستزداد‬
‫حتسهناا‪ ،‬وميكنه أن يعيش‪ ،‬وتزداد حماوالت "جعل الفرد‬
‫يتكلَّم"‪ ،‬يقول "كل شيء وأي شيء"‪ ،‬وتزداد الضغوط لكي‬
‫يعرتُ(‪.)1‬‬
‫‪ .8‬اإلقناع والتعليم ‪:‬ثم يبدأ إقناعه عن طريق املقابالت‬
‫الشَصيبة بوجهة النظر واألفكار املراد غيرِسْها‪ ،‬وهذ ُ عمليبة‬
‫إعادة تعليم تْستَدَم فيها كله األساليب املمكينة؛ حيث‬
‫يتعلَّم الفرد أن يَنتقيد نفسه ويَلعَن كلب ما كان منه‪ ،‬يلي‬
‫ذلك مرحلة اعرتاُ نهائي‪ ،‬ويَحدْث تغيري مفهوم الذات لدى‬
‫الفرد‪ ،‬ويستَدم أساليب مثل‪ :‬التنويم اإلحيائي أو اإلحياء‬
‫النفسي؛ حيث يكون الفرد مائالً متاماا لإلحياء‪ ،‬ثم يتم حمو‬
‫األفكار املراد حموها متاماا‪ ،‬وتْقدبم بعد ذلك األفكار اجلديدة‪،‬‬
‫ويْحمَل الفرد على تعلُّم معايري سلوكيبة جديدة وأدوار‬
‫اجتماعية جديدة‪ ،‬ومن َثمب يتم حتويل الفرد إىل فرد جديد‬
‫(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬علم النفس االجتماعي مرجع سابق صفحة‪.151 :‬‬


‫‪ 2‬المرجع السابق صفحة‪.150 ،151 :‬‬
‫‪90‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .9‬الَريقة الرتبويبة اهلادئة‪ :‬هذ ُ الَريقة من غسيل الدماغ‬


‫تتمه بأسلوب هادئ‪ ،‬لَيف‪ ،‬وتلبس ثوباا مجيالً برباقًا‪ ،‬يستهوي‬
‫األلباب‪ ،‬ولكن غايتها نفس الغايات من األسلوب األول‪ :‬إخالء‬
‫العقل اإلنساني من كلِ األفكار واملعتقدات السابقة‪ ،‬وتهيئته‬
‫لتعلُّم عقائد وأفكار جديدة‪ ،‬وهلذ ُ الَريقة صور خمتلفة‪،‬‬
‫نَعرا ِض منها ما يلي(‪:)1‬‬
‫‪ ‬األسلوب التبشريي (أو التنصريي) ‪:‬أورد مثاالً يبيِن األسلوب‬
‫جهِد‬
‫التبشريي يف غسيل الدماغ‪ ،‬وهنا العملية ال حتتاج إىل ْ‬
‫كبري؛ ألنها تتعامل مع أطفال‪ ،‬قلوبهم صفحة بيضاء أو‬
‫كما يقول الغزالي ‪ -‬رمحه اهلل ‪" :-‬جوهرة خالصة قابلة لكل‬
‫نَقُش"؛ فهم مهيؤون لتلقي أفكار أو عقائد من قيبَل املبشِرين‪،‬‬
‫والتوتر النفسي الذي يْوضَع فيه اإلنسان لغسل دماغه‪،‬‬
‫يْستبدَل بتوتر اجتماعي نفسي يْوضَع فيه أهالي األطفال؛‬
‫مما جيعلهم لقمة سائغة لالستجابة إىل ما يَْليب منهم بك ِل‬
‫راحة وهدوء(‪.)2‬‬
‫‪ ‬األسلوب اإلعالمي ‪ :‬يقوم اإلعالم املعادي يف الغرب والشرق‪،‬‬
‫وإعالمْ تالميذي ُ بهذ ُ املهمة أيضاا من عملية غسيلا الدماغ‬

‫‪ 1‬غسيل الدماغ د‪.‬فهمي قطب الدين النجار موقع األلوكة تم الدخول الساعة ‪12.27‬‬
‫دقيقة بعد منتصف الليل األربعاء ‪ 27‬مايو ‪2424‬م‬
‫‪/https://www.alukah.net/culture/0/56617‬‬
‫‪ 2‬المرجع السابق غسيل الدماغ د‪.‬فهمي قطب الدين النجار‬

‫‪91‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫للفرد املسلم‪ ،‬ولتحقيق هدفه يَسري اإلعالمْ املعادي يف خَني‬


‫متوازيني‪:‬‬
‫أ‪ -‬التعتيم تعتيماا رهيباا على ما يَضره مصاحله وينفع غري ُ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إلقاء األضواء على ما خيدْم مصاحله فقط‪ ،‬مع التلميع‬
‫الشديد ألهوائه ومآربه البعيدة‪.‬‬
‫وبهذا األسلوب‪ ،‬يتم التعتيم على كلِ خري وصالح يف‬
‫الدعوة اإلسالميبة ودورها يف اجملتمع‪ ،‬ومعارضتها الشديدة‬
‫للشر أينما كان‪ ،‬وباملقابل‪ ،‬تقوم وسائل اإلعالم كلها من‬
‫إذاعة ورائي وصحيفة وكتاب وسينما و(فيديو)‪ ،‬تقوم‬
‫بإلقاء األضواء يوميًّا‪ ،‬وبشكل دائم‪ ،‬على تغريب اجملتمع‬
‫املسلم وسلَُه من عقيدته بامليوعة والتحلل‪ ،‬وااللتصاق‬
‫بالدنيا وحْب املادة والتكالب على املال‪ ،‬وعبادة الدرهم‬
‫والدنيا واملرأة‪ ،‬ويكفي املرءَ نظرةٌ واحدة على وسائل إعالم‬
‫الكثري من الدول اإلسالميبة‪ ،‬واليت هي ل لوسائل اإلعالم‬
‫األخرى الشرقية والغربية؛ لريى بنفسه برهان ذلك(‪.)1‬‬
‫‪ ‬األسلوب الرتبوي التعليمي ‪ :‬وتقوم بهذا الدور اجلامعات‬
‫الغربيبة والشيوعية يف بالدها‪ ،‬فهي تَغسيل دماغ طالبها ‪ -‬إال‬
‫من رحيم اهلل ‪ -‬من كلِ عقيدة سابقة ومن كل سلوك أخالقي‪،‬‬

‫‪ 1‬المرجع السابق غسيل الدماغ د‪.‬فهمي قطب الدين النجار‬

‫‪92‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫وكل فيكر صادق‪ ،‬لتجعله إنساناا آخر‪ ،‬بعيداا كلّ البعد من‬
‫أخالقه ومبادئه ودينه(‪.)1‬‬
‫ثانياً طرق التحصني واملواجهة ‪:‬‬
‫إن محاية أفراد اجملتمع من الوقوع يف براثن األفكار املسمومة اليت‬
‫حتاول أن تعدل أو تغري من قناعات األفراد واجتاهاتهم من القضايا‬
‫الشَصية واالجتماعية والوطنية يتَلب وقفة شجاعة وحازمة من‬
‫أفراد اجملتمع ومؤسساته املَتلفة كافة‪ ،‬كاملؤسسات التعليمية‬
‫والثقافية واإلعالمية اليت تسعى إىل تسليحهم بالعلم والثقافة من‬
‫أجل احملافظة على قيمهم‪ ،‬وأهدافهم اليت يسعون إىل حتقيقها‪ ،‬وهذ ُ‬
‫األمور تعتمد على اإلعالم الوطين الصادق الذي حيمي األفراد من‬
‫الوقوع يف فخ غسل األدمغة من خالل تنوير أفراد اجملتمع باحملاوالت‬
‫اليت تسعى إليها الدول املعادية لتغيري أفكار األفراد وقيمهم يف‬
‫اجملتمع‪ .‬إضافة إىل ذلك البد من اطالع أفراد اجملتمع على اآلليات‬
‫واألساليب اخلاصة بعملية غسل الدماغ حتى اليقعوا ضحيتها يف‬
‫املستقبل(‪.)2‬‬
‫هذا وملواجهة أساليب احلرب النفسية عموما وغسيل الدماغ ال بد من‬
‫تبين برامج توعية شاملة تتضمن التوعية بَبيعة احلرب النفسية‬
‫وأساليبها‪ ،‬ووسائلها‪ ،‬تنفذ عرب كافة منابر توجيه الرأي العام‬
‫(اإلعالم‪ ،‬املساجد‪ ،‬مواقع التواصل االجتماعي)‪ ،‬لتتأسس بناء عليها‬

‫‪ 1‬المرجع السابق‬
‫‪ 2‬موسوعة ويكيبيديا المرجع السابق‬
‫‪93‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫خلفية فكرية لدى اجلميع عن هذ ُ احلرب وما يتوجب عليهم حاليها‬


‫تقوم على اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬اعتماد منهجية واضحة ملواجهة احلرب النفسية تكون جزء ال‬
‫يتجزأ من اإلسرتاتيجية العسكرية اهلجومية أو الدفاعية‬
‫للبلد‪ ،‬تبدأ بكشف حقيقة العدو‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وأساليبه‪ ،‬حتى ال‬
‫ينَدع الناس به‪.‬‬
‫‪ .2‬إبراز بَوالت ومآثر اجليش عرب وسائل اإلعالم جتعله حمل‬
‫فَر وإعتزاز شعبه وتسهم بتحقيق إلتفاُ شعيب واسع حوله‪،‬‬
‫فبتحقق ثقة الشعب جبيشه‪ ،‬وبشعور اجليش أن الشعب ملتف‬
‫حوله وأنه حمل فَر ُ تتحقق مناعتهم النفسية‪.‬‬
‫‪ .3‬تبين أهدافاً اسرتاتيجية للبلد كبرية وواضحة‪ ،‬والعمل على‬
‫جعلها حاضرة على الدوام يف ذاكرة ووجدان الشعب واجليش‬
‫كشركاء يف حتقيقها‪ ،‬فبقدر وضوح األهداُ التشاركية‬
‫وكربها وحضورها تكون صالبة الشعب واجليش ومناعتهم‬
‫النفسية ضد ما ينتهجه ويبثه املرتبصون من دعايات‪،‬‬
‫وشائعات‪ ،‬وأراجيف‪.‬‬
‫‪ .4‬املبادرة بنقل األخبار الصحيحة للرأي العام بصورة موثقة‬
‫وكشف أكاذيب العدو ودحضها‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .5‬االجتهاد بتسديد كافة الثغرات اليت قد حيد فيها العدو‬


‫بغيته فيبدأ مبمارسة أنشَة اهلادفة لضرب النسيج‬
‫االجتماعي الشعيب أو العسكري من داخله‪.‬‬
‫‪ .6‬األخذ بزمام املبادرة لنقل احلرب النفسية مع العدو من مربع‬
‫الدفاع إىل مربع اهلجوم‪.‬‬
‫‪ .7‬األخذ بكافة التدابري األمنية الالزمة ملنع أي اخرتاقات يسعى‬
‫العدو الستحداثها داخل الصف‪.‬‬
‫هذ ُ مجلة الَرق والتدابري الالزمة لتحقيق التحصني النفسي ضد‬
‫أساليب احلرب النفسية واليت تقع مهمة حتقيقها على أر ِض الواقع‬
‫على اجلميع "اجلهات الرمسية والشعبية"‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫املبحث الرابع‬
‫شواهد تارخيية وواقعية‬

‫الشاهد األول (الروم وحماولة غسل دماغ عبداهلل بن حذافة السهمي)‪:‬‬

‫وجه عمر رض ـ ـ ـ ــي اهلل عنه جيش ـ ـ ـ ــا إىل الروم ‪ ،‬فأس ـ ـ ـ ــروا عبد اهلل بن‬
‫حذافة ‪ ،‬فذهبوا به إىل ملكهم ‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن هذا من أصـ ـ ــحاب حممد ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬هل لك أن تتنصـر وأعَيك نصف ملكي ؟ قال ‪ :‬لو أعَيتين‬
‫مجيع ما متلك ‪ ،‬ومجيع ما متلك ‪ ،‬ومجيع ملك العرب ‪ ،‬ما رجعت‬
‫عن دين حممد طرفة عني ‪ .‬قال ‪ :‬إذا أقتلك ‪ .‬قال ‪ :‬أنت وذاك ‪ ،‬فأمر‬
‫به ‪ ،‬فص ـ ـ ـ ــلب ‪ ،‬وقال للرماة ‪ :‬ارمو ُ قريبا من بدنه ‪ ،‬وهو يعر ِض عليه ‪،‬‬
‫ويأبى ‪ ،‬فأنزله ‪ .‬ودعا بقدر‪ ،‬فصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب فيها ماء حتى احرتقت ‪ ،‬ودعا‬
‫بأسـ ـ ـ ــريين من املسـ ـ ـ ــلمني ‪ ،‬فأمر بأحدهما ‪ ،‬فألقي فيها ‪ ،‬وهو يعر ِض‬
‫عليه النص ــرانية ‪ ،‬وهو يأبى ‪ .‬ثم بكى ‪ ،‬فقيل للملك ‪ :‬إنه بكى ‪ ،‬فظن‬
‫أنــه قــد جزع ‪ ،‬فقــال ‪ :‬ردو ُ ‪ .‬مــا أبكـاك ؟ قــال ‪ :‬قلــت ‪ :‬هي نفس واحــدة‬
‫تلقى الساعة فتذهب ‪ ،‬فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تلقى‬
‫يف النار يف اهلل ‪.‬‬
‫فقال له الَاغية ‪ :‬هل لك أن تقبل رأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وأخلي عنك ؟‪ .‬فقال‬
‫له عبد اهلل ‪ :‬وعن مجيع األسـ ـ ـ ـ ـ ــارى قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقبل رأسـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ .‬وقدم‬

‫‪96‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫باألسارى على عمر ‪ ،‬فأخرب ُ خرب ُ ‪ ،‬فقال عمر ‪:‬حق على كل مسلم‬
‫أن يقبل رأس ابن حذافة ‪ ،‬وأنا أبدأ ‪ ،‬فقبل رأسه (‪.)1‬‬
‫الشاهد الثاني (احلرب الكورية وغسل ادمغة اجلنود األمريكيني)‪:‬‬

‫تعترب احلرب الكورية ( ‪ 1953‬ـ ـ ‪1953‬م ) من أشهر احلروب اليت أستعمل‬


‫فيها غسيل الدماغ‪ ،‬حيث قد وقع الكثري من اجلنود األمريكيون يف أسر‬
‫الشيوعيني الصينيني‪ ،‬وقام هؤالء اجلنود باالعرتاُ بأنهم اعتنقوا‬
‫الشيوعية ولقد فسرة هذ ُ االعرتافات بأنها كانت نتيجة وقوعهم‬
‫حتت تأثري غسيل الدماغ‪ ،‬وتقول دائرة املعارُ األمريكية ان الفنيات‬
‫اليت استَدمت يف غسيل الدماغ اختلفت من مجاعة إىل أخرى ولكن‬
‫االجتا ُ األساسي كان واحدا فقد كان التحكم يف البيئة االجتماعية‬
‫والبدنية للضحية يتم لتدمري أي فكر معاد للشيوعية واستبداله‬
‫باإلميان بالفكر الشيوعي‪ ،‬أما الفنيات اليت استَدمت ضد األسرى‬
‫فكانت‪:‬‬
‫‪ .1‬حجب األسرى بعيدا عن البيئة احلرة حتى ال يستَيعوا‬
‫معرفة أي معلومات عما حيدث حوهلم‪.‬‬
‫‪ .2‬التعر ِض لضغوط جسدية مثل احلرمان من الَعام والنوم‬
‫والتصفيد يف أغالل كعقاب على عدم التعاون‪.‬‬

‫‪ 1‬سير أعالم النبالء الجزء الثاني صفحة ‪7‬‬


‫‪97‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪ .3‬خلق مناخ الذي يظهر أن احلرية تعتمد فقط على االجتا ُ‬


‫الناجح حنو التغيري جتا ُ األفكار اليت يفرضها السجانون‪.‬‬
‫‪ .4‬الضغوط نفسية واجتماعية مثل التعر ِض لفرتات طويلة من‬
‫االستجوابات‪ ،‬واستَدام اإلهانة والسب إلضعاُ املقاومة‪.‬‬
‫‪ .5‬حضور اجتماعات دراسية يومية لدراسة الفكر الشيوعي‪.‬‬
‫ولقد أورد الكاتب إدوارد هنرت رواية رجل أمريكي تعر ِض لألسر لدى‬
‫فقال ما يلي ‪" :‬إن لعبة القط والفأر اليت‬ ‫الشيوعيني[‪]7‬‬

‫يلعبها الشيوعيون بعقل رجل ما وصفت بدقة بواسَة الكابنت (زاك دين)‬
‫وهو من القوات اجلوية األمريكية‪ ،‬وكان قبل ذلك يعمل مهندسا‬
‫للبرتول يف والية أوكالهوما وعندما سألته عما حدث قال ‪ :‬أن‬
‫الشيوعيون يضغَون عليك حتى نقَة املوت ثم ينقذونك ثم‬
‫يعاودون الضغط عليك حتى ترى باب املوت‪ ،‬وعندما تكون على وشك‬
‫دخوله فأنهم يشدوك بعيدا‪ ،‬رمبا ال يصدق ما سأقصه عليك‪ ،‬ولكن‬
‫بعد أن يكرروا ذلك األسلوب عدة مرات فأنك تشعر بالعرفان هلم‬
‫إلنقاذهم حياتك‪ ،‬وتنسى أنهم كانوا هم األفراد الذين كاونوا على‬
‫وشك أن يقتلوك‪ ،‬وكل ما حتسه أنهم هو الذين أنقذوك وتكون‬
‫مستعدا أن تفعل كل شيء يريدونه‪".‬‬

‫‪98‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الشاهد الثالث (احلرب العراقية اإليرانية وغسل أدمغة األسرى العراقيني)‪:‬‬

‫أثناء احلرب بني اجلارتني‬


‫مجهورية العراق ومجهورية إيران اإلسالمية (‪ )1988-1983‬وقعت‬
‫أعداد من الضباط واجلنود العراقيني أسرى حرب لدى إيران‪ ،‬ويف‬
‫ربط مذهيب مؤدجل قام اخلميين بإطالق تسمية "التوابون" على‬
‫بعض أسرى اجليش العراقي‪ ،‬إحياء لدور اجلماعات اليت هرت عام‬
‫‪ 65‬هـ بزعامة سليمان بن صرد اخلزاعي واليت أخذت على عاتقها‬
‫"الثأر" من الذين خذلوا اإلمام احلسني بن علي رضي اهلل عنهما يف‬
‫كربالء‪.‬‬

‫وقد أنيَت مهمة دعوة وجتنيد األسرى العراقيني لالنضمام إىل سرايا‬
‫"التوابون" باجمللس األعلى للثورة اإلسالمية الذي كان يقود ُ من‬
‫إيران حينذاك حممد باقر احلكيم‪.‬‬
‫وبني سياسيت الرتغيب والرتهيب رضخ بعض اجلنود العراقيني إىل‬
‫دعوة االنضمام إىل "التوابون"‪ ،‬على أمل رئيسي هو مغادرة حالة العذاب‬
‫املروع الذي كان ميارس حبقهم‪ ،‬كما تأثر البعض بعمليات غسيل‬
‫الدماغ الَائفية املغلقة متاما اليت مورست معهم من قبل إيرانيني‬
‫وعراقيني بغية تهيئتهم لقتال أبناء بلدهم عرب تشكيالت عسكرية‬
‫كانت بدايتها مع لواء بدر‪ 9‬ثم تَور إىل التسمية والتشكيالت‬
‫املعروفة ومما كان يزيد من اندفاع "التوابون" وإيغاهلم يف مظاهر‬

‫‪99‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫الَائفية هو تعمد اإلفراط يف تعذيب الرافضني للتَوع يف "بدر"‪،‬‬


‫وممارسة شتى أنواع القهر اإلنساني والنفسي معهم إضافة إىل‬
‫حرمانهم من أبسط احلاجات اإلنسانية وتعمد اإلهانة واحلرمان‬
‫والتجويع حبقهم‪.‬‬
‫ومع تيقن اجمللس األعلى للثورة اإلسالمية واحلرس الثوري اإليراني‬
‫من متام غسل أدمغة املنضوين حتت إطار "التوابون"‪ ،‬وكاختبار أخري‬
‫لتمام والئهم وقبل الزج بهم ملقاتلة أبناء بلدهم أنيَت بهم مهمات‬
‫جتريبية كتعذيب األسرى العراقيني املمتنعني عن "التوبة"‪ ،‬واإلشراُ‬
‫على أقفاص األسرى‪ ،‬ثم حفر خنادق القتال األمامية للجيش اإليراني‬
‫يف جبهات القتال مع العراق‪.‬‬
‫إن املعلومات املوثقة عن دور "التوابون" خالل احلرب العراقية اإليرانية‬
‫تقول إنهم وبعد إمتامهم دورات عسكرية متعاقبة يف معسكر "ورامني"‬
‫القريب من طهران شاركوا يف عمليات حاج عمران وحلبجة والفاو‬
‫وتاج املعارك‪ ،‬وعمليات ضد قوات جماهدي خلق داخل األراضي‬
‫اإليرانية بعد وقف إطالق النار بني بغداد وطهران‪.‬‬
‫لقد تعايش "التوابون" مع اجملتمع اإليراني وتزوجوا من إيرانيات‬
‫وانغمسوا متاما يف البيئة االجتماعية واملذهبية اإليرانية فرفضوا‬
‫نتيجة ذلك العودة إىل العراق بعد انتهاء احلرب‪ ،‬بل كانوا وما زالوا‬
‫يعتربون إيران هي مصدر اإلهلام لعقيدتهم القتالية ومصدر اإلهلام‬
‫الديين هلم‪ ،‬فكانوا يشاركون ضمن فيلق بدر (التشكيل الذي يضمهم)‬

‫‪100‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫بالعمليات التَريبية ضد العراق‪ ،‬كما كان هلم الدور املؤثر أثناء‬


‫أحداث ‪ 1991‬يف جنوب العراق‪.‬‬
‫مت تنظيم عمل "التوابون" بعد االحتالل األمريكي عام ‪- 2333‬الذي‬
‫يفتَرون بدور رئيس هلم فيه أيضا‪ -‬مبا يوائم املرحلة اجلديدة ومبا‬
‫ميهد للسَوة اإليرانية يف العراق اجلديد‪ ،‬وفيما مت زج بعضهم يف‬
‫مؤسسات الدولة العسكرية واملدنية بقي اآلخرون موزعني على شكل‬
‫قوى مليشياوية حمددة متارس عملها بأمناط سرية وضمن أجندة‬
‫يعرفها كل العراقيني (‪.)1‬‬

‫‪ 1‬من مقال لفارس الخطاب بعنوان ‪":‬التوابون الجدد في السجون العراقية" نشر في‬
‫موقع الجزيرة نت‬
‫‪https://www.aljazeera.net/opinions/2015/6/23/%D8%A7%D9%‬‬
‫‪84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D8%AF-%D9%81%D9%8A-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D9%88%D9%86-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%‬‬
‫‪D8%A9‬‬

‫‪101‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫اخلامتة‬
‫ما قدمته يف هذا البحث ال يدلل على أني استوفيت الكالم فيه عن‬
‫احلرب النفسية وأساليبها ووسائلها كون هذا املوضوع من املواضيع‬
‫احليوية اليت يتسع البحث فيها خصوصا مع التَور املتسارع الذي‬
‫يشهد ُ العامل يف جمال تقنية املعلومات ووسائل اإلتصال واإلعالم‪ ،‬وهو‬
‫ما يستدعي تكثيف اجلهود البحثية يف هذا النوع من أنواع احلرب‪.‬‬
‫وقد وجدت من خالل حبثي هذا أننا أحوج ما نكون ملعرفة أساليب‬
‫احلرب النفسية‪ ،‬حتى نكتسب كشعوب وجيوش مناعة منها خصوصا‬
‫وحنن نواجه حربا نفسية ضروسا متارس علينا من كل اجتا ُ تهدُ‬
‫لَمس هويتنا‪ ،‬وتعَيل مواهبنا‪ ،‬وقدراتنا‪ ،‬وإهدار طاقاتنا‪ ،‬إلفقادنا‬
‫الثقة بأنفسنا حتى ال نتمكن من اإلجناز‪ ،‬والعَاء‪ ،‬فنبقى عالة‬
‫مكبلني بأغالل السلبية القاتلة‪ ،‬فاملعرفة بأساليب احلرب النفسية‬
‫يسهم إىل حد كبري بتحريرنا من اغالل السلبية‪ ،‬وعقد اهلزائم‬
‫النفسية لننَلق لألمام وكلنا ثقة بأن التحرر من عقد اهلزائم‬
‫النفسية هو نقَة البدء ألي تغيري إجيابي منشود‪.‬‬
‫كما وجدت أننا وحنن خنو ِض حربا ضروسا ضد مليشيا اإلنقالب‬
‫احلوثية يف الشمال‪ ،‬ومليشيا اإلنقالب اإلنتقالية يف اجلنوب أن أكثر‬
‫ما أسهم بإطالة أمد احلرب مع هذ ُ املليشيات هو استَدامها املمنهج‬

‫‪102‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫ألساليب احلرب النفسية اليت أسهمت إىل حد كبري يف احلفا على‬


‫الصورة املرعبة لتلك املليشيات يف نفوس عامة الناس‪ ،‬وهو ما جعل‬
‫جترؤهم على اخلروج عليها يبدو مستحيال‪ ،‬هلذا كان والبد علينا أن‬
‫نبني من خالل البحث يف موضوع احلرب النفسية الكشف عن‬
‫األساليب اليت تنتهجها تلك املليشيات ليعرُ الناس أن طول أمد‬
‫احلرب مع هذ ُ املليشيات ال يكمن يف بقاء قوتها اليت فقدت أغلبها‬
‫أثناء هذ ُ احلرب بقدر ما يكمن يف حفا تلك املليشيات على الصورة‬
‫الذهنية اليت علقت يف أذهان الكثري من أبناء هذا الشعب عنها‪.‬‬
‫وعليه كان والبد علينا أن نسهم من خالل مثل هذ ُ األحباث على‬
‫تعريف الناس بهذا النوع من أنواع احلرب حتى ال ينساقوا وراء ما تبثه‬
‫تلك املليشيات من شائعات‪ ،‬وأراجيف‪ ،‬وأعمال دعائية‪ ،‬وما حتاول أن‬
‫متارسه من غسيل دماغ معهم حتى يصبحوا أدوات ميارسون عمل‬
‫الَابور اخلامس ضد أنفسهم وهم اليشعرون‪ ،‬فيعملون على تسويق‬
‫انتصارات اخلصم‪ ،‬وتضَيمها رغم أنهم أول من سيصَلي بنارها‪،‬‬
‫هلذا كان هذا البحث الذي أردت أن أحرر فيه عقلية الناس حتى‬
‫التنَدع مبا حتاول أن تظللهم به املليشيات واهلل نسأل أن يتقبل منا‬
‫اليسري ويساحمنا عن التقصري إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الحرب النفسية‬

‫‪104‬‬

You might also like